Professional Documents
Culture Documents
ثبوت الزوجية
ثبوت الزوجية
األول )
الغراء الزواج عناية بالغة باعتباره السبيل الشرعي األوحد
أولت الشريعة ّ
الستمرار الجنس البشري المحمل بأمانة االستخالف في األرض ،وكونه النظام
الكوني المتفرد الذي يالئم الطبيعة االنسانية ويحقق السكن والتوازن النفسي
ويضمن األمن االجتماعي ،واالستقرار الروحي الذي عبر عنه الحق سبحانه
بقوله" :ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم
مودة ورحمة ،إن في ذلك آليات لقوم يتفكرون"([ .)]1وكونيته تظهر من تبني
سائر الملل واألمم والشرائع السماوية والوضعية له .كيف ال وهو السبيل الفريد
ِإلنشاء الصحبة المشروعة بين الرجل والمرأة ولقضاء الوطر واإلحصان
والعفاف ومنع فشو األمراض؟ وهو النظام الوحيد المقبول شرعا والمستساغ
وضعا لبناء األسرة التي هي أصغر وأصلب وحدة في المجتمع وركنه الركين ،إذ
هي أساس لرقيه ومناعته ،يقوى بقوتها ويضعف بضعفها ،إذ األسرة وال خالف
أمة صغيرة تظهر مدى تقدم األمة الكبيرة ،وهي آية من آيات هللا ونعمة من
نعمه .فقدّر للناس أن يعيشوا في أكنافها ويستظلوا بظلها ،فغدت األسرة والحالة
ما ذكر ثابتا من ثوابت األمة وخصيصة من خصائص أمنها ،فاختص الحق
سبحانه بنفسه في آي تنزيله وحديث نبيّه بتنظيم أحكامها ،زواجا وطالقا ونسبا
وإرثا.
وتأكيدا على خصوصية عقد الزواج([ )]2وعناية الشريعة به ظاهرا وباطنا
باعتباره من مهمات الدين ،نعت في االستعمال القرآني بأنه ميثاق غليظ([،)]3
وهذا الوسم لم يستعمله الحق إال فيما كان بينه وبين عباده المخلصين ،فسما
وارتقى به باعتباره أجل ما يمكن أن يتعاقد عليه الناس في الحياة كلها وأكثره
حرمة ،ألن ثمرته اإلنسان خليفة هللا وأغلى ما يوجد فيها ،فتترتَّب عليه آثار
وحقوق قاصرة ومتعدية ،خاصة وعامة .وتتعلق به أحكام شرعية يبقى أثرها
ساريا إلى األبد ،فال غرو أن يضبط عقد الزواج شرعا ويحصن بأركان وشروط
محددة باعتباره المقوم التأسيسي لألسرة التي تعد النواة األولى في الخلية
اإلنسانية ،وأحد مقومات األسرة الثالثة([ ،)]4مع ترك هامش للمتعاقدين
اختيارا واشتراطا فيقع الجمع بين الثبات والمرونة في اآلن عينه.
فالشريعة أولت عناية بالغة لمقدمات العقد بما يمهد لبناء صرح األسرة بناء
رصينا وألجله أحيط الزواج بعناية تشريعية بالغة من خالل فرض التعاقد بين
الزوجين وفق أركان وشروط وضوابط تكفل مصلحة الزوجين واألسرة
والمجتمع ،وأي إخالل بها ينتج عنه بالتبع اإلخالل بحقوق هؤالء جمعا وإفرادا.
فكان لعقد الزواج في األبواب الفقهية معالم يستدل عليه بها ،منها إحكام العقد،
صل مشرع ومقصد عاقديه([ ،)]5وتميز العقد ،وسموه ورفعته .لذلك ولغيره فَ ّ
مدونة األسرة في أحكامه من خالل إفراد تسع وستين مادة ،نظمت سائر
متعلقاته عموما وخصوصا تالفيا لالختصار المخل الذي كان يعتري أحكام مدونة
األحوال الشخصية الملغاة ،والتي لم تنظمه سوى بثالثة وأربعين مقتضى ،لم
تكن تُلم بسائر مقتضياته الموضوعية واإلجرائية ،مما حمل القضاء على
االجتهاد واالستمداد من الفقه اإلسالمي ،شرحا إلغالق أو تجلية لغموض أو
تكملة لنقص ،فتضاربت األحكام لالختالف في مصادر االستمداد ومناهج
االجتهاد.
ولتوثيق الزواج سبيالن ،أصلي عادي يقع باإلشهاد لدى عدلين منتصبين لتلقي
الشهادات بصفة نظامية ،وآخر استثنائي يكون بحكم قضائي في كل حالة يتعذر
ص المشرع على فيها التوثيق لدى عدلين لسبب واقعي ال يد للزوجين فيه .فَ ِح ْر ُ
جعل عقد الزواج الحجة الفريدة المقبولة لإلثبات يجابه بإكراه واقعي متمثل في
فشو ظاهرة الزواج بالفاتحة ،التي يرجع استشراؤها لعوامل مختلفة متظافرة،
اقتصادية حيث يضطر بعض اآلباء المعدمون لتزويج بناتهن القاصرات لعدم
قدرتهن على االنفاق عليهن ،وال يملكون توثيق الزواج لدى العدول لعدم
بلوغهن السن المقبول أو لعدم القدرة المالية على إنشاء الوثائق اإلدارية
المستلزمة المعضدة لطلب الزواج أو أداء أجرة العدول ،أو عوامل اجتماعية
متعلقة بعدم ترسخ ثقافة توثيق العقود وتراخي الناس في ذلك والتوجس من كل
أمر ينجز في المحاكم ،أو عوامل أنتربولوجية مردّها إلى استحكام عادة في
نفوس المغاربة متوارثة كابرا عن كابر ،خاصة عند سكان البوادي في المغرب
العميق واألماكن القصية وبعض سكان الحواضر ،الذين يستغنون عن حضور
العدول ويكتفون بقراءة الفاتحة بحضور الجماعة وإشهار الزواج وإشاعة خبره
بينهم([ ،)]6باعتبار بعده الديني الحاكم .وألجله اعتبر بعض الفقه القانوني أن
الزواج عقد مدني ذو طبيعة شرعية([ .)]7وقد يستعاض عن تحرير رسم
الزواج العدلي تهربا من اإلجراءات اإلدارية المعقدة المنصوص عليها بمقتضى
المادة 65من المدونة.
وقد كانت الغاية السامية من إقرار هذه السبيل البديلة تصحيح وضع مختل
وإضفاء الصبغة الشرعية والقانونية عليه والمحافظة على حقوق كافة أطراف
األسرة وحماية النسب من االختالط والضياع ،وهذه السبيل رغم نبل غايتها
متمثلة في الحفاظ على األسر من التصدع ومنع اختالط األنساب ،فإنها تطرح
إشكاالت عملية حقيقية باعتبار طبيعتها االستثنائية ،وباعتبار األجل المحدد
المضروب من لدن المشرع لتصفية جميع الحاالت المتعلقة بها ،وباعتبار
التحايل الذي يعمد إليه البعض استغالال لهذه المكنة البديلة واالستثنائية التي
غدت بفعل سوء الصياغة وسوء الفهم وسوء التطبيق أصال ُمح ّك َما وبديال
دائما.
وال خالف في أن الكتابة عند السادة المالكية ليست بركن أو بشرط صحة في
عقد الزواج لكونه عقدا ً رضائيا ً ينعقد بالرضا والقبول ،قال الشيخ خليل" :ركنه
ولي وصداق ومحل وصيغة"([ ،)]8لكنه غدا عقدا شكليا في ظل القوانين
السارية ،سواء في ظل مدونة األحوال الشخصية أو مدونة األسرة([،)]9
فأضحت الكتابة متمثلة في عقد الزواج أو الحكم بثبوت الزوجية شرط صحة
فيه([ ،)]10وغني عن البيان أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما فالكتابة
تحمي الحق الشخصي أو العيني من الجحود والنكران ،خاصة مع فساد بعض
الذمم في هذا الزمان ،خالفا لما كان عليه األمر زمن النبي صلى هللا عليه وسلم
وزمن صحابته وتابعيهم .فعقد الزواج ال يعد ركنا في الزواج لكنه وسيلة إلثباته
حال نشوء نزاع بين رجل وامرأة تدعي زواجها منه .وهناك حاالت أخرى ال
تكون فيها العالقة الزوجية محل منازعة لكن ال مناص من إثباتها ،كاألرملة
جراء حادثة سير التي تطلب نصيبها في معاش زوجها أو التعويض عن وفاته ّ
ويطلب منها االستظهار بعقد الزواج ،أو الزوج الذي لم يوثق زواجه ويرغب
في تسجيل أبنائه في سجالت الحالة المدنية ،أو استفادة زوجته من الضمان
االجتماعي فال يجد لذلك سبيال.
وتحقيقا لغاية التوثيق سمح بثبوت الزوجية الخالية من اإلشهاد ،المستعاض
عنه باالستفاضة والشهرة في معاشرة الطرفين ،الثابتة من خالل شهادة
الشهود ،ويقوم ذلك مقام اإلشهاد ركونا إلى مقتضيات الفقه المالكي المعتبر
عندنا والذي ال يعتبر اإلشهاد ركنا في الزواج ،فيصح بدونه ،وتأسيسا على ذلك
جاء في قرار للمجلس األعلى" :يترتب عن تحقق الشهرة في النكاح قيام عالقة
زوجية صحيحة مرتبة لكافة آثارها .ينسب الولد للفراش إذا ولد بعد قيام العالقة
الزوجية ،ولو لم يكن عقد النكاح قد أبرم لكون العقد ال يعتبر من أركان
خول إثبات الزواج بأثر رجعي ممتد إلى تاريخ انعقاده الزواج)]11[(".وألجله ّ
ال تاريخ أداء الشهادة أو العلم بالواقعة .وهذا األمر أجيز ألول مرة سنة 1957
بمقتضى مدونة األحوال الشخصية حيث خولت الفقرة األخيرة من الفصل
الخامس منها للقاضي بصفة االستثنائية سماع دعوى الزوجية واعتماد البينة
الشرعية في إثباتها ،وكانت هذه البينة هي شهادة اللفيف ،وقد أبقى مشرع
مدونة األسرة هذا االستثناء وألزم االستماع للشهود أمام المحكمة ،وحدد لهذا
األمر فترة انتقالية مدتها عشر سنوات.
والحكمة من تعبير المشرع في المادة 16من المدونة بلفظ ثبوت الزوجية بدل
إثبات الزوجية ،أن اإلثبات يقوم به المدعي ،وأما الثبوت فمعناه قيام الحجج
على ثبوت األسباب عند الحاكم (القاضي) في ظنه ،فهو إذن وصف قائم بذات
الشيء المدعى وقوعه ،فالواقعة قائمة وإنما تحتاج إلى إظهار ،فال غرو أن
يوسم الحكم بثبوت الزواج بكونه حكما تقريريا غير منشئ لوضع جديد.
فإذا أثبت المدعي دعواه أمام القاضي ،فعليه أن يحكم بمقتضى ذلك ،فالحكم من
لوازم الثبوت ،فيكون المراد من التعبير بلفظ ثبوت الزوجية ،ثبوتها بحكم
قضائي تقريري غير كاشف([.)]12
إن خطورة الخوض في موضوع ثبوت الزوجية وكون أثره متعديا إلى الغير
وتعلقه خالفا لما قد يظن بأكثر من جانب شكلي صياغتي متعلق باإلشهاد
والتوثيق وتعلقه باألعراض واألنساب والميراث .تقتضي منا كقيد منهجي
مدارسة أبرز إشكاالته الموضوعية واإلجرائية الفقهية والقانونية ،وهو ما
سنبسط القول فيه بتفصيل مستقص وفق منهج اعتصمنا به في سائر ثنايا هذا
الكتاب ،حاصله العكوف على القضايا الهامة والخالفية ،مع توضيح مبنى
الخالف والبديل المقترح ،من خالل اإلتيان بشواهد عملية صادرة عن قمة الهرم
القضائي المغربي ،حيث نعرض في المطلب األول لبيان معنى السبب القاهر
المانع من توثيق عقد الزواج في إبانه ،المراد قانونا ،والمعتمد قضا ًء ،وفي
المطلب الثاني لسبل إثبات دعوى الزوجية حال المنازعة .ونتولى في المطلب
الثالث تحديد دور االجتهاد القضائي في تحقيق غايات المشرع في تفعيل دعوى
ثبوت الزوجية.
المطلب األول :المقصود بالسبب القاهر المانع من توثيق عقد الزواج
من المتفق عليه فقها وقانونا أن األصل المعتبر هو عقد الزواج المزمم لدى
العدلين فال يصار إلى دعوى الثبوت التي هي استثناء وبدل إال في حاالت قاهرة
تقدر بقدرها ،وقد جاء في قرار للمجلس األعلى ":العالقة الزوجية ال تثبت إال
بعقد واالستثناء جواز سماع دعوى الزوجية وإثباتها بالوسائل المعتبرة طبقا
للمادتين 10و 16من مدونة األسرة" )]13[(.وغني عن البيان أن الرخصة
أو االستثناء ال يقاس عليه وال يتوسع في تفسيره([ ،)]14ومع ذلك حاول
المشرع التوسل بصياغة مرنة للمادة 16من المدونة التي نظمت هذه
المسطرة ،عندما لم يقيد سماع دعوى الزوجية بحالة معينة الرتباطها بصعوبات
وموانع متعددة ومتجددة([ ،)]15فأطلق اليد لطالبي الثبوت إلثبات دعواهم
بكافة وسائل اإلثبات بما فيها الخبرة ،و َمك َّن قضاة الموضوع من كافة السبل
للتحقق من مزاعم الطالبين واالستدالل على الحقيقة القانونية ،فوسع بذلك
ضيقا ،ولم يضيق واسعا .لكن كيف يتأتى الجمع بين مراعاة حقيقية هذه المكنة
االستثنائية ،وواجب التيسير مراعاة لفقه الواقع ،جمعا لشتات األسر ودر ًء
لتصدعها ،ومنعا من جحود األنساب واختالطها وهما طرفا نقيض؟!
إن التوفيق بين هذين األمرين يلزم القضاء التيسير في اإلجراءات ،وسرعة
الفصل في الدعاوى ،والتوسع في بعض المفاهيم وعدم التشدد في تقدير توافر
بعض الشروط وذلك بغية تصفية جميع الحاالت قبل انصرام األجل الجديد المحدد
في خمس سنوات إضافية لكن مع مراعاة واجب حماية الحقوق من الغمط
واالفتراء ومنع اختالط األنساب الذي يمكن الوقوع فيه في خضم التيسير
المفرط موضوعا وإجراءات .وتلك جراحة دقيقة بمبضع القاضي تحتاج إلى
دربة خاصة وملكة معينة للتوفيق بين تلك المتناقضات ،والجمع بين متنافرات
بغية الوصول إلى الحقيقة الواقعية ،وهو ما يستلزم منا بيان معنى كون مسطرة
الثبوت سبيال استثنائيا ،ومعنى وجوب التيسير الموضوعي واإلجرائي فيها رفعا
لكل التباس.
وهكذا يترتب على اعتبار دعوى ثبوت الزوجية سبيال استثنائيا طائفة من
األمور أهمها:
أن االستثناء ال يقاس عليه وال يتوسع في تفسيره أيا كانت المعاذير
والمسوغات.
أن لقضاء الموضوع مناقشة األسباب الواقعية أو القانونية التي تدخل في عداد
األسباب ذ
القاهرة للتحقق من وجود المانع من توثيق عقد الزواج ،أي داعي العدول عن
العدول ،وذلك دون توسع في تلك األسباب بما يفضي إلى هدم األصل المعتبر
المحكّم متمثال في عقد الزواج ،ومن ثمة طغيان البدل على األصل والرخصة
على العزيمة وألجله ينقض المجلس األعلى كل قرار ال يوضح في ثناياه وجه
االستثناء الداعي إلى العدول عن عقد الزواج العادي([.)]16أن قضاء
الموضوع يستقل بتقدير الحاالت الواقعية القاهرة المانعة من التوثيق دون
تعقيب من لدن المحكمة األعلى درجة ،بشرط التسبيب وبيان وجه المانع القاهر
وتجلياته من خالل وقائع النازلة ،وهذا األمر يتيح لمحكمة التعقيب أمرين،
أولهما التحقق من وجود الواقعة المانعة من التوثيق ،وثانيهما دخولها في عداد
عن التسبيب وبان فال تثريب وال رقابة([.)]17المبررات المقبولة ،فإذا ّ
أن قبول المانع القاهر رهين بانتفاء وجود األصل ،والقضاء ملزم بالتحقق من
هذا األمر بكل سبل اإلثبات المتاحة ،بصفة تلقائية أو بنا ًء على طلب من له
المصلحة خصوما ونيابة عامة .وتأسيسا عليه اعتبر المجلس األعلى أنه لما
استمعت المحكمة إلى شهود الطاعنة واعتبرت شهادتهم غير منتجة في الدعوى
لعدم حضورهم مجلس العقد وعدم ثبوت األسباب القاهرة التي حالت دون توثيق
العقد تكون قد عللت قرارها تعليال سليما([.)]18
أن المشرع لم يحصر حالة االستثناء في مكان أو زمان أو أشخاص معينين
فالقاعدة القانونية ال تقيم تمييزا بين عموم المواطنين في االستفادة من مكنة
معينة ،فلم يحصرها المشرع في نطاق زمني معين لتسري حتى على الحاالت
الواقعة قبل دخول المدونة ،ولم يحصرها في مجال جغرافي معين ،مقتصرا على
البوادي دون الحواضر أو في المغرب دون الخارج ،لعموم البلوى فيها كلها،
ولم يحصرها في موانع معينة لكونها مستجدة تستعصي عن كل حصر ،ولم
يقصرها على فئة عمرية معينة ،كأن يستثني القصر ويجيزها لغيرهم لعدم
حرمان هؤالء من تصحيح أوضاعهم .فترك الباب مواربا أمام كل مدع إلثبات
دعواه في إرسال تشريعي متعمد يحقق غايات عدة ،يستفيد منها المتقاضي
بتنويع معاذيره الواقعية وتكليفه بما يطاق ،والقاضي بتصحيح حاالت مختلفة
بسهولة ويسر يحمي بمقتضاها حق الزوجة في عقد صحيح ،واألبناء في نسب
صريح ،وحق المجتمع في المحافظة على التماسك األسري .وهكذا اعتبر
المجلس األعلى أن" :إثبات دعوى الزوجية غير مقيد بتوفر العدول ،وعدم
توفرهم ،وال بزمان أو مكان معين ،بل يمكن للمحكمة استخالص عناصر حالة
االستثناء المتمثلة في وجود ظروف أو صعوبات حالت دون إشهاد الزوجين
على زواجهما في حينه لدى عدلين.)]19[(".
أن تفريط الزوج في توثيق عقد الزواج مع قدرته على ذلك ،ال يدخل قطعا في
عداد حاالت االستثناء المقبولة ،بل إن ذلك رهين بعدم القدرة وانتفاء المانع،
لقاعدة أن المفرط أولى بالخسارة([ ،)]20ولعدم إمكان استفادة المتحايل من
تحايله.
بيد أن حقيقة االستثناء وقيوده ومحاذيره ال تمنع القضاء من واجب التيسير
اإلجرائي والموضوعي محافظة على لحمة األسرة ورابطة النسب ،ولهذا األمر
مظاهره وشواهده ،منها:
اعتماد المستند العام متمثال في المخالطة أو المجاورة أو االطالع ،بدل المستند
الخاص المتمثل في حضور الشاهد مجلس عقد الزواج ومعرفة كافة أركانه وليا
وصداقا وهو أمر خلص إليه المجلس األعلى بمقتضى قرارات متواترة([،)]21
متراجعا بذلك عن اتجاهه السابق المستلزم وجوب االعتماد على المستند
الخاص([ .)]22رغم أن األصل اشتراط المستند الخاص في شهادة الشهود
بثبوت الزواج وهو ما تطلبه الفقهاء في كل ما تستباح به الفروج وفي طليعته
الزواج([ ،)]23بخالف المال أو ما يؤول إليه ،حيث يقبل فيه التعويل على
مجرد المستند العام([ .)]24واشتراط المستند الخاص الذي قد ال يدركه حتى
أخص القرابة ،فيه تنطع ومغاالة وتكليف بما ال يطاق ،ومدعاة إلى ذيوع شهادة
الزور وتلقين الشهادة .وهكذا كان المجلس األعلى يستلزم ثبوت الزوجية
بالبينة المستفسرة المتضمنة للمستند الخاص ،ومعناها حضور الشهود حفلة
الزفاف وطول مدة الزواج ووجود الولد([ ،)]25فمن أين يأتى بمثل هذا
المستند الخاص التفصيلي ،مهما بلغ إطالع الشهود على جزئيات الزواج؟! وهل
المهم الغايات أم الوسائل؟ ثم أليس المراد تصحيح أوضاع مختلة تشوفا إلى
تحقيق غايات شرعية ،فيغتفر في المحامل المفضية إليها؟
االستعاضة عن نصاب اللفيف العددي المتعارف عليه وقدره اثنا عشر شاهدا
والذي كان يستلزمه المجلس األعلى وجوبا في دعاوى الثبوت بما هو دونه من
تلقية أوأقل منها حال عدم المنازعة ،وكون الزوجين على قيد الحياة ،وإال وجب
االلتزام بال ِنّصاب العددي المعروف؛ ألن االستكثار من الشهود يزيد الشهادة
صدقا ولزوما وحجية([.)]26
التوسع في مفهوم السبب االستثنائي المانع من توثيق عقد الزواج وفق أصوله
المرعية ،ومن ثمة قبول كل حالة واقعية مانعة من توثيق عقد الزواج ،دون
وقوف على حاالت معينة على سبيل الحصر الذي ال يتوسع فيه.
قبول تصفية جميع الحاالت غير الموثقة ،لتشمل حتى الحاالت الحادثة بعد دخول
المدونة حيّز التطبيق ووجود العدول في سائر مناحي المغرب ،دون اعتداد بحيّز
زمني ُمقيّد.
قبول بعض الحاالت التي وقع فيها تحايل متى أثمرت العالقة الزوجية عن وجود
حمل أو ازدياد أبناء ،حماية لحقوق هؤالء في النسب والستفادتهم من آثاره
المختلفة ،سيما التسجيل في الحالة المدنية والتمدرس ،دون تمسك حرفي
بقاعدة وجوب المعاقبة بنقيض القصد ،وإنما تقدّر كل حالة بقدرها ،لكن ال
يسوغ الجهر بذلك في األحكام بما يفضي إلى استغالل الناس لهذا األمر الواقعي
بعسف .وتأسيسا على ذلك جاء في حكم صادر عن ابتدائية مراكش ":وحيث إنه
في النازلة ،فإن الطرفين لم ينجبا أبنا ًء ،وليست طالبة الزوجية حامال حتى
يتشفع لها ذلك في تبرير تحايلها على النص القانوني)]27[(".ولسنا في حاجة
هنا إلى تذكير المحكمة بأنه ال شيء يشفع لتبرير التحايل على النص القانوني.
وال ريب أن القضاء إنما يركن في التيسير اإلجرائي والموضوعي لمؤيدات
واقعية ،حاصلها الحرص على جمع لحمة اّألسرة وحماية حق الزوجة من
الجحود ونسب األبناء من اإلنكار ،ومؤيدات قانونية تجد سندها في المقتضى
القانوني المجيز ،فضال عن مناشير ودوريات وزيرية متعددة تحث على
ذلك([ ،)]28وهكذا نجد أن المشرع:
ضرب أجال جديدا إضافيا لتصفية جميع حاالت ثبوت الزوجية غير الموثقة
وإعطاء فرصة لألزواج لتصحيح أوضاعهم.
أعطى للمحكمة سلطة واسعة للوقوف على صحة ادعاءات الخصوم واالستدالل
على المزاعم دون تقييد سلطتها تلك بقيود أو ضوابط ،غير االلتزام بكل ما من
شأنه اإليصال إلى الحقيقة القضائية والواقعية.
لم يتشدد في وسائل إثبات الزواج المدعى وقوعه وأطلق اليد لكل مدع لإلثبات
مالم تقع المنازعة في ذلك ،أو كان الزوجان أو أحدهما ميتا([.)]29
أجاز قبول شهادة الشهود دون التجريح لقادح القرابة ،إذ الغالب قصر حضور
مجلس العقد واإلحاطة بأركان الزواج صيغة ووليا وصداقا على أقرب المقربين،
وال تكليف إال بمستطاع وبمقدور ،مع قصر هذا األمر حال اتفاق الزوجين وعدم
وجود منازعة ،وإالّ جاز التجريح بما يُ َج َّر ُ
ح به الشهود عادة من قرابة أو تبعية
للمشهود له أو عداوة مع المشهود عليه([.)]30
ولما كان األصل هو عقد الزواج الموثق لدى عدلين ،فإنه ال يصار إلى
استصدار حكم بثبوت الزواج إال بعد ثبوت وجود السبب االستثنائي المانع من
توثيق عقد الزواج وهذا األمر يقتضي منا تحرير معنى السبب االستثنائي الذي
أراده وعناه المشرع في المادة 16من مدونة األسرة ،وربط به أمر االستجابة
لطلب ثبوت الزوجية ،فأضحى الحكم التقريري به يدور معه وجودا وانتفاء.
وغدا في خضم االستسهال كل سبب يدعى دخوله في زمرة األسباب االستثنائية،
فتنكبت إرادة المشرع في أحايين كثيرة و ُج ِعل هذا االستثناء أصال في قلب كامل
للمفاهيم ،فتعاظمت طلبات ثبوت الزوجية واستغلت هذه المكنة االستثنائية
تحايال أو تراخيا رغم توافر العدول في سائر أنحاء المغرب من أدناه إلى أقصاه،
وتأ ِت ّي اإلشهاد لديهم بأيسر سبيل وأقصر أجل([.)]31
فالمانع من توثيق عقد الزواج إما أن يكون مانعا ماديا أو مانعا قانونيا .والمانع
المادي هو كل حدث مادي حصل بسبب خارجي ال يد لإلنسان فيه ،وأما المانع
القانوني فهو كل سبب متعلق بعدم الحصول على ما يتطلبه القانون من إذن أو
رخصة أو وثيقة أو تحقق شرط أو انتفاء مانع([.)]32
والمانع ال ينصرف بمعناه الدقيق الذي أراده المشرع في المادة 16من المدونة
إال للمانع المادي الواقعي غير اإلرادي ،أما المانع المادي اإلرادي والمانع
القانوني ،متمثال في عدم الحصول على إذن أو رخصة أو وثيقة ،فال يدخالن في
زمرة الموانع المقبولة ألن حصولها كان بتفريط من رب الحق أو لعدم استيفائه
للشروط المتطلبة قانونا التي يُحمي بها حق خاص أو عام ،فال يسوغ والحالة
ما ذكر أن يستفيد من تفريطه أو تحايله بفرضه حالة واقعة وتكريسه وضعا
يصحح جبرا وخالفا للنصوص المسنونة ،فالمفرط أولى بالخسارة ،وألن القول
بغير ذلك فيه مسايرة للمتحايل أو ال ُمفَ ِ ّرط ،وحمل ضمني على االستكثار من هذه
السبيل والتحلل من القيود القانونية المتطلبة ،كما أن من شأن ذلك إفراغ بعض
المساطر واألذون من محتواها ومناقضة لغاية المشرع من إقرارها ،فتغدو
متجاوزة دون جزاء معاقب حال المخالفة ،فتصبح االستثناءات أصوال واألصول
مشرعين وفق أهوائهم.
ّ استثناءات )]33[(،فيغدو المتحايلون والمواربون
ومن أمثلة الموانع القانونية التي ال تنهض سببا لقبول طلب اإلثبات ،عدم
الحصول على الرخصة الالزمة بالنسبة للعسكرين ورجال الشرطة والدرك،
وعدم استصدار اإلذن بزواج القاصر أو المصاب بإعاقة ذهنية أو اإلذن بالتعدد
حال اللزوم ،وعدم الحصول على الوثائق اإلدارية للزواج العادي أو
المختلط([ ،)]34وهو ما أكده المجلس األعلى بمقتضى عدة قرارات متواترة
حرص من خاللها على التمييز بين كل ذلك ،منها قرار جاء فيه" :لئن كانت
المادة 16من مدونة األسرة تجيز سماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية
بسائر وسائل اإلثبات ،وكذلك الخبرة ،فإن ذلك ال يتأتى إال إذا حالت أسباب
قاهرة دون توثيق العقد في وقته ،والمحكمة لما قضت بثبوت الزوجية بين
الطاعن والمطلوبة بناء على شهادة الشهود المستمع إليهم ،دون بيان السبب
القاهر الذي حال دون توثيق العقد في إبانه ودون أن يتحقق من تطبيق
النصوص القانونية المنظمة للتعدد في مدونة األسرة التي رفع الطلب بعد
تطبيقها ،وهي المواد 40وما يليها من مدونة األسرة ،تكون قد خرقت
مقتضيات المواد المحتج بها ،فجاء قرارها ناقص التعليل الذي هو بمثابة
انعدامه مما يعرضه النقض"([.)]35
ومن شواهد الموانع الواقعية التي يجوز تأسيس طلب ثبوت الزواج عليها
والتي ال يمكن حصرها في نص قانوني الرتباطها بوقائع كثيرة ومتجددة ،البعد
عن مكان تواجد العدول ،واإلعاقة البدنية المانعة من التوجه صوب المحكمة أو
العدول إلنجاز وثائق الزواج ،وعدم القدرة المادية على استصدار الوثائق
اإلدارية أو أداء أجرة العدول ،وكذا الغيبة الطويلة المتصلة ألحد الزوجين عن
اآلخر قبل توثيق الزواج لدى عدلين ،والوجود في بالد أجنبية ال عدول
فيها([ ،)]36فضال عن وقائع أخرى يستقل قاضي الموضوع بتقدير مدى
دخولها في عداد الموانع الواقعية أو القانونية شرط تعليل النتيجة التي ينتهي
إليها___________________________.
[ )]1اآلية 20من سورة الروم.
[ )]2يستشف من صياغة المادة 67من مدونة األسرة أن المشرع المغربي
يخلط بين العقد والوثيقة التي تتضمنه ،حيث استهلت المادة بعبارة " يتضمن
عقد الزواج ما يلي "...والمراد تحديدا وثيقة الزواج .للوقوف على أوجه
االختالف بين العقد وهو فكرة معنوية والوثيقة التي يدون فيها ،يراجع:
-عبد الرزاق السنهوري" ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد" ،الجزء
الثاني .اإلثبات ،أثار االلتزام ،م .س ،ص 105 :وما بعدها.
- Voir aussi: CH.Lorroumet, "droit Civil : les
obligations: le contrat", Tome III.Economi. Paris.1990
N°137. P : 218 et suivant.
[ )]3قال الحق سبحانه و تعالى" :وأخذن منكم ميثاقا غليظا" .اآلية 21من
سورة النساء.
[ )]4أما المقوم الثاني فهو المقوم التأطيري وحاصله مراعاة حدود هللا بما
يحقق استقرار األسرة ،والمقوم الثالث هو المقوم القيمي الذي يشيع معاني
الترابط والمودة والرحمة ،للوقوف على تفاصيل الموضوع يراجع :بهيجة
شدادي" ،مقومات األسرة في اإلسالم ".درس حسني ألقي في الحضرة الملكية
بتاريخ 17رمضان 1434هـ.
[ )]5فلكل عقد مقصد وعلى العاقد أن يتحرى تحقيقه وأال يقصد قصدا مناقضا
له ورغم أن القصد يكون مستترا ً وحبيس الصدور إال أن األفعال قد تدل عليه،
باعتبار أن النية وكما يقول الفقهاء يستدل عليها من األفعال.
[ )]6هذا األمر كان يدخل في عداد حالة االستثناء المقبولة قضا ًء التي تجيز
اعتماد البينة الشرعية أي اللفيف بدال من عقد الزواج في ظل الفصل الخامس
من مدونة األحوال الشخصية الملغاة .يراجع القرار عدد 111وتاريخ
1975/5/5ذكره الدكتور محمد الكشبور في مؤلفه" ،شرح قانون األحوال
الشخصية" ،ص.155 :
[ )]7ينظر على سبيل المثال ،محمد الكشبور" ،شرح مدونة األسرة" ،الجزء
األول ،الزواج ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء .2006 ،ص.149 :
[ )]8خليل بن إسحاق الجندي ،المختصر ،مطبعة دار الحديث القاهرة1426 ،
هـ 2005م ،ص.96:
[ )]9العقود التي يستلزم فيها القانون ورودها في شكل معين ،يصطلح عليها
بالعقود الشكلية ،وهي تعتبر قيدا واستثنا ًء على أصل رضائية العقود ،فتكون
الغاية التشريعية ليست تغليب عنصر الشكل على الرضائية ،بقدر ما تكون الغاية
حماية هذه الرضائية نفسها من جميع األخطار التي تقتضيها العمليات التعاقدية
والتي يتطلب اإلقدام عليها كثيرا من التروي ،مما يجعلنا أمام قاعدة موضوعية
وليست شكلية.
يراجع :األمرانيزنطار محمد " ،أحكام رضائية العقود ،بين الفقه اإلسالمي
والقانون الوضعي" ،دراسة مقارنة ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في
القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة الحسن
الثاني ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية -1990-1989ص.353:
[ )]10من ثمة حصر مشرع المدونة أمر إثبات الزواج في هذين السبيلين،
عندما نص في المادة 16من مدونة األسرة على أنه " :تعتبر وثيقة عقد
الزواج الوسيلة المقبولة إلثبات الزواج ،إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق
العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل اإلثبات
وكذا الخبرة".
[ )]11قرار عدد 633وتاريخ 2006/11/15ملف شرعي عدد
206/1/2/160غير منشور.
[ )]12فالتمييز إذن بين االثبات و الثبوت أمر في غاية األهمية ،إنه باختصار
تمييز بين أمر تقريري واقع ،وآخر كاشف لوضع جديد .فالزواج واقع حقيقة
وثابت فعال لكن إظهاره و تجليته تأخر لمانع قاهر منع ،و لطارئ استثنائي حال
دون توثيقه وفق األصول التوثيقية المرعية ،ومن ثمة ال تملك المحكمة إال أمر
أن تنص في منطوق الحكم على لفظ الثبوت أو كل لفظ يقوم مقامه دون غيره.
[ )]13قرار مؤرخ في 2006/9/27ملف عدد 2006/1/2/971المنتقى
من عمل القضاء في مدونة األسرة ،ج 1منشورات جمعية نشر المعلومة
القانونية والقضائية ،نشر المعلومة للجميع ،العدد 17فبراير ،2009ص.7:
[ )]14هذه قاعدة أصولية معروفة تعقل اجتهاد المجتهد و عمل القاضي،
ومعناها أن االستثناء ما دام على خالف األصل ،فغيره ال يقاس عليه ،ألنه فرع
و بدل ،وال يقاس الفرع على الفرع و البدل على البدل ،كما أنه ال يتوسع في
تفسيره لكونه محض رخصة واستثناء ال يلجأ إليه إال على سبيل الضرورة.
وهي من القيود االجتهادية الهامة التي ت ُ َ
ط ّ ِوق عمل القاضي و تغل يده باعتباره
المعني أساسا ً بتفسير النص القانوني أو الفقهي و تنزيله على الواقع في مطلق
الدعاوى ،زجرية كانت أو مدنية أو أسرية.
[ )]15هذا األمر بقي ساريا منذ عهد مدونة األحوال الشخصية ،فقد كانت حالة
االستثناء المبررة لسماع دعوى الزوجية غير مقيدة على صعيد العمل القضائي
بحالة معينة ،بل مرتبطة بصعوبات اضطر معها المتعاقدان إلى عدم إشهاد
عدلين .يراجع مثال :قرار المجلس األعلى عدد 1326وتاريخ
1986/10/21ملف عقاري عدد ،84/4886مجلة قضاء المجلس األعلى،
عدد 40ص.165 :
[ )]16بنا ًء عليه جاء في قرار للمجلس األعلى ":لما عللت المحكمة استبعادها
لرسم ثبوت الزوجية الذي أدلت به الطاعنة بأنه ال يشير بتاتا إلى حالة
االستثناء التي دعت إلى إقامته والسبب الذي صرف أصحابها عن إقامة عقد
الزواج في إبانه ،والحال أنهم يقطنون في مدينة متوفرة على عدد كبير من
العدول ،تكون قد عللته تعليال كافيا " .قرار عدد 89وتاريخ 2001/1/24
ملف شرعي عدد ،2000/1/2/158أورده ذ عبد العزيز توفيق " ،قضاء
محكمة النقض في مدونة األسرة " .مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة األولى
2013ص.21 :
[ )]17هذا األمر تحرص محكمة النقض حرصا موصوال على التزام محاكم
الموضوعبه ،و هكذا اعتبرت محكمة النقض أن سماع دعوى الزوجية المنازع
فيها ،يلزم المحكمة بيان األسباب القاهرة التي حالت دون توثيق عقد الزواج.
قرار عدد 13وتاريخ 2011/01/04ملف عدد ،2009/1/2/696المجلة
المغربية للدراسات القانونية والقضائية ،العدد 6ماي 2011ص.258 :
واعتبرت في قرار آخر أنه لما ثبت (للمحكمة) عدم حصول خطبة للطرفين ،وأن
العالقة المزعومة الناتج عنها الحمل موضوع النزاع مجرد عالقة فساد حسبما
تُثبتُهُ وقائع القرار الجنحي الصادر بتاريخ ( )...وحسبما استخلصته في إطار
سلطتها من شهادة الشهود الذين وقع االستماع إليهم في المرحلة االبتدائية
تكون بذلك قد أسست قضاءها على أساس قانوني صحيح ومعلل بما فيه الكفاية
" .قرار عدد 264 :بتاريخ ،2006/4/26 :ال ُمنتقى من عمل القضاء ج ،1م.
س ،ص.230 :
وهذا األمر كان محكما أيضا في ظل مدونة األحوال الشخصية الملغاة ،حيث كان
على محاكم الموضوع أن تبين الدواعي التي حملتها على إعمال حالة
االستثناء ،وذلك حتى يتمكن المجلس األعلى من مراقبة وجود دواعي االستثناء
وأسبابه .قرار عدد 29وتاريخ 1971/2/21مجلة قضاء المجلس األعلى
عدد 24ص.28 :
[ )]18قرار عدد 695وتاريخ 2009/4/30ملف شرعي عدد
2007/2/67عبد العزيز توفيق ،م .س ،ص.57 :
[ )]19قرار عدد 397وتاريخ 2008/7/21ملف عدد 2004/1/2109
غير منشور.
[)]20هذه القاعدة الفقهية المعروفة في باب التعويض ،معناها أن المفرط في
تحصيل حق مستحق لفائدته ،أو في مراقبة من تجب مراقبته عليه ،أو عدم
مراعاته للنظم والقوانين المرعية ،فإنه يتحمل تبعة ومسؤولية ذلك ،سواء
كانت المسؤولية مدنية أو جنائية وكأنه جزاء رتبه المشرع على التفريط وعدم
الحرص الواجب على كل من تحمل مسؤولية محددة عن نفسه أو غيره.
[ )]21فلم يعد المجلس األعلى يتشدد في مستند علم شهود ثبوت الزوجية،
ومن شواهد ذلك اعتباره في قرار له" :أن محكمة الموضوع أقامت قضاءها
على ما اطمأنت إليه من أدلة منتجة في الدعوى ومنها البحث الذي أجرته
المحكمة االبتدائية في القضية ( )...مما يخلص منه أن ركن الرضا بالزوجية
ثابت بإرادة الطرفين ،وشهادة اللفيف الذين بنوا مستند علمهم على المخالطة
والمجاورة ،مما يعني أن النكاح قد اشتهر بين الناس وفشا خبره ،مما يكفي
لثبوته وإن لم يحصل اشهاد من ولي وقت انعقاده ،ألنه ليس بركن في العقد وال
يشترط فيه وإنما هو مندوب" .قرار عدد 505وتاريخ 2005/17/09ملف
شرعي عدد 2004/1/2/19ذكره الدكتور محمد الكشبور في شرحه لمدونة
األسرة ،الجزء األول ،الزواج ،مطبعة النجاح الجديدة 2006/16بهامش ص:
.286
[ )]22هكذا دأب المجلس األعلى في قرارات عديدة كان ينقض فيها كل قرار
يؤسس قضاءه بالثبوت على المستند العام ،ومن ذلك قرار جاء فيه":ومن
القواعد الفقهية المعتبرة عند تعارض البينات ترجيح ما كان مستند العلم فيها
المعاينة والحضور المعبر عنه بالمستند الخاص على ما كان مستند العلم فيها
المجاورة والمخالطة" .قرار المجلس األعلى عدد 21وتاريخ 1960/10/31
مجلة قضاء المجلس األعلى عدد 35ص.250 :
فمبنى الشهادة االسترعائية شهادة الشاهد بما في علمه ،وهذا العلم إما أن
يكون مبنيا على مستند أو سبب عام أو خاص والمراد بالمستند العام في فقه
الشهادات المخالطة والمجاورة وشدة االطالع ،وأما المستند الخاص فيقصد به
الحضور والمعاينة ومعرفة األركان .للتفصيل أكثر يراجع عبد الواحد العلوي:
"مقدمة في الوثائق وفقهها في التشريع اإلسالمي" ،مجلة القضاء اإلسالمي،
عدد 118ص 399 :وعقبها.
[ )]23هكذا قَبِل المجلس األعلى اعتماد المستند العام في شهادة لفيف لتعلق
الدعوى باثبات الحق في اإلرث ال استباحة فرج .قرار غرفة األحوال الشخصية
عدد 773وتاريخ 1992/7/7مجلة قضاء المجلس األعلى عدد 46ص:
.173
[ )]24بناء عليه اعتبر المجلس األعلى أن " ...البيوعات والمقاسمات
والمخارجات ،وما فيه رائحة تفويت ،ال يكتفي فيها بالمستند العام بل البد فيها
من المستند الخاص ،فال يكتفي فيها من الشهود بالمستند العام ،بل البد من
المستند الخاص المطلوب في مثلها ،وهو حضورهم لهذه المبادلة" .قرار عدد
129وتاريخ 1982/2/9ذكره أحمد أدريوش في مؤلفه" :نطاق ظهير
االلتزامات والعقود"( ،تأمالت حول موقف القضاء المغربي من مشكلة عالقة
ظهير االلتزامات والعقود بالفقه اإلسالمي) ،سلسلة المعرفة القانونية ،3-
الرباط ،1996ص.116:
[ )]25يراجع مثال القرار عدد 337 :وتاريخ 2003/7/10ملف شرعي عدد
،2001/2/2/352عبد العزيز توفيق" ،قضاء محكمة النقض في مدونة
األسرة " .م .س ،ص.23 :
[ )]26من هذه القرارات قرار جاء فيه ":الزوجية ال تثبت بتصريح ثالثة
أشخاص غير عدول ،وإنما أن تتوفر في البينة الشرعية الشروط المعتبرة فقها
وقانونا ".قرار عدد 480وتاريخ 2006/01/25ملف عدد ،2006/1/2/5
أورده أبراهيم بحماني في مؤلفه" ،العمل القضائي في قضايا األسرة ،مرتكزاته
ومستجداته في مدونة األحوال الشخصية ومدونة األسرة".مكتبة دار السالم،
.2009ص.189 :
[ )]27أورده الدكتور الكشبور في شرحه لمدونة األسرة ،ج 1الزواج ،م س،
ص.294 :
[ )]28من هذه المناشير ،منشور عدد 50س 2وتاريخ 2فبراير 2005
حول سماع دعوى الزوجية والذي حثت من خالله وزارة العدل السادة القضاة
على ضرورة تقدير الظروف التي حالت دون توثيق الزواج في إبانه ،أو عند
البحث والتحري أو عند ترتيب اآلثار .وكذا دورية وزير العدل عدد 16س2
وتاريخ 23سبتمبر 2012حول تفعيل التعديل المدخل على المادة 16من
المدونة ،ودورية وزير العدل عدد 12س 2وتاريخ 26مارس 2013والتي
طلب بمقتضاها من المحاكم مراعاةً لألجل اإلضافي المخول للمواطنين لتقديم
دعاوى ثبوت الزوجية عقد ندوات جهوية بالتنسيق مع السلطة المحلية
لتحسيس المواطنين المعنيين وحثهم على هذا األمر ،وعقد جلسات تنقلية
بمراكز القضاة المقيمين وحكام الجماعات واألسواق النائية واتخاذ كل الترتيبات
الضرورية للتسهيل على المواطنين المعنيين بثبوت الزوجية من خالل وضع
إعالنات تتضمن نماذج طلبات ثبوت الزوجية توضع رهن إشارتهم ،وتحديد
الوثائق المتطلبة وعدد الشهود واإلشارة إلى إمكانية استفادة المواطنين
المعوزين من المساعدة القضائية ،والتعامل بالمرونة والتيسير والتبسيط في كل
المساطر واإلجراءات ،ومراعاة كل الظروف والمالبسات وسائر وسائل اإلثبات
بما فيه القرائن والحد األدنى المعتبر من الشهود والتعجيل بالبت في دعوى
الزوجية في وقت مالئم مراعاة للفترة المحددة قانونا لسماعها.
وفيما يخص المساعدة القضائية التي نصت الدورية المذكورة على إمكان
استفادة المتقاضي منها فقد نظمت بمقتضى المرسوم عدد 514-65بتاريخ
17رجب 1386بمثابة قانون يتعلق بالمساعدة القضائية ،نشر بالجريدة
الرسمية سنة ،1966حيث جاء في فصله األول " :يمكن منح المساعدة
القضائية لدى جميع محاكم المملكة ،وكيفما كان الحال إلى األشخاص
والمؤسسات العمومية أو ذات المصلحة العمومية والجمعيات الخصوصية
القائمة بعمل إسعافي والمتمتعة بالشخصية المدنية والجنسية المغربية التي
نظرا لعدم كفاية مواردها تكون غير قادرة على ممارسة حقوقها أو الدفاع عنها
أمام القضاء ،وذلك عالوة على الحالة التي يستفيد فيها األجانب من هذه
المساعدة عمال بالمعاهدات.
تطبق هذه المساعدات على كل نزاع وعلى كل المطالبات بالحق المدني أمام
محاكم التحقيق وإصدار األحكام ،كما تطبق خارج كل نزاع على أعمال القضاء
اإلداري واألعمال التحفظية .وال يعمل بالمقرر الممنوحة بموجبه المساعدة
القضائية إال فيما يتعلق بالعقود والعمليات المنجزة بعد صدوره ،اللهم إال إذا
كان قد تم منح مقرر مؤقت فيما سبق ".
[ )]29إن حماية حقوق المتوفى المدعى وقوع الزواج منه ،وحماية الحقوق
المالية و المعنوية لورثته الذين غالبا ما ال يستدعون في دعوى الثبوت،
تقتضي التحري واالستيثاق من واقعة الزواج المزعومة ،عبر االستكثار من
شهود اإلثبات ،ولو حال عدم المنازعة ،والتعويل على مستند العلم الخاص ما
أمكن ،ومراعاة القيود اإلجرائية والشروط الموضوعية لالستماع للشهود
ورفض الطلب حال التشكك واالرتياب في وجود العالقة المذكورة.
[ )]30بنا ًء عليه جاء في حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالرباط" :وحيث
إن الشاهدين بعد التأكد من هويتهما ونفيهما موانع الشهادة وأدائهما اليمين
القانونية ،أكدا الوقائع المسطرة أعاله جملة وتفصيال" .حكم صادر عن قسم
قضاء األسرة ،عدد 1514 :ملف 08/1376/10وتاريخ2008/12/22:
غير منشور.
[ )]31فكان بذلك العذر بعدم تأتي اإلشهاد لدى العدول ،لعدم وجودهم أو لبعدهم
عذرا مردودا في أغلب الحاالت ،لتوافر العدول في شتى بقاع المغرب ،األمر
الذي يستلزم التحقق من مثل هذه المزاعم المعتبرة كمبرر موضوعي استثنائي
والتي يقع عبئ إثباتها على مدعيها طالما أن األصل وجود العدول في كافة
األنحاء.
[ )]32هذا األمر يتعين بيانه وتجليته في حيثيات الحكم ،ببيان المانع القانوني
عند االستبعاد ،والمانع الواقعي حال االعتماد ،حتى يتأتى للمحكمة األعلى درجة
مراقبة سالمة النتيجة التي انتهت إليها المحكمة المعقب على حكمها.
[ )]33مثل هذا األمر من شأنه نقض غاية المشرع من إفراد المساطر األصلية
لطغيان المساطر البديلة ،واألصل فيها أال تكون مقبولة إال في حاالت ضيقة ال
ينبغي التوسع فيها بحال ،مهما كانت الذرائع القانونية والمعاذير الواقعية
ال ُمساقة من قبل الخصوم.
[ )]34إذا اضطرت المحكمة إلى االستجابة لطلب ثبوت الزواج المختلط ،نتيجة
وقوع حمل أو وجود أبناء ،فإنه يتعين أن يُصار إلى نفس االجراءات التي يتعين
اتخاذها حال طلب الزواج المختلط في األحوال العادية تحرزا ،خاصة البحث
المجرى بواسطة النيابة العامة ،حماية لحقوق الزوج المغربي الذي قد ال يتفطن
في خضم تسرعه ورغبته في توثيق الزواج في أقرب وقت واالنتقال بمعية
الزوج اآلخر إلى خارج المغرب ،بأنه وقع ضحية نصب أو تدليس من قبل
الزوج األجنبي الذي يقضي وطره ويتوارى عن األنظار ،فتبتلى الزوجة
بمصيبتين ،كونها كانت ضحية نصب ،وصعوبة الحصول على التطليق ،فأحرى
المستحقات.
[ )]35قرار عدد 128وتاريخ 2009/3/25ملف عدد 2008/1/2/558
مجلة القضاء المدني ،العدد الثالث ،السنة الثانية ،شتاء /ربيع ،2011ص:
.182
[ )]36رغم نزوع الدولة في اآلونة األخيرة إلى تعيين عدد من قضاة التوثيق
والعدول في أهم سفارات المغرب بالدول األجنبية تلك التي تعرف وجود جالية
مغربية مهمة ،وذلك حتى يتأتى لهم اقتضاء حقوقهم من خالل استصدار مختلف
الرسوم واإلشهادات بأيسر سبيل دون االضطرار في كل لحظة وحين إلى العودة
للمغرب لمجرد إنشاء وثيقة عدلية.