You are on page 1of 75

‫ِ‬

‫األولياء‬ ‫البحث عن كر ِ‬
‫امات‬ ‫ِ‬ ‫فِي‬
‫انتخبها العالِم َ‬
‫العبلمُ البحر الف َهامُ‬
‫الل التَػرم ِسي‬ ‫الشيخ مح َمد محفوظ بن ِ‬
‫عبد ِ‬
‫غفر الل ذنوبػهما وستر‬
‫عيوبػهما فِي ال َداري ِن‬
‫ونفعنا بو‬
‫آمين‬
‫ػػػػ‬

‫يد المؤل ِ‬
‫ف‬ ‫قُ حف ِ‬‫طبِع على نػف ِ‬
‫حَرَيَرَ بَنََمَحَمَدَ بَنََمَحَفَوَظََالتَرَمَسَيَ َ‬
‫بِيتِعاف الدمائِي‬
‫حقوؽ الطب ِع محفوظُ‬
‫‪2‬‬
‫كلمات الشيخ العبلمُ كياىى ميموف زبير السارنجى‬

‫بسم الل الرحمن الرحيم‬

‫الحمد لل ولي عباده الصالحين اشهد اف الالو اال الل وحده الشريك لو رافع درجات‬
‫أوليائو العارفين وأشهد اف محمدا عبده ورسولو إماـ السادة المتقين صلى الل عليو وسلم‬
‫وعلى آلو وصحبو وحزبو المفلحين‪.‬‬
‫اما بعد فقد أنعم الل المولى الكريم وتفضل علي وشرفنى ولو الحمد بمطالعُ كتاب بغيُ‬
‫األذكياء فى البحث عن كرامات األولياء لئلماـ العبلمُ المرحوـ بكرـ الل القدسي الشيخ‬
‫محمد محفوظ بن عبد الل الترمسى المتوفى بمكُ المشرفُ سنُ ‪ 8331‬ىػ الذى كتب‬
‫وألف كتبا مفيدة صغارا وكبارا فى شتى الفنوف بعبارات رائقُ فائقُ والفاظ سهلُ سلسُ بل‬
‫قد صنف رجاال علماء أجبلء نشروا العلم المحمدى فى بقاع بلدتنا اندونسيا الذين ىم‬
‫مشايخنا ومشايخ مشايخنا فأصحاب كبار المعاىد المنتشرة فى بلدنا المحبوب‬
‫والمشايخ المؤسسوف لجمعيُ نهضُ العلماء انما اكثرىم فروع ىذه الدوحُ العظيمُ العليُ‬
‫وأنهار ىذه العين المكيُ المسكيُ وكأنهم شهود صدؽ وبينات عدؿ لقولو تعالى وأما ما‬
‫ينفع الناس فيمكث فى األرض كذلك يضرب الل األمثاؿ فمن أراد منا أف يبر آباءه فى‬
‫العلم والمعرفُ فليقتن ىذا الكتاب وسائر مؤلفات اإلماـ محمد محفوظ الترمسى ألنها‬
‫وأمثالها من الكتب السلفيُ ببل شك تراث أسبلفنا األماجد الذين بنوا لنا صرح العلم‬
‫المنيف وشيدوا لنا قصور الفقو فى دين الل والتعمق فى شرعو الحنيف‪.‬‬
‫ىذا وقد سألنى حفيد المؤلف حامل كتاب الل المقرئ األديب الكياىى حرير محمد‬
‫الدمائى بتصحيح ال كتاب ومقابلُ مسودتو المطبوعُ بأصلو العتيق فعملت فى ذلك بما‬
‫أمكن وتيسر ووقفنى الل تعالى لو‪ .‬فلو تعالى أبلغ الحمد ولو سبحانو أقصى الشكر‬
‫ونسألو تعالى أف ينفع بهذه الطبعُ لهذا الكتاب العزيز الفريد فى بابو العظيم فى مباحثو‬
‫ومطالبو التى احتجنا نحن إليها خصوصا فى ىذه العصور المتقدمُ فى أمور الدنيا‬
‫الفانيُ المتأخرة فى شؤوف األخرة الباقيُ فنحن أشد حاجُ إلى زيادة اإليماف واليقين‬
‫والعرفاف بفضائل األولياء العارفين الذين أعطاىم موالىم جل شأنو الكرامات والمقامات‬
‫السنيُ وراثُ عن إمػامو األعظم ونبيهم األكػرـ سيدنا وموالنا محمد صلى الل عليو‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وىؤالء األولياء العارفوف ىم العلماء بالل وبصفاتو العليُ على حسب الطاقُ البشريُ‬
‫المتقوف لو غايُ التقوى المسارعوف لمأموراتو المجتنبوف عن مساخطو ومنهياتو الغيوروف‬
‫على الشريعُ اإلسبلميُ وأدابها وسننها المواظبوف على لزوـ الطاعُ وترؾ المنكرات أولئك‬
‫ىم الصادقوف فضبل من الل ونعمُ أولئك حزب الل أآل إف حزب الل ىم المفلحوف‪.‬‬
‫ألهمنا وأوالدنا واحبابنا حبهم واإلقتدآء بهم وبالصحابُ األخيار وبالنبي المختار سيدنا‬
‫محمد صلى الل عليو وسلم‪ .‬آمين والحمد لل رب العالمين‪.‬‬
‫تمت كتابُ ىذا الكتاب المسمى ببغيُ األذكياء فى البحث عن كرامات األولياء للشيخ‬
‫العالم الفاضل محمد محفوظ بن عبد الل الترمسى ضحوة االحد ثامن المحرـ سنُ‬
‫‪ 8181‬ىجريُ من النسخُ األصليُ دفعها حفيد المؤلف حرير بن محمد بن محمد‬
‫محفوظ بن عبد الل البيتنجانى الدمائى نفعنا الل ىذه المنتخبُ ووفقنا للتقوى واإلستقامُ‬
‫ورزقنا الحسنى وزيادة بجاه نبينا محمد صلى الل عليو وسلم وآلو وصحبو اجمعين‪.‬‬
‫والحمد لل رب العالمين‪.‬‬

‫سارع‪ ,‬تحريرا ليلُ االثنين ‪ 8‬صفر الخير ‪ 8181‬ىػ‬


‫الموافق ‪ 81‬يونى ‪ 8991‬ـ‬

‫كتبو ميموف زبير السارنجى‬


‫‪4‬‬
‫ترجمُ الشيخ محمد محفوظ بن الشيخ عبد الل الترمسى‬

‫بسم الل الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لل رب العالمين والصبلة والسبلـ على اشرؼ المرسلين سيدنا وموالنا محمد وعلى الو‬
‫وصحبو اجمعين اما بعد فاقوؿ ‪:‬‬
‫ىو الشيخ العبلمُ األصولي الفقيو المقرئ المحدث محمد محفوظ ابن الشيخ عبد الل ابن الشيخ‬
‫عبد المناف الترمسى بفتح التاء وسكوف الراء نسبُ الى ترمس قريُ من قرى جاوى الشرقي ولد‬
‫الشيخ محفوظ فى ترمس‪ .‬وقد اختلف في سنُ والدتو فقيل إف والدتو فى سنُ ‪ 8111‬ىػ وذىب‬
‫اليو الشيخ ياسين الفادانى فى خاتمُ كفايُ المستفيد ص ‪ 11‬وقيل اف والدتو يوـ اإلثنين السادس‬
‫من شهر صفر عاـ ‪ 8111‬ىػ ىو قوؿ الشيخ دحبلف ابن الشيخ عبد الل الترمسى األخ الشقيق‬
‫للشيخ محمد محفوظ بن عبد الل الترمسى نشأ رحمو الل فى حجر والده فى قريُ الترمس وتلقى‬
‫مباديئ الفقو فى حداثُ سنو وحفظ القرآف وأتقنو ثم رحل الى سماراف عند الشيخ العبلمُ الكياىى‬
‫صالح بن عمر دارات السمارانى ومكث عنده فى الرباط وقرأ عليو شرح الحكم وتفسير الجبللين‬
‫وغيرىما ثم رحل الى الديار المكيُ والمشاعر الحرميُ‪ .‬وقاؿ الشيخ عن نفسو ‪( :‬ترمس قريُ كانت‬
‫فيها والدتى ونشأتى الى أف بلغت من عمرى ثبلث وعشرين سنُ ثم رحلت منها لحج بيت الل‬
‫الحراـ) وأقاـ فيها وتلقى الفنوف على كبار علماء مكُ شرؼ الل فمنهم ‪:‬‬
‫(‪ )8‬الشيخ العبلمُ محمد الشربيني الدمياطي‪ ,‬وكاف عالما مفسرا ‪ ,‬متقنا فى علم القراءات ‪ ,‬تلقى‬
‫عنو المترجم لو علم القراءات العشر واالربعُ فوؽ العشر ‪.‬‬
‫(‪ )1‬الشيخ العبلمُ أبو بكر محمد شطا ‪ ,‬وكاف عالما فقيها واستفاد منو المترجم اكثر العلوـ‬
‫الشرعيُ واآلالت وكاف فى تحصيلو مشمرا على ساعد الجد باذال نفيس وقتو فى ادراؾ المعقوؿ‬
‫والمنقوؿ فحاز بعظم ىمتو نصب السبق على أقرانو اشتهر صيتو فى الفقو وأصولو والقراءات‬
‫ومصطلح الحديث وشارؾ في فنوف كثيرة وتصدى للتدريس بالمسجد الحراـ ورحل إليو طلبُ‬
‫العلم من كل صوب الجتناء ثماره اليانعُ رحمو الل رحمُ واسعُ‪.‬‬

‫وتخرج علي يديو خلف كثير فمنهم ‪:‬‬


‫(‪ )8‬المحدث عمر بن حمداف المحرسى العالم الجليل محدث الحرمين ولد سنُ ‪8198‬‬
‫ىػ وتوفى رحمو الل بالمدينُ النبويُ سنُ ‪ 8331‬ىػ ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫(‪ )1‬الشيخ العبلمُ ابو بكر محمد عارؼ خوفير السلفى الحنبلى مذىبا ولد سنُ ‪ 8111‬ىػ‬
‫وتوفى ‪ 8319‬ىػ (‪ )3‬والشيخ العبلمُ المحدث حبيب الل الشنقيطى (‪ )1‬الشيخ العبلمُ‬
‫الكياىى دحػبلف بن الشيخ عبد الل الترمسى(‪ )1‬والشيخ العبلمُ الكياىى عباس بونتاتى الشربونى‬
‫والشيخ العبلمُ الكياىى محمد باقر الجكجاوى والشيخ العبلمُ الكياىى ىاشم اشعرى الجنبانى‬
‫‪5‬‬
‫والشيخ العبلمُ نواوى الفاسورووانى والشيخ العبلمُ خليل البلسمى وىو كاتبو والشيخ العبلمُ دلهار‬
‫الواتوحوعولى وىو كاتبو ايضا وكاف تقريره باللغُ العربيُ الفصحى ويخلطها تارة باللغُ الجاويُ والف‬
‫كتبا كثيرة‪ .‬تأليفاتو المطبوعات (‪ )8‬منهج ذوى النظر فى شرح الفيُ علم األثر (‪ )1‬الجزء األوؿ الى‬
‫الرابع من موىبُ ذى الفضل حاشيُ شرح بافضل (‪ )3‬المنحُ الخيريُ فى اربعين حديثا من احاديث‬
‫خير البريُ (اربعين الترمسى) (‪ )1‬الخلعُ الفكريُ بشرح المنحُ الخيريُ (‪ )1‬الرسالُ الترمسيُ فى‬
‫اسناد القراات العشريُ (‪ )3‬السقايُ المرضيُ فى اسامى كتب اصحابنا الشافعيُ (‪ )1‬كفايُ المستفيد‬
‫فيماعلى من األساند (‪ )1‬بغيُ األذكياء فى البحث عن كرامات األولياء‪ .‬تأليفاتو المخطوطات (‪)8‬‬
‫نيل المأموؿ شرح لب االصوؿ (‪ )1‬اسعاؼ المطالع بشرح البدر البلمع نظم جمع الجوامع (‪)3‬‬
‫انشراح الفؤاد فى قراءة االماـ حمزة روايتى خلف وخبلد (‪ )1‬البدر المنير فى قراءة االماـ ابن كثير‬
‫(‪ )1‬تعميم المنافع فى قراءة االماـ نافع (‪ )3‬تنوير الصدر بقراءة االماـ ابى عمرو (‪ )1‬تهيئُ الفكر‬
‫بشرح الفيُ السير (‪ )1‬غنيُ الطلبُ بشرح الطيبُ (‪ )9‬عنايُ المفتقر فيما يتعلق بسيدنا الخضر (‪)81‬‬
‫فتح الخبير بشرح مفتاح السير (‪ )88‬الجزأ الخامس تكملُ من موىبُ ذى الفضل (‪ )81‬ثبلثيات‬
‫البخارى‪ .‬وتوفى رحمو الل بمكُ المشرفُ فى اوؿ رجب قبيل اذاف المغرب فى يوـ االحد ليلُ‬
‫االثنين سنُ ‪ 8331‬ىجريُ ودفن فى مقبرة المعلى جوار سيدتنا خديجُ الكبرى تغمده الل برحمتو‬
‫وجزاه عن االسبلـ والمسلمين خير الجزاء‪ .‬ولو ابن صالح حامل لكتاب الل المقرئ المتقن االديب‬
‫محمد بن محفوظ بن عبد الل بن عبد المناف اقاـ بمدينُ ذى ماء جاوى الوسطى واسس معهد‬
‫بستاف عشاؽ القرأف بتعاف الدمائى وتوفى يوـ االثنين من جمادى االولى سنُ ‪ 8311‬ىجريُ ودفن‬
‫بمقبرة بنى تسليم تغمده الل برحمتو ونور ضريحو الى يوـ الدين وفقنا الل واوالدنا لبلقتداء بأثارىم‬
‫واالقتباس من انوارىم واحشرنا معهم فى مقعد صدؽ عند مليك مقتدر وصلى الل على سيدنا‬
‫محمد وعلى الو وصحبو اجمعين والحمد لل رب العالمين‪.‬‬
‫خادـ المعهد بستاف عشاؽ القراف‬
‫بيتعاف الدمائى‬
‫رجب المحرـ ‪ 8111‬ىػ‬
‫اكوستوس ‪ 1111‬ـ‬

‫حفيد المؤلف حرير محمد محفوظ‬


‫‪6‬‬
‫بسم الل الرحمن الرحيم‬
‫نحمدؾ اللهم يامن اكرـ اولياءه فى الدنيا والعقبى بصنوؼ كرامات التعد والتحصى‪,‬‬
‫ونصلى ونسلم على سيدنا محمد الذى خصصتو فيهما بالمقاـ األعلى‪ ,‬وعلى آلو وصحبو‬
‫قادة ذوى البر والتقو‪ ,‬وقدوة اولى االرشاد والذكر‪( .‬امابعد)‪ ,‬فيقوؿ محمد محفوظ بن‬
‫عبد الل الترمسى ‪ -‬منحو الل عوائد فضلو الوفى ‪ : -‬ىذه منػتخبُ سميتها بغيُ األذكياء‬
‫فى البحث عن كرامُ األولياء‪ ,‬اقتصرت غالبا فيما عدا تعريف الولي والكرامُ ومايتبعو‬
‫على النقل من كبلـ التاج السبكى‪ ,‬وكبلـ المحقق ابن حجر الهيتمى‪ ,‬لما انهما اوفى‬
‫وامتن ما علمت فى ىذا الباب‪ ,‬وفيهما من الحجج ودفع الشبو ما يكفى ذوى االلباب‪,‬‬
‫والل الهادى الى سواء السبيل‪ ,‬وىو حسبى ونعم الوكيل‪.‬‬
‫تعريف الولي والكرامُ وما يتبعو‬
‫اما الولي فهو فعيل من الواليُ‪ .‬قاؿ االستاذ زين االسبلـ القشيرى‪ :‬الولي لو معنياف‪,‬‬
‫احدىما فعيل بمعنى مفعوؿ‪ ,‬وىو من يتولى الل سبحانو امره‪ .‬قاؿ الل تعالى‪ :‬وىو يتولى‬
‫الصالحين‪ ,‬فبليكلو الى نفسو لحظُ بل يتولى الحق سبحانو رعايتو‪ .‬والثانى فعيل مبالغُ‬
‫من الفاعل وىو الذى يتولى عبادة الل تعالى وطاعتو‪ .‬فعبادتو تجرى على التولى من غير‬
‫اف يتخللها عصياف‪ .‬وكبل الوصفين واجب حتى يكوف الولي وليا يجب قيامو بحػقوؽ الل‬
‫تعالى على االستقصاء واالستيفاء ودواـ حفظ الل تعالى اياه فى السراء والضراء‪ .‬ومن‬
‫شرط الولي اف يكوف محفوظا كما اف من شرط النبى اف يكوف معصوما‪ .‬فكل من كاف‬
‫للشرع عليو اعتراض فهو مغرور مخدوع‪ .‬وقاؿ ابو على الجوزجانى ‪ :‬الولي ىو الفانى فى‬
‫حالو الباقى فى مشاىدة الحق سبحانو‪ ,‬تولى الل تعالى سياستو فتوالت عليو انوار التولى‪,‬‬
‫لم يكن لو عن نفسو اخبار وال مع غير الل قرار‪ .‬وقاؿ يحيى بن معاذ‪ :‬الولي اليرائى وال‬
‫ينافق‪ ,‬وما اقل صديق من كاف ىذا خلقو‪ .‬وقاؿ ايضا‪ :‬الولي ريحاف الل تعالى فى االرض‪,‬‬
‫يشمو الصديقوف فتصل رائحتو الى قلوبهم‪ ,‬فيشتاقوف بو الى موالىم ويزدادوف عبادة على‬
‫تفاوت اخبلقهم‪ .‬قاؿ االستاذ القشيرى‪ :‬فاف قيل‪ :‬فهل يجوز اف يكوف وليا فى الحاؿ ثم‬
‫تتغير عاقبتو؟ قيل‪ :‬من جعل من شرط الواليُ حسن الموافاة اليجوز ذلك‪ ,‬ومن قاؿ انو‬
‫مؤمن على الحقيقُ‪ ,‬واف جاز اف يتغير حػالو بعد‪ ,‬ال يبعد اف يكوف فى الحػاؿ وليا صديقا‬
‫ثم يتغير‪ ,‬وىذا الذى نختاره نحن‪ .‬ويجوز اف يكوف من جملُ كرامات ولي اف يعلم انو‬
‫مأموف وانو التتغير عاقبتو‪ .‬قاؿ ابو سعيد احمد بن عيسى الخراز البغدادى‪" :‬اذا ارد الل‬
‫تعالى اف يوالى عبدا من عبيده فتح عليو‬
‫‪7‬‬
‫باب ذكره‪ ,‬فاذا استلذ الذكر فتح عليو باب القرب ثم رفعو الى مجالس االنس بو‪ ,‬ثم‬
‫اجلسو على كرسي التوحيد‪ ,‬ثم رفع عنو الحجب وادخلو دار الفردانيُ‪ ,‬وكشف لو عن‬
‫الجبلؿ والعظمُ‪ ,‬فاذا وقع بصره على الجبلؿ والعظمُ بقى ببل‪ ,‬ىو فحينئذ صار العبد‬
‫زمنا فانيا‪ ,‬فوقع فى حفظو سبحانو‪ ,‬وبرئ من دعاوى نفسو‪ .‬وقيل‪ :‬عبلمُ الولي ثبلثُ‪:‬‬
‫شغلو بالل تعالى‪ ,‬وفراره الى الل تعالى‪ ,‬وىمو الل عز وجل‪ .‬واختلف فى اف الولي يجوز‬
‫اف يعلم انو ولي اـ ال؟ فقيل‪ :‬اليجوز ذلك‪ ,‬الف الولي يبلحظ نفسو بعين التصغير‪ ,‬واف‬
‫ظهر عليو شيئ من الكرامات خاؼ اف يكوف مكرا‪ ,‬وىو يستشعر الخوؼ دائما ابدا‪,‬‬
‫وانما يخاؼ سقوطو عما ىو فيو‪ ,‬واف تكوف عاقبتو بخبلؼ حالو‪ .‬والقائلوف بهذا جعلوا‬
‫من شرط الواليُ وفاء المآؿ‪ .‬وقيل‪ :‬يجوز ذلك‪ ,‬وليس من شرط الولي تحقيق الواليُ فى‬
‫الحاؿ الوفاء فى المآؿ‪ .‬قاؿ االستاذ القشيرى‪ :‬وىو الذى نؤثره ونقوؿ بو‪ .‬وليس ذلك‬
‫بواجب فى جميع االولياء حتى يكوف كل ولي يعلم انو ولى واجبا‪ ,‬ولكن يجوز اف يعلم‬
‫بعضهم ذلك كما يجوز اف ال يعلم بعضهم‪ .‬فاذا علم بعضهم انو ولي كانت معرفتو تلك‬
‫كرامُ لو انفردبها‪ .‬وليس كل كرامُ لولي يجب اف تكوف تلك بعينها لجميع االولياء‪ ,‬بل‬
‫لولم يكن للولي كرامُ ظاىرة عليو فى الدنيا لم يقدح عدمها فى كونو وليا‪ ,‬بخبلؼ‬
‫االنبياء‪ ,‬فانو يجب اف تكوف لهم معجزات‪ ,‬النو مبعوث الى الخلق‪ ,‬فبالناس حاجُ الى‬
‫معرفُ صدقو واليعرؼ االبالمعجزة‪ .‬وبعكس ذلك حاؿ الولي‪ .‬قاؿ‪ :‬وقوؿ من قاؿ ال‬
‫يجوز ذلك النو يخرجهم من الخوؼ‪ ,‬فبلبأس بخوؼ العاقبُ اف يخافوا تغيير العاقبُ‪,‬‬
‫والذى يجدونو فى قلوبهم من الهيبُ والتعظم واالجبلؿ للحق سبحانو يزيد ويربو على‬
‫كثير من الخوؼ‪ .‬واما الكرامُ فهى ظهور امر خارؽ للعادة من قبل شخص مؤمن صالح‬
‫غير مقروف بدعوى النبوة والرسالُ‪ ,‬فما اليكوف مقرونا بااليماف والعمل الصالح يكوف‬
‫استدراجا‪ ,‬ومايكوف مقرونا بدعوى النبوة يكوف معجزة‪ .‬وقد تكلموا فى الفرؽ بين‬
‫الكرامُ والمعجزة‪ .‬فقاؿ ابو اسحاؽ االسفرائنى‪ :‬المعجزات دالالت صدؽ االنبياء‪,‬‬
‫ودليل النبوة التوجد مع غير النبى‪ ,‬كما اف العقل المحكم لما كاف دليبل للعالم فى كونو‬
‫عالما لم يوجد االممن يكوف عالما‪ .‬وقاؿ ابوبكر بن فورؾ‪ :‬المعجزات دالالت الصدؽ‪.‬‬
‫ثم اف ادعى صاحبها النبوة فالمعجزة تدؿ على صدقو فى مقالتو‪ .‬واف اشار صاحبها الى‬
‫الواليُ دلت المعجزة على صدقو فى حالو فتسمى كرامُ وال تسمى معجزة‪ ,‬واف كاف من‬
‫جنسها للفرؽ‪ .‬ومن الفرؽ بينهما اف االنبياء عليهم الصبلة والسبلـ مأموروف باظهارىا‪,‬‬
‫والولي يجب عليو سترىا واخفاؤىا‪ ,‬والنبى صلى الل عليو وسلم يدعى ذلك ويقطع القوؿ‬
‫‪8‬‬
‫بو‪ ,‬والولي ال يدعيها واليقطع بكرامتو لجواز اف يكوف ذلك مكرا‪ .‬وقاؿ القاضى ابو بكر‬
‫الباقبلنى‪ :‬اف المعجزات تختص باالنبياء‪ ,‬والكرامات تكوف لبلولياء‪ .‬كما تكوف لبلنبياء‬
‫وال تكوف لبلولياء معجزة‪ ,‬الف من شرط المعجزة اقتراف دعوى النبوة بها‪ ,‬والمعجزة لم‬
‫تكن معجزة لعينها‪ ,‬وانما كانت معجزة لحصولها على اوصاؼ كثيرة‪ ,‬فمتى اختل شرط‬
‫من تلك الشرائط ال تكوف معجزة‪ ,‬واحد تلك الشرائط دعوى النبوة‪ .‬والولي ال يدعى‬
‫الواليُ‪ ,‬والذى يظهر عليو اليكوف معجزة‪ .‬قاؿ االستاذ القشيرى‪ :‬وىذا القوؿ الذى‬
‫نعتمده ونقوؿ بو بل ندين بو‪ .‬فشرائط المعجزات كلها اواكثرىا توجد فى الكرامُ اال ىذا‬
‫الشرط الواحد‪.‬‬

‫فصل فى نقل كبلـ التاج السبكى فى ىذا المبحث‬

‫قاؿ رضى الل عنو فى الطبقات الكبرى‪ :‬اف الكرامات والمكاشفات ليست خدعا اال لمن‬
‫يقف عندىا ويجعلها شوقو ومقصوده‪ .‬وال شك فى ىذا‪ ,‬وقد بالغ قوـ فى تعظيمها‬
‫بحيث سلبوا بها المواىب‪ ,‬وبالغ آخروف فى امتهانها بحيث لم يعدوىا شيئا‪ .‬والحق ما‬
‫ذكره ابو تراب اى النخشبى من اف السكوف اليها نقص‪ .‬فمن الواضح الجلي الذى ال‬
‫ينكره عارؼ اف العارؼ اليقف عندىا‪ ,‬وانما مطلوبو ما وراءىا‪ .‬وىى تقع فى طريقو وليس‬
‫للواقع فى الطريق من الطريق صفُ‪ .‬ومن وقف عندىا سقط فى مهاوى الهلكات‪ .‬ومن‬
‫كانت ىى مطلوبو فهو مغرور ويبعد وصولو اليها‪ ,‬وانما يصل اليها من اليراىا‪ .‬فاف قلت‪:‬‬
‫فؤلي معنى يظهرىا مظهروىا وىى على ما زعمت تزعم اشياء ال يلقوف اليها باال؟ قلت‪:‬‬
‫ظهورىا يقع على انحاء ربما لم يكن باختيار صاحبها‪ ,‬وىو كثير بل صار بعض االئمُ‪,‬‬
‫كما نقل اماـ الحرمين فى الشامل‪ ,‬الى اف الكرامات ال تكوف ابدا االعلى ىذا الوجو‪.‬‬
‫فعلى ىذا ال سؤاؿ‪ ,‬ولكن ىذا مذىب ضعيف غير مرضي عند المحصلين‪ ,‬وال سؤاؿ‬
‫عليو وربما كاف ىو المظهر بها‪ ,‬وانما يكوف ذلك لفائدة دينيُ من تربيُ اوبشارة اونذارة‬
‫اوغير ذلك‪ ,‬حيث يؤذف فيو‪ ,‬وال يجوز اظهارىا حيث ال فائدة‪ ,‬فذلك عند القوـ غير‬
‫جائز لو‪ .‬قاؿ‪ :‬واف الكرامات حق‪ .‬وانى ألعجب غايُ العجب من منكرىا‪ ,‬واخشى عليو‬
‫مقت الل‪ ,‬ويزداد تعجبى عند نسبُ انكارىا الى االستاذ ابى اسحاؽ االسفرائنى‪ ,‬وىو من‬
‫اساطين اىل السنُ والجماعُ‪ ,‬على اف نسبُ انكارىا اليو على االطبلؽ كذب عليو‪.‬‬
‫والذى ذكره الرجل فى مصنفاتو اف الكرامات ال تبلغ مبلغ خرؽ العادة‪ .‬قاؿ‪ :‬وكلما جاز‬
‫تقديره معجزة لنبي اليجوز ظهور‬
‫‪9‬‬
‫مثلو كرامُ لولي‪ .‬قاؿ‪ :‬وانما بالغ الكرامات اجابُ دعوة اوموافاة ماء فى باديُ فى غير‬
‫موقع المياه اومضاىى ذلك مما ينحط عن خرؽ العادة‪ .‬ثم مع ىذا قاؿ اماـ الحرمين‬
‫وغيره من ائمتنا‪ :‬ىذا المذىب متروؾ‪ .‬قلت‪ :‬وليس بالغا فى البشاعُ مبلغ مذىب‬
‫المنكرين للكرامات مطلقا‪ ,‬بل ىو مذىب مفصل بين كرامُ وكرامُ‪ ,‬رآى اف ذلك‬
‫التفصيل ىو المميزلها من المعجزات‪ .‬وقد قاؿ االستاذ القشيرى‪ :‬اف كثيرا من‬
‫المقدورات يعلم اليوـ قطعا انو اليجوز اف تظهر كرامُ لبلولياء لضرورة او شبو ضرورة‬
‫بعلم ذلك‪ .‬فمنها حصوؿ انساف المن ابوين وقلب جماد بهيمُ او حيوانا‪ .‬وامثاؿ ىذا‬
‫كثيرة‪ .‬انتهى‪ .‬وىو حق ال ريب فيو‪ ,‬وبو يتضح اف قوؿ من قاؿ ما جاز اف يكوف معجزة‬
‫لنبي جاز اف يكوف كرامُ لولي‪ ,‬ليس على عمومو‪ .‬واف قوؿ من قاؿ ال فارؽ بين المعجزة‬
‫و الكرامُ اال التحدي‪ ,‬ليس على وجهو‪ .‬ولعلنا نبحث عن ىذا فى اخر الفصل‪ ,‬وسبيلنا‬
‫حيث انتهينا الى ىذا اف نستقصى شبو المنكرين للكرامات‪ ,‬ونستأصل شأفتهم (‪ )۱‬بتقرير‬
‫الرد عليهم‪ ,‬ثم نذكر البراىين الدالُ على االثبات‪ ,‬ونختمها بتتمات‪.‬‬

‫شبهُ للقدريُ فى منع الكرامات و ذكر فسادىا‬


‫قالوا تجويز الكرامُ يفضى الى السفسطُ‪ ,‬النو يقتضى تجويز انقبلب الجبل ذىبا ابريزا‬
‫او البحر دما عبيطا‪ ,‬وانقبلب اوانى يتركها االنساف فى بيتو ائمُ فضبلء مدققين‪ .‬و‬
‫الجواب عن ىذه الشبهُ من وجوه‪ :‬احدىا انا ال نسلم بلوغ الكرامُ الى ىذا المبلغ‪ ,‬كما‬
‫اقتضاه كبلـ القشيري‪ .‬والثانى ‪ -‬وىو ما اقتضاه كبلـ أئمتنا ‪ -‬انا نجوز (بلوغها ىذا‬
‫المبلغ ولكن ال يقتضى ذلك سفسطُ الف ما ذكرتم بعينو وارد عليكم فى زماف النبوة فانو‬
‫يجوز) ظهور المعجزة بذلك وال يؤدى الى سفسطُ‪ .‬والثالث اف التجويزات العقليُ‬
‫التقدح فى العلوـ العاديُ و جواز تغيرىا بسبب الكرامُ تجويز عقلي فبل يقدح فيها‪.‬‬

‫شبهُ ثانيُ لهم وتبيين االنفصاؿ عنها‬


‫قالوا‪ :‬لوجازت الكرامُ الشتبهت بالمعجزة‪ ,‬فبل تبقى للمعجزة داللُ على ثبوت النبوة‪.‬‬
‫والجواب منع االشتباه‪ ,‬وذلك الف المعجزة مقرونُ بدعوى النبوة وال كذلك الكرامُ‪ .‬بل‬
‫الكرامُ مقرونُ باالنقياد للنبى وتصديقو والسير على طريقو‪ ,‬وقولهم‪ :‬انما دلت المعجػزة‬
‫ػػػػػػػ‬
‫(‪ .)8‬قولو شأفتهم ‪ :‬اى اصلهم وقرحتهم قاؿ فى القاموس الشأفُ قرحُ تخرج فى اسفل القدـ‬
‫‪01‬‬
‫على تصديق النبى من حيث انخراؽ العادة فكذلك الكرامُ‪ ,‬كبلـ ساقط‪ .‬فاف مجرد‬
‫خرؽ العادة ليس المقتضى للنبوة‪ .‬ولو دؿ خرؽ العادة على النبوة بمجرده لوجب اف‬
‫تدؿ اشراط الساعُ وما سيظهر منها على ثبوت نبوة‪ ,‬اذالعوائد تنخرؽ بها‪ .‬ومن اعظم‬
‫البدائع فطرة السموات والنشأة االولى‪ ,‬ثم لم تقتض بدائع الفطرة فى نشأة الخلق ثبوت‬
‫نبي‪ ,‬فاستباف اف مجرد خرؽ العادة اليدؿ على النبوة‪ ,‬اذلودؿ الطرد‪ ,‬بل البد معو من‬
‫التحدى‪ ,‬فبل اشتباه للكرامُ بالمعجزة‪ .‬وايضا فالمعجزة يجب على صاحبها اشهارىا‪,‬‬
‫بخبلؼ الكرامُ فاف مبناىا على االخفاء‪ ,‬وال تظهر االعلى الندرة والخصوص ال على‬
‫الكثرة والعموـ‪ .‬وايضا فالمعجزة تجوز اف تقع بجميع خوارؽ العادات‪ ,‬والكرامات‬
‫تختص ببعضها‪ ,‬كما بيناه من كبلـ القشيرى‪ ,‬وىو الصحيح‪ .‬ولسنا نجوز ولدا اال من‬
‫ابوين وال نحو ذلك‪ ,‬كما سنستقصى القوؿ فيو‪.‬‬
‫شبهُ ثالثُ لهم ووجو االنفصاؿ عنها‬
‫قالوا‪ :‬لوظهرت لولي كرامُ مجازا لحكم لو بمجرد دعواه انو يملك حبُ من الحنطُ‬
‫اوفلسا واحدا من الفلوس من غير بينُ لظهور درجتو عند الل تعالى المانعُ من كذبو‪,‬‬
‫السيما من ىذا المنزؿ اليسير‪ ,‬لكنو باطل باجماع المسلمين المؤيد بقوؿ رسوؿ الل‬
‫صلى الل عليو وسلم وعلى آلو وصحبو اجمعين‪ :‬البينُ على المدعى واليمين على من‬
‫انكر‪ .‬والجواب اف الكرامُ التوجب عصمُ الولي والصدقو فى كل االمور‪ .‬وقد سئل‬
‫شيخ الطريقُ ومقتدى الحقيقُ ابوالقاسم الجنيد رحمو الل‪ :‬ايزنى الولي فقاؿ‪ :‬وكاف امر‬
‫الل قدرا مقدورا‪ .‬وىب اف الظن الحاصل بصدقو فيما ادعاه اال اف الشارع جعل لثبوت‬
‫الدعوى طريقا مخصوصا ورابطا معروفا اليجوز تعديو والالعدوؿ عنو‪ .‬اال ترى اف كثيرا من‬
‫الظنوف اليجوز الحكم بها لخروجها عن الضوابط الشرعيُ‪.‬‬
‫شبهُ رابعُ لهم وكشف عوارىا‬
‫قالوا‪ :‬لوجاز ظهور خوارؽ العادات على ايدى الصالحين لجاز سرا كما يجوز جهرا‪ ,‬ولو‬
‫جاز سرا لما أمكننا اف نستدؿ على نبوة االنبياء بظهورىا على ايديهم‪ ,‬فثبت اف ظهورىا‬
‫على الصالحين سرا ممتنع‪ .‬واذا لم يجز ظهورىا عليهم سرا فاولى اف التجوز جهرا‪ ,‬الف‬
‫كل من جوز ظهورىا عليهم لم يشترط اف تظهر عبلنيُ‪ ,‬بل من اصوؿ معظم جماعتكم‬
‫اف االولياء اليظهروف الكرامات واليدعوف بها‪ ,‬وانما تظهر سرا وراء ستور يتخصص‬
‫باالطبلع عليها آحاد الناس‪ ,‬فثبت انها لو جازت لجازت سرا‪ ,‬اذ القائل بالتفصيل‪ ,‬والنو‬
‫‪00‬‬
‫اولى بالجواز من العبلنيُ‪ ,,‬لكن جوازىا سرا يفضى الى اف ال يستدؿ بها على النبوة‪ ,‬النو‬
‫يجوز ظهورىا متواليُ على استمرار‪ ,‬واف كاف ذلك مخفيا مستػترا وتكوف موجودة مستمرة‬
‫بحيث يلتحق بحكم المعتاد‪ .‬فاذا ظهر نبى وتحدى بمعجزة جاز اف تكوف ىى بعض ما‬
‫اعتاده اولياء عصره من الكرامات‪ ,‬فبل يتحقق فى ىذا النبى خرؽ العوائد‪ .‬فكيف السبيل‬
‫الى تصديقو؟ ىذا حاصل شبهتهم ىذه‪ ,‬ثم حرروا عنها عبارة فقالوا‪ :‬اذاتكرر مايخرؽ‬
‫العوائد على االولياء افضى ذلك الى التحاؽ خوارؽ العادات فى حقوقهم بالمعتادات‪,‬‬
‫وصارت عاداتهم خبلؼ العادات‪ .‬فلو ظهر نبي فى زمنهم كانت عادتهم فى انخراؽ‬
‫العوائد فى احوالهم تصدىم عن تصحيح النظر فى المعجزة‪ .‬ثم اخرجوا الشبهُ على وجو‬
‫آخر فقالوا‪ :‬لو جاز اظهارىا على صالح لجاز اظهارىا على صالح آخر اكراما لو‪ ,‬وىكذا‬
‫الى عدد كثير‪ ,‬اذ ليس اختصاص عدد منهم بذلك اولى من عدد آخر وحينئذ يصير‬
‫عادة‪ ,‬فبل يبقى ظهورىا دليبل على النبوة ويطوى بساط النبوة رأسا‪ .‬وجميع ماذكروه فى‬
‫ىذه الشبهُ تمويو ال حاصل تحتو وقعقعُ الطائل فيها‪ .‬وألئمتنا رضى الل عنهم فى ردىا‬
‫وجهاف‪ ,‬فمن أئمتنا من منع توالى الكرامات واستمرارىا حتى تصير فى حكم العوائد‪.‬‬
‫وخلص بهذاالمنع عن الزامهم‪ ,‬بل امتنع بعض المحققين من تصوير توالى المعجزات‬
‫على الرسل المتعاقبين‪ ,‬اذ كاف يؤدى الى اف تصير المعجزات معتادة‪ .‬فهذه طريقُ فى‬
‫الرد على ىذه الشبهُ‪ ,‬حاصلها‪ ,‬انا انما نجوز ظهور الكرامات على وجو اليصير عادة‪,‬‬
‫فاستباف انو خلص بشبهتهم ىذه‪ ,‬وانها لم تقدح فى اصل الكرامات‪ ,‬وانما تضمنت منع‬
‫كرورىا والتحاقها بالمعتاد‪ .‬ومن أئمتنا ‪ -‬وىم المعظم ‪ -‬من جوز توالى الكرامات على‬
‫وجو االختفاء‪ ,‬بحيث التظهر والتشيع والتلتحق بالمعتاد‪ ,‬لئبل تخرج الكرامُ عن كونها‬
‫كرامُ عند عامُ الخلق‪ .‬ثم قالوا‪ :‬الكرامُ واف توالت على الولي حتى الفها واعتادىا فبل‬
‫يخرجو ذلك عن طريق الرشاد ووجو السداد فى النظر اذا الحت المعجزة‪ ,‬اف وافقو‬
‫التوفيق‪ ,‬واف تعداه التوفيق سلب الطريق ولم يكن بولي على التحقيق‪ .‬والمعجزة تتميز‬
‫عمن تكررت عليو الكرامُ باالظهار واالشاعُ والتحدى ودعوى النبوة‪ ,‬فاذا تميزت‬
‫الكرامُ عن المعجزة لم ينسد باب الطريق الى معرفُ النبي‪ .‬ومن تماـ الكبلـ فى ذلك اف‬
‫اىل القبلُ متفقوف على اف الكرامات ال تظهر على الفسقُ الفجرة‪ ,‬وانما تظهر على‬
‫المتمسكين بطاعُ الل عزوجل‪ .‬وبهذا الح اف الطريق الى معرفُ االنبياء الينسد‪ .‬فاف‬
‫الولي ‪ -‬بتوفيق الل تعالى ‪ -‬ينقاد للنبي اذا ظهرت المعجزة على يديو‪ ,‬ويقوؿ‪ :‬معاشر‬
‫الناس ىذا نبي الل‪ ,‬فأطيعوه‪ .‬ويكوف اوؿ منقاد لو‬
‫‪02‬‬
‫ومؤمن بو‪ .‬والقاضى ابو بكر ‪ -‬واف شبب بمنع (‪ )۱‬ىذا االجماع – وقاؿ‪ :‬لوجوز مجوز ظهور‬
‫بعض خوارؽ العادات على بعض الفسقُ استدراجا لكاف مذىبا كما انو اليبعد ظهورىا على‬
‫الرىباف المتبتلين واصحاب الصوامع على كفرىم‪ .‬فهذا كما قالو اماـ الحرمين فيو نظر‪,‬‬
‫ولسنا نثبت لراىب كرامُ والكيد والكرامُ‪ ,‬ومحل استيفاء القوؿ على ذلك اليحتملو ىذا‬
‫المكاف‪ ,‬والحاصل اف ما يظهر على يد الرىباف ليس من الكرامات‪ .‬واما توفق القاضى فى‬
‫الفسقُ والفجرة فانا معو‪ ,‬لكن ال على االطبلؽ بل أفصل وأقوؿ لو ذىب ذاىب الى تجويز‬
‫ظهور الكرامُ على يد الفاسق انقاذا لو مما ىو فيو ثم يتوب بعدىا ويثبت ال محالُ وينتقل الى‬
‫الهدى بعد الضبللُ لكاف مذىبا‪ .‬ويقرب منو قصُ اصحاب الكهف التى سنحكيها‪ .‬فقد كانوا‬
‫عبدة اصناـ‪ ,‬ثم حصل لهم ما حصل ارشادا وتبصرة‪ ,‬ثم ما ذكره الخصوـ من حديث اشتباه‬
‫النبي بغيره اذا وافقت المعجزة الكرامُ قد تبين االنفصاؿ عنو‪ .‬وانا أقوؿ‪ :‬معاذ الل‪ ,‬اف‬
‫يتحدى نبي بكرامُ تكررت على يد ولي‪ ,‬بل ال بداف يأتى النبي بما ال يوقعو الل على يد‬
‫الولي‪ .‬واف جاز وقوعو فليس (‪ )۲‬كل جائز فى قضايا العقوؿ واقعا‪ .‬ولما كانت مرتبُ النبي‬
‫اعلى وارفع من مرتبُ الولي كاف الولي ممنوعا مما يأتى بو النبي ‪ -‬على وجو االعجاز –‬
‫والتحدى‪ ,‬ادبا مع النبي‪ .‬ثم أقوؿ حديث االشتباه واالنسداد على بطبلنو انما يقع البحث‬
‫فيو حيث لم تختم النبوة‪ .‬اما مع مجيئ خاتم النبيين الذى ثبتت نبوتو باوضح البراىين‬
‫واخباره بانو ال نبي بعده فقد قمعنا االشتباه‪ .‬فلو صح ما ذكر من االشتباه واالنسداد لكاف‬
‫فى حكم االولياء من االمم السالفُ ال فى االولياء من ىذه االمُ‪ ,‬ألمنهم من انو ال نبي بعد‬
‫نبيهم صلى الل عليو وسلم‪ ,‬ىو لو صح ولن يصح ابدا‪.‬‬
‫شبهُ خامسُ لهم وتقرير بطبلنها‬
‫قالو‪ :‬لوكاف للكرامات اصل لكاف اولى الناس بها اىل الصدر االوؿ‪ ,‬وىم صفوة االسبلـ‬
‫وقادة االناـ والمفضلوف على الحقيقُ بعد االنبياء عليهم الصبلة والسبلـ‪ ,‬ولم يؤثر عنهم امر‬
‫مستفيض‪ .‬وىذا الذى ذكروه يعلل باألمانى‪ ,‬وىو قوؿ مرذوؿ مردود‪ .‬فلو حاوؿ مستقص‬
‫استقصاء كرامات الصحابُ رضى الل عنهم‪ ,‬ألجهد نفسو ولم يصل الى عشر العشر‪ ,‬والبأس‬
‫ىنا بذكر يسير من كرامات الصحابُ رضى الل عنهم‪ .‬والكبلـ على السر فى ظهورىا‬
‫_______________________‬
‫‪ .۱‬قولو ‪ :‬واف شبب بمنع الخ عرض بحب منعو‬
‫‪ .۲‬مما يوضحو اف بحرا من زئبق ينبت االجساـ الجامدة والناميُ والحساسُ والمتحركُ باالرادة ممكن‬
‫الوجود عقبل لكن لم يقع ذلك ولم يبرز الى حيز ىذا الوجود‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫‪03‬‬
‫واظهارىا على وجو االختصار ليستفاد بكبلمنا على ما نورده من القليل ما يستعاف بو على‬
‫ما نغفلو من الكثير‪ .‬فنقوؿ اعلم اوال اف كل كرامُ ظهرت على يد صحابي او ولي اوتظهر‬
‫الى يوـ يقوـ الناس لرب العالمين فانها معجزة للنبي صلى الل عليو وسلم‪ ,‬الف صاحبها‬
‫انما نالها باالقتداء بو صلى الل عليو وسلم‪ .‬وىو معترؼ لو بانو مقدـ خليقُ الل تعالى‬
‫وصفوتهم‪ ,‬وسيد البشر الذى من بحره تستخرج الدرر‪ ,‬ومن غيثو يستنزؿ المطر‪ .‬وىذ‬
‫المعنى يصلح اف يكوف سببا اجماليا عاما فى االظهار‪ ,‬السيما فى عصر الصحابُ رضي‬
‫الل عنهم‪ .‬فاف الكفار اذارأوا ما يظهر على ايديهم من الخوارؽ آمنوا بنبيهم صلى الل‬
‫عليو وسلم‪ ,‬وعلموا انهم على الحق‪ .‬فربما كاف ىذا سببا فى االظهار‪ .‬اذا علمت ذلك‪,‬‬
‫فمن الكرامات على يد ابى بكر الصديق رضي الل عنو ما صح من حديث عروة بن الزبير‬
‫عن عائشُ رضي الل عنها‪ :‬اف ابابكر الصديق رضي الل عنو كاف نحلها جاد عشرين وسقا‬
‫فلما حضرتو الوفاة قاؿ‪ :‬والل يابنيُ ما من الناس احد احب الى غنى بعدى منك‪ ,‬وال اعز‬
‫علي فقرا بعدى منك‪ .‬وانى كنت نحلتك جاد عشرين وسقا‪ ,‬فلو كنت جدديتو واخزنتيو‬
‫كاف لك‪ ,‬وانما ىو اليوـ ماؿ وارث‪ ,‬وانما ىما اخواؾ واختاؾ فاقتسموه على كتاب الل‪.‬‬
‫قالت عائشُ رضي الل عنها‪ :‬يا ابت والل لو كاف كذا وكذا لتركتو‪ ,‬انما ىي اسماء‪ .‬فمن‬
‫االخرى فقاؿ ابوبكر رضي الل عنو‪ :‬ذو بطن بنت خارجُ‪ ,‬اراىا جاريُ‪ .‬فكاف ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فيو كرامتاف البى بكر رضى الل عنو‪ :‬احداىما اخباره بانو يموت فى ذلك المرض‪,‬‬
‫حيث قاؿ‪ :‬وانما ىو اليوـ ماؿ وارث‪ .‬والثانيُ اخباره بمولود يولد لو‪ ,‬وىو جاريُ‪ .‬والسر‬
‫فى اظهار ذلك استطابُ قلب عائشُ رضى الل عنها فى استرجاع ما وىبو لها ولم تقبضو‪,‬‬
‫واعبلمها بمقدار ما يخصها‪ ,‬لتكوف على ثقُ منو‪ ,‬فاخبرىا بانو ماؿ وارث واف معها‬
‫اخوين واختين لها‪ .‬او يدؿ على انو قصد استطابُ قلبها ما مهده اوال من انو ال احد‬
‫احب اليو غنى بعده منها‪ .‬وقولو‪ :‬انما ىما اخواؾ واختاؾ اى ليس ثمو غريب والذو قرابُ‬
‫نائيُ‪ .‬وفى ىذا من الترفق ماليس يخفى‪ .‬فرضى الل عنو وارضاه‪ .‬ومنها مافى البخارى من‬
‫حديث عبد الرحمن بن ابى بكر رضى الل عنهما‪ ,‬وقوؿ النبي صلى الل عليو وسلم فى‬
‫اىل الصفُ مرة‪ :‬من كاف عنده طعاـ اثنين فليذىب بثالث ومن كاف عنده طعاـ اربعُ‬
‫فليذىب بخامس‪ ,‬الحديث‪ .‬وفيو اف ابابكر رضى الل عنو انطلق بثبلثُ وغادرىم فى بيتو‪,‬‬
‫وتعشى عند النبي صلى الل عليو وسلم‪ ,‬ولبث حتى صلى العشاء مع رسوؿ الل صلى الل‬
‫عليو وسلم‪ ,‬فجاء بعد ما مضى من الليل ماشاء الل‪ ,‬فقاؿ لو امرأتو‪ :‬ما حبسك عن‬
‫اضيافك‪ ,‬قاؿ‪ :‬اوماعشيتيهم قالت‪ :‬ابوا حتى تجيئ ثم قاؿ‪:‬‬
‫‪04‬‬
‫كلوا‪ ,‬فقاؿ قائلهم‪ :‬وايم الل ما كنا نأخذ من لقمُ االربا من اسفلها اكثر منها‪ ,‬حتى شبعوا‬
‫وصارت اكثر مما كانت قبل‪ .‬فنظر ابو بكر رضى الل عنو فاذا شيئ اواكثر‪ ,‬فقاؿ المرأتو‪:‬‬
‫يااخت بنى فراس ما ىذا؟ قالت‪ :‬ال‪ ,‬وقرة عينى‪ ,‬لهي اآلف اكثر مما كانت قبل بثبلث‬
‫مرات‪ ,‬فأكل منها ابو بكر رضى الل عنو‪ .‬الحديث‪ .‬قلت‪ :‬السر فيو ‪ -‬والعلم عند الل ‪-‬‬
‫اف كاف ابو بكر قصد تكثير الطعاـ الحتياجو الى اشباع االضياؼ الذين امره النبي صلى‬
‫الل عليو وسلم بهم‪ ,‬واف لم يكن قصد ذلك‪ ,‬بل كثره الل ببركتو‪ .‬فهى كرامُ اظهرىا الل‬
‫على يديو من غير قصد منو فبل يبحث عنها‪.‬‬
‫ومنها على يد أمير المؤمنين عمر الفاروؽ رضى الل عنو‬
‫الذى قاؿ فيو النبي صلى الل عليو وسلم‪ :‬لقد كاف فيمن قبلكم محدثوف فاف يك فى‬
‫امتى احد فانو عمر‪ .‬قصُ ساريُ بن زنيم الخلجى (‪ )۱‬كاف عمر رضي الل عنو قد امر‬
‫ساريُ على جيش من جيوش المسلمين وجهزه الى ببلد فارس‪ ,‬فاشتد على عسكره‬
‫الحاؿ على باب نهاوند وىو يحاصرىا‪ .‬وكثرت جموع االعداء‪ ,‬وكاد المسلموف ينهزموف‪.‬‬
‫وعمر رضى الل عنو بالمدينُ‪ ,‬فصعد المنبر وخطب ثم استغاث فى اثناء خطبتو باعلى‬
‫صوتو‪ :‬ياساريُ الجبل ياساريُ الجبل من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم‪ .‬فاسمع الل عز‬
‫وجل ساريُ وجيوشو ‪ -‬اجمعين وىم على باب نهاوند ‪ -‬صوت عمر رضى الل عنو‪,‬‬
‫فلجئوا الى الجبل وقالوا‪ :‬ىذا صوت أمير المؤمنين‪ ,‬فنجوا وانتصروا‪ .‬ىذا ملخصها‪.‬‬
‫وسمعت الشيخ االماـ الوالد رحمو الل يزيد فيها اف عليا رضى الل عنو كاف حاضرا‪ ,‬فقيل‬
‫لو‪ :‬ما ىذا الذى يقولو امير المؤمنين؟ واين ساريُ منا اآلف؟ فقاؿ كرـ الل وجهو‪ :‬دعوه‬
‫فما دخل فى امر االوخرج منو‪ .‬ثم تبين الحاؿ باالخرة‪ .‬قلت‪ :‬عمر رضى الل عنو لم‬
‫يقصد اظهار ىذه الكرامُ‪ ,‬وانما كشف لو ورآى القوـ عيانا‪ ,‬وكاف كمن ىو بين اظهرىم‬
‫او طويت االرض وصار بين اظهرىم حقيقُ‪ ,‬وغاب عن مجلسو بالمدينُ‪ ,‬واشتغلت‬
‫حواسو بما دىم المسلمين بنهاوند‪ ,‬فخاطب اميرىم خطاب من ىو معو‪ ,‬اذ ىو حقيقُ‬
‫معو او كمن ىو معو‪ .‬واعلم اف ما يجريو الل على لساف اوليائو من ىذه االمور يحتمل اف‬
‫يعرفوا بها ويحتمل اف اليعرفوا بها‪ ,‬وىى كرامُ على كبل الحالين‪ .‬ومنها قصُ الزلزلُ‪ ,‬قاؿ‬
‫اماـ الحرمين رحمو الل فى كتابو الشامل‪ :‬اف االرض زلزلت فى زمن عمر رضى الل عنو‬
‫فحمد الل واثنى عليو‪ .‬واالرض ترجف وترتج‪ ,‬ثم ضربها بالدرة‪,‬‬
‫_______________________________‬
‫‪ .۱‬كذا فى االصل ىنا والذى فى االصابُ الدئلى‬
‫‪05‬‬
‫وقاؿ‪ :‬اقرى الم اعدؿ عليك فاستقرت من وقتها‪ .‬قلت‪ :‬كاف عمر رضى الل عنو امير‬
‫المؤمنين على الحقيقُ فى الظاىر والباطن‪ ,‬وخليفُ الل فى ارضو وفى ساكنى ارضو‪ ,‬فهو‬
‫يعزر االرض ويؤدبها بما يصدر منها كما يعزر على ساكنيها على خطاياىم‪ .‬فاف قلت‪:‬‬
‫ايجب على االرض تعزير وىى غير مكلفُ‪ ,‬قلت‪ :‬ىذا اآلف جهل وقصور على ظواىر‬
‫الفقو‪ ,‬اعلم اف امر الل وقضاءه متصرؼ فى جميع مخلوقاتو‪ ,‬ثم منو ظاىر وباطن‪.‬‬
‫فالظاىر مايبحث عنو عند الفقهاء من احكاـ المكلفين‪ ,‬والباطن مااستأثر الل تعالى بعلمو‬
‫وقد يطلع عليو بعض اصفيائو‪ ,‬ومنهم الفاروؽ ‪ -‬سقى الل عهده ‪ -‬فاذا ارتجت االرض‬
‫بين يدى من استوى عنده الظاىر والباطن عزرىا‪ ,‬كما اذا زؿ المرء بين يدى الحاكم‪.‬‬
‫وانظر خطابو لها وقولو‪ :‬الم اعدؿ عليك والمعنى ‪ -‬والل اعلم ‪ -‬انها اذاوقع عليها جور‬
‫الوالة جديرة باف ترتج غير ملومُ على التزلزؿ بما ظهر على ظهرىا‪ ,‬واما اذا لم يكن جور‬
‫بل كاف الحكم بالقسط قائما‪ ,‬ففيم االرتجاج وعلى ـ القلق ولم يأت الوقت المعلوـ‪.‬‬
‫فمالها اف ترتج اال فى وقتين‪ :‬احدىما الوقت المعلوـ المشار اليو فى قولو تعالى‪ :‬اذا‬
‫زلزلت االرض زلزالها‪ .‬فاف ذلك اليها‪ ,‬وذلك اذا قاؿ االنساف‪ :‬مالها حدثت ىى‬
‫باخبارىا وذكرت اف الل اوحى لها على ما قاؿ الل تعالى‪ :‬اذا زلزلت االرض زلزالها *‬
‫واخرجت االرض اثقالها * وقاؿ االنساف مالها * يومئذ تحدث اخبارىا * باف ربك اوحى‬
‫لها‪ .‬والثانى وقت وقوع الجور عليها من الوالة‪ ,‬فانها تعذر اذ ذاؾ‪ .‬فاف قلت‪ :‬من اين‬
‫لك ىذا؟ قلت‪ :‬من قوؿ عمر رضى الل عنو الذى اشرنا اليو‪ .‬ويدؿ عليو ايضا‪ :‬تكاد‬
‫السموات يتفطرف منو وتنشق االرض وتخر الجباؿ ىدا * اف دعوا للرحمن ولدا‪ .‬النو‬
‫دلت على اف االرض تكاد تنشق بالفجور الواقع عليها‪ ,‬فلوال يمسكها الل لكاف‪.‬‬
‫‪ )۱( ...........‬واعلم اف ىذا الذى خضناه بحر ال ساحل لو‪ ,‬و الرأي اف نمسك عناف‬
‫الكبلـ‪ ,‬و الموفق يؤمن بما يريد‪ ,‬والشقي يجهل واليجدى فيو البياف واليفيد‪ ,‬ومنهم‬
‫شقي ومنهم سعيد‪ .‬ويقرب من قصُ الزلزلُ قصُ النيل‪ .‬وذلك اف النيل كاف فى الجاىليُ‬
‫اليجرى حتى تلقى فيو جاريُ عذراء فى كل عاـ‪ .‬فلما جاء اإلسبلـ وجاء وقت جرياف‬
‫النيل فلم يجر‪ ,‬فاتى اىل مصر عمرو بن العاص رضى الل عنو فأخبروه اف لنيلهم سنُ‪,‬‬
‫وىو اف ال يجري حتى تلقى فيو جاريُ بين ابويها‪ ,‬و يجعل عليها من الحلي و الثياب‬
‫افضل ما يكوف‪ .‬فقاؿ لهم عمرو بن العاص رضي الل عنو‪ :‬اف ىذا اليكوف‪ ,‬واف االسبلـ‬
‫يهدـ ما قبلو‪ .‬فأقاموا ثبلثُ‬
‫ػػػػػػ‬
‫‪.۱‬ىذا بياض من االصل‬
‫‪06‬‬
‫اشهر اليجرى قليبل والكثيرا حتى ىموا بالجبلء‪ .‬فكتب عمرو بن العاص الى عمر بن‬
‫الخطاب رضى الل عنهما بذلك‪ ,‬فكتب اليو عمر رضى الل عنو‪ :‬قد اصبت‪ ,‬اف االسبلـ‬
‫يهدـ ما قبلو‪ ,‬وقد بعثت اليك بطاقُ فألقها فى النيل‪ .‬ففتح عمرو رضى الل عنو البطاقُ‬
‫قبل القائها‪ ,‬فاذا فيها‪ :‬من عمر امير المؤمنين الى نيل مصر‪ .‬اما بعد‪ ,‬فاف كنت تجرى‬
‫من قبلك فبلتجر‪ ,‬واف كاف الل الواحد القهار وىو الذى بجريك‪ .‬فنسأؿ الل الواحد‬
‫القهار اف يجريك‪ .‬فالقى عمرو البطاقُ فى النيل قبل يوـ الصليب‪ ,‬وقد تهيأ اىل مصر‬
‫للجبلء والخروج منها‪ .‬فاصبحوا وقد اجراه الل ستُ عشر ذراعا فى ليلُ‪ .‬فانظر الى عمر‬
‫رضى الل عنو‪ ,‬كيف يخاطب الماء ويكاتبو ويكلم االرض ويؤدبها‪ .‬واذا قاؿ لك المغرور‪:‬‬
‫اين اصل ذلك فى السنُ‪ ,‬قل‪ :‬ايها المتعثر فى اذياؿ الجهاالت ايطالب الفاروؽ رضى‬
‫الل عنو باصل‪ ,‬واف شئت اصبل فهاؾ اصوال الاصبل واحدا اليس قد حن الجذع الى‬
‫المصطفى صلى الل عليو وسلم حتى ضمو اليو‪ ,‬اليس شكى اليو البعير مابو‪ ,‬اليس فى‬
‫قصُ الظبيُ حجُ واألصوؿ فى ىذه النوع التنحصر‪ ,‬وسنذكر ما لك اف تضمو الى ىذا‬
‫فى ترجمُ االماـ فخر الدين فى مسئلُ تسبيح الجمادات‪ ,‬حيث نرد عليو ثمُ انكاره‬
‫لذلك‪ .‬يقوؿ محمد محفوظ الترمسى ‪ -‬عفا الل عنو ‪ -‬عبارة ىناؾ اختار االماـ فى‬
‫التفسير فى سورة االسراء‪ :‬اف الجمادات وغير المكلف من البهائم انما تسبح الل بلساف‬
‫الحاؿ والتسبح لو بلساف المقاؿ‪ ,‬واحتج بمالم ينهض عندنا‪ .‬وفصل قوـ فقالوا‪ :‬كل حي‬
‫وناـ يسبح دوف ما عداه‪ .‬وعليو قوؿ عكرمُ‪ :‬الشجرة تسبح واالسطوانُ التسبح‪ .‬وقاؿ‬
‫يزيد الوقاشى للحسن وىما يأكبلف طعاما‪ ,‬وقد قدـ الخواف‪ :‬ايسبح ىذا الخواف‪ ,‬اباسعيد‬
‫فقاؿ‪ :‬قدكاف يسبح ثمره‪ .‬يريد اف الشجرة فى زمن نموىا واعتدالها ذات تسبيح‪ ,‬واما‬
‫اآلف فصار خوانا مدىونا‪ ,‬ويستدؿ لهذا بما ثبت من حديث ابن عباس رضى الل عنهما‬
‫اف النبي صلى الل عليو وسلم مربقبرين فقاؿ‪ :‬انهما يعذباف‪ ,‬وفيو انو دعا بعسيب رطب‬
‫وشقو باثنين‪ ,‬وغرس على ىذا واحدا وعلى ىذا واحدا‪ ,‬ثم قاؿ صلى الل عليو وسلم‪:‬‬
‫لعلو يخفف عنهما مالم ييبسا‪ ,‬فاف فيو اشارة الى انهما ماداما رطبين يسبحاف‪ ,‬واذا يبسا‬
‫صار جمادا‪ ,‬وذىب قوـ الى اف كل شيئ من جماد وغيره يسبح بلساف المقاؿ‪ ,‬وىذا ىو‬
‫االرجح عندنا‪ ,‬النو الاستحالُ فيو‪ ,‬ويدؿ لو كثير من النقوؿ‪ .‬قاؿ تعالى‪ :‬اناسخرنا‬
‫الجباؿ معو يسبحن بالعشي واالشراؽ‪ ,‬وقاؿ تعالى‪ :‬وتخر الجباؿ ىدا * اف دعوا‬
‫للرحمن ولدا‪ ‬وقاؿ صلى الل عليو وسلم كما روى ابن ماجو‪ :‬اليسمع صوت المؤذف‬
‫جن والانس والشجر والحجر والمدر والشيئ اال شهد لو يوـ القيامُ‪ .‬وفى صحيح‬
‫البخارى‪:‬‬
‫‪07‬‬
‫انهم كانوا يسمعوف تسبيح الطعاـ وىو يؤكل عند النبي صلى الل عليو وسلم‪ .‬وفى صحيح‬
‫مسلم اف رسوؿ الل صلى الل عليو وسلم قاؿ‪ :‬انى ألعرؼ حجرا بمكُ كاف يسلم علي‬
‫قبل اف ابعث وخبر الجذع فى ىذا مشهور‪ ,‬وروى ابن المبارؾ فى رقائقو اف ابن مسعود‬
‫رضى الل عنو قاؿ‪ :‬اف الجبل ليقوؿ للجبل ىل مربك اليوـ ذاكر الل فاف قاؿ نعم سربو‪.‬‬
‫الى غير ذلك من اخبار وآيات تشهد لمن يحمل قولو تعالى‪ :‬واف من شيئ اال يسبح‬
‫بحمده‪ ‬على عمومو‪ ,‬غير انا نقوؿ‪ :‬ال نسلم من تسبيحها بلساف المقاؿ أنا نسمعها‪,‬‬
‫وانما يكوف ذلك على سبيل المعجزة‪ ,‬كما كانوا يسمعوف تسبيح الطعاـ عند المصطفى‬
‫صلى الل عليو وسلم‪ ,‬او على وجو الكرامُ‪ .‬انتهت‪ .‬ومنها قصُ النار الخارجُ من‬
‫الجباؿ‪ ,‬كانت نار تخرج من كهف فى جبل فتحرؽ مااصابت‪ ,‬فخرجت فى زمن عمر‬
‫رضى الل عنو‪ ,‬فأمر ابا موسى االشعرى اوتميما الدارى رضى الل عنهما اف يدخلها‬
‫الكهف فجعل يحبسها بردائو حتى ادخلها الكهف‪ ,‬فلم تخرج بعد‪ .‬قلت‪ :‬ولعلو قصد‬
‫بذلك منع اذاىا‪ .‬ومنها انو عرض جيشا يبعثو الى الشاـ‪ ,‬فعرضت لو طائفُ فاعرض‬
‫عنهم‪ ,‬ثم عرضت ثانيا فاعرض عنهم‪ ,‬ثم عرضت ثالثا فاعرض‪ .‬فتبين باآلخرة انو كاف‬
‫فيهم قاتل عثماف و قاتل علي‪.‬‬

‫ومنها على يد عثماف ذى النورين رضي الل عنو‬


‫دخل اليو رجل كاف قد لقي امرأة فى الطريق فتأملها‪ ,‬فقاؿ لو عثماف رضي الل عنو‪:‬‬
‫يدخل احدكم وفى عينيو اثرالزنا‪ .‬فقاؿ الرجل‪ :‬أوحي بعد رسوؿ الل صلى الل عليو وسلم‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬ال‪ ,‬ولكنها فراسُ‪ .‬قلت انما اظهر عثماف رضي الل عنو ىذا تأديبا لهذا الرجل وزجرا‬
‫لو عن سوء صنيعو واعلم اف المرء اذا صفا قلبو صار ينظر بنور الل تعالى فبل يقع بصره‬
‫على كدر اوصاؼ اال عرفو ثم تختلف المقامات فمنهم من يعرؼ اف ىناؾ كدرا وال‬
‫يدرى ما اصلو ومنهم من يكوف اعلى من ىذا المقاـ فيدرى اصلو كما اتفق لعثماف رضى‬
‫الل عنو فاف تأمل الرجل للمرأة اورثو كدرا فابصره عثماف رضي الل عنو وفهم سببو وىنا‬
‫دقيقُ‪ ,‬وىو اف كل معصيُ لها كدر وتورث نكتُ سوداء فى القلب بقدرىا‪ ,‬فتكوف رينا‬
‫على ما قاؿ تعالى‪ :‬كبل بل راف على قلوبهم ما كانوا يكسبوف‪ ‬الى اف يستحكم ‪-‬‬
‫والعياذ بالل ‪ -‬فيظلم القلب وتغلق ابواب النور فيطبع عليو‪ ,‬فبل يبقى سبيل الى توبتو‬
‫على ما قاؿ تعالى‪ :‬وطبع على قلوبهم فهم ال يفقهوف‪ ,‬وقد اوضحنا ىذا فى كتاب‬
‫رفع الحوبُ بوضع التوبُ فى باب اف المطبوع ال توبُ لو‪ ,‬اذا عرفت ىذا‪ ,‬فالصغيرة من‬
‫المعاصى تورث كدرا صغيرا بقدرىا‪ ,‬قريب المحو باالستغفار و غيره من المكفرات‪,‬‬
‫واليدركو اال ذو بصر‬
‫‪08‬‬
‫حاد كعثماف رضي الل عنو‪ ,‬حيث ادرؾ ىذا الكدر اليسير‪ .‬فاف تأمل المرأة من ايسر‬
‫الذنوب وادركو عثماف رضي الل عنو وعرؼ اصلو‪ .‬وىذا مقاـ عاؿ يخضع لو كثير من‬
‫المقامات‪ .‬واذا انضم الى الصغيرة صغيرة اخرى ازداد الكدر‪ ,‬واذاتكاثرت الذنوب بحيث‬
‫وصل‪.‬‬
‫‪ -‬والعياذ بالل ‪ -‬الى ما وصفناه من ظبلـ القلوب صار بحيث يشاىده كل ذى بصر‪.‬‬
‫فمن رأى متضمخا بالمعاصى فقد اظلم قلبو ولم يتفرس فيو ذلك‪ ,‬فليعلم انو انمالم‬
‫يبصره لما عنده ايضا من العمى المانع لبلبصار‪ .‬واال فلو كاف بصيرا ألبصر ىذا الظبلـ‬
‫الداجى‪ ,‬فبقدر بصره يبصر‪ ,‬فافهم ما نتحفك بو‪.‬‬

‫ومنها على يد على المرتضى امير المؤمنين رضى الل عنو‬


‫روي اف عليا وولديو الحسن والحسين رضي الل عنهم سمعوا قائبل يقوؿ فى جوؼ الليل‪:‬‬
‫يا من يجيب دعاء المضطر فى الظلم * يا كاشف الضر والبلوى مع السقم‬
‫قد ناـ وفدؾ حوؿ البيت و انتبهوا * و عين جػودؾ يا قػيوـ لم تنػم‬
‫ىب لى بجودؾ فضل العفو عن زللى * يػا من اليو رجاء الخلق فى الحػرـ‬
‫اف كاف عفوؾ ال يرجوه ذوخطأ * فمن يجود على العػاصين بالػنعم‬
‫فقاؿ على رضى الل عنو لولده‪ :‬اطلب لى ىذا القائل‪ ,‬فأتاه فقاؿ‪ :‬أجب أمير المؤمنين‪,‬‬
‫فأقبل يجر شقو حتى وقف بين يديو فقاؿ‪ :‬قد سمعت خطابك‪ ,‬فما قصتك‪ ,‬فقاؿ‪ :‬انى‬
‫كنت رجبل مشغوال بالطرب والعصياف‪ ,‬وكاف والدى يعظنى ويقوؿ اف لل تعالى سطوات‬
‫ونقمات‪ ,‬وما ىي من الظالمين ببعيد‪ ,‬فلما الح فى الموعظُ ضربتو‪ ,‬فحلف ليدعوف علي‬
‫ويأتى مكُ مستغيثا الى الل ففعل‪ ,‬ودعا فلم يتم دعاؤه حتى جف شقى األيمن‪ ,‬فندمت‬
‫على ما كاف منى‪ ,‬وداريتو وارضيتو الى اف ضمن لى انو يدعو لى حيث دعا‪ ,‬فقدمت اليو‬
‫ناقُ فاركبتو فنفرت الناقُ ورمت بو بين صخرتين فمات‪ .‬فقاؿ علي كرـ الل وجهو رضى‬
‫الل عنك اف كاف ابوؾ رضى عنك‪ .‬فقاؿ‪ :‬آلل كذلك‪ ,‬فقاـ علي كرـ الل وجهو وصلى‬
‫ركعات ودعا بدعوات اسرىا الى الل عز وجل‪ ,‬ثم قاؿ‪ :‬يا مبارؾ قم‪ ,‬فقاـ ومشى وعاد‬
‫الى الصحُ كما كاف‪ ,‬ثم قاؿ‪ :‬لوال انك حلفت اف اباؾ رضى عنك ما دعوت لك‪ .‬قلت‪:‬‬
‫اما الدعاء فبلاشكاؿ فيو‪ ,‬اذ ليس فيو اظهار كرامُ‪ .‬ولكنا نبحث فى ىذا االمر فى‬
‫موضعين‪ ,‬احدىما فيما نحن بصدده من السر فى اظهاره ‪ -‬كرـ الل وجهو ‪ -‬الكرامُ فى‬
‫قولو‪ :‬قم‪ ,‬فنقوؿ‪ :‬لعلو لما دعا اذف لو اف يقوؿ ذلك‪ ,‬او رآى اف قيامو موقوؼ باذف الل‬
‫تعالى على ىذا المقاؿ‪ ,‬فلم‬
‫‪09‬‬
‫يكن من ذكره بد‪ .‬والثانى كونو صلى ركعات ولم يقتصر على الدعاء‪ ,‬فنقوؿ ينبغى‬
‫للداعى اف يبدأ بعمل صالح يتنور بو قلبو ليعقبو الدعاء‪ ,‬ولذلك كاف الدعاء عقيب‬
‫المكتوبات اقرب الى االجابات‪ .‬ومن افضل االعماؿ الصبلة‪ ,‬وقد جاء فى احاديث كثيرة‬
‫االمر بتقديمها على الدعاء عند الحاجات‪ ,‬واقل الصبلة ركعتاف‪ ,‬فاف حصل نور بها‬
‫واشرقت عبلئم القبوؿ‪ ,‬فاالولى الدعاء عقبها واال فليصل المرء الى اف تلوح امارات‬
‫القبوؿ فيعرض اذ ذاؾ عن الصبلة ويفتتح الدعاء فانو اقرب الى االجابُ‪ .‬وللكبلـ فى‬
‫ىذا المقاـ سبح طويل لسنا لو اآلف‪.‬‬

‫ومنها على يد العباس عم النبي صلى الل عليو وسلم‬


‫فى استسقائو عاـ الرمادة‪ .‬وذلك اف االرض اجدبت فى زمن عمر رضى الل عنو‪ ,‬وكانت‬
‫الريح تذرى ترابا كالرماد لشدة الجدب فسمى عاـ الرمادة لذلك‪ ,‬وقيل‪ :‬انما سمى بذلك‬
‫لكثرة من ىلك فيو‪ ,‬والرمد الهبلؾ‪ ,‬فخرج عمر بالعباس بن عبد المطلب رضى الل‬
‫عنهما يستسقى‪ ,‬فأخذ بضبعيو واشخصو قائما ثم اشخص الى السماء‪ ,‬وقاؿ‪ :‬اللهم انا‬
‫نتقرب اليك بعم نبيك وبقيُ آبائو وكبر رجالو فانك تقوؿ وقولك الحق‪ ,‬واما الجدار‬
‫فكاف لغبلمين يتيمين فى المدينُ وكاف تحتو كنزلهما وكاف ابوىما صالحا‪ ,‬فحفظتهما‬
‫لصبلح ابيهما‪ ,‬فاحفظ اللهم نبيك صلى الل عليو وسلم فى عمو فقد دلونا بو اليك‬
‫مستشفعين ومستغفرين‪ .‬ثم اقبل على الناس فقاؿ‪ :‬استغفروا ربكم انو كاف غفارا *‬
‫يرسل السماء عليكم مدرارا * الى قولو انهارا‪ ‬والعباس قد طاؿ عمره‪ ,‬وعيناه تنضحاف‪,‬‬
‫وسبابتو تجوؿ فى صدره وىو يقوؿ‪ :‬اللهم انت الراعى‪ ,‬التهمل الضالُ‪ ,‬وال تدع الكسير‬
‫بدار مضيعُ‪ ,‬فقد ضرع الصغير ورؽ الكبير‪ ,‬وارتفعت الشكوى‪ ,‬وانت تعلم السر‬
‫واخفى‪ ,‬اللهم فاغثهم بغياثك قبل اف يقنطوا فيهلكوا‪ ,‬فانو الييأس من روحك اال القوـ‬
‫الكافروف‪ .‬اللهم فاغثهم بغياثك‪ ,‬فقد تقرب الي القوـ لمكانى من نبيك صلى الل عليو‬
‫وسلم‪ ,‬فنشأت طريرة من سحاب وقاؿ الناس‪ :‬تروف تروف ثم تبلمت واستتمت ومشت‬
‫فيها ريح‪ ,‬ثم ىرت ودرت‪ .‬فما برح القوـ حتى اعتلقوا الحذاء وقلصوا المآزر وخاضوا‬
‫الماء الى الركب‪ ,‬والذ الناس بالعباس رضى الل عنو يمسحوف اردانو (‪ )۱‬ويقولوف ىنيأ لك‬
‫ساقى الحرمين‪ ,‬فاترع الل الحباب واخصب الببلد ورحم العباد‪ ,‬قلت‪ :‬فهذه دعوة‬
‫مستجابُ ببركُ نبينا محمد صلى الل عليو وسلم ولم يكن‬
‫ػػػػػػػػ‬
‫‪ .۱‬قولو اردانو ‪ :‬جمع ردف بضم الراء اصل الكم‬
‫‪21‬‬
‫فيها قصد اظهار كرامُ بل استسقاء عند احتياج الخلق‪ .‬وىى مثل ما ظهر على يد سعد‬
‫بن ابى وقاص رضى الل عنو‪ ,‬وذلك انو كاف يوـ القادسيُ متألما من رمل لم يستطع‬
‫الركوب الجلو‪ ,‬فجلس فى قصر يشرؼ على الناس‪ ,‬فقاؿ فى ذلك بعض الشعراء مقاال‬
‫بلغو رضى الل عنو‪ ,‬فقاؿ‪ :‬اللهم اكفنا لسانو ويده‪ .‬فخرس لسانو وشلت يده‪ .‬وكاف سعد‬
‫رضى الل عنو مجاب الدعوة الف رسوؿ الل صلى الل عليو وسلم دعا لو بذلك‪ ,‬فقاؿ‪:‬‬
‫اللهم سدد سهمو‪ ,‬واجب دعوتو‪ ,‬فكاف اليدعو بشيئ اال اجاب الل تعالى دعاءه فيو‪.‬‬
‫وكاف الصحابُ رضى الل عنهم يعرفوف ذلك منو‪ .‬و لما عزلو عمر رضى الل عنو من‬
‫الكوفُ بشكوى اىلها‪ ,‬وكاف عمر رضى الل عنو قد قاؿ‪ :‬اليشكو الي اىل موضع عاملهم‬
‫اال عزلتو‪ .‬وذلك ‪ -‬والل اعلم – لمعنيين‪ :‬احدىما انو راى اف الصحابُ رضى الل عنهم‬
‫كلهم عدوؿ و اإلستبداؿ ممكن‪ .‬والثانى انو لم يكن لؤلولين رغبُ فى الواليُ‪ ,‬وانما كانوا‬
‫يفعلونها امتثاال ألمر أمير المؤمنين‪ ,‬وانقيادا لطاعُ الل عز وجل و رسولو صلى الل عليو‬
‫وسلم‪ ,‬ورجاء ثواب الل فى إقامُ الحق‪ .‬فإذا عزؿ احدىم كاف العزؿ احب اليو من‬
‫الواليُ‪ ,‬فبل يؤلم ذلك قلبو‪ .‬فلذلك كاف عمر رضى الل عنو ‪ -‬والل اعلم ‪ -‬يختار عزؿ‬
‫المشكو على اإلطبلؽ بمجرد الشكوى‪ ,‬واف كاف عنده عدال ورعا منزىا عما قيل فيو‪,‬‬
‫ألنو يجمع بعزلو بين إدخاؿ السرور على قلبو بئلقالُ‪ ,‬وعلى الشاكين بقطع النزاع‪ .‬وكاف‬
‫مع ذلك اليغفل البحث عن أحواؿ الراعى و الرعيُ حتى يطلع على صدؽ الشاكى من‬
‫غيره‪ .‬فلما عزؿ سعدا وولى مكانو عمار بن ياسر رضى عنهما بعث مع سعد رضى الل‬
‫عنو من يسأؿ عنو اىل الكوفُ‪ ,‬فلم يدع مسجدا حتى سأؿ عنو‪ ,‬فيثنوف عليو خيرا حتى‬
‫دخل مسجدا لبنى عبس فقاـ رجل منهم يقاؿ لو أسامُ بن قتادة ويكنى أبا سعدة فقاؿ‪:‬‬
‫اما اذ نشدتنا فاف سعدا كاف ال يسير بالسريُ واليقسم بالسويُ واليعدؿ فى القضيُ‪ .‬فقاؿ‬
‫سعد رضى الل عنو‪ :‬اما والل ألدعوف بثبلث‪ ,‬اللهم اف كاف عبدؾ ىذا كاذبا قاـ رياء و‬
‫سمعُ فأطل عمره‪ ,‬وأطل فقره‪ ,‬وعرضو للفتن‪ .‬قاؿ عبد الملك بن عمير من رواة الحديث‪:‬‬
‫فانا رايتو قد سقط حاجباه على عينيو من الكبر‪ ,‬وانو ليتعرض للجوارى فى الطريق يغمزىن‪,‬‬
‫وكاف بعد اذا سئل يقوؿ‪ :‬شيخ كبير مفتوف اصابتني دعوة سعد‪ .‬واراد عمر رضى الل عنو اف‬
‫يرد سعدا بعد ذلك الى الكوفُ فامتنع‪ .‬وأقبل سعد رضى الل عنو يوما برجل يسب عليا و‬
‫طلحُ و الزبير رضى الل عنهم فنهاه فكأنما زاده اغراء‪ ,‬فقاؿ‪ :‬ويلك ما تريد الى اقواـ خير‬
‫منك‪ ,‬لتنتهين او ألدعوف عليك‪ ,‬فقاؿ‪ :‬ىاه فكأنما تخوفنى يعنى نبيا من األنبياء‪ .‬فدخل‬
‫سعد رضي الل عنو‬
‫‪20‬‬
‫دارا فتوضأ ودخل مسجدا فقاؿ‪ :‬اللهم اف عبدؾ ىذا يسب اقواما قد سبقت لهم منك‬
‫الحسنى حتى أسخطك بسبو إياىم‪ ,‬فأرنى فيو اليوـ أيُ لتكوف أيُ للمؤمنين‪ .‬فخرجت‬
‫بختيُ من دار قوـ وأقبلت ال يصد صدرىا شيئ حتى انتهت اليو‪ ,‬وتفرؽ الناس فجعلتو‬
‫بين قوائمها حتى طفئ‪.‬‬
‫ومنها على يد ابن عمر رضى الل عنهما‬
‫وعلى يد‬ ‫(‪)۱‬‬ ‫حيث قاؿ لؤلسد الذى منع الناس الطريق‪ :‬تنح فبصبص بذنبو وذىب‪.‬‬
‫العبلء بن الحضرمى رضى الل عنو وقد بعثو النبى صلى الل عليو و سلم فى غزاة بجيش‪,‬‬
‫فحاؿ بينهم وبين الموضع البحر‪ ,‬فدعا الل تعالى ومشوا على الماء‪ .‬وما جاء انو كاف بين‬
‫سلماف و ابى الدرداء قصعُ فسبحت حتى سمع التسبيح‪ .‬وما اشتهر اف عمراف بن‬
‫حصين رضى الل عنهما كاف يسمع تسبيح المبلئكُ حتى اكتوى‪ ,‬فانجس ذلك عنو ثم‬
‫اعاده الل عليو‪ .‬وما اشتهر من قصُ خالد بن الوليد رضى الل عنو‪ ,‬وىي انو شرب السم‬
‫ولم يضره‪ .‬فاف قلت‪ :‬ما باؿ الكرامات فى زماف الصحابُ رضى الل عنهم؟ واف كثرت فى‬
‫نفسها قليلُ بالنسبُ الى ما يروى من الكرامات الكائنُ بعدىم على يد األولياء‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬اوال‪ ,‬ما اجاب اإلماـ الجليل احمد بن حنبل رضى الل عنو حيث سئل عن‬
‫ذلك‪ ,‬فقاؿ‪ :‬اولئك كاف ايمانهم قويا‪ ,‬فما احتاجوا الى زيادة يقوى بها ايمانهم‪ ,‬وغيرىم‬
‫ضغيف اإليماف فى عصره فاحتيج الى تقويتو باظهار الكرامُ‪ .‬ونظيره قوؿ الشيخ‬
‫السهروردى رحمو الل حيث قاؿ‪ :‬وخرؽ العادة انما يكاشف بو لموضع يقين المكاشف‪,‬‬
‫رحمُ من الل تعالى لعباده‪ ,‬العباد ثوابا معجبل‪ ,‬وفوؽ ىؤالء قوـ ارتفت الحجب عن‬
‫قلوبهم فمااحتاجوا الى ذلك‪ .‬وثانيا‪ ,‬اف يقاؿ‪ :‬مايظهر على ايديهم ربما استغنى عنو‬
‫اكتفاء بعظيم مقدارىم وروعتهم طلعُ المصطفى صلى الل عليو وسلم ولزومهم طريق‬
‫لها‬ ‫(‪)1‬‬ ‫االستقامُ الذى ىو اعظم الكرامُ‪ ,‬مع مافتح على ايديهم من الدنيا وال اشرأبوا‬
‫والبضحوا نحوىا‪ ,‬والاستزلت واحدا فرض الل عنهم‪ .‬كانت الدنيا فى ايديهم اضعاؼ‬
‫ماىى فى ايدى اىل دنيانا‪ ,‬وكاف اعراضهم عنها اشد اعراض‪ ,‬وىذا من اعظم الكرامات‪.‬‬
‫ولم يكن شوقهم اال اعبلء كلمُ الل تعالى‪ ,‬والدعاء الى جنابو جل وعبل‪ .‬فاف قلت‪ :‬ىب‬
‫انكم دفعتم شبو المنكرين للكرامات‪ ,‬فما دليلكم انتم على اثباتها‪ ,‬فاف القوؿ‬
‫ػػػػػ ػػػػ‬
‫‪.۱‬فى رسالُ القش يري نحوه و زاد بعده انو قاؿ انما سلط على ابن ادـ ما يخافو و لو انو لم يخف غير‬
‫الل لما سلط عليو شيئ و ىذا خبر معروؼ‬
‫‪.1‬فى القاموس اشرأب اليو مد عنقو او ارتفع و االسقم الشرأبيُ كالطمأنينُ‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫فى الدين نفيا واثباتا يحتاج الى الدليل‪ .‬قلت‪ :‬اذا اندفع ما استدؿ بو الخصوـ على المنع‬
‫وبطلت االستحالُ لم يبق بعدىا اال الجواز‪ ,‬اذ ال واسطُ بين المنع واالستحالُ‪ .‬ثم فيما‬
‫ذكرناه من الواقعات على يد الصحابُ مقنع لمن لو ادنى بصيرة‪ ,‬ثم اف ابيت اال دليبل‬
‫خاصا ليكوف اقطع للشغب (‪ )8‬وانفى للشبو‪ .‬فنقوؿ‪ :‬الدليل على ثبوت الكرامات وجوه‪:‬‬
‫احدىا ‪ -‬وىو اوحدىا – ما شاع وذاع‪ ,‬بحيث ال ينكره اال جاىل معاند من انواع‬
‫الكرامات للعلماء والصالحين الجارى مجرى شجاعُ علي كرـ الل وجهو‪ ,‬وسخاء حاتم‪.‬‬
‫بل انكار الكرامات اعظم مباىتُ‪ ,‬فانو اشهر واظهر‪ .‬واليعاند فيو اال من طمس قلبو ‪-‬‬
‫والعياذ بالل ‪ -‬والثانى قصُ مريم من جهُ حبلها من غير ذكر‪ ,‬وخصوؿ الرطب الطرى من‬
‫الجذع اليابس‪ ,‬وحصوؿ الرزؽ عندىا فى غير اوانو ومن غير حضور اسبابو‪ ,‬على ما اخبر‬
‫الل تعالى بقولو‪ :‬كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندىا رزقا قاؿ يا مريم انى لك‬
‫ىذا قالت ىو من عند الل‪,‬وىى لم تكن نبيُ‪ ,‬العندنا وال عند الخصوـ‪ .‬اما عندنا‬
‫فؤلدلُ‪ ,‬منها قولو تعالى‪ :‬ماالمسيح بن مريم اال رسوؿ قد خلت من قبلو الرسل وامو‬
‫صديقُ‪ ,‬ومنها االجماع على مانقل بعضهم‪ .‬واما عند الخصم فؤلنو يشترط اف يكوف‬
‫النبي ذكرا‪ ,‬ونحن ال نخالفو فى ذلك بل نشترط الذكورة فى االمامُ والقضاء فضبل عن‬
‫النبوة‪ .‬ىكذا ذكر بعض ائمتنا‪ .‬فقاؿ القاضى‪ :‬لم يقم عندى من ائمُ السمع من امر مريم‬
‫وجو قاطع فى نفى نبوتها او اثباتها‪ .‬فاف قلت‪ :‬لم ال يجوز اف تكوف معجزة لزكرياء عليو‬
‫السبلـ او يكوف ارىاصا لولدىا عيسى عليو السبلـ‪ ,‬قلت‪ :‬الف المعجزة يجب اف تكوف‬
‫بمشهد من الرسوؿ والقوـ‪ ,‬حتى يقيم الداللُ عليهم‪ .‬وما حكيناه من كراماتها نحو قوؿ‬
‫جبريل لها‪ :‬وىزى اليك بجذع النخلُ تساقط عليك رطبا جنيا‪ ,‬لم يكن بحضور احد‪,‬‬
‫بدليل قولو‪ :‬فاما ترين من البشر احدا فقولى انى نذرت للرحمن صوما‪ .‬وايضا‬
‫فالمعجزة تكوف بالتماس الرسوؿ‪ ,‬وزكرياء ماكاف يعلم بحصوؿ ذلك‪ ,‬لقولو‪ :‬انى لك‬
‫ىذا‪ .‬وايضا فهذه الخوارؽ انما ذكرت لتعظيم شأف مريم فيمتنع وقوعها كرامُ لغيرىا‪.‬‬
‫وال يجوز اف يكوف ارىاصا لعيسى عليو السبلـ‪ ,‬الف االرىاص اف يختص الرسوؿ قبل‬
‫رسالتو بالكرامات‪ ,‬فاما ما يحصل بو كرامُ الغير ألجل انو سيجيئ بعد ذلك‪ ,‬فذلك‬
‫ىوالكرامُ التى ندعيها‪ ,‬والنو لوجاز ذلك لجاز فى كل معجزة ظهر على يد مدعى الرسالُ‬
‫اف تكوف ارىاصا لنبي آخر يجيئ بعد ذلك‪ .‬وتجويز‬
‫ػػػػػػ‬
‫‪ 8‬تهييج الشر‬
‫‪23‬‬
‫ىذا يؤدى الى سد باب االستدالؿ بالمعجزة على النبوة‪ .‬وقريب من قصُ مريم‪ ,‬قصُ اـ‬
‫موسى عليو السبلـ وما كاف من الهاـ الل تعالى اياىا حتى طابت نفسها بإلقاء ولدىا فى‬
‫اليم‪ ,‬الى غير ذلك مما خصت بو‪ .‬افترى ذلك سدى‪ ,‬قاؿ اماـ الحرمين‪ :‬ولم يصر احد‬
‫من اىل التواريخ ونقلُ األقاصيص الى انهانبيُ صاحبُ معجزة‪ .‬والثالث التمسك بقصُ‬
‫اصحاب الكهف‪ .‬فاف لبثهم ثبلثمائُ سنين وازيد‪ ,‬نياما احياء من غير آفُ مع بقاء القوة‬
‫العاديُ ببل غذاء والشراب‪ ,‬من جملُ الخوارؽ ولم يكونوا انبياء‪ ,‬فلم تكن معجزة‪ ,‬فتعين‬
‫كونها كرامُ‪ .‬وادعى اماـ الحرمين اتفاؽ المسلمين على انهم لم يكونوا انبياء‪ ,‬وانما كانوا‬
‫على دين ملك فى زمانهم يعبد االوثاف‪ ,‬فأراد الل اف يهديهم‪ ,‬فشرح صدورىم لبلسبلـ‪,‬‬
‫ولم يكن ذلك عن دعوة داع دعاىم‪ ,‬ولكنهم لما وفقوا تفكروا فاعتبروا ونظروا فاستباف‬
‫لهم ضبلؿ صاحبهم‪ ,‬ورأوا اف يؤمنوا بفاطر السموات واالرض ومبدع الخبلئق اجمعين‪.‬‬
‫وال يمكن اف يجعل ذلك معجزة لنبي آخر‪ .‬اما اوال‪ ,‬فؤلنهم اخفوه حيث قالوا‪:‬‬
‫‪‬واليشعرف بكم احدا‪ ,‬والمعجزة ال يمكن اخفاؤىا‪ .‬واما ثانيا‪ ,‬فبلف المعجزة يجب‬
‫العلم بها‪ ,‬وبقاؤىم ىذه المدة ال يمكن علم الخلق بو الف الخلق اليشاىدونو‪ ,‬فبل يعلم‬
‫ذلك اال باخبارىم‪ .‬لو صح انهم يعلموف ذلك‪ ,‬واخبارىم بذلك انما يفيد اذا ثبت‬
‫صدقهم بدليل آخر وىو غير حاصل‪ ,‬واما اثبات صدقهم بهذا االمر فدور ممتنع‪ ,‬النو‬
‫انما ثبت ىذا االمر اذا ثبت صدقهم‪ ,‬فلوتوقف صدقهم عليو لدار‪ ,‬واما ثالثا‪ ,‬فانو ليس‬
‫لذلك النبي ذكر وال دليل يدؿ عليو‪ .‬فاثبات المعجزة لو ال فائدة فيو‪ ,‬الف فائدة المعجزة‬
‫التصديق‪ ,‬وتصديق واحد غير معين محاؿ‪ .‬الرابع التمسك بقصص شتى مثل قصُ آصف‬
‫بن برخيا مع سليماف عليو السبلـ فى حمل عرش بلقيس اليو قبل اف يرتد اليو طرفو على‬
‫قوؿ اكثر المفسرين بانو المراد بػ‪‬الذى عنده علم من الكتاب‪ ,‬وما قدمناه عن‬
‫الصحابُ رضى الل عنهم‪ ,‬وما تواتر عمن بعدىم من الصالحين و خرج عن حد الحصر‪,‬‬
‫ولو اراد المرء استيعابو لما كفتو اوساؽ احماؿ وال اوقات جماؿ‪ ,‬ولكنا نستدؿ بما كانوا‬
‫عليو‪ .‬فقد كانوا من قبل ما نبغ النابغوف‪ ,‬ونشأ الزائغوف‪ ,‬يتفاوضوف فى كرامات‬
‫الصالحين‪ ,‬وينقلوف ما جرى من ذلك لعباد بنى اسرائيل فمن بعدىم‪ .‬وكانت الصاحابُ‬
‫رضى الل عنهم من اكثر الناس خوضا فى ذلك‪ .‬والخامس ما اعطاه الل تعالى لعلماء ىذه‬
‫االمُ واوليائها من العلوـ حتى صنفوا كتبا كثيرة ال يمكن غيرىم نسخها فى مدة عمره‬
‫صنفها‪ ,‬مع التوفيق لدقائق تخرج عن حد الحصر‪ ,‬واستنباطات تطرب ذوى النهى‪,‬‬
‫واستخراجات لمعاف شتى من الكتاب والسنُ‪ ,‬تطبق طبق‬
‫‪24‬‬
‫االرض‪ ,‬وتحقيق للحق و ابطاؿ للباطل‪ ,‬وما صبروا عليو من المجاىدات والرياضات والدعوة‬
‫الى الحق‪ ,‬والصبر على انواع األذى‪ ,‬وعزوؼ انفسهم عن لذات الدنيا‪ ,‬مع نهايُ عقولهم‬
‫وذكائهم وفطنتهم‪ .‬وما حبب اليهم من الدأب‪ ,‬وكد النفس فى تحصيلها‪ ,‬بحيث اذا تأمل‬
‫المتأمل ما اعطاىم الل عز وجل منو‪ ,‬عرؼ انو اعظم من اعطائو بعض عبيده كسرة خبز فى‬
‫ارض منقطعُ‪ ,‬وشربُ ماء فى مفازة‪ ,‬ونحوىما مما يعد كرامُ‪ .‬فاف قلت قد اكثرتم القوؿ فى‬
‫الكرامات وما افصحتم بالمختار من االقواؿ المنقوالت‪ .‬قلت‪ :‬ىذا مقاـ معضل خطر‪,‬‬
‫واالحتجار على مواىب الل تعالى الوليائو عظيم عسير‪ ,‬واالتساع فى التجويز آيل الى فتح باب‬
‫على المعجزات مسدود‪ .‬والذى يترجح عندى القوؿ بتجويز الكرامات على االطبلؽ اذا لم‬
‫تخرؽ عادة‪ ,‬وبتجويز بعض خوارؽ العوائد دوف بعض‪ ,‬فبلامنع كثيرا من الخوارؽ وامنع كثيرا‪.‬‬
‫ولي فى ذلك قدوة وىو ابو القاسم القشيرى رحمو الل تعالى‪ .‬فاف قلت‪ :‬عرفنى ما تمنعو وما‬
‫التمنعو ليتبين مذىبك‪ .‬قلت‪ :‬امنع ولدا من غير ابوين‪ ,‬وقلب جماد بهيمُ‪ ,‬ونحو ذلك‪,‬‬
‫وسيتضح لك ذلك عند ذكر االنواع التى ابديتها على االثر اف شاء الل تعالى‪ .‬واما جمهور‬
‫ائمتنا فعمموا التجويز واطلقوا القوؿ اطبلقا‪ ,‬واخذ بعض المتأخرين بعدد انواع الواقعات من‬
‫الكرامات فجعلها عشرة‪ ,‬وىى اكثر من ذلك‪ ,‬وانا اذكر ما عندى فيها‪ :‬النوع االوؿ‪ ,‬احياء‬
‫الموتى‪ ,‬واستشهد لذلك بقصُ ابى عبيد البسرى‪ ,‬فقد صح انو غزا وتحتو دابُ فماتت‪ ,‬فسأؿ‬
‫الل تعالى اف يحييها حتى يرجع الى بسر‪ ,‬فقامت الدابُ تنفض اذنيها‪ .‬فلما فرغ من الغزوة‬
‫ووصل الى بسر أمر خادمو اف يأخذ السرج عن الدابُ‪ ,‬فلما أخذه سقطت ميتُ‪ .‬والحكايات‬
‫فى ىذا الباب كثيرة‪ ,‬ومن أواخرىا اف مفرجا الدمامينى‪ ,‬وكاف من اولياء الل من اىل الصعيد‪,‬‬
‫ذكر انو اخضرت عنده فراخ مشويُ‪ ,‬فقاؿ لها‪ :‬طيرى فطارت احياء باذف الل تعالى‪ .‬واف الشيخ‬
‫االىدؿ كانت لو ىرة ضربها خادمو فماتت فرمى بها فى خرابُ‪ ,‬فسأؿ عنها الشيخ بعد ليلتين‬
‫اوثبلث‪ ,‬فقاؿ الخادـ‪ :‬ال أدرى‪ .‬فقاؿ‪ :‬أما تدرى ثم ناداىا فجاءت اليو تجرى‪ .‬وحكايُ الشيخ‬
‫عبد القادر الكيبلنى رضى الل عنو‪ ,‬ووضعو يده على عظاـ دجاجُ كاف قد اكلها‪ ,‬وقولو لها‪:‬‬
‫قومى باذف الل تعالى الذى يحيى العظاـ وىى رميم‪ ,‬فقامت دجاجُ سويُ‪ ,‬حكايُ مشهورة‪.‬‬
‫وذكروا اف الشيخ ابايوسف الدىمانى مات صاحبو فجزع عليو اىلو‪ .‬فلما راى الشيخ شدة‬
‫جزعهم جاء الى الميت‪ ,‬وقاؿ لو‪ :‬قم باذف الل فقاـ وعاش بعد ذلك زمنا طويبل‪ .‬وحكايُ الشيخ‬
‫زين الدين الفارقى الشافعى (‪ )۱‬مدرس الشافعيُ شهير‪ ,‬وقد سمعتها عن لفظ ولده ولي الل‬
‫ػػػػػػػػػػػ‬
‫‪ .۱‬ىو عبد الل بن مرواف بن عبد الل خطيب دمشق ولد سنُ ‪ 333‬وتوفى سنُ ‪ 1۳۳‬رحمو الل ونفعنا‬
‫بو‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫الشيخ فتح الدين يحيى‪ ,‬فحكى لنا ما سنحكيو فى ترجمُ والده‪ ,‬مما حاصلو انو وقع فى‬
‫داره طفل صغير من سطح فمات فدعا الل فأحياه‪ .‬قلت‪ :‬عبارتو ثمو‪ .‬وحكى لى غير‬
‫واحد‪ ,‬منهم ابنو ولي الل الشيخ فتح الدين يحيى‪ ,‬وىو ثقُ ثبت سيد كبير‪ ,‬اف الشيخ‬
‫زين الدين نزؿ بو بعض اصحابو ضيفا‪ ,‬ومعو اىلو وابنُ لو صغيرة‪ ,‬فوقعت من رأس شجرة‬
‫فى الدار وأيس منها‪ .‬فلما اخبر بخبرىا قاؿ‪ :‬والل ال ارفع رأسى حتى تقوـ ىذه الصغيرة‪.‬‬
‫وسجد فلم يرفع رأسو حتى اخبر باستقبللها فى اسرع وقت‪ .‬انتهت‪ .‬وال سبيل الى‬
‫استقصاء ما يحكى من ىذا النوع لكثرتو وانا أومن بو‪ ,‬غير انى أقوؿ‪ :‬لم يثبت عندى‪ ,‬اف‬
‫وليا حيى لو ميت مات من ازماف كثيرة بعد ما صار عظما رميما‪ ,‬ثم عاش بعد ما حيى لو‬
‫زمانا كثيرا‪ .‬ىذا القدر لم يبلغنا وال اعتقده وقع ألحد من االولياء‪ .‬وال شك فى وقوع مثلو‬
‫لؤلنبياء عليهم الصبلة والسبلـ مثل ىذا يكوف معجزة‪ ,‬وال تنتهى اليو الكرامُ‪ ,‬فيجوز اف‬
‫يجيئ نبي قبل اختتاـ النبوة باحياء امم انقضت قبلو بدىور‪ ,‬ثم اذا عاشوا استمروا فى‬
‫قيد الحياة ازمانا‪ .‬والاعتقد اآلف اف وليا يحيى لنا الشافعى وابا حنيفُ حياة يبقياف معها‬
‫زمانا طويبل‪ ,‬كما عمرا قبل الوفاة‪ ,‬بل وال زمانا قصيرا يخالطاف فيو االحياء‪ ,‬كما خالطاىم‬
‫قبل الوفاة‪ .‬النوع الثانى كبلـ الموتى‪ ,‬وىو اكثر من النوع قبلو‪ ,‬وروى مثلو عن ابى سعيد‬
‫الخواز رضى الل عنو‪ ,‬ثم عن الشيخ عبد القادر رضى الل عنو‪ ,‬وعن جماعُ من آخرىم‬
‫بعض مشايخ الشيخ االماـ الوالد رحمو الل‪ .‬ولست اسميو النوع الثالث انفبلؽ البحر‬
‫وجفافو والمشي على الماء‪ ,‬وكل ذلك كثير‪ .‬وقد اتفق مثلو لشيخ االسبلـ وسيد‬
‫المتأخرين تقى الدين ابن دقيق العيد‪ .‬الرابع انقبلب االعياف‪ ,‬كما حكى اف االشيخ‬
‫عيسى ىتار اليمنى ارسل اليو شخص مستهزئابو انائين خمرا نصب احدىما فى اآلخر‪,‬‬
‫وقاؿ‪ :‬بسم الل كلوا‪ ,‬فأكلوا‪ ,‬فاذا ىو سمن لم ير مثل لونو وريحو‪ ,‬وقد اكثروا فى ذكر‬
‫نظير ىذه الحكايُ‪ .‬الخامس انزواء االرض لهم‪ ,‬بحيث حكوا اف بعض االولياء كاف فى‬
‫جامع طرسوس‪ ,‬فاشتاؽ الى زيارة الحرـ‪ ,‬فادخل رأسو فى جبتو ثم اخرجو وىو فى‬
‫الحرـ‪ .‬والقدر المشترؾ من الحكايات فى ىذا النوع بالغ مبلغ التواتر والينكره اال‬
‫مباىت‪ .‬السادس كبلـ الجمادات والحيوانات‪ .‬وال شك فيو توفى كثرتو‪ ,‬ومنو ما حكى‬
‫اف ابراىيم بن ادىم جلس فى طريق بيت المقدس تحت شجرة رماف‪ ,‬فقالت لو‪ :‬يا ابا‬
‫اسحاؽ اكرمنى باف تأكل منى شيئا‪ .‬قالت ذلك ثبلثا‪ .‬وكانت شجرة قصيرة ورمانها‬
‫حامض‪ ,‬فأكل منها رمانُ فطالت وحبل رمانها‪ ,‬وحملت فى العاـ مرتين وسميت رمانُ‬
‫العابدين‪ .‬وقاؿ الشبلى‪ :‬عقدت انى ال آكل اال من حبلؿ‪ ,‬فكنت ادور فى البرارى‪,‬‬
‫فرايت‬
‫‪26‬‬
‫شجرة تين فمددت يدى آلكل منها‪ ,‬فنادتنى الشجرة‪ :‬احفظ عليك عقدؾ وال تأكل منى‬
‫فانى يهودى‪ .‬فكففت يدى‪ .‬السابع ابراء العليل‪ ,‬كما روى عن السرى فى حكايُ الرجل‬
‫الذى لقيو ببعض الجباؿ يبرئ الزمنى والعمياف والمرضى‪ ,‬وكما روى عن الشيخ عبد‬
‫القادر انو قاؿ لصبي مقعد مفلوج أعمى مجذوـ‪ :‬قم باذف الل تعالى فقاـ ال عاىُ بو‪.‬‬
‫الثامن طاعُ الحيوانات لهم‪ ,‬كما فى حكايُ االسد مع ابى سعيد ابن ابى الخير الميهنى‪,‬‬
‫وقبلو ابراىيم الخواص‪ ,‬بل وطاعُ الجمادات‪ ,‬كما فى حكايُ سلطاف العلماء شيخ‬
‫االسبلـ عزالدين ابن عبد السبلـ‪ ,‬وقولو فى واقعُ الفرنج‪ :‬ياريح خذيهم فأخذتهم‪ .‬قلت‪:‬‬
‫ملخص ىذه الحكايُ‪ ,‬كما ذكره فى ترجمتو‪ ,‬اف الفرنج وصلوا الى المنصورة فى‬
‫المراكب‪ ,‬واستظهروا على المسلمين‪ .‬وكاف الشيخ اذذاؾ مع العسكر وقويت الريح‪,‬‬
‫فلما رآى حاؿ المسلمين نادى باعلى صوتو مشيرا بيده الى الريح‪ :‬ياريح خذيهم عدة‬
‫مرار‪ ,‬فعادت الريح على مراكب الفرنخ فكسرتها‪ .‬وكاف الفتح وغرؽ اكثر الفرنج‪ .‬وصرخ‬
‫بين يدى المسلمين صارخ‪ :‬الحمد لل الذى ارانا من امُ محمد صلى الل عليو وسلم‬
‫رجبل سخر لو الريح‪ .‬التاسع طي الزماف‪ .‬العاشر نشر الزماف‪ .‬وفى تقرير ىذين القسمين‬
‫عسر علي االفهاـ‪ .‬وتسليمو الىلو اولى بذى االيماف‪ .‬والحكايات فيهما كثيرة‪ .‬الحادى‬
‫عشر استجابُ الدعاء‪ ,‬وىو كثير جدا وشاىدناه من جماعُ‪ .‬الثانى عشر امساؾ اللساف‬
‫عن الكبلـ وانطبلقو‪ .‬الثالث عشر جذب بعض القلوب فى مجلس كانت فيو غايُ‬
‫الفطرة‪ .‬الرابع عشر االخبار ببعض المغيبات والكشف‪ ,‬وىو درجات تخرج عن حد‬
‫الحصر‪ .‬الخامس عشر الصبر على عدـ الطعاـ والشراب المدة الطويلُ‪ .‬السادس عشر‬
‫مقاـ التصريف‪ ,‬فقد حكى عن جماعُ منهم الشيئ الكثير‪ ,‬وذكر اف بعضهم كاف يبيع‬
‫المطر‪ .‬وكاف من المتأخرين الشيخ ابو العباس الشاطر يبيع المطر االسعاد بالدراىم‪.‬‬
‫وكثرت الحكايات عنو فى ىذا الباب‪ ,‬بحيث لم يبق للذىن سانح فى انكارىا‪ .‬السابع‬
‫عشر القدرة على تناوؿ الكثير من الغداء‪ .‬الثامن عشر الحفظ عن اكل الحراـ‪ ,‬كما‬
‫حكى عن الحارث المحاسبى انو كاف يرتفع الى انفو زفورة من المأكل الحراـ فبل يأكلو‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬كاف يتحرؾ لو عرؽ‪ .‬وحكى نظيره عن الشيخ ابى العباس المرسى‪ .‬وقيل‪ :‬اف بعض‬
‫الناس امتحنو واحضر لو مأكبل حراما فيجرد ما وضعو بين يديو‪ .‬قاؿ‪ :‬اف كاف محاسبى‬
‫يتحرؾ منو عرؽ فانا يتحرؾ منى عند حضور الحراـ سبعوف عرقا‪ .‬ونهض من ساعتو‬
‫وانصرؼ‪ .‬التاسع عشر رؤيُ المكاف البعيد من وراء الحجب‪ ,‬كما قيل اف الشيخ ابا‬
‫اسحاؽ الشيرازى كاف يشاىد الكعبُ وىو ببغداد‪ .‬العشروف الهيبُ التى لبعضهم‪,‬‬
‫‪27‬‬
‫بحيث مات من شاىده بمجرد رؤيتو‪ ,‬كصاحب ابى يزيد البسطامى الذى قدمنا حكايتو‪,‬‬
‫اوبحيث افحم بين يديو‪ ,‬اواعترؼ بما لعلو كتمو عنو‪ ,‬اوغير ذلك‪ ,‬وىو كثير‪ .‬قلت‪ :‬اراد‬
‫بحكايُ صاحب ابى يزيد التى قدمها ما ذكره نقبل عن ناصر الدين ابن المنير المالكى اف‬
‫ابا تراب النخشبى كاف لو تلميذ‪ ,‬وكاف الشيخ يرفق بو ويتفرس فيو الخير‪ .‬وكاف ابو تراب‬
‫كثيرا ما يذكر ابايزيد البسطامى‪ ,‬فقاؿ لو الفتى يوما‪ :‬لقد اكثرت من ذكر ابى يزيد‪ ,‬من‬
‫يتجلى لو الحق فى كل يوـ مرات‪ ,‬ماذا يصنع بابى يزيد‪ ,‬فقاؿ لو ابو تراب‪ :‬ويحك يا‬
‫فتى لو رايت ابا يزيد لرايت مرأى عظيما‪ .‬فلم يزؿ يشوقو الى لقائو حتى عزـ على ذلك‬
‫فى صحبُ الشيخ ابى تراب‪ ,‬فارتحبل الى ابى يزيد فقيل لهما انو فى الغيضُ‪ ,‬وكانت لو‬
‫غيضُ ياوى اليها مع السباع‪ ,‬فقصدا الغيضُ وجلسا على ربوة على سحر ابى يزيد‪ .‬فلما‬
‫خرج ابو يزيد من الغيضُ قاؿ ابو تراب للفتى‪ :‬ىذا ابو يزيد‪ .‬فعند ما وقع بصر الفتى‬
‫على ابى يزيد خر ميتا‪ .‬فحدث ابو تراب ابا يزيد بقصتو وعجب من ثبوتو لتجلى الحق‬
‫سبحانو وتعالى وعدـ تماسكو لرؤيُ ابى يزيد‪ ,‬فقاؿ ابو يزيد البى تراب‪ :‬كاف ىذا الفتى‬
‫صادقا‪ ,‬وكاف الحق يتجلى لو على قدر ما عنده‪ ,‬فلما رآنى تجلى لو الحق على قدرى‬
‫فلم يطق‪ .‬قاؿ ناصر الدين‪ :‬واصطبلح اىل الطريق معروؼ‪ ,‬وحاصلو رتبُ من المعرفُ‬
‫جليُ وحالُ من اليقظُ والحضرة سربُ سنيُ‪ ,‬وااليماف يزيد وينقص على الصحيح‪ .‬وال‬
‫تظنهم يعنوف بالتجلى رؤيُ البصر التى قيل فيها لموسى عليو السبلـ على خصوصيتو‪:‬‬
‫‪‬لن ترانى‪ ,‬والتى قيل فيها على العموـ ال تدركو االبصار‪ .‬فاذا فهمت اف مرادىم الذى‬
‫اثبتوه غير المعنى الذى حصل الناس منو على الناس فى الدنيا‪ ,‬ووعد بو الخواص فى‬
‫األخرى‪ ,‬فبلضير بعد ذلك عليك‪ ,‬وال طريق لسوء الظن اليك‪ ,‬والل يتولى السرائر‪ .‬قاؿ‬
‫‪ -‬اعنى التاج السبكى ‪ -‬عقب ذلك‪ :‬وىذا فى تفسير التجلى يقرب من قوؿ ابى محمد‬
‫ابن عبد السبلـ رحمو الل‪ ,‬اف التجلى والمشاىدة عبارة عن العلم والعرفاف‪ .‬واعلم اف‬
‫القوـ اليقتصروف فى تفسير التجلى على العلم‪ ,‬واليعنوف بو اياه‪ ,‬ثم اليفصحوف بما يعنوف‬
‫افصاحا‪ ,‬وانما يلوحوف تلويحا‪ ,‬ثم يصرحوف بالبراءة مما يوجب سوء الظن تصريحا‪ .‬وقد‬
‫ذكر القشيرى رحمو الل باب الستر والتجلى ثم باب المشاىدة ولم يفصح بتفسير‬
‫التجلى‪ ,‬كانو خشى على فهم من ليس من اىل الطريق‪ ,‬وعرؼ اف السالك يفهمو فلم‬
‫يحتج الى كشفو لو‪ .‬وحاصل مايقولو متأخرو القوـ اف التجلى ضرباف‪ :‬ضرب للعواـ‪ ,‬وىو‬
‫اف يكشف صورة‪ ,‬كما جاء جبريل عليو السبلـ فى صورة دحيُ رضى الل عنو‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وىذا تجلى الصفُ‪ ,‬ويضربوف لذلك المرآة مثبل‪ ,‬فيقولوف‪:‬‬
‫‪28‬‬
‫انت تنظر وجهك فى المرآة وليست المرآة محبل لوجهك وال وجهك حاال فيها‪ ,‬وانما‬
‫ىناؾ مثالها‪ .‬تعالى الل عن اف يكوف لو مثاؿ‪ ,‬وانما يذكروف ىذا تقريبا لؤلفهاـ‪ .‬وضرب‬
‫للخواص‪ ,‬وىو تجلى الذات نفسها‪ ,‬ويذكروف ىنا لتقريب الفهم الشمس‪ ,‬قالوا‪ :‬فانك‬
‫ترى ضوء النهار فتحكم بوجود الشمس وحضورىا برؤيتك الضوء‪ .‬قالوا‪ :‬وىذا تقريب‬
‫ايضا‪ ,‬واال فنور البارى لوسطع ألحرؽ الوجود باسره اال من ثبتو الل‪ .‬وقد يعتضدوف‬
‫بحديث ابى ذر رضى الل عنو‪ :‬سألت النبي صلى الل عليو وسلم‪ :‬ىل رايت ربك‪ ,‬قاؿ‬
‫نور انى اراه‪ .‬وفى لفظ رأيت نورا‪ .‬اخرجو مسلم والترمذى‪ ,‬ولكنو حديث مؤوؿ باتفاؽ‬
‫المسلمين‪ .‬ىذا حاصل كبلـ القوـ‪ :‬وانا معترؼ بالقصور عن فهمو وضيق المحل عن‬
‫بسط العبارة فيو‪ .‬وقد جالست فى ىذه المسئلُ الشيخ قطب الدين محمد بن اسفهبدا‬
‫االردبيلى ‪ -‬اماد الل من بركتو ‪ -‬وقلت لو‪ :‬اتقولوف باف الذى يراه العارؼ فى الدنيا ىو‬
‫الذى وعده الل فى االخرة‪ ,‬قاؿ‪ :‬نعم‪ .‬قلت‪ :‬فبم تتميز رؤيُ يوـ القيامُ‪ ,‬قاؿ‪ :‬بالبصر‪.‬‬
‫فاف الرؤيُ فى الدنيا فى ىذين الضربين‪ ,‬انما ىى بالبصيرة دوف البصر‪ .‬قلت‪ :‬فقد اختلف‬
‫فى جواز رؤيُ الل تعالى فى الدنيا‪ .‬قاؿ‪ :‬الحق الجواز‪ .‬قلت‪ :‬فبل فارؽ حينئذ‪ ,‬وتجوز‬
‫الرؤيُ بالبصر فى الدنيا‪ .‬قاؿ‪ :‬الفارؽ انو فى االخرة معلوـ الوقوع للمؤمنين كلهم‪ ,‬وفى‬
‫الدنيا لم يثبت وقوعو اال للنبى صلى الل عليو وسلم‪ .‬وفى بعض ذوى المقامات العليُ‪.‬‬
‫ىكذا قاؿ‪ .‬ومما قلت لو‪ :‬وقد ضرب المرآة مثبل قد يقاؿ اف ىذا نوع من الحلوؿ‪,‬‬
‫والحلوؿ كفر‪ .‬قاؿ‪ :‬ال‪ ,‬فاف الحلوؿ معناه اف الذات تحل فى ذات اخرى‪ ,‬والمرآة ال‬
‫تحل الصورة فيها‪ .‬ىذا كبلمو‪ .‬قلت لو‪ :‬فما المشاىدة غير التجلى‪ ,‬قاؿ‪ :‬المشاىدة دواـ‬
‫تجلى الذات‪ ,‬والتجلى قد يكوف معو مشاىدة‪ ,‬وىو ما اذا داـ‪ ,‬وقد اليكوف‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫واقوؿ اذا تبرأ القوـ من تفسير التجلى بما اليمكن واليجوز وصف الرب تعالى بو‪ .‬فبل‬
‫لوـ عليهم بعد ذلك‪ ,‬غير انهم مصرحوف بانو غير العلم و العرفاف‪ .‬انتهى ملخصا‪.‬‬
‫الحادى والعشروف كفايُ الل تعالى اياىم شر من يريد بهم سوأ وانقبلبو خيرا كما اتفق‬
‫للشافعى رضى الل عنو مع ىاروف الرشيد رحمو الل‪ .‬قلت‪ :‬اشار بهذا الى ماذكره فى‬
‫موضع آخر بسنده الى الفضل بن الربيع‪ ,‬قاؿ‪ :‬دخلت على ىاروف الرشيد‪ ,‬فاذا بين يديو‬
‫ضبارة سيوؼ وانواع العذاب‪ .‬فقاؿ لى‪ :‬يا فضل‪ ,‬فقلت‪ :‬لبيك يا امير المؤمنين‪ .‬قاؿ‪:‬‬
‫علي بهذا الحجازى يعنى الشافعى رضى الل عنو‪ .‬فقلت انا لل وانا اليو راجعوف‪ ,‬ذىب‬
‫ىذا الرجل‪ ,‬قاؿ‪ :‬فاتيت الشافعى رضى الل عنو‪ ,‬فقلت لو‪ :‬اجب امير المؤمنين‪ ,‬فقاؿ‪:‬‬
‫اصلى ركعتين‪ ,‬فقلت‪ :‬صل‪ .‬فصلى ثم ركب بغلُ كانت لو‪ ,‬فسرنا معا الى دار الرشيد‪,‬‬
‫فلما دخلنا الدىليز االوؿ‬
‫‪29‬‬
‫حرؾ الشافعى رضى الل عنو شفتيو‪ ,‬فلما دخلنا الدىليز الثانى حرؾ شفتيو‪ ,‬فلما وصلنا‬
‫بحضرة الرشيد قاـ اليو امير المؤمنين كالمشرئب لو‪ ,‬فأجلسو موضعو‪ .‬وقعد بين يديو‬
‫يعتذر اليو‪ ,‬وخاصُ امير المؤمنين‪ ,‬قياـ ينظروف الى ما اعد لو من انواع العذاب‪ ,‬فاذا ىو‬
‫جالس بين يديو‪ ,‬فتحدثوا طويبل ثم اذف لو باالنصراؼ‪ .‬فقاؿ لى‪ :‬يا فضل‪ ,‬قلت‪ :‬لبيك يا‬
‫امير المؤمنين‪ .‬فقاؿ‪ :‬احمل بين يديو بدرة‪ .‬فحملت‪ ,‬فلما صرنا الى الدىليز االوؿ‪,‬‬
‫قلت‪ :‬سألتك بالذى صير غضبو عليك رضا اال ما عرفتنى ما قلت فى وجو امير المؤمنين‬
‫حتى رضى‪ .‬فقاؿ لى‪ :‬يا فضل‪ ,‬فقلت لو‪ :‬لبيك ايها السيد الفقيو‪ ,‬قاؿ‪ :‬خذ منى واحفظ‬
‫عنى‪ ,‬قلت‪ :‬شهد الل انو الالو االىو‪ ‬اآليُ‪ ,‬اللهم انى اعوذ بنور قدسك وببركُ‬
‫طهارتك وبعظمُ جبللك من كل عاىُ وآفُ وطارؽ الجن واالنس اال طارقا يطرقنى بخير‬
‫يا ارحم الرحمين‪ .‬اللهم بك مبلذى فبك الوذ‪ .‬وبك غياثى فبك اغوث‪ ,‬يامن زلت لو‬
‫رقاب الفراعنُ‪ ,‬وخضعت لو مقاليد الجبابرة‪ .‬اللهم ذكرؾ شعارى ودثارى ونومى وقرارى‪.‬‬
‫اشهد اف الالو اال انت‪ ,‬اضرب علي سرادقات حفظك‪ ,‬وقنى رعبى بخير منك يارحمن‪.‬‬
‫قاؿ الفضل‪ :‬فكتبتها وجعلتها كورة عمامتى فى بركُ قباى‪ ,‬وكاف الرشيد كثير الغضب‬
‫علي‪ ,‬وكاف كلما ىم اف يغضب أحركها فى وجهو فيرضى‪ .‬فهذا مما ادركت من بركُ‬
‫الشافعى رضى الل عنو‪ .‬الثانى والعشروف التطور باطوار مختلفُ‪ ,‬وىذا الذى تسميو‬
‫الصوفيُ بعالم المثاؿ‪ ,‬ويثبتوف عالما متوسطا بين عالمى االجساـ و االرواح سموه عالم‬
‫المثاؿ‪ ,‬وقالوا ىو الطف من عالم االجساـ واكثف من عالم االرواح‪ ,‬و بنوا عليو تجسد‬
‫االرواح وظهورىا فى صور مختلفُ من عالم المثاؿ واستأنسوا لو بقولو تعالى‪ :‬فتمثل لها‬
‫بشرا سويا‪ .‬ومنو ما حكي عن قضيب البانى الموصلى‪ ,‬وكاف من االبداؿ‪ ,‬انو اتهمو‬
‫بعض من لم يره يصلى بترؾ الصبلة‪ ,‬وشدد النكير عليو‪ ,‬فتمثل لو على الفور فى صور‬
‫مختلفُ‪ ,‬وقاؿ‪ :‬فى أى ىذه الصور رأيتنى ما اصلى‪ .‬ولهم من ىذا النوع حكايات كثيرة‪.‬‬
‫ومما اتفق لبعض المتأخرين انو وجد فقيرا شيخا كبيرا يتوضأ بالقاىرة فى المدرسُ الشرفيُ‬
‫من غير ترتيب‪ .‬فقاؿ لو‪ :‬يا شيخ تتوضأ ببل ترتيب‪ ,‬فقاؿ لو‪ :‬ما توضأت اال مرتبا‪ ,‬ولكن‬
‫انت ال تبصر لو ابصرت البصرت ىكذا‪ .‬واخذ بيده واراه الكعبُ ثم فر بو الى مكُ‪,‬‬
‫فوجد نفسو فى مكُ واقاـ بها سنين‪ ,‬فى حكايُ يطوؿ شرحها‪ .‬الثالث والعشروف اطبلع‬
‫الل اياىم على ذخائر االرض‪ ,‬كما قدمناه فى حكايُ ابى تراب لما ضرب برجلو االرض‬
‫فاذا عين ماء زالؿ‪ .‬قلت‪ :‬اراد بهذه الحكايُ ما ذكره من ابى العباس الرقى‪ ,‬قاؿ‪ :‬كنا مع‬
‫ابى تراب النخشبى فى طريق مكُ‪ ,‬فعدؿ عن الطريق الى ناحيُ‪ ,‬فقاؿ لو بعض اصحابو‬
‫‪31‬‬
‫انا عطشاف‪ ,‬فضرب برجلو فاذا عين من ماء زالؿ‪ ,‬فقاؿ الفتى‪ :‬احب اف اشربو فى قدح‪,‬‬
‫فضرب بيده االرض فناولو قدحا من زجاج ابيض كاحسن مارايت‪ ,‬فشرب وسقانى‪,‬‬
‫ومازاؿ القدح معنا الى مكُ‪ .‬فقاؿ لى ابو تراب يوما‪ :‬ما يقوؿ اصحابك فى ىذه االمور‬
‫التى يكرـ الل عباده فقلت مارايت احدا اال وىو مؤمن بها فقاؿ من اليؤمن بها فقد كفر‬
‫انما سألتك من طريق االحواؿ فقلت‪ :‬ما اعرؼ لهم قوال فيو فقاؿ‪ :‬بلى‪ ,‬قد زعم‬
‫اصحابك انها خدع من الحق‪ ,‬وليس االمر كذلك‪ ,‬وانما الخدع فى حاؿ السكوف اليها‪.‬‬
‫فاما من يقترح ذلك فتلك مرتبُ الربانيين‪ .‬قاؿ التاج السبكى قوؿ ابى تراب‪ :‬من اليؤمن‬
‫بها فقد كفر بالغ فى الحط على منكريها‪ .‬وقد تؤوؿ لفظُ الكفر فى كبلمو و تحمل على‬
‫انو لم يعن الكفر المخرج عن الملُ‪ ,‬ولكنو كفر دوف كفر الخ‪ .‬قاؿ‪ :‬وعن بعضهم انو‬
‫عطش ايضا فى طريق الحج فلم يجد ماء عند احد‪ ,‬فوجد فقيرا قد ركز عكازه فى موضع‬
‫والماء ينبع من تحت عكازه‪ ,‬فمؤلقربتو ودؿ الحجيج عليو فجاؤا فملؤا اوانيهم من ذلك‬
‫الماء‪ .‬الرابع والعشروف ماسهل لكثير من العلماء من التصانيف فى الزمن اليسير‪ ,‬بحيث‬
‫وزع زماف تصنيفهم على زماف اشتغالهم بالعلم الى اف ماتوا‪ ,‬فوجد اليفى بو نسخا فضبل‬
‫عن التصنيف‪ .‬وىذا قسم من نشر الزماف الذى قدمناه‪ ,‬فقد اتفق النقلُ على اف عمر‬
‫الشافعى رحمو الل اليفى بعشر ماابرزه من التصانيف مع ما ثبت عنو من تبلوة القرآف كل‬
‫يوـ ختمُ بالتدبر‪ ,‬وفى رمضاف كل يوـ ختمتين‪ .‬كذلك واشتغالو بالدرس والفتاوى والذكر‬
‫والفكر واالمراض التى كانت تعتريو بحيث لم يخل رضى الل عنو من علُ او علتين‬
‫اواكثر‪ ,‬وربما اجتمع فيو ثبلثوف مرضا‪ .‬وكذلك اماـ الحرمين ابو المعالى الجوينى رحمو‬
‫الل حسب عمره وما صنفو مع ما كاف يلقيو على الطلبُ‪ ,‬ويذكر بو فى مجالس الذكر‪,‬‬
‫فوجد ال يفى بو‪ .‬وقرأ بعضهم ثمانى ختمات فى اليوـ الواحد‪ .‬وامثاؿ ىذا كثيرة‪ .‬وىذا‬
‫االماـ الربانى الشيخ محي الدين النووى رحمو الل‪ ,‬وزع عمره على تصانيفو‪ ,‬فوجد انو‬
‫لوكاف ينسخها فقط لما كفاىا ذلك العمر‪ ,‬فضبل عن كونو يصنفها‪ ,‬فضبل عما كاف يضمو‬
‫اليها من انواع العبادات‪ ,‬وغيرىا‪ .‬وىذا الشيخ االماـ الوالد رحمو الل‪ ,‬اذا حسب ما كتبو‬
‫من التصانيف مع ماكاف يواظبو من العبادات‪ ,‬ويمليو من الفوائد‪ ,‬ويذكره فى الدروس من‬
‫العلوـ‪ ,‬ويكتبو على الفتاوى‪ ,‬ويتلوه من القرآف‪ ,‬ويشتغل بو من المحاكمات‪ ,‬عرؼ اف‬
‫عمره قطعا ال يفى بثلث ذلك‪ .‬فسبحاف من يبارؾ لهم ويطوى لهم وينشر‪ .‬الخامس‬
‫والعشروف عدـ تأثير السمومات وانواع المتلفات فيهم‪ ,‬كما اتفق ذلك للشيخ الذى قاؿ‬
‫لو بعض الملوؾ‪ :‬اما اف تظهر لى آيُ‪ ,‬واال قتلت الفقراء‪ .‬وكاف‬
‫‪30‬‬
‫جربو بعر جماؿ فقاؿ‪ :‬انظر فاذا ىى ذىب‪ .‬وعنده كوز ليس فيو ماء فأخذه ورمى بو فى‬
‫الهواء‪ ,‬فأخذه ورده ممتلئا ماء وىو منكس لم يخرج منو قطرة‪ .‬فقاؿ الملك‪ :‬ىذا سحر‪.‬‬
‫واوقد نارا عظيمُ ثم امر بالسماع‪ ,‬فلما دار فيهم الوجد دخل الشيخ والفقراء فى النار ثم‬
‫خرج‪ ,‬فخطف ابنا صغيرا للملك فدخل بو وغاب ساعُ بحيث كاد الملك يحترؽ على‬
‫ولده‪ ,‬ثم خرج بدوف يده احدى يدى الصبي تفاحُ وفى االخرى رمانُ‪ ,‬فقاؿ لو ابوه‪ :‬اين‬
‫كنت‪ ,‬قاؿ‪ :‬فى بستاف‪ .‬فقاؿ جلساء الملك‪ :‬ىذا صنعُ ال حقيقُ لو‪ ,‬فقاؿ لو الملك‪:‬‬
‫اف شربت ىذا القدح من السم صدقتك‪ ,‬فشربو وتمزقت ثيابو عليو‪ ,‬ثم القوا عليو غيرىا‬
‫فتمزقت‪ ,‬ثم ىكذا مرارا الى اف نبتت عليو الثياب وانقطع عنو عرؽ كاف اصابو ولم يؤثر‬
‫فيو السم ضررا‪ .‬واظن انواع كراماتهم تربو على المائُ‪ ,‬وفيما اوردتو داللُ على ما اىملتو‪,‬‬
‫ومقنع وببلغ لمن زالت عنو غفلتو‪ .‬وما من نوع من ىذه االنواع اال وقد كثرت فيو‬
‫االقاصيص والروايات‪ ,‬وشاعت فيو االخبار والحكايات‪ .‬وماذا بعد الحق اال الضبلؿ‪ ,‬وال‬
‫بعد بياف الهدى اال المحاؿ‪ .‬وليس للموفق غير التسليم وسؤاؿ ربو اف يلحقو بهؤالء‬
‫الصالحين‪ ,‬فانهم على صراط مستقيم‪ .‬ولو حاولنا حصرما جرى لهم لضيعنا االنفاس‬
‫وضيقنا القرطاس‪ .‬الى ىنا انتهى كبلـ التاج السبكى رضى الل عنو ونفعنا بو‪ ,‬لم احذؼ‬
‫منو كثيرا‪ ,‬ولم ازد عليو االنزرا يسيرا‪ ,‬على اف ما زدتو عليو انما ىو من كبلمو نفسو فى‬
‫موضع أخر‪ ,‬تخفيفا لمؤنُ المراجعُ عن المطالعين‪ ,‬وزيادة فى افادة الراغبين‪ .‬والل‬
‫الموفق للصواب‪ ,‬واليو المرجع والمآب‪.‬‬
‫فصل فى نقل كبلـ المحقق ابن حجر الهيتمى‬
‫وىو كالتلخيص لما تقدـ عن التاج السبكى غالبا‪ ,‬وفيو زيادة وتحقيق وتحرير كما ال‬
‫يخفى عند العالم التحرير‪ ,‬وسأنقل عنو مباحث أخر مناسبُ للباب وأترجمها بالمسائل اف‬
‫شاء الل تعالى‪ .‬قاؿ رضى الل عنو‪ :‬الحق الذى عليو اىل السنُ والجماعُ من الفقهاء‬
‫واالصوليين والمحدثين وكثيروف من غيرىم خبلفا للمعتزلُ ومن قلدىم فى بهتانهم من‬
‫غير رؤيُ وال تأمل‪ .‬وكاف االستاذ ابو اسحاؽ يميل الى قريب من مذىبهم اويؤؿ كبلمو‬
‫اليو ‪ -‬كما ىو الظاىر ‪ -‬اف ظهور الكرامُ على االولياء ‪ -‬وىم القائموف بحقوؽ الل‬
‫تعالى وحقوؽ عباده‪ ,‬بجمعهم بين العلم والعمل‪ ,‬وسبلمتهم من الهفوات والزلل ‪ -‬جائزة‬
‫عقبل كما ىو واضح‪ ,‬النها من جملُ الممكنات‪ .‬واليمتنع وقوع شيئ لقبح عقلى النو‬
‫الحكم للعقل‪ ,‬وليس فى وقوع الكرامُ مايقدح فى المعجزة بوجو‪ ,‬فانها التدؿ لعينها بل‬
‫لتعلقها بدعوى‬
‫‪32‬‬
‫الرسالُ‪ ,‬فكما جاز تصديق مدعيها بمايطابق دعواه جاز اف يصدر عنو مثلو اكراما لبعض‬
‫اولياءه‪ ,‬وسيأتى لذلك مؤيد فى تحقيق الفرؽ بينهما‪ ,‬وواقعُ نقبل مفيدة لليقين من جهُ‬
‫مجيئ القرآف بو‪ ,‬ووقوع التواتر عليو قرنا بعد قرف‪ ,‬وجيبل بعد جيل‪ ,‬وكتب العلم شرقا‬
‫وغربا‪ ,‬وعجما وعربا‪ ,‬ناطقُ بوقوعها متواترة تواترا معنويا الينكره اال غبي اومعاند‪ .‬فمما‬
‫فى القرآف مجيئ رزؽ مريم اليها من الجنُ‪ ,‬وىزىا لجذع النخلُ حتى تساقط عليها منو‬
‫الرطب الجنى من غير اواف الرطب‪ ,‬وعجائب الخضر بناء على المرجوح انو ولي ال نبي‪,‬‬
‫وقصُ ذى القرنين واصحاب الكهف وكبلـ كلبهم لهم‪ ,‬وقصُ الذى عنده علم الكتاب‬
‫وىو آصف بن برخيا فى احضاره لعرش بلقيس قبل رمش العين من مسيرة اكثر من شهر‪.‬‬
‫ومما فى السنُ تكليم الطفل لجريج وانفراج الصخرة عن الثبلثُ الذين فى الغار بدعائهم‪,‬‬
‫وتكثير طعاـ ابى بكر رضى الل عنو فى قصُ ضيفو حتى صار بعد االكل اكثر مما كاف‬
‫قلبو بثبلث مرات‪ .‬روى ىذه الثبلثُ البخارى ومسلم‪ .‬ورويا ايضا انو صلى الل عليو وسلم‬
‫قاؿ فى حق عمر رضى الل عنو انو من المحدثين ‪ -‬بفتح الداؿ ‪ -‬اى الملهمين‪ .‬وصح‬
‫ايضا عنو رضى الل عنو انو بينما ىو يخطب على منبر المدينُ يوـ الجمعُ واذا ىو ينادى‬
‫فى حاؿ خطبتو ياساريُ الجبل‪ ,‬فعجب الناس لذلك وانكروا عليو حتى قاؿ لو عبد‬
‫الرحمن بن عوؼ رضى الل عنو بعد ذلك وشدد عليو وأخبره بما قاؿ الناس فيو‪ ,‬ثم ظهر‬
‫لهم قريبا الواقعُ وصدقها وما فيها من الكرامات‪ .‬ومنها الكشف لو عن حاؿ ساريُ‬
‫والمسلمين وعدوىم‪ .‬ومنها بلوغ صوتو لساريُ حتى سمع واىتدى ساريُ الى اف ىذا‬
‫صوت عمر رضى الل عنو مع بعد الشقُ فانو بنهاوند من ارض العجم ومعو سريُ من‬
‫المسلمين فكمن لهم عدوىم فى الجبل ليستأصلوىم‪ ,‬فكشف لعمر رضى الل عنو عن‬
‫حالهم فناداه يحذره للكمين الذى بجنب الجبل فبلغو صوتو فسمعو فاستيقظوا للكمين‬
‫وظفروا بهم‪ .‬وروى البخارى فى صحيحو مجيئ العنقود من العنب فى غير اوانو الى‬
‫خبيب رضى الل عنو لما اريد قتلو بمكُ‪ ,‬وفيو ايضا اف اسيد بن حضير وعباد بن بشر‬
‫رضى الل عنهما خرجا من عند النبي صلى الل عليو وسلم فى ليلُ مظلمُ ومعهما مثل‬
‫المصباحين بين ايديهما‪ .‬وروى البخارى ومسلم اف كبل من سعد وسعيد من العشرة‬
‫المبشرين بالجنُ دعا على من كذب عليو فاستجيب لو بعين ماسألو‪ .‬وصح فى مسلم رب‬
‫اشعث اغبر مدفوع باالبواب‪ ,‬لو اقسم على الل البره‪ ,‬قيل لو لم يكن اال ىذا الحديث‬
‫لكفى فى الداللُ لهذا المبحث‪ .‬واذا تقرر جوازىا ووقوعها من غير احصاء وال حصر‬
‫فالذى عليو معظم االئمُ انو يجوز بلوغها‬
‫‪33‬‬
‫مبلغ المعجزة فى جنسها وعظمها‪ ,‬وانما تفترقاف فى اف المعجزة تقترف بدعوى النبوة‪ ,‬اى‬
‫باعتبار الجنس او ما من شأنو‪ ,‬واال فاكثر معجزات االنبياء السيما نبينا محمد صلى الل‬
‫عليو وسلم وقعت من غير ادعاء نبوة‪ .‬والكرامُ تقترف بدعوى الواليُ او تظهر على يد‬
‫الولي من غير دعوى شيئ‪ ,‬وىو االكثر‪ .‬فمن اولئك األئمُ االماـ ابو بكر بن فورؾ ثم‬
‫ساؽ عبارتو التى فى التعريف‪ ,‬اماـ الحرمين ومخلص عبارة ارشاده الذى صار اليو اىل‬
‫الحق انخراؽ العادات فى حق االولياء ثم مجوزو الكرامات تحزبوا احزابا‪ ,‬فمنهم من‬
‫شرط اف ال يختارىا الولي‪ ,‬وبهذا فرقوا بينها وبين المعجزة وىذا غير صحيح‪ .‬ومنهم من‬
‫منع وقوعها على قضيُ دعوى الواليُ لئبل تشابو المعجزة‪ ,‬وىذا غير مرضي عندنا بل قد‬
‫تقع مع دعوى ذلك‪ .‬ومن اصحابنا من شرط اف التكوف معجزة لنبي كانفبلؽ البحر‬
‫واحياء الموتى وىذا غير سديد‪ .‬والمرضي عندنا تجويز جملُ خوارؽ العادات فى معارض‬
‫الكرامات‪ ,‬ثم ذكر بعد اف الكرامُ والمعجزة ليس بينهما فرؽ اال وقوع المعجزة على‬
‫حسب دعوى النبوة والكرامُ دوف ادعائو النبوة‪ .‬واالماـ ابوحامد الغزالى فانو شرط فى‬
‫تسميُ الخارؽ معجزة اقترانو بدعوى النبوة فاقتضى انو ال فرؽ بينها وبين الكرامُ اال‬
‫ذلك‪ .‬ومن ثم قاؿ فى كتابو االقتصاد فى االعتقاد لما ذكر خوارؽ العادات فى‬
‫الكرامات‪ .‬وذلك اى خرؽ العادة مما ال يستحيل فى نفسو النو ممكن اليؤدى الى‬
‫بطبلف المعجزة الف الكرامُ عبارة عما يظهر من غير اقتراف التحدى فاف كاف مع التحدى‬
‫فانا نسميو معجزة‪ .‬و الفخر الرازى والبيضاوى فانهما لم يفرقا بينهما اال بتحدى النبوة‪.‬‬
‫وكذلك حافظ الدين النسفى فانو قاؿ‪ :‬ال يقاؿ لو جازت الكرامُ النسد طريق الوصوؿ‬
‫الى معرفُ النبى صلى الل عليو وسلم‪ ,‬الف المعجزة تقارف دعوى النبوة ولو ادعاىا الولى‬
‫كفر من ساعتو‪ .‬وسبقهم لذلك االماـ ابو القاسم القشيرى حيث قاؿ‪ :‬شرائط المعجزة‬
‫كلها اواكثرىا توجد فى الكرامُ اال دعوى النبوة‪ .‬قاؿ االماـ اليافعى بعد نحو ذلك عن‬
‫ىؤالء االئمُ و غيرىم‪ ,‬فهؤالء اتفقوا على اف الفارؽ بينهما ىو تحدى النبوة فقط‪ ,‬ولم‬
‫يشترط احد منهم كوف الكرامُ دوف المعجزة فى جنسها وعظمها‪ ,‬فدؿ ذلك على جواز‬
‫استوائهما فيما عدا التحدى كما صرح بو اماـ الحرمين‪ .‬فيجوز اجتماعهما فيما عداه من‬
‫سائر الخوارؽ حتى إحياء الموتى‪ .‬ففى رسالُ القشيرى باسناده الى ابى عبد الل التسترى‬
‫انو خرج غازيا فى سريُ فمات المهر الذى تحتو وىو فى البريُ فقاؿ يا رب اعرناه حتى‬
‫نرجع الى تستر يعنى قريتو‪ .‬فاذا المهر قائم فلما غزا و رجع الى تستر قاؿ البنو‪ :‬خذ‬
‫السرج عن المهر فقاؿ‪ :‬انو عرؽ فيضره الهواء‪,‬‬
‫‪34‬‬
‫فقاؿ‪ :‬يا بني انو عاريُ‪ ,‬فاخذ السرج فوقع المهر ميتا‪ .‬وفيها انو انطلق للغزو على حماره‬
‫فمات فتوضأ وصلى ودعا الل تعالى اف يبعث لو حماره وال يجعل عليو منُ الحد فقاـ‬
‫الحمار ينفض اذنيو‪ .‬وفيها ايضا عن اعرابي انو سقط جملو ميتا ووقع رحلو وقتبو فدعى‬
‫ربو فقاـ الجمل وفوقو رحلو وقتبو‪ .‬وفيها ايضا عن سهل التسترى انو قاؿ‪ :‬الذاكر لل على‬
‫الحقيقُ لو ىم اف يحيي الموتى لفعل يعنى باذف الل تعالى و مسح بيده على عليل بين‬
‫يديو فبرئ وقاـ‪ .‬قاؿ اليافعى‪ :‬وأخبرنى بعض صالحى اىل اليمن اف الشيخ االىدؿ ‪-‬‬
‫بالمهملُ ‪ -‬شيخ ابى الغيث رحمهم الل كانت عنده ىرة يطعمها فضربها الخادـ فقتلها‬
‫ورماىا فى خربُ‪ ,‬فسألو الشيخ عنها بعد ليلتين اوثبلث فقاؿ ال ادرى فناداىا الشيخ‬
‫فأتت اليو واطعمها على عادتو‪ .‬قاؿ‪ :‬واخبرنى مغربى صالح عالم اعتقده باسناده اف بعض‬
‫اصحاب الشيخ ابى يوسف الدىمانى مات فحزف عليو اىلو‪ ,‬فاتى اليو وقاؿ‪ :‬قم باذف الل‬
‫تعالى‪ ,‬فقاـ وعاش ما شاء الل تعالى من الزماف‪ .‬وقاؿ ومن المشهور ما روى مسندا من‬
‫خمس طرؽ عن جماعُ من الشيوخ االجبلء اف القطب الشيخ عبد القادر نفع الل بو‬
‫جاءت اليو امرأة بولدىا وخرجت عند الل تعالى ولد فقبلو ثم امره بالمجاىدة فدخلت امو‬
‫عليو فوجدتو نحيبل مصفرا يأكل قرص شعير‪ ,‬فدخلت على الشيخ فوجدت بين يديو اناء‬
‫فيو عظم دجاجُ قد أكلها فقالت ياسيدى تأكل لحم الدجاج ويأكل ابنى خبز الشعير‬
‫فوضع يده على ذلك الطعاـ وقاؿ قومى بالل محي العظاـ فقامت الدجاجُ سويُ‬
‫وصاحت وقاؿ الشيخ اذا صارابنك ىكذا فليأكل الدجاج وما شاء‪ .‬وقالوا مرت بمجلسو‬
‫حدأة فى يوـ شديد الحر وىو يعظ الناس فشوشت على الحاضرين فقاؿ يا ريح خذى‬
‫رأس ىذه الحدأة فوقعت لثانى وقتها بناحيُ ورأسها فى ناحيُ فنػزؿ الشيخ واخذىا فى‬
‫يده وامد يده االخرى عليها وقاؿ‪ :‬بسم الل الرحمن الرحيم قومى باذف الل فحييت‬
‫وطارت والناس ينظروف وقد تكلمهم الموتى‪ .‬ففى رسالُ القشيرى عن ابى سعيد الخراز‬
‫رضى الل عنو انو كاف مجاورا بمكُ فمر بباب بنى شيبُ فرآى شابا حسن الوجو ميتا فنظر‬
‫فى وجهو فتبسم وقاؿ‪ :‬يا ابا سعيد اماعلمت اف االحياء احياء‪ ,‬واف ماتوا وانما ينقلوف‬
‫من دار الى دار‪ .‬وجاء مسندا من ثبلث طرؽ اف الشيخ عبد القادر رضى الل عنو زار‬
‫ومعو ناس كثيروف قبر الشيخ حماد الدباس فأطاؿ الوقوؼ عنده ثم انصرؼ مسرورا فسئل‬
‫فأخبر انو مر مع الشيخ حماد واصحابو على قنطرة بغداد لصبلة الجمعُ فدفعو فى النهر‬
‫امتحانا لو بشدة البرد فلم يتأثر‪ .‬فأخبر اصحابو بانو جبل اليتحرؾ وانو رآى الشيخ‬
‫حمادا فى قبره على احسن ىيئُ اال اف‬
‫‪35‬‬
‫يده اليمنى ال تطيعو‪ .‬قاؿ‪ :‬فقلت لو ما ىذا‪ ,‬قاؿ‪ :‬ىذه اليد التى رميتك بها فهل انت‬
‫غافر لى ذلك‪ ,‬فقلت نعم‪ ,‬قاؿ فاسأؿ الل تعالى اف يردىا علي فوقفت اسأؿ الل تعالى‬
‫فى ذلك وقاـ معى خمسُ االؼ ولي فى قبورىم يسألوف الل تعالى اف يقبل مسألتى فيو‬
‫ويتشفعوف عندى فى تماـ المسألُ‪ .‬فما زلت أساؿ الل تعالى فى ذلك حتى رد الل تعالى‬
‫يده وصافحنى بها‪ .‬ثم اجتمع المشايخ وطلبوا برىانا على ىذه القصُ فقاؿ لهم‪ :‬اختاروا‬
‫لكم رجلين نبين لكم ذلك على لسانهما‪ ,‬فاختاروا شخصين غائبين وقالوا‪ :‬نمهلك فقاؿ‪:‬‬
‫التقوموا حتى تسمعوا منهما فلم يلبثوا حتى جاء احدىما يشتد عدوا فقاؿ‪ :‬اشهدنى الل‬
‫الساعُ الشيخ حمادا‪ ,‬وقاؿ لى‪ :‬يا يوسف‪ ,‬اسرع الى مدرسُ الشيخ عبد القادر‪ ,‬وقل‬
‫للمشايخ الذين فيها صدؽ الشيخ عبد القادر فيما اخبر بو عنى‪ ,‬فلم يتم كبلمو حتى جاء‬
‫اآلخر واخبر بمثل ما اخبر بو‪ ,‬فقاموا واستغفروا‪ .‬وكانفبلؽ البحر وجفافو فى الرسالُ عن‬
‫بعضهم‪ ,‬كنا فى مركب فمات رجل منا فأخذنا فى جهازه‪ ,‬فلما اردنا اف نلقيو فى البحر‬
‫جف‪ ,‬فحفرنا لو قبرا ودفناه فارتفع الماء والمركب وسرنا‪ .‬وكانقبلب االعياف وىو كثير ال‬
‫يحصى منو انقبلب الخمر سمنا كما وقع للشيخ عيسى الهتار اليمنى فانو مر على بغي‪,‬‬
‫فواعدىا ليأتيها بعد العشاء ففرحت وتزينت‪ ,‬وجاء ودخل بيتها وصلى ركعتين ثم خرج‬
‫وقاؿ حصل المقصود فتابت وزوجها لبعض الفقراء‪ ,‬وامر بعمل عصيدة وليمُ واف ال‬
‫يشترى لها اداما ثم حضر ىو والفقراء كالمنتظرين االداـ‪ ,‬وكاف وصل الخبر ألمير خدف‬
‫لها فأرسل بقارورتى خمر يمتحن الشيخ بهما ليأتدموا بهما‪ ,‬فأخذىما الشيخ فصبهما‬
‫سمنا اطبب ما يوجد‪ ,‬فأكل منو الرسوؿ وبلغ الخبر األمير فحضر وأكل ما ادىشو فتاب‬
‫لوقتو‪ .‬كطي االرض لهم وتعدد صور جسدىم فى امكنُ مختلفُ وتفجير الماء وكبلـ‬
‫الجمادات والحيوانات لهم حتى الجن وغير ذلك مما اشتهر وتواتر تواترا دحض حجُ‬
‫المخالفين واباء شبو الجاىلين‪ .‬قلت‪ :‬مما حكى فى طاعُ الجن للولي ماذكره الكماؿ‬
‫الدميرى فى حياة الحيواف‪ ,‬انو جاء الى سيدى عبد القادر الجيبلنى رضى الل عنو رجل‬
‫من اىل بغداد وذكر لو اف بنتا قد اختطفت من سطح داره وىى بكر‪ ,‬فقاؿ لو الشيخ‬
‫رضى الل عنو‪ :‬اذىب ىذه الليلُ الى خراب الكرخ‪ ,‬واجلس عند التل الخامس‪ ,‬وخط‬
‫عليك دائرة فى االرض‪ ,‬وقل وانت تخطها بسم الل على نيُ عبد القادر‪ ,‬فاذا كانت‬
‫فحمُ العشاء مرت بك طوائف الجن على صور شتى فبل يريك منظرىم‪ ,‬فاذا كاف السحر‬
‫مربك ملكهم فى جحفل منهم‪ ,‬فيسألك عن حاجتك‪ ,‬فقل لو‪ ,‬قد بعثنى اليك الشيخ‬
‫عبد القادر‪ ,‬واذكر لو شأف ابنتك‪ ,‬قاؿ ‪ -‬اى الرجل ‪ -‬فذىبت وفعلت ما‬
‫‪36‬‬
‫امرنى الشيخ عبد القادر رضى الل عنو‪ ,‬فمرت بى صور مزعجُ المنظر ولم يقدر احد‬
‫منهم اف يمر على الدائرة التى انا فيها‪ ,‬وما زالوا يمروف زمرا زمرا الى اف جاء ملكهم‬
‫راكبا فرسا وبين يديو امم منهم فوقف بازاء الدائرة‪ ,‬وقاؿ‪ :‬يا انسى‪ ,‬ما حاجتك‪ ,‬فقلت‪:‬‬
‫قد بعثنى اليك الشيخ عبد القادر‪ ,‬فنػزؿ عن فرسو وقبل االرض وجلس خارج الدائرة‬
‫وجلس من معو ثم قاؿ‪ :‬ما شأنك‪ ,‬فذكرت لو قصُ ابنتى‪ ,‬فقاؿ‪ :‬لمن حولو على بمن فعل‬
‫ىذا فاتى بمارد‪ ,‬ومعو ابنتى فقيل لو‪ :‬اف ىذا مارد من مردة الصين‪ ,‬فقاؿ‪ :‬ما حملك اف‬
‫اختطفت ىذه من تحت ركاب القطب‪ ,‬فقاؿ‪ :‬انها وقعت فى نفسى‪ ,‬فامر بو فضربت‬
‫عنقو واعطانى ابنتى‪ ,‬فقلت‪ :‬ما رايت مثل الليلُ من امتثالك امر الشبخ عبد القادر‪,‬‬
‫فقاؿ‪ :‬نعم انو فى داره ينظر الى مردة الجن وىم باقصى االرض فيفروف من ىيبتو واف الل‬
‫تعالى اذا اقاـ قطبا مكنو من االنس والجن‪ .‬انتهى‪ .‬قاؿ اليافعى ومما تفارؽ الكرامُ فيو‬
‫المعجزة اف المعجزة يجب على النبى صلى الل عليو وسلم اظهارىا‪ ,‬والكرامُ يجب على‬
‫الولى اخفاؤىا اال عند ضرورة او اذف اوحاؿ غالب اليكوف لو فيو اختيار او تقويُ يقين‬
‫مريد‪ .‬قاؿ‪ :‬واطبلؽ المحققين انو يجوز لو اظهارىا يحمل على بعض ىذه الصور‪ ,‬للعلم‬
‫باف اظهارىا لغير غرض صحيح ال يجوز بخبلفو لغرض صحيح‪ .‬وضابطو اف يكوف فى‬
‫اظهارىا مصلحُ‪ .‬ثم مثل بما مر فى النوع الخامس والعشرين‪ .‬والنوع الثامن عشر فى‬
‫كبلـ التاج السبكى‪ .‬قاؿ المحقق ابن حجر‪ :‬واما الفرؽ بين الكرامُ والسحر فهو اف‬
‫الخارؽ الغير المقارف بتحدى النبوة‪ .‬فاف ظهر على يد صالح وىو القائم بحقوؽ الل‬
‫تعالى وحقوؽ خلقو فهو الكرامُ‪ ,‬اوعلى من ليس كذلك فهو السحر اواالستدراج‪ .‬قاؿ‬
‫اماـ الحرمين‪ :‬وليس ذلك مقتضى العقل ولكنو متلقى من اجماع العلماء‪ .‬انتهى‪ .‬وتمييز‬
‫الصالح المذكور عن غيره بين االخفاء فيو‪ ,‬اذ ليست السيما كالسيما وال اآلداب‬
‫كاآلداب‪ .‬وغير الصالح لولبس ما عسى اف يلبس البد اف يرشح من نتن فعلو اوقولو ما‬
‫يميزه عن الصالح‪ .‬ومن ثمو ناظر صوفي برىميا‪ .‬و البراىمُ قوـ تظهر لهم خوارؽ لمزيد‬
‫الرياضات فطار البرىمى فى الجو فارتفعت اليو نعل الشيخ ‪ -‬اى الصوفى ‪ -‬ولم تزؿ‬
‫تضرب رأسو وتصنعو حتى وقع على االرض منكوسا على رأسو بين يدى الشيخ والناس‬
‫ينظروف‪ .‬اقوؿ‪ :‬ووقع نظير ىذا لشيخنا العارؼ ابن ابى الحمائل لما كاف بفارس كور ‪-‬‬
‫بلد قريب من دمياط ‪ -‬فدخلها متوسم بوسم الصوفيُ‪ ,‬فأظهرلهم من الخوارؽ ما اوجب‬
‫لغالب اىل البلد انهم تبعوه‪ ,‬فظهر منو انحبلؿ كثير عن طريق االستقامُ حتى اغوى‬
‫كثيرين‪ .‬وكاف لو مجلس ذكر بالجامع الذى فيو شيخنا‪ ,‬ولو بو ايضا مجلس ذكر‪ ,‬ففى‬
‫ليلُ‬
‫‪37‬‬
‫فرغ شيخنا من مجلسو‪ ,‬واولئك لم يفرغوا‪ ,‬فانصت ساعُ ثم قاؿ‪ :‬لتاسومتو التى يلبسها‬
‫فى الجامع‪ .‬يا ىذه التاسومُ اذىبى الى ىذا الشيخ فاف كاف كاذبا فاصنعيو الى اف يخرج‬
‫من ىذا الجامع‪ .‬فلم يلبث جماعُ شيخنا السامعوف لكبلمو اال وىم يسمعوف صوت‬
‫الصنع فى رقبُ ذلك الشيخ‪ ,‬ففر وذرت جماعتو حتى خرجوا من الجامع ثم من البلد‪,‬‬
‫ولم نعلم اين ذىب ووقع لبلماـ العارؼ البهائى السندى صاحب االماـ السهروردى اف‬
‫برىميا جاء مجلسو وارتفع فارتفع الشيخ حينئذ فى الهواء \ ودار فى جانب المجلس‬
‫فاسلم البرىمى لعجزه عن ذلك‪ ,‬فانهم اليقدروف على الدوراف فى الهواء وانما يرتفع‬
‫الواحد منهم فى الهواء مستويا ال غير‪ .‬وناظر عبد الل بن حنيف برىميا على حقيقُ‬
‫االسبلـ ليطوى مع البرىمى اربعين يوما‪ ,‬فشرعا فعجز البرىمى عن اكماؿ المدة‪ ,‬واكملها‬
‫ابن حنيف على غايُ من اللذة والقوة‪ .‬ووقع لو مع برىمى ايضا انو ناظره على المكث‬
‫تحت الماء مدة فمات البرىمى اثناءىا وظهرت جيفتو وبقى ابن حنيف حتى اكملها ثم‬
‫ظهر‪ .‬ومما تفترقاف فيو ايضا اف داللُ المعجزة على النبوة قطعيُ واف النبي يعلم انو نبي‬
‫وداللُ الكرامُ على الواليُ ظنيُ وال يعلم مظهرىا اومن ظهرت عليو انو ولي‪ ,‬وقد يعلم‬
‫ذلك‪ ,‬وفاقا لبلستاذين الكبيرين ابى علي الدقاؽ وابى القاسم القشيرى وردا على من نازغ‬
‫فى ذلك بانو ينافى الخوؼ‪ ,‬فقاال وما يجدونو فى قلوبهم من الهيبُ واالجبلؿ للحق‬
‫سبحانو يزيد على كثير من الخوؼ‪ ,‬انتهى‪ ,‬على اف التحقيق اف علم الواليُ ال ينافى‬
‫الخوؼ‪ ,‬اال ترى اف العشرة المبشرين بالجنُ عالموف بانهم من اىلها‪ ,‬ومع ذلك كاف‬
‫عندىم من الخوؼ ما ال يحد كمايعلم من سيرىم فى ذلك رضواف الل عليهم‪ ,‬وانما‬
‫كانت الكرامُ بعد زمن الصحابُ رضى الل عنهم اكثر‪ .‬قاؿ احمد بن حنبل رضى الل عنو‬
‫الف اولئك كاف ايمانهم قويا فلم يحتاجوا الى زيادة تقوى بخبلؼ من بعدىم فقروا بزيادة‬
‫الكرامات‪ .‬وقاؿ الشهاب السهروردى وىو كالشرح لما قبلو‪ ,‬النهم ببركُ رؤيتو صلى الل‬
‫عليو وسلم ومشاىدتو مع نزوؿ الوحى تنورت بواطنهم وتزكت نفوسهم وانصقلت مرآة‬
‫قلوبهم فاستغنوا بما اعطوا عن رؤيُ الكرامُ واستلماع انوار القدرة‪ ,‬ووطأ لهذا بقولو‪:‬‬
‫وخرؽ العادة قد يكاشف بو لضعف يقين المكاشف رحمُ ناجزة وثوابا معجبل لبعض‬
‫العباد‪ ,‬وفوؽ ىؤالء قوـ ارتفعت الحجب عن قلوبهم وباشرت بواطنهم روح اليقين‬
‫وصرؼ المعرفُ‪ ,‬فبل حاجُ لهم الى رؤيُ خارؽ‪ .‬واجاب اليافعى باف الكرامُ نور وزين‪,‬‬
‫والنور انما يظهر حسن بهائو فى الظلمُ والزين انما يظهر كماؿ حسنو بحسب الشين‬
‫والظلمُ‪ ,‬والشين انما وجدا بعد الصحابُ رضى الل عنهم‪ .‬اال ترى اف الشمس‬
‫‪38‬‬
‫اذا غربت ال تظهر الظلمُ وال الكواكب عقب غروبها اال بعد مزيد بعدىا عن األفق‪ .‬وباف‬
‫الصحابُ رضى الل عنهم كانوا اىل حق وسنُ وعدؿ ومن بعدىم بضدىم‪ ,‬فبعث الل تعالى‬
‫فى سائر البلداف رجاال قلدىم سيوفا ماضيُ قطعوا بها مواد الفساد والبدع والمخالفات‬
‫حتى خافهم الناس واذغنوا لهم‪ ,‬اى فمن ثمو كثرت فيهم تلك السيوؼ المكنى بها‪ ,‬فبل‬
‫زالت دائمُ مستمرة معجزة لو صلى الل عليو وسلم‪ .‬انتهى ملخص جوابيو‪ .‬والثانى منهما‬
‫يؤؿ حاصلو الى الجوابين االولين‪ .‬واالوؿ اليصلح جوابا لكثرة المسؤؿ عنها‪ ,‬بل لظهور‬
‫عظيم موقع الكرامُ فى النفوس بعد زمن الصحابُ رضى الل عنهم اكثر منو فى زمنهم‪.‬‬
‫وىذا مبحث آخر على انو قد يتوىم من تمثيلو بالشمس والكواكب‪ ,‬اف االزمنُ المتأخرة‬
‫فيها من نجوـ العارفين وكواكب المهتدين ما ليس فى االزمنُ األوؿ‪ .‬وىذا واف وجد منو‬
‫افراد‪ ,‬اال انو بالنسبُ لغير الصحابُ رضى الل عنهم‪ .‬اذ الصواب اف من بعدىم واف كمل‬
‫ما كمل ال يصل الى غايتهم كما قاؿ صلى الل عليو وسلم‪ :‬لو انفق احدكم مثل جبل احد‬
‫ذىبا ما بلغ مد احدىم اى الصحابُ والنصيفو‪ ,‬واما قوؿ ابن عبد البر قد يوجد فى‬
‫الخلق من ىو افضل من الصحابُ رضى الل عنهم لحديث امتى كالمطر اليدرى اولو خير‬
‫اـ آخره‪ ,‬واحاديث اخر قريبُ منو‪ ,‬فهو مقالُ شاذة جدا‪ ,‬وليس فى االحاديث داللُ‪ ,‬الف‬
‫بعض المتأخرين قد يوجد لو مزايا ال توجد فى بعض الصحابُ رضى الل عنهم‪ .‬ومن المقر‬
‫باف المفضوؿ قد يتميز بمزايا‪ .‬ويؤيد ذلك اف ابن المبارؾ ‪ -‬وناىيك بو امامُ وعلما‬
‫ومعرفُ – سئل‪ :‬ايما افضل‪ ,‬معاويُ او عمر بن عبد العزيز رضى الل عنهما‪ ,‬فقاؿ‪ :‬والل‬
‫للغبار الذى دخل انف فرس معاويُ مع رسوؿ الل صلى الل عليو وسلم خير من مائُ‬
‫واحد مثل ابن عبد العزيز‪ .‬يريد بذلك اف شرؼ الصحبُ والرؤيُ لرسوؿ الل صلى الل عليو‬
‫وسلم ال يعادلو عمل وال يوازيو شرؼ‪ .‬تتمات منها نقل اليافعى رحمو الل تعالى اف كرمات‬
‫االولياء من تتمُ معجزات النبي صلى الل عليو وسلم‪ ,‬النها تشهد للولي بالصدؽ‬
‫المستلزـ لكماؿ دينو‪ ,‬المستلزـ لحقيقتو‪ ,‬المستلزـ لصدؽ نبيو صلى الل عليو وسلم فيما‬
‫اخبر بو من الرسالُ‪ .‬وكانت الكرامُ من جملُ المعجزة بهذا االعتبار‪ .‬ومنها ال تتعجب‬
‫من انكار قوـ للمعجزات واف بلغت من الكثرة والظهور الى اف صار العلم بها ضروريا بل‬
‫بديهيا‪ .‬فقد انكر قوـ القرآف الذى ىو اعظم المعجزات وأبهر اآليات ووصل العناد‬
‫بهؤالء الى اف قاؿ الل عز وجل فى حقهم ‪‬ولو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه‬
‫بايديهم لقاؿ الذين كفروا اف ىذا االسحر مبين‪ .‬وليس العجب من انكار المعتزلُ‬
‫الكرامات‪ ,‬فانهم قد خاضوا فيما‬
‫‪39‬‬
‫ىو اقبح من ذلك‪ ,‬وانكروا النصوص المتواترة المعنى عن النبي صلى الل عليو وسلم‬
‫كسؤاؿ الملكين وعذاب القبر والحوض والميزاف وغير ذلك من عظيم كذبهم وافترائهم‬
‫لتقليدىم لعقولهم الفاسدة وتحكيمهم لها على الل تعالى وآياتو واسمائو وصفاتو وافعالو‪.‬‬
‫فماراوه من ذلك موافقا لتلك العقوؿ السقيمُ الفاسدة اللئيمُ‪ ,‬قبلوه وماال ردوه ولم‬
‫يبالوا بتكذيب السنُ والقرآف واالجماع‪ ,‬الف كلمُ الغضب حقت عليهم وقبائح المذاـ‬
‫تسابقت اليهم‪ .‬وانما العجب من قوـ تسموا باىل السنُ وزعموا انهم من جملُ تلك‬
‫المنُ‪ ,‬ومع ذلك يبالغوف فى االنكار‪ ,‬الف كلمُ الحرماف حقت عليهم الى اف الحقتهم‬
‫باىل البوار واوجبت لهم نوعا من الوباؿ والخسار‪ .‬وىؤالء اقساـ‪ :‬فمنهم من ينكر على‬
‫مشايخ الصوفيُ ومتابعيهم‪ ,‬ومنهم من يعتقدىم اجماال‪ ,‬واف لهم كرامات‪ ,‬ومتى عين لو‬
‫احد منهم اورآى كرامُ انكر ذلك‪ ,‬لما خيل لو الشيطاف انهم انقطعوا‪ ,‬وانو لم يبق اال‬
‫متلبس مغرور احتوى عليو الشيطاف ولبس عليو‪ ,‬وىؤالء من العناد والحرماف بمكاف ايضا‪.‬‬
‫وقد قرر ابن الجوزى من الوقوع فى خطرىم اال اف تكوف لو نيُ صالحُ كقصده قمع‬
‫مبتدعُ فى زمانو‪ .‬وذلك انو صنف كتابا سماه تلبيس ابليس تكلم فيو على شيوخ الصوفيُ‬
‫وطريقهم وزعم اف ابليس لبس عليهم‪ .‬قاؿ اليافعى ‪ -‬ولم يدر انو ىو الذى لبس عليو فى‬
‫كبلمو ىذا واعتقاده فيهم وىو ال يشعر ‪ :-‬والعجب كل العجب منو فى انكاره سادات‬
‫ما بين اوتاد وابداؿ وصديقين وعارفين بالل قد ملؤا الوجود كرامات وانوارا ومعارؼ‬
‫اعرضوا فى بدايتهم عما سوى الل‪ ,‬فحصل لهم فى نهايتهم من فضل الل ماال يعلمو اال‬
‫الل‪ ,‬فقوؿ الصغير منهم وقفت على باب قلبى عشرين سنُ ما جاز بو شيئ لغير الل اال‬
‫رددتو‪ .‬ىذا وىو يطوؿ كبلمو بحكاياتهم وينفق بضاعتو بمحاسن صفاتهم‪ ,‬فهبل اخلى‬
‫كتبو من ذكرىم اخبلء عاما واليكوف ممن يحلونو عاما ويحرمونو عاما‪ .‬اما علم اف علماء‬
‫اعبلـ االئمُ من المجتهدين ومن بعدىم من االئمُ لم يزالوا قديما وحديثا يعتقدوف‬
‫الصوفيُ ويتبركوف بهم ويستمدوف منهم‪ .‬ولقد وقع للتقي ابن دقيق العيد انو قاؿ في حق‬
‫فقير كاف يعتقده ويخضع لو‪ :‬ىو عندي خير من مائُ فقيو اومن الف فقيو‪ .‬وكذلك االماـ‬
‫النووى رضى الل عنو كاف يعتقد الشيخ يس المزين ويقبل اشارتو حتى انو امره بالسفر ورد‬
‫ما عنده من الكتب المستعارة قبل موتو بقليل‪ ,‬ففعل وسافر من دمشق راجعا لبلده نوى‬
‫فتوفى بها بين اىلو‪ .‬وكذلك العز ابن عبد السبلـ كاف يبالغ فى تعظيم الصوفيُ‪ ,‬وفى‬
‫حكايُ حياة الخضر مايرد على ابن الجوزى فى انكار حياتو على انو ناقض نفسو‪ .‬فانو‬
‫روى باسناده المتصل‬
‫‪41‬‬
‫اربع روايات تدؿ على حياتو‪ .‬منها عن علي كرـ الل وجهو انو رآه متعلقا باستار الكعبُ‪,‬‬
‫ومنها عن ابن عباس رضى الل عنهما قاؿ‪ ,‬وال اعلمو اال مرفوعا عن النبي صلى الل عليو‬
‫وسلم قاؿ‪ :‬يلتقى الخضر والياس فى كل عاـ فى الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس‬
‫صاحبو‪ .‬ومنها عن علي كرـ الل وجهو‪ :‬انو يجتمع مع اسرافيل وجبريل وميكائيل بعرفات‬
‫والحجيج بها‪ .‬ولقد وقع لمن انكر على فقير فى سماع وبقربهم نساء انو رآى ذكره فرج‬
‫امرأة فبهت ساعُ طويلُ فقاـ الشيخ وجاءه وقاؿ لو‪ :‬ىكذا تكوف الفقراء اذا جلس‬
‫عندىم النساء‪ ,‬فتاب فدعا لو الشيخ فعاد لحالو االوؿ‪ .‬قلت‪ :‬ومثل ىذا السماع اليباح‬
‫اال لمثل ىذا الشيخ واتباعو المحفوظين بو‪ ,‬مع اف السماع الخالى عن المحرمات‬
‫الظاىرة فيو اختبلؼ وتفصيل‪ .‬وجاء غلماف السلطاف الخذ خراج ارض لبعض الفقراء‪,‬‬
‫فخرج عليهم منها ثعابين فهربوا ولم يزالوا ىاربين حتى انقرض الشيخ واوالده فعادوا‬
‫لؤلخذ من اوالد االوالد فخرجت اليهم الثعابين وتبعتهم كذلك‪ .‬وانا ممن رآى تلك‬
‫االرض حين خرج منها الثعابين‪ .‬وسرؽ لبعض ذريُ ىذا الشيخ بقرة‪ ,‬فلما اراد السراؽ‬
‫حلبها التفت الثعابين بارجلهم‪ ,‬فما خلصوا اال بالمبادرة بردىا‪ .‬انتهى كبلـ اليافعى ‪-‬‬
‫قدس الل سره – ملخصا‪ .‬ولقد قاؿ االستاذ العارؼ ابو الحسن الشاذلى رحمو الل فى‬
‫قوـ يكذبوف بكرامات اولياء زمانهم فقط‪ :‬والل‪ ,‬ماىى اال اسرائيليُ صدقوا بموسى وكذبوا‬
‫محمدا صلى الل عليو وسلم النهم ادركوا زمنو‪ .‬ومنها اف من جملُ الكرامات الخوارؽ‬
‫التى وقعت لبلنبياء عليهم الصبلة والسبلـ قبل النبوة كاظبلؿ الغماـ وشق الصدر‬
‫الواقعين لنبينا محمد صلى الل عليو وسلم‪ ,‬فليست معجزة لتقدمها على التحدى بل‬
‫كرامات‪ ,‬وتسمى ارىاصا اى تأسيسا للنبوة‪ .‬ذكر ذلك جمهور ائمُ االصوؿ وغيرىم‪.‬‬
‫ومنها التحدى اى طلب المعارضُ والمقابلُ‪ .‬قاؿ الجوىرى يقاؿ تحديت فبلنا اذا باريتو‬
‫فى فعل ونازعتو للغلبُ‪ .‬وفى اآلساس‪ :‬حدا ‪ -‬يحدو وىو حادى االبل‪ ,‬واحتدى بها‬
‫حدوا اذا غنى‪ .‬ومن المجاز تحدى أقرانو اذا باراىم ونازعهم للغلبُ‪ .‬وأصلو الحدو يتبارى‬
‫فيو الحادياف ويتعارضاف فيتحدى كل واحد صاحبو اى يطلب حداه‪ ,‬كما يقاؿ‪ :‬توفاه‬
‫بمعنى استوفاه‪ .‬واصل ذلك انو كاف عند الحدو يقوـ حاد عن يمين القطار وحاد عن‬
‫يساره‪ ,‬يتحدى كل منهما صاحبو بمعنى يستحديو اى يطلب منو حداه‪ ,‬ثم اتسع فيو حتى‬
‫استعمل فى كل مباراة‪ .‬ومنها اختلفوا فى السحر‪ ,‬ىل تنقلب بو األعياف والطبائع‪ ,‬فقاؿ‬
‫قوـ‪ :‬نعمو كجعل االنساف حمارا‪ .‬وقاؿ قوـ‪ :‬ال‪ ,‬فالساحر والصالح اليقلباف عينا مطلقا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬واال الشتبهت المعجزة بالكرامُ والكػرامُ بالسحر‪ .‬ويرده ما مر من امتياز‬
‫‪40‬‬
‫المعجزة باقترانها بالتحدى‪ ,‬واما زعمهم اف اكثر آياتو صلى الل عليو وسلم واعمها‬
‫واغلبها كاف ببل تحد‪ ,‬كنطق الحصى والجذع ونبع الماء‪ ,‬ولعلو لم يتحد بغير القرآف‬
‫وتمنى الموت‪ ,‬واف عدـ تسميُ ما عدا ىاتين آيُ وال معجزة اقرب الى الكفر منو الى‬
‫البدعُ‪ .‬وقد كاف صلى الل عليو وسلم يقوؿ عند بعضها‪ :‬اشهد انى رسوؿ الل‪ .‬وقد سمى‬
‫الل عز وجل معجزات االنبياء آيات ولم يشرط تحديا‪ .‬انتهى‪ .‬فيرد باف المراد بقولهم فى‬
‫المعجزة البد من اقترانو بالتحدى بالقوة اوالفعل‪ ,‬والشك اف كل ما وقع منو صلى الل‬
‫عليو وسلم بعد النبوة مقروف بالتحدى‪ ,‬الف قرائن اقوالو واحوالو ناطقُ بدعواه النبوة‬
‫وتحديو للمخالفين واظهاره ما يقمعهم ويحديهم‪ .‬فكاف كل ما ظهر منو صلى الل عليو‬
‫وسلم يسمى آيات ومعجزات‪ ,‬وقولو صلى الل عليو وسلم عند ظهور بعضها‪ :‬اشهد انى‬
‫رسوؿ الل شاىد صدؽ على ما ذكرتو‪ ,‬فتأملو‪ .‬ومنها التمييز بين الكرامُ والمعجزة بما‬
‫مر‪ ,‬اف لفظ المعجزة خاص بخوارؽ االنبياء ولفظ الكرامُ خاص بخوارؽ االولياء‪ ,‬انما‬
‫ىو اصطبلح الخلف‪ ,‬واما السلف فكانوا يسموف كبل من االمرين معجزا كاالماـ احمد‬
‫وغيره‪ ,‬ويخصوف خوارؽ االنبياء باسم اآليُ والبرىاف‪ ,‬وقد يسموف الكرامُ آيُ لداللتها‬
‫على نبوة من اتبعو ذلك الولي كما مر بيانو‪( .‬تنبيو) ليس االولياء ذووالكرامات بافضل من‬
‫غير ذوى الكرامات على االطبلؽ‪ ,‬بل قد تنبئ الكرامُ على ضعف يقين اوىمُ‪ ,‬فتعجل‬
‫لمن اريد بو عنايُ حتى يزوؿ عنو كل من ذينك او احدىما‪ ,‬بل قد تقع الكرامُ لمحب او‬
‫زاىد والتقع لعارؼ‪ ,‬مع اف المعرفُ افضل من المحبُ عند االكثرين‪ ,‬وأفضل من الزىد‬
‫عند الكل‪ ,‬الف الزىد من اوائل المقامات‪ ,‬والمحبُ اوؿ االحواؿ الناشئُ عن مجاوزة‬
‫المقامات‪ .‬ويؤيد ذلك قوؿ ابى يزيد البسطامى رضى الل عنو‪ :‬العارؼ طيار والزاىد سيار‪.‬‬
‫وقاؿ غيره‪ :‬وأنى يلحق السيار الطيار‪ .‬وقاؿ ذوالنوف المصرى‪ :‬الزىاد ملوؾ اآلخرة وىم‬
‫فقراء العارفين‪ .‬فعلم انو الدخل للكرامُ فى االفضليُ وانما منشأ االفضليُ قوة اليقين‬
‫وكماؿ المعرفُ بالل تعالى‪ ,‬فكل من كاف اقوى يقينا واكمل معرفُ كاف افضل‪ .‬ولهذا قاؿ‬
‫سيد الطائفُ ابو القاسم الجنيد ‪ -‬قدس الل سره ‪: -‬مشى رجاؿ باليقين على الماء ومات‬
‫بالعطش‪ ,‬من ىو افضل منهم يقينا‪ ,‬وقاؿ ايضا‪ :‬اليقين ارتفاع الريب فى مشهد الغيب‪.‬‬
‫وقاؿ سهل التسترى‪ :‬حراـ على قلب اف يشم رائحُ اليقين وفيو سكوف الى غير الل‬
‫تعالى‪ .‬وال يشكل عليك ما مر من حكايُ االطبلؽ فى التفضيل بين المحب والعارؼ مع‬
‫اف العارؼ البد اف يكوف محبا‪ ,‬الف المراد من ذلك انما ىو التفضيل بين غلبُ المحبُ‬
‫وغلبُ المعرفُ‪ ,‬ألف بعضهم يغلب عليو سكر المحبُ وشدة الهيماف‬
‫‪42‬‬
‫والولو بمحبوبو‪ ,‬وبعضهم يغلب عليو المشاىدة وظهور االسرار والمعارؼ وكثرة التجليات‬
‫مع اعتداؿ حالو فى المحبُ فى غالب الحاالت فيكوف اكثر معارؼ واالوؿ اشد ولها‬
‫وسكرا‪ .‬ومن ثمو قاؿ المحققوف‪ :‬المحبُ استهبلؾ فى لذة‪ ,‬والمعرفُ شهود فى خيرة‬
‫وفناء فى محنُ‪ .‬انتهى‪ .‬واعلم اف اليقين ىو نهايُ المعرفُ‪ ,‬ومراتبو ثبلثُ‪ :‬علم اليقين‪,‬‬
‫وىو ما ينشأ عن النظر واالستدالؿ‪ .‬وعين اليقين‪ ,‬وىو مايكوف من طريق الكشف‬
‫والنواؿ‪ .‬وحق اليقين‪ ,‬وىو مشاىدة الغيب مشاىدة العياف كما يشاىد الرائى‪ .‬فاالوؿ‬
‫لؤلولياء والثانى لخواصهم والثالث لؤلنبياء‪ .‬وحقيقتو اختص بها نبينا محمد صلى الل عليو‬
‫وسلم‪( .‬تنبيو ثاف) علم مما تقدـ اف بعض األولياء قد يعلمو الل تعالى ببعض المغيبات‪,‬‬
‫ألنو جائز عقبل وواقع نقبل‪ ,‬اذ ىو من جملُ الكرامات الخارجُ عن الحصر على ممر‬
‫األعصار‪ .‬فبعضهم يعلمو بخطاب‪ ,‬وبعضهم يعلمو بكشف حجاب‪ ,‬وبعضهم يكشف لو‬
‫عن اللوح المحفوظ حتى يراه‪ .‬ويكفى بذلك ما أخبر بو القرآف عن الخضر بناء على انو‬
‫ولي واف كاف االصح انو نبي صلى الل عليو وسلم‪ .‬وما تقدـ عن ابى بكر الصديق رضى‬
‫الل عنو من اخباره عن حمل امرأتو بانو جاريُ وكاف كذلك‪ ,‬وعن عمر رضى الل عنو فى‬
‫قصُ ساريُ بن زنيم وفى كتب القوـ الصوفيُ مااليحصى من القضايا التى اخبر فيها اخبار‬
‫األولياء بالمغيبات‪ ,‬كقوؿ بعضهم‪ :‬انا غدا اموت وقت الظهر‪ ,‬وكاف كذلك‪ ,‬ولما دفن‬
‫فتح عينيو‪ ,‬فقاؿ لو‪ :‬راحتو أحياة بعد موت‪ ,‬فقاؿ‪ :‬انا حى‪ ,‬وكل محب لل فهو حي‪.‬‬
‫وروى وكقوؿ سائل لمن حضر لبلنكار عليو‪ :‬واعلموا اف الل يعلم ما فى انفسكم‬
‫فاحذروه‪ ,‬فتاب بباطنو‪ ,‬فقاؿ‪ :‬وىو الذى يقبل التوبُ عن عباده‪ .‬وروى السهروردى‬
‫عن الخوالنى انو قاؿ لرجل‪ :‬عندؾ وديعُ لفبلف‪ ,‬فتوقف المتناعو شرعا‪ ,‬ثم لما لم يجد‬
‫من ذلك بدا دفع للشيخ ما طلبو‪ ,‬فقدـ كتاب من المودع لوديعو‪ :‬اعط الشيخ كذا بقدر‬
‫مااخذه الشيخ‪ .‬ووقع للشيخ ابى الغيث بن جميل اف قاطع طريق جاءه بحب وآخر بثور‬
‫فأمر بطبخ ذلك وأكلو‪ ,‬فامتنع الفقهاء من اكل ذلك‪ ,‬فبعد اف اكل الفقراء ذلك جاءه‬
‫شخص قاؿ‪ :‬نذرت لفقرائك بحب‪ ,‬وجاء آخر وقاؿ‪ :‬كنت نذرت لهم بثور‪ ,‬فاخذ القطاع‬
‫الحب والثور وكاف الشيخ يأمر بابقاء رأس الثور فأخرجو لصاحبو فعرفو‪ ,‬فندـ الفقهاء‬
‫على مخالفُ الشيخ‪ .‬وامثاؿ ذلك من االولياء ال تحصى ويكفي دليبل قولو صلى الل عليو‬
‫وسلم فى الخبر الصحيح‪ ,‬اف فى امتى ملهموف اومحدثوف ومنهم عمر‪ ,‬وقولو صلى الل‬
‫عليو و سلم‪ :‬اتقوا فراسُ المؤمن فانو ينظر بنور الل‪ ,‬ووقف نصراني على الجنيد رحمو‬
‫الل تعالى‪ ,‬وىو يتكلم فى الجامع على الناس‪ ,‬فقاؿ‪ :‬ايها الشيخ ما معنى حديث‬
‫‪43‬‬
‫اتقوا فراسُ المؤمن‪ ,‬فاطرؽ الجنيد ثم رفع رأسو وقاؿ‪ :‬اسلم فقد جاء وقت اسبلمك‪,‬‬
‫فاسلم الغبلـ‪ .‬وسئل بعضهم عن الفراسُ فقاؿ‪ :‬أرواح تتقلب فى الملكوت فتشرؼ على‬
‫معانى الغيوب فتنطق عن اسرار الخلق نطق مشاىدة وعياف ال نطق ظن وحسباف‪.‬‬
‫والينافى ماتقرر من اطبلع االولياء على بعض الغيوب قولو عز وجل‪ :‬قل ال يعلم من فى‬
‫السموات واألرض الغيب اال الل‪ ,‬وقولو عز وجل ‪‬عالم الغيب فبل يظهر على غيبو‬
‫احدا اال من ارتضى من رسوؿ‪ ,‬بناء على أف االستثناء فى اآليُ الثانيُ منقطع‪ ,‬وىو ما‬
‫ذىب اليو المعتزلُ‪ ,‬واستدلوا بو على نفى كرامات األولياء‪ ,‬جهبل منهم اف ال يدؿ عليها‬
‫او على خصوص علمهم بجزئيات من الغيب اال ىذه اآليُ‪ ,‬اف جعلنا االستثناء منها‬
‫منقطعا ووجو عدـ المنافاة أف علم األنبياء واألولياء انما ىو باعبلـ من الل تعالى لهم‪,‬‬
‫وعلمنا بذلك انما ىو باعبلمهم لنا‪ .‬وىذا غير علم الل تعالى الذى تفرد بو وىو صفُ من‬
‫صفاتو القديمُ االزليُ الدائمُ االبديُ المنزىُ عن التغير وسمات الحدث والنقص‬
‫والمشاركُ واالنقساـ‪ ,‬بل ىو علم واحد علم بو جميع المعلومات كلياتها وجزئياتها ماكاف‬
‫منها وما يكوف‪ ,‬اويجوز اف يكوف ليس بضرورى والكسبى وال حادث‪ ,‬بخبلؼ علم سائر‬
‫الخلق‪ .‬اذا تقرر ذلك فعلم الل المذكور ىو الذى تمدح بو‪ ,‬واخبر فى اآليتين المذكورتين‬
‫باف اليشاركو فيو احد‪ ,‬فبل يعلم الغيب اال ىو‪ ,‬وما سواه اف علموا جزئيات منو فهو‬
‫باعبلمو واطبلعو لهم‪ ,‬وحينئذ ال يطلق انهم يعلموف الغيب‪ ,‬اذ ال صفُ لهم يقتدروف بها‬
‫على االستقبلؿ بعلمو‪ .‬وايضا ىم ما علموا وانماعلموا وايضا ىم ما علموا غيبا مطلقا‪.‬‬
‫الف من اعلم بشيئ منو يشاركو المبلئكُ ونظراؤه ممن اطلع‪ .‬ثم اعبلـ الل تعالى لؤلنبياء‬
‫واألولياء ببعض الغيوب ممكن ال يستلزـ محاال بوجو‪ ,‬فانكار وقوعو عناد‪ .‬ومن البداىُ‬
‫أنو ال يؤدى إلى مشاركتهم لو تعالى فيما تفرد بو من العلم الذى بو واتصف بو فى األزؿ‬
‫وما اليزاؿ‪ .‬وما ذكرناه فى اآليُ صرح بو االماـ النووى رحمو الل فى فتاويو فقاؿ‪ :‬معناىا‬
‫ال يعلم ذلك استقبلال وعلم احاطُ بكل المعلومات اال الل‪ .‬واما المعجزات والكرامات‬
‫فباعبلـ الل لهم علمت‪ ,‬وكذا ما علم باجراء العادة‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫مسئلُ‬
‫فى تحقيق الفرؽ بين الخطاب الذى يذكره األولياء كقوؿ بعضهم حدثنى قلبى عن ربى او‬
‫خاطبنى ربى بكذا‪ ,‬وما سمعو األنبياء من الوحي وما يتبع ذلك‪ ,‬قاؿ المحقق ابن حجر‬
‫رضى الل عنو‪ :‬فرؽ القطب الربانى الشيخ عبد القادر الجيبلنى ‪ -‬نفع الل بو ‪ -‬بين النبوة‬
‫والواليُ بما‬
‫‪44‬‬
‫حاصلو اف النبوة كبلـ الل الواصل للنبي صلى الل عليو وسلم مع الملك والروح األمين‬
‫والواليُ حديث يلقى فى قلب الولي على سبيل االلهاـ المصحوب بسكينُ توجب‬
‫الطمأنينُ والقبوؿ لو من غير توقف وال تلعثم‪ ,‬ورد االوؿ كفر والثانى نقص‪ .‬وجاء الفقيو‬
‫البى يزيد معترضا عليو فقاؿ‪ :‬علمك ممن وعمن ومن اين‪ ,‬فقاؿ‪ :‬علمى من عطاء الل‬
‫وعن الل عز وجل ومن حيث قاؿ رسوؿ الل صلى الل عليو وسلم‪ :‬من عمل بما يعلم ورثو‬
‫الل علم مالم يعلم‪ ,‬وقاؿ‪ :‬العلم علماف‪ ,‬علم ظاىر وعلم باطن‪ ,‬فالعلم الظاىر حجُ الل‬
‫على خلقو‪ ,‬والعلم الباطن ىو العلم النافع‪ .‬فعلمك يا فقيو نقل من لساف الى لساف‬
‫للتعلم ال للعمل‪ ,‬وعلمى من علم الل عز وجل الهاما الهمنى الل من عنده‪ ,‬فقاؿ لو‬
‫الفقيو‪ :‬علمى عن الثقات عن النبي صلى الل عليو وسلم عن جبريل عن الل تعالى‪ ,‬فقاؿ‪:‬‬
‫للنبي صلى الل عليو وسلم علم عن الل عز وجل لم يطلع عليو جبريل وال ميكائيل عليهما‬
‫الصبلة والسبلـ‪ ,‬فطلب منو الفقيو اف يوضح لو علمو الذى ذكره‪ ,‬فقاؿ‪ :‬يا فقيو‪ ,‬اعلمت‬
‫(‪)۱‬‬ ‫اف الل عز وجل كلم موسى تكليما وكلم محمدا صلى الل عليو وسلم ورآه كفاحا‬
‫وكلم االنبياء وحيا‪ ,‬قاؿ‪ :‬بلى‪ ,‬قاؿ‪ :‬اما علمت اف كبلمو للصديقين واألولياء بالهاـ منو‬
‫لهم والقى فوائده فى قلوبهم وتأييده لهم ثم انطقهم بالحكمُ ونفع بهم األمُ‪ .‬ومما يؤيد‬
‫ماقلتو ما الهم الل عز وجل اـ موسى اف تقذفو فى التابوت ثم تلقيو فى اليم‪ ,‬وكما الهم‬
‫الخضر فى امرالسفينُ وامرالغبلـ والحائط وقولو لموسى ومافعلتو عن امرى اى انما ىو‬
‫علم الل عز وجل‪ ,‬وقاؿ تعالى‪ :‬وعلمناه من لدنا علما‪ ‬اى بناء على ما عليو الصوفيُ‬
‫قاطبُ انو ولي ال نبي‪ ,‬وكما الهم يوسف صلى الل عليو وسلم فى السجن فقاؿ‪ :‬ذلكما‬
‫مما علمنى ربى‪ ,‬اى وكاف ذلك قبل النبوة‪ ,‬وكما قاؿ ابو بكر لعائشُ رضى الل عنها اف‬
‫بنت خارجُ حامل ببنت ولم يكن استباف حملها فولدت جاريُ‪ ,‬ومثل ىذا كثير‪ .‬واىل‬
‫االلهاـ قوـ اختصهم الل بالفوائد فضبل منو عليهم‪ ,‬وقد فضل الل بعضهم على بعض فى‬
‫االلهاـ والفراسُ‪ .‬فقاؿ الفقيو‪ :‬قد اعطيتنى اصبل وشفيت صدرى‪ .‬ومما يؤيد ما رواه‬
‫الصوفيُ من اف االلهاـ حجُ ‪ -‬اى فيما ال مخالفُ فيو لحكم شرعى ‪ -‬ما صح من قولو‬
‫صلى الل عليو وسلم فى الحديث القدسى‪ :‬فاذا احببتو كنت سمعو الذى يسمع بو وبصره‬
‫الذى يبصر بو‪ ,‬الحديث‪ .‬وفى روايُ‪ :‬فبى يسمع وبى يبصر وبى ينطق‪ ,‬وفى اخرى‪ :‬وكنت‬
‫لو سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا‪ .‬والحاصل اف العلماء بالل عز وجل ىم الواقفوف مع‬
‫ػػػػػػػػػػػ‬
‫‪ .۱‬قولو كفاحا اى كشفا ومعاينُ يقاؿ كفحو كمنعو اى كشف عن غطاء‬
‫وكفحو واجهو وفى الحديث اعطيت محمدا كفاحا اى اشياء كثيرة من الدنيا واآلخرة‬
‫‪45‬‬
‫الل تعالى فى العلوـ واالعماؿ‪ ,‬والمقامات واالحواؿ‪ ,‬واالقواؿ واالفعاؿ‪ ,‬وسائر الحركات‬
‫والسكنات واالرادات والخطرات ومعادف االسرار ومطالع األنوار‪ ,‬والعارفوف المحبوف‬
‫المحبوبوف المقربوف رضى الل عنهم ونفع بهم‪ .‬وتقرر ذلك علم الفرؽ بين خطاب النبي‬
‫صلى الل عليو وسلم وخطاب الولي فاالوؿ بواسطُ الملك اوبغير واسطُ اوبالرؤيا‬
‫الصالحُ او بالنفث فى الروع وكل ذلك يسمى وحيا وكبلما ينسب الى الل تعالى حقيقُ‪,‬‬
‫ومن انكرما علم من الدين ضرورة كفر‪ ,‬والثانى شيئ يلقى فى القلب يثلج لو الصدر‪ ,‬وىو‬
‫المسمى حديثا والهاما‪ ,‬لقولو صلى الل عليو وسلم فى الحديث‪ :‬اف فى امتى محدثوف ‪-‬‬
‫بفتح الداؿ ‪ -‬ملهموف ومنهم عمر‪ .‬واختلف العلماء فى حجيُ االلهاـ بقيده السابق‪,‬‬
‫فاالرجح عند الفقهاء انو ليس بحجُ‪ ,‬اذ ال ثقُ بخواطر غير المعصوـ‪ .‬وعند الصوفيُ انو‬
‫حجُ ممن حفظو الل تعالى فى سائر اعمالو الظاىرة والباطنُ‪ ,‬واألولياء واف لم يكن لهم‬
‫العصمُ لجواز وقوع الذنب وال ينافيو الواليُ‪ .‬ومن ثمو قيل للجنيد‪ :‬ايزنى الولي‪ ,‬فقاؿ‪:‬‬
‫‪‬وكاف امر الل قدرا مقدورا‪ ,‬لكن لهم الحفظ فبل تقع منهم كبيرة وال صغيرة غالبا‪.‬‬
‫قلت فى الرسالُ القشيريُ مانصو فاف قيل‪ :‬فهل يكوف الولي معصوما قيل‪ :‬اما وجوبا كما‬
‫يقاؿ فى االنبياء فبل‪ ,‬واما اف يكوف محفوظا حتى ال يصر على الذنوب‪ ,‬اف حصلت‬
‫ىنات اوآفات اوزالت فبل يمتنع ذلك فى وصفهم‪ ,‬ثم ذكر ما مر عن الجنيد‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وعلى القوؿ بحجيتو اى االلهاـ فهو بنسب الى الل تعالى‪ ,‬بمعنى انو الملقى لو فى‬
‫القلب كرامُ لذلك الولي وانعاما عليو بما يكوف سببا لمزيد لو او صبلح لغيره‪ .‬والل‬
‫اعلم‪.‬‬
‫مسئلُ‬
‫فى األجوبُ عما وقع من شطحات األولياء التى ظاىرىا انتقاد وباطنها حق‪ ,‬كقوؿ ابى‬
‫يزيد البسطامى‪ :‬سبحانى ما فى الجبُ اال الل‪ ,‬وقوؿ الحبلج‪ :‬انا الحق‪ ,‬وغير ذلك‪ .‬اعلم‬
‫اف ما وقع لؤلولياء رضى الل عنهم من الشطحات اى الكلمات اواالفعاؿ التى عليها‬
‫رائحُ رعونُ ودعوى لؤلئمُ العلماء العارفين الحكماء الذين حماىم الل بالسبلمُ من‬
‫حرماف االذكار‪ ,‬ومن عليهم باالعتقاد فى اوليائو‪ ,‬وحمل ما صدر عنهم على احسن‬
‫المحامل واقومها عنها‪ ,‬اجوبُ مسكتُ وتحقيقات مبهتُ‪ ,‬ال يهتدى اليها اال الموفقوف‪ ,‬وال‬
‫يعرض عنها اال المخذولوف‪ .‬احدىا‪ ,‬اف تلك الكلمات حكايُ عن حضرة الحق ونطق‬
‫عما يليق وما شاىدوه من انوارىا وغلبُ التجوز فى نحو ذلك من مقامات المحبُ‬
‫والعبوديُ والقرب‪ ,‬يبسط لهم العذر ويرفع عنهم االصر‪ .‬وممن اعتمد ىذا السلك االماـ‬
‫الشهاب السهروردى حيث‬
‫‪46‬‬
‫قاؿ فى عوارفو‪ :‬وما حكى عن ابى يزيد رضى الل عنو من قولو سبحانى‪ ,‬حاشا الل اف‬
‫يعتقد فى ابى يزيد اف يقوؿ مثل ذلك اال على معنى الحكايُ عن الل تعالى‪ .‬قاؿ‪ :‬وذلك‬
‫مما ينبغى اف يعتقد فى الحبلج وحمدا لل من قولو انا الحق‪ .‬ثانيها‪ ,‬اف ذلك وقع منهم‬
‫فى حاؿ الغيبُ والسكر الناشئين عن الفناء فى المحبُ والشهود لموارد االحواؿ المزعجُ‬
‫للقلب اآلخذة لو من صحوه وتمييزه‪ .‬اال ترى اف بعض الهموـ والواردات الدنيويُ اذا‬
‫وردت على القلب اذىلتو واذىبت تمييزه لشدة تمكنها منو واستغراقو فى فكره وخطرىا‪,‬‬
‫فانو اذا كاف ىذا فى االمور السافلُ التى ال تقاوـ جناح بعوضُ‪ ,‬فكيف بواردات الحق‬
‫على القلوب‪ ,‬ولوامح المحبُ المذىلُ عن كل مطلوب ومرغوب‪ ,‬وعوالم الملكوت‬
‫المنكشفُ لهم فى منازالتهم‪ ,‬ومشاىدة عجائب القدرة فى ترقياتهم‪ .‬فاف ذلك ال يبقى‬
‫فى القلب شعورا والتمييزا بل يصير صاحبو كالسكراف الثمل‪ ,‬فحينئذ ينطق بما رسخ فى‬
‫خلده قبل‪ ,‬ويرجع بطبعو قهرا عليو‪ ,‬الى مكاف يلحظو ويعوؿ عليو فينطق لسانو بطبق تلك‬
‫االحواؿ‪ ,‬لكن بعبارات ال يقصد بها ما يوىمو ظاىرىا من اتحاد اوحلوؿ اوانحبلؿ‪ .‬فتأمل‬
‫ذلك وعوؿ عليو تسلم‪ .‬وكل سكر نشأ عن سبب جائز فصاحبو غير مكلف‪ .‬وممن‬
‫اعتمد ىذا المسلك القطب الربانى سيدى عبد القادر الجيبلنى نفع الل بو‪ .‬قاؿ المحقق‬
‫ابن حجر بعد سوؽ عبارتو فى شأف الحبلج‪ :‬ويكفى الحبلج شرفا مشاىدة ىذا القطب‬
‫لو بهذا المقاـ مع اف الصوفيُ وغيرىم مختلفوف فيو اختبلفا كثيرا‪ ,‬فجماعُ من العارفين‬
‫كأبى العباس ابن عطاء وابى عبد الل ابن حنيف والقاسم النصراباذى رضى الل عنهم اثنوا‬
‫عليو وصححوا حالو وجعلوه احد المحققين‪ ,‬وخالفهم اكثر المشايخ فلم يثبتوا لو قدما‬
‫فى التصوؼ ولم يقبلوه ولم يأخذوا عنو‪ .‬وىذا ال ينافى ما قالو األولوف‪ ,‬النو واف كاف‬
‫محقا بل عالما ربانيا ‪ -‬كما قالو ابن حنيف ‪ -‬اال انو كاف مخلطا تكثر منو الكلمات التى‬
‫ظواىرىا منتقدة‪ .‬فلذا اعرضوا عن األخذ عنو ولم يثبتوا لو قدما فى التصوؼ ‪ -‬اى فى‬
‫التربيُ واالقتداء ‪ -‬وجعلوه فى حيز المجاذيب الذين يعتقدوف واليؤخذ عنهم‪ ,‬وال يعدوف‬
‫من اصحاب المراتب والتصرؼ‪ .‬فتأمل ذلك فانو مهم‪ ,‬واياؾ اف تفهم من الصوفيُ من‬
‫ينكر عليو حالو الباطن فاف االمر ليس كذلك وقد بسط الغزالى رحمو الل احوالو فاجاب‬
‫عن كلماتو ووقائعو بما ينزه ساحتو عن حلوؿ او غيره‪ .‬ثالثها اف الشطح قد يكوف فيو نفع‬
‫للخلق‪ ,‬وقد عرفوا ذلك بالهاـ اوكشف اوخطاب او نحوىا من وجود التعريفات‪ ,‬كما‬
‫تواتر باليمن فى الشيخ العارؼ االماـ اسماعيل الحضرمى ‪ -‬نفع الل بو ‪ -‬انو قاؿ‪ :‬من‬
‫قبل قدمى دخل الجنُ‪ ,‬فلم يزؿ يقبل قدمو كل زائر واف جلت مراتبو‪ .‬ومن‬
‫‪47‬‬
‫كراماتو انو كاف داخبل لزبيد وقد دنت الشمس للغروب فقاؿ لها‪ :‬ال تغربى حتى ندخلها‬
‫فوقفت ساعُ طويلُ فلما اشار اليها فاذا الدنيا مظلمُ والنجوـ ظهورا تاما‪ .‬قلت من قبيل‬
‫كبلـ الشيخ اسماعيل الحضرمى‪ :‬من قبل قدمى دخل الجنُ‪ ,‬ماذكره بعض العلماء اف‬
‫االماـ الشاطبى قاؿ فى شأف قصيدتو حرز االمانى‪ :‬من حفظ ىذه القصيدة دخل الجنُ‪.‬‬
‫فبلغ بعض المقرئين ىذا الكبلـ فاراد اف يسألو عن ذلك‪ ,‬فجاء اليو وكاشف الشيخ قبل‬
‫اف يسألو‪ ,‬فقاؿ‪ :‬نعم‪ ,‬من حفظها دخل الجنُ بل من مات وىى فى بيتو دخل الجنُ‪,‬‬
‫وروى انو لما فرغ من نظمها راى النبي صلى الل عليو وسلم فى المناـ‪ ,‬فقاـ فقدـ‬
‫القصيدة بين يديو وقاؿ‪ :‬يا رسوؿ الل‪ ,‬انظرىا‪ .‬فتناولها النبي صلى الل عليو وسلم بيده‬
‫الشريفُ وقاؿ‪ :‬ىى مباركُ‪ ,‬من حفظها دخل الجنُ‪ .‬رابعها‪ ,‬ظهور المراد من اللفظ واف‬
‫اشكل ظاىره‪ ,‬كما وقع للشيخ ابى الغيث ابن جميل ‪ -‬نفع الل بو ‪ -‬انو جاء اليو جماعُ‬
‫من الفقهاء فقاؿ‪ :‬مرحبا بعبيدى‪ ,‬فاشتد انكارىم عليو وذكروا ذلك للشيخ اسماعيل‬
‫المذكور قبلو‪ ,‬فقاؿ‪ :‬صدؽ‪ ,‬انتم عبيد الهوى وىو عبده‪ .‬خامسها االشارة الى الخبلفُ‬
‫عن الحق باالذف لو فى التصرؼ فى الكوف‪ ,‬كما قاؿ الشيخ ابو الغيث ‪ -‬نفع الل تعالى‬
‫بو ‪:-‬‬
‫وحبانى الملك المهيمن خلعُ * فاالرض ارضى و السماء سمائى‬
‫وفى روايُ وحبلنى الملك المهيمن باسمو اى سره اوصفتو اوبركتو اوبالنيابُ عنو فى‬
‫التصرؼ فيما اذف لى فيو اواف اسمى الذى ىو ابو الغيث مشتق من اسمو تعالى المغيث‪.‬‬
‫سادسها قصد التخريب وىو ما يقع للمبلمتيُ‪ ,‬وىم قوـ طابت نفوسهم مع الل فلم يريدوا‬
‫اف احدا يطلع على اعمالهم غيره‪ ,‬فاذا راى احد منهم اف احدا اعتقد فيو خرب اى‬
‫ارتكب ما يذـ بو ظاىره من فعل او قوؿ‪ ,‬كسرقُ بعض األولياء‪ ,‬وىو ابراىيم الخواص ‪-‬‬
‫نفع الل بو وناىيك بو علما ومعرفُ ‪ -‬لما رآى اىل بلده يعتقدونو سرؽ ثيابا من الحماـ‬
‫البن المالك‪ ,‬وخرج يتبختر بها حتى ادرؾ‪ ,‬فضرب واخذت منو وسمى لص الحماـ‪,‬‬
‫فقاؿ‪ :‬االف طابت اإلقامُ فى ىذه البلدة‪ .‬فاف قلت‪ :‬ما تأويلو فى لبس ثياب الغير‪,‬‬
‫قلت‪ :‬يحتمل انو علم عتبو ورضاه بل ارضاه واف لم يعلم قلبو‪ ,‬نظرا الى الغالب‪ ,‬الف من‬
‫اطلع على باطن عبد انو فى غايُ الصبلح‪ ,‬واف لبسو ىذا الزمن اليسير ليطهر نفسو من‬
‫النظر الى الخلق رضى لو بذلك قطعا‪ .‬وقد صرح الشافعى رضى الل عنو بانو يجوز اخذ‬
‫خبلؿ وخبللين من ماؿ الغير نظرا الى اف ذلك مما يتسامح بو غالبا‪ .‬ومسئلتنا اولى من‬
‫ذلك‪ ,‬الف اكثر الناس مجبولوف على محبُ ىذه الطائفُ بل كلهم منقادوف الى الصادقين‬
‫من اىلها‪ ,‬ثم رايت بعضهم‬
‫‪48‬‬
‫اجاب بجواب اخر حين سألو فقيو عنها‪ :‬ال اقنع اال بكبلـ الفقهاء‪ ,‬فقاؿ‪ :‬اليس يجوز‬
‫فى ظاىر الفقو استعماؿ لبعض المحرمات للضرورة كالتداوى بالنجاسُ‪ ,‬فقاؿ الفقيو‪:‬‬
‫بلى‪ ,‬فقاؿ‪ :‬فكذا ىذا‪ ,‬داوى نفسو بل قلبو بهذا المحرـ‪ .‬وما اجبت بو اولى‪ ,‬الف‬
‫التداوى بالنجاسُ ليس فيو اال حق الل تعالى‪ ,‬فسومح بو الجل المرض‪ .‬واما ىذا فحق‬
‫االدمى‪ ,‬اليجوز اال برضاه‪ ,‬فكيف يجوز الجل مصالح قلبو‪ ,‬فالصواب ما اجبت بو‪ ,‬اذ‬
‫ال يرد عليو ما اورده اليافعى رحمو الل على ذلك الجواب‪ ,‬فقاؿ بعد قولو‪ :‬ال يداوى‬
‫التخريب بحراـ مغلظ كالكبائر ونحوىا‪ .‬وفى جواز ارتكاب الحراـ للتخريب بمجرد الظن‬
‫حصوؿ الفساد والضرر الراجحين على فساد الحراـ‪ .‬وضرره عندى فيو نظر‪ ,‬ويترتب‬
‫على ىذا سؤاؿ‪ ,‬فيقاؿ‪ :‬اذا تعارض مفسدتاف صغرى قطعيُ وكبرى ظنيُ فايتهما اولى‬
‫بالدفع‪ ,‬واذا حصل الغرض من التخريب بمكروه فبل يجوز بحراـ‪ .‬انتهى كبلـ اليافعى‬
‫رضى الل عنو‪ .‬وتوقفو فى تعارض المفسدتين المذكورتين فيو نظر وقضيُ قولهم درء‬
‫المفاسد مقدـ على جلب المصالح تقديم دفع المفسدة القطعيُ صغرت اوكبرت‪ ,‬كما‬
‫يعلم من كبلـ األئمُ فى المضطر يأخذ طعاـ الغير المستغنى عنو قهرا عليو ويقتلو اف‬
‫امتنع من اعطائو‪ ,‬وتعين القتل طريقا لتحصيلو‪ ,‬ومع ذلك ال يأخذه مجانا‪ ,‬بل يبدلو حاال‬
‫اف قدر عليو‪ ,‬واال فحتى يقدر‪ .‬سابعها‪ ,‬اف األولياء قد يؤمروف بذلك تعريفا لجاىل‬
‫اوشكرا او تحدثا بنعمُ الل تعالى‪ ,‬كما قاؿ سيدنا الشيخ عبد القادر الجيبلنى رضى الل‬
‫عنو وامدنا بمدده ‪:‬‬
‫انا قطب اقطاب الوجود حقيقُ * على سائر االقطاب قولى و حرمتى‬
‫توسل بنا فى كل ىوؿ و شدة * اغيثك فى االشياء طرا بهمػػتى‬
‫وكما وقع لو رضى الل عنو انو بينما ىو بمجلس وعظو اذا ىو يقوؿ‪ :‬قدمى ىذه على رقبُ‬
‫كل ولى لل تعالى‪ ,‬فاجابو فى تلك الساعُ‪ :‬اولياء الدنيا‪ ,‬قاؿ جماعُ‪ :‬بل واولياء الجن‬
‫جميعهم‪ ,‬وطأطؤا رؤسهم وخضعوا لو واعترفوا بما قالو اال رجبل واحدا باصبهاف‪ ,‬ابى‬
‫فسلب حالو‪ .‬وممن طأطأ رأسو ابو النجيب السهروردى وقاؿ‪ :‬على رأسى‪ ,‬على رأسى‬
‫واحمد الرفاعى فقاؿ‪ :‬وحميد منهم وسئل فقاؿ اف الشيخ عبد القادر يقوؿ كذا وكذا‪,‬‬
‫وابو مدين فى المغرب‪ :‬وانا منهم‪ ,‬اللهم انى اشهدؾ واشهد مبلئكتك انى سمعت‬
‫واطعت‪ .‬فسئل فاخبر بما قالو الشيخ ببغداد فأرخ‪ ,‬فكاف قوؿ ابى مدين عقب قوؿ‬
‫الشيخ عبد القادر ذلك‪ .‬وكذلك الشيخ عبد الرحيم القنادى مد عنقو وقاؿ‪ :‬صدؽ‬
‫الصادؽ المصدوؽ‪ .‬فسئل فاخبر بما قالو الشيخ‪ .‬وذكر كثيروف من العارفين الذين‬
‫ذكرناىم وغيرىم انو لم يقل اال بامر اعبلما‬
‫‪49‬‬
‫بقطبيتو‪ ,‬فلم يسع احدا التخلف‪ ,‬بل جاء باسانيد متعددة عن كثيرين انهم اخبروا قبل‬
‫مولده بنحو مائُ سنُ‪ ,‬انو سيولد بارض العجم مولود لو مظهر عظيم يقوؿ ذلك‪ ,‬فتندرج‬
‫األولياء فى وقتو تحت قدمو‪ .‬وحكى اماـ الشافعيُ فى زمنو ابو سعيد عبد الل بن ابى‬
‫عصروف قاؿ‪ :‬دخلت بغداد فى طلب العلم فوافقت ابن السقاء ورافقتو فى طلب العلم‬
‫بالنظاميُ وكنا نزور الصالحين وكاف ببغداد رجل يقاؿ لو الغوث يظهر اذا شاء ويختفى اذا‬
‫شاء فقصدنا زيارتو انا وابن السقاء والشيخ عبد القادر ‪ -‬وىو يومئذ شاب ‪ -‬فقاؿ ابن‬
‫السقاء ‪ -‬و نحن سائروف ‪ :-‬ألسألنو مسئلُ ال يدرى لها جوابا‪ ,‬وقلت‪ :‬ألسألنو مسئلُ‬
‫وانظر ما يقوؿ فيها‪ ,‬وقاؿ الشيخ عبد القادر‪ :‬معاذ الل اف اسألو شيأ‪ ,‬انا بين يديو انتظر‬
‫بركُ رؤيتو‪ .‬فدخلنا عليو فلم نره االبعد ساعُ‪ ,‬فنظر الشيخ الى ابن السقاء مغضبا وقاؿ‪:‬‬
‫ويحك يا ابن السقاء‪ ,‬تسألنى مسألُ ال ادرى لها جوابا ىى كذا وجوابها كذا‪ ,‬انى ألرى‬
‫نار الكفر تلتهب فيك‪ ,‬ثم نظر الى وقاؿ‪ :‬يا عبد الل‪ ,‬أتسألنى عن مسألُ لتنظر ما اقوؿ‬
‫فيها‪ ,‬ىى كذا و جوابها كذا‪ ,‬لتخزف الدنيا عليك الى شحمُ اذنيك باساءة ادبك‪ .‬ثم نظر‬
‫الى الشيخ عبد القادر وادناه منو واكرمو وقاؿ‪ :‬يا عبد القادر‪ ,‬لقد ارضيت الل ورسولو‬
‫صلى الل عليو وسلم بحسن ادبك‪ ,‬كانى اراؾ ببغداد وقد صعدت الكرسى متكلما على‬
‫المؤل‪ ,‬وقلت‪ :‬قدمى ىذه على رقبُ كل ولى لل‪ ,‬وكأنى أرى األولياء فى وقتك وقد حنوا‬
‫رقابهم اجبلال لك‪ .‬ثم غاب عنا فلم نره‪ .‬قاؿ ‪ -‬اى ابن ابى عصروف ‪ :-‬اما الشيخ عبد‬
‫القادر فقد ظهرت امارات قربو من الل عز وجل‪ ,‬واجمع عليو الخاص والعاـ‪ ,‬وقاؿ‪:‬‬
‫قدمى الخ‪ .‬واقرت األولياء فى وقتو لو بذلك‪ .‬و اما ابن السقاء فانو اشتغل بالعلوـ‬
‫الشرعيُ حتى برع فيها وفاؽ فيها كثيرا من اىل زمانو واشتهر بقطع من يناظره فى جميع‬
‫العلوـ‪ ,‬وكاف ذا لساف فصيح وسمت بهى‪ ,‬فادناه الخليفُ وبعثو رسوال الى ملك الروـ‪,‬‬
‫فرآه ذا فنوف وفصاحُ وسمت‪ ,‬فاعجب بو وجمع لو القسيسين والعلماء بالنصرانيُ‬
‫فناظرىم وافحمهم وعجزوا‪ ,‬فعظم عند الملك‪ ,‬فزادت فتنتو‪ ,‬فتراءت لو بنت الملك‬
‫فاعجبتو وفتن بها فسألو اف يزوجها لو‪ ,‬فقاؿ‪ :‬اال اف تتنصر‪ ,‬فتنصر وتزوجها‪ ,‬ثم مرض‬
‫فالقوه فى السوؽ يسأؿ القوت فبل يجاب‪ ,‬وعلتو كآبُ وسواد وحتى مر عليو من يعرفو‪,‬‬
‫فقاؿ لو‪ :‬ما ىذا‪ ,‬قاؿ‪ :‬فتنُ سببها ما ترى‪ ,‬قاؿ لو‪ :‬ىل تحفظ شيأ من القراف‪ ,‬قاؿ‪ :‬ال‪,‬‬
‫اال قولو‪ :‬ربما يود الذين كفروا لوكانوا مسلمين‪ ,‬قاؿ‪ :‬ثم خرجت عليو يوما فرايتو كانو‬
‫حرؽ وىو فى النزع‪ ,‬فقبلتو الى القبلُ فاستدار الى الشرؽ‪ ,‬فعدت فعاد‪ ,‬وىكذا الى اف‬
‫خرجت روحو‪ ,‬وكاف يذكر كبلـ الغوث ويعلم انو اصيب بسببو‪ .‬قاؿ ابن ابى عصروف‪:‬‬
‫‪51‬‬
‫واما انا فجئت الى دمشق‪ ,‬فاحضرنى السلطاف الصالح نور الدين الشهيد‪ ,‬واكرىنى‬
‫على واليُ االوقاف‪ ,‬فوليتها واقبلت على الدنيا اقباال كثيرا‪ ,‬فقد صدؽ قوؿ الغوث‬
‫فينا كلنا‪ .‬قاؿ المحقق ابن حجر‪ :‬وفى ىذه الحكايُ التى كادت اف تتواتر فى المعنى‬
‫لكثرة ناقليها وعدالتهم فيها اتم حث على اعتقاد االولياء واالدب معهم وحسن الظن‬
‫بهم ما امكن‪ .‬وفيها ايضا ابلغ زجر وآكد ردع عن االنكار عليهم خوفا من اف يقع‬
‫المنكر فيما وقع فيو ابن السقاء من تلك الفتنُ المهلكُ االبديُ التى ال اقبح منها وال‬
‫اعظم منها‪ .‬نعوذ بالل من ذلك ونسألو بوجهو الكريم وحبيبو الرؤؼ الرحيم اف يؤمننا‬
‫من ذلك ومن كل فتنُ ومحنُ بمنو وكرمو‪ .‬آمين‪ .‬قاؿ‪ :‬فاحذر اف تكوف ممن يتحسى‬
‫كأس سم االنكار فيهلك لوقتو وبادر الى السبلمُ من غضب الل ومحاربتو ومقتو‪,‬‬
‫فقد قاؿ على لساف الصادؽ المصدوؽ‪ ,‬من عادى لى وليا فقد آذنتو بالحرب اى‬
‫اعلمتو بانى محارب لو‪ .‬قاؿ األئمُ ولم ينصب الل تعالى المحاربُ ألحد من العصاة‬
‫اال للمنكرين على اولياءه و آكلين الربا ومن حاربو الل ال يفلح ابدا‪ .‬قلت‪ :‬قاؿ شيخ‬
‫االسبلـ‪ :‬اذا لم يكن للفقيو علم باحواؿ القوـ واصتبلحاتهم فهو فقيو خاف‪ .‬وقاؿ‬
‫ايضا‪ :‬االعتقاد صيغُ واالنتقاد حرماف‪ .‬وقاؿ الشعرانى‪ :‬ومن اشد حجاب عن معرفُ‬
‫اولياء الل عز وجل شهود المماثلُ والمشاكلُ‪ .‬وىو حجاب عظيم‪ ,‬وقد حجب الل بو‬
‫اكثر االولين واآلخرين كما قاؿ تعالى حاكيا عن قوـ ‪‬وقالوا ماؿ ىذا الرسوؿ يأكل‬
‫الطعاـ ويمشى فى االسواؽ‪ ,‬وقالوا ‪‬ما ىذا اال بشر مثلكم يأكل مما تأكلوف منو‬
‫ويشرب مما تشربوف‪ ,‬فقالوا ابشرا منا واحدا نتبعو‪ ,‬يعنى لم نر احدا يوافقو على ما‬
‫يدعيو ويأمرنا بو ونحو ذلك‪ .‬ولكن اذا اراد الل عز وجل اف يعرؼ عبدا من عبيده بولي‬
‫من اوليائو ليأخذ عنو االدب ويقتدى بو فى االخبلؽ‪ ,‬طوى عنو شهود بشريتو‪ ,‬واشهده‬
‫وجو الخصوصيُ فيو‪ ,‬فيعتقده ببل شك ويحبو اشد المحبُ‪ .‬واكثر الناس الذى يصحبوف‬
‫االولياء ال يشهدوف منهم اال وجو البشريُ‪ .‬فلذلك قل نفعهم وعاشوا عمرىم كلو معهم‬
‫ولم ينتفعوا منهم بشيئ‪ ,‬وقد اقتضت الحكمُ االلهيُ عدـ اتفاؽ الخلق كلهم على‬
‫االعتقاد فى واحد منهم وفى االذعاف لو‪ .‬وفى ذلك سر خفي‪ ,‬النو لو كاف الخلق كلهم‬
‫مصدقين لذلك الولي لفاتو اجر الصبر على تكذيب المكذبين لو‪ .‬ولو كانوا كلهم‬
‫مكذبين لو لفاتو الشكر على تصديق المصدقين لو والمقتفين آلثاره‪ .‬فاراد الحق تعالى‬
‫بحسن اختياره ألوليائو اف يجعل الناس فيهم قسمين‪ :‬معتقد مصدؽ ومنتقد مكذب‪.‬‬
‫ليعبدوا الل عز وجل فيمن صدقهم بالشكر وفيمن كذبهم بالصبر‪ .‬اذ االيماف نصفاف‪:‬‬
‫نصف صبر ونصف‬
‫‪50‬‬
‫شكر‪ .‬قاؿ وانما نهى القوـ عن المنازعُ‪ ,‬الف علومهم مواجيد ال نقل فيها‪ .‬ومن كاف‬
‫يخبر عما يعاين ويشاىد ال يجوز للسامع منازعتو فيما اتى بو‪ ,‬بل يجب التصديق اف كاف‬
‫مريدا‪ ,‬والتسليم لو اف كاف أجنبيا‪ .‬فاف علوـ القوـ ال تقبل المنازعُ النها وراثُ نبويُ‪ .‬وفى‬
‫الحديث‪ :‬عند نبي ال ينبغى التنازع‪ ,‬ونهى صلى الل عليو وسلم عن الجداؿ‪ ,‬وقاؿ فى‬
‫المجادؿ‪ :‬فليتبوأ مقعده من النار‪ .‬وقاؿ الشيخ محي الدين رضى الل عنو‪ :‬اصل منازعُ‬
‫الناس فى المعارؼ االلهيُ واالشارات الربانيُ كونها خارجُ عن طور العقوؿ‪ ,‬ومجيئها بغتُ‬
‫من غير نقل وال نظر‪ ,‬ومن غير طريق العقل‪ ,‬فتنكرت على الناس من حيث طريقها‪,‬‬
‫فأنكروىا وجهلوىا‪ .‬ومن انكر طريقا من الطرؽ عادى اىلها ضرورة‪ ,‬العتقاده فسادىا‬
‫وفساد عقائد اىلها‪ ,‬وغاب عنو اف االنكار من الوجود‪ .‬والعاقل يجب عليو اف يغير منكرا‬
‫انكره ليخرج عن طور الجحود‪ .‬فاف االولياء والعلماء العاملين قد جلسوا مع الل عز‬
‫وجل على حقيقُ التصديق والصدؽ والتسليم واالخبلص والوفاء بالعهود وعلى مراقبُ‬
‫االنفاس مع الل عز وجل‪ ,‬حتى سلموا قيادىم اليو‪ ,‬والقوا نفوسهم سلما بين يديو‪ ,‬وتركوا‬
‫االنتصار لنفوسهم فى وقت من األوقات حياء من ربوبيُ ربهم عز وجل‪ ,‬واكتفاء بقيوميتو‬
‫عليهم‪ .‬فقاـ لهم بمايقوموف ألنفسهم بل اعظم‪ .‬وكاف تعالى ىو المحارب عنهم لمن‬
‫حاربهم والغالب لمن غالبهم‪ .‬والل اعلم‪.‬‬
‫مسئلُ ايما افضل علماء الباطن اـ علماء الظاىر‬
‫اجاب المحقق ابن حجر رضى الل عنو بقولو‪ :‬اف اردت بعلماء الباطن ما ىو المتبادر‬
‫عند اىلو‪ ,‬وىم العارفوف بالل تعالى الذين وفقهم الل عز وجل ال فضل االعماؿ‪ ,‬وحفظهم‬
‫من سائر المخالفات فى كل االحواؿ‪ ,‬ثم كشف لهم الغطاء‪ ,‬يعبدوه كانهم يرونو‪,‬‬
‫واشتغلوا بمحبتو عما سواه‪ ,‬واطلعهم على عجائب ملكو وغرائب حكمو‪ ,‬وقربهم من‬
‫حضرة قدسو‪ ,‬واجلسهم على بساط أنسو‪ ,‬ومؤل قلوبهم بصفات جمالو وجبللو‪ ,‬وجعلهم‬
‫مطالع انواره‪ ,‬ومعادف اسراره‪ ,‬وخزائن معارفو‪ ,‬وكنوز لطائفو‪ ,‬واحيابهم الدين‪ ,‬ونفع بهم‬
‫المريدين‪ ,‬واغاث بهم العباد‪ ,‬واصلح بهم الببلد‪ .‬وبعلماء الظاىر الذين عرفوا رسوـ‬
‫العلوـ الكسبيُ‪ ,‬وعريصات الوقائع الفعليُ والقوليُ‪ ,‬وغرائب البراىين العقليُ والنقليُ‪,‬‬
‫حتى حفظوا سياج الشرع من اف يلم بو طارؽ اويخرقو مبتدع مارؽ‪ .‬فاألولوف افضل‪ ,‬واف‬
‫كاف لآلخرين فضل عظيم‪ ,‬بل ربما كانوا افضل من حيثيُ المطلقا‪ ,‬ومع ذلك فافضليُ‬
‫األولين على حالها‪ ,‬او قد يكوف فى المفضوؿ مزيُ‪ ,‬بل مزايا‪ ,‬ىذا اف وجدت فى ىؤالء‬
‫‪52‬‬
‫صفُ العدالُ‪ ,‬واال فبلمفاضلُ‪ ,‬اذال مشاركُ بينهم وبين األولين فى شيئ من صفات‬
‫الكماؿ‪ ,‬الف رسوـ العلوـ الخاليُ عن االعماؿ الصالحُ فى الحقيقُ مقت اى مقت‪,‬‬
‫وغضب اى غضب‪ ,‬ومن ثمو جاء فى االخبار الصحيحُ من عقاب العلماء الذين لم‬
‫يعملوا بعلمهم‪ ,‬ما يدىش اللب ويحير الفكر‪ .‬ىذا ىو الحق فى ىذه المسئلُ‪ ,‬خبلفا‬
‫لمن اطلق الكبلـ فى تفضيل احد الشقين‪ ,‬ولم ينح ىذا التفضيل الذى ابديتو‪ ,‬وال يرد‬
‫على ذلك ما وقع لموسى مع الخضر صلى الل على نبينا وعليو وسلم‪ ,‬بناء على ما عليو‬
‫الجمهور من الصوفيُ‪ ,‬أف الخضر ولى‪ ,‬الف موسى افضل منو اجماعا‪ ,‬النو امتاز على‬
‫الخضر بخصوصيُ‪ ,‬وانما غايُ ما يتميز بو الخضر انو اطلع على جزئيات من عالم الغيب‬
‫لم يطلع عليو موسى‪ ,‬عليو السبلـ فتلمذ لو الجلها‪ ,‬وتأديبا من الل عز وجل لو‪ ,‬اذ سئل‬
‫من اعلم الناس‪ ,‬فقاؿ‪ :‬انا‪ ,‬ولم يرد العلم الى الل عز وجل‪ ,‬فليست قضيتهما مما نحن‬
‫فيو بوجو‪ ,‬خبلفا لليافعى رحمو الل‪ ,‬حيث جعلها دليبل لتفضيل االولين‪ .‬ومما يدؿ‬
‫ألفضليُ األولين ما ىو مقرر‪ ,‬اف العلماء انما يشرفوف على قدر شرؼ معلومهم‪ ,‬وشرؼ‬
‫العلوـ تابع لشرؼ غاياتها‪ ,‬فعلوـ المعارؼ المتعلقُ بالل واسمائو وصفاتو اشرؼ العلوـ‪,‬‬
‫واصحابها اشرؼ العلماء‪ ,‬ويليها فى الشرؼ علم الفقو‪ ,‬ألف غايتو معرفُ احكاـ الل‬
‫وشرعو الذى تعبد بو عباده‪ ,‬وجميع العلوـ وسيلُ الى ىذين العلمين المشتملين على‬
‫معرفُ الل ومعرفُ عبادتو‪ ,‬ألف الخلق لم يخلقوا اال لذلك‪ :‬وماخلقت الجن واالنس اال‬
‫ليعبدوف‪ ,‬والعبادة تفتقر الى المعرفُ‪ ,‬ومن فسرىا بالمعرفُ فهى مستلزمُ للعبادة‪ ,‬اذ من‬
‫عرؼ الل عرؼ وجوب عبادتو وطاعتو‪ .‬ومما يوضح لك اف العلوـ وسيلُ لذينك العلمين‪,‬‬
‫انها وسيلُ لمعرفُ الفقو‪ ,‬الوسيلُ لمعرفُ العمل الوسيلُ للعمل الوسيلُ لطاعُ الل وقربو‪,‬‬
‫الوسيلُ لمعرفتو‪ .‬فمن استعمل ىذه الوسائل على وجهها وصل بها الى المقصود األعظم‪,‬‬
‫واال‪ ,‬فهو الخاسر الجاىل‪ ,‬واف كاف بصورة عالم‪ .‬ومما يدؿ على افضليُ علم المعرفُ‬
‫على الفقو وغيره امور منها‪ :‬اف العلوـ والمعارؼ اللدنيُ تختص بها األولياء والصديقوف‪,‬‬
‫والعلوـ الظاىرة ينالها حتى الفسقُ والزنادقُ‪ ,‬ومن ثمو قاؿ السهروردى فى عوارفو‪:‬‬
‫وينبيك عن شرؼ علم الصوفيُ وزىاد العلماء‪ ,‬اف العلوـ كلها اليبعد تحصيلها مع محبُ‬
‫الدنيا‪ ,‬واالخبلؿ بحقائق التقوى‪ .‬وربما كانت محبُ الدنيا عونا على اكتسابها‪ ,‬الف‬
‫االشتغاؿ بها شاؽ على النفوس‪ ,‬فجلبت على محبُ الجاه والرفعُ‪ ,‬حتى اذا استشعرت‬
‫حصوؿ ذلك بحصوؿ العلم اجابت الى تحمل الكلف وسهر الليل‪ ,‬والصبر على الغربُ‬
‫واالسفار وفقد المبلذ والشهوات‪ .‬وعلوـ ىؤالء القوـ‪ ,‬يعنى الصوفيُ‪ ,‬التحصل بمحبُ‬
‫الدنيا‪ ,‬وال تنكشف‬
‫‪53‬‬
‫االبمجانبُ الهوى‪ ,‬وال تدرس اال فى مدرسُ التقوى‪ ,‬قاؿ الل تعالى‪ :‬واتقوا الل ويعلمكم‬
‫الل‪ .‬ومنها اف شرؼ العلم على قدر شرؼ انتفاع صاحبو ونفعو الغير بو‪ ,‬والعارفوف ىم‬
‫الذين انتفعوا ونفعوا حقا‪ ,‬ويكفى فى انتفاعهم تطهير قلوبهم مما سوى الل‪ ,‬تعالى‬
‫وامتبلؤىا بمحبتو ومعرفتو‪ .‬ومن نفعهم للخلق اف بركتهم تغيث العباد‪ ,‬ويدفع بها الفساد‪,‬‬
‫واال‪ ,‬لفسدت االرض‪ ,‬ويقاـ بهم الدين‪ ,‬ويرشد بهم المريدوف الى التطهير من كل خلق‬
‫دنيئ‪ ,‬والترقى الى التحلى بكل وصف علي‪ .‬ومن ثمو وقع لعارؼ اف تلميذه اراد الزنا‬
‫بامرأة‪ ,‬فلما ىم سمع صوت شيخو من ببلد بعيدة بقوؿ‪ :‬ىكذا تفعل يافبلف‪ ,‬ففر ىاربا‪.‬‬
‫ووقع آلخر مع تلميذه فى نظير ذلك‪ ,‬انو ما شعر اذىم اال والشيخ قد لطمو لطمُ‬
‫اذىبت بصره‪ ,‬فخرج وامر من جاء بو الى الشيخ‪ ,‬فقاؿ‪ :‬ادع الل لى اف يرد بصرى‪ ,‬فانى‬
‫تائب الى الل تعالى‪ ,‬فقاؿ‪ :‬نعم‪ ,‬ولكن ال تموت اال اعمى‪ .‬فدعا لو‪ ,‬فرد الل عليو بصره‪,‬‬
‫ثم عمى قبل موتو بثبلثُ اياـ‪ .‬وكذلك وقع للشيخ ابى الغيث ابن جميل اليمنى رحمو الل‬
‫انو كاف لو تلميذ بالعجم ىم بالزنا بامرأة فضربو الشيخ بقبقابو مع زجر وغضب بحضرة‬
‫الفقراء‪ ,‬فلم يدروا ما الخبر حتى قدـ الشيخ العجمى بقبقاب الشيخ بعد شهر تائبا‪.‬‬
‫وكذلك وقع لسيدي عبد القادر الجيبلنى رضى الل عنو‪ ,‬انو رمى بفردتى قبقابو اثر وضوئو‬
‫مع صرختين عظيمتين‪ ,‬فلم تدر الفقراء ما الخبر‪ ,‬حتى قدمت قافلُ بعد ثبلثُ وعشرين‬
‫يوما‪ ,‬فاخبروا اف عربا نهبوا اموالهم واقتسموىا وىم ينظروف‪ ,‬فنذروا للشيخ بشيئ اف‬
‫نجوا منهم‪ ,‬فسمعوا الصرختين وجاءىم العرب باموالهم‪ ,‬واخبروىم اف فردتي القبقاب‬
‫جاءتا الى كبيرىم فقلتاىما‪ ,‬فأخذوىما وىما مبلولتاف وقدموا بهما‪ .‬قلت‪ :‬ومن مناقب‬
‫سيدي احمد البدوى رضى الل عنو بعد موتو‪ ,‬ماذكره الشعراني‪ ,‬قاؿ‪ :‬اخبرنى الخراجا‬
‫الحلبى‪ ,‬قاؿ‪ :‬بينما انا مسافر بحمل قماش الى الولد اى مولد سيدى احمد البدوى‪ ,‬اذا‬
‫بسبعُ فرساف احاطوابى ليأخذوا ما معى‪ ,‬فقلت‪ :‬يا سيدى احمد انا فى ذركك‪ .‬فما تم‬
‫الكبلـ حتى خرج عليهم فارس على خصاف ابيض ال يرى منو اال عيناه‪ ,‬فطردىم حتى‬
‫غابوا عنى‪ ,‬فعرفت انو سيدى احمد البدوى رضى الل عنو‪ ,‬انتهى‪ .‬ومنها ما ورد فى فضل‬
‫أويس القرنى رضى الل عنو ونفعنا بو‪ ,‬وكونو افضل التابعين فى بعض روايات صحيح‬
‫مسلم‪ ,‬مع ما فى التابعين من العلماء الكبار الذين ال يحصوف‪ .‬ومنها اف العز ابن عبد‬
‫السبلـ صرح بتفضيل العارفين بالل تعالى‪ ,‬ومن ثمو لما سمع امبلء القطب ابى الحسن‬
‫الشاذلى‪ ,‬رحمو الل تعالى‪ ,‬على رسالُ القشيرى صار يقوؿ‪ :‬اسمعوا ىذا الكبلـ العجيب‬
‫الغريب القريب العهد بربو‪ .‬قلت عبارة الشعرانى‪ :‬ولما اجتمع األولياء والعلماء فى واقعُ‬
‫‪54‬‬
‫األفرنج بالمنصورة قريبا من ثغر دمياط‪ ,‬جلس الشيخ عز الدين اى ابن عبد السبلـ‪,‬‬
‫والشيخ مكين الدين األسمر‪ ,‬والشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد واضرابهم‪ ,‬وقرئت‬
‫عليهم رسالُ القشيرى‪ ,‬وصار كل واحد يتكلم اذ جاء الشيخ ابو الحسن الشاذلى رضى‬
‫الل عنو‪ ,‬فقالوا لو‪ :‬نريد اف تسمعنا شيئا من معانى ىذا الكبلـ‪ .‬فقاؿ‪ :‬انتم مشايخ‬
‫االسبلـ وكبراء الزماف‪ ,‬وقد تكلمتم‪ ,‬فما بقى لكبلـ مثلى موضع‪ .‬فقالوا لو‪ :‬ال‪ ,‬بل تكلم‬
‫فحمد الل واثنى عليو وشرع يتكلم‪ ,‬فصاح عز الدين من داخل الخيمُ وخرج ينادى‬
‫باعلى صوتو‪ :‬ىلموا الى ىذا الكبلـ القريب العهد من الل تعالى فاسمعوه‪ .‬انتهت‪ .‬ومنها‬
‫قوؿ االستاذ ابى القاسم الجنيد نفع الل بو‪ :‬لو علمت تحت اديم السماء علما اشرؼ‬
‫من علمنا ىذا لسعيت اليو وقصدتو‪ .‬وقاؿ السهروردى رضى الل عنو االشارة فى خبر‬
‫فضل العالم على العابد كفضلى على ادناكم الى ىذا العلم الذى ىو العلم بالل وقوة‬
‫اليقين‪ ,‬دوف علم نحو البيع والطبلؽ والعتاؽ‪ ,‬قاؿ وقد يكوف االنساف عالما بالل ذا‬
‫يقين‪ ,‬وليس عنده علم من فروض الكفايُ‪ .‬وقد كانت الصحابُ رضى الل عنهم اعلم من‬
‫علماء التابعين بحقائق اليقين ودقائق المعرفُ‪ ,‬مع اف فى علماء التابعين من ىو اقوـ بعلم‬
‫الفقو من بعض الصحابُ‪ .‬قاؿ‪ :‬والعلماء الزاىدوف بعد األخذ مما البد منو اقبلوا على الل‬
‫وانقطعوا اليو وخلصت ارواحهم الى مقاـ القرب‪ ,‬فافاضت على قلوبهم انوار الهيات‬
‫تهيأت بها الدراؾ العلوـ الربانيُ والمعارؼ االلهيُ‪ ,‬والل اعلم‪ .‬قلت‪ :‬ومنها اف حجُ‬
‫االسبلـ الغزالى لما ذكر فى االحياء معرفُ الل تعالى والعلم بو‪ ,‬قالوا‪ :‬الرتبُ العليا فى‬
‫ذلك االنبياء‪ ,‬ثم االولياء العارفين‪ ,‬ثم العلماء الراسخين‪ ,‬ثم الصالحين‪ .‬فقدـ االولياء‬
‫وفضلهم على العلماء‪ .‬وكذا صرح بو األستاذ القشيرى فى اوؿ رسالتو‪ .‬قاؿ المحقق ابن‬
‫حجر نفع الل بو‪ :‬انو صحيح المريُ فيو‪ ,‬اذ ال يشك عاقل اف العارؼ بما يجب لل تعالى‬
‫من اوصاؼ الجبلؿ ونعوت الكماؿ‪ ,‬وبما يستحيل عليو من االتصاؼ بكل صفُ لم تبلغ‬
‫غايُ النهايُ من الكماؿ المطلق‪ ,‬افضل من العارؼ بمجرد االحكاـ‪ .‬قاؿ العز ابن عبد‬
‫السبلـ‪ :‬العارفوف بالل افضل من العارفين باألصوؿ والفروع‪ ,‬الف العلم يشرؼ بشرؼ‬
‫معلومو وثمراتو‪ ,‬والعلم بالل عز وجل وبصفاتو أفضل من العلم بكل معلوـ‪ ,‬اذ معرفُ كل‬
‫صفُ من الصفات توجب حاال عليو‪ ,‬وعنها تنشأ مبلزمُ كل خلق سنى‪ ,‬والتجرد عن كل‬
‫خلق دنيئ‪ ,‬ومن عرؼ سعُ الرحمُ‪ ,‬اثمرت معرفتو سعُ الرجاء‪ ,‬ومن عرؼ شدة النقمُ‬
‫اثمرت معرفتو شدة الخوؼ‪ ,‬واثمر خوفو الكف عن كل معصيُ‪ ,‬مع البكاء والروع‪,‬‬
‫وحسن االنقياد واالذعاف‪ .‬ومن شهد اف جميع النعم منو تعالى أحبو‪ ,‬وأثمرت‬
‫‪55‬‬
‫المحبُ آثارىا المحمودة المعروفُ‪ ,‬وكذلك من شهد تفرده بالقطع والضر‪ ,‬لم يعتمد اال‬
‫عليو‪ ,‬ولم يفوض امره اال اليو‪ ,‬ومن شهد تفرده بالعظمُ والجبلؿ‪ ,‬ىابو وعاملو بعظيم‬
‫االنقياد والتذلل وغيرىما‪ ,‬فهذه بعض آثار شهود الصفُ‪ ,‬والشك اف معرفُ مجرد‬
‫االحكاـ‪ ,‬التوجب شيأ من ىذه األحواؿ واألعماؿ واألقواؿ‪ ,‬والحس يدؿ على ذلك‪,‬‬
‫اذكثير من علماء الظاىر على غايُ من الفسوؽ ومجانبُ االستقامُ‪ ,‬بل منهم من ادمن‬
‫النظر فى نحو كبلـ الفبلسفُ‪ ,‬حتى خرج من الدين‪ ,‬والعياذ بالل‪ ,‬ومنهم من يشكك فهم‬
‫فى ريبهم يترددوف‪ .‬والفرؽ بين علماء الكبلـ والعارفين‪ ,‬اف المتكلم تغيب عنو علومو‬
‫بالذات والصفات فى اكثر االوقات‪ ,‬فبلتدوـ لو تلك األحواؿ‪ ,‬ولودامت لكاف رجبل من‬
‫العارفين‪ ,‬النو يشاركهم فى العرفاف الموجب لؤلحواؿ الموجبُ لبلستقامُ‪ ,‬وكيف يساوى‬
‫بين العارفين والفقهاء‪ ,‬والعارفوف افضل الخلق‪ ,‬واتقاىم لل تعالى‪ ,‬وىو عز وجل يقوؿ‪:‬‬
‫‪‬اف اكرمكم عند الل اتقاكم‪ ,‬ومدحو تعالى فى كتابو العزيز للمتقين اكثر من مدحو‬
‫للعالمين‪ .‬والعارفوف ىم المرادوف بقولو عز قائبل‪ :‬انما يخشى الل من عباده العلماء‪,‬‬
‫دوف العلماء بمجرد األحكاـ‪ ,‬ألف الغالب عليهم عدـ الخشيُ‪ ,‬وخبر الل تعالى صدؽ فبل‬
‫يحمل اال على من عرفو وخشيو‪ ,‬وقد روى ىذا عن ابن عباس رضى الل عنهما‪ ,‬وىو‬
‫ترجماف القرآف‪ .‬ثم علماء االحكاـ منهم من يتعلم ويعلم لغير الل‪ ,‬فهذا علمو وباؿ عليو‪,‬‬
‫وكذا من تعلم لل وعلم لغير الل‪ ,‬وعكسو ممن خلط عمبل صالحا وآخر سيأ‪ ,‬ومن تعلم‬
‫وعلم الل فاف لم يعمل بعلمو فهو شقي مثل أولئك‪ ,‬واف عمل بو فاف كاف عالما بالل‬
‫وبأحكامو فهو من السعداء‪ ,‬واف كاف من اىل األحواؿ والعارفين بالل فهو من افضل‬
‫العارفين‪ ,‬اذ حازما حازوا‪ ,‬وزاد عليهم بمعرفُ األحكاـ وتعليم اىل اإلسبلـ‪ .‬قاؿ‪ :‬ومن‬
‫يقوؿ اف العلم المتعدى أفضل من القاصر جاىل باحكاـ الل تعالى‪ ,‬بل للقاصر احواؿ‪.‬‬
‫منها‪ :‬اف يكوف أفضل من المتعدى كالتوحيد واإلسبلـ واإليماف‪ ,‬وكذلك الدعائم الخمس‬
‫اال الزكاة‪ ,‬وكذلك التسبيح بعد الصلوات‪ ,‬فانو صلى الل عليو وسلم قدمو على التصدؽ‬
‫بفضوؿ األمواؿ وىو متعد‪ .‬وقاؿ‪ :‬أقرب ما يكوف العبد من ربو وىو ساجد‪ ,‬وقاؿ‪ :‬خير‬
‫اعمالكم الصبلة‪ ,‬وسئل صلى الل عليو وسلم اى األعماؿ افضل‪ ,‬قاؿ‪ :‬ايماف بالل‪ :‬قيل‬
‫ثم ماذا‪ ,‬قاؿ‪ :‬جهاد فى سبيل الل‪ .‬قيل‪ :‬ثم ماذا قاؿ‪ :‬حج مبرور‪ .‬فهذه اعماؿ قاصرة‬
‫وردت الشريعُ بتفضيلها‪ .‬ومنها‪ :‬اف يكوف المتعدى افضل‪ ,‬كبر الوالدين‪ ,‬فانو صلى الل‬
‫عليو وسلم قيل لو‪ :‬اى االعماؿ افضل‪ ,‬قاؿ‪ :‬برالوالدين‪ .‬وليست الصبلة افضل من كل‬
‫عمل متعد‪ ,‬فلو رآى مصل غريقا فيقدر على انقاذه‪ ,‬او وقوع قتل اوزنا اولواط‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫وقدر على ازالتو لزمو قطعها لذلك‪ ,‬واف ضاؽ الوقت‪ ,‬الف رتبتو عند الل أفضل من رتبُ‬
‫الصبلة‪ ,‬اذال يمكن تداركو بخبلفها‪ ,‬وىذاف القسماف مبنياف على رجحاف مصالح‬
‫األعماؿ‪ ,‬فما كانت مصلحتو فيها ارجح كاف أفضل‪ ,‬وكذا مانص صلى الل عليو وسلم‬
‫على تفضيلو يكوف ارجح‪ ,‬واف لم ندرؾ سبب رجحانو‪ ,‬فاف لم نجد مصلحُ تقتضى‬
‫الرجحاف وال نصا بو‪ ,‬وجب علينا التوقف حتى نعلم دليبل شرعيا على األفضل‪ ,‬فنصرح‬
‫بو حينئذ‪ ,‬واال لم يجزلنا اف نقوؿ على الل مالم يقم لنا عليو دليل‪ ,‬ولو تساوى اثناف مثبل‬
‫فى االعماؿ لم يترجح احدىما االبتوالى عرفانو واستمراره النو شرؼ اى شرؼ‪ ,‬وبو يزداد‬
‫صبلح األعماؿ واستقامتها‪ .‬فللعارؼ رتب فى الفضل والشرؼ بها تتفاضل األحواؿ‬
‫الناشئُ عنها كما مر‪ ,‬فالمحب افضل من المتوكل‪ ,‬وىو من الخائف وىو من الراجى‪,‬‬
‫فهذه نبذة من اوصاؼ العارفين بالل تعالى‪ .‬ومما يدؿ على فضلهم على الفقهاء ما تكرـ‬
‫الل عز وجل بو عليهم من الكرامات الخارقُ للعادة‪ ,‬وال يجرى شيئ من ذلك على ايدى‬
‫الفقهاء اال اف سلكوا طريق العارفين‪ ,‬واتصفوا باوصافهم‪ ,‬وماسبقكم ابو بكر بصوـ وال‬
‫صبلة ولكن بشيئ وقر فى صدره رضى الل عنو‪ ,‬ومن زعم اف النبي صلى الل عليو وسلم‬
‫انما فضل غيره باالعماؿ الشاقُ فقد ابعد‪ ,‬بل فضل بتكليم الل اياه تارة على لساف‬
‫جبريل‪ ,‬وتارة من غير واسطُ‪ ,‬وكذلك فضل بالعلوـ والمعارؼ واألحواؿ التى اختص بها‪,‬‬
‫ولذلك قاؿ صلى الل عليو وسلم‪ :‬انى الرجو اف أكوف اعلمكم بالل واشدكم لو خشيُ‪,‬‬
‫ومن ثمو لما تقلل بعضهم قياـ رسوؿ الل صلى الل عليو وسلم على قيامو وصبلتو على‬
‫صبلتو‪ ,‬انكر صلى الل عليو وسلم عليو ثم ذكر اف تفضيلو عليهم انما كانت بمعرفتو لل‬
‫تعالى‪ ,‬فهذه جهات تفضيلو صلى الل عليو وسلم وال مشقُ فيها‪ .‬ولم ال‪ ,‬والل تعالى يقوؿ‬
‫لموسى عليو الصبلة والسبلـ‪ :‬انى اصطفيتك على الناس برساالتى وبكبلمى‪ ,‬ونبينا‬
‫صلى الل عليو وسلم افضل االنبياء كلهم عليو وعليهم افضل الصبلة والسبلـ‪ ,‬وكثير‬
‫منهم كنوح صلى الل عليو وسلم عمل وأودى وصبر اكثر منو صلى الل عليو وسلم‪ ,‬ثم اف‬
‫النبوة من مواىب محض فضلو تعالى خص بها انبياءه صلى الل عليهم وسلم‪ ,‬تقصر‬
‫العقوؿ عن ادراؾ ادنى شيئ مما اوتوه من االنوار والمعارؼ والقرب من الل تعالى‪.‬‬
‫واآليات الباىرة الظاىرة على ايديهم تشهد بذلك‪ ,‬ولهذا لما شم األولياء من ىذه الرائحُ‬
‫طرفا حصل لهم من العرفاف بقدر ما شم كل طالب منهم‪ ,‬وظهرت لهم كرامات من ذلك‬
‫القدر الذى حصل‪ ,‬وزاد االنبياء ايضا انهم قادة الخلق الى الل تعالى ومعلموىم كيفيُ‬
‫الوصوؿ اليو‪ ,‬فاتبعهم العامُ بحكم العلوـ‬
‫‪57‬‬
‫الظاىرة والخاصُ بحكم العلوـ الباطنُ‪ ,‬وحصل بعض تلك االمور بخلوص االتباع‪ ,‬ومن‬
‫راـ زيادة واعتقد قوة لم يصل اليها‪ .‬ولقد خرجت اقواؿ قوـ من اىل الطريق استغرقوا‪,‬‬
‫فوقعوا فى االعتراض عليهم كالحبلج ونظرائو‪ ,‬ولقد اشار االستاذ القشيرى الى انو ال‬
‫يقتدى بكل اشياخ رسالتو‪ ,‬بل بعضهم وبينهم‪ .‬ومن ذلك ما نقل عن ابى يزيد البسطامى‪:‬‬
‫خضنا بحرا وقف االنبياء على ساحلو‪ .‬ومعنى ىذا اف االنبياء عليهم الصبلة والسبلـ‬
‫وقفوا ساحل بحار الشهوات واالرادت ونحوىا ينقذوف اتباعهم من الغرؽ فى البحار فهو‬
‫غايُ فى مدحهم والثناء عليهم‪ ,‬وليس فيو شيئ من االعتراض االما يتبادر من ظاىره على‬
‫ما زعمو المعترض على المتكلمين بمثل ىذه الكلمُ‪ ,‬حيث زعم انهم يفضلوف األولياء‬
‫على االنبياء‪ ,‬ومعاذ الل اف يصدر ذلك من احد منهم‪ ,‬النهم اعرؼ بالل وباحكامو‬
‫وباألنبياء ومراتبهم من غيرىم‪ .‬واجاب بعضهم عن تلك الكلمُ بما يقرب مما قدمتو‬
‫فقاؿ‪ :‬معناىا انهم وقفوا بساحل السبلمُ ليتبعهم فيو عموـ الناس لكونو ظاىرا مبلغا محل‬
‫السبلمُ من غير تعمق‪ ,‬وخاض الخواص فى غوامضو‪ ,‬وادركوا منو اشياء من المعارؼ‬
‫واألحواؿ لم يدركها أولئك العامُ بالساحل‪ .‬واجاب بعضهم‪ :‬باف المراد اف االنبياء عليهم‬
‫الصبلة والسبلـ خاضوا بحر المعارؼ وقطعوه واحاطوا بجميع اسراره ولم يبق عليهم منو‬
‫شيئ‪ ,‬واما األولياء فانهم خاضوا شيأ قليبل منها بل اكثرىم غرؽ فيو وتاه‪ ,‬ولم ينج منو اال‬
‫القليل ممن سبقت لو السبلمُ فى علم الل تعالى‪ ,‬والبقيُ امتحنوا لعدـ ضبط ظواىرىم‪,‬‬
‫ومن ثمو زاغ كثير من الصوفيُ الذين لم يتأدبوا بآداب الشريعُ اذ الخير كلو فى اتباعو‬
‫صلى الل عليو وسلم واالقتداء بهديو‪ ,‬فمن قيد نفسو باحكاـ الشريعُ الظاىرة وعمر‬
‫باطنو بالخشيُ ونحوىا مما مر‪ ,‬فقد اندرج فى سلك القوـ السالمين من اللوـ الحقنا الل‬
‫بهم ونظمنا فى سلكهم آمين‪ .‬واما قولهم‪ :‬ما اتخذ الل من ولي جاىل ولو اتخذه لعلمو‪,‬‬
‫فمعناه كما قاؿ المحقق ابن حجر رضى الل عنو‪ :‬اف الل عز وجل يفيض على اوليائو‬
‫الذين اتقنوا األحكاـ الظاىرة‪ ,‬واألعماؿ الخالصُ من مواقع االلهاـ والتوفيق‪ ,‬واألحواؿ‬
‫والتحقيق‪ ,‬ما يفوقوف بو على غيرىم‪ ,‬فمن ثبتت لو الواليُ التى ال ينشأ كمالها اال عما‬
‫ذكرنا فثبتت لو تلك العلوـ والمعارؼ‪ ,‬فما اتخذ الل وليا جاىبل بذلك‪ ,‬ولو فرض انو‬
‫اتخذه‪ :‬اى اىلو الى اف يصير من اوليائو لعلمو اى اللهمو من المعارؼ ما يلحق بو غيره‪.‬‬
‫فاالمراد الجاىل بالعلوـ الوىبيُ واالحواؿ الخفيُ ال الجاىل بمبادى العلوـ الظاىرة‪ ,‬مما‬
‫يجب عليو لعملو‪ .‬فاف ىذا ال يكوف وليا وال يراد للواليُ ما داـ على جهلو بذلك‪ ,‬بل اذا‬
‫اراد الل تعالى واليتو الهمو تعلم ما يجب عليو‪ ,‬النو اليمكن‬
‫‪58‬‬
‫االلهاـ فيو‪ ,‬فاذا تعلمو واتقن عباداتو‪ ,‬افاض تعالى عليو من علوـ غيبو ماال يدرؾ بكسب‬
‫وال اجتهاد‪ .‬وبما تقرر‪ ,‬علم اف علم الشرائع ال يدرؾ اال بالتعلم الحسى‪ ,‬اال ترى الى ما‬
‫وقع فى قصُ موسى والخضر عليهما الصبلة والسبلـ لكن معنى قوؿ الخضر عليو‬
‫السبلـ لموسى عليو الصبلة والسبلـ‪ :‬انك على علم ال اعلمو انا‪ ,‬اى ال اعلم خصوص‬
‫شرعك او كمالو‪ ,‬واال فالخضر كاف لو شرع آخر‪ ,‬بناء على االصح انو نبي‪ ,‬ويلزـ من‬
‫كونو نبيا اف لو شرعا غير شرع موسى‪ .‬ومعنى قولو‪ :‬وانا على علم ال تعلمو انت‪ ,‬اى ال‬
‫تعلم خصوص ما اوتيتو‪ ,‬فبل ينافى اف موسى عليو الصبلة والسبلـ علم من المعارؼ‬
‫وااللهامات واالحواؿ والخصوصيات مالم يخظ بو الخضر عليو الصبلة والسبلـ‪ .‬ومما‬
‫يؤيد ما قدمتو ما حكاه االماـ المحقق ابن عرفُ المالكى من االجماع على اف علم‬
‫الشرائع ال يكوف اال بقصد التعليم‪ ,‬واما الذي يعلمو ألوليائو فهو االلهامات واألنوار‬
‫والمعارؼ حتى ال يمكن اف تحصل بسبب بل بمحض فضل الل عز وجل ومنتو والل‬
‫اعلم‪.‬‬

‫مسئلُ فى البحث عن رؤيُ النبي صلى الل عليو وسلم فى اليقظُ‬


‫قاؿ المحقق ابن حجر رضى الل عنو‪ :‬انكر ذلك جماعُ وجوزه آخروف‪ ,‬وىو الحق‪ ,‬فقد‬
‫أخبر بذلك من اليتهم من الصالحين بل استدؿ بحديث البخارى‪ :‬من رآنى فى المناـ‬
‫فسيرانى فى اليقظُ‪ ,‬اى بعينى رأسو وقيل بعين قلبو‪ ,‬واحتماؿ ارادة القيامُ بعيد من لفظ‬
‫اليقظُ‪ ,‬على انو ال فائدة فى التقييد حينئذ الف امتو صلى الل عليو وسلم كلهم يرونو يوـ‬
‫القيامُ‪ ,‬من رآه فى المناـ ومن لم يره فى المناـ‪ .‬وفى شرح ابن ابى جمرة لمختصره‬
‫ترجيح بقاء الحديث على عمومو فى حياتو ومماتو لمن لو اىليُ االتباع للسنُ ولغيره‪,‬‬
‫قاؿ‪ :‬ومن يدعى الخصوص من غير تخصيص منو صلى الل عليو وسلم فقد تعسف‪ .‬ثم‬
‫الزـ منكر ذلك بانو غير مصدؽ بقوؿ الصادؽ‪ ,‬وبانو جاىل بقدرة القادر‪ ,‬وبانو منكر‬
‫لكرامات األولياء مع ثبوتها بدالئل السنُ الواضحُ‪ .‬قاؿ المحقق ابن حجر‪ :‬ومراده بعموـ‬
‫ذلك وقوع رؤيُ اليقظُ الموعود بها لمن رآه فى النوـ ولو مرة واحدة تحقيقا لوعده‬
‫الشريف الذى ال يخلف‪ ,‬واكثر ما يقع ذلك للعامُ قبل الموت عند االحتضار‪ ,‬فبل‬
‫تخرج روحو من جسده حتى يراه وفاء بوعده‪ ,‬واما غيرىم فيحصل لهم ذلك قبل ذلك‬
‫بقلُ او بكثرة بحسب تأىلهم وتعلقهم واتباعهم للسنُ‪ ,‬اذ االخبلؿ بها مانع كبير‪ .‬وفى‬
‫صحيح مسلم عن عمراف بن حصين رضى الل عنهما وعنا بهما اف المبلئكُ كانت تسلم‬
‫عليو اكراما لو لصبره على الم البواسير‪ ,‬فلما كواىا انقطع سبلـ المبلئكُ عنو‪ ,‬فلما ترؾ‬
‫الكي اى برى‪ ,‬كما فى روايُ صحيحُ‪ ,‬عاد سبلمهم عليو‬
‫‪59‬‬
‫لكوف الكي خبلؼ السنُ منع تسليمهم عليو مع شدة الضرورة اليو‪ ,‬ألنو يقدح فى التوكل‬
‫والتسليم والصبر‪ .‬وفى روايُ البيهقى كانت المبلئكُ تصافحو‪ ,‬فلما كوى تنحت عنو‪.‬‬
‫وفى كبلـ حجُ االسبلـ الغزالى تصريح بانهم‪ ,‬اى الصوفيُ‪ ,‬وىم فى يقظتهم قد‬
‫يشاىدوف المبلئكُ وارواح االنبياء‪ ,‬ويسمعوف منهم اصواتا‪ ,‬ويقتبسوف منهم فوائد‪ ,‬ثم‬
‫يترقى الحاؿ من مشاىدة الصور واألمثاؿ الى درجات يضيق عنها نطاؽ الناطق‪ ,‬وقاؿ‬
‫تلميذه ابو بكر ابن العربى المالكى‪ :‬ورؤيُ االنبياء والمبلئكُ وسماع كبلمهم ممكن‬
‫للمؤمن كرامُ وللكافر عقوبُ‪ .‬وفى المدخل البن الحاج المالكى ايضا‪ :‬رؤيتو صلى الل‬
‫عليو وسلم فى اليقظُ باب ضيق‪ ,‬وقل من يقع لو ذلك اال من كاف على صفُ عزيز‬
‫وجودىا فى ىذا الزماف‪ ,‬بل عدمت غالبا‪ ,‬مع اننا ال ننكر من يقع لو ىذا من األكابر‬
‫الذين حفظهم الل تعالى فى ظواىرىم وبواطنهم‪ ,‬قاؿ‪ :‬وقد انكر بعض علماء الظاىر ذلك‬
‫محتجا باف العين الفانيُ ال ترى العين الباقيُ وىو صلى الل عليو وسلم فى دار البقاء‬
‫والرائى فى دار الفناء‪ ,‬ورد باف المؤمن اذا مات يرى الل تعالى وىو ال يموت‪ ,‬والواحد‬
‫منهم يموت فى كل يوـ سبعين مرة‪ .‬واشار البيهقى الى رده باف نبينا صلى الل عليو وسلم‬
‫رآى جماعُ من األنبياء عليهم الصبلة و السبلـ ليلُ المعراج‪ ,‬قاؿ البارزى وقد سمع من‬
‫جماعُ من االولياء فى زمننا وقبلو انهم رأوا النبي عليهم الصبلة والسبلـ يقظُ حيا بعد‬
‫وفاتو‪ .‬ونقل اليافعى وغيره عن الشيخ الكبير اى عبد الل القرشى انو وقع بمصر غبلء‬
‫كبير‪ ,‬فتوجو للدعاء برفعو‪ ,‬فقيل لو ال تدع فبل يسمع ألحد منكم فى ىذا االمر دعاء‪,‬‬
‫قاؿ‪ :‬فسافرت الى الشاـ‪ ,‬فلما قربت الى قريب ضريح الخليل على نبينا وعليو افضل‬
‫الصبلة والسبلـ تلقانى فقلت‪ :‬يا رسوؿ الل اجعل ضيافتى عندؾ الدعاء ألىل مصر فدعا‬
‫لهم ففرج الل عنهم‪ .‬قاؿ اليافعى‪ :‬فقولو تلقانى الخليل‪ ,‬قوؿ حق ال ينكره اال جاىل‬
‫بمعرفُ ما يرد عليهم من األحواؿ التى يشاىدوف فيها ملكوت السموات واألرض‪,‬‬
‫وينظروف األنبياء احياء غير اموات‪ ,‬كما نظر النبي صلى الل عليو وسلم الى جماعُ من‬
‫االنبياء عليهم الصبلة والسبلـ فى السماء وسمع خطابهم‪ ,‬وقد تقرر اف ما جاز لؤلنبياء‬
‫معجزة جاز لؤلولياء كرامُ بشرط عدـ التحدى‪ .‬وحكى ابن الملقن فى طبقات األولياء اف‬
‫الشيخ عبد القادر الجيبلنى رضى الل عنو قاؿ‪ :‬رايت النبي صلى الل عليو وسلم قبل‬
‫الظهر فقاؿ لى‪ :‬يا بني لم ال تتكلم‪ ,‬قلت‪ :‬يا ابتاه انا رجل اعجمي كيف اتكلم على‬
‫فصحاء بغداد‪ ,‬فقاؿ لى‪ :‬افتح فاؾ‪ ,‬ففتحتو فتفل فيو سبعا وقاؿ‪ :‬تكلم على الناس‪ ,‬وادع‬
‫الى سبيل ربك بالحكمُ والموعظُ الحسنُ فصليت الظهر وجلست وحضرنى خلق كثير‬
‫فارتج علي‪ ,‬فرايت‬
‫‪61‬‬
‫عليا كرـ الل وجهو قائما بازائى فقاؿ‪ :‬يا بني لم ال تتكلم فقلت يا ابتاه قد ارتج علي‪,‬‬
‫فقاؿ‪ :‬افتح فاؾ‪ ,‬ففتحتو فتفل فيو ستا‪ ,‬قلت‪ :‬لم التكملها سبعا‪ ,‬قاؿ‪ :‬ادبا مع رسوؿ الل‬
‫صلى الل عليو وسلم‪ ,‬ثم توارى عنى‪ ,‬وقاؿ فى ترجمُ غيره‪ :‬كاف كثير الرؤيُ للنبي صلى‬
‫الل عليو وسلم‪ ,‬يقظُ ومناما‪ .‬وذكر الكماؿ األدفرى عمن اخذ عنو ابن دقيق العيد وغيره‬
‫وعن غيره‪ ,‬وقاؿ التاج ابن عطاء الل عن شيخو الكماؿ العارؼ اى العباس المرسى‪:‬‬
‫صافحت بكفى ىذه رسوؿ الل صلى الل عليو وسلم‪ .‬وحكى ابن فارس عن سيدى علي‬
‫وفا رضى الل عنو قاؿ‪ :‬كنت وانا ابن خمس سنين اقرأ القرآف على رجل فأتيتو مرة‪,‬‬
‫فرايت النبي صلى الل عليو وسلم يقظُ ال مناما‪ ,‬وعليو قميص ابيض قطن‪ ,‬ثم رايت‬
‫القميص علي‪ ,‬فقاؿ‪ :‬اقرأ فقرأت عليو سورة والضحى والم نشرح‪ ,‬ثم غاب عنى‪ .‬فلما اف‬
‫بلغت احدى وعشرين سنُ احرمت بصبلة الصبح بالقرافُ‪ ,‬فرأيت النبي صلى الل عليو‬
‫وسلم قبالُ وجهى فعانقنى فقاؿ‪ :‬واما بنعمُ ربك فحدث‪ ,‬فأوتيت لسانو من ذلك‬
‫الوقت‪ .‬والحكايات فى ذلك عن اولياء الل تعالى كثيرة جدا‪ ,‬وال ينكر ذلك اال معاند او‬
‫محروـ‪ .‬وعلم مما مر عن ابن العربى اف اكثر ما تقع رؤيتو صلى الل عليو وسلم بالقلب‬
‫ثم بالبصر‪ ,‬لكنها بو ليست كالرؤيُ المتعارفُ‪ ,‬وانما ىى جمعيُ حاليُ وحالُ برزخيُ وامر‬
‫وجدانى‪ ,‬فبل يدرؾ حقيقتو اال من باشره‪ ,‬كذا قيل ويحتمل اف المراد الرؤيُ المتعارفُ باف‬
‫يرى ذاتو طائفُ فى العالم او تكشف لو الحجب لو بينو وبين النبي صلى الل عليو وسلم‬
‫وىو فى قبره‪ ,‬فينظره حيا فيو رؤيُ حقيقُ اذ ال استحالُ‪ ,‬لكن الغالب اف الرؤيُ انما ىى‬
‫لمثالو ال لذاتو‪ ,‬وعليو يحمل قوؿ الغزالى‪ :‬ليس المراد انو يرى جسمو وبدنو‪ ,‬بل مثاال لو‬
‫صار ذلك المثاؿ آلُ يتأدى بو المعنى الذى فى نفسو‪ ,‬واآللُ اما حقيقيُ واما خياليُ‪,‬‬
‫والنفس غير الخياؿ المتخيل‪ ,‬فما رآه من الشكل بل ىو روح المصطفى صلى الل عليو‬
‫وسلم‪ ,‬وال ىو شخصو بل ىو مثاؿ لو على التحقيق‪ ,‬قاؿ‪ :‬ومثل ذلك من يرى الل تعالى‬
‫فى المناـ‪ ,‬فاف ذاتو تعالى منزه عن الشكل والصورة‪ ,‬ولكن تنتهى تعريفاتو الى العبد‬
‫بواسطُ مثاؿ محسوس من نور او غيره‪ ,‬ويكوف ذلك المثاؿ حقا فى كونو واسطُ فى‬
‫التعريف‪ ,‬فيقوؿ الرائى‪ :‬رأيت الل فى المناـ ال يعنى انى رايت ذات الل كما يقوؿ فى حق‬
‫غيره‪ .‬قاؿ المحقق ابن حجر‪ :‬ثم رايت ابن العربى صرح بما ذكرتو من انو ال يمتنع لرؤيُ‬
‫ذات النبي صلى الل عليو وسلم بروحو وجسده‪ ,‬النو وسائر االنبياء عليهم الصبلة‬
‫والسبلـ احياء ردت اليهم ارواحهم بعد ما قبضوا‪ ,‬واذف لهم فى الخروج من قبورىم‬
‫والتصرؼ فى الملكوت العلوى والسفلى‪ ,‬وال مانع من اف يراه كثيروف فى وقت‬
‫‪60‬‬
‫واحد النو كالشمس‪ ,‬واذا كاف القطب يمؤل الكوف كما قالو التاج ابن عطاء الل‪ ,‬فما بالك‬
‫بالنبي صلى الل عليو وسلم‪ ,‬واليلزـ من ذلك اف الرائى صحابى‪ ,‬الف شرط الصحبُ الرؤيُ‬
‫فى عالم الملك‪ ,‬وىذه رؤيُ وىو فى عالم الملكوت وىى ال تفيد صحبُ‪ ,‬واال لثبتت‬
‫لجميع امتو صلى الل عليو وسلم‪ ,‬النهم عرضوا عليو فى ذلك العالم فرآىم ورأوه كما‬
‫جاءت بو االحاديث‪ ,‬اما الرؤيا المناميُ لو صلى الل عليو وسلم فأجل من اف تحصى‪.‬‬

‫مسئلُ فى البحث عن رؤيُ الل تعالى‬


‫اما رؤيُ الل تعالى عز وجل فى الدنيا يقظُ فقاؿ المحقق ابن حجر رضى الل عنو‪ :‬اف‬
‫الكبلـ ىنا فى مقامين‪ .‬األوؿ‪ :‬فى امكانها عقبل‪ ,‬والذى عليو اىل السنُ انها ممكنُ عقبل‬
‫وشرعا فى الدنيا‪ ,‬واستدلوا لذلك بامور عقليُ وامور نقليُ‪ ,‬لكن ادلتهم العقليُ التخلو من‬
‫دخل وخفاء‪ ,‬فالمعوؿ عليو فى امكانها انما ىو األدلُ النقليُ‪ .‬فمنها اف موسى عليو‬
‫الصبلة والسبلـ قد سألها بقولو‪ :‬رب ارنى انظر اليك‪ ,‬فلو لم تكن الرؤيُ ممكنُ‬
‫جائزة الوقوع فى الخارج لكاف طلب موسى لها جهبل منو بما يجوز على الل وما ال يجوز‪,‬‬
‫اوسفها اوعبثا اوطلبا للمحاؿ‪ ,‬واالنبياء صلوات الل وسبلمو عليهم اجمعوف منزىوف عن‬
‫كل فرد فرد من ذلك اجماعا بل من جوز واحدا من ىذه على واحد منهم فهو كافر‬
‫مراؽ الدـ‪ ,‬وايضا فالل تعالى قد علق الرؤيُ على استقرار الجبل وىو امر ممكن فى‬
‫نفسو‪ ,‬فوجب كوف المعلق بو كذلك اذ المحاؿ ال يعلق بممكن اصبل‪ .‬الثانى‪ :‬فى‬
‫وقوعها‪ ,‬وىذا غير االوؿ كما ىو واضح‪ ,‬فالرؤيُ واف كانت ممكنُ عقبل وشرعا عندنا‬
‫اىل السنُ لكنها لم تقع فى ىذه الدار لغير نبينا محمد صلى الل عليو وسلم‪ ,‬ليلُ‬
‫المعراج بالعين وكذا لو على قوؿ بعض الصحابُ رضى الل عنهم لكن جمهور اىل السنُ‬
‫على وقوعها لو صلى الل عليو وسلم فى ليلُ المعراج بالعين‪ .‬اذا تقرر ذلك علم منو انو‬
‫ال يجوز ألحد اف يدعى انو رآى الل بعين رأسو‪ ,‬ومن زعم ذلك فهو كافر مراؽ الدـ‪ ,‬كما‬
‫صرح بو من أئمتنا صاحب االنوار ونقلو عنو جماعُ واقروه‪ .‬وملخص عبارتو‪ :‬اف من قاؿ‬
‫انو يرى الل عيانا فى الدنيا ويكلمو شفاىا فهو كافر‪ .‬قاؿ المحقق ابن حجر‪ :‬والوجو انو‬
‫اليشترط في كفر من زعم انو يرى الل عيانا فى الدنيا ويكلمو شفاىا اجتماع ىذين خبلفا‬
‫لما توىمو عبارة األنوار‪ ,‬بل يكفر زاعم احدىما‪ .‬قاؿ‪ :‬وفى اآليات واالحايث ما يدؿ‬
‫لذلك‪ ,‬لكن يتعين حملو على عالم او جاىل مقصر بجهلو‪ ,‬وقد ضم الى زعمو الرؤيُ‬
‫بعينو‪ ,‬زعمو اعتقاد وجود جسم والزمو من الحدوث اوما يستلزمو كالصورة واللوف‬
‫ونحوىما‪ ,‬فهذا ىو الذى يتجو الحكم بكفره‪ ,‬ألنو حينئذ لم يعتقد‬
‫‪62‬‬
‫قدـ الحق والكمالو‪ ,‬تعالى الل عن ذلك علوا كبيرا‪ .‬واما من اعتقد رؤيُ عين منزىُ عن‬
‫انضماـ ذلك اليها‪ ,‬فبل يظهر الحكم بكفره بمجرد ذلك‪ ,‬الف المنقوؿ المتعمد عندنا‬
‫عدـ كفر نحو المجسمُ‪ ,‬اال اف اعتقدوا الحدوث اوما يستلزمو‪ ,‬وال نظر الى الزـ‬
‫مذىبهم‪ ,‬ألف االصح فى االصوؿ اف الزـ المذىب ليس بمذىب‪ ,‬لجواز اف يعتقد‬
‫الملزوـ دوف البلزـ‪ ,‬ومن ثمُ قلنا‪ :‬لو صرح باعتقاد الزـ الجسميُ كاف كافرا‪ ,‬واذا تقرر‬
‫ىذا فى نحو المجسمُ فكذا يقاؿ بو فى زاعم رؤيُ العين‪ .‬فاف قلت‪ :‬الفرؽ بينهما واضح‬
‫فاف ىؤالء المجسمُ قد ورد الكتاب والسنُ مايصرح بقولهم‪ :‬لوال ما امتن الل بو على‬
‫األمُ من توفيق سلفها وخلفها الى صرؼ تلك النصوص عن ظواىرىا‪ ,‬وانما الخبلؼ بين‬
‫السلف والخلف فى التأويل التفصيلى‪ ,‬فالسلف يرجحوف اولويُ االمساؾ عنو لعدـ‬
‫احتياجهم اليو لصبلح زمنهم‪ ,‬والخلف يرجحوف اولويُ التأويل‪ .‬واما زاعم الرؤيُ بالعين‬
‫فقد ورد من األدلُ القطعيُ ما يشدد النكير على قائلها واقترف بو ما يقوى استنكار ذلك‬
‫واستعظامو‪ ,‬كقولو تعالى‪ :‬واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الل جهرة فأخدتكم‬
‫الصاعقُ وانتم تنظروف‪ ,‬وقولو تعالى ‪‬يسألك اىل الكتاب اف تنزؿ عليهم كتابا من‬
‫السماء فقد سألوا موسى اكبر من ذلك فقالوا ارنا الل جهرة فأخدتهم الصاعقُ بظلمهم‪‬‬
‫و قولو سبحانو و تعالى ‪‬وقاؿ الذين ال يرجوف لقاءنا لوال انزؿ علينا المبلئكُ او نرى‬
‫ربنا لقد استكبروا فى انفسهم وعتوا عتوا كبيرا‪ .‬وثبت فى صحيح مسلم انو صلى الل‬
‫عليو وسلم قاؿ‪ :‬واعلموا انكم لن تروا ربكم حتى تموتوا‪ ,‬وحينئذ فينبغى كفر زاعم الرؤيُ‬
‫بالعين فى الدنيا مطلقا بخبلؼ المجسمُ‪ .‬قلت‪ :‬بعد اف قرر األئمُ وعلماء األمُ وحفاظ‬
‫الملُ تلك االيات واالحاديث و صرفوىا عن ظواىرىا كما تقررلم يبق الحد عذر فى‬
‫اعتقاد ظواىرىا‪ ,‬فمن فعل ذلك فقيل يكفر مطلقا‪ ,‬وقيل اف قاؿ جسم كاالجساـ كفر‬
‫واال فبل‪ ,‬وعليو جرى االماـ النووى رحمو الل فى موضع‪ ,‬وقيل اليكفر مطلقا وىو‬
‫المشهور من مذىبنا ايها الشافعيُ مالم يضم لذلك اعتقاد بعض تلك اللوازـ كما مر‪,‬‬
‫وحينئذ فينبغى اف يجرى نظير ىذا الخبلؼ كلو فى مدعى الرؤيُ بالعين‪ ,‬فيكوف االصح‬
‫عدـ كفره‪ ,‬اال اف ضم لذلك اعتقاد حدوث اوما يؤدى مؤداه‪ ,‬الف ملحظ التكفير وعدمو‬
‫فى المجسمُ ونحوىم ليس العذر وعدمو‪ ,‬الف الكبلـ فى العالم وانما الملحظ اعتقاد‬
‫النقص وملزومو‪ ,‬وال شك اف ىذين يجرياف فى زاعم الرؤيُ بالعين فى دار الدنيا‪ ,‬فكما‬
‫جرى ذلك الخبلؼ كذلك يجرى ىنا‪ ,‬اذ ال فارؽ يعتد ىنا بو كيف واالماـ العالم الربانى‬
‫المترجم بشيخ الكل فى الكل ابو القاسم القشيرى رحمو الل‬
‫‪63‬‬
‫تعالى يجزـ بانو ال يجوز وقوعها فى الدنيا الحد غير نبينا محمد صلى الل عليو وسلم وال‬
‫على وجو الكرامُ وادعى اف االمُ اجتمعت على ذلك‪ ,‬فاذا اجمعوا على امتناع وقوعها‬
‫كاف زاعمو لنفسو خارقا لبلجماع مدعيا ما قد يترتب عليو نقص‪ ,‬فمن ثمو قالوا بكفره‬
‫وقيدتو بما مر‪ .‬فاف قلت‪ :‬حكى عن ابى الحسن االشعرى رحمو الل قولو بوقوعها‪,‬‬
‫فكيف االجماع حينئذ‪ ,‬قلت‪ :‬اف صح االجماع فواضح انو ال ينظر اليو واف قائلو انما‬
‫قالو لظنو عدـ االجماع‪ ,‬واف لم يصح كاف ىذا القوؿ فى غايُ الشذوذ وال ينظر اليو‬
‫ايضا‪ ,‬وال يمنع وجود التكفير لزاعم ما قدمتو بشرطو‪ .‬قلت يؤيد حكايُ االجماع فى ذلك‬
‫ما نقل عن سيدى عبد القادر الجيبلنى‪ ,‬انو رفع اليو شخص ادعى انو يرى الل عز وجل‬
‫بعينى رأسو‪ ,‬فقاؿ الشيخ لو‪ :‬احق ما يقولوف عنك‪ ,‬فقاؿ نعم‪ ,‬فانتهره ونهاه من ىذا‬
‫القوؿ واخذ عليو اف ال يعود اليو‪ .‬قاؿ الراوى فقيل للشيخ‪ ,‬امحق ىذا اـ مبطل‪ ,‬فقاؿ‪:‬‬
‫ىذا محق ملبس عليو‪ ,‬فذلك شهد ببصيرتو نور الجماؿ ثم خرؽ من بصيرتو الى بصره‬
‫لمعُ فرآى بصره ببصيرتو وبصيرتو يتصل شعاعها بنور شهوده‪ ,‬فظن اف بصره رآى ما‬
‫شهده ببصيرتو‪ ,‬وانما رآى بصره ببصيرتو فقط وىو اليدرى‪ ,‬قاؿ الل تعالى‪ :‬مرج‬
‫البحرين يلتقياف * بينهما برزخ ال يبغياف‪ .‬قاؿ‪ :‬وكاف جمع من المشايخ واكابر العلماء‬
‫حاضرين ىذه الوقعُ‪ ,‬فاطربهم سماع ىذا الكبلـ ودىشوا من حسن افصاحو عن حاؿ‬
‫الرجل‪ .‬واما وقوعها فى المناـ فهو الصحيح المختار‪ ,‬كما قالو شيخ االسبلـ زكريا‪ ,‬فقد‬
‫نقل وقوعها لكثير من العلماء العاملين كرامُ لهم‪ ,‬روى غير واحد اف االماـ احمد بن‬
‫حنبل رضى الل عنو انو قاؿ‪ :‬رايت فى المناـ رب العزة جل وعبل‪ ,‬فقلت‪ :‬يارب ما افضل‬
‫ما يتقرب بو المتقربوف‪ ,‬قاؿ‪ :‬كبلمى يا احمد فقلت‪ :‬يارب بفهم وبغير فهم‪ ,‬فقاؿ‪ :‬بفهم‬
‫وبغير فهم‪ .‬وفى الرسالُ القشيريُ قاؿ يحيى بن سعيد القطاف‪ :‬رايت ربى عز وجل فى‬
‫المناـ فقلت يارب كم ادعوؾ فبل تستجيب لى‪ ,‬فقاؿ تعالى‪ :‬يايحيى انى احب اف اسمع‬
‫صوتك‪ .‬ورآى ابو بكر اآلجرى الحق‪ ,‬سبحانو‪ ,‬فى النوـ‪ ,‬فقاؿ لو‪ :‬سل حاجتك‪ ,‬فقاؿ‪:‬‬
‫اللهم اغفر لجميع عصاة امُ محمد صلى الل عليو وسلم‪ .‬فقاؿ‪ :‬انا اولى بهذا منك‪ ,‬سل‬
‫حاجتك‪ ,‬وعن ابى يزيد اى البسطامى انو قاؿ‪ :‬رايت ربي عز وجل فى المناـ‪ ,‬فقلت‪:‬‬
‫كيف الطريق اليك‪ ,‬فقاؿ‪ :‬اترؾ نفسك وتعاؿ‪ ,‬ورآى احمد خضرويو ربو عز وجل فى‬
‫المناـ‪ ,‬فقاؿ‪ :‬يا احمد كل الناس يطلبوف منى اال ابا يزيد فانو يطلبنى‪ .‬وقاؿ ابو المظفر‬
‫منصور بن محمد السمعاف‪ :‬كنت حنفيا فحججت‪ ,‬فرأيت رب العزة فى المناـ‪ ,‬فقاؿ‪:‬‬
‫عد الينا يا ابا المظفر فانتبهت وعلمت انو يريد مذىب الشافعى رضى الل عنو‪ ,‬فرجعت‬
‫اليو‪ ,‬اى‬
‫‪64‬‬
‫انتقلت اليو‪ .‬قاؿ التاج السبكى‪ :‬وبلغنا انو مرض لبلستاذ ابى القاسم اى القشيرى ولد‬
‫مرضا شديدا‪ ,‬بحيث آيس منو‪ ,‬فشق ذلك على االستاذ‪ ,‬فرآى الحق عز وجل فى المناـ‬
‫فشكى اليو‪ ,‬فقاؿ لو الحق تعالى‪ :‬اجمع ايات الشفاء واقرأىا عليو‪ ,‬واكتبها فى اناء‬
‫واجعل فيو شروبا واسقو اياه‪ ,‬ففعل ذلك فعوفى الولد‪ .‬والحكايات فى نظير ذلك كثيرة‪,‬‬
‫وذكر بعض المعبرين نقبل عن ابن سيرين اف االنساف اذا رآى فى منامو ربو عز وجل‬
‫يكلمو‪ ,‬فانو يدخل الجنُ وينجو من ىم كاف فيو‪ ,‬والل اعلم‪ .‬اما فى اآلخرة فيراه تعالى‬
‫المؤمنوف عيانا قبل دخوؿ الجنُ وبعده‪ ,‬كما ثبت فى االخبار الصحيحُ‪ ,‬رواىا جماعُ‬
‫كثيرة من الصحابُ رضى الل عنهم‪ ,‬قاؿ فى االتحاؼ ومن بعدىم من االتباع واتباعهم‬
‫حتى وصل الينا ذلك‪ ,‬وقبلها العلماء منهم احسن القبوؿ‪ ,‬كما قبلوا عنهم علم الطهارة‬
‫والصبلة والزكاة والصوـ والحج والجهاد وعلم الحبلؿ والحراـ‪ ,‬كذا قبلوا عنهم االخبار‬
‫اف المؤمنين يروف الل عز وجل ال يشكوف فى ذلك‪ ,‬ثم قالوا من رد ىذه االخبار فقد‬
‫كفر‪ .‬ثم نقل عن االماـ احمد رضى الل عنو نصا فيو‪ :‬من فاؿ اف الل ال يرى فى اآلخرة‬
‫فقد كفر‪ ,‬عليو لعنُ الل وغضبو من كاف من الناس اليس الل عز وجل قاؿ‪ :‬وجوه يومئذ‬
‫ناضرة الى ربها ناظرة‪ .‬فمن تلك االخبار عن ابى ىريرة رضى الل عنو اف الناس قالوا‪ :‬يا‬
‫رسوؿ الل ىل نرى ربنا يوـ القيامُ‪ ,‬فقاؿ‪ :‬رسوؿ الل صلى الل عليو وسلم‪ :‬ىل تضاروف‬
‫فى القمر ليلُ البدر‪ ,‬قالوا‪ :‬ال يا رسوؿ الل‪ ,‬قاؿ‪ :‬ىل تضاروف فى الشمس ليس دونها‬
‫سحاب‪ ,‬قالوا‪ :‬ال يا رسوؿ الل‪ ,‬قاؿ‪ :‬فانكم ترونو كذلك الخ‪ .‬وفى بعض طرؽ ىذا‬
‫الحديث‪ :‬اف ذلك فى الموقف‪ .‬ومنها عن جرير بن عبد الل البجلى رضى الل عنو قاؿ‪:‬‬
‫كنا جلوسا عند النبي صلى الل عليو وسلم فرآى القمر ليلُ البدر‪ ,‬فقاؿ‪ :‬انكم تروف‬
‫ربكم كما تروف ىذا القمر‪ ,‬التضاروف فى رؤيتو‪ ,‬فاف استطعتم اف التغلبوا على صبلة قبل‬
‫طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا‪ ,‬ثم قرأ‪ :‬وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل‬
‫غروبها‪ .‬ومنها عن صهيب رضى الل عنو‪ ,‬انو صلى الل عليو وسلم قاؿ‪ :‬اذا دخل اىل‬
‫الجنُ الجنُ يقوؿ الل تبارؾ وتعالى‪ :‬تريدوف شيئا ازيدكم فيقولوف‪ :‬الم تبيض وجوىنا‪ ,‬الم‬
‫تدخلنا الجنُ وتنجنا من النار‪ ,‬فيرفع الحجاب وينظروف الى وجو الل عز وجل‪ ,‬فما اعطوا‬
‫شيئا احب اليهم من النظر الى ربهم‪ .‬وفى روايُ‪ :‬فوالل ما اعطاىم الل شيئا احب اليهم‬
‫من النظر اليو وال اقر العينهم‪ ,‬وفى أخرى زيادة‪ ,‬ثم تبل ىذه اآليُ‪ :‬للذين احسنوا‬
‫الحسنى وزيادة وال يرىق وجوىهم قتر وال ذلُ اولئك اصحاب الجنُ ىم فيها خالدوف‪,‬‬
‫اى فا الحسنى الجنُ والزيادة النظر اليو تعالى‪ ,‬كما ورد ىذا التفسير عن‬
‫‪65‬‬
‫جماعُ من الصحابُ‪ ,‬منهم ابو بكر الصديق‪ ,‬وعلي‪ ,‬وحذيفُ‪ ,‬وابن مسعود وابن‬
‫عباس‪ ,‬وغيرىم رضى الل عنهم‪ ,‬وكذلك عن طائفُ من التابعين‪ ,‬كعامر البجلى‪,‬‬
‫وقتادة‪ ,‬وابن ابى ليلى‪ ,‬وغيرىم‪ .‬ومنها احاديث أخر عن جابر بن عبد الل‪ ,‬وابى‬
‫سعيد الخدرى‪ ,‬وابى ذر بن العقيلى‪ ,‬وابى موسى االشعرى‪ ,‬وابن عباس‪ ,‬وانس بن‬
‫مالك‪ ,‬وابن عمر‪ ,‬وعدى بن حاتم‪ ,‬وكعب ابن عجرة بالفاظ متقاربُ خرجها األئمُ‪,‬‬
‫بل افردىا بعضهم بالتأليف‪ .‬وروى الشافعى رضى الل عنو فى مسنده حديثا فى‬
‫فضل يوـ الجمعُ‪ ,‬ذكر فيو اف جبريل سمى يوـ الجمعُ يوـ المزيد‪ ,‬واف النبي صلى‬
‫الل عليو وسلم قاؿ‪ :‬يا جبريل‪ ,‬وما يوـ المزيد‪ ,‬قاؿ‪ :‬اف ربك عز وجل اتخذ فى‬
‫الفردوس واديا افيح‪ ,‬فيو كتب المسك‪ ,‬فاذا كاف يوـ الجمعُ انزؿ الل تبارؾ وتعالى‬
‫ما شاء من المبلئكُ وحولو منابر من نور عليها مقاعد النبيين‪ ,‬وحفت تلك المنابر‬
‫بمنابر من ذىب مكللُ بالياقوت والزبرجد عليها ال شهداء والصديقوف‪ ,‬فجلسوا من‬
‫ورائهم على تلك الكتب ويقوؿ الل انا ربكم‪ ,‬قد صدقتم وعدى‪ ,‬فسلونى اعطكم‪.‬‬
‫فيقولوف‪ :‬ربنا نسألك رضوانك‪ ,‬فيقوؿ‪ :‬قد رضيت عنكم‪ ,‬ولكم علي ما تمنيتم‪,‬‬
‫ولدي مزيد‪ ,‬فهم يحبوف يوـ الجمعُ لما يعطيهم فيو ربهم من الخير‪ .‬وروى ابو نعيم‬
‫بسنده‪ :‬اذا سك ن اىل الجنُ الجنُ اتاىم ملك‪ ,‬فيقوؿ الل تعالى يأمركم اف تزوروه‬
‫فيجتمعوف‪ ,‬فيأمر الل تعالى داود عليو الصبلة والسبلـ فيرفع صوتو بالتسبيح‬
‫والتهليل‪ ,‬ثم توضع مائدة الخلد‪ ,‬قالوا‪ :‬وما مائدة الخلد‪ ,‬قاؿ‪ :‬زاويُ من زواياىا‬
‫اوسع مما بين المشرؽ والمغرب‪ ,‬فيطعموف ثم يسقوف ثم يكسوف‪ ,‬فيقولوف‪ :‬لم يبق‬
‫اال النظر فى وجو ربنا عز وجل‪ ,‬فيتجلى لهم فيخروف سجدا‪ ,‬فيقاؿ لهم‪ :‬لستم فى‬
‫دار عمل انما انتم فى دار جزاء‪ .‬قاؿ حجُ االسبلـ الغزالى‪ :‬ما معناه النظر اليو‬
‫تعالى ىى اللذة الكبرى التى ينسى فيها نعيم اىل الجنُ‪ .‬فهذه الرؤيُ ىى غايُ‬
‫الحسنى ونهايُ النعمى‪ ,‬وكل ما حصل من التنعم الىل الجنُ فيها على ىذه النعمُ‪,‬‬
‫ينسى ويترؾ‪ ,‬وليس سرور اىل الجنُ عند سعادة اللقاء منتهى‪ ,‬بل ال نسبُ لشيئ من‬
‫لذات الجنُ الى لذة اللقاء‪ ,‬وذلك اذا اشرؼ عليهم الحق جل وعبل‪ ,‬وقاؿ لهم‪:‬‬
‫سبلـ عليكم يا اىل الجنُ‪ ,‬ويرونو عيانا فهو اجل ما يرد عليهم من المنح النفيسُ‬
‫فى الجنُ‪ ,‬اذ يدعوف الى حضرة قربو ومشهد قدسو‪ ,‬وتنصب لهم منابر بين يديو‬
‫ويشاىدونو كما يشاىد احدنا القمر ليلُ البدر‪ ,‬وتتشنف اسماعهم بكبلمو سبحانو‬
‫لهم وقرائتو عليهم وتردده اليهم‪ .‬وفقنا الل للتقوى وخاتمُ السعادة‪ ,‬ورزقنا الحسنى‬
‫وزيادة‪.‬‬
‫‪66‬‬

‫خػاتػمُ‬
‫فيما يتعلق برجاؿ الغيب والدليل على وجودىم‪ ,‬قاؿ المحقق ابن حجر رضى الل عنو‪:‬‬
‫رجاؿ الغيب سموا بذلك لعدـ معرفُ اكثر الناس لهم‪ ,‬رأسهم القطب الغوث الفرد الجامع‬
‫جعلو الل دائرا فى اآلفاؽ االربعُ اركاف الدنيا كدوراف الفلك فى افق السماء‪ ,‬وقد ستر‬
‫الل تعالى احوالو من الخاصُ والعامُ غيرة عليو‪ ,‬غير انو يرى عالما كجاىل وأبلو كفطن‬
‫وتاركا آخذا قريبا بعيدا سهبل عسرا آمنا حذرا‪ ,‬ومكانتو من االولياء كالنقطُ من الدائرة‬
‫التى ىى مركزىا وبو يقع صبلح العالم‪ .‬واالوتاد وىم اربعُ اليطلع عليهم اال الخاصُ‬
‫واحد باليمن وواحد بالشاـ وواحد بالمشرؽ وواحد بالمغرب‪ .‬واألبداؿ وىم سبعُ على‬
‫االصح‪ ,‬وقيل ثبلثوف‪ ,‬وقيل ثبلثُ عشر‪ ,‬كذا قالو اليافعى‪ .‬وسيأتى حديث انهم اربعوف‬
‫وحديث انهم ثبلثوف وكل منهما يعكر على قولو االصح انهم سبعُ‪ .‬والنقباء وىم اربعوف‬
‫والنجباء وىم ثبلثمائُ‪ ,‬فاذا مات القطب ابدؿ بخيار االربعُ‪ ,‬او احد االربعُ ابدؿ بخيار‬
‫السبعُ‪ ,‬او احد السبعُ ابدؿ بخيار االربعين‪ ,‬او احد االربعين ابدؿ بخيار الثبلثمائُ‪ ,‬او‬
‫احد الثبلثمائُ ابدؿ بخيار الصالحين‪ ,‬فاذا اراد الل قياـ الساعُ اماتهم اجمعين‪ ,‬وذلك‬
‫اف الل تعالى يدفع عن عباده الببلء بهم وينزؿ بهم قطر السماء‪ .‬وروى بعضهم عن‬
‫الخضر عليو السبلـ انو قاؿ‪ :‬ثبلثمائُ ىم االولياء‪ ,‬وسبعوف ىم النجباء‪ ,‬واربعوف ىم اوتاد‬
‫االرض‪ ,‬وعشرة ىم النقباء‪ ,‬وسبعُ ىم العرفاء‪ ,‬وثبلثُ ىم المختاروف‪ ,‬وواحد ىو الغوث‪.‬‬
‫وجاء عن علي كرـ الل وجهو انو قاؿ‪ :‬األبداؿ بالشاـ‪ ,‬والنجباء بمصر‪ ,‬والعصائب‬
‫بالعراؽ‪ ,‬والنقباء بخرساف‪ ,‬واألوتاد بسائر االرض‪ ,‬والخضر عليو الصبلة والسبلـ سيد‬
‫القوـ‪ .‬وفى حديث االماـ الرافعى انو صلى الل عليو وسلم قاؿ‪ :‬اف لل فى االرض ثبلثمائُ‬
‫قلوبهم على قلب آدـ‪ ,‬ولو اربعوف قلوبهم على قلب موسى‪ ,‬ولو سبعُ قلوبهم على قلب‬
‫ابراىيم‪ ,‬ولو خمسُ قلوبهم على قلب جبريل‪ ,‬ولو ثبلثُ قلوبهم على قلب ميكائيل‪,‬‬
‫وواحد قلبو على قلب اسرافيل‪ ,‬فاذا مات الواحد ابدؿ الل مكانو من الثبلثُ‪ ,‬واذا مات‬
‫من الثبلثُ ابدؿ الل مكانو من الخمسُ‪ ,‬واذا مات من الخمسُ ابدؿ الل مكانو من‬
‫السبعُ‪ ,‬واذا مات من السبعُ ابدؿ الل مكانو من االربعين‪ ,‬واذا مات من االربعين ابدؿ‬
‫الل مكانو من الثبلثمائُ‪ ,‬واذا مات من الثبلثمائُ ابدؿ الل مكانو من العامُ بدفع الل بهم‬
‫الببلء عن ىذه االمُ‪ .‬قاؿ اليافعى رضى الل عنو‪ :‬قاؿ بعض العارفين‪ :‬والواحد المذكور‬
‫فى ىذا الحديث ىو القطب وىو الغوث‪ ,‬قاؿ بعضهم‪ :‬لم يذكر رسوؿ الل صلى الل عليو‬
‫وسلم قلبو فى جملُ األنبياء والمبلئكُ‪ ,‬النو لم يخلق الل تعالى فى عالم الخلق‬
‫‪67‬‬
‫واالمر اعز والطف واشرؼ من قلبو صلى الل عليو وسلم‪ ,‬فقلوب المبلئكُ واالنبياء‬
‫واالولياء باالضافُ الى قلبو كاضافُ سائر الكواكب الى الشمس‪ .‬ولقد سمعت النجم‬
‫األصبهانى رضى الل تعالى عنو خلف مقاـ ابراىيم الخليل صلى الل عليو وسلم يذكر اف‬
‫الخضر عليو السبلـ سأؿ الل عز وجل اف يقبضو عند ما يرفع القرآف‪ ,‬والظاىر والل اعلم‬
‫اف القطب وسائر األولياء الموجودين وغيرىم من الموجودين فى ذلك الوقت يطلبوف‬
‫الموت ابضا حينئذ‪ ,‬اذ ليس بعد رفع القرآف تطيب الحياة ألىل الخير بل ال يبقى فى‬
‫االرض خير‪ .‬وما ذكرتو فى الخضر من حياة الخضر ىو ما قطع بو األولياء‪ ,‬ورجحو‬
‫الفقهاء واألصوليوف واكثر المحدثين‪ ,‬وقد احتج بو واخبر عنو من ال يحصى من‬
‫الصديقين واألولياء فى كل زماف‪ ,‬بل والل لقد اخبرونى انو اجتمع بى وسألنى عن شيئ‬
‫فأجبتو ولم اعرفو‪ ,‬النو اليعرفو اال صاحب استعداد ممن شاء الل‪ ,‬ومبالغُ ابن الجوزى‬
‫فى انكار حياتو غلو منو‪ ,‬اذ ىو انكار للشمس وليس دونها حجاب بل كبلمو فيو‬
‫متناقض‪ ,‬النو روى فى حياتو اربع روايات باالسانيد المتصلُ عن علي وابن عباس وابن‬
‫مسعود رضى الل عنهم‪ ,‬وكذلك انكاره على اكابر من الصوفيُ اشياء صدرت عن احواؿ‬
‫ال يعرفها وعلوـ ال يدركها واليفهمها‪ ,‬والعجب منو انو يحكى عنهم كلمات عظيمُ‬
‫مزعجُ يظهر بها كبلمو ثم ينكرىا عليهم فى موضع آخر‪ .‬انتهى كبلـ اليافعى ملخصا‪.‬‬
‫والحديث الذى ذكره اف صح فيو فوائد خفيُ منها‪ :‬انو مخالف للعدد السابق قبلو‪ ,‬وقد‬
‫يجاب باف تلك األعداد اصطبلح بدليل وقوع الخبلؼ فى بعضهم كاألبداؿ‪ ,‬فقد‬
‫يكونوف فى ذلك العدد نظروا الى مراتب عبروا عنها باألبداؿ والنقباء والنجباء واألوتاد‬
‫وغير ذلك مما مر‪ ,‬والحديث نظر الى مراتب أخرى‪ ,‬والكل متفقوف على وجود تلك‬
‫األعداد‪ .‬ومنها انو يقتضى اف المبلئكُ افضل من األنبياء‪ ,‬والذى دؿ عليو كبلـ اىل‬
‫السنُ والجماعُ‪ ,‬اال من شد منهم اف األنبياء افضل من جميع المبلئكُ‪ .‬ومنها انو‬
‫يقتضى اف ميكائيل افضل من جبرائيل والمشهور خبلفو‪ ,‬واف اسرافيل افضل منهما‪ ,‬وىو‬
‫كذلك بالنسبُ لميكائيل‪ ,‬واما بالنسبُ لجبريل ففيو خبلؼ واألدلُ فيو متكافئُ‪ ,‬فقيل‬
‫جبريل النو صاحب السر المخصوص بالرسالُ الى األنبياء والرسل والقائم بخدمتهم‬
‫وتربيتهم‪ ,‬وقيل اسرافيل النو صاحب سر الخبلئق اجمعين اذ اللوح المحفوظ فى جبهتو‬
‫ال يطلع عليو غيره‪ ,‬وجبريل وغيره انما يتلقوف ما فيو عنو‪ ,‬وىو صاحب الصور القائم‬
‫ملتقما لو ينتظر الساعُ واالمر بو لينفخ فيو فيموت كل شيئ اال من استثنى الل‪ ,‬ثم بعد‬
‫اربعين سنُ يؤمر بالنفخ فيحيوف ثم يبعثوف‪ .‬واعلم اف ىذا الحديث‬
‫‪68‬‬
‫لم ار من خرجو من حفاظ المحدثين الذين يعتمد عليهم‪ ,‬لكن وردت احاديث تؤكد كثيرا‬
‫مما فيو‪ .‬منها حديث ابى نعيم فى الحليُ‪ :‬خيار امتى كل قرف خمسمائُ واألبداؿ اربعوف‪,‬‬
‫فبل الخمسمائُ ينقصوف وال األبداؿ‪ ,‬كلما مات منهم رجل ابدؿ الل من الخمسمائُ‬
‫مكانو‪ ,‬وادخلو فى االربعين مكانو يعفوف عمن ظلمهم ويحسنوف من اساء اليهم‪,‬‬
‫ويتسامتوف فيما اتاىم الل وىم فى االرض كلها‪ .‬ومنها حديث احمد‪ :‬األبداؿ فى ىذه‬
‫االمُ ثبلثوف رجبل قلوبهم على قلب ابراىيم خليل الرحمن‪ ,‬كلما مات رجل ابدؿ الل‬
‫مكانو رجبل‪ .‬وال تخالف بين الحديثين فى عدد األبداؿ‪ ,‬الف البدؿ لو اطبلقات كما يعلم‬
‫من األحاديث األتيُ فى تخالف عبلماتهم وصفاتهم‪ ,‬او انهم قد يكونوف فى زماف‬
‫األربعين وفى أخر ثبلثين‪ ,‬لكن يعكر على ىذا روايُ وال األربعوف‪ ,‬كلما مات رجل الخ‪,‬‬
‫والروايُ األتيُ وىم أربعوف رجبل كلما مات الخ‪ .‬ومنها حديث الطبرانى‪ :‬اف االبداؿ فى‬
‫امتى ثبلثوف‪ ,‬بهم تقوـ االرض وبهم يمطروف وبهم ينصروف‪ .‬وحديث ابن عساكر‪ :‬اف‬
‫األبداؿ بالشاـ يكونوف وىم اربعوف رجبل‪ ,‬بهم تسقوف الغيث‪ ,‬وبهم تنصروف على‬
‫اعدائكم‪ ,‬يصرؼ بهم عن اىل االرض الببلء والغرؽ‪ .‬ومنها حديث الطبرانى‪ :‬األبداؿ فى‬
‫اىل الشاـ وبهم تنصروف وبهم ترزقوف‪ .‬ومنها حديث احمد‪ :‬األبداؿ بالشاـ وىم اربعوف‬
‫رجبل‪ ,‬كلما مات رجل ابدؿ الل مكانو رجبل‪ ,‬تسقوف بهم الغيث‪ ,‬وتنصروف بهم على‬
‫االعداء‪ ,‬ويصرؼ عن اىل الشاـ العذاب‪ .‬ومنها حديث الجبلؿ الذى رواه فى كرامات‬
‫األولياء‪ ,‬ورواه الديلمى ايضا‪ :‬األبداؿ اربعوف رجبل واربعوف امرأة‪ ,‬كلما مات رجل ابدؿ‬
‫الل مكانو رجبل‪ ,‬وكلما ماتت امرأة ابدؿ الل مكانها امرأة‪ .‬ومنها خبر الحاكم عن عطاء‬
‫مرسبل‪ :‬األبداؿ من الموالى‪ ,‬ومنها خبر ابن ابى الدنيا مرسبل‪ :‬عبلمُ ابداؿ امتى انهم‬
‫اليلعنوف شيئا ابدا‪ ,‬ورفعو معضل‪ .‬ومنها خبر ابن حباف‪ :‬التخلو االرض من ثبلثين‬
‫وثمانين مثل ابراىيم خليل الرحمن بهم تغاثوف وبهم ترزقوف وبهم تمطروف‪ .‬ومنها خبر‬
‫البيهقى‪ :‬اف ابداؿ امتى لم يدخلوا الجنُ باعمالهم ولكن انما دخلوىا برحمُ الل وسخاوة‬
‫االنفس وسبلمُ الصدر ورحمُ للمسلمين‪ .‬ومنها خبر الطبرانى فى االوسط لن تخلو‬
‫االرض من اربعين رجبل مثل خليل الرحمن بهم تسقوف وبهم تنصروف ما مات منهم احد‬
‫اال ابدؿ الل مكانو آخر‪ .‬ومنها خبر ابن عدى فى كاملو‪ :‬البدالء اربعوف‪ ,‬اثناف وعشروف‬
‫بالشاـ‪ ,‬وثمانيُ عشر بالعراؽ‪ ,‬كلما مات منهم احد ابدؿ الل مكانو آخر‪ .‬فاذا جاء االمر‬
‫قبضوا كلهم فعند ذلك تقوـ الساعُ‪ .‬ومنها خبر ابى نعيم فى الحليُ ايضا‪ :‬ال يزاؿ‬
‫االربعوف رجبل من امتى قلوبهم على قلب ابراىيم‪ ,‬يدفع بهم عن اىل االرض يقاؿ‬
‫‪69‬‬
‫لهم األبداؿ‪ ,‬انهم لم يدركوىا بصبلة والبصوـ وال صدقُ‪ .‬قاؿ ابن مسعود رضى الل عنو‬
‫راويو‪ :‬فبم ادركوىا يارسوؿ الل‪ ,‬قاؿ‪ :‬بالسخاء والنصيحُ للمسلمين‪ .‬قلت‪ :‬حكى اعنى‬
‫المحقق ابن حجر فى موضع آخر قوال‪ :‬بانو انما سميت األبداؿ ابداال النهم قد يرحلوف‬
‫لمكاف ويخلفوف فى مكانهم األوؿ شبحا آخر شبيها بشبحهم األصلى بدال عنو‪ ,‬وقد‬
‫اثبتت الصوفيُ عالما متوسطا بين عالمى االجساد واالرواح سموه عالم المثاؿ‪ ,‬وقالوا ىو‬
‫الطف من عالم األجساد واكثف من عالم االرواح‪ .‬وبنوا على ذلك تجسد االجساد‬
‫وظهورىا فى صور مختلفُ من عالم‪ ,‬وقد يستأنس لذلك بقولو تعالى‪ :‬فتمثل لها بشرا‬
‫سويا‪ ,‬فتكوف الروح الواحدة كروح جبريل مثبل‪ ,‬فى وقت واحد مدبرة لشبحو األصلى‪,‬‬
‫ولهذا الشبح المثالى الخ‪ .‬قاؿ‪ :‬ومما جاء فى القطب ‪ -‬كما قاؿ بعض المحدثين ‪-‬‬
‫خبر ابى نعيم فى الحليُ‪ :‬اف الل تعالى فى كل بدعُ كيد بها االسبلـ واىلو وليا صالحا‬
‫يذب عنو ويتكلم بعبلماتو‪ ,‬فاغتنموا بحضور تلك المجالس بالذب عن الضعفاء وتوكلوا‬
‫على الل وكفى بالل وكيبل‪ .‬قلت‪ :‬حكى بعض الثقات االثبات من الفقهاء انو قاؿ‪ :‬جاورت‬
‫بمكُ وكاف لى فيها صديق من اولياء الل فسألتو اف يرينى القطب‪ ,‬فمكث مدة ثم قاؿ لى‬
‫اذا رايتو ال تكلمو‪ ,‬فمكثت مدة ثم رايتو فقبلت يده وجلست ساكنا‪ ,‬ثم التفت القطب‬
‫وقاؿ‪ :‬صاحب مصر رجل منكم معشر الفقهاء‪ ,‬فخطر لى اف اسألو عنو فلم يمكننى‬
‫ذلك‪ ,‬ثم بعد مدة اجتمعت بو وكاف عندى انى اذا اجتمعت بو اف اسألو عن تعيين ذلك‬
‫الرجل‪ ,‬فالتفت الى وقاؿ‪ :‬صاحب مصر اآلف الشيخ برىاف الدين ابن ابى شريف‪ ,‬ثم‬
‫يكوف بعده الشيخ زكريا‪ .‬قاؿ المحقق ابن حجر‪ :‬فتأمل ىذه الشهادة من القطب لهذين‬
‫االمامين‪ ,‬ولقد كاف زينُ مصر بل زينُ الدنيا كلها‪ ,‬فانهما كانا اليخافاف فى الل لومُ الئم‪,‬‬
‫وكيف ال وقد مد على الشيخ زكريا نظر السادة الصوفيُ ورضع من لباف معارفهم ودخل‬
‫تحت لواء اشاراتهم‪ ,‬وتزيا معهم حتى اجتلى وتوقد وتفرد وتكشف لو معارؼ وحقائق‪.‬‬
‫وذكر الشعرانى اف شيخو عليا الخواص البرلسى رضى الل عنهما سئل عن القطب‬
‫الغوث‪ ,‬ىل ىو دائما مقيم بمكُ كما قيل فقاؿ رضى الل عنو‪ :‬قلب القطب دائما طواؼ‬
‫بالحق الذى وسعو‪ ,‬كما يطوؼ الناس بالبيت‪ ,‬فهو رضى الل عنو يرى وجو الحق تعالى‬
‫فى كل وجهُ‪ ,‬كما يستقبل الناس البيت‪ ,‬ويرونو من كل وجهُ‪ ,‬اذ مرتبتو رضى الل عنو‬
‫التلقى عن الحق‪ ,‬تعالى جميع ما يفيضو على الخلق وىو بجسده حيث شاء الل تعالى‬
‫من االرض‪ ,‬ثم قاؿ يعنى الخواص رضى الل عنو‪ :‬واعلم اف اكمل الببلد البلد الحراـ‪,‬‬
‫واكمل البيوت البيت الحراـ‪ ,‬لقولو تعالى يجيئ اليو ثمرات كل شيئ‪,‬‬
‫‪71‬‬
‫واكمل الخلق فى كل عصر القطب‪ ,‬فالبلد نظير جسده‪ ,‬والبيت نظير قلبو‪ .‬ومما جاء فى‬
‫جميع من ذكر‪ ,‬اى القطب واألوتاد واالبداؿ وغيرىم‪ ,‬حديث الترمذى الحكيم وابى نعيم‬
‫فى كل قرف من امتى سابقوف‪ ,‬وفى روايُ لكل قرف من امتى سابقوف‪ ,‬والحديث المشهور‬
‫يبعث لهذه االمُ على رأس مائُ سنُ من يجدد لها دينها‪ ,‬والحديث الذى رواه الشيخاف‬
‫وغيرىما من طرؽ كثيرة التزاؿ طائفُ من امتى ظاىرين حتى يأتى امر الل وىم ظاىروف‪,‬‬
‫وفى روايُ لهما‪ ,‬التزاؿ طائفُ من امتى قائمُ على الحق اليضرىم من خذلهم وال من‬
‫خالفهم حتى يأتى أمر الل و ىم ظاىروف‪ ,‬وفى أخرى البن ماجو ال تزاؿ طائفُ من أمتى‬
‫قائمُ على الحق قوامُ على امر الل ال يضرىا من خالفها‪ ,‬وفى أخرى لو أيضا ال تزاؿ‬
‫طائفُ من أمتى منصوروف ال يضرىم من خذلهم حتى تقوـ الساعُ‪ ,‬وفى اخرى لمسلم‬
‫واحمد‪ ,‬التزاؿ طائفُ من امتى يقاتلوف على الحق ظاىرين الى يوـ القيامُ‪ ,‬فينزؿ عيسى‬
‫بن مريم فيقوؿ اميرىم تعاؿ صل بنا فيقوؿ ال اف بعضكم على بعض امير تكرمُ من الل‬
‫لهذه االمُ‪ .‬تنبيو قاؿ يزيد بن ىاروف‪ :‬األبداؿ ىم اىل العلم اى النافع الذى ىو علم‬
‫الظاىر والباطن ال علم الظاىر وحده‪ .‬وقاؿ االماـ احمد رضى الل عنو‪ :‬ىم اف لم يكونوا‬
‫اصحاب الحديث‪ ,‬فمن ىم‪ ,‬قاؿ المحقق ابن حجر‪ :‬ومراده باصحاب الحديث من ىو‬
‫مثلو ممن جمع بين علمى الظاىر والباطن واحاط باالحكاـ والحكم والمعارؼ والمكامن‬
‫كاألئمُ الثبلثُ كالشافعى ومالك وابى حنيفُ ونفسو ونظائرىم رضى الل عنهم‪ ,‬فاف ىؤالء‬
‫اخيار األبداؿ والنجباء واالوتاد‪ .‬فاحذر اف تسيئ ظنك بأحد فى مثل اولئك ويسوؿ لك‬
‫الشيطاف ومن استولى عليو‪ ,‬ممن لم يهتد بنور العلم‪ ,‬اف ائمُ الفقهاء والمجتهدين لم‬
‫يبلغوا تلك المراتب‪ .‬وقد اتفقوا على اف الشافعى رضى الل عنو كاف من االوتاد‪ ,‬وفى‬
‫روايُ انو تقطب قبل موتو‪ ,‬وكذلك جاء ىذا عن بعض تابعيو من الفقهاء كاالماـ النووى‬
‫وغيره‪ .‬وروى الخطيب فى تاريخ بغداد عن الكتانى انو قاؿ‪ :‬النقباء ثبلثمائُ والنجباء‬
‫سبعوف والبدالء اربعوف واألخيار سبعُ والعمد اربعُ والغوث واحد‪ .‬ومسكن النقباء‬
‫المغرب ومسكن النجباء مصر ومسكن األبداؿ الشاـ‪ ,‬واألخيار سياحوف فى االرض‪,‬‬
‫والعمد زوايات األرض‪ ,‬ومسكن الغوث مكُ‪ .‬فاذا عرضت الحاجُ من امر العامُ ابتهل‬
‫فيها النقباء ثم النجباء ثم األبداؿ ثم األخيار ثم العمد‪ ,‬فاف اجيبوا واال ابتهل الغوث‪,‬‬
‫فبليتم مسئلتو حتى تجاب دعوتو‪ .‬انتهى‪ .‬وفيو تأييد لبعض مامر ومخالفُ لو وذلك كلو‬
‫يبين اف تلك االعداد ترجع الى االصطبلحات والمشاحُ فى االصطبلح‪ .‬ولقد وقع لى‬
‫فى ىذا المبحث غريبُ مع بعض‬
‫‪70‬‬
‫مشايخى‪ ,‬ىى انى ربيت فى حجور بعض اىل ىذه الطائفُ‪ ,‬اعنى القوـ السالمين من‬
‫المحذرو واللوـ فوقر عندى كبلمهم النو صادؼ قلبا خاليا فتمكن فلما قرأت العلوـ‬
‫الظاىرة وسنى نحو اربعُ عشر سنُ فقرأت مختصر ابى شجاع على شيخنا ابى عبد الل‬
‫االماـ المجمع على بركتو وتنسكو الشيخ محمد الجوينى بالجامع األزىار بمصر‬
‫المحروسُ فبلزمتو مدة وكاف عنده حدة فانجػر الكبلـ فى مجلسو يوما ذكر القطب‬
‫والنجباء والنقباء‪ ,‬واالبداؿ وغيرىم ممن مر فبادر الشيخ الى انكار ذلك بغلظُ وقاؿ ىذا‬
‫كلو الحقيقُ لو وليس فيها شيئ عن النبي صلى الل عليو وسلم فقلت لو وكنت اصغر‬
‫الحاضرين معاذ الل بل ىذا صدؽ وحق ال مريُ فيو الف أولياء الل اخبروا بو وحاشاىم من‬
‫الكذب وممن نقل ذلك االماـ اليافعى وىو رجل جمع بين العلوـ الظاىرة والباطنُ فزاد‬
‫انكار الشيخ واغبلظو علي فلم يسعنى اال السكوت فسكت واضمرت انو ال ينصرنى اال‬
‫شيخنا شيخ االسبلـ والمسلمين‪ ,‬واماـ الفقهاء والعارفين‪ ,‬ابو يحيى زكريا االنصارى رضى‬
‫الل عنو وكاف من عادتي انى أقود الشيخ محمد الجوينى النو كاف ضريرا واذىب انا وىو‬
‫الى شيخنا المذكور اعنى شيخ االسبلـ زكريا يسلم عليو‪ .‬فذىبت انا والشيخ محمد‬
‫الجوينى الى شيخ االسبلـ فلما قربنا من محلو قلت للشيخ محمد الجوينى البأس اف‬
‫اذكر لشيخ االسبلـ مسألُ القطب ومن دونو وننظر ما عنده فيها فلما وصلنا اليو اقبل‬
‫علي الشيخ الجوينى وبالغ فى اكرامو وسؤاؿ الدعاء منو ثم دعا لى بدعوات‪ ,‬منها اللهم‬
‫فقهو فى الدين وكاف كثيرا ما يدعو لى بذلك فلما تم كبلـ الشيخ واراد الجوينى‬
‫االنصراؼ قلت لشيخ االسبلـ ياسيدى القطب واالوتاد والنجباء واألبداؿ وغيرىم ممن‬
‫يذكره الصوفيُ‪ ,‬ىل ىم موجودوف حقيقُ‪ ,‬فقاؿ‪ :‬نعم‪ ,‬والل يا ولدى فقلت لو‪ :‬يا سيدى اف‬
‫الشيخ واشرت الى الشيخ الجوينى ينكر ذلك ويبالغ فى الرد على من ذكره‪ ,‬فقاؿ شيخ‬
‫االسبلـ‪ :‬ىكذا يا شيخ محمد‪ ,‬وكرر ذلك عليو حتى قاؿ لو الشيخ محمد‪ :‬يا موالنا شيخ‬
‫االسبلـ امنت بذلك‪ ,‬وصدقت بو‪ ,‬وقد ثبت‪ ,‬فقاؿ‪ :‬ىذا ىو الظن بك يا شيخ محمد‪ .‬ثم‬
‫قمنا ولم يعاتبنى الجوينى على ما صدر منى‪ .‬ونظير ىذه الواقعُ من بعض وجهها ما وقع لى‬
‫وعمرى نحو ثمانيُ عشر سنُ مع بعض مشايخنا ايضا وىو شيخ االسبلـ الشمش الدلجى‪,‬‬
‫وكاف اعطى فى العلوـ الشريعُ والعقليُ من متانُ التصنيف وقوة السبك مالم يعطو احد من‬
‫اىل زمانو‪ .‬كنا نقرأ عليو ذات يوـ فى شرح التلخيص للسعد التفتازانى وفى كتابو صنفو‬
‫الشيخ فى اصوؿ الدين‪ ,‬فوقع ذكر العارؼ بالل تعالى عمر بن الفارض رضى الل تعالى‬
‫عنو فى المجلس فبادر الشيخ وقاؿ قاتلو الل‬
‫‪72‬‬

‫ما اكفره‪ ,‬كيف وكبلمو ينطق بالحلوؿ واالتحاد‪ ,‬واما شعره ففى الذروة العليا‪ ,‬فقلت لو‪:‬‬
‫من بين الحاضرين حاشاه الل من الكفر ومن الحلوؿ واالتحاد‪ .‬فاغلظ فى االنكار علي‬
‫وعليو فاغلظت فى جوابو‪ ,‬وكاف بالشيخ مرض بضيق النفس وكاف قد اخبرنا اف لو مدة‬
‫مديدة اليقدر على وضع جنبو على االرض ليبل وال نهارا‪ ,‬فقلت لو‪ :‬يا سيدى‪ ,‬انا التزـ‬
‫لك انك اف رجعت عن انكارؾ على الشيخ عمر بن الفارض وابن عربى وتابعيهما برئت‬
‫من ىذا الداء العضاؿ‪ ,‬فقاؿ‪ :‬ىذا ال يصح‪ ,‬فقلت‪ :‬صدقوا قولى بالرجوع عن ذلك‬
‫وجربوه مدة يسيرة‪ ,‬فاف ذىب واال فانتم تعرفوف ما ترجعوف اليو‪ ,‬فقاؿ‪ :‬يمكن اف نجرب‪.‬‬
‫ثم اظهر لنا الرجوع والتوبُ فانصلح حالو وخف مرضو مدة مديدة وكنت اقوؿ لو‪ :‬يا‬
‫سيدى صحت ضمانتى‪ ,‬فضحك ويعجبو ذلك‪ ,‬وفى تلك المدة ما سمعنا منو عن ىذه‬
‫الطائفُ اال خيرا‪ .‬قلت‪ :‬ونظيرىا من بعض وجهها ايضا‪ ,‬ما ذكره الشعرانى عن شيخو‬
‫محمد الشناوى رضى الل عنهما اف الشيخ ابا الغيث بن كتيلُ احد العلماء بالمحلُ‬
‫الكبرى واحد الصالحين بها كاف بمصر‪ ,‬فجاء الى بوالت فوجد الناس مهتمين بامر مولد‬
‫سيدى احمد البدوى رضى الل عنو والنزوؿ فى المراكب‪ ,‬فانكر ذلك وقاؿ‪ :‬ىيهات اف‬
‫يكوف اىتماـ ىؤالء بزيارةنبيهم صلى الل عليو وسلم مثل اىتمامهم باحمد البدوى‪ .‬فقاؿ‬
‫لو شخص‪ :‬سيدى احمد ولي عظيم‪ .‬فقاؿ‪ :‬ثمُ فى ىذا المجلس من ىو اعلى منو مقاما‪,‬‬
‫كانو يشير الى نفسو‪ .‬فعزـ عليو شحص فاطعمو سمكا فدخلت حلقو شوكُ تصلبت‪ ,‬فلم‬
‫يقدروا على نزولها بدىن غطاس وال بحيلُ من الحيل‪ ,‬ووردت رقبتو حتى صارت كخبليُ‬
‫النحل تسعُ اشهر‪ ,‬وىو ال يلتذ بطعاـ والشراب وال مناـ‪ ,‬وانساه الل تعالى السبب فبعد‬
‫التسعُ اشهر ذكره الل تعالى بالسبب‪ ,‬فقاؿ‪ :‬احملونى الى قبُ سيدى احمد رضى الل عنو‬
‫فادخلوه‪ ,‬فشرع يقرأ سورة يس فعطس عطسُ شديدة‪ ,‬فخرجت الشوكُ مغمسُ دما‪,‬‬
‫فقاؿ‪ :‬تبت الى الل نعالى يا سيدى احمد‪ ,‬وذىب الوجع والورـ من ساعتو‪ .‬قاؿ اعنى‬
‫الشعرانى‪ :‬ووقع شمس الدين ابن اللباف فى حق سيدى احمد رضى الل عنو‪ ,‬فسلب‬
‫القرآف والعلم واإليماف‪ ,‬فلم يزؿ يستغيث باألولياء‪ ,‬فلم يقدر احد اف يدخل فى امره‪,‬‬
‫فدلوه على سيدى ياقوت العرشى‪ ,‬فمضى الى سيدى احمد رضى الل عنو وكلمو فى القبر‬
‫واجابو‪ ,‬وقاؿ لو‪ :‬انت ابو الفتياف رد على ىذا المسكين رسما لو‪ ,‬فقاؿ‪ :‬بشرط التوبُ‪,‬‬
‫فتاب ورد عليو رسما لو‪ ,‬وىذا كاف سبب اعتقاد ابن اللباف فى سيدى ياقوت العرشى‪ .‬ثم‬
‫اف سيدى ياقوتا زوج ابن اللباف ابنتو ولما مات اوصى اف يدفن تحت رجليها‪ ,‬اعظاما‬
‫لوالدىا الشيخ ياقوت رضى الل عنهما‪ .‬قاؿ الشعرانى واخبرنى اخى‬
‫‪73‬‬
‫الشيخ الصالح الحاج احمد الحلبى انو كاف لو بيت يشرؼ على ضريح الشيخ محى‬
‫الدين‪ ,‬فجاء شحص من المنكرين بعد صبلة العشاء بنار يريد اف يحرؽ تابوت الشيخ‪,‬‬
‫فخسف بو دوف القبر بتسعُ اذرع فغاب فى االرض وانا انظر‪ ,‬ففقده اىلو من تلك الليلُ‬
‫فاخبرتهم بالقصُ‪ ,‬فجاؤا فحفروا فوجدوا رأسو‪ ,‬فكلما حفروا نزؿ وغار فى االرض الى اف‬
‫عجزوا وردموا عليو التراب‪ .‬والحكايات فى نظير ذلك كثيرة‪ ,‬فنسأؿ الل تعالى الحفظ‬
‫عن مثل االنكار على األولياء‪ ,‬واف يوفقنا لبلدب معهم حيا وميتا‪ .‬وذكر الشعرانى اف‬
‫شيخو عليا الخواص البرلسى رضى الل عنهما سئل عن طائفُ المسلكين‪ ,‬كسيد احمد‬
‫الزاىد وسيدى مدين وأضرابهما رضى الل عنهم ىل كانوا اقطابا‪ ,‬فقاؿ رضى الل عنو‪ :‬ال‪,‬‬
‫وانماىم كالحجاب على الملك‪ ,‬فبل يدخل عليو احد من الناس اال باذنهم وعلمهم‪ ,‬فهم‬
‫يعلموف الناس اآلداب الشرعيُ والحقيقُ‪ ,‬وما يظهر عليهم من الكرامات واألحواؿ‪ ,‬انما‬
‫ىو لصفاء نفوسهم واخبلصهم وكثرة مراقبتهم ومجاىدتهم‪ .‬واما القطابُ فجل اف يلج‬
‫مقامها األحوط غير من اتصف بها‪ ,‬قاؿ وقد بينها الشيخ عبد القادر الجيلى رضى الل‬
‫عنو‪ ,‬وقاؿ‪ :‬اف لها ستُ عشر عالما الدنيا واآلخرة عالم واحد من ىذه العوالم‪ ,‬فقيل لو‬
‫فالتصريف الذى يظهر على ايدى ىؤالء المسلكين ىل ىو لهم اصالُ كالقطب اـ ال‪,‬‬
‫فقاؿ رضى الل عنو‪ :‬ليس ىو لهم اصالُ‪ ,‬وانما ىو بحكم االفاضُ عليهم من الدوائر التى‬
‫ىى قوتهم كالقطب‪ ,‬وايضاح ذلك اف الل تعالى اذا اراد انزاؿ ببلء شديد مثبل‪ ,‬فاوؿ ما‬
‫يتلقى ذلك القطب فيتلقاه بالقبوؿ والخوؼ‪ ,‬ثم ينتظر ما يظهره الل تعالى فى لوح للمحو‬
‫واالثبات الخصيصين باالطبلؽ والسراح‪ ,‬فاف ظهر لو المحو والتبديل نفذه وامضاه فى‬
‫العالم بواسطُ اىل التسليك الذين ىم سدنُ ذلك فينفذوف ذلك‪ ,‬وىم ال يعلموف اف‬
‫االمر مفاض عليهم‪ ,‬واف ظهر لو الثبوت دفعو الى اقرب عدد ونسبُ منو‪ ,‬وىما االماماف‬
‫فيحتمبلف بو ثم يدفعانو اف لم يرتفع الى اقرب نسبُ منهما‪ ,‬كذلك حتى يتنازؿ الى‬
‫اصحاب دائرتو جميعا‪ ,‬فاف لم يرتفع تفرقتو األفراد وغيرىم من العارفين الى عموـ‬
‫المؤمنين حتى يرفعو الل عز وجل بتحملهم‪ ,‬ولو لم يحمل ىؤالء ذلك من العالم لتبلشى‬
‫فى طرفُ عين‪ ,‬قاؿ تعالى‪ :‬ولو ال دفع الل الناس بعضهم ببعض لفسدت االرض‪,‬‬
‫وقاؿ تعالى‪ :‬خلق السموات بغير عمد ترونها‪ ,‬اشارة الى القطب الذى ىو العمد‬
‫المعنوى الممسك للسموات‪ ,‬ففيو اشارة الى خفائو فى العالم‪ .‬وقاؿ فى موضع آخر‪ :‬اف‬
‫الخلوة بالل وحده ال تكوف اال للقطب الغوث فى كل زماف‪ .‬فاذا فارؽ ىيكلو النور‬
‫باالنتقاؿ الى الدار اآلخرة‪ ,‬انفرد الحق تعالى بشخص آخر مكانو ال ينفرد‬
‫‪74‬‬
‫بشخصين قط فى زماف واحد‪ .‬قاؿ وىذه الخلوة وردت فى الكتاب والسنُ‪ ,‬ولكن ال‬
‫يشعر بها اال اىل الل خاصُ‪ .‬قاؿ واما خلوة غير القطب فبل تكوف بالل‪ ,‬وانما ىى لمزيد‬
‫االستعداد والبعد عمن يشغلو عن الطاعات من المخلوقين ال غير‪ .‬ونقل المناوى عن ابن‬
‫عربى رضى الل عنو من رجاؿ الل رجل واحد‪ ,‬وقد يكوف امرأة فى كل زماف‪ ,‬وىو القاىر‬
‫فوؽ عباده‪ ,‬لو االستطالُ على كل شيئ‪ ,‬منهم شجاع مقداـ كثير الدعوى بحق يقوؿ حقا‬
‫ويحكم عدال‪ ,‬قاؿ‪ :‬وكاف صاحب ىذ المقاـ عبد القادر الجيبلنى ببغداد‪ .‬وقاؿ اعنى‬
‫المناوى‪ :‬رأيت نقبل عن ابى المواىب التونسى رضى الل عنو‪ :‬اف اوؿ من تولى القطبانيُ‬
‫من المصطفى صلى الل عليو وسلم فاطمُ الزىراء مدة حياتها رضى الل عنها‪ ,‬ثم انتقلت‬
‫عنها الى ابى بكر ثم عمر ثم عثماف ثم علي ثم الحسن رضى الل تعالى عنهم‪ .‬يقوؿ‬
‫محمد محفوظ بن عبد الل الترمسى‪ ,‬كاف الل لو‪ ,‬وختم بالصالحات عملو‪ :‬وليكن ىذا‬
‫آخر ىذه المنتخبُ التى سميتها [بغيُ األذكياء فى البحث عن كرامُ األولياء] وكاف‬
‫نجازىا قبيل المغرب يوـ االحد ثامن عشر الربيع االوؿ سنُ ‪ ,8331‬فيا ربنا لك الحمد‬
‫حمدا كثيرا لهيبا‪ ,‬كما ينبغى لجبلؿ وجهك وعظيم سلطانك الالو اال انت‪ ,‬سبحانك انى‬
‫كنت من الظالمين‪ .‬سبحانك ال نثنى عليك انت كما اثنيت على نفسك‪ ,‬نسألك اللهم‬
‫اف تصلى وتسلم على سيدنا محمد وعلى آلو‬
‫وصحبو كلما ذكرؾ الذاكروف وغفل عن ذكرؾ الغافلوف‪ .‬رب زدنى علما‪ ,‬ونسألك‬
‫اللهم اف تعز االسبلـ وتنصر المسلمين القائمين بو‪ ,‬ونسألك اللهم اف تفتح علينا‬
‫وعلى اوالدنا فتح العارفين‪ ,‬بجاه خاتم االنبياء والمرسلين‪ ,‬واف تنفع بهذه‬
‫المنتخبُ وبجميع مؤلفاتى كافُ المسلمين‪ ,‬واف توفقنا جميعا للتقوى‬
‫واالستقامُ‪ ,‬ثم خاتمُ الخير والسعادة‪ ,‬وترزقنا الحسنى‬
‫وزيادة‪ ,‬وصلى الل وسلم على سيدنا محمد‬
‫وآلو وصحبو اجمعين‪ .‬والحمد لل‬
‫رب العػالمين‪.‬‬
‫آمين ‪3‬‬
‫‪75‬‬

‫فهرست الكتاب بغيُ االذكياء فى البحث عن كرامات األولياء‬


‫صحيفُ‬
‫كلمات الشيخ العبلمُ كياىى ميموف زبير السارنجى‬ ‫‪1‬‬
‫ترجمُ الشيخ محمد محفوظ بن الشيخ عبد الل الترمسى‬ ‫‪1‬‬
‫مقدمُ الكتاب‬ ‫‪3‬‬
‫تعريف الولي والكرامُوما يتبعو‬ ‫‪3‬‬
‫فصل في نقل كبلـ التاج السبكى فى ىذا المبحث‬ ‫‪1‬‬
‫شبهُ للقدريُ فى منع الرامات وذكرفسادىا‬ ‫‪9‬‬
‫شبهُ ثانيُ لهم وتبيين االنفصاؿ عنها‬ ‫‪9‬‬
‫شبهُ ثالثُ لهم ووجو االنفصاؿ عنها‬ ‫‪81‬‬
‫شبهُ رابعُ لهم وكشف عوارىا‬ ‫‪81‬‬
‫شبهُ خامسُ لهم وتقرير بطبلنها‬ ‫‪81‬‬
‫ومنها على يد امير المؤمنين عمر الفروؽ رضى الل عنو‬ ‫‪81‬‬
‫ومنها على يد عثماف ذى النورين رضى الل عنو‬ ‫‪81‬‬
‫ومنها على يد علي المرتضى امير المؤمنين رضى الل عنو‬ ‫‪81‬‬
‫ومنها على يد العباس عم النبي صلى الل عليو وسلم‬ ‫‪89‬‬
‫منها على يد ابن عمر رضى الل عنو‬ ‫‪18‬‬
‫فصل فى نقل كبلـ المحقق ابن حجر الهيتمى‬ ‫‪38‬‬
‫مسئلُ فى تححقيق الفرؽ بين الخطاب الذى يذكره األولياء‬ ‫‪13‬‬
‫مسئلُ فى األجوبُ عما وقع من شطحات األولياء‬ ‫‪11‬‬
‫مسئلُ ايما افضل علكاء الباطن اـ علماء الظاىر‬ ‫‪18‬‬
‫مسئلُ فى البحث عن رؤيُ النبي صلى الل عليو وسلم‬ ‫‪11‬‬
‫مسئلُ فى البحث عن رؤيُ الل‬ ‫‪38‬‬
‫خاتمُ فيما يتعلق برجاؿ الغيب والدليل على وجودىم‬ ‫‪33‬‬

‫تػمت‬

You might also like