You are on page 1of 5

‫الجنة وما أدراك ما الجنة‬

‫د‪ .‬كامل النجار‬

‫عندما عرف اإلنسان األفعال التي تفيد المجموعة البشرية حوله وأسماھا "خير" واألفعال‬
‫التي تضر أو تؤذي الغير وأسماھا "شر"‪ ،‬كان البد له من ابتكار وسيلة يشجع بھا اآلخرين‬
‫على اإلكثار من عمل الخير واالبتعاد عن الشر‪ ،‬فاخترع اإلنسان األديان وجعل اآللھة‬
‫مسؤولين عن ثواب من يفعل الخير وعقاب من يفعل الشر‪ .‬ولكن لم يكن في مقدور اإلنسان‬
‫أن يجعل الثواب أو العقاب اإللھي سريع الحدوث ألنه الحظ أن الذين يرتكبون االفعال الشريرة‬
‫يھابھم الناس ويصبحون ھم أصحاب األمر والنھي‪ ،‬ولذلك كان البد له من أن يفكر في عقاب‬
‫في العالم األخر أو الحياة الثانية بعد الموت‪ .‬وظھرت في جميع الميثولوجيات الدينية القديمة‬
‫فكرة عقاب األشرار بحرقھم بالنار في واديٍ سحيق في العالم األخر‪ ،‬ومكافأة المحسنين‬
‫بإدخالھم حدائق جميلة مليئة بالفواكه واللحوم وكل ما لذ وطاب‪ .‬وظھرت فكرة ھذه الحدائق‬
‫في الميثولوجيا الھندية والفارسية وتخيلوا ھذه الحدائق بصورة الحدائق الملكية في المملكة‬
‫الفارسية والتي كانت عبارة عن حدائق شاسعة ومسورة ومليئة بالحيوانات التي كان الملوك‬
‫يصطادونھا كنوع من التسلية‪ .‬وقد جعلت الميثولوجيا الدينية الفارسية ھذه الحدائق اإللھية‬
‫في السماء وكانت تعرف ب ‪ Bihisht‬وتعني في اللغة الفارسية القديمة "الدنيا األحسن "‬
‫‪The Better Land.‬وجعلوا فيھا ‪ Paries‬أي أرواح براقة جميلة لتأسر قلوب الرجال‬
‫)‪(Ibn Warraq: The Origins of the Koran, p 280‬‬
‫ثم أخذت اليھودية ھذه الفكرة وجعلت تلك الحديقة أو الجنة في عدن‪ ،‬وھي المكان الذي ُخلق‬
‫فيه آدم وحواء‪ .‬وتقول الميثولوجيا اليھودية إن جنة عدن بھا شجرة الخلود وشجرة العلم‬
‫وبھا أربعة أنھار‪ ،‬منھا دجلة والفرات‪ .‬وعندما جاء اإلسالم لم يكتف بفكرة جنة عدن‬
‫واألشجار واألنھار‪ ،‬فزاد عليھا وجعل الجنة في السماء‪ ،‬وجعل عرضھا السموات واألرض‬
‫)وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجن ٍة عرضھا السموات واألرض أُعدت للمتقين( )آل عمران‬
‫‪ .(١٣٣‬وحتى يؤكد القرآن أھمية الجنة‪ ،‬لم يكتف بالمسارعة إليھا بل طلب من المؤمنين أن‬
‫يتسابقوا إليھا‪ ،‬فقال )سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجن ِة عرضھا كعرض السماء واألرض‬
‫أُعدت للذين آمنوا با ورسله وذلك فضل ﷲ يؤتيه من يشاء وﷲ ذو الفضل العظيم( )الحديد‬
‫‪ .(٢١‬وتؤكد ھذه اآلية األخيرة أن الجنة فضل ٌ من ﷲ يؤتيه من يشاء‪ .‬وسوف نتحدث عن ھذا‬
‫الفضل الحقا ً‪.‬‬
‫وكما في اليھودية نجد في اإلسالم أن الجنة موجودة فعليا ً في الوقت الراھن ألن آدم قد ُخلق‬
‫في الجنة ثم أنزله ﷲ منھا عندما عصاه‪ .‬والقرآن يؤكد ذلك بقوله "عرضھا السموات‬
‫واألرض"‪ .‬فالجنة أكبر من أن تكون في األرض‪ .‬ثم أن محمد عندما أُسري به إلى السماء‬
‫ومر بالجنة سأل جبريل أن يريه الباب الذي سوف يدخل منه المسلمون )عن أبي ھريرة قال‬
‫قال رسول ﷲ ) ص ) بينما جبريل يطوف بي أبواب الجنة قلت يا جبريل أرني الباب الذي‬
‫تدخل منه أمتي قال فأرانيه( )البغدادي‪ ،‬تاريخ بغداد‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص ‪ .(٥٤‬وقيل إن روح المؤمن‬
‫عندما يموت تتعلق أشجار الجنة )روى عبد ﷲ عن أبيه }اإلمام أحمد بن حنبل{ أنه قال قد‬
‫روى عن رسول ﷲ أنه قال نسمة المؤمن إذا مات طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه ﷲ‬
‫إلى جسده يوم يبعثه( )شذرات الذھب للدمشقي‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص ‪ .(٢٠٣‬وكذلك عندما قُتل أصحاب‬
‫بئر معونة في السنة الرابعة للھجرة‪) ،‬قال أنس ‪ :‬فأنزل ﷲ في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا ً‬
‫قرأناه حتى نسخ ] بلغوا عنا قومنا إنا قد لقينا ربنا فرضى عنا و رضينا عنه( )] السيرة‬
‫النبوية البن حبان‪ ،‬ص ‪ .(٩٨‬وقال عنھم محمد إن أرواحھم صارت في طير أخضر يطير في‬
‫الجنة‪ .‬ولما قُتل جعفر بن أبي طالب في واقعة مؤته‪ ،‬قال محمد للمسلمين ‪:‬استغفروا له فإنه‬
‫دخل الجنة وھو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث يشاء من الجنة( تاريخ اإلسالم‬
‫للذھبي‪ ،‬ص ‪).٩‬‬
‫فالجنة بالنسبة للمسلمين موجودة اآلن وھي في السماء‪ ،‬وتتحدث مع ﷲ )قال أنس بن مالك‬
‫قال رسول ﷲ خلق ﷲ جنة عدن وغرس أشجارھا بيده فقال لھا تكلمي فقالت قد أفلح‬
‫المؤمنون( )الصواعق المرسلة على الجھمية والمعطلة‪ ،‬البن قيم الجوزية‪ ،‬ص ‪ .(٣٦‬ولكن‬
‫اآلن تواجھنا مشكلة عويصة‪ :‬وھي أن الجنة التي في السماء اآلن‪ ،‬عرضھا كعرض السموات‬
‫واألرض مجتمعتين‪ .‬وكل شيء مستطيل عرضه أقصر من طوله‪ ،‬فنستطيع أن نقول إن طولھا‬
‫يفوق طول السموات واألرض‪ .‬والسماء‪ ،‬كما نعلم ماھي إال فضاء ال متناھي تدور فيه النجوم‬
‫واألفالك واألرض‪ .‬وما دام الفضاء أي السماء غير متناھي‪ ،‬فھو ال طول له وال عرض‪ .‬فأين‬
‫إذاً ھذه الجنة التي عرضھا يفوق السموات واألرض؟‬
‫وال غرو أننا نحتاج إلى جنة بھذه المقاييس ألن عبد ﷲ بن قيس روى عن أبيه )قال قال‬
‫رسول ﷲ‪ :‬إن للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولھا ستون ميالً‪ ،‬للعبد‬
‫المؤمن أھلون فيطوف عليھم ال يرى بعضھم بعضا ً( أخرجه البخاري )فتاوى النساء للشيخ‬
‫متولي الشعراوي‪ ،‬ص ‪ .(١٧٦‬فإذاً الجنة مليئة بخيام من اللؤلؤ طول كل خيمة ‪ ٦٠‬ميالً‪ .‬فإذا‬
‫ق ّدرنا أن عدد المؤمنين سوف يبلغ المليارات عندما تقوم القيامة‪ ،‬ولكل واحد خيمة‪ ،‬فالجنة‬
‫البد أن تكون أوسع من األرض‪.‬‬
‫ونأتي اآلن إلي مشكلة عويصة اختلف فيھا الفقھاء‪ ،‬وما زالوا يختلفون‪ ،‬وھي‪َ :‬منْ الذي‬
‫يدخل الجنة؟ ورغم أن السؤال في حد ذاته فيه نوع من التعدي على سلطات ﷲ‪ ،‬ألنه يقول لنا‬
‫في القرآن عندما تحدث عن الجنة )ذلك فضل ﷲ يؤتيه من يشاء( إال أن الفقھاء أخذوا على‬
‫عاتقھم تحديد الذين سوف يدخلون الجنة‪ ،‬والمغضوب عليھم والذين لن يشموا رائحتھا ‪.‬يقول‬
‫ابن حزم األندلسي في كتابه )الفصل في الملل واألھواء والنِحل( )وأما الجنة فإن رسول ﷲ‬
‫صلى ﷲ عليه وسلم قال‪ " :‬ال يدخل الجنة إال نفس مسلمة " والحيوان‪ ،‬حاشا من ذكرنا‪ ،‬ال‬
‫يقع عليھم اسم مسلمين ألن المسلم ھو المتعبد باإلسالم والحيوان المذكور غير متعبد بشرع(‬
‫)ص ‪ .(٦٥‬فاليھود والنصارى ال مكان لھم في الجنة‪ ،‬وقد نفھم ھذا ألنھم من ملة غير ملة‬
‫المسلمين الذين يستحوذون على الحقيقة المطلقة‪ ،‬ولكننا ال نفھم كيف ال يدخل الحيوان الجنة‬
‫والقرآن يقول )تسبح له السموات السبع واألرض ومن فيھن وإن من شيء إال يسبح بحمده‬
‫ولكن ال تفقھون تسبيحھم إنه كان حليما ً غفوراً( )اإلسراء ‪ .(٤٤‬فال بد أن الحيوان مشمول‬
‫في "كل شيء" يسبح ‪ .‬ثم أن المؤمنين في الجنة ال يمكن أن يعيشوا على الفواكه والعسل‬
‫واللبن والخمر‪ ،‬فال بد لھم من لحم‪ ،‬ومن المنطقي أن يكون في الجنة حيوانات تجود لھم بھذا‬
‫اللحم‪ .‬ولكن ربما اعتمد الفقھاء على آية في سورة الواقعة تقول عن طعام أھل الجنة )وفاكھة‬
‫مما يتخيرون‪ .‬ولحم طير مما يشتھون( )اآليات ‪ .(٢١ ،٢٠‬وربما تكون للفقھاء حجة ھنا من‬
‫أن ﷲ ذكر لحم الطير ولم يذكر لحم الحيوان وال السمك‬
‫وكان الرسول في حياته قد بشر عشر ًة من القرشيين بالجنة‪ ،‬ثم لما ھجم عليه القرشيون يوم‬
‫الج َّنة (‪ ،‬أو ) ھ َُو رفِيقى فى‬ ‫أحد وھو في عدد قليل من أصحابه‪ ،‬قال َ‪َ )) :‬منْ َي ُردُّھ ْم َع َّنا‪َ ،‬ولَ ُه َ‬
‫الج َّن ِة (( )زاد المعاد البن قيم الجوزية‪ ،‬ج‪ ،٣‬ص ‪ .(٩٧‬وكذلك شھد النبي ألبي سفيان بن‬ ‫َ‬
‫حرب بالجنة بعد أن أسلم )ويقال‪ :‬إنه ما رفع رأسه إلى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم منذ‬
‫أر ُجو‬ ‫أسلم حيا ًء منه‪ ،‬وكان رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ُيحبه‪ ،‬وشھد له بالج َّنة‪ ،‬وقال‪ْ )) :‬‬
‫نطقت بخطيئة‬ ‫ُ‬ ‫على‪ ،‬فوﷲِ ما‬ ‫أَنْ َي ُكونَ َخلَفا ً مِنْ َح ْم َزة((‪ ،‬ولما حضرته الوفاةُ‪ ،‬قال‪ :‬ال َت ْب ُكوا َّ‬
‫أسلمت( )نفس المصدر‪ ،‬ص ‪ .(٢١٧‬وكذلك أخبرنا النبي أن الحسن والحسين سيدا شباب‬ ‫ُ‬ ‫منذ‬
‫الجنة‪ .‬فالنبي كان مخوالً أن يھب الجنة لمن يختار‪ ،‬ولكن أن يحدد الفقھاء َمنْ سوف يدخل‬
‫الجنة‪ ،‬فأمر يأباه المنطق‪.‬‬
‫يقول ھؤالء الفقھاء إن دخول الجنة ال يعتمد على عمل الخير‪ ،‬رغم أن الميثولوجيات الدينية‬
‫كلھا تقول إن الجنة ھي ثواب من يعمل خيراً‪) .‬إِنّ أَ َح َد ُك ْم لَ َي ْع َمل ُ ِب َع َم ِل أَھْ ِل ا ْل َج ّن ِة َح ّتى َما َي ُكونُ‬
‫ار َف َيدْ ُخل ُ َھا‪ ،‬وإنّ أَ َح َد ُك ْم لَ َي ْع َمل ُ‬ ‫اب َف ُي ْخ َت ُم لَ ُه ِب َع َم ِل أَھْ ِل ال ّن ِ‬‫َب ْي َن ُه َو َب ْي َنھا إِالّ ذ َِرا ٌع ُث ّم َي ْسبِ ُق َعلَ ْي ِه ال ِك َت ُ‬
‫اب َف ُي ْخ َت ُم َل ُه ِب َع َم ِل أَھْ ِل‬
‫ار َح ّتى َما َي ُكونُ َب ْي َن ُه َو َب ْي َن َھا إِالّ ذ َِرا ٌع‪ ،‬ث ّم َي ْس ِب ُق َعلِ ْي ِه ال ِك َت ُ‬ ‫ِب َع َم ِل أَھْ ِل ال ّن ِ‬
‫حديث حسنٌ صحي ٌح‪) (.‬تحفة األحوذي‪ ،‬كتاب القدر‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ا ْل َج ّن ِة َف َيدْ ُخلُ َھا"‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬ھذا‬
‫حديث ‪).١٤٢٥‬‬
‫ويقول اإلمام جالل الدين السيوطي )وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك قال‪ :‬إن‬
‫ﷲ أخرج من ظھر آدم يوم خلقه ذريته‪ ،‬ما يكون إلى يوم القيامة‪ ،‬فأخرجھم مثل الذر ثم قال‬
‫}ألست بربكم قالوا بلى{ قالت المالئكة‪ :‬شھدنا‪ .‬ثم قبض قبضة بيمينه فقال‪ :‬ھؤالء في الجنة ‪.‬‬
‫ثم قبض قبضة أخرى فقال‪ :‬ھؤالء في النار وال أبالي‪ (.‬فدخول الجنة عملية يانصيب نتائجھا‬
‫معروفة مسبقا‪ً.‬‬

‫أما ابن حزم األندلسي فيزيد على القول السابق ويؤكد بالمنطق أن دخول الجنة ھبة من ﷲ‬
‫وال يعتمد على العمل الصالح‪ ،‬فيقول )قال أبو محمد‪ :‬وأما قولھم أن دخول الجنة على وجه‬
‫الجزاء على العمل أعلى درجة وأسنى رتبة من دخولھا بالتفضل المجرد‪ ،‬فنقول لھم وبا‬
‫تعالى التوفيق ھذا خطأ محض ألننا قد علمنا أن ھذا الحكم إنما يقع بين األكفاء والمتماثلين‬
‫وأما ﷲ فليس له كفواً أحد ومن كان عبداً آلخر فإن إقبال السيد عليه بالتفضل عليه المجرد‬
‫واالختصاص والمحاباة أسنى له وأعلى وأشرف لرتبته وأرفع لدرجته من أن يعطيه شيئا ً‬
‫بمقدار ما يستحقه لخدمته ويستخبره إياه‪ ،‬ھذا ما ال ينكره إال معاند فكيف وليس ألحد على ﷲ‬
‫حق وحينئذ كل ما وھبه ﷲ تعالى ألحد من أنبيائه ومالئكته عليھم السالم وكل ما أخبر تعالى‬
‫أنه أوجبه وكتبه على نفسه وجعله حقا ً لعباده فكل ذلك تفضل مجرد من ﷲ عز وجل( )الملل‬
‫والنحل‪ ،‬ج‪ ،٢‬ص ‪ .(٨٣‬فدخول الجنة فضل ٌ من ﷲ ال عالقة له بالعمل الصالح‪.‬‬
‫ولما جاءت في القرآن اآلية التي تقول )إن الذين يكنزون الذھب والفضة )سوف يدخلون النار‬
‫وسوف ُيحمى بالذھب والفضة وتكوى بھا جنوبھم‪ ،‬زاد الفقھاء عليھا وقالوا إن الجنة ال‬
‫رأيت الجنة وأني دخلتھا‬ ‫ُ‬ ‫يدخلھا إال الفقراء )قال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبيه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ُ‬
‫ورأيت أنه ال يدخلھا إال الفقراء( )تاريخ اإلسالم للذھبي‪ ،‬ص ‪ .(١٤٩‬فطوبى للفقراء‪.‬‬ ‫حبواً‪،‬‬
‫وھذا القول يشبه ما أتى به اإلنجيل من أن األغنياء ال يدخلون ملكوت ﷲ حتى يدخل الجمل‬
‫من سم الخياط‪ .‬ولكن المشكلة ھنا أن العشرة المبشرين بالجنة في حياة النبي‪ ،‬وقد كانوا‬
‫معدمين‪ ،‬قد أصبحوا من أصحاب الماليين بعد موته‪ ،‬فكيف يدخلون الجنة وھم أغنياء؟ ثم أن‬
‫عثمان بن عفان‪ ،‬ذلك الصحابي الثري‪ ،‬كان قد اشترى الجنة من رسول ﷲ مرتين‪ ،‬كما يقول‬
‫أبو ھريرة )وعن أبي ھريرة قال‪ :‬اشترى عثمان من رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم الجنة‬
‫مرتين‪ :‬يوم رومة‪ ،‬ويوم جيش العسرة( )نفس المصدر‪ ،‬ص ‪ .(١٧٩‬فالغني يمكنه أن يشتري‬
‫الجنة‪ .‬ثم أن أبا داود قد اشترى الجنة )أخرج ابن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب‬
‫السنن إنه كان في سفينة فسمع عاطسا على الشط حمد ﷲ‪ ،‬فاشترى قاربا بدرھم حتى جاء‬
‫إلى العاطس{ على الشط{ فش ّمته }قال له يرحمك ﷲ{ ثم رجع‪ ،‬فسئل عن ذلك فقال‪ :‬لعله‬
‫يكون مجاب الدعوة‪ ،‬فلما رقدوا سمعوا قائال يقول‪ :‬يا أھل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة‬
‫من ﷲ بدرھم( )فتح الباري‪ ،‬شرح صحيح البخاري البن حجر العسقالني‪ ،‬باب ال ُيش ّمت‬
‫العاطس إذا لم يحمد ﷲ(‪ .‬وما أرخص الجنة‪.‬‬

‫ثم أن ھناك فصائل عديدة من المسلمين لن يدخلوا الجنة‪ ،‬كما جاء في األثر‪) :‬ال يدخل الجنة‬
‫قاطع رحم( )صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب إثم القاطع(‪ .‬ويقول صاحب كتاب )الوالء‬
‫والبراء في اإلسالم‪ ،‬محمد بن سعيد القحطاني( )وصلة الرحم واجبة‪ ،‬وإن كانت لكافر‪ ،‬فله‬
‫دينه وللواصل دينه وقياس النفقة على الميراث قياس فاسد‪ ،‬فإن الميراث مبناه على النصرة‬
‫والمواالة بخالف النفقة فإنھا صلة ومواساة من حقوق القرابة‪ .‬وقد جعل ﷲ للقرابة حقا ً –‬
‫وإن كانت كافرة – فالكفر ال يسقط حقوقھا في الدنيا( )ص ‪ .(٢٥٥‬ولكن ھذا الحديث قد يدخلنا‬
‫في مشكلة عويصة إذ أن النبي إبراھيم قطع رحمه مع أبيه وقال له( بدت بيننا وبينكم العداوة‬
‫والبغضاء إلى يوم القيامة( فھل سوف يدخل إبراھيم الجنة وھو قاطع رحم؟ ويخبرنا أھل‬
‫الحديث كذلك أن ھناك عدة أحاديث عن النبي تقول لن يدخل الجنة من ال يأمنه جاره على‬
‫أھله‪ ،‬وال يدخلھا مدمن خمر‪ ،‬وال من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر‪ ،‬وال المتبرجات من‬
‫النساء‪ .‬والنساء أصالً ليس بينھن مبشرة بالجنة وقال عنھن الحديث )ال يدخل الجنة من‬
‫النساء إال مثل الغراب األعصم( وھو نادر الوجود‪.‬‬
‫وھناك بونٌ شاسع بين الفقھاء في مصير األطفال‪ ،‬وماذا يحدث لھم في الحنة إذا دخلوھا‪.‬‬
‫يقول اإلمام جالل الدين السيوطي في كتاب )اإلتقان في علوم القرآن( )روى عبد ﷲ بن أحمد‬
‫في زوائد المسند عن علي قال‪ :‬قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم إن المؤمنين وأوالدھم في‬
‫الجنة وإن المشركين وأوالدھم في النار ثم قرأ رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم }والذين آمنوا‬
‫وأتبعناھم ذرياتھم بإيمانھم ألحقنا بھم ذرياتھم{(‪ .‬ويبدو أن العدل اإللھي ال يشمل أطفال الكفار‬
‫رغم أنھم‪ ،‬كما يقول الفقھاء‪ُ ،‬رفع عنھم القلم إلى حين البلوغ ‪.‬‬
‫أما أطفال المسلمين الذين يدخلون الجنة فإنھم ال يكبرون بھا‪ ،‬كما يقول الشيخ متولي‬
‫الشعراوي )إن الجنة ال ينمو فيھا اإلنسان كما ينمو في الدنيا‪ ،‬فال ولدان أھلھا ينمون‬
‫ويكبرون‪ ،‬وال الرجال ينمون‪ ،‬بل ھؤالء ولدان صغار ال يتغيرون‪ ،‬وھؤالء أبناء ثالث وثالثين‬
‫ال يتغيرون‪ ،‬فلو كان في الجنة والدة لكان المولود ينمو ضرور ًة حتى يصير رجالً‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫من مات من األطفال ُيردّون أبناء ثالث وثالثين من غير نمو( )ص ‪).١٨٩‬‬
‫فماذا يفعل األطفال وآباؤھم في الجنة‪ ،‬إذ أن األمھات ال يدخلن الجنة إال كالغراب األعصم؟ فقد‬
‫رأينا أن للرجل خيمة طولھا ‪ ٦٠‬ميالً وله اثنتان وسبعون حورية وربما زوجتان من أھل‬
‫األرض‪ ،‬وسراري كذلك ‪.‬يقول الشيخ الشعراوي )قد روى الترمذي في جامعه من حديث أنس‬
‫عن النبي )ص )قال" ‪ُ :‬يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع" قيل‪ :‬يا رسول ﷲ‬
‫أو يطيق ذلك؟ قال‪ُ " :‬يعطى قوة مائة"‪ .‬ھذا حديث صحيح‪ ،‬فلعل من رواه يفضي إلى مائة‬
‫عذراء رواه بالمعنى أو يكون تفاوتھم في عدد النساء بحسب تفاوتھم في الدرجات وﷲ أعلم )‬
‫((فتاوى النساء‪ ،‬ص ‪ .(١٧٦‬وعن الزھري أن ابن عباس قال‪ :‬إنّ في الجنة نھراً يقال له‬
‫البيدخ عليه قباب من ياقوت‪ ،‬تحته حور ناشئات‪ .‬يقول أھل الجنة‪ :‬إنطلقوا بنا إلى البيدخ‪،‬‬
‫فيجيئون فيتصفحون تلك الجواري فإذا أعجبت رجالً منھم جارية مس معصمھا فتتبعه( )نفس‬
‫المصدر‪ ،‬ص ‪).١٧٧‬‬
‫فما دام ليس ھناك صالة وال صيام وال تجارة وال عمل في الجنة‪ ،‬فكيف يقضي ھؤالء الناس‬
‫أيامھم‪ ،‬خاصة أن اليوم في الجنة ربما يساوي ألف سنة مما نحسب ھنا‪ .‬ثم أن الجنة ليس بھا‬
‫شمس وبالتالي ليس بھا ليل ليسكنوا فيه‪ .‬فال بد أن حياتھم تتكون من خمر وجنس متواصل‬
‫ألن الواحد منھم لديه قوة مائة رجل في الجماع‪ .‬وإذا مل ّ من أزواجه فيذھب مع أصدقائه إلى‬
‫البيدخ ليتفرج على الحوريات الناشئات ويمس معصم من تستھويه‪ .‬وإني ألعجب لماذا يتھجم‬
‫الشيوخ على بنات الھوى في بترينات أمستردام عندما يعرضن أجسادھن للمارة فيلمس أحدھم‬
‫معصم من يريد ويدخل معھا إلى غرفتھا؟ ربما ألن أغلب الرجال أوربيين وكفار ال يجوز لھم‬
‫ما يجوز للمسلم‪ ،‬أو ربما ألن البترينات ليست على نھر البيدخ وإنما على قتاة صغيرة في‬
‫أمستردام؟ ولماذا يصلي المسلم ويصوم وھو يعرف أن دخول الجنة ليس بالعمل وإنما‬
‫باليانصيب؟‬
‫ھل يمكن أن يقبل عقل أي شخص محايد أن تكون الجنة وبھذه األوصاف‪ ،‬شيئا ً حقيقيا ً‬
‫يستحق أن ُيضحي المسلم بمتعة الحياة الدنيا من أجلھا‪ ،‬وتستحق أن ُيضحي شاب في مقتبل‬
‫العمر بحياته من أجل أن يدخل تلك الجنة؟ ‪ ‬‬

You might also like