You are on page 1of 30

‫إلى من أناروا لنا دروب الحياة‪ ،‬إلى آبائنا وأمهاتنا‬

‫إهــداء‬
‫إلى إخواننا وأخواتنا و أصدقائنا الذين كانوا لنا سندا بعد هللا عز‬
‫َ‬ ‫وجل‬

‫إلى أساتذتنا األجالء الكرماء بكلية الشريعة‪ ،‬خاصة أستاذتنا‬


‫الفاضلة حكيمة الحطري‬

‫وأستاذنا الكريم عبد القادر بوعصيبة‬

‫والمطلبة ماستر قضاء األسرة الفوج ‪3 :‬‬ ‫إلى كل حامل مشعل العلم‬

‫‪1‬‬
2
‫مقدمة‬

‫كما أن االعتماد على هذه الوسائل البديلة جاء نتيجة الدور التي قامت به الشريعة اإلسالمية في مجال تدبير‬
‫النزاعات والتي اعتمدت هذه الوسائل البديلة التي تتسم بالسلم والودية‪ ،‬ولكونها تتجاوب مع مقاصد الشريعة اإلسالمية المبنية‪K‬‬
‫على التسامح والتآخي ونبذ الشحناء والبغضاء‪.‬‬

‫وتزداد أهمية هذه الوسائل البديلة في العصر الحالي حيث اعتمدها جل األنظمة المقارنة وذلك لما تحققه من‬
‫األهداف والغايات المرجوة‪ ،‬ولما تتميز به من التبسيط في اإلجراءات والفعالية في الحلول‪.‬‬

‫وخصوصا ً إذا تعلق األمر بالمنازعات األسرية نظرا لطبيعة العالقة الخاصة والحساسة التي تربط بين مكونات‬
‫األسرة‪.‬‬

‫وهناك عدة أنواع من الطرق البديلة الصلح‪ ،‬والتحكيم‪ ،‬والوساطة‪ ،‬ويقصد بهذه الوسائل بأنها؛ "مجموعة من اآلليات‬
‫التي يمكن اعتمادها لحل النزاعات بمشاركة وموافقة أطرافها‪ ،‬وهي ليست بديلة عن القضاء‪ ،‬ألنها تجري تحت إشرافه ومن‬
‫ثم فهي بديلة عن بعض المساطر واإلجراءات القضائية‪.‬‬

‫من خالل ما سبق عرضه في هذا التقديم يمكن طرح اإلشكالية التالية‪ :‬ما مدى فعالية ونجاعة الوسائل البديلة – الصلح‬
‫التحكيم والوساطة ‪ -‬لفض المنازعات بشكل عام واألسرية بشكل خاص؟‬

‫لمعالجة هذه اإلشكالية المركزية سنقسم هذا الموضوع إلى ثالثة فصول؛‬

‫الفصل األول‪ :‬الصلح وأحكامه في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي‬

‫الفصل الثاني‪ :‬التحكيم وأحكامه في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي‬

‫الفصل الثالث‪ :‬الوساطة وأحكامها‬

‫‪1‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الصلح وأحكامه في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬اإلطار التاريخي والمفاهيمي للصلح‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلطار التاريخي للصلح‪.‬‬

‫لبلورة هذا المفهوم في سياقه التاريخي إرتأينا تقسيمه إلى ثالث فقرات تعنى األولى بتقديم لمحة عنه‪-‬الصلح‪ -‬قبل‬
‫اإلسالم في بعض الحضارات‪ ،‬ثم الفقرة الثانية تحدثنا عنه إطار الشريعة اإلسالمية‪ ،‬والفقرة األخيرة نختمها ب التحدث عن‬
‫الصلح في القانون المغربي‬

‫الفقرة األولى الصلح في األمم السابقة‬

‫ففي الحضارة البابلية عرف الصلح كوسيلة لفض الخصومات‪ ،‬وكان يتواله مجلس الشيوخ رغم وجود محاكم مدنية‪K‬‬
‫يتولى وظيفتها القضاء وذلك عن طريق موظفون معينون من قبل الملك‪.‬‬

‫وفيما يخص الحضارة اليونانية‪ :‬فقد كانت السباقة في استعمال الصلح والذي يعود أصله إلى التعابير اليونانية القديمة‪K،‬‬
‫وذلك باعتماد الفلسفة التي كانت تسود الحكمة في العالقات اإلنسانية وما هو أصلح للفرد‬

‫أما الحضارة اإلغريقية فقد اعتمد قدماء اإلغريق الصلح حيث كان يفصل في المنازعات بين دويالت المدن اليونانية‬
‫مجلس دائم للتحكيم كما عرفوا معاهدات التحكيم الدائم‪ ،‬باإلضافة إلى حاالت التحكيم المنفردة ‪,‬ويتمثل الصلح من خالل‬
‫الحرب التي دارت بين قرطاجة وروما في عام ‪264‬ق‪.‬م توجت بعقد الصلح بينهما‪.‬‬

‫وكذلك العرب كان إذا اشتد أوار الحرب في الجاهلية وأنهكت المعارك الطرفين فإن الرغبة تكون كامنة في النفوس‬
‫لهدنة قد تتحول إلى صلح‪ ،‬ولهم في ذلك عادات‪ ،‬منها مسح اللحى‪ ،‬واإلشارة بالرماح وإرسال السهم في السماء فإن رجع نقيا‬
‫كان عالمة على قبول الدية والتصالح في القتلى وإن جاء مضرجا بالدم كان دليال على القصاص‪ ،‬وهم في قرارة أنفسهم ال‬
‫يعتقدون بأنه سيكون مضرجا بالدم‪ ،‬وإنما حيلة يحفظون بها ماء وجوههم وقت التصالح‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الصلح في الشريعة اإلسالمية‬

‫جاءت الشريعة اإلسالمية الغراء كالنور في ظلمة التخاصم والتنافر والتقاتل والعصبية العمياء‪ ،‬فكانت سبيال وسراجا‬
‫لكل من أدلج وثار في نفسه ما ترسب من الجاهلية بعد اإلسالم‪ ،‬حيث كانت – وال تزال – داعية إلى اصالح ذات البين ونبذ‬
‫الفرقة والتخاصم‪ ،‬ويكفينا من النصوص ما يلي‪:‬‬

‫ُوا بَ ۡينَ أَ َخ َو ۡي ُكمۡۚ َوٱتَّقُ ْ‬


‫وا ٱهَّلل َ لَ َعلَّ ُكمۡ تُ ۡر َح ُمونَ‪} ١٠‬‬ ‫وقوله سبحانه { إِنَّ َما ۡٱل ُم ۡؤ ِمنُونَ إِ ۡخ َو ‪ٞ‬ة فَأ َ ۡ‬
‫صلِح ْ‬

‫‪2‬‬
‫فامتثل المصطفى الحبيب‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم ألمر ربه وطبق شرعته وأصلح وألف بين المتخاصمين ‪ ،‬كما نقل‬
‫ذلك في عدد من أصول األخبار من قبيل ما روى البخاري في جامعه ‪ ،‬عن سهيل بن سعد رضي هللا عنه أن أهل قباء اقتتلوا‬
‫حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال" اذهبوا بنا نصلح بينهم "‬

‫وسار الخلفاء الراشدون من بعده صلى هللا عليه وسلم على نهجه وطريقه في االمتثال ألمر القرءان واعتبار الصلح‬
‫والقيام به وسط الجماعة المؤمنة‪ ،‬ولعل أبرز ما اشتهر في ذلك هو واقعة الجمل بين أمنا عائشة رضي هللا عنها وعلي كرم‬
‫هللا وجهه‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الصلح في القانون المغربي‬

‫بما أن مناط الصلح هو اإلنسان فإنه يدور معه حيث دار وجودا وعدما فاألفعال التي يرتكبها اإلنسان والتي أطرها‬
‫القانون يمكن أن يدخلها الصلح سواء كانت مدنية أو جنائية‪...‬‬

‫فهو بمثابة عقد رضائي بين الطرفين كما بين المقنن ذلك‪ ،‬في الفصول من ‪ 1098‬إلى ‪ 1116‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود المغربي‬

‫وفي األسرة خص له المواد ‪ 81‬و ‪ 82‬و ‪ ، 83‬من قانون مدونة األسرة‪ .1‬وكذلك عمد في قانون المسطرة الجنائية إلى‬
‫تبني مبدأ الصلح في المادة ‪ 41‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪  ‬كآلية حديثة وحضارية الستبدال العقوبة السالبة للحرية ولفض النزاع قبل تحريك‬
‫الدعوى العمومية‪،‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اإلطار المفاهيمي للصلح وأهميته‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم الصلح‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الصلح لغة‪:‬‬

‫والصلح بمعنى تصالح القوم فيما بينهم ‪,‬‬

‫والصالح بكسر الصاد مصدر المصالحة والعرب تؤنثها‪ ،‬واسم الصلح‪ ،‬يذكر ويؤنث‬

‫ثانيا‪ :‬الصلح في االصطالح الفقهي‪.‬‬

‫عرف فقهاء المذاهب األربعة الصلح بتعاريف متقاربة ومطابقة لبعضها البعض‪.‬‬

‫أ‪-‬عند المالكية‪ :‬قال ابن عرفة‪" :‬الصلح هو انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه"‬

‫‪ - 1‬ظهير شريف رقم ‪ ،22.04.01‬ص ادر بت اريخ ‪ 12‬ذي الحج ة ‪1424‬هـ‪ ،‬المواف ق ل ‪ 3‬ف براير ‪ ،2004‬بتنفي ذ ق انون رقم ‪ ،70 .03‬بمثاب ة‬
‫مدونة األسرة‪ ،‬المنشور بالجريدة الرسمية عدد‪ ،5184 :‬بتاريخ ‪ 5‬فبراير ‪ ،2004‬ص‪.418 :‬‬

‫‪3‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬أهمية الصلح ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أهمية الصلح بالنسبة للمجتمع‪.‬‬

‫*الصلح يحمي األمة من التفكك والتفرق واالختالف‪.‬‬

‫*الصلح يحافظ على المجتمع بالمحافظة على األسرة‬

‫ثانيا‪ :‬أهمية الصلح بالنسبة للفرد‪.‬‬

‫*الصلح يحافظ على الدين‪:‬‬

‫*الصلح يكسب رضا هللا تعالى وعفوه ومغفرته‬

‫*الصلح يعالج الشح ويروض النفس على السخاء‪:‬‬

‫* اإلصالح تجارة رابحة وصدقة يحب هللا موضعها‪:‬‬

‫*المصلح يرعاه هللا ويصلح أمره‬

‫ثالثا‪ :‬أهمية الصلح بالنسبة ألطراف التقاضي‪.‬‬

‫التقاضي هو الطريق الطبيعي لحل المنازعات‪ ،‬ولكن اللجوء إليه في كل األحوال له عيوبه‪.‬‬
‫*الصلح يرفع العبء عن كاهل المحاكم‪:‬‬

‫*الصلح يرفع عبء اإلثبات عن المدعي‪:‬‬

‫*الصلح يحفظ األيمان ويبرئ الذمة‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حكم الصلح والحكمة من تشريعه‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حكم الصلح‬

‫والصلح من حيث حكمه ينقسم إلى قسمين‬

‫األول‪ :‬صلح جائز؛ وهو صلح عدل يضع األمور في نصابها‪ ،‬ال يجامل فيه المصلح طرفا على حساب طرف‪ ،‬وال‬
‫ينصر القوي على الضعيف لقوته‪ ،‬وهذا صلح يرضاه هللا‪ ،‬وهو المندوب إليه في اآليات‪ ،‬ومطلوب إيجاده بين المؤمنين على‬
‫سبيل الوجوب‬

‫‪4‬‬
‫الثاني‪ :‬صلح حرام؛ وهو الصلح الذي ال يجوز فعله‪ ،‬وإن كان اسمه صلحا‪ ،‬لكنه يتضمن من المعاني ما يقلب اسمه‬
‫إلى أن يكون نوعا من الفساد‪ ،‬وهو الصلح الذي ينصر فيه القوي على الضعيف لقوته‪ ،‬أو الصلح الذي يتضمن شروطا منافية‬
‫للشرع‪ ،‬أو الصلح الذي يحل الحرام أو يحرم الحالل‪ ،‬فهذا الصلح حرام لقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬الصلح جائز بين‬
‫المسلمين إال صلحا حرم حالال أو أحل حراما‪ ،‬والمسلمون على شروطهم إال شرطا حرم حالال أو أحل حراما‬

‫ثانيا‪ :‬حكمة تشريع الصلح‬

‫تتجلى الحكمة من تشريع الصلح في كونه الدواء الناجع إلزالة الخالف ورفع الخصومة‪ ،‬والسبيل األمثل لحفظ‬
‫العالقات واستقرارها‪ ،‬وإدامة استمرارها على األلفة والمحبة والتعاون‪ ،‬ففيه يقطع دابر المنازعة ويضع حدا للخصومة‪،‬‬
‫ويعتبر وسيلة فعالة لنشر المحبة والوئام بين أفراد المجتمع‪ ،‬ويحل به التوافق محل الشقاق‪ ،‬ويقضي على العداوة والبغضاء‬
‫بين المتخاصمين‬

‫الفرع الثالث‪ :‬أحكام الصلح في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أنواع الصلح وشروطه وآثاره‪.‬‬

‫سنعالج هذا المطلب بالحديث عن أنواع الصلح كفقرة أولى وعن شروطه كفقرة ثانية‪ .‬وأثاره في الفقرة الثالثة‪.‬‬

‫الفقرة األولى أنواع الصلح‪:‬‬

‫يمكن تصنيف الصلح حسب ما يلي‪:‬‬

‫أنواع الصلح بحسب المبنى؛‬

‫أنواع الصلح بحسب موضوعه؛‬

‫أنواع الصلح من حيث المتداعين‪ K‬في األموال‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أنواع الصلح حسب مبناه وما يقوم عليه أو ما يفضي إليه‪.‬‬

‫قال ابن القيم‪ :‬ا لصُّ ْل ُح إ َّما َمرْ دُو ٌد َوإِ َّما َجائِ ٌز نَافِ ٌذ‪.‬‬

‫أ_ صلح جائز نافذ‪ :‬وهو ما كان مبناه رضا هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬ورضا الخصمين‪ ،‬وأساسه العلم والعدل‪ ،‬فيكون‬
‫ُوا بَ ۡينَهُ َما بِ ۡٱل َع ۡد ِل‬
‫صلِح ْ‬
‫المصالح عالما بالوقائع‪ ،‬عارفا بالواجب‪ ،‬قاصدا للعدل‪ ،‬كما قال سبحانه وتعالى‪( :‬فَأ َ ۡ‬

‫ب_صلح جائر مردود‪ :‬وهو الذي يحل الحرام أو يحرم الحالل‪ ،‬كالصلح الذي يتضمن أكل الربا‪ ،‬أو إسقاط الواجب‪،‬‬
‫أو ظلم ثالث‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنواع الصلح بين المدعي والمدعى عليه‪.‬‬

‫ينقسم الصلح باعتبار الجواب الذي يجيبه المدعى عليه عند عقد الصلح‪ ،‬إلى ثالثة أقسام‪ :‬صلح عن إقرار المدعى‬
‫عليه‪ ،‬وصلح عن إنكاره‪ ،‬وصلح عن سكوته من غير إقرار وال إنكار‪.‬‬

‫أ_ الصلح عن إقرار‪ :‬وهو الصلح الواقع على إقرار المدعى عليه بمطلوب المدعي سواء كان إقراره صراحة وحقيقة‬
‫أو كان إقراره حكما ً‪ .‬أما اإلقرار صراحة فظاهر والمثال على ذلك هو طلب الصلح واإلبراء عن المال أو الحق المدعى به‪.‬‬

‫ب‪ -‬الصلح عن إنكار‪ :‬وهو الصلح الواقع على إنكار المدعى عليه بمطلوب المدعي‪ .‬مثال إذا طلب المودع من‬
‫المستودع أن يؤدي له عين الوديعة أو أن يؤدي له بدلها الستهالكه إياها وأنكر المدعى عليه وتصالح مع المدعي كان الصلح‬
‫صحيحا‪.‬‬

‫ج‪ -‬الصلح عن سكوت‪ :‬وهو الصلح الواقع على سكوت المدعى عليه بأن ال يقر وال ينكر مطلوب المدعى‪ .‬ومثال ذلك‬
‫أن يدعي المدعي على المدعى عليه بمال فيسكت المدعى عليه بأن ال يقر وال ينكر ثم يتصالحان بعد ذلك‪.‬‬

‫ثم إن أقسام الصلح الثالثة هذه جائزة ومشروعة ألن العموم تستفاد من ظاهر اآلية الكريمة { والصلح خير} وأجاز‬
‫الشافعي النوع األول فقط‪.‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬أنواع الصلح بحسب الموضوع‪.‬‬

‫يتنوع الصلح بحسب موضوعه إلى خمسة أنواع؛ إما أن يكون الصلح بين المسلمين وأهل الحرب بعقد الذمة أو الهدنة‬
‫أو األمان‪ ،‬وبين أهل بغي وأهل عدل‪ ،‬وبين متخاصمين في غير مال‪ ،‬وبين متخاصمين في المال وبين زوجين‪،‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أركان الصلح وشروطه‪.‬‬

‫ذهب الحنفية إلى أن للصلح ركنا ً واحداً وهو اإليجاب والقبول‪ ،‬وهو أن يقول المدعى عليه‪ :‬صالحتك من كذا على‬
‫كذا‪ ،‬أو من دعواك كذا على كذا‪ .‬ويقول اآلخر‪ :‬قبلت أو رضيت‪ ،‬أو ما يدل على قبوله ورضاه‪ ،‬فإذا وجد اإليجاب والقبول تم‬
‫عقد الصلح‪ ،‬وخالفهم في ذلك جمهور الفقهاء ‪ -‬من المالكية والشافعية والحنابلة ‪ -‬حيث عدوا أركان الصلح أربعة‪ :‬عاقدان‬
‫(متصالحان) وصيغة (إيجاب وقبول) ومصالح عليه (بدل الصلح) ومصالح عنه (محل النزاع)‪.2‬‬

‫وكل واحد من هذه األركان يشترط فيه شروطا؛ تتعلق إما بالصيغة‪ ،‬أو بالمصالح‪ ،‬أو بالمصالح عليه‪ ،‬أو بالمصالح‬
‫عنه‪.‬‬

‫‪ - 2‬بدائع الصنائع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ / .40 :‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6 :‬‬

‫‪6‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬آثار الصلح ومبطالته‪:‬‬

‫أوال‪ -‬آثار الصلح‪:‬‬

‫عندما يتم الصلح بجميع شروطه وأركانه تترتب عنه عدة آثار‪.‬‬

‫وا َوت َۡذه َ‬


‫َب ِري ُح ُكمۡۖ)‬ ‫أ‪ -‬إنهاء النزاع وإبدال الفرقة باأللفة قال تعال‪( :‬و َاَل تَ ٰنَ َزع ْ‬
‫ُوا فَت َۡف َشلُ ْ‬

‫ب‪ -‬حصول البراءة عن الدعوى ووقوع الملك في بدل الصلح للمدعي‪،‬‬

‫ج‪ -‬عدم الرجوع في الصلح‪ :‬جاء في م (‪ )1556‬من مجلة األحكام العدلية‪ :‬إذا تم الصلح فليس لواحد من الطرفين فقط‬
‫ع عنه‪ ،‬ويملك المدعي بالصلح بدله‪ ،‬وال يبقى له ح ٌّ‬
‫ق في الدعوى‪ ،‬وليس للمدعى عليه ‪ -‬أيضا ‪ -‬استرداد بدل الصلح‬ ‫الرجو ُ‬
‫منه‪.3‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬مبطالت الصلح‪:‬‬

‫يبطل الصلح بأشياء هي ما يأتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬اإلقالة في غير حالة الصلح على القصاص ‪ :‬فلو قال أحد المتصالحين لآلخر انفسخ الصلح؛ كان محتمالً للفسخ‬
‫كالبيع ونحوه‪ .‬ألن فيه معنى معاوضة المال بالمال‪،‬‬

‫‪ - 3‬الرد بخيار العيب أو الرؤية‪ :‬ألن الرد يفسخ العقد‪.‬‬

‫‪ - 4‬هالك أحد المتعاقدين في الصلح على المنافع قبل انقضاء المدة‪ :‬ألن في الصلح على المنفعة معنى اإلجارة‪،‬‬
‫واإلجارة تبطل بموت أحد العاقدين‪ .‬وكذا يبطل الصلح إذا هلك ما وقع الصلح على منفعته‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مجاالت الصلح والمصطلحات المشابهة له‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مجاالت الصلح‬

‫جواز الصلح في الشريعة اإلسالمية يكمن في عدة مسائل‪ ،‬فهو يجوز في القضايا االجتماعية مثال نزاعات الشغل‬
‫وحوادث السير‪ ،‬كذلك يجوز الصلح في القضايا الجنائية‪.‬‬

‫وأكثر ما يجوز فيه الصلح هم القضايا األسرية‪ ،‬فالصلح يكون في القضايا المتعلقة باألسرة وخصوصا تلك المرتبطة‬
‫بالتعدد‪ K‬وانهاء الرابطة الزوجية‪ ،‬ويكون الصلح أيضا في قضايا الحضانة وتنظيم زيارة المحضون ‪ ...‬الخ‬

‫ثانيا‪ :‬تمييز الصلح عن المجاالت المشابهة له‬

‫‪ - 3‬مجلة األحكام العدلية‪ ،‬ص‪.304 :‬‬

‫‪7‬‬
‫إذا كان الصلح ٌداخل في زمرة الوسائل البديلة لفض المنازعات األمر الذي جعله يتشابه مع بعض المؤسسات‬
‫القانونية فإنه في المقابل يتميز بخصوصية تميزه عن باقي األنظمة والمؤسسات المشابهة له فالصلح (يتميز عن (الوساطة)‬
‫–أ‪ -‬كما انه (يختلف عن التحكيم) ‪-‬ب ‪-‬‬

‫ا‪-‬تمييز الصلح عن الوساطة‪.‬‬

‫‪-‬أوجه االتفاق‪:‬‬

‫القاسم المشترك بين الصلح والوساطة يكمن في كون الشخص الذي يقوم بالصلح أو الوساطة ال يملك سلطة اتخاذ‬
‫القرار والفصل في النزاع المعروض عليه‪.‬‬

‫يلتقي الصلح مع الوساطة في أن كليهما من الوسائل البديلة لحل النزاعات أن كال منهما عقد يخضع لألحكام العامة‬
‫للعقد من رضائية ومحل وسبب‪.‬‬

‫تلتقي الوساطة مع الصلح في أن كال منهما يٌقصد به وضع حد في الخصومة دون استصدار حكم قضائي‪.‬‬

‫‪ .‬في حالة التوصل إلى صلح بين األطراف المتنازعة يقوم كل من الوسيط او الموفق بتحرير وتوثيق الصلح‪ ،‬توقع‬
‫من طرف‪K‬ه ومن ج‪K‬انب ط‪K‬رفي ال‪K‬نزاع‪ 4.‬ه‪K‬ذه هي أوج‪K‬ه التش‪K‬ابه بين الوس‪K‬اطة والص‪K‬لح فم‪K‬ا هي إذن أوج‪K‬ه االختالف بينهم‪K‬ا وال‪K‬تي‬
‫‪5‬‬
‫تعطي لكل واحده مميزاتها الخاصة‪.‬‬

‫‪-‬أوجه االختالف‪:‬‬

‫يمكن رصد الفرق بين الصلح والوساطة في النقاط التالية‪:‬‬

‫كون عمل الشخص الذي يتدخل لإلصالح بين الطرفين غالبا ما يكون بالمجان وبالتطوع التلقائي بقصد إصالح ذات‬
‫البين بناء على أسباب كالصداقة والقرابة والجوار‪ .‬وما إلى ذلك على عكس الوسٌيط الذي يعمل مقابل أتعاب يتقاضاها عما‬
‫‪6‬‬
‫يبذله من جهد‪.‬‬

‫‪ 4‬عثمان اخ ٌدم رسالة ل ٌنيل دبل وم الدراس ات العل ٌي ا المعمق ة ًفي الق انون الخ اص جامع ة عب د المال ك الس عدي كلٌي ة العل وم ‪ 79‬القانو ٌني ة واالقتص ا ٌدية‬
‫واالجتماعٌية السنة الجامعٌة ‪ 2010-2009‬الصفحة ‪39.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ 6‬أحمد الفقٌيه م س ص ‪46.‬‬

‫‪8‬‬
‫الوساطة هي المساعي التً ي يقوم بها الوسيط لمساعدة أطراف النزاع من اجل الوصول إلى حل متفق عليه لتسوية‬
‫النزاع وذلك بدل اللجوء إلى مسطرة التقاضي فالوساطة على هذا األساس وسيلة تستهدف التوصل إلى صلح ينهي الخالف‬
‫‪7‬‬
‫بين أطرافه في حين أن الصلح في نفسه غاية‪.‬‬

‫الوسيط أكثر فعالية وإجابيه من المصالح والموفق ألنه يقدم اقتراحات ويوفق بين المصالح فهو يتوفر على وسائل‬
‫عديدة‪ K‬لتقريب وجهات نظر ومواقف أطراف النزاع أما المصالح فدوره أكثر تحفظا واحتشاما وال يتوفر على الصالحيات‬
‫الواسعة التًي يتوفر عليها الوسيط‪.‬‬

‫‪-‬ب‪-‬تمييز الصلح عن التحكيم‪:‬‬

‫أوجه االتفاق‪.‬‬

‫يتفق عقد الصلح مع التحكيم في كون كل منهما يهدف إلى حسم النزاع دون استصدار حكم من القضاء كما أن اللجوء‬
‫إليهما يتم بإرادة األطراف‪.‬‬

‫أوجه االختالف‪:‬‬

‫يختلف التحكيٌم عن الصلح اختالفا بينا فالذي يبت في النزاع في الصلح هم أطراف الخصومة أنفسهم بينما في التحكيم‬
‫األمر يقتضي تدخل طرف ثالث وهو المحكم‪.‬‬

‫من هنا يتبين ان التحكيم اشد خطورة من الصلح الن التجاوز عن الحق في هذا معلوم قبل تمامه بينما فًي التحكيم‬
‫تتعذر معرفه ما قد يمكن أن يحكم به المحكم كما أن الصلح فيه تنازل من أحد الطرفين أو كليهما عن حق بخالف التحكيم‬
‫فليس فيه تنازل‪.‬‬

‫المبحث الثاني الصلح وأحكامه في القانون الوضعي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الصلح في القانون المغربي‬

‫المطلب األول‪ :‬الصلح في مدونة األسرة و القانون المدني ‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الصلح في قضايا األسرة‬

‫أوال‪ :‬الصلح في قضايا الزواج‬

‫طلب اإلذن بالتعدد‪.‬‬

‫‪ 7‬عثمان اخ ٌديم م س ص ‪.39.‬‬

‫‪9‬‬
‫الصلح عند طلب اإلذن بالتعدد‪ K‬جاءت مدونة األسرة بعديد‪ K‬من المستجدات‪ ،‬أبرزها طلب اإلذن بالتعدد‪ K،‬والذي يبرز‬
‫الوظيفة الجديدة للقضاء فيها‪ ،‬فنجد المجال الذي تركه المشرع المغربي أمام المحكمة في هذه المسألة‪ ،‬واسعا حتى تقوم بكل‬
‫المحاوالت لإلصالح بين الزوجين واختيار الوسيلة التي تراها مناسبة التحقيق الصلح دون أي قيد يقيد سلطتها بوسيلة دون‬
‫أخرى‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الصلح عند انحالل ميثاق الزوجية‪.‬‬

‫حرصت مدونة األسرة على سلوك مسطرة الصلح بإجراء إلزامي في الطالق‪ ،‬كما نصت عليه كذلك في مسطرة‬
‫التطليق‪.‬‬

‫أ ‪ -‬الصلح في قضايا الطالق‪.‬‬

‫نصت المادة ‪ 78‬من مدونة األسرة " الطالق حل ميثاق الزوجية يمارسه الزوج والزوجة كل بحسب شروطه تحت‬
‫مراقبة القضاء"‪.‬‬

‫إذن تم إسناد االختصاص للقضاء من أجل تكثيف الجهاز القضائي ببذل مزيد من المساعي التوفيقية واإلصالحية التي‬
‫يمكن أن تساعد على إنقاذ األسرة من أزمتها‪.‬‬

‫وتطبيق مسطرة االستدعاء حسب المادة ‪ 81‬وعند حضور الطرفين تجري المناقشة بغرفة المشورة بما في ذلك‬
‫االستماع إلى الشهود ولمن ترى المحكمة فائدة في االستماع إليه طبقا للمادة ‪ 82‬حيث جاء فيها‪ ":‬عند حضور الطرفين تجري‬
‫المناقشة بغرفة المشورة بما في ذلك االستماع إلى الشهود ولمن ترى المحكمة فائدة في االستماع إليه‪.‬‬

‫للمحكمة أن تقوم بكل اإلجراءات بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة‪ ،‬أو من تراه المحكمة مؤهال إلصالح‬
‫ذات البين‪ ،‬وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة ال تقل عن ثالثين يوما‪.‬‬

‫إذا تم اإلصالح بين الزوجين حرر ذلك في محضر وتم اإلشهاد به من طرف المحكمة‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى ضرورة الصلح أو اإلصالح في قضايا الطالق‪ ،‬أكدت عليه كذلك في الطالق المملك والخلعي وحتى‬
‫االتفاقي‪.‬‬

‫ب )‪ :‬الصلح في قضايا التطليق‬

‫نصت المادة ‪ 94‬على أنه‪ ":‬إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق وجب‬
‫عليها أن تقوم بكل المحاوالت إلصالح ذات البين طبقا ألحكام المادة ‪"82‬‬

‫‪10‬‬
‫وأضافت المادة ‪ 113‬من مدونة األسرة" يبت في دعاوى التطليق المؤسسة على أحد األسباب المنصوص عليها في‬
‫المادة ‪ 98‬أعاله بعد القيام بمحاولة اإلصالح باستثناء حالة الغيبة‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الصلح الجنائي وفق المادة‪ 41‬من ق م ج‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الصلح الجنائي في المادة األسرية‬

‫إن يمكن الحديث في هذا الصدد على ثالثة أنواع من الجرائم‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الصلح في جريمة إهمال األسرة‬

‫يقصد بهذه الجنحة في القانون الجنائي المغربي تملص وتهرب األب أو األم طواعية من كل أو بعض واجباتهما‪،‬‬
‫معنوية كانت أو مادية ناشئة عن الوصاية أو الحضانة كما حددتهما مدونة األسرة لمدة تزيد عن شهرين‪.‬‬

‫وقد جعل القانون من جريمة إهمال األسرة جنحة يعاقب عليها بمقتضى الفصل ‪ 8479‬و ‪ 4809‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫إال أنه بالنظر إلى خصوصية جرائم األسرة وإمكانية تأثيرها على وضعية هذه األخيرة جعل المشرع من تحريك المتابعة‬
‫بشان هذا اإلهمال متوقف على دعوى المتضرر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الصلح في جريمة الخيانة الزوجية‬

‫وباعتبار المغرب دولة إسالمية حرص على محاربتها بنصوص خاصة في القانون الجنائي المغربي ‪ ،‬كما تقوم هذه‬
‫الجريمة المنصوص عليها في المادة ‪ 491‬من القانون الجنائي‪ :‬بتدنيس فراش الزوجية وانتهاك حرمتها بتمام الوطء ‪ ،‬لكن ال‬
‫تجوز المتابعة إال بناء على شكاية من الزوج أو الزوجة المجني عليها‪ ،‬وهذا استثناء من األصل الذي يمنح للنيابة العامة حق‬
‫تحريك الدعوى العمومية )المادة ‪ 36‬من المسطرة الجنائية(‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬الصلح في جريمة السرقة بين األقارب ‪:‬‬

‫وبالرجوع إلى القانون الجنائي نجده قد خص جريمة السرقة بأعذار معينة من العقاب إذا تعلقت باألسرة‪ ،‬حيث قررت‬
‫المادة ‪ ، 534‬إعفاء السارق من العقاب لوجود قرابة بينه وبين الضحية‪ .‬كما منعت المادة ‪ 535‬النيابة العامة من إثارة المتابعة‬
‫إلى ان يتقدم الضحية بشكوى في الموضوع‪ ،‬فكون السارق زوجا للمجني عليه يجعله معفيا من العقاب‪ ،‬ومتابعته تقتضي‬
‫تقديم شكاية من المجني والمشرع هنا كذلك كما في الجرائم السابقة قرر هذا اإلعفاء تعليق المتابعة حال قيام الزوجي‬

‫‪ 8‬ينص الفصل ‪ 479‬من ق‪.‬ج‪.‬م على انه يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من مائتين‪ K‬إلى ألفي درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ‪:‬‬
‫‪ -‬األب أو األم إذا ما ترك أحدهما بيت‪ K‬األسرة دون موجب قاهر لمدة تزيد على شهرين وتملص من كل او بعض واجباته المعنوية والمادية الناشئة‬
‫عن الوالية األبوية او الوصاية او الحضانة ‪ ،‬وال ينقطع أجل الشهرين إال بالرجوع إال بيت األسرة رجوعا يتم على إرادة استئناف الحياة العائلية‬
‫بصورة نهائية‪.‬‬
‫‪-‬الزوج الذي يترك عمدا ‪ ،‬ألكثر من شهرين دون سبب موجب قاهر زوجته وهو يعلم أنها حامل "‪. .‬‬
‫‪ 9‬ينص الفصل ‪ 480‬من ق‪.‬ج‪.‬م على أنه يعاقب بنفس العقوبة من صدر عليه حكم نهائي قابل للتنفيذ يدفع نفقة إلى الزوجة أو أحد أصوله أو فروعه‬
‫أمسك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المبحث األول‪:‬التحكيم وأحكامه في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫الفرع الثاني تعريف التحكيم ومفهومه‪.‬‬

‫للتحكيم في لغة العرب معان عديدة‪ K،‬فالتحكيم مصدر ح َّك َم (تشديد الكاف مع الفتح)‪ ،‬يقال ح َّكمته في مالي فاحت َكم‪ ،‬أي‬
‫جاز فيه حكمه‪ ،‬واستَح َك َم فالن في مال فالن‪...‬إذا جاز فيه ح ْك ُمه‪.10‬‬

‫‪11‬‬
‫عرفه المالكية بأنه‪ :‬إن الخصمين إذا حك َّما بينهما وجالً وارتضياه ألن يحكم بينهما جاز‬

‫عرف المشرع المغربي التحكيم في الفصل ‪ 306‬من قانون ‪08/05‬من بأنه "حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى‬
‫من األطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم"‪،‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬األدلة الشرعية في التحكيم وحكمه والحكمة منه‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األدلة الشرعية‪.‬‬

‫يرى جمهور علماء الشريعة بجواز التحكيم واستدلوا على ذلك من الكتاب والسنة واإلجماع والمعقول‪ ،‬وسنفصل‬
‫القول في ذلك على الشكل التالي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬من الكتاب‪.‬‬

‫‪ .‬وقال هللا سبحانه ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها إن يريدآ إصلحا يوفق هللا بينهما إن‬
‫هللا عليما خبيرا)‪.12‬‬

‫ثانيا‪ :‬من السنة‪.‬‬

‫عن أبو هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " اشترى رجل من رجل عقارا له‪ ،‬فوجد‬
‫الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة من ذهب‪ ،‬فقال له الذي اشترى العقار‪ :‬خذ ذهبك مني‪ ،‬إنما اشتريت منك األرض‪،‬‬
‫ولم أبتع منك الذهب‪ ،‬فقال الذي شرى األرض‪ :‬إنما بعتك األرض‪ ،‬وما فيها‪ ،‬قال‪ :‬فتحاكما إلى رجل‪ ،‬فقال الذي تحاكما إليه‪،‬‬
‫‪13‬‬
‫ألكما ولد؟ فقال أحدهما‪ :‬لي غالم‪ ،‬وقال اآلخر لي جارية‪ ،‬قال‪ :‬أنحكوا الغالم الجاري‪ ،‬وانفقوا على أنفسكما منه وتصدقا"‬

‫‪ - 10‬الرازي محمد بن أبي بكر عبد القادر‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬دار الجيل بيروت لبنان‪1987،‬م‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫‪ - 11‬إبراهيم بن محمد ابن فرحون ‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية‪،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.55‬‬
‫‪ - 12‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.35‬‬
‫‪ - 13‬روه البخاري رقم الحديث ‪ ،3472‬ومسلم رقم الحديث‪ ، 1721‬واللفظ لمسلم‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ثالثا‪ :‬من اإلجماع وعمل الصحابة‪.‬‬

‫فقد كان الصحابة رضي هللا عنهم مجمعين على جواز التحكيم‪ 14‬ألن ذلك وقع لجمع من الصحابة‪ ،‬ولم ينكر مع‬
‫اشتهاره فكان إجماعا‪.15‬‬

‫وقد جاء في البناية ‪ ":‬والتحكيم مشروع بالكتاب والسنة واإلجماع"‪.‬‬

‫ومن ثم فاإلجماع منعقد على جواز التحكيم‪ ،‬ولم يخالف هذا اإلجماع مخالف إلى يومنا هذا‪.16‬‬

‫رابعا‪ :‬من المعقول‪.‬‬

‫أما الدليل العقلي على جواز التحكيم هو أن للحكمين والية على أنفسهما‪ ،‬فصح تحكميها ‪ ،‬صحة تحكيم المحكمين‬
‫مبنية‪ K‬على تمتعهما بالوالية على النفس‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حكم التحكيم‬

‫يقصد حكم التحكيم هنا الحكم التكليفي الذي يعرفه األصوليون بأنه ما اقتضى طلب فعل من المكلف أو كفه عن الفعل‬
‫أو تخيره بين الفعل والكف‪ ،‬وهو الذي سماه القرافي خطاب التكليف بقوله " خطاب التكليف في اصطالح العلماء هو األحكام‬
‫الخمسة‪ :‬الوجوب والتحريم والندب والكراهة واإلباحة"‪.‬‬

‫ولهذا سنتطرق لحديث عن حكم التحكيم‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫التحكيم قد يكون واجبا وذلك في حالتين هما‪:‬‬

‫الحالة األولى‪ :‬إذا ورد النص الدال على الوجوب كما في قوله عز وجل " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"‪،‬‬
‫فاألمر هنا على الوجوب لعدم اقترانه بالقرينة الصارفة عن الوجوب‪،‬‬

‫وقد بين الفقهاء ذلك في نصوصهم‪ ،‬فقد جاء في فتح الجليل ( آية بعث الحكمين محكمة غير منسوخة فالعمل بها‬
‫‪17‬‬
‫واجب)‪.‬‬

‫الحالة الثانية‪ :‬إذا أمر السلطان به‪ ،‬وذلك ألن تصرف اإلمام منوط بالمصلحة‪ ،‬وقد يكون التحكيم محظورا‪ ،‬وذلك إذا‬
‫رأى اإلمام المصلحة في منعه‪.‬‬

‫ما عدا هذه الحاالت يبقى الحكم العام في التحكيم‪ ،‬وقد اختلف الفقهاء فيه على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫‪ - 14‬أحمد بن حمزة الرملي‪،‬نهاية المحتاج ج ‪ 8‬ص ‪ - ،230‬أبي بكر محمد السرخسي‪ ،‬المبسوط‪ ،‬دار المعرف بيروت ج ‪ 21‬ص ‪.62‬‬
‫‪ - 15‬أحمد بن حجر الهيثمي‪ ،‬تحفة المحتاج بشرح المنهاج ج ‪ 10‬ص ‪،110‬‬
‫‪ - 16‬قدري محمد محمود‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ - 17‬محمد عليش‪ ،‬منهج الجليل‪ ،‬مكتبة النجاح ليبيا‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.178‬‬

‫‪13‬‬
‫القول األول‪ :‬جواز التحكيم مطلقا‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية وبع اإلمامية‪.‬‬

‫وقد استدلوا على ذلك‪ :‬بالكتاب والسنة و اإلجماع والمعقول‪.‬‬

‫من الكتاب‪:‬‬

‫قوله تعالى ( فابعثوا حكما من آهله وحكما من آهلها)‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن هذه اآلية دلت على وجوب التحكيم بين الزوجين‪ ،‬ولما كان التحكيم بين الزوجين مشروعا دل على‬
‫مشروعيته في سائر الخصومات والدعاوى‪.‬‬

‫من السنة‪:‬‬

‫ما روى عن عائشة رضي هللا عنها أنها قالت‪ ":‬كان بيني وبين النبي صلى هللا عليه وسلم كالم فقال‪ :‬أجعل بيني‬
‫وبينك عمر‪ ،‬فقلت ال‪ ،‬قال أجعل بيني وبينك أباك‪ ،‬قلت نعم"‬

‫وجه الداللة‪ :‬لو لم يكن التحكيم مشروعا ما لجأ إليه المصطفى صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫اإلجماع‪:‬‬

‫أجمع الصحابة على مشروعية التحكيم وقد وقع التحكيم في عصرها في وقائع عديدة‪ K،‬ولم ينكر أحد عليه‪ ،‬فدل ذلك‬
‫على إجماعهم على مشروعيته‪.19‬‬

‫القول الثاني‪ :‬جواز التحكيم بشرط عدم وجود قاض في البلد‪.‬‬

‫وإلى هذا ذهب بعض الشافعية و الظاهرية‪.20‬‬

‫وقد استدلوا على ذلك‪ :‬أن التحكيم في هذه الحالة للضرورة لفض المنازعات‪ ،‬إما إذا وجد القاضي امتنع التحكيم‪ ،‬ألن‬
‫‪21‬‬
‫محكم المحكم أدنى رتبة من حكم القاضي‪ ،‬وذلك لعموم والية القاضي‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬عدم جواز التحكيم مطلقا‪:‬‬

‫‪ - 18‬المبسوط ج ‪ 16‬ص ‪ - ،73‬معين الحكام ص ‪ -،24‬بدائع الصنائع ج ‪ 9‬ص ‪ - ،408‬مواهب الجليل للحطاب المالكي مع التاج واإلكليل ج ‪6‬‬
‫ص ‪ - ،112‬تبصرة الحكام ج ‪ 1‬ص ‪ - ،55‬الشرح الكبير مع الدسوقي ج ‪ 4‬ص‪ -،135‬نهاية المحتاج ج ‪ 8‬ص ‪.230‬‬
‫‪ - 19‬عبد الرحمان الدوري‪ ،‬عقدة التحكيم في الفقه والقانون الوضعي‪ ،‬مطبعة الخلود ببغداد سنة ‪ ،1980‬ص ‪.110‬‬
‫‪ - 20‬أحمد الرملي ج ‪ 8‬ص ‪ -،231‬أبي محمد بن حزم المحلى‪ ،‬دار االتحاد العربي بالقاهرة ج ‪ 9‬ص ‪.435‬‬
‫‪ - 21‬قدري محمد محمود‪ ،‬ص ‪.66‬‬

‫‪14‬‬
‫‪22‬‬
‫وإلى هذا ذهب بعض الشافعية وبعض اإلمامية وبه قال الخوارج‪.‬‬

‫وقد استدلوا على ذلك‪ :‬بأن الحكم الحكم فيه افتيات على اإلمام ونوابه‪ ،‬فيؤدي إلى اختالل أمر الحكام وقصور نظرهم‪.‬‬

‫الرأي الراجح‪:‬‬

‫مما سبق يتضح رجحان القول األول‪ :‬القائل بجواز التحكيم مطلقا لقوة أدلتهم ولضعف أدلة المخالفين وذلك ألن القول‬
‫الثاني لم يرد في النصوص ما يمنع الحكم من الحكم وألنه يشترط في الحكم ما يشترط في القاضي‪.‬‬

‫وكذلك القول الثالث ضعيف ألن حكم الحكم ليس فيه افتيات على اإلمام بل إن اإلمام قد يعين من يقوم بالحكم بين‬
‫‪23‬‬
‫الناس‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الحكمة من تشريع التحكيم‪.‬‬

‫الحكمة أو الغاية من تشريع التحكيم ال يخرج عن تحقيق مصالح الناس في الدنيا واآلخرة‪ ،‬األن الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫والهدف الذي يرمي الشارع إلى تحقيقه هو إما جلب المصلحة أو دفع مفسدة‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬أحكام التحكيم‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أنواع التحكيم‬

‫إن التحكيم ذوا طبيعة مزدوجة‪ ،‬فهو اتفاق في مصدره حيث إن الحكم يستمد‪ K‬سلطانه من إرادة األطراف وهو قضائي‬
‫في وظيفته‪ ،‬نظرا ألن الحكم يؤدي وظيفة القاضي ذاتها وهو لهذه االزدواجية له صور متعددة‪ K‬فهو ينقسم بحسب اإلرادة في‬
‫إنشائه إلى تحكيم نظامي أو مؤسسي‪ ،‬وينقسم بحسب سلطة المح َّكم المقيدة أو المطلقة إلى تحكيم بالقضاء وتحكيم بالصلح‪،‬‬
‫وينقسم أيضا بحسب مكان صدوره إلى تحكيم وطني وتحكيم أجنبي‪.24‬‬

‫وسنتكلم عن كل نوع من هذه األنواع في ما يلي ‪:‬‬

‫‪ )1‬التحكيم االختياري ‪ :‬وهو تحكيم يخضع لمبدأ سلطان اإلرادة بحيث يكون هناك توافق إرادة دوي الشأن على عرض‬
‫النزاع القائم بينهم أو المحتمل على فرد أو عدة أفراد عاديين يختارونهم للفصل وفقا للنظام أو وفقا لقواعد العرف دون‬
‫عرضه على قضاء الدولة‪،‬‬

‫‪ )2‬التحكيم اإلجباري‪ :‬إذا كانت اإلرادة الحرة هي مناط التحكيم فإن القانون جعله بالنسبة لبعض المواضيع إجباريا ال‬
‫يترك لألطراف االختيار‪ ،‬حيث تكون فيه إرادة أطراف النزاع مقيدة بحيث أن اللجوء إلى التحكيم أمر مفروض‪،‬‬

‫‪ - 22‬أحمد الرملي‪ ،‬ج ‪ 8‬ص ‪.230‬‬


‫‪ - 23‬قدري محمد محمود‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ - 24‬خالد عبد العزيز محمد الدخيل‪ ،‬التحكيم في النظام السعودي على ضوء الفقه اإلس المي‪ ،‬بحث مق دم اس تكماال لمتطلب ات الحص ول على درج ة‬
‫الماجستير في العدالة الجنائية تخصص التشريع الجنائي اإلسالمي‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية كليات الدراسات العليا قسم العدالة الجنائية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫التحكيم بالصلح هو أن المح َّك م يفوض من قبل الخصوم بإجراء الصلح في النزاع القائم‬
‫بينهم‪ ،‬وتنحصر مهمته في تقريب وجهات النظر بين الخصوم بناء على ما يقدم له من وثائق‬
‫ومستندات‪...‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬شروط التحكيم‬

‫إن الحديث عن شروط التحكيم تستوجب من الوقوف على الشروط الواجب توفرها في أطراف التحكيم وهي كاألتي‪:‬‬

‫‪ )1‬الشروط المتعلقة بالمحت ِكم‪ :‬أوال إن المحتكم هو كل من الطرفين المتخاصمين‪ ،‬ومن الشروط التي يجب أن تتوفر‬
‫فيه ( المحت ِك م) هي األهلية أي أهلية المحتكم‪ ،‬وهذا شرط في صحة جميع التصرفات فال يصح تحكيم الصبي غير المميز‪،‬‬
‫والمجنون لالنعدام أهلية التصرف عند كل منهما بانعدام العقل‪ ،‬وال يشترط غي المحتكم اإلسالم أي أن يكون مسلما‪ ،‬فمن‬
‫الجائز أن يكون ذميا أو معاهدا أو مستأمنا للمسلم أو غير المسلم‪ ،‬أما إذا كان المحتكم مرتدا فتحكيمه عند أبي حنيفة موقوف‬
‫على إسالمه فإن مات أو قتل على الردة أو لحق بدار الحرب بطل تحكيمه وإن أسلم صح تحكيمه‪.25‬‬

‫‪ )2‬الشروط المتعلق بالمح َّكم ( المحتكم إليه)‪ :‬يجب على المحكم أن يكون عادال ألن الحكم بين الناس بالعدل من أفضل‬
‫أعمال البر وأعلى درجات األجر‪،‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التحكيم في القانون الوضعي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التحكيم في القانون المغربي‬

‫للحديث عن التحكيم في القانون المغربي وجب منا أوال أن نعرف مفهومه وذلك من خالل المطلب األول وبعدها أن‬
‫نتناول التحكيم وفق القانون التجاري ومدونة األسرة في المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم التحكيم في القانون المغربي‬

‫التحكيم في اللغة‪ :‬معناه التفويض في الحكم‪،‬‬

‫وفي االصطالح القانوني هو اختيار األطراف لقاضيهم عن طريق إعمال شرط التحكيم‪ .‬أو مشارطة التحكيم‪ .‬دون‬
‫اللجوء إلى المحاكم القضائية‪.‬‬

‫الفصل ‪ 306‬من قانون ‪ :08-05‬يراد بالتحكيم حل نزاع من لدى هيئة تحكيمية تتلقى من األطراف مهمة الفصل في‬
‫النزاع بناء على اتفاق التحكيم‪.‬‬

‫‪ -25‬قدري محمد محمود‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وعرف اتفاق التحكيم في الفصل ‪ 307‬من قانون ‪ 08.05‬بأنه‪ :‬اتفاق التحكيم هو التزام األطراف باللجوء إلى التحكيم‪،‬‬
‫قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن عالقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية يكتسي اتفاق التحكيم عقد التحكيم أو شرط‬
‫التحكيم‪،‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التحكيم في مدونة األسرة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التحكيم في مدونة األسرة‬

‫نص المشرع المغربي على عملية الصلح والتوفيق بين الزوجين سواء في مدونة األحوال الشخصية أو مدونة‬
‫األسرة‪ ،‬ولتحقيق هذه الغاية رصد أمام القضاء مؤسستين مساعدتين له‪ ،‬ويتعلق األمر بمؤسسة الحكمين ومجلس العائلة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مؤسسة الحكمين‬

‫لقد أعطت مدونة األسرة للمحكمة صالحية تعيين حكمين وحصرت مهمة الحكمين من خالل المادة ‪ 95‬التي جاء فيها‬
‫" يقوم الحكمين أو من في حكمهما باستقصاء أسباب الخالف بين الزوجين ببدل جهدهما إلنهاء النزاع‪ ،‬إذا توصل الحكمان‬
‫إلى اإلصالح بين الزوجين حددا مضمونه في تقرير من ثالث نسخ يوقعها الحكمان‪"...‬‬

‫ثانيا‪ :‬مجلس العائلة‬

‫لقد ورد التنصيص على إمكانية االستعانة بمجلس العائلة من خالل المادة ‪ 82‬من مدونة األسرة‪ ،‬على اعتبار األهمية‬
‫والدور الذي يلعبه في المحافظة على استقرار الحياة الزوجية‪ ،‬ويتكون هذا المجلس من القاضي بصفته رئيسا ثم من األب‬
‫واألم أو الوصي أو المقدم إضافة إلى أربعة أعضاء يعينهم من بين األقارب بالتساوي من جهة األب واألم أو جهة الزوج‪،‬‬
‫وإذا تعذر توفرهم من جهتين أمكن تكوينهم من جهة واحدة‪.‬‬

‫وينعقد مجلس العائلة حسب مقتضيات المادة الرابعة من المرسوم التطبيقي ‪ 2004‬بطلب من األم أو القاصر أو‬
‫المحجور أو بمبادرة من القاضي بصفته رئيسا للمجلس بناء على طلب أحد أعضائه اآلخرين كلما تطلب األمر ذلك‪.‬‬

‫ومهام مجلس العائلة ال تنحصر فقط في التحكيم إلصالح ذات البين‪ ،‬وإنما يكون للمجلس الحق في أن يبدئ رأيه في‬
‫كل ما له صلة وعالقة باألسرة‪.‬‬

‫وقد أكدت مدونة األسرة على نهج أسلوب اإلصالح وإرساء أجواء التفاهم والحوار حول ما يعيق األسرة ويكدر‬
‫صفوها واعتماد إحدى مؤسسات الصلح وهي‪ :‬القاضي‪ ،‬الحكمين‪ ،‬مجلس العائلة‪ ،‬وذلك في المواد ‪ 84‬و‪ 94‬و‪ 95‬و‪ 96‬و‬
‫‪ 113‬و‪ 251‬والمادة ‪ 268‬التي نصت على أنه يحدد القاضي المكلف بشؤون القاصرين بعد استشارة مجلس العائلة عند‬
‫االقتضاء‪ ،‬المصاريف والتعويضات المترتبة عن تسيير أموال المحجور‪،‬‬

‫‪17‬‬
‫وقد وسعت المادة ‪ 7‬من مرسوم ‪ 2004‬مجال اختصاص مجلس العائلة حينما أسندت له مهمة إبداء الرأي في كل ما‬
‫له عالقة بشؤون األسرة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المسائل التي ال يجوز أن تكون محال للتحكيم‬

‫‪ 1‬ـ المسائل المتعلقة بالنظام العام‬

‫‪ 2‬ـ المسائل المتعلقة باالحوال الشخصية‬

‫‪ 3‬ـ المسائل المتعلقة بالتجريم والعقاب‬

‫المبحث األول‪ :‬الوساطة و أحكامها في الشريعة اإلسالمية‬

‫الفرع األول‪ :‬نبذة تاريخية عن الوساطة‬

‫المطلب األول‪ :‬الوساطة عند األمم القديمة‬

‫الحضارة اليونانية فكان لها السبق في استعمال اصطالح الوساطة والذي يعود أصله إلى التعابير اليونانية القديمة‬
‫والتي تعني الوسط أو التوسط بين الشيئين اعتماداً على الفلسفة التي كانت تسود المجتمع اليوناني والتي تقوم على الحكمة في‬
‫العالقات اﻹنسانية وما هو أصلح للفرد‪.26‬‬

‫كما عرفت الحضارة الرومانية نظام الوساطة في عهد جوستنيان وكان للوسيط عدة تسميات منها المتدخل أو الشفيع‬
‫أو المصلح‪.27‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الوساطة ما قبل اإلسالم‬

‫ومن أهم نماذج الوساطة عند العرب آنذاك احتكامهم لوساطة محمد بن عبد هللا ﷺ في النزاع‬
‫ﻹعادة الحجر األسود إلى مكانه‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الوساطة بعد ظهور اإلسالم‬

‫اعتمد اإلسالم الوساطة كوسيلة لحل النزاعات التي تطرأ بين المسلمين في جميع القضايا خصوصا األسرية منها‪ ،‬و‬
‫ق بَ ْينِ ِه َما فَا ْب َعثُوا َح َك ًما ِّم ْن أَ ْهلِ ِه َو َح َك ًما ِّم ْن أَ ْهلِهَا‬
‫في هذا السياق يقول هللا عز وجل في سورة النساء اآلية ‪َ " :35‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم ِشقَا َ‬
‫ق هَّللا ُ بَ ْينَهُ َما ۗ ِإ َّن هَّللا َ َكانَ َعلِي ًما َخبِيرًا"‪.‬‬
‫إِن ي ُِريدَا إِصْ اَل حًا ي َُوفِّ ِ‬

‫‪ 26‬محمد برادة غزيول‪ ،‬تقنيات‪ K‬الوساطة لتسوية النزاعات دون اللجوء إلى القض‪KK‬اء‪ ،‬ال‪K‬دار العالمي‪KK‬ة للكت‪KK‬اب‪ ،‬ط‪ 1:‬ال‪KK‬دار البيض‪KK‬اء‪ ،‬المغ‪KK‬رب‪،2015 ،‬‬
‫ص‪118 :‬‬
‫‪ 27‬روﻻ تقي سليم اﻷحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪20 :‬‬

‫‪18‬‬
‫وقد كان رسول هللا ﷺ يقوم بنفسه بدور الوساطة ليصلح بين المتخاصمين‪ ،‬فعن سهل بن سعد‬
‫الساعدي رضي هللا عنه أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بذلك فقال‪ " :‬اذهبوا‬
‫بنا نصلح بينهم‪."28‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬األدلة الشرعية الواردة في الوساطة‪ ،‬حكمها و الحكمة من تشريعها‬

‫المطلب األول‪ :‬الوساطة في الكتاب والسنة و اإلجماع‬

‫الفقرة األولى‪ :‬من القرآن الكريم‬

‫عدد اآليات الكريمة التي وردت فيها كلمة الصلح ومرادفاتها هي ‪ 38‬آية‪ ،‬ومنها قوله تعالى" وإن امرأة خافت من‬
‫بعلها نشوزا أو إعراضا فال جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير‪"29‬‬

‫كما قال عز وجل " وال تجعلوا هللا عرضة أليمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس وهللا سميع عليم"‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬من السنة النبوية‬

‫السيرة النبوية حافلة بأفعال النبي صلى هللا عليه وسلم وتقريراته المؤكدة على الصلح وفضله‪ ،‬فعن عمرو بن عوف‬
‫رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال" الصلح جائز بين المسلمين‪ ،‬إال صلحا حرم حالال أو أحل حراما‪،‬‬
‫والمسلمون على شروطهم إال شرطا حرم حالال أو أحل حراما ً‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬اإلجماع‬

‫لقد انعقد إجماع األمة بعد وفاة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على جواز الصلح‪ ،‬فسار الخلفاء الراشدون وبقية‬
‫الصحابة والتابعين وجمهور األئمة على نهجه في الدعوة إلى الصلح‪ ،‬والسعي إلى إصالح ذات البين قبل اللجوء إلى القضاء‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد قال ابن رشد‪" :‬واتفق المسلمون على جوازه على اإلقرار‪ ،‬واختلفوا في جوازه على اإلنكار‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬أحكام الوساطة‪ ،‬أنواعها و شروطها و مجاالت إعمالها‬

‫المطلب األول‪ :‬األحكام المتعلقة بالوساطة األسرية‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األحكام المتعلقة بالوساطة األسرية‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الوساطة األسرية‬

‫‪ – 1‬تعريف الوساطة األسرية‬


‫‪28‬‬
‫صحيح البخاري كتاب الصلح‪ ،‬باب قول االمام ألصحابه اذهبوا بنا نصلح رقم ‪.2693‬‬
‫‪29‬‬
‫سورة النساء اآلية ‪128‬‬

‫‪19‬‬
‫الوساطة لغة‪ :‬تعني الوسط و التوسط‪ ،‬بمعنى االعتدال في الفعل الفكر‪ ،‬و الوسيط في القوم حسيبهم‬

‫و في االصطالح‪ :‬عملية مهيكلة يسعى من خاللها طرفا النزاع بأنفسهم و بمحض إرادتهم للوصول إلى اتفاق ودي‬
‫لتسوية خالفاتهم بمساعدة شخص ثالث يدعى الوسيط‬

‫أما من الناحية القانونية فيراد بها وسيلة لفض المنازعات‪ ،‬يقوم بواسطتها طرف ثالث محايد يسمى الوسيط األسري‪،‬‬
‫بمهمة توفير المناخ المالئم لمقابالت تواصلية سرية بمساعدة طرفا النزاع قصد التوصل لحل طوعي مرضي من كال‬
‫الجانبين‪ ،‬يتم التفاوض عليه لضمان استمرار ية العالقة األسرية‪.30‬‬

‫– اإلطار العام للوساطة األسرية‬

‫ظهرت الوساطة األسرية أول ما ظهرت في الواليات المتحدة األمريكية في بداية السبعينيات من القرن الماضي‪ ،‬وقد‬
‫كان الهدف منها في بداية األمر حل النزاعات العمالية فقط‪ ،‬إال أنه نظرا لما تتسم به هذه الوسيلة من خصائص و مميزات‪،‬‬
‫فقد انتشرت لتشمل نزاعات أخرى في عدة ميادين من بينها المجال األسري‪ ،‬وذلك بوصفها مقاربة جديدة مكملة للقانون في‬
‫القضايا المرتبطة بانفصال األزواج و المشاكل المترتبة عن الحضانة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تمييز الوساطة األسرية عما يشابهها من الوسائل البديلة‬

‫انطالقا من مفهوم الوساطة األسرية السالف الذكر‪ ،‬يظهر أنها تجمعها بعض النقاط مع بعض الوسائل البديلة‬
‫األخرى‪ ،‬و نخص بالذكر‪ :‬الصلح و التحكيم‬

‫‪ .I‬تمييز الوساطة األسرية عن الصلح والتحكيم‬

‫‪ -1‬تمييز الوساطة األسرية عن الصلح‬

‫نص المقنن المغربي في عدة نصوص على عدة قوانين متعلقة بالصلح في مختلف الميادين‪ :‬االجتماعية‪ ،‬الجنائية‪ ،‬و‬
‫األسرية وهي ما يهمنا في هذا الباب‪ ،‬حيث أورد المقنن المغربي في المادة ‪ 81‬و ‪ 82‬من مدونة األسرة على إلزامية سلوك‬
‫مسطرة الصلح في القضايا الرامية إلى طلب اإلشهاد على الطالق أو الحكم بالتطليق‪،‬‬

‫أ – أوجه التشابه بين الوساطة األسرية و الصلح‬

‫‪30‬‬
‫جليل الباز‪ "،‬الوساطة األسرية"‪ ،‬مقال منشور بموقع ‪. www.marocdroit.com‬‬

‫‪20‬‬
‫تلتقي الوساطة األسرية مع الصلح في عدة نقاط‪ ،‬من أـهمها‪ ‬أن مجال الصلح و الوساطة األسرية واحد‪ ،‬فكل ما يجوز‬
‫الصلح بشأنه تجوز الوساطة فيه‪ ،‬وكل ماال يجوز الصلح فيه ال تجوز فيه الوساطة‪.31‬‬

‫كما أن كال منهما يعد من الوسائل البديلة لحل النزاعات‪ ،‬إضافة إلى أن الشخص الموكول له إصالح ذات البين سواء‬
‫في الوساطة األسرية أو في الصلح ال يملك سلطة اتخاذ القرار‪.‬‬

‫ب – أوجه االختالف بين الوساطة األسرية و الصلح‬

‫يختلف الصلح عن الوساطة األسرية في عدة أمور من أهمها أن الوساطة األسرية في حد ذاتها وسيلة لحل النزاعات‬
‫األسرية‪ ،‬في حين أن الصلح بطبيعته غاية في ذاته‪.32‬‬

‫كما أن الصلح إجراء يكتسي الطابع اإللزامي في بعض القضايا األسرية المنصوص على إلزامية سلوك مسطرة‬
‫محاولة الصلح فيها‪ ،‬و القاضي هو من يتولى عملية الصلح كما يتولى هو نفسه البت في الجوهر‪ ،‬أما الوساطة األسرية‪ ،‬فهي‬
‫في الغالب اختيارية إذا تعلق األمر بالوساطة االتفاقية‪ ،‬وال تكون إلزامية إال إذا تعلق األمر بالوساطة القضائية‪ ،‬حيث يمكن‬
‫أن تباشر من طرف قاض أو من طرف وسيط يحال عليه أطراف النزاع في إطار الوساطة القضائية‪.‬‬

‫‪ – 2‬تمييز الوساطة األسرية عن التحكيم‬

‫بالرجوع لمدونة األسرة‪ ،‬نجد أن المقنن المغربي نص على مؤسسة الحكمين كوسيلة لمحاولة إصالح ذات البين‪،‬‬
‫وذلك في المادة ‪ 94‬و ‪ ،95‬فجعلها من ضمن المؤسسات المرصدة للصلح‪،‬‬

‫أ – أوجه التشابه بين الوساطة األسرية و مؤسسة الحكمين‬

‫تلتقي الوساطة األسرية بمؤسسة الحكمين في أن كالهما يبذل الجهد من أجل التوفيق بين الزوجين بأي وسيلة يريانها‪،‬‬
‫كما أن بعث الحكمين يعد تكليف لهما من القاضي للقيام بمحاولة الصلح دون صدور قرار قضائي في ذلك‪ ،‬نفس الشيء نجده‬
‫في الوساطة االتفاقية‪.‬‬

‫إضافة إلى أن كال من الحكمين و الوسيط يعد تدخال للغير في النزاع‪ ،‬كما أنه عند تتويج مهام الحكمين بالنجاح في‬
‫تحقيق الصلح بين الطرفين‪ ،‬فعليهما تضمين هذا الصلح في تقرير في ثالث نسخ فيتم اإلشهاد عليه من طرف المحكمة‪ ،‬ونفس‬
‫األمر نجده في الوساطة القضائية التي تكون تحت إشراف القضاء و رقابته‪.‬‬

‫ب – أوجه االختالف بين الوساطة األسرية و مؤسسة الحكمين‬

‫‪ 31‬علي حسني و عبد الحميد كمرو‪ "،‬الوساطة في حل النزاع‪KK‬ات "‪ ،‬دراس‪K‬ة على ض‪KK‬وء الق‪KK‬انون ‪ ،05-08‬بحث نهاي‪KK‬ة ت‪KK‬دريب الملحقين القض‪KK‬ائيين‪،‬‬
‫الفوج ‪ ،34‬سنة ‪ ،2009-2007‬ص ‪. 9‬‬
‫‪ 32‬بن سالم أوديجا‪ "،‬الوساطة األسرية كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات"‪ ،‬مطبعة دار القلم‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2008‬ص ‪. 83‬‬

‫‪21‬‬
‫تبرز أوجه االختالف في كون أن الوساطة األسرية تعد من الوسائل البديلة لحل النزاعات األسرية‪ ،‬بينما مؤسسة‬
‫الحكمين في حد ذاتها هي مؤسسة مرصدة للصلح‪ ،‬لها قواعدها و أصولها المستمدة من الشريعة اإلسالمية‪ ،‬و أن الحكمان في‬
‫التحكيم األسري يتم تعيينهما من قبل القاضي و يكونا من أهل الزوجين‪ ،‬على عكس الوساطة األسرية التي يعين فيها الوسيط‬
‫باتفاق بين األطراف في الوساطة االختيارية‪ ،‬و بأمر من المحكمة في الوساطة القضائية‪ ،‬كما أن الوسيط يكون في الغالب إما‬
‫قاضيا ممارسا أو شخص أو مؤسسة تمتهن الوساطة‪ ،‬أضف إلى ذلك الشروط التي يجب أن تتوفر في الحكمين و المحال‬
‫عليها في المادة ‪ 400‬من مدونة األسرة على الفقه المالكي‪ ،‬تختلف عن تلك التي تشترط في الوسيط‪.‬‬

‫إضافة إلى ما سبق فإن الحكمان ال يحصالن على أتعاب نظير جهودهما‪ ،‬عكس الوسيط األسري الذي يحصل على‬
‫مقابل مادي لذلك‪،‬و أن الحكمان ملزمان برفع تقريرهما حول ما توصال إليه من نتيجة محاولة الصلح إلى القضاء و تحديد‪K‬‬
‫المسؤولية عن فشل المحاولة عند فشلها‪ ،‬أما الوسيط في الوساطة االتفاقية فليس ملزما بذلك‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أنواع الوساطة األسرية و خصائصها و شروط إعمالها و نطاق تطبيقها‬

‫أوال‪ :‬أنواع الوساطة األسرية و خصائصها‬

‫‪ - 1‬أنواع الوساطة األسرية‬

‫تنقسم الوساطة األسرية إلى قسمين أساسيين‪ ،‬وساطة ودية أو اختيارية أو طوعية‪ ،‬وهي وساطة تمارس خارج النظام‬
‫القضائي‪ ،‬وهناك نوع آخر من الوساطة األسرية تمارس داخل النظام القضائي و تحت إشرافه‪ ،‬وهي الوساطة القضائية‬

‫أ – الوساطة األسرية االختيارية‬

‫الوساطة االتفاقية أو االختيارية هي تلك الوساطة التي تباشر بإرادة األطراف و تكون خارج مساطر القضاء و‬
‫ضوابطه‪ ،‬أي أنها مجال رحب لسلطان إرادة األطراف بعيدا عن اإلجراءات المسطرية التي يفرضها القضاء‪ ،‬ويسميها‬
‫البعض بالوسائل التعاقدية‪.33‬‬

‫وتعد الوساطة االتفاقية أقدم من العدالة النظامية ظهورا‪ ،‬وتتم وفقا إلرادة أطراف النزاع‪ ،‬فهم من يحدد السلطة التي‬
‫يخولونها للوسيط‪ ،‬وبذلك يمكن القول بأن هذا النوع من الوساطة إرادي محض‪.34‬‬

‫وقد أخذ المقنن المغربي بنظام الوساطة االتفاق بموجب القانون رقم ‪ 05-08‬المتعلق بالتحكيم و الوساطة االتفاقية‪،‬‬
‫حيث ساير التشريعات المتطورة في مجال العمل بالوساطة كوسيلة بديلة لتسوية النزاعات التعاقدية‬

‫ب – الوساطة األسرية القضائية‬

‫‪ 33‬محمد برادة غزيول‪ "،‬دور المحامي في إنجاح الوساطة القضائية"‪ ،‬مجلة المعيار العدد ‪ ،36‬دجنبر ‪ ،2006‬ص ‪. 27‬‬
‫‪ 34‬خوله مالل‪ "،‬الوساطة القضائية في الجزائر‪-‬دراسة استطالعية حول تهيئة الوس‪KK‬يط القض‪KK‬ائي‪ ،"-‬رس‪KK‬الة ماجس‪KK‬تير في علم االجتم‪KK‬اع‪ K‬و التنظيم و‬
‫الدينامية االجتماعية‪ ،‬جامعة بوزريعة‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬بتة ‪ ،0212-0211‬ص ‪. 65‬‬

‫‪22‬‬
‫الوساطة القضائية هي تلك الوساطة التي تباشر بإشراف القضاء و توجيهه‪ ،‬وتتطلب بالضرورة وجود نزاع‬
‫معروض أمام المحكمة ابتداء‪ ،‬وفي هذا اإلطار يجب التمييز بين حالتين من الوساطة القضائية‪،‬‬

‫الحالة األولى‪ :‬تباشر فيها من طرف قاض من القضاة المكلفين بقضايا الوساطة‪ ،‬وهو القاضي الوسيط‪،‬‬

‫الحالة الثانية‪ :‬يقوم بها وسيط محترف تعينه المحكمة المعروض عليها النزاع من ضمن قائمة الوسطاء المعتمدين‪K‬‬
‫لديها‪ ،‬ويكون في الغالب من ذوي الخبرة في الميدان القانوني‪ ،‬كقاض متقاعد أو محام أو خبير‬

‫‪ - 2‬خصائص الوساطة األسرية‬

‫ونظرا لما تتميز به الوساطة من خصائص تجعلها تسموا على باقي الطرق البديلة بفض المنازعات خصوصا‬
‫األسرية‪ ،‬مما يفرض علينا التطرق لهذه الخصائص‪ ،‬وتتمثل في‪:‬‬

‫أ – السرية‬

‫تمتاز المسطرة في الوساطة بضمان السرية التامة لكل ما يجري خاللها‪ ،‬و الحفاظ على أسرار الحياة الحميمية‬
‫لألطراف خاصة في النزاعات األسرية‪ ،‬و التي يؤدي إفشاؤها أمام المحاكم إلى تعميق الخالف و تأجيج النزاع‪ ،‬وبذلك ينبغي‬
‫للوسيط ضمان سرية ما يروج في جلسة الوساطة تحت طائلة العقوبة‪ ،‬حيث نص المقنن المغربي على هذه الخاصية من‬
‫خالل الفصل ‪ 66-327‬من ق‪.‬م‪.‬م‪،‬‬

‫ب – السرعة‬

‫أمام صعوبة و بطء المساطر القضائية و تعقيدها مما يجعل معه النزاع يدوم فترة أطول فيصبح معه األطراف رهائن‬
‫إلجراءات بطيئة قد تكون غير ضرورية و غير مبررة خصوصا إذا تعلق األمر بالنزاعات األسرية‪ ،‬مما تصبح معه هذه‬
‫النزاعات مستعصية و خارجة عن السيطرة من شأنها اإلضرار باستقرار األسرة و مستقبل األبناء إن وجدوا‪.‬‬

‫ت – االختيار‬

‫تعتبر الوساطة بطبيعتها اختيارية‪ ،‬ونقصد الوساطة االتفاقية‪ ،‬أي أن األطراف هم من لديهم الحق في االتفاق عليها‬
‫إراديا‪ ،‬مادامت تهدف إلى الوصول لحل حبي يرتضيه كال الطرفان‪ ،‬وال يلزم بذلك أحد باستثناء الوساطة القضائية‬

‫ث – المرونة‬

‫تتجلى هذه الخاصية في غياب القيود المسطرية التي من شأنها الحد من فعالية الوسيط و التأثير على مردوديته‪K‬‬

‫ج – محدودية التكاليف‬

‫‪23‬‬
‫تعد المصاريف القضائية إحدى سلبيات القضاء الرسمي‪ ،‬وذلك لكثرة الرسوم القضائية من مصاريف تقييد‪ K‬الدعوى و‬
‫أتعاب المحامين و أجور باقي مساعدي القضاء من مفوضين قضائيين و خبراء و مترجمين و غيرهم‪ ،‬و التي مافتئت تعرف‬
‫ارتفاعا مستمرا‪ ،‬مما يجعلها عبئا ثقيال على المتقاضين‪.35‬‬

‫ح – الحياد و عدم التحيز‬

‫تعتبر صفة الحياد من أهم الصفات التي يتميز بها الوسيط‪ ،‬و التي ينبغي له أن يتحلى بها قبل مباشرة أي نزاع‪ ،‬قصد‬
‫إيجاد حلول ودية بشأنه‪ ،‬وهذا طبيعي لكونه ال يملك السلطة إلجبار أي طرف على حل معين‪K،‬‬

‫د – مشاركة األطراف‬

‫يقصد بهذه الخاصية أن أطراف النزاع يحق لهم المشاركة و مساعدة الوسيط في إيجاد حلول للنزاع‪ ،‬وهذا ما يجعل‬
‫من هذه الخاصية تسموا بالوساطة األسرية عن باقي الوسائل البديلة األخرى‪ ،‬فتجعلها مقبولة من أغلب األطراف المتنازعة‪.‬‬

‫ذ – تخفيف العبء عن القضاء‬

‫فااللتجاء إلى الوساطة األسرية سواء كانت اتفاقية أو قضائية لحل النزاعات بعيدا عن القضاء سيؤدي ال محالة‬
‫لتخفيف العبء على القضاء خصوصا مع عدم إمكانية استئنافه أمام هيئة قضائية عليا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬شروط ممارسة الوساطة و نطاق تطبيقها‬

‫‪ – 1‬شروط ممارسة الوساطة األسرية‬

‫و بالرغم من أن المقنن المغربي كان سباقا إلى تنظيم الوساطة على بعض التشريعات العربية من خالل القانون رقم‬
‫‪ ، 05-08‬نه لم يحدد الصفات التي يجب توفرها في الوسيط على غرار باقي المهن القضائية‪ ،‬كاشتراط المروءة و األخالق‬
‫الحسنة و المعرفة القانونية عالوة على االستقالل و التجرد و الحياد تجاه أطراف النزاع‬

‫‪ -‬التحلي بالعقل و التجربة‬

‫‪ –2 -‬نطاق تطبيق الوساطة‬

‫و بناء على المبدأ الذي تقوم عليه الوساطة االتفاقية في القانون ‪ 05-08‬من أنها تجوز في كل ما يحوز فيه الصلح‪ ،‬وال‬
‫تجوز فيما ال يجوز فيه الصلح‪ ،‬فينبغي اإلشارة إلى أن القضايا التي يجيز فيها المقنن الصلح متعددة و مختلفة باختالف‬
‫االهتمامات االجتماعية و االقتصادية‪ ،‬ومن بينها قضايا األسرة‪ ،‬حيث نصت مدونة األسرة على وجوب الصلح قبل البت في‬

‫‪ 35‬عثمان أخديم‪ "،‬الوسائل البديلة لحل المنازعات األسرية –الوساطة نموذجا‪ ،"-‬رسالة لنيل دبل‪KK‬وم الدراس‪KK‬ات العلي‪KK‬ا المعمق‪KK‬ة في الق‪KK‬انون الخ‪KK‬اص‪،‬‬
‫جامعة عبد الملك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية‪ ،‬طنجة سنة ‪ ،2010-2009‬ص ‪. 46‬‬

‫‪24‬‬
‫الجوهر من قبل القضاء في القضايا الرامية إلى اإلشهاد على الطالق و التطليق بشتى أنواعه‪ ،‬باستثناء للغيبة لعلة عدم‬
‫حضور الطرفان من أجل القيام بمحاولة الصلح‪ ،‬وذلك واضح من خالل المواد ‪ 96 – 95 – 94 – 82 – 81‬و ‪ 113‬من‬
‫مدونة األسرة إضافة إلى المادة ‪ 180‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األطراف الفاعلة في الوساطة األسرية و مراحلها‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األطراف الفاعلة في الوساطة األسرية‬

‫‪ –1‬دور الوسيط في الوساطة األسرية‬

‫فالوسيط هو شخص يقوم بمساعدة و إرشاد األطراف نحو حل للنزاع‪ ،‬وذلك إلبراز المسائل الهامة و توضيح‬
‫المصالح المشتركة‪ ،‬فمن أجل ذلك يجب أن يتمتع‪ K‬الوسيط بمؤهالت عالية و كفاءات خاصة في ميدان المفاوضات و علم‬
‫االجتماع و علم النفس و أن تكون له قدرة عالية في اإلقناع‬

‫لذلك غالبا ما يكون الوسطاء من ذوي الخبرة في الميدان االجتماعي‪ ،‬كالمساعدين االجتماعيين أو المحامين أو‬
‫األطباء النفسانيين أو محترفين آخرين‪ ،‬والبد لهؤالء من اإللمام ولو شيئا ما بالمجال القانوني‪ ،‬إضافة على توفرهم على درجة‬
‫من الذكاء و تقنيات حسن االستماع و القدرة على طرح أكثر من حل للنزاع‬

‫‪ - 2‬دور القاضي في الوساطة األسرية‬

‫أن دور القاضي يزداد أهمية قصوى في الوساطة األسرية عند الحديث عن الوساطة القضائية‪ ،‬و التي تتم تحت‬
‫إشرافه المباشر‪ ،‬فإن بدا له أن النزاع المعروض عليه يمكن حله عن طريق الوساطة القضائية في زمن يسير و بصورة‬
‫تحافظ على السلم االجتماعي بين األطراف‪ ،‬طلب منهم التوجه إلى أحد الوسطاء المعتمدين‪ K‬لدى المحاكم‬

‫‪ – 3‬دور المحامي في الوساطة‬

‫ال شك أن المحامي يمكنه أن يلعب دورا مهما في الوساطة األسرية باعتباره شريكا في تصريف العدالة و جزء ال‬
‫يتجزأ من أسرة القضاء ‪ ،‬فباستطاعته إقناع موكله ابتداء باللجوء إلى الوساطة كطريق ودي لتصفية الخالفات من خالل‬
‫إطالعه على جدوى و أهمية هذه األخيرة‪ ،‬وما توفره من ضمانات وتجنبه الدخول في مساطر قضائية قد تطول مدتها و تثقل‬
‫كاهله تكاليفها‪.‬‬

‫‪ – 4‬دور األطراف في الوساطة األسرية‬

‫يلعب أطراف النزاع خاصة في النزاعات األسرية دورا هاما و جوهريا في عملية الوساطة األسرية باعتبارهم قطبا‬
‫النزاع‪ ،‬وهم بذلك أهم الفاعلين فيها باعتبارهم المعنيين‪ K‬بها في تسوية النزاعات القائمة بينهم‪ ،‬وبذلك فإنجاح عملية الوساطة‬

‫‪25‬‬
‫األسرية رهين بانخراط طرفا النزاع فيها و التزامهم بحضور جلساتها و البوح بخالفاتهما األسرية بكل صدق‪ ،‬إضافة إلى‬
‫االستعداد لتقديم بعض التنازالت للوصول لحل ودي يرتضيه كالهما‪،‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مراحل الوساطة األسرية‬

‫‪ – 1‬مرحلة التمهيد‪ K‬و اإلعداد للوساطة‬

‫هذه المرحلة هي أول و أهم مرحلة في مباشرة الوساطة‪ ،‬يقوم فيها الوسيط بالترحيب بأطراف النزاع و توضيح‬
‫مهمته لهم‪ ،‬وإشعارهما بضرورة التعامل مع النزاع بجدية و موضوعية و صراحة في بسط وجهات نظرهما‪ ،‬وتنبيههما على‬
‫ضرورة تقديم تنازالت متبادلة للوصول لحل ودي من شأنه أبقاء العالقة قائمة بينهما خصوصا في الميدان األسري‪ ،‬كما‬
‫عليه أن يلفت نظر الطرفان إلى العواقب الوخيمة الستمرار النزاع و انتهائه بقطع العالقة الزوجية بينهما‪ K،‬وكذا إكراهات‬
‫اللجوء إلى القضاء من صعوبات مسطريه و تكاليف مالية‪.‬‬

‫‪ – 2‬مرحلة جمع المعلومات و بدء إجراءات الوساطة‬

‫وفق هذه المرحلة يتم جمع المعلومات‪ ،‬حيث يقوم الوسيط بإعطاء الكلمة لكل طرف من أطراف النزاع لعرض وقائع‬
‫النزاع‪ ،‬وكذا مختلف المعلومات التي يستند إليها كل طرف‬

‫‪ – 3‬مرحلة وضع الخطوط العريضة و عنونة النزاع‬

‫هذه المرحلة التي يقوم فيها الوسيط بفرز نقاط الخالف و تحديد المشاكل التي تحتاج لحل‪ ،‬وبعد استفسار أطراف‬
‫النزاع حول ما إذا كانت هناك نقط أخرى إلضافتها‪ ،‬يقوم بوضع النقاط الرئيسية التي ينبغي الوصول لحل بشأنها‪ ،‬فيضع‬
‫عنوانا للنزاع بعد تصحيح ذلك مع األطراف‪ ،‬إذ من شأن ذلك فهم موقف كل طرف و تحديد طلباته‪.‬‬

‫‪ – 4‬مرحلة اقتراح الحلول‬

‫يقوم الوسيط خالل هذه المرحلة بفتح المجال للطرفين القتراح اكبر عدد ممكن من الحلول البديلة المبنية على تقديم‬
‫بعض التنازالت التي من شأنها أن تذيب الخالف‬

‫‪ – 5‬مرحلة التفاوض على الحلول‬

‫فبموجبها يتم فتح المجال للطرفين للحوار و النقاش و التفاوض بمساعدة الوسيط بغية البحث عن أفضل الحلول الممكنة‬
‫للنزاع‪ ،‬وعلى الوسيط أن يقوم بإدارة المفاوضات عن طريق مساعدة كل طرف في تفهم وجهة نظر الطرف اآلخر‪ ،‬مع‬
‫تركيزه على االهتمامات المشتركة بينهما‪ ،‬إضافة إلى مساعدة األطراف في طرح بدائل عن الحلول غير المتفق حولها‬
‫بينهما‪،‬كما يتوجب على الوسيط تذكير الطرفان بأهمية تقديم بعض التنازالت من أجل الوصول إلى حل توافقي‬

‫‪26‬‬
‫‪ –6‬مرحلة االتفاق و إنهاء النزاع وتتسم هذه المرحلة بالتوصل إلى حل ودي متفق حوله من شأنه إنهاء النزاع‪ ،‬وذلك‬
‫يأتي بعد تقديم تنازالت متقابلة‬

‫كما يقوم الوسيط في إطار الوساطة القضائية في حالة كللت بالنجاح‪ ،‬بتضمين الحلول المتفق حولها في ثالث نسخ‪،‬‬
‫يوقعها إلى جانب طرفي النزاع‪ ،‬فيضع نسخة في ملف القضية ويسلم كل طرف نسخة منه‪.‬‬

‫و في حالة الفشل‪ ،‬فإن خيار اللجوء إلى القضاء يضل مفتوحا في وجه طرفا النزاع في الوساطة االتفاقية‪ ،‬و أما في‬
‫الوساطة القضائية فيقوم الوسيط بإحالة ملف القضية على المحكمة المختصة بالنظر فيه طبقا لمسطرة التقاضي الجاري بها‬
‫العمل‪.‬‬

‫أبعاد الوساطة األسرية في التشريع المغربي‬

‫لقد عمد المغرب إلى مسايرة ما يجري في العالم لتحديث وتطوير أنظمته القانونية والقضائية‪ ،‬من خالل األخذ‬
‫بالوساطة كوسيلة بديلة لتسوية المنازعات‪ ،‬سواء المدنية أو الجنائية أو التجارية أو االجتماعية‪ ،‬مع مراعاة خصوصية‬
‫المجتمع المغربي‪.‬‬

‫وهناك مجموعة من المؤشرات الرسمية التي تدل بشكل واضح على األخذ بنظام الوساطة األسرية في مختلف‬
‫الميادين بما فيها األسرة‪ ،‬فقد تضمن الخطاب الملكي السامي الذي أعلن فيه جاللة الملك يوم الخميس ‪ 20‬غشت ‪ 2009‬عن‬
‫إطالق برنامج اإلصالح الشامل والعميق للقضاء التوجيه التالي‪ " :‬يتعين‪ K‬تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم‬
‫والصلح"‪. 36‬‬

‫كما تضمنت ديباجة مدونة األسرة عبارة مهمة ومؤشرة دالة على األخذ بالوساطة‪..." :‬وبتعزيز آليات التوفيق‬
‫والوساطة بتدخل األسرة والقاضي ‪."...‬‬

‫كذلك من األمور الدالة على األخذ بنظام الوساطة األسرية مبادرة وزارة العدل المغربية بتوقيع اتفاقية مع جمعيات‬
‫مدنية‪ K‬تم بموجبها تأسيس مركز "لالستماع والوساطة األسرية والمرافقة " يعمل على وضع آليات لتجاوز الخالفات‬
‫والنزاعات األسرية‪ ،‬سواء بين الزوجين أو بين األبناء وأوليائهم‪ ،‬وإرساء قنوات للحوار والتفاهم عن طريق وسيط تكون في‬
‫غاية السرية من أجل تجنب المآسي التي تتعرض لها األسرة‪.37‬‬

‫وإذا كانت هذه المؤشرات دالة فعال على نية المشرع في األخذ بنظام الوساطة األسرية فإنه أصبح اليوم من الالزم‬
‫اتخاذ مجموعة من التدابير لتطبيق هذه الوسيلة على أرض الواقع‪ ،‬ومن بين هذه التدابير‪:‬‬

‫‪ 36‬الخطاب الملكي السامي الذي أعلن عن إطالق برنامج اإلصالح الشامل والعميق‪ K‬للقضاء في تاريخ يوم الخميس ‪ 20‬غشت ‪2009‬‬
‫‪ 37‬المركز المغربي للدراسات واألبحاث المعاصرة تقرير الحالة الدينية في المغرب (‪ )2008 2007‬ص‪ 214:‬الطبعة األولى أكتوبر ‪2009‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ -‬تقنين نظام الوساطة األسرية في نصوص واضحة ومفصلة خالية من الغموض وغير قابلة لعدة تأويالت‪ ،‬ومن‬
‫األفضل األخذ بنظام الوساطة القضائية وأن تكون اختيارية‬

‫‪ -‬التنصيص على اعتبار أتعاب المحامي من المصاريف القضائية لكي يتحملها خاسر الدعوى من الطرفين‪ ،‬األمر‬
‫الذي سيعد حافزا لألطراف على الصلح‪.‬‬

‫‪ -‬تشجيع األطراف كذلك على اللجوء إلى الوساطة بإعادة النظر في مبلغ المصاريف القضائية المؤدى عنها‪.‬‬

‫‪28‬‬

You might also like