Professional Documents
Culture Documents
،اجلزائر
العدد الرابع /ديسمبر /7102الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"ISSN: 2507-7635 :
223
اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية /معهد العلوم القانونية واإلدارية /املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت ،اجلزائر
العدد الرابع /ديسمبر /7102الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"ISSN: 2507-7635 :
ال ميكننا احلديث عن القانون اإلداري واستقالليته ،ونظام االزدواجية القضائية ككل دون احلديث عن القضاء اإلداري ،الذي
زرع نواته منذ إثبات عجز قواعد القانون املدين وعدم مواكبتها للتطبيق على الروابط القانونية واملنازعات الناشئة بني األفراد واجلهات
اإلدارية ،يف وقائع قضية البنت اليت تدعى " :إجيينز بالنكو " وما يليها من قرارت ،والفضل يعود يف ذلك جمللس الدولة الفرنسي ،بعد
خماض عسري ،يف ظل سيطرة اإلمرباطور ،يف الفصل يف القضايا الناشئة آنذاك.
إن أمهية القضاء اإلداري ال تقف عند املسامهة يف نشأة القانون اإلداري ،بل يتجاوز ذلك إىل تطوير قواعده و سد النقص
الذي يشوبه و يسفر الغموض الذي يكتنفه ،خمالفا بذلك أصول العمل القضائي التقليدي املمثل يف الوظيفة القضائية ،اليت تقتصر
على إفراغ النصوص التشريعية ،ونقلها من حيز السكون إىل حيز احلركة ،فأصبح القاضي اإلداري ميارس إضافة لوظيفته التقليدية وظيفة
االبتكار و االبتداع ،و خلق احللول بفعل النقص املسيطر على النصوص املتفرقة للقانون اإلداري ،اليت مل تغطي كل موضوعاته ،انطالقا
من أن املشرع يف املواد اإلدارية ،يقتصر عمله على سن القواعد العامة ،ويرتك للقاضي اإلداري سلطة تفسريها ،وخلق احللول للمشاكل
اليت تصادف إعماهلا يف املنازعات اإلدارية ،األمر الذي يزيد من فضولنا للوقوف عن حقيقة دور القضاء يف مادة املنازعات اإلدارية.
فإىل أي مدى يساهم القاضي اإلداري يف صناعة القواعد القانونية املتعلقة باملادة اإلدارية؟ .أو بصيغة أخرى :أي دور للقاضي
اإلداري يف مادة املنازعات اإلدارية ; تطبيق أم ابتكار القاعدة القانونية ؟.
هذا ما سنحاول التطرق إليه يف هذه الورقة البحثية بتقسيمها إىل مبحثني ،خنصص األول لإلطار املفاهيمي الجتهاد القاضي
اإلداري ،يف حني خنصص الثاين ألحكام االجتهاد القضائي يف املواد اإلدارية ،برهنة ألسبقية نشأة القضاء اإلداري على ابتداع القانون
اإلداري ،وذلك على النحو التايل.
المبحث األول
اإلطـار المفاهيمي الجته ـاد القاضي اإلداري
وظيفة القضاء منذ ظهور مفهوم الدولة و السلطة،هي الفصل يف املنازعات املعروضة عليه ،ويف سبيل حتقيق ذلك قد يواجه
عمله فرضيتني ،تكمن الفرضية األوىل يف وجود نص قانوين صادر عن السلطة املختصة يتكيف مع طبيعة النزاع ،و حينها يستوجب على
القاضي عموما إسقاط النصوص على الوقائع و تطبيقها حتليال و استنباطا ،وذلك يف حالة ما إذا كانت النصوص واضحة ،أما يف حالة
غموضها ،فيستوجب األمر على القاضي -وباألخص يف املنازعات اإلدارية -تفسريها أوال مث تطبيقها على النزاع ثانيا ،األمر الذي
نستطيع من خالله القول أن القاضي طبق القانون على املنازعة املعروضة عليه ،حتاشيا إلنكار العدالة .1
أما الفرضية الثانية ،فتكمن يف غياب نص يطبق على النزاع ،ويتحقق هذا الفرض بكثرة يف املنازعات اإلدارية ،فهنا يستوجب
على ا لقاضي اإلداري البحث عن القاعدة القانونية يف مسائل مشاهبة أو تشريعات أخرى مماثلة ،ويستفيد من احللول املطبقة لتماثلها يف
سبيل حل القضية املطروحة ،ويف حال عدم وجود نصوص مشاهبة -السيما يف ظل قواعد التقنني املدين مبا ينسجم مع طبيعة املنازعات
اإلدارية – فما عل يه إال ابتكار وإنشاء القاعدة القانونية حتاشيا إلنكار العدالة ،مبا جيعل من القضاء اإلداري قضاء مبدعا تكوينيا خالقا
للنظريات والقواعد القانونية ،يف سبيل توسيع بوتقة مصادر املشروعية ،2وعليه سوف نتطرق يف هذا املبحث ملفهوم االجتهاد القضائي يف
املادة اإلدارية حبيث نعا ج تعريف االجتهاد القضائي اإلداري (املطلب األول) ،أسباب وطبيعة االجتهاد القضائي (املطلب الثاين) ،مراحل
صنع القاعدة القانونية القضائية (املطلب الثالث) ،وكمطلب رابع عرض صور ومناذج لقواعد قضائية اجتهادية مبعرفة القضاء اإلداري ،وهو
ما سنحاول التطرق إليه بنوع من االختصار على النحو التايل:
1أشارت إليه :ابتسام فاطمة الزهراء شقاف ،دور القاضي اإلداري يف إنشاء القاعدة القانونية ،مذكرة ماجستري ،فرع القانون املعمق ،كلية احلقوق والعلوم
السياسية ،جامعة تلمسان ، 0212-0212 ،ص 11و ما بعدها.
2مصلح ممدوح الصرايرة ،القانون اإلداري ،الكتاب األول ،مبادئ القانون اإلداري ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن ،0210 ،ص .42 ، 44
224
اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية /معهد العلوم القانونية واإلدارية /املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت ،اجلزائر
العدد الرابع /ديسمبر /7102الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"ISSN: 2507-7635 :
1مصطفى ،خبوش ،أ .عبد اجلليل مفتاح ،دور القاضي اإلداري :وضع القاعدة القانونبة أم تطبيقها؟ ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد ، 20كلية احلقوق والعلوم
السياسية ،جامعة بسكرة 21 ،نوفمرب ،0222ص .112
2ابتسام فاطمة الزهراء شقاف ،املرجع السابق ،ص .12
3املادة 0/21من األمر 27-22املؤرخ يف 02سبتمرب 1722يتضمن القانون املدين ،املعدل عدة تعديالت ،السيما بالقانون رقم 12-22املؤرخ يف 02
يونيو ،0222والقانون 22-22املؤرخ يف 11مايو .0222
4ابتسام فاطمة الزهراء شقاف ،املرجع السابق ،ص .10 – 11
5نقل حريف عن املرجع نفسه ،ص .11
.6مصطفى خبوش ،عبد اجلليل مفتاح ،املرجع السابق ،ص .112
7أشار إليه :إبراهيم بن حليمة ،تطور مصادر القانون اإلداري وأثره على حركة التشريع اتساعا واحنصارا ،جملة االجتهاد القضائي ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد
،21كلية احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة بسكرة 21 ،نوفمرب ،0222ص .120
225
اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية /معهد العلوم القانونية واإلدارية /املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت ،اجلزائر
العدد الرابع /ديسمبر /7102الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"ISSN: 2507-7635 :
القانون ،ألن القضاء نشأ أوال ،مث نشأ بعد ذلك القانون ،على العموم يكمن أول سبب لالجتهاد القضاء اإلداري يف نقص التشريع،
بدليل أن املشرع نفسه يعرتف هبذا النقص كما تطرقنا لذلك يف املادة االفتتاحية من التقنني املدين اجلزائري ،ويزيد من هذا النقص ،عدم
تقنني قواعد هذا القانون ،بالرغم من وجود تشريعات إدارية كثرية متفرقة ،وسرعة تطور أحكامه ،بالرتكيز على االعتبارات العملية املرتبطة
حبسن مباشرة اإلدارة العامة لوظائفها ،أكثر منه االعتبارات القانونية ،دون أن ننسى غلبة الروح اإلدارية يف نفسية القاضي ،اليت تدفع به
إىل االجتهاد ،فظروف املنازعات اإلدارية تلزم القاضي ال أن يكون قاضيا فقط وإمنا قاضيا وإداريا يف نفس الوقت .1
يرى بعض الفقه أن السبب الرئيسي والفعال لربوز االجتهاد يف املواد اإلدارية ،هو عدم املساواة بني أطراف املنازعة اإلدارية ،أي
بني اإلدارة العامة ذات السيطرة والقوة والغلبة مبا هلا من امتيازات ،واألفراد العاديني البسطاء ،األمر الذي حيتم على القاضي التدخل يف
املنازعة بشكل إجيايب ،كشكل للتنقيب والبحث ،أي أن القضاء اإلداري يتوىل عبء تسيري إجراءات اخلصومة ،يأمر بالتحقيق ،يفحص
الوثائق ،ويقدر وسائل اإلثبات ،مث يفصل يف الدعوى ،يف حني أن املدعي ال يكلف نفسه بكل ذلك ،على عكس القاضي املدين العديل،
الذي ال يسمح له القانون أن حيل حمل اخلصوم يف تقدمي وسائل اإلثبات و التعليق عليها ،حبكم أن دور هذا األخري جمرد حكم بني
خصمني يف حني أن القاضي اإلداري خيرق هذا املبدأ كما سنرى ،على حنو نستتبع فيه القول أن " :القانون اإلداري هو االبن الشرعي
للقضاء.2
جانب آخر من الفقه -وحنن نعارضهم يف ذلك -ينكر متاما دور القاضي اإلداري يف صناعة القواعد القانونية ،ويربرون رأيهم
بأن القاضي عندما ال جيد حال للنزاع يف النص التشريعي أو العرف ،يكون ملزما بتطبيق املبادئ العامة للقانون " روح القانون " ،مما يدل
على عدم وجود أي دور ابتكاري للقاضي اإلداري ،ألن هذا األخري يستمد احللول من روح القانون املوجودة مسبقا قبل طرح النزاع عليه،
بل دور هذا األخري ،ال يعدو أن يكون سوى دور كاشف ألحكام و مبادئ راسخة يف وجدان القواعد القانونية ،لكن يف رأي خمالف يرى
البعض اآلخر ،أن املبادئ العامة ال تصفو مصاف القاعدة القانونية ،لكوهنا ال تعدو أن تكون جمرد توجيهات عامة وجد جمردة وغري
منضبطة ،3وحنن نؤيد هذا الرأي انطالقا من كون إنكار وظيفة االبتداع لدى القاضي اإلداري تؤدي جلمود القانون اإلداري وسكونه.
على العموم ميتاز االجتهاد القضائي يف املواد اإلدارية " الدور اإلبداعي للقاضي اإلداري " بعدة خصوصيات قد ال جندها يف
القوانني اخلاصة ،أمهها الواقعية ومراعاة ظروف النزاع ،ألجل حل معادلة املصاحل املتعارضة ألطراف اخلصومة اإلدارية ،على حنو نستطيع فيه
القول أن القضاء لصيق باحلياة العملية والظروف الواقعية ،يعيش و يتعايش معها ،ويطبق أحكامه عليها جمارات لتطورها ،ال يكاد مييل
عنها حىت يعود إليها من جديد ،واألهم من كل هذا أن أساس االجتهاد ،متعلق بالنظام السياسي والقانوين للدولة ،وكذا مبادئ القانون
الطبيعي و قواعد العدالة ،أما األخطر فيه هو جتاوز القاضي اإلداري لدوره كحكم يف النزاع ،حلد أن صناعة القاعدة القانونية ،يكاد أن
يتحول فيه القاضي من مركزه قاضيا إىل مشرعا ،ويضاف لكل هذا االرتباط الشديد الذي ال يقبل التجزئة بني القانون اإلداري والقضاء
اإلداري.4
اآلن لنا أن نعود ملسألة طبيعة القواعد القضائية ،فهل تعترب هذه األخرية يف جوهرها قواعد تشريعية ؟ وهل ميكن فعال أن يتحول
فيها القاضي من دوره كحكم يف النزاع إىل مشرع يسن القواعد القانونية ؟.
226
اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية /معهد العلوم القانونية واإلدارية /املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت ،اجلزائر
العدد الرابع /ديسمبر /7102الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"ISSN: 2507-7635 :
حياول " الدكتور /عادل السعيد أبو اخلري " اإلجابة عن هذا السؤال بقوله ... ":مع التسليم بالصفة اإلنشائية لسلطة القاضي
اإلداري يف اختيار املبادئ القانونية العامة ،إال أن هذه السلطة ذات طبيعة خاصة مل تعرف من قبل ،ألهنا ليست من الضيق حبيث تقتصر
على جمرد التطبيق ،كما أهنا ليست من القوة واالتساع حبيث تبلغ مبلغ التشريع " .1
يعين هذا األمر أن القاضي اإلداري حسبه ،ال ميارس دوره اإلنشائي مبنئى عن احلدود القانونية والضوابط الشرعية ،كما أن ابتداع
التشريع ال ينصرف إىل إنشاء قاعدة قانونية جديدة ،فهو ال يعدو أن يكون جمرد استخالص لقواعد ومبادئ ونظريات وأفكار سائدة،
على عكس سلطة التشريع القائمة على أساس ابتكار نظريات وأفكار جديدة غري معروفة من قبل ،وعلى العموم ،تعترب سلطة إنشاء
القواعد القضائية سلطة خطرية قد هتدد النظام القضائي نفسه ،وهتدد مسألة احلقوق ،على حنو قد ال تتضمنها أشد القوانني استبدادا،
حبكم أنه إذا كان من امليسر الكشف عن األخطاء الواردة يف األحكام القضائية اليت تعترب عنوان للحقيقة ،اليت ترد يف األحكام القضائية،
فإن تعسف القاضي يف استعمال سلطة اإلبداع واالبتكار لديه تبقى أمرا غامضا وصعبا للكشف عليه ،وال ميكن حىت التنبؤ به.2
المطلـب الث ـالث :مراحل صنـع الق ـواع ـ ــد القضائيـة ومعيـ ـ ـ ـ ـقاتهـا
إذا مل جيد القاضي اإلداري نصا قانونيا يطبق على املنازعة اإلدارية املعروضة عليه ،يكون جمربا على االجتهاد ،تفاديا الرتكاب
جرمية إنكار العدالة ،وهذا الكالم ال يعين بالضرورة أن ينصب القاضي نفسه مشرعا ،لالختالف الشديد بني القاعدة القانونية والقاعدة
القضائية كما رأينا أعاله ،وإمنا ال يعدو أن يكون جمرد " قرار مبدئي" ،وهذا القرار جيب أن ينوي التمسك به القاضي مستقبال حلل
القضايا املشاهبة ،بل وأن هذا القرار املبدئي ليس مقصورا على جملس الدولة فقط ،فبإمكان حىت قاضي احملكمة اإلدارية اذااذ هذا القرار،
مع احرتام الشرط نفسه ،يف ظل انعدامه ال ميكن الكالم عن " القاعدة القضائية " .3
عموما متر عملية وضع القرار املبدئي " القاعدة القضائية " بثالث مراحل أساسية ،املرحلة األوىل تسمى بــ" مرحلة االكتشاف
املزدوج" ،ومسيت هبذه التسمية ،ألن القاضي اإلداري يكتشف فيها أمرين ،األمر األول هو اكتشاف أن الواقعة املعروضة عليه مل يضبطها
نص قانوين من قبل ،بعد حبث طويل وعناء شديد يتطلب اخلربة امليدانية وطول نفس ،واألمر الثاين هو اكتشاف احلل الذي يراه
القاضي الزما لتكملة القصور أو الفراغ القانوين املوجود مبناسبة عرض تلك الوقائع ،حبكم استحالة املشرع اإلحاطة الشاملة باملشاكل أو
املنازعات اإلدارية اليت سوف تقع مستقبال ،نظرا ملرونة وتطور اجملال اإلداري ككل .4
يثبت التاريخ القضائي اإلداري بروز هذا الدور لدى القاضي يف عدة مناسبات ،كاستبعاد أعمال السيادة من إعمال فكرة
الرقابة القضائية ،ففي هذا الفرض اكتشف القاضي اإلداري خطورة التصدي هلذه الفئة من األعمال خاصة يف ظل البواكري األوىل لنشأة
القانون والقضاء اإلداريني ،مث اكتشف ثانيا وخرج بقرار مبدئي وهو استبعاد نطاق هذه األعمال من هذه الرقابة ،مثلها مثل فكرة التعويض
عن الضرر املعنوي ،اليت اكتشف فيها القاضي عجز عمل التشريع يف معاجلة املسألة ،واهتدى لفكرة ابتكار قواعد قضائية وقرارات مبدئية
اجتهادية حلل النزاع ،كما هو احلال يف املسؤولية اإلدارية يف دعوى رجوع الدولة على املوظف يف ارتكاب اخلطأ املرفقي ،أين اكتشف
1عادل السعيد أبو اخلري ،اجتهاد القاضي اإلداري يف جمال احلقوق واحلريات ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد الثاين ،كلية احلقوق ،جامعة بسكرة ،نوفمرب
،022ص .12
2املرجع نفسه ،ص .12
3ابتسام فاطمة الزهراء شقاف ،املرجع السابق ،ص 12وما بعدها.
4الزين عزري ،القاضي اإلداري يصنع القاعدة القانونية ،جملة االجتهاد القضائي ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد ،20كلية احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة
بسكرة 21 ،نوفمرب ،0222ص .127
227
اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية /معهد العلوم القانونية واإلدارية /املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت ،اجلزائر
العدد الرابع /ديسمبر /7102الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"ISSN: 2507-7635 :
القاضي اإلداري عدم عدالة هتريب املوظف من حتمل نتائج املسؤولية اإلدارية عن األضرار اليت سببها للغري ،وإلقاء هذا العبء على
الدولة ،واهتدى البتداع فكرة حق رجوع الدولة على املوظف يف حالة ارتكاب خطأ شخصي.1
املرحلة الثانية هي " مرحلة التجريب" ،فإذا كانت مرحلة االكتشاف عمل داخلي يبطنه القاضي يف نفسه ،فإنه يف هذه املرحلة
الثانية ،خيرج القاضي ما ينوي فعله للعلن ،وهي املرحلة القوية يف صناعة القاعدة القضائية ،ولو أن ما توصل إليه القاضي يف هذه املرحلة
يصطلح عليه ب ـ " احلل القضائي " ال "القاعدة " ،ألن هذه األخرية مل تصل ملرحلة اإلدماج بعد ،إذ يظهر العمل السري للقاضي يف هذا
النسق عن طريق ما حيرره القاضي من مقاالت وكتابات علمية ،للتعريف هبذا احلل القضائي ،حىت يتسىن للفقهاء مناقشته وتوجيه سهام
النقد إليه ،كما فعل ذلك جملس الدولة الفرنسي يف جمال ابتكار قاعدة املسؤولية عن القوانني يف قضية " شركة ال فلوريت" .2
آخر مرحلة لصناعة القاعدة القضائية هي "مرحلة اإلدماج" ،وتأيت بعد تلقي ردود أفعال ومواقف الفقهاء املختصني الذين علموا
بظهور القاعدة اجلديدة اليت اكتشفها القاضي وأعلن عنها ،وهي املرحلة احلامسة والفعالة اليت تساهم يف توسيع بوتقة مصادر املشروعية
اإلدارية ،يتم فيها إضافة احلل القانوين للنظام القانوين القائم ،بفعل اإلدماج ضمن أحكام متعددة و مبرور الزمن يتحول " احلل القضائي "
إىل " قاعدة قضائية " مبرور الزمن و التكرار ويرتسخ يف وجدان القانون اإلداري كنظرية الظروف الطارئة وغريها .3
قد تعرتض عملية االجتهاد القضائي يف املواد اإلدارية عدة عوائق ،أمهها :اتساع وظائف جملس الدولة كقاضي أول و آخر
درجة ،وقاضي استئناف وقاضي نقض ،لذلك يقرتح الفقه ذافيف الضغط على جملس الدولة على األقل فيما خيص االستئناف ،وذلك إىل
حمكمة استئناف إدارية خمصصة هلذا الغرض ،وإال استصعب األمر على جملس الدولة يف االجتهاد ،والسبب اآلخر لعرقلة االجتهاد
القضائي يف اجلزائر هو تقليص صالحيات احملاكم اإلدارية ،وذلك مبنح صالحية الفصل يف املنازعات اإلدارية اليت يكون أحد أطرافها
اهليئات املركزية يف الدولة إىل احملاكم اإلدارية ،حبكم عدم خلق أي ضرر هلا حسب رأينا الشخصي ،وفوق كل هذا تزيد أعمال السيادة
من احلد من دور القاضي اإلداري يف االجتهاد ،نظرا لقصوره يف مواجهة قوة هذه األعمال ،حىت و إن برزت اجتهادات قضائية يف فرنسا
متنح القاضي سلطة مواجهتها .4
المطلـب الرابع :صـور الق ـواعـد القـانونيـة القضائية
القواعد القضائية اإلدارية املطبقة على املنازعات اإلدارية شئنا أم أبينا هي كثرية ومتنوعة ،حىت و إن منع مبدأ الفصل بني
السلطات من تسمية هذه الطائفة من األعمال بـ ـ " التشريعية " ،مبا يربهن عن مدى فعالية االجتهاد القضائي يف تطوير أحكام القانون
اإلداري ،ومن مناذج القواعد القانونية القضائية :العيوب الالحقة بالقرار اإلداري ،نظام املسؤولية اإلدارية على أساس اخلطأ وعلى أساس
املخاطر ،قرينة التظلم اإلداري ضد القرارات القضائية ،قرينة إساءة استعمال السلطة ،أبرز هذه القواعد نذكر :نظرية العلم اليقيين ونظرية
الغرامة التهديدية ،طبعا ال يسعنا املقال لشرحها كلها ،لكن سنكتفي بشرح القاعدتني األخريتني فقط.5
بالنسبة لنظرية العلم اليقيين ،فهي أبرز نظريات القضاء اإلداري ،حىت وإن هجرها جملس الدولة الفرنسي اليوم ،إال يف بعض
احلاالت اخلاصة ،مثل جمال الطعون غري املنشورة اليت يبدي فيها الطاعنون علمهم هبا ،أما بالنسبة للغرامة التهديدية ،فإن كانت قرارات
جملس الدولة مل تستقر على رأي واحد خبصوصها ،وال يوجد قرار موحد للغرف اجملتمعة حوهلا ،فإن اجتهاد الغرفة اإلدارية للمحكمة العليا
228
اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية /معهد العلوم القانونية واإلدارية /املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت ،اجلزائر
العدد الرابع /ديسمبر /7102الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"ISSN: 2507-7635 :
كان جييز النطق هبا يف مواجهة اإلدارة ،باعتبار أن جملس الدولة هي اجلهة املقومة ألعمال جهات التقاضي اإلدارية " احملاكم اإلدارية "،
وهو املسئول عن توحيد االجتهاد القضائي يف البالد.1
المبحث الثاني
أحكام االجتهاد القضائي في المـواد اإلداريـة
سنحاول يف سبيل شرح مضمون هذا املبحث التطرق إىل اجلهات املؤهلة لالجتهاد القضائي ،مصادر سلطة القاضي يف صناعة
القواعد القانونية القضائية ،حجية االجتهاد القضائي اإلداري ،مث يف األخري تأثري قواعد االجتهاد القضائي على احلقوق واحلريات ،وذلك
يف املطالب األربعة التالية:
المطلب األول :الجهـات المؤهلـة لالجتهـاد القضـائي فـي القانــون الجزائري
جاء جملس الدولة اجلزائري لتكريس االزدواجية القضائية ،وفكرة االزدواجية هذه تتطلب وجود قضاة متخصصني ،فضال عن
االستقاللية بني القضاء العديل والقضاء اإلداري ،وأحكام املادة الثانية من القانون العضوي املنظم جمللس الدولة 20-77وصفت هذا
األخري ،بأنه اجلهة املقومة ألعمال جهات التقاضي اإلدارية وتوحيد االجتهاد القضائي يف البالد ،علما أن هذه املادة مت اشتقاقها من املادة
024من قانون اإلجراءات املدنية امللغى ،اليت تطرقت الختصاص الغرفة اإلدارية للمحكمة العليا سابقا ،يصدر هذا اجمللس ثالثة أنواع
من القرارات ،النوع األول يسمى بـ ـ " القرارت االبتكارية اإلبداعية " وهي تلك القرارت اليت تصنع قواعد قانونية جديدة " قواعد قضائية
" مل تنص عليها القوانني املكتوبة ،يف سبيل حل النزاع املعروض على القاضي اإلداري ،ويوجد " القرارات التفسريية " وهي تلك تفسر
قواعد قانونية موجودة اكتنفها الغموض واإلهبام واختلفت حول طبيعتها اجلهات القضائية ،أما النوع الثالث فهو " القرارات التأكيدية "
اليت من خالل امسها يتضح أهنا تؤكد ما جاء يف النصوص القانونية وتضمن احرتام القانون.2
ومبا أن جملس الدولة هو اجلهة املكلفة قانونا بتوحيد االجتهاد القضائي يف البالد ،بدون أدىن شك يفهم من ذلك أنه حيق
للمحاكم اإلدارية كذلك االجتهاد ،باعتبارها حماكم الوالية العامة يف مادة املنازعات اإلدارية وفق النظام الالتيين ،وإال ما الداعي لوصف
جملس الدولة باجلهة املكلفة بتوحيد االجتهاد القضائي يف البالد.3
المطلب الثاني :مصـادر سلطـة القاضي اإلداري في صناعة القـواعد القانونيـة القضائيـة
يف اللغة يقال :مصدر الشيء أي أصله ومنبعه ،وعليه مصادر االجتهاد القضائي هي املادة اليت تدخل يف تكوين قواعد هذا
االجتهاد " القواعد القضائية " ،فالقاضي اإلداري وإن كنا نعرتف له بالدور اإلبداعي اخلالق لقواعد القانون اإلداري وتطويرها ،إال أن
هذا اإلنشاء ال يكون من العدم ،نظرا خلطورة هذه الوظيفة ،وال يقل أمهية التنبيه أن سلطة ابتداع و إنشاء القواعد القضائية تقتصر إما
على :حتديد القاعدة القانونية واجبة التطبيق عن طريق اقتباس القواعد من مبادئ القانون اخلاص " املدين" ،وقد تتعدى هذه السلطة
ألكثر من ذلك ،إىل اخرتاع ،أو باملعين القانوين تكوين قاعدة جديدة ال نظري هلا يف روابط القانون اخلاص ،لذلك نستطيع رد مصادر
سلطة القاضي اإلداري يف االبتداع إىل مصدرين ،مصدر وضعي من القواعد القانونية السائدة ،ومصدر مبادئ القانون "روح القانون" .4
1هنية أمحيد ،دور جملس الدولة يف إرساء مبادئ االجتهاد القضائي اإلداري ،جملة االجتهاد القضائي ،العدد ،10كلية احلقوق ،جامعة بسكرة ،سبتمرب
، 0212ص .004 – 001
2رمزي حوحو ،املرجع السابق ،ص .071
3مصطفى بوخوش ،عبد اجلليل مفتاح ،املرجع السابق ،ص .102
4ابتسام فاطمة الزهراء شقاف ،املرجع السابق ،ص .42
229
اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية /معهد العلوم القانونية واإلدارية /املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت ،اجلزائر
العدد الرابع /ديسمبر /7102الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"ISSN: 2507-7635 :
بالنسبة ملصدر القانون الوضعي ،قد يكون االتفاقيات الدولية ،املواثيق ،إعالنات احلقوق ،الدساتري ،قواعد القانون اخلاص،
ومن أمثلة ما قرره جملس الدولة وفق سلطته االبتكارية من هذا املصدر الوضعي ،حرية التنقل ،حرية التجارة والصناعة ،املساواة أمام األعباء
العامة ،املساواة أمام املرافق العامة إىل غريها .1
أما بالنسبة جلوهر القانون " روح القانون " املتمثل يف املبادئ العامة فهي " :تلك املبادئ غري املدونة اليت مصدرها القضاء،
الذي قام باكتشافها وإبرازها يف أحكامه ،واليت تعترب خمالفتها خمالفة ملبدأ الشرعية ،خالفا للمبادئ القانونية الوضعية املكتوبة اليت تتضمنها
الدساتري والقوانني مبختلف أصنافها " .2
عن القيمة القانونية للمبادئ العامة للقانون ،فالرأي الفقهي الغالب بشأهنا ،يرى أهنا حتوز قيمة أدىن من التشريع العادي ،وال
تستطيع أن ذاالف القواعد املكتوبة تعديال أو إلغاء ،3ويرى رأي خمالف ومنهم " الدكتور /صعب ناجي عبود " أهنا حتتل مركز التشريع
العادي وتقع أدىن من الدستور يف املرتبة ،يستطيع املشرع أن يعدهلا أو يلغيها ،مثلها مثل القوانني املكتوبة ،4ويف هذا حنن نؤيده.
ميكن رد املبادئ العامة للقانون -على غري املبادئ القانونية العامة نظرا لالختالف الشديد بينهما -لفئات أربعة ،طائفة فلسفة
احلقوق أي إعالن احلقوق لسنة 1277املتضمن مبدأ الفصل بني السلطات ،احرتام العقائد واألديان ،احلريات الفردية ،مبدأ املساواة بني
املواطنني ،والطائفة الثانية ،فهي جمموعة املبادئ اليت يستخلصها القاضي من قواعد القانون اخلاص ،واإلجراءات املدنية وفقه املرافعات،
على أن يسقطها القاضي اإلداري وفق طبيعة املنازعات اإلدارية ،ويذكر منها الفقه :جحية الشيء املقضي فيه ،عدم رجعية القواعد
واألحكام ،أم الطائفة الثالثة ،فهي جمموعة املبادئ اليت يستخلصها جملس الدولة من طبيعة األشياء أي من املفرتض أن يكون و نذكر
منها :استثناءات مبدأ الشرعية يف احلاالت االستثنائية ،مبدأ استمرار و دميومة املرافق العامة ،والفئة الرابعة من املبادئ هي ما ميثل عدال يف
صورته املثلى ،بصورة مستقلة دون أن تستخلص من إعالن احلقوق أو من قواعد القانون املدين ،بل هي قائمة بصفة مستقلة ،مثل هدف
اإلدارة يف حتقيق الصاحل العام.5
المطلب الثالث :حجيـة القـواعد القـانونيـة القضائيـة وفـق الهرم المعياري
بإنشاء القاضي اإلداري لقاعدة قانونية " قضائية " ،يكون بذلك قد خالف مقتضيات وظيفته املرتبطة مببدأ الفصل بني
السلطات ،ففي حال عدم وجود نص قانوين حيكم املنازعة ،يتصدى القاضي اإلداري ملوضوع النزاع بقاعدة قانونية من صنعته ،ويكون
هلذه القاعدة قوة إلزامية أمام احملاكم ،اليت ال جيوز هلا أن ذاالفها أو تشذ عنها يف املنازعات اليت سوف تعرض عليها مستقبال كمبدأ عام،
غري أن هذه القوة ليست مطلقة ،بل تبقى نسبية ،ال تصل -حسب الفقه -مصاف القواعد التشريعية ،فالقاضي اإلداري يستطيع خمالفة
القاعدة اليت ابتكرها يف منازعات الحقة إذا اكتشف أهنا غري مالئمة حلل النزاع ،يف حني يكون ملزما حبرفية القاعدة اليت ابتكرها على
املشاهبة واملتطابقة يف العلة ،فاملعيار إذن هو املالئمة والتطابق يف القضايا ،فالقاعدة القضائية على العموم هي عملية مشاهبة للقاعدة
القانونية ،لكن ليست قاعدة قانونية من حيث اجلوهر ،مع استبعاد احلكم " احلل الفردي " الذي ال ينوي القاضي التمسك به مستقبال،
وفوق كل هذا القرار املبدئي " القاعدة القضائية " تكون مقرتنة جبزاء ،يقع على كل من األفراد و اإلدارة احرتامها ،هذا إن مل نقل أن
خمالفة القواعد القضائية املبتكرة عقوبتها تكون أشد من عقوبة القواعد القانونية املكتوبة .6
230
اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية /معهد العلوم القانونية واإلدارية /املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت ،اجلزائر
العدد الرابع /ديسمبر /7102الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"ISSN: 2507-7635 :
والسؤال الذي يستدعي الطرح :هل القرار املبدئي الصادر من الدرجة األوىل يكون ملزما لقاضي الدرجة الثانية ؟.
القاعدة القضائية املبتكرة تكون ملزمة فقط للقضاة من نفس الدرجة ،مع ترك هامش من احلرية للقضاة أحيانا يف تعديله قليال أو
خمالفته وفق وقائع وظروف كل قضية على حدى ،أما إذا صدر القرار املبدئي عن جملس الدولة ،فنميز هنا بني حالة ما إذا صدر عن غرفة
واحدة أو غرف جمتمعة ،ففي حال صدوره من غرفة واحدة ،فيجوز خمالفته وتعديله ،أما يف حال صدوره من غرف جمتمعة ،فإنه حيوز قوة
كاملة يف مواجهة اجلميع ،وحينها قد يطلق مصطلح " :أن جملس الدولة تراجع عن االجتهاد القضائي " للداللة على إلغاءه الجتهاد
احملاكم اإلدارية يف إطار التوحيد. 1
السؤال اآلخر الذي يستدعي الطرح :ما مرتبة القرار املبدئي " القاعدة القانونية القضائية " يف اهلرم املعياري القانوين ؟.
بغض النظر عن االختالف الفقهي ،حنن نؤيد مباشرة كونه يف مرتبة واحدة مع القانون العادي " التشريع" ،حىت وإن كان ليس
تشريعا من حيث اجلوهر ،خيضع يف تعديله و إلغائه لقاعدة توازي األشكال.
المطلب الرابع :تـأثير االجتهـاد القضـائي على الحقــوق و الحـريـات
تسيطر يف مادة املنازعات اإلدارية عالقة غري متكافئة بني اإلدارة والشخص املتنازع معها ،حبكم ما لإلدارة من امتيازات
وسلطات يف مواجهة الغري حتقيقا للمصلحة العامة ،لذلك على القاضي اإلداري -حسب بعض الفقه -الرتكيز على محاية الفرد أكثر،
على حنو حيرتم فيه القاضي حرية الفرد أحيانا على حساب هدف حسن سري اإلدارة العامة ،طبعا دون إضرار باملصلحة العامة وفق إعمال
سلطته التقديرية ،ومراعاة جسامة األضرار الالحقة بالطرفني ،ويرى الدكتور " /عادل السعيد أبو اخلري" أن" :هذا التغليب للحرية على
حسن سري اإلدارة العامة منتقد ،ويوجه بدوه سهام النقد للمعارضني بالتدليل على أن محاية احلقوق واحلريات ال تعين محاية املصاحل اخلاصة
للمنازع لإلدارة ،وإمنا هي مصلحة عامة ،كما أنه يف ظل انعدام النص التشريعي ،على القاضي الرجوع لألصل العام وهو " :األصل يف
األشياء و األفعال اإلباحة " ويطرح لنا بعض القيود على سلطات االجتهاد مراعاهتا ،خاصة عند االجتهاد يف مسائل احلقوق واحلريات
املتعلقة بالضبط اإلداري.2
تدليال على ما سبق ذكره يطرح لنا القضاء اإلداري يف كل من فرنسا ومصر مثاال عن دور االجتهاد القضائي يف مواجهة اإلدارة
العامة مبناسبة تقييدها للحرية حتت غطاء محاية النظام العام ،أمهها تقرير عدم مشروعية احلضر املطلق للحرية ،اليت أبرز فيها القضاء
اإلداري أن سلطات اإلدارة يف احلد من حرية األشخاص ،ال ميكن يف األحوال العادية أن يصل إىل احلضر املطلق للنشاط أو احلرية ،وفق
ما قضاه جملس الدولة الفرنسي ،خبصوص رفض طعن احملكمة اإلدارية لباريس ،الذي ألغى القرار الصادر من احملافظ الذي يستوجب منع
شركة التنس من القيام بتوزيع بعض الصحف واجملالت أثناء تنظيم ألعاب التنس العاملية بفرنسا حتت ستار محاية النظام العام ،هذا القرار
الذي مل يؤيده جملس الدولة الفرنسي لتعارضه مع مبدأ حضر مصادرة األنشطة واحلريات الفردية ،وذلك بتاريخ 00جوان .3 1774
يف سابقة قضائية فرنسية أخرى ال تقل أمهية عن األوىل ،أكد جملس الدولة الفرنسي على التناسب العكسي بني إجراءات
الضبطية اإلدارية وأمهية احلقوق واحلريات بأنواعها ،على حنو استقر فيه األمر على تقلص سلطات الضبط ،كلما كانت احلرية حمل هذه
اإلجراءات ضرورية للفرد كحرمة حياته اخلاصة ،اليت من أهم ما ينجر عنها حرية استعمال املسكن حتت طائلة عدم املساس بأغراض
الضبط اإلداري" :وهي النظام العام ،الصحة العامة ،والسكينة العامة " ،كما قضى جملس الدولة خبصوص اإلجراءات الضبطية اليت تتضمن
عقوبة بوجوب احرتام احلق الدستوري وهو حق الدفاع ،مبا يقع واجبا على السلطات اإلدارية إبالغ املخاطبني بالقرارات اإلدارية قبل
صدورها ،حىت تتسىن هلم فرصة الدفاع عن أنفسهم ،وهو ما جتسد من خالل ما قضى به جملس الدولة يف إلغاء حكم احملكمة اإلدارية
231
اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية /معهد العلوم القانونية واإلدارية /املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت ،اجلزائر
العدد الرابع /ديسمبر /7102الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"ISSN: 2507-7635 :
بالقرار الصادر يف 27مايو 1772ملدينة بوردو الفرنسية ،الذي تضمن توقيع عقوبة على إحدى الشركات املنتجة للكحول ذات الصفة
واملصلحة يف الطعن عن سحب الرتخيص املمنوح هلا إلنتاج بعض األنواع من الكحول ،األمر الذي أدى مبجلس الدولة إللغاء حكم
احملكمة اإلدارية املؤيد لقرار وزير الزراعة ،ومرد هذا النقض هو هضم حق الدفاع الذي أغفله وزير الزراعة واحملكمة اإلدارية ملدينة " بوردو "
الفرنسية يف حكمها .1
خاتمــة:
لقد ساهم القضاء اإلداري وال يزال يساهم على حنو فعال يف تطوير أحكام القانون اإلداري ،على اعتبار أن القضاء اإلداري هو
قضاء إنشائي تكويين خالق للنظريات والقواعد واملبادئ يف سبيل توسيع بوتقة مصادر املشروعية ،خالفا للقاضي العديل الذي يكتفي
بالتطبيق احلريف للنصوص ،ويكون أكثر عرضة الرتكاب جرمية إنكار العدالة ،بالرغم من الضعف امللحوظ يف اجملال الذي تعاين منه
جهات التقاضي اإلدارية يف اجلزائر ،باعتبارها مل تبلغ بعد احلد املطلوب من االجتهاد ،مقارنة مبعدل التميز الذي فاق من عمل جملس
الدولة الفرنسي املبدع يف التحليل والتأصيل القضائي ،اجتهاد القضاء اإلداري اجلزائري الذي يعد على األصابع.
على العموم خنلص إىل؛ أن املتكلمون عن النشأة القضائية لقواعد القانون اإلداري يتناولون هذه املسألة بطريقة يعتقد فيها
الكثري منهم؛ أن القانون اإلداري توقف تارخيا عن التطور عند حد نشأته ،لكن حقيقة األمر غري ذلك ،حبكم ما يساهم به جملس الدولة
الفرنسي ونظريه اجلزائري -نوعا ما -يف تطوير أحكام القانون وابتداع احللول واملبادئ والنظريات بالرغم من وجود العوائق السابقة
الذكر ،غري أننا ارتأينا يف سبيل تطوير حركة االجتهاد القضائي اإلداري يف اجلزائر أن نقرتح ما يلي:
أوال :نقرتح ذافيف العبء على جملس الدولة اجلزائري وعدم إقحامه يف مسائل االستئناف ،وباملقابل نقل هذه الصالحية حملاكم
إدارية خمصصة هلذا الغرض ،حىت يتفرغ جملس الدولة لالجتهاد واالبتكار القضائي ،حبكم عناصر اخلربة واحلنكة اليت تسريه ،ومن هذا
القبيل كذلك نقرتح حتويل منازعات اهليئات املركزية إىل اختصاص احملاكم اإلدارية وال ضرر من ذلك.
ثانيا :ندعو قضاة ومستشاري جملس الدولة اجلزائري إىل االقتداء مبجلس الدولة الفرنسي يف جمال االجتهاد واإلبداع يف سبيل
حتقيق فعالية أكرب لقواعد القانون اإلداري وتطويرها.
1
C .E 9 mai 1980 , société des établissement , cruse , A . J. D. A ? 1980 , p 482 نقال عن املرجع نفسه ،ص .42
232