Professional Documents
Culture Documents
عديدة هي المصطلحات الرائجة في أيامنا هذه ،غير أنه كثيرا ما يرافق هذا الرواج التباس
في معرفة حقيقتها بسبب االستعمال المدلس لها .ومن هذه المصطلحات مصطلح
"الحكامة" أو "حسن التدبير" كما يطلق عليه البعض ،من باب تسمية الكل بالجزء .في
هذه السطور ،نقف عند داللة هذا المصطلح في عالقته بتدبير مشاريع التنمية البشرية على
اعتبار أن السبب األساسي في ميالده راجع لفشل مخططات التنمية في دول الجنوب في
.تحقيق األهداف المسطرة
فهي تتوخى ،بداية ،مقاربة التطورات والتحوالت التي تطاول المنظمات العمومية 1.
المشاع أنها تمر بمرحلة أزمة في المشروعية ،وتطاول أيضا ولربما بالقدر ذاته،
المنظمات الخاصة المهووسة دائما بقضايا التنظيم الداخلي (اليومي كما االستراتيجي)
.والخاضعة باستمرار لسلطان التسيير والتدبير وما سواهما
وهي تطمح ،ثانية ،إلى ترجمة أشكال التنظيم الجديدة المحلي منها كما الدولتي كما 2.
الدولي كما الكوني سواء بسواء...إما في أفق البحث عن ترابطات بين مختلف المستويات
المجالية القائمة أو بجهة خلق تراتبية جديدة بين شتى ضروب التقاطع الناظمة لطبيعة
.الصراعات والمصالح المستفحلة في ظل العولمة وانفتاح المجاالت
وهي تتغيأ ،فضال عن كل هذا وذاك ،إقامة منظومة وصفية وتحليلية( )....يكون من 3.
شأنها البناء " لوصفات" قابلة للتطبيق بهذه الجهة من العالم أو تلك...من قبيل مفهوم
"الحكامة الجيدة" التي وضعتها المؤسسات المالية الدولية وال تتوانى في الدفع بها
.والدفاع عنها في الزمن كما في المكان
و يشمل مفهوم" الحكامة" خاصة إذا قرنت بوصف "الجيدة" عدة عناصر أساسية يمكن
إجمالها في :الشفافية ،التزويد بالمعلومات ،حقوق وواجبات المساهمين ومسؤوليات
:المسيرين .وينبني على أركان ثمانية هي كما يلي
الرؤية اإلستراتيجية :أي الرؤية المنطلقة من المعطيات الثقافية واالجتماعية الهادفة إلى
,تحسين شؤون الناس وتنمية المجتمع والقدرات البشرية
المشاركة بمعنى حق "الكل" في التأثير "الديمقراطي" في صناعة القرارات ووضع
البرامج والسياسات .والمشاركة تتطلب توفر األطر والوضعيات الضامنة لحرية تشكيل
التشكيالت واللوبيات وحرية التعبير والحريات العامة وترسيخ الشرعية الشفافية وتعني
توفير المعلومات الدقيقة في وقتها وإفساح المجال أمام الجميع ( وليس فقط المسؤولين)
لإلطالع عليها بما يساعدهم على المساهمة في اتخاذ القرارات الصالحة وكذلك من أجل
توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومن أجل التخفيف من الهدر ومحاصرة
.الفساد
التوافق ويعني القدرة على التحكيم بين المصالح المتضاربة من أجل الوصول إلى إجماع
واسع حول المصلحة العامة
حسن االستجابة بمعنى قدرة المؤسسات و اآلليات التي يتم إرساءها على خدمة الجميع
بدون استثناء وتمكين الكل من الفرص المتساوية في االرتقاء االجتماعي من أجل تحسين
.األوضاع
حسن التدبير أي استثمار الموارد المالية والمادية المتاحة بشكل عقالني أو هو إنجاز
.األهداف بأقل تكلفة ممكنة
التعاون إذ ينبغي أن تهتم التنمية البشرية بالتفاعل بين الناس في العمل وداخل المجتمع
.اعتبارا ألهمية الشعور باالنتماء وبوجود هدف ومعنى للحياة
اإلنصاف وكمثال على ذلك ،في موضوع التربية باعتباره حقا أساسيا من حقوق اإلنسان
كفلته كل الشرائع والقوانين ،يجب أن يضمن النظام التعليمي للجميع حق االلتحاق به على
.وجه المساواة
االستدامة بمعنى العمل على تلبية حاجيات الجيل الحالي دونما مساس بحق األجيال المقبلة
.في ممارسة قدراتهم األساسية
األمن وهو مفهوم شامل يغطي كل المجاالت من التحرر من المرض ومن القمع ،والحماية
من التقلبات الضارة المفاجئة وغير ذلك مما يؤثر على حياة الناس أو يحد من قدرتهم على
.التنقل بين الخيارات
مشروع التنمية البشرية وفق ما سبق تعريف التنمية البشرية أعاله هو سلسلة من
األنشطة واألعمال ،مرتبة بشكل متجانس ،ومتكامل ،محددة في الزمان والمكان ،بقصد
الوصول إلى نتائج وأهداف من شأنها تمكين جميع الناس في المجتمع وتوسيع نطاق
خياراتهم ،من خالل توظيف واستثمار مجموعة من الوسائل المادية والبشرية بكيفية
.تضمن تعاون الجميع وال تنتهك حقوق األجيال المقبلة
رابعا :كيف نحقق الحكامة في تدبير مشروع للتنمية البشرية؟
تحقيق مفهوم الحكامة يعني تفعيل عناصر التي يرتكز علبها والتي سبق تفصيلها أعاله
:وفي ما يلي توضيح كيف يمكن أن تتجلى هذه المرتكزات في تدبير مشاريع التنمية
الرؤية اإلستراتيجية يجب أن يستهدف أي مشروع للتنمية تمكين جميع الناس في المجتمع
.وتوسيع نطاق خياراتهم
المشاركة يتعين أن يشارك في بلورة المشروع مختلف مكونات المجتمع ولتحقيق هذا
.الركن يمكن اعتماد المقاربة التشاركية في طوري التحليل والتخطيط
الشفافية والسالسة في تبادل المعلومات بين مختلف المتدخلين ضمانة ضرورية للتشخيص
.السليم وللتخطيط العلمي والتقييم الدقيق
التوافق:توافق المعنيين دعامة أساسية لنجاح أي مشروع تنموي وهو نتيجة طبيعية
.للمشاركة الفعلية في التشخيص والتخطيط و التنفيذ
حسن االستجابة فالمشروع التنموي الذي بني على تشخيص دقيق وتخطيط علمي إنما
.يبلور من أجل االستجابة لوضع غير سليم يستهدف تصحيحه
حسن التدبير فالموارد المالية والمادية األخرى والبشرية التي يتم استثمارها في أي
مشروع تنموي هي موارد مشتركة بين أفراد المجتمع من األجيال الحالية من جهة وبين
األجيال التي ستأتي وفق قدر هللا من جهة ثانية والعالمين من جهة ثالثة لذا يتعين
استحضار حقوق كل هؤالء عند التخطيط الستثمارها ونفس الكالم يسري على ما يترتب
عن استغالل هذه الموارد من آثار بيئية وغيرها
.