Professional Documents
Culture Documents
يشكل ميدان القانون الدولي الخاص واحًدا من أكثر المجاالت تعقيًدا وحيوية في العالم الق انوني ،حيث
يهدف إلى حل النزاعات التي تنش أ بين األش خاص ل دول مختلف ة ويتم يز ه ذا الن وع من الق انون ب التنوع
والتعقيد نظًرا الختالف القوانين واللوائح الوطني ة بين ال دول المختلف ة ،إذ يتطلب لفهم ه ذا المي دان تحلياًل
دقيًقا للقوانين المحلية والعالقات الدولية ،حيث يجمع بين التحديات القانونية والثقافية واللغوية.
ومن بين القضايا التي يعالجها هذا المجال هي قاعدة اإلسناد أو تنازع الق وانين وال تي تمث ل ج وهر العم ل
في القانون الدولي الخاص ،إذ تعُّد مسألة اإلسناد واحدة من القضايا المعقدة والمحورية في مي دان الق انون
الدولي الخاص ،و إن تحديد القانون المعم ول ب ه في الح االت ال تي تنش أ تنازع ات بين الق وانين المختلف ة
للدول ُيَع ُّد أمًر ا ذو أهمية كبيرة ،يسعى الب احثون والممارس ون في ه ذا المج ال إلى فهم قواع ده وتطبيقه ا
على واقع القضايا القانونية الدولية الخاصة.
أهمية الدراسة:
يأتي أهمية هذا البحث من تزايد الحاجة إلى فهم عميق لإلسناد في س ياق الق انون ال دولي الخ اص ،إذ
تعزز هذه القواعد من توجيه القانون المعمول به في حاالت التنازع القانوني بطريق ة تحاف ظ على النزاه ة
وتمنح كل طرف حقوقه بشكل عادل .باإلضافة إلى ذلكُ ،تسهم قواعد اإلسناد في تعزي ز التف اهم والتع اون
الدولي ،مما يعزز من العالق ات الدولي ة ويس هم في بن اء مجتم ع ع المي يس وده الع دل والمس اواة .إن فهم
عمقي لهذه القواعد ُيمكن الدول واألفراد من التفاعل بفعالية وثق ة في األم ور القانوني ة ع بر الح دود ،مم ا
يعزز من االستقرار القانوني واالقتصادي على الصعيدين الوطني والدولي.
إشكالية البحث:
في سياق القانون الدولي الخاص ،تتجلى االشكالية في تعدد الق وانين المتزاحم ة ال تي ُيمكن أن تطب ق
على حاالت التنازع القانوني ،مما يثير تساؤالت ح ول مفه وم اإلس ناد واحكام ه بص فة عام ة .كي ف ُيفهم
مفهوم اإلسناد في سياق العالقات الدولية ؟ ومن جهة أخرى ،ما هو مدى الزامي ة القاض ي بتط بيق قواع د
اإلسناد ؟ ُتشكل هذه التساؤالت القانونية أساًسا هاما لفهم قواعد اإلسناد.
منهج الدراسة:
تم اإلعتم اد في ه ذا البحث على المنهج الوص في التحليلي في البحث وال ذي تجلى من خالل م ا يتم
جمعه من معلومات ،باإلصافة إلى دراسة كل ما له عالقة بالموضوع والتط رق على أراء الفقه اء وأدلتهم
بخصوص مجموعة من اإلختالفات حول موضوع البحث.
1
خطة البحث
مقدمة
المبحث األول :مفهوم قاعدة اإلسناد وبيان طبيعتها القانونية
المطلب األول :تعريف قاعدة اإلسناد
المطلب الثاني :الطبيعة القانونية لإلسناد
الفرع األول :قواعد اإلسناد قواعد غير مباشرة
الفرع الثاني :قواعد اإلسناد قواعد مزدوجة
الفرع الثالث :قواعد اإلسناد قواعد محايدة
خاتمة
قائمة المصادر والمراجع
2
المبحث األول
مفهوم قاعدة اإلسناد وبيان طبيعتها القانونية
بإعتبار ان قاعدة اإلسناد أحد المفاهيم األساسية في القانون الدولي الخاص ،حيث تلعب دورًا هامًا في
القرار الذي سيقوم القاضي بالحكم فيه أثناء نظره لنزاع محدد بطبيعته ،فإن فهم مفهوم قاعدة اإلسناد وبيان
طبيعتها القانونية يمثل جزًء ا أساسًيا من دراستنا هذه ،وعليه سيتم تقس يم ه ا المبحث إلى مطل بين ،المطلب
األول سيتم تناول فيه تعريف قاعدة اإلسناد ،والمطلب الثاني الطبيعة القانونية لقاعدة اإلسناد.
المطلب األول
تعريف قاعدة اإلسناد
اإلسناد لغة وهو من مصدر أسند ،ويقصد ب ه نس بة الش يء لص احبه ،مث ال ذل ك أن ينس ب الش خص
1
الحديث لرواته.
اما في القانون فتعرف قاعد اإلسناد أو تنازع القوانين بأنها " الوسيلة الفنية األولى التي يتم بموجبها تحديد
القانون الواجب التطبيق على المنازعات ذات العنصر األجنبي " ،أي أنها قاعدة قانوني ة يض عها المش رع
الوطني بهدف إرشاد القاضي إلى قانون واجب التطبيق على المراكز القانونية أثناء فصله ل نزاع متض من
2
عنصر أجنبي.
ومن خالل هذا التعريف نالحظ الهدف من إنشاء هذه القاعدة ،انها تعمل على إرشاد القاض ي للق انون
الواجب التطبيق على المسألة المطروحة ذات العنص ر األجن بي ،أي أنه ا تعم ل على إس ناد ه ذه األخ يرة
(العالقة القانونية ذات العنصر األجنبي) إلى قانون معين سواء كان قانون وطني أو أجن بي تتكف ل قواع ده
الموضوعية بالحكم على أط راف العالق ة في موض وع ال نزاع ،فخالص ة قاع دة اإلس ناد أنه ا تعم ل على
تقرير مبدأ إخضاع العالقات القانونية لقانون تم تعيينه وفقا لضوابط محددة .3
المطلب الثاني
الطبيعة القانونية لإلسناد
هنالك إختالف حول موضوع " الطبيعة القانونية لقواعد اإلسناد ،إذ إختلف بخصوص هذه األخيرة
إتجاهين ،إتجاه يرى الضوابط التي تحكم قاعدة اإلسناد هي ضوابط تجمع بين ضوابط قانونية وأخى
واقعية ،وفي اإلتجاه األخر يقول بأن ضابط اإلسناد يتمثل في كونه فكرة قانونية الغير.
_ 1أحمد مختار عمر بمساعدة فريق العمل ،المجلد األول ،الطبعة األولى ،عالم الكتب ،القاهرة ،2008 ،ص.1117
_ 2محمد سعادي ،القانون الدولي الخاص وتطبيقاته في النظام القانوني الجزائري ،الطبعة األولى ،دار الخلدونية للنشر والتوزيع ،الجزائر،2009 ،
ص .35
_ 3أمنة بوزينة محمدي ،محاضرات في القانون الدولي الخاص [تنازع القوانين] (مرفق بنم اذج وحل ول لقض ايا واستش ارات قانوني ة) ،مطبوع ة
لطلبة المستوى الثالث ليسانس تخصص إدارة عامة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،قسم الحقوق ،جامعة حسيبة بن بوعلي ،الش لف،2016-2015 ،
ص .19
3
الفرع األول :ضابط اإلسناد ذو طبيعة مزدوجة
فقهاء هذا اإلتجاه يرون أن ضابط اإلسناد يتكون من ضوابط قانونية وواقعية ،فالضوابط القانونية هي
تلك التي يحددها القانون وينظمها ،مثل الموطن والجنسية ومحل انعق اد العق د ومح ل تنفي ذه ومح ل وق وع
الفعل المنشئ لاللتزام وإرادة المتعاقدين ،أما الضوابط الواقعية فهي حق ائق ملموس ة ال يت دخل الق انون في
تحديدها أو تنظيمها ،مثل موقع المال ومكان مباشرة اإلجراءات .ال بد من ذكر أن تطبيق هذه الض وابط ال
يثير أي جدل قانوني يتعل ق بمع نى قاع دة اإلس ناد .وق د تم انتق اد ه ذا ال رأي بس بب ع دم دقت ه في تقس يم
الضوابط ،حيث لم يوضح األساس الذي يستند إليه هذا التقسيم ،على سبيل المثال ،لم يتم ذك ر الم وطن بين
1
الضوابط الواقعية على الرغم من أنه يمتلك طابعًا ماديًا ويمثل الصلة الواقعية للفرد باإلقليم.
الفرع الثاني :ضابط اإلسناد هو فكرة قانونية
وفًقا لهذا الرأيُ ،يعتبر ضابط اإلسناد دائًم ا فكرة قانونية ،إذ يستمد أصله من الواقع ،ولكن يتم اعتماده
من قبل القانون لتحقيق غرض معين ،مما يجعله يكتسب الطابع القانوني .على سبيل المث ال ،ف إن الجنس ية
ُتفهم كخاصية ت دل على االنتم اء إلى دول ة معين ة ،وُيس تخدمها المش رع ليس لتحقي ق أه دافها في الف روع
القانونية التي تنتمي إليها ،ولكن لتحقيق ه دف ف ني مختل ف يتف ق م ع وظيف ة قاع دة اإلس ناد ،وهي تحدي د
القانون الذي يجب تطبيقه .كما يؤكد الرأي على أن ضابط اإلسناد يتكون من عنصرين ،األول هو العنصر
الواقعي والثاني هو العنصر القانوني .على س بيل المث ال ،في حال ة الجنس ية ،العنص ر ال واقعي ه و تمت ع
الشخص بجنسية دولة معينة ،أما العنصر القانوني فهو الجنسية نفسها كنظام قانوني يدل على االنتم اء إلى
الدولة .وهكذا نجد نفس النمط في ضابط موقع المال وضابط الموطن .ه ذا التفص يل يظه ر االختالف بين
العنصرين ويوضح أن العنصر الواقعي قاب ل للتغي ير من قب ل األط راف ،فيمكن للش خص تغي ير جنس يته
وبالتالي يمكن تغيير القانون الذي يجب تطبيقه .ومن ناحي ة أخ رى ،العنص ر الق انوني يظ ل ثابًت ا كمفه وم
قانوني لعالقة الجنسية وال يمكن تغييره إال من قبل المشرع من خالل اس تبداله بفك رة الم وطن على س بيل
المثالُ .يظهر هذا الرأي أن ضابط اإلسناد هو فكرة قانونية والقاضي عند تفسيره لض ابط اإلس ناد ليس في
حاجة إلى التحقق من ظروف أو عناصر مادية تتعلق بوقائع النزاع ،لكون ذلك قد سبق حصوله في مرحلة
2
سابقة أال وهي التكييف.
المبحث الثاني
عناصر قاعدة اإلسناد وخصائصها
علمنا أن قاعدة اإلس ناد يتم من خالله ا تحدي د الق انون ال واجب التط بيق أم ام ن زاع يتض من عنص ر
أجنبي ،وبطبيعة الحال فإن ألي قاعد مجموعة من العناصر والخصائص ال تي تق وم عليه ا ،وبالت الي ومن
أجل فهم هذه القاعدة بشكل أفضل ،يجب معرفة العناصر األساسية التي تتكون منها وهذا سيتم دراس ته في
المطلب األول والخصائص التي تميزها في المطلب الثاني.
_ 1حمزة قتال ،القانون الدولي الخاص تنازع القاونين القواعد العامة السنة الثالثة حقوق ،LMDدار هوم22ة للطباع22ة والنش22ر والتوزي22ع ،الجزائ22ر،
،2018ص ،91ص. 92
_ 2حمزة قتال ،مرجع سابق ،ص ،92ص.93
4
المطلب األول
عناصر قاعدة اإلسناد
تتكون قاعدة اإلسناد من ثالثة عناصر ،وهي :موضوع قاعدة االس ناد أو م ا يس نده وض ابط اإلس ناد،
والقانون المسند إليه .فمثال إذا أخذنا قاعدة اإلسناد التي تقض ى بإخض اع الوص ية(الش روط الموض وعية)
لقانون جنسية الموصى بتاريخ الوفاة ،وجدنا أن موضوع قاعدة اإلسناد ه و الوص ية ،وأن ض ابط اإلس ناد
هو الجنسية التي يحملها الموصى عند وفاته ،وأن قانون المسند إليه (القانون الواجب التط بيق) ه و ق انون
1
الدولة التي يحمل الموصى جنسيتها وقت الوفاة ،وتتمثل في:
العنصر األول :موضوع قاعدة اإلسناد
إن الصعوبة في تحديد عناصر قاعدة اإلسناد تكمن في تحديد موضوع قاعدة اإلسناد أو ما يسند ،وهو
ما آثار إختالفا في وجهات النظر لدى الفقهاء بشأن ما إذا كان مركزا واقعيا ،أو عالق ة واقعي ة ،أو عالق ة
قانونية ،أو مسألة قانونية .ولعل أصوب وجهات النظر هذه تلك التي تقض ي ب أن موض وع قاع دة اإلس ناد
هو"مسألة قانونية"يثيرها مركز واقعي ،وينال أص حابها على ه ذا الق ول :أن قاع دة اإلس ناد ال تي تخض ع
حكم األهلية الالزم توافرها إلبرام الزواج لقانون الجنسية ال تعتبر األهلية فيها ،وهي موضوع هذه القاعدة
مسألة واقعية أو عالقة قانونية ،وإنما تعت بر مس ألة قانوني ة ناتج ة عن رابط ة بين رج ل وإم رأة تس تدعى
البحث فيما إذا كانت تشكل زواجا صحيحا أو ال تشكله ،وك ذلك الح ال بالنس بة لقاع دة اإلس ناد ال تي تنص
على إخضاع الوصية لقانون جنسية الموصى بتاريخ الوف اة .ف إن الوص ية هي موض وع قاع دة اإلس ناد ال
تعتبر عالقة واقعية ،أو عالقة قانونية .وإنما هي مسالة قانونية ناتجة عن واقعة الوفاة (وفاة الموصى).
_والمالحظ أن موضوع قاعدة اإلسناد قد يكون مسألة قانونية واحدة ،كالقاعدة التي ت وجب إخض اع الم ال
لقانون موقعه ،فموضوع هذه القاعدة كما هو واضح هو مسألة قانونية واحدة هي المال.
_وقد يكون موضوع القاعدة الواحدة أكثر من مسالة قانونية ،كما هو الشأن بالنسبة لقاع دة التن ازع ،ال تي
تخضع الحالة المدنية للشخص وأهليته لقانون الجنس ية ،فموض وع ه ذه القاع دة يت ألف من مس ألتين هم ا:
الحالة المدنية واألهلية ،وقد تخصص أكثر من قاعدة إسناد لمسألة قانونية واح دة ،كم ا ه و الح ال بالنس بة
للزواج في القانون الجزائري الذي تحكمه عدة قواعد ،إحداهما خاصة بشروطه موضوعية(م ادة 11فق رة
2قانون مدني جزائري) ،وثانيتهما تتعلق بآثاره الشخصية والمالية(مادة 12فقرة 1قانون مدني جزائري)
وثالثا تنظم إنحالله (مادة 12فقرة 2قانون مدني جزائري).
العنصر الثاني :ضابط اإلسناد
ضابط اإلسناد هو وسيلة الوصل بين موضوع قاعدة اإلسناد والقانون الواجب التطبيق(القانون المسند
إلي ه) ،مث ل الجنس ية والم وطن في مس ائل االح وال الشخص ية ومث ل موق ع وج ود الم ال ومح ل تنفي ذ
اإللتزامات التعاقدية في مسائل األحوال العينية ،ومحل وقوع الفعل المنشئ لإلل تزام في اإللتزام ات الغ ير
تعاقدية .فيمة يتعلق في الوصية مثال ،وقد ورد النص عليها في قاعدة اإلسناد المودعة في المادة 16قانون
مدني جزائري ،فإن المشرع جع ل"الجنس ية"هي الوس يلة أو األداة لتحدي د الق انون ال واجب التط بيق على
ش روطها الموض وعية وه و ق انون جنس ية الموص ى وقت وقات ه ،ل ذا فهي تعت بر ض ابط إس ناد في ه ذه
المسألة ،أي تسند حكم الوصية(الشروط الموضوعية فيها) لقانون جنسية الموصى وقت وفاته.
_ 1عز الدين عبد هللا ،القانون الدولي الخاص ،جزء ،1طبعة ،11مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة, 1986 ،ص 3
5
والغالب أن تتضمن قاعدة اإلسناد ضابط إسناد واحد ،يتح دد بموجب ه الق انون المختص بحكم العالق ة ذات
العنصر األجنبي ،ولكن قد يحدث أن تشتمل على أكثر من ضابط ،كما هو وضع قاعدة اإلسناد ال واردة في
الم ادة 18ق انون م دني جزائ ري ال تي تقض ي بإخض اع اإللتزام ات التعاقدي ة لق انون إرادة المتعاق دين
المشتركة ،أو لقانون موطنهما المشترك ،أو لقانون جنسيتها المشتركة.
العنصر الثالث :القانون المسند إليه
إن القانون المسند إليه هو القانون الذي تحدده قاعدة اإلسناد من بين القوانين المتزاحمة لحكم العالقة
القانونية ذات العنصر األجنبي ،والتي هي موضوع قاعدة اإلس ناد او م ا يس ند ،فمثال الق انون المس ند إلي ه
حكم األهلية والحالة المدنية(القانون الواجب التطبيق) ه و ق انون جنس ية الش خص(م ادة 10ق انون م دني
جزائري) والقانون المسند إليه حكم الم ال ه و ق انون مك ان وج ود الم ال (م ادة 17فق رة 2ق انون م دني
جزائري) ،والقانون المسند إليه حكم اإللتزامات التعاقدية هو قانون اإلرادة أو الق وانين األخ رى الم ذكورة
في نص(مادة 18قانون مدني جزائري) وهكذا.
ويجدر بنا في هذا المقام أن نشير إلى أن القانون المسند إليه(القانون الواجب التطبيق) عن دما يك ون ق انون
أجنبي ،فإنه يثسر مسألتين:
المسألة االولى :هي مسالة ما إذا كان يجب الرجوع إلى القواعد الموضوعية فيه ،وتطبق أحكامها للفص ل
في النزاع ،لم يتعين الرجوع إلى قواعد اإلسناد فيه وتطبيق القانون التي توضعه للفص ل في ال نزاع وه ذا
ما يعرف بتنازع قواعد اإلسناد.
المسIIألة الثانيIIة :هي مس ألة كيفي ة تط بيق الق انون األجن بي ،وعلى من يق ع عبء إثبات ه،وليس ه ذا ه و
الموضع المناسب إلستعراضهما.
المطلب الثاني
خصائص قاعدة اإلسناد
1
تتصف قواعد اإلسناد بإعتبارها قاعدة قانونية بكل ما تتصف وتتميز القاعدة القانونية من حيث:
/1قواعد عامة مجردة:
بناءا على هذه الخاصية فهي تؤدي وظيفتها في اإلختيار بين القوانين بطريقة مجردة بالنظر إلى أن
كل القوانين تتساوى أمام مشرع قاعدة اإلسناد الذي ال يشغله سوى الوصول للقانون األقرب صلة بالعالق ة
محل النزاع ،ومن ثم يضع قاعدة محاي دة او موض وعية تبحث عن الرابط ة الجدي ة بين العالق ة والق انون
دون مصلحة خاصة للدولة أو ألحد أطراف العالق ة ال تي تع رض للفص ل فيه ا .كإخض اع العق ار لق انون
موقعه والعق د لق انون اإلرادة دون أن تتض من تحدي د ق انون دول ة معين ة ب ذاتها لحكم العالق ة ال تي يث ور
بصصده التنازع.
/2قواعد ملزمة:
_ 1مهند احمد الصانوري ،دراسة مقارنة في تنازع القوانين ،قسم القانون الخاص كلية الحقوق جامعة عمان ،دار وائل للنشر ،2011 ،ص -62
.65
6
تتميز قواعد اإلسناد كغيرها من القواعد القانونية بأنها ملزمة فيجب على القاضي المطروح علي ه
النزاع ذو العنصر األجنبي أن يتقيد بالقانون الذي ستشير إلى تطبيقه قاع دة اإلس ناد ،ف األمر ال يرج ع إلى
مشيئته وهواه؛ بل هو ملزم بذلك وإال كان منكرا للعدالة.
/3قواعد وطنية:
ويقصد من وطنية قواعد اإلسناد أن المشرع الوطني يضعها بملء إرادته وإستقالله مراعيا في ذلك
طبيعة النزاع وسيادة الدولة على إقليمها وحاجة التعامل الدولي والمصلحة المشتركة للدول في وقت واحد.
كذلك تتميز قواعد اإلسناد بخاصيتين تضفي عليها طبيعة خاصة تميزه ا عن غيره ا من القواع د القانوني ة
الوطنية ،وك ذلك من حيث مض مونها بكونه ا قواع د غ ير مباش رة ،ومن حيث آث ار تطبيقه ا بأنه ا قواع د
مزدوجة الجانب.
/4قواعد إرشادية أو تنظيمية غير مباشرة:
تتميز قواعد اإلسناد بأنها ال تنطبق على النزاع مباشرة وتضع حال موضوعيا للنزاع؛ بل وظيفتها
اإلرشاد فقط إلى القانون واجب التطبيق .على النزاع المتضمن عنصرا أجنبيا ،ال ذي يعطي الح ل النه ائي
والموضوعي للمسألة المثارة حول العالقة ذات الط ابع ال دولي ،فمثال قاع دة اإلس ناد الخاص ة باألهلي ة ال
تحدد السن التي يكون فيها الشخص كامل األهلية لإللتزام؛ ب ل تعين الق انون ال ذي ال ذي يت ولى ه و بنفس ه
بيان هذه السن وفيما إذا كان المتعاقد أهال لإللتزام أم ال دون أن تتدخل مباشرة في موضوع النزاع ،ك ذلك
قاعدة اإلسناد الخاصة بالزواج ال تحدد شروط صحة الزواج وال توضح فيم ا إذا ك ان ال زواج ص حيحا أو
باطال؛ بل تبين فقط القانون واجب التطبيق على هذا الزواج وتترك ألحكامه الموضوعية بيان هذه األم ور
والتفصيالت.
وما يميز قواعد اإلس ناد عن غيره ا من القواع د القانوني ة المنظم ة العالق ات الدولي ة الخاص ة ،كالقواع د
المنظمة لمسائل أجنبية ومركز األجانب واإلختصاص القض ائي ال دولي للمح اكم الوطني ة ،ال تي تتص ف
بأنها قواعد مباشرة؛ بمعنى أنها تتكفل بإعطاء الحل المباشر للمسألة المثارة.
/5قواعد ثنائية أو مزدوجة الجانب:
من جهة أخرى فإن قواعد اإلسناد تتميز من حيث آثارها بأنها قواعد مزدوجة ذات جانبين؛ أي أنها قد
تشير إما إلى إختصاص القانون الوطني ،وإما إلى تطبيق قانون أجنبي.
إال أن الطبيعة المزدوج ة ال تت وافر بالنس بة لس ائر قواع د الق انون ال دولي الخ اص .فقواع د اإلختص اص
الوطني ة ال تق وم بتع يين المحكم ة األجنبي ة ال واجب رف ع ال نزاع إليه ا ،إذ أن ذل ك يع د ت دخال في تحدي د
إختصاص مرفق القضاء في الدولة األجنبية فضال على أنه سيظل عديم األثر من الناحية العملية.
كذلك تقتصر قواعد الجنسية على تحديد الشروط الالزم ة إلكتس اب جنس ية الدول ة وفق دها ،وإال إعت برت
منطوية على تجاوز لحدود إختصاص هذا المشرع وماسة س يادة الدول ة األجنبي ة ال تي تمل ك دون غيره ا
سلطة تحديد من يعتبر من رعاياها.
7
المبحث الثالث
مدى إلزامية القاضي الوطني بتطبيق قاعدة اإلسناد
بإعتبار أنه النظام القانونيُ ،تَع ُّد قاعدة اإلسناد أحد المفاهيم األساسية المعمول بها وال تي تنظم وتحمي
حقوق كال من أطراف النزاع ،فإنه المهم لنا في هذه الدراسة فهم مدى إلزامية القاضي الوطني بتطبيق هذه
القاعدة في القضايا المطروحة أمامه والمتضمنة عنص را أجنبي ا ،هن ا ظه ر إتج اهين ،أح دهما يق ول ب أن
القاضي غير ملزم بها ،واألخر يقول أنه ملزم به ا ،س يتم دراس ة ك ل من ه ذين اإلتج اهين وبي ان حججهم
لنتوصل أخيرا إلى موقف المشرع الجزائري ،وكل هذا سيتم وفقا للخطة التالية:
المطلب األول :عدم إلزامية القاضي باإلعمال بقاعدة اإلسناد من تلقاء نفسه
المطلب الثاني :إلزامية القاضي باإلعمال بقاعدة اإلسناد من تلقاء نفسه
المطلب الثالث :موقف المشرع الجزائري
المطلب األول
عدم إلزامية القاضي باإلعمال بقاعدة اإلسناد من تلقاء نفسه
تبنت هذه النظرية قديما الفقه الفرنس ي الق ديم ،والفق ه األنجلوسيكس وني ،إذ ن ادى فقه اء ه ذا اإلتج اه
بالطبيعة اإلختيارية لقاعدة اإلسناد وأن ه ال يج وز للقاض ي تط بيق الق انون األجن بي من تلق اء نفس ه ،وأن ه
يطبق إال في حالة ما إذا تمسك ب ه الخص وم أم ام القاض ي وأق اموا ال دليل على إختالف مض مون الق انون
األجنبي عن مضمون القانون الوطني في النزاع المرفوع أمام القاضي ،وفي حالة عجزهم عن ذلك يطب ق
1
القاضي قانونه الوطني.
و إستند هذا اإلتجاه على مجموعة من الحجج أهمها أن إلتزام القاضي على تط بيق قاع دة اإلس ناد س يؤدي
إلى نتائج وخيمة في حالة ع دم قدرت ه على الكش ف عن مض مون الق انون األجن بي ال واجب التط بيق مم ا
سيؤدي ذلك على التأخير في الفصل في ال نزاع ،حج ة أخ رى متمثل ة في أن القاض ي وبإعتب اره ص احب
اإلختصاص األصيل بحكم الروابط والعالقات القانونية فهو غير مل زم بتط بيق الق انون األجن بي من تلق اء
نفسه بإعتبار أن قواعد القانون الدولي الخاص ال تتعلق بالنظام العام عندما تشير قاعدة اإلسناد إلى تط بيق
القانون األجنبي ،والحجة األخير هي تقوم على أنه يتم إفتراض تطابق أحك ام الق انون األجن بي م ع أحك ام
القانون الوطني ،مما يعفي القاضي من عبء البحث عن مضمون القانون األجن بي ،وفي حال ة م ا إذا أراد
أحد أطراف الخصومة إعمال أحكام القانون األجنبي عليه إثبات أن هناك تعارض في أحك ام ه ذا األخ ير
2
وأحكام القانون الوطني.
ويجب ذكر أن هذا اإلتجاه تعرض للنقد بإعتبار ان لكل ال دول قوانينه ا ال تي تختل ف عن بعض ها البعض،
فهي حجة غير واقعية ،كما أن هذا اإلتجاه قد خلط بين التطبيق التلقائي لقاعدة اإلس ناد وبين إثب ات الق انون
3
األجنبي الذي يعد مسألة مغايرة له حلوله الخاصة.
_ 1حمدان بن درويش الغامدي" ،دور القاضي في إعمال القانون األجنبي وإثباته" ،مجلة كلي22ة الش22ريعة والق22انون بطنط22ا ،الج22زء األول ،الع22دد
الخامس والثالثون ،قسم البحوث اإلدارية واإلنسانية معهد خادم الحرمين الشريفين ألبحاث الحج والعمرة -جامعة أم القرى ،2020 ،ص .752
_ 2حمدان بن درويش الغامدي ،مرجع سابق ،ص .753
_ 3نرجس صفو ،القانون الدولي الخاص ،محاضرات ملقاة على طلبة السنة الثالثة (ليسانس) قسم القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية،
كلية الحقوق ،جامعة محمد دباغين ،سطيف ،2022-2021 ،2ص .36
8
المطلب الثاني
إلزامية القاضي باإلعمال بقاعدة اإلسناد من تلقاء نفسه
هناك بعض النظم القانونية التي أخذت به ذا المب دأ ،إذ إس تقر القض اء من ذ أواخ ر الق رن 19على أن
القاضي ملزم بتطبيق قاعدة اإلسناد واألخذ بها من تلقاء نفسه ،1وال يعفى حتى ول و ك ان الق انون األجن بي
يتبنى نفس الحل للنزاع الذي يتبناه المشرع الوطني ،ومن بين الدول التي أخذت به ذا اإلتج اه ألماني ا ال تي
أوجبت على القاضي العمل بهذه القاعدة (قاعدة اإلسناد) من تلقاء نفسه ،في حال قام الخصوم بطلب ه أو ال،
فهو ملزم به.2
ويؤسس هذا اإلتجاه موقفه بإعتبار أن قاع دة اإلس ناد الوطني ة ذو طبيع ة آم رة ،وتتعل ق بالنظ ام الع ام في
جميع الحاالت ،عمل المشرع على وضعها بهدف تحقيق االستقرار في المعامالت الدولية الخاص ة بتحدي د
القانون األنسب ليحكم في هذه النزاعات ،وحتى لو اتفق الخصوم صراحة على عدم العمل بقاعدة اإلسناد،
3
القاضي يبقى ملزما باألخذ بها.
المطلب الثالث
موقف المشرع الجزائري
لم يتضمن القانون المدني الجزائري نصا صريحا بخصوص مدى إلتزام القاضي الجزائري ب التطبيق
التلقائي لقاعدة اإلسناد .ومع ذلك يمكننا القول أنه على القاض ي الجزائ ري تط بيق قاع دة اإلس ناد الوطني ة
بشكل تلقائي كلما اشتملت العالقة القانونية محل النزاع على عنصر أجنبي ،ألن قاع دة اإلس ناد تع د ج زءا
من النظام القانوني في دولة القاضي؛ وهذا م ا يمكن استخالص ه من ص ياغة نص وص قواع د اإلس ناد في
القانون الجزائري التي ال توحي أبدا أن تطبيقها يتوقف على إرادة االطراف.
كما أن في تطبيقها تحقيقا األنسب للقوانين واالكثر صلة لحكم العالقة القانونية محل ال نزاع س واء أش ارت
هذه القاعدة إلى تطبيق القانون األجنبي أو أشارت إلى تطبيق الق انون الوط ني أي ق انون القاض ي ،وب ذلك
يتحقق التنسيق بين مختلف األنظمة القانوني ة ال تي هي دائم ا في احتك اك مس تمر ومتواص ل نظ را لتن وع
العالقات الفردية بين الوطنيين واألجانب.
9
الخاتمة
في ختام هذا البحث المختص بقواعد اإلسناد في القانون الدولي الخاص ،نجد أن مفهوم اإلس ناد يمث ل
جوهر العدالة والمساواة في حاالت التنازع القانوني ،حيث يلعب دورًا حيوي ًا في تحدي د الق انون المناس ب
الذي يجب أن ُيطَّبق.
ومن بين النتائج المتوصل إليها نذكر:
_ قواعد اإلسناد في القانون الدولي الخاص ال تحل النزاع بذاتها ،ولكنها تشير إلى الق انون المناس ب ال ذي
يجب تطبيقه لحل النزاع والذي ُيعتبر األفضل واألنسب.
10
_ قواعد اإلسناد في القانون الدولي الخاص ال تق دم حًال مباش ًرا لل نزاع ،ب ل تقتص ر دوره ا على تحدي د
القانون الذي يجب تطبيقه على المسألة المتمثلة في النزاع الذي يشمل عنصًرا أجنبًيا.
_ قواعد اإلسناد تشكل نهًج ا ثنائي الجوانب ،حيث يمكن أن ُتوجه القاضي إلى تطبيق القانون الوط ني على
المنازعة المعروضة أمامه ،أو تمنح االختصاص للقانون األجنبي ،تعتمد على الظروف واألم ور المتعلق ة
بالنزاع المطروح.
_ عندما يتعامل القاضي مع ن زاع معين ،يواج ه تح دًيا في معرف ة الحكم ال ذي يجب علي ه إص داره .ه ذا
يعتمد على المضمون الدقيق للقوانين المعمول بها في القضية ،سواء كانت تلك القوانين الوطني ة أو قواع د
القانون األجنبي .لذلك ،يجب على القاضي دراسة وفهم هذه القوانين بعمق التخاذ قرار صحيح وع ادل في
النزاع المطروح أمامه.
_ عدم إحتواء الق انون الم دني الجزائ ري على نص ص ريح بخص وص م دى إل تزام القاض ي الجزائ ري
بتطبيق قاعدة اإلسناد .ومع ذلكُ ،يمكن القول أنه من الممكن على القاضي الجزائري تطبيق قاع دة اإلس ناد
الوطنية بشكل تلقائي في حال اشتمال العالقة القانونية محل النزاع على عنصر أجنبي.
المقاالت العلمية:
_ حمدان بن درويش الغامدي" ،دور القاضي في إعم ال الق انون األجن بي وإثبات ه" ،مجل ة كلي ة الش ريعة
والقانون بطنطا ،الجزء األول ،العدد الخ امس والثالث ون ،قس م البح وث اإلداري ة واإلنس انية معه د خ ادم
الحرمين الشريفين ألبحاث الحج والعمرة -جامعة أم القرى.2020 ،
_ لين دة بالش" ،دور القواع د ذات التط بيق الض روري :بين الزامي ة قواع د اإلس ناد والتخفيض من
مرتبتها" ،المجلة األكاديمية للبحث القانوني ،المجلد ،10العدد ،03كلية الحقوق والعلوم السياس ية ،مخ بر
البحث حول فعلية القاعدة القانونية ،جامعة بجاية.2019 ،
المحاضرات:
_ أمنة بوزينة محمدي ،محاضرات في القانون الدولي الخاص [تن ازع الق وانين] (مرف ق بنم اذج وحل ول
لقضايا واستشارات قانونية) ،مطبوعة لطلبة المستوى الثالث ليسانس تخصص إدارة عام ة ،كلي ة الحق وق
والعلوم السياسية ،قسم الحقوق ،جامعة حسيبة بن بوعلي ،الشلف.2016-2015 ،
_ نرجس صفو ،القانون الدولي الخاص ،محاضرات ملقاة على طلبة السنة الثالثة (ليسانس) قس م الق انون
الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،كلية الحقوق ،جامعة محمد دباغين ،سطيف .2022-2021 ،2
12