Professional Documents
Culture Documents
إهــداء
إلى إخواننا وأخواتنا و أصدقائنا الذين كانوا لنا سندا بعد هللا عز
َ وجل
والمطلبة ماستر قضاء األسرة الفوج 3 : إلى كل حامل مشعل العلم
1
2
مقدمة
كما أن االعتماد على هذه الوسائل البديلة جاء نتيجة الدور التي قامت به الشريعة اإلسالمية في مجال تدبير
النزاعات والتي اعتمدت هذه الوسائل البديلة التي تتسم بالسلم والودية ،ولكونها تتجاوب مع مقاصد الشريعة اإلسالمية المبنيةK
على التسامح والتآخي ونبذ الشحناء والبغضاء.
وتزداد أهمية هذه الوسائل البديلة في العصر الحالي حيث اعتمدها جل األنظمة المقارنة وذلك لما تحققه من
األهداف والغايات المرجوة ،ولما تتميز به من التبسيط في اإلجراءات والفعالية في الحلول.
وخصوصا ً إذا تعلق األمر بالمنازعات األسرية نظرا لطبيعة العالقة الخاصة والحساسة التي تربط بين مكونات
األسرة.
وهناك عدة أنواع من الطرق البديلة الصلح ،والتحكيم ،والوساطة ،ويقصد بهذه الوسائل بأنها؛ "مجموعة من اآلليات
التي يمكن اعتمادها لحل النزاعات بمشاركة وموافقة أطرافها ،وهي ليست بديلة عن القضاء ،ألنها تجري تحت إشرافه ومن
ثم فهي بديلة عن بعض المساطر واإلجراءات القضائية.
من خالل ما سبق عرضه في هذا التقديم يمكن طرح اإلشكالية التالية :ما مدى فعالية ونجاعة الوسائل البديلة – الصلح
التحكيم والوساطة -لفض المنازعات بشكل عام واألسرية بشكل خاص؟
لمعالجة هذه اإلشكالية المركزية سنقسم هذا الموضوع إلى ثالثة فصول؛
1
المبحث األول :الصلح وأحكامه في الشريعة اإلسالمية.
لبلورة هذا المفهوم في سياقه التاريخي إرتأينا تقسيمه إلى ثالث فقرات تعنى األولى بتقديم لمحة عنه-الصلح -قبل
اإلسالم في بعض الحضارات ،ثم الفقرة الثانية تحدثنا عنه إطار الشريعة اإلسالمية ،والفقرة األخيرة نختمها ب التحدث عن
الصلح في القانون المغربي
ففي الحضارة البابلية عرف الصلح كوسيلة لفض الخصومات ،وكان يتواله مجلس الشيوخ رغم وجود محاكم مدنيةK
يتولى وظيفتها القضاء وذلك عن طريق موظفون معينون من قبل الملك.
وفيما يخص الحضارة اليونانية :فقد كانت السباقة في استعمال الصلح والذي يعود أصله إلى التعابير اليونانية القديمةK،
وذلك باعتماد الفلسفة التي كانت تسود الحكمة في العالقات اإلنسانية وما هو أصلح للفرد
أما الحضارة اإلغريقية فقد اعتمد قدماء اإلغريق الصلح حيث كان يفصل في المنازعات بين دويالت المدن اليونانية
مجلس دائم للتحكيم كما عرفوا معاهدات التحكيم الدائم ،باإلضافة إلى حاالت التحكيم المنفردة ,ويتمثل الصلح من خالل
الحرب التي دارت بين قرطاجة وروما في عام 264ق.م توجت بعقد الصلح بينهما.
وكذلك العرب كان إذا اشتد أوار الحرب في الجاهلية وأنهكت المعارك الطرفين فإن الرغبة تكون كامنة في النفوس
لهدنة قد تتحول إلى صلح ،ولهم في ذلك عادات ،منها مسح اللحى ،واإلشارة بالرماح وإرسال السهم في السماء فإن رجع نقيا
كان عالمة على قبول الدية والتصالح في القتلى وإن جاء مضرجا بالدم كان دليال على القصاص ،وهم في قرارة أنفسهم ال
يعتقدون بأنه سيكون مضرجا بالدم ،وإنما حيلة يحفظون بها ماء وجوههم وقت التصالح.
جاءت الشريعة اإلسالمية الغراء كالنور في ظلمة التخاصم والتنافر والتقاتل والعصبية العمياء ،فكانت سبيال وسراجا
لكل من أدلج وثار في نفسه ما ترسب من الجاهلية بعد اإلسالم ،حيث كانت – وال تزال – داعية إلى اصالح ذات البين ونبذ
الفرقة والتخاصم ،ويكفينا من النصوص ما يلي:
2
فامتثل المصطفى الحبيب ،صلى هللا عليه وسلم ألمر ربه وطبق شرعته وأصلح وألف بين المتخاصمين ،كما نقل
ذلك في عدد من أصول األخبار من قبيل ما روى البخاري في جامعه ،عن سهيل بن سعد رضي هللا عنه أن أهل قباء اقتتلوا
حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال" اذهبوا بنا نصلح بينهم "
وسار الخلفاء الراشدون من بعده صلى هللا عليه وسلم على نهجه وطريقه في االمتثال ألمر القرءان واعتبار الصلح
والقيام به وسط الجماعة المؤمنة ،ولعل أبرز ما اشتهر في ذلك هو واقعة الجمل بين أمنا عائشة رضي هللا عنها وعلي كرم
هللا وجهه
بما أن مناط الصلح هو اإلنسان فإنه يدور معه حيث دار وجودا وعدما فاألفعال التي يرتكبها اإلنسان والتي أطرها
القانون يمكن أن يدخلها الصلح سواء كانت مدنية أو جنائية...
فهو بمثابة عقد رضائي بين الطرفين كما بين المقنن ذلك ،في الفصول من 1098إلى 1116من قانون االلتزامات
والعقود المغربي
وفي األسرة خص له المواد 81و 82و ، 83من قانون مدونة األسرة .1وكذلك عمد في قانون المسطرة الجنائية إلى
تبني مبدأ الصلح في المادة 41من ق.م.ج كآلية حديثة وحضارية الستبدال العقوبة السالبة للحرية ولفض النزاع قبل تحريك
الدعوى العمومية،
والصالح بكسر الصاد مصدر المصالحة والعرب تؤنثها ،واسم الصلح ،يذكر ويؤنث
عرف فقهاء المذاهب األربعة الصلح بتعاريف متقاربة ومطابقة لبعضها البعض.
أ-عند المالكية :قال ابن عرفة" :الصلح هو انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه"
- 1ظهير شريف رقم ،22.04.01ص ادر بت اريخ 12ذي الحج ة 1424هـ ،المواف ق ل 3ف براير ،2004بتنفي ذ ق انون رقم ،70 .03بمثاب ة
مدونة األسرة ،المنشور بالجريدة الرسمية عدد ،5184 :بتاريخ 5فبراير ،2004ص.418 :
3
الفقرة الثانية :أهمية الصلح .
التقاضي هو الطريق الطبيعي لحل المنازعات ،ولكن اللجوء إليه في كل األحوال له عيوبه.
*الصلح يرفع العبء عن كاهل المحاكم:
األول :صلح جائز؛ وهو صلح عدل يضع األمور في نصابها ،ال يجامل فيه المصلح طرفا على حساب طرف ،وال
ينصر القوي على الضعيف لقوته ،وهذا صلح يرضاه هللا ،وهو المندوب إليه في اآليات ،ومطلوب إيجاده بين المؤمنين على
سبيل الوجوب
4
الثاني :صلح حرام؛ وهو الصلح الذي ال يجوز فعله ،وإن كان اسمه صلحا ،لكنه يتضمن من المعاني ما يقلب اسمه
إلى أن يكون نوعا من الفساد ،وهو الصلح الذي ينصر فيه القوي على الضعيف لقوته ،أو الصلح الذي يتضمن شروطا منافية
للشرع ،أو الصلح الذي يحل الحرام أو يحرم الحالل ،فهذا الصلح حرام لقول النبي صلى هللا عليه وسلم " :الصلح جائز بين
المسلمين إال صلحا حرم حالال أو أحل حراما ،والمسلمون على شروطهم إال شرطا حرم حالال أو أحل حراما
تتجلى الحكمة من تشريع الصلح في كونه الدواء الناجع إلزالة الخالف ورفع الخصومة ،والسبيل األمثل لحفظ
العالقات واستقرارها ،وإدامة استمرارها على األلفة والمحبة والتعاون ،ففيه يقطع دابر المنازعة ويضع حدا للخصومة،
ويعتبر وسيلة فعالة لنشر المحبة والوئام بين أفراد المجتمع ،ويحل به التوافق محل الشقاق ،ويقضي على العداوة والبغضاء
بين المتخاصمين
سنعالج هذا المطلب بالحديث عن أنواع الصلح كفقرة أولى وعن شروطه كفقرة ثانية .وأثاره في الفقرة الثالثة.
أوال :أنواع الصلح حسب مبناه وما يقوم عليه أو ما يفضي إليه.
قال ابن القيم :ا لصُّ ْل ُح إ َّما َمرْ دُو ٌد َوإِ َّما َجائِ ٌز نَافِ ٌذ.
أ_ صلح جائز نافذ :وهو ما كان مبناه رضا هللا سبحانه وتعالى ،ورضا الخصمين ،وأساسه العلم والعدل ،فيكون
ُوا بَ ۡينَهُ َما بِ ۡٱل َع ۡد ِل
صلِح ْ
المصالح عالما بالوقائع ،عارفا بالواجب ،قاصدا للعدل ،كما قال سبحانه وتعالى( :فَأ َ ۡ
ب_صلح جائر مردود :وهو الذي يحل الحرام أو يحرم الحالل ،كالصلح الذي يتضمن أكل الربا ،أو إسقاط الواجب،
أو ظلم ثالث،
5
ثانيا :أنواع الصلح بين المدعي والمدعى عليه.
ينقسم الصلح باعتبار الجواب الذي يجيبه المدعى عليه عند عقد الصلح ،إلى ثالثة أقسام :صلح عن إقرار المدعى
عليه ،وصلح عن إنكاره ،وصلح عن سكوته من غير إقرار وال إنكار.
أ_ الصلح عن إقرار :وهو الصلح الواقع على إقرار المدعى عليه بمطلوب المدعي سواء كان إقراره صراحة وحقيقة
أو كان إقراره حكما ً .أما اإلقرار صراحة فظاهر والمثال على ذلك هو طلب الصلح واإلبراء عن المال أو الحق المدعى به.
ب -الصلح عن إنكار :وهو الصلح الواقع على إنكار المدعى عليه بمطلوب المدعي .مثال إذا طلب المودع من
المستودع أن يؤدي له عين الوديعة أو أن يؤدي له بدلها الستهالكه إياها وأنكر المدعى عليه وتصالح مع المدعي كان الصلح
صحيحا.
ج -الصلح عن سكوت :وهو الصلح الواقع على سكوت المدعى عليه بأن ال يقر وال ينكر مطلوب المدعى .ومثال ذلك
أن يدعي المدعي على المدعى عليه بمال فيسكت المدعى عليه بأن ال يقر وال ينكر ثم يتصالحان بعد ذلك.
ثم إن أقسام الصلح الثالثة هذه جائزة ومشروعة ألن العموم تستفاد من ظاهر اآلية الكريمة { والصلح خير} وأجاز
الشافعي النوع األول فقط.
يتنوع الصلح بحسب موضوعه إلى خمسة أنواع؛ إما أن يكون الصلح بين المسلمين وأهل الحرب بعقد الذمة أو الهدنة
أو األمان ،وبين أهل بغي وأهل عدل ،وبين متخاصمين في غير مال ،وبين متخاصمين في المال وبين زوجين،
ذهب الحنفية إلى أن للصلح ركنا ً واحداً وهو اإليجاب والقبول ،وهو أن يقول المدعى عليه :صالحتك من كذا على
كذا ،أو من دعواك كذا على كذا .ويقول اآلخر :قبلت أو رضيت ،أو ما يدل على قبوله ورضاه ،فإذا وجد اإليجاب والقبول تم
عقد الصلح ،وخالفهم في ذلك جمهور الفقهاء -من المالكية والشافعية والحنابلة -حيث عدوا أركان الصلح أربعة :عاقدان
(متصالحان) وصيغة (إيجاب وقبول) ومصالح عليه (بدل الصلح) ومصالح عنه (محل النزاع).2
وكل واحد من هذه األركان يشترط فيه شروطا؛ تتعلق إما بالصيغة ،أو بالمصالح ،أو بالمصالح عليه ،أو بالمصالح
عنه.
- 2بدائع الصنائع ،مرجع سابق ،ص / .40 :الفقه اإلسالمي وأدلته ،مرجع سابق ،ص.6 :
6
الفقرة الثالثة :آثار الصلح ومبطالته:
عندما يتم الصلح بجميع شروطه وأركانه تترتب عنه عدة آثار.
ج -عدم الرجوع في الصلح :جاء في م ( )1556من مجلة األحكام العدلية :إذا تم الصلح فليس لواحد من الطرفين فقط
ع عنه ،ويملك المدعي بالصلح بدله ،وال يبقى له ح ٌّ
ق في الدعوى ،وليس للمدعى عليه -أيضا -استرداد بدل الصلح الرجو ُ
منه.3
- 1اإلقالة في غير حالة الصلح على القصاص :فلو قال أحد المتصالحين لآلخر انفسخ الصلح؛ كان محتمالً للفسخ
كالبيع ونحوه .ألن فيه معنى معاوضة المال بالمال،
- 4هالك أحد المتعاقدين في الصلح على المنافع قبل انقضاء المدة :ألن في الصلح على المنفعة معنى اإلجارة،
واإلجارة تبطل بموت أحد العاقدين .وكذا يبطل الصلح إذا هلك ما وقع الصلح على منفعته.
جواز الصلح في الشريعة اإلسالمية يكمن في عدة مسائل ،فهو يجوز في القضايا االجتماعية مثال نزاعات الشغل
وحوادث السير ،كذلك يجوز الصلح في القضايا الجنائية.
وأكثر ما يجوز فيه الصلح هم القضايا األسرية ،فالصلح يكون في القضايا المتعلقة باألسرة وخصوصا تلك المرتبطة
بالتعدد Kوانهاء الرابطة الزوجية ،ويكون الصلح أيضا في قضايا الحضانة وتنظيم زيارة المحضون ...الخ
7
إذا كان الصلح ٌداخل في زمرة الوسائل البديلة لفض المنازعات األمر الذي جعله يتشابه مع بعض المؤسسات
القانونية فإنه في المقابل يتميز بخصوصية تميزه عن باقي األنظمة والمؤسسات المشابهة له فالصلح (يتميز عن (الوساطة)
–أ -كما انه (يختلف عن التحكيم) -ب -
-أوجه االتفاق:
القاسم المشترك بين الصلح والوساطة يكمن في كون الشخص الذي يقوم بالصلح أو الوساطة ال يملك سلطة اتخاذ
القرار والفصل في النزاع المعروض عليه.
يلتقي الصلح مع الوساطة في أن كليهما من الوسائل البديلة لحل النزاعات أن كال منهما عقد يخضع لألحكام العامة
للعقد من رضائية ومحل وسبب.
تلتقي الوساطة مع الصلح في أن كال منهما يٌقصد به وضع حد في الخصومة دون استصدار حكم قضائي.
.في حالة التوصل إلى صلح بين األطراف المتنازعة يقوم كل من الوسيط او الموفق بتحرير وتوثيق الصلح ،توقع
من طرفKه ومن جKانب طKرفي الKنزاع 4.هKذه هي أوجKه التشKابه بين الوسKاطة والصKلح فمKا هي إذن أوجKه االختالف بينهمKا والKتي
5
تعطي لكل واحده مميزاتها الخاصة.
-أوجه االختالف:
كون عمل الشخص الذي يتدخل لإلصالح بين الطرفين غالبا ما يكون بالمجان وبالتطوع التلقائي بقصد إصالح ذات
البين بناء على أسباب كالصداقة والقرابة والجوار .وما إلى ذلك على عكس الوسٌيط الذي يعمل مقابل أتعاب يتقاضاها عما
6
يبذله من جهد.
4عثمان اخ ٌدم رسالة ل ٌنيل دبل وم الدراس ات العل ٌي ا المعمق ة ًفي الق انون الخ اص جامع ة عب د المال ك الس عدي كلٌي ة العل وم 79القانو ٌني ة واالقتص ا ٌدية
واالجتماعٌية السنة الجامعٌة 2010-2009الصفحة 39.
5
8
الوساطة هي المساعي التً ي يقوم بها الوسيط لمساعدة أطراف النزاع من اجل الوصول إلى حل متفق عليه لتسوية
النزاع وذلك بدل اللجوء إلى مسطرة التقاضي فالوساطة على هذا األساس وسيلة تستهدف التوصل إلى صلح ينهي الخالف
7
بين أطرافه في حين أن الصلح في نفسه غاية.
الوسيط أكثر فعالية وإجابيه من المصالح والموفق ألنه يقدم اقتراحات ويوفق بين المصالح فهو يتوفر على وسائل
عديدة Kلتقريب وجهات نظر ومواقف أطراف النزاع أما المصالح فدوره أكثر تحفظا واحتشاما وال يتوفر على الصالحيات
الواسعة التًي يتوفر عليها الوسيط.
أوجه االتفاق.
يتفق عقد الصلح مع التحكيم في كون كل منهما يهدف إلى حسم النزاع دون استصدار حكم من القضاء كما أن اللجوء
إليهما يتم بإرادة األطراف.
أوجه االختالف:
يختلف التحكيٌم عن الصلح اختالفا بينا فالذي يبت في النزاع في الصلح هم أطراف الخصومة أنفسهم بينما في التحكيم
األمر يقتضي تدخل طرف ثالث وهو المحكم.
من هنا يتبين ان التحكيم اشد خطورة من الصلح الن التجاوز عن الحق في هذا معلوم قبل تمامه بينما فًي التحكيم
تتعذر معرفه ما قد يمكن أن يحكم به المحكم كما أن الصلح فيه تنازل من أحد الطرفين أو كليهما عن حق بخالف التحكيم
فليس فيه تنازل.
9
الصلح عند طلب اإلذن بالتعدد Kجاءت مدونة األسرة بعديد Kمن المستجدات ،أبرزها طلب اإلذن بالتعدد K،والذي يبرز
الوظيفة الجديدة للقضاء فيها ،فنجد المجال الذي تركه المشرع المغربي أمام المحكمة في هذه المسألة ،واسعا حتى تقوم بكل
المحاوالت لإلصالح بين الزوجين واختيار الوسيلة التي تراها مناسبة التحقيق الصلح دون أي قيد يقيد سلطتها بوسيلة دون
أخرى.
حرصت مدونة األسرة على سلوك مسطرة الصلح بإجراء إلزامي في الطالق ،كما نصت عليه كذلك في مسطرة
التطليق.
نصت المادة 78من مدونة األسرة " الطالق حل ميثاق الزوجية يمارسه الزوج والزوجة كل بحسب شروطه تحت
مراقبة القضاء".
إذن تم إسناد االختصاص للقضاء من أجل تكثيف الجهاز القضائي ببذل مزيد من المساعي التوفيقية واإلصالحية التي
يمكن أن تساعد على إنقاذ األسرة من أزمتها.
وتطبيق مسطرة االستدعاء حسب المادة 81وعند حضور الطرفين تجري المناقشة بغرفة المشورة بما في ذلك
االستماع إلى الشهود ولمن ترى المحكمة فائدة في االستماع إليه طبقا للمادة 82حيث جاء فيها ":عند حضور الطرفين تجري
المناقشة بغرفة المشورة بما في ذلك االستماع إلى الشهود ولمن ترى المحكمة فائدة في االستماع إليه.
للمحكمة أن تقوم بكل اإلجراءات بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة ،أو من تراه المحكمة مؤهال إلصالح
ذات البين ،وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة ال تقل عن ثالثين يوما.
إذا تم اإلصالح بين الزوجين حرر ذلك في محضر وتم اإلشهاد به من طرف المحكمة.
وباإلضافة إلى ضرورة الصلح أو اإلصالح في قضايا الطالق ،أكدت عليه كذلك في الطالق المملك والخلعي وحتى
االتفاقي.
نصت المادة 94على أنه ":إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق وجب
عليها أن تقوم بكل المحاوالت إلصالح ذات البين طبقا ألحكام المادة "82
10
وأضافت المادة 113من مدونة األسرة" يبت في دعاوى التطليق المؤسسة على أحد األسباب المنصوص عليها في
المادة 98أعاله بعد القيام بمحاولة اإلصالح باستثناء حالة الغيبة.
يقصد بهذه الجنحة في القانون الجنائي المغربي تملص وتهرب األب أو األم طواعية من كل أو بعض واجباتهما،
معنوية كانت أو مادية ناشئة عن الوصاية أو الحضانة كما حددتهما مدونة األسرة لمدة تزيد عن شهرين.
وقد جعل القانون من جريمة إهمال األسرة جنحة يعاقب عليها بمقتضى الفصل 8479و 4809من القانون الجنائي.
إال أنه بالنظر إلى خصوصية جرائم األسرة وإمكانية تأثيرها على وضعية هذه األخيرة جعل المشرع من تحريك المتابعة
بشان هذا اإلهمال متوقف على دعوى المتضرر.
وباعتبار المغرب دولة إسالمية حرص على محاربتها بنصوص خاصة في القانون الجنائي المغربي ،كما تقوم هذه
الجريمة المنصوص عليها في المادة 491من القانون الجنائي :بتدنيس فراش الزوجية وانتهاك حرمتها بتمام الوطء ،لكن ال
تجوز المتابعة إال بناء على شكاية من الزوج أو الزوجة المجني عليها ،وهذا استثناء من األصل الذي يمنح للنيابة العامة حق
تحريك الدعوى العمومية )المادة 36من المسطرة الجنائية(.
وبالرجوع إلى القانون الجنائي نجده قد خص جريمة السرقة بأعذار معينة من العقاب إذا تعلقت باألسرة ،حيث قررت
المادة ، 534إعفاء السارق من العقاب لوجود قرابة بينه وبين الضحية .كما منعت المادة 535النيابة العامة من إثارة المتابعة
إلى ان يتقدم الضحية بشكوى في الموضوع ،فكون السارق زوجا للمجني عليه يجعله معفيا من العقاب ،ومتابعته تقتضي
تقديم شكاية من المجني والمشرع هنا كذلك كما في الجرائم السابقة قرر هذا اإلعفاء تعليق المتابعة حال قيام الزوجي
8ينص الفصل 479من ق.ج.م على انه يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من مائتين Kإلى ألفي درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط :
-األب أو األم إذا ما ترك أحدهما بيت Kاألسرة دون موجب قاهر لمدة تزيد على شهرين وتملص من كل او بعض واجباته المعنوية والمادية الناشئة
عن الوالية األبوية او الوصاية او الحضانة ،وال ينقطع أجل الشهرين إال بالرجوع إال بيت األسرة رجوعا يتم على إرادة استئناف الحياة العائلية
بصورة نهائية.
-الزوج الذي يترك عمدا ،ألكثر من شهرين دون سبب موجب قاهر زوجته وهو يعلم أنها حامل ". .
9ينص الفصل 480من ق.ج.م على أنه يعاقب بنفس العقوبة من صدر عليه حكم نهائي قابل للتنفيذ يدفع نفقة إلى الزوجة أو أحد أصوله أو فروعه
أمسك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد.
11
المبحث األول:التحكيم وأحكامه في الشريعة اإلسالمية.
للتحكيم في لغة العرب معان عديدة K،فالتحكيم مصدر ح َّك َم (تشديد الكاف مع الفتح) ،يقال ح َّكمته في مالي فاحت َكم ،أي
جاز فيه حكمه ،واستَح َك َم فالن في مال فالن...إذا جاز فيه ح ْك ُمه.10
11
عرفه المالكية بأنه :إن الخصمين إذا حك َّما بينهما وجالً وارتضياه ألن يحكم بينهما جاز
عرف المشرع المغربي التحكيم في الفصل 306من قانون 08/05من بأنه "حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى
من األطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم"،
يرى جمهور علماء الشريعة بجواز التحكيم واستدلوا على ذلك من الكتاب والسنة واإلجماع والمعقول ،وسنفصل
القول في ذلك على الشكل التالي:
.وقال هللا سبحانه ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها إن يريدآ إصلحا يوفق هللا بينهما إن
هللا عليما خبيرا).12
عن أبو هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " اشترى رجل من رجل عقارا له ،فوجد
الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة من ذهب ،فقال له الذي اشترى العقار :خذ ذهبك مني ،إنما اشتريت منك األرض،
ولم أبتع منك الذهب ،فقال الذي شرى األرض :إنما بعتك األرض ،وما فيها ،قال :فتحاكما إلى رجل ،فقال الذي تحاكما إليه،
13
ألكما ولد؟ فقال أحدهما :لي غالم ،وقال اآلخر لي جارية ،قال :أنحكوا الغالم الجاري ،وانفقوا على أنفسكما منه وتصدقا"
- 10الرازي محمد بن أبي بكر عبد القادر ،مختار الصحاح ،دار الجيل بيروت لبنان1987،م ،ص .148
- 11إبراهيم بن محمد ابن فرحون ،طبعة دار الكتب العلمية،ج ،1ص .55
- 12سورة النساء ،اآلية .35
- 13روه البخاري رقم الحديث ،3472ومسلم رقم الحديث ، 1721واللفظ لمسلم.
12
ثالثا :من اإلجماع وعمل الصحابة.
فقد كان الصحابة رضي هللا عنهم مجمعين على جواز التحكيم 14ألن ذلك وقع لجمع من الصحابة ،ولم ينكر مع
اشتهاره فكان إجماعا.15
ومن ثم فاإلجماع منعقد على جواز التحكيم ،ولم يخالف هذا اإلجماع مخالف إلى يومنا هذا.16
أما الدليل العقلي على جواز التحكيم هو أن للحكمين والية على أنفسهما ،فصح تحكميها ،صحة تحكيم المحكمين
مبنية Kعلى تمتعهما بالوالية على النفس.
يقصد حكم التحكيم هنا الحكم التكليفي الذي يعرفه األصوليون بأنه ما اقتضى طلب فعل من المكلف أو كفه عن الفعل
أو تخيره بين الفعل والكف ،وهو الذي سماه القرافي خطاب التكليف بقوله " خطاب التكليف في اصطالح العلماء هو األحكام
الخمسة :الوجوب والتحريم والندب والكراهة واإلباحة".
الحالة األولى :إذا ورد النص الدال على الوجوب كما في قوله عز وجل " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"،
فاألمر هنا على الوجوب لعدم اقترانه بالقرينة الصارفة عن الوجوب،
وقد بين الفقهاء ذلك في نصوصهم ،فقد جاء في فتح الجليل ( آية بعث الحكمين محكمة غير منسوخة فالعمل بها
17
واجب).
الحالة الثانية :إذا أمر السلطان به ،وذلك ألن تصرف اإلمام منوط بالمصلحة ،وقد يكون التحكيم محظورا ،وذلك إذا
رأى اإلمام المصلحة في منعه.
ما عدا هذه الحاالت يبقى الحكم العام في التحكيم ،وقد اختلف الفقهاء فيه على ثالثة أقوال:
- 14أحمد بن حمزة الرملي،نهاية المحتاج ج 8ص - ،230أبي بكر محمد السرخسي ،المبسوط ،دار المعرف بيروت ج 21ص .62
- 15أحمد بن حجر الهيثمي ،تحفة المحتاج بشرح المنهاج ج 10ص ،110
- 16قدري محمد محمود ،ص .61
- 17محمد عليش ،منهج الجليل ،مكتبة النجاح ليبيا ،ج 2ص .178
13
القول األول :جواز التحكيم مطلقا.
18
وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية وبع اإلمامية.
من الكتاب:
وجه الداللة :أن هذه اآلية دلت على وجوب التحكيم بين الزوجين ،ولما كان التحكيم بين الزوجين مشروعا دل على
مشروعيته في سائر الخصومات والدعاوى.
من السنة:
ما روى عن عائشة رضي هللا عنها أنها قالت ":كان بيني وبين النبي صلى هللا عليه وسلم كالم فقال :أجعل بيني
وبينك عمر ،فقلت ال ،قال أجعل بيني وبينك أباك ،قلت نعم"
وجه الداللة :لو لم يكن التحكيم مشروعا ما لجأ إليه المصطفى صلى هللا عليه وسلم.
اإلجماع:
أجمع الصحابة على مشروعية التحكيم وقد وقع التحكيم في عصرها في وقائع عديدة K،ولم ينكر أحد عليه ،فدل ذلك
على إجماعهم على مشروعيته.19
وقد استدلوا على ذلك :أن التحكيم في هذه الحالة للضرورة لفض المنازعات ،إما إذا وجد القاضي امتنع التحكيم ،ألن
21
محكم المحكم أدنى رتبة من حكم القاضي ،وذلك لعموم والية القاضي.
- 18المبسوط ج 16ص - ،73معين الحكام ص -،24بدائع الصنائع ج 9ص - ،408مواهب الجليل للحطاب المالكي مع التاج واإلكليل ج 6
ص - ،112تبصرة الحكام ج 1ص - ،55الشرح الكبير مع الدسوقي ج 4ص -،135نهاية المحتاج ج 8ص .230
- 19عبد الرحمان الدوري ،عقدة التحكيم في الفقه والقانون الوضعي ،مطبعة الخلود ببغداد سنة ،1980ص .110
- 20أحمد الرملي ج 8ص -،231أبي محمد بن حزم المحلى ،دار االتحاد العربي بالقاهرة ج 9ص .435
- 21قدري محمد محمود ،ص .66
14
22
وإلى هذا ذهب بعض الشافعية وبعض اإلمامية وبه قال الخوارج.
وقد استدلوا على ذلك :بأن الحكم الحكم فيه افتيات على اإلمام ونوابه ،فيؤدي إلى اختالل أمر الحكام وقصور نظرهم.
الرأي الراجح:
مما سبق يتضح رجحان القول األول :القائل بجواز التحكيم مطلقا لقوة أدلتهم ولضعف أدلة المخالفين وذلك ألن القول
الثاني لم يرد في النصوص ما يمنع الحكم من الحكم وألنه يشترط في الحكم ما يشترط في القاضي.
وكذلك القول الثالث ضعيف ألن حكم الحكم ليس فيه افتيات على اإلمام بل إن اإلمام قد يعين من يقوم بالحكم بين
23
الناس.
الحكمة أو الغاية من تشريع التحكيم ال يخرج عن تحقيق مصالح الناس في الدنيا واآلخرة ،األن الشريعة اإلسالمية،
والهدف الذي يرمي الشارع إلى تحقيقه هو إما جلب المصلحة أو دفع مفسدة.
إن التحكيم ذوا طبيعة مزدوجة ،فهو اتفاق في مصدره حيث إن الحكم يستمد Kسلطانه من إرادة األطراف وهو قضائي
في وظيفته ،نظرا ألن الحكم يؤدي وظيفة القاضي ذاتها وهو لهذه االزدواجية له صور متعددة Kفهو ينقسم بحسب اإلرادة في
إنشائه إلى تحكيم نظامي أو مؤسسي ،وينقسم بحسب سلطة المح َّكم المقيدة أو المطلقة إلى تحكيم بالقضاء وتحكيم بالصلح،
وينقسم أيضا بحسب مكان صدوره إلى تحكيم وطني وتحكيم أجنبي.24
)1التحكيم االختياري :وهو تحكيم يخضع لمبدأ سلطان اإلرادة بحيث يكون هناك توافق إرادة دوي الشأن على عرض
النزاع القائم بينهم أو المحتمل على فرد أو عدة أفراد عاديين يختارونهم للفصل وفقا للنظام أو وفقا لقواعد العرف دون
عرضه على قضاء الدولة،
)2التحكيم اإلجباري :إذا كانت اإلرادة الحرة هي مناط التحكيم فإن القانون جعله بالنسبة لبعض المواضيع إجباريا ال
يترك لألطراف االختيار ،حيث تكون فيه إرادة أطراف النزاع مقيدة بحيث أن اللجوء إلى التحكيم أمر مفروض،
15
التحكيم بالصلح هو أن المح َّك م يفوض من قبل الخصوم بإجراء الصلح في النزاع القائم
بينهم ،وتنحصر مهمته في تقريب وجهات النظر بين الخصوم بناء على ما يقدم له من وثائق
ومستندات...
إن الحديث عن شروط التحكيم تستوجب من الوقوف على الشروط الواجب توفرها في أطراف التحكيم وهي كاألتي:
)1الشروط المتعلقة بالمحت ِكم :أوال إن المحتكم هو كل من الطرفين المتخاصمين ،ومن الشروط التي يجب أن تتوفر
فيه ( المحت ِك م) هي األهلية أي أهلية المحتكم ،وهذا شرط في صحة جميع التصرفات فال يصح تحكيم الصبي غير المميز،
والمجنون لالنعدام أهلية التصرف عند كل منهما بانعدام العقل ،وال يشترط غي المحتكم اإلسالم أي أن يكون مسلما ،فمن
الجائز أن يكون ذميا أو معاهدا أو مستأمنا للمسلم أو غير المسلم ،أما إذا كان المحتكم مرتدا فتحكيمه عند أبي حنيفة موقوف
على إسالمه فإن مات أو قتل على الردة أو لحق بدار الحرب بطل تحكيمه وإن أسلم صح تحكيمه.25
)2الشروط المتعلق بالمح َّكم ( المحتكم إليه) :يجب على المحكم أن يكون عادال ألن الحكم بين الناس بالعدل من أفضل
أعمال البر وأعلى درجات األجر،
للحديث عن التحكيم في القانون المغربي وجب منا أوال أن نعرف مفهومه وذلك من خالل المطلب األول وبعدها أن
نتناول التحكيم وفق القانون التجاري ومدونة األسرة في المطلب الثاني.
وفي االصطالح القانوني هو اختيار األطراف لقاضيهم عن طريق إعمال شرط التحكيم .أو مشارطة التحكيم .دون
اللجوء إلى المحاكم القضائية.
الفصل 306من قانون :08-05يراد بالتحكيم حل نزاع من لدى هيئة تحكيمية تتلقى من األطراف مهمة الفصل في
النزاع بناء على اتفاق التحكيم.
16
وعرف اتفاق التحكيم في الفصل 307من قانون 08.05بأنه :اتفاق التحكيم هو التزام األطراف باللجوء إلى التحكيم،
قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن عالقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية يكتسي اتفاق التحكيم عقد التحكيم أو شرط
التحكيم،
نص المشرع المغربي على عملية الصلح والتوفيق بين الزوجين سواء في مدونة األحوال الشخصية أو مدونة
األسرة ،ولتحقيق هذه الغاية رصد أمام القضاء مؤسستين مساعدتين له ،ويتعلق األمر بمؤسسة الحكمين ومجلس العائلة.
لقد أعطت مدونة األسرة للمحكمة صالحية تعيين حكمين وحصرت مهمة الحكمين من خالل المادة 95التي جاء فيها
" يقوم الحكمين أو من في حكمهما باستقصاء أسباب الخالف بين الزوجين ببدل جهدهما إلنهاء النزاع ،إذا توصل الحكمان
إلى اإلصالح بين الزوجين حددا مضمونه في تقرير من ثالث نسخ يوقعها الحكمان"...
لقد ورد التنصيص على إمكانية االستعانة بمجلس العائلة من خالل المادة 82من مدونة األسرة ،على اعتبار األهمية
والدور الذي يلعبه في المحافظة على استقرار الحياة الزوجية ،ويتكون هذا المجلس من القاضي بصفته رئيسا ثم من األب
واألم أو الوصي أو المقدم إضافة إلى أربعة أعضاء يعينهم من بين األقارب بالتساوي من جهة األب واألم أو جهة الزوج،
وإذا تعذر توفرهم من جهتين أمكن تكوينهم من جهة واحدة.
وينعقد مجلس العائلة حسب مقتضيات المادة الرابعة من المرسوم التطبيقي 2004بطلب من األم أو القاصر أو
المحجور أو بمبادرة من القاضي بصفته رئيسا للمجلس بناء على طلب أحد أعضائه اآلخرين كلما تطلب األمر ذلك.
ومهام مجلس العائلة ال تنحصر فقط في التحكيم إلصالح ذات البين ،وإنما يكون للمجلس الحق في أن يبدئ رأيه في
كل ما له صلة وعالقة باألسرة.
وقد أكدت مدونة األسرة على نهج أسلوب اإلصالح وإرساء أجواء التفاهم والحوار حول ما يعيق األسرة ويكدر
صفوها واعتماد إحدى مؤسسات الصلح وهي :القاضي ،الحكمين ،مجلس العائلة ،وذلك في المواد 84و 94و 95و 96و
113و 251والمادة 268التي نصت على أنه يحدد القاضي المكلف بشؤون القاصرين بعد استشارة مجلس العائلة عند
االقتضاء ،المصاريف والتعويضات المترتبة عن تسيير أموال المحجور،
17
وقد وسعت المادة 7من مرسوم 2004مجال اختصاص مجلس العائلة حينما أسندت له مهمة إبداء الرأي في كل ما
له عالقة بشؤون األسرة.
الحضارة اليونانية فكان لها السبق في استعمال اصطالح الوساطة والذي يعود أصله إلى التعابير اليونانية القديمة
والتي تعني الوسط أو التوسط بين الشيئين اعتماداً على الفلسفة التي كانت تسود المجتمع اليوناني والتي تقوم على الحكمة في
العالقات اﻹنسانية وما هو أصلح للفرد.26
كما عرفت الحضارة الرومانية نظام الوساطة في عهد جوستنيان وكان للوسيط عدة تسميات منها المتدخل أو الشفيع
أو المصلح.27
ومن أهم نماذج الوساطة عند العرب آنذاك احتكامهم لوساطة محمد بن عبد هللا ﷺ في النزاع
ﻹعادة الحجر األسود إلى مكانه
اعتمد اإلسالم الوساطة كوسيلة لحل النزاعات التي تطرأ بين المسلمين في جميع القضايا خصوصا األسرية منها ،و
ق بَ ْينِ ِه َما فَا ْب َعثُوا َح َك ًما ِّم ْن أَ ْهلِ ِه َو َح َك ًما ِّم ْن أَ ْهلِهَا
في هذا السياق يقول هللا عز وجل في سورة النساء اآلية َ " :35وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم ِشقَا َ
ق هَّللا ُ بَ ْينَهُ َما ۗ ِإ َّن هَّللا َ َكانَ َعلِي ًما َخبِيرًا".
إِن ي ُِريدَا إِصْ اَل حًا ي َُوفِّ ِ
26محمد برادة غزيول ،تقنيات Kالوساطة لتسوية النزاعات دون اللجوء إلى القضKKاء ،الKدار العالميKKة للكتKKاب ،ط 1:الKKدار البيضKKاء ،المغKKرب،2015 ،
ص118 :
27روﻻ تقي سليم اﻷحمد ،مرجع سابق ،ص20 :
18
وقد كان رسول هللا ﷺ يقوم بنفسه بدور الوساطة ليصلح بين المتخاصمين ،فعن سهل بن سعد
الساعدي رضي هللا عنه أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بذلك فقال " :اذهبوا
بنا نصلح بينهم."28
عدد اآليات الكريمة التي وردت فيها كلمة الصلح ومرادفاتها هي 38آية ،ومنها قوله تعالى" وإن امرأة خافت من
بعلها نشوزا أو إعراضا فال جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير"29
كما قال عز وجل " وال تجعلوا هللا عرضة أليمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس وهللا سميع عليم"
السيرة النبوية حافلة بأفعال النبي صلى هللا عليه وسلم وتقريراته المؤكدة على الصلح وفضله ،فعن عمرو بن عوف
رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال" الصلح جائز بين المسلمين ،إال صلحا حرم حالال أو أحل حراما،
والمسلمون على شروطهم إال شرطا حرم حالال أو أحل حراما ً
لقد انعقد إجماع األمة بعد وفاة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على جواز الصلح ،فسار الخلفاء الراشدون وبقية
الصحابة والتابعين وجمهور األئمة على نهجه في الدعوة إلى الصلح ،والسعي إلى إصالح ذات البين قبل اللجوء إلى القضاء.
وفي هذا الصدد قال ابن رشد" :واتفق المسلمون على جوازه على اإلقرار ،واختلفوا في جوازه على اإلنكار.
19
الوساطة لغة :تعني الوسط و التوسط ،بمعنى االعتدال في الفعل الفكر ،و الوسيط في القوم حسيبهم
و في االصطالح :عملية مهيكلة يسعى من خاللها طرفا النزاع بأنفسهم و بمحض إرادتهم للوصول إلى اتفاق ودي
لتسوية خالفاتهم بمساعدة شخص ثالث يدعى الوسيط
أما من الناحية القانونية فيراد بها وسيلة لفض المنازعات ،يقوم بواسطتها طرف ثالث محايد يسمى الوسيط األسري،
بمهمة توفير المناخ المالئم لمقابالت تواصلية سرية بمساعدة طرفا النزاع قصد التوصل لحل طوعي مرضي من كال
الجانبين ،يتم التفاوض عليه لضمان استمرار ية العالقة األسرية.30
ظهرت الوساطة األسرية أول ما ظهرت في الواليات المتحدة األمريكية في بداية السبعينيات من القرن الماضي ،وقد
كان الهدف منها في بداية األمر حل النزاعات العمالية فقط ،إال أنه نظرا لما تتسم به هذه الوسيلة من خصائص و مميزات،
فقد انتشرت لتشمل نزاعات أخرى في عدة ميادين من بينها المجال األسري ،وذلك بوصفها مقاربة جديدة مكملة للقانون في
القضايا المرتبطة بانفصال األزواج و المشاكل المترتبة عن الحضانة.
انطالقا من مفهوم الوساطة األسرية السالف الذكر ،يظهر أنها تجمعها بعض النقاط مع بعض الوسائل البديلة
األخرى ،و نخص بالذكر :الصلح و التحكيم
نص المقنن المغربي في عدة نصوص على عدة قوانين متعلقة بالصلح في مختلف الميادين :االجتماعية ،الجنائية ،و
األسرية وهي ما يهمنا في هذا الباب ،حيث أورد المقنن المغربي في المادة 81و 82من مدونة األسرة على إلزامية سلوك
مسطرة الصلح في القضايا الرامية إلى طلب اإلشهاد على الطالق أو الحكم بالتطليق،
30
جليل الباز "،الوساطة األسرية" ،مقال منشور بموقع . www.marocdroit.com
20
تلتقي الوساطة األسرية مع الصلح في عدة نقاط ،من أـهمها أن مجال الصلح و الوساطة األسرية واحد ،فكل ما يجوز
الصلح بشأنه تجوز الوساطة فيه ،وكل ماال يجوز الصلح فيه ال تجوز فيه الوساطة.31
كما أن كال منهما يعد من الوسائل البديلة لحل النزاعات ،إضافة إلى أن الشخص الموكول له إصالح ذات البين سواء
في الوساطة األسرية أو في الصلح ال يملك سلطة اتخاذ القرار.
يختلف الصلح عن الوساطة األسرية في عدة أمور من أهمها أن الوساطة األسرية في حد ذاتها وسيلة لحل النزاعات
األسرية ،في حين أن الصلح بطبيعته غاية في ذاته.32
كما أن الصلح إجراء يكتسي الطابع اإللزامي في بعض القضايا األسرية المنصوص على إلزامية سلوك مسطرة
محاولة الصلح فيها ،و القاضي هو من يتولى عملية الصلح كما يتولى هو نفسه البت في الجوهر ،أما الوساطة األسرية ،فهي
في الغالب اختيارية إذا تعلق األمر بالوساطة االتفاقية ،وال تكون إلزامية إال إذا تعلق األمر بالوساطة القضائية ،حيث يمكن
أن تباشر من طرف قاض أو من طرف وسيط يحال عليه أطراف النزاع في إطار الوساطة القضائية.
بالرجوع لمدونة األسرة ،نجد أن المقنن المغربي نص على مؤسسة الحكمين كوسيلة لمحاولة إصالح ذات البين،
وذلك في المادة 94و ،95فجعلها من ضمن المؤسسات المرصدة للصلح،
تلتقي الوساطة األسرية بمؤسسة الحكمين في أن كالهما يبذل الجهد من أجل التوفيق بين الزوجين بأي وسيلة يريانها،
كما أن بعث الحكمين يعد تكليف لهما من القاضي للقيام بمحاولة الصلح دون صدور قرار قضائي في ذلك ،نفس الشيء نجده
في الوساطة االتفاقية.
إضافة إلى أن كال من الحكمين و الوسيط يعد تدخال للغير في النزاع ،كما أنه عند تتويج مهام الحكمين بالنجاح في
تحقيق الصلح بين الطرفين ،فعليهما تضمين هذا الصلح في تقرير في ثالث نسخ فيتم اإلشهاد عليه من طرف المحكمة ،ونفس
األمر نجده في الوساطة القضائية التي تكون تحت إشراف القضاء و رقابته.
31علي حسني و عبد الحميد كمرو "،الوساطة في حل النزاعKKات " ،دراسKة على ضKKوء القKKانون ،05-08بحث نهايKKة تKKدريب الملحقين القضKKائيين،
الفوج ،34سنة ،2009-2007ص . 9
32بن سالم أوديجا "،الوساطة األسرية كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات" ،مطبعة دار القلم ،الرباط ،الطبعة األولى ،2008ص . 83
21
تبرز أوجه االختالف في كون أن الوساطة األسرية تعد من الوسائل البديلة لحل النزاعات األسرية ،بينما مؤسسة
الحكمين في حد ذاتها هي مؤسسة مرصدة للصلح ،لها قواعدها و أصولها المستمدة من الشريعة اإلسالمية ،و أن الحكمان في
التحكيم األسري يتم تعيينهما من قبل القاضي و يكونا من أهل الزوجين ،على عكس الوساطة األسرية التي يعين فيها الوسيط
باتفاق بين األطراف في الوساطة االختيارية ،و بأمر من المحكمة في الوساطة القضائية ،كما أن الوسيط يكون في الغالب إما
قاضيا ممارسا أو شخص أو مؤسسة تمتهن الوساطة ،أضف إلى ذلك الشروط التي يجب أن تتوفر في الحكمين و المحال
عليها في المادة 400من مدونة األسرة على الفقه المالكي ،تختلف عن تلك التي تشترط في الوسيط.
إضافة إلى ما سبق فإن الحكمان ال يحصالن على أتعاب نظير جهودهما ،عكس الوسيط األسري الذي يحصل على
مقابل مادي لذلك،و أن الحكمان ملزمان برفع تقريرهما حول ما توصال إليه من نتيجة محاولة الصلح إلى القضاء و تحديدK
المسؤولية عن فشل المحاولة عند فشلها ،أما الوسيط في الوساطة االتفاقية فليس ملزما بذلك.
الفقرة الثانية :أنواع الوساطة األسرية و خصائصها و شروط إعمالها و نطاق تطبيقها
تنقسم الوساطة األسرية إلى قسمين أساسيين ،وساطة ودية أو اختيارية أو طوعية ،وهي وساطة تمارس خارج النظام
القضائي ،وهناك نوع آخر من الوساطة األسرية تمارس داخل النظام القضائي و تحت إشرافه ،وهي الوساطة القضائية
الوساطة االتفاقية أو االختيارية هي تلك الوساطة التي تباشر بإرادة األطراف و تكون خارج مساطر القضاء و
ضوابطه ،أي أنها مجال رحب لسلطان إرادة األطراف بعيدا عن اإلجراءات المسطرية التي يفرضها القضاء ،ويسميها
البعض بالوسائل التعاقدية.33
وتعد الوساطة االتفاقية أقدم من العدالة النظامية ظهورا ،وتتم وفقا إلرادة أطراف النزاع ،فهم من يحدد السلطة التي
يخولونها للوسيط ،وبذلك يمكن القول بأن هذا النوع من الوساطة إرادي محض.34
وقد أخذ المقنن المغربي بنظام الوساطة االتفاق بموجب القانون رقم 05-08المتعلق بالتحكيم و الوساطة االتفاقية،
حيث ساير التشريعات المتطورة في مجال العمل بالوساطة كوسيلة بديلة لتسوية النزاعات التعاقدية
33محمد برادة غزيول "،دور المحامي في إنجاح الوساطة القضائية" ،مجلة المعيار العدد ،36دجنبر ،2006ص . 27
34خوله مالل "،الوساطة القضائية في الجزائر-دراسة استطالعية حول تهيئة الوسKKيط القضKKائي ،"-رسKKالة ماجسKKتير في علم االجتمKKاع Kو التنظيم و
الدينامية االجتماعية ،جامعة بوزريعة ،كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية ،الجزائر ،بتة ،0212-0211ص . 65
22
الوساطة القضائية هي تلك الوساطة التي تباشر بإشراف القضاء و توجيهه ،وتتطلب بالضرورة وجود نزاع
معروض أمام المحكمة ابتداء ،وفي هذا اإلطار يجب التمييز بين حالتين من الوساطة القضائية،
الحالة األولى :تباشر فيها من طرف قاض من القضاة المكلفين بقضايا الوساطة ،وهو القاضي الوسيط،
الحالة الثانية :يقوم بها وسيط محترف تعينه المحكمة المعروض عليها النزاع من ضمن قائمة الوسطاء المعتمدينK
لديها ،ويكون في الغالب من ذوي الخبرة في الميدان القانوني ،كقاض متقاعد أو محام أو خبير
ونظرا لما تتميز به الوساطة من خصائص تجعلها تسموا على باقي الطرق البديلة بفض المنازعات خصوصا
األسرية ،مما يفرض علينا التطرق لهذه الخصائص ،وتتمثل في:
أ – السرية
تمتاز المسطرة في الوساطة بضمان السرية التامة لكل ما يجري خاللها ،و الحفاظ على أسرار الحياة الحميمية
لألطراف خاصة في النزاعات األسرية ،و التي يؤدي إفشاؤها أمام المحاكم إلى تعميق الخالف و تأجيج النزاع ،وبذلك ينبغي
للوسيط ضمان سرية ما يروج في جلسة الوساطة تحت طائلة العقوبة ،حيث نص المقنن المغربي على هذه الخاصية من
خالل الفصل 66-327من ق.م.م،
ب – السرعة
أمام صعوبة و بطء المساطر القضائية و تعقيدها مما يجعل معه النزاع يدوم فترة أطول فيصبح معه األطراف رهائن
إلجراءات بطيئة قد تكون غير ضرورية و غير مبررة خصوصا إذا تعلق األمر بالنزاعات األسرية ،مما تصبح معه هذه
النزاعات مستعصية و خارجة عن السيطرة من شأنها اإلضرار باستقرار األسرة و مستقبل األبناء إن وجدوا.
ت – االختيار
تعتبر الوساطة بطبيعتها اختيارية ،ونقصد الوساطة االتفاقية ،أي أن األطراف هم من لديهم الحق في االتفاق عليها
إراديا ،مادامت تهدف إلى الوصول لحل حبي يرتضيه كال الطرفان ،وال يلزم بذلك أحد باستثناء الوساطة القضائية
ث – المرونة
تتجلى هذه الخاصية في غياب القيود المسطرية التي من شأنها الحد من فعالية الوسيط و التأثير على مردوديتهK
ج – محدودية التكاليف
23
تعد المصاريف القضائية إحدى سلبيات القضاء الرسمي ،وذلك لكثرة الرسوم القضائية من مصاريف تقييد Kالدعوى و
أتعاب المحامين و أجور باقي مساعدي القضاء من مفوضين قضائيين و خبراء و مترجمين و غيرهم ،و التي مافتئت تعرف
ارتفاعا مستمرا ،مما يجعلها عبئا ثقيال على المتقاضين.35
تعتبر صفة الحياد من أهم الصفات التي يتميز بها الوسيط ،و التي ينبغي له أن يتحلى بها قبل مباشرة أي نزاع ،قصد
إيجاد حلول ودية بشأنه ،وهذا طبيعي لكونه ال يملك السلطة إلجبار أي طرف على حل معينK،
د – مشاركة األطراف
يقصد بهذه الخاصية أن أطراف النزاع يحق لهم المشاركة و مساعدة الوسيط في إيجاد حلول للنزاع ،وهذا ما يجعل
من هذه الخاصية تسموا بالوساطة األسرية عن باقي الوسائل البديلة األخرى ،فتجعلها مقبولة من أغلب األطراف المتنازعة.
فااللتجاء إلى الوساطة األسرية سواء كانت اتفاقية أو قضائية لحل النزاعات بعيدا عن القضاء سيؤدي ال محالة
لتخفيف العبء على القضاء خصوصا مع عدم إمكانية استئنافه أمام هيئة قضائية عليا.
و بالرغم من أن المقنن المغربي كان سباقا إلى تنظيم الوساطة على بعض التشريعات العربية من خالل القانون رقم
، 05-08نه لم يحدد الصفات التي يجب توفرها في الوسيط على غرار باقي المهن القضائية ،كاشتراط المروءة و األخالق
الحسنة و المعرفة القانونية عالوة على االستقالل و التجرد و الحياد تجاه أطراف النزاع
و بناء على المبدأ الذي تقوم عليه الوساطة االتفاقية في القانون 05-08من أنها تجوز في كل ما يحوز فيه الصلح ،وال
تجوز فيما ال يجوز فيه الصلح ،فينبغي اإلشارة إلى أن القضايا التي يجيز فيها المقنن الصلح متعددة و مختلفة باختالف
االهتمامات االجتماعية و االقتصادية ،ومن بينها قضايا األسرة ،حيث نصت مدونة األسرة على وجوب الصلح قبل البت في
35عثمان أخديم "،الوسائل البديلة لحل المنازعات األسرية –الوساطة نموذجا ،"-رسالة لنيل دبلKKوم الدراسKKات العليKKا المعمقKKة في القKKانون الخKKاص،
جامعة عبد الملك السعدي ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،طنجة سنة ،2010-2009ص . 46
24
الجوهر من قبل القضاء في القضايا الرامية إلى اإلشهاد على الطالق و التطليق بشتى أنواعه ،باستثناء للغيبة لعلة عدم
حضور الطرفان من أجل القيام بمحاولة الصلح ،وذلك واضح من خالل المواد 96 – 95 – 94 – 82 – 81و 113من
مدونة األسرة إضافة إلى المادة 180من قانون المسطرة المدنية.
فالوسيط هو شخص يقوم بمساعدة و إرشاد األطراف نحو حل للنزاع ،وذلك إلبراز المسائل الهامة و توضيح
المصالح المشتركة ،فمن أجل ذلك يجب أن يتمتع Kالوسيط بمؤهالت عالية و كفاءات خاصة في ميدان المفاوضات و علم
االجتماع و علم النفس و أن تكون له قدرة عالية في اإلقناع
لذلك غالبا ما يكون الوسطاء من ذوي الخبرة في الميدان االجتماعي ،كالمساعدين االجتماعيين أو المحامين أو
األطباء النفسانيين أو محترفين آخرين ،والبد لهؤالء من اإللمام ولو شيئا ما بالمجال القانوني ،إضافة على توفرهم على درجة
من الذكاء و تقنيات حسن االستماع و القدرة على طرح أكثر من حل للنزاع
أن دور القاضي يزداد أهمية قصوى في الوساطة األسرية عند الحديث عن الوساطة القضائية ،و التي تتم تحت
إشرافه المباشر ،فإن بدا له أن النزاع المعروض عليه يمكن حله عن طريق الوساطة القضائية في زمن يسير و بصورة
تحافظ على السلم االجتماعي بين األطراف ،طلب منهم التوجه إلى أحد الوسطاء المعتمدين Kلدى المحاكم
ال شك أن المحامي يمكنه أن يلعب دورا مهما في الوساطة األسرية باعتباره شريكا في تصريف العدالة و جزء ال
يتجزأ من أسرة القضاء ،فباستطاعته إقناع موكله ابتداء باللجوء إلى الوساطة كطريق ودي لتصفية الخالفات من خالل
إطالعه على جدوى و أهمية هذه األخيرة ،وما توفره من ضمانات وتجنبه الدخول في مساطر قضائية قد تطول مدتها و تثقل
كاهله تكاليفها.
يلعب أطراف النزاع خاصة في النزاعات األسرية دورا هاما و جوهريا في عملية الوساطة األسرية باعتبارهم قطبا
النزاع ،وهم بذلك أهم الفاعلين فيها باعتبارهم المعنيين Kبها في تسوية النزاعات القائمة بينهم ،وبذلك فإنجاح عملية الوساطة
25
األسرية رهين بانخراط طرفا النزاع فيها و التزامهم بحضور جلساتها و البوح بخالفاتهما األسرية بكل صدق ،إضافة إلى
االستعداد لتقديم بعض التنازالت للوصول لحل ودي يرتضيه كالهما،
هذه المرحلة هي أول و أهم مرحلة في مباشرة الوساطة ،يقوم فيها الوسيط بالترحيب بأطراف النزاع و توضيح
مهمته لهم ،وإشعارهما بضرورة التعامل مع النزاع بجدية و موضوعية و صراحة في بسط وجهات نظرهما ،وتنبيههما على
ضرورة تقديم تنازالت متبادلة للوصول لحل ودي من شأنه أبقاء العالقة قائمة بينهما خصوصا في الميدان األسري ،كما
عليه أن يلفت نظر الطرفان إلى العواقب الوخيمة الستمرار النزاع و انتهائه بقطع العالقة الزوجية بينهما K،وكذا إكراهات
اللجوء إلى القضاء من صعوبات مسطريه و تكاليف مالية.
وفق هذه المرحلة يتم جمع المعلومات ،حيث يقوم الوسيط بإعطاء الكلمة لكل طرف من أطراف النزاع لعرض وقائع
النزاع ،وكذا مختلف المعلومات التي يستند إليها كل طرف
هذه المرحلة التي يقوم فيها الوسيط بفرز نقاط الخالف و تحديد المشاكل التي تحتاج لحل ،وبعد استفسار أطراف
النزاع حول ما إذا كانت هناك نقط أخرى إلضافتها ،يقوم بوضع النقاط الرئيسية التي ينبغي الوصول لحل بشأنها ،فيضع
عنوانا للنزاع بعد تصحيح ذلك مع األطراف ،إذ من شأن ذلك فهم موقف كل طرف و تحديد طلباته.
يقوم الوسيط خالل هذه المرحلة بفتح المجال للطرفين القتراح اكبر عدد ممكن من الحلول البديلة المبنية على تقديم
بعض التنازالت التي من شأنها أن تذيب الخالف
فبموجبها يتم فتح المجال للطرفين للحوار و النقاش و التفاوض بمساعدة الوسيط بغية البحث عن أفضل الحلول الممكنة
للنزاع ،وعلى الوسيط أن يقوم بإدارة المفاوضات عن طريق مساعدة كل طرف في تفهم وجهة نظر الطرف اآلخر ،مع
تركيزه على االهتمامات المشتركة بينهما ،إضافة إلى مساعدة األطراف في طرح بدائل عن الحلول غير المتفق حولها
بينهما،كما يتوجب على الوسيط تذكير الطرفان بأهمية تقديم بعض التنازالت من أجل الوصول إلى حل توافقي
26
–6مرحلة االتفاق و إنهاء النزاع وتتسم هذه المرحلة بالتوصل إلى حل ودي متفق حوله من شأنه إنهاء النزاع ،وذلك
يأتي بعد تقديم تنازالت متقابلة
كما يقوم الوسيط في إطار الوساطة القضائية في حالة كللت بالنجاح ،بتضمين الحلول المتفق حولها في ثالث نسخ،
يوقعها إلى جانب طرفي النزاع ،فيضع نسخة في ملف القضية ويسلم كل طرف نسخة منه.
و في حالة الفشل ،فإن خيار اللجوء إلى القضاء يضل مفتوحا في وجه طرفا النزاع في الوساطة االتفاقية ،و أما في
الوساطة القضائية فيقوم الوسيط بإحالة ملف القضية على المحكمة المختصة بالنظر فيه طبقا لمسطرة التقاضي الجاري بها
العمل.
لقد عمد المغرب إلى مسايرة ما يجري في العالم لتحديث وتطوير أنظمته القانونية والقضائية ،من خالل األخذ
بالوساطة كوسيلة بديلة لتسوية المنازعات ،سواء المدنية أو الجنائية أو التجارية أو االجتماعية ،مع مراعاة خصوصية
المجتمع المغربي.
وهناك مجموعة من المؤشرات الرسمية التي تدل بشكل واضح على األخذ بنظام الوساطة األسرية في مختلف
الميادين بما فيها األسرة ،فقد تضمن الخطاب الملكي السامي الذي أعلن فيه جاللة الملك يوم الخميس 20غشت 2009عن
إطالق برنامج اإلصالح الشامل والعميق للقضاء التوجيه التالي " :يتعين Kتطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم
والصلح". 36
كما تضمنت ديباجة مدونة األسرة عبارة مهمة ومؤشرة دالة على األخذ بالوساطة..." :وبتعزيز آليات التوفيق
والوساطة بتدخل األسرة والقاضي ."...
كذلك من األمور الدالة على األخذ بنظام الوساطة األسرية مبادرة وزارة العدل المغربية بتوقيع اتفاقية مع جمعيات
مدنية Kتم بموجبها تأسيس مركز "لالستماع والوساطة األسرية والمرافقة " يعمل على وضع آليات لتجاوز الخالفات
والنزاعات األسرية ،سواء بين الزوجين أو بين األبناء وأوليائهم ،وإرساء قنوات للحوار والتفاهم عن طريق وسيط تكون في
غاية السرية من أجل تجنب المآسي التي تتعرض لها األسرة.37
وإذا كانت هذه المؤشرات دالة فعال على نية المشرع في األخذ بنظام الوساطة األسرية فإنه أصبح اليوم من الالزم
اتخاذ مجموعة من التدابير لتطبيق هذه الوسيلة على أرض الواقع ،ومن بين هذه التدابير:
36الخطاب الملكي السامي الذي أعلن عن إطالق برنامج اإلصالح الشامل والعميق Kللقضاء في تاريخ يوم الخميس 20غشت 2009
37المركز المغربي للدراسات واألبحاث المعاصرة تقرير الحالة الدينية في المغرب ( )2008 2007ص 214:الطبعة األولى أكتوبر 2009
27
-تقنين نظام الوساطة األسرية في نصوص واضحة ومفصلة خالية من الغموض وغير قابلة لعدة تأويالت ،ومن
األفضل األخذ بنظام الوساطة القضائية وأن تكون اختيارية
-التنصيص على اعتبار أتعاب المحامي من المصاريف القضائية لكي يتحملها خاسر الدعوى من الطرفين ،األمر
الذي سيعد حافزا لألطراف على الصلح.
-تشجيع األطراف كذلك على اللجوء إلى الوساطة بإعادة النظر في مبلغ المصاريف القضائية المؤدى عنها.
28