You are on page 1of 20

‫الوحدة التعليمية الحادية عشرة‬

‫السينما الوثائقية‪ ..‬قضايا واشكاليات‬

‫األهداف التعليمية‪:‬‬

‫بعد دراسة هذه الوحدة التعليمية يجب على الطالب أن يكون قاد ارً على‪:‬‬

‫‪ .1‬يحدد الحقيقي والموضوعي والذاتي في الفيلم الوثائقي‪.‬‬


‫‪ .2‬يشرح الموضوعية والحقيقة في الفيلم الوثائقي‪.‬‬
‫‪ .3‬يحدد الموضوعية والحقيقة حسب جون بيلغر‪.‬‬
‫‪ .4‬يحدد الموضوعية والحقيقة حسب غوريس إيفانس‪.‬‬
‫‪ .5‬يشرح عملية البحث عن الحقيقة في الفيلم الوثائقي‪.‬‬
‫‪ .6‬يحدد الموضوعي والذاتي في الفيلم الوثائقي‪.‬‬
‫‪ .7‬يشرح أهمية الوقائع المصورة في الفيلم الوثائقي‪.‬‬
‫‪ .8‬يشرح تكنيك الرؤية الذاتية في الفيلم الوثائقي‪.‬‬
‫‪ .9‬يشرح العالقة بين الفيلم الوثائقي والتلفزيون حيث التلفزيون منتِج للفيلم الوثائقي‪.‬‬
‫‪ .11‬يشرح العالقة بين الفيلم الوثائقي والتلفزيون حيث التلفزيون عارض للفيلم الوثائقي‪.‬‬

‫العناصر‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬الحقيقي والموضوعي والذاتي في الفيلم الوثائقي‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬العالقة بين الفيلم الوثائقي والتلفزيون‪.‬‬


‫أوالً‪ :‬الحقيقي والموضوعي والذاتي في الفيلم الوثائقي‬

‫أ‪ .‬الموضوعية والحقيقة في الفيلم الوثائقي‪:‬‬


‫يكبر أو‬
‫تلعب أي وسيلة إعالمية دو اًر ما في الرسالة التي توجهها إلى جمهورها المستهدف‪ ،‬وهذا الدور ُ‬
‫ويعد الفيلم الوثائقي أقرب هذه الوسائل إلى الصدق والموضوعية‪ ،‬وذلك‬
‫يصغر حسب طبيعة كل وسيلة‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫العتماده على الصورة الواقعية‪ ،‬فمقدرة السينما على السعي والبحث عن المالحظة واالختيار‬
‫المستخلَصين من الحياة نفسها أن تتحول إلى نوع جديد وحيوي من الفن‪ ،‬أما أفالم االستديوهات فتتجاهل‬
‫هذا الباب الذى يمكن أن تطل منه السينما على العالم الحقيقي‪ ،‬فهي تصور قصصاً تمثيليةً أمام مناظر‬
‫مصطنعة‪ ،‬بينما الفيلم الوثائقي يصور المنظر الحي‪.‬‬

‫نشأت السينما كوسيلة لتسجيل حركة الواقع نفسها‪ ،‬الحقيقة المحددة داخل الزمن‪ ،‬وكوسيلة إلعادة إنتاج‬
‫اللحظة المرة تلو األخرى في تحولها المرن والرشيق‪ ،‬تلك اللحظة التي بواسطتها نجد أنفسنا قادرين على‬
‫إحراز السيطرة عن طريق طبع اللحظة على الفيلم‪ ،‬وذلك هو ما يحدد وسط السينما‪.‬‬

‫إن مفهوم المبدع يصبح شهادة إنسانية حية‪ ،‬تستطيع أن تثير وتأسر الجمهور فقط عندما نكون قادرين‬
‫على غمرها في تيار الواقع المتدفق الذي نحاول تثبيته بإحكام في كل لحظة مادية وملموسة نرسمها أو‬
‫نصورها‪ ،‬اللحظة الوحيدة والفريدة في البنية كما في الشعور‪ ،‬واال فإن الفيلم يكون محكوماً عليه باإلخفاق‪،‬‬
‫سيموت قبل أن يولد‪.‬‬

‫الموضوعية والحقيقة حسب جون بيلغر‪:‬‬

‫يقول جون بيلغر "إن هناك جوعاً للفيلم الوثائقي ألنه وحده قادر على تقديم الحقيقة من دون خوف أو‬
‫مواربة"‪ ،‬وان األفالم التي تحاول إيصال الحقيقة والتأثير في الناس هي موجودة وان كانت قليلة ومنها‬
‫المغيبة عن الغرب حيث أخرج فيلمين عن‬
‫ّ‬ ‫أفالم بيلغر الذي يحاول أن يكشف الستار عن الحقائق‬
‫فلسطين المحتلة يحمل أحدهما عنوان "ال زالت القضية" عام ‪ 2113‬باعتبار أن شيئاً لم يتغير على حياة‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬واآلخر "كسر الصمت‪ :‬الحقيقة واألكاذيب عن الحرب على اإلرهاب" عام ‪ ،2113‬هذا وقد‬
‫عايش بيلغر عدداً من األحداث العالمية بدأت من الخمسينيات من خالل تسجيله للمغامرة األمريكية في‬

‫‪2‬‬
‫فيتنام‪ ،‬كما عايش االنتفاضتين الفلسطينيتين وانتبه إلى أثر العولمة على سكان الدول الفقيرة في فيلمه‬
‫المعروف "حكام العالم الجدد"‪ ،‬ومن أهم أعماله "عام الصفر‪ :‬الموت الصامت لكمبوديا" عام ‪،1979‬‬
‫و"فيتنام المعركة األخيرة" ‪ ،1995‬و"يدفعون الثمن‪ :‬قتل أطفال العراق" ‪ ،2111‬و"فلسطين"‪.‬‬

‫ويرى الكاتب والمفكر نعوم تشومسكي أن السبب الذي جعل بيلغر محط انتقاد هو أنه كان يواجه‬
‫الجمهور بالحقيقة المرة‪.‬‬

‫الحقيقة في الفيلم الوثائقي‪:‬‬

‫الحقيقة في الفيلم الوثائقي والتي قلنا إنها جزء أساس فيه فهي الحقيقة التي تراها عين السينمائي كمراقب‬
‫صور من‬
‫للواقع‪ ،‬ولكون الصورة حقيقية أي تصور حدثاً حقيقياً ال يعني أنها حقيقية‪ ،‬فالحدث الحقيقي ُي َّ‬
‫استخدامه في فيلم يعني استخدامه للتعبير عن وجهة نظر‬
‫ُ‬ ‫زاوية تصوير معينة وفي إضاءة معينة‪ ،‬و‬
‫يعبر عن وجهة نظر ألن صانع الجريدة يختار‬
‫صور في إطار الجريدة اإلخبارية ّ‬
‫الم َّ‬
‫محددة‪ ،‬حتى الحدث ُ‬
‫هذا الحدث من بين أحداث متعددة وقعت في الوقت نفسه‪.‬‬

‫وي ِعد أن الفيلم الوثائقي الموضوعي‬


‫لذلك يسخر غريرسون من فكرة الموضوعية في األفالم غير الخيالية‪ُ ،‬‬
‫المزعوم مجرد نشرة أخبار إذ يقدم لنا المعلومات فقط‪ ،‬وال يقترح أسباباً أو عالجاً للمشكالت االجتماعية‬
‫المحددة‪.‬‬

‫الموضوعية والحقيقة حسب غوريس إيفانس‪:‬‬

‫فنان السينما الوثائقية الهولندية غوريس إيفانس (‪ )1989–1898‬فيرى أن أكثر ما يثير دهشته الفكرة‬
‫الشائعة بأن الفيلم الوثائقي يجب أن يكون موضوعياً‪ ،‬ويعلق إيفانس أن مسألة وجهة النظر األخرى يمكن‬
‫إن ُي َعّبر عنها بواسطة فيلم آخر (وليس ضرورياً في الفيلم ذاته) ويعطي مثاالً‪ ،‬هل نطلب الموضوعية في‬
‫الشاهد الذي يدلي بشهادته أمام المحكمة؟ كال‪ ،.‬إنما نطلب منه أن يكون صادقاً في شهادته‪ ،‬فنحن‬
‫نعرف أن الموضوعية المطلقة في مثل هذه األمور والشؤون هي عنقاء ليس لها وجود حقيقي‪ ،‬ولكن ثمة‬
‫مستوى معين إذا انحدر عنه العمل الفني َبطُ َل أن يكون مقبوالً‪ ،‬وصار مجرد شريط دعاية تافه‪.‬‬

‫البحث عن الحقيقة في الفيلم الوثائقي‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫إن البحث عن الحقيقة كما يرى العديد من الوثائقيين أمر صعب قد يودي بصاحبه وهذه ليست دعوة‬
‫للسكوت لكن قول الحقيقة يحتاج إلى رحلة في درب قد ال يعود ماشيه‪ ،‬ومن هنا جاء تغييب اسم المخرج‬
‫األمريكي مايكل مور عن التألق اإلعالمي والشاشة واألضواء‪ ،‬وذلك يأتي بسبب بحثه عن جوهر الحقيقة‬
‫والجميع ساكتون‪ ،‬وكأنه تطبيق لفكرة إيفانس الذي ُي ِعد أن "المهمة األولى للفيلم الوثائقي هي إبراز‬
‫الحقيقة‪ ..‬الحقيقة عن الناس والحقيقة للناس"‪.‬‬

‫وبالتالي فإن فكرتَي الحقيقة والموضوعية في الفيلم الوثائقي وفي غيره من األنواع اإلعالمية األخرى‬
‫مصطلحان نسبيان نتيجة عوامل متعددة متعلقة بطرائق اإلنتاج وأساليبه‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع أن يحاول‬
‫الفيلم الوثائقي مالمسة جوانب من الموضوعية والحقائق‪.‬‬

‫ب‪ .‬الموضوعي والذاتي في الفيلم الوثائقي‪:‬‬


‫أهمية الوقائع المصورة في الفيلم الوثائقي‪:‬‬

‫إذا اعتبرنا أن المخرج الوثائقي صاحب قضية‬


‫يهدف إلى إثبات حقه أو إدانة غيره‪ ،‬فليس أمامه‬
‫سوى الوقائع‪ ،‬مهما كان قدي اًر وموهوباً وحرفياً‪،‬‬
‫والموهبة والحرفة في الفيلم الوثائقي عامالن‬
‫مساعدان فقط‪ ،‬وأي محاولة من المخرج للتفنن على‬
‫حساب الوقائع تُ ِ‬
‫ضعف الفيلم‪ ،‬لذا فإن االرتكاز‬
‫على الوقائع المصورة كأسلوب في السرد دون‬
‫االعتماد على الموقف اإليديولوجي الذاتي هو الذي‬
‫يحقق هدف الفيلم‪ ،‬أي اإلقناع بعدالة القضية‪.‬‬

‫يدعي أنه يكتفي بتخزين‬


‫إن السينمائي الوثائقي الذي يلجأ إلى الوسائل السمعية والبصرية ال يمكنه أن ّ‬
‫مادة خام وفقاً لمفهوم آلي للمالحظة؛ ألن ذلك يعني أنه يصب داخل نوع من أنواع التقديس األعمى‬
‫نفسها تبدو مطروحة في الزمان والمكان‪.‬‬
‫للمعطيات مقارنة بالواقعي‪ ،‬وأن المالحظة الميدانية َ‬

‫‪4‬‬
‫وي ِعد المؤلف السينمائي لوي دي جانيتي أن الموضوعية هدف مستحيل في أي مشروع تسجيلي إذ إن‬
‫ُ‬
‫رؤية المخرج لألحداث الواقعية ستتأثر ال محالة بقيمه وتحيزاته وأفكاره المسبقة‪.‬‬

‫وألن شخصاً مثل المخرج مايكل مور في حالة صراع طويل مع رئيسه األمريكي الحالي‪ ،‬لم يجد ما هو‬
‫مضاء من الصورة الوثائقية‪ ،‬ولهذا حشد ما استطاع ليهاجم ويفضح‪ ،‬ويوم ُعرض فيلمه في مهرجان‬
‫ً‬ ‫أشد‬
‫كان عام ‪ 2114‬كانت الصور الفاضحة لسجن أبو غريب قد بدأت بالذيوع‪ ،‬وبهذا أعادت الناس مع‬
‫صور ومع شخصيات (أبو غريب) إلى وقائعية الصورة ومصداقيتها التي ال يمكن أن تخطئ‪ ،‬وهي بحد‬
‫ذاتها إعادة اعتبار للحقيقة الدامغة للصورة الوثائقية التي تقتفي أثر الشهود بال هوادة‪.‬‬

‫فالسينما الوثائقية هي معالجة للواقع وهذا الجانب الموضوعي فيها‪ ،‬والمعالجة تكون خالقة وهذا هو‬
‫الجانب الذاتي في السينما الوثائقية‪ ،‬فلكل مخرج رؤيته التي من خاللها نشاهد نحن الفيلم‪ ،‬لقد تناول عدد‬
‫نفسها وكان لكل مخرج منهم رؤيته في صياغة الفيلم‪ ،‬ولو جاء كل مخرج بما‬
‫من المخرجين الموضوعات َ‬
‫جاء غيره قبله فأين هو اإلبداع المتجدد الذي لواله لما كان هنالك فن أو حياة‪.‬‬

‫تكنيك الرؤية الذاتية في الفيلم الوثائقي‪:‬‬

‫في عصر تفوق الصورة التلفزيونية والبث المباشر الذي يقدم صو اًر حية وواقعية في ذروة التهابها ومؤث اًر‬
‫على طبيعة وحيوية الفيلم الوثائقي‪ ،‬فمن المنتظر انطالق فنان الفيلم الوثائقي في العثور على أساليب‬
‫أخرى أكثر رحابة في تناول الواقع‪ ،‬كما يقول الناقد هاشم النحاس الذي يرى أن‪" :‬تحول فنان الفيلم‬
‫الوثائقي إلى استخدام تكنيك الرؤية الذاتية في عرض موضوعه بدالً من تكنيك الرؤية الموضوعية‪ ،‬يمثل‬
‫أحد التوجهات المالئمة للخروج من هذا المأزق‪ ،‬وتكشف الرؤية الذاتية في األفالم الوثائقية عن نفسها‬
‫بإعالن المخرج عن وجوده في قلب الحدث‪ ،‬ويحكي لنا ما يراه أو نشاهد األحداث من خالل وجهة نظره‬
‫الشخصية في الفيلم تحكي لنا (أو نرى) تجربتها الذاتية"‪.‬‬

‫أهمية تكنيك الرؤية الذاتية‪:‬‬

‫الواقع أن هذا التكنيك في السرد ليس جديداً تماماً على الفيلم الوثائقي‪ ،‬فقد سبقت ممارسته أحياناً‪ ،‬ولكن‬
‫قيمته اليوم تزداد أهمية‪ ،‬وترجع أهمية هذا التكنيك إلى أنه يضفي على ما يقدمه من أحداث قيمة إضافية‬

‫‪5‬‬
‫تزرعها مشاعر وخواطر صاحب الرؤية‪ ،‬وهذه القيمة اإلضافية تجعل العرض أكثر كثافة (يرتفع عن‬

‫مستوى الخبر) وتخلع على األحداث ثوباً جديداً من الرؤية يجعلها قابلة للمشاهدة حتى لو كانت أحداثاً‬
‫سبق عرضها‪ ،‬وتعمل على إثارة عواطف المشاهد وأفكاره بالتماهي مع صاحب التجربة‪.‬‬

‫ميزات تكنيك الرؤية الذاتية‪:‬‬

‫يدعي امتالك الحقيقة‪ ،‬فبينما يبدو العرض الموضوعي‬


‫لعل من أهم ما يميز هذا التكنيك في السرد أنه ال ّ‬
‫كما لو كان يقدم الحقيقة كاملة‪ ،‬يبدو العرض من وجهة نظر شخصية تعلن عن جودها من البداية أنه‬
‫يعني أن ما ُيعرض مجرد حقائق نسبية تتعلق بصاحب الشخصية‪.‬‬

‫وال يتعارض تكنيك النظرة الذاتية مع الكشف عن الحقائق التي ال تتفق ورأي الشخصية التي نرى من‬
‫خاللها األحداث بل إن وجود هذه الحقائق المتناقضة والتعليق المعارض لها من وجهة نظر الشخصية‪،‬‬
‫يؤكد النظرة الذاتية باعترافها على هذا الواقع الذي يقرر ما يؤكد مصداقيتَها باعترافها بوجوده‪ ،‬ويحافظ‬
‫على سمة النسبية المعرفية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬العالقة بين الفيلم الوثائقي والتلفزيون‬

‫إن السينما – وبخاصة الوثائقية ‪ -‬أداة من أدوات االتصال والتوصيل الجماهيري التي أصبح الحديث‬
‫عن تأثيرها وموقعها بين األدوات األخرى حديثاً في البديهيات خصوصاً بعد أن شهدت مختلف مجاالت‬

‫‪6‬‬
‫الفنون السمعية البصرية عامة والفن السينمائي بخاصة تطو اًر هائالً سواء في وسائل اإلنتاج وأدواته‬
‫وتقنياته أم في أشكال العرض والتوصيل والتأثير‪ ،‬بحيث أصبح الفيلم السينمائي وسيطاً ال يمكن تصور‬
‫مضاهاته من قبل أي وسيلة أخرى في حقل نقل المعارف والتجارب والثقافات‪ ،‬وبالتالي نقل ونشر وتعميم‬
‫النسيج الفكري واإليديولوجي لهذه المعارف وهذه الثقافات‪.‬‬

‫أحدث ثورةً في وسائل االتصال الجماهيري لكونه أداة لنشر وترويج األعمال األدبية‬
‫َ‬ ‫غير أن التلفزيون‬
‫والفنية واألعمال السينمائية‪ ،‬وهكذا أخذ التلفزيون باالعتماد على السينما وورث كثي اًر من تقاليدها وعالقتها‬
‫بالجمهور واألفكار ونمط الحياة‪ ،‬وبدأ الجمهور – واليزال ‪ -‬يغذي رغباته الفنية بالمكوث أكثر فأكثر أمام‬
‫الشاشة الصغيرة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫عقبات خطيرة بلغت درجة التهديد بوجودها‪ ،‬مما جعل‬ ‫وهكذا‪ ،‬ومنذ ظهور التلفزيون والسينما تواجه‬
‫عالقتها بالتلفزيون معقدة‪ ،‬فبوجود التلفزيون ال شك بوجود أزمة في السينما بشكل عام والروائية بشكل‬
‫المتَبادلة‪.‬‬
‫خاص ألن السينما الوثائقية عرفت جيداً التعامل مع التلفزيون على أساس المصلحة ُ‬

‫منافس له‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ومروٌج أو‬
‫ّ‬ ‫عارض‬
‫ٌ‬ ‫منتج للفيلم الوثائقي أو‬
‫وفي عالقته مع الفيلم الوثائقي‪ ،‬التلفزيون هو إما ٌ‬

‫‪ .1‬التلفزيون ِ‬
‫كمنتج للفيلم الوثائقي‪:‬‬

‫بعد ظهوره بقليل‪ ،‬اهتم التلفزيون‬


‫بالفيلم الوثائقي عرضاً على شاشته‬
‫ومن ثم إنتاجاً واستثما اًر‪ ،‬وكان‬
‫وقدم الفيلم‬
‫عرف ّ‬
‫التلفزيون هو الذي ّ‬
‫الوثائقي للجمهور العريض‪ ،‬فكان‬
‫سبباً قوياً في ازدهاره وانتشاره‬
‫محلياً وعالمياً‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وبحسب نظرية االتصال على مرحلتين (‪ُ ،)The Two-step flow of Communication‬يعد‬
‫التلفزيون وسيلةً لنقل وسيلة أخرى هي السينما‪ ،‬والتلفزيون يحتاج إلى السينما فهو يعتمد عليها لتغطية‬
‫جزء من شبكة برامجه من خالل عرض األفالم الروائية والوثائقية‪ ،‬وبالتالي جذب الجمهور إليه وما يتبع‬
‫ذلك من كسب التلفزيون الهتمام المعلنين ورعاية المنتجين والموزعين اإلعالميين والسينمائيين‪ ،‬وبالمقابل‬
‫السينما تحتاج إلى التلفزيون لترويج نفسها وكسب طرق توزيع واستثمار أخرى غير الطرق التقليدية‬
‫المتمثلة بدور العرض والمعارض والمهرجانات‪ ،‬والسيما أن التلفزيون هو الوسيلة اإلعالمية واإلعالنية‬
‫األكثر جماهيرية‪.‬‬

‫عدها‬
‫لكن ما هو التلفزيون في األصل؟ وما هي نشرات األخبار التي يقدمها والريبورتاجات التي ُي ّ‬
‫والمباريات الرياضية التي ينقلها والوقائع والحوادث التي يسجلها ويبثها؟ أليست هي سينما وسينما تسجيلية‬
‫تحديداً‪ ،‬منقولة ومعروضة بطريقة تقنية أخرى ومختلفة؟‬

‫أ‪ .‬أهمية الصورة السينمائية – التلفزيونية‪:‬‬


‫أتت هذه األهمية المتعاظمة لدور الصورة‬
‫السينمائية ‪ -‬التلفزيونية نتيجة اللتقاطها واستيعابها‬
‫الشديد لكل شيء في حياة البشر ولقدرتها على‬
‫تناوله وعرضه‪ ،‬وأيضاً مصداقيتها كوجود بصري‬
‫ملموس أمام أعين المشاهدين يقدم نفسه كمرجعية‬
‫ال مجال لإلفالت منها‪.‬‬

‫كل ما ُذكر – ربما ‪ -‬هو الذي دفع التلفزيون لالستمرار في اإلنتاج حتى أصبح اليوم من أكبر منتجي‬
‫ِ‬
‫يكتف التلفزيون بعرض‬ ‫السينما الوثائقية‪ ،‬ومن أكبر مستثمريها وعارضيها وأكبر المستفيدين منها‪ ،‬فلم‬
‫األفالم الوثائقية ومن ثم إنتاجها وتوزيعها‪ ،‬بل تجاوز ذلك وأنشأ قنوات متخصصة بإنتاج وتوزيع وعرض‬
‫األفالم الوثائقية‪ ،‬والى وقت ليس بعيداً كانت القنوات العربية تشتري األفالم الوثائقية األجنبية لتعبئة شبكة‬

‫‪8‬‬
‫البرامج ولمجرد ملء وقت اإلرسال إال أن هذا قد تغير تماماً اآلن؛ ألن محطات تلفزيونية عربية مثل‬
‫الجزيرة والعربية أصبحت محطات منتجة للفيلم الوثائقي وتعرضه في أفضل أوقات اإلرسال لديها‪ ،‬وعلى‬
‫سبيل المثال‪ ،‬وفي العام األول لإلرسال فقط نفذت شركة ‪ O3‬التابعة لمجموعة ‪ MBC‬أفالماً وثائقية‬
‫ألكثر من ستين ساعة حول مواضيع تخص السعودية والعراق وفلسطين ومضامين عربية أخرى مع‬
‫تركيز واضح على الحدث السياسي الجاري في المنطقة‪ ،‬وأنتجت أيضاً سلسلة عن إرهابيين سابقين‪ ،‬وقد‬
‫أُنتِجت األفالم الوثائقية األولى لمحطة العربية اإلخبارية ولمحطة ‪.MBC‬‬

‫ب‪ .‬طبيعة اإلنتاج‪:‬‬


‫يكون منتجو التلفزيون والسينمائيون المستقلون أفكارهم‬
‫ّ‬
‫الخاصة عما يرغب الجمهور في مشاهدته أو سماعه‪،‬‬
‫اجها احتراماً للمنطق‬
‫ولذلك ال يتم إنتاج األفالم واخر ُ‬
‫الذي تفرضه موضوعاتها‪ ،‬وانما للتأثير المزعوم على‬
‫المستهلكين‪ ،‬وألن رجل اإلعالم خبير بالجو السائد وما‬
‫يروج فيه من إشاعات ومنتج للكليشيهات والنماذج‬ ‫ّ‬
‫النمطية‪ ،‬فإنه ناد اًر ما يقاوم الفكر السائد‪ ،‬وليس ذلك‬
‫راجعاً إلى تكاسل فكري‪ ،‬وانما يرجع – بالتأكيد – إلى‬
‫حرصه على إقناع المسؤولين عن البرامج أن الفيلم‬
‫صدى عند الرأي العام‪ ،‬من ذا الذي‬
‫ً‬ ‫سي َرّوج جيداً وسيجد‬
‫ُ‬

‫يشغل باله بصحة وسالمة األسلوب الذي تجري به استطالعات الرأي أو أهمية التجريب عندما يكون‬
‫المهم هو جذب أكبر عدد من الناس؟‬

‫صدى عند الرأي العام يساعد على التمسك ببعض ما هو تقليدي‪،‬‬


‫ً‬ ‫إن الحرص على أن يجد العمل‬
‫وبعض الموضوعات التي تُعد موضوعات عالمية‪ ،‬وبعض األساطير بالمعنى الذي يستخدمه بارت‬
‫‪ ،Barthes‬لذلك فإن معظم منتجي األفالم التلفزيونية يرون أن الجمهور ال يهتم إال باألفالم الوثائقية‬

‫‪9‬‬
‫التلفزيونية والسيما األفالم ذات المواضيع السياسية واألفالم اإلثنوغرافية التلفزيونية التي تتناول شعوباً ليس‬
‫لها تاريخ‪ ،‬أو قبائل غريبة األطوار وبعيدة عن المدنية والتحضر (كما رأينا سابقاً)‪ ،‬ومثال ذلك صانعو‬
‫أفالم مستقلون ينتقدون المحطتين الفضائيتين الكبيرتين (الجزيرة والعربية)؛ ألن أفالمهما الوثائقية تقتصر‬
‫بشدة على المواضيع السياسية‪ ،‬عدا ذلك يؤثر صانعو البرامج بشكل مباشر على مضامين األفالم‬
‫ويمارسون الرقابة عليها‪.‬‬

‫وال شك في أن اإلنتاج المخصص للتلفزيون ومحاولتَه‬


‫التوفيق بين الرسالة التي يقدمها وفكرته عن المشاهد‬
‫هو األمر األكثر ضر اًر‪ ،‬فمنذ اختراع طلب المشاهدين‬
‫للبرامج عن بعد‪ ،‬والمخرجون يعملون وهم يفكرون في‬
‫مشاهدي التلفزيون الذين يريدون الترفيه‪ ،‬وسرعان ما‬
‫يستشعرون الملل إذا طال العرض‪ ،‬وال يمكننا القول‬
‫إن جذب المشاهدين يحمل أصحاب األفالم الوثائقية‬
‫على أن يكونوا غوغائيين‪ ،‬ولكننا ال نستطيع أن ننفي‬
‫أن االنشغال بجذب اهتمام الجمهور واالحتفاظ به يثقل‬
‫على شكل الفيلم‪ ،‬ويبدو تأثير تلك القيود واضحاً على‬
‫المشاهد‪.‬‬
‫إيقاع العمل وعلى تتابع َ‬

‫إن السينمائي الوثائقي يعرف تماماً أن الحياة في حقل السينما الوثائقية ليست دائماً مثيرة‪ ،‬وأنه ال أحد‬
‫يستطيع أن يجعل الحقيقة الساكنة المستمرة نسبياً أكثر جماالً وأهمية‪ ،‬وكان ليزلي وودهيد ‪Leslie‬‬
‫‪ Woodhead‬أحد المتخصصين المخضرمين في األفالم الوثائقية في بريطانيا يشرح – في الماضي –‬
‫أنه بالنسبة لمشاهدي البث التلفزيوني في ساعات الذروة لم يكن يستطيع أن يسمح لنفسه بإيقاع بطيء أو‬
‫عدم وجود تعليق مصاحب للفيلم‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ج‪ .‬بعض الفروق بين األفالم الوثائقية التلفزيونية والسينمائية‪:‬‬
‫ال يرى الكثير الفرق المهم بين األفالم الوثائقية المنتَجة‬
‫صنعت للسينما‪ ،‬وهناك فروق كبيرة‬
‫للتلفزيون وتلك التي ُ‬
‫تكنولوجية وجمالية على الرغم من أنها مالت إلى عدم‬
‫الوضوح بعد منتصف الستينيات‪ ،‬كما أن هنالك فروقات‬
‫جماليةً مهمة بين التلفزيون والسينما بسبب صغر حجم‬
‫الشاشة بميل التلفزيون إلى تفضيل اللقطات المفضلة‬
‫وبخاصة اللقطة الكبيرة واللقطة المتوسطة مثالً‪ :‬فيلم "رجل‬
‫من آران" بلقطاته البعيدة والبعيدة جداً قد َيفقد الكثير من‬
‫تأثيره في التلفزيون والصوت أيضاً يختلف في استخدامه في‬

‫كل من التلفزيون والسينما‪ ،‬والسبب ربما لكون العديد من الصحفيين التلفزيونيين كان قد تلقى تدريبه في‬
‫اإلذاعة فإنه يميل إلى أن يكون أكثر اعتماداً على اللغة من أغلبية الفنانين الوثائقيين الذين يصنعون‬
‫أفالماً لدور العرض‪.‬‬

‫‪ - 2‬التلفزيون كعارض للفيلم الوثائقي‪:‬‬

‫أ‪ .‬بداية السينما الوثائقية في التلفزيون‪:‬‬


‫عندما نهض الفيلم الوثائقي في الخمسينيات والستينيات بدأت بعض المؤسسات الثقافية تنشئ صاالت‬
‫عرض صغيرة محدودة لمشاهدي الفيلم الوثائقي والفيلم القصير‪ ،‬وعندما كثُر كتاب ومنتجو ونقاد الفيلم‬
‫الوثائقي ُع ّد سالحاً خطي اًر يمكن أن يكشف الحقائق الموضوعية بصيغة أكثر إقناعاً من الفيلم الروائي‬
‫لكون الفيلم الوثائقي هو األداة التي تكشف الواقع بعكس الفيلم الروائي الذي يعيد صياغة الواقع‪.‬‬

‫وأخذت األفالم الوثائقية تفرض نفسها على برامج العرض في دور السينما في مختلف أنحاء العالم حتى‬
‫بعد انتشار اإلرسال التلفزيوني‪ ،‬وأصبحت هذه األفالم تحتل حي اًز وأهمية كبيرين في اإلعالم الجماهيري‬
‫فأصبح من الممكن عرض عدد أكبر من األفالم الوثائقية على الشاشة الصغيرة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وبتطور العملية التلفزيونية والبث التلفزيوني حتى إلى ما قبل نشوء الفضائيات بدأ التلفزيون يسرق الفيلم‬
‫الوثائقي ويفرغه من محتواه ليحوله إلى فيلم دعائي إيديولوجي واختلط الفهم ما بين الفيلم الوثائقي وفيلم‬
‫المنتِج لهذا النوع من األفالم سوى الدعم الذي تقدمه عادةً بعض‬
‫الريبورتاج‪ ،‬والسبب هو عدم توفر ُ‬
‫المؤسسات األوروبية وهو محدود وفرصة لعدد ضئيل من المخرجين‪ ،‬وهذا الدعم اليزال قائماً إلى الوقت‬
‫الحاضر حيث يستطيع بعض المخرجين إنتاج األفالم الوثائقية بميزانيات منخفضة ألن الفيلم الوثائقي ال‬
‫يحتاج سوى لكامي ار مع واقع‪.‬‬

‫وقد اقتصر عرض الفيلم الوثائقي وتقديمه على المهرجانات أو محطات التلفزة المتخصصة (األوروبية‬
‫واألمريكية)‪ ،‬وتلك ‪ -‬بطبيعة الحال ‪ -‬ليست واسعة الجماهيرية‪.‬‬

‫ب‪ .‬الفيلم الوثائقي ووالدة التلفزيون الجماهيري‪:‬‬


‫شرع الفيلم الوثائقي تاركاً بصماته فيه‪ ،‬فمع انتشار واتساع شعبية محطات‬
‫أتى التلفزيون الجماهيري الذي ّ‬
‫تلفزيونية أجنبية مثل سي‪.‬إن‪.‬إن األمريكية وبي‪.‬بي‪.‬سي البريطانية إبان الحروب واألزمات األخيرة‬
‫وبخاصة حرب الخليج الثانية عام ‪ ،1991‬ومع دخول بعض المحطات العربية مجال شراء األفالم‬
‫الوثائقية وعرضها مثل قناة الجزيرة‪ ،‬أصبحت هذه األفالم متاحةً وفي الوقت عينه مرتبطة إلى حد كبير‬
‫بالحدث السياسي بالدرجة األولى‪ ،‬وهذا ما نراه حالياً عبر قناة العربية إضافةً إلى الجزيرة والجزيرة‬
‫الوثائقية‪ ،‬وبذلك تغيرت نوعاً ما وجهة اإلنتاجات العربية من األفالم الوثائقية التي كانت تُ َع ّد على األغلب‬
‫للعرض إما خارج الدول العربية والسيما في المهرجانات أو على شاشات التلفزيونات العربية‪.‬‬

‫إذاً تتمتع السينما الوثائقية بقدرة هائلة وحيوية على التأقلم مع اإلمكانيات المتجددة المتاحة لالنتشار‬
‫واالتصال الجماهيري‪ ،‬والنتيجة أن ميول السينما الوثائقية ‪ -‬وأيضاً الروائية ‪ -‬إلى شاشة التلفزيون يتوافق‬
‫توافقا تاماً مع الطبيعة االتصالية للفن السينمائي حيث تؤكد كثير من استطالعات الرأي العام عبر العالم‬
‫أن األفالم وما يتعلق بها من برامج تحتل موقعاً متقدماً بين أفضليات مشاهدي التلفزيون‪.‬‬

‫إن عرض األفالم الوثائقية على قنوات التلفزيون هو بمثابة اعتراف رسمي بقدرته على لفت انتباه وجذب‬
‫عدد ال بأس به من المشاهدين‪ ،‬ولكن ذلك ال يضمن وال يمنح أي أهمية من الناحية السياسية أو الثقافية‬

‫‪12‬‬
‫أو االجتماعية أو اإلثنوغرافية‪ ،‬وقد يكون للفيلم مزايا سينمائية‪ ،‬ولكن حظه من األهمية سابقة الذكر قد‬
‫يكون متواضعاً‪.‬‬

‫ج‪ .‬طبيعة األفالم الوثائقية التلفزيونية‪:‬‬


‫شاهدت وتابعت الكثير من األفالم الوثائقية ‪ -‬أو ما ُيفترض أن تكون كذلك ‪ -‬التي ُعرضت وجرى‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫بثها على الشاشات الصغيرة في العديد من المحطات التلفزيونية األرضية والفضائية‪ ،‬فوجدت أن أكثريتها‬
‫الساحقة خالية أو شبه خالية من المواصفات والمؤهالت التي تجعل منها أفالما وثائقية جديرة بهذه الصفة‬
‫أو هذا االسم‪ ،‬فقد كانت في معظمها أفالماً دعائية وأشرطة إعالن أكثر منها بكثير جداً أفالم وثائق‬
‫ينتقي ويختار‬
‫َ‬ ‫واعالم‪ ،‬فليس على التلفزيون أن يعرض كل ما أُطلق عليه فيلماً تسجيلياً بل يجب أن‬
‫األفالم التي تجمع في ثناياها الفائدة والمتعة وتستطيع جذب أكبر وأوسع جمهور ممكن‪.‬‬
‫َ‬ ‫للعرض‬

‫فالفيلم الوثائقي عمل فني مهم وخطير وبالغ التأثير؛ ألنه يعتمد الصورة مقرونة بالكلمة‪ ،‬ولهذا فإن وسائل‬
‫اإلعالم المسموعة والمرئية مدعوة بل مطالبة بأن تتفق وتتوافق على ضوابط وحدود معينة‪ ،‬وال بأس في‬
‫أن تكون على شيء من التشدد والصرامة بهذا الشأن‪ ،‬فال تكون الشاشة الصغيرة وسيلة تمويه وتضليل‬
‫بدل أن تكون وسيلة تنوير وتثقيف صادق أصيل‪ ،‬ألن التلفزيون كوسيلة اتصال اجتماعية سيصبح عديم‬
‫الفائدة إذا لم ينجح من خالل األفالم الوثائقية في إبراز ظواهر الحياة اإلنسانية وتقديمها في ثرائها‬
‫وتنوعها بشكل صادق وأمين‪.‬‬

‫من جانب آخر‪ ،‬يمارس الموزعون ضغوطاً على الوثائقيين لبذل كل الجهود الممكنة لالقتراب من‬
‫الجمهور والوصول إليه‪ ،‬وال يعجبهم أبداً أن يعرض التلفزيون األفالم الوثائقية في توقيت متأخر؛ ألنهم‬
‫ُي ِعدون هذه األفالم ذات قيمة وقادرة على أن تقدم للمشاهد ما هو أكثر من مجرد التسلية البسيطة‪.‬‬

‫بعد الوثائقيون من شبكات‬


‫أما صعوبات التوزيع فتشمل الفيلم الوثائقي بكل أنواعه وأصنافه‪ ،‬وحتى ال ُيستَ َ‬
‫التوزيع يبادرون من تلقاء أنفسهم بإلغاء أو تغيير كل ما هو طويل أو ممل أو معقد‪ ..‬إلخ من أفالمهم‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫د‪ .‬الفروق الشاسعة بين األفالم الوثائقية المصنوعة للسينما والمصنوعة للتلفزيون‪:‬‬
‫باختصار فإن الفروق الشاسعة التي تميز كالً من‬
‫األفالم الوثائقية المصنوعة للسينما وتلك المصنوعة‬
‫للتلفزيون هي‪:‬‬

‫‪ ‬المعرفة والتعليم في مقابل الترفيه واالطالع‪.‬‬


‫‪ ‬والموضوعية والحقيقة (أو شبه الحقيقة) في‬
‫مقابل الروائية والخيال‪.‬‬
‫‪ ‬واالسترجاع أي تصوير الواقع في مقابل‬
‫التحويل إلى سيناريو‪.‬‬
‫‪ ‬والميل إلى التعقيد مقابل الرغبة في التبسيط‪.‬‬
‫‪ ‬ونقص اإلمكانيات مقابل اإلمكانيات الكبيرة‪.‬‬

‫‪ ‬والتوزيع الصعب والمحدود مقابل التوزيع السهل والواسع‪.‬‬


‫اكب‬
‫وقد استطاع الفيلم السينمائي عموماً والفيلم الوثائقي خصوصاً أن يتجاوز التلفزيون وخدماته ويو َ‬
‫التطور التكنولوجي اإلعالمي واالتصالي المذهل من خالل قدرة أي مشاهد في أن يتابع فيلماً تسجيلياً أو‬
‫روائياً عبر جهاز الفيديو أو جهاز قارئ ‪ DVD‬أو جهاز الكمبيوتر (عبر األقراص المدمجة والممغنطة)‬
‫أو من خالل متابعته أو تحميله عبر شبكة اإلنترنت في أي مكان وأي زمان‪.‬‬

‫ه‪ .‬المشكالت التي تعترض الفيلم الوثائقي في عالقته مع التلفزيون‪:‬‬


‫نستطيع أن نستنتج أن هناك مشكالت عدة تعترض سبيل الفيلم الوثائقي في عالقته مع التلفزيون منها‪:‬‬

‫‪ ‬تسبب التلفزيون في عدم توافر المشاهد الذي يذهب هو إلى الفيلم بعد أن صار الفيلم يذهب إليه‬
‫(التلقي السلبي)‪.‬‬
‫‪ ‬عدم توافر الدعم لهذا النوع من األفالم إال من بعض المؤسسات ذات النفع العام والخاص‪ ،‬وهو دعم‬
‫محدود لعدد محدود من المخرجين‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ ‬ولكن أهم ما ينقص األفالم الوثائقية في التلفزيون ليس توفر المخرجين الذين يبلغون درجة من‬
‫التعمق كالباحثين‪ ،‬وانما ينقصها وجود الباحثين المستعدين لبذل جهود كبيرة لمحاولة التعبير بلغة‬
‫ليسوا معتادين عليها‪.‬‬
‫‪ ‬إن ظروف اإلنتاج التلفزيوني تدفع العاملين في التلفزيون إلى إنجاز مهامهم بإيقاع سريع ال يتوافق ‪-‬‬
‫بل ويتعارض ‪ -‬مع العمل المتعمق للباحثين الذي يمارسه عادةً السينمائيون الوثائقيون‪.‬‬
‫‪ ‬إن التلفزيون مكان ال يمكننا فيه بالتأكيد أن نفكر في المجتمع أو في العمل الثقافي (وبشكل خاص‬
‫إنتاج وعرض األفالم الوثائقية المتميزة والممتعة تقنياً والهادفة والمفيدة مضموناً)؛ ألن التلفزيون أصبح‬
‫‪ -‬ربما نهائياً ‪ -‬عالماً افتراضياً لمجتمع التسطيح واالستعراض‪.‬‬
‫‪ ‬وحيث يعمل التلفزيون جاهداً على النشر العلني والمباشر أحياناً لبعض السلوكيات اإلنسانية النمطية‪،‬‬
‫التي غالباً ما يتم تناولها بشكل استعراضي ومثير لإلعجاب تنقلنا األفالم الوثائقية ‪ -‬والسيما‬
‫اإلثنوغرافية ‪ -‬فجأة إلى هويتنا الخاصة‪ ،‬وتعطينا فرصة للتفكير في ذاتنا وفي مظاهر حياتنا‪ ،‬ومن‬
‫ثم ربما تؤدي إلى تغييرنا أو على األقل تغيير شيء فينا‪.‬‬
‫‪ ‬وعلى مستوى اإلنتاج العربي‪ ،‬ال توجد إنتاجات عربية بينية أي عربية ‪ -‬عربية مشتركة‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من تنوع المحطات التلفزيونية العربية‪ ،‬فإن كل قناة تنتج بمفردها‪.‬‬
‫وأخي اًر‪ ،‬فإن إنتاج األفالم الوثائقية‪ ،‬وفي مقدمتها السياسية واإلثنوغرافية المخصصة للعرض على‬
‫الجماهير العريضة يتعرض لمسائل ذات طبيعة جوهرية بعيدة كل البعد عن السطحية المعروفة عن‬
‫التلفزيون‪ ،‬حيث يتفق العديد من الوثائقيين ‪ -‬والسيما األنثروبولوجيين أو اإلثنوغرافيين ‪ -‬مع كثير من‬
‫الباحثين في إدانة الطابع اليائس والهزيل للبرامج التلفزيونية‪ ،‬لكن االتصال الجماهيري هو العالم الجديد‬
‫المتجدد‪ ،‬وجمهور التلفزيون يمثل أسرة كبيرة العدد‪ ،‬فخير من نبذ التلفزيون هو السعي إلى إيجاد الطريقة‬
‫التي تم ّكن من تحسين فعالية عمله‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الخالصة‬

‫صور من زاوية‬
‫تصور حدثاً حقيقياً ال يعني أنها حقيقية‪ ،‬فالحدث الحقيقي ُي َّ‬
‫لكون الصورة حقيقية أي ّ‬
‫تصوير معينة وفي إضاءة معينة‪ ،‬واستخدامه في فيلم يعني استخدامه للتعبير عن وجهة نظر محددة‪،‬‬
‫فالموضوعية المطلقة هنا ليس لها وجود حقيقي‪ ،‬وان المهمة األولى للفيلم الوثائقي هي إبراز الحقيقة‪..‬‬
‫الحقيقة عن الناس والحقيقة للناس‪ ،‬لكن البحث عن الحقيقة أمر صعب قد يودي بصاحبه‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫فكرتي الحقيقة والموضوعية في الفيلم الوثائقي مصطلحان نسبيان نتيجة عوامل متعددة متعلقة بطرائق‬
‫اإلنتاج وأساليبه‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع أن يحاول الفيلم الوثائقي مالمسة جوانب من الموضوعية والحقائق‪،‬‬
‫فالموضوعية هدف مستحيل في أي مشروع وثائقي إذ إن رؤية المخرج لألحداث الواقعية ستتأثر ال محالة‬
‫بقيمه وتحيزاته وأفكاره المسبقة‪ ،‬فالسينما الوثائقية هي معالجة للواقع وهذا الجانب الموضوعي فيها‪،‬‬
‫والمعالجة تكون خالقة وهذا هو الجانب الذاتي في السينما الوثائقية‪.‬‬

‫منافس له‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ومروٌج أو‬
‫ّ‬ ‫عارض‬
‫ٌ‬ ‫وفي عالقته مع الفيلم الوثائقي‪ ،‬التلفزيون هو إما منتج للفيلم الوثائقي أو‬
‫فالتلفزيون هو أداة لنشر وترويج األعمال األدبية والفنية واألعمال السينمائية‪ ،‬وهذا ال يعني عدم وجود‬
‫مشكالت عديدة تعترض سبيل الفيلم الوثائقي في عالقته مع التلفزيون‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫المراجع‬

‫‪ .1‬أندريه تاركوفسكي‪ ،‬الزمن في السينما‪ ،‬ترجمة أمين صالح‪ ،‬جريدة األيام‪ 13 ،‬حزيران ‪.2114‬‬
‫‪ .2‬لوي دي جاينتي‪ ،‬فهم السينما ‪ -‬الفيلم التسجيلي‪ ،‬ترجمة جعفر علي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬عيون‬
‫المقامات‪ ،‬المكتبة السينمائية ‪.1991 ،6‬‬
‫‪ .3‬سمير فريد‪ ،‬همنغواي مع إيفانس في األرض‪ ،‬موقع‪.www.nizwa.com :‬‬
‫‪ .4‬جورج حداد‪ ،‬الوثائقي وفلسفة تشرتشل في كتابة التاريخ‪ ،‬الدستور ‪.2117-7-2‬‬
‫‪ .5‬قاسم حول‪ ،‬البحث عن الحقيقة‪ ،‬عن موقع الركن األخضر ‪.www.grenc.com‬‬
‫‪ .6‬عزيزة علي‪ ،‬اللجوء إلى الطفل الفلسطيني في السينما محاولة لالقتراب من المأساة الكبيرة‪ ،‬حوار مع‬
‫المخرج العراقي قيس الزبيدي‪ ،‬مجلة الطريق نصف الشهرية موقع‪.www.attareek.org :‬‬
‫‪Jean-Paul Colleyn: La necessité de ne pas séparer les genres artistiques, .7‬‬
‫‪in Demain le cinéma éthnographique, Revue CinémAction, N° 64, ed.‬‬
‫‪Corlet–télérama, 1992.‬‬
‫‪ .8‬طاهر عبد مسلم‪ ،‬إعادة اعتبار للصور الوثائقية‪ ،‬جريدة الزمان‪ ،‬العدد ‪ ،1896‬تاريخ ‪-8-26‬‬
‫‪( ،2114‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ .9‬هاشم النحاس‪ ،‬الرؤية الذاتية وانقاذ الفيلم الوثائقي من مأزق البث المباشر‪ ،‬موقع‪www.al- :‬‬
‫‪.vefagh.com‬‬
‫‪ .11‬قيس الزبيدي‪ ،‬المرئي والمسموع في السينما‪ ،‬منشورات و ازرة الثقافة‪ ،‬سلسلة الفن السابع ‪،112‬‬
‫سورية‪ ،‬دمشق‪.2116 ،‬‬
‫‪ .11‬موسوعة علم اإلنسان‪ ،‬ترجمة محمد الجوهري وزمالئه‪ ،‬المشروع القومي للترجمة‪ ،‬المجلس األعلى‬
‫للثقافة‪ ،‬القاهرة‪.1998 ،‬‬
‫‪ .12‬كريستينا فورش‪ ،‬ثقافة الفيلم الوثائقي‪ ،‬ترجمة يوسف حجازي‪ ،‬حقوق الطبع قنطرة ‪ ،2115‬موقع‪:‬‬
‫‪ www.qantara.com‬و‪( www.inciraq.com‬بتصرف)‪.‬‬
‫‪ .13‬عائد نبعة‪ ،‬السينما الوثائقية والتسطيح التلفزيوني‪ ،‬موقع صحيفة دروب اإللكترونية‬
‫‪ ،www.doroob.com‬وموقع ‪.www.albadil.net‬‬

‫‪17‬‬
Jean-Paul Colleyn: L'universitaire, le journaliste et le grand pulic, in .14
Demain le cinéma éthnographique, Revue CinémAction, N° 64, ed.
Corlet–télérama, 1992.

18
‫التمارين‬

‫اختر اإلجابة الصحيحة‪:‬‬

‫‪ .1‬أهم ما يميز تكنيك الرؤية الذاتية في السرد في الفيلم الوثائقي‪:‬‬


‫يدعي امتالك الحقيقة‪.‬‬
‫‪ .A‬أنه ّ‬
‫‪ .B‬أنه ال يدعي امتالك الموضوعية‪.‬‬
‫يدعي امتالك الحقيقة‪.‬‬
‫‪ .C‬أنه ال ّ‬
‫‪ .D‬أنه يدعي امتالك الموضوعية‪.‬‬

‫يدعي امتالك الحقيقة‬


‫اإلجابة الصحيحة‪ .C :‬أنه ال ّ‬

‫‪ .2‬إن الحقيقة في الفيلم الوثائقي هي‪:‬‬


‫‪ .A‬الحقيقة التي تراها عين السينمائي كجزء من واقع الحدث‪.‬‬
‫‪ .B‬الحقيقة التي تراها عين الجمهور كشاهد على الواقع‪.‬‬
‫‪ .C‬الحقيقة التي تراها عين السينمائي كمتابع للتاريخ‪.‬‬
‫‪ .D‬الحقيقة التي تراها عين السينمائي كمراقب للواقع‪.‬‬

‫اإلجابة الصحيحة‪ .D :‬الحقيقة التي تراها عين السينمائي كمراقب للواقع‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ .3‬اهتم التلفزيون بالفيلم الوثائقي‪:‬‬
‫‪ .A‬إنتاجاً واستثما اًر ومن ثم عرضاً على شاشته‪.‬‬
‫‪ .B‬عرضاً على شاشته ومن ثم إنتاجاً واستثما اًر‪.‬‬
‫‪ .C‬استثما اًر وعرضاً على شاشته ومن ثم إنتاجاً‪.‬‬
‫‪ .D‬إنتاجاً وعرضاً على شاشته ومن ثم استثما اًر‪.‬‬

‫اإلجابة الصحيحة‪ .B :‬عرضاً على شاشته ومن ثم إنتاجاً واستثما اًر‪.‬‬

‫‪20‬‬

You might also like