You are on page 1of 21

‫تاريخ النقد األدبي الحديث


‫)الكتب الخمسة األولى(‬

‫رينيه ويليك

‫‪21 of 1‬‬
‫الكتاب األول‪
.‬‬
‫حركة النقد األدبي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر‪
.‬‬

‫رصدت تطور النقد األدبي‬


‫ْ‬ ‫تاريخ النقد األدبي الحديث من الكتب املوسوعية التي‬
‫منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر وإلى نهاية النصف األول من القرن‬
‫العشرين‪
.‬‬
‫يتوزع هذا التاريخ في ثمانية أجزاء كتبها التشيكي‪-‬األمريكي رينيه ويليك في‬
‫نصف قرن تقريبا وبقي يعمل عليه حتى قبيل وفاته بثالث سنوات عام ‪
.1995‬‬
‫يتناول ويليك في الجزء األول أو باألحرى الكتاب األول من هذه املوسوعة النقدية‬
‫‪-‬نظرا الستقالل مادة كل كتاب عن الحقه وما التشابه إال في مادة ك كتاب وكونه‬
‫مكمال ملادة الكتاب السابق زمنيا‪ -‬بدايات النقد األدبي األوروبي )الفرنسي‬
‫واإلنجليزي واإليطالي واألملاني(‪ ،‬والكتاب يؤرخ بدايات النقد في النصف الثاني‬
‫من القرن الثامن عشر‪ ،‬وهي مرحلة مهمة من التاريخ الفكري األوروبي‪
.‬‬
‫إن حصر النقد األدبي الحديث في القارة العجوز فيه من الحيف الكثير بحق‬
‫آداب األمم األخرى‪ ،‬حتى وإن لم يكن لبقية األمم القواعد القوية والراسخة في‬
‫االنطالق نحو مشروع نقدي قويم يعد البداية لها‪ ،‬وال تخلو أمة من األمم من آداب‬
‫خاصة بها ونقد لهذه اآلداب وإن لم تتضح مالمحه‪ ،‬فعنوان "تاريخ النقد األدبي‬
‫الحديث" يعني بالضرورة إلى أن يكون األدب هنا عامليا والنقد عامليا‪ ،‬لكنه‬
‫ملموس وال غبار عليه‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫دول معدودة‪ ،‬هذا وإن كان في أرض الواقع ٌ‬ ‫يحصر في ٍ‬
‫لكن من األولى التعامل بشكل أكثر ذكا ًء مع الكلمات‪ ،‬فالقارئ يجد أن املحتوى‬
‫حني يتكلم عن الحركة الكالسيكية الجديدة في أوروبا وعصر التنوير‪ ،‬وهي من‬
‫املراحل املهمة في تاريخ الفكر األوروبي ولها تأثيراتها العاملية‪ ،‬يرى إقصاء كل‬
‫ما هو غير أوروبي‪ ،‬هذا اإلقصاء النابع من الذاتية الفوقية األوروبية والتمركز‬

‫‪21 of 2‬‬
‫الغربي في كونه القائد للعالم الحديث‪ .‬وقد يسأل سائل أين النقد األدبي لألمم‬
‫األخرى؟ وما دورها من معادلة التغيير العاملية؟ وهي أسئلة حقة ومشروعة وقد ال‬
‫نجد لها أجوبة مقنعة لكن انعدامها أو عدم تبلورها في رؤية أو منهج نقدي ال‬
‫يلغي وجودها وال يحل النقد األوروبي بديال عنها‪ ،‬ففي النهاية النقد األوروبي‬
‫يتناول األدب األوروبي املعاصر واألدب اإلغريقي القديم واآلداب املكتوبة‬
‫بالالتينية‪ ،‬اللغة التي كانت لغة اآلداب حتى استخدمت اللغات الشعبية واملحلية‬
‫وإن بشكل خجول في القرن الخامس عشر وبشكل تصاعدي في القرون الالحقة‬
‫حتى اضمحلت اللغة الالتينية وانزاحت من دورها لغة لألدب‪ ،‬ودخلت اللغات‬
‫املشتقة منها كالفرنسية واإلنجليزية واألملانية في خط املنافسة حتى ح ّلت محلها‬
‫في القرنني "الثامن والتاسع" عشر‪ .‬والنقطة الثانية التي تحدد النقد األدبي في‬
‫القارة العجوز هو كونه نقد محدد بحدود جغرافية القارة العجوز التي تتشابه‬
‫األقوام فيها فكريا وعقائديا واجتماعيا وسياسيا‪ ،‬فنرى أن العصر الحديث‬
‫ورحالت االستكشاف للعالم الجديد‪ ،‬والتطور الفكري والحضاري واألدبي‬
‫والثقافي كان مقره القارة العجوز‪ ،‬ولم يتع َد إلى مناطق خارج القارة العجوز‪ .‬كل‬
‫هذا يوحي برؤية مفادها أن اآلداب الحديثة وما تجره من نقد فتأريخ للنقد هو‬
‫خاص باألوروبيني‪ ،‬وبقية األمم خارج معادلة التأثير‪ ،‬لذا كان لزاما أن يكون‬
‫العنوان تأريخ النقد األدبي األوروبي الحديث‪ .‬ونالحظ حتى عند الخروج من‬
‫القارة العجوز في الكتب الالحقة من املوسوعة يشمل النقد األمريكي والنقد‬
‫الروسي‪ ،‬لم يكن خروجا إلى مناطق ذات آداب ورؤى وأفكار مختلفة عن الفكر‬
‫األوروبي بل إلى مناطق ذات ثقافة وفكر تعد امتدادا ألوروبا كأمريكا وروسيا‬
‫فكرا وثقافة وتأثيرا‪ .‬لذا فإن أول مالحظة على القارئ أن يسترعي لها انتباهه إن‬
‫ما يقرأه يخص اآلداب األوروبية وما دار في فلكها حصرا‪ ،‬ففي الكتب األخيرة‬
‫من املوسوعة تنحصر املدة الزمنية ما بني ‪ ،1950-1900‬وهنا أضحى يقينا أن‬
‫بعض كتب املوسوعة تخص نقد ٍ‬
‫بلد معني دون آخر وفقد صفة الكلية والعاملية‪
.‬‬
‫نعود إلى مادة الكتاب‪ ،‬فهي ليست دراسة للمناهج النقدية في أوروبا بل عملية‬
‫تأريخ لهذا املناهج وعرضها ودراسة أعالمها ومناهجهم النقدية بل ولنكن أكثر‬

‫‪21 of 3‬‬
‫دقة فإن الكتاب األول والثاني الخاص بالحركة الرومانسية ليسا تأريخا للنقد‬
‫األدبي األوروبي لكنه دراسة وتأريخ ألبرز النقاد واألدباء الذين اشتغلوا في النقد‬
‫أو كانت له رؤاهم النقدية ونرى هذا واضحا وجليا في املوسوعة‪ .‬ويكون األولى‬
‫عنونة املوسوعة بـأعالم النقد األدبي الحديث‪ ،‬وهو عنوان أقرب ملادة الكتاب‬
‫ومحتواه‪
.‬‬
‫يبتدئ ويليك موسوعته مع النصف الثاني من القرن السابع عشر وهو الزمن‬
‫املتمثل في عصر التنوير والحركة العقالنية األوروبية التي كان لها الدور الكبير‬
‫في تشييء القارة العجوز سياسيا وفكريا وأدبيا وثقافيا واجتماعية‪ ،‬وكان من‬
‫أبرز ما تأتى عنها الثورة الفرنسية في عام ‪ ،1789‬والتي يعد روسو وفولتير من‬
‫أهم املنظرين لهذه الثورة وإن لم يشهدوها إال أن إنتاجهم األدبي والفكري‬
‫والفلسفي الذي سبقها كان له الدور في تهيئة املجتمع لها وهذا ما حصل‪
.‬‬
‫لكن الكتاب ال يتناول هذا العصر إال من الجانب األدبي حصرا وعقالنية هذه‬
‫املرحلة والحركة الكالسيكية الجديدة التي انبثقت فيها‪ .‬ويعلق ويليك على‬
‫مصطلح عقالني فيقول‪ :‬إن مصطلح "العقالني" مضلل إذا ما جرى تفسيره على‬
‫أنه يعني أن النقد الكالسيكي الجديد يتصور النقد على أنه بناء من العقل‬
‫الواعي إلى حد استبعاد الشعور والتخيل‪ ،‬بل وحتى الال شعور‪ .‬إن نظرية األدب‬
‫هي موضوع العقل الواعي‪ ،‬لكن ما من ناقد محترم يقول إن اإلبداع الفني نفسه‬
‫ليس سوى سيرورة عقالنية مدركة‪
.‬‬

‫ليفصل بعدها في معنى عقالنية هذه املرحلة وتأثيرها املحوري في النظرية‬


‫الكالسيكية الجديدة في األدب‪ ،‬وهنا ال بد أن نفهم أن الكالسيكية املقصودة هي‬
‫الكالسيكية اإلغريقية بكل أعالمها والتي تعد املعيار املثالي واملرجع التي عاد‬
‫إليه أعالم الفكر األوروبي منذ عصر النهضة في القرن الثالث عشر على أيدي‬
‫أدباء اإليطاليني مثل دانتي وبوكاشيو ثم الفرنسيني كرابليه ومونتني وتاسو‬
‫واإلسبان في عصرهم الذهبي كلوبي دي فيجا وسرفانتس‪ ،‬ليأتي بعدها أعالم‬
‫عصر التنوير وال سيما الفرنسيني واإلنجليز إلكمال مسيرة تطور الفكر األوروبي‬

‫‪21 of 4‬‬
‫مع النظرية الكالسيكية الجديدة في الشعر واملسرحية وما تفرع عنهما من أنواع‬
‫مختلفة كامللهاة واملأساة والشعر الرعوي وامللحمي والغنائي والوجداني والفطري‪،‬‬
‫وهنا يتضح لنا تحدد هذه النظرية الكالسيكية الجديدة في جنسني أدبيني بشكل‬
‫مبرز وهما األقدم‪ :‬الشعر واملسرحية‪ ،‬والرواية مبعدة عن النقد إال ما ذكر بشكل‬‫ّ‬
‫عرضي وطفيف‪ ،‬ويوضح ويليك سمات هذه النظرية‪
:‬‬
‫‪ -‬محاكاة الطبيعة‪ ،‬واملحاكاة هنا ال تعني النسخ وال النزعة الطبيعية الفوتوغرافية‬
‫بل في التمثيل‪ .‬وإن ما يطرحه الشاعر عبر هذا املصطلح هو ليس الطبيعة‬
‫نفسها بل قصده أن يمثلها‪
.‬‬
‫ومصطلح الطبيعة ال يعني "الطبيعة امليتة" )الطبيعة الصامتة أو منظر خارجي(‬
‫على نحو ما يستخدم كثيرا اليوم بل املقصود به الطبيعة اإلنسانية‪
.‬‬

‫ويضيف حول املقصود بالطبيعة في النظرية الكالسيكية الجديدة‪


:‬‬
‫"إن املصطلح يعني أشياء مختلفة جدا بالنسبة ملختلف الناس‪ .‬فمحاكاة الطبيعة‬
‫كثيرا ما فهمت على أنها تعني الواقعية…"‪
.‬‬
‫لكنه يخالف هذا ويقول‪ :‬إن التفسير لـ"محاكاة الطبيعة على أنها نزعة طبيعية أو‬
‫نسخ لم يكن سوى تيار واحد من النقد الكالسيكي الجديد"‪
.‬‬

‫‪ -‬تجاوزت النظرة القاصرة التي اعتقدت أن الفن مجرة عبارة عقلية عن القواعد‬
‫األخالقية‪ ،‬وقد فهم النقاد ‪-‬في أحسن األحوال وأسوأها‪ -‬أن األدب هو جزء من‬
‫السياسة باملعنى والواسع للكلمة‪ ،‬وأن الشاعر شاء أم أبى هو مشكل وصائغ‬
‫النفوس اإلنسانية‪
.‬‬

‫‪ -‬إن أهم ما جاءت به النظرية الكالسيكية الجديدة هو في تحول االهتمام النقدي‬


‫إلى رد فعل الجمهور‪ ،‬مما أفضى إلى تحلل الكالسيكية الجديدة إلى النزعة‬
‫االنفعالية والنزعة العاطفية‪
.‬‬
‫**

‫‪21 of 5‬‬
‫أما فيما يخص التاريخ األدبي الناجح‪ ،‬فإن ويليك يعد أن بدايته في القرن‬
‫التاسع مع بيوترفك )فيلسوف وناقد أملاني( واألخوين شليجل وفلمني وسيسموندي‬
‫)مؤرخ واقتصادي سويسري(‪ ،‬لكن اإلعداد لهذا التاريخ األدبي الناجح سبقه‬
‫إعداد في القرنني السابع عشر والثامن عشر )وهو ما خصه ويليك بالدراسة في‬
‫هذا الكتاب(‪ ،‬ويؤكد ويليك أن التاريخ األدبي كان قاصرا على األدب القومي‪ ،‬ألن‬
‫أحد دوافعه هو النزعة القومية )التي عال شأنها وال سيما في نهاية التاسع عشر‬
‫وكانت السبب الرئيس في الصراع السياسي الذي انتهى بالحرب العاملية األولى(‬
‫ولكن كان هناك وعي متزايد باآلداب وأوجه النشاط األدبية لألمم األخرى‪
.‬‬
‫تنقسم دراسة هذا الكتاب للنقد في أربع جهات أدبية هي الفرنسية متمثلة في‬
‫فولتير وديدرو وآخرين‪ ،‬واإلنجليزية متمثلة في دكتور جونسون وآخرين‪،‬‬
‫لسنج‪ ،‬وحركة‬ ‫واإليطالية التي يتناولها بالعموم‪ ،‬واإلنجليزية‪ ،‬واألملانية موزعة في ّ‬
‫"العاصفة واالجتياح" التي تعد من الحركات املضادة لعصر العقلنة وكان جوته‬
‫وهردر من أبرز روادها‪ ،‬والفيلسوف كانت وشيلر الذي جمعته صداقة مع غوته‪
.‬‬

‫إذن‪ ،‬فالكتاب يتناول بالتفصيل هؤالء وما كتبوه من مقاالت وكتب وآراء ودراسات‬
‫نقدية عن أعمال سواء معاصرة أو سابقة لهم‪ ،‬منطلقني من اآلداب اإلغريقية‬
‫القديمة وأشهر الشعراء واملسرحيني‪
.‬‬
‫يعطي الكتاب تفاصيل في قالب أكاديمي متخصص يمنحه الضبط واإلتقان‬
‫والجفاف‪ ،‬لكنه مهم لكل دارس ومهتم بالنقد األدبي‪
.‬‬
‫****

‫الكتاب الثاني

‫الحركة الرومانسية‪
.‬‬

‫إن العصر أو الحركة الرومانسية في اآلداب األوروبية من املراحل التي ال يمكن‬


‫تجاوزها أو التغاضي عنها في تاريخ األدب العاملي مما حملته في طياتها من‬
‫آثار وتأثيرات وشعراء وأدباء حتى يومنا هذا في بلدان كفرنسا وأملانيا وإنجلترا‬

‫‪21 of 6‬‬
‫التي شهدت قمة الحركة الرومانسية وال سيما البلدين األوليني ثم شاعت لتعم‬
‫البلدان جميعا واألدب كله‪
.‬‬
‫يمتد هذا العصر منذ نهايات العقد األخير من القرن السابع عشر وإلى ثالثينات‬
‫القرن التاسع عشر كما يعينه الدارسون‪ ،‬ويحدد ويليك معنيني لهذه الحركة‬
‫الرومانسية من خاللها يمكن أن تفهم انطالقة النقد وسماته‪
:‬‬
‫‪ -‬إن هذه الحركة ثورة ضد الكالسيكية الجديدة‪ ،‬والتي تعني رفضا للتراث‬
‫الالتيني واعتناق رأي في الشعر يتركز على التعبير واالنفعال وتوصيله‪
.‬‬
‫‪ -‬تأسيس نظرة للشعر قائمة على الجدلية والرمزية‪ .‬وعمل نقاد مثل األخوين‬
‫شلجل وآخرين على حماية هذه النظرة من الغوص في النزعة االنفعالية والطبيعية‬
‫والتصوف‪
.‬‬
‫لكن القارئ آلراء وشروح نقاد وشعراء العصر رومانسي يلتمس في أقوالهم‬
‫الصوفية والفلسفية وغوصها فيها‪ ،‬مما يجعل الحركة الرومانسية تشوبها الكثير‬
‫من االتجاهات الفكرية والفلسفية والنزعات النفسية التي يجعل الوقوف على رؤية‬
‫واضحة وذات معالم محددة من الصعوبة بمكان‪
.‬‬
‫وال بد من التأكيد على ما ذكره ويليك بأن العصر الرومانسي جاء رد فعل على‬
‫عقالنية عصر التنوير والحركة الكالسيكية الجديدة واملادية امليكانيكية‪ ،‬وكان من‬
‫إرهاصات هذا العصر حركة العاصفة واالندفاع في أملانيا والتي تمثلت بشكل‬
‫كبير في رواية "آالم فرتر ‪ "1774‬لغوته)‪ ،(1832-1749‬وتقص الرواية الشاب‬
‫فرتر )وهو كناية عن الحب الفوري( املفعم بالحياة والعاطفة ووقوعه في غرام‬
‫شارلوت املخطوبة‪ ،‬ليعاني ويقاسي من آالم هذا الحب اليائس الذي يقوده إلى‬
‫االنتحار‪ ،‬لتجتاح أوروبا حاالت انتحار تقليدية‪ ،‬ويرتدي الكثير من الشباب ومن‬
‫معطف فرتر األزرق وصدريته الرجالية البرتقالية وبنطاله‬
‫َ‬ ‫بينهم غوته نفسه‬
‫األصفر‪ ،‬وكذلك ال يمكن أن نغفل عن القول الذي يشير على رواية "هيلواز‬
‫الجديدة ‪ "La Nouvelle Heloise‬للسويسري جان‪-‬جاك روسو‬
‫)‪ (1778-1712‬إلى أن هذه الرواية تمثل بداية الحركة الرومانسية‪ ،‬ملا استذرفته‬
‫من الدمع من مآقي أوروبا كما يصفها رونالد سترومبرج في كتاب "تاريخ الفكر‬

‫‪21 of 7‬‬
‫األوروبي الحديث"‪ .‬في حني يشير رأي آخر بأنها تمثل مرحلة ما قبل العاطفة‬
‫الرومانطيقية )الرومانسية( "فقد غ ّلفت توصيفاتها الحساسة للطبيعة والعواطف‬
‫السامية هذه املرحلة" )‪
.(Writers Their Lives and Works‬‬
‫وهناك العديد من األدباء اآلخرين الذين مثلوا الحركة الرومانسية وعاشوا في‬
‫النصف األول من القرن التاسع عشر )قمة عصر الرومانسية( أمثال السيدة دي‬
‫ستايل التي تعد من املؤسسني لهذه الحركة في أوروبا عموما وفرنسا خصوصا‪،‬‬
‫وهي من الشخصيات الجدلية ال سيما بمناهضتها لحكم نابليون وحياة املنفى‬
‫وعالقتها املتعددة‪ -‬حتى قيل عنها أنها تناهض نابليون وتمارس الجنس بالحيوية‬
‫ذاتها والحماس نفسه‪ ،‬وشاتوبريان الذي يعد أب الرومانسية الفرنسية‪ ،‬وكذلك‬
‫فيكتور هوجو الذي ع َّد شاتوبريان معبوده‪ ،‬رغم اختالفاتهما السياسية‪ ،‬والشاعر‬
‫اإلنجليزي وردزورث وكوليردج )جمعتهما صداقة أيضا(‪ ،‬وكيتس‪ ،‬ولورد بايرون‬
‫جسد بأملعيته وفكره املتحرر رومانسية القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫الذي وصف بأنه ّ‬
‫ولدينا أيضا املسرحي األملاني شيلر األشهر في العصر الرومانطيقي‪ ،‬وأثارت‬
‫مسرحيته "اللصوص" تفاعال مشاعريا واستحسان الجمهور‪ ،‬وجمعته صداقة مع‬
‫غوته وأنشآ معا "كالسيكية فايمار" وهي تطوير لنظرية عن علم الجمال والحرية‬
‫البشرية‪
.‬‬

‫وتتجلى الكثير من مظاهر الحركة الرومانسية في إعادة إحياء املؤلفات واألعمال‬


‫التي أهلمت أو لم تلقَ التفاتا في عصر التنوير كنظرة االحتقار التي وسم بها‬
‫دانتي وكوميدياه‪ ،‬في حني ُعدت في عصر الرومانسية من األعمال الخالدة‪،‬‬
‫ويصف بعض النقاد أن "عصر التنوير كان عصر النثر‪ ،‬وعصر الرومانسية كان‬
‫عصر الشعر"‪ ،‬ويمكن اإلضافة للعصر الرومانسي األدب املسرحي وال سيما‬
‫التراجيدي والدرامي‪ ،‬وهذه األجناس األدبية التي القت اهتمام النقاد التي سنمر‬
‫عليهم بعد حني‪ ،‬ولم تلقَ الرواية ذاك االهتمام امللموس‪ ،‬فالتركيز كان مصبوبا‬
‫بالكلية على الشعر والرومانسية وإن ظهرت بعض األعمال الروائية التي عبّرت‬
‫عن العاطفة الرومانسية كما في أعمال فيكتور هوغو وستندال‪
.‬‬

‫‪21 of 8‬‬
‫وبالعودة إلى الكتاب الثاني لويليك فهو يتناول النقد األدبي األوروبي لهذا‬
‫العصر ‪-‬املمتد قرابة أربعني عاما‪ -‬متمثال بأشهر ن ّقاده األملان والفرنسيني‬
‫واإلنجليز واإليطاليني‪ ،‬ومحتوى الكتاب يؤكد لي رأيي في الكتاب األول أن‬
‫الكتاب كان األولى أن يعنون بـ "أعالم النقد األوروبي الحديث" فالكتاب مفصل‬
‫مقسم ابتدا ًء من األخوين شلجل مرورا بالرومانسيني‬ ‫ّ‬ ‫في دراسة الن ّقاد بشكل‬
‫األملان األوائل إلى النقاد اإلنجليز كجفري وشيلي‪ ،‬ووردزورث وكوليردج إلى‬
‫الفرنسيني كالسيدة دي ستايل وشاتوبريان وستندال وهوجو ‪-‬نالحظ أن الكثير‬
‫من هؤالء النقاد قد زاولوا الكتابة والنقد‪ ،-‬انتها ًء بالرومانسيني األملان الصغار‪،‬‬
‫والفالسفة األملان الذين تحدثوا وكتبوا عن علم الجمال )األستطيقا( وهم‪:‬‬
‫شوبنهاور وهيجل وسيلجر وشيلماخر‪ .‬لهذا فالكتاب هو دراسة أكاديمية في‬
‫مؤلفات وآراء ونقودات هؤالء وما كتبوه في تحليل املؤلفات الشعرية واملسرحية في‬
‫القرون التي سبقتهم أو التي عاصرتهم‪ ،‬وتواجه القارئ الذي ف ّوت قراءة األدباء‬
‫الذين تناولهم الكتاب أو لنقل القارئ غير الدارس‪ -‬مشكلة أن اآلراء والشروحات‬
‫املطروحة )يعمل وليك على نقل اآلراء ويربطها ويشرحها( تفترض سلفا أن القارئ‬
‫على اطالع قد قرأ هذه األعمال‪ ،‬وهي من الكثرة بمكان أن القارئ لو قرأ بعضها‬
‫فلن يقرأها جميعها‪ ،‬لذا فقد تكون القراءة املتسلسلة غير مثمرة كثيرا‪ ،‬يزيد‬
‫الصعوبة أن الكتاب هو أكاديمي بامتياز ورغم هذا فال يمكن تفويت الكثير من‬
‫محتواه الذي يثري بشكل أو بآخر‪ .‬وأما السبب الذي يدعو ويليك لتناول فالسفة‬
‫الجمال األملان أو من لهم أطروحات في األستطيقا هو أن النظرية األدبية في‬
‫رأي ويليك ال يمكن أن تُفصل عن علم الجمال من جهة‪ ،‬والتاريخ األدبي ومجرد‬
‫الرأي األدبي من جهة أخرى‪
.‬‬
‫يالحظ القارئ للكتاب الثاني أن العصر الرومانسي بكثرة نقاده وأدبائه واملؤلفات‬
‫واآلراء ال يمكنه الخروج برؤية واضحة يحصر فيها اآلداب للرومانسية أو التي‬
‫تدخل في إطار هذه الحركة أو اإلجابة عن ماهية هذه الحركة ومعناها‪ ،‬فمع الكم‬
‫الهائل من الدراسات واآلراء والشروحات‪ ،‬تجد املتضارب منها واملتباين في‬

‫‪21 of 9‬‬
‫النزعة الطبيعية والصوفية واالنفعالية والعاطفية ورفض العقالنية وتحرير املشاعر‪،‬‬
‫وفي هذا السياق يقول رونالد سترامبروج‪
:‬‬
‫"ما املذهب الرومانسي؟ الحق أن هذا السؤال بقي محيرا لألدباء طوال قرن من‬
‫الزمن‪ .‬فتعريف الرومانسية أمر مربك ومحير‪ ،‬ولذلك من حقنا القول إن هذا‬
‫العجز عن تعريف املذهب الرومانسي هو بمثابة فضيحة القرن‪ .‬فهذا املصطلح‬
‫اتخذ له العديد من املفاهيم واملعاني‪ .‬فرومانسية شاتوبريان مثال كانت كاثوليكية‪،‬‬
‫ولكن بسبب بغضه للثورة الفرنسية أصبحت ملكية‪ .‬أضف إلى ذلك أن رومانسية‬
‫هوغو كانت جمهورية )علما أنه بدأ محافظا( ليبرالية وحتى ثورية‪ .‬فأن تتألم‬
‫وتكابد‪ ،‬وأن تصلي وتقاتل )كما قاتل لورد بيرون في اليونان( وأن تغامر في‬
‫رحالت بحرية‪ ،‬وأن تتصل بالطبيعة‪ ،‬وأن تتمتع بحس تاريخي‪ ،‬فأنت عندئذ‬
‫رومانسي‪ .‬وأن تعشق بانفعال وأن تتجاوز الحدود األخالقية التقليدية‪ ،‬فأنت‬
‫عندئذ رومانسي أيضا‪ .‬لكن القرن الثامن عشر‪ ،‬عرف ومارس جميع تلك‬
‫املواصفات الرومانسية‪ ،‬شأنه في ذلك شأن القرون األخرى جميعا‪ .‬فأن تقرأ عن‬
‫القرون الوسطى‪ ،‬وتطالع أشعار ذلك الشاعر شبه البدائي أوسيان‪ ،‬وأن تتعشق‬
‫أيضا الكالسيكية الغابرة‪ ،‬اليونان الجميلة وآثارها الحزينة… فهذا أيضا‬
‫رومانسي‪ ،‬ناهيك بالقدر‪ ،‬إذ إنه رومانسي بدوره… وهكذا ترانا نتساءل أي‬
‫شيء ال يكون رومانسيا إذا قمنا بإنجازه بالروح الالئقة به؟ ولهذا نقول إن‬
‫الرومانسية هي مصطلح مزاج وأسلوب‪ ،‬أكثر منها مصطلحا لنظرية أو عقيدة أو‬
‫مذهب‪ ،‬ومن العسير على املرء أن يقوم بتعريف األمزجة واألساليب"‪
.‬‬
‫***

‫الكتاب الثالث

‫عصر التحول‪
.‬‬

‫إن الحركة النقدية األوروبية الحديثة شهدت في القرن التاسع عشر توسعا ونموا‬
‫وتفرعا كبيرا ال يمكن اإلملام بكل حركاته وسيرورة تطورها وصيرورتها بسهولة‪ ،‬بل‬

‫‪21 of 10‬‬
‫األمر أقرب إلى املستحيل بمكان‪ ،‬إذ ال بد من التفرغ الكامل ألدب أمة من األمم‬
‫بشكل كامل حتى يستطيع الباحث السيطرة على مادته وعرضها بالشكل‬
‫املناسب واملفيد للقارئ‪ ،‬لكن ويليك في هذا الكتاب فهو يحاول اإلملام قدر اإلمكان‬
‫كما في كتابيه األوليني بأبرز النقاد والحركات النقدية في األرباع الثالثة األولى‬
‫من القرن التاسع عشر‪ ،‬فيوزع كتابه على األدب الفرنسي‪ ،‬واإليطالي‪،‬‬
‫واإلنجليزي واألملاني‪ ،‬ويتناول ألول مرة األدب األمريكي متمثال بشكل رئيس‬
‫بإدغار اآلن بو وصاحب النزعة الصورية الكلية والفلسفة املتعالية إيمرسون‬
‫واألدب الروسي متمثال بالناقد الشهير بيلنكسي والواقعية االجتماعية‪
.‬‬

‫تناول ويليك في كتابه الثاني الحركة الرومانسية وأشهر روادها ونقادها وهي‬
‫التي امتدت تقريبا حتى ثالثينات القرن التاسع عشر‪ ،‬لكن في ذات الوقت كان‬
‫هناك أدباء آخرون ون ّقاد لم يكونوا رومانسيني أو وقفوا بالضد من هذه‬
‫الرومانسية‪ ،‬وشهد هذا القرن في آخره الوصول إلى ذروة القومية التي صعدت‬
‫شيئا فشيئا في هذا القرن وكان لها تأثيراتها على اآلداب القومية‪ ،‬وإعالء الروح‬
‫الوطنية‪ ،‬والذاتية األممية‪ ،‬والتأكيد على قيمة الرواية التي تتناول القضايا‬
‫االجتماعية أو الواقعية االجتماعية كما لدى بيلنسكي في األدب الروسي‪ ،‬وكان‬
‫من أبرز الحركات األدبية التي ظهرت في هذا القرن الواقعية )ال تجعلوا األشياء‬
‫أفضل مما هي عليه لكن ال تجعلوها أسوأ كما يقول الناقد الفرنسي سانت‪-‬‬
‫بوف‪ ،(.‬والرمزية‪ ،‬والنزعة الصورية الكلية )دعوة إلى الدين االنفعالي الحدسي‬
‫غير القطعي الذي يبحث عن تعزيز فلسفي بقدر ما يحتاج إلى فلسفة اإليمان‬
‫كما يعرفها ويليك(‪ ،‬والكالسيكية الرومانسية )فضائل االعتدال والتنظيم والكلية‬
‫والحس الحسن هي محورية في قائمة أفضلياته‪ ،‬ومحاولة التوفيق ما بني‬
‫العقالنية التنويرية والعاطفة والنزعة االنفعالية‪ ،(.‬وعداء الرومانسية )كما عند‬
‫الناقد األملاني أرنولد روج الذي وصف الرومانسية بأنها هي الال مسؤولية‪،‬‬
‫والخيال‪ ،‬واالنغماس في التأمل‪ ،‬االنغماس في الحلم‪ ،‬االنغماس في الرغبة‬
‫املرادة املتركزة حول الذات‪ ،‬إنها العالم مقلوبا رأسا على عقب‪
.‬‬

‫‪21 of 11‬‬
‫يتوسع ويليك في كتابه في تناول أبرز النقاد على حدة وطرح رؤاهم النقدية‬
‫وآرائهم في األعمال املعاصرة والسابقة لهم‪ ،‬األسلوب الذي يجعل الكتاب فصوال‬
‫منفصلة بعضها عن بعض وتحولها إلى بحوث في دراسات استعراضية للحركات‬
‫النقدية والنقاد‪ .‬ليقف القارئ فيها على عدد كبير من اآلراء والرؤى النقدية األدبية‬
‫التي تشكلت‪ ،‬والتي كانت أغلبها قائمة على ذات الناقد أحيانا أو تأثره بالن ّقاد‬
‫وآراء السابقني له‪ ،‬لكن ال يمكن اإلقرار إال للقلة ممن تحدث عنهم ويليك بأن لديهم‬
‫رؤاهم ومناهجهم النقدية كما لدى سانت‪-‬بوف وبيلنسكي‪ ،‬أو أصحاب رؤى أدبية‬
‫غير متبلورة بالكامل كما لدى ماركس وأنجلز‪ ،‬في حني عند آخرين تجد أنها آراء‬
‫تعتمد على الفهم الخاص والتحليل الشخصي املعتمد على القراءات واإلدراك‬
‫ملفهوم األدب والفن ودورهما في تغيير املجتمع أو تصويره أو االنبعاث منه فيقول‬
‫رسكني على سبيل املثال في كتاب "محاضرات عن الفن" محددا غرض الفن بأنه‬
‫‪ -1‬فرض الدين على الناس‪ -2 .‬تحسني حالتهم األخالقية‪ -3 .‬تقديم خدمة مادية‬
‫لهم‪ ،.‬كما تبرز بصورة واضحة الكتابات النقدية لبعض النقاد ومحاولتهم في‬
‫تعريف النقد كما يقول سانت‪-‬بوف "إن فن النقد يتألف من معرفة كيف نقرأ‬
‫مؤ َّلفًا قراءة مشروعة‪ ،‬وتعليم اآلخرين كيف يقرأونه بالطريقة عينها"‪ ،‬وتبيني مهمة‬
‫الناقد كـ "أن يكون الناقد الحقيقي سابقا للجمهور يوجهه ويرشده"‪ ،‬و"أن الناقد‬
‫ليس سوى إنسان يعرف كيف يقرأ ويعلم اآلخرين القراءة أيضا"‪
.‬‬
‫شرعت في بدايات النقد األدبي األوروبي‬ ‫هذا وأكثر يرسم لنا الطرق التي ُ‬
‫الحديث وما نتج عنها من حركات فرعية أو جديدة‪ ،‬والتي دائما ما تقوم على نقد‬
‫القديم وتجديده أو حتى الثورة عليه‪ ،‬وفي األساس فإن النقد قائم على اإلنتاجات‬
‫األدبية للشعراء واملسرحيني والرواة‪ ،‬ففهم هذه الحركات النقدية ال بد أن يسبقه‬
‫قراءة وسبر غور هذه األعمال ومواضيعها املعالِجة أو املطروحة‪ ،‬لتبرز لنا أهمية‬
‫النقد كمصفاة تغربل األعمال مخلصة األدب من األنواع الرديئة ورافعة األعمال‬
‫الجيدة‪ ،‬لكن هذا غير مضمون دائما‪ ،‬فاملعايير النقدية هي معايير شخصية‬
‫وذاتية وال يعني أبدا أنها معايير فوقية أو راسخة أو حتى صالحة لكل مرحلة‬

‫‪21 of 12‬‬
‫أدبية‪ ،‬لكن بذات الوقت ال بد للناقد أن يكون مطلعا ومتمما للحركات التي سبقته‬
‫بدون ضرورة االلتزام بها أو الثورة عليها‪ ،‬كما في الرومانسية الكالسيكية التي‬
‫حاولت التوفيق بني االثنني‪
.‬‬
‫****

‫الكتاب الرابع

‫أواخر القرن التاسع عشر‪
.‬‬
‫القسم األول‪
.‬‬
‫أنهى ويليك بكتابه الرابع عن تاريخ النقد األدبي الحديث )مع تحفظي على هذا‬
‫االسم كما ذكرت في مراجعات الكتب الثالثة األولى( دراسة أعالم النقد األدبي‬
‫الحديث الذي ابتدأه منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر والحركة‬
‫الكالسيكية الجديدة إلى نهاية القرن التاسع عشر مع رسوخ بعض املذاهب‬
‫األدبية الحديثة كالطبيعية والواقعية واالنطباعية‪
.‬‬
‫هذا الكتاب الذي كان مقررا أن يكون الكتاب األخير لويليك حول تأريخ النقد‬
‫وسع دراسته الح ًقا لتشمل النصف األول من القرن‬ ‫األدبي الحديث إال أنه ّ‬
‫ومقسمة إلى النقد اإلنجليزي‪ ،‬واألمريكي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العشرين موزّعة في أربعة كتب أخرى‬
‫في الكتابني الخامس والسادس على حدة‪ ،‬والنقد األملاني والروسي وأوربا‬
‫الشرقية في كتابه السابع‪ ،‬والفرنسي واإليطالي واإلسباني في الكتاب األخير‪.‬‬
‫نُشر الجزءان الخامس والسادس‪ ،‬ولم ينشر بعد الجزءان األخيران بالعربية‪
.‬‬
‫وبالعودة إلى الكتاب الرابع الختامي لحقبة أدبية مهمة استمرت لقرن ونصف‬
‫تحددت فيها الكثير من املالمح األدبية والنقدية سواء في الشعر أو املسرح أو‬
‫الرواية‪ ،‬والتي ابتدأت بشكل حركات بارزة لها أعالمها كما في الكالسيكية‬
‫الجديدة والرومانسية وانتهت ببروز ن ّقاد أكثر من بروز حركات أدبية شاملة‪،‬‬
‫وكذلك في صعود حركات أدبية بفضل كتّاب معينني كما الحال مع بلزاك وفلوبير‬
‫والنزعة الواقعية‪ ،‬وزوال والنزعة الطبيعية‪ ،‬وإمرسون النزعة الصورية الكلية‪ ،‬وكذلك‬
‫بفضل ن ّقاد معينني كما الحال مع سانت‪-‬بوف في فرنسا‪ ،‬وهيبوليت تني في‬

‫‪21 of 13‬‬
‫إنجلترا‪ ،‬ودي سنجتنيس في إيطاليا‪ ،‬وبلينسكي في روسيا‪ ،‬والروائي والناقد‬
‫هنري جيمس كأبرز ن ّقاد الرواية في أمريكا في النصف الثاني من القرن‬
‫التاسع عشر‪
.‬‬
‫يكمل الكتاب الرابع ما ابتدأه في الكتاب الثالث في دراسة الحركة األدبية التي‬
‫رافقت وتلت الحركة الرومانسية في اآلداب األوروبية واألمريكية‪ ،‬في فرنسا‬
‫وإيطاليا وإنجلترا وأمريكا‪
.‬‬
‫ما يميز هذا الكتاب هو تسليط الضوء بشكل أكبر على الرواية التي لم تنل حتى‬
‫هذا الكتاب االهتمام الكافي إذ يكاد النقد ينحصر على الشعر واملسرح والنقد‬
‫األدبي وترسيم مالمح النقد واآلراء النقدية العامة واملذاهب النقدية وأعالمها‪،‬‬
‫ومفاهيم النقد وعالقتها بعلم الجمال في الكتب السابقة‪ ،‬لذا فقد ابتدأ الكتاب‬
‫بتناول أعالم الرواية الفرنسية في القرن التاسع عشر من فلوبير وبلزاك والنزعة‬
‫الواقعية لديهم‪ ،‬وغي دي موباسان‪ ،‬وإميل زوال صاحب النزعة الطبيعية‪ ،‬لكن هذا‬
‫التناول لهم كونهم ن ّقادا أو أصحاب رؤى وتعليقات نقدية أكثر من تناولهم روائيني‬
‫وعرض رواياتهم نقديا‪ ،‬في حني ينتهي الكتاب بدراسة مفصلة ومهمة للروائي‬
‫والناقد األمريكي هنري جيمس أحد املؤسسني للرواية الحديثة التي ذاع صيتها‬
‫في بواكير القرن العشرين وبلغت في هذا القرن أوجها حتى العقد القرمزي‬
‫الذي أصاب أوروبا وأشاع بعدها ثورة جديدة في عالم األدب عموما والرواية‬
‫خصوصا‪
.‬‬
‫كان هذا الكتاب أكثر الكتب أكاديمية من بني الكتب األربعة األولى‪ ،‬وال يسعني‬
‫الوصاية بقرائته كامال بسوى اختيار من درسهم من الن ّقاد بشكل فردي للقراءة‬
‫االنتقائية‪ ،‬فالكتاب سيبقى مرجعا أكاديميا مهما للدارس للنقد والتاريخ األدبي‬
‫ولن ينفع القارئ غير املتخصص كثيرا إال في بعض الفصول كاألول واألخير‬
‫املتعلق بالرواية‪
.‬‬

‫‪21 of 14‬‬
‫وأحب أن أشير إلى نقاط تخص هذه الكتب األربعة )باستثناء القسم الثاني من‬
‫الكتاب الرابع ألني لم أحصل عليه( التي عرضت تاريخ النقد األدبي في مدة‬
‫تتراوح ما بني ‪
:1750 - 1900‬‬

‫‪ -‬تتناول الكتب النقاد األفراد أكثر مما تتناول حركات نقدية بالدرس والفحص ثم‬
‫التعريج على أبرز أعالمها‪ ،‬األمر الذي دفعني إلى عدم قبول العنوان الذي‬
‫تمحور حول أعالم النقد األوروبي الحديث ال النقد األوروبي‪ ،‬وهنا ال بد من‬
‫التفريق ما بني أفكار األفراد وفكر الحركات‪ ،‬إذ األولى تحمل مناهج فردية خاصة‬
‫وغير محددة بسياقات معينة عكس الثانية التي تبرز فيها سياقات خاصة من‬
‫خالل تناول الخطوط العامة للحركات النقدية املوزعة في مدد زمنية متباينة أو‬
‫متداخلة وهذه وظيفة الكاتب في عرض مادته بشكل يؤرخ الحركة النقدية األدبية‪
.‬‬

‫‪ -‬ر ّكزت الكتب بشكل بارز على الشعر والنقد )فهم ماهية النقد في ذاته(‬
‫واملسرحية واملالحم الشعرية الكالسيكية والحركات األدبية التي ضمتهم‪ ،‬ولم تنل‬
‫الرواية حظا وافرا من الدراسة بما يجعل مالحظة استفهام حول هذا املوضوع‬
‫دون أن ننسى أن الرواية ملّا تأخذ استحقاقها بعد حينئذ رغم بداياتها التي تعود‬
‫إلى منتصف القرن السابع عشر في إسبانيا مع رواية دون كيخوته لسرفانتس‪،‬‬
‫وكذلك صعودها بشكل الفت في القرن التاسع عشر في فرنسا وإنجلترا وأملانيا‪
.‬‬

‫غياب كامل للنقد اإلسباني‪ ،‬ولم يظهر النقد الروسي إال عصر التحول في‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬‬
‫القرن التاسع عشر عبر تناوله لبلينسكي‪ ،‬األمر الذي يمكن تقبله نظرا الزدهار‬
‫األدب الروسي في القرن التاسع عشر‪ ،‬وبالكاد يمكننا تحديد سمات لألدب‬
‫الروسي قبل هذا القرن بل وقبل الشاعر بوشكني الذي به ابتدأ األدب الروسي‬
‫فعال‪ ،‬في حني كانت املراحل التي سبقته هي مراحلة طفولية ليس لها ثقل يذكر‬
‫إذا ما ُقوبلت مع فرنسا وأملانيا وإنجلترا الدول الثالث التي مثّلت محور وعماد‬
‫الكتب مع دور ثانوي للنقد اإليطالي الذي له حمولته الثقيلة ال سيما في عصر‬

‫‪21 of 15‬‬
‫النهضة منذ انطالقته في القرن الثالث عشر وأعالمه اإليطاليني أبناء فلورنسا‬
‫كدانتي وبوكاشيو‪ .‬وهو ذات األمر الذي حباني بالقول أن هذا التاريخ للنقد هو‬
‫تاريخ النقد األوروبي بل ويمكن حصره في دول فرنسا ‪ -‬أملانيا ‪ -‬إنجلترا ‪-‬‬
‫إيطاليا وال سيما الثالث األُول التي كانت مركز العالم الجديد املتطور في األلفية‬
‫الثانية‪
.‬‬

‫‪ -‬الكتب األربعة ال تكتمل فائدتها دون االطالع السابق ملؤلفات من تناولهم ويليك‬
‫في دراسته وتعليقاته وشروحه وتقديمه لهم‪ ،‬املسألة التي تدعو القارئ إلكبار‬
‫وإجالل هذه القابلية الفذة والعقلية املوسوعية التي استطاعت إنجاز هكذا‬
‫مشروع عظيم وضخم ج ًدا‪
.‬‬

‫‪ -‬ما الذي يمكن أن يخرج به القارئ غير املتخصص من قراءة كتب كهذه؟ أما‬
‫أنا فأقرأ النقد األدبي لتوسيع مداركي النقدية والوقوف على أكبر عدد ممكن‬
‫الرؤى النقدية وفهم املذاهب األدبية مما يساعدني على تشكيل وبناء رؤية نقدية‬
‫خاصة لن تكتمل دون البدء من بواكير النقاد واألعمال النقدية‪ ،‬وقراءة املناهج‬
‫الفكرية واألدبية واألسلوبية املتبعة في النقد وصوال إلى يومنا املعاصر‪
.‬‬
‫هل سيخرج غير املهتم بالنقد من هذه الكتب؟ مبدئيا ال أعتقد أن غير املهتم‬
‫بالنقد سيمد يديه إلى هذه الكتب‪ ،‬لذلك فهو سلفا لن يقرأها‪ ،‬أما إن كان يحب‬
‫االطالع من باب الفضول‪ ،‬فال أظنه سيملك النَفَس الطويل واملطاولة لقراءة الكثير‬
‫من الصفحات التي ال يخرج من فائدة ملموسة أكثر من قراءته آراء عن أعمال‬
‫في املقام األول هي قديمة جدا ال تُقرأ اليوم‪ ،‬والثاني أنها آراء ذات طبيعة‬
‫مدرسية وكالسيكية جدا مما يتنافى مع عقلية القارئ املعاصر‪ ،‬والثالث أنها قراءة‬
‫فكرية جافة وأكاديمية من الوارد جدا أن زمنها قد و ّلى ولم يتبقَ لها دور في عالم‬
‫األدب اليوم‪
.‬‬


‫***

‫‪21 of 16‬‬
‫الكتاب الخامس


‬ ‫النقد األدبي اإلنجليزي )‪(1950-1900‬‬

‫نهجا مغايرا عن‬ ‫يفتتح ويليك النصف الثاني من موسوعته األدبية التي نهج فيها ً‬
‫الكتب األربعة األولى من جانبني‪ ،‬األول هو في دراسته نقد كل بلد على حدة‪،‬‬
‫فهذا الكتاب هو مخصص ألعالم النقد اإلنجليزي في النصف األول من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬وكذا الحال مع الكتاب السادس مع النقد األمريكي‪ ،‬وهكذا تواليا كما‬
‫أشرت في مراجعاتي السابقة‪ ،‬والجانب الثاني في توزيعه األعالم النقدية ضمن‬
‫حركاتهم التي اشتهروا بها‪ ،‬فالكتاب مقسم إلى الحركة الرمزية وأعالمها وأبرزهم‬
‫ييتس‪ ،‬والنقد األدبي األكاديمي اإلنجليزي وهو دراسة عن بدايات النقد‬
‫األكاديمي املؤسساتي اإلنجليزي‪ ،‬والحركة الرومانسية الجديدة وعلى رأسها‬
‫الروائي د‪ .‬هـ‪ .‬لورانس‪ ،‬وجماعة بلومزبري ومن بينهم الروائية فرجينيا وولف‪،‬‬
‫واملبتكرون وعلى رأسهم إزرا باوند‪ ،‬وينهيه بدراسات عن ن ّقاد متفردين بنظرياتهم‬
‫األدبية ودراستهم النقدية وأبرزهم ت‪ .‬س‪ .‬إليوت‪
.‬‬
‫أما فيما يخص تناوله لهؤالء النقاد واستعراض آرائهم وتعليقاتهم ونظرياتهم‬
‫النقدية فلم يتغير عن أسلوبه السابق‪ ،‬لكن الفصول والن ّقاد يبدون أكثر ترابطا‬
‫َ‬
‫أفضل في‬ ‫فهما‬
‫وتواصال‪ ،‬وهو ما يمنح نوع من التتابعية والتسلسلية التي تمنح ً‬
‫العرض النقدي عكس الكتب السابقة‪
.‬‬
‫إ َّن النقد اإلنجليزي في النصف الثاني من القرن العشرين بأعالمه الذين كان‬
‫أكثرهم من الشعراء املعروض في الكتاب‪ -‬يجعل من الكتاب مرجعا توثيقيا‬
‫وتأكيديا لهذا الناقد أو ذلك يستفيد منه الدارس أو الباحث األكاديمي من نقاط‬
‫معينة أو من الدراسة كلية مصدرا ينوه به أو يعود إليه عند الحاجة‪
.‬‬
‫وبعد قراءة خمسة كتب من هذه املوسوعة بت متيقنًا من رأيي بأن هذه الدراسة‬
‫وال سيما في الكتب الثالثة والرابعة وصاعدا هي دراسات أكاديمية مرجعية‬
‫وليست باملؤلفات التي ينتفع منها القارئ العادي أو غير املتخصص‪ ،‬فهي مكتوبة‬

‫‪21 of 17‬‬
‫لطبقة خاصة من القراء‪ ،‬األمر الذي يجعل منها ذات قيمة معرفية ونقدية لكن‬
‫ليست للجميع أو حتى ملن هو غير متخصص أو الدارس األكاديمي‪
.‬‬
‫في تقديمه لهذا الكتاب‪ ،‬أجاب ويليك عن تساؤالت أو مالحظات كنت قد أشرت‬
‫إليها عن الكتب األربعة األولى‪ ،‬وبعضها يطرحها ويليك يفسر فيها محتوى كتبه‬
‫أو املنهاج الذي اتبعه‪ ،‬فمثال عن دراسته النقاد ال الحركات األدبية يقول‪:‬‬
‫"وتجميع النقاد ينبع من قناعتي بأن التيارات الفردية التي تأخذ املبادرة وليس‬
‫التيارات الجمعية‪ -‬هي التي تهم النقد‪ ،‬وال يجب أن ُينظر للنقاد إطالقا على أنهم‬
‫مجرد ’حاالت‘‪ .‬إن تصوير النقاد والصور الجانبية العقلية لهم‪ ،‬واإلحساس‬
‫بالتيارات والظروف املختلفة تشكل م ًعا التاريخ"‪
.‬‬
‫ويقول أيضا في هذا الباب في موضع آخر‪" :‬وهناك نقطة يجب تأكيدها‪ :‬إنني‬
‫أركز تركيزا حادا على النقد األدبي لشخوص وال أناقش ‪-‬وال أستطيع أن أناقش‪-‬‬
‫وأبني أهميتهم في تاريخ الشعر أو الكتابة الروائية والفلسفة‪،‬‬ ‫عملهم الكلي‪ّ ،‬‬
‫فالكتاب سيصبح مرهقا إذا اهتممت بشعر ييتس‪ ،‬وبوند‪ ،‬وإليوت وروايات‬
‫فرجينيا وولف‪ ،‬ود‪ .‬هـ‪ .‬لورانس‪ ،‬إلخ"‪
.‬‬
‫أما فيما يخص الترتيب فيقول مكمال حديثه السابق‪" :‬لكن الترتيب ال يمكن أن‬
‫يكون جدليا أو تطوريا باملعنى الدقيق‪ ،‬فكلما درست موقف عصر بعينه تجنبت‬
‫الشعارات والتعميمات السهلة‪ .‬وإنني أثق أنه في تخطيط املجال أستطيع أن‬
‫أدلي ببيان عن مجاله واتساعه على غرار ما يفعله ماسح األراضي باستخدام‬
‫حساب املثلثات…

‫إنني وأنا أنظم هذه املجلدات كان لدي في عقلي تعاقب الوقائع املتاحة املؤكدة‪،‬‬
‫وهناك تاريخ لألحداث متميز تماما عن تاريخ األفكار‪ .‬إن النقاد يولدون ويموتون‬
‫في سنوات معينة‪ ،‬والكتب واملقاالت تنشر في تواريخ محددة‪ ،‬لكن محاولة ترتيبها‬
‫سرعان ما يكتشف املرء أن فكرة تتابع خالص للنقاد والتيارات النقدية أبعد ما‬
‫تكون عن الوضوح…

‫‪21 of 18‬‬
‫إن الترتيب التعاقبي لهذه الكتب هو ترتيب تقريبي ويتحدد على نحو فج بتتابع‬
‫الكتب الرئيسة‪ ،‬ولكن تحديد الكتب أو األقوال الرئيسة يتم وفق اختيار يتحدد‬
‫بطريقة "بعدية" بعد وقوعها"‪
.‬‬
‫وينهي املدخل لكتابه هذا بقوله‪ :‬إن العالم سيكون أكثر فقرا بشكل ال يمكن‬
‫تصوره بدون األدب‪ ،‬واألدب ‪-‬بدوره‪ -‬يحتاج إلى فهم‪ ،‬يحتاج إلى غربلة وإصدار‬
‫حكم من جانب النقد‪
.‬‬

‫***

‫مالحظات‪
:‬‬

‫يميز غوته بني النقد الهدام واملثمر قائال‪


:‬‬

‫ٌ‬
‫سهل‪ ،‬فال يحتاج اإلنسان إال طرح معيار تخيلي أو أنموذج ما‬ ‫إن النقد الهدام‬
‫مهما يكن سخيفا‪ ،‬ثم يؤكد أن العمل الفني موضع النظر ال ينطبق عليه هذا‬
‫املعيار‪ ،‬ثم فإن العمل ال قيمة له‪ ،‬ويحرر الناقد نفسه من شكر الفنان‪
.‬‬

‫والنقد املثمر أصعب بكثير‪ :‬فهو يسأل‪ :‬في أي شيء شرع املؤلف أن يفعله؟ هل‬
‫كانت خطته معقولة ومقبولة؟ وإلى أي مدى نجح في تنفيذها؟ فإذا تمت اإلجابة‬
‫عن هذه األسئلة ببصيرة وتعاطف‪ ،‬فإننا نكون عونا حقيقيا للمؤلف في أعماله‬
‫القادمة‪
.‬‬



‫يقول فولتير‪
:‬‬
‫إن الشعر الذي ال يقول مزيدا وأفضل وأسرع من النثر يمكننا أن نقول عنه إنه‬
‫نظم سيئ‪
.‬‬

‫‪21 of 19‬‬
‫يقول فولتير‪
:‬‬
‫إن القافية ليست قيدا‪ ،‬بل هي باألحرى ترغم الشاعر على أن يفكر دقة أكبر وأن‬
‫يعبر عن نفسه بصواب أشد‪
.‬‬
‫"ال تعتقدوا أنكم تعرفون الشعراء من الترجمات‪ ،‬هذا يشبه رغبتكم في رؤية ألوان‬
‫اللوحة في النقش"‪
.‬‬

‫يقول ورودزورث‪
:‬‬
‫ألفت قصيدك عن املوت عقب فقد لصديقك أو صديقتك؟ ال‪ ...‬عندما يولي‬ ‫َ‬ ‫هل‬
‫األلم‪ ،‬وعندما تفتر الحساسية‪ ،‬وعندما يتباعد املرد عن الكارثة‪ ،‬وعندما تهدأ‬
‫النفس‪ ،‬وعندما يستعيد السعادة املاضية‪ ...‬عندما تتوحد الذاكرة مع الخيال‪،‬‬
‫يمكن لإلنسان أن يتكلم على نحو رائع‪
.‬‬
‫ويقول إن املرء يبكي‪ ،‬لكن ال يعود اإلنسان يبكي عندما يطارد شيئا مدهشا‬
‫يتمناه‪ ...‬عندما يكون اإلنسان مشغوال بجعل النظم متناغما‪ ،‬عندما تتدفق‬
‫الدموع‪ ،‬يسقط القلم من يد اإلنسان‪ ،‬ويستسلم للشعور‪ ،‬ويتوقف عن التأليف"‪
.‬‬

‫يقول شيلر‪ :‬على الشاعر أن يحذر من أن يتغنى "بأمله وسط األلم" وعليه أن‬
‫يكتب من الذاكرة األكثر هدوءا واألكثر تباعدا وليس من االنفعال اآلني على‬
‫اإلطالق‪،‬يجب أن يصبح غريبا عن نفسه‪ ،‬يةب أن يحرر موضوع توهجه من‬
‫فرديته‪
.‬‬

‫يقول شلجل‪ :‬لكي تكون قادرا على أن تصف شيئا على نحو حسن عليك أن تكف‬
‫عن أن تكون شغوفا به‪
.‬‬

‫‪21 of 20‬‬
‫يقول شوبنهاور‪
:‬‬
‫في الشعر يكون املفهوم ماديا‪ ،‬املعطى مباشرة‪ ،‬ومهمة الشاعر استخالص‬
‫املعنى العيني‪ ،‬املرئي من اللغة املكونة من الكليات‪ .‬وغلى الشاعر أن يربظ‬
‫املفاهيم التي تعطيها اللغة على نحو بحيث يجعل مجاالتها تتداخل‪ ،‬وال يظل ٌّ‬
‫أي‬
‫منها داخل صفته التجريدية‪ .‬إن الشعر هو استخالص العيني والفردي من‬
‫العام‪ .‬أما الوسائل واألحابيل لتحقيق هذه الغاية‪ :‬الكنايات‪ ،‬واالستعارات‪،‬‬
‫والتشبيهات‪ ،‬واألمثال واملجازات‪
.‬‬

‫إن القافية تفيد رابط ًة‪ ،‬إنها تبعث على االتفاق بقوة وهي وتوحي بأن الفكرة التي‬
‫عبّر عنها الشاعر هي مقدرة ومؤداة في اللغة ثم فهي حقيقية إن جاز لنا القول‪.‬‬
‫والصوت بصفة عامة مهم فهو يوحي بأن اللغة الشعرية ليست مجرد إشارة على‬
‫شيء مشا ٍر إليه في عالقة الواحد بالواحد إلى الشيء كما في اللغة العادية بل‬
‫هي هناك لذاتها‪
.‬‬
‫ولهذا فإن شوبنهاور يرى أن الشعر ال يمكن ترجمته‪
.‬‬

‫الشعراء هم الحاملون أو األطفال أو في األقل الشبان‪


.‬‬
‫ويرى أن موهبة الشعر مقصورة على مرحلة الشباب‪
.‬‬

‫يقلل هيجل باتساق من بنية الشعر القوية غلى أنها "تخارج عارض" ويقرر أن‬
‫السطح الجمالط لألدب ليس اللغة بل "العرض الباطني والحدس ذاته"‪ .‬والعنصر‬
‫اللغوي ليس سوى وسيلة بصرف النظر عن العنصر الشعري الحق‪ .‬والشعر‬
‫يمكن ‪-‬دون ضرر جوهري لقيمته‪ -‬أن ُيترجم إلى لغة أخرى وينقل من النظم إلى‬
‫النثر‪ ،‬ثم ينقل إلى عالقات صوتية مختلفة تماما‪ .‬وهكذا فإن الشعر الشعر ‪-‬في‬
‫معظم أجزائه الجوهرية‪ -‬ينتهي في العقل وماهيته تحمل إلى الوعي بدون حدس‬
‫حسي ودون قبول لإلذن‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪21 of 21‬‬

You might also like