You are on page 1of 134

‫سليمان خاطر )السلما ‪..‬الموساد‪ ..

‬الموت)‬
‫محتويات‬
‫‪ ١‬إهداء‬ ‫‪‬‬
‫‪ ٢‬بدون مقدمة‬ ‫‪‬‬
‫‪ ٣‬قفوا ‪ ...‬ممنوع المرور! !‬ ‫‪‬‬
‫‪ ٤‬في زمن الهيروين!‬ ‫‪‬‬
‫‪ ٥‬خاتم سليمان خاطر‬ ‫‪‬‬
‫‪ ٦‬الذبح ‪ ..‬على الجانب الخر!‬ ‫‪‬‬
‫‪ ٧‬غربال ثقوبه كبيرة!‬ ‫‪‬‬
‫‪ ٨‬الطفال على الطريقة الصهيونية! !‬ ‫‪‬‬
‫‪" ٩‬عزبة" منزوعة السلحا!‬ ‫‪‬‬
‫‪ ١٠‬أشغال شاقة مؤبدة‬ ‫‪‬‬
‫‪ ١١‬آخر ربع ساعة!‬ ‫‪‬‬
‫‪ ١٢‬الجثة أمام القضاء!‬ ‫‪‬‬
‫‪" ١٣‬أكياد" تحت الحصار!‬ ‫‪‬‬
‫‪ ١٤‬من القاتل؟ !‬ ‫‪‬‬
‫إهداء‬
‫إلى سليمان خاطر نفسه ‪...‬‬

‫إلى الشمعة التي حسرت الظلم عن سيناء ‪ ..‬ثم أجبرت على الحتراق! !‬
‫بدون مقدمة‬
‫قبل أن يطلق "سليمان خاطر" رصاصات بندقيته اللية على )السرائيليين( في سيناء المنزوعة السلحا لم يكن‬
‫يستحق كتابا عنه ‪..‬‬

‫بعد أن وقع هذا الحادث أصبح الكتاب ممكنا ‪ ..‬لكن ‪ ...‬بمقدمة ‪.‬‬

‫وبعد أن مات سليمان خاطر وقامت الدنيا ولم تقعد ‪ ..‬لم يعد الكتاب في حاجة إلى مقدمة‪.‬‬

‫عادل حمودة‬
‫مصر الجديدة‬
‫‪ 10‬فبراير ‪1986‬‬

‫ ‬
‫قفوا ‪ ...‬ممنوع المرور! !‬
‫  ل أحد يستطيع بسهولة أن يحدد بدقة موقع "رأس بركة" على خريطة جنوب سيناء!‬

‫بل ‪ ..‬ربما لم يسمع سوى عدد قليل جدا من المصريين بهذا السم من قبل ‪ ..‬فالمنطقة التي تقع‬
‫فيها ل تغري بالقامة الدائمة‪ ،‬حتى لبدو سيناء الرحل ‪ ...‬أكثر خلق ا قدرة على التكيف مع‬
‫الصحراء‪ ،‬والجبال‪ ،‬والماكن الصعبة ‪ ..‬والمنطقة ليست لها أي سمعة أو شهرة سياحية بالمرة‬
‫‪ ..‬وأغلب إعلناات وبرامج التسويق السياحي لجنوب سيناء ل تتحدث إل عن "ناويبع" و‬
‫"ذهب" و "شرما الشيخ" ‪ ..‬وذلك رغم أناها تقع في منتصف المسافة تقريبا بين "ناويبع" و‬
‫"طابا" وهما مركزان هامان من مراكز الجذب السكاناي والسياحي في جنوب سيناء ‪...‬‬

‫والمنطقة التي تقع فيها منطقة صخرية ‪ ..‬شديدة الوعورة ‪ ...‬صخورها من أصل نااري ‪ ..‬تمثل‬
‫جذور جبال قديمة أتت عليها عوامل التعرية منذ بدء الزمن الول‪ ،‬وصخورها من شدة القدما‬
‫تراوح لوناها بين اللون السود ‪ ..‬واللون البني الغامق وتراكمت صلبتها حتى أصبحت تنافس‬
‫في حدتها ناصل الخناجر والسكاكين ‪ ..‬وبسبب نادرة المياه‪ ،‬وحرقة الشمس‪ ،‬وصعوبة الحياة‪،‬‬
‫وحصار الصخور والرمال‪ ،‬ل يعيش في هذه المنطقة سوى عدد ضعيف من البدو ‪ ..‬من قبائل‬
‫تسمى "الجرارشة" و "الصوالحة" ‪ ...‬وقد تناقص هذا العدد بدخول المدناية وناشاط السياحة‬
‫في المناطق القريبة منها ‪ ..‬والذين بقوا منهم عاشوا على تقديم بعض الخدمات لقوات الجيش‬
‫المصري التي كانات تتمركز هناك قبل يونايو ‪ .. 1967‬ثم أصبحوا يقدمون نافس الخدمات لقوات‬
‫المن المركزي الن‪ ،‬وذلك بعد اناسحاب )إسرائيل( منها‪ ،‬وبعد توقيع معاهدة "كامب ديفيد"‬
‫بينها وبين النظاما المصري‪ ،‬واعتبار كل جنوب سيناء منطقة منزوعة السلح‪ ،‬ل يتواجد فيها‬
‫من الجاناب المصري سوى جنود الشرطة المدناية فقط ‪ ..‬أما جنود الجيش فممنوع عليهم‬
‫التواجد أو التمركز هناك ‪ ..‬وممنوع على أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة أيضا ‪ ..‬ول توجد سوى‬
‫السلحة الخفيفة المناسبة فقط للدفاع الشخصي في يد جنود المن المركزي ‪ ..‬والمسيطر‬
‫الحقيقي على المنطقة كلها القوات متعددة الجنسية التي لها كل الحق في مراقبة أي اختراق‬
‫لمعاهدة "الصلح" بين النظاما المصري و "إسرائيل"‪.‬‬

‫ومنطقة "رأس بركة" تتبع "ناويبع" إداريا ‪ ..‬وأمنيا ‪ ..‬وتطل مباشرة من نااحية الشرق على‬
‫خليق "العقبة" ‪ ...‬وعلى الخليج مباشرة تقع النقطة "‪ – "46‬أمن مركزي التي تتبع سرية‬
‫المن في "ناويبع" والنقطة عبارة عن مجموعة من الكشاك أيضا توجد المكاتب وأماكن‬
‫الشئون الدارية ‪ ..‬وحول هذه الكشاك التي تعطي ظهرها إلى مياه الخليج أسلك شائكة ‪ ..‬أما‬
‫وجهها فيطل – نااحية الغرب – على الطريق المرصوف الذي يربط ناويبع بطابا ‪ ..‬وعدد هذه‬
‫الكشاك ثلثة ‪ ...‬أكبرها وهو المبنى الرئيسي مساحته ‪ 10 × 7‬متر وهو عنبر للنوما‪.‬‬

‫والذي يقف على شاطئ الخليج عند هذه النقطة‪ ،‬يستطيع أن يرى الساحل السعودي على‬
‫الناحية الخرى‪ .‬ويربط طريق )مدق( ضيق‪ ،‬ل يسمح بمرور السيارات وإناما الفراد فقط‪ ،‬بين‬
‫هذه النقطة وناقطة مراقبة أخرى تتبعها توجد على هضبة من الصخور‪ ،‬وفوق هذه الهضبة‬
‫يوجد كشك من الخشب مغطى بالصاج والبطاطين )مساحته ‪ 8×5‬متر( وله شرفة تطل على‬
‫الخليج ‪ ..‬وخلفه من نااحية اليسار إلى الغرب منطقة منخفضة ناسبيا ‪ ...‬وعلى شمال الكشك‬
‫سارية علم‪ ،‬يلمح ما يرفرف عليها السائرون على الطريق السفلتي‪ ،‬وأفراد النقطة أسفل‬
‫الهضبة على بعد ناصف كيلو متر‪ ،‬والسائحون الذين ينصبون خيامهم تحتها مباشرة على‬
‫شاطئ الخليج ‪ ..‬وهذه الخياما تكون ما يمكن وصفه بالمعسكر ‪ ...‬وهم غالبا ما يكوناون في‬
‫حدود ‪ 20‬أسرة ‪ ..‬أو في حدود ‪ 100‬شخص‪.‬‬

‫في هذه النقطة المرتفعة يوجد جهاز إشارة‪ ،‬وتحويلة تليفون تتصل بالنقطة الصلية‪ ،‬وصندوق‬
‫سلح توجد به فقط بندقيتان طراز "آلي" صناعة مصرية )عيار ‪9 ×7.62‬مم( وخزائن ذخيرة‬
‫ل يزيد عدد طلقاتها على ‪ 600‬رصاصة )‪ 300‬رصاصة لكل بندقية(‪ ،‬وأمتعة شخصية داخل‬
‫"دواليب" للجنود الذين يخدمون فيها‪ ،‬وهم خمسة جنود‪ ،‬اثنان منهم للستطلع هما‪ :‬الرقيب‬
‫سليمان خاطر )‪ 25‬سنة( وهو الحكمدار ‪ ..‬والجندي عطية إبراهيم علي )‪ 23‬سنة – من‬
‫الشرقية ( ‪ ..‬وهما الوحيدان المسلحان ‪ ..‬وفي النقطة جنديان يعملن على "جهاز خاص" داخل‬
‫الكشك‪ ،‬هما‪ :‬حسوناة عبد المجيد حمودة )‪ 22‬سنة – من دمياط( وحسن علي الخولي )‪ 24‬سنة‬
‫– من الشرقية( ‪ ..‬أما الخامس ففرد مراقبة‪ ،‬اسمه علي إبراهيم محمد )‪ 22‬سنة – من‬
‫الشرقية(‪.‬‬

‫في هذا الموقع التقليدي – بلغة أهل السينما – وقع حادث سليمان خاطر ‪ ...‬كان ذلك قبل غروب‬
‫شمس يوما السبت ‪ 5‬أكتوبر ‪... 1985‬‬

‫بالتحديد بين الساعة الرابعة والنصف والساعة الخامسة من بعد الظهر ‪ ..‬وهي فترة تنكسر‬
‫فيها خيوط الشمس المضيئة‪ ،‬ويذبل بريقها‪ ،‬ويختلط لوناها الصفر بحمرة الغروب المبكر ‪..‬‬
‫وهي فترة تقل فيها درجة الرؤية ‪ ..‬ويستعد فيها الظلما للهبوط المفاجئ والسريع )أسرع من‬
‫أي منطقة أخرى خاصة في الشتاء( نااشرا أجنحته السوداء على المنطقة كلها دون أي إناذار‬
‫مبكر ‪ ..‬ودون أي تكاسر‪..‬‬

‫في ذلك الوقت ‪ ..‬كان كل شيء هادئا في ناقطة المراقبة المرتفعة ‪..‬‬

‫لقد جاء "تعيين" أفراد النقطة متأخرا بعض الوقت ‪ ..‬وكان "دجاجا" ‪ ..‬فسارعوا بطبخه ‪..‬‬
‫وعندما راحوا يتناولوناه اكتشف سليمان بقع دما في قطعة الدجاج التي كانات من ناصيبه ‪..‬‬
‫فرفض تناولها ‪ ..‬وقاما – دون أن يأكل – ليتولى ناوبة خدمته الخيرة ‪...‬‬

‫إن هذه الخدمة هي خدمته الخيرة ‪ ..‬ويومه هذا هو يومه الخير في تجنيده ‪ ..‬ويومه الخير‬
‫في هذا الموقع الذي قضى فيه ‪ 120‬يوما بالتماما والكمال ‪ ..‬وهذا ما جعله يقوما بتجهيز كل‬
‫مهماته وعهدته تمهيدا لتسليمها بعد ناوبة الحراسة في المقر الرئيسي بشرما الشيخ‪ ،‬ليغادر‬
‫سيناء بعدها إلى قريته "أكياد" – "شرقية"‪ .‬المسئول عن تسلم مهماته‪ ،‬لسؤاله عن "صور"‬
‫التعبئة الخاصة بإناهاء خدمته ‪ ..‬وهذا ما جعله يشعر بسعادة غامرة‪ ،‬ويحزما وسطه‪ ،‬ويرقص‪،‬‬
‫وسط غناء بقية المجموعة "سينا رجعت كاملة لينا ‪ ..‬مصر اليوما في عيد"‪.‬‬

‫ول بد أن سليمان وهو واقف في ناوبة حراسته الخيرة كان حالما ‪ ..‬يفكر في أمه التي يحبها‬
‫ويتحمل مسئوليتها ‪ ..‬ول بد أناه كان يفكر في مساعدتها بزراعة الفدان الوحيد الذي تملكه‬
‫السرة ‪ ..‬ول بد أناه كان يفكر في استكمال دراسته الجامعية في حقوق الزقازيق ‪ ..‬ل بد أناه كان‬
‫غارقا في التفاؤل والمل‪ ،‬وفي رسم خطة جديدة لمستقبله ‪...‬‬

‫لقد ترك زملءه يواصلون تناول طعامهم ومرحهم في اناتظار أن "يحبسوا" بسجائر‬
‫"الكيلوباترا" أو سجائر "السوبر" كما يسموناها‪ ،‬والتي أرسلوا زميلهم حسوناة منذ فترة‬
‫ليشتريها لهم ‪ ...‬تركهم على هذه الحالة وراح يقف خلف الكشك في المنطقة المنخفضة ناسبيا‬
‫ويراقب الطريق والخليج بعين مدربة وواعية ‪ ..‬وكان منهمكا في عمله إلى حد أناه لم يلحظ –‬
‫بعد فترة وجيزة – أن زميليه عطية إبراهيم وعلي إبراهيم قد اناتقل للجلوس على البحر‪ ،‬وراحا‬
‫يدردشان في ظروف المعيشة الصعبة ‪ ..‬وفي تصرفات السياح )السرائيليين( الذين ل‬
‫يستحون‪ ،‬ويتصرفون في سيناء كما لو كانات "عزبة أبوهم" على حد قول أحدهما‪.‬‬

‫في نافس الوقت تقريبا ‪ ..‬في أسفل الهضبة ‪ ..‬عند الخياما التي على الشاطئ ‪ ..‬كانات مجموعة‬
‫من )السرائيليين( تستعد لصعود الهضبة ‪...‬‬

‫لقد جاءت هذه المجموعة من آخرين إلى رأس بركة قبل يومين ‪ ..‬في عصر يوما ‪ 3‬أكتوبر ‪..‬‬
‫كاناوا خمس عائلت‪ ،‬وصلوا المنطقة معا في أربع سيارات ‪..‬‬

‫حوالي الساعة الرابعة والثلث قررت المجموعة الصعود ‪..‬‬

‫كاناوا ‪ 12‬شخصا ‪ ..‬منهم ثلثة كبار هم القاضي "هامان شيلح" وزوجته "إيلناا" وصديقتهم‬
‫"انايتا جريفل" وكان الخرون وعددهم تسعة من الفتيان الذين ينتمون للعائلت الخمس‬

‫صعدوا الجبل من نااحيته المطلة على ناقطة المراقبة‪ ،‬عبر المدقات الرملية التي تتخلل‬
‫صخوره ‪ ..‬وبينما هؤلء يصعدون الجبل‪ ،‬كان سليمان خاطر يستطلع المكان بمنظار مكبر‪،‬‬
‫وكان سلحه – كعادته دائما – معمرا وجاهزا للطلق‪ ،‬على عكس زميله عطية إبراهيم ‪..‬‬
‫وبسبب كثرة المرتفعات والمنخفضات فإن سليمان لم ير الصاعدين من أسفل الجبل‪ ،‬ولم يرهم‬
‫إل بعد أن أزاح المنظار المكبر من على عينيه‪ ،‬وكاناوا قد أصبحوا على بعد ‪ 50‬مترا من‬
‫الكشك ‪ ..‬وقد رآهم هو وزملؤه بالعين المجردة ‪ ..‬فتحرك ليقابلهم ‪..‬‬

‫كاناوا حسب رواية شهود العيان عبارة عن رجل ممتلئ يرتدي جلبابا من ذلك النوع الذي‬
‫يرتديه السياح عادة ‪ ...‬وامرأة ترتدي مايوه قطعة واحدة ‪ ..‬وأخرى ترتدي مايوه "بكيني" من‬
‫الطراز المفضوح الذي يكشف البطن وبعضا مما تحتها ‪ ..‬والذي ينافس في صغر حجمه ورقة‬
‫"التوت" أو ورقة "البوستة" ‪ ..‬وعدد من الفتيان والفتيات ‪ ..‬كاناوا جميعا يسيرون في كتلة‬
‫واحدة ‪ ..‬أو "حزمة" واحدة حسب ما رواه سليمان ‪ ..‬ثم حدث ما حدث ‪..‬‬

‫وفيما بعد روى سليمان خاطر تفاصيل ما جرى للنيابة العسكرية‪:‬‬

‫س‪ :‬ما قولك فيما هو منسوب إليك؟ !‬

‫ج‪ :‬أناا كنت ماسك خدمة في يوما ‪ ... 1985 /10 /5‬وتبدأ في الساعة الثاناية ظهرا ‪ ...‬وكنت‬
‫على ناقطة مرتفعة من على الرض ‪ 150‬متر وقاعد في مكاناي اللي على هيئة صحن وتحتي‬
‫الخليج ‪ ...‬وأناا ماسك خدمة ومعي السلح‪ ،‬شفت مجموعة من الجاناب )لم يقل مجموعة من‬
‫السرائيليين( ستات وعيال وتقريبا راجل‪ ،‬وكاناوا طالعين لبسين مايوهات منها بكيني ومنها‬
‫عري ‪...‬‬

‫فقلت لهم‪:‬‬

‫‪ -‬ستوب ‪ ..‬ناو باسينج! ! ‪ Stop .. No Passing‬أي "قفوا ‪ ..‬ممنوع المرور"‪.‬‬

‫قالها سليمان بالناجليزية التي يجيد التحدث بها في مثل هذه الحالت‪ ،‬والتي اعتبرها أحد‬
‫زملئه من مميزاته التي يستغلون معرفته بها في منع الجاناب من الموقع‪.‬‬
‫ولكن ‪ ..‬ل حياة فيمن تنادي ‪ ..‬لم يستجب أحد منهم للتحذير ‪ ..‬ولم يقفوا ‪...‬‬

‫ويضيف سليمان‪:‬‬

‫‪ -‬ما وقفوش خالص ‪ ...‬وعدوا الكشك وكاناوا حزمة واحدة والكلما ده كان الساعة الخامسة‬
‫تقريبا والشمس غابت‪ ،‬لن الشمس بتغيب في المنطقة دي – علشان الجبال مرتفعة – من‬
‫خمسة إل ربع ‪ ..‬وأناا كنت موجه السلح في العالي وهم مش سائلين في وطالعين على يمين‬
‫التبة ‪ ..‬وأناا راجل واقف في خدمتي وأؤدي واجبي وفيه أجهزة ومعدات ما يصحش أي حد‬
‫يشوفها‪ ،‬والجبل من أصله ممنوع أي حد يطلع عليه سواء مصري أو أجنبي‪ ،‬وأناا إيدي كانات‬
‫محملة على التتك‪ ،‬وأناا دايما معمر سلحي طول ما أناا في النقطة والحكاية دي معروفة عني ‪..‬‬
‫إن دايما فيه طلقة جاهزة في الماسورة ‪ ...‬علشان المنطقة دي دايما فيها وحوش )ذئاب‬
‫وضباع( وكذلك بنسمع عن البدو إناهم ممكن يعملوا أي حاجة فأناا بابقى عامل حسابي ومحرص‬
‫‪..‬‬

‫فإيدي لما جت على التتك طلع عدد من الطلقات ما أعرفوش ولقيت نااس بتجري ‪ ..‬منهم واحد‬
‫وقع ‪ ..‬جريوا أماما الطلقات وأناا ساعتها ما درتش بنفسي وما عرفتش باعمل إيه‪ ،‬ضربت النار‬
‫تاناي وإل ضربت عليهم تاناي ‪ ..‬وقفت عامل زي المجنون ومش داري بنفسي ‪ ..‬وبقيت مرة‬
‫أضحك ومرة أعيط ‪...‬‬

‫وناترك لسليمان فترة وجيزة يلتقط فيها أنافاسه ‪ ..‬لنتأمل ما حدث ‪...‬‬

‫‪ – 1‬إن من الواضح أناه فوجئ بهم أمامه على بعد ‪ 50‬مترا فقط‪.‬‬

‫‪ – 2‬أناه حذرهم بأكثر من أسلوب‪ :‬أشار لهم بيده ‪ ..‬طلب منهم عدما الصعود ‪ ..‬قال لهم باللغة‬
‫الناجليزية "قفوا ممنوع المرور" ‪ ..‬وبإطلق رصاصات تحذير‪.‬‬

‫‪ – 3‬أناه وهو يطلق رصاصات التحذير أصاب أحدهم ‪ ..‬ففقد السيطرة على نافسه‪.‬‬

‫‪ – 4‬أناه كان يشعر بأن عليه مسئولية كبيرة وهي حراسة أجهزة ومعدات "ما يصحش حد‬
‫يشوفها" وأناه إزاء هذه المسئولية كان ل بد من إيقافهم بأي طريقة حتى ولو كانات هذه‬
‫الطريقة إطلق أعيرة تحذير في الهواء ‪ ...‬لكن رصاصة من رصاصات التحذير أصابت أحدهم‪،‬‬
‫وأفقدته السيطرة على نافسه‪ ،‬وأفقدهم الرعب التحكم في أنافسهم‪ ،‬فراحوا يعدون في مرمى‬
‫النيران التي أدركت سبعة منهم ‪...‬‬

‫ولعل من المفيد هنا‪ ،‬أن ناعرف تفسير الحادث من وجهة ناظر الطباء النفسيين الذين فحصوا‬
‫سليمان بعد ذلك ‪...‬‬

‫قال هؤلء الطباء‪:‬‬

‫‪ -‬إن سليمان عندما رأى "بعض الشخاص يتقدمون ناحوه" أحس "بالخوف الشديد يتملكه‬
‫خصوصا أن هذه أول مرة يتقدما منه أشخاص في غير أوقات النهار ‪ ..‬ولجأ سليمان إلى‬
‫الكلمات الناجليزية التي تعود أن يستخدمها لبعاد هؤلء الغرباء الذين يقتربون من موقعه‪،‬‬
‫ولكن هذه الكلمات لم تؤد هذه المرة إلى أي ناتيجة ‪ ..‬وشعر سليمان بالرعب يتملكه وبدأ يفكر‬
‫في هؤلء الشخاص ‪ ..‬من هم ‪ ..‬وما يمكن أن يحدث منهم ‪ ..‬ومن يكون وراءهم ‪ ..‬وماذا يمكن‬
‫أن يحدث للوطن إذا تقدموا أكثر من ذلك؟ ! ولجأ سليمان إلى التظاهر بأناه سيطلق النار على‬
‫هؤلء الشخاص حتى يخافوا وينصرفوا‪ ،‬ولكنه كان هو الخائف والمرتعد وهو يمسك بسلحه‬
‫ويتخشب عليه حتى اناطلقت طلقة يذكر أناه فوجئ بها‪ ،‬حيث وجد أن شخصا وقع على الرض‬
‫والدماء تنزف منه ‪ ..‬ويتذكر سليمان أناه إذ رأى منظر الدما لم يدر ماذا حدث بعد ذلك حتى وجد‬
‫نافسه بعد فترة قصيرة راقدا في مكان آخر على الجبل"‪.‬‬

‫وفي تلك اللحظات النفسية التي مر بها سليمان‪ ،‬فكر في الناتحار ‪ ..‬وقال للمحقق‪:‬‬

‫‪ -‬أناا حطيت السلح في صدري وعايز أضرب نافسي ‪ ...‬وزميلي علي إبراهيم شهد بذلك ‪ ...‬وأناا‬
‫عمري ما تخيلت أناي ممكن أفكر أن أضرب نافسي بالنار ‪ ...‬وأناا كنت حضرب نافسي بالنار ولكن‬
‫"علي" قال لي‪" :‬مش حتضرب نافسك بالنار يا سليمان ‪ ...‬لو أنات ضربت نافسك أناا حضرب‬
‫نافسي بعدك"‪.‬‬

‫وفيما بعد سئل الجندي علي إبراهيم‪:‬‬

‫س‪ :‬هل حاول الجندي سليمان الناتحار بعد أن أطلق النار على من أطلقها عليهم؟‬

‫ج‪ :‬أيوه يا فندما‪ ،‬حط ماسورة البندقية على صدره وأناا قلت له "ماناتش حتموت نافسك يا‬
‫سليمان‪ ،‬لو حتموت نافسك يبقى حراما"‪.‬‬

‫وبسبب كلمة "حراما" التي قالها الجندي علي إبراهيم تراجع سليمان عن محاولة الناتحار على‬
‫الفور!‬

‫ول تتجاوز النيابة العسكرية التفاصيل بالطبع ‪..‬‬

‫وتسأل سليمان‪:‬‬

‫س‪ :‬هل أنات متأكد أن هؤلء الجاناب قد تواجدوا في النقطة بعد مغيب الشمس؟‬

‫ج‪ :‬ناعم‪.‬‬

‫س‪ :‬هل تتذكر عدد الطلقات التي خرجت منك أول مرة؟‬

‫ج‪ :‬ل‪.‬‬

‫س‪ :‬هل تستطيع أن تذكر الحالة التي كان عليها المجني عليهم وقت إطلقك أول دفعة نايران‬
‫وهل أصيب من جرائها أي أحد منهم؟‬

‫ج‪ :‬ما افتكرش‪.‬‬

‫س‪ :‬بماذا تعلل التصرف الذي أتيته؟‬

‫ج‪ :‬طبعا لناهم طلعوا في مكان ممنوع وأناا ما كنتش قاصد أضرب ‪ ..‬بس عملية تهديد علشان‬
‫إحنا أربعة بس والمكان‬
‫ده ممنوع ومفيش معاناا إل سلحين وهم عدد كبير ‪..‬‬

‫س‪ :‬على كثرة عدد المتواجدين إل أناهم جميعا كاناوا أطفال وناساء وكاناوا عزل من السلح‪،‬‬
‫بشكل ظاهر‪ ،‬فبماذا تعلل إذن إطلقك النار؟‬

‫ج‪ :‬دي منطقة ممنوعة‪ ،‬وممنوع أي حد يتواجد فيها وده أمر‪ ،‬والل يبقى خلص ناسيب الحدود‬
‫فاضية وكل اللي تورينا جسمها ناعديها‪.‬‬

‫وفيما بعد سئل سليمان‪:‬‬

‫‪ -‬إن كاناوا قد اجتازوا التل إلى ناقطة الحراسة‪ ،‬أما كان يجب أن تضع في التقدير أن معظمهم‬
‫من النساء والطفال؟ وإن أحدا منهم لم يصدر عنه ما يمكن أن يكون عامل استفزاز لك؟‬

‫فرد سليمان‪:‬‬

‫‪ -‬مسئوليتي حراسة الموقع‪ ،‬وأناا لم أقتل أطفال ولم أر أطفال‪ ،‬كانات الشمس قد غابت وكان‬
‫الظلما قد حل‪ ،‬ورأيتهم يصعدون التل حزمة واحدة ‪ ..‬لقد كان أصغرهم يقاربني طول ‪ ...‬هذا ما‬
‫رأيته ‪ ..‬الخوف والظلما ورفضهم الوامر والقلق الذي اعتراناي وخوفي من أن يقع شيء في‬
‫اللحظة الخيرة من فترة تجنيدي‪ ،‬يعوق خروجي ‪ ..‬كل تلك العوامل أسهمت في الحادث‪.‬‬

‫وتسأله النيابة العسكرية ‪:‬‬

‫س‪ :‬أين كان سلحك وقت صعود الجاناب للنقطة؟‬

‫ج‪ :‬السلح كان بيني وبينه متر‪.‬‬

‫س‪ :‬هل سحبت أجزاء سلحك على الجاناب وأحضرته وجهزته للطلق عندما لم يمتثلوا‬
‫لعتراضك لهم؟‬

‫ج‪ :‬أناا سلحي جاهز على طول والمفروض إن كل واحد سلحه يكون جاهز!‬

‫وفيما بعد أقر زملء سليمان أماما النيابة العسكرية ‪...‬‬

‫وقال الجندي عطية إبراهيم‪:‬‬

‫‪ -‬سليمان سلحه دايما جاهز ‪ ..‬من يوما ما رحت النقطة كان بيبقى منظفه ومجهزة ومركب فيه‬
‫خزناة‪ ،‬وشادد طلقة وباقي الطلقات بجانابه ‪ ..‬كان دايما سلحه متعمر ‪ ..‬وجاهز‪.‬‬

‫وقال نافس الكلما تقريبا الجندي علي إبراهيم ‪...‬‬

‫وسئل سليمان‪:‬‬

‫س‪ :‬أل تعلم أناه محظور إطلق النار على أحد؟‬

‫ج‪ :‬هو ممنوع أضرب النار كمان على عدوي؟‬


‫س‪ :‬ومن هو العدو في ناظرك؟‬

‫ج‪ :‬كل واحد يتعدى حدود المسموح أو حدود الدولة سواء مصري أو أجنبي!‬

‫س‪ :‬هل أظهر هؤلء الجاناب أي عمل عدائي جعلك تطلق النار عليهم؟ وهل كانات تعلم‬
‫جنسياتهم من أي عبارة قالوها؟‬

‫ج‪ :‬ل أعلم جنسياتهم وما حدش منهم أظهر عمل عدائي بس أناا باعتبر أي واحد يخش على‬
‫النقطة يبقى عمل عدائي‪ ،‬أما أناتم قلتم ممنوع ليه؟ ‪ ..‬قولوا لنا ناسيبهم واحنا ناسيبهم يدخلوا‬
‫الشاليهات ويرقصوا فيها‪.‬‬

‫س‪ :‬ألم تعلم – وأنات على درجة عالية من الثقافة والتعليم – أن ما أتيته كان من الممكن أن‬
‫يتمخض عنه عواقب وخيمة؟‬

‫ج‪ :‬أناا لو كل واحد أسيبه يخش النقطة‪ ،‬ولو كل عسكري على الحدود ساب برضه حتحصل‬
‫عواقب وخيمة‪.‬‬

‫س‪ :‬لماذا تصر على تعمير سلحك؟‬

‫ج‪ :‬لن اللي يحب سلحه يحب وطنه ودي حاجة معروفة‪ ،‬واللي يهمل سلحه يبقى مهمل في‬
‫وطنه!‬

‫س‪ :‬منذ متى وأنات معك نافس السلح؟‬

‫ج‪ :‬من ‪ 1984 /2 /24‬وأناا في نافس المكان ومعي نافس السلح ‪ ..‬يعني سنة‪ ،‬وثماناية أشهر‬
‫تقريبا والسلح ده معايا‪.‬‬

‫س‪ :‬هل تستطيع أن تتذكر بعض أرقاما هذا السلح؟‬

‫ج‪ :‬أناا فاكر رقم السلح بالضبط وهو رقم ‪!1223408‬‬

‫وفوجئ رئيس نايابة السويس العسكرية الذي يتولى التحقيق معه أن الرقم صحيح ‪ ..‬وفوجئ‬
‫أيضا أن رقم السوناكي المركب على السلح )‪ (408‬هو نافسه الرقم الذي ذكره له سليمان بعد‬
‫ذلك‪.‬‬

‫س‪ :‬بماذا تبرر تذكرك لرقم سلحك؟‬

‫ج‪ :‬لمدى حبي له ‪ ..‬زي كلمة "مصر" تماما! !‬

‫س‪ :‬كيف تذكرت رقم السلح بهذه الدقة وكذا رقم السوناكي بينما تاه عن ذاكرتك العديد من‬
‫الحوادث والحداث منذ أن أطلقت النار؟‬

‫ج‪ :‬دا سلحي ‪ ..‬وبأنااما به على طول سنة وثماناية شهور ولم أعاشر أخي سنة وثماناية أشهر‬
‫زيه ‪ ..‬إناما الحادث ده حاجة ل تتكرر!‬
‫قبل أن يطلق سليمان خاطر الرصاصات الولى ‪ ...‬كان قائد النقطة الضابط طارق سلطان داخل‬
‫أحد الكشاك أسفل الجبل‪ ،‬وكان معه أمين الشرطة جمال رياض ‪ ..‬وكاناا يقومان بجرد عهدة‬
‫النقطة ‪ ...‬وبعد أن سمعا تلك الرصاصات خرجا من مبنى النقطة‪.‬‬

‫كان الضابط طارق سلطان بالقرب من الباب فخرج أول وبسرعة ‪ ..‬ثم لحق به المين جمال‬
‫رياض‪.‬‬

‫وقال الضابط للمحقق العسكري‪ :‬إناه شاهد "المتهم" وهو يجري ويهدد السياح ‪ ..‬ولكنه تراجع‬
‫عن هذا الكلما‪ ،‬بعد أن انادهش رئيس النيابة العسكرية من كيفية تمييز "المتهم" على بعد‬
‫ناصف كيلو متر )المسافة بين النقطة ومركز المراقبة( خاصة والشمس قد غربت ‪ ..‬واستبدل‬
‫عبارة "أناا شفت المتهم" بعبارة أخرى هي‪" :‬أناا شفت واحد ماسك في إيده سلح"‪.‬‬

‫وقال أمين الشرطة جمال رياض‪:‬‬

‫‪ -‬بعد أن خرجت على صوت الطلقات‪ ،‬لمحت عدد من الجاناب عند ناقطة الملحظة اللي على‬
‫التبة ‪ ..‬اتنين منهم وقفوا ‪ ..‬وعدد تاناي جرى وما قدرتش أميز لبعد المسافة ‪ ..‬وشفت شخص‬
‫عسكري لبس ميري في دائرة بعد الكشك من الناحية الشمالية بحوالي عشرة أمتار وهو مكان‬
‫مصدر النيران ‪ ..‬وكان واقف ساعة ما كان بيضرب النار وبعدين بطل ضرب ‪ ..‬وبعدين راح‬
‫راجع جرى على التبة اللي في الجنوب وهي تبة مرتفعة شوية فأمكننا مشاهدته عن بعد‬
‫بالكامل لناه كان على خط السماء وأطلق دفعة من النيران وبطل ضرب ‪ ...‬وعلى هذا النحو ‪...‬‬
‫كان مشهد الحادث من أسفل الجبل ‪ ..‬وعلى بعد ‪ 500‬متر وهو مشهد – بلغة السينما – يسمى‬
‫"باناوراما" ‪ ..‬ويفضح كل التفاصيل!‬

‫رغم حالة الناهيار التي أصابت سليمان خاطر‪ ،‬والتي كان فيها – على حد قوله – كالمجنون‪،‬‬
‫إل أناه أناه لم ينس أن يصرخ محذرا‪" :‬اقفلوا الطريق أحسن سيارة تبلغ )إسرائيل( و‬
‫)إسرائيل( تهجم علينا ‪ ..‬لحد ما رئاسة القطاع تاخد علم"‪ .‬وطلب من زميله الجندي عطية‬
‫إبراهيم أن ينزل ليبلغ الضابط طارق سلطان هذا التحذير ‪ ...‬واستجاب عطية للمر ‪ ..‬ونازل ‪..‬‬
‫وقد وصف الضابط طارق سلطان حالة عطية وهو يقترب منه أسفل الجبل بأناه كان "يتسحب"‬
‫وبمواجهته المين جمال رياض تراجع عن هذا الوصف ‪...‬‬

‫وقال طارق سلطان‪:‬‬

‫‪ -‬إن عطية عندما اقترب منه قال له‪ :‬سليمان ضرب الجاناب بالنار ‪ ..‬وبيزعق وبيقول‪ :‬أي حد‬
‫حيقرب منه حيضربه بالنار! !‬

‫وبمواجهته بالمين جمال رياض ثبت أن ذلك غير صحيح‪ ،‬ثم تراجع عنه قائل‪" :‬الحقيقة ‪ ..‬أناا‬
‫مش فاكر"‪.‬‬

‫وقد سئل سليمان‪:‬‬

‫س‪ :‬ألم تخبر الجندي عطية إبراهيم بعد إطلقك أول دفعة من النيران أناك ستضرب الجاناب‬
‫بالنار وطلبت منه البلغا عن ذلك؟‬
‫ج‪ :‬أناا ما طلبتش منه غير أناه يقفل الطريق علشان ما حدش يبلغ )إسرائيل( والبلد تنضر وغير‬
‫كده مفيش ‪ ..‬ودي منطقة منزوعة السلح وممكن اليهود يعملوا حاجة بسرعة وياخدوا ده كله!‬
‫!‬

‫وبمجرد أن تأكد قائد النقطة طارق سلطان أن سليمان هو الذي يطلق النار‪ ،‬اتصل على الفور‬
‫بالرائد أحمد الشيخ‪ ،‬قائد ثاناي سرية المن المركزي بنويبع والمقدما حسن خلف قائد السرية‬
‫وأبلغت السرية قطاع المن المركزي بجنوب سيناء ومقرها شرما الشيخ ‪) -‬على بعد ‪ 206‬كيلو‬
‫مترات ويرأسه العميد بهاء حرب توفيق(‪.‬‬

‫وأصدر قائد النقطة أوامره للجنود الذين تحت يده بحصار النقطة الرضية‪ ،‬ففعلوا ذلك‪ ،‬ورفعوا‬
‫بنادقهم‪ ،‬وبدا عليهم النافعال والتوتر‪.‬‬

‫وسارع من جهة أخرى بالتصال بمستشفى ناويبع لرسال سيارة إسعاف وأخصائيين ‪ ..‬على‬
‫الفور‪.‬‬

‫وقبل أن يصل رجال السعاف‪ ،‬كان أربعة من الفتيان والبنات قد ناجحوا في النزول من الجبل‪،‬‬
‫وكان هؤلء من بين أفراد المجموعة التي كانات أعلى الجبل ‪ ..‬وكان من بينهم اثنان مصابان‬
‫إصابات سطحية ‪ ..‬أخدهما محاما إسرائيلي كان على الشاطئ اسمه جيراكورن )‪ 52‬سنة( ‪..‬‬
‫كانات ابنته من بين الربعة الذين ناجوا‪ ،‬واسمها "ناعمة" ‪ ..‬أخذهما في سيارته لنقلهما إلى‬
‫مستشفى ناويبع ‪ ..‬وقد لحظ وهو في الطريق أن معظم الطرق كانات مغلقة بالبراميل‪ ،‬والحواجز‬
‫الحديدية ‪ ..‬وبعض الجنود المسلحين‪.‬‬

‫بعد أن أناهى الضابط طارق سلطان اتصالته الولية‪ ،‬قال له أمين الشرطة جمال رياض‪:‬‬

‫‪ -‬لزما يا فندما ناطلع فوق ناشوف إيه اللي بيحصل!‬

‫فرد عليه‪:‬‬

‫‪ -‬اطلع أنات!‬

‫وأخذ المين جمال رياض طريقه إلى أعلى ‪ ..‬إلى موقع مركز المراقبة ‪ ..‬سلك طريق مدق‪،‬‬
‫وعر ‪ ..‬وفي منتصف الطريق سمع صوت طلقات رصاص ‪ ..‬على دفعات ‪ ..‬كل دفعة ما بين‬
‫ثلث إلى أربع رصاصات‪.‬‬

‫فزعق‪:‬‬

‫‪ -‬قولوا لسليمان ‪ ...‬المين جمال هوه اللي طالع!‬

‫توقف الرصاص ‪ ..‬وواصل الرجل صعوده ‪ ..‬وعندما وصل إلى النقطة‪ ،‬قال له سليمان‪:‬‬

‫‪ -‬ادخل! ادخل النقطة على طول!‬

‫فدخل!‬

‫دخل المين جمال رياض‪ ،‬وراح يطمئن على باقي أفراد النقطة‪ ،‬وعندما اطمأن قال لسليمان‪:‬‬
‫‪ -‬أناا حروح أشوف الناس المصابة علشان لو حد سليم أنازله يسعفوه‪.‬‬

‫فرد عليه سليمان‪:‬‬

‫‪ -‬روح‪.‬‬

‫وبمجرد أن اقترب المين من موقع ضرب الرصاص اكتشف على الفور وجود سبعة أشخاص‬
‫فارقوا الحياة‪.‬‬

‫وفيما بعد ‪...‬‬

‫قال الرجل في شهادته أماما النيابة العسكرية‪:‬‬

‫"رحت شفت الناس لقيتهم خمسة فوق حول الموقع على التبة الشمالية‪ ،‬خلف الكشك‪ ،‬وتتبعت‬
‫آثار الدماء فوجدت اثنين‪ ،‬واحد ساقط من جنب العلم والثاناي من جنب المدق على الرمل ‪..‬‬
‫ولقيتهم جميعا فارقوا الحياة"‪.‬‬

‫وبعد هذه المعاينة السريعة قال لسليمان‪:‬‬

‫‪ -‬أناا ناازل للنقطة!‬

‫فقال له‪:‬‬

‫‪ -‬انازل!‬

‫وفعل ‪ ..‬نازل‪.‬‬

‫س‪ :‬هل حاول سليمان خاطر إصابة أي شخص في النقطة؟‬

‫ج‪ :‬لم يعتد سليمان على أحد في النقطة وتركني أطلع وأنازل تاناي‪.‬‬

‫س‪ :‬هل في محاولة صعودك أو هبوطك من النقطة‪ ،‬وقع عليك أي عنف أو تهديد من سليمان؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬هو قال لي انازل بعد ما شفت المجني عليهم‪.‬‬

‫وكانات هذه الجابة بمثابة تكذيب من قال‪ :‬إن سليمان بيهدد كل من يقترب منه وبيقول إناه‬
‫حيضربه بالنار! وفيما بعد سئل سليمان في هذا التهديد بالذات ‪...‬‬

‫س‪ :‬هل هددت أيا من زملئك بإطلق النار عليهم؟‬

‫ج‪ :‬ا أعلم ‪ ..‬أناا مش ممكن أضرب زميلي أبدا أو أي واحد مصري إل إذا جاءناي بالليل وطلبت‬
‫منه أن يثبت مكاناه ورفض!‬

‫وتسأل النيابة العسكرية المين جمال رياض‪.‬‬


‫س‪ :‬حينما دخلت للنقطة هل كان يوجد بها سلح باقي أفرادها؟‬

‫ج‪ :‬أناا ما لمحتش ‪ ..‬وكان همي كله على التصالت و "الجهاز"‪.‬‬

‫س‪ :‬ما هي الفترة التي استغرقتها داخل النقطة‪ ،‬واستغرقتها في مناظرة المجني عليهم؟‬

‫ج‪ :‬أناا بقيت في النقطة حوالي دقيقة وعلى ما لفيت على المجني عليهم ورجعت تاناي بتاع‬
‫خمس أو ست دقائق‪.‬‬

‫س‪ :‬متى تحركت من النقطة الرئيسية إلى النقطة التي وقع فيها الحادث؟‬

‫ج‪ :‬بعد سماع الطلقات بحوالي ‪ 10‬دقائق‪.‬‬

‫س‪ :‬ما هي الفترة التي استغرقتها من الوصول من النقطة إلى ناقطة الملحظة؟‬

‫ج‪ :‬حوالي عشر دقائق‪.‬‬

‫س‪ :‬معنى ذلك أناه منذ إطلق النار الول وحتى وصولك للنقطة ومعاينتك للمجني عليهم‪ ،‬كان‬
‫مضى من الوقت حوالي ‪ 25‬دقيقة تقريبا؟‬

‫ج‪ :‬ناعم ‪ ..‬بالكثير ناصف ساعة لحد ما شفت المجني عليهم وابتديت أنازل‪.‬‬

‫س‪ :‬هل كاناوا جميعا قد فارقوا الحياة عندما وصلت إليهم؟‬

‫ج‪ :‬ناعم‪.‬‬

‫س‪ :‬ما هي الحالة التي كان عليها المتهم وقت صعودك للنقطة؟‬

‫ج‪ :‬أناا كنت على بعد ‪ 30‬متر منه ‪ ..‬وكان عصبي فقط‪ ،‬وقال لي‪ :‬ما حدش يقرب منه ‪ ..‬وقال‬
‫لي أيضا‪ :‬خش النقطة على طول‪.‬‬

‫لم يكتف سليمان خاطر بأن يفهم قائد النقطة – من صوت الرصاص – ما حدث ‪ ..‬وأن يتولى –‬
‫بعد ذلك – إبلغا السرية والقطاع نافسه‪ ،‬وإناما طلب سليمان من زميله الجندي حسن علي‬
‫الخولي أن يقوما بهذه المهمة أيضا ‪ ..‬ويرسل إشارة إلى السرية والقطاع من جانابه‪.‬‬

‫إن حسن الخولي كان لحظة الحادث في مكان خدمته على "الجهاز" داخل الكشك ‪ ..‬وعندما‬
‫سمع الرصاصات الولى خرج على الفور ‪ ..‬وعندما وجده سليمان أمامه طلب منه أن "يخش‬
‫جوه الكشك" ‪ ..‬ودخل حسن الكشك‪ ،‬وبعد فترة دخل سليمان عليه‪ ،‬وقال له‪:‬‬

‫"بلغ إن أناا ضربت ناار على الجاناب"‪.‬‬

‫وقال حسن الخولي للنيابة العسكرية فيما بعد‪:‬‬


‫‪" -‬هوه دخل علي وكان ماسك السلح في إيده الشمال وكان لوناه متغير ‪ ..‬وقال لي‪ :‬بلغ‬
‫السرية والقطاع إن سليمان ضرب الجاناب بالنار ‪ ..‬وأول مستلم للبلغا مني كان في السرية‪،‬‬
‫وكان الجندي "السيد المندوه" ‪ ..‬ومن القطاع مش فاكر ‪ ..‬أو مش متأكد مين المستلم"‪.‬‬

‫وقال‪ :‬إناه بعد أن صعد المين جمال رياض طلب منه إبلغا إشارة أخرى‪.‬‬

‫س‪ :‬ما هو مضمون الشارتين؟‬

‫ج‪ :‬الولى كانات بلغا مش مكتوب وقلت للسيد المندوه‪ :‬سليمان ضرب ناار على الجاناب‪،‬‬
‫والثاناية اللي كتبها المين جمال‪ ،‬واللي فاكر منها إن فيه سبع أشخاص متوفين!‬

‫أكثر من إشارة وصلت الرائد أحمد الشيخ )ناائب سرية المن بنويبع(‪ ،‬تفيد بوقوع الحادث ‪..‬‬
‫وبدون تفاصيل تزيد على أن "أحد الجنود في النقطة ‪ 46‬أطلق الرصاص على أجاناب"‪...‬‬
‫وتحرك الرائد أحمد الشيخ لقائد السرية المقدما حسن خلف‪ ،‬وتوجها معا إلى مكان النقطة ‪..‬‬
‫وهناك تأكد من صحة الخبر من الضابط طارق سلطان ‪ ..‬كان ذلك بعد حوالي ساعة وناصف من‬
‫لحظة إطلق الرصاصات الولى‪ ،‬تقريبا ‪ ..‬ثم غادر الرائد أحمد الشيخ موقع النقطة متوجها إلى‬
‫مؤخرة السرية‪ ،‬وعاد من جديد للنقطة بعد مرور ساعة أخرى من الزمن وهو يحمل معه جهاز‬
‫إشارة‪.‬‬

‫ول ناعرف لماذا اهتم الرائد أحمد الشيخ بإحضار جهاز الشارة هذا من مؤخرة السرية إلى‬
‫النقطة؟ ! وما هي العلقة بين هذا الجهاز والجهاز الذي كان تحت حراسة سليمان‪ ،‬وقتل في‬
‫سبيله سبعة من )السرائيليين( ؟ وما علقة الجابة على هذين السؤالين‪ ،‬وحالة القلق والفزع‬
‫التي ناقلت من سليمان خاطر إلى ضباط المنطقة‪ ،‬إلى حد أناهم أغلقوا الطرق‪ ،‬وأعلنوا – قدر‬
‫استطاعتهم – حالة الطوارئ؟ !‬

‫وفي الفترة التي ذهب فيها الرائد أحمد الشيخ لحضار جهاز الشارة‪ ،‬قرر بعض ضباط المن‬
‫المركزي والشرطة‪ ،‬الصعود إلى سليمان وإقناعه بتسليم نافسه ‪ ..‬واتفقوا على أن يقولوا له‬
‫بأناهم‪" :‬أطباء" ‪ ...‬وبعد مشاورات سريعة اتفقوا على أن يتولى المين جمال رياض‪ ،‬والمقدما‬
‫إيهاب فرج‪ ،‬والرائد جمال الصواف‪ ،‬بالضافة إلى دكتور حقيقي ورجل إسعاف‪.‬‬

‫وقبل أن يصعد هؤلء لسليمان‪ ،‬طلبوا من المين جمال رياض التصال به تليفونايا ‪ ..‬وقد تم‬
‫التصال فعل عبر "وصلة" التليفون التي تربط بين النقطة الرئيسية وناقطة المراقبة ‪ ..‬وقد رد‬
‫سليمان على المكالمة ‪..‬‬

‫قال له المين جمال‪:‬‬

‫‪ -‬يا سليمان إحنا جايين نانقل الجثث من فوق عشان فيه طيارة حتنقلهم من تحت‪.‬‬

‫فقال سليمان‪:‬‬

‫‪ -‬اتفضلوا‪.‬‬

‫سأله‪:‬‬

‫‪ -‬حتعمل حاجة يا سليمان؟‬


‫فقال‪:‬‬

‫‪ -‬ل ‪ ..‬مش ممكن أعمل أي حاجة ‪ ..‬خلص اناتهى كل شيء!‬

‫وصعدت المجموعة إلى مكان الحادث‪ ،‬وكان سليمان من الذكاء بحيث عرف أن الضباط الذين‬
‫ادعوا أناهم أطباء‪ ،‬ليسوا كذلك ‪ ..‬فقد قال في تحقيقات النيابة – فيما بعد – أناه قد صعد إليه‬
‫مجموعة بينهم طبيب واحد فقط ‪ ..‬وهذا يعني أناه لم يكن يماناع في صعود أي شخص مهما‬
‫كان ‪ ..‬وخاصة "أن كل شيء قد اناتهى" كما قال لمين الشرطة تليفونايا ‪ ..‬بل إن سليمان قد‬
‫استغرب من أن يطلبوا الذن منه في الصعود إليه ‪ ..‬وكل ما طلبه فقط أل يكون معهم أي‬
‫شخص أجنبي ‪...‬‬

‫وقد قال ذلك مقدما إيهاب فرج )‪ 33‬سنة( ناائب مأمور قسم شرطة ناويبع وأعلى رتبة كانات في‬
‫المجموعة التي صعدت لسليمان ‪ ..‬قال ذلك في تحقيقات النيابة العسكرية‪:‬‬

‫س‪ :‬لماذا قررتم الصعود؟‬

‫ج‪ :‬كان غرضنا ناشوف إيه اللي بيحصل ‪ ..‬وأيضا ناسعف المصابين وناقدر الموقف‪ ،‬وبعد أن‬
‫تأكدناا إن المتهم ل يعتزما النزول بسهولة ‪ ..‬وطلعنا فوق ‪ ..‬وكان بيننا وبينه حوالي عشرة‬
‫أمتار‪.‬‬

‫وسألناه‪:‬‬

‫‪ -‬ليه عملت كده؟‬

‫فقال‪:‬‬

‫‪ -‬ما أعرفش!‬

‫فسألناه‪:‬‬

‫‪ -‬ممكن تصيب أي مصريين آخرين!‬

‫ولم يرد ‪ ..‬وناظر إلينا في استنكار‪.‬‬

‫فقلنا له‪:‬‬

‫‪ -‬إدينا فرصة ناشوف المصابين‪.‬‬

‫فقال‪:‬‬

‫‪ -‬كلهم ماتوا ‪ ..‬شوفوا الجثث!‬

‫وشفنا الجثث ‪ ..‬فكاناوا كلهم ميتين ورجعنا ناكلمه تاناي وطلبنا منه أن يسلم نافسه ‪ ...‬فوافق‬
‫بشرط أن يكون الرائد أحمد الشيخ تحت‪.‬‬
‫فسألناه‪:‬‬

‫‪ -‬وإذا ما كاناش أحمد الشيخ موجود تحت؟‬

‫فقال‪:‬‬

‫‪ -‬أخاف حد يؤذيني!‬

‫فأخذناا جثة ونازلنا وكان أحمد الشيخ موجود تحت ‪ ..‬وتحت رحت أناا أهدئ )السرائيليين(‪.‬‬

‫س‪ :‬هل حاول سليمان تأمين نافسه خشية أن يكون من بينكم من يحمل السلح‪ ،‬وهل أبرز‬
‫سلحه في مواجهتكم أو تثبيتكم أو اقتادكم لمكان الجثث؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬واحنا طالعين قال‪ :‬ما يكون شمعاكم أي أجنبي!‬

‫س‪ :‬هل كانات حالة الرؤية واضحة؟‬

‫ج‪ :‬الدنايا كانات ظلما وكان معاناا بطارية في إيد المين جمال‪.‬‬

‫س‪ :‬ألم يكن من الممكن اقتناص أو إصابة سليمان بأي سلح؟‬

‫ج‪ :‬إحنا كنا طالعين للستطلع فقط علشان ناعرف موقعه وناشوف حالة الجثث وكان فيه سلح‬
‫فعل‪ ،‬وكان الرائد جمال الصواف معاه طبنجة وكان لو حاول المتهم أن يتعرض لنا كان ممكن‬
‫الرائد جمال يخلص عليه ‪ ..‬ولما وصلنا لفوق لقيناهم كلهم ماتوا‪ ،‬فأصبح كل همنا أن ناحضره‬
‫أو يسلم نافسه‪.‬‬

‫س‪ :‬معنى أناه كان يمكن اقتناصه لو أبدى مقاومة؟‬

‫ج‪ :‬صح!‬

‫وقد شهد المين جمال رياض أن ناائب المأمور قد طلب من سليمان "إناهم يشيلوا الجثث" ‪..‬‬
‫وإن سليمان وافق ‪ ..‬وقال له‪" :‬يا بك اتفضل ‪ ..‬أناا آجي أشيل الجثث معاكم" ‪ ..‬لكن ‪ ..‬ناائب‬
‫المأمور رفض هذه المبادرة‪ ،‬وحمل جثة امرأة )إسرائيلية( ضخمة ونازل بها ‪ ..‬وحمل آخر جثة‬
‫أخرى‪ ،‬ونازل بها أيضا‪.‬‬

‫وبعد نازول المجموعة والجثتين‪ ،‬صعد المين جمال من جديد ومعه ‪ 3‬جنود لكي ينزلوا باقي‬
‫الجثث!‬

‫رغم أن أمين الشرطة جمال رياض‪ ،‬صعد‪ ،‬ونازل ثلث مرات‪ ،‬فإناه لم يلحظ صعود الجندي‬
‫حسوناة حمودة )الذي كان يشتري سجائر( ونازوله ومعه طفلة )إسرائيلية( سليمة ‪ ..‬دون‬
‫إصابات‪.‬‬

‫لقد اقتربت هذه الطفلة من سليمان بعد الحادث بحوالي الساعة تقريبا‪ ،‬وطلبت منه أن تنزل إلى‬
‫أهلها ‪ ..‬فطلب منها الجلوس بجانابه ‪...‬‬
‫وعندما صعد حسوناة‪ ،‬قال له‪:‬‬

‫‪ -‬خد البنت دي ونازلها لهلها!‬

‫وقد روى حسوناة هذه القصة في تحقيقات النيابة العسكرية‪.‬‬

‫س‪ :‬ما سبب طلوعك بعد الحادث إلى الجبل؟‬

‫ج‪ :‬بعد المين جمال ما طلع ونازل أناا اطمأنايت لن ما حصلش له مشاكل ‪ ..‬وكان كويس ‪ ..‬فأناا‬
‫قلت أطلع النقطة أشوف إيه الحكاية وأشوف حسن )الخولي( زميلي )جندي الشارة( عامل إيه‬
‫على الجهاز!‬

‫س‪ :‬هل حال سليمان العتداء عليك عند طلوعك الجبل؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬وأناا قلت له‪ :‬أناا حسوناة يا سليمان ‪ ..‬فقال لي‪ :‬تعال خد الطفلة دي نازلها تحت!‬

‫س‪ :‬ما هي المسافة التي كانات بينك وبينه؟‬

‫ج‪ :‬حوالي مترين!‬

‫س‪ :‬هل كان السلح معه؟‬

‫ج‪ :‬أيوة ‪ ..‬سلحه كان في إيده!‬

‫س‪ :‬ما هي الحالة التي كان عليها؟‬

‫ج‪ :‬كان زعلن‪.‬‬

‫س‪ :‬ما هي مظاهر الزعل التي شاهدتها عليه؟‬

‫ج‪ :‬أناا لقيته قاعد ووشه مكشر وزعلن‪.‬‬

‫س‪ :‬هل كانات هذه الطفلة قريبة من سليمان وظاهرة له بشكل يمكن معه إصابتها أو قتلها؟‬

‫ج‪ :‬هوه كان شايفها عادي وكانات قريبة منه بمترين ‪ ..‬ثلثة ‪ ..‬وكان سلحه في إيده ولو كان‬
‫عايز يضربها أو‬

‫يضربنا كان ضربنا‪.‬‬

‫س‪ :‬هل اقتربت من الجثث أو المصابين وقت الحادث؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬أناا أخدت البنت ونازلت‪.‬‬

‫عندما وصل الرائد أحمد الشيخ من السرية حامل جهاز الشارة الذي ذهب لحضاره‪ ،‬قالوا له‪:‬‬

‫‪ -‬الواد عايزك أنات فوق!‬


‫لم يكن في ناقطة المراقبة في تلك اللحظة أحد مع سليمان غير الجندي حسن الخولي ‪ ..‬وقد كان‬
‫إصرار سليمان على عدما تسليم نافسه إل في حضور الرائد أحمد الشيخ مثار تساؤلت وشبهات‬
‫من جاناب النيابة العسكرية ‪ ..‬وخاصة أن هناك تصورا طرح بعد الحادث مباشرة‪ ،‬دار حول‬
‫احتمال وجود تمرد ضد )إسرائيل( يبدأ من النقطة ‪ ،46‬وكان الشك في وجود تنظيم ما‪ ،‬داخل‬
‫قوات المن المركزي‪ ،‬من بين أفراده أحمد الشيخ وسليمان خاطر ‪ ..‬وفيما بعد ثبت أن ذلك كله‬
‫كان ضربا من الوهم والتخريف‪.‬‬

‫وسألت النيابة العسكرية الضابط طارق سلطان عن تفسيره لصرار سليمان على تسليم نافسه‬
‫في حضور الرائد أحمد الشيخ فقط ‪ ..‬فقال‪:‬‬

‫‪" -‬إن الرائد أحمد الشيخ مؤدب جدا مع كل الجنود وعلقته بجميع العساكر كويسة‪ ،‬فما كاناش‬
‫غريب إن سليمان يطلبه بالذات"‪.‬‬

‫وسألت النيابة العسكرية الرائد أحمد الشيخ نافسه‪:‬‬

‫س‪ :‬ورد بالوراق ما يفيد أن الجندي المذكور رفض تسليم نافسه إل في حضورك شخصيا‪ ،‬فهل‬
‫علمت بذلك؟ ومن الذي أبلغك؟‬

‫ج‪ :‬المقدما إيهاب فرج ناائب مأمور قسم "ناويبع" قال لي إناهم لما اقتربوا منه رفض تسليم‬
‫نافسه إل في حضوري‪.‬‬

‫س‪ :‬وما هي العلقة التي تربطه بك وناوعها حتى يطلب منك مثل هذا الطلب؟‬

‫ج‪ :‬أناا دايما أقعد مع المجندين لحل مشاكلهم ما أمكن وده من أهم خصائص عملي كقائد بالنيابة‬
‫لناي أبدل بالراحات مع المقدما حسن خلف‪ ،‬فواجبي إناي أعرف جنودي‪ ،‬وكان سبق للجندي‬
‫المذكور أن خدما تحت قيادتي من حوالي أكثر من سنة وكنا بنساعده في مذاكرة الثاناوية العامة‬
‫في دهب‪.‬‬

‫وسألت النيابة العسكرية سليمان خاطر‪:‬‬

‫س‪ :‬ما هي علقتك بالرائد أحمد الشيخ؟‬

‫ج‪ :‬أناا علقتي طيبة به ول تتعدى علقة الرئيس بالمرؤوس‪.‬‬

‫س‪ :‬لماذا إذن رفضت أن تسلم نافسك إل في حضوره؟‬

‫ج‪ :‬هم كاناوا مقتنعين إن ما حدش حينزلني إل أحمد بك الشيخ ومفيش حد طلب مني أن أنازل‪.‬‬

‫س‪ :‬وما هو في رأيك سبب اعتقادهم أناه ليس في مقدور أحد أن يجعلك تسلم نافسك إل أحمد‬
‫الشيخ؟ وجاءت إجابة سليمان مثل القنبلة ‪..‬‬

‫ج‪ :‬يمكن كاناوا خايفين ‪ ..‬وهو ومدحت طه )ضابط آخر( بس هما الناس اللي في سيناء اللي‬
‫شغالين ‪ ..‬وشخصيته قوية وما حدش طلب مني أن أنازل غيره هوه وما حدش شغال غيره هو‬
‫)ومدحت طه( ‪ ..‬وكله عمال يشتغل مع الجاناب وحيضيعوا البلد ‪ ..‬وشغلوا عليهم المخابرات‬
‫وشوفوهم بيرحوا فين‪.‬‬
‫ولم يشأ المحقق أن يسأله عن التفاصيل ‪...‬‬

‫لم يشأ أن يفتح على نافسه مثل هذه البواب ‪..‬‬

‫بالفعل ‪" ..‬اتصل الرائد أحمد الشيخ بسليمان تليفونايا ‪ ...‬وفيما بعد ناسب قائد السرية المقدما‬
‫حسن خلف لنفسه أناه هو الذي اتصل بسليمان تليفونايا وطلب منه تسليم نافسه ‪ ..‬لكن ‪ ..‬هذا لم‬
‫يكن صحيحا ‪ ..‬وقد أناكره الرائد أحمد الشيخ قائل‪" :‬ل ‪ ..‬لم يتصل به ‪ ..‬وأناا اللي اتصلت‬
‫بسليمان ‪ ..‬وما حدش اتصل به غيري وأناا اللي طلبت التصال به"‪.‬‬

‫وعندما سئل سليمان عن واقعة اتصال المقدما حسن خلف به‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪ -‬ل ‪ ..‬ما حصلش!‬

‫س‪ :‬بماذا تبرر هذا الدعاء؟‬

‫ج‪ :‬تلقيه بس خايف! !‬

‫إن التصال الوحيد الذي تم مع سليمان بخصوص تسليم نافسه ‪ ..‬كان مع الرائد أحمد الشيخ‬
‫فقط‪.‬‬

‫وقد جرى هذا التصال على النحو التالي‪:‬‬

‫الشيخ‪ :‬يا سليمان ‪..‬‬

‫سليمان‪ :‬ناعم ‪...‬‬

‫الشيخ‪ :‬تعال وسلم سلحك واديه لعلي إبراهيم ‪...‬‬

‫سليمان‪ :‬أناا حضرب نافسي بالنار علشان أناتم حتضربوناي‪.‬‬

‫فأقسم الرائد أحمد الشيخ له )حسب رواية سليمان( أن ما حدش حيكلمه ‪ ..‬وقال له‪:‬‬

‫‪ -‬حاقابلك في الطريق‪.‬‬

‫وفعل ‪ ..‬سلم سليمان سلحه للجندي علي إبراهيم ‪ ..‬وفعل قابله الرائد أحمد الشيخ كما قال له ‪.‬‬

‫وراح يربت على ظهره وقال له‪:‬‬

‫‪ -‬ما تخافش!‬

‫ومشى سليمان معه في هدوء‪ ،‬حتى فوجئ "بالدنايا مقلوبة تحت" على حد قوله ‪..‬‬

‫وقد سألت النيابة العسكرية الرائد أحمد الشيخ ‪:‬‬

‫س‪ :‬هل بدر من سليمان أي مقاومة؟‬


‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬لم تحدث مقاومة منه وسلم نافسه في منتهى الهدوء بعد أن سلم سلحه لزميله في‬
‫النقطة كما قلت من قبل!‬

‫هل تعمد سليمان خاطر ما فعله؟‬

‫كل الدلة تنفي عنه التعمد ‪ ..‬طبيعته ‪ ..‬تصرفاته ‪ ..‬وإحساسه بأناه سيخرج من الخدمة‬
‫العسكرية بعد اناتهاء ناوبة حراسته‪ ..‬وأيضا أقواله في تحقيقات النيابة العسكرية ‪...‬‬

‫س‪ :‬أنات مهتم بقتلك عمدا سبعة أشخاص )إسرائيليين( ؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬طبعا‪ ،‬مش متعمد لناهم هم اللي دخلوا منطقة ممنوعة وحاولت أرجعهم بتهديد‬
‫السلح ‪ ..‬وأناا يعني أخذت السلح ليه ‪ ..‬مش علشان أرد به أي عدو ‪ ...‬وهم جاءوا المنطقة‬
‫دي فيبقوا أعداء ‪ ...‬وأناا أطلقت النار للتحذير ‪ ..‬فاناصابوا ‪ ..‬ولو واحد ماشي وضرب فرخة‬
‫أعصابه بتسيب وممكن يخبط في عامود ‪ ..‬أناا إناسان ‪ ..‬بني آدما ‪ ..‬ولي قلب ‪ ..‬ولي عاطفة ‪..‬‬
‫بس لزما أرجعهم مهما يمكن لمصلحة مصر‪.‬‬

‫س‪ :‬لماذا أطلقت هذا العدد الكبير من الطلقات؟‬

‫ج‪ :‬أناا ما كنتش دريان باعمل إيه‪.‬‬

‫وقد أصر سليمان خاطر أماما المحكمة وأماما غيرها أناه لم يقتل بالعمد وسبق الصرار ‪ ..‬وقال‪:‬‬
‫لو أناني كنت أرتب للقتل العمد فلماذا أخرت المر إلى الساعة الخيرة من يوما تجنيدي؟‪ ..‬لماذا‬
‫لم أطلق رصاصات بندقيتي عليهم وهم في خيامهم يستحمون تحت سفح التل ‪ ..‬لقد كانات‬
‫خيامهم تمتد تحت نااظري إلى مسافة تزيد عن الكيلو متر" ‪" ..‬إناني طوال الياما السابقة على‬
‫الحادث وأناا أعد الساعات اناتظارا لنهاية فترة التجنيد ‪ ...‬وقبل ناوبة حراستي الخيرة كنت قد‬
‫ناظفت السلح وتممت على الطلقات وكويت كل ملبسي ومسحت الحذاء ورتبت المخلة" ‪..‬‬
‫كنت أستعد لتغيير مسار حياتي ‪ ..‬لكن القدر اختار طريقه وفرضه على إرادتي!‬

‫هل كان سليمان خاطر يعرف جنسية "الجاناب" الذين صعدوا إليه؟‬

‫هل كان يعرف أناه يحملون الجنسية السرائيلية؟‬

‫إن من الملحظ في كل أوراق القضية أن المحققين والضباط وغيرهم لم يستخدموا بوضوح‬


‫وصراحة كلمة )إسرائيليين( وفضلوا أن يستخدموا كلمة "أجاناب" بدل منها ‪ ..‬ول أحد غيرهم‬
‫بالطبع يمكن أن يفسر ذلك ‪...‬‬

‫ومن المؤكد أن سليمان خاطر – حسب روايته – لم يكن يعرف جنسيتهم ‪..‬‬

‫س‪ :‬هل كنت تعرف يا سليمان جنسياتهم من أي عبارات قالوها؟‬

‫ج‪ :‬ل أعلم جنسيتهم!‬

‫وقد قال أحد زملء سليمان في النقطة إن الجاناب عندما مروا عليهم‪ ،‬قالوا‪:‬‬

‫‪ -‬شالوما‪.‬‬
‫أي سلما باللغة العبرية ‪ ...‬وهو ما يفهم منه أناهم )'إسرائيليون('!‬

‫فسألت النيابة العسكرية سليمان‪:‬‬

‫س‪ :‬بماذا تفسر ما قاله الجندي عطية إبراهيم من أن الجاناب قالوا "شالوما" أي ما يفيد أناهم‬
‫يهود؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬هم قالوا بالعربي "سلما" زي أي أجنبي ما يقول‪.‬‬

‫وفيما بعد تأكد أن معظم )السرائيليين( الذين كاناوا على الشاطئ أسفل الجبل كاناوا يعرفون‬
‫اللغة العربية ‪ ...‬فقد ظهر من شهادة المحامي السرائيلي "جيرا كورن" – الذي ناقل المصابين‬
‫في سيارته لمستشفى ناويبع – أناه تبادل بعض الكلمات العربية مع بعض الجنود في الطريق‪،‬‬
‫وبعض الشخاص في المستشفى‪.‬‬

‫وقال حسوناة حمودة الذي اصطحب الطفلة من الجبل إناه نازلها لحد أبيها "وكان بيتكلم‬
‫عربي" ‪ ...‬وأناه سأله بالعربي‪:‬‬

‫"دي بنتك؟" فرد عليه "أيوة" وأخدها!‬

‫لقد وقع حادث رأس بركة دون تخطيط مسبق ‪...‬‬

‫كان من ترتيب القدر ‪..‬‬

‫وكان بداية سلسلة من المفاجآت المذهلة التي ل يقدر على صياغتها أعتى كتاب الفلما‬
‫السينمائية ‪ ..‬البوليسية ‪ ..‬أو السياسية ‪ ..‬أو حتى الميلودرامية!‬
‫في زمن الهيروين!‬
‫  سليمان محمد عبد الحميد ‪..‬‬

‫وشهرته سليمان خاطر ‪..‬‬

‫شاب مصري بسيط ‪ ...‬مزروع – حتى شعر رأسه – في طين هذا الوطن ‪ ...‬مجبول بالشمس‪،‬‬
‫والهواء والخضرة‪ ،‬وطمي النيل‪ ،‬وأناين السواقي‪ ،‬ورائحة الرض ‪ ...‬مستقيم ‪ ..‬يخشى ا ‪..‬‬
‫يصلي باناتظاما ‪ ..‬يعرف كيف يحتفظ بهمومه في بطنه ‪ ..‬يتسم بالوداعة‪ ،‬والقناعة ‪ ..‬ويرتبط –‬
‫بشدة – بالجذور‪.‬‬

‫هو مثل النيل ‪ ...‬ل يقبل الناعطافات المفاجئة ‪ .‬ول الناحرافات المفاجئة ‪ ..‬ول المغامرات‬
‫المفاجئة‪.‬‬

‫عمره ‪ 25‬سنة ‪ ..‬فلح "شرقاوي" من قرية غير مشهورة تسمى "أكياد" ‪ ...‬مركز "فاقوس"‬
‫‪ ..‬ول أحد يعرف سر تسمية القرية بهذا السم ‪ ..‬وليس في تاريخها القريب ما يلفت النظر‬
‫سوى أناها استضافت جنود الجيش المصري بعد حرب يونايو ‪ ،1967‬وفتحت أحضاناها وحقولها‬
‫وبساتينها لتدريباتهم الشاقة استعدادا للعبور وتحرير سيناء ‪ ..‬لكن ‪ ...‬من المؤكد أن سليمان‬
‫خاطر – بما فعله وبما جرى له – جعل اسم "أكياد" على ألسنة كثيرة ‪ ...‬وفرض على وكالت‬
‫الناباء‪ ،‬ومحطات الراديو والتليفزيون في العالم كله إذاعة وكتابة السم بكل اللغات ‪ ..‬بما في‬
‫ذلك – طبعا – اللغة العبرية ‪..‬‬

‫ولد في شهر أكتوبر ‪ ..‬نافس شهر العبور ‪..‬نافس شهر اغتيال السادات ‪ ..‬نافس شهر حادث‬
‫)السرائيليين( الذين صرعهم برصاص بندقيته ‪ ..‬ونافس الشهر الذي أغارت فيه )إسرائيل(‬
‫على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في توناس‪ ،‬بعد ربع قرن من ميلده‪.‬‬

‫ناشأ في أسرة متواضعة الحال ‪ ..‬تتردد معيشتها بين خط الفقر ‪ ..‬وخط الستر ‪..‬‬

‫الب مزارع ‪ ..‬يعمل مع إخواته )أعماما سليمان( ويعيشون هم وأسرهم معا ‪ ..‬إناهم جميعا‬
‫يملكون عددا من الفدناة أقل من عدد أصابع اليد الواحدة ‪ ..‬كان ناصيب أسرة سليمان منها فداناا‬
‫واحدا ‪ ..‬فقط ل غير ‪ ..‬وكالعادة‪ ،‬سبب المعيشة المشتركة‪ ،‬والزراعة المشتركة بعض الخلفات‬
‫والمشاحنات والحزازات البسيطة ‪ ..‬ورثها سليمان وإخواته مع فدان الرض الوحيد بعد وفاة‬
‫والده عاما ‪.1979‬‬

‫وحسب التقرير الطبي "والنفسي" الخاص بسليمان خاطر‪ ،‬والذي أعده – بتكليف من نايابة‬
‫السويس العسكرية – فريق من كبار الطباء النفسيين العسكريين‪" :‬لم يشعر سليمان بالحزن‬
‫عند وفاة أبيه" ‪ ..‬ويرجع التقرير السبب إلى أناه "لم يكن بينه وبين أبيه علقة عاطفية‬
‫قوية" ‪" ..‬وعلى العكس من الب ناجد أن علقة سليمان بأمه قوية جدا ‪ ..‬وهو يفكر – دائما –‬
‫في أحوالها‪ ،‬ويشعر بالقلق عليها ‪ ..‬ورغم أناه أصغر أخواته فإناه يتحمل العبء الكبر في‬
‫رعايتها ورعاية أحوال معيشتها" ‪ ..‬وهو يفعل ذلك بإحساس صادق جدا‪.‬‬

‫إن سليمان هو – بالفعل – أصغر خمسة أشقاء‪ ،‬منهم ثلثة من الذكور واثنان من النااث ‪..‬‬
‫وشقيقاه الكبران يعملن خارج القرية ‪ ..‬عبد الحميد )‪ 42‬سنة( يعمل في إحدى شركات‬
‫المقاولت في القاهرة‪ ،‬ويقيم في العاصمة إقامة دائمة ‪ ..‬وعبد المنعم )‪ 35‬سنة( يعمل‬
‫بالكويت ‪ ..‬وقد ضاعف هذا الوضع من ارتباط سليمان بأمه ‪ ..‬وضاعف من إحساسه‬
‫بالمسئولية تجاهها‪.‬‬

‫ويبدو أن ارتباط سليمان بأمه كان السبب في رفضه أن تدخل قاعة المحكمة العسكرية )بمقر‬
‫الجيش الثالث الميداناي بمدينة السويس( حتى ل تراه وهو يقف وراء القضبان ويحوطه الجنود‬
‫والحراس‪.‬‬

‫قال سليمان‪:‬‬

‫‪ -‬ل تجعلوها تدخل حتى ل تنهار!‬

‫وفيما بعد فسر سليمان هذا الرفض قائل‪:‬‬

‫‪ -‬لقد خشيت أن يؤثر هذا المشهد على نافسية الجنود المصريين فتضعف مقاومتهم ويصعب‬
‫عليهم رفع السلح في وجه العدو )السرائيلي(‪.‬‬

‫والغريب أن الما هي الخرى – والتي فعلت المستحيل لتحصل على تصريح لرؤية ابنها – قد‬
‫رفضت من جانابها رؤيته‪ ،‬وهو في هذا الوضع!‬

‫ومما ل شك فيه أن علقة سليمان بأمه علقة طبيعية جدا في السر الفقيرة ‪ ..‬حيث يعوض‬
‫حنان الما‪ ،‬ناقص الطعاما ‪ ..‬وحيث تعوض ناعومة الما قسوة الحياة‪.‬‬

‫ومما ل شك فيه أن طفولة سليمان لم تكن طفولة سعيدة ‪ ..‬كان حساسا بطبعه ‪ ..‬ل يميل إلى‬
‫العنف ‪ ..‬وبسبب ضعف موارد أسرته المالية‪ ،‬لم يجد نافسه ول رقة أحاسيسه في مجلة أطفال‬
‫ملوناة ول في كراسة رسم‪ ،‬ول في كتاب مناسب لعمره ‪ ..‬ولم يجد نافسه بالطبع في لعبة من‬
‫لعب الطفال التي تريح طفولته الناعمة من الداخل‪ ،‬القاسية من الخارج ‪ ..‬ولم يجد نافسه بالطبع‬
‫في ألعاب أقراناه من أطفال القرية والتي ل تخلو عادة من العنف ‪ ..‬وكان يميل دائما إلى‬
‫الوحدة ‪ ..‬والعزلة ‪ ...‬وسماع جهاز الراديو إذا توفر له ذلك ‪ ...‬وكثيرا ما كان يشعر بالراحة‬
‫وسعة الصدر كلما خرج بمفرده إلى الغيطان والخضرة ‪ ..‬خاصة في وقت ازدهار المحاصيل ‪...‬‬

‫إن ضغط الظروف على تكوينه الحساس‪ ،‬جعل طفولته‪ ،‬كما يقول التقرير الطبي – السابق‬
‫الشارة إليه – تتميز "بالقلق والخوف والحرمان" وجعلته – حسب نافس التقرير ‪" -‬يعاناي‬
‫منذ وقت مبكر من مخاوف مرضية بكثرة ‪ ..‬ففضل عن الخوف العادي من العفاريت‬
‫والجنيات ‪ ..‬فإناه كانات تنتابه مخاوف شديدة من الماكن المهجورة‪ ،‬والكلب‪ ،‬والصوات‬
‫العالية‪ ،‬والمشاجرات‪ ،‬والحوادث"‪.‬‬

‫ولعل خوفه المبكر من الحوادث سببه أن منزل أسرته يقع بالقرب من الطريق الزراعي‬
‫"المسفلت" الذي يكثر مرور السيارات عليه‪ ،‬وتكثر عليه الحوادث بالتالي ‪...‬‬

‫وفيما بعد‪ ،‬وسليمان عمره ‪ 16‬سنة‪ ،‬زادت حالة الخوف من حوادث السيارات لديه‪ ،‬عقب حادث‬
‫على نافس الطريق المجاور لبيته‪ ،‬قتل فيه ابن عمه ‪" ...‬وبدأت تحدث له حالت إغماء ناتيجة‬
‫هذا الخوف" ‪" ..‬وكان يحاول دائما إخفاء هذه المشاعر عن الناس حتى ل يكون مثارا‬
‫لسخريتهم"‪.‬‬
‫وفيما بعد سألته النيابة العسكرية‪:‬‬

‫س‪ :‬هل سبق لحد من أسرتك أن توفي وفاة غير طبيعية‪ ،‬ناتيجة اناتحار مثل‪ ،‬أو أصيب أي حد‬
‫من أفراد أسرتك أو أنات بأي مرض نافسي أو عصبي – وهل سبق علجك نافسيا أو عصبيا؟‬

‫ج‪ :‬ما حصلش والعياذ بال ‪ ..‬مفيش غير ابن عمي مات في حادث عربية!‬

‫وحسب التقرير الطبي أيضا ‪...‬‬

‫"كان سليمان في طفولته المبكرة يخاف من الليل ‪ ..‬والشباح ‪ ..‬ورؤية الدما ‪ ..‬إن الظلما كان‬
‫يحول مخافه إلى أشكال أسطورية‪ ،‬خرافية‪ ،‬مرعبة‪ ،‬تجعله يقفز من فراشه في فزع ‪ ..‬وكان‬
‫الظلما يجعله يتصور أن الشباح تعيش في قاع الترعة‪ ،‬وأناها تخبط الماء بقوة في الليل وهي‬
‫في طريقها إليه ‪ ..‬أما رؤية الدما فكانات تسبب له إغماء ‪ ..‬وقد أدركت أمه هذه الحقيقة فكانات‬
‫تتوارى بعيدا عنه وهي تقوما بذبح الطيور حتى ل تؤلمه"‪.‬‬

‫وإذا كان هذا الرأي جزءا من التحليل النفسي الذي توصل إليه الطباء العسكريون النفسيون‬
‫الذين استدعوا طفولته فإن أقران طفولته – بما يروون عنه – يعتبرون هذا الرأي جزءا من‬
‫طبيعة المبالغة التي يتميز بها الطباء النفسيون ‪...‬‬

‫إن أقراناه في القرية وفي المدرسة يؤكدون أناه كان طفل طبيعيا ‪ ..‬وإن كان يتميز عنهم بعدما‬
‫مجاراتهم في اللعاب الخشنة ‪ ..‬كما كان يتميز عنهم بالوداعة والهدوء ‪..‬‬

‫ويستنتج الطباء النفسيون‪ :‬أن سليمان كان منعزل عن زملئه في المدرسة ‪ ..‬ويقول‪ :‬إناهم‬
‫كاناوا يسموناه "السرحان" ‪ ..‬ويقول‪ :‬إناه كان بطبعه ل يميل للرد على "مداعبات أقراناه أو‬
‫عدواناهم عليه ‪ ..‬بل كان يميل إلى التحمل وكبت مشاعره عن الخرين"‪ .‬وقد سئل سليمان عن‬
‫الشيء الذي يتذكره كلما عاد إلى طفولته!‬

‫فقال‪:‬‬

‫‪ -‬غارة اليهود على مدرسة "بحر البقر" !‬

‫إن مدرسة "بحر البقر" كانات قريبة من مدرسته البتدائية ‪ ..‬وبعض التلميذ بها كاناوا من‬
‫أصدقائه ‪ ..‬وكانات الغارة )السرائيلية( عليها من أولى غارات العدو القذرة في العمق المصري‬
‫على الهداف المدناية ‪ ..‬وكان ذلك عاما ‪ 1969‬ردا على حرب الستنزاف الناجحة التي أزعجت‬
‫الجيش "السرائيلي" على الجاناب "الشرقي" من قناة السويس ‪ ..‬وفي ذلك الوقت كان عمر‬
‫سليمان ما بين سبع وثماناي سنوات ‪ ..‬ول ناعرف ما إذا كان قد شاهد ناتيجة الغارة بأما رأسه أما‬
‫ل؟ ‪ ..‬لكن من المؤكد أناه سمع عن أصدقائه الذين ذبحوا في الغارة ‪ ..‬أو الذين ناسفوا بداناات‬
‫العدو )السرائيلي( ‪ ..‬أو الذين اختفت جثثهم تحت الناقاض ‪ ..‬ومن المؤكد أن هذه القصص‬
‫البشعة التي سمعها قد فرضت عليه الفرار إلى الغيطان ‪ ..‬وهناك انافرد بنفسه وراح يبكي ‪..‬‬
‫وليس هناك ما يمنع من حفر هذه القصص بكل ما تثيره من خيال وقسوة وفزع في ذاكرته ‪..‬‬
‫وخاصة أن تكوينه النفسي رقيق‪ ،‬مثل ورقة السيجارة ‪ ..‬جاهز للنافعال والتحرك لقل حادث ‪..‬‬
‫وفيما بعد حاول بعض أفراد أسرته وبعض أقراناه وبعض المحللين الربط بين ما حدث على يد‬
‫"السرائيليين" في "بحر البقر" وما حدث على يد سليمان خاطر في "جنوب سيناء" ‪ ..‬أو‬
‫بين قتل الطفال المصريين والسياح "السرائيليين" ‪..‬‬

‫وقال هؤلء‪:‬‬

‫‪ -‬إناه ل ماناع أن يكون عقل سليمان خاطر الباطن قد فرض عليه إحساسا بأن "السرائيليين"‬
‫الذين اغتالوا رفاق الطفولة‪ ،‬جاءوا الن ليذبحوه بعد أن أفلت من مذبحة "بحر البقر"‪.‬‬

‫وحسب التقرير الطبي السابق‪:‬‬

‫"كان سليمان يحب عمه ويشعر بالمان معه" ‪" ...‬وبعد وفاة عمه عاما ‪ 1978‬بدأت تنتابه‬
‫أعراض جديدة‪ ،‬عبارة عن حالت انافصال عن العالم الخارجي لفترة وجيزة‪ ،‬وكان سليمان‬
‫يطلق على هذه الحالة "السكتة" كما طرأ عليه أيضا في هذه الظروف حالت من التجول الل‬
‫إرادي دون أن يكون له هدف محدد من هذا التجول أو حتى أن يكون على دراية بحدوث هذه‬
‫التحركات" ‪...‬‬

‫وكانات هذه العراض تحدث له في ظروف الضغط النفسي‪ ،‬التي يتعرض لها بسبب تعامله مع‬
‫الخرين أو بسبب مواجهة ظروف المعيشة الصعبة ‪" ..‬واستمرت حالت النافصال والتجول‬
‫الل إرادي – هذه – تحدث له حتى عاما ‪."1981‬‬

‫وفي تلك الفترة ترك سليمان المدرسة ‪ ..‬لم يستطع بسبب "ظروف المعيشة الصعبة"‪ ،‬والتي‬
‫زادت صعوبتها بعد وفاة أبيه أن يكمل تعليمه ‪ ..‬ترك المدرسة‪ ،‬وخرج منها قبل الحصول على‬
‫شهادة "الثاناوية العامة" ‪ ...‬وراح يزرع الرض ليطعم أمه وزوجة شقيقه عبد المنعم التي‬
‫تركها في بيت السرة قبل السفر إلى الكويت‪.‬‬

‫لكن ‪ ...‬سرعان ما استدعى سليمان لتأدية الخدمة العسكرية ‪ ..‬فترك الرض‪ ،‬ومسئولية رعاية‬
‫أمه ومن معها ليصبح مجندا في شهر أكتوبر أيضا ‪ ...‬بالتحديد في ‪ 4‬أكتوبر ‪ ... 1982‬قبل ‪3‬‬
‫سنوات بالضبط من الحادث ‪ ...‬واناضم إلى قوات المن المركزي بجنوب سيناء في أول مايو‬
‫‪ ... 1983‬في دهب ‪ ..‬ثم ناويبع ‪ ..‬وخلل ذلك ناجح في الحصول على "الثاناوية العامة" واناتسب‬
‫إلى كلية الحقوق – جامعة الزقازيق ‪...‬‬

‫إن تحليل هذه البياناات التي تمر أمامنا بسهولة يؤكد أن سليمان يتمتع بدرجة عالية من الذكاء‬
‫جعلته يحصل على شهادة "الثاناوية العامة" – رغم ظروف الخدمة الشاقة في جنوب سيناء –‬
‫من أول مرة ‪ ...‬وجعلته ينجح في دراسة الحقوق الصعبة وهو منتسب‪ ،‬ل يحضر المحاضرات‪،‬‬
‫وبقراءة الكتب المقررة فقط ‪ ..‬ويؤكد هذا التحليل أيضا أناه يتمتع بصبر وجلد وقوة تحمل‬
‫عالية‪ ،‬لناه كان يجمع ما بين تنفيذ المهاما الموكلة إليه‪ ،‬والمذاكرة‪ ،‬وخدمة نافسه‪ ،‬والقياما‬
‫بتنفيذ مهامه الشخصية ‪...‬‬

‫ومن المؤكد أن علقته بزملئه وقادته كانات حسنة للغاية ‪ ..‬خاصة الذين خدما معهم مدة طويلة‪،‬‬
‫مثل الرائد أحمد كمال الدين حسن الشيخ "‪ 31‬سنة" قائد ثاناي سرية المن المركزي بنويبع‪،‬‬
‫الذي رفض سليمان تسليم نافسه – بعد الحادث – إل في حضوره ‪...‬‬

‫وقد سألت النيابة العسكرية الرائد أحمد الشيخ عن السبب ‪ ...‬فقال‪:‬‬


‫‪ -‬أناا دايما أقعد مع المجندين لحل مشاكلهم ما أمكن ‪ ..‬وكان قد سبق لسليمان أن خدما تحت‬
‫قيادتي من حوالي أكثر من سنتين في سرية "دهب" ‪ ..‬وكان بيذاكر في الثاناوية العامة ‪ ..‬وكنا‬
‫ناعاوناه في دراسته!‬

‫س‪ :‬معنى ذلك إناك تعرفه منذ فترة طويلة‪ ،‬فما معلوماتك عنه بوصفك قائده في دهب وناويبع؟‬

‫ج‪ :‬اللي أعرفه إناه إناسان في حاله ‪ ..‬وليس له أي ناشاط غير عادي ودايما في مذاكرته وخدمته‬
‫‪ ..‬ودايما مواظب على الصلة ‪ ..‬إناه في تصوري إناسان عادي وليست له مشاكل مع زملئه‪،‬‬
‫وليست له أي شكاوى ‪ ..‬شخص عادي جدا ‪ ..‬ومحبوب من زملئه ‪ ..‬وليست له أي تصرفات‬
‫مريبة أو شاذة ‪ ..‬أو تلفت النظر ‪ ..‬وليس به أي تطرف أو أي تزمت‪ ،‬ولم ألحظ عليه أي شيء‬
‫غير عادي لدرجة أناي استغربت إيه اللي خله يعمل كده!‬

‫س‪ :‬ألم تتحدث معه إطلقا فيما فعل‪ ،‬وسببه‪ ،‬وخصوصا أناه رفض تسليم نافسه إل إليك؟‬

‫ج‪ :‬هو قال لي‪ :‬إحنا بلد مسلمين‪ ،‬والجاناب بتيجي هنا يقعدوا عرايا ودي حاجات تتنافى مع‬
‫الدين والسلما!‬

‫ويشعر المحقق أناه يقترب من صيد ثمين ‪ ..‬فيسأل الشاهد‪:‬‬

‫س‪ :‬هل مفاد ذلك أناه كانات له تطرفات أو نازعات دينية متطرفة‪ ،‬وهل تتصور أو تشك في‬
‫اناتمائه إلى أي من الجماعات السلمية؟‬

‫وتخرج شبكة المحقق فارغة ‪...‬‬

‫ج‪ :‬ما أعتقدش لن كل تصرفاته أمامي كانات طبيعية زي ما قلت وما فيهاش أي تطرف أو‬
‫تزمت ‪ ..‬هو شخص ليست له أي مشاكل بالمرة!‬

‫وسألت النيابة العسكرية الملزما أول طارق سلطان )‪ 24‬سنة( قائد النقطة ‪ 46‬بنويبع‪:‬‬

‫س‪ :‬ما هي ملحظاتك على سلوك سليمان خاطر؟‬

‫ج‪ :‬كويس ومؤدب وليست له مشاكل مع أحد وسلوكه عادي جدا‪.‬‬

‫س‪ :‬ألم تلحظ عليه أي مظاهر يستفاد منها في سلوكه أناه متطرف دينيا أو متزمت أو له آراء‬
‫أو اناتماءات دينية أو سياسية؟‬

‫ومرة أخرى تخرج شبكة المحقق فارغة ‪...‬‬

‫ج‪ :‬خالص ‪ ..‬غير إناه بيصلي زي ما كلنا بنصلي!‬

‫وفي محضر النيابة العسكرية قال أمين الشرطة جمال رياض المنتدب للمن المركزي بجنوب‬
‫سيناء‪ ،‬وأول من صعد الجبل إلى سليمان خاطر بعد الحادث‪:‬‬

‫‪ -‬سليمان شخص عادي جدا ومؤدب وأخلق وفاهم شغله!‬


‫س‪ :‬هل لحظت أي تطرف أو تزمت؟‬

‫ج‪ :‬ل!‬

‫وقال زميله في ناقطة المراقبة‪ ،‬الجندي حسن على السيد الخولي‪:‬‬

‫‪ -‬سليمان طول عمره دوغري!‬

‫وقال زميله الجندي عطية إبراهيم علي‪:‬‬

‫‪ -‬سليمان طبيعته رجل محترما‪ ،‬ومؤدب‪ ،‬ويعرف يتكلم إناجليزي‪.‬‬

‫س‪ :‬منذ متى وأنات في هذه النقطة مع سليمان؟‬

‫ج‪ :‬من حوالي سنة وأربعة شهور!‬

‫س‪ :‬ما هي ملحظاتك على سلوكه عموما؟‬

‫ج‪ :‬من يوما ما رحت ما شفتوش يغلط ل في الشغل ول في حد وكان ل يتدخل فينا وكان رجل‬
‫يحب يبقى بعيد عن التهريج والهزار‪.‬‬

‫س‪ :‬هل معنى ذلك أناه كان شخصا منطويا أو متزمتا‪ ،‬أو عصبيا‪ ،‬أو متعصبا؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬كان عاديا معاناا بس بيحترما نافسه‪.‬‬

‫س‪ :‬هل كانات له أي اتجاهات دينية أو ميول أو آراء سياسية؟‬

‫ج‪ :‬عمره ما كلمنا في حاجة من دي‪.‬‬

‫وقال زميله الجندي علي إبراهيم محمد‪:‬‬

‫‪ -‬سليمان هو أطيب من عرفت!‬

‫س‪ :‬هل وقعت منه أي توترات عصبية أو تعصب أو تطرف ديني أو تزمت أو كانات له آراء‬
‫سياسية؟‬

‫ج‪ :‬أبدا ‪ ...‬هوه ساعات يقعد معاناا وساعات يقعد لوحده‪ ،‬وهو كان بني آدما ومؤدب وفي حاله‬
‫وكان طيبا معنا وعمره ما تكلم في الدين ول في السياسة‪.‬‬

‫س‪ :‬هل تعرف معنى كلمة السياسة‪ ،‬وما هو مستواك التعليمي؟‬

‫ج‪ :‬مش معايا شهادات ‪ ..‬والسياسة يعني العيشة وأحوال البلد!‬


‫إن كل الذين سألتهم النيابة العسكرية عن شخصية وسلوك وتصرفات سليمان‪ ،‬أجمعوا على أناه‬
‫مؤدب ‪ ..‬محترما ‪ ..‬في حاله ‪ ..‬أخلق ‪ ..‬طيب ‪ ..‬ل يقبل الهزار دائما ‪ ..‬غير متزمت ‪ ..‬غير‬
‫متعصب ‪ ..‬ملتزما ‪ ..‬غير مرتبط بحزب‪ ،‬أو جماعة ما‪ ،‬أو تيار أو مذهب سياسي بعينه‪.‬‬

‫أي أناه إناسان مصري‪ ،‬عادي وبسيط‪ ،‬يفهم المور السياسية ببساطة ‪ ..‬وسهولة ‪ ..‬ويسر ‪..‬‬
‫ودون لف أو دوران ‪ ..‬يا أبيض يا أسود ‪ ..‬يا صديق يا عدو ‪ ..‬يا طيب يا خبيث ‪ ..‬وهذا الطراز‬
‫من البشر ل يعرف أصول التبرير‪ ،‬ول المناورات ‪ ..‬ول الحلول الوسط ‪...‬‬

‫أجهزة المن أكدت نافس المعاناي تقريبا ‪ ...‬فتحريات أجهزة أمن الدولة أكدت أن سليمان خاطر‬
‫ل يتمتع بأي ناشاط سياسي أو ديني سابق‪.‬‬

‫وإدارة المخابرات الحربية والستطلع )فرع جنوب سيناء( قالت نافس الكلما تقريبا ‪ ..‬لقد طلبت‬
‫النيابة العسكرية من هذه الدارة )في خطاب رسمي رقم ن‪ /‬س‪ 85 /1 /‬بتاريخ ‪(1985 /10 /9‬‬
‫معلومات عن الرقيب أمن مركزي سليمان محمد عبد الحميد ‪ ..‬فردت عليها بخطاب رسمي‬
‫)رقم ش‪ 8024 /85 /2 /‬بتاريخ ‪ (1985 /10 /10‬قالت فيه‪" :‬يرجى التكرما بالحاطة بأناه‪ :‬ل‬
‫معلومات مسجلة طرفنا عن المذكور" ‪ ..‬ووقع على الخطاب العقيد عصاما الدين الفنجري قائد‬
‫مكتب مخابرات جنوب القناة ‪ ..‬وقد ضم الخطاب إلى ملف القضية في نافس اليوما بعد أن اطلع‬
‫عليه رئيس النيابة العسكرية بالسويس وأشر عليه بكلمة "ناظر ويرفق"‪.‬‬

‫ومن نااحية أخرى‪ ،‬قالت الما‪:‬‬

‫‪ -‬ابني مالوش في السياسة‪.‬‬

‫وأكدت في أول حوار ينشر لها )الهالي – ‪ 16‬أكتوبر ‪ (1985‬أن ابنها "صامت" دائما ‪ .‬ل‬
‫يحكي أبدا عن وحدته أو عمله ‪...‬‬

‫وقالت لمحرر الصحيفة "ثروت شلبي"‪:‬‬

‫"ابني كان عاقل ‪ ..‬ومؤدب وحنين وفي حاله وما لوش دعوة بأي حد وما كاناشي بيدخل نافسه‬
‫في مشاكل أبدا‪ ،‬وكان ييجي على غيطه وكان دايما يروح يصلي فريضة الصلة في الجامع‬
‫وكان بيصوما أياما الثنين والخميس كل أسبوع وكان بيصلي بالناس في الجامع ‪ ..‬بيؤمهم" ‪..‬‬
‫وهو "لم يفكر في عرايس أو زواج ‪ ..‬وهو مش زي باقي زملئه وما يعرفش الحب لناه كان‬
‫بيصلي ويصوما ودايما متوضي وعارف ربنا ‪ ..‬وكنا منتظرين لما أخوه عبد المنعم يرجع من‬
‫الكويت وهو بيشتغل هناك‪ ،‬ونافكر ناخطب له بنت نااس طيبين"‪.‬‬

‫لقد رأت الما ابنها آخر مرة قبل الحادث بأسابيع قليلة ‪ ..‬ولم تعرف أن ابنها أطلق النار على‬
‫)السرائيليين ( إل بعد أن زارها ضباط مباحث أمن الدولة ليسألوا "عن سليمان وتصرفاته ‪..‬‬
‫وهل كان له عداوة مع حد ‪ ..‬أو بيشتغل بالسياسة" ‪ ..‬وعرفت منهم ما حدث‪.‬‬

‫وقالت الما‪:‬‬

‫إناها فرحت – عندما عرفت الخبر – وزعلت في نافس الوقت ‪" ..‬فرحت علشان اليهود دول‬
‫ماتوا" ‪" ..‬وزعلت علشان خفت على مصير ابني سليمان ليقتلوه" ‪" ..‬وعلشان كده ومن‬
‫ساعة ما عرفت ‪ ..‬وأناا قلبي مولع ناار ومش بناما لغاية ما أشوف ابني ‪ ..‬ضناي‪ ،‬بعيني‪،‬‬
‫وأطمئن إن مفيش حد ضربه"‪.‬‬

‫ولم تعرف الما ساعتها لماذا قتل ابنها )السرائيليين( "لناه عمره ما قتل فرخة" ‪" ..‬ومش‬
‫ممكن يعمل حاجة زي دي إل إذا كان حدث جرح كرامته وكبرياءه فهو محترما ومعتز بنفسه"‪.‬‬

‫أما شقيقه عبد المنعم فاعتقد أن سبب تصرف سليمان‪" :‬إناه كان يرى أمورا غير طبيعية‬
‫وشاذة من )السرائيليين( على الحدود التي استفزته كمصري مسلم غيور على دينه وكرامة‬
‫بلده‪ ،‬فمن غير المعقول أن يأتي هؤلء اليهود على الحدود وهم عرايا خالص ‪ ..‬ويمارسون‬
‫العملية الجنسية أمامه أثناء أدائه الخدمة الوطنية وكذلك أماما زملئه بصفة يومية ومستمرة‬
‫لثارة أعصابهم ومحاولة إضعاف ناخوتهم الوطنية وإشعال غرائزهم‪ ،‬ولما كان سليمان‬
‫وزملؤه ل يلبون نازواتهم الشاذة والغريبة عن ديننا وبلدناا‪ ،‬فلقد أثار ذلك حقدهم لعدما تحقيقهم‬
‫مآربهم التي يستهدفوناها من جراء هذا‪ ،‬فكاناوا يصفوناهم بالمتخلفين المر الذي كان يزيد‬
‫غضبهم"‪.‬‬

‫وقد أناكر عبد المنعم خاطر لرجال مباحث أمن الدولة أي شبهة اناتماء سياسي لشقيقه ‪" ..‬لناه‬
‫بالفعل لم يحدث‪ ،‬لنانا نااس فلحين ليست لنا اهتمامات سياسية أو حزبية والمهم لنا لقمة‬
‫العيش وعملنا في أرضنا وغربتنا في بلد الناس حتى ناستطيع أن ناوفر لقمة العيش بالحلل‬
‫والعرق"‪.‬‬

‫إن من المؤكد أن تفسير عبد المنعم خاطر هذا يرجع لبعض ما كان يرويه شقيقه له عما يفعله‬
‫)السرائيليون( في سيناء ‪ ..‬ويرجع أيضا لما قيل وما ناشر وما تردد عن ذلك بين المصريين ‪...‬‬

‫ومن المؤكد أن خدمة سليمان في سيناء فتحت عينيه على أشياء كان ل يعلمها ‪ ..‬إناه أصبح‬
‫يعيش في سيناء التي سمع عنها ‪ ..‬ويرى )السرائيليين( الذين عرف من صغره أناهم العدو‬
‫الول لبلده ‪...‬‬

‫على أن هذه التجربة الجديدة‪ ،‬قد أضافت له‪ ،‬حسب ما جاء في التقرير الطبي السابق الشارة‬
‫إليه‪" ،‬مخاوف جديدة"‪.‬‬

‫"كان يخاف الصحراء كمكان خال ومفتوح" ‪ ..‬وكان يخاف من احتمالت الخطر من الوحوش‬
‫الضارية "كالذئاب" التي تمتلئ الصحراء بها ‪ ..‬وكان يخاف "مما سمعه عن البدو وما حدث‬
‫منهم ضد الجنود المصريين بعد حرب ‪."1967‬‬

‫عبر سليمان عن هذه المخاوف بصراحة أماما النيابة ‪..‬‬

‫قال‪:‬‬

‫‪ -‬أناا دايما إيدي محملة على تتك البندقية‪ ،‬وأناا دايما أبقى معمر سلحي طول ما أناا هناك ‪..‬‬
‫يعني طول ما أناا في النقطة ‪ ..‬والحكاية دي معروفة عني‪ ،‬إن دايما فيه طلقة في الماسورة‪،‬‬
‫وأناا دايما حاطط طلقة في الماسورة علشان المنطقة دي دايما فيها وحوش وذئاب وضباع‬
‫وكذلك بنسمع عن البدو إناهم ممكن يعملوا أي حاجة فأناا بأبقى عامل حسابي ومحرص‪.‬‬

‫ويضيف التقرير‪:‬‬
‫‪ -‬إن سليمان كان أيضا "يخاف من المسئولية ومن احتمال حدوث تقصير يترتب عليه تأخير‬
‫إجازته أو تأخير تسريحه من الخدمة العسكرية ‪ ..‬وكان أيضا يشعر بالقلق الشديد على والدته‬
‫ويفتقدها ويفكر في أحوالها"‪.‬‬

‫"وقد ازداد خوفه من الدما في الفترة الخيرة فكان يحمل معه "مكركروما" كما لو كان سيحميه‬
‫من حدوث النزيف‪ ،‬وكان إذا جرح فإناه يضغط بالمكركروما" على الجرح دون أن ينظر إليه"‪.‬‬

‫"وكان سليمان يخفي هذه المشاعر عن زملئه خوفا من تعرضه لسخريتهم وكان يلجأ إلى‬
‫النوما بالنهار فقط ‪ ..‬ويظل يقظا طول الليل ما أمكنه ذلك‪ ،‬سواء كان دور خدمته أو ليس دور‬
‫خدمته ‪ ..‬وكان زملؤه يسمعون صرخاته وهو يعاناي من الكوابيس عندما يناما وكان يعتقد أن‬
‫زملءه يعاناون مثله من حالت الرعب بالليل ومن الكوابيس‪ ،‬وكان يخاف أيضا إذا بصق أحد‬
‫من زملئه أمامه‪ ،‬ولكنه ل يتحدث معهم إطلقا في هذه الموضوعات خوفا من سخريتهم‪.‬‬

‫"وكان الرعب يصور له أحياناا بعض الحمير المتحركة أو البراميل الثابتة )في مكاناها( على‬
‫أناها أشخاص تتقدما منه ولكنه لم يطلق النار في مثل هذه المواقف ‪ ...‬وكان يطلب من زملئه‬
‫في المواقع الخرى أن يتصلوا به تليفونايا أو ينادوا عليه من أماكنهم إذا أرادوا التحدث معه‪،‬‬
‫وذلك قبل اقترابهم من موقعه حيث إناه ل يتحمل أن يفاجأ بأحد منهم فيحدث ما ل يمكن التنبؤ‬
‫به أو التحكم فيه ‪...‬‬

‫"وقد زادت عليه مع بداية خدمته بسيناء أعراض أخرى أهمها فقد الشهية‪ ،‬وصداع خلفي‪،‬‬
‫وضيق في الصدر‪ ،‬وخنقة‪ ،‬وهمدان‪ ،‬وفقد الوزن‪ ،‬ولكنه لم يفكر أبدا في اللجوء إلى الطبيب‪،‬‬
‫وكان كل همه أن ينتهي من تجنيده بأي صورة حتى يمكنه السفر إلى شقيقه بالكويت‪ ،‬أو عمل‬
‫ما يلزما لتحسين حال السرة اجتماعيا"‪.‬‬

‫وصياغة هذه الفقرات من التقرير على هذا النحو المتخصص من أطباء نافسيين يحل سليمان‬
‫الكثير ‪ ..‬ويوحي بما هو أكثر من حالته ‪ ...‬وهذا بالفعل صحيح ‪ ...‬فأغلب المخاوف التي‬
‫يلصقها التقرير بسليمان مخاوف عادية يمكن أن يعاناي منها أي إناسان طبيعي ‪ ..‬خاصة إذا‬
‫وضع هذا الناسان في ظروف صعبة كالتي وضع فيها سليمان‪ ،‬وغيره من الجنود في جنوب‬
‫سيناء ‪ ..‬حيث الحيواناات المفترسة تمل الصحراء ‪ ..‬وحيث الليل والجبال والفراغا يثيرون‬
‫الخيال ويفرضون على العين أوهاما وأشباحا غير حقيقية ‪...‬‬

‫وفي نافس الوقت لم يشر التقرير إلى الجاناب اليجابي لخدمة سليمان في سيناء! !‬

‫إن من الواضح أن سليمان قد استفاد من خدمته في سيناء ‪ ..‬أتيح له أن يذاكر وينجح ويصبح‬
‫طالبا في كلية الحقوق ‪ ..‬وأتيح له المزيد من الرتباط الجتماعي‪ ،‬والحساس بالجماعة ‪ ..‬وهو‬
‫ما كان ينقصه أحياناا ‪ ...‬وأتيح له ممارسة القيادة بشكلها الناساناي السليم ‪ ...‬وقد ظهر ذلك‬
‫بوضوح عندما قال للنيابة العسكرية في تحقيق ما بعد الحادث‪ :‬إناه منع الجاناب من الصعود‬
‫إلى ناقطته‪ ،‬لن في النقطة جنودا آخرين هو مسئول عنهم وعن أمنهم وسلمتهم ‪ ...‬وقال‪ :‬لقد‬
‫فعلت ذلك لن "كل راع مسئول عن رعيته وأناا حتحاسب على ما يجري للناس اللي تبعي" ‪...‬‬
‫وظهر ذلك بوضوح عندما حاسب بعض جنوده على سماحهم "للسرائيليين" بالتقاط صور‬
‫لهم في النقطة ‪ ...‬وقد استسلم زملؤه لهذا الحساب واستجابوا لوامره ‪...‬‬
‫وأتيح لسليمان في خدمته لسيناء أن يعي ما يفعله )السرائيليون( هناك ‪ ..‬وما يفعله الضباط‬
‫والجنرالت المصريون معهم ‪ ...‬وقد سجل أكثر من دليل على هذا الوعي في محاضر النيابة‬
‫العسكرية ‪...‬‬

‫ول يمكن أن نانسى أناه اكتسب الكثير من المرح‪ ،‬والذكاء الجتماعي من خدمته في سيناء ‪..‬‬
‫والدليل على ذلك أناه كان قبل الحادث بقليل يشارك زملءه في الغناء "سينا رجعت كاملة لينا ‪..‬‬
‫مصر اليوما في عيد" بمناسبة اناتهاء خدمته في ذلك اليوما!‬

‫إن من الظلم أن ناستسلم لما جاء في هذا التقرير الطبي ‪ ...‬ومن الظلم أن ل نانظر على الجاناب‬
‫الخر من النهر ‪ ..‬وأن ل نارى الوجه الخر للصورة ‪ ..‬صورة سليمان خاطر بعد سنوات خدمته‬
‫في سيناء! !‬

‫علينا الن أن ناتأمل ملمح سليمان خاطر ‪..‬‬

‫فربما ‪ ..‬ناطقت هذه الملمح بما ل ناعرفه عنه ‪...‬‬

‫إن من يرى وجه سليمان خاطر سيتصور على الفور أناه وجه أحد شعراء الريف الذين ينزلون‬
‫العاصمة وهم يحملون أشعارهم‪ ،‬وهمومهم‪ ،‬وهموما بلدهم على أكتافهم ويسيرون بها ‪ ..‬وجه‬
‫ممصوص ‪ ..‬دقيق الملمح ‪ ..‬سريع التعبير ‪ ..‬مركب على جسد ناحيل ‪ ..‬يفكر صاحبه أكثر مما‬
‫يأكل ‪ ..‬ويهتم صاحبه بالكون ‪ ..‬أكثر مما يهتم بالطعاما ‪ ..‬ول يختلف هذا الناطباع عن اناطباع‬
‫الذين فحصوا سليمان خاطر بأمر من جهات التحقيق‪ ،‬بعد الحادث ‪ ..‬فقد قال هؤلء‪:‬‬

‫‪ -‬إن "الرقيب سليمان ناحيل الجسم‪ ،‬يبدو وقد فقد بعضا من وزناه ‪ ..‬ناظيف الملبس في غير‬
‫عناية ‪ ..‬وعلى وجهه مسحة من الحزن ‪ ..‬ويبدو عليه التوتر ‪ ..‬كلمه عموما قليل‪ ،‬ول يتكلم إل‬
‫ردا على ما يوجه إليه من أسئلة ‪ ..‬كلمه مترابط ومفهوما وإجاباته مباشرة وفي اتجاه‬
‫الموضوع المطلوب الحديث فيه ‪ ..‬وهو عموما متعاون ولم يلحظ عليه علمات تدعو للشك في‬
‫صدقه أو لجوئه لفتعال أعراض مرضية"‪.‬‬

‫ومما ل شك فيه أن الحادث قد أثر على سليمان خاطر نافسيا ‪ ..‬على القل‪ .‬وهذا طبيعي جدا مع‬
‫شخص بهذا التكوين الدقيق ‪ ..‬والحساس ‪..‬‬

‫وهذا التأثير اناعكس عليه لبعض الوقت ‪ ..‬حتى أن النيابة العسكرية سجلت أثناء التحقيق معه‬
‫)ص – ‪ (47‬أناها لحظت أناه تنتابه "فترات صمت طويلة وعدما تركيز وأحياناا يغلب عليه‬
‫البكاء" ‪ ...‬وعندما سأله المحقق – بعد ذلك – عما إذا كان يرغب في إرجاء التحقيق ‪ ..‬رفض‬
‫وطلب استمراره! !‬

‫وبعد فترة أخرى سجل المحقق الملحوظة التالية‪:‬‬

‫"اناتابت سليمان حالة بكاء شديدة‪ ،‬وبدأ يردد عبارات مفادها‪ :‬كفاية ‪ ..‬وإيه يعني ‪ ..‬ماشي ‪ ..‬أناا‬
‫فداء مصر ‪ ..‬هو أناا حظلم الناس معايا وأناا ضميري مرتاح‪ ،‬وهما خايفين يتجروا معايا‪ ،‬وواحد‬
‫منهم يأخذ سنة وإل حاجة ‪ ..‬أي حاجة ‪ ..‬إن شاء ا خير ‪ ..‬حتى لو أناضرب بالنابالم أو‬
‫الرصاص أناا ما قولش غير الحق" ‪..‬‬
‫وأضاف المحقق في ملحوظته‪" :‬واناتظرنااه حتى اناتهاء ناوبة البكاء ‪ ..‬وسألناه عما إذا كان‬
‫يرغب في استمرار التحقيق أو إرجائه ‪ ..‬فطلب الستمرار" ! !‬

‫ورغم أن المحقق العسكري وصف هذا الحوار المرتفع الصوت بين سليمان ونافسه بأناه‬
‫"هذيان" فإناه في الحقيقة ليس كذلك ‪ ..‬إناه مع مراعاة حالة سليمان العصبية بعد الحادث‪،‬‬
‫يكشف عن الكثير ‪ ..‬يكشف عن وعي وحس وطني‪" :‬أناا فداء مصر" ‪ ...‬ويكشف عن قدرته‬
‫كشخص على تحمل المسئولية‪" :‬هو أناا حظلم الناس معايا" ‪ ..‬ويكشف عن قدرته كجندي في‬
‫رفع الضرر عن غيره‪" :‬هما خايفين يتجروا معايا" ‪ ..‬ويكشف عن رغبة في الصدق مهما كان‬
‫الثمن‪" :‬حتى لو أناضرب بالنابالم أو الرصاص أناا ما قولش غير الحق"‪.‬‬

‫إنانا ل ناحمله أكثر مما يحتمل ‪..‬‬

‫ولكن ‪ ...‬من المؤكد أن الحادث قد كشف الكثير من خصاله الطيبة ‪ ..‬أو ‪ ..‬على القل أكدها ‪..‬‬
‫ومن المؤكد أن ردود فعل الحادث قد سارعت في صهر شخصيته‪ ،‬وإناضاجها قبل الوان ‪..‬‬

‫إن هناك أكثر من دليل على صدق وصحة هذه النتيجة ‪:‬‬

‫‪ – 1‬تحدث في تحقيقات النيابة عن خوفه من ترك الحدود مع إسرائيل "فاضية" على حد‬
‫تعبيره‪.‬‬

‫‪ – 2‬تحدث في نافس التحقيقات عن فهمه للعلقة بين الجندي وسلحه ‪ ..‬وقال عبارته‬
‫المأثورة ‪ ..‬من يحب وطنه يحب سلحه ‪ ...‬وذلك في زمن قيل فيه إن السلما مع العدو‬
‫)السرائيلي( قد استقر والحواجز النفسية بيننا وبينه قد سقطت ‪..‬‬

‫‪ – 3‬أشار في نافس التحقيقات إلى تعاون ضباطنا الكبار في جنوب سيناء بصورة أو بأخرى مع‬
‫إسرائيل‪ ،‬وأكد أناه يفهم ما يدور حوله‪ ،‬وطلب من النيابة العسكرية أن تمشي المخابرات‬
‫وراءهم وتعرف ما يفعلون ‪ ..‬ولم يستثن من هذه التهمة سوى ضابطين أكبرهما برتبة رائد في‬
‫المن المركزي‪.‬‬

‫‪ – 4‬ما قاله في الرسالة التي بعثها من وراء القضبان وناشرتها صحيفة "الشعب" المعارضة‬
‫)ص ‪ – 3‬في ‪ 24‬ديسمبر ‪ .. (85‬من أن زملءه في السجن يسألوناه‪ :‬ماذا بك يا سليمان؟ فيرد‬
‫عليهم‪" :‬أفكر في أمي" ‪ ..‬ويضيف‪" :‬يمكن بيتصوروا إناي أقول غير الصدق‪ ،‬مع أناي أقول‬
‫الصدق‪ ،‬كل الصدق‪ ،‬لناي طول الوقت أفكر في أمي ‪ ..‬مصر ‪ ...‬ناعم أفكر في أمي مصر‪ ،‬وده‬
‫مبعث الراحة الوحيد بالنسبة لي ‪ ..‬أتصور أناها امرأة طيبة مثل أمي‪ ،‬تتعب وتعمل مثلها وأقول‬
‫لها‪ :‬يا أمي أناا واحد من أبنائك المخلصين‪ ،‬فجسمي من ترابك ودمي من نايلك" ‪" ..‬وحين أبكي‬
‫أتصورها تجلس جانابي مثل أمي في البيت كل أجازة تأخذ رأسي في صدرها الحنون‪ ،‬وتقولي‬
‫لي‪ :‬ل تبك يا سليمان لقد فعلت ما كنت أناتظر من أي ابن بار من ولدي" ‪ " ..‬يا أمي ‪ ..‬يا‬
‫مصر ‪ ..‬جسمي من ترابك‪ ،‬ودمي من نايلك ‪ ..‬أناا دافعت عن أرضك زي كل جندي مخلص‪ ،‬يا‬
‫أمي العظيمة"‪.‬‬

‫‪ – 5‬ما سبق أن أشرناا إليه‪ ،‬من أناه رفض أن يقابل أمه في المحكمة حتى ل يؤثر هذا المشهد‬
‫على نافسية كل جندي يحمل سلحه دفاعا عن حدود مصر ‪..‬‬
‫وقد كشفت التحقيقات أيضا إلى أي مدى يتمتع سليمان خاطر بالطيبة والخلق واليمان بالقدر‬
‫والمكتوب ‪..‬‬

‫لقد لحظ المحقق أن أقوال زملء سليمان تتناقض مع بعضها البعض‪ ،‬وتتناقض مع أقواله‬
‫أيضا‪ ،‬فطلب من سليمان مواجهتهم لحراجهم إذا استدعى المر ‪ ..‬لكنه رفض‪ ،‬وقال في‬
‫الرسالة السابقة الشارة إليها‪:‬‬

‫"عايز أقول شيء آخر‪ ،‬عن زملئي الذين شهدوا ضدي في النيابة وبعدين رجعوا صححوا‬
‫أقوالهم بعد ذلك‪ ،‬وبكوا واعترفوا ‪:‬‬

‫لقد قال لي رئيس النيابة في التحقيق‪ :‬أقوالك تتناقض مع أقوال زملئك ولهذا ل بد من مواجهة‬
‫بينك وبينهم وقلت له‪ :‬إناني أرفض بشدة هذه المواجهة ‪ ..‬ل أريد أن أواجههم لناني ل أريد أن‬
‫أجرحهم أو أن أسبب لهم مشاكل ‪..‬‬

‫"عندما قابلوناي بعد ذلك في السجن حضنوناي وبكوا‪ ،‬وقالوا لي‪" :‬احنا ناعرفك يا سليمان‬
‫ويكفي إناك علمتنا كيف ناحرس وناحافظ على حدودناا مهما كانات الظروف"‬

‫قلت لهم‪ :‬أناا أعرف ظروفكم ولكن أقسم برب العزة أناي أجبت على كل سؤال في النيابة‬
‫بالحقيقة ‪ ..‬كل الحقيقة ‪...‬‬

‫وعندما كنت أودعهم بكيت ‪..‬‬

‫فقالوا لي‪:‬‬

‫"أتبك يا سليمان وأنات علمتنا الشجاعة"‪.‬‬

‫فقلت لهم‪:‬‬

‫"أناا أبكي من الفراق فقد عشت معكم عامين وناص"‬

‫ول ناملك أي تعليق ‪..‬‬

‫فإنانا أماما "مسيح" في عصر المادة‪ ،‬والمصالح‪ ،‬والهيروين‪ ،‬والدولر‪ ،‬والسوق السوداء ‪..‬‬

‫وفيما بعد ‪ ...‬سيتأكد لنا هذا الحساس تماما!  ‬


‫خاتم سليمان خاطر‬
‫  بدأت قضية سليمان خاطر قضية "مدناية" واناتهت قضية "عسكرية" تم هذا التحول في‬
‫ساعات قليلة جدا ‪ ..‬ومع ذلك فلتلك الساعات القليلة جدا قصة تستحق أن تروى ‪ ..‬وتستحق أن‬
‫ناغوص في تفاصيل تفاصيلها حتى النخاع ‪..‬‬

‫لقد قبض على سليمان بعد نازوله من الجبل‪ ،‬واقتيد تحت الحراسة المشددة إلى ديوان قسم‬
‫شرطة "ناويبع"‪ ،‬وهناك لم يتردد في أن يتكلم وأجاب على كل السئلة التي وجهت له‪ ،‬دون أن‬
‫يطلب محاميا يحضر التحقيق‪ ،‬ودون أن ينبهه أحد إلى أن كل كلمة سيقولها‪ ،‬ستحسب عليه ‪..‬‬
‫وقد تلف حبل المشنقة حول عنقه‪.‬‬

‫تولى التحقيق مع سليمان مأمور القسم ‪ ..‬وبعد أن اناتهى‪ ،‬سلمه إلى العقيد رضا الحمامي قائد‬
‫ثاناي قطاع المن المركزي بشرما الشيخ‪ ،‬والرائد أحمد الشيخ قائد ثاناي سرية المن المركزي‬
‫بنويبع ‪ ..‬وقد وقع الخير على المحضر الذي فتحه المأمور‪ ،‬بالستلما‪.‬‬

‫ناقل سليمان من مبنى القسم إلى مبنى القطاع في سيارة شرطة‪ ،‬محاطة‪ ،‬بحراسة مشددة ‪ ..‬وقد‬
‫استغرق المشوار حوالي ست ساعات ‪...‬‬

‫وخلل هذا المشوار الطويل‪ ،‬لم يتحدث أحد مع سليمان‪ ،‬حتى الرائد أحمد الشيخ‪ ،‬الذي قال ذلك‬
‫في محضر النيابة العسكرية ‪ ...‬وبعد أن وصل سليمان إلى مبنى القطاع في شرما الشيخ‪ ،‬اختفت‬
‫أخباره لمدة ساعات‪ ،‬تم خللها الكثير ‪ ..‬وفي الساعة الثالثة والنصف من فجر ‪ 7‬أكتوبر ‪1985‬‬
‫وصل سليمان إلى سجن "فنارة" العسكري بالسويس مع مندوب من قطاع المن المركزي‪،‬‬
‫وسلمه المندوب بموجب "الكتاب رقم ‪ 85 /200 /11‬بتاريخ ‪ "85 /10 /7‬إلى قائد السجن‪،‬‬
‫العقيد "محمد عبد الحميد علي" ‪ ..‬وكان قائد السجن على علم مسبق باحتجازه قبل أن يصل‬
‫إليه‪ ،‬وذلك بعد أن أصدر له قائد الجيش الثالث الميداناي – الذي يخضع لوامره – قراره بحجز‬
‫سليمان "حجزا شديدا" لمدة شهر من الساعة الثاناية ظهر يوما ‪ 6‬أكتوبر ‪.1985‬‬

‫وفيما بعد قال سليمان خاطر‪:‬‬

‫‪ -‬لما تقرر أناي أناقل من قسم "ناويبع" إلى سجن "فنارة" بالسويس‪ ،‬كان مطلوبا أن ذلك يتم‬
‫في وجود حارس‪ ،‬واختاروا هذا الحارس‪ ،‬وكان لزما الحارس يستلم بندقية وذخيرة‪ ،‬ويشيل‬
‫البندقية ويمشي خلفي حتى يسلمني للسجن ‪ ..‬لكن هذا الجندي اللي عين لحراستي رفض رفضا‬
‫قاطعا أن يتسلم البندقية وقال‪ :‬ل أحمل بندقية خلف سليمان خاطر ول أرفع سلحي خلف‬
‫سليمان خاطر " ‪ ..‬وحين أصروا على أن يتسلم البندقية قال‪" :‬أناا مستعد أوقع على استلما‬
‫السلح ولكن غير مستعد أناي أحمله معي‪ ،‬وحاسيبه على مسئوليتي في مكاناه" ‪ ..‬وبالفعل‬
‫مشى حارسي إلى جواري من غير بندقية وقطع معي أكثر من ‪ 200‬كيلو‪ ،‬وهو يرفض أن يحمل‬
‫سلحه خلفي وقال لي في الطريق‪" :‬أناا عارف إناك مخلص لمصر‪ ،‬وكل مصري‪ ،‬مش ممكن‬
‫إناه يحمل سلح وراء أخيه وهوه يعرف إناه مخلص لوطنه" ‪ ..‬إن اسم هذا الجندي هو عبد‬
‫الشافي عبد الرءوف وهو من السماعيلية‪ ،‬وممكن يكون موقفه ده أكثر حاجة أسعدتني"‪.‬‬

‫"لكن أكثر حاجة عذبتني هوه إناي حين ناقلت إلى سجن فنارة دخلت غرفة السجن مع عدد من‬
‫الشخاص‪ ،‬عرفت بعد ذلك إناهم جميعا هاربون من الجندية‪ ،‬ومقبوض عليهم لهذا السبب ‪..‬‬
‫كان مؤلما جدا بالنسبة لي ‪ ..‬أناا أعطيت الجندية ثلث سنوات ويوما واحد بالضبط ‪ ..‬وأناا واقف‬
‫على تبة عالية أحمي ستين كيلو مترا من حدود مصر الشرقية‪ ،‬أوضع بعد كده في غرفة سجن‬
‫واحدة مع "الهاربين من الجندية" ‪ ..‬ده يعني إيه؟‬

‫وحسب ما قاله قائد السجن‪:‬‬

‫"إناه تم توقيع الكشف الطبي على سليمان خاطر – فور دخوله السجن – ولم يجدوا أي إصابات‬
‫ظاهرة‪ ،‬وقد جاءت ناتيجة الكشف الطبي عليه مطابقة لتقرير طبيب المن المركزي الذي سبق‬
‫ووقع الكشف عليه"‪.‬‬

‫وفي نافس اليوما الذي دخل فيه سليمان خاطر سجن "فنارة" العسكري‪ ،‬عرض على النيابة‬
‫العسكرية لستجوابه ‪ ..‬وكانات النيابة العامة التي تولت التحقيق أول قد فشلت في ذلك‪ ،‬بل قد‬
‫فشلت في معرفة مكاناه ‪ ..‬كيف؟ ‪ ..‬ولماذا؟‬

‫في تماما الساعة الحادية عشرة من مساء يوما الحادث‪ ،‬دق جرس التليفون في استراحة وكيل‬
‫نايابة "رأس سدر" الجزئية ‪ ..‬رفع الرجل )واسمه بالمناسبة محمد ناصر فتحي( سماعة‬
‫التليفون ليجد على الطرف الخر مأمور قسم ناويبع ‪...‬‬

‫‪ -‬خير يا سيادة المأمور!‬

‫‪ -‬فيه جندي أمن مركزي بمنطقة طابا أطلق النار على بعض "المصطافين" الجاناب‪ ،‬فأصاب‬
‫بعضهم‪.‬‬

‫‪ -‬وأين هو؟‬

‫‪ -‬فتحت له محضر وسأتصل بك في وقت آخر!‬

‫أغلق وكيل النيابة السماعة‪ ،‬ثم عاد فرفعها ليتصل بالمستشار "بشري مطر" – المحامي العاما‬
‫لنيابة جنوب سيناء ‪ ..‬وعندما ناجح في ذلك‪ ،‬لخص له ما سمعه من مأمور قسم "ناويبع" فقرر‬
‫المستشار "بشري مطر" بسرعة‪ ،‬ضرورة الناتقال إلى مكان الحادث "لمباشرة إجراءات‬
‫التحقيق وإجراءات المعاينة"‪.‬‬

‫صباح اليوما التالي فوجئ وكيل النيابة – وفوجئ معه المصريون كلهم – بالصحف تنشر خبر‬
‫الحادث‪ ،‬دون أن تذكر اسم سليمان خاطر‪ ،‬وإن كانات قد ذكرت أناه مصاب بمرض عقلي‪.‬‬

‫وكان هذا الوصف‪ ،‬وصفا )إسرائيليا( تماما‪ ،‬كان أول من استخدمه المحامي )السرائيلي(‬
‫"جيرا كورن" ‪ ..‬وإن كان قد ناسبه إلى أحد الجنود المصريين ‪ ..‬وفيما بعد اتضح كذب هذا‬
‫النسب ‪ ..‬وفيما بعد أناكر الرائد أحمد الشيخ أناه سمع أن سليمان مصاب بخلل عقلي ‪ ..‬وفيما بعد‬
‫كلف سليمان خاطر‪ ،‬المحامي عبد الحليم رمضان برفع قضية ضد كل من وصفه بالجنون ‪..‬‬
‫وفيما بعد قال التقرير الطبي الذي أعد بعد فحص سليمان خاطر نافسيا وعصبيا إناه "ليس به‬
‫مرض عقلي أو تخلف أو صرع"‪.‬‬

‫في نافس الصباح ‪ ..‬توجه وكيل النيابة "محمد ناصر فتحي" إلى قسم شرطة "ناويبع" ‪ ..‬وسأل‬
‫عن المأمور وناائبه‪ ،‬فعرف أناهما في مكان الحادث ‪ ..‬كان ذلك في الساعة الثامنة والربع‬
‫صباحا‪ ،‬فقرر الناتقال إليهما هناك ‪ ..‬واستغرق ذلك بعض الوقت ‪ ..‬وهناك قدما له المأمور‬
‫المحضر رقم ‪ 186‬لسنة ‪ – 1985‬الذي فتحه وأغلقه في الليلة الماضية‪.‬‬

‫وبعد فترة عاد الجميع إلى مبنى القسم ‪ ..‬وحرزوا البندقية المستخدمة في الحادث‪ ،‬بعد لفها‬
‫بقطعة من القماش البيض‪ ،‬وربطها بالدوبار‪ ،‬وختمها بالشمع "السود" في أربعة أماكن ‪..‬‬
‫وحرزوا "السوناكي" في مظروف "أصفر"‪ ،‬وشنطة من القماش "الخضر" ذات سوستة‬
‫بيضاء‪ ،‬بحمالة كتف بداخلها أكياس بلستيك بها عدد من الطلقات الفارغة والحية‪.‬‬

‫ثم ‪ ..‬استدعت النيابة العامة مأمور القسم العقيد محمد إسماعيل علي وناائبه للشهادة ‪.‬‬
‫واستدعت للشهادة أيضا المقدما حسن خلف قائد سرية المن المركزي بنويبع‪ ،‬وجنود النقطة‬
‫التي وقع فيها الحادث‪ :‬عطية إبراهيم ‪ ..‬وعلي إبراهيم ‪ ..‬وحسن الخولي ‪ ..‬وحسوناة حمودة ‪..‬‬
‫وقائد النقطة ‪ ..‬ملزما أول طارق سلطان‪.‬‬

‫وقد رصدت هذه القوال وغيرها في محضر النيابة العامة الذي لم يزد على ‪ 31‬صفحة ‪..‬‬
‫بخلف ‪ 3‬صفحات عن معاينة مكان الحادث ‪..‬‬

‫وفيما بعد وصلت محاضر تحقيقات النيابة العسكرية إلى أكثر من ‪ 200‬صفحة‪.‬‬

‫وفي مساء ذلك اليوما ‪ ..‬توجه كيل النيابة إلى ديوان شرطة "شرما الشيخ" وقابل العقيد "هاناي‬
‫خضر" مأمور القسم ‪..‬‬

‫وسأله‪:‬‬

‫‪ -‬أين المتهم سليمان محمد عبد الحميد؟‬

‫فرد‪:‬‬

‫‪ -‬أناا ل أعلم عن مكان تواجده شيئا ‪ ..‬ولم ترسل إشارات أو بياناات عنه من رئاسة قطاع المن‬
‫المركزي في شرما الشيخ!‬

‫ووجد وكيل النيابة أن من الصعب الناتقال إلى قطاع المن المركزي بشرما الشيخ في نافس‬
‫الليلة‪ ،‬فقرر تأجيل ذلك إلى صباح اليوما التالي ‪..‬‬

‫ول بد أناه فعل ذلك وسط دوامات من الدهشة والستغراب ‪..‬‬

‫ول بد أناه تساءل بينه وبين نافسه عن السر وراء إخفاء المتهم عن النيابة ‪...‬‬

‫في صباح اليوما التالي توجه وكيل النيابة إلى مبنى القطاع‪ ،‬وهناك التقى بالمحامي العاما لجنوب‬
‫سيناء‪ ،‬وراحا يسألن نافس السؤال‪ :‬أين سليمان؟‬

‫ولم يجدا إجابة!‬

‫واتصل المحامي العاما تليفونايا باللواء أمين الحسيني مدير أمن جنوب سيناء‪ ،‬فحوله إلى العميد‬
‫جهاد حرب‪ ،‬فسأله المحامي العاما‪:‬‬
‫‪ -‬أين سليمان يا سيادة العميد ‪ ..‬ناريد استجوابه‬

‫فرد سيادة العميد‪:‬‬

‫‪ -‬هناك مندوب سيقابل سيادتك بصفة رسمية ‪ ..‬سيحضر بعد قليل!‬

‫وبعد قليل جاء الرجل فعل ‪..‬‬

‫لم يكن هذا الرجل شخصا عاديا ‪ ..‬كان المقدما يحيى حسن قاسم رئيس نايابة السويس‬
‫العسكرية‪ ،‬وعندما قابله المحامي العاما‪ ،‬قدما له مفاجأة غيرت خطة عمله‪ ،‬وقلبتها تماما ‪.‬‬

‫كانات المفاجأة صورة من قرار رئيس الجمهورية رقم ‪ 380‬لسنة ‪ 1985‬بتحويل "الجرائم‬
‫المنسوب ارتكابها للرقيب مجند سليمان محمد عبد الحميد التابع لقوات المن المركزي والتي‬
‫وقعت منه بجهة جنوب سيناء بتاريخ ‪ 1985 /10 /5‬إلى القضاء العسكري وما يرتبط بها من‬
‫جرائم"‪.‬‬

‫وقد صدر هذا القرار يوما ‪ 6‬أكتوبر وتأشر عليه من المدعي العاما العسكري بتاريخ يوما صدوره‪،‬‬
‫وقال في التأشيرة‪" :‬يندب رئيس نايابة السويس العسكرية لجراء التحقيق" ‪ ..‬وبعد أن اطلع‬
‫المحامي العاما على صورة القرار الجمهوري قرر تسليمه التحقيقات وباقي الوراق‪.‬‬

‫وبعد أن سلم المستشار بشري مطر ما في حوزته من أوراق‪ ،‬حصل على توقيع المقدما يحيى‬
‫قاسم بالستلما‪ ،‬وغادر المكان مع رجال النيابة العامة‪.‬‬

‫صورة القرار الجمهوري التي كان يحملها رئيس نايابة السويس العسكرية للمحامي العاما‪،‬‬
‫تسلمها ظهر اليوما السابق ‪ ..‬بالتحديد في الساعة الثالثة ظهرا ‪ ..‬وعلى الفور فتح محضر‬
‫التحقيق ‪ ..‬واتصل بوكيل نايابة السويس العامة "محمد الفاتح" وسأله عن أوراق التحقيق فقال‬
‫له‪ :‬إن المستشار بشري مطر في ناويبع للتحقيق والمعاينة‪ ،‬وتأكد يحيى قاسم من هذه المعلومة‬
‫بعد اتصاله ببيت المستشار مطر ‪ ..‬وبعد ذلك اتصل بالمدعى العاما العسكري وقال له‪:‬‬

‫‪ -‬يا فندما الوراق كلها في حوزة النيابة العامة!‬

‫فرد عليه المدعى العاما العسكري‪:‬‬

‫‪ -‬اناتقل فورا لمكان الحادث! وافعل اللزما!‬

‫بعد ذلك اتصل رئيس نايابة السويس العسكرية بالعميد حمدي طاحون رئيس شعبة التنظيم‬
‫والدارة بالجيش الثالث وأبلغه أن قائد الجيش الثالث )لواء أ‪ .‬ح‪ .‬حسن الزيات( أمر بتدبير‬
‫وسيلة الناتقال اللزمة له ولمساعديه إلى مكان الحادث ‪ ..‬وبالفعل تم تجهيز طائرة في مطار‬
‫"القطامية" أقلعت بطاقم التحقيق في السابعة والنصف من صباح يوما الحد ‪ 7‬أكتوبر ‪.. 1985‬‬
‫وكانات الطائرة من طراز "هيل – جازيل" – عمودية‪.‬‬

‫هبطت الطائرة دون متاعب في أحد مطارات جنوب سيناء‪ ،‬القريبة من مقر قيادة المن‬
‫المركزي هناك ‪ ..‬وفي ذلك المقر قابل المقدما يحيى قاسم – رئيس نايابة السويس العسكرية‬
‫المستشار بشري مطر محامي السويس العاما‪ ،‬وأطلعه على صورة القرار الجمهوري‪ ،‬وقدما له‬
‫صورة منه ‪ ..‬وقابل قائد القطاع العميد جهاد توفيق الذي أبلغه بسهولة‪ :‬أن المتهم قد رحل إلى‬
‫سجن فنارة العسكري برفقة الحرس اللزما‪ ،‬وأن هناك خمسة شهود يمكن استجوابهم‪ ،‬سبق‬
‫للنيابة العامة أخذ أقوالهم‪ ،‬وأن أحراز القضية جاهزة للستلما‪ ،‬وكذلك أوراقها‪.‬‬

‫وقبل أن تنكسر الشمس ويهبط الليل‪ ،‬ويصعب الطيران‪ ،‬قرر المقدما يحيى قاسم الناتقال‬
‫بالطائرة إلى أقرب مكان للحادث يمكن أن تهبط فيه ‪ ..‬ولكنه اكتشف أن الطائرة في حاجة إلى‬
‫وقود ‪ ..‬والمسئول عن الوقود في المطار )مطار رأس ناصراناي بشرما الشيخ على بعد ‪ 206‬كيلو‬
‫مترات من الحادث( غير موجود ‪ ..‬ولم يصل ذلك المسئول في الوقت المناسب للطيران ‪ ..‬قبل‬
‫آخر ضوء فتعذر الطيران إل في صباح اليوما التالي )‪ 8‬أكتوبر( ‪ ..‬وفي حوالي الساعة الثالثة إل‬
‫ثلث وصل طاقم النيابة العسكرية إلى مكان الحادث للمعاينة )بعد أكثر من يومين على الحادث(‬
‫فاكتشف "عدما جدوى المعاينة حيث قد تمت إزالة آثار الحادث بعدما قامت به النيابة العامة" ‪..‬‬
‫وكانات النيابة العامة قد رسمت رسما "كروكيا" للمعاينة‪ ،‬فعرضها المقدما يحيى قاسم على‬
‫ناائب مأمور قسم ناويبع – الذي رافق النيابة العامة في المعاينة – فأكد أن الرسم مطابق‬
‫"لمشاهدته الفورية للحادث" ‪...‬‬

‫وبعد هذه المقدمة التي طالت‪ ،‬بدأت النيابة العسكرية في استجواب الشهود والمتهم! وبعد هذه‬
‫المقدمة التي طالت‪ ،‬تحولت قضية سليمان خاطر من قضية مدناية تحمل رقم ‪ 186‬إلى قضية‬
‫عسكرية تحمل رقم ‪!142‬‬

‫لم يمر تحويل القضية من القضاء المدناي إلى القضاء العسكرية بسهولة ‪ ..‬ففي يوما ‪ 2‬ديسمبر‬
‫‪ 1985‬قدما المحامي عبد الحليم رمضان‪ ،‬نايابة عن سليمان خاطر‪ ،‬عريضة دعوى لوقف تنفيذ‬
‫وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم ‪ 380‬لسنة ‪ 1985‬الخاص بتحويل القضية إلى القضاء‬
‫العسكري ‪ ..‬وكانات الدعوى موجهة إلى المستشار محمد محمود عبد المجيد بصفته ناائب رئيس‬
‫مجلس الدولة ورئيس محكمة القضاء الداري‪ ،‬ورئيس الدائرة الولى لمنازعات الفراد‬
‫والهيئات ‪ ..‬وكانات الدعوى موجهة ضد رئيس الجمهورية والقائد العلى للقوات المسلحة‪،‬‬
‫والرئيس العلى للدارة العامة للقضاء العسكري وإدارة المدعي العاما العسكري‪.‬‬

‫وقد جاءت في هذه العريضة‪:‬‬

‫"بمناسبة تعدي نافر من شذاذ الفاق الذين ل وطن لهم ول أرض ول هوية‪ ،‬أو جنسية على‬
‫أرض الكناناة الطاهرة في عري ل تقره شريعة في سماء أو في أرض‪ ،‬في محاولة استطلع‬
‫لموقع عسكري في حراسة المواطن سليمان خاطر ورفضهم الناسحاب إلى حيث أتوا بعد‬
‫رفضهم الفصاح عن شخصياتهم وغرضهم من اناتهاك حرية المنطقة العسكرية الحراما بما في‬
‫أيديهم من أدوات ومهمات يحتمل فيها القنابل وغيرها‪ ،‬وكان من بينها آلت تصوير اضطر‬
‫المواطن سليمان خاطر إلى استعمال سلحه الذي قضى على سبعة من الشذاذ المهاجمين‬
‫وأصاب غيرهم بإصابات لم تقتلهم ‪...‬‬

‫"وقامت النيابة العامة بضبط الواقعة وبدأت تحقيقاتها التي توقفت فجأة بسبب إصدار رئيس‬
‫الجمهورية قراره رقم ‪ 380‬لسنة ‪ 1985‬بإحالة القضية إلى القضاء العسكري وبدأت النيابة‬
‫العسكرية إجراءاتها الباطلة التي اناتهت بتقديم سليمان خاطر إلى محكمة عسكرية في محاكمة‬
‫سرية‪ ،‬غير مأموناة العاقبة‪ ،‬بينما تتبادل حكومة العنصرية الصهيوناية وحكومة المقدما ضده‬
‫الرسائل يوميا في شأن محاكمته وناتائجها وآثارها ‪ ..‬وتذيع على المل حكومة الرهاب‬
‫الصهيوناي أناها لن تبدأ مفاوضاتها بشأن طابا الحزينة قبل تقديم ضماناات إعداما المتهم المدناي‬
‫من المحاكمة العسكرية التي تباشر محاكمته ‪...‬‬
‫"ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية بإحالة القضية إلى القضاء العسكري استند إلى حالة‬
‫الطوارئ وما تخول لرئيس الجمهورية من حقوق‪ ،‬ولم يمد مجلس الشعب حالة الطوارئ إل‬
‫بعد تصريح الحكومة بعدما استخداما قاناون الطوارئ إل في حوادث الرهاب وضد الرهابيين‪،‬‬
‫وترتبط هذه الحالة بأسبابها التي أعلنت من أجلها وهي حالة البلد المنية الناشئة عن قتل‬
‫رئيس الجمهورية السابق محمد أناور السادات وتأمين البلد من شر فتنة توقعها رئيس‬
‫الجمهورية المؤقت الذي أعلن حالة الطوارئ قبل تولي سلطاته الدستورية بحلف اليمين أماما‬
‫مجلس الشعب مما يترتب عليه بطلن قراره بإعلن هذه الحالة الستثنائية في أناحاء البلد‪،‬‬
‫مما يترتب عليه بطلن إعلناه واناعدامه وبطلن كل إعلن بتمديد مدة الحالة المعلنة فيه فيما‬
‫جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا من إصدار رئيس الجمهورية لقرارات لها قوة‬
‫القاناون في غيبة السلطات التشريعية يرتبط حتما بضرورة تبرر ذلك وتقتضيه وتخضع في‬
‫إثبات وجودها أو عدما وجودها لرقابة القضاء فإذا ثبت عدما وجود ضرورة للتشريع الصادر‬
‫بالقرار الجمهوري فإناه يبطل ول يصححه عرض على السلطة التشريعية أو موافقة عليه ‪...‬‬

‫"وحيث يحق طلب وقف تنفيذ قرار إحالة قضية قتل والشروع في قتل )السرائيليين( المتهم‬
‫فيها سليمان خاطر لدى القضاء العسكري في محاكمته الجارية الن لوقف الخطر الذي يتهدده‬
‫ناتيجة هذه المحاكمة في روحه وحريته ‪...‬‬

‫"لذلك ‪ ..‬نالتمس وقف تنفيذ القرار المطعون عليه بصفة مستعجلة‪ ،‬شامل كافة آثاره بما فيها‬
‫المحاكمة العسكرية المعقودة من أجل محاكمة سليمان خاطر عسكريا فيما ناسب إليه من‬
‫ادعاءات‪ ،‬ثم بإلغاء هذا القرار واعتباره كأن لم يكن‪ ،‬مع إلزاما المدعي عليه في جميع الحوال‬
‫بكل المصروفات‪ ،‬وشمول الحكم في كل طلب بالنفاذ وبل كفالة والمر فيه بتنفيذه بموجب‬
‫مسودته وبدون إعلن‪ ،‬ومع حفظ كل حق في التعويضات بجميع أناواعها"‪.‬‬

‫عندما بدأت محاكمة سليمان خاطر العسكرية كان عبد الحليم رمضان خارج البلد وهذا ما‬
‫يفسر تأخره في رفع هذه الدعوى ‪..‬‬

‫وفيما بعد قال عبد الحليم رمضان‪:‬‬

‫‪ -‬إناني عندما تقدمت بهذه الدعوى للقضاء الداري‪ ،‬أردت إعادة محاكمة سليمان خاطر أماما‬
‫قاضيه الطبيعي باعتباره فردا من هيئة الشرطة وهي طبقا للمادة ‪ 184‬في الدستور هيئة‬
‫مدناية‪ ،‬ناظامية‪ ،‬ل هيئة عسكرية‪ ،‬حتى تخضع للنظاما العسكري‪ ،‬ويعتبر جنودها مثل الفراد‬
‫المدنايين إذا ما ارتكبوا جناية قتل سواء بحق أو بغير حق ‪ ..‬وتختص محكمة الجنايات العادية‬
‫بنظر قضاياهم ومحاكمتهم أماما هذه المحكمة‪ ،‬وهذا يعطيهم الحق في الطعن في الحكم أماما‬
‫محكمة النقض‪ ،‬المر الذي ل يتوافر في المحاكم العسكرية‪ ،‬وبذلك ل يهدر حقه في الطعن أماما‬
‫محكمة أعلى ‪ ...‬أما في المحكمة العسكرية فنجد أن الحكاما ل تقبل الطعن‪ ،‬لن الذي يصدق‬
‫عليها وزير الدفاع أو رئيس الجمهورية حسب الحالة ‪ ..‬وفي هذه الحالة يجوز تقديم التماس‬
‫ينظر بطريقة مكتبية بل مرافعة‪ ،‬بناء على مذكرات تقدما من المحكوما عليه ينظرها الضابط‬
‫الملتمس لديه ويقرر بينه وبين نافسه قبول اللتماس أو رفضه ‪ ..‬إلغاء الحكم أو تخفيضه أو‬
‫تأييده ‪ ..‬حسب ما يراه ‪...‬‬

‫والمحكمة العسكرية هنا غير مختصة ‪ ...‬ول يتوافر فيها لسليمان خاطر ناص المادة ‪ 68‬من‬
‫الدستور التي تفرض محاكمة كل مواطن أماما قاضيه الطبيعي ‪...‬‬
‫وإذا أصدر رئيس الجمهورية قرارا – كالذي أصدره في قضية سليمان خاطر – بمعاملته‬
‫بقاناون الطوارئ في تهمة قتل وإحالته إلى القضاء العسكري فيكون قد ألحق إساءة بمركز‬
‫المتهم الذي كان يضع باعتباره عندما وقع الحادث أناه سيحاكم بقاناون العقوبات العادي أماما‬
‫محكمة جنائية مشكلة من مستشارين‪ ،‬وله حق الطعن في أحكامها ‪...‬‬

‫إن قرار رئيس الجمهورية – هنا – يعد تعديا على حق الجندي – الدستوري‪ ،‬وخاصة أن قاناون‬
‫الطوارئ نافسه باطل لصدوره في غيبة مجلس المة )الشعب بعد ذلك( من الرئيس السبق‬
‫جمال عبد الناصر‪ ،‬دون أن يعرض على المجلس خلل ‪ 15‬يوما من صدوره‪ ،‬وتطبيقه يعتبر‬
‫اغتصابا للسلطة التشريعية‪.‬‬

‫ولم ينس عبد الحليم رمضان أن يربط – وهو يتحدث – بين سليمان خاطر وخالد السلمبولي‪،‬‬
‫وسليمان الحلبي‪ ،‬وأدهم الشرقاوي‪ ،‬وقال إناه يعتبر سليمان خاطر هو شخصية عاما ‪... 1985‬‬
‫وقال إن التاريخ سيخلده مهما قالوا عنه‪ ،‬ومهما كانات قدرتهم على إلصاق الجنون بعقله‬
‫وتصرفاته!‬

‫ناظرت محكمة القضاء الداري دعوى عبد الحليم رمضان وسليمان خاطر في اليوما التالي‬
‫لتقديم عريضة الدعوى ‪...‬‬

‫وأماما المحكمة ‪ ..‬أقاما عبد الحليم رمضان دفاعه على أساس أن قرار رئيس الجمهورية‬
‫المطعون فيه‪ ،‬يعد إساءة لستعمال السلطة‪ ،‬وأناه قرار إداري وليس قرارا قضائيا‪ ،‬وأناه قرار‬
‫يستند إلى حالة الطوارئ‪ ،‬التي ل يستند إلى أي سند دستوري‪ ،‬كما سبق وأوضح ‪ ...‬وفي هذه‬
‫الجلسة أجلت القضية إلى جلسة ثاناية في ‪ 7‬ديسمبر‪.‬‬

‫وفي جلسة ‪ 7‬ديسمبر قدما محامي الحكومة حافظة مستندات‪ ،‬تحوي صورة‪ ،‬طبق الصل‪ ،‬من‬
‫قرار رئيس الجمهورية رقم ‪ 380‬لسنة ‪ – 1985‬المطعون فيه‪ ،‬وقدما مذكرة بدفاعه‪ ،‬دفع فيها‬
‫بعدما اختصاص المحكمة ولئيا بنظر الدعوى تأسيسا على أن سليمان خاطر يخضع أساسا‬
‫لقاناون الحكاما العسكرية باعتباره "أحد جنود القوات المسلحة" ‪ ..‬الذين يؤدون "الخدمة‬
‫العسكرية والوطنية في الشرطة" ‪ ...‬وبالتالي فهو يحاكم بالقواناين "الخاصة بضباط الصف‬
‫والجنود في القوات المسلحة‪ ،‬ويكون القضاء المختص بمحاكمته عن الجريمة المنسوبة إليه‬
‫هو القضاء العسكري"‪.‬‬

‫وقال محامي الحكومة في مذكرة دفاعه‪:‬‬

‫"إن القرار المطعون فيه لم يصدر من رئيس الجمهورية بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية وإناما‬
‫بصفته القائد العلى للقوات المسلحة ‪ ...‬أو باعتباره السلطة المنوط بها قاناوناا – طبقا لحكم‬
‫المادة ‪ 40‬من قاناون الحكاما العسكرية – إحالة الدعوى إلى المحكمة العسكرية المختصة‬
‫بالنسبة للعسكريين‪ ،‬ومن ثم تنحسر عنه صفة القرار الداري"‪.‬‬

‫كما دفع محامي الحكومة بعدما قبول الدعوى بالنسبة لعبد الحليم رمضان‪" ،‬لناتفاء مصلحته‬
‫باعتبار أن القرار المطعون فيه ل يمس مصلحة شخصية مباشرة له"‪ ،‬وفي الجلسة نافسها‬
‫أدوع عبد الحليم رمضان هو وسليمان خاطر مذكرتين بدفاعهما تضمنتا‪:‬‬

‫‪ -‬أن قرار رئيس الجمهورية المطعون فيه صدر بالمخالفة لحكم المادة السادسة من قاناون‬
‫الحكاما العسكرية على أساس أن ناص هذه المادة يعطي لرئيس الجمهورية سلطة إحالة جرائم‬
‫معينة )أي جرائم بنوعها( إلى القضاء العسكري‪ ،‬ول يخول له رخصة إحالة قضية بذاتها )لم‬
‫ينص عليها في هذه المادة( إلى هذا القضاء‪ ،‬كما أن هذه المادة المشار إليها مخالفة لحكاما‬
‫الدستور لناها تحرما المواطن المدناي من قاضيه الطبيعي وهو القضاء العادي وتخضعه لقضاء‬
‫عسكري ل تتوافر فيه الضماناات التي يكفلها الدستور أماما القضاء العادي‪.‬‬

‫وفي جلسة الحكم اعتبرت المحكمة الدعوى مقبولة شكل بالنسبة لسليمان خاطر‪ ،‬ومرفوضة‬
‫شكل بالنسبة لعبد الحليم رمضان لعدما وجود مصلحة شخصية مباشرة له في إقامتها‪ ،‬وقضت‬
‫برفض الدفع الذي تقدما به محامي الحكومة "بعدما اختصاصها ولئيا بنظر الدعوى" وأكدت‬
‫أناها ليست المحكمة المختصة في مثل هذه المور‪.‬‬

‫لكنها ‪ ...‬قضت أيضا برفض الطلب المستعجل بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية المطعون‬
‫فيه‪ ،‬وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتقديم الرأي القاناوناي في طلب اللغاء ‪...‬‬

‫باختصار ‪ ...‬فشلت هذه المحاولة القاناوناية ليقاف محاكمة سليمان خاطر عسكريا‪ ،‬وإعادته إلى‬
‫القضاء العادي وكان ل بد من اناتظار فتوى مجلس الدولة ‪ ..‬وكان هذا الناتظار ممتلئا بالنافعال‬
‫والتوتر ‪ ..‬وخاصة أن المحكمة الدستورية العسكرية التي تحاكم سليمان خاطر يمكن أن تصدر‬
‫حكمها عليه قبل فتوى مجلس الدولة ‪...‬‬

‫وأماما هذا المأزق لم يكن هناك مفر من استفزاز مشاعر الناس للضغط )شعبيا( على رئيس‬
‫الجمهورية لصدار قرار – طبقا للسلطات المخولة له واستنادا للقاناون والدستور – بتحويل‬
‫سليمان خاطر من القضاء العسكري إلى القضاء العادي ‪..‬‬

‫وتحركت أحزاب المعارضة ‪ ..‬خاصة حزبي "العمل" و "التجمع" ‪...‬‬

‫واحتلت قضية "سليمان خاطر" العناوين الرئيسية ‪ ..‬والمساحات الكبرى من الصحف‬


‫المعارضة ‪ ..‬وكانات هذه القضية – من قبل – ل تحظى بربع هذا الهتماما ‪ ..‬إن قرار المحكمة‬
‫الدارية كان بمثابة نازع الفتيل لقنبلة شديدة النافجار ‪ ..‬سياسيا ‪ ..‬وجماهيريا ‪..‬‬

‫فقد أفردت نادوة حزب "العمل" السبوعية والتي عقدت بعد أياما قليلة من حكم المحكمة‬
‫الدارية – مساحتها الكبرى للحديث عن سليمان خاطر‪ ،‬وقد كانات هذه الندوة – بالمصادفة –‬
‫عن حقوق الناسان بمناسبة مرور ‪ 37‬سنة على العلن العالمي لحقوق الناسان ‪..‬‬

‫وقال حلمي مراد‪:‬‬

‫إناه بمناسبة اليوما العالمي لحقوق الناسان ل بد أن ناؤكد على حق سليمان خاطر في الوقوف‬
‫أماما محكمة مدناية بدل من مثوله أماما المحكمة العسكرية بوصفه رجل شرطة وليس جنديا‬
‫بالجيش ‪ ..‬بالضافة إلى أناه كان يؤدي عمل مكلفا به ‪ ...‬وذلك حتى ناوفر له محاكمة عادلة‪،‬‬
‫وخاصة أن القضاء العسكرية ل يتمتع بالستقللية بل يخضع لوزير الدفاع ‪ ..‬وإذا ادعت‬
‫الحكومة أناها تحاكمه أماما القضاء العسكري عمل بقاناون الطوارئ فنحن ناذكرها بأناها التزمت‬
‫أماما مجلس الشعب بعدما استخداما قاناون الطوارئ إل ضد الرهابي‪ ،‬حامل السلح ‪ ...‬وهذا ل‬
‫ينطبق على سليمان خاطر ‪ ...‬وطبقا للميثاق العالمي لحقوق الناسان يجب محاكمته أماما‬
‫القضاء المدناي وليس العسكري‪.‬‬
‫وأعلن المهندس إبراهيم شكري أناه سيتقدما بطلب إحاطة عاجل للحكومة حول محاكمة سليمان‬
‫خاطر أماما القضاء العسكري‪ ،‬وليس القضاء العادي‪ ،‬وعدما توفير حقوقه وضمانااته القاناوناية‬
‫أثناء محاكمته وذلك لصدار رئيس الجمهورية قراره بإحالته إلى القضاء العسكرية مستخدما‬
‫ما خوله له قاناون الطوارئ الذي أعلنت الحكومة وأعلن رئيس الجمهورية بأناهما لن يستخدماه‬
‫إل في حالة الرهاب الخارجي المسلح‪.‬‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬لم يستطع إبراهيم شكري ول أي ناائب معارض آخر في البرلمان‪ ،‬فرض قضية‬
‫سليمان خاطر على مجلس الشعب ‪ ..‬وكان ذلك بسبب رفض أغلبية الحزب الوطني الحاكم‪،‬‬
‫توريط الحكومة في هذه القضية الصعبة تحت قبة السلطة التشريعية!‬

‫ومن نااحية أخرى طالب "]]فتحي رضوان[[" رئيس منظمة حقوق الناسان العربية‪ ،‬بإلغاء‬
‫محاكمة سليمان خاطر ‪ ..‬وقال‪:‬‬

‫من المؤكد أناه ل وجه لقامة الدعوى حيث تبين أن المتهم تعرض لضغوط نافسية مؤلمة على‬
‫مدى عامين وناصف عاما في هذا المكان المعزول والمليء بالحشرات والحيواناات الشرسة ‪...‬‬
‫يضاف إلى ذلك الستفزازات اليهودية التي تعرض لها‪ ،‬والتي أفقدته السيطرة على مشاعره‬
‫وأعصابه ‪..‬‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬استغرب بعض الكتاب في الصحف اليومية دعوة ]]فتحي رضوان[[ للغاء‬
‫المحاكمة ‪ ..‬وقالوا‪ :‬إناها دعوة غريبة خاصة إذا ما صدرت من رجل قاناون مثل ]]فتحي‬
‫رضوان [[‪ ،‬يعرف جيدا أن إلغاء المحاكمات‪ ،‬يعني إلغاء القاناون‪ ،‬وإلغاء الشرعية‪.‬‬

‫وكان ]]فتحي رضوان[[ قد أضاف‪:‬‬

‫إن ما فعله سليمان خاطر ل يقاس بما فعله السفاح )السرائيلي( "شارون" الذي ل يزال وزيرا‬
‫مسئول في )إسرائيل(‪ ،‬رغم ثبوت إداناته في قتل ‪ 3‬آلف بريء في صبرا وشاتيل ‪ ..‬إن الدولة‬
‫المصرية يجب أن تأخذ ذلك في حسباناها وهي تحاكم سليمان خاطر‪.‬‬

‫اناضم إلى هذه الحملة الشعبية بعض القواد العسكريين القدماء ‪ ...‬كان أبرزهم الفريق أول‬
‫محمد أحمد صادق وزير الحربية السبق ‪ ..‬وأمين هويدي مدير المخابرات السبق ‪..‬‬

‫إن السؤال الذي كان على هؤلء القواد الجابة عليه هو‪ :‬هل كان تصرف سليمان خاطر منافيا‬
‫لتقاليد الحراسة‪ ،‬وأصول ناوبات الخدمة بالسلح؟ أما ل؟‬

‫قال الفريق صادق‪:‬‬

‫يعود إلى ذاكرتي حادث وقع في عاما ‪ 1943‬فقد حدث أن أثار اقتراب قارب من كوبري قصر‬
‫النيل اناتباه جندي الحراسة فاتجه ببصره إليه فأدرك أن الراكب يبحر بقاربه في اتجاه المنطقة‬
‫الممنوع القتراب منها وربما سيصر على المرور من تحت الكوبري المحظور المرور من تحته‬
‫تماما بعد الغروب ‪ ..‬استمر ينظر إلى القارب وراكبه عليه ينتبه إلى علمات التحذير إل أن ذلك‬
‫لم يحدث‪ ،‬فلم يجد الجندي بدا من استخداما بندقيته وأطلق طلقة للتحذير‪ ،‬وبعد إطلق الطلقة‬
‫التحذيرية الثاناية أدرك الجندي أن الراكب غير مبال بالتحذير الذي كان واضحا تماما وأناه في‬
‫طريقه للمرور بقاربه من أسفل الكوبري‪ ،‬أي من المنطقة التي صدرت إليه التعليمات بأل‬
‫يسمح لمخلوق بالمرور منها‪ ،‬وبدون تردد صوب الجندي بندقيته وضغط على الزنااد فاناطلقت‬
‫طلقة أصابت الراكب وأردته قتيل في قاربه‪.‬‬

‫وهاجت الدنايا ‪ ..‬زاد الصخب بعد أن عرف الجميع أن الراكب القتيل بريجادير "عميد" في‬
‫الجيش البريطاناي أي قائد كبير من قادة قوات الحتلل ‪ ..‬وليس ذلك فقط بل هو أيضا عضو في‬
‫العائلة المالكة البريطاناية‪.‬‬

‫وارتفعت الصوات تطالب بمحاكمة جندي الحراسة وإعدامه‪ ،‬وفعل تم وضع الجندي تحت‬
‫الحراسة وجرى التحقيق معه ‪ ..‬ولم تكن هناك أية شبهة في أناه أدى واجبه تماما وأناه لم‬
‫يرتكب أية أخطاء‪ ،‬وأن الخطأ هو خطأ البريجادير الناجليزي ‪ ..‬خاصة وهو يدرك تماما المناطق‬
‫الممنوعة‪ ،‬ومعنى طلقات التحذير ‪ ..‬والهم من ذلك أناه يدرك خطورة ما أقدما عليه‪ ،‬أي المرور‬
‫تحت كوبري قصر النيل الممنوع المرور من تحته‪.‬‬

‫وعندما عرض المر على أعلى قيادة عسكرية قال‪ :‬ولماذا يحاكم؟ هل كان واجبه أن يقتل‬
‫المصريين فقط دون الناجليز؟‬

‫وفعل أخلي سبيل جندي الحراسة بعد اناتهاء التحقيق معه واناتصرت القوى الوطنية التي طالبت‬
‫بعدما محاكمة الجندي الذي لم يخطئ‪.‬‬

‫وأضاف‪:‬‬

‫كان ذلك خلل الحرب العالمية الثاناية وأثناء اناسحاب القوات البريطاناية من شمال أفريقيا أماما‬
‫قوات المحور‪ ،‬أي في الوقت الذي خشيت فيه السلطات إقداما العداء أو المتعاوناين معهم على‬
‫بث اللغاما أو ناسف الكباري لعرقلة خطط التحركات العسكرية‪.‬‬

‫وهذه الواقعة أردت أن أذكر الرأي العاما بها ‪ ..‬أي مجرد التذكير بمناسبة إجراءات محاكمة‬
‫جندي الحراسة سليمان خاطر‪.‬‬

‫وقال أمين هويدي‪:‬‬

‫أناا أذكر واقعة مشابهة لما فعله سليمان خاطر ‪ ..‬كانات هذه الواقعة في حرب ‪ .. 1948‬في‬
‫فلسطين ‪ ..‬فقد كان أحمد عبد العزيز قائد الفدائيين المصريين في ذلك الوقت راجعا إلى خطوطنا‬
‫الدفاعية في ليلة من الليالي ‪ ..‬ولم يكن يعرف كلمة "سر الليل" التي بواسطتها يمكن أن‬
‫يخترق خطوطنا في أمان‪ ،‬فلما اقترب من الحارس‪ ،‬طلب منه الحارس أن يقف‪ ،‬ويقول كلمة‬
‫سر الليل‪ ،‬ولم يتوقف أحمد عبد العزيز ولم يقل كلمة سر الليل‪ ،‬وهنا أطلق عليه الحارس‬
‫النيران فقتله ‪ ..‬ومات أحمد عبد العزيز برصاص الحارس المصري وليس برصاص اليهود ‪..‬‬
‫ولم يحاكم الحارس لناه كان يؤدي واجبه ‪..‬‬

‫وقال الفريق صادق‪:‬‬

‫"إناي أضم صوتي إلى أصوات الجماهير وأطالب بوقف المحاكمة"‪.‬‬

‫وأضاف‪:‬‬
‫وإذا كانات )إسرائيل( ل تعترف بالقواناين أو العراف العسكرية إل إذا كان المر في صالحها‬
‫فإناه من غير المعقول أن ناقدما ناحن على محاكمة جندي حراسة بسبب قيامه بأداء واجبه؟ أي‬
‫عار سيلحق بنا على مدى التاريخ لو واصلنا محاكمة هذا الجندي وإذا لم ناتخذ موقفا مماثل‬
‫للموقف الذي اتخذته مصر في الربعينيات؟‬

‫والغريب أن عمر التلمساناي – المرشد العاما للخوان المسلمين – طالب بنفس ما طالب به‬
‫الفريق فوزي ‪ ..‬وقال‪:‬‬

‫"ليتنا جميعا سليمان خاطر" ‪..‬‬

‫وأضاف‪:‬‬

‫لو أن سليمان خاطر لم يفعل ما فعله لوجب تقديمه إلى مجلس عسكري يحاكمه لناه قعد عن‬
‫الواجب المحتوما" ‪" ..‬لقد قلنا وكررناا أناه على حكاما هذه المنطقة المسلمة أن يتركوا حرية‬
‫شعوبها في التصرف مع المعتدين على كرامة البلد ‪ ..‬إن الشعوب قادرة على أن تلقم كل‬
‫خصومها رصاصا يسكت أصواتهم ويوقف تصرفاتهم التي ل تتفق مع خلق أو قاناون" ‪" ..‬كنت‬
‫أظن أن تصرف سليمان خاطر تدعيم للجاناب المصري في مفاوضاته مع )إسرائيل( لن الجاناب‬
‫المصري عليه أن يوضح هذه التصرفات على أناها مشاعر مكتومة ناحو موقف )إسرائيل( من‬
‫القضية الفلسطينية‪ ،‬واعتدائها على الجولن وجنوب لبنان والضفة الغربية وغزة ‪ ...‬إن هذه‬
‫التصرفات دليل واضح على ما تغلي به القلوب المصرية من استهاناة )إسرائيل( بكل ما تواضع‬
‫عليه الناس من أخلق وقواناين ‪ ..‬إن احتراما الرأي العاما المصري‪ ،‬يقضي بأن يكرما هذا الرجل‬
‫بدل من أن يجرما"‪.‬‬

‫"إناني أقترح أل يوكل أي محاما للدفاع عن سليمان خاطر‪ ،‬وأن يترك مصيره لقضاته‪ ،‬فهم ل‬
‫يقلون غيرة وحفاظا على كرامة بلدهم من غيرهم‪ ،‬وما فعله سليمان عدل‪ ،‬ودفاع شرعي‪،‬‬
‫وقضاة مصر أهل عدل" ‪" ..‬قد تنتدب المحكمة من يدافع عن سليمان خاطر‪ ،‬استيفاء‬
‫لجراءات المقاضاة الجنائية‪ ،‬فعليه أن يمتنع وأن يقبل العقوبة التي توقع عليه مهما كانات‪،‬‬
‫فإناها أشرف له من الدفاع عن عمل كان يجب أن يعمل على وجه من الوجوه ‪ ..‬إن محاكمة هذا‬
‫الرجل لها أثر سيئ على تفكير المواطنين ومشاعرهم وتصرفاتهم وقيامهم بنصرة وطنهم في‬
‫كل موقف يستدعي مثل هذا التصرف"‪.‬‬

‫"كل مشاعر مصر وقلوبها مع سليمان خاطر ‪ ..‬وغير راضية عن كل الجراءات التي اتخذت‬
‫معه"‪.‬‬

‫قبل ساعات من حكم القضاء الداري‪ ،‬تشكلت لجنة قومية للدفاع عن سليمان خاطر اناضم إليها‬
‫عدد كبير من قيادات الحزاب والقوى السياسية والنقابية ‪ ..‬وأصدرت اللجنة بياناها الول إلى‬
‫رئيس الجمهورية ‪ ..‬قالت فيه‪:‬‬

‫السيد رئيس الجمهورية‪:‬‬

‫"إن الثقة غير المحدودة بنزاهة وكفاءة وعدالة القضاء المصري كانات دائما حصاناة لضمائر‬
‫الشعب المصري من القلق على مصير أبنائه حينما يواجهون القضاء أيا كانات التهم المنسوبة‬
‫إليهم‪ ،‬ولكن ل يخفى عليكم موجة القلق التي اجتاحت ضمائر الشعب منذ أن سحبت أوراق‬
‫القضية والتحقيق مع المواطن سليمان خاطر من أيدي رجال النيابة العامة وأسند التحقيق إلى‬
‫النيابة العسكرية‪ ،‬لقد رأى فيه المواطنون تدخل في مجرى التحقيق العادي الذي بدا قطعا‬
‫لطريق سليمان خاطر للمثول أماما قاضيه الطبيعي امتثال لحكاما الدستور وحجبا للدعوى عن‬
‫المراقبة الشعبية المقررة في القواناين السائدة بعلناية المحاكمات‪ ،‬ووضع مصير سليمان خاطر‬
‫بين أيدي هيئة غير مختصة قاناونايا بالتحقيق معه أو محاكمته‪ ،‬ولقد كان من الممكن أل يسبب‬
‫كل هذا القلق الشعبي العاما الذي وصل إلى حد التوتر والفزع لول أن العدو الصهيوناي قد مد‬
‫استفزازه للشعب إلى ساحة القضاء المقدسة فما فتئت أجهزة إعلمه تنقل عن حكامه وحكومته‬
‫وكتابه وصحفييه ما يعني بصراحة وقحة أن التحقيق جرى ويجري تحت رقابتهم‪ ،‬وأن حياة‬
‫سليمان خاطر أو موته ليست متوقفة على العدالة القضائية‪ ،‬بل هي بند في جدول أعمال‬
‫المفاوضات حول طابا ‪ ...‬إن الشعب العربي في مصر ل يصدق افتراءات الصهاينة ولكن هذا‬
‫هو جوهر الموضوع ‪ ..‬ل يريد أن يخالط ثقته في قواته المسلحة متمثلة في قضائها العسكري‬
‫أي شك‪ ،‬ول يريد أن يسمح لحد بالشك فيها كما ل يريد أن يخالط ثقته فيما تعلنوناه من رفض‬
‫قطعي لي مؤثر خارجي على إرادتكم ما قد يثيره أي حكم تبلغ قسوته حدا يصدما عواطف‬
‫الشعب المحيطة بابنه جندي الشرطة سليمان خاطر‪ ،‬كما ل يريد أن تكون تلك سابقة يمد فيها‬
‫اختصاص القضاء العسكري إلى المواطنين المدنايين الذين ينتمي إليهم سليمان خاطر‪ ،‬لهذا فإن‬
‫الشعب العربي في مصر والمؤمن بأن ا يدافع عن الذين آمنوا‪ ،‬يثق بأناه سبحاناه لن يسمح‬
‫بسفك دما سليمان خاطر على هيكل الصهيوناية‪ ،‬ويثق ويقبل بأحكاما القضاء المصري وبدون‬
‫تحفظ ول يطلب إليكم التدخل في شئون القضاء ولو بالعفو عن سليمان خاطر‪ ،‬بل يطلب إليك‬
‫سحب المر الصادر بالحالة إلى القضاء العسكري وترك مصير سليمان خاطر يتقرر أماما‬
‫قضاته الطبيعيين"‪.‬‬

‫وقد انافردت صحيفة الهالي الناطقة بلسان حزب التجمع بنشر ناص البيان في صدر صفحتها‬
‫الولى‪ ،‬وفتحت الباب أماما حملة توقيعات شعبية من أجل تحويل سليمان خاطر إلى القضاء‬
‫العادي ‪ ..‬وكان ذلك تحت عنوان‪" :‬من أجل العدل ومواجهة الصلف )السرائيلي( ‪ ..‬ضع‬
‫توقيعك الن ‪ ..‬وسوف نانقله لرئيس الجمهورية" ‪ ...‬وناشرت "الهالي" صورة "بطاقة"‬
‫طلبت من الناس كتابة بيانااتها والتوقيع عليها‪ ،‬وتتضمن هذه البياناات السم والمهنة والتوقيع‬
‫بالموافقة على البيان السابق للجنة القومية للدفاع عن سليمان خاطر‪ ،‬ومناشدة رئيس‬
‫الجمهورية تلبية ما جاء به ‪...‬‬

‫وبعد ساعات من صدور "الهالي" وجدت دعوتها استجابة شعبية وناقابية هائلة ‪ ..‬ووقع على‬
‫بيان اللجنة‪ ،‬عدد هائل من المواطنين‪ ،‬منهم كتاب وأساتذة جامعة‪ ،‬ورجال قضاء‪ ،‬بخلف عدد‬
‫كبير من الصحافيين‪ ،‬والمحامين‪ ،‬والفناناين‪ ،‬ومن هؤلء عمر التلمساناي المرشد العاما للخوان‬
‫المسلمين‪ ،‬وخالد محيي الدين رئيس حزب التجمع‪ ،‬وإبراهيم شكري رئيس حزب العمل‪،‬‬
‫وزكريا البري وزير الوقاف السابق‪ ،‬والفريق أول محمد فوزي وزير الحربية السبق‪ ،‬ومحمد‬
‫عبد العزيز وكيل وزارة الثقافة وقت المحاكمة‪ ،‬ود‪]] .‬يحيى الجمل[[‪ ،‬وهو وزير سابق‪ ،‬ومحمد‬
‫إبراهيم كامل وزير الخارجية السبق‪ ،‬والشيخ أحمد المحلوي‪ ،‬ومحمد فائق وزير العلما‬
‫السبق ‪ ..‬ود‪ .‬لويس عوض‪ ،‬وجلل الدين الحمامصي‪ ،‬وناعمان عاشور‪ ،‬ومحمود السعدناي‪،‬‬
‫وفاروق عبد القادر‪ ،‬ومحمد المراغي‪ ،‬وعبد الفتاح الجمل‪ ،‬وجمال الشرقاوي ‪ ..‬و]]خالد جمال‬
‫عبد الناصر[[‪ ،‬ولطيفة الزيات‪ ،‬وحسن ناافعة‪ ،‬ومفيد شهاب‪ ،‬وسعد الدين إبراهيم ‪ ...‬وناور‬
‫الشريف‪ ،‬ومحمود ياسين‪ ،‬وعبد العزيز مخيون‪ ،‬وعلي بدرخان‪ ،‬وفردوس عبد الحميد‪ ،‬وسعد‬
‫أردش‪ ،‬ومحسنة توفيق‪ ،‬وعلي الشريف ‪...‬‬

‫إن القائمة الولى للشخصيات العامة تزيد على ‪ 200‬توقيع‪ ،‬ويلحظ أن بعض هذه التوقيعات‬
‫لرجال قضاء‪ ،‬منهم د‪ .‬محمود شتا المستشار بمحكمة استئناف بني سويف‪ ،‬وإبراهيم حسنين‬
‫حلمي‪ ،‬المستشار السابق‪ ،‬والدكتور المستشار صلح عبد المتعال‪ ،‬ويلحظ أن عددا كبيرا من‬
‫كتاب وصحافي الجرائد المسماة بالقومية قد وقعوا على البيان‪ ،‬كما أن عددا كبيرا من قيادات‬
‫النقابات فعل نافس الشيء ‪..‬‬

‫أما القائمة الولى من توقيعات المواطنين فكان من الصعب حصرها‪ ،‬وقد جاء بعضها‬
‫بالتلغراف‪ ،‬وجاء البعض الخر في صورة رسائل مصحوبة بتعليقات ساخنة من أصحابها ‪..‬‬

‫فمثل ‪ ...‬كتب مواطن من الدقهلية يقول‪" :‬أنااشد السيد رئيس الجمهورية وأدعو له بالتوفيق‬
‫أن يفرج عن الجندي سليمان خاطر ول يحاكمه أبدا ‪ ..‬أبدا"‪ .‬وكتب طالب بمعهد المطرية‬
‫الصناعي يقول‪ :‬إن رفاقه وأهله ناصحوه بعدما التوقيع أو بكتابة اسم مستعار‪ ،‬إل أن "كرامتي‬
‫ل تسمح بهذا وأناا مصري ل صهيوناي"‪ .‬وكتب موظف بجامعة قناة السويس يقول‪" :‬لو كان‬
‫المر بيدي لمنحت لسليمان خاطر أعلى وساما في الدولة لن ما قاما به عجز الكثيرون عن أن‬
‫يقوموا بأقل منه" ‪ ..‬وكتب طبيب شاب يقول‪" :‬رغم اقتناعي بعدما جدوى المحاولة فإناني أضم‬
‫صوتي لكم" ‪ ..‬ويكتب ابن شقيقة سليمان خاطر يقول‪" :‬إن خالي ليس لوحده ولكن الناس كلها‬
‫معاه" ‪...‬‬

‫ول تتوقف التوقيعات ول الرسائل ول البرقيات ول التليفوناات ‪ ..‬إناها تسجل – لول مرة في‬
‫مصر – ما يسمى بالضغط الشعبي ‪ ..‬أو "اللوبي" الجماهيري في مواجهة قرار الضغط العاما‪،‬‬
‫أو ممارسة الرأي العاما لحقه في القرار ‪ ..‬أو لحقه في تعديل أي قرار ‪...‬‬

‫وقد قررت لجنة الدفاع عن سليمان خاطر تقديم كل ما يصل إليها من توقيعات وخطابات إلى‬
‫رئاسة الجمهورية يوما الثنين ‪ 23‬ديسمبر ‪ ،1985‬قبل الميعاد المحدد لجلسة النطق بالحكم‬
‫عليه بخمسة أياما ‪ ..‬وقررت عمل ملصق يحمل صورة سليمان خاطر‪ ،‬وعليه عبارة‪" :‬الدفاع‬
‫عن سليمان خاطر دفاع عن شرف الوطن" ‪ ..‬وقررت إقامة مؤتمر سياسي شعبي في سرادق‬
‫يقاما بجاناب مقر حزب "العمل" بالسيدة زينب ‪ ..‬وقد أقيم هذا المؤتمر فعل‪ ،‬وشارك فيه‬
‫ممثلون عن كافة القوى والحزاب والتيارات السياسية في مصر‪ ،‬منهم إبراهيم شكري‪ ،‬وخالد‬
‫محيي الدين‪ ،‬وعمر التلمساناي والشيخ صلح أبو إسماعيل‪ ،‬والفريق محمد فوزي‪ ،‬وأمين‬
‫هويدي ‪ ..‬وغيرهم ‪ ..‬كان ذلك بعد مغرب يوما الخميس ‪ 19‬ديسمبر ‪..‬‬

‫وقبل ذلك بيومين‪ ،‬صباح الثلثاء ‪ 17‬ديسمبر‪ ،‬كان "الماناشت" الحمر العريض لجريدة‬
‫"الشعب" الناطقة بلسان حزب العمل يدعو كافة الناس لهذا المؤتمر ‪ ..‬وكان ناص‬
‫"الماناشت"‪" :‬تعالوا جميعا إلى مؤتمر التضامن مع سليمان خاطر" ‪ ..‬وطالبت الصحيفة في‬
‫افتتاحية حماسية‪ ،‬الناس بإعلن موقفها "باليد واللسان" لن "القلب وحده لم يعد يكفي" ‪..‬‬
‫وطالبتهم بحضور المؤتمر‪ ،‬مهما كانات مشاغلهم‪ ،‬ومهما كانات مشاكلهم‪ ،‬ومشاكل الزحاما‬
‫والمواصلت ‪ ..‬لن "الصهاينة السفاحون يطلبون رأس سليمان خاطر بالباطل" ومن واجب‬
‫أي مواطن أن يعترض ‪" ..‬لقد فرض الصهاينة )ومن خلفهم أمريكا( سحب القوات المسلحة‬
‫المصرية من المناطق الحدودية‪ ،‬وفي هذا كما ناعلم عدوان على سيادتنا وتهديد لمننا" ‪..‬‬
‫وكانات هذه النقطة هي الشارة الولى من ناوعها في تناول قضية سليمان خاطر ‪ ...‬فهذه‬
‫القضية ليست قضية جندي مصري أطلق النار على )إسرائيليين(‪ ،‬وإناما هي قضية أمن مصر‪،‬‬
‫وسيادتها على سيناء ‪ ..‬وقضية الحقوق الممنوحة )للسرائيليين( في سيناء‪ ،‬دون أن يكون لنا‬
‫الحق في مواجهتهم‪ ،‬أو في أن ناقول لهم‪ :‬قفوا مكاناكم! وطالبت الصحيفة الناس بحضور‬
‫المؤتمر ‪ ..‬لعلن "الدنايا كلها أنانا ناقف إلى جاناب سليمان خاطر‪ ،‬رغم أناف البتزاز‬
‫الصهيوناي" ‪ ..‬ولعلن الصهاينة والدنايا كلها ‪ ..‬أنانا في هذه القضية ناتحرك ‪ ..‬وأن سليمان‬
‫خاطر هو رمز لمتنا وشبابنا"‬
‫امتل سرادق مؤتمر حزب العمل ‪ ...‬وامتلت المنصة أيضا ‪ ..‬جاء ممثلو التيارات والحزاب‬
‫المختلفة ‪ ..‬من اليسار‪ :‬خالد محيي الدين )رئيس حزب التجمع( ومحمد عبد السلما الزيات‬
‫)أمين لجنة الدفاع عن الحريات( ونابيل الهللي )عضو مجلس ناقابة المحامين( ‪ ..‬ومن الخوان‬
‫المسلمين‪ :‬عمر التلمساناي‪ ،‬وصلح أبو إسماعيل‪ ،‬وجابر رزق ‪ ..‬ومن الجماعات السلمية‪ :‬د‪.‬‬
‫عصاما الدين العريان ‪ ..‬ومن الناصريين‪ :‬ضياء الدين داود وحمدين صباحي ‪..‬‬

‫وجاء شعراء ‪ ..‬وفناناون ‪ ..‬وبشر بسطاء من ربوع أناحاء مصر ‪..‬‬

‫وفي هذا المؤتمر كان الجماع على‪:‬‬

‫‪ – 1‬محاكمة سليمان خاطر ‪ ..‬هي محاكمة للرأي العاما المصري والعربي ‪..‬‬

‫‪ – 2‬تهمة سليمان خاطر أناه أطلق رصاص المن المركزي على الصهاينة ‪ ..‬وليس على العمال‬
‫والطلبة ‪..‬‬

‫‪ – 3‬لو فعل كل عربي ما فعله سليمان خاطر لزيلت )إسرائيل( من الوجود ‪..‬‬

‫‪ – 4‬محاكمة سليمان خاطر لها تأثيرها السلبي على الجنود الذين يحرسون الحدود‪.‬‬

‫وفي هذا المؤتمر حاولت قوى سياسية مختلفة أن تنسب سليمان خاطر لنفسها ‪ ..‬وحاولت قوى‬
‫سياسية أخرى أن تستثمر وجودها في وسط الحاضرين ‪ ..‬وكان على رأس هذه القوى‪:‬‬
‫الجماعات السلمية التي حاول بعض أفرادها اليحاء بأن سليمان خاطر كان ينتمي إليها ‪..‬‬
‫وأناه لم يعاقب إل لهذا السبب ‪ ..‬وكان دليلهم على ذلك وجود بعض اليات القرآناية المكتوبة‬
‫بخط اليد على دفتر أحوال النقطة ‪ .. 46‬ووجود آيات أخرى معلقة على الجدران في الكشك‬
‫الخشبي ‪ ..‬وذلك في لوحات "كرتون" كالتي تعلق في معظم البيوت والمحلت في مصر ‪..‬‬
‫والتي توزعها بعض المجلت السبوعية‪ ،‬في المناسبات الدينية مجاناا من باب تنشيط التوزيع!‬
‫!‬

‫وراحت هذه الجماعات تهتف هتافاتها الدينية المحفوظة والمكررة والتي ل علقة لها بالمؤتمر‬
‫ول بسليمان خاطر ‪ ..‬وكادت أن تشتبك مع تيارات أخرى‪ ،‬كانات ترى أن قضية سليمان خاطر ل‬
‫تحتمل هذا الستغلل "الرخيص" !‬

‫كان هذا المؤتمر ‪ ..‬بعد حملة التوقيعات ‪ ..‬إناذارا للحكومة ولصحافتها وكتابها بالحركة ‪..‬‬
‫وعجل بهذه الحركة ‪ ..‬المظاهرات الطلبية التي انادلعت في محافظة الشرقية )محافظة سليمان‬
‫خاطر ( والتي اشترك فيها لول مرة طلبة المدارس الثاناوية ‪ ..‬وكانات هذه المظاهرات قد‬
‫استمرت يومين متتاليين‪ ،‬وواجهها رجال المن المركزي بالعنف والقسوة ‪ ..‬واناتهت بإصابة‬
‫بعض الطلب ‪ ..‬وبحملة اعتقالت بين البعض الخر منهم ‪ ..‬وقد وصل عدد المعتقلين إلى أكثر‬
‫من ‪ 120‬طالبا وطالبة ‪ ..‬بخلف شباب من الجماعات السلمية‪.‬‬

‫إن كل هذه المؤشرات والضغوط‪ ،‬جعلت الصحف الحكومية‪ ،‬تصف – فيما يشبه الحملة المنظمة‬
‫– المعارضة بأناها "تنفخ في قربة مقطوعة" ‪ ..‬وكانات هذه القربة المقطوعة في رأي تلك‬
‫الصحف هي قضية سليمان خاطر ‪ ..‬الذي وصفته تارة بالجنون ‪ ..‬ووصفته تارة أخرى بأناه‬
‫"بطل رغم أنافه" ! ووصفته في أفضل الحوال بأناه إناسان عادي جدا!‬
‫وفي حملتها المضادة ركزت الصحف الحكومية على‪:‬‬

‫‪ – 1‬أناها سابقة غير عادية أن يتدخل العمل الحزبي في الضغط على القضاء!‬

‫‪ – 2‬أناها سابقة غير عادية أن يستثمر العمل الحزبي المشاعر الشعبية التي أحاطت بحادث‬
‫سليمان خاطر!‬

‫‪ – 3‬إن القضاء العسكري هو القضاء الطبيعي لسليمان خاطر‪.‬‬

‫‪ – 4‬إن سليمان خاطر ل يستحق البطولة التي أضفتها عليه المعارضة لناه "كان أماما مجموعة‬
‫أطفال وناساء وشيخ عجوز" ‪ ..‬إناها تصر على أن تمنحنا "بطل زائفا"‪.‬‬

‫‪ – 5‬إن المعارضة حاولت استثمار هذا الحادث للخروج من المأزق الذي تجد نافسها فيه!‬

‫ومما ل شك فيه أن أحدا لم يزن قضية سليمان خاطر بميزان دقيق ‪ ..‬فهو إناسان عادي ‪..‬‬
‫وبسيط ‪ ..‬ليس "سوبر مان" ‪ ..‬إناسان مصري كادح ‪ ..‬طيب ‪ ..‬ل يفهم في أصول‬
‫الدبلوماسية ‪ ..‬ول يعرف قواعد البروتكول ‪ ..‬وهو بالفعل لم يكن يقصد أن يقتل ‪ ..‬أطلق النار‬
‫من باب التحذير ‪ ..‬ومن باب التخويف على "الجهاز" الذي يحرسه ‪ ..‬وبطولته الحقيقية تكمن‬
‫في أناه لفت ناظرناا لشياء كانات غائبة عنا ‪ ..‬أو أشياء كنا قد ناسيناها ‪ ..‬منها أن "سيناء لم تعد‬
‫للسيادة المصرية ‪ ..‬أو ‪ ..‬أن سيناء أصبحت داخل حدود مصر فقط ولم تصبح حتى الن جزءا‬
‫من سيادتها ‪ ..‬فليس لنا على ناصفها القريب من العدو )السرائيلي( أسلحة ول جيش ‪ ..‬ول‬
‫طائرات ول مدرعات ‪ ..‬ليس لنا هناك سوى مجمعات استهلكية ‪ ..‬وقرى سياحية ‪ ..‬وشاليهات‬
‫استبدلنا فيها ملبس القتال بملبس البحر" ‪ ..‬ومنها أن )للسرائيليين( حقوقا في سيناء ليست‬
‫للمصريين ‪ ..‬وكأناها "عزبتهم" الخاصة وكأنانا ناحن "الخولي" المشرف لهم عليها! ومنها‬
‫الخوف من أن تعود )إسرائيل( لحتلل سيناء دون أن ناعرف كيف ناواجهها بأسلحة رجال المن‬
‫المركزي الخفيفة التي ل يوجد غيرها على الحدود معها ‪..‬‬

‫إن بطولة سليمان خاطر التي لم يشر إليها أحد – في أناه بحركة "عفوية"‪ ،‬غير مقصودة‪ ،‬لفت‬
‫ناظرناا إلى حقائق كانات غائبة عنا‪.‬‬

‫أكثر من اقتراح خرج به مؤتمر "حزب العمل" الذي عقد من أجل سليمان خاطر ‪ ..‬اقترحوا‬
‫مسيرة إلى "مجلس الدولة" الذي يفتي في موضوع تحويل سليمان خاطر إلى محكمة عادية ‪..‬‬
‫اقترحوا مسيرة إلى "أكياد" ‪ ..‬قرية سليمان ‪ ..‬اقترحوا أداء صلة "الجمعة" – في اليوما‬
‫التالي على المؤتمر – في نافس القرية ‪ ..‬واقترحوا ما هو أصعب من ذلك‪.‬‬

‫لكن ‪ ..‬كل هذه القتراحات اناتهت إلى اقتراح واحد ووحيد‪ ،‬نافذ بمفرده ‪ ..‬وهو اعتصاما بعض‬
‫القيادات السياسية المعارضة في مسجد الزهر عقب صلة الجمعة‪ ،‬في اليوما التالي للمؤتمر ‪..‬‬
‫وكان على رأس هذه المجموعة إبراهيم شكري ‪..‬‬

‫وفيما بعد قالت صحيفة "الشعب" الناطقة بلسان الحزب الذي يرأسه إبراهيم شكري‪ :‬إن رجال‬
‫المن المركزي اقتحموا الزهر بملبس مدناية واعتدوا على "إبراهيم شكري شخصيا‬
‫وصحبه" فأصيب بالغماء‪.‬‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬قال محمد عبد القدوس كشاهد عيان‪:‬‬


‫ما حدث في الزهر الشريف مأساة دينية ووطنية وأخلقية ‪ ..‬بلطجية حزب الحكومة لم يراعوا‬
‫أن للمسجد حرمة ‪ ..‬اعتدوا بالضرب عمدا على الموجودين فيه ‪ ..‬البلطجية كاناوا ينقضون على‬
‫الضحية بالضرب ثم يسحبوناه إلى الخارج ‪ ..‬الغريب أن كل ذلك كان يتم تحت حراسة الشرطة‬
‫والمن المركزي ‪ ..‬بقدرة قادر تحول البلطجية والمباحث إلى حبايب‪ ،‬وأصحاب!‬

‫وكنت أناا واحدا من ضحايا هذا اليوما المشئوما ‪ ..‬بلطجية حزب السلطة حاولوا سحبي إلى‬
‫الخارج ‪" ..‬جرجروناي" على الرض ‪ ..‬وكان معي حذائي ‪ ..‬وبفضل ا ناجحت في التخلص‬
‫منهم ولكن بعد أن "لطشوا" حذائي ‪ ..‬وسرقوه!‬

‫وفيما بعد ربط البعض بين اقتحاما المن المركزي للزهر في ذلك اليوما‪ ،‬واقتحاما "عساكر"‬
‫ناابليون له من قبل!‬

‫إن ما يلفت النظر في رد الفعل الشعبي إزاء حادث سليمان خاطر هو أناه رد فعل قوي ‪..‬‬
‫ومتنوع ‪ ..‬ومؤثر ‪ ..‬فقد أخذ أشكال مختلفة ‪ ..‬من المقالت إلى البياناات ‪ ..‬ومن المؤتمرات إلى‬
‫المسيرات ‪ ..‬ومن التوقيعات إلى المصادمات ‪ ..‬كما أناه تصاعد درجة ‪ ..‬درجة ‪ ..‬حتى وصل إلى‬
‫حد الشتباك مع قوات المن ‪ ..‬كذلك لم يكن رد الفعل مؤقتا ‪ ..‬ول عابرا ‪ ..‬كما كان من قبل ‪..‬‬
‫وإناما كان يمتلئ بالصرار والصمود والصبر لول مرة منذ زمن طويل ‪ ..‬ولعل السبب القوي‬
‫وراء ذلك هو "جملة" الحداث التي تزامنت مع حادث سليمان خاطر‪ ،‬والتي أحس المصريون‬
‫بالهاناة تخترق صدورهم من ورائها ‪ ..‬وقد تحولت "الهاناة" إلى "مرارة" بعد ردود أفعال‬
‫الحكومة المصرية إزاء هذه الحداث ‪..‬‬

‫فقبل أن تصيب رصاصات خاطر )السرائيليين( السبعة كان الرأي العاما المصري والعربي يغلي‬
‫من جراء قياما طائرات "الفاناتوما" )السرائيلية( بالعتداء على مقر ]]منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية[[ في توناس‪ ،‬وقتل مواطنين آمنين‪ ،‬ل ذناب لهم‪ ،‬ول حول لهم ول قوة‪ ،‬وتدمير‬
‫وناسف منظمة بأكملها ‪...‬‬

‫وبعد يومين من الحادث ‪ ..‬ففي مساء الثنين ‪ 7‬أكتوبر قامت مجموعة فلسطينية بالسيطرة على‬
‫السفينة اليطالية "اكيلي لورو" المتجهة من "جنوة" إلى ميناء "أشدود" )السرائيلي( ‪...‬‬
‫وذلك كرد فعل للغارة )السرائيلية( القذرة على توناس ‪ ..‬وقد ناجحت السلطات المصرية في‬
‫إقناع المختطفين بتسليم أنافسهم إليها ‪ ..‬مقابل التعهد بالحفاظ عليهم‪ ،‬وبعد مفاوضات اشترك‬
‫فيها هاناي الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"‪ ،‬و "أبو العباس" أمين جبهة تحرير‬
‫فلسطين ‪...‬‬

‫وأقلعت طائرة مصرية خاصة على متنها المختطفون وبعض رجال المن المصريين في طريقهم‬
‫إلى توناس ‪ ..‬وقبل أن تهبط الطائرة أرض توناس فوجئت بأربع مقاتلت أمريكية في الجو‪،‬‬
‫أجبرتها على الهبوط في قاعدة "سيجو نايل" بصقلية ‪ ..‬واعتبر المصريون هذا العمل إهاناة‬
‫لهم ‪ ..‬واعتداء على كرامتهم ‪ ..‬وانافجرت مظاهرات الغضب في الجامعات والشوارع ‪ ..‬وقال‬
‫الرئيس حسني مبارك ‪ :‬إن ما حدث تسبب في جرح عميق للشعب المصري ‪ ..‬وتوقع‬
‫المصريون ردا على هذه الهاناة ‪ ..‬لكن هذا لم يحدث ‪..‬‬

‫إن هذه الحداث وغيرها ‪ ..‬والتي تزامنت مع حادث وقضية سليمان خاطر كانات بمثابة‬
‫"مقدمات" لما حدث بعد ذلك ‪ ..‬كانات ناوعا من "التسخين" الذي جعل الرأي العاما يلعب دورا‬
‫كبيرا ومذهل بمناسبة سليمان خاطر ‪ ..‬إن الغضب الذي بدأ – في ذلك الوقت – مع الغارة‬
‫)السرائيلية(‪ ،‬وتصاعد مع خطف الطائرة المصرية والقرصنة المريكية‪ ،‬ووصل إلى سليمان‬
‫خاطر جاهزا خلق ما يمكن أن يسمى "لوبي" الرأي العاما في مصر ‪ ..‬أو "قوة" الرأي العاما‬
‫في مصر ‪ ..‬أو قوة ضغط الشارع على السلطة في مصر ‪ ..‬لقد طلبت اللجنة القومية للدفاع عن‬
‫سليمان خاطر من الناس أن "تضغط" على السلطة – بالخطابات والبرقيات والقصائد‬
‫والتليفوناات – لتحويل محاكمته من القضاء العسكري إلى القضاء العادي واستجاب الناس ‪..‬‬
‫وكانات تلك الستجابة بمثابة "ميلد" أول "لوبي" حقيقي وفعال في مصر ‪" ...‬لقد تعودت‬
‫السلطة في مصر على أن تتعامل مع الرأي العاما على أناه "أقلية سوداء" يمكن الضحك عليها‬
‫بسهولة ‪ ..‬بالبث المباشر ‪ ..‬و "النقد" المباشر ‪ ..‬وصور التليفزيون الملوناة بألوان "بال" و‬
‫"سيكاما" ‪ ..‬وتعود الشارع أن يضع القطن في أذنايه عندما تتكلم أو تعود أن يدخل فراشه ليناما‪،‬‬
‫إذا ما طالت الفترة الخبارية بعد ناشرة الساعة التاسعة ‪ ..‬لكن ‪ ..‬ها هو الرأي العاما يغير من‬
‫عاداته ويمارس حقه في صنع القرار أو في تغيير القرار‪ ،‬وهو حق سبقه إليه تجار المخدرات‬
‫والعملة وصناع "البامبرز" و "الموكيت" وأصحاب العمارات المنهارة والخلق المنهارة ‪..‬‬
‫ها هو الرأي العاما يغير من رأيه في نافسه‪ ،‬لعل وعسى تفهم السلطة أناها موجودة بفضله‪،‬‬
‫وبحسه‪ ،‬وبرضائه عنها فقط"‪.‬‬

‫لم يتوقف مطلب تحويل قضية سليمان خاطر إلى القضاء العادي عند حدود القوى الوطنية‬
‫المصرية وإناما امتد خارج أرجاء الوطن الصغر ‪ ..‬إلى الوطن الكبر ‪ ..‬إلى الوطن العربي ‪...‬‬

‫في السودان ‪ ،‬قررت مجموعة من المحامين‪ ،‬والسياسيين‪ ،‬من أحزاب مختلفة تشكيل لجنة‬
‫"خاصة" للتضامن مع سليمان خاطر والقياما ببعض الوساطات مع رجال الحكم في مصر‬
‫لتحويله إلى قضائه الطبيعي‪ .‬ومن السعودية أرسلت مجموعة كبيرة من المثقفين وأساتذة‬
‫الجامعات هناك رسالة إلى الرئيس حسني مبارك‪ ،‬تناشده فيها إيقاف المحاكمة العسكرية‬
‫والتصرف مع )السرائيليين( طبقا لقاعدة "المعاملة بالمثل" ووفقا لما تتصرف به )إسرائيل(‬
‫في الراضي المحتلة حيث برأت الذين اعتدوا على المسجد القصى ‪ ...‬وفي الكويت استمرت‬
‫حملة التضامن التي بدأتها الصحف هناك مع سليمان خاطر ‪ ..‬وكانات تلك الصحف قد بدأت هذه‬
‫الحملة مبكرة ‪ ..‬بعد أياما قليلة من الحادث ‪ ..‬وقد أخذت هذه الحملة شكل تبرعات وبرقيات‬
‫ورسائل من أفراد وهيئات‪.‬‬

‫وقد بلغت التبرعات – على حد قول هذه الصحف – آلف الدولرات‪.‬‬

‫أما الرسائل فكانات كلها تدور حول معنى واحد هو‪ :‬إذا كان ما فعله سليمان خاطر جنوناا فمرحبا‬
‫بضياع العقل ‪ ..‬وإذا كان الستقرار العقلي‪ ،‬وحسن الدراك يعنيان الخضوع والتنازلت فمرحبا‬
‫بجنون سليمان خاطر!‬

‫وفي باقي أناحاء العالم العربي وصف سليمان خاطر بأناه "بطل سيناء" !‬

‫بعد إصرار المحكمة الدارية على محاكمة سليمان خاطر عسكريا‪ ،‬فركت )إسرائيل( يدها في‬
‫سعادة‪ ،‬وقالت إذاعتها الناطقة باللغة العربية‪:‬‬

‫"إن الحكومة المصرية تأخذ في حسباناها أل تخسر علقتها الطيبة بالحكومة )السرائيلية("‪.‬‬

‫وفي اليوما التالي على حكم محكمة القضاء الداري‪ ،‬أعربت الخارجية )السرائيلية( – في‬
‫رسالة إلى الخارجية المصرية – عن غبطتها بصدور هذا الحكم ‪ ..‬وأشارت الخارجية‬
‫)السرائيلية( في رسالتها إلى أناها قد تلقت من لجنة قضائية )إسرائيلية(‪ ،‬وصلت القاهرة قبل‬
‫أسبوع لمتابعة سير التحقيقات مع سليمان خاطر‪ ،‬تقريرا "مطمئنا" حول سلمة إجراءات‬
‫التحقيق مع )قاتل السرائيليين( على حد تعبير الرسالة ‪ ..‬ويقول التقرير "المطمئن" إن‬
‫"القضاء العسكري المصري لم يتساهل مع الجندي الذي قتل سبعة من المدنايين العزل في‬
‫سيناء" ‪ ..‬على حد تعبير الرسالة أيضا‪.‬‬

‫لقد كان رد الفعل )السرائيلي( بعد حكم المحكمة الدارية يحمل الكثير من النابساط ‪ ..‬والمتنان‬
‫للحكومة المصرية ‪ ..‬وذلك على عكس رد الفعل )السرائيلي( عقب الحادث مباشرة ‪ ..‬والذي‬
‫كان "عصبيا" ‪ ..‬ل يخلو من "التهديدات" و "الوعيد" والرغبة في "الناتقاما"‪.‬‬

‫وطلب "موشيه أرينز" وزير الخارجية بالنيابة تفسيرا مصريا مفصل للحادث "خلل ‪48‬‬
‫ساعة" ‪ ..‬ورفض "أريك شارون" التبريرات المصرية ‪ ..‬وقال‪ :‬يجب أن " ل يترك أمن اليهود‬
‫إل لليهود مثلهم ‪ ..‬وأن ل أحد سوى اليهود يمكن أن يكون مسئول عن سلمة اليهود" ‪ ..‬وقال‬
‫عزرا وايزمان‪ :‬إن ما حدث في سيناء "ناتيجة كراهية متبادلة بين اليهود والعرب" ‪..‬‬

‫وفيما بعد سافر وزير البترول المصري عبد الهادي قنديل إلى إسرائيل وقدما عزاء الحكومة‬
‫المصرية "الرسمي" لسر الضحايا ‪ ..‬وفيما بعد قالت الخارجية )السرائيلية(‪ :‬إن سليمان‬
‫خاطر قد أصبح عقبة جديدة أضيفت للعقبات التي تمنع سريان مياه العلقات الطبيعية بين مصر‬
‫وإسرائيل ‪ ..‬وكانات من ضمن العقبات الخرى في رأيها‪ :‬مشكلة "طابا" المزمنة ‪ ..‬وعودة‬
‫السفير السرائيلي إلى القاهرة ‪ ...‬وعودة السفير المصري إلى تل أبيب ‪ ..‬وفيما بعد ‪ ..‬وأثناء‬
‫الجولة الثاناية من مباحثات "طابا" يوما ‪ 12‬ديسمبر في "هرتزليا" بإسرائيل‪ ،‬وضع الوفد‬
‫)السرائيلي( في مقدمة جدول العمال "تقديم تعويضات مصرية لسر القتلى )السرائيليين(‬
‫في حادث سليمان خاطر" ‪ ..‬وفيما بعد عمدت )إسرائيل( إلى إفشال مباحثات "طابا"‪ ،‬حتى‬
‫ترى "ناهاية ترضيها لسليمان خاطر" ‪ ..‬وفيما بعد اقترحت )إسرائيل( على الحكومة المصرية‬
‫تشكيل لجنة عسكرية مشتركة تضم خبراء عسكريين أمريكيين للتفتيش على حجم وتسليح‬
‫القوات المصرية و )السرائيلية ( على الحدود المشتركة ‪ ..‬مكان الحادث ‪ ..‬وفيما بعد ‪ ..‬رفعت‬
‫القوات متعددة الجنسية في سيناء تقريرا عن الحادث بعد ‪ 48‬ساعة من وقوعه ‪ ..‬وفيما بعد‬
‫أرسلت )إسرائيل ( مراقبين قاناونايين من وزارة خارجيتها لمتابعة "حسن سير التحقيقات"‬
‫وجلسات المحكمة ‪ ..‬وكانات – على حد قول أحد المحامين – تأخذ ناسخة من شرائط الفيديو‬
‫التي كانات تسجل وقائع جلسات المحاكمة‬

‫وفيما بعد أيضا ‪ ...‬دار الهمس في أوساط كبار المسئولين المصريين حول ضغط أمريكي "ما"‬
‫على الحكومة المصرية في قضية سليمان خاطر ‪ ..‬وأن هذا الضغط لو كان هناك ما يبرر‬
‫استخدامه‪ ،‬سيكون بورقة "المعوناة" !‬

‫وقد جاءت الرياح بما تشتهي السفن المريكية ‪ ..‬ولم يعد هناك حاجة للضغط بهذه الورقة!‬

‫إن حادث سليمان خاطر كان أشبه بحجر ألقي في بركة راكدة ‪ ..‬فراح ارتطامه بالماء يحدث‬
‫دوائر صغيرة أخذت تتسع ‪ ..‬وتتسع ‪ ..‬وتتسع!  ‬
‫الذبح ‪ ..‬على الجاناب الخر!‬
‫  كان ل بد من المقارناة ‪ ...‬مقارناة ما فعله سليمان خاطر )بالسرائيليين( السبعة في رأس‬
‫بركة ‪ ..‬وما فعلته إسرائيل )بالعرب( في القدس‪ ،‬وبيت لحم‪ ،‬وغزة‪ ،‬وحيفا‪ ،‬ويافا‪ ،‬والجولن‪،‬‬
‫وسيناء‪ ،‬ودير ياسين‪ ،‬وصبرا وشاتيل‪ ،‬وبحر البقر‪.‬‬

‫إن هذه المقارناة الجبارية فرضت نافسها على كل من تعرض لحادث سليمان خاطر ‪ ..‬أو تناوله‪.‬‬

‫فقيل‪:‬‬

‫"وماذا فعل سليمان خاطر أماما بحور الدما العربي التي فجرتها )إسرائيل( ؟" ‪...‬‬

‫"ماذا فعل أماما جبال الجثث والضحايا العرب ‪ ..‬البرياء التي رفعتها )إسرائيل( ؟"‪.‬‬

‫وجر الحديث بعضه ‪...‬‬

‫وجاءت من جديد سيرة الرهابي‪ ،‬والنازي الجديد "مناحم بيجن" الذي آمن بتفوق شعب ا‬
‫المختار ‪ ..‬وبأن )إسرائيل( فوق الجميع ‪ ..‬وأدخل ثلثة مليين فلسطيني إلى أفران القهر ‪..‬‬
‫والتشرد ‪ ..‬والغربة‬

‫وجر الحديث بعضه ‪...‬‬

‫وجاءت من جديد سيرة الصهيوناي‪ ،‬والسفاح الكبير "إريك شارون" الذي آمن بقدرة الحذية‬
‫الثقيلة على صناعة التاريخ ‪ ..‬وبأن جماجم وعظاما العرب أقوى جدار تحتمي خلفه )إسرائيل( ‪..‬‬
‫وحاصر آلف الطفال والشيوخ والنساء في صبرا وشاتيل‪ ،‬بالمدافع‪ ،‬وراح يستمتع‬
‫بصراخهم ‪...‬‬

‫وجر الحديث بعضه ‪...‬‬

‫وجاءت سيرة الجندي المريكي الصل ‪ ..‬اليهودي الدياناة ‪) ..‬السرائيلي( الجنسية‪" :‬آلن‬
‫جودمان" !‬

‫و "آلن جودمان" لمن لم تسعفه ذاكرته هو الذي اقتحم المسجد القصى‪ ،‬وأطلق النار على‬
‫المصلين وهم يسجدون مرددين‪" :‬سبحان ربي العلى"‪.‬‬

‫بدأت جريمة جودمان في الساعة التاسعة من صباح يوما الحد ‪ 11‬أبريل ‪ ... 1982‬في ذلك‬
‫الوقت وضع جودمان قبعة اليهود الدينية على رأسه‪ ،‬ورفع بندقيته الرسمية "ما – ‪ "16‬التي‬
‫يستخدمها )جيش الدفاع السرائيلي( واقتحم المسجد القصى من بوابة "الغوانامة" ‪ ...‬أطلق‬
‫رصاصاته الولى على حراس المسجد فأصابهم ‪ ..‬ثم جرى إلى مسجد "الصخرة" دون أن‬
‫يرفع يده من على زنااد البندقية‪ ،‬فتصادف مرور حارس الحرما "الحاج محمد اليماناي – ‪65‬‬
‫سنة" فقتله بالقرب من الباب الغربي لمسجد الصخرة ‪ ..‬ثم دخل مسجد الصخرة‪ ،‬وطلب من‬
‫السياح الجاناب مغادرة المكان وواصل إطلق النار على المسلمين داخل المسجد بصورة‬
‫عشوائية‪ ،‬وأصابت بعض طلقاته جدران وقبة المسجد‪.‬‬
‫في نافس الوقت بالضبط اناطلق سيل آخر من الرصاص من الناحية الغربية للمسجد‪ ،‬حيث‬
‫يتمركز الجنود )السرائيليون( على أسطح المنازل في تلك الناحية ‪...‬‬

‫وفي نافس الوقت بالضبط اناطلق سيل ثالث من الرصاص من نااحية مقبرة اليهود المشرفة على‬
‫ساحات المسجد ‪ ...‬عملية عسكرية ‪ ..‬جماعية‪ ،‬منظمة‪ ،‬وليست عملية فردية كما صورت من‬
‫قبل‪ ،‬كان الهدف منها إصابة أكبر عدد من المصلين داخل المسجد‪ ،‬وفي ساحاته بالضافة إلى‬
‫تشويه مسجد الصخرة‪ ،‬الذي صعد منه الرسول صلى ا عليه وسلم إلى السماء‪ ،‬يوما السراء‬
‫والمعراج ‪..‬‬

‫واناقلب المسجد إلى مجزر آلي ‪ ...‬وراح المؤذناون يطلبون من المواطنين – عبر مكبرات‬
‫الصوت – التوجه إلى ساحات المسجد للدفاع عنه ‪ ..‬فانادفع الناس من داخل بلدة القدس العتيقة‬
‫إلى الحرما القدسي بصدورهم ‪ ..‬فانافتحت بنادق الجنود )السرائيليين( عليهم فتساقط القتلى‬
‫والجرحى بالعشرات ‪...‬‬

‫حتى الساعة الحادية عشرة كان جودمان ل يزال داخل مسجد الصخرة ‪ ..‬كان ل يزال يطلق‬
‫الرصاص على كل من يصل إليه من بشر وجدران ‪ ..‬وأحس زملؤه بالخوف عليه‪ ،‬فرموا‬
‫القنابل المسيلة للدموع لمنع المصلين من القبض عليه ‪ ..‬فاشتعلت النيران في سجاد المسجد‪،‬‬
‫فأخرجه المصلون‪ ،‬وراحوا يخمدون الحريق ‪ ..‬واناتهزت مجموعة من الجنود )السرائيليين(‬
‫هذه الفرصة‪ ،‬فدخلت الصخرة‪ ،‬بالسلح‪ ،‬وأخذت جودمان‪ ،‬ومنعت الناس من المساس به‪.‬‬

‫وفي منتصف النهار‪ ،‬وبعد أن اشتعلت نايران الغضب في عروق المسلمين‪ ،‬اقتحمت فرقة‬
‫خاصة من الجيش )السرائيلي( تسمى "وحدة مكافحة الرهاب" ساحات المسجد‪ ،‬بأحذيتها‬
‫الثقيلة‪ ،‬وأطلقت النار بغزارة على كل من يقابلها ‪ ..‬فأصيب كثيرون بجراح‪ ،‬وناقلوا إلى‬
‫مستشفى "المقاصد" ومستشفى "الهوسبيس"‪.‬‬

‫لكن ‪ ..‬ذلك لم يوقف المظاهرات الغاضبة التي رفع فيها العلم الفلسطيني ‪ ..‬والتي اصطدما فيها‬
‫المتظاهرون بقوات الحتلل الصهيوناي ‪ ..‬وأغلقت المحلت في القدس ‪ ..‬وبدأت الضرابات‬
‫والمظاهرات تمل الوطن المحتل ‪ ..‬وأذاع راديو )إسرائيل( كل هذه الخبار ‪..‬‬

‫وقال عن آلن جودمان‪:‬‬

‫إناه يهودي من أصل أمريكي‪ ،‬ولد في نايويورك‪ ،‬وحضر إلى إسرائيل عاما ‪ ،1976‬حيث اناتظم‬
‫في مدرسة دينية‪ ،‬وهو يقيم في منطقة "رعفاناا" شمالي تل أبيب ‪..‬‬

‫وذكر الراديو‪ :‬أناه أخذ أجازة من وحدته‪ ،‬وسافر إلى القدس‪ ،‬ونازل في فندق "حي بيت هكيرما"‬
‫ومعه بندقيته وبذته العسكرية ‪ ..‬وقد عثرت الشرطة في غرفته بالفندق على منشورات لرابطة‬
‫"الدفاع" اليهودية‪ ،‬التي يرأسها الحاخاما المتطرف "مائير كهاناا"‪ ،‬تنادي بطرد السكان‬
‫العرب‪ ،‬وإعادة بناء "هيكل سليمان" مكان المسجد القصى ‪...‬‬

‫وفي اليوما التالي قالت صحيفة "هآرتس" )السرائيلية(‪ :‬إن جودمان عمل وفق خطة‬
‫مدروسة‪ ،‬لرتكاب جريمته في المسجد القصى ‪...‬‬

‫وأضافت الصحيفة‪ :‬أناه دخل )إسرائيل( عاما ‪ 1976‬بتأشيرة سياحية‪ ،‬وأناه حصل على الجنسية‬
‫)السرائيلية( منذ عاما )أي في عاما ‪.(1981‬‬
‫عقب الحادث مباشرة قالت الحكومة )السرائيلية(‪ :‬إن الجندي الذي اقتحم المسجد القصى‬
‫مصاب بالجنون‪.‬‬

‫لكن ‪ ...‬صحيفة "هآرتس" أكدت‪" :‬أناه ل يوجد إلى الن أي مستند رسمي يشير إلى أن هذا‬
‫الجندي يعاناي من مشاكل نافسية"‪.‬‬

‫وقال راديو )إسرائيل(‪ :‬إناه كان قد ناجح في الختبارات النفسية للجيش ولم يبد عليه أي‬
‫اضطراب عقلي‪.‬‬

‫وفيما بعد ‪ ...‬ذكرت مصادر الجيش )السرائيلي(‪ :‬إن جودمان شرس‪ ،‬وعنيف‪ ،‬ومنطو على‬
‫نافسه ولكنه ليس معتوها ‪ ..‬وفي نافس يو الحادث‪ ،‬أدلى الشيخ سعد الدين العلمي رئيس الهيئة‬
‫السلمية العليا ببيان‪ ،‬حمل فيه الحكومة )السرائيلية( مسئولية الحادث ‪ ..‬وأكد أن هذا الحادث‬
‫جزء من مخطط كبير دبر للمسجد القصى منذ الحتلل سنة ‪" 1967‬وحتى يومنا هذا" ‪..‬‬
‫وضرب أكثر من مثل على صدق اتهامه‪:‬‬

‫‪ – 1‬في ‪ 15‬أغسطس ‪ 1967‬دخل الحاخاما الكبر )لسرائيل( ساحة المسجد القصى بالملبس‬
‫العسكرية يرافقه عدد كبير من ضباط الجيش )السرائيلي( وأقا صلة استمرت ناحو ساعتين‪،‬‬
‫وأعلن آناذاك أناه سيعود لقامة صلة أخرى بعد أياما‪ ،‬وأعلن "أن لديه مشروعا لقامة‬
‫"كنيس" في ساحة المسجد القصى سيعمل على تنفيذه"‪.‬‬

‫‪ – 2‬استولى الجيش )السرائيلي( بضغط من الحاخاما نافسه على مفتاح باب المغاربة – أحد‬
‫البواب الرئيسية لساحة المسجد القصى بتاريخ ‪ 31‬أغسطس ‪.1967‬‬

‫‪ – 3‬في ‪ 21‬أغسطس ‪ 1968‬أحرق المنبر التاريخي العظيم للمسجد القصى‪ ،‬ويعود تاريخ هذا‬
‫المنبر إلى أياما صلح الدين اليوبي قبل أكثر من ‪ 800‬عاما‪.‬‬

‫‪ – 4‬في مايو ‪ 1980‬أعلنت السلطات )السرائيلية( أناها عثرت على كميات كبيرة من‬
‫المتفجرات والقنابل والسلحة على سطح أحد المعابد اليهودية القريبة جدا من المسجد القصى‬
‫ولم تخف السلطات )السرائيلية( أناها تعتقد أن الهدف من تلك المتفجرات في ذلك الموقع كان‬
‫ناسف المسجد القصى‪.‬‬

‫‪ – 5‬أما قصة الحفريات اليهودية بجاناب المسجد القصى فقد أصبحت قصة مشهورة يعرفها‬
‫العالم كله‪ ،‬ولم تتوقف هذه الحفريات بالرغم من استنكاراتنا وتحذيراتنا من ناتائج هذه‬
‫الحفريات‪.‬‬

‫‪ – 6‬تعددت المحاولت في الوناة الخيرة بقيادة عدد من المسئولين )السرائيليين( لقامة‬


‫الصلة في المسجد القصى وحدثت عدة احتكاكات بين هؤلء المتطرفين وحراس المسجد‬
‫القصى‪ ،‬اناتهت بتعرض عدد من الحراس إلى السجن والطعن بالسكاكين‪.‬‬

‫ولم يشأ الشيخ سعد الدين العلمي أن يذكر في بياناه إقرار المحاكم )السرائيلية( بحق اليهود في‬
‫الصلة في المسجد القصى المبارك‪ ،‬ولم يشأ أن يقدما صور التهديدات التي أرسلت من‬
‫الجماعات اليهودية المتعصبة التي ينتمي إليها جودمان والتي تنذر بالسحل كل من يتعرض‬
‫لليهود الذين يصلون في المسجد القصى ‪ ..‬لم يشأ الشيخ الجليل أن يذكر ذلك لن صوته قد بح‬
‫منه ومن تكراره ‪...‬‬
‫لكن ‪ ..‬ما دمنا قد فتحنا هذا الموضوع ‪ ..‬وحتى ناعرف الحجم الحقيقي لجريمة "جودمان" فل‬
‫مفر من أن نانشر بعضا من هذه التهديدات ‪ ...‬والتي ناترك أخطاءها الملئية والنحوية كما‬
‫هي ‪ ..‬ول مفر من أن ناقاطع الشيخ العلمي ‪..‬‬

‫كهاناا‪:‬‬

‫الشيخ محمد الجمل ‪ ..‬نارجو عدما معارضتنا وإل سترى القصى رمادا ‪ ..‬رمادا ‪ ..‬خلل أياما –‬
‫لربما ليلة السراء والمعراج ‪...‬‬

‫كهاناا‪:‬‬

‫إلى المسجد السلمي العلى – أورشليم القدس سننسف القصى وكنائس المهد والقيامة‬
‫والجثماناية ‪ ..‬سنشرب دمائكم قريبا )يا عرب يا أناجاس(‬

‫"سيشرب الشعب اليهودي من دمائكم"‪.‬‬

‫كهاناا‪:‬‬

‫يا أيها الناجاس ‪ ..‬قرروا ‪ ..‬إما الصلة والتفتيش عن الهيكل ‪ ..‬وإما النسف للقصى والموت‬
‫لكم ‪..‬‬

‫مئير كهاناا‪:‬‬

‫الشيخ ]]سعد الدين العلمي[[ الصفقة "مليون دينار أردناي" ثمنا لبيع القصى بالهدوء‬
‫والسر ‪ ..‬أفضل من العصيان والهيجان والعناد الذي سيجلب لك الغتيال ‪..‬‬

‫السرائيلي مهما أذناب فهو إسرائيلي ‪ .‬التوراة – جوش إيمونايم‬

‫مئير كهاناا‪:‬‬

‫كل قطرة من دما اليهودي ستكون شلل من دمكم أكثر ‪ ...‬اناتظروا ذلك في القصى والقيامة ‪..‬‬

‫مؤسسات أمن إسرائيل ‪:‬‬

‫هاناحن قد وضعنا وزرعنا المتفجرات اللزمة في الماكن المعروفة‪ ،‬القصى‪ ،‬القيامة‪،‬‬


‫الجثماناية‪ ،‬المهد‪ ،‬في جميع الساحات المجاورة لهم‪.‬‬

‫كهاناا ‪ :‬الشعب السلمي – لممثل الوقاف إليكم بهذا المبلغ "‪ "10‬شيكل كهدية لكل القتلى‬
‫الذين يسقطون والجرحى يوما ‪ – 82 /5 /20‬يوما تحرير ‪. -‬‬

‫أيها الخوة ‪ :‬ناكرر من استمرار معارضتكم لروابط القرى والدارة المدناية والحكم الذاتي وناشر‬
‫إعلناات النعي والستنكار في الصحف والمظاهرات والضرابات والمشاركة في مؤتمرات‬
‫صحفية ووطنية وسياسية‪ ،‬وإل سيكون جزاؤكم القتل والختطاف والتصفيات الجسدية‪.‬‬
‫أخيرا لقد أعذر من أناذر ‪ ...‬فاحذروا‬

‫كهاناا‬

‫مؤسسات روابط القرى‬

‫مؤسسات أمن إسرائيل‬

‫إن الشيخ ]]سعد الدين العلمي [[ لم يجد أي معنى لعادة إبراز مثل هذه التهديدات مرة أخرى‪،‬‬
‫بعد كل المحاولت والتصالت التي قاما بها لعدما تنفيذها‪.‬‬

‫لكنه قال في بياناه عقب حادث "جودمان"‪:‬‬

‫واليوما ‪ ..‬نافذ المهددون تهديداتهم وتبين مدى فداحة الخطب الذي تعرض له القصى من‬
‫مداهمة مسلحة‪ ،‬وأعتقد أناني في غنى عن القول بأن التصعيد الذي يجري في العتداءات على‬
‫المسجد القصى إناما هو جزء من التصعيد الذي توجهه السلطات المحتلة في الضفة الغربية‬
‫وقطاع غزة ول يمكن أن نافرق بينه وبين ما يجري بقصد فرض أمر واقع على الناس الواقعين‬
‫تحت الحتلل‪.‬‬

‫"كما ل يفوتني أن أذكر أن ما حدث اليوما قد جاء بعد يومين فقط من مرور ذكرى مذبحة دير‬
‫ياسين التي جرت قبل أربعة وثلثين عاما بقيادة رئيس الوزراء الحالي )وقت العتداء على‬
‫القصى( مناحم بيجن"‪.‬‬

‫وطالب الشيخ العلمي بتسليح حراس المسجد لحماية القصى وحمايتهم ‪..‬‬

‫وأضاف‪ :‬لقد آن الوان لسماع صوت القصى الجريح!‬

‫في اليوما التالي لجريمة "جودمان" اتضح أن القتلى ثلثة والجرحى يزيدون على المئة ‪..‬‬
‫واتضح تحطيم الباب الزجاجي الكبير الموجود على مدخل الصخرة المشرفة من الناحية‬
‫الغربية‪ ،‬تحطيما كامل‪" ،‬وناتجت أضرار كبيرة في قبة الصخرة المشرفة وبعض العمدة‬
‫الرخامية فيها ‪...‬‬

‫وقال بيان عن الهيئة السلمية بالقدس‪:‬‬

‫"إن وصف المجرما بالبياناات الرسمية بالجنون مرفوض ول يجوز أن يصدر عن حكومة‬
‫مسئولة إذ ل يقبل أن يكون أحد الجنود النظاميين في جيشها الذي من المفروض أن يتجاوز‬
‫فحصا طبيا يسمح له على القل بحمل السلح بين جنودها ‪ ..‬وإذا ادعى مدع بأن هذا المجرما‬
‫مجنون فماذا يمكن أن يقال عن بقية الجنود الذين عاوناوه في إطلق النار من الناحية‬
‫الغربية"‪.‬‬

‫وفي ذلك اليوما واصلت قوات الجيش )السرائيلي( حصارها للمسجد القصى‪ ،‬ومنعت المسلمين‬
‫من دخوله‪ ،‬واعتقل أعيان القدس‪ ،‬وأصدرت حركة "كاخ" المتطرفة التي يتزعمها "كهاناا"‬
‫بياناا‪ ،‬أعربت فيه عن قلقها لضعف شرطة "أورشليم" في "معالجتها الفاشلة لعمال العنف‬
‫التي يقوما بها العرب في شرق المدينة والذين استغلوا عمل يهودي مريض بحب جبل البيت‬
‫لرجم اليهود المطمئنين بالحجارة" ‪ ..‬وألقت حركة "كاخ" اللوما على الحكومة )السرائيلية(‬
‫لناها "لم تنجح خلل خمسة عشر عاما في أن توضح للعالم أن قدسية المكان هي لشعب‬
‫)إسرائيل ( كله‪ ،‬لن هناك بني الهيكل‪ ،‬وهناك سيعود ليبنى‪ ،‬وأن عمل غير مسئول وطنيا أدى‬
‫إلى إعطاء حراسة المكان ليدي المجلس السلمي العلى وليدي الشباب المحرض" ‪..‬‬
‫وجددت الحركة ناداءها بطرد "الغرباء من جبل البيت" و "إزالة المباناي الحقيرة من هناك‬
‫والتي أقيمت على مكان مقدس لتجميد سلطة الغرباء على أرض إسرائيل" ‪ ..‬و "وضع حراسة‬
‫المكان بأيدي يهود مخلصين يمشون على هدي التوراة"‪.‬‬

‫وفيما بعد‪:‬‬

‫في يوما الثلثاء ‪ 27‬أبريل من نافس العاما نافذ مائير كهاناا تهديده‪ ،‬وقاما بقيادة مجموعة من ‪100‬‬
‫يهودي‪ ،‬في حوالي الساعة الرابعة والنصف باقتحاما المسجد‪ ،‬والصلة في المنطقة الخارجية‬
‫لباب المغاربة‪ ،‬ثم توجهت إلى باب المجلس العلى )السلمي( في محاولة لقتحاما المسجد‬
‫وهم يحملون لفتات تدعو لطرد العرب من القدس‪ ،‬كما حملوا صورة كبيرة مجسمة للحرما‬
‫القدسي بدون مسجد قبة الصخرة التي وضع مكاناها صورة للهيكل المزعوما‪ .‬وبعد ‪ 48‬ساعة‬
‫قاما كهاناا بمحاولة ثاناية ‪ ..‬ثم ‪ ..‬جرت محاولة ثالثة‪.‬‬

‫إلى هذا الحد وصلت جريمة "ألن جودمان"‪.‬‬

‫قتل ‪ ..‬وجرح العشرات ‪ ..‬وخرب الماكن المقدسة ‪ ..‬واقتحمها بالحذاء والرصاص ‪ ..‬فماذا‬
‫جرى له؟ لقد اقتيد ألن جودمان بعد أن أناقذه جنود الجيش )السرائيلي( من غضب المصلين‬
‫إلى قسم الشرطة‪ ،‬وهناك وضع في أحد المكاتب ‪ ..‬لم يوضع في الحجز ‪ ...‬ولم يحاصروه‬
‫بالسلح ول بالحراس ‪ ..‬وقدموا له الطعمة التي تناولها‪ ،‬رافضا السجائر التي عرضوها‬
‫عليه ‪...‬‬

‫وقال جودمان بعد القبض عليه‪ ،‬العبارة اليهودية الشهيرة‪:‬‬

‫إن )السرائيلي( مهما فعل فهو )إسرائيلي( ‪ ..‬هكذا يقول الرب‪.‬‬

‫فأشار قائد المجموعة التي قبضت عليه إشارة استحسان‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫ل تغضب ‪ ..‬لقد نافذت تعاليم الرب!‬

‫واناتقل جودمان من قسم الشرطة إلى أحد المعسكرات التابعة للجيش تمهيدا لمحاكمته ‪ ..‬وهناك‬
‫عومل بتدليل وناعومة‪ ،‬وكأناه أحد أبطال )إسرائيل( ‪...‬‬

‫وقد اناتهت المحاكمة باعتباره مجنوناا ل يحاسب على تصرفاته ‪ ..‬وهو نافس الحكم الذي اناتهت‬
‫إليه المحكمة )السرائيلية ( التي حاكمت من أحرق منبر "صلح الدين" والمسجد القصى من‬
‫قبل!‬

‫وكان من الطبيعي بعد براءة المتهم من جريمته من عقاب أحد على هذه الجريمة ‪ ..‬فكان‬
‫العقاب من ناصيب أعيان القدس الذين صدر المر بطردهم من مدينتهم العتيقة ‪ ..‬وسمحت‬
‫سلطات الحتلل الصهيوناي لمزيد من الجماعات الدينية اليهودية بالصلة في المسجد‬
‫القصى ‪ ..‬ولم تعاقب كهاناا ول غيره بتهمة التهديد رغم ثبوت التهمة عليه ‪.‬‬
‫ول تتوقف المثلة ‪..‬‬

‫وناصاب بالحيرة وناحن ناختار بعضها ‪:‬‬

‫‪ – 1‬في ‪ 4‬يوليو ‪ 1984‬أطلقت عناصر من الحدود في بيت لحم نايران أسلحتهم على خمسة من‬
‫العرب‪ ،‬بينهم فتاة‪ ،‬لناهم لم يمتثلوا لوامرهم بالتوقف‪ ،‬فأصابوهم بجروح ناافذة‪.‬‬

‫)لحظ التشابه الواضح بين هذا الحادث وحادث سليمان خاطر‪ ،‬خاصة في ضرب النار بسبب‬
‫عدما المتثال للوامر بالتوقف ‪ ..‬ولحظ أن من بين العرب الخمسة فتاة(‪.‬‬

‫‪ – 2‬في أوائل عاما ‪ 1984‬أحبطت محاولة لنسف المسجد القصى في القدس ‪ ..‬واكتشف كمية‬
‫من المواد الناسفة والقنابل اليدوية ‪ ...‬وأعرب رئيس شرطة القطاع الجنوبي المفوض‬
‫"يهوشواع كسبي" عن اعتقاده أن الذين قاموا بالعتداء على المسجد القصى هم من اليهود‪،‬‬
‫وأكد أن القنابل اليدوية والمواد المتفجرة التي اكتشفت هي من صنع الجيش )السرائيلي( ‪..‬‬
‫وذكر كسبي أن ‪ %50‬من مجمل العمليات التخريبية في السنوات الخيرة‪ ،‬وقعت في القدس‪،‬‬
‫في مقابل ناحو ‪ %63‬سنة ‪ ،1978‬و ‪ %90‬سنة ‪ .. 1979‬وفي الفترة ما بين يناير ‪ 1982‬قتل‬
‫‪ 29‬عربيا بأعمال إرهابية وجرح ‪ 326‬شخصا من العرب ‪) ...‬لحظ من الذي يعترف بهذه‬
‫الحقائق(‪.‬‬

‫‪ – 3‬في ‪ 4‬مارس ‪ ،1984‬أصيب سبعة من سكان مزرعة "الشرقية" شمال "راما ا" بجروح‬
‫ناتيجة تعرض "أتوبيس" كاناوا يستقلوناه لرشقات ناارية عند مدخل القرية ‪ ..‬واتصل مجهول‬
‫بالهاتف "الحمر" لذاعة الجيش )السرائيلي( وأدلى ببيان باسم منظمة ت‪ .‬ن‪ .‬ت جاء فيه‪:‬‬
‫"ناحن أعضاء مجموعة الرهاب ضد الرهاب ناتحمل مسئولية تنفيذ الهجوما ضد العرب الذي‬
‫وقع صباح اليوما‪ ،‬وهذا الهجوما هو واحد من سلسلة عمليات ستحدث قريبا ‪) ..‬لحظ الجرأة‬
‫والفتخار بارتكاب الحادث(‪.‬‬

‫‪ – 4‬في ‪ 9‬سبتمبر ‪ 1984‬دعا الحاخاما ليفنجر إلى إطلق أسماء التكريم على الشبان اليهود‬
‫المسئولين عن بتر أرجل بساما الشكعة وكريم خلف )من الشخصيات الفلسطينية البارزة في‬
‫الضفة الغربية( لناهم "فعلوا ما كان يجب أن تفعله الحكومة ‪ ..‬فقد دافعوا عن الدما اليهودي" ‪..‬‬
‫وحرض ليفنجر على الشكعة وخلف اللذين "لم يقطع لساناهما" ‪ ..‬وحذر من "أن الدما اليهودي‬
‫لن يكون مباحا" ‪ ..‬وقال "لقد جئنا أرض )إسرائيل(‪ ،‬ل أرض – إسماعيل‪ ،‬إنانا لن نارتدع ولن‬
‫ناخاف‪ ،‬ل يمكن أن يملي العرب علينا كيف ناعيش في بلدناا"‪.‬‬

‫‪ – 5‬في ديسمبر ‪ 1984‬ذكر المتهم بالعتداء على رؤساء البلديات العرب يتسحاق ناوفيك في‬
‫أثناء الدلء بشهادته أماما المحكمة التي تنظر في قضية "الحركة السرية اليهودية" أناه بعد أن‬
‫اعتقل أرسل إلى جهاز التحقيق "حيث عاناقني أفراد جهاز المن العاما وقالوا لي لقد أديتم خدمة‬
‫كبيرة للمة ‪ ..‬وناحن كأفراد جهاز المن العاما ناقدر عملكم"‪.‬‬

‫‪ – 6‬في ناوفمبر ‪ 1984‬اعتقل جندي من لواء "جولناي" وثلثة من رفاقه بينهم جندية كاناوا‬
‫معه في بيته خلل عملية العتقال‪ ،‬واعترف هذا الجندي الذي لم يكشف النقاب عن اسمه‬
‫بإطلق صاروخ على "أتوبيس" عربي في نافس الشهر وبإلقاء قنبلة يدوية في القدس‪.‬‬
‫‪ – 7‬في ‪ 22‬سبتمبر ‪ ،1984‬ألقيت قنبلة يدوية على مقهى في القدس القديمة‪ ،‬جرح ناتيجة‬
‫انافجارها أربعة من العرب‪ ،‬وبعد دقائق معدودة من النافجار اتصل مجهول بقيادة الشرطة‬
‫هاتفيا وقال بالعبرية الفصحى‪" :‬أناا ألقيت القنبلة‪ ،‬لقد بدأت الحرب على الفلسطينيين"‪.‬‬

‫‪ – 8‬في ‪ 22‬ناوفمبر ‪ 1984‬برأت محكمة في القدس المدعو "يكوتئيل جوروفسكي" – عصو‬


‫حركة كاخ – من تهمة إحراق سيارات يملكها عرب في منطقة الخليل وفي القدس‪ ،‬ومكتب‬
‫صحيفة "الفجر" في القدس الشرقية‪ ،‬وذلك على الرغم من شهادة شريكه ضده‪.‬‬

‫‪ – 9‬في مارس ‪ 1984‬لغمت مبان دينية‪ ،‬مسيحية وإسلمية‪ ،‬من قبل منظمة "ت‪ .‬ن‪ .‬ت"‬
‫اليهودية الرهابية‪ ... ،‬وأعلنت المنظمة في مكالمة هاتفية مسئوليتها عن هذا التلغيم في‬
‫الكنائس والمساجد التي تقع في القدس ‪ ..‬واعترفت أيضا بإطلق النار على الراهب الذي قتل‬
‫في نافس الوقت تقريبا في بلدة "عين كارما" ‪ ..‬وقد ذكرت الشرطة أن كل القنابل التي‬
‫استخدمتها المجموعة سرقت من قاعدة الجيش )السرائيلي( في البقاع اللبناناي‪.‬‬

‫ول تتوقف المثلة ‪..‬‬

‫وتتضاعف الحيرة عند الختيار ‪ ..‬على أنانا – حتى ل ناخرج عن الموضوع – لن ناذكر المزيد ‪..‬‬

‫لكننا ‪ ..‬من باب العودة إلى الموضوع ‪ ..‬موضوع المقارناة بين ما فعله سليمان خاطر‪ ،‬وما‬
‫فعلته وتفعله )إسرائيل(‪ ،‬يهمنا أن ناضع أمامكم هذه الحقائق‪ ،‬ثم ناترككم تتأملوناها على مهل ‪:‬‬

‫إن أغلب الذين يرتكبون الجرائم ضد العرب في فلسطين المحتلة من جنود الجيش ‪ ..‬وهؤلء‬
‫منظمون في منظمات معروفة بنشاطها الرهابي ضد العرب ‪ ..‬ولذلك ليس غريبا أن ناجد علقة‬
‫قوية بين حادث العتداء على المسجد القصى وحادث قتل الراهب المسيحي في "عين كارما"‬
‫وليس غريبا أن ناجد علقة قوية بين تلغيم الكنائس والمساجد في القدس وتفجير مبنى صحيفة‬
‫"الفجر" هناك ‪ ..‬وهكذا‪.‬‬

‫إن السلحة والقنابل والصواريخ المستخدمة في هذه الحوادث مصدرها الوحيد مخازن الجيش‬
‫)السرائيلي( ‪ ..‬وهذا ما دفع الحاخاما "ليفنجر" لن يقول في "كفار دوميم" يوما ‪ 5‬يوليو‬
‫‪" :1984‬أناه يجوز لليهودي عندما يقتل العرب أن يسرق من أجل شعب )إسرائيل( حتى ولو‬
‫كان يسرق الجيش )السرائيلي( ‪..‬‬

‫إن بعض أعضاء الكنيست يشاركون في ارتكاب مثل هذه الجرائم ‪ ..‬والمثال الصارخ هنا‬
‫"مائير كهاناا" ‪ ..‬وهناك مثال آخر هو عضو الكنيست الحاخاما "اليعيزر فيلدمان" الذي أظهرت‬
‫التحقيقات الخاصة بجريمة العتداء على رؤساء البلديات العرب في الضفة الغربية )في ‪1984‬‬
‫– مثل بساما الشكعة( أناه كان "شريكا فاعل" في التخطيط لهذه العملية ‪ ..‬كذلك عضو الكنيست‬
‫"ابراهاما ميلميد" الذي تدخل لدى سلطة السجن لمصلحة المعتقلين من منظمة الرهاب‬
‫اليهودي‪ ،‬على حد قول صحيفة "دفار" يوما ‪ 22‬ناوفمبر ‪.1984‬‬

‫إن )السرائيليين( ‪ ..‬خاصة المتعصبين دينيا منهم ينظرون بعين العجاب إلى أولئك الذين‬
‫يرتكبون الجرائم في حق العرب ‪ ..‬ويمارس عدد كبير من المسئولين في الجيش والشرطة‬
‫ضغوطا هائلة للتعامل معهم على أناهم أبطال ‪ ..‬أما الحاخامات فيرفضون حتى اعتقالهم أو حتى‬
‫التحقيق معهم ‪ ..‬ففي سبتمبر ‪ ،1984‬رفع ناحو ‪ 60‬حاخاما بينهم ‪ 7‬من كبار حاخامات‬
‫)إسرائيل ( كتابا إلى رئيس الحكومة "شيمون بيريز" وإلى وزير الشرطة "حاييم بارليف"‬
‫طالبوا فيه بإطلق سراح معتقلي "الحركة السرية اليهودية" – ت‪ .‬ن‪ .‬ت – وقد أجيب طلبهم‬
‫على الفور‪.‬‬

‫إن معظم محاكمات مرتكبي هذه الحوادث يحاكمون أماما محاكم مدناية عادية ‪ ..‬وليست‬
‫محاكماتهم عسكرية‪ ،‬بما فيهم جنود الجيش السرائيلي ‪ ..‬كما أناهم فترة التحقيق معهم‬
‫ومحاكمتهم يوضعون في سجون عادية تحت مسئولية الشرطة المدناية‪.‬‬

‫إن الحكاما التي تصدر ضدهم غالبا ما تكون "البراءة" ‪ ..‬كما في حالة "يكوتئيل جورفسكي"‬
‫الذي حاصرته الدلة في تهمة تفجير سيارات بعض العرب في الخليل والقدس‪ ،‬وتفجير صحيفة‬
‫"الفجر" العربية في القدس أيضا ‪ ..‬وكما في حالة "جودمان" ‪ ..‬وفي أفضل الحوال تتراوح‬
‫الحكاما ما بين خمسة أعواما وعامين وناصف العاما ‪ ..‬وفي كثير من الحيان يكون الحكم‬
‫مشفوعا بوقف التنفيذ!‬

‫وبعد هذه المثلة والملحظات ‪ ..‬أليست المقارناة بين ما فعله سليمان خاطر وما تفعله إسرائيل‪،‬‬
‫مقارناة ظالمة لسليمان خاطر؟ ! ناحن ناعتقد ذلك ‪ ..‬وأناتم – غالبا – أيضا!  ‬
‫غربال ثقوبه كبيرة!‬
‫  هذه ليست قضية ‪ ..‬وإناما ‪" ..‬غربال يمتلئ بالثقوب الكبيرة" ‪ ..‬هكذا وصف أحد المحامين‬
‫قضية سليمان خاطر ‪ ..‬ولم يكن هذا الوصف من قبيل الوصاف الدبية‪ ،‬والبلغية فقط‪ ،‬وإناما‬
‫كان من قبيل الوصاف الجنائية والقاناوناية أيضا ‪..‬‬

‫فهناك ثغرات متعددة ومتنوعة‪ ،‬جعلت القضية غير محكمة ‪ ..‬وغير محبوكة ‪ ..‬على القل من‬
‫نااحية الجراءات!‬

‫وفيما يلي – فقط – بعض العينات ‪:‬‬

‫أولى العينات ‪ :‬تضارب أقوال الشهود ‪.‬‬

‫‪ – 1‬سألت النيابة العسكرية أمين الشرطة "جمال رياض"‪:‬‬

‫س‪ :‬جاء بأقوال الملزما أول طارق سلطان أن المتهم سليمان وقف على التبة وهو يهدد بقتل‬
‫كل من يقترب منه وأن الجندي عطية إبراهيم نازل من على التبة متسلل ومشيرا للضابط طارق‬
‫أن يصمت خوفا من المتهم سليمان‪ ،‬فهل حدث ذلك أمامك؟‬

‫ج‪ :‬أناا ما سمعتش سليمان بيهدد‪ ،‬إناما سمعت من عطية لما وصل أن سليمان بيقول اللي‬
‫حيقرب مني حاضربه بالنار وعطية كان ناازل مرتبك وسليمان هو اللي قال له إنازل بلغ الضابط‬
‫طارق‪.‬‬

‫واستدعت النيابة الضابط طارق سلطان إلى غرفة التحقيق وواجهته بالشاهد – أمين الشرطة‬
‫جمال رياض ‪ ،‬في خصوص ما اعترض أقوالهما من تضارب ‪" ..‬فتراجع الضابط عن أقواله‬
‫وقرر أناه من المحتمل أن يكون سمعه خاناه‪ ،‬رغم صدق تأكيد النيابة العسكرية عليه في هذه‬
‫الجزئية"‪.‬‬

‫‪ – 2‬وسألت النيابة العسكرية الجندي عطية إبراهيم‪:‬‬

‫س‪ :‬هل نازلت متسلل أما نازلت بأمر ورغبة المتهم سليمان؟‬

‫ج‪ :‬أناا ناازل مرعوب وباجري على تحت وسليمان هو اللي قال لي انازل بلغ طارق بك!‬

‫س‪ :‬هل سمعت الجندي سليمان يطلق النار ويصيح بأناه سيقتل من يقترب منه؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬ما سمعتش!‬

‫‪ – 3‬في محضر النيابة العامة‪ ،‬قال المقدما حسن خلف عاشور قائد سرية المن المركزي‬
‫بنويبع‪:‬‬

‫قمت بمعاوناة السادة الضباط بالتصال بالمتهم تليفونايا‪ ،‬وتمكنت من إقناعه بتسليم السلح‬
‫والذخيرة وبالفعل تم ذلك وتقابلنا معه‪ ،‬وقبضنا عليه وسلم للجهات المختصة‪ ،‬وفي محضر‬
‫النيابة العسكرية أناكر قائد ثاناي السرية الرائد أحمد الشيخ ذلك‪ ،‬وقال‪" :‬أناا اللي اتصلت‬
‫بسليمان وما حدش اتصل به غيري وأناا اللي طلبت التصال به وأطلع له"‪.‬‬

‫س‪ :‬هل تحدث المقدما حسن خلف معه عن طريق الجهاز؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬خالص‪.‬‬

‫س‪ :‬هل أنات متأكد؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬لم يتصل به‪.‬‬

‫ولن الجندي حسن الخولي هو المسئول عن التصالت فقد سألته النيابة العسكرية ‪:‬‬

‫س‪ :‬هل حدث أن اتصل بك على الجهاز أو التليفون المقدما حسن خلف عاشور‪ ،‬واتصل‬
‫بسليمان تليفونايا؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬أحمد بك الشيخ هو اللي كلمني!‬

‫‪ – 4‬في محضر النيابة العامة سئل الجندي عطية إبراهيم‪:‬‬

‫س‪ :‬قرر المدعو سليمان محمد عبد الحميد )خاطر( بمحضر الضبط أناه شاهد بعض الجاناب‬
‫يصعدون الجبل فأشار لهم بيده لفهامهم بعدما الصعود فرفضوا فأطلق بالقرب منهم بعض‬
‫العيرة النارية للتحذير فأصاب بعضهم ‪) ..‬ما رأيك في هذا الدعاء؟('!‬

‫ج‪ :‬أناا ما شفتوش!‬

‫وأماما النيابة العسكرية غير عطية أقواله وقال‪:‬‬

‫سليمان لما شافهم طالعين الجبل ودخلوا النقطة قال لهم بالناجليزي حاجات ل أفهمها وكان‬
‫بيشاور لهم بيده ينزلوا فرفضوا وفوجئنا بضرب النار على طول ‪..‬‬

‫‪ – 5‬في محضر النيابة العامة قال عطية إبراهيم‪:‬‬

‫بعد ما سمعنا أربع طلقات جريت أناا وعلي )إبراهيم( فقابلنا سليمان وأناا بأكلمه قال لي ما لكش‬
‫دعوة وروح قول للضابط طارق إن سليمان "قتل" نااس أجاناب! وفي محضر النيابة العسكرية‬
‫تغيرت كلمة "قتل" إلى كلمة "سيقتل" في أقوال نافس الشاهد ‪ ..‬والكلمة الولى تعني أن‬
‫سليمان أصاب )السرائيليين( من رصاصات التحذير التي أطلقها ‪ ..‬أي أناه غير متعمد ‪ ..‬أما‬
‫الكلمة الثاناية فتعني أناهم كاناوا على قيد الحياة بعد رصاصات التحذير‪ ،‬وأناه تعمد بعد ذلك‬
‫قتلهم ‪...‬‬

‫وسألت النيابة العسكرية عطية إبراهيم‪:‬‬

‫س‪ :‬بماذا تعلل التناقض بين أقوالك؟‬

‫لم يستطع الشاهد – باعتراف النيابة العسكرية – تبرير هذا التناقض!‬


‫وسألت النيابة العسكرية الجندي علي إبراهيم‪ ،‬بعد أن لحظت تناقض أقواله هو الخر‪:‬‬

‫س‪ :‬لماذا غيرت أقوالك عن تلك السابقة أماما النيابة العامة وأمامنا؟‬

‫ج‪ :‬أناا ما عنديش إجابة؟‬

‫وسألت النيابة العسكرية الملزما أول طارق سلطان‪:‬‬

‫س‪ :‬بماذا تعلل التناقض في أقوال؟‬

‫ج‪ :‬الحالة النفسية اللي الواحد فيها أو احتمال عدما التركيز وسيادتك لما تسألني بعد هدوء‬
‫أعصابي كل مرة بفتكر أكثر وأناا ضابط‪ ،‬مليش خدمة غير سنتين والحادث ده حصل في النقطة‬
‫اللي أناا قائدها فلزما ظروفي تبقى مش طبيعية! !‬

‫إن هذه المثلة من أقوال الشهود المتناقضة ليست هي المثلة الوحيدة في محاضر التحقيق ‪..‬‬
‫ومن الملحظ أن النيابة العسكرية أدركت هذا التناقض وسجلته ‪ ..‬ومن الملحظ أن الشهود من‬
‫الجنود العاديين لم يقدروا على تفسيره‪ ،‬مما يثير الشك في أن تراجعهم في القوال‪ ،‬أو تناقض‬
‫هذه القوال‪ ،‬وراءه ناوع من التلقين ‪ ..‬أو العداد المسبق قبل وصول النيابة العسكرية ‪ ..‬في‬
‫حين أن الضابط )طارق سلطان ( لناه متعلم ومدرب‪ ،‬فقد ناجح في تفسير تناقض أقواله‪،‬‬
‫بالدعاء أن حالته النفسية كانات مضطربة ‪ ..‬وأن خبرته ل تزيد على السنتين‪ ،‬ورغم أن‬
‫التفسير يمكن قبوله‪ ،‬إل أن العذر هنا أكبر من الذناب ‪..‬‬

‫العينة الثاناية من ثقوب "غربال" القضية ‪ :‬الخطاء غير المبررة التي وقع فيها بعض رجال‬
‫الشرطة في مكان الحادث ‪.‬‬

‫‪ – 1‬في ص ‪ 15‬من محضر النيابة سئل مأمور شرطة "ناويبع" العقيد "محمد علي‬
‫إسماعيل"‪:‬‬

‫س‪ :‬لماذا لم تقم بسؤال الطفلين المصابين عند اناتقالك لهما في المستشفى؟‬

‫ج‪ :‬أناا كنت متصور تواجدهما بعض الوقت في المستشفى بنويبع لحين عودتي من إجراء‬
‫المعاينة حيث إن المتهم كان في ذلك الوقت طليقا لم يتم القبض عليه‪ ،‬وعند عودتي للمستشفى‬
‫تبين خروجهما‪.‬‬

‫لم يكن تبرير مأمور شرطة ناويبع سليما‪ ،‬حيث إناه ليس المكلف بالقبض على سليمان خاطر ‪..‬‬
‫وهذه المهمة كانات من اختصاص قائد سرية المن المركزي ومساعده‪ ،‬والتي يعد سليمان أحد‬
‫أفرادها!‬

‫‪ – 2‬صباح اليوما التالي للحادث‪ ،‬لم ينتظر قائد النقطة )طارق سليمان( وناائب المأمور )إيهاب‬
‫فرج ( حضور النيابة العامة‪ ،‬وصعدا إلى مكان الحادث‪ ،‬وراحا يجمعان الطلقات الفارغة والحية‪،‬‬
‫رغم أناها من أدلة التحقيق ومن صميم عمل النيابة ‪ ..‬وقد سألت النيابة العسكرية قائد النقطة‪:‬‬

‫س‪ :‬هل صعدت أثناء نازول الجثث من فوق التبة مع المجموعة التي صعدت؟‬

‫ج‪ :‬طلعت التبة بعد ما نازلت الجثث‪.‬‬


‫س‪ :‬هل نااظرت مكان الحادث ليلتها؟‬

‫ج‪ :‬ل ‪ ..‬وأناا لم أبص للجثث وهي تحت!‬

‫س‪ :‬ما سبب صعودك للمنطقة بعد إخلئها من الجثث؟‬

‫ج‪ :‬علشان أستطلع أحوالها‪.‬‬

‫س‪ :‬هل صعدت للنقطة صباح اليوما التالي؟‬

‫ج‪ :‬ناعم‪.‬‬

‫س‪ :‬لماذا؟‬

‫ج‪ :‬علشان أدور فيها على أي حاجة!‬

‫س‪ :‬في صباح اليوما التالي للحادث ما الذي شاهدته تحديدا في النقطة في وضح النهار؟‬

‫ج‪ :‬كان فيه كاميرا مكسورة من فوق وآثار دماء وفوارغا طلقات‪.‬‬

‫س‪ :‬أين كانات فوارغا الطلقات وأين كانات الكاميرا وأين كانات بقع الدماء؟‬

‫ج‪ :‬الكاميرا كانات جنب أول بقعة دما‪ ،‬على بعد مترين من الكشك‪ ،‬والطلقات الفارغة كانات أماما‬
‫الكشك وجنب‬

‫الكشك على طول وكان فيه نااحية تبة العلم طلقات فارغة أيضا وعند التبة التي استقر عندها‬
‫سليمان في الخر ‪ ..‬لقيت فوارغا وطلقات حية‪.‬‬

‫س‪ :‬ما الذي فعلته في فوارغا الطلقات؟‬

‫ج‪ :‬جمعتها وكانات ‪ 39‬طلقة تقريبا ‪ ..‬هي اللي جمعتها أناا‪.‬‬

‫س‪ :‬وهل جمعت كل هذه الطلقات الفارغة وحدك؟‬

‫ج‪ :‬كان معايا العساكر وجمعوا التسع وثلثين طلقة الفارغة‪ ،‬وبعض الناس‪ ،‬منهم ناائب‬
‫المأمور والنيابة‬

‫جمعوا عدد آخر من الطلقات ما أعرفش منين‪.‬‬

‫س‪ :‬لماذا قمت برفع هذه الذخيرة من أماكنها قبل وصول النيابة العامة رغم أناها من أدلة‬
‫التحقيق وأنات ضابط شرطة وتعلم ذلك؟‬

‫ج‪ :‬أناا ل شعوريا عملت كده وأناا لحد الن ما زلت في حالة نافسية سيئة للغاية مما حدث!‬

‫وقد سألت النيابة العسكرية ناائب المأمور نافس السؤال الخير تقريبا‪.‬‬
‫س‪ :‬ما الذي جعلك تنتقل للمعاينة دون إذن من النيابة؟‬

‫ج‪ :‬المأمور قال لي تعالى وريني الجثث كانات فين!‬

‫س‪ :‬لماذا إذن قمتم برفع فوارغا الذخيرة قبل وصول النيابة ودون إذن منها؟‬

‫ج‪ :‬إحنا تركنا الذخيرة مكاناها في وجود النيابة العامة!‬

‫‪ – 3‬من بين الدلة التي عثر عليها وأشار إليها الشهود وجود كاميرا "مكسورة" كانات مع‬
‫)السرائيليين ( ‪ ..‬وقد سقطت بعد إطلق الرصاص عليهم‪ ،‬واناكسرت "من فوق" ‪ ..‬وقد اختفت‬
‫"الكاميرا" بعد ذلك ولم تحرز مع باقي أحراز القضية ولم ناعرف طبيعتها ول ناوعها‪ ،‬ول طبيعة‬
‫الفيلم المركب أماما عدستها‪ ،‬ول الصور التي التقطت بها! ‪ ..‬إن تحقيقات النيابة العسكرية التي‬
‫سجلت في حوارها مع قائد النقطة وجود هذه الكاميرا‪ ،‬ولكنها لم تتضمن أي سؤال بشأناها بعد‬
‫ذلك‪ ،‬ولم تقدما أي إجابة عن التساؤلت التي أثيرت حولها!‬

‫‪ – 4‬ومن بين الدلة التي عثر عليها أيضا ‪" ..‬ألبوما صور" ‪ ،‬حصل عليه ضابط من ضباط‬
‫مباحث أمن الدولة صعد مع قائد النقطة وناائب المأمور ‪ ..‬ولم يقدما هذا اللبوما أو يحرز على‬
‫ذمة هذه القضية ‪..‬‬

‫إن تحقيقات النيابة العسكرية تروي قصة هذا اللبوما ولكنها ل تشير إلى مصيره ‪ ..‬لقد صعد –‬
‫طبقا لهذه التحقيقات – ضابط مباحث أمن الدولة إلى موقع الحادث ‪ ..‬ودخل الكشك حيث‬
‫دواليب جنود النقطة التي يضعون فيها حاجاتهم الشخصية ‪ ..‬وقد كسر ذلك الضابط الدواليب ‪..‬‬
‫و"فسخ" أقفالها‪ ،‬ولم ينتظر أن يفتح أصحابها بأنافسهم ‪ ..‬وأغلب الظن أن مباحث أمن الدولة‬
‫كانات تفتش عن أوراق‪ ،‬أو منشورات‪ ،‬أو معلومات تثبت بصورة أو بأخرى ارتباط سليمان‬
‫خاطر بأي تنظيم سياسي أو ديني ما ‪ ..‬لكن ذلك لم يحدث ‪ ..‬وكان كل ما وجدوه بعض اليات‬
‫القرآناية المكتوبة بخط اليد والمعلقة بمسامير على جدران الكشك ‪ ..‬ووجدوا آية قرآناية أخرى‬
‫على دفتر "المراقبة" الخاص بالنقطة ‪ ..‬ووجدوا ألبوما الصور ‪ ..‬إن الصور التي في اللبوما‪،‬‬
‫يظهر فيها بعض جنود النقطة بالمايوهات وسط عدد من الشبان والفتيات )السرائيليين( وهم‬
‫شبه عرايا أيضا ‪ ..‬ومن أولئك الجنود‪ :‬عطية إبراهيم‪ ،‬وقد سألت النيابة العسكرية زميله‬
‫الجندي علي إبراهيم‪:‬‬

‫س‪ :‬هل شاهدت في النقطة مع أحد زملئك أي ألبومات صور مع أجاناب سواء كاناوا ناساء أو‬
‫رجال؟‬

‫ج‪ :‬أناا شفت مع عطية صور له مع ستات ورجالة أجاناب والصور كانات في اللبوما!‬

‫س‪ :‬ما لون هذا اللبوما؟‬

‫ج‪ :‬غالبا لوناه أزرق‪.‬‬

‫س‪ :‬هل أخذت هذه الصور للجندي عطية مع الجاناب بالنقطة أو بجوارها؟‬

‫ج‪ :‬أيوة متصورين معاه في النقطة ‪ ..‬في الحتة اللي تحت العلم من نااحية البحر شوية!‬
‫ولم تسأل النيابة العسكرية‪ :‬من الذي التقط هذه الصور؟ ول كيف وصلت ناسخة منها لعطية‬
‫إبراهيم ؟ ول ما هي طبيعة العلقة بين جنود النقطة وأولئك السياح )السرائيليين( ؟ ولكنها ‪..‬‬
‫سألته‪:‬‬

‫س‪ :‬معنى ذلك أن الجاناب معتادون الصعود إلى هذه النقطة؟ وكانات الجابة مذهلة ‪..‬‬

‫ج‪ :‬أيوة!‬

‫س‪ :‬وهل يسمح الجندي سليمان للجاناب بالصعود إلى هذه النقطة دائما؟‬

‫ج‪ :‬سليمان ما يحبش كده أبدا وما بيطلعش الجاناب النقطة‪.‬‬

‫س‪ :‬هل حدث أن منع سليمان أجاناب من صعود النقطة من قبل في وجودك؟‬

‫ج‪ :‬ناعم‪.‬‬

‫س‪ :‬هل يمنعهم بالقوة أو يهددهم بالسلح؟‬

‫ج‪ :‬هو بيكلمهم بالناجليزي فينزلوا على طول‪.‬‬

‫واستدعت النيابة العسكرية الجندي عطية إبراهيم‪ ،‬وسألته‪:‬‬

‫س‪ :‬هل سبق أن صعد أجاناب إلى هذه النقطة من قبل؟‬

‫ج‪ :‬أيوة بيطلعوا!‬

‫س‪ :‬هل سبق لك أن أخذت صورا مع هؤلء الجاناب من رجال أو ناساء وهم يلبسون ملبس‬
‫البحر؟‬

‫ج‪ :‬تما يا أفندما ‪ ...‬حصل!‬

‫س‪ :‬أين تضع هذه الصور؟‬

‫ج‪ :‬في ألبوما ‪ ..‬وفي دولب سليمان‪.‬‬

‫س‪ :‬ومن الذي وضع ألبومك الخاص في دولب سليمان؟‬

‫ج‪ :‬هو طلب مني إن الصور دي تيجي فأعطيتها له‪ ،‬وحطها في دولبه هو‪.‬‬

‫س‪ :‬ولماذا طلبها سليمان وما الذي أجبرك على إعطائها له؟‬

‫ج‪ :‬هو ‪ ..‬أمرناي أجيبهم علشان هو الحكمدار‪.‬‬

‫س‪ :‬منذ متى أخذ منك اللبوما؟‬

‫ج‪ :‬قبل الحادثة ما تحصل بكاما يوما‪.‬‬


‫‪ – 5‬إن معاينة النيابة العامة تمت بعد صعود رجال الشرطة لمكان الحادث ‪ ..‬وهناك شك في أن‬
‫رسم المعاينة الكروكي الذي قامت به النيابة العامة ل يعتمد على أماكن الجثث الحقيقية‪ :‬أو‬
‫أماكن طلقات الرصاص الحقيقية! !‬

‫‪ – 6‬إن النيابة العسكرية التي باشرت التحقيق بعد ذلك لم يتح لها أن ترى أو تعاين مكان‬
‫الحادث أو تكون فكرة سليمة عنه لناها باشرت القضية متأخرة‪.‬‬

‫العينة الثالثة من ثقوب غربال القضية ‪ :‬تقارير الطب الشرعي عن القتلى والمصابين ‪.‬‬

‫إن القاناون يفرض أن يتم تشريح "الطب الشرعي" بواسطة أطباء مصريين يأتون إلى‬
‫المحكمة ويحلفون اليمين أمامها ‪ ..‬وإذا لم يحدث ذلك ل يؤخذ بالتقارير التي تحمل الصفة‬
‫التشريحية للقتلى ‪ ..‬أو التي تحمل أوصاف الجروح بالنسبة للمصابين ‪ ...‬لكن شيئا من هذا لم‬
‫يحدث في هذه القضية‪.‬‬

‫لقد تسلم )السرائيليون ( الجثث في نافس يوما الحادث ‪ ..‬وقبل أن تصل النيابة العامة إلى مكان‬
‫الحادث ‪ ..‬وبالتحديد تم ذلك بعد ساعات قليلة من نازول الجثث من التبة ‪ ..‬وقد اكتفى أطباء‬
‫مستشفى ناويبع بفحص الجثث فحصا ظاهريا ‪ ..‬ثم تسلمها المستشار السياسي للسفارة‬
‫)السرائيلية( "نامرود باري" الذي كان من بين مجموعة السياح )السرائيلية( الذين كاناوا‬
‫يخيمون على الشاطئ أسفل النقطة ‪ ..‬وقد تسلم الجثث بصفته الشخصية ل الرسمية ‪ ..‬ووقع‬
‫على إيصال بذلك باللغة الناجليزية مكتفيا بكتابة الحرف الول من اسمه واسم عائلته على هذا‬
‫النحو "ن‪ .‬باري" ولم يذكر في اليصال جنسيته‪ ،‬ول رقم جواز سفره‪ ،‬وإناما سجل بطاقته‬
‫الشخصية ورقمها ‪ .. 386434‬وقال في اليصال إناه تسلم الجثث السبع "لنقلها إلى‬
‫إسرائيل " ‪ ..‬وقد وصل التسرع في تسليم الجثث إلى حد أن بعض السماء في إيصال الستلما‬
‫غير كاملة وبدون لقب‪ ،‬كما في جثة أوفري الذي لم يوضح اليصال لقبه ‪ ..‬وحسب إشارة مركز‬
‫العمليات في الجيش الثالث إلى قائد الجيش الميداناي في الساعة العاشرة تقريبا ليلة الحادث إن‬
‫الجثث ناقلت بطائرتين هيلكوبتر من طراز "هيل" تتبعان القوات متعددة الجنسية‪ ،‬وكاناتا قد‬
‫هبطتا في القرية السياحية بنويبع‪.‬‬

‫إن أحدا ل يعرف سر هذا التسرع في ناقل الجثث إلى )إسرائيل( ‪ ..‬ول أحد يعرف لماذا سمح‬
‫المصريون بذلك قبل الجراءات اللزمة!‬

‫ونافس الشيء حدث مع المصابين ‪ ..‬إن المحامي )السرائيلي( "جيرا كورن" يعترف أماما‬
‫النيابة العسكرية المصرية أناه أخذ المصابين في سيارته من المستشفى وأوصلهما بنفسه إلى‬
‫عربة إسعاف كانات تنتظره على الحدود عند إيلت ‪ ..‬ول ناعرف بالطبع كيف وصل خبر الحادث‬
‫إلى )إسرائيل ( بهذه السرعة ‪ ..‬وبالتفاصيل الدقيقة التي جعلت سيارة السعاف تنتظر المصابين‬
‫وتتسلمهما ‪ ...‬ومن باب التمويه – على ما يبدو – قال المحامي )السرائيلي( إن المصريين‬
‫رفضوا السماح له بالتصال بإيلت ‪ ..‬وإذا كان هذا قد حدث‪ ،‬فمن الذي أوصل الخبر إلى داخل‬
‫)إسرائيل( ؟ !‬

‫وقد أصبح ملزما – بعد كل هذا التسرع – أن تأخذ المحكمة العسكرية بالتقارير الطبية‬
‫)السرائيلية( ‪ ..‬ول داعي – بالطبع – أن ناشير إلى إمكاناية أن تتلعب )إسرائيل( في هذه‬
‫التقارير على النحو الذي تراه‪ ،‬وعلى النحو الذي يجعلها تكيف التهمة بحيث تكون "عمدا مع‬
‫سبق الصرار والترصد"‪.‬‬
‫ول داعي أن ناشير إلى عدما جدوى تقارير أطباء مستشفى ناويبع "الظاهرية" ‪ ..‬وخاصة أن‬
‫الكشف "الظاهري" – حسب ما جاء في محضر مأمور شرطة ناويبع – لم يزد على دقائق‬
‫معدودة ‪ ..‬ولم يزد ما قاله الطباء بعده على سطور قليلة عن كل جثة ‪ ..‬حتى أناه من الثابت أن‬
‫الجثث السبع لم يستغرق الكشف الظاهري عليها سوى ثلث ساعة‪ ،‬وتقاريرها ل تزيد على‬
‫صفحتين من محضر الشرطة الولي ‪ ..‬ول يؤخذ بهذه التقارير لناها تمت من غير أمر من‬
‫النيابة‪ ،‬كما أناها لم تتم بواسطة الطباء الشرعيين ‪ ..‬ولم تتم في معاملهم ‪..‬‬

‫وقد أرسل )السرائيليون( سبعة تقارير "صفة تشريحية" ‪ ...‬وتقريرين "طبيين" عن‬
‫المصابين إلى الدارة العامة للقضاء العسكري المصري ‪ ...‬وكانات التقارير التسعة مكتوبة من‬
‫ناسختين ‪ ..‬ناسخة باللغة العبرية وأخرى باللغة الناجليزية ‪ ..‬وأرسلها المدعي العاما العسكري‬
‫بكتاب رقم ‪ – 11088‬في ‪ 23‬أكتوبر ‪ 1985‬إلى مدير إدارة الخدمات الطبية‪ ،‬الذي تولى‬
‫الشراف على ترجمتها إلى اللغة العربية ‪ ...‬واعتمدت الترجمة بتوقيعه ‪ ...‬ومن التوقيع ناعرف‬
‫أن مدير إدارة الخدمات الطبية المسئول عن ذلك هو اللواء طبيب فؤاد علي المغربي ‪ ..‬وقد‬
‫أرسلت الترجمة من مكتب المدعي العاما العسكري )لواء محمد ناادي سيد موسى( إلى رئيس‬
‫نايابة السويس العسكرية يوما ‪ 28‬أكتوبر ‪ ،1985‬بخطاب قيده ب‪ .. 1532 /85 /‬مع مخصوص‪.‬‬
‫وحسب ملف القضية فإن ترجمة تلك التقارير إلى اللغة العربية كتبت على الماكينة الكاتبة على‬
‫‪ 26‬صفحة ‪...‬‬

‫ومن يقرأ التقارير الطبية )السرائيلية( ولو قراءة سطحية ‪ ..‬يلحظ بسهولة أكثر من مغزى‬
‫تشير إليه‪ ،‬وتوحي به‪:‬‬

‫‪ – 1‬ترى تلك التقارير أن أغلب المتوفين لم يموتوا في الحال ‪ ..‬أي أناه كان من الممكن – طبقا‬
‫لهذا الغمز – إناقاذهم‪ ،‬أو إناقاذ بعضهم على القل‪ ،‬لو كانات السلطات المصرية – طبقا لهذا‬
‫الغمز أيضا – أسرعت بإسعافهم ‪ ..‬أو لو كانات أسرعت بالتدخل لقناع سليمان خاطر بتسليم‬
‫نافسه في وقت مناسب ‪ ..‬وهذه الشارة الخفية أو المتعمدة في التقارير الطبية‪ ،‬محاولة إضافية‬
‫من إسرائيل لحكاما التهمة التي وجهتها لمصر فور الحادث‪ ،‬وناقصد بذلك تهمة إهمال الجرحى‬
‫وتركهم ينزفون حتى الموت ‪ ..‬وقد أشار إلى هذه التهمة – أيضا – المحامي )السرائيلي(‬
‫"جيرا كورن" في تحقيقات النيابة العسكرية‪.‬‬

‫‪ – 2‬أن معظم الجروح النافذة – حسب هذه التقارير – من طلق الرصاص على الظهر أو على‬
‫الكتفين‪ ،‬مما يوحي أن الطب الشرعي )السرائيلي( يريد إثبات أن سليمان خاطر أطلق‬
‫الرصاص عليهم بتعمد‪ ،‬وهم يفرون أمامه ‪ ..‬أو أناه أطلق النار عليهم من الخلف ل من الماما‪،‬‬
‫والمعنى مفهوما ول يحتاج إلى شرح‪.‬‬

‫فيما بعد ‪ ..‬قال جودة العزب أول محاما اناتدبته أسرة سليمان خاطر للدفاع عنه‪:‬‬

‫‪ -‬إن أوراق الدعوى ل تدين سليمان خاطر ‪ ..‬فالنيابة لم تعاين جسم الجريمة وهي جثث‬
‫القتلى ‪ ..‬وتقرير الطب الشرعي المصري غير موجود ‪ ..‬ولن يوجد ‪ ..‬وتقارير الطب الشرعي‬
‫)السرائيلي( ل تلزما القضاء المصري في شيء‪.‬‬

‫‪ -‬وعلى هذا النحو – كما يقول المحامي أيضا – يكون الركن المادي للتهاما غير قائم ‪ ..‬وسبب‬
‫الوفاة غير ثابت‪.‬‬
‫ورغم ذلك اعتبرت النيابة العسكرية التقارير الطبية )السرائيلية( بندا من بنود قائمة الثبوت‬
‫في القضية ‪ ..‬ودليل من الدلة المضادة لبطلها‪.‬‬

‫كذلك ‪ ...‬اعتبرت النيابة العسكرية شهادة المحامي )السرائيلي( "جيرا كورن" دليل من أدلة‬
‫الثبات رغم أناه قد ثبت لها عدما دقة أقواله‪.‬‬

‫وقد أضافت النيابة العسكرية إلى هذين الدليلين غير الموثوق بهما دليل آخر سبق إثبات عدما‬
‫تماسكه‪ ،‬وهو الدليل الخاص بأقوال الشهود ‪ ..‬زملء سليمان خاطر وقائد النقطة ‪ ..‬وقد‬
‫اعترفت النيابة العسكرية بنفسها في محاضر التحقيق أن أقوالهم متضاربة وغير مستقرة ‪..‬‬
‫وكثيرا ما عدلوا عنها دون أن يفسروا ذلك‪.‬‬

‫لقد اعترف سليمان خاطر بارتكابه الحادث ‪ ..‬لكنه أصر على رفض أناه ارتكبه متعمدا ‪ ..‬فكان‬
‫على النيابة العسكرية أن تحصل – ولو من تحت الرض – على أي دليل يثبت ركن "العمد" ‪..‬‬
‫حتى ولو أدى ذلك إلى أن تتحول القضية من قضية إلى غربال يمتلئ بالثقوب ‪ ..‬القاناوناية‬
‫والجنائية!  ‬
‫الطفال على الطريقة الصهيوناية! !‬
‫  وصف سليمان خاطر بأناه "قاتل الطفال البرياء" ! !‬

‫رددت هذا الوصف‪ ،‬وركزت عليه كل الصحف والمجلت الحكومية المصرية التي تناولت قضية‬
‫"رأس بركة"‪ ،‬وقد استخدمت هذه الصحف والمجلت هذا الوصف في الرد على المعارضة‬
‫المصرية التي اعتبرت سليمان خاطر بطل يستحق التكريم والتقدير‪ ،‬مثله مثل سليمان الحلبي‪،‬‬
‫وأدهم الشرقاوي ‪..‬‬

‫لقد اعتبرت الصحافة الحكومية المصرية سليمان خاطر هو قاتل البراءة ‪ ..‬الزهار ‪ ..‬وعصافير‬
‫الجنة ‪ ..‬ومن يقل غير ذلك فهو مثله ‪ ..‬قاتل للسذاجة والطهر ‪ ..‬والنقاء ‪ ..‬قاتل الملئكة الصغار‬
‫‪ ..‬وكان هذا الوصف هو أكثر الوصاف التي استفزت سليمان خاطر وأثارت غضبه وحزناه‬
‫ورفضه ‪..‬‬

‫وقد اعترف بذلك مكرما محمد أحمد في الحوار الذي أجراه معه في سجنه‪ ،‬وقال‪ :‬إناه أحياناا )أي‬
‫سليمان( كان يأخذه الغضب وهو يدافع عن نافسه ويرد تهمة قتل الطفال ‪ ..‬ويقول له سليمان‪:‬‬
‫"ل ‪ ..‬لم أكن قاتل الطفال ‪ ..‬صدقني أناا لم أر أطفال ‪ ..‬كانات الشمس قد غابت عن المكان وكان‬
‫الظلما قد حل" ‪" ..‬لم أكن أرى أطفال ولكنني كنت أرى كومة أفراد يصعدون التل حزمة‬
‫واحدة ‪ ..‬وحدث ما حدث ‪ ..‬وإذا كان قد تكشف فيما بعد أن بينهم أطفال فإن الناسان ل يملك‬
‫الن سوى السف"‪.‬‬

‫ويشير سليمان في نافس هذا الحوار إلى أحجاما أولئك الطفال ويقول‪" :‬لقد كان أصغرهم‬
‫يقاربني طول" ‪ ..‬ويضيف "هذا ما رأيته" ! !‬

‫ول ينسى سليمان أن يؤكد أناه ترك الطفلة "ناعمة" تنزل من فوق التل بعد أن اكتشف وجودها‬
‫على قيد الحياة بعد أن أمر الجندي "حسوناة" أن يوصلها إلى أهلها أسفل التبة ‪" ..‬لو كنت‬
‫قاتل الطفال‪ ،‬فلماذا تركت هذه الطفلة سليمة"‪.‬‬

‫ويسأله مكرما محمد أحمد‪ :‬هل لشقائك بنات صغيرات في عمر هذه الطفلة؟‬

‫ويرد سليمان‪ :‬ناعم ‪ ..‬لواحد من أشقائي‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ابنة في عمرها اسمها "نايفين" !‬

‫ويسأله‪ :‬ما الفارق بين "نايفين" والطفلة السرائيلية التي طلبت أنات إلى حسوناة مساعدتها‬
‫على الهبوط؟‬

‫فيرد‪ :‬ل شيء‪ ،‬فكلنا أولد آدما وحواء وكلنا إلى تراب‪ ،‬إناك ل تعلم مدى حبي للطفال‪ ،‬إناني‬
‫شديد التعلق بأولد شقيقي‪ :‬محمد وأحمد وسعيد‪ ،‬وبودي أن أراهم!‬

‫هل يمكن أن يحمل هذه المشاعر‪ ،‬ويقول هذا الكلما‪ ،‬شخص يوصف بأناه قاتل الطفال؟‬

‫إن من المؤكد أن كلمة "أطفال" هنا تحتاج إلى مراجعة ‪..‬‬


‫إنانا لسنا مع قتل الطفال ول حتى الكبار ‪ ..‬لكن ‪ ..‬هذا ل يعني تجاهل الحقيقة ‪ ..‬ومحاولة‬
‫تصوير ما حدث‪ ،‬تصويرا يبدو روماناسيا ‪ ..‬نااعما ‪ ..‬يغازل القلوب التي تسجد حبا ورقة أماما‬
‫الطفال ‪ ..‬إن هذا التصوير الذي يرسم سليمان خاطر صورة أقرب لصور "السفاحين" تصوير‬
‫ظالم ‪ ..‬وكاذب ‪ ..‬ول علقة به بالواقع أو الحقيقة ‪..‬‬

‫فمن المؤكد – حتى الن – أن أحدا ل يعرف – بدقة‪ -‬عدد "السرائيليين" الذين صعدوا التل ‪..‬‬
‫ول أحد يعرف – بدقة أيضا – عدد الناجين منهم‪ ،‬الذين نازلوا من التل ‪ ..‬فكل المعلومات هنا‬
‫مصدرها فقط الجاناب )السرائيلي( ‪ ..‬بل ‪ ..‬إن من المؤكد أن المعلومات المتوافرة عن القتلى ل‬
‫تعد معلومات جازمة ‪ ..‬أو ناهائية ‪ ..‬لن مصدرها أيضا الجاناب )السرائيلي( ‪ ..‬فعندما عاين‬
‫مأمور شرطة ناويبع الجثث اكتشف عدما وجود أي شيء يثبت شخصية أصحابها ‪ ..‬ل بطاقات‬
‫شخصية ‪ ..‬ول جوازات سفر ‪ ..‬وعندما تسلم "نامرود باري" الجثث‪ ،‬كان هو الذي سجل بنفسه‬
‫أسماء وأعمار أصحابها ‪ ..‬دون أي مراجعة أو تأكد من أي مسئول مصري لصحة هذه‬
‫المعلومات ‪ ..‬ومن يرى إيصال استلما الجثث الذي وقعه نامرود باري يكتشف أن بعض السماء‬
‫ل تحمل أي ألقاب ‪ ..‬مجرد اسم أول فقط – ووحيد ‪ ..‬مثل الجثة التي حملت رقم "‪ "6‬في إيصال‬
‫الستلما ‪ ..‬جثة الصبي "أوفري" الذي كتب أمامه‪" :‬ذكر – ‪ 12‬سنة" ‪ ..‬وقد اتضح فيما بعد‬
‫أن أوفري أناثى وليس ذكرا ‪ ...‬وأن اسمها بالكامل "أوفري تورال" ‪ ..‬كذلك كتب أماما جثة‬
‫"هامان شيلح" أن العمر ‪ 42‬سنة واتضح من التقارير الطبية )السرائيلية( – فيما بعد – أن‬
‫عمره ‪ 44‬سنة ‪ ..‬كذلك كتب أماما جثة زوجته "إيلناا شيلح" أن عمرها ‪ 40‬سنة‪ ،‬واتضح من‬
‫التقارير الطبية )السرائيلية( – فيما بعد – أن عمرها ‪ 43‬سنة ‪...‬‬

‫أي أنانا أماما معلومات متضاربة ‪ ..‬وغير دقيقة عن القتلى ‪ ..‬معلومات تحول الناثى إلى ذكر ‪..‬‬
‫ول تستطيع أن تحدد أعمارهم ‪ ..‬ولو أضفنا إلى هذا التناقض‪ ،‬ملحظة سليمان خاطر التي قال‬
‫فيها "إن أصغرهم أطول منه" ‪ ..‬لتضح لدينا بسهولة أن لقب "طفل" ل ينطبق على أغلب‬
‫الذين صعدوا التل ‪ ..‬حتى لو سلمنا بالمعلومات )السرائيلية( فإن اللقب المناسب لغير الكبار هو‬
‫لقب "صبيان" أو "فتيات" ‪ ..‬حيث إن العمار المذكورة – لو كانات صحيحة – تتراوح ما بين‬
‫‪ 12 – 10‬سنة‪ ،‬وطبقا لنفس المصادر )السرائيلية( فإن أطوال الصبيان والبنات من القتلى‬
‫ليست أطوال عادية ‪ ..‬فالفتاة دينا باري "وهي بالمناسبة ابنة نامرود باري" عمرها ‪ 10‬سنوات‬
‫ولكن طولها ‪ 148‬سم ‪ ..‬والفتاة "شيل زيليل" عمرها ‪ 12‬سنة ولكن طولها ‪ 154‬سم ‪ ..‬والفتاة‬
‫"أوفري تورال" عمرها ‪ 12‬سنة ولكن طولها ‪ 161‬سم ‪ ..‬إن مثل هذه الطوال ل تناسب هذه‬
‫العمار ‪ ..‬وليست بالقطع أعمال أطفال ‪ ..‬وإذا كانات هذه الطوال لعمار يتراوح عمر أصحابها‬
‫بين ‪ 12 – 10‬سنة فإناهم بالقطع يكوناون قد اختيروا بعناية لمهمة بعينها ‪..‬‬

‫إن من المؤكد أن صعود التل‪ ،‬في وقت الغروب‪ ،‬مع كل المخاطر التي تحيط به‪ ،‬مع هؤلء‬
‫الشبان مسألة ليست سهلة ‪ ..‬وليست مأموناة العواقب ‪ ..‬ول يمكن المخاطرة بسلمة أولئك‬
‫الشبان ما لم تكن المهمة ضرورية ‪ ..‬ول بد من المغامرة في سبيلها ‪ ..‬كما أن من المؤكد أن‬
‫هؤلء "الصغار" قد تلقوا تدريبا ما‪ ،‬جعلهم – رغا صعوبة ما تعرضوا له بعد إطلق النار‬
‫عليهم – يتمتعون برباطة جأش ناادرة‪ ،‬وهدوء أعصاب ل يحدث للكبار في مثل هذه المواقف‪،‬‬
‫وقدرة مذهلة على رواية ما حدث – بعد ذلك – بدقة ‪..‬‬

‫فقد "صرح" الصبي )السرائيلي( "يهود بوما" الذي نازل سالما من فوق التل لصحيفة‬
‫"معاريف" )السرائيلية(‪:‬‬
‫"لقد توقف التوبيس الذي كنا ناستقله وقررت "مجموعتنا" أن تصعد التل الذي يطل على‬
‫البحر لنتأمل المنظر الطبيعي في حوالي الساعة ‪ 4.30‬بعد الظهر‪ ،‬وكان هناك مصريون‬
‫استقبلوناا استقبال وديا‪ ،‬وفجأة عدل أحدهم اتجاهه وأطلق علينا النار دون أن ينطق كلمة"‪.‬‬

‫واستطرد‪:‬‬

‫"واقترب ضابط مصري منا بعد ذلك وكانات ملبسه ملطخة بالدماء وقال إن الجندي أصابه‬
‫الجنون‪ ،‬ولحظت أن الضباط والجنود المصريين الذين كاناوا في مكان الحادث بدوا مذعورين‬
‫وفي ذهول مما حدث‪ ،‬وقد أبعدوا من بقي على قيد الحياة والذين كان من بينهم طبيب ومنعوهم‬
‫تماما من القتراب من القتلى والمصابين إلى حين وصول المسئولين‪ ،‬غير أن هؤلء لم يصلوا‬
‫إلى مكان الحادث إل بعد بضع ساعات"‪.‬‬

‫إن من يتأمل هذا النص ودقة صاحبه على الملحظة والرصد ل يمكن أن يصدق أناه صبي‬
‫صغير‪ ،‬ول يمكن أن يصدق أناه خرج من حادث صعب وقع له‪ ،‬وشاهد فيه دماء وجثث أقاربه‬
‫وزملئه ‪ ..‬إناه رصد شخص هادئ ‪ ...‬غير مذعور ‪ ..‬غير مذهول ‪ ..‬يعطي الشياء البسيطة‬
‫حقها ‪ ..‬ويستطيع أن يحسب الوقت ‪ ..‬ويستطيع أن يلحظ الذعر الذي كان عليه الضباط‬
‫والجنود المصريون ‪..‬‬

‫وفي شهادته أماما النيابة العسكرية‪ ،‬قال المحامي )السرائيلي( "جيرا كورن" إن ابنته )ناعمة(‬
‫التي تبلغ من العمر ‪ 9‬سنوات قد وصفت له الحادث بدقة ‪..‬‬

‫فقالت‪" :‬إناهم صعدوا جميعا إلى الجبل في صف واحد‪ ،‬الول الولد وفي الخر ثلثة من‬
‫الكبار"‪ .‬وقبل أن ناواصل سماع رواية الفتاة‪ ،‬ل بد أن نالحظ هنا "طبيعة التشكيل" الذي‬
‫صعدوا به الجبل‪ ،‬ول بد أن نالحظ هنا‪ ،‬وبعد ذلك دقة الوصف بالنسبة لعمرها ‪..‬‬

‫فهي تقول‪" :‬كان فيه بمنى زي الكشك وله برانادة وكان واقف على البرانادة أربعة عساكر" ‪..‬‬
‫"وكان فيه باب بجوار البرانادة وكان آخر واحد عبر من أماما هذا الكشك هو هامان شيلح" ‪..‬‬
‫ولم يفت الطفلة "المعجزة" أن تصف مسرح الحدث ‪ ...‬وصف محترف ‪" ...‬وهي قالت إن كان‬
‫فيه منظر جميل قوي من فوق المكان دهب يطل على البحر" ‪" ..‬وحينئذ فتح الباب وخرج‬
‫جندي ومعه بندقية وراح ضارب بالنار فسقط هامان" ‪ ..‬وأضاف المحامي )السرائيلي(‪ :‬أن‬
‫ابنته قالت له‪" :‬إن هامان ساعة ما التفت للجندي بعد سماع صوت الطلقات‪ ،‬تلقى الرصاص‬
‫وسقط" ‪ ...‬أي أناها رغم إطلق الرصاص والذهول والرعب ‪ ..‬ورغم عمرها البسيط إل أناها‬
‫كانات قادرة على متابعة مشهد سقوط هامان على هذا النحو ‪ ..‬وأضاف المحامي )السرائيلي(‬
‫على لسان ابنته‪:‬‬

‫"كان فيه حائط من الحجارة منخفض وهي ناطت عليه" ‪" ..‬وعندئذ قال يهود "‪ 12‬سنة" لهم‬
‫جميعا ‪ ..‬إن هناك منزل منحدرا سننزل عليه من غير ما ناقف ونازحف عليه على مؤخراتنا‬
‫واحنا جالسين" ‪ ..‬مشهد اناسحاب يستحق التوقف ‪ ..‬الزحف على المؤخرة ‪ ..‬وعدما الوقوف‬
‫لتلفي الرصاص ‪ ..‬أسلوب ل يمكن اللجوء إليه إل إذا كاناوا يعرفوناه وسبق لهم التدريب‬
‫عليه ‪ ...‬وهو بالمناسبة أسلوب "عسكري" من أساليب الهروب والناسحاب تحت القصف ‪..‬‬
‫ونالحظ هنا أيضا مدى تمتع القائد الصغير "يهود" الذي أصدر أمر الناسحاب على هذا النحو‪،‬‬
‫بسرعة البديهة والثقة‪ ،‬والقدرة على قيادة المجموعة للخروج من هذا المأزق‪ ،‬وشطارته في‬
‫اختيار الساتر الطبيعي المكون من الصخور عند النزول‪.‬‬
‫وتضيف الفتاة‪ :‬إناهم عندما تمكنوا من الزحف على مؤخرتهم وعندما وصلوا إلى أسفل‪ ،‬قال‬
‫لهم "يهود"‪ :‬ل تجروا ‪ ..‬ولكن ازحفوا على أيديكم وأرجلكم ‪ ..‬وبعد أن زحفوا حوالي ‪ 200‬متر‬
‫كما قالت‪ ،‬أمرهم أن ينطلقوا في الجري ‪...‬‬

‫إن القائد الصغير‪ ،‬المدرب‪ ،‬يعرف ماذا يفعل ‪ ..‬ويعرف كيف يأمر فيطاع ‪ ..‬ويعرف كيف يشكل‬
‫خططه طبقا للواقع ‪ ..‬ويعرف كيف يحدد بدقة المسارات والمسافات ‪ ..‬ويعرف متى يزحفون‬
‫على مؤخرتهم ومتى ينطلقون في الجري ‪ ..‬يعرف كل ذلك وأكثر وعمره ‪ 12‬سنة ‪ ..‬ومصاب‬
‫بجرح في رقبته‪.‬‬

‫'أي أطفال هؤلء الذين ناتحدث عنهم؟ !'‬

‫أي طراز من الصغار هؤلء؟‬

‫إناهم من طراز الطفال الذين يربون على الطريقة )السرائيلية( ‪..‬‬

‫إن الطفل في المجتمع "السرائيلي" ليس كالطفل في المجتمع المصري ‪ ..‬ول في أي مجتمع‬
‫حضاري‪ ،‬مستقر آخر ‪ ..‬إن الطفل هناك جزء من الكيان العسكري للمجتمع الذي يعيش في حالة‬
‫ترقب دائم‪ ،‬ول يخشى صفارات الناذار‪ ،‬ول استدعاء الحتياط ‪ ..‬إناه يرضع الحساس بالخطر ‪..‬‬
‫ويمص – مع أصابعه – التوتر والستنفار ‪ ..‬ويتعلم من صغره من هو العدو وكيف يمكن‬
‫التعامل معه ‪ ..‬ومن هو الصديق ومتى يمكن الحذر منه؟ !‬

‫ولعل أناسب معمل لتفريخ أطفال من هذه العينة المشاكسة ‪ ..‬هو "الكيبوتس" ‪ ..‬والكيبوتس‬
‫عبارة عن مستعمرة مصممة تصميما خاصا أشبه ما يكون بالقلعة الحصينة القادرة على الدفاع‬
‫عن نافسها وعن المستعمرات المجاورة لها ‪ ..‬وهذا التصميم يكون طبقا للطراز الروماناي‬
‫المعروف وهو عبارة عن عدة أضلع مغلقة ‪ ..‬وداخل هذا الناغلق تقوما كل مستعمرة بتوفير‬
‫احتياجات أعضائها الساسية ‪ ...‬توفيرا ذاتيا ‪ ..‬وعادة ما تقاما على قمة تل أو هضبة حتى‬
‫يسهل الدفاع عنها كموقع عسكري‪ ،‬وزراعي‪ ،‬واستيطاناي ‪ ..‬ومعظم القادة العسكريين في جيش‬
‫الصهاينة هم من إناتاج الكيبوتسات ‪ ..‬مثل موشي ديان ‪ ..‬وإيجال آلون‪ ... ،‬إلخ ‪ ..‬وكل عضو‬
‫في الكيبوتس له عمل معين يؤديه ولكن الجميع يتدرب على حمل السلح ‪ ..‬وقد ساهمت هذه‬
‫المستعمرات بدور فعال في غرس الروح العسكرية في أعضائها منذ الصغر ‪ ..‬وكانات ناواة‬
‫"الهاجاناا" و "البالماخ"‪ ،‬و "الناحال"‪.‬‬

‫وتقول الحصائيات الصهيوناية‪ :‬إن ثلث ضباط الجيش الصهيوناي و ‪ %25‬من ضحايا حرب‬
‫‪ ،1967‬و ‪ %60‬من الطيارين الجدد قد ناشأوا في مستعمرات الكيبوتس‪.‬‬

‫وقد أناشأ الصهاينة – عندما كاناوا يحتلون سيناء – بين العريش ورفح عدة "كيبوتساه" وهي‬
‫تصغير )كيبوتس(‪ ،‬ووجد في هذه الكيبوتساه – بعد عودة سيناء إلى الدارة المصرية –‬
‫حضاناة للطفال صممت إحدى غرفها على شكل دبابة لتدريب "الطفال" على قيادة المدرعات‬
‫والمجنزرات ‪ ..‬وفي هذه الحضاناة وجد ميدان لضرب النار به شخوص ثابتة ومتحركة يتعلم‬
‫عليها الطفال الرماية ببنادق "الرش"‪.‬‬

‫الطفل "المقاتل" في )إسرائيل( ليس خيال ول بدعة ‪ ..‬إناه ناتاج طبيعي لصراع ملتهب بدأ منذ‬
‫عاما ‪ ... 1909‬أي منذ إناشاء أول "كيبوتساه" على أرض فلسطين‪ ،‬ولم ينته حتى الن ‪ ..‬ومن‬
‫السذاجة التي تصل إلى حد البلهة أن ناتصور أطفال )إسرائيل( ‪ ..‬مثل أطفالنا ناحن الذين ناربيهم‬
‫في أحضانانا ‪ ..‬ونادللهم إلى حد السخف أحياناا ‪ ...‬إذن كيف يربي الطفل "السرائيلي" في‬
‫"الكيبوتس" ؟‬

‫تقول "الموسوعة الصهيوناية" تحت عنوان "كيبوتس"‪:‬‬

‫"الكيبوتس ليست أداة الستيطان الصهيوناي العسكري وحسب وإناما هي أداته الستيعابية‬
‫أيضا‪ ،‬فقد ثبت للقيادات الصهيوناية أن الكيبوتس هي الطريقة المثلى لستيعاب المهاجرين‬
‫وتوفير احتياجاتهم الساسية ‪ ..‬ولكن ل يمكن فصل الدور العسكري عن الدور الستيطاناي‬
‫والستيعابي‪ ،‬إذ أن البناء الداخلي لمزارع الكيبوتس الذي يتم عن طريقه استيعاب المهاجرين‬
‫وتحويلهم إلى "الناسان الصهيوناي الجديد" ‪ ...‬ل يعترف الكيبوتس بنظاما الزواج ‪ ..‬ويعتبره‬
‫ناظاما فاسدا ‪ . ..‬يضعف ارتباط الطفال بالمجتمع ‪ ...‬هو أيضا البناء الذي يعدهم ليكوناوا‬
‫مقاتلين أكفاء‪ ،‬بل يمكن القول أن الستيعاب الكامل ل يتم إل حينما يصبح المواطن مقاتل‬
‫عامل‪ ،‬متكيفا مع المجتمع ‪ ..‬القلعة ‪ ..‬والذي يتحرك تحت شعار‪ :‬أناا أحارب إذن أناا موجود في‬
‫)إسرائيل(‪.‬‬

‫وللوصول إلى هذا الناسان "الصهيوناي الجديد" ‪ ..‬ل يعترف الكيبوس بنظاما الزواج ‪...‬‬
‫ويعتبره ناظاما فاسدا ‪ ..‬يضعف ارتباط الطفال بالمجتمع ‪ ..‬لكنه يعترف بنظاما الحياة الخاصة‬
‫بين الرجل والمرأة ‪ ...‬حيث ل يتطلب المر منهما سوى التقدما بطلب للناضماما إلى الكيبوتس‬
‫والحصول على غرفة يعيشان فيها ‪ ..‬ويقومان بتسليمها إذا ما خرجا من الكيبوتس وقررا‬
‫الفتراق ‪..‬‬

‫وتهدف التنشئة الجتماعية في الكيبوتس إلى أضعاف الروابط السرية ليسهل ربط أبناء‬
‫الكيبوتس بالمؤسسة الضخمة ‪ ..‬وليسهل إقناعهم وربطهم بأي أفكار أو أيديولوجيات‬
‫يزرعوناها فيهم ‪ ..‬والطفل هناك يعتمد على المؤسسة ل على والديه اللذين تضعف العلقة بينه‬
‫وبينهما تماما ‪ ..‬فبعد ولدته بأياما يوضع بعيدا عنهما في "بيت الطفال" ويبقى هناك لمدة‬
‫سنة‪ ،‬ينقل بعدها إلى "بيت الصغار" ‪ ..‬وفي تلك المرحلة ل يسمح للبوين باصطحاب طفلهما‬
‫لمكاناهما إل لبضع ساعات ‪ ..‬وفي الرابعة ينقل الطفل إلى "دار الحضاناة" ‪ ..‬وفي السابعة ينقل‬
‫إلى "المدرسة البتدائية" وهكذا حتى يصبح رجل ‪ ..‬وفي جميع هذه المراحل يقيم الطفل إقامة‬
‫كاملة ومستقلة ‪ ..‬وغالبا ما يفقد الطفل في الكيبوتس صلته تماما بوالديه عندما يصل إلى سن‬
‫الثالثة عشرة ‪..‬‬

‫ومنذ الحضاناة وحتى الرجولة يأخذ الطابع المنظم للحياة في الكيبوتس طابعا عسكريا ‪ ...‬حيث‬
‫يعد الطفل منذ صغره ليكون مقاتل على درجة عالية من الكفاءة والمهارة ‪ ..‬وعبر هذه المراحل‬
‫يلقن الطفل العقيدة والقيم الصهيوناية! !‬

‫هل تفسر لنا هذه المعلومات السريعة والعابرة تصرفات الصبيان والبنات الذين صعدوا تبة‬
‫"سليمان خاطر" ونازلوا منها على النحو الذي ذكره الشاهد )السرائيلي( ؟ وهل خرجنا بهذه‬
‫المعلومات عن الموضوع الرئيسي الذي ناتحدث عنه؟‬

‫قد ناكون خرجنا بعض الشيء عن الموضوع ‪ ..‬ولكننا فعلنا ذلك‪ ،‬حتى ناعود إليه وناحن ناحمل‬
‫من المعلومات‪ ،‬والصور‪ ،‬ما يجعله إلى أذهانانا ‪ ..‬وعلى عكس ما تحاول الصحف الحكومية أن‬
‫تفرضه علينا‪.‬‬
‫ليس من السهل – إذن – أن ناتعامل مع الصبيان والفتيات الذين صعدوا إلى تبة سليمان خاطر‬
‫بهذا المنطق الروماناسي‪ ،‬البريء الذي ناتعامل به مع صغارناا ‪ ..‬فالطفل في المجتمع‬
‫)السرائيلي( شيء آخر ‪ ..‬عجينة أعيد تشكيلها من أجل أهداف أخرى ‪ ..‬وأدوار أخرى ‪..‬‬
‫ومهاما أخرى ‪ ...‬وإذا كانات الدلة السابقة ل تكفي ‪ ..‬فعليكم تأمل هذا الدليل الجديد ‪..‬‬

‫إن هذا الدليل الجديد من )إسرائيل( ‪ ..‬بالتحديد من صحيفة "هآرتس" ‪ ...‬التي سجلت تحت‬
‫عنوان "كيف ينظرون إلى العرب" وجهة ناظر التلميذ )السرائيليين( في العرب ‪ ..‬لقد طلبت‬
‫المدرسة )س( في إحدى المدارس البتدائية بتل أبيب من ‪ 200‬من تلميذها‪ ،‬كتابة موضوع‬
‫الهدف منه معرفة‪:‬‬

‫‪ – 1‬ماذا يعرف التلميذ اليهودي عن العرب؟‬

‫‪ – 2‬بماذا يحسون أماما كلمة "عربي" ؟‬

‫وتقول الصحيفة ‪ :‬إن المعلمة قرأت المواضيع خلل عطلة الصيف وخرجت منها بنتائج لم تكن‬
‫تتصورها ‪" ..‬ناتائج وحقائق بعيدة عن الخيال"‪.‬‬

‫ترى ما هي هذه الحقائق والنتائج الغرب من الخيال؟‬

‫"ب" حرف يرمز لتلميذ "ذي شخصية شاعرية للغاية ‪ ..‬جيد في دراسته ‪ ..‬حساس على حد‬
‫قول المعلمة" ‪ ..‬كتب في موضوعه يقول‪" :‬عندما أسمع كلمة عربي أحس بالقرف والرغبة‬
‫في التقيؤ والغضب الشديد‪ ،‬ويعود إلى الذاكرة كل ما فعله هؤلء الحيواناات للشعب اليهودي ‪..‬‬
‫سرقوا الرض المروية بدماء جنودناا الذين قدموا أرواحهم لعيش في أمان في الرض‬
‫الموعودة وناتيجة لعدما إحساسهم قاما العرب بقتل المواطنين والنساء والطفال البرياء‪ ،‬لذلك‬
‫كيهودي أشعر أن على أن أناتقم للضحايا وأن ل أتنازل للعرب حتى عن سنتيمتر واحد‪ ،‬آمل أن‬
‫ناصل في النهاية إلى اتفاق تاما للقاء العرب في البحر"‪.‬‬

‫ويضيف الصغير "ب"‪:‬‬

‫في عطلة الصيف قضيت أسبوعا في ضيافة عمتي المعلمة ‪ ..‬وفي أحد الياما خرجت من البيت‬
‫فرأيت عددا من العرب يقومون بتنظيف السطبل ‪ ..‬فسألت عمتي‪ :‬ماذا يفعل هؤلء الزبالة هنا؟‬

‫فقالت‪ :‬إناهم ينظفون السطبل!‬

‫فقلت في غضب‪ :‬فلينجزوا العمل بسرعة ويذهبوا‪.‬‬

‫وبعد ساعتين جلس العرب ليرتاحوا قرب كومة من التبن بجاناب السطبل ‪ ..‬راقبتهم وكدت أتقيأ‬
‫‪..‬‬

‫وقالت عمتي‪ :‬أريد أن يقوما أحد بوضع التبن أماما البقر‪.‬‬

‫تطوعت للقياما بالعمل ‪ ..‬ولكنها قالت‪ :‬ل‪.‬‬

‫وطلبت من عربي أن يقوما بذلك‪ ،‬وعندما سألها‪" :‬لماذا" ؟ قالت له‪ :‬لناك عربي وهو يهودي!‬
‫وقبل أن يتكلم‪ ،‬صرخت فيه‪ :‬ولن هذا وطني وأنات مجرد ضيف جاء ليعمل فقط‪.‬‬

‫إناني أعتقد أناه يجب أن ناتصرف على هذا النحو‪ ،‬ل لناي متكبر‪ ،‬بل لناه يجب أن ل ناهش في‬
‫وجوههم وأن ل ناقدما لهم العمل‪ ،‬ربما أدى هذا إلى خروجهم من البلد‪.‬‬

‫ملحوظة‪ :‬على غلف الدفتر كتب "ب"‪" :‬كهاناا سيعلم العرب الفرق‪ ،‬سيقدمهم جميعا كطعاما‬
‫للسماك"‪.‬‬

‫"هـ" حرف يرمز إلى اسم تلميذة "شاطرة" ‪ ..‬كتبت تقول‪" :‬أغضب عندما أسمع كلمة عربي‪،‬‬
‫أغضب من العرب ومن الذين يحبوناهم رغم كل المشاكل التي سببها العرب‪ ،‬رغم الصابات التي‬
‫قاموا بها ضدناا فإناهم يطالبون بالمساواة في الحقوق"‪.‬‬

‫"العربي يفتقر إلى الداب‪ ،‬فبدل من أن يقول بعد المأدبة‪ :‬شكرا كان الطعاما لذيذا‪ ،‬يتجشأ‬
‫بقرف‪ ،‬وهو يحتفل بولدة البن‪ ،‬أما ولدة البنت فيعتبرها العرب إهاناة‪ ،‬المرأة العربية تعامل‬
‫كجارية في البيت‪ ،‬العرب سريعو الغضب وذوو رؤوس حامية"‪.‬‬

‫وتحت عنوان "محادثة مع عربي" كتبت تلميذة أخرى‪" :‬حاولت أن أفك الحبال من يدي‬
‫وفمي ‪ ..‬وسألت‪ :‬لماذا اختطفتموناي؟‬

‫فقال العربي‪ :‬لن علي أن أقتل يهوديا ناتنا‪.‬‬

‫وسألت‪ :‬ماذا فعلت لك؟ ولماذا تسمي اليهودي ناتنا؟ أعرف أناك ستقتلني ولكن أوضح لي لماذا؟‬
‫لماذا تقتلني الن بالضبط وقد بدأت عملية السلما وتقدما الستقرار ناحو الشرق الوسط؟‬

‫فقال‪ :‬لن يكون سلما بيننا وبينكم ‪ ..‬هذه الرض ستبقى لنا ‪ ...‬سنلقي بكم جميعا إلى البحر وأنات‬
‫أول ‪ ...‬ستظل هذه الرض لنا كما كانات قبل أن تحتلوها ‪..‬‬

‫فسألته‪ :‬وما رأيك بالتوراة التي تؤكد حق الشعب )السرائيلي( في دولة عبرية‪ ،‬دولة‬
‫)إسرائيل ( ناحن على استعداد للقياما بالسلما‪ ،‬لكنكم ترفضون‪ ،‬لماذا يموت الشباب؟‬

‫فقال‪ :‬وما هي التوراة وإذا مات أحد فذلك لناه كتب عليه الموت‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أعطني ماء من فضلك!‬

‫قال‪ :‬ليس لدينا ماء‪ ،‬لقد نافذ ‪ ..‬السرى ل يتلقون الماء‪.‬‬

‫"وأخرج "زمزامية" ماء شرب منها وأغلقها ومسح فمه بكمه!‬

‫"وكتب التلميذ "ش" المعروف عنه أناه تلميذ ممتاز يقول‪" :‬أحس بالرغبة في قتلهم جميعا‬
‫دون استثناء ‪ ..‬هناك عرب قلوبهم طيبة وأحبهم مثل الطباء الذين ل يأخذون ناقودا ‪ ..‬لكنني‬
‫رغم ذلك كثيرا ما أحلم بقتلهم جميعا" ! !‬

‫ويرى التلميذ "ح"‪ :‬أن العرب "برابرة" ومستعدون للقياما بأي شيء في سبيل المال ‪" ..‬لهم‬
‫طبع القطط التي تخون صاحبها من أجل ل شيء‪ ،‬وبجاناب هذه العبارات رسم "ح" إشارة‬
‫حركة "كاخ" بزعامة "كهاناا" باللوان ‪..‬‬
‫وتقول المعلمة‪" :‬إناه من الواضح ل يريد العرب هنا" ‪" ..‬وهو يروي عن لقاء خيالي مع‬
‫العرب‪ ،‬فيقول‪ :‬إن فتى من قلقيلة أرسل له رسائل يدعوه فيها لزيارته ‪ ..‬لبى الدعوة ‪ ..‬تناول‬
‫وجبة لذيذة ‪ ..‬ذهب إلى المنتزه واشترى فواكه وخضرا رخيصة ‪ ..‬وفي طريق العودة أحس أناه‬
‫يموت لن الطعاما الذي تناوله في بيت الفتى العربي كان مسموما"‪.‬‬

‫وكتب التلميذ "ص" في موضوعه‪" :‬أعرف أن العرب في )إسرائيل( يتكاثرون‪ ،‬وسيتكاثرون‬


‫إذا لم نامنعهم من ذلك‪ ،‬الجاناب الحسن في العرب أناهم يقومون بإناجاز العمال القذرة‬
‫ويتقاضون أجورا رخيصة ناسبيا‪ ،‬أما الجاناب السيئ فهو أناهم اغتصبوا الرض ويقومون‬
‫بالمظاهرات‪ ،‬ويرجمون بالحجارة‪ ،‬ويلقون القنابل المحرقة‪ ،‬ويضعون المتفجرات وغير ذلك‪،‬‬
‫وأعتقد أن جميع أعمال التهريب يقوما بها العرب‪ ،‬لن لدى أبي عامل أخبرناي أن هناك‬
‫مجموعة عرب تتسلل إلى سوريا وتحضر المخدرات من هناك‪ ،‬العرب هم أسباب تزايد الجرائم‪،‬‬
‫ومع ذلك يسمحون للعرب بالتجول بحرية"‪.‬‬

‫وتعتقد التلميذة "ع"‪" :‬أن هناك فرقا بين البدو وغير "البدو" !‬

‫وعن غير البدو تقول‪" :‬ل أحس بالشفقة ناحوهم ‪ ..‬حتى أولئك الذين يعيشون في مخيمات‬
‫اللجئين ‪ ..‬أعتقد أناهم يستحقون ذلك بسبب تصرفاتهم ضدناا ‪ ..‬ل يهم حتى لو قتلوهم ‪..‬‬
‫بالعكس ‪ ..‬هذا يسعدناي ‪ ..‬لن العرب زبالة"‪.‬‬

‫ثم ‪ ..‬تتصور لقاء وهميا مع عربي على هذه الصورة‪" :‬عندما كنت مسافرة في السيارة طلب‬
‫مني عربي أن أناقله إلى مكان ما ‪ ..‬أدخلته إلى السيارة ‪ ..‬وتابعت سيري ‪ ..‬فجأة أحسست أناه‬
‫يقترب مني ‪ ..‬حاول اغتصابي ‪ ..‬صرخت ‪ ..‬خرجوا من الشبابيك ‪ ..‬أمسك به الرجال واقتادوه‬
‫إلى الشرطة ‪ ..‬ولما سألوه عن اسمه تبين أناه مطلوب لقيامه باغتصاب عدد من الفتيات وقتل‬
‫عدد آخر منهن ‪ ..‬حكم عليه بالسجن عشرين سنة"‪.‬‬

‫وتقول التلميذة "د"‪" :‬عندما أسمع كلمة عربي أحس بالقشعريرة لناه بدائي‪ ،‬يحاول دائما‬
‫قصف القدس بالقنابل ‪ ..‬وهو عندما يرى امرأة يهودية ينظر إليها من رأسها إلى رجليها ‪..‬‬
‫اليهودي ل يحاول مع المرأة العربية أبدا ‪ ..‬لماذا؟ ‪ ..‬لماذا يجب أن ناعطيهم الحقوق في الوقت‬
‫الذي ناحارب ناحن وهم؟ ‪ ..‬ل ‪ ...‬ل يجب أن ناعطيهم هذه الحقوق ‪ ..‬إن لديهم دول خاصة بهم‬
‫يجب أن يعيشوا فيها ‪ ..‬يجب أن ل يعيشوا في بلدناا ‪ ..‬أناا أؤيد العنصرية لناه ل يحق لمن يقتل‬
‫أبناء شعبنا أن يعيش بيننا"‪.‬‬

‫ومرة أخرى ‪ ...‬هؤلء هم الطفال في )إسرائيل(‪.‬‬

‫ومرة أخرى ‪ ...‬ناحن لم ناخرج عن صلب الموضوع الذي ناتحدث فيه!  ‬


‫"عزبة" منزوعة السلح!‬
‫  وضع حادث سليمان خاطر قضية "سيناء – المنزوعة السلح" تحت الضواء الساطعة ‪..‬‬
‫وكشفت هذه الضواء حقيقة‪" :‬أن حدودناا بل جنود"‪.‬‬

‫وأعادت هذه الحقيقة المرة إلى المصريين سؤال أكثر مرارة يدور ويلف حول ترتيبات المن‬
‫المصرية التي يمكن أن ناصد بها )إسرائيل( إذا ما فكرت أو قررت إعادة "احتلل" سيناء من‬
‫جديد‪.‬‬

‫لقد سئل وزير الدفاع المشير أبو غزالة قبل سنوات قليلة من الحادث‪ :‬هل ناحن مستعدون‬
‫لمواجهة )إسرائيل( إذا ما فكرت في إعادة احتلل سيناء؟‬

‫فقال‪ :‬ناعم جاهزون ومستعدون!‬

‫وكانات هذه الجابة في ذلك الوقت كافية ‪ ..‬لن السؤال عن التفاصيل كان يعد محاولة غير‬
‫مقبولة لتوريط وزير الدفاع في إذاعة ترتيبات أمنية ‪ ..‬عسكرية ل يستفيد منها سوى العدو ‪...‬‬
‫وكانات الجابة على هذا النحو إجابة مطمئنة للمصريين ‪ ..‬من الرجل المسئول عن أمن وسلمة‬
‫البلد ‪ ..‬لكن ‪ ...‬بعد حادث سليمان خاطر وما كشفته التحقيقات التي جرت بشأناه‪ ،‬لم تعد تلك‬
‫الجابة كافية ول مطمئنة!‬

‫فقد قال سليمان خاطر في تحقيقات النيابة العسكرية إناه طلب إبلغا قادته بضرورة إغلق‬
‫"الطرق" حتى ل تأتي )إسرائيل( وتحتل المنطقة ‪ ..‬وكان واضحا أن أشد ما يخشاه هو أن‬
‫يحدث ذلك ‪ ..‬لم يكن يفكر في مصيره‪ ،‬ول في العقاب الذي ينتظره ‪ ..‬وإناما كان يفكر في‬
‫"قطع" الطريق على )إسرائيل( ‪ ...‬حتى ل تأتي قواتها وتحتل الموقع وتعرف ما فيه ‪..‬‬

‫والمذهل أن القادة في المنطقة قد اناتقل لهم هذا الخوف ‪ ..‬وراحوا بالفعل يغلقون الطريق ‪..‬‬
‫لكنهم لم يجدوا أمامهم لغلق الطريق سوى البراميل والحواجز الحديدية والبنادق اللية ‪..‬‬
‫وكأن )إسرائيل( ستأتي بالمايوهات ل بالمدرعات ‪ ..‬وبالسيارات الملكي ل بالسيارات‬
‫العسكرية المصفحة ‪ ..‬كأناها ستأتي للنزهة ل للقتال ‪ ..‬لكن ‪ ..‬لم يكن أمامهم أن يفعلوا أكثر من‬
‫ذلك ‪ ..‬ما باليد حيلة ‪ ..‬فمعاهدة الصلح بين السادات والعدو )السرائيلي( المسماة ب"معاهدة‬
‫كامب ديفيد" ل تعطيهم الحق في أكثر من ذلك ‪..‬‬

‫إن المنطقة التي وقع فيها الحادث تسمى طبقا لخرائط وناصوص وملحق المعاهدة‪ ،‬بالمنطقة‬
‫"ج" ‪ ..‬وهي المنطقة الملصقة للحدود الدولية لمصر‪ ،‬ولخليج العقبة ‪ ..‬وهي منطقة‬
‫"عازلة" ‪" ..‬منزوعة السلح" ‪ ..‬ليس للجيش المصري ول لسلحه أي وجود فيها ‪..‬‬
‫وتتمركز فيها فقط قوات الشرطة المصرية المدناية بأسلحة خفيفة ‪ ..‬أقرب للتسليح الشخصي‬
‫)طبنجات وبنادق آلية( وهذه القوات ليس لها أي مهمة عسكرية بالمرة ‪ ..‬وكل دورها ينحصر‬
‫في الدور العادي للشرطة في أي مدينة مصرية أخرى ‪ ..‬أي إن دورهم على الحدود في مدن‬
‫مثل "دهب" و "ناويبع" و "شرما الشيخ" ل يختلف عن الدور الذين نارى رجال الشرطة‬
‫يقوون به في مدن مثل "القاهرة" و "السكندرية" و "كفر الشيخ" ‪ ..‬وداخل هذه المنطقة‬
‫تتحرك القوات المتعددة الجنسية )النسبة الكبيرة من أفرادها أمريكان( حسب مزاجها‪ ،‬ومن‬
‫حقها أن تتمركز في المكان الذي يعجبها ‪ ..‬وهذا حق مطلق وصريح أعطته لها التفاقية ‪..‬‬
‫وذلك حتى تستطيع بحرية أن تراقب بكافة الجهزة والوسائل أي اختراق الترتيبات المنية‪.‬‬
‫إن هذه القوات شبه المريكية لها حق الستطلع والتحقق الدوري مرتين في الشهر على القل‬
‫من أن كل شيء تماما ‪ ..‬ولها حق إجراء تحقيق إضافي خلل ‪ 48‬ساعة إذا طلبت مصر أو‬
‫)إسرائيل( ذلك ‪ ..‬وغالبا ما تطلب )إسرائيل( ذلك ‪ ..‬وذلك حتى تحصل على معلومات طازجة ‪..‬‬
‫أول بأول عن هذه المنطقة القريبة منها بالذات ‪ ..‬والتي تصل مساحتها إلى ثلث مساحة سيناء‬
‫تقريبا ‪..‬‬

‫وليس لمصر أي حق على هذه القوات ‪ ..‬سوى أن تتدخل في ناقطتين أو موقعين فقط أحدهما‬
‫يقع على بعد ‪ 20‬كيلو مترا من البحر المتوسط في المنطقة المتاخمة للحدود الدولية ‪ ..‬والخر‬
‫في منطقة شرما الشيخ‪.‬‬

‫ومقابل نازع سلح ثلث سيناء )المنطقة ج( أجبرت )إسرائيل( على نازع سلح منطقة بعرض ‪3‬‬
‫كيلو مترات بطول الحدود الدولية ‪ ..‬وكلمة "نازع" هنا تختلف في معناها عن كلمة "نازع"‬
‫بالنسبة لمصر ‪ ..‬إن المقصود بهذه الكلمة على الجاناب )السرائيلي( هو عدما وجود دبابات أو‬
‫مدافع أو صواريخ )فيما عدا صواريخ فردية أرض – جو( فقط ‪ ..‬وهي ل تمنع من وجود قوة‬
‫)إسرائيلية( تتكون من ‪ 4‬كتائب مشاة لها كل الحق في التحصينات الميداناية‪ ،‬ولها الحق في‬
‫‪ 180‬مركبة أفراد مدرعة من كافة الناواع ‪ ..‬ولها الحق في تواجد ‪ 4000‬جندي )إسرائيلي(‬
‫وهو رقم كبير بالنسبة )لسرائيل( ‪ ..‬وهو حجم من القوات مناسب جدا )لسرائيل( في هذا‬
‫الشريط الضيق‪.‬‬

‫)ولسرائيل( الحق في الطيران على هذه المنطقة ‪ ..‬وليس لمصر نافس الحق على المنطقة‬
‫"ج" ‪ ..‬و )لسرائيل ( الحق في استخداما خليج العقبة استخداما بحريا عسكريا ‪ ..‬وليس لمصر‬
‫نافس الحق في هذا الخليج‪ ،‬ول في أي شاطئ آخر على حدودها الدولية ‪...‬‬

‫باختصار )لسرائيل( كل الحقوق العسكرية في البر والبحر والجو ‪ ..‬وليس لمصر حق واحد‬
‫منها‪.‬‬

‫فماذا كان من الممكن أن تفعل قوات المن المركزي ببنادقها اللية إذا ما جاءت )إسرائيل(‬
‫لتحتل مواقعها؟ ‪ ..‬ماذا كان من الممكن أن تفعل هذه القوات أكثر مما فعلت‪ ،‬وتسد الطرق‬
‫بالبراميل وحواجز المرور الحديدية؟‬

‫إن اليقين الذي سيطر على قيادة المن المركزي في جنوب سيناء من إمكاناية قياما )إسرائيل(‬
‫بعمل اناتقامي بعد حادث سليمان خاطر‪ ،‬كان له ما يبرره ‪ ..‬وهو أن )إسرائيل( تعودت على‬
‫الناتقاما العسكري للفراد الذين يقتلون من عندها ‪ ..‬وكان هناك مثال ل يزال طازجا وهو الغارة‬
‫التي شنتها )إسرائيل( على مقر ]]منظمة التحرير الفلسطينية[[ في توناس‪ ،‬قبل ‪ 4‬أياما فقط من‬
‫نايران سليمان خاطر التي فتحها على )السرائيليين( في موقعه ‪ ..‬وكان )إسرائيل( قد بررت‬
‫هذه الغارة بأناها اناتقاما لثلثة من رعاياها قتلوا في لرنااكا )قبرص( ‪ ..‬واعتبرت الفلسطينيين‬
‫مسئولين عن قتلهم‪.‬‬

‫لكن ‪ ..‬هذا اليقين لم يتحول إل لحتياطات أولية ‪ ..‬ساذجة ‪ ..‬لمواجهة العدوان )السرائيلي(‬
‫المتوقع! !‬

‫ومن الممكن أن ناتساءل الن ‪ ..‬ألم يكن متاحا أو ممكنا – لو جاءت )إسرائيل( بنية الغدر‬
‫والغزو – الستعاناة بالقوات المسلحة المصرية المتمركزة على حدود المنطقة "ج" ‪ ..‬في قلب‬
‫المنطقة التي تسمى المنطقة "ب" ؟‬
‫والسؤال وجيه ‪ ..‬وإجابته أيضا ‪..‬‬

‫فبغض النظر عن بعد المنطقة "ب" عن المنطقة "ج" بمئات الكيلو مترات ‪ ..‬وبغض النظر‬
‫عن الوقت الطويل الذي تحتاجه قوات المنطقة "ب" للستعداد والتحرك والوصول إلى‬
‫الحدود ‪ ..‬بغض النظر عن هذه العتبارات وغيرها من اعتبارات التدخل الدولي ‪ ..‬فإن المنطقة‬
‫"ب" قواتها محدودة وأسلحتها أيضا ‪ ...‬إن المسموح لمصر في هذه المنطقة الشاسعة التي‬
‫تقع في قلب سيناء ل يزيد على أربع كتائب مجهزة بأسلحة خفيفة‪ ،‬وبمركبات عجل )ل جنزير(‬
‫تعاون الشرطة المدناية في المحافظة على النظاما ول يزيد عدد الفراد العسكريين فيها على ‪4‬‬
‫آلف فرد ‪ ..‬ويمكن لمصر فيها إقامة ناقاط إناذار ساحلية أرضية "قصيرة المدى" و "ذات قوة‬
‫منخفضة" لوحدات الحدود على الساحل ‪ ..‬وليس من حق الطائرات العسكرية المصرية أن‬
‫تقوما بالستطلع فوقها ‪ ..‬إناها محرمة على الطيران المصري مثل المنطقة "ج" ‪ ..‬وفي هذه‬
‫المنطقة ل تستخدما سوى طائرات النقل غير المسلحة فقط ‪ ..‬ول يحق لمصر أن تحتفظ بأكثر‬
‫من ‪ 8‬طائرات منها ‪ ..‬وإن كان من الممكن استخداما الطائرات الهليكوبتر ‪ ..‬ولكن بشرط نازع‬
‫سلحها أيضا ‪ ..‬ويحق لمصر أن تستخدما في سواحل ومياه تلك المنطقة الزوارق الصغيرة ‪..‬‬
‫ولكن بشرط أن ل تستخدما استخداما عسكريا ‪ ..‬وأن يقتصر استخدامها على دوريات الشرطة ‪..‬‬
‫وأن يكون تسليحها خفيفا جدا‪.‬‬

‫أي إن أي عدوان )إسرائيلي( على الحدود المصرية لن تستطيع قوات الشرطة في المنطقة‬
‫"ج" صده ‪ ..‬ولن تستطيع قوات الجيش في المنطقة "ب" ردعه ‪ ...‬بمعنى آخر ‪ ..‬أكثر من‬
‫ناصف مساحة سيناء يمكن أن تضيع في غمضة عين وقبل أن نافكر في الحركة‪ ،‬والرد‪،‬‬
‫والمقاومة!‬

‫وإذا كان حادث سليمان خاطر قد أجبرناا على إعادة فتح ملف "كامب ديفيد" ‪ ..‬فإن من الطبيعي‬
‫الن أن ناكمل الصورة في باقي سيناء ‪ ..‬في المنطقة الثالثة من سيناء )من نااحية إسرائيل( ‪..‬‬
‫المنطقة الولى من نااحيتنا ‪ ..‬المنطقة التي وصفتها المعاهدة بالمنطقة "أ" !‬

‫إن هذه المنطقة يحدها من الغرب "قناة السويس" وخليج "السويس"‪ ،‬ويحدها من الشرق‬
‫خط وهمي يبدأ جنوبا من عند شرما الشيخ ويسير موازيا للخليج حتى بئر العبد في الشمال‪،‬‬
‫فبحيرة "البردويل" فشاطئ البحر المتوسط ‪ ..‬ويمر هذا الخط الوهمي )من الجنوب إلى‬
‫الشمال( بجبل موسى ووادي فيران فعين سدر فممرى متل والجدي ‪ ..‬ويصل طول هذا الخط‬
‫إلى طول سيناء من الجنوب إلى الشمال ‪ ..‬أما عرضه فيصل إلى ‪ 58‬كيلو مترا‪.‬‬

‫وفي كل هذه المساحة الشاسعة ل يحق للقوات المسلحة المصرية أن تتواجد فيها بأكثر من‬
‫"فرقة" من فرق جنود المشاة الميكانايكي ‪ ..‬وهذه الفرقة تتكون من ‪:‬‬

‫أ – ‪ 3‬ألوية مشاة ميكانايكي‪.‬‬

‫ب – لواء مدرع‪.‬‬

‫ج – ‪ 7‬كتائب مدفعية ميدان تضم ‪ 126‬قطعة‪.‬‬

‫د – ‪ 7‬كتائب مدفعية مضادة للطائرات تضم صواريخ أرض – جو فردية وما يصل إلى ‪126‬‬
‫مدفعا مضادا للطائرات عيار ‪ 37‬مم فأكثر‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬عدد يصل إلى ‪ 230‬دبابة‪.‬‬

‫و – عدد يصل إلى ‪ 480‬عربة مدرعة من جميع الناواع‪.‬‬

‫ز – عدد يصل – إجماليا – إلى ‪ 22‬ألف فرد‪.‬‬

‫ولو أضفنا إلى هذا العدد الخاص بالفراد في هذه المنطقة العدد الموجود في المنطقة "ب" فإن‬
‫كل ما لنا من حقوق في سيناء ل يزيد على ‪ 26‬ألف فرد عسكري ‪ ..‬وهو رقم بسيط للغاية إذا ما‬
‫قورن بحجم الجيش المصري ككل ‪ ..‬ول يزيد على ناسبة مئوية أقل من أصابع اليد الواحدة ‪..‬‬
‫وهذا يعني أن الجيش المصري لم تعد مهمته مواجهة )إسرائيل( ‪ ..‬ولم تعد سيناء موقع‬
‫تمركزه الساسي ‪ ..‬وتفتح هذه الحقيقة الباب أماما أسئلة – مثل الريح – عن دوره ومهمته‬
‫ووظيفته وعدوه الن؟ !‬

‫إن معاهدة كامب ديفيد لم تسمح بوجود أكثر من بندقيتين من طراز "آلي" في موقع حراسة‬
‫"سليمان خاطر" ‪ ..‬كانات إحداهما معه ‪ ..‬بالضافة إلى ‪ 300‬طلقة‪.‬‬

‫أكثر من ذلك لم يكن مسموحا استخدامها ‪...‬‬

‫إن التعليمات الواضحة والصريحة – كما نافهمها من أقوال ضباط الشرطة الكبار في المنطقة –‬
‫تمنع من إطلق النار تماما ‪ ..‬ونافهم من هذه التعليمات أن أوامر إطلق النار ل بد أن تكون‬
‫صريحة ‪ ..‬ول بد أن تأتي من القيادة في القاهرة ‪ ..‬ولم توضح التحقيقات ول التعليمات ماذا‬
‫يفعل جنود الحدود بهذه السلحة الخفيفة إذا ما تعرضوا إلى هجوما عليهم في مواقعهم؟ ‪ ..‬هل‬
‫ينتظرون التعليمات من القاهرة؟ ‪ ..‬وماذا يفعلون إذا ما قطعت التصالت مع القاهرة وتعذر‬
‫وصول التعليمات إليهم كما حدث في يونايو ‪1967‬؟‬

‫إن هذه السئلة وغيرها ل بد أناها أصبحت تدور في ذهن كل جندي مصري يقف الن على‬
‫الحدود‪ ،‬بعد حادث سليمان خاطر وبعد ما جرى له!‬

‫ومما ل شك فيه أن هذا الوضع الذي تجد مصر نافسها فيه بعد كامب ديفيد من الصعب الفكاك‬
‫منه ‪ ..‬وخاصة أن هذا الوضع مضمون )لسرائيل( من جاناب الوليات المتحدة المريكية ‪..‬‬
‫الشاهد الوحيد على المعاهدة ‪ ..‬إن الوليات المتحدة المريكية – رغم "الزناقة" المصرية في‬
‫سيناء – تأخذ )إسرائيل ( في أحضاناها ‪ ..‬وتتعهد لها "باتخاذ كافة التدابير لحمايتها إذا ما‬
‫خرقت مصر المعاهدة" بدبوس إبرة ‪ ..‬وتحت عبارة "كافة التدابير" يمكن أن يوضع الكثير ‪..‬‬
‫مد )إسرائيل ( بالمعدات الحربية دون الرجوع إلى الكوناجرس ‪ ..‬التدخل العسكري المريكي‬
‫المباشر إذا لزما المر ‪ ..‬فرض قيود السلحة علينا ‪" ..‬وتنطوي هذه القيود على منع تحويل‬
‫السلحة إلينا" من أي دولة أخرى تحصل عليها من الوليات المتحدة ‪ ..‬وأيضا استخداما كافة‬
‫الوسائل والساليب الدبلوماسية والقتصادية والنفسية والعلمية – المريكية لصالح‬
‫)إسرائيل(‪.‬‬

‫وقد بحثت كل هذه الضماناات والجراءات فيما سمي بمذكرة التفاهم بين الوليات المتحدة‬
‫المريكية و)إسرائيل(‪ ،‬والتي بحثها الجانابان في أواخر مارس ‪.1979‬‬
‫وفي رسالة من الدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء ووزير الخارجية في ذلك الوقت إلى‬
‫سيروس فاناس وزير الخارجية في ذلك الوقت أيضا اعترضت مصر على هذه المذكرة ورفضتها‬
‫‪ ..‬لناها‪:‬‬

‫‪ – 1‬تتعارض والروح السائدة بين مصر وأمريكا ول تساهم في تقوية العلقات بينهما ‪" ..‬وأود‬
‫أن أسجل أناه لم يتم التشاور مع مصر بشأن مضمون المذكرة المقترحة"‪.‬‬

‫‪ – 2‬إن مضمون المذكرة المقترحة يقوما على اتهامات ل أساس لها موجهة ضد مصر والتمهيد‬
‫لجراءات ضدها في حالة خرق افتراضية يترك تحديدها بدرجة كبيرة )لسرائيل(‪.‬‬

‫‪" – 3‬قد استمر عملنا في الفترة الخيرة من المفاوضات لفترة أكثر من شهر لم ناخطر فيها‬
‫مطلقا بنية الوليات المتحدة أن توافق على مثل هذه المذكرة‪ ،‬بل إنانا أخطرناا بها للعلم وليس‬
‫للتشاور‪ ،‬وقد سلمني إياها السفير المريكي إيلتس في الساعة الثاناية من بعد ظهر ‪ 25‬مارس‪،‬‬
‫أي قبل ‪ 24‬ساعة بالضبط من الموعد المحدد لتوقيع المعاهدة"‪.‬‬

‫‪" – 4‬إن المفروض أن تكون الوليات المتحدة شريكا في الجهد الثلثي للوصول إلى سلما ل‬
‫أن تدعم ادعاءات طرف ضد طرف"‪.‬‬

‫‪ – 5‬إن المذكرة المقترحة "تفترض أن مصر هي الطرف الذي سيخل بالتزاماته"‪.‬‬

‫‪ – 6‬إن المذكرة المقترحة "يمكن اعتبارها تحالفا محتمل بين أمريكا و )إسرائيل( ضد مصر"‪.‬‬

‫‪ – 7‬إن هذه المذكرة "تعطي الوليات المتحدة حقوقا معينة لم يتم ذكرها أو التفاوض بشأناها‬
‫معا"‪.‬‬

‫‪ – 8‬إناها تعطي "الوليات المتحدة قوة فرض إجراءات‪ ،‬أو بكل صراحة اتخاذ إجراءات رادعة‪،‬‬
‫وهو أمر يثير الشكوك حول مستقبل العلقات ويمكن أن يؤثر في الموقف في المنطقة كلها"‪.‬‬

‫‪ – 9‬المذكرة المقترحة تستخدما تعبيرات تصل في غموضها إلى درجة الخطورة مثل عبارة‬
‫"التهديد بخرق التفاقية" المر الذي يترتب عليه اتخاذ إجراءات محددة "وناحن ناعتبر ذلك‬
‫أمرا له ناتائج خطيرة"‪.‬‬

‫‪ – 10‬كما تشير المذكرة إلى "أن المدادات العسكرية والقتصادية هي محل تقدير الوليات‬
‫المتحدة وحدها وذلك ارتباطا بالتهديدات المزعومة والتي يراد إلصاقها بجاناب واحد"‪.‬‬

‫‪ – 11‬إن المذكرة "تجعل بعض أوجه العلقات المصرية – المريكية خاضعة لعناصر خارجة‬
‫عن هذه العلقة‪ ،‬ولتعهدات أعطيت لطرف ثالث"‪.‬‬

‫‪ – 12‬إناها تعني "تقبل الوليات المتحدة لتخاذ )إسرائيل( لجراءات‪ ،‬منها الجراءات‬
‫العسكرية‪ ،‬ضد مصر على أساس الزعم بأن هناك خرقا أو تهديدا بخرق المعاهدة"‪.‬‬

‫‪ – 13‬إناها تعطي "الوليات المتحدة الحق في فرض وجودها العسكري في المنطقة لسباب‬
‫متفق عليها بين )إسرائيل( وأمريكا وهذا أمر غير مقبول"‪.‬‬
‫‪ – 14‬إن المذكرة "تضفي الكثير من الشكوك حول النوايا الحقيقية للوليات المتحدة‪ ،‬خصوصا‬
‫فيما يتعلق بعملية السلما‪ ،‬إذ يمكن اتهامها بالتعاون مع )إسرائيل( في خلق ظروف معينة تؤدي‬
‫إلى وجود عسكري أمريكي في المنطقة‪ ،‬وهو أمر سيكون له بالتأكيد ناتائج خطيرة وبصفة‬
‫خاصة على الستقرار في المنطقة كلها"‪.‬‬

‫‪ – 15‬وسيكون لها "في مصر تأثير مضاد للوليات المتحدة كما ستدفع بالتأكيد الدول العربية‬
‫الخرى إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددا في عملية السلما‪ ،‬وستعطيها أسبابا إضافية كي ل تشترك‬
‫في هذه العملية"‪.‬‬

‫‪ – 16‬إناها سوف تمهد الطريق "لتحالفات جديدة تتشكل في المنطقة لمواجهة التحالف‬
‫المتضمن في المذكرة المقترحة"‪.‬‬

‫هذا ما سجلته مصر على مذكرة التفاهم )السرائيلية( – المريكية‪.‬‬

‫وهو تسجيل يفضح طبيعة "الضمان" المريكي )لسرائيل( ‪ ..‬في سيناء ‪ ..‬وفي غيرها ‪..‬‬
‫ويحدد بدقة مدى الورطة التي تحاصر الجنود المصريين على الحدود ‪ ..‬ومنهم بالطبع ‪ ..‬كان‬
‫سليمان خاطر ‪ ..‬وخاصة أن كل العتراضات التي سجلها د‪ .‬مصطفى خليل لم يؤخذ بها ‪..‬‬
‫وبقيت مجرد حبر على ورق‪ ،‬ومشى هو نافسه في التيار المندفع نااحية إسرائيل‪.‬‬

‫ومما ل شك فيه أيضا أن )إسرائيل ( لم تكتف بكل هذه الضماناات ‪ ..‬ولم تكتف بكل القيود التي‬
‫كبلت بها المعاهدة مصر ‪ ..‬حكومة وجيشا ‪ ..‬وإناما راحت من جانابها تحاول فرض جديدة في‬
‫سيناء ‪ ..‬تجعلها تشعر أن سيناء لم تذهب من يدها ‪ ..‬ولم تعد لمصر! !‬

‫إن )إسرائيل(‪ ،‬تعتبر "سيناء" منذ يونايو ‪ 1967‬هي صماما أمنها ‪ ..‬وتعتبرها منذ الناسحاب‬
‫النهائي منها في أبريل ‪ ،1982‬فرصة "ذهبية" ضاعت منها وهي في اليد اليمين‪ ،‬ول بد أن‬
‫تحصل عليها باليد الشمال ‪ ..‬وحتى الن يوجد من يطالب "بعودة" سيناء إلى )إسرائيل( لناها‬
‫على حد قول العميد – احتياطي "متيتيا هوبيلد"‪" :‬ل تمثل منطقة مصرية ل من الناحية‬
‫الجغرافية ول من الناحية التاريخية ‪ ..‬وليس لمصر أي شيء بها‪ ،‬تماما مثلما ليس لمصر أي‬
‫شيء في خليج إيلت" وقد أضاف‪" :‬لقد استغلت مصر شبه جزيرة سيناء استغلل سيئا‬
‫كقاعدة للهجوما على )إسرائيل( ثلث مرات خلل عشرين سنة‪ ،‬ول يمكن أن ناسمح لها بمرة‬
‫رابعة"‪.‬‬

‫وقال "الياهو بن اليسار" أول سفير )لسرائيل( في مصر‪" :‬إناني ل أعتقد أناه بعد ما عادت كل‬
‫سيناء إلى مصر أن )إسرائيل( فقدت كل أوراقها"‪.‬‬

‫وسئل "مردخاي جور" قائد القوات الجوية السابق في )إسرائيل(‪:‬‬

‫س‪ :‬هل توقعت أن يتم الجلء عن سيناء بهذه الصورة؟‬

‫ج‪ :‬لم أتخيل أنانا سنهدما كل ما بنيناه وأن ناقتلع جميع الشجار! !‬

‫س‪ :‬هل فقدت )إسرائيل( كل أوراقها ضد مصر؟‬


‫ج‪ :‬لدى )إسرائيل( عدة أوراق‪ ،‬لن )إسرائيل( تتمتع بأناها دولة قوية تصارع من أجل كياناها ‪..‬‬
‫إن الورقة الحقيقية موجودة ‪ ..‬إن مثل هذه العتبارات التكتيكية ل تتماشى مع استراتيجية‬
‫بعيدة المدى في حياة الدولة والشعب‪.‬‬

‫وقال الكاتب الصهيوناي "شيلما جازيت"‪" :‬إن )إسرائيل( قد قدمت مقابل ضخما لمصر في‬
‫مقابل توقيع معاهدة السلما‪ ،‬إذ تنازلت عن ‪ %90‬من الراضي التي احتلتها في حرب يونايو‬
‫‪ ،1967‬وتنازلت أيضا عن ثروات اقتصادية هامة )حقول بترول خليج السويس(‪ ،‬أضف إلى‬
‫ذلك التنازل عن أمن )إسرائيل( الذي تعرض للخطر من جراء سحب قواتها المسلحة شرقا إلى‬
‫ما بعد الحدود الدولية"‪.‬‬

‫وأضاف‪" :‬ولكن ‪ ..‬ناحن في مقابل هذه التنازلت سنسعى للحصول على امتيازات اقتصادية‬
‫وسياحية لنا في سيناء ‪ ..‬لقد تعودناا على التعامل مع سيناء ول ينبغي أن ناقطع هذه العادة"‪.‬‬

‫باختصار ‪ ...‬لم تتخلص )إسرائيل( من عقدة أن سيناء كانات جزءا منها ‪ ..‬وتتصور أن رجوعها‬
‫لمصر تنازل منها دفعت في مقابله ثمنا باهظا ‪ ..‬من البترول المصري والثروات المصرية التي‬
‫استنزفتها طول سنوات الحتلل ‪ ..‬وتؤمن أناها ل بد أن تأخذ مقابل لهذا التنازل! !‬

‫والمقابل الذي تتصوره )إسرائيل( ‪ ..‬أن تصبح علقتها بمصر بقرارات رسمية ‪ ..‬مثل "السمن‬
‫على العسل" ‪ ..‬خاصة في سيناء‪ ،‬حيث رسمت لها )إسرائيل( خططا متناهية الدقة ‪ ..‬فتحها‬
‫على البحري وبدون قيود أماما السياح )السرائيليين( ‪ ..‬استثمار مشترك في مزارع تجريبية ‪..‬‬
‫وفي التنقيب عن البترول ‪ ..‬وفي مشروعات سياحية ‪ ..‬القياما بأبحاث مشتركة عن الصحراء‬
‫وتوطين البدو ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫لكن ‪ ..‬من بين كل هذه الحلما لم تستطع )إسرائيل( أن تحقق سوى حلم التطبيع السياحي ‪..‬‬
‫وأن تنجح في الحصول على مميزات سياحية في سيناء ‪..‬‬

‫إن هذه المميزات كانات غير معروفة للرأي العاما المصري قبل حادث سليمان خاطر ‪ ...‬وقد‬
‫اضطرت تحقيقات الحادث لكشفها دون أن تقصد ‪ ..‬بالطبع ‪...‬‬

‫من هذه المميزات دخول السياح )السرائيليين( إلى سيناء بدون جواز سفر ‪ ...‬وبدون تأشيرة‬
‫دخول ‪ ..‬وبدون تحويل عملة ‪ ..‬إن البطاقة الشخصية )السرائيلية( تكفي للدخول ‪ ..‬وتكفي‬
‫للتجول بحرية في كافة أرجاء سيناء حتى نافق الشهيد "أحمد حمدي"‪ ،‬فإذا ما أراد أي سائح‬
‫)إسرائيلي( عبور النفق وجب عليه إبراز جواز سفره وتحويل ما يفرضه القاناون من عملت‬
‫صعبة بالسعر الرسمي‪.‬‬

‫ومن هذه الميزات تغيير لوحات السيارات )السرائيلية( للسياح القادمين بسياراتهم إلى لوحات‬
‫مصرية ‪ ..‬على أن تستبدل اللوحات المصرية الصلية عند العودة إلى )إسرائيل( ‪ ...‬ويبدو أن‬
‫هذا الجراء لحمايتهم من اعتداء المصريين عليهم‪ ،‬والذين قد يكتشفون هويتهم من لوحات‬
‫السيارة المكتوبة باللغة العبرية ‪..‬‬

‫ومن هذه المميزات السماح للسياح )السرائيليين( بنصب الخياما وإقامة المعسكرات وصعود‬
‫الجبال واختراق كل الطرق بالدراجات العادية والبخارية ‪..‬‬
‫وهناك بالقطع درجة كبيرة من التساهل في التعامل معهم ‪ ..‬وقد ذكر المحامي )السرائيلي(‬
‫"جيرا كورن" في شهادته أماما النيابة العسكرية بعد الحادث‪ ،‬أن المصريين عند إحدى ناقاط‬
‫الحدود سمحوا له بالدخول دون أن يغير لوحات سيارته ‪ ..‬على أساس أناه سيعود إلى سيناء‬
‫مرة أخرى‪.‬‬

‫وهذه المعاملة التي يلقاها السائح )السرائيلي( في سيناء ل يجدها المواطن المصري الذي‬
‫يفكر في الذهاب إلى هناك ‪ ..‬إن سيقف في كل ناقاط التفتيش تقريبا ‪ ..‬وستفتش سيارته تفتيشا‬
‫دقيقا ‪ ..‬وسيصادر منه كل ما يعتبر خطرا‪ ،‬مثل زجاجة "سبرتو" سيستخدمه في إشعال نايران‬
‫فحم سيشوي عليه قطع اللحم ‪ ..‬وكأن هذه الزجاجة زجاجة "مولوتوف" حارقة ‪ ..‬وواضح أن‬
‫مثل هذا الجراء لحماية )السرائيليين( الذين يتواجدون باستمرار‪ ،‬وفي كل الفصول‪ ،‬هناك ‪...‬‬
‫وممنوع على المصريين القتراب من بعض النقاط بحجة أناها ناقاط عسكرية ‪ ..‬وممنوع عليهم‬
‫القتراب من الشواطئ بعد الغروب ‪ ..‬وممنوع عليهم الصعود لبعض الجبال في بعض‬
‫الوقات ‪ ...‬ممنوع عليهم ما هو مسموح به )'للسرائيليين('!‬

‫إن هذه الممنوعات التي تلحق كل مصري يفكر في زيارة سيناء‪ ،‬جعلت البعض يتساءل عن رد‬
‫فعل السلطات المصرية لو كان الذين تعرضوا لرصاصات سليمان خاطر من المصريين؟ ‪ ..‬هل‬
‫كان التحقيق سينال كل هذا الهتماما؟ ‪ ..‬هل كان ناائب مأمور شرطة "ناويبع" سيحمل الجثث‬
‫على ظهره وينزل بها من فوق التل؟ ‪ ..‬هل كان سيقال إن النقطة مباحة لكل من هب ودب ‪ ..‬أما‬
‫كان سيقال إناها ناقطة عسكرية تقضي التعليمات بإطلق النار على كل من يقترب منها؟ !‬

‫ومما ل شك فيه أن )السرائيليين( يتجاوزون كل المميزات الممنوحة لهم في سيناء ‪ ..‬وأشهر‬


‫هذه التجاوزات‪ ،‬قصة اليخوت والزوارق )السرائيلية(‪ ،‬التي تتسلل إلى المياه القليمية‬
‫المصرية هناك بدون تصاريح ‪ ...‬وقد أدى ذلك إلى إطلق النار من جنود شرطة مصريين على‬
‫أحد هذه الزوارق ‪ ..‬وناشر الخبر في الصحف المصرية قبل فترة ليست قليلة من حادث سليمان‬
‫خاطر ‪ ..‬ولن أحدا من راكبي الزورق )السرائيلي( لم يصب‪ ،‬فقد مر الحادث دون ضجة ‪..‬‬
‫ودون أن تقوما القيامة )السرائيلية( ‪ ..‬وبعد أن تفاهمت الحكومتان المصرية و )السرائيلية(‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬في يوما الربعاء ‪ 28‬أغسطس ‪) 1985‬قبل حادث سليمان خاطر بحوالي أسبوع(‬
‫ناشرت إحدى صحف الخليج على لسان مأمور شرطة ناويبع‪:‬‬

‫"إن )إسرائيل( مستمرة في استفزاز المصريين" في سيناء!‬

‫وفيما بعد أيضا ‪ ...‬قدما المحامي عماد السبكي هذا التصريح المنشور في تحقيق صحفي تحت‬
‫عنوان "')'إسرائيل ( تحاول تكثيف وجودها في خليج العقبة عن طريق تواجد يخوتها البحرية‬
‫السياحية" إلى المحكمة التي تحاكم سليمان خاطر‪ ،‬ودلل به على أن "رجال المن المصريين‬
‫قد طفح كيلهم"‪.‬‬

‫وليس هناك بالقطع ما يمنع تحول المميزات والتجاوزات )السرائيلية( في سيناء إلى‬
‫استفزازات مباشرة للمصريين هناك ‪ ..‬خاصة للجنود البسطاء منهم ‪ ..‬وهذه الستفزازات – كما‬
‫هو معروف – تأخذ طابعا نافسيا وعصيبا وجنسيا ‪ ..‬إن من قبيل التكرار أن ناذكر ما يفعله‬
‫)السرائيليون( على شواطئ سيناء ورمالها ‪ ..‬عرى ‪ ..‬جنس ‪ ..‬مخدرات ‪ ..‬وحرية في ارتكاب‬
‫كل إثم ‪ ..‬علنا‪ ،‬وبدون أي قيد أو تحفظ ‪ ..‬لكن ‪ ..‬يكفي أن ناسترجع مشهد )صعود السرائيليين(‬
‫إلى ناقطة سليمان خاطر‪ ،‬لنتذكر أن النساء كن يرتدين المايوهات البكيني والعارية ‪ ..‬صحيح أن‬
‫سليمان خاطر قال في التحقيق أن هذا المشهد لم يستفزه ‪ ..‬ولكن ‪ ..‬صحيح أيضا أناه أظهر‬
‫وعيا بالساليب )السرائيلية ( )العارية( التي تتجاوز الحرية الشخصية ‪ ..‬إناه يعرف العلقة‬
‫القوية بين الجنس والتجسس ‪ ..‬ويعرف أن هذه العلقة يمارسها السياح )السرائيليون( مع‬
‫الجنود والضباط والجهزة ‪..‬‬

‫س‪ :‬هل استفز مشاعرك أن المجني عليهم كاناوا يرتدون ملبس البحر ومايوهات بكيني‬
‫وعري؟‬

‫ج‪ :‬ل!‬

‫س‪ :‬ما الذي تقصده بعبارة‪ :‬ناسيب الحدود فاضية وكل اللي عايز يعدي ‪ ..‬يعدي ‪ ..‬وكل اللي‬
‫تورينا جسمها ناعديها؟‬

‫ج‪ :‬أقصد إن ممكن شاب تاناي يسيب نافسه أماما الحاجات دي زي ما حصل قبل كده على حدود‬
‫طابا وكاناوا بيعدوا ويخشوا الشاليهات‪ ،‬وأناا سمعت إن واحدة عملت مسطولة وسكراناة ودخلت‬
‫ناامت في شاليه كان فيه جهاز إشارة وطبعا دي حاجات ممنوعة ‪ ..‬ودي جاية مأمورية وأخذت‬
‫التردد )تردد ذبذبات الجهاز( وكلهم بيطلعوا مأموريات واحنا مغمضين‪.‬‬

‫س‪ :‬من أين أتيت بهذه المعلومات‪ ،‬وكيف عرفت التردد وأنات رقيب في المن المركزي؟‬

‫ج‪ :‬الكلما بيتنطور في كل مكان والشارة تبع المن المركزي!‬

‫ولم ينس سليمان خاطر – كما عرفنا – أن يشير إلى العلقات القوية بين الضباط المصريين في‬
‫سيناء و )السرائيليين( وقد أضاف‪" :‬وكله عمال يشتغل مع الجاناب وحيضيعوا البلد" ‪...‬‬
‫"وشغلوا عليهم المخابرات وشوفوهم بيروحوا فين"‪.‬‬

‫ول نانسى هنا – أيضا – ألبوما الصور الذي وجد في النقطة‪ ،‬والذي يخص الجندي "عطية‬
‫إبراهيم" والذي يتضمن بعض الصور لجنود مصريين مع شبان وفتيات )إسرائيليين( ‪ ...‬في‬
‫قلب النقطة‪.‬‬

‫ثم ‪ ..‬ل نانسى الكاميرا التي وجدت مكسورة بعد الحادث‪.‬‬

‫ثم ‪ ..‬ل نانسى وجود المستشار السياسي للسفارة )السرائيلية( في القاهرة "نامرود باري" في‬
‫مكان الحادث وقت وقبل وقوعه‪.‬‬

‫إن من الطبيعي أن يكون هذا الدبلوماسي )السرائيلي( من رجال "الموساد" فهذا أمر ل بد‬
‫منه‪ ،‬لكن ‪ ..‬من غير الطبيعي أن يتواجد الرجل في مكان الحادث ‪ ..‬وخاصة أن من المعروف‬
‫عنه أناه دائم التجوال في سيناء ‪ ..‬وإن الوقت الذي يقضيه هناك أكثر من الوقت الذي يقضيه‬
‫في القاهرة ‪ ..‬المر الذي أضفى كثيرا من الشكوك على صعود )السرائيليين( إلى ناقطة‬
‫الحراسة المرتفعة ‪ ...‬وأثار الريبة في تصرفهم ‪ ..‬وضاعف من هذه الريبة أناهم صعدوا إلى‬
‫النقطة – رغم الطريق الوعر‪ ،‬وخطورة التعرض للحيواناات الشرسة والحشرات السامة – وقت‬
‫الغروب ‪ ..‬وهو وقت يهبط فيه الظلما بسرعة ‪ ..‬قبل أن تنتهي مهمة صعودهم وهبوطهم ‪ ..‬لن‬
‫هذه المهمة ل تستغرق أقل من ناصف ساعة ‪ ...‬وليس هناك ما يمنع – من باب التمويه –‬
‫استخداما الصغار في مهمتهم ‪ ..‬حتى ولو اناطوى ذلك على الخطر! فهذا أمر شهير للمخابرات‬
‫)السرائيلية(‪.‬‬
‫فماذا كان يفعل "نامرود" هناك؟ ‪ ..‬وماذا يفعل عموما في سيناء؟ ‪ ..‬هل كان ينتظر هبوط من‬
‫صعدوا ليأخذ منهم الفيلم الذي صوروه؟ ‪ ..‬ولماذا رفض إثبات وظيفته – فيما بعد – عند استلما‬
‫جثث القتلى؟ ! ‪ ..‬هل كان يشعر بأن على رأسه بطحة؟ !‬

‫أسئلة من الصعب الجابة عليها ‪ ...‬لكنها ‪ ..‬تضيء لنا بعض الكشافات المبهرة ‪ ..‬التي تلقي‬
‫بحزما الضوء الشديد على بعض جواناب حادث سليمان خاطر‪ ،‬وعلى بعض ما يفعله سياح‬
‫)إسرائيل( في سيناء!‬

‫والمذهل في هذه الرواية أن المحامي )السرائيلي( "جيرا كورن" قد ذكر أماما النيابة العسكرية‬
‫المصرية ‪ :‬أن هناك من حذرهم من وجود "جندي" مجنون في هذا الموقع يمنع صعود أحد إلى‬
‫النقطة ‪ ...‬والذهول هنا مصدره سهولة توافر المعلومات لدى )السرائيليين( ‪ ..‬وسهولة‬
‫تداولها فيما بينهم ‪ ..‬والذهول هنا مصدره أيضا‪ :‬لماذا إصرارهم على الصعود رغم توافر هذه‬
‫المعلومات عن سليمان خاطر؟ ‪ ..‬هل كان لهم هدف يجعلهم يحتملون أي توقع وأي خطر؟ !‬

‫وذكر المحامي )السرائيلي( أيضا‪ :‬أن كل المصريين في المستشفى وقسم الشرطة رفضوا أن‬
‫يسمحوا له بالتصال بإيلت لنقل المصابين ‪ ..‬لكنه يضيف‪ :‬أناه وجد عند إيلت بعد وصوله‬
‫إليها سيارة إسعاف وجنودا ينتظروناه ‪ ..‬فمن الذي أبلغهم بما جرى؟ ‪ ..‬من الذي أبلغهم بكل‬
‫التفاصيل بما في ذلك وجود مصابين يحتاجان سيارة إسعاف؟ ‪ ...‬وكيف تم هذا التصال؟ ‪ ..‬هل‬
‫قاما به نامرود؟ ‪ ..‬أما قاما به غيره؟ !‬

‫مرة أخرى ‪ ...‬أسئلة من الصعب الجابة عليها ‪ ..‬لكنها ‪ ..‬مرة أخرى أيضا كشافات قوية تلقي‬
‫الضوء على ما هو أبعد من التفسير القاناوناي والجنائي لحادث سليمان خاطر!‬

‫من باب إضاءة الكشافات القوية أيضا ‪ ...‬قد يكون من المفيد إلقاء بعض المعلومات الضرورية‬
‫والخاطفة عن علقة سيناء بالمخابرات )السرائيلية(‪.‬‬

‫إن "الوثائق السرية للمخابرات المريكية" التي وجدت في إيران بعد ثورة الخميني وخلع‬
‫الشاه عن )المخابرات السرائيلية( ل تمنع أن يقو السياح )السرائيليون( في سيناء بالتجسس‬
‫لحساب مخابراتهم ‪ ..‬على العكس تشجع ذلك ‪ ..‬ويسمى هؤلء بالعملء الذين يتواجدون تحت‬
‫"غطاء غير قاناوناي" ‪ ..‬وهؤلء على عكس العملء الذين يتواجدون تحت غطاء قاناوناي‪،‬‬
‫وهؤلء هم الذين يعملون في السفارات‪ ،‬وبعثات المشتروات )السرائيلية(‪ ،‬ومكاتب السياحة‬
‫وشركة "العال" للطيران وشركات البناء والمجموعات الصناعية ‪ ..‬والعملء تحت الغطاء غير‬
‫القاناوناي عادة ما يكلفون "بالتسلل إلى الهداف التي يتطلب القتراب منها وقتا طويل ودهاء‬
‫واسعا أو يقومون بأناواع من النشاط ل يمكن أن تلما عليها الحكومة )السرائيلية( رسميا بأي‬
‫حال" ‪ ..‬ويتبع هذا النشاط "الموساد" أو جهاز المخابرات السرية‪.‬‬

‫وهناك أيضا الــ "شين بيت" أو جهاز مكافحة الجاسوسية والمن الداخلي ‪ ..‬وهذا الجهاز يضم‬
‫ثماناية أقساما على رأسها قسم "الشئون العربية" ‪ ..‬وله أقساما "إقليمية فرعية" على رأسها‬
‫قسم "منطقة غزة وسيناء" ورئاسة هذا القسم في "عسقلن" ‪ ..‬وحسب الوثائق المذكورة‬
‫"اخترقت" الشين بيت "عددا كبيرا من التنظيمات العربية وذلك باستخداما المخبرين ‪..‬‬
‫وبالتعاون مع بعض السكان المحليين" ‪ ..‬وحسب نافس الوثائق‪ :‬فإن العاملين بالشين بيت‬
‫"متخصصون في دخول الماكن المختلفة‪ ،‬وهم يستخدمون آلة تصوير خاصة يمكن حملها‬
‫بسهولة" ‪" ..‬وقد ناجح فنيو "الشين بيت" في إخفاء أجهزة إرسال لسلكي في حقائب‬
‫صغيرة‪ ،‬وفي قاع "كنكة" القهوة‪ ،‬وفي قاع بعض أفران الطبخ التي يمكن استخدامها دون‬
‫المساس بالجهاز الدقيق"‪.‬‬

‫وهناك كذلك المخابرات العسكرية التي تضاعف ناشاطها دائما على الحدود!‬

‫إن هذه المعلومات السريعة تقرب الصورة من أذهانانا ‪ ..‬صورة السائح )السرائيلي( الذي‬
‫يحمل كاميرا صغيرة ‪ ...‬ويمكن أن يضع جهاز الرسال في "كنكة" القهوة ‪ ..‬ويأتي إلى سيناء‬
‫للغوص أو للسباحة أو للستمتاع بحماما شمس ‪ ..‬وهذه الصورة على هذا النحو يمكن أن‬
‫تنطبق على تصرفات جماعة السياح التي صعدت إلى موقع سليمان خاطر ‪ ..‬ويمكن أن تحل لغز‬
‫وصول المعلومات إلى داخل )إسرائيل( قبل أن يصل المحامي "جيرا كورن" إلى ناقطة‬
‫الحدود ‪ ..‬ويمكن أن تفسر أشياء أخرى كثيرة جاءت مع الحادث!‬

‫باختصار ‪ ..‬ناجحت )إسرائيل( – عن طريق المعاهدة مع النظاما المصري – في نازع سلح أكثر‬
‫من ناصف سيناء ‪ ..‬وناجحت – بالتفاق الخاص مع المريكان – في وجود ضماناات ل حد لها ‪..‬‬
‫وناجحت – باتفاقيات التطبيع – في أن تكسب مميزات خاصة لها في سيناء ‪ ..‬لكنها ‪ ..‬رغم ذلك‬
‫كله أطلقت السياح القادمين من داخلها إلى سيناء للستفزاز والتجسس ‪..‬‬

‫ومن حق البعض أن يتساءل في دهشة‪ :‬وماذا تريد )إسرائيل( من التجسس "السياحي" ولها‬
‫كل هذه الحقوق؟ ! لماذا تفعل ذلك وعندها أمريكا تقدما لها ما تريد؟ ‪ ..‬وعندها مصر على علقة‬
‫طيبة ورسمية معها؟ ‪ ..‬لماذا تفعل ذلك ومصر أيضا في هذا الموقف الذي ل تحسد عليه؟‬

‫والجابة على هذا التساؤل تلف وتدور حول ثلث ناقاط رئيسية‪:‬‬

‫‪ – 1‬إن )إسرائيل( من جانابها تريد أن تتأكد من عدما اختراق مصر لبنود المعاهدة ول لترتيبات‬
‫المن المنصوص عليها فيها ‪ ..‬وهي عندما تفعل ذلك ل يخامرها الشك في أن مصر يمكن أن‬
‫تفعل ما لم تفرضه عليها المعاهدة ‪ ..‬خاصة بالنسبة لجهزة الناذار الحديثة التي ليس لمصر‬
‫زرعها أو استخدامها في بعض المناطق مثل المنطقة "ج" ‪ ..‬وهذا ما يفسر دخول النساء‬
‫)السرائيليات( الشاليهات التي بها أجهزة الشارة ورصد ذبذباتها وترددها‪.‬‬

‫‪ – 2‬إن )إسرائيل( تخشى من تسلل الفدائيين الفلسطينيين وغيرهم عبر حدودها مع مصر ‪...‬‬
‫وقد حدث في النصف الثاناي من عاما ‪ 1985‬أن أعلنت أجهزة المن المصرية والقوة المتعددة‬
‫الجنسية حالة الطوارئ بسبب قياما مجموعة من المصريين بعبور الحدود عند إيلت والقياما‬
‫بعملية فدائية جريئة داخل )إسرائيل( كذلك تخشى )إسرائيل( من تسرب السلحة عبر سيناء‬
‫إلى الفلسطينيين داخل الرض المحتلة‪ ،‬وقد أعلنت عن بعض الحالت التي تم ضبطها‪.‬‬

‫‪ – 3‬إن )إسرائيل( تعتبر أي معلومات عن مصر ‪ ...‬في أي مجال من مجالت الحياة يمكن أن‬
‫تفيدها في قياس مستوى العلقات بينها وبين الحكومة المصرية ‪ ...‬وخاصة أن العلقة بين‬
‫الحكومتين شابها بعض الفتور والقلق والتوتر بعد مصرع السادات وبعد الغزو )السرائيلي(‬
‫للبنان وبعد سحب السفيرين من القاهرة وتل أبيب ‪ ..‬وبسبب مشكلة "طابا"‪.‬‬

‫لقد بدأ التوتر بين الرئيس حسني مبارك وحكومة )إسرائيل( في جنازة "السادات" ‪ ..‬فقد قدما‬
‫مناحم بيجن لحسني مبارك دعوة لزيارة )إسرائيل( فوافق ‪ ..‬وبدأ كمال حسن علي وزير‬
‫الخارجية في ذلك الوقت في بحث الترتيبات مع السفير )السرائيلي( ساسون ‪ ..‬واتفق على أن‬
‫الموعد المناسب للزيارة ‪ 16‬أو ‪ 17‬مارس ‪) 1982‬قبل الناسحاب )السرائيلي( الخير من‬
‫سيناء بحوالي ‪ 40‬يوما( وجهزت )إسرائيل( لمبارك برناامج زيارة للقدس‪ ،‬وقررت أن يلقي‬
‫خطابا في الكنيست ‪ ..‬لكن ‪ ..‬سرعان ما قرر مبارك أل يزور القدس ‪ ..‬فأعلن بيجن‪ :‬أن علقات‬
‫مصر )بإسرائيل ( تحوطها كثير من الصعوبات ‪ ..‬وعندما وصل إسحاق شامير )وزير الخارجية‬
‫في ذلك الوقت( إلى القاهرة وقابل الرئيس مبارك ‪ ..‬قال له شامير‪" :‬إن الرئيس السابق أناور‬
‫السادات تحدث عن ضرورة إزالة هذه الحواجز" ‪ ..‬فقال له مبارك‪ :‬إن أساس السياسة‬
‫المصرية الن يعتمد على استئناف العلقات بين مصر والعلم العربي‪ ،‬على أساس أن مثل هذه‬
‫الخطوة يمكن أن تؤثر تأثيرا إيجابيا على علقات الدول العربية المعتدلة )بإسرائيل( ‪..‬‬
‫وانازعجت )إسرائيل( من ميل مبارك ناحو العرب ‪ ..‬وتضاعف انازعاجها من رد فعله تجاه الغزو‬
‫)السرائيلي( للبنان وتجاه مشكلة طابا ‪ ..‬وتساءلت )إسرائيل( عن مصير السلما والتطبيع ‪..‬‬
‫وقررت أن تتعامل مع مصر بمزيد من ناشاط التجسس إسرائيل على مصر ‪ ...‬وأن تكلف كل من‬
‫يدخل سيناء للسياحة بمهمة في هذا التجاه ‪ ..‬ففي مجتمع يقوما على المخابرات مثل )إسرائيل(‬
‫يصبح السؤال عن هذا المبرر ضربا من السذاجة ‪ ..‬وربما ما هو أكثر من السذاجة‪.‬‬

‫لقد فتح سليمان خاطر – دون أن يقصد – عيونانا على أشياء كانات غائبة عنا ‪ ..‬فعلها سليمان‬
‫خاطر وذهب ‪ ..‬وكان مثل السيد المسيح الذي قال كلمته ومضى‪  .‬‬
‫أشغال شاقة مؤبدة‬
‫  جرت وقائع محاكمة "سليمان خاطر" العسكرية في قاعة "المؤتمرات" و "الحتفالت"‬
‫بمقر قيادة الجيش الثالث الميداناي بمدينة "السويس"‪.‬‬

‫قاعة أرضية ‪ ..‬طويلة المساحة ‪ ..‬بسيطة البناء والديكور ‪ ..‬تستخدما عادة في المؤتمرات‬
‫العسكرية حيث ترص فيها المقاعد التي يجلس عليها الضباط والقادة ‪ ..‬وتستخدما في استقبال‬
‫كبار الزوار والضيوف ‪ ..‬حيث تفرش بالمناضد والمقاعد والصالوناات ‪...‬‬

‫في هذه القاعة ‪ ..‬أو بالتحديد في جزء منها‪ ،‬عقدت المحكمة العسكرية العليا جلساتها ‪..‬‬
‫أحضروا قفصا عن صندوق حديد مفرغا وغير مرتفع‪ ،‬وقف سليمان خاطر بالكاد ‪ ..‬وأحضروا‬
‫منصة لتجلس عليها هيئة المحكمة المكوناة من اللواء مصطفى دويدار رئيسا ‪ ..‬واللواء محمد‬
‫خورشيد عضو اليمين ‪ ..‬والعميد محمود عبد العال عضو اليسار ‪ ..‬ودبروا مكاناا لممثل‬
‫الدعاء‪ ،‬المقدما يحيى قاسم‪ ،‬رئيس نايابة السويس العسكرية ‪ ..‬ودبروا مكاناا يسمح للمحامين‬
‫بالجلوس أو المرافعة ‪..‬‬

‫وكان واضحا منذ بداية المحاكمة أن النية قد اناعقدت لن تكون كل جلساتها سرية ‪ ..‬كما أن كل‬
‫التجهيزات الفنية اللزمة لتسجيل المحاكمة فيديو ‪ ..‬بالصوت والصورة قد ركبت ‪..‬‬

‫وكان واضحا منذ البداية أيضا أن المحكمة لن تسمح بمد آجال المحاكمة ‪ ..‬ولن تعطي للدفاع‬
‫الفرصة التي أخذها في آخر المحاكمات العسكرية التي شغلت الرأي العاما ‪ ..‬محاكمة الذين‬
‫اغتالوا السادات ‪..‬‬

‫ولوحظ أن المحكمة لم تسمح بتصوير سليمان خاطر فوتوغرافيا ‪ ..‬ولم ينجح أحد في ناشر‬
‫صورة واحدة له في هذا الوضع كما أناها لم تسمح بحضور الصحفيين ومصوري التليفزيون‬
‫الجلسات ‪ ..‬ول حتى الجلسة الولى ‪ ..‬الجلسة الفتتاحية ‪ ..‬ول حتى الجلسة الخيرة ‪ ..‬جلسة‬
‫النطق بالحكم ‪..‬‬

‫ولوحظ أن الخبار التي تسربت من داخل الجلسات كانات قليلة جدا ‪ ..‬خاصة الجلسات الولى ‪..‬‬
‫وكان السبب وجود محاما واحد اختير بمفرده للدفاع عن سليمان خاطر ‪ ..‬ومعنى تسرب‬
‫الخبار‪ ،‬أناه وراء ذلك ‪ ..‬والمعروف في مثل هذه المحاكمات السرية أن المحامين هم مصدر‬
‫الخبار الرئيسي ‪ ..‬وأن تعددهم يتيح لكل منهم تسريب الخبار‪ ،‬على أساس صعوبة معرفة‬
‫المصدر بدقة‪.‬‬

‫في البداية اختارت أسرة سليمان خاطر محاميا غير معروف للدفاع عنه ‪ ..‬لكنها ‪ ..‬سرعان ما‬
‫اكتشفت أن القضية أكبر منه ‪ ..‬وأصعب منه ‪ ..‬وأشد من قدراته ‪ ..‬فلجأت إلى المحامي "عماد‬
‫السبكي " ‪ ..‬وهو من المحامين الذين اشتهروا بالترافع في القضايا العسكرية ‪ ..‬وكان آخرها‬
‫قضية اغتيال السادات ‪ ..‬وهذه الشهرة والخبرة في هذا النوع من القضايا بالذات مرجعه أناه‬
‫خدما في القوات المسلحة كضابط في سلك القضاء العسكرية ووصل إلى رتبة العميد‪ ،‬وإلى‬
‫درجة مساعد المدعي العاما العسكري‪.‬‬

‫وقد قال "عماد السبكي" إناه لم يتطوع للدفاع عن سليمان خاطر‪ ،‬وإناما أهله هم الذين سعوا‬
‫إليه لكي يترافع عنه ‪ ..‬فقبل ‪...‬‬
‫وقال وهو على عتبة المحكمة‪ :‬إن هذه القضية تحتاج إلى ناوعين من الخبرة ‪ ..‬خبرة قاناوناية‬
‫)خاصة إجرائية( وخبرة فنية بالوضاع العسكرية على أعلى مستوى لن فيها ناقاطا فنية‬
‫يستحيل على غير من مارس القضايا العسكرية أن يضع يده عليها!‬

‫وتقول أسرة سليمان خاطر‪ :‬إن عماد السبكي اشترط عليها أن ل تستعين بأي محاما آخر‪،‬‬
‫خاصة من زملئه الذين دافعوا عن ]]خالد السلمبولي[[ ورفاقه ‪ ..‬وأناه سألهم‪ :‬هل تريدون‬
‫ابنكم حيا؟ أما بطل؟ ‪ ..‬فقالوا له‪ :‬ناريده بيننا على قيد الحياة! ‪ ..‬فقال لهم‪ :‬إذن اتركوناي أتصرف‬
‫بمفردي‪.‬‬

‫وفعل ‪ ..‬نافذت السرة تعليماته! !‬

‫وبمجرد أن تولى عماد السبكي القضية‪ ،‬صرح لصحيفة "التحاد" التي تصدر في دولة‬
‫"المارات" أن من صالح سليمان خاطر أن تحجم القضية بالواقع الجنائي والقاناوناي لها دون‬
‫إدخالها في متاهات التيارات السياسية المختلفة ‪ ..‬حتى ل تحدث ضغوط خارجية ‪ ..‬وقد كان‬
‫على ما بدت مجريات المور متفائل‪ ،‬لن الضغوط الخارجية مورست بعد ساعات من وقوع‬
‫الحادث‪.‬‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬اناضم إلى عماد السبكي عدد آخر من المحامين للدفاع عن سليمان خاطر!‬

‫وكان أغلب هؤلء من بين هيئة الدفاع في قضية اغتيال السادات!‬

‫لقد أحست أسرة سليمان خاطر أن موقف ابنها في القضية يتدهور ‪ ..‬وأحست أن الزمن يسحبه‬
‫إلى حكم العداما ‪ ..‬وأحست أن المحكمة ل تضيع وقتها في الوصول إلى هدفها المحدد وهو‬
‫إصدار الحكم بأقصى عقوبة في أسرع وقت‪ ،‬وبدون "شوشرة" وبدون استجابة لي طلب‬
‫للدفاع بمد الجلسات‪.‬‬

‫أحست السرة بالخطر ‪ ..‬وأحس سليمان بنفس الخطر ‪..‬‬

‫إن سليمان في جلسات المحاكمة الولى‪ ،‬كان يتمتع بهدوء وثقة من يشعر أناه أدى واجبه ‪..‬‬
‫وكان يشعر بهدوء وثقة من يضمن البراءة في جيبه ‪ ..‬إناه – كما قال فيما بعد – كان يشعر‬
‫بعدما الحاجة للدفاع عن نافسه‪ ،‬لن أسرار ما فعله معروفة بدقة على كل مستويات قادته‬
‫العسكريين‪ ،‬لكنه في الجلسة الثالثة من المحاكمة بدأ الحساس بالخطر يتملكه ‪ ..‬وأحس أن‬
‫النيابة العسكرية تطالب برأسه‪ ،‬وتصر على أناه قتل متعمدا "مع سبق الصرار والترصد" ‪..‬‬
‫وأن الشهود ل يشهدون لصالحه ‪ ..‬وأن المحكمة ل تجد ما يجعلها تحكم بغير الموت ‪ ..‬وناصحه‬
‫بعض الحراس – الذين شهد أناهم كاناوا يتعاملون معه برفق وشهامة – بتغيير المحامي ‪ ..‬أو‬
‫الستعاناة بمحامين آخرين‪ ،‬لن القضية ليست بهذه السهولة ول البساطة التي يتصورها‪.‬‬

‫ول ناعرف ما إذا كان سليمان خاطر قد اقتنع بنفسه بضرورة الستعاناة بالمحامين الذين ترافعوا‬
‫عن ]]خالد السلمبولي[[ ورفاقه‪ ،‬أما أن هناك من أقنعه بذلك‪.‬‬

‫لكننا ناعرف أناه طلب من شقيقه الكبر عبد الحميد خاطر أن يفعل ذلك ‪..‬‬

‫وقال له‪" :‬لو اتصلت بواحد منهم سيدلك على الخرين"‪.‬‬


‫وبالفعل ‪ ..‬اتصل عبد الحميد بعبد الحليم رمضان – المحامي‪ ،‬وعن طريقه وبواسطته جاء باقي‬
‫المحامين ‪ ...‬كمال خالد ‪ ..‬وشوقي خالد ‪ ..‬وعبد العزيز الشرقاوي ‪ ..‬ومن جاناب آخر تقدمت‬
‫ناقابة المحامين بطلب لندب محامين آخرين للدفاع عن سليمان خاطر ‪ ..‬وبعد الموافقة‪ ،‬رشح‬
‫لهذه المهمة المحاميان محمد رزق‪ ،‬وسامح عاشور‪.‬‬

‫وبدخول هؤلء الرجال في القضية ‪ ...‬فتحت صفحة جديدة‪.‬‬

‫في يوما السبت ‪ 3‬ناوفمبر ‪ 1985‬استيقظ أولئك الرجال قبل صلة الفجر‪ ،‬استعدادا للسفر إلى‬
‫السويس )‪ 120‬كيلو مترا من القاهرة( حيث تعقد جلسة جديدة من جلسات المحكمة ‪ ...‬وقد‬
‫وصلوا رغم بعد المسافة قبل أن تبدأ الجلسة في الساعة الثامنة والنصف صباحا ‪ ..‬لكنهم‬
‫فوجئوا بمن يمنعهم من الدخول بحجة عدما وجود تصريحات لهم ‪ ..‬وبحجة عدما وجود تعليمات‬
‫تسمح بدخولهم ‪ ..‬فوقفوا على البوابة حوالي ساعة وناصف الساعة حتى أذنات هيئة المحكمة‬
‫لثنين منهم بالدخول‪ ،‬هما اللذان كلفتهما ناقابة المحامين ‪ ..‬وبعد حوالي ساعتين أيضا سمح‬
‫للخرين بالدخول ‪..‬‬

‫ومن المؤكد أن هذا الجراء استفز المحامين ‪ ..‬ومن المؤكد أناهم أحسوا – بعده – أن المحكمة‬
‫تحاول تعطيل مهمتهم التي يصفوناها دائما بأناها "مهمة مقدسة" ‪ ..‬وكان من الطبيعي أن‬
‫يسجلوا ما حدث في محضر الجلسة ‪ ...‬وأماما هيئة المحكمة قالوا‪:‬‬

‫إن ما حدث على البوابة كان محاولة متعمدة لتضييع فرصة الدفاع عن الرقيب سليمان خاطر!‬

‫وحاولت المحكمة رد التهاما بمحاولة التفرقة بين المحامي الموكل والمحامي المنتدب ‪..‬‬
‫وقالت‪ :‬إناها ليست ملزمة بمعاملة المحامي المنتدب كالمحامي الموكل وأناها أعطت كل الفرصة‬
‫الممكنة للمحامي الموكل ‪ ..‬وهذا يكفي ليكون الدفاع قد أخذ حقه كامل ‪..‬‬

‫فقال محمد رزق – المحامي‪ :‬إن معنى هذا أن المحكمة تحاول أن تجعل هيئة الدفاع ديكورا‬
‫فقط‪ ،‬وهذا شيء مرفوض‪.‬‬

‫وطلب شوقي خالد – المحامي من المحكمة فرصة للتداول بين هيئة الدفاع ‪ ..‬واستجابت‬
‫المحكمة ‪ ...‬وبعد المداولة‪ ،‬قال عماد السبكي‪:‬‬

‫التزاما مني بوحدة الدفاع فأناا أعتبر نافسي مترافعا في جزء من الدعوى فقط ‪ ..‬ومن حق باقي‬
‫زملئي استكمال المرافعة‪.‬‬

‫ورفضت المحكمة ‪ ...‬فهدد الدفاع – بما فيهم عماد السبكي – بالناسحاب فورا من المحكمة إذا‬
‫لم يتمكن من مزاولة كافة حقوقه القاناوناية المشروعة في المرافعة‪.‬‬

‫ويتدخل سليمان خاطر ليطلب من المحكمة اعتبار كل المحامين موكلين بالدفاع عنه ‪ ..‬وبعدما‬
‫التفرقة بين محاما موكل‪ ،‬ومحاما منتدب ‪..‬‬

‫وارتفعت درجة حرارة هذه الجلسة التي كانات يوما السبت ‪ 3‬ناوفمبر ‪ ،1985‬وتقرر المحكمة‬
‫التأجيل للسبت التالي ‪ ..‬يوما ‪ 10‬ناوفمبر‪.‬‬
‫وفيما بعد قال لنا شوقي خالد – المحامي‪ :‬إن المحكمة حاولت إثبات أن كل المحامين الحاضرين‬
‫منتدبون ما عدا عماد السبكي وقد فشلت في هذه المحاولة ‪ ..‬وكان من الواضح أن المحكمة في‬
‫عجلة من أمرها لتصدر الحكم في هذه الجلسة‪.‬‬

‫وأضاف‪ :‬إن سليمان خاطر قد حضر هذه الجلسة وغيرها من جلسات المحاكمة وهو يرتدي‬
‫الزي العسكري ‪ ..‬وأن حوارا سريعا دار بينهما ‪ ..‬قال فيه سليمان‪:‬‬

‫أناا ل أخشى الموت ول أرهبه ‪ ..‬إناه قضاء ا وقدره ‪ ..‬لكنني ل أخشى سوى أن يكون للحكم‬
‫الذي سيصدر ضدي آثار سيئة على زملئي‪ ،‬تصيبهم بالخوف‪ ،‬وتقتل فيهم وطنيتهم‪.‬‬

‫أماما المحكمة ‪ ..‬قال كمال خالد – المحامي‪ :‬إن هذه القضية هي من أهم القضايا التي شهدها‬
‫القضاء عبر التاريخ ‪ ..‬وقد فاق اهتماما الرأي العاما في مصر‪ ،‬والعالم العربي‪ ،‬والسلمي‪،‬‬
‫والدولي بهذه القضية كل تصور أو توقع ‪ ..‬المر الذي يجعل الحكم فيها ل يخص ول يهم‬
‫سليمان خاطر بمفرده ‪ ..‬إن المعاناي الصيلة والقيم النبيلة التي يتمسك بها الشعب المصري‪،‬‬
‫ول يتنازع عليها ول يتنازل عنها‪ ،‬وأهمها الدفاع عن كرامته‪ ،‬وكل ذرة من تراب وطنه تعني‬
‫أناه ليس شعبا همجيا‪ ،‬وإناما شعب أصيل‪ ،‬يعرف كيف يدافع عن نافسه وأرضه وحدوده ضد كل‬
‫اعتداء مهما كان مصدره‪.‬‬

‫وأضاف‪ :‬إن الحكم الذي ستصدره المحكمة سوف يكشف للعالم إن كان سليمان خاطر مخطئا ‪..‬‬
‫معتديا بتصرفه‪ ،‬أما كان ينبغي محاكمته بتهمة الخياناة والتقصير في حق الوطن والواجب إذا ما‬
‫تقاعس عن التصرف الذي قاما به في مواجهة متسللين صهاينة اقتحموا عليه موقعه‪ ،‬ومن‬
‫طريق خلفي‪ ،‬وعر‪ ،‬يرتفع عن سطح الرض بنحو ‪ 150‬مترا ‪ ..‬وهذه كلها متاعب ل يمكن أن‬
‫يتحملها إل أصحاب الغرض الخسيس ‪ ..‬وليس بمستغرب على )إسرائيل( في سبيل اكتشاف هذا‬
‫الموقع والتجسس على ما فيه‪ ،‬أو القياما بعمل تخريبي فيه‪ ،‬أن تستعين بمن يرتدون المايوهات‬
‫متسترين باصطحاب الطفال‪.‬‬

‫إن حرص هؤلء الصهاينة على الوصول إلى الموقع العسكري إناما كان حيلة للتمويه والخداع‪،‬‬
‫إل أن سليمان خاطر لم يبتلع الطعم وأدى واجبه في الوقت المناسب‪.‬‬

‫وقال عماد السبكي‪ :‬إن تصرف سليمان خاطر يجعله طبقا للمواد )‪ 63 ،61 ،60‬من قاناون‬
‫العقوبات( وطبقا للشريعة السلمية في موقف أداء الواجب‪ ،‬الذي قاما به وهو مطمئن إلى أناه‬
‫ينفذ الوامر الواجب تنفيذها في مثل هذه الظروف‪ .‬قال ذلك ‪ ..‬ثم راح يشرح الحادث على النحو‬
‫الذي ذكره سليمان خاطر من قبل في تحقيقات النيابة العسكرية ‪...‬‬

‫وأضاف‪ :‬إن معنى معاقبة سليمان خاطر‪ ،‬أن ناأمر جنودناا أن يقفوا متفرجين أماما تجسس‬
‫)إسرائيل( مثلما حدث في موقع آخر تمكن فيه سياح )إسرائيليون( بالتقاط ذبذبة أحد الجهزة‬
‫العسكرية الدقيقة‪.‬‬

‫بصورة عامة بنى المحامون دفاعهم على ثلثة محاور ‪:‬‬

‫‪ – 1‬الطعن في سلمة الجراءات ‪ ..‬إجراءات التحقيق الذي تم مع المتهم دون حضور محاما ‪..‬‬
‫وإجراءات الطب الشرعي التي تمت في )إسرائيل( ل في مصر ‪ ..‬وتضارب أقوال الشهود ‪..‬‬
‫وعدما سلمة المعاينة بسبب رفع الشرطة للطلقات والجثث قبل وصول النيابة ‪ ...‬وعدما صلحية‬
‫القضاء العسكري لنظر الدعوى‪ ،‬وعدما صلحية مواد التجريم والعقاب في القاناون الذي تأخذ به‬
‫المحكمة لمخالفة الدستور والشريعة السلمية ‪ ..‬وبطلن قرار رئيس الجمهورية بإحالة‬
‫الدعوى إلى القضاء العسكري لستناده إلى ناصوص قواناين غير دستورية ‪ ..‬وفيما بعد ردت‬
‫المحكمة على كل هذه الدفوع الجرائية في حيثيات الحكم‪ ،‬ولم تأخذ بها!‬

‫‪ – 2‬التركيز على أن سليمان خاطر كان يؤدي واجبه ‪ ..‬وعدما توافر القصد الجنائي في‬
‫تصرفه ‪ ..‬واعتبار ما فعله – في أسوأ الظروف – من قبيل القتل الخطأ ‪ ..‬وقد حاول المحامون‬
‫في هذا المحور إعطاء القضية بعدا سياسيا وأمنيا ‪ ..‬لكن ‪ ..‬من الواضح أن المحكمة كانات‬
‫تحاصر هذا البعد ‪ ..‬وفعلت المستحيل لحصر الدعوى في حجمها القاناوناي‪ ،‬والجنائي فقط‪.‬‬

‫وفيما بعد‪ ،‬أصرت المحكمة في حيثيات الحكم‪ ،‬على أن القتل كان عمدا‪ ،‬ومع سبق الصرار‬
‫والترصد ‪ ..‬ورفضت أن تعتبر الرصاصات الولى التي أطلقها سليمان خاطر رصاصات تحذير‪،‬‬
‫وقالت إن ناتيجة هذه الرصاصات كانات قتيل‪ ،‬ومع ذلك واصل سليمان خاطر‪ ،‬إطلق‬
‫الرصاصات ‪ ،‬ولو كان يريد التحذير لما واصل إطلق الرصاص‪ ،‬ولما واصل القتل ‪ ..‬وهذا يعني‬
‫أن المحكمة لم تأخذ بما جاء في تقرير الطب النفسي لسليمان خاطر من أناه يخشى رؤية الدما‪،‬‬
‫وأن الدماء تؤثر على حالته وتصرفاته‪.‬‬

‫‪ – 3‬محاولة إثبات أن )السرائيليين( الذين صعدوا إلى موقع سليمان خاطر الممنوع الصعود‬
‫إليه‪ ،‬كان من الممكن أن يكون لهم غرض آخر غير السياحة ‪ ..‬وهو التجسس ‪ ..‬وأشار‬
‫المحامون هنا إلى دور المستشار السياسي للسفارة )السرائيلية( "نامرود" الذي كان موجودا‬
‫في موقع الحادث‪ ،‬وقبل وقوعه ‪ ..‬وأشاروا إلى الكاميرا التي كان يحملها أولئك‬
‫)السرائيليون( ‪ ...‬وأشاروا إلى وقائع تجسس مشابهة وقعت في ناقاط عسكرية أخرى في‬
‫سيناء‪.‬‬

‫لكن ‪ ..‬المحكمة لم تأخذ بهذا الدفع‪ ،‬واعتبرته خروجا عن القضية‪ ،‬ووصفت القتلى بأناهم كاناوا‬
‫من المدنايين العزل ومن النساء والطفال‪.‬‬

‫وقد حاول المحامون – قدر استطاعتهم – مد فترة المحاكمة ‪ ..‬لكنهم فشلوا‪.‬‬

‫وفي الساعة الثامنة والنصف من صباح السبت ‪ 28‬ديسمبر ‪ 1985‬كانات جلسة النطق بالحكم ‪..‬‬
‫وكان الحكم ‪ ..‬الشغال الشاقة المؤبدة لمدة ربع قرن من الزمان‪.‬‬

‫وقد ناطقت المحكمة بالحكم في حضور ‪ 30‬من أقارب سليمان خاطر وعدد من المحامين الذين‬
‫تولوا الدفاع عنه ‪ ..‬ولم تستمر الجلسة أكثر من ‪ 10‬دقائق‪.‬‬

‫ويقول شهود العيان‪ :‬إن سليمان خاطر قد استقبل حكم المؤبد بالستياء البالغ ولكن بصمود‬
‫ملحوظ‪ ،‬بينما أصيب زملؤه بحالة من الذهول‪ ،‬وبعد ثوان من الصمت قال سليمان خاطر‪" :‬إن‬
‫هذا الحكم هو حكم ضد مصر لناه جندي مصري أدى واجبه" ‪ ..‬وقال إناه كان يتوقع أن يمنح‬
‫وساما أو أن يحصل على ترقية ل أن يحبس لمدة ‪ 25‬سنة‪.‬‬

‫والتفت سليمان إلى الجنود الذين يحرسوناه وقال‪" :‬اذهبوا واحرسوا سيناء ‪ ..‬سليمان مش‬
‫عايز حراسة"‪.‬‬

‫وارتفع صوته بالهتاف‪" :‬يعيش شعب مصر ‪ ..‬يعيش شعب مصر"‪.‬‬


‫ويقول شهود العيان أيضا‪ :‬إن سليمان كرر – مرة أخرى – توجيه التهامات الصادرة منه من‬
‫قبل لعدد من رؤسائه الضباط في سيناء بالتعامل "المريب" مع )إسرائيل(‪.‬‬

‫الستياء الشديد كان رد فعل هيئة الدفاع عن سليمان خاطر بعد إعلن هذا الحكم عليه ‪ ..‬وهو‬
‫رد فعل متوقع بالطبع ‪...‬‬

‫قال عبد الحليم رمضان – المحامي‪ :‬إن الحكم لم يصدر ضد سليمان ولكنه صدر بإداناة شعب‬
‫مصر‪ ،‬وهو يلزما مصر بدين جديد يضاف إلى ديوناها السابقة يتمثل في التعويضات التي ستدفع‬
‫لسر القتلى )السرائيليين(‪.‬‬

‫وقال شوقي خالد – المحامي‪ :‬إن الحكم قد قيد حق أي جندي مصري على الحدود في استعمال‬
‫سلحه لمقاومة أي اعتداء أو تسلل )إسرائيلي( للمواقع العسكرية )المصرية( فضل عن أناه‬
‫تضمن سابقة خطيرة وهي التسليم بالتقارير الطبية )غير المصرية( التي تم تحريرها في‬
‫)إسرائيل( لجثث القتلى‪ ،‬رغم أن ذلك يتنافى مع قاناون العقوبات المصري‪ ،‬ومبدأ السيادة‬
‫القليمية‪.‬‬

‫أما كمال خالد المحامي ‪ :‬فقد اعتبر هذا الحكم بمثابة الكارثة لناه دعوة للجنود المصريين‬
‫بالسكوت على اقتحاما )إسرائيل( للمواقع العسكرية المصرية حتى ل ينالوا جزاء سليمان خاطر‪.‬‬

‫وفي اليوما التالي لصدور حكم المحكمة العسكرية العليا‪ ،‬تقدمت هيئة الدفاع عن سليمان خاطر‬
‫بطلب جديد للمحكمة الدارية العليا للطعن في قرار رئيس الجمهورية بمحاكمة سليمان خاطر‬
‫أماما القضاء العسكري وذلك بعد أن رفضت هذه المحكمة من قبل طلبا سابقا بوقف تنفيذ هذا‬
‫القرار الجمهوري‪.‬‬

‫وفي نافس اليوما قال راديو لندن‪ :‬إن الحكم كان صدمة لرجل الشارع في مصر‪.‬‬

‫وفي )إسرائيل( تضاربت ردود الفعل الولى ‪ ...‬فقد أعرب "موسى ساسون" سفير )إسرائيل(‬
‫في القاهرة عن ثقته التامة في القضاء المصري ‪ ..‬وقال‪ :‬إن هذه الثقة تأكدت بعد صدور‬
‫الحكم ‪ ..‬وأضاف في تصريح له أذاعه راديو )إسرائيل(‪ :‬إن حكومته تنتظر أن تقوما السلطات‬
‫المصرية بتقديم تقرير كامل "بشأن الحداث المأساوية التي وقعت في رأس بركة"‪" ،‬كما‬
‫أعرب عن ارتياحه لن الصحف القومية المصرية بدأت مؤخرا في ناشر الحقيقة بخصوص‬
‫الحادث"‪ .‬وكان موسى ساسون يقصد الحملة الصحفية المضادة للمعارضة والتي قاما بها‬
‫رؤساء تحرير "الجمهورية" و "أخبار اليوما" و "المصور" وشارك فيها "موسى صبري"‬
‫والتي وصفت فيها سليمان خاطر بأناه بطل "وهمي" صنعته المعارضة ‪ ...‬ووصفته بأناه "قاتل‬
‫الطفال والنساء"‪.‬‬

‫في )إسرائيل ( أيضا اعتبر أهل القتلى السبعة الحكم بالشغال الشاقة المؤبدة على سليمان خاطر‬
‫حكما مخففا‪ ،‬ووصفوا الحكم بأناه حكم هزلي وهزيل!‬

‫وفي الكويت طالب مجلس المة الكويتي الحكومة المصرية بإطلق سراح سليمان خاطر ‪..‬‬
‫واعتبر إداناة سليمان "هدية" قيمة قدمتها الحكومة المصرية )لسرائيل( في ناهاية العاما ‪ ..‬أو‬
‫بمناسبة رأس السنة الجديدة!‬
‫وقد اعتبرت الحكومة المصرية هذا الطلب بمثابة تدخل في شئوناها الداخلية‪ ،‬وحرضت صحفها‬
‫على الهجوما على من طالب بذلك ‪ ..‬وصادرت الصحف الكويتية التي علقت على الحكم ‪ ..‬أو‬
‫التي أشارت لطلب مجلس المة الكويتي!‬

‫على أن ذلك كله‪ ،‬لم يمنع عددا كبيرا من المصريين من اعتبار عدما إعداما سليمان خاطر –‬
‫مهما كان حكم السجن عليه – هو حكم مريح ‪ ..‬على أمل أن يعامل في سجنه معاملة حسنة‪،‬‬
‫وعلى أمل أن يخرج من سجنه مع أول أزمة بين مصر )وإسرائيل( إذا لم يتدخل رئيس‬
‫الجمهورية بتخفيف هذا الحكم ‪ ...‬وفيما بعد ‪ ..‬ثبت أن أصحاب هذا المل كاناوا يجرون وراء‬
‫سراب!‬

‫بعد يومين من الحكم ‪ ..‬قالت صحيفة مايو الناطقة بلسان الحزب الوطني الحاكم‪ :‬إن أسرة‬
‫سليمان خاطر قد تقبلت الحكم بسكون ليماناها "بنزاهة وعدالة القضاء المصري" ‪ ..‬وأضافت‬
‫الصحيفة‪ :‬إن السرة اعترفت بذلك لوفد من الحزب الوطني‪ ،‬التقى بها‪ ،‬بأما سليمان خاطر على‬
‫وجه الخصوص بعد إعلن الحكم‪.‬‬

‫لكن ‪ ..‬أسرة سليمان خاطر سارعت بتكذيب هذا الكلما في بيان مكتوب بخط اليد‪ ،‬وقعه عبد‬
‫الحميد‪ ،‬وعبد المنعم خاطر‪ ،‬وبصمت عليه أمهما ‪...‬‬

‫وقال البيان‪" :‬ناحن الموقعين أدنااه‪ ،‬أسرة سليمان خاطر‪ ،‬ناكذب بوضوح قطعي هذا الكلما‬
‫العاري من الحقيقة وناؤكد أن هذا الحكم القاسي قد صدمنا صدمة بالغة وغير متوقعة‪ ،‬وقد‬
‫عبرناا عن استيائنا من الحكم في يوما صدوره بقاعة المحكمة العسكرية أماما هيئة المحكمة‬
‫والجنود والضباط‪ ،‬وإنانا ناقول للصحف القومية‪ ،‬ولصحيفة مايو‪ :‬اتقوا ا فيما ناحن فيه وكفى‬
‫تزويرا للحقائق‪ ،‬وهل من المعقول أن ناتقبل حكما بالمؤبد على ابننا الذي لم يرتكب ذنابا بل كان‬
‫يؤدي واجبه العسكري المكلف به من قبل قادته"‪.‬‬

‫وكانات أسرة سليمان خاطر قد عبرت – بالفعل – بعد إعلن الحكم على ابنها‪ ،‬عن رفضها لهذا‬
‫الحكم‪ ،‬وقد وصفته بأناه "حكم ظالم"‪.‬‬

‫وقد بقيت السرة كلها إلى جوار ابنها‪ ،‬خارج القفص حتى طلبوا منها الخروج من قاعة‬
‫المحكمة ‪ ...‬وقبل أن يخرج أفرادها سألوا‪ :‬إلى أين سيذهب سليمان الن؟‬

‫فقيل لهم‪ :‬إلى السجن‪.‬‬

‫فسألوا‪ :‬أي سجن؟‬

‫فقيل لهم‪ :‬ا أعلم‪.‬‬

‫على البوابة الخارجية لقاعة المحكمة جلس أهل سليمان في سيارات "أجرة" كاناوا قد‬
‫استأجروها‪ ،‬في اناتظار موكب ترحيل ابنهم إلى السجن الذي ل يعرفوناه ‪ ..‬وظلوا على هذا‬
‫الحال حتى هبط الظلما ‪ ...‬ثم فوجئوا بخروج سليمان في سيارة عسكرية وهو محاط برتب‬
‫كبيرة من العسكريين‪ ،‬وأماما السيارة التي حملته‪ ،‬وخلفها‪ ،‬كانات سيارتان للحراسة ‪ ...‬تحملن‬
‫الجنود المسلحين ‪ ..‬وقد سارت أسرة سليمان بسيارات الجرة التي تحمل أفرادها وراء هذا‬
‫"الموكب" في أكثر من طريق فرعي‪ ،‬غير مطروق‪ ،‬من السويس إلى القاهرة ‪ ..‬حتى وصلوا‬
‫جميعا بعد منتصف الليل إلى السجن الحربي الرئيسي بمدينة "ناصر"‪.‬‬
‫وعندما اقتربوا من موقع السجن الحربي ‪ ...‬تساءل أحد أقارب سليمان‪ :‬هل سيدخلوناه السجن‬
‫الن أما سينتظرون حتى الصباح؟‬

‫وبدا السؤال للبعض غريبا ‪ ..‬لكنه في الحقيقة لم يكن كذلك ‪ ...‬فالمعروف أن السجن الحربي‬
‫يغلق أبوابه عند المغرب ‪ ..‬والمعروف أن غلق السجن وفتحه يتم يوميا بمحضر ‪ ...‬والمعروف‬
‫أن السجن ل يستقبل أي مسجون جديد بعد هذا الموعد ‪ ..‬وخاصة أناه ليداع مسجون جديد‬
‫بعض الطقوس والجراءات الضرورية التي تفرض إجراء الكشف الطبي عليه وتحديد حالته‬
‫الصحية والجسدية قبل استلمه‪.‬‬

‫لم ينتظر حراس سليمان خاطر حتى الصباح ودخلوا بوابة السجن الحربي التي فتحت لهم‪ ،‬بعد‬
‫صدور تعليمات بذلك وبعد إعلن حالة الطوارئ في السجن لستلمه في هذا الوقت المن ‪..‬‬
‫بالتحديد‪.‬‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬قال أهل سليمان خاطر ‪ :‬إناهم اناتظروا أماما بوابة السجن الخارجية حتى الصباح ‪..‬‬
‫وفي الصباح طلبوا من قائد السجن زيارة ابنهم ‪ ..‬لكن قائد السجن أناكر أن ابنهم عنده ‪..‬‬
‫وعندما حكوا له ما جرى ليلة أمس‪ ،‬اعترف بوجود سليمان خاطر في سجنه‪ ،‬وسمح لهم –‬
‫وديا – بزيارته ‪ ..‬وقال لهم‪ :‬ل تتعبوا أنافسكم ‪ ..‬إنانا سوف نارسل لكم تصاريح الزيارة إلى‬
‫محافظة الشرقية ‪ ،‬وسيتولى أحد موظفي المحافظة توصيلها لكم في "أكياد" ‪ ..‬وفيما بعد تحقق‬
‫ما وعد به قائد السجن فعل!‬

‫ل تسمح المحاكمات العسكرية باستئناف أحكامها ‪ ..‬ول الطعن فيها ‪ ...‬وكل ما تسمح به أن‬
‫يقدما المحكوما عليه التماسا إلى رئيس الجمهورية )بصفته الضابط المصدق على الحكاما‬
‫العسكرية( أو من ينوب عنه ‪ ..‬وذلك خلل أسبوعين من إعلن الحكم ‪ ...‬ول يعد الحكم ناهائيا‬
‫إل بعد التصديق عليه‪.‬‬

‫وقد قرر المحامون الذين يدافعون عن سليمان خاطر أن يقوموا معا بإعداد اللتماس اللزما‬
‫لرئيس الجمهورية‪ ،‬وذلك بعد أن اتفقوا معا على أن يكون الطلب المحدد في اللتماس هو إعادة‬
‫المحاكمة من جديد ‪ ..‬أو في أسوأ الحوال تخفيف الحكم إلى أقصى حد ممكن ‪ ..‬إلى حد‬
‫البراءة ‪...‬‬

‫وفي نافس الوقت قرر عدد كبير من السياسيين والشخصيات العامة في مصر‪ ،‬وفي خارجها‪،‬‬
‫التدخل لدى رئيس الجمهورية للغاء الحكم ‪ ..‬أو لتخفيفه ‪ ..‬وكان مقررا أن تبدأ هذه المساعي‪،‬‬
‫فور الناتهاء من إجازات رأس السنة الجديدة ‪..‬‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬قال سليمان خاطر إناه يتوقع عفوا من الرئيس حسني مبارك ‪ ..‬أو في أسوأ الحوال‬
‫يتوقع تخفيف الحكم إلى ‪ 3‬سنوات‪.‬‬

‫وكان هذا التفاؤل وراء تهدئة سليمان لمه ‪ ..‬ومحاولته لقناعها بأن المستقبل سيكون لصالحه‬
‫‪..‬‬

‫فقد قال سليمان لمه‪ :‬لماذا أنات حزينة يا أمي ‪ ..‬إناني أتوقع أن ل تزيد فترة سجني على ‪3‬‬
‫سنوات ‪ ..‬واعتبريني في الكويت مثل أخي عبد المنعم ‪ ..‬أو اعتبريني ل أزال في الخدمة‬
‫العسكرية ‪ ..‬أو اعتبريني أدرس بعيدا عنك في جامعة القاهرة!‬
‫إن ناسمات التفاؤل قد هبت ‪ ..‬بعد صدمة المؤبد – على كل أطراف القضية ‪ ..‬الدفاع ‪ ..‬الرأي‬
‫العاما ‪ ..‬رجال السياسة ‪ ..‬سليمان خاطر نافسه ‪ ..‬وأخيرا أسرته ‪ ..‬وراحت هذه النسمات تمنحهم‬
‫جميعا جوا من الناتعاش ‪ ..‬وجعلتهم يحلمون أحلما اليقظة ‪ ..‬وجعلتهم يستغرقون في هذه‬
‫الحلما الوردية ‪ ..‬وقد ظلوا على هذا الحال حوالي أسبوع ‪..‬‬

‫وفي اليوما الثامن ‪ ..‬كانات الصدمة الكبرى ‪..‬‬

‫مات سليمان خاطر ‪ ..‬مات في مستشفى السجن الحربي ‪...‬‬

‫وقالت الحكومة إناه اناتحر!‬

‫وقالت المعارضة إناه قتل!‬

‫وعاد الناس ينشغلون بقضية سليمان خاطر من جديد ‪ ..‬وراحوا يحاولون حل أصعب ألغازها‬
‫وأعقدها ‪..‬‬

‫'هل اناتحر؟ أما ناحر؟ !'‬

‫'هل اناتحر؟ أما قتل؟ !'  ‬


‫آخر ربع ساعة!‬
‫  بدأ هذا الفصل "المثير" من قصة "سليمان خاطر" بعد ظهر الثلثاء ‪ 7‬يناير ‪ .1986‬ففي‬
‫ناشرة أخبار الساعة الثاناية والنصف أذاع راديو القاهرة أن سليمان خاطر اناتحر!‬

‫جاء هذا الخبر بعد حوالي ‪ 9‬أياما من إيداعه السجن الحربي – الرئيسي بمدينة "ناصر"‬
‫ب]]القاهرة‬

‫وكان ناص البيان الرسمي الصادر عن إدارة "السجن الحربي" كالتالي‪:‬‬

‫"في حوالي الساعة العاشرة من صباح الثلثاء الموافق ‪ 7‬يناير ‪ 1986‬وأثناء المرور اليومي‬
‫للحراس على الرقيب المسجون سليمان محمد عبد الرحمن خاطر المحكوما عليه في القضية‬
‫رقم ‪ 85 /143‬جنايات عسكرية – السويس والمحبوس بمستشفى السجن الحربي للعلج من‬
‫مرض البلهارسيا وجد معلقا من رقبته بمشمع الفراش الخاص به بالقضبان الحديدية بشباك‬
‫غرفته بالمستشفى فأبلغ الحارس طبيب المستشفى فورا الذي قاما بفك رقبته والكشف عليه‬
‫وإجراء عملية التنفس الصناعي له وتدليك عضلة القلب إل أناه كان قد فارق الحياة وفور‬
‫البلغا بالحادث اناتقل إلى مقر السجن المدعي العاما العسكري وناائبه ورئيس النيابة المختص‬
‫حيث باشرت النيابة العسكرية التحقيق على الفور‪ ،‬وقررت نادب كبير الطباء الشرعيين‬
‫بمصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل وذلك لتشريح الجثة"‪.‬‬

‫في صباح اليوما التالي ناشرت الصحف "الثلث" البيان تحت عنوان‪" :‬اناتحار سليمان خاطر‬
‫في مستشفى السجن الحربي" ‪" ..‬تقرير الطباء الشرعيين‪ :‬الوفاة بسبب إسفكسيا الخنق" !‬

‫وكان غريبا أن تقرر هذه الصحف أن سليمان خاطر اناتحر قبل أن ينقل إلى "المشرحة" ‪ ..‬وأن‬
‫تنشر على لسان الطباء الشرعيين أن الوفاة بسبب إسفكسيا الشنق قبل أن ينتهوا من تشريح‬
‫الجثة!‬

‫وكان هذا المر – مع مفاجأة خبر وبيان الناتحار – كفيل بأن يتهم الناس الحكومة بما هو أبعد‬
‫من الناتحار ‪ ..‬وأن يقولوا‪ :‬إن على رأسها "بطحة" تحسس عليها ‪ ..‬وإن سليمان خاطر قتل‬
‫في السجن الحربي‪ ،‬ولم ينتحر!‬

‫وكشفت الشكوك الواسعة‪ ،‬والتي بدأت عقب إذاعة البيان الرسمي‪ ،‬وزادت فيما بعد‪ ،‬من مسافة‬
‫"عدما التصديق" الشاسعة التي تفصل بين الناس والحكومة ‪ ..‬ذلك أن هذه الشكوك كانات‬
‫سريعة جدا ‪ ..‬ومنتشرة جدا ‪ ..‬وجاءت كرد فعل تلقائي بعد البيان ‪ ..‬ودون اناتظار لي أخبار‬
‫إضافية ‪ ...‬وزاد من هذه الشكوك ما فعلته الحكومة نافسها في هذا الحادث المؤسف!‬

‫ففي اليوما التالي للحادث أسرعت صحيفة الهراما وناشرت تحقيقا صحفيا‪ ،‬حاولت فيه – من‬
‫خلل علماء النفس – أن تثبت أن اناتحار سليمان خاطر أمر مفروغا منه ‪ ..‬لناه – على حد‬
‫قولها – مريض بالكتئاب المزمن ‪ ..‬ويعاناي من الشعور بالذناب ‪ ..‬ومن الفصاما العقلي ‪ ..‬إلخ‬
‫هذه الوصاف التي يبرع في استخدامها الطباء النفسيون ‪ ..‬وكان هذا التحليل مخالفا للنتيجة‬
‫التي توصل إليها فريق الطباء النفسيين الذين فحصوا سليمان خاطر من قبل‪ ،‬وتوصلوا إلى‬
‫أناه سليم ومسئول عن تصرفاته ‪ ..‬ول يعاناي من خلل أو صرع أو جنون ‪..‬‬
‫أي أن الطب النفسي الذي لم يبرئ سليمان خاطر من حادث قتل )السرائيليين( عاد ليورطه في‬
‫حادث اناتحاره!‬

‫وبعد يومين من الحادث نافى المشير عبد الحليم أبو غزالة "اغتيال" سليمان خاطر واكتفى بأن‬
‫يقول‪" :‬إن هذا غير صحيح ‪ ..‬وعلى المتشكك أن يسأل القضاء" ‪ ..‬وعندما لجأت أسرة سليمان‬
‫خاطر إلى القضاء وقفت لها الحكومة بالمرصاد‪.‬‬

‫وفي ذلك الوقت أيضا صادرت وزارة العلما كل الصحف العربية التي وضعت احتمال أن يكون‬
‫سليمان خاطر قد قتل ‪ ..‬وراحت "تشوشر" على الذاعات غير المصرية‪ ،‬الناطقة باللغة‬
‫العربية‪.‬‬

‫ولم تعلق وزارة الخارجية على بيان "إسحاق شامير" بعد الحادث‪ ،‬والذي قال فيه ‪ :‬إن وفاة‬
‫سليمان خاطر ‪ ،‬أزالت عقبة من ثلث عقبات كانات تقف في وجه العلقات )السرائيلية( ‪..‬‬
‫وأضاف‪ :‬إن العقبتين الخريين هما‪ :‬عودة السفير ومشكلة "طابا"‪.‬‬

‫وبعد يومين من الحادث – أيضا – ناشر ]]مكرما محمد أحمد[[ رئيس تحرير مجلة المصور‬
‫الحوار الخير مع سليمان خاطر في سجنه ‪ ..‬وحاول من خلل الصياغة اليحاء بأن سليمان‬
‫خاطر كانات تنتابه بعض حالت القلق والكتئاب المفاجئة المر الذي يسهل القتناع بأناه اناتحر!‬

‫وكان ]]مكرما محمد أحمد[[ – حسب روايته – قد اتصل تليفونايا بوزير الدفاع‪ ،‬المشير أبو‬
‫غزالة‪ ،‬ليسأله عن حقيقة ما ناشر في صحف الكويت‪ ،‬من أن "سليمان خاطر قد تم ناقله من‬
‫السجن إلى أحد المستشفيات العسكرية‪ ،‬في حالة بين الموت والحياة‪ ،‬لن السلطات المصرية‬
‫سمحت لفريق من مصوري التليفزيون )السرائيلي( أن يلقاه في سجنه‪ ،‬لكن أحد مصوري‬
‫الفريق‪ ،‬لم يستطع أن يكبح رغبته في الناتقاما من سليمان‪ ،‬فإذا به ينهال على رأسه بكاميرا‬
‫التليفزيون حتى شجبها وأصابه بنزيف حاد‪ ،‬ناقل على أثره إلى المستشفى‪.‬‬

‫وقال رئيس تحرير المصور‪ :‬إن المشير أبو غزالة أبدى دهشته من مثل هذا الكلما‪ ،‬ولم يماناع‬
‫في ترتيب زيارة لمقابلة سليمان خاطر في سجنه ‪..‬‬

‫وقد تمت هذه الزيارة بالفعل يوما الحد ‪ 5‬يناير قبل ‪ 48‬ساعة تقريبا من وفاة سليمان خاطر‪،‬‬
‫وهو اليوما الذي زارت فيه أسرة "خاطر" ابنها ‪ ..‬الزيارة الخيرة ‪...‬‬

‫ولم يقل ]]مكرما محمد أحمد [[ إن أسرة "خاطر" التي وصلت السجن الحربي وهو يجري‬
‫حديثه مع ابنها قد ثارت في وجهه بعد أن تعرفت عليه‪ ،‬واتهمت الصحف الرسمية بأوصاف‬
‫شتى أقلها "العمالة للحكومة" ‪ ..‬وعندما رأى سليمان ثورة أهله‪ ،‬حاول من جانابه خطف‬
‫شريط التسجيل من يده‪ ،‬لكنه فشل في ذلك رغم أن جهاز التسجيل الذي كان يستخدمه قد‬
‫اناكسر!‬

‫ولم يقل إناه أوقف طبع مجلته فور سماعه خبر وفاة سليمان خاطر‪ ،‬بعد أن طبع منها ‪ 6‬آلف‬
‫ناسخة ‪ ..‬ولم يقل إناه قاما بتغيير الغلف الذي كان يحمل صورة سليمان خاطر مع أمه‪ ،‬واكتفى‬
‫بوضع عنوان يحمل‪" :‬اللقاء الخيرة مع سليمان خاطر في سجنه"‪ ،‬ووضع صورة "توفيق‬
‫الحكيم " بمناسبة عرض مسرحية "إيزيس" على المسرح القومي بعد إعادة افتتاحه!‬
‫وقد ذكر بعض أفراد أسرة "خاطر"‪ :‬أن ما ناشره رئيس تحرير المصور غير صحيح ‪ ..‬ولم‬
‫يتضمن أهم ما جاء على لسان سليمان خاطر الذي هاجم شخصيات وصفها أقاربه بأناها‬
‫"كبيرة" و "مسئولة" ‪..‬‬

‫وعقب إجراء الحديث صرح ]]مكرما محمد أحمد[[ لحدى وكالت الناباء العالمية‪ :‬أن سليمان‬
‫خاطر كان في حالة طيبة‪ ،‬وأناه طلب منه أن يبلغ الرئيس مبارك رسالة تتضمن تخفيف الحكم‬
‫عليه إلى ‪ 3‬سنوات فقط‪ ،‬كما طلب من أسرته كتب الدراسة‪ ،‬وبدلة جديدة ‪..‬‬

‫لكن ‪ ..‬بعد خبر الوفاة تراجع عن هذا التصريح وأوحى في حواره الذي ناشره بعكس ذلك‪ ،‬وأكد‬
‫أن وجهه كان أحياناا "يتغضن بالتجاعيد وأسناناه تصطك في ألم مكبوت‪ ،‬ويكشف عن حسرة‬
‫الندما وسوء الطالع" !‬

‫إن الحقيقة تؤكد أن سليمان خاطر لم يكن لديه أي مبرر للناتحار ‪ ..‬فالحكم الصادر ضده )‪25‬‬
‫سنة أشغال شاقة( مع شدته – من وجهة ناظره على القل – لم يكن حكما بالعداما ‪ ..‬ولم يكن‬
‫حكما ناهائيا ‪ ..‬فرئيس الجمهورية والقائد العلى للقوات المسلحة لم يكن قد صدق عليه ‪...‬‬
‫واحتمالت تخفيف الحكم كانات كبيرة ‪ ..‬على القل عند سليمان خاطر ‪ ..‬الذي هون المر على‬
‫والدته في زيارة أسرته الخيرة له‪ ،‬وقال لها‪ :‬إناه لن يستمر في سجنه سوى عاما أو عامين‬
‫على الكثر ‪ ..‬وقال لوالدته أيضا‪ :‬اعتبريني مسافر مثل أخي عبد المنعم في الكويت ‪ ..‬أو‬
‫اعتبريني بأدرس في جامعة القاهرة بعيدا عنك ‪ ..‬أو اعتبريني لسه مخلصتش الجيش! !‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬قالت الما‪ :‬إناني عندما زرته في السجن آخر مرة‪ ،‬وضممته إلى صدري‪ ،‬عرفت‪،‬‬
‫بحق أن روحه المعنوية كانات عالية جدا ونافسيته كانات مرتاحة وعنده أمل كبير في صلح‬
‫الحوال والفراج عنه بسرعة ‪ ..‬وقد قال لي‪ :‬إن ا هو الذي فعل هذا يا أمي وأناا سعيد بما‬
‫فعله الناس من أجلي وأتمنى أن أرد لهم الجميل وأهب لهم باقي عمري وأكون محاميا أدافع‬
‫عن حقوقهم وحريتهم! !‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬قال عبد الحليم رمضان – المحامي‪ :‬لقد زاره أهله يوما الحد ‪ 5‬يناير‪ ،‬وظلوا معه‬
‫حتى الساعة الثالثة من بعد الظهر‪ ،‬واتصلوا بي وقالوا إن سليمان طلب عمل توكيل باسمي‬
‫وباسم ابنتي المحامية "منى" لنحضر عنه جميع قضاياه في عموما المحاكم بما فيها المحكمة‬
‫الدستورية العليا وأن ناسجل في التوكيل حقنا في النيابة عنه في رد ومخاصمة القضاء وفي‬
‫الحضور عنه في أي شكوى أو بلغا باسمه‪ ،‬كما طلب عمل توكيل آخر لوالدته ولخيه ليمثله‬
‫في الجمعية الزراعية في "أكياد" ليصرفوا عنه التقاوي والبذور وجميع مستلزمات الزراعة‬
‫الخاصة بقطعة الرض التي يمتلكها وأسرته ‪ ..‬ولو كان سليمان خاطر يفكر في الناتحار لما قاما‬
‫بعمل هذا التوكيل‪ ،‬لناه يعلم تماما بأن الوراثة تتحقق بالموت وأن الوارث ليس في حاجة لعمل‬
‫توكيل من الميت‪.‬‬

‫وطلب سليمان من أهله أيضا أن يحضروا له بذلة جديدة من قماش أزرق جيد‪ ،‬يفصلها له‬
‫ترزيه في أكياد‪ ،‬ليرتديها في السجن بدل من ملبس السجن التي ل يعجبه قماشها لناه رجل‬
‫يحب المحافظة على أنااقته حتى في داخل السجن‪ ،‬ومثل هذا الشخص ل يفكر بالطبع في‬
‫الناتحار‪.‬‬

‫وطلب سليمان أيضا من أهله أن يحضروا له كتب كلية الحقوق‪ ،‬ومعرفة المشطوب منها‪،‬‬
‫لمواصلة دراسته حتى يذاكر ويستعد للمتحان ‪ ..‬والشخص الذي يطلب هذا المطلب ل يفكر –‬
‫على الطلق – في الناتحار ‪..‬‬
‫وفيما بعد ‪ ..‬قال صبري عبد الحميد خاطر ‪ ..‬ابن عم سليمان‪ :‬عندما التقيت بسليمان خاطر في‬
‫السجن‪ ،‬قال لي‪ :‬معاملتهم لي حسنة جدا بدرجة تثير في نافسي الريبة وتقلقني ‪ ..‬وقد طلب مني‬
‫أن أحضر له كريم حلقة ومعجون أسنان وزجاجة كولونايا! !‬

‫إن كل الذين اقتربوا من سليمان في تلك اللحظات ل يقبلون بوجود مبرر واحد‪ ،‬ولو ضعيف‬
‫يدفعه للناتحار ‪ ..‬يضاف إلى ذلك أناه معروف عنه أناه إناسان متدين ‪ ..‬يعرف أن الناتحار ناوع‬
‫من الكفر يلقي بصاحبه في جهنم وبئس المصير ‪ ..‬وقد سجل رئيس تحرير المصور وهو يصف‬
‫زنازاناته في السجن وجود "كومودينو" بجوار السرير‪" ،‬يغطي سطحه صفحة جريدة يومية‬
‫وفوق الكومودينو ناسختان من القرآن" ‪..‬‬

‫وقد سجلت تحقيقات النيابة العسكرية استنكار سليمان للناتحار ‪...‬‬

‫ففي ص – ‪ 47‬من تلك التحقيقات سئل سليمان‪:‬‬

‫س‪ :‬هل سبق لحد من أسرتك أن توفي وفاة غير طبيعية ناتيجة اناتحار مثل‪ ،‬أو أصيب أي أحد‬
‫من أفراد أسرتك أو أنات بأي مرض نافسي أو عصبي وهل سبق علجك نافسيا أو عصبيا؟‬

‫فرد سليمان بسرعة ودون تردد‪:‬‬

‫ج‪ :‬ما حصلش والعياذ بال مفيش غير ابن عمي مات في حادثة عربية!‬

‫وفي نافس هذه التحقيقات عرفنا أن سليمان خاطر شخص مستقيم ‪ ..‬يصلي باناتظاما ‪ ..‬ويخشى‬
‫ا ‪ ..‬وأناه حسب شهادة الجندي "علي إبراهيم" في ص ‪ 57‬من التحقيقات – قد أصيب باناهيار‬
‫عصبي حاد بعد حادث إطلق النار على )السرائيليين( وأناه فكر في أن يطلق النار على‬
‫نافسه ‪ ...‬إل أناه تراجع عن هذه الفكرة على الفور بمجرد أن قال زميله له‪" :‬لن تموت نافسك يا‬
‫سليمان ‪ ..‬لو حتموت نافسك يبقى حراما"‪.‬‬

‫إن كلمة واحدة هي كلمة "حراما" جعلت سليمان يتراجع عن الناتحار في أصعب ظروف نافسية‬
‫مر بها‪ ،‬فهل يمكن أن ينتحر في تلك الظروف المريحة التي تحدث عنها كل الذين زاروه في‬
‫زنازاناته؟ ! ‪ ..‬كل الذين زاروه اعترفوا بأناه كان مستريحا ‪ ..‬حتى رئيس تحرير مجلة‬
‫"المصور" اعترف بذلك ‪..‬‬

‫وقال على لسان سليمان خاطر‪" :‬الجميع يعاملوناني معاملة طيبة‪ ،‬يتركوناني في غرفتي أصحو‬
‫في الوقت الذي أريد‪ ،‬أخرج بعض الفطار إلى فناء السجن‪ ،‬أجلس تحت الشمس أو في ظل‬
‫شجرة‪ ،‬أعود ظهرا إلى حجرتي لتناول الغداء‪ ،‬وأقرأ بعضا من آيات القرآن"‪.‬‬

‫وفي فترة "التمشية" في فناء السجن كان بعض المساجين يقتربون منه ويطلبون صداقته‬
‫ويعاملوناه كبطل‪ ،‬ويقدمون له أوراقا صغيرة ليوقع لهم عليها ‪ ..‬كنوع من العجاب به ‪ ..‬ول بد‬
‫أن هذا قد أبعده عن شبح الوحدة‪ ،‬والكتئاب الذي يمكن أن يدفعه للناتحار ‪..‬‬

‫"وفضل عن هذا فإن حركة التعاطف الجماهيرية المصرية والعربية التي أحاطت بسليمان قبل‬
‫المحاكمة وأثناءها وبعدها كانات من القوة بحيث تقلل من احتمالت إحساسه بالوحدة أو‬
‫بالحصار وبالتالي اليأس الدافع للناتحار‪ ،‬وهي حركة لم تكن قد خدمت بعد بل إن حركة أخرى‬
‫لمطالبة الرئيس مبارك بتخفيف الحكم عند التصديق عليه كانات قد بدأت بالفعل"‪.‬‬
‫في تماما الساعة الواحدة بعد ظهر يوما ‪ 7‬يناير ‪ ..‬يوما الحادث‪ ،‬استجابت أسرة سليمان خاطر‬
‫لكل مطالبه‪ ،‬وحملت إليه الكتب‪ ،‬والبدلة الزرقاء‪ ،‬وملبس داخلية جديدة‪ ،‬ومعجون الحلقة‪،‬‬
‫ومعجون السنان‪ ،‬وزجاجة الكولونايا‪ ،‬وذهبت إلى السجن الحربي ‪ ..‬وكان معها في ذلك الوقت‬
‫مأمور الشهر العقاري المختص‪ ،‬لعمل التوكيلت القاناوناية التي طلبها ‪ ..‬وكان معهم تصريح‬
‫المدعي العاما العسكري بزيارة ابنهم ‪ ..‬لكنهم فوجئوا بمدير السجن الحربي يعتذر لهم عن عدما‬
‫تنفيذ الزيارة بسبب وجود لجنة تفتيش على السجن‪ ،‬تحت إشراف المشير أبو غزالة‪ .. ،‬وكتب‬
‫لهم تصريح الزيارة بتأجيلها إلى موعد آخر لهذا السبب ‪ ..‬وصرفهم ‪ ...‬وفي نافس اليوما ‪..‬‬
‫فوجئ أفراد السرة بشخص مجهول يخطرهم تليفونايا باناتحار ابنهم في زنازاناته واكتشافه‬
‫مشنوقا‪ ،‬ومعلقا في ناافذة زنازاناته ‪ ..‬وجن الذين سمعوا الخبر من أفراد أسرته ‪ ...‬ولم يصدقوا‬
‫الخبر إل بعد أن اتصلوا بوكالة أناباء الشرق الوسط التي طيرت الخبر إلى أناحاء العالم‪.‬‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬أكد عم سليمان "عبده خاطر" هذه الرواية وأضاف عليها‪ :‬إن سليمان كانات له‬
‫أمنية طالما حدثني عنها ‪ ..‬كان يريد أن يرفع قضية ضد رئيس الجمهورية‪ ،‬وضد كل الذين‬
‫اتهموه بالجنون ‪ ..‬كان بوده أن يواجههم في ساحة القضاء لذلك هبنا إليه ومعنا موظفة في‬
‫الشهر العقاري يوما الثلثاء ‪ 7‬يناير ليوقع أمامها على توكيل لرفع هذه الدعوى‪ ،‬وغيرها!‬

‫في نافس اليوما ‪ ..‬وبعد أن تأكدت السرة من خبر وفاة ابنها‪ ،‬ذهب شقيقه الكبر عبد الحميد إلى‬
‫السجن الحربي مرة أخرى في الساعة الثالثة إل ربعا من بعد الظهر‪ ،‬وتوجه – كما قال لصحيفة‬
‫الشعب المعارضة – إلى الدارة للستفسار عن مكان الجثة ‪ ..‬وهناك وجد المشير أبو غزالة‬
‫ومجموعة من كبار الضباط وقد تراصوا "أمامي لتقديم العزاء‪ ،‬بعد أن أحضروا مقرئا لتلوة‬
‫القرآن الكريم"‪.‬‬

‫وحسب كلما نافس الصحيفة )عدد ‪ 14‬يناير ‪ (86‬والذي لم يكذب فيما بعد ‪ ..‬أن ضابطا اسمه‬
‫العميد "أحمد عبد الهادي" قال لعبد الحميد خاطر‪:‬‬

‫أخوك عملها فينا وشنق نافسه ‪ ..‬ا يسامحه‪.‬‬

‫كيف؟‬

‫خنق نافسه بمشمع!‬

‫لقد ربيت أخي جيدا وأعرف مدى إيماناه وتدينه ‪ ..‬إناه ل يمكن أن يكون قد شنق نافسه لقد قتلوه‬
‫في سجنه! القاتل يجب أن يقتل ‪ ..‬أناا كنت أمشي في الشارع مع ابني فصدمته سيارة ‪ ..‬ومات ‪..‬‬
‫وأناا ل أقبل أن يبقى قاتله حيا وأخوك قتل سبعة ‪...‬‬

‫أخي قتل أعداءه وأناتم حكمتم عليه بالسجن‪ ،‬ثم عدتم فقتلتموه!‬

‫في نافس اليوما ‪ ...‬وحسب الرواية الرسمية أن المدعي العاما العسكري قد اناتقل إلى مستشفى‬
‫السجن‪ ،‬وعاين الجثة‪ ،‬وطلب كبير الطباء الشرعيين الذين حضر ومعه ‪ 4‬أطباء عاينوا‬
‫الزنازاناة التي وقع بها الحادث‪ ،‬كما عاينوا الجثة وصحبوها إلى مشرحة "زينهم" لتشريحها‬
‫بناء على قرار المدعي العاما العسكري!‬

‫إن البيان الرسمي والرواية الرسمية ل يحملن أي تفاصيل ‪ ..‬كما أناهما يتمتعان بدرجة عالية‬
‫من الغموض! فالبيان الرسمي كما لحظت صحيفة الهالي )صلح عيسى – مصدر سبق‬
‫الشارة إليه( لم يذكر طبيعة المكان الذي كان سليمان قد ناقل إليه وقيل إناه اناتحر فيه‪ ،‬وهل هو‬
‫زنازاناة منفصلة تضمه وحده أما عنبر واسع يضمه مع غيره من المساجين؟ وهل كان مغلقا‬
‫عليه أما ل؟‬

‫كما لم يشر إلى سبب قوي يدعو لنقله إلى المستشفى‪ ،‬ذلك أن مرض البلهارسيا الذي برر به‬
‫البيان سبب النقل ليس من المراض التي يتطلب العلج منها إقامة في المستشفيات إذ يمكن‬
‫للمريض به أن يعالج منه وهو يمارس حياته العادية فضل عن أن سليمان – شأناه شأن كل‬
‫الجنود في الجيش والشرطة يخضع لفحوص طبية عند تجنيده‪ ،‬من بينها – تحديدا – الفحوص‬
‫المتعلقة بالصابة بالمراض المتوطنة في مصر‪ ،‬وعلى رأسها البلهارسيا التي يعالج منها كل‬
‫المصابين بها حتى التحاقهم بالجيش والشرطة لسباب علجية ووقائية وليس منطقيا أن يظل‬
‫سليمان مصابا بها وقد مضى على تجنيده أكثر من عامين!‬

‫وفضل عن ذلك‪ ،‬فإن إيداع سليمان خاطر أحد السجون الحربية‪ ،‬بدا أمرا داعيا للريبة‪ ،‬ذلك أن‬
‫المعتاد‪ ،‬أن يقيم المدنايون الذين يحاكمون أماما محاكم عسكرية أثناء المحاكمة أحياناا وعلى‬
‫سبيل القطع بعد صدور الحكم في السجون المدناية وليس في السجون الحربية‪.‬‬

‫ولحظ المرتابون أن البيان الرسمي حدد وقت العثور على الجثة بالساعة العاشرة صباحا بينما‬
‫أدلت مصادر أمنية أخرى بتصريحات للصحفيين الجاناب أذيعت في حينها بأن اكتشافها قد تم‬
‫في الساعة الثامنة صباحا وفضل عن التناقض في البياناات فإن الساعة التي أشار إليها البيان‬
‫الرسمي‪ ،‬قد دعتهم للشك إذ بدا من غير المنطقي أن يتأخر اكتشاف الجثة إلى هذه الساعة من‬
‫الضحى‪ ،‬بينما من المعروف أن السجون العسكرية كغيرها من السجون‪ ،‬تقوما بالتتميم على‬
‫نازلئها في مواعيد ثابتة ومحددة في لوائحها وذلك بإحصائهم قبل غلق الزناازين عليهم في‬
‫المساء وبعد فتحها عليهم في الصباح المبكر‪ ،‬والمعتاد أن يتم ذلك في الخامسة مساء‬
‫والسادسة صباحا فضل عن أن مواعيد تقديم وجبات الفطار في القوات المسلحة يكون عادة‬
‫في السابعة ‪...‬‬

‫فكيف ولماذا تأخر اكتشاف الجثة إلى تلك الساعة المتأخرة؟‬

‫ومتى يمكن أن يكون سليمان قد شنق نافسه إذا كانات الجثة قد اكتشفت في العاشرة صباحا؟‬

‫هل فعل ذلك ليل – وهو ما ذكرته مجلة المصور – حين لم يكن أحد من حراسه حوله أما فعله‬
‫في الصباح المبكر؟‬

‫وكيف حدث هذا في حين أن سليمان قال لسرته قبل ‪ 48‬ساعة من وفاته إن هناك أحد عشر‬
‫حارسا يقيمون معه في حجرته؟‬

‫وإذا كان قد حدث ليل ‪ ..‬فما هو مبرر قياما الطباء بإجراء تدليك للقلب عقب اكتشاف الجثة في‬
‫حين أناه يمكن لي طبيب مبتدئ أن يكتشف بالنظرة الولى أناه ل أمل في مثل هذه الحالت‬
‫يدعو للتدليك‪.‬‬

‫ويضيف هؤلء المرتابون‪ :‬إن تصميم السجون – حربية أما مدناية – وسواء كانات الزنازاناة‬
‫عادية أو زنازاناة مستشفى‪ ،‬يراعى دائما أن يكون ارتفاع السقف والنوافذ بحيث ل يتيح‬
‫للسجين الناتحار باعتباره من ردود الفعال المحتملة في الحكاما القاسية‪ ،‬فضل عن أن الوسيلة‬
‫التي ذكر البيان الرسمي أناها قد استخدمت في الشنق وهي طي مشمع الفراش بحيث يصبح‬
‫أشبه بالحبل الصالح للشنق بدا أمرا غير قابل للتحقيق‪.‬‬

‫ومما لفت ناظر هؤلء أن البيان الرسمي الذي ناسب عند صدوره إلى إدارة السجن الحربي لم‬
‫يشر صراحة أن هناك اناتحارا قد حدث ولكنه اكتفى بالقول بأناه قد عثر على سليمان مشنوقا‬
‫ومعلقا على شباك زنازاناته بالمستشفى بينما تولت هيئات رسمية أخرى – منها وكالة أناباء‬
‫الشرق الوسط الحكومية – تزويد وسائل العلما بالتفسير الذي صور الحادث على أناه اناتحار‪،‬‬
‫كما أن الخطاب الرسمي الذي وقعه المدعي العاما العسكري وأرسله مع الجثة عند ناقلها إلى‬
‫المشرحة‪ ،‬لم يشر إلى شيء أكثر من أن سليمان قد "توفي" !‬

‫"ولم تشر البياناات الرسمية التي أذيعت حتى الن‪ ،‬إلى طبيعة التحقيق الذي قيل إناه قد أجري‬
‫حول الحادث‪ ،‬ورغم حساسية القضية البالغة وعلى عكس تقاليد العلما المصري فإناه قد تجنب‬
‫تماما الخوض في أية تفاصيل‪ ،‬واقتصر النشر على بياناات رسمية متطابقة‪ ،‬وهو ما فسره‬
‫المرتابون بأناه تعتيم مقصود‪ ،‬يستهدف عدما تسرب أية تفاصيل على لسان الشهود بما يكشف‬
‫ما يراد إخفاؤه وكانات التفاصيل المتعددة والمتناقضة التي أذيعت عقب عملية اقتحاما الطائرة‬
‫المصرية في مطار فاليتا قد خضعت لتحليل ومقارناة‪ ،‬دعت إلى عدما القتناع بالتصوير الرسمي‬
‫للواقعة"‪.‬‬

‫هذا ‪ ..‬جزء مما لحظته صحيفة حزب التجمع المعارض في مصر ‪ ..‬وفي الحقيقة كانات هذه‬
‫الملحظات تجميعا منظما للملحظات التي سجلها كل من اعتبروا سليمان خاطر قد قتل ولم‬
‫ينتحر! وكان على رأس هؤلء المحامي عبد الحليم رمضان‪ ،‬الذي قال لوكالت الناباء العالمية‪:‬‬
‫إن سليمان خاطر ناحر ولم ينتحر!‬

‫وقال عبد الحليم رمضان‪:‬‬

‫‪ – 1‬إن سليمان خاطر لم يعان من أي مرض بدناي‪ ،‬بل كان معافى‪ ،‬ولو افترضنا أناه كان مريضا‬
‫بالبلهارسيا فإن هذا ل يستدعي عزله بمستشفى السجن!‬

‫‪ – 2‬إن الغرض من عزل سليمان خاطر بمستشفى السجن كان غرضا أمنيا‪ ،‬يهدف إلى الفصل‬
‫بينه وبين المساجين الخرين حتى ل يبوح لهم بما يعرفه من أسرار ل ينبغي إذاعتها‪ ،‬فتضار‬
‫السلطات ‪ ..‬لناه منذ اليوما الول للتحقيق معه حرصت هذه السلطات على عزله تماما حتى عن‬
‫الدفاع‪ ،‬الذي لم يبلغ بالحضور معه المحاكمة إل ليلتها‪.‬‬

‫‪ – 3‬إن من الصعب على سليمان الناتحار لناه يقيم في زنازاناته يشاركه فيها أحد عشر حارسا ل‬
‫يفارقوناه ليل أو ناهارا‪ ،‬كما أناهم ل يتركوناه بمفرده حتى وهو يقضي حاجته‪ ،‬ويقوما على خدمته‬
‫واحد من قوة الحراسة‪.‬‬

‫إن ناافذة الزنازاناة التي يقال أناه شنق نافسه بقضباناها تعلو عن الرض بثلثة أمتار‪ ،‬والنافذة‬
‫مغطاة من الداخل بشبكة من السلك المعدناي الذي ل يسمح بدخول أو خروج شيء عدا الهواء‪،‬‬
‫ول يمكن الوصول إلى القضبان الحديدية للشباك دون نازع السلك‪ ،‬وهذا بالطبع ل بد أن يثير‬
‫اناتباه الحراس‪.‬‬
‫وأضاف البعض لهذه الملحظات‪ ،‬ملحظة أخرى عن صعوبة الناتحار بالمشمع الذي جاء في‬
‫البيان الرسمي‪ ،‬حيث إن طوله وسمكه وطبيعته‪ ،‬ل تسمح بالناتحار على النحو الذي قيل إناه‬
‫حدث!‬

‫وفيما بعد ‪ ...‬حاولت مجلة المصور أن ترد على هذه الملحظات في تحقيق‪ ،‬ادعت أناه على‬
‫الطبيعة‪ ،‬داخل السجن الحربي ‪ ..‬فقالت‪ :‬إن مكان الحادث كان العنبر الرضي من مستشفى‬
‫السجن الحربي‪ ،‬وأن هذا المكان قد أخلي من النزلء‪ ،‬وخصصت حجرة من حجراته الثماناي‬
‫لسليمان خاطر ‪ ..‬وهذا العنبر عبارة عن أربع زنازاناات على اليمين ل تزيد مساحة الزنازاناة‬
‫على ستة أمتار مربعة ‪ ..‬في مواجهة هذه الزنازاناات الربع‪ ،‬أربع زنازاناات أخرى ودورة مياه ‪..‬‬
‫وليس في هذه الحجرات أي نازلء إل الحجرة المواجهة لزنازاناة سليمان خاطر‪ ،‬حيث يتواجد‬
‫أفراد حراسته ‪ ...‬ثلثة أفراد يرأسهم حكمدار حراسة برتبة رقيب ‪ ...‬وأفراد الحراسة هم كرما‬
‫وعبد ا ومحمد وحكمدارهم هو حامد ‪ ..‬وما بين صفي الزنازاناات يمينا ويسارا طرقة ل يزيد‬
‫عرضها على متر وناصف ‪ ...‬ويمتد طولها ثماناية أمتار‪ ،‬تنتهي بباب حديد مغلق وفي مواجهة‬
‫الباب الحديدي المغلق باب خشبي عند الطرف الخر من ناهاية الطرقة ‪ ..‬والباب الخشبي مغلق‬
‫بمزلج قوي وأقفال صلبة ‪ ...‬ولو كان هذا الوصف صحيحا فإن تحديد عدد الحراس بأربعة ل‬
‫يتفق مع العدد الذي ذكرته أسرة سليمان خاطر وهو ‪ 11‬حارسا!‬

‫وتضيف المجلة‪ :‬إن زنازاناة سليمان خاطر ل يميزها عن الزنازاناات الخرى سوى القفل‬
‫الحديدي الضخم على بابها‪ ،‬وفي الباب فرجة عليها قضبان حديدية‪ ،‬هي الفرجة التي يطل منها‬
‫حارسه عليه مرة كل ناصف ساعة ليطمئن على سليمان في سريره ‪ ..‬وليس في الزنازاناة سوى‬
‫شباك واحد‪ ،‬يعلو مسافة مترين وناصف المتر عن أرضة الغرفة ‪ ...‬ولو كان هذا الوصف‬
‫صحيحا فإناه ل بد من التساؤل عن صلحية المسافة بين النافذة وأرضية الحجرة للناتحار‪،‬‬
‫وخاصة أن طول سليمان حوالي ‪ 165‬سنتيمترا‪ ،‬ويضاف إلى هذا الطول الجزء المعلق من‬
‫المشمع بين القضبان ورقبته‪ ،‬المر الذي ل يعطي أي بعد بين قدمي سليمان والرض يوفر له‬
‫فرصة الناتحار ‪ ..‬وخاصة أن الزنازاناة تخلو من الكراسي‪ ،‬ومن الصعب استخداما السرير لهذا‬
‫الغرض ‪ ...‬وتشكك المجلة في وجود سلك على ناافذة الزنازاناة‪ ،‬وتقول‪ :‬إن من "الواضح أن‬
‫إدارة السجن كانات قد نازعت النوافذ الزجاجية للشباك وسدت الشباك من الخلف‪ ،‬أي من نااحية‬
‫الفناء الذي يطل عليه‪ ،‬بالخشب تاركة بين الخشب فرجة مستطيلة ل يزيد طولها على ناصف‬
‫متر ول يزيد ارتفاعها على ‪ 15‬سنتيمترا كي يتسلل منها بعض الضوء إلى داخل الزنازاناة" ‪..‬‬
‫أي أن النافذة لم يكن بها سلك وإناما زجاج ‪ ..‬وهو تصور غير طبيعي لن ناوافذ السجون ل‬
‫يمكن أن تغطي بزجاج‪ ،‬حتى ل يهشم‪ ،‬وتستخدما قطع منه في قطع شرايين اليد‪.‬‬

‫وقد لجأت المجلة – التي تعتمد أساسا على الصورة – إلى تخيل ما حدث ورسمته ‪ ..‬في حين‬
‫أناه كان من الممكن أن تصور لنا الزنازاناة والنافذة‪ ،‬وتترك لنا تخيل ما حدث ‪ ..‬أو على القل ‪..‬‬
‫كان عليها أن تقدما لنا هذه الصورة مع الرسومات التي تخيلتها!‬

‫ودون أن تقصد اعترفت المجلة في رواية الساعات الخيرة لسليمان خاطر أناه كان في حالة‬
‫نافسية ل يمكن أن تؤدي به إلى الناتحار ‪ ..‬فقد دق سليمان – حسب رواية "المصور" – باب‬
‫الزنازاناة في الساعة التاسعة صباحا ‪ ..‬ففتح حكمدار حراسته القفل‪ ،‬وخرج سليمان وفي يده‬
‫"بعض من ملبسه الداخلية وفوطة" ‪" ..‬قطع الطرقة عرضا إلى الحماما الذي يقع إلى جاناب‬
‫غرفة الحراس ‪ ..‬اغتسل ووضع ملبسه في وعاء من البلستيك ينقعها في مياه ممزوجة‬
‫بمسحوق الصابون" ‪ ..‬حتى هذه الساعة ‪ ..‬التي ناقع فيها ملبسه الداخلية تمهيدا لغلسها فيما‬
‫بعد ل يمكن أن يكون قد فكر في الناتحار بالطبع ‪ ..‬لناه بالطبع أيضا يعرف أن أحدا ل يحتاج‬
‫لثياب المنتحر الداخلية‪ ،‬حتى ولو كانات ناظيفة!‬

‫وتضيف "المجلة"‪ :‬وسأله الرقيب حامد وهو يغتسل ‪ ..‬هل نارسل في طلب الفطار؟ ‪ ..‬قال‪ :‬ناعم‬
‫‪ ..‬بعد عشر دقائق كان سليمان يفطر مع حراسه في غرفتهم ‪ ..‬أكلوا فول ومربى وزيتوناا‬
‫وشربوا الشاي ‪...‬‬

‫استمر الفطار حتى العاشرة إل ربعا ‪ ..‬فطلب سليمان أن يدخل زنازاناته ليستريح قليل ‪ ..‬فتح‬
‫حراسته الباب ودخل وأغلقوه عليه ‪...‬‬

‫وواضح حتى الن وقبل ربع ساعة فقط من اكتشاف اناتحاره أناه كان طبيعيا ‪ ..‬يأكل الفول‬
‫والزيتون والمربى‪ ،‬ويشرب – مع حراسه – الشاي ‪ ..‬ل كان ساهما ‪ ..‬ول كان شاردا ‪ ..‬ل كان‬
‫مكتئبا ول كان عازفا عن الطعاما ‪ ..‬أكثر من ذلك تحدد مجلة المصور هذه المدة في ‪ 10‬دقائق‬
‫فقط ‪ ..‬فقد قال حراسه لحكمدار المستشفى الرقيب "بدر" في تماما الساعة العاشرة إن سليمان‬
‫تناول إفطاره قبل "عشر دقائق" ودخل ليستريح ‪" ..‬وأطل الرقيب بدر على سليمان من كوة‬
‫الباب ولكنه لم يجده على سريره ‪ ..‬أخرج مفتاح القفل قلقا من جيبه ليفتح باب الزنازاناة )لحظ‬
‫هنا أن المفتاح حسب رواية المجلة مع حراسه وليس معه( وعندما فتح الباب وجد سليمان‬
‫معلقا إلى شباك الزنازاناة تكاد أقدامه تصل إلى أرض الحجرة لول أناه كان مثني الساقين عند‬
‫الركبتين" ‪...‬‬

‫ماذا جرى لسليمان خاطر داخل زنازاناته في تلك الدقائق العشر الخيرة؟‬

‫ما الذي أصابه فجأة وجعله يقرر فجأة أن ينتحر؟‬

‫وكيف فكر ونافذ هذا الناتحار الصعب في تلك الدقائق القليلة؟‬

‫إن مجلة المصور لم تقدما إجابة على هذه السئلة الصعبة والهامة في نافس الوقت ‪ ..‬ومما ل‬
‫شك فيه أن عدما تطوعها للجابة على هذه السئلة يجعل من رابع المستحيلت قبول روايتها ‪...‬‬
‫ومن الطبيعي بعد ذلك أن ناعتبرها رواية "مفبركة"‪.‬‬

‫لقد حاولت المجلة الحكومية أن ترد على ما وجه للرواية الرسمية من ناقد ‪ ..‬ففشلت ‪..‬‬

‫أرادت أن تكحلها ‪ ..‬فأعمتها ‪  ..‬‬


‫الجثة أماما القضاء!‬
‫  في تماما الساعة الثالثة من بعد ظهر يوما الحادث‪ ،‬فتح جنود الحراسة بوابة السجن الحربي‬
‫الرئيسية‪ ،‬وسمحوا لسيارة بيضاء اللون ‪ ..‬تشبه سيارات السعاف الخاصة بالخروج من‬
‫السجن ‪ ..‬كانات هذه السيارة تتبع إدارة الطب الشرعي ‪ ..‬وكانات هذه السيارة تحمل جثمان‬
‫سليمان خاطر ‪ ..‬وكان إلى جوار الجثة عدة أحراز منها "حلة أرز مطبوخ وبطة محمرة" ‪..‬‬
‫كانات جزءا من الطعاما الذي أحضرته لسليمان أسرته في الزيارة الخيرة ‪ ..‬وكان عبارة عن‬
‫"عشرة كيلو جرامات من البرتقال‪ ،‬وكيلو جراما من الشاي‪ ،‬وخمسة كيلو جرامات من الموز‬
‫وكيس به بعض أكياس اللبن" ‪" ..‬وبطتين وعدد من أزواج الحماما وأرز في الفرن" ‪ ..‬ومع‬
‫هذا الحرز كان حرز آخر عبارة عن "ترموس بلستيك أيضا خال" ‪...‬‬

‫كان أماما السيارة التي تحمل جثمان سليمان وخلفها عدد من سيارات الشرطة التي تحمل رتبا‬
‫مختلفة كان بينها لواء ‪ ..‬وكانات هذه الرتب ترفع أجهزة التصال في يدها وتبلغ عن كل ما تراه‬
‫وما يحدث لها بدقة متناهية ‪..‬‬

‫وعندما أغلق الحراس بوابة السجن أجهش بعضهم بالبكاء وأحس البعض الخر بالحزن‬
‫والكتئاب ‪ ..‬ولم يجد أحدا منهم في نافسه أي رغبة في تناول الطعاما ‪ ..‬مثلهم مثل عدد كبير من‬
‫المساجين داخل زنازاناات السجن الذين رفضوا تناول الطعاما حزناا على وفاة سليمان خاطر ‪..‬‬

‫لقد دخلت سيارة الطب الشرعي قبل حوالي الساعة ‪ ..‬ودخل معها عدد آخر من السيارات‬
‫الملكي التي كانات تحمل كبير الطباء الشرعيين‪ ،‬الدكتور إبراهيم سليم‪ ،‬وناائبه الدكتور محمد‬
‫العراقي‪ ،‬ومساعده الدكتور علي أحمد خير ‪ ..‬جاء هؤلء من مكاتبهم إلى السجن الحربي‪ ،‬بعد‬
‫أن وردت إليهم إشارة في الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر‪ ،‬من نايابة شرق القاهرة‬
‫العسكرية تفيد بوفاة سليمان خاطر ‪ ..‬وطلبت منه النيابة العسكرية في ناهاية الشارة الناتقال‬
‫إلى محل الواقعة لمعاينة وتشريح الجثة لبيان ما بها من إصابات‪ ،‬وسببها وتاريخ حدوثها‪،‬‬
‫وسبب الوفاة‪.‬‬

‫وبعد ساعة من تلقي الشارة حدثت المعاينة ‪ ..‬وبعد ناصف ساعة آخر‪ ،‬خرجت السيارة تحمل‬
‫جثمان سليمان خاطر إلى مشرحة "زينهم" التي تقع في حي من القاهرة الفقيرة ‪..‬‬

‫وكان واضحا من موكب سيارات الشرطة التي تسبق وتلحق بالسيارة أن هناك إجراءات أمن‬
‫مشددة قد اتخذت ‪ ..‬وتأكد ذلك أيضا عندما وصل الموكب إلى منطقة "زينهم" ‪ ..‬فقد سدت‬
‫مداخل الشوارع الرئيسية بقوات المن المركزي ‪ ..‬واناتشر عدد كبير من هذه القوات فوق تل‬
‫"زينهم" ‪ ..‬ووقفت ‪ 8‬سيارات شرطة صغيرة ‪ ..‬واناتشر عدد كبير من المجندين السريين ‪..‬‬
‫وحوصرت المنطقة بأكملها‪ ،‬ومنع سكاناها الذين يصل عددهم إلى حوالي ‪ 15‬ألف ناسمة من‬
‫القتراب من مبنى المشرحة أو حتى الفرجة عليها من ناوافذ المباناي المجاورة أو التي تطل‬
‫عليها ‪ ...‬أوقف السائق )واسمه سيد( السيارة ونازل منها شقيق سليمان الكبر عبد الحميد‪،‬‬
‫وناقلت الجثة إلى إحدى غرف المشرحة وهي غرفة مساحتها ‪ 3‬ما × ‪ 3‬ما‪ ،‬بها جهاز تكييف و‬
‫"ترابيزة" من الرخاما )‪ 2‬ما × ‪ 1.5‬ما( وقد وضعت الجثة على "الترابيزة" وبدأ تشريحها في‬
‫الساعة الرابعة والنصف عصرا ‪ ..‬واستمرت عملية التشريح ‪ 3‬ساعات ‪ ..‬فأخذت عينات من‬
‫الحشاء‪ ،‬كما أخذت قلمات الظافر ‪ ..‬ثم سمح لحاناوتي المشرحة "أحمد محمد يوسف" بغسل‬
‫الجثة ‪...‬‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬سمح لشقاء سليمان وأقاربه وبعض الشخصيات السياسية برؤية الجثة ‪ ...‬كان‬
‫من هؤلء عبد المنعم وعبد الحميد خاطر والمهندس إبراهيم شكري )رئيس حزب العمل(‬
‫وأحمد مجاهد )محاما وعضو مجلس الشعب عن حزب العمل( ود‪ .‬عبد المنعم عبد الهادي‪،‬‬
‫وحسين عمار‪ ،‬ود‪ .‬مجدي زعبل‪ ،‬وهم من أقارب سليمان ‪..‬‬

‫وقال إبراهيم شكري‪:‬‬

‫إن هناك شكا في طريقة موت سليمان خاطر‪ ،‬إناني بعدما رأيت الجثمان بالصورة التي كان‬
‫عليها‪ ،‬أقرر أن الناتحار بطريقة الشنق ليست الصورة الوحيدة المحتملة لوفاته!‬

‫وقال أحمد مجاهد‪:‬‬

‫إن المنظر العاما للجثة ل يقطع بأن سليمان اناتحر ‪ ..‬ومن الممكن بسهولة وضع احتمالت أخرى‬
‫إلى جاناب ذلك! !‬

‫وقال د‪ .‬مجدي زعبل – عضو مجلس إدارة المنظمة العربية لحقوق الناسان‪:‬‬

‫إناه قتل ولم ينتحر والدليل على ذلك وجود آثار خنق بآلة تشبه السلك الرفيع على الرقبة تركت‬
‫احمرارا حولها ‪ ..‬ووجود خدوش "سجمات" في الجهة اليمنى للرقبة يبدو أناها ناتجت من آثار‬
‫مقاومة سليمان خاطر ‪ ..‬ووجود كدمات بالجهة العليا من الساق اليمنى تشبه آثار "جرجرة"‬
‫أو ضرب ‪ ..‬ووجود تجمعات دموية في عينيه وهو ما يتعارض مع الشنق ‪ ..‬فالتجمع الدموي‬
‫في حالة الشنق يكون في الجزاء السفلى من الجسم ‪ ..‬التي تبدو زرقاء ‪ ..‬وفي حالة وجودها‬
‫في العين فمعناه أن الخنق تم وهو ملقى على ظهره ‪ ..‬وهناك أيضا تقلصات في ساقيه ويديه ‪..‬‬
‫ومعنى ذلك أناه كان يقاوما قاتليه ‪ ..‬إذا كان قد شنق نافسه في شباك غرفته كما قيل لكان من‬
‫الواجب أن يكون جسمه مرتخيا تماما‪ ،‬ومتمددا‪ ،‬كما يحدث في عمليات الشنق عادة ‪ ..‬لكن ذلك‬
‫لم يحدث‪.‬‬

‫وقال حسين عمار‪:‬‬

‫حين دخلنا كانات الجثة مغطاة بالصابون‪ ،‬وكان حاناوتي المشرحة يقوما بغسلها فأخذت منه‬
‫"خرطوما" المياه وأزلت الصابون من عليها ‪ ..‬لحظنا جميعا أن جسم سليمان ليس مستقيما‬
‫وأن قدميه وذراعيه في حالة تقوس وكان الجسم متيبسا تماما‪ ،‬حتى أنانا لم ناستطع فرده‪ ،‬كما‬
‫كانات أصابع القداما متشنجة ومتصلبة وكانات أعضاؤه التناسلية مغطاة بقطعة كبيرة من القطن‪،‬‬
‫وفي الرقبة آثار "خربشة" وفوق عظمة الحوض من الجهة اليمنى‪ ،‬وعلى البطن ثلثة جروح‬
‫طولها ما بين ‪ 3‬و ‪ 5‬سم‪ ،‬والعينان مفتوحتان‪ ،‬وفي بياضها آثار تجمعات دموية وحاولنا‬
‫إغلقها فلم ناستطع‪.‬‬

‫والغريب أن الفم كان مغلقا والفكان ملتصقين بشدة ولذلك لم ناستطع فتحهما لرؤية اللسان الذي‬
‫كان بالداخل‪ ،‬وفي أعلى الفخذ اليمنى كان هناك جرح صغير‪ ،‬أما الغرب من ذلك كله‪ ،‬فهو أن‬
‫الرقبة كان بها "حز" دائري ويشبه الطوق‪ ،‬ل يتعدى سمكه ‪ 3‬ملليمتر‪ ،‬وفي مستوى واحد من‬
‫الماما والخلف ويوجد أسفل الحنجرة‪ ،‬فضل عن أنانا لم ناجد كسرا بعظمة الرقبة أو في أي‬
‫عظمة بالعمود الفقري ‪ ..‬وفي الجهة اليمنى من البطن‪ ،‬في منطقة الزائدة الدودية توجد ثلثة‬
‫جروح ليس بها آثار دما أو احمرار‪ ،‬وأتوقع أناها نااتجة من مشارط الطبيب الشرعي لخذ عينات‬
‫من المعاء وقد حدثت بعد الوفاة على عكس الجرح الول‪ ،‬ويوجد جرح آخر قطعي أعلى الفخذ‬
‫اليمنى من الخارج طوله ‪ 3‬سم وهو أعمق قليل من جرح الرقبة ومحمر قليل‪.‬‬

‫وقال د‪ .‬عبد المنعم عبد الهادي‪:‬‬

‫إن جرحى الرقبة والفخذ حدثا أثناء الوفاة أو قبلها بقليل‪ ،‬ويرجح أن يكوناا قد حدثا أثناء الوفاة‪،‬‬
‫وخاصة أن وضع الجسم واليدين والساقين كان متقوسا‪ ،‬مما يعني أناه كان ناائما أو في حالة‬
‫مقاومة‪ ،‬وهذا ينفي واقعة التعلق وبالتالي الشنق سواء كان سليمان هو الذي شنق نافسه أو‬
‫شنقه غيره‪ ،‬كما أن "سمك الحز" في الرقبة ينفي قطعا القول بأناه شنق نافسه بمشمع السرير‪،‬‬
‫سواء كان هو الذي شنق نافسه أو شنقه غيره أيضا!‬

‫وفي اليوما التالي ‪ ...‬أرسل فريق الطب الشرعي عينات الحشاء التي أخذت من الجثة‪ ،‬وكذا‬
‫بقايا الطعاما والترموس إلى المعامل الكيماوية لمصلحة الطب الشرعي لفحصها والبحث عن‬
‫وجود مواد مخدرة أو مهدئات أو منومات أو مواد سامة أو مبيدات حشرية فيها ‪ ..‬وبعد ‪ 4‬أياما‬
‫قال الدكتور سليم‪ :‬إن ناتيجة التحاليل جاءت خالية من هذه الثار‪.‬‬

‫وفي يوما ‪ 13‬يناير‪ ،‬قال الدكتور إبراهيم سليم‪ :‬إن الوفاة حدثت ناتيجة اسفكسيا الشنق ‪ ..‬وإناه ل‬
‫توجد أي شبهة جنائية في الحادث ‪ ...‬لكنه بدل من أن يحسم الموضوع‪ ،‬ضاعف من علمات‬
‫الستفهاما‪ ،‬ومن الشكوك حوله ‪...‬‬

‫فقد كذب أن الشنق تم بمشمع وإناما بقطعة قماش من الذي يستعمل في ملبس الصاعقة ‪ ...‬كان‬
‫يستخدمه سليمان في الصلة! !‬

‫إن البيان الرسمي ذكر أن الناتحار تم بمشمع الفراش‪ ،‬ثم قالت مجلة المصور‪ :‬ل ‪ ..‬الناتحار تم‬
‫بملءة السرير ‪ ...‬وها هو كبير الطباء الشرعيين يؤكد أن الناتحار تم بقطعة قماش من الذي‬
‫تستعمله الصاعقة! !‬

‫وتضاربت القوال في طول هذا القماش أو المشمع ‪ ..‬فمجلة "المصور" توحي بصغر حجمه‪،‬‬
‫لناه يوضع ما بين ملة السرير والفراش ‪" ..‬حتى ل تصل الرطوبة إليه" ‪ ...‬والمعروف أن‬
‫طول السرير ل يزيد على المترين‪ ،‬وعرضه ل يزيد على المتر كثيرا ‪ ..‬كما أن استخدامه في‬
‫الصلة يؤكد هذا اليحاء ‪ ..‬والطب الشرعي يقول‪ :‬إن مساحة هذه القطعة من القماش متران‬
‫في مترين و ‪ 90‬سنتيمترا ‪..‬‬

‫ورغم إجماع شهود العيان على المظاهر السابقة )التي رصدنااها( للجثة‪ ،‬فإن الطب الشرعي‬
‫أصر على الناتحار‪ ،‬وأصر على عدما وجود مقاومة وأن الجثة خالية من وجود أي أثر لصابات‬
‫أو جروح )فيما عدا حز حول العنق( أو ما يشير إلى حدوث عنف جنائي ‪...‬‬

‫وكان هذا التناقض بين أقوال شهود العيان وأقوال فريق الطب الشرعي سببا وجيها لناهيال‬
‫السئلة من الصحفيين على الطباء الشرعيين ‪..‬‬

‫كانات السئلة مثيرة ‪ ..‬وكانات الجابة غريبة ‪ ..‬وكان الحوار كله دعوة للتأمل ‪..‬‬

‫س‪ :‬الحز في الرقبة بسمك القلم الجاف ‪ ..‬هل للمشمع أن يحدث مثل هذا الحز؟‬
‫ج‪ :‬ناعم‪ ،‬حدث اناخساف ناتيجة ضغط القماش الملتوي بسمك ‪ 4‬ينتهي بـ ‪ 3‬سم عند الفكين‪ ،‬أما‬
‫الحز الرفيع فهو نااتج من طيات المشمع البارز‪.‬‬

‫س‪ :‬ولماذا لم يتدل اللسان كما يحدث عادة في مثل هذه الحالت؟‬

‫ج‪ :‬في حالت التعليق من الخلف تحدث السفكسيا بدون خروج اللسان!‬

‫س‪ :‬ليس في البيان الذي أعلنتموه أية إشارة إلى كون المحرزات التي سلمتها النيابة إليكم قد‬
‫تضمنت أدوية ‪ ..‬لماذا؟ ‪ ..‬ومم كان يعالج سليمان؟ وهل كشف تحليل المعاء عما أعطى له من‬
‫أدوية؟‬

‫ج‪ :‬في التحليل كنا قد ركزناا فقط على الكشف عن وجود آثار لية سموما أو منومات أو مواد‬
‫مخدرة‪.‬‬

‫س‪ :‬كم يستغرق الموت بهذه الطريقة وهل كان بوسعه أن ينقذ نافسه أو يستنجد؟‬

‫ج‪ :‬تكفي ثوان فقط لحدوث الغماء والموت‪ ،‬ويتعذر أن يتراجع من قرر الناتحار ومضى في‬
‫التنفيذ بهذا الشكل‪.‬‬

‫س‪ :‬وهل كانات هناك ضرورة والحال كذلك لجراء تدليك للقلب من قبل طبيب السجن الحربي‬
‫كما جاء في البيان الرسمي؟ !‬

‫ج‪ :‬لناه لما دخل وجد الجثة ساخنة فظن أناه ل زال على قيد الحياة‪.‬‬

‫س‪ :‬هل يختلف الشنق عن الخنق وفيم؟‬

‫ج‪ :‬في الخنق يكون الحز في الرقبة مستعرضا وكامل‪ ،‬وتكون هناك آثار مقاومة بالضرورة‪.‬‬

‫س‪ :‬بعض من رأوه من أهله وجدوا الجثة متصلبة واليدين مقبوضتين بعكس ما هو شائع في‬
‫حالت الشنق؟‬

‫ج‪ :‬التصلب‪ ،‬أو التيبس الرمي‪ ،‬يبدأ بعد ساعتين في عضلت الوجه أول ثم يعم الجسم تدريجيا‬
‫بعد ذلك وعندما اناتقلنا إلى الجثة كان التيبس في الفك فقط مما يدل على أناه لم يمض أكثر من‬
‫ساعتين على الوفاة‪.‬‬

‫س‪ :‬هل هناك أناواع من السموما أو المخدرات يمكن أل تظهر من خلل تشريح عينات المعاء؟‬

‫ج‪ :‬لقد مسحنا في تشريحنا كل المخدرات والمهدئات والسموما المعروفة‪.‬‬

‫س‪ :‬هل وجدتم كسورا في فقرات الرقبة؟‬

‫ج‪ :‬كسر الفقرات ل يوجد إل في الشنق القضائي )في تنفيذ أحكاما العداما(‪.‬‬

‫س‪ :‬ولماذا لم يسمح لوفد من ناقابة الطباء بالمشاركة في التشريح؟‬


‫ج‪ :‬ليس ذلك اختصاصهم‪ ،‬وحتى أساتذة أقساما التشريح في كليات الطب ل يلمون بالجواناب‬
‫العملية لهذا العمل‪.‬‬

‫س‪ :‬أعلن أن منظمة العفو الدولية ستوفد طبيبين لعادة التشريح هل تقبلون؟ وإلى أي مدى‬
‫زمني تبقى الجثة صالحة لجراء عمليات الفحص والتشريح عليها؟‬

‫ج‪ :‬قبول أطباء المنظمة أمر يخص سلطة النيابة العسكرية‪ ،‬أما عن مدى صلحية الجثة‬
‫للتشريح فيتوقف على ناوع المقبرة التي دفنت فيها‪.‬‬

‫س‪ :‬هل هناك اختلف في مناهج التشريح دوليا بمعنى أن الطب الشرعي المغربي أثبت في‬
‫تشريح جثة سميرة مليان بعض ما يخالف تقريركم؟‬

‫ج‪ :‬ليس هناك اختلفات في المناهج‪ ،‬وما أثبته الطب المغربي قريب لما أثبتناه‪ ،‬بل وكنا طالبنا‬
‫بأن ناذهب إليهم هناك لتحمل المسئولية فرفضوا‪.‬‬

‫س‪ :‬في هذا المكان الفقير‪ ،‬مصلحة الطب الشرعي‪ ،‬أل يحول ناقص المكانايات أحياناا دون دقة‬
‫التشريح؟‬

‫ج‪ :‬ناحن هنا ناعمل‪ ،‬لو جاز التعبير‪ ،‬كصنايعية خان الخليلي‪ ،‬بالعين واليد والخبرة‪ ،‬ولنا مكاناتنا‪.‬‬

‫س‪ :‬عرفنا أطوال المشمع وسليمان وارتفاع الشباك‪ ،‬لكن كم كانات المسافة بين سليمان وبين‬
‫الرض في تصوركم؟‬

‫ج‪ :‬حدوث الوفاة بالشنق ل يستدعي حتى أن تكون الجثة معلقة تعليقا كامل‪ ،‬فقد يعلق نافسه في‬
‫"الخية" ويثني ركبتيه‪ ،‬أو يعلق نافسه في شباك ويرمي نافسه في اتجاه معاكس‪.‬‬

‫س‪ :‬حالة التيار الكهربائي في الغرفة؟‬

‫ج‪ :‬كانات الفيشات منزوعة وليس في الحجرة تيار كهربائي‪ ،‬ثم إن الصعق بالتيار يحدث تجلطا‬
‫في الدما بعكس الشنق‪.‬‬

‫ومما ل شك فيه أن الرأي العاما المصري ل يشعر بالطمئنان تجاه هذه التقارير‪ ،‬خاصة في‬
‫القضايا الهامة ‪ ..‬والقضايا ذات الطابع السياسي ‪...‬‬

‫إن السئلة التي وجهت لهذا الفريق‪ ،‬على هذا النحو ل تخلو من الشك في إمكاناية التلعب في‬
‫التقارير التي يقدمها الشرعي‪ ،‬خاصة بعد الضجة التي ثارت حوله بعد فضيحة سميرة مليان‬
‫)اناظر الهامش رقم ‪ (6‬التي أشار الصحفيون إليها في أسئلتهم ‪..‬‬

‫ومما ل شك فيه أن شكوك الرأي العاما المصري حول اناتحار سليمان خاطر لم تحسمها الجابات‬
‫المبهمة‪ ،‬وغير الواضحة‪ ،‬والسريعة التي قدمها الطب الشرعي‪.‬‬

‫إن هذه الشكوك بدت أكبر من قدرة الطباء الشرعيين ‪ ..‬ومن بياناهم المحدود ‪ ..‬وإجاباتهم‬
‫المتعجلة! وزاد من هذه الشكوك ما حدث للجثة بعد ذلك أماما القضاء!‬

‫بدأ النزاع القاناوناي حول جثة سليمان خاطر في اليوما التالي للحادث ‪...‬‬
‫قال التقرير المبدئي لكبير الطباء الشرعيين ‪ :‬إن سليمان خاطر اناتحر باسفكسيا الشنق‪،‬‬
‫فسارع ‪ 19‬محاميا من مختلف التجاهات السياسية والحزبية ‪ ..‬بعضهم كان من هيئة الدفاع‬
‫عن سليمان خاطر أماما المحكمة العسكرية العليا ‪ ..‬سارعوا برفع دعوى إثبات حالة مستعجلة‬
‫لعادة تشريح الجثة ‪ ..‬وكان من بين أولئك المحامين‪ :‬عبد الحليم رمضان‪ ،‬وأحمد مجاهد‪،‬‬
‫و]]محمد عبد السلما الزيات[[‪ ،‬ومحمد فهيم‪ ،‬ونابيل الهللي‪ ،‬وأحمد نااصر‪ ،‬وكمال خالد‪،‬‬
‫وشوقي خالد‪ ،‬ومحمد حسن المهدي‪ ،‬وعبد الحليم مندور‪ ،‬وعبد ا الزغبي‪ ،‬ونابيل متولي‪،‬‬
‫وعبد العزيز الشرقاوي‪ ،‬ومحمد أبو الفضل الجيزاوي‪ ،‬وسعيد الشعبيني وعطية سليمان ‪...‬‬
‫وكان مع أولئك المحامين أفراد من عائلة سليمان خاطر‪ ،‬على رأسهم عبد الحميد‪ ،‬وعبد المنعم‬
‫خاطر‪.‬‬

‫كانات الدعوى موجهة ضد كل من‪:‬‬

‫‪ – 1‬رئيس الجمهورية‪ ،‬القائد العلى للقوات المسلحة‪ ،‬ورئيس السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫‪ – 2‬وزير الدفاع‪ ،‬القائد العاما للقوات المسلحة‪ ،‬والرئيس العلى للقضاء العسكري وإدارة‬
‫المدعي العاما العسكري والنيابة العسكرية والسجون العسكرية‪.‬‬

‫‪ – 3‬وزير الداخلية‪ ،‬الرئيس العلى لهيئة الشرطة وقوات المن المركزي‪.‬‬

‫‪ – 4‬النائب العاما‪.‬‬

‫ولخصت عريضة الدعوى ما جرى لسليمان خاطر منذ دخوله السجن الحربي حتى البيان‬
‫الرسمي الذي أعلن اناتحاره ‪...‬‬

‫وأضافت العريضة‪:‬‬

‫إن أسرة الفقيد طلبت تسليمها جثته بعد توقيع الكشف الظاهري عليها‪ ،‬وبعد إثبات ملحظاتهم‬
‫على ما تكشف لهم وجوده في الجثة من إصابات وجراح أو علمات تفيد في الكشف عن حقيقة‬
‫الحادث لعلمهم المؤكد باستحالة مقارفة الشهيد لجريمة اناتحار يرفضها دينه الذي يتمسك به‪،‬‬
‫ول يبرر مقارفته لها أي مبرر‪ ،‬لسعادته المتناهية فيما أداه من واجب لوطنه‪ ،‬وعدما مبالته‬
‫بعقوبة المؤبد‪ ،‬وإعداده لخوض معركة امتحاناه في كلية الحقوق ‪ ...‬لكن ‪ ..‬لم يرد أي مسئول‬
‫على طلب السرة‪ ،‬فسعت بكل أفرادها وراء جثة قتيلها التي صادفتها في مشرحة زينهم‬
‫وصممت على مناظرتها واستلمها بعد إثبات ملحظتهم فيها ‪ ...‬وتبينت السرة أن قتيلها ل‬
‫تنبئ ظواهر حالة مقارفة اناتحار‪ ،‬وكذبت جثته ادعاء وفاته مشنوقا بعدما تدلي لساناه من فمه‬
‫ووجود الفم مطبقا ولساناه في وضعه الطبيعي خلف السنان‪ ،‬ووجد أن كدما رفيعا يحيط رقبته‬
‫من آثار لفها بسلك معدناي‪ ،‬يكذب ادعاء اناتحاره بشنقه بملءة سرير من المشمع على ناحو ما‬
‫زعم بيان الحادث‪ ،‬ووجدت السرة أن أظفاره زرقاء تكشف عن قتله بمادة من السميات قبل لف‬
‫رقبته بدائرة السلك المعدناي مما أكد لديهم قتله وعدما اناتحاره ‪...‬‬

‫"وحيث استعمل المعلن إليهم )رئيس الجمهورية ووزير الدفاع ووزير الداخلية والنائب العاما(‬
‫كبير الطباء الشرعيين في وزارة العدل لعداد تقرير طبي عاجل عن أسباب الوفاة‪ ،‬فأصدر لهم‬
‫تقريرا يدين قتيل العائلة بالناتحار‪ ،‬وبادروا بإعلن ناتيجة هذا التقرير الذي ل يتفق مع الواقع‬
‫والحقيقة مما برر لنا وللسرة تبليغ النائب العاما بطلب التحقيق في تزوير محضر معاينة الجثة‬
‫وإغفال ماديات حالها وإسقاطها‪ ،‬لترتيب النتيجة المزورة عليها‪ ،‬وتوقفت السرة عن دفن‬
‫الجثة بعد استلمها اناتظارا لتعيين لجنة طبية محايدة ل تخضع لهوى السلطة ول تغريها مطامع‬
‫دنايا لديها‪ ،‬فأمر النائب العاما المساعد بالتحقيق وعرض ناتيجة التحقيق عليه للتصرف فيها‪ ،‬ثم‬
‫اناصرف سيادته من مكتبه وأمر بعرض الوراق عليه في صباح اليوما التالي الموافق ‪/1 /9‬‬
‫‪ 1986‬مما اضطر أسرة القتيل إلى إيداعه في لحده في حراسة من أهله‪ ،‬وليفزعوا إلى القضاء‪،‬‬
‫حصن العدالة‪ ،‬وأمان الحقوق ليقرر لهم – في قضاء مستعجل – نادب أساتذة التشريح في‬
‫جامعات القاهرة‪ ،‬وعين شمس والزهر لمعاينة الجثة‪ ،‬وإثبات حالتها الظاهرية وأخذ العينات‬
‫اللزمة منها للتحاليل والكشوف الطبية‪ ،‬والفنية التي تكشف عن حقيقة الحادث إن كان من‬
‫القتل أو الناتحار‪ ،‬وليحدد وقت وساعة وتاريخ حصوله والدوات المستعملة فيه‪ ،‬ومعاينة مكان‬
‫حصوله وبيان إن كان من الممكن حصوله في الصورة التي ادعتها بياناات الحكومة عنه من‬
‫عدمه‪ ،‬وعلى وجه العموما اتخاذ جميع الجراءات التي تفصل فيما يتنازع أهل القتيل والحكومة‬
‫بشأن حقيقة الحادث الذي ل يجوز أن يترك أمر تقرير الرأي فيه للحكومة ولمن فيها من الذين‬
‫تحيط بهم أساور المسئوليات الجنائية والمدناية عن الحادث‪ ،‬وجميع آثاره‪ ،‬ويلزمهم القاناون‬
‫تعويض أسرة القتيل عن جميع أضراره‪ ،‬سواء وقع الحادث قتل أما اناتحارا‪ ،‬لناهم مدينون في‬
‫الحالين بجميع ناوعيات المسئولية لتفريطهم في توفير جميع وسائل أمن وحماية سجينهم في‬
‫سجنهم وتسهيل قتله أو اناتحاره"‪.‬‬

‫وفي يوما الخميس ‪ 9‬يناير ‪ 1986‬حكمت محكمة المور المستعجلة برئاسة القاضي "أسامة‬
‫الشناوي " بسرعة نادب الساتذة رؤساء أقساما التشريح بكليات طب كل من جامعة القاهرة )د‪.‬‬
‫فخري إسكندر( وعين شمس )د‪ .‬يحيى أحمد يوسف( والزهر )د‪ .‬محمد أحمد ناور الدين(‬
‫لمعاينة الجثة مقابل ‪ 300‬جنيه أتعاب لهم‪ ،‬على أن يقدموا تقريرهم قبل ‪ 30‬يناير ‪.1986‬‬

‫وقالت المحكمة في أسباب هذا الحكم‪ :‬إن هذا الجراء مقصود منه منع ضرر محقق قد يتعذر‬
‫تلفيه مستقبل وذلك بإثبات حق يحتمل ضياعه إذا ترك وشأناه ‪ ..‬إن الحالة المراد إثباتها )جثة(‬
‫من الحالت القابلة للتغيير السريع والتلف وضياع المعالم بمرور الوقت‪ ،‬كما يصح أن تكون‬
‫موضوع تداع أماما محكمة أخرى‪ ،‬وإن المقصود منه هو تهيئة دليل عاجل لنزاع آجل ومن ثم‬
‫يتعين القضاء بإثبات الحالة على الوجه المبين بالمنطوق!‬

‫على الفور سارعت المحكمة )ممثلة في إدارة القضايا الخاصة بها( بتقديم استشكال في الحكم‬
‫تمهيدا للستئناف ‪ ..‬وتقرر ناظر الستشكال يوما الول من فبراير ‪ ،1986‬إل أن محامي أسرة‬
‫"خاطر" طالبوا بتقديم الجلسة‪ ،‬حتى ل تتلف الجثة وتضيع معالمها ‪ ...‬ووفق على ذلك ‪..‬‬
‫وتقدما موعد الجلسة إلى ‪ 13‬يناير ‪ ...‬وفي هذه الجلسة بلغ عدد محامي الحكومة ‪ 25‬محاميا‪،‬‬
‫كان على رأسهم ناائب رئيس إدارة قضايا الحكومة ‪ ..‬وحضر الجلسة مع الجاناب الخر ‪300‬‬
‫محاما أثبتوا حضورهم عن أصحاب الدعوى ‪ ..‬ودار بين الطرفين أغرب جدل قاناوناي شهدته‬
‫محاكم مصر ‪...‬‬

‫الحكومة‪ :‬نابادر إلى إيضاح أن الحكم الصادر بإعادة تشريح الجثة يعد باطل بطلناا يصل إلى حد‬
‫الناعداما‪ ،‬لن الحكومة لم تعلن أصل بصحيفة افتتاح الدعوى ومن ثم فإن الخصومة لم تعقد‬
‫ويكون الحكم على هذا النحو قد صدر في غير رخصة!‬

‫أسرة خاطر‪ :‬العلن تم للسيد رئيس نايابة قصر النيل شخصيا!‬

‫الحكومة‪ :‬إناه لم يتسلم الوراق للعلن وإناما أفاد بضرورة عرض المر على السيد رئيس‬
‫الدائرة المختصة!‬
‫أسرة خاطر‪ :‬إن العلن قد وصل إليه‪ ،‬وهذا يكفي‪.‬‬

‫الحكومة‪ :‬إن الحكم صدر بندب السادة رؤساء أقساما التشريح بكليات طب كل من القاهرة وعين‬
‫شمس والزهر لداء مهمة التشريح ‪ ..‬وناحن ناقرر أن القياما بهذه المأمورية ل يدخل في‬
‫اختصاص أقساما التشريح وإناما هو داخل في اختصاص أساتذة الطب الشرعي بالكليات‪.‬‬

‫أسرة خاطر‪ :‬إن نادب رؤساء أقساما التشريح ل يعني عدما إمكاناية الستعاناة بأي خبرات أخرى‪،‬‬
‫وإناما يعني أناهم مسئولون عن التقرير النهائي المطلوب منهم‪.‬‬

‫'الحكومة‪ :‬لقد ناظرت الدعوى السابقة على هذا الحكم في ميعاد قصير )أقل من ساعة('!‬

‫أسرة خاطر‪ :‬هذه هي طبيعة هذا النوع من القضايا المستعجلة!‬

‫الحكومة‪ :‬يفهم من طلبات الخصم أناهم يطلبون الكشف على جثة المتوفى تخوفا من حدوث أي‬
‫تغييرات‪ ،‬في حين أن هذا القول مردود بأن النيابة العسكرية كانات قد اناتدبت كبير الطباء‬
‫الشرعيين بوزارة العدل الذي قاما فعل بإثبات حالة جثة المتوفى سليمان خاطر وقد دفنت الجثة‬
‫بقرار قضائي من النيابة العسكرية‪ ،‬المر الذي يصبح متعذرا معه التنفيذ بعد أن تم دفن الجثة‪.‬‬

‫أسرة خاطر‪ :‬إن الطب الشرعي الذي قاما بتشريح الجثة ليس جهة محايدة!‬

‫الحكومة‪ :‬ول يفوتنا أن ناشير في النهاية إلى أن الخصوما ل حق لهم في رفع الدعوى فل هم‬
‫أقارب المتوفى سليمان خاطر ول وكلء عنهم!‬

‫أسرة خاطر‪ :‬إن الدعوى تضم ‪ 19‬محاميا بجاناب أشقاء سليمان خاطر!‬

‫الحكومة‪ :‬إن هذه القضية منظورة أماما القضاء العسكري وهذا يكفي!‬

‫أسرة خاطر‪ :‬إن القاناون العسكري ل يعرف الدعاء المدناي ول يسمح بذلك‪ ،‬وبالتالي فل بد من‬
‫القضاء المدناي‪.‬‬

‫ناظر استشكال الحكومة القاضي محمد عيد إسماعيل ‪ ..‬جاء القاضي الجديد بعد أن اتهم القاضي‬
‫أسامة الشناوي بأناه حكم بناء على معلوماته الشخصية التي استمدها من الصحف وأناه أصدر‬
‫حكمه قبل إعلن من وجهت إليهم الدعوى‪ ،‬وقد رد محامو أسرة خاطر بما يفيد أن العلن قد‬
‫تم فعل‪ ،‬وطعنوا في الوراق التي قدمتها الحكومة بالتزوير‪..‬‬

‫وعندما بدأ القاضي محمد عيد إسماعيل ناظر الستشكال‪ ،‬فوجئ بمحامي الحكومة يدفعون بعدما‬
‫اختصاص المحكمة بنظر الدعوى‪ ،‬فتولى هو بنفسه الرد على هذا الدعاء وأبطله‪..‬‬

‫وفي هذه الجلسة فوجئ محامو سليمان بأن الحكومة قد احتفظت بملف القضية )في التفتيش‬
‫القضائي( لعاقة القاضي )الجديد( وهو ينظر الدعوى ‪ ...‬وبالتالي يضطر للتأجيل‪ ،‬فقاموا‬
‫بإيداع صور الحكم الرسمية لديهم‪ ،‬وجميع المستندات المتعلقة بالقضية وتم تكوين ملف جديد‬
‫تماما ‪ ...‬وبدأ القاضي في ناظر الدعوى ‪ ...‬واستمرت المرافعات ‪ ..‬واشتدت ‪ ..‬حتى فوجئ‬
‫القاضي بإصابة عبد الحليم رمضان بأزمة صحية فاضطر إلى رفع الجلسة للستراحة ‪ ..‬وقبل‬
‫أن ترفع الجلسة ناهائيا كان كمال خالد المحامي آخر المترافعين من محامي سليمان فعقد مقارناة‬
‫بين النتائج التي توصل إليها الطب الشرعي في مصر في حادث سميرة مليان الذي قال بأناها‬
‫ماتت منتحرة لوجود كسور بالجثة مؤكدا ذلك وبين النتائج التي توصل إليها الطب الشرعي في‬
‫المغرب والتي ناشرت بمجلة الوطن العربي‪.‬‬

‫وقبل أن ترفع الجلسة ناهائيا‪ ،‬عاد محامو الحكومة يتساءلون عن مصلحة المحامين – الخصوما‬
‫في إعادة تشريح الجثة ‪ ..‬فكان الرد عليهم‪ :‬وما مصلحة الحكومة في عدما إعادة تشريح‬
‫الجثة ‪ ..‬إن الحكومة تصر على أن سليمان خاطر اناتحر ‪ ..‬وتصر على أن تقرير الطب الشرعي‬
‫سليم ‪ ..‬فلماذا تخشى إعادة التشريح ‪ ..‬ولماذا تفعل المستحيل لتظل الحقيقة تحت التراب ‪ ...‬إن‬
‫إصرار الحكومة على هذا الموقف يثير الريبة ويؤكد الشكوك التي تمل صدور المصريين‬
‫وغيرهم ‪ ...‬لو كان ما أعلنته الحكومة صحيحا فعليها أن توافق على إعادة التشريح ‪ ..‬وإل ‪..‬‬
‫يكون هناك كلما آخر!‬

‫وكان كلما المحامين هو نافس كلما رجل الشارع ‪...‬‬

‫لكن ‪ ...‬رغم ذلك كسبت الحكومة الستشكال‪ ،‬ورفضت المحكمة تنفيذ حكم إعادة تشريح‬
‫الجثمان! وزاد الهمس ‪ ..‬وزادت الشكوك!‬

‫قبل أن تصل الحكومة إلى هذه النتيجة ‪ ..‬اتهمت بأناها مارست ضغطا على الطباء الذين كلفتهم‬
‫المحكمة بإعادة تشريح الجثة ‪ ..‬فبعد صدور الحكم مباشرة حضر موظف من إدارة "التفتيش‬
‫القضائي" لستلما ملف القضية‪ ،‬وكان الهدف عدما تمكين أسرة سليمان خاطر من الحصول‬
‫على صورة الحكم وذلك لتؤخر إبلغا الطباء الثلثة به ‪ ..‬لكن المحامين الذين رفعوا الدعوى‬
‫قاموا بإناهاء كافة الجراءات‪ ،‬وناسخوا صورة الحكم بأيديهم‪ ،‬وختموها لتصبح صورة رسمية‪،‬‬
‫وذلك دون اناتظار قياما قلم "الكتاب" بهذه المهمة ‪ ..‬وحتى ل يضيع الوقت ‪ ..‬وحتى يسدوا كل‬
‫الطرق أماما اللعيب المضادة ‪ ..‬وبمجرد أن اناتهى المحامون من هذه الجراءات حضر من‬
‫استولى على ملف القضية ‪ ...‬وتولى ثلثة من المحامين الذين رفعوا الدعوى مهمة إبلغا‬
‫الطباء الثلثة بالحكم تمهيدا لتنفيذه ‪ ..‬فقاما شوقي خالد بالتوجه إلى كلية طب الزهر ‪ ...‬فلم‬
‫يتمكن من الوصول إليها‪ ،‬وذلك لناتهاء مواعيد العمل الرسمية بالكلية فتوجه بحثا عنه في كل‬
‫مكان بعدما لم يجده في بيته حتى عثر عليه يتناول طعاما الغداء على مأدبة أعدها له صديق‬
‫بالمطرية‪ ،‬وهناك سلمه صورة من الحكم‪ ،‬ووجد ترحيبا كبيرا من رئيس القسم للقياما بهذه‬
‫المهمة ووعد الدكتور رئيس القسم بالستعاناة بمن يراه من زملئه من التخصصات الخرى‬
‫صالحا لمعاوناته واناصرف شوقي خالد بعد وعد منه بوضع خطة عمل للبدء في المهمة‪.‬‬

‫وقاما عبد العزيز الشرقاوي المحامي بتسليم رئيس قسم التشريح بكلية طب عين شمس صورة‬
‫الحكم في نافس يوما الخميس ووعد رئيس قسم التشريح بالمشاركة في المهمة بعد استئذان‬
‫عميد الكلية في يوما السبت‪ ،‬وفي يوما السبت تصدى العميد للستاذ الشرقاوي وأعلن برفضه‬
‫اشتراك أي أستاذ في هذه المهمة لن لديه تعليمات حكومية بذلك‪.‬‬

‫وفي جامعة القاهرة قامت منى عبد الحليم رمضان بتسليم عضو اللجنة رئيس قسم التشريح‬
‫صورة الحكم ولكن تدخل الدكتور هاشم فؤاد وأكد على عدما مشاركة الستاذ في هذه المهمة‬
‫وكانات جامعة القاهرة أول من اعتذرت عن المشاركة في اللجنة‪.‬‬

‫‪ ...‬ثم تلحقت باقي العتذارات ‪ ..‬على أن صحيفة "الشعب" عندما سألت الدكتور يحيى يوسف‬
‫رئيس قسم التشريح بطب عين شمس عن سر اعتذاره هو وزملئه ‪..‬‬
‫قال‪ :‬أناا لم أعتذر ولم أعلم شيئا عن هذا العتذار إل من أحد زملئي الذي فاجأناي بتفسير عن‬
‫العتذار ‪ ..‬وكانات مفاجأة لي ‪ ..‬وقمت على الفور بطلب زميلي في الزهر والقاهرة ‪ ..‬فعرفت‬
‫أناهما فوجئا مثلي تماما بالعتذار ‪ ..‬وناحن لم ناعلم بخبر اعتذارناا إل من الجرائد ‪..‬‬

‫وأضاف‪ :‬أناا ليس لدي أي ماناع إطلقا لو أعيد تكليفي من قبل المحكمة بهذه المهمة بشرط أن‬
‫يأتي هذا التكليف عن طريق رسمي بواسطة المحضر ‪ ..‬وذلك حتى ل يكون هناك مجال للشك ‪..‬‬
‫وأناا أقول هذا رغم ظروف المرضية! ! اناتهى ما قاله الرجل ‪ ...‬ليصبح السؤال ‪ ..‬من الذي‬
‫اعتذر بالنيابة عنه وعن زملئه؟‬

‫ثم ‪ ..‬لماذا تفعل الحكومة كل ذلك إذا كانات متأكدة أن سليمان خاطر اناتحر ولم يقتل؟  ‬
‫"أكياد" تحت الحصار!‬
‫  قبل منتصف الليل بساعة واحدة‪ ،‬تسلمت أسرة "خاطر" جثمان ابنها سليمان‪ ،‬من مشرحة‬
‫"زينهم" تمهيدا لنقله إلى قريته‪ ،‬ليدفن هناك إلى جوار أبيه وعمه ‪..‬‬

‫إن بالقرب من المشرحة في ذلك الوقت كان عدد من السيارات الملكي والجرة والميكروباس‬
‫ل يقل عن ‪ 18‬سيارة ‪ ..‬جاءت هذه السيارات من قرية سليمان لتعود بجثماناه إلى هناك ‪...‬‬

‫لكن ‪ ..‬القلق الذي سيطر على رجال المن الذين حاصروا منطقة زينهم‪ ،‬جعلهم ل يسمحون‬
‫لهذه السيارات بالقتراب من بوابة المشرحة ‪ ..‬وجعلهم يماطلون في إعطاء أهالي سليمان‬
‫تصريحا بالتحرك والسفر ‪ ..‬حتى الساعة الواحدة والنصف من صباح اليوما التالي ‪ ...‬وبعد‬
‫ساعتين وناصف من استلما الجثمان ‪ ..‬وبعد أن ارتفعت الصوات بالتذمر والغضب ‪..‬‬

‫ناقل جثمان سليمان في سيارة إسعاف تتبع إحدى شركات المقاولت الكبرى التي يعمل فيها‬
‫شقيقه عبد الحميد‪ ،‬التي تحركت وسط عربات المن‪ ،‬وعربات أهالي أكياد‪ ،‬وكان الطريق إلى‬
‫أكياد مزروعا برجال المن المركزي ‪ ..‬ولم يكن الطريق الذي سلكه موكب الجثمان طريقا‬
‫معتادا ‪ ..‬كان مختلفا عن الطرق التي يسلكها الناس بسهولة إلى قرية أكياد ‪...‬‬

‫قبل الخامسة صباحا بقليل اقترب الموكب من مدخل أكياد الرئيسي‪ ،‬حيث كوبري يسمى بكوبري‬
‫"الصحارة" ‪ ..‬عند هذا الكوبري بدت قوات المن المركزي باللف وهي تحاصر القرية‪،‬‬
‫وتمنع الدخول إليها ‪ ...‬ويبدو أن أهالي القرية الذين يحملون جثمان سليمان قد استفزهم هذا‬
‫المشهد‪ ،‬فانادفعوا بسياراتهم دون توقف إلى قلب القرية‪ ،‬رغم البنادق المرفوعة في يد الجنود‪،‬‬
‫ورغم النداءات المتكررة من الضباط ومفتشي المباحث‪.‬‬

‫ويبدو أن وزارة الداخلية كانات تتوقع انافجار غضب الناس في القرية‪ ،‬فقامت بترحيل ناقطة‬
‫الشرطة بأسلحتها ورجالها ومساجينها في الحادية عشرة صباحا‪ ،‬قبل إذاعة النبأ بساعات ‪..‬‬
‫وقد صدق توقعها ‪ ..‬فبعد إعلن النبأ مباشرة‪ ،‬خرج أهالي القرية في الشوارع في حالة هياج‬
‫شديد ‪ ..‬وأحرقوا مقر ناقطة الشرطة وحطموا أثاثها وجدراناها ‪ ..‬وقطعوا الطرق المؤدية إلى‬
‫القرية وخطوط السكك الحديدية وأعمدة البرق والتليفون ‪ ..‬وأشعلوا الحرائق في مقار‬
‫الجمعيات التعاوناية الزراعية‪ ،‬وراحوا يهتفون‪" :‬همه يقولوا عليه مجنون واحنا ناقول ما‬
‫قدرش يخون"‪.‬‬

‫ولم تنم القرية "‪ 12‬ألف ناسمة" ليلتها‪.‬‬

‫وفي الساعة الخامسة صباحا ‪ ..‬دخل موكب الجثمان القرية ‪ ..‬كانات أما سليمان وخالته وعماته‬
‫وباقي ناساء القرية يجلسن على جاناب من الطريق السلفتي ‪ ..‬وعلى الجاناب الخر كان يجلس‬
‫الرجال ‪ ..‬وقد هبوا جميعا عندما أبلغهم الشبان الذين كلفوا بمراقبة الطرق بأن موكب الجثمان‬
‫قادما ‪...‬‬

‫دخل الجثمان بيت السرة‪ ،‬ولف بعلم مصر ‪ ،‬ثم خرج في جنازة لم يتخلف عنها أحد في القرية ‪..‬‬
‫وفي مسجد "أبو قوبة" بالقرية صلوا عليه‪ ،‬ثم سارت الجنازة في معظم شوارع القرية ‪ ...‬ولم‬
‫تكن جنازة في الواقع وإناما كانات مظاهرة سياسية‪ ،‬أحرقت فيه العلما السرائيلية‪ ،‬واناطلقت‬
‫فيها الهتافات الفورية ‪" ..‬سجل‪ ،‬سجل يا زمان ‪ ..‬إن البطل هو سليمان" ‪" ..‬عهد ا‪ ،‬عهد ا‬
‫علينا ‪ ...‬تار سليمان جوه عينينا"‪ .. .‬وهتافات أخرى ضد الحكومة وإسرائيل وأمريكا ‪..‬‬
‫وغيرهم ‪...‬‬

‫كان يتقدما الجنازة أشقاء سليمان وأقاربه ‪ ..‬وعند المقبرة تقدمت أمه بقوة وصلبة‪ ،‬لتودع‬
‫ابنها إلى مثواه الخير ‪ ..‬ورفضت السرة إقامة سرادق العزاء ‪ ...‬ورفضت أن يشارك في‬
‫الجنازة أي مسئول حكومي واحد ‪ ..‬وهدد أهالي القرية بقتل كل من يتجرأ ويدخلها بالفئوس‬
‫والعصي ‪..‬‬

‫وفي المساء عقد مؤتمر سياسي‪ ،‬تحدث فيه أبناء القرية‪ ،‬وأصدقاء سليمان‪ ،‬وعدد من‬
‫السياسيين الذين تمكنوا من دخول القرية رغم الحصار ‪ ..‬وكان أهم ما قيل في هذا المؤتمر‪:‬‬
‫"إن جريمة قتل سليمان لن تمر ول بد من الثأر له"‪.‬‬

‫في ذلك اليوما ‪ ...‬ولمدة طويلة ‪ ...‬لم يكن للقرية حديث إل سليمان خاطر ‪ ..‬لقد رفضت القرية أن‬
‫يكون ابنها قد اناتحر ‪ ..‬وراحت تعبر عن هذا الرفض بقصص وملحظات واستنتاجات ل حد لها‬
‫‪...‬‬

‫قالت الما‪ :‬ابني اتقتل علشان ترضى عنهم أمريكا وإسرائيل"‪.‬‬

‫وأضافت‪" :‬آخر مرة شفته كان في حالة طيبة وبيضحك معنا وأخذ يلعب أولد أخيه‬
‫الصغار" ‪ ..‬و "آخر مرة شفته أكد لي أناهم لزما يخففوا الحكم عليه‪ ،‬لناه ما رضيش يذيع‬
‫أسرار هو كان عارفها ووعدوه إناه لو ما اتكلمش يخففوا الحكم عليه"‪.‬‬

‫وقال زاهر عبد ا ابن عمة سليمان ورفيق صباه‪" :‬مستحيل أن يكون سليمان اناتحر ‪ ..‬إناه‬
‫مؤمن بال ‪ ..‬ويؤدي الصلوات ‪ ..‬والمؤمن ل ينتحر أبدا"‪.‬‬

‫وقال ابن خاله‪" :‬حمدي عبد ا‪" :‬لقد تفانات الحكومة في حماية البكوش ثم قدمت رأس‬
‫سليمان هدية فشنقوه"‪.‬‬

‫أما شقيقة سليمان "سعدية خاطر" فقد جاءت من قرية "أبو بكير" – تتبع محافظة الشرقية ‪،‬‬
‫أيضا – حافية القدمين وهي تحتضن طفلها ‪ ..‬لقد رفضت أن تصرخ أو تنتحب ‪ ..‬واناتابتها حالة‬
‫من الصمت الغريب ورفضت أن تتحدث إلى أي إناسان‪:‬‬

‫بعد حادث وفاة سليمان خاطر ‪ ..‬لم تتحرك قريته بمفردها ‪ ..‬وإناما كان معها‪ ،‬مصر كلها ‪..‬‬
‫تقريبا‪ ،‬كان الحادث ‪ ..‬أكثر الموضوعات سخوناة التي كان الناس في كل مكان يتحدثون فيها‬
‫وكان رد فعل الحادث أكثر مما كان متوقعا ‪ ..‬خاصة بين الشباب ‪ ..‬وطلب الجامعات ‪ ..‬وطلب‬
‫المدارس الثاناوية الذين تركوا مقاعد الدرس‪ ،‬وخرجوا إلى الشارع‪ ،‬لول مرة منذ سنوات‬
‫طويلة ‪ ..‬طويلة ‪...‬‬

‫أماما مدرج السنة الرابعة بكلية حقوق عين شمس‪ ،‬تجمع أكثر من ‪ 5‬آلف طالب وطالبة‬
‫وتوجهوا – في مسيرة سلمية – إلى مقر إدارة الجامعة‪ ،‬مرددين‪" :‬يا عملء المريكان ‪..‬‬
‫سليمان خاطر غسل العار" ‪" ..‬سيبوا الشعب ياخد التار ‪ ..‬الصهيوناي ده غدار" ‪ ..‬وعندما أذن‬
‫لصلة الظهر ‪ .‬أقاموا صلة الغائب على روح سليمان خاطر ‪ ..‬ثم عادوا إلى الهتافات من‬
‫جديد ‪ ..‬وطالبوا رئيس الجمهورية بمحاكمة جميع المسئولين عن مصرعه ‪ ..‬وطالبوه بإلغاء‬
‫اتفاقيات كامب ديفيد وإلغاء قواناين الطوارئ والقواناين الستثنائية وتطهير مصر من اللصوص‬
‫والطفيليين ومصادرة أموالهم‪ ،‬وقطع العلقات مع الوليات المتحدة المريكية ‪..‬‬

‫وأضافوا إلى هذه المطالب‪ :‬إلغاء الحرس الجامعي واللئحة الطلبية "لئحة عاما ‪ "79‬التي‬
‫تضايقهم ‪ ...‬كان ذلك في اليوما التالي لوفاة سليمان خاطر ‪..‬‬

‫وفي اليوما الذي بعده ‪ ..‬ارتفع عدد المتظاهرين إلى ‪ 7‬آلف ‪ ..‬وارتدوا زي الحداد ‪ ..‬وحملوا‬
‫صور سليمان خاطر ‪ ..‬ورفعوا اللفتات السوداء التي كتبوا عليها أسخن الشعارات السياسية ‪..‬‬
‫وفي هذا اليوما قبض على ‪ 40‬طالبا من جامعة عين شمس فقط‪.‬‬

‫وبعد يومين آخرين ارتفع الرقم إلى ‪ 10‬آلف ‪ ..‬وحاول الطلبة والطالبات الخروج إلى الشارع ‪..‬‬
‫لكن المحاولة فشلت بسبب حصار قوات المن المركزي للمنطقة ‪...‬‬

‫في جامعة القاهرة ‪ ..‬تجمع ‪ 5‬آلف طالب في اليوما التالي للوفاة – وعقدوا مؤتمرا كبيرا في‬
‫قاعة الحتفالت بالجامعة ‪ ..‬ناددوا فيه بالبيان الرسمي الذي أعلن أن سليمان خاطر اناتحر ‪..‬‬
‫وعندما حاولوا الخروج إلى الشارع فوجئوا بحوائط من البشر والدروع أقامها رجال المن‬
‫المركزي ‪..‬فعادوا إلى الحرما مرة أخرى ‪ ..‬وراحوا يهتفون‪" :‬التار التار يا سليمان من بيريز‬
‫إلى ريجان" ‪" ..‬المعقول المعقول إن سليمان مات مقتول" ‪" ..‬اللي بيرفعوا السعار قتلوك يا‬
‫سليمان" ‪" ..‬سليمان خاطر قالها في سينا ‪ ..‬قال مطالبنا وقال أماناينا"‪.‬‬

‫وفي ذلك اليوما أيضا وقعت مفاجأة لم تكن في الحسبان ‪" ...‬أصدر طلب مدرسة ثاناوية خاصة‬
‫"مدرسة قصر النيل الخاصة" بياناا ‪ ..‬جاء فيه‪" :‬إن ناار الغضب التي تغلي في قلوب المصريين‬
‫والتي تجسدت في المظاهرات التي قامت دفاعا عن كرامة الوطن‪ ،‬سواء تلك التي قامت منذ‬
‫حادث الطائرة المدناية وحادث الغارة السرائيلية على مقر المنظمة في توناس وكذلك دفاعا عن‬
‫الجندي المصري سليمان خاطر‪ ،‬سببها أن السياسة الحاكمة تهدف إلى إرضاء أمريكا‬
‫وإسرائيل إكمال لسياسة السادات ومسيرته الرجعية "الستسلمية"‪.‬‬

‫ولم يكن هذا البيان مفاجأة طلب الثاناوي الوحيدة ‪ ...‬فقد فصل ‪ 13‬طالبا منهم‪ ،‬من مدرسة‬
‫"اتميده" الثاناوية "مركز ميت غمر" بعد أن قاموا بمسيرة سلمية احتجاجا على موت سليمان‬
‫خاطر ‪ ..‬واناضم عدد كبير منهم )في منطقتي الحدائق والعباسية بالقاهرة( إلى طلب جامعة‬
‫عين شمس في مظاهراته ‪ ..‬وفي منطقة "شبرا" أحاطت قوات المن بالمعاهد الصناعية‬
‫والتجارية وأناهت الدراسة قبل أن تبدأ‪.‬‬

‫في جامعة الزهر كانات المظاهرات أكبر ‪ ..‬أكثر من ‪ 10‬آلف طالب طافوا بالحرما الجامعي‪،‬‬
‫منددين بوفاة سليمان خاطر‪ ،‬متهمين المخابرات الصهيوناية والمريكية بقتله ‪ ..‬وكاناوا‬
‫يرددون‪" :‬سليمان خاطر يا شرقاوي ‪ ..‬دمك فينا حيفضل راوي" ‪" ..‬شيخ الزهر فينك فينك‬
‫وأنات شايف الظلم بعينك" ‪..‬‬

‫حاصرت الجامعة‪ ،‬قوات المن‪ ،‬وحاصرت ميدان الحسين‪ ،‬وهنا اناضم للطلب عدد من الهالي‪،‬‬
‫وحاولوا جميعا الخروج إلى الشارع لتأدية صلة الغائب ‪ ..‬لكن قوات المن استطاعت‬
‫تفريقهم ‪ ..‬وأجبرتهم على دخول كلياتهم‪ ،‬ثم زحفت وراءهم واقتحمت الحرما الجامعي ودخلت‬
‫معامل ومدرجات كليات الزراعة والعلوما وقامت "بإجلء" الطلب بالقوة وأناهت الدراسة دون‬
‫إحم أو دستور‪.‬‬
‫في جامعة السكندرية وقعت مظاهرة مشابهة ‪ ..‬نافس العداد ‪ ..‬نافس الساليب ‪ ..‬ونافس طرق‬
‫مقاومتها ‪ ..‬لكن كانات الشعارات مختلفة‪" :‬اللي ما خاناك أنات يا مصر حيشنق نافسه في يوما‬
‫النصر" ‪" ..‬صوت رصاصك يا سليمان سمع مصر في كل مكان" ‪" ..‬مصر الصابرة على‬
‫المخاطر قادرة تطلع مليون خاطر" ‪" ..‬سليمان خاطر مات مقتول مات علشان ما قدرش‬
‫يخون" ‪" ..‬سليمان خاطر قالها قوية الرصاص حل القضية" ‪...‬‬

‫وفي جامعات أخرى من مصر كان نافس رد الفعل ‪..‬‬

‫وفي أماكن أخرى من مصر كانات هناك ردود فعل أخرى ‪...‬‬

‫من ناقابة المحامين خرج بيان من مجلس النقابة إلى "الشعب المصري" ناعى سليمان خاطر‬
‫الذي وصفه البيان بأناه "أخلص" أبناء مصر "الذي ذهبت روحه فداء لكرامة مصر ودفاعا‬
‫عن دورها النضالي في الوقت الذي حاول المرجفون تشويه تلك الصورة العظيمة‪ ،‬والتي سيظل‬
‫التاريخ يرددها فخرا واعتزازا كرمز للصمود والتصدي للمعاهدات الستسلمية" ‪ ..‬ورفض‬
‫البيان كافة "الجراءات والمحاكمات الستثنائية" التي جرت لسليمان خاطر‪ ،‬وقال‪ :‬إن النقابة‬
‫تضع الدولة في مواجهة مسئوليتها أماما ذلك الحادث المروع وتهيب بكل المعنيين كشف النقاب‬
‫عن غموضه ووضع الحقائق كاملة أماما الشعب‪.‬‬

‫ودعت اللجنة القومية للدفاع عن سليمان خاطر إلى اعتبار يوما الجمعة ‪ 17‬يناير هو يوما الحداد‬
‫القومي على سليمان خاطر ‪ ..‬واقترحت أداء صلة الغائب على روحه في ذلك اليوما‪ ،‬في كافة‬
‫المساجد العربية من المحيط إلى الخليج وأن تدق أجراس الكنائس وترتدي النساء العربيات‬
‫ملبس الحداد‪.‬‬

‫وقال البيان الذي صدر من اللجنة يوما ‪ 13‬يناير ‪" :1986‬ليكن حدادناا على سليمان خاطر صلة‬
‫ل وللوطن وللرض التي ما زالت منتهكة ومغتصبة وفرصة للتأمل العميق في المعاناي الجليلة‬
‫والنبيلة التي فجرها الشهيد حيا وميتا"‪.‬‬

‫وقال البيان‪ :‬إن اللجنة تشارك جماهير أمتها رغبتها الجارفة في أن تتيقن من حقيقة الظروف‬
‫التي اناتهت إلى استشهاده بما يقطع الشك باليقين‪.‬‬

‫لذلك ‪" ..‬تطالب اللجنة بتشكيل لجنة محايدة من ممثلين للحزاب والهيئات والمنظمات‬
‫الجماهيرية‪ ،‬يتاح لها في مناخ حر أن تتقصى بنفسها ومجتمعة الظروف والملبسات التي أدت‬
‫إلى هذه الفاجعة الليمة حتى يتأكد الرأي العاما بأن الذين كاناوا يضغطون من أجل رأس سليمان‬
‫خاطر لم يدركوا بالذات أو بالوساطة‪.‬‬

‫"وفي الحد الدناى وطبقا للقاناون المصري الذي يعتبر صياناة وحماية حياة كل من تقيد حريته‬
‫مسئولية ‪ ..‬جريمة القتل العمد ‪ ...‬فإن اللجنة تطالب بوقف كل المسئولين عن هذا الهمال مهما‬
‫كانات مكاناتهم أو علت مراكزهم ‪ ..‬حتى ناهاية التحقيق"‪.‬‬

‫وطالب المهندس إبراهيم شكري بنفس الطلب ‪ ..‬تشكيل لجنة تحقيق "قومية" على أعلى درجة‬
‫من الحياد والموضوعية ‪ ..‬وقال‪" :‬إن المقصود بذلك اطلع الرأي العاما على ما حدث ‪ ..‬بشرط‬
‫أن يقوما بالتحقيق أشخاص ناثق في حيادهم‪ ،‬ل أشخاص يمكن أن يكوناوا ضالعين في الحادث"‪.‬‬
‫واقترح فؤاد سراج الدين أن تكون اللجنة "قضائية" ‪ ..‬وقال‪ :‬إن تشكيل هذه اللجنة "سوف‬
‫يعيد الطمأناينة إلى نافوس الشعب ويزيل كل شك حول الحادث الذي أثار موجة من الشائعات‬
‫الخطيرة والتي اناتشرت بشكل غير عادي وتحولت إلى شبهات وشكوك بين المصريين جميعا ‪..‬‬
‫إن هذا المر أدى إلى إحداث بلبلة شديدة الخطورة في الرأي العاما المصري وهي حالة تهدد‬
‫النظاما والمن بأفدح الضرار"‪.‬‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬لم تأخذ الحكومة بأي اقتراح من هذه القتراحات!‬

‫وتضاعف حجم ردود الفعل ‪ ...‬في ‪ 9‬يناير ‪ 1986‬أصدر مجلس ناقابة الطباء قرارا بالشتراك‬
‫في أي تحقيق يمكن أن يتم في هذا الحادث‪ .‬وفي نافس اليوما أصدرت المنظمة العربية لحقوق‬
‫الناسان )التي يرأسها فتحي رضوان( بياناا حملت فيه الحكومة المصرية مسئولية مقتل الشهيد‬
‫سليمان خاطر لناه منذ القبض عليه وحتى وفاته كان وديعة في يد السلطة التنفيذية وهي كانات‬
‫تعلم جيدا أن سليمان خاطر كان هدفا لجهات تريد التخلص منه ومنها )إسرائيل( التي كانات‬
‫تريد إعدامه‪.‬‬

‫وبناء على طلب عبد الحليم رمضان المحامي رشحت منظمة العفو الدولية اثنين من أطبائها‬
‫المتخصصين في التشريح للمشاركة في إعادة تشريح جثة سليمان خاطر ‪ ..‬وقررت المنظمة أن‬
‫تتحمل كل المصاريف ‪ ..‬لكن القرار لم ينفذ بسبب رفض القضاء إعادة تشريح الجثة‪.‬‬

‫ومن سجن "طرة" تسرب خطاب إلى رؤساء الصحف المعارضة‪ ،‬وقع باسم "المجاهدون‬
‫السرى" ‪ ..‬تحدث فيه المعتقلون من الجماعات السلمية عن الهاناات التي يتعرضون لها في‬
‫السجن‪ ،‬ثم حملوا الحكومة المصرية مسئولية "قتل سليمان خاطر" ‪ ..‬ثم عادوا يتحدثون عن‬
‫متاعبهم في السجن من جديد‪:‬‬

‫وفي يوما وفاة سليمان خاطر ‪ ..‬أقامت السفارة )السرائيلية( لعضائها وأصدقائها حفل كبيرا‬
‫تبادلوا فيه الناخاب ‪ ..‬وبعد أن أذاع راديو )إسرائيل( الخبر‪ ،‬قدما أغنية أما كلثوما "الليلة عيد" ‪..‬‬
‫وهي الغنية التي كان ل يتوقف عن إذاعتها بعد هزيمة يونايو‪ ،‬ووفاة عبد الناصر‪ ،‬وثغرة‬
‫أرييل شارون!  ‬
‫من القاتل؟ !‬
‫  من المستفيد من قتل سليمان خاطر؟‬

‫إن الذين يفتشون في جرائم القتل – التي يختفي فيها القاتل – يفتشون عادة عن المستفيد من‬
‫الجريمة ‪ ..‬فمن من مصلحته اختفاء سليمان خاطر من على وجه الرض؟‬

‫السؤال وجيه ‪ ..‬لكن ‪ ..‬الجابة صعبة ‪ ...‬ول تزيد على كوناها ناوعا من التكهنات والتخمينات ‪..‬‬
‫على أن ذلك ل يمنع من القتراب ‪ ..‬والمحاولة ‪...‬‬

‫هناك من يتهم الدارة المصرية بقتل سليمان خاطر ‪ ...‬وهؤلء يقيمون اتهامهم على أدلة ل‬
‫يستهان بها ‪ ...‬ول يمكن التقليل من شأناها ‪ ..‬وخاصة أن الدارة المصرية لم تتطوع بالرد‬
‫عليها ‪ ..‬أو حتى بالدفاع عن نافسها ‪..‬‬

‫‪ – 1‬إن سليمان خاطر قد اتهم كل الضباط والقواد في جنوب سيناء بالتعامل مع العدو‬
‫)السرائيلي(‪ ،‬ولم يستثن منهم – كما عرفنا من قبل – سوى ضابطين ليسا من أصحاب الرتب‬
‫الكبيرة ‪ ...‬وطلب سليمان من المحقق العسكري – كما عرفنا من قبل أيضا – أن تمشي‬
‫المخابرات المصرية وراءهم وتعرف أين يذهبون‪ ،‬ومع من يتعاوناون‪ ،‬ويتعاملون؟‬

‫‪ – 2‬إن سليمان خاطر كان بحكم موقعه وعمله يعرف الكثير من السرار الهامة التي يعرض‬
‫)البوح بها( العلقات مع الحكومة )السرائيلية( إلى مزيد من القلق والتوتر‪.‬‬

‫‪ – 3‬إن الفراج عن سليمان خاطر كان مطلب مختطفي الطائرة المصرية التي اقتحمها‬
‫الكومانادوز المصريون في مالطا‪ ،‬والتي كانات كارثة بحق ‪ ..‬وهذا يعني أن وجوده على قيد‬
‫الحياة سيكون فرصة للقياما بمثل هذه العمال التي تحرج الدارة المصرية وتضعها في مواقف‬
‫صعبة جدا ‪...‬‬

‫أي أن هناك ضباطا كبارا كشف سليمان خاطر سترهم‪ ،‬من مصلحتهم التخلص منه ‪ ..‬وهناك‬
‫آخرون يرون أن يعرف أكثر مما يجب ومن الطبيعي التخلص منه ‪ ...‬وهناك أخيرا الخوف من‬
‫أن يكون وجوده في السجن لمدة ‪ 25‬سنة فرصة للقياما بأعمال فدائية مضادة‪ ،‬تحرج الدارة‬
‫المصرية وتورطها فيما ل تحتمله‪ ،‬ول تقدر عليه ‪..‬‬

‫ويدعم أناصار هذا التهاما‪ ،‬موقفهم بقصة هروب سليمان خاطر من سجن فنارة العسكري الذي‬
‫كان محبوسا فيه على ذمة المحاكمة ‪...‬‬

‫ففي مساء ديسمبر ‪) 1985‬قبل النطق بالحكم بأربعة أياما( فوجئ سليمان خاطر بمجموعة من‬
‫الرجال تقتحم زنازاناته وأخبروه أناهم جاءوا لناقاذه من العداما الذي ينتظره وفتحوا له كل‬
‫البواب ليجد الحراس جميعا ناياما بما فيهم قائد سرية الشرطة العسكرية ‪...‬‬

‫وقالوا له‪ :‬كل شيء جاهز لهروبك من السجن ‪ ..‬وما عليك إل أن تختار البلد الذي تحب أن‬
‫تذهب إليه!‬
‫وأعطوه مسدسين محشورين بالطلقات ‪ ..‬وأصاب الذهول سليمان ‪ ..‬ثم ‪ ..‬صرخ فيهم‪ :‬ل لن‬
‫أهرب ‪ ..‬لم أفعل ما يجعلني أهرب!‬

‫فاضطروا للناصراف!‬

‫وفي اليوما التالي علمت قيادة الجيش الثالث "الميداناي" بالواقعة‪ ،‬فوقعت الجزاءات على قوة‬
‫الحراسة وناقل قائدها وأحضروا بدل منها عدة سرايا من قوات الشرطة العسكرية ودبابتين ‪...‬‬

‫وفيما بعد ‪ ..‬قال سليمان خاطر لشقيقه عبد المنعم‪ :‬لقد كنت أدرك أن ما فعلته هو واجبي وليس‬
‫أكثر‪ ،‬كما أن هروبي سيعرض الجنود والضباط المسئولين عن حراستي لعقوبات شديدة‬
‫وأضرار ل أحب أن أسببها لهم‪.‬‬

‫ويرى الذين يتهمون الدارة بقتل سليمان خاطر أن هذه المحاولة لهروبه من سجن عسكري‬
‫"ليست لوجه ا" ‪ ..‬وليست "حسنة النية" ‪ ..‬إذ من الصعب أن يدخل أحد السجن ويخرج منه‬
‫بهذه السهولة ‪ ..‬ويرون أن هذه المحاولة كانات متعمدة‪ ،‬فإذا ما استجاب قتلوه ‪ ..‬وقالوا‪ :‬إن‬
‫قتله كان طبيعيا لناه كان يحاول الهرب!‬

‫وضاعف من هذا الشك أن الحكومة لم تعلق على هذه الرواية!‬

‫لكن ‪ ..‬أناصار الدارة يردون على اتهامها بقتل سليمان قائلين‪:‬‬

‫‪ – 1‬لو كانات الدارة هي التي قتلته لكان من الفضل لها أن تحكم عليه بالموت وتعدمه! !‬

‫‪ – 2‬لو كانات الدارة تريد قتله لما تسرعت واختارت وقتا كانات فيه مشاعر الرأي العاما مشدودة‬
‫بهذه القضية!‬

‫ويرد على هذا الكلما‪ ،‬بأن الدارة المصرية كانات تشعر بضغوط الحكومة )السرائيلية( بسبب‬
‫هذا الموضوع‪ ،‬وإن هذه الضغوط كانات مدعمة من "المريكان" بصور عسكرية واقتصادية‬
‫مختلفة‪ ،‬كانات أكبر من أي حسابات للرأي العاما ‪ ..‬كما أن القول بأناها كانات قادرة على إعدامه‬
‫بالقاناون وبحكم المحكمة هو قول مهين لها‪ ،‬ويتهمها بالتدخل في شئون القضاء ويجعلها‬
‫تفرض عليه ما تريد ‪ ..‬أي عذر أقبح من ذناب!‬

‫وهناك من يتهم الموساد )السرائيلية( بقتل سليمان خاطر ‪ ..‬وهؤلء برأوا الدارة المصرية من‬
‫التهمة بالطبع‪ ،‬وألبسوها )للسرائيليين( ‪...‬‬

‫وهؤلء يقولون‪ :‬إن )إسرائيل( قامت بهذه العملية عن طريق عملء لها ولجهاز مخابراتها‬
‫"الموساد" داخل الدارة المصرية ‪ ..‬وليس من الصعب بالطبع تصور وجود عملء للموساد‬
‫في الحكومة المصرية ‪ ..‬وآخر دليل على ذلك تسرب خط سير الطائرة المصرية التي أقلت‬
‫خاطفي الباخرة "اكيلي لورو" إلى المريكان و )السرائيليين(‪ ،‬الذين رسموا – في ساعات –‬
‫عملية خطفها وإجبارها على الهبوط والقبض على الخاطفين الفلسطينيين وتسليمهم للسلطات‬
‫اليطالية ‪ ..‬بما في ذلك المناقشات التي دارت حول هذا القرار على أعلى مستوى في مصر‪.‬‬

‫ويدعمون اتهامهم بأكثر من دليل‪:‬‬


‫‪ – 1‬إن )إسرائيل( لم يعجبها الحكم الذي صدر على سليمان‪ ،‬وكانات تعتبر الحكم المناسب ‪..‬‬
‫القتل! !‬

‫‪ – 2‬إن )إسرائيل( تعودت الناتقاما في مثل هذه الحالت ‪ ...‬فمثل ‪ ..‬في مقابل قتل ‪ 3‬من السياح‬
‫)السرائيليين( في قبرص‪ ،‬شنت الغارة على مقر ]]منظمة التحرير الفلسطينية[[ في توناس ‪..‬‬
‫ومثل ‪ ..‬في مقابل عملية فدائية بسيطة في الرض المحتلة كانات تبيد القرى والمعسكرات التي‬
‫يعيش فيها العرب في لبنان والضفة الغربية والقدس الشرقية‪.‬‬

‫‪ – 3‬إن )إسرائيل( اعتبرت موت سليمان خاطر عقبة وأزيلت في مسار العلقات مع الحكومة‬
‫المصرية ‪ ...‬وقال "عزرا شيرال" المعلق السياسي براديو )إسرائيل(‪" :‬أناه شيء طبيعي أن‬
‫المجرما القاتل سليمان خاطر يأخذ جزاءه‪ ،‬ومن الطبيعي أن تسطع شمس العلقات الطيبة بين‬
‫البلدين بعد هذه الغيوما التي سببها" ‪ ..‬وقال "شمعون شامير" المستشرق بجامعة "تل‬
‫أبيب" ‪" ..‬لقد أدى اناتحار القاتل إلى موجة من المظاهرات ضد النظاما المصري ‪ ...‬أما بالنسبة‬
‫لتأثير هذه الحداث على علقات الدولتين فمن جاناب يمكن أن ناتوقع اناتهاء هذه المرحلة السيئة‬
‫التي مرت بها هذه العلقات‪ ،‬فلول أن اناتحر هذا الشخص لستمرت القضية في إشعال الحياة‬
‫الداخلية في مصر لعدة سنوات طويلة ‪ ..‬طول مدة بقائه في السجن‪ ،‬ولستمر التوتر في‬
‫العلقات بسبب موقف المعارضة المصرية من هذه القضية التي ربطتها بالسلما والتطبيع معنا‪،‬‬
‫لناها حولت سليمان خاطر إلى بطل قومي" ‪ ..‬ثم قبل هذا كله‪ ،‬ما صرح به "شامير" بأن موت‬
‫سليمان خاطر أزال عقبة من ثلث كانات بين الحكومتين المصرية و )السرائيلية( ‪ ..‬وحدد‬
‫العقبتين الخريين – كما عرفنا – بأناهما عودة السفير المصري إلى )إسرائيل( وحل مشكلة‬
‫طابا ‪ ..‬أي أن موت سليمان خاطر كان مطلبا )إسرائيليا( قويا وملحا ‪ ..‬ولم تمر أياما قليلة على‬
‫موت سليمان خاطر‪ ،‬حتى قبلت الحكومة )السرائيلية( مبدأ التحكيم لحل مشكلة طابا بعد ‪45‬‬
‫شهرا من المفاوضات والرفض‪ ،‬وكان ذلك في إطار ما سمي "بالصفقة الشاملة بين‬
‫الحكومتين!‬

‫إن من المؤكد أن )إسرائيل( لها مصلحة في التخلص من سليمان خاطر ‪ ..‬ومن المؤكد أن‬
‫المرء ل يستغرب أن تفعل )إسرائيل( ذلك ‪ ..‬بل تردد ‪ ..‬وبهذه السرعة ‪ ..‬وذلك من باب إثبات‬
‫الذات ‪ ..‬واستعراض القوة ‪ ..‬والتأكيد على أن ذراعها الطويلة ممتدة إلى كل مكان ‪ ..‬ولم تقطع‬
‫بعد!‬

‫لكن ‪ ...‬هذا التهاما الذي يشير إلى الموساد‪ ،‬أخطر – مليون مرة بل شك – من التهاما الذي‬
‫يشير إلى الدارة المصرية ‪ ..‬لن معنى ذلك أن هناك عملء للموساد داخل الدارة المصرية‬
‫سهلوا عملية القتل داخل ثكنة تتبع وزارة الدفاع‪ ،‬هي السجن الحربي‪ ،‬وعنى هذا أيضا أن هناك‬
‫درجة كبيرة من التسيب والهمال أدت إلى ارتكاب هذه الجريمة ‪ ...‬إن هذا التهاما يحمل الدارة‬
‫المصرية كميات من الهاناة أكبر من التهاما بأناها هي القاتل! !‬

‫وقد استفز هذا التهاما الرئيس "حسني مبارك" بالفعل ‪...‬‬

‫فقال‪ :‬لقد حزنات على مسلك المعارضة التي غاب عقلها‪ ،‬إلى حد أن تروج بين الناس أن‬
‫"الموساد" هي التي قتلت سليمان خاطر وإذا لم تكن الموساد فل بد أن يكون هناك في مصر‬
‫من أراد أن يتخلص منه‪.‬‬
‫"إن كان اقتناع المعارضة أن الموساد قد استطاعت التسلل إلى السجن الحربي لتقتل سليمان‬
‫خاطر في زنازاناته‪ ،‬إن كانات قناعتهم أن مصر تعجز عن أن تحمي سجينا في زنازاناته‪ ،‬إن كان‬
‫تفكيرناا قد وصل إلى هذا المنحدر فقل على الجميع السلما"‪.‬‬

‫"لقد كنت أثق ول أزال في أن حرب ‪ 1973‬قد نافضت عن نافوسنا‪ ،‬عقدة الذناب والشعور‬
‫بالنقص إزاء )السرائيليين( وجيشهم الذي ل يقهر ولكن يبدو أن البعض يريد أن يأخذناا مرة‬
‫أخرى إلى ما قبل ‪ ،1973‬إلى مرارة النكسة ونافسية الهزيمة"‪.‬‬

‫على أن الرئيس مبارك لم ينكر احتمال "العتداء على سليمان خاطر في سجنه من قبل‬
‫الموساد أو غير الموساد" كان واردا في "خطة تأمين سليمان خاطر في سجنه"‪.‬‬

‫وكانات هذه الخطة – على حد قول مجلة المصور – تضع في اعتبارها تأمين سليمان خاطر ضد‬
‫أي محاولة تجري لقتحاما السجن الحربي بهدف اختطافه ‪" ...‬كان هناك سرية حراسة كاملة‬
‫ترابط ليل ناهار في فناء المستشفى تحسبا لحتمال إنازال هليكوبتر في المكان لختطاف سليمان‬
‫أو إحداث الضرر به"‪.‬‬

‫أي أن هذه الخطة وضعت على أساس أن )إسرائيل( يمكن أن تقوما بعملية عسكرية لقتل‬
‫سليمان أو لخطفه ‪ ..‬لكن ‪ ..‬ما ناشر عن خطة التأمين والحراسة‪ ،‬لم توضح ما إذا كان في‬
‫حسباناها أن تتسلل )إسرائيل( بوسيلة أخرى إلى داخل الزنازاناة أما ل؟ !‬

‫وخاصة أن أسلوب التسلل يبدو طبيعيا أكثر من أسلوب القياما بعملية عسكرية ‪ ..‬أو التحليق‬
‫بطائرة هليكوبتر! !‬

‫وعندما سئل الرئيس مبارك عن اتهاما الدولة بقتل سليمان خاطر‪ ،‬قال‪:‬‬

‫"وهل من المعقول أن يقوما أحد بقتله وأناا ل أعرف؟ ولو أن شخصا صدر إليه أمر بقتل‬
‫سليمان خاطر فمن المؤكد أناه كان سيقول وكان سيبلغ‪ ،‬فليس من السهل أن تأمر أحدا بقتل أحد‬
‫فيقتل" !‬

‫ولم يعلق أحد على هذا الرد! !‬

‫لم ينف الذين أكدوا أن سليمان خاطر قتل احتمال أن يكون اناتحر ‪ ...‬أو بدقة أكثر لم ينفوا أن‬
‫يكون قد استنحر ‪ ..‬أو دفع إلى الناتحار ! !‬

‫بمعنى أوضح ‪ ..‬هيأوا له كل ما يمكن أن يؤدي به إلى الناتحار ‪ ..‬وهذا بالتأكيد من المور التي‬
‫– جعلتها ثورة علم النفس الحديث‪ ،‬وثورة العلم المتطور في أجهزة المخابرات ‪ -‬مسألة بسيطة‬
‫للغاية ‪ ..‬وذلك بأقراص معينة ‪ ..‬أو بحقن معينة‪ ،‬تعطى له بدل من حقن العلج من البلهارسيا ‪..‬‬
‫أو بواسطة خبراء نافسيين‪ ،‬مدربين على التأثير والتحكم في النوازع والقرارات البشرية‬
‫وتوجيه هذه النوازع والقرارات في اتجاه الموت ‪ ..‬اناتحارا ‪...‬‬

‫ويتساءل "صلح عيسى" في صحيفة الهالي بعد الحادث‪:‬‬

‫"ومع أن احتمال قياما سليمان خاطر بالناتحار في رأي دوائر محدودة من المراقبين والرأي‬
‫العاما – هو احتمال وارد بسبب طبيعة شخصيته الفائقة الحساسية ومشاعره الوطنية القرب‬
‫إلى الشطحات الصوفية – إل أن ذلك في رأي آخرين ل يمكن أن يكون قد حدث إل بتهيئة الجو‬
‫النفسي له بما يدفعه للناتحار وهي من العمليات التي تتقنها أجهزة المخابرات ‪...‬‬

‫فهل أوهم سليمان بأناه قد أضر بوطنه وأن اختفاءه تضحية وطنية ينبغي أن يقوما بها بنفسه؟ ‪..‬‬

‫هل استغل خبراء نافسيون مدربون ناوازع الفداء والعطاء التي كانات تمل روح هذا الشاب‬
‫العجيب لينفذ بنفسه إرادة شامير وغير شامير؟ ‪..‬‬

‫وهل كان الهمال الجسيم‪ ،‬وهو الحد الدناى المتفق عليه بين الجميع‪ ،‬متعمدا أو غير متعمد؟ ‪..‬‬

‫وتبقى الجابة في بطن الغيب! !‬

‫وتعترف الدارة المصرية أن سليمان خاطر قد قتل ‪ ..‬لكنها ‪ ..‬تقول أيضا إن الذين قتلوه هم‬
‫الذين صنعوا منه بطل رغم أنافه ‪ ..‬وكانات تقصد بذلك – بالطبع – المعارضة ‪ ..‬التي أعطته –‬
‫حسب ما رددته الصحف الحكومية – حجما أكبر من حجمه‪ ،‬فلم "يتحمل ناسيجه النفسي كل‬
‫هذه الضجة التي صنعوها من حوله" فانادفع إلى الناتحار ‪" ..‬إن هذا الفتى الصغير بعمره‬
‫الغض وتجربته المحدودة" لم يتحمل "كل هذه العباء الجساما" ‪ ..‬فأجهز على نافسه ‪...‬‬

‫وبلور هذا التهاما الرئيس حسني مبارك‪ ،‬حين قال‪ :‬إن سليمان خاطر كان ضحية الذين أرادوا‬
‫أن يستثمروا قضيته!‬

‫باختصار ‪ ..‬ردت الدارة إلى المعارضة نافس التهمة ‪ ..‬تهمة قتل سليمان خاطر‪..‬‬

‫لكن ‪ ..‬أدلة الدارة كانات أضعف من أدلة المعارضة ‪..‬‬

‫أدلة الدارة ناوع من الخواطر وأدلة المعارضة ناوع من الحقائق ‪..‬‬

‫ويبقى السؤال‪ :‬أليس تحويل سليمان خاطر إلى بطل يعطيه الدافع للستمرار ول يدفعه إلى‬
‫الناتحار؟‬

‫ويبقى السؤال‪ :‬إذا كانات الدارة متأكدة من أن سليمان خاطر قد اناتحر‪ ،‬فلماذا تصر على أن ل‬
‫تعيد تشريح جثته؟ !‬

‫وتبقى أسئلة وأسئلة لن يتوصل أحد إلى إجابة عليها ‪ ..‬ربما ‪ ..‬حتى ولو بعد عمر طويل! !‬

‫بقيت علمات الستفهاما الكبيرة حول وفاة سليمان خاطر مثار جدل كبير في الشارع ‪ ...‬على‬
‫المقاهي ‪ ...‬في مدرجات الجامعات ‪ ..‬وفي الصحف الحزبية ‪..‬‬

‫لكن ‪ ...‬هذا الجدل سرعان ما راح يخفت تدريجيا ‪ ..‬ليحل بدل منه الخوف على التجربة الحزبية‬
‫والسياسية والديمقراطية‪ ،‬الوليدة في مصر ‪...‬‬

‫ففي الحوار الذي أجرته مجلة المصور مع الرئيس "مبارك" بمناسبة ردود فعل المعارضة‬
‫حول وفاة سليمان خاطر‪ ،‬هاجم الرئيس "مبارك" المعارضة بعنف ‪ ..‬وبدا كما لو كان قد فقد‬
‫حلمه وأعصابه ‪..‬‬
‫وقال‪ :‬أعتقد أن مصر لم تعد تتحمل المزيد وأن الحكم لم يعد يطيق ‪ ..‬وإن كنت قد تحملت الكثير‬
‫فهناك غيري ل يتحمل ‪ ..‬إن الحكم ليس فقط شخص رئيس الجمهورية‪ ،‬الحكم مؤسسات ودولة‬
‫ومناخ واتفاق على المصالح القومية‪.‬‬

‫وقال‪ :‬إن لكل شيء ناهاية وحدودا حتى الحياة نافسها لها حدود وناهاية!‬

‫وقال‪ :‬إن الديمقراطية في خطر‪ ،‬لناهم يضربوناها ‪ ..‬بل يقتلوناها بممارستهم التي تستهدف‬
‫الفوضى والتهييج والثارة‪ ،‬وأظن أن الديمقراطية إذا لم تعد على الشعب بشيء سوى الفوضى‬
‫فإن من حق الشعب أن يكفر بها‪.‬‬

‫وعندما سئل الرئيس عن البديل‪ ،‬قال‪ :‬البديل في علم الغيب لكنه مخيف وخطير!‬

‫وعندما قال المحرر للرئيس إناه لم يره غاضبا على هذا النحو من قبل‪ ،‬رد عليه‪ :‬أناا لست النبي‬
‫فلي طاقة البشر ولي حدوده!‬

‫وقامت الدنايا على هذا الحوار ‪ ..‬ولم تقعد!‬

‫وخرجت المعارضة عن كل التحفظات التي كانات تحاسب عليها ‪...‬‬

‫قال الكاتب السلمي المعروف خالد محمد خالد‪ :‬ذلك ما كنا ناحاذره وناخشاه ‪ ..‬وما كنا ناهرب‬
‫من هواجسه إلى تفاؤلنا ‪ ..‬ومن محاذيره إلى ثقتنا ورجائنا ‪..‬‬

‫ولكن فجأة وقعت الواقعة وجاء النذير!‬

‫إنانا لم ناجد مشجبا ناعلق عليه الخطاء سوى الديمقراطية‪.‬‬

‫وتساءل‪ :‬ما ذناب الديمقراطية فيما حدث؟‬

‫ويأتيك الجواب‪ :‬المعارضة!‬

‫وتسأل مرة أخرى‪ :‬وهل خطأ المعارضة يشجب الديمقراطية؟ ويعطي الفرصة لتهديدها؟ ثم ما‬
‫مدى فهمكم للمعارضة؟‬

‫أل يدلكم اسمها على وظيفتها؟ ثم ما ظنكم بها وبالديمقراطية كلها؟ أتريدون معارضة "معقمة"‬
‫وديمقراطية ملفوفة في "بالت" من القطن الطبي؟‬

‫إن الديمقراطية هي "قدرة الشعب على التغيير – تغيير حكامه وتغيير قواناينه وبالتالي اختيار‬
‫حكامه وقواناينه عن طريق القتراح الحر وليس عن طريق الناقلبات والمؤامرات"‪.‬‬

‫والذين يريدون ديمقراطية بل معارضة إناما يريدون – تماما – ديمقراطية بل ديمقراطية ‪ ..‬وإذا‬
‫اتفقنا على هذا فل بد من التفاق الكيد على أن الديمقراطية كالحرية – حق – ل منحة‪.‬‬

‫لقد جابهنا الرئيس مبارك بنذير شديد بين يدي ما أسماه "المخيف الخطير" ‪ ..‬ثم يقول‪ :‬وإذا‬
‫كنت قد تحملت الكثير فإن غيري ل يحتمل! ‪ ..‬يا ويل مصر من هذا الغير‪.‬‬
‫أو ناسأل ا القدرة على أن ناقول صادقين‪ :‬يا ويل هذا الغير من مصر؟‬

‫ويقول الرئيس‪ :‬إن الديمقراطية في خطر لناهم يضربوناها بممارستهم ويظن أن الديمقراطية إذا‬
‫لم تعد على الشعب بشيء سوى الفوضى‪ ،‬فإن من حق الشعب أن يكفر بها ‪ ...‬والحق يقال إن‬
‫هذه الفقرة تحريض على الديمقراطية وإيحاء للشعب بأناها أخفقت وساءت مصيرا ‪ ...‬بل هي‬
‫إيعاز للشعب كي يهيئ نافسيه لجنازتها ‪ ..‬وأقسم برب الرض والسماء أن هذا القول لن يكون‬
‫في صالح أحد أبدا ‪ ..‬حتى الرئيس مبارك نافسه‪.‬‬

‫إناه يؤكد أناها – أي الديمقراطية – أصبحت فوضى على يد المعارضة بأحزابها وصحافتها ‪ ..‬ثم‬
‫يرتب على ذلك حكما مبينا بأن من حق الشعب أن يكفر بها‪.‬‬

‫وحذرت أحزاب المعارضة وكتابها من أن هناك "سبتمبر" أسود آخر ‪ ..‬قادما ‪ ..‬وكانات تشير‬
‫بذلك إلى ما فعله الرئيس السابق أناور السادات من اعتقالت في سبتمبر ‪ ،1981‬قبل اغتياله‬
‫بشهر تقريبا‪.‬‬

‫وقالت صحيفة الهالي في مقال افتتاحي وقعه رئيس التحرير ‪ :‬هل الخلف في الرأي والتعبير‬
‫المحدود المتاح للمعارضة عن هذا الرأي يعد خطرا على ديمقراطيتنا؟‬

‫إن كل ما تمارسه المعارضة )للسف( ل يتجاوز حق الكلما المقيد بالصحيفة السبوعية لكل‬
‫حزب وبالمؤتمرات التي تقاما داخل المقارات بينما محرما عليها كافة المكاناات والوسائل‬
‫السياسية المعروفة في أي ناظاما ديمقراطي مثل حق التنظيم في وحدات الناتاج والعمل‬
‫والجامعات وحق مخاطبة الرأي العاما من خلل أجهزة العلما المملوكة للدولة والمسماة‬
‫بالقومية وحق الجتماع في الماكن العامة وحق تنظيم المظاهرات السلمية وإناشاء الجمعيات‬
‫والشركات التي تمول ناشاطها ‪ ..‬بل إن أحزاب المعارضة ممنوعة قسرا من التواجد في‬
‫المجالس التمثيلية في المحليات ومجلس الشعب بقوة قاناون جائر يسمى قاناون الناتخاب‬
‫بالقائمة المطلقة وقاناون الناتخاب بالقائمة النسيبة الحزبية المشروطة وبقوة أجهزة الدولة‬
‫التي احترفت تزييف الناتخابات العامة لصالح الحزب الحاكم ‪ ...‬فكيف تهدد المعارضة‬
‫الديمقراطية في مقتل؟‬

‫إن الحفاظ على الديمقراطية واستقرارها وتقدمها مسئولية الغلبية ل القلية‪ ،‬والحكومة تقول‬
‫لنا إن الحزب الوطني الديمقراطي هو حزب الغلبية الذي يحظى بتأييد ‪ %80‬من الشعب‬
‫المصري!‬

‫إذن فلماذا هذا الخوف والقلق من أحزاب المعارضة والتي ل تتمتع طبقا لما تقوله الحكومة‬
‫والحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية إل بتأييد أقلية ضئيلة ل تتجاوز الـ ‪%20‬‬

‫وقالت افتتاحية جريدة الشعب في نافس السبوع‪:‬‬

‫إذا كان الخلف بيننا وبين الرئيس جذريا وخطيرا على النحو الذي بدا في صياغة السئلة‬
‫والعناوين‪ ،‬فإن الحرب بين الحكومة والقوى الوطنية الخرى تكون حينئذ مبررة ‪ ..‬ومرحبا بها‬
‫في هذه الحالة‪ ،‬إذ لسنا ممن يشترون سلمتهم الشخصية بالتنازل عن مبادئهم ‪ ...‬وقل لن‬
‫يصيبنا إل ما كتب ا لنا ‪ ...‬ولكن إذا لم يكن الخلف على هذا القدر من العمق‪ ،‬يصبح من‬
‫الحماقة أن تنشأ حرب تصيب الطراف كلها بالخسارة لمجرد أنانا تقاعسنا عن فهم بعضنا‬
‫البعض‪.‬‬
‫الرئيس تساءل‪ :‬كم من الوقت تستطيع مصر أن تتحمل عبث أحزاب المعارضة؟‬

‫وناحن بدورناا ناقلق لما يحدث في بلدناا وناتساءل‪ :‬كم من الوقت تستطيع مصر أن تتحمل‬
‫السياسات الحالية للحكومة؟ ويدهشنا أن الرئيس لم يشر إلى سؤالنا هذا إلى جاناب إثارته‬
‫للسؤال الول عن عبث المعارضة‪ ،‬إن الرئيس مبارك يقول إن الممارسات الحالية قد تفضي إلى‬
‫بديل هو في علم الغيب )على حد تعبيره( ولكنه بديل "مخيف وخطير" وناحن ناتفق تماما على‬
‫أهمية هذا التحذير‪ ،‬ولكننا ل ناعتبره موجها لنا وحدناا‪.‬‬

‫وهكذا ‪ ..‬فجر سليمان خاطر العديد من القضايا وهو على قيد الحياة ‪ ..‬وفجر العديد من القضايا‬
‫بعد أن رحل عن الرض وصعدت روحه إلى السماء ‪..‬‬

‫أي قدر كان يتربص بهذا الشاب الصغير؟‬

‫أي صدفة ألقته في طريق الديناصورات؟‬

‫لقد كان بالفعل – مثل الحجر الصغير الذي يثير الدوامات في الماء الراكد ‪ ..‬وبعد أن سكن في‬
‫قاع النهر ‪ ..‬ل تزال الدوامات تتسع ‪ ..‬وتتسع ‪ ..‬وتتسع ‪...‬‬

‫قبل الرحيل‬

‫ما أخشاه ليس الموت‪ ،‬ما أخشاه أن يكون موتي سبب في أن يعيد كل جندي حساباته عندما‬
‫يجد نافسه في موقف يحتمه عليه واجبه فيتردد أو يتخاذل‪.‬‬

You might also like