You are on page 1of 8

‫األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 12‬العدد ‪ 01‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪88 - 81 :‬‬

‫قوائم احملتويات متاحة على ‪ ASJP‬املنصة اجلزائرية للمجالت العلمية‬


‫األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‬
‫الصفحة الرئيسية للمجلة‪www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/552 :‬‬

‫الرتمجة املتخصصة‪:‬‬
‫مهارات املرتجم املتخصص‬

‫‪Specialized Translation:‬‬
‫‪Specialized Translator’s Skills‬‬
‫‪2‬‬
‫باية جبايلي‪ ،*1‬أ‪.‬د‪ .‬حفيظة بلقاسمي‬
‫‪1‬جامعة وهران ‪ ،1‬أحمد بن بلة ‪ -‬الجزائر‬
‫‪2‬جامعة وهران ‪ ،1‬أحمد بن بلة ‪ -‬الجزائر‬
‫ملخص‬ ‫معلومات املقال‬
‫تاريخ املقال‪:‬‬
‫تزداد الحاجة إلى الترجمة المتخصصة يوما بعد يوم‪ ،‬من أجل كسر الحواجز العلمية‬
‫والفكرية بين البلدان‪ .‬هذه الحواجز التي تنشب عن تنوع اللغات ‪ ،‬ما يعرقل بالضرورة‬ ‫اإلرسال ‪2019/07/29 :‬‬
‫االستغالل األمثل للبيانات والمعلومات الجديدة الواردة بلغات أجنبية بالنسبة لقراء الدول‬ ‫املراجعة ‪2019/11/16 :‬‬
‫األخرى التي تختلف لغاتها‪.‬‬
‫القبول ‪2019/11/19 :‬‬
‫إن ترجمة النصوص المتخصصة مهمة عسيرة وشائكة‪ ،‬وذلك لكون ترجمة أي نص متخصص‬
‫تعد تجربة جديدة في حد ذاتها‪ ،‬مهما كان عدد النصوص التي قام المترجم بنقلها في السابق‪،‬‬
‫ويكون مرد هذا األمر إلى اختالف النصوص‪ ،‬حتى وإن كانت تصب في الميدان نفسه‪ ،‬أو‬ ‫الكلمات املفتاحية‪:‬‬
‫صادرة من الكاتب نفسه‪ ،‬ألن النصوص تختلف من حيث تراكيبها النحوية المستعملة‪،‬‬ ‫الترجمة المتخصصة‪،‬‬
‫ومصطلحاتها‪ ،‬ومفرداتها‪ ،‬بل وحتى موضوعاتها‪ ،‬وإن كانت في الحقل نفسه‪.‬‬
‫المترجم المتخصص‪،‬‬
‫ولذلك‪ ،‬فالترجمة المتخصصة تتطلب تكوينا خاصا ملما بكل جوانبها من لغة االختصاص‬
‫إلى خصوصية النصوص وأنواعها‪ ،‬ومن هنا تبرز الحاجة إلى توضيح مهارات المترجم‬ ‫مهارات المترجم‬
‫المتخصص ومراحل تكوينه ومعايير تقييم أداءه ودوره في ترجمة متخصصة كاملة من‬ ‫المتخصص‪،‬‬
‫جميع النواحي‪.‬‬ ‫كفاءات المترجم‬
‫المتخصص‪،‬‬
‫تكوين المترجم‬
‫المتخصص‪.‬‬

‫‪Key words:‬‬ ‫‪Abstract‬‬


‫‪specialized translation,‬‬ ‫‪The need for specialized translation is increasingly growing in order to break scientific and intellectual‬‬
‫‪barriers between countries.‬‬
‫‪specialized translator,‬‬ ‫‪The translation of specialized texts is a difficult task, because it is a new experience, no matter how many‬‬
‫‪texts the translator has translate in the past. This is due to the diversity of texts, even if they belong to‬‬
‫‪specialized‬‬ ‫‪the same field of study, because the texts differ in terms of their grammatical structure, and vocabulary.‬‬
‫‪translatorskills,‬‬ ‫‪Therefore, specialized translation requires a special training, which includes all its aspects, from‬‬
‫‪the language of specialty to the specificity of the texts and their types. There is a need to clarify the‬‬
‫‪specialized translator,‬‬ ‫‪specialized translator’s skills, the stages of his training and the criteria for evaluating his performance‬‬
‫‪qualifications,‬‬ ‫‪and role in specialized translation.‬‬

‫‪specialized translator‬‬
‫‪training.‬‬
‫‪81‬‬
‫‪* Corresponding author at: Ahmed Benbela University of Oran1, ALGERIA‬‬
‫‪Email : djebaili.baya@gmail.com‬‬
‫ب‪ .‬جبايلي‪ ،‬ح‪ .‬بلقاسمي | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 12‬العدد ‪ 01‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪88 - 81 :‬‬
‫كثريا ما تقتضي الضرورة أن يكون املرتجم املتخصص‬ ‫املقدمة‬
‫مصطلحيا ومعجميا إضافة إىل كونه مرتمجا‪ ،‬فال يستطيع‬
‫االكتفاء باستهالك منتوج املصطلحيني‪ ،‬واملعجميني‪ ،‬ذلك‬ ‫أضحت الرتمجة املتخصصة ذات أهمية بالغة غداة احلرب‬
‫كون عمله يضعه يف الواجهة األوىل ملن يبحثون عن املقابالت‬ ‫العاملية الثانية موازاة مع انفتاح السوق العاملية االقتصادية‪.‬‬
‫املناسبة للمصطلحات اليت يراد ترمجتها‪ ،‬حتى قبل املصطلحي‬ ‫و يف ظل اإلنفجار املعريف‪ ،‬تزايدت احلاجة إىل املرتمجني‬
‫نفسه‪ ،‬فاملرتجم هو أول من يصادف هذه املصطلحات‪ ،‬وكثريا ما‬ ‫املتخصصني الذين يتمتعون بالدقة العالية يف جمال‬
‫تكون حديثة‪ ،‬قليلة التداول‪ ،‬وليس لديه متسع من الوقت كي‬ ‫ختصصهم‪ ،‬إال أن ترمجة النصوص املتخصصة هي مهمة‬
‫ينتظر املصطلحي‪ ،‬فيقوم هو بالبحث عن أحسن مقابل هلا‪.‬‬ ‫عسرية وشائكة‪ ،‬وذلك لكون ترمجة أي نص متخصص تعد‬
‫جتربة جديدة يف حد ذاتها‪ ،‬مهما كان عدد النصوص اليت قام‬
‫و قد يقوم املرتجم نفسه بدور الرقيب على ترمجته‪ ،‬حيث عليه‬ ‫املرتجم بنقلها يف السابق‪ ،‬و لذلك‪ ،‬فإن الرتمجة املتخصصة‬
‫أن׃" يتأكد من صحة ترمجته‪ ،‬وال حيس فيها بشيء تستغربه‬ ‫تتطلب تكوينا خاصا ملما بكل جوانبها من لغة االختصاص‬
‫لغة املتلقي‪ ،‬أو يشعر بأنها أضعف من األصل"(اجليالني‪،‬‬ ‫إىل خصوصية النصوص وأنواعها‪ .‬لقد استقطبت الرتمجة‬
‫حد قول رئيس‬‫‪ ،1996‬صفحة ‪ ،[1])37‬فتكمن مهمته ‪-‬وعلى ِّ‬ ‫املتخصصة يف العقود األخرية إهتمام املنظرين و الباحثني و‬
‫"الشركة الفرنسية للمرتمجني"‪ -‬يف׃‬ ‫نالت قسطا وافرا من كتاباتهم‪ ،‬إذ هناك أحباث عديدة تناولت‬
‫‪« ….d’assimiler un texte scientifique ou technique écrit‬‬ ‫هذا املوضوع يف كله أو جزئه‪ ،‬نذكر منها‪ :‬‬
‫‪dans une langue étrangère… et de le réécrire de façon‬‬
‫‪que le spécialiste auquel il est destiné ait l’impression‬‬‫‪ -‬اخلوري(شحادة)‪ ،‬دراسات يف الرتمجة واملصطلح‬
‫‪qu’il a été écrit dans son propre pays »(Horguelin,‬‬ ‫والتعريب‪،‬ج‪ ،1‬دار طالس للدراسات والرتمجة والنشر‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫)‪1996, p. 16)(9‬‬ ‫‪ - .1989‬ديريو(كريستني)‪ ،‬أسس تدريس الرتمجة التقنية‪،‬‬
‫ّ‬
‫املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬ترمجة مقنص(هدى)‪ ،‬ط‪ ،1‬مبعنى‪…" :‬إدراك النص العلمي‪ ،‬أو التقين املكتوب بلغة‬
‫أجنبية‪ ...‬وإعادة كتابته بطريقة جتعل املتخصص املتلقي‬ ‫بريوت‪.2007 ،‬‬
‫إن اهلدف من هذه الدراسة هو تسليط الضوء على مفهوم للرتمجة يعتقد أن النص كتب بلغته الوطنية"(ترمجتنا)‪،‬‬
‫الرتمجة املتخصصة و مهارات املرتجم املتخصص البحت‪ ،‬و و يتطلب أن يكون إعداده׃"إعدادا جيدا يف حقل داللة األلفاظ‬
‫شروط تكوينه من أجل ترمجة متخصصة كاملة من مجيع العربية‪ ،‬وكذلك يف النحو والصرف واألساليب اللغوية‬
‫القومية"(اجليالني‪ ،1996 ،‬صفحة ‪.)1()36‬‬ ‫النواحي‪.‬‬
‫و يتجلى لنا دور املرتجم أكثر‪ ،‬إذا ما قارنا الرتمجة البشرية‬ ‫وعليه‪ ،‬فإن إشكالية هذا املقال تقوم يف جوهرها‪ ،‬على طرح‬
‫بالرتمجة اآللية‪ ،‬فهنا تتضح أهمية الدور الذي يؤديه‪،‬‬ ‫جمموعة من التساؤالت‪ ،‬نوجز بعضها فيما يلي‪:‬‬
‫و يتبني لنا أيضا أن الرتمجة ليست جمرد مقابالت ملفردات‪،‬‬ ‫ما هو دور املرتجم يف الرتمجة املتخصصة؟ ما هي مراحل‬
‫بل هي أبعد من ذلك‪ ،‬فكثريا ما جند أن الرتمجات اآللية ال‬ ‫تكوينه ‪ ،‬و ما هي معايري تقييم أدائه ؟‬
‫تؤدي الغرض املطلوب‪ ،‬ويف أحيان كثرية تبتعد من معنى‬
‫النص األصلي‪ ،‬حيث تعجز هذه األخرية عن ترمجة معظم‬ ‫‪ .2‬خصائص الرتمجة املتخصصة‬
‫التعابري املصطلحية‪ ،‬وتقدم لنا مجال‪ ،‬أو مفردات خارجة متاما‬ ‫تستهدف الرتمجة املتخصصة النصوص التقنية و تتميز عن‬
‫عن سياق الكالم‪ .‬وهنا يربز دور املرتجم الذي يقوم حبل هذه‬ ‫غريها من الرتمجة خبصوصية النصوص‪ ،‬واألسلوب التقين‪،‬‬
‫املشكلة مستعينا مبعارفه‪ ،‬وإبداعه‪ ،‬وقدراته الفكرية إلعطاء‬ ‫الذي يشكل صعوبات ال يستطيع أن يتجاوزها املرتجم غري‬
‫ترمجة سليمة‪ ،‬مفهومة‪ ،‬فالرتمجة اآللية ال ميكنها إال أن‬ ‫املتخصص‪ .‬يلخص شحاذة اخلوري أهم مميزاتها يف قوله‪" :‬‬
‫تكون عونا للمرتجم ال أكثر‪.‬‬ ‫تتميز هذه الرتمجة بأنه ينبغي أن تتوافر هلا الدقة‪ ،‬والوضوح يف‬
‫املعنى‪ ،‬مع صحة املصطلح‪ ،‬وسالمة اللغة‪ ،‬وليس مطلوبا فيها وهناك سؤال يفرض نفسه‪ :‬هل يعترب كل ثنائي‪ ،‬أو ثالثي‬
‫حسن األسلوب‪ ،‬ومجال العبارة "(اخلوري‪ ،1989 ،‬صفحة ‪ )57‬اللغة مرتمجا؟ بطبيعة احلال‪ ،‬ال !فهنا أيضا يربز دور املرتجم‬
‫(‪)4‬‬

‫يف ربطه بني النص األصلي‪ ،‬والنص اهلدف‪ ،‬والتنقل من اللغة‬ ‫‪ .3‬دور املرتجم املتخصص‬
‫األصلية إىل اللغة اهلدف مبرونة‪ ،‬وإجياد املقابالت املناسبة‪،‬‬
‫قد يبدو للبعض أن عملية الرتمجة عملية سهلة‪ ،‬يسرية‬
‫وحسن التصرف يف املصطلحات‪ ،‬خاصة يف ميدان الرتمجة‬
‫تتلخص يف استبدال لفظة بغريها من اللغة األصل إىل اللغة‬
‫املتخصصة‪.‬‬
‫اهلدف‪ ،‬غري أن األمر ليس بهذه البساطة ‪ ،‬فالرتمجة تتطلب‬
‫عدة مؤهالت‪ ،‬وكفاءات من أجل القيام بها‪ ،‬إضافة إىل أن إضافة إىل ذلك‪ ،‬على املرتجم مراعاة مستويات اللغة اليت‬
‫املرتجم يقوم بعدة أدوار يف الوقت نفسه‪ ،‬خاصة يف جمال استعملها كاتب النص‪ ،‬فإذا ترجم ملبتدئ يف ميدان القانون‬
‫مثال‪ ،‬فال خيالف بساطة تعبري الكاتب‪ ،‬واألمر نفسه إذا ما‬ ‫الرتمجة املتخصصة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ب‪ .‬جبايلي‪ ،‬ح‪ .‬بلقاسمي | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 12‬العدد ‪ 01‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪88 - 81 :‬‬
‫ترجم خلبري قانوني أو حملاسب مالي‪ ،‬من الذين ميلكون زمام وهذا األمر ال مينع املرتجم من ذكر مصادره‪ ،‬حتى يعترب‬
‫ذلك من واجباته أيضا‪ ،‬وهنا تكمن النقطة الثانية‪ .‬فإذا ما أخذ‬ ‫أمور ختصصهم‪ ،‬ويتميزون بأسلوب تقين خاص حبت‪.‬‬
‫وعلى الرغم من الطابع التقين ألسلوب النص املتخصص‪ ،‬معلومة‪ ،‬توجب عليه اإلشارة إىل صاحبها‪.‬‬
‫إال أنه ال خيلو من ضروب اجملاز واالستعارة‪ ،‬فإذا أراد املرتجم أما النقطة الثالثة تتمثل يف وجوب امتالك املرتجم املهارة‬
‫القيام بدوره على أمت وجه‪ ،‬فهو مطالب مبعرفة كيفية الالزمة للقيام بهذا العمل‪ ،‬وإذا رأى أنه غري قادر على إمتامه‬
‫التعامل مع خمتلف هذه الضروب‪ ،‬وذلك مبعرفة وافرة‪،‬وافية على أحسن وجه‪ ،‬فما عليه إال أن يعتذر عنه إذا ما كان‬
‫ميتهن الرتمجة احلرة‪ ،‬أو أن جيهد نفسه يف البحث‪ ،‬واملعرفة‬ ‫بلغيت األصل واهلدف على حد سواء‪.‬‬
‫و يتحقق هذان العامالن بالبحث املستمر‪ ،‬والتعطش الدائم واإلملام باملوضوع من كل النواحي‪ ،‬وال حرج عليه إذا ما استعان‬
‫ملستجدات اختصاصه‪ ،‬ما يعطيه كفاءة من أجل القيام باختصاصي يف امليدان الذي يرتجم فيه إذا ما لزم األمر‪ ،‬بل هذا‬
‫بعمله‪ ،‬فيسعى املرتجم دائما إىل حتسني معارفه يف جمال يزيد من قيمة عمله‪ ،‬وصحته‪ ،‬ودقته‪.‬‬
‫وتتلخص النقطة األخرية يف أمانة املرتجم‪ ،‬اليت هلا أهمية‬ ‫اختصاصه بشتى الطرق‪ ،‬والوسائل‪ ،‬وبهذا تصبح ترمجاته‬
‫بالغة يف هذا امليدان‪ ،‬فعليه التأكد من أن النص اهلدف يؤدي‬ ‫أفضل‪ ،‬وأخطاؤه أقل‪.‬‬
‫نفس معنى النص األصل وغرضه‪ ،‬وحيمل نفس املعلومات‬ ‫وال ميكن أن ننسى الدور الذي يؤديه تأثري املرتجم الشخصي‬
‫الظاهرة ‪ ،‬والباطنة‪ ،‬مع احرتام أسلوب الكاتب إذا ما كان بسيطا‬ ‫يف النص اهلدف‪ ،‬وما نالحظه يف جمال الرتمجة املتخصصة‬
‫أو معقدا‪ ،‬حافال بالصور البيانية‪ ،‬أو عكس ذلك‪ ،‬فاملرتجم ليس‬ ‫هو نقص هذا التأثري‪ ،‬وميكن مرد ذلك إىل الطبيعة العلمية‬
‫مفسرا النص األصل‪ ،‬بل مرتمجا له‪ ،‬أمينا عليه‪ ،‬غري خمل به ال‬ ‫للمواضيع املعاجلة يف النصوص املقدمة للرتمجة وتقنيتها‪،‬‬
‫بالنقص وال باإلضافة‪.‬‬ ‫واليت ال تستدعي عادة عامل ميول املتلقي (املرتجم)‪ ،‬فهي‬
‫جيد املرتجم املتخصص نفسه يف ظل األدوار املنوطة به أمام‬ ‫معلومات واردة لتثري فكر قارئها‪ ،‬ال لتثري وجهة نظره‪.‬‬
‫مطلبني أساسني‪:‬‬ ‫ال أن هناك نوعا من التأثر من قبل املرتجم أحيانا‪ ،‬وانعكاسه‬ ‫إّ‬
‫‪-‬احرتام مضمون النص األصلي وشكله أثناء نقله إىل اللغة‬ ‫يف النص اهلدف يرجع إىل مدى تأثره بفكرة الكاتب وقبوهلا‪،‬‬
‫املرتجم إليها‪.‬‬ ‫فلذا يطلب منه االبتعاد قدر املستطاع عن إبداء تأثره من خالل‬
‫‪-‬احرتام أسلوب النص األصلي أثناء عملية النقل أي االعتناء‬ ‫ترمجته‪ ،‬وأن يهدف دائما إىل املوضوعية‪ ،‬وأن يتماشى وروح‬
‫باجلانب اللغوي و ذلك بسبب اختالف أنواع النصوص‪ .‬فلغة‬ ‫النص األصل‪ ،‬و أن يكون يف مستوى هذا األخري من ناحية‬
‫النص الطيب مثال ختتلف عن لغة النص اإلشهاري‪ .‬و يتعني‬ ‫األسلوب‪ ،‬والرتاكيب‪ ،‬وغريها‪ ،‬وبإمكانه اإلشارة إىل أي خطأ‬
‫على املرتجم املتخصص من أجل حتقيق تلك األدوار أن يتسلح‬ ‫ورد عن الكاتب وذلك يف اهلامش‪ ،‬مقدما الرباهني‪.‬‬
‫بعدة مهارات‪:‬‬ ‫ينكب‬
‫ال ّ‬ ‫ومن الضروري أن حيسن املرتجم اختيار موضوعه‪ ،‬و أ ّ‬
‫‪ .4‬مهارات املرتجم املتخصص‬ ‫على مواضيع هو غري قادر على ترمجتها‪ .‬فحني نتكلم عن‬
‫الرتمجة املتخصصة‪ ،‬فإننا نقصد من وراء ذلك االبتعاد التام‬
‫يتحقق النجاح يف أي ميدان من امليادين بتوافر شروط وعوامل‪،‬‬ ‫عن الرتمجة العامة‪ ،‬واملليئة باألخطاء‪ ،‬واجملردة من اجلودة‪،‬‬
‫والرتمجة املتخصصة كذلك هلا عوامل وشروط لنجاحها‪،‬‬ ‫واإلتقان‪ ،‬بل نهدف إىل ترمجة مفيدة ق ّيمة‪ ،‬تفي باهلدف‬
‫ومن ثم فاملرتجم املتخصص ال ميكنه النجاح‪ ،‬والتميز يف مهمته‬ ‫املنشود‪ ،‬وتكون يف صميم املوضوع‪ ،‬دقيقة وذات مستوى‪.‬‬
‫ما مل تتوافر فيه جمموعة من الشروط أو ما يسمى بالكفاءة‪.‬‬
‫ويتجلى دور املرتجم أيضا‪ ،‬يف التزامه بواجباته‪ ،‬ونشري بوجه‬
‫يشرتط يف املرتجم املتخصص امتالكه ملؤهالت‪ ،‬ومهارات‬ ‫اخلصوص إىل األخالقية منها على مستوى عمله‪ ،‬ونذكر‬
‫خاصة يذكرها إبراهيم بدوي اجليالني بقوله‪" :‬إن أدوات‬ ‫(‪)10‬‬
‫أهمها و تتلخص يف أربع نقاط(‪)7Redouane, 1996, p. 7‬‬
‫املرتجم الناجح هي املعرفة الذاتية‪ ،‬وإتقان اللغتني‪ ،‬واقتناء‬
‫املراجع اللغوية والتخصصية‪ ،‬ومعاجلة مشكلة املنقول من‬ ‫هي׃‬
‫لغات هلا خصائصها الرتكيبية اليت ختتلف جزئيا أو كليا عن‬ ‫التزامه بالسر املهين‪ ،‬خاصة يف جمال الرتمجة املتخصصة‪،‬‬
‫خصائص العربية واليت قد يؤدي عدم اكتشافها إىل معضالت‬ ‫وعلى سبيل املثال نأخذ ميدان الرتمجة املالية‪ ،‬حيث يطلب من‬
‫(‪)1‬‬
‫داللية تشوه املعنى أو تعكسه"(اجليالني‪ ،1996 ،‬صفحة ‪)47‬‬ ‫املرتجم ترمجة حوصالت سنوية لشركات‪ ،‬أو تقارير ختص‬
‫إن املرتجم املتخصص احملرتف هو الذي ميتلك الكفاءة‬ ‫الوضع املالي للشركة‪ ،‬وهذه األمور تفرض السرية التامة‪،‬‬
‫الالزمة للقيام بعمله‪ ،‬فإىل جانب املهارات القاعدية اليت‬ ‫إذ إن غريه‪ -‬وخاصة يف ميدان املنافسة‪ -‬ميكنه استعمال هذه‬
‫ينبغي أن تتوفر لدى أي مرتجم‪ ،‬فإن املرتجم املتخصص‬ ‫املعلومات لغرض الضرر بتلك الشركة‪ ،‬أو إذا ما قام برتمجة‬
‫مطالب بامتالك مهارات أخرى تعينه على التعامل مع‬ ‫أحباث علمية‪ ،‬حيث تعترب السرية أيضا أمرا مطلوبا‪ ،‬كي ال‬
‫تسلب جمهودات الباحث املعين‪ ،‬وعمله‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫ب‪ .‬جبايلي‪ ،‬ح‪ .‬بلقاسمي | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 12‬العدد ‪ 01‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪88 - 81 :‬‬
‫النصوص املتخصصة حتديدا‪ .‬هناك مخسة مهارات أو أنواع يف إثرائه لقاموسه الشخصي‪ ،‬وينعكس ذلك إجيابا على عمله‬
‫من املعرفة يتوجب على املرتجم املتخصص التزود بها و هي‪ :‬بطبيعة احلال‪.‬‬
‫معرفة لغة األصل و لغة اهلدف‪ ،‬معرفة أمناط النصوص‪ 2.4 ،‬جمال التخصص( اجملال املوضوعاتي)‬
‫ومعرفة موضوع البحث (معرفة حقيقية)‪ ،‬ومعرفة تقابلية‬
‫(روجر‪ ،1999 ،‬صفحة ‪ ،)2()91‬إضافة إىل معرفة داللية جيب أن يكون املرتجم ملما مبجال ختصصه إملاما تاما دقيقا‪،‬‬
‫(كيف ترتكب القضايا)‪ ،‬ومعرفة تركيبية(كيف ميكن مطلعا على آخر األحداث‪ ،‬واألخبار‪ ،‬يقوم بتجديد دائم‬
‫تركيب اجلميالت لتحمل حمتوى القضايا‪ ،‬وكيف حتلل ملعلوماته‪ ،‬و هذا بالبحث‪ ،‬واملطالعة‪ ،‬والتتبع املستمر لكل األخبار‬
‫السرتجاع احملتوى اجملسد فيها)‪ ،‬ومعرفة براغماتية (كيف اليت متس ميدان ختصصه من قريب أو من بعيد‪ ،‬و يتم هذا‬
‫يتم حتقيق اجلميلة على هيئة نص حيمل املعنى‪ ،‬وكيف عن طريق اجملالت املتخصصة‪ ،‬واجلرائد‪ ،‬والنشرات اإلذاعية‬
‫والتلفزيونية‪ ،‬وشبكة اإلنرتنيت اليت تقدم خدمات وفرية‪.‬‬ ‫حيلل النص إىل مجيلة)(روجر‪ ،1999 ،‬صفحة ‪. )2()92‬‬
‫على املرتجم إدراك حدود جمال ختصصه حبيث يكون واسع‬ ‫‪ .1.4.‬املهارات اللغوية‬
‫املعرفة بتقنيات ختصصه‪ ،‬متحكما يف اجلانب املصطلحي‬
‫من بني مهارات املرتجم املتخصص التمكن من اللغتني املصدر و لعمله‪ ،‬فاملصطلحات كثريا ما يتغري معناها بتغري استعماهلا من‬
‫اهلدف‪ ،‬فإدراك لغة األصل ولغة اهلدف‪()5(،‬ابراهيم عبد الرزاق و جمال إىل آخر‪ .‬ومن األمثلة على ذلك كلمة«‪commerce‬‬
‫»(ابراهيم عبد الرزاق و السيد منسي‪ ،1995 ،‬صفحة ‪ )5()8‬اليت‬ ‫السيد منسي‪ ،1995 ،‬صفحة ‪7‬ـ‪11‬ـ‪)13‬‬
‫هي مبثابة القاعدة األساسية اليت ينطلق منها كل مرتجم‪ ،‬و تتغري ترمجتها من سياق إىل آخر؛ فهي تعين (‪ )1‬جتارة تارة‪،‬‬
‫جل علماء الرتمجة على أن هذا أمر ممكن‪ ،‬وميسور إذا (‪ )2‬وتبادل فكري تارة أخرى‪ )3( ،‬وتعين صالت اجتماعية(علوم‬ ‫يتفق ّ‬
‫ما تعلق األمر ب"اللغة األم"‪ ،‬و"اللغة األجنبية األوىل" أو "اللغة اجتماعية)‪ )4( ،‬وتعين أيضا اتصال جنسي׃ غري شرعي(قانون)‪.‬‬
‫الثانية"‪( ،‬بالنسبة إىل البلدان املزدوجة اللغة)‪.‬حيث أن املرتجم ومعرفة املرتجم وإدراكه املعاني املختلفة للمصطلح الواحد‬
‫يتعلم "اللغة األم" منذ والدته‪ ،‬ويزداد تعمقه فيها خالل سنوات يف ضمن السياق والتخصص املستعمل فيه‪ ،‬جينبه االلتباس‪،‬‬
‫الدراسة‪ .‬أما اللغة الثانية‪ ،‬فيتم تعلمها يف سن مبكر‪ ،‬والثابت وجيعله يتحكم يف معاني املفردات املرتمجة الصحيحة‪ ،‬وتلك‬
‫علميا أن اإلنسان يسهل عليه تعلم لغة ثانية يف سنوات التعليم املعرفة تتوافر له من خالل املمارسة املكثفة‪ ،‬والقراءة العميقة‬
‫االبتدائي حيث القابلية لالستيعاب‪ ،‬والتعلم أفضل منها يف لكل ما ميت بصلة جملال ختصصه فيكتسب اخلربة‪ ،‬واملعرفة‪.‬‬
‫سن الرشد(اجليالني‪ ،1996 ،‬صفحة ‪ . )34‬وبالنسبة إىل وما ال يقل أهمية عن العناصر السابقة الذكر‪ ،‬هو إدراك‬
‫(‪)1‬‬

‫اجلزائر‪-‬على سبيل املثال ‪ -‬فإن اللغة العربية هي "اللغة األم"‪ ،‬املصطلحات‪ ،‬فلكل ميدان‪ ،‬أو اختصاص معجمه املفرداتي‬
‫والفرنسية هي "اللغة األجنبية األوىل" أو"اللغة الثانية"‪ ،‬وجند اخلاص‪ ،‬وميكن للمصطلح أن يكون ذا معان خمتلفة عدة‪،‬‬
‫أن املرتمجني اجلزائريني تكون ترمجتهم أدق حني ينقلون من حسب امليدان الذي ورد فيه‪ ،‬وال يتسنى ذلك للمرتجم إال‬
‫"اللغة األم" إىل "اللغة الثانية" على ترمجتهم بني "اللغة األم" بالبحث‪ ،‬والقراءة‪ ،‬واالطالع على مستجدات جمال ختصصه‪،‬‬
‫و"اللغة األجنبية الثانية"؛ أي اللغة االجنليزية‪ ،‬وأدق أيضا حتى يسهل عليه فهمها‪ ،‬وإدراكها بدقة‪ ،‬ومنه الرتمجة‬
‫من ترمجتهم بني اللغة الفرنسية و االجنليزية‪.‬ولذلك فإن الفعلية الصحيحة هلا‪ ،‬وذلك ما يتطلب منه أيضا القيام‬
‫منظري الرتمجة يفضلون أن ينقل املرتجم بني "اللغة األم" بدور املصطلحي‪ ،‬وال يكون سلبيا‪ ،‬جمرد مستهلك جملهودات‬
‫و"اللغة األجنبية األوىل" يف بلده على أن يرتجم بني "اللغة اآلخرين‪ ،‬منتظرا ترمجتهم املصطلحات‪ ،‬بل جيدر به أن يكون‬
‫األم" و"اللغة األجنبية الثانية"‪ ،‬أو بني "اللغة األجنبية األوىل" يف ظاهر الصورة‪ ،‬وأول من يساهم يف ترمجة املصطلحات‪.‬‬
‫و"اللغة األجنبية الثانية"‪.‬‬
‫فاملرتجم مثل املوسوعة‪ ،‬فضولي يف كل اجملاالت‪ ،‬وكثريا‬
‫و يشمل متكن املرتجم من اللغتني اإلملام بالقواعد اللغوية‪ ،‬ما جند بنص متخصص‪ ،‬فقرات خاصة بامليدان التجاري‪ ،‬أو‬
‫واملصطلحات‪ ،‬والتعابري‪ ،‬والرتاكيب لكلتا اللغتني‪ ،‬حتى يتسنى البشري‪ ،‬أو الطبيعي‪ .‬وهنا يطلب من املرتجم إبان ترمجته‪،‬‬
‫للمرتجم النقل الصحيح األمني لألفكار األصلية إىل اللغة أن تكون له معلومات كافية خبصوص هذه امليادين األخرى‪،‬‬
‫اهلدف‪ ،‬وهو األمر الذي جيعله يستعمل التعابري الالئقة‪ ،‬حتى يتمكن من ترمجة هذه الفقرات‪ ،‬إضافة إىل معرفة‬
‫املوافقة‪ ،‬املتماشية معها‪ ،‬ثم إن الفهم الصحيح ملدلوالت متخصصة بامليدان الذي يصب فيه النص‪ ،‬حتى ال ختفى عليه‬
‫املصطلحات جينب املرتجم الوقوع يف متاهات الرتمجة احلرفية صغرية‪ ،‬وال كبرية حني يقوم برتمجة نص يرجع إىل هذا‬
‫اليت تبتعد عن املعنى الصحيح ‪-‬يف كثري من األحيان‪ -‬وال امليدان‪.‬‬
‫تؤدي الغرض املطلوب‪ .‬وال حرج على املرتجم أن يلجأ إىل‬
‫استعمال املعاجم املتخصصة‪ ،‬وحيدة اللغة‪ ،‬أو ثنائية اللغة فالرتمجة يف حد ذاتها أمر يدعو املرتجم الختاذ الكثري‬
‫وهو أمر حمبذ مطلوب حني يعسر عليه فهم مصطلح ما‪ ،‬بل من القرارات يف اختيار املصطلحات‪ ،‬واألسلوب وغري ذلك‪،‬‬
‫إن جلوؤه واستعانته باملعاجم‪ ،‬والقواميس املتخصصة يزيد حيث املطلوب من املرتجم املتخصص الدقة التامة يف إعطاء‬

‫‪84‬‬
‫ب‪ .‬جبايلي‪ ،‬ح‪ .‬بلقاسمي | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 12‬العدد ‪ 01‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪88 - 81 :‬‬
‫املصطلحات الواردة يف النص األصل البديل‪ ،‬وال تنتهي مهمته من املصطلحات من غري اللجوء إىل املعاجم‪ ،‬أو االعتماد على‬
‫يف ترمجة املصطلحات فقط بل عليه أن يويف باملعنى‪ ،‬ولذلك الوسائط اليت من شأنها أن تقرب الفهم‪.‬‬
‫يفرتض أن يكون ملما مبجال التخصص الذي يصب فيه ويف األخري يهم املرتجم بإعادة التعبري‪ ،‬بادئا برتمجة أولية‪،‬‬
‫النص‪ ،‬ومبواضيعه‪ ،‬ولغته وأسلوبه‪ ،‬فيبدأ بفهم النص متاما مستعينا بفكره التحليلي‪ ،‬متبعا منهج املنطق‪ ،‬ثم يقوم بإعادة‬
‫وإدراكه قبل الشروع يف ترمجته حيث أننا نفهم لنرتجم وال قراءة النص األصل ثم اهلدف‪ ،‬للقيام بنوع من املقارنة من‬
‫حيث املفهوم واألسلوب والشكل‪ ،‬ليضبط ترمجته‪ ،‬حماوال خلق‬ ‫نرتجم لنفهم‪.‬‬
‫ويذهب املرتجم املتخصص إىل مجع أكرب قدر ممكن من نفس أسلوب الكاتب للحصول على نفس التأثري‪ ،‬وهي الفرصة‬
‫املعلومات حول املوضوع املعاجل يف النص األصل‪ ،‬هذا ما ميكنه من أيضا لتصحيح األخطاء اليت وردت عن الرتمجة األولية‪ ،‬وبهذا‬
‫االختيار احلسن لأللفاظ‪ ،‬واملصطلحات‪ ،‬والتعابري والرتاكيب حيصل على ترمجة نهائية دقيقة صائبة‪.‬‬
‫عند مرحلة إعادة الرتكيب‪ ،‬وما يسهل عليه أيضا فهم حمتوى ‪ 1. 5‬يف فهم النص‬
‫النص وإدراكه‪ ،‬وهذا هو مفتاح الرتمجة املتخصصة الناجحة‪.‬‬
‫من بني مهارات املرتجم اليت حيتاجها يف هذه املرحلة هو‬
‫اإلملام باملعارف اللسانية وآليات تطبيقها‪ ،‬باإلضافة إىل ذلك‪،‬‬ ‫‪ 3.4.‬املهارة النصية(التعرف على أنواع النص)‬
‫تكفل هذه املهارة احرتام املرتجم أسلوب الكاتب‪ ،‬فيتبنى فإن األمر يستدعي من املرتجم أن ميتلك رصيد معريف غزير‬
‫األسلوب نفسه عند صياغته النص اهلدف‪ ،‬ولذلك يفرتض أن يربطه بصلب ختصصه‪ ،‬وهذا يف ‪-‬اعتقادنا‪ -‬ال يتحقق إال‬
‫يكون املرتجم متحكما يف قواعد اللغة وأساليب البالغة والبيان‪ ،‬باملمارسة املستمرة‪ ،‬والتوثيق الدائم‪ ،‬حيث إن البحث التوثيقي‬
‫حتى يسهل عليه اإلحاطة وإدراك األساليب اليت يستعملها هو العامل األساس من أجل إدراك النص‪.‬‬
‫الكاتب‪ ،‬وحتى يفهم ما يرمي إليه ‪ ،‬ويتقيد بالصور البالغية فلهذا جيب أن يتساءل املرتجم دائما عن معنى هذه اجلملة أو‬
‫نفسها يف ترمجته إىل أقصى حد ممكن حبيث ميكن القارئ أن تلك الفقرة‪ ،‬فال جيدر به أن مير مرور الكرام حني يعسر الفهم‬
‫مييز أسلوب الكاتب األصلي‪ .‬وقد ذكرنا –سابقا‪ -‬أن الرتمجة عليه‪ ،‬ولعل الطريقة اليت تبسط له األمور هي البحث التوثيقي‬
‫املتخصصة تستهدف النصوص التقنية اليت ال ختلو هي أيضا الذي ينجزه من أجل إيضاح األمور حتى ينجح يف عمله‪.‬‬
‫من الصور البيانية‪ ،‬والبالغية‪ ،‬واألساليب اللغوية اليت جيب‬
‫ويتمثل عمل املرتجم يف إعادة تركيب النص بعد تفكيكه‪ ،‬وإذا‬ ‫أخذها بعني االعتبار يف عملية الرتمجة‪.‬‬
‫وضعنا يف احلسبان أن اللغة االجنليزية ‪-‬مثال‪ -‬لغة اختصار‬
‫فهي تعين تقصري اجلمل‪ ،‬واملالحظ أن نفس الفاعل ‪-‬مثال‪-‬‬ ‫‪ 4.4‬املعرفة التقابلية( تقنيات الرتمجة)‬
‫على املرتجم أن يتسلح بأساليب و تقنيات الرتمجة حتى يتكرر يف الفقرة ذاتها‪ ،‬فيقوم املرتجم يف هذا الباب بإعادة‬
‫يتحرى الوفاء يف ترمجته للنص األصل‪ ،‬ألنه كثريا ما يتهم تركيب النص‪ ،‬وجيعل هذه اجلمل القصرية ذات نفس الفاعل‪،‬‬
‫باخليانة حني ال يؤدي يف ترمجته املعنى املطلوب‪ ،‬وهذا األمر مجلة واحدة‪ ،‬وبهذا تكون الفقرة أوضح ويتم التخلص من‬
‫هم برتمجة مجل طويلة‬ ‫ليس خاصا بالرتمجة األدبية وحدها‪ ،‬بل هو مطلوب أيضا يف ظاهرة التكرار‪ ،‬وقد يكون العكس إذا َّ‬
‫جمال الرتمجة املتخصصة‪ ،‬ذلك أن عدم وفاء الرتمجة للنص معقدة‪ ،‬ميكن أن يقسمها عند ترمجتها إىل مجلتني مثال‪ ،‬وهذا‬
‫األصل ال يغتفر وال يسمح به‪ ،‬ألن األمر يتعلق برتمجة قرارات من أجل تبسيط الفهم إذا لزم األمر‪.‬‬
‫وابتكارات قد يرتكز عليها مصري شركات‪ ،‬أو حتى اقتصاد بلدان وعليه؛ فاملرتجم مطالب ببذل قصارى جهده‪ ،‬واالستعانة بكل‬
‫حباهلا إذا ما أخذنا الرتمجة املالية مثاال لتجسيد فكرتنا‪.‬وعليه‪ ،‬الوسائل املوجودة حتت يده من أجل فهم النص‪ ،‬حتى يتمكن‬
‫فإن عنصر األمانة يصبح عامال بالغ األهمية‪ ،‬و خمالفته ينجر من ترمجته ترمجة حسنة‪ ،‬وال يلجأ إىل الرتقنة‪ ،‬فيعطي كل‬
‫عنه نتائج سلبية ثقيلة‪ ،‬فيكون املرتجم واضحا يف كالمه‪ ،‬كلمة يف النص األصلي مقابلها يف اللغة اهلدف‪ ،‬وهذا أكرب‬
‫متفاديا لكل أنواع االلتباس‪ ،‬متسلسال يف أفكاره ومجله‪ ،‬حتى ال دليل على أن املرتجم مل يفهم النص األصلي‪ ،‬وحياول فهمه عن‬
‫طريق الرتمجة‪ ،‬الشيء الذي يعترب خطأ‪ ،‬حيث إن عملية فهم‬ ‫يرتك أي جمال للفهم اخلاطئ أو لتأويل القارئ‪.‬‬
‫النص هي أمر سابق للرتمجة‪ ،‬ال الحقا هلا‪.‬‬ ‫‪ .5‬أطوار الرتمجة املتخصصة‬
‫وال بد من اإلشارة إىل استحالة ترمجة مفردات النص مبعزل‬ ‫تشمل عملية الرتمجة مرحلتني أساسيتني هما مرحلة فهم‬
‫عن السياق الذي وردت فيه‪ ،‬وإذا قام املرتجم بذلك‪ ،‬فإن نصه‬ ‫النص املصدر‪ ،‬ثم إعادة صياغة املعنى احملصل يف اللغة اهلدف‪.‬‬
‫يولد مشوها بعيدا من املضمون الذي كتب ألجله أول مرة‬ ‫تتطلب كل مرحلة استحضار مهارات معينة ومما ال شك فيه‬
‫بلغته األصلية‪ ،‬ألن الرتمجة تقتضي االهتمام باملفردة داخل‬ ‫أن القراءة عامل مفيد جدا‪ ،‬إذ أن القراءات املتعددة تزيح اإلبهام‬
‫السياق الذي كتبت ألجله‪ ،‬كما أنه خيضع العملية إىل مبدأ‬ ‫يف كثري من األحيان‪ .‬فعند القراءة األوىل‪ ،‬ميكننا أن نفهم‬
‫املنطق‪ ،‬ويأتي تنسيق كل ذلك باألسلوب املناسب لطبيعة‬ ‫حمتوى النص‪ ،‬ما احتواه من مصطلحات‪ ،‬لكن عند القراءة‬
‫النص املرتجم‪.‬‬ ‫التحليلية الثانية والثالثة‪ ،‬نرى أنه يتيسر لنا فهم الكثري‬
‫‪85‬‬
‫ب‪ .‬جبايلي‪ ،‬ح‪ .‬بلقاسمي | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 12‬العدد ‪ 01‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪88 - 81 :‬‬
‫ويهدف –ما سبق ذكره‪ -‬إىل الكشف عن الصعوبات واملعوقات اجملدية اليت حتت يده‪.‬‬
‫الواردة يف ثنايا النص‪ ،‬ولن يتسنى للمرتجم عمل ذلك إال ويكون األمر جليا عند مقارنة ترمجتني لنص واحد‪ ،‬ملرتمجني‬
‫بالفهم الصحيح والتحليل الدقيق‪ ،‬واإلحاطة بكل املعلومات‪ ،‬خمتلفني‪ ،‬فنجد أن إحداهما أحسن من األخرى‪ ،‬والفرق يعود‬
‫واملعطيات الواردة يف النص‪ ،‬ومن ثم ميكنه التغلب على هذه هنا إىل عامل "اإلبداع"‪ ،‬الذي ختتلف درجته من مرتجم إىل‬
‫آخر‪.‬‬ ‫الصعاب‪.‬‬

‫و من الضروري أن يكون املرتجم يف املستوى املطلوب‪ ،‬وذلك وينعكس هذا حتما على الشكل‪ ،‬واملضمون اللذين يعتربان‬
‫بالقيام بعمله على أمت وجه‪ ،‬حمرتما اخلطوات الالزم إتباعها متكاملني حسب "فيكتور هيجو" الذي يقول ׃ "ليس الشكل إال‬
‫قبل الوصول إىل النتيجة النهائية‪ ،‬مع إعطاء كل مرحلة باملضمون الذي يصعد إىل سطح املاء")‪.)6((Delisle, 1997, p. 152‬‬
‫االهتمام الالزم‬
‫وعليه‪ ،‬فتقنية النص املتخصص لن ختلو من حاجتها إىل إبداع‬
‫املرتجم أثناء الرتمجة‪ ،‬والذي يكمن إذا يف اختيار املقابل احلسن‬ ‫‪ 2.5‬يف إعادة التعبري‬
‫تتمثل مهارة املرتجم يف هذه املرحلة يف إبقائه على األثر الصائب الذي تكون له قوة التأثري نفسها يف القارئ‪ ،‬مثل تلك‬
‫نفسه يف املتلقي دون االهتمام بعدد كلمات النص ومفرداته‪ ،‬اليت جندها يف النص األصل‪ ،‬األمر الذي يتطلب من املرتجم‬
‫باإلضافة إىل حتري الدقة‪ ،‬واملوضوعية يف هذه املرحلة‪ ،‬املتخصص إدراكا تاما للغة األصل‪ ،‬وتفكريا منطقيا سليما‪،‬‬
‫والتقيد بالنص األصلي دون إضفاء الذاتية عليه حتى يكون حتى ال يبتعد عن معنى النص احلقيقي‪ ،‬ومنه عن هدفه‪.‬‬
‫النتاج نصا موازيا للنص املقصود‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن املرتجم يتقيد ولرمبا تتضح أهمية إبداع املرتجم يف ترمجة هذا النوع من‬ ‫ُ‬
‫مببدأ إظهار ما أظهره النص األصلي وإخفاء ما تعمد إخفاءه‪ ،‬النصوص‪ ،‬عندما يتعذر عليه القيام برتمجة مباشرة‪ ،‬أي إعطاء‬
‫مقابالت مفرداتية وتركيبية‪ ،‬فيلجأ إىل إبداعه الشخصي‪،‬‬ ‫وجناح هذه العملية مرهون بعملية الفهم‪.‬‬
‫وذلك خبلق عبارات حتمل املعنى األصلي نفسه‪ ،‬ختدم املعنى‬ ‫ويُسهم الفهم يف جتليات املعاني وإيضاحها‪ ،‬حتى ِّ‬
‫يركب‬
‫يف اللغة اهلدف‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة إىل النص املالي مثال‬ ‫املرتجم نصه اجلديد بالصياغة اليت يراها مناسبة‪ ،‬وختتلف‬
‫الذي حيمل العديد من االستعارات وضروب اجلناس (التالعب‬ ‫هذه الصياغة باختالف األشخاص‪ ،‬شأنها شأن األسلوب‪،‬إلاّ أن‬
‫باأللفاظ)‪.‬‬ ‫الشرط الذي جيب احرتامه هو عدم االبتعاد عن رؤية كاتب‬
‫التأثري األصلي وختتلف درجة اإلبداع من مرتجم إىل آخر ومن نص إىل آخر‪،‬‬ ‫النص األصل حتى حيافظ املرتجم على وقع‬
‫ويف بعض األحيان من فقرة إىل أخرى يف النص الواحد‪ ،‬إذ‬ ‫لدى املتلقي)‪. (Hardin & Picot, 1696, p. 12‬‬
‫(‪)8‬‬

‫ولعل صياغة النص‪ ،‬أو إعادة تركيبه بأسلوب آخر لن تظهر هناك فقرات تستدعي إبداعا أكثر من أخرى‪ ،‬فرتمجة مقال‬ ‫ّ‬
‫نتائجه ما مل يبدأ املرتجم صياغته بأسلوب موحد من بداية صحفي مالي –على سبيل املثال‪ -‬حتتاج إىل إبداع املرتجم حني‬
‫النص إىل نهايته‪ ،‬فالرتمجة الناجحة هي اليت جتعل متلقي يقوم الكاتب بوصف حال السوق الدولي مثال‪ ،‬فنجد الكثري من‬
‫النص املرتجم حيس كأنه بصدد قراءة نص أصلي حبيث الكنايات‪ ،‬والتشبيهات‪ ،‬واجلناس‪ ،‬وقد يستغين النص نفسه يف‬
‫إذا انتقل عرب مفرداته‪ ،‬ومجله‪ ،‬وفقراته من خالل القراءة ال مرحلة ثانية عن هذه املهارة حني يقوم برصد إحصائيات السوق‬
‫تعرتضه أخطاء وال يشق عليه الفهم‪ ،‬وعند انتهائه من قراءة اليت ال تتطلب ترمجتها أي نوع من اإلبداع‪ ،‬وهنا يربز لنا بروزا‬
‫النص‪ ،‬فإنه خيرج باالنطباع نفسه‪ ،‬والتأثري ذاته كأنه قرأ واضحا‪ ،‬اختالف درجة اإلبداع لدى املرتجم نفسه‪ ،‬ويف ترمجة‬
‫النص الواحد‪ ،‬وتتجلى لنا الكيفية اليت يتحدى بها املرتجم‬ ‫النص بلغة املصدر‪.‬‬
‫وهنا تكمن أهمية عملية إعادة التعبري‪ ،‬فالنص هو أوال وأخريا الصعوبات اليت تعرتضه يف عمله‪ ،‬اعرتاضا فائقا‪ ،‬وذلك باستعمال‬
‫موجه إىل اآلخر‪ ،‬ذلك ما يستدعي االهتمام بالقارئ‪ ،‬ومنه طرق تعبريية خاصة باللغة اهلدف)‪.)7((Hallal, 1982, p. 229‬‬
‫بات على املرتجم االهتمام بإثارته‪ ،‬وإشباع فضوله‪ ،‬وخماطبة كلما كان النص املتخصص قريبا من اإلحصائيات واألرقام‪،‬‬
‫مستواه الثقايف‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬ومراعاة الفوارق العلمية بني قلت درجة اإلبداع يف النص‪ ،‬وكلما اقرتب النص من املقال‬
‫طبقات اجملتمع املختلفة‪ ،‬فالقارئ عامل من العوامل املهمة الصحفي‪ ،‬أو التعليق على حوصالت ألعمال سنوية مثال‪ ،‬زادت‬
‫درجة اإلبداع فيه‪ ،‬وهنا نالحظ أن النص املتخصص‪ ،‬وعلى‬ ‫جدا يف جناح عملية الرتمجة‪ ،‬أو فشلها‪.‬‬
‫الرغم من تقنيته إال أنه حيتاج إىل إبداع املرتجم أثناء ترمجته‪،‬‬ ‫‪ .6‬حدود اإلبداع يف الرتمجة املتخصصة‬
‫و يرجع ذلك إىل األسلوب اخلاص املستعمل‪.‬‬
‫إن عنصر اإلبداع ليس حكرا على الرتمجة األدبية‪ ،‬فهو عامل‬
‫مهم يف جمال الرتمجة املتخصصة أيضا‪ .‬وعلى الرغم من على املرتجم إذن أن يكون بارعا يف اللغتني‪ ،‬املصدر واهلدف‪،‬‬
‫كون املرتجم مقيد بالنص األصل‪ ،‬إال أن هذا ال مينعه من مدركا هلما متام اإلدراك‪ .‬و بصيغة أخرى‪ ،‬جيب أن يكون‬
‫اإلبداع الذي يكمن يف خلق نفس تأثري النص األصل يف القارئ‪ ،‬ثنائي اللغة‪ ،‬حتى يتسنى له التنقل من اللغة األوىل إىل اللغة‬
‫وبالقوة نفسها‪ ،‬فما عليه إال استعمال املوارد اللغوية املفيدة الثانية والعكس بسهولة ومرونة‪ ،‬وإدراك خفايا النص األصل‬

‫‪86‬‬
‫ب‪ .‬جبايلي‪ ،‬ح‪ .‬بلقاسمي | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 12‬العدد ‪ 01‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪88 - 81 :‬‬
‫أي املعنى الباطين‪ ،‬والضمين‪ ،‬ومنه الفهم الصحيح حتى يتمكن النص الطيب ال يرتمجه إال من كان خبريا يف امليدان الطيب‪ ،‬إذ‬
‫من القيام برتمجة دقيقة‪ ،‬صحيحة‪ ،‬مما يتطلب أيضا معرفة يعترب أجدر من غريه يف فهم املصطلحات‪ ،‬وإدراكها‪.‬‬
‫منط النص و موضوعه معرفة حبتة‪ .‬وعالوة على هذه العوامل غري أن هذين العاملني األخريين ليسا الشرطني الوحيدين من‬
‫السابقة الذكر‪ ،‬نشري إىل أهمية توافر عامل "الذكاء" يف أجل جناح الرتمجة املتخصصة‪ ،‬فرمبا يتسنى للخبري مبيدان‬
‫املرتجم فالعقل يأتي إليضاح اإلبهام يف النص األصل‪ ،‬ويساعد املالية فهم النص وإدراكه بسهولة مقارنة باملرتجم‪ ،‬إال أنه‬
‫التكيف مع طبيعة النص املرتجم(أوتريان‪ ،2004 ،‬لن يقدم لنا نصا مفهوما يف آخر املطاف‪ ،‬ذلك‪ ،‬ألنه سيلجأ‬ ‫املرتجم على‬
‫إىل الرتمجة احلرفية دون إملامه بلغة اهلدف‪ ،‬وال بتقنيات‬ ‫صفحة ‪. )137‬‬
‫(‪)3‬‬

‫الرتمجة‪ ،‬فيؤول نصه مبهما غري مفهوم‪.‬‬ ‫‪ .7‬صعوبات الرتمجة املتخصصة‬


‫وال ميكن للمرتجم أن يكون موسوعة متنقلة‪ ،‬فمن املستحيل‬ ‫ترتبط صعوبة ترمجة النصوص املتخصصة بطبيعة هذه‬
‫إدراكه كل املصطلحات الواردة يف النص‪ ،‬ويرجع هذا العسر‬ ‫النصوص نفسها‪ ،‬وقد ال نأتي جبديد إذا قلنا أن هذه الطبيعة‬
‫يف الفهم إىل صعوبة املصطلحات التقنية اليت يتضمنها‬ ‫هي اليت تفرض منهجية معينة على املرتجم‪ .‬فرتمجة‬
‫املوضوع املتناول‪ .‬ولكن التكوين اجليد للمرتجم يكفيه ملواجهة‬ ‫النصوص القانونية مثال ختتلف عن ترمجة اإلعالنات‬
‫خمتلف النصوص مبا يف ذلك النصوص املتخصصة‪ .‬وهذا‬ ‫والدعاية‪ ،‬و ترمجة النصوص الطبية ختتلف عن ترمجة‬
‫الكالم يعين أن املرتجم إذا تلقى تكوينا جيدا يستطيع أن يرتجم‬ ‫النصوص االقتصادية‪ ،‬و تعد هذه الظاهرة من أهم العوامل‬
‫خمتلف النصوص‪ ،‬شريطة أن يكون قادرا على القيام مبا‬ ‫اليت تص ّعب إجناز معاجم متخصصة‪.‬‬
‫يسمى بالبحث التوثيقي واملصطلحي‪.‬‬ ‫فال خيفى على املتتبع ملسار املرتجم املتخصص أن عمله‬
‫يعد هذا العنصر من أهم النقاط اليت جيب توضيحها بالتفصيل‪،‬‬ ‫حمفوف بصعاب مجة‪ ،‬وذلك أثناء ترمجته النصوص‬
‫إذ هي أساس كل مرتجم متخصص ناجح‪ .‬وإذا ما سلطنا‬ ‫املتخصصة‪ ،‬وما يدور حوهلا‪ ،‬إذ على الرغم من ارتكازه على‬
‫الضوء على تكوين املرتجم العام واملتخصص‪ ،‬نالحظ أنه نفس‬ ‫وسائل وطرائق عديدة إال أن ذلك ال مينع صعوبات كثرية‬
‫التكوين يف األساس‪ ،‬فكالهما يشرتط فيه إتقان اللغتني؛ األصل‬ ‫من اعرتاض طريقه ‪ ،‬ومن هذا املنطلق وجب اإلشارة إىل بعض‬
‫واهلدف‪ ،‬غري أن هذا غري كاف بالنسبة إىل املرتجم املتخصص‪،‬‬ ‫هذه الصعاب‪ ،‬حتى نتبني اجلهد الشاق الذي يبذله املرتجم أثناء‬
‫فعلى الرغم من أهمية العنصر السابق‪ ،‬إال أنه ال يكفي إذا مل‬ ‫تأدية مهامه‪ .‬والالفت لالنتباه هو تلك املعوقات اليت تستدعي‬
‫يدعم مبعرفة اجملال املتخصص فيه وإدراكه إدراكا شامال‪.‬‬ ‫منا الوقوف عندها حتى نثمن جهد املرتجم املتخصص‪ ،‬وندلل‬
‫ولعل رغبتنا يف العمل مبجال معني‪ ،‬جتعلنا كثريي االهتمام‬ ‫يف الوقت نفسه من حدة هذه الصعوبات‪ ،‬وذلك بتحليلها‪،‬‬
‫به‪ ،‬وراغبني يف االطالع على أدق تفاصيله‪ ،‬فكلما زاد علم‬ ‫ألن إدراكها يساهم يف إجياد طرائق التعامل املناسبة معها‪،‬‬
‫املرتجم وإدراكه جمال ختصصه‪ ،‬زادت نسبة جناحه يف عمله‪.‬‬ ‫والتمكن من اجتيازها‪.‬‬
‫ضف إىل كل هذا‪ ،‬اختالف األسلوب الذي تستعمله كل فزيادة على كونه مرتمجا‪ ،‬جيب عليه أن يكون دقيق املعرفة‬
‫لغة على حدا‪ ،‬فيمكن أن يعرب عن نفس الظاهرة بأسلوبني باختصاصه‪.‬‬
‫خمتلفني حسب خصوصيات كليهما‪ .‬وعلى املرتجم أن حيسن وعليه‪ ،‬يضاف إىل كل من الرتمجة‪ ،‬واالختصاص املختار‪،‬‬
‫التعامل مع هذا العامل احلساس‪ ،‬مدركا أهميته‪ ،‬مستعمال امتالكه روح املبادرة والشغف باملعرفة‪ ،‬مما حيفزه على حضور‬
‫ّ‬
‫األسلوب الالئق الالزم‪ ،‬وأال ينقاد وراء استعمال األسلوب نفسه مؤمترات مبجال ختصصه‪ ،‬وتعترب هذه النقطة بالغة األهمية‪،‬‬
‫الذي ورد به النص األصل‪ ،‬ألن ما يعرب عنه بأسلوب معني يف إذ عليه أن يصب كل تفكريه وتركيزه يف اختصاصه‪ ،‬وال أن‬
‫اللغة االجنليزية‪ ،‬يعرب عنه يف اللغة العربية بأسلوب آخر يف يشتت معارفه باالنتقال من اختصاص إىل آخر‪.‬‬
‫الكثري من اجلمل‪.‬‬
‫وال بد من اإلشارة إىل أهمية القيام بتدريبات وسط الشركات‪،‬‬
‫ولذلك‪ ،‬فالرتمجة املتخصصة تتطلب تكوينا خاصا ملما وغريها من املؤسسات اليت متكنه من التمرن على مزاولة‬
‫بكل جوانبها من لغة االختصاص ‪-‬اليت تتميز باملختصرات‪ ،‬الرتمجة املتخصصة‪ ،‬إذ كلما زاد تدريب الفرد‪ ،‬زادت نتائجه‪،‬‬
‫والشعارات‪ ،‬ودرجة تقنية عالية‪ ،‬ضف إىل ذلك املعاجم ومتكن من امتالك نواصي الرتمجة املتخصصة‪ ،‬فال أحسن وال‬
‫واملصطلحات املستعملة فيها‪ -‬إىل خصوصية النصوص وأنواعها‪ ،‬أنفع من ممارسة الرتمجة املتخصصة نفسها من أجل اإلملام‬
‫بزمام أمورها‪.‬‬ ‫ومن هنا تربز احلاجة إىل توضيح مهارات املرتجم املتخصص‪.‬‬

‫وال بأس من التذكري بأن هناك فكرة شائعة يؤيدها بعضهم‬ ‫‪.8‬تكوين املرتجم املتخصص‬
‫يدعو البعض إىل ضرورة ختصص املرتجم يف امليدان (أو وخيالفها آخرون‪ ،‬وتتلخص يف كون املرتجم املتخصص الناجح‬
‫التخصص) الذي يرتجم فيه‪ ،‬فهم يرون أن النص املالي مثال هو ذلك التقين الذي يتبنى الرتمجة بعد أن كان اختصاصيا‬
‫ال يرتمجه إال املتخصص يف الدراسات االقتصادية املالية‪ ،‬وأن مبيدان تقين معني(‪Redouane, La traductologie, science‬‬

‫‪87‬‬
‫ب‪ .‬جبايلي‪ ،‬ح‪ .‬بلقاسمي | األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 12‬العدد ‪ 01‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪88 - 81 :‬‬

‫‪ ، )et philosophie de la traduction, 1996, p. 204‬فهو تضارب املصاحل‬


‫(‪)11‬‬

‫يتقن ويفهم ويدرك كل مصطلحات اللغة األصل دون أي‬


‫* يعلن املؤلفون أنه ليس لديه تضارب يف املصاحل‪.‬‬
‫جهد كبري‪ .‬غري أن هذا النوع من املرتمجني كثريا ما يتعاملون‬
‫مع النص عن طريق الرتمجة احلرفية التامة إلنتاج النص‬
‫املراجع‬
‫اهلدف‪ ،‬واليت ال تؤدي املعنى يف الكثري من األحيان‪.‬‬
‫‪ -1‬إبراهيم بدوي اجليالني‪ .)1996( .‬علم الرتمجة وفضل العربية على اللغات‬
‫(اإلصدار ‪ .)1‬علم الرتمجة وفضل العربية على اللغات‪ ،‬املكتب العربي للمعارف‪.‬‬ ‫إن سهولة إدراك التقين للنص األصل‪ ،‬جتعله يعتقد أن ترمجته‬
‫‪ -2‬بيل روجر‪ .)1999( .‬الرتمجة وعملياتها‪ ،‬النظرية والتطبيق (اجمللد ‪62‬ـ‪.)63‬‬ ‫صحيحة‪ ،‬غري أن هذه الرتمجة ال تؤدي الغرض يف معظم‬
‫(د‪.‬محيدي(م‪.‬د)‪ ،‬املرتمجون) كتاب الرياض‪.‬‬ ‫الوقت‪ ،‬ألن التقين ليس ملما بالعديد من تقنيات الرتمجة‪.‬‬
‫‪ -3‬رضا أوتريان‪ .)2004( .‬توليد املصطلحات يف ضوء مبدأ التعليل‪ .‬جامعة‬ ‫فيمكن لرتمجته أن تلقى صدى عند زمالئه التقنيني الذين‬
‫اجلزائر‪.‬اجلزائر‪.‬‬
‫يفضلون هذه الرتمجة احلرفية كونهم يريدون املعلومات‬
‫‪ -4‬شحادة اخلوري‪ .)1989( .‬دراسة يف الرتمجة واملصطلح والتعريب (اجمللد ‪.)1‬‬ ‫على نفس الطريقة اليت وردت يف النص األصل‪ ،‬أي على الشكل‬
‫دمشق‪ :‬دار طالس للدراسات والرتمجة والنشر‪.‬‬
‫اخلام‪ ،‬والرتمجة احلرفية تؤمن هلم ذلك‪ ،‬ألن النص اهلدف‬
‫‪ -5‬عبد اهلل ابراهيم عبد الرزاق‪ ،‬و عبد احلليم السيد منسي‪ .)1995( .‬الرتمجة‪،‬‬
‫حيوي كل املعلومات‪ ،‬و املصطلحات الواردة يف النص األصل‪،‬‬
‫أصوهلا مبادئها وتطبيقاتها (اجمللد ‪ .)1‬دار النشر للجامعات املصرية‪.‬‬
‫ولكن ترمجة "التقين‪ -‬املرتجم" لن تلقى صدى ورواجا لدى‬
‫‪6- Delisle, J. (1997). La Traduction Raisonnée. Ottawa: Presses de‬‬
‫‪l’Université d’Ottawa.‬‬ ‫القارئ العادي الذي ختتلط عليه األمور ويتعذر عليه فهم هذا‬
‫‪7- Hallal, Y. (1982). Les degrés et les variations de la créativité en traduction.‬‬ ‫التقين ونصه املرتجم‪ ،‬ويبقى دائما يف حاجة ماسة إىل مرتجم‬
‫‪Université de la Sorbonne Nouvelle -Paris III. Paris, France.‬‬ ‫متخصص من أجل أن ينقل له املعلومات بطريقة ميكنه‬
‫‪8- Hardin, G., & Picot, c. (1696). Translate. Paris: Dunod.‬‬ ‫استيعابها‪.‬‬
‫‪9- Horguelin, P. (1996, mARS). La traduction technique. Meta, 11.‬‬
‫‪10- Redouane, J. (1996). Encyclopédie de la traduction. Alger: OPU.‬‬
‫والشك أن أحسن اخليارين هو املرتجم املتخصص‪ ،‬املدرك‬
‫‪11- Redouane, J. (1996). La traductologie, science et philosophie de la‬‬
‫لتقنيات الرتمجة‪ ،‬وصاحب املعرفة الكبرية بامليدان املرتجم له‪،‬‬
‫‪traduction. Alger: OPU.‬‬ ‫احملب لالطالع والتوثيق يف ميدان اختصاصه‪ ،‬كثري املداومة‬
‫على التدريبات املهنية واملؤمترات‪ ،‬وهذا ما مي ّكنه التعامل‬
‫مع املصطلحات ومع األسلوب املتخصص بنوع من السهولة‬
‫واملرونة‪ ،‬األمر الذي يؤثر إجيابا يف ترمجاته‪ .‬فكلما زاد إدراكه‬
‫كيفية اإلستشهاد بهذا املقال حسب أسلوب ‪: APA‬‬ ‫مليدان اختصاصه‪ ،‬كانت ترمجاته أحسن‪.‬‬
‫المؤلف باية‪.‬جبايلي‪ ،‬حفيظة بلقاسمي (‪ ،)2020‬الترجمة المتخصصة ‪:‬‬ ‫وال بأس من اإلشارة إىل وجود عدة حلول تساعد املرتجم على‬
‫مهارات المترجم المتخصص‪ ،‬مجلة األكاديمية للدراسات االجتماعية‬ ‫جتاوز مشكلة املصطلحات‪ ،‬مثل االستعانة باملعاجم املتخصصة‬
‫واإلنسانية‪ ،‬المجلد ‪ ،12‬العدد ‪ ،01‬جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف‪،‬‬ ‫املزدوجة اللغة‪ ،‬وكذلك أحادية اللغة اليت تسمح له بفهم‬
‫الجزائر‪ ،‬الصفحات ‪88-81 :‬‬ ‫املصطلح يف لغة املصدر أوال‪.‬‬
‫خامتة‬
‫وهكذا‪ ،‬فاملرتجم املدرك لغة األصل إدراكا تاما يتمكن من‬
‫فهم النص ظاهريا‪ ،‬وباطنيا‪ ،‬باالستناد على معرفة موسوعية‪،‬‬
‫خاصة بامليدان املرتجم له‪ ،‬ويف األخري ‪-‬وبطبيعة احلال‪ -‬إدراكه‬
‫الشامل‪ ،‬العام ‪ ،‬التام للغة اهلدف ميكنه من نقل مفاهيم دالالت‬
‫النص األصل‪ ،‬مستعينا بذكائه يف هذا العمل‪ ، .‬ضف إىل ذلك‬
‫املعرفة املوسوعية‪ ،‬والذكاء من أجل فهم مدلول النص األصل‪،‬‬
‫والقدرة على إعادة صياغة ما فهمه يف اللغة اهلدف حمافظا‬
‫على معنى النص األصل‪ ،‬فإذا كان املرتجم يتمتع باملهارات‬
‫اليت ذكرناها أعاله‪ ،‬فهذا سيمكنه من فهم املصطلح األصل‪،‬‬
‫وإدراكه السياق الذي ورد فيه‪ ،‬ثم توليد مصطلح جديد يف‬
‫اللغة اهلدف‪ ،‬بالرجوع إىل إحدى طرق التوليد اعتمادا على‬
‫خمزون ذاكرته‪ ،‬فال يكون أسريا للقواميس‪ ،‬ومما يسهل عليه‬
‫ترمجة املصطلحات اليت يبحث عنها حتى وإن كانت غري‬
‫موجودة يف القاموس‪ ،‬وذلك حلداثتها‪.‬‬
‫‪88‬‬

You might also like