Professional Documents
Culture Documents
األهداف التعليمية:
بعد دراسة هذه الوحدة التعليمية يجب على الطالب أن يكون قاد ارً على:
العناصر:
نشأت السينما كوسيلة لتسجيل حركة الواقع نفسها ،الحقيقة المحددة داخل الزمن ،وكوسيلة إلعادة إنتاج
اللحظة المرة تلو األخرى في تحولها المرن والرشيق ،تلك اللحظة التي بواسطتها نجد أنفسنا قادرين على
إحراز السيطرة عن طريق طبع اللحظة على الفيلم ،وذلك هو ما يحدد وسط السينما.
إن مفهوم المبدع يصبح شهادة إنسانية حية ،تستطيع أن تثير وتأسر الجمهور فقط عندما نكون قادرين
على غمرها في تيار الواقع المتدفق الذي نحاول تثبيته بإحكام في كل لحظة مادية وملموسة نرسمها أو
نصورها ،اللحظة الوحيدة والفريدة في البنية كما في الشعور ،واال فإن الفيلم يكون محكوماً عليه باإلخفاق،
سيموت قبل أن يولد.
يقول جون بيلغر "إن هناك جوعاً للفيلم الوثائقي ألنه وحده قادر على تقديم الحقيقة من دون خوف أو
مواربة" ،وان األفالم التي تحاول إيصال الحقيقة والتأثير في الناس هي موجودة وان كانت قليلة ومنها
المغيبة عن الغرب حيث أخرج فيلمين عن
ّ أفالم بيلغر الذي يحاول أن يكشف الستار عن الحقائق
فلسطين المحتلة يحمل أحدهما عنوان "ال زالت القضية" عام 2113باعتبار أن شيئاً لم يتغير على حياة
الفلسطينيين ،واآلخر "كسر الصمت :الحقيقة واألكاذيب عن الحرب على اإلرهاب" عام ،2113هذا وقد
عايش بيلغر عدداً من األحداث العالمية بدأت من الخمسينيات من خالل تسجيله للمغامرة األمريكية في
2
فيتنام ،كما عايش االنتفاضتين الفلسطينيتين وانتبه إلى أثر العولمة على سكان الدول الفقيرة في فيلمه
المعروف "حكام العالم الجدد" ،ومن أهم أعماله "عام الصفر :الموت الصامت لكمبوديا" عام ،1979
و"فيتنام المعركة األخيرة" ،1995و"يدفعون الثمن :قتل أطفال العراق" ،2111و"فلسطين".
ويرى الكاتب والمفكر نعوم تشومسكي أن السبب الذي جعل بيلغر محط انتقاد هو أنه كان يواجه
الجمهور بالحقيقة المرة.
الحقيقة في الفيلم الوثائقي والتي قلنا إنها جزء أساس فيه فهي الحقيقة التي تراها عين السينمائي كمراقب
صور من
للواقع ،ولكون الصورة حقيقية أي تصور حدثاً حقيقياً ال يعني أنها حقيقية ،فالحدث الحقيقي ُي َّ
استخدامه في فيلم يعني استخدامه للتعبير عن وجهة نظر
ُ زاوية تصوير معينة وفي إضاءة معينة ،و
يعبر عن وجهة نظر ألن صانع الجريدة يختار
صور في إطار الجريدة اإلخبارية ّ
الم َّ
محددة ،حتى الحدث ُ
هذا الحدث من بين أحداث متعددة وقعت في الوقت نفسه.
فنان السينما الوثائقية الهولندية غوريس إيفانس ( )1989–1898فيرى أن أكثر ما يثير دهشته الفكرة
الشائعة بأن الفيلم الوثائقي يجب أن يكون موضوعياً ،ويعلق إيفانس أن مسألة وجهة النظر األخرى يمكن
إن ُي َعّبر عنها بواسطة فيلم آخر (وليس ضرورياً في الفيلم ذاته) ويعطي مثاالً ،هل نطلب الموضوعية في
الشاهد الذي يدلي بشهادته أمام المحكمة؟ كال ،.إنما نطلب منه أن يكون صادقاً في شهادته ،فنحن
نعرف أن الموضوعية المطلقة في مثل هذه األمور والشؤون هي عنقاء ليس لها وجود حقيقي ،ولكن ثمة
مستوى معين إذا انحدر عنه العمل الفني َبطُ َل أن يكون مقبوالً ،وصار مجرد شريط دعاية تافه.
3
إن البحث عن الحقيقة كما يرى العديد من الوثائقيين أمر صعب قد يودي بصاحبه وهذه ليست دعوة
للسكوت لكن قول الحقيقة يحتاج إلى رحلة في درب قد ال يعود ماشيه ،ومن هنا جاء تغييب اسم المخرج
األمريكي مايكل مور عن التألق اإلعالمي والشاشة واألضواء ،وذلك يأتي بسبب بحثه عن جوهر الحقيقة
والجميع ساكتون ،وكأنه تطبيق لفكرة إيفانس الذي ُي ِعد أن "المهمة األولى للفيلم الوثائقي هي إبراز
الحقيقة ..الحقيقة عن الناس والحقيقة للناس".
وبالتالي فإن فكرتَي الحقيقة والموضوعية في الفيلم الوثائقي وفي غيره من األنواع اإلعالمية األخرى
مصطلحان نسبيان نتيجة عوامل متعددة متعلقة بطرائق اإلنتاج وأساليبه ،ولكن هذا ال يمنع أن يحاول
الفيلم الوثائقي مالمسة جوانب من الموضوعية والحقائق.
4
وي ِعد المؤلف السينمائي لوي دي جانيتي أن الموضوعية هدف مستحيل في أي مشروع تسجيلي إذ إن
ُ
رؤية المخرج لألحداث الواقعية ستتأثر ال محالة بقيمه وتحيزاته وأفكاره المسبقة.
وألن شخصاً مثل المخرج مايكل مور في حالة صراع طويل مع رئيسه األمريكي الحالي ،لم يجد ما هو
مضاء من الصورة الوثائقية ،ولهذا حشد ما استطاع ليهاجم ويفضح ،ويوم ُعرض فيلمه في مهرجان
ً أشد
كان عام 2114كانت الصور الفاضحة لسجن أبو غريب قد بدأت بالذيوع ،وبهذا أعادت الناس مع
صور ومع شخصيات (أبو غريب) إلى وقائعية الصورة ومصداقيتها التي ال يمكن أن تخطئ ،وهي بحد
ذاتها إعادة اعتبار للحقيقة الدامغة للصورة الوثائقية التي تقتفي أثر الشهود بال هوادة.
فالسينما الوثائقية هي معالجة للواقع وهذا الجانب الموضوعي فيها ،والمعالجة تكون خالقة وهذا هو
الجانب الذاتي في السينما الوثائقية ،فلكل مخرج رؤيته التي من خاللها نشاهد نحن الفيلم ،لقد تناول عدد
نفسها وكان لكل مخرج منهم رؤيته في صياغة الفيلم ،ولو جاء كل مخرج بما
من المخرجين الموضوعات َ
جاء غيره قبله فأين هو اإلبداع المتجدد الذي لواله لما كان هنالك فن أو حياة.
في عصر تفوق الصورة التلفزيونية والبث المباشر الذي يقدم صو اًر حية وواقعية في ذروة التهابها ومؤث اًر
على طبيعة وحيوية الفيلم الوثائقي ،فمن المنتظر انطالق فنان الفيلم الوثائقي في العثور على أساليب
أخرى أكثر رحابة في تناول الواقع ،كما يقول الناقد هاشم النحاس الذي يرى أن" :تحول فنان الفيلم
الوثائقي إلى استخدام تكنيك الرؤية الذاتية في عرض موضوعه بدالً من تكنيك الرؤية الموضوعية ،يمثل
أحد التوجهات المالئمة للخروج من هذا المأزق ،وتكشف الرؤية الذاتية في األفالم الوثائقية عن نفسها
بإعالن المخرج عن وجوده في قلب الحدث ،ويحكي لنا ما يراه أو نشاهد األحداث من خالل وجهة نظره
الشخصية في الفيلم تحكي لنا (أو نرى) تجربتها الذاتية".
الواقع أن هذا التكنيك في السرد ليس جديداً تماماً على الفيلم الوثائقي ،فقد سبقت ممارسته أحياناً ،ولكن
قيمته اليوم تزداد أهمية ،وترجع أهمية هذا التكنيك إلى أنه يضفي على ما يقدمه من أحداث قيمة إضافية
5
تزرعها مشاعر وخواطر صاحب الرؤية ،وهذه القيمة اإلضافية تجعل العرض أكثر كثافة (يرتفع عن
مستوى الخبر) وتخلع على األحداث ثوباً جديداً من الرؤية يجعلها قابلة للمشاهدة حتى لو كانت أحداثاً
سبق عرضها ،وتعمل على إثارة عواطف المشاهد وأفكاره بالتماهي مع صاحب التجربة.
وال يتعارض تكنيك النظرة الذاتية مع الكشف عن الحقائق التي ال تتفق ورأي الشخصية التي نرى من
خاللها األحداث بل إن وجود هذه الحقائق المتناقضة والتعليق المعارض لها من وجهة نظر الشخصية،
يؤكد النظرة الذاتية باعترافها على هذا الواقع الذي يقرر ما يؤكد مصداقيتَها باعترافها بوجوده ،ويحافظ
على سمة النسبية المعرفية.
إن السينما – وبخاصة الوثائقية -أداة من أدوات االتصال والتوصيل الجماهيري التي أصبح الحديث
عن تأثيرها وموقعها بين األدوات األخرى حديثاً في البديهيات خصوصاً بعد أن شهدت مختلف مجاالت
6
الفنون السمعية البصرية عامة والفن السينمائي بخاصة تطو اًر هائالً سواء في وسائل اإلنتاج وأدواته
وتقنياته أم في أشكال العرض والتوصيل والتأثير ،بحيث أصبح الفيلم السينمائي وسيطاً ال يمكن تصور
مضاهاته من قبل أي وسيلة أخرى في حقل نقل المعارف والتجارب والثقافات ،وبالتالي نقل ونشر وتعميم
النسيج الفكري واإليديولوجي لهذه المعارف وهذه الثقافات.
أحدث ثورةً في وسائل االتصال الجماهيري لكونه أداة لنشر وترويج األعمال األدبية
َ غير أن التلفزيون
والفنية واألعمال السينمائية ،وهكذا أخذ التلفزيون باالعتماد على السينما وورث كثي اًر من تقاليدها وعالقتها
بالجمهور واألفكار ونمط الحياة ،وبدأ الجمهور – واليزال -يغذي رغباته الفنية بالمكوث أكثر فأكثر أمام
الشاشة الصغيرة.
ٍ
عقبات خطيرة بلغت درجة التهديد بوجودها ،مما جعل وهكذا ،ومنذ ظهور التلفزيون والسينما تواجه
عالقتها بالتلفزيون معقدة ،فبوجود التلفزيون ال شك بوجود أزمة في السينما بشكل عام والروائية بشكل
المتَبادلة.
خاص ألن السينما الوثائقية عرفت جيداً التعامل مع التلفزيون على أساس المصلحة ُ
منافس له:
ٌ ومروٌج أو
ّ عارض
ٌ منتج للفيلم الوثائقي أو
وفي عالقته مع الفيلم الوثائقي ،التلفزيون هو إما ٌ
.1التلفزيون ِ
كمنتج للفيلم الوثائقي:
7
وبحسب نظرية االتصال على مرحلتين (ُ ،)The Two-step flow of Communicationيعد
التلفزيون وسيلةً لنقل وسيلة أخرى هي السينما ،والتلفزيون يحتاج إلى السينما فهو يعتمد عليها لتغطية
جزء من شبكة برامجه من خالل عرض األفالم الروائية والوثائقية ،وبالتالي جذب الجمهور إليه وما يتبع
ذلك من كسب التلفزيون الهتمام المعلنين ورعاية المنتجين والموزعين اإلعالميين والسينمائيين ،وبالمقابل
السينما تحتاج إلى التلفزيون لترويج نفسها وكسب طرق توزيع واستثمار أخرى غير الطرق التقليدية
المتمثلة بدور العرض والمعارض والمهرجانات ،والسيما أن التلفزيون هو الوسيلة اإلعالمية واإلعالنية
األكثر جماهيرية.
عدها
لكن ما هو التلفزيون في األصل؟ وما هي نشرات األخبار التي يقدمها والريبورتاجات التي ُي ّ
والمباريات الرياضية التي ينقلها والوقائع والحوادث التي يسجلها ويبثها؟ أليست هي سينما وسينما تسجيلية
تحديداً ،منقولة ومعروضة بطريقة تقنية أخرى ومختلفة؟
كل ما ُذكر – ربما -هو الذي دفع التلفزيون لالستمرار في اإلنتاج حتى أصبح اليوم من أكبر منتجي
ِ
يكتف التلفزيون بعرض السينما الوثائقية ،ومن أكبر مستثمريها وعارضيها وأكبر المستفيدين منها ،فلم
األفالم الوثائقية ومن ثم إنتاجها وتوزيعها ،بل تجاوز ذلك وأنشأ قنوات متخصصة بإنتاج وتوزيع وعرض
األفالم الوثائقية ،والى وقت ليس بعيداً كانت القنوات العربية تشتري األفالم الوثائقية األجنبية لتعبئة شبكة
8
البرامج ولمجرد ملء وقت اإلرسال إال أن هذا قد تغير تماماً اآلن؛ ألن محطات تلفزيونية عربية مثل
الجزيرة والعربية أصبحت محطات منتجة للفيلم الوثائقي وتعرضه في أفضل أوقات اإلرسال لديها ،وعلى
سبيل المثال ،وفي العام األول لإلرسال فقط نفذت شركة O3التابعة لمجموعة MBCأفالماً وثائقية
ألكثر من ستين ساعة حول مواضيع تخص السعودية والعراق وفلسطين ومضامين عربية أخرى مع
تركيز واضح على الحدث السياسي الجاري في المنطقة ،وأنتجت أيضاً سلسلة عن إرهابيين سابقين ،وقد
أُنتِجت األفالم الوثائقية األولى لمحطة العربية اإلخبارية ولمحطة .MBC
يشغل باله بصحة وسالمة األسلوب الذي تجري به استطالعات الرأي أو أهمية التجريب عندما يكون
المهم هو جذب أكبر عدد من الناس؟
9
التلفزيونية والسيما األفالم ذات المواضيع السياسية واألفالم اإلثنوغرافية التلفزيونية التي تتناول شعوباً ليس
لها تاريخ ،أو قبائل غريبة األطوار وبعيدة عن المدنية والتحضر (كما رأينا سابقاً) ،ومثال ذلك صانعو
أفالم مستقلون ينتقدون المحطتين الفضائيتين الكبيرتين (الجزيرة والعربية)؛ ألن أفالمهما الوثائقية تقتصر
بشدة على المواضيع السياسية ،عدا ذلك يؤثر صانعو البرامج بشكل مباشر على مضامين األفالم
ويمارسون الرقابة عليها.
إن السينمائي الوثائقي يعرف تماماً أن الحياة في حقل السينما الوثائقية ليست دائماً مثيرة ،وأنه ال أحد
يستطيع أن يجعل الحقيقة الساكنة المستمرة نسبياً أكثر جماالً وأهمية ،وكان ليزلي وودهيد Leslie
Woodheadأحد المتخصصين المخضرمين في األفالم الوثائقية في بريطانيا يشرح – في الماضي –
أنه بالنسبة لمشاهدي البث التلفزيوني في ساعات الذروة لم يكن يستطيع أن يسمح لنفسه بإيقاع بطيء أو
عدم وجود تعليق مصاحب للفيلم.
10
ج .بعض الفروق بين األفالم الوثائقية التلفزيونية والسينمائية:
ال يرى الكثير الفرق المهم بين األفالم الوثائقية المنتَجة
صنعت للسينما ،وهناك فروق كبيرة
للتلفزيون وتلك التي ُ
تكنولوجية وجمالية على الرغم من أنها مالت إلى عدم
الوضوح بعد منتصف الستينيات ،كما أن هنالك فروقات
جماليةً مهمة بين التلفزيون والسينما بسبب صغر حجم
الشاشة بميل التلفزيون إلى تفضيل اللقطات المفضلة
وبخاصة اللقطة الكبيرة واللقطة المتوسطة مثالً :فيلم "رجل
من آران" بلقطاته البعيدة والبعيدة جداً قد َيفقد الكثير من
تأثيره في التلفزيون والصوت أيضاً يختلف في استخدامه في
كل من التلفزيون والسينما ،والسبب ربما لكون العديد من الصحفيين التلفزيونيين كان قد تلقى تدريبه في
اإلذاعة فإنه يميل إلى أن يكون أكثر اعتماداً على اللغة من أغلبية الفنانين الوثائقيين الذين يصنعون
أفالماً لدور العرض.
وأخذت األفالم الوثائقية تفرض نفسها على برامج العرض في دور السينما في مختلف أنحاء العالم حتى
بعد انتشار اإلرسال التلفزيوني ،وأصبحت هذه األفالم تحتل حي اًز وأهمية كبيرين في اإلعالم الجماهيري
فأصبح من الممكن عرض عدد أكبر من األفالم الوثائقية على الشاشة الصغيرة.
11
وبتطور العملية التلفزيونية والبث التلفزيوني حتى إلى ما قبل نشوء الفضائيات بدأ التلفزيون يسرق الفيلم
الوثائقي ويفرغه من محتواه ليحوله إلى فيلم دعائي إيديولوجي واختلط الفهم ما بين الفيلم الوثائقي وفيلم
المنتِج لهذا النوع من األفالم سوى الدعم الذي تقدمه عادةً بعض
الريبورتاج ،والسبب هو عدم توفر ُ
المؤسسات األوروبية وهو محدود وفرصة لعدد ضئيل من المخرجين ،وهذا الدعم اليزال قائماً إلى الوقت
الحاضر حيث يستطيع بعض المخرجين إنتاج األفالم الوثائقية بميزانيات منخفضة ألن الفيلم الوثائقي ال
يحتاج سوى لكامي ار مع واقع.
وقد اقتصر عرض الفيلم الوثائقي وتقديمه على المهرجانات أو محطات التلفزة المتخصصة (األوروبية
واألمريكية) ،وتلك -بطبيعة الحال -ليست واسعة الجماهيرية.
إذاً تتمتع السينما الوثائقية بقدرة هائلة وحيوية على التأقلم مع اإلمكانيات المتجددة المتاحة لالنتشار
واالتصال الجماهيري ،والنتيجة أن ميول السينما الوثائقية -وأيضاً الروائية -إلى شاشة التلفزيون يتوافق
توافقا تاماً مع الطبيعة االتصالية للفن السينمائي حيث تؤكد كثير من استطالعات الرأي العام عبر العالم
أن األفالم وما يتعلق بها من برامج تحتل موقعاً متقدماً بين أفضليات مشاهدي التلفزيون.
إن عرض األفالم الوثائقية على قنوات التلفزيون هو بمثابة اعتراف رسمي بقدرته على لفت انتباه وجذب
عدد ال بأس به من المشاهدين ،ولكن ذلك ال يضمن وال يمنح أي أهمية من الناحية السياسية أو الثقافية
12
أو االجتماعية أو اإلثنوغرافية ،وقد يكون للفيلم مزايا سينمائية ،ولكن حظه من األهمية سابقة الذكر قد
يكون متواضعاً.
فالفيلم الوثائقي عمل فني مهم وخطير وبالغ التأثير؛ ألنه يعتمد الصورة مقرونة بالكلمة ،ولهذا فإن وسائل
اإلعالم المسموعة والمرئية مدعوة بل مطالبة بأن تتفق وتتوافق على ضوابط وحدود معينة ،وال بأس في
أن تكون على شيء من التشدد والصرامة بهذا الشأن ،فال تكون الشاشة الصغيرة وسيلة تمويه وتضليل
بدل أن تكون وسيلة تنوير وتثقيف صادق أصيل ،ألن التلفزيون كوسيلة اتصال اجتماعية سيصبح عديم
الفائدة إذا لم ينجح من خالل األفالم الوثائقية في إبراز ظواهر الحياة اإلنسانية وتقديمها في ثرائها
وتنوعها بشكل صادق وأمين.
من جانب آخر ،يمارس الموزعون ضغوطاً على الوثائقيين لبذل كل الجهود الممكنة لالقتراب من
الجمهور والوصول إليه ،وال يعجبهم أبداً أن يعرض التلفزيون األفالم الوثائقية في توقيت متأخر؛ ألنهم
ُي ِعدون هذه األفالم ذات قيمة وقادرة على أن تقدم للمشاهد ما هو أكثر من مجرد التسلية البسيطة.
13
د .الفروق الشاسعة بين األفالم الوثائقية المصنوعة للسينما والمصنوعة للتلفزيون:
باختصار فإن الفروق الشاسعة التي تميز كالً من
األفالم الوثائقية المصنوعة للسينما وتلك المصنوعة
للتلفزيون هي:
تسبب التلفزيون في عدم توافر المشاهد الذي يذهب هو إلى الفيلم بعد أن صار الفيلم يذهب إليه
(التلقي السلبي).
عدم توافر الدعم لهذا النوع من األفالم إال من بعض المؤسسات ذات النفع العام والخاص ،وهو دعم
محدود لعدد محدود من المخرجين.
14
ولكن أهم ما ينقص األفالم الوثائقية في التلفزيون ليس توفر المخرجين الذين يبلغون درجة من
التعمق كالباحثين ،وانما ينقصها وجود الباحثين المستعدين لبذل جهود كبيرة لمحاولة التعبير بلغة
ليسوا معتادين عليها.
إن ظروف اإلنتاج التلفزيوني تدفع العاملين في التلفزيون إلى إنجاز مهامهم بإيقاع سريع ال يتوافق -
بل ويتعارض -مع العمل المتعمق للباحثين الذي يمارسه عادةً السينمائيون الوثائقيون.
إن التلفزيون مكان ال يمكننا فيه بالتأكيد أن نفكر في المجتمع أو في العمل الثقافي (وبشكل خاص
إنتاج وعرض األفالم الوثائقية المتميزة والممتعة تقنياً والهادفة والمفيدة مضموناً)؛ ألن التلفزيون أصبح
-ربما نهائياً -عالماً افتراضياً لمجتمع التسطيح واالستعراض.
وحيث يعمل التلفزيون جاهداً على النشر العلني والمباشر أحياناً لبعض السلوكيات اإلنسانية النمطية،
التي غالباً ما يتم تناولها بشكل استعراضي ومثير لإلعجاب تنقلنا األفالم الوثائقية -والسيما
اإلثنوغرافية -فجأة إلى هويتنا الخاصة ،وتعطينا فرصة للتفكير في ذاتنا وفي مظاهر حياتنا ،ومن
ثم ربما تؤدي إلى تغييرنا أو على األقل تغيير شيء فينا.
وعلى مستوى اإلنتاج العربي ،ال توجد إنتاجات عربية بينية أي عربية -عربية مشتركة ،وعلى الرغم
من تنوع المحطات التلفزيونية العربية ،فإن كل قناة تنتج بمفردها.
وأخي اًر ،فإن إنتاج األفالم الوثائقية ،وفي مقدمتها السياسية واإلثنوغرافية المخصصة للعرض على
الجماهير العريضة يتعرض لمسائل ذات طبيعة جوهرية بعيدة كل البعد عن السطحية المعروفة عن
التلفزيون ،حيث يتفق العديد من الوثائقيين -والسيما األنثروبولوجيين أو اإلثنوغرافيين -مع كثير من
الباحثين في إدانة الطابع اليائس والهزيل للبرامج التلفزيونية ،لكن االتصال الجماهيري هو العالم الجديد
المتجدد ،وجمهور التلفزيون يمثل أسرة كبيرة العدد ،فخير من نبذ التلفزيون هو السعي إلى إيجاد الطريقة
التي تم ّكن من تحسين فعالية عمله.
15
الخالصة
صور من زاوية
تصور حدثاً حقيقياً ال يعني أنها حقيقية ،فالحدث الحقيقي ُي َّ
لكون الصورة حقيقية أي ّ
تصوير معينة وفي إضاءة معينة ،واستخدامه في فيلم يعني استخدامه للتعبير عن وجهة نظر محددة،
فالموضوعية المطلقة هنا ليس لها وجود حقيقي ،وان المهمة األولى للفيلم الوثائقي هي إبراز الحقيقة..
الحقيقة عن الناس والحقيقة للناس ،لكن البحث عن الحقيقة أمر صعب قد يودي بصاحبه ،وبالتالي فإن
فكرتي الحقيقة والموضوعية في الفيلم الوثائقي مصطلحان نسبيان نتيجة عوامل متعددة متعلقة بطرائق
اإلنتاج وأساليبه ،ولكن هذا ال يمنع أن يحاول الفيلم الوثائقي مالمسة جوانب من الموضوعية والحقائق،
فالموضوعية هدف مستحيل في أي مشروع وثائقي إذ إن رؤية المخرج لألحداث الواقعية ستتأثر ال محالة
بقيمه وتحيزاته وأفكاره المسبقة ،فالسينما الوثائقية هي معالجة للواقع وهذا الجانب الموضوعي فيها،
والمعالجة تكون خالقة وهذا هو الجانب الذاتي في السينما الوثائقية.
منافس له،
ٌ ومروٌج أو
ّ عارض
ٌ وفي عالقته مع الفيلم الوثائقي ،التلفزيون هو إما منتج للفيلم الوثائقي أو
فالتلفزيون هو أداة لنشر وترويج األعمال األدبية والفنية واألعمال السينمائية ،وهذا ال يعني عدم وجود
مشكالت عديدة تعترض سبيل الفيلم الوثائقي في عالقته مع التلفزيون.
16
المراجع
.1أندريه تاركوفسكي ،الزمن في السينما ،ترجمة أمين صالح ،جريدة األيام 13 ،حزيران .2114
.2لوي دي جاينتي ،فهم السينما -الفيلم التسجيلي ،ترجمة جعفر علي ،الدار البيضاء ،عيون
المقامات ،المكتبة السينمائية .1991 ،6
.3سمير فريد ،همنغواي مع إيفانس في األرض ،موقع.www.nizwa.com :
.4جورج حداد ،الوثائقي وفلسفة تشرتشل في كتابة التاريخ ،الدستور .2117-7-2
.5قاسم حول ،البحث عن الحقيقة ،عن موقع الركن األخضر .www.grenc.com
.6عزيزة علي ،اللجوء إلى الطفل الفلسطيني في السينما محاولة لالقتراب من المأساة الكبيرة ،حوار مع
المخرج العراقي قيس الزبيدي ،مجلة الطريق نصف الشهرية موقع.www.attareek.org :
Jean-Paul Colleyn: La necessité de ne pas séparer les genres artistiques, .7
in Demain le cinéma éthnographique, Revue CinémAction, N° 64, ed.
Corlet–télérama, 1992.
.8طاهر عبد مسلم ،إعادة اعتبار للصور الوثائقية ،جريدة الزمان ،العدد ،1896تاريخ -8-26
( ،2114بتصرف).
.9هاشم النحاس ،الرؤية الذاتية وانقاذ الفيلم الوثائقي من مأزق البث المباشر ،موقعwww.al- :
.vefagh.com
.11قيس الزبيدي ،المرئي والمسموع في السينما ،منشورات و ازرة الثقافة ،سلسلة الفن السابع ،112
سورية ،دمشق.2116 ،
.11موسوعة علم اإلنسان ،ترجمة محمد الجوهري وزمالئه ،المشروع القومي للترجمة ،المجلس األعلى
للثقافة ،القاهرة.1998 ،
.12كريستينا فورش ،ثقافة الفيلم الوثائقي ،ترجمة يوسف حجازي ،حقوق الطبع قنطرة ،2115موقع:
www.qantara.comو( www.inciraq.comبتصرف).
.13عائد نبعة ،السينما الوثائقية والتسطيح التلفزيوني ،موقع صحيفة دروب اإللكترونية
،www.doroob.comوموقع .www.albadil.net
17
Jean-Paul Colleyn: L'universitaire, le journaliste et le grand pulic, in .14
Demain le cinéma éthnographique, Revue CinémAction, N° 64, ed.
Corlet–télérama, 1992.
18
التمارين
19
.3اهتم التلفزيون بالفيلم الوثائقي:
.Aإنتاجاً واستثما اًر ومن ثم عرضاً على شاشته.
.Bعرضاً على شاشته ومن ثم إنتاجاً واستثما اًر.
.Cاستثما اًر وعرضاً على شاشته ومن ثم إنتاجاً.
.Dإنتاجاً وعرضاً على شاشته ومن ثم استثما اًر.
20