Professional Documents
Culture Documents
الموت)
محتويات
١إهداء
٢بدون مقدمة
٣قفوا ...ممنوع المرور! !
٤في زمن الهيروين!
٥خاتم سليمان خاطر
٦الذبح ..على الجانب الخر!
٧غربال ثقوبه كبيرة!
٨الطفال على الطريقة الصهيونية! !
" ٩عزبة" منزوعة السلحا!
١٠أشغال شاقة مؤبدة
١١آخر ربع ساعة!
١٢الجثة أمام القضاء!
" ١٣أكياد" تحت الحصار!
١٤من القاتل؟ !
إهداء
إلى سليمان خاطر نفسه ...
إلى الشمعة التي حسرت الظلم عن سيناء ..ثم أجبرت على الحتراق! !
بدون مقدمة
قبل أن يطلق "سليمان خاطر" رصاصات بندقيته اللية على )السرائيليين( في سيناء المنزوعة السلحا لم يكن
يستحق كتابا عنه ..
بعد أن وقع هذا الحادث أصبح الكتاب ممكنا ..لكن ...بمقدمة .
وبعد أن مات سليمان خاطر وقامت الدنيا ولم تقعد ..لم يعد الكتاب في حاجة إلى مقدمة.
عادل حمودة
مصر الجديدة
10فبراير 1986
قفوا ...ممنوع المرور! !
ل أحد يستطيع بسهولة أن يحدد بدقة موقع "رأس بركة" على خريطة جنوب سيناء!
بل ..ربما لم يسمع سوى عدد قليل جدا من المصريين بهذا السم من قبل ..فالمنطقة التي تقع
فيها ل تغري بالقامة الدائمة ،حتى لبدو سيناء الرحل ...أكثر خلق ا قدرة على التكيف مع
الصحراء ،والجبال ،والماكن الصعبة ..والمنطقة ليست لها أي سمعة أو شهرة سياحية بالمرة
..وأغلب إعلناات وبرامج التسويق السياحي لجنوب سيناء ل تتحدث إل عن "ناويبع" و
"ذهب" و "شرما الشيخ" ..وذلك رغم أناها تقع في منتصف المسافة تقريبا بين "ناويبع" و
"طابا" وهما مركزان هامان من مراكز الجذب السكاناي والسياحي في جنوب سيناء ...
والمنطقة التي تقع فيها منطقة صخرية ..شديدة الوعورة ...صخورها من أصل نااري ..تمثل
جذور جبال قديمة أتت عليها عوامل التعرية منذ بدء الزمن الول ،وصخورها من شدة القدما
تراوح لوناها بين اللون السود ..واللون البني الغامق وتراكمت صلبتها حتى أصبحت تنافس
في حدتها ناصل الخناجر والسكاكين ..وبسبب نادرة المياه ،وحرقة الشمس ،وصعوبة الحياة،
وحصار الصخور والرمال ،ل يعيش في هذه المنطقة سوى عدد ضعيف من البدو ..من قبائل
تسمى "الجرارشة" و "الصوالحة" ...وقد تناقص هذا العدد بدخول المدناية وناشاط السياحة
في المناطق القريبة منها ..والذين بقوا منهم عاشوا على تقديم بعض الخدمات لقوات الجيش
المصري التي كانات تتمركز هناك قبل يونايو .. 1967ثم أصبحوا يقدمون نافس الخدمات لقوات
المن المركزي الن ،وذلك بعد اناسحاب )إسرائيل( منها ،وبعد توقيع معاهدة "كامب ديفيد"
بينها وبين النظاما المصري ،واعتبار كل جنوب سيناء منطقة منزوعة السلح ،ل يتواجد فيها
من الجاناب المصري سوى جنود الشرطة المدناية فقط ..أما جنود الجيش فممنوع عليهم
التواجد أو التمركز هناك ..وممنوع على أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة أيضا ..ول توجد سوى
السلحة الخفيفة المناسبة فقط للدفاع الشخصي في يد جنود المن المركزي ..والمسيطر
الحقيقي على المنطقة كلها القوات متعددة الجنسية التي لها كل الحق في مراقبة أي اختراق
لمعاهدة "الصلح" بين النظاما المصري و "إسرائيل".
ومنطقة "رأس بركة" تتبع "ناويبع" إداريا ..وأمنيا ..وتطل مباشرة من نااحية الشرق على
خليق "العقبة" ...وعلى الخليج مباشرة تقع النقطة " – "46أمن مركزي التي تتبع سرية
المن في "ناويبع" والنقطة عبارة عن مجموعة من الكشاك أيضا توجد المكاتب وأماكن
الشئون الدارية ..وحول هذه الكشاك التي تعطي ظهرها إلى مياه الخليج أسلك شائكة ..أما
وجهها فيطل – نااحية الغرب – على الطريق المرصوف الذي يربط ناويبع بطابا ..وعدد هذه
الكشاك ثلثة ...أكبرها وهو المبنى الرئيسي مساحته 10 × 7متر وهو عنبر للنوما.
والذي يقف على شاطئ الخليج عند هذه النقطة ،يستطيع أن يرى الساحل السعودي على
الناحية الخرى .ويربط طريق )مدق( ضيق ،ل يسمح بمرور السيارات وإناما الفراد فقط ،بين
هذه النقطة وناقطة مراقبة أخرى تتبعها توجد على هضبة من الصخور ،وفوق هذه الهضبة
يوجد كشك من الخشب مغطى بالصاج والبطاطين )مساحته 8×5متر( وله شرفة تطل على
الخليج ..وخلفه من نااحية اليسار إلى الغرب منطقة منخفضة ناسبيا ...وعلى شمال الكشك
سارية علم ،يلمح ما يرفرف عليها السائرون على الطريق السفلتي ،وأفراد النقطة أسفل
الهضبة على بعد ناصف كيلو متر ،والسائحون الذين ينصبون خيامهم تحتها مباشرة على
شاطئ الخليج ..وهذه الخياما تكون ما يمكن وصفه بالمعسكر ...وهم غالبا ما يكوناون في
حدود 20أسرة ..أو في حدود 100شخص.
في هذه النقطة المرتفعة يوجد جهاز إشارة ،وتحويلة تليفون تتصل بالنقطة الصلية ،وصندوق
سلح توجد به فقط بندقيتان طراز "آلي" صناعة مصرية )عيار 9 ×7.62مم( وخزائن ذخيرة
ل يزيد عدد طلقاتها على 600رصاصة ) 300رصاصة لكل بندقية( ،وأمتعة شخصية داخل
"دواليب" للجنود الذين يخدمون فيها ،وهم خمسة جنود ،اثنان منهم للستطلع هما :الرقيب
سليمان خاطر ) 25سنة( وهو الحكمدار ..والجندي عطية إبراهيم علي ) 23سنة – من
الشرقية ( ..وهما الوحيدان المسلحان ..وفي النقطة جنديان يعملن على "جهاز خاص" داخل
الكشك ،هما :حسوناة عبد المجيد حمودة ) 22سنة – من دمياط( وحسن علي الخولي ) 24سنة
– من الشرقية( ..أما الخامس ففرد مراقبة ،اسمه علي إبراهيم محمد ) 22سنة – من
الشرقية(.
في هذا الموقع التقليدي – بلغة أهل السينما – وقع حادث سليمان خاطر ...كان ذلك قبل غروب
شمس يوما السبت 5أكتوبر ... 1985
بالتحديد بين الساعة الرابعة والنصف والساعة الخامسة من بعد الظهر ..وهي فترة تنكسر
فيها خيوط الشمس المضيئة ،ويذبل بريقها ،ويختلط لوناها الصفر بحمرة الغروب المبكر ..
وهي فترة تقل فيها درجة الرؤية ..ويستعد فيها الظلما للهبوط المفاجئ والسريع )أسرع من
أي منطقة أخرى خاصة في الشتاء( نااشرا أجنحته السوداء على المنطقة كلها دون أي إناذار
مبكر ..ودون أي تكاسر..
في ذلك الوقت ..كان كل شيء هادئا في ناقطة المراقبة المرتفعة ..
لقد جاء "تعيين" أفراد النقطة متأخرا بعض الوقت ..وكان "دجاجا" ..فسارعوا بطبخه ..
وعندما راحوا يتناولوناه اكتشف سليمان بقع دما في قطعة الدجاج التي كانات من ناصيبه ..
فرفض تناولها ..وقاما – دون أن يأكل – ليتولى ناوبة خدمته الخيرة ...
إن هذه الخدمة هي خدمته الخيرة ..ويومه هذا هو يومه الخير في تجنيده ..ويومه الخير
في هذا الموقع الذي قضى فيه 120يوما بالتماما والكمال ..وهذا ما جعله يقوما بتجهيز كل
مهماته وعهدته تمهيدا لتسليمها بعد ناوبة الحراسة في المقر الرئيسي بشرما الشيخ ،ليغادر
سيناء بعدها إلى قريته "أكياد" – "شرقية" .المسئول عن تسلم مهماته ،لسؤاله عن "صور"
التعبئة الخاصة بإناهاء خدمته ..وهذا ما جعله يشعر بسعادة غامرة ،ويحزما وسطه ،ويرقص،
وسط غناء بقية المجموعة "سينا رجعت كاملة لينا ..مصر اليوما في عيد".
ول بد أن سليمان وهو واقف في ناوبة حراسته الخيرة كان حالما ..يفكر في أمه التي يحبها
ويتحمل مسئوليتها ..ول بد أناه كان يفكر في مساعدتها بزراعة الفدان الوحيد الذي تملكه
السرة ..ول بد أناه كان يفكر في استكمال دراسته الجامعية في حقوق الزقازيق ..ل بد أناه كان
غارقا في التفاؤل والمل ،وفي رسم خطة جديدة لمستقبله ...
لقد ترك زملءه يواصلون تناول طعامهم ومرحهم في اناتظار أن "يحبسوا" بسجائر
"الكيلوباترا" أو سجائر "السوبر" كما يسموناها ،والتي أرسلوا زميلهم حسوناة منذ فترة
ليشتريها لهم ...تركهم على هذه الحالة وراح يقف خلف الكشك في المنطقة المنخفضة ناسبيا
ويراقب الطريق والخليج بعين مدربة وواعية ..وكان منهمكا في عمله إلى حد أناه لم يلحظ –
بعد فترة وجيزة – أن زميليه عطية إبراهيم وعلي إبراهيم قد اناتقل للجلوس على البحر ،وراحا
يدردشان في ظروف المعيشة الصعبة ..وفي تصرفات السياح )السرائيليين( الذين ل
يستحون ،ويتصرفون في سيناء كما لو كانات "عزبة أبوهم" على حد قول أحدهما.
في نافس الوقت تقريبا ..في أسفل الهضبة ..عند الخياما التي على الشاطئ ..كانات مجموعة
من )السرائيليين( تستعد لصعود الهضبة ...
لقد جاءت هذه المجموعة من آخرين إلى رأس بركة قبل يومين ..في عصر يوما 3أكتوبر ..
كاناوا خمس عائلت ،وصلوا المنطقة معا في أربع سيارات ..
كاناوا 12شخصا ..منهم ثلثة كبار هم القاضي "هامان شيلح" وزوجته "إيلناا" وصديقتهم
"انايتا جريفل" وكان الخرون وعددهم تسعة من الفتيان الذين ينتمون للعائلت الخمس
صعدوا الجبل من نااحيته المطلة على ناقطة المراقبة ،عبر المدقات الرملية التي تتخلل
صخوره ..وبينما هؤلء يصعدون الجبل ،كان سليمان خاطر يستطلع المكان بمنظار مكبر،
وكان سلحه – كعادته دائما – معمرا وجاهزا للطلق ،على عكس زميله عطية إبراهيم ..
وبسبب كثرة المرتفعات والمنخفضات فإن سليمان لم ير الصاعدين من أسفل الجبل ،ولم يرهم
إل بعد أن أزاح المنظار المكبر من على عينيه ،وكاناوا قد أصبحوا على بعد 50مترا من
الكشك ..وقد رآهم هو وزملؤه بالعين المجردة ..فتحرك ليقابلهم ..
كاناوا حسب رواية شهود العيان عبارة عن رجل ممتلئ يرتدي جلبابا من ذلك النوع الذي
يرتديه السياح عادة ...وامرأة ترتدي مايوه قطعة واحدة ..وأخرى ترتدي مايوه "بكيني" من
الطراز المفضوح الذي يكشف البطن وبعضا مما تحتها ..والذي ينافس في صغر حجمه ورقة
"التوت" أو ورقة "البوستة" ..وعدد من الفتيان والفتيات ..كاناوا جميعا يسيرون في كتلة
واحدة ..أو "حزمة" واحدة حسب ما رواه سليمان ..ثم حدث ما حدث ..
ج :أناا كنت ماسك خدمة في يوما ... 1985 /10 /5وتبدأ في الساعة الثاناية ظهرا ...وكنت
على ناقطة مرتفعة من على الرض 150متر وقاعد في مكاناي اللي على هيئة صحن وتحتي
الخليج ...وأناا ماسك خدمة ومعي السلح ،شفت مجموعة من الجاناب )لم يقل مجموعة من
السرائيليين( ستات وعيال وتقريبا راجل ،وكاناوا طالعين لبسين مايوهات منها بكيني ومنها
عري ...
فقلت لهم:
قالها سليمان بالناجليزية التي يجيد التحدث بها في مثل هذه الحالت ،والتي اعتبرها أحد
زملئه من مميزاته التي يستغلون معرفته بها في منع الجاناب من الموقع.
ولكن ..ل حياة فيمن تنادي ..لم يستجب أحد منهم للتحذير ..ولم يقفوا ...
ويضيف سليمان:
-ما وقفوش خالص ...وعدوا الكشك وكاناوا حزمة واحدة والكلما ده كان الساعة الخامسة
تقريبا والشمس غابت ،لن الشمس بتغيب في المنطقة دي – علشان الجبال مرتفعة – من
خمسة إل ربع ..وأناا كنت موجه السلح في العالي وهم مش سائلين في وطالعين على يمين
التبة ..وأناا راجل واقف في خدمتي وأؤدي واجبي وفيه أجهزة ومعدات ما يصحش أي حد
يشوفها ،والجبل من أصله ممنوع أي حد يطلع عليه سواء مصري أو أجنبي ،وأناا إيدي كانات
محملة على التتك ،وأناا دايما معمر سلحي طول ما أناا في النقطة والحكاية دي معروفة عني ..
إن دايما فيه طلقة جاهزة في الماسورة ...علشان المنطقة دي دايما فيها وحوش )ذئاب
وضباع( وكذلك بنسمع عن البدو إناهم ممكن يعملوا أي حاجة فأناا بابقى عامل حسابي ومحرص
..
فإيدي لما جت على التتك طلع عدد من الطلقات ما أعرفوش ولقيت نااس بتجري ..منهم واحد
وقع ..جريوا أماما الطلقات وأناا ساعتها ما درتش بنفسي وما عرفتش باعمل إيه ،ضربت النار
تاناي وإل ضربت عليهم تاناي ..وقفت عامل زي المجنون ومش داري بنفسي ..وبقيت مرة
أضحك ومرة أعيط ...
وناترك لسليمان فترة وجيزة يلتقط فيها أنافاسه ..لنتأمل ما حدث ...
– 1إن من الواضح أناه فوجئ بهم أمامه على بعد 50مترا فقط.
– 2أناه حذرهم بأكثر من أسلوب :أشار لهم بيده ..طلب منهم عدما الصعود ..قال لهم باللغة
الناجليزية "قفوا ممنوع المرور" ..وبإطلق رصاصات تحذير.
– 3أناه وهو يطلق رصاصات التحذير أصاب أحدهم ..ففقد السيطرة على نافسه.
– 4أناه كان يشعر بأن عليه مسئولية كبيرة وهي حراسة أجهزة ومعدات "ما يصحش حد
يشوفها" وأناه إزاء هذه المسئولية كان ل بد من إيقافهم بأي طريقة حتى ولو كانات هذه
الطريقة إطلق أعيرة تحذير في الهواء ...لكن رصاصة من رصاصات التحذير أصابت أحدهم،
وأفقدته السيطرة على نافسه ،وأفقدهم الرعب التحكم في أنافسهم ،فراحوا يعدون في مرمى
النيران التي أدركت سبعة منهم ...
ولعل من المفيد هنا ،أن ناعرف تفسير الحادث من وجهة ناظر الطباء النفسيين الذين فحصوا
سليمان بعد ذلك ...
-إن سليمان عندما رأى "بعض الشخاص يتقدمون ناحوه" أحس "بالخوف الشديد يتملكه
خصوصا أن هذه أول مرة يتقدما منه أشخاص في غير أوقات النهار ..ولجأ سليمان إلى
الكلمات الناجليزية التي تعود أن يستخدمها لبعاد هؤلء الغرباء الذين يقتربون من موقعه،
ولكن هذه الكلمات لم تؤد هذه المرة إلى أي ناتيجة ..وشعر سليمان بالرعب يتملكه وبدأ يفكر
في هؤلء الشخاص ..من هم ..وما يمكن أن يحدث منهم ..ومن يكون وراءهم ..وماذا يمكن
أن يحدث للوطن إذا تقدموا أكثر من ذلك؟ ! ولجأ سليمان إلى التظاهر بأناه سيطلق النار على
هؤلء الشخاص حتى يخافوا وينصرفوا ،ولكنه كان هو الخائف والمرتعد وهو يمسك بسلحه
ويتخشب عليه حتى اناطلقت طلقة يذكر أناه فوجئ بها ،حيث وجد أن شخصا وقع على الرض
والدماء تنزف منه ..ويتذكر سليمان أناه إذ رأى منظر الدما لم يدر ماذا حدث بعد ذلك حتى وجد
نافسه بعد فترة قصيرة راقدا في مكان آخر على الجبل".
وفي تلك اللحظات النفسية التي مر بها سليمان ،فكر في الناتحار ..وقال للمحقق:
-أناا حطيت السلح في صدري وعايز أضرب نافسي ...وزميلي علي إبراهيم شهد بذلك ...وأناا
عمري ما تخيلت أناي ممكن أفكر أن أضرب نافسي بالنار ...وأناا كنت حضرب نافسي بالنار ولكن
"علي" قال لي" :مش حتضرب نافسك بالنار يا سليمان ...لو أنات ضربت نافسك أناا حضرب
نافسي بعدك".
س :هل حاول الجندي سليمان الناتحار بعد أن أطلق النار على من أطلقها عليهم؟
ج :أيوه يا فندما ،حط ماسورة البندقية على صدره وأناا قلت له "ماناتش حتموت نافسك يا
سليمان ،لو حتموت نافسك يبقى حراما".
وبسبب كلمة "حراما" التي قالها الجندي علي إبراهيم تراجع سليمان عن محاولة الناتحار على
الفور!
وتسأل سليمان:
س :هل أنات متأكد أن هؤلء الجاناب قد تواجدوا في النقطة بعد مغيب الشمس؟
ج :ناعم.
س :هل تتذكر عدد الطلقات التي خرجت منك أول مرة؟
ج :ل.
س :هل تستطيع أن تذكر الحالة التي كان عليها المجني عليهم وقت إطلقك أول دفعة نايران
وهل أصيب من جرائها أي أحد منهم؟
ج :طبعا لناهم طلعوا في مكان ممنوع وأناا ما كنتش قاصد أضرب ..بس عملية تهديد علشان
إحنا أربعة بس والمكان
ده ممنوع ومفيش معاناا إل سلحين وهم عدد كبير ..
س :على كثرة عدد المتواجدين إل أناهم جميعا كاناوا أطفال وناساء وكاناوا عزل من السلح،
بشكل ظاهر ،فبماذا تعلل إذن إطلقك النار؟
ج :دي منطقة ممنوعة ،وممنوع أي حد يتواجد فيها وده أمر ،والل يبقى خلص ناسيب الحدود
فاضية وكل اللي تورينا جسمها ناعديها.
-إن كاناوا قد اجتازوا التل إلى ناقطة الحراسة ،أما كان يجب أن تضع في التقدير أن معظمهم
من النساء والطفال؟ وإن أحدا منهم لم يصدر عنه ما يمكن أن يكون عامل استفزاز لك؟
فرد سليمان:
-مسئوليتي حراسة الموقع ،وأناا لم أقتل أطفال ولم أر أطفال ،كانات الشمس قد غابت وكان
الظلما قد حل ،ورأيتهم يصعدون التل حزمة واحدة ..لقد كان أصغرهم يقاربني طول ...هذا ما
رأيته ..الخوف والظلما ورفضهم الوامر والقلق الذي اعتراناي وخوفي من أن يقع شيء في
اللحظة الخيرة من فترة تجنيدي ،يعوق خروجي ..كل تلك العوامل أسهمت في الحادث.
س :هل سحبت أجزاء سلحك على الجاناب وأحضرته وجهزته للطلق عندما لم يمتثلوا
لعتراضك لهم؟
ج :أناا سلحي جاهز على طول والمفروض إن كل واحد سلحه يكون جاهز!
-سليمان سلحه دايما جاهز ..من يوما ما رحت النقطة كان بيبقى منظفه ومجهزة ومركب فيه
خزناة ،وشادد طلقة وباقي الطلقات بجانابه ..كان دايما سلحه متعمر ..وجاهز.
وسئل سليمان:
ج :كل واحد يتعدى حدود المسموح أو حدود الدولة سواء مصري أو أجنبي!
س :هل أظهر هؤلء الجاناب أي عمل عدائي جعلك تطلق النار عليهم؟ وهل كانات تعلم
جنسياتهم من أي عبارة قالوها؟
ج :ل أعلم جنسياتهم وما حدش منهم أظهر عمل عدائي بس أناا باعتبر أي واحد يخش على
النقطة يبقى عمل عدائي ،أما أناتم قلتم ممنوع ليه؟ ..قولوا لنا ناسيبهم واحنا ناسيبهم يدخلوا
الشاليهات ويرقصوا فيها.
س :ألم تعلم – وأنات على درجة عالية من الثقافة والتعليم – أن ما أتيته كان من الممكن أن
يتمخض عنه عواقب وخيمة؟
ج :أناا لو كل واحد أسيبه يخش النقطة ،ولو كل عسكري على الحدود ساب برضه حتحصل
عواقب وخيمة.
ج :لن اللي يحب سلحه يحب وطنه ودي حاجة معروفة ،واللي يهمل سلحه يبقى مهمل في
وطنه!
ج :من 1984 /2 /24وأناا في نافس المكان ومعي نافس السلح ..يعني سنة ،وثماناية أشهر
تقريبا والسلح ده معايا.
وفوجئ رئيس نايابة السويس العسكرية الذي يتولى التحقيق معه أن الرقم صحيح ..وفوجئ
أيضا أن رقم السوناكي المركب على السلح ) (408هو نافسه الرقم الذي ذكره له سليمان بعد
ذلك.
س :كيف تذكرت رقم السلح بهذه الدقة وكذا رقم السوناكي بينما تاه عن ذاكرتك العديد من
الحوادث والحداث منذ أن أطلقت النار؟
ج :دا سلحي ..وبأنااما به على طول سنة وثماناية شهور ولم أعاشر أخي سنة وثماناية أشهر
زيه ..إناما الحادث ده حاجة ل تتكرر!
قبل أن يطلق سليمان خاطر الرصاصات الولى ...كان قائد النقطة الضابط طارق سلطان داخل
أحد الكشاك أسفل الجبل ،وكان معه أمين الشرطة جمال رياض ..وكاناا يقومان بجرد عهدة
النقطة ...وبعد أن سمعا تلك الرصاصات خرجا من مبنى النقطة.
كان الضابط طارق سلطان بالقرب من الباب فخرج أول وبسرعة ..ثم لحق به المين جمال
رياض.
وقال الضابط للمحقق العسكري :إناه شاهد "المتهم" وهو يجري ويهدد السياح ..ولكنه تراجع
عن هذا الكلما ،بعد أن انادهش رئيس النيابة العسكرية من كيفية تمييز "المتهم" على بعد
ناصف كيلو متر )المسافة بين النقطة ومركز المراقبة( خاصة والشمس قد غربت ..واستبدل
عبارة "أناا شفت المتهم" بعبارة أخرى هي" :أناا شفت واحد ماسك في إيده سلح".
-بعد أن خرجت على صوت الطلقات ،لمحت عدد من الجاناب عند ناقطة الملحظة اللي على
التبة ..اتنين منهم وقفوا ..وعدد تاناي جرى وما قدرتش أميز لبعد المسافة ..وشفت شخص
عسكري لبس ميري في دائرة بعد الكشك من الناحية الشمالية بحوالي عشرة أمتار وهو مكان
مصدر النيران ..وكان واقف ساعة ما كان بيضرب النار وبعدين بطل ضرب ..وبعدين راح
راجع جرى على التبة اللي في الجنوب وهي تبة مرتفعة شوية فأمكننا مشاهدته عن بعد
بالكامل لناه كان على خط السماء وأطلق دفعة من النيران وبطل ضرب ...وعلى هذا النحو ...
كان مشهد الحادث من أسفل الجبل ..وعلى بعد 500متر وهو مشهد – بلغة السينما – يسمى
"باناوراما" ..ويفضح كل التفاصيل!
رغم حالة الناهيار التي أصابت سليمان خاطر ،والتي كان فيها – على حد قوله – كالمجنون،
إل أناه أناه لم ينس أن يصرخ محذرا" :اقفلوا الطريق أحسن سيارة تبلغ )إسرائيل( و
)إسرائيل( تهجم علينا ..لحد ما رئاسة القطاع تاخد علم" .وطلب من زميله الجندي عطية
إبراهيم أن ينزل ليبلغ الضابط طارق سلطان هذا التحذير ...واستجاب عطية للمر ..ونازل ..
وقد وصف الضابط طارق سلطان حالة عطية وهو يقترب منه أسفل الجبل بأناه كان "يتسحب"
وبمواجهته المين جمال رياض تراجع عن هذا الوصف ...
-إن عطية عندما اقترب منه قال له :سليمان ضرب الجاناب بالنار ..وبيزعق وبيقول :أي حد
حيقرب منه حيضربه بالنار! !
وبمواجهته بالمين جمال رياض ثبت أن ذلك غير صحيح ،ثم تراجع عنه قائل" :الحقيقة ..أناا
مش فاكر".
س :ألم تخبر الجندي عطية إبراهيم بعد إطلقك أول دفعة من النيران أناك ستضرب الجاناب
بالنار وطلبت منه البلغا عن ذلك؟
ج :أناا ما طلبتش منه غير أناه يقفل الطريق علشان ما حدش يبلغ )إسرائيل( والبلد تنضر وغير
كده مفيش ..ودي منطقة منزوعة السلح وممكن اليهود يعملوا حاجة بسرعة وياخدوا ده كله!
!
وبمجرد أن تأكد قائد النقطة طارق سلطان أن سليمان هو الذي يطلق النار ،اتصل على الفور
بالرائد أحمد الشيخ ،قائد ثاناي سرية المن المركزي بنويبع والمقدما حسن خلف قائد السرية
وأبلغت السرية قطاع المن المركزي بجنوب سيناء ومقرها شرما الشيخ ) -على بعد 206كيلو
مترات ويرأسه العميد بهاء حرب توفيق(.
وأصدر قائد النقطة أوامره للجنود الذين تحت يده بحصار النقطة الرضية ،ففعلوا ذلك ،ورفعوا
بنادقهم ،وبدا عليهم النافعال والتوتر.
وسارع من جهة أخرى بالتصال بمستشفى ناويبع لرسال سيارة إسعاف وأخصائيين ..على
الفور.
وقبل أن يصل رجال السعاف ،كان أربعة من الفتيان والبنات قد ناجحوا في النزول من الجبل،
وكان هؤلء من بين أفراد المجموعة التي كانات أعلى الجبل ..وكان من بينهم اثنان مصابان
إصابات سطحية ..أخدهما محاما إسرائيلي كان على الشاطئ اسمه جيراكورن ) 52سنة( ..
كانات ابنته من بين الربعة الذين ناجوا ،واسمها "ناعمة" ..أخذهما في سيارته لنقلهما إلى
مستشفى ناويبع ..وقد لحظ وهو في الطريق أن معظم الطرق كانات مغلقة بالبراميل ،والحواجز
الحديدية ..وبعض الجنود المسلحين.
بعد أن أناهى الضابط طارق سلطان اتصالته الولية ،قال له أمين الشرطة جمال رياض:
فرد عليه:
-اطلع أنات!
وأخذ المين جمال رياض طريقه إلى أعلى ..إلى موقع مركز المراقبة ..سلك طريق مدق،
وعر ..وفي منتصف الطريق سمع صوت طلقات رصاص ..على دفعات ..كل دفعة ما بين
ثلث إلى أربع رصاصات.
فزعق:
توقف الرصاص ..وواصل الرجل صعوده ..وعندما وصل إلى النقطة ،قال له سليمان:
فدخل!
دخل المين جمال رياض ،وراح يطمئن على باقي أفراد النقطة ،وعندما اطمأن قال لسليمان:
-أناا حروح أشوف الناس المصابة علشان لو حد سليم أنازله يسعفوه.
-روح.
وبمجرد أن اقترب المين من موقع ضرب الرصاص اكتشف على الفور وجود سبعة أشخاص
فارقوا الحياة.
"رحت شفت الناس لقيتهم خمسة فوق حول الموقع على التبة الشمالية ،خلف الكشك ،وتتبعت
آثار الدماء فوجدت اثنين ،واحد ساقط من جنب العلم والثاناي من جنب المدق على الرمل ..
ولقيتهم جميعا فارقوا الحياة".
فقال له:
-انازل!
وفعل ..نازل.
ج :لم يعتد سليمان على أحد في النقطة وتركني أطلع وأنازل تاناي.
س :هل في محاولة صعودك أو هبوطك من النقطة ،وقع عليك أي عنف أو تهديد من سليمان؟
وكانات هذه الجابة بمثابة تكذيب من قال :إن سليمان بيهدد كل من يقترب منه وبيقول إناه
حيضربه بالنار! وفيما بعد سئل سليمان في هذا التهديد بالذات ...
ج :ا أعلم ..أناا مش ممكن أضرب زميلي أبدا أو أي واحد مصري إل إذا جاءناي بالليل وطلبت
منه أن يثبت مكاناه ورفض!
س :ما هي الفترة التي استغرقتها داخل النقطة ،واستغرقتها في مناظرة المجني عليهم؟
ج :أناا بقيت في النقطة حوالي دقيقة وعلى ما لفيت على المجني عليهم ورجعت تاناي بتاع
خمس أو ست دقائق.
س :متى تحركت من النقطة الرئيسية إلى النقطة التي وقع فيها الحادث؟
س :ما هي الفترة التي استغرقتها من الوصول من النقطة إلى ناقطة الملحظة؟
س :معنى ذلك أناه منذ إطلق النار الول وحتى وصولك للنقطة ومعاينتك للمجني عليهم ،كان
مضى من الوقت حوالي 25دقيقة تقريبا؟
ج :ناعم ..بالكثير ناصف ساعة لحد ما شفت المجني عليهم وابتديت أنازل.
ج :ناعم.
س :ما هي الحالة التي كان عليها المتهم وقت صعودك للنقطة؟
ج :أناا كنت على بعد 30متر منه ..وكان عصبي فقط ،وقال لي :ما حدش يقرب منه ..وقال
لي أيضا :خش النقطة على طول.
لم يكتف سليمان خاطر بأن يفهم قائد النقطة – من صوت الرصاص – ما حدث ..وأن يتولى –
بعد ذلك – إبلغا السرية والقطاع نافسه ،وإناما طلب سليمان من زميله الجندي حسن علي
الخولي أن يقوما بهذه المهمة أيضا ..ويرسل إشارة إلى السرية والقطاع من جانابه.
إن حسن الخولي كان لحظة الحادث في مكان خدمته على "الجهاز" داخل الكشك ..وعندما
سمع الرصاصات الولى خرج على الفور ..وعندما وجده سليمان أمامه طلب منه أن "يخش
جوه الكشك" ..ودخل حسن الكشك ،وبعد فترة دخل سليمان عليه ،وقال له:
وقال :إناه بعد أن صعد المين جمال رياض طلب منه إبلغا إشارة أخرى.
ج :الولى كانات بلغا مش مكتوب وقلت للسيد المندوه :سليمان ضرب ناار على الجاناب،
والثاناية اللي كتبها المين جمال ،واللي فاكر منها إن فيه سبع أشخاص متوفين!
أكثر من إشارة وصلت الرائد أحمد الشيخ )ناائب سرية المن بنويبع( ،تفيد بوقوع الحادث ..
وبدون تفاصيل تزيد على أن "أحد الجنود في النقطة 46أطلق الرصاص على أجاناب"...
وتحرك الرائد أحمد الشيخ لقائد السرية المقدما حسن خلف ،وتوجها معا إلى مكان النقطة ..
وهناك تأكد من صحة الخبر من الضابط طارق سلطان ..كان ذلك بعد حوالي ساعة وناصف من
لحظة إطلق الرصاصات الولى ،تقريبا ..ثم غادر الرائد أحمد الشيخ موقع النقطة متوجها إلى
مؤخرة السرية ،وعاد من جديد للنقطة بعد مرور ساعة أخرى من الزمن وهو يحمل معه جهاز
إشارة.
ول ناعرف لماذا اهتم الرائد أحمد الشيخ بإحضار جهاز الشارة هذا من مؤخرة السرية إلى
النقطة؟ ! وما هي العلقة بين هذا الجهاز والجهاز الذي كان تحت حراسة سليمان ،وقتل في
سبيله سبعة من )السرائيليين( ؟ وما علقة الجابة على هذين السؤالين ،وحالة القلق والفزع
التي ناقلت من سليمان خاطر إلى ضباط المنطقة ،إلى حد أناهم أغلقوا الطرق ،وأعلنوا – قدر
استطاعتهم – حالة الطوارئ؟ !
وفي الفترة التي ذهب فيها الرائد أحمد الشيخ لحضار جهاز الشارة ،قرر بعض ضباط المن
المركزي والشرطة ،الصعود إلى سليمان وإقناعه بتسليم نافسه ..واتفقوا على أن يقولوا له
بأناهم" :أطباء" ...وبعد مشاورات سريعة اتفقوا على أن يتولى المين جمال رياض ،والمقدما
إيهاب فرج ،والرائد جمال الصواف ،بالضافة إلى دكتور حقيقي ورجل إسعاف.
وقبل أن يصعد هؤلء لسليمان ،طلبوا من المين جمال رياض التصال به تليفونايا ..وقد تم
التصال فعل عبر "وصلة" التليفون التي تربط بين النقطة الرئيسية وناقطة المراقبة ..وقد رد
سليمان على المكالمة ..
-يا سليمان إحنا جايين نانقل الجثث من فوق عشان فيه طيارة حتنقلهم من تحت.
فقال سليمان:
-اتفضلوا.
سأله:
وصعدت المجموعة إلى مكان الحادث ،وكان سليمان من الذكاء بحيث عرف أن الضباط الذين
ادعوا أناهم أطباء ،ليسوا كذلك ..فقد قال في تحقيقات النيابة – فيما بعد – أناه قد صعد إليه
مجموعة بينهم طبيب واحد فقط ..وهذا يعني أناه لم يكن يماناع في صعود أي شخص مهما
كان ..وخاصة "أن كل شيء قد اناتهى" كما قال لمين الشرطة تليفونايا ..بل إن سليمان قد
استغرب من أن يطلبوا الذن منه في الصعود إليه ..وكل ما طلبه فقط أل يكون معهم أي
شخص أجنبي ...
وقد قال ذلك مقدما إيهاب فرج ) 33سنة( ناائب مأمور قسم شرطة ناويبع وأعلى رتبة كانات في
المجموعة التي صعدت لسليمان ..قال ذلك في تحقيقات النيابة العسكرية:
ج :كان غرضنا ناشوف إيه اللي بيحصل ..وأيضا ناسعف المصابين وناقدر الموقف ،وبعد أن
تأكدناا إن المتهم ل يعتزما النزول بسهولة ..وطلعنا فوق ..وكان بيننا وبينه حوالي عشرة
أمتار.
وسألناه:
فقال:
-ما أعرفش!
فسألناه:
فقلنا له:
فقال:
وشفنا الجثث ..فكاناوا كلهم ميتين ورجعنا ناكلمه تاناي وطلبنا منه أن يسلم نافسه ...فوافق
بشرط أن يكون الرائد أحمد الشيخ تحت.
فسألناه:
فقال:
-أخاف حد يؤذيني!
فأخذناا جثة ونازلنا وكان أحمد الشيخ موجود تحت ..وتحت رحت أناا أهدئ )السرائيليين(.
س :هل حاول سليمان تأمين نافسه خشية أن يكون من بينكم من يحمل السلح ،وهل أبرز
سلحه في مواجهتكم أو تثبيتكم أو اقتادكم لمكان الجثث؟
ج :الدنايا كانات ظلما وكان معاناا بطارية في إيد المين جمال.
ج :إحنا كنا طالعين للستطلع فقط علشان ناعرف موقعه وناشوف حالة الجثث وكان فيه سلح
فعل ،وكان الرائد جمال الصواف معاه طبنجة وكان لو حاول المتهم أن يتعرض لنا كان ممكن
الرائد جمال يخلص عليه ..ولما وصلنا لفوق لقيناهم كلهم ماتوا ،فأصبح كل همنا أن ناحضره
أو يسلم نافسه.
ج :صح!
وقد شهد المين جمال رياض أن ناائب المأمور قد طلب من سليمان "إناهم يشيلوا الجثث" ..
وإن سليمان وافق ..وقال له" :يا بك اتفضل ..أناا آجي أشيل الجثث معاكم" ..لكن ..ناائب
المأمور رفض هذه المبادرة ،وحمل جثة امرأة )إسرائيلية( ضخمة ونازل بها ..وحمل آخر جثة
أخرى ،ونازل بها أيضا.
وبعد نازول المجموعة والجثتين ،صعد المين جمال من جديد ومعه 3جنود لكي ينزلوا باقي
الجثث!
رغم أن أمين الشرطة جمال رياض ،صعد ،ونازل ثلث مرات ،فإناه لم يلحظ صعود الجندي
حسوناة حمودة )الذي كان يشتري سجائر( ونازوله ومعه طفلة )إسرائيلية( سليمة ..دون
إصابات.
لقد اقتربت هذه الطفلة من سليمان بعد الحادث بحوالي الساعة تقريبا ،وطلبت منه أن تنزل إلى
أهلها ..فطلب منها الجلوس بجانابه ...
وعندما صعد حسوناة ،قال له:
ج :بعد المين جمال ما طلع ونازل أناا اطمأنايت لن ما حصلش له مشاكل ..وكان كويس ..فأناا
قلت أطلع النقطة أشوف إيه الحكاية وأشوف حسن )الخولي( زميلي )جندي الشارة( عامل إيه
على الجهاز!
ج :ل ..وأناا قلت له :أناا حسوناة يا سليمان ..فقال لي :تعال خد الطفلة دي نازلها تحت!
س :هل كانات هذه الطفلة قريبة من سليمان وظاهرة له بشكل يمكن معه إصابتها أو قتلها؟
ج :هوه كان شايفها عادي وكانات قريبة منه بمترين ..ثلثة ..وكان سلحه في إيده ولو كان
عايز يضربها أو
عندما وصل الرائد أحمد الشيخ من السرية حامل جهاز الشارة الذي ذهب لحضاره ،قالوا له:
وسألت النيابة العسكرية الضابط طارق سلطان عن تفسيره لصرار سليمان على تسليم نافسه
في حضور الرائد أحمد الشيخ فقط ..فقال:
" -إن الرائد أحمد الشيخ مؤدب جدا مع كل الجنود وعلقته بجميع العساكر كويسة ،فما كاناش
غريب إن سليمان يطلبه بالذات".
س :ورد بالوراق ما يفيد أن الجندي المذكور رفض تسليم نافسه إل في حضورك شخصيا ،فهل
علمت بذلك؟ ومن الذي أبلغك؟
ج :المقدما إيهاب فرج ناائب مأمور قسم "ناويبع" قال لي إناهم لما اقتربوا منه رفض تسليم
نافسه إل في حضوري.
س :وما هي العلقة التي تربطه بك وناوعها حتى يطلب منك مثل هذا الطلب؟
ج :أناا دايما أقعد مع المجندين لحل مشاكلهم ما أمكن وده من أهم خصائص عملي كقائد بالنيابة
لناي أبدل بالراحات مع المقدما حسن خلف ،فواجبي إناي أعرف جنودي ،وكان سبق للجندي
المذكور أن خدما تحت قيادتي من حوالي أكثر من سنة وكنا بنساعده في مذاكرة الثاناوية العامة
في دهب.
ج :هم كاناوا مقتنعين إن ما حدش حينزلني إل أحمد بك الشيخ ومفيش حد طلب مني أن أنازل.
س :وما هو في رأيك سبب اعتقادهم أناه ليس في مقدور أحد أن يجعلك تسلم نافسك إل أحمد
الشيخ؟ وجاءت إجابة سليمان مثل القنبلة ..
ج :يمكن كاناوا خايفين ..وهو ومدحت طه )ضابط آخر( بس هما الناس اللي في سيناء اللي
شغالين ..وشخصيته قوية وما حدش طلب مني أن أنازل غيره هوه وما حدش شغال غيره هو
)ومدحت طه( ..وكله عمال يشتغل مع الجاناب وحيضيعوا البلد ..وشغلوا عليهم المخابرات
وشوفوهم بيرحوا فين.
ولم يشأ المحقق أن يسأله عن التفاصيل ...
بالفعل " ..اتصل الرائد أحمد الشيخ بسليمان تليفونايا ...وفيما بعد ناسب قائد السرية المقدما
حسن خلف لنفسه أناه هو الذي اتصل بسليمان تليفونايا وطلب منه تسليم نافسه ..لكن ..هذا لم
يكن صحيحا ..وقد أناكره الرائد أحمد الشيخ قائل" :ل ..لم يتصل به ..وأناا اللي اتصلت
بسليمان ..وما حدش اتصل به غيري وأناا اللي طلبت التصال به".
وعندما سئل سليمان عن واقعة اتصال المقدما حسن خلف به ،قال:
إن التصال الوحيد الذي تم مع سليمان بخصوص تسليم نافسه ..كان مع الرائد أحمد الشيخ
فقط.
فأقسم الرائد أحمد الشيخ له )حسب رواية سليمان( أن ما حدش حيكلمه ..وقال له:
-حاقابلك في الطريق.
وفعل ..سلم سليمان سلحه للجندي علي إبراهيم ..وفعل قابله الرائد أحمد الشيخ كما قال له .
-ما تخافش!
ومشى سليمان معه في هدوء ،حتى فوجئ "بالدنايا مقلوبة تحت" على حد قوله ..
كل الدلة تنفي عنه التعمد ..طبيعته ..تصرفاته ..وإحساسه بأناه سيخرج من الخدمة
العسكرية بعد اناتهاء ناوبة حراسته ..وأيضا أقواله في تحقيقات النيابة العسكرية ...
ج :ل ..طبعا ،مش متعمد لناهم هم اللي دخلوا منطقة ممنوعة وحاولت أرجعهم بتهديد
السلح ..وأناا يعني أخذت السلح ليه ..مش علشان أرد به أي عدو ...وهم جاءوا المنطقة
دي فيبقوا أعداء ...وأناا أطلقت النار للتحذير ..فاناصابوا ..ولو واحد ماشي وضرب فرخة
أعصابه بتسيب وممكن يخبط في عامود ..أناا إناسان ..بني آدما ..ولي قلب ..ولي عاطفة ..
بس لزما أرجعهم مهما يمكن لمصلحة مصر.
وقد أصر سليمان خاطر أماما المحكمة وأماما غيرها أناه لم يقتل بالعمد وسبق الصرار ..وقال:
لو أناني كنت أرتب للقتل العمد فلماذا أخرت المر إلى الساعة الخيرة من يوما تجنيدي؟ ..لماذا
لم أطلق رصاصات بندقيتي عليهم وهم في خيامهم يستحمون تحت سفح التل ..لقد كانات
خيامهم تمتد تحت نااظري إلى مسافة تزيد عن الكيلو متر" " ..إناني طوال الياما السابقة على
الحادث وأناا أعد الساعات اناتظارا لنهاية فترة التجنيد ...وقبل ناوبة حراستي الخيرة كنت قد
ناظفت السلح وتممت على الطلقات وكويت كل ملبسي ومسحت الحذاء ورتبت المخلة" ..
كنت أستعد لتغيير مسار حياتي ..لكن القدر اختار طريقه وفرضه على إرادتي!
هل كان سليمان خاطر يعرف جنسية "الجاناب" الذين صعدوا إليه؟
ومن المؤكد أن سليمان خاطر – حسب روايته – لم يكن يعرف جنسيتهم ..
وقد قال أحد زملء سليمان في النقطة إن الجاناب عندما مروا عليهم ،قالوا:
-شالوما.
أي سلما باللغة العبرية ...وهو ما يفهم منه أناهم )'إسرائيليون('!
س :بماذا تفسر ما قاله الجندي عطية إبراهيم من أن الجاناب قالوا "شالوما" أي ما يفيد أناهم
يهود؟
وفيما بعد تأكد أن معظم )السرائيليين( الذين كاناوا على الشاطئ أسفل الجبل كاناوا يعرفون
اللغة العربية ...فقد ظهر من شهادة المحامي السرائيلي "جيرا كورن" – الذي ناقل المصابين
في سيارته لمستشفى ناويبع – أناه تبادل بعض الكلمات العربية مع بعض الجنود في الطريق،
وبعض الشخاص في المستشفى.
وقال حسوناة حمودة الذي اصطحب الطفلة من الجبل إناه نازلها لحد أبيها "وكان بيتكلم
عربي" ...وأناه سأله بالعربي:
وكان بداية سلسلة من المفاجآت المذهلة التي ل يقدر على صياغتها أعتى كتاب الفلما
السينمائية ..البوليسية ..أو السياسية ..أو حتى الميلودرامية!
في زمن الهيروين!
سليمان محمد عبد الحميد ..
شاب مصري بسيط ...مزروع – حتى شعر رأسه – في طين هذا الوطن ...مجبول بالشمس،
والهواء والخضرة ،وطمي النيل ،وأناين السواقي ،ورائحة الرض ...مستقيم ..يخشى ا ..
يصلي باناتظاما ..يعرف كيف يحتفظ بهمومه في بطنه ..يتسم بالوداعة ،والقناعة ..ويرتبط –
بشدة – بالجذور.
هو مثل النيل ...ل يقبل الناعطافات المفاجئة .ول الناحرافات المفاجئة ..ول المغامرات
المفاجئة.
عمره 25سنة ..فلح "شرقاوي" من قرية غير مشهورة تسمى "أكياد" ...مركز "فاقوس"
..ول أحد يعرف سر تسمية القرية بهذا السم ..وليس في تاريخها القريب ما يلفت النظر
سوى أناها استضافت جنود الجيش المصري بعد حرب يونايو ،1967وفتحت أحضاناها وحقولها
وبساتينها لتدريباتهم الشاقة استعدادا للعبور وتحرير سيناء ..لكن ...من المؤكد أن سليمان
خاطر – بما فعله وبما جرى له – جعل اسم "أكياد" على ألسنة كثيرة ...وفرض على وكالت
الناباء ،ومحطات الراديو والتليفزيون في العالم كله إذاعة وكتابة السم بكل اللغات ..بما في
ذلك – طبعا – اللغة العبرية ..
ولد في شهر أكتوبر ..نافس شهر العبور ..نافس شهر اغتيال السادات ..نافس شهر حادث
)السرائيليين( الذين صرعهم برصاص بندقيته ..ونافس الشهر الذي أغارت فيه )إسرائيل(
على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في توناس ،بعد ربع قرن من ميلده.
ناشأ في أسرة متواضعة الحال ..تتردد معيشتها بين خط الفقر ..وخط الستر ..
الب مزارع ..يعمل مع إخواته )أعماما سليمان( ويعيشون هم وأسرهم معا ..إناهم جميعا
يملكون عددا من الفدناة أقل من عدد أصابع اليد الواحدة ..كان ناصيب أسرة سليمان منها فداناا
واحدا ..فقط ل غير ..وكالعادة ،سبب المعيشة المشتركة ،والزراعة المشتركة بعض الخلفات
والمشاحنات والحزازات البسيطة ..ورثها سليمان وإخواته مع فدان الرض الوحيد بعد وفاة
والده عاما .1979
وحسب التقرير الطبي "والنفسي" الخاص بسليمان خاطر ،والذي أعده – بتكليف من نايابة
السويس العسكرية – فريق من كبار الطباء النفسيين العسكريين" :لم يشعر سليمان بالحزن
عند وفاة أبيه" ..ويرجع التقرير السبب إلى أناه "لم يكن بينه وبين أبيه علقة عاطفية
قوية" " ..وعلى العكس من الب ناجد أن علقة سليمان بأمه قوية جدا ..وهو يفكر – دائما –
في أحوالها ،ويشعر بالقلق عليها ..ورغم أناه أصغر أخواته فإناه يتحمل العبء الكبر في
رعايتها ورعاية أحوال معيشتها" ..وهو يفعل ذلك بإحساس صادق جدا.
إن سليمان هو – بالفعل – أصغر خمسة أشقاء ،منهم ثلثة من الذكور واثنان من النااث ..
وشقيقاه الكبران يعملن خارج القرية ..عبد الحميد ) 42سنة( يعمل في إحدى شركات
المقاولت في القاهرة ،ويقيم في العاصمة إقامة دائمة ..وعبد المنعم ) 35سنة( يعمل
بالكويت ..وقد ضاعف هذا الوضع من ارتباط سليمان بأمه ..وضاعف من إحساسه
بالمسئولية تجاهها.
ويبدو أن ارتباط سليمان بأمه كان السبب في رفضه أن تدخل قاعة المحكمة العسكرية )بمقر
الجيش الثالث الميداناي بمدينة السويس( حتى ل تراه وهو يقف وراء القضبان ويحوطه الجنود
والحراس.
قال سليمان:
-لقد خشيت أن يؤثر هذا المشهد على نافسية الجنود المصريين فتضعف مقاومتهم ويصعب
عليهم رفع السلح في وجه العدو )السرائيلي(.
والغريب أن الما هي الخرى – والتي فعلت المستحيل لتحصل على تصريح لرؤية ابنها – قد
رفضت من جانابها رؤيته ،وهو في هذا الوضع!
ومما ل شك فيه أن علقة سليمان بأمه علقة طبيعية جدا في السر الفقيرة ..حيث يعوض
حنان الما ،ناقص الطعاما ..وحيث تعوض ناعومة الما قسوة الحياة.
ومما ل شك فيه أن طفولة سليمان لم تكن طفولة سعيدة ..كان حساسا بطبعه ..ل يميل إلى
العنف ..وبسبب ضعف موارد أسرته المالية ،لم يجد نافسه ول رقة أحاسيسه في مجلة أطفال
ملوناة ول في كراسة رسم ،ول في كتاب مناسب لعمره ..ولم يجد نافسه بالطبع في لعبة من
لعب الطفال التي تريح طفولته الناعمة من الداخل ،القاسية من الخارج ..ولم يجد نافسه بالطبع
في ألعاب أقراناه من أطفال القرية والتي ل تخلو عادة من العنف ..وكان يميل دائما إلى
الوحدة ..والعزلة ...وسماع جهاز الراديو إذا توفر له ذلك ...وكثيرا ما كان يشعر بالراحة
وسعة الصدر كلما خرج بمفرده إلى الغيطان والخضرة ..خاصة في وقت ازدهار المحاصيل ...
إن ضغط الظروف على تكوينه الحساس ،جعل طفولته ،كما يقول التقرير الطبي – السابق
الشارة إليه – تتميز "بالقلق والخوف والحرمان" وجعلته – حسب نافس التقرير " -يعاناي
منذ وقت مبكر من مخاوف مرضية بكثرة ..ففضل عن الخوف العادي من العفاريت
والجنيات ..فإناه كانات تنتابه مخاوف شديدة من الماكن المهجورة ،والكلب ،والصوات
العالية ،والمشاجرات ،والحوادث".
ولعل خوفه المبكر من الحوادث سببه أن منزل أسرته يقع بالقرب من الطريق الزراعي
"المسفلت" الذي يكثر مرور السيارات عليه ،وتكثر عليه الحوادث بالتالي ...
وفيما بعد ،وسليمان عمره 16سنة ،زادت حالة الخوف من حوادث السيارات لديه ،عقب حادث
على نافس الطريق المجاور لبيته ،قتل فيه ابن عمه " ...وبدأت تحدث له حالت إغماء ناتيجة
هذا الخوف" " ..وكان يحاول دائما إخفاء هذه المشاعر عن الناس حتى ل يكون مثارا
لسخريتهم".
وفيما بعد سألته النيابة العسكرية:
س :هل سبق لحد من أسرتك أن توفي وفاة غير طبيعية ،ناتيجة اناتحار مثل ،أو أصيب أي حد
من أفراد أسرتك أو أنات بأي مرض نافسي أو عصبي – وهل سبق علجك نافسيا أو عصبيا؟
ج :ما حصلش والعياذ بال ..مفيش غير ابن عمي مات في حادث عربية!
"كان سليمان في طفولته المبكرة يخاف من الليل ..والشباح ..ورؤية الدما ..إن الظلما كان
يحول مخافه إلى أشكال أسطورية ،خرافية ،مرعبة ،تجعله يقفز من فراشه في فزع ..وكان
الظلما يجعله يتصور أن الشباح تعيش في قاع الترعة ،وأناها تخبط الماء بقوة في الليل وهي
في طريقها إليه ..أما رؤية الدما فكانات تسبب له إغماء ..وقد أدركت أمه هذه الحقيقة فكانات
تتوارى بعيدا عنه وهي تقوما بذبح الطيور حتى ل تؤلمه".
وإذا كان هذا الرأي جزءا من التحليل النفسي الذي توصل إليه الطباء العسكريون النفسيون
الذين استدعوا طفولته فإن أقران طفولته – بما يروون عنه – يعتبرون هذا الرأي جزءا من
طبيعة المبالغة التي يتميز بها الطباء النفسيون ...
إن أقراناه في القرية وفي المدرسة يؤكدون أناه كان طفل طبيعيا ..وإن كان يتميز عنهم بعدما
مجاراتهم في اللعاب الخشنة ..كما كان يتميز عنهم بالوداعة والهدوء ..
ويستنتج الطباء النفسيون :أن سليمان كان منعزل عن زملئه في المدرسة ..ويقول :إناهم
كاناوا يسموناه "السرحان" ..ويقول :إناه كان بطبعه ل يميل للرد على "مداعبات أقراناه أو
عدواناهم عليه ..بل كان يميل إلى التحمل وكبت مشاعره عن الخرين" .وقد سئل سليمان عن
الشيء الذي يتذكره كلما عاد إلى طفولته!
فقال:
إن مدرسة "بحر البقر" كانات قريبة من مدرسته البتدائية ..وبعض التلميذ بها كاناوا من
أصدقائه ..وكانات الغارة )السرائيلية( عليها من أولى غارات العدو القذرة في العمق المصري
على الهداف المدناية ..وكان ذلك عاما 1969ردا على حرب الستنزاف الناجحة التي أزعجت
الجيش "السرائيلي" على الجاناب "الشرقي" من قناة السويس ..وفي ذلك الوقت كان عمر
سليمان ما بين سبع وثماناي سنوات ..ول ناعرف ما إذا كان قد شاهد ناتيجة الغارة بأما رأسه أما
ل؟ ..لكن من المؤكد أناه سمع عن أصدقائه الذين ذبحوا في الغارة ..أو الذين ناسفوا بداناات
العدو )السرائيلي( ..أو الذين اختفت جثثهم تحت الناقاض ..ومن المؤكد أن هذه القصص
البشعة التي سمعها قد فرضت عليه الفرار إلى الغيطان ..وهناك انافرد بنفسه وراح يبكي ..
وليس هناك ما يمنع من حفر هذه القصص بكل ما تثيره من خيال وقسوة وفزع في ذاكرته ..
وخاصة أن تكوينه النفسي رقيق ،مثل ورقة السيجارة ..جاهز للنافعال والتحرك لقل حادث ..
وفيما بعد حاول بعض أفراد أسرته وبعض أقراناه وبعض المحللين الربط بين ما حدث على يد
"السرائيليين" في "بحر البقر" وما حدث على يد سليمان خاطر في "جنوب سيناء" ..أو
بين قتل الطفال المصريين والسياح "السرائيليين" ..
وقال هؤلء:
-إناه ل ماناع أن يكون عقل سليمان خاطر الباطن قد فرض عليه إحساسا بأن "السرائيليين"
الذين اغتالوا رفاق الطفولة ،جاءوا الن ليذبحوه بعد أن أفلت من مذبحة "بحر البقر".
"كان سليمان يحب عمه ويشعر بالمان معه" " ...وبعد وفاة عمه عاما 1978بدأت تنتابه
أعراض جديدة ،عبارة عن حالت انافصال عن العالم الخارجي لفترة وجيزة ،وكان سليمان
يطلق على هذه الحالة "السكتة" كما طرأ عليه أيضا في هذه الظروف حالت من التجول الل
إرادي دون أن يكون له هدف محدد من هذا التجول أو حتى أن يكون على دراية بحدوث هذه
التحركات" ...
وكانات هذه العراض تحدث له في ظروف الضغط النفسي ،التي يتعرض لها بسبب تعامله مع
الخرين أو بسبب مواجهة ظروف المعيشة الصعبة " ..واستمرت حالت النافصال والتجول
الل إرادي – هذه – تحدث له حتى عاما ."1981
وفي تلك الفترة ترك سليمان المدرسة ..لم يستطع بسبب "ظروف المعيشة الصعبة" ،والتي
زادت صعوبتها بعد وفاة أبيه أن يكمل تعليمه ..ترك المدرسة ،وخرج منها قبل الحصول على
شهادة "الثاناوية العامة" ...وراح يزرع الرض ليطعم أمه وزوجة شقيقه عبد المنعم التي
تركها في بيت السرة قبل السفر إلى الكويت.
لكن ...سرعان ما استدعى سليمان لتأدية الخدمة العسكرية ..فترك الرض ،ومسئولية رعاية
أمه ومن معها ليصبح مجندا في شهر أكتوبر أيضا ...بالتحديد في 4أكتوبر ... 1982قبل 3
سنوات بالضبط من الحادث ...واناضم إلى قوات المن المركزي بجنوب سيناء في أول مايو
... 1983في دهب ..ثم ناويبع ..وخلل ذلك ناجح في الحصول على "الثاناوية العامة" واناتسب
إلى كلية الحقوق – جامعة الزقازيق ...
إن تحليل هذه البياناات التي تمر أمامنا بسهولة يؤكد أن سليمان يتمتع بدرجة عالية من الذكاء
جعلته يحصل على شهادة "الثاناوية العامة" – رغم ظروف الخدمة الشاقة في جنوب سيناء –
من أول مرة ...وجعلته ينجح في دراسة الحقوق الصعبة وهو منتسب ،ل يحضر المحاضرات،
وبقراءة الكتب المقررة فقط ..ويؤكد هذا التحليل أيضا أناه يتمتع بصبر وجلد وقوة تحمل
عالية ،لناه كان يجمع ما بين تنفيذ المهاما الموكلة إليه ،والمذاكرة ،وخدمة نافسه ،والقياما
بتنفيذ مهامه الشخصية ...
ومن المؤكد أن علقته بزملئه وقادته كانات حسنة للغاية ..خاصة الذين خدما معهم مدة طويلة،
مثل الرائد أحمد كمال الدين حسن الشيخ " 31سنة" قائد ثاناي سرية المن المركزي بنويبع،
الذي رفض سليمان تسليم نافسه – بعد الحادث – إل في حضوره ...
س :معنى ذلك إناك تعرفه منذ فترة طويلة ،فما معلوماتك عنه بوصفك قائده في دهب وناويبع؟
ج :اللي أعرفه إناه إناسان في حاله ..وليس له أي ناشاط غير عادي ودايما في مذاكرته وخدمته
..ودايما مواظب على الصلة ..إناه في تصوري إناسان عادي وليست له مشاكل مع زملئه،
وليست له أي شكاوى ..شخص عادي جدا ..ومحبوب من زملئه ..وليست له أي تصرفات
مريبة أو شاذة ..أو تلفت النظر ..وليس به أي تطرف أو أي تزمت ،ولم ألحظ عليه أي شيء
غير عادي لدرجة أناي استغربت إيه اللي خله يعمل كده!
س :ألم تتحدث معه إطلقا فيما فعل ،وسببه ،وخصوصا أناه رفض تسليم نافسه إل إليك؟
ج :هو قال لي :إحنا بلد مسلمين ،والجاناب بتيجي هنا يقعدوا عرايا ودي حاجات تتنافى مع
الدين والسلما!
س :هل مفاد ذلك أناه كانات له تطرفات أو نازعات دينية متطرفة ،وهل تتصور أو تشك في
اناتمائه إلى أي من الجماعات السلمية؟
ج :ما أعتقدش لن كل تصرفاته أمامي كانات طبيعية زي ما قلت وما فيهاش أي تطرف أو
تزمت ..هو شخص ليست له أي مشاكل بالمرة!
وسألت النيابة العسكرية الملزما أول طارق سلطان ) 24سنة( قائد النقطة 46بنويبع:
س :ألم تلحظ عليه أي مظاهر يستفاد منها في سلوكه أناه متطرف دينيا أو متزمت أو له آراء
أو اناتماءات دينية أو سياسية؟
وفي محضر النيابة العسكرية قال أمين الشرطة جمال رياض المنتدب للمن المركزي بجنوب
سيناء ،وأول من صعد الجبل إلى سليمان خاطر بعد الحادث:
ج :ل!
ج :من يوما ما رحت ما شفتوش يغلط ل في الشغل ول في حد وكان ل يتدخل فينا وكان رجل
يحب يبقى بعيد عن التهريج والهزار.
س :هل معنى ذلك أناه كان شخصا منطويا أو متزمتا ،أو عصبيا ،أو متعصبا؟
س :هل وقعت منه أي توترات عصبية أو تعصب أو تطرف ديني أو تزمت أو كانات له آراء
سياسية؟
ج :أبدا ...هوه ساعات يقعد معاناا وساعات يقعد لوحده ،وهو كان بني آدما ومؤدب وفي حاله
وكان طيبا معنا وعمره ما تكلم في الدين ول في السياسة.
أي أناه إناسان مصري ،عادي وبسيط ،يفهم المور السياسية ببساطة ..وسهولة ..ويسر ..
ودون لف أو دوران ..يا أبيض يا أسود ..يا صديق يا عدو ..يا طيب يا خبيث ..وهذا الطراز
من البشر ل يعرف أصول التبرير ،ول المناورات ..ول الحلول الوسط ...
أجهزة المن أكدت نافس المعاناي تقريبا ...فتحريات أجهزة أمن الدولة أكدت أن سليمان خاطر
ل يتمتع بأي ناشاط سياسي أو ديني سابق.
وإدارة المخابرات الحربية والستطلع )فرع جنوب سيناء( قالت نافس الكلما تقريبا ..لقد طلبت
النيابة العسكرية من هذه الدارة )في خطاب رسمي رقم ن /س 85 /1 /بتاريخ (1985 /10 /9
معلومات عن الرقيب أمن مركزي سليمان محمد عبد الحميد ..فردت عليها بخطاب رسمي
)رقم ش 8024 /85 /2 /بتاريخ (1985 /10 /10قالت فيه" :يرجى التكرما بالحاطة بأناه :ل
معلومات مسجلة طرفنا عن المذكور" ..ووقع على الخطاب العقيد عصاما الدين الفنجري قائد
مكتب مخابرات جنوب القناة ..وقد ضم الخطاب إلى ملف القضية في نافس اليوما بعد أن اطلع
عليه رئيس النيابة العسكرية بالسويس وأشر عليه بكلمة "ناظر ويرفق".
وأكدت في أول حوار ينشر لها )الهالي – 16أكتوبر (1985أن ابنها "صامت" دائما .ل
يحكي أبدا عن وحدته أو عمله ...
"ابني كان عاقل ..ومؤدب وحنين وفي حاله وما لوش دعوة بأي حد وما كاناشي بيدخل نافسه
في مشاكل أبدا ،وكان ييجي على غيطه وكان دايما يروح يصلي فريضة الصلة في الجامع
وكان بيصوما أياما الثنين والخميس كل أسبوع وكان بيصلي بالناس في الجامع ..بيؤمهم" ..
وهو "لم يفكر في عرايس أو زواج ..وهو مش زي باقي زملئه وما يعرفش الحب لناه كان
بيصلي ويصوما ودايما متوضي وعارف ربنا ..وكنا منتظرين لما أخوه عبد المنعم يرجع من
الكويت وهو بيشتغل هناك ،ونافكر ناخطب له بنت نااس طيبين".
لقد رأت الما ابنها آخر مرة قبل الحادث بأسابيع قليلة ..ولم تعرف أن ابنها أطلق النار على
)السرائيليين ( إل بعد أن زارها ضباط مباحث أمن الدولة ليسألوا "عن سليمان وتصرفاته ..
وهل كان له عداوة مع حد ..أو بيشتغل بالسياسة" ..وعرفت منهم ما حدث.
وقالت الما:
إناها فرحت – عندما عرفت الخبر – وزعلت في نافس الوقت " ..فرحت علشان اليهود دول
ماتوا" " ..وزعلت علشان خفت على مصير ابني سليمان ليقتلوه" " ..وعلشان كده ومن
ساعة ما عرفت ..وأناا قلبي مولع ناار ومش بناما لغاية ما أشوف ابني ..ضناي ،بعيني،
وأطمئن إن مفيش حد ضربه".
ولم تعرف الما ساعتها لماذا قتل ابنها )السرائيليين( "لناه عمره ما قتل فرخة" " ..ومش
ممكن يعمل حاجة زي دي إل إذا كان حدث جرح كرامته وكبرياءه فهو محترما ومعتز بنفسه".
أما شقيقه عبد المنعم فاعتقد أن سبب تصرف سليمان" :إناه كان يرى أمورا غير طبيعية
وشاذة من )السرائيليين( على الحدود التي استفزته كمصري مسلم غيور على دينه وكرامة
بلده ،فمن غير المعقول أن يأتي هؤلء اليهود على الحدود وهم عرايا خالص ..ويمارسون
العملية الجنسية أمامه أثناء أدائه الخدمة الوطنية وكذلك أماما زملئه بصفة يومية ومستمرة
لثارة أعصابهم ومحاولة إضعاف ناخوتهم الوطنية وإشعال غرائزهم ،ولما كان سليمان
وزملؤه ل يلبون نازواتهم الشاذة والغريبة عن ديننا وبلدناا ،فلقد أثار ذلك حقدهم لعدما تحقيقهم
مآربهم التي يستهدفوناها من جراء هذا ،فكاناوا يصفوناهم بالمتخلفين المر الذي كان يزيد
غضبهم".
وقد أناكر عبد المنعم خاطر لرجال مباحث أمن الدولة أي شبهة اناتماء سياسي لشقيقه " ..لناه
بالفعل لم يحدث ،لنانا نااس فلحين ليست لنا اهتمامات سياسية أو حزبية والمهم لنا لقمة
العيش وعملنا في أرضنا وغربتنا في بلد الناس حتى ناستطيع أن ناوفر لقمة العيش بالحلل
والعرق".
إن من المؤكد أن تفسير عبد المنعم خاطر هذا يرجع لبعض ما كان يرويه شقيقه له عما يفعله
)السرائيليون( في سيناء ..ويرجع أيضا لما قيل وما ناشر وما تردد عن ذلك بين المصريين ...
ومن المؤكد أن خدمة سليمان في سيناء فتحت عينيه على أشياء كان ل يعلمها ..إناه أصبح
يعيش في سيناء التي سمع عنها ..ويرى )السرائيليين( الذين عرف من صغره أناهم العدو
الول لبلده ...
على أن هذه التجربة الجديدة ،قد أضافت له ،حسب ما جاء في التقرير الطبي السابق الشارة
إليه" ،مخاوف جديدة".
"كان يخاف الصحراء كمكان خال ومفتوح" ..وكان يخاف من احتمالت الخطر من الوحوش
الضارية "كالذئاب" التي تمتلئ الصحراء بها ..وكان يخاف "مما سمعه عن البدو وما حدث
منهم ضد الجنود المصريين بعد حرب ."1967
قال:
-أناا دايما إيدي محملة على تتك البندقية ،وأناا دايما أبقى معمر سلحي طول ما أناا هناك ..
يعني طول ما أناا في النقطة ..والحكاية دي معروفة عني ،إن دايما فيه طلقة في الماسورة،
وأناا دايما حاطط طلقة في الماسورة علشان المنطقة دي دايما فيها وحوش وذئاب وضباع
وكذلك بنسمع عن البدو إناهم ممكن يعملوا أي حاجة فأناا بأبقى عامل حسابي ومحرص.
ويضيف التقرير:
-إن سليمان كان أيضا "يخاف من المسئولية ومن احتمال حدوث تقصير يترتب عليه تأخير
إجازته أو تأخير تسريحه من الخدمة العسكرية ..وكان أيضا يشعر بالقلق الشديد على والدته
ويفتقدها ويفكر في أحوالها".
"وقد ازداد خوفه من الدما في الفترة الخيرة فكان يحمل معه "مكركروما" كما لو كان سيحميه
من حدوث النزيف ،وكان إذا جرح فإناه يضغط بالمكركروما" على الجرح دون أن ينظر إليه".
"وكان سليمان يخفي هذه المشاعر عن زملئه خوفا من تعرضه لسخريتهم وكان يلجأ إلى
النوما بالنهار فقط ..ويظل يقظا طول الليل ما أمكنه ذلك ،سواء كان دور خدمته أو ليس دور
خدمته ..وكان زملؤه يسمعون صرخاته وهو يعاناي من الكوابيس عندما يناما وكان يعتقد أن
زملءه يعاناون مثله من حالت الرعب بالليل ومن الكوابيس ،وكان يخاف أيضا إذا بصق أحد
من زملئه أمامه ،ولكنه ل يتحدث معهم إطلقا في هذه الموضوعات خوفا من سخريتهم.
"وكان الرعب يصور له أحياناا بعض الحمير المتحركة أو البراميل الثابتة )في مكاناها( على
أناها أشخاص تتقدما منه ولكنه لم يطلق النار في مثل هذه المواقف ...وكان يطلب من زملئه
في المواقع الخرى أن يتصلوا به تليفونايا أو ينادوا عليه من أماكنهم إذا أرادوا التحدث معه،
وذلك قبل اقترابهم من موقعه حيث إناه ل يتحمل أن يفاجأ بأحد منهم فيحدث ما ل يمكن التنبؤ
به أو التحكم فيه ...
"وقد زادت عليه مع بداية خدمته بسيناء أعراض أخرى أهمها فقد الشهية ،وصداع خلفي،
وضيق في الصدر ،وخنقة ،وهمدان ،وفقد الوزن ،ولكنه لم يفكر أبدا في اللجوء إلى الطبيب،
وكان كل همه أن ينتهي من تجنيده بأي صورة حتى يمكنه السفر إلى شقيقه بالكويت ،أو عمل
ما يلزما لتحسين حال السرة اجتماعيا".
وصياغة هذه الفقرات من التقرير على هذا النحو المتخصص من أطباء نافسيين يحل سليمان
الكثير ..ويوحي بما هو أكثر من حالته ...وهذا بالفعل صحيح ...فأغلب المخاوف التي
يلصقها التقرير بسليمان مخاوف عادية يمكن أن يعاناي منها أي إناسان طبيعي ..خاصة إذا
وضع هذا الناسان في ظروف صعبة كالتي وضع فيها سليمان ،وغيره من الجنود في جنوب
سيناء ..حيث الحيواناات المفترسة تمل الصحراء ..وحيث الليل والجبال والفراغا يثيرون
الخيال ويفرضون على العين أوهاما وأشباحا غير حقيقية ...
وفي نافس الوقت لم يشر التقرير إلى الجاناب اليجابي لخدمة سليمان في سيناء! !
إن من الواضح أن سليمان قد استفاد من خدمته في سيناء ..أتيح له أن يذاكر وينجح ويصبح
طالبا في كلية الحقوق ..وأتيح له المزيد من الرتباط الجتماعي ،والحساس بالجماعة ..وهو
ما كان ينقصه أحياناا ...وأتيح له ممارسة القيادة بشكلها الناساناي السليم ...وقد ظهر ذلك
بوضوح عندما قال للنيابة العسكرية في تحقيق ما بعد الحادث :إناه منع الجاناب من الصعود
إلى ناقطته ،لن في النقطة جنودا آخرين هو مسئول عنهم وعن أمنهم وسلمتهم ...وقال :لقد
فعلت ذلك لن "كل راع مسئول عن رعيته وأناا حتحاسب على ما يجري للناس اللي تبعي" ...
وظهر ذلك بوضوح عندما حاسب بعض جنوده على سماحهم "للسرائيليين" بالتقاط صور
لهم في النقطة ...وقد استسلم زملؤه لهذا الحساب واستجابوا لوامره ...
وأتيح لسليمان في خدمته لسيناء أن يعي ما يفعله )السرائيليون( هناك ..وما يفعله الضباط
والجنرالت المصريون معهم ...وقد سجل أكثر من دليل على هذا الوعي في محاضر النيابة
العسكرية ...
ول يمكن أن نانسى أناه اكتسب الكثير من المرح ،والذكاء الجتماعي من خدمته في سيناء ..
والدليل على ذلك أناه كان قبل الحادث بقليل يشارك زملءه في الغناء "سينا رجعت كاملة لينا ..
مصر اليوما في عيد" بمناسبة اناتهاء خدمته في ذلك اليوما!
إن من الظلم أن ناستسلم لما جاء في هذا التقرير الطبي ...ومن الظلم أن ل نانظر على الجاناب
الخر من النهر ..وأن ل نارى الوجه الخر للصورة ..صورة سليمان خاطر بعد سنوات خدمته
في سيناء! !
إن من يرى وجه سليمان خاطر سيتصور على الفور أناه وجه أحد شعراء الريف الذين ينزلون
العاصمة وهم يحملون أشعارهم ،وهمومهم ،وهموما بلدهم على أكتافهم ويسيرون بها ..وجه
ممصوص ..دقيق الملمح ..سريع التعبير ..مركب على جسد ناحيل ..يفكر صاحبه أكثر مما
يأكل ..ويهتم صاحبه بالكون ..أكثر مما يهتم بالطعاما ..ول يختلف هذا الناطباع عن اناطباع
الذين فحصوا سليمان خاطر بأمر من جهات التحقيق ،بعد الحادث ..فقد قال هؤلء:
-إن "الرقيب سليمان ناحيل الجسم ،يبدو وقد فقد بعضا من وزناه ..ناظيف الملبس في غير
عناية ..وعلى وجهه مسحة من الحزن ..ويبدو عليه التوتر ..كلمه عموما قليل ،ول يتكلم إل
ردا على ما يوجه إليه من أسئلة ..كلمه مترابط ومفهوما وإجاباته مباشرة وفي اتجاه
الموضوع المطلوب الحديث فيه ..وهو عموما متعاون ولم يلحظ عليه علمات تدعو للشك في
صدقه أو لجوئه لفتعال أعراض مرضية".
ومما ل شك فيه أن الحادث قد أثر على سليمان خاطر نافسيا ..على القل .وهذا طبيعي جدا مع
شخص بهذا التكوين الدقيق ..والحساس ..
وهذا التأثير اناعكس عليه لبعض الوقت ..حتى أن النيابة العسكرية سجلت أثناء التحقيق معه
)ص – (47أناها لحظت أناه تنتابه "فترات صمت طويلة وعدما تركيز وأحياناا يغلب عليه
البكاء" ...وعندما سأله المحقق – بعد ذلك – عما إذا كان يرغب في إرجاء التحقيق ..رفض
وطلب استمراره! !
"اناتابت سليمان حالة بكاء شديدة ،وبدأ يردد عبارات مفادها :كفاية ..وإيه يعني ..ماشي ..أناا
فداء مصر ..هو أناا حظلم الناس معايا وأناا ضميري مرتاح ،وهما خايفين يتجروا معايا ،وواحد
منهم يأخذ سنة وإل حاجة ..أي حاجة ..إن شاء ا خير ..حتى لو أناضرب بالنابالم أو
الرصاص أناا ما قولش غير الحق" ..
وأضاف المحقق في ملحوظته" :واناتظرنااه حتى اناتهاء ناوبة البكاء ..وسألناه عما إذا كان
يرغب في استمرار التحقيق أو إرجائه ..فطلب الستمرار" ! !
ورغم أن المحقق العسكري وصف هذا الحوار المرتفع الصوت بين سليمان ونافسه بأناه
"هذيان" فإناه في الحقيقة ليس كذلك ..إناه مع مراعاة حالة سليمان العصبية بعد الحادث،
يكشف عن الكثير ..يكشف عن وعي وحس وطني" :أناا فداء مصر" ...ويكشف عن قدرته
كشخص على تحمل المسئولية" :هو أناا حظلم الناس معايا" ..ويكشف عن قدرته كجندي في
رفع الضرر عن غيره" :هما خايفين يتجروا معايا" ..ويكشف عن رغبة في الصدق مهما كان
الثمن" :حتى لو أناضرب بالنابالم أو الرصاص أناا ما قولش غير الحق".
ولكن ...من المؤكد أن الحادث قد كشف الكثير من خصاله الطيبة ..أو ..على القل أكدها ..
ومن المؤكد أن ردود فعل الحادث قد سارعت في صهر شخصيته ،وإناضاجها قبل الوان ..
إن هناك أكثر من دليل على صدق وصحة هذه النتيجة :
– 1تحدث في تحقيقات النيابة عن خوفه من ترك الحدود مع إسرائيل "فاضية" على حد
تعبيره.
– 2تحدث في نافس التحقيقات عن فهمه للعلقة بين الجندي وسلحه ..وقال عبارته
المأثورة ..من يحب وطنه يحب سلحه ...وذلك في زمن قيل فيه إن السلما مع العدو
)السرائيلي( قد استقر والحواجز النفسية بيننا وبينه قد سقطت ..
– 3أشار في نافس التحقيقات إلى تعاون ضباطنا الكبار في جنوب سيناء بصورة أو بأخرى مع
إسرائيل ،وأكد أناه يفهم ما يدور حوله ،وطلب من النيابة العسكرية أن تمشي المخابرات
وراءهم وتعرف ما يفعلون ..ولم يستثن من هذه التهمة سوى ضابطين أكبرهما برتبة رائد في
المن المركزي.
– 4ما قاله في الرسالة التي بعثها من وراء القضبان وناشرتها صحيفة "الشعب" المعارضة
)ص – 3في 24ديسمبر .. (85من أن زملءه في السجن يسألوناه :ماذا بك يا سليمان؟ فيرد
عليهم" :أفكر في أمي" ..ويضيف" :يمكن بيتصوروا إناي أقول غير الصدق ،مع أناي أقول
الصدق ،كل الصدق ،لناي طول الوقت أفكر في أمي ..مصر ...ناعم أفكر في أمي مصر ،وده
مبعث الراحة الوحيد بالنسبة لي ..أتصور أناها امرأة طيبة مثل أمي ،تتعب وتعمل مثلها وأقول
لها :يا أمي أناا واحد من أبنائك المخلصين ،فجسمي من ترابك ودمي من نايلك" " ..وحين أبكي
أتصورها تجلس جانابي مثل أمي في البيت كل أجازة تأخذ رأسي في صدرها الحنون ،وتقولي
لي :ل تبك يا سليمان لقد فعلت ما كنت أناتظر من أي ابن بار من ولدي" " ..يا أمي ..يا
مصر ..جسمي من ترابك ،ودمي من نايلك ..أناا دافعت عن أرضك زي كل جندي مخلص ،يا
أمي العظيمة".
– 5ما سبق أن أشرناا إليه ،من أناه رفض أن يقابل أمه في المحكمة حتى ل يؤثر هذا المشهد
على نافسية كل جندي يحمل سلحه دفاعا عن حدود مصر ..
وقد كشفت التحقيقات أيضا إلى أي مدى يتمتع سليمان خاطر بالطيبة والخلق واليمان بالقدر
والمكتوب ..
لقد لحظ المحقق أن أقوال زملء سليمان تتناقض مع بعضها البعض ،وتتناقض مع أقواله
أيضا ،فطلب من سليمان مواجهتهم لحراجهم إذا استدعى المر ..لكنه رفض ،وقال في
الرسالة السابقة الشارة إليها:
"عايز أقول شيء آخر ،عن زملئي الذين شهدوا ضدي في النيابة وبعدين رجعوا صححوا
أقوالهم بعد ذلك ،وبكوا واعترفوا :
لقد قال لي رئيس النيابة في التحقيق :أقوالك تتناقض مع أقوال زملئك ولهذا ل بد من مواجهة
بينك وبينهم وقلت له :إناني أرفض بشدة هذه المواجهة ..ل أريد أن أواجههم لناني ل أريد أن
أجرحهم أو أن أسبب لهم مشاكل ..
"عندما قابلوناي بعد ذلك في السجن حضنوناي وبكوا ،وقالوا لي" :احنا ناعرفك يا سليمان
ويكفي إناك علمتنا كيف ناحرس وناحافظ على حدودناا مهما كانات الظروف"
قلت لهم :أناا أعرف ظروفكم ولكن أقسم برب العزة أناي أجبت على كل سؤال في النيابة
بالحقيقة ..كل الحقيقة ...
فقالوا لي:
فقلت لهم:
فإنانا أماما "مسيح" في عصر المادة ،والمصالح ،والهيروين ،والدولر ،والسوق السوداء ..
لقد قبض على سليمان بعد نازوله من الجبل ،واقتيد تحت الحراسة المشددة إلى ديوان قسم
شرطة "ناويبع" ،وهناك لم يتردد في أن يتكلم وأجاب على كل السئلة التي وجهت له ،دون أن
يطلب محاميا يحضر التحقيق ،ودون أن ينبهه أحد إلى أن كل كلمة سيقولها ،ستحسب عليه ..
وقد تلف حبل المشنقة حول عنقه.
تولى التحقيق مع سليمان مأمور القسم ..وبعد أن اناتهى ،سلمه إلى العقيد رضا الحمامي قائد
ثاناي قطاع المن المركزي بشرما الشيخ ،والرائد أحمد الشيخ قائد ثاناي سرية المن المركزي
بنويبع ..وقد وقع الخير على المحضر الذي فتحه المأمور ،بالستلما.
ناقل سليمان من مبنى القسم إلى مبنى القطاع في سيارة شرطة ،محاطة ،بحراسة مشددة ..وقد
استغرق المشوار حوالي ست ساعات ...
وخلل هذا المشوار الطويل ،لم يتحدث أحد مع سليمان ،حتى الرائد أحمد الشيخ ،الذي قال ذلك
في محضر النيابة العسكرية ...وبعد أن وصل سليمان إلى مبنى القطاع في شرما الشيخ ،اختفت
أخباره لمدة ساعات ،تم خللها الكثير ..وفي الساعة الثالثة والنصف من فجر 7أكتوبر 1985
وصل سليمان إلى سجن "فنارة" العسكري بالسويس مع مندوب من قطاع المن المركزي،
وسلمه المندوب بموجب "الكتاب رقم 85 /200 /11بتاريخ "85 /10 /7إلى قائد السجن،
العقيد "محمد عبد الحميد علي" ..وكان قائد السجن على علم مسبق باحتجازه قبل أن يصل
إليه ،وذلك بعد أن أصدر له قائد الجيش الثالث الميداناي – الذي يخضع لوامره – قراره بحجز
سليمان "حجزا شديدا" لمدة شهر من الساعة الثاناية ظهر يوما 6أكتوبر .1985
-لما تقرر أناي أناقل من قسم "ناويبع" إلى سجن "فنارة" بالسويس ،كان مطلوبا أن ذلك يتم
في وجود حارس ،واختاروا هذا الحارس ،وكان لزما الحارس يستلم بندقية وذخيرة ،ويشيل
البندقية ويمشي خلفي حتى يسلمني للسجن ..لكن هذا الجندي اللي عين لحراستي رفض رفضا
قاطعا أن يتسلم البندقية وقال :ل أحمل بندقية خلف سليمان خاطر ول أرفع سلحي خلف
سليمان خاطر " ..وحين أصروا على أن يتسلم البندقية قال" :أناا مستعد أوقع على استلما
السلح ولكن غير مستعد أناي أحمله معي ،وحاسيبه على مسئوليتي في مكاناه" ..وبالفعل
مشى حارسي إلى جواري من غير بندقية وقطع معي أكثر من 200كيلو ،وهو يرفض أن يحمل
سلحه خلفي وقال لي في الطريق" :أناا عارف إناك مخلص لمصر ،وكل مصري ،مش ممكن
إناه يحمل سلح وراء أخيه وهوه يعرف إناه مخلص لوطنه" ..إن اسم هذا الجندي هو عبد
الشافي عبد الرءوف وهو من السماعيلية ،وممكن يكون موقفه ده أكثر حاجة أسعدتني".
"لكن أكثر حاجة عذبتني هوه إناي حين ناقلت إلى سجن فنارة دخلت غرفة السجن مع عدد من
الشخاص ،عرفت بعد ذلك إناهم جميعا هاربون من الجندية ،ومقبوض عليهم لهذا السبب ..
كان مؤلما جدا بالنسبة لي ..أناا أعطيت الجندية ثلث سنوات ويوما واحد بالضبط ..وأناا واقف
على تبة عالية أحمي ستين كيلو مترا من حدود مصر الشرقية ،أوضع بعد كده في غرفة سجن
واحدة مع "الهاربين من الجندية" ..ده يعني إيه؟
"إناه تم توقيع الكشف الطبي على سليمان خاطر – فور دخوله السجن – ولم يجدوا أي إصابات
ظاهرة ،وقد جاءت ناتيجة الكشف الطبي عليه مطابقة لتقرير طبيب المن المركزي الذي سبق
ووقع الكشف عليه".
وفي نافس اليوما الذي دخل فيه سليمان خاطر سجن "فنارة" العسكري ،عرض على النيابة
العسكرية لستجوابه ..وكانات النيابة العامة التي تولت التحقيق أول قد فشلت في ذلك ،بل قد
فشلت في معرفة مكاناه ..كيف؟ ..ولماذا؟
في تماما الساعة الحادية عشرة من مساء يوما الحادث ،دق جرس التليفون في استراحة وكيل
نايابة "رأس سدر" الجزئية ..رفع الرجل )واسمه بالمناسبة محمد ناصر فتحي( سماعة
التليفون ليجد على الطرف الخر مأمور قسم ناويبع ...
-فيه جندي أمن مركزي بمنطقة طابا أطلق النار على بعض "المصطافين" الجاناب ،فأصاب
بعضهم.
-وأين هو؟
أغلق وكيل النيابة السماعة ،ثم عاد فرفعها ليتصل بالمستشار "بشري مطر" – المحامي العاما
لنيابة جنوب سيناء ..وعندما ناجح في ذلك ،لخص له ما سمعه من مأمور قسم "ناويبع" فقرر
المستشار "بشري مطر" بسرعة ،ضرورة الناتقال إلى مكان الحادث "لمباشرة إجراءات
التحقيق وإجراءات المعاينة".
صباح اليوما التالي فوجئ وكيل النيابة – وفوجئ معه المصريون كلهم – بالصحف تنشر خبر
الحادث ،دون أن تذكر اسم سليمان خاطر ،وإن كانات قد ذكرت أناه مصاب بمرض عقلي.
وكان هذا الوصف ،وصفا )إسرائيليا( تماما ،كان أول من استخدمه المحامي )السرائيلي(
"جيرا كورن" ..وإن كان قد ناسبه إلى أحد الجنود المصريين ..وفيما بعد اتضح كذب هذا
النسب ..وفيما بعد أناكر الرائد أحمد الشيخ أناه سمع أن سليمان مصاب بخلل عقلي ..وفيما بعد
كلف سليمان خاطر ،المحامي عبد الحليم رمضان برفع قضية ضد كل من وصفه بالجنون ..
وفيما بعد قال التقرير الطبي الذي أعد بعد فحص سليمان خاطر نافسيا وعصبيا إناه "ليس به
مرض عقلي أو تخلف أو صرع".
في نافس الصباح ..توجه وكيل النيابة "محمد ناصر فتحي" إلى قسم شرطة "ناويبع" ..وسأل
عن المأمور وناائبه ،فعرف أناهما في مكان الحادث ..كان ذلك في الساعة الثامنة والربع
صباحا ،فقرر الناتقال إليهما هناك ..واستغرق ذلك بعض الوقت ..وهناك قدما له المأمور
المحضر رقم 186لسنة – 1985الذي فتحه وأغلقه في الليلة الماضية.
وبعد فترة عاد الجميع إلى مبنى القسم ..وحرزوا البندقية المستخدمة في الحادث ،بعد لفها
بقطعة من القماش البيض ،وربطها بالدوبار ،وختمها بالشمع "السود" في أربعة أماكن ..
وحرزوا "السوناكي" في مظروف "أصفر" ،وشنطة من القماش "الخضر" ذات سوستة
بيضاء ،بحمالة كتف بداخلها أكياس بلستيك بها عدد من الطلقات الفارغة والحية.
ثم ..استدعت النيابة العامة مأمور القسم العقيد محمد إسماعيل علي وناائبه للشهادة .
واستدعت للشهادة أيضا المقدما حسن خلف قائد سرية المن المركزي بنويبع ،وجنود النقطة
التي وقع فيها الحادث :عطية إبراهيم ..وعلي إبراهيم ..وحسن الخولي ..وحسوناة حمودة ..
وقائد النقطة ..ملزما أول طارق سلطان.
وقد رصدت هذه القوال وغيرها في محضر النيابة العامة الذي لم يزد على 31صفحة ..
بخلف 3صفحات عن معاينة مكان الحادث ..
وفيما بعد وصلت محاضر تحقيقات النيابة العسكرية إلى أكثر من 200صفحة.
وفي مساء ذلك اليوما ..توجه كيل النيابة إلى ديوان شرطة "شرما الشيخ" وقابل العقيد "هاناي
خضر" مأمور القسم ..
وسأله:
فرد:
-أناا ل أعلم عن مكان تواجده شيئا ..ولم ترسل إشارات أو بياناات عنه من رئاسة قطاع المن
المركزي في شرما الشيخ!
ووجد وكيل النيابة أن من الصعب الناتقال إلى قطاع المن المركزي بشرما الشيخ في نافس
الليلة ،فقرر تأجيل ذلك إلى صباح اليوما التالي ..
ول بد أناه تساءل بينه وبين نافسه عن السر وراء إخفاء المتهم عن النيابة ...
في صباح اليوما التالي توجه وكيل النيابة إلى مبنى القطاع ،وهناك التقى بالمحامي العاما لجنوب
سيناء ،وراحا يسألن نافس السؤال :أين سليمان؟
واتصل المحامي العاما تليفونايا باللواء أمين الحسيني مدير أمن جنوب سيناء ،فحوله إلى العميد
جهاد حرب ،فسأله المحامي العاما:
-أين سليمان يا سيادة العميد ..ناريد استجوابه
لم يكن هذا الرجل شخصا عاديا ..كان المقدما يحيى حسن قاسم رئيس نايابة السويس
العسكرية ،وعندما قابله المحامي العاما ،قدما له مفاجأة غيرت خطة عمله ،وقلبتها تماما .
كانات المفاجأة صورة من قرار رئيس الجمهورية رقم 380لسنة 1985بتحويل "الجرائم
المنسوب ارتكابها للرقيب مجند سليمان محمد عبد الحميد التابع لقوات المن المركزي والتي
وقعت منه بجهة جنوب سيناء بتاريخ 1985 /10 /5إلى القضاء العسكري وما يرتبط بها من
جرائم".
وقد صدر هذا القرار يوما 6أكتوبر وتأشر عليه من المدعي العاما العسكري بتاريخ يوما صدوره،
وقال في التأشيرة" :يندب رئيس نايابة السويس العسكرية لجراء التحقيق" ..وبعد أن اطلع
المحامي العاما على صورة القرار الجمهوري قرر تسليمه التحقيقات وباقي الوراق.
وبعد أن سلم المستشار بشري مطر ما في حوزته من أوراق ،حصل على توقيع المقدما يحيى
قاسم بالستلما ،وغادر المكان مع رجال النيابة العامة.
صورة القرار الجمهوري التي كان يحملها رئيس نايابة السويس العسكرية للمحامي العاما،
تسلمها ظهر اليوما السابق ..بالتحديد في الساعة الثالثة ظهرا ..وعلى الفور فتح محضر
التحقيق ..واتصل بوكيل نايابة السويس العامة "محمد الفاتح" وسأله عن أوراق التحقيق فقال
له :إن المستشار بشري مطر في ناويبع للتحقيق والمعاينة ،وتأكد يحيى قاسم من هذه المعلومة
بعد اتصاله ببيت المستشار مطر ..وبعد ذلك اتصل بالمدعى العاما العسكري وقال له:
بعد ذلك اتصل رئيس نايابة السويس العسكرية بالعميد حمدي طاحون رئيس شعبة التنظيم
والدارة بالجيش الثالث وأبلغه أن قائد الجيش الثالث )لواء أ .ح .حسن الزيات( أمر بتدبير
وسيلة الناتقال اللزمة له ولمساعديه إلى مكان الحادث ..وبالفعل تم تجهيز طائرة في مطار
"القطامية" أقلعت بطاقم التحقيق في السابعة والنصف من صباح يوما الحد 7أكتوبر .. 1985
وكانات الطائرة من طراز "هيل – جازيل" – عمودية.
هبطت الطائرة دون متاعب في أحد مطارات جنوب سيناء ،القريبة من مقر قيادة المن
المركزي هناك ..وفي ذلك المقر قابل المقدما يحيى قاسم – رئيس نايابة السويس العسكرية
المستشار بشري مطر محامي السويس العاما ،وأطلعه على صورة القرار الجمهوري ،وقدما له
صورة منه ..وقابل قائد القطاع العميد جهاد توفيق الذي أبلغه بسهولة :أن المتهم قد رحل إلى
سجن فنارة العسكري برفقة الحرس اللزما ،وأن هناك خمسة شهود يمكن استجوابهم ،سبق
للنيابة العامة أخذ أقوالهم ،وأن أحراز القضية جاهزة للستلما ،وكذلك أوراقها.
وقبل أن تنكسر الشمس ويهبط الليل ،ويصعب الطيران ،قرر المقدما يحيى قاسم الناتقال
بالطائرة إلى أقرب مكان للحادث يمكن أن تهبط فيه ..ولكنه اكتشف أن الطائرة في حاجة إلى
وقود ..والمسئول عن الوقود في المطار )مطار رأس ناصراناي بشرما الشيخ على بعد 206كيلو
مترات من الحادث( غير موجود ..ولم يصل ذلك المسئول في الوقت المناسب للطيران ..قبل
آخر ضوء فتعذر الطيران إل في صباح اليوما التالي ) 8أكتوبر( ..وفي حوالي الساعة الثالثة إل
ثلث وصل طاقم النيابة العسكرية إلى مكان الحادث للمعاينة )بعد أكثر من يومين على الحادث(
فاكتشف "عدما جدوى المعاينة حيث قد تمت إزالة آثار الحادث بعدما قامت به النيابة العامة" ..
وكانات النيابة العامة قد رسمت رسما "كروكيا" للمعاينة ،فعرضها المقدما يحيى قاسم على
ناائب مأمور قسم ناويبع – الذي رافق النيابة العامة في المعاينة – فأكد أن الرسم مطابق
"لمشاهدته الفورية للحادث" ...
وبعد هذه المقدمة التي طالت ،بدأت النيابة العسكرية في استجواب الشهود والمتهم! وبعد هذه
المقدمة التي طالت ،تحولت قضية سليمان خاطر من قضية مدناية تحمل رقم 186إلى قضية
عسكرية تحمل رقم !142
لم يمر تحويل القضية من القضاء المدناي إلى القضاء العسكرية بسهولة ..ففي يوما 2ديسمبر
1985قدما المحامي عبد الحليم رمضان ،نايابة عن سليمان خاطر ،عريضة دعوى لوقف تنفيذ
وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 380لسنة 1985الخاص بتحويل القضية إلى القضاء
العسكري ..وكانات الدعوى موجهة إلى المستشار محمد محمود عبد المجيد بصفته ناائب رئيس
مجلس الدولة ورئيس محكمة القضاء الداري ،ورئيس الدائرة الولى لمنازعات الفراد
والهيئات ..وكانات الدعوى موجهة ضد رئيس الجمهورية والقائد العلى للقوات المسلحة،
والرئيس العلى للدارة العامة للقضاء العسكري وإدارة المدعي العاما العسكري.
"بمناسبة تعدي نافر من شذاذ الفاق الذين ل وطن لهم ول أرض ول هوية ،أو جنسية على
أرض الكناناة الطاهرة في عري ل تقره شريعة في سماء أو في أرض ،في محاولة استطلع
لموقع عسكري في حراسة المواطن سليمان خاطر ورفضهم الناسحاب إلى حيث أتوا بعد
رفضهم الفصاح عن شخصياتهم وغرضهم من اناتهاك حرية المنطقة العسكرية الحراما بما في
أيديهم من أدوات ومهمات يحتمل فيها القنابل وغيرها ،وكان من بينها آلت تصوير اضطر
المواطن سليمان خاطر إلى استعمال سلحه الذي قضى على سبعة من الشذاذ المهاجمين
وأصاب غيرهم بإصابات لم تقتلهم ...
"وقامت النيابة العامة بضبط الواقعة وبدأت تحقيقاتها التي توقفت فجأة بسبب إصدار رئيس
الجمهورية قراره رقم 380لسنة 1985بإحالة القضية إلى القضاء العسكري وبدأت النيابة
العسكرية إجراءاتها الباطلة التي اناتهت بتقديم سليمان خاطر إلى محكمة عسكرية في محاكمة
سرية ،غير مأموناة العاقبة ،بينما تتبادل حكومة العنصرية الصهيوناية وحكومة المقدما ضده
الرسائل يوميا في شأن محاكمته وناتائجها وآثارها ..وتذيع على المل حكومة الرهاب
الصهيوناي أناها لن تبدأ مفاوضاتها بشأن طابا الحزينة قبل تقديم ضماناات إعداما المتهم المدناي
من المحاكمة العسكرية التي تباشر محاكمته ...
"ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية بإحالة القضية إلى القضاء العسكري استند إلى حالة
الطوارئ وما تخول لرئيس الجمهورية من حقوق ،ولم يمد مجلس الشعب حالة الطوارئ إل
بعد تصريح الحكومة بعدما استخداما قاناون الطوارئ إل في حوادث الرهاب وضد الرهابيين،
وترتبط هذه الحالة بأسبابها التي أعلنت من أجلها وهي حالة البلد المنية الناشئة عن قتل
رئيس الجمهورية السابق محمد أناور السادات وتأمين البلد من شر فتنة توقعها رئيس
الجمهورية المؤقت الذي أعلن حالة الطوارئ قبل تولي سلطاته الدستورية بحلف اليمين أماما
مجلس الشعب مما يترتب عليه بطلن قراره بإعلن هذه الحالة الستثنائية في أناحاء البلد،
مما يترتب عليه بطلن إعلناه واناعدامه وبطلن كل إعلن بتمديد مدة الحالة المعلنة فيه فيما
جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا من إصدار رئيس الجمهورية لقرارات لها قوة
القاناون في غيبة السلطات التشريعية يرتبط حتما بضرورة تبرر ذلك وتقتضيه وتخضع في
إثبات وجودها أو عدما وجودها لرقابة القضاء فإذا ثبت عدما وجود ضرورة للتشريع الصادر
بالقرار الجمهوري فإناه يبطل ول يصححه عرض على السلطة التشريعية أو موافقة عليه ...
"وحيث يحق طلب وقف تنفيذ قرار إحالة قضية قتل والشروع في قتل )السرائيليين( المتهم
فيها سليمان خاطر لدى القضاء العسكري في محاكمته الجارية الن لوقف الخطر الذي يتهدده
ناتيجة هذه المحاكمة في روحه وحريته ...
"لذلك ..نالتمس وقف تنفيذ القرار المطعون عليه بصفة مستعجلة ،شامل كافة آثاره بما فيها
المحاكمة العسكرية المعقودة من أجل محاكمة سليمان خاطر عسكريا فيما ناسب إليه من
ادعاءات ،ثم بإلغاء هذا القرار واعتباره كأن لم يكن ،مع إلزاما المدعي عليه في جميع الحوال
بكل المصروفات ،وشمول الحكم في كل طلب بالنفاذ وبل كفالة والمر فيه بتنفيذه بموجب
مسودته وبدون إعلن ،ومع حفظ كل حق في التعويضات بجميع أناواعها".
عندما بدأت محاكمة سليمان خاطر العسكرية كان عبد الحليم رمضان خارج البلد وهذا ما
يفسر تأخره في رفع هذه الدعوى ..
-إناني عندما تقدمت بهذه الدعوى للقضاء الداري ،أردت إعادة محاكمة سليمان خاطر أماما
قاضيه الطبيعي باعتباره فردا من هيئة الشرطة وهي طبقا للمادة 184في الدستور هيئة
مدناية ،ناظامية ،ل هيئة عسكرية ،حتى تخضع للنظاما العسكري ،ويعتبر جنودها مثل الفراد
المدنايين إذا ما ارتكبوا جناية قتل سواء بحق أو بغير حق ..وتختص محكمة الجنايات العادية
بنظر قضاياهم ومحاكمتهم أماما هذه المحكمة ،وهذا يعطيهم الحق في الطعن في الحكم أماما
محكمة النقض ،المر الذي ل يتوافر في المحاكم العسكرية ،وبذلك ل يهدر حقه في الطعن أماما
محكمة أعلى ...أما في المحكمة العسكرية فنجد أن الحكاما ل تقبل الطعن ،لن الذي يصدق
عليها وزير الدفاع أو رئيس الجمهورية حسب الحالة ..وفي هذه الحالة يجوز تقديم التماس
ينظر بطريقة مكتبية بل مرافعة ،بناء على مذكرات تقدما من المحكوما عليه ينظرها الضابط
الملتمس لديه ويقرر بينه وبين نافسه قبول اللتماس أو رفضه ..إلغاء الحكم أو تخفيضه أو
تأييده ..حسب ما يراه ...
والمحكمة العسكرية هنا غير مختصة ...ول يتوافر فيها لسليمان خاطر ناص المادة 68من
الدستور التي تفرض محاكمة كل مواطن أماما قاضيه الطبيعي ...
وإذا أصدر رئيس الجمهورية قرارا – كالذي أصدره في قضية سليمان خاطر – بمعاملته
بقاناون الطوارئ في تهمة قتل وإحالته إلى القضاء العسكري فيكون قد ألحق إساءة بمركز
المتهم الذي كان يضع باعتباره عندما وقع الحادث أناه سيحاكم بقاناون العقوبات العادي أماما
محكمة جنائية مشكلة من مستشارين ،وله حق الطعن في أحكامها ...
إن قرار رئيس الجمهورية – هنا – يعد تعديا على حق الجندي – الدستوري ،وخاصة أن قاناون
الطوارئ نافسه باطل لصدوره في غيبة مجلس المة )الشعب بعد ذلك( من الرئيس السبق
جمال عبد الناصر ،دون أن يعرض على المجلس خلل 15يوما من صدوره ،وتطبيقه يعتبر
اغتصابا للسلطة التشريعية.
ولم ينس عبد الحليم رمضان أن يربط – وهو يتحدث – بين سليمان خاطر وخالد السلمبولي،
وسليمان الحلبي ،وأدهم الشرقاوي ،وقال إناه يعتبر سليمان خاطر هو شخصية عاما ... 1985
وقال إن التاريخ سيخلده مهما قالوا عنه ،ومهما كانات قدرتهم على إلصاق الجنون بعقله
وتصرفاته!
ناظرت محكمة القضاء الداري دعوى عبد الحليم رمضان وسليمان خاطر في اليوما التالي
لتقديم عريضة الدعوى ...
وأماما المحكمة ..أقاما عبد الحليم رمضان دفاعه على أساس أن قرار رئيس الجمهورية
المطعون فيه ،يعد إساءة لستعمال السلطة ،وأناه قرار إداري وليس قرارا قضائيا ،وأناه قرار
يستند إلى حالة الطوارئ ،التي ل يستند إلى أي سند دستوري ،كما سبق وأوضح ...وفي هذه
الجلسة أجلت القضية إلى جلسة ثاناية في 7ديسمبر.
وفي جلسة 7ديسمبر قدما محامي الحكومة حافظة مستندات ،تحوي صورة ،طبق الصل ،من
قرار رئيس الجمهورية رقم 380لسنة – 1985المطعون فيه ،وقدما مذكرة بدفاعه ،دفع فيها
بعدما اختصاص المحكمة ولئيا بنظر الدعوى تأسيسا على أن سليمان خاطر يخضع أساسا
لقاناون الحكاما العسكرية باعتباره "أحد جنود القوات المسلحة" ..الذين يؤدون "الخدمة
العسكرية والوطنية في الشرطة" ...وبالتالي فهو يحاكم بالقواناين "الخاصة بضباط الصف
والجنود في القوات المسلحة ،ويكون القضاء المختص بمحاكمته عن الجريمة المنسوبة إليه
هو القضاء العسكري".
"إن القرار المطعون فيه لم يصدر من رئيس الجمهورية بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية وإناما
بصفته القائد العلى للقوات المسلحة ...أو باعتباره السلطة المنوط بها قاناوناا – طبقا لحكم
المادة 40من قاناون الحكاما العسكرية – إحالة الدعوى إلى المحكمة العسكرية المختصة
بالنسبة للعسكريين ،ومن ثم تنحسر عنه صفة القرار الداري".
كما دفع محامي الحكومة بعدما قبول الدعوى بالنسبة لعبد الحليم رمضان" ،لناتفاء مصلحته
باعتبار أن القرار المطعون فيه ل يمس مصلحة شخصية مباشرة له" ،وفي الجلسة نافسها
أدوع عبد الحليم رمضان هو وسليمان خاطر مذكرتين بدفاعهما تضمنتا:
-أن قرار رئيس الجمهورية المطعون فيه صدر بالمخالفة لحكم المادة السادسة من قاناون
الحكاما العسكرية على أساس أن ناص هذه المادة يعطي لرئيس الجمهورية سلطة إحالة جرائم
معينة )أي جرائم بنوعها( إلى القضاء العسكري ،ول يخول له رخصة إحالة قضية بذاتها )لم
ينص عليها في هذه المادة( إلى هذا القضاء ،كما أن هذه المادة المشار إليها مخالفة لحكاما
الدستور لناها تحرما المواطن المدناي من قاضيه الطبيعي وهو القضاء العادي وتخضعه لقضاء
عسكري ل تتوافر فيه الضماناات التي يكفلها الدستور أماما القضاء العادي.
وفي جلسة الحكم اعتبرت المحكمة الدعوى مقبولة شكل بالنسبة لسليمان خاطر ،ومرفوضة
شكل بالنسبة لعبد الحليم رمضان لعدما وجود مصلحة شخصية مباشرة له في إقامتها ،وقضت
برفض الدفع الذي تقدما به محامي الحكومة "بعدما اختصاصها ولئيا بنظر الدعوى" وأكدت
أناها ليست المحكمة المختصة في مثل هذه المور.
لكنها ...قضت أيضا برفض الطلب المستعجل بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية المطعون
فيه ،وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتقديم الرأي القاناوناي في طلب اللغاء ...
باختصار ...فشلت هذه المحاولة القاناوناية ليقاف محاكمة سليمان خاطر عسكريا ،وإعادته إلى
القضاء العادي وكان ل بد من اناتظار فتوى مجلس الدولة ..وكان هذا الناتظار ممتلئا بالنافعال
والتوتر ..وخاصة أن المحكمة الدستورية العسكرية التي تحاكم سليمان خاطر يمكن أن تصدر
حكمها عليه قبل فتوى مجلس الدولة ...
وأماما هذا المأزق لم يكن هناك مفر من استفزاز مشاعر الناس للضغط )شعبيا( على رئيس
الجمهورية لصدار قرار – طبقا للسلطات المخولة له واستنادا للقاناون والدستور – بتحويل
سليمان خاطر من القضاء العسكري إلى القضاء العادي ..
فقد أفردت نادوة حزب "العمل" السبوعية والتي عقدت بعد أياما قليلة من حكم المحكمة
الدارية – مساحتها الكبرى للحديث عن سليمان خاطر ،وقد كانات هذه الندوة – بالمصادفة –
عن حقوق الناسان بمناسبة مرور 37سنة على العلن العالمي لحقوق الناسان ..
إناه بمناسبة اليوما العالمي لحقوق الناسان ل بد أن ناؤكد على حق سليمان خاطر في الوقوف
أماما محكمة مدناية بدل من مثوله أماما المحكمة العسكرية بوصفه رجل شرطة وليس جنديا
بالجيش ..بالضافة إلى أناه كان يؤدي عمل مكلفا به ...وذلك حتى ناوفر له محاكمة عادلة،
وخاصة أن القضاء العسكرية ل يتمتع بالستقللية بل يخضع لوزير الدفاع ..وإذا ادعت
الحكومة أناها تحاكمه أماما القضاء العسكري عمل بقاناون الطوارئ فنحن ناذكرها بأناها التزمت
أماما مجلس الشعب بعدما استخداما قاناون الطوارئ إل ضد الرهابي ،حامل السلح ...وهذا ل
ينطبق على سليمان خاطر ...وطبقا للميثاق العالمي لحقوق الناسان يجب محاكمته أماما
القضاء المدناي وليس العسكري.
وأعلن المهندس إبراهيم شكري أناه سيتقدما بطلب إحاطة عاجل للحكومة حول محاكمة سليمان
خاطر أماما القضاء العسكري ،وليس القضاء العادي ،وعدما توفير حقوقه وضمانااته القاناوناية
أثناء محاكمته وذلك لصدار رئيس الجمهورية قراره بإحالته إلى القضاء العسكرية مستخدما
ما خوله له قاناون الطوارئ الذي أعلنت الحكومة وأعلن رئيس الجمهورية بأناهما لن يستخدماه
إل في حالة الرهاب الخارجي المسلح.
وفيما بعد ..لم يستطع إبراهيم شكري ول أي ناائب معارض آخر في البرلمان ،فرض قضية
سليمان خاطر على مجلس الشعب ..وكان ذلك بسبب رفض أغلبية الحزب الوطني الحاكم،
توريط الحكومة في هذه القضية الصعبة تحت قبة السلطة التشريعية!
ومن نااحية أخرى طالب "]]فتحي رضوان[[" رئيس منظمة حقوق الناسان العربية ،بإلغاء
محاكمة سليمان خاطر ..وقال:
من المؤكد أناه ل وجه لقامة الدعوى حيث تبين أن المتهم تعرض لضغوط نافسية مؤلمة على
مدى عامين وناصف عاما في هذا المكان المعزول والمليء بالحشرات والحيواناات الشرسة ...
يضاف إلى ذلك الستفزازات اليهودية التي تعرض لها ،والتي أفقدته السيطرة على مشاعره
وأعصابه ..
وفيما بعد ..استغرب بعض الكتاب في الصحف اليومية دعوة ]]فتحي رضوان[[ للغاء
المحاكمة ..وقالوا :إناها دعوة غريبة خاصة إذا ما صدرت من رجل قاناون مثل ]]فتحي
رضوان [[ ،يعرف جيدا أن إلغاء المحاكمات ،يعني إلغاء القاناون ،وإلغاء الشرعية.
إن ما فعله سليمان خاطر ل يقاس بما فعله السفاح )السرائيلي( "شارون" الذي ل يزال وزيرا
مسئول في )إسرائيل( ،رغم ثبوت إداناته في قتل 3آلف بريء في صبرا وشاتيل ..إن الدولة
المصرية يجب أن تأخذ ذلك في حسباناها وهي تحاكم سليمان خاطر.
اناضم إلى هذه الحملة الشعبية بعض القواد العسكريين القدماء ...كان أبرزهم الفريق أول
محمد أحمد صادق وزير الحربية السبق ..وأمين هويدي مدير المخابرات السبق ..
إن السؤال الذي كان على هؤلء القواد الجابة عليه هو :هل كان تصرف سليمان خاطر منافيا
لتقاليد الحراسة ،وأصول ناوبات الخدمة بالسلح؟ أما ل؟
يعود إلى ذاكرتي حادث وقع في عاما 1943فقد حدث أن أثار اقتراب قارب من كوبري قصر
النيل اناتباه جندي الحراسة فاتجه ببصره إليه فأدرك أن الراكب يبحر بقاربه في اتجاه المنطقة
الممنوع القتراب منها وربما سيصر على المرور من تحت الكوبري المحظور المرور من تحته
تماما بعد الغروب ..استمر ينظر إلى القارب وراكبه عليه ينتبه إلى علمات التحذير إل أن ذلك
لم يحدث ،فلم يجد الجندي بدا من استخداما بندقيته وأطلق طلقة للتحذير ،وبعد إطلق الطلقة
التحذيرية الثاناية أدرك الجندي أن الراكب غير مبال بالتحذير الذي كان واضحا تماما وأناه في
طريقه للمرور بقاربه من أسفل الكوبري ،أي من المنطقة التي صدرت إليه التعليمات بأل
يسمح لمخلوق بالمرور منها ،وبدون تردد صوب الجندي بندقيته وضغط على الزنااد فاناطلقت
طلقة أصابت الراكب وأردته قتيل في قاربه.
وهاجت الدنايا ..زاد الصخب بعد أن عرف الجميع أن الراكب القتيل بريجادير "عميد" في
الجيش البريطاناي أي قائد كبير من قادة قوات الحتلل ..وليس ذلك فقط بل هو أيضا عضو في
العائلة المالكة البريطاناية.
وارتفعت الصوات تطالب بمحاكمة جندي الحراسة وإعدامه ،وفعل تم وضع الجندي تحت
الحراسة وجرى التحقيق معه ..ولم تكن هناك أية شبهة في أناه أدى واجبه تماما وأناه لم
يرتكب أية أخطاء ،وأن الخطأ هو خطأ البريجادير الناجليزي ..خاصة وهو يدرك تماما المناطق
الممنوعة ،ومعنى طلقات التحذير ..والهم من ذلك أناه يدرك خطورة ما أقدما عليه ،أي المرور
تحت كوبري قصر النيل الممنوع المرور من تحته.
وعندما عرض المر على أعلى قيادة عسكرية قال :ولماذا يحاكم؟ هل كان واجبه أن يقتل
المصريين فقط دون الناجليز؟
وفعل أخلي سبيل جندي الحراسة بعد اناتهاء التحقيق معه واناتصرت القوى الوطنية التي طالبت
بعدما محاكمة الجندي الذي لم يخطئ.
وأضاف:
كان ذلك خلل الحرب العالمية الثاناية وأثناء اناسحاب القوات البريطاناية من شمال أفريقيا أماما
قوات المحور ،أي في الوقت الذي خشيت فيه السلطات إقداما العداء أو المتعاوناين معهم على
بث اللغاما أو ناسف الكباري لعرقلة خطط التحركات العسكرية.
وهذه الواقعة أردت أن أذكر الرأي العاما بها ..أي مجرد التذكير بمناسبة إجراءات محاكمة
جندي الحراسة سليمان خاطر.
أناا أذكر واقعة مشابهة لما فعله سليمان خاطر ..كانات هذه الواقعة في حرب .. 1948في
فلسطين ..فقد كان أحمد عبد العزيز قائد الفدائيين المصريين في ذلك الوقت راجعا إلى خطوطنا
الدفاعية في ليلة من الليالي ..ولم يكن يعرف كلمة "سر الليل" التي بواسطتها يمكن أن
يخترق خطوطنا في أمان ،فلما اقترب من الحارس ،طلب منه الحارس أن يقف ،ويقول كلمة
سر الليل ،ولم يتوقف أحمد عبد العزيز ولم يقل كلمة سر الليل ،وهنا أطلق عليه الحارس
النيران فقتله ..ومات أحمد عبد العزيز برصاص الحارس المصري وليس برصاص اليهود ..
ولم يحاكم الحارس لناه كان يؤدي واجبه ..
وأضاف:
وإذا كانات )إسرائيل( ل تعترف بالقواناين أو العراف العسكرية إل إذا كان المر في صالحها
فإناه من غير المعقول أن ناقدما ناحن على محاكمة جندي حراسة بسبب قيامه بأداء واجبه؟ أي
عار سيلحق بنا على مدى التاريخ لو واصلنا محاكمة هذا الجندي وإذا لم ناتخذ موقفا مماثل
للموقف الذي اتخذته مصر في الربعينيات؟
والغريب أن عمر التلمساناي – المرشد العاما للخوان المسلمين – طالب بنفس ما طالب به
الفريق فوزي ..وقال:
وأضاف:
لو أن سليمان خاطر لم يفعل ما فعله لوجب تقديمه إلى مجلس عسكري يحاكمه لناه قعد عن
الواجب المحتوما" " ..لقد قلنا وكررناا أناه على حكاما هذه المنطقة المسلمة أن يتركوا حرية
شعوبها في التصرف مع المعتدين على كرامة البلد ..إن الشعوب قادرة على أن تلقم كل
خصومها رصاصا يسكت أصواتهم ويوقف تصرفاتهم التي ل تتفق مع خلق أو قاناون" " ..كنت
أظن أن تصرف سليمان خاطر تدعيم للجاناب المصري في مفاوضاته مع )إسرائيل( لن الجاناب
المصري عليه أن يوضح هذه التصرفات على أناها مشاعر مكتومة ناحو موقف )إسرائيل( من
القضية الفلسطينية ،واعتدائها على الجولن وجنوب لبنان والضفة الغربية وغزة ...إن هذه
التصرفات دليل واضح على ما تغلي به القلوب المصرية من استهاناة )إسرائيل( بكل ما تواضع
عليه الناس من أخلق وقواناين ..إن احتراما الرأي العاما المصري ،يقضي بأن يكرما هذا الرجل
بدل من أن يجرما".
"إناني أقترح أل يوكل أي محاما للدفاع عن سليمان خاطر ،وأن يترك مصيره لقضاته ،فهم ل
يقلون غيرة وحفاظا على كرامة بلدهم من غيرهم ،وما فعله سليمان عدل ،ودفاع شرعي،
وقضاة مصر أهل عدل" " ..قد تنتدب المحكمة من يدافع عن سليمان خاطر ،استيفاء
لجراءات المقاضاة الجنائية ،فعليه أن يمتنع وأن يقبل العقوبة التي توقع عليه مهما كانات،
فإناها أشرف له من الدفاع عن عمل كان يجب أن يعمل على وجه من الوجوه ..إن محاكمة هذا
الرجل لها أثر سيئ على تفكير المواطنين ومشاعرهم وتصرفاتهم وقيامهم بنصرة وطنهم في
كل موقف يستدعي مثل هذا التصرف".
"كل مشاعر مصر وقلوبها مع سليمان خاطر ..وغير راضية عن كل الجراءات التي اتخذت
معه".
قبل ساعات من حكم القضاء الداري ،تشكلت لجنة قومية للدفاع عن سليمان خاطر اناضم إليها
عدد كبير من قيادات الحزاب والقوى السياسية والنقابية ..وأصدرت اللجنة بياناها الول إلى
رئيس الجمهورية ..قالت فيه:
"إن الثقة غير المحدودة بنزاهة وكفاءة وعدالة القضاء المصري كانات دائما حصاناة لضمائر
الشعب المصري من القلق على مصير أبنائه حينما يواجهون القضاء أيا كانات التهم المنسوبة
إليهم ،ولكن ل يخفى عليكم موجة القلق التي اجتاحت ضمائر الشعب منذ أن سحبت أوراق
القضية والتحقيق مع المواطن سليمان خاطر من أيدي رجال النيابة العامة وأسند التحقيق إلى
النيابة العسكرية ،لقد رأى فيه المواطنون تدخل في مجرى التحقيق العادي الذي بدا قطعا
لطريق سليمان خاطر للمثول أماما قاضيه الطبيعي امتثال لحكاما الدستور وحجبا للدعوى عن
المراقبة الشعبية المقررة في القواناين السائدة بعلناية المحاكمات ،ووضع مصير سليمان خاطر
بين أيدي هيئة غير مختصة قاناونايا بالتحقيق معه أو محاكمته ،ولقد كان من الممكن أل يسبب
كل هذا القلق الشعبي العاما الذي وصل إلى حد التوتر والفزع لول أن العدو الصهيوناي قد مد
استفزازه للشعب إلى ساحة القضاء المقدسة فما فتئت أجهزة إعلمه تنقل عن حكامه وحكومته
وكتابه وصحفييه ما يعني بصراحة وقحة أن التحقيق جرى ويجري تحت رقابتهم ،وأن حياة
سليمان خاطر أو موته ليست متوقفة على العدالة القضائية ،بل هي بند في جدول أعمال
المفاوضات حول طابا ...إن الشعب العربي في مصر ل يصدق افتراءات الصهاينة ولكن هذا
هو جوهر الموضوع ..ل يريد أن يخالط ثقته في قواته المسلحة متمثلة في قضائها العسكري
أي شك ،ول يريد أن يسمح لحد بالشك فيها كما ل يريد أن يخالط ثقته فيما تعلنوناه من رفض
قطعي لي مؤثر خارجي على إرادتكم ما قد يثيره أي حكم تبلغ قسوته حدا يصدما عواطف
الشعب المحيطة بابنه جندي الشرطة سليمان خاطر ،كما ل يريد أن تكون تلك سابقة يمد فيها
اختصاص القضاء العسكري إلى المواطنين المدنايين الذين ينتمي إليهم سليمان خاطر ،لهذا فإن
الشعب العربي في مصر والمؤمن بأن ا يدافع عن الذين آمنوا ،يثق بأناه سبحاناه لن يسمح
بسفك دما سليمان خاطر على هيكل الصهيوناية ،ويثق ويقبل بأحكاما القضاء المصري وبدون
تحفظ ول يطلب إليكم التدخل في شئون القضاء ولو بالعفو عن سليمان خاطر ،بل يطلب إليك
سحب المر الصادر بالحالة إلى القضاء العسكري وترك مصير سليمان خاطر يتقرر أماما
قضاته الطبيعيين".
وقد انافردت صحيفة الهالي الناطقة بلسان حزب التجمع بنشر ناص البيان في صدر صفحتها
الولى ،وفتحت الباب أماما حملة توقيعات شعبية من أجل تحويل سليمان خاطر إلى القضاء
العادي ..وكان ذلك تحت عنوان" :من أجل العدل ومواجهة الصلف )السرائيلي( ..ضع
توقيعك الن ..وسوف نانقله لرئيس الجمهورية" ...وناشرت "الهالي" صورة "بطاقة"
طلبت من الناس كتابة بيانااتها والتوقيع عليها ،وتتضمن هذه البياناات السم والمهنة والتوقيع
بالموافقة على البيان السابق للجنة القومية للدفاع عن سليمان خاطر ،ومناشدة رئيس
الجمهورية تلبية ما جاء به ...
وبعد ساعات من صدور "الهالي" وجدت دعوتها استجابة شعبية وناقابية هائلة ..ووقع على
بيان اللجنة ،عدد هائل من المواطنين ،منهم كتاب وأساتذة جامعة ،ورجال قضاء ،بخلف عدد
كبير من الصحافيين ،والمحامين ،والفناناين ،ومن هؤلء عمر التلمساناي المرشد العاما للخوان
المسلمين ،وخالد محيي الدين رئيس حزب التجمع ،وإبراهيم شكري رئيس حزب العمل،
وزكريا البري وزير الوقاف السابق ،والفريق أول محمد فوزي وزير الحربية السبق ،ومحمد
عبد العزيز وكيل وزارة الثقافة وقت المحاكمة ،ود]] .يحيى الجمل[[ ،وهو وزير سابق ،ومحمد
إبراهيم كامل وزير الخارجية السبق ،والشيخ أحمد المحلوي ،ومحمد فائق وزير العلما
السبق ..ود .لويس عوض ،وجلل الدين الحمامصي ،وناعمان عاشور ،ومحمود السعدناي،
وفاروق عبد القادر ،ومحمد المراغي ،وعبد الفتاح الجمل ،وجمال الشرقاوي ..و]]خالد جمال
عبد الناصر[[ ،ولطيفة الزيات ،وحسن ناافعة ،ومفيد شهاب ،وسعد الدين إبراهيم ...وناور
الشريف ،ومحمود ياسين ،وعبد العزيز مخيون ،وعلي بدرخان ،وفردوس عبد الحميد ،وسعد
أردش ،ومحسنة توفيق ،وعلي الشريف ...
إن القائمة الولى للشخصيات العامة تزيد على 200توقيع ،ويلحظ أن بعض هذه التوقيعات
لرجال قضاء ،منهم د .محمود شتا المستشار بمحكمة استئناف بني سويف ،وإبراهيم حسنين
حلمي ،المستشار السابق ،والدكتور المستشار صلح عبد المتعال ،ويلحظ أن عددا كبيرا من
كتاب وصحافي الجرائد المسماة بالقومية قد وقعوا على البيان ،كما أن عددا كبيرا من قيادات
النقابات فعل نافس الشيء ..
أما القائمة الولى من توقيعات المواطنين فكان من الصعب حصرها ،وقد جاء بعضها
بالتلغراف ،وجاء البعض الخر في صورة رسائل مصحوبة بتعليقات ساخنة من أصحابها ..
فمثل ...كتب مواطن من الدقهلية يقول" :أنااشد السيد رئيس الجمهورية وأدعو له بالتوفيق
أن يفرج عن الجندي سليمان خاطر ول يحاكمه أبدا ..أبدا" .وكتب طالب بمعهد المطرية
الصناعي يقول :إن رفاقه وأهله ناصحوه بعدما التوقيع أو بكتابة اسم مستعار ،إل أن "كرامتي
ل تسمح بهذا وأناا مصري ل صهيوناي" .وكتب موظف بجامعة قناة السويس يقول" :لو كان
المر بيدي لمنحت لسليمان خاطر أعلى وساما في الدولة لن ما قاما به عجز الكثيرون عن أن
يقوموا بأقل منه" ..وكتب طبيب شاب يقول" :رغم اقتناعي بعدما جدوى المحاولة فإناني أضم
صوتي لكم" ..ويكتب ابن شقيقة سليمان خاطر يقول" :إن خالي ليس لوحده ولكن الناس كلها
معاه" ...
ول تتوقف التوقيعات ول الرسائل ول البرقيات ول التليفوناات ..إناها تسجل – لول مرة في
مصر – ما يسمى بالضغط الشعبي ..أو "اللوبي" الجماهيري في مواجهة قرار الضغط العاما،
أو ممارسة الرأي العاما لحقه في القرار ..أو لحقه في تعديل أي قرار ...
وقد قررت لجنة الدفاع عن سليمان خاطر تقديم كل ما يصل إليها من توقيعات وخطابات إلى
رئاسة الجمهورية يوما الثنين 23ديسمبر ،1985قبل الميعاد المحدد لجلسة النطق بالحكم
عليه بخمسة أياما ..وقررت عمل ملصق يحمل صورة سليمان خاطر ،وعليه عبارة" :الدفاع
عن سليمان خاطر دفاع عن شرف الوطن" ..وقررت إقامة مؤتمر سياسي شعبي في سرادق
يقاما بجاناب مقر حزب "العمل" بالسيدة زينب ..وقد أقيم هذا المؤتمر فعل ،وشارك فيه
ممثلون عن كافة القوى والحزاب والتيارات السياسية في مصر ،منهم إبراهيم شكري ،وخالد
محيي الدين ،وعمر التلمساناي والشيخ صلح أبو إسماعيل ،والفريق محمد فوزي ،وأمين
هويدي ..وغيرهم ..كان ذلك بعد مغرب يوما الخميس 19ديسمبر ..
وقبل ذلك بيومين ،صباح الثلثاء 17ديسمبر ،كان "الماناشت" الحمر العريض لجريدة
"الشعب" الناطقة بلسان حزب العمل يدعو كافة الناس لهذا المؤتمر ..وكان ناص
"الماناشت"" :تعالوا جميعا إلى مؤتمر التضامن مع سليمان خاطر" ..وطالبت الصحيفة في
افتتاحية حماسية ،الناس بإعلن موقفها "باليد واللسان" لن "القلب وحده لم يعد يكفي" ..
وطالبتهم بحضور المؤتمر ،مهما كانات مشاغلهم ،ومهما كانات مشاكلهم ،ومشاكل الزحاما
والمواصلت ..لن "الصهاينة السفاحون يطلبون رأس سليمان خاطر بالباطل" ومن واجب
أي مواطن أن يعترض " ..لقد فرض الصهاينة )ومن خلفهم أمريكا( سحب القوات المسلحة
المصرية من المناطق الحدودية ،وفي هذا كما ناعلم عدوان على سيادتنا وتهديد لمننا" ..
وكانات هذه النقطة هي الشارة الولى من ناوعها في تناول قضية سليمان خاطر ...فهذه
القضية ليست قضية جندي مصري أطلق النار على )إسرائيليين( ،وإناما هي قضية أمن مصر،
وسيادتها على سيناء ..وقضية الحقوق الممنوحة )للسرائيليين( في سيناء ،دون أن يكون لنا
الحق في مواجهتهم ،أو في أن ناقول لهم :قفوا مكاناكم! وطالبت الصحيفة الناس بحضور
المؤتمر ..لعلن "الدنايا كلها أنانا ناقف إلى جاناب سليمان خاطر ،رغم أناف البتزاز
الصهيوناي" ..ولعلن الصهاينة والدنايا كلها ..أنانا في هذه القضية ناتحرك ..وأن سليمان
خاطر هو رمز لمتنا وشبابنا"
امتل سرادق مؤتمر حزب العمل ...وامتلت المنصة أيضا ..جاء ممثلو التيارات والحزاب
المختلفة ..من اليسار :خالد محيي الدين )رئيس حزب التجمع( ومحمد عبد السلما الزيات
)أمين لجنة الدفاع عن الحريات( ونابيل الهللي )عضو مجلس ناقابة المحامين( ..ومن الخوان
المسلمين :عمر التلمساناي ،وصلح أبو إسماعيل ،وجابر رزق ..ومن الجماعات السلمية :د.
عصاما الدين العريان ..ومن الناصريين :ضياء الدين داود وحمدين صباحي ..
– 1محاكمة سليمان خاطر ..هي محاكمة للرأي العاما المصري والعربي ..
– 2تهمة سليمان خاطر أناه أطلق رصاص المن المركزي على الصهاينة ..وليس على العمال
والطلبة ..
– 3لو فعل كل عربي ما فعله سليمان خاطر لزيلت )إسرائيل( من الوجود ..
– 4محاكمة سليمان خاطر لها تأثيرها السلبي على الجنود الذين يحرسون الحدود.
وفي هذا المؤتمر حاولت قوى سياسية مختلفة أن تنسب سليمان خاطر لنفسها ..وحاولت قوى
سياسية أخرى أن تستثمر وجودها في وسط الحاضرين ..وكان على رأس هذه القوى:
الجماعات السلمية التي حاول بعض أفرادها اليحاء بأن سليمان خاطر كان ينتمي إليها ..
وأناه لم يعاقب إل لهذا السبب ..وكان دليلهم على ذلك وجود بعض اليات القرآناية المكتوبة
بخط اليد على دفتر أحوال النقطة .. 46ووجود آيات أخرى معلقة على الجدران في الكشك
الخشبي ..وذلك في لوحات "كرتون" كالتي تعلق في معظم البيوت والمحلت في مصر ..
والتي توزعها بعض المجلت السبوعية ،في المناسبات الدينية مجاناا من باب تنشيط التوزيع!
!
وراحت هذه الجماعات تهتف هتافاتها الدينية المحفوظة والمكررة والتي ل علقة لها بالمؤتمر
ول بسليمان خاطر ..وكادت أن تشتبك مع تيارات أخرى ،كانات ترى أن قضية سليمان خاطر ل
تحتمل هذا الستغلل "الرخيص" !
كان هذا المؤتمر ..بعد حملة التوقيعات ..إناذارا للحكومة ولصحافتها وكتابها بالحركة ..
وعجل بهذه الحركة ..المظاهرات الطلبية التي انادلعت في محافظة الشرقية )محافظة سليمان
خاطر ( والتي اشترك فيها لول مرة طلبة المدارس الثاناوية ..وكانات هذه المظاهرات قد
استمرت يومين متتاليين ،وواجهها رجال المن المركزي بالعنف والقسوة ..واناتهت بإصابة
بعض الطلب ..وبحملة اعتقالت بين البعض الخر منهم ..وقد وصل عدد المعتقلين إلى أكثر
من 120طالبا وطالبة ..بخلف شباب من الجماعات السلمية.
إن كل هذه المؤشرات والضغوط ،جعلت الصحف الحكومية ،تصف – فيما يشبه الحملة المنظمة
– المعارضة بأناها "تنفخ في قربة مقطوعة" ..وكانات هذه القربة المقطوعة في رأي تلك
الصحف هي قضية سليمان خاطر ..الذي وصفته تارة بالجنون ..ووصفته تارة أخرى بأناه
"بطل رغم أنافه" ! ووصفته في أفضل الحوال بأناه إناسان عادي جدا!
وفي حملتها المضادة ركزت الصحف الحكومية على:
– 1أناها سابقة غير عادية أن يتدخل العمل الحزبي في الضغط على القضاء!
– 2أناها سابقة غير عادية أن يستثمر العمل الحزبي المشاعر الشعبية التي أحاطت بحادث
سليمان خاطر!
– 4إن سليمان خاطر ل يستحق البطولة التي أضفتها عليه المعارضة لناه "كان أماما مجموعة
أطفال وناساء وشيخ عجوز" ..إناها تصر على أن تمنحنا "بطل زائفا".
– 5إن المعارضة حاولت استثمار هذا الحادث للخروج من المأزق الذي تجد نافسها فيه!
ومما ل شك فيه أن أحدا لم يزن قضية سليمان خاطر بميزان دقيق ..فهو إناسان عادي ..
وبسيط ..ليس "سوبر مان" ..إناسان مصري كادح ..طيب ..ل يفهم في أصول
الدبلوماسية ..ول يعرف قواعد البروتكول ..وهو بالفعل لم يكن يقصد أن يقتل ..أطلق النار
من باب التحذير ..ومن باب التخويف على "الجهاز" الذي يحرسه ..وبطولته الحقيقية تكمن
في أناه لفت ناظرناا لشياء كانات غائبة عنا ..أو أشياء كنا قد ناسيناها ..منها أن "سيناء لم تعد
للسيادة المصرية ..أو ..أن سيناء أصبحت داخل حدود مصر فقط ولم تصبح حتى الن جزءا
من سيادتها ..فليس لنا على ناصفها القريب من العدو )السرائيلي( أسلحة ول جيش ..ول
طائرات ول مدرعات ..ليس لنا هناك سوى مجمعات استهلكية ..وقرى سياحية ..وشاليهات
استبدلنا فيها ملبس القتال بملبس البحر" ..ومنها أن )للسرائيليين( حقوقا في سيناء ليست
للمصريين ..وكأناها "عزبتهم" الخاصة وكأنانا ناحن "الخولي" المشرف لهم عليها! ومنها
الخوف من أن تعود )إسرائيل( لحتلل سيناء دون أن ناعرف كيف ناواجهها بأسلحة رجال المن
المركزي الخفيفة التي ل يوجد غيرها على الحدود معها ..
إن بطولة سليمان خاطر التي لم يشر إليها أحد – في أناه بحركة "عفوية" ،غير مقصودة ،لفت
ناظرناا إلى حقائق كانات غائبة عنا.
أكثر من اقتراح خرج به مؤتمر "حزب العمل" الذي عقد من أجل سليمان خاطر ..اقترحوا
مسيرة إلى "مجلس الدولة" الذي يفتي في موضوع تحويل سليمان خاطر إلى محكمة عادية ..
اقترحوا مسيرة إلى "أكياد" ..قرية سليمان ..اقترحوا أداء صلة "الجمعة" – في اليوما
التالي على المؤتمر – في نافس القرية ..واقترحوا ما هو أصعب من ذلك.
لكن ..كل هذه القتراحات اناتهت إلى اقتراح واحد ووحيد ،نافذ بمفرده ..وهو اعتصاما بعض
القيادات السياسية المعارضة في مسجد الزهر عقب صلة الجمعة ،في اليوما التالي للمؤتمر ..
وكان على رأس هذه المجموعة إبراهيم شكري ..
وفيما بعد قالت صحيفة "الشعب" الناطقة بلسان الحزب الذي يرأسه إبراهيم شكري :إن رجال
المن المركزي اقتحموا الزهر بملبس مدناية واعتدوا على "إبراهيم شكري شخصيا
وصحبه" فأصيب بالغماء.
وكنت أناا واحدا من ضحايا هذا اليوما المشئوما ..بلطجية حزب السلطة حاولوا سحبي إلى
الخارج " ..جرجروناي" على الرض ..وكان معي حذائي ..وبفضل ا ناجحت في التخلص
منهم ولكن بعد أن "لطشوا" حذائي ..وسرقوه!
وفيما بعد ربط البعض بين اقتحاما المن المركزي للزهر في ذلك اليوما ،واقتحاما "عساكر"
ناابليون له من قبل!
إن ما يلفت النظر في رد الفعل الشعبي إزاء حادث سليمان خاطر هو أناه رد فعل قوي ..
ومتنوع ..ومؤثر ..فقد أخذ أشكال مختلفة ..من المقالت إلى البياناات ..ومن المؤتمرات إلى
المسيرات ..ومن التوقيعات إلى المصادمات ..كما أناه تصاعد درجة ..درجة ..حتى وصل إلى
حد الشتباك مع قوات المن ..كذلك لم يكن رد الفعل مؤقتا ..ول عابرا ..كما كان من قبل ..
وإناما كان يمتلئ بالصرار والصمود والصبر لول مرة منذ زمن طويل ..ولعل السبب القوي
وراء ذلك هو "جملة" الحداث التي تزامنت مع حادث سليمان خاطر ،والتي أحس المصريون
بالهاناة تخترق صدورهم من ورائها ..وقد تحولت "الهاناة" إلى "مرارة" بعد ردود أفعال
الحكومة المصرية إزاء هذه الحداث ..
فقبل أن تصيب رصاصات خاطر )السرائيليين( السبعة كان الرأي العاما المصري والعربي يغلي
من جراء قياما طائرات "الفاناتوما" )السرائيلية( بالعتداء على مقر ]]منظمة التحرير
الفلسطينية[[ في توناس ،وقتل مواطنين آمنين ،ل ذناب لهم ،ول حول لهم ول قوة ،وتدمير
وناسف منظمة بأكملها ...
وبعد يومين من الحادث ..ففي مساء الثنين 7أكتوبر قامت مجموعة فلسطينية بالسيطرة على
السفينة اليطالية "اكيلي لورو" المتجهة من "جنوة" إلى ميناء "أشدود" )السرائيلي( ...
وذلك كرد فعل للغارة )السرائيلية( القذرة على توناس ..وقد ناجحت السلطات المصرية في
إقناع المختطفين بتسليم أنافسهم إليها ..مقابل التعهد بالحفاظ عليهم ،وبعد مفاوضات اشترك
فيها هاناي الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ،و "أبو العباس" أمين جبهة تحرير
فلسطين ...
وأقلعت طائرة مصرية خاصة على متنها المختطفون وبعض رجال المن المصريين في طريقهم
إلى توناس ..وقبل أن تهبط الطائرة أرض توناس فوجئت بأربع مقاتلت أمريكية في الجو،
أجبرتها على الهبوط في قاعدة "سيجو نايل" بصقلية ..واعتبر المصريون هذا العمل إهاناة
لهم ..واعتداء على كرامتهم ..وانافجرت مظاهرات الغضب في الجامعات والشوارع ..وقال
الرئيس حسني مبارك :إن ما حدث تسبب في جرح عميق للشعب المصري ..وتوقع
المصريون ردا على هذه الهاناة ..لكن هذا لم يحدث ..
إن هذه الحداث وغيرها ..والتي تزامنت مع حادث وقضية سليمان خاطر كانات بمثابة
"مقدمات" لما حدث بعد ذلك ..كانات ناوعا من "التسخين" الذي جعل الرأي العاما يلعب دورا
كبيرا ومذهل بمناسبة سليمان خاطر ..إن الغضب الذي بدأ – في ذلك الوقت – مع الغارة
)السرائيلية( ،وتصاعد مع خطف الطائرة المصرية والقرصنة المريكية ،ووصل إلى سليمان
خاطر جاهزا خلق ما يمكن أن يسمى "لوبي" الرأي العاما في مصر ..أو "قوة" الرأي العاما
في مصر ..أو قوة ضغط الشارع على السلطة في مصر ..لقد طلبت اللجنة القومية للدفاع عن
سليمان خاطر من الناس أن "تضغط" على السلطة – بالخطابات والبرقيات والقصائد
والتليفوناات – لتحويل محاكمته من القضاء العسكري إلى القضاء العادي واستجاب الناس ..
وكانات تلك الستجابة بمثابة "ميلد" أول "لوبي" حقيقي وفعال في مصر " ...لقد تعودت
السلطة في مصر على أن تتعامل مع الرأي العاما على أناه "أقلية سوداء" يمكن الضحك عليها
بسهولة ..بالبث المباشر ..و "النقد" المباشر ..وصور التليفزيون الملوناة بألوان "بال" و
"سيكاما" ..وتعود الشارع أن يضع القطن في أذنايه عندما تتكلم أو تعود أن يدخل فراشه ليناما،
إذا ما طالت الفترة الخبارية بعد ناشرة الساعة التاسعة ..لكن ..ها هو الرأي العاما يغير من
عاداته ويمارس حقه في صنع القرار أو في تغيير القرار ،وهو حق سبقه إليه تجار المخدرات
والعملة وصناع "البامبرز" و "الموكيت" وأصحاب العمارات المنهارة والخلق المنهارة ..
ها هو الرأي العاما يغير من رأيه في نافسه ،لعل وعسى تفهم السلطة أناها موجودة بفضله،
وبحسه ،وبرضائه عنها فقط".
لم يتوقف مطلب تحويل قضية سليمان خاطر إلى القضاء العادي عند حدود القوى الوطنية
المصرية وإناما امتد خارج أرجاء الوطن الصغر ..إلى الوطن الكبر ..إلى الوطن العربي ...
في السودان ،قررت مجموعة من المحامين ،والسياسيين ،من أحزاب مختلفة تشكيل لجنة
"خاصة" للتضامن مع سليمان خاطر والقياما ببعض الوساطات مع رجال الحكم في مصر
لتحويله إلى قضائه الطبيعي .ومن السعودية أرسلت مجموعة كبيرة من المثقفين وأساتذة
الجامعات هناك رسالة إلى الرئيس حسني مبارك ،تناشده فيها إيقاف المحاكمة العسكرية
والتصرف مع )السرائيليين( طبقا لقاعدة "المعاملة بالمثل" ووفقا لما تتصرف به )إسرائيل(
في الراضي المحتلة حيث برأت الذين اعتدوا على المسجد القصى ...وفي الكويت استمرت
حملة التضامن التي بدأتها الصحف هناك مع سليمان خاطر ..وكانات تلك الصحف قد بدأت هذه
الحملة مبكرة ..بعد أياما قليلة من الحادث ..وقد أخذت هذه الحملة شكل تبرعات وبرقيات
ورسائل من أفراد وهيئات.
أما الرسائل فكانات كلها تدور حول معنى واحد هو :إذا كان ما فعله سليمان خاطر جنوناا فمرحبا
بضياع العقل ..وإذا كان الستقرار العقلي ،وحسن الدراك يعنيان الخضوع والتنازلت فمرحبا
بجنون سليمان خاطر!
وفي باقي أناحاء العالم العربي وصف سليمان خاطر بأناه "بطل سيناء" !
بعد إصرار المحكمة الدارية على محاكمة سليمان خاطر عسكريا ،فركت )إسرائيل( يدها في
سعادة ،وقالت إذاعتها الناطقة باللغة العربية:
"إن الحكومة المصرية تأخذ في حسباناها أل تخسر علقتها الطيبة بالحكومة )السرائيلية(".
وفي اليوما التالي على حكم محكمة القضاء الداري ،أعربت الخارجية )السرائيلية( – في
رسالة إلى الخارجية المصرية – عن غبطتها بصدور هذا الحكم ..وأشارت الخارجية
)السرائيلية( في رسالتها إلى أناها قد تلقت من لجنة قضائية )إسرائيلية( ،وصلت القاهرة قبل
أسبوع لمتابعة سير التحقيقات مع سليمان خاطر ،تقريرا "مطمئنا" حول سلمة إجراءات
التحقيق مع )قاتل السرائيليين( على حد تعبير الرسالة ..ويقول التقرير "المطمئن" إن
"القضاء العسكري المصري لم يتساهل مع الجندي الذي قتل سبعة من المدنايين العزل في
سيناء" ..على حد تعبير الرسالة أيضا.
لقد كان رد الفعل )السرائيلي( بعد حكم المحكمة الدارية يحمل الكثير من النابساط ..والمتنان
للحكومة المصرية ..وذلك على عكس رد الفعل )السرائيلي( عقب الحادث مباشرة ..والذي
كان "عصبيا" ..ل يخلو من "التهديدات" و "الوعيد" والرغبة في "الناتقاما".
وطلب "موشيه أرينز" وزير الخارجية بالنيابة تفسيرا مصريا مفصل للحادث "خلل 48
ساعة" ..ورفض "أريك شارون" التبريرات المصرية ..وقال :يجب أن " ل يترك أمن اليهود
إل لليهود مثلهم ..وأن ل أحد سوى اليهود يمكن أن يكون مسئول عن سلمة اليهود" ..وقال
عزرا وايزمان :إن ما حدث في سيناء "ناتيجة كراهية متبادلة بين اليهود والعرب" ..
وفيما بعد سافر وزير البترول المصري عبد الهادي قنديل إلى إسرائيل وقدما عزاء الحكومة
المصرية "الرسمي" لسر الضحايا ..وفيما بعد قالت الخارجية )السرائيلية( :إن سليمان
خاطر قد أصبح عقبة جديدة أضيفت للعقبات التي تمنع سريان مياه العلقات الطبيعية بين مصر
وإسرائيل ..وكانات من ضمن العقبات الخرى في رأيها :مشكلة "طابا" المزمنة ..وعودة
السفير السرائيلي إلى القاهرة ...وعودة السفير المصري إلى تل أبيب ..وفيما بعد ..وأثناء
الجولة الثاناية من مباحثات "طابا" يوما 12ديسمبر في "هرتزليا" بإسرائيل ،وضع الوفد
)السرائيلي( في مقدمة جدول العمال "تقديم تعويضات مصرية لسر القتلى )السرائيليين(
في حادث سليمان خاطر" ..وفيما بعد عمدت )إسرائيل( إلى إفشال مباحثات "طابا" ،حتى
ترى "ناهاية ترضيها لسليمان خاطر" ..وفيما بعد اقترحت )إسرائيل( على الحكومة المصرية
تشكيل لجنة عسكرية مشتركة تضم خبراء عسكريين أمريكيين للتفتيش على حجم وتسليح
القوات المصرية و )السرائيلية ( على الحدود المشتركة ..مكان الحادث ..وفيما بعد ..رفعت
القوات متعددة الجنسية في سيناء تقريرا عن الحادث بعد 48ساعة من وقوعه ..وفيما بعد
أرسلت )إسرائيل ( مراقبين قاناونايين من وزارة خارجيتها لمتابعة "حسن سير التحقيقات"
وجلسات المحكمة ..وكانات – على حد قول أحد المحامين – تأخذ ناسخة من شرائط الفيديو
التي كانات تسجل وقائع جلسات المحاكمة
وفيما بعد أيضا ...دار الهمس في أوساط كبار المسئولين المصريين حول ضغط أمريكي "ما"
على الحكومة المصرية في قضية سليمان خاطر ..وأن هذا الضغط لو كان هناك ما يبرر
استخدامه ،سيكون بورقة "المعوناة" !
وقد جاءت الرياح بما تشتهي السفن المريكية ..ولم يعد هناك حاجة للضغط بهذه الورقة!
إن حادث سليمان خاطر كان أشبه بحجر ألقي في بركة راكدة ..فراح ارتطامه بالماء يحدث
دوائر صغيرة أخذت تتسع ..وتتسع ..وتتسع!
الذبح ..على الجاناب الخر!
كان ل بد من المقارناة ...مقارناة ما فعله سليمان خاطر )بالسرائيليين( السبعة في رأس
بركة ..وما فعلته إسرائيل )بالعرب( في القدس ،وبيت لحم ،وغزة ،وحيفا ،ويافا ،والجولن،
وسيناء ،ودير ياسين ،وصبرا وشاتيل ،وبحر البقر.
إن هذه المقارناة الجبارية فرضت نافسها على كل من تعرض لحادث سليمان خاطر ..أو تناوله.
فقيل:
"وماذا فعل سليمان خاطر أماما بحور الدما العربي التي فجرتها )إسرائيل( ؟" ...
"ماذا فعل أماما جبال الجثث والضحايا العرب ..البرياء التي رفعتها )إسرائيل( ؟".
وجاءت من جديد سيرة الرهابي ،والنازي الجديد "مناحم بيجن" الذي آمن بتفوق شعب ا
المختار ..وبأن )إسرائيل( فوق الجميع ..وأدخل ثلثة مليين فلسطيني إلى أفران القهر ..
والتشرد ..والغربة
وجاءت من جديد سيرة الصهيوناي ،والسفاح الكبير "إريك شارون" الذي آمن بقدرة الحذية
الثقيلة على صناعة التاريخ ..وبأن جماجم وعظاما العرب أقوى جدار تحتمي خلفه )إسرائيل( ..
وحاصر آلف الطفال والشيوخ والنساء في صبرا وشاتيل ،بالمدافع ،وراح يستمتع
بصراخهم ...
وجاءت سيرة الجندي المريكي الصل ..اليهودي الدياناة ) ..السرائيلي( الجنسية" :آلن
جودمان" !
و "آلن جودمان" لمن لم تسعفه ذاكرته هو الذي اقتحم المسجد القصى ،وأطلق النار على
المصلين وهم يسجدون مرددين" :سبحان ربي العلى".
بدأت جريمة جودمان في الساعة التاسعة من صباح يوما الحد 11أبريل ... 1982في ذلك
الوقت وضع جودمان قبعة اليهود الدينية على رأسه ،ورفع بندقيته الرسمية "ما – "16التي
يستخدمها )جيش الدفاع السرائيلي( واقتحم المسجد القصى من بوابة "الغوانامة" ...أطلق
رصاصاته الولى على حراس المسجد فأصابهم ..ثم جرى إلى مسجد "الصخرة" دون أن
يرفع يده من على زنااد البندقية ،فتصادف مرور حارس الحرما "الحاج محمد اليماناي – 65
سنة" فقتله بالقرب من الباب الغربي لمسجد الصخرة ..ثم دخل مسجد الصخرة ،وطلب من
السياح الجاناب مغادرة المكان وواصل إطلق النار على المسلمين داخل المسجد بصورة
عشوائية ،وأصابت بعض طلقاته جدران وقبة المسجد.
في نافس الوقت بالضبط اناطلق سيل آخر من الرصاص من الناحية الغربية للمسجد ،حيث
يتمركز الجنود )السرائيليون( على أسطح المنازل في تلك الناحية ...
وفي نافس الوقت بالضبط اناطلق سيل ثالث من الرصاص من نااحية مقبرة اليهود المشرفة على
ساحات المسجد ...عملية عسكرية ..جماعية ،منظمة ،وليست عملية فردية كما صورت من
قبل ،كان الهدف منها إصابة أكبر عدد من المصلين داخل المسجد ،وفي ساحاته بالضافة إلى
تشويه مسجد الصخرة ،الذي صعد منه الرسول صلى ا عليه وسلم إلى السماء ،يوما السراء
والمعراج ..
واناقلب المسجد إلى مجزر آلي ...وراح المؤذناون يطلبون من المواطنين – عبر مكبرات
الصوت – التوجه إلى ساحات المسجد للدفاع عنه ..فانادفع الناس من داخل بلدة القدس العتيقة
إلى الحرما القدسي بصدورهم ..فانافتحت بنادق الجنود )السرائيليين( عليهم فتساقط القتلى
والجرحى بالعشرات ...
حتى الساعة الحادية عشرة كان جودمان ل يزال داخل مسجد الصخرة ..كان ل يزال يطلق
الرصاص على كل من يصل إليه من بشر وجدران ..وأحس زملؤه بالخوف عليه ،فرموا
القنابل المسيلة للدموع لمنع المصلين من القبض عليه ..فاشتعلت النيران في سجاد المسجد،
فأخرجه المصلون ،وراحوا يخمدون الحريق ..واناتهزت مجموعة من الجنود )السرائيليين(
هذه الفرصة ،فدخلت الصخرة ،بالسلح ،وأخذت جودمان ،ومنعت الناس من المساس به.
وفي منتصف النهار ،وبعد أن اشتعلت نايران الغضب في عروق المسلمين ،اقتحمت فرقة
خاصة من الجيش )السرائيلي( تسمى "وحدة مكافحة الرهاب" ساحات المسجد ،بأحذيتها
الثقيلة ،وأطلقت النار بغزارة على كل من يقابلها ..فأصيب كثيرون بجراح ،وناقلوا إلى
مستشفى "المقاصد" ومستشفى "الهوسبيس".
لكن ..ذلك لم يوقف المظاهرات الغاضبة التي رفع فيها العلم الفلسطيني ..والتي اصطدما فيها
المتظاهرون بقوات الحتلل الصهيوناي ..وأغلقت المحلت في القدس ..وبدأت الضرابات
والمظاهرات تمل الوطن المحتل ..وأذاع راديو )إسرائيل( كل هذه الخبار ..
إناه يهودي من أصل أمريكي ،ولد في نايويورك ،وحضر إلى إسرائيل عاما ،1976حيث اناتظم
في مدرسة دينية ،وهو يقيم في منطقة "رعفاناا" شمالي تل أبيب ..
وذكر الراديو :أناه أخذ أجازة من وحدته ،وسافر إلى القدس ،ونازل في فندق "حي بيت هكيرما"
ومعه بندقيته وبذته العسكرية ..وقد عثرت الشرطة في غرفته بالفندق على منشورات لرابطة
"الدفاع" اليهودية ،التي يرأسها الحاخاما المتطرف "مائير كهاناا" ،تنادي بطرد السكان
العرب ،وإعادة بناء "هيكل سليمان" مكان المسجد القصى ...
وفي اليوما التالي قالت صحيفة "هآرتس" )السرائيلية( :إن جودمان عمل وفق خطة
مدروسة ،لرتكاب جريمته في المسجد القصى ...
وأضافت الصحيفة :أناه دخل )إسرائيل( عاما 1976بتأشيرة سياحية ،وأناه حصل على الجنسية
)السرائيلية( منذ عاما )أي في عاما .(1981
عقب الحادث مباشرة قالت الحكومة )السرائيلية( :إن الجندي الذي اقتحم المسجد القصى
مصاب بالجنون.
لكن ...صحيفة "هآرتس" أكدت" :أناه ل يوجد إلى الن أي مستند رسمي يشير إلى أن هذا
الجندي يعاناي من مشاكل نافسية".
وقال راديو )إسرائيل( :إناه كان قد ناجح في الختبارات النفسية للجيش ولم يبد عليه أي
اضطراب عقلي.
وفيما بعد ...ذكرت مصادر الجيش )السرائيلي( :إن جودمان شرس ،وعنيف ،ومنطو على
نافسه ولكنه ليس معتوها ..وفي نافس يو الحادث ،أدلى الشيخ سعد الدين العلمي رئيس الهيئة
السلمية العليا ببيان ،حمل فيه الحكومة )السرائيلية( مسئولية الحادث ..وأكد أن هذا الحادث
جزء من مخطط كبير دبر للمسجد القصى منذ الحتلل سنة " 1967وحتى يومنا هذا" ..
وضرب أكثر من مثل على صدق اتهامه:
– 1في 15أغسطس 1967دخل الحاخاما الكبر )لسرائيل( ساحة المسجد القصى بالملبس
العسكرية يرافقه عدد كبير من ضباط الجيش )السرائيلي( وأقا صلة استمرت ناحو ساعتين،
وأعلن آناذاك أناه سيعود لقامة صلة أخرى بعد أياما ،وأعلن "أن لديه مشروعا لقامة
"كنيس" في ساحة المسجد القصى سيعمل على تنفيذه".
– 2استولى الجيش )السرائيلي( بضغط من الحاخاما نافسه على مفتاح باب المغاربة – أحد
البواب الرئيسية لساحة المسجد القصى بتاريخ 31أغسطس .1967
– 3في 21أغسطس 1968أحرق المنبر التاريخي العظيم للمسجد القصى ،ويعود تاريخ هذا
المنبر إلى أياما صلح الدين اليوبي قبل أكثر من 800عاما.
– 4في مايو 1980أعلنت السلطات )السرائيلية( أناها عثرت على كميات كبيرة من
المتفجرات والقنابل والسلحة على سطح أحد المعابد اليهودية القريبة جدا من المسجد القصى
ولم تخف السلطات )السرائيلية( أناها تعتقد أن الهدف من تلك المتفجرات في ذلك الموقع كان
ناسف المسجد القصى.
– 5أما قصة الحفريات اليهودية بجاناب المسجد القصى فقد أصبحت قصة مشهورة يعرفها
العالم كله ،ولم تتوقف هذه الحفريات بالرغم من استنكاراتنا وتحذيراتنا من ناتائج هذه
الحفريات.
ولم يشأ الشيخ سعد الدين العلمي أن يذكر في بياناه إقرار المحاكم )السرائيلية( بحق اليهود في
الصلة في المسجد القصى المبارك ،ولم يشأ أن يقدما صور التهديدات التي أرسلت من
الجماعات اليهودية المتعصبة التي ينتمي إليها جودمان والتي تنذر بالسحل كل من يتعرض
لليهود الذين يصلون في المسجد القصى ..لم يشأ الشيخ الجليل أن يذكر ذلك لن صوته قد بح
منه ومن تكراره ...
لكن ..ما دمنا قد فتحنا هذا الموضوع ..وحتى ناعرف الحجم الحقيقي لجريمة "جودمان" فل
مفر من أن نانشر بعضا من هذه التهديدات ...والتي ناترك أخطاءها الملئية والنحوية كما
هي ..ول مفر من أن ناقاطع الشيخ العلمي ..
كهاناا:
الشيخ محمد الجمل ..نارجو عدما معارضتنا وإل سترى القصى رمادا ..رمادا ..خلل أياما –
لربما ليلة السراء والمعراج ...
كهاناا:
إلى المسجد السلمي العلى – أورشليم القدس سننسف القصى وكنائس المهد والقيامة
والجثماناية ..سنشرب دمائكم قريبا )يا عرب يا أناجاس(
كهاناا:
يا أيها الناجاس ..قرروا ..إما الصلة والتفتيش عن الهيكل ..وإما النسف للقصى والموت
لكم ..
مئير كهاناا:
الشيخ ]]سعد الدين العلمي[[ الصفقة "مليون دينار أردناي" ثمنا لبيع القصى بالهدوء
والسر ..أفضل من العصيان والهيجان والعناد الذي سيجلب لك الغتيال ..
مئير كهاناا:
كل قطرة من دما اليهودي ستكون شلل من دمكم أكثر ...اناتظروا ذلك في القصى والقيامة ..
كهاناا :الشعب السلمي – لممثل الوقاف إليكم بهذا المبلغ " "10شيكل كهدية لكل القتلى
الذين يسقطون والجرحى يوما – 82 /5 /20يوما تحرير . -
أيها الخوة :ناكرر من استمرار معارضتكم لروابط القرى والدارة المدناية والحكم الذاتي وناشر
إعلناات النعي والستنكار في الصحف والمظاهرات والضرابات والمشاركة في مؤتمرات
صحفية ووطنية وسياسية ،وإل سيكون جزاؤكم القتل والختطاف والتصفيات الجسدية.
أخيرا لقد أعذر من أناذر ...فاحذروا
كهاناا
إن الشيخ ]]سعد الدين العلمي [[ لم يجد أي معنى لعادة إبراز مثل هذه التهديدات مرة أخرى،
بعد كل المحاولت والتصالت التي قاما بها لعدما تنفيذها.
واليوما ..نافذ المهددون تهديداتهم وتبين مدى فداحة الخطب الذي تعرض له القصى من
مداهمة مسلحة ،وأعتقد أناني في غنى عن القول بأن التصعيد الذي يجري في العتداءات على
المسجد القصى إناما هو جزء من التصعيد الذي توجهه السلطات المحتلة في الضفة الغربية
وقطاع غزة ول يمكن أن نافرق بينه وبين ما يجري بقصد فرض أمر واقع على الناس الواقعين
تحت الحتلل.
"كما ل يفوتني أن أذكر أن ما حدث اليوما قد جاء بعد يومين فقط من مرور ذكرى مذبحة دير
ياسين التي جرت قبل أربعة وثلثين عاما بقيادة رئيس الوزراء الحالي )وقت العتداء على
القصى( مناحم بيجن".
وطالب الشيخ العلمي بتسليح حراس المسجد لحماية القصى وحمايتهم ..
في اليوما التالي لجريمة "جودمان" اتضح أن القتلى ثلثة والجرحى يزيدون على المئة ..
واتضح تحطيم الباب الزجاجي الكبير الموجود على مدخل الصخرة المشرفة من الناحية
الغربية ،تحطيما كامل" ،وناتجت أضرار كبيرة في قبة الصخرة المشرفة وبعض العمدة
الرخامية فيها ...
"إن وصف المجرما بالبياناات الرسمية بالجنون مرفوض ول يجوز أن يصدر عن حكومة
مسئولة إذ ل يقبل أن يكون أحد الجنود النظاميين في جيشها الذي من المفروض أن يتجاوز
فحصا طبيا يسمح له على القل بحمل السلح بين جنودها ..وإذا ادعى مدع بأن هذا المجرما
مجنون فماذا يمكن أن يقال عن بقية الجنود الذين عاوناوه في إطلق النار من الناحية
الغربية".
وفي ذلك اليوما واصلت قوات الجيش )السرائيلي( حصارها للمسجد القصى ،ومنعت المسلمين
من دخوله ،واعتقل أعيان القدس ،وأصدرت حركة "كاخ" المتطرفة التي يتزعمها "كهاناا"
بياناا ،أعربت فيه عن قلقها لضعف شرطة "أورشليم" في "معالجتها الفاشلة لعمال العنف
التي يقوما بها العرب في شرق المدينة والذين استغلوا عمل يهودي مريض بحب جبل البيت
لرجم اليهود المطمئنين بالحجارة" ..وألقت حركة "كاخ" اللوما على الحكومة )السرائيلية(
لناها "لم تنجح خلل خمسة عشر عاما في أن توضح للعالم أن قدسية المكان هي لشعب
)إسرائيل ( كله ،لن هناك بني الهيكل ،وهناك سيعود ليبنى ،وأن عمل غير مسئول وطنيا أدى
إلى إعطاء حراسة المكان ليدي المجلس السلمي العلى وليدي الشباب المحرض" ..
وجددت الحركة ناداءها بطرد "الغرباء من جبل البيت" و "إزالة المباناي الحقيرة من هناك
والتي أقيمت على مكان مقدس لتجميد سلطة الغرباء على أرض إسرائيل" ..و "وضع حراسة
المكان بأيدي يهود مخلصين يمشون على هدي التوراة".
وفيما بعد:
في يوما الثلثاء 27أبريل من نافس العاما نافذ مائير كهاناا تهديده ،وقاما بقيادة مجموعة من 100
يهودي ،في حوالي الساعة الرابعة والنصف باقتحاما المسجد ،والصلة في المنطقة الخارجية
لباب المغاربة ،ثم توجهت إلى باب المجلس العلى )السلمي( في محاولة لقتحاما المسجد
وهم يحملون لفتات تدعو لطرد العرب من القدس ،كما حملوا صورة كبيرة مجسمة للحرما
القدسي بدون مسجد قبة الصخرة التي وضع مكاناها صورة للهيكل المزعوما .وبعد 48ساعة
قاما كهاناا بمحاولة ثاناية ..ثم ..جرت محاولة ثالثة.
قتل ..وجرح العشرات ..وخرب الماكن المقدسة ..واقتحمها بالحذاء والرصاص ..فماذا
جرى له؟ لقد اقتيد ألن جودمان بعد أن أناقذه جنود الجيش )السرائيلي( من غضب المصلين
إلى قسم الشرطة ،وهناك وضع في أحد المكاتب ..لم يوضع في الحجز ...ولم يحاصروه
بالسلح ول بالحراس ..وقدموا له الطعمة التي تناولها ،رافضا السجائر التي عرضوها
عليه ...
واناتقل جودمان من قسم الشرطة إلى أحد المعسكرات التابعة للجيش تمهيدا لمحاكمته ..وهناك
عومل بتدليل وناعومة ،وكأناه أحد أبطال )إسرائيل( ...
وقد اناتهت المحاكمة باعتباره مجنوناا ل يحاسب على تصرفاته ..وهو نافس الحكم الذي اناتهت
إليه المحكمة )السرائيلية ( التي حاكمت من أحرق منبر "صلح الدين" والمسجد القصى من
قبل!
وكان من الطبيعي بعد براءة المتهم من جريمته من عقاب أحد على هذه الجريمة ..فكان
العقاب من ناصيب أعيان القدس الذين صدر المر بطردهم من مدينتهم العتيقة ..وسمحت
سلطات الحتلل الصهيوناي لمزيد من الجماعات الدينية اليهودية بالصلة في المسجد
القصى ..ولم تعاقب كهاناا ول غيره بتهمة التهديد رغم ثبوت التهمة عليه .
ول تتوقف المثلة ..
– 1في 4يوليو 1984أطلقت عناصر من الحدود في بيت لحم نايران أسلحتهم على خمسة من
العرب ،بينهم فتاة ،لناهم لم يمتثلوا لوامرهم بالتوقف ،فأصابوهم بجروح ناافذة.
)لحظ التشابه الواضح بين هذا الحادث وحادث سليمان خاطر ،خاصة في ضرب النار بسبب
عدما المتثال للوامر بالتوقف ..ولحظ أن من بين العرب الخمسة فتاة(.
– 2في أوائل عاما 1984أحبطت محاولة لنسف المسجد القصى في القدس ..واكتشف كمية
من المواد الناسفة والقنابل اليدوية ...وأعرب رئيس شرطة القطاع الجنوبي المفوض
"يهوشواع كسبي" عن اعتقاده أن الذين قاموا بالعتداء على المسجد القصى هم من اليهود،
وأكد أن القنابل اليدوية والمواد المتفجرة التي اكتشفت هي من صنع الجيش )السرائيلي( ..
وذكر كسبي أن %50من مجمل العمليات التخريبية في السنوات الخيرة ،وقعت في القدس،
في مقابل ناحو %63سنة ،1978و %90سنة .. 1979وفي الفترة ما بين يناير 1982قتل
29عربيا بأعمال إرهابية وجرح 326شخصا من العرب ) ...لحظ من الذي يعترف بهذه
الحقائق(.
– 3في 4مارس ،1984أصيب سبعة من سكان مزرعة "الشرقية" شمال "راما ا" بجروح
ناتيجة تعرض "أتوبيس" كاناوا يستقلوناه لرشقات ناارية عند مدخل القرية ..واتصل مجهول
بالهاتف "الحمر" لذاعة الجيش )السرائيلي( وأدلى ببيان باسم منظمة ت .ن .ت جاء فيه:
"ناحن أعضاء مجموعة الرهاب ضد الرهاب ناتحمل مسئولية تنفيذ الهجوما ضد العرب الذي
وقع صباح اليوما ،وهذا الهجوما هو واحد من سلسلة عمليات ستحدث قريبا ) ..لحظ الجرأة
والفتخار بارتكاب الحادث(.
– 4في 9سبتمبر 1984دعا الحاخاما ليفنجر إلى إطلق أسماء التكريم على الشبان اليهود
المسئولين عن بتر أرجل بساما الشكعة وكريم خلف )من الشخصيات الفلسطينية البارزة في
الضفة الغربية( لناهم "فعلوا ما كان يجب أن تفعله الحكومة ..فقد دافعوا عن الدما اليهودي" ..
وحرض ليفنجر على الشكعة وخلف اللذين "لم يقطع لساناهما" ..وحذر من "أن الدما اليهودي
لن يكون مباحا" ..وقال "لقد جئنا أرض )إسرائيل( ،ل أرض – إسماعيل ،إنانا لن نارتدع ولن
ناخاف ،ل يمكن أن يملي العرب علينا كيف ناعيش في بلدناا".
– 5في ديسمبر 1984ذكر المتهم بالعتداء على رؤساء البلديات العرب يتسحاق ناوفيك في
أثناء الدلء بشهادته أماما المحكمة التي تنظر في قضية "الحركة السرية اليهودية" أناه بعد أن
اعتقل أرسل إلى جهاز التحقيق "حيث عاناقني أفراد جهاز المن العاما وقالوا لي لقد أديتم خدمة
كبيرة للمة ..وناحن كأفراد جهاز المن العاما ناقدر عملكم".
– 6في ناوفمبر 1984اعتقل جندي من لواء "جولناي" وثلثة من رفاقه بينهم جندية كاناوا
معه في بيته خلل عملية العتقال ،واعترف هذا الجندي الذي لم يكشف النقاب عن اسمه
بإطلق صاروخ على "أتوبيس" عربي في نافس الشهر وبإلقاء قنبلة يدوية في القدس.
– 7في 22سبتمبر ،1984ألقيت قنبلة يدوية على مقهى في القدس القديمة ،جرح ناتيجة
انافجارها أربعة من العرب ،وبعد دقائق معدودة من النافجار اتصل مجهول بقيادة الشرطة
هاتفيا وقال بالعبرية الفصحى" :أناا ألقيت القنبلة ،لقد بدأت الحرب على الفلسطينيين".
– 9في مارس 1984لغمت مبان دينية ،مسيحية وإسلمية ،من قبل منظمة "ت .ن .ت"
اليهودية الرهابية ... ،وأعلنت المنظمة في مكالمة هاتفية مسئوليتها عن هذا التلغيم في
الكنائس والمساجد التي تقع في القدس ..واعترفت أيضا بإطلق النار على الراهب الذي قتل
في نافس الوقت تقريبا في بلدة "عين كارما" ..وقد ذكرت الشرطة أن كل القنابل التي
استخدمتها المجموعة سرقت من قاعدة الجيش )السرائيلي( في البقاع اللبناناي.
وتتضاعف الحيرة عند الختيار ..على أنانا – حتى ل ناخرج عن الموضوع – لن ناذكر المزيد ..
لكننا ..من باب العودة إلى الموضوع ..موضوع المقارناة بين ما فعله سليمان خاطر ،وما
فعلته وتفعله )إسرائيل( ،يهمنا أن ناضع أمامكم هذه الحقائق ،ثم ناترككم تتأملوناها على مهل :
إن أغلب الذين يرتكبون الجرائم ضد العرب في فلسطين المحتلة من جنود الجيش ..وهؤلء
منظمون في منظمات معروفة بنشاطها الرهابي ضد العرب ..ولذلك ليس غريبا أن ناجد علقة
قوية بين حادث العتداء على المسجد القصى وحادث قتل الراهب المسيحي في "عين كارما"
وليس غريبا أن ناجد علقة قوية بين تلغيم الكنائس والمساجد في القدس وتفجير مبنى صحيفة
"الفجر" هناك ..وهكذا.
إن السلحة والقنابل والصواريخ المستخدمة في هذه الحوادث مصدرها الوحيد مخازن الجيش
)السرائيلي( ..وهذا ما دفع الحاخاما "ليفنجر" لن يقول في "كفار دوميم" يوما 5يوليو
" :1984أناه يجوز لليهودي عندما يقتل العرب أن يسرق من أجل شعب )إسرائيل( حتى ولو
كان يسرق الجيش )السرائيلي( ..
إن بعض أعضاء الكنيست يشاركون في ارتكاب مثل هذه الجرائم ..والمثال الصارخ هنا
"مائير كهاناا" ..وهناك مثال آخر هو عضو الكنيست الحاخاما "اليعيزر فيلدمان" الذي أظهرت
التحقيقات الخاصة بجريمة العتداء على رؤساء البلديات العرب في الضفة الغربية )في 1984
– مثل بساما الشكعة( أناه كان "شريكا فاعل" في التخطيط لهذه العملية ..كذلك عضو الكنيست
"ابراهاما ميلميد" الذي تدخل لدى سلطة السجن لمصلحة المعتقلين من منظمة الرهاب
اليهودي ،على حد قول صحيفة "دفار" يوما 22ناوفمبر .1984
إن )السرائيليين( ..خاصة المتعصبين دينيا منهم ينظرون بعين العجاب إلى أولئك الذين
يرتكبون الجرائم في حق العرب ..ويمارس عدد كبير من المسئولين في الجيش والشرطة
ضغوطا هائلة للتعامل معهم على أناهم أبطال ..أما الحاخامات فيرفضون حتى اعتقالهم أو حتى
التحقيق معهم ..ففي سبتمبر ،1984رفع ناحو 60حاخاما بينهم 7من كبار حاخامات
)إسرائيل ( كتابا إلى رئيس الحكومة "شيمون بيريز" وإلى وزير الشرطة "حاييم بارليف"
طالبوا فيه بإطلق سراح معتقلي "الحركة السرية اليهودية" – ت .ن .ت – وقد أجيب طلبهم
على الفور.
إن معظم محاكمات مرتكبي هذه الحوادث يحاكمون أماما محاكم مدناية عادية ..وليست
محاكماتهم عسكرية ،بما فيهم جنود الجيش السرائيلي ..كما أناهم فترة التحقيق معهم
ومحاكمتهم يوضعون في سجون عادية تحت مسئولية الشرطة المدناية.
إن الحكاما التي تصدر ضدهم غالبا ما تكون "البراءة" ..كما في حالة "يكوتئيل جورفسكي"
الذي حاصرته الدلة في تهمة تفجير سيارات بعض العرب في الخليل والقدس ،وتفجير صحيفة
"الفجر" العربية في القدس أيضا ..وكما في حالة "جودمان" ..وفي أفضل الحوال تتراوح
الحكاما ما بين خمسة أعواما وعامين وناصف العاما ..وفي كثير من الحيان يكون الحكم
مشفوعا بوقف التنفيذ!
وبعد هذه المثلة والملحظات ..أليست المقارناة بين ما فعله سليمان خاطر وما تفعله إسرائيل،
مقارناة ظالمة لسليمان خاطر؟ ! ناحن ناعتقد ذلك ..وأناتم – غالبا – أيضا!
غربال ثقوبه كبيرة!
هذه ليست قضية ..وإناما " ..غربال يمتلئ بالثقوب الكبيرة" ..هكذا وصف أحد المحامين
قضية سليمان خاطر ..ولم يكن هذا الوصف من قبيل الوصاف الدبية ،والبلغية فقط ،وإناما
كان من قبيل الوصاف الجنائية والقاناوناية أيضا ..
فهناك ثغرات متعددة ومتنوعة ،جعلت القضية غير محكمة ..وغير محبوكة ..على القل من
نااحية الجراءات!
س :جاء بأقوال الملزما أول طارق سلطان أن المتهم سليمان وقف على التبة وهو يهدد بقتل
كل من يقترب منه وأن الجندي عطية إبراهيم نازل من على التبة متسلل ومشيرا للضابط طارق
أن يصمت خوفا من المتهم سليمان ،فهل حدث ذلك أمامك؟
ج :أناا ما سمعتش سليمان بيهدد ،إناما سمعت من عطية لما وصل أن سليمان بيقول اللي
حيقرب مني حاضربه بالنار وعطية كان ناازل مرتبك وسليمان هو اللي قال له إنازل بلغ الضابط
طارق.
واستدعت النيابة الضابط طارق سلطان إلى غرفة التحقيق وواجهته بالشاهد – أمين الشرطة
جمال رياض ،في خصوص ما اعترض أقوالهما من تضارب " ..فتراجع الضابط عن أقواله
وقرر أناه من المحتمل أن يكون سمعه خاناه ،رغم صدق تأكيد النيابة العسكرية عليه في هذه
الجزئية".
س :هل نازلت متسلل أما نازلت بأمر ورغبة المتهم سليمان؟
ج :أناا ناازل مرعوب وباجري على تحت وسليمان هو اللي قال لي انازل بلغ طارق بك!
س :هل سمعت الجندي سليمان يطلق النار ويصيح بأناه سيقتل من يقترب منه؟
– 3في محضر النيابة العامة ،قال المقدما حسن خلف عاشور قائد سرية المن المركزي
بنويبع:
قمت بمعاوناة السادة الضباط بالتصال بالمتهم تليفونايا ،وتمكنت من إقناعه بتسليم السلح
والذخيرة وبالفعل تم ذلك وتقابلنا معه ،وقبضنا عليه وسلم للجهات المختصة ،وفي محضر
النيابة العسكرية أناكر قائد ثاناي السرية الرائد أحمد الشيخ ذلك ،وقال" :أناا اللي اتصلت
بسليمان وما حدش اتصل به غيري وأناا اللي طلبت التصال به وأطلع له".
ولن الجندي حسن الخولي هو المسئول عن التصالت فقد سألته النيابة العسكرية :
س :هل حدث أن اتصل بك على الجهاز أو التليفون المقدما حسن خلف عاشور ،واتصل
بسليمان تليفونايا؟
س :قرر المدعو سليمان محمد عبد الحميد )خاطر( بمحضر الضبط أناه شاهد بعض الجاناب
يصعدون الجبل فأشار لهم بيده لفهامهم بعدما الصعود فرفضوا فأطلق بالقرب منهم بعض
العيرة النارية للتحذير فأصاب بعضهم ) ..ما رأيك في هذا الدعاء؟('!
سليمان لما شافهم طالعين الجبل ودخلوا النقطة قال لهم بالناجليزي حاجات ل أفهمها وكان
بيشاور لهم بيده ينزلوا فرفضوا وفوجئنا بضرب النار على طول ..
بعد ما سمعنا أربع طلقات جريت أناا وعلي )إبراهيم( فقابلنا سليمان وأناا بأكلمه قال لي ما لكش
دعوة وروح قول للضابط طارق إن سليمان "قتل" نااس أجاناب! وفي محضر النيابة العسكرية
تغيرت كلمة "قتل" إلى كلمة "سيقتل" في أقوال نافس الشاهد ..والكلمة الولى تعني أن
سليمان أصاب )السرائيليين( من رصاصات التحذير التي أطلقها ..أي أناه غير متعمد ..أما
الكلمة الثاناية فتعني أناهم كاناوا على قيد الحياة بعد رصاصات التحذير ،وأناه تعمد بعد ذلك
قتلهم ...
س :لماذا غيرت أقوالك عن تلك السابقة أماما النيابة العامة وأمامنا؟
ج :الحالة النفسية اللي الواحد فيها أو احتمال عدما التركيز وسيادتك لما تسألني بعد هدوء
أعصابي كل مرة بفتكر أكثر وأناا ضابط ،مليش خدمة غير سنتين والحادث ده حصل في النقطة
اللي أناا قائدها فلزما ظروفي تبقى مش طبيعية! !
إن هذه المثلة من أقوال الشهود المتناقضة ليست هي المثلة الوحيدة في محاضر التحقيق ..
ومن الملحظ أن النيابة العسكرية أدركت هذا التناقض وسجلته ..ومن الملحظ أن الشهود من
الجنود العاديين لم يقدروا على تفسيره ،مما يثير الشك في أن تراجعهم في القوال ،أو تناقض
هذه القوال ،وراءه ناوع من التلقين ..أو العداد المسبق قبل وصول النيابة العسكرية ..في
حين أن الضابط )طارق سلطان ( لناه متعلم ومدرب ،فقد ناجح في تفسير تناقض أقواله،
بالدعاء أن حالته النفسية كانات مضطربة ..وأن خبرته ل تزيد على السنتين ،ورغم أن
التفسير يمكن قبوله ،إل أن العذر هنا أكبر من الذناب ..
العينة الثاناية من ثقوب "غربال" القضية :الخطاء غير المبررة التي وقع فيها بعض رجال
الشرطة في مكان الحادث .
– 1في ص 15من محضر النيابة سئل مأمور شرطة "ناويبع" العقيد "محمد علي
إسماعيل":
س :لماذا لم تقم بسؤال الطفلين المصابين عند اناتقالك لهما في المستشفى؟
ج :أناا كنت متصور تواجدهما بعض الوقت في المستشفى بنويبع لحين عودتي من إجراء
المعاينة حيث إن المتهم كان في ذلك الوقت طليقا لم يتم القبض عليه ،وعند عودتي للمستشفى
تبين خروجهما.
لم يكن تبرير مأمور شرطة ناويبع سليما ،حيث إناه ليس المكلف بالقبض على سليمان خاطر ..
وهذه المهمة كانات من اختصاص قائد سرية المن المركزي ومساعده ،والتي يعد سليمان أحد
أفرادها!
– 2صباح اليوما التالي للحادث ،لم ينتظر قائد النقطة )طارق سليمان( وناائب المأمور )إيهاب
فرج ( حضور النيابة العامة ،وصعدا إلى مكان الحادث ،وراحا يجمعان الطلقات الفارغة والحية،
رغم أناها من أدلة التحقيق ومن صميم عمل النيابة ..وقد سألت النيابة العسكرية قائد النقطة:
س :هل صعدت أثناء نازول الجثث من فوق التبة مع المجموعة التي صعدت؟
ج :ناعم.
س :لماذا؟
س :في صباح اليوما التالي للحادث ما الذي شاهدته تحديدا في النقطة في وضح النهار؟
ج :كان فيه كاميرا مكسورة من فوق وآثار دماء وفوارغا طلقات.
س :أين كانات فوارغا الطلقات وأين كانات الكاميرا وأين كانات بقع الدماء؟
ج :الكاميرا كانات جنب أول بقعة دما ،على بعد مترين من الكشك ،والطلقات الفارغة كانات أماما
الكشك وجنب
الكشك على طول وكان فيه نااحية تبة العلم طلقات فارغة أيضا وعند التبة التي استقر عندها
سليمان في الخر ..لقيت فوارغا وطلقات حية.
ج :كان معايا العساكر وجمعوا التسع وثلثين طلقة الفارغة ،وبعض الناس ،منهم ناائب
المأمور والنيابة
س :لماذا قمت برفع هذه الذخيرة من أماكنها قبل وصول النيابة العامة رغم أناها من أدلة
التحقيق وأنات ضابط شرطة وتعلم ذلك؟
ج :أناا ل شعوريا عملت كده وأناا لحد الن ما زلت في حالة نافسية سيئة للغاية مما حدث!
وقد سألت النيابة العسكرية ناائب المأمور نافس السؤال الخير تقريبا.
س :ما الذي جعلك تنتقل للمعاينة دون إذن من النيابة؟
س :لماذا إذن قمتم برفع فوارغا الذخيرة قبل وصول النيابة ودون إذن منها؟
– 3من بين الدلة التي عثر عليها وأشار إليها الشهود وجود كاميرا "مكسورة" كانات مع
)السرائيليين ( ..وقد سقطت بعد إطلق الرصاص عليهم ،واناكسرت "من فوق" ..وقد اختفت
"الكاميرا" بعد ذلك ولم تحرز مع باقي أحراز القضية ولم ناعرف طبيعتها ول ناوعها ،ول طبيعة
الفيلم المركب أماما عدستها ،ول الصور التي التقطت بها! ..إن تحقيقات النيابة العسكرية التي
سجلت في حوارها مع قائد النقطة وجود هذه الكاميرا ،ولكنها لم تتضمن أي سؤال بشأناها بعد
ذلك ،ولم تقدما أي إجابة عن التساؤلت التي أثيرت حولها!
– 4ومن بين الدلة التي عثر عليها أيضا " ..ألبوما صور" ،حصل عليه ضابط من ضباط
مباحث أمن الدولة صعد مع قائد النقطة وناائب المأمور ..ولم يقدما هذا اللبوما أو يحرز على
ذمة هذه القضية ..
إن تحقيقات النيابة العسكرية تروي قصة هذا اللبوما ولكنها ل تشير إلى مصيره ..لقد صعد –
طبقا لهذه التحقيقات – ضابط مباحث أمن الدولة إلى موقع الحادث ..ودخل الكشك حيث
دواليب جنود النقطة التي يضعون فيها حاجاتهم الشخصية ..وقد كسر ذلك الضابط الدواليب ..
و"فسخ" أقفالها ،ولم ينتظر أن يفتح أصحابها بأنافسهم ..وأغلب الظن أن مباحث أمن الدولة
كانات تفتش عن أوراق ،أو منشورات ،أو معلومات تثبت بصورة أو بأخرى ارتباط سليمان
خاطر بأي تنظيم سياسي أو ديني ما ..لكن ذلك لم يحدث ..وكان كل ما وجدوه بعض اليات
القرآناية المكتوبة بخط اليد والمعلقة بمسامير على جدران الكشك ..ووجدوا آية قرآناية أخرى
على دفتر "المراقبة" الخاص بالنقطة ..ووجدوا ألبوما الصور ..إن الصور التي في اللبوما،
يظهر فيها بعض جنود النقطة بالمايوهات وسط عدد من الشبان والفتيات )السرائيليين( وهم
شبه عرايا أيضا ..ومن أولئك الجنود :عطية إبراهيم ،وقد سألت النيابة العسكرية زميله
الجندي علي إبراهيم:
س :هل شاهدت في النقطة مع أحد زملئك أي ألبومات صور مع أجاناب سواء كاناوا ناساء أو
رجال؟
ج :أناا شفت مع عطية صور له مع ستات ورجالة أجاناب والصور كانات في اللبوما!
س :هل أخذت هذه الصور للجندي عطية مع الجاناب بالنقطة أو بجوارها؟
ج :أيوة متصورين معاه في النقطة ..في الحتة اللي تحت العلم من نااحية البحر شوية!
ولم تسأل النيابة العسكرية :من الذي التقط هذه الصور؟ ول كيف وصلت ناسخة منها لعطية
إبراهيم ؟ ول ما هي طبيعة العلقة بين جنود النقطة وأولئك السياح )السرائيليين( ؟ ولكنها ..
سألته:
س :معنى ذلك أن الجاناب معتادون الصعود إلى هذه النقطة؟ وكانات الجابة مذهلة ..
ج :أيوة!
س :وهل يسمح الجندي سليمان للجاناب بالصعود إلى هذه النقطة دائما؟
س :هل حدث أن منع سليمان أجاناب من صعود النقطة من قبل في وجودك؟
ج :ناعم.
س :هل سبق لك أن أخذت صورا مع هؤلء الجاناب من رجال أو ناساء وهم يلبسون ملبس
البحر؟
ج :هو طلب مني إن الصور دي تيجي فأعطيتها له ،وحطها في دولبه هو.
س :ولماذا طلبها سليمان وما الذي أجبرك على إعطائها له؟
– 6إن النيابة العسكرية التي باشرت التحقيق بعد ذلك لم يتح لها أن ترى أو تعاين مكان
الحادث أو تكون فكرة سليمة عنه لناها باشرت القضية متأخرة.
العينة الثالثة من ثقوب غربال القضية :تقارير الطب الشرعي عن القتلى والمصابين .
إن القاناون يفرض أن يتم تشريح "الطب الشرعي" بواسطة أطباء مصريين يأتون إلى
المحكمة ويحلفون اليمين أمامها ..وإذا لم يحدث ذلك ل يؤخذ بالتقارير التي تحمل الصفة
التشريحية للقتلى ..أو التي تحمل أوصاف الجروح بالنسبة للمصابين ...لكن شيئا من هذا لم
يحدث في هذه القضية.
لقد تسلم )السرائيليون ( الجثث في نافس يوما الحادث ..وقبل أن تصل النيابة العامة إلى مكان
الحادث ..وبالتحديد تم ذلك بعد ساعات قليلة من نازول الجثث من التبة ..وقد اكتفى أطباء
مستشفى ناويبع بفحص الجثث فحصا ظاهريا ..ثم تسلمها المستشار السياسي للسفارة
)السرائيلية( "نامرود باري" الذي كان من بين مجموعة السياح )السرائيلية( الذين كاناوا
يخيمون على الشاطئ أسفل النقطة ..وقد تسلم الجثث بصفته الشخصية ل الرسمية ..ووقع
على إيصال بذلك باللغة الناجليزية مكتفيا بكتابة الحرف الول من اسمه واسم عائلته على هذا
النحو "ن .باري" ولم يذكر في اليصال جنسيته ،ول رقم جواز سفره ،وإناما سجل بطاقته
الشخصية ورقمها .. 386434وقال في اليصال إناه تسلم الجثث السبع "لنقلها إلى
إسرائيل " ..وقد وصل التسرع في تسليم الجثث إلى حد أن بعض السماء في إيصال الستلما
غير كاملة وبدون لقب ،كما في جثة أوفري الذي لم يوضح اليصال لقبه ..وحسب إشارة مركز
العمليات في الجيش الثالث إلى قائد الجيش الميداناي في الساعة العاشرة تقريبا ليلة الحادث إن
الجثث ناقلت بطائرتين هيلكوبتر من طراز "هيل" تتبعان القوات متعددة الجنسية ،وكاناتا قد
هبطتا في القرية السياحية بنويبع.
إن أحدا ل يعرف سر هذا التسرع في ناقل الجثث إلى )إسرائيل( ..ول أحد يعرف لماذا سمح
المصريون بذلك قبل الجراءات اللزمة!
ونافس الشيء حدث مع المصابين ..إن المحامي )السرائيلي( "جيرا كورن" يعترف أماما
النيابة العسكرية المصرية أناه أخذ المصابين في سيارته من المستشفى وأوصلهما بنفسه إلى
عربة إسعاف كانات تنتظره على الحدود عند إيلت ..ول ناعرف بالطبع كيف وصل خبر الحادث
إلى )إسرائيل ( بهذه السرعة ..وبالتفاصيل الدقيقة التي جعلت سيارة السعاف تنتظر المصابين
وتتسلمهما ...ومن باب التمويه – على ما يبدو – قال المحامي )السرائيلي( إن المصريين
رفضوا السماح له بالتصال بإيلت ..وإذا كان هذا قد حدث ،فمن الذي أوصل الخبر إلى داخل
)إسرائيل( ؟ !
وقد أصبح ملزما – بعد كل هذا التسرع – أن تأخذ المحكمة العسكرية بالتقارير الطبية
)السرائيلية( ..ول داعي – بالطبع – أن ناشير إلى إمكاناية أن تتلعب )إسرائيل( في هذه
التقارير على النحو الذي تراه ،وعلى النحو الذي يجعلها تكيف التهمة بحيث تكون "عمدا مع
سبق الصرار والترصد".
ول داعي أن ناشير إلى عدما جدوى تقارير أطباء مستشفى ناويبع "الظاهرية" ..وخاصة أن
الكشف "الظاهري" – حسب ما جاء في محضر مأمور شرطة ناويبع – لم يزد على دقائق
معدودة ..ولم يزد ما قاله الطباء بعده على سطور قليلة عن كل جثة ..حتى أناه من الثابت أن
الجثث السبع لم يستغرق الكشف الظاهري عليها سوى ثلث ساعة ،وتقاريرها ل تزيد على
صفحتين من محضر الشرطة الولي ..ول يؤخذ بهذه التقارير لناها تمت من غير أمر من
النيابة ،كما أناها لم تتم بواسطة الطباء الشرعيين ..ولم تتم في معاملهم ..
وقد أرسل )السرائيليون( سبعة تقارير "صفة تشريحية" ...وتقريرين "طبيين" عن
المصابين إلى الدارة العامة للقضاء العسكري المصري ...وكانات التقارير التسعة مكتوبة من
ناسختين ..ناسخة باللغة العبرية وأخرى باللغة الناجليزية ..وأرسلها المدعي العاما العسكري
بكتاب رقم – 11088في 23أكتوبر 1985إلى مدير إدارة الخدمات الطبية ،الذي تولى
الشراف على ترجمتها إلى اللغة العربية ...واعتمدت الترجمة بتوقيعه ...ومن التوقيع ناعرف
أن مدير إدارة الخدمات الطبية المسئول عن ذلك هو اللواء طبيب فؤاد علي المغربي ..وقد
أرسلت الترجمة من مكتب المدعي العاما العسكري )لواء محمد ناادي سيد موسى( إلى رئيس
نايابة السويس العسكرية يوما 28أكتوبر ،1985بخطاب قيده ب .. 1532 /85 /مع مخصوص.
وحسب ملف القضية فإن ترجمة تلك التقارير إلى اللغة العربية كتبت على الماكينة الكاتبة على
26صفحة ...
ومن يقرأ التقارير الطبية )السرائيلية( ولو قراءة سطحية ..يلحظ بسهولة أكثر من مغزى
تشير إليه ،وتوحي به:
– 1ترى تلك التقارير أن أغلب المتوفين لم يموتوا في الحال ..أي أناه كان من الممكن – طبقا
لهذا الغمز – إناقاذهم ،أو إناقاذ بعضهم على القل ،لو كانات السلطات المصرية – طبقا لهذا
الغمز أيضا – أسرعت بإسعافهم ..أو لو كانات أسرعت بالتدخل لقناع سليمان خاطر بتسليم
نافسه في وقت مناسب ..وهذه الشارة الخفية أو المتعمدة في التقارير الطبية ،محاولة إضافية
من إسرائيل لحكاما التهمة التي وجهتها لمصر فور الحادث ،وناقصد بذلك تهمة إهمال الجرحى
وتركهم ينزفون حتى الموت ..وقد أشار إلى هذه التهمة – أيضا – المحامي )السرائيلي(
"جيرا كورن" في تحقيقات النيابة العسكرية.
– 2أن معظم الجروح النافذة – حسب هذه التقارير – من طلق الرصاص على الظهر أو على
الكتفين ،مما يوحي أن الطب الشرعي )السرائيلي( يريد إثبات أن سليمان خاطر أطلق
الرصاص عليهم بتعمد ،وهم يفرون أمامه ..أو أناه أطلق النار عليهم من الخلف ل من الماما،
والمعنى مفهوما ول يحتاج إلى شرح.
فيما بعد ..قال جودة العزب أول محاما اناتدبته أسرة سليمان خاطر للدفاع عنه:
-إن أوراق الدعوى ل تدين سليمان خاطر ..فالنيابة لم تعاين جسم الجريمة وهي جثث
القتلى ..وتقرير الطب الشرعي المصري غير موجود ..ولن يوجد ..وتقارير الطب الشرعي
)السرائيلي( ل تلزما القضاء المصري في شيء.
-وعلى هذا النحو – كما يقول المحامي أيضا – يكون الركن المادي للتهاما غير قائم ..وسبب
الوفاة غير ثابت.
ورغم ذلك اعتبرت النيابة العسكرية التقارير الطبية )السرائيلية( بندا من بنود قائمة الثبوت
في القضية ..ودليل من الدلة المضادة لبطلها.
كذلك ...اعتبرت النيابة العسكرية شهادة المحامي )السرائيلي( "جيرا كورن" دليل من أدلة
الثبات رغم أناه قد ثبت لها عدما دقة أقواله.
وقد أضافت النيابة العسكرية إلى هذين الدليلين غير الموثوق بهما دليل آخر سبق إثبات عدما
تماسكه ،وهو الدليل الخاص بأقوال الشهود ..زملء سليمان خاطر وقائد النقطة ..وقد
اعترفت النيابة العسكرية بنفسها في محاضر التحقيق أن أقوالهم متضاربة وغير مستقرة ..
وكثيرا ما عدلوا عنها دون أن يفسروا ذلك.
لقد اعترف سليمان خاطر بارتكابه الحادث ..لكنه أصر على رفض أناه ارتكبه متعمدا ..فكان
على النيابة العسكرية أن تحصل – ولو من تحت الرض – على أي دليل يثبت ركن "العمد" ..
حتى ولو أدى ذلك إلى أن تتحول القضية من قضية إلى غربال يمتلئ بالثقوب ..القاناوناية
والجنائية!
الطفال على الطريقة الصهيوناية! !
وصف سليمان خاطر بأناه "قاتل الطفال البرياء" ! !
رددت هذا الوصف ،وركزت عليه كل الصحف والمجلت الحكومية المصرية التي تناولت قضية
"رأس بركة" ،وقد استخدمت هذه الصحف والمجلت هذا الوصف في الرد على المعارضة
المصرية التي اعتبرت سليمان خاطر بطل يستحق التكريم والتقدير ،مثله مثل سليمان الحلبي،
وأدهم الشرقاوي ..
لقد اعتبرت الصحافة الحكومية المصرية سليمان خاطر هو قاتل البراءة ..الزهار ..وعصافير
الجنة ..ومن يقل غير ذلك فهو مثله ..قاتل للسذاجة والطهر ..والنقاء ..قاتل الملئكة الصغار
..وكان هذا الوصف هو أكثر الوصاف التي استفزت سليمان خاطر وأثارت غضبه وحزناه
ورفضه ..
وقد اعترف بذلك مكرما محمد أحمد في الحوار الذي أجراه معه في سجنه ،وقال :إناه أحياناا )أي
سليمان( كان يأخذه الغضب وهو يدافع عن نافسه ويرد تهمة قتل الطفال ..ويقول له سليمان:
"ل ..لم أكن قاتل الطفال ..صدقني أناا لم أر أطفال ..كانات الشمس قد غابت عن المكان وكان
الظلما قد حل" " ..لم أكن أرى أطفال ولكنني كنت أرى كومة أفراد يصعدون التل حزمة
واحدة ..وحدث ما حدث ..وإذا كان قد تكشف فيما بعد أن بينهم أطفال فإن الناسان ل يملك
الن سوى السف".
ويشير سليمان في نافس هذا الحوار إلى أحجاما أولئك الطفال ويقول" :لقد كان أصغرهم
يقاربني طول" ..ويضيف "هذا ما رأيته" ! !
ول ينسى سليمان أن يؤكد أناه ترك الطفلة "ناعمة" تنزل من فوق التل بعد أن اكتشف وجودها
على قيد الحياة بعد أن أمر الجندي "حسوناة" أن يوصلها إلى أهلها أسفل التبة " ..لو كنت
قاتل الطفال ،فلماذا تركت هذه الطفلة سليمة".
ويسأله مكرما محمد أحمد :هل لشقائك بنات صغيرات في عمر هذه الطفلة؟
ويرد سليمان :ناعم ..لواحد من أشقائي ،عبد الحميد ،ابنة في عمرها اسمها "نايفين" !
ويسأله :ما الفارق بين "نايفين" والطفلة السرائيلية التي طلبت أنات إلى حسوناة مساعدتها
على الهبوط؟
فيرد :ل شيء ،فكلنا أولد آدما وحواء وكلنا إلى تراب ،إناك ل تعلم مدى حبي للطفال ،إناني
شديد التعلق بأولد شقيقي :محمد وأحمد وسعيد ،وبودي أن أراهم!
هل يمكن أن يحمل هذه المشاعر ،ويقول هذا الكلما ،شخص يوصف بأناه قاتل الطفال؟
فمن المؤكد – حتى الن – أن أحدا ل يعرف – بدقة -عدد "السرائيليين" الذين صعدوا التل ..
ول أحد يعرف – بدقة أيضا – عدد الناجين منهم ،الذين نازلوا من التل ..فكل المعلومات هنا
مصدرها فقط الجاناب )السرائيلي( ..بل ..إن من المؤكد أن المعلومات المتوافرة عن القتلى ل
تعد معلومات جازمة ..أو ناهائية ..لن مصدرها أيضا الجاناب )السرائيلي( ..فعندما عاين
مأمور شرطة ناويبع الجثث اكتشف عدما وجود أي شيء يثبت شخصية أصحابها ..ل بطاقات
شخصية ..ول جوازات سفر ..وعندما تسلم "نامرود باري" الجثث ،كان هو الذي سجل بنفسه
أسماء وأعمار أصحابها ..دون أي مراجعة أو تأكد من أي مسئول مصري لصحة هذه
المعلومات ..ومن يرى إيصال استلما الجثث الذي وقعه نامرود باري يكتشف أن بعض السماء
ل تحمل أي ألقاب ..مجرد اسم أول فقط – ووحيد ..مثل الجثة التي حملت رقم " "6في إيصال
الستلما ..جثة الصبي "أوفري" الذي كتب أمامه" :ذكر – 12سنة" ..وقد اتضح فيما بعد
أن أوفري أناثى وليس ذكرا ...وأن اسمها بالكامل "أوفري تورال" ..كذلك كتب أماما جثة
"هامان شيلح" أن العمر 42سنة واتضح من التقارير الطبية )السرائيلية( – فيما بعد – أن
عمره 44سنة ..كذلك كتب أماما جثة زوجته "إيلناا شيلح" أن عمرها 40سنة ،واتضح من
التقارير الطبية )السرائيلية( – فيما بعد – أن عمرها 43سنة ...
أي أنانا أماما معلومات متضاربة ..وغير دقيقة عن القتلى ..معلومات تحول الناثى إلى ذكر ..
ول تستطيع أن تحدد أعمارهم ..ولو أضفنا إلى هذا التناقض ،ملحظة سليمان خاطر التي قال
فيها "إن أصغرهم أطول منه" ..لتضح لدينا بسهولة أن لقب "طفل" ل ينطبق على أغلب
الذين صعدوا التل ..حتى لو سلمنا بالمعلومات )السرائيلية( فإن اللقب المناسب لغير الكبار هو
لقب "صبيان" أو "فتيات" ..حيث إن العمار المذكورة – لو كانات صحيحة – تتراوح ما بين
12 – 10سنة ،وطبقا لنفس المصادر )السرائيلية( فإن أطوال الصبيان والبنات من القتلى
ليست أطوال عادية ..فالفتاة دينا باري "وهي بالمناسبة ابنة نامرود باري" عمرها 10سنوات
ولكن طولها 148سم ..والفتاة "شيل زيليل" عمرها 12سنة ولكن طولها 154سم ..والفتاة
"أوفري تورال" عمرها 12سنة ولكن طولها 161سم ..إن مثل هذه الطوال ل تناسب هذه
العمار ..وليست بالقطع أعمال أطفال ..وإذا كانات هذه الطوال لعمار يتراوح عمر أصحابها
بين 12 – 10سنة فإناهم بالقطع يكوناون قد اختيروا بعناية لمهمة بعينها ..
إن من المؤكد أن صعود التل ،في وقت الغروب ،مع كل المخاطر التي تحيط به ،مع هؤلء
الشبان مسألة ليست سهلة ..وليست مأموناة العواقب ..ول يمكن المخاطرة بسلمة أولئك
الشبان ما لم تكن المهمة ضرورية ..ول بد من المغامرة في سبيلها ..كما أن من المؤكد أن
هؤلء "الصغار" قد تلقوا تدريبا ما ،جعلهم – رغا صعوبة ما تعرضوا له بعد إطلق النار
عليهم – يتمتعون برباطة جأش ناادرة ،وهدوء أعصاب ل يحدث للكبار في مثل هذه المواقف،
وقدرة مذهلة على رواية ما حدث – بعد ذلك – بدقة ..
فقد "صرح" الصبي )السرائيلي( "يهود بوما" الذي نازل سالما من فوق التل لصحيفة
"معاريف" )السرائيلية(:
"لقد توقف التوبيس الذي كنا ناستقله وقررت "مجموعتنا" أن تصعد التل الذي يطل على
البحر لنتأمل المنظر الطبيعي في حوالي الساعة 4.30بعد الظهر ،وكان هناك مصريون
استقبلوناا استقبال وديا ،وفجأة عدل أحدهم اتجاهه وأطلق علينا النار دون أن ينطق كلمة".
واستطرد:
"واقترب ضابط مصري منا بعد ذلك وكانات ملبسه ملطخة بالدماء وقال إن الجندي أصابه
الجنون ،ولحظت أن الضباط والجنود المصريين الذين كاناوا في مكان الحادث بدوا مذعورين
وفي ذهول مما حدث ،وقد أبعدوا من بقي على قيد الحياة والذين كان من بينهم طبيب ومنعوهم
تماما من القتراب من القتلى والمصابين إلى حين وصول المسئولين ،غير أن هؤلء لم يصلوا
إلى مكان الحادث إل بعد بضع ساعات".
إن من يتأمل هذا النص ودقة صاحبه على الملحظة والرصد ل يمكن أن يصدق أناه صبي
صغير ،ول يمكن أن يصدق أناه خرج من حادث صعب وقع له ،وشاهد فيه دماء وجثث أقاربه
وزملئه ..إناه رصد شخص هادئ ...غير مذعور ..غير مذهول ..يعطي الشياء البسيطة
حقها ..ويستطيع أن يحسب الوقت ..ويستطيع أن يلحظ الذعر الذي كان عليه الضباط
والجنود المصريون ..
وفي شهادته أماما النيابة العسكرية ،قال المحامي )السرائيلي( "جيرا كورن" إن ابنته )ناعمة(
التي تبلغ من العمر 9سنوات قد وصفت له الحادث بدقة ..
فقالت" :إناهم صعدوا جميعا إلى الجبل في صف واحد ،الول الولد وفي الخر ثلثة من
الكبار" .وقبل أن ناواصل سماع رواية الفتاة ،ل بد أن نالحظ هنا "طبيعة التشكيل" الذي
صعدوا به الجبل ،ول بد أن نالحظ هنا ،وبعد ذلك دقة الوصف بالنسبة لعمرها ..
فهي تقول" :كان فيه بمنى زي الكشك وله برانادة وكان واقف على البرانادة أربعة عساكر" ..
"وكان فيه باب بجوار البرانادة وكان آخر واحد عبر من أماما هذا الكشك هو هامان شيلح" ..
ولم يفت الطفلة "المعجزة" أن تصف مسرح الحدث ...وصف محترف " ...وهي قالت إن كان
فيه منظر جميل قوي من فوق المكان دهب يطل على البحر" " ..وحينئذ فتح الباب وخرج
جندي ومعه بندقية وراح ضارب بالنار فسقط هامان" ..وأضاف المحامي )السرائيلي( :أن
ابنته قالت له" :إن هامان ساعة ما التفت للجندي بعد سماع صوت الطلقات ،تلقى الرصاص
وسقط" ...أي أناها رغم إطلق الرصاص والذهول والرعب ..ورغم عمرها البسيط إل أناها
كانات قادرة على متابعة مشهد سقوط هامان على هذا النحو ..وأضاف المحامي )السرائيلي(
على لسان ابنته:
"كان فيه حائط من الحجارة منخفض وهي ناطت عليه" " ..وعندئذ قال يهود " 12سنة" لهم
جميعا ..إن هناك منزل منحدرا سننزل عليه من غير ما ناقف ونازحف عليه على مؤخراتنا
واحنا جالسين" ..مشهد اناسحاب يستحق التوقف ..الزحف على المؤخرة ..وعدما الوقوف
لتلفي الرصاص ..أسلوب ل يمكن اللجوء إليه إل إذا كاناوا يعرفوناه وسبق لهم التدريب
عليه ...وهو بالمناسبة أسلوب "عسكري" من أساليب الهروب والناسحاب تحت القصف ..
ونالحظ هنا أيضا مدى تمتع القائد الصغير "يهود" الذي أصدر أمر الناسحاب على هذا النحو،
بسرعة البديهة والثقة ،والقدرة على قيادة المجموعة للخروج من هذا المأزق ،وشطارته في
اختيار الساتر الطبيعي المكون من الصخور عند النزول.
وتضيف الفتاة :إناهم عندما تمكنوا من الزحف على مؤخرتهم وعندما وصلوا إلى أسفل ،قال
لهم "يهود" :ل تجروا ..ولكن ازحفوا على أيديكم وأرجلكم ..وبعد أن زحفوا حوالي 200متر
كما قالت ،أمرهم أن ينطلقوا في الجري ...
إن القائد الصغير ،المدرب ،يعرف ماذا يفعل ..ويعرف كيف يأمر فيطاع ..ويعرف كيف يشكل
خططه طبقا للواقع ..ويعرف كيف يحدد بدقة المسارات والمسافات ..ويعرف متى يزحفون
على مؤخرتهم ومتى ينطلقون في الجري ..يعرف كل ذلك وأكثر وعمره 12سنة ..ومصاب
بجرح في رقبته.
إن الطفل في المجتمع "السرائيلي" ليس كالطفل في المجتمع المصري ..ول في أي مجتمع
حضاري ،مستقر آخر ..إن الطفل هناك جزء من الكيان العسكري للمجتمع الذي يعيش في حالة
ترقب دائم ،ول يخشى صفارات الناذار ،ول استدعاء الحتياط ..إناه يرضع الحساس بالخطر ..
ويمص – مع أصابعه – التوتر والستنفار ..ويتعلم من صغره من هو العدو وكيف يمكن
التعامل معه ..ومن هو الصديق ومتى يمكن الحذر منه؟ !
ولعل أناسب معمل لتفريخ أطفال من هذه العينة المشاكسة ..هو "الكيبوتس" ..والكيبوتس
عبارة عن مستعمرة مصممة تصميما خاصا أشبه ما يكون بالقلعة الحصينة القادرة على الدفاع
عن نافسها وعن المستعمرات المجاورة لها ..وهذا التصميم يكون طبقا للطراز الروماناي
المعروف وهو عبارة عن عدة أضلع مغلقة ..وداخل هذا الناغلق تقوما كل مستعمرة بتوفير
احتياجات أعضائها الساسية ...توفيرا ذاتيا ..وعادة ما تقاما على قمة تل أو هضبة حتى
يسهل الدفاع عنها كموقع عسكري ،وزراعي ،واستيطاناي ..ومعظم القادة العسكريين في جيش
الصهاينة هم من إناتاج الكيبوتسات ..مثل موشي ديان ..وإيجال آلون ... ،إلخ ..وكل عضو
في الكيبوتس له عمل معين يؤديه ولكن الجميع يتدرب على حمل السلح ..وقد ساهمت هذه
المستعمرات بدور فعال في غرس الروح العسكرية في أعضائها منذ الصغر ..وكانات ناواة
"الهاجاناا" و "البالماخ" ،و "الناحال".
وتقول الحصائيات الصهيوناية :إن ثلث ضباط الجيش الصهيوناي و %25من ضحايا حرب
،1967و %60من الطيارين الجدد قد ناشأوا في مستعمرات الكيبوتس.
وقد أناشأ الصهاينة – عندما كاناوا يحتلون سيناء – بين العريش ورفح عدة "كيبوتساه" وهي
تصغير )كيبوتس( ،ووجد في هذه الكيبوتساه – بعد عودة سيناء إلى الدارة المصرية –
حضاناة للطفال صممت إحدى غرفها على شكل دبابة لتدريب "الطفال" على قيادة المدرعات
والمجنزرات ..وفي هذه الحضاناة وجد ميدان لضرب النار به شخوص ثابتة ومتحركة يتعلم
عليها الطفال الرماية ببنادق "الرش".
الطفل "المقاتل" في )إسرائيل( ليس خيال ول بدعة ..إناه ناتاج طبيعي لصراع ملتهب بدأ منذ
عاما ... 1909أي منذ إناشاء أول "كيبوتساه" على أرض فلسطين ،ولم ينته حتى الن ..ومن
السذاجة التي تصل إلى حد البلهة أن ناتصور أطفال )إسرائيل( ..مثل أطفالنا ناحن الذين ناربيهم
في أحضانانا ..ونادللهم إلى حد السخف أحياناا ...إذن كيف يربي الطفل "السرائيلي" في
"الكيبوتس" ؟
"الكيبوتس ليست أداة الستيطان الصهيوناي العسكري وحسب وإناما هي أداته الستيعابية
أيضا ،فقد ثبت للقيادات الصهيوناية أن الكيبوتس هي الطريقة المثلى لستيعاب المهاجرين
وتوفير احتياجاتهم الساسية ..ولكن ل يمكن فصل الدور العسكري عن الدور الستيطاناي
والستيعابي ،إذ أن البناء الداخلي لمزارع الكيبوتس الذي يتم عن طريقه استيعاب المهاجرين
وتحويلهم إلى "الناسان الصهيوناي الجديد" ...ل يعترف الكيبوتس بنظاما الزواج ..ويعتبره
ناظاما فاسدا . ..يضعف ارتباط الطفال بالمجتمع ...هو أيضا البناء الذي يعدهم ليكوناوا
مقاتلين أكفاء ،بل يمكن القول أن الستيعاب الكامل ل يتم إل حينما يصبح المواطن مقاتل
عامل ،متكيفا مع المجتمع ..القلعة ..والذي يتحرك تحت شعار :أناا أحارب إذن أناا موجود في
)إسرائيل(.
وللوصول إلى هذا الناسان "الصهيوناي الجديد" ..ل يعترف الكيبوس بنظاما الزواج ...
ويعتبره ناظاما فاسدا ..يضعف ارتباط الطفال بالمجتمع ..لكنه يعترف بنظاما الحياة الخاصة
بين الرجل والمرأة ...حيث ل يتطلب المر منهما سوى التقدما بطلب للناضماما إلى الكيبوتس
والحصول على غرفة يعيشان فيها ..ويقومان بتسليمها إذا ما خرجا من الكيبوتس وقررا
الفتراق ..
وتهدف التنشئة الجتماعية في الكيبوتس إلى أضعاف الروابط السرية ليسهل ربط أبناء
الكيبوتس بالمؤسسة الضخمة ..وليسهل إقناعهم وربطهم بأي أفكار أو أيديولوجيات
يزرعوناها فيهم ..والطفل هناك يعتمد على المؤسسة ل على والديه اللذين تضعف العلقة بينه
وبينهما تماما ..فبعد ولدته بأياما يوضع بعيدا عنهما في "بيت الطفال" ويبقى هناك لمدة
سنة ،ينقل بعدها إلى "بيت الصغار" ..وفي تلك المرحلة ل يسمح للبوين باصطحاب طفلهما
لمكاناهما إل لبضع ساعات ..وفي الرابعة ينقل الطفل إلى "دار الحضاناة" ..وفي السابعة ينقل
إلى "المدرسة البتدائية" وهكذا حتى يصبح رجل ..وفي جميع هذه المراحل يقيم الطفل إقامة
كاملة ومستقلة ..وغالبا ما يفقد الطفل في الكيبوتس صلته تماما بوالديه عندما يصل إلى سن
الثالثة عشرة ..
ومنذ الحضاناة وحتى الرجولة يأخذ الطابع المنظم للحياة في الكيبوتس طابعا عسكريا ...حيث
يعد الطفل منذ صغره ليكون مقاتل على درجة عالية من الكفاءة والمهارة ..وعبر هذه المراحل
يلقن الطفل العقيدة والقيم الصهيوناية! !
هل تفسر لنا هذه المعلومات السريعة والعابرة تصرفات الصبيان والبنات الذين صعدوا تبة
"سليمان خاطر" ونازلوا منها على النحو الذي ذكره الشاهد )السرائيلي( ؟ وهل خرجنا بهذه
المعلومات عن الموضوع الرئيسي الذي ناتحدث عنه؟
قد ناكون خرجنا بعض الشيء عن الموضوع ..ولكننا فعلنا ذلك ،حتى ناعود إليه وناحن ناحمل
من المعلومات ،والصور ،ما يجعله إلى أذهانانا ..وعلى عكس ما تحاول الصحف الحكومية أن
تفرضه علينا.
ليس من السهل – إذن – أن ناتعامل مع الصبيان والفتيات الذين صعدوا إلى تبة سليمان خاطر
بهذا المنطق الروماناسي ،البريء الذي ناتعامل به مع صغارناا ..فالطفل في المجتمع
)السرائيلي( شيء آخر ..عجينة أعيد تشكيلها من أجل أهداف أخرى ..وأدوار أخرى ..
ومهاما أخرى ...وإذا كانات الدلة السابقة ل تكفي ..فعليكم تأمل هذا الدليل الجديد ..
إن هذا الدليل الجديد من )إسرائيل( ..بالتحديد من صحيفة "هآرتس" ...التي سجلت تحت
عنوان "كيف ينظرون إلى العرب" وجهة ناظر التلميذ )السرائيليين( في العرب ..لقد طلبت
المدرسة )س( في إحدى المدارس البتدائية بتل أبيب من 200من تلميذها ،كتابة موضوع
الهدف منه معرفة:
وتقول الصحيفة :إن المعلمة قرأت المواضيع خلل عطلة الصيف وخرجت منها بنتائج لم تكن
تتصورها " ..ناتائج وحقائق بعيدة عن الخيال".
"ب" حرف يرمز لتلميذ "ذي شخصية شاعرية للغاية ..جيد في دراسته ..حساس على حد
قول المعلمة" ..كتب في موضوعه يقول" :عندما أسمع كلمة عربي أحس بالقرف والرغبة
في التقيؤ والغضب الشديد ،ويعود إلى الذاكرة كل ما فعله هؤلء الحيواناات للشعب اليهودي ..
سرقوا الرض المروية بدماء جنودناا الذين قدموا أرواحهم لعيش في أمان في الرض
الموعودة وناتيجة لعدما إحساسهم قاما العرب بقتل المواطنين والنساء والطفال البرياء ،لذلك
كيهودي أشعر أن على أن أناتقم للضحايا وأن ل أتنازل للعرب حتى عن سنتيمتر واحد ،آمل أن
ناصل في النهاية إلى اتفاق تاما للقاء العرب في البحر".
في عطلة الصيف قضيت أسبوعا في ضيافة عمتي المعلمة ..وفي أحد الياما خرجت من البيت
فرأيت عددا من العرب يقومون بتنظيف السطبل ..فسألت عمتي :ماذا يفعل هؤلء الزبالة هنا؟
وبعد ساعتين جلس العرب ليرتاحوا قرب كومة من التبن بجاناب السطبل ..راقبتهم وكدت أتقيأ
..
وطلبت من عربي أن يقوما بذلك ،وعندما سألها" :لماذا" ؟ قالت له :لناك عربي وهو يهودي!
وقبل أن يتكلم ،صرخت فيه :ولن هذا وطني وأنات مجرد ضيف جاء ليعمل فقط.
إناني أعتقد أناه يجب أن ناتصرف على هذا النحو ،ل لناي متكبر ،بل لناه يجب أن ل ناهش في
وجوههم وأن ل ناقدما لهم العمل ،ربما أدى هذا إلى خروجهم من البلد.
ملحوظة :على غلف الدفتر كتب "ب"" :كهاناا سيعلم العرب الفرق ،سيقدمهم جميعا كطعاما
للسماك".
"هـ" حرف يرمز إلى اسم تلميذة "شاطرة" ..كتبت تقول" :أغضب عندما أسمع كلمة عربي،
أغضب من العرب ومن الذين يحبوناهم رغم كل المشاكل التي سببها العرب ،رغم الصابات التي
قاموا بها ضدناا فإناهم يطالبون بالمساواة في الحقوق".
"العربي يفتقر إلى الداب ،فبدل من أن يقول بعد المأدبة :شكرا كان الطعاما لذيذا ،يتجشأ
بقرف ،وهو يحتفل بولدة البن ،أما ولدة البنت فيعتبرها العرب إهاناة ،المرأة العربية تعامل
كجارية في البيت ،العرب سريعو الغضب وذوو رؤوس حامية".
وتحت عنوان "محادثة مع عربي" كتبت تلميذة أخرى" :حاولت أن أفك الحبال من يدي
وفمي ..وسألت :لماذا اختطفتموناي؟
وسألت :ماذا فعلت لك؟ ولماذا تسمي اليهودي ناتنا؟ أعرف أناك ستقتلني ولكن أوضح لي لماذا؟
لماذا تقتلني الن بالضبط وقد بدأت عملية السلما وتقدما الستقرار ناحو الشرق الوسط؟
فقال :لن يكون سلما بيننا وبينكم ..هذه الرض ستبقى لنا ...سنلقي بكم جميعا إلى البحر وأنات
أول ...ستظل هذه الرض لنا كما كانات قبل أن تحتلوها ..
فسألته :وما رأيك بالتوراة التي تؤكد حق الشعب )السرائيلي( في دولة عبرية ،دولة
)إسرائيل ( ناحن على استعداد للقياما بالسلما ،لكنكم ترفضون ،لماذا يموت الشباب؟
فقال :وما هي التوراة وإذا مات أحد فذلك لناه كتب عليه الموت.
"وكتب التلميذ "ش" المعروف عنه أناه تلميذ ممتاز يقول" :أحس بالرغبة في قتلهم جميعا
دون استثناء ..هناك عرب قلوبهم طيبة وأحبهم مثل الطباء الذين ل يأخذون ناقودا ..لكنني
رغم ذلك كثيرا ما أحلم بقتلهم جميعا" ! !
ويرى التلميذ "ح" :أن العرب "برابرة" ومستعدون للقياما بأي شيء في سبيل المال " ..لهم
طبع القطط التي تخون صاحبها من أجل ل شيء ،وبجاناب هذه العبارات رسم "ح" إشارة
حركة "كاخ" بزعامة "كهاناا" باللوان ..
وتقول المعلمة" :إناه من الواضح ل يريد العرب هنا" " ..وهو يروي عن لقاء خيالي مع
العرب ،فيقول :إن فتى من قلقيلة أرسل له رسائل يدعوه فيها لزيارته ..لبى الدعوة ..تناول
وجبة لذيذة ..ذهب إلى المنتزه واشترى فواكه وخضرا رخيصة ..وفي طريق العودة أحس أناه
يموت لن الطعاما الذي تناوله في بيت الفتى العربي كان مسموما".
وتعتقد التلميذة "ع"" :أن هناك فرقا بين البدو وغير "البدو" !
وعن غير البدو تقول" :ل أحس بالشفقة ناحوهم ..حتى أولئك الذين يعيشون في مخيمات
اللجئين ..أعتقد أناهم يستحقون ذلك بسبب تصرفاتهم ضدناا ..ل يهم حتى لو قتلوهم ..
بالعكس ..هذا يسعدناي ..لن العرب زبالة".
ثم ..تتصور لقاء وهميا مع عربي على هذه الصورة" :عندما كنت مسافرة في السيارة طلب
مني عربي أن أناقله إلى مكان ما ..أدخلته إلى السيارة ..وتابعت سيري ..فجأة أحسست أناه
يقترب مني ..حاول اغتصابي ..صرخت ..خرجوا من الشبابيك ..أمسك به الرجال واقتادوه
إلى الشرطة ..ولما سألوه عن اسمه تبين أناه مطلوب لقيامه باغتصاب عدد من الفتيات وقتل
عدد آخر منهن ..حكم عليه بالسجن عشرين سنة".
وتقول التلميذة "د"" :عندما أسمع كلمة عربي أحس بالقشعريرة لناه بدائي ،يحاول دائما
قصف القدس بالقنابل ..وهو عندما يرى امرأة يهودية ينظر إليها من رأسها إلى رجليها ..
اليهودي ل يحاول مع المرأة العربية أبدا ..لماذا؟ ..لماذا يجب أن ناعطيهم الحقوق في الوقت
الذي ناحارب ناحن وهم؟ ..ل ...ل يجب أن ناعطيهم هذه الحقوق ..إن لديهم دول خاصة بهم
يجب أن يعيشوا فيها ..يجب أن ل يعيشوا في بلدناا ..أناا أؤيد العنصرية لناه ل يحق لمن يقتل
أبناء شعبنا أن يعيش بيننا".
وأعادت هذه الحقيقة المرة إلى المصريين سؤال أكثر مرارة يدور ويلف حول ترتيبات المن
المصرية التي يمكن أن ناصد بها )إسرائيل( إذا ما فكرت أو قررت إعادة "احتلل" سيناء من
جديد.
لقد سئل وزير الدفاع المشير أبو غزالة قبل سنوات قليلة من الحادث :هل ناحن مستعدون
لمواجهة )إسرائيل( إذا ما فكرت في إعادة احتلل سيناء؟
وكانات هذه الجابة في ذلك الوقت كافية ..لن السؤال عن التفاصيل كان يعد محاولة غير
مقبولة لتوريط وزير الدفاع في إذاعة ترتيبات أمنية ..عسكرية ل يستفيد منها سوى العدو ...
وكانات الجابة على هذا النحو إجابة مطمئنة للمصريين ..من الرجل المسئول عن أمن وسلمة
البلد ..لكن ...بعد حادث سليمان خاطر وما كشفته التحقيقات التي جرت بشأناه ،لم تعد تلك
الجابة كافية ول مطمئنة!
فقد قال سليمان خاطر في تحقيقات النيابة العسكرية إناه طلب إبلغا قادته بضرورة إغلق
"الطرق" حتى ل تأتي )إسرائيل( وتحتل المنطقة ..وكان واضحا أن أشد ما يخشاه هو أن
يحدث ذلك ..لم يكن يفكر في مصيره ،ول في العقاب الذي ينتظره ..وإناما كان يفكر في
"قطع" الطريق على )إسرائيل( ...حتى ل تأتي قواتها وتحتل الموقع وتعرف ما فيه ..
والمذهل أن القادة في المنطقة قد اناتقل لهم هذا الخوف ..وراحوا بالفعل يغلقون الطريق ..
لكنهم لم يجدوا أمامهم لغلق الطريق سوى البراميل والحواجز الحديدية والبنادق اللية ..
وكأن )إسرائيل( ستأتي بالمايوهات ل بالمدرعات ..وبالسيارات الملكي ل بالسيارات
العسكرية المصفحة ..كأناها ستأتي للنزهة ل للقتال ..لكن ..لم يكن أمامهم أن يفعلوا أكثر من
ذلك ..ما باليد حيلة ..فمعاهدة الصلح بين السادات والعدو )السرائيلي( المسماة ب"معاهدة
كامب ديفيد" ل تعطيهم الحق في أكثر من ذلك ..
إن المنطقة التي وقع فيها الحادث تسمى طبقا لخرائط وناصوص وملحق المعاهدة ،بالمنطقة
"ج" ..وهي المنطقة الملصقة للحدود الدولية لمصر ،ولخليج العقبة ..وهي منطقة
"عازلة" " ..منزوعة السلح" ..ليس للجيش المصري ول لسلحه أي وجود فيها ..
وتتمركز فيها فقط قوات الشرطة المصرية المدناية بأسلحة خفيفة ..أقرب للتسليح الشخصي
)طبنجات وبنادق آلية( وهذه القوات ليس لها أي مهمة عسكرية بالمرة ..وكل دورها ينحصر
في الدور العادي للشرطة في أي مدينة مصرية أخرى ..أي إن دورهم على الحدود في مدن
مثل "دهب" و "ناويبع" و "شرما الشيخ" ل يختلف عن الدور الذين نارى رجال الشرطة
يقوون به في مدن مثل "القاهرة" و "السكندرية" و "كفر الشيخ" ..وداخل هذه المنطقة
تتحرك القوات المتعددة الجنسية )النسبة الكبيرة من أفرادها أمريكان( حسب مزاجها ،ومن
حقها أن تتمركز في المكان الذي يعجبها ..وهذا حق مطلق وصريح أعطته لها التفاقية ..
وذلك حتى تستطيع بحرية أن تراقب بكافة الجهزة والوسائل أي اختراق الترتيبات المنية.
إن هذه القوات شبه المريكية لها حق الستطلع والتحقق الدوري مرتين في الشهر على القل
من أن كل شيء تماما ..ولها حق إجراء تحقيق إضافي خلل 48ساعة إذا طلبت مصر أو
)إسرائيل( ذلك ..وغالبا ما تطلب )إسرائيل( ذلك ..وذلك حتى تحصل على معلومات طازجة ..
أول بأول عن هذه المنطقة القريبة منها بالذات ..والتي تصل مساحتها إلى ثلث مساحة سيناء
تقريبا ..
وليس لمصر أي حق على هذه القوات ..سوى أن تتدخل في ناقطتين أو موقعين فقط أحدهما
يقع على بعد 20كيلو مترا من البحر المتوسط في المنطقة المتاخمة للحدود الدولية ..والخر
في منطقة شرما الشيخ.
ومقابل نازع سلح ثلث سيناء )المنطقة ج( أجبرت )إسرائيل( على نازع سلح منطقة بعرض 3
كيلو مترات بطول الحدود الدولية ..وكلمة "نازع" هنا تختلف في معناها عن كلمة "نازع"
بالنسبة لمصر ..إن المقصود بهذه الكلمة على الجاناب )السرائيلي( هو عدما وجود دبابات أو
مدافع أو صواريخ )فيما عدا صواريخ فردية أرض – جو( فقط ..وهي ل تمنع من وجود قوة
)إسرائيلية( تتكون من 4كتائب مشاة لها كل الحق في التحصينات الميداناية ،ولها الحق في
180مركبة أفراد مدرعة من كافة الناواع ..ولها الحق في تواجد 4000جندي )إسرائيلي(
وهو رقم كبير بالنسبة )لسرائيل( ..وهو حجم من القوات مناسب جدا )لسرائيل( في هذا
الشريط الضيق.
)ولسرائيل( الحق في الطيران على هذه المنطقة ..وليس لمصر نافس الحق على المنطقة
"ج" ..و )لسرائيل ( الحق في استخداما خليج العقبة استخداما بحريا عسكريا ..وليس لمصر
نافس الحق في هذا الخليج ،ول في أي شاطئ آخر على حدودها الدولية ...
باختصار )لسرائيل( كل الحقوق العسكرية في البر والبحر والجو ..وليس لمصر حق واحد
منها.
فماذا كان من الممكن أن تفعل قوات المن المركزي ببنادقها اللية إذا ما جاءت )إسرائيل(
لتحتل مواقعها؟ ..ماذا كان من الممكن أن تفعل هذه القوات أكثر مما فعلت ،وتسد الطرق
بالبراميل وحواجز المرور الحديدية؟
إن اليقين الذي سيطر على قيادة المن المركزي في جنوب سيناء من إمكاناية قياما )إسرائيل(
بعمل اناتقامي بعد حادث سليمان خاطر ،كان له ما يبرره ..وهو أن )إسرائيل( تعودت على
الناتقاما العسكري للفراد الذين يقتلون من عندها ..وكان هناك مثال ل يزال طازجا وهو الغارة
التي شنتها )إسرائيل( على مقر ]]منظمة التحرير الفلسطينية[[ في توناس ،قبل 4أياما فقط من
نايران سليمان خاطر التي فتحها على )السرائيليين( في موقعه ..وكان )إسرائيل( قد بررت
هذه الغارة بأناها اناتقاما لثلثة من رعاياها قتلوا في لرنااكا )قبرص( ..واعتبرت الفلسطينيين
مسئولين عن قتلهم.
لكن ..هذا اليقين لم يتحول إل لحتياطات أولية ..ساذجة ..لمواجهة العدوان )السرائيلي(
المتوقع! !
ومن الممكن أن ناتساءل الن ..ألم يكن متاحا أو ممكنا – لو جاءت )إسرائيل( بنية الغدر
والغزو – الستعاناة بالقوات المسلحة المصرية المتمركزة على حدود المنطقة "ج" ..في قلب
المنطقة التي تسمى المنطقة "ب" ؟
والسؤال وجيه ..وإجابته أيضا ..
فبغض النظر عن بعد المنطقة "ب" عن المنطقة "ج" بمئات الكيلو مترات ..وبغض النظر
عن الوقت الطويل الذي تحتاجه قوات المنطقة "ب" للستعداد والتحرك والوصول إلى
الحدود ..بغض النظر عن هذه العتبارات وغيرها من اعتبارات التدخل الدولي ..فإن المنطقة
"ب" قواتها محدودة وأسلحتها أيضا ...إن المسموح لمصر في هذه المنطقة الشاسعة التي
تقع في قلب سيناء ل يزيد على أربع كتائب مجهزة بأسلحة خفيفة ،وبمركبات عجل )ل جنزير(
تعاون الشرطة المدناية في المحافظة على النظاما ول يزيد عدد الفراد العسكريين فيها على 4
آلف فرد ..ويمكن لمصر فيها إقامة ناقاط إناذار ساحلية أرضية "قصيرة المدى" و "ذات قوة
منخفضة" لوحدات الحدود على الساحل ..وليس من حق الطائرات العسكرية المصرية أن
تقوما بالستطلع فوقها ..إناها محرمة على الطيران المصري مثل المنطقة "ج" ..وفي هذه
المنطقة ل تستخدما سوى طائرات النقل غير المسلحة فقط ..ول يحق لمصر أن تحتفظ بأكثر
من 8طائرات منها ..وإن كان من الممكن استخداما الطائرات الهليكوبتر ..ولكن بشرط نازع
سلحها أيضا ..ويحق لمصر أن تستخدما في سواحل ومياه تلك المنطقة الزوارق الصغيرة ..
ولكن بشرط أن ل تستخدما استخداما عسكريا ..وأن يقتصر استخدامها على دوريات الشرطة ..
وأن يكون تسليحها خفيفا جدا.
أي إن أي عدوان )إسرائيلي( على الحدود المصرية لن تستطيع قوات الشرطة في المنطقة
"ج" صده ..ولن تستطيع قوات الجيش في المنطقة "ب" ردعه ...بمعنى آخر ..أكثر من
ناصف مساحة سيناء يمكن أن تضيع في غمضة عين وقبل أن نافكر في الحركة ،والرد،
والمقاومة!
وإذا كان حادث سليمان خاطر قد أجبرناا على إعادة فتح ملف "كامب ديفيد" ..فإن من الطبيعي
الن أن ناكمل الصورة في باقي سيناء ..في المنطقة الثالثة من سيناء )من نااحية إسرائيل( ..
المنطقة الولى من نااحيتنا ..المنطقة التي وصفتها المعاهدة بالمنطقة "أ" !
إن هذه المنطقة يحدها من الغرب "قناة السويس" وخليج "السويس" ،ويحدها من الشرق
خط وهمي يبدأ جنوبا من عند شرما الشيخ ويسير موازيا للخليج حتى بئر العبد في الشمال،
فبحيرة "البردويل" فشاطئ البحر المتوسط ..ويمر هذا الخط الوهمي )من الجنوب إلى
الشمال( بجبل موسى ووادي فيران فعين سدر فممرى متل والجدي ..ويصل طول هذا الخط
إلى طول سيناء من الجنوب إلى الشمال ..أما عرضه فيصل إلى 58كيلو مترا.
وفي كل هذه المساحة الشاسعة ل يحق للقوات المسلحة المصرية أن تتواجد فيها بأكثر من
"فرقة" من فرق جنود المشاة الميكانايكي ..وهذه الفرقة تتكون من :
ب – لواء مدرع.
د – 7كتائب مدفعية مضادة للطائرات تضم صواريخ أرض – جو فردية وما يصل إلى 126
مدفعا مضادا للطائرات عيار 37مم فأكثر.
هـ -عدد يصل إلى 230دبابة.
ولو أضفنا إلى هذا العدد الخاص بالفراد في هذه المنطقة العدد الموجود في المنطقة "ب" فإن
كل ما لنا من حقوق في سيناء ل يزيد على 26ألف فرد عسكري ..وهو رقم بسيط للغاية إذا ما
قورن بحجم الجيش المصري ككل ..ول يزيد على ناسبة مئوية أقل من أصابع اليد الواحدة ..
وهذا يعني أن الجيش المصري لم تعد مهمته مواجهة )إسرائيل( ..ولم تعد سيناء موقع
تمركزه الساسي ..وتفتح هذه الحقيقة الباب أماما أسئلة – مثل الريح – عن دوره ومهمته
ووظيفته وعدوه الن؟ !
إن معاهدة كامب ديفيد لم تسمح بوجود أكثر من بندقيتين من طراز "آلي" في موقع حراسة
"سليمان خاطر" ..كانات إحداهما معه ..بالضافة إلى 300طلقة.
إن التعليمات الواضحة والصريحة – كما نافهمها من أقوال ضباط الشرطة الكبار في المنطقة –
تمنع من إطلق النار تماما ..ونافهم من هذه التعليمات أن أوامر إطلق النار ل بد أن تكون
صريحة ..ول بد أن تأتي من القيادة في القاهرة ..ولم توضح التحقيقات ول التعليمات ماذا
يفعل جنود الحدود بهذه السلحة الخفيفة إذا ما تعرضوا إلى هجوما عليهم في مواقعهم؟ ..هل
ينتظرون التعليمات من القاهرة؟ ..وماذا يفعلون إذا ما قطعت التصالت مع القاهرة وتعذر
وصول التعليمات إليهم كما حدث في يونايو 1967؟
إن هذه السئلة وغيرها ل بد أناها أصبحت تدور في ذهن كل جندي مصري يقف الن على
الحدود ،بعد حادث سليمان خاطر وبعد ما جرى له!
ومما ل شك فيه أن هذا الوضع الذي تجد مصر نافسها فيه بعد كامب ديفيد من الصعب الفكاك
منه ..وخاصة أن هذا الوضع مضمون )لسرائيل( من جاناب الوليات المتحدة المريكية ..
الشاهد الوحيد على المعاهدة ..إن الوليات المتحدة المريكية – رغم "الزناقة" المصرية في
سيناء – تأخذ )إسرائيل ( في أحضاناها ..وتتعهد لها "باتخاذ كافة التدابير لحمايتها إذا ما
خرقت مصر المعاهدة" بدبوس إبرة ..وتحت عبارة "كافة التدابير" يمكن أن يوضع الكثير ..
مد )إسرائيل ( بالمعدات الحربية دون الرجوع إلى الكوناجرس ..التدخل العسكري المريكي
المباشر إذا لزما المر ..فرض قيود السلحة علينا " ..وتنطوي هذه القيود على منع تحويل
السلحة إلينا" من أي دولة أخرى تحصل عليها من الوليات المتحدة ..وأيضا استخداما كافة
الوسائل والساليب الدبلوماسية والقتصادية والنفسية والعلمية – المريكية لصالح
)إسرائيل(.
وقد بحثت كل هذه الضماناات والجراءات فيما سمي بمذكرة التفاهم بين الوليات المتحدة
المريكية و)إسرائيل( ،والتي بحثها الجانابان في أواخر مارس .1979
وفي رسالة من الدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء ووزير الخارجية في ذلك الوقت إلى
سيروس فاناس وزير الخارجية في ذلك الوقت أيضا اعترضت مصر على هذه المذكرة ورفضتها
..لناها:
– 1تتعارض والروح السائدة بين مصر وأمريكا ول تساهم في تقوية العلقات بينهما " ..وأود
أن أسجل أناه لم يتم التشاور مع مصر بشأن مضمون المذكرة المقترحة".
– 2إن مضمون المذكرة المقترحة يقوما على اتهامات ل أساس لها موجهة ضد مصر والتمهيد
لجراءات ضدها في حالة خرق افتراضية يترك تحديدها بدرجة كبيرة )لسرائيل(.
" – 3قد استمر عملنا في الفترة الخيرة من المفاوضات لفترة أكثر من شهر لم ناخطر فيها
مطلقا بنية الوليات المتحدة أن توافق على مثل هذه المذكرة ،بل إنانا أخطرناا بها للعلم وليس
للتشاور ،وقد سلمني إياها السفير المريكي إيلتس في الساعة الثاناية من بعد ظهر 25مارس،
أي قبل 24ساعة بالضبط من الموعد المحدد لتوقيع المعاهدة".
" – 4إن المفروض أن تكون الوليات المتحدة شريكا في الجهد الثلثي للوصول إلى سلما ل
أن تدعم ادعاءات طرف ضد طرف".
– 6إن المذكرة المقترحة "يمكن اعتبارها تحالفا محتمل بين أمريكا و )إسرائيل( ضد مصر".
– 7إن هذه المذكرة "تعطي الوليات المتحدة حقوقا معينة لم يتم ذكرها أو التفاوض بشأناها
معا".
– 8إناها تعطي "الوليات المتحدة قوة فرض إجراءات ،أو بكل صراحة اتخاذ إجراءات رادعة،
وهو أمر يثير الشكوك حول مستقبل العلقات ويمكن أن يؤثر في الموقف في المنطقة كلها".
– 9المذكرة المقترحة تستخدما تعبيرات تصل في غموضها إلى درجة الخطورة مثل عبارة
"التهديد بخرق التفاقية" المر الذي يترتب عليه اتخاذ إجراءات محددة "وناحن ناعتبر ذلك
أمرا له ناتائج خطيرة".
– 10كما تشير المذكرة إلى "أن المدادات العسكرية والقتصادية هي محل تقدير الوليات
المتحدة وحدها وذلك ارتباطا بالتهديدات المزعومة والتي يراد إلصاقها بجاناب واحد".
– 11إن المذكرة "تجعل بعض أوجه العلقات المصرية – المريكية خاضعة لعناصر خارجة
عن هذه العلقة ،ولتعهدات أعطيت لطرف ثالث".
– 12إناها تعني "تقبل الوليات المتحدة لتخاذ )إسرائيل( لجراءات ،منها الجراءات
العسكرية ،ضد مصر على أساس الزعم بأن هناك خرقا أو تهديدا بخرق المعاهدة".
– 13إناها تعطي "الوليات المتحدة الحق في فرض وجودها العسكري في المنطقة لسباب
متفق عليها بين )إسرائيل( وأمريكا وهذا أمر غير مقبول".
– 14إن المذكرة "تضفي الكثير من الشكوك حول النوايا الحقيقية للوليات المتحدة ،خصوصا
فيما يتعلق بعملية السلما ،إذ يمكن اتهامها بالتعاون مع )إسرائيل( في خلق ظروف معينة تؤدي
إلى وجود عسكري أمريكي في المنطقة ،وهو أمر سيكون له بالتأكيد ناتائج خطيرة وبصفة
خاصة على الستقرار في المنطقة كلها".
– 15وسيكون لها "في مصر تأثير مضاد للوليات المتحدة كما ستدفع بالتأكيد الدول العربية
الخرى إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددا في عملية السلما ،وستعطيها أسبابا إضافية كي ل تشترك
في هذه العملية".
– 16إناها سوف تمهد الطريق "لتحالفات جديدة تتشكل في المنطقة لمواجهة التحالف
المتضمن في المذكرة المقترحة".
وهو تسجيل يفضح طبيعة "الضمان" المريكي )لسرائيل( ..في سيناء ..وفي غيرها ..
ويحدد بدقة مدى الورطة التي تحاصر الجنود المصريين على الحدود ..ومنهم بالطبع ..كان
سليمان خاطر ..وخاصة أن كل العتراضات التي سجلها د .مصطفى خليل لم يؤخذ بها ..
وبقيت مجرد حبر على ورق ،ومشى هو نافسه في التيار المندفع نااحية إسرائيل.
ومما ل شك فيه أيضا أن )إسرائيل ( لم تكتف بكل هذه الضماناات ..ولم تكتف بكل القيود التي
كبلت بها المعاهدة مصر ..حكومة وجيشا ..وإناما راحت من جانابها تحاول فرض جديدة في
سيناء ..تجعلها تشعر أن سيناء لم تذهب من يدها ..ولم تعد لمصر! !
إن )إسرائيل( ،تعتبر "سيناء" منذ يونايو 1967هي صماما أمنها ..وتعتبرها منذ الناسحاب
النهائي منها في أبريل ،1982فرصة "ذهبية" ضاعت منها وهي في اليد اليمين ،ول بد أن
تحصل عليها باليد الشمال ..وحتى الن يوجد من يطالب "بعودة" سيناء إلى )إسرائيل( لناها
على حد قول العميد – احتياطي "متيتيا هوبيلد"" :ل تمثل منطقة مصرية ل من الناحية
الجغرافية ول من الناحية التاريخية ..وليس لمصر أي شيء بها ،تماما مثلما ليس لمصر أي
شيء في خليج إيلت" وقد أضاف" :لقد استغلت مصر شبه جزيرة سيناء استغلل سيئا
كقاعدة للهجوما على )إسرائيل( ثلث مرات خلل عشرين سنة ،ول يمكن أن ناسمح لها بمرة
رابعة".
وقال "الياهو بن اليسار" أول سفير )لسرائيل( في مصر" :إناني ل أعتقد أناه بعد ما عادت كل
سيناء إلى مصر أن )إسرائيل( فقدت كل أوراقها".
ج :لم أتخيل أنانا سنهدما كل ما بنيناه وأن ناقتلع جميع الشجار! !
وقال الكاتب الصهيوناي "شيلما جازيت"" :إن )إسرائيل( قد قدمت مقابل ضخما لمصر في
مقابل توقيع معاهدة السلما ،إذ تنازلت عن %90من الراضي التي احتلتها في حرب يونايو
،1967وتنازلت أيضا عن ثروات اقتصادية هامة )حقول بترول خليج السويس( ،أضف إلى
ذلك التنازل عن أمن )إسرائيل( الذي تعرض للخطر من جراء سحب قواتها المسلحة شرقا إلى
ما بعد الحدود الدولية".
وأضاف" :ولكن ..ناحن في مقابل هذه التنازلت سنسعى للحصول على امتيازات اقتصادية
وسياحية لنا في سيناء ..لقد تعودناا على التعامل مع سيناء ول ينبغي أن ناقطع هذه العادة".
باختصار ...لم تتخلص )إسرائيل( من عقدة أن سيناء كانات جزءا منها ..وتتصور أن رجوعها
لمصر تنازل منها دفعت في مقابله ثمنا باهظا ..من البترول المصري والثروات المصرية التي
استنزفتها طول سنوات الحتلل ..وتؤمن أناها ل بد أن تأخذ مقابل لهذا التنازل! !
والمقابل الذي تتصوره )إسرائيل( ..أن تصبح علقتها بمصر بقرارات رسمية ..مثل "السمن
على العسل" ..خاصة في سيناء ،حيث رسمت لها )إسرائيل( خططا متناهية الدقة ..فتحها
على البحري وبدون قيود أماما السياح )السرائيليين( ..استثمار مشترك في مزارع تجريبية ..
وفي التنقيب عن البترول ..وفي مشروعات سياحية ..القياما بأبحاث مشتركة عن الصحراء
وتوطين البدو ...إلخ.
لكن ..من بين كل هذه الحلما لم تستطع )إسرائيل( أن تحقق سوى حلم التطبيع السياحي ..
وأن تنجح في الحصول على مميزات سياحية في سيناء ..
إن هذه المميزات كانات غير معروفة للرأي العاما المصري قبل حادث سليمان خاطر ...وقد
اضطرت تحقيقات الحادث لكشفها دون أن تقصد ..بالطبع ...
من هذه المميزات دخول السياح )السرائيليين( إلى سيناء بدون جواز سفر ...وبدون تأشيرة
دخول ..وبدون تحويل عملة ..إن البطاقة الشخصية )السرائيلية( تكفي للدخول ..وتكفي
للتجول بحرية في كافة أرجاء سيناء حتى نافق الشهيد "أحمد حمدي" ،فإذا ما أراد أي سائح
)إسرائيلي( عبور النفق وجب عليه إبراز جواز سفره وتحويل ما يفرضه القاناون من عملت
صعبة بالسعر الرسمي.
ومن هذه الميزات تغيير لوحات السيارات )السرائيلية( للسياح القادمين بسياراتهم إلى لوحات
مصرية ..على أن تستبدل اللوحات المصرية الصلية عند العودة إلى )إسرائيل( ...ويبدو أن
هذا الجراء لحمايتهم من اعتداء المصريين عليهم ،والذين قد يكتشفون هويتهم من لوحات
السيارة المكتوبة باللغة العبرية ..
ومن هذه المميزات السماح للسياح )السرائيليين( بنصب الخياما وإقامة المعسكرات وصعود
الجبال واختراق كل الطرق بالدراجات العادية والبخارية ..
وهناك بالقطع درجة كبيرة من التساهل في التعامل معهم ..وقد ذكر المحامي )السرائيلي(
"جيرا كورن" في شهادته أماما النيابة العسكرية بعد الحادث ،أن المصريين عند إحدى ناقاط
الحدود سمحوا له بالدخول دون أن يغير لوحات سيارته ..على أساس أناه سيعود إلى سيناء
مرة أخرى.
وهذه المعاملة التي يلقاها السائح )السرائيلي( في سيناء ل يجدها المواطن المصري الذي
يفكر في الذهاب إلى هناك ..إن سيقف في كل ناقاط التفتيش تقريبا ..وستفتش سيارته تفتيشا
دقيقا ..وسيصادر منه كل ما يعتبر خطرا ،مثل زجاجة "سبرتو" سيستخدمه في إشعال نايران
فحم سيشوي عليه قطع اللحم ..وكأن هذه الزجاجة زجاجة "مولوتوف" حارقة ..وواضح أن
مثل هذا الجراء لحماية )السرائيليين( الذين يتواجدون باستمرار ،وفي كل الفصول ،هناك ...
وممنوع على المصريين القتراب من بعض النقاط بحجة أناها ناقاط عسكرية ..وممنوع عليهم
القتراب من الشواطئ بعد الغروب ..وممنوع عليهم الصعود لبعض الجبال في بعض
الوقات ...ممنوع عليهم ما هو مسموح به )'للسرائيليين('!
إن هذه الممنوعات التي تلحق كل مصري يفكر في زيارة سيناء ،جعلت البعض يتساءل عن رد
فعل السلطات المصرية لو كان الذين تعرضوا لرصاصات سليمان خاطر من المصريين؟ ..هل
كان التحقيق سينال كل هذا الهتماما؟ ..هل كان ناائب مأمور شرطة "ناويبع" سيحمل الجثث
على ظهره وينزل بها من فوق التل؟ ..هل كان سيقال إن النقطة مباحة لكل من هب ودب ..أما
كان سيقال إناها ناقطة عسكرية تقضي التعليمات بإطلق النار على كل من يقترب منها؟ !
وفيما بعد ..في يوما الربعاء 28أغسطس ) 1985قبل حادث سليمان خاطر بحوالي أسبوع(
ناشرت إحدى صحف الخليج على لسان مأمور شرطة ناويبع:
وفيما بعد أيضا ...قدما المحامي عماد السبكي هذا التصريح المنشور في تحقيق صحفي تحت
عنوان "')'إسرائيل ( تحاول تكثيف وجودها في خليج العقبة عن طريق تواجد يخوتها البحرية
السياحية" إلى المحكمة التي تحاكم سليمان خاطر ،ودلل به على أن "رجال المن المصريين
قد طفح كيلهم".
وليس هناك بالقطع ما يمنع تحول المميزات والتجاوزات )السرائيلية( في سيناء إلى
استفزازات مباشرة للمصريين هناك ..خاصة للجنود البسطاء منهم ..وهذه الستفزازات – كما
هو معروف – تأخذ طابعا نافسيا وعصيبا وجنسيا ..إن من قبيل التكرار أن ناذكر ما يفعله
)السرائيليون( على شواطئ سيناء ورمالها ..عرى ..جنس ..مخدرات ..وحرية في ارتكاب
كل إثم ..علنا ،وبدون أي قيد أو تحفظ ..لكن ..يكفي أن ناسترجع مشهد )صعود السرائيليين(
إلى ناقطة سليمان خاطر ،لنتذكر أن النساء كن يرتدين المايوهات البكيني والعارية ..صحيح أن
سليمان خاطر قال في التحقيق أن هذا المشهد لم يستفزه ..ولكن ..صحيح أيضا أناه أظهر
وعيا بالساليب )السرائيلية ( )العارية( التي تتجاوز الحرية الشخصية ..إناه يعرف العلقة
القوية بين الجنس والتجسس ..ويعرف أن هذه العلقة يمارسها السياح )السرائيليون( مع
الجنود والضباط والجهزة ..
س :هل استفز مشاعرك أن المجني عليهم كاناوا يرتدون ملبس البحر ومايوهات بكيني
وعري؟
ج :ل!
س :ما الذي تقصده بعبارة :ناسيب الحدود فاضية وكل اللي عايز يعدي ..يعدي ..وكل اللي
تورينا جسمها ناعديها؟
ج :أقصد إن ممكن شاب تاناي يسيب نافسه أماما الحاجات دي زي ما حصل قبل كده على حدود
طابا وكاناوا بيعدوا ويخشوا الشاليهات ،وأناا سمعت إن واحدة عملت مسطولة وسكراناة ودخلت
ناامت في شاليه كان فيه جهاز إشارة وطبعا دي حاجات ممنوعة ..ودي جاية مأمورية وأخذت
التردد )تردد ذبذبات الجهاز( وكلهم بيطلعوا مأموريات واحنا مغمضين.
س :من أين أتيت بهذه المعلومات ،وكيف عرفت التردد وأنات رقيب في المن المركزي؟
ولم ينس سليمان خاطر – كما عرفنا – أن يشير إلى العلقات القوية بين الضباط المصريين في
سيناء و )السرائيليين( وقد أضاف" :وكله عمال يشتغل مع الجاناب وحيضيعوا البلد" ...
"وشغلوا عليهم المخابرات وشوفوهم بيروحوا فين".
ول نانسى هنا – أيضا – ألبوما الصور الذي وجد في النقطة ،والذي يخص الجندي "عطية
إبراهيم" والذي يتضمن بعض الصور لجنود مصريين مع شبان وفتيات )إسرائيليين( ...في
قلب النقطة.
ثم ..ل نانسى وجود المستشار السياسي للسفارة )السرائيلية( في القاهرة "نامرود باري" في
مكان الحادث وقت وقبل وقوعه.
إن من الطبيعي أن يكون هذا الدبلوماسي )السرائيلي( من رجال "الموساد" فهذا أمر ل بد
منه ،لكن ..من غير الطبيعي أن يتواجد الرجل في مكان الحادث ..وخاصة أن من المعروف
عنه أناه دائم التجوال في سيناء ..وإن الوقت الذي يقضيه هناك أكثر من الوقت الذي يقضيه
في القاهرة ..المر الذي أضفى كثيرا من الشكوك على صعود )السرائيليين( إلى ناقطة
الحراسة المرتفعة ...وأثار الريبة في تصرفهم ..وضاعف من هذه الريبة أناهم صعدوا إلى
النقطة – رغم الطريق الوعر ،وخطورة التعرض للحيواناات الشرسة والحشرات السامة – وقت
الغروب ..وهو وقت يهبط فيه الظلما بسرعة ..قبل أن تنتهي مهمة صعودهم وهبوطهم ..لن
هذه المهمة ل تستغرق أقل من ناصف ساعة ...وليس هناك ما يمنع – من باب التمويه –
استخداما الصغار في مهمتهم ..حتى ولو اناطوى ذلك على الخطر! فهذا أمر شهير للمخابرات
)السرائيلية(.
فماذا كان يفعل "نامرود" هناك؟ ..وماذا يفعل عموما في سيناء؟ ..هل كان ينتظر هبوط من
صعدوا ليأخذ منهم الفيلم الذي صوروه؟ ..ولماذا رفض إثبات وظيفته – فيما بعد – عند استلما
جثث القتلى؟ ! ..هل كان يشعر بأن على رأسه بطحة؟ !
أسئلة من الصعب الجابة عليها ...لكنها ..تضيء لنا بعض الكشافات المبهرة ..التي تلقي
بحزما الضوء الشديد على بعض جواناب حادث سليمان خاطر ،وعلى بعض ما يفعله سياح
)إسرائيل( في سيناء!
والمذهل في هذه الرواية أن المحامي )السرائيلي( "جيرا كورن" قد ذكر أماما النيابة العسكرية
المصرية :أن هناك من حذرهم من وجود "جندي" مجنون في هذا الموقع يمنع صعود أحد إلى
النقطة ...والذهول هنا مصدره سهولة توافر المعلومات لدى )السرائيليين( ..وسهولة
تداولها فيما بينهم ..والذهول هنا مصدره أيضا :لماذا إصرارهم على الصعود رغم توافر هذه
المعلومات عن سليمان خاطر؟ ..هل كان لهم هدف يجعلهم يحتملون أي توقع وأي خطر؟ !
وذكر المحامي )السرائيلي( أيضا :أن كل المصريين في المستشفى وقسم الشرطة رفضوا أن
يسمحوا له بالتصال بإيلت لنقل المصابين ..لكنه يضيف :أناه وجد عند إيلت بعد وصوله
إليها سيارة إسعاف وجنودا ينتظروناه ..فمن الذي أبلغهم بما جرى؟ ..من الذي أبلغهم بكل
التفاصيل بما في ذلك وجود مصابين يحتاجان سيارة إسعاف؟ ...وكيف تم هذا التصال؟ ..هل
قاما به نامرود؟ ..أما قاما به غيره؟ !
مرة أخرى ...أسئلة من الصعب الجابة عليها ..لكنها ..مرة أخرى أيضا كشافات قوية تلقي
الضوء على ما هو أبعد من التفسير القاناوناي والجنائي لحادث سليمان خاطر!
من باب إضاءة الكشافات القوية أيضا ...قد يكون من المفيد إلقاء بعض المعلومات الضرورية
والخاطفة عن علقة سيناء بالمخابرات )السرائيلية(.
إن "الوثائق السرية للمخابرات المريكية" التي وجدت في إيران بعد ثورة الخميني وخلع
الشاه عن )المخابرات السرائيلية( ل تمنع أن يقو السياح )السرائيليون( في سيناء بالتجسس
لحساب مخابراتهم ..على العكس تشجع ذلك ..ويسمى هؤلء بالعملء الذين يتواجدون تحت
"غطاء غير قاناوناي" ..وهؤلء على عكس العملء الذين يتواجدون تحت غطاء قاناوناي،
وهؤلء هم الذين يعملون في السفارات ،وبعثات المشتروات )السرائيلية( ،ومكاتب السياحة
وشركة "العال" للطيران وشركات البناء والمجموعات الصناعية ..والعملء تحت الغطاء غير
القاناوناي عادة ما يكلفون "بالتسلل إلى الهداف التي يتطلب القتراب منها وقتا طويل ودهاء
واسعا أو يقومون بأناواع من النشاط ل يمكن أن تلما عليها الحكومة )السرائيلية( رسميا بأي
حال" ..ويتبع هذا النشاط "الموساد" أو جهاز المخابرات السرية.
وهناك أيضا الــ "شين بيت" أو جهاز مكافحة الجاسوسية والمن الداخلي ..وهذا الجهاز يضم
ثماناية أقساما على رأسها قسم "الشئون العربية" ..وله أقساما "إقليمية فرعية" على رأسها
قسم "منطقة غزة وسيناء" ورئاسة هذا القسم في "عسقلن" ..وحسب الوثائق المذكورة
"اخترقت" الشين بيت "عددا كبيرا من التنظيمات العربية وذلك باستخداما المخبرين ..
وبالتعاون مع بعض السكان المحليين" ..وحسب نافس الوثائق :فإن العاملين بالشين بيت
"متخصصون في دخول الماكن المختلفة ،وهم يستخدمون آلة تصوير خاصة يمكن حملها
بسهولة" " ..وقد ناجح فنيو "الشين بيت" في إخفاء أجهزة إرسال لسلكي في حقائب
صغيرة ،وفي قاع "كنكة" القهوة ،وفي قاع بعض أفران الطبخ التي يمكن استخدامها دون
المساس بالجهاز الدقيق".
وهناك كذلك المخابرات العسكرية التي تضاعف ناشاطها دائما على الحدود!
إن هذه المعلومات السريعة تقرب الصورة من أذهانانا ..صورة السائح )السرائيلي( الذي
يحمل كاميرا صغيرة ...ويمكن أن يضع جهاز الرسال في "كنكة" القهوة ..ويأتي إلى سيناء
للغوص أو للسباحة أو للستمتاع بحماما شمس ..وهذه الصورة على هذا النحو يمكن أن
تنطبق على تصرفات جماعة السياح التي صعدت إلى موقع سليمان خاطر ..ويمكن أن تحل لغز
وصول المعلومات إلى داخل )إسرائيل( قبل أن يصل المحامي "جيرا كورن" إلى ناقطة
الحدود ..ويمكن أن تفسر أشياء أخرى كثيرة جاءت مع الحادث!
باختصار ..ناجحت )إسرائيل( – عن طريق المعاهدة مع النظاما المصري – في نازع سلح أكثر
من ناصف سيناء ..وناجحت – بالتفاق الخاص مع المريكان – في وجود ضماناات ل حد لها ..
وناجحت – باتفاقيات التطبيع – في أن تكسب مميزات خاصة لها في سيناء ..لكنها ..رغم ذلك
كله أطلقت السياح القادمين من داخلها إلى سيناء للستفزاز والتجسس ..
ومن حق البعض أن يتساءل في دهشة :وماذا تريد )إسرائيل( من التجسس "السياحي" ولها
كل هذه الحقوق؟ ! لماذا تفعل ذلك وعندها أمريكا تقدما لها ما تريد؟ ..وعندها مصر على علقة
طيبة ورسمية معها؟ ..لماذا تفعل ذلك ومصر أيضا في هذا الموقف الذي ل تحسد عليه؟
والجابة على هذا التساؤل تلف وتدور حول ثلث ناقاط رئيسية:
– 1إن )إسرائيل( من جانابها تريد أن تتأكد من عدما اختراق مصر لبنود المعاهدة ول لترتيبات
المن المنصوص عليها فيها ..وهي عندما تفعل ذلك ل يخامرها الشك في أن مصر يمكن أن
تفعل ما لم تفرضه عليها المعاهدة ..خاصة بالنسبة لجهزة الناذار الحديثة التي ليس لمصر
زرعها أو استخدامها في بعض المناطق مثل المنطقة "ج" ..وهذا ما يفسر دخول النساء
)السرائيليات( الشاليهات التي بها أجهزة الشارة ورصد ذبذباتها وترددها.
– 2إن )إسرائيل( تخشى من تسلل الفدائيين الفلسطينيين وغيرهم عبر حدودها مع مصر ...
وقد حدث في النصف الثاناي من عاما 1985أن أعلنت أجهزة المن المصرية والقوة المتعددة
الجنسية حالة الطوارئ بسبب قياما مجموعة من المصريين بعبور الحدود عند إيلت والقياما
بعملية فدائية جريئة داخل )إسرائيل( كذلك تخشى )إسرائيل( من تسرب السلحة عبر سيناء
إلى الفلسطينيين داخل الرض المحتلة ،وقد أعلنت عن بعض الحالت التي تم ضبطها.
– 3إن )إسرائيل( تعتبر أي معلومات عن مصر ...في أي مجال من مجالت الحياة يمكن أن
تفيدها في قياس مستوى العلقات بينها وبين الحكومة المصرية ...وخاصة أن العلقة بين
الحكومتين شابها بعض الفتور والقلق والتوتر بعد مصرع السادات وبعد الغزو )السرائيلي(
للبنان وبعد سحب السفيرين من القاهرة وتل أبيب ..وبسبب مشكلة "طابا".
لقد بدأ التوتر بين الرئيس حسني مبارك وحكومة )إسرائيل( في جنازة "السادات" ..فقد قدما
مناحم بيجن لحسني مبارك دعوة لزيارة )إسرائيل( فوافق ..وبدأ كمال حسن علي وزير
الخارجية في ذلك الوقت في بحث الترتيبات مع السفير )السرائيلي( ساسون ..واتفق على أن
الموعد المناسب للزيارة 16أو 17مارس ) 1982قبل الناسحاب )السرائيلي( الخير من
سيناء بحوالي 40يوما( وجهزت )إسرائيل( لمبارك برناامج زيارة للقدس ،وقررت أن يلقي
خطابا في الكنيست ..لكن ..سرعان ما قرر مبارك أل يزور القدس ..فأعلن بيجن :أن علقات
مصر )بإسرائيل ( تحوطها كثير من الصعوبات ..وعندما وصل إسحاق شامير )وزير الخارجية
في ذلك الوقت( إلى القاهرة وقابل الرئيس مبارك ..قال له شامير" :إن الرئيس السابق أناور
السادات تحدث عن ضرورة إزالة هذه الحواجز" ..فقال له مبارك :إن أساس السياسة
المصرية الن يعتمد على استئناف العلقات بين مصر والعلم العربي ،على أساس أن مثل هذه
الخطوة يمكن أن تؤثر تأثيرا إيجابيا على علقات الدول العربية المعتدلة )بإسرائيل( ..
وانازعجت )إسرائيل( من ميل مبارك ناحو العرب ..وتضاعف انازعاجها من رد فعله تجاه الغزو
)السرائيلي( للبنان وتجاه مشكلة طابا ..وتساءلت )إسرائيل( عن مصير السلما والتطبيع ..
وقررت أن تتعامل مع مصر بمزيد من ناشاط التجسس إسرائيل على مصر ...وأن تكلف كل من
يدخل سيناء للسياحة بمهمة في هذا التجاه ..ففي مجتمع يقوما على المخابرات مثل )إسرائيل(
يصبح السؤال عن هذا المبرر ضربا من السذاجة ..وربما ما هو أكثر من السذاجة.
لقد فتح سليمان خاطر – دون أن يقصد – عيونانا على أشياء كانات غائبة عنا ..فعلها سليمان
خاطر وذهب ..وكان مثل السيد المسيح الذي قال كلمته ومضى .
أشغال شاقة مؤبدة
جرت وقائع محاكمة "سليمان خاطر" العسكرية في قاعة "المؤتمرات" و "الحتفالت"
بمقر قيادة الجيش الثالث الميداناي بمدينة "السويس".
قاعة أرضية ..طويلة المساحة ..بسيطة البناء والديكور ..تستخدما عادة في المؤتمرات
العسكرية حيث ترص فيها المقاعد التي يجلس عليها الضباط والقادة ..وتستخدما في استقبال
كبار الزوار والضيوف ..حيث تفرش بالمناضد والمقاعد والصالوناات ...
في هذه القاعة ..أو بالتحديد في جزء منها ،عقدت المحكمة العسكرية العليا جلساتها ..
أحضروا قفصا عن صندوق حديد مفرغا وغير مرتفع ،وقف سليمان خاطر بالكاد ..وأحضروا
منصة لتجلس عليها هيئة المحكمة المكوناة من اللواء مصطفى دويدار رئيسا ..واللواء محمد
خورشيد عضو اليمين ..والعميد محمود عبد العال عضو اليسار ..ودبروا مكاناا لممثل
الدعاء ،المقدما يحيى قاسم ،رئيس نايابة السويس العسكرية ..ودبروا مكاناا يسمح للمحامين
بالجلوس أو المرافعة ..
وكان واضحا منذ بداية المحاكمة أن النية قد اناعقدت لن تكون كل جلساتها سرية ..كما أن كل
التجهيزات الفنية اللزمة لتسجيل المحاكمة فيديو ..بالصوت والصورة قد ركبت ..
وكان واضحا منذ البداية أيضا أن المحكمة لن تسمح بمد آجال المحاكمة ..ولن تعطي للدفاع
الفرصة التي أخذها في آخر المحاكمات العسكرية التي شغلت الرأي العاما ..محاكمة الذين
اغتالوا السادات ..
ولوحظ أن المحكمة لم تسمح بتصوير سليمان خاطر فوتوغرافيا ..ولم ينجح أحد في ناشر
صورة واحدة له في هذا الوضع كما أناها لم تسمح بحضور الصحفيين ومصوري التليفزيون
الجلسات ..ول حتى الجلسة الولى ..الجلسة الفتتاحية ..ول حتى الجلسة الخيرة ..جلسة
النطق بالحكم ..
ولوحظ أن الخبار التي تسربت من داخل الجلسات كانات قليلة جدا ..خاصة الجلسات الولى ..
وكان السبب وجود محاما واحد اختير بمفرده للدفاع عن سليمان خاطر ..ومعنى تسرب
الخبار ،أناه وراء ذلك ..والمعروف في مثل هذه المحاكمات السرية أن المحامين هم مصدر
الخبار الرئيسي ..وأن تعددهم يتيح لكل منهم تسريب الخبار ،على أساس صعوبة معرفة
المصدر بدقة.
في البداية اختارت أسرة سليمان خاطر محاميا غير معروف للدفاع عنه ..لكنها ..سرعان ما
اكتشفت أن القضية أكبر منه ..وأصعب منه ..وأشد من قدراته ..فلجأت إلى المحامي "عماد
السبكي " ..وهو من المحامين الذين اشتهروا بالترافع في القضايا العسكرية ..وكان آخرها
قضية اغتيال السادات ..وهذه الشهرة والخبرة في هذا النوع من القضايا بالذات مرجعه أناه
خدما في القوات المسلحة كضابط في سلك القضاء العسكرية ووصل إلى رتبة العميد ،وإلى
درجة مساعد المدعي العاما العسكري.
وقد قال "عماد السبكي" إناه لم يتطوع للدفاع عن سليمان خاطر ،وإناما أهله هم الذين سعوا
إليه لكي يترافع عنه ..فقبل ...
وقال وهو على عتبة المحكمة :إن هذه القضية تحتاج إلى ناوعين من الخبرة ..خبرة قاناوناية
)خاصة إجرائية( وخبرة فنية بالوضاع العسكرية على أعلى مستوى لن فيها ناقاطا فنية
يستحيل على غير من مارس القضايا العسكرية أن يضع يده عليها!
وتقول أسرة سليمان خاطر :إن عماد السبكي اشترط عليها أن ل تستعين بأي محاما آخر،
خاصة من زملئه الذين دافعوا عن ]]خالد السلمبولي[[ ورفاقه ..وأناه سألهم :هل تريدون
ابنكم حيا؟ أما بطل؟ ..فقالوا له :ناريده بيننا على قيد الحياة! ..فقال لهم :إذن اتركوناي أتصرف
بمفردي.
وبمجرد أن تولى عماد السبكي القضية ،صرح لصحيفة "التحاد" التي تصدر في دولة
"المارات" أن من صالح سليمان خاطر أن تحجم القضية بالواقع الجنائي والقاناوناي لها دون
إدخالها في متاهات التيارات السياسية المختلفة ..حتى ل تحدث ضغوط خارجية ..وقد كان
على ما بدت مجريات المور متفائل ،لن الضغوط الخارجية مورست بعد ساعات من وقوع
الحادث.
وفيما بعد ..اناضم إلى عماد السبكي عدد آخر من المحامين للدفاع عن سليمان خاطر!
لقد أحست أسرة سليمان خاطر أن موقف ابنها في القضية يتدهور ..وأحست أن الزمن يسحبه
إلى حكم العداما ..وأحست أن المحكمة ل تضيع وقتها في الوصول إلى هدفها المحدد وهو
إصدار الحكم بأقصى عقوبة في أسرع وقت ،وبدون "شوشرة" وبدون استجابة لي طلب
للدفاع بمد الجلسات.
إن سليمان في جلسات المحاكمة الولى ،كان يتمتع بهدوء وثقة من يشعر أناه أدى واجبه ..
وكان يشعر بهدوء وثقة من يضمن البراءة في جيبه ..إناه – كما قال فيما بعد – كان يشعر
بعدما الحاجة للدفاع عن نافسه ،لن أسرار ما فعله معروفة بدقة على كل مستويات قادته
العسكريين ،لكنه في الجلسة الثالثة من المحاكمة بدأ الحساس بالخطر يتملكه ..وأحس أن
النيابة العسكرية تطالب برأسه ،وتصر على أناه قتل متعمدا "مع سبق الصرار والترصد" ..
وأن الشهود ل يشهدون لصالحه ..وأن المحكمة ل تجد ما يجعلها تحكم بغير الموت ..وناصحه
بعض الحراس – الذين شهد أناهم كاناوا يتعاملون معه برفق وشهامة – بتغيير المحامي ..أو
الستعاناة بمحامين آخرين ،لن القضية ليست بهذه السهولة ول البساطة التي يتصورها.
ول ناعرف ما إذا كان سليمان خاطر قد اقتنع بنفسه بضرورة الستعاناة بالمحامين الذين ترافعوا
عن ]]خالد السلمبولي[[ ورفاقه ،أما أن هناك من أقنعه بذلك.
لكننا ناعرف أناه طلب من شقيقه الكبر عبد الحميد خاطر أن يفعل ذلك ..
في يوما السبت 3ناوفمبر 1985استيقظ أولئك الرجال قبل صلة الفجر ،استعدادا للسفر إلى
السويس ) 120كيلو مترا من القاهرة( حيث تعقد جلسة جديدة من جلسات المحكمة ...وقد
وصلوا رغم بعد المسافة قبل أن تبدأ الجلسة في الساعة الثامنة والنصف صباحا ..لكنهم
فوجئوا بمن يمنعهم من الدخول بحجة عدما وجود تصريحات لهم ..وبحجة عدما وجود تعليمات
تسمح بدخولهم ..فوقفوا على البوابة حوالي ساعة وناصف الساعة حتى أذنات هيئة المحكمة
لثنين منهم بالدخول ،هما اللذان كلفتهما ناقابة المحامين ..وبعد حوالي ساعتين أيضا سمح
للخرين بالدخول ..
ومن المؤكد أن هذا الجراء استفز المحامين ..ومن المؤكد أناهم أحسوا – بعده – أن المحكمة
تحاول تعطيل مهمتهم التي يصفوناها دائما بأناها "مهمة مقدسة" ..وكان من الطبيعي أن
يسجلوا ما حدث في محضر الجلسة ...وأماما هيئة المحكمة قالوا:
إن ما حدث على البوابة كان محاولة متعمدة لتضييع فرصة الدفاع عن الرقيب سليمان خاطر!
وحاولت المحكمة رد التهاما بمحاولة التفرقة بين المحامي الموكل والمحامي المنتدب ..
وقالت :إناها ليست ملزمة بمعاملة المحامي المنتدب كالمحامي الموكل وأناها أعطت كل الفرصة
الممكنة للمحامي الموكل ..وهذا يكفي ليكون الدفاع قد أخذ حقه كامل ..
فقال محمد رزق – المحامي :إن معنى هذا أن المحكمة تحاول أن تجعل هيئة الدفاع ديكورا
فقط ،وهذا شيء مرفوض.
وطلب شوقي خالد – المحامي من المحكمة فرصة للتداول بين هيئة الدفاع ..واستجابت
المحكمة ...وبعد المداولة ،قال عماد السبكي:
التزاما مني بوحدة الدفاع فأناا أعتبر نافسي مترافعا في جزء من الدعوى فقط ..ومن حق باقي
زملئي استكمال المرافعة.
ورفضت المحكمة ...فهدد الدفاع – بما فيهم عماد السبكي – بالناسحاب فورا من المحكمة إذا
لم يتمكن من مزاولة كافة حقوقه القاناوناية المشروعة في المرافعة.
ويتدخل سليمان خاطر ليطلب من المحكمة اعتبار كل المحامين موكلين بالدفاع عنه ..وبعدما
التفرقة بين محاما موكل ،ومحاما منتدب ..
وارتفعت درجة حرارة هذه الجلسة التي كانات يوما السبت 3ناوفمبر ،1985وتقرر المحكمة
التأجيل للسبت التالي ..يوما 10ناوفمبر.
وفيما بعد قال لنا شوقي خالد – المحامي :إن المحكمة حاولت إثبات أن كل المحامين الحاضرين
منتدبون ما عدا عماد السبكي وقد فشلت في هذه المحاولة ..وكان من الواضح أن المحكمة في
عجلة من أمرها لتصدر الحكم في هذه الجلسة.
وأضاف :إن سليمان خاطر قد حضر هذه الجلسة وغيرها من جلسات المحاكمة وهو يرتدي
الزي العسكري ..وأن حوارا سريعا دار بينهما ..قال فيه سليمان:
أناا ل أخشى الموت ول أرهبه ..إناه قضاء ا وقدره ..لكنني ل أخشى سوى أن يكون للحكم
الذي سيصدر ضدي آثار سيئة على زملئي ،تصيبهم بالخوف ،وتقتل فيهم وطنيتهم.
أماما المحكمة ..قال كمال خالد – المحامي :إن هذه القضية هي من أهم القضايا التي شهدها
القضاء عبر التاريخ ..وقد فاق اهتماما الرأي العاما في مصر ،والعالم العربي ،والسلمي،
والدولي بهذه القضية كل تصور أو توقع ..المر الذي يجعل الحكم فيها ل يخص ول يهم
سليمان خاطر بمفرده ..إن المعاناي الصيلة والقيم النبيلة التي يتمسك بها الشعب المصري،
ول يتنازع عليها ول يتنازل عنها ،وأهمها الدفاع عن كرامته ،وكل ذرة من تراب وطنه تعني
أناه ليس شعبا همجيا ،وإناما شعب أصيل ،يعرف كيف يدافع عن نافسه وأرضه وحدوده ضد كل
اعتداء مهما كان مصدره.
وأضاف :إن الحكم الذي ستصدره المحكمة سوف يكشف للعالم إن كان سليمان خاطر مخطئا ..
معتديا بتصرفه ،أما كان ينبغي محاكمته بتهمة الخياناة والتقصير في حق الوطن والواجب إذا ما
تقاعس عن التصرف الذي قاما به في مواجهة متسللين صهاينة اقتحموا عليه موقعه ،ومن
طريق خلفي ،وعر ،يرتفع عن سطح الرض بنحو 150مترا ..وهذه كلها متاعب ل يمكن أن
يتحملها إل أصحاب الغرض الخسيس ..وليس بمستغرب على )إسرائيل( في سبيل اكتشاف هذا
الموقع والتجسس على ما فيه ،أو القياما بعمل تخريبي فيه ،أن تستعين بمن يرتدون المايوهات
متسترين باصطحاب الطفال.
إن حرص هؤلء الصهاينة على الوصول إلى الموقع العسكري إناما كان حيلة للتمويه والخداع،
إل أن سليمان خاطر لم يبتلع الطعم وأدى واجبه في الوقت المناسب.
وقال عماد السبكي :إن تصرف سليمان خاطر يجعله طبقا للمواد ) 63 ،61 ،60من قاناون
العقوبات( وطبقا للشريعة السلمية في موقف أداء الواجب ،الذي قاما به وهو مطمئن إلى أناه
ينفذ الوامر الواجب تنفيذها في مثل هذه الظروف .قال ذلك ..ثم راح يشرح الحادث على النحو
الذي ذكره سليمان خاطر من قبل في تحقيقات النيابة العسكرية ...
وأضاف :إن معنى معاقبة سليمان خاطر ،أن ناأمر جنودناا أن يقفوا متفرجين أماما تجسس
)إسرائيل( مثلما حدث في موقع آخر تمكن فيه سياح )إسرائيليون( بالتقاط ذبذبة أحد الجهزة
العسكرية الدقيقة.
– 1الطعن في سلمة الجراءات ..إجراءات التحقيق الذي تم مع المتهم دون حضور محاما ..
وإجراءات الطب الشرعي التي تمت في )إسرائيل( ل في مصر ..وتضارب أقوال الشهود ..
وعدما سلمة المعاينة بسبب رفع الشرطة للطلقات والجثث قبل وصول النيابة ...وعدما صلحية
القضاء العسكري لنظر الدعوى ،وعدما صلحية مواد التجريم والعقاب في القاناون الذي تأخذ به
المحكمة لمخالفة الدستور والشريعة السلمية ..وبطلن قرار رئيس الجمهورية بإحالة
الدعوى إلى القضاء العسكري لستناده إلى ناصوص قواناين غير دستورية ..وفيما بعد ردت
المحكمة على كل هذه الدفوع الجرائية في حيثيات الحكم ،ولم تأخذ بها!
– 2التركيز على أن سليمان خاطر كان يؤدي واجبه ..وعدما توافر القصد الجنائي في
تصرفه ..واعتبار ما فعله – في أسوأ الظروف – من قبيل القتل الخطأ ..وقد حاول المحامون
في هذا المحور إعطاء القضية بعدا سياسيا وأمنيا ..لكن ..من الواضح أن المحكمة كانات
تحاصر هذا البعد ..وفعلت المستحيل لحصر الدعوى في حجمها القاناوناي ،والجنائي فقط.
وفيما بعد ،أصرت المحكمة في حيثيات الحكم ،على أن القتل كان عمدا ،ومع سبق الصرار
والترصد ..ورفضت أن تعتبر الرصاصات الولى التي أطلقها سليمان خاطر رصاصات تحذير،
وقالت إن ناتيجة هذه الرصاصات كانات قتيل ،ومع ذلك واصل سليمان خاطر ،إطلق
الرصاصات ،ولو كان يريد التحذير لما واصل إطلق الرصاص ،ولما واصل القتل ..وهذا يعني
أن المحكمة لم تأخذ بما جاء في تقرير الطب النفسي لسليمان خاطر من أناه يخشى رؤية الدما،
وأن الدماء تؤثر على حالته وتصرفاته.
– 3محاولة إثبات أن )السرائيليين( الذين صعدوا إلى موقع سليمان خاطر الممنوع الصعود
إليه ،كان من الممكن أن يكون لهم غرض آخر غير السياحة ..وهو التجسس ..وأشار
المحامون هنا إلى دور المستشار السياسي للسفارة )السرائيلية( "نامرود" الذي كان موجودا
في موقع الحادث ،وقبل وقوعه ..وأشاروا إلى الكاميرا التي كان يحملها أولئك
)السرائيليون( ...وأشاروا إلى وقائع تجسس مشابهة وقعت في ناقاط عسكرية أخرى في
سيناء.
لكن ..المحكمة لم تأخذ بهذا الدفع ،واعتبرته خروجا عن القضية ،ووصفت القتلى بأناهم كاناوا
من المدنايين العزل ومن النساء والطفال.
وفي الساعة الثامنة والنصف من صباح السبت 28ديسمبر 1985كانات جلسة النطق بالحكم ..
وكان الحكم ..الشغال الشاقة المؤبدة لمدة ربع قرن من الزمان.
وقد ناطقت المحكمة بالحكم في حضور 30من أقارب سليمان خاطر وعدد من المحامين الذين
تولوا الدفاع عنه ..ولم تستمر الجلسة أكثر من 10دقائق.
ويقول شهود العيان :إن سليمان خاطر قد استقبل حكم المؤبد بالستياء البالغ ولكن بصمود
ملحوظ ،بينما أصيب زملؤه بحالة من الذهول ،وبعد ثوان من الصمت قال سليمان خاطر" :إن
هذا الحكم هو حكم ضد مصر لناه جندي مصري أدى واجبه" ..وقال إناه كان يتوقع أن يمنح
وساما أو أن يحصل على ترقية ل أن يحبس لمدة 25سنة.
والتفت سليمان إلى الجنود الذين يحرسوناه وقال" :اذهبوا واحرسوا سيناء ..سليمان مش
عايز حراسة".
الستياء الشديد كان رد فعل هيئة الدفاع عن سليمان خاطر بعد إعلن هذا الحكم عليه ..وهو
رد فعل متوقع بالطبع ...
قال عبد الحليم رمضان – المحامي :إن الحكم لم يصدر ضد سليمان ولكنه صدر بإداناة شعب
مصر ،وهو يلزما مصر بدين جديد يضاف إلى ديوناها السابقة يتمثل في التعويضات التي ستدفع
لسر القتلى )السرائيليين(.
وقال شوقي خالد – المحامي :إن الحكم قد قيد حق أي جندي مصري على الحدود في استعمال
سلحه لمقاومة أي اعتداء أو تسلل )إسرائيلي( للمواقع العسكرية )المصرية( فضل عن أناه
تضمن سابقة خطيرة وهي التسليم بالتقارير الطبية )غير المصرية( التي تم تحريرها في
)إسرائيل( لجثث القتلى ،رغم أن ذلك يتنافى مع قاناون العقوبات المصري ،ومبدأ السيادة
القليمية.
أما كمال خالد المحامي :فقد اعتبر هذا الحكم بمثابة الكارثة لناه دعوة للجنود المصريين
بالسكوت على اقتحاما )إسرائيل( للمواقع العسكرية المصرية حتى ل ينالوا جزاء سليمان خاطر.
وفي اليوما التالي لصدور حكم المحكمة العسكرية العليا ،تقدمت هيئة الدفاع عن سليمان خاطر
بطلب جديد للمحكمة الدارية العليا للطعن في قرار رئيس الجمهورية بمحاكمة سليمان خاطر
أماما القضاء العسكري وذلك بعد أن رفضت هذه المحكمة من قبل طلبا سابقا بوقف تنفيذ هذا
القرار الجمهوري.
وفي نافس اليوما قال راديو لندن :إن الحكم كان صدمة لرجل الشارع في مصر.
وفي )إسرائيل( تضاربت ردود الفعل الولى ...فقد أعرب "موسى ساسون" سفير )إسرائيل(
في القاهرة عن ثقته التامة في القضاء المصري ..وقال :إن هذه الثقة تأكدت بعد صدور
الحكم ..وأضاف في تصريح له أذاعه راديو )إسرائيل( :إن حكومته تنتظر أن تقوما السلطات
المصرية بتقديم تقرير كامل "بشأن الحداث المأساوية التي وقعت في رأس بركة"" ،كما
أعرب عن ارتياحه لن الصحف القومية المصرية بدأت مؤخرا في ناشر الحقيقة بخصوص
الحادث" .وكان موسى ساسون يقصد الحملة الصحفية المضادة للمعارضة والتي قاما بها
رؤساء تحرير "الجمهورية" و "أخبار اليوما" و "المصور" وشارك فيها "موسى صبري"
والتي وصفت فيها سليمان خاطر بأناه بطل "وهمي" صنعته المعارضة ...ووصفته بأناه "قاتل
الطفال والنساء".
في )إسرائيل ( أيضا اعتبر أهل القتلى السبعة الحكم بالشغال الشاقة المؤبدة على سليمان خاطر
حكما مخففا ،ووصفوا الحكم بأناه حكم هزلي وهزيل!
وفي الكويت طالب مجلس المة الكويتي الحكومة المصرية بإطلق سراح سليمان خاطر ..
واعتبر إداناة سليمان "هدية" قيمة قدمتها الحكومة المصرية )لسرائيل( في ناهاية العاما ..أو
بمناسبة رأس السنة الجديدة!
وقد اعتبرت الحكومة المصرية هذا الطلب بمثابة تدخل في شئوناها الداخلية ،وحرضت صحفها
على الهجوما على من طالب بذلك ..وصادرت الصحف الكويتية التي علقت على الحكم ..أو
التي أشارت لطلب مجلس المة الكويتي!
على أن ذلك كله ،لم يمنع عددا كبيرا من المصريين من اعتبار عدما إعداما سليمان خاطر –
مهما كان حكم السجن عليه – هو حكم مريح ..على أمل أن يعامل في سجنه معاملة حسنة،
وعلى أمل أن يخرج من سجنه مع أول أزمة بين مصر )وإسرائيل( إذا لم يتدخل رئيس
الجمهورية بتخفيف هذا الحكم ...وفيما بعد ..ثبت أن أصحاب هذا المل كاناوا يجرون وراء
سراب!
بعد يومين من الحكم ..قالت صحيفة مايو الناطقة بلسان الحزب الوطني الحاكم :إن أسرة
سليمان خاطر قد تقبلت الحكم بسكون ليماناها "بنزاهة وعدالة القضاء المصري" ..وأضافت
الصحيفة :إن السرة اعترفت بذلك لوفد من الحزب الوطني ،التقى بها ،بأما سليمان خاطر على
وجه الخصوص بعد إعلن الحكم.
لكن ..أسرة سليمان خاطر سارعت بتكذيب هذا الكلما في بيان مكتوب بخط اليد ،وقعه عبد
الحميد ،وعبد المنعم خاطر ،وبصمت عليه أمهما ...
وقال البيان" :ناحن الموقعين أدنااه ،أسرة سليمان خاطر ،ناكذب بوضوح قطعي هذا الكلما
العاري من الحقيقة وناؤكد أن هذا الحكم القاسي قد صدمنا صدمة بالغة وغير متوقعة ،وقد
عبرناا عن استيائنا من الحكم في يوما صدوره بقاعة المحكمة العسكرية أماما هيئة المحكمة
والجنود والضباط ،وإنانا ناقول للصحف القومية ،ولصحيفة مايو :اتقوا ا فيما ناحن فيه وكفى
تزويرا للحقائق ،وهل من المعقول أن ناتقبل حكما بالمؤبد على ابننا الذي لم يرتكب ذنابا بل كان
يؤدي واجبه العسكري المكلف به من قبل قادته".
وكانات أسرة سليمان خاطر قد عبرت – بالفعل – بعد إعلن الحكم على ابنها ،عن رفضها لهذا
الحكم ،وقد وصفته بأناه "حكم ظالم".
وقد بقيت السرة كلها إلى جوار ابنها ،خارج القفص حتى طلبوا منها الخروج من قاعة
المحكمة ...وقبل أن يخرج أفرادها سألوا :إلى أين سيذهب سليمان الن؟
على البوابة الخارجية لقاعة المحكمة جلس أهل سليمان في سيارات "أجرة" كاناوا قد
استأجروها ،في اناتظار موكب ترحيل ابنهم إلى السجن الذي ل يعرفوناه ..وظلوا على هذا
الحال حتى هبط الظلما ...ثم فوجئوا بخروج سليمان في سيارة عسكرية وهو محاط برتب
كبيرة من العسكريين ،وأماما السيارة التي حملته ،وخلفها ،كانات سيارتان للحراسة ...تحملن
الجنود المسلحين ..وقد سارت أسرة سليمان بسيارات الجرة التي تحمل أفرادها وراء هذا
"الموكب" في أكثر من طريق فرعي ،غير مطروق ،من السويس إلى القاهرة ..حتى وصلوا
جميعا بعد منتصف الليل إلى السجن الحربي الرئيسي بمدينة "ناصر".
وعندما اقتربوا من موقع السجن الحربي ...تساءل أحد أقارب سليمان :هل سيدخلوناه السجن
الن أما سينتظرون حتى الصباح؟
وبدا السؤال للبعض غريبا ..لكنه في الحقيقة لم يكن كذلك ...فالمعروف أن السجن الحربي
يغلق أبوابه عند المغرب ..والمعروف أن غلق السجن وفتحه يتم يوميا بمحضر ...والمعروف
أن السجن ل يستقبل أي مسجون جديد بعد هذا الموعد ..وخاصة أناه ليداع مسجون جديد
بعض الطقوس والجراءات الضرورية التي تفرض إجراء الكشف الطبي عليه وتحديد حالته
الصحية والجسدية قبل استلمه.
لم ينتظر حراس سليمان خاطر حتى الصباح ودخلوا بوابة السجن الحربي التي فتحت لهم ،بعد
صدور تعليمات بذلك وبعد إعلن حالة الطوارئ في السجن لستلمه في هذا الوقت المن ..
بالتحديد.
وفيما بعد ..قال أهل سليمان خاطر :إناهم اناتظروا أماما بوابة السجن الخارجية حتى الصباح ..
وفي الصباح طلبوا من قائد السجن زيارة ابنهم ..لكن قائد السجن أناكر أن ابنهم عنده ..
وعندما حكوا له ما جرى ليلة أمس ،اعترف بوجود سليمان خاطر في سجنه ،وسمح لهم –
وديا – بزيارته ..وقال لهم :ل تتعبوا أنافسكم ..إنانا سوف نارسل لكم تصاريح الزيارة إلى
محافظة الشرقية ،وسيتولى أحد موظفي المحافظة توصيلها لكم في "أكياد" ..وفيما بعد تحقق
ما وعد به قائد السجن فعل!
ل تسمح المحاكمات العسكرية باستئناف أحكامها ..ول الطعن فيها ...وكل ما تسمح به أن
يقدما المحكوما عليه التماسا إلى رئيس الجمهورية )بصفته الضابط المصدق على الحكاما
العسكرية( أو من ينوب عنه ..وذلك خلل أسبوعين من إعلن الحكم ...ول يعد الحكم ناهائيا
إل بعد التصديق عليه.
وقد قرر المحامون الذين يدافعون عن سليمان خاطر أن يقوموا معا بإعداد اللتماس اللزما
لرئيس الجمهورية ،وذلك بعد أن اتفقوا معا على أن يكون الطلب المحدد في اللتماس هو إعادة
المحاكمة من جديد ..أو في أسوأ الحوال تخفيف الحكم إلى أقصى حد ممكن ..إلى حد
البراءة ...
وفي نافس الوقت قرر عدد كبير من السياسيين والشخصيات العامة في مصر ،وفي خارجها،
التدخل لدى رئيس الجمهورية للغاء الحكم ..أو لتخفيفه ..وكان مقررا أن تبدأ هذه المساعي،
فور الناتهاء من إجازات رأس السنة الجديدة ..
وفيما بعد ..قال سليمان خاطر إناه يتوقع عفوا من الرئيس حسني مبارك ..أو في أسوأ الحوال
يتوقع تخفيف الحكم إلى 3سنوات.
وكان هذا التفاؤل وراء تهدئة سليمان لمه ..ومحاولته لقناعها بأن المستقبل سيكون لصالحه
..
فقد قال سليمان لمه :لماذا أنات حزينة يا أمي ..إناني أتوقع أن ل تزيد فترة سجني على 3
سنوات ..واعتبريني في الكويت مثل أخي عبد المنعم ..أو اعتبريني ل أزال في الخدمة
العسكرية ..أو اعتبريني أدرس بعيدا عنك في جامعة القاهرة!
إن ناسمات التفاؤل قد هبت ..بعد صدمة المؤبد – على كل أطراف القضية ..الدفاع ..الرأي
العاما ..رجال السياسة ..سليمان خاطر نافسه ..وأخيرا أسرته ..وراحت هذه النسمات تمنحهم
جميعا جوا من الناتعاش ..وجعلتهم يحلمون أحلما اليقظة ..وجعلتهم يستغرقون في هذه
الحلما الوردية ..وقد ظلوا على هذا الحال حوالي أسبوع ..
وعاد الناس ينشغلون بقضية سليمان خاطر من جديد ..وراحوا يحاولون حل أصعب ألغازها
وأعقدها ..
جاء هذا الخبر بعد حوالي 9أياما من إيداعه السجن الحربي – الرئيسي بمدينة "ناصر"
ب]]القاهرة
"في حوالي الساعة العاشرة من صباح الثلثاء الموافق 7يناير 1986وأثناء المرور اليومي
للحراس على الرقيب المسجون سليمان محمد عبد الرحمن خاطر المحكوما عليه في القضية
رقم 85 /143جنايات عسكرية – السويس والمحبوس بمستشفى السجن الحربي للعلج من
مرض البلهارسيا وجد معلقا من رقبته بمشمع الفراش الخاص به بالقضبان الحديدية بشباك
غرفته بالمستشفى فأبلغ الحارس طبيب المستشفى فورا الذي قاما بفك رقبته والكشف عليه
وإجراء عملية التنفس الصناعي له وتدليك عضلة القلب إل أناه كان قد فارق الحياة وفور
البلغا بالحادث اناتقل إلى مقر السجن المدعي العاما العسكري وناائبه ورئيس النيابة المختص
حيث باشرت النيابة العسكرية التحقيق على الفور ،وقررت نادب كبير الطباء الشرعيين
بمصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل وذلك لتشريح الجثة".
في صباح اليوما التالي ناشرت الصحف "الثلث" البيان تحت عنوان" :اناتحار سليمان خاطر
في مستشفى السجن الحربي" " ..تقرير الطباء الشرعيين :الوفاة بسبب إسفكسيا الخنق" !
وكان غريبا أن تقرر هذه الصحف أن سليمان خاطر اناتحر قبل أن ينقل إلى "المشرحة" ..وأن
تنشر على لسان الطباء الشرعيين أن الوفاة بسبب إسفكسيا الشنق قبل أن ينتهوا من تشريح
الجثة!
وكان هذا المر – مع مفاجأة خبر وبيان الناتحار – كفيل بأن يتهم الناس الحكومة بما هو أبعد
من الناتحار ..وأن يقولوا :إن على رأسها "بطحة" تحسس عليها ..وإن سليمان خاطر قتل
في السجن الحربي ،ولم ينتحر!
وكشفت الشكوك الواسعة ،والتي بدأت عقب إذاعة البيان الرسمي ،وزادت فيما بعد ،من مسافة
"عدما التصديق" الشاسعة التي تفصل بين الناس والحكومة ..ذلك أن هذه الشكوك كانات
سريعة جدا ..ومنتشرة جدا ..وجاءت كرد فعل تلقائي بعد البيان ..ودون اناتظار لي أخبار
إضافية ...وزاد من هذه الشكوك ما فعلته الحكومة نافسها في هذا الحادث المؤسف!
ففي اليوما التالي للحادث أسرعت صحيفة الهراما وناشرت تحقيقا صحفيا ،حاولت فيه – من
خلل علماء النفس – أن تثبت أن اناتحار سليمان خاطر أمر مفروغا منه ..لناه – على حد
قولها – مريض بالكتئاب المزمن ..ويعاناي من الشعور بالذناب ..ومن الفصاما العقلي ..إلخ
هذه الوصاف التي يبرع في استخدامها الطباء النفسيون ..وكان هذا التحليل مخالفا للنتيجة
التي توصل إليها فريق الطباء النفسيين الذين فحصوا سليمان خاطر من قبل ،وتوصلوا إلى
أناه سليم ومسئول عن تصرفاته ..ول يعاناي من خلل أو صرع أو جنون ..
أي أن الطب النفسي الذي لم يبرئ سليمان خاطر من حادث قتل )السرائيليين( عاد ليورطه في
حادث اناتحاره!
وبعد يومين من الحادث نافى المشير عبد الحليم أبو غزالة "اغتيال" سليمان خاطر واكتفى بأن
يقول" :إن هذا غير صحيح ..وعلى المتشكك أن يسأل القضاء" ..وعندما لجأت أسرة سليمان
خاطر إلى القضاء وقفت لها الحكومة بالمرصاد.
وفي ذلك الوقت أيضا صادرت وزارة العلما كل الصحف العربية التي وضعت احتمال أن يكون
سليمان خاطر قد قتل ..وراحت "تشوشر" على الذاعات غير المصرية ،الناطقة باللغة
العربية.
ولم تعلق وزارة الخارجية على بيان "إسحاق شامير" بعد الحادث ،والذي قال فيه :إن وفاة
سليمان خاطر ،أزالت عقبة من ثلث عقبات كانات تقف في وجه العلقات )السرائيلية( ..
وأضاف :إن العقبتين الخريين هما :عودة السفير ومشكلة "طابا".
وبعد يومين من الحادث – أيضا – ناشر ]]مكرما محمد أحمد[[ رئيس تحرير مجلة المصور
الحوار الخير مع سليمان خاطر في سجنه ..وحاول من خلل الصياغة اليحاء بأن سليمان
خاطر كانات تنتابه بعض حالت القلق والكتئاب المفاجئة المر الذي يسهل القتناع بأناه اناتحر!
وكان ]]مكرما محمد أحمد[[ – حسب روايته – قد اتصل تليفونايا بوزير الدفاع ،المشير أبو
غزالة ،ليسأله عن حقيقة ما ناشر في صحف الكويت ،من أن "سليمان خاطر قد تم ناقله من
السجن إلى أحد المستشفيات العسكرية ،في حالة بين الموت والحياة ،لن السلطات المصرية
سمحت لفريق من مصوري التليفزيون )السرائيلي( أن يلقاه في سجنه ،لكن أحد مصوري
الفريق ،لم يستطع أن يكبح رغبته في الناتقاما من سليمان ،فإذا به ينهال على رأسه بكاميرا
التليفزيون حتى شجبها وأصابه بنزيف حاد ،ناقل على أثره إلى المستشفى.
وقال رئيس تحرير المصور :إن المشير أبو غزالة أبدى دهشته من مثل هذا الكلما ،ولم يماناع
في ترتيب زيارة لمقابلة سليمان خاطر في سجنه ..
وقد تمت هذه الزيارة بالفعل يوما الحد 5يناير قبل 48ساعة تقريبا من وفاة سليمان خاطر،
وهو اليوما الذي زارت فيه أسرة "خاطر" ابنها ..الزيارة الخيرة ...
ولم يقل ]]مكرما محمد أحمد [[ إن أسرة "خاطر" التي وصلت السجن الحربي وهو يجري
حديثه مع ابنها قد ثارت في وجهه بعد أن تعرفت عليه ،واتهمت الصحف الرسمية بأوصاف
شتى أقلها "العمالة للحكومة" ..وعندما رأى سليمان ثورة أهله ،حاول من جانابه خطف
شريط التسجيل من يده ،لكنه فشل في ذلك رغم أن جهاز التسجيل الذي كان يستخدمه قد
اناكسر!
ولم يقل إناه أوقف طبع مجلته فور سماعه خبر وفاة سليمان خاطر ،بعد أن طبع منها 6آلف
ناسخة ..ولم يقل إناه قاما بتغيير الغلف الذي كان يحمل صورة سليمان خاطر مع أمه ،واكتفى
بوضع عنوان يحمل" :اللقاء الخيرة مع سليمان خاطر في سجنه" ،ووضع صورة "توفيق
الحكيم " بمناسبة عرض مسرحية "إيزيس" على المسرح القومي بعد إعادة افتتاحه!
وقد ذكر بعض أفراد أسرة "خاطر" :أن ما ناشره رئيس تحرير المصور غير صحيح ..ولم
يتضمن أهم ما جاء على لسان سليمان خاطر الذي هاجم شخصيات وصفها أقاربه بأناها
"كبيرة" و "مسئولة" ..
وعقب إجراء الحديث صرح ]]مكرما محمد أحمد[[ لحدى وكالت الناباء العالمية :أن سليمان
خاطر كان في حالة طيبة ،وأناه طلب منه أن يبلغ الرئيس مبارك رسالة تتضمن تخفيف الحكم
عليه إلى 3سنوات فقط ،كما طلب من أسرته كتب الدراسة ،وبدلة جديدة ..
لكن ..بعد خبر الوفاة تراجع عن هذا التصريح وأوحى في حواره الذي ناشره بعكس ذلك ،وأكد
أن وجهه كان أحياناا "يتغضن بالتجاعيد وأسناناه تصطك في ألم مكبوت ،ويكشف عن حسرة
الندما وسوء الطالع" !
إن الحقيقة تؤكد أن سليمان خاطر لم يكن لديه أي مبرر للناتحار ..فالحكم الصادر ضده )25
سنة أشغال شاقة( مع شدته – من وجهة ناظره على القل – لم يكن حكما بالعداما ..ولم يكن
حكما ناهائيا ..فرئيس الجمهورية والقائد العلى للقوات المسلحة لم يكن قد صدق عليه ...
واحتمالت تخفيف الحكم كانات كبيرة ..على القل عند سليمان خاطر ..الذي هون المر على
والدته في زيارة أسرته الخيرة له ،وقال لها :إناه لن يستمر في سجنه سوى عاما أو عامين
على الكثر ..وقال لوالدته أيضا :اعتبريني مسافر مثل أخي عبد المنعم في الكويت ..أو
اعتبريني بأدرس في جامعة القاهرة بعيدا عنك ..أو اعتبريني لسه مخلصتش الجيش! !
وفيما بعد ..قالت الما :إناني عندما زرته في السجن آخر مرة ،وضممته إلى صدري ،عرفت،
بحق أن روحه المعنوية كانات عالية جدا ونافسيته كانات مرتاحة وعنده أمل كبير في صلح
الحوال والفراج عنه بسرعة ..وقد قال لي :إن ا هو الذي فعل هذا يا أمي وأناا سعيد بما
فعله الناس من أجلي وأتمنى أن أرد لهم الجميل وأهب لهم باقي عمري وأكون محاميا أدافع
عن حقوقهم وحريتهم! !
وفيما بعد ..قال عبد الحليم رمضان – المحامي :لقد زاره أهله يوما الحد 5يناير ،وظلوا معه
حتى الساعة الثالثة من بعد الظهر ،واتصلوا بي وقالوا إن سليمان طلب عمل توكيل باسمي
وباسم ابنتي المحامية "منى" لنحضر عنه جميع قضاياه في عموما المحاكم بما فيها المحكمة
الدستورية العليا وأن ناسجل في التوكيل حقنا في النيابة عنه في رد ومخاصمة القضاء وفي
الحضور عنه في أي شكوى أو بلغا باسمه ،كما طلب عمل توكيل آخر لوالدته ولخيه ليمثله
في الجمعية الزراعية في "أكياد" ليصرفوا عنه التقاوي والبذور وجميع مستلزمات الزراعة
الخاصة بقطعة الرض التي يمتلكها وأسرته ..ولو كان سليمان خاطر يفكر في الناتحار لما قاما
بعمل هذا التوكيل ،لناه يعلم تماما بأن الوراثة تتحقق بالموت وأن الوارث ليس في حاجة لعمل
توكيل من الميت.
وطلب سليمان من أهله أيضا أن يحضروا له بذلة جديدة من قماش أزرق جيد ،يفصلها له
ترزيه في أكياد ،ليرتديها في السجن بدل من ملبس السجن التي ل يعجبه قماشها لناه رجل
يحب المحافظة على أنااقته حتى في داخل السجن ،ومثل هذا الشخص ل يفكر بالطبع في
الناتحار.
وطلب سليمان أيضا من أهله أن يحضروا له كتب كلية الحقوق ،ومعرفة المشطوب منها،
لمواصلة دراسته حتى يذاكر ويستعد للمتحان ..والشخص الذي يطلب هذا المطلب ل يفكر –
على الطلق – في الناتحار ..
وفيما بعد ..قال صبري عبد الحميد خاطر ..ابن عم سليمان :عندما التقيت بسليمان خاطر في
السجن ،قال لي :معاملتهم لي حسنة جدا بدرجة تثير في نافسي الريبة وتقلقني ..وقد طلب مني
أن أحضر له كريم حلقة ومعجون أسنان وزجاجة كولونايا! !
إن كل الذين اقتربوا من سليمان في تلك اللحظات ل يقبلون بوجود مبرر واحد ،ولو ضعيف
يدفعه للناتحار ..يضاف إلى ذلك أناه معروف عنه أناه إناسان متدين ..يعرف أن الناتحار ناوع
من الكفر يلقي بصاحبه في جهنم وبئس المصير ..وقد سجل رئيس تحرير المصور وهو يصف
زنازاناته في السجن وجود "كومودينو" بجوار السرير" ،يغطي سطحه صفحة جريدة يومية
وفوق الكومودينو ناسختان من القرآن" ..
س :هل سبق لحد من أسرتك أن توفي وفاة غير طبيعية ناتيجة اناتحار مثل ،أو أصيب أي أحد
من أفراد أسرتك أو أنات بأي مرض نافسي أو عصبي وهل سبق علجك نافسيا أو عصبيا؟
ج :ما حصلش والعياذ بال مفيش غير ابن عمي مات في حادثة عربية!
وفي نافس هذه التحقيقات عرفنا أن سليمان خاطر شخص مستقيم ..يصلي باناتظاما ..ويخشى
ا ..وأناه حسب شهادة الجندي "علي إبراهيم" في ص 57من التحقيقات – قد أصيب باناهيار
عصبي حاد بعد حادث إطلق النار على )السرائيليين( وأناه فكر في أن يطلق النار على
نافسه ...إل أناه تراجع عن هذه الفكرة على الفور بمجرد أن قال زميله له" :لن تموت نافسك يا
سليمان ..لو حتموت نافسك يبقى حراما".
إن كلمة واحدة هي كلمة "حراما" جعلت سليمان يتراجع عن الناتحار في أصعب ظروف نافسية
مر بها ،فهل يمكن أن ينتحر في تلك الظروف المريحة التي تحدث عنها كل الذين زاروه في
زنازاناته؟ ! ..كل الذين زاروه اعترفوا بأناه كان مستريحا ..حتى رئيس تحرير مجلة
"المصور" اعترف بذلك ..
وقال على لسان سليمان خاطر" :الجميع يعاملوناني معاملة طيبة ،يتركوناني في غرفتي أصحو
في الوقت الذي أريد ،أخرج بعض الفطار إلى فناء السجن ،أجلس تحت الشمس أو في ظل
شجرة ،أعود ظهرا إلى حجرتي لتناول الغداء ،وأقرأ بعضا من آيات القرآن".
وفي فترة "التمشية" في فناء السجن كان بعض المساجين يقتربون منه ويطلبون صداقته
ويعاملوناه كبطل ،ويقدمون له أوراقا صغيرة ليوقع لهم عليها ..كنوع من العجاب به ..ول بد
أن هذا قد أبعده عن شبح الوحدة ،والكتئاب الذي يمكن أن يدفعه للناتحار ..
"وفضل عن هذا فإن حركة التعاطف الجماهيرية المصرية والعربية التي أحاطت بسليمان قبل
المحاكمة وأثناءها وبعدها كانات من القوة بحيث تقلل من احتمالت إحساسه بالوحدة أو
بالحصار وبالتالي اليأس الدافع للناتحار ،وهي حركة لم تكن قد خدمت بعد بل إن حركة أخرى
لمطالبة الرئيس مبارك بتخفيف الحكم عند التصديق عليه كانات قد بدأت بالفعل".
في تماما الساعة الواحدة بعد ظهر يوما 7يناير ..يوما الحادث ،استجابت أسرة سليمان خاطر
لكل مطالبه ،وحملت إليه الكتب ،والبدلة الزرقاء ،وملبس داخلية جديدة ،ومعجون الحلقة،
ومعجون السنان ،وزجاجة الكولونايا ،وذهبت إلى السجن الحربي ..وكان معها في ذلك الوقت
مأمور الشهر العقاري المختص ،لعمل التوكيلت القاناوناية التي طلبها ..وكان معهم تصريح
المدعي العاما العسكري بزيارة ابنهم ..لكنهم فوجئوا بمدير السجن الحربي يعتذر لهم عن عدما
تنفيذ الزيارة بسبب وجود لجنة تفتيش على السجن ،تحت إشراف المشير أبو غزالة .. ،وكتب
لهم تصريح الزيارة بتأجيلها إلى موعد آخر لهذا السبب ..وصرفهم ...وفي نافس اليوما ..
فوجئ أفراد السرة بشخص مجهول يخطرهم تليفونايا باناتحار ابنهم في زنازاناته واكتشافه
مشنوقا ،ومعلقا في ناافذة زنازاناته ..وجن الذين سمعوا الخبر من أفراد أسرته ...ولم يصدقوا
الخبر إل بعد أن اتصلوا بوكالة أناباء الشرق الوسط التي طيرت الخبر إلى أناحاء العالم.
وفيما بعد ..أكد عم سليمان "عبده خاطر" هذه الرواية وأضاف عليها :إن سليمان كانات له
أمنية طالما حدثني عنها ..كان يريد أن يرفع قضية ضد رئيس الجمهورية ،وضد كل الذين
اتهموه بالجنون ..كان بوده أن يواجههم في ساحة القضاء لذلك هبنا إليه ومعنا موظفة في
الشهر العقاري يوما الثلثاء 7يناير ليوقع أمامها على توكيل لرفع هذه الدعوى ،وغيرها!
في نافس اليوما ..وبعد أن تأكدت السرة من خبر وفاة ابنها ،ذهب شقيقه الكبر عبد الحميد إلى
السجن الحربي مرة أخرى في الساعة الثالثة إل ربعا من بعد الظهر ،وتوجه – كما قال لصحيفة
الشعب المعارضة – إلى الدارة للستفسار عن مكان الجثة ..وهناك وجد المشير أبو غزالة
ومجموعة من كبار الضباط وقد تراصوا "أمامي لتقديم العزاء ،بعد أن أحضروا مقرئا لتلوة
القرآن الكريم".
وحسب كلما نافس الصحيفة )عدد 14يناير (86والذي لم يكذب فيما بعد ..أن ضابطا اسمه
العميد "أحمد عبد الهادي" قال لعبد الحميد خاطر:
كيف؟
لقد ربيت أخي جيدا وأعرف مدى إيماناه وتدينه ..إناه ل يمكن أن يكون قد شنق نافسه لقد قتلوه
في سجنه! القاتل يجب أن يقتل ..أناا كنت أمشي في الشارع مع ابني فصدمته سيارة ..ومات ..
وأناا ل أقبل أن يبقى قاتله حيا وأخوك قتل سبعة ...
أخي قتل أعداءه وأناتم حكمتم عليه بالسجن ،ثم عدتم فقتلتموه!
في نافس اليوما ...وحسب الرواية الرسمية أن المدعي العاما العسكري قد اناتقل إلى مستشفى
السجن ،وعاين الجثة ،وطلب كبير الطباء الشرعيين الذين حضر ومعه 4أطباء عاينوا
الزنازاناة التي وقع بها الحادث ،كما عاينوا الجثة وصحبوها إلى مشرحة "زينهم" لتشريحها
بناء على قرار المدعي العاما العسكري!
إن البيان الرسمي والرواية الرسمية ل يحملن أي تفاصيل ..كما أناهما يتمتعان بدرجة عالية
من الغموض! فالبيان الرسمي كما لحظت صحيفة الهالي )صلح عيسى – مصدر سبق
الشارة إليه( لم يذكر طبيعة المكان الذي كان سليمان قد ناقل إليه وقيل إناه اناتحر فيه ،وهل هو
زنازاناة منفصلة تضمه وحده أما عنبر واسع يضمه مع غيره من المساجين؟ وهل كان مغلقا
عليه أما ل؟
كما لم يشر إلى سبب قوي يدعو لنقله إلى المستشفى ،ذلك أن مرض البلهارسيا الذي برر به
البيان سبب النقل ليس من المراض التي يتطلب العلج منها إقامة في المستشفيات إذ يمكن
للمريض به أن يعالج منه وهو يمارس حياته العادية فضل عن أن سليمان – شأناه شأن كل
الجنود في الجيش والشرطة يخضع لفحوص طبية عند تجنيده ،من بينها – تحديدا – الفحوص
المتعلقة بالصابة بالمراض المتوطنة في مصر ،وعلى رأسها البلهارسيا التي يعالج منها كل
المصابين بها حتى التحاقهم بالجيش والشرطة لسباب علجية ووقائية وليس منطقيا أن يظل
سليمان مصابا بها وقد مضى على تجنيده أكثر من عامين!
وفضل عن ذلك ،فإن إيداع سليمان خاطر أحد السجون الحربية ،بدا أمرا داعيا للريبة ،ذلك أن
المعتاد ،أن يقيم المدنايون الذين يحاكمون أماما محاكم عسكرية أثناء المحاكمة أحياناا وعلى
سبيل القطع بعد صدور الحكم في السجون المدناية وليس في السجون الحربية.
ولحظ المرتابون أن البيان الرسمي حدد وقت العثور على الجثة بالساعة العاشرة صباحا بينما
أدلت مصادر أمنية أخرى بتصريحات للصحفيين الجاناب أذيعت في حينها بأن اكتشافها قد تم
في الساعة الثامنة صباحا وفضل عن التناقض في البياناات فإن الساعة التي أشار إليها البيان
الرسمي ،قد دعتهم للشك إذ بدا من غير المنطقي أن يتأخر اكتشاف الجثة إلى هذه الساعة من
الضحى ،بينما من المعروف أن السجون العسكرية كغيرها من السجون ،تقوما بالتتميم على
نازلئها في مواعيد ثابتة ومحددة في لوائحها وذلك بإحصائهم قبل غلق الزناازين عليهم في
المساء وبعد فتحها عليهم في الصباح المبكر ،والمعتاد أن يتم ذلك في الخامسة مساء
والسادسة صباحا فضل عن أن مواعيد تقديم وجبات الفطار في القوات المسلحة يكون عادة
في السابعة ...
ومتى يمكن أن يكون سليمان قد شنق نافسه إذا كانات الجثة قد اكتشفت في العاشرة صباحا؟
هل فعل ذلك ليل – وهو ما ذكرته مجلة المصور – حين لم يكن أحد من حراسه حوله أما فعله
في الصباح المبكر؟
وكيف حدث هذا في حين أن سليمان قال لسرته قبل 48ساعة من وفاته إن هناك أحد عشر
حارسا يقيمون معه في حجرته؟
وإذا كان قد حدث ليل ..فما هو مبرر قياما الطباء بإجراء تدليك للقلب عقب اكتشاف الجثة في
حين أناه يمكن لي طبيب مبتدئ أن يكتشف بالنظرة الولى أناه ل أمل في مثل هذه الحالت
يدعو للتدليك.
ويضيف هؤلء المرتابون :إن تصميم السجون – حربية أما مدناية – وسواء كانات الزنازاناة
عادية أو زنازاناة مستشفى ،يراعى دائما أن يكون ارتفاع السقف والنوافذ بحيث ل يتيح
للسجين الناتحار باعتباره من ردود الفعال المحتملة في الحكاما القاسية ،فضل عن أن الوسيلة
التي ذكر البيان الرسمي أناها قد استخدمت في الشنق وهي طي مشمع الفراش بحيث يصبح
أشبه بالحبل الصالح للشنق بدا أمرا غير قابل للتحقيق.
ومما لفت ناظر هؤلء أن البيان الرسمي الذي ناسب عند صدوره إلى إدارة السجن الحربي لم
يشر صراحة أن هناك اناتحارا قد حدث ولكنه اكتفى بالقول بأناه قد عثر على سليمان مشنوقا
ومعلقا على شباك زنازاناته بالمستشفى بينما تولت هيئات رسمية أخرى – منها وكالة أناباء
الشرق الوسط الحكومية – تزويد وسائل العلما بالتفسير الذي صور الحادث على أناه اناتحار،
كما أن الخطاب الرسمي الذي وقعه المدعي العاما العسكري وأرسله مع الجثة عند ناقلها إلى
المشرحة ،لم يشر إلى شيء أكثر من أن سليمان قد "توفي" !
"ولم تشر البياناات الرسمية التي أذيعت حتى الن ،إلى طبيعة التحقيق الذي قيل إناه قد أجري
حول الحادث ،ورغم حساسية القضية البالغة وعلى عكس تقاليد العلما المصري فإناه قد تجنب
تماما الخوض في أية تفاصيل ،واقتصر النشر على بياناات رسمية متطابقة ،وهو ما فسره
المرتابون بأناه تعتيم مقصود ،يستهدف عدما تسرب أية تفاصيل على لسان الشهود بما يكشف
ما يراد إخفاؤه وكانات التفاصيل المتعددة والمتناقضة التي أذيعت عقب عملية اقتحاما الطائرة
المصرية في مطار فاليتا قد خضعت لتحليل ومقارناة ،دعت إلى عدما القتناع بالتصوير الرسمي
للواقعة".
هذا ..جزء مما لحظته صحيفة حزب التجمع المعارض في مصر ..وفي الحقيقة كانات هذه
الملحظات تجميعا منظما للملحظات التي سجلها كل من اعتبروا سليمان خاطر قد قتل ولم
ينتحر! وكان على رأس هؤلء المحامي عبد الحليم رمضان ،الذي قال لوكالت الناباء العالمية:
إن سليمان خاطر ناحر ولم ينتحر!
– 1إن سليمان خاطر لم يعان من أي مرض بدناي ،بل كان معافى ،ولو افترضنا أناه كان مريضا
بالبلهارسيا فإن هذا ل يستدعي عزله بمستشفى السجن!
– 2إن الغرض من عزل سليمان خاطر بمستشفى السجن كان غرضا أمنيا ،يهدف إلى الفصل
بينه وبين المساجين الخرين حتى ل يبوح لهم بما يعرفه من أسرار ل ينبغي إذاعتها ،فتضار
السلطات ..لناه منذ اليوما الول للتحقيق معه حرصت هذه السلطات على عزله تماما حتى عن
الدفاع ،الذي لم يبلغ بالحضور معه المحاكمة إل ليلتها.
– 3إن من الصعب على سليمان الناتحار لناه يقيم في زنازاناته يشاركه فيها أحد عشر حارسا ل
يفارقوناه ليل أو ناهارا ،كما أناهم ل يتركوناه بمفرده حتى وهو يقضي حاجته ،ويقوما على خدمته
واحد من قوة الحراسة.
إن ناافذة الزنازاناة التي يقال أناه شنق نافسه بقضباناها تعلو عن الرض بثلثة أمتار ،والنافذة
مغطاة من الداخل بشبكة من السلك المعدناي الذي ل يسمح بدخول أو خروج شيء عدا الهواء،
ول يمكن الوصول إلى القضبان الحديدية للشباك دون نازع السلك ،وهذا بالطبع ل بد أن يثير
اناتباه الحراس.
وأضاف البعض لهذه الملحظات ،ملحظة أخرى عن صعوبة الناتحار بالمشمع الذي جاء في
البيان الرسمي ،حيث إن طوله وسمكه وطبيعته ،ل تسمح بالناتحار على النحو الذي قيل إناه
حدث!
وفيما بعد ...حاولت مجلة المصور أن ترد على هذه الملحظات في تحقيق ،ادعت أناه على
الطبيعة ،داخل السجن الحربي ..فقالت :إن مكان الحادث كان العنبر الرضي من مستشفى
السجن الحربي ،وأن هذا المكان قد أخلي من النزلء ،وخصصت حجرة من حجراته الثماناي
لسليمان خاطر ..وهذا العنبر عبارة عن أربع زنازاناات على اليمين ل تزيد مساحة الزنازاناة
على ستة أمتار مربعة ..في مواجهة هذه الزنازاناات الربع ،أربع زنازاناات أخرى ودورة مياه ..
وليس في هذه الحجرات أي نازلء إل الحجرة المواجهة لزنازاناة سليمان خاطر ،حيث يتواجد
أفراد حراسته ...ثلثة أفراد يرأسهم حكمدار حراسة برتبة رقيب ...وأفراد الحراسة هم كرما
وعبد ا ومحمد وحكمدارهم هو حامد ..وما بين صفي الزنازاناات يمينا ويسارا طرقة ل يزيد
عرضها على متر وناصف ...ويمتد طولها ثماناية أمتار ،تنتهي بباب حديد مغلق وفي مواجهة
الباب الحديدي المغلق باب خشبي عند الطرف الخر من ناهاية الطرقة ..والباب الخشبي مغلق
بمزلج قوي وأقفال صلبة ...ولو كان هذا الوصف صحيحا فإن تحديد عدد الحراس بأربعة ل
يتفق مع العدد الذي ذكرته أسرة سليمان خاطر وهو 11حارسا!
وتضيف المجلة :إن زنازاناة سليمان خاطر ل يميزها عن الزنازاناات الخرى سوى القفل
الحديدي الضخم على بابها ،وفي الباب فرجة عليها قضبان حديدية ،هي الفرجة التي يطل منها
حارسه عليه مرة كل ناصف ساعة ليطمئن على سليمان في سريره ..وليس في الزنازاناة سوى
شباك واحد ،يعلو مسافة مترين وناصف المتر عن أرضة الغرفة ...ولو كان هذا الوصف
صحيحا فإناه ل بد من التساؤل عن صلحية المسافة بين النافذة وأرضية الحجرة للناتحار،
وخاصة أن طول سليمان حوالي 165سنتيمترا ،ويضاف إلى هذا الطول الجزء المعلق من
المشمع بين القضبان ورقبته ،المر الذي ل يعطي أي بعد بين قدمي سليمان والرض يوفر له
فرصة الناتحار ..وخاصة أن الزنازاناة تخلو من الكراسي ،ومن الصعب استخداما السرير لهذا
الغرض ...وتشكك المجلة في وجود سلك على ناافذة الزنازاناة ،وتقول :إن من "الواضح أن
إدارة السجن كانات قد نازعت النوافذ الزجاجية للشباك وسدت الشباك من الخلف ،أي من نااحية
الفناء الذي يطل عليه ،بالخشب تاركة بين الخشب فرجة مستطيلة ل يزيد طولها على ناصف
متر ول يزيد ارتفاعها على 15سنتيمترا كي يتسلل منها بعض الضوء إلى داخل الزنازاناة" ..
أي أن النافذة لم يكن بها سلك وإناما زجاج ..وهو تصور غير طبيعي لن ناوافذ السجون ل
يمكن أن تغطي بزجاج ،حتى ل يهشم ،وتستخدما قطع منه في قطع شرايين اليد.
وقد لجأت المجلة – التي تعتمد أساسا على الصورة – إلى تخيل ما حدث ورسمته ..في حين
أناه كان من الممكن أن تصور لنا الزنازاناة والنافذة ،وتترك لنا تخيل ما حدث ..أو على القل ..
كان عليها أن تقدما لنا هذه الصورة مع الرسومات التي تخيلتها!
ودون أن تقصد اعترفت المجلة في رواية الساعات الخيرة لسليمان خاطر أناه كان في حالة
نافسية ل يمكن أن تؤدي به إلى الناتحار ..فقد دق سليمان – حسب رواية "المصور" – باب
الزنازاناة في الساعة التاسعة صباحا ..ففتح حكمدار حراسته القفل ،وخرج سليمان وفي يده
"بعض من ملبسه الداخلية وفوطة" " ..قطع الطرقة عرضا إلى الحماما الذي يقع إلى جاناب
غرفة الحراس ..اغتسل ووضع ملبسه في وعاء من البلستيك ينقعها في مياه ممزوجة
بمسحوق الصابون" ..حتى هذه الساعة ..التي ناقع فيها ملبسه الداخلية تمهيدا لغلسها فيما
بعد ل يمكن أن يكون قد فكر في الناتحار بالطبع ..لناه بالطبع أيضا يعرف أن أحدا ل يحتاج
لثياب المنتحر الداخلية ،حتى ولو كانات ناظيفة!
وتضيف "المجلة" :وسأله الرقيب حامد وهو يغتسل ..هل نارسل في طلب الفطار؟ ..قال :ناعم
..بعد عشر دقائق كان سليمان يفطر مع حراسه في غرفتهم ..أكلوا فول ومربى وزيتوناا
وشربوا الشاي ...
استمر الفطار حتى العاشرة إل ربعا ..فطلب سليمان أن يدخل زنازاناته ليستريح قليل ..فتح
حراسته الباب ودخل وأغلقوه عليه ...
وواضح حتى الن وقبل ربع ساعة فقط من اكتشاف اناتحاره أناه كان طبيعيا ..يأكل الفول
والزيتون والمربى ،ويشرب – مع حراسه – الشاي ..ل كان ساهما ..ول كان شاردا ..ل كان
مكتئبا ول كان عازفا عن الطعاما ..أكثر من ذلك تحدد مجلة المصور هذه المدة في 10دقائق
فقط ..فقد قال حراسه لحكمدار المستشفى الرقيب "بدر" في تماما الساعة العاشرة إن سليمان
تناول إفطاره قبل "عشر دقائق" ودخل ليستريح " ..وأطل الرقيب بدر على سليمان من كوة
الباب ولكنه لم يجده على سريره ..أخرج مفتاح القفل قلقا من جيبه ليفتح باب الزنازاناة )لحظ
هنا أن المفتاح حسب رواية المجلة مع حراسه وليس معه( وعندما فتح الباب وجد سليمان
معلقا إلى شباك الزنازاناة تكاد أقدامه تصل إلى أرض الحجرة لول أناه كان مثني الساقين عند
الركبتين" ...
ماذا جرى لسليمان خاطر داخل زنازاناته في تلك الدقائق العشر الخيرة؟
إن مجلة المصور لم تقدما إجابة على هذه السئلة الصعبة والهامة في نافس الوقت ..ومما ل
شك فيه أن عدما تطوعها للجابة على هذه السئلة يجعل من رابع المستحيلت قبول روايتها ...
ومن الطبيعي بعد ذلك أن ناعتبرها رواية "مفبركة".
لقد حاولت المجلة الحكومية أن ترد على ما وجه للرواية الرسمية من ناقد ..ففشلت ..
كان أماما السيارة التي تحمل جثمان سليمان وخلفها عدد من سيارات الشرطة التي تحمل رتبا
مختلفة كان بينها لواء ..وكانات هذه الرتب ترفع أجهزة التصال في يدها وتبلغ عن كل ما تراه
وما يحدث لها بدقة متناهية ..
وعندما أغلق الحراس بوابة السجن أجهش بعضهم بالبكاء وأحس البعض الخر بالحزن
والكتئاب ..ولم يجد أحدا منهم في نافسه أي رغبة في تناول الطعاما ..مثلهم مثل عدد كبير من
المساجين داخل زنازاناات السجن الذين رفضوا تناول الطعاما حزناا على وفاة سليمان خاطر ..
لقد دخلت سيارة الطب الشرعي قبل حوالي الساعة ..ودخل معها عدد آخر من السيارات
الملكي التي كانات تحمل كبير الطباء الشرعيين ،الدكتور إبراهيم سليم ،وناائبه الدكتور محمد
العراقي ،ومساعده الدكتور علي أحمد خير ..جاء هؤلء من مكاتبهم إلى السجن الحربي ،بعد
أن وردت إليهم إشارة في الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر ،من نايابة شرق القاهرة
العسكرية تفيد بوفاة سليمان خاطر ..وطلبت منه النيابة العسكرية في ناهاية الشارة الناتقال
إلى محل الواقعة لمعاينة وتشريح الجثة لبيان ما بها من إصابات ،وسببها وتاريخ حدوثها،
وسبب الوفاة.
وبعد ساعة من تلقي الشارة حدثت المعاينة ..وبعد ناصف ساعة آخر ،خرجت السيارة تحمل
جثمان سليمان خاطر إلى مشرحة "زينهم" التي تقع في حي من القاهرة الفقيرة ..
وكان واضحا من موكب سيارات الشرطة التي تسبق وتلحق بالسيارة أن هناك إجراءات أمن
مشددة قد اتخذت ..وتأكد ذلك أيضا عندما وصل الموكب إلى منطقة "زينهم" ..فقد سدت
مداخل الشوارع الرئيسية بقوات المن المركزي ..واناتشر عدد كبير من هذه القوات فوق تل
"زينهم" ..ووقفت 8سيارات شرطة صغيرة ..واناتشر عدد كبير من المجندين السريين ..
وحوصرت المنطقة بأكملها ،ومنع سكاناها الذين يصل عددهم إلى حوالي 15ألف ناسمة من
القتراب من مبنى المشرحة أو حتى الفرجة عليها من ناوافذ المباناي المجاورة أو التي تطل
عليها ...أوقف السائق )واسمه سيد( السيارة ونازل منها شقيق سليمان الكبر عبد الحميد،
وناقلت الجثة إلى إحدى غرف المشرحة وهي غرفة مساحتها 3ما × 3ما ،بها جهاز تكييف و
"ترابيزة" من الرخاما ) 2ما × 1.5ما( وقد وضعت الجثة على "الترابيزة" وبدأ تشريحها في
الساعة الرابعة والنصف عصرا ..واستمرت عملية التشريح 3ساعات ..فأخذت عينات من
الحشاء ،كما أخذت قلمات الظافر ..ثم سمح لحاناوتي المشرحة "أحمد محمد يوسف" بغسل
الجثة ...
في ذلك الوقت ،سمح لشقاء سليمان وأقاربه وبعض الشخصيات السياسية برؤية الجثة ...كان
من هؤلء عبد المنعم وعبد الحميد خاطر والمهندس إبراهيم شكري )رئيس حزب العمل(
وأحمد مجاهد )محاما وعضو مجلس الشعب عن حزب العمل( ود .عبد المنعم عبد الهادي،
وحسين عمار ،ود .مجدي زعبل ،وهم من أقارب سليمان ..
إن هناك شكا في طريقة موت سليمان خاطر ،إناني بعدما رأيت الجثمان بالصورة التي كان
عليها ،أقرر أن الناتحار بطريقة الشنق ليست الصورة الوحيدة المحتملة لوفاته!
إن المنظر العاما للجثة ل يقطع بأن سليمان اناتحر ..ومن الممكن بسهولة وضع احتمالت أخرى
إلى جاناب ذلك! !
وقال د .مجدي زعبل – عضو مجلس إدارة المنظمة العربية لحقوق الناسان:
إناه قتل ولم ينتحر والدليل على ذلك وجود آثار خنق بآلة تشبه السلك الرفيع على الرقبة تركت
احمرارا حولها ..ووجود خدوش "سجمات" في الجهة اليمنى للرقبة يبدو أناها ناتجت من آثار
مقاومة سليمان خاطر ..ووجود كدمات بالجهة العليا من الساق اليمنى تشبه آثار "جرجرة"
أو ضرب ..ووجود تجمعات دموية في عينيه وهو ما يتعارض مع الشنق ..فالتجمع الدموي
في حالة الشنق يكون في الجزاء السفلى من الجسم ..التي تبدو زرقاء ..وفي حالة وجودها
في العين فمعناه أن الخنق تم وهو ملقى على ظهره ..وهناك أيضا تقلصات في ساقيه ويديه ..
ومعنى ذلك أناه كان يقاوما قاتليه ..إذا كان قد شنق نافسه في شباك غرفته كما قيل لكان من
الواجب أن يكون جسمه مرتخيا تماما ،ومتمددا ،كما يحدث في عمليات الشنق عادة ..لكن ذلك
لم يحدث.
حين دخلنا كانات الجثة مغطاة بالصابون ،وكان حاناوتي المشرحة يقوما بغسلها فأخذت منه
"خرطوما" المياه وأزلت الصابون من عليها ..لحظنا جميعا أن جسم سليمان ليس مستقيما
وأن قدميه وذراعيه في حالة تقوس وكان الجسم متيبسا تماما ،حتى أنانا لم ناستطع فرده ،كما
كانات أصابع القداما متشنجة ومتصلبة وكانات أعضاؤه التناسلية مغطاة بقطعة كبيرة من القطن،
وفي الرقبة آثار "خربشة" وفوق عظمة الحوض من الجهة اليمنى ،وعلى البطن ثلثة جروح
طولها ما بين 3و 5سم ،والعينان مفتوحتان ،وفي بياضها آثار تجمعات دموية وحاولنا
إغلقها فلم ناستطع.
والغريب أن الفم كان مغلقا والفكان ملتصقين بشدة ولذلك لم ناستطع فتحهما لرؤية اللسان الذي
كان بالداخل ،وفي أعلى الفخذ اليمنى كان هناك جرح صغير ،أما الغرب من ذلك كله ،فهو أن
الرقبة كان بها "حز" دائري ويشبه الطوق ،ل يتعدى سمكه 3ملليمتر ،وفي مستوى واحد من
الماما والخلف ويوجد أسفل الحنجرة ،فضل عن أنانا لم ناجد كسرا بعظمة الرقبة أو في أي
عظمة بالعمود الفقري ..وفي الجهة اليمنى من البطن ،في منطقة الزائدة الدودية توجد ثلثة
جروح ليس بها آثار دما أو احمرار ،وأتوقع أناها نااتجة من مشارط الطبيب الشرعي لخذ عينات
من المعاء وقد حدثت بعد الوفاة على عكس الجرح الول ،ويوجد جرح آخر قطعي أعلى الفخذ
اليمنى من الخارج طوله 3سم وهو أعمق قليل من جرح الرقبة ومحمر قليل.
إن جرحى الرقبة والفخذ حدثا أثناء الوفاة أو قبلها بقليل ،ويرجح أن يكوناا قد حدثا أثناء الوفاة،
وخاصة أن وضع الجسم واليدين والساقين كان متقوسا ،مما يعني أناه كان ناائما أو في حالة
مقاومة ،وهذا ينفي واقعة التعلق وبالتالي الشنق سواء كان سليمان هو الذي شنق نافسه أو
شنقه غيره ،كما أن "سمك الحز" في الرقبة ينفي قطعا القول بأناه شنق نافسه بمشمع السرير،
سواء كان هو الذي شنق نافسه أو شنقه غيره أيضا!
وفي اليوما التالي ...أرسل فريق الطب الشرعي عينات الحشاء التي أخذت من الجثة ،وكذا
بقايا الطعاما والترموس إلى المعامل الكيماوية لمصلحة الطب الشرعي لفحصها والبحث عن
وجود مواد مخدرة أو مهدئات أو منومات أو مواد سامة أو مبيدات حشرية فيها ..وبعد 4أياما
قال الدكتور سليم :إن ناتيجة التحاليل جاءت خالية من هذه الثار.
وفي يوما 13يناير ،قال الدكتور إبراهيم سليم :إن الوفاة حدثت ناتيجة اسفكسيا الشنق ..وإناه ل
توجد أي شبهة جنائية في الحادث ...لكنه بدل من أن يحسم الموضوع ،ضاعف من علمات
الستفهاما ،ومن الشكوك حوله ...
فقد كذب أن الشنق تم بمشمع وإناما بقطعة قماش من الذي يستعمل في ملبس الصاعقة ...كان
يستخدمه سليمان في الصلة! !
إن البيان الرسمي ذكر أن الناتحار تم بمشمع الفراش ،ثم قالت مجلة المصور :ل ..الناتحار تم
بملءة السرير ...وها هو كبير الطباء الشرعيين يؤكد أن الناتحار تم بقطعة قماش من الذي
تستعمله الصاعقة! !
وتضاربت القوال في طول هذا القماش أو المشمع ..فمجلة "المصور" توحي بصغر حجمه،
لناه يوضع ما بين ملة السرير والفراش " ..حتى ل تصل الرطوبة إليه" ...والمعروف أن
طول السرير ل يزيد على المترين ،وعرضه ل يزيد على المتر كثيرا ..كما أن استخدامه في
الصلة يؤكد هذا اليحاء ..والطب الشرعي يقول :إن مساحة هذه القطعة من القماش متران
في مترين و 90سنتيمترا ..
ورغم إجماع شهود العيان على المظاهر السابقة )التي رصدنااها( للجثة ،فإن الطب الشرعي
أصر على الناتحار ،وأصر على عدما وجود مقاومة وأن الجثة خالية من وجود أي أثر لصابات
أو جروح )فيما عدا حز حول العنق( أو ما يشير إلى حدوث عنف جنائي ...
وكان هذا التناقض بين أقوال شهود العيان وأقوال فريق الطب الشرعي سببا وجيها لناهيال
السئلة من الصحفيين على الطباء الشرعيين ..
كانات السئلة مثيرة ..وكانات الجابة غريبة ..وكان الحوار كله دعوة للتأمل ..
س :الحز في الرقبة بسمك القلم الجاف ..هل للمشمع أن يحدث مثل هذا الحز؟
ج :ناعم ،حدث اناخساف ناتيجة ضغط القماش الملتوي بسمك 4ينتهي بـ 3سم عند الفكين ،أما
الحز الرفيع فهو نااتج من طيات المشمع البارز.
س :ولماذا لم يتدل اللسان كما يحدث عادة في مثل هذه الحالت؟
ج :في حالت التعليق من الخلف تحدث السفكسيا بدون خروج اللسان!
س :ليس في البيان الذي أعلنتموه أية إشارة إلى كون المحرزات التي سلمتها النيابة إليكم قد
تضمنت أدوية ..لماذا؟ ..ومم كان يعالج سليمان؟ وهل كشف تحليل المعاء عما أعطى له من
أدوية؟
ج :في التحليل كنا قد ركزناا فقط على الكشف عن وجود آثار لية سموما أو منومات أو مواد
مخدرة.
س :كم يستغرق الموت بهذه الطريقة وهل كان بوسعه أن ينقذ نافسه أو يستنجد؟
ج :تكفي ثوان فقط لحدوث الغماء والموت ،ويتعذر أن يتراجع من قرر الناتحار ومضى في
التنفيذ بهذا الشكل.
س :وهل كانات هناك ضرورة والحال كذلك لجراء تدليك للقلب من قبل طبيب السجن الحربي
كما جاء في البيان الرسمي؟ !
ج :لناه لما دخل وجد الجثة ساخنة فظن أناه ل زال على قيد الحياة.
ج :في الخنق يكون الحز في الرقبة مستعرضا وكامل ،وتكون هناك آثار مقاومة بالضرورة.
س :بعض من رأوه من أهله وجدوا الجثة متصلبة واليدين مقبوضتين بعكس ما هو شائع في
حالت الشنق؟
ج :التصلب ،أو التيبس الرمي ،يبدأ بعد ساعتين في عضلت الوجه أول ثم يعم الجسم تدريجيا
بعد ذلك وعندما اناتقلنا إلى الجثة كان التيبس في الفك فقط مما يدل على أناه لم يمض أكثر من
ساعتين على الوفاة.
س :هل هناك أناواع من السموما أو المخدرات يمكن أل تظهر من خلل تشريح عينات المعاء؟
ج :كسر الفقرات ل يوجد إل في الشنق القضائي )في تنفيذ أحكاما العداما(.
س :أعلن أن منظمة العفو الدولية ستوفد طبيبين لعادة التشريح هل تقبلون؟ وإلى أي مدى
زمني تبقى الجثة صالحة لجراء عمليات الفحص والتشريح عليها؟
ج :قبول أطباء المنظمة أمر يخص سلطة النيابة العسكرية ،أما عن مدى صلحية الجثة
للتشريح فيتوقف على ناوع المقبرة التي دفنت فيها.
س :هل هناك اختلف في مناهج التشريح دوليا بمعنى أن الطب الشرعي المغربي أثبت في
تشريح جثة سميرة مليان بعض ما يخالف تقريركم؟
ج :ليس هناك اختلفات في المناهج ،وما أثبته الطب المغربي قريب لما أثبتناه ،بل وكنا طالبنا
بأن ناذهب إليهم هناك لتحمل المسئولية فرفضوا.
س :في هذا المكان الفقير ،مصلحة الطب الشرعي ،أل يحول ناقص المكانايات أحياناا دون دقة
التشريح؟
ج :ناحن هنا ناعمل ،لو جاز التعبير ،كصنايعية خان الخليلي ،بالعين واليد والخبرة ،ولنا مكاناتنا.
س :عرفنا أطوال المشمع وسليمان وارتفاع الشباك ،لكن كم كانات المسافة بين سليمان وبين
الرض في تصوركم؟
ج :حدوث الوفاة بالشنق ل يستدعي حتى أن تكون الجثة معلقة تعليقا كامل ،فقد يعلق نافسه في
"الخية" ويثني ركبتيه ،أو يعلق نافسه في شباك ويرمي نافسه في اتجاه معاكس.
ج :كانات الفيشات منزوعة وليس في الحجرة تيار كهربائي ،ثم إن الصعق بالتيار يحدث تجلطا
في الدما بعكس الشنق.
ومما ل شك فيه أن الرأي العاما المصري ل يشعر بالطمئنان تجاه هذه التقارير ،خاصة في
القضايا الهامة ..والقضايا ذات الطابع السياسي ...
إن السئلة التي وجهت لهذا الفريق ،على هذا النحو ل تخلو من الشك في إمكاناية التلعب في
التقارير التي يقدمها الشرعي ،خاصة بعد الضجة التي ثارت حوله بعد فضيحة سميرة مليان
)اناظر الهامش رقم (6التي أشار الصحفيون إليها في أسئلتهم ..
ومما ل شك فيه أن شكوك الرأي العاما المصري حول اناتحار سليمان خاطر لم تحسمها الجابات
المبهمة ،وغير الواضحة ،والسريعة التي قدمها الطب الشرعي.
إن هذه الشكوك بدت أكبر من قدرة الطباء الشرعيين ..ومن بياناهم المحدود ..وإجاباتهم
المتعجلة! وزاد من هذه الشكوك ما حدث للجثة بعد ذلك أماما القضاء!
بدأ النزاع القاناوناي حول جثة سليمان خاطر في اليوما التالي للحادث ...
قال التقرير المبدئي لكبير الطباء الشرعيين :إن سليمان خاطر اناتحر باسفكسيا الشنق،
فسارع 19محاميا من مختلف التجاهات السياسية والحزبية ..بعضهم كان من هيئة الدفاع
عن سليمان خاطر أماما المحكمة العسكرية العليا ..سارعوا برفع دعوى إثبات حالة مستعجلة
لعادة تشريح الجثة ..وكان من بين أولئك المحامين :عبد الحليم رمضان ،وأحمد مجاهد،
و]]محمد عبد السلما الزيات[[ ،ومحمد فهيم ،ونابيل الهللي ،وأحمد نااصر ،وكمال خالد،
وشوقي خالد ،ومحمد حسن المهدي ،وعبد الحليم مندور ،وعبد ا الزغبي ،ونابيل متولي،
وعبد العزيز الشرقاوي ،ومحمد أبو الفضل الجيزاوي ،وسعيد الشعبيني وعطية سليمان ...
وكان مع أولئك المحامين أفراد من عائلة سليمان خاطر ،على رأسهم عبد الحميد ،وعبد المنعم
خاطر.
– 2وزير الدفاع ،القائد العاما للقوات المسلحة ،والرئيس العلى للقضاء العسكري وإدارة
المدعي العاما العسكري والنيابة العسكرية والسجون العسكرية.
– 4النائب العاما.
ولخصت عريضة الدعوى ما جرى لسليمان خاطر منذ دخوله السجن الحربي حتى البيان
الرسمي الذي أعلن اناتحاره ...
وأضافت العريضة:
إن أسرة الفقيد طلبت تسليمها جثته بعد توقيع الكشف الظاهري عليها ،وبعد إثبات ملحظاتهم
على ما تكشف لهم وجوده في الجثة من إصابات وجراح أو علمات تفيد في الكشف عن حقيقة
الحادث لعلمهم المؤكد باستحالة مقارفة الشهيد لجريمة اناتحار يرفضها دينه الذي يتمسك به،
ول يبرر مقارفته لها أي مبرر ،لسعادته المتناهية فيما أداه من واجب لوطنه ،وعدما مبالته
بعقوبة المؤبد ،وإعداده لخوض معركة امتحاناه في كلية الحقوق ...لكن ..لم يرد أي مسئول
على طلب السرة ،فسعت بكل أفرادها وراء جثة قتيلها التي صادفتها في مشرحة زينهم
وصممت على مناظرتها واستلمها بعد إثبات ملحظتهم فيها ...وتبينت السرة أن قتيلها ل
تنبئ ظواهر حالة مقارفة اناتحار ،وكذبت جثته ادعاء وفاته مشنوقا بعدما تدلي لساناه من فمه
ووجود الفم مطبقا ولساناه في وضعه الطبيعي خلف السنان ،ووجد أن كدما رفيعا يحيط رقبته
من آثار لفها بسلك معدناي ،يكذب ادعاء اناتحاره بشنقه بملءة سرير من المشمع على ناحو ما
زعم بيان الحادث ،ووجدت السرة أن أظفاره زرقاء تكشف عن قتله بمادة من السميات قبل لف
رقبته بدائرة السلك المعدناي مما أكد لديهم قتله وعدما اناتحاره ...
"وحيث استعمل المعلن إليهم )رئيس الجمهورية ووزير الدفاع ووزير الداخلية والنائب العاما(
كبير الطباء الشرعيين في وزارة العدل لعداد تقرير طبي عاجل عن أسباب الوفاة ،فأصدر لهم
تقريرا يدين قتيل العائلة بالناتحار ،وبادروا بإعلن ناتيجة هذا التقرير الذي ل يتفق مع الواقع
والحقيقة مما برر لنا وللسرة تبليغ النائب العاما بطلب التحقيق في تزوير محضر معاينة الجثة
وإغفال ماديات حالها وإسقاطها ،لترتيب النتيجة المزورة عليها ،وتوقفت السرة عن دفن
الجثة بعد استلمها اناتظارا لتعيين لجنة طبية محايدة ل تخضع لهوى السلطة ول تغريها مطامع
دنايا لديها ،فأمر النائب العاما المساعد بالتحقيق وعرض ناتيجة التحقيق عليه للتصرف فيها ،ثم
اناصرف سيادته من مكتبه وأمر بعرض الوراق عليه في صباح اليوما التالي الموافق /1 /9
1986مما اضطر أسرة القتيل إلى إيداعه في لحده في حراسة من أهله ،وليفزعوا إلى القضاء،
حصن العدالة ،وأمان الحقوق ليقرر لهم – في قضاء مستعجل – نادب أساتذة التشريح في
جامعات القاهرة ،وعين شمس والزهر لمعاينة الجثة ،وإثبات حالتها الظاهرية وأخذ العينات
اللزمة منها للتحاليل والكشوف الطبية ،والفنية التي تكشف عن حقيقة الحادث إن كان من
القتل أو الناتحار ،وليحدد وقت وساعة وتاريخ حصوله والدوات المستعملة فيه ،ومعاينة مكان
حصوله وبيان إن كان من الممكن حصوله في الصورة التي ادعتها بياناات الحكومة عنه من
عدمه ،وعلى وجه العموما اتخاذ جميع الجراءات التي تفصل فيما يتنازع أهل القتيل والحكومة
بشأن حقيقة الحادث الذي ل يجوز أن يترك أمر تقرير الرأي فيه للحكومة ولمن فيها من الذين
تحيط بهم أساور المسئوليات الجنائية والمدناية عن الحادث ،وجميع آثاره ،ويلزمهم القاناون
تعويض أسرة القتيل عن جميع أضراره ،سواء وقع الحادث قتل أما اناتحارا ،لناهم مدينون في
الحالين بجميع ناوعيات المسئولية لتفريطهم في توفير جميع وسائل أمن وحماية سجينهم في
سجنهم وتسهيل قتله أو اناتحاره".
وفي يوما الخميس 9يناير 1986حكمت محكمة المور المستعجلة برئاسة القاضي "أسامة
الشناوي " بسرعة نادب الساتذة رؤساء أقساما التشريح بكليات طب كل من جامعة القاهرة )د.
فخري إسكندر( وعين شمس )د .يحيى أحمد يوسف( والزهر )د .محمد أحمد ناور الدين(
لمعاينة الجثة مقابل 300جنيه أتعاب لهم ،على أن يقدموا تقريرهم قبل 30يناير .1986
وقالت المحكمة في أسباب هذا الحكم :إن هذا الجراء مقصود منه منع ضرر محقق قد يتعذر
تلفيه مستقبل وذلك بإثبات حق يحتمل ضياعه إذا ترك وشأناه ..إن الحالة المراد إثباتها )جثة(
من الحالت القابلة للتغيير السريع والتلف وضياع المعالم بمرور الوقت ،كما يصح أن تكون
موضوع تداع أماما محكمة أخرى ،وإن المقصود منه هو تهيئة دليل عاجل لنزاع آجل ومن ثم
يتعين القضاء بإثبات الحالة على الوجه المبين بالمنطوق!
على الفور سارعت المحكمة )ممثلة في إدارة القضايا الخاصة بها( بتقديم استشكال في الحكم
تمهيدا للستئناف ..وتقرر ناظر الستشكال يوما الول من فبراير ،1986إل أن محامي أسرة
"خاطر" طالبوا بتقديم الجلسة ،حتى ل تتلف الجثة وتضيع معالمها ...ووفق على ذلك ..
وتقدما موعد الجلسة إلى 13يناير ...وفي هذه الجلسة بلغ عدد محامي الحكومة 25محاميا،
كان على رأسهم ناائب رئيس إدارة قضايا الحكومة ..وحضر الجلسة مع الجاناب الخر 300
محاما أثبتوا حضورهم عن أصحاب الدعوى ..ودار بين الطرفين أغرب جدل قاناوناي شهدته
محاكم مصر ...
الحكومة :نابادر إلى إيضاح أن الحكم الصادر بإعادة تشريح الجثة يعد باطل بطلناا يصل إلى حد
الناعداما ،لن الحكومة لم تعلن أصل بصحيفة افتتاح الدعوى ومن ثم فإن الخصومة لم تعقد
ويكون الحكم على هذا النحو قد صدر في غير رخصة!
الحكومة :إناه لم يتسلم الوراق للعلن وإناما أفاد بضرورة عرض المر على السيد رئيس
الدائرة المختصة!
أسرة خاطر :إن العلن قد وصل إليه ،وهذا يكفي.
الحكومة :إن الحكم صدر بندب السادة رؤساء أقساما التشريح بكليات طب كل من القاهرة وعين
شمس والزهر لداء مهمة التشريح ..وناحن ناقرر أن القياما بهذه المأمورية ل يدخل في
اختصاص أقساما التشريح وإناما هو داخل في اختصاص أساتذة الطب الشرعي بالكليات.
أسرة خاطر :إن نادب رؤساء أقساما التشريح ل يعني عدما إمكاناية الستعاناة بأي خبرات أخرى،
وإناما يعني أناهم مسئولون عن التقرير النهائي المطلوب منهم.
'الحكومة :لقد ناظرت الدعوى السابقة على هذا الحكم في ميعاد قصير )أقل من ساعة('!
الحكومة :يفهم من طلبات الخصم أناهم يطلبون الكشف على جثة المتوفى تخوفا من حدوث أي
تغييرات ،في حين أن هذا القول مردود بأن النيابة العسكرية كانات قد اناتدبت كبير الطباء
الشرعيين بوزارة العدل الذي قاما فعل بإثبات حالة جثة المتوفى سليمان خاطر وقد دفنت الجثة
بقرار قضائي من النيابة العسكرية ،المر الذي يصبح متعذرا معه التنفيذ بعد أن تم دفن الجثة.
أسرة خاطر :إن الطب الشرعي الذي قاما بتشريح الجثة ليس جهة محايدة!
الحكومة :ول يفوتنا أن ناشير في النهاية إلى أن الخصوما ل حق لهم في رفع الدعوى فل هم
أقارب المتوفى سليمان خاطر ول وكلء عنهم!
أسرة خاطر :إن الدعوى تضم 19محاميا بجاناب أشقاء سليمان خاطر!
الحكومة :إن هذه القضية منظورة أماما القضاء العسكري وهذا يكفي!
أسرة خاطر :إن القاناون العسكري ل يعرف الدعاء المدناي ول يسمح بذلك ،وبالتالي فل بد من
القضاء المدناي.
ناظر استشكال الحكومة القاضي محمد عيد إسماعيل ..جاء القاضي الجديد بعد أن اتهم القاضي
أسامة الشناوي بأناه حكم بناء على معلوماته الشخصية التي استمدها من الصحف وأناه أصدر
حكمه قبل إعلن من وجهت إليهم الدعوى ،وقد رد محامو أسرة خاطر بما يفيد أن العلن قد
تم فعل ،وطعنوا في الوراق التي قدمتها الحكومة بالتزوير..
وعندما بدأ القاضي محمد عيد إسماعيل ناظر الستشكال ،فوجئ بمحامي الحكومة يدفعون بعدما
اختصاص المحكمة بنظر الدعوى ،فتولى هو بنفسه الرد على هذا الدعاء وأبطله..
وفي هذه الجلسة فوجئ محامو سليمان بأن الحكومة قد احتفظت بملف القضية )في التفتيش
القضائي( لعاقة القاضي )الجديد( وهو ينظر الدعوى ...وبالتالي يضطر للتأجيل ،فقاموا
بإيداع صور الحكم الرسمية لديهم ،وجميع المستندات المتعلقة بالقضية وتم تكوين ملف جديد
تماما ...وبدأ القاضي في ناظر الدعوى ...واستمرت المرافعات ..واشتدت ..حتى فوجئ
القاضي بإصابة عبد الحليم رمضان بأزمة صحية فاضطر إلى رفع الجلسة للستراحة ..وقبل
أن ترفع الجلسة ناهائيا كان كمال خالد المحامي آخر المترافعين من محامي سليمان فعقد مقارناة
بين النتائج التي توصل إليها الطب الشرعي في مصر في حادث سميرة مليان الذي قال بأناها
ماتت منتحرة لوجود كسور بالجثة مؤكدا ذلك وبين النتائج التي توصل إليها الطب الشرعي في
المغرب والتي ناشرت بمجلة الوطن العربي.
وقبل أن ترفع الجلسة ناهائيا ،عاد محامو الحكومة يتساءلون عن مصلحة المحامين – الخصوما
في إعادة تشريح الجثة ..فكان الرد عليهم :وما مصلحة الحكومة في عدما إعادة تشريح
الجثة ..إن الحكومة تصر على أن سليمان خاطر اناتحر ..وتصر على أن تقرير الطب الشرعي
سليم ..فلماذا تخشى إعادة التشريح ..ولماذا تفعل المستحيل لتظل الحقيقة تحت التراب ...إن
إصرار الحكومة على هذا الموقف يثير الريبة ويؤكد الشكوك التي تمل صدور المصريين
وغيرهم ...لو كان ما أعلنته الحكومة صحيحا فعليها أن توافق على إعادة التشريح ..وإل ..
يكون هناك كلما آخر!
لكن ...رغم ذلك كسبت الحكومة الستشكال ،ورفضت المحكمة تنفيذ حكم إعادة تشريح
الجثمان! وزاد الهمس ..وزادت الشكوك!
قبل أن تصل الحكومة إلى هذه النتيجة ..اتهمت بأناها مارست ضغطا على الطباء الذين كلفتهم
المحكمة بإعادة تشريح الجثة ..فبعد صدور الحكم مباشرة حضر موظف من إدارة "التفتيش
القضائي" لستلما ملف القضية ،وكان الهدف عدما تمكين أسرة سليمان خاطر من الحصول
على صورة الحكم وذلك لتؤخر إبلغا الطباء الثلثة به ..لكن المحامين الذين رفعوا الدعوى
قاموا بإناهاء كافة الجراءات ،وناسخوا صورة الحكم بأيديهم ،وختموها لتصبح صورة رسمية،
وذلك دون اناتظار قياما قلم "الكتاب" بهذه المهمة ..وحتى ل يضيع الوقت ..وحتى يسدوا كل
الطرق أماما اللعيب المضادة ..وبمجرد أن اناتهى المحامون من هذه الجراءات حضر من
استولى على ملف القضية ...وتولى ثلثة من المحامين الذين رفعوا الدعوى مهمة إبلغا
الطباء الثلثة بالحكم تمهيدا لتنفيذه ..فقاما شوقي خالد بالتوجه إلى كلية طب الزهر ...فلم
يتمكن من الوصول إليها ،وذلك لناتهاء مواعيد العمل الرسمية بالكلية فتوجه بحثا عنه في كل
مكان بعدما لم يجده في بيته حتى عثر عليه يتناول طعاما الغداء على مأدبة أعدها له صديق
بالمطرية ،وهناك سلمه صورة من الحكم ،ووجد ترحيبا كبيرا من رئيس القسم للقياما بهذه
المهمة ووعد الدكتور رئيس القسم بالستعاناة بمن يراه من زملئه من التخصصات الخرى
صالحا لمعاوناته واناصرف شوقي خالد بعد وعد منه بوضع خطة عمل للبدء في المهمة.
وقاما عبد العزيز الشرقاوي المحامي بتسليم رئيس قسم التشريح بكلية طب عين شمس صورة
الحكم في نافس يوما الخميس ووعد رئيس قسم التشريح بالمشاركة في المهمة بعد استئذان
عميد الكلية في يوما السبت ،وفي يوما السبت تصدى العميد للستاذ الشرقاوي وأعلن برفضه
اشتراك أي أستاذ في هذه المهمة لن لديه تعليمات حكومية بذلك.
وفي جامعة القاهرة قامت منى عبد الحليم رمضان بتسليم عضو اللجنة رئيس قسم التشريح
صورة الحكم ولكن تدخل الدكتور هاشم فؤاد وأكد على عدما مشاركة الستاذ في هذه المهمة
وكانات جامعة القاهرة أول من اعتذرت عن المشاركة في اللجنة.
...ثم تلحقت باقي العتذارات ..على أن صحيفة "الشعب" عندما سألت الدكتور يحيى يوسف
رئيس قسم التشريح بطب عين شمس عن سر اعتذاره هو وزملئه ..
قال :أناا لم أعتذر ولم أعلم شيئا عن هذا العتذار إل من أحد زملئي الذي فاجأناي بتفسير عن
العتذار ..وكانات مفاجأة لي ..وقمت على الفور بطلب زميلي في الزهر والقاهرة ..فعرفت
أناهما فوجئا مثلي تماما بالعتذار ..وناحن لم ناعلم بخبر اعتذارناا إل من الجرائد ..
وأضاف :أناا ليس لدي أي ماناع إطلقا لو أعيد تكليفي من قبل المحكمة بهذه المهمة بشرط أن
يأتي هذا التكليف عن طريق رسمي بواسطة المحضر ..وذلك حتى ل يكون هناك مجال للشك ..
وأناا أقول هذا رغم ظروف المرضية! ! اناتهى ما قاله الرجل ...ليصبح السؤال ..من الذي
اعتذر بالنيابة عنه وعن زملئه؟
ثم ..لماذا تفعل الحكومة كل ذلك إذا كانات متأكدة أن سليمان خاطر اناتحر ولم يقتل؟
"أكياد" تحت الحصار!
قبل منتصف الليل بساعة واحدة ،تسلمت أسرة "خاطر" جثمان ابنها سليمان ،من مشرحة
"زينهم" تمهيدا لنقله إلى قريته ،ليدفن هناك إلى جوار أبيه وعمه ..
إن بالقرب من المشرحة في ذلك الوقت كان عدد من السيارات الملكي والجرة والميكروباس
ل يقل عن 18سيارة ..جاءت هذه السيارات من قرية سليمان لتعود بجثماناه إلى هناك ...
لكن ..القلق الذي سيطر على رجال المن الذين حاصروا منطقة زينهم ،جعلهم ل يسمحون
لهذه السيارات بالقتراب من بوابة المشرحة ..وجعلهم يماطلون في إعطاء أهالي سليمان
تصريحا بالتحرك والسفر ..حتى الساعة الواحدة والنصف من صباح اليوما التالي ...وبعد
ساعتين وناصف من استلما الجثمان ..وبعد أن ارتفعت الصوات بالتذمر والغضب ..
ناقل جثمان سليمان في سيارة إسعاف تتبع إحدى شركات المقاولت الكبرى التي يعمل فيها
شقيقه عبد الحميد ،التي تحركت وسط عربات المن ،وعربات أهالي أكياد ،وكان الطريق إلى
أكياد مزروعا برجال المن المركزي ..ولم يكن الطريق الذي سلكه موكب الجثمان طريقا
معتادا ..كان مختلفا عن الطرق التي يسلكها الناس بسهولة إلى قرية أكياد ...
قبل الخامسة صباحا بقليل اقترب الموكب من مدخل أكياد الرئيسي ،حيث كوبري يسمى بكوبري
"الصحارة" ..عند هذا الكوبري بدت قوات المن المركزي باللف وهي تحاصر القرية،
وتمنع الدخول إليها ...ويبدو أن أهالي القرية الذين يحملون جثمان سليمان قد استفزهم هذا
المشهد ،فانادفعوا بسياراتهم دون توقف إلى قلب القرية ،رغم البنادق المرفوعة في يد الجنود،
ورغم النداءات المتكررة من الضباط ومفتشي المباحث.
ويبدو أن وزارة الداخلية كانات تتوقع انافجار غضب الناس في القرية ،فقامت بترحيل ناقطة
الشرطة بأسلحتها ورجالها ومساجينها في الحادية عشرة صباحا ،قبل إذاعة النبأ بساعات ..
وقد صدق توقعها ..فبعد إعلن النبأ مباشرة ،خرج أهالي القرية في الشوارع في حالة هياج
شديد ..وأحرقوا مقر ناقطة الشرطة وحطموا أثاثها وجدراناها ..وقطعوا الطرق المؤدية إلى
القرية وخطوط السكك الحديدية وأعمدة البرق والتليفون ..وأشعلوا الحرائق في مقار
الجمعيات التعاوناية الزراعية ،وراحوا يهتفون" :همه يقولوا عليه مجنون واحنا ناقول ما
قدرش يخون".
وفي الساعة الخامسة صباحا ..دخل موكب الجثمان القرية ..كانات أما سليمان وخالته وعماته
وباقي ناساء القرية يجلسن على جاناب من الطريق السلفتي ..وعلى الجاناب الخر كان يجلس
الرجال ..وقد هبوا جميعا عندما أبلغهم الشبان الذين كلفوا بمراقبة الطرق بأن موكب الجثمان
قادما ...
دخل الجثمان بيت السرة ،ولف بعلم مصر ،ثم خرج في جنازة لم يتخلف عنها أحد في القرية ..
وفي مسجد "أبو قوبة" بالقرية صلوا عليه ،ثم سارت الجنازة في معظم شوارع القرية ...ولم
تكن جنازة في الواقع وإناما كانات مظاهرة سياسية ،أحرقت فيه العلما السرائيلية ،واناطلقت
فيها الهتافات الفورية " ..سجل ،سجل يا زمان ..إن البطل هو سليمان" " ..عهد ا ،عهد ا
علينا ...تار سليمان جوه عينينا" .. .وهتافات أخرى ضد الحكومة وإسرائيل وأمريكا ..
وغيرهم ...
كان يتقدما الجنازة أشقاء سليمان وأقاربه ..وعند المقبرة تقدمت أمه بقوة وصلبة ،لتودع
ابنها إلى مثواه الخير ..ورفضت السرة إقامة سرادق العزاء ...ورفضت أن يشارك في
الجنازة أي مسئول حكومي واحد ..وهدد أهالي القرية بقتل كل من يتجرأ ويدخلها بالفئوس
والعصي ..
وفي المساء عقد مؤتمر سياسي ،تحدث فيه أبناء القرية ،وأصدقاء سليمان ،وعدد من
السياسيين الذين تمكنوا من دخول القرية رغم الحصار ..وكان أهم ما قيل في هذا المؤتمر:
"إن جريمة قتل سليمان لن تمر ول بد من الثأر له".
في ذلك اليوما ...ولمدة طويلة ...لم يكن للقرية حديث إل سليمان خاطر ..لقد رفضت القرية أن
يكون ابنها قد اناتحر ..وراحت تعبر عن هذا الرفض بقصص وملحظات واستنتاجات ل حد لها
...
وأضافت" :آخر مرة شفته كان في حالة طيبة وبيضحك معنا وأخذ يلعب أولد أخيه
الصغار" ..و "آخر مرة شفته أكد لي أناهم لزما يخففوا الحكم عليه ،لناه ما رضيش يذيع
أسرار هو كان عارفها ووعدوه إناه لو ما اتكلمش يخففوا الحكم عليه".
وقال زاهر عبد ا ابن عمة سليمان ورفيق صباه" :مستحيل أن يكون سليمان اناتحر ..إناه
مؤمن بال ..ويؤدي الصلوات ..والمؤمن ل ينتحر أبدا".
وقال ابن خاله" :حمدي عبد ا" :لقد تفانات الحكومة في حماية البكوش ثم قدمت رأس
سليمان هدية فشنقوه".
أما شقيقة سليمان "سعدية خاطر" فقد جاءت من قرية "أبو بكير" – تتبع محافظة الشرقية ،
أيضا – حافية القدمين وهي تحتضن طفلها ..لقد رفضت أن تصرخ أو تنتحب ..واناتابتها حالة
من الصمت الغريب ورفضت أن تتحدث إلى أي إناسان:
بعد حادث وفاة سليمان خاطر ..لم تتحرك قريته بمفردها ..وإناما كان معها ،مصر كلها ..
تقريبا ،كان الحادث ..أكثر الموضوعات سخوناة التي كان الناس في كل مكان يتحدثون فيها
وكان رد فعل الحادث أكثر مما كان متوقعا ..خاصة بين الشباب ..وطلب الجامعات ..وطلب
المدارس الثاناوية الذين تركوا مقاعد الدرس ،وخرجوا إلى الشارع ،لول مرة منذ سنوات
طويلة ..طويلة ...
أماما مدرج السنة الرابعة بكلية حقوق عين شمس ،تجمع أكثر من 5آلف طالب وطالبة
وتوجهوا – في مسيرة سلمية – إلى مقر إدارة الجامعة ،مرددين" :يا عملء المريكان ..
سليمان خاطر غسل العار" " ..سيبوا الشعب ياخد التار ..الصهيوناي ده غدار" ..وعندما أذن
لصلة الظهر .أقاموا صلة الغائب على روح سليمان خاطر ..ثم عادوا إلى الهتافات من
جديد ..وطالبوا رئيس الجمهورية بمحاكمة جميع المسئولين عن مصرعه ..وطالبوه بإلغاء
اتفاقيات كامب ديفيد وإلغاء قواناين الطوارئ والقواناين الستثنائية وتطهير مصر من اللصوص
والطفيليين ومصادرة أموالهم ،وقطع العلقات مع الوليات المتحدة المريكية ..
وأضافوا إلى هذه المطالب :إلغاء الحرس الجامعي واللئحة الطلبية "لئحة عاما "79التي
تضايقهم ...كان ذلك في اليوما التالي لوفاة سليمان خاطر ..
وفي اليوما الذي بعده ..ارتفع عدد المتظاهرين إلى 7آلف ..وارتدوا زي الحداد ..وحملوا
صور سليمان خاطر ..ورفعوا اللفتات السوداء التي كتبوا عليها أسخن الشعارات السياسية ..
وفي هذا اليوما قبض على 40طالبا من جامعة عين شمس فقط.
وبعد يومين آخرين ارتفع الرقم إلى 10آلف ..وحاول الطلبة والطالبات الخروج إلى الشارع ..
لكن المحاولة فشلت بسبب حصار قوات المن المركزي للمنطقة ...
في جامعة القاهرة ..تجمع 5آلف طالب في اليوما التالي للوفاة – وعقدوا مؤتمرا كبيرا في
قاعة الحتفالت بالجامعة ..ناددوا فيه بالبيان الرسمي الذي أعلن أن سليمان خاطر اناتحر ..
وعندما حاولوا الخروج إلى الشارع فوجئوا بحوائط من البشر والدروع أقامها رجال المن
المركزي ..فعادوا إلى الحرما مرة أخرى ..وراحوا يهتفون" :التار التار يا سليمان من بيريز
إلى ريجان" " ..المعقول المعقول إن سليمان مات مقتول" " ..اللي بيرفعوا السعار قتلوك يا
سليمان" " ..سليمان خاطر قالها في سينا ..قال مطالبنا وقال أماناينا".
وفي ذلك اليوما أيضا وقعت مفاجأة لم تكن في الحسبان " ...أصدر طلب مدرسة ثاناوية خاصة
"مدرسة قصر النيل الخاصة" بياناا ..جاء فيه" :إن ناار الغضب التي تغلي في قلوب المصريين
والتي تجسدت في المظاهرات التي قامت دفاعا عن كرامة الوطن ،سواء تلك التي قامت منذ
حادث الطائرة المدناية وحادث الغارة السرائيلية على مقر المنظمة في توناس وكذلك دفاعا عن
الجندي المصري سليمان خاطر ،سببها أن السياسة الحاكمة تهدف إلى إرضاء أمريكا
وإسرائيل إكمال لسياسة السادات ومسيرته الرجعية "الستسلمية".
ولم يكن هذا البيان مفاجأة طلب الثاناوي الوحيدة ...فقد فصل 13طالبا منهم ،من مدرسة
"اتميده" الثاناوية "مركز ميت غمر" بعد أن قاموا بمسيرة سلمية احتجاجا على موت سليمان
خاطر ..واناضم عدد كبير منهم )في منطقتي الحدائق والعباسية بالقاهرة( إلى طلب جامعة
عين شمس في مظاهراته ..وفي منطقة "شبرا" أحاطت قوات المن بالمعاهد الصناعية
والتجارية وأناهت الدراسة قبل أن تبدأ.
في جامعة الزهر كانات المظاهرات أكبر ..أكثر من 10آلف طالب طافوا بالحرما الجامعي،
منددين بوفاة سليمان خاطر ،متهمين المخابرات الصهيوناية والمريكية بقتله ..وكاناوا
يرددون" :سليمان خاطر يا شرقاوي ..دمك فينا حيفضل راوي" " ..شيخ الزهر فينك فينك
وأنات شايف الظلم بعينك" ..
حاصرت الجامعة ،قوات المن ،وحاصرت ميدان الحسين ،وهنا اناضم للطلب عدد من الهالي،
وحاولوا جميعا الخروج إلى الشارع لتأدية صلة الغائب ..لكن قوات المن استطاعت
تفريقهم ..وأجبرتهم على دخول كلياتهم ،ثم زحفت وراءهم واقتحمت الحرما الجامعي ودخلت
معامل ومدرجات كليات الزراعة والعلوما وقامت "بإجلء" الطلب بالقوة وأناهت الدراسة دون
إحم أو دستور.
في جامعة السكندرية وقعت مظاهرة مشابهة ..نافس العداد ..نافس الساليب ..ونافس طرق
مقاومتها ..لكن كانات الشعارات مختلفة" :اللي ما خاناك أنات يا مصر حيشنق نافسه في يوما
النصر" " ..صوت رصاصك يا سليمان سمع مصر في كل مكان" " ..مصر الصابرة على
المخاطر قادرة تطلع مليون خاطر" " ..سليمان خاطر مات مقتول مات علشان ما قدرش
يخون" " ..سليمان خاطر قالها قوية الرصاص حل القضية" ...
وفي أماكن أخرى من مصر كانات هناك ردود فعل أخرى ...
من ناقابة المحامين خرج بيان من مجلس النقابة إلى "الشعب المصري" ناعى سليمان خاطر
الذي وصفه البيان بأناه "أخلص" أبناء مصر "الذي ذهبت روحه فداء لكرامة مصر ودفاعا
عن دورها النضالي في الوقت الذي حاول المرجفون تشويه تلك الصورة العظيمة ،والتي سيظل
التاريخ يرددها فخرا واعتزازا كرمز للصمود والتصدي للمعاهدات الستسلمية" ..ورفض
البيان كافة "الجراءات والمحاكمات الستثنائية" التي جرت لسليمان خاطر ،وقال :إن النقابة
تضع الدولة في مواجهة مسئوليتها أماما ذلك الحادث المروع وتهيب بكل المعنيين كشف النقاب
عن غموضه ووضع الحقائق كاملة أماما الشعب.
ودعت اللجنة القومية للدفاع عن سليمان خاطر إلى اعتبار يوما الجمعة 17يناير هو يوما الحداد
القومي على سليمان خاطر ..واقترحت أداء صلة الغائب على روحه في ذلك اليوما ،في كافة
المساجد العربية من المحيط إلى الخليج وأن تدق أجراس الكنائس وترتدي النساء العربيات
ملبس الحداد.
وقال البيان الذي صدر من اللجنة يوما 13يناير " :1986ليكن حدادناا على سليمان خاطر صلة
ل وللوطن وللرض التي ما زالت منتهكة ومغتصبة وفرصة للتأمل العميق في المعاناي الجليلة
والنبيلة التي فجرها الشهيد حيا وميتا".
وقال البيان :إن اللجنة تشارك جماهير أمتها رغبتها الجارفة في أن تتيقن من حقيقة الظروف
التي اناتهت إلى استشهاده بما يقطع الشك باليقين.
لذلك " ..تطالب اللجنة بتشكيل لجنة محايدة من ممثلين للحزاب والهيئات والمنظمات
الجماهيرية ،يتاح لها في مناخ حر أن تتقصى بنفسها ومجتمعة الظروف والملبسات التي أدت
إلى هذه الفاجعة الليمة حتى يتأكد الرأي العاما بأن الذين كاناوا يضغطون من أجل رأس سليمان
خاطر لم يدركوا بالذات أو بالوساطة.
"وفي الحد الدناى وطبقا للقاناون المصري الذي يعتبر صياناة وحماية حياة كل من تقيد حريته
مسئولية ..جريمة القتل العمد ...فإن اللجنة تطالب بوقف كل المسئولين عن هذا الهمال مهما
كانات مكاناتهم أو علت مراكزهم ..حتى ناهاية التحقيق".
وطالب المهندس إبراهيم شكري بنفس الطلب ..تشكيل لجنة تحقيق "قومية" على أعلى درجة
من الحياد والموضوعية ..وقال" :إن المقصود بذلك اطلع الرأي العاما على ما حدث ..بشرط
أن يقوما بالتحقيق أشخاص ناثق في حيادهم ،ل أشخاص يمكن أن يكوناوا ضالعين في الحادث".
واقترح فؤاد سراج الدين أن تكون اللجنة "قضائية" ..وقال :إن تشكيل هذه اللجنة "سوف
يعيد الطمأناينة إلى نافوس الشعب ويزيل كل شك حول الحادث الذي أثار موجة من الشائعات
الخطيرة والتي اناتشرت بشكل غير عادي وتحولت إلى شبهات وشكوك بين المصريين جميعا ..
إن هذا المر أدى إلى إحداث بلبلة شديدة الخطورة في الرأي العاما المصري وهي حالة تهدد
النظاما والمن بأفدح الضرار".
وتضاعف حجم ردود الفعل ...في 9يناير 1986أصدر مجلس ناقابة الطباء قرارا بالشتراك
في أي تحقيق يمكن أن يتم في هذا الحادث .وفي نافس اليوما أصدرت المنظمة العربية لحقوق
الناسان )التي يرأسها فتحي رضوان( بياناا حملت فيه الحكومة المصرية مسئولية مقتل الشهيد
سليمان خاطر لناه منذ القبض عليه وحتى وفاته كان وديعة في يد السلطة التنفيذية وهي كانات
تعلم جيدا أن سليمان خاطر كان هدفا لجهات تريد التخلص منه ومنها )إسرائيل( التي كانات
تريد إعدامه.
وبناء على طلب عبد الحليم رمضان المحامي رشحت منظمة العفو الدولية اثنين من أطبائها
المتخصصين في التشريح للمشاركة في إعادة تشريح جثة سليمان خاطر ..وقررت المنظمة أن
تتحمل كل المصاريف ..لكن القرار لم ينفذ بسبب رفض القضاء إعادة تشريح الجثة.
ومن سجن "طرة" تسرب خطاب إلى رؤساء الصحف المعارضة ،وقع باسم "المجاهدون
السرى" ..تحدث فيه المعتقلون من الجماعات السلمية عن الهاناات التي يتعرضون لها في
السجن ،ثم حملوا الحكومة المصرية مسئولية "قتل سليمان خاطر" ..ثم عادوا يتحدثون عن
متاعبهم في السجن من جديد:
وفي يوما وفاة سليمان خاطر ..أقامت السفارة )السرائيلية( لعضائها وأصدقائها حفل كبيرا
تبادلوا فيه الناخاب ..وبعد أن أذاع راديو )إسرائيل( الخبر ،قدما أغنية أما كلثوما "الليلة عيد" ..
وهي الغنية التي كان ل يتوقف عن إذاعتها بعد هزيمة يونايو ،ووفاة عبد الناصر ،وثغرة
أرييل شارون!
من القاتل؟ !
من المستفيد من قتل سليمان خاطر؟
إن الذين يفتشون في جرائم القتل – التي يختفي فيها القاتل – يفتشون عادة عن المستفيد من
الجريمة ..فمن من مصلحته اختفاء سليمان خاطر من على وجه الرض؟
السؤال وجيه ..لكن ..الجابة صعبة ...ول تزيد على كوناها ناوعا من التكهنات والتخمينات ..
على أن ذلك ل يمنع من القتراب ..والمحاولة ...
هناك من يتهم الدارة المصرية بقتل سليمان خاطر ...وهؤلء يقيمون اتهامهم على أدلة ل
يستهان بها ...ول يمكن التقليل من شأناها ..وخاصة أن الدارة المصرية لم تتطوع بالرد
عليها ..أو حتى بالدفاع عن نافسها ..
– 1إن سليمان خاطر قد اتهم كل الضباط والقواد في جنوب سيناء بالتعامل مع العدو
)السرائيلي( ،ولم يستثن منهم – كما عرفنا من قبل – سوى ضابطين ليسا من أصحاب الرتب
الكبيرة ...وطلب سليمان من المحقق العسكري – كما عرفنا من قبل أيضا – أن تمشي
المخابرات المصرية وراءهم وتعرف أين يذهبون ،ومع من يتعاوناون ،ويتعاملون؟
– 2إن سليمان خاطر كان بحكم موقعه وعمله يعرف الكثير من السرار الهامة التي يعرض
)البوح بها( العلقات مع الحكومة )السرائيلية( إلى مزيد من القلق والتوتر.
– 3إن الفراج عن سليمان خاطر كان مطلب مختطفي الطائرة المصرية التي اقتحمها
الكومانادوز المصريون في مالطا ،والتي كانات كارثة بحق ..وهذا يعني أن وجوده على قيد
الحياة سيكون فرصة للقياما بمثل هذه العمال التي تحرج الدارة المصرية وتضعها في مواقف
صعبة جدا ...
أي أن هناك ضباطا كبارا كشف سليمان خاطر سترهم ،من مصلحتهم التخلص منه ..وهناك
آخرون يرون أن يعرف أكثر مما يجب ومن الطبيعي التخلص منه ...وهناك أخيرا الخوف من
أن يكون وجوده في السجن لمدة 25سنة فرصة للقياما بأعمال فدائية مضادة ،تحرج الدارة
المصرية وتورطها فيما ل تحتمله ،ول تقدر عليه ..
ويدعم أناصار هذا التهاما ،موقفهم بقصة هروب سليمان خاطر من سجن فنارة العسكري الذي
كان محبوسا فيه على ذمة المحاكمة ...
ففي مساء ديسمبر ) 1985قبل النطق بالحكم بأربعة أياما( فوجئ سليمان خاطر بمجموعة من
الرجال تقتحم زنازاناته وأخبروه أناهم جاءوا لناقاذه من العداما الذي ينتظره وفتحوا له كل
البواب ليجد الحراس جميعا ناياما بما فيهم قائد سرية الشرطة العسكرية ...
وقالوا له :كل شيء جاهز لهروبك من السجن ..وما عليك إل أن تختار البلد الذي تحب أن
تذهب إليه!
وأعطوه مسدسين محشورين بالطلقات ..وأصاب الذهول سليمان ..ثم ..صرخ فيهم :ل لن
أهرب ..لم أفعل ما يجعلني أهرب!
فاضطروا للناصراف!
وفي اليوما التالي علمت قيادة الجيش الثالث "الميداناي" بالواقعة ،فوقعت الجزاءات على قوة
الحراسة وناقل قائدها وأحضروا بدل منها عدة سرايا من قوات الشرطة العسكرية ودبابتين ...
وفيما بعد ..قال سليمان خاطر لشقيقه عبد المنعم :لقد كنت أدرك أن ما فعلته هو واجبي وليس
أكثر ،كما أن هروبي سيعرض الجنود والضباط المسئولين عن حراستي لعقوبات شديدة
وأضرار ل أحب أن أسببها لهم.
ويرى الذين يتهمون الدارة بقتل سليمان خاطر أن هذه المحاولة لهروبه من سجن عسكري
"ليست لوجه ا" ..وليست "حسنة النية" ..إذ من الصعب أن يدخل أحد السجن ويخرج منه
بهذه السهولة ..ويرون أن هذه المحاولة كانات متعمدة ،فإذا ما استجاب قتلوه ..وقالوا :إن
قتله كان طبيعيا لناه كان يحاول الهرب!
– 1لو كانات الدارة هي التي قتلته لكان من الفضل لها أن تحكم عليه بالموت وتعدمه! !
– 2لو كانات الدارة تريد قتله لما تسرعت واختارت وقتا كانات فيه مشاعر الرأي العاما مشدودة
بهذه القضية!
ويرد على هذا الكلما ،بأن الدارة المصرية كانات تشعر بضغوط الحكومة )السرائيلية( بسبب
هذا الموضوع ،وإن هذه الضغوط كانات مدعمة من "المريكان" بصور عسكرية واقتصادية
مختلفة ،كانات أكبر من أي حسابات للرأي العاما ..كما أن القول بأناها كانات قادرة على إعدامه
بالقاناون وبحكم المحكمة هو قول مهين لها ،ويتهمها بالتدخل في شئون القضاء ويجعلها
تفرض عليه ما تريد ..أي عذر أقبح من ذناب!
وهناك من يتهم الموساد )السرائيلية( بقتل سليمان خاطر ..وهؤلء برأوا الدارة المصرية من
التهمة بالطبع ،وألبسوها )للسرائيليين( ...
وهؤلء يقولون :إن )إسرائيل( قامت بهذه العملية عن طريق عملء لها ولجهاز مخابراتها
"الموساد" داخل الدارة المصرية ..وليس من الصعب بالطبع تصور وجود عملء للموساد
في الحكومة المصرية ..وآخر دليل على ذلك تسرب خط سير الطائرة المصرية التي أقلت
خاطفي الباخرة "اكيلي لورو" إلى المريكان و )السرائيليين( ،الذين رسموا – في ساعات –
عملية خطفها وإجبارها على الهبوط والقبض على الخاطفين الفلسطينيين وتسليمهم للسلطات
اليطالية ..بما في ذلك المناقشات التي دارت حول هذا القرار على أعلى مستوى في مصر.
– 2إن )إسرائيل( تعودت الناتقاما في مثل هذه الحالت ...فمثل ..في مقابل قتل 3من السياح
)السرائيليين( في قبرص ،شنت الغارة على مقر ]]منظمة التحرير الفلسطينية[[ في توناس ..
ومثل ..في مقابل عملية فدائية بسيطة في الرض المحتلة كانات تبيد القرى والمعسكرات التي
يعيش فيها العرب في لبنان والضفة الغربية والقدس الشرقية.
– 3إن )إسرائيل( اعتبرت موت سليمان خاطر عقبة وأزيلت في مسار العلقات مع الحكومة
المصرية ...وقال "عزرا شيرال" المعلق السياسي براديو )إسرائيل(" :أناه شيء طبيعي أن
المجرما القاتل سليمان خاطر يأخذ جزاءه ،ومن الطبيعي أن تسطع شمس العلقات الطيبة بين
البلدين بعد هذه الغيوما التي سببها" ..وقال "شمعون شامير" المستشرق بجامعة "تل
أبيب" " ..لقد أدى اناتحار القاتل إلى موجة من المظاهرات ضد النظاما المصري ...أما بالنسبة
لتأثير هذه الحداث على علقات الدولتين فمن جاناب يمكن أن ناتوقع اناتهاء هذه المرحلة السيئة
التي مرت بها هذه العلقات ،فلول أن اناتحر هذا الشخص لستمرت القضية في إشعال الحياة
الداخلية في مصر لعدة سنوات طويلة ..طول مدة بقائه في السجن ،ولستمر التوتر في
العلقات بسبب موقف المعارضة المصرية من هذه القضية التي ربطتها بالسلما والتطبيع معنا،
لناها حولت سليمان خاطر إلى بطل قومي" ..ثم قبل هذا كله ،ما صرح به "شامير" بأن موت
سليمان خاطر أزال عقبة من ثلث كانات بين الحكومتين المصرية و )السرائيلية( ..وحدد
العقبتين الخريين – كما عرفنا – بأناهما عودة السفير المصري إلى )إسرائيل( وحل مشكلة
طابا ..أي أن موت سليمان خاطر كان مطلبا )إسرائيليا( قويا وملحا ..ولم تمر أياما قليلة على
موت سليمان خاطر ،حتى قبلت الحكومة )السرائيلية( مبدأ التحكيم لحل مشكلة طابا بعد 45
شهرا من المفاوضات والرفض ،وكان ذلك في إطار ما سمي "بالصفقة الشاملة بين
الحكومتين!
إن من المؤكد أن )إسرائيل( لها مصلحة في التخلص من سليمان خاطر ..ومن المؤكد أن
المرء ل يستغرب أن تفعل )إسرائيل( ذلك ..بل تردد ..وبهذه السرعة ..وذلك من باب إثبات
الذات ..واستعراض القوة ..والتأكيد على أن ذراعها الطويلة ممتدة إلى كل مكان ..ولم تقطع
بعد!
لكن ...هذا التهاما الذي يشير إلى الموساد ،أخطر – مليون مرة بل شك – من التهاما الذي
يشير إلى الدارة المصرية ..لن معنى ذلك أن هناك عملء للموساد داخل الدارة المصرية
سهلوا عملية القتل داخل ثكنة تتبع وزارة الدفاع ،هي السجن الحربي ،وعنى هذا أيضا أن هناك
درجة كبيرة من التسيب والهمال أدت إلى ارتكاب هذه الجريمة ...إن هذا التهاما يحمل الدارة
المصرية كميات من الهاناة أكبر من التهاما بأناها هي القاتل! !
فقال :لقد حزنات على مسلك المعارضة التي غاب عقلها ،إلى حد أن تروج بين الناس أن
"الموساد" هي التي قتلت سليمان خاطر وإذا لم تكن الموساد فل بد أن يكون هناك في مصر
من أراد أن يتخلص منه.
"إن كان اقتناع المعارضة أن الموساد قد استطاعت التسلل إلى السجن الحربي لتقتل سليمان
خاطر في زنازاناته ،إن كانات قناعتهم أن مصر تعجز عن أن تحمي سجينا في زنازاناته ،إن كان
تفكيرناا قد وصل إلى هذا المنحدر فقل على الجميع السلما".
"لقد كنت أثق ول أزال في أن حرب 1973قد نافضت عن نافوسنا ،عقدة الذناب والشعور
بالنقص إزاء )السرائيليين( وجيشهم الذي ل يقهر ولكن يبدو أن البعض يريد أن يأخذناا مرة
أخرى إلى ما قبل ،1973إلى مرارة النكسة ونافسية الهزيمة".
على أن الرئيس مبارك لم ينكر احتمال "العتداء على سليمان خاطر في سجنه من قبل
الموساد أو غير الموساد" كان واردا في "خطة تأمين سليمان خاطر في سجنه".
وكانات هذه الخطة – على حد قول مجلة المصور – تضع في اعتبارها تأمين سليمان خاطر ضد
أي محاولة تجري لقتحاما السجن الحربي بهدف اختطافه " ...كان هناك سرية حراسة كاملة
ترابط ليل ناهار في فناء المستشفى تحسبا لحتمال إنازال هليكوبتر في المكان لختطاف سليمان
أو إحداث الضرر به".
أي أن هذه الخطة وضعت على أساس أن )إسرائيل( يمكن أن تقوما بعملية عسكرية لقتل
سليمان أو لخطفه ..لكن ..ما ناشر عن خطة التأمين والحراسة ،لم توضح ما إذا كان في
حسباناها أن تتسلل )إسرائيل( بوسيلة أخرى إلى داخل الزنازاناة أما ل؟ !
وخاصة أن أسلوب التسلل يبدو طبيعيا أكثر من أسلوب القياما بعملية عسكرية ..أو التحليق
بطائرة هليكوبتر! !
وعندما سئل الرئيس مبارك عن اتهاما الدولة بقتل سليمان خاطر ،قال:
"وهل من المعقول أن يقوما أحد بقتله وأناا ل أعرف؟ ولو أن شخصا صدر إليه أمر بقتل
سليمان خاطر فمن المؤكد أناه كان سيقول وكان سيبلغ ،فليس من السهل أن تأمر أحدا بقتل أحد
فيقتل" !
لم ينف الذين أكدوا أن سليمان خاطر قتل احتمال أن يكون اناتحر ...أو بدقة أكثر لم ينفوا أن
يكون قد استنحر ..أو دفع إلى الناتحار ! !
بمعنى أوضح ..هيأوا له كل ما يمكن أن يؤدي به إلى الناتحار ..وهذا بالتأكيد من المور التي
– جعلتها ثورة علم النفس الحديث ،وثورة العلم المتطور في أجهزة المخابرات -مسألة بسيطة
للغاية ..وذلك بأقراص معينة ..أو بحقن معينة ،تعطى له بدل من حقن العلج من البلهارسيا ..
أو بواسطة خبراء نافسيين ،مدربين على التأثير والتحكم في النوازع والقرارات البشرية
وتوجيه هذه النوازع والقرارات في اتجاه الموت ..اناتحارا ...
"ومع أن احتمال قياما سليمان خاطر بالناتحار في رأي دوائر محدودة من المراقبين والرأي
العاما – هو احتمال وارد بسبب طبيعة شخصيته الفائقة الحساسية ومشاعره الوطنية القرب
إلى الشطحات الصوفية – إل أن ذلك في رأي آخرين ل يمكن أن يكون قد حدث إل بتهيئة الجو
النفسي له بما يدفعه للناتحار وهي من العمليات التي تتقنها أجهزة المخابرات ...
فهل أوهم سليمان بأناه قد أضر بوطنه وأن اختفاءه تضحية وطنية ينبغي أن يقوما بها بنفسه؟ ..
هل استغل خبراء نافسيون مدربون ناوازع الفداء والعطاء التي كانات تمل روح هذا الشاب
العجيب لينفذ بنفسه إرادة شامير وغير شامير؟ ..
وهل كان الهمال الجسيم ،وهو الحد الدناى المتفق عليه بين الجميع ،متعمدا أو غير متعمد؟ ..
وتعترف الدارة المصرية أن سليمان خاطر قد قتل ..لكنها ..تقول أيضا إن الذين قتلوه هم
الذين صنعوا منه بطل رغم أنافه ..وكانات تقصد بذلك – بالطبع – المعارضة ..التي أعطته –
حسب ما رددته الصحف الحكومية – حجما أكبر من حجمه ،فلم "يتحمل ناسيجه النفسي كل
هذه الضجة التي صنعوها من حوله" فانادفع إلى الناتحار " ..إن هذا الفتى الصغير بعمره
الغض وتجربته المحدودة" لم يتحمل "كل هذه العباء الجساما" ..فأجهز على نافسه ...
وبلور هذا التهاما الرئيس حسني مبارك ،حين قال :إن سليمان خاطر كان ضحية الذين أرادوا
أن يستثمروا قضيته!
باختصار ..ردت الدارة إلى المعارضة نافس التهمة ..تهمة قتل سليمان خاطر..
ويبقى السؤال :أليس تحويل سليمان خاطر إلى بطل يعطيه الدافع للستمرار ول يدفعه إلى
الناتحار؟
ويبقى السؤال :إذا كانات الدارة متأكدة من أن سليمان خاطر قد اناتحر ،فلماذا تصر على أن ل
تعيد تشريح جثته؟ !
وتبقى أسئلة وأسئلة لن يتوصل أحد إلى إجابة عليها ..ربما ..حتى ولو بعد عمر طويل! !
بقيت علمات الستفهاما الكبيرة حول وفاة سليمان خاطر مثار جدل كبير في الشارع ...على
المقاهي ...في مدرجات الجامعات ..وفي الصحف الحزبية ..
لكن ...هذا الجدل سرعان ما راح يخفت تدريجيا ..ليحل بدل منه الخوف على التجربة الحزبية
والسياسية والديمقراطية ،الوليدة في مصر ...
ففي الحوار الذي أجرته مجلة المصور مع الرئيس "مبارك" بمناسبة ردود فعل المعارضة
حول وفاة سليمان خاطر ،هاجم الرئيس "مبارك" المعارضة بعنف ..وبدا كما لو كان قد فقد
حلمه وأعصابه ..
وقال :أعتقد أن مصر لم تعد تتحمل المزيد وأن الحكم لم يعد يطيق ..وإن كنت قد تحملت الكثير
فهناك غيري ل يتحمل ..إن الحكم ليس فقط شخص رئيس الجمهورية ،الحكم مؤسسات ودولة
ومناخ واتفاق على المصالح القومية.
وقال :إن لكل شيء ناهاية وحدودا حتى الحياة نافسها لها حدود وناهاية!
وقال :إن الديمقراطية في خطر ،لناهم يضربوناها ..بل يقتلوناها بممارستهم التي تستهدف
الفوضى والتهييج والثارة ،وأظن أن الديمقراطية إذا لم تعد على الشعب بشيء سوى الفوضى
فإن من حق الشعب أن يكفر بها.
وعندما سئل الرئيس عن البديل ،قال :البديل في علم الغيب لكنه مخيف وخطير!
وعندما قال المحرر للرئيس إناه لم يره غاضبا على هذا النحو من قبل ،رد عليه :أناا لست النبي
فلي طاقة البشر ولي حدوده!
قال الكاتب السلمي المعروف خالد محمد خالد :ذلك ما كنا ناحاذره وناخشاه ..وما كنا ناهرب
من هواجسه إلى تفاؤلنا ..ومن محاذيره إلى ثقتنا ورجائنا ..
وتسأل مرة أخرى :وهل خطأ المعارضة يشجب الديمقراطية؟ ويعطي الفرصة لتهديدها؟ ثم ما
مدى فهمكم للمعارضة؟
أل يدلكم اسمها على وظيفتها؟ ثم ما ظنكم بها وبالديمقراطية كلها؟ أتريدون معارضة "معقمة"
وديمقراطية ملفوفة في "بالت" من القطن الطبي؟
إن الديمقراطية هي "قدرة الشعب على التغيير – تغيير حكامه وتغيير قواناينه وبالتالي اختيار
حكامه وقواناينه عن طريق القتراح الحر وليس عن طريق الناقلبات والمؤامرات".
والذين يريدون ديمقراطية بل معارضة إناما يريدون – تماما – ديمقراطية بل ديمقراطية ..وإذا
اتفقنا على هذا فل بد من التفاق الكيد على أن الديمقراطية كالحرية – حق – ل منحة.
لقد جابهنا الرئيس مبارك بنذير شديد بين يدي ما أسماه "المخيف الخطير" ..ثم يقول :وإذا
كنت قد تحملت الكثير فإن غيري ل يحتمل! ..يا ويل مصر من هذا الغير.
أو ناسأل ا القدرة على أن ناقول صادقين :يا ويل هذا الغير من مصر؟
ويقول الرئيس :إن الديمقراطية في خطر لناهم يضربوناها بممارستهم ويظن أن الديمقراطية إذا
لم تعد على الشعب بشيء سوى الفوضى ،فإن من حق الشعب أن يكفر بها ...والحق يقال إن
هذه الفقرة تحريض على الديمقراطية وإيحاء للشعب بأناها أخفقت وساءت مصيرا ...بل هي
إيعاز للشعب كي يهيئ نافسيه لجنازتها ..وأقسم برب الرض والسماء أن هذا القول لن يكون
في صالح أحد أبدا ..حتى الرئيس مبارك نافسه.
إناه يؤكد أناها – أي الديمقراطية – أصبحت فوضى على يد المعارضة بأحزابها وصحافتها ..ثم
يرتب على ذلك حكما مبينا بأن من حق الشعب أن يكفر بها.
وحذرت أحزاب المعارضة وكتابها من أن هناك "سبتمبر" أسود آخر ..قادما ..وكانات تشير
بذلك إلى ما فعله الرئيس السابق أناور السادات من اعتقالت في سبتمبر ،1981قبل اغتياله
بشهر تقريبا.
وقالت صحيفة الهالي في مقال افتتاحي وقعه رئيس التحرير :هل الخلف في الرأي والتعبير
المحدود المتاح للمعارضة عن هذا الرأي يعد خطرا على ديمقراطيتنا؟
إن كل ما تمارسه المعارضة )للسف( ل يتجاوز حق الكلما المقيد بالصحيفة السبوعية لكل
حزب وبالمؤتمرات التي تقاما داخل المقارات بينما محرما عليها كافة المكاناات والوسائل
السياسية المعروفة في أي ناظاما ديمقراطي مثل حق التنظيم في وحدات الناتاج والعمل
والجامعات وحق مخاطبة الرأي العاما من خلل أجهزة العلما المملوكة للدولة والمسماة
بالقومية وحق الجتماع في الماكن العامة وحق تنظيم المظاهرات السلمية وإناشاء الجمعيات
والشركات التي تمول ناشاطها ..بل إن أحزاب المعارضة ممنوعة قسرا من التواجد في
المجالس التمثيلية في المحليات ومجلس الشعب بقوة قاناون جائر يسمى قاناون الناتخاب
بالقائمة المطلقة وقاناون الناتخاب بالقائمة النسيبة الحزبية المشروطة وبقوة أجهزة الدولة
التي احترفت تزييف الناتخابات العامة لصالح الحزب الحاكم ...فكيف تهدد المعارضة
الديمقراطية في مقتل؟
إن الحفاظ على الديمقراطية واستقرارها وتقدمها مسئولية الغلبية ل القلية ،والحكومة تقول
لنا إن الحزب الوطني الديمقراطي هو حزب الغلبية الذي يحظى بتأييد %80من الشعب
المصري!
إذن فلماذا هذا الخوف والقلق من أحزاب المعارضة والتي ل تتمتع طبقا لما تقوله الحكومة
والحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية إل بتأييد أقلية ضئيلة ل تتجاوز الـ %20
إذا كان الخلف بيننا وبين الرئيس جذريا وخطيرا على النحو الذي بدا في صياغة السئلة
والعناوين ،فإن الحرب بين الحكومة والقوى الوطنية الخرى تكون حينئذ مبررة ..ومرحبا بها
في هذه الحالة ،إذ لسنا ممن يشترون سلمتهم الشخصية بالتنازل عن مبادئهم ...وقل لن
يصيبنا إل ما كتب ا لنا ...ولكن إذا لم يكن الخلف على هذا القدر من العمق ،يصبح من
الحماقة أن تنشأ حرب تصيب الطراف كلها بالخسارة لمجرد أنانا تقاعسنا عن فهم بعضنا
البعض.
الرئيس تساءل :كم من الوقت تستطيع مصر أن تتحمل عبث أحزاب المعارضة؟
وناحن بدورناا ناقلق لما يحدث في بلدناا وناتساءل :كم من الوقت تستطيع مصر أن تتحمل
السياسات الحالية للحكومة؟ ويدهشنا أن الرئيس لم يشر إلى سؤالنا هذا إلى جاناب إثارته
للسؤال الول عن عبث المعارضة ،إن الرئيس مبارك يقول إن الممارسات الحالية قد تفضي إلى
بديل هو في علم الغيب )على حد تعبيره( ولكنه بديل "مخيف وخطير" وناحن ناتفق تماما على
أهمية هذا التحذير ،ولكننا ل ناعتبره موجها لنا وحدناا.
وهكذا ..فجر سليمان خاطر العديد من القضايا وهو على قيد الحياة ..وفجر العديد من القضايا
بعد أن رحل عن الرض وصعدت روحه إلى السماء ..
لقد كان بالفعل – مثل الحجر الصغير الذي يثير الدوامات في الماء الراكد ..وبعد أن سكن في
قاع النهر ..ل تزال الدوامات تتسع ..وتتسع ..وتتسع ...
قبل الرحيل
ما أخشاه ليس الموت ،ما أخشاه أن يكون موتي سبب في أن يعيد كل جندي حساباته عندما
يجد نافسه في موقف يحتمه عليه واجبه فيتردد أو يتخاذل.