Professional Documents
Culture Documents
تاريخ النقد الأدبي الحديث PDF
تاريخ النقد الأدبي الحديث PDF
)الكتب الخمسة األولى(
رينيه ويليك
21 of 1
الكتاب األول
.
حركة النقد األدبي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر
.
21 of 2
الغربي في كونه القائد للعالم الحديث .وقد يسأل سائل أين النقد األدبي لألمم
األخرى؟ وما دورها من معادلة التغيير العاملية؟ وهي أسئلة حقة ومشروعة وقد ال
نجد لها أجوبة مقنعة لكن انعدامها أو عدم تبلورها في رؤية أو منهج نقدي ال
يلغي وجودها وال يحل النقد األوروبي بديال عنها ،ففي النهاية النقد األوروبي
يتناول األدب األوروبي املعاصر واألدب اإلغريقي القديم واآلداب املكتوبة
بالالتينية ،اللغة التي كانت لغة اآلداب حتى استخدمت اللغات الشعبية واملحلية
وإن بشكل خجول في القرن الخامس عشر وبشكل تصاعدي في القرون الالحقة
حتى اضمحلت اللغة الالتينية وانزاحت من دورها لغة لألدب ،ودخلت اللغات
املشتقة منها كالفرنسية واإلنجليزية واألملانية في خط املنافسة حتى ح ّلت محلها
في القرنني "الثامن والتاسع" عشر .والنقطة الثانية التي تحدد النقد األدبي في
القارة العجوز هو كونه نقد محدد بحدود جغرافية القارة العجوز التي تتشابه
األقوام فيها فكريا وعقائديا واجتماعيا وسياسيا ،فنرى أن العصر الحديث
ورحالت االستكشاف للعالم الجديد ،والتطور الفكري والحضاري واألدبي
والثقافي كان مقره القارة العجوز ،ولم يتع َد إلى مناطق خارج القارة العجوز .كل
هذا يوحي برؤية مفادها أن اآلداب الحديثة وما تجره من نقد فتأريخ للنقد هو
خاص باألوروبيني ،وبقية األمم خارج معادلة التأثير ،لذا كان لزاما أن يكون
العنوان تأريخ النقد األدبي األوروبي الحديث .ونالحظ حتى عند الخروج من
القارة العجوز في الكتب الالحقة من املوسوعة يشمل النقد األمريكي والنقد
الروسي ،لم يكن خروجا إلى مناطق ذات آداب ورؤى وأفكار مختلفة عن الفكر
األوروبي بل إلى مناطق ذات ثقافة وفكر تعد امتدادا ألوروبا كأمريكا وروسيا
فكرا وثقافة وتأثيرا .لذا فإن أول مالحظة على القارئ أن يسترعي لها انتباهه إن
ما يقرأه يخص اآلداب األوروبية وما دار في فلكها حصرا ،ففي الكتب األخيرة
من املوسوعة تنحصر املدة الزمنية ما بني ،1950-1900وهنا أضحى يقينا أن
بعض كتب املوسوعة تخص نقد ٍ
بلد معني دون آخر وفقد صفة الكلية والعاملية
.
نعود إلى مادة الكتاب ،فهي ليست دراسة للمناهج النقدية في أوروبا بل عملية
تأريخ لهذا املناهج وعرضها ودراسة أعالمها ومناهجهم النقدية بل ولنكن أكثر
21 of 3
دقة فإن الكتاب األول والثاني الخاص بالحركة الرومانسية ليسا تأريخا للنقد
األدبي األوروبي لكنه دراسة وتأريخ ألبرز النقاد واألدباء الذين اشتغلوا في النقد
أو كانت له رؤاهم النقدية ونرى هذا واضحا وجليا في املوسوعة .ويكون األولى
عنونة املوسوعة بـأعالم النقد األدبي الحديث ،وهو عنوان أقرب ملادة الكتاب
ومحتواه
.
يبتدئ ويليك موسوعته مع النصف الثاني من القرن السابع عشر وهو الزمن
املتمثل في عصر التنوير والحركة العقالنية األوروبية التي كان لها الدور الكبير
في تشييء القارة العجوز سياسيا وفكريا وأدبيا وثقافيا واجتماعية ،وكان من
أبرز ما تأتى عنها الثورة الفرنسية في عام ،1789والتي يعد روسو وفولتير من
أهم املنظرين لهذه الثورة وإن لم يشهدوها إال أن إنتاجهم األدبي والفكري
والفلسفي الذي سبقها كان له الدور في تهيئة املجتمع لها وهذا ما حصل
.
لكن الكتاب ال يتناول هذا العصر إال من الجانب األدبي حصرا وعقالنية هذه
املرحلة والحركة الكالسيكية الجديدة التي انبثقت فيها .ويعلق ويليك على
مصطلح عقالني فيقول :إن مصطلح "العقالني" مضلل إذا ما جرى تفسيره على
أنه يعني أن النقد الكالسيكي الجديد يتصور النقد على أنه بناء من العقل
الواعي إلى حد استبعاد الشعور والتخيل ،بل وحتى الال شعور .إن نظرية األدب
هي موضوع العقل الواعي ،لكن ما من ناقد محترم يقول إن اإلبداع الفني نفسه
ليس سوى سيرورة عقالنية مدركة
.
21 of 4
مع النظرية الكالسيكية الجديدة في الشعر واملسرحية وما تفرع عنهما من أنواع
مختلفة كامللهاة واملأساة والشعر الرعوي وامللحمي والغنائي والوجداني والفطري،
وهنا يتضح لنا تحدد هذه النظرية الكالسيكية الجديدة في جنسني أدبيني بشكل
مبرز وهما األقدم :الشعر واملسرحية ،والرواية مبعدة عن النقد إال ما ذكر بشكلّ
عرضي وطفيف ،ويوضح ويليك سمات هذه النظرية
:
-محاكاة الطبيعة ،واملحاكاة هنا ال تعني النسخ وال النزعة الطبيعية الفوتوغرافية
بل في التمثيل .وإن ما يطرحه الشاعر عبر هذا املصطلح هو ليس الطبيعة
نفسها بل قصده أن يمثلها
.
ومصطلح الطبيعة ال يعني "الطبيعة امليتة" )الطبيعة الصامتة أو منظر خارجي(
على نحو ما يستخدم كثيرا اليوم بل املقصود به الطبيعة اإلنسانية
.
-تجاوزت النظرة القاصرة التي اعتقدت أن الفن مجرة عبارة عقلية عن القواعد
األخالقية ،وقد فهم النقاد -في أحسن األحوال وأسوأها -أن األدب هو جزء من
السياسة باملعنى والواسع للكلمة ،وأن الشاعر شاء أم أبى هو مشكل وصائغ
النفوس اإلنسانية
.
21 of 5
أما فيما يخص التاريخ األدبي الناجح ،فإن ويليك يعد أن بدايته في القرن
التاسع مع بيوترفك )فيلسوف وناقد أملاني( واألخوين شليجل وفلمني وسيسموندي
)مؤرخ واقتصادي سويسري( ،لكن اإلعداد لهذا التاريخ األدبي الناجح سبقه
إعداد في القرنني السابع عشر والثامن عشر )وهو ما خصه ويليك بالدراسة في
هذا الكتاب( ،ويؤكد ويليك أن التاريخ األدبي كان قاصرا على األدب القومي ،ألن
أحد دوافعه هو النزعة القومية )التي عال شأنها وال سيما في نهاية التاسع عشر
وكانت السبب الرئيس في الصراع السياسي الذي انتهى بالحرب العاملية األولى(
ولكن كان هناك وعي متزايد باآلداب وأوجه النشاط األدبية لألمم األخرى
.
تنقسم دراسة هذا الكتاب للنقد في أربع جهات أدبية هي الفرنسية متمثلة في
فولتير وديدرو وآخرين ،واإلنجليزية متمثلة في دكتور جونسون وآخرين،
لسنج ،وحركة واإليطالية التي يتناولها بالعموم ،واإلنجليزية ،واألملانية موزعة في ّ
"العاصفة واالجتياح" التي تعد من الحركات املضادة لعصر العقلنة وكان جوته
وهردر من أبرز روادها ،والفيلسوف كانت وشيلر الذي جمعته صداقة مع غوته
.
إذن ،فالكتاب يتناول بالتفصيل هؤالء وما كتبوه من مقاالت وكتب وآراء ودراسات
نقدية عن أعمال سواء معاصرة أو سابقة لهم ،منطلقني من اآلداب اإلغريقية
القديمة وأشهر الشعراء واملسرحيني
.
يعطي الكتاب تفاصيل في قالب أكاديمي متخصص يمنحه الضبط واإلتقان
والجفاف ،لكنه مهم لكل دارس ومهتم بالنقد األدبي
.
****
الكتاب الثاني
الحركة الرومانسية
.
21 of 6
التي شهدت قمة الحركة الرومانسية وال سيما البلدين األوليني ثم شاعت لتعم
البلدان جميعا واألدب كله
.
يمتد هذا العصر منذ نهايات العقد األخير من القرن السابع عشر وإلى ثالثينات
القرن التاسع عشر كما يعينه الدارسون ،ويحدد ويليك معنيني لهذه الحركة
الرومانسية من خاللها يمكن أن تفهم انطالقة النقد وسماته
:
-إن هذه الحركة ثورة ضد الكالسيكية الجديدة ،والتي تعني رفضا للتراث
الالتيني واعتناق رأي في الشعر يتركز على التعبير واالنفعال وتوصيله
.
-تأسيس نظرة للشعر قائمة على الجدلية والرمزية .وعمل نقاد مثل األخوين
شلجل وآخرين على حماية هذه النظرة من الغوص في النزعة االنفعالية والطبيعية
والتصوف
.
لكن القارئ آلراء وشروح نقاد وشعراء العصر رومانسي يلتمس في أقوالهم
الصوفية والفلسفية وغوصها فيها ،مما يجعل الحركة الرومانسية تشوبها الكثير
من االتجاهات الفكرية والفلسفية والنزعات النفسية التي يجعل الوقوف على رؤية
واضحة وذات معالم محددة من الصعوبة بمكان
.
وال بد من التأكيد على ما ذكره ويليك بأن العصر الرومانسي جاء رد فعل على
عقالنية عصر التنوير والحركة الكالسيكية الجديدة واملادية امليكانيكية ،وكان من
إرهاصات هذا العصر حركة العاصفة واالندفاع في أملانيا والتي تمثلت بشكل
كبير في رواية "آالم فرتر "1774لغوته) ،(1832-1749وتقص الرواية الشاب
فرتر )وهو كناية عن الحب الفوري( املفعم بالحياة والعاطفة ووقوعه في غرام
شارلوت املخطوبة ،ليعاني ويقاسي من آالم هذا الحب اليائس الذي يقوده إلى
االنتحار ،لتجتاح أوروبا حاالت انتحار تقليدية ،ويرتدي الكثير من الشباب ومن
معطف فرتر األزرق وصدريته الرجالية البرتقالية وبنطاله
َ بينهم غوته نفسه
األصفر ،وكذلك ال يمكن أن نغفل عن القول الذي يشير على رواية "هيلواز
الجديدة "La Nouvelle Heloiseللسويسري جان-جاك روسو
) (1778-1712إلى أن هذه الرواية تمثل بداية الحركة الرومانسية ،ملا استذرفته
من الدمع من مآقي أوروبا كما يصفها رونالد سترومبرج في كتاب "تاريخ الفكر
21 of 7
األوروبي الحديث" .في حني يشير رأي آخر بأنها تمثل مرحلة ما قبل العاطفة
الرومانطيقية )الرومانسية( "فقد غ ّلفت توصيفاتها الحساسة للطبيعة والعواطف
السامية هذه املرحلة" )
.(Writers Their Lives and Works
وهناك العديد من األدباء اآلخرين الذين مثلوا الحركة الرومانسية وعاشوا في
النصف األول من القرن التاسع عشر )قمة عصر الرومانسية( أمثال السيدة دي
ستايل التي تعد من املؤسسني لهذه الحركة في أوروبا عموما وفرنسا خصوصا،
وهي من الشخصيات الجدلية ال سيما بمناهضتها لحكم نابليون وحياة املنفى
وعالقتها املتعددة -حتى قيل عنها أنها تناهض نابليون وتمارس الجنس بالحيوية
ذاتها والحماس نفسه ،وشاتوبريان الذي يعد أب الرومانسية الفرنسية ،وكذلك
فيكتور هوجو الذي ع َّد شاتوبريان معبوده ،رغم اختالفاتهما السياسية ،والشاعر
اإلنجليزي وردزورث وكوليردج )جمعتهما صداقة أيضا( ،وكيتس ،ولورد بايرون
جسد بأملعيته وفكره املتحرر رومانسية القرن التاسع عشر،
الذي وصف بأنه ّ
ولدينا أيضا املسرحي األملاني شيلر األشهر في العصر الرومانطيقي ،وأثارت
مسرحيته "اللصوص" تفاعال مشاعريا واستحسان الجمهور ،وجمعته صداقة مع
غوته وأنشآ معا "كالسيكية فايمار" وهي تطوير لنظرية عن علم الجمال والحرية
البشرية
.
21 of 8
وبالعودة إلى الكتاب الثاني لويليك فهو يتناول النقد األدبي األوروبي لهذا
العصر -املمتد قرابة أربعني عاما -متمثال بأشهر ن ّقاده األملان والفرنسيني
واإلنجليز واإليطاليني ،ومحتوى الكتاب يؤكد لي رأيي في الكتاب األول أن
الكتاب كان األولى أن يعنون بـ "أعالم النقد األوروبي الحديث" فالكتاب مفصل
مقسم ابتدا ًء من األخوين شلجل مرورا بالرومانسيني ّ في دراسة الن ّقاد بشكل
األملان األوائل إلى النقاد اإلنجليز كجفري وشيلي ،ووردزورث وكوليردج إلى
الفرنسيني كالسيدة دي ستايل وشاتوبريان وستندال وهوجو -نالحظ أن الكثير
من هؤالء النقاد قد زاولوا الكتابة والنقد ،-انتها ًء بالرومانسيني األملان الصغار،
والفالسفة األملان الذين تحدثوا وكتبوا عن علم الجمال )األستطيقا( وهم:
شوبنهاور وهيجل وسيلجر وشيلماخر .لهذا فالكتاب هو دراسة أكاديمية في
مؤلفات وآراء ونقودات هؤالء وما كتبوه في تحليل املؤلفات الشعرية واملسرحية في
القرون التي سبقتهم أو التي عاصرتهم ،وتواجه القارئ الذي ف ّوت قراءة األدباء
الذين تناولهم الكتاب أو لنقل القارئ غير الدارس -مشكلة أن اآلراء والشروحات
املطروحة )يعمل وليك على نقل اآلراء ويربطها ويشرحها( تفترض سلفا أن القارئ
على اطالع قد قرأ هذه األعمال ،وهي من الكثرة بمكان أن القارئ لو قرأ بعضها
فلن يقرأها جميعها ،لذا فقد تكون القراءة املتسلسلة غير مثمرة كثيرا ،يزيد
الصعوبة أن الكتاب هو أكاديمي بامتياز ورغم هذا فال يمكن تفويت الكثير من
محتواه الذي يثري بشكل أو بآخر .وأما السبب الذي يدعو ويليك لتناول فالسفة
الجمال األملان أو من لهم أطروحات في األستطيقا هو أن النظرية األدبية في
رأي ويليك ال يمكن أن تُفصل عن علم الجمال من جهة ،والتاريخ األدبي ومجرد
الرأي األدبي من جهة أخرى
.
يالحظ القارئ للكتاب الثاني أن العصر الرومانسي بكثرة نقاده وأدبائه واملؤلفات
واآلراء ال يمكنه الخروج برؤية واضحة يحصر فيها اآلداب للرومانسية أو التي
تدخل في إطار هذه الحركة أو اإلجابة عن ماهية هذه الحركة ومعناها ،فمع الكم
الهائل من الدراسات واآلراء والشروحات ،تجد املتضارب منها واملتباين في
21 of 9
النزعة الطبيعية والصوفية واالنفعالية والعاطفية ورفض العقالنية وتحرير املشاعر،
وفي هذا السياق يقول رونالد سترامبروج
:
"ما املذهب الرومانسي؟ الحق أن هذا السؤال بقي محيرا لألدباء طوال قرن من
الزمن .فتعريف الرومانسية أمر مربك ومحير ،ولذلك من حقنا القول إن هذا
العجز عن تعريف املذهب الرومانسي هو بمثابة فضيحة القرن .فهذا املصطلح
اتخذ له العديد من املفاهيم واملعاني .فرومانسية شاتوبريان مثال كانت كاثوليكية،
ولكن بسبب بغضه للثورة الفرنسية أصبحت ملكية .أضف إلى ذلك أن رومانسية
هوغو كانت جمهورية )علما أنه بدأ محافظا( ليبرالية وحتى ثورية .فأن تتألم
وتكابد ،وأن تصلي وتقاتل )كما قاتل لورد بيرون في اليونان( وأن تغامر في
رحالت بحرية ،وأن تتصل بالطبيعة ،وأن تتمتع بحس تاريخي ،فأنت عندئذ
رومانسي .وأن تعشق بانفعال وأن تتجاوز الحدود األخالقية التقليدية ،فأنت
عندئذ رومانسي أيضا .لكن القرن الثامن عشر ،عرف ومارس جميع تلك
املواصفات الرومانسية ،شأنه في ذلك شأن القرون األخرى جميعا .فأن تقرأ عن
القرون الوسطى ،وتطالع أشعار ذلك الشاعر شبه البدائي أوسيان ،وأن تتعشق
أيضا الكالسيكية الغابرة ،اليونان الجميلة وآثارها الحزينة… فهذا أيضا
رومانسي ،ناهيك بالقدر ،إذ إنه رومانسي بدوره… وهكذا ترانا نتساءل أي
شيء ال يكون رومانسيا إذا قمنا بإنجازه بالروح الالئقة به؟ ولهذا نقول إن
الرومانسية هي مصطلح مزاج وأسلوب ،أكثر منها مصطلحا لنظرية أو عقيدة أو
مذهب ،ومن العسير على املرء أن يقوم بتعريف األمزجة واألساليب"
.
***
الكتاب الثالث
عصر التحول
.
إن الحركة النقدية األوروبية الحديثة شهدت في القرن التاسع عشر توسعا ونموا
وتفرعا كبيرا ال يمكن اإلملام بكل حركاته وسيرورة تطورها وصيرورتها بسهولة ،بل
21 of 10
األمر أقرب إلى املستحيل بمكان ،إذ ال بد من التفرغ الكامل ألدب أمة من األمم
بشكل كامل حتى يستطيع الباحث السيطرة على مادته وعرضها بالشكل
املناسب واملفيد للقارئ ،لكن ويليك في هذا الكتاب فهو يحاول اإلملام قدر اإلمكان
كما في كتابيه األوليني بأبرز النقاد والحركات النقدية في األرباع الثالثة األولى
من القرن التاسع عشر ،فيوزع كتابه على األدب الفرنسي ،واإليطالي،
واإلنجليزي واألملاني ،ويتناول ألول مرة األدب األمريكي متمثال بشكل رئيس
بإدغار اآلن بو وصاحب النزعة الصورية الكلية والفلسفة املتعالية إيمرسون
واألدب الروسي متمثال بالناقد الشهير بيلنكسي والواقعية االجتماعية
.
تناول ويليك في كتابه الثاني الحركة الرومانسية وأشهر روادها ونقادها وهي
التي امتدت تقريبا حتى ثالثينات القرن التاسع عشر ،لكن في ذات الوقت كان
هناك أدباء آخرون ون ّقاد لم يكونوا رومانسيني أو وقفوا بالضد من هذه
الرومانسية ،وشهد هذا القرن في آخره الوصول إلى ذروة القومية التي صعدت
شيئا فشيئا في هذا القرن وكان لها تأثيراتها على اآلداب القومية ،وإعالء الروح
الوطنية ،والذاتية األممية ،والتأكيد على قيمة الرواية التي تتناول القضايا
االجتماعية أو الواقعية االجتماعية كما لدى بيلنسكي في األدب الروسي ،وكان
من أبرز الحركات األدبية التي ظهرت في هذا القرن الواقعية )ال تجعلوا األشياء
أفضل مما هي عليه لكن ال تجعلوها أسوأ كما يقول الناقد الفرنسي سانت-
بوف ،(.والرمزية ،والنزعة الصورية الكلية )دعوة إلى الدين االنفعالي الحدسي
غير القطعي الذي يبحث عن تعزيز فلسفي بقدر ما يحتاج إلى فلسفة اإليمان
كما يعرفها ويليك( ،والكالسيكية الرومانسية )فضائل االعتدال والتنظيم والكلية
والحس الحسن هي محورية في قائمة أفضلياته ،ومحاولة التوفيق ما بني
العقالنية التنويرية والعاطفة والنزعة االنفعالية ،(.وعداء الرومانسية )كما عند
الناقد األملاني أرنولد روج الذي وصف الرومانسية بأنها هي الال مسؤولية،
والخيال ،واالنغماس في التأمل ،االنغماس في الحلم ،االنغماس في الرغبة
املرادة املتركزة حول الذات ،إنها العالم مقلوبا رأسا على عقب
.
21 of 11
يتوسع ويليك في كتابه في تناول أبرز النقاد على حدة وطرح رؤاهم النقدية
وآرائهم في األعمال املعاصرة والسابقة لهم ،األسلوب الذي يجعل الكتاب فصوال
منفصلة بعضها عن بعض وتحولها إلى بحوث في دراسات استعراضية للحركات
النقدية والنقاد .ليقف القارئ فيها على عدد كبير من اآلراء والرؤى النقدية األدبية
التي تشكلت ،والتي كانت أغلبها قائمة على ذات الناقد أحيانا أو تأثره بالن ّقاد
وآراء السابقني له ،لكن ال يمكن اإلقرار إال للقلة ممن تحدث عنهم ويليك بأن لديهم
رؤاهم ومناهجهم النقدية كما لدى سانت-بوف وبيلنسكي ،أو أصحاب رؤى أدبية
غير متبلورة بالكامل كما لدى ماركس وأنجلز ،في حني عند آخرين تجد أنها آراء
تعتمد على الفهم الخاص والتحليل الشخصي املعتمد على القراءات واإلدراك
ملفهوم األدب والفن ودورهما في تغيير املجتمع أو تصويره أو االنبعاث منه فيقول
رسكني على سبيل املثال في كتاب "محاضرات عن الفن" محددا غرض الفن بأنه
-1فرض الدين على الناس -2 .تحسني حالتهم األخالقية -3 .تقديم خدمة مادية
لهم ،.كما تبرز بصورة واضحة الكتابات النقدية لبعض النقاد ومحاولتهم في
تعريف النقد كما يقول سانت-بوف "إن فن النقد يتألف من معرفة كيف نقرأ
مؤ َّلفًا قراءة مشروعة ،وتعليم اآلخرين كيف يقرأونه بالطريقة عينها" ،وتبيني مهمة
الناقد كـ "أن يكون الناقد الحقيقي سابقا للجمهور يوجهه ويرشده" ،و"أن الناقد
ليس سوى إنسان يعرف كيف يقرأ ويعلم اآلخرين القراءة أيضا"
.
شرعت في بدايات النقد األدبي األوروبي هذا وأكثر يرسم لنا الطرق التي ُ
الحديث وما نتج عنها من حركات فرعية أو جديدة ،والتي دائما ما تقوم على نقد
القديم وتجديده أو حتى الثورة عليه ،وفي األساس فإن النقد قائم على اإلنتاجات
األدبية للشعراء واملسرحيني والرواة ،ففهم هذه الحركات النقدية ال بد أن يسبقه
قراءة وسبر غور هذه األعمال ومواضيعها املعالِجة أو املطروحة ،لتبرز لنا أهمية
النقد كمصفاة تغربل األعمال مخلصة األدب من األنواع الرديئة ورافعة األعمال
الجيدة ،لكن هذا غير مضمون دائما ،فاملعايير النقدية هي معايير شخصية
وذاتية وال يعني أبدا أنها معايير فوقية أو راسخة أو حتى صالحة لكل مرحلة
21 of 12
أدبية ،لكن بذات الوقت ال بد للناقد أن يكون مطلعا ومتمما للحركات التي سبقته
بدون ضرورة االلتزام بها أو الثورة عليها ،كما في الرومانسية الكالسيكية التي
حاولت التوفيق بني االثنني
.
****
الكتاب الرابع
أواخر القرن التاسع عشر
.
القسم األول
.
أنهى ويليك بكتابه الرابع عن تاريخ النقد األدبي الحديث )مع تحفظي على هذا
االسم كما ذكرت في مراجعات الكتب الثالثة األولى( دراسة أعالم النقد األدبي
الحديث الذي ابتدأه منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر والحركة
الكالسيكية الجديدة إلى نهاية القرن التاسع عشر مع رسوخ بعض املذاهب
األدبية الحديثة كالطبيعية والواقعية واالنطباعية
.
هذا الكتاب الذي كان مقررا أن يكون الكتاب األخير لويليك حول تأريخ النقد
وسع دراسته الح ًقا لتشمل النصف األول من القرن األدبي الحديث إال أنه ّ
ومقسمة إلى النقد اإلنجليزي ،واألمريكي،
ّ العشرين موزّعة في أربعة كتب أخرى
في الكتابني الخامس والسادس على حدة ،والنقد األملاني والروسي وأوربا
الشرقية في كتابه السابع ،والفرنسي واإليطالي واإلسباني في الكتاب األخير.
نُشر الجزءان الخامس والسادس ،ولم ينشر بعد الجزءان األخيران بالعربية
.
وبالعودة إلى الكتاب الرابع الختامي لحقبة أدبية مهمة استمرت لقرن ونصف
تحددت فيها الكثير من املالمح األدبية والنقدية سواء في الشعر أو املسرح أو
الرواية ،والتي ابتدأت بشكل حركات بارزة لها أعالمها كما في الكالسيكية
الجديدة والرومانسية وانتهت ببروز ن ّقاد أكثر من بروز حركات أدبية شاملة،
وكذلك في صعود حركات أدبية بفضل كتّاب معينني كما الحال مع بلزاك وفلوبير
والنزعة الواقعية ،وزوال والنزعة الطبيعية ،وإمرسون النزعة الصورية الكلية ،وكذلك
بفضل ن ّقاد معينني كما الحال مع سانت-بوف في فرنسا ،وهيبوليت تني في
21 of 13
إنجلترا ،ودي سنجتنيس في إيطاليا ،وبلينسكي في روسيا ،والروائي والناقد
هنري جيمس كأبرز ن ّقاد الرواية في أمريكا في النصف الثاني من القرن
التاسع عشر
.
يكمل الكتاب الرابع ما ابتدأه في الكتاب الثالث في دراسة الحركة األدبية التي
رافقت وتلت الحركة الرومانسية في اآلداب األوروبية واألمريكية ،في فرنسا
وإيطاليا وإنجلترا وأمريكا
.
ما يميز هذا الكتاب هو تسليط الضوء بشكل أكبر على الرواية التي لم تنل حتى
هذا الكتاب االهتمام الكافي إذ يكاد النقد ينحصر على الشعر واملسرح والنقد
األدبي وترسيم مالمح النقد واآلراء النقدية العامة واملذاهب النقدية وأعالمها،
ومفاهيم النقد وعالقتها بعلم الجمال في الكتب السابقة ،لذا فقد ابتدأ الكتاب
بتناول أعالم الرواية الفرنسية في القرن التاسع عشر من فلوبير وبلزاك والنزعة
الواقعية لديهم ،وغي دي موباسان ،وإميل زوال صاحب النزعة الطبيعية ،لكن هذا
التناول لهم كونهم ن ّقادا أو أصحاب رؤى وتعليقات نقدية أكثر من تناولهم روائيني
وعرض رواياتهم نقديا ،في حني ينتهي الكتاب بدراسة مفصلة ومهمة للروائي
والناقد األمريكي هنري جيمس أحد املؤسسني للرواية الحديثة التي ذاع صيتها
في بواكير القرن العشرين وبلغت في هذا القرن أوجها حتى العقد القرمزي
الذي أصاب أوروبا وأشاع بعدها ثورة جديدة في عالم األدب عموما والرواية
خصوصا
.
كان هذا الكتاب أكثر الكتب أكاديمية من بني الكتب األربعة األولى ،وال يسعني
الوصاية بقرائته كامال بسوى اختيار من درسهم من الن ّقاد بشكل فردي للقراءة
االنتقائية ،فالكتاب سيبقى مرجعا أكاديميا مهما للدارس للنقد والتاريخ األدبي
ولن ينفع القارئ غير املتخصص كثيرا إال في بعض الفصول كاألول واألخير
املتعلق بالرواية
.
21 of 14
وأحب أن أشير إلى نقاط تخص هذه الكتب األربعة )باستثناء القسم الثاني من
الكتاب الرابع ألني لم أحصل عليه( التي عرضت تاريخ النقد األدبي في مدة
تتراوح ما بني
:1750 - 1900
-تتناول الكتب النقاد األفراد أكثر مما تتناول حركات نقدية بالدرس والفحص ثم
التعريج على أبرز أعالمها ،األمر الذي دفعني إلى عدم قبول العنوان الذي
تمحور حول أعالم النقد األوروبي الحديث ال النقد األوروبي ،وهنا ال بد من
التفريق ما بني أفكار األفراد وفكر الحركات ،إذ األولى تحمل مناهج فردية خاصة
وغير محددة بسياقات معينة عكس الثانية التي تبرز فيها سياقات خاصة من
خالل تناول الخطوط العامة للحركات النقدية املوزعة في مدد زمنية متباينة أو
متداخلة وهذه وظيفة الكاتب في عرض مادته بشكل يؤرخ الحركة النقدية األدبية
.
-ر ّكزت الكتب بشكل بارز على الشعر والنقد )فهم ماهية النقد في ذاته(
واملسرحية واملالحم الشعرية الكالسيكية والحركات األدبية التي ضمتهم ،ولم تنل
الرواية حظا وافرا من الدراسة بما يجعل مالحظة استفهام حول هذا املوضوع
دون أن ننسى أن الرواية ملّا تأخذ استحقاقها بعد حينئذ رغم بداياتها التي تعود
إلى منتصف القرن السابع عشر في إسبانيا مع رواية دون كيخوته لسرفانتس،
وكذلك صعودها بشكل الفت في القرن التاسع عشر في فرنسا وإنجلترا وأملانيا
.
غياب كامل للنقد اإلسباني ،ولم يظهر النقد الروسي إال عصر التحول في ٌ -
القرن التاسع عشر عبر تناوله لبلينسكي ،األمر الذي يمكن تقبله نظرا الزدهار
األدب الروسي في القرن التاسع عشر ،وبالكاد يمكننا تحديد سمات لألدب
الروسي قبل هذا القرن بل وقبل الشاعر بوشكني الذي به ابتدأ األدب الروسي
فعال ،في حني كانت املراحل التي سبقته هي مراحلة طفولية ليس لها ثقل يذكر
إذا ما ُقوبلت مع فرنسا وأملانيا وإنجلترا الدول الثالث التي مثّلت محور وعماد
الكتب مع دور ثانوي للنقد اإليطالي الذي له حمولته الثقيلة ال سيما في عصر
21 of 15
النهضة منذ انطالقته في القرن الثالث عشر وأعالمه اإليطاليني أبناء فلورنسا
كدانتي وبوكاشيو .وهو ذات األمر الذي حباني بالقول أن هذا التاريخ للنقد هو
تاريخ النقد األوروبي بل ويمكن حصره في دول فرنسا -أملانيا -إنجلترا -
إيطاليا وال سيما الثالث األُول التي كانت مركز العالم الجديد املتطور في األلفية
الثانية
.
-الكتب األربعة ال تكتمل فائدتها دون االطالع السابق ملؤلفات من تناولهم ويليك
في دراسته وتعليقاته وشروحه وتقديمه لهم ،املسألة التي تدعو القارئ إلكبار
وإجالل هذه القابلية الفذة والعقلية املوسوعية التي استطاعت إنجاز هكذا
مشروع عظيم وضخم ج ًدا
.
-ما الذي يمكن أن يخرج به القارئ غير املتخصص من قراءة كتب كهذه؟ أما
أنا فأقرأ النقد األدبي لتوسيع مداركي النقدية والوقوف على أكبر عدد ممكن
الرؤى النقدية وفهم املذاهب األدبية مما يساعدني على تشكيل وبناء رؤية نقدية
خاصة لن تكتمل دون البدء من بواكير النقاد واألعمال النقدية ،وقراءة املناهج
الفكرية واألدبية واألسلوبية املتبعة في النقد وصوال إلى يومنا املعاصر
.
هل سيخرج غير املهتم بالنقد من هذه الكتب؟ مبدئيا ال أعتقد أن غير املهتم
بالنقد سيمد يديه إلى هذه الكتب ،لذلك فهو سلفا لن يقرأها ،أما إن كان يحب
االطالع من باب الفضول ،فال أظنه سيملك النَفَس الطويل واملطاولة لقراءة الكثير
من الصفحات التي ال يخرج من فائدة ملموسة أكثر من قراءته آراء عن أعمال
في املقام األول هي قديمة جدا ال تُقرأ اليوم ،والثاني أنها آراء ذات طبيعة
مدرسية وكالسيكية جدا مما يتنافى مع عقلية القارئ املعاصر ،والثالث أنها قراءة
فكرية جافة وأكاديمية من الوارد جدا أن زمنها قد و ّلى ولم يتبقَ لها دور في عالم
األدب اليوم
.
***
21 of 16
الكتاب الخامس
النقد األدبي اإلنجليزي )(1950-1900
نهجا مغايرا عن يفتتح ويليك النصف الثاني من موسوعته األدبية التي نهج فيها ً
الكتب األربعة األولى من جانبني ،األول هو في دراسته نقد كل بلد على حدة،
فهذا الكتاب هو مخصص ألعالم النقد اإلنجليزي في النصف األول من القرن
العشرين ،وكذا الحال مع الكتاب السادس مع النقد األمريكي ،وهكذا تواليا كما
أشرت في مراجعاتي السابقة ،والجانب الثاني في توزيعه األعالم النقدية ضمن
حركاتهم التي اشتهروا بها ،فالكتاب مقسم إلى الحركة الرمزية وأعالمها وأبرزهم
ييتس ،والنقد األدبي األكاديمي اإلنجليزي وهو دراسة عن بدايات النقد
األكاديمي املؤسساتي اإلنجليزي ،والحركة الرومانسية الجديدة وعلى رأسها
الروائي د .هـ .لورانس ،وجماعة بلومزبري ومن بينهم الروائية فرجينيا وولف،
واملبتكرون وعلى رأسهم إزرا باوند ،وينهيه بدراسات عن ن ّقاد متفردين بنظرياتهم
األدبية ودراستهم النقدية وأبرزهم ت .س .إليوت
.
أما فيما يخص تناوله لهؤالء النقاد واستعراض آرائهم وتعليقاتهم ونظرياتهم
النقدية فلم يتغير عن أسلوبه السابق ،لكن الفصول والن ّقاد يبدون أكثر ترابطا
َ
أفضل في فهما
وتواصال ،وهو ما يمنح نوع من التتابعية والتسلسلية التي تمنح ً
العرض النقدي عكس الكتب السابقة
.
إ َّن النقد اإلنجليزي في النصف الثاني من القرن العشرين بأعالمه الذين كان
أكثرهم من الشعراء املعروض في الكتاب -يجعل من الكتاب مرجعا توثيقيا
وتأكيديا لهذا الناقد أو ذلك يستفيد منه الدارس أو الباحث األكاديمي من نقاط
معينة أو من الدراسة كلية مصدرا ينوه به أو يعود إليه عند الحاجة
.
وبعد قراءة خمسة كتب من هذه املوسوعة بت متيقنًا من رأيي بأن هذه الدراسة
وال سيما في الكتب الثالثة والرابعة وصاعدا هي دراسات أكاديمية مرجعية
وليست باملؤلفات التي ينتفع منها القارئ العادي أو غير املتخصص ،فهي مكتوبة
21 of 17
لطبقة خاصة من القراء ،األمر الذي يجعل منها ذات قيمة معرفية ونقدية لكن
ليست للجميع أو حتى ملن هو غير متخصص أو الدارس األكاديمي
.
في تقديمه لهذا الكتاب ،أجاب ويليك عن تساؤالت أو مالحظات كنت قد أشرت
إليها عن الكتب األربعة األولى ،وبعضها يطرحها ويليك يفسر فيها محتوى كتبه
أو املنهاج الذي اتبعه ،فمثال عن دراسته النقاد ال الحركات األدبية يقول:
"وتجميع النقاد ينبع من قناعتي بأن التيارات الفردية التي تأخذ املبادرة وليس
التيارات الجمعية -هي التي تهم النقد ،وال يجب أن ُينظر للنقاد إطالقا على أنهم
مجرد ’حاالت‘ .إن تصوير النقاد والصور الجانبية العقلية لهم ،واإلحساس
بالتيارات والظروف املختلفة تشكل م ًعا التاريخ"
.
ويقول أيضا في هذا الباب في موضع آخر" :وهناك نقطة يجب تأكيدها :إنني
أركز تركيزا حادا على النقد األدبي لشخوص وال أناقش -وال أستطيع أن أناقش-
وأبني أهميتهم في تاريخ الشعر أو الكتابة الروائية والفلسفة، عملهم الكليّ ،
فالكتاب سيصبح مرهقا إذا اهتممت بشعر ييتس ،وبوند ،وإليوت وروايات
فرجينيا وولف ،ود .هـ .لورانس ،إلخ"
.
أما فيما يخص الترتيب فيقول مكمال حديثه السابق" :لكن الترتيب ال يمكن أن
يكون جدليا أو تطوريا باملعنى الدقيق ،فكلما درست موقف عصر بعينه تجنبت
الشعارات والتعميمات السهلة .وإنني أثق أنه في تخطيط املجال أستطيع أن
أدلي ببيان عن مجاله واتساعه على غرار ما يفعله ماسح األراضي باستخدام
حساب املثلثات…
إنني وأنا أنظم هذه املجلدات كان لدي في عقلي تعاقب الوقائع املتاحة املؤكدة،
وهناك تاريخ لألحداث متميز تماما عن تاريخ األفكار .إن النقاد يولدون ويموتون
في سنوات معينة ،والكتب واملقاالت تنشر في تواريخ محددة ،لكن محاولة ترتيبها
سرعان ما يكتشف املرء أن فكرة تتابع خالص للنقاد والتيارات النقدية أبعد ما
تكون عن الوضوح…
21 of 18
إن الترتيب التعاقبي لهذه الكتب هو ترتيب تقريبي ويتحدد على نحو فج بتتابع
الكتب الرئيسة ،ولكن تحديد الكتب أو األقوال الرئيسة يتم وفق اختيار يتحدد
بطريقة "بعدية" بعد وقوعها"
.
وينهي املدخل لكتابه هذا بقوله :إن العالم سيكون أكثر فقرا بشكل ال يمكن
تصوره بدون األدب ،واألدب -بدوره -يحتاج إلى فهم ،يحتاج إلى غربلة وإصدار
حكم من جانب النقد
.
***
مالحظات
:
ٌ
سهل ،فال يحتاج اإلنسان إال طرح معيار تخيلي أو أنموذج ما إن النقد الهدام
مهما يكن سخيفا ،ثم يؤكد أن العمل الفني موضع النظر ال ينطبق عليه هذا
املعيار ،ثم فإن العمل ال قيمة له ،ويحرر الناقد نفسه من شكر الفنان
.
والنقد املثمر أصعب بكثير :فهو يسأل :في أي شيء شرع املؤلف أن يفعله؟ هل
كانت خطته معقولة ومقبولة؟ وإلى أي مدى نجح في تنفيذها؟ فإذا تمت اإلجابة
عن هذه األسئلة ببصيرة وتعاطف ،فإننا نكون عونا حقيقيا للمؤلف في أعماله
القادمة
.
يقول فولتير
:
إن الشعر الذي ال يقول مزيدا وأفضل وأسرع من النثر يمكننا أن نقول عنه إنه
نظم سيئ
.
21 of 19
يقول فولتير
:
إن القافية ليست قيدا ،بل هي باألحرى ترغم الشاعر على أن يفكر دقة أكبر وأن
يعبر عن نفسه بصواب أشد
.
"ال تعتقدوا أنكم تعرفون الشعراء من الترجمات ،هذا يشبه رغبتكم في رؤية ألوان
اللوحة في النقش"
.
يقول ورودزورث
:
ألفت قصيدك عن املوت عقب فقد لصديقك أو صديقتك؟ ال ...عندما يولي َ هل
األلم ،وعندما تفتر الحساسية ،وعندما يتباعد املرد عن الكارثة ،وعندما تهدأ
النفس ،وعندما يستعيد السعادة املاضية ...عندما تتوحد الذاكرة مع الخيال،
يمكن لإلنسان أن يتكلم على نحو رائع
.
ويقول إن املرء يبكي ،لكن ال يعود اإلنسان يبكي عندما يطارد شيئا مدهشا
يتمناه ...عندما يكون اإلنسان مشغوال بجعل النظم متناغما ،عندما تتدفق
الدموع ،يسقط القلم من يد اإلنسان ،ويستسلم للشعور ،ويتوقف عن التأليف"
.
يقول شيلر :على الشاعر أن يحذر من أن يتغنى "بأمله وسط األلم" وعليه أن
يكتب من الذاكرة األكثر هدوءا واألكثر تباعدا وليس من االنفعال اآلني على
اإلطالق،يجب أن يصبح غريبا عن نفسه ،يةب أن يحرر موضوع توهجه من
فرديته
.
يقول شلجل :لكي تكون قادرا على أن تصف شيئا على نحو حسن عليك أن تكف
عن أن تكون شغوفا به
.
21 of 20
يقول شوبنهاور
:
في الشعر يكون املفهوم ماديا ،املعطى مباشرة ،ومهمة الشاعر استخالص
املعنى العيني ،املرئي من اللغة املكونة من الكليات .وغلى الشاعر أن يربظ
املفاهيم التي تعطيها اللغة على نحو بحيث يجعل مجاالتها تتداخل ،وال يظل ٌّ
أي
منها داخل صفته التجريدية .إن الشعر هو استخالص العيني والفردي من
العام .أما الوسائل واألحابيل لتحقيق هذه الغاية :الكنايات ،واالستعارات،
والتشبيهات ،واألمثال واملجازات
.
إن القافية تفيد رابط ًة ،إنها تبعث على االتفاق بقوة وهي وتوحي بأن الفكرة التي
عبّر عنها الشاعر هي مقدرة ومؤداة في اللغة ثم فهي حقيقية إن جاز لنا القول.
والصوت بصفة عامة مهم فهو يوحي بأن اللغة الشعرية ليست مجرد إشارة على
شيء مشا ٍر إليه في عالقة الواحد بالواحد إلى الشيء كما في اللغة العادية بل
هي هناك لذاتها
.
ولهذا فإن شوبنهاور يرى أن الشعر ال يمكن ترجمته
.
يقلل هيجل باتساق من بنية الشعر القوية غلى أنها "تخارج عارض" ويقرر أن
السطح الجمالط لألدب ليس اللغة بل "العرض الباطني والحدس ذاته" .والعنصر
اللغوي ليس سوى وسيلة بصرف النظر عن العنصر الشعري الحق .والشعر
يمكن -دون ضرر جوهري لقيمته -أن ُيترجم إلى لغة أخرى وينقل من النظم إلى
النثر ،ثم ينقل إلى عالقات صوتية مختلفة تماما .وهكذا فإن الشعر الشعر -في
معظم أجزائه الجوهرية -ينتهي في العقل وماهيته تحمل إلى الوعي بدون حدس
حسي ودون قبول لإلذن.
ّ
21 of 21