Professional Documents
Culture Documents
التنظيم القضائي
التنظيم القضائي
2٬130 18دقائق
مقدمة :
لقد كانت العالقات األسرية قبل أن يبتلي هللا بالدنا باالستعمار تخضع ألحكام الشريعة اإلسالمية ،خاصة المذهب المالكي ،الذي
يعتبر المصدر الوحيد الذي ينظم أحكام األسرة ،ويفض المنازعات األسرية .
وبعد فرض االستعمار الغاشم نظام الحماية على المغرب سنة ، 1912ظهرت مجموعة من المحاكم ،لعل أبرزها المحاكم الشرعية
المحدثة بمقتضى ظهير 7يوليوز ، 1914والتي تنظر في قضايا األحوال الشخصية والميراث بين المسلمين ،و قضايا العقار غير
المحفظ .أما قضايا األحوال الشخصية لليهود المغاربة فقد كان اختصاص النظر فيها يرجع إلى المحاكم العبرية .
ومع بزوغ فجر االستقالل ظهرت الحاجة إلى وضع قانون موحد ينظم األحوال الشخصية ،خاصة بعدما تضاربت واختلفت األحكام
الصادرة عن المحاكم الشرعية والعرفية نتيجة الختالف المصادر المعتمدة في صياغة تلك االحكام .
لذلك سارع المغرب إلى إحداث قانون موحد لألحوال الشخصية درء للتعارض و االختالف بين القضاة ،وكان الهدف االساس من ذلك
هو استرجاع السيادة الشرعية ؛ بجمع أحكام الفقه االسالمي في مدونة واحدة ،تصبح المرجع األساس الذي يعتمده القضاة في النظر
في األحكام المعروضة عليهم .
فصدرت بذلك أول مدونة خاصة باألحوال الشخصية بمقتضى الظهير رقم 1-57-190المؤرخ ب 22محرم ، 1377الموافق ل 19
غشت ، 1957التي تعتبر المصدر األساسي الذي يرجع إليه القضاة المغاربة أثناء نظرهم في قضايا األحوال الشخصية .
وقد كان اختصاص النظر في قضايا األحوال الشخصية في هذه المرحلة يرجع إلى المحاكم االبتدائية ،باعتبارها صاحبة الوالية العامة
للبت في جميع القضايا التي تقع في مجال اختصاصها .
واستمر الوضع على هذا الحال إلى غاية صدور مدونة األسرة سنة ، 2004التي بصدورها ظهرت أولى بوادر ظهور قضاء أسري
..وحرصا من جاللتنا على توفير : “.متخصص ،ويتضح ذلك من خالل خطاب ملك البالد المعتبر بمثابة ديباجة للمدونة إذ جاء فيه
الشروط الكفيلة بحسن تطبيق مدونة األسرة وجهنا رسالة ملكية إلى وزيرنا في العدل .وقد أوضحنا فيها أن هذه المدونة مهما
تضمنت من عناصر اإلصالح فإن تفعيلها يظل رهينا بإيجاد قضاء أسري عادل ،وعصري وفعال ،ال سيما وقد تبين من خالل تطبيق
المدونة الحالية أن جوانب القصور والخلل ال ترجع فقط إلى بنودها ولكن باألحرى إلى انعدام قضاء أسري مؤهل ،ماديا وبشريا
ومسطريا ،لتوفير كل شروط العدل واإلنصاف ،مع السرعة في البث في القضايا ،والتعجيل بتنفيذها …”
وهو ما عمل المشرع المغربي على تفعيله من خالل التعديل الذي لحق التنظيم القضائي للمملكة ،حيث أحدثت بموجبه مقرات مستقلة
خاصة بالقضاء األسري ،ومنفردة باختصاصات نوعية محددة .
ويقصد باالختصاص بصفة عامة صالحية المحكمة للنظر في الدعوى المعروضة عليها ،ويميز عادة بين االختصاص النوعي ،
[1] .ويسمى كذلك بالوظيفي ،وبين االختصاص المكاني أو المحلي
[2] .أما االختصاص النوعي فيقصد به تلك الصالحية الممنوحة للمحكمة للبت في الدعاوي المعروضة عليها ،بناء على نوع الدعوى
وقد حدده التنظيم القضائي للمملكة بعد تعديله بالقانون 73-03حصرا في :قضايا األحوال الشخصية والميراث ،والحالة المدنية
وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة ،وكل ما له عالقة برعاية وحماية األسرة .
أهمية الموضوع :
تتجلى أهمية موضوعنا هذا في الدور الكبير الذي يلعبه القضاء األسري في تفعيل بنود مدونة األسرة ،ذلك أن تأهيل قضاء
أسري متخصص سواء من الناحية البشرية أو المادية من شأنه الحفاظ على تماسك األسرة وتقويتها .
كما تتجلى في اإلشكاالت التي قد تطرح نتيجة تبعية أقسام قضاء األسرة للمحاكم االبتدائية ،باعتبار الوالية العامة في االختصاص
الممنوحة لهذه األخيرة .
وما عالقة قسم قضاء األسرة بباقي أقسام وغرف المحكمة االبتدائية ؟
وهذه القضايا منها ما يختص به القضاء الجماعي ( الفقرة األولى ) ،ومنها ما يدخل في نطاق اختصاص القضاء الفردي (الفقرة
.الثانية)
الفقرة األولى :اختصاص القضاء الجماعي في القضايا األسرية
اختصاصات نوعية واسعة للقضاء الجماعي ،أو ما يطلق عليه بالهيئة الثالثية ،للبت في القضايا األسرية ][4لقد أعطت مدونة األسرة
.ويظهر ذلك من خالل العديد من مواد المدونة ،لعل أبرزها تلك المتعلقة بالزواج ،وانحالله ،والنسب ،والحضانة ،والنيابة الشرعية
،وتصفية التركة .
فبخصوص الزواج ؛ يرجع االختصاص في بعض قضاياه إلى القضاء الجماعي ،كما في مسألة ثبوت الزوجية ،حيث تنص المادة 16
من المدونة على أن المحكمة تنظر في دعوى الزوجية ،وتعتمد في ذلك سائر وسائل اإلثبات والخبرة .
ويختص القضاء الجماعي كذلك في قضايا الزواج بالبت في طلب اإلذن بالتعدد ،والتأكد من توفر شروطه القانونية ؛ المتمثلة في
.هذا باإلضافة إلى ][5المبرر الموضوعي االستثنائي ،والقدرة المادية على إعالة األسرتين ،وانعدام شرط االمتناع عن التعدد
االختصاص في إلغاء أو تعديل الشروط الواردة في عقد الزواج ،متى أصبح تنفيذها مرهقا للملتزم بها طبقا للمادة 48من المدونة .ثم
التصريح ببطالن الزواج سواء بمبادرة من المحكمة ،أم بطلب ممن يعنيه األمر حسب المادة . 58
أما بخصوص انحالل ميثاق الزوجية ؛ يرجع اختصاص البت في قضاياه إلى القضاء الجماعي ،سواء تعلق األمر بالوفاة أو بالفسخ أو
بالطالق أو بالتطليق أو بالخلع ،وفق النحو التالي :
الحكم بوفاة المفقود ،أو إصدار قرار كونه باقيا على قيد الحياة .
الحكم بفسخ عقد الزواج طبقا للشروط المنصوص عليها في مدونة األسرة .
النظر في طلب اإلذن بالطالق ،و القيام بمحاولة اإلصالح عبر انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو كل من هو مؤهل إلصالح
ذات البين ،وتحديد مستحقات الزوجة واألطفال طبقا للمواد 79إلى 85من المدونة .دون أن ننسى اختصاصه بمنح اإلذن
بطالق التمليك ،وطالق الخلع ،والطالق االتفاقي .
من ][6البت في قضايا التطليق بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق ،أو بأحد األسباب األخرى المنصوص عليها في المادة 98
المدونة .
تذييل األحكام الصادرة عن المحاكم األجنبية بالطالق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ بالصيغة التنفيذية طبقا للمادة 128من
[7] .مدونة األسرة ،ووفق للمواد 430و 431و 432من قانون المسطرة المدنية
استثنت قضايا الطالق االتفاقي ،وأجرة الحضانة ،والحق في زيارة ][8والجدير بالذكر أن مسودة مشروع التنظيم القضائي للمملكة
المحضون ،والرجوع إلى بيت الزوجية ،وإعداد بيت الزوجية ،من اختصاص القضاء الجماعي ،وأرجعت صالحية البت في هذه
القضايا إلى القاضي المنفرد .
ويرجع ذلك في نظرنا إلى الطبيعة االستعجالية لهذه القضايا ،ذلك أن القضاء الفردي يتسم بسرعة البت في القضايا المعروضة عليه ،
وإن كان سبب إدراج قضية الطالق االتفاقي ضمن اختصاص القضاء الفردي يثير العديد من التساؤالت ،حيث إن قضايا الطالق
تقتضي التروي والثبات في معالجتها ،ال االستعجال والتسرع .
وهذا ما قصده مشرع مدونة األسرة ،من خالل اعتباره الزواج ينعقد على وجه الدوام ،والطالق استثناء ال يلجأ إليه إال عند الضرورة
القصوى ،وفي حدود األخذ بقاعدة أخف الضررين .
ولئن كانت غاية واضعي هذا المشروع هي تسريع البت في قضايا الطالق االتفاقي ،فإن ذلك من شأنه أن يقوض مكتسبات المدونة ،
ويفرغ المساعي الرامية إلى تفعيل مسطرة الصلح من محتواها .
إضافة إلى االختصاص بالفصل في النزاع حول حمل المعتدة من عدمه ،باالستعانة بذوي الخبرة للتأكد من وجود الحمل وفترة نشوئه .
وفيما يتعلق بقضايا النسب ؛ سواء تعلق األمر بدعوى إثبات النسب أو نفيه ،فإن اختصاص البت في هذه الدعاوي يرجع إلى هيئة
قضائية ثالثية .
ويدخل في نطاق اختصاص القضاء الجماعي كذلك كل ما تعلق بالحضانة ؛ من تقدير ألجرتها ومصاريفها ،وتحديد مستحقها بين
[9].األقارب متى لم يوجد بين مستحقيها من يقبلها
وتجدر اإلشارة إلى أن الهيئة الجماعية وهي تنظر في قضايا الحضانة ،ملزمة بالبت فيها بشكل مستقل عن قضايا واجب السكن ،
والنفقة كما هو منصوص عليه في المادة 168من المدونة .
وفيما يخص الحجر ،فإن اختصاص الحكم بإثباته أو رفعه يرجع إلى الهيئة الثالثية اعتمادا على الخبرة الطبية وسائر وسائل اإلثبات
الشرعية حسب المادة 222من مدونة األسرة .إضافة إلى اختصاصها بتعيين مقدم للمحجور عليه ،واتخاذ كل اإلجراءات الالزمة
[10] .للمحافظة على أموال المحجور ومصالحه المادية والمعنوية
،فتختص الهيئة الثالثية إذن عند االقتضاء باتخاذ كل ما يلزم ][11ويدخل في اختصاص القضاء الجماعي كذلك كل ما يتعلق بالميراث
من أداء نفقة تجهيز المتوفى بالمعروف ،واإلجراءات المستعجلة للمحافظة على التركة ،وتقرير وضع األختام ،وإيداع النقود
واألوراق المالية واألشياء ذات القيمة حسب ما تنص عليه المادة ، 373وتعين مصفي التركة بعد اتفاق الورثة على اختياره أو إجبارهم
على اختياره إذا لم يتفقوا على أحد حسب المادة . 375ثم االطالع على إحصاء التركة ومراقبة تصفيتها .
الفقرة الثانية :اختصاصات القضاء الفردي في القضايا األسرية
إذا كان األصل أن قضايا األسرة من اختصاص القضاء الجماعي ،كما نصت على ذلك الفقرة األولى من الفصل الرابع من التنظيم
،فإن هناك استثناءات ترد على هذا األصل ،أبرزها ما تعلق بقضايا :النفقة ،واألذون المتعلقة بالزواج [12] ،القضائي للمملكة
وشؤون التوثيق ،والقاصرين ،والحالة المدنية .ذلك أن االختصاص في هذه القضايا يرجع للقاضي المنفرد .
وهذه القضايا منها ما يسند اختصاص النظر فيه إلى القاضي المكلف بالزواج ،ومنها ما يبت فيه القاضي المكلف بشؤون القاصرين ،
دون أن ننسى اختصاصات قاضي التوثيق .
كما له أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الثامنة عشرة ،مع بيان المصلحة واألسباب المبررة لذلك في مقرر معلل تطبيقا للمادة 20
من مدونة األسرة .
وله أن يأذن بالزواج للشخص المصاب بإعاقة ذهنية ،ذكرا كان أو أنثى ،بعد تقديم تقرير حول حالة اإلعاقة من طرف طبيب خبير أو
أكثر تطبيقا للمادة 23من مدونة األسرة.
ومن بين اختصاصاته كذلك اإلذن بإبرام عقد الزواج بالوكالة وفق الشروط المحددة في المادة 17من مدونة األسرة .
وحتى يتمكن قاضي شؤون القاصرين من أداء مهامه ،خوله القانون صالحية إصدار مجموعة من األوامر كاألمر بإقامة رسم عدة
الورثة حسب المادة 267من مدونة األسرة ،واألمر بإجراء حجز تحفظي على األموال الخاصة بالوصي أو المقدم ،أو وضعها تحت
الحراسة القضائية ،أو فرض غرامة تهديدية عليه ،إذا امتنع عن تقديم إيضاحات حول إدارة أموال المحجور ،أو تقديم حساب حولها ،
أو إيداع مابقي لديه ،إضافة إلى األمر بإحصاء التركة المنصوص عليه المادة 249من مدونة األسرة ،واألمر بوضع األختام على
التركة ،وإيداع النقود واألوراق المالية واألشياء ذات القيمة إذا كان هناك وارث قاصر حسب المادة . 374
ومن بين اختصاصاته أيضا اإلذن للوصي أو المقدم ببيع منقوالت المحجور ،أو عقاراته التي تتجاوز قيمتها عشرة آالف درهم ،أو
ترتيب حق عيني عليها ،التصرف فيها طبقا للمادة 271من مدونة األسرة ،ووفقا لإلجراءات المنصوص عليها في الفصول 201إلى
214من قانون المسطرة المدنية .
هذا باإلضافة إلى اختصاص البت في الطلبات المتعلقة بكفالة األطفال المهملين ،واستصدار أمر إسناد الكفالة إلى الشخص أو الجهة
[16] .التي قدمت الطلب ،وفق الشروط واإلجراءات المنصوص عليها في القانون 15.01المتعلق بكفالة األطفال المهملين
اختصاصات قاضي التوثيق 3. :
لقد حددت مدونة األسرة مجموعة من االختصاصات التي يمارسها قاضي التوثيق ،أبرزها خطابه على رسم الزواج مع طابعه طبقا
للمادة 67من مدونة األسرة ،إضافة إلى قيامه بالخطاب على وثيقة الطالق ،وتوجيه نسخة منها إلى المحكمة مصدرة اإلذن بالطالق
حسب ماهو منصوص عليه في المادة 87من مدونة األسرة .
كما يقوم قاضي الثوثيق بالخطاب على وثيقة الرجعة ،بعد استدعاء الزوجة فخبار برغبة زوجها في إرجاعها تطبيقا للمادة 124من
المدونة .
المطلب الثاني :عالقة قسم قضاء األسرة بباقي غرف المحكمة االبتدائية
ينص الفصل 18من قانون المسطرة المدنية على أنه ” :تختص المحاكم االبتدائية – مع مراعاة االختصاصات المخولة إلى أقسام
قضاء القرب – بالنظر في جميع القضايا المدنية وقضايا األسرة والتجارية واإلدارية و االجتماعية ابتدائيا وانتهائيا أو ابتدائيا مع
حفظ حق االستئناف ” .
يتضح من خالل قراءة مقتضيات هذا الفصل أن المحكمة االبتدائية لها صالحية البت في جميع القضايا المدنية المعروضة عليها
،وهو ما يعرف بمبدأ وحدة الجهة القضائية ( الفقرة األولى ) .غير أن إحداث أقسام قضاء األسرة بموجب القانون
المعدل للتنظيم القضائي للمملكة ،وتحديد اختصاصاته قد يخلق نوعا من التنازع بين هذا القسم والغرف األخرى المشكلة ]73.03[23
للمحكمة بالنظر إلى الوالية العامة الممنوحة للمحكمة االبتدائية ( ،الفقرة الثانية ) .
الفقرة األولى :مبدأ وحدة الجهة القضائية
يعتبر مبدأ وحدة الجهة القضائية أحد أهم السمات التي ميزت التنظيم القضائي المغربي منذ تأسيسه .
ومفاده أن المحكمة االبتدائية تشكل بكل أقسامها وغرفها جهة قضائية واحدة من حيث الوالية العامة في تنظيم االختصاص النوعي
[24] .العائد لها ،بحيث ال يتأثر مجال هذا االختصاص بمسألة تقسيم المحكمة إلى أقسام وغرف تبعا لنوع القضايا الرائجة وحجمها
فهذا التقسيم هو مجرد تنظيم داخلي لتوزيع األدوار بهدف ضبط توزيع االختصاص ،بما يؤدي إلى ضبط سير العمل القضائي ،
وتفادي الفوضى عند توزيع الملفات على الهيئات القضائية ،وبغية تصريف القضايا الرائجة داخل آجال معقولة .هذا باإلضافة إلى
كونه فرض حيويته وأهميته بالنظر إلى كون نطاق االختصاص الموكول إلى المحكمة االبتدائية بقي واسعا رغم إحداث المحاكم
[25] .اإلدارية والتجارية
،ذلك أنها ال ][26وهو ما تؤكده عبارة ” :يمكن تقسيم ” المستعملة في الفقرة الثانية من الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي
تفرض إلزامية تقسيم المحاكم االبتدائية إلى أقسام وغرف متخصصة ،وإنما جاءت على وجه اإلمكانية واالختيار .
مما يمكن معه تصور محاكم ابتدائية غير مقسمة إلى أقسام وغرف متخصصة ،مادامت هذه المحاكم غير ملزمة بالخضوع لهذا النوع
من التقسيم .
وعليه فإن وجود هذه الغرف واألقسام ال يعني بالضرورة اقتصار كل قسم أو كل غرفة بالبت في حدود تخصصها ،وإنما يمكن ألية
[27] .غرفة أن تبت في أي نزاع أحيل عليها ،حتى ولو كان هذا النزاع تنظيميا يعود أمر البت فيه إلى غرفة أخرى
غير أن التعديل الذي لحق التنظيم القضائي للمملكة ،وما نتج عنه من إحداث أقسام قضاء األسرة ،وتحديد اختصاصاتها بشكل
[28] .دقيق ،بل ونصه صراحة على منع باقي غرف المحكمة من البت في القضايا التي يختص فيها قسم قضاء األسرة
لكن قد يقع مثال أن تعرض إحدى القضايا األسرية أمام أنظار إحدى غرف المحكمة االبتدائية كالغرفة المدنية ،وتبت فيه .كما يمكن أن
تعرض إحدى القضايا الجنائية المتعلقة باألسرة أمام أنظار قسم قضاء األسرة كالخيانة الزوجية مثال ،خصوصا أن الفصل الثاني من
” … وكل ما له عالقة بحماية األسرة “ .وهنا نتساءل عن مدى صحة هذا الحكم :ظهير التنظيم القضائي بعد تعديله نص على عبارة
ونفاذه ؟ إذ من الممكن أن نتصور إثارة الدفع بعدم االختصاص النوعي .
الفقرة الثانية :الدفع بعدم االختصاص النوعي في القضايا األسرية
يعتبر الدفع بعدم االختصاص النوعي ذلك الدفع الذي يتقدم به المدعى عليه ،ويطلب من خالله الحكم بعدم اختصاص المحكمة
[29] .المعروض عليها النزاع للنظر في نوع القضية ،والقول باختصاص محكمة أخرى متخصصة يتولى تحديدها
ولما تدخل المشرع ونص صراحة على اختصاص قسم قضاء األسرة بالبت في القضايا األسرية ،دون أن يسمح لباقي األقسام والغرف
المشكلة للمحكمة االبتدائية بالفصل في أي نزاع يدخل في مجال اختصاص قسم قضاء األسرة .
فإن ذلك من شأنه ذلك أن يخلق تنازعا لالختصاص بين قسم قضاء األسرة وباقي غرف المحكمة االبتدائية ،كما لو بتت إحدى تلك
الغرف في قضية من القضايا التي يختص فيها قسم قضاء األسرة ،أو العكس ،وهو ما يطرح إمكانية الدفع بعدم االختصاص النوعي .
:يذهب األول إلى عدم إمكانية الدفع بعدم االختصاص ،واالكتفاء بإحالة ][30وقد أفرزت الممارسة العملية اتجاهان قضائيين مختلفين
القضية على رئيس المحكمة ،ليحيلها بدوره على قسم قضاء األسرة ،مستندين في ذلك على كون قسم قضاء األسرة ليس جهة قضائية
مستقلة ،بل هو مكون من مكونات المحكمة االبتدائية .
أما االتجاه الثاني فيرى أن المشرع عندما منع صراحة عن كل الغرف البت في نزاع أسري ،فإنه كان واضحا في إظهار موقفه من
مسألة االختصاص ،مما يمكن معه القول بإمكانية إثارة الدفع بعدم االختصاص .
وإن كان موقف االتجاه األول األقرب إلى الصواب ،مادامت أقسام قضاء األسرة لم تستقل بعد من تبعيتها للمحاكم االبتدائية .
وهو ما تؤكده المادة 16من قانون المسطرة المدنية ،حينما أوجبت على من يثير الدفع بعدم االختصاص أن يبين المحكمة التي ترفع
إليها القضية .فالدفع بعدم االختصاص إذن يعتد به متى وقع التنازع بين المحاكم ،وليس بين األقسام أو الغرف .
كما أكده كذلك الفصل الرابع من ظهير التنظيم القضائي للمملكة ،الذي يوجب إحالة القضية المتنازع حول اختصاص البت فيها ،إلى
رئيس المحكمة الذي يحيلها بدوره على الغرفة المختصة .
ويرجع السبب وراء هذا التضارب القضائي في نظرنا إلى عدم استقاللية أقسام قضاء األسرة عن المحكمة االبتدائية التي تبقى لها
الوالية العامة في االختصاص .مما يوجب على المشرع التدخل والتنصيص صراحة على قضاء أسري متخصص مستقل وقائم بذاته .
خاتمة :
وهكذا في ختام هذا البحث خلصنا إلى النقط التالية :
أن التعديل الذي لحق التنظيم القضائي للمملكة حدد بدقة اختصاصات القضاء األسري ،وحصرها في قضايا األحوال الشخصية
والميراث ،والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة ،وكل ما له عالقة برعاية وحماية األسرة .
أن االختصاص النوعي في القضايا األسرية منها ما يرجع فيه االختصاص للقضاء الجماعي ،ومنها ما يعود فيه إلى القضاء
الفردي .
أن أقسام قضاء األسرة ليست جهازا مستقال بذاته ،بل هو تابع للمحكمة االبتدائية التي يقع في دائرة نفوذها ،شأنه في ذلك شأن
باقي األقسام والغرف األخرى .
أنه من المتصور وقوع تنازع لالختصاص بين قسم قضاء األسرة وباقي الغرف المشكلة للمحكمة االبتدائية ،استنادا للوالية
العامة الممنوحة لها .
أن العمل القضائي أفرز لنا اتجاهين متضاربين فيما تعلق بالدفع بعدم االختصاص النوعي بين قسم قضاء األسرة وباقي األقسام
األخرى .
وفي هذا الصدد ال سبيل إلى تجاوز هذه اإلشكاالت التي يطرحها تنازع االختصاص هذا ،وال سبيل إلى العناية بأحوال األسرة
ورعايتها ،وإبعاد منازعاتها عن باقي المنازعات المدنية األخرى ،استنادا إلى خصوصيتها وحساسية قضاياها ،إال بإحداث محاكم
أسرية مختصة ومستقلة تماما عن المحاكم االبتدائية ،وتأهيل قضاء أسري متخصص .
عبد الكريم الطالب ،التنظيم القضائي المغربي ،الطبعة الثانية ، 2006المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ،ص [1] 85 :
عبد الكريم الطالب ،الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ،الطبعة الثانية أكتوبر ، 2003مطبعة المعرفة مراكش ،ص [2] 19 :
ظهير شريف رقم 1.74.338بتاريخ 24جمادى الثانية 15 ( 1394يوليوز ، ) 1974الجريدة الرسمية عدد 3220بتاريخ [3] 26
جمادى الثانية 17 ( 1394يوليوز ، ) 1974ص 2027 :
ظهير شريف رقم 1.04.22صادر في 12من ذي الحجة 3 ( 1424فبراير ) 2004بتنفيذ القانون رقم 70.03بمثابة مدونة ][4
األسرة ،الجريدة الرسمية عدد 5184بتاريخ 14ذي الحجة 5 ( 1424فبراير ، ) 2004ص 418 :
انظر المواد 40إلى 46من مدونة األسرة ][5
ونصها ” :للزوجة طلب التطليق بناء على أحد األسباب التالية [6] :
إخالل الزوج بشرط من شروط عقد الزواج
الضرر
عدم اإلنفاق
الغيبة
العيب
اإليالء والهجر “
ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447بتاريخ 11رمضان 28 ( 1394شتنبر ) 1974بالمصادقة على نص قانون المسطرة ][7
المدنية ،منشور بالجريدة الرسمية عدد 2303مكرر بتاريخ 30شتنبر ، 1974ص 2741 :
مشروع قانون رقم 15.38المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة ،منشور بموقع وزارة العدل ][8
،تاريخ االطالع 02 :نونبر ، 2016الساعة www.justice.gov.ma 10 : 35والحريات
المادة 165من مدونة األسرة ][9
أنظر القسم الثاني من الكتاب الرابع من مدونة األسرة المتعلق بالنيابة الشرعية ][10
الفقرة األولى من الفصل الرابع من ظهير التنظيم القضائي للمملكة بعد تعديله وتتميمه بالقانون ، 03.73بتاريخ 3فبراير [11] 2004
.
سبقت اإلشارة إلى مضمونها في بداية هذا المطلب ،ص [12] 4 :
الفصل 179من قانون المسطرة المدنية ][13
وهو قاض من المحكمة االبتدائية يعين لمدة ثالث سنوات بقرار من وزير العدل ،أنظر الفصل 182من قانون المسطرة المدنية ][14
.
المادة 240من مدونة األسرة ][15
ظهير شريف رقم 1.02.72صادر في فاتح ربيع اآلخر 13 ( 1423يونيو ، ) 2002الجريدة الرسمية عدد 5031بتاريخ [16] 19
أغسطس ، 2002ص 2362 :
ونصها ” :تعقد المحاكم االبتدائية ،بما فيها المصنفة ،جلساتها مع مراعاة المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 5بعده ][17
،وكذا االختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى نصوص خاصة ،بقاض منفرد وبمساعدة كاتب الضبط ،ما عدا الدعاوي
العقارية العينية والمختلطة وقضايا األسرة والميراث ،باستثناء النفقة ،التي يبت فيها بحضور ثالثة قضاة بمن فيهم الرئيس ،
وبمساعدة كاتب الضبط “.
أستاذنا الدكتور عادل حاميدي ،الدليل الفقهي والقضائي للقاضي والمحامي في المنازعات األسرية ،الطبعة األولى [18] – 1437
، 2016مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،ص 534 :
حكم عدد ، 1057في الملف رقم ، 01 / 06 / 1476صادر عن المحكمة االبتدائية بكلميم ،بتاريخ ( 2008 – 02 – 12غير ][19
منشور ) .
وتنص على أنه ” :إذا تبين للقاضي المنفرد أن أحد الطلبات األصلية أو المقابلة أو المقاصة يرجع االختصاص فيه إلى ][20
القضاء الجماعي ،أو له ارتباط بدعوى جارية أمام القضاء الجماعي رفع يده عن القضية برمتها بأمر والئي …”
عادل حاميدي ،مرجع سابق ،ص [21] 34 :
ظهير شريف رقم 1.02.239صادر في 25رجب 3 ( 1423أكتوبر ، ) 2002الجريدة الرسمية عدد 5054بتاريخ [22] 2
رمضان 7 ( 1423نونبر ، ) 2002ص . 3150 :
وقد سبقت اإلشارة إلى مراجعه ][23
نجيب شوقي ،عالقة أقسام قضاء األسرة ببقية غرف المحكمة االبتدائية بعد التعديالت الجديدة لظهير 5فبراير 2004المتعلق ][24
بالتنظيم القضائي للمملكة ،مجلة المحاكم المغربية ،عدد ، 112يناير – فبراير ، 2008مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،ص :
240
نفسه ،ص [25] 241 :
ونصها ” :يمكن تقسيم هذه المحاكم بحسب نوعية القضايا التي تختص بالنظر فيها إلى أقسام قضاء األسرة ،وأقسام قضاء ][26
القرب ،وغرف مدنية وتجارية وعقارية واجتماعية وزجرية “.
ادريس الفاخوري ،مدونة األسرة بعد ثالث سنوات من التطبيق ،الطبعة األولى ، 2008مطبعة الجسور وجدة ،ص [27] 141 :
تنص الفقرة الخامسة من الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي للمملكة عل أنه ” :يمكن لكل غرفة أن تبحث وتحكم في كل ][28
القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام قضاء األسرة ” .
عادل حاميدي ،مرجع سابق ،ص [29] 162 :
ادريس الفاخوري ،مرجع سابق ،ص [30] 243 :
مسطرة التحكيم أمام اللجان الضريبية بين النص القانوني والعمل القضائي
منذ يومين
منازعات الصفقات العمومية
منذ يومين
ندوة حول العقار بالحسيمة توصي بالحد من التضخم التشريعي والتأسيس لمدونة خاصة
منذ يومين
الحماية الجنائية للحق في الصورة :سلسلة اصدارات مجلة القانون واألعمال الدولية العدد 26لشهر نونبر 2019
منذ 3أيام
آخر المقاالت
ندوة حول العقار بالحسيمة توصي بالحد من التضخم التشريعي والتأسيس لمدونة خاصة
منذ يومين
الحماية الجنائية للحق في الصورة :سلسلة اصدارات مجلة القانون واألعمال الدولية العدد 26لشهر نونبر 2019
منذ 3أيام
إشكالية تنفيذ األحكام ضد االدارة الضريبية بين المقتضيات القانونية والعمل القضائي
منذ أسبوع واحد