You are on page 1of 63

‫‪3‬‬

‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫ان‬ ‫الن َّ ِذ ُ‬
‫ير ا ْل ُع ْر َي ُ‬
‫ِنا َمثَلِي َو َمثَ ُل َما‬ ‫وسى ‪َ ‬عنِ ال َّن ِب ِّي ‪َ ،‬قا َل‪« :‬إ مَّ َ‬ ‫َع ْن‪ ‬أَبِي ُم َ‬
‫بَ َعثَنِي اللَّ ُه ِبهِ َك َمثَلِ َر ُج ٍل أَتَى َق ْو ًما‪َ ،‬ف َقا َل‪ :‬يَا َق ْو ِم‪ِ ،‬إ ِّني َرأَيْ ُت جْ َ‬
‫اليْ َ‬
‫ش ِب َعيْن ََّي‪،‬‬
‫لوا‪َ ،‬فانْ َطلَقُوا‬ ‫َو ِإ ِّني أَنَا النَّذِ ي ُر الْ ُع ْريَا ُن‪َ ،‬فالن ََّجا َء َف َأ َط َ‬
‫اع ُه َطا ِئ َف ٌة مِ ْن َق ْومِ هِ ‪َ ،‬ف َأ ْد جَ ُ‬
‫ص َب ُحوا َم َكانَ ُه ْم‪َ ،‬ف َ‬
‫ص َّب َح ُه ُم جْ َ‬
‫اليْ ُ‬
‫ش‪،‬‬ ‫َعلَى َم َهلِهِ ْم‪َ ،‬فن ََج ْوا َو َك َّذبَ ْت َطا ِئ َف ٌة مِ نْ ُه ْم‪َ ،‬ف َأ ْ‬
‫صانِي‬‫اعنِي‪َ ،‬فا َّت َب َع َما ِجئْ ُت ِبهِ َو َمثَ ُل َم ْن َع َ‬ ‫ِك َمثَ ُل َم ْن أَ َط َ‬ ‫َاح ُه ْم َف َذل َ‬
‫اجت َ‬ ‫َف َأ ْهل َ َك ُه ْم َو ْ‬
‫َو َك َّذ َب مِ َ‬
‫با ِجئْ ُت ِبهِ مِ َن حْ َ‬
‫ال ِّق»(‪.)1‬‬

‫■ ■قصة هذا املثل‪:‬‬

‫يقول الزبيدي (في تاج العروس)‪ :‬إن أول من قال‪ :‬أنا النذير العريان هو‪ ‬زبير‬
‫اخلثعمي‪ ،‬وهو القول الذي صار مثال عند العرب بعد ذلك‪.‬‬
‫ويقول ابن منظور (في لسان العرب)‪ :‬من أمثال العرب في اإلنذار قولهم‬
‫أنا النذير العريان‪.‬‬
‫وقيل إن أصل املثل لرجل من خثعم يقال له زنير أو زبير بن عمرو اخلثعمي‪،‬‬
‫سلبه العدو ثوبه وقطعوا يده‪ ،‬فانطلق إلى قومه نذي ًرا على تلك احلال‪.‬‬

‫■■■‬

‫((( صحيح البخاري (‪.)7283‬‬


‫‪4‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫املقدمة‬
‫ور أَنْف ُِسنَا‪،‬‬ ‫ال ْم َد ِللَّهِ نَ ْح َم ُدهُ‪َ ،‬ونَ ْستَعِ ينُ ُه‪َ ،‬ونَ ْستَغْفِ ُرهُ‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاللَّهِ مِ ْن ُش ُر ِ‬
‫إ َن حْ َ‬
‫ض ِل ْل َفلاَ َهادِ َي لَ ُه‪،‬‬ ‫ات أَ ْع َما ِلنَا‪َ ،‬م ْن يَ ْهدِ ِه اللَّ ُه َفلاَ ُم ِض َّل لَ ُه‪َ ،‬و َم ْن يُ ْ‬ ‫َومِ ْن َس ِّيئَ ِ‬
‫يك لَ ُه‪َ ،‬وأَ َّن ُم َح َّم ًدا َعبْ ُدهُ َو َر ُسولُ ُه‪.‬‬
‫َوأَ ْش َه ُد أَ ْن اَل ِإلَ َه إ اَِّل اللَّ ُه َو ْح َدهُ اَل َش ِر َ‬

‫﴿ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﴾(‪.)1‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾(‪.)2‬‬
‫﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾(‪.)3‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫فال يخفى عليك أيها القارئ الكرمي‪ ،‬أن القرآن الكرمي لم يعتمد أسلوباً‬
‫واحداً إليصال رسالته إلى الناس‪ ،‬بل تعددت أساليبه وتنوعت‪ ،‬فهو حيناً يعتمد‬
‫أسلوب احلوار‪ ،‬وحيناً آخر يعتمد أسلوب ضرب املثل‪ ،‬وأسلوب القصة من‬
‫األساليب التي اعتنى القرآن الكرمي بها عناية خاصة؛ وليس ذلك بغريب؛ ألن‬
‫القصة منذ القدم مهوى القلوب وبغية األسماع ‪.‬‬

‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.)102( :‬‬


‫((( سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.)1( :‬‬
‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪.)71-70( :‬‬
‫‪5‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫بل وأمر الله نبيه ‪ ‬أن يقص القصص لقومه ملا فيها من‬
‫التثبيت ألهل احلق‪ ،‬واالتعاظ واالعتبار ألهل الباطل‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﴾(‪ )1‬وقوله‪ ﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﴾(‪ ،)2‬وقوله‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﴾(‪.)3‬‬
‫ولقد جعلت بني يديك ‪ -‬أيها القارئ الكرمي ‪ -‬جملة من القصص احلقيقية‬
‫ألناس هداهم الله بفضله‪ ،‬وكرمه‪ ،‬ومنته‪ ،‬من الشرك إلى التوحيد‪ ،‬ومن البدعة‬
‫إلى السنة‪ ،‬ومن الضاللة إلى الهدى‪ ،‬ومن الظلمات إلى النور‪ ،‬فتركوا املذهب‬
‫اإلسماعيلي‪ ،‬ودخلوا في مذهب أهل السنة واجلماعة‪ ،‬فوجدوا في دنياهم‬
‫السعادة بعد الشقاوة‪ ،‬والسعة بعد الضيق‪ ،‬والعز بعد الذل‪ ،‬واألنس بعد الوحشة‪،‬‬
‫وسيجدون في أخراهم اجلنة والرحمة واملغفرة بفضل الله وكرمه ومنته‪.‬‬
‫وحتى ال نُتهم بالكذب واالفتراء لتجرد القصص من األسماء!! أقول إن إيراد‬
‫هذه القصص مجردة من أسماء أصحابها ال يعني كذبها واختالقها ‪،‬ألن في‬
‫إخفاءها مصلحة وفي إظهارها مفسدة‪ ،‬ودرء املفاسد مقدم على جلب املصالح‪،‬‬
‫وهذا منهج قرآني ونبوي ففي قصة احلديبية يقول الله تعالى‪ ﴿ :‬ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾(‪.)4‬‬

‫((( سورة هود‪ ،‬اآلية‪.)120( :‬‬


‫((( سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪.)111( :‬‬
‫((( سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪.)176( :‬‬
‫((( سورة الفتح‪ ،‬اآلية‪.)25( :‬‬
‫‪6‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫فمعنى قوله‪ ﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ أي‪:‬‬


‫ولوال رجال مؤمنون مستضعفون ونساء مؤمنات بني أظهر هؤالء الكافرين‬
‫بـ «مكة»‪ ،‬يكتمون إميانهم خيفة على أنفسهم لم تعرفوهم؛ خشية أن تطؤوهم‬
‫بجيشكم فتقتلوهم‪ ،‬فيصيبكم بذلك القتل إثم وعيب وغرامة بغير علم‪ ،‬لكنَّا‬
‫سلَّطناكم عليهم‪ .‬فتأمل كيف أن الله أخفى أسماءهم ولم ينكر عليهم إخفاء‬
‫أسمائهم في مثل هذه احلالة ألن في ذلك مصلحة‪.‬‬
‫وفي قصة موسى مع فرعون قال تعالى‪ ﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾(‪.)1‬‬
‫فتأمل كيف أن الله لم ينكر على هذا الرجل إخفاء اسمه في مثل هذه‬
‫احلالة ألن في ذلك مصلحة ولو أنه أظهر اسمه حلصلت املفسدة بقتله من‬
‫فرعون وقومه وما استطاع أن ينطق باحلق‪.‬‬
‫وأما كتم اإلميان من السنة فاألدلة على ذلك كثير ليس هذا مقام سردها‪،‬‬
‫ومنها زمن الدعوة السرية وكل من آمن فيها من الرجال والنساء والصبيان دليل‬
‫على مصلحة كتم اإلميان ومن ذلك قصة إسالم أبي ذر ‪ ‬قال له الرسول‬
‫يعني (أمر إسالمه)‪ .‬وفيه‬ ‫‪« :‬يا أبا ذر‪ ،‬اكتم هذا األمر»‬
‫(‪)2‬‬

‫دليل على جواز كتم اإلميان ملصلحة أو خشية ضرر ونحو ذلك‪.‬‬

‫((( سورة غافر‪ ،‬اآلية‪.)28( :‬‬


‫((( صحيح البخاري (‪.)3522‬‬
‫‪7‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وال شك أن املصلحة في إخفاء أسماء أصحاب هذه القصص ألنهم في‬


‫حكم املستضعف الذي ال حول له وال قوة أمام من تسلطوا على من وافقهم في‬
‫مذهبهم فكيف مبن فارقهم وخالفهم‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعني وعنا معهم‬
‫برحمتك يا أرحم الراحمني‪ .‬آمني‪.‬‬

‫■■■‬
‫‪8‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫قصص املهتدين‬

‫القصة األوىل‬

‫فهذه أولى القصص التي سأوردها لك ضمن هذه القوافل‪ ،‬والتي أوردها‬
‫صاحبها في إحدى املنتديات (منتدى احلوار مع اإلسماعيلية) لعام ‪1432‬هـ‪،‬‬
‫ال‪ ،‬متأم ً‬
‫ال آليات القرآن الكرمي‪،‬‬ ‫والتي كانت نتيجة ملراجعته لنفسه وقتاً طوي ً‬
‫ومقارناً بها ما ورد في كتب املذهب اإلسماعيلي‪ ،‬والتي وجدها مخالفة لكتاب‬
‫الله عز وجل حيث قال‪:‬‬
‫أيها األخوة جميعاً‪:‬‬
‫السالم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪..................‬‬
‫أعلن هنا وأنا بكامل وعيي وقواي العقلية ‪ ...‬وبنية صادقة وأمل متشبث‬
‫قول قلته‪ ،‬أو حوار أجريته‪ ،‬أو‬
‫بحبل الله الذي ال ينقطع‪ ،‬أعلن براءتي من كل ٍ‬
‫لفظ نشرته‪ ،‬أو عبارة حررتها‪ ،‬كما أبرأ من مذهب اتبعته‪ ،‬ونافحت عنه‪ .‬أعلن‬
‫أمام الله العظيم الكرمي القادر‪ ،‬اإلله الذي آمن به أول خلقه وآخر رسله‪ ،‬وآمنت‬
‫به جميع رسله‪ ،‬وأنبيائه‪ ،‬وأوليائه‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وإنسه‪ ،‬وجنه‪ ،‬وسمائه وأرضه‪،‬‬
‫وشجره وحجره‪ ،‬وبحره وبره‪ ،‬من أمنت به طوعاً وكرها‪ ،‬وأعلن أنني مؤمن بإله‬
‫واحد‪ ،‬ورب واحد‪ ،‬وخالق واحد‪ ،‬من سمى نفسه ‪ -‬الله ‪ -‬ﭓ ﭔ وغيرها‬
‫من األسماء‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وأبرأ من قولي في املبدع‪ ،‬والغيب‪ ،‬واألول‪ ،‬والعقل الكلي‪ ،‬والتالي‪ ،‬والعقول‪،‬‬


‫وألزم نفسي أنني أومن بإله واحد ال شريك له ‪ .....‬هو اإلله العالم‪ ،‬القادر‪،‬‬
‫الرب الرحيم‪ ،‬الغفور‪ ،‬الودود‪ ،‬العظيم‪ ،‬اخلالق‪ ،‬الرازق‪ ،‬احمليي‪ ،‬املميت‪.‬‬
‫ال‪ ،‬من بعد ما ظهرت لي احلقيقة جلية كنور‬‫وأبرأ من كل ما اعتقدت به جه ً‬
‫الشمس‪ ،‬من خالل كثرة قراءتي لكتاب الله‪ ،‬فلم أجد فيه شيئاً مما تشير إليه‬
‫فلسفة وعلوم كتبنا‪ ،‬والتي أبرأ إلى الله من كل ما فيها من مخالفات لكتابه وسنة‬
‫نبيه ‪‬؛ وباخلصوص كتاب راحة العقل‪ ،‬وكنز الولد‪ ،‬وسرائر‬
‫وأسرار النطقاء‪ ،‬وكتاب الهفت‪ ،‬وكتاب الكشف‪ ،‬وأعلن لله عالم السرائر وجلميع‬
‫املسلمني‪ ،‬أنني سلكت طريق األئمة األطهار األبرار األخيار‪ ،‬وعلى رأسهم اإلمام‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬وأبناؤه‪ :‬احلسن‪ ،‬واحلسني‪ ،‬وزين العابدين‪ ،‬ومحمد الباقر‪،‬‬
‫وجعفر الصادق‪ ،‬عليهم السالم جميعاً؛ وإخوانهم‪ :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪،‬‬
‫وصحابة رسول الله ‪‬؛ الذين ترضى الله عليهم في كتابه‬
‫وخصهم بقرآنه ورضوانه‪.‬‬
‫وأبرأ مما قلته في الله العلي القدير‪ ،‬اإلله الواحد الرب الصمد‪ ،‬الذي‬
‫لم يلد ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كفواً أحد‪ ،‬الذي ما انبعث منه شيء ليخلق‪ ،‬وال‬
‫أو ٌل ليحيي ومييت ويرزق‪ ،‬فهو الله كما هو ال أعلم ماهيته‪ ،‬وال كيفيته‪ ،‬سمى‬
‫نفسه بأسماء منها الله الواحد القهار‪ ،‬واإلله والرب‪ ،‬أسماء حسنى وطلب منا‬
‫أن ندعوه بها‪.‬‬
‫وأعاهد ربي وإلهي الواحد األحد‪ ،‬من هذه اللحظة أن أبحث عن‬
‫احلق‪ ،‬الذي وجدت كثيراً من معامله في كتب أهل السنة األوائل‪ ،‬وبعض كتب‬
‫األواخر‪.....‬‬
‫‪10‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وإني إذ أعلن هذا‪ ،‬ألجدد والئي لله‪ ،‬ثم لرسوله ‪ ،‬ثم‬


‫ألئمة الهدى الذين ‪ ‬ورضوا عنه‪ ،‬ولن أقدح فيهم بعد اليوم‪ ،‬وال في‬
‫أمهات املؤمنني‪ ،‬وهذه براءتي أعلنها لكم من هنا‪ ،‬ما جئت إليكم مضطراً وال‬
‫مجبراً‪ ،‬بل قوالً صادقاً أقوله وأنا بكامل قواي العقلية‪ ،‬وباختيار تام وقد ألزمت‬
‫نفسي‪ ،‬أن أكون من الباحثني عن احلق أينما وجد‪ ،‬وأن أتبعه أينما حل‪.‬‬
‫ولقد جتاوزت بفضل الله حدود املمنوع واملسموح في مذهبنا‪ ،‬وقرأت‬
‫أكثر الكتب السرية واجلهرية‪ ،‬وال أنكر أنني أعجبت كثيراً بفلسفتها‪ ،‬وبنظمها‪،‬‬
‫وسبكها وحبكها‪ ،‬ولكني وحني أقرأ‪ ،‬القرآن ال أجد شيئاً مما فيه يشير إليها‪،‬‬
‫فعلمت هنالك أنني محاسب مبا في القرآن‪ ،‬وليس مبا في كتبنا‪ ،‬وأن احلجة‬
‫علي في القرآن وليست في كتبنا‪.‬‬
‫القائمة َّ‬
‫ولقد قرأت القرآن ولله احلمد‪ ،‬وأمتمته في أيام تلت عيد الفطر لهذا العام‬
‫(‪1432‬هـ) وهو سر انقطاعي عن املنتدى وابتعادي عنه‪ ،‬فما وجدت فيه شيئاً‬
‫يحاكي كتبنا‪ ،‬وال عموميات مذهبنا‪ ،‬بل وجدت العكس متاماً‪ ،‬فرأيت أن أتبع‬
‫كتاب الله وأن أترك كتباً ال أعلم من كتبها وال من ألفها أو جمعها وهي كتب‪:‬‬
‫(ال سند وال معرفة بأئمتها‪ ،‬وال بدعاتها من حيث الثقة والعدالة والصدق)‪.‬‬
‫ومن هنا ومن هذا املنبر املبارك أعلن أنني أبرأ من إسماعيليتي‪ ،‬وأني‬
‫ذاهب إلى الله ليهديني‪ ،‬ربي هب لي علماً واجعلني من الصاحلني‪ ،‬اللهم ثبتني‬
‫على ما أردت من احلق وأرني إياه حقاً ألتبعه وأرصده وأسير خلفه وأن ال أميل‬
‫أو أحيد عنه ‪....‬‬
‫اللهم أني مهاجر إليك‪ ،‬فال تتركني بعد أن تركت كتبي التي خالفت قرآنك‬
‫ودالئله وحججه وبراهينه ﴿ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﴾‪ ،‬وألزمت‬
‫‪11‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫نفسي بأن أعانق كتابك وألزمه‪ ،‬وأجالسه ليؤانسني‪ ،‬وأتلوه بقدر استطاعتي‬
‫فثبتني على ذلك‪ ،‬اللهم إني تركت أموراً اشتبهت َّ‬
‫علي فل ُذت بكتابك الكاشف‬
‫للشبهة واملاحق لها ‪.....‬‬
‫اللهم حرم نفسي وجسمي وعقلي النار التي أنكرتها وأنكرت وجودها‬
‫تبعا لهواي‪ ،‬الذي ناله من كتبنا ما ناله‪ ،‬وآمنت بجنتك‪ ،‬ونارك‪ ،‬التي ال أعلم‬
‫ماهيتها إال إشارات مما نزلته في كتابك وكما جاء وصفهما فيه‪.....‬‬
‫اللهم إني آمنت بك إلها ورباً قادراً‪ ،‬محيياً‪ ،‬مميتاً‪ ،‬رازقاً‪ ،‬رحيماً‪ ،‬ما كان‬
‫قبلك شيء‪ ،‬ولن يكون بعدك شيء‪ ،‬أنت كما أنت‪ ،‬ال أعلم ماهيتك‪ ،‬أمرتني أن‬
‫أناديك بأسمائك احلسنى فناديتك أنت ربي وإلهي ‪.....‬‬
‫اللهم حرم على نفسي‪ ،‬وجسمي‪ ،‬وعقلي‪ ،‬النار وأدخلني في عبادك‬
‫الصاحلني‪ ،‬وقربني من نبيك محمد ‪‬؛ وأخيه علي وسبطيه‬
‫وأصحابه الكرام‪ ،‬الذين رضيت عنهم ورضوا عنك ‪ .‬أمني يا الله‪.‬‬

‫■■■‬
‫‪12‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة الثانية‬

‫احلمد لله اللطيف اخلبير‪ ،‬والصالة والسالم على السراج املنير والهادي‬
‫البشير النذير نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعـد‪:‬‬

‫فمنذ أبصرت عيناي النور وبدأت أميز ما حولي كان أبواي ومجتمعي‬
‫الذين حولي يسيرون على بركة الداعي املكرمي‪ ،‬وكنت أذهب مع أبي إلى شيخ‬
‫الطائفة للتبرك به وتقبيل يديه وركبتيه طلباً للشفاعة‪ ،‬وبعداً من غضب الشيخ‬
‫املقدس‪ ،‬الذي بغضبه يغضب الرب في سمائه‪.‬‬

‫وكان أبي وأمي ومجتمعي يحرمون حترمياً قطعياً املساس بشخص الشيخ‬
‫املقدس حتى قيل لي إنه يخشى على املتطاول عليه خروجه من امللة‪.‬‬

‫وكان أبي يأخذ كل عام خراج ماله الذي أدخره من مزرعتنا ليذهب به‬
‫إلى بيت املال‪ ،‬وكان ذلك ال يوافق على دفعها إلى البيت حتى يأذن له الداعي‬
‫املقدس بتقدميها وقبولها مع إعطائه ورقة يضعها معه حتى يدفن وتكون له‬
‫شفيع ًة عند اإلمام الوصي‪.‬‬

‫وكنت أسمع السباب واللعائن تنزل على اليامية (السنة) الذين يسمون‬
‫عندنا (بقوم عائشة) و(أذناب أبي هريرة) و(كالب بني أمية) و(بائعو الدين)‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وكنت أسمع فيهم كالماً الذعاً شديداً جداً جداً جداً حتى إنني قد قيل‬
‫لي أنا ومن معي من أترابي من تالميذ املدرسة الدينية اإلسماعيلية أنهم أشد‬
‫كفراً من اليهود والنصارى‪ ،‬وأي امرئ يتمذهب على مذهبهم من بني قومنا‬
‫فإنه ليس أص ً‬
‫ال من تلك القبيلة ألنه من شواذ اخللق الذين انطووا حتت عباءة‬
‫القبيلة‪ ،‬وأن هذا هو قدر الله سبحانه أنه يخرج من ليس له أصل من الدعوة‬
‫اإلسماعيلية حتى تكون صافية صفاء اللنب لبني قومها اخلادمني‪.‬‬
‫وكنت حني أذهب في الطرقات كنت أعرف صاحب السنة‪ ،‬بطول حليته‬
‫وقصر ثوبه وسواكه الذي في فمه (كما درسنا أنه يأكل احلطب كالتيس)‪.‬‬
‫وملا بلغت سن السابعة أدخلني أبي املدرسة احلكومية وكان معي في‬
‫املدرسة عدد من الطلبة السنة‪ ،‬وكنت أشمئز منهم وكنت أغلظ عليهم وهم‬
‫يبادلوني االبتسامة التي جتعلني أصارع أفكاري التي درسوني إياها منذ نعومة‬
‫أظفاري‪.‬‬
‫والزلت هكذا إلى أن توجهت إلى املرحلة الثانوية حيث بلغت سن الواحدة‬
‫والعشرين فكنت شاباً مراهقاً حيث مت نقلنا إلى محافظة يدمة (‪ 180‬كيلومتراً)‬
‫شمال مدينة جنران وهي إحدى محافظات منطقة جنران‪ ،‬وكنت مشمئزاً من‬
‫هذا النقل التعسفي الذي نقلني من جنران إلى مدينة اليامية السنة وكنت‬
‫أذهب إلى املدرسة من مدينة جنران فجراً وأعود إلى البيت الساعة اخلامسة‬
‫مساء وكان طالب املدرسة جلهم من اليامية السنة وكنت أول األمر ال أخالطهم‬
‫إال في شأن الدراسة‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وبعد ذلك بدأت الرهبة التي متتلكني منهم تذهب مني فعرفت أنهم بشر‬
‫ِ‬
‫صاف‪،‬‬ ‫مثلنا ال يحملون أي ضغينة على أحد‪ ،‬وأنهم ياميون أقحاح ذو نسب‬
‫فأخذت أذهب معهم إلى جميع ما يذهبون إليه من مقناص للصيد ورحالت برية‪.‬‬
‫وكان معنا شباب ملتزمون قد بدأ االلتزام عليهم‪ ،‬وكنت ال أحبهم مما‬
‫درست عنهم‪ ،‬ولكنني أرى هؤالء النفر باألخص أناساً طيبني إلى صورة ال‬
‫يتصورها املرء وكانوا يتالطفون معي وكانوا من قبيلة آل مطلق اليامية‪ ،‬وكانوا‬
‫يتوددون لي حتى بدأ حبهم ميتلك شغاف قلبي فأحببتهم‪ ،‬ولكن مع احلرص‬
‫على مذهبي الذي أعتقده‪.‬‬
‫وكان الشباب امللتزم ميرحون معنا ثم بعد ذلك يقومون بالوليمة ثم‬
‫يأخذون ساعة يتحلقون فيها حلق فيتكلم أعلمهم عن أمور الدين‪ ،‬والدنيا‪،‬‬
‫وأمور اآلخرة‪ ،‬وعقيدة التوحيد‪ ،‬وأن الله ال يحتاج له وسائط من الناس بل الله‬
‫وأن اإلسالم ما أتى إالَّ حملاربة‬
‫غنى عن الوسائط َّ‬
‫قريب منا يسمعنا وهو في ً‬
‫هذه الشركيات ‪ ......‬ألخ‪.‬‬
‫فكان هذا كالم في صميم القلب يتماشى مع فطرتي السليمة فكنت‬
‫أتصارع مع نفسي‪:‬‬
‫ملاذا ال نعبد الله من دون واسطة املكرمي؟‬
‫هل املكرمي وكل على رقابنا‪ ،‬ودنيانا‪ ،‬وآخرتنا؟‬
‫وهل هو إال بشر مثلنا؟‬
‫فما الذي فضله علينا حتى نعطيه أموالنا‪ ،‬ونتعلق به تعلق العبد بربه ؟!‬
‫ملاذا ملاذا ملاذا ؟!!‬
‫‪15‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫فأخذت أصارع نفسي صراعاً مستميتاً فلما أتى آخر العام الدراسي‪ ،‬أقفلت‬
‫راجعاً إلى أهلي فلقيتهم على حالهم من الشرك والضالل وطاعتهم للمكرمي‪،‬‬
‫فكرهت العيش في هذا اجلو الكئيب‪ ،‬ومتنيت أن أرجع إلى محافظة يدمة‪.‬‬
‫وكنت أخبيء صراع نفسي أمام أهلي‪ ،‬وكنت أجاريهم في عبادتهم حتى‬
‫أتى العام الدراسي فذهبت إلى املنطقة الشرقية للدراسة هناك فسعدت‬
‫بذلك؛ البتعادي من جو دجل املكرمي الكئيب‪ ،‬فأتينا مدينة اجلبيل ودرسنا في‬
‫مدرستها الثانوية (مدرسة أم القرى الثانوية باجلبيل) وياللهول من كان معي‬
‫من طلبة جنران!!‬
‫كان ثالثة من األصدقاء األعزاء في محافظة يدمة اثنني من الشباب امللتزم‬
‫من آل مطلق الياميني واآلخر من آل عرجاء ففرحت فرحاً شديداً فالزمتهم‪.‬‬
‫وفي أحد األيام أتاني أحد اإلخوة املطلقيون‪ ،‬وقالوا لي هلم معنا إلى‬
‫مدينة (‪ )....‬لكي ننفس عن أنفسنا جو الدراسة الوخيم فذهبت معهم وكنت‬
‫أنا والثالثة طالب من محافظة يدمة واثنني من قحطان وواحد من عتيبة‬
‫وشمري واحد وثالثة من سبيع‪.‬‬
‫فذهبنا يوم األربعاء وقد عزمنا على قضاء العطلة األسبوعية في هذه‬
‫املدينة‪ ،‬فكنا منشي في أسواقها إذ باملآذن تصدح باألذان فذهب أصدقائي إلى‬
‫املسجد‪ ،‬وأنا ظللت خارجاً حتى خرج من في املسجد ولكن أصدقائي لم يخرجوا‬
‫شاب بهي الوجه يشع‬
‫بعد فدخلت عليهم ألستطلع األمر فإذا بهم متحلقون حول ٍ‬
‫النور من وجهه يتكلم في أمور اإلميان والتوحيد فأتيت وجلست خلف صاحباي‬
‫إلي فتبسما في وجهي مندهشني فابتسمت في وجوههما فأوسعا‬
‫الياميني فنظرا َّ‬
‫لي مكاناً بينهما‪ ،‬فأخذت أستمع إلى كالم ذلك الشاب فكان هذا الشاب يقول‬
‫‪16‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫كالماً يبدد ما في جوفي من هموم‪ ،‬وكان كالم هذا الشاب كالسلسبيل على قلبي‪،‬‬
‫حتى غشاني إحساس غريب ألول مرة أشعر به منذ أن ولدتني أمي أنه شعور‬
‫احلبيس الذي أعتقت رقبته‪ ،‬وشعور املسحور الذي فك عنه سحره‪ ،‬فكان حديث‬
‫الشاب كاملاء البارد على الظمأ‪ ،‬شربت منه حتى ارتويت نعم شربت من معني‬
‫التوحيد حتى تهدقت عروق جسمي باإلميان احلق‪.‬‬

‫فأخذ الشاب الذي عرفت فيما بعد أنه من الشباب القطري الذي بذل‬
‫نفسه للدعوة في سبيل الله‪ ،‬وكان معه ثلة من أترابه أتو معه من بالده‪ ،‬أخذ‬
‫يسألنا واحداً واحداً‪ ،‬عن الذي استفاده من هذا احلديث فكل أدلى بدلوه‬
‫إلي وسألني لم أمتالك نفسي فبدأت بالنحيب فأخذت أنحب‬
‫وشعوره وملا أتى َّ‬
‫وأبكي بكا ًء ضج منه املسجد وكان إخواني زمالء الدراسة ميسحون رأسي‬
‫وظهري ثم بدأ بالدعاء‪.‬‬

‫ومن بعد ذلك انصرف الناس وبقيت أنا وزمالئي والدعاة القطريون‪.‬‬

‫فقال لي الداعية القطري هاه يا محمد ماذا يبكيك؟‬

‫قلت له‪ :‬الذي أبكاني هو معرفتي الدين احلق دين التوحيد ومنهج السلف‬
‫وكأني قد ولدت من جديد وأصبحت حراً ال ميلك رقبتي إال ربي‪ ...‬فعرفته‬
‫بنفسي وع ّرفني بنفسه‪.‬‬

‫وقال أنا أخوك في الدين والنسب (‪ ،.....‬بن‪ ،....‬بن‪.....‬املري) وهؤالء‬


‫إخوانك في اإلسالم فالن وفالن وفالن من الشباب القطري‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫ثم ذهب وذهبت وانصرفت مع أصحابي وأصريت عليهم أن يشتروا لي‬


‫كتب التوحيد فقاموا مأجورين بإهدائي جميع كتب التوحيد ومكثت عليها‬
‫ال ونهاراً حتى ملا أغلقت املدرسة عدت قاف ً‬
‫ال مع أصحابي إلى‬ ‫أدرسها لي ً‬
‫جنران‪....‬‬

‫وهنا رجعت إلى أهلي ومجتمعي بكل جسارة فما بني تافل في وجهي‬
‫وقائل إنك مسحور‪ ،‬وقائل إنك جننت‪ ،‬وإنك كافر‪ ،‬فذهبوا بي إلى الداعي‬
‫املكرمي‪ ،‬فحاول ثنيي‪ ،‬إال أني أبيت‪ ،‬فحاول بكل السبل سحري‪.‬‬

‫ولكن كان معي مايبدد سحرهم ويرده في نحورهم معي كتاب الله وهدي‬
‫نبيه ‪ ،‬فأ َّثرت على أقراني من أبناء عمي فأدخلتهم في الدين‬
‫احلق وأتيت بهم سبعة وأنا معهم إلى املسجد‪ ،‬الذي اهتديت فيه على يد‬
‫الشاب املوحد فكان ولله احلكمة في ذلك أن وجدت صاحبي بعد ثالث سنوات‬
‫من اهتدائي‪ ،‬على يد الشاب القطري (‪ ........‬املري) في املسجد فأتيت إلى‬
‫ال ومظهراً ويقيناً‪.‬‬
‫ال رأسه وقد التزمت شك ً‬
‫الشاب املري معانقاً ومقب ً‬

‫فسألته ألم تعرفني يا شيخ؟‬


‫قال لي‪ :‬ال والله كأنني قد رأيتك‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬أنا صاحبك في هذا املسجد في تلك السنة التي سار معي كذا وكذا‪.‬‬
‫فكبر الداعية القطري واحتضنني وقبل رأسي‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬هؤالء أبناء عمي قد أتيت بهم طائعني لله كافرين باملكرمي‪.‬‬
‫فكبر الداعية القطري وقال لي‪ :‬تصدق أنني ملا ذهبت منك وأخبروني‬
‫‪18‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫أنك ذهبت إلى جنران قلت إنهم سوف يضيقون عليك حتى ترجع في ملتهم‪،‬‬
‫ولكن خاب ظني وصدق إميانك يا فتى‪.‬‬
‫فتعانقنا طوي ً‬
‫ال فذهب كل منا إلى طريقه يدعو إلى الله‪.‬‬

‫■■■‬
‫‪19‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة الثالثة‬
‫(قصة فتاة )‬

‫احلمد لله وحده والصالة والسالم على من ال نبي بعده محمد بن عبدالله‬
‫عليه أفضل الصالة والسالم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً ‪...‬‬
‫في البداية أحب أن أهنئكم بدخول الشهر الكرمي أسأل الله أن يوفقنا‬
‫وإياكم لصيامه وقيامه وأن ال يكون حظنا منه اجلوع و العطش والسهر والتعب‪.‬‬
‫رسالتي أقدمها ألهلنا وأحبابنا إسماعيلية جنران‪ ،‬يام العطاء والكرم والشجاعة‬
‫والنخوة‪ ،‬يام األحرار أن يكون رمضان هذه السنة وقفه صادقة مع النفس‪.‬‬
‫تأمل مذهبك ومذهب أهل السنة واجلماعة اخلع عنك لباس التعصب‬
‫والقبلية‪ ،‬وال تقل دين أبائنا وأجدادنا‪ ،‬فتصبح كمن قال الله فيهم‪ ﴿ :‬ﯺ ﯻ‬
‫(‪)1‬‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾‬
‫أخي؛ تفكر ما هذا الدين القائم على الشركيات والتوسالت لغير الله‪،‬‬
‫واخلمس‪ ،‬والفكاك‪ ،‬وغيرها كثير؛ دين أصبح املكرمي فيه يوزع صكوك فكاك‬
‫من النار! ما هذا الهراء؟ ويتقربون بسب صحابة رسول الله ‪،‬‬
‫وجتاهلنا قول الله تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭟﭠﭡﭢ‬

‫((( سورة الزخرف‪ ،‬اآلية‪.)22( :‬‬


‫‪20‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﴾‬
‫(‪)1‬‬

‫وقذف زوجة الرسول ‪ ،‬في عرضها وهي مبرأة من فوق‬


‫سبع سموات‪ ،‬ما هذا املذهب القائم على حقن النفوس بالعداء والكراهية‬
‫واللعن والسب ‪..‬‬

‫■ ■نصيحة من قلب أخت حمبة لكم‪:‬‬

‫نصيحة أخت مؤمنة أدخلها عليها إميانها وحتّمها عليها إسالمها‪.‬‬


‫اقرأ القرآن بتدبر وخشوع وصفاء ذهن‪ ،‬واقرأ ما يسمى بالصحيفة اململوءة‬
‫بالشركيات والتوسالت والعبارات الغامضة‪.‬‬
‫أخص بحديثي من أبناء اإلسماعيلية املتعلمني والعقالء منهم‪ ،‬وضع نصب‬
‫أعينكم أن الله خلقنا لعبادته وحده‪ ،‬فعليك أن تطهر عبادتك وجتعلها خالصة‬
‫لله وحده وتتقرب لله وحده‪ ،‬وال تلتفت إلى غير الله كائناً من كان قال تعالى‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫﴿ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﴾‬

‫■ ■أخي وأخيت اإلمساعيلية‪:‬‬


‫طهروا عقيدتكم من الشركيات والتوسل بـ (إمام الزمان‪ ،‬و علي‪ ،‬وفاطمة‪،‬‬
‫واحلسني ‪ ).....‬والله وتالله إننا نتقرب إلى الله بحب أهل البيت‪ ،‬وأتباعهم‬
‫ولكن العبادة لله وحده‪.‬‬
‫اتركوا عنكم دين التقية وهي في األصل (كذب مغلف) تفكر في نهاية‬
‫املطاف قبر ستدخله وحدك‪ ،‬وبعده إما جنة‪ ،‬أو نار‪ ،‬نسأل الله السالمة‪.‬‬

‫((( سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.)100( :‬‬


‫((( سورة الزمر‪ ،‬اآلية‪.)3( :‬‬
‫‪21‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫■ ■أحبيت‪ .‬عقالء قبيليت (يام) من اإلمساعيلية‪:‬‬


‫حترروا‪ ،‬أنقذوا أنفسكم من هذا املذهب الدخيل‪ ،‬وجتردوا لله وحده‪،‬‬
‫وأسلموا له قلوبكم‪ ،‬فاعبدوه موحدين له مبا شرع في كتابه وسنة نبيه‪ ،‬وخذوا‬
‫الدين من أهله وهم جماعة املسلمني‪.‬‬
‫أسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق ‪.‬‬
‫(أختكم املخلصة)‪،،،،‬‬

‫■■■‬
‫‪22‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة الرابعة‬
‫(قصة شابة اهتدت إىل مذهب السنة)‬

‫احلمد لله اللطيف اخلبير‪ ،‬والصالة والسالم على السراج املنير والهادي‬
‫البشير النذير نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد‪:‬‬
‫فكانت بداية هدايتي عندما كنت أدرس املرحلة املتوسطة‪ ،‬فقد التحقت‬
‫مبدرسة حتفيظ القرآن‪ ،‬وكانت مديرة املدرسة إسماعيلية قد هداها الله ملذهب‬
‫أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وكانت من ِح َراز‪ ،‬ووالدها من كبار فقهاء اإلسماعيلية‪.‬‬
‫فكانت تقدم لي النصح على الرغم أني ال أعلم عن هذا املذهب إال إسبال‬
‫اليد في الصالة فوالدي لم يكن يهتم أن يثقفنا ويعلمنا أصول هذا املذهب‬
‫مكتفياً أننا نصلي‪.‬‬
‫ولكن عقيدتي كانت ال يشوبها شركيات اإلسماعيلية؛ ألني استقيت أصول‬
‫الدين من املدرسة ولكن كنت أمتيز عن أخواتي بالبديهة وسرعة احلفظ‪.‬‬
‫وكان أخي األكبر قد تفقه في دين اإلسماعيلية ويأتي لي بالصحيفة‪ ،‬كما‬
‫يطلق عليها وبكتب صغيرة وكتيبات الصالة وكنت أقرأ بعض األدعية‪ ،‬وأحفظ‬
‫بسرعة‪ ،‬ولكن كنت غير مقتنعة ألنها متر علي مصطلحات وتوسالت يقشعر‬
‫ِ‬
‫(بيلحقك ذنب‬ ‫علي ويقول بهذه الطريقة‪:‬‬
‫لها البدن‪ ،‬وعندما أسأله ال يجيب َّ‬
‫ويدخل قلبك الشك في عقيدتك) وهي حق‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫ولكن ما جعلني أجزم أن عقيدة املذهب باطلة عندما كنت في آخر مراحل‬
‫الثانوية كنت دائماً أدعو ربي أن يختار لي الدين الذي ارتضاه ويبعدني عن‬
‫الباطل‪.‬‬
‫في وقتها كنت أقارن‪ ،‬وأفرق بني املذهبني‪ ،‬اتضح لي أن مذهب السنة واضح‬
‫واملذهب اإلسماعيلي كله ألغاز وتوسالت غريبة بأسماء أشبه بأسماء األشباح‪.‬‬
‫تفاجأت أن جدتي التي تقتات‬
‫ُ‬ ‫وحلظتها نزلنا جنران بعد فتره طويلة‬
‫من بيع األغنام‪ ،‬ومن الضمان االجتماعي‪ ،‬حتكي لنا وهي في قمة الفرح‬
‫أنها متكنت من جمع مبلغ ‪ ١٦‬ألف ريال وقامت بإعطائها املكرمي ليعمل لها‪:‬‬
‫(فكاك‪ ،‬وجناة‪ ،‬وعويل) وأنا أسمعها أحسست بأن قلبي يتقطع على أهلنا‪،‬‬
‫وكيف استطاع هذا املكرمي السيطرة على عقولهم‪.‬‬
‫وكنت أراقب قريباتي اإلسماعيليات وألفاظهن الشركية‪ ،‬فإذا خافت إحداهن‬
‫من شيء قالت‪( :‬محمد وعلي) أو (فاطمة الزهراء) أو (احلسن واحلسني) أو‬
‫(اخلمسة األطهار) وغير ذلك‪ ،‬من األلفاظ الشركية التي تعودنا عليها‪.‬‬
‫ال إله إال الله كيف استغل املكارمة جهل قومنا بالدين‪ ،‬وضحكوا عليهم‬
‫أنهم من آل البيت لكي يقدسوهم‪ ،‬علمت أن هدفهم مادي بحت‪ ،‬وقبيلة يام‬
‫اشتهروا بالكرم وفيهم اخلير والطهر لدرجة أن صدقوهم‪.‬‬
‫وحلظتها ما زلت أبحث إلى أن واجهت شابة من حراز قد هداها الله‪،‬‬
‫وقالت إن املكارمة لم يأتوا بكل املذهب ألهل جنران‪ ،‬وإال كان قتلوهم ألن فيه‬
‫محرمات في األعراض وأشياء أخرى يقشعر لها البدن‪ ،‬حلظتها أخذت على‬
‫نفسي عهداً أني سأفعل كل ما بوسعي ألكون سبباً بعد الله في هداية أخواتي‬
‫اإلسماعيليات وغيرهن‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وفع ً‬
‫ال بفضل من الله ومنة‪ ،‬لي ‪ ١٠‬سنوات أو تزيد وأنا أخاطب وأنصح‬
‫باحلكمة واملوعظة احلسنه تطبيقاً لقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﴾(‪.)1‬‬
‫واحلمد لله اهتدوا على يدي أخواتي وغيرهن الكثير إسماعيليات‬
‫وغيرهن ال حصر لهن ‪،‬كان آخرهن قبل أقل من شهر‪ ،‬مذهبهم هش واملتعلم‬
‫مييز بني احلالل واحلرام؛ ألن الله ميز اإلنسان بالعقل‪ ،‬فقد خلقنا لعبادة الله‬
‫ليس لعبادة ما سواه‪ ،‬واحلياة ال تنتهي باملوت‪ ،‬هناك جنة ونار‪ ،‬ولكن أنكر على‬
‫كثير ممن تسننوا أموراً أولها الهجوم على من لم يكتب الله لهم الهداية فيولد‬
‫لديهم العداوة والكراهية‪.‬‬
‫الدعوة‪ ،‬يلزم ملن ميشي في ركبها بعض األمور يتعلمها ويتثقف فيها‬
‫ليتمكن من الدعوة بالنهج الصحيح ويكون صدره رحباً ألنه سيتعرض لكالم‬
‫وعبارات غير الئقة تخرجه عن صبره‪.‬‬
‫الدعوة إلى الله ميسرة ولكن احملك احلقيقي الصبر على األذى القولي‬
‫والفعلي‪.‬‬

‫■■■‬

‫((( سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.)125( :‬‬


‫‪25‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة اخلامسة‬

‫احلمد لله معز اإلسالم بنصره‪ ،‬ومذل الشرك بقهره‪ ،‬ومصرف األمور‬
‫بأمره‪ ،‬ومدمي النعم بشكره‪ ،‬ومستدرج الكافرين مبكره‪ ،‬والذي قدر األيام دوالً‬
‫بعدله‪ ،‬وجعل العاقبة للمتقني بفضله‪ ،‬وأفاض على العباد من طله وهطله‪،‬‬
‫الذي أظهر دينه على الدين كله‪ ،‬القاهر فوق عباده فال ميانع‪ ،‬والظاهر على‬
‫خليقته فال ينازع‪ ،‬واآلمر مبا يشاء فال يراجع‪ ،‬واحلاكم مبا يريد فال يدافع‪،‬‬
‫والصالة والسالم على أشرف خلق الله النبي األمي إمامنا وقدوتنا وحبيبنا‬
‫ونبينا وشفيعنا محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصالة‬
‫وأمت التسليم‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫أوال‪ :‬والله ثم والله ثم والله لن أقول إال احلق والصدق إن شاء الله‪،‬‬
‫وما سأحاسب عليه يوم القيامة أمامه سبحانه وتعالى‪ ،‬وسأجتاوز عن بعض‬
‫املعلومات التي تخصني وتكشف هويتي ليس خوفاً من أحد‪ ،‬ولكن لعل وعسى‬
‫يكون في األمر خيرة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنا إسماعيلي ابن إسماعيلي بل من أبناء رؤوس القوم وأبناء مشايخ‬
‫قبيلة يام ومن أحفاد القوم الذين تكفلوا بحماية املكرمي عند دخوله جنران‬
‫وهناك وثائق تشهد بصحة ما أقول والله املستعان واآلن أدخل في صلب‬
‫املوضوع بتصرف‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫■ ■إخواين وأخوايت‪:‬‬

‫من قبل حوالي العشر سنوات ال أذكر التاريخ بالضبط‪ ،‬وحتى قبل‬
‫احملطات الفضائية في الوقت الراهن‪ ،‬كوصال وصفا وبيان‪ ،‬وأيضاً قبل الكثير‬
‫من املنتديات املهتمة باحلوارات الدينية‪ ،‬وقبل أن أعرف البالتوك وغرفه‪،‬‬
‫كان يشدني شيء ما‪ ،‬ويذهب بي بعيداً عن املذهب اإلسماعيلي‪ ،‬فلقد رأيت‬
‫بأم عيني حاالت اخلضوع والذلة والتسليم املطلق للداعي املطلق‪ ،‬القائم على‬
‫املذهب اإلسماعيلي (املكرمي) ومناصيبه‪ ،‬وكبار رجاالت الدعوة من تقبيل‬
‫األيدي والركب‪ ،‬والزحف عليهما‪ ،‬والتجرد من العقل بالكامل‪ ،‬بني أيديهم‬
‫التجرد من نعمة الله التي أنعم بها على عباده وال حول وال قوة إال بالله‪.‬‬
‫فكنت أختلق األعذار واحلجج حتى ال أذهب للسالم عليهم في بيوتهم أو‬
‫في مركز الدعوة في خشيوة واملنصورة‪ ،‬حتى صاروا يشكون بوضعي مع إني‬
‫الزلت على مذهبهم وكنت كثير القراءة جلميع الكتب‪ ،‬سواء ما يخصنا أو ما‬
‫كان ضدنا‪.‬‬
‫وللمعلومة فإن كتبنا يصعب احلصول عليها من قبلنا نحن أبناء الدعوة؛‬
‫فما بالكم بغيرنا وحتى من نذر نفسه من أبناء الدعوة للدراسة في املذهب‪،‬‬
‫ال يحصل إال على الفتات أو ما يسمى بالكتب الظاهرية‪ ،‬التي حتى إن حصل‬
‫عليها من هو من خارج املذهب ال يضر إن قرأها‪ ،‬فاحتلت باألسئلة الصعبة‬
‫على من تفقه باملذهب من ربعنا‪ ،‬وإن كان باحلقيقة ال يفقه شيئاً‪ ،‬ولكن لعلمي‬
‫علي‬
‫بأنه سيسأل من هو أعلم منه‪ ،‬ولكن تبني لي أنهم كلهم جهال‪ ،‬أو يكذبون َّ‬
‫وعلى غيري ‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫فاستعنت بالله سبحانه وتعالى وذهبت أبحث عن الكتب بنفسي‪ ،‬إما عن‬
‫طريق اإلنترنت‪ ،‬أو عن طريق شراء الكتب التي معنا أو ضدنا ومن ساعتها تبني لي‬
‫بطالن ما نحن عليه من مذهب‪ ،‬وتناقضاته الكثيرة واملخزية‪ ،‬واملعيبة‪ ،‬والكفرية‪،‬‬
‫مع إدعاء دعاة وكبار منظري املذهب بأن الفرق بني مذهبنا وغيره من املذاهب‬
‫األخرى هو‪ :‬أن مذهبنا مخرجه من مشكاة واحدة‪ ،‬وهي مشكاة اإلمام خلف عن‬
‫سلف وهو ما يتبني للمنصف واحملايد والباحث عن احلق كذبه‪ ،‬وبطالنه‪.‬‬
‫فبعد القراءة والبحث والتحري عموما‪ ،‬وبعد أن تثقفت مبعلومات ال بأس‬
‫بها بدأت أسأل أسئلة محرجة عن ما كنت أسأله سابقاً في جتمعاتنا‪ ،‬كاملسجد‪،‬‬
‫واملناسبات كنت أسأل كبيرهم ومن كان يدعي بأنه فقيه باملذهب من القبيلة‪،‬‬
‫وكنت أحرجه باألسئلة متعمداً أمام اجلميع‪ ،‬وكان مهربه الوحيد بأنني أقرأ كالم‬
‫الوهابية أعداء آل البيت عليهم السالم‪.‬‬
‫ومن مبدأ إنكار الذات كان يقف معه اجلميع عندما يُ ْح َر ْج‪ ،‬مع علم‬
‫بعضهم بأنه يكذب أحياناً وينكر أشياء عندنا‪ ،‬وعندما أواجهه بالكتاب املوجود‬
‫به كالمي من كتبنا‪ ،‬يقول لي كيف تكشف علوم أولياء الله على من ال يحق لهم‬
‫معرفتها‪ ،‬طبعاً يقصد من معنا في املسجد؛ فيا للعجب كلهم إسماعيلية ومع‬
‫ذلك ال يحق لهم اإلطالع عليها!‬
‫وكالمه في احلقيقة من أساسيات املذهب‪ ،‬والكل يعرفه وكانت الذريعة‬
‫اجلاهزة واملعلبة دائماً بأن من قرأ كتباً فوق مستواه سيجن؛ ولن يفهمها ملا‬
‫فيها من العلم العلوي والدرر املكنونة‪ ،‬ولكن احلقيقة هي ملا في تلك الكتب‬
‫من التناقضات والترهات واألكاذيب الباطلة والكفر البواح‪ ،‬حتى ما غلف منها‬
‫بالفلسفة املستوردة من الفيثاغورية احلديثة واألفالطونية اجلديدة‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وكنت أجادل وأناقش وأذب وأدافع عن أهل السنة‪ ،‬عندما كان هذا‬
‫الشخص وغيره يفترون عليهم ال لشيء‪ ،‬إال لكرهي للكذب‪ ،‬حتى ولو كان على‬
‫اليهود أو النصارى أو حتى على الهندوس‪.‬‬

‫ومن األشياء التي ساءتني وأقضت مضجعي‪ ،‬ولم يقبل بها عقلي وال حن‬
‫لها قلبي‪ ،‬وتناقشنا بها كثيراً‪ ،‬قضية حتريف القرآن الكرمي‪ ،‬وثبت لي بأن ليس‬
‫هناك أحد من اجلالسني كان يعرف بذلك‪ ،‬وعندما سألوا الشخص املذكور‬
‫سابقاً أنكر في البداية‪ ،‬حتى مع ذكري لكتبنا التي ذكر بها التحريف‪ ،‬فقال‬
‫إنها مزورة علينا ومدسوسة وبعد سنة سمعت نفس الشخص ونحن جلوس‬
‫باملسجد‪ ،‬يستدل بآية من القرآن الكرمي ويقول‪ :‬إن بني أمية حذفوا منها‬
‫اسم سيدنا علي ‪ ‬وهي قوله سبحانه وتعالى‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﴾(‪ )1‬يقول‪ :‬بلغ ما أنزل إليك في علي‪ ،‬وكل فرق الشيعة على‬
‫حد علمي توافقه على هذا الكالم‪ ،‬ماعدا الزيدية‪ ،‬وليس كل الزيدية فبعضهم‬
‫يوافقه‪ ،‬فاستوقفته وذكرت له ما كان من حديثنا السابق‪ ،‬وإنكاره تهمة حتريف‬
‫القرآن‪ ،‬فتململ ونكص وأنكر وبهت وصار يكيل لي االتهامات جزافاً‪ ،‬أنت‬
‫وهابي أنت من بني أمية‪ ،‬وتراشقنا بالكلمات‪.‬‬

‫وفي إحدى املناظرات بيني وبينه سألته هل مذهبنا يعترف بكتاب االثني‬
‫عشرية نهج البالغة؟ فأجاب بنعم فسألته بأنه في نفس الكتاب سيدنا علي‬
‫يثني على عمر بن اخلطاب وأتيته بالنص (لله بالء فالن فلقد قوم األود وداوى‬

‫((( سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.)٦٧(:‬‬


‫‪29‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫العمد وأقام السنة ‪ ..‬ألخ) وكالعادة أرغى وأزبد وبهت وقلبت اجللسة بيني‬
‫وبينه سب وشتم حتى تدخل احلضور (باجليهان) بيننا‪ ،‬وكل ذهب في حال‬
‫سبيله وهكذا دواليك في جميع املناظرات‪.‬‬
‫وبعد مدة طويلة من البحث والتحري‪ ،‬وبعد معرفتي بتناقضات املذهب‬
‫الكثيرة‪ ،‬واملخزية‪ ،‬واملعيبة‪ ،‬والكفرية‪ ،‬وبعد حصولي على كتب املذهب من‪:‬‬
‫(العلوم العلوية‪ ،‬والدرر املكنونة) ‪ -‬كما يزعمون ‪ -‬ومعرفتي بتناقضاتها‪ .‬قررت‬
‫أ ْن أسلك طريق أئ َّمة أهل البيت عليهم السالم‪ ،‬وفي مقدمتهم اإلمام‪ :‬علي بن أبي‬
‫طالب وأبناؤه احلسن واحلسني وزين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق‬
‫عليهم السالم جميعاً‪ ،‬وإخوانهم صحابة رسول الله ‪‬؛ الذين‬
‫ترضى الله عليهم في كتابه‪ ،‬وخصهم بِآيات تتلى إلى يوم القيامة‪ ،‬وأتبرا من‬
‫هذا املذهب الدخيل فأخذت كتاب الله ‪ ‬وسنة رسوله ‪‬؛‬
‫مذهب (أهل السنة واجلماعة) طريقاً لي إلى احلق‪ ،‬فاتبعت احلق وتركت ما‬
‫سواه‪.‬‬

‫■■■‬
‫‪30‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة السادسة‬
‫(الباحث عن احلق)‬

‫احلمد لله وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نبي بعده‪ ،‬محمد بن عبد الله‬
‫عليه أفضل الصالة والسالم‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ‪ ...‬وبعد‪:‬‬
‫قصتي وهي باختصار‪ ،‬قد خرجت إلى هذه الدنيا في بيئة إسماعيلية‪ ‬يحف‬
‫بها تقديس الداعي املكرمي وحدوده‪ ،‬مع وضع هالة من البهرجة والقداسة‬
‫الزائفة‪ ،‬حول املذهب‪.‬‬
‫وعند بداية دراستي واطالعي‪ ،‬كنت أقارن ما أسمعه من دروس‪ ،‬في‬
‫القرآن والتوحيد واحلديث وما كنت أسمعه‪ ،‬من املذهب اإلسماعيلي‪.‬‬
‫فكانت بداية الشك والريب‪ ،‬عندما كنا جنلس كل يوم جمعة مع أحد‬
‫الفقهاء‪ ،‬لنصلي اجلمعة ظهراً أربع ركعات‪ ،‬ثم جنمع العصر معها‪ ،‬ثم نتحلق‬
‫حوله ليقرأ علينا من مجموعة من الكتب معه‪ ،‬وهي من الكتب السرية ولصغر‬
‫سني ال يهتمون بي‪.‬‬
‫فكنت أتابع عن قرب مع تسجيل جميع مالحظاتي في الذاكرة‪ ،‬مع مقارنتها‬
‫مع ما تعلمت في املدارس النظامية‪ ،‬فأرجع مع والدي إلى املنزل‪ ،‬فأناقشه في‬
‫كل نقطة أنكرتها فطرتي‪ ،‬وكان والدي ليس فقيها بل على الفطرة ويعرف من‬
‫منهج السنة أكثر مما يعرفه عن اإلسماعيلية‪ ،‬فكنت أحرجه وأزعجه‪ ،‬بكثرة‬
‫‪31‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫أسئلتي‪ ،‬فال أجد اجلواب الكافي‪.‬‬


‫فجلست في حيرة من األمر وصراع داخلي‪ ،‬فاستمريت في القراءة‬
‫وكثرة اإلطالع على كتب أهل السنة‪ ،‬فأجد فيها ما يشفي غليلي‪ ،‬ويشرح‬
‫صدري‪ ،‬واجتهدت في جمع الكتب وسافرت مرة أثناء العطلة الصيفية إلى‬
‫‪ .....‬فجمعت لي من كتب السيرة‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والتاريخ ‪ ...‬ووو ‪ ...‬ألخ‪ ،‬الشيء‬
‫الكثير‪ ،‬واستمريت في القراءة واملناقشات مع من وجدت من اإلسماعيلية‪،‬‬
‫ولكنهم ال يقبلون احلوار تعصباً للمذهب مع جهلهم به‪.‬‬
‫وقد سنحت لي الفرصة أن حججت مع أحد فقهاء اإلسماعيلية الكبار‪،‬‬
‫ال فقلت في نفسي‪ ،‬هذه فرصتك‪ ،‬فكنت أظهر له من الود‬ ‫وكان عددنا قلي ً‬
‫والتقدير الشيء الكثير‪ ،‬نظراً لكبر سنه‪ ،‬وحاجتي إلى معرفة ما خفي َّ‬
‫علي من‬
‫املذهب‪ ،‬فكنت له كالطالب ملعلمه‪.‬‬
‫وقد استمرت رحلة احلج أثنا عشر يوماً‪ ،‬تخللها زيارة للمدينة املنورة‪،‬‬
‫فكنت أحتني األوقات املناسبة فأسأله‪ ،‬ومن تلك األسئلة‪:‬‬
‫هل الوحي ينزل على أهل البيت عليهم السالم؟‬
‫فقال‪ :‬الوحي ينزل حتى على املكرمي!‪.‬‬
‫ومنها هل نزلت أسماء أهل البيت في القرآن الكرمي ؟‬
‫فقال‪ :‬نعم ولكن بني أم ّية حرفوا القرآن فحذفوها! ‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬ما هي اآليات احملرفة في القرآن الكرمي؟‪.‬‬
‫فقال‪ :‬كثيرة ومنها (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك (وجعلنا‬
‫علياً صهرك) ‪!).....‬‬
‫‪32‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وعندما رأى استغرابي قال‪ :‬إن للدين ظاهراً وباطناً‪.‬‬


‫فقلت له تفضل كيف؟‬
‫فقال‪ :‬مثل الصالة من أركان اإلسالم معناها في الظاهر عبادة لله‪،‬‬
‫ومعناها في الباطن التقرب ألهل البيت‪.‬‬
‫فقلت في نفسي هذا شرك‪.‬‬
‫واستمريت في أسئلتي ‪ .....‬فكانت تنزل علي إجاباته كالصاعقة وكان‬
‫احلج مختلفاً فوقفنا في عرفات قبل املسلمني بيوم فرأيت من االختالف‬
‫الشيء الكثير‪ ،‬وليس لديهم تعريفاً للحج‪ ،‬وال شرحاً ألركانه‪ ،‬وواجباته‪ ،‬وسننه‪،‬‬
‫ومستحباته‪ ،‬وإمنا هي على طريقة (أوصيناك‪ ،‬أوصيناك) ليعود من حج معهم‬
‫ال كما ذهب‪.‬‬ ‫جاه ً‬

‫وعند رجوعي من احلج بحثت عن كتب املذهب اإلسماعيلي فأحضرتها‬


‫بعد جهد وتعب من خارج اململكة وداخلها‪ ،‬وانكشفت لي احلقائق وأمور لم تكن‬
‫في احلسبان‪ ،‬وظهر لي ملاذا فقهاء املذهب يخفون الكتب‪ ،‬مع تلميع املذهب‬
‫بأسماء براقة ملاعة مثل‪( :‬املذهب الطاهر الشريف النوراني‪ ،‬مذهب أهل‬
‫البيت‪ ،‬ووو‪ )....‬وما هي إال تغطية على كثير من أحوال املذهب ‪،،،،..‬‬

‫■■■‬
‫‪33‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة السابعة‬

‫احلمد لله اللطيف اخلبير‪ ،‬والصالة والسالم على السراج املنير والهادي‬
‫البشير النذير نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعـد‪:‬‬
‫فقصة هدايتي هي أنني طلعت إلى هذه احلياة من أب وأم إسماعيليني‪،‬‬
‫ويحيط بي مجتمع إسماعيلي‪.‬‬
‫وقد بدأت حياتي ودراستي مشبعاً باملذهب اإلسماعيلي‪ ،‬تلبية لرغبة‬
‫والدي والذي يرشدنا لذلك املذهب ويحثنا عليه ليل نهار‪ ،‬مع شدة مالحظته‬
‫أشد الناس تعلقاً باملذهب‪ ،‬فقد َد َخ َل حبه إلى سويداء قلبه‪.‬‬
‫وهو من َّ‬
‫وقد وفقني الله في دراستي فأكملت دراستي وبعد تخرجي رزقت بوظيفة‬
‫بشدةٍ وكان (ذكياً فطناً)‪.‬‬
‫ممتازة واستمر أبي في متابعتنا ومراقبتنا َّ‬
‫وكنت أحرص على مرافقته في زياراته للمكرمي في (خشيوة) والصالة‬
‫معه‪ ،‬وازداد حبه للمكرمي وللمذهب مع كثرة الزيارات حتى وضع جميع صور‬
‫الدعاة واملناصيب من الهنود واملكارمة في مجلسه ليراها ليل نهار‪ ،‬وينظر إلى‬
‫وجوههم (املقدسة) كما كان يحب أن يصفهم‪.‬‬
‫وحصل لي موقف غ َّير مجرى حياتي‪ ،‬وهو أن ص َّرح لي أحد زمالئي بنقاط‬
‫الضعف في املذهب اإلسماعيلي وبُ ْعده عن منهج الرسول ‪‬؛‬
‫وأهل بيته ‪ ،‬هو ليس من قبيلة يام‪ ،‬ولكن جلهلنا باملذهب وبعدنا عن‬
‫‪34‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫معرفة حقيقته وخفاياه‪.‬‬


‫أخذت األمر حمية جاهلية! وضربت على وتر القبيلة‪ ،‬وأن هذا مذهب‬
‫(رجال يام) أهل الكرم والشجاعة والفزعة ووو ‪ ....‬ألخ‪ .‬وأن هذا ليس من‬
‫شأنك وسقت له من أقوالنا املعروفة التي نلمع بها املذهب عند احلاجة‪( :‬هذا‬
‫مذهب أهل البيت‪ ،‬املذهب الطاهر الشريف النوراني‪ ،‬ودع اخللق للخالق‪ ،‬وكل‬
‫شاة معلقة برجلها‪ ،‬ولكم دينكم ولنا دين ‪ ..‬ووو ‪ ....‬ألخ )‪.‬‬
‫ولكنه كان محباً للخير حريصاً على هدايتي‪ ،‬فأرسل لي أحد زمالئي‬
‫املتسننني من القبيلة‪ ،‬ولم أعلم بتسننه إال بعد حني‪ ،‬فأخذني على انفراد وبدأ‬
‫معي النقاشات التي أظهرت لي ما لم يكن في احلسبان ولكني لم أصدق كل‬
‫ما سمعت واستمريت في حواري مع هذا الزميل الذي كان لطيفاً معي جزاه‬
‫الله خيراً‪.‬‬
‫وشدته‪ ،‬ثم تطورت النقاشات‬
‫َّ‬ ‫وأثناء حواري مع هذا الزميل تذكرت أبي‬
‫واحلوارات بكشف الكتب التي ال نعرف منها شيئاً غير‪( :‬صحيفة الصالة‪،‬‬
‫وصحيفة الصالة لألوالد)!!‬
‫فكشفوا لي كتباً لم أصدق أن هذه كتب مذهبنا الذي نتبعه مثل‪( :‬كتاب‬
‫كنز الولد‪ ،‬والكشف‪ ،‬وسرائر وأسرار النطقاء‪ ،‬وراحة العقل‪ ،‬وغيرها الكثير)!!‬
‫علي كالصاعقة ولكن‪ ،‬ولكن‪ ،‬ولكن ‪...‬؟! ‪.‬‬
‫فنزلت ّ‬
‫فكنت في صراع مع نفسي‪.‬‬
‫هل هذا هو املذهب الذي أتبعه؟ ويتبعه والدي ووالدتي التي ماتت من ُذ زمن؟!‬
‫ال إله إال الله‪ ،‬هل هذا هو مذهب القبيلة الذي نتعصب له ؟!‬
‫‪35‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫ال إله إال الله من أين أبدأ‪ ،‬يارب‪ ،‬يارب‪ ،‬يارب أرني احلق حقاً وارزقني‬
‫اتباعه‪ ،‬وأرني الباطل باط ً‬
‫ال وارزقني اجتنابه‪.‬‬
‫فكنت في دعاء وإحلاح على رب العاملني ‪ :‬اللهم دلني على‬
‫احلق‪ ،‬وكنت أعرض ما ْ‬
‫أظ َه َروا لي على ما تعلمت من دراستي النظامية‪ ،‬فأبت‬
‫فطرتي ذلك‪.‬‬
‫ثم استمريت في زيارة من تسنن قبلي وما هي أسباب تسننهم‪ ،‬فأخبروني‬
‫بشيء لم يكن في احلسبان‪ ،‬فأخذت الكتب وذهبت بها إلى شقتي الصغيرة‪،‬‬
‫وكنت خائفاً من كل شيء‪ ،‬وأحسست أن الناس يراقبونني‪ ،‬وكنت أرى صورة‬
‫والدي في كل مكان تطاردني‪ ،‬حتى في داخل صفحات الكتب التي كنت أقرأها‬
‫خفية! ولكن قلت فلعلها أوهام!‬
‫فأنا خائف من كل شيء من أبي ومن أقاربي وحتى زوجتي التي معي‪،‬‬
‫علي هموم الدنيا‪ ،‬فقلت يارب‪ ،‬يارب‪.‬‬
‫فتعبت نفسي وقل وزني واجتمعت َّ‬
‫ثم راجعت نفسي فنظرت إلى الدنيا وحقارتها واآلخرة وبقائها فآثرت‬
‫الباقي على الفاني وش ّمرت عن ساعدي ألكشف احلقيقة بنفسي فذهبت‬
‫إلى املشايخ وطلبة العلم في املنطقة‪ ،‬واستمريت في القراءة واملناقشات حتى‬
‫ظهرت لي الصورة صافية جلية‪.‬‬
‫ثم زارني أخي وشقيقي وهو في مدينة أخرى وكان حبيباً إلى قلبي؛‬
‫ويبادلني ذلك احلب‪ ،‬وعندما رأى حالي علم أن هناك شيئاً ولكن كان بعيداً‬
‫علي من األسئلة وما هي أسباب تعاستي وضعف حالي‪،‬‬ ‫عن املوضوع‪ ،‬وأكثر َّ‬
‫ففكرت أن أبدأ معه ولكن من أين فقلت لعلي أساعده ليكشف احلقيقة بنفسه‪،‬‬
‫فذ َّكرته بأمي وتقصيرنا معها بعد وفاتها‪ ،‬فقلت له لعلنا نذهب إلى املكرمي‬
‫‪36‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫ليخبرنا بعمل نعمله لها‪ ،‬وكنت أعرف طرقهم وأساليبهم من خالل زياراتي‬
‫السابقة مع والدي‪.‬‬
‫فدخلنا على املكرمي‪ ،‬وبعد السالم عليه‪ ،‬وباألسلوب احملبب له‪ ،‬بدأ النقاش‬
‫من أخي وأخبره بوالدتي وحبنا لها وأننا نرغب أن نعمل لها عم ً‬
‫ال بأنفسنا فقال‬
‫لنا‪( :‬اجعلوا لها فكاك‪ ،‬وحدة قبر‪ ،‬وصالة‪ ،‬ووو‪ .....‬ألخ)!!! (وهذي مببالغ تدفع‬
‫عنده)!!‬
‫فقلنا له نريد أن نعمل لها عم ً‬
‫ال ونُ ْشرف عليه بأنفسنا‪ ،‬فقال هذه أمور‬
‫وأشياء جتهلكم وال تعرفونها!!‬
‫فقلنا سوف نذهب إلى مكة واملدينة ونتصدق لها ونعمل ونعمل‪ ،...‬فكان‬
‫مص َّراً على رأيه وأنه يجهلنا الدين ونحتاج معرفة أشياء كثيرة!!‪.‬‬
‫ثم ذهبنا من عند املكرمي بعد أن اقتنع أخي وظهر له أشياء كثيرة فقال‪:‬‬
‫عن املكرمي ‪ ....‬وقال ‪ ....‬فقلت نعم‪.‬‬
‫ثم ذهبنا إلى املنزل ودار بيننا احلوار فيما حصل وأخيراً قلت في نفسي‬
‫البد أن أكشف األوراق له‪ ،‬فذهبت إلى سيارتي وأحضرت الكتب التي أخفيها‪،‬‬
‫وقلت له هذه التي أتعبت حالي ونفسي‪ ،‬واستمريت معه شه ًرا كام ً‬
‫ال بقراءة الكتب‬
‫ال وبعيداً عن األعني في (‪ ).......‬وبعد ذلك استمرينا في زيارة املتسننني من‬
‫لي ً‬
‫القبيلة واملشائخ‪ ،‬وسؤالهم عما أشكل علينا فعرفنا احلق واتبعناه ‪....‬‬
‫فاحلمد لله من قبل ومن بعد‪.‬‬

‫■■■‬
‫‪37‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة الثامنة‬

‫احلمد لله رب العاملني‪ ،‬والعاقبة للمتقني‪ ،‬وال عدوان إال على الظاملني‪،‬‬
‫والصالة والسالم على السراج املنير والهادي البشير النذير نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم أما بعـد‪:‬‬
‫فبدايتي أيها األحبة هي أنني عشت في مجتمع إسماعيلي متشدد (ال‬
‫يسمع ‪...‬ال يرى)‪ ،‬قد حرم على نفسه احلوار واملناقشة الهادفة البناءة‪ ،‬وليس‬
‫لديه إال السب واللعن واستنقاص اآلخرين بقوله‪( :‬قوم بني أمية‪ ،‬املكابعة‪،‬‬
‫أعداء أهل البيت‪ ،‬قوم آل أبي هريرة ووو ‪ ......‬وغيرها الكثير)!!!‬
‫وكانت تراودني الشكوك حيث أن مذهبنا غير واضح وال بينّ ‪ ،‬ومن‬
‫بالشر في كل مجلس‪ ،‬فقد كنت‬ ‫َّ‬ ‫سأل عنه وصفوه بأقبح الصفات وذكروه‬
‫أسأل عن اجلمعة وملاذا نصليها ظهراً وهي واردة في كتاب الله وسنة رسوله‬
‫‪‬؟؟!!‬
‫فمن سألت من الفقهاء قال‪( :‬هل عادك معنا و ّال قد رحت منا‪ ،‬أكيد قد‬
‫ذلفت‪ ،‬ما غير تأخذ أسرارنا وتخبر بها أعداءنا)!!!‬
‫ال إله إال الله‪ .‬هذه جنة ونار!! هذه جنة ونار!!‬
‫فتعبت من املناقشة وضاق صدري وكثر حزني على حالي وحال قومي‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫فما هو املخرج إذاً؟‬


‫فكنت أدعو الله ‪ ‬ليل نهار أن يريني احلق حقاً ويرزقني اتباعه‪،‬‬
‫ويريني الباطل باط ً‬
‫ال ويرزقني اجتنابه‪.‬‬
‫وأكثرت من قراءة كتاب الله ‪ ‬ففيه املخرج‪ ،‬وقد استوقفتني آيات‬
‫القرآن الكرمي كثيراً‪ ،‬ومما استوقفني قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﴾(‪.)1‬‬
‫واستمريت مدة طويلة حزيناً على حالي‪ ،‬وقد ضاقت بي األرض مبا رحبت‪،‬‬
‫علي نفسي‪.‬‬
‫وضاقت َّ‬
‫وفي أحد األيام قابلت شيخاً من أهل السنة في املنطقة‪ ،‬ويعرف كثيراً عن‬
‫املذهب‪ ،‬فسلمت عليه فتبسم لي‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬لو سمحت يا شيخ أنا إسماعيلي واحتاج جلسة معك‪.‬‬
‫فقال لي‪ :‬مرحباً بك حياك الله‪( :‬ماجور وش حالك‪ ،‬من أنت منه‪ ،‬فقلت له‪:‬‬
‫من ذوالك العرب)‪.‬‬
‫فجلست معه‪ ،‬وأخذت معه نقاشاً وحواراً مطوالً‪ ،‬وكان أسلوبه مميزاً‬
‫واالبتسامة ال تفارق محياه‪ ،‬بعيداً عن التعصب‪ ،‬واللعن‪ ،‬والسب‪ ،‬الذي عرفناه‬
‫من فقهاء املذهب‪.‬‬
‫وقد دار النقاش واحلوار عن اإلمامة‪ ،‬وإمام الزمان‪ ،‬وصالة اجلمعة‪،‬‬
‫واملذهب وكتب الباطن‪ ،‬وكتب الظاهر‪ ،‬والتعصب املقيت‪.‬‬

‫((( سورة الزخرف‪ ،‬اآلية‪.)44 -43( :‬‬


‫‪39‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫فقال لي‪ :‬عليك بالدليل من الكتاب والسنة واالبتعاد عن التعصب للمذاهب‬


‫واألشخاص‪ ،‬ودر مع الدليل حيث دار والله سوف يسألك عن ذلك يوم القيامة‪ ،‬وال‬
‫جتامل أحداً فهي جنة أو نار وتذكر يوم القيامة‪ ﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﴾(‪ )1‬ثم ذكر لي اجلمعة جزاه‬
‫الله خيراً بقول الله تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﴾‬
‫(‪)2‬‬

‫وقول الرسول ‪‬؛ (من ترك ثالث ُج َمع تهاوناً بها َط َب َع الله‬
‫على قلبه)(‪ ،)3‬وفِ ْعل الرسول ‪‬؛ وأهل بيته‪ ،‬كعلي بن أبي طالب‬
‫‪ ‬واحلسن واحلسني وغيرهم من أهل البيت رضي الله عن اجلميع‪ ،‬فهل‬
‫أوقفوا صالة اجلمعة وصلوها ظهراً حتى يخرج إمام الزمان؟؟!!‬
‫وقال لي هذا األمر ِ‬
‫وض َع لتعطيل الشرع‪ ،‬وتعطيل شعائر اإلسالم!! وإال لو‬
‫خرج إمام الزمان ففي أي مسجد يصلي بالناس‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬في املنصورة (خشيوة)‪.‬‬
‫فتبسم ثم قال‪ :‬ومن يصلي في مسجد املشهد؟ ومسجد ابن ركبان؟‬
‫ومساجد جنران؟ ومساجد احملافظات؟؟؟!!!‬
‫فقلت له‪ :‬نعم نعم‪ ،‬جزك الله خيراً‪ ،‬ال إله إال الله!!!‬
‫ثم خرجت من عنده‪ ،‬وجلست طوي ً‬
‫ال أفكر‪....‬؟؟!!‪....‬؟!!‪!!...‬؟‬
‫فقلت ولكن عامة اإلسماعيلية يجهلون كثيراً من أمور املذهب‪ ،‬وفلسفته‪،‬‬

‫((( سورة املجادلة‪ ،‬اآلية‪.)6( :‬‬


‫((( سورة اجلمعة‪ ،‬اآلية‪.)9( :‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)1052‬والترمذي (‪ ،)500‬والنسائي (‪ ،)88/03‬وابن ماجة (‪.)1125‬‬
‫‪40‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وي َّت ِبعونَه على جهل!!‪.‬‬


‫فالداعي عندنا شخص مقدس ال يقبلون املساس به أو القدح في شخصه‪،‬‬
‫وكأنه مرسل من السماء!! اللهم اهد قومي فإنهم ال يعلمون‪.‬‬
‫ويستغل فقهاء اإلسماعيلية جهل العامة‪ ،‬وعلى سبيل املثال ال احلصر‪:‬‬
‫إذا مات أحد استغلوا عواطف أهله وحزنهم عليه فقالوا‪( :‬ساعدوا امليت‬
‫من حالله أعينوه‪ ،‬فهو اآلن في حاجة مساعدتكم‪ ،‬ضعوا له فكاك من عذاب‬
‫القبر‪ ،‬وعتق من النار‪ ،‬ووحدة)!!!!‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾‬
‫ال إله ال الله!! ال إله ال الله!! يا ليت قومي يعلمون‪.‬‬
‫فيسارع أهل امليت في دفع الفلوس واألموال الطائلة مقابل ضمان جناة‬
‫امليت من عذاب القبر‪ ،‬ومن النار‪ ،‬وهذا يشبه [صكوك الغفران عند النصارى]‬
‫وهو أكل ألموال الناس بالباطل‪.‬‬
‫فوالله الذي ال إله إال هو لقد حضرت عزاء أحد اإلسماعيلية وهو من‬
‫أثرياء املنطقة ومن التجار املعروفني‪ ،‬وقد ماتت زوجته فقال‪ :‬لرجل بجانبي‬
‫(أبشرك أن الداعي جلس لها ثالث ساعات‪ !!..‬وعمل لها‪ !!...‬وعمل ‪!!...‬‬
‫وعمل‪.)!!...‬‬
‫فقلت في نفسي‪ :‬نعم نعم فأنت ثري كرمي‪ ،‬وهو كذوب يحب املال‪.‬‬
‫فحسبنا الله ونعم الوكيل‪ ،‬وقد تستغرب هذه األشياء عزيزي القارئ؛‬
‫ولكن هذه أشياء (ولد عليها الصغير وهرم عليها الكبير) وال يسمحون ألحد‬
‫‪41‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫مبناقشتهم فيها‪ ،‬فقطع األعناق وال قطع األرزاق!!‬


‫وبعد طول فكر أخذت قراري بالرجوع إلى احلق وترك الباطل‪ ،‬ولله احلمد‪،‬‬
‫وإن قالوا ‪ ...‬وإن قالوا ‪...‬‬
‫فاحلمد لله الذي هداني ملنهج الكتاب والسنة منهج أهل السنة واجلماعة‬
‫مع حب أهل البيت عليهم السالم‪ ،‬وترك اإلسماعيلية وخزعبالتها وتقديس‬
‫البشر من دون الله ‪.‬‬

‫■■■‬
‫‪42‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة التاسعة‬

‫احلمد لله رب العاملني‪ ،‬والعاقبة للمتقني‪ ،‬وال عدوان إال على الظاملني‪،‬‬
‫والصالة والسالم على السراج املنير والهادي البشير النذير نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد هداني الله ‪ ‬بفضله وكرمه ومنته‪ ،‬وكان سبب هدايتي أنني‬
‫حججت مع اإلسماعيلية‪ ،‬ورأيت منهم مخالفات للمسلمني كثيرة‪ ،‬ومنها على‬
‫سبيل املثال ال احلصر‪:‬‬
‫إذا أقيمت الصالة في احلرم(‪ )1‬خرجنا نصلي في رحالنا‪ ،‬فكان لهذا الشيء‬
‫وقع في نفسي‪ ،‬وصرت في صراع مع النفس كيف يحصل هذا؟ واملسلمون‬
‫يصلون في احلرم ونحن نخرج‪ ،‬شيء غريب وعجيب‪ ،‬فصارت تراودني الشكوك‬
‫عن صحة هذا املذهب وسالمة منهجه‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أنني ارتكبت محظوراً من محظورات احلج وعفى عني‬
‫املمسك الذي كان مع املجموعة بحجة أني مرافق مع والدتي ولست حاجاً‬

‫((( قال رسول الله ‪( :‬الصالة في مسجدي هذا تعدل ألف صالة فيما سواه إال املسجد احلرام‬
‫فصالة في املسجد احلرام تعدل مائة ألف صالة فيما سواه )‪ .‬مسند اإلمام أحمد (‪ .)415/23‬انظر‪ :‬كتاب‬
‫اإلسماعيلية دعائم اإلسالم‪ ،‬باب ذكر املساجد ص‪.)139(:‬‬
‫‪43‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫حقيقياً‪ ،‬وعندها أخذت على نفسي عهداً عند عودتي أن أبحث عن احلق وهل‬
‫أنا على حق أم ال‪.‬‬
‫ال عند عودتي ذهبت إلى املكتبات وبحثت فيها وقد هداني الله لكتاب‬ ‫وفع ً‬
‫ال وجدت ضالتي وفهمت‬ ‫بعنوان (منهاج املسلم) للشيخ‪ :‬أبي بكر اجلزائري‪ ،‬وفع ً‬
‫أني على خطأ ويجب علي أن أرجع عنه ولكن أين النصير بعد الله ‪ ‬فالقبيلة‬
‫تعتبر من خرج من املذهب عار عليها‪ ،‬ويجب إرجاعه وإكراهه ولو باستخدام‬
‫السحر (بالصرف والعطف) وال أحد يقف معه فيعاني من العزلة وابتعاد الناس‬
‫عنه‪ ،‬فإذا جلس في مجلس هربوا من حوله وكأنه يحمل األمراض املعدية‪.‬‬
‫وال أعرف أحداً يساعدني ويقف معي فكتمت إمياني وتوكلت على الله‬
‫والزمت املساجد وأصحاب اخلير‪ ،‬واجتهدت في حفظ ما استطعت من كتاب‬
‫الله‪ ،‬وأكثرت من القراءة في كتب العقيدة والسيرة النبوية‪ ،‬والتاريخ‪.‬‬
‫وبعد فترة من الزمن ُع ِرف أنني تسننت واتبعت كتاب الله وسنة رسوله‬
‫‪ ،‬فحصلت املضايقات والعداوات من القريب قبل البعيد‬
‫ولكن الله سبحانه وتعالى ثبتني مع كثرة ما حصل لي‪ ،‬وقد حصل لي الكثير‬
‫والكثير ولكن عند الله جتتمع اخلصوم‪.‬‬
‫وبعد وقت ظهر لي بعض املهتدين فساعدوني ووقفوا معي في محنتي وما‬
‫كنت أم ّر به‪ ،‬وهم من القبيلة قد عرفوا احلق قبلي وانكشفت لهم احلقائق أكثر‬
‫مني‪ ،‬فساعدوني وأعانوني للوقوف أمام محنتي والتي أم َّر بها واستمريت في‬
‫بحثي‪ ،‬فوجدت ضالتي ولله احلمد منهج أهل السنة واجلماعة واضح بينّ ٌ‪ ،‬ال أسرار‬
‫وال عهود وال مواثيق‪ ،‬فكتب أهل السنة في العقيدة واحلديث والتفسير والفقه‬
‫والتاريخ وسيرة املصطفى ‪‬؛ في املساجد واملكتبات‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وليس لديهم قلب احلقائق‪ ،‬وخلط املفاهيم‪ ،‬فأوراقهم مكشوفة وواضحة‪،‬‬


‫وليس لديهم تقديس للدعاة واملبالغة في ذلك‪ ،‬والتوسل بالذوات واألموات‬
‫فيما يقدر عليه إال الله‪ .‬عقيدة صافية ال غبار عليها‪.‬‬

‫■■■‬
‫‪45‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة العارشة‬

‫احلمد لله اللطيف اخلبير‪ ،‬والصالة والسالم على السراج املنير والهادي‬
‫البشير النذير نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعـد‪:‬‬
‫فقصتي عزيزي القارئ حيث ولدت وترعرعت‪ ،‬في بيئة بعيدة عن املدينة‬
‫ووبائها‪ ،‬وقد َرزَقني الله بعقل وافر وذكاء ثاقب‪ ،‬ساعدني في التعلم ومعرفة‬
‫احلق‪.‬‬
‫وقد درست وتعلمت مبادئ الكتابة والقراءة ثم كنت مولعاً بالعلم وامل ْع ِرفة‬
‫من ُذ نعومة أظفاري‪ ،‬وكان الناس في جهل‪ ،‬وخاصة في معرفة الكتابة والقراءة‬
‫في ذلك الزمن‪ ،‬فطلبت من والدي أن أذهب إلى املكرمي في جنران (خشيوة)‬
‫والذي سمعت عنه أنه يعلم الناس ويفقههم في دينهم‪ ،‬فطلبت من أبي السماح‬
‫لي بالذهاب إليه‪.‬‬
‫وبعد كثرة ترددي على والدي رحمه الله وتكرار الطلب‪ ،‬سمح لي على‬
‫مضض‪ ،‬فذهبت إلى املكرمي مع جهلي بكثير من أموره وأمور الشرع‪ ،‬وكان‬
‫الناس في ذلك الزمن في فقر وجوع وجهل‪ ،‬وأخبرته عما جئت له‪ ،‬فرحب بي‬
‫وأمرني مبالزمة أحد فقهاء املذهب‪.‬‬
‫وكان ذلك الفقيه ال يحسن النطق باحلروف مع لكنة صعبة في لسانه‪،‬‬
‫وقد الزمته وحفظت ما أمرني به مثل كراسة الصالة ومبادئ تعلم املذهب‬
‫‪46‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫اإلسماعيلي‪ ،‬والذي كان اسمه السائد في ذلك الوقت (احلنيف) وبعد حفظي‬
‫لها عن ‪ -‬ظهر قلب ‪ -‬في وقت وجيز‪.‬‬
‫ذهبت إلى الداعي املكرمي وطلبت منه مالزمة فقيه آخر أفصح لساناً‬
‫فقال لي‪ :‬إذا حفظت دروسك أرسلتك لغيره فقلت له قد حفظتها عن ظهر‬
‫قلب ثم أسمعته إياها فتعجب مني ومن سرعة حفظي‪ ،‬فأرسلني لغيره وكان‬
‫أفصح منه لساناً‪ ،‬فاستمريت في مالزمته‪ ،‬وعرفت كثيراً من أسرار املذهب‬
‫وكنت أصلي جميع الفروض مع املكرمي (الداعي) في مسجده واملفروش‬
‫باحلصباء وقبل أ ْن تُ ْع َرف ال ُف ُرش احلالية‪.‬‬
‫ومع صغر سني كان عندي حماس ومالحظات على احلاضرين في املسجد‬
‫وعلى الداعي املكرمي وهو عدم تذكيرهم ووعظهم وإرشادهم‪ ،‬فكان املصلون‬
‫إذا دخلوا املسجد صلوا ثم جلسوا للضحك والسوالف اجلانبية‪.‬‬
‫فذهبت إلى الداعي وأخبرته بحالهم وحاجتهم إلى التوعية واإلرشاد من‬
‫قِ بله وتوجيههم إلى قراءة القرآن الكرمي‪ ،‬مثل مساجد السنة حيث أنني قد‬
‫صليت اجلمعة مع أهل السنة ورأيت اهتمامهم بقراءة القرآن الكرمي‪ ،‬وتذكير‬
‫الناس وإرشادهم‪ ،‬فتبسم عند سماع كالمي وهز رأسه وسكت‪.‬‬
‫وقد ظهر لي من املذهب أشياء كثيرة‪ ،‬ولكن لعدم معرفتي املعرفة التامة‬
‫ملنهج الكتاب والسنة‪ .‬فقد دخلت املسجد يوماً مسرعاً فرأيت الناس وعليهم‬
‫السكينة خافضني رؤوسهم‪ ،‬وكأن على رؤوسهم الطير‪ ،‬واحلصباء تتطاير‬
‫من خلفي لسرعتي ألتقدم في الصفوف‪ ،‬فكانوا يرمونني باحلصباء ألجلس‬
‫ويشيرون إلي أن أجلس فجلست فنظرت في الداعي إذ تعلوه السكينة قد‬
‫‪47‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫فسألت بعد ذلك‪ ،‬فقالوا‪( :‬يوحى إليه!) فقلت هذه جديدة‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫طأطأ رأسه‬
‫استمريت في دروسي ومعرفة جديد املذهب‪.‬‬
‫وكان الناس في ذلك الزمن البعيد‪ ،‬يدخلون على الداعي املكرمي حبواً‬
‫على ركبهم فيُ َّق ِبلو َن يده وركبته وهو ينظر إليهم من دون منع لهم‪ ،‬وكنت أكره‬
‫ذلك العمل ولم أعمله‪.‬‬
‫وقد سألت املكرمي يوماً عن معنى آية في كتاب الله ‪ ‬فقال‪ :‬معناها‬
‫كذا وكذا فقلت له‪ :‬أما أنا فأرى أن معناها كذا وكذا فقال‪ :‬كالمك هو الصحيح‬
‫وأنت مبارك وأنت من اآلن مفْسوح (تصلي بالناس‪ ،‬وتعمل عقود الزواج‪ ،‬وحتج‬
‫بالناس ‪ ....،‬ألخ) فقلت لنفسي‪ :‬وماذا عندي ولكن هو أعلم مني‪.‬‬
‫وبعد وقت من الدراسة لدى املكرمي والتفقه في املذهب‪ ،‬ذهبت إلى والدي‬
‫ثم اجتهت إلى الرياض‪ ،‬ألبحث عن لقمة العيش وكانت صعبة في ذلك الزمن‪.‬‬
‫ومن املواقف الطريفة في الرياض أنني دخلت إلى أحد املساجد فوجدت‬
‫مدرساً يدرس طلبة عنده قراءة الفاحتة‪ ،‬ويراجعهم في التجويد الذي لم‬
‫أكن أعرفه من قبل‪ ،‬فكانت القراءة بالدور ويرد على من أخطأ منهم‪ ،‬وعند‬
‫وصول الدور عندي قرأت ولم ير َّد علي في أول األمر فقلت في نفسي‪ :‬قد‬
‫أخطأت فيها‬
‫َ‬ ‫فسحني املكرمي‪ ،‬ولكن قال لي‪ :‬يا بني الفاحتة سبع آيات وأنت‬
‫في حب للتعلّم والعِ لم‪ ،‬فالزمته وقتاً من‬‫سبع مرات‪ ،‬فأحزنني قوله‪ ،‬ولكن كان َّ‬
‫الزمن وعرفت القراءة الصحيحة للقرآن الكرمي‪.‬‬
‫ثم اجتهت إلى املدينة املنورة ومكة املكرمة والزمت أهل العلم‪ ،‬فعرفت‬
‫الكثير والكثير وفرقت بني املنهجني‪ ،‬منهج أهل السنة‪ ،‬ومنهج اإلسماعيلية‪،‬‬
‫وانكشفت لي احلقائق‪ ،‬فقلت‪ :‬يارب يارب كما كشفت لي احلقيقة فلك احلمد‬
‫‪48‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫أعني على كشفها لوالدي‪.‬‬


‫ثم ذهبت إلى والدي والزمته مدة من الزمن‪ ،‬وقمت بشرح األمور له وبعد‬
‫التكرار واملالزمة‪ ،‬وحوار مستمر دون كلل أو ملل‪ ،‬قال لي‪ :‬إذا أردت أن آخذ‬
‫العلم أخذته من ابن باز (والني بآخذه منك ومن مكرميك) فكدت أطير من‬
‫الفرح من هذه املقولة وقلت له‪ :‬نذهب إلى الرياض إذاً إن شاء الله‪.‬‬
‫ثم بعد وقت قصير ذهبنا ملقابلة سماحة الشيخ ابن باز وشرحت له‬
‫األمر فقال‪ :‬رحمه الله اكتبها لي وسوف تأتيك اإلجابة إن شاء الله‪ ،‬فكتبت‬
‫له ما شاء الله أن أكتب فكتبت له‪( :‬عن سبهم للصحابة وزعمهم أنهم ارتدوا‬
‫بعد الرسول ‪ ،‬وقولهم في عرض الرسول ‪‬؛‬
‫باتهامهم لعائشة زوجة الرسول ‪ ،‬وغلوهم في أهل البيت‬
‫‪ ،‬وصومهم لرمضان‪ ،‬وصالتهم اجلمعة ظهراً وبدون خطبة ‪ ...‬ألخ)‪.‬‬
‫ثم سلمتها ملكتبه وانتظرت مدة حتى ظهرت علي فقرأتها على والدي فتسنن‬
‫وأعلنها وتبرأ من املكرمي ومذهبه ومات سنياً فلله احلمد‪.‬‬

‫■■■‬
‫‪49‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة احلادية عرش‬

‫احلمد لله رب العاملني‪ ،‬والعاقبة للمتقني‪ ،‬وال عدوان إال على الظاملني‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الطيبني الطاهرين وصحابته‬
‫ومن تبعهم بإح سان إلى يوم الدين أما بعـد‪:‬‬
‫فبخصوص أسباب الهداية هي‪ :‬أوالً توفيق من الله ‪ ،‬فلله احلمد‬
‫والشكر‪ ،‬على ما أنعم به علينا من معرفة احلق‪ ،‬ونسأله الثبات عليه‪.‬‬
‫فقد كنت في السابق على املذهب اإلسماعيلي‪ ،‬وهذا املذهب يخالف الفطر‬
‫السليمة‪ ،‬فإذا كان من يتبع املذهب على فطرة سليمة وشجاعة مقترنة بالشخص‬
‫فلن يقف أمام كثير من أموره‪ ،‬والتي تعارض ويعرفها أهل الفطر السليمة‪،‬‬
‫والشجاعة يحتاجها الشخص‪ ،‬ألنه سوف يواجه املجتمع‪ ،‬والقبيلة‪ ،‬والكبير‪،‬‬
‫والصغير‪ ،‬وسوف يعادونه جميعاً عن بكرة أبيهم‪ ،‬وسوف يكون لهم معه صوالت‬
‫وجوالت‪ ،‬والثبات من الله ‪ ،‬وقد يفرقون بينه وبني زوجته‪ ،‬وأوالده‪ ،‬وذلك‬
‫بأساليب وطرق ملتوية يطول شرحها‪.‬‬
‫فقد كنت في مكة املكرمة‪ ،‬وكان لي عالقة صداقة ببعض املتواجدين في (رباط‬
‫شعب عامر) والذي يرأسه في ذلك الوقت عبد الله محمد العديني والذي صار‬
‫فيما بعد (الداعي) في جنران ‪ -‬وخيرة املوجودين ‪ -‬فاتصل بي يوماً صديق لي‬
‫منهم وقال سوف نطلع إلى عرفات من أجل حراج السيارات لنشتري سيارة ملشرف‬
‫الرباط (عبد الله العديني) فليس عنده سيارة‪ ،‬فنريدك معنا‪ ،‬قلت له حاضر‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وحضرت في الوقت احملدد‪ ،‬وركبنا نحن الثالثة ثالثنا املشرف‪ ،‬وحصل‬


‫بيننا التعارف‪ ،‬وفي أثناء الطريق مررنا باجلمرات‪ ،‬فقال لي صديقي‪ :‬هل تعرف‬
‫من هؤالء يقصد (اجلمرات)‪ ،‬قلت ‪:‬نعم هذه اجلمرة الصغرى‪ ،‬والوسطى‪،‬‬
‫والكبرى‪ ،‬فنظر في مشرف الرباط متبسماً‪ ،‬وقال هذا يجهله علم املذهب‪ ،‬ثم‬
‫إلي وقال‪ :‬أصلحك الله هذا (أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان) فو الله الذي‬
‫التفت َّ‬
‫ال إله إال هو‪ ،‬عندما سمعت مقالته طار شعر رأسي وقلت‪ :‬كيف يصدر هذا من‬
‫مسلم‪ ،‬واحلج من زمن إبراهيم ‪ ‬الذي أمره الله باألذان باحلج‪ ،‬وقبل أن‬
‫يولد اخللفاء الراشدون ‪ ‬ولكن هي الفطر إذا انتكست‪.‬‬
‫وقد أعطاني هذا املوقف همة للبحث واإلطالع على كثير من أمور املذهب‬
‫فقمت بجمع كم هائل من كتب املذهب كتب‪( :‬الظاهر والباطن) مستعم ً‬
‫ال‬
‫عالقاتي االجتماعية واألصدقاء في إحضارها من الداخل واخلارج‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واجتهاد‪،‬‬ ‫ساعدي فسهرت ليلي وأظمأت نهاري بجد‬
‫َّ‬ ‫وبعد ذلك شمرت عن‬
‫وتنقيب‪ ،‬في هذه الكتب‪ ،‬وجالست العلماء والدعاة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وتدوين‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ودراسة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بحث‪،‬‬
‫علي فعرفت شيئاً لم يكن في احلسبان‪ ،‬وظهرت لي‬ ‫ليكشفوا لي ما التبس ّ‬
‫مخالفة املذهب للكتاب والسنة‪ ،‬مخالفة واضحة جلية‪ ،‬كظهور الشمس في‬
‫رابعة النهار‪ ،‬فقلت احلمد لله الذي وفقني لهذا‪.‬‬
‫وكان لي أقارب يقدرونني‪ ،‬ويعرفونني بالصدق واألمانة‪ ،‬وكنت في السابق‬
‫إذا دخلت مساجدهم ألتزم بقراءة القرآن دون اخلوض في القيل والقال والبيع‬
‫والشراء في املسجد ويعرفون ذلك عني‪.‬‬
‫إلي أحد الفقهاء وقال لي‪:‬‬
‫وبعد معرفتي بباطن األمور تركت مساجدهم‪ ،‬فجاء َّ‬
‫اسمع‪ ،‬وحلف لي أمياناً مغلظة بأن أهل السنة‪( :‬أولهم شيطان وآخرهم شياطني)‬
‫‪51‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫فقلت هذه الفاصلة وأعلنت تسنني‪ ،‬فكانوا يتابعونني عند مساجد السنة‪.‬‬
‫وقد أحدث حتولي ضجة بني األقارب واجليران فصرت حديث الساعة‪،‬‬
‫وحديث املجالس وقاطعني اجلميع فقلت‪( :‬من كان الله معه فمن يخاف‪ ،‬ومن‬
‫فقده فمن يرجو؟)‪.‬‬
‫وقلت يارب يا من عز جارك قد تركتهم وأقبلت إليك فال تخيب رجائي‬
‫وال تشمت بي أحداً من خلقك‪ ،‬فسبحانه وتعالى قد أبدل ضعفي قو ًة‪ ،‬وفقري‬
‫غناً‪ ،‬وكفاني شر خلقه‪ ،‬فأسأله الثبات حتى املمات إنه وليي في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫■■■‬
‫‪52‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة الثانية عرش‬

‫احلمد لله رب العاملني‪ ،‬والعاقبة للمتقني‪ ،‬وال عدوان إال على الظاملني‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الطيبني الطاهرين وصحابته‬
‫ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعـد‪:‬‬
‫فقصتي هي أنني عشت حياتي مع هذا املذهب‪ ،‬وأبعدتني الظروف وطلب‬
‫لقمة العيش شرقاً وغرباً وتغربت حتى خارج الوطن ولكن بحمد الله كان لي‬
‫نصيب من التعلم ساعدني على معرفة الغث من السمني‪ ،‬والقبيح من املليح‪،‬‬
‫ولكن توفيت والدتي وأنا بعيد عنها ‪ ،‬رحمة واسعة‪ ،‬وقد أحزنني ذلك‪،‬‬
‫ولكن لله األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬
‫ولظروف احلياة وقسوتها لم حتج والدتي‪ ،‬فأردت أن أحج لها فأخبرني فقيه‬
‫إسماعيلي أن هناك فقهاء جاهزون لهذا العمل وهم أهل علم وصدق وأمانة!!‬
‫فقلت احلمد لله‪ ،‬وذهبت بنفسي وسلمت على (الداعي) ومن معه ثم وجهوني‬
‫إلى من يستلم ذلك املبلغ‪ ،‬فسألتهم عما يصلح لوالدتي وينفعها بعد موتها؟؟‬
‫فذكروا لي أشياء كثيرة ومنها احلج‪ ،‬ثم استلموا املبلغ نقداً‪ ،‬وكان ذلك‬
‫قبل احلج بوقت قصير‪.‬‬
‫فقلت لهم‪ :‬أريد أن يكون احلج لها في هذا العام؟ فوافقوا على ذلك‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وبعد احلج زارني أحد األصدقاء فأخبرته بالقصة فضحك مني‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫كيف تنطلي عليك هذه احليل؟‪ ،‬وأنت رجل كذا وكذا ميدحني ‪....‬‬
‫فقلت‪ :‬ما األمر؟‬
‫فقال‪ :‬اذهب واسأل من الذي حج لها‪ ،‬فلن جتد أحداً‪ ،‬وإمنا هم مجموعة‬
‫تنهب جيوب البسطاء والسذج من الناس‪ ،‬وهم الذين يسمون أنفسهم‪( :‬باملهاجرين‬
‫وحراز في اليمن فقلت‪ :‬له ال تستعجل في احلكم‪،‬‬‫أو املرابطني) وهم من ُعدين ِ‬
‫وسوف يأتيك اخلبر قريباً إن شاء الله‪.‬‬
‫وقد أحسست بالغنب‪ ،‬وندمت على فعلي‪ ،‬ثم انطلقت حتى وصلت إلى‬
‫خشيوة مكاني السابق‪ .‬فقابلت الذي استلم مني املبلغ‪ ،‬فقلت‪ :‬له من الذي حج‬
‫لوالدتي؟؟‬
‫فقال‪ :‬ال تسأل!!‬
‫فقلت‪ :‬وملاذا ال أسأل وهي والدتي واملال مالي؟؟‬
‫فأرسلني إلى رجل منهم‪ ،‬فلم أجد عنده خبر!! ثم الثاني!! ثم الثالث!! ثم‬
‫الرابع!! وفي األخير خرجت بخفي حنني‪ ،‬لم أجد شيئاً أذكره‪.‬‬
‫فندمت على ما فعلت‪ ،‬وبدت األفكار وأعدت حساباتي ووقفت مع نفسي‬
‫أحاسبها‪.‬‬
‫وهل هذا هو املنهج الصحيح الذي أقابل به ربي؟؟‬
‫وهل من يقوم عليه أمناء صادقون؟؟‬
‫وهل؟؟ وهل!!‬
‫‪54‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وأخيراً قابلت‪ :‬مشايخ أهل السنة ومن رجع إلى السنة من قومي‪ ،‬فعرفت‬
‫الكثير‪ ،‬وكتمت أمري واستمريت في معرفة ما ينفعني في اآلخرة‪ ،‬من حفظ‬
‫للقرآن الكرمي‪ ،‬وحضور الدروس واحملاضرات‪ ،‬فعلموا بي أقاربي فجن جنونهم‪،‬‬
‫وحاولوا بكل ما أوتوا إرجاعي إلى املذهب‪ ،‬ولكن ال جدوى لقد عرفت احلق‬
‫واتبعته‪ ،‬ولم يحصلوا على شيء‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬لعل الثانية ترجعه لنا‪ ،‬فاجتمع جميع؛ األعمام‪ ،‬واألخوال‪ ،‬واألقارب‪،‬‬
‫وحضروا إلى منزلي قبل غروب الشمس وجلسوا عند بابي‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬لن نذوق لك طعاماً‪ ،‬أو شراباً‪ ،‬أو قهوة‪ ،‬حتى جتيب طلبنا وما جئنا‬
‫له‪ ،‬فرحبت بهم والطفتهم بالقول‪ ،‬ووعدتهم‪ ،‬بتلبية رغبتهم فيما حضروا له‪.‬‬
‫علي لهم‪.‬‬
‫وبعد إكرامهم وقيامي بالواجب الذي يجب ّ‬
‫قالوا‪ :‬أنت من أفضل شبابنا ‪ .‬وأنت ‪ ..‬وأنت ‪ ..‬وأنت ‪ .‬والبد أن ترجع معنا‬
‫في املذهب اإلسماعيلي‪ ،‬مذهب أبيك وجدك‪ ،‬وهذا عار علينا وعليك أن تفارق‬
‫مذهب اآلباء واألجداد‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬كل أمر أنا فيه حاضر إال هذا األمر ولن أرجع حتى تشرق الشمس‬
‫من مغربها‪.‬‬
‫وبعد أن كثر الكالم واجلدل اقترحوا أن أقابل املكرمي لعله يقنعني‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬ال مانع من ذلك‪ ،‬ثم مت حتديد يوم أذهب معهم إلى الداعي‪،‬‬
‫فجهزت نفسي وأخذت خنجري‪ ،‬وعصبت غترتي‪ ،‬وتوكلت على الله‪.‬‬
‫وأخذت معي أسئلة يعجز عن جوابها املكرمي‪ ،‬وذهبت في سيارتي‪ ،‬وبعد‬
‫الوصول إلى الداعي ذهبوا ليخبروه‪ ،‬فطلب األسئلة ليعرفها!!‬
‫‪55‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫ثم قال لهم بعد ذلك‪ :‬دعوه‪ ،‬اتركوه في حاله‪ ،‬وال تضيقوا عليه فاألمر‬
‫بسيط‪ ،‬فأسقط في أيديهم‪ ،‬ولم يعرفوا ماذا يفعلون‪.‬‬
‫فاقترح عليهم أحد احلاضرين أن يذهبوا بي إلى أحد الفقهاء فلعله يقدم‬
‫شيئاً‪ ،‬ويستر ضعفاً‪ ،‬وقد عرفت احلقيقة‪.‬‬
‫ثم ذهبت معهم لهذا الفقيه فبدأ النقاش‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬له أسألك بالله هل أنت حتفظ كتاب الله؟؟‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أنت خبل حتى املكرمي "الداعي" ما يحفظه!!‬
‫فقمت من مكاني وقلت له‪ :‬لن أجادل جاه ً‬
‫ال ال يحفظ كتاب الله‪.‬‬
‫ثم ذكرت قصتي هذه ألحد العلماء وامتناع املكرمي من مقابلتي‪ .‬فذكر‬
‫لي "قصة سابقة" له عام (‪1400‬هـ) تقريباً وقال‪ :‬اتصلت برئيس محاكم‬
‫جنران وقلت له نريد أن نتناول طعام العشاء عندك ليلة كذا وكذا ويكون معنا‬
‫املكرمي‪ ،‬لعلنا ندعوه إلى الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬لكم ذلك‪.‬‬
‫وحضرنا على املوعد ومعي اثنان من العلماء‪ .‬وبعد تناول العشاء والقهوة‪،‬‬
‫سألنا املكرمي عن مذهبه؟‬
‫فاستخدم التقية فقال‪ :‬مذهبنا ومذهبكم واحد!!‬
‫فقلنا له كيف؟؟‬
‫فقال‪ :‬نحن وأنتم سواء!!‬
‫فقلنا وكتبكم؟؟‬
‫فقال‪ :‬كتبنا وكتبكم واحدة!!‬
‫‪56‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫فعلمنا أنه صاحب مصلحة ال يريد أن يفسدها عليه‪ ،‬ويشوه صورته أمام‬
‫الدولة واملواطن!‪.‬‬
‫إلي أحد الشباب وقال لي‪ :‬أنا من اليوم سني ولن‬
‫وفي أحد األيام حضر َّ‬
‫أتراجع في قولي‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬ما حصل لك‪.‬‬
‫فقال‪ :‬لقد حججت بوالدتي مع أحد الفقهاء املعروفني وعند وصولنا إلى‬
‫املشاعر قيل لنا أن التاريخ مختلف‪ ،‬وكان هناك اتصاالت وتنسيق وما هو‬
‫املخرج‪ ،‬فأُمِ ْرنا مبواصلة حجنا وإكماله‪ ،‬وبعد رجوعنا إلى جنران بعد احلج‬
‫أخبرتني والدتي أن النساء أخبروها أن احلج فاسد‪ ،‬وأنه يجب عليها احلج‬
‫مرة أخرى‪ ،‬وكانت تلومني وتكثر من البكاء على تعبها وخسارة املال‪ ،‬فذهبت‬
‫إلى الفقيه (املمسك) وقلت ما اخلبر؟‬
‫فقال‪ :‬ضيعونا بني أمية عليهم‪ ،‬وعليهم‪ ،‬وعليهم‪ ،‬وكان يكثر من اللعن‪،‬‬
‫والسب‪ ،‬والشتم‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬انقلب حجنا إلى عمرة‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬من الذي َقل َ َبه؟‬
‫فقال‪ :‬الداعي‪.‬‬
‫قلت له ‪ ....‬وقلت له ‪ ....‬ثم تركته وجيتك فأنا لن أرجع إلى هذا املذهب‬
‫مرة أخرى‪ ،‬فقلت له‪ :‬احلمد لله عرفت احلق فأمسك‪.‬‬

‫■■■‬
‫‪57‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫القصة الثالثة عرش‬

‫احلمد لله رب العاملني‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى‬
‫آله الطيبني الطاهرين وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعـد‪:‬‬
‫فقصتي هي عندما كنا صغاراً ونصلي خلف الفقيه اإلسماعيلي ويقرأ‬
‫القرآن في الصالة‪ ،‬أتعجب كيف ال يحسن قراءة الفاحتة‪ ،‬وهو فقيه‪ ،‬قد تفقه‬
‫في الدين‪ ،‬و ُف ِس َح من قِ َبلِ الداعي املكرمي!!!‬
‫فبدأت عندي الشكوك‪ ،‬وساءت الظنون وكل يوم في ازدياد‪ ،‬وكنت في‬
‫خارج املنطقة مع زمالئي اإلسماعيلية وفي صالة رمضان ليلة القدر (احلسنة)‬
‫كما يسمونها‪ ،‬وهي ليلة ثالث وعشرون‪ ،‬ففيها من املخالفات الشرعية ما‬
‫الله به عليم‪ ،‬فكنا نصلي صالة قضاء احلوائج (ونتسدح ونتبطح) ونقول‪:‬‬
‫«يافاطراه» وندعو أهل البيت من دون الله ‪( :‬فنضع اخلد على األرض‬
‫ونقول‪ :‬يا محمداهُ ثالثمائة مرة‪ ،‬ويا علياهُ ألف مرة‪ ،‬ويافاطمتاهُ مائة مرة‪،‬‬
‫وكذلك احلسن واحلسني) فراجعت نفسي‪ ،‬وتدبرت أمري‪ ،‬وتذكرت آخرتي‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وذكرت قول الله تعالى‪ ﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾‬
‫وقول الله تعالى‪ ﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﴾(‪.)2‬‬

‫((( سورة اجلن‪ ،‬اآلية‪.)18( :‬‬


‫((( سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪.)194( :‬‬
‫‪58‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫وقول الله تعالى‪ ﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬


‫(‪)1‬‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ﴾‬
‫فكنت في حيرة من أمري‪ ،‬وما قومي عليه من أمر‪ ،‬فهم نعم الرجال‪ ،‬كرم‬
‫وشهامة‪ ،‬رجولة وشجاعة‪ ،‬ولكن يا ليت قومي يعلمون‪.‬‬
‫فإذا مرض أحد منهم ذهبوا به إلى فقيه إسماعيلي فيعاجلهم بالسحر(‪.)2‬‬
‫ويسمونه (يقلب) فيسأل املريض ما اسم أمك مباشرة!! ثم يصف للمريض‬
‫ذبح ديك أبيض‪ ،‬أو تيس أسود وال يسمي عليه!! ثم يقوم بإعطاء حروز‪ :‬وهي‬
‫عبارة عن أوراق مغلفة بجلد يعلقها املريض في صدره وهذا السحر بعينه ‪!!.‬‬
‫والله تعالى يقول‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾(‪ )3‬ال إله إال الله‪.‬‬
‫ويقول الرسول ‪( :‬من أتى كاهناً أو عرافاً‪ ،‬فصدقه‪ ،‬فقد‬
‫كفر مبا أنزل على محمد)(‪ )4‬ويقول الرسول ‪( :‬من أتى ع َّرفاً(‪،)5‬‬

‫((( سورة سبأ‪ ،‬اآلية‪.)22( :‬‬


‫((( فالله ‪ ‬ال يضر مع اسمه وكلماته شيء‪ ،‬بدليل قول الرسول ‪( :‬ما من عبد يقول في‬
‫الصباح كل يوم أو مساء كل ليلة‪( :‬بسم الله الذي ال يضر مع اسمه شيء في األرض وال في السماء وهو‬
‫السميع العليم) من قالها ثالثاً إذا أصبح‪ ،‬وثالثاً إذا أمسى لم يضره شيء ‪ .‬أخرجه أبو داود‪،)323/4( :،‬‬
‫برقم‪ ،)5088( :‬والترمذي‪ ،)465/5( :‬برقم ‪ ،)446(:‬وابن ماجة برقم‪ ،)332/2( :‬وأحمد‪ ،‬برقم‪.)446( :‬‬
‫وبكلمات الله ميتنع الشر بدليل قول الرسول ‪( :‬أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما‬
‫خلق) ‪ .‬متفق عليه‪ ،‬البخاري‪ ،)228/6( :‬ومسلم برقم‪ )1434( :‬عن ابن عباس ‪ ،.‬ومنها قول رسول الله‬
‫‪ :‬إذا أتى أحدكم أهله فقال‪( :‬بسم الله‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا)‪،‬‬
‫لم يضره الشيطان وقوله‪ :‬إذا ولج الرجل بيته فقال‪( :‬اللهم أني أسالك خير املولج وخير املخرج‪ ،‬بسم الله‬
‫وجلنا‪ ،‬وبسم الله خرجنا‪ ،‬وعلى ربنا توكلنا‪ ،‬ثم ليسلم على أهله) صحيح رواه أبو داود (‪.)438/13‬‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.)102( :‬‬
‫((( رواه أحمد (‪ ،)9532‬واحلاكم (‪ ،)15‬والطيالسي في مسنده (‪ ،)382‬والطبراني في الكبير (‪ ،)76/10‬وغيرهم‬
‫وصححه العالمة األلباني ‪ ‬في صحيح اجلامع (‪.)5939‬‬
‫((( ال َع ّراف‪ :‬هو اسم عام للكاهن واملنجم وال َّرمال ونحوهم ممن يستدل على معرفة الغيب مبقدمات يستعملها‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫َف َس َألَ ُه عن شيءٍ ؛ لم تقبل له صالة أربعني ليلة)(‪.)1‬‬


‫واإلسماعيلية يكثرون من زيارة الكهنة والعرافني‪ ،‬ويذهبون ملن تضرب‬
‫احلصى‪ ،‬وليس في ذلك عندهم بأس‪ .‬وهذا كفر مخرج من امللة‪.‬‬
‫[وقد عرفت ذلك بعد قراءتي وأسئلتي الكثيرة] فظهرت لي األمور جلية ولكن‬
‫خوف القبيلة‪ ،‬واألقارب‪ ،‬جعلني أخفي أمري وقلت لعل املستقبل يكون أفضل‪.‬‬
‫والزلت ضعيفاً حتى مات أخي وهو في شبابه‪ ،‬فقمت بتغسيله وتكفينه مع‬
‫اإلسماعيلية‪ ،‬وصلينا عليه ثم قمنا بدفنه‪ ،‬وبعد ذلك أص َّرت والدتي بالذهاب إلى‬
‫املكرمي‪ ،‬ألكمل جميع احتياجات املتوفى حسب املذهب اإلسماعيلي‪ ،‬فذهبت أنا‬
‫وأخي طاعة لوالدتي‪ ،‬مع كرهي لذلك‪ ،‬وعند الوصول‪:‬‬
‫قلت لهم‪ :‬ما هي الطلبات على أخي املتوفى؟؟‬
‫فقالوا‪ :‬فكاك من النار بسبعة آالف ريال مع الوحدة(‪ ،)2‬وألف ريال «دراسة»‬
‫يدرسون عن امليت كتب املذهب ألن املتوفى قد بلغ ثالثني عاماً ولم يدرس كتب‬
‫املذهب‪ ،‬وألف ريال عقيقة‪.‬‬
‫فوالله الذي ال إله إال هو أنني خرجت من عنده وهو يناديني ويقول عندما‬
‫رأى أن معي مبلغاً كبيراً من املال‪ ،‬ويريد االستحواذ عليه‪( :‬ويش رأيك تدفع‬
‫صالة‪ ،‬والَّ صدقة‪ ،‬والَّ‪ ...‬أو ‪ ...‬ألخ )‪.‬‬
‫فخرجت من عنده وأنا في ق َّمة احلزن‪ ،‬والغنب‪ ،‬واألسى‪ ،‬على هذه األعمال‬
‫التي تعمل‪ ،‬ويعرفها الصغير قبل الكبير‪ ،‬وهي باطلة وما هي إالَّ كذب ودجل‪ ،‬وأكل‬

‫((( رواه مسلم‪.)2230( :‬‬


‫((( الوحدة‪ :‬هو عمل يقوم به الداعي املكرمي للمتوفى ‪ -‬يزعم ‪ -‬أنه يقربه يوم القيامة‪ ،‬فيبعث لوحده‪ ،‬ويحاسب‬
‫لوحده‪ ،‬ويدخل اجلنة لوحده‪ ،‬نعوذ بالله من الضالل!!‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫ألموال الناس بالباطل‪.‬‬


‫فوصلت إلى أخي في السيارة وأنا أصيح وأقول‪( :‬أنا بريء‪ ،‬أنا بريء‪ ،‬أنا‬
‫بريء‪ ،‬إنها صدقة وليست فكاكاً من النار‪ ،‬وبري من اإلسماعيلية وأعمالهم‪ ،‬وبري‬
‫من اإلسماعيلية وأعمالهم)‪.‬‬
‫وكان في ذهابي إلى «الداعي» خير لي فقد عرفت احلق من الباطل‪ ،‬وعرفت‬
‫املذهب وحيله‪.‬‬
‫وبعد ذلك زرت من أعرفه باخلير فقال‪ :‬لي أحسن الله عزاءك‪ ،‬أما يكفيك‬
‫هذا األمر فتتعظ‪ ،‬وتتوكل على الله‪ ،‬ومن يتوكل على الله فهو حسبه أنت عبد‬
‫ال على الشدائد فإن البشر لن يضروك ولن‬ ‫لله لست عبداً لغيره‪ ،‬فكن رج ً‬
‫ينفعوك واسمع حديث الرسول ‪‬؛ حني قال البن عمه عبد‬
‫الله بن عباس‪( :‬يا ُغلاَ ُم إني أعلمك كلمات‪ :‬احفظ الله يحفظك‪ ،‬احفظ الله‬
‫جتده جتاهك‪ ،‬إذا سألت فاسأل الله‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن بالله‪ ،‬واعلم أن‬
‫األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إال بشيءٍ قد كتبه الله لك‪،‬‬
‫وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إال بشيءٍ قد كتبه الله عليك‪،‬‬
‫وج َّف ِت الصحف)(‪ )1‬وبعد ذلك بحثت عن كتب اإلسماعيلية التي‬‫ُرف َع ِت األقال ُم َ‬
‫لم أحصل عليها من قبل‪ ،‬فحمدت الله على احلق وسألت الله الثبات وأعلنت‬
‫تسنني أمام الناس‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫(‪)2‬‬
‫ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﴾‬
‫■■■‬
‫((( رواه الترمذي‪.)2516( :‬‬
‫((( سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.)15( :‬‬
‫‪61‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫خامتة‬

‫وبعد أخي احلبيب‪:‬‬

‫فها أنا قد وضعت بني يديك في هذه الورقات البسيطة عدداً من قصص‬
‫العائدين إلى الله تعالى‪ ،‬والسائرين إليه‪ ،‬واملستبصرين بكالمه‪ ،‬واملقتدين‬
‫برسوله ‪‬؛ الذي لم يأمرنا الله باالقتداء بغيره‪ ،‬خالعني عن‬
‫أنفسهم عباءة اجلهل‪ ،‬والتعصب للقبيلة أو املذهب‪ ،‬نافضني عن أنفسهم غبار‬
‫التبعية املقيتة‪ ،‬واملذلة لغير الله ‪ ،‬والذين أدركوا بعقولهم أن الله لم يخلقنا‬
‫أناس مثلنا‪ ،‬أو اخلضوع لهم‪ ،‬أو تسليم عقولنا لهم‪ ،‬أو أنهم ينجوننا من‬
‫لتعظيم ٍ‬
‫عذاب القبر ووحشته‪ ،‬أو من عذاب النار!‬
‫أخي احلبيب‪:‬‬

‫جمعت هذه القصص ووضعتها بني يديك محبة لك‪ ،‬نعم ‪ .‬محبة لك فقد‬
‫قال ‪( :‬ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه)‬
‫(‪)1‬‬

‫وخوفاً عليك من عذاب جهنم التي وعد الله في كتابه أنها ستمتلئ يوم‬
‫القيامة من اجلن والناس فقال تعالى‪ ﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﴾(‪ .)2‬وخاصة أنها قد قامت عليك احلجة مبعرفة فساد هذا املعتقد‬

‫((( رواه البخاري‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬فتح الباري‪ ،)73/1( :‬ومسلم ‪ ،)69/1(:‬والترمذي في سننه ‪.)231/4(:‬‬
‫((( سورة هود‪ ،‬اآلية‪.)119( :‬‬
‫‪62‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫الذي يخالف كالم الله تعالى وكالم رسوله ‪‬؛ وإكراماً لك من‬
‫التبعية واملذلة واإلهانة ونهب أموالك باسم الدين‪.‬‬
‫ولتعيش سعيداً مع خالقك تاركاً خلفك العصبية القبيلة اجلاهلية وال‬
‫تكونوا كمن قال الله فيهم‪ ﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﴾(‪.)1‬‬
‫فإلى متى ستظل تتبع مذهباً قد أخفي عنك‪ ،‬وأيامك معدودة وقليلة مهما‬
‫طال عمرك!‬

‫وأخريًا‪:‬‬
‫أسأل الله تعالى أن تكون أخي الغالي أحد املنضمني إلى هذه القوافل‬
‫العائدة إلى الله‪ ،‬والتي فرت من عذابه إلى رحمته‪ ،‬ومن ناره إلى جنته‪.‬‬
‫فعليك أن تختار لنفسك داراً بعد موتك‪ ،‬وهنيئاً ملن اختار لنفسه داراً يلقى‬
‫فيها نبيه ‪‬؛ وأهل بيته األطهار‪ ،‬وصحابته األخيار‪ ،‬صلوات‬
‫الله وسالمه عليهم أجمعني‪.‬‬

‫■■■‬

‫((( سورة الزخرف‪ ،‬اآلية‪.)22( :‬‬


‫‪63‬‬
‫جنران وقوافل املهتدين‬

‫فهرس املوضوعات‬
‫املوضوع الصفحة ‬
‫النذير العريان ‪3 ..................................................................................................................‬‬
‫املقدمة ‪4 ...............................................................................................................................‬‬
‫القصة األوىل ‪8 ....................................................................................................................‬‬
‫القصة الثانية ‪12 .................................................................................................................‬‬
‫القصة الثالثة ‪19 .................................................................................................................‬‬
‫القصة الرابعة ‪22 ................................................................................................................‬‬
‫القصة اخلامسة ‪25 .............................................................................................................‬‬
‫القصة السادسة ‪30 ..............................................................................................................‬‬
‫القصة السابعة ‪33 ...............................................................................................................‬‬
‫القصة الثامنة ‪37 ................................................................................................................‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪..............................................................................................................‬‬ ‫القصة التاسعة‬
‫‪45‬‬ ‫‪...............................................................................................................‬‬ ‫القصة العاشرة‬
‫‪49‬‬ ‫‪....................................................................................................‬‬ ‫القصة احلادية عشر‬
‫‪52‬‬ ‫‪......................................................................................................‬‬ ‫القصة الثانية عشر‬
‫القصة الثالثة عشر ‪57 .......................................................................................................‬‬
‫اخلامتة ‪61 ...........................................................................................................................‬‬
‫‪63‬‬ ‫‪...........................................................................................................................‬‬ ‫الفهارس‬

‫■■■‬

You might also like