Professional Documents
Culture Documents
عندما عرف اإلنسان األفعال التي تفيد المجموعة البشرية حوله وأسماھا "خير" واألفعال
التي تضر أو تؤذي الغير وأسماھا "شر" ،كان البد له من ابتكار وسيلة يشجع بھا اآلخرين
على اإلكثار من عمل الخير واالبتعاد عن الشر ،فاخترع اإلنسان األديان وجعل اآللھة
مسؤولين عن ثواب من يفعل الخير وعقاب من يفعل الشر .ولكن لم يكن في مقدور اإلنسان
أن يجعل الثواب أو العقاب اإللھي سريع الحدوث ألنه الحظ أن الذين يرتكبون االفعال الشريرة
يھابھم الناس ويصبحون ھم أصحاب األمر والنھي ،ولذلك كان البد له من أن يفكر في عقاب
في العالم األخر أو الحياة الثانية بعد الموت .وظھرت في جميع الميثولوجيات الدينية القديمة
فكرة عقاب األشرار بحرقھم بالنار في واديٍ سحيق في العالم األخر ،ومكافأة المحسنين
بإدخالھم حدائق جميلة مليئة بالفواكه واللحوم وكل ما لذ وطاب .وظھرت فكرة ھذه الحدائق
في الميثولوجيا الھندية والفارسية وتخيلوا ھذه الحدائق بصورة الحدائق الملكية في المملكة
الفارسية والتي كانت عبارة عن حدائق شاسعة ومسورة ومليئة بالحيوانات التي كان الملوك
يصطادونھا كنوع من التسلية .وقد جعلت الميثولوجيا الدينية الفارسية ھذه الحدائق اإللھية
في السماء وكانت تعرف ب Bihishtوتعني في اللغة الفارسية القديمة "الدنيا األحسن "
The Better Land.وجعلوا فيھا Pariesأي أرواح براقة جميلة لتأسر قلوب الرجال
)(Ibn Warraq: The Origins of the Koran, p 280
ثم أخذت اليھودية ھذه الفكرة وجعلت تلك الحديقة أو الجنة في عدن ،وھي المكان الذي ُخلق
فيه آدم وحواء .وتقول الميثولوجيا اليھودية إن جنة عدن بھا شجرة الخلود وشجرة العلم
وبھا أربعة أنھار ،منھا دجلة والفرات .وعندما جاء اإلسالم لم يكتف بفكرة جنة عدن
واألشجار واألنھار ،فزاد عليھا وجعل الجنة في السماء ،وجعل عرضھا السموات واألرض
)وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجن ٍة عرضھا السموات واألرض أُعدت للمتقين( )آل عمران
.(١٣٣وحتى يؤكد القرآن أھمية الجنة ،لم يكتف بالمسارعة إليھا بل طلب من المؤمنين أن
يتسابقوا إليھا ،فقال )سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجن ِة عرضھا كعرض السماء واألرض
أُعدت للذين آمنوا با ورسله وذلك فضل ﷲ يؤتيه من يشاء وﷲ ذو الفضل العظيم( )الحديد
.(٢١وتؤكد ھذه اآلية األخيرة أن الجنة فضل ٌ من ﷲ يؤتيه من يشاء .وسوف نتحدث عن ھذا
الفضل الحقا ً.
وكما في اليھودية نجد في اإلسالم أن الجنة موجودة فعليا ً في الوقت الراھن ألن آدم قد ُخلق
في الجنة ثم أنزله ﷲ منھا عندما عصاه .والقرآن يؤكد ذلك بقوله "عرضھا السموات
واألرض" .فالجنة أكبر من أن تكون في األرض .ثم أن محمد عندما أُسري به إلى السماء
ومر بالجنة سأل جبريل أن يريه الباب الذي سوف يدخل منه المسلمون )عن أبي ھريرة قال
قال رسول ﷲ ) ص ) بينما جبريل يطوف بي أبواب الجنة قلت يا جبريل أرني الباب الذي
تدخل منه أمتي قال فأرانيه( )البغدادي ،تاريخ بغداد ،ج ،٣ص .(٥٤وقيل إن روح المؤمن
عندما يموت تتعلق أشجار الجنة )روى عبد ﷲ عن أبيه }اإلمام أحمد بن حنبل{ أنه قال قد
روى عن رسول ﷲ أنه قال نسمة المؤمن إذا مات طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه ﷲ
إلى جسده يوم يبعثه( )شذرات الذھب للدمشقي ،ج ،٢ص .(٢٠٣وكذلك عندما قُتل أصحاب
بئر معونة في السنة الرابعة للھجرة) ،قال أنس :فأنزل ﷲ في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا ً
قرأناه حتى نسخ ] بلغوا عنا قومنا إنا قد لقينا ربنا فرضى عنا و رضينا عنه( )] السيرة
النبوية البن حبان ،ص .(٩٨وقال عنھم محمد إن أرواحھم صارت في طير أخضر يطير في
الجنة .ولما قُتل جعفر بن أبي طالب في واقعة مؤته ،قال محمد للمسلمين :استغفروا له فإنه
دخل الجنة وھو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث يشاء من الجنة( تاريخ اإلسالم
للذھبي ،ص ).٩
فالجنة بالنسبة للمسلمين موجودة اآلن وھي في السماء ،وتتحدث مع ﷲ )قال أنس بن مالك
قال رسول ﷲ خلق ﷲ جنة عدن وغرس أشجارھا بيده فقال لھا تكلمي فقالت قد أفلح
المؤمنون( )الصواعق المرسلة على الجھمية والمعطلة ،البن قيم الجوزية ،ص .(٣٦ولكن
اآلن تواجھنا مشكلة عويصة :وھي أن الجنة التي في السماء اآلن ،عرضھا كعرض السموات
واألرض مجتمعتين .وكل شيء مستطيل عرضه أقصر من طوله ،فنستطيع أن نقول إن طولھا
يفوق طول السموات واألرض .والسماء ،كما نعلم ماھي إال فضاء ال متناھي تدور فيه النجوم
واألفالك واألرض .وما دام الفضاء أي السماء غير متناھي ،فھو ال طول له وال عرض .فأين
إذاً ھذه الجنة التي عرضھا يفوق السموات واألرض؟
وال غرو أننا نحتاج إلى جنة بھذه المقاييس ألن عبد ﷲ بن قيس روى عن أبيه )قال قال
رسول ﷲ :إن للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولھا ستون ميالً ،للعبد
المؤمن أھلون فيطوف عليھم ال يرى بعضھم بعضا ً( أخرجه البخاري )فتاوى النساء للشيخ
متولي الشعراوي ،ص .(١٧٦فإذاً الجنة مليئة بخيام من اللؤلؤ طول كل خيمة ٦٠ميالً .فإذا
ق ّدرنا أن عدد المؤمنين سوف يبلغ المليارات عندما تقوم القيامة ،ولكل واحد خيمة ،فالجنة
البد أن تكون أوسع من األرض.
ونأتي اآلن إلي مشكلة عويصة اختلف فيھا الفقھاء ،وما زالوا يختلفون ،وھيَ :منْ الذي
يدخل الجنة؟ ورغم أن السؤال في حد ذاته فيه نوع من التعدي على سلطات ﷲ ،ألنه يقول لنا
في القرآن عندما تحدث عن الجنة )ذلك فضل ﷲ يؤتيه من يشاء( إال أن الفقھاء أخذوا على
عاتقھم تحديد الذين سوف يدخلون الجنة ،والمغضوب عليھم والذين لن يشموا رائحتھا .يقول
ابن حزم األندلسي في كتابه )الفصل في الملل واألھواء والنِحل( )وأما الجنة فإن رسول ﷲ
صلى ﷲ عليه وسلم قال " :ال يدخل الجنة إال نفس مسلمة " والحيوان ،حاشا من ذكرنا ،ال
يقع عليھم اسم مسلمين ألن المسلم ھو المتعبد باإلسالم والحيوان المذكور غير متعبد بشرع(
)ص .(٦٥فاليھود والنصارى ال مكان لھم في الجنة ،وقد نفھم ھذا ألنھم من ملة غير ملة
المسلمين الذين يستحوذون على الحقيقة المطلقة ،ولكننا ال نفھم كيف ال يدخل الحيوان الجنة
والقرآن يقول )تسبح له السموات السبع واألرض ومن فيھن وإن من شيء إال يسبح بحمده
ولكن ال تفقھون تسبيحھم إنه كان حليما ً غفوراً( )اإلسراء .(٤٤فال بد أن الحيوان مشمول
في "كل شيء" يسبح .ثم أن المؤمنين في الجنة ال يمكن أن يعيشوا على الفواكه والعسل
واللبن والخمر ،فال بد لھم من لحم ،ومن المنطقي أن يكون في الجنة حيوانات تجود لھم بھذا
اللحم .ولكن ربما اعتمد الفقھاء على آية في سورة الواقعة تقول عن طعام أھل الجنة )وفاكھة
مما يتخيرون .ولحم طير مما يشتھون( )اآليات .(٢١ ،٢٠وربما تكون للفقھاء حجة ھنا من
أن ﷲ ذكر لحم الطير ولم يذكر لحم الحيوان وال السمك
وكان الرسول في حياته قد بشر عشر ًة من القرشيين بالجنة ،ثم لما ھجم عليه القرشيون يوم
الج َّنة ( ،أو ) ھ َُو رفِيقى فى أحد وھو في عدد قليل من أصحابه ،قال ََ )) :منْ َي ُردُّھ ْم َع َّناَ ،ولَ ُه َ
الج َّن ِة (( )زاد المعاد البن قيم الجوزية ،ج ،٣ص .(٩٧وكذلك شھد النبي ألبي سفيان بن َ
حرب بالجنة بعد أن أسلم )ويقال :إنه ما رفع رأسه إلى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم منذ
أر ُجو أسلم حيا ًء منه ،وكان رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ُيحبه ،وشھد له بالج َّنة ،وقالْ )) :
نطقت بخطيئة ُ على ،فوﷲِ ما أَنْ َي ُكونَ َخلَفا ً مِنْ َح ْم َزة(( ،ولما حضرته الوفاةُ ،قال :ال َت ْب ُكوا َّ
أسلمت( )نفس المصدر ،ص .(٢١٧وكذلك أخبرنا النبي أن الحسن والحسين سيدا شباب ُ منذ
الجنة .فالنبي كان مخوالً أن يھب الجنة لمن يختار ،ولكن أن يحدد الفقھاء َمنْ سوف يدخل
الجنة ،فأمر يأباه المنطق.
يقول ھؤالء الفقھاء إن دخول الجنة ال يعتمد على عمل الخير ،رغم أن الميثولوجيات الدينية
كلھا تقول إن الجنة ھي ثواب من يعمل خيراً) .إِنّ أَ َح َد ُك ْم لَ َي ْع َمل ُ ِب َع َم ِل أَھْ ِل ا ْل َج ّن ِة َح ّتى َما َي ُكونُ
ار َف َيدْ ُخل ُ َھا ،وإنّ أَ َح َد ُك ْم لَ َي ْع َمل ُ اب َف ُي ْخ َت ُم لَ ُه ِب َع َم ِل أَھْ ِل ال ّن َِب ْي َن ُه َو َب ْي َنھا إِالّ ذ َِرا ٌع ُث ّم َي ْسبِ ُق َعلَ ْي ِه ال ِك َت ُ
اب َف ُي ْخ َت ُم َل ُه ِب َع َم ِل أَھْ ِل
ار َح ّتى َما َي ُكونُ َب ْي َن ُه َو َب ْي َن َھا إِالّ ذ َِرا ٌع ،ث ّم َي ْس ِب ُق َعلِ ْي ِه ال ِك َت ُ ِب َع َم ِل أَھْ ِل ال ّن ِ
حديث حسنٌ صحي ٌح) (.تحفة األحوذي ،كتاب القدر، ٌ ا ْل َج ّن ِة َف َيدْ ُخلُ َھا" .قال أبو عيسى :ھذا
حديث ).١٤٢٥
ويقول اإلمام جالل الدين السيوطي )وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك قال :إن
ﷲ أخرج من ظھر آدم يوم خلقه ذريته ،ما يكون إلى يوم القيامة ،فأخرجھم مثل الذر ثم قال
}ألست بربكم قالوا بلى{ قالت المالئكة :شھدنا .ثم قبض قبضة بيمينه فقال :ھؤالء في الجنة .
ثم قبض قبضة أخرى فقال :ھؤالء في النار وال أبالي (.فدخول الجنة عملية يانصيب نتائجھا
معروفة مسبقاً.
أما ابن حزم األندلسي فيزيد على القول السابق ويؤكد بالمنطق أن دخول الجنة ھبة من ﷲ
وال يعتمد على العمل الصالح ،فيقول )قال أبو محمد :وأما قولھم أن دخول الجنة على وجه
الجزاء على العمل أعلى درجة وأسنى رتبة من دخولھا بالتفضل المجرد ،فنقول لھم وبا
تعالى التوفيق ھذا خطأ محض ألننا قد علمنا أن ھذا الحكم إنما يقع بين األكفاء والمتماثلين
وأما ﷲ فليس له كفواً أحد ومن كان عبداً آلخر فإن إقبال السيد عليه بالتفضل عليه المجرد
واالختصاص والمحاباة أسنى له وأعلى وأشرف لرتبته وأرفع لدرجته من أن يعطيه شيئا ً
بمقدار ما يستحقه لخدمته ويستخبره إياه ،ھذا ما ال ينكره إال معاند فكيف وليس ألحد على ﷲ
حق وحينئذ كل ما وھبه ﷲ تعالى ألحد من أنبيائه ومالئكته عليھم السالم وكل ما أخبر تعالى
أنه أوجبه وكتبه على نفسه وجعله حقا ً لعباده فكل ذلك تفضل مجرد من ﷲ عز وجل( )الملل
والنحل ،ج ،٢ص .(٨٣فدخول الجنة فضل ٌ من ﷲ ال عالقة له بالعمل الصالح.
ولما جاءت في القرآن اآلية التي تقول )إن الذين يكنزون الذھب والفضة )سوف يدخلون النار
وسوف ُيحمى بالذھب والفضة وتكوى بھا جنوبھم ،زاد الفقھاء عليھا وقالوا إن الجنة ال
رأيت الجنة وأني دخلتھا ُ يدخلھا إال الفقراء )قال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبيه ،قال:
ُ
ورأيت أنه ال يدخلھا إال الفقراء( )تاريخ اإلسالم للذھبي ،ص .(١٤٩فطوبى للفقراء. حبواً،
وھذا القول يشبه ما أتى به اإلنجيل من أن األغنياء ال يدخلون ملكوت ﷲ حتى يدخل الجمل
من سم الخياط .ولكن المشكلة ھنا أن العشرة المبشرين بالجنة في حياة النبي ،وقد كانوا
معدمين ،قد أصبحوا من أصحاب الماليين بعد موته ،فكيف يدخلون الجنة وھم أغنياء؟ ثم أن
عثمان بن عفان ،ذلك الصحابي الثري ،كان قد اشترى الجنة من رسول ﷲ مرتين ،كما يقول
أبو ھريرة )وعن أبي ھريرة قال :اشترى عثمان من رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم الجنة
مرتين :يوم رومة ،ويوم جيش العسرة( )نفس المصدر ،ص .(١٧٩فالغني يمكنه أن يشتري
الجنة .ثم أن أبا داود قد اشترى الجنة )أخرج ابن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب
السنن إنه كان في سفينة فسمع عاطسا على الشط حمد ﷲ ،فاشترى قاربا بدرھم حتى جاء
إلى العاطس{ على الشط{ فش ّمته }قال له يرحمك ﷲ{ ثم رجع ،فسئل عن ذلك فقال :لعله
يكون مجاب الدعوة ،فلما رقدوا سمعوا قائال يقول :يا أھل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة
من ﷲ بدرھم( )فتح الباري ،شرح صحيح البخاري البن حجر العسقالني ،باب ال ُيش ّمت
العاطس إذا لم يحمد ﷲ( .وما أرخص الجنة.
ثم أن ھناك فصائل عديدة من المسلمين لن يدخلوا الجنة ،كما جاء في األثر) :ال يدخل الجنة
قاطع رحم( )صحيح البخاري ،كتاب األدب ،باب إثم القاطع( .ويقول صاحب كتاب )الوالء
والبراء في اإلسالم ،محمد بن سعيد القحطاني( )وصلة الرحم واجبة ،وإن كانت لكافر ،فله
دينه وللواصل دينه وقياس النفقة على الميراث قياس فاسد ،فإن الميراث مبناه على النصرة
والمواالة بخالف النفقة فإنھا صلة ومواساة من حقوق القرابة .وقد جعل ﷲ للقرابة حقا ً –
وإن كانت كافرة – فالكفر ال يسقط حقوقھا في الدنيا( )ص .(٢٥٥ولكن ھذا الحديث قد يدخلنا
في مشكلة عويصة إذ أن النبي إبراھيم قطع رحمه مع أبيه وقال له( بدت بيننا وبينكم العداوة
والبغضاء إلى يوم القيامة( فھل سوف يدخل إبراھيم الجنة وھو قاطع رحم؟ ويخبرنا أھل
الحديث كذلك أن ھناك عدة أحاديث عن النبي تقول لن يدخل الجنة من ال يأمنه جاره على
أھله ،وال يدخلھا مدمن خمر ،وال من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ،وال المتبرجات من
النساء .والنساء أصالً ليس بينھن مبشرة بالجنة وقال عنھن الحديث )ال يدخل الجنة من
النساء إال مثل الغراب األعصم( وھو نادر الوجود.
وھناك بونٌ شاسع بين الفقھاء في مصير األطفال ،وماذا يحدث لھم في الحنة إذا دخلوھا.
يقول اإلمام جالل الدين السيوطي في كتاب )اإلتقان في علوم القرآن( )روى عبد ﷲ بن أحمد
في زوائد المسند عن علي قال :قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم إن المؤمنين وأوالدھم في
الجنة وإن المشركين وأوالدھم في النار ثم قرأ رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم }والذين آمنوا
وأتبعناھم ذرياتھم بإيمانھم ألحقنا بھم ذرياتھم{( .ويبدو أن العدل اإللھي ال يشمل أطفال الكفار
رغم أنھم ،كما يقول الفقھاءُ ،رفع عنھم القلم إلى حين البلوغ .
أما أطفال المسلمين الذين يدخلون الجنة فإنھم ال يكبرون بھا ،كما يقول الشيخ متولي
الشعراوي )إن الجنة ال ينمو فيھا اإلنسان كما ينمو في الدنيا ،فال ولدان أھلھا ينمون
ويكبرون ،وال الرجال ينمون ،بل ھؤالء ولدان صغار ال يتغيرون ،وھؤالء أبناء ثالث وثالثين
ال يتغيرون ،فلو كان في الجنة والدة لكان المولود ينمو ضرور ًة حتى يصير رجالً ،ومعلوم أن
من مات من األطفال ُيردّون أبناء ثالث وثالثين من غير نمو( )ص ).١٨٩
فماذا يفعل األطفال وآباؤھم في الجنة ،إذ أن األمھات ال يدخلن الجنة إال كالغراب األعصم؟ فقد
رأينا أن للرجل خيمة طولھا ٦٠ميالً وله اثنتان وسبعون حورية وربما زوجتان من أھل
األرض ،وسراري كذلك .يقول الشيخ الشعراوي )قد روى الترمذي في جامعه من حديث أنس
عن النبي )ص )قال" ُ :يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع" قيل :يا رسول ﷲ
أو يطيق ذلك؟ قالُ " :يعطى قوة مائة" .ھذا حديث صحيح ،فلعل من رواه يفضي إلى مائة
عذراء رواه بالمعنى أو يكون تفاوتھم في عدد النساء بحسب تفاوتھم في الدرجات وﷲ أعلم )
((فتاوى النساء ،ص .(١٧٦وعن الزھري أن ابن عباس قال :إنّ في الجنة نھراً يقال له
البيدخ عليه قباب من ياقوت ،تحته حور ناشئات .يقول أھل الجنة :إنطلقوا بنا إلى البيدخ،
فيجيئون فيتصفحون تلك الجواري فإذا أعجبت رجالً منھم جارية مس معصمھا فتتبعه( )نفس
المصدر ،ص ).١٧٧
فما دام ليس ھناك صالة وال صيام وال تجارة وال عمل في الجنة ،فكيف يقضي ھؤالء الناس
أيامھم ،خاصة أن اليوم في الجنة ربما يساوي ألف سنة مما نحسب ھنا .ثم أن الجنة ليس بھا
شمس وبالتالي ليس بھا ليل ليسكنوا فيه .فال بد أن حياتھم تتكون من خمر وجنس متواصل
ألن الواحد منھم لديه قوة مائة رجل في الجماع .وإذا مل ّ من أزواجه فيذھب مع أصدقائه إلى
البيدخ ليتفرج على الحوريات الناشئات ويمس معصم من تستھويه .وإني ألعجب لماذا يتھجم
الشيوخ على بنات الھوى في بترينات أمستردام عندما يعرضن أجسادھن للمارة فيلمس أحدھم
معصم من يريد ويدخل معھا إلى غرفتھا؟ ربما ألن أغلب الرجال أوربيين وكفار ال يجوز لھم
ما يجوز للمسلم ،أو ربما ألن البترينات ليست على نھر البيدخ وإنما على قتاة صغيرة في
أمستردام؟ ولماذا يصلي المسلم ويصوم وھو يعرف أن دخول الجنة ليس بالعمل وإنما
باليانصيب؟
ھل يمكن أن يقبل عقل أي شخص محايد أن تكون الجنة وبھذه األوصاف ،شيئا ً حقيقيا ً
يستحق أن ُيضحي المسلم بمتعة الحياة الدنيا من أجلھا ،وتستحق أن ُيضحي شاب في مقتبل
العمر بحياته من أجل أن يدخل تلك الجنة؟