You are on page 1of 10

‫اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية‪ /‬معهد العلوم القانونية واإلدارية‪ /‬املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت‪

،‬اجلزائر‬
‫العدد الرابع‪ /‬ديسمبر ‪ /7102‬الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"‪ISSN: 2507-7635 :‬‬

‫دور القــاضي اإلداري في صناعة القـواعد القانونيـة‬


‫‪The role of the administrative judge in the establishment of legal rules‬‬
‫محمـد أمين زيان‪ ،‬طالب باحـث يف الدكتـوراه‪،‬‬
‫كلية احلقوق والعلوم السياسية‪ ،‬قسم احلقوق‪،‬‬
‫جـامعـة حيـي فـارس املديـة‪ ،‬اجلزائـ ـر‪.‬‬
‫أستاذ مؤقـت‪ ،‬كلي ـ ـة احلقـ ـوق والعلوم السياسية‪،‬‬
‫جامعة علي لونيسي البليدة ‪ ،20‬اجلزائر‪.‬‬
‫تاريخ اإليداع‪ -0212/11/11 :‬تاريخ املراجعة‪.0212/10/21 :‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫ال تقتصر وظيفة القاضي اإلداري على جمرد تطبيق النصوص القانونية أو تفسري الغموض الذي يكتنفها‪ ،‬وإمنا ميتد هذا الدور إىل‬
‫ابتداع احللول وخلق النظريات‪ ،‬حبكم أن القضاء اإلداري ليس جمرد قضاء تطبيقي‪ ،‬وإمنا على األغلب هو قضاء تكويين‪ ،‬إنشائي خالق‬
‫للقواعد القانونية‪ ،‬يف سبيل الفصل يف القضايا املطروحة عليه وتوسيع بوتقة مصادر املشروعية‪ ،‬وفق مراحل معينة‪ ،‬خالفا للقاضي العديل‪،‬‬
‫حتاشيا إلنكار العدالة‪.‬‬
‫مرد منح هذه السلطة للقاضي اإلداري‪ ،‬هو الطبيعة اخلاصة لقواعد القانون اإلداري‪ ،‬السيما يف ظل املنشأ القضائي لقواعده‪،‬‬
‫األمر أدى لالختالف حول الطبيعة القانونية للقاعدة القانونية القضائية ومقارنتها بالتشريع‪ ،‬غري أن صنع القواعد القضائية‪ ،‬ال تكون‬
‫بطريقة عشوائية‪ ،‬وإمنا بإتباع أحكام و ضوابط معينة‪ ،‬حىت ال متس احلقوق واحلريات‪ ،‬وأمثلة القواعد القضائية عديدة ومتنوعة‪ :‬كالعيوب‬
‫الالحقة بالقرار اإلداري‪ ،‬نظام املسؤولية اإلدارية على أساس اخلطأ واملخاطر‪ ،‬قرينة التظلم اإلداري املسبق على القرارات القضائية‪ ،‬نظرية‬
‫العلم اليقيين والغرامة التهديدية يف مواجهة اإلدارة العامة‪.‬‬
‫الكلمات الدالــة‪:‬‬
‫القانون اإلداري‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬املنازعة اإلدارية‪ ،‬القرار القضائي املبدئي‪ ،‬االجتهاد القضائي‪ ،‬املشروعية اإلدارية واحلريات‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪The role of the administrative judge is not limited to the application of legal texts or the‬‬
‫‪interpretation of the ambiguity that surrounds them. His role extends to the creation of solutions and‬‬
‫‪theories, since administrative judiciary is not merely applied but rather creative. In order to resolve‬‬
‫‪cases and expand the potency of legal sources and avoid the denial of justice, the administrative‬‬
‫‪judiciary, as opposed to the judge, has to devise legal rules, following specific steps.‬‬
‫‪The power to grant this authority to the administrative judge is due to the special nature of‬‬
‫‪the Administrative Law, particularly in regards to the judicial origin of its rules. This has led to a‬‬
‫‪debate over the legal nature of the judicial legal basis and its comparison with legislation. However,‬‬
‫‪the establishment of judicial rules is not arbitrary. It is based on specific rules and parameters, in‬‬
‫‪order to preserve the rights and freedoms. As example of judicial rules are numerous and varied,‬‬
‫‪such as the defects related to administrative ruling, the administrative liability system on the basis‬‬
‫‪of error and risk, the presumption of pre-administrative grievance on judicial decisions, the theory‬‬
‫‪of fine science and the threatening fine in the law in facing public administration.‬‬
‫‪Keywords:‬‬
‫‪Administrative Law, Administrative Judiciary, Administrative Dispute, Preliminary Judicial‬‬
‫‪Decision Judgments, Administrative Legitimacy and Freedoms.‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫‪223‬‬
‫اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية‪ /‬معهد العلوم القانونية واإلدارية‪ /‬املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت‪ ،‬اجلزائر‬
‫العدد الرابع‪ /‬ديسمبر ‪ /7102‬الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"‪ISSN: 2507-7635 :‬‬

‫ال ميكننا احلديث عن القانون اإلداري واستقالليته‪ ،‬ونظام االزدواجية القضائية ككل دون احلديث عن القضاء اإلداري‪ ،‬الذي‬
‫زرع نواته منذ إثبات عجز قواعد القانون املدين وعدم مواكبتها للتطبيق على الروابط القانونية واملنازعات الناشئة بني األفراد واجلهات‬
‫اإلدارية‪ ،‬يف وقائع قضية البنت اليت تدعى‪ " :‬إجيينز بالنكو " وما يليها من قرارت‪ ،‬والفضل يعود يف ذلك جمللس الدولة الفرنسي‪ ،‬بعد‬
‫خماض عسري‪ ،‬يف ظل سيطرة اإلمرباطور ‪ ،‬يف الفصل يف القضايا الناشئة آنذاك‪.‬‬
‫إن أمهية القضاء اإلداري ال تقف عند املسامهة يف نشأة القانون اإلداري ‪ ،‬بل يتجاوز ذلك إىل تطوير قواعده و سد النقص‬
‫الذي يشوبه و يسفر الغموض الذي يكتنفه ‪ ،‬خمالفا بذلك أصول العمل القضائي التقليدي املمثل يف الوظيفة القضائية ‪ ،‬اليت تقتصر‬
‫على إفراغ النصوص التشريعية ‪ ،‬ونقلها من حيز السكون إىل حيز احلركة ‪ ،‬فأصبح القاضي اإلداري ميارس إضافة لوظيفته التقليدية وظيفة‬
‫االبتكار و االبتداع ‪ ،‬و خلق احللول بفعل النقص املسيطر على النصوص املتفرقة للقانون اإلداري ‪ ،‬اليت مل تغطي كل موضوعاته ‪ ،‬انطالقا‬
‫من أن املشرع يف املواد اإلدارية ‪ ،‬يقتصر عمله على سن القواعد العامة ‪ ،‬ويرتك للقاضي اإلداري سلطة تفسريها ‪ ،‬وخلق احللول للمشاكل‬
‫اليت تصادف إعماهلا يف املنازعات اإلدارية ‪ ،‬األمر الذي يزيد من فضولنا للوقوف عن حقيقة دور القضاء يف مادة املنازعات اإلدارية‪.‬‬
‫فإىل أي مدى يساهم القاضي اإلداري يف صناعة القواعد القانونية املتعلقة باملادة اإلدارية؟‪ .‬أو بصيغة أخرى‪ :‬أي دور للقاضي‬
‫اإلداري يف مادة املنازعات اإلدارية ; تطبيق أم ابتكار القاعدة القانونية ؟‪.‬‬
‫هذا ما سنحاول التطرق إليه يف هذه الورقة البحثية بتقسيمها إىل مبحثني‪ ،‬خنصص األول لإلطار املفاهيمي الجتهاد القاضي‬
‫اإلداري‪ ،‬يف حني خنصص الثاين ألحكام االجتهاد القضائي يف املواد اإلدارية ‪ ،‬برهنة ألسبقية نشأة القضاء اإلداري على ابتداع القانون‬
‫اإلداري‪ ،‬وذلك على النحو التايل‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫اإلطـار المفاهيمي الجته ـاد القاضي اإلداري‬
‫وظيفة القضاء منذ ظهور مفهوم الدولة و السلطة‪،‬هي الفصل يف املنازعات املعروضة عليه‪ ،‬ويف سبيل حتقيق ذلك قد يواجه‬
‫عمله فرضيتني ‪ ،‬تكمن الفرضية األوىل يف وجود نص قانوين صادر عن السلطة املختصة يتكيف مع طبيعة النزاع ‪ ،‬و حينها يستوجب على‬
‫القاضي عموما إسقاط النصوص على الوقائع و تطبيقها حتليال و استنباطا ‪ ،‬وذلك يف حالة ما إذا كانت النصوص واضحة ‪ ،‬أما يف حالة‬
‫غموضها ‪ ،‬فيستوجب األمر على القاضي ‪ -‬وباألخص يف املنازعات اإلدارية ‪ -‬تفسريها أوال مث تطبيقها على النزاع ثانيا‪ ،‬األمر الذي‬
‫نستطيع من خالله القول أن القاضي طبق القانون على املنازعة املعروضة عليه‪ ،‬حتاشيا إلنكار العدالة ‪.1‬‬
‫أما الفرضية الثانية‪ ،‬فتكمن يف غياب نص يطبق على النزاع‪ ،‬ويتحقق هذا الفرض بكثرة يف املنازعات اإلدارية ‪ ،‬فهنا يستوجب‬
‫على ا لقاضي اإلداري البحث عن القاعدة القانونية يف مسائل مشاهبة أو تشريعات أخرى مماثلة ‪ ،‬ويستفيد من احللول املطبقة لتماثلها يف‬
‫سبيل حل القضية املطروحة‪ ،‬ويف حال عدم وجود نصوص مشاهبة ‪ -‬السيما يف ظل قواعد التقنني املدين مبا ينسجم مع طبيعة املنازعات‬
‫اإلدارية – فما عل يه إال ابتكار وإنشاء القاعدة القانونية حتاشيا إلنكار العدالة ‪ ،‬مبا جيعل من القضاء اإلداري قضاء مبدعا تكوينيا خالقا‬
‫للنظريات والقواعد القانونية‪ ،‬يف سبيل توسيع بوتقة مصادر املشروعية‪ ،2‬وعليه سوف نتطرق يف هذا املبحث ملفهوم االجتهاد القضائي يف‬
‫املادة اإلدارية حبيث نعا ج تعريف االجتهاد القضائي اإلداري (املطلب األول)‪ ،‬أسباب وطبيعة االجتهاد القضائي (املطلب الثاين)‪ ،‬مراحل‬
‫صنع القاعدة القانونية القضائية (املطلب الثالث)‪ ،‬وكمطلب رابع عرض صور ومناذج لقواعد قضائية اجتهادية مبعرفة القضاء اإلداري‪ ،‬وهو‬
‫ما سنحاول التطرق إليه بنوع من االختصار على النحو التايل‪:‬‬

‫‪ 1‬أشارت إليه‪ :‬ابتسام فاطمة الزهراء شقاف‪ ،‬دور القاضي اإلداري يف إنشاء القاعدة القانونية‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬فرع القانون املعمق‪ ،‬كلية احلقوق والعلوم‬
‫السياسية ‪ ،‬جامعة تلمسان ‪ ، 0212-0212 ،‬ص ‪ 11‬و ما بعدها‪.‬‬
‫‪ 2‬مصلح ممدوح الصرايرة‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬مبادئ القانون اإلداري‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،0210 ،‬ص ‪.42 ، 44‬‬

‫‪224‬‬
‫اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية‪ /‬معهد العلوم القانونية واإلدارية‪ /‬املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت‪ ،‬اجلزائر‬
‫العدد الرابع‪ /‬ديسمبر ‪ /7102‬الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"‪ISSN: 2507-7635 :‬‬

‫المطلـب األول‪ :‬تعـريـف االجتهاد القضائـي فـي المـواد اإلداريـة‬


‫إن االجتهاد القضائي مصطلح مركب من نعت ومنعوت‪ ،‬فا" االجتهاد" هو املنعوت أي املوصوف و " القضائي " هو النعت‬
‫و" اإلداري " منعوت ثان‪ ،‬وعليه نستطيع تعريف " االجتهاد القضائي اإلداري" بتقسيم هذه العبارة إىل ثالثة أجزاء‪ ،‬وذلك على النحو‬
‫التايل‪:‬‬
‫مصطلح "االجتهاد" من حيث اللغة هو‪" :‬بذل اجلهد واستفراغ الوسع" أي "بذل الطاقة يف الوصول إىل املراد" ‪ ،‬وهذا املصطلح‬
‫ال يطلق إال على عمل فيه مشقة‪ ،‬وعليه يكون اجملتهد هو‪ " :‬كل من كان أهال لالجتهاد واستنباط األحكام من مصادرها "‪.1‬‬
‫معىن االجتهاد فقها خمتلف فيه من حيث املبىن‪ ،‬متفق عليه من املعىن ‪ ،‬وعلى العموم نعين به ‪" :‬استفراغ اجلهد يف درك األحكام‬
‫الشرعية" ‪ ،‬أما التعريف التشريعي فيغيب متاما عن الساحة‪ ،‬نظرا لكونه ال يدخل يف صميم عمل املشرع‪ ،2‬بل اكتفى هذا األخري بوضع‬
‫املادة االفتتاحية من التقنني املدين اجلزائري‪ ،‬اليت ألزمت القاضي – سواء كان عدليا أو إداريا ‪ -‬بالفصل يف املنازعة وفق النص التشريعي‪،‬‬
‫وإذا مل جيد‪ ،‬فبمبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مث العرف‪ ،‬مث مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة ‪.3‬‬
‫أما من حيث التعريف القضائي‪ ،‬فنالحظ غياب تعريف حريف لالجتهاد‪ ،‬لكن لكل دارس قانون اكتشاف جمال تطبيقه يف العلوم‬
‫القانونية يف عدة قرارات قضائية ‪.4‬‬
‫مصطلح القضاء يف اللغة هو‪" :‬احلكم" و"القاضي" هو "الفاصل يف األمور" إذ يقال‪" :‬استقضى فالن فالنا‪ ،‬أي جعله قاضيا‬
‫بني الناس‪ ،‬والقضايا هي األحكام " أما من حيث الفقه‪ ،‬فيعرفه " عاطف البنا"‪ " :‬للقضاء عدة معاين ‪ ،‬وال نقصد بالقضاء كمصدر‬
‫للقانون‪ ،‬املعىن العضوي الذي ينصرف إىل أعضاء اهليئات القضائية‪ ،‬وإمنا املقصود هو القضاء مبدلوالته املوضوعية‪ ،‬اليت تنصرف من ناحية‬
‫إىل احلكم يف نزاع معني معروض على القاضي‪ ،‬وينصرف من ناحية أخرى إىل اطراد األحكام و استقرارها "‪.5‬‬
‫أما بالنسبة ملصطلح "اإلداري"‪ ،‬فنظرا لكونه صادر عن جهات التقاضي اإلدارية‪ ،‬يف نقاط مل تعاجلها النصوص القانونية‪ ،‬حتل‬
‫‪6‬‬
‫مشاكل وقضايا مطروحة على احملاكم يف قرارات قضائية‪ ،‬يطلق عليها بتسمية " األحكام األساسية أو األحكام ذات املبادئ "‪.‬‬
‫وعند مجع املصطلحات املذكورة أعاله‪ ،‬نستطيع تعريف" االجتهاد القضائي اإلداري" على أنه‪" :‬مسامهة القضاء أو إضافات‬
‫القضاء اإلداري ونتاج مشقته ووسعه يف تفسري القانون وسد النقص الذي يكتنفه‪ ،‬أو تكملة القواعد أو تفسريها حتقيقا لوحدة املنظومة‬
‫القانونية‪ ،‬بقرارات منشئة ال مفسرة تعترب مصدرا للقانون اإلداري " ‪.7‬‬
‫المطلـب الثان ـي‪ :‬أسباب وطبيعـة االجتـ ـهاد القضـائي فـ ـ ـ ـي المـواد اإلداريـة‬
‫ميكن رد أسباب بروز الدور االجتهادي للقاضي اإلداري يف عدم فعالية دور التشريع يف جمال املنازعات اإلدارية‪ ،‬أي يرجع بصفة‬
‫عامة للطبيعة اخلاصة لقواعد القانون اإلداري‪ ،‬خاصة يف ظل منشأها القضائي ومرجعيتها التارخيية‪ ،‬وهذا هو حمل اخلصوصية يف هذا‬

‫‪ 1‬مصطفى‪ ،‬خبوش‪ ،‬أ ‪.‬عبد اجلليل مفتاح‪ ،‬دور القاضي اإلداري ‪ :‬وضع القاعدة القانونبة أم تطبيقها؟‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد ‪ ، 20‬كلية احلقوق والعلوم‬
‫السياسية ‪ ،‬جامعة بسكرة ‪ 21 ،‬نوفمرب ‪ ،0222‬ص ‪.112‬‬
‫‪ 2‬ابتسام فاطمة الزهراء شقاف ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 3‬املادة ‪ 0/21‬من األمر ‪ 27-22‬املؤرخ يف ‪ 02‬سبتمرب ‪ 1722‬يتضمن القانون املدين‪ ،‬املعدل عدة تعديالت‪ ،‬السيما بالقانون رقم ‪ 12-22‬املؤرخ يف ‪02‬‬
‫يونيو ‪ ،0222‬والقانون ‪ 22-22‬املؤرخ يف ‪ 11‬مايو ‪.0222‬‬
‫‪ 4‬ابتسام فاطمة الزهراء شقاف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10 – 11‬‬
‫‪ 5‬نقل حريف عن املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ .6‬مصطفى خبوش‪ ،‬عبد اجلليل مفتاح‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ 7‬أشار إليه‪ :‬إبراهيم بن حليمة‪ ،‬تطور مصادر القانون اإلداري وأثره على حركة التشريع اتساعا واحنصارا‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،21‬كلية احلقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة بسكرة‪ 21 ،‬نوفمرب ‪ ،0222‬ص ‪.120‬‬

‫‪225‬‬
‫اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية‪ /‬معهد العلوم القانونية واإلدارية‪ /‬املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت‪ ،‬اجلزائر‬
‫العدد الرابع‪ /‬ديسمبر ‪ /7102‬الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"‪ISSN: 2507-7635 :‬‬

‫القانون‪ ،‬ألن القضاء نشأ أوال‪ ،‬مث نشأ بعد ذلك القانون‪ ،‬على العموم يكمن أول سبب لالجتهاد القضاء اإلداري يف نقص التشريع‪،‬‬
‫بدليل أن املشرع نفسه يعرتف هبذا النقص كما تطرقنا لذلك يف املادة االفتتاحية من التقنني املدين اجلزائري‪ ،‬ويزيد من هذا النقص‪ ،‬عدم‬
‫تقنني قواعد هذا القانون ‪ ،‬بالرغم من وجود تشريعات إدارية كثرية متفرقة‪ ،‬وسرعة تطور أحكامه‪ ،‬بالرتكيز على االعتبارات العملية املرتبطة‬
‫حبسن مباشرة اإلدارة العامة لوظائفها‪ ،‬أكثر منه االعتبارات القانونية‪ ،‬دون أن ننسى غلبة الروح اإلدارية يف نفسية القاضي‪ ،‬اليت تدفع به‬
‫إىل االجتهاد‪ ،‬فظروف املنازعات اإلدارية تلزم القاضي ال أن يكون قاضيا فقط وإمنا قاضيا وإداريا يف نفس الوقت ‪.1‬‬
‫يرى بعض الفقه أن السبب الرئيسي والفعال لربوز االجتهاد يف املواد اإلدارية‪ ،‬هو عدم املساواة بني أطراف املنازعة اإلدارية‪ ،‬أي‬
‫بني اإلدارة العامة ذات السيطرة والقوة والغلبة مبا هلا من امتيازات‪ ،‬واألفراد العاديني البسطاء‪ ،‬األمر الذي حيتم على القاضي التدخل يف‬
‫املنازعة بشكل إجيايب‪ ،‬كشكل للتنقيب والبحث‪ ،‬أي أن القضاء اإلداري يتوىل عبء تسيري إجراءات اخلصومة‪ ،‬يأمر بالتحقيق‪ ،‬يفحص‬
‫الوثائق‪ ،‬ويقدر وسائل اإلثبات‪ ،‬مث يفصل يف الدعوى‪ ،‬يف حني أن املدعي ال يكلف نفسه بكل ذلك‪ ،‬على عكس القاضي املدين العديل‪،‬‬
‫الذي ال يسمح له القانون أن حيل حمل اخلصوم يف تقدمي وسائل اإلثبات و التعليق عليها‪ ،‬حبكم أن دور هذا األخري جمرد حكم بني‬
‫خصمني يف حني أن القاضي اإلداري خيرق هذا املبدأ كما سنرى‪ ،‬على حنو نستتبع فيه القول أن‪ " :‬القانون اإلداري هو االبن الشرعي‬
‫للقضاء‪.2‬‬
‫جانب آخر من الفقه ‪ -‬وحنن نعارضهم يف ذلك ‪ -‬ينكر متاما دور القاضي اإلداري يف صناعة القواعد القانونية‪ ،‬ويربرون رأيهم‬
‫بأن القاضي عندما ال جيد حال للنزاع يف النص التشريعي أو العرف‪ ،‬يكون ملزما بتطبيق املبادئ العامة للقانون " روح القانون "‪ ،‬مما يدل‬
‫على عدم وجود أي دور ابتكاري للقاضي اإلداري‪ ،‬ألن هذا األخري يستمد احللول من روح القانون املوجودة مسبقا قبل طرح النزاع عليه‪،‬‬
‫بل دور هذا األخري‪ ،‬ال يعدو أن يكون سوى دور كاشف ألحكام و مبادئ راسخة يف وجدان القواعد القانونية‪ ،‬لكن يف رأي خمالف يرى‬
‫البعض اآلخر‪ ،‬أن املبادئ العامة ال تصفو مصاف القاعدة القانونية‪ ،‬لكوهنا ال تعدو أن تكون جمرد توجيهات عامة وجد جمردة وغري‬
‫منضبطة ‪ ،3‬وحنن نؤيد هذا الرأي انطالقا من كون إنكار وظيفة االبتداع لدى القاضي اإلداري تؤدي جلمود القانون اإلداري وسكونه‪.‬‬
‫على العموم ميتاز االجتهاد القضائي يف املواد اإلدارية " الدور اإلبداعي للقاضي اإلداري " بعدة خصوصيات قد ال جندها يف‬
‫القوانني اخلاصة‪ ،‬أمهها الواقعية ومراعاة ظروف النزاع‪ ،‬ألجل حل معادلة املصاحل املتعارضة ألطراف اخلصومة اإلدارية‪ ،‬على حنو نستطيع فيه‬
‫القول أن القضاء لصيق باحلياة العملية والظروف الواقعية‪ ،‬يعيش و يتعايش معها‪ ،‬ويطبق أحكامه عليها جمارات لتطورها‪ ،‬ال يكاد مييل‬
‫عنها حىت يعود إليها من جديد‪ ،‬واألهم من كل هذا أن أساس االجتهاد‪ ،‬متعلق بالنظام السياسي والقانوين للدولة‪ ،‬وكذا مبادئ القانون‬
‫الطبيعي و قواعد العدالة‪ ،‬أما األخطر فيه هو جتاوز القاضي اإلداري لدوره كحكم يف النزاع‪ ،‬حلد أن صناعة القاعدة القانونية‪ ،‬يكاد أن‬
‫يتحول فيه القاضي من مركزه قاضيا إىل مشرعا‪ ،‬ويضاف لكل هذا االرتباط الشديد الذي ال يقبل التجزئة بني القانون اإلداري والقضاء‬
‫اإلداري‪.4‬‬
‫اآلن لنا أن نعود ملسألة طبيعة القواعد القضائية‪ ،‬فهل تعترب هذه األخرية يف جوهرها قواعد تشريعية ؟ وهل ميكن فعال أن يتحول‬
‫فيها القاضي من دوره كحكم يف النزاع إىل مشرع يسن القواعد القانونية ؟‪.‬‬

‫‪ 1‬مصطفي خبوش‪ ،‬عبد اجلليل مفتاح‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬


‫‪ 2‬ابتسام فاطمة الزهراء شقاف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12 ، 12‬‬
‫‪ 3‬املوقع اإللكرتوين‪ WWW.IASJ.NET :‬تاريخ الدخول‪ 0212-12-02 :‬على الساعة ‪.12:21‬‬
‫‪ 4‬نقل حريف عن‪ :‬مصطفى خبوش‪ ،‬عبد اجلليل مفتاح‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117 ،112‬‬

‫‪226‬‬
‫اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية‪ /‬معهد العلوم القانونية واإلدارية‪ /‬املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت‪ ،‬اجلزائر‬
‫العدد الرابع‪ /‬ديسمبر ‪ /7102‬الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"‪ISSN: 2507-7635 :‬‬

‫حياول " الدكتور‪ /‬عادل السعيد أبو اخلري " اإلجابة عن هذا السؤال بقوله ‪... ":‬مع التسليم بالصفة اإلنشائية لسلطة القاضي‬
‫اإلداري يف اختيار املبادئ القانونية العامة‪ ،‬إال أن هذه السلطة ذات طبيعة خاصة مل تعرف من قبل‪ ،‬ألهنا ليست من الضيق حبيث تقتصر‬
‫على جمرد التطبيق‪ ،‬كما أهنا ليست من القوة واالتساع حبيث تبلغ مبلغ التشريع " ‪.1‬‬
‫يعين هذا األمر أن القاضي اإلداري حسبه‪ ،‬ال ميارس دوره اإلنشائي مبنئى عن احلدود القانونية والضوابط الشرعية‪ ،‬كما أن ابتداع‬
‫التشريع ال ينصرف إىل إنشاء قاعدة قانونية جديدة‪ ،‬فهو ال يعدو أن يكون جمرد استخالص لقواعد ومبادئ ونظريات وأفكار سائدة‪،‬‬
‫على عكس سلطة التشريع القائمة على أساس ابتكار نظريات وأفكار جديدة غري معروفة من قبل‪ ،‬وعلى العموم‪ ،‬تعترب سلطة إنشاء‬
‫القواعد القضائية سلطة خطرية قد هتدد النظام القضائي نفسه‪ ،‬وهتدد مسألة احلقوق‪ ،‬على حنو قد ال تتضمنها أشد القوانني استبدادا‪،‬‬
‫حبكم أنه إذا كان من امليسر الكشف عن األخطاء الواردة يف األحكام القضائية اليت تعترب عنوان للحقيقة‪ ،‬اليت ترد يف األحكام القضائية‪،‬‬
‫فإن تعسف القاضي يف استعمال سلطة اإلبداع واالبتكار لديه تبقى أمرا غامضا وصعبا للكشف عليه‪ ،‬وال ميكن حىت التنبؤ به‪.2‬‬
‫المطلـب الث ـالث‪ :‬مراحل صنـع الق ـواع ـ ــد القضائيـة ومعيـ ـ ـ ـ ـقاتهـا‬
‫إذا مل جيد القاضي اإلداري نصا قانونيا يطبق على املنازعة اإلدارية املعروضة عليه‪ ،‬يكون جمربا على االجتهاد ‪ ،‬تفاديا الرتكاب‬
‫جرمية إنكار العدالة‪ ،‬وهذا الكالم ال يعين بالضرورة أن ينصب القاضي نفسه مشرعا‪ ،‬لالختالف الشديد بني القاعدة القانونية والقاعدة‬
‫القضائية كما رأينا أعاله‪ ،‬وإمنا ال يعدو أن يكون جمرد " قرار مبدئي"‪ ،‬وهذا القرار جيب أن ينوي التمسك به القاضي مستقبال حلل‬
‫القضايا املشاهبة‪ ،‬بل وأن هذا القرار املبدئي ليس مقصورا على جملس الدولة فقط‪ ،‬فبإمكان حىت قاضي احملكمة اإلدارية اذااذ هذا القرار‪،‬‬
‫مع احرتام الشرط نفسه‪ ،‬يف ظل انعدامه ال ميكن الكالم عن " القاعدة القضائية " ‪.3‬‬
‫عموما متر عملية وضع القرار املبدئي " القاعدة القضائية " بثالث مراحل أساسية‪ ،‬املرحلة األوىل تسمى بــ" مرحلة االكتشاف‬
‫املزدوج"‪ ،‬ومسيت هبذه التسمية‪ ،‬ألن القاضي اإلداري يكتشف فيها أمرين‪ ،‬األمر األول هو اكتشاف أن الواقعة املعروضة عليه مل يضبطها‬
‫نص قانوين من قبل‪ ،‬بعد حبث طويل وعناء شديد يتطلب اخلربة امليدانية وطول نفس‪ ،‬واألمر الثاين هو اكتشاف احلل الذي يراه‬
‫القاضي الزما لتكملة القصور أو الفراغ القانوين املوجود مبناسبة عرض تلك الوقائع‪ ،‬حبكم استحالة املشرع اإلحاطة الشاملة باملشاكل أو‬
‫املنازعات اإلدارية اليت سوف تقع مستقبال‪ ،‬نظرا ملرونة وتطور اجملال اإلداري ككل ‪.4‬‬
‫يثبت التاريخ القضائي اإلداري بروز هذا الدور لدى القاضي يف عدة مناسبات‪ ،‬كاستبعاد أعمال السيادة من إعمال فكرة‬
‫الرقابة القضائية‪ ،‬ففي هذا الفرض اكتشف القاضي اإلداري خطورة التصدي هلذه الفئة من األعمال خاصة يف ظل البواكري األوىل لنشأة‬
‫القانون والقضاء اإلداريني‪ ،‬مث اكتشف ثانيا وخرج بقرار مبدئي وهو استبعاد نطاق هذه األعمال من هذه الرقابة‪ ،‬مثلها مثل فكرة التعويض‬
‫عن الضرر املعنوي‪ ،‬اليت اكتشف فيها القاضي عجز عمل التشريع يف معاجلة املسألة‪ ،‬واهتدى لفكرة ابتكار قواعد قضائية وقرارات مبدئية‬
‫اجتهادية حلل النزاع‪ ،‬كما هو احلال يف املسؤولية اإلدارية يف دعوى رجوع الدولة على املوظف يف ارتكاب اخلطأ املرفقي‪ ،‬أين اكتشف‬

‫‪ 1‬عادل السعيد أبو اخلري‪ ،‬اجتهاد القاضي اإلداري يف جمال احلقوق واحلريات ‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة بسكرة‪ ،‬نوفمرب‬
‫‪ ،022‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 3‬ابتسام فاطمة الزهراء شقاف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 12‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 4‬الزين عزري‪ ،‬القاضي اإلداري يصنع القاعدة القانونية‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد ‪ ،20‬كلية احلقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫بسكرة‪ 21 ،‬نوفمرب ‪ ،0222‬ص ‪.127‬‬

‫‪227‬‬
‫اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية‪ /‬معهد العلوم القانونية واإلدارية‪ /‬املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت‪ ،‬اجلزائر‬
‫العدد الرابع‪ /‬ديسمبر ‪ /7102‬الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"‪ISSN: 2507-7635 :‬‬

‫القاضي اإلداري عدم عدالة هتريب املوظف من حتمل نتائج املسؤولية اإلدارية عن األضرار اليت سببها للغري‪ ،‬وإلقاء هذا العبء على‬
‫الدولة‪ ،‬واهتدى البتداع فكرة حق رجوع الدولة على املوظف يف حالة ارتكاب خطأ شخصي‪.1‬‬
‫املرحلة الثانية هي " مرحلة التجريب"‪ ،‬فإذا كانت مرحلة االكتشاف عمل داخلي يبطنه القاضي يف نفسه‪ ،‬فإنه يف هذه املرحلة‬
‫الثانية‪ ،‬خيرج القاضي ما ينوي فعله للعلن‪ ،‬وهي املرحلة القوية يف صناعة القاعدة القضائية‪ ،‬ولو أن ما توصل إليه القاضي يف هذه املرحلة‬
‫يصطلح عليه ب ـ " احلل القضائي " ال "القاعدة "‪ ،‬ألن هذه األخرية مل تصل ملرحلة اإلدماج بعد‪ ،‬إذ يظهر العمل السري للقاضي يف هذا‬
‫النسق عن طريق ما حيرره القاضي من مقاالت وكتابات علمية‪ ،‬للتعريف هبذا احلل القضائي‪ ،‬حىت يتسىن للفقهاء مناقشته وتوجيه سهام‬
‫النقد إليه‪ ،‬كما فعل ذلك جملس الدولة الفرنسي يف جمال ابتكار قاعدة املسؤولية عن القوانني يف قضية " شركة ال فلوريت" ‪.2‬‬
‫آخر مرحلة لصناعة القاعدة القضائية هي "مرحلة اإلدماج"‪ ،‬وتأيت بعد تلقي ردود أفعال ومواقف الفقهاء املختصني الذين علموا‬
‫بظهور القاعدة اجلديدة اليت اكتشفها القاضي وأعلن عنها‪ ،‬وهي املرحلة احلامسة والفعالة اليت تساهم يف توسيع بوتقة مصادر املشروعية‬
‫اإلدارية‪ ،‬يتم فيها إضافة احلل القانوين للنظام القانوين القائم‪ ،‬بفعل اإلدماج ضمن أحكام متعددة و مبرور الزمن يتحول " احلل القضائي "‬
‫إىل " قاعدة قضائية " مبرور الزمن و التكرار ويرتسخ يف وجدان القانون اإلداري كنظرية الظروف الطارئة وغريها ‪.3‬‬
‫قد تعرتض عملية االجتهاد القضائي يف املواد اإلدارية عدة عوائق‪ ،‬أمهها‪ :‬اتساع وظائف جملس الدولة كقاضي أول و آخر‬
‫درجة‪ ،‬وقاضي استئناف وقاضي نقض‪ ،‬لذلك يقرتح الفقه ذافيف الضغط على جملس الدولة على األقل فيما خيص االستئناف‪ ،‬وذلك إىل‬
‫حمكمة استئناف إدارية خمصصة هلذا الغرض‪ ،‬وإال استصعب األمر على جملس الدولة يف االجتهاد‪ ،‬والسبب اآلخر لعرقلة االجتهاد‬
‫القضائي يف اجلزائر هو تقليص صالحيات احملاكم اإلدارية‪ ،‬وذلك مبنح صالحية الفصل يف املنازعات اإلدارية اليت يكون أحد أطرافها‬
‫اهليئات املركزية يف الدولة إىل احملاكم اإلدارية‪ ،‬حبكم عدم خلق أي ضرر هلا حسب رأينا الشخصي‪ ،‬وفوق كل هذا تزيد أعمال السيادة‬
‫من احلد من دور القاضي اإلداري يف االجتهاد‪ ،‬نظرا لقصوره يف مواجهة قوة هذه األعمال‪ ،‬حىت و إن برزت اجتهادات قضائية يف فرنسا‬
‫متنح القاضي سلطة مواجهتها ‪.4‬‬
‫المطلـب الرابع ‪ :‬صـور الق ـواعـد القـانونيـة القضائية‬
‫القواعد القضائية اإلدارية املطبقة على املنازعات اإلدارية شئنا أم أبينا هي كثرية ومتنوعة‪ ،‬حىت و إن منع مبدأ الفصل بني‬
‫السلطات من تسمية هذه الطائفة من األعمال بـ ـ " التشريعية "‪ ،‬مبا يربهن عن مدى فعالية االجتهاد القضائي يف تطوير أحكام القانون‬
‫اإلداري‪ ،‬ومن مناذج القواعد القانونية القضائية‪ :‬العيوب الالحقة بالقرار اإلداري‪ ،‬نظام املسؤولية اإلدارية على أساس اخلطأ وعلى أساس‬
‫املخاطر‪ ،‬قرينة التظلم اإلداري ضد القرارات القضائية‪ ،‬قرينة إساءة استعمال السلطة‪ ،‬أبرز هذه القواعد نذكر‪ :‬نظرية العلم اليقيين ونظرية‬
‫الغرامة التهديدية‪ ،‬طبعا ال يسعنا املقال لشرحها كلها‪ ،‬لكن سنكتفي بشرح القاعدتني األخريتني فقط‪.5‬‬
‫بالنسبة لنظرية العلم اليقيين‪ ،‬فهي أبرز نظريات القضاء اإلداري‪ ،‬حىت وإن هجرها جملس الدولة الفرنسي اليوم‪ ،‬إال يف بعض‬
‫احلاالت اخلاصة‪ ،‬مثل جمال الطعون غري املنشورة اليت يبدي فيها الطاعنون علمهم هبا‪ ،‬أما بالنسبة للغرامة التهديدية‪ ،‬فإن كانت قرارات‬
‫جملس الدولة مل تستقر على رأي واحد خبصوصها‪ ،‬وال يوجد قرار موحد للغرف اجملتمعة حوهلا‪ ،‬فإن اجتهاد الغرفة اإلدارية للمحكمة العليا‬

‫‪ 1‬ابتسام فاطمة الزهراء شقاف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪ 2‬أشار إليه‪ :‬الزين عزري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫‪ 3‬املرجع نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪ 4‬ابتسام فاطمة الزهراء شقاف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21 ، 20 ، 27‬‬
‫‪ 5‬رمزي حوحو‪ ،‬جملس الدولة كهيئة مقومة ألعمال اجلهات القضائية اإلدارية‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد ‪ ،20‬كلية احلقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫بسكرة‪ 21 ،‬نوفمرب ‪ ،0222‬ص ‪.074 ،071 ،071‬‬

‫‪228‬‬
‫اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية‪ /‬معهد العلوم القانونية واإلدارية‪ /‬املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت‪ ،‬اجلزائر‬
‫العدد الرابع‪ /‬ديسمبر ‪ /7102‬الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"‪ISSN: 2507-7635 :‬‬

‫كان جييز النطق هبا يف مواجهة اإلدارة‪ ،‬باعتبار أن جملس الدولة هي اجلهة املقومة ألعمال جهات التقاضي اإلدارية " احملاكم اإلدارية "‪،‬‬
‫وهو املسئول عن توحيد االجتهاد القضائي يف البالد‪.1‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫أحكام االجتهاد القضائي في المـواد اإلداريـة‬
‫سنحاول يف سبيل شرح مضمون هذا املبحث التطرق إىل اجلهات املؤهلة لالجتهاد القضائي‪ ،‬مصادر سلطة القاضي يف صناعة‬
‫القواعد القانونية القضائية‪ ،‬حجية االجتهاد القضائي اإلداري‪ ،‬مث يف األخري تأثري قواعد االجتهاد القضائي على احلقوق واحلريات‪ ،‬وذلك‬
‫يف املطالب األربعة التالية‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الجهـات المؤهلـة لالجتهـاد القضـائي فـي القانــون الجزائري‬
‫جاء جملس الدولة اجلزائري لتكريس االزدواجية القضائية‪ ،‬وفكرة االزدواجية هذه تتطلب وجود قضاة متخصصني‪ ،‬فضال عن‬
‫االستقاللية بني القضاء العديل والقضاء اإلداري‪ ،‬وأحكام املادة الثانية من القانون العضوي املنظم جمللس الدولة ‪ 20-77‬وصفت هذا‬
‫األخري‪ ،‬بأنه اجلهة املقومة ألعمال جهات التقاضي اإلدارية وتوحيد االجتهاد القضائي يف البالد‪ ،‬علما أن هذه املادة مت اشتقاقها من املادة‬
‫‪ 024‬من قانون اإلجراءات املدنية امللغى‪ ،‬اليت تطرقت الختصاص الغرفة اإلدارية للمحكمة العليا سابقا‪ ،‬يصدر هذا اجمللس ثالثة أنواع‬
‫من القرارات ‪ ،‬النوع األول يسمى بـ ـ " القرارت االبتكارية اإلبداعية " وهي تلك القرارت اليت تصنع قواعد قانونية جديدة " قواعد قضائية‬
‫" مل تنص عليها القوانني املكتوبة‪ ،‬يف سبيل حل النزاع املعروض على القاضي اإلداري‪ ،‬ويوجد " القرارات التفسريية " وهي تلك تفسر‬
‫قواعد قانونية موجودة اكتنفها الغموض واإلهبام واختلفت حول طبيعتها اجلهات القضائية‪ ،‬أما النوع الثالث فهو " القرارات التأكيدية "‬
‫اليت من خالل امسها يتضح أهنا تؤكد ما جاء يف النصوص القانونية وتضمن احرتام القانون‪.2‬‬
‫ومبا أن جملس الدولة هو اجلهة املكلفة قانونا بتوحيد االجتهاد القضائي يف البالد‪ ،‬بدون أدىن شك يفهم من ذلك أنه حيق‬
‫للمحاكم اإلدارية كذلك االجتهاد‪ ،‬باعتبارها حماكم الوالية العامة يف مادة املنازعات اإلدارية وفق النظام الالتيين‪ ،‬وإال ما الداعي لوصف‬
‫جملس الدولة باجلهة املكلفة بتوحيد االجتهاد القضائي يف البالد‪.3‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مصـادر سلطـة القاضي اإلداري في صناعة القـواعد القانونيـة القضائيـة‬
‫يف اللغة يقال‪ :‬مصدر الشيء أي أصله ومنبعه‪ ،‬وعليه مصادر االجتهاد القضائي هي املادة اليت تدخل يف تكوين قواعد هذا‬
‫االجتهاد " القواعد القضائية "‪ ،‬فالقاضي اإلداري وإن كنا نعرتف له بالدور اإلبداعي اخلالق لقواعد القانون اإلداري وتطويرها‪ ،‬إال أن‬
‫هذا اإلنشاء ال يكون من العدم‪ ،‬نظرا خلطورة هذه الوظيفة‪ ،‬وال يقل أمهية التنبيه أن سلطة ابتداع و إنشاء القواعد القضائية تقتصر إما‬
‫على ‪ :‬حتديد القاعدة القانونية واجبة التطبيق عن طريق اقتباس القواعد من مبادئ القانون اخلاص " املدين"‪ ،‬وقد تتعدى هذه السلطة‬
‫ألكثر من ذلك‪ ،‬إىل اخرتاع‪ ،‬أو باملعين القانوين تكوين قاعدة جديدة ال نظري هلا يف روابط القانون اخلاص‪ ،‬لذلك نستطيع رد مصادر‬
‫سلطة القاضي اإلداري يف االبتداع إىل مصدرين‪ ،‬مصدر وضعي من القواعد القانونية السائدة‪ ،‬ومصدر مبادئ القانون "روح القانون" ‪.4‬‬

‫‪ 1‬هنية أمحيد‪ ،‬دور جملس الدولة يف إرساء مبادئ االجتهاد القضائي اإلداري‪ ،‬جملة االجتهاد القضائي ‪ ،‬العدد ‪ ،10‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة بسكرة‪ ،‬سبتمرب‬
‫‪ ، 0212‬ص ‪.004 – 001‬‬
‫‪ 2‬رمزي حوحو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.071‬‬
‫‪ 3‬مصطفى بوخوش‪ ،‬عبد اجلليل مفتاح‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ 4‬ابتسام فاطمة الزهراء شقاف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪229‬‬
‫اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية‪ /‬معهد العلوم القانونية واإلدارية‪ /‬املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت‪ ،‬اجلزائر‬
‫العدد الرابع‪ /‬ديسمبر ‪ /7102‬الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"‪ISSN: 2507-7635 :‬‬

‫بالنسبة ملصدر القانون الوضعي‪ ،‬قد يكون االتفاقيات الدولية‪ ،‬املواثيق‪ ،‬إعالنات احلقوق‪ ،‬الدساتري‪ ،‬قواعد القانون اخلاص‪،‬‬
‫ومن أمثلة ما قرره جملس الدولة وفق سلطته االبتكارية من هذا املصدر الوضعي‪ ،‬حرية التنقل‪ ،‬حرية التجارة والصناعة‪ ،‬املساواة أمام األعباء‬
‫العامة‪ ،‬املساواة أمام املرافق العامة إىل غريها ‪.1‬‬
‫أما بالنسبة جلوهر القانون " روح القانون " املتمثل يف املبادئ العامة فهي‪ " :‬تلك املبادئ غري املدونة اليت مصدرها القضاء‪،‬‬
‫الذي قام باكتشافها وإبرازها يف أحكامه‪ ،‬واليت تعترب خمالفتها خمالفة ملبدأ الشرعية‪ ،‬خالفا للمبادئ القانونية الوضعية املكتوبة اليت تتضمنها‬
‫الدساتري والقوانني مبختلف أصنافها " ‪.2‬‬
‫عن القيمة القانونية للمبادئ العامة للقانون‪ ،‬فالرأي الفقهي الغالب بشأهنا‪ ،‬يرى أهنا حتوز قيمة أدىن من التشريع العادي‪ ،‬وال‬
‫تستطيع أن ذاالف القواعد املكتوبة تعديال أو إلغاء ‪ ،3‬ويرى رأي خمالف ومنهم " الدكتور‪ /‬صعب ناجي عبود " أهنا حتتل مركز التشريع‬
‫العادي وتقع أدىن من الدستور يف املرتبة‪ ،‬يستطيع املشرع أن يعدهلا أو يلغيها‪ ،‬مثلها مثل القوانني املكتوبة ‪ ،4‬ويف هذا حنن نؤيده‪.‬‬
‫ميكن رد املبادئ العامة للقانون ‪ -‬على غري املبادئ القانونية العامة نظرا لالختالف الشديد بينهما ‪ -‬لفئات أربعة‪ ،‬طائفة فلسفة‬
‫احلقوق أي إعالن احلقوق لسنة ‪ 1277‬املتضمن مبدأ الفصل بني السلطات‪ ،‬احرتام العقائد واألديان‪ ،‬احلريات الفردية‪ ،‬مبدأ املساواة بني‬
‫املواطنني‪ ،‬والطائفة الثانية‪ ،‬فهي جمموعة املبادئ اليت يستخلصها القاضي من قواعد القانون اخلاص‪ ،‬واإلجراءات املدنية وفقه املرافعات‪،‬‬
‫على أن يسقطها القاضي اإلداري وفق طبيعة املنازعات اإلدارية‪ ،‬ويذكر منها الفقه‪ :‬جحية الشيء املقضي فيه‪ ،‬عدم رجعية القواعد‬
‫واألحكام‪ ،‬أم الطائفة الثالثة‪ ،‬فهي جمموعة املبادئ اليت يستخلصها جملس الدولة من طبيعة األشياء أي من املفرتض أن يكون و نذكر‬
‫منها‪ :‬استثناءات مبدأ الشرعية يف احلاالت االستثنائية‪ ،‬مبدأ استمرار و دميومة املرافق العامة‪ ،‬والفئة الرابعة من املبادئ هي ما ميثل عدال يف‬
‫صورته املثلى‪ ،‬بصورة مستقلة دون أن تستخلص من إعالن احلقوق أو من قواعد القانون املدين‪ ،‬بل هي قائمة بصفة مستقلة‪ ،‬مثل هدف‬
‫اإلدارة يف حتقيق الصاحل العام‪.5‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬حجيـة القـواعد القـانونيـة القضائيـة وفـق الهرم المعياري‬
‫بإنشاء القاضي اإلداري لقاعدة قانونية " قضائية "‪ ،‬يكون بذلك قد خالف مقتضيات وظيفته املرتبطة مببدأ الفصل بني‬
‫السلطات‪ ،‬ففي حال عدم وجود نص قانوين حيكم املنازعة‪ ،‬يتصدى القاضي اإلداري ملوضوع النزاع بقاعدة قانونية من صنعته‪ ،‬ويكون‬
‫هلذه القاعدة قوة إلزامية أمام احملاكم‪ ،‬اليت ال جيوز هلا أن ذاالفها أو تشذ عنها يف املنازعات اليت سوف تعرض عليها مستقبال كمبدأ عام‪،‬‬
‫غري أن هذه القوة ليست مطلقة‪ ،‬بل تبقى نسبية‪ ،‬ال تصل ‪ -‬حسب الفقه ‪ -‬مصاف القواعد التشريعية‪ ،‬فالقاضي اإلداري يستطيع خمالفة‬
‫القاعدة اليت ابتكرها يف منازعات الحقة إذا اكتشف أهنا غري مالئمة حلل النزاع‪ ،‬يف حني يكون ملزما حبرفية القاعدة اليت ابتكرها على‬
‫املشاهبة واملتطابقة يف العلة‪ ،‬فاملعيار إذن هو املالئمة والتطابق يف القضايا‪ ،‬فالقاعدة القضائية على العموم هي عملية مشاهبة للقاعدة‬
‫القانونية‪ ،‬لكن ليست قاعدة قانونية من حيث اجلوهر‪ ،‬مع استبعاد احلكم " احلل الفردي " الذي ال ينوي القاضي التمسك به مستقبال‪،‬‬
‫وفوق كل هذا القرار املبدئي " القاعدة القضائية " تكون مقرتنة جبزاء‪ ،‬يقع على كل من األفراد و اإلدارة احرتامها‪ ،‬هذا إن مل نقل أن‬
‫خمالفة القواعد القضائية املبتكرة عقوبتها تكون أشد من عقوبة القواعد القانونية املكتوبة ‪.6‬‬

‫‪ 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.41‬‬


‫‪ 2‬نقال حرفيا عن‪ :‬إبراهيم بن حليمة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ 3‬املرجع نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪ 4‬املوقع اإللكرتوين‪ WWW.IASJ.NET :‬تاريخ الدخول‪ 0212-12-12 :‬على الساعة ‪.14:02‬‬
‫‪ 5‬عادل السعيد أبو اخلري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 17 ،.12 ،14‬‬
‫‪ 6‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪230‬‬
‫اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية‪ /‬معهد العلوم القانونية واإلدارية‪ /‬املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت‪ ،‬اجلزائر‬
‫العدد الرابع‪ /‬ديسمبر ‪ /7102‬الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"‪ISSN: 2507-7635 :‬‬

‫والسؤال الذي يستدعي الطرح‪ :‬هل القرار املبدئي الصادر من الدرجة األوىل يكون ملزما لقاضي الدرجة الثانية ؟‪.‬‬
‫القاعدة القضائية املبتكرة تكون ملزمة فقط للقضاة من نفس الدرجة‪ ،‬مع ترك هامش من احلرية للقضاة أحيانا يف تعديله قليال أو‬
‫خمالفته وفق وقائع وظروف كل قضية على حدى‪ ،‬أما إذا صدر القرار املبدئي عن جملس الدولة‪ ،‬فنميز هنا بني حالة ما إذا صدر عن غرفة‬
‫واحدة أو غرف جمتمعة‪ ،‬ففي حال صدوره من غرفة واحدة‪ ،‬فيجوز خمالفته وتعديله‪ ،‬أما يف حال صدوره من غرف جمتمعة‪ ،‬فإنه حيوز قوة‬
‫كاملة يف مواجهة اجلميع‪ ،‬وحينها قد يطلق مصطلح ‪ " :‬أن جملس الدولة تراجع عن االجتهاد القضائي " للداللة على إلغاءه الجتهاد‬
‫احملاكم اإلدارية يف إطار التوحيد‪. 1‬‬
‫السؤال اآلخر الذي يستدعي الطرح‪ :‬ما مرتبة القرار املبدئي " القاعدة القانونية القضائية " يف اهلرم املعياري القانوين ؟‪.‬‬
‫بغض النظر عن االختالف الفقهي‪ ،‬حنن نؤيد مباشرة كونه يف مرتبة واحدة مع القانون العادي " التشريع"‪ ،‬حىت وإن كان ليس‬
‫تشريعا من حيث اجلوهر‪ ،‬خيضع يف تعديله و إلغائه لقاعدة توازي األشكال‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تـأثير االجتهـاد القضـائي على الحقــوق و الحـريـات‬
‫تسيطر يف مادة املنازعات اإلدارية عالقة غري متكافئة بني اإلدارة والشخص املتنازع معها‪ ،‬حبكم ما لإلدارة من امتيازات‬
‫وسلطات يف مواجهة الغري حتقيقا للمصلحة العامة‪ ،‬لذلك على القاضي اإلداري‪ -‬حسب بعض الفقه ‪ -‬الرتكيز على محاية الفرد أكثر‪،‬‬
‫على حنو حيرتم فيه القاضي حرية الفرد أحيانا على حساب هدف حسن سري اإلدارة العامة‪ ،‬طبعا دون إضرار باملصلحة العامة وفق إعمال‬
‫سلطته التقديرية‪ ،‬ومراعاة جسامة األضرار الالحقة بالطرفني‪ ،‬ويرى الدكتور‪ " /‬عادل السعيد أبو اخلري" أن‪" :‬هذا التغليب للحرية على‬
‫حسن سري اإلدارة العامة منتقد‪ ،‬ويوجه بدوه سهام النقد للمعارضني بالتدليل على أن محاية احلقوق واحلريات ال تعين محاية املصاحل اخلاصة‬
‫للمنازع لإلدارة‪ ،‬وإمنا هي مصلحة عامة‪ ،‬كما أنه يف ظل انعدام النص التشريعي‪ ،‬على القاضي الرجوع لألصل العام وهو‪ " :‬األصل يف‬
‫األشياء و األفعال اإلباحة " ويطرح لنا بعض القيود على سلطات االجتهاد مراعاهتا‪ ،‬خاصة عند االجتهاد يف مسائل احلقوق واحلريات‬
‫املتعلقة بالضبط اإلداري‪.2‬‬
‫تدليال على ما سبق ذكره يطرح لنا القضاء اإلداري يف كل من فرنسا ومصر مثاال عن دور االجتهاد القضائي يف مواجهة اإلدارة‬
‫العامة مبناسبة تقييدها للحرية حتت غطاء محاية النظام العام‪ ،‬أمهها تقرير عدم مشروعية احلضر املطلق للحرية‪ ،‬اليت أبرز فيها القضاء‬
‫اإلداري أن سلطات اإلدارة يف احلد من حرية األشخاص‪ ،‬ال ميكن يف األحوال العادية أن يصل إىل احلضر املطلق للنشاط أو احلرية‪ ،‬وفق‬
‫ما قضاه جملس الدولة الفرنسي‪ ،‬خبصوص رفض طعن احملكمة اإلدارية لباريس‪ ،‬الذي ألغى القرار الصادر من احملافظ الذي يستوجب منع‬
‫شركة التنس من القيام بتوزيع بعض الصحف واجملالت أثناء تنظيم ألعاب التنس العاملية بفرنسا حتت ستار محاية النظام العام‪ ،‬هذا القرار‬
‫الذي مل يؤيده جملس الدولة الفرنسي لتعارضه مع مبدأ حضر مصادرة األنشطة واحلريات الفردية‪ ،‬وذلك بتاريخ ‪ 00‬جوان ‪.3 1774‬‬
‫يف سابقة قضائية فرنسية أخرى ال تقل أمهية عن األوىل‪ ،‬أكد جملس الدولة الفرنسي على التناسب العكسي بني إجراءات‬
‫الضبطية اإلدارية وأمهية احلقوق واحلريات بأنواعها‪ ،‬على حنو استقر فيه األمر على تقلص سلطات الضبط‪ ،‬كلما كانت احلرية حمل هذه‬
‫اإلجراءات ضرورية للفرد كحرمة حياته اخلاصة‪ ،‬اليت من أهم ما ينجر عنها حرية استعمال املسكن حتت طائلة عدم املساس بأغراض‬
‫الضبط اإلداري‪" :‬وهي النظام العام‪ ،‬الصحة العامة‪ ،‬والسكينة العامة "‪ ،‬كما قضى جملس الدولة خبصوص اإلجراءات الضبطية اليت تتضمن‬
‫عقوبة بوجوب احرتام احلق الدستوري وهو حق الدفاع‪ ،‬مبا يقع واجبا على السلطات اإلدارية إبالغ املخاطبني بالقرارات اإلدارية قبل‬
‫صدورها‪ ،‬حىت تتسىن هلم فرصة الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬وهو ما جتسد من خالل ما قضى به جملس الدولة يف إلغاء حكم احملكمة اإلدارية‬

‫‪ 1‬ابتسام فاطمة الزهراء شقاف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117 ، 112‬‬


‫‪ 2‬للتوسع يف املوضوع راجع‪ :‬عادل السعيد أبو اخلري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.42 – 42‬‬
‫‪3‬‬
‫نقال عن املرجع نفه ‪ ،‬ص ‪C. E.22 guin 1984 prefet de police pari ; societe le mond du tennis ; rec ; p. 245.41‬‬

‫‪231‬‬
‫اجمللة اجلزائرية للحقوق والعلوم السياسية‪ /‬معهد العلوم القانونية واإلدارية‪ /‬املركز اجلامعي أمحد بن حيي الونشريسي تيسمسيلت‪ ،‬اجلزائر‬
‫العدد الرابع‪ /‬ديسمبر ‪ /7102‬الرقم الدولي الموحد للدورية "ردمد"‪ISSN: 2507-7635 :‬‬

‫بالقرار الصادر يف ‪ 27‬مايو ‪ 1772‬ملدينة بوردو الفرنسية‪ ،‬الذي تضمن توقيع عقوبة على إحدى الشركات املنتجة للكحول ذات الصفة‬
‫واملصلحة يف الطعن عن سحب الرتخيص املمنوح هلا إلنتاج بعض األنواع من الكحول‪ ،‬األمر الذي أدى مبجلس الدولة إللغاء حكم‬
‫احملكمة اإلدارية املؤيد لقرار وزير الزراعة‪ ،‬ومرد هذا النقض هو هضم حق الدفاع الذي أغفله وزير الزراعة واحملكمة اإلدارية ملدينة " بوردو "‬
‫الفرنسية يف حكمها ‪.1‬‬
‫خاتمــة‪:‬‬
‫لقد ساهم القضاء اإلداري وال يزال يساهم على حنو فعال يف تطوير أحكام القانون اإلداري‪ ،‬على اعتبار أن القضاء اإلداري هو‬
‫قضاء إنشائي تكويين خالق للنظريات والقواعد واملبادئ يف سبيل توسيع بوتقة مصادر املشروعية‪ ،‬خالفا للقاضي العديل الذي يكتفي‬
‫بالتطبيق احلريف للنصوص‪ ،‬ويكون أكثر عرضة الرتكاب جرمية إنكار العدالة‪ ،‬بالرغم من الضعف امللحوظ يف اجملال الذي تعاين منه‬
‫جهات التقاضي اإلدارية يف اجلزائر‪ ،‬باعتبارها مل تبلغ بعد احلد املطلوب من االجتهاد‪ ،‬مقارنة مبعدل التميز الذي فاق من عمل جملس‬
‫الدولة الفرنسي املبدع يف التحليل والتأصيل القضائي‪ ،‬اجتهاد القضاء اإلداري اجلزائري الذي يعد على األصابع‪.‬‬
‫على العموم خنلص إىل؛ أن املتكلمون عن النشأة القضائية لقواعد القانون اإلداري يتناولون هذه املسألة بطريقة يعتقد فيها‬
‫الكثري منهم؛ أن القانون اإلداري توقف تارخيا عن التطور عند حد نشأته‪ ،‬لكن حقيقة األمر غري ذلك‪ ،‬حبكم ما يساهم به جملس الدولة‬
‫الفرنسي ونظريه اجلزائري ‪ -‬نوعا ما ‪ -‬يف تطوير أحكام القانون وابتداع احللول واملبادئ والنظريات بالرغم من وجود العوائق السابقة‬
‫الذكر‪ ،‬غري أننا ارتأينا يف سبيل تطوير حركة االجتهاد القضائي اإلداري يف اجلزائر أن نقرتح ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬نقرتح ذافيف العبء على جملس الدولة اجلزائري وعدم إقحامه يف مسائل االستئناف‪ ،‬وباملقابل نقل هذه الصالحية حملاكم‬
‫إدارية خمصصة هلذا الغرض‪ ،‬حىت يتفرغ جملس الدولة لالجتهاد واالبتكار القضائي‪ ،‬حبكم عناصر اخلربة واحلنكة اليت تسريه‪ ،‬ومن هذا‬
‫القبيل كذلك نقرتح حتويل منازعات اهليئات املركزية إىل اختصاص احملاكم اإلدارية وال ضرر من ذلك‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ندعو قضاة ومستشاري جملس الدولة اجلزائري إىل االقتداء مبجلس الدولة الفرنسي يف جمال االجتهاد واإلبداع يف سبيل‬
‫حتقيق فعالية أكرب لقواعد القانون اإلداري وتطويرها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪C .E 9 mai 1980 , société des établissement , cruse , A . J. D. A ? 1980 , p 482‬‬ ‫نقال عن املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪232‬‬

You might also like