You are on page 1of 15

‫القائمة‬

‫في الواجهةمقاالت قانونية‬

‫االختصاص النوعي في القضايا األسرية فقها وقانونا وقضاء دراسة‬


‫تأصيلية في ضوء مدونة األسرة وظهير التنظيم القضائي للمملكة‬
‫ومستجدات مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية‬
‫‪ 20‬مارس‪2018 ,‬‬

‫‪ 2٬130 18‬دقائق‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫لقد كانت العالقات األسرية قبل أن يبتلي هللا بالدنا باالستعمار تخضع ألحكام الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬خاصة المذهب المالكي ‪ ،‬الذي‬
‫يعتبر المصدر الوحيد الذي ينظم أحكام األسرة ‪ ،‬ويفض المنازعات األسرية ‪.‬‬
‫وبعد فرض االستعمار الغاشم نظام الحماية على المغرب سنة ‪ ، 1912‬ظهرت مجموعة من المحاكم ‪ ،‬لعل أبرزها المحاكم الشرعية‬
‫المحدثة بمقتضى ظهير ‪ 7‬يوليوز ‪ ، 1914‬والتي تنظر في قضايا األحوال الشخصية والميراث بين المسلمين ‪ ،‬و قضايا العقار غير‬
‫المحفظ ‪ .‬أما قضايا األحوال الشخصية لليهود المغاربة فقد كان اختصاص النظر فيها يرجع إلى المحاكم العبرية ‪.‬‬

‫ومع بزوغ فجر االستقالل ظهرت الحاجة إلى وضع قانون موحد ينظم األحوال الشخصية ‪ ،‬خاصة بعدما تضاربت واختلفت األحكام‬
‫الصادرة عن المحاكم الشرعية والعرفية نتيجة الختالف المصادر المعتمدة في صياغة تلك االحكام ‪.‬‬

‫لذلك سارع المغرب إلى إحداث قانون موحد لألحوال الشخصية درء للتعارض و االختالف بين القضاة ‪ ،‬وكان الهدف االساس من ذلك‬
‫هو استرجاع السيادة الشرعية ؛ بجمع أحكام الفقه االسالمي في مدونة واحدة ‪ ،‬تصبح المرجع األساس الذي يعتمده القضاة في النظر‬
‫في األحكام المعروضة عليهم ‪.‬‬

‫فصدرت بذلك أول مدونة خاصة باألحوال الشخصية بمقتضى الظهير رقم ‪ 1-57-190‬المؤرخ ب ‪ 22‬محرم ‪ ، 1377‬الموافق ل ‪19‬‬
‫غشت ‪ ، 1957‬التي تعتبر المصدر األساسي الذي يرجع إليه القضاة المغاربة أثناء نظرهم في قضايا األحوال الشخصية ‪.‬‬

‫وقد كان اختصاص النظر في قضايا األحوال الشخصية في هذه المرحلة يرجع إلى المحاكم االبتدائية ‪ ،‬باعتبارها صاحبة الوالية العامة‬
‫للبت في جميع القضايا التي تقع في مجال اختصاصها ‪.‬‬

‫واستمر الوضع على هذا الحال إلى غاية صدور مدونة األسرة سنة ‪ ، 2004‬التي بصدورها ظهرت أولى بوادر ظهور قضاء أسري‬
‫‪ ..‬وحرصا من جاللتنا على توفير ‪: “.‬متخصص ‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل خطاب ملك البالد المعتبر بمثابة ديباجة للمدونة إذ جاء فيه‬
‫الشروط الكفيلة بحسن تطبيق مدونة األسرة وجهنا رسالة ملكية إلى وزيرنا في العدل ‪ .‬وقد أوضحنا فيها أن هذه المدونة مهما‬
‫تضمنت من عناصر اإلصالح فإن تفعيلها يظل رهينا بإيجاد قضاء أسري عادل ‪ ،‬وعصري وفعال ‪ ،‬ال سيما وقد تبين من خالل تطبيق‬
‫المدونة الحالية أن جوانب القصور والخلل ال ترجع فقط إلى بنودها ولكن باألحرى إلى انعدام قضاء أسري مؤهل ‪ ،‬ماديا وبشريا‬
‫ومسطريا ‪ ،‬لتوفير كل شروط العدل واإلنصاف ‪ ،‬مع السرعة في البث في القضايا ‪ ،‬والتعجيل بتنفيذها …”‬
‫وهو ما عمل المشرع المغربي على تفعيله من خالل التعديل الذي لحق التنظيم القضائي للمملكة ‪ ،‬حيث أحدثت بموجبه مقرات مستقلة‬
‫خاصة بالقضاء األسري ‪ ،‬ومنفردة باختصاصات نوعية محددة ‪.‬‬
‫ويقصد باالختصاص بصفة عامة صالحية المحكمة للنظر في الدعوى المعروضة عليها ‪ ،‬ويميز عادة بين االختصاص النوعي ‪،‬‬
‫‪[1] .‬ويسمى كذلك بالوظيفي ‪ ،‬وبين االختصاص المكاني أو المحلي‬
‫‪[2] .‬أما االختصاص النوعي فيقصد به تلك الصالحية الممنوحة للمحكمة للبت في الدعاوي المعروضة عليها ‪ ،‬بناء على نوع الدعوى‬
‫وقد حدده التنظيم القضائي للمملكة بعد تعديله بالقانون ‪ 73-03‬حصرا في ‪ :‬قضايا األحوال الشخصية والميراث ‪ ،‬والحالة المدنية‬
‫وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة ‪ ،‬وكل ما له عالقة برعاية وحماية األسرة ‪.‬‬
‫أهمية الموضوع ‪:‬‬
‫تتجلى أهمية موضوعنا هذا في الدور الكبير الذي يلعبه القضاء األسري في تفعيل بنود مدونة األسرة ‪ ،‬ذلك أن تأهيل قضاء‬
‫أسري متخصص سواء من الناحية البشرية أو المادية من شأنه الحفاظ على تماسك األسرة وتقويتها ‪.‬‬
‫كما تتجلى في اإلشكاالت التي قد تطرح نتيجة تبعية أقسام قضاء األسرة للمحاكم االبتدائية ‪ ،‬باعتبار الوالية العامة في االختصاص‬
‫الممنوحة لهذه األخيرة ‪.‬‬

‫إشكالية الموضوع ‪:‬‬


‫إلى أي حد وفق المشرع المغربي في تنظيم قضاء أسري متخصص بما يضمن تفعيل بنود مدونة األسرة ؟‬
‫يتفرع عن هذه اإلشكالية سؤالين ‪:‬‬

‫ما هي االختصاصات النوعية المسندة إلى القضاء األسري ؟‬

‫وما عالقة قسم قضاء األسرة بباقي أقسام وغرف المحكمة االبتدائية ؟‬

‫منهج تناول الموضوع ‪:‬‬


‫سعيا إلى اإللمام بجميع جوانب موضوع اختصاصات القضاء األسري ‪ ،‬ارتأينا تناوله وفق منهج وصفي حاولنا من خالله جمع‬
‫النصوص القانونية والمواقف الفقهية واإلحاطة بها ‪ ،‬وتحليلي سعينا من وراء إعماله دراسة الموضوع دراسة نقدية من أجل الوصول‬
‫إلى حقائق ونتائج علمية رصينة ‪ ،‬وتاريخي تفرضه طبيعة هذا البحث ألجل الرجوع إلى التطور التاريخي الذي عرفه قانون األحوال‬
‫الشخصية المغربي ‪ ،‬واالجتهاد القضائي ‪.‬‬
‫خطة تناول الموضوع ‪:‬‬
‫سعيا لدراسة موضوع االختصاص النوعي للقضاء األسري دراسة قانونية أكاديمية سنحاول تناوله وفق الخطة اآلتية ‪:‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬اختصاصات القضاء الفردي والجماعي في القضايا األسرية‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬عالقة قسم قضاء األسرة بباقي غرف المحكمة االبتدائية‬
‫المطلب األول ‪ :‬اختصاصات القضاء الفردي والجماعي في القضايا األسرية‬
‫بعد تعديله وتتميمه بالقانون ‪ 03.73‬على أنه ‪[3] ” :‬تنص الفقرة الثالثة من الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي للمملكة‬
‫تنظر أقسام قضاء األسرة في قضايا األحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة وكل ما له‬
‫عالقة برعاية وحماية األسرة “‪.‬‬
‫وتنص الفقرة األولى من الفصل الرابع من نفس الظهير على أنه ‪ ” :‬تعقد المحاكم االبتدائية ‪ ،‬بما فيها المصنفة ‪ ،‬جلساتها مع‬
‫مراعاة المقتضيات المنصوص عليها في الفصل ‪ 5‬بعده ‪ ،‬وكذا االختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى نصوص خاصة ‪،‬‬
‫بقاض منفرد وبمساعدة كاتب الضبط ‪ ،‬ما عدا الدعاوي العقارية العينية والمختلطة وقضايا األسرة والميراث ‪ ،‬باستثناء النفقة ‪ ،‬التي‬
‫يبت فيها بحضور ثالثة قضاة بمن فيهم الرئيس ‪ ،‬وبمساعدة كاتب الضبط “‪.‬‬
‫إن التمعن في ثنايا هذه الفقرتين يبين مجال االختصاص النوعي لقسم قضاء األسرة ‪ ،‬ذلك أنها حصرت هذا االختصاص في كل ما له‬
‫عالقة باألسرة ؛ من أحوال شخصية ‪ ،‬وميراث ‪ ،‬وحالة مدنية ‪ ،‬وشؤون التوثيق والقاصرين ‪.‬‬

‫وهذه القضايا منها ما يختص به القضاء الجماعي ( الفقرة األولى ) ‪ ،‬ومنها ما يدخل في نطاق اختصاص القضاء الفردي (الفقرة‬
‫‪.‬الثانية)‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬اختصاص القضاء الجماعي في القضايا األسرية‬
‫اختصاصات نوعية واسعة للقضاء الجماعي ‪ ،‬أو ما يطلق عليه بالهيئة الثالثية ‪ ،‬للبت في القضايا األسرية ]‪[4‬لقد أعطت مدونة األسرة‬
‫‪ .‬ويظهر ذلك من خالل العديد من مواد المدونة ‪ ،‬لعل أبرزها تلك المتعلقة بالزواج ‪ ،‬وانحالله ‪ ،‬والنسب ‪ ،‬والحضانة ‪ ،‬والنيابة الشرعية‬
‫‪ ،‬وتصفية التركة ‪.‬‬
‫فبخصوص الزواج ؛ يرجع االختصاص في بعض قضاياه إلى القضاء الجماعي ‪ ،‬كما في مسألة ثبوت الزوجية ‪ ،‬حيث تنص المادة ‪16‬‬
‫من المدونة على أن المحكمة تنظر في دعوى الزوجية ‪ ،‬وتعتمد في ذلك سائر وسائل اإلثبات والخبرة ‪.‬‬

‫ويختص القضاء الجماعي كذلك في قضايا الزواج بالبت في طلب اإلذن بالتعدد ‪ ،‬والتأكد من توفر شروطه القانونية ؛ المتمثلة في‬
‫‪ .‬هذا باإلضافة إلى ]‪[5‬المبرر الموضوعي االستثنائي ‪ ،‬والقدرة المادية على إعالة األسرتين ‪ ،‬وانعدام شرط االمتناع عن التعدد‬
‫االختصاص في إلغاء أو تعديل الشروط الواردة في عقد الزواج ‪ ،‬متى أصبح تنفيذها مرهقا للملتزم بها طبقا للمادة ‪ 48‬من المدونة ‪ .‬ثم‬
‫التصريح ببطالن الزواج سواء بمبادرة من المحكمة ‪ ،‬أم بطلب ممن يعنيه األمر حسب المادة ‪. 58‬‬
‫أما بخصوص انحالل ميثاق الزوجية ؛ يرجع اختصاص البت في قضاياه إلى القضاء الجماعي ‪ ،‬سواء تعلق األمر بالوفاة أو بالفسخ أو‬
‫بالطالق أو بالتطليق أو بالخلع ‪ ،‬وفق النحو التالي ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫الحكم بوفاة المفقود ‪ ،‬أو إصدار قرار كونه باقيا على قيد الحياة ‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫الحكم بفسخ عقد الزواج طبقا للشروط المنصوص عليها في مدونة األسرة ‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫النظر في طلب اإلذن بالطالق ‪ ،‬و القيام بمحاولة اإلصالح عبر انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو كل من هو مؤهل إلصالح‬
‫ذات البين ‪ ،‬وتحديد مستحقات الزوجة واألطفال طبقا للمواد ‪ 79‬إلى ‪ 85‬من المدونة ‪ .‬دون أن ننسى اختصاصه بمنح اإلذن‬
‫بطالق التمليك ‪ ،‬وطالق الخلع ‪ ،‬والطالق االتفاقي ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫من ]‪[6‬البت في قضايا التطليق بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق ‪ ،‬أو بأحد األسباب األخرى المنصوص عليها في المادة ‪98‬‬
‫المدونة ‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫تذييل األحكام الصادرة عن المحاكم األجنبية بالطالق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ بالصيغة التنفيذية طبقا للمادة ‪ 128‬من‬
‫‪[7] .‬مدونة األسرة ‪ ،‬ووفق للمواد ‪ 430‬و ‪ 431‬و ‪ 432‬من قانون المسطرة المدنية‬
‫استثنت قضايا الطالق االتفاقي ‪ ،‬وأجرة الحضانة ‪ ،‬والحق في زيارة ]‪[8‬والجدير بالذكر أن مسودة مشروع التنظيم القضائي للمملكة‬
‫المحضون ‪ ،‬والرجوع إلى بيت الزوجية ‪ ،‬وإعداد بيت الزوجية ‪ ،‬من اختصاص القضاء الجماعي ‪ ،‬وأرجعت صالحية البت في هذه‬
‫القضايا إلى القاضي المنفرد ‪.‬‬
‫ويرجع ذلك في نظرنا إلى الطبيعة االستعجالية لهذه القضايا ‪ ،‬ذلك أن القضاء الفردي يتسم بسرعة البت في القضايا المعروضة عليه ‪،‬‬
‫وإن كان سبب إدراج قضية الطالق االتفاقي ضمن اختصاص القضاء الفردي يثير العديد من التساؤالت ‪ ،‬حيث إن قضايا الطالق‬
‫تقتضي التروي والثبات في معالجتها ‪ ،‬ال االستعجال والتسرع ‪.‬‬

‫وهذا ما قصده مشرع مدونة األسرة ‪ ،‬من خالل اعتباره الزواج ينعقد على وجه الدوام ‪ ،‬والطالق استثناء ال يلجأ إليه إال عند الضرورة‬
‫القصوى ‪ ،‬وفي حدود األخذ بقاعدة أخف الضررين ‪.‬‬

‫ولئن كانت غاية واضعي هذا المشروع هي تسريع البت في قضايا الطالق االتفاقي ‪ ،‬فإن ذلك من شأنه أن يقوض مكتسبات المدونة ‪،‬‬
‫ويفرغ المساعي الرامية إلى تفعيل مسطرة الصلح من محتواها ‪.‬‬

‫إضافة إلى االختصاص بالفصل في النزاع حول حمل المعتدة من عدمه ‪ ،‬باالستعانة بذوي الخبرة للتأكد من وجود الحمل وفترة نشوئه ‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بقضايا النسب ؛ سواء تعلق األمر بدعوى إثبات النسب أو نفيه ‪ ،‬فإن اختصاص البت في هذه الدعاوي يرجع إلى هيئة‬
‫قضائية ثالثية ‪.‬‬

‫ويدخل في نطاق اختصاص القضاء الجماعي كذلك كل ما تعلق بالحضانة ؛ من تقدير ألجرتها ومصاريفها ‪ ،‬وتحديد مستحقها بين‬
‫‪[9].‬األقارب متى لم يوجد بين مستحقيها من يقبلها‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن الهيئة الجماعية وهي تنظر في قضايا الحضانة ‪ ،‬ملزمة بالبت فيها بشكل مستقل عن قضايا واجب السكن ‪،‬‬
‫والنفقة كما هو منصوص عليه في المادة ‪ 168‬من المدونة ‪.‬‬

‫وفيما يخص الحجر ‪ ،‬فإن اختصاص الحكم بإثباته أو رفعه يرجع إلى الهيئة الثالثية اعتمادا على الخبرة الطبية وسائر وسائل اإلثبات‬
‫الشرعية حسب المادة ‪ 222‬من مدونة األسرة ‪ .‬إضافة إلى اختصاصها بتعيين مقدم للمحجور عليه ‪ ،‬واتخاذ كل اإلجراءات الالزمة‬
‫‪[10] .‬للمحافظة على أموال المحجور ومصالحه المادية والمعنوية‬
‫‪ ،‬فتختص الهيئة الثالثية إذن عند االقتضاء باتخاذ كل ما يلزم ]‪[11‬ويدخل في اختصاص القضاء الجماعي كذلك كل ما يتعلق بالميراث‬
‫من أداء نفقة تجهيز المتوفى بالمعروف ‪ ،‬واإلجراءات المستعجلة للمحافظة على التركة ‪ ،‬وتقرير وضع األختام ‪ ،‬وإيداع النقود‬
‫واألوراق المالية واألشياء ذات القيمة حسب ما تنص عليه المادة ‪ ، 373‬وتعين مصفي التركة بعد اتفاق الورثة على اختياره أو إجبارهم‬
‫على اختياره إذا لم يتفقوا على أحد حسب المادة ‪ . 375‬ثم االطالع على إحصاء التركة ومراقبة تصفيتها ‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬اختصاصات القضاء الفردي في القضايا األسرية‬
‫إذا كان األصل أن قضايا األسرة من اختصاص القضاء الجماعي ‪ ،‬كما نصت على ذلك الفقرة األولى من الفصل الرابع من التنظيم‬
‫‪ ،‬فإن هناك استثناءات ترد على هذا األصل ‪ ،‬أبرزها ما تعلق بقضايا ‪ :‬النفقة ‪ ،‬واألذون المتعلقة بالزواج ‪[12] ،‬القضائي للمملكة‬
‫وشؤون التوثيق ‪ ،‬والقاصرين ‪ ،‬والحالة المدنية ‪ .‬ذلك أن االختصاص في هذه القضايا يرجع للقاضي المنفرد ‪.‬‬
‫وهذه القضايا منها ما يسند اختصاص النظر فيه إلى القاضي المكلف بالزواج ‪ ،‬ومنها ما يبت فيه القاضي المكلف بشؤون القاصرين ‪،‬‬
‫دون أن ننسى اختصاصات قاضي التوثيق ‪.‬‬

‫اختصاصات القاضي المكلف بالزواج ‪1. :‬‬


‫تعتبر مؤسسة قاضي األسرة المكلف بالزواج من أبرز المستجدات التي أتت بها مدونة األسرة ‪ ،‬ويمارس مهامها قاض من المحكمة‬
‫‪[13].‬االبتدائية يعين لمدة ثالث سنوات بقرار من وزير العدل‬
‫ويمكن إجمال االختصاصات الموكولة إلى قاضي الزواج في كونه يعطي اإلذن بتوثيق عقد الزواج أمام عدلين منتصبين لإلشهاد حسب‬
‫ما جاءت به المادة ‪ 65‬من مدونة األسرة ‪.‬‬

‫كما له أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الثامنة عشرة ‪ ،‬مع بيان المصلحة واألسباب المبررة لذلك في مقرر معلل تطبيقا للمادة ‪20‬‬
‫من مدونة األسرة ‪.‬‬

‫وله أن يأذن بالزواج للشخص المصاب بإعاقة ذهنية ‪ ،‬ذكرا كان أو أنثى ‪ ،‬بعد تقديم تقرير حول حالة اإلعاقة من طرف طبيب خبير أو‬
‫أكثر تطبيقا للمادة ‪ 23‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫ومن بين اختصاصاته كذلك اإلذن بإبرام عقد الزواج بالوكالة وفق الشروط المحددة في المادة ‪ 17‬من مدونة األسرة ‪.‬‬

‫اختصاصات القاضي المكلف بشؤون القاصرين ‪2. :‬‬


‫صالحية البت في مجموعة من القضايا المتعلقة بشؤون المحاجير ‪ ،‬مشتتة بين ]‪[14‬أسندت مدونة األسرة إلى قاضي شؤون القاصرين‬
‫قانون المسطرة المدنية ‪ ،‬ومدونة األسرة ‪.‬‬
‫وينص الفصل ‪ 184‬منها على أنه ‪“ :‬يفتح بقسم قضاء األسرة بالمحكمة االبتدائية ملف لكل نيابة قانونية ويقيد بسجل خاص يمسك‬
‫فيتوجب على قاضي شؤون القاصرين إذن األمر بفتح النيابات القانونية ومراقبتها ‪“ . .‬لهذه الغاية‬
‫وقد حددت مدونة األسرة شروط فتح ملف النيابات القانونية ‪ ،‬في تجاوز قيمة أموال المحجور ‪ 200‬ألف درهم ‪ ،‬هذا في حالة وجود‬
‫‪ ،‬الذي يتخذ جميع التدابير ]‪[15‬الولي ‪ ،‬أما في حالة غيابه فإنه ينبغي فورا فتح ملف النيابة القانونية لدى قاضي شؤون القاصرين‬
‫اإلجراءات التي يراها مناسبة للمحافظة على أموال المحجور ومصالحه ‪.‬‬
‫ومن بين هذه التدابير تعيين مشرف على على الوصي أو المقدم ‪ ،‬مهمته مراقبة تصرفاته وترشيده لما فيه مصلحة المحجور ‪ ،‬وتبليغ‬
‫المحكمة ما يراه من تقصير أو إتالف يمس أموال المحجور تطبيقا للمادة ‪ 248‬من مدونة األسرة ‪.‬‬

‫وحتى يتمكن قاضي شؤون القاصرين من أداء مهامه ‪ ،‬خوله القانون صالحية إصدار مجموعة من األوامر كاألمر بإقامة رسم عدة‬
‫الورثة حسب المادة ‪ 267‬من مدونة األسرة ‪ ،‬واألمر بإجراء حجز تحفظي على األموال الخاصة بالوصي أو المقدم ‪ ،‬أو وضعها تحت‬
‫الحراسة القضائية ‪ ،‬أو فرض غرامة تهديدية عليه ‪ ،‬إذا امتنع عن تقديم إيضاحات حول إدارة أموال المحجور ‪ ،‬أو تقديم حساب حولها ‪،‬‬
‫أو إيداع مابقي لديه ‪ ،‬إضافة إلى األمر بإحصاء التركة المنصوص عليه المادة ‪ 249‬من مدونة األسرة ‪ ،‬واألمر بوضع األختام على‬
‫التركة ‪ ،‬وإيداع النقود واألوراق المالية واألشياء ذات القيمة إذا كان هناك وارث قاصر حسب المادة ‪. 374‬‬

‫ومن بين اختصاصاته أيضا اإلذن للوصي أو المقدم ببيع منقوالت المحجور ‪ ،‬أو عقاراته التي تتجاوز قيمتها عشرة آالف درهم ‪ ،‬أو‬
‫ترتيب حق عيني عليها ‪ ،‬التصرف فيها طبقا للمادة ‪ 271‬من مدونة األسرة ‪ ،‬ووفقا لإلجراءات المنصوص عليها في الفصول ‪ 201‬إلى‬
‫‪ 214‬من قانون المسطرة المدنية ‪.‬‬

‫هذا باإلضافة إلى اختصاص البت في الطلبات المتعلقة بكفالة األطفال المهملين ‪ ،‬واستصدار أمر إسناد الكفالة إلى الشخص أو الجهة‬
‫‪[16] .‬التي قدمت الطلب ‪ ،‬وفق الشروط واإلجراءات المنصوص عليها في القانون ‪ 15.01‬المتعلق بكفالة األطفال المهملين‬
‫اختصاصات قاضي التوثيق ‪3. :‬‬
‫لقد حددت مدونة األسرة مجموعة من االختصاصات التي يمارسها قاضي التوثيق ‪ ،‬أبرزها خطابه على رسم الزواج مع طابعه طبقا‬
‫للمادة ‪ 67‬من مدونة األسرة ‪ ،‬إضافة إلى قيامه بالخطاب على وثيقة الطالق ‪ ،‬وتوجيه نسخة منها إلى المحكمة مصدرة اإلذن بالطالق‬
‫حسب ماهو منصوص عليه في المادة ‪ 87‬من مدونة األسرة ‪.‬‬

‫كما يقوم قاضي الثوثيق بالخطاب على وثيقة الرجعة ‪ ،‬بعد استدعاء الزوجة فخبار برغبة زوجها في إرجاعها تطبيقا للمادة ‪ 124‬من‬
‫المدونة ‪.‬‬

‫االختصاص في قضايا النفقة ‪4. :‬‬


‫أرجع المشرع المغربي اختصاص البت في قضايا النفقة إلى القضاء الفردي ‪ ،‬استنادا إلى الفقرة األولى من الفصل الرابع من ظهير‬
‫‪[17] .‬التنظيم القضائي للمملكة‬
‫ولئن كان إسناد البت في النفقة للقاضي المنفرد ‪ ،‬يرجع باألساس إلى طابعها المعيشي وما يقتضي ذلك من سرعة البت فيها ‪ ،‬فإن‬
‫استثناء قضايا واجب السكن وأجرة الحضانة التي يرجع فيها االختصاص لهيئة جماعية ‪ ،‬رغم االرتباط المكين بين تلك القضايا‬
‫‪[18] .‬والتشابه بينها في الغاية واإلجراءات ‪ ،‬يثير تساؤالت حول غاية المشرع من هذا التفريق بين هذه القضايا‬
‫وفي هذا الصدد يتجه العمل القضائي المغربي نحو بت قاض منفرد في قضايا واجب السكن وأجرة الحضانة متى قدمت بمعية طلب‬
‫‪:‬النفقة ‪ .‬ويظهر ذلك من خالل حكم صادر عن قسم قضاء األسرة بكلميم جاء فيه‬
‫وبالتالي ارتأت المحكمة وفي إطار الفصل الرفع من مبلغ النفقة بعد األخذ بعين االعتبار حال الطرفين ومستوى االسعار … ”‬
‫والمعيشة ودخل األب تحديد واجب النفقة في المبلغ المسطر بمنطوق الحكم أدناه ‪.‬‬
‫وحيث إن قضايا النفقة مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون ‪.‬‬
‫وحول طلب الزيادة في أجرة الحضانة ‪ :‬حيث إن المبلغ المقرر للحضانة هو مبلغ جد مناسب مما يتعين معه عدم االستجابة له‪.‬‬
‫وحول تكاليف السكن ‪ :‬حيث تبث للمحكمة من خالل اطالعها على الوثائق المدلى بها من طرف المدعى عليه ‪ ،‬أن المدعية تقيم‬
‫]‪[19‬بالمحل السكني الذي يتملكه معها وبالتالي يبقى الطلب غير مؤسس ويتعين رفضه ‪”.‬‬
‫يتبين إذن من خالل هذا الحكم أن القاضي المنفرد بت في قضايا واجب السكن ‪ ،‬وأجرة الحضانة ‪ ،‬إلى جانب النفقة في حكم واحد ‪ ،‬دون‬
‫‪[20] .‬اإلحالة على القضاء الجماعي كما توجب ذلك مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الرابع من ظهير التنظيم القضائي‬
‫وإن كان ذلك يجد تبريره في كون هذه القضايا تروم تحقيق غاية واحدة ‪ ،‬مثمثلة في الطابع المعيشي الذي تتسم به ‪ ،‬و تخفيف األعباء‬
‫‪[21] .‬عن القضاء الجماعي ليتفرغ لقضايا أهم وأعقد‬
‫وهو ما تنبه له واضعوا مسودة مشروع التنظيم القضائي للمملكة ‪ ،‬بإسنادهم اختصاص البت في قضايا أجرة والحق في زيارة‬
‫المحضون إلى القاضي المنفرد ‪.‬‬

‫االختصاص في قضايا الحالة المدنية ‪5. :‬‬


‫أرجع المشرع المغربي اختصاص النظر في قضايا الحالة المدنية إلى القاضي المنفرد ‪ ،‬الذي يبت في طلبات تنقيح بيانات رسوم الحالة‬
‫المدنية ‪ ،‬واستصدار األحكام التصريحية المتعلقة بالوالدات والوفيات وفق ماهو منصوص عليه في القانون ‪ 37.99‬المتعلق بالحالة‬
‫‪[22] .‬المدنية‬
‫خالصة القول في هذا المطلب أن المشرع المغربي أحدث قضاء أسريا متخصصا الدعاوى األسرية ‪ ،‬سعيا للحفاظ على كيان األسرة ‪،‬‬
‫ووعيا منه بخطورة المنازعات األسرية ‪ ،‬لكن في إطار الوالية العامة للمحكمة االبتدائية التي من شأنها أن تحدث نوعا من تنازع‬
‫االختصاص بين غرف هذه المحكمة ‪ .‬وهو ما سنحاول دراسته في المطلب الموالي‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬عالقة قسم قضاء األسرة بباقي غرف المحكمة االبتدائية‬
‫ينص الفصل ‪ 18‬من قانون المسطرة المدنية على أنه ‪ ” :‬تختص المحاكم االبتدائية – مع مراعاة االختصاصات المخولة إلى أقسام‬
‫قضاء القرب – بالنظر في جميع القضايا المدنية وقضايا األسرة والتجارية واإلدارية و االجتماعية ابتدائيا وانتهائيا أو ابتدائيا مع‬
‫حفظ حق االستئناف ” ‪.‬‬
‫يتضح من خالل قراءة مقتضيات هذا الفصل أن المحكمة االبتدائية لها صالحية البت في جميع القضايا المدنية المعروضة عليها‬
‫‪ ،‬وهو ما يعرف بمبدأ وحدة الجهة القضائية ( الفقرة األولى ) ‪ .‬غير أن إحداث أقسام قضاء األسرة بموجب القانون‬
‫المعدل للتنظيم القضائي للمملكة ‪ ،‬وتحديد اختصاصاته قد يخلق نوعا من التنازع بين هذا القسم والغرف األخرى المشكلة ]‪73.03[23‬‬
‫للمحكمة بالنظر إلى الوالية العامة الممنوحة للمحكمة االبتدائية ‪ ( ،‬الفقرة الثانية ) ‪.‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬مبدأ وحدة الجهة القضائية‬
‫يعتبر مبدأ وحدة الجهة القضائية أحد أهم السمات التي ميزت التنظيم القضائي المغربي منذ تأسيسه ‪.‬‬
‫ومفاده أن المحكمة االبتدائية تشكل بكل أقسامها وغرفها جهة قضائية واحدة من حيث الوالية العامة في تنظيم االختصاص النوعي‬
‫‪[24] .‬العائد لها ‪ ،‬بحيث ال يتأثر مجال هذا االختصاص بمسألة تقسيم المحكمة إلى أقسام وغرف تبعا لنوع القضايا الرائجة وحجمها‬
‫فهذا التقسيم هو مجرد تنظيم داخلي لتوزيع األدوار بهدف ضبط توزيع االختصاص ‪ ،‬بما يؤدي إلى ضبط سير العمل القضائي ‪،‬‬
‫وتفادي الفوضى عند توزيع الملفات على الهيئات القضائية ‪ ،‬وبغية تصريف القضايا الرائجة داخل آجال معقولة ‪ .‬هذا باإلضافة إلى‬
‫كونه فرض حيويته وأهميته بالنظر إلى كون نطاق االختصاص الموكول إلى المحكمة االبتدائية بقي واسعا رغم إحداث المحاكم‬
‫‪[25] .‬اإلدارية والتجارية‬
‫‪ ،‬ذلك أنها ال ]‪[26‬وهو ما تؤكده عبارة ‪ ” :‬يمكن تقسيم ” المستعملة في الفقرة الثانية من الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي‬
‫تفرض إلزامية تقسيم المحاكم االبتدائية إلى أقسام وغرف متخصصة ‪ ،‬وإنما جاءت على وجه اإلمكانية واالختيار ‪.‬‬
‫مما يمكن معه تصور محاكم ابتدائية غير مقسمة إلى أقسام وغرف متخصصة ‪ ،‬مادامت هذه المحاكم غير ملزمة بالخضوع لهذا النوع‬
‫من التقسيم ‪.‬‬

‫وعليه فإن وجود هذه الغرف واألقسام ال يعني بالضرورة اقتصار كل قسم أو كل غرفة بالبت في حدود تخصصها ‪ ،‬وإنما يمكن ألية‬
‫‪[27] .‬غرفة أن تبت في أي نزاع أحيل عليها ‪ ،‬حتى ولو كان هذا النزاع تنظيميا يعود أمر البت فيه إلى غرفة أخرى‬
‫غير أن التعديل الذي لحق التنظيم القضائي للمملكة ‪ ،‬وما نتج عنه من إحداث أقسام قضاء األسرة ‪ ،‬وتحديد اختصاصاتها بشكل‬
‫‪[28] .‬دقيق ‪ ،‬بل ونصه صراحة على منع باقي غرف المحكمة من البت في القضايا التي يختص فيها قسم قضاء األسرة‬
‫لكن قد يقع مثال أن تعرض إحدى القضايا األسرية أمام أنظار إحدى غرف المحكمة االبتدائية كالغرفة المدنية ‪ ،‬وتبت فيه ‪ .‬كما يمكن أن‬
‫تعرض إحدى القضايا الجنائية المتعلقة باألسرة أمام أنظار قسم قضاء األسرة كالخيانة الزوجية مثال ‪ ،‬خصوصا أن الفصل الثاني من‬
‫” … وكل ما له عالقة بحماية األسرة “‪ .‬وهنا نتساءل عن مدى صحة هذا الحكم ‪:‬ظهير التنظيم القضائي بعد تعديله نص على عبارة‬
‫ونفاذه ؟ إذ من الممكن أن نتصور إثارة الدفع بعدم االختصاص النوعي ‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الدفع بعدم االختصاص النوعي في القضايا األسرية‬
‫يعتبر الدفع بعدم االختصاص النوعي ذلك الدفع الذي يتقدم به المدعى عليه ‪ ،‬ويطلب من خالله الحكم بعدم اختصاص المحكمة‬
‫‪[29] .‬المعروض عليها النزاع للنظر في نوع القضية ‪ ،‬والقول باختصاص محكمة أخرى متخصصة يتولى تحديدها‬
‫ولما تدخل المشرع ونص صراحة على اختصاص قسم قضاء األسرة بالبت في القضايا األسرية ‪ ،‬دون أن يسمح لباقي األقسام والغرف‬
‫المشكلة للمحكمة االبتدائية بالفصل في أي نزاع يدخل في مجال اختصاص قسم قضاء األسرة ‪.‬‬

‫فإن ذلك من شأنه ذلك أن يخلق تنازعا لالختصاص بين قسم قضاء األسرة وباقي غرف المحكمة االبتدائية ‪ ،‬كما لو بتت إحدى تلك‬
‫الغرف في قضية من القضايا التي يختص فيها قسم قضاء األسرة ‪ ،‬أو العكس ‪ ،‬وهو ما يطرح إمكانية الدفع بعدم االختصاص النوعي ‪.‬‬

‫‪ :‬يذهب األول إلى عدم إمكانية الدفع بعدم االختصاص ‪ ،‬واالكتفاء بإحالة ]‪[30‬وقد أفرزت الممارسة العملية اتجاهان قضائيين مختلفين‬
‫القضية على رئيس المحكمة ‪ ،‬ليحيلها بدوره على قسم قضاء األسرة ‪ ،‬مستندين في ذلك على كون قسم قضاء األسرة ليس جهة قضائية‬
‫مستقلة ‪ ،‬بل هو مكون من مكونات المحكمة االبتدائية ‪.‬‬
‫أما االتجاه الثاني فيرى أن المشرع عندما منع صراحة عن كل الغرف البت في نزاع أسري ‪ ،‬فإنه كان واضحا في إظهار موقفه من‬
‫مسألة االختصاص ‪ ،‬مما يمكن معه القول بإمكانية إثارة الدفع بعدم االختصاص ‪.‬‬

‫وإن كان موقف االتجاه األول األقرب إلى الصواب ‪ ،‬مادامت أقسام قضاء األسرة لم تستقل بعد من تبعيتها للمحاكم االبتدائية ‪.‬‬

‫وهو ما تؤكده المادة ‪ 16‬من قانون المسطرة المدنية ‪ ،‬حينما أوجبت على من يثير الدفع بعدم االختصاص أن يبين المحكمة التي ترفع‬
‫إليها القضية ‪ .‬فالدفع بعدم االختصاص إذن يعتد به متى وقع التنازع بين المحاكم ‪ ،‬وليس بين األقسام أو الغرف ‪.‬‬
‫كما أكده كذلك الفصل الرابع من ظهير التنظيم القضائي للمملكة ‪ ،‬الذي يوجب إحالة القضية المتنازع حول اختصاص البت فيها ‪ ،‬إلى‬
‫رئيس المحكمة الذي يحيلها بدوره على الغرفة المختصة ‪.‬‬

‫ويرجع السبب وراء هذا التضارب القضائي في نظرنا إلى عدم استقاللية أقسام قضاء األسرة عن المحكمة االبتدائية التي تبقى لها‬
‫الوالية العامة في االختصاص ‪ .‬مما يوجب على المشرع التدخل والتنصيص صراحة على قضاء أسري متخصص مستقل وقائم بذاته ‪.‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬
‫وهكذا في ختام هذا البحث خلصنا إلى النقط التالية ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫أن التعديل الذي لحق التنظيم القضائي للمملكة حدد بدقة اختصاصات القضاء األسري ‪ ،‬وحصرها في قضايا األحوال الشخصية‬
‫والميراث ‪ ،‬والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة ‪ ،‬وكل ما له عالقة برعاية وحماية األسرة ‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫أن االختصاص النوعي في القضايا األسرية منها ما يرجع فيه االختصاص للقضاء الجماعي ‪ ،‬ومنها ما يعود فيه إلى القضاء‬
‫الفردي ‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫أن أقسام قضاء األسرة ليست جهازا مستقال بذاته ‪ ،‬بل هو تابع للمحكمة االبتدائية التي يقع في دائرة نفوذها ‪ ،‬شأنه في ذلك شأن‬
‫باقي األقسام والغرف األخرى ‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫أنه من المتصور وقوع تنازع لالختصاص بين قسم قضاء األسرة وباقي الغرف المشكلة للمحكمة االبتدائية ‪ ،‬استنادا للوالية‬
‫العامة الممنوحة لها ‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫أن العمل القضائي أفرز لنا اتجاهين متضاربين فيما تعلق بالدفع بعدم االختصاص النوعي بين قسم قضاء األسرة وباقي األقسام‬
‫األخرى ‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد ال سبيل إلى تجاوز هذه اإلشكاالت التي يطرحها تنازع االختصاص هذا ‪ ،‬وال سبيل إلى العناية بأحوال األسرة‬
‫ورعايتها ‪ ،‬وإبعاد منازعاتها عن باقي المنازعات المدنية األخرى ‪ ،‬استنادا إلى خصوصيتها وحساسية قضاياها ‪ ،‬إال بإحداث محاكم‬
‫أسرية مختصة ومستقلة تماما عن المحاكم االبتدائية ‪ ،‬وتأهيل قضاء أسري متخصص ‪.‬‬
‫عبد الكريم الطالب ‪ ،‬التنظيم القضائي المغربي ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ، 2006‬المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ‪ ،‬ص ‪[1] 85 :‬‬
‫عبد الكريم الطالب ‪ ،‬الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ‪ ،‬الطبعة الثانية أكتوبر ‪ ، 2003‬مطبعة المعرفة مراكش ‪ ،‬ص ‪[2] 19 :‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 1.74.338‬بتاريخ ‪ 24‬جمادى الثانية ‪ 15 ( 1394‬يوليوز ‪ ، ) 1974‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3220‬بتاريخ ‪[3] 26‬‬
‫جمادى الثانية ‪ 17 ( 1394‬يوليوز ‪ ، ) 1974‬ص ‪2027 :‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 1.04.22‬صادر في ‪12‬من ذي الحجة ‪ 3 ( 1424‬فبراير ‪ ) 2004‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 70.03‬بمثابة مدونة ]‪[4‬‬
‫األسرة ‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5184‬بتاريخ ‪ 14‬ذي الحجة ‪ 5 ( 1424‬فبراير ‪ ، ) 2004‬ص ‪418 :‬‬
‫انظر المواد ‪ 40‬إلى ‪ 46‬من مدونة األسرة ]‪[5‬‬
‫ونصها ‪ ” :‬للزوجة طلب التطليق بناء على أحد األسباب التالية ‪[6] :‬‬
‫‪‬‬ ‫إخالل الزوج بشرط من شروط عقد الزواج‬
‫‪‬‬ ‫الضرر‬
‫‪‬‬ ‫عدم اإلنفاق‬
‫‪‬‬ ‫الغيبة‬
‫‪‬‬ ‫العيب‬
‫‪‬‬ ‫اإليالء والهجر “‬
‫ظهير شريف بمثابة قانون رقم ‪ 1.74.447‬بتاريخ ‪ 11‬رمضان ‪ 28 ( 1394‬شتنبر ‪ ) 1974‬بالمصادقة على نص قانون المسطرة ]‪[7‬‬
‫المدنية ‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2303‬مكرر بتاريخ ‪ 30‬شتنبر ‪ ، 1974‬ص ‪2741 :‬‬
‫مشروع قانون رقم ‪ 15.38‬المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة ‪ ،‬منشور بموقع وزارة العدل ]‪[8‬‬
‫‪ ،‬تاريخ االطالع ‪ 02 :‬نونبر ‪ ، 2016‬الساعة ‪www.justice.gov.ma 10 : 35‬والحريات‬
‫المادة ‪ 165‬من مدونة األسرة ]‪[9‬‬
‫أنظر القسم الثاني من الكتاب الرابع من مدونة األسرة المتعلق بالنيابة الشرعية ]‪[10‬‬
‫الفقرة األولى من الفصل الرابع من ظهير التنظيم القضائي للمملكة بعد تعديله وتتميمه بالقانون ‪ ، 03.73‬بتاريخ ‪ 3‬فبراير ‪[11] 2004‬‬
‫‪.‬‬
‫سبقت اإلشارة إلى مضمونها في بداية هذا المطلب ‪ ،‬ص ‪[12] 4 :‬‬
‫الفصل ‪ 179‬من قانون المسطرة المدنية ]‪[13‬‬
‫وهو قاض من المحكمة االبتدائية يعين لمدة ثالث سنوات بقرار من وزير العدل ‪ ،‬أنظر الفصل ‪ 182‬من قانون المسطرة المدنية ]‪[14‬‬
‫‪.‬‬
‫المادة ‪ 240‬من مدونة األسرة ]‪[15‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 1.02.72‬صادر في فاتح ربيع اآلخر ‪ 13 ( 1423‬يونيو ‪ ، ) 2002‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5031‬بتاريخ ‪[16] 19‬‬
‫أغسطس ‪ ، 2002‬ص ‪2362 :‬‬
‫ونصها ‪ ” :‬تعقد المحاكم االبتدائية ‪ ،‬بما فيها المصنفة ‪ ،‬جلساتها مع مراعاة المقتضيات المنصوص عليها في الفصل ‪ 5‬بعده ]‪[17‬‬
‫‪ ،‬وكذا االختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى نصوص خاصة ‪ ،‬بقاض منفرد وبمساعدة كاتب الضبط ‪ ،‬ما عدا الدعاوي‬
‫العقارية العينية والمختلطة وقضايا األسرة والميراث ‪ ،‬باستثناء النفقة ‪ ،‬التي يبت فيها بحضور ثالثة قضاة بمن فيهم الرئيس ‪،‬‬
‫وبمساعدة كاتب الضبط “‪.‬‬
‫أستاذنا الدكتور عادل حاميدي ‪ ،‬الدليل الفقهي والقضائي للقاضي والمحامي في المنازعات األسرية ‪ ،‬الطبعة األولى ‪[18] – 1437‬‬
‫‪ ، 2016‬مطبعة المعارف الجديدة ‪ ،‬الرباط ‪ ،‬ص ‪534 :‬‬
‫حكم عدد ‪، 1057‬في الملف رقم ‪ ، 01 / 06 / 1476‬صادر عن المحكمة االبتدائية بكلميم ‪ ،‬بتاريخ ‪ ( 2008 – 02 – 12‬غير ]‪[19‬‬
‫منشور ) ‪.‬‬
‫وتنص على أنه ‪ ” :‬إذا تبين للقاضي المنفرد أن أحد الطلبات األصلية أو المقابلة أو المقاصة يرجع االختصاص فيه إلى ]‪[20‬‬
‫القضاء الجماعي ‪ ،‬أو له ارتباط بدعوى جارية أمام القضاء الجماعي رفع يده عن القضية برمتها بأمر والئي …”‬
‫عادل حاميدي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪[21] 34 :‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 1.02.239‬صادر في ‪ 25‬رجب ‪ 3 ( 1423‬أكتوبر ‪ ، ) 2002‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5054‬بتاريخ ‪[22] 2‬‬
‫رمضان ‪ 7 ( 1423‬نونبر ‪ ، ) 2002‬ص ‪. 3150 :‬‬
‫وقد سبقت اإلشارة إلى مراجعه ]‪[23‬‬
‫نجيب شوقي ‪ ،‬عالقة أقسام قضاء األسرة ببقية غرف المحكمة االبتدائية بعد التعديالت الجديدة لظهير ‪ 5‬فبراير ‪ 2004‬المتعلق ]‪[24‬‬
‫بالتنظيم القضائي للمملكة ‪ ،‬مجلة المحاكم المغربية ‪ ،‬عدد ‪ ، 112‬يناير – فبراير ‪ ، 2008‬مطبعة النجاح الجديدة ‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ،‬ص ‪:‬‬
‫‪240‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ‪[25] 241 :‬‬
‫ونصها ‪ ” :‬يمكن تقسيم هذه المحاكم بحسب نوعية القضايا التي تختص بالنظر فيها إلى أقسام قضاء األسرة ‪ ،‬وأقسام قضاء ]‪[26‬‬
‫القرب ‪ ،‬وغرف مدنية وتجارية وعقارية واجتماعية وزجرية “‪.‬‬
‫ادريس الفاخوري ‪ ،‬مدونة األسرة بعد ثالث سنوات من التطبيق ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 2008‬مطبعة الجسور وجدة ‪ ،‬ص ‪[27] 141 :‬‬
‫تنص الفقرة الخامسة من الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي للمملكة عل أنه ‪ ” :‬يمكن لكل غرفة أن تبحث وتحكم في كل ]‪[28‬‬
‫القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام قضاء األسرة ” ‪.‬‬
‫عادل حاميدي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪[29] 162 :‬‬
‫ادريس الفاخوري ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪[30] 243 :‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫مقاالت ذات صلة‬

‫مسطرة التحكيم أمام اللجان الضريبية بين النص القانوني والعمل القضائي‬
‫منذ يومين‬
‫منازعات الصفقات العمومية‬
‫منذ يومين‬

‫ندوة حول العقار بالحسيمة توصي بالحد من التضخم التشريعي والتأسيس لمدونة خاصة‬
‫منذ يومين‬

‫الحماية الجنائية للحق في الصورة ‪ :‬سلسلة اصدارات مجلة القانون واألعمال الدولية العدد ‪ 26‬لشهر نونبر ‪2019‬‬
‫منذ ‪ 3‬أيام‬
‫آخر المقاالت‬

‫‪‬‬

‫منازعات الصفقات العمومية‬


‫منذ يومين‬
‫‪‬‬

‫ندوة حول العقار بالحسيمة توصي بالحد من التضخم التشريعي والتأسيس لمدونة خاصة‬
‫منذ يومين‬
‫‪‬‬

‫الحماية الجنائية للحق في الصورة ‪ :‬سلسلة اصدارات مجلة القانون واألعمال الدولية العدد ‪ 26‬لشهر نونبر ‪2019‬‬
‫منذ ‪ 3‬أيام‬
‫‪‬‬
‫إشكالية تنفيذ األحكام ضد االدارة الضريبية بين المقتضيات القانونية والعمل القضائي‬
‫منذ أسبوع واحد‬

‫© جميع الحقوق محفوظه | مجلة القانون واألعمال‬

‫‪Hebérgement web par Cap Connect‬‬

‫‪‬‬ ‫الصفحة الرئيسية‬

‫‪‬‬ ‫من نحن‬

‫‪‬‬ ‫سياسة الخصوصيه‬

‫‪‬‬ ‫سياسة النشر‬

‫‪‬‬ ‫اتصل بنا‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

You might also like