Professional Documents
Culture Documents
المساعدة القضائية والقانونية بين منطوق النص القانوني ومدى فعاليتها في المحاكم
المغربية
تقــــــديم:
ارتبط مفهوم العدالة في التاريخ الحديث بالتقاضي أمام المحاكم
التي أنشأتها الدول لتكون فيصلا في النزاعات الحقوقية ،وحكما عدلا
في ايقاع العقوبات على مرتكبي الجرائم بهدف ضمان الحقوق وفرض
سيادة القانون كنتيجة نهائية ،إلا أن الممارسات العملية مع مرور
السنوات أظهرت عجز الفئات غير المقتدرة ماديا عن الوصول للنظام
القضائي والاستعانة بمحام يمثلها لضمان المحاكمة العدالة مما أدى إلى
ظهور ما يعرف بالمساعدة القضائية والقانونية إحدى أهم حلقات
التمكين القانوني .
وقد ظهر نظام المساعدة القضائية لأول مرة في فرنسا بمقتضى
مرسوم 16/22غشت ، 1790تم بعد ذلك صدر أول قانون
متكامل للمساعدة القضائية بتاريخ 22يناير 1851الذي بموجبه
تتكفل الدولة بتقديم الرعاية للمواطنين الذين لا قدرة لهم على أداء
رسوم أو أتعاب المحامي وذلك بتحقيق مبدأ المساواة القانونية[ . ]1أما
في المغرب فقد أثبت فعاليته كذلك للحفاظ على الحقوق من الانتهاك
بعد اصدار المرسوم الملكي المتعلق بالمساعدة القضائية بتاريخ فاتح نونبر
.1966
إن أساس المساعدة هو اتاحة فرصة لمن ليس له إمكانية مادية
لممارسة حقوقه أمام القضاء لاستفادة من مجانية الدفاع و الإعفاء
إقرارا لمبدأ المساواة القانونية التي نصت عليها المواثيق الدولية الخاصة
بحقوق الإنسان ولهذا الغرض تم إحداثها .
فالمساعدة التي يستفيد منها المتقاضي تدخل في إطار الرسالة
الإنسانية النبيلة ،حيث أنه في السنوات الأخيرة بدأت مبادرة
المجتمع المنفتح للعدالة وهي إحدى البرامج التي تمكن المواطنين من
السعي الى التعزيز والدعم والتمكين القانوني للمجتمعات المحلية الفقيرة
والمستضعفة [.]2
إلا أن فعالية المساعدة داخل المحاكم تواجهها صعوبات نظرا
لمجموعة من العوامل و الإكراهات التي تعترض المتقاضين هذا ما
يجعلنا نحدد كل من ماهية المساعدة القضائية وأنوعها وأثرها
(المطلب الأول ) ،اضافة إلى الفرق الذي يميزها عن المساعدة
القانونية ومجالات تدخلها (المطلب الثاني ) ،و أخيرا مدى فعالية
كل من المساعدتين داخل المحاكم المغربية (المطلب الثالث ).
المطلب الأول :ماهية المساعدة القضائية وأنوعها :
وكما نص عليه مشروع التنظيم القضائي الجديد الذي لم تنتهي كل تفاصيله في المادة
السادسة منه ”طبقا ألحكام الفصل 121من الدستور ،يكون التقاضي مجانيا في الحاالت
المنصوص عليها قانونا لمن ال يتوفر على الموارد الكافية للتقاضي.
وتتم االستفادة من المساعدة القضائية والمساعدة القانونية طبقا للشروط التي يحددها
القانون ”
على هذا األساس يمكن تحديد مفهوم المساعدة القضائية ،إذ يعرفها الدكتور ادريس
العبدالوي[ ” ]3بأنها تدبير أقره المشرع لمصلحة المتداعيين الذين ال تمكنهم حالتهم المادية
من دفع نفقات الدعوى ،فيستطيعون بموجبه رفع هذه الدعوى والسير بها وإتمام جميع
اجراءات التحقيق فيها ،حتى صدور الحكم وتبليغه والطعن فيه عند االقتضاء بالطرق
القانونية وإجراء تنفيذه ،وتسخير محام يساعدهم في خصومتهم مجانا … “
ويقصد بها كذلك اعفاء المتقاضي مدعي كان أو مدعى عليه أو متدخال في الدعوى من
أداء رسوم ،وكذا تعيين محام ينوب عن المعني باألمر [ ]4وكذا الرسوم القضائية
والمصاريف بعد التأكد وإثبات عسر الفئة التي ال تتوفر على الموارد الكافية للتقاضي .
بالتالي يتبين على أن جل المفاهيم تصب في منحى واحد ،كما أن المساعدة القضائية
التي يستفيد منها المتقاضي تدخل في اطار الرسالة االنسانية النبيلة ،وهناك العديد من
الحاالت التي أعفى فيها المشرع المغربي من أداء الرسوم القضائية بشكل نهائي[ ]5لعل
أهمها.
وتطبق هذه المساعدة على كل نزاع وعلى المطالبات بالحق المدني أمام محاكم التحقيق
وإصدار األحكام ،كما تطبق خارج كل نزاع أعمال القضاء اإلداري واألعمال التحفظية
……”.
– األشخاص الطبيعيين،
تتم االستفادة من المساعدة القضائية مبدئيا [ ]8على نوعين ،فهي إما بناء على طلب أو
بحكم القانون .
تقتصر على طرف وحده سواء أكان مدعيا أو مدعى عليه مستأنفا أو مستأنفا عليه،
طالبا للنقض أو مطلوب للنقض.
لهذا فإنه على الراغب في الحصول على المساعدة تقديم طلب كتابي معفي من الرسوم
بالنسبة لجميع المحاكم ،الى وكيل الملك بالمحكمة االبتدائية أو وكيل العام الملك بمحكمة
االستئناف و النقض ورئيس المحكمة االدارية، حيث يجتمع أعضاء المكتب لهذه الغاية
ويتكون من أعضاء حددهم المرسوم الملكي ،ويكون الطلب الكتابي مرفوق بالوثائق التالية
.
أما إذا تعلق األمر باألشخاص المعنوية الخاصة والتي تم االشارة لها ،فيشترط أن يكون
غرضها اسعافيا مع إثبات عدم كفاية مواردها المالية [. ]9
بالتالي فالمساعدة القضائية بناء على طلب فتتقرر لطالبها في حدود الدعوى المقدمة
بشأنها ،وتنتهي بمجرد صدور الحكم عن المحكمة التي قدم الطلب أمام وكيل الملك لديها ،
بمعنى أنها تنتهي بانتهاء المرحلة التي تمت فيها .وإن رغب المعني في االستفادة منها في
المرحلة القضائية الالحقة، فما عليه إال أن يتقدم بطلب جديد إلى ممثل النيابة العامة[]10
.
تتم االستفادة من هذه المساعدة األطراف المحددة بموجب القانون ويتعلق األمر
،بالمطلقة في دعوى النفقة واألجراء مدعين كانوا أو مدعى عليهم ،والدعوى أمام قضاء
القرب ،وطلبات الغاء القرارات اإلدارية ،كما أنها تمتد االستفادة في المساعدة القضائية
إلى ذوي حقوق الطرف أيضا.
وبالتالي فالمساعدة بحكم القانون تتميز بنوع من التوسع من حيث النطاق إذ ال تقتصر
فقط على النتائج المباشرة للدعوى وإنما تتجاوز ذلك بكثير خاصة من حيث النطاق الزمني
.و تتقرر لصاحبها ابتدائيا و استئنافيا فتستمر إلى حين مرحلة البث على مستوى الدرجة
األولى .وبعد ذلك ال يستفيد منها أمام محكمة النقض إال بتقديم طلب وإال وجب عليه أداء
كل الصائر والرسوم والمصاريف التي تتطلبها مرحلة التقاضي أمام محكمة النقض.
نستشف من هذين النوعين أنه من أجل استفادة هؤالء األشخاص من المساعدة القضائية
البد من شروط :
– إثبات حالة العسر ،ومن تم فإن رئيس مكتب المساعدة القضائية [ ، ]11ال يفتح ملف
طالب المساعدة القضائية إال اذا كان هذا األخير يتوفر على شهادتين العوز وعدم أداء
الضريبة التي تعتبر بمثابة قرينة على عسره .
تترتب على المساعدة القضائية أثارا ال تخلو من أهمية سواء بالنسبة للمستفيد من
المساعدة القضائية أو بالنسبة لسريان األجل.
حسب الفصل 10من المرسوم الملكي 1966السيما الفقرة األخيرة “… وال يسوغ
للمستفيد من المساعدة القضائية الذي يرفع استئنافا أصليا أو طلبا للنقض أن ينتفع من
أجل طرق الطعن المذكورة بالمساعدة القضائية الجديد إال إذا منحت إياه بمقرر جديد”.
يتضح أن المستفيد من المساعدة القضائية ال يمكن أن يمارس الطعن ضد حكم صادر
في نزاع ،إال بعد سلوك مسطرة جديدة وإال اذا حصل من جديد على قرار يمنحه
المساعدة وفق الفصل ، 10وحسب هذا األخير يتبن بأنه لم يتناول( طعن بالتعرض و
اعادة النظر) إنما اقتصر على ذكر االستئناف والنقض ،وعليه بإمكانه االستفادة في هذه
الحالة دون أن يكون ملزما بسلوك مسطرة جديدة للحصول على مساعدة مادام المنع ال
يكون إال بنص صريح.
كذلك من االثار التي تواجه المستفيد من المساعدة القضائية أن هذه األخيرة ال تمنح إال
مؤقتا ،حيث يمكن سحبها في أي مرحلة من مراحل الدعوى انتهت بصدور حكم أم ال ،
وذلك فيما إذا أثبت أن حالة العسر قد زالت نتيجة توفر المستفيد على موارد أو استفادته
من مبالغ مالية نتيجة تنفيذ حكم لفائدته ،كما يمكن أن تسحب إذا تم التشطيب على
الدعوى أو تمت المصالحة بين الخصوم أو لوحظ تماطل من طرف المستفيد يبدو منه أنه
ال يرغب في متابعة الدعوى( الفقرة الثالثة من فصل 13من المرسوم ).
تجوز المطالبة بالسحب إما من طرف النيابة العامة ،أو ممثل وزير المالية أو تلقائيا من
المكتب ،ويكون في كل الحاالت مدعما بأسباب الفصل 15من المرسوم .ويترتب عن
السحب مطالبة المستفيد من أداء األتعاب واألجور ومختلف التسبيقات التي اعفي منها.
تتعلق أثار المساعدة القضائية كذلك باألجل ،فإذا كان الطلب ال يوقف األجل أمام
المحاكم االبتدائية واالستئناف لكونه ليس طلبا قضائيا ، فإنه امام محكمة النقض يوقف
األجل ،وال يبدأ هذا السريان إال من يوم التبليغ بقرار منح أو رفض المساعدة القضائية
للمعني باألمر طبقا للفقرة األخيرة من الفصل 6من المرسوم ” … يوقف ألجل بشأن محكمة
النقض ابتدءا من ايداع طلب المساعدة القضائية بالنيابة أو النيابة العامة للمحكمة …” ،
لذلك يتعين على المعني تقديم طلبه إلى وكيل العام للملك حتى يستفيد من وقف األجل.
“ الحق يقال على أن هذا النظام كان معروفا في األنظمة الغربية حيث عمل المشرع
المغربي على إحداثه وسماه بقانون الولوج إلى القانون والعدالة الصادر بتاريخ 10يوليوز
1991والذي تم تعديله هو األخر بقانون 18دجنبر 1998بمقتضى قانون 98.1163
المتعلق بالولوج إلى القانون وإلى التسوية السليمة للمنازعات”[. ]12
وقد أشار مشروع القانون 38.15المتعلق بالتنظيم القضائي أول مرة للمساعدة
القانونية في المادة السادسة منه التي جاء فيها أنه “طبقا ألحكام الفصل 21من الدستور
،يكون التقاضي مجانيا في الحاالت المنصوص عليها قانونا لمن ال يتوفر على الموارد
الكافية للتقاضي .
تتم االستفادة من المساعدة القضائية والقانونية طبق للشروط التي يحددها القانون “،
بالتالي فهي عمل يقوم على المشورة والمساعدة والتمثيل القانوني لألشخاص الذين ال
يملكون الوسائل الكافية للتقاضي أمام المحاكم ،نظرا لعامل األمية أو غير ذلك ،هذه
المساعدة كجزء من برامج تحقيق الوصول للعدالة ضمن مجموعة من الشروط التي تحدد
فاعلية تقديم الخدمة وتحقيق عدالة نزيهة قابلة لإلنقاذ والتطبيق .
كما أنها وسيلة لالستفادة من اإلرشاد والتوعية بمختلف الوسائل الممكنة لتسهيل الولوج
إلى العدالة ،كما أنها نظام تسعى الدولة المغربية إلى إحداثه ،والغرض األساسي منه هو
تمكين جميع المواطنات والمواطنين من تحقيق المبتغى في أسرع وقت وبأقل تكلفة بل
وفي أحسن ظروف وعادة ما يتم تقديمها للفئات غير الملمة بالمسائل القانونية ،ويعد
ميثاق اصالح منظومة العدالة والذي دعى سنة 2013وبالضبط الهدف الرئيسي الرابع
“ارتقاء بفعالية و نجاعة القضاء [ ”]13إلى ضرورة احداث مساعدة قانونية وذلك في
التوصية رقم 131وكذا تسهيل الولوج إلى المحاكم من خالل نظام المساعدة القانونية
المجانية .
وتجدر اإلشارة إلى أنه هناك اختالف بين كل من المساعدة القانونية والقضائية نشير
إلى بعضها باختصار :
– تهدف المساعدة القانونية إلى رفع الوعي القانوني لدى عموم المواطنين وذلك بتقديم
استشارات قانونية بطريقة غير مباشرة تكريسا لحقوقهم وإظهارا اللتزاماتهم فهي عبارة
عن نصح و ارشاد و توجيه .
– أما المساعدة القضائية فهي نظام استحدث بمقتضى المرسوم الملكي الصادر في نونبر
1996المعتبر بمثابة نظام المساعدة القضائية ،ومن خالله ،يتم إعفاء المتقاضين
المعوزين الذين يثبت عسرهم عن أداء المصاريف القضائية أو أتعاب الدفاع .
ويمكن ادراج المساعدة القانونية ضمن الحق في الحصول على المعلومة الذي نص عليه
الدستور المغربي لسنة 2011كحق لجميع المواطنات والمواطنين بمقتضى الفصل 27من
الدستور ” للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات ……”[ ]14هذا الحق الذي
صدر على إثره قانون 31.03المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة[ ]15مع مراعاة
بعض االستثناءات ، الذي يعد من بين أهم المساعدات القانونية من أجل تحسين ظروف
استقبال المواطنات والمواطنين بالمحاكم وتعميم المعلومة القانونية والقضائية ،التي
يمكن سلوكها للمحافظة عليها ،حيث تعد هذه الحقوق من أهم الطرق لممارسة حق
التقاضي .
يعمل كذلك مشروع 38.15الذي لم تنتهي كل تفاصيله على تجسيد المساعدة القانونية
من خالل إحداث مكتب للمساعدة االجتماعية في كل محكمة من المحاكم بالمملكة ومن
أجل تمكين عموم المتقاضين من تعرف ولو بصورة نمطية عن حقوقهم وواجباتهم
المرتبطة باإلجراءات اإلدارية والقضائية وهذا ما نأمل أن يحققه كل من قانون الحق في
الحصول على المعلومات[ ، 31.03 ]16وكذا مشروع 38.15من خالل احداث مكاتب
واستجابة المحكمة الدستورية له اللذان يعدان من مظاهر المساعدة القانونية .هذه
المساعدة التي تهدف الى رفع الوعي لدى المواطنين تكريسا لحقوقهم و اظهارا
اللتزاماتهم.
لعل بداية نشوء المساعدة القانونية كان لحماية األشخاص الذين ال يملكون الكفاية
والقدرة لمتابعة وتحصيل حقوقهم وهذا نابع ،من فكرة أن تكون العدالة في متناول
الجميع ،فمن بينهم الفئات األكثر عرضة اإلنهاك وأصحاب االحتياجات الخاصة ،وفئة
األطفال واألرامل والالجئين وضحايا االتجار بالبشر]17[.
وعلى هذا األساس تتعدد مجاالت المساعدة القانونية وهي مستمرة في التطور
والتحديث طالما أن التصرفات البشرية متطورة ومتجددة فعلى مستوى قضاء األسرة
وكذا التكفل بالنساء ،واألطفال وضحايا العنف وقد انطلق هذا المسار بمختلف المحاكم من
أجل البحث عن أنجع السبل التنسيق فقد أصدرت وزارة العدل دليال للتكفل القضائي
بالنساء واألطفال سنة [ 2010]18رغم قدمه إال أنه كانت له فعالية في المستقبل مثل
اصدار قانون 103.13المتعلق بممارسة العنف ضد النساء ،كما أن التكفل يطال االطفال
في مختلف الوضعيات ،وتوسيع استفادة النساء المعوزات والفئات الهشة هذه التي غالبا
ما تحتاج للحصول على المساعدة القانونية والتي تدعو كافة النظم لها وتتجلى هذه
المساعدة في العدالة الصديقة للطفل الحدث.
وسعيا نحو توفير خبراء نفسين مختصين في علم نفس الطفل لدى المحاكم وتنمية
العمل بشراكات مع كل من المجتمع المدني والجمعيات ،قد أكد وزير العدل بن عبد القادر
على أن الوزارة اتخذت إجراءات العملية لتفعيل نظام المساعدة كذلك لفائدة المهاجرين
لضمان تمتعهم بقواعد المحاكمة العادلة تشمل حماية ضحايا الجريمة والمؤازرة بمحام
وترجمان[ .]19إذا كانت هذه المبادرة تسير في االتجاه الصحيح ،نحو تحسين ظروف
االستقبال ومساعدة المتقاضين ،وتسهيل الولوج للخدمات القضائية ،فإنه ينبغي التفكير
في وضع تصور واضح لطبيعة عمل هذه المؤسسة ومجاالت تدخلها ،ومساعدة المتقاضين
وسائر المرتفقين ،قانونيا ومسطريا .
المطلب الثالث :مدى فعالية المساعدة القضائية والقانونية في المحاكم المغربية .
نؤكد في هذا الشق أنا المساعدة القضائية في المغرب مؤسسة نظمت بمقتضى المرسوم
الملكي المعتبر بمثابة قانون صادر سنة ، 1966وإذا كان هذا األخير أي النص القانوني
المنظم للمساعدة يعود إلى فترة الستينيات من القرن المنصرم ،فإن عملية االستفادة منه
بشكل كبير ال تتحقق للعديد من مرتفقي العدالة في العقد الثاني من القرن 21مع العلم أن
المساعدة تمنح لفائدة فئة معينة تعيقها صعوبات من أجل تحقيق المطلب األسمى الذي
يتمثل في األمن القضائي الذي بموجبه يتم حماية الحقوق [ .]20
يتضح على أن المشرع المغربي استلزم مجموعة من الشروط واإلجراءات المعقدة في
أحيان كثيرة لالستفادة من المساعدة ،ذلك وأن مكتب المساعدة القضائية ال يمكن له فتح
ملف طالب المساعدة اال اذا كان يتوفر على شهادتي العوز وعدم أداء الضريبة مع إجراء
بحث بواسطة السلطة المحلية أو الشرطة القضائية [ . ]21
رغم ذلك فإنه تبين على أن المساعدة القضائية تحظى باهتمام كبير من قبل الوزارة
تفعيال لحق المواطنين في الولوج إلى العدالة وضمان أداء مستحقات المحامين
المعينين[ ، ]22وعلى هذا األساس يمكن التطرق لبعض االحصاءات السنوية إلثبات مدى
استجابة مرسوم المساعدة للمواطنين ،حيث يتبين على أن المساعدة القضائية بمحكمة
النقض يميل إلى قبول طلبات المساعدة استنادا إلى العسر وجدية الطلب .
يتبين على أن عدد الملفات التي تم البث فيها بقبول الطلب يفوق بكثير تلك التي تم
البث فيها برفض الطلب ،في هذا السياق فإن عدد الطلبات المساعدة القضائية
المسجلة[ ، ]23بلغ خالل 2013ما يناهز 137طلب ، وفي سنة 2014تراجع حيث وصل
الى 106 طلب ، وفي سنة 2015 ناهز العدد 152طلب ، أما في سنة 2017ارتفع
العدد ليصل الى 283طلب ،أما بخصوص مآل الطلبات فإن مكتب المساعدة أصدر خالل
2018ما مجموع 79قرار بقبول طلب المساعدة ،منها 67قرار بتعين ومؤازرة المحامي
واإلعفاء من الرسوم في حالة إثبات العسر وعدم المماطلة .إال أنه تقرر رفض مجموع من
الطلبات إما من خالل التشطيب عليها أو إحالتها على االختصاص حيث أنه في سنة
2016تضمن المعدل 28طلب ،وخالل سنة 2017تضاعف العدد ليصبح 48طلب ،أما
سنة 2018استقر العدد في 44 طلب ،حيث أكد الوزير على أن عدد المستفيدين شهد
ارتفاعا في السنوات المنصرمة وأشار الوزير كذلك إلى أن قيمة المبالغ المنفذة في إطار
هذا النظام وصلت 17مليار درهم سنة 2018بصفة كلية .
ورغم فعالية هذا المرسوم إال أنه يثير صعوبات تتمثل في كل من تعقد اإلجراءات ،وتعدد
الوثائق التي قد تكلف مصاريف اضافية للمتقاضين ،عدم شمول مقتضيات المساعدة لبعض
مراحل الدعوى ،هيمنة جهاز النيابة العامة على مكاتب المساعدة القضائية ،ولتجاوز هذه
االختالالت يمكن:
– مراجعة القانون المنظم للمساعدة القضائية بشكل يجعله متالئم مع روح الدستور
والمواثيق الدولية .
– اعتماد بطاقة الرميد كأحد معايير الاستفادة من المساعدة
القضائية .
– احداث مؤسسة عمومية تتكون ادارتها من هيئات حقوقية وكذا
الفاعلين في المجتمع المدني والأطر المهنية تحت رعاية رئيس
الحكومة[. ]24
خــــــاتـــمة:
لطالما شكل موضوع المساعدة القضائية جدال واسعا نظرا لطبيعة األطر المؤسسية ،
ولطبيعة األدوار التنظيمية من المسؤوليات واالختصاصات ،وتجب اإلشارة إلى أن العمل
بالمساعدة المحدثة بالمرسوم يحتاج إلى تضافر جهود فردية ومؤسسية على حد سواء في
إطار قانوني وبشراكة بين األطر المهنية ذات العالقة والجمعيات والفاعل األساسي أال
وهو المحامي ومؤسسات المجتمع المدني ،ووزارة العدل ،وكذا المجلس األعلى للسلطة
القضائية ،ومراكز التأهيل ورعاية األطفال ،تحت سلطة المشرع التخاذ كافة التدابير
التشريعية لضمان التنفيذ والتطبيق الفعال للمساعدة القضائية والقانونية ،غير أن هذه
األخيرة أكثر سعة ألن المساعدة القضائية تقف عند اجراءات التقاضي بينما المساعدة
القانونية تتصل بكافة الحقوق التي يمنحها الدستور والقانون للمواطن الذي يحتاج إلى
فهم حقوقه السياسية ،وكيفية ممارسة حقوقه االقتصادية واالجتماعية ،وغيرها .
فكل هذه الحقوق تمارس خارج نطاق العمل القضائي ،إال إذا حصل اعتداء أو خرق لها
فإن القضاء يتدخل بناء على طلب من المتضرر لحماية الحق .كل هذا من أجل تعميم األمن
واالستقرار للرفع من كفاءة العمل القانوني والحقوقي.
[ ]1النقيب المكاوي بنعيسى المساعدة القضائية بين مجانية الدفاع وأداء األتعاب في القانون
المغربي ص .5
[ ]2مقدمو المساعدة القانونية المجتمعين دليل الممارسين المساعدة القانونية ص .5
[ ]3ادريس العبدالوي “الوسيط في شرح المسطرة المدنية ” القانون القضائي الخاص ص
.283
محمد القادوري المساعدة القضائية مجلة رسالة المحاماة العدد 2ص ]4[.
[ ]5محمد بالهاشمي تسولي االعفاء من اداء الرسوم القضائية ومجانية الدفاع في التشريع
المغربي ص .7
[ ]6قضاء القرب هو قضاء مجاني معفى من الرسوم بشكل عام وفف ما نصت عليه المادة 6
من قانون ، 42.10تكون المسطرة قضاء القرب مجانية ومعفاة من جميع الرسوم القضائية .
[ ]7عبد الرحمان الشرقاوي التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة أو
البديلة ص .27
[ ]8عبد القادر قرموش قراءة في ضوء التعديالت القانونية الجديدة ومشروع قانون
التنظيم القضائي الجديد 38.15ص .37
[ ]9يشترط في الشخص المعنوي أن يكون مؤسسة عمومية ذات مصلحة عمومية أن يكون
متمتع بالشخصية المعنوية غير قادر على ممارسة حقوقه
[ ]11يتكون مكتب المساعدة القضائية وكيل الملك لدى المحكمة االبتدائية ،نائبه ممثل لوزارة
المالية محام تعينه المحكمة ،لدى محكمة االستئناف وكيل عام للملك و نائبه وباقي أعضاء
المكتب مثل المحكمة االبتدائية آما لدى محكمة النقض وكيل عام للملك ثالث مستشارين
ممثل لدى وزارة المالية وقد اسند المشرع رئاسة المكاتب قضاة النيابة العامة ،ويقوم بمهام
كاتب المكتب موظف لدى كتابة الضبط أو من النيابة العامة.
[ ]13ميثاق اصالح منظومة العدالة الهدف الرئيسي الرابع االرتقاء بفعالية ونجاعة القضاء ص
.77
[ ]15قانون 31.03المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة جريدة الرسمية 6655بتاريخ
12مارس .2018
[ ]16عبد الرحيم أمين عدالة القرب بالمغرب محاولة وضع مقومات وتقيم الحصيلة أطروحة
دكتوراه ص .79
[ ]17صدام أبو عزام المساعدة القانونية ،نظرة حول التنظيم والمأسسة ص .18
– توخي السرعة والفعالية والنجاعة في تطبيق القانون بغية التكفل بالنساء واألطفال .
[ ]19ندوة دولية “الهجرة في ضل التحوالت كونية وتأثيرها على المرجعيات القانونية.
[ ]20يونس العياشي األمن القانوني والقضائي وأثرها في التنمية االقتصادية واالجتماعية ص
.6
[ ]22كلمة الوزير السابق أوجار يوم االثنين بالرباط حول االستفادة من المساعدة القضائية
.2019/02/04
[ ]23عدد الطلبات المساعدة القضائية بالنيابة العامة لمحكمة النقض خالل سنوات 2013
.2018-
الوقائع
وان هذا القرار اصبح حائزا لقوة الشيء المقضي به بعد ما قضت محكمة النقض
برفض طلب النقض المقدم ضده من طرف النيابة العامة وذلك بمقتضى القرار
الصادر عنه بتاريخ 24يونيو 2009في الملف الجنائي عدد , 3146/2009
ونتيجة لهذه الوضعية قضى رهن االعتقال االحتياطي ما يناهز سنتين و عشرة
اشهر مما الحق به ضررا بليغا ناتجا عن اعتقاله وحرمانه من حقه في الحرية وعن
ظروف اعتقاله والحق ضررا بأسرته التي اضطرت لالنتقال اسبوعيا لزيارته
بالسجن المحلي بسال طيلة مدة اعتقاله وان هذا االعتقال ناتج عن سوء تقدير
قضاة الحكم لوسائل االثبات المتوفرة لديهم وتخلفهم عن البحث في توفر اركان
الجريمة المنسوبة اليه واكتفائهم بسرد الوسائل التي اعتبروها كافية وقوية إلدانته
وهو ما شكل خطأ قضائيا بمفهوم المادة 122من دستور المملكة مما يستوجب
تعويضه عنه ألجله يلتمس الحكم على المدعى عليهم (-1الدولة في شخص رئيس
الحكومة بمكاتبه بالرباط -2وزارة العدل في شخص وزيرها بمكاتبه بالرباط -3
الوكيل القضائي للمملكة بمكاتبه بالرباط -4المجلس االعلى للسلطة القضائية في
شخص الرئيس المنتدب بمكاتبه بالرباط).
بأدائه لفائدته مبلغ 600.000.00درهم جبرا للضرر الحاصل له جراء حرمانه من
حريته طوال الفترة المذكورة مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وتحميل المدعى
عليهم الصائر وان المحكمة االدارية بالرباط اصدرت حكمها القاضي برفض الطلب
وتحميل رافعه الصائر .
التعليق :
يثير هذا الحكم وكذلك موضوع الدعوى سؤاال عريضا يتعلق بالمسؤولية المفترضة
للقاضي في ضوء الدستور والتشريع واالتفاقية الدولية التي صادق عليها المغرب.
لقد أقر الدستور المغربي لسنة 2011في الفصل 122منه ” :حق لكل متضرر من
خطأ قضائي الحصول على تعويض تمنحه الدولة .
لقد كان االجتهاد القضائي الصادر عن ادارية الرباط هو رفض طلب التعويض الذي
تقدم به الضحية جراء حصوله على البراءة بعد اعتقاله لمدة سنتين وعشرة اشهر.
وقد قرر الحكم االداري بان تطبيق مقتضيات الفصل 122من الدستور المغربي
يقتضي صدور قانون خاص بالتعويض عن حاالت االعتقال االحتياطي على غرار ما
اقره المشرع الفرنسي او يحدد المقصود بالخطأ القضائي وكذلك يبين الحدود
الفاصلة بين هدف كفالة حق التعويض للمتضرر وتكريس حقه في مقاضاة الدولة
عن هذا الخطأ وضمان استقالل القضاء وبالتالي بيان حاالت مسؤولية القاضي
الشخصية والمسؤولية المرفقية القائمة على الخطأ ,وتلك التي ال تحتاج الى اثباته
باعتباره خطأ مفترضا في اطار تطبيق نظرية المخاطر .واضاف بانه ال مجال
لتطبيق نظرية المخاطر في هذه الحالة النعدام موجباتها لكون النص الدستوري
يتحدث عن الخطأ او الغلط في تطبيق القانون ,وان الطلب الرامي الى التعويض
عن الخطأ القضائي غير مؤسس ويتعين الحكم برفضه وتطبيقا للدستور والقانون
رقم 90.41 المحدثة بموجبه المحاكم االدارية والقانون الجنائي قضى برفض
الطلب وتحميل رافعه الصائر ولذلك اعتقد ان الحكم الصادر عن ادارية الرباط قد
بث في اشكالية قانونية دقيقة من شانها طرح الموضوع لالجتهاد.
وفي نظري المتواضع ان الحكم االداري الصادر في القضية موضوع التعليق جانب
الصواب حيث ان البث في الطلب يستوجب بالضرورة بيان اساس المسؤولية عن
العمل القضائي وتجدر االشارة الى ان المسؤولية االدارية عموما تستند في أساسها
على نظرية الخطأ الناتج اهمال اال في حاالت استثنائية تكريسا لمبدا سيادة الدولة
وحجية االمر المقضي به ,اال ان مجال المسؤولية االدارية قد تجاوز هذه النظرية
الثقليدية اذ أصبحت مسؤولية االدارة واردة على اساس المخاطر التي يمكن ان
تنتج عن نشاطاتها غير المشروعة بغض النظر عن أي خطأ قد ترتكبه في اطار
قيامها بالمهام المنوطة بها .
اعتبارا فقط للمخاطر المتصلة بطبيعة المرفق القضائي الذي تضطلع بتسييره او
بالنشاط الذي تقوم به ,وبهذا توج المغرب مساره الحقوقي والقانوني باالستجابة
للمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب بدون تحفظ ومن بينها العهد الدولي
للحقوق المدنية والسياسية ,وكذا مبادئ احترام حقوق االنسان وكذا الضمانات
الحمائية لحقوق المتقاضين كما هي متعارف عليها دوليا ,وبذلك أقر مسؤولية
الدولة عن الخطأ القضائي الذي يعد من اهم المستجدات التي جاءت بها المادة
122من دستور 2011وبذلك شكل الحدث ثورة نوعية في المسار التشريعي
المغربي.
كما أن مقومات الدولة تقوم على مبدأ التوازن بين حقوق المتقاضين وواجباتهم
في تحمل االعباء وتحقيق مبدأ التكافل الذي نص عليه الدستور في الفصل 40منه
فان الدولة تكون بالمقابل ملزمة بتحمل مخاطر االضرار التي تسببها اعمالها
ونشاطاتها وان مسؤوليتها عن ذلك تندرج في اطار المسؤولية عن المخاطر التي
تتحقق بمجرد حصول الفعل الضار وإثبات المتضرر كون الضرر الذي لحقه ناتج
عنه مباشرة بصرف النظر عن وقوع الخطأ من جانب االدارة من عدمه ومدى
جسامته وتوفر الدولة على االمكانيات الفعلية لتجنب الفعل الضار من عدمه ويعد
ذلك بمثابة تكريس لمنطق العدالة الذي يحتم رفع الضرر عن المتضرر مهما كان
مصدره بدون االلتفات الى خطأ الدولة وكذا تطور موضوع المسؤولية عن االخطاء
القضائية الذي كرسه دستور المملكة المغربية .
لذلك فان مسؤولية الدولة قائمة على الضرر الالحق بالضحية المتضرر والمتمثل في
اعتقاله وقضائه مدة محددة في السجن تصل سنتين وعشرة اشهر رغم براءته
بدون ما حاجة الى ضرورة اثبات الخطأ من جانب الدولة.
ويبقى تقدير التعويض للسلطة التقديرية للقضاء االداري بناء على وقوفه على مدى
حجم االضرار المادية والمعنوية المطلوب التعويض عنها من خالل الحجج
والمؤيدات المدلى بها وكذا الشواهد الطبية المدلى بها أو حتى اللجوء الى اجراء
خبرة قضائية لتحديد الضرر الذي تعرض له صاحب الطلب .
وهناك قرارات قضائية تؤسس لذلك نموذجا القرار الصادر عن محكمة االستئناف
االدارية بمراكش تحت عدد 335بتاريخ 19فبراير 2015في الملف عدد
1642/1914/2013وكذا القرار الصادر عن االستئناف االدارية بمراكش ايضا
بتاريخ 04اكتوبر 2017في الملف عدد . 415/7114/2017
هذا االتجاه تبنته أيضا المحكمة االدارية بمراكش من خالل الحكم رقم 223
الصادر بتاريخ 28فبراير 2018 في الملف رقم 1318/7112/2017الذي اسس
لقاعدة مفادها :
اوال :أنه يحق لكل متضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة
طبقا لمقتضيات الفصل 122من دستور المملكة لسنة .2011
ثانيا :أن مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي تعتبر مسؤولية بدون خطأ استنادا
الى نظرية المخاطر القائمة على مجرد حصول الضرر وبغض النظر عن وجود اي
خطأ قد يرتكبه مرفق القضاء باعتباره مرفقا من مرافق الدولة.
وهذا االتجاه سلكه المشرع الفرنسي عبر اقراره لقانون خاص بالتعويض عن حاالت
االعتقال االحتياطي ,لكن االجتهاد القضائي الفرنسي ذهب الى ابعد من ذلك حيث
اعتبرت محكمة فرنسية ان طول اجراءات التقاضي انكار للعدالة وحكمت
للمتضررين بتعويض قدره 476الف يورو ( اربعمائة وستة وسبعون الف يورو)
وهو الحكم الذي اعتبرت من خالله المحكمة االبتدائية لمدينة مو, Meaux
الواقعة في الشمال الشرقي للعاصمة باريس ( الحكم الصادر بتاريخ 22مارس
2017تحت عدد ) 319/2017أن التأخيرات الطويلة جدا والغير المبررة التي
عرفتها جلسات نظر دعواهم امام محكمة الشغل يشكل انكارا للعدالة.
وقد عللت المحكمة قضائها بان انكار العدالة يكون قائما عندما ال تستطيع الدولة
وضع وسائل وادوات العمل الضرورية امام العدالة لحسم النزاعات في اجال
معقولة وان نزاعات الشغل تقتضي صدور احكام سريعة ال يجب ان تتعدى سبعة
اشهر والحال ان المسطرة في الملفات موضوع االدعاء تجاوزت السنتين وان
بعضها وصل الى خمس سنوات.
ولذلك أدانت المحكمة الدولة الفرنسية وحكمت عليها ان تؤدي لكل متقاض من
120تعويضا حددته في مبلغ يتراوح ما بين 3000.00اورو ( ثالثة االف يورو )
و 4500.00يورو ( اربعة االف وخمسمائة اورو ) حسب الوقت الذي استغرقته
قضيته وينتظر ما ستسفر عنه القرار االستئنافي بعد استئناف الدولة الفرنسية
للحكم .
مقاالت قانونية في الواجهة
أيوب لعزيري
مقدمة :
يواجه المغرب ومعه العالم في الوقت الراهن أزمة صحية غير مسبوقة تسبب بها
فيروس كورونا كوفيد ]1[ 19والذي أصاب حالة من الذعر لدى جميع المواطنين نظرا
للسرعة الكبيرة التي ينتشر بها ،وقد نتج عن هذا الفيروس ركود اقتصادي وتوقيف
حركة االنتعاش التجاري والمالي لألفراد والجماعات ،..بسبب الحجر الصحي الناتج عن
اإلغالق الكلي الذي فرضته السلطات العمومية لمواجهة الفيروس في الفترات األولى
لظهوره ،وقد أدى هذا الوضع إلى إرباك المعامالت المالية لألفراد وتوقيف تنفيذ العقود
وتأجيل تنفيذ بعضها إلى موعد أخر ،كما تم توقيف سريان األجل التشريعي
والتنظيمي لممارسة الحقوق بمقتضى مرسوم حالة الطوارئ الصحية [ . ]2وخالل هذه
المدة ونظرا للتوقف الذي طال عديد القطاعات االقتصادية والتجارية والصناعية
وغيرها ،تطرح نظرية الظروف الطارئة أهمية قصوى بسبب ما سينتج عنها من أثار
بسبب الجائحة والسيما في هذه الظرفية ،فيطالب الدائن المدين بتنفيذ التزامه رغم
الصعوبة التي أصبح عليها ، فيقوم هذا األخير بالدفع بأن االلتزام الملقى عليه أصبح
مرهقا في تنفيذه ويصيبه من الضرر بما ال تتحمل طاقته ،ويطالب على إثرها إما
تخفيض االلتزام –كما الشأن في عقود االيجار أو المقاولة – أو اإلعفاء منه و تأجيله ،
فإذا استجاب الدائن نكون أمام تعديل إرادي للعقد من لدن األطراف ،أما في حالة
واجه طلبه بالرفض وتمسك بالتنفيذ كما هو متفق عليه فال يبقى للدائن إال اللجوء
للقضاء من أجل التدخل لخفض االلتزام إلى حدوده المعقولة ،في إطار ما يطلق عليه
بالظروف الطارئة ،وتقضي هذه األخيرة وجود عقد يربط الدائن والمدين في ظروف
عادية ومستقرة إال أنه أثناء التنفيذ تحدث ظروف طارئة – كما هو الشأن بالنسبة
لفيروس كورونا -تؤثر على تنفيذ المدين للعقد وتجعله مرهقا له ،يترتب عليه اختالل
التوازن االقتصادي بين المتعاقدين .وباستقرائنا لمحتوى الفصل 230من ق إ ع الذي
نص فيه المشرع على أن ” االلتزامات التعاقدية المنشئة على وجه صحيح تقوم مقام
القانون بالنسبة إلى منشئيها ” وتبعا لذلك فنظرية الظروف الطارئة تعد خروجا عن
مبدأ العقد شريعة المتعاقدين ،الذي يفرض أن العقد متى ما نشئ صحيح مستوفيا
أركانه وشروطه فليس ألحد من أطرافه أن يقوم بنقضه أو تعديله ولو من طرف سلطة
القضاء نفسه .ويطرح اإلشكال المرتبط بموضوع الدراسة أن المشرع المغربي لم ينظم
المقتضيات المتعلقة بالظروف الطارئة ،كما أنه لم نعتر على أحكام أو قرارات قضائية
تقر هذه النظرية .
الفقرة الثاني :سلطة القاضي في الحكم بإقرار نظرية الظروف بالظروف الطارئة
أن هذه الدعوى المرتبطة بالظروف الطارئة ال تقتصر فقط على المدين ،فالدعوى قد
تكون معروضة على القضاء من جانب الدائن الذي يتمسك بالمطالبة بتنفيذ العقد رغم
ما طرأ عليه من ظروف خارجة عن إرادة المتعاقد ،ففي الحالتين معا فالدعوى تعرض
على القضاء ألول مرة إما من جانب المدين أو الدائن في االلتزام ويؤدي تمسك
المدين بالظروف الطارئة وإثبات شروطها والمطالبة على إثرها من القضاء بتخفيض
قيمة االلتزام إلى الحد المعقول ،وضع القضاء أمام موقف محرج نظرا للغياب
التشريعي والسند القانوني إلقرارها .نتطرق في (أوال) لمطالب الدائن المرتبطة
بالظروف الطارئة ،على أن نتطرق في ( ثانيا ) لمطالب المدين
أوال :مطالب الدائن المرتبطة بالظروف الطارئة
يتمسك الدائن الذي يطالب بتنفيذ العقد بمبدأ القوة الملزمة للعقد ومبدأ سلطان اإلرادة
ويقصد بهذا المبدأ أن ما اتفق عليه األطراف بمحض إرادتهم يلزمهم وال يمكن لهما بعد
ذلك التنصل من االلتزامات الملقاة عليهما بدعوى اإلرهاق في التنفيذ إال في حالة اتفقا
على ذلك أو في الحاالت المنصوص عليها قانونا ،وهذا ما نص عليه المشرع في
الفصل 230من ق إ ع المغربي ” االلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم
مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ،وال يجوز إلغاؤها إال برضاهما معا أو في الحاالت
المنصوص عليها في القانون ” ومعنى ذلك أن العقد يلزم كال المتعاقدين بوجوب
احترام وتنفيذ ما تضمنه ،كما يجب على القاضي أن يلتزم بأحكامه ،ويمنع عليه أن
يغير في العقد ما قد يراه مخالفا ،فالعقد الذي يجمع المتعاقدين يعد بمثابة القانون
الواجب التطبيق عليهما والذي يمنعه من اللجوء إلى قواعد العدالة للمنع الصريح من
المشرع ،وبالتالي فاإلرادة هنا هي مناط القوة الملزمة للعقد وال يجوز المساس بها
مهما تغيرت الظروف ولو أصبحت معها هذه األخيرة مرهقة للمدين
ويقصد بمبدأ سلطان اإلرادة أن اإلرادة وحدها كافية إلنشاء العقد والتصرف الشرعي
بوجه عام وهذا ما يعرف بقاعدة الرضائية في العقود[ ، ]3كما يقصد به أيضا حرية
اإلرادة في تحديد اآلثار المترتبة على العقد أو التصرف وهذا ما يعرف بقاعدة العقد
شريعة المتعاقدين []4
ومبدأ سلطان اإلرادة يمنح األطراف الحق في إنشاء ما يشاؤون من العقود غير
مقيدين في ذلك بأنواع العقود التي نظمها المشرع في القانون المدني ( والتي يطلق
عليها العقود المسماة ) ،كما يكون لإلرادة األطراف الحرية في تحديد آثار العقد ،فال
تتقيد باآلثار التي يرتبها المشرع على عقد من العقود فقط ،وإنما يكون لها بما لها من
سلطان ،الحرية في تضييق هذه اآلثار أو توسيعها أو حذفها ،كما يكون لإلرادة الحرية
في تعديل آثار العقد بعد إبرامه ،وكذا الحق في إنهاء العقد[]5
ومن ثم فإن مبدأ سلطان اإلرادة يقوم على عنصرين أساسيين في التعاقد هما :
-عنصر الحرية :حيث تعد الحرية هي الركيزة األساسية في التعاقد ،بمعنى أن
اإلرادة الحرة تهيمن على جميع الحقوق وااللتزامات ،ومن ثم ال يلتزم أحد بعقد
لم يكن طرفا فيه كما ال يكتسب أحدأ حقا من عقد لم يشترك فيه ،والمقصود
باالرادة الحرة هي التي تكون قادرة على إبرام العقد بعد فحصه ودراسته دراسة
جيدة في ضوء مصلحة الطرفين والتوازن بين تلك المصالح دون ضغط أو إجبار
من أحد ،وبتحقيق مصلحة الطرفين تتحقق مصلحة المجتمع ،ألن مصلحة
المجتمع أو المصلحة العامة في المجتمع تتكون من مجموع المصالح الفردية
للمتعاقدين[]6
-2عنصر المساواة :أن تحقيق المساواة المطلقة أمرا صعب تحقيقه وبالتالي فال يقصد
هنا بالمساواة الفعلية وليس المساواة القريبة من المساواة الحقيقية أو الفعلية أمام
القانون ،فالمساواة القانونية ال المساواة االقتصادية هي التي تكفل في النهاية تحقيق
المصلحة العامة ألن المصلحة الخاصة – وهي أساس المصلحة العامة – لن تتحقق إال
إذا اعتبر الناس متساوين أمام القانون في كافة عقودهم[]7
وهكذا فإن الدائن يتمسك بتنفيذ العقد في الدعوى المرفوعة أمام القضاء ،قاصدا من
ورائها الحيلولة دون تدخل القاضي بسلطته التقديرية إلسعاف المدين بتخفيض
التزامه المرهق رغم ما يشوبه من ظروف طارئة .إال أنه مع ذلك فالمدين يتمسك بعد
إثبات شروط الظروف الطارئة بمطالبته التي يبقى للقضاء سلطة األخذ بها من عدمه
إن إنصاف المدين عند رفع الدعوى يجب أن ينبني على أسس مقنعة للقضاء من األجل
األخذ بها ،ومن بين مطالب المدين نجد :
إن لجوء المدين للقضاء يكون بالنظر للثقة المترسخة له عما تحظى به هذه المؤسسة
من أداة لتحقيق الحقوق بين األفراد وحمايتها ،وكذلك رغبة منه في استقرار
المعامالت التي تأثرت بسبب الجائحة المتعلقة بفيروس كورونا ،فالمدين المكتري يجد
نفسه أمام إرهاق كبير في أداء أجرة الكراء بسبب الظروف االقتصادية التي أفقدته
عمله أو مدخوله اليومي ،فمن غير المعقول وال المقبول ترك المدين وحده يواجه
مصيره ويتحمل بمفرده نتائج تلك الظروف الغير متوقعة ،فيفترض في القضاء أن
يقوم بدوره بتكييف الوقائع القانونية وتحقيق التوازن المفترض في العقود ،دون
إمكانية إجحاف طرف على األخر
إن المبالغة في التمسك بالقوة الملزمة للعقد من قبل القضاء يؤدي إلى التضحية بمبدأ
استقرار المعامالت ،دون مراعاة ما قد تتأثر به العالقات التعاقدية أثناء تنفيذها ،
فالعقد ال يجب أن يكون التوازن فيه حاضرا فقط أثناء التعاقد بل يجب أن يمتد ذلك
إلى حين التنفيذ ،كما أن القول بضرورة االلتزام بالتنفيذ من جانب المدين يؤدي الى
نتيجة حتمية ،وهي انقضاء االلتزام بعد التنفيذ الذي ال يرتضيه المدين من القضاء ،
وبالتالي فالقاضي بطريقة غير مباشرة يساهم في ضرب استقرار المعامالت واألمن
القانوني بين األفراد والتشجيع على انحالل العقود ،دون اعتبار لما تشكله هذه العقود
في تنشيط الدورة االقتصادية داخل المجتمع ،باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتداول
األموال والثروات وتبادل السلع والخدمات ومختلف المنافع بين األفراد
ج – مبادئ العدالة واالنصاف
يقصد بها تدخل القاضي من أجل إقرار اجتهاد ال نص فيه وذلك من خالل البحث
واالستقصاء في النازلة المعروضة عليه والحكم فيها بناء على قواعد العدالة واإلنصاف
إال أن اإلشكال الذي يواجه القاضي هنا أن اللجوء إلى هذه الوسيلة يكون في حالة
عدم وجود نص في المصادر األخرى للقانون دون أن ننسى أن المشرع منع بكيفية
صريحة تدخل القاضي من أجل خفض االلتزام المرهق للمدين ( الفصل 230من ق إ ع
)
بعد تأكد القاضي في النازلة المعروضة عليه من أن جميع شروط الدعوى متوفرة وأن
المدين مرهق في تنفيذه لاللتزام بعد إثباته لشروط الظروف الطارئة فإن حكمه يكون
كاألتي :
إن القاضي في هذه الحالة سيكون أمام تطبيق للنص القانوني ،والذي ينص على
القوة الملزمة للعقد دون إمكانية تدخله من أجل تخفيض قيمة االلتزام ولو تغيرت
الظروف التي تم إبرام العقد فيها بسبب جائحة كورونا ،فهو يستند إلى غياب السند
التشريعي الذي يخوله ألخذ بنظرية الظروف الطارئة ،وهو األمر الذي ينص عليه
المشرع في الفصل 230من ق إ ع ” االلتزامات التعاقدية المنشئة على وجه صحيح
تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ،وال يجوز إلغاؤها إال برضاهما معا أو في
الحاالت المنصوص عليها في القانون ” .وفي هذا الصدد بالذات ،فإن مختلف المحاكم
المغربية في عموميتها تمیز تمييزا واضحا فيما يخص عدم تنفيذ االلتزامات التعاقدية
،بين االستحالة المطلقة التي تعترض تنفيذ العقد ومجرد الصعوبة المادية أو
االقتصادية ،فتقضي بانقضاء العقد في الحالة األولى تطبيقا ألحكام القوة القاهرة ،
وتقضي بوجوب تنفيذه في الحالة الثانية ،تطبيقا للعقد واستبعاد نظرية الظروف
الطارئة[ ، ]8وهكذا جاء في قرار لمحكمة االستئناف بالرباط [” ]9ال يجوز تعطيل القوة
الملزمة للعقد بدعوى أن االلتزامات الناتجة عنه قد أصبحت باهضة التكاليف نتيجة
لظروف استثنائية غير متوقعة . ”..وبما أنه من الممكن أن يتحايل قاضي الموضوع
على أحكام القانون للوقوف إلى جانب المدين الذي تعترضه ظروف مادية أو
اقتصادية جد صعبة أثناء تنفيذه اللتزاماته العقدية ،عن طريق إعمال قواعد التفسير
أو التأويل لتغيير مضمون العقد بكيفية يحتمل معها تطبيق نظرية الظروف الطارئة ،
فقد قرر المجلس األعلى ،انطالقا من مقتضيات الفصل [ 461]10من قانون
االلتزامات والعقود ” اليكون هناك محل للتفسير عندما تكون عبارات العقد واضحة …
»[ ،]11وفي قرار آخر ”إذا كان بإمكان قاضي الموضوع تفسير العقود التي حررها
األطراف ،فإنه ال يستطيع تحت ستار التفسير تحریف بنودها الواضحة والصريحة …
”[ ]12للوصول إلى غايات أخرى ال تتضمنها اإلرادة المشتركة للمتعاقدين
وتجب اإلشارة أن المدين بإمكانه إضافة طلب إضافي للطلب األصلي من أجل منحه
مهلة للميسرة باعتبار أن هذه األخيرة تعد طلب مكمل للطلب األصلي ،وقد نص
المشرع على على هذه المهلة القضائية في الفصل في الفقرة الثانية من الفصل 243
من ق.ل.ع والذي ينص على أن” ومع ذلك ،يسوغ للقضاة ،مراعاة منهم لمركز المدين،
ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق ،أن يمنحوه آجاال معتدلة للوفاء ،وأن
يوقفوا إجراءات المطالبة ،مع إبقاء األشياء على حالها” ،وبذلك فالمشرع منح القضاء
سلطة تقديرية في منح مهلة الميسرة من عدمه .
وتعد مهلة الميسرة تطبيقا يقترب من نظرية الظروف الطارئة ،فالمدين الذي يرى
نفسه أن الحكم لن يصدر في صالحه فيمكنه اللجوء الى هذه المكنة من أجل طلب
أجل للوفاء بإلتزامه ،وهو ما يحسب للمشرع المغربي بتنظيمه لهذه المؤسسة التي
سيكون وقعها كبيرا خصوصا في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها المغرب ،آخذا
بمبدأ الموازنة بين مبدأ استقرار المعامالت والموازنة بين مصلحة الدائن و المدين
الذي اعترضه ظرف طارئ خارج عن إرادته حال بينه وبين تنفيذ االلتزام داخل األجل
المتفق عليه ،وبالتالي فإن مسالة تقدير منح األجل من عدمه هي مسألة واقع يستقل
بها القضاة بناء على سلطتهم التقديرية ،وقد صدر بهذا الصدد قرار عن المجلس
األعلى جاء فيه”ليس هناك ما يلزم محكمة الموضوع أن تمكن المكتري الذي لم ينفذ
التزامه من مهلة الميسرة”[]13
إن القاضي في هذه الحالة سيخرج عن التطبيق الحرفي لنص الفصل 230من قانون
االلتزامات والعقود ،وذلك من خالل إعماله لسلطته التقديرية والحكم بتخفيض
االلتزام إلى حدوده المعقولة ،وهو ما يعد أمر خارج عن اختصاصه وعن المبادئ
المعمول بها في المغرب وهي مبدأ القوة الملزمة للعقد ومبدأ سلطان اإلرادة
إن استجابة القضاء تدل على سعيه من أجل تحقيق العدالة التعاقدية واستقرار
المعامالت في هذه الظرفية االستثنائية التي تمر بها البالد ،فهو تعبير واضح عن
سلطة المالئمة المطلقة التي يتمتع بها دون حاجته إلى االلتزام بالنصوص التشريعية ،
فاالنطالقة دائما ما تكون من القضاء من خالل اجتهاداته القضائية التي تعمل محكمة
النقض على إقرارها دون إلزام باقي المحاكم بها ،قبل أن يتدخل المشرع من أجل
تنظيم هذه النظرية ،فال بد أن يأخد القضاء المبادرة ما دام أن الدور يبقى على
محكمة النقض إما بإقرار هذه النظرية أو الطعن في القرار وإلزام المدين بالتنفيذ
ويجب اإلشارة أن هذه السلطة التقديرية التي استعملها قاضي الموضوع تعد سلطة
غير مبنية على أساس ولو كان يستند فيها على قواعد العدالة واإلنصاف ،باعتبار أن
هذه األخيرة ال يتم اللجوء إليها إال في حالة غياب النص القانوني والحال أننا أمام نص
صريح يمنع القاضي بالتدخل لتعديل العقد بين األطراف[ ، ]14وبالتالي فالقاضي يعد
متجاوزا الختصاصه ،فالسلطة التقريرية تخول له بناء على نص صريح من المشرع ،
وهو األمر الغير متوفر في التشريع المدني المغربي ما دام أن الظروف الطارئة لم يتم
تنظيمها بعد ،وهكذا فإن القول بهذا األمر يؤدي إلى نتيجة حتمية وهي إمكانية الطعن
في الحكم الصادر من القاضي باالستئناف أو النقض حسب األحوال
خاتمة :
إن الغياب التشريعي و القضائي لنظرية الظروف الطارئة سيؤثر بال شك على جميع
العقود المستمرة التنفيذ خالل هذه الجائحة فالظروف الطارئة هي األخت التوأم للقوة
القاهرة فال يمكن االكتفاء بتنظيم أحداهما عن األخرى ،كما أن هذه الظرفية
االستثنائية التي تمر بها البالد شهدت ارتفاع في عدد النزاعات المتعلقة بتنفيذ العقود
والتي ستصطدم بغياب تنظيم محكم لهذه النظرية من قبل المشرع المغربي .وهو ما
نأمل معه من القضاء المغربي أن يتبنى هذه النظرية ويخرجها إلى حيز التطبيق ضغطا
منه على المشرع للعمل على تنظيمها بنصوص خاصة ،فحتى لو قلنا أن المشرع
يتمسك بالقوة الملزمة للعقد فإن ذلك ال يغني عن إقرار توازن كما فعلت عدة تشريعات
أجنبية التي ألزمت المدين بالتنفيذ مع إ مكانية إثارته للظروف الطارئة
[ ]1فيروس أطلق عليه هذا االسم ألول مرة جائحة” كوفيد” 19-والمعروفة أيضا
باسم جائحة فيروس كورونا ،وهي جائحة عالمية مستمرة حالًي ا ،سببها فيروس
كورونا المرتبط بالمتالزمة التنفسية الحادة الشديدة سارس ،وقد تفشى المرض للمرة
األولى في مدينة ووهان الصينية في أوائل شهر ديسمبر عام ،2019وقد تم تسجيل
أول إصابة بالمغرب بتاريخ 02مارس 2020
[ ]2مرسوم بقانون رقم 292.20.2المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ
الصحية وإجراءات اإلعالن عنها الصادر في 28من رجب 1441الموافق ل 23مارس
2020الجريدة الرسمية عدد 6867
[ ]3وليد صالح مرسي رمضان .القوة الملزمة للعقد –دراسة مقارنة – دار الجامعة
الجديدة االسكندرية 2009ص51
[ ]4رمضان محمد أبو السعود .مبادئ اإللتزام في القانون المصري واللبناني .الدار
الجامعة –القاهرة سنة 1984ص 27
[ ]5رمضان محمد أبو السعود .مبادئ اإللتزام في القانون المصري واللبناني .نفس
المرجع أعاله .ص 25
[ ]6عبد الرزاق السنهوري .نظرية العقد .الجزء األول .المرجع السابق .ص 99وما
[ ]6عبد الرزاق السنهوري .نظرية العقد .الجزء األول .المرجع السابق .ص 99وما
بعدها
[ ]7القاضي حلمي بهجت بدوي .أصول االلتزامات .الكتاب األول .نظرية العقد .مطبعة
نوري القاهرة .سنة 1943م ص 66
[ ]8محمد الكشبور .نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة .دون ذكر
المطبعة .الطبعة األولى 1413الموافق ل 1993ص165
[ ]9قرار 13يناير 1950أورده الدكتور محمد الكشبور في كتابه نظام التعاقد
ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة ص 165
[ ]11قرار بتاريخ 10يوليوز 1962منشور بالمجلة المغربية للقانون RMD 1963
ص 169وما يليها
[ ]12قرار بتاريخ 26مارس 1964منشور بالمجلة المغربية للقانون RMD 1964
ص 249ومايليها