You are on page 1of 72

‫الذكرى ‪ 70‬لتأسيس ال ّرسالة‬

‫العلم عبر الصفحات‬

‫يوليو‪-‬سبتمرب ‪2018‬‬

‫ال ّذكاء‬
‫االصطناعي‬
‫وعود وتهديدات‬

‫ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ‬


‫‪© UNESCO‬‬

‫ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬


‫منشورات اليونسكو‬
‫‪www.unesco.org/publishing‬‬
‫‪publishing.promotion@unesco.org‬‬
‫ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ‬
‫ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬ ‫اشرتكوا يف‬ ‫اكتشفوا‬
‫النسخة اإللكرتونية‬
‫رسالة‬
‫اليونسكو‬
‫مجاني ‪%100‬‬ ‫وساهموا‬
‫‪http//ar.unesco.org/courier/subscribe‬‬ ‫يف التعريف بها!‬

‫إلعبوا دورا‬ ‫تصدر يف ‪ 9‬لغات‬


‫رياديا!‬ ‫اإلنجليزية والعربية والصينية‬
‫ساهموا بصفة فعّ الة يف إنجاح‬ ‫واإلسبانية واإلسربانتو والفرنسية‬
‫رسالة اليونسكو بالتشجيع عىل ترويجها‬ ‫والربتغالية والروسية والرسدينية‪.‬‬
‫واستعمالها طبقا لسياسة االستعمال الحر‬ ‫كونوا رشكاء فاعلني‪ ،‬اقرتحوا إصدار رسالة‬
‫للمنظمة‪.‬‬ ‫اليونسكو يف لغات إضافية‪.‬‬
‫‪http://ar.unesco.org/open-access‬‬ ‫االتصال‪i.denison@unesco.org :‬‬

‫ملخص التقرير العاملي لرصد‬ ‫وسائل اإلعالم يف م واجهة اإلرهاب‪:‬‬ ‫منع التط ّرف العنيف من خالل‬ ‫اشرتكوا يف النسخة الورقية‬
‫التعليم ‪2017/18‬‬ ‫دليل للصحفيني‬ ‫التعليم‪ :‬دليل لصانعي السياسات‬
‫املساءلة يف مجال التعليم‪:‬‬ ‫‪ISBN 978-92-3-600065-7‬‬
‫• سنتان (‪ 8‬أعداد)‪ 54 :‬يورو‬ ‫• سنة واحدة (‪ 4‬أعداد)‪ 27 :‬يور و‬
‫‪ISBN 978-92-3-600068-8‬‬
‫الوفاء بتعهّ داتنا‬ ‫‪ 75‬صفحة‪ 24 x 17 ،‬صم‪ُ ،‬م ّ‬
‫سف ر‬
‫‪ 110‬صفحات‪ 21 x 14،8 ،‬صم‪،‬‬ ‫ملزيد التفاصيل‪http://publishing.unesco.org :‬‬ ‫وحيث أن هذه النرشية ليس لها غاية ربحية‪ ،‬فإن‬
‫‪ISBN 978-92-3-600069-5‬‬ ‫ُم ّ‬
‫سف ر‪PDF ،‬‬ ‫ُم ّ‬
‫توف ر عىل املوقع‬ ‫سعرها يُغ ّ‬
‫‪ 448‬صفحة‪ 28 x 21،5 ،‬سم‪ُ ،‬م ّ‬ ‫‪DL Services – C/O Michot Entrepôts‬‬ ‫طي فقط تكاليف طبعها وإرسالها‪.‬‬
‫سف ر‪،‬‬ ‫ُم ّ‬
‫توف ر عىل املوقع‬ ‫‪http://unesdoc.unesco.org‬‬
‫‪ 45‬يورو‬ ‫‪http://unesdoc.unesco.org‬‬ ‫‪Chaussée de Mons 77,‬‬
‫تعرض هذه النرشية توجيهات عمل يّة عىل‬ ‫عرض تفضييل لالشرتاكات ا ُملج ّمعة‪ %10 :‬تخفيض‬
‫هذا الدليل ا ُمل وجّ ه للصحفيني وللمحرتفني‬ ‫أصحاب مهنة التعليم (أصحاب الق رار‬ ‫‪B 1600 Sint Pieters Leeuw, Belgique‬‬
‫يواصل التقرير الثاني من سلسلة التقارير‬ ‫يف وسائل اإلعالم يهدف إىل توفري املعلومات‬ ‫السيايس‪ ،‬املد ّرسني والجهات الفاعلة يف‬ ‫ ‪Tél.: (+ 32) 477 455 329   E-mail: jean.de.lannoy@dl-servi.com‬‬ ‫بداية من خمسة اشرتاكات‪.‬‬
‫العاملية لرصد التعليم تقييم التقدم املحرز‬ ‫األساس يّة والتشجيع عىل التفكري يف معالجة‬ ‫مجال الرتبية) ملواجهة املشاكل الخصوص يّة‬
‫يف تحقيق هدف التنمية املستدامة الخاص‬ ‫اإلرهاب يف وسائل اإلعالم وبواسطتها‪.‬‬ ‫التي يطرحها التط ّرف العنيف‪.‬‬
‫بالتعليم (هدف التنمية املستدامة ‪)4‬‬
‫واستنادا إىل نصائح خرباء ومؤسسات‬ ‫ّ‬
‫خاص ة إىل مساعدة‬ ‫ويهدف الدليل بصفة‬
‫وغاياته العرش‪.‬‬
‫مشهورة‪ ،‬واالستشهاد بالعديد من األمثلة‪،‬‬ ‫ا ُمل ك ّل فني وا ُمل ك ّل فات بوضع السياسات صلب‬ ‫‪© UNESCO 2018‬‬ ‫املح ّررون‪:‬‬ ‫‪ - 2018‬عدد ‪ - 3‬تصدر منذ ‪1948‬‬
‫ويبحث التقرير قضية املسؤولية يف مجال‬ ‫يستكشف هذا الدليل التحديات املهنية‬ ‫وزارات الرتبية عىل ضبط األولويّات‪ ،‬وعىل‬ ‫‪ISSN 2220-3540 • eISSN 2220-3559‬‬ ‫اإلنجليزية‪ :‬رشاز سيدهفا‬
‫التعليم‪ ،‬محل الً ُ‬
‫الس بل التي تتيح لجميع‬ ‫تصدر رسالة اليونسكو فصليا‪ ،‬عن منظمة األمم املتحدة‬
‫واملعضالت األخالقية عند القيام بتغطية‬ ‫برمجة وتطبيق إج راءات وقائية ناجعة‬ ‫‪ ‬‬
‫العربية‪ :‬أنيسة الربّاق‬
‫للرتبية والعلم والثقافة‪ .‬هدفها التعريف باملثل العليا للمنظمة‬
‫الجهات الفاعلة املعنية تعزيز الفعالية‬ ‫األحداث اإلرهابية‪ ،‬كما يطرح التساؤالت‬ ‫يف مجال التعليم‪ ،‬كمساهمة يف األنشطة‬ ‫الصينية‪ :‬سون مني ودار الصني للرتجمة والنرش‬
‫من خالل نرش تبادل األفكار حول مواضيع ذات بُعد دويل‬
‫مجلة فصلية ح ّرة اإلقتناء‪ ،‬برتخيص من‬ ‫اإلسبانية‪ :‬بياتريز خواز‬ ‫ومتعلقة باملهام املوكولة إليها‪.‬‬
‫والكفاءة واإلنصاف يف توفري التعليم‪.‬‬ ‫األساسية حول تأثري تلك املعالجة عىل‬ ‫الوطنية للوقاية من التط ّرف العنيف‪.‬‬ ‫)‪Attribution-ShareAlike 3.0 IGO (CC-BY-SA 3.0 IGO‬‬ ‫الفرنسية‪ :‬ريجيس مريان‬
‫التماسك االجتماعي وعىل انتشار الخوف‬ ‫)‪(http://creativecommons.org/licenses/by-sa/3.0/igo/‬‬ ‫السخي الذي ّ‬
‫توفره‬ ‫ّ‬ ‫تصدر رسالة اليونسكو بفضل الدعم‬
‫الروسية‪ :‬مارينا يرتسيفا‬
‫يعرتف مستعميل محتويات املجلة بقبولهم رشوط اإلستعمال‬ ‫جمهورية ِّ‬
‫الصني الشعبية‪.‬‬
‫يف‪ ‬املجتمع‪.‬‬ ‫املنصوص عليها يف نظام التوثيق املفتوح لليونسكو‬ ‫الرتجمة ‪ :‬منري الرشيف‪ ،‬خالد أبو حجلة‪ ،‬نبيل السّ خاوي‪ ،‬النغسباير‬
‫‪http://ar.unesco.org/open-access/‬‬ ‫التصميم‪ :‬كورين هايوارث‬ ‫املدير‪ :‬فانسان دي فورني‬
‫صورة الغالف‪ © : :‬فرانشسكو رواغ‬ ‫مديرة التحرير‪ :‬ياسمينا شوبوفا‬
‫يطبق هذا الرتخيص حرصيّا عىل استعمال النصوص‪ .‬بالنسبة‬ ‫الطباعة ‪ :‬اليونسكو‬
‫الستعمال الصور‪ ،‬من الرضوري توجيه طلب إىل اليونسكو‬ ‫مدير اإلنتاج والرتويج‪ :‬إيان دنيسون‬
‫للحصول عىل ترخيص مسبق‪.‬‬ ‫النرشات املشرتكة‪:‬‬ ‫أمينة التحرير‪ :‬كاترينا مركيلوفا‬
‫إن التسميات وطريقة تصميم املعطيات الواردة يف هذه النرشية‬ ‫الربتغالية‪ :‬آنا لوشيا غيمارايس‬ ‫محررة‪ :‬شان سياورونغ‬
‫تعب عن أي موقف ملنظمة اليونسكو حول الوضع القانوني‬ ‫ال ّ‬ ‫اسبريانتو‪ :‬تريزورو هوانغ ينباو‬ ‫مح ّررة النسخة اإللكرتونية‪ :‬ماالهات إبراهيموفا‬
‫للدول‪ ،‬ولألرايض‪ ،‬وللمدن أو املناطق‪ ،‬أو حول الهيئات الحاكمة‪،‬‬ ‫الرسدينية‪ :‬دياغو كرايني‬ ‫إخراج الصور‪ :‬دانيكا بيجلجاك‬
‫أو الحدود املرسومة‪.‬‬ ‫اإلرشادات وحقوق إعادة النرش‪:‬‬ ‫اإلنتاج الرقمي‪ :‬دنيس بتزاليس‬
‫تعب املقاالت الواردة يف هذه النرشية عن أفكار وآراء مؤ ّلفيها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪courier@unesco.org‬‬ ‫العالقات مع وسائل اإلعالم‪ :‬اليتيسيا كايس‬
‫وهي ليست بالرضورة آراء منظمة اليونسكو وال تلزمها بأي‬ ‫‪7, place de Fontenoy, 75352 Paris 07 SP, France ‬‬ ‫مساعدة اإلدارة والتحرير‪ :‬كارولينا روالن أورتيغا‬
‫شكل من األشكال‪.‬‬ ‫‪© UNESCO 2018‬‬
‫أخالقيّات ‬ ‫من أجل‬
‫للبحث يف الذكاء االصطناعي‬
‫عىل الصعيد العاملي‬
‫ال يخول له ربط صلة اجتماعية حقيقية خارج‬ ‫لقد أحدث الذكاء االصطناعي الثورة الصناعية‬ ‫شهد الذكاء االصطناعي يف السنوات األخرية‬
‫اإلطار الذي وضع لتحديد نطاق تفاعالته‪.‬‬ ‫الرابعة‪ ،‬بل أكثر من ذلك‪ ،‬ألنه بصدد إحداث ثورة‬ ‫تقدّما مُذهال أفرز اخرتاعات لم نكن نخالها‬
‫ثقافية‪ .‬وإن كنا ال ننكر أنه سوف يغري مستقبلنا‪،‬‬ ‫ممكنة‪ .‬أصبحت الحواسيب والروبوتات قادرة‬
‫ورغم ذلك‪ ،‬أصبحت بعض تطبيقات الذكاء‬
‫ال نعرف كيف سيحدث ذلك‪ .‬وهذا ما يجعله‬ ‫عىل تع ّلم كيفية تحسني أدائها وحتى عىل اتّخاذ‬
‫االصطناعي مح ّل شك‪ :‬منها تجميع معطيات‬
‫مغريا ومُخيفا يف نفس الوقت‪.‬‬ ‫القرارات – ويت ّم ذلك طبعا بواسطة خوارزمي‬
‫فيها انتهاك للحياة الخاصة‪ ،‬وخوارزميّات‬
‫وبدون ضمري فردي‪ .‬لكن ذلك ال يُثنينا عن طرح‬
‫للتع ّرف عىل الوجه يُفرتض استعمالها لتحديد‬ ‫بعد أن حققت الرسالة يف هذا املوضوع‪ ،‬تُقدّم‬
‫بعض التساؤالت‪ .‬هل يُمكن آللة أن تُف ّكر؟ ما‬
‫سلوك عدواني أو فيه تحيز عنرصي‪ ،‬وطائرات‬ ‫للقارئ ما يجب االحتفاظ به بخصوص هذا‬
‫هي قدرات الذكاء االصطناعي يف املرحلة الحاليّة‬
‫حربية دون طيّار وأسلحة فتّاكة مُستق ّلة‪ ...‬يُثري‬ ‫املوضوع الجديد يف مجال البحث العلمي‪،‬‬
‫من تطوّره؟ ما هو مدى استقالليّته؟ وماذا عن‬
‫الذكاء االصطناعي العديد من املشاكل األخالقية‪،‬‬ ‫الذي يقع عىل الحدود بني اإلعالمية والهندسة‬
‫التحكم البرشي يف كل ذلك؟‬
‫وال شك أن خطورتها سوف تتفاقم يف املستقبل‪.‬‬ ‫والفلسفة‪ .‬وتقوم يف األثناء بتصحيح بعض‬
‫األمور‪ .‬فال ّذكاء االصطناعي يف وضعه الحايل‪،‬‬
‫وبينما يتقدّم البحث العلمي برسعة فائقة يف‬
‫ونقول ذلك بكل وضوح‪ ،‬ليس قادرا عىل التفكري‪.‬‬
‫ما يتع ّلق بالجوانب التقنية للذكاء االصطناعي‪،‬‬ ‫عمل رقمي للفنانة إفجانيجا دمنيافسكا يمثل‬
‫وما زلنا بعيدين كل البعد عن امكانية تحميل‬
‫نجده مُتعثّرا عندما يتع ّلق األمر بجوانبه‬ ‫اإلله الروماني جانوس الذي يحمل وجهني‪:‬‬
‫كافة مُكوّنات الكائن البرشي يف حاسوب! إن‬
‫األخالقية‪ .‬صحيح أن العديد من الباحثني يعربون‬ ‫وجه ينظر إىل املايض واآلخر إىل املستقبل‪.‬‬
‫الروبوت يخضع لجملة من األعمال الرتيبة التي‬
‫عن قلقهم‪ ،‬وأن بعض الدول رشعت يف التفكري‬ ‫وهو يتحكم يف كل انتقال من وضع إىل آخر‪.‬‬
‫تسمح له بالتفاعل معنا معرش البرش‪ ،‬لكن ذلك‬
‫الجدّي حول هذه املسألة‪ ،‬لكنه ال يوجد لح ّد اليوم‬
‫أي إطار قانوني لتوجيه البحث مستقبال عىل‬
‫الصعيد العاملي‪ .‬وترصح أودري أزوالي‪ ،‬املديرة‬
‫العامة لليونسكو‪ ،‬يف هذا العدد من الرسالة‪:‬‬
‫«من مسؤوليتنا إدارة حوار كوني ومستنري حتى‬
‫نقتحم هذا العرص الجديد بأعني مفتوحة‪،‬‬
‫دون أن نُضحّ ي بقِ يمنا‪ ،‬وحتى نتيح‬
‫التوصل إىل أرضية مشرتكة‬‫ّ‬ ‫إمكانية‬
‫من املبادئ األخالقية»‪.‬‬
‫(انظر ص‪ 36 .‬اىل ‪.)39‬‬
‫لكي يتطوّر الذكاء االصطناعي بشكل‬
‫مسؤول‪ ،‬من الرضوري وضع آلية‬
‫دولية تضبط معايريه‪ :‬وهي مهمّ ة‬
‫اضطلعت بها اليونسكو‪ ،‬ويسعى‬
‫هذا العدد من الرسالة إىل مساندتها‬
‫باقرتاح بعض سبل التفكري فيها‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫‪© Evgenija Demnievska‬‬
‫‪3‬‬ ‫)‪(evgenijademnievska.com‬‬
‫زاوية كبرى‬

‫المحتويات‬
‫زاوية كربى‬
‫الذكاء االصطناعي‪:‬‬ ‫‪7‬‬
‫بني األسطورة والواقع‬
‫جان غابريال غاناسيا‬
‫اليد التي تُبرص‬ ‫‪10‬‬
‫شان سياورونغ‬
‫روبوتات وبرش‬ ‫‪11‬‬
‫فانيسا إيفرس‬
‫جيوسيبي يفتح عهدا جديدا للطبخ‬ ‫‪14‬‬
‫بياتريز خواز‬
‫ميغال بن الصايغ‪ :‬الدماغ ال يُف ّكر!‬ ‫‪15‬‬
‫أجرى املقابلة ريجيس مريان‬
‫يوشوا بنجيو‪:‬‬ ‫‪18‬‬
‫التصدي الحتكار البحث‬
‫أجرت املقابلة ياسمينا شوبوفا‬
‫مصطفى سييس‪ :‬من أجل استخدام‬ ‫‪20‬‬
‫ديمقراطي للذكاء االصطناعي يف‬
‫أفريقيا‬
‫أجرت املقابلة كاترينا ماركيلوفا‬

‫‪41-6‬‬ ‫يانغ كيانغ‪ :‬الثورة الرابعة‬


‫أجرى املقابلة وانغ تشاو‬
‫‪22‬‬

‫‪25‬‬
‫تهديدات الروبوتات القاتلة‬
‫فاسييل سيتشاف‬
‫َ‬
‫وليس عىل حسابنا‬ ‫يف خدمتنا‪،‬‬ ‫‪29‬‬
‫تي وي آنغ ودفنا فينهولز‬

‫‪49-42‬‬ ‫مارك أنطوان ديالك‪ :‬ماذا عن‬


‫املخاطر األخالقية؟‬
‫‪31‬‬

‫زوم‬ ‫أجرى املقابلة ريجيس مريان‬


‫عبء الحياة‬ ‫كارل رشودر‪:‬‬ ‫‪32‬‬
‫فلوريان دوالساي‬ ‫من أجل األفضل‪ ،‬ال غري‪ِ .‬ل َم ال؟‬
‫وسيبيل دورجيفال‬ ‫أجرت املقابلة‬
‫ماري كريستني بينو ديموالن‬
‫لنتع ّلم العيش‬ ‫‪34‬‬
‫يف عرص الذكاء االصطناعي‬
‫ليسيل لوبل‬
‫أودري أزوالي‪ :‬لنستغ ّل أحسن ما يف‬ ‫‪36‬‬
‫الذكاء اإلصطناعي‬
‫أجرت املقابلة ياسمينا شوبوفا‬
‫معجم الذكاء االصطناعي‬ ‫‪40‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫‪|4‬‬


‫‪55-50‬‬
‫أفكار‬
‫‪39‬‬ ‫الرقص للتعبري عن املنكر أو مسألة‬
‫تأثري ذاكرة العبودية عىل اإلبداع‬
‫الفني املعارص‬
‫أالن فوا‬

‫‪59-56‬‬

‫الصح‬
‫ضيفنا‬
‫مالك بن إسماعيل‪ :‬تصوير الواقع‬
‫‪66-60‬‬
‫أجرت املقابلة ياسمينا شوبوفا‬

‫األحداث‬
‫أرخبيل كولومبوس‪:‬‬ ‫‪61‬‬
‫السكان يتجندون‬
‫مصالحة بني اإلنسان والطبيعة‬ ‫‪62‬‬
‫لوك جاكي‬
‫طائرة بدون طيّار‬ ‫‪64‬‬
‫خاص بالذكرى ‪70‬‬ ‫تكشف عن أرسار تيواناكو‬
‫لوسيا اغليزياس كونتز‬
‫الصحيفة الوحيدة التي‬
‫كان يقرأها نيلسون مانديال‬
‫يف جزيرة روبن‬ ‫‪70-67‬‬
‫أنار ّ‬
‫كسام‬

‫‪5‬‬ ‫يونيو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫رسالة اليونسكو • يوليو‬
‫زاوية كبرى‬

‫وعود وتهديدات‬

‫زاوية كبرى‬

‫التعرف عىل الوجه‪ ،‬من منظور‬


‫الفنان األمريكي طوني آورسلري‬
‫© برتخيص كريم من الفنان ومن رواق‬
‫ليهمان موبان‪ ،‬نيويورك وهونغ كونغ‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪6‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫الذكاء االصطناعي‪:‬‬

‫ بين األسطورة‬
‫ والواقع‬ ‫بقلم جان غابريال غاناسيا‬

‫ومن وجهة نظر جون مكارثي ومارفن‬ ‫هذه الفكرة التي تحيل إىل األساطري والخرافات‬ ‫هل يمكن لآللة أن تصبح أذكى من‬
‫مينسكي‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للقائمني‬ ‫القديمة‪ ،‬مثل أسطورة غوليم‪ ،‬أُعيد إحياؤها‬ ‫اإلنسان؟ يرد جان غابريال غاناسيا‪:‬‬
‫اآلخرين عىل املدرسة الصيفية بكلية دارتموث‪،‬‬ ‫مؤخ ًرا من قبل شخصيات معارصة مثل‬
‫كان الذكاء اإلصطناعي يهدف يف البداية إىل‬ ‫الفيزيائي الربيطاني ستيفن هوكنغ‬ ‫ال‪ ،‬هذه أسطورة مستوحاة من الخيال‬
‫محاكاة كل واحدة من مختلف قدرات الذكاء‪،‬‬ ‫(‪ )2018-1942‬أو رجل األعمال األمريكي‬ ‫العلمي‪ .‬ويستعرض املراحل الرئيسية‬
‫بواسطة اآلالت‪ ،‬سواء كان ذكاء برشيا أو‬ ‫إلون ماسك‪ ،‬و من قبل املفكر املستقبيل‬
‫للبحوث يف هذا املجال‪ ،‬والرباعات‬
‫حيوانيا أو نباتيا أو اجتماعيا أو تصنيفا‬ ‫األمريكي راي كورزويل أو أنصار ما يسمى‬
‫تفرعيا حيويا‪.‬‬ ‫اليوم «الذكاء اإلصطناعي القوي» أو «الذكاء‬ ‫التقنية الحالية واملسائل األخالقية التي‬
‫اإلصطناعي العام»‪ .‬هذا ولن نستعمل يف هذا‬ ‫تقتيض حلوال بصفة ملحّ ة‪.‬‬
‫وقد استند هذا النظام العلمي أساسا إىل‬
‫املقال املعنى الثاني ألنه يشهد فقط عىل خيال‬
‫افرتاض أن جميع الوظائف املعرفية‪ ،‬وال‬
‫مفعم‪ ،‬يستلهم من الخيال العلمي أكثر من‬
‫سيما التع ّلم‪ ،‬واالستدالل‪ ،‬والحساب‪ ،‬واإلدراك‪،‬‬ ‫الذكاء اإلصطناعي هو نظام علمي بدأ رسميا‬
‫الواقع العلمي امللموس الذي أثبتته االختبارات‬ ‫يف عام ‪ 1956‬يف كلية دارتموث يف هانوفر‬
‫والحفظ يف الذاكرة‪ ،‬وحتى اإلكتشاف العلمي‬
‫واملالحظات التجريبية‪.‬‬ ‫بالواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬خالل انعقاد‬
‫أو اإلبداع الفني‪ ،‬قابلة لوصف دقيق لدرجة‬
‫أنه يمكن برمجة جهاز كمبيوتر الستِنساخها‪.‬‬ ‫مدرسة صيفية نظمها أربعة باحثني أمريكيني‪:‬‬
‫ومنذ وجود الذكاء االصطناعي‪ ،‬أي منذ أكثر‬ ‫جون مكارثي‪ ،‬مارفن مينسكي‪ ،‬ناثانييل‬
‫من ستني سنة‪ ،‬ليس هناك ما يفند أو يثبت‬ ‫روتشسرت وكلود شانون‪ .‬ومنذ ذلك الحني‪،‬‬
‫بشكل قاطع هذه الفرضية التي ال تزال‬ ‫نجح مصطلح «الذكاء االصطناعي» ‪ -‬الذي‬
‫مفتوحة وخصبة يف آن واحد‪.‬‬ ‫من املحتمل أن يكون قد اخرتع يف البداية‬
‫إلثارة انتباه الجمهور ‪ -‬بما أنه أصبح شائعا‬
‫سجل تاريخي متباين‬ ‫لدرجة أن ال أحد يجهله اليوم‪ ،‬وأن هذا الفرع‬
‫من املعلوماتية أخذ يف االنتشار أكثر فأكثر مع‬
‫شهد الذكاء اإلصطناعي العديد من التطورات‬ ‫هذا الطفل الروبوت‪ ،‬الذي أُطلق عليه اسم يس‬ ‫مرور الوقت‪ ،‬وبما أن التقنيات التي انبثقت‬
‫خالل فرتة وجوده القصرية‪ .‬ويمكن تلخيصها‬ ‫‪.‬بي ‪ ،2‬من صنع مينورو أسادا (اليابان) كي‬ ‫عنه ساهمت بقدر كبري يف تغيري العالم عىل‬
‫يف ست مراحل‪.‬‬ ‫نفهم عملية تع ّلم اآلالت‪ .‬ويظهر يس‪.‬بي ‪2‬‬ ‫مدى الستني سنة املاضية‪.‬‬
‫وهو يتع ّلم الزحف‪.‬‬
‫ّإل أن نجاح مصطلح «الذكاء االصطناعي»‬
‫يرتكز يف بعض األحيان عىل سوء فهم عندما‬
‫يشري إىل كيان اصطناعي موهوب بالذكاء‪،‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬قادر عىل منافسة الكائنات البرشية‪.‬‬
‫‪© Max Aguilera-Hellweg / INSTITUTE‬‬

‫‪7‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫من الذكاء االصطناعي إىل الواجهة‬ ‫الذكاء االصطناعي الداليل‬ ‫زمن األنبياء‬
‫بني اإلنسان واآللة‬
‫ورغم ذلك لم تتوقف البحوث‪ ،‬لكنها أخذت‬ ‫يف بادئ األمر‪ ،‬مع نشوة اإلبتكار والنجاحات‬
‫اعتبارا من أواخر التسعينات‪ ،‬ت ّم ربط الذكاء‬ ‫اتجاهات جديدة‪ .‬وانصب االهتمام عىل علم‬ ‫األوىل‪ ،‬انج ّر الباحثون يف ترصيحات مبالغ‬
‫االصطناعي بال ُروبوتات وبالوَاجهة بني‬ ‫النفس املتعلق بالذاكرة وعىل آليات الفهم‬ ‫فيها نوعا ما‪ ،‬استُهدفوا عىل إثرها بانتقادات‬
‫اإلنسان واآللة‪ ،‬إلنتاج حواسيب ذكية توحي‬ ‫ملحَ اولة محاكاتها عىل الكمبيوتر‪ ،‬كما تم‬ ‫كثرية‪ .‬وعىل سبيل املثال‪ ،‬يف عام ‪ ،1958‬رصّ ح‬
‫بوجود أوضاع عاطفية ومشاعر‪ .‬مما أدّى‪ ،‬عىل‬ ‫االهتمام بدور املعرفة يف التفكري املنطقي‪.‬‬ ‫األمريكي هريبرت سايمون‪ ،‬الذي حاز يف وقت‬
‫سبيل املثال ال الحرص‪ ،‬إىل إحصاء العواطف‬ ‫وهذا ما أدى إىل ظهور تقنيات التمثيل الداليل‬ ‫الحق عىل جائزة نوبل لالقتصاد‪ ،‬أنه يف غضون‬
‫(الحوسبة العاطفية) الذي يقيّم ردود فعل‬ ‫للمعارف التي تطورت إىل حد كبري يف منتصف‬ ‫عرش سنوات ستصبح اآللة بطلة عاملية يف لعبة‬
‫الفرد الناتجة عن مشاعره ليعيد إنتاجها عىل‬ ‫السبعينات‪ ،‬والتي أدت ً‬
‫أيضا إىل تطوير ما‬ ‫الشطرنج‪ ،‬إذا لم يت ّم استبعادها من املسابقات‬
‫اآللة‪ ،‬وال سيما إىل تطوير روبوتات قادرة عىل‬ ‫يسمى بالنظم الخبرية ‪ -‬سمّ يت كذلك ألنها‬ ‫الدولية‪.‬‬
‫املحادثة‪.‬‬ ‫قد تتطلب استخدام معرفة خرباء مهنيني‬
‫السنوات املظلمة‬
‫الستنساخ طريقة تفكريهم‪ .‬وقد أثارت هذه‬
‫نهضة الذكاء االصطناعي‬
‫آمال كبرية يف أوائل الثمانينات بفضل‬‫النظم ً‬ ‫بحلول منتصف الستينيات‪ ،‬تعثرت وترية‬
‫منذ عام ‪ ،2010‬بفضل قوة اآللة‪ ،‬أصبح من‬ ‫التطبيقات املتعددة التي تم انتاجها‪ ،‬ومنها عىل‬ ‫التقدم‪ .‬وتمكن طفل يف العارشة من العمر من‬
‫املمكن استغالل البيانات الضخمة بواسطة‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬التشخيص الطبي‪.‬‬ ‫التغ ّلب عىل جهاز كمبيوتر يف لعبة الشطرنج‬
‫تقنيات التع ّلم العميق التي تعتمد عىل‬ ‫عام ‪ .1965‬وأشار تقرير أصدره مجلس‬
‫االتصاليّة الجديدة وتع ّلم اآللة‬
‫استخدام الشبكات العصبية الشكلية‪ .‬ويجرنا‬ ‫الشيوخ األمريكي سنة ‪ 1966‬إىل القيود‬
‫ظهور تطبيقات مثمرة يف العديد من املجاالت‬ ‫لقد أدّى تحسني التقنيات إىل تصميم‬ ‫املتأصلة يف الرتجمة اآللية‪ .‬فتع ّرض الذكاء‬
‫(التعرف عىل الكالم‪ ،‬التعرف عىل الصور‪ ،‬فهم‬ ‫خوارزميات تع ّلم اآللة التي م ّكنت أجهزة‬ ‫اإلصطناعي لدعاية سلبية ملدة عرش سنوات‪.‬‬
‫اللغة الطبيعية‪ ،‬سيارة ذاتية القيادة‪ ،‬إلخ) إىل‬ ‫الكمبيوتر من تجميع املعارف وإعادة برمجتها‬
‫الحديث عن نهضة الذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫تلقائيا انطالقا من تجاربها الخاصة‪.‬‬
‫وقد أفىض ذلك إىل ظهور تطبيقات صناعية‬ ‫أول آلة حساب رقمية الكرتونية قابلة‬
‫(تحديد بصمات األصابع‪ ،‬والتعرف عىل الكالم‪،‬‬ ‫للربمجة استعملت ألول مرة سنة ‪ .1946‬كان‬
‫إلخ)‪ ،‬حيث تتواجد تقنيات مستمدة من الذكاء‬ ‫يبلغ حجمها ‪ 30‬مرت مكعب وتزن ‪ 30‬طنّا‪.‬‬
‫االصطناعي‪ ،‬واإلعالمية‪ ،‬والحياة االصطناعية‪،‬‬ ‫ت ّم تصميمها يف جامعة بنسيلفانيا (الواليات‬
‫وغريها من االختصاصات‪ ،‬بغرض توفري‬ ‫ّ‬
‫الخاصة بقذائف‬ ‫املتحدة) للقيام بالحسابات‬
‫نظم‪ ‬هجينة‪.‬‬ ‫الجيش األمريكي‪ ،‬ثم استخدمت يف مجايل‬
‫الفيزياء النووية والرصد الجوي‪.‬‬

‫مجال عمومي‪/‬صورة لجيش الواليات املتحدة‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪8‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫أي مخاطر من الناحية األخالقية؟‬


‫باستخدام الذكاء االصطناعي‪ ،‬أصبحت معظم‬
‫أبعاد الذكاء ‪ -‬ربما باستثناء الفكاهة ‪ -‬موضع‬
‫التحليل وإعادة البناء العقالني عن طريق‬
‫أجهزة الكمبيوتر‪ .‬وباإلضافة إىل ذلك‪ ،‬تجاوزت‬
‫اآللة قدراتنا املعرفية يف معظم امليادين‪ ،‬مما‬
‫يجعل البعض يخىش مخاطرها من الناحية‬
‫األخالقية‪ .‬تتمثل هذه املخاطر يف ثالثة أنواع‪:‬‬
‫ندرة فرص الشغل باعتبار أن اآللة ستعوض‬
‫‪© BBP/EPFL 2015‬‬

‫اإلنسان لتأدية العديد من املهام‪ ،‬واالنعكاسات‬


‫ً‬
‫وخاصة عىل حريته وأمنه‪،‬‬ ‫عىل استقاللية الفرد‬
‫وتجاوز البرشية التي قد تزول لتحل محلها‬
‫آالت تفوقها «ذكاء»‪.‬‬
‫محاكاة حركية داخل حلقة متناهية الصغر‬
‫إال أنه إذا تم تدارس الوضع بصفة دقيقة‪،‬‬ ‫من أعصاب افرتاضية لفأر (‪،)2015‬أنجزت‬
‫يتبني أن الشغل ال يزول بل هو عىل العكس‬ ‫يف إطار مرشوع الدماغ األزرق‪ ،‬وهو جزء من‬
‫تماما‪ّ ،‬‬
‫يتغي و يتطلب مهارات جديدة‪ .‬وباملثل‪،‬‬ ‫املرشوع األوروبي الدماغ البرشي‪ .‬وتمثل‪،‬‬
‫تطبيقات‬
‫ليس هناك تهديدا الستقاللية الفرد وحريته‬ ‫حسب العلماء‪ ،‬مرحلة نحو محاكاة تشغيل‬ ‫لقد تجاوزت العديد من اإلنجازات املعتمدة‬
‫بسبب تطوّر الذكاء االصطناعي‪ ،‬رشيطة أن‬ ‫الدماغ البرشي‪.‬‬ ‫عىل تقنيات الذكاء االصطناعي قدرات اإلنسان‪:‬‬
‫نظل يف يقظة أمام اخرتاق التكنولوجيا لحياتنا‬
‫لقد هزمت آلة يف لعبة الشطرنج بطل العالم‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫يف عام ‪ ،1997‬كما تفوقت سنة ‪ 2016‬آالت‬
‫وختاما‪ ،‬خالفا ً ملا يدّعي البعض‪ ،‬ال تشكل‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يستخدم العلماء هذه‬ ‫أخرى عىل أحد أفضل ّ‬
‫اللعبني يف العالم يف‬
‫اآلالت خطرا ً وجوديا ً عىل البرشية‪ ،‬ألن‬ ‫التقنيات لتحديد وظيفة بعض الجزيئات‬ ‫لعبة «الجو»‪ ،‬وعىل العبني ممتازين يف لعبة‬
‫استقالليتها ذات طابع تقني ليس ّإل‪ ،‬حيث‬ ‫الحيوية‪ ،‬وخاصة الربوتينات واملجينات‪ ،‬من‬ ‫البوكر‪ .‬وتقوم أجهزة الكمبيوتر بإثبات ‪ -‬أو‬
‫أنها ال تعكس سوى سلسلة من الروابط‬ ‫خالل تسلسل مكوناتها ‪ -‬األحماض األمينية‬ ‫باملساعدة عىل إثبات ‪ -‬النظريات الرياضية‪.‬‬
‫السببية املادية‪ ،‬بدءا من جمع املعلومات وصوال‬ ‫بالنسبة للربوتينات‪ ،‬والجزء األسايس بالنسبة‬ ‫ويتم بناء املعارف بشكل تلقائي انطالقا من‬
‫إىل صنع القرار‪ .‬وعىل العكس‪ ،‬ال تملك اآللة‬ ‫للمجني‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬تشهد كل العلوم قطعا‬ ‫بيانات ضخمة تقاس بالتريابايت (‪ 1012‬بايت)‬
‫استقاللية عىل الصعيد األخالقي‪ ،‬ألنه حتى لو‬ ‫معرفيا أساسيا مع ظهور ما يسمى بتجارب‬ ‫أو حتى بالبيتابايت (‪ 1015‬بايت)‪ ،‬باستخدام‬
‫حدث أن أربَكتنا وض ّللتنا أثناء اشتغالها‪ ،‬فإنها‬ ‫«إن سيليكو» (تجارب يف بيئة افرتاضية)‪،‬‬ ‫تقنيات التع ّلم اآليل‪.‬‬
‫ال تمتلك إرادة ذاتية‪ ،‬وتظل خاضعة لألهداف‬ ‫ألنها تتم باالعتماد عىل بيانات ضخمة‪ ،‬بفضل‬
‫وبفضل تقنيات التعلم اآليل‪ ،‬تقوم اآلالت‬
‫التي حدّدناها لها‪.‬‬ ‫نظم قوية ملعالجة املعلومات تتكون نواتها‬
‫بالتعرف عىل الكالم وتدوينه‪ ،‬مثلها مثل‬
‫من السيليسيوم‪ ،‬مما يجعل هذه التجارب‬
‫السكرترية‪-‬الراقنة يف السابق‪ ،‬وتقوم أخرى‬
‫تتعارض مع التجارب يف الوسط الحي التي‬
‫جان غابريال غاناسيا (فرنسا) أستاذ‬ ‫بالتعرف بدقة عىل سمات الوجه أو بصمات‬
‫تُجرى عىل الجسم الحي‪ ،‬وعىل وجه الخصوص‬
‫يف املعلوماتية بجامعة السوربون‪ ،‬وباحث‬ ‫األصابع من بني عرشات املاليني‪ ،‬وقراءة‬
‫مع التجارب املختربية التي تُجرى يف أنابيب‬
‫بمخرب املعلوماتية بجامعة باريس ‪ ،6‬وعضو‬ ‫النصوص املكتوبة باللغة الطبيعية‪ .‬كما‬
‫زجاجية‪.‬‬
‫باملفوضية األوروبية للذكاء االصطناعي‪ ،‬كما‬ ‫وجدت بفضل هذه التقنيات سيارات ذاتية‬
‫أنه عضو باملعهد الجامعي بفرنسا‪ ،‬ورئيس‬ ‫وتؤثر تطبيقات الذكاء االصطناعي يف جميع‬ ‫التحكم‪ ،‬وآالت قادرة عىل تشخيص الورم‬
‫لجنة األخالقيات باملركز الوطني للبحث العلمي‪.‬‬ ‫القطاعات تقريبا‪ ،‬وخاصة يف الصناعة والبنوك‬ ‫امليالنيني أفضل بكثري من األطباء املختصني‬
‫ويهتم يف أبحاثه الحالية بتعلم اآللة‪ ،‬والدمج‬ ‫والتأمني والصحة والدفاع‪ ،‬ذلك أنه أصبح‬ ‫يف األمراض الجلدية‪ ،‬و ذلك اعتمادا عىل صور‬
‫من املمكن تحويل العديد من املهام الروتينية‬ ‫للشامات الجلدية يتم التقاطها‬ ‫فوتوغرافية ّ‬
‫الرمزي للبيانات‪ ،‬واألخالقيات الحسابية‪،‬‬
‫وأخالقيات الكمبيوتر والعلوم اإلنسانية الرقمية‪.‬‬ ‫الحالية إىل عمليات آلية‪ ،‬وهذا من شأنه أن ّ‬
‫يغي‬ ‫باستخدام الهواتف املحمولة‪ .‬وأصبحت‬
‫صبغة العديد من املهن وقد يؤدي إىل زوال‬ ‫الروبوتات تحل محل اإلنسان املقاتل يف‬
‫بعضها نهائيا‪.‬‬ ‫الحروب (انظر ص‪ 25 .‬اىل ‪ ،)28‬وآلية سلسلة‬
‫اإلنتاج باملصانع يف تزايد مستمر‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ت ُبصر‬ ‫اليد التي‬

‫بقلم شان سياورونغ‬

‫اليد اإللكرتونية الحدسية‬


‫من اخرتاع مهندسني‬
‫مختصني يف علوم‬
‫األحياء والطب يف جامعة‬
‫نيوكاسل (اململكة املتحدة)‪ .‬وبما أنها‬
‫قادرة عىل أن «ترى» األشياء وأن تمسك‬
‫بها بكل دقة وسالسة‪ ،‬فإنها سوف ّ‬
‫تغي‬
‫مجرى حياة األشخاص ذوي اإلعاقة‬
‫فاقدي األطراف العليا من الجسد‪.‬‬

‫كيانوش نازاربور الذي خصص أبحاثه منذ‬


‫‪ 1999‬لتحسني األطراف االصطناعية‪ ،‬من‬
‫مواليد إيران حيث قىض طفولته‪ .‬كان حلمه‬
‫أن يصبح دكتورا يف الطب‪ .‬والحَ افز األسايس‬
‫لبحوثه اليوم هو األمل يف إمكانية إعادة كل‬ ‫طلب من‬ ‫لحد اآلن‪ ،‬كانت اليد االصطناعية تت ّ‬
‫املستخدم رؤية األشياء‪ ،‬وتحفيز عضالت ذراعه‬ ‫هذه اليد اآللية قادرة عىل مسك أي يشء‬
‫الوظائف لألشخاص الذين يعانون من ضعف‬
‫ثم اإليعاز لها بتحريك الطرف االصطناعي‪.‬‬ ‫بسهولة وبرسعة‪ ،‬بفضل كامريا تقوم‬
‫يف التحرك‪ ‬الحيس‪.‬‬
‫أما يف الصيغة الجديدة‪ ،‬فقد تم تجهيز اليد‬ ‫بتصويره وتقدير شكله و حجمه‪.‬‬
‫وباإلمكان تركيب أو إذا تطلب األمر تكييف‬ ‫االصطناعية بكامريا صغرية (ال تتعدى تكلفتها‬ ‫© ‪Newcastle University, UK‬‬
‫الرسم التخطيطي اإللكرتوني لليَد اآللية‬ ‫‪ 1،50‬دوالر) تقوم بتصوير اليشء وتقييم‬
‫الجديدة وبرنامجها املعلوماتي ‪ -‬وكالهما‬ ‫شكله وحجمه‪ ،‬ثم تطلق سلسلة من الحركات‬
‫متوفر للتحميل عىل اإلنرتنت ‪ -‬عىل‬ ‫لتمسك به بكل سالسة‪ .‬وال تستغرق كل‬ ‫دوغ ماكنتوش معاق فقد يده منذ عرشين‬
‫أصناف مختلفة من البدائل االصطناعية‬ ‫العملية سوى بعض‪ ‬الثواني‪.‬‬ ‫سنة‪ .‬وخالل تجربة عالج رسيرية‪ ،‬تمكن من‬
‫لألطراف‪ ‬العلوية‪.‬‬ ‫االمساك بجسم ألوّل م ّرة منذ أن بُرتت يده‪،‬‬
‫ويكفي أن يوجه الشخص نظرة رسيعة يف‬
‫ويوضح كيانوش نازاربور‪« :‬نحن نصنع نظام‬ ‫برسعة ودقة ودون مجهود‪ .‬وكانت مشاعر‬
‫االتجاه الصحيح حتى تختار اليد‪ ،‬بفضل‬
‫التحكم يف األجهزة والربمجيات فقط‪ ،‬وليس‬ ‫الفرحة التي بانت عىل مالمحه أكرب مكافأة‬
‫الذكاء اإلصطناعي‪ ،‬واحدة من بني األربع‬
‫نظام التحكم يف اليد االصطناعية» ويضيف أن‬ ‫ملبتكر اليد اإللكرتونية الحدسية‪.‬‬
‫«قبضات» املتاحة ‪ -‬إمساك كوب‪ ،‬أو جهاز‬
‫تكلفة األجهزة املعلوماتية الرضورية ال تفوق‬ ‫التحكم التلفزيوني عن بعد‪ ،‬أو قبض األشياء‬ ‫ويقول الدكتور كيانوش نزاربور مبتهجا‪:‬‬
‫دوالرا واحدا‪.‬‬ ‫بني اإلبهام وإصبَعني‪ ،‬أو بني اإلبهام والسبابة‪.‬‬ ‫«هذا النجاح يربهن عىل أنني كنت عىل صواب»‪.‬‬
‫وعالوة عن الفائدة الواضحة لصالح األشخاص‬ ‫وهذا الجهاز أرسع عرش مرات من األعضاء‬ ‫وقد أحرزت اليد اإللكرتونية الحدسية التي‬
‫ذوي اإلعاقة‪ ،‬فإن اليد االصطناعية‪ ،‬إذا اقرتنت‬ ‫اآللية املتوفرة‪ ‬حاليا‪.‬‬ ‫ابتكرها هذا املهندس يف الطب البيولوجي من‬
‫بروبوت ذكي‪ ،‬سوف تسرتعي اهتمام قطاع‬ ‫معهد العلوم العصبية بجامعة نيوكاسل يف‬
‫ويوضح كيانوش نيزابور أن «اإلحساس كان‬
‫الصناعة واملؤسسات‪.‬‬ ‫اململكة املتحدة‪ ،‬عىل إحدى جوائز نت إكسبلو‬
‫دائما من أهم العراقيل لحسن سري األطراف‬
‫لالبتكار‪.2018 ‬‬
‫يف اململكة املتحدة‪ ،‬يبلغ عدد األشخاص‬ ‫البديلة‪ ،‬مما استوجب كثريا من التدريب‬
‫الفاقدين لألعضاء العليا حوايل ‪ 600‬فرد كل‬ ‫والرتكيز والوقت» و يضيف‪« :‬لم تتطور‬ ‫وبفضل هذا الجيل الجديد من األطراف‬
‫سنة‪ ،‬أما يف الواليات املتحدة فيبلغ عددهم‬ ‫األطراف االصطناعية إال بقدر ضئيل خالل‬ ‫َ‬
‫اإلمساك‬ ‫االصطناعية‪ ،‬تمكن املستفيدون من‬
‫‪ .500.000‬يقول كيانوش نازاربو‪« :‬مرشوعنا‬ ‫القرن املايض‪ّ :‬‬
‫تحسن التصميم‪ ،‬وزادت املواد‬ ‫باألشياء دون اللجوء اىل التح ّكم العقيل‪ ،‬بشكل‬
‫يرمي إىل التشارك مع العديد من منتجي‬ ‫خفة ومتانة‪ ،‬لكن طريقة التشغيل بقيت عىل‬ ‫آيل ودون تفكري‪ ،‬تماما كما لو كانت لهم يد‬
‫األطراف االصطناعية‪ ،‬ونحتاج إىل بناء شبكات‬ ‫حالها‪ .‬وأتى هذا النظام الجديد ليضفي أكثر‬ ‫طبيعية‪.‬‬
‫لربط الصلة بيننا‪ .‬أميل هو أن يستفيد اآلالف‬ ‫مرونة‪ ،‬و أصبحت اليد قادرة عىل التقاط أشياء‬
‫يف العالم من هذا املرشوع»‪.‬‬ ‫غري مألوفة‪ ،‬وهذا يمثل تقدما حاسما»‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪10‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫روبوتات‬

‫ وبشر‬

‫‪© Pascal Meunier / Cosmos‬‬


‫مقيمون يف دار املتقاعدين تسوكوي‪ ،‬يف‬
‫مدينة كاوازاكي باليابان يمارسون قليال من‬ ‫بقلم فانيسا إيفرس‬
‫الرياضة صحبة مد ّربهم اآليل بيرب‪.‬‬ ‫نعيش عرصا تقوم فيه الروبوتات باألعمال‬
‫املنزلية‪ ،‬ونقل األشخاص ونزع فتيل القنابل‪،‬‬ ‫حتى يتق ّلد وكيل اصطناعي دورا‬
‫كما أنه من املتوقع أن يتغري التعليم بصفة‬ ‫كما تُنجز األعضاء االصطناعية‪ ،‬وتُساعد‬
‫اجتماعيا حقيقيا ويربط عالقة عاقلة‬
‫جذرية (انظر ص‪ 34 .‬و‪ .)35‬فقد يصبح‬ ‫الج ّراحني وتصنع منتجات مختلفة‪ .‬الروبوتات‬
‫ّ‬
‫حواسنا وعقولنا بشكل‬ ‫من املمكن تطوير‬ ‫تُس ّلينا‪ ،‬وتُع ّلمنا وتُفاجئنا‪ .‬ومثلما تتجاوز‬ ‫مع كائن برشي‪ ،‬ال بد أن يكون مجهزا‬
‫اصطناعي‪ ،‬وتحسني قدرتنا عىل التفكري يف‬ ‫عمليّة الربط الحالية للهواتف الذكية ووسائل‬ ‫يف وقت واحد بمالمح نفسية وثقافية‬
‫اآلفاق املتاحة‪ ،‬بفضل التحليل اآليل لكمّ يات‬ ‫االتصال االجتماعية حدود خيالنا السابق‪،‬‬
‫ُتوقع أن تكون ل ُروبوتات الغد قدرات مادّية‬ ‫ي ّ‬ ‫واجتماعية وعاطفية‪ .‬إن الطرق‬
‫ضخمة من املعطيات ‪:‬كل ذلك يتط ّلب طرقا‬
‫أخرى ملعالجة املعلومات يف املدارس‪.‬‬ ‫وللذكاء االصطناعي مهارات معرفية ليس‬ ‫املستعملة حاليا لتع ّلم اآلالت ال تسمح‬
‫بإمكاننا تصوّرها اليوم‪ ،‬منها القدرة عىل‬ ‫بمثل هذا التطوير‪ .‬لن تكون روبوتات‬
‫ولكن ماذا عن عالقاتنا البرشية؟ كيف‬ ‫ح ّل مشاكل خطرية مثل شيخوخة املجتمع‪،‬‬
‫ستتطوّر الطريقة التي نلتقي بها‪ ،‬ونعيش‬ ‫والتهديدات البيئيّة والرصاعات العاملية‪.‬‬ ‫الغد سوى مساعدين متواضعني يف‬
‫معا‪ ،‬ونُربّي أطفالنا؟ وإىل أي مدى سيقع يف‬
‫كيف ستكون حياتنا يف املستقبل القريب؟‬ ‫خدمتنا‪ ،‬ليس ّإل‪.‬‬
‫يوم ما االندماج بني الروبوتات والبرش؟‬
‫سوف نعيش ملدة أطول دون شك‪ ،‬بما أن‬
‫يتساءل الكثري منا إن كان الذكاء االصطناعي‬ ‫األعضاء الواهنة يف جسدنا سوف تُعوض‬
‫سيكون يوما أملعيا وخبريا يف مجال التواصل‬ ‫بأجهزة اصطناعية‪ ،‬وبما أن العمليات الطبية‬
‫البرشي‪ ،‬لدرجة أنه لن يمكن بأي حال التفريق‬ ‫التي تعتمد عىل تقنيات النانو ستتمكن‬
‫بني الكائن البرشي وتوأمه االصطناعي‪.‬‬ ‫من استهداف األمراض والجينات‪ ،‬وبما أن‬
‫السيارات ذاتية القيادة ستح ّد من حوادث‬
‫املرور‪ .‬وسوف ّ‬
‫تتغي وظائفنا جذريا‪:‬‬
‫سيندثر بعضها وتُخلق أخرى‪ ،‬مثال يف‬
‫مجال تطوير التطبيقات الخاصة باملعدات‬
‫الروبوتية‪ ‬يف‪ ‬منازلنا‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ويف حال أصبح‪ ،‬يوما ما‪ ،‬من املمكن التواصل‬


‫الطبيعي مع وكيل اصطناعي‪ ،‬واإلحساس‬
‫بمعاضدته لدرجة االعتماد عليه وربط عالقة‬
‫واعية ودائمة معه‪ ،‬فهل سيبقى هناك تمييز‬
‫بني عالقاتنا يف ما بيننا نحن البرش وعالقاتنا‬
‫مع التكنولوجيا؟ وملا تتطوّر أجسامنا وعقولنا‬
‫بالذكاء االصطناعي والروبوتيّة‪ ،‬ما عىس أن‬
‫يكون معنى اإلنسانية؟‬

‫حِ يَل‬
‫من حيث الهندسة‪ ،‬ما زلنا بعيدين كل‬
‫البعد عن مثل هذه التطورات‪ .‬إذ يستوجب‬
‫طي عقبات كثرية وعسرية‪ .‬أوىل‬ ‫ذلك تخ ّ‬
‫هذه العقبات تتع ّلق برضورة ربط معظم‬
‫الروبوتات والحواسيب بمصادر الطاقة‪ :‬وهو‬
‫ما ي ّ‬
‫ُعقد إدماج عنارص روبوتيّة يف النسيج‬
‫العضوي البرشي‪ .‬أما املعضلة الثانية فتتمثّل‬
‫يف تشعّ ب التواصل البرشي‪ .‬وإذا كان من‬
‫املمكن تصوّر روبوت قادر عىل الحديث بلغة‬
‫‪© Pascal Meunier / Cosmos‬‬

‫ّ‬
‫خاصة‪،‬‬ ‫طبيعية يف لحظة محدودة ويف وضعيّة‬
‫فذلك ال يعني أنه سوف يصبح قادرا عىل‬
‫التواصل بالكالم وبغري الكالم طيلة املحادثات‬
‫ويف مختلف الوضعيّات‪.‬‬
‫إذا هاتفت وكيال اصطناعيّا مسؤوال عن األمتعة‬
‫املفقودة يف املطار مثال‪ ،‬فمن املمكن التحاور‬
‫معه بصفة مُرضية‪ :‬ألن موضوع املكاملة‬
‫مضبوط‪ ،‬والتفاعل مُهيكل وأهداف الطلب‬
‫وعند تسجيل مشهد من مشاهد الرشيط يف‬ ‫لكن‪ ،‬ولكي نربط معه عالقة معقولة وقادرة‬ ‫محدودة‪ .‬يف املقابل‪ ،‬إذا أردت ربط عالقة‬
‫نسب له عالمة تُ ّبي ما إذا كان‬‫الحاسوب‪ ،‬تُ َ‬ ‫عىل أن تزداد كثافة وأن تتطوّر مع م ّر الزمن يف‬ ‫وطيدة مع روبوت يمثل حيوانا أليفا‪ ،‬فإن‬
‫الشخص الذي يظهر يف الرشيط يف وضع مُريح‬ ‫الظرف ا ُملتنوّ ع للحياة اليومية‪ ،‬عىل غرار سلوك‬ ‫إنتاج النموذج املطلوب م ّ‬
‫ُعقد أكثر بكثري‪ .‬ألن‬
‫أم ال – هذا التصنيف يُمكن إنجازه من قبل‬ ‫البرش فيما بينهم‪ ،‬يجب منح الروبوت حياة‬ ‫الروبوت يتطلب أهدافا باطنيّة‪ ،‬وذاكرة ضخمة‬
‫خرباء يف علم النفس أو يف الثقافة املح ّلية‪.‬‬ ‫باطنية‪ ‬ثريّة‪.‬‬ ‫قادرة عىل ربط كل تجربة بمختلف الظروف‬
‫واألشخاص‪ ،‬واألشياء‪ ،‬والحيوانات التي‬
‫بعد ذلك وبفضل هذا التع ّلم‪ ،‬يتمكن الحاسوب‬
‫من «التفكري» انطالقا من هذه األرشطة‬ ‫كيف تتع ّلم اآلالت؟‬ ‫تعرتضها‪ ،‬كما يجب أن يكون قادرا عىل تطوير‬
‫مثل هذه الطاقات عرب الزمن‪.‬‬
‫ا ُملصنّفة‪ ،‬وتحديد أه ّم السمات ا ُملرتبطة‬ ‫تكمن الصعوبة يف خلق هذه الحياة الباطنية‬
‫بالرفاهيّة‪ :‬هيئة الجسم‪ ،‬نغمة الصوت‪،‬‬ ‫بعض «الحِ يَل» تسمح للروبوت أن يظهر أذكى‬
‫االصطناعية يف طريقة تع ّلم اآلالت‪.‬‬
‫احمرار البرشة‪ .‬وملا تنتهي األلة من تحديد تلك‬ ‫وأقدر ممّ ا هو يف الواقع‪ :‬مثال إذا تم إدراج‬
‫السمات‪ ،‬يكون الخوارزمي القادر عىل التعرف‬ ‫و يرتكز تع ّلم اآللة عىل اإلقتداء باألمثلة‪.‬‬ ‫بعض الترصّ فات بوترية عشوائية يف برمجته‪،‬‬
‫عليها يف الرشيط جاهزا‪ ،‬فنمر إىل تمرين اآللة‬ ‫يتم تدعيم الحاسوب بأمثلة عن الظاهرة‬ ‫تجعل الروبوت الذي يقوم مقام الحيوان‬
‫وتحسني أدائها عند تزويدها بمجموعات‬ ‫التي نرغب أن يستوعبها‪ ،‬مثل الرفاهية عند‬ ‫األليف أكثر إمتاعا وأطول دواما‪ .‬أضف إىل‬
‫أخرى من املشاهد‪ .‬يف نهاية العملية‪ ،‬يُصبح‬ ‫اإلنسان‪ .‬وحتى نُع ّلم اآللة كيف تتع ّرف عىل‬ ‫ذلك أننا‪ ،‬معرش البرش‪ ،‬نميل إىل تأويل سلوك‬
‫وفر لها معطيات شخصية‬ ‫حالة الرفاهيّة‪ ،‬ن ُ ّ‬ ‫الروبوت وكأنه سلوك برشي‪ ،‬وباملناسبة نحن‬
‫الخوارزمي مؤهال‪ ،‬والحاسوب ا ُملجهّ ز بكامريا‬
‫بدقة بني شخص يف حالة‬ ‫قادرا عىل أن يُف ّرق ّ‬ ‫مرتبطة بهذه الظاهرة‪ :‬صورا‪ ،‬وأرشطة فيديو‪،‬‬ ‫نترصف باملثل مع الحيوانات‪.‬‬
‫رفاهيّة وآخر مختلف‪ .‬وطبعا‪ ،‬الحاسوب ليس‬ ‫وتسجيالت صوتية لعبارات معينة‪ ،‬ودقات‬
‫موثوقا بنسبة ‪ ،%100‬وسيقوم حتما ببعض‬ ‫القلب‪ ،‬ورسائل نُرشت يف مواقع التواصل‬
‫األخطاء يف تقييمه‪.‬‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وأصناف أخرى من العيّنات‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪12‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ونحن نشاهد كل ما يُسجّ له الذكاء االصطناعي‬ ‫ومن املمكن خلق وكيل مُقنع‪ ،‬عىل غرار‬
‫من نجاحات مُذهلة‪ .‬فهو يتصفح اإلنرتنت‬ ‫برمجيّات ألكسا ألمازون أو سريي آلبل‪ ،‬يتسنّى‬
‫بالكامل‪ ،‬وينترص يف لعبة الجو‪ ،‬ويقود معمال‬ ‫لنا التخاطب معه بلغة طبيعية والتفاعل معه‬
‫ُسيا كليا بصفة آلية‪ .‬لكنّنا‪ ،‬كما كان حال‬
‫م ّ‬ ‫باملنطق يف اإلطار ا ُملحدّد الستعماله‪ :‬تعديل‬
‫عالم الفيزياء الربيطاني ستيفن هوكنغ‬ ‫الساعة‪ ،‬وضع قائمة‪ ،‬طلب منتوجات‪،‬‬ ‫مُنبّه ّ‬
‫(‪ )2018-1942‬الذي كان يشعر بأنه ال يزال‬ ‫التخفيض يف درجة التدفئة‪.‬‬
‫بعيدا كل البعد عن فهم الكون‪ ،‬ما زلنا بعيدين‬ ‫لكن التواصل ّ‬
‫يتوقف فور الخروج من هذا‬
‫كل البعد عن فهم الذكاء البرشي‪.‬‬
‫السياق‪ .‬سوف يجد الروبوت أجوبة مقبولة‬
‫ملجموعة واسعة من األسئلة‪ ،‬إال أنه لن يقدر‬
‫املسافة ال زالت طويلة‬ ‫عىل مواصلة التحاور ملدّة ساعة يف موضوع‬
‫ُعقد‪ .‬وعىل سبيل املثال‪ ،‬يمكن للوالدين‬ ‫م ّ‬
‫وبفضل طاقاتها االستثنائية‪ ،‬سوف تتمكن‬
‫ّ‬
‫أن يتَحاورا مُطوّال التخاذ القرار املناسب‬
‫الروبوتات وأنظمة الذكاء اإلصطناعي من‬
‫تيسري وتحسني قراراتنا وفهمنا لألوضاع‬ ‫بخصوص طفل غري مُنتبه يف املدرسة‪ .‬سوف‬
‫وأساليبنا يف التعامل‪ .‬وسوف تكون الروبوتات‬ ‫َ‬ ‫يكون هذا الحوار ثريّا جدّا‪ ،‬وسوف ي ّ‬
‫ُعب‬
‫قادرة عىل التخفيف من أعباء العمل وعىل‬ ‫الوالدان خالله‪ ،‬ال عن تفهّ مهما للطفل فحسب‪،‬‬
‫التنفيذ اآليل للوظائف‪ .‬وعندما يت ّم تجاوز‬ ‫بل وأيضا عن كل ما تتّسم به شخصيّتهما‪:‬‬
‫العقبات‪ ،‬قد تُدمج الروبوتية مادّيا يف جسم‬ ‫مشاعر‪ ،‬نفسيّة‪ ،‬مسار شخيص‪ ،‬إطار اجتماعي‬
‫اإلنسان‪ .‬وقد نربط مع وكالء اصطناعيني‬ ‫واقتصادي‪ ،‬مخزون ثقايف‪ ،‬مخزون جيني‪،‬‬
‫عالقات مُشابهة لتلك التي تربط بيننا‪:‬‬ ‫سلوك معتاد وطريقة فهم العالم‪.‬‬
‫سيتسنّى لنا التواصل معهم بلغة طبيعية‪،‬‬ ‫وإذا أردنا أن يتقمّ ص وكيل اصطناعي دورا‬
‫ومالحظة ترصّ فاتهم‪ ،‬وفهم مقاصدهم‪.‬‬ ‫اجتماعيا واسعا بهذا القدر‪ ،‬وأن يربط عالقة‬
‫ولكن‪ ،‬طاملا لم نمنح الذكاء االصطناعي‬ ‫معقولة مع كائن برشي‪ ،‬يجب أن نمنحه‬
‫الحياة الباطنية املالئمة‪ ،‬ال مجال إليجاد عالقة‬ ‫ذاتا اصطناعية‪ ،‬مبنيّة يف نفس الوقت عىل‬
‫منطقية مع الروبوتات شبيهة بالعالقة بني‬ ‫النواحي النفسية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬
‫البرش‪ ،‬بما تتضمنه من حوارات وطقوس‬ ‫والعاطفية‪ .‬كما يجب أن نجعله قادرا‪ ،‬مع‬ ‫تمثل الروبوتات يدا عاملة من الجيل الجديد‪،‬‬
‫وقابلية للتعمّ ق والتطوّر بمرور الوقت‪ ،‬يف إطار‬ ‫مرور الزمن‪ ،‬عىل تع ّلم «اإلحساس»‬ ‫وهي تُعوّض النقص يف طاقم التمريض يف‬
‫حياة يومية زاخرة باألحداث‪.‬‬ ‫واالستجابة للحاالت انطالقا من بنيته‬ ‫املستشفيات باليابان‪ .‬ريبا‪ ،‬الذي اخرتعه‬
‫الباطنية‪ ‬اإلصطناعية ‪.‬‬ ‫توشيهارو موكاي‪ ،‬قادر عىل حمل مرىض‬
‫وما دامت قدرتنا تقترص عىل االستنساخ أو‬
‫يزنون ‪ 80‬كلغ‪.‬‬
‫التغ ّلب عىل بعض الوظائف‪ ،‬وال تستطيع خلق‬ ‫ويتط ّلب ذلك نهجا مختلفا جوهريّا عن تع ّلم‬
‫تلك الشمولية التي يتّسم بها الذكاء البرشي يف‬ ‫اآللة الذي نعرفه حاليا‪ .‬املطلوب هو بناء نظام‬
‫سياق الحياة اليومية‪ ،‬فإن األمل ضعيف يف أن‬ ‫ذكي بشكل اصطناعي‪ ،‬قابل للتطوير عىل‬ ‫ّ‬
‫يتحقق االندماج الكامل بني اإلنسان واآللة‪.‬‬ ‫غرار العقل البرشي تقريبا‪ ،‬وقادر عىل تخزين‬ ‫اآلن‪ ،‬وقد عرفنا كيف تتع ّلم اآللة‪ ،‬ما املانع‬
‫التجارب البرشية بكل ثرائها‪ ،‬والتعامل معها‬ ‫من خلق حياة باطنية مُقنعة تسمح لوكيل‬
‫منطقيّا‪ .‬إن طريقة التواصل بني الناس التي‬ ‫اصطناعي باالندماج يف املجتمع اإلنساني‬
‫فانيسا إيفرس (هولندا) مختصة يف تطوير‬ ‫تقودهم إىل فهم العالم الذي يُحيط بهم‪ ،‬هي‬ ‫بشكل مُالئم؟‬
‫الحلول الروبوتية‪ ،‬وأستاذة يف اإلعالمية ضمن‬ ‫عمليّة يصعب جدّا تلخيصها‪ .‬إن نماذج الذكاء‬ ‫ذات اصطناعية م ّ‬
‫فريق هيومن ميديا إنرتأكشن (تفاعل الوسائط‬ ‫االصطناعي ا ُمل ّ‬
‫ُعقدة‬
‫توفرة أو ا ُملقرتحة‪ ،‬مُستوحاة من‬
‫البرشية) يف جامعة توينت‪ ،‬واملديرة العلمية‬ ‫الدماغ البرشي أو من جزء من وظائفه‪ ،‬لكنها‬ ‫حتى يكون الوكيل اإلصطناعي قادرا عىل ربط‬
‫ملخرب ديزاين‪-‬الب‪ .‬صدر لها حوايل ‪ 200‬مقال‬ ‫ال تُمثّل نموذجا معقوال للدماغ البرشي‪.‬‬ ‫عالقة دائمة فعليّا مع شخص ما‪ ،‬ال بد أن‬
‫بمراجعة من زمالئها‪ ،‬وهي رئيسة تحرير‬ ‫تكون له شخصيّة وسلوك مُقنع‪ ،‬ويكون قادرا‬
‫انرتناشيونال جورنال أف سوشيال روبوتيكس‬ ‫عىل فهم الشخص والوضع الذي يتواجدان‬
‫ومُح ّررة مُشاركة يف جورنال أف هيومن‪-‬روبوت‬ ‫فيه‪ ،‬وتاريخ تواصلهما‪ .‬ويجب بالخصوص أن‬
‫إنرتأكشن‪.‬‬ ‫يكون قادرا عىل االستمرار يف هذا التواصل يف‬
‫مواضيع شتى ويف حاالت مُتنوّعة‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫جيوسيبي يفتح‬

‫جديدا للطبخ‬ ‫ّ‬


‫األخصائي يف الكيمياء البيولوجية بأن‬ ‫ويعرتف‬
‫عهدا‬

‫جيوسيبي «يخطئ أحيانا» وأنه «قادر عىل‬


‫صنع حليب ممتاز‪...‬لكن لونه وردي! عندها‪،‬‬
‫يقوم الفريق بتنبيه جيوسيبي حتى يراجع‬
‫حساب خوارزمي وصفة الحليب‪ ،‬فيستعيد‬
‫الحليب لونه العادي»‪.‬‬
‫يُفاجئنا جيوسيبي باستمرار بطريقته يف مزج‬

‫‪© Cristhian Guzmán / Paula Magazine‬‬


‫مُكوّنات األكلة‪ ،‬مزج لم يكن ليخطر ببال أي‬
‫إنسان‪ .‬ويوضح بابلو أن «يف املايونيز‪ ،‬يتم‬
‫استعمال الرتمس ومزجه ببعض مكوّنات‬
‫الحمص للحصول عىل مستحلب قريب جدا من‬
‫مستحلب البيض‪ ،‬وأنواع من الفقاقيع إلعطاء‬
‫مزيد من الطعم الحلو يف الشوكوالتة‪ ،‬وبذور‬
‫الكناري لتغيري كثافة بعض أصناف الحليب»‪.‬‬
‫وتنوي نوت كو إحداث ثورة يف الصناعة‬ ‫كريم بشارة‪ ،‬وماتياس موتشنيك‪ ،‬وبابلو‬
‫الغذائية من خالل توفري أغذية سليمة وذات‬ ‫أطلق عليه هذا اإلسم نسبة لجيوسيبي‬ ‫زمورا‪ِ ،‬مؤسسو ذي نوت كومباني‪.‬‬
‫مذاق جيّد مصنوعة من النباتات وبطريقة ال‬ ‫أرشمبولدو (‪ّ ،)1593-1527‬‬
‫الرسام اإليطايل‬
‫ترضّ باملحيط‪ ،‬يكون سعرها مناسبا‪ .‬نوت كو‬ ‫الذي اكتسب شهرته بفضل لوحاته الزاخرة‬
‫متواجدة حاليا يف السوق الشيلية فقط‪ ،‬لكنها‬ ‫بالزهور والفواكه والنباتات والحيوانات‪.‬‬
‫تأمل يف اقتحام أسواق األرجنتني والربازيل‬ ‫ّ‬
‫التوصل إىل كل‬ ‫«تدل لوحاته عىل أنه باإلمكان‬ ‫بقلم بياتريز خواز‬
‫وكولومبيا عىل املدى القريب‪.‬‬ ‫الحلول بفضل الذكاء‪ ،‬واملوهبة‪ ،‬وكثريا من‬
‫الغالل والخرض»‪ ،‬حسب بابلو زامورا‪ ،‬عالم‬ ‫جيوسيبي قادر عىل تغيري‬
‫مايونيز نباتية‬
‫الكيمياء البيولوجية‪ ،‬والدكتور يف التكنولوجيا‬
‫يف شييل‪ ،‬قامت املؤسسة بتسويق «نوت‪-‬مايو»‪،‬‬ ‫البيولوجية‪ ،‬ومؤسس نوت كو باالشرتاك مع‬ ‫عاداتنا الغذائية جذريّا‪ .‬هو كبري‬
‫وهي مُقبّالت نباتية قريبة من املايونيز‪ ،‬خالية من‬ ‫ماتياس موشنيك وكريم بشارة‪.‬‬ ‫طباخي املستقبل‪ ،‬لكنه ليس ّإل‬
‫اللكتوز‪ ،‬والغلوتني‪،‬‬‫أية مواد معدلة وراثيا‪ ،‬ومن ّ‬ ‫جيوسيبي الحايل ليس شغوفا بالرسم وإنما‬ ‫خوارزميّا‪ ‬ابتكرته املؤسسة الشيليّة ذي‬
‫والبيض والصويا‪ .‬وكل ما يف هذه املادة من شكل‬ ‫بالطبخ‪ .‬حتى يهتدي إىل الوصفة الجيّدة‪،‬‬
‫ومذاق يُذ ّكر بالصلصة الشهرية‪ ،‬ما عدا أنه‪ ،‬كما‬ ‫يفتش هذا الطباخ الذكي يف قاعدة املعلومات‬ ‫نت كومباني (نوت كو)‪ ،‬تلك الرشكة‬
‫هو مذكور يف ا ُمللصقة املصاحبة‪« ،‬ت ّم إعدادها من‬ ‫الخاصة بالنباتات واألغذية لينتقي النباتات‬ ‫الناشئة التي أسسها ثالثة شبّان شيليني‬
‫مكوّنات نباتية‪ ،‬ال غري»‪ .‬وسيت ّم قريبا تسويق موا ّد‬ ‫املالئمة‪ ،‬ويحدد الكميات الالزمة للحصول عىل‬
‫أخرى‪ :‬زبادي‪ ،‬حليب‪ ،‬جبنة‪ ،‬شوكوالتة‪ ‬وحبوب‪.‬‬ ‫يف سنتياغو سنة ‪ .2015‬وبفضل الذكاء‬
‫املذاق والرتكيبة املرجوّة‪.‬‬
‫ويُؤ ّكد بابلو زامورا أن ‪ %85‬من حرفاء املؤسسة‬ ‫االصطناعي‪ ،‬يصنعون بدائل غذائية‬
‫ويقول بابلو زامورا‪« :‬جيوسيبي قادر عىل‬
‫ليسوا من الذين ال يتغ ّذون إال بالنباتات‪ ،‬وأنهم‬ ‫وجود صالت غري مألوفة بني النباتات‪ ،‬ذلك‬ ‫تتوفر فيها بكل‬ ‫ّ‬ ‫بواسطة مكوّنات نباتية‪،‬‬
‫يقتَنون منتوجاتها ألنهم يحبذون جودتها‬ ‫أنه يقوم بتحديد خصوصياتها مسبقا‪ ،‬من‬ ‫دقة نفس خصوصيّات األطعمة ا ُملتكوّنة‬ ‫ّ‬
‫ويعلمون أنها مفيدة للصحة واملحيط‪ .‬فالقناعة‬ ‫ّ‬
‫والحسية والكيميا‪-‬‬ ‫الناحية الجُ زئيّة والغذائية‬
‫السائدة يف نت كو هي أن عرصا جديدا قد بدأ يف‬ ‫نفسيّة»‪ .‬حرض بابلو زامورا فعاليات منتدى‬ ‫من املنتجات الحيوانية‪ ،‬ال من حيث‬
‫غي دون أن ّ‬
‫نتغي!»‪ ،‬ذلك هو‬ ‫مجال الطبخ‪« .‬لن ُ ّ‬ ‫نت إكسبلو إنوفيشن ‪ ،2018‬وهو مرصد‬
‫شعار املؤسسة‪ ،‬بمعنى‪ :‬لنأكل بجودة أحسن‬
‫الطعم فحسب‪ ،‬وإنما أيضا من حيث‬
‫مستقل يدرس التوجّ هات يف قطاع الرقمية‬
‫وبشكل آخر‪ ،‬دون أن نشعر بأن شيئا قد ّ‬
‫تغي‪.‬‬ ‫وتأثريها عىل املجتمع واملؤسسات‪ .‬وقد انتظم‬ ‫اللون والرتكيبة والقيمة الغذائية‪ .‬ممّ ا‬
‫ّ‬
‫األخصائي يف الكيمياء البيولوجية أن‬ ‫ويرى‬ ‫هذا املنتدى يف شهر فرباير يف مقر اليونسكو‬ ‫جعل من جيوسيبي أحد الفائزين العرشة‬
‫غي‬‫الصناعة الغذائية‪ ،‬هي أيضا‪ ،‬يجب أن تُ ّ‬ ‫بباريس (فرنسا)‪.‬‬
‫يف مسابقة نت إكسبلو إنوفيشن ‪.2018‬‬
‫طرقها يف اإلنتاج‪ ،‬مُذ ّكرا أن كيلوغراما واحدا من‬ ‫لم يكن جيوسيبي بمفرده يف املطبخ‪ .‬لقد‬
‫القمح يستوجب ‪ 1500‬لرتا من املاء‪ ،‬يف حني‬ ‫حظي بمساعدة فريق من العلماء ومن ذوي‬
‫يتط ّلب كيلوغراما واحدا من اللحم عرشة أضعاف‬ ‫طهاة‪ ،‬أسندت إليهم مهمة إتقان‬‫الخربة من ال ّ‬
‫ذلك‪ ،‬حسب املنظمة العاملية للتغذية والزراعة‪.‬‬ ‫الوصفات‪.‬‬
‫وهو مقتنع بأن الذكاء االصطناعي‪ ،‬إذا ما ت ّم‬
‫تطبيقه يف األطعمة‪ ،‬سيسمح لنا باملساهمة يف‬
‫التنمية‪ ‬املستدامة‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪14‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ال يُف ّكر!‬


‫ الدماغ‬

‫ميغال بن الصايغ يجيب عن أسئلة‬


‫ريجيس مريان‬

‫يف عبارة «الذكاء اإلصطناعي»‪ ،‬كلمة‬


‫«ذكاء» هي مج ّرد تعبري مجازي‪ .‬ذلك‬
‫أن الذكاء اإلصطناعي‪ ،‬رغم قدرته‬
‫عىل الحساب التي تتجاوز قدرة‬
‫)‪© Jordi Isern (www.jordiisern.net‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬ليس يف استطاعته إعطاء‬
‫مدلول للحسابات التي ينتجها‪ .‬ويرى‬
‫الفيلسوف واملحلل النفيس األرجنتيني‬
‫ميغال بن الصايغ أن اختصار الرتكيبة‬
‫عمل فني من مجموعة كواكب (‪)2014‬‬ ‫املعقدة لألحياء يف مجرد رموز رقمية‬
‫للفنان اإلسباني خردي إيزارن‬ ‫إنما هو من محض االفرتاء‪ ،‬كما تبقى‬
‫فكرة تعويض اإلنسان باآللة من باب‬
‫ولكن‪ ،‬هل يمكن ربط عالقة عاطفية مع إنسان‬ ‫يبدو أن حاسوبني من برنامج غوغل براين‬ ‫الالمعقول‪.‬‬
‫كل‪ ،‬ألن الحب والصداقة ال ِ‬
‫يقتصان عىل‬ ‫آيل؟ ّ‬ ‫ّ‬
‫توصال للتخاطب بـ«لغة» من ابتكارهما‬
‫جملة من اإلرساليات العصبية يف الدماغ‪.‬‬ ‫وهي لغة ال يقدر اإلنسان عىل فهمها‪.‬‬ ‫ما الذي يُميّز الذكاء البرشي عن الذكاء‬
‫ما‪ ‬رأيك؟‬ ‫اإلصطناعي؟‬
‫الحب والصداقة يتجاوزان الفرد‪ ،‬بل‬
‫ويتجَ اوزان التفاعل بني شخصني‪ .‬عندما‬ ‫بكل بساطة‪ ،‬هذا الكالم ليس له أي معنى‪.‬‬ ‫الذكاء الحي ليس آلة حساب‪ ،‬بل هو سريورة‬
‫أتك ّلم‪ ،‬أشارك يف يشء يجمعنا‪ ،‬أال وهو اللغة‪.‬‬ ‫يف الواقع‪ ،‬كلما تم تشغيل هاتني اآللتني‪ ،‬إال‬ ‫يتابط فيها الوجدان والجسد والخطأ‪،‬‬‫َ‬
‫وهو كذلك بالنسبة للحب والصداقة والفكر‪:‬‬ ‫وأعادت نفس التسلسل يف تبادل املعلومات‪.‬‬ ‫وتفرتض وجود الرغبة والوعي لدى الكائن‬
‫هي عمليّات رمزية يُشارك فيها البرش‪ .‬ال أحد‬ ‫وال يُمكن البتّة اعتبار ذلك لغة‪ ،‬إذ ليس‬ ‫البرشي بتاريخه الذاتي عىل املدى الطويل‪ .‬ال‬
‫يُف ّكر بذاته‪ .‬الدماغ يُوفر طاقته للمشاركة‬ ‫هناك تحاور بني اآللتني‪ .‬هذا تعبري مجازي‬ ‫يمكن تصوّر الذكاء البرشي يف عزلة عن بقية‬
‫يف‪ ‬التفكري‪.‬‬ ‫غري صائب‪ ،‬كما لو اعتربنا أن القفل‬ ‫املسارات العقالنية والجسدية‪.‬‬
‫«يعرف»‪ ‬مفتاحه‪.‬‬
‫إىل الذين يعتقدون بأن اآللة قادرة عىل التفكري‪،‬‬ ‫وخالفا لإلنسان ‪ -‬أو للحيوان ‪ -‬الذي يُف ّكر‬
‫أقول‪ :‬من الغريب أن تكون اآللة قادرة عىل‬ ‫يف نفس السياق‪ ،‬يقول البعض إنهم «أصدقاء»‬ ‫بواسطة دماغ متمَ وقع يف جسمه‪ ،‬وهذا‬
‫التفكري‪ ،‬بما أن الدماغ ذاته ال يُف ّكر!‬ ‫مع إنسان آيل‪ .‬بل إن هناك تطبيقات للهاتف‬ ‫الجسم هو بدوره مندرج يف محيطه‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫الذكي يُفرتض أنها تتيح «التحاور» مع اآللة‪.‬‬ ‫وتوقعات دون أن تكون‬ ‫اآللة تُنتج حسابات ّ‬
‫لنُشاهد الرشيط السينمائي«هار» (هي)‬ ‫قادرة عىل تفسري مدلوالتها‪ .‬ويف الحقيقة‪،‬‬
‫للمخرج سبايك جونز (‪ :)2013‬بعد أن تم‬ ‫ليس هناك جدوى يف التساؤل عن إمكانية‬
‫طرح سلسلة من األسئلة عىل شخص قصد‬ ‫فالحي هو الذي‬
‫ّ‬ ‫تعويض اإلنسان باآللة‪.‬‬
‫رسم خريطة دماغه‪ ،‬تقوم آلة بصياغة صوت‬ ‫يخلق املعنى‪ ،‬وليس الحساب‪ .‬العديد من‬
‫وأجوبة تبعث إحساسا عاطفيا عند ذلك‬ ‫الحي‬
‫ّ‬ ‫الباحثني مقتنعون بأن الفرق بني الذكاء‬
‫الشخص‪.‬‬ ‫والذكاء االصطناعي هو فرق كمّ ي‪ ،‬يف حني أنه‬
‫فرق‪ ‬نوعي‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ما تعيبه عىل الذكاء االصطناعي أساسا‬


‫هو اختزال البعد الحي يف مجرد رموز‪.‬‬
‫فعال‪ .‬البعض من املختصني يف الذكاء‬
‫االصطناعي مُنبهرون بنجاحاتهم التقنية‪،‬‬
‫مثلهم مثل األطفال الصغار املنبهرين بألعاب‬
‫الرتكيب‪ ،‬لدرجة أنهم فقدوا النظرة الشمولية‪.‬‬
‫لقد سقطوا يف ّ‬
‫فخ االختزال‪.‬‬
‫كتب عالم الرياضيات األمريكي ومُن ّ‬
‫ظر‬
‫السربانية نوربرت فاينر‪ ،‬سنة ‪ ،1950‬يف‬
‫كتابه«ذي هيومن يوز أف هيومن بيينغز»‬
‫(السربانية واملجتمع)‪ ،‬أنه سيتسنّى لنا يف‬
‫يوم من األيام «إرسال إنسان عرب التلغراف»‪.‬‬
‫وبعد أربعة عقود‪ ،‬تم تطوير فكرة مايند‬
‫أبلودنغ (تحميل العقل) ‪ -‬اعتمادا عىل نظرية‬
‫ّ‬
‫التوهم‬ ‫ما بعد اإلنسانية ‪ -‬عىل أساس نفس‬
‫بأنه يمكن اختزال العالم الواقعي بأرسه يف‬
‫وحدات إعالمية قابلة للنقل من آلة (هاردوار)‬
‫إىل أخرى‪.‬‬
‫كما نجد نفس هذا االعتقاد يف إمكانية وضع‬
‫نماذج للكائنات الحيّة يف قالب وحدات إعالمية‬
‫لدى عالم البيولوجيا الفرنيس بيار‪-‬هنري‬
‫نرشت كتابا حواريا معه يحمل‬ ‫ُ‬ ‫غويون ‪ -‬وقد‬
‫الحي؟» (‪ .)2012‬يرى غويون‬ ‫ّ‬ ‫عنوان «صناعة‬
‫أن الحامض النووي هو ركيزة لرمز يمكن‬
‫‪© Laurent Philippe / Divergence‬‬

‫نقله إىل ركائز أخرى‪ .‬ولكن‪ ،‬إذا اعتربنا أن‬


‫الحي قابل للوضع يف نموذج متكوّن‬‫ّ‬ ‫الكائن‬
‫من وحدات إعالمية‪ ،‬فإننا نهمل أن مجموع‬
‫الوحدات اإلعالمية ليس هو الذي يكوّن اليشء‬
‫الحي‪ ،‬ومن ث ّم نهمل االهتمام بالبحث يف ما هو‬
‫ّ‬
‫غري قابل للوضع يف قالب نماذج‪.‬‬
‫إن األخذ بعني االعتبار ك ّل ما هو غري قابل‬
‫ولكن‪ّ ،‬ملا ينعتني خصومي بالرجعية‪ ،‬ها أنهم‬ ‫يعترب الفيلسوف اليوناني أن الحياة الحقيقية‬ ‫للوضع يف قالب نموذج ال يُحيل بالرضورة إىل‬
‫يلجأون لنفس أنواع املربرات التي يتذرع‬ ‫ال تكمن يف العالم املادّي وإنما يف األفكار‪.‬‬ ‫فكرة اإلله‪ ،‬وال للظالمية‪ ،‬مهما اعتقد البعض‪.‬‬
‫بها رجال السياسة عندما يدّعون التحديث‬ ‫وبعد أربعة وعرشين قرنا‪ ،‬يرى أنصار نظرية‬ ‫كما أن مبادئ عدم إمكانية التنبّؤ أو عدم‬
‫واإلصالح‪ ،‬والحال أنهم يهدرون الحقوق‬ ‫ما بعد اإلنسانية أن الحياة الحقيقية ليست‬ ‫اليقني موجودة يف كافة العلوم الصحيحة‪ .‬لذلك‬
‫االجتماعية للبالد وينعتون بالرجعية كل من‬ ‫يف الجسم وإنما يف الخوارزميات‪ .‬فالجسم‪،‬‬ ‫فإن ميول أنصار نظرية ما بعد اإلنسانية‪،‬‬
‫أراد الحفاظ عىل هذه الحقوق!‬ ‫بالنسبة لهم‪ ،‬ليس سوى صورة ظاهرية‪ ،‬يجب‬ ‫إىل املعرفة التامّ ة‪ ،‬ينصهر يف خطاب يقدس‬
‫أن نستخرج منه جملة من املعلومات املفيدة‬ ‫التكنولوجيا ويخلو تماما من املنطق‪ .‬وإن‬
‫لقد أصبح تهجني اإلنسان واآللة أمرا‬
‫ونتخ ّلص من عيوبه الطبيعية‪ .‬هذه طريقتهم‬ ‫لقيت هذه الفكرة نجاحا كبريا فألنّها قادرة‬
‫واقعا‪ .‬وهو أيضا غاية يف نظرية ما بعد‬
‫يف نيل الخلود‪.‬‬ ‫عىل االستجابة لتعطش الجيل املعارص‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫لقد سنحت يل الفرصة‪ ،‬بمناسبة بعض‬ ‫للميتافيزيقيا‪ .‬إن أنصار فكرة ما بعد اإلنسانية‬
‫الحي‬
‫ّ‬ ‫ما زالت الطريق طويلة حتى نفهم تماما‬ ‫يتوقون إىل حياة خالية من الشك‪ .‬لكن‪ ،‬سواء‬
‫الندوات العلمية‪ ،‬أن ألتقي بالعديد من أعضاء‬
‫واملهجّ ن‪ ،‬ألن عالم التقنية البيولوجية يجهل‬ ‫يف حياتنا اليومية أو يف البحوث‪ ،‬الب ّد أن نتحمّ ل‬
‫جامعة التف ّرد (املنصهرة يف نظرية ما بعد‬
‫إىل يومنا هذا كل يشء‪ ،‬تقريبا‪ ،‬عن الحياة‬ ‫الشكوك وا ُمل ّ‬
‫تغيات‪...‬‬
‫فهي ال ّ‬ ‫اإلنسانية) حاملني قالدات تُفيد بأنه يف حال‬
‫تتلخص فقط يف املسارات الفيزيائية‬
‫وفاتهم‪ ،‬سوف يتم تجميد رؤوسهم‪ .‬أرى يف‬ ‫حسب نظرية ما بعد اإلنسانية‪ ،‬سوف‬
‫والكيميائية التي يمكن صياغتها يف نماذج‪.‬‬
‫ذلك ظهور شكل جديد من الرجعية‪ ،‬يف حني‬ ‫يصبح اإلنسان يوما قادرا عىل الخلود‬
‫فالحي هو حاليا مهجن مع اآللة‪ ،‬وسوف‬‫ّ‬
‫أنهم يعتربون أنني محافظ بيولوجي‪ ،‬ألنني‬ ‫بفضل الذكاء االصطناعي‪.‬‬
‫يُصبح دون شك أكثر هجانة مع منتوجات‬
‫أعارض فلسفة ما‪ ‬بعد من اإلنسانية‪.‬‬
‫التكنولوجيا الحديثة‪.‬‬ ‫يف خض ّم التقلبات التي نعيشها يف عرص ما‬
‫بعد الحداثة‪ ،‬حيث ينعدم التفكري يف العالقة‬
‫بني األشياء‪ ،‬وحيث تسود عقلية االختزال‬
‫والفردانية‪ ،‬اكتسبت وعود نظرية ما بعد‬
‫اإلنسانية مكانة مغارة أفالطون‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪16‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ما الذي يُقلقك أكثر؟‬


‫يقلقني النجاح املفرط ملنطق االبتكار‪ .‬فكرة‬
‫التقدّم لم تُحقق أهدافها وقد ت ّم تعويضها‬
‫بفكرة االبتكار التي تختلف عنها تماما‪ :‬إذ‬
‫ليس لها نقطة انطالق وال نقطة وصول‪،‬‬
‫كما أنها ليست جيّدة وال سيّئة‪ .‬لذلك وجب‬
‫التساؤل حولها بمنظور نقدي‪ .‬إن معالجة‬
‫النصوص بواسطة الحاسوب أحسن بكثري‬
‫من آلة الرقن «أوليفتي» التي كنت أستعملها‬
‫يف السبعينات‪ ،‬لذا أرى يف ذلك تقدّما‪ .‬وعىل‬
‫العكس‪ ،‬فإن كل هاتف ذكي يحتوي عىل‬
‫عرشات التطبيقات‪ ،‬نادرا ما يتساءل الناس كم‬
‫حقا‪ .‬فالحكمة تقتيض أن نأخذ‬ ‫منها رضوري ّ‬
‫حذرنا من الجاذبية التي تثريها فينا الرغبة يف‬
‫التسلية أو نجاعة التكنولوجيات الحديثة‪.‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬يف مجتمع فقد صوابه وأضاع‬
‫قصصه املرجعية الكربى‪ ،‬يبعث خطاب ما بعد‬
‫اإلنسانية عىل القلق‪ :‬فهو يعامل البرش وكأنّهم‬
‫صبيان وال ينظر للوعود التكنولوجية بالبعد‬
‫الكايف‪ .‬يف الغرب‪ ،‬تُحيل التقنية دائما إىل فكرة‬
‫تجاوز الحدود‪ .‬فمنذ القرن السابع عرش‪ ،‬لم‬
‫يستبعد الفيلسوف الفرنيس روني ديكارت‪،‬‬
‫الذي كان يعترب أن جسد اإلنسان بمثابة اآللة‪،‬‬
‫إمكانية وجود فكر خارج الجسم‪ .‬أن يحلم‬
‫اإلنسان بالتحرر من جسمه ومن حدوده‪،‬‬
‫بفضل العلم‪ ،‬فتلك رغبة برشية‪ .‬وتظن نظرية‬
‫ما بعد اإلنسانية أنه من املمكن تحقيق تلك‬
‫الرغبة أخريا‪.‬‬
‫روبوت (‪ ،)2013‬إبداع فني يشرتك فيه‬
‫لكن الحلم بإنسان يتعدى نطاق الجسد‪ ،‬كيل‬ ‫راقصون من البرش والروبوتات‪ ،‬من تصميم‬ ‫توجد العديد من اآلالت التي نستخدمها والتي‬
‫يكن عواقب شتى‬‫السلطة والنفوذ‪ ،‬ال حدود له‪ّ ،‬‬ ‫الفرنسية‪-‬االسبانية بالنكا يل‪ ،‬التي تلقِ ي من‬ ‫نُفوّض لها بعض املهامّ‪ .‬ولكن هل كل هذه‬
‫عىل املجتمع‪ .‬ويبدو يل أنه يتوجّ ب تحليله يف‬ ‫خالله نظرة مليئة بالتساؤالت حول عالم‬ ‫اآلالت رضوريّة؟ ذلك هو السؤال املطروح‬
‫عالقة استرشافية مع صعود األصولية الدينية‬ ‫تسكنه اآلالت والبرش‪.‬‬ ‫باألساس‪ .‬اشتغلت عىل زراعة القوقعة‬
‫املتقوقعة يف قيم يُفرتض أنها القيم الطبيعية‬
‫السمعية وثقافة الصمّ‪ :‬املاليني من فاقدي‬
‫لإلنسان‪ .‬وأعتَرب أن كالهما رضب من‬
‫خاصة بهم ‪ -‬وهي‬‫ّ‬ ‫السمع يُطالبون بثقافة‬
‫األصولية الالعقالنية‪ ،‬وأنهما قد شنا الحرب‬
‫لنأخذ مثال اآللة التي تُحدّد املوقع الجغرايف‪.‬‬ ‫غري محرتمة بالقدر الكايف – ويرفضون زراعة‬
‫عىل بعضهما‪.‬‬
‫لقد قمنا بمتابعة ترصّ فات سائقي سيارات‬ ‫القوقعة ألنهم ي ّ‬
‫ُخيون التعبري بلغة اإلشارة‪.‬‬
‫األجرة يف باريس ويف لندن‪ ،‬بما يف هاتني‬ ‫هذا االبتكار‪ ،‬الذي قد يمحق ثقافة فاقدي‬
‫ميغال بن الصايغ (األرجنتني) فيلسوف‬ ‫املدينتني من متاهات‪ .‬والحظنا أن اللندنيني‬ ‫السمع‪ ،‬هل يُمثّل تقدّما؟ تعرس اإلجابة عىل‬
‫ومحلل نفيس قاوم سياسة بريون وتم ّكن‬ ‫يعتمدون عىل أنفسهم يف اختيار االتجاهات‪،‬‬ ‫هذا‪ ‬السؤال‪.‬‬
‫من الهروب من األرجنتني سنة ‪ ،1978‬بعد‬ ‫يف حني أن الباريسيني يستندون دائما إىل تلك‬
‫قبل كل يشء‪ ،‬ال ب ّد أن نضمن احرتام الحياة يف‬
‫أن تم اعتقاله وتعذيبه‪ ،‬ليستق ّر بباريس يف‬ ‫اآللة‪ .‬وبعد ثالث سنوات‪ ،‬أظهرت اختبارات‬
‫عمليات التهجني‪ .‬إال أن ما نشاهده اليوم ليس‬
‫مؤخرا «دماغ مُضخم‪ ،‬إنسان‬ ‫فرنسا‪ .‬نُرش له ّ‬ ‫نفسية أن النواة تحت القرشة الدماغية التي‬
‫بالتهجني بقدر ما هو استعمار اآللة لألحياء‪.‬‬
‫الحي» (‪.)2017‬‬
‫ّ‬ ‫منقوص» (‪ ،)2016‬و«تف ّرد‬ ‫تُحدّد خريطة الزمان واملكان أُصيبت بالضمور‬
‫ومن فرط االستعانة بوسائل خارجية‪ ،‬أصبح‬
‫عند الباريسيني (وال شك أن هذا الضمور قد‬
‫يرتد إذا ّ‬ ‫العديد من الناس ال يتذ ّكرون شيئا وأصبحوا‬
‫تخل الشخص عن استعمال تلك‬
‫يُعانون من ضعف الذاكرة‪ ،‬دون أن يكون ذلك‬
‫اآللة)‪ .‬لقد أُصيبوا بنوع من عرس القراءة‬
‫مُتأتّيا من أمراض مُتدنّية‪.‬‬
‫يمنعهم من تحديد موقعهم يف الزمان واملكان‪.‬‬
‫وهذا هو االستعمار‪ :‬املنطقة الدماغية أُصيبت‬
‫بالضمور ألنه تم تفويض وظيفتها األصلية‬
‫دون تعويضها بأية وظيفة‪ ‬أخرى‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫الحتكار البحث‬
‫التصدي‬

‫‪© The Canadian Press / Graham Hugues‬‬


‫يوشوا بنجيو‪« :‬علينا أن نشجع املزيد من‬
‫التنوع يف عالم االقتصاد املرتبط بالذكاء‬ ‫نشهد منذ حوايل خمس سنوات‪ ،‬أن‬ ‫يوشوا بنجيو يجيب عىل أسئلة‬
‫االصطناعي وتجنب األوضاع االحتكارية‪».‬‬ ‫بعض عمالقة املعلوماتية تعري اهتماما‬ ‫ياسمينا شوبوفا‬
‫متحمسا للبحوث العلمية يف مجال الذكاء‬
‫االصطناعي‪ ،‬وتستثمر مبالغ طائلة يف هذا‬ ‫يرى يوشوا بنجيو‪ ،‬الذي يعد من رواد‬
‫القطاع‪ .‬كيف تُفرس هذه الظاهرة؟‬
‫التع ّلم العميق عىل الصعيد العاملي‪ ،‬أن‬
‫وبالتايل‪ ،‬سوف يتيح الذكاء االصطناعي لهذه‬ ‫إن الجواب عىل هذا السؤال بسيط جدا‪ .‬لقد‬
‫الذكاء االصطناعي ال يزال يف مراحله‬
‫الرشكات تنمية مبيعاتها وثرواتها وكذلك‬ ‫وصلت العلوم إىل درجة من التطور يف مجال‬
‫قدرتها عىل الزيادة يف أجور الباحثني الذين‬ ‫الذكاء االصطناعي‪ ،‬تجعلها مفيدة جدّا‬ ‫األوىل‪ ،‬إذ أن «مستوى تفكريه سطحي‬
‫ّ‬
‫تتوسع قاعدة زبائنها‪،‬‬ ‫توظفهم‪ .‬وبقدر ما‬ ‫للرشكات‪ .‬إن تراكم البيانات الضخمة والقدرة‬ ‫للغاية‪ ،‬وال يعادل حتى مستوى‬
‫بقدر ما تزداد كمية البيانات التي بإمكانها‬ ‫الحاسوبية املتزايدة يسهّ ل تطوير منتجات‬
‫الولوج إليها ‪ -‬وهذه البيانات تعد كنزا بما أنه‬ ‫الذكاء االصطناعي‪ ،‬وسوف تدر تلك املنتجات‬ ‫تفكري الضفادع»‪ .‬غري أنه يثري بالفعل‬
‫يجعل النظام أكثر فعالية‪.‬‬ ‫يف املستقبل أرباحا أوفر ‪.‬‬ ‫مشاكل خطرية تتعلق باالحتكار‬
‫وهذا من شأنه أن يولد حلقة مثمرة لهذه‬ ‫يف الوقت الحايل‪ ،‬ملا نقوم ببحث عىل صفحات‬ ‫والتوزيع غري العادل‪ ،‬ال يمكن ح ّلها إال‬
‫الرشكات‪ ،‬لكنه من ناحية أخرى سوف يرض‬ ‫اإلنرتنت‪ ،‬تشد انتباهنا باستمرار إعالنات‬ ‫عىل نطاق عاملي‪ .‬لذا فنحن يف حاجة‬
‫باملجتمع‪ .‬إن مثل هذا النموذج من تركيز‬ ‫ذات أهداف محدّدة ‪ -‬وتشكل هذه اإلعالنات‬
‫السلطة قد يؤثر سلبيا عىل الديمقراطية‬ ‫مورد رزق الرشكات مثل فيسبوك وأمازون‬ ‫ماسة لتنسيق دويل لتطوير الذكاء‬
‫واالقتصاد يف آن واحد‪ .‬ذلك أنه يدعم الرشكات‬ ‫ويوتوب‪ ،‬إلخ‪ .‬لحد اآلن‪ ،‬تمثل منتجات الذكاء‬ ‫االصطناعي‪.‬‬
‫الكربى ويضعف من قدرة الرشكات الناشئة‬ ‫االصطناعي نسبة ضئيلة من السوق‪ ،‬لكن‬
‫عىل التموقع يف السوق حتى لو كانت تقدم‬ ‫املختصني يف االقتصاد يتوقعون أنه يف غضون‬
‫منتجات أفضل‪.‬‬ ‫عقد من الزمن‪ ،‬سوف تصل إىل ‪ %15‬من‬
‫إجمايل إنتاج السلع‪ .‬وهي نسبة هائلة‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪18‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫تستثمر بعض البلدان بشكل كبري يف‬ ‫علينا أن نشجع املزيد من التنوع يف عالم‬
‫البحث يف مجال الذكاء االصطناعي‪،‬‬ ‫االقتصاد املرتبط بالذكاء االصطناعي وتجنب‬
‫وبالخصوص كندا‪.‬‬ ‫األوضاع االحتكارية‪.‬‬
‫بالتأكيد‪ .‬لقد قررت كندا تمويل ليس فقط‬ ‫لكن االحتكار بدأ ينتصب بالفعل‪ .‬كيف‬
‫البحوث األساسية وبعث الرشكات الناشئة‪،‬‬ ‫يمكن معالجته؟‬
‫بل وأيضا االستثمار يف التفكري الجماعي ويف‬
‫من خالل قوانني مكافحة االحتكار‪ .‬لقد ع ّلمنا‬
‫البحث يف مجال العلوم اإلنسانية‪ ،‬لدعم القدرة‬
‫التاريخ أن هذه القوانني يمكن أن تكون‬
‫عىل تقييم تأثري الذكاء االصطناعي يف املجتمع‪.‬‬
‫فعالة ضد بعض الرشكات التي أفرطت يف‬
‫بمبادرة من جامعة مونرتيال‪ ،‬تم فتح‬ ‫استعمال السلطة‪ .‬فلنتذكر رشكة ستاندارد‬
‫نقاش يف ‪ 3‬نوفمرب ‪ ،2017‬لصياغة إعالن‬ ‫أويل بالواليات املتحدة التي اشرتت منافسيها‬
‫مونرتيال لتنمية مسؤولة للذكاء اإلصطناعي‪.‬‬ ‫الحتكار سوق النفط‪ ،‬أو هوليوود التي امتلكت‬
‫وتهدف هذه املبادرة أساسا إىل وضع‬ ‫حتى منتصف القرن العرشين ‪ %70‬من‬
‫توجيهات أخالقية يف مجال تطوير الذكاء‬ ‫دور السينما‪ ،‬وفرضت قانونها عىل‬
‫االصطناعي عىل املستوى الوطني‪ .‬ويف املرحلة‬ ‫توزيع األفالم‪ .‬وقد ساهمت العقوبات‬
‫األوىل من هذه العملية طويلة األمد‪ ،‬التي‬ ‫التي سلطت عىل هذه الرشكات‬
‫تدعو عامة الناس إىل النقاش مع الخرباء‬ ‫وبعض الرشكات األخرى يف‬
‫وصانعي السياسات‪ ،‬تم تحديد سبع قيم‪:‬‬ ‫إعادة التوازن إىل األسواق‪.‬‬
‫الرفاهية‪ ،‬واالستقاللية‪ ،‬والعدالة‪،‬‬
‫أعتقد أن استخدام القواعد املناسبة لحوكمة‬
‫والحياة الخاصة‪ ،‬واملعرفة‪،‬‬
‫اإلعالنات يمكن أن يساهم بشكل كبري يف‬
‫والديمقراطية واملسؤولية‪.‬‬
‫الحيلولة دون احتكار البحث يف مجال الذكاء‬
‫إىل أين وصل التفكري‬ ‫االصطناعي‪ .‬فنحن جميعا‪ ،‬بطريقة أو بأخرى‪،‬‬
‫يف هذه املسائل عىل‬ ‫املسح الضوئي للدماغ‪ ،‬كما يراه‬ ‫سجناء الحمالت اإلعالنية‪ ،‬وكثريا ما ننىس أنه‬
‫الصعيد العاملي؟‬ ‫الرسام الفرنيس برنار بوتون‬ ‫بإمكاننا اتخاذ قرار جماعي لتقنِينها‪ ،‬بحيث ال‬
‫‪© Bernard Bouton / Cartoon Movement‬‬
‫تكون مرضة باملجتمع‪.‬‬
‫عىل حد علمي‪ ،‬ال توجد‬
‫معاهدة دولية تنظم البحث‬ ‫وعالوة عىل ذلك‪ ،‬فإن الخدمات التي تقدمها‬
‫يف مجال الذكاء االصطناعي‪ ،‬رغم أن األمر‬ ‫الرشكات الخاصة الكبرية مثل غوغل أو‬
‫يتعلق برهانات دولية‪ .‬بدون تنسيق دويل‪ ،‬لن‬ ‫فيسبوك يمكن أن يوفرها القطاع العمومي‪،‬‬
‫نكون قادرين عىل التقدم يف االتجاه الصحيح‪.‬‬ ‫ما هي نسبة الباحثني الذين يشتغلون يف‬ ‫عىل غرار التلفزيون الذي يقدم خدمة مماثلة‪.‬‬
‫وينبغي‪ ،‬قبل كل يشء‪ ،‬تحسيس عامة الناس‬ ‫املجال األكاديمي اليوم؟‬ ‫أنت قررت عدم العمل يف القطاع الخاص‪،‬‬
‫وصانعي السياسات بالرهانات املرتبطة‬ ‫اعتمادا عىل عدد األشخاص الذين ألتقي بهم يف‬ ‫أليس كذلك؟‬
‫بالذكاء االصطناعي‪ .‬يف بعض أنحاء العالم‪،‬‬ ‫املؤتمرات الدولية الكربى‪ ،‬أعتقد أنهم يمثلون‬ ‫نعم‪ ،‬أريد أن أبقى محايدا‪ .‬إن الهدف من‬
‫وجه الباحثون تحذيرات بخصوص‬ ‫حوايل النصف‪ .‬قبل خمس سنوات‪ ،‬كان تقريبا‬ ‫مرشوعي هو جعل العلم يف متناول الجميع‪،‬‬
‫املشاكل الرئيسية‪ ،‬تفاعلت معها وسائل‬ ‫مجمل الباحثني يف مجال الذكاء االصطناعي‬ ‫وليس فقط لعدد قليل من املساهمني‪ .‬املهم‬
‫اإلعالم وعامة الجمهور‪ .‬وتلك هي الخطوات‬ ‫يعملون يف املجال األكاديمي‪.‬‬ ‫بالنسبة يل هو أن يتطور البحث يف اتجاه‬
‫األوىل التي من شأنها أن تقودنا نحو حوار‬
‫تقوم الرشكات الخاصة بتوظيف املواهب‬ ‫التطبيقات األكثر فائدة للبرشية وليس‬
‫سيايس أوسع‪ ،‬عىل الصعيد العاملي‪ ،‬يتناول‬
‫من جميع أنحاء العالم‪ .‬هل يساهم هذا يف‬ ‫بالرضورة املدرة ألربَاح أكرب لالقتصاد‪.‬‬
‫املشاكل التي يطرحها هذا املجال‪ ،‬بما يف ذلك‬
‫األخالق والبيئة واألمن‪.‬‬ ‫هجرة األدمغة من البلدان األقل تقدما؟‬ ‫مع ذلك‪ ،‬حاولت إنشاء نظام إيكولوجي‬
‫هذا أمر ال مناص منه‪ .‬ولذلك ال بد من التفكري‬ ‫مشرتك ومفيد للبحث والصناعة بجامعة‬
‫جماعيا حول سبل استفادة أفقر البلدان من‬ ‫مونرتيال التي أعمل بها‪ .‬واستقرت العديد‬
‫يوشوا بينجيو (كندا) باحث وأستاذ بجامعة‬ ‫ً‬
‫وأيضا حول سبل‬ ‫أحدث نتائج األبحاث‪ ،‬بل‬ ‫من مخابر البحث الخاصة التي تتعامل‬
‫مونرتيال‪ ،‬وأستاذ بقسم اإلعالمية والبحوث‬ ‫إنشاء مراكز أبحاث داخل جامعاتها‪ .‬ففي‬ ‫معنا‪ ،‬بعاصمة كيبيك‪ .‬ويتم توظيف الباحثني‬
‫العملية‪ ،‬ومدير معهد الذكاء االصطناعي‬ ‫أفريقيا‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬تقدم عدة مؤسسات‬ ‫من قطاع الصناعة كأساتذة مساعدين يف‬
‫يف كيبيك‪ ،‬ومدير مشارك يف برنامج تعلم‬ ‫أكاديمية ‪ -‬وعددها يف تزايد مستمر ‪ -‬دورات‬ ‫الجامعة‪ ،‬وهم يساهمون يف تكوين الطالب‪.‬‬
‫اآلالت واألدمغة باملعهد الكندي للبحوث‬ ‫للتكوين يف مجال الذكاء االصطناعي‪ ،‬كما‬ ‫وتقدم الرشكات الدعم للجامعات تاركة لها‬
‫املتقدمة‪ ،‬وحاصل عىل كريس البحث الكندي يف‬ ‫تنظم جامعات صيفية (انظر ص‪ 20 .‬و ‪)21‬‬ ‫الحرية التامة يف اختيار مجاالت األبحاث التي‬
‫خوارزميات التع ّلم اإلحصائي‪ .‬تم ذكر نتائج‬ ‫برهنت عىل نجاعتها‪.‬‬ ‫سوف‪ ‬تطورها‪.‬‬
‫أبحاثه أكثر من ‪ 80.000‬مرة (بيانات بتاريخ‬
‫سبتمرب ‪ .)2017‬وصل يوشوا بنجيو إىل كيبيك‬ ‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬هناك عدد كبري من الدروس‬
‫سنة ‪ 1977‬وهو يف الثانية عرشة من عمره‪،‬‬ ‫والدورات التعليمية والقوانني املتاحة مجانًا‬
‫مع والديه أصييل املغرب‪ ،‬بعد قضاء فرتة يف‬ ‫عىل الخط‪ .‬تعرفت عىل العديد من الشبان‬
‫باريس‪ .‬وهو حامل لوسام كندا وعضو يف‬ ‫الذين تكونوا عن طريق اإلنرتنت‪ .‬و يجب علينا‬
‫الجمعية امللكية لكندا‪.‬‬ ‫إذا أن نبحث عن أفضل الطرق ملساعدتهم يف‬
‫التدريب بمفردهم‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫من أجل استخدام ديمقراطي للذكاء‬

‫أفريقيا‬ ‫االصطناعي يف‬


‫مصطفى سييس يجيب عىل أسئلة كاترينا ماركيلوفا‬

‫يبلغ من العمر ‪ 32‬عامً ا‪ .‬وُلد ونشأ يف السنغال حيث درس الرياضيات والفيزياء‪.‬‬
‫كيف يمكن لحياة الناس أن تتحسن بشكل‬ ‫حصل عىل درجة املاجستري يف الذكاء االصطناعي يف فرنسا ثم يف كندا‪ ،‬وعاد إىل‬
‫ملموس‪ ،‬بفضل الذكاء االصطناعي؟‬ ‫باريس لينال الدكتوراه‪ .‬التحق منذ سنتني بمؤسسة فيسبوك ألبحاث الذكاء‬
‫عندما تتيح لألشخاص ُفرصة الوصول إىل‬ ‫االصطناعي التي تُنشئ مخابر للبحوث األساسية يف عدة أنحاء من العالم منذ‬
‫املعلومات التي يحتاجونها لبناء عالقات‬
‫اجتماعية‪ ،‬أو االندماج برسعة أكرب يف بيئة‬ ‫سنة ‪ :2013‬نيويورك‪ ،‬مينلو بارك (كاليفورنيا)‪ ،‬سياتل‪ ،‬باريس‪ ،‬مونرتيال‪ ...‬هذه‪،‬‬
‫ما‪ ،‬أو الحصول عىل شغل‪ ،‬فإنك تساهم‬ ‫يف عجالة‪ ،‬مسرية مصطفى سييس‪ ،‬الذي يحدثنا عن أبحاثه ودوافعه وآماله‪.‬‬
‫يف تحسني حياتهم‪ .‬وباملثل‪ ،‬إذا استخدمت‬
‫الذكاء االصطناعي لتشخِ يص أمراضهم يف‬
‫وقت مب ّكر وتوفري العالج املناسب‪ ،‬فتكون قد‬ ‫لقد بينت الدراسات‪ ،‬مثال‪ ،‬أن أنظمة التع ّرف‬ ‫ما هي مشاريعك يف مخرب فيسبوك ألبحاث‬
‫حسنت‪ ‬حياتهم‪.‬‬ ‫عىل الوجه تشتغل بأكثر نجاعة مع الوجوه‬ ‫الذكاء االصطناعي يف باريس؟‬
‫إن الذكاء االصطناعي بصدد تغيري العديد من‬ ‫األوروبية من الوجوه األفريقية‪ .‬ونفس اليشء‬
‫أكثر املواضيع التي تهمّ ني يف مجال الذكاء‬
‫الصناعات‪ ،‬وأتمنى أن يكون مُتاحا لجميع‬ ‫ينطبق عىل أنظمة الذكاء االصطناعي التي‬
‫االصطناعي هي املوثوقيّة‪ ،‬واإلنصاف‬
‫من يحتاجونه ‪ -‬وليس فقط لعدد محدود من‬ ‫تُحدّد رسطان الجلد‪ :‬فهي تعطي نتائج أفضل‬
‫والشفافيّة‪ .‬يف سنة ‪ ،2017‬كنت أنا ومجموعة‬
‫سكان العالم – وذلك ملواجهة مُختلف تحديات‬ ‫لدى املرىض ذوي البرشة البيضاء مقارنة‬
‫من الزمالء أوّل من طوّر الخوارزميات‬
‫هذا القرن‪ .‬أنا أحاول من ناحيتي ويف أطار‬ ‫باملرىض ذوي البرشة السمراء‪ .‬ومن ناحية‬
‫(هوديني) التي تقيّم مناعة األنظمة الذكيّة‪،‬‬
‫تخصيص‪ ،‬أن أساهم يف تطوير األوضاع يف هذا‬ ‫تبي أن بعض األنظمة تعمل بأكثر‬ ‫أخرى‪ّ ،‬‬
‫مهما كانت نوعيّة الوسيلة اإلعالمية‪ :‬الصوت أو‬
‫االتجاه‪ .‬وما زلت مُقتنعا ّ‬
‫بأن مُجتمع الباحثني‬ ‫فعالية عندما يتعلق األمر بالرجال‪ ،‬مقارنة‬
‫الفيديو أو غريها‪.‬‬
‫يف الذكاء االصطناعي يقوم بخطوات عمالقة‪.‬‬ ‫بالنساء‪ .‬وهذا يعني أنه ت ّم إهمال بعد محوري‬
‫كامل أثناء تطوير هذه األنظمة‪ .‬وأسعى مع‬ ‫إن مناعة الخوارزميات رضورية لضمان‬
‫كيف يمكن للفئات األكثر فقرا الوصول إىل‬ ‫غريي من الزمالء لدمج هذا البُعد منذ أن نبدأ‬ ‫أمن منتجات الذكاء االصطناعي‪ .‬تخيّل ما‬
‫هذه التكنولوجيا املتطورة؟‬ ‫يف بناء نماذج الذكاء االصطناعي التي نقوم‬ ‫يمكن أن يحدث إذا أراد شخص سيئ النية‬
‫إذا أردنا أن تكون هذه التكنولوجيا مُتاحة‬ ‫بتطويرها‪ .‬هذا الجانب هام للغاية‪ ،‬إذا ما أردنا‬ ‫تغيري الخوارزمية التي تقود سيارتك ذاتية‬
‫للجميع‪ ،‬يجب تدريسها يف ك ّل مكان‪ .‬التعليم‬ ‫أن يكون الذكاء االصطناعي قادرا عىل تقديم‬ ‫القيادة! يُمكن‏أليّ نظام معلوماتي أن يتع ّرض‬
‫هو السبيل لوضع هذه التكنولوجيا يف أيدي من‬ ‫نفس الفائدة للجميع‪.‬‬ ‫لهجمات من الخارج (قرصنة أو تعديل عن‬
‫ُهم يف حاجة إليها‪ .‬وإذا أتيحت لهم اإلمكانيات‪،‬‬ ‫سوء قصد)‪ .‬لذا‪ ،‬من الرضوري ضمان ُقدرة‬
‫رصحت يف السابق بأنه يجب عىل الباحثني‬ ‫هذه األنظمة عىل مقاومة مثل تلك الهجمات‪.‬‬
‫فسوف يجدون الحلول املناسبة ملشاكلهم‪ ،‬أنا‬ ‫يف مجال الذكاء االصطناعي أن يكفوا عن‬
‫متيقن من ذلك‪.‬‬ ‫الرتكيز حرصيا عىل «مشاكل اإلنسان‬ ‫وهناك بحوث أخرى‪ ،‬نرشتها يف الفرتة األخرية‬
‫منذ ثالث سنوات‪ ،‬بدأت مع مجموعة من‬ ‫األبيض»‪.‬‬ ‫مع زميل يل‪ ،‬تتعلق بتجهيز الخوارزميات‬
‫األصدقاء‪ ،‬يف تدريس الذكاء االصطناعي يف‬ ‫الذكيّة بالقدرة عىل التعامل مع كل كائن برشي‬
‫بالنسبة يل‪« ،‬مشاكل اإلنسان األبيض» تتمثل‬
‫الجامعات الصيفيّة التي تنظمها يف أفريقيا‬ ‫بشكل عادل‪ ،‬سواء كان رجالً أو امرأة‪ ،‬أسود‬
‫يف كل تلك التطورات التكنولوجية املرتبطة‬
‫داتا ساينس أفريكا‪ ،‬وهي جمعية مهنية غري‬ ‫أو أبيض‪ ،‬إلخ‪.‬‬
‫بواقع الغرب‪ ،‬والتي تبقى من باب الخيال يف‬
‫ربحية تهدف إىل تقاسم املعرفة‪ .‬يف كل فصل‬ ‫أنحاء أخرى من العالم‪ ،‬مثل السيارات ذاتية‬ ‫وبعبارة أخرى‪ ،‬أحاول ال فقط ضمان‬
‫صيف وملدّة أسبوع أو أسبوعني‪ ،‬نقوم بتعليم‬ ‫القيادة‪ .‬يف أفريقيا ويف مناطق كثرية من آسيا‬ ‫موثوقية الخوارزميات بأعىل درجة ممكنة‪،‬‬
‫العديد من تقنيات الذكاء االصطناعي للطالب‬ ‫أو أمريكا الجنوبية‪ ،‬مشاكل الناس اليومية‬ ‫ولكن أيضا جعلها متناسبة مع احتياجات‬
‫واملدرسني الذين يرغبون يف اكتشاف هذه‬ ‫مختلفة‪ ،‬ورغم أن الحلول التي تحتاجها تعتمد‬ ‫املجتمع البرشي وقيمه‪ ،‬ألنها من املفروض أن‬
‫املادة‪ ‬العلمية‪.‬‬ ‫عىل تكنولوجيات أق ّل تعقيدا‪ ،‬فإنها تظل غري‬ ‫تكون يف خدمته‪.‬‬
‫يف العام املايض‪ ،‬قمنا مع مجموعة من‬ ‫متوّفرة‪ .‬أعتقد أنه بإمكاننا‪ ،‬كمجتمع علمي‪،‬‬
‫األصدقاء‪ ،‬ببعث مُبادرة بالك إن أول (السود‬ ‫أن نكون أكثر فعالية إذا وجهنا اهتماما أكرب‬
‫يف كل مكان)‪ .‬ونجحنا يف تجميع أكثر من‬ ‫ملشاكل هؤالء الناس إليجاد حلول لها‪.‬‬
‫‪ 200‬باحث أسود (باإلضافة لألمريكيني) يف‬
‫الدورة الثالثني ألكرب مؤتمر علمي حول الذكاء‬
‫االصطناعي يف العالم‪ ،‬الذي خصص ألنظمة‬
‫معالجة املعلومات العصبيّة ‪.2017‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪20‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫نرش الصورة برتخيص كريم من الرواق‬


‫‪© Maurice Mbikayi /‬‬

‫نارسيسورفينغ نيتيزنشيب (‪ ،)2015‬نحت‬


‫هل أطلقت هذه املبادرات من تلقاء نفسك‪،‬‬ ‫يف السنوات السابقة‪ ،‬لم نتجاوز عرشة باحثني‪،‬‬
‫للفنان موريس مبيكايي‪ ،‬من جمهورية‬
‫أم هل هي تندرج ضمن عملك يف مؤسسة‬ ‫من مجمل أكثر من ‪ 5000‬مشارك يف هذه‬
‫الكونغو الديمقراطية‪ ،‬الذي يهت ّم بالخصوص‬
‫فيسبوك ألبحاث الذكاء االصطناعي؟‬ ‫التظاهرة‪.‬‬
‫بتأثري التكنولوجيا املعارصة عىل اإلنسانية‪،‬‬
‫يف أفريقيا ّ‬
‫خاصة‬ ‫هذه مبادرات أطلقتها بنفيس مع األصدقاء‪،‬‬ ‫وبهذا املستوى املتواضع‪ ،‬نُحاول إضفاء صبغة‬
‫لكنني تلقيت مساعدة لوجستية ومالية من‬ ‫أكثر ديمقراطية عىل الذكاء االصطناعي وعىل‬
‫فيسبوك‪ ،‬الذي قدم الدعم ملشاركة حوايل ‪50‬‬ ‫سبل الوصول إىل املعلومات يف هذا املجال‪.‬‬
‫باحثًا أفريقيًا شابا ً يف املؤتمر الذي تحدّثت‬ ‫أنا واع كل الوعي بان هذا غري كاف‪ ،‬وأنه‬
‫عنه‪ ‬أعاله‪.‬‬ ‫من الرضوري القيام بإجراءات أوسع نطاقا‪،‬‬
‫لكنني أبقى متفائالً‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫الرابعة‬
‫ الثورة‬
‫يانغ كيانغ يجيب عىل أسئلة وانغ تشاو‬

‫بعد أن أطلقت شبكة اإلنرتنت وأجهزة اإلنرتنت املحمولة الثورة الصناعية الثالثة‪،‬‬
‫تقوم تقنيات الذكاء اإلصطناعي‪ ،‬مقرتنة بالبيانات الضخمة‪ ،‬بالتهيئة النطالق‬
‫ثورة صناعية رابعة من املحتمل أن ّ‬
‫تغي التوازنات عىل الصعيد العاملي‪.‬‬

‫الذكاء االصطناعي يمكن تسميته بـ«البيانات‬ ‫كيف ت ّم التقارب بني الذكاء اإلصطناعي‬
‫الذكيّة»‪.‬‬ ‫والبيانات الضخمة؟‬
‫كيف يمكن للمؤسسات أن تت ّكيف مع هذه‬ ‫بدأ هذا التقارب يف أوائل العقد األول من القرن‬
‫املعطيات الجديدة؟‬ ‫الحايل‪ .‬حني استخدم كل من غوغل وبايدو ‪-‬‬
‫وهي محركات البحث الناشئة يف ذلك الوقت‬
‫يف البداية وقبل االنطالق يف العمل مهما كانت‬
‫‪ -‬الذكاء اإلصطناعي إلنجاز أنظمة التّوصية‬
‫نوعيته‪ ،‬يجب التفكري يف الطريقة املتوخاة‬
‫الشخصية يف مجال اإلعالنات اإلشهارية‪،‬‬
‫لتجميع البيانات‪ .‬وال بد من تحديد االحتياجات‬
‫أدركوا أن النتائج كانت أفضل بكثري مما كانوا‬
‫وفقا للخوارزميات‪ ،‬وتجميع البيانات ‪ -‬من‬ ‫ّ‬
‫مصادر مختلفة ‪ -‬يف اتجاه هدف ّ‬ ‫يتوقعون‪ .‬وكلما زاد حجم البيانات التي يتم‬
‫معي‪ .‬يجب‬
‫جمعها حول كل مستخدم‪ ،‬كلما كانت النتائج‬
‫أن تكون الخدمات التي يوفرها نظام الربمجة‬
‫أفضل‪ .‬لكن يف ذلك الوقت‪ ،‬لم يكن أحد يدرك‬
‫قادرة عىل التأثري عىل املصدر حتى ينتج‬
‫أنه يمكن تطبيق هذا التطور يف مجاالت أخرى‪.‬‬
‫املزيد من البيانات وحتى تغذي هذه البيانات‬
‫بدورها‪ ،‬نظام الربمجة‪ ،‬يف «حلقة مغلقة»‪.‬‬ ‫حدثت نقطة تحوّل حقيقية مع ظهور إيمدج‬
‫وبذلك‪ ،‬تُخلق عملية مستمرة لتحسني النظام‬ ‫نت‪ ،‬وهي أكرب قاعدة بيانات للتع ّرف عىل‬
‫وتعديله ذاتيا‪ .‬إن مثل هذه «الحلقة املغلقة»‬ ‫الصور يف العالم‪ .‬كانت هذه القاعدة التي‬
‫هي منظومة مختلفة تماما عن املنظومة‬ ‫قام بتصميمها مختصون يف اإلعالمية من‬
‫املعمول بها إىل حد اآلن يف النشاط االقتصادي‪.‬‬ ‫جامعة ستانفورد وبرينستون يف الواليات‬
‫املتحدة‪ ،‬نقطة انطالق ثورة التع ّلم العميق‬
‫‪© Raquel Kogan / photo Domingues Freitas‬‬

‫هل لك أن توضح أكثر مفهوم «الحلقة‬


‫(ديب الرنغ)‪ ،‬ذلك أن الكميات الضخمة من‬
‫املغلقة»؟‬
‫املعطيات البرصية التي جمعتها إيمدج نت‬
‫أول يشء يجب مراعاته هو مصدر البيانات ‪-‬‬ ‫أفضت إىل تقليص األخطاء يف التعرف عىل‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬املستخدمون‪ .‬يجب تسجيل‬ ‫مضمون الصور بـنسبة ‪ .%10‬وقد بني‬
‫جميع سلوكيات املستخدمني يف شكل بيانات‪.‬‬ ‫ذلك أن التقارب بني التعلم العميق والبيانات‬
‫ثم يجب األخذ بعني االعتبار مزودي الخدمات‪،‬‬ ‫الضخمة يتيح التحكم يف العمليات الحسابية‬
‫مثل وي تشات باي‪ ،‬أو محفظة النقود الجوالة‬ ‫املعقدة للغاية‪.‬‬
‫الصينية‪ ،‬أو تاو باو وهو موقع التجارة‬
‫انعكاس‪ ،‬تركيبة من ابتكار الفنانة الربازيلية‬ ‫اإللكرتونية الصيني‪ .‬وتعتمد ردة الفعل الذكية‬
‫كيف تحدّد العالقة بني التع ّلم العميق‬
‫راكال كوغان‪ :‬أرقام تنبعث آليّا من حاسوب‬ ‫عىل تلك البيانات لفهم احتياجات املستخدمني‬
‫والبيانات الضخمة؟‬
‫وتُعرض يف قاعة مُظلمة‪ ،‬فتختلط أجسام‬ ‫الذين يقومون‪ ،‬عند االستخدام‪ ،‬بتوفري بيانات‬ ‫هي عالقة تدعيم متبادل‪ .‬إذا تّم تصميم نظام‬
‫ا ُملشاهدين باألرقام املعروضة‪.‬‬ ‫أخرى ملزود الخدمات الذي يقوم بدوره بتوفري‬ ‫الذكاء اإلصطناعي بشكل محكم‪ ،‬فسوف يكون‬
‫بيانات للمستخدمني‪ .‬بحيث يشكل هذا النظام‬ ‫أكثر مالءمة لالستخدام وأكثر دقة وبالتايل‬
‫«حلقة‪ ‬مغلقة»‪.‬‬ ‫أكثر فائدة‪ .‬وسوف يؤدي إىل ارتفاع عدد‬
‫املستخدمني‪ ،‬وبالتايل إىل املزيد من البيانات‬
‫وحتى تكون الحلقة رسيعة‪ ،‬ال بد من تشغيلها‬
‫التي تحسن بدورها نظام الذكاء االصطناعي‪.‬‬
‫آليا بالكامل‪ ،‬وتكرير تحيني البيانات عدة‬
‫م ّرات يف اليوم‪ ،‬حتى يكون النظام محيّنا‬ ‫ومع دمج البيانات الضخمة والذكاء‬
‫بصفة مستم ّرة‪ .‬وهذا من شأنه أن يحث‬ ‫االصطناعي‪ ،‬يمكن بعث نوع جديد من‬
‫املستخدمني عىل رد الفعل بصفة دائمة من‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪22‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫سوف يُحدث الذكاء االصطناعي تغيريا‬


‫عميقا يف املجتمع البرشي وسوف يمنحه‬
‫شكله املستقبيل‬

‫صغرية‪ .‬كما انّه قد يصبح من املمكن إبتكار‬


‫نظم من نوع جديد لخدمة الزبائن‪.‬‬
‫يف اعتقادي‪ ،‬يف املرحلة الثانية‪ ،‬سوف يُحدث‬
‫الذكاء االصطناعي تغيريا عميقا يف املجتمع‬
‫البرشي وسوف يمنحه شكله املستقبيل‪ .‬تماما ً‬
‫كما حدث حني ظهر اإلنرتنت‪ :‬يف البداية‪ ،‬قامت‬
‫مكتبة تقليدية بإنجاز صفحة ويب وخالت‬
‫نفسها مكتبة عىل الخط‪ .‬ولم تظهر مواقع‬
‫اإلنرتنت عىل غرار أمازون ّإل الحقا‪.‬‬
‫قد يؤدي التأليف بني البيانات الضخمة‬
‫والذكاء اإلصطناعي إىل تهديد الحياة‬
‫الخاصة والعدالة االجتماعية‪.‬‬
‫سوف يو ّلد التأليف بني البيانات الضخمة‬
‫والذكاء اإلصطناعي نماذج اقتصادية جديدة‬
‫ناجعة‪ .‬لكن وضع هذه النماذج حيز التنفيذ‬
‫عىل صعيد واسع مرشوط بضمان احرتام‬
‫الحياة الخاصة للمستخدمني‪ .‬ويف هذا الصدد‪،‬‬
‫هناك ثالث مشاكل ال بد من ح ّلها‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬ال بد من ّ‬
‫سن القواعد االجتماعية‬
‫والقانونية التي تحمي ملكية البيانات‬
‫وتبني بصفة واضحة متى يمكن أو ال يمكن‬
‫استخدامها‪ .‬يجب تصنيف بيانات املستخدمني‬
‫يف أبواب مختلفة‪ :‬باب أحمر بالنسبة للبيانات‬
‫املحمية بالكامل‪ ،‬وأصفر للبيانات التي يمكن‬
‫النفوذ إليها بصفة محدودة‪ ،‬وأخرض للتي هي‬
‫حرة اإلقتناء‪ .‬لم يحصل لحد اآلن أي توافق‬
‫حول تصنيف البيانات‪ .‬عالوة عىل أنه ال يوجد‬
‫أي قانون يحدد الشخص املسؤول والعقوبات‬
‫التي يتعرض لها يف حال انتهاك‪ ‬القانون‪.‬‬
‫ثانيا‪ ،‬من الرضوري حماية رسية البيانات من‬
‫الناحية التقنية‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬تقوم حاليا‬
‫‪4‬باراديغم (وهي رشكة تزويد خدمات يف‬
‫تكنولوجيا الذكاء االصطناعي‪ ،‬مقرها بيجني)‬
‫بدراسة استخدام تع ّلم هجرة البيانات بهدف‬ ‫إنها تقنيات وحلول فريدة من نوعها يف تلبية‬ ‫خالل إرسال املعلومات‪ .‬باختصار‪ ،‬يجب أن‬
‫حماية الحياة الخاصة‪ ،‬وهو ميدان جديد‬ ‫احتياجات القطاعات املوجودة حاليا‪.‬‬ ‫تكون العملية وجيزة‪ ،‬ومستمرة‪ ،‬ورسيعة‪.‬‬
‫نسبياً‪ .‬إذا ابتكرت مثال مؤسسة «أ» نموذجا‪،‬‬ ‫أمّ ا املرحلة الثانية‪ ،‬فسوف تشهد بروز‬ ‫يف رأيك‪ ،‬كم من وقت سيستغرق إنجاز‬
‫ويتم نقل النموذج إىل مؤسسة «ب»‪ ،‬فال داعي‬ ‫قطاعات صناعية غري مسبوقة يتمركز الذكاء‬ ‫هذه الحلقة املغلقة؟‬
‫من تبادل البيانات بني «أ» و«ب»‪ ،‬بل يكفي‬ ‫اإلصطناعي يف جوهرها‪ .‬فمثال‪ ،‬إذا استخدمت‬
‫أعتقد أن تطوير الذكاء اإلصطناعي سوف‬
‫إدماج املعطيات صلب النموذج املنقول‪ ،‬ومن‬ ‫مؤسسة بنكية الذكاء اإلصطناعي كتكنولوجيا‬
‫يتم يف مرحلتني‪ .‬يف مرحلة أوىل‪ ،‬سوف تحاول‬
‫ثم ضمان حمايتها‪.‬‬ ‫أساسية‪ ،‬فقد ترتك له املجال بالكامل للترصف‬
‫جميع القطاعات استخدام تلك التكنولوجيا‪.‬‬
‫يف االستثمارات والخدمات واالقرتاض‪ .‬ولن‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬ستستخدم مصالح األمن‬
‫يتبقى ملوظفي البنك إال إجراء تعديالت‬
‫والحماية تقنيّة التع ّرف عىل الوجه‪ ،‬وسوف‬
‫يستخدم القطاع البنكي الذكاء االصطناعي‬
‫للسيطرة عىل املخاطر‪ ،‬وهل ّم جرا‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫وانغ تشاو (الصني) خبري دويل رائد يف مجال‬ ‫ما عىس أن يكون مفعول التأليف بني‬ ‫وأخريا‪ ،‬ال بد من إجراء املزيد من األبحاث حول‬
‫الذكاء االصطناعي ومعالجة البيانات‪ .‬هو‬ ‫البيانات الضخمة والذكاء االصطناعي يف‬ ‫العالقة بني الحياة الشخصية للمستخدمني‬
‫أول صيني يرتأس املؤتمرات الدولية املشرتكة‬ ‫الدول النامية؟‬ ‫وتسعري البيانات‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عندما‬
‫املعنية بالذكاء االصطناعي‪ ،‬وهو عضو يف‬ ‫ينقر املستخدمون عىل إعالن معروض عىل‬
‫يف نظري‪ ،‬سوف يم ّكن عددا من البلدان النامية‬
‫جمعية النهوض بالذكاء االصطناعي‪ ،‬ومدير‬ ‫اإلنرتنت من قبل نظام محكوم بالذكاء‬
‫األكثر تقدما من اإللتحاق بالبلدان املتقدمة‪ ،‬بل‬
‫قسم اإلعالمية والهندسة يف جامعة هونغ‬ ‫االصطناعي‪ ،‬هل يجب أن تعود نسبة من‬
‫وحتى تجاوزها‪ ،‬ألن التنافس االقتصادي سوف‬
‫كونغ للعلوم والتكنولوجيا‪ .‬شارك يف تأسيس‬ ‫األرباح إىل هذا النظام؟ وإذا حصل محرك‬
‫يعتمد باألساس عىل كمية البيانات وقيمتها‪.‬‬
‫‪4‬باراديغم حيث يتوىل مهام علمية‪.‬‬ ‫بحث عىل عائد مايل‪ ،‬فهل ينبغي توزيع جزء‬
‫وقد سمح‪ ،‬مثال‪ ،‬التطور الرسيع لشبكة‬
‫منه عىل املستخدمني؟ يجدر التساؤل حول‬
‫وانغ تشاو (الصني) صحفي ورئيس فريق‬ ‫اإلنرتنت واإلنرتنت الجوال الصيني بتجميع‬
‫هذه القضايا‪.‬‬
‫يف أستديو الذكاء االصطناعي يف قناة نت إيز‬ ‫كميات هائلة من املعطيات‪ .‬وهذا من شأنه‬
‫نيوز التي تقوم بتغطية أهم األحداث يف قطاع‬ ‫يرسع تطوير قطاع الذكاء االصطناعي يف‬ ‫أن ّ‬ ‫يف السنوات املقبلة‪ ،‬سوف يدرك الجميع أهمية‬
‫الذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫الصني‪ ،‬وقد يتأتى عن ذلك تغيري مالمح العالم‪.‬‬ ‫الذكاء االصطناعي‪ .‬وال بد أن نكون عىل يقظة‬
‫وأن ننتبه للشكل الذي سيكون عليه وملجاالت‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬إذا توفر لبلد ما بنية تحتية‬
‫تطبيقه‪ .‬حاليا‪ ،‬املجاالت األكثر قابلية للذكاء‬
‫ونظام تربوي بجودة عالية‪ ،‬فسوف يكون‬
‫االصطناعي هي املالية‪ ،‬واإلنرتنت والسيارات‬
‫قادرا عىل االستفادة من الذكاء االصطناعي‬
‫ذاتية القيادة‪.‬‬
‫لتحسني نجاعة انتاجيته‪ .‬تماما مثلما سمح‬
‫استخدام املحرك البخاري لعدد من البلدان‬
‫بالتطوّر برسعة أكرب من غريهم خالل الثورة‬
‫الصناعية‪.‬‬
‫أناشيد أناغورا‪ ،‬معرض‬
‫تفاعيل يُقدّم حقال للبحث يتدارس تجميع‬
‫ومعالجة واستعمال البيانات املتعلقة‬
‫بموقع اإلنسان وسلوكه‪.‬‬
‫© برتخيص كريم من مريايكان‪ ،‬املتحف الوطني للعلوم الناشئة واالبتكار‪ ،‬طوكيو‪ ،‬اليابان‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪24‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫تهديدات‬

‫الروبوتات القاتلة‬

‫‪© RYGER / Shutterstock‬‬


‫يتجند الرأي العام أكثر فأكثر ضد تطوّر‬
‫األسلحة الفتّاكة املستق ّلة‬
‫بقلم فاسييل سيتشاف‬

‫وبفضل تطوّر التكنولوجيات اإلعالمية‪،‬‬ ‫للذكاء االصطناعي تطبيقات عديدة يف املجالني األمني والعسكري‪ .‬عىل امليدان‪،‬‬
‫ستُصبح نُظم القتال مُستقبال أكثر استقاللية‬ ‫هو يُسهّ ل املناورات ويُم ّكن من إنقاذ األرواح يف حال حدوث خسائر‪ .‬كما يعزز‬
‫من النُّظم الحالية‪ .‬وسوف تسمح هذه‬
‫أداء الجيوش بتوفري روبوتات حليفة للجنود‪ .‬وحسب بعض الخرباء‪ ،‬فإن األسلحة‬
‫االستقاللية‪ ،‬دون أدنى شك‪ ،‬بتوفري مساعدة‬
‫قيّمة للمقاتلني‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬سوف‬ ‫الفتّاكة األوتوماتيكية هي بصدد خلق الثورة الثالثة للحروب‪ ،‬بعد البارود والسالح‬
‫تأتي باملزيد من التحدّيات واملجازفات‪ :‬من‬ ‫النووي‪ .‬وكيف ال ينتابنا القلق لحلول يوم يصبح فيه تشغيل جيوش الروبوتات‬
‫ذلك سباق التس ّلح بني الدول‪ ،‬وغياب القواعد‬
‫والقوانني يف مناطق الرصاع‪ ،‬وانعدام املسؤولية‬ ‫واقعا‪ ،‬بما لها من قدرة عىل تنفيذ العمليات العدائية بكل استقاللية؟‬
‫يف اتّخاذ القرارات‪ .‬يف الوقت الحارض‪ ،‬يف حني‬
‫يحاول العديد من املقاولني وأصحاب القرار‬ ‫تقوم عديد الرشكات‪ ،‬يف كل أنحاء العالم‪،‬‬
‫والعلماء منع استخدام نُظم القتال ا ُملستق ّلة‪،‬‬ ‫ببحوث علمية هامة يف مجال الذكاء‬
‫يُؤ ّكد العسكريّون أن القرار األخري بخصوص‬ ‫ّ‬
‫التوصل إليها‬ ‫اإلصطناعي‪ .‬والنتائج التي ت ّم‬
‫القتل من عدمه‪ ،‬أثناء املعركة‪ ،‬سوف يبقى‬ ‫لحد اليوم ممتازة‪ :‬أصبح الذكاء االصطناعي‬
‫بيد‪ ‬اإلنسان‪.‬‬ ‫قادرا عىل التكهن بإمكانية اإلصابة بمرض‬
‫السكري بواسطة ساعة «ذكية» أو عىل تحديد‬
‫بودّنا أن نُصدّق ذلك‪ ،‬لكنّنا ال ب ّد أن نُذ ّكر بأن‬ ‫وحمات بعض أنواع الرسطان‪ ،‬باالعتماد عىل‬
‫السالح النووي ‪ -‬ذلك السالح الذي ما كان‬ ‫مظهرها‪ .‬وتحظى أيضا هذه األداة الفعّ الة‬
‫يجب أن يُبتكر أصال والذي واجهه العديد من‬ ‫التي تتجاوز الذكاء البرشي ‪ -‬خاصة من حيث‬
‫املعارضني منذ املرحلة األوىل من تصميمه ‪-‬‬ ‫رسعة أدائها ‪ -‬باهتمام العسكريني‪.‬‬
‫قد ت ّم استعماله يف آخر األمر‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ويتمثّل مبدأ هذا النظام يف اآلتي‪ :‬يراقب الذكاء‬


‫االصطناعي عن قرب عيني الشخص ووجهه‬
‫ويضع بالتوازي سمات الوجه مع الصور‬
‫التي ينظر إليها الشخص‪ .‬وإذا جلبت إحدى‬
‫الصور انتباه الشخص (ممّ ا ينتج عنه تغيري‬
‫يف سمات وجهه وتوجه نظره)‪ ،‬تقوم الربمجية‬
‫آليا بحفظ الصورة يف ملف خاص باملوضوع‪.‬‬
‫وأثناء االختبارات‪ ،‬ت ّم عرض مجموعة من‬
‫الصور عىل أحد الجنود‪ ،‬تنقسم إىل خمسة‬
‫أصناف أساسية‪ :‬بواخر‪ ،‬حيوان بندا‪ ،‬فواكه‬
‫طلب منه ّأل يحيص‬ ‫حمراء‪ ،‬فراشات‪ ،‬ثريّات‪ .‬و ُ‬
‫إال صور الصنف الذي يهمّ ه‪ .‬كانت الصور‬
‫تم ّر أمامه بنسق صورة يف الثانية‪ .‬و«استنتج»‬
‫الذكاء االصطناعي أن الجندي مُهت ّم بصنف‬
‫البواخر‪ ،‬فقام بتسجيل الصور املطابقة يف‬
‫ملف منفصل‪.‬‬ ‫ّ‬

‫يف مرسح العمليات‬


‫لكن الذكاء االصطناعي قادر أيضا عىل‬
‫مساعدة العسكريني يف ساحة املعركة‪ .‬يف‬
‫روسيا‪ ،‬يت ّم حاليا وضع اللمسات األخرية‬
‫لصنع طائرة حربية من الجيل الخامس‬
‫سو‪ ،57-‬قد تدخل حيز االستخدام قبل نهاية‬
‫السنة‪ .‬وتتضمّ ن برمجية حاسوب قيادة هذه‬
‫الطائرة عنارص من الذكاء االصطناعي تخول‬
‫لها‪ ،‬أثناء التحليق‪ ،‬بتحليل مستمر لحالة‬
‫الهواء‪ ،‬ودرجة حرارته‪ ،‬وضغطه‪ ،‬وعديد‬
‫تغيات األخرى‪ .‬وإذا حاول الطيّار القيام‬‫ا ُمل ّ‬
‫بمناورة «يعترب» النظام أنها سوف تتسبب يف‬
‫السقوط‪ ،‬فلن يأخذ بأمر الطيّار‪ .‬وإذا أصاب‬
‫الطائرة عطب وبدأت تتهاوى‪ ،‬يدل نفس‬
‫النظام الطيّار عن كيفية إعادة الطائرة إىل‬ ‫رسم أُنجز يف األصل خصيصا للنرش يف‬
‫الوضع املستقيم واستعادة السيطرة عليها‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬قام مركز االستعالمات‬ ‫كريزيس إن زفرا‪ ،‬رواية خيالية لكارل‬
‫يف الجغرافيا الفضائية بجامعة ميسوري‬ ‫رشودر الذي أجرت معه الرسالة حوارا يف‬
‫يف األثناء‪ ،‬يقوم اليابان بتطوير طائرته‬
‫ّ‬ ‫بالواليات املتحدة‪ ،‬بتطوير نظام ذكاء‬ ‫نفس هذا العدد‪.‬‬
‫الخاصة من الجيل الخامس‪ .‬وتمت أوّل‬ ‫© ‪Kalman Andrasofszky‬‬
‫رحلة للنموذج األصيل منها‪ ،‬اكس ‪-2‬شينشني‬ ‫اصطناعي قادر عىل التحديد الرسيع والدقيق‬
‫(«الروح» باللغة اليابانية)‪ ،‬يف أبريل ‪.2016‬‬ ‫ملواقع أجهزة الصواريخ املضادة للطائرات‪ ،‬يف‬
‫وتحتوي هذه الطائرة عىل شبكة واسعة من‬ ‫صور قمرية وفضائية‪ .‬وتبلغ رسعة تأدية هذا‬
‫النظام ما يساوي ‪ 85‬أضعاف قدرة الخرباء‬
‫أجهزة االستشعار‪ ،‬تقوم بتحليل وضع كل‬
‫البرشيني‪ .‬وقد ت ّم بناء الشبكة العصبية التي‬
‫مساعد افرتايض‬
‫عنرص من مُكوّنات الطائرة وتحديد األرضار‬
‫التي تلحقها‪ ،‬ممّ ا يسمح لها «بالصمود»‪ .‬أثناء‬ ‫صور تُمثّل‬‫يعتمد عليها هذا النظام باستعمال ُ‬ ‫كما هو الشأن يف كل مجاالت النشاط البرشي‬
‫املعركة‪ ،‬إذا ترضر أحد جناحيها أو ذيلها‪ ،‬يُعيد‬ ‫مختلف أصناف الصواريخ املضادّة للطائرات‪.‬‬ ‫األخرى‪ ،‬فإن الذكاء االصطناعي قادر عىل‬
‫نظام القيادة تهيئة منظومة املراقبة لإلبقاء‬ ‫وبعد تدريب النظام‪ ،‬ت ّم اختباره عىل مجموعة‬ ‫تيسري العمل يف مجال األمن وترسيعه‪ .‬ويعمل‬
‫عىل نفس املرونة والرسعة‪ .‬وسوف يكون‬ ‫من الصور‪ :‬يف ‪ 42‬دقيقة فقط‪ ،‬عثر عىل ‪%90‬‬ ‫حاليا باحثون يف جامعة غرناطة بإسبانيا‪ ،‬عىل‬
‫حاسوب الطائرة اليابانية قادرا عىل تحديد‬ ‫من أجهزة الدفاع‪ .‬يف حني استغرق عمل‬ ‫بناء برمجيّات تعتمد عىل الشبكات العصبية‪،‬‬
‫الكل للعنرص ا ُملترضّ ر‪ ،‬ممّ ا‬
‫ساعة التعطل ّ‬ ‫الخرباء ‪ 60‬ساعة لح ّل نفس املشكل والحصول‬ ‫تكون قادرة عىل الكشف يف صور فيديو‪،‬‬
‫يتيح للطيّار تقرير مواصلة القتال أو العودة‬ ‫عىل نفس النتيجة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وبدقة كبرية‪ ،‬عىل األسلحة الخفيفة‬ ‫بصفة آنية‬
‫إىل‪ ‬القاعدة‪.‬‬ ‫كما يعُ د الذكاء االصطناعي تطبيقات أكثر‬ ‫مثل املسدسات والرشاشات‪ .‬تتضمّ ن نُظم‬
‫تعقيدا‪ .‬وعىل سبيل املثال‪ ،‬يقوم مخرب البحث‬ ‫األمن الحديثة عددا كبريا من عدسات املراقبة‪،‬‬
‫ويف هذا الصدد‪ ،‬يمثل الذكاء االصطناعي‬ ‫لكنه يتعذر فحص كل املشاهد صورة صورة‪.‬‬
‫«نعمة» ‪ -‬إذا جاز استعمال هذه العبارة يف‬ ‫التابع للجيش األمريكي بتطوير نظام‬
‫معلوماتي ّ‬
‫يتول تحليل ر ّد فعل اإلنسان أمام‬ ‫لذلك‪ ،‬يكون الذكاء االصطناعي مُفيدا جدّا يف‬
‫سياق الحديث عن األسلحة ونُظم القتال‪.‬‬ ‫تحليل تلك الصور والكشف عن األسلحة إن‬
‫صورة مُعيّنة‪ .‬وسوف يستفيد منه ا ُملح ّللون‬
‫العسكريون ا ُملطا َلبون بمشاهدة آالف الصور‬ ‫وجدت وإبالغ األعوان يف وقت قيايس‪.‬‬
‫وساعات من أرشطة الفيديو‪ ،‬وتحليلها‬
‫بشكل‪ ‬منهجي‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪26‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫روبوتات قاتلة‬ ‫ذلك أن مثل تلك الربمجية املعقدة القادرة عىل‬


‫ح ّل مشكلة محددة بالطريقة ا ُملثىل وبرسعة‬
‫ويف غ ّرة سبتمرب ‪ ،2017‬رصّ ح الرئيس الرويس‬ ‫أصبح الذكاء االصطناعي عامال جذابا ألنظمة‬ ‫تفوق عرشة أضعاف رسعة البرش‪ ،‬يف وسعها ال‬
‫فالديمري بوتن‪ ،‬خالل محارضة عموميّة‬ ‫القتال‪ ،‬ملا يمتاز به من رسعة يف التحليل‬ ‫فقط تسهيل عمل طائرة استطالعية‪ ،‬أو م ّ‬
‫ُشغل‬
‫ألقاها يف مدرسة بمدينة ياروسالفل أن«الذكاء‬ ‫وقدرة عىل التع ّلم‪ .‬و من املحتمل أن يكون‬ ‫طائرة دون طيّار‪ ،‬أو قائد نظام للدفاع الجوّي‪،‬‬
‫االصطناعي ال يُمثّل مستقبل روسيا فحسب‪،‬‬ ‫العسكريون راغبني ‪ -‬وإن هم ال يعرتفون بذلك‬ ‫وإنما أيضا إنقاذ أرواح برشية‪ .‬بإمكانها نجدة‬
‫وإنما مستقبل اإلنسانية قاطبة‪ .‬فهو ي ّ‬
‫ُوفر‬ ‫لحد اآلن ‪ -‬يف وضع نُظم للقتال قادرة عىل‬ ‫األشخاص املعرضني للخطر يف غوّاصة (إطفاء‬
‫إمكانيات هائلة‪ ،‬مصحوبة بتهديدات يصعب‬ ‫االشتغال يف ساحة املعركة باستقاللية تامّ ة‪،‬‬ ‫دقيق للحرائق يف األجزاء الخالية من الناس)‪،‬‬
‫التكهّ ن بها اليوم‪ .‬والذين سيتفوّقون يف هذا‬ ‫أي أنها تستطيع تحديد الهدف بكل حرية‪،‬‬ ‫ونجدة قائدي الطائرات أو املقاتلني املتواجدين‬
‫املجال هم الذين سي ّ‬
‫ُسيون العالم»‪ ،‬مُضيفا‬ ‫وإطالق النار عليه‪ ،‬والتح ّرك واختيار املسار‬ ‫يف دبابات مُس ّلحة أصابها رضر‪.‬‬
‫أن «احتكاره غري مرغوب فيه تماما‪ .‬لذك‪ ،‬إذا‬ ‫األفضل للبقاء يف مأمن‪.‬‬
‫كانت لنا الزعامة يف هذا املجال‪ ،‬فإننا سوف‬
‫وقد أعلنت السلطات العسكرية‪ ،‬منذ بضع‬
‫نتقاسم هذه التكنولوجيات مع العالم بأرسه»‪.‬‬
‫سنوات‪ ،‬يف كل من الواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬
‫ولكن‪ ،‬هل هذا يكفي الستنتاج أننا لسنا يف‬
‫وروسيا‪ ،‬وأملانيا‪ ،‬والصني‪ ،‬ويف العديد من‬
‫بداية عرص جديد للسباق نحو التس ّلح؟‬
‫الدول األخرى‪ ،‬أن هدفها ليس خلق نُظم‬
‫يف األرض‪ ،‬يتزايد عدد املناطق التي تحميها‪،‬‬ ‫للقتال مُستق ّلة تماما‪ .‬إال أن العسكريني ذكروا‪،‬‬
‫بصفة موثوقة‪ ،‬نظم مُضادّة للطائرات‬ ‫يف نفس الوقت‪ ،‬أنه ليس من املستبعد أن يتم‬
‫والصواريخ‪ ،‬وتراقبها نظم قمرية وبدون‬ ‫إنجاز مثل تلك النُّظم‪.‬‬
‫طيّار‪ ،‬وتحرسها دوريات للسفن والطائرات‪.‬‬
‫يف السنة املاضية‪ ،‬انتهت وزارة الدفاع‬
‫ويف نظر العسكريني‪ ،‬يف حالة الحرب‪ ،‬تبقى‬
‫األمريكية من تصميم «اسرتاتيجية التعويض‬
‫نظم القتال ا ُملجهّ زة بالذكاء االصطناعي هي‬
‫الثالثة» ورشعت يف تطبيقها‪ .‬وبمُوجب هذه‬
‫الوحيدة القادرة عىل الولوج لتلك املناطق‬
‫الوثيقة‪ ،‬سيتم تطوير االبتكارات التقنية‬
‫ا ُملغلقة‪ ،‬وعىل تنفيذ العمليّات بحريّة نسبية‪.‬‬
‫بصفة فاعلة واستعمالها يف األشغال العسكرية‬
‫وتُوجد حاليا نُظم قتال قادرة عىل كشف‬ ‫املستقبلية‪.‬‬
‫األهداف وتصنيفها‪ ،‬وعىل التحكم يف إطالق‬
‫صواريخ مُضادّة للطائرات‪ ،‬عىل غرار نُظم‬
‫صواريخ س‪ 400-‬يف روسيا‪ .‬ويشتغل‬
‫النظام األمريكي للمعلومات آيجيس بنفس‬
‫الطريقة‪ ،‬وهو نظام يُراقب تس ّلح السفن‬
‫الحربية‪ .‬وعىل طول املنطقة املنزوعة من‬
‫السالح‪ ،‬الواقعة عىل الحدود مع جمهورية‬
‫كوريا الديمقراطية‪ ،‬ثبتت الجمهورية الكورية‬
‫العديد من الروبوتات العسكرية س‪.‬ج‪.‬ر‪-‬أ‪1‬‬
‫مُك ّلفة‪ ‬باملراقبة‪.‬‬

‫منظمة األمم املتحدة يف مجابهة أنظمة األسلحة الفتاكة املستق ّلة‬


‫منذ شهر مايو ‪ ،2014‬فتحت منظمة األمم املتحدة حوارا دوليّا حول تطوّر أنظمة األسلحة الفتاكة‬
‫املستق ّلة‪ ،‬ا ُملسمّ اة بـ«الروبوتات القاتلة»‪ .‬وتقلدت األطراف السامية املمضية عىل االتفاقية الخاصة‬
‫بأسلحة تقليدية معينة مهمّ ة جديدة‪« :‬التحاور حول املسائل ا ُملتّصلة بالتكنولوجيات الناشئة يف‬
‫مجال أنظمة األسلحة الفتاكة املستق ّلة‪ ،‬يف ضوء أهداف وغايات االتفاقية»‪.‬‬
‫يف أول اجتماع له يف نوفمرب ‪ ،2017‬تم تكليف فريق من الخرباء الحكوميني‪ ،‬برئاسة السفري الهندي‬
‫أمانديب سينغ جيل‪ ،‬بتدارس التكنولوجيات الناشئة يف مجال أنظمة األسلحة الفتاكة املستق ّلة‪.‬‬
‫ويرد من بني التوجّ هات ا ُملدرجة يف التقرير التوافقي الصادر عن هذا االجتماع‪ ،‬أن الدول هي‬
‫املسؤولة عن تطوير أي نظام تس ّلح للحروب‪ .‬وقد رصّ ح السفري سينغ جيل‪ ،‬إثر االجتماع األخري‬ ‫رسم أُنجز يف األصل خصيصا للنرش يف‬
‫لفريق الخرباء الحكوميني‪ ،‬يف جنيف (سويرسا) يوم ‪ 9‬ابريل ‪ ،2018‬بأنه «يجب عىل الدول أن تكون‬ ‫كريزيس إن زفرا‪ ،‬رواية خيالية لكارل‬
‫قادرة عىل رفع تقارير حول العمليات القاتلة التي أجرتها قواتها يف رصاع مُس ّلح»‪.‬‬ ‫رشودر‪ ،‬يمثل التكنولوجيات الناشئة التي قد‬
‫ومن جهتها‪ ،‬الحظت إيزومي ناكاميتسو‪ ،‬املمثلة السامية لشؤون نزع السالح ملنظمة األمم‬ ‫تُشكل جزءا من جيش كندا يف املستقبل‪.‬‬
‫لشن الحروب بطرق ووسائل «ذات‬ ‫ّ‬ ‫املتحدة‪ ،‬أن هذا الصنف الجديد من التكنولوجيات يفسح املجال‬
‫التداعيات املريبة‪ ،‬وربّما غري املرغوب فيها»‪ ،‬مُؤ ّكدة عىل رضورة «إيجاد توافق حول فهم مُشرتك‬
‫للحدود املمكنة لدرجة االستقاللية عند استعمال القوة الفتاكة»‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫‪© Pavel Chagochkin / Shutterstock‬‬


‫جيوش الروبوتات القادرة عىل خوض الحرب‬
‫بشكل مستقل تماما هي من باب الخيال‬
‫ويرى هؤالء الخرباء أن إنشاء جيوش روبوتية‬ ‫وال نجد يف االتفاقية الخاصة باحرتام قوانني‬ ‫العلمي املحض‪ .‬لكن ذلك ال يمنع خرباء‬
‫ّ‬
‫قادرة عىل القيام بهجمات بشكل مُستق ّل‬ ‫وأعراف الحرب الربية‪ ،‬وال يف اتفاقيات جنيف‪،‬‬ ‫الذكاء االصطناعي من التعبري عن قلقهم‪.‬‬
‫سوف يؤدّي حتما إىل بروز شعور‪ ،‬لدى‬ ‫وصفا للنظم ا ُملجهّ زة بالذكاء االصطناعي التي‬
‫مستخدميها‪ ،‬بالسلطة املطلقة واإلفالت من‬ ‫يُمكن أن تُستعمل يف املعارك‪ ،‬أو تلك التي ال‬ ‫وعند تشغيلها بطريقة آلية‪ ،‬تُصبح هذه‬
‫العقاب‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬ملا يتواجد اإلنسان‬ ‫يُمكن استعمالها‪ .‬كما أنه ال تُوجد ترشيعات‬ ‫الروبوتات قادرة عىل اطالق النار تجاه العدو‪،‬‬
‫يف خضم املعركة‪ ،‬فإن القرارات التي يأخذها‬ ‫دُوليّة تسمح بتحديد الجُ ناة ا ُملتسبّبني يف تعطل‬ ‫دون استهداف األفراد الرافعني أليديهم‪ .‬وال‬
‫تكون متأثرة بوضعيّته النفسيّة وأحاسيسه‬ ‫نظام مستقل‪ .‬وإذا ما قصفت طائرة ذاتية‬ ‫يقوم العسكريون بتشغيل أي من هذه النُظم‬
‫وعواطفه‪ .‬وقد تبعث املشاهدة املبارشة آلالم‬ ‫القيادة مدنيّني‪ ،‬فمن الذي سيُعاقب؟ صانعها؟‬ ‫بطريقة‪ ‬آلية‪.‬‬
‫الغري شعورا بالرتدّد أو العكوف لدى الجندي‪،‬‬ ‫قائد رسب الطائرات الذي تنتمي إليه تلك‬
‫إن آخر التطورات التي أدخلت عىل الذكاء‬
‫رغم أن العسكريني املحرتفني يفقدون شيئا‬ ‫الطائرة؟ أم وزارة الدفاع؟ إن سلسلة الجناة‬
‫االصطناعي تسمح بخلق نُظم للقتال قادرة‬
‫فشيئا مع مرور الزمن‪ ،‬الشعور بالتعاطف‬ ‫ا ُملحتملني طويلة جدّا‪ ،‬وكما نعلم جميعا‪ ،‬عندما‬ ‫عىل ّ‬
‫التنقل‪ .‬ففي الواليات املتحدة‪ ،‬يت ّم حاليا‬
‫واإلشفاق‪ .‬وإذا انترش استعمال نُظم القتال‬ ‫تكون قائمة الجناة طويلة‪ ،‬لم يعد هناك جاني‪.‬‬
‫تطوير مُح ّلقات جانبية ذاتية القيادة لرتافق‬
‫ا ُملستق ّلة‪ ،‬حيث ال تُقاد الجيوش إال بحركة‬
‫يف سنة ‪ ،2015‬نرش فيوترش أوف اليف‬ ‫الطائرات الحربية التي يقودها طيّارون‪ ،‬قادرة‬
‫إصبع عىل شاشة لوحة تُوجد يف قارة أخرى‪،‬‬
‫انستيتيوت (معهد مستقبل الحياة) رسالة‬ ‫عىل تصويب طلقاتها‪ ،‬حسب األوامر‪ ،‬نحو‬
‫فإن الحرب ستتحوّل حتما إىل لعبة‪ ،‬يصبح‬
‫مفتوحة تحمل ‪ 16.000‬توقيعا‪ ،‬تحذر من‬ ‫أهداف جوّية أو ب ّرية‪ .‬كما أن نظام تسيري‬
‫فيها عدد الضحايا من مدنيني وجنود مج ّرد‬
‫نُظم القتال ا ُملجهّ زة بالذكاء االصطناعي التي‬ ‫القصف يف النموذج املقبل للدبابة الروسية‬
‫أرقام‪.‬‬
‫تهدد حياة املدنيني‪ ،‬ومن خطر السباق نحو‬ ‫ّ‬
‫املنصة‬ ‫ت‪ ،14-‬الذي ت ّم تصميمه عىل قاعدة‬
‫التس ّلح‪ ،‬وبالتايل من مخاوف املآل يف النهاية‬ ‫الكونية ا ُملزنجرة أرماتا‪ ،‬سوف يكون قادرا عىل‬
‫وقعني عىل الرسالة‬ ‫إىل فناء البرشية‪ .‬من بني ا ُمل ّ‬ ‫كشف األهداف بشكل مستقل‪ ،‬وقصفها حتى‬
‫فاسييل سيتشاف (الفدرالية الروسية)‬
‫خبري يف التس ّلح وصحفي‪ .‬ينرش بالخصوص‬ ‫نخص بالذكر كال من املقاول األمريكي إيلون‬ ‫تدمريها بالكامل‪ .‬وبالتوازي مع ذلك‪ ،‬تقوم‬
‫يف صحف الغازات روس‪ ،‬أكسبار‪ ،‬لينتا‪.‬رو‪،‬‬ ‫موسك الذي أسس سبايس إكس وتسال‪ ،‬وعالم‬ ‫روسيا بتطوير صنف من الروبوتات ا ُملزنجرة‬
‫ولوكورياي دو الندوسرتي ميليتار‪ .‬كما يُدير‬ ‫الفيزياء الفلكية الربيطاني ستيفن هوكينغ‬ ‫ستكون قادرة عىل املشاركة يف القتال صحبة‬
‫ركني «التس ّلح» و«الطريان» يف الصحيفة‬ ‫(‪ ،)2018-1942‬والفيلسوف األمريكي نعوم‬ ‫جنود برشيني‪.‬‬
‫اإللكرتونية للتبسيط العلمي ن‪1+‬‬ ‫تشومسكي‪ .‬و يف شهر أغسطس املايض‪ ،‬أرسل‬
‫بالنسبة للجيوش‪ ،‬كل هذه النُّظم مدعوّة للقيام‬
‫إيلون موسك و‪ 116‬خبري من مصممي النظم‬
‫بالعديد من املهام األساسية‪ ،‬ويف مُقدّمتها‬
‫الروبوتية والذكاء االصطناعي‪ ،‬عريضة إىل‬
‫مهمّ ة تعزيز النجاعة يف تدمري أهداف العدوّ‬
‫منظمة األمم املتحدة يُطالبون فيها باملنع التام‬
‫مع الحفاظ عىل حياة جنودها‪ .‬بينما ال توجد‬
‫لتطوير األسلحة الهجومية املستق ّلة وحظر‬
‫إىل حد اآلن قواعد دوليّة وال وثائق قانونية‬
‫التدريب عليها‪.‬‬
‫تضبط استعمال نظم قتال مُجهّ زة بالذكاء‬
‫االصطناعي يف الحروب‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪28‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫َ‬
‫وليس عىل حسابنا‬
‫في خدمتنا‪،‬‬
‫بقلم تي وي آنغ ودفنا فينهولز‬
‫(اليونسكو)‬

‫نحن متجهون ال محالة نحو مستقبل‬


‫آيل وذكاء اصطناعي بإمكانات تكاد أن‬
‫تكون بال حدود‪ .‬ومن ثم يتعني علينا‬
‫تقويم جميع التداعيات األخالقية‬
‫الناجمة عن هذه التكنولوجيا‬
‫الحديثة‪ ،‬والتصدي للتحديات القانونية‬
‫واالجتماعية غري املسبوقة التي قد‬
‫تنشأ‪.‬‬

‫هل هي نهاية حرمة الحياة الخاصة يف العرص‬


‫الرقمي؟ عمل من انتاج املصوّر الكوبي فالكو‬
‫© ‪Falco / Cartoon Movement‬‬

‫ترغمنا التكنولوجيات الحديثة أحيانا عىل‬


‫التساؤل حول ما يؤ ّلف البعد البرشي‪.‬‬
‫وعىل أية حال‪ ،‬هذا صحيح يف ما يتعلق‬
‫بالذكاء االصطناعي باعتبار أن تداعياته‬
‫املحتملة تستدعي اجتهادا فكريا يتناسب مع‬
‫أهميتها‪ .‬وبعد أن طارد هذا املفهوم مخيلتنا‬
‫الجماعية عىل مدى عدة عقود‪ ،‬ها أنه اليوم‬
‫جمع للبيانات ال نهاية له‬ ‫وهي التحليل وتيسري تداول املعلومات‪ ،‬مثل‬
‫يقتحم حياتنا‪.‬‬
‫الحث عىل رشاء بضائع عن طريق اإلنرتنت‬
‫يقتيض تع ّلم اآللة والتع ّلم العميق قدرا ً كبريا ً‬
‫استنادا ً إىل مشرتيات سابقة‪.‬‬ ‫إن التقدم الذي أحرزه حديثا الذكاء‬
‫من البيانات التاريخية والبيانات التي يتم‬ ‫االصطناعي‪ ،‬ال سيما يف مجال تعلم اآللة‬
‫تجميعها آنيا‪ ،‬إذا أردنا أن يكون نظام الذكاء‬ ‫وهذا النمط من الذكاء االصطناعي الضعيف‬
‫والتعلم العميق‪ ،‬يربهن عىل قدرة هذه األنظمة‬
‫االصطناعي قادرا عىل «التعلم» عىل أساس ما‬ ‫موجود بالفعل‪ ،‬ولكنه سوف يصبح أكثر‬
‫عىل التفوق عىل البرش يف مجاالت عديدة‪ ،‬بما‬
‫اكتسبه من «تجربة»‪ .‬كما أن تطوير هذين‬ ‫تعقيدا وسوف يتغلغل أكثر فأكثر يف حياتنا‬
‫يف ذلك املهام التي تقتيض مقدارا ً معينا ً من‬
‫النمطني من التع ّلم يحتاج إىل بُنى تحتية تسمح‬ ‫اليومية‪.‬‬
‫االستدالل املعريف‪ .‬وهذا يدل عىل أن الذكاء‬
‫للذكاء االصطناعي بتحقيق مهامه أو أهدافه‬ ‫نحن ال نتحدث هنا عمّ ا يُسمى بـ«الذكاء‬ ‫االصطناعي قد يمثل مصدرا ً هائالً للتقدم‬
‫استنادا إىل ما تع ّلمه‪ .‬وينبغي لنا أن نأخذ يف‬ ‫االصطناعي القوي» أو «الذكاء االصطناعي‬ ‫واملنفعة للبرشية‪ ،‬ولكنه يف نفس الوقت‪،‬‬
‫الحسبان‪ ،‬عندما نفكر يف التداعيات األخالقية‬ ‫العام»‪ ،‬الذي تصفه الكثري من الروايات وأفالم‬ ‫قد يزعزع الدعائم االجتماعية واالقتصادية‬
‫للذكاء االصطناعي‪ ،‬املحيط التكنولوجي املعقد‬ ‫الخيال العلمي‪ ،‬والذي يُفرتض أنه قادر عىل‬ ‫والسياسية للمجتمع البرشي‪.‬‬
‫الذي يحتاجه ليشتغل والذي يشمل التجميع‬ ‫القيام بجميع أصناف النشاط املعريف البرشي‪،‬‬
‫املستمر للبيانات الضخمة الصادرة عن إنرتنت‬ ‫وقبل أن نتساءل حول التداعيات األخالقية‬
‫وحتى عىل بلوغ درجة نسبية من الوعي‪،‬‬
‫األشياء‪ ،‬وتخزينها يف السحاب املعلوماتي‪،‬‬ ‫للذكاء االصطناعي‪ ،‬ال بد من تحديد مكوناته‬
‫حسب ما يذهب إليه بعض الخرباء‪ .‬غري أننا لم‬
‫واستخدامها من قِ بل الذكاء االصطناعي حتى‬ ‫يف الوقت الحارض‪ .‬عندما نتحدث عن الذكاء‬
‫نبلغ أي توافق حول جدوى استخدام مثل هذا‬
‫يقوم بتغذية عملية «التعلم» وتنفيذ التحاليل أو‬ ‫االصطناعي‪ ،‬نعني عموما «الذكاء االصطناعي‬
‫الذكاء االصطناعي وآفاقه‪.‬‬
‫األنشطة يف املدن الذكية‪ ،‬والسيارات املستقلة‪،‬‬ ‫املحدود»‪ ،‬أو «الذكاء االصطناعي الضعيف»‬
‫والروبوتات‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫الذي تم تصميمه إلنجاز مهمّ ة محددة‪ ،‬أال‬

‫‪29‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫‪© Max Aguilera-Hellweg / INSTITUTE‬‬


‫جيمينويد‪-‬ف والنموذج املجهول‪ ،‬تركيبة‬
‫وهناك سؤال آخر له أهميته وهو‪ :‬إىل أي مدى‬ ‫للمصوّر واملخرج األمريكي‬
‫تحمل البيانات املستخدمة من قِ بل الذكاء‬ ‫ماكس أغيالرا‪-‬هيلويغ‬
‫االصطناعي يف مجال «التع ّلم» يف طياتها أفكارا‬
‫موروثة ومسبقة من املحتمل أن تسفر عن‬ ‫وتبقى هذه البيانات إسمية‪ ،‬بحيث أن‬ ‫تعقد التطور التكنولوجي‪ ،‬ك ّلما زادت‬‫وك ّلما ّ‬
‫«قرارات» ‪ -‬يتّخذها الذكاء االصطناعي ‪ -‬قد‬ ‫املعلومات املتعلقة بمُيوالتنا وعاداتنا يمكن‬ ‫املسائل األخالقية التي يثريها تعقيدا‪  .‬وحتى‬
‫تكون من باب التمييز أو الشجب؟ إن هذا من‬ ‫استغاللها لخلق نماذج سلوكية تتيح للذكاء‬ ‫إذا بقيت املبادئ األخالقية ثابتة‪ ،‬ال يُستبعد أن‬
‫شأنه أن يُضعِ ف نُظم الذكاء االصطناعي بصفة‬ ‫االصطناعي مثال أن يوجه لنا رسائل ذات‬ ‫يتغي بصفة جذرية أسلوبنا يف تناولها‪ ،‬ولو‬ ‫ّ‬
‫خاصة تلك التي تتوىل العالقات مع الجمهور‬ ‫الطابع السيايس‪ ،‬أو أن يبيع لنا تطبيقات‬ ‫أدى ذلك‪ ،‬عن قصد أو عن غري قصد‪ ،‬إىل إعادة‬
‫أو توفر الخدمات االجتماعية‪ .‬علينا أن ندرك أن‬ ‫تجارية أو أن يخ ّزن معلومات تتعلق‬ ‫النظر فيها بشكل خطري ‪.‬‬
‫بعض البيانات‪ ،‬مثل تلك التي يتم تطويرها عىل‬ ‫بمُعالجتنا الطبية‪.‬‬
‫شبكة اإلنرتنت‪ ،‬تحتوي عىل معلومات تعكس‬ ‫وعىل سبيل املثال‪ ،‬قد ّ‬
‫يتغي تماما تصوّرنا‬
‫أفضل ما يف البرشية كما أسوَأه‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ال‬ ‫لحرمة الحياة الشخصية وملفهومَ ي الرسيّة‬
‫يمكن االعتماد عىل الذكاء االصطناعي دون‬
‫األفضل واألسوأ‬ ‫واالستقاللية‪ .‬وبفضل التطبيقات أو اآلليات‬
‫غريه الستخالص الدروس من هذه البيانات‬ ‫هل انتهت حرمة حياتنا الشخصية؟ وماذا‬ ‫التي توصف بأنها ذكية والتي أصبحت تشكل‬
‫دون املخاطرة عىل الصعيد األخالقي‪ .‬وبالتايل‪،‬‬ ‫عن أمن البيانات وهشاشتها إزاء أعمال‬ ‫أدوات االتصال الخاصة بشبكات التواصل‬
‫ال يمكن االستغناء عن التدخل البرشي املبارش‪.‬‬ ‫القرصنة؟ هل بإمكان الدولة أن تستحوذ عىل‬ ‫االجتماعي‪ ،‬مثل فيسبوك أو تويرت‪ ،‬فإننا‬
‫هذه البيانات لفرض الرقابة عىل السكان‪،‬‬ ‫نقوم بالكشف عن معلوماتنا الشخصية‬
‫هل من املمكن تلقني الذكاء االصطناعي سلوكا ً‬
‫مع احتمال أن يكون ذلك عىل حساب حقوق‬ ‫بصفة «ح ّرة» أو طوعية‪ ،‬دون معرفة تامة‬
‫أخالقياً؟ يف نظر بعض الفالسفة‪ ،‬هناك تجارب‬ ‫لالستخدامات املمكنة لهذه البيانات‪ ،‬وال‬
‫‪ -‬السيما تلك التي لها طابع جمايل وأخالقي‬ ‫اإلنسان الفردية؟ أال يمثل هذا املحيط املعتمد‬
‫عىل الذكاء االصطناعي الذي يراقب ميُوالتنا‬ ‫لألطراف التي سوف تستخدمها‪ .‬ثم تُنقل هذه‬
‫‪ -‬مالزمة للجنس البرشي‪ ،‬وهي بالتايل ليست‬ ‫البيانات إىل نُظم للذكاء االصطناعي يطورها‬
‫قابلة للربمجة‪ .‬ويرى البعض اآلخر أنه إذا‬ ‫ويستخدمها ليعرض علينا مختلف الخيارات‪،‬‬
‫تهديدا لحريتنا يف االختيار وقدرتنا عىل اإلبداع؟‬ ‫باألساس القطاع الخاص‪.‬‬
‫كانت لألخالق صفة عقالنية‪ ،‬فمن املمكن أن‬
‫تخضع للربمجة‪ ،‬رشيطة احرتام حرية االختيار‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪30‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ماذا عن املخاطر األخالقية؟‬


‫مارك‪-‬أنطوان ديالك يجيب عن أسئلة ريجيس مريان‬
‫هل بإمكان الدولة أن‬
‫يمكن استغالل الذكاء االصطناعي لزيادة فعالية التدابري التمييزية القائمة‪،‬‬
‫تستحوذ عىل البيانات‬
‫مثل التنميط العنرصي والتنبؤ بالسلوك‪ ،‬بل وحتى تحديد التوجه الجنيس‬ ‫الشخصية لفرض‬
‫لألفراد‪ .‬تستوجب األسئلة األخالقية التي يثريها الذكاء االصطناعي سن‬
‫ترشيعات لضمان تطبيقه بمسؤولية‪.‬‬
‫الرقابة عىل السكان‪،‬‬
‫ما هي املشاكل التي تثريها برمجيات تحليل السلوك التي تستند إىل أرشطة مصوّرة؟‬ ‫مع احتمال أن يكون‬
‫يساعد الذكاء االصطناعي عىل تحسني االستخدام الوقائي ألنظمة املراقبة بالفيديو يف‬
‫الفضاءات العامة‪ .‬أصبح اآلن من املمكن تحليل الصوّر‏باستمرار من قبل برامج قادرة عىل‬ ‫ذلك عىل حساب حقوق‬
‫استشعار األعمال العُ دوانية واإلبالغ عنها برسعة‪ .‬وعىل سبيل املثال‪ ،‬ت ّم اختبار هذا النظام‬
‫الجديد يف أروقة محطة شاتيل يف مرتو باريس‪ .‬وإذا ما قبلنا بمبدأ املراقبة بالفيديو‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫املشكلة الوحيدة التي يطرحها استخدام الذكاء االصطناعي تكمن يف احتمال وقوع خطأ‪.‬‬
‫اإلنسان الفردية؟‬
‫وهذا االحتمال ليس عىل درجة عالية‪ ،‬طاملا أن البرش هم الذين يقررون يف نهاية األمر إن كان‬
‫عليهم التدخل أم ال‪.‬‬
‫إال أن األخطاء يف التع ّرف عىل الوجه تتكرر بكثرة‪ .‬ويكفي أن تضطرب الصورة حتى يرى‬
‫ولم يحصل لحد اآلن توافق حول مسألة‬
‫الذكاء االصطناعي آلة تحميص بدال ً عن وجه برشي! وقد يو ّلد الشعور بمراقبة مفرطة‬ ‫االعتماد عىل العقل دون غريه لتلقني البرش‬
‫وتكرار األخطاء إحساسا بالقلق‪.‬‬ ‫القيم واألخالقيات‪ .‬فكيف يمكن إذن تحقيق‬
‫التوافق عندما يتعلق األمر بتع ّلم اآللة! وإذا‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬علينا أن نحذر التجاوزات التي قد تنجم عن تلك األنظمة الذ ّكية وعن‬ ‫افرتضنا أنه سوف يصبح‪ ،‬يف يوم ما‪ ،‬من‬
‫أساليب التنميط (العنرصي واالجتماعي) التي قد تستخدمها‪.‬‬ ‫املمكن برمجة ذكاء اصطناعي حتى يكتسب‬
‫تجاوزات من أي قبيل؟‬ ‫طابعا ً أخالقياً‪ ،‬فما عىس أن تكون هذه املبادئ‬
‫أف ّكر عىل وجه الخصوص يف الربمجيات التي يت ّم تطبيقها بالفعل يف العديد من البلدان‪ ،‬والتي‬
‫األخالقية؟ هل هي املبادئ التي يتبعها مصممو‬
‫تهدف اىل تحديد «السلوك اإلرهابي» أو «الشخصيّة اإلجرامية» لدى األفراد‪ ،‬باستخدام تقنية‬ ‫الربمجيات؟ إن تطوير الذكاء االصطناعي بني‬
‫التع ّرف عىل مالمح الوجه‪ .‬هذا يعني أن مالمح الوجوه تكفي للكشف عن امليوالت اإلجرامية‬ ‫أيدي القطاع الخاص باألساس‪ ،‬ولهذا القطاع‬
‫الكامنة يف الذات!‬ ‫أفكار حول األخالقيات ال تتماىش بالرضورة‬
‫مع تلك التي يفضلها املجتمع‪.‬‬
‫وقد ذُعر الباحثان ميشال كوزينسكي وييلون وانغ من جامعة ستانفورد (الواليات املتحدة)‬
‫من هذا االنبعاث الجديد لنظرية الفِ راسة ‪ -‬التي تحلل شخصية الفرد اعتمادا عىل معالم‬ ‫وحتى يشتغل الذكاء االصطناعي لخدمة‬
‫وجهه وتعابريه ‪ -‬فقررا الكشف عن مخاطر هذه النظرية الزائفة التي تدّعي أنها علمية‬ ‫مصالحنا وليس عىل حسابنا‪ ،‬ال بد أن نرشع‬
‫والتي كنا نخالها قد دفنت يف طيات التاريخ‪ .‬ولفتًا لالنتباه حول ما تحمله من تهديد بانتهاك‬ ‫يف مناقشة موضوعية تأخذ يف عني االعتبار‬
‫الحياة الخاصة‪ ،‬ابتكرا سنة ‪ 2007‬برنامج «غيدار»‪ ،‬وهو برنامج يهدف إىل التعرف عىل‬ ‫وجهات النظر األخالقية لجميع األطراف‬
‫املثليني من خالل تحليل صورتهم! وقد بينا أن هامش خطأ الربنامج يمثل نسبة ‪ %20‬فقط‪.‬‬ ‫املعنية‪ .‬وإزاء التقلبات التي قد يثريها الذكاء‬
‫فإن تطبيق هذه التقنية يؤدي إىل انتهاك حق كل شخص يف‬ ‫السمعة‪ّ ،‬‬‫وباإلضافة إىل تشويه ُ‬ ‫االصطناعي يف املجتمع‪ ،‬ينبغي أن نحرص عىل‬
‫عدم الكشف عن توجهه الجنيس‪.‬‬ ‫أن يراعي اإلطار األخالقي الذي سوف يندرج‬
‫إن أيّ بحث علمي يتم إجراؤه بدون االعتماد عىل مرجعيات فلسفية وبدون بوصلة اجتماعية‬ ‫فيه تطوره املستقبيل‪ ،‬مسألة أوسع نطاقاً‪ ،‬أال‬
‫أو قانونية‪ ،‬معرض إلثارة مشاكل أخالقية‪ .‬إن األمثلة القليلة التي ذكرتها ّ‬
‫تبي الحاجة امللحّ ة‬ ‫وهي املسؤولية االجتماعية‪.‬‬
‫لفرض إطار أخالقي للبحوث يف مجال الذكاء االصطناعي‪.‬‬
‫ماذا عن التجاوزات يف مجال تحسني النسل؟‬ ‫تي وي آنغ (ماليزيا) أخصائي يف قسم‬
‫يف رأيي‪ ،‬الذكاء االصطناعي يف ذاته ال يش ّكل عامال لتحسني النسل‪ .‬يتكهّ ن البعض بعالم‬ ‫أخالقيات البيولوجيا والعلوم يف اليونسكو‪،‬‬
‫يصبح فيه تحسني ساللة البرش ممكنا من خالل استخدام الذكاء االصطناعي‪ :‬رقائق‬ ‫اشتغل يف مجال هندسة التصميم وهندسة‬
‫الكرتونية لتوسيع الذاكرة أو تحسني التع ّرف عىل مالمح الوجه‪ ،‬الخ‪ .‬إن كانت الروبوتات‬ ‫اإلدارة‪ ،‬قبل أن يلتحق باملنظمة يف عام ‪.2005‬‬
‫الذكيّة قادرة عىل تقديم حلول طبيّة لبعض أشكال اإلعاقة (مثل استعادة امكانيّة التنقل‬
‫دفنا فينهولز (املكسيك) حاصلة عىل‬
‫بفضل أجهزة متطوّرة)‪ ،‬تبقى فرضية بناء «إنسان خارق»‪ ،‬حسب نظرية ما بعد اإلنسانية‪،‬‬
‫الدكتوراه يف علم النفس وأخالقيات‬
‫من باب الخيال العلمي‪.‬‬
‫البيولوجيا‪ ،‬وهي رئيسة قسم أخالقيات‬
‫البيولوجيا والعلوم يف اليونسكو‪ .‬وشغلت‬
‫مارك‪-‬أنطوان ديالك (فرنسا) أستاذ مساعد يف األخالقيات والفلسفة السياسية يف جامعة‬ ‫منصب األمينة العامة للجنة الوطنية املكسيكية‬
‫املعنية بأخالقيات البيولوجيا‪.‬‬
‫مونرتيال‪ ،‬وهو حاصل عىل كريس كندا للبحث يف األخالق العامة‪ ،‬ومدير مشارك لقسم‬
‫األخالقيات والسياسة يف مركز البحث يف األخالقيات‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫من أجل‬

‫ال غري‪ِ .‬ل َم ال؟‬ ‫ األفضل‪،‬‬


‫كارل رشودر يُجيب عن أسئلة ماري كريستني بينو ديموالن (اليونسكو)‬
‫ليس لديك‪ ،‬إذن‪ ،‬أية خشية من الذكاء‬
‫االصطناعي؟‬ ‫يُك ّرس كارل رشودر وقته للقراءة‪ ،‬والدراسة‪ ،‬والتأمّ ل وتصوّر قصص مستقبلية‪.‬‬
‫إن تحديد ما إذا كان الذكاء االصطناعي‬ ‫هو كاتب يف الخيال العلمي ذاع صيته عامليا‪ ،‬يستوحي من مؤلفاته خربا ُء‬
‫تهديدا أم نفعا يعود حرصا ملسؤولية اإلنسان‪.‬‬ ‫التكنولوجيا الحديثة والذكاء االصطناعي‪ .‬كما يضع خياله يف خدمة املؤسسات‬
‫انترشت الكثري من األفكار الضيقة حول الذكاء‬ ‫والحكومات الستباق تحوّلها التكنولوجي واالقتصادي واالجتماعي‪ .‬بالنسبة‬
‫اإلصطناعي‪ ،‬وحول نظام تشغيله ومخاطره‬ ‫لهذا الروائي والكاتب الكندي‪ ،‬يندرج الذكاء االصطناعي ضمن ثورة ثقافية أكثر‬
‫املحتملة بالنسبة للبرشية‪ .‬بل ويمكن حتى‬
‫الحديث عن مزايدات مُثرية للقلق حول فقدان‬
‫منه ضمن ثورة تكنولوجية‪ ،‬ممّ ا يقتيض تفكريا يف املسائل املتصلة باألخالقيات‪،‬‬
‫السيطرة عىل اآللة‪ .‬ويف املرحلة التي نم ّر بها‬ ‫والحوكمة والترشيع‪.‬‬
‫اليوم‪ ،‬هذا التفكري غري سليم‪.‬‬
‫يف املقابل‪ ،‬ال بد من اختيار االتجاه الذي يجب‬ ‫ّ‬
‫وتدخل‬ ‫إن الحواسيب الحالية ال‪ ‬تُنتج املعاني‪،‬‬ ‫عالوة عن و َلعك باإلبتكارات الرقمية‬
‫أن يتبعه الذكاء االصطناعي وتحديد استعماله‪.‬‬ ‫اإلنسان ال يزال رضوريا يف العملية االبداعية‪،‬‬ ‫والتكنولوجية‪ ،‬ما هي مصادر إلهامك؟‬
‫وإذا ما قررنا االستثمار يف اآلالت العمالقة‬ ‫حتى وإن تبلورت النظم التكنولوجية واقرتبت‬
‫لشن الحروب االقتصادية أوالسياسية‪،‬‬ ‫أك ّرس جزءا هامّ ا جدا من وقتي لقراءة مؤلفات‬
‫من املهارات البرشية‪.‬‬
‫نكون قد سلكنا‪ ،‬دون شك‪ ،‬طريقا مُؤدّية إىل‬ ‫كبار الفالسفة‪ .‬وهذا من شأنه أن يوفر يل‬
‫محيط‪ ‬عدائي‪.‬‬ ‫يف مشهد من روايتي «ليدي أوف مايزس»‬ ‫نظرة شاملة ويتيح يل تصوّر الصالت املمكنة‬
‫(‪ ،)2005‬يخت ّل الذكاء اإلصطناعي ويبتكر‬ ‫بني التكنولوجيا والتح ّركات اإلجتماعية‪.‬‬
‫خلقة تقوم بنرش روايات ذات‬ ‫ما يشبه قنبلة ّ‬ ‫وحتى تطمئني‪ ،‬أؤكد لك أنني أخصص نفس‬
‫قيمة استثنائية‪ ،‬بكمّ يات خياليّة‪ ،‬لحد أنه‬ ‫القدر من العناية لعرض األحداث حتى تكون‬
‫يستحيل قراءة جميعها ولو يف غضون مجموع‬ ‫مؤلفاتي مُس ّلية‪.‬‬
‫أعمار البرشية! وماذا عىس أن يكون رد فعل‬
‫كما أن اإلنرتنت يمثّل مصدرا ال نهاية له‬
‫البرش أمام هذا الحدث؟ ال يشء سوى التأقلم‬
‫للمعلومات والتسلية‪ .‬وكل إبحار يف الشبكة هو‬
‫معه ومواصلة ابداعاتهم‪.‬‬
‫فرصة الكتشافات جديدة قد تحثني عىل إعادة‬
‫لنتخيّل انفجار هذه القنبلة ّ‬
‫الخلقة يف يومنا‬ ‫التفكري أو حتى عىل التغيري الجذري لكل ما‬
‫هذا‪ .‬ألي سبب يمنعني ذلك من مواصلة تأليف‬ ‫انتهيت من كتابته‪ .‬إن اإلنرتنت يسهّ ل عيل ّ حقا‬
‫كتب جديدة؟ ملاذا يجب أن أضع نفيس «أنا‬ ‫البحث‪ ،‬وال أحتفظ ّإل عىل أفضل ما يحتويه‪.‬‬
‫ضد مليون كتاب» بدل من «أنا مع مليون‬
‫هل ترى أن الذكاء اإلصطناعي قد يح ّل‬
‫كتاب»؟ أنا أعترب اإلبداع‪ ،‬مهما كان مصدره‪،‬‬
‫يوما مح ّلك كمؤلف؟‬
‫إضافة يف وجودنا وليس طرحا منه‪.‬‬
‫لحد اآلن‪ ،‬أعترب أن مساهمة الذكاء االصطناعي‬
‫يف الحقيقة‪ ،‬إن مفهوم التعويض ملتصق‬
‫يف مجايل هي أقرب للوظيفة العشوائية‪ ،‬تُشبه‬
‫بمفهوم القيمة‪ .‬من املمكن اعتبار كل يشء‬
‫لعبة الورق التي ال تنتهي‪ ،‬حيث تُمثّل كل ورقة‬
‫قابال للتعويض‪ ،‬وفقا لقيمة مُعيّنة‪ .‬وباعتِباري‬
‫شخصية أو مشهدا‪ ،‬الخ‪ .‬مثال‪ ،‬قد تقوم ورقة‬
‫كاتبا‪ ،‬قد يحصل يوما أن يتم تعوييض‬
‫بحاسوب ي ّ‬ ‫من هذه اللعبة بدور «ملك األرشار الذي يقيم‬
‫ُحقق نجاحا تجاريا أكثر منّي‪ .‬لكن‬
‫يف برج»‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬يُمكن يل صياغة شخصية‬
‫هذا املنطق ال يستوي إال يف حال تحقيق النجاح‬
‫وحبك تسلسل األحداث‪.‬‬
‫التجاري ضمن منظومة القيمة‪.‬‬
‫أعتقد أن اإلبداع سوف ينبثق‪ ،‬يوم ما‪ ،‬من‬
‫خارج اإلنسان‪ .‬هذا من باب املمكن‪ .‬وال‬
‫أستغرب إذن أن يُصبح الذكاء اإلصطناعي‬
‫قادرا عىل تأليف كتاب قيّم‪ ،‬ولكن ليس يف‬
‫الشكل الحايل املألوف للكتب‪ .‬سوف تتوىل‬
‫القيام بذلك أصناف أخرى من اآلالت لم يت ّم‬
‫التفكري فيها بعد‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪32‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫األخالقيات؟ بدأ‬ ‫وعىل املجتمع أن يتّخذ القرارات الصالحة عند‬

‫الخيال العلمي‬ ‫ِ‬


‫اإلصطناعي‪.‬‬ ‫تطبيق الذكاء‬
‫وإن ح ّل يوم تصبح فيه منتجات الذكاء‬
‫كارل رشودر (كندا) روائي يف مجال‬
‫ّ‬
‫وأخصائي يف املستقبليات‪.‬‬ ‫الخيال العلمي‪،‬‬
‫من مؤلفاته بالخصوص «فانتوس»‬
‫يف التفكري فيها‬ ‫االصطناعي مُستق ّلة عن إرادتنا‪ ،‬فسوف تكون‬
‫مثل األبناء الذين يُغادرون والديهم‪ ،‬ليعيشوا‬
‫(‪« ،)2000‬برمانانس» (‪« ،)2002‬ليدي‬
‫أوف مايزس» (‪« ،)2005‬كريزيس إين‬
‫منذ قرن!‬ ‫حياتهم! إن مسؤوليتنا كأولياء تكمن يف حسن‬
‫تربيتهم ويف تعليمهم القيم اإليجابية‪ .‬تلك هي‬
‫زفرا» (‪ ،)2005‬و« لوكستاب» (‪،)2014‬‬ ‫حجرة الزاوية عند التفكري يف املوضوع‪.‬‬
‫تُرجمت أغلبها إىل حوايل عرش لغات‪ .‬وتسلم‬ ‫أال يلتقي ذلك مع إشكالية األخالقيات؟‬
‫جائزة نت إكسبلو تالنت يف فرباير ‪ 2018‬يف‬ ‫ما هي الرسالة التي ستوجّ هها يف كتابك‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬لقد بدأ الخيال العلمي يف التفكري يف‬
‫مقر اليونسكو‪.‬‬ ‫القادم؟‬ ‫ذلك منذ قرن! يف حني لم يُف ّكر فيه أصحاب‬
‫سوف أتط ّرق دون شك ملستقبل السياسة‬ ‫القرار السيايس واملجتمع ّإل اآلن‪ .‬ونظرا لغياب‬
‫وطريقة اتخاذ القرار‪ ،‬وكذلك للوسائل‬ ‫االهتمام الجدّي باملوضوع‪ ،‬ك ّلما نشأ ابتكار‬
‫التكنولوجية التي قد تقودنا إىل مستوى‬ ‫تكنولوجي هام إال وشعرنا بأنه خارج عن‬
‫حضاري آخر‪.‬‬ ‫سيطرتنا‪ .‬رغم أن الح ّل بسيط‪ :‬يجب أال نُق ّرر‬
‫تطبيق أي ابتكار تكنولوجي ّإل بعد التحقق‬
‫قررت الكتابة بالقلم‪ ،‬ويف ذلك إشارة مازحة!‬
‫من تأثريه عىل املجتمع‪ ،‬والتحكيم يف استعماله‪،‬‬
‫سوف يكون استعمال القلم تجربة مثيلة‬
‫وضبط الترشيعات املناسبة‪.‬‬
‫مشهد من النصب السمعي البرصي الذكاء‬ ‫بسائر ما توفره الوسائل الرقمية‪ .‬يجب التمييز‬
‫االصطناعي الشاعري الذي يدوم ‪ 17‬دقيقة‪،‬‬ ‫بني الكتابة ووسيلة الكتابة‪ .‬إن التكنولوجيا‬ ‫لقد تناولت هذا الرهان يف« ليدي أوف مايزس»‬
‫ت ّم تصميمه بالكامل من حيث الشكل‪،‬‬ ‫ليست سوى وسيلة وال بد من إعادتها إىل‬ ‫وجعلت منه أحد مقاصد الرواية حيث دعوت‬
‫واإلخراج واملوسيقى من قبل خوارزمي‪.‬‬ ‫وضعها الصحيح‪ .‬ال يشء فينا وال يف ما نُريد‬ ‫إىل التخطيط لتطبيق كل ابتكار تكنولوجي‬
‫أُنجز يف استوديو «ووشههه» لالبتكار الرقمي‬ ‫أن نكون‪ ،‬يستلزم أن نتخىل عنه‪ ،‬علينا فقط أن‬ ‫ّ‬
‫التغيات املجتمعية‪.‬‬ ‫الستباق‬
‫الذي يعد مكاتب يف كل من‬ ‫نستع ّد جماعيّا‪.‬‬
‫اسطنبول ولوس أنجلس ولندن‪.‬‬
‫‪© Ouchhh‬‬

‫‪33‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ لنتعلّم‬
‫يف عرص الذكاء االصطناعي‬ ‫العيش‬
‫بقلم ليسيل لوبل‬

‫مع الركائز األساسيّة الثالث للنظام‬


‫الرتبوي – القراءة والكتابة والحساب‬
‫– يجب مُستقبال إضافة ثالث ركائز‬
‫أخرى‪ :‬التعاطف واإلبداع والفكر‬
‫النقدي‪ .‬هذه الكفاءات التي تُكتسب‬
‫عادة خارج اإلطار املدريس‪ ،‬ال بد من‬
‫إدراجها يف الربامج التعليمية بالتزامن‬
‫مع اكتساح الذكاء االصطناعي‬
‫للمجتمعات‪.‬‬

‫يف سنة ‪ ،2018‬سيدخل ‪ 300.000‬طفل‬


‫للمدارس األسرتالية‪ .‬وإذا تخ ّرجوا منها حاملني‬
‫لشهاداتهم سنة ‪ ،2030‬فسوف ي ّ‬
‫ُقضون أه ّم‬ ‫َ‬
‫فرتات حياتهم املهنية يف النصف الثاني من‬
‫القرن الحادي والعرشين‪ ،‬وقد يبقى البعض‬
‫منهم عىل قيد الحياة يف فجر القرن الثاني‬
‫والعرشين‪ .‬واألرجح أنهم سوف يعيشون‬
‫ويشتغلون يف عالم مغاير تماما لعاملنا‪ ،‬نظرا‬
‫ّ‬
‫التغيات التي تحدثها التكنولوجيا‬ ‫لنسق‬
‫ا ُملتقدّمة‪ .‬وعليه‪ ،‬ال بد أن تستبق األنظمة‬
‫التغيات وتبادر بتأهيل‬ ‫ّ‬ ‫الرتبوية من اآلن هذه‬
‫األجيال القادمة‪ ،‬لتضمن لهم رفاهية العيش‪.‬‬
‫‪© Vincent Fournier‬‬

‫وتُمثّل والية ويلز الجنوبية الجديدة التي‬


‫تعد أكثر من مليون طفل وشاب يدرسون يف‬
‫‪ 3000‬مؤسسة تربوية‪ ،‬أكرب مركز للتعليم‬
‫يف أسرتاليا‪ .‬يف كل يوم ويف كل صف‪ ،‬يُوجد‬
‫ومنذ انطالق هذا املرشوع‪ ،‬فتحت الوزارة‬ ‫لذلك‪ ،‬قامت وزارة الرتبية يف والية ويلز‬ ‫مُدرس يُع ّلم التالميذ ويقودهم نحو مستقبلهم‪.‬‬
‫حوارا مع كبار الفاعلني العامليني يف املجاالت‬ ‫الجنوبية الجديدة سنة ‪ 2016‬ببعث مرشوع‬ ‫إال أن التغيري عىل مستوى النظام الرتبوي‪،‬‬
‫االقتصادية والتكنولوجية واألكاديمية‪ ،‬أدّى‬ ‫ُتغي‪ .‬ومراعا ًة للتبعات‬
‫التعليم يف سبيل عالم م ّ‬ ‫خاصة بمثل هذا املقياس‪ ،‬يُمكن أن يكون‬‫ّ‬
‫يف نوفمرب ‪ 2017‬إىل نرش كتاب مشاغل الغد‪:‬‬ ‫االسرتاتيجية للتقدم التكنولوجي‪ ،‬تهدف هذه‬ ‫بطيئا‪ ،‬رغم الحاجة امللحة واملتزايدة الناتجة‬
‫التعليم من أجل عالم الذكاء االصطناعي‪ ،‬وهو‬ ‫املبادرة الهامّ ة إىل التشجيع عىل إصالح برامج‬ ‫عن التكنولوجيا الحديثة‪.‬‬
‫كتاب يسترشف الرتبية يف عالم يطغى عليه‬ ‫التعليم والتقييم‪ ،‬وإىل توجيه النظام برمته‬
‫الذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫نحو منهج يكون أكثر تجديدا‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪34‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫وقد بدأت تربز داخل األوساط الرتبوية‬ ‫الركائز الجديدة‬ ‫ويف أواخر سنة ‪ ،2017‬انتظم ملتقى دويل ّ‬
‫خلقة‪ ،‬تهدف إىل تحفيز التالميذ‬ ‫ممارسات ّ‬ ‫حرضه املساهمون يف هذا الكتاب وعدد من‬
‫واستغالل إمكانيات التكنولوجيا املتقدمة‬ ‫القراءة والكتابة والحساب هي الركائز الثالث‬ ‫ّ‬
‫األخصائيني يف علوم الرتبية‪ ،‬وكذلك ممثلون عن‬
‫لتحسني أدائهم‪ .‬وبما أن بعضها يعتمد عىل‬ ‫التي يعتمد عليها التع ّلم‪ ،‬إال أن التالميذ‬ ‫ظمات غري حكومية ومسؤولون سياسيّون‪،‬‬ ‫من ّ‬
‫إثباتات علمية موثوقة أكثر من غريها‪ ،‬يصعب‬ ‫أصبحوا اليوم يف حاجة إىل كفاءات أساسية‬ ‫قصد دراسة الوسائل الكفيلة بتحسني الدعم‬
‫حاليّا معرفة أيّها األكثر نجاعة‪.‬‬ ‫أخرى وكفاءات هامّ ة غري معرفية‪ ،‬مثل‬ ‫للمُد ّرسني وتحسني نتائج التالميذ بفضل‬
‫اإلحساس باملقدرة الذاتية‪ ،‬وإدراك أفضل‬ ‫ّ‬
‫وخاصة منها التكنولوجية‪.‬‬ ‫األدوات الجديدة‪،‬‬
‫للمفاهيم‪ ،‬وقدرات جيدة عىل مقاومة الضغط‬ ‫وقد أثارت هذه األفكار الجديدة تعهّ دا موحدا‬
‫الذكاء االصطناعي يف‬
‫وعىل التأقلم واملرونة‪.‬‬ ‫بتحقيق اإلصالحات‪.‬‬
‫قاعة الدراسة‬
‫وسوف تصبح الكفاءات الخصوصية لإلنسان‬
‫وبعد أن تبنت وزارة الرتبية يف والية ويلز‬ ‫أكثر أهمية من أي وقت مىض‪ ،‬يف هذا العالم‬
‫الجنوبية الجديدة االبتكارات الوطنية والدولية‬ ‫الجديد الذي يتشكل أمام أعيننا‪ :‬سيكون‬
‫األكثر فعاليّة يف القطاعني الخاص والعمومي‪،‬‬ ‫التفكري النقدي إحدى أوىل الكفاءات التي يجب‬
‫رشعت يف دراسة أفضل السبل لتقديم الدعم‬ ‫عىل النظم الرتبوية ترسيخها‪.‬‬
‫للمختصني يف الرتبية قصد صياغة هذه األفكار‬
‫الخلقة والتعجيل بها‪ .‬والهدف من ذلك هو‬ ‫ّ‬ ‫يف الوقت الحارض‪ ،‬يمكن اكتساب هذه‬
‫إيجاد مناهج جديدة ومستدامة وقابلة للتطوير‬ ‫الكفاءات األساسية من خالل األنشطة التي‬
‫تسمح بتحسني التع ّلم والنهوض بقدرات‬ ‫يقوم بها التلميذ خارج اإلطار املدريس حيث‬
‫التالميذ وضمان نجاحهم‪.‬‬ ‫يتع ّلم‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬التعاون‪ ،‬ورسم‬
‫األهداف‪ ،‬والتخطيط‪ .‬باإلمكان تطوير‬
‫يضطلع الذكاء االصطناعي بإمكانيات بالغة‬ ‫االنضباط وروح الفريق الواحد عند تعاطي‬
‫يف مجال التعليم‪ ،‬رشيطة أن يُستعمل بدراية‬ ‫الرياضة‪ ،‬واإلبداع عند ممارسة املرسح‪ ،‬والفكر‬
‫حاجيات ا ُملد ّرسني‪ .‬وتوجد حاليا أنظمة‬
‫ووفق ِ‬ ‫النقدي عند تنظيم الحوارات‪ ،‬والتعاطف عند‬
‫ترتكز عىل الذكاء االصطناعي قادرة عىل توفري‬ ‫القيام بالعمل التطوّعي ضمن جمعيّة‪.‬‬
‫تع ّلم مطابق لخصوصيات الشخص‪ ،‬ممّ ا‬
‫ي ّ‬
‫ُخفف بعض األعباء عىل ا ُملد ّرسني ويسمح‬ ‫ويكمن التحدّي يف هيكلة هذه الكفاءات‬
‫لهم بالرتكيز عىل الحاجيات الفردية للتالميذ‬ ‫املتعددة التي يجب عىل الشاب أن يكتسبها‪،‬‬
‫وعىل األهداف البيداغوجية‪ .‬هذه األنظمة قادرة‬ ‫وكذلك يف إقرار رشعيتها ضمن النظام‬
‫عىل متابعة مدى التزام التالميذ وتقدّمهم‪،‬‬ ‫الرتبوي‪ ،‬وإدراجها يف الربامج املدرسية‪،‬‬
‫كما قد تكون مُستقبال قادرة أيضا عىل اقرتاح‬ ‫وتحديد طريقة تقييم نتائج التالميذ يف تلك‬
‫تعديالت يف املضمون‪.‬‬ ‫املجاالت التي لم تكن إىل ح ّد اآلن تُعترب جزءا‬
‫من التعليم املدريس والتي يجب أن تحت ّل يف‬
‫إنه من األهمية بمكان أن تبقى عملية تصميم‬ ‫املستقبل املرتبة األوىل‪.‬‬
‫هذه األنظمة وتطويرها بني أيدي ا ُملربّني‪.‬‬
‫ويعود بالدرجة األوىل إىل ا ُملد ّرسني ومديري‬ ‫وممّ ا ال جدال فيه‪ ،‬هو أن املستقبل سوف‬
‫سيتلقون التكوين املناسب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املؤسسات‪ ،‬الذين‬ ‫يفرض عىل األطفال‪ ،‬أكثر من أي وقت مىض‪،‬‬
‫أن يُحدّدوا بوضوح مكانة الذكاء االصطناعي‬ ‫أن ينسجوا عالقات مشرتكة وأن يدعموا روح‬
‫يف قاعة الدراسة‪ .‬وال بد أيضا من ترشيك‬ ‫االنتماء إىل املجموعة وروح املواطنة والتعاون‬
‫التالميذ يف اتخاذ القرارات يف هذا املجال‪،‬‬ ‫عىل أساس شعور التعاطف الذي يعتربه‬
‫وبالتايل ال بد من تعليمهم الجوانب األخالقية‪.‬‬ ‫البعض إحدى الكفاءات األساسية يف القرن‬
‫إن مستقبلهم مُرتبط بالسياسات واملناهج التي‬ ‫الحادي والعرشين‪.‬‬
‫سوف نعتمدها اليوم‪.‬‬ ‫إن القدرات يف مجال العالقات بني الناس‬
‫أصبحت تعترب أكثر فأكثر عنرصا أساسيا‬
‫يف األنظمة الرتبوية يف العالم‪ .‬وتقوم كل‬
‫ليسيل لوبل (أسرتاليا) مساعدة وزير الرتبية‬ ‫من اليونسكو ومنظمة التعاون االقتصادي‬
‫يف والية ويلز الجنوبية الجديدة‪ .‬أرشفت‬ ‫والتنمية بتهيئة أطر ومعايري وتقييمات يف هذا‬
‫طيلة قرابة العرشين سنة عىل االسرتاتيجية‬ ‫وخاصة يف ما يتعلق بمفهوم «الكفاءات‬ ‫ّ‬ ‫املجال‪،‬‬
‫واإلصالح والتجديد يف النظام الرتبوي األكثر‬ ‫العاملية» الذي يرمي إىل تعزيز التعاون بني‬
‫اتّساعا وتنوّعا يف أسرتاليا‪ .‬وقد صُ نّفت ضمن‬ ‫الثقافات‪ .‬يف أسرتاليا‪ ،‬ت ّم سنة ‪ 2009‬إدراج‬ ‫صورة للفنان الفرنيس فانسان فورنياي من‬
‫املائة امرأة األكثر تأثريا من طرف مج ّلة‬ ‫ؤهالت العامّ ة يف برنامج الرتبية‬‫مجموعة من ا ُمل ِّ‬ ‫مجموعة اإلنسان اآللة‪ ،‬التقطها يف برشلونة‬
‫أسرتالني فينانشل رفيو‪/‬وستباك اعرتافا‬ ‫الوطنية‪ ،‬مثل التفكري النقدي ّ‬
‫الخلق والتفاهم‬ ‫(إسبانيا) سنة ‪ ،2010‬تعرض‬
‫بدورها يف الشؤون العمومية األسرتالية ويف‬ ‫بني الثقافات‪ .‬وهو مثال احتذت به عديد‬ ‫«تخيّالت تخمينية» تتفاعل فيها الكائنات‬
‫إصالح التعليم‪.‬‬ ‫الواليات األخرى يف‪ ‬البالد‪.‬‬ ‫االصطناعية مع البرش‪.‬‬
‫وقد ر ّكز مرشوع التعليم يف سبيل عالم م ّ‬
‫ُتغي‬
‫عىل رضورة تشجيع املمارسات البيداغوجية‬
‫املبتكرة التي من شأنها أن تعود بالفائدة عىل‬
‫مجمل النظام الرتبوي‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫الذكاء‬ ‫لنستغ ّل أحسن ما يف‬

‫ اإلصطناعي‬
‫أودري أزوالي‬

‫أودري أزوالي‪ ،‬املديرة العامة‬


‫لليونسكو‪ ،‬تجيب عن أسئلة‬
‫ياسمينا شوبوفا‬

‫يُمكن للذكاء اإلصطناعي أن‬


‫يُساعد البرشية عىل تجاوز عدد‬
‫كبري من املشاكل االجتماعية‬
‫الخطرية التي تُواجهها‪ ،‬لكنّه‬
‫يُطلق‪ ،‬يف اآلن نفسه‪ ،‬جملة من‬
‫عقدة بالخصوص عىل‬ ‫التحدّيات ا ُمل ّ‬
‫تمثيل رمزي للتعاون بني الذكاء‬
‫االصطناعي واإلنسان‪.‬‬ ‫صعيد األخالق‪ ،‬وحقوق اإلنسان‬
‫© ‪Veronique Deshayes‬‬ ‫ملاذا تهتم اليونسكو بالذكاء‪ ‬اإلصطناعي؟‬
‫واألمن‪ .‬إال أنه ال يوجد‪ ،‬إىل ح ّد‬
‫أجمع الخرباء عىل أن اإلنسانية تعيش فجر‬
‫الساعة‪ ،‬أي إطار أخالقي دُويل ينطبق‬
‫وسوف تصبح مسألة تطوير الكفاءات‬ ‫ُغي الذكاء اإلصطناعي‬ ‫عرص جديد‪ .‬وسوف ي ّ‬
‫وجودنا بشكل أعمق ممّ ا نتخيله‪ .‬لقد بدأ هذا‬ ‫ِ‬
‫اإلصطناعي‬ ‫عىل جملة تطوّرات الذكاء‬
‫الرضورية ملجاراة عالم ينمو باستمرار يف‬
‫اتجاه اآلليّة‪ ،‬مسألة مركزية أكثر فأكثر‪.‬‬ ‫التغيري يف التأثري عىل كافة مجاالت حياتنا‪.‬‬ ‫وتطبيقاته‪ .‬وبالتايل‪ ،‬من الرضوري‬
‫ويع ّد الذكاء اإلصطناعي الكثري من التطبيقات‬
‫يف مجال الثقافة‪ ،‬أصبح الذكاء اإلصطناعي‬ ‫يف ميادين مُتنوّعة مثل الصحة‪ ،‬والتعليم‪،‬‬ ‫إيجاد آليّة دولية تُحدّد املعايري يف هذا‬
‫مطلوبا جدّا‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للتصوير‬ ‫والثقافة‪ ،‬واألمن‪ ،‬والدفاع‪ ...‬وقد شهدت‬ ‫املجال‪.‬‬
‫بثالثة أبعاد يف إعادة بناء الرتاث‪ ،‬وسوف‬ ‫البحوث تقدّما كبريا يف السنوات األخرية‪ :‬أصبح‬
‫نطبقه يف مدينة املوصل العتيقة يف العراق‪.‬‬ ‫عمالقة الواب (غوغل‪ ،‬أيبل‪ ،‬فيسبوك‪ ،‬أمازون‪،‬‬
‫ّ‬
‫وخاصة يف الربامج‬ ‫وكذلك يف مجاالت العلوم‪،‬‬ ‫مايكروسوفت)‪ ،‬وكذلك العديد من الدول‪،‬‬
‫البيئيّة‪ ‬ويف استكشاف أعماق البحار‪ ،‬مثل‬ ‫يستثمرون يف الذكاء االصطناعي‪ ،‬وأصبحوا‬
‫تصنيف صور العوالق أو الكشف اآليل عن‬ ‫بذلك صانعي هذه «الثورة الصناعية الرابعة»‪.‬‬
‫الحيتان والطيور البحرية وتعدادها‪ .‬وبطبيعة‬
‫الحال‪ ،‬يستند االتصال واإلعالم أيضا إىل التقدّم‬ ‫يف زمن هذه التحوّالت‪ ،‬لليونسكو دور حقيقي‬
‫الذي أحرزه مجال الذكاء اإلصطناعي‪ .‬ويعود‬ ‫عليها أن تضطلع به‪ .‬أوّال‪ ،‬ألن تطبيقات‬
‫لليونسكو التفكري يف منافع الذكاء االصطناعي‬ ‫الذكاء اإلصطناعي مرتبطة مبارشة بمجاالت‬
‫ومخاطره عىل التعليم والثقافة والعلم‬ ‫يغي الذكاء اإلصطناعي‬ ‫اختصاصها‪ .‬سوف ّ‬
‫واالتصال واإلعالم‪.‬‬ ‫التعلي َم بصفة جذرية‪ ،‬ملا سيُحدثه من ثورة يف‬
‫آليات التدريس‪ ،‬وطرق التع ّلم والوصول إىل‬
‫املعرفة‪ ،‬وكيفيّة تكوين ا ُملد ّرسني‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪36‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫روبوتات وأخالقيات‬ ‫يف زمن هذه التحوّالت‪ ،‬لليونسكو‬


‫تقرير اللجنة العاملية ألخالقيات املعارف‬
‫العلمية والتكنولوجيا التابعة لليونسكو‬
‫دور حقيقي عليها أن تضطلع به‬
‫لسنة ‪2017‬‬
‫تستند الروبوتات الحالية املسماة باملعرفية‬
‫ألن تطبيقات الذكاء اإلصطناعي مرتبطة‬
‫إىل تكنولوجيا الذكاء االصطناعي التي تتمتع‬
‫بقدرات تحاكي قدرات اإلنسان‪ ،‬مثل اإلدراك‬
‫مبارشة بمجاالت اختصاصها‬
‫واستعمال اللغة والتفاعل وحل املشكالت‬
‫والتعلم وحتى اإلبداع‪ .‬ومن الصعب التنبؤ‬
‫بقراراتها‪ ،‬فاشتِغالها يقوم عىل أساس‬
‫الخربة وبعض الظروف العشوائية‪ .‬وتختلف‬
‫ولليونسكو يف هذا املجال بالتحديد دور يتمثل‬
‫بدرجة كبرية عن الروبوتات املسماة بالحتمية‬
‫يف محاولة التقليص من عدم التكافؤ يف نيل‬
‫التي يعتمد سلوكها عىل برنامج يتحكم يف‬
‫املعرفة واالستفادة من البحث‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫اشتغالها‪ .‬ولذلك فإن املسؤولية املتعلقة‬
‫دعم الدول األعضاء‪ .‬إن الفجوة التكنولوجية قد‬
‫باملهام التي تقوم بها الروبوتات املعرفية‬ ‫تؤدي إىل مُضاعفة التفاوت االجتماعي‪ .‬وعىل‬
‫قضية هامة للغاية‪ ،‬ال سيما وأن الروبوتات‬ ‫اليونسكو أن تكون قادرة عىل مساعدة الدول‬
‫تؤثر يف السلوك البرشي‪ ،‬وتحدث تغيريات‬ ‫األعضاء يف التكيّف مع الواقع الجديد والوصول‬
‫اجتماعية وثقافية‪ ،‬وتثري أسئلة يف ما يتعلق‬ ‫إىل املعرفة التكنولوجية‪.‬‬
‫باألمن‪ ،‬واحرتام الحياة الخاصة وحماية‬
‫الكرامة اإلنسانية‪.‬‬ ‫كيف يُمكن لليونسكو أن تُقدّم هذه‬
‫املساعدة بشكل ملموس؟‬
‫وكما جاء يف تقريرها الصادر يف نوفمرب‬
‫‪ 2017‬حول أخالقيات الروبوتات‪ ،‬اقرتحت‬
‫بالنسبة للدول األعضاء‪ ،‬يتمثل أحد الرهانات‬
‫يف القدرة عىل الحصول عىل معدّات الهندسة‬
‫اللجنة العاملية ألخالقيات املعارف العلمية‬
‫ا ُملتطوّرة التي تكون يف ذروة االبتكار‪ ،‬وكذلك‬
‫والتكنولوجيا التابعة لليونسكو إطا ًرا أخالقيًا‬
‫يف توفر الكفاءات البرشية الالزمة‪ ،‬من علماء‬
‫يرتكز عىل التكنولوجيا‪ ،‬بهدف إعداد توصيات‬
‫ومهندسني‪ .‬وبوسع اليونسكو تقديم مثل‬
‫حول أخالقيات الروبوتات‪ ،‬تقوم عىل أساس‬
‫هذا الدعم‪ ،‬واملساعدة عىل تقليص الفوارق‬
‫التمييز بني الروبوتات الحتمية والروبوتات‬
‫بني الدول‪ ،‬بفضل مراكز التعليم والتكوين يف‬
‫املعرفية‪.‬‬
‫مجال العلوم والتكنولوجيا واالبتكار التابعة‬
‫كما حددت اللجنة القيم واملبادئ األخالقية‬ ‫لها‪ ،‬واملرصد العاملي آلليات رسم سياسات‬
‫التي قد تكون مفيدة يف وضع قواعد‬ ‫العلوم والتكنولوجيا والتجديد‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫تنظيمية عىل جميع املستويات وعىل نحو‬ ‫الربنامج الدويل للعلوم األساسية‪.‬‬ ‫ما هي مخاطره حسب رأيك؟‬
‫متناسق‪ ،‬بدءا بمدونة قواعد السلوك الخاصة‬ ‫ما هي التحدّيات التي يطرحها الذكاء‬ ‫بصفة عامة‪ ،‬يمكن اعتبار الذكاء اإلصطناعي‬
‫باملهندسني‪ ،‬وصوال إىل القوانني الوطنية‬ ‫اإلصطناعي يف مجال التعليم؟ وكيف تنوي‬ ‫فرصة رائعة لتحقيق أهداف جدول أعمال‬
‫واالتفاقيات الدولية‪ .‬أما القيم واملبادئ‬ ‫اليونسكو مجابهتها؟‬ ‫‪ ،2030‬لكن ذلك يستلزم معالجة املسائل‬
‫األخالقية التي تم التأكيد عليها فهي الكرامة‬ ‫األخالقية التي يطرحها‪ ،‬عىل الفور‪ .‬هو فرصة‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬التعليم مجال أسايس بالنسبة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬واالستقاللية‪ ،‬واحرتام الحياة‬ ‫ألن تطبيقاته تُساعد عىل التقدّم بأكثر رسعة‬
‫للمنظمة‪ ،‬وسوف تؤثر فيه هذه الثورة الناشئة‬
‫الخاصة‪ ،‬والسالمة‪ ،‬واملسؤولية‪ ،‬واإلحسان‬ ‫نحو تحقيق أهداف التنمية املستدامة‪ ،‬فهي‬
‫بصفة إيجابية وسلبية‪ ،‬يف آن واحد‪ .‬لقد ت ّم‬
‫والعدالة‪ .‬ويعد مبدأ املسؤولية اإلنسانية‬ ‫تسمح بتقييم أفضل للمخاطر‪ ،‬وتحسني‬
‫استخدام برمجيّات بيداغوجية ترتكز عىل‬
‫نقطة الوصل بني القيم املختلفة التي نوقشت‬ ‫االسترشاف‪ ،‬وتوسيع نطاق تقاسم املعارف‪،‬‬
‫الذكاء االصطناعي لتحقيق المركزية التعليم‪،‬‬
‫يف هذا التقرير‪.‬‬ ‫وهي تقرتح حلوال مُبتكرة يف مجاالت التعليم‬
‫وتكييفه لالستجابة للحاجيات الخصوصية‪،‬‬
‫والصحة والبيئة والتخطيط العمراني‬
‫كما صاغت اللجنة العاملية ألخالقيات املعارف‬ ‫وإرشاد الطلبة حول املناهج‪ ،‬وكذلك يف تطابق‬
‫تحسن مستوى‬ ‫والصناعات الخالقة‪ ،‬كما أنها ّ‬
‫العلمية والتكنولوجيا مجموعة من التوصيات‬ ‫الشهادات‪ .‬إال أن هذه التكنولوجيات باهظة‬
‫العيش ورفاهية الحياة اليومية‪ .‬لكنّه يُشكلّ‬
‫الخصوصية تتعلق بتطبيق تكنولوجيا‬ ‫الثمن وليست يف متناول الجميع‪ ،‬وقد تتعمّ ق‬
‫أيضا تهديدا‪ّ ،‬‬
‫ألن تعميم اآلليّة والرقمنة‬
‫الروبوتات‪ ،‬من بينها وضع القواعد األخالقية‬ ‫الفجوة بني األغنياء والفقراء أكثر‪.‬‬
‫يُحدثان اختالالت جديدة‪ ،‬وقد يتسببان يف‬
‫لعلماء الروبوتات‪ ،‬والتحذير من تطوير‬
‫الح ّد من التنوّ ع يف الصناعات الثقافية‪ ،‬ويف‬
‫األسلحة ذاتية التشغيل واستخدامها‪.‬‬
‫اضطراب سوق الشغل والتهميش وتعميق‬
‫التفاوت بني املتمتعني بالتكنولوجيا الحديثة‬
‫واملحرومني منها‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫وقد أدرجنا ضمن أولوياتنا ترويج أدوات‬


‫الذكاء االصطناعي ا ُملتاحة لالستعمال الحر‬
‫واعتبارا لدورها كمنسق للهيئة املديرة ألهداف‬
‫التنمية املستدامة – التعليم ‪ 2030‬ا ُملك ّلفة‬ ‫علينا أن نقتحم هذا‬
‫يس االبتكارات املح ّلية‪.‬‬
‫التي من شأنها أن تُ ّ‬ ‫بمتابعة تحقيق هدف التنمية املستدامة ‪4‬‬
‫وحتى تكون األجيال القادمة مستعدة‬
‫املتعلق بالتعليم‪ ،‬تشغل اليونسكو موقعا‬ ‫العرص الجديد بأعني‬
‫مُتميّزا للقيام بهذه املهمة‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫لالنصهار يف املشهد الجديد الذي يرسمه الذكاء‬
‫االصطناعي لعالم الشغل‪ ،‬ال بد أيضا من إعادة‬
‫تحديد املساهمات املمكنة للذكاء االصطناعي يف‬
‫تعليم مفتوح للجميع‪ ،‬وتقييم تأثريه ا ُملحتمل‬
‫مفتوحة‬
‫التفكري يف الربامج الرتبويّة‪ ،‬وذلك بالتأكيد‬
‫عىل مستقبل التع ّلم‪.‬‬
‫عىل تدريس العلوم‪ ،‬والتكنولوجيا‪ ،‬والهندسة‪،‬‬
‫والرياضيات‪ ،‬وكذلك بإيالء مكانة من الدرجة‬
‫األوىل لإلنسانيات‪ ،‬والكفاءات يف ميدان الفلسفة‬
‫واألخالقيات‪.‬‬

‫من واجبنا الوقاية من انحرافات‬


‫الذكاء االصطناعي‪.‬‬

‫‪© Veronique Deshayes‬‬

‫‪NETEXPLO NOTEBOOK | HUMAN DECISIONS THOUGHTS ON AI‬‬ ‫‪101‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪38‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ما عالقة الذكاء االصطناعي بالفلسفة‬


‫من يصنع القرار؟‬ ‫واألخالقيات؟‬
‫عند بلوغهم سن الكهولة‪ ،‬سوف يُواجه حتما‬
‫قرارات برشية‪ :‬تأمالت يف الذكاء االصطناعي‪2018 ،‬‬ ‫تالميذ وطلبة اليوم مشاكل من نوع آخر ال‬
‫نستطيع إدراكها يف الوقت الحارض‪ .‬ومن‬
‫بفعل ظاهرة البيانات الضخمة والتحول الناتج عن نظم التع ّلم العميق‪ ،‬أصبح الذكاء االصطناعي‬
‫من بني التوجهات التكنولوجية األكثر جدال يف الوقت الراهن‪ ،‬نظرا النعِ كاساته عىل األفراد‬ ‫الصعب التكهّ ن بكل التطوّرات املمكنة لهذه‬
‫والثقافات‪.‬‬ ‫اآلالت التي تتطور باستمرار‪ ،‬والتي تخطو‬
‫يوما بعد يوم خطوات يف اتّجاه استقالليّتها‬
‫وإن كان يف الذكاء االصطناعي جوانب تقنية مبهرة‪ ،‬إال أن البعض يخافون إمكانية تفوقه عىل‬ ‫لدرجة أنها أصبحت منذ اآلن تتحدّى‪ ،‬إىل‬
‫الذكاء البرشي‪ .‬وحتى يف حال القبول بفكرة مساعدته عىل التقدم البرشي‪ ،‬ال بد من استباق املخاطر‬
‫درجة ما‪ ،‬الهويّة البرشية‪ .‬ولهذا السبب‪،‬‬
‫التي قد يكنّها الذكاء االصطناعي إن فقد اإلنسان التحكم فيه‪ ،‬والوعي بانعِ كاساته األخالقية‪.‬‬
‫فإن الكفاءات يف مجال األخالقيات‪ ،‬وكذلك‬
‫وقد أخذ مرصد نت إكسبلو ‪ -‬وهو مرصد مستقل رشيك لليونيسكو ‪ -‬يف التدقيق بكل جدية يف هذا‬ ‫يف العلوم االجتماعية واإلنسانية بصفة عامة‪،‬‬
‫املوضوع الشاسع الذي يهم يف نفس الوقت الفلسفة‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬والعلوم‪ ،‬واإلعالمية والهندسة‪.‬‬ ‫سوف تكون رضورية بنفس قدر الكفاءات‬
‫ويف سنة ‪ ، 2015‬أنشأت منظمة الونيسكو بمعية نت إكسبلو مجلسا استشاريا مشرتكا‪ ،‬يضم‬ ‫يف العلوم األساسية‪ .‬كما أن هناك احتمال يف‬
‫أساتذة ومحارضين وباحثني من أكرب الجامعات يف العالم‪ ،‬أوكلت إليهم مهمة تحليل توجهات‬ ‫وجود انحرافات يف نُظم الذكاء االصطناعي –‬
‫التكنولوجيا الرقمية وخاصة منها الذكاء االصطناعي‪.‬‬
‫وخاصة يف ما يتع ّلق بالنوع الجنيس – تتط ّلب‬‫ّ‬
‫ونرش املجلس سنة ‪ 2018‬مجموعة من التحاليل بعنوان قرارات برشية‪ :‬تأمالت يف الذكاء‬ ‫أكثر شفافية من قبل هذه النظم‪ ،‬وتستدعي‬
‫االصطناعي بهدف تحفيز التفكري حول التحديات الكربى يف مجال الذكاء االصطناعي واستغالل‬ ‫مبادئ أخالقية صارمة لتصحيحها‪.‬‬
‫قدراته الكامنة‪.‬‬
‫ملاذا يصعب التكهّ ن بالتطوّرات القادمة‬
‫هل يفوّض اإلنسان للذكاء االصطناعي قدراته يف اتخاذ القرارات‪ ،‬عن طواعية؟ هل الذكاء‬ ‫للذكاء االصطناعي؟‬
‫االصطناعي بديل للبرش؟ ماهي اإلجراءات املحتملة لالحتماء من تبعات الذكاء االصطناعي؟ تلك‬
‫هي بعض األسئلة التي تطرق لها هذا املؤ ّلف‪ ،‬باإلضافة إىل وجهات نظر املرصد التي عرضها يف‬ ‫يتقدّم البحث يف مجال الذكاء االصطناعي‬
‫سيناريوهات مختلفة‪.‬‬ ‫برسعة فائقة‪ ،‬يف حني يبقى تطوير البيئة‬
‫ويذهب التحليل إىل ما أبعد من اآلراء‪ ،‬ليطرح مسألة ملحة بقدر ما هي مزعجة‪ ،‬أال وهي مسألة‬ ‫القانونية واالجتماعية واألخالقية التي يجب‬
‫صنع القرار‪ .‬هل تخلينا بالفعل عن السلطة التي يمنحها لنا التحكم يف اآللة؟ وماذا لو انتهى األمر‬ ‫أن تؤطره‪ ،‬بطيئا‪ .‬إىل أي حد يُمكن أن تصل‬
‫إىل تحكم الذكاء االصطناعي يف سلوك البرش دون تدخل منهم؟ ويف هاته الحالة من (أو ما) الذي‬ ‫استقالليّة اآللة وقدرتها عىل اتّخاذ القرار؟‬
‫سيتدخل يف صنع القرار؟‬ ‫ويف حال وقوع حادث‪ ،‬ملن تعود املسؤولية؟‬
‫ومن يقرر تحديد القيم التي يجب ترسيخها‬
‫يتخوف بعض الخرباء من نفوذ الذكاء االصطناعي الذي قد يؤدي بنا إىل نظام مرتابط يطغى فيه‬
‫الذكاء االصطناعي عىل الذكاء البرشي‪ ،‬يف حني أن البعض اآلخر مقتنع بأن معارفنا الحالية يف‬
‫يف اآلالت خالل ما يُسمّ ى بفرتة «تع ّلم اآللة»؟‬
‫مجال اإلعالمية ال زالت محدودة وبالتايل ليس هناك داعيا لتربير مثل هذا الخوف من املجهول‪.‬‬ ‫هذه األسئلة‪ ،‬وليست الوحيدة‪ ،‬تبقى إىل اليوم‬
‫وحسب رأيهم‪ ،‬فإن املسألة ليست مسألة منافسة‪ ،‬بقدر ما هِ ي مسألة تعاون بني الجنس البرشي‬ ‫دون‪ ‬جواب‪.‬‬
‫والذكاء‪ ‬االصطناعي‪.‬‬ ‫لقد الحظنا‪ ،‬مثال‪ ،‬أن الخوارزميات التي‬
‫صيغت عىل أساس اللغة البرشية العاديّة‪،‬‬
‫اقتنت أحكاما مسبقة ترتكز عىل صور نمطية‬
‫انطالقا من معطيات لفظية موجودة يف ثقافتنا‬
‫ومن مسؤوليتنا إدارة حوار كوني ومستنري‬ ‫ماذا يف مقدور اليونسكو أن تفعله يف هذا‬ ‫اليومية‪ .‬فكيف ال ننشغل من خطر ظهور آالت‬
‫– ال يكون حوارا تقنيّا وإنما أخالقيّا باملعنى‬ ‫املضمار؟‬ ‫يكون سلوكها تمييزيّا أو عنرصيّا أو عدائيّا؟‬
‫الكامل – حتى نقتحم هذا العرص الجديد‬
‫إذا أردنا أن يستفيد العالم بأرسه‪ ،‬وعىل‬ ‫كما أن هناك دوافع لالنشغال عىل أصعدة‬
‫بأعني مفتوحة‪ ،‬دون أن نُضحّ ي بقِ يمنا‪،‬‬
‫أحسن وجه‪ ،‬من اإلمكانيات التي يوفرها‬ ‫أخرى‪ :‬حماية الحياة الشخصية‪ ،‬واإلشهار‬
‫وحتى نتيح‪ ،‬إن أرادت الدول األعضاء ذلك‪،‬‬
‫الذكاء االصطناعي‪ ،‬علينا أن نسهر عىل أن‬ ‫املستهدف عىل اإلنرتنت‪ ،‬وح ّرية التعبري‬
‫التوصل إىل أرضية مشرتكة من املبادئ‬‫ّ‬ ‫إمكانية‬
‫يكون يف خدمة البرشيّة‪ ،‬مع احرتام حقوق‬ ‫وخوارزميات الرقابة‪ ،‬والصحافة اآلليّة‬
‫األخالقية‪.‬‬
‫اإلنسان‪ ‬وكرامته‪.‬‬ ‫واحتكار اإلعالم‪...‬‬
‫إال أنه ال يُوجد لح ّد الساعة أي إطار أخالقي‬ ‫ورغم أن البحث األسايس يف هذا املجال أتى‪،‬‬
‫*اإلعالن العاملي بشأن املجني البرشي وحقوق اإلنسان‬ ‫دُويل يعنى بجملة تطوّرات الذكاء االصطناعي‬ ‫إجماال‪ ،‬بدافع توفري رفاهية العيش‪ ،‬تبقى‬
‫(‪)1997‬‬ ‫وتطبيقاته‪.‬‬ ‫االنحرافات غري املقصودة‪ ،‬واملقصودة أيضا‪،‬‬
‫اإلعالن الدويل بشأن البيانات الوراثية البرشية (‪)2003‬‬ ‫ممكنة‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬يتحتم علينا التأكد من‬
‫اإلعالن العاملي ألخالقيات البيولوجيا وحقوق اإلنسان‬
‫تمثل اليونسكو املنتدى الكوني الوحيد الذي‬
‫يحظى بتجربة تفوق العرشين سنة يف إعداد‬ ‫أن هذه التكنولوجيا تتطوّر حسب معايري‬
‫(‪)2005‬‬
‫اآلليّات الدولية ا ُملتع ّلقة بأخالقيات البيولوجيا‬ ‫أخالقيّة مضبوطة بشكل صارم‪.‬‬
‫ّ‬
‫بالتغيات املناخية‬ ‫إعالن املبادئ األخالقية يف عالقة‬
‫(‪)2017‬‬ ‫وأخالقيات العلوم والتكنولوجيا*‪ .‬كما أن‬
‫التوصية ا ُملتع ّلقة بالعلم والباحثني يف العلوم (‪)2017‬‬ ‫بإمكانها اإلعتماد عىل جهازين استشاريّني‬
‫يضمّ ان خرباء يعملون جاهدين عىل هذه‬
‫املسائل‪ :‬اللجنة العاملية ألخالقيّات املعرفة‬
‫العلمية والتكنولوجيا‪ ،‬واللجنة الدّولية‬
‫ألخالقيات البيولوجيا‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ معجم‬ ‫الذكاء االصطناعي‬


‫ّ‬
‫مفسة يف هذا‬ ‫*‬
‫املفردات الحاملة لعالمة‬
‫املعجم‬
‫بيانات ضخمة‬ ‫اتصاليّة جديدة‬
‫مجموعة بيانات رقمية تتجاوز‪ ،‬من حيث‬ ‫نظرية تأسست يف مجال العلوم املعرفية وعلوم‬
‫تحميل العقل (مايند أبلودنغ)‬ ‫حجمها‪ ،‬حدس اإلنسان وقدراته عىل التحليل‪.‬‬ ‫األعصاب‪ .‬تهت ّم االتصالية الجديدة بوضع‬
‫حسب نظرية ما بعد اإلنسانية*‪ ،‬فإن‬ ‫يف إنرتنت‪ ،‬نُنتج يوميا حوايل ‪ 2،5‬تريليون‬ ‫نماذج معلوماتية تحاكي ظواهر التع ّلم‪،‬‬
‫أحاسيسنا وأفكارنا وعواطفنا تقترص عىل‬ ‫بايت من البيانات كل يوم‪ :‬رسائل إلكرتونية‪،‬‬ ‫باستخدام شبكات عصبية شكليّة*‪ .‬وقد ت ّم‬
‫الرتابط العصبي‪ .‬وتحميل العقل (مايند‬ ‫فيديوهات‪ ،‬معلومات مناخية‪ ،‬عالمات النظام‬ ‫وضع نظام هذه النماذج وطريقة تشغيلها‬
‫أبلودنغ) هو فكرة مؤيّدة لنظرية ما بعد‬ ‫العاملي لتحديد املواقع ‪ ،‬صفقات عىل الخط‪،‬‬ ‫بالتماثل مع النّظم العصبية الفيزيولوجيّة‪.‬‬
‫اإلنسانية يُعترب بمقتضاها العقل البرشي قابال‬ ‫الخ‪ ...‬وال توجد أية آلة إعالمية تقليدية‬ ‫إنرتنت األشياء‬
‫للحرص يف جملة من املعلومات يمكن ترجمتها‬ ‫للترصّ ف يف قاعدة بيانات قادرة عىل معالجة‬
‫إىل الرمز الثنائي اإلعالمي‪ ،‬بحيث يمكن‬ ‫هذا الكم من البيانات الضخمة‪ :‬كان ال بد‬ ‫اتصال األشياء واألدوات واألماكن املتواجدة‬
‫تحميلها يف حاسوب‪.‬‬ ‫من تطوير خوارزميات* جديدة للتم ّكن من‬ ‫يف العالم املادي‪ ،‬بشبكة اإلنرتنت‪ .‬تقوم‬
‫تخزينها‪ ،‬وتصنيفها وتحليلها‪.‬‬ ‫األشياء املتصلة بجمع املعطيات من خالل‬
‫تمثيل داليل للمعارف‬ ‫أجهزة استشعار (حرارة‪ ،‬رسعة‪ ،‬رطوبة‪)...‬‬
‫تع ّلم اآللة أو تع ّلم آيل‬
‫خوارزميات تُخوّل تركيب جملة مكتوبة يف‬ ‫وإرسالها‪ ،‬عرب اإلنرتنت‪ ،‬كي يت ّم تحليلها‬
‫أية لغة كانت (مثال‪« :‬يمتطي أحمد الحافلة‬ ‫بفضل برنامج تع ّلم آيل‪ ،‬تتع ّلم اآللة كيف تح ّل‬ ‫بواسطة حواسيب‪ .‬هذه األشياء قد تكون‬
‫القاصدة برلني»)‪ ،‬يف شكل منطقي لتصبح‬ ‫املشاكل انطالقا من أمثلة‪ ،‬لتصبح قادرة عىل‬ ‫سيارة نقل‪ ،‬أو ساعة‪ ،‬أو آلة صناعية‪ ،‬أو حتى‬
‫قابلة للتأويل من طرف حاسوب‪.‬‬ ‫مقارنة البيانات وتصنيفها‪ ،‬وحتى التع ّرف عىل‬ ‫مكانا يف مأوى سيارات‪.‬‬
‫*‬
‫عقدة‪ .‬وقبل ابتكار التع ّلم العميق‬ ‫األشكال ا ُمل ّ‬
‫إنسان خارق‬
‫سنة ‪ ،2010‬كان اإلنسان هو الذي يُرشف عىل‬
‫هذا الصنف من تعلم اآللة – إذ كان هو الذي‬ ‫هو املثال األعىل يف نظرية ما بعد اإلنسانية*‪.‬‬
‫يعي بوضوح إن كانت الصورة تتضمّ ن وجها‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان الخارق هو فرد ت ّم إخضاعه لتغيريات‬
‫ط‪ ،‬الخ‪ ،...‬حتى تتم ّكن اآللة‬‫برشيا‪ ،‬أو رأس ق ّ‬ ‫بهدف تحسني قدراته‪ ،‬بفضل ّ‬
‫تدخالت عىل‬
‫بالقيام بعمليّة التع ّرف املطلوبة‪.‬‬ ‫جسمه تعتمد عىل مبادئ علمية وتكنولوجية‪.‬‬
‫نصفه إنسان‪ ،‬ونصفه اآلخر آلة‪ ،‬مما يجعله‬
‫تع ّلم عميق‬ ‫قادرا عىل الركض برسعة أكرب‪ ،‬وعىل اإلبصار‬
‫هو مجال مُتقدّم للتع ّلم اآليل*‪ ،‬وتسمح هذه‬ ‫ليال‪ ،‬وتحمّ ل األلم‪ ،‬واكتساب قدرات ذهنية‬
‫التقنية لآللة بالتعرف‪ ،‬بذاتها‪ ،‬عىل مفاهيم‬ ‫واسعة‪ ،‬ومقاومة املرض واملوت‪ ...‬اإلنسان‬
‫ُعقدة مثل الوجوه‪ ،‬واألجسام البرشية أو‬ ‫م ّ‬ ‫«ا ُملرمّ م» أصبح واقعا‪ ،‬واألعضاء االصطناعية‬
‫صور قطط‪ ،‬من خالل التدقيق يف ماليني‬ ‫املتصلة يف ّ‬
‫تحسن مُستمر‪ .‬وها أن اإلنسان‬
‫الصور ا ُمللتقطة من إنرتنت‪ ،‬دون أن تكون‬ ‫الخارق يُصبح شيئا فشيئا حقيقة‪ ،‬مع تطوير‬
‫تلك الصور قد ت ّم توصيفها مُسبقا من‬ ‫هياكل عظمية خارجية مُصطنعة تُستعمل‬
‫طرف اإلنسان‪ .‬يعتمد التع ّلم العميق عىل‬ ‫لغايات عسكرية‪.‬‬
‫دمج خوارزميات التع ّلم اآليل مع الشبكات‬
‫العصبية اآللية* واستعمال البيانات الضخمة‪.‬‬
‫وقد أحدث بذلك ثورة يف الذكاء االصطناعي‪.‬‬
‫وله تطبيقات ال تُحىص‪ :‬محركات البحث‪،‬‬
‫التشخيص الطبي‪ ،‬سيارات ذاتية القيادة‪ ،‬الخ‪.‬‬
‫وبفضل هذه التقنية‪ ،‬تم ّكن حاسوب ألفا‪-‬‬
‫غو سنة ‪ ،2015‬من التغ ّلب عىل اإلنسان يف‬
‫لعبة‪ ‬الغو‪.‬‬
‫تجميد أعضاء الجسم‬
‫تقنية املحافظة‪ ،‬بعد وفاة شخص‪ ،‬عىل جسمه‬
‫أو رأسه يف مادة األزوت السائل‪ ،‬بهدف بعثه‬
‫للحياة من جديد يف يوم ما‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪40‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫شبكة عصبية شكلية‬


‫خوارزمي مُع ّد لالستخدام من طرف حاسوب‪،‬‬ ‫وتعني كلمة خوارزميات اليوم سلسلة من‬
‫يهدف إىل تقليد االتصاالت العصبية للدماغ‪.‬‬ ‫التعليمات يُطالب الحاسوب بتطبيقها بصفة‬
‫ورغم أن النُّظم املوجودة حاليا بسيطة جدّا‬ ‫آلية‪ .‬يت ّم استعمال الخوارزميات يف كافة‬ ‫وبذلك تتمكن اآللة من القيام باستدالالت‬
‫باملقارنة مع الذكاء البرشي‪ ،‬إال أنها قادرة‬ ‫املجاالت‪ ،‬من االستعالمات بواسطة محركات‬ ‫منطقية (عىل غرار االستنتاج) تُم ّكنها من‬
‫عىل توقع رسعة السيارة اعتمادا عىل تح ّرك‬ ‫البحث إىل البورصات املالية‪ ،‬مرورا بانتقاء‬ ‫ترتيب الكلمات يف أصناف مختلفة ومن تحليل‬
‫دوّاسة الرسعة ودرجة انحدار الطريق‪ ،‬أو‬ ‫املعلومات لتوصية مستخدمي اإلنرتنت‪.‬‬ ‫الجمل املعروضة عليها‪.‬‬
‫تحديد صالبة مادّة ما اعتمادا عىل مكوّناتها‬
‫الكيميائية وحرارتها عند إعدادها‪ ،‬أو معرفة‬ ‫ذكاء اصطناعي ضعيف أو محدود ‪ /‬ذكاء‬ ‫تهجني اإلنسان واآللة‬
‫قدرة مؤسسة عىل الوفاء بالدين اعتمادا عىل‬ ‫اصطناعي قوي أو عام‬
‫عملية تسمح بالربط بني جسم اإلنسان ونظام‬
‫رقم معامالتها‪ ،‬الخ‪.‬‬ ‫الذكاء االصطناعي الضعيف أو املحدود‬ ‫تكنولوجي‪ .‬ويمكن أن يكون الربط هيكليا‪،‬‬
‫ما بعد اإلنسانية‬ ‫يتطابق مع الذكاء االصطناعي املوجود حاليا‪:‬‬ ‫سي بإيعاز ذهني‪،‬‬‫مثل الذراع االصطناعي ا ُمل ّ‬
‫هو مكون من آالت قادرة عىل تنفيذ بعض‬ ‫أو افرتاضيّا مثل غوغل غالسز‪ ،‬وهي نظارات‬
‫يسعى أنصار هذه الحركة إىل الوصول‬ ‫املها ّم املضبوطة بشكل مُستق ّل لكن دون وعي‪،‬‬ ‫سي بالصوت وتسمح ملعلومات أو صور‬ ‫تُ ّ‬
‫إىل وضع «ما بعد اإلنسانية»‪ ،‬وذلك من‬ ‫يف إطار مُحدّد من طرف اإلنسان َ‬
‫وبقرار منه ال‬ ‫مختلفة بالظهور يف ركن من الزجاجات إضافة‬
‫خالل التخ ّلص من اإلعاقة‪ ،‬واأللم‪ ،‬واملرض‪،‬‬ ‫غري‪ .‬أما الذكاء االصطناعي القوي أو العام فقد‬ ‫إىل نظرنا العادي‪.‬‬
‫والشيخوخة‪ ،‬واملوت‪ ،‬بفضل التظافر بني‬ ‫يكون آلة لها وعي وإحساس‪ ،‬قادرة عىل تقديم‬
‫تكنولوجيات النانو‪ ،‬والتكنولوجيا الحيوية‪،‬‬ ‫حياة اصطناعية‬
‫ح ّل أليّ نوع من املشاكل‪ :‬وهو‪ ،‬إىل ح ّد اليوم‪،‬‬
‫والذكاء االصطناعي والعلوم املعرفية‪ .‬وهم‬ ‫رضب من الخيال‪.‬‬ ‫حقل من البحث العلمي يضم اختصاصات‬
‫يدعون إىل ممارسة االستنساخ البرشي‪،‬‬ ‫مختلفة‪ ،‬يهدف إىل خلق نُظم اصطناعية‬
‫والواقع االفرتايض*‪ ،‬والتهجني بني اإلنسان‬ ‫سحاب معلوماتي (كالود)‬
‫مُستوحاة من النّظم الحيّة‪ ،‬يف شكل برامج‬
‫واآللة*‪ ،‬وتحميل العقل*‪ .‬أما ا ُملعارضون لهذه‬ ‫نُظم معلوماتية مُختلفة مكونة من عدد كبري‬ ‫معلوماتية أو ُروبوتات‪.‬‬
‫الحركة‪ ،‬فإنهم ينتقدون فيها التخمني املفرط‪،‬‬ ‫من الحواسيب ا ُملتّصلة يف ما بينها‪ ،‬تقوم بتبادل‬
‫والتأسيس لروحانيات جديدة تُؤ ّله التقنية‪،‬‬ ‫خوارزميات‬
‫املعلومات بصفة آنية عرب اإلنرتنت‪ .‬وبهذه‬
‫وتخيّل «إنسان استثنائي» تستجيب مواصفاته‬ ‫الطريقة‪ ،‬يمكن أن تتوىل شبكة من الحواسيب‬ ‫يعود أصل الكلمة إىل اسم عالم الرياضيات‬
‫ملتطلبات تحسني النسل‪.‬‬ ‫ا ُملتصلة يف ما بينها – التي تشكل هذا السحاب‬ ‫الفاريس محمد بن موىس الخوارزمي (حوايل‬
‫محافظ بيولوجي‬ ‫املعلوماتي أو كالود ‪ -‬عملية حسابية أو جملة‬ ‫سنة ‪ 820‬م)‪ ،‬الذي يرجع له الفضل يف اعتماد‬
‫من املعلومات ا ُملخ ّزنة من حاسوب آخر‪.‬‬ ‫الرتقيم العرشي يف الغرب‪.‬‬
‫بالنسبة لدعاة ما بعد اإلنسانية ‪ ،‬فإن كل‬
‫*‬

‫*‬
‫من ينتقد مثالهم األعىل لإلنسان الخارق‬
‫هو بمثابة املحافظ البيولوجي‪ ،‬أي شخص‬
‫رجعي يرفض تغيري قوانني الحياة والطبيعة‪،‬‬
‫يف الوقت الذي تسمح فيه (أو سوف تسمح)‬
‫التكنولوجيا بذلك‪.‬‬
‫واقع افرتايض انغمايس‬
‫محيط افرتايض من تنظيم الحاسوب‪ ،‬يغوص‬
‫فيه ا ُملستخدم بفضل أجهزة استشعار مُختلفة‬
‫(نظارات‪ ،‬تركيبة ّ‬
‫حسية‪ ،‬الخ)‪ .‬وقد يثري‬
‫االنغماس يف الواقع االفرتايض اهتمام العب‬
‫فيديو أو قائد طائرة يف إطار تكوينه‪.‬‬
‫واقع مُع ّزز‬
‫تراكب بني الواقع وعنارص افرتاضية يتم ظبطه‬
‫بواسطة نظام إعالمي آني (أصوات‪ ،‬صور‬
‫ذات بُعدين أو ‪ 3‬أبعاد‪ ،‬فيديوهات‪ ،‬الخ)‪ .‬هذه‬
‫التقنية مُستعملة يف ألعاب الفيديو ويف السينما‬
‫(حيث يتفاعل املشاهد مع األشياء االفرتاضية‬
‫بواسطة أجهزة استشعار)‪ ،‬ولكن أيضا يف‬
‫تحديد املواقع الجغرافية أو يف مجال الرتاث‬
‫(دير كلوني يف فرنسا‪ ،‬مثال‪ ،‬مجهز بعالمات‬
‫تُ ّبي الوضع الذي كانت عليه املدينة يف القرن‬
‫‪© enzozo / Shutterstock‬‬

‫الخامس عرش)‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫‪• w‬‬

‫زوم‬

‫زوم‬

‫يف بالد توراجا‪ ،‬يف جزيرة سوالويزي‬


‫(أندونيسيا)‪ ،‬يتم تعليق قرون‬
‫جاموسات عىل واجهات املنازل‬
‫لتجسيد األسالف‪ ،‬ويف ذلك برهان‬
‫عىل ثراء العائلة‪ .‬أما بوتري‪ ،‬فهي‬
‫تحمل إرثها رمزيا‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪42‬‬


‫‪• w‬‬

‫زوم‬

‫عبء الحياة‬

‫صور‪ :‬فلوريان دوالساي‬


‫نص‪ :‬سيبيل دورجيفال‬
‫عىل طول الطرق ا ُملعبّدة‪ ،‬ويف الثنايا الرملية‬
‫الالمتناهية حيث يغيب األفق يف ضباب مثقل‬
‫بالحرارة‪ ،‬تسري أشباح غريبة الهيئة‪ .‬من‬
‫أفريقيا الرشقية إىل حدود جبال الهيمااليا‪،‬‬
‫تبدو أجسام الراجلني وكأنها مطوّلة برتاكم‬
‫أمتعة ال يمكن إدراك طبيعتها‪ ،‬خاصة ملن‬
‫يتجاوزها بسيارته وهو منشغل بالسياقة خوفا‬
‫من دهسها‪ .‬وسواء كان الظهر مستقيما أو‬
‫مُنحنيا بفعل الثّقل‪ ،‬يبقى الرأس مرفوعا‪ ،‬غري‬
‫عابئ بالعربات املهتزة التي تتجاوزه برسعة‬
‫فائقة‪ .‬وكأنها تماثيل كارياتيد معارصة!‬
‫من وراء نافذة السيارة‪ ،‬من عاملنا املتسارع‬
‫الذي ينظر بكل احتقار لخطى الحمّ الني‬
‫تتسلق مانديبي جبل‬ ‫البطيئة‪ ،‬نحن مجرد متفرجني عىل تلك األعمار‬
‫آنابورنا يف النيبال‪ ،‬ناقلة‬ ‫التي تتتاىل أمام أعيننا‪ .‬غري أن فلوريان‬
‫حمولة تزن ‪ 50‬كلغ‪ ،‬وتبلغ‬ ‫دوالساي‪ ،‬ا ُملصوّرة الرحّ الة‪ ،‬أبت إال أن تقطع‬
‫دون إرهاق‪ ،‬ارتفاع‬ ‫خصص بعض الوقت ُملقابلتهم‪ ،‬وها‬ ‫سريها لتُ ّ‬
‫‪ 2500‬مرت‪.‬‬ ‫أنها تكتشف أن هؤالء البهلوانيني يحملون أكثر‬
‫بكثري من مج ّرد وعاء أو جرة أو كيس مالبس‪،‬‬
‫بل أكثر بكثري ممّ ا يحتاجونه للبقاء عىل قيد‬
‫الحياة‪ :‬هم يحملون عبء الحياة‪.‬‬
‫وتحمل مجموعة الصور التي أنجزتها عنوان‬
‫«هاو متش كان يو كري؟» (كم أنت قادر عىل‬
‫حمله؟)‪ .‬وهي عبارة أرادتها بمثابة التحدّي‪:‬‬
‫انطلق انجاز مجموعة «هاو متش كان يو‬ ‫اختارت فلوريان دوالساي االتجاه املعاكس‬
‫«أرني ما أنت قادر عىل حمله! أرني من أنت!»‪.‬‬
‫كري؟» من أثيوبيا سنة ‪ ،2012‬وامت ّد إىل‬ ‫للتصوير املعهود الذي يظهر الوجوه املحبطة‬
‫أربع قارات‪ .‬وهي تضم اآلن حوايل ستني‬ ‫والظهور ا ُملنحنية‪ ،‬لتتجاوز الصورة ا ُملبتذلة‬ ‫وتتساءل ا ُملصوّرة الفرنسية بدعابة وعمق‪:‬‬
‫صورة من عرش دول‪ ،‬منها بوليفيا‪ ،‬والربازيل‪،‬‬ ‫للعامل ا ُملنهك‪ .‬ومهما كان وزن الحمولة‪ ،‬يبقى‬ ‫هل يُصدّق أن تكون فتاة صغرية قادرة عىل‬
‫وأندونيسيا‪ ،‬واليابان‪ ،‬والنيبال ورواندا‪...‬‬ ‫الرأس مرفوعا واالبتسامة مُرشقة‪ .‬وكأنهم‬ ‫حمل ألواح خشبية يعلوها جديٌ ؟ هل نحن‬
‫أرادوا ولو لبضع لحظات خالل التصوير‪،‬‬ ‫أقوى ممّ ا نعتقد؟ هل أن هذه األمتعة منصوبة‬
‫االستهزاء من القدر املحتوم‪ .‬إن الحياة بحث‬ ‫عىل رؤوسهم أم هي نابعة منها‪ ،‬وكأنها تعبري‬
‫مستمر عن التوازن‪ ،‬وها أن صور فلوريان‬ ‫عن الوعي‪ ،‬وكأن «الظاهر» يصوّر لنا فجأة‬
‫تأخذنا حيث ال وجود لجاذبية األرض! وملا‬ ‫«الباطن»؟ هل أن هذه األكوام من القرون التي‬
‫نتأمّ ل يف كل هذه األثقال املحمولة بابتهاج‪،‬‬ ‫تحملها بوتري عىل رأسها يف أندونيسيا‪ ،‬والتي‬
‫ال‪ ‬يسعنا إال أن نتخيّل ولو للحظة واحدة‪ ،‬أننا‬ ‫ترمز للجاه والثراء‪ ،‬هي واقع أم خيال؟ هل‬
‫قادرون عىل التعامل مع أعبَائنا بيشء من‬ ‫وضعها األسالف لينقلوا لها تلك الحمولة؟ أم‬
‫املزح‪ ،‬لنتخ ّلص من قليل من وزنها!‬ ‫أنها انبثقت عن دماغ ٍ‬
‫واع بمسؤولياته املقبلة؟‬

‫‪43‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫‪• w‬‬

‫زوم‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬
‫يحمل فريدي املاء إىل جزيرة إيسال دال سول‪،‬‬
‫الواقعة وسط بحرية تيتيكاكا (بوليفيا)‪ ،‬وهي جزيرة‬
‫تكاد أن تكون خالية من املاء الصالح للرشاب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫يف النيبال‪ ،‬تحمل دوكاليا رسيرا من الخيزران‪ ،‬وهو‬
‫رسيرها الذي سوف يأوي جسمها عندما يُصبح‬
‫مُنهكا بفعل الشيخوخة‪ ،‬وملا توافيها املنية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫تستع ّد الطفلة األثيوبية آرو للسري عىل األقدام لبضع‬
‫ساعات لتستبدل ماعزا وشيئا من الخشب ببعض‬
‫املواد الرضورية‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ينتمي غايل إىل قبيلة هامر يف وادي أومو يف جنوب‬
‫أثيوبيا‪ .‬ينقل غايل املاء‪ ،‬وهو مضطر مثل غريه من‬
‫ناقيل املاء عىل حمل السالح نظرا لندرة املاء يف تلك‬
‫املنطقة‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪44‬‬


‫‪• w‬‬

‫زوم‬

‫‪4‬‬

‫‪45‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫‪• w‬‬

‫زوم‬

‫‪1‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪46‬‬


‫‪• w‬‬

‫زوم‬

‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫يف قرية صغرية برواندا‪ ،‬يمتلك قاسم متجرا صغريا‬
‫يبيع فيه أمتعة مُتنوّعة‪ ،‬منهاحقائب تغذي أحالمه‬
‫بسفر لن يتحقق‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫يحمل نوناتو‪ ،‬وليد قرية صيادين قرب فورتاليزا‬
‫بالربازيل‪ ،‬رفوفا لصيد جراد البحر‪ ،‬بعد أن تقلص‬
‫صيد رسطان البحر‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫يف جزيرة سوالويزي (أندونيسيا)‪ ،‬تبيع ساري ونيفاه‬
‫جوز الهند للسياح العطاىش‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫قىض يوزوكي كامل حياته يف حوض لبناء السفن يف‬
‫أونومييش‪ ،‬وهي مدينة مرفئية تُط ّل عىل بحر سيتو‬
‫الداخيل باليابان‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫‪47‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫‪• w‬‬

‫زوم‬

‫يحمل تامرو‪ ،‬والد‬


‫آرو (ص‪ )44.‬وأفتام‬
‫(ص‪ ،)49.‬روث البقر‬
‫جفف الستعماله لوقاية‬ ‫ا ُمل ّ‬
‫منزله من الح ّر و الربد‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪48‬‬


‫‪• w‬‬

‫زوم‬

‫أفتام‪ ،‬شقيق آرو األصغر‪،‬‬


‫(ص‪ ،)44 .‬سوف يسري‬
‫هو أيضا عىل األقدام لوهلة‬
‫طويلة حتى يصل إىل السوق‬
‫الستبدال حيوانه بيشء من‬
‫القمح‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫أفكار‬

‫أفكار‬
‫برتخيص كرمي من سونودا آريت‬
‫‪© Juan Roberto Diago /‬‬

‫ها أنا (تقنيات مختلطة)‪ ،2014 ،‬عمل‬


‫للفنان الكوبي خوان روبرتو دياغو‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪50‬‬


‫الرقص للتعبير‬
‫أفكار‬

‫ عن المنكر‬
‫أو مسألة تأثري ذاكرة‬
‫العبودية عىل اإلبداع الفني املعارص‬

‫بقلم أالن فوا‬


‫التأثري‪« :‬فعل سيل ينساب من الكواكب‬
‫يُفرتض أن له مفعول عىل مصري البرش»‪ .‬ذلك‬
‫هو املعنى األصيل للكلمة‪ .‬يف نظرية الجاذبية‬ ‫يلقي الفنان أالن فوا نظرة الفيلسوف‬
‫الكونية‪ ،‬تُؤثّر الكواكب عىل بعضها البعض‬
‫عىل مسألة العالقات بني التاريخ‬
‫حسب حجم كل واحد منها‪ .‬هذا التأثري ينتُج‬
‫عمّ ا يُسمّ ى بموجات الجاذبية التي قد تكون‪،‬‬ ‫والذاكرة واإلبداع الفني‪ .‬بفضل الفن‪،‬‬
‫برتخيص كرمي من رسنودا آريت‬

‫نوعا ما‪ ،‬ذلك السيل املتأتي من األسالف‪ .‬ونحن‬ ‫الفنان غري مقيّد بلون برشته وال‬
‫إذن‪ ،‬معرش البرش‪ ،‬مُتأثّرون شيئا ما بهذا املبدأ‬
‫الذي ّ‬
‫يرسخنا يف األرض‪.‬‬ ‫مُجرب عىل الرقص عىل الدّوام عىل‬
‫أنغام تاريخ شنيع‪ .‬وباألحرى‪ ،‬يندرج‬
‫فكرة التأثري هذه‪ ،‬التي انطلقت من املفهوم‬
‫األسطوري لتصل إىل املفهوم العلمي‪ ،‬ومن‬ ‫الفنان ضمن مقاربة جدلية‪ :‬فهو ح ّر‬
‫علم التنجيم إىل علم الفلك‪ ،‬طوّرها العالم‬ ‫ُ‬
‫وممسوس يف ذات الوقت‪ .‬ملا يكون‬
‫‪© Juan Roberto Diago /‬‬

‫البونابرتي بيار سيمون دو البالس خالل‬


‫القرن التاسع عرش‪ ،‬يف قالب الحتمية اآللية‪.‬‬ ‫يف طور اإلبداع‪ ،‬يُصبح سيّد تاريخه‪،‬‬
‫ويتجىل مفهوم هذه الحتمية يف الجملة الشهرية‬ ‫مما يسمح له بتجاوز املايض‪ .‬ويجب‬
‫املقتبسة من كتابه الفلسفي حول حساب‬
‫اعتبار ذكائه الفني بمثابة «الحيلة»‬
‫االحتماالت‪« :‬يجب علينا إذن أن ننظر إىل‬
‫قصتي هي ّ‬
‫قصتك (‪ ،)2000‬من أعمال‬ ‫ّ‬ ‫الوضع الحايل للكون عىل أنه نتيجة لوضعه‬ ‫التي تُنتج تأثريا جديدا يف العالم‪ ،‬وتدعو‬
‫الفنان الكوبي خوان روبرتو دياغو‬ ‫السابق وعىل أنه مصدر لوضعه املقبل‪ .‬إن‬ ‫إىل تقاسم الثقافات‪ ،‬من خالل ابتكار‬
‫الذكاء القادر‪ ،‬يف لحظة معينة‪ ،‬عىل التعرف‬
‫عىل كل القوى التي تُ ّ‬
‫سي الطبيعة وعىل‬ ‫عمل مفتوح وغري مُحدّد‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬هل من باب الصدفة أم جراء توقيت‬
‫معريف وإيديولوجي إن كان علماء آخرون‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الخاصة بكل الكائنات فيها‪ ،‬إذا‬ ‫الوضعيات‬
‫عىل غرار جورج كوفيي‪ ،‬قد استحوذوا عىل‬ ‫كان يف وسعه تحليل هذه املعطيات‪ ،‬فمن‬
‫املحتمل أن يكون ذكاء يضم يف نفس الصيغة‬ ‫تنرش رسالة اليونسكو هذا املقال مساهمة‬
‫فكرة الحتمية هذه‪ ،‬يف ظل حكم نابليون‬
‫تح ّركات أكرب األجسام يف الكون وتحركات‬ ‫منها يف إحياء اليوم العاملي لذكرى تجارة‬
‫(‪ )1815-1804‬ويف الوقت الذي أعاد فيه‬ ‫الزنوج وإلغائها (‪ 23‬أغسطس)‪ .‬وقد ت ّم‬
‫العبودية ونرش االستعمار ا ُملكثّف‪ ،‬العتمادها يف‬ ‫أصغر ذ ّرة فيه‪ .‬ال يشء يُمكن أن يكون محل‬
‫احياء هذه الذكرى ألول م ّرة منذ عرشين‬
‫تطبيق مفهوم األجناس البرشية؟ لقد أحدثوا‬ ‫شك بالنسبة له‪ ،‬واملستقبل‪ ،‬كما املايض‪ ،‬هو‬
‫سنة يف ‪ ،1998‬تكريما لثورة ‪ 1791‬يف‬
‫بذلك عنرصيّة علمية تو ّرط فيها علماء سيّؤو‬ ‫حارض يف نظره»‪.‬‬
‫سان‪-‬دومنغ (حاليا هايتي والجمهورية‬
‫الذكر أمثال غوبينو‪ ،‬وفريديريش بلومنباخ‪،‬‬ ‫بعبارة أخرى‪ ،‬يُخيّل إلينا أننا أشخاص‬ ‫الدومينيكية) التي لعبت دورا حاسما يف‬
‫وهيوستن ستيوارت تشامربلني‪ ،‬وفايش دو‬ ‫يتمتعون بالحرية واالستقاللية‪ ،‬يف حني أننا‬ ‫إلغاء تجارة الزنوج عرب األطليس‪.‬‬
‫البوج وكلهم يقيّدون ما‪ ‬يُسمّ ونه باألجناس يف‬ ‫كيانات ناتجة عن األحداث التي سبقتنا‪ ،‬ونظل‬
‫أشكالها‪ ،‬بحكم الحتمية التاريخية‪.‬‬ ‫تحت تأثريها‪.‬‬
‫وإذا كان «الله ليس بالعب النرد يف الكون»‪،‬‬
‫حسب عبارة أينشتاين الشهرية‪ ،‬فمن املحتمل‬
‫أن يُوجد يف سياق هذا االنسجام الكوني‪،‬‬
‫نسق منطقي يُبني املحظوظني من امللعونني‪،‬‬
‫يمكن التع ّرف عليهم وتحديد مواقعهم علميّا‬
‫باالعتماد عىل أشكالهم‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫أفكار‬

‫ونحن نعلم أن مثل هذا الفكر اآليل هو الذي‬


‫شجّ ع عىل اآللية الرشسة لالنتشار الصناعي‬
‫للعبودية‪.‬‬
‫مع األسف‪ ،‬وبعد مرور فرتة طويلة منذ إلغاء‬
‫العبودية‪ ،‬ورغم تقدّم العلم يف كل مجاالت‬
‫البيولوجيا‪ ،‬واألنثروبولوجيا‪ ،‬والعلوم الصلبة‬
‫مثل الفيزياء والفيزياء الفلكية‪ ،‬يظل مثل‬
‫هذا املفهوم قائما إىل اليوم يف األذهان وال‬
‫يزال يتخلل خلفيّتنا الثقافية‪ .‬ألم نسمع يف‬

‫‪© Photo by Christopher Duggan‬‬


‫التلفزيون ويف وسائل اإلعالم كالما حول «لعنة‬
‫الشعب الهايتي»‪ ،‬إثر الزلزال الذي أصاب‬
‫هايتي سنة ‪ ،2010‬ويف ذلك جمع بني فكرة‬
‫الهوتية وحادثة شوهت أديم األرض‪ ،‬يف ارتباط‬
‫بأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية؟ وكأن‬
‫ماض م ٍ‬
‫ُتأت من‬ ‫هذا البلد بقي تحت تأثري ٍ‬
‫مشهد من «ريفاليشن»‪ ،‬عرض للراقص‬ ‫ظرف أصيل‪ ،‬تكمن أسبابه يف أعماق العصور‪...‬‬
‫واملخرج األفريقي األمريكي ألفني آييل‬ ‫وهو ما يؤهل دون شك عدم األخذ بعني‬
‫(‪.)1989-1931‬‬ ‫االعتبار مسألة االستعمار والتاريخ السيايس‬
‫إىل ما أبعد من الذاكرة‪ :‬لنكن‬ ‫واالقتصادي الذي يقود مصري هذه الجزيرة إىل‬
‫صانعي تاريخنا‬ ‫يومنا هذا‪.‬‬
‫هذه الحرية هي يف الواقع حرية سعينا صلب‬ ‫يف منتصف القرن املايض‪ ،‬أدخل فرينر‬ ‫و ْلنحذر من مفهوم التأثري هذا‪ ،‬فهو مثل‬
‫تاريخنا الذاتي‪ .‬وهو تاريخ لم نعد فيه مج ّرد‬ ‫هايزنربغ يف علم فيزياء الكم مبدأ عدم التحديد‬ ‫السالح ذي الح ّديْن‪ ،‬قد يجرح من يستعمله‪.‬‬
‫أشياء تفكر‪ ،‬وإنما أفرادا فاعلني‪ .‬بالرغم من‬ ‫أو مبدأ عدم التأ ّكد‪ ،‬وبموجب هذا املبدأ‪ ،‬ال‬ ‫إذا لم نحذره‪ ،‬فقد يج ّرنا إىل ما وراء معناه‪،‬‬
‫أننا موضوع أفعالنا‪ .‬لسنا بكيانات أجربها‬ ‫يمثّل اليشء شيئا واحدا يف نظر الفاعل‪ ،‬وبما‬ ‫أي إىل التسليم بأننا خاضعون لقدر محتوم‪،‬‬
‫التاريخ عىل التفكري من خالله‪ ،‬ولكن صانعي‬ ‫أن الفاعل الذي ينظر لليشء منفصل وُجوديّا‬ ‫ومُجربون عىل أن نرسم‪ ،‬ونرقص‪ ،‬ونغنّي‪،‬‬
‫تاريخ نبنيه نحن ونشارك يف بنائه‪.‬‬ ‫عنه‪ ،‬فلن يقدر عىل إدراكه إال إذا كان يعلم بأنه‬ ‫ونمثل‪ ،‬ونخرج أفالما إىل ما ال نهاية له‪ ،‬حول‬
‫سيكون له تأثري عليه وإذا كان واعيا برضورة‬ ‫هذه الخلفية التي تشكل ما تبقى من ذاكرة‬
‫يجب علينا إذن أن نمعن النظر يف التاريخ‪،‬‬
‫أخذ ذلك التأثري يف االعتبار‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ليس‬ ‫هذا االنفجار الالإنساني الذي جعل منا ما نحن‬
‫يف تاريخنا‪ ،‬ليس من املنظور الحتمي‪ ،‬وإنما‬
‫هناك شيئا مُطلقا ومُحدّدا‪ ،‬وال فاعال مُطلقا‪،‬‬ ‫عليه‪ .‬محكوم علينا بالرقص عىل الشنيعة‪.‬‬
‫حسب مفهوم صانع التاريخ الذي صاغه‬
‫وإنما تُوجد عالقة‪ .‬وهي عالقة ناتجة عن فعل‪،‬‬
‫هيجل‪ .‬ليست جدليّة هيجل الشهرية للسيّد‬ ‫لنحذر إذن من األخذ عىل عاتقنا هذا املفهوم‬
‫وحركة وفكر الفاعل ذاته يف عالقته باليشء‪.‬‬
‫والعبد سوى توضيح ملا تضفي إليه استعادة‬ ‫الحتمي والعنرصي للكائنات البرشية الذي‬
‫الفاعل لتاريخه الذاتي ليكسب حريته‪.‬‬ ‫ولكن ما عىس أن تكون طبيعة هذه العالقة‬ ‫قد يؤدي بنا إىل جعل املقتدرين من بيننا عىل‬
‫إن تاريخنا وذاكرتنا ال يُؤثّران علينا إال إذا‬
‫وهذا التأثري‪ ،‬إذا كان الفاعل نفسه مُحدّدا‬ ‫ّ‬
‫والرسامون ‪-‬‬ ‫ّ‬
‫القصاصون‬ ‫التعبري الفنّي –‬
‫وخاضعا لتأثري قضيّة سابقة؟ سوف تكون‬ ‫ِ‬ ‫خاضعني ألعبَاء التاريخ‪.‬‬
‫كنا نؤثّر بدورنا عليهما‪ .‬ومن ثمّ‪ ،‬لم يعد‬
‫منعدمة وقا ِبلة للحرص يف معادلة حسابية‪ .‬إن‬
‫ذلك العمق الكوني الذي تتكون منه ذاكرتنا‬
‫األفق الوحيد أمامنا‪ .‬ونغادر ذلك الثقب املظلم‬
‫مبدأ عدم التحديد الذي يفرتض أسلوبا جديدا‬ ‫تحرير التاريخ من الحتميّة‬
‫غري حتمي بيننا وبني الكون‪ ،‬يستلزم إذن أن‬
‫لنكتشف نسبيّته‪ .‬ونف ّر منه لنستعيد هويتنا‪،‬‬ ‫إن تاريخ العبودية ليس بمثابة االنفجار‬
‫يكون الفاعل نفسه غري مُحدّد‪ ،‬وأن ال يخضع‬
‫ونخلق زمنا جديدا يكون زمننا‪ ،‬ليس إال‪ .‬إن‬ ‫العظيم (بيغ بانغ) بالنسبة لنا‪ ،‬وال يمثل‬
‫عمله وال فكره إىل السببية اآللية‪ .‬وبعبارة‬
‫هذا الزمن املرتبط بكياني وعميل ليس إال ذاتي‪.‬‬ ‫تلك اللحظة األصلية التي تو ّلد عنها كل يشء‬
‫أخرى‪ ،‬أن يكون الفاعل ح ّرا‪ ،‬يف حركية‬
‫أنا الزمن الفاعل‪ ،‬وأنا تعبريه‪.‬‬ ‫بشكل آيل وال رجعة فيه‪ ،‬إذ يوجد ما هو سابق‬
‫مستم ّرة ويف عملية تطوّر‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهو يح ّرر‬
‫الشباك الكونية التي كادت‬ ‫وينغلق الفخ‪ ،‬تلك ٍّ‬ ‫اليشء من ذاته‪ .‬ومن خالل هذا الرتدّد الجديل‬ ‫للعبودية‪ ،‬أال وهو تاريخ ما قبل استعمار‬
‫أن تش ّكل ذاكرتي‪ ،‬ليحبس كائنا آخر غريي‬ ‫للعالقة‪ ،‬يستعيد اليشء استقالليته‪.‬‬ ‫أفريقيا واألمريكتني‪ ،‬وما هو الحق لها أي‬
‫أنا‪ .‬ويُوصد الفخ عىل تاريخ مىض وبات نسبيا‪.‬‬ ‫املستقبل الذي يجب بناؤه‪ .‬وقد سمح لنا العلم‬
‫تاريخ أصبح تاريخي وأصبحت أمتلكه‪ ،‬لكنني‬ ‫واملفاهيم الجديدة للتاريخ بدرء هذه الحتمية‬
‫لم أعد سجينا له‪ .‬فأتحوّل إىل سيّد تاريخي‬ ‫اآللية الخطرية وما تحمله من تصوّر للتأثري‪.‬‬
‫ألنني فتحت آفاقه وم ّزقت شباكه‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪52‬‬


‫أفكار‬

‫وإذا حقق الفنان ذلك‪ ،‬فألنه قادر بمحض‬ ‫جدلية الفنان وعمله‬
‫إرادته‪ ،‬عىل إعطاء طاقته الذاتية‪ ،‬ا ُملتح ّررة‬
‫واملستق ّلة للقِ سط املتبقي يف أعماق الذاكرة‬ ‫بناء عىل ما سبق‪ ،‬بإمكاننا النظر إىل الفنان عىل‬
‫واملتمثل يف الثقافة‪ .‬إن طاقة الفنان تكمن يف‬ ‫أساس النظام الجديل بني الفاعل وعمله‪ ،‬حسب‬
‫ترصفه الفعيل ويف قدرته عىل العمل باملفهوم‬ ‫جدلية الفاعل‪/‬اليشء‪ .‬هذا العمل الفني هو‬
‫الذي يُعطيه أرسطو لكلمة أنرجيا (التي تفيد‬ ‫تعبري مُختلف يدل عىل التأجيل باملعنى الذي‬
‫حَ رفيا «من هو منهمك يف العمل»‪ ،‬ولكن أيضا‬ ‫استنبطه جاك دريدا ألنه يتمثل يف اإلرجاء‪ ،‬ويف‬
‫«من يش ّكل شيئا‪ ،‬من يقوم بعمل») – إن‬ ‫الخروج عن الذات ومن الزمن الذاتي‪ ،‬ويؤدي‬
‫ُعبان يف الواقع عن نفس‬ ‫الشكل والطاقة ي ّ‬ ‫إىل يشء يختلف عن الذات أو عن كلية الذات‪.‬‬
‫اليشء‪ ،‬كما يُؤ ّكد ذلك علم الفيزياء‪.‬‬ ‫وهو ابتعاد عن الذات‪ ،‬ابتعاد ّ‬
‫معب‪ .‬عملية‬
‫عب عن‬ ‫ُ‬
‫اإلبداع الفني هي إذن خطرية ألنها ت ّ‬
‫وانطالقا من هذه األنرجيا‪ ،‬يمكن القول‬ ‫أزمة‪ .‬وكلمة كريزيس باللغة اليونانية تعني‬
‫بأن الفنان هو شخص مضطرب وممسوس‬ ‫«الفصل‪ ،‬التمييز»‪ .‬لكن كلمة كريز (أزمة)‬
‫و«مُنفعل»‪ .‬كما يُمكن القول أيضا‪ ،‬انطالقا من‬ ‫تعني باللغة الفرنسية «الحكم‪ ،‬القرار»‪ .‬هذه‬
‫فعل أنرجيو‪ ،‬بأنه واقع تحت التأثري‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫األزمة هي الزمن الجديل لوالدة يشء يأتي‬
‫ّ‬
‫ومستقل‬ ‫كيف يُمكن للفنان أن يكون ح ّرا‬ ‫من الذات‪ ،‬دون أن يكون الذات نفسها‪ .‬هذا‬
‫ومُتح ّررا‪ ،‬ويف نفس الوقت خاضعا للتأثري؟ هذا‬ ‫التأجيل هو هبة من الذات إىل ما هو ليس‬
‫تناقض ظاهري يمكن تفسريه بكل بساطة‬ ‫الذات‪ ،‬أي إىل اآلخر‪ .‬وينتج عن هذا التأجيل‬
‫بكون الفنان ح ّرا يف اختيار تأثرياته‪ ،‬ح ّرا بأن‬ ‫يشء جديد‪ ،‬لكنّه يشء متحيّز‪ .‬إن ما يكسب‬
‫يسمح لنفسه بأن يكون مسكونا‪ ،‬وبأن يسيطر‬ ‫العمل الفني معناه هو ذلك العطاء الذي‬
‫عليه أحد أبعاد الذاكرة الجماعية الذي قرر أن‬ ‫يفتح امكانية التقاسم بني اآلخر والذات‪ ،‬ويف‬
‫يمتلكه‪ .‬وذلك هو الثمن الذي يدفعه الفنان‪،‬‬ ‫ذلك التقاسم يكمن التعبري‪ ،‬أي يف تلك العالقة‬
‫بما أنه حر‪ ،‬حتى يكوّن أشكاال خصوصية‪،‬‬ ‫بني الفاعلني بواسطة يشء ذاتي يُريس بطبيعته‬
‫ويسيطر عىل القوى التي تسكنه‪ ،‬ويهيمن عىل‬ ‫لم يعد محكوم عيل ّ بالرقص عىل الشنيعة‪،‬‬
‫حوارا صامتا بينهما‪.‬‬ ‫ألنني أصبحت سيّد زمني وسيّد نفيس‪ ،‬كما‬
‫من كان يقوده‪ .‬هذا االختيار هو تحديدا ما‬
‫يمكن أن نُسمّ يه بااللتزام‪ ،‬حسب املفهوم الذي‬ ‫وبما أنّه يت ّم اختيار العمل الفني بكل ح ّرية‬ ‫أنّني سيد خياراتي وتعبريي‪ .‬أنا كائن حر‬
‫حدده سارتر‪ .‬يلتزم الفنان كليا باملادّة التي‬ ‫من قبل الفاعل املستقل الذي يقوم بعرضه‬ ‫ومستقل ومتح ّرر من ذاكرتي‪ .‬وال يُمكن‬
‫يختارها‪ ،‬ويخاطر بتلك املادّة ألنها تتفاعل‬ ‫ويجعل منه هبة ومح ّل تقاسم مع اآلخر‪-‬‬ ‫تفسري ما أعرب عنه من خالل ما يعكسه املايض‬
‫معه‪ .‬وإذا تفاعلت معه فألنه يشعر يف نفسه‬ ‫املشاهد‪ ،‬يكتسب ذلك العمل استقالليته‬ ‫فقط‪ ،‬سواء كان هذا املايض فرديا أو جماعيا‪.‬‬
‫بحاجة قصوى أو نقص ال بد من سدّه‪.‬‬ ‫ومعناه الخاص‪ ،‬وربّما حتى لغزه وغموضه‪،‬‬ ‫لقد فتحت باب املمكن‪.‬‬
‫ويمكن أن يصبح محل انتباه وتفهم‪ ،‬يف عزلة‬ ‫وهذا يعني أنه ال يُوجد أي التزام أخالقي أو‬
‫هذه هي الطريقة التي يجب اتباعها عند‬ ‫عن الفنان الذي ابتكره‪ .‬ولهذا يُمكن لبعض‬
‫التفكري يف الذاكرة املتبقية من تاريخ العبوديّة‪:‬‬ ‫ذهني بالنسبة لفنان أسود البرشة كي يرسم‬
‫الفنانني القول بأن عملهم‪ ،‬حال االنتهاء من‬ ‫ّ‬
‫ُستقل‪،‬‬‫تاريخه املظلم‪ ،‬بما أنه أصبح ح ّرا م‬
‫يجب اعتبارها مادّة للفنان الذي يرغب يف‬ ‫إنجازه‪ ،‬لم يعد ملكهم‪ ،‬بل يصبح برمته هبة‬
‫اإلمساك بها‪.‬‬ ‫وبما أنه تم اإلعرتاف له بذلك‪.‬‬
‫إىل الفهم الجمايل الكوني‪.‬‬
‫واليشء الذي ينتج عن عمله‪ ،‬فهو ما يُسمّ يه‬ ‫ومهما يكن الفنان‪ ،‬لم يعد باإلمكان اعتباره‬
‫أرسطو أنتيليشيا (اليشء الذي يُقيم يف نهايته)‪.‬‬ ‫وسيطا يف التعبري يستجيب لطلب سيّده‪،‬‬
‫الفنان‪ ،‬ح ّر ومح ّل‬ ‫سيّد يتحكم يف موضوع يرغب يف رسمه‬
‫وهو بمثابة غاية تهم الشكل‪ ،‬يت ّم انتاجها من‬
‫خالل الطاقة‪-‬الشكل التابعة للفنان الذي يهب‬ ‫تأثري يف آن واحد‬ ‫والتعبري عنه‪ ،‬سيّد عىل تاريخ وعىل قصة‬
‫لألثر استقالليته‪ .‬وبما أن هذا األثر الفني ليس‬ ‫نشأة الكون‪ ،‬سيّد عىل القيم والجمال‪ ،‬سيّد‬
‫إن تلك الح ّرية املؤكدة هي التي تعطي قيمة‬ ‫عىل رؤية وعىل مفهوم للعالم موروث عن‬
‫بالفنان نفسه‪ ،‬بل مو ّلد من كيانه‪ ،‬فهو يظل‬ ‫للهبة‪ ،‬أي لِتربّع الفنان بعمله‪ .‬إنها تمنحه‬‫ِ‬
‫استفهاما‪ ،‬شكال يسائل غموض التاريخ‪ ،‬كما‬ ‫تاريخ يسجننا‪ .‬بل يجب اعتبار الفنان كائنا‬
‫القدرة عىل اإلبداع باملعنى الحقيقي للكلمة‪،‬‬ ‫فاعال‪ ،‬مستقال وح ّرا يف تعبريه ويف رؤيته‬
‫يسائل الحارض حيث تبقى الذاكرة حيّة‪.‬‬ ‫أي ابتكار الجديد انطالقا من القديم‪ ،‬وتوليد‬ ‫الشخصية للعالم ولتاريخه الخاص‪ .‬ومن ثمّ‪،‬‬
‫ويف آخر املطاف‪ ،‬أال يمثل األثر الفني الذي‬ ‫تغيات عىل مستوى الشكل‪ .‬ومن خالل إعادة‬ ‫ّ‬
‫يصبح من الرضوري إعادة النظر يف عمله‬
‫«يُقيم يف نهايته»‪ ،‬فع َل ذلك املضطرب الذي‬ ‫صياغة املادة املكونة من التاريخ ال ّراسب يف‬ ‫بطريقة جديدة‪ ،‬من خالل وجهة نظر جمالية‬
‫يسعى للتخ ّلص من تلك الذاكرة التي تسكنه‪،‬‬ ‫الذاكرة الثقافية والجمالية وحتى األخالقية‪،‬‬ ‫وأخالقية وسياسية أخرى‪ .‬وانطالقا من هذه‬
‫و يبحث عن كيفية وضع حد لذلك التاريخ‬ ‫يُنتج الفنان معنى جديدا‪.‬‬ ‫الحرية املكتسبة إزاء الحتمية التاريخية‪،‬‬
‫بابتكار طريقة جديدة تُنري املايض مع تركه يف‬ ‫علينا أن ننظر إىل عمل كل فنان‪ ،‬ال كتعبري‬
‫مكانه‪ ،‬لتجاوزه تماما؟‬ ‫ُجب لذاته ولذاكرته‪ ،‬وإنما كتعبري‬‫مُكره وم َ‬
‫عن حركة مقصودة‪ ،‬يكون قد أعطاها مغزى‬
‫وساقها‪ ‬للوجود‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫أفكار‬

‫حيلة الذكاء الفني‬


‫تلك هي طريقة الفنان‪ ،‬يختار التأثري الذي‬
‫يُالئمه ليُمارس حريّته حتى ال يبقى تحت‬
‫تأثري املايض وحتى يُؤلف الحارض‪ .‬وعندما‬
‫نذكر‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬تأثري الفن األفريقي‬
‫أو الفن ا ُملسمّ ى بالزنجي عىل الفن الحديث‪،‬‬
‫يف أعمال بيكاسو‪ ،‬وبراك‪ ،‬ودوران‪ ،‬وماتيس‪،‬‬
‫وحتى أبولينار والرسياليني‪ ،‬فيجدر فهمه‪،‬‬
‫ال كتأثري يشء عىل فاعل بصفة آلية‪ ،‬وإنما‬
‫كحِ وار بني طرفني‪ .‬ويحدث هذا التأثري ألن‬
‫كل هؤالء الفنانني كانوا يم ّرون بمرحلة دقيقة‬
‫تجعلهم يُعيدون النظر يف األشكال املوروثة من‬

‫‪© Chichi Reyes‬‬


‫ُعبة‪ .‬إن‬‫ماضيهم باحثني عن موا ّد جديدة م ّ‬
‫لوحة بيكاسو آنسات أفينيون هي ثمرة حوار‬
‫بني مسألة جمالية غربية يف لحظة مُعيّنة وبني‬
‫العرشي السدايس (تقنيات مختلطة)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فنكتشف بهذه املناسبة أن‬ ‫الفن األفريقي‪،‬‬
‫‪ ،2015‬من أعمال‬ ‫الفن األفريقي ليس «بدائيّا»‪ ،‬كما يُقال‪ ،‬وإنما‬
‫من هنا‪ ،‬يمكن الحديث عن حيلة الذكاء الفني‬ ‫شييش رايس ‪ -‬الجمهورية الدومينيكية‬ ‫حامل لبعد ابداعي وفكري‪ .‬وقد اعترب مايول‬
‫التي تدمج القديم يف الجديد‪ ،‬مع تجاوز‬ ‫أن «الفن الزنجي يطفح باألفكار‪ ،‬أكثر من‬
‫املايض‪ ،‬وتسمح بالتأثري عىل إدراك املايض‪.‬‬ ‫الفن اليوناني»‪ .‬وسوف تتو ّلد عن هذا اللقاء‪،‬‬
‫ذلك هو تمازج األجناس دون شك‪ :‬تح ّرك يف‬ ‫وذلك ممكن ألن موسيقى الغوسبل (الغناء‬ ‫يف نفس الوقت‪ ،‬أشكال جديدة للتعبري ونظرة‬
‫اتّجاه الجديد يتيح ابتكار تأثري جديد‪ .‬وكانت‬ ‫األنجييل) والبلوز يف الواليات املتحدة هما‬ ‫جديدة لليشء تؤسس لحوار جمايل جديد‪ :‬أال‬
‫اإللهة ميتيس‪ ،‬زوجة زيوس األوىل‪ ،‬والتي يعني‬ ‫جزء من قاعدة مشرتكة تسمح للسود‬ ‫وهو الفن األفريقي‪.‬‬
‫أسمها حرفيا «النصيحة‪ ،‬الحيلة»‪ ،‬قادرة عىل‬ ‫بمخاطبة البيض بأسلوب صوتي يفتح العقل‬ ‫إن ما يُسمّ ى بالتأثري هو يف الواقع اختيار‬
‫التأثري عىل زيوس نفسه وعىل إقناعه بتغيري‬ ‫عىل محتوى خطابهم‪ .‬وكانت خطب زعيم‬ ‫أملته رضورة التعبري‪ .‬ويف التعبري تداخل بني‬
‫رأيه‪ ،‬وهي التي كان يقول عنها الشاعر هسيود‬ ‫الحقوق املدنية تُلقى عىل إيقاع الغوسبل –‬ ‫الفاعل واليشء‪ ،‬هناك امتالك‪ .‬ويمكن القول‬
‫«بأنها تعرف أشياء أكثر من كل إله‬ ‫وهو ما يسمح بإيصالها بشكل أقوى‪ ،‬وما‬ ‫ّ‬
‫امتلكهن‬ ‫يف هذا الصدد إن آنسات أفينيون قد‬
‫ومن كل إنسان مُع ّرض للفناء»‪.‬‬ ‫يكسيها طابعا كونيّا‪ .‬وكانت خطبه تتمحور‬ ‫الفن األفريقي‪ .‬إن العمل الفني هو نتاج البحث‬
‫طبعا حول ذاكرة العبودية املشرتكة‪ ،‬لكنها‬ ‫عن نظرة جديدة‪ ،‬وعن تحوّل يف الذوق‪ ،‬أو‬
‫إن ادماج الذاكرة‪ ،‬سواء كانت ذاكرة‬
‫كانت تُلقى من منظور مختلف يتناسب‬ ‫مثلما قال نيتشه عن املوسيقى‪ ،‬هو « نهضة‬
‫العبودية أو أي ذاكرة أخرى‪ ،‬يف جسم‬
‫مع‪ ‬معارصيه‪.‬‬ ‫فن االستماع»‪ .‬كان نيتشه مُنبهرا بأوبرا‬
‫جديد وشكل جديد‪ ،‬إنما هو حيلة الذكاء‬
‫الفني قصد التأثري عىل الحارض‪ .‬واألحداث‬ ‫يف فن الرقص‪ ،‬عندما تستلهم كاترين دونهام‪،‬‬ ‫كارمن لبيزيه‪ ،‬حيث اكتشف بُعدا أفريقيّا‪.‬‬
‫الفنية تزخر باألمثلة من هذا القبيل يف الرقص‪،‬‬ ‫وبعدها ليسرت هورتن أو ألفني آييل‪ ،‬من‬ ‫ويأتي هذا االنبهار من اللقاء بني العمل الفني‬
‫واملوسيقى‪ ،‬واملرسح‪ ،‬والفن التشكييل أو‬ ‫التقاليد األفريقية أو الهندية ومن ذاكرة‬ ‫وبني الفيلسوف الذي كان حينها يبحث عن‬
‫السينما‪ .‬هذه الحيلة ال تكون ممكنة‬ ‫العبودية‪ ،‬عنارص مُؤسسة إلبداعِ هم‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫شكل جمايل جديد يكون له معنى ويفتح له‬
‫إال إذا س ّلمنا ِبأن الفنان تح ّرر من‬ ‫يندرج يف إطار البحث عن أشكال جديدة‬ ‫أفقا جديدا‪ ،‬بعد انفصاله عن الرومنطيقية‬
‫ماضيه ودمجه يف عمله الفني –‬ ‫تسمح يف اآلن نفسه بإلقاء الضوء عىل املايض‬ ‫وعن‪ ‬فاغنر‪.‬‬
‫وأنه اختار هذا التأثري كفاعل‬ ‫وبإنتَاج نظرة جديدة‪ .‬لقد وُلدت موسيقى‬ ‫إن الحديث عن التأثري هو يف الواقع حديث عن‬
‫ح ّر ومستقل وليس كمفعُ ول‬ ‫الجاز يف كونغو سكوير‪ ،‬مكان للقاء والرقص‬ ‫البحث عن أشكال جديدة وعن مضامني شكلية‬
‫به‪ .‬وهو ما يستوجب منا أيضا‬ ‫يرتدد عليه العبيد يف أورليون الجديدة‬ ‫جديدة‪ ،‬قادرة عىل تغيري طريقة املشاهدة‬
‫ْ‬
‫ُنفصلي‬ ‫اعتبار الفنان وعمله م‬ ‫بالواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬بهدف إدخال‬ ‫واالستماع والتثمني‪ .‬هو رصاع‪ .‬إن اإلبداع‬
‫وُجوديّا‪ ،‬رغم الصلة التي‬ ‫عنارص مُؤسسة لذاكِرتهم يف شكل موسيقي‬ ‫الفني يتجاوز املقاومة‪ ،‬هو «رياضة مصارعة»‬
‫تربطهما نوعا ما‪ ،‬صلة يحددها‬ ‫جديد‪ .‬لكن هذه الذاكرة يت ّم تجاوزها بالشكل‬ ‫ضد أنماط من إدراك العالم واألشياء‪ ،‬أنماط‬
‫الفنان وطريقة معالجته ملادّة‬ ‫ذاته فتخلق فضاء مشرتكا لتقاسم اإلحساس‬ ‫راسبة فرضتها ثقافة سائدة‪ .‬عندما قال مارتن‬
‫الذاكرة‪ ،‬بمحض اختياره‪ .‬وهذا يعني‬ ‫بني أشكال ثقافية متعدّدة وآفاق متعدّدة‪.‬‬ ‫لوثر كينغ إن «املوسيقى هي سالحنا الحربي»‪،‬‬
‫أيضا أنه يجب علينا أن ننظر إىل العمل‬ ‫لم يكن يقصد شيئا آخر‪ .‬سالح فاعل‪ ،‬ال فقط‬
‫الفني باعتبار استقالليّته ولغز غموضه‪.‬‬ ‫لقدرته عىل تجميع القوى حوله‪ ،‬وإنما أيضا‬
‫ويبقى العمل الفني مفتوحا ومح ّل تقاسم‪،‬‬ ‫ألنه يُؤثّر يف إحساس الخصم ويتم ّلكه‪ .‬هو‬
‫وبالتايل مح ّل نقد وتقييمات مختلفة‪.‬‬ ‫سالح يُخاطب الخصم وبفضل اإلحساس‪،‬‬
‫يفتح له أفقا‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪54‬‬


‫أفكار‬

‫وأخريا‪ ،‬انطالقا من العمل ذاته‪ ،‬ال يمكن‬


‫استنتاج لون صاحبه‪ .‬فال يجب تقييد ّ‬
‫الرسام‬
‫األسماء املذكورة‬ ‫الرسام ليس هو الذي‬ ‫بلون برشته‪ ،‬ألن لون ّ‬
‫يُعطي األلوان للعمل‪ ،‬وإنما العمل ذاته‬
‫أبولينار‪ ،‬غيوم (‪ ،)1918-1880‬شاعر فرنيس‬
‫والتحاليل النقديّة التي تُقدّم الحقا‪ .‬بتنوّ ع‬
‫أرسطو (القرن الرابع قبل امليالد) فيلسوف يوناني‬
‫امكانياته واالمكانيات الالمتناهية لشكله‬
‫آييل‪ ،‬ألفني (‪ ،)1989-1931‬راقص أمريكي‬ ‫املنفتح وتأويالته‪ ،‬ي ّ‬
‫ُعب العمل الفني عمّ ا قاله‬
‫أينشتاين‪ ،‬ألبري (‪ ،)1955-1879‬عالم فيزياء من أصل أملاني‬
‫المارتني عند مقاومته للعبودية البغيضة‪:‬‬
‫براك‪ ،‬جورج (‪ ،)1963-1882‬رسام فرنيس‬
‫«لوني هو لون من يعاني من االضطهاد‪.».‬‬
‫بلومنباخ‪ ،‬جوهان فريديريش (‪ ،)1840-1752‬عالم أملاني يف األنثروبولوجيا‬
‫بيزيه‪ ،‬جورج (‪ ،)1875-1838‬مُلحّ ن فرنيس‬
‫بيكاسو‪ ،‬بابلو (‪ ،)1973-1881‬رسام إسباني‬
‫داريدا‪ ،‬جاك (‪ ،)2004-1930‬فيلسوف فرنيس‬
‫دوران‪ ،‬أندري (‪ ،)1954-1880‬رسام فرنيس‬ ‫أالن فوا (فرنسا) كاتب‪ ،‬ومُؤ ّلف مرسحي‪،‬‬
‫دونهام‪ ،‬كاترين (‪ ،)2006-1909‬راقصة أمريكية‬ ‫ومُخرج وفيلسوف من غوادلوب‪ .‬أسس‬
‫سارتر‪ ،‬جان‪-‬بول (‪ ،)1980-1905‬كاتب وفيلسوف فرنيس‬ ‫«رصيف الفنون»‪ ،‬رشكة مُتعدّدة‬
‫شمربالن‪ ،‬هوستن ستيوار (‪ ،)1927-1855‬كاتب بريطاني‬ ‫االختصاصات تلتقي فيها العروض‬
‫غوبينو‪ ،‬أرتور دو (‪ ،)1882-1816‬كاتب فرنيس‬ ‫الحيّة مع التكنولوجيات الحديثة للصورة‬
‫فايش دو البوج‪ ،‬جورج (‪ ،)1936-1854‬عالم فرنيس يف األنثروبولوجيا‬ ‫والصوت‪ .‬وهو مؤلف أنا أرقص‪ ،‬إذن أنا‬
‫فاغنر‪ ،‬ريتشارد (‪ ،)1883-1813‬مُلحّ ن أملاني‬ ‫موجود (‪ ،)2007‬تاريخ العبودية كما‬
‫كوفيي‪ ،‬جورج (‪ ،)1963-1882‬خبري فرنيس يف علم الترشيح‬ ‫ُروي ملاريان (‪ ،)2007‬أسود‪ ،‬من توسان‬
‫كينغ اإلبن‪ ،‬مارتن لوثر (‪ ،)1968-1929‬قس أمريكي ومناضل يف سبيل الحقوق املدنية‬ ‫الفنتور إىل باراك أوباما (‪ ،)2009‬مارتن‬
‫البالس‪ ،‬بيار سيمون دو (‪ ،)1827-1749‬عالم فرنيس يف الرياضيات‬ ‫لوثر كينغ (‪ ،)2012‬تيش غيفارا (‪.)2015‬‬
‫المارتني‪ ،‬ألفونس دو (‪ ،)1869-1790‬شاعر فرنيس‬ ‫نذكر من بني مؤلفاته املرسحية فينوس‬
‫ماتيس‪ ،‬هنري (‪ ،)1954-1869‬رسام فرنيس‬ ‫وآدم (‪ ،)2004‬ال تسجن الرياح (‪،)2006‬‬
‫مايول‪ ،‬أريستيد (‪ ،)1944-1861‬نحّ ات فرنيس‬ ‫املشهد األخري (‪ ،)2012‬جلسة مغلقة بني‬
‫نيتشه‪ ،‬فريديريش (‪ ،)1900-1844‬فيلسوف أملاني‬ ‫مارتن لوثر كينغ وزوجته كوريتا وموميا‬
‫هايزنربغ‪ ،‬فرينر (‪ ،)1976-1901‬عالم فيزياء أملاني‬ ‫أبو جمال‪.‬‬
‫هسيود (القرن الثامن قبل املسيح)‪ ،‬شاعر يوناني‬
‫هيجل‪ ،‬جورج ويليام فريديريش (‪ ،)1831-1770‬فيلسوف أملاني‬
‫هورتن‪ ،‬ليسرت (‪ ،)1953-1906‬راقص أمريكي‬

‫سفر‪ ،‬تركيبة (‪ 300 × 300 × 350‬صم) من أحذية وتماثيل‬


‫م ّ‬
‫ُصغرة لفرقة اليوروبا (إيباجي)‪ ،‬تُذ ّكر باالتّجار بالعبيد‪،‬‬
‫صمّمها سنة ‪ 2015‬الفنان البينيني دومينيك زنكبي‬ ‫‪© Dominique Zinkpé /‬‬
‫‪Photo Charles Placide TOSSOU‬‬

‫‪55‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫ضيفتنا‬

‫ضيفنا‬

‫مع ّلقة معركة الجزائر‪،‬‬


‫فيلم يف التاريخ (‪،)2017‬‬
‫رشيط وثائقي ملالك بن اسماعيل‬
‫‪© Hikayet Films/Ina‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪56‬‬


‫ضيفتنا‬

‫ تصوير الواقع‬
‫قد يزعج‪ ،‬ولكنه يساعد عىل النضج‬ ‫ ‬
‫مالك بن اسماعيل‬
‫مالك بن إسماعيل يجيب عن أسئلة ياسمينا شوبوفا‬

‫بعد مرور ثالث سنوات عىل توقيع استقالل الجزائر يف ‪ 1962‬الذي ختم ثمانية‬
‫سنوات من الحرب‪ ،‬أخرج السينمائي اإليطايل جيلو بونتيكورفو رشيط «معركة‬
‫الجزائر»‪ .‬يتناول الفيلم فرتة من أشد الفرتات دموية يف تلك الحرب‪ ،‬أال وهي‬
‫معركة ‪ 1957‬بني املقاومني الجزائريني من أجل االستقالل املنتمني لجبهة التحرير‬
‫الوطني‪ ،‬وبني السلطات االستعمارية الفرنسية‪.‬‬
‫ويف ‪ 19‬يونيو ‪ ،1965‬أثناء تصوير هذا الفيلم‪ ،‬اقتحم جيش العقيد هواري بومدين‬
‫العاصمة الجزائر‪ .‬فاختلطت الدبابات املستخدمة يف التصوير بالدبابات الحقيقية‪.‬‬
‫ولم يدرك محيط الرئيس أحمد بن بلة حقيقة األمر‪ .‬وتمت اإلطاحة به!‬
‫وبعد ميض نصف قرن عىل هذه األحداث‪ ،‬يتناول مالك بن إسماعيل الدور‬
‫التاريخي الذي لعبه هذا الفيلم‪ ،‬وذلك يف رشيط وثائقي بعنوان «معركة الجزائر‪،‬‬
‫فيلم يف التاريخ» (‪ .)2017‬ويبني املخرج أن رشيطه ليس «فيلما حول الفيلم»‪ ،‬بل‬
‫باألحرى قراءة يف تاريخ بالده وما مَ ر بها من أحداث‪ :‬الثورة‪ ،‬واالنقالب العسكري‪،‬‬
‫واألنظمة السياسية‪ ،‬وإنهاء االستعمار‪ ...‬ومنذ نحو ثالثني عاماً‪ ،‬يقوم هذا املخرج‬
‫الجزائري بصياغة ما يسميه «الذاكرة املعارصة» لبالده‪.‬‬
‫مالك بن اسماعيل (‪)2016‬‬
‫© ‪Bruno Lévy / Divergence‬‬

‫حرية التعبري‪ ،‬إحدى ميزات الديمقراطية‪،‬‬ ‫يف التسعينات‪ ،‬بينما كنا يف قلب «العقد األسود»‬ ‫ما الذي دعاك إىل اختيار الفيلم الوثائقي‬
‫هي موضوع الفيلم الذي خصصته‬ ‫يف الجزائر‪ ،‬قررت التمسك بالواقع‪ .‬وثابرت عىل‬ ‫كوسيلة للتعبري؟‬
‫للصحيفة الجزائرية املستقلة الوطن‪ ،‬وقد‬ ‫هذا النهج‪ .‬والهدف الذي أسعى إليه هو إنجاز‬
‫إن الفيلم الوثائقي أكثر قدرة من الفيلم‬
‫تم عرضه يف القاعات سنة ‪ .2015‬ملاذا‬ ‫رشيط كل سنة أو سنتني‪ ،‬يتناول واقع الناس‬
‫الروائي عىل التصدي لألساطري الوطنية‪،‬‬
‫يحمل الرشيط عنوان «السلطة املضادة»؟‬ ‫واملؤسسات واملواضيع االجتماعية الهامة‪.‬‬
‫واملقصود ليس محق هذه األساطري وإنما‬
‫وأرغب يف أن تتيح هذه األفالم يف ما بعد فهما ً‬
‫تُعترب الصحافة الحرة مكسبا ً من املكاسب‬ ‫وضعها يف مكانها الصحيح حتى ال تحطم‬
‫أفضل لطريقة بناء بلد ما عىل مر الزمن‪.‬‬
‫الديمقراطية وقد دفع العديد من الصحفيني‬ ‫املجتمع‪ .‬وإن لم نقم بتصوير واقعنا‪ ،‬فكيف‬
‫حياتهم ثمنا ً لها خالل الحرب األهلية يف‬ ‫وأنوي إنشاء ذاكرة معارصة‪ ،‬من خالل إظهار‬ ‫يمكن لنا أن ننظر إىل أنفسنا؟ وما عىس‬
‫الجزائر التي نشبت يف عام ‪ ،1991‬وذهب‬ ‫هذا املِخرب الذي تمثله الجزائر‪ ،‬هذا البلد‬ ‫أن يكون مصدر إلهامنا؟ ومن أين ستأتي‬
‫ضحيتها ‪ 200.000‬قتيل باإلضافة إىل‬ ‫الذي يبحث عن ذاته‪ ،‬وما أحرزه من تقدم‪،‬‬ ‫أحالمنا؟ وعىل أية حال‪ ،‬ال بد من التذكري‬
‫‪ 100.000‬مفقود‪ .‬ويف ما بني عامي ‪1993‬‬ ‫وما عاناه من انتكاسات‪ ،‬وما يطرحه من‬ ‫بأن السينما انطلقت من األفالم الوثائقية‪:‬‬
‫و‪ ،1998‬اغتال اإلسالميون املتطرفون قرابة‬ ‫تساؤالت‪ ...‬وليس ثمة عصا سحرية تُحقق‬ ‫لنتذكر األخوين لوميري‪ ...‬إن الفيلم الوثائقي‬
‫‪ 120‬صحفياً‪ .‬ولكن هذا ال يعني أن الصحافة‬ ‫الديمقراطية بني ليلة وضحاها‪ .‬كما ال يمكن‬ ‫يحدد املخيال الجماعي‪ .‬وهذا الواقع هو الذي‬
‫املستقلة تمثل اليوم سلطة مضادة حقيقية‬ ‫تحقيقها بقوة السالح!‬ ‫يغذي الخيال ويوفر للمجتمع مرآة تعكس‬
‫يف‪ ‬بالدي‪.‬‬ ‫حقيقته‪ .‬أنا عىل وعي بأن تصوير الواقع قد‬
‫يكون مزعجا‪ ،‬ولكني أعرف أيضا ً أنه يساعد‬
‫عىل‪ ‬النضج‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫ضيفتنا‬

‫هذا وقد توقفت الصحيفة عن الصدور ست‬ ‫إن صحيفة الوطن ليست هي الوحيدة التي‬ ‫بالنسبة لهذا الفيلم‪ ،‬قررت تناول املوضوع من‬
‫مرات عىل األقل و ُرفعت بحقها نحو مائتي‬ ‫تقوم بهذا العمل‪ .‬هناك بعض الصحف‬ ‫منظور «غري مبارش»‪ ،‬من خالل متابعة فريق‬
‫قضية عدلية‪ ،‬مما عرضها ملزيد من الهشاشة‬ ‫األخرى‪ ،‬مثل لو كوتيديان دي وهران (صحيفة‬ ‫من الصحفيني أثناء قيامهم بعملهم‪ .‬ذلك أن‬
‫من الناحية االقتصادية‪ .‬وقد اندهشت لِما‬ ‫وهران اليومية)‪ ،‬والخرب‪ ،‬وليربتي(الحرية)‪،‬‬ ‫اهتمامي لم يكن متعلقا ً بالصحافة باعتبارها‬
‫سمعته من عمر بلحوشات‪ ،‬مدير النرش‬ ‫وإىل حد ما‪ ،‬لو صوار دالجريي (مساء‬ ‫سلطة مضادة‪ ،‬بقدر ما كان يخص السلطات‬
‫ومؤسس الصحيفة‪ ،‬ملا رصح بأن هذه‬ ‫الجزائر)‪ ،‬وهي صحف تمارس املقاومة‬ ‫املضادة التي يجسدها األفراد‪.‬‬
‫القضايا تكتيس أهمية بالغة بالنسبة للمسار‬ ‫وتخوض الكفاح‪ .‬وال تعد هذه الصحف صحفا ً‬
‫يف الجزائر‪ ،‬لم يتطور بعد مفهوم الفرد‪.‬‬
‫الديمقراطي‪ .‬كنت أظن أن هذه القضايا تمثل‬ ‫معارضة‪ .‬بل هدفها توفري األخبار الصحيحة‬‫ِ‬ ‫نحن محبوسون داخل فكرة الجماعة‪.‬‬
‫تجارب مريرة‪ ،‬ولكن بلحوشات كان يعتربها‬ ‫اعتمادا عىل مصادر متوازنة‪ .‬كما أن أغلبية‬
‫لدينا مسؤولية الدفاع عن أمة واحدة‪ ،‬وبالد‬
‫فرصة للدفاع ليس فقط عن الصحفيني‬ ‫هذه الصحف لها مواقع عىل شبكة اإلنرتنت‪،‬‬
‫واحدة‪ ،‬وإله واحد‪ ،‬ولغة واحدة‪ ...‬هذا الرقم‬
‫والرسامني الهزليني‪ ،‬بل أيضا ً عن مفهوم حرية‬ ‫متاحة مجانا للجميع بما فيهم املغرتبني‪.‬‬
‫األحادي املوجود يف كل مكان والقادر عىل‬
‫التعبري ذاته‪ ،‬وهو مفهوم مدرج يف الدستور‪.‬‬
‫ما الذي تقوم به صحيفة الوطن‬ ‫كل يشء من املفروض أن يشملنا جميعاً‪ ،‬يف‬
‫وقد أتاحت هذه القضايا لِبلحوشات فرصة‬ ‫للمحافظة عىل استقالليتها؟ وكيف تضمن‬ ‫حني أن الواقع غري ذلك‪ ،‬إذ يوجد شخصيات‪،‬‬
‫ليرشح للمحكمة معنى الرسم الهزيل‪ ،‬ومعنى‬ ‫استمراريتها؟‬ ‫ومفكرون‪ ،‬وصحفيون‪ ،‬وقضاة وطلبة‪...‬‬
‫الفكاهة‪ ،‬والتعليق الصحفي‪ ،‬والتحقيق‬ ‫يعيشون يف فضاء متنوع الثقافات ومتعدد‬
‫عن طريق البيع ـ فهي تطبع ‪140.000‬‬
‫االستقصائي‪ ،‬وأين تكمن الروادع التي يخضع‬ ‫اللغات‪ ،‬ويفكرون بأساليب مختلفة‪ ،‬ويشكلون‬
‫نسخة‪ ،‬ويبلغ ثمن النسخة الواحدة ‪ 20‬دينارا‬
‫لها املجتمع‪ .‬وكأنه يستخدم تلك القضايا‬ ‫مجموعة من تلك السلطات املضادة املحدودة‬
‫(أي ما يعادل ‪ 20‬سنتيما ً من اليورو تقريباً)‬
‫لتدريب القضاة الشبان يف مجال حرية‬ ‫الالزمة لتحقيق الديمقراطية‪.‬‬
‫ـ فضالً عن اإلعالنات اإلشهارية‪ .‬وبما أنها‬
‫الصحافة‪.‬‬
‫محرومة من نرش اإلعالنات الحكومية منذ عام‬ ‫ما الفائدة من صحيفة مستقلة إن لم يكن‬
‫لشيطك‬ ‫التعليم هو املوضوع الرئييس َ‬ ‫‪ ،1993‬أنشأت الصحيفة بمواردها الخاصة‬ ‫لها تأثري عىل املجتمع؟‬
‫الوثائقي «الصني ال تزال بعيدة» (‪.)2008‬‬ ‫إدارة لإلشهار وإدارة للتوزيع‪ ،‬فضالً عن‬
‫الصحافة املستقلة قادرة‪ ،‬حتى لو كانت ال‬
‫ما الذي دعاك لإلشارة إىل الصني‪ ،‬يف موضوع‬ ‫مطبعة مستقلة باالشرتاك مع صحيفة الخرب‪.‬‬
‫تمثل سلطة مضادة حقيقية‪ ،‬عىل التبليغ عن‬
‫يتعلق بمدرسة يف تفلفال‪ ،‬تلك القرية‬ ‫وعالوة عىل ذلك‪ ،‬توجهت الصحيفة نحو‬
‫ممارسات العنف الخفية التي ال يتم ذكرها‬
‫الصغرية يف جبال األوراس التي انطلقت منها‬ ‫اإلعالنات الخاصة التي توفر لها ما يتيح دفع‬ ‫البتة‪ .‬وتُعترب الجزائر يف الوقت الراهن بلدا ً‬
‫رشارة حرب الجزائر يف نوفمرب ‪1954‬؟‬ ‫أجور نحو مائة صحفي ومراسل ينتمون إىل‬
‫يسوده الهدوء‪ ،‬محمي من اإلرهاب‪ ،‬غري أنها‪،‬‬
‫هيئة التحرير‪.‬‬
‫يشري عنوان الفيلم إىل حديث للنبي محمد‪:‬‬ ‫يف واقع األمر‪ ،‬ليست يف مأمن من التعرض‬
‫«اطلبوا العلم ولو يف الصني»‪ .‬إذا كانت الصني‬ ‫لإلهانات والتالعب‪.‬‬
‫أرض الرموز واملعرفة‪ ،‬فهي إذا تلك األرض‬
‫التي ال بد من الوصول إليها مهما كلف ذلك‬
‫من جهد‪ .‬وهي أرض ال تزال بعيدة املنال‪ ،‬من‬
‫مقطع من رشيط الصني ال تزال‬
‫وجهة نظر الجزائر‪.‬‬
‫بعيدة (‪ ،)2008‬ملالك بن اسماعيل‪.‬‬
‫وقبيل هذا الفيلم‪ ،‬كنت قد أخرجت رشيطا‬ ‫ُ‬
‫وثائقيا ً حول الجنون («إختالل»‪)2004 ،‬‬
‫استوجب مني قضاء ثالثة أشهر يف مستشفى‬
‫األمراض العقلية حيث شاهدت حاالت عديدة‬
‫من الهذيان السيايس‪-‬الديني‪ .‬وتساءلت عن‬
‫مصدر مثل هذا املرض‪ ،‬فحصلت عىل اإلجابة‬
‫من طبيب لألمراض النفسية‪« :‬املصدر هو‬
‫املجتمع»‪ .‬وهذا ما حثني عىل استكشاف‬
‫طريقة تكوين الشباب‪ ،‬واألفكار التي تُلقن لهم‬
‫يف املدارس‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ذهبت إىل مدرسة القرية‬
‫حيث بدأت حرب الجزائر‪.‬‬
‫كانت هذه الحرب التي استمرت ما يقارب‬
‫ثمانية أعوام‪ ،‬شديدة العنف‪ .‬وتحولت الجزائر‬
‫إىل أسطورة‪ ،‬بفضل انتصارها‪ ،‬وسعت األنظمة‬
‫املتتابعة حثيثا ً لرتسيخ هذه األسطورة‪.‬‬
‫وال‪ ‬أقول إنه ليس من املناسب تقوية املشاعر‬
‫الوطنية لدى املواطنني وتثمني األعمال البطولية‬
‫التي أنجزوها‪ .‬ولكني ال أوافق عىل أن يتم ذلك‬
‫يف انفصال تام عن الحياة املحلية اليومية‪ .‬لقد‬
‫‪© Unlimited/CirtaFilms‬‬

‫أردت تصوير الواقع اليومي للجزائر الكادحة‬


‫واملناضلة‪ ،‬من وراء تلك األسطورة‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪58‬‬


‫ضيفتنا‬

‫‪© Unlimited/CirtaFilms‬‬
‫يقول املخرج مالك بن اسماعيل‪« :‬ال نصنع‬
‫مالك بن إسماعيل‪ ،‬سينمائي جزائري ك ّرس‬ ‫رشيدة امرأة مبهرة‪ .‬لقد أعطتني درسا ً رائعا ً يف‬ ‫رشيطا حول الناس‪ ،‬وإنما مع أناس من‬
‫جهوده إلنتاج األفالم الوثائقية منذ التسعينات ملا‬ ‫الحرية! هي أصيلة قرية أخرى تقع يف جنوب‬ ‫الواقع»‪ .‬يف الصورة‪ ،‬مجموعة من التالميذ‬
‫كانت بالده تمر بمأساة «العرشية الدامية»‪ .‬وقد‬ ‫الجزائر‪ ،‬اضطرت للفرار منها إثر طالقها‪ ،‬ألن‬ ‫ساهموا يف رشيط الصني ال تزال بعيدة‪..‬‬
‫حظيت أفالم مالك بن إسماعيل برتحيب النقاد‬ ‫املرأة الطالق تعترب بمثابة‪ ‬العاهرة‪.‬‬
‫ونالت جوائز يف العديد من املهرجانات الدولية‪.‬‬
‫ويتم عرض هذه األفالم يف قاعات السينما كما‬ ‫كان من املستحيل إجراء مقابالت مع نساء‬
‫تبثها القنوات التلفزية يف جميع أنحاء العالم‪،‬‬ ‫أخريات‪ ،‬رغم أن النساء‪ ،‬يف هذه املنطقة‪،‬‬ ‫ويُبني الفيلم الهوة التي تفصل بني األسطورة‬
‫والسيما يف أوروبا‪ ،‬ومن هذه القنوات‪ :‬آرتي‬ ‫اشتَهرن يف املايض بقدرتِهن عىل إدارة‬ ‫وبني الواقع االجتماعي‪ .‬ويتضح‪ ،‬يف نهاية‬
‫(أملانيا ـ فرنسا)‪ ،‬وكلتورا تي‪ .‬يف‪( .‬الربازيل)‪،‬‬ ‫االقتصاد املحيل‪ :‬كانت صناعة السجاجيد‬
‫والتلفزة البلجيكية الفرنكوفونية ر‪ .‬ت‪ .‬ب‪ .‬ف‪،‬‬
‫املطاف‪ ،‬أن ما يُلقن لألطفال إنما هو كره‬
‫والزراعة بني أيديهن‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فقد أصبحن‬ ‫الغري‪ .‬كما يُظهر الفيلم أن التعليم القرآني‬
‫وتي‪ .‬يف‪( 3 .‬إسبانيا)‪ ،‬وإييل(فنلندا)‪ ،‬وفرانس‬ ‫قابعات خلف جدران منازلهن‪ .‬ويف الريف‪،‬‬
‫تي‪ .‬يف‪ ،.‬وكنال ‪ ،+‬و بي‪ .‬بي‪ .‬يس‪ .‬شانل فور‬ ‫كما يمارس اليوم‪ ،‬بعيد كل البُعد عن أحاديث‬
‫نادرا ما يغادرن منازلهن‪ ،‬حتى وإن تحجّ بن‪.‬‬ ‫النبي‪ .‬لقد أرض اإلسالم السيايس أيما رضر‬
‫ّ‬
‫(اململكة املتحدة)‪ ،‬وقناتي التلفزة السويرسية‬
‫فالرجال هم الذين يذهبون للسوق‪ .‬وهذا أمر‬ ‫يف املجتمع حتى يومنا هذا‪ ،‬وبالخصوص يف‬
‫الناطقتني بالفرنسية وباإليطالية‪ ،‬والقناة الدولية‬
‫تي‪ .‬يف‪ 5.‬موند‪ .‬كما فاز مالك بن إسماعيل‬ ‫لم يشهد له مثيل يف السابق! إن سنوات اإلسالم‬ ‫املناطق الريفية‪.‬‬
‫بجائزة «فيال كوجوياما» (كيوتو‪ ،‬اليابان) يف‬ ‫السيايس والفكر املحافِ ظ قضوا تماما ً عىل‬
‫دور املرأة االجتماعي التقليدي‪ ،‬وعىل جميع‬ ‫هل هذا ما يفرس أن رشيدة‪ ،‬عاملة النظافة‬
‫عام ‪ .2010‬ومن املقرر عرض أعماله يف كربى‬
‫الجامعات األمريكية يف خريف عام ‪.2018‬‬ ‫املكاسب املتعلقة بتحريرها‪ .‬وأثناء تصوير‬ ‫باملدرسة‪ ،‬هي املرأة الوحيدة التي أدلت‬
‫الفيلم‪ ،‬كانت النساء يرسلن األطفال لتزويدنا‬ ‫بشهادتها يف هذا الفيلم؟‬
‫بصواني الطعام والحلوى والقهوة‪ ،‬ولم نر أية‬
‫واحدة‪ ‬منهن‪.‬‬

‫‪59‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫األحداث‬

‫األحداث‬
‫صورة من سلسلة‬
‫جينيزيس للمصوّر‬
‫الربازييل سيباستياو‬
‫سلغادو‪،‬التقطت يف أرخبيل‬
‫غاالباغوس (اإلكوادور)‪،‬‬
‫سنة ‪2005‬‬
‫‪© Sebastião Salgado‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪60‬‬


‫األحداث‬

‫أرخبيل كولومبوس‪:‬‬

‫ السكان يتجندون‬
‫‪© Sarah Del Ben‬‬

‫سوق السمك يف سانتا كروز‪،‬‬


‫جزيرة من أرخبيل غاالباغوس (اإلكوادور)‪،‬‬ ‫ماذا يتبادر يف أذهاننا ملا نفكر يف جزر غاالباغوس؟ سالحف عمالقة‪ ،‬وإغوانا‬
‫مارس ‪2018‬‬ ‫بحرية‪ ،‬وعصافري‪ ،‬وداروين ونظريته التّطورية؟ هذا مفروغ منه‪ .‬لكن‬
‫الغاالباغوس تأوي أيضا ‪ 28.000‬ساكن موزعني عىل أربع جزر‪ :‬سانتا كروز‪،‬‬
‫وسان كريستوبال‪ ،‬وإيزابيال وفلوريانا‪ .‬وقد بلغ عدد السياح الذين يزورون‬
‫وتغطي محمية املحيط الحيوي ألرخبيل‬ ‫األرخبيل حوايل ‪ 240.000‬سائح كل سنة‪ ،‬بفضل هؤالء السكان الذين تجندوا‬
‫كولومبوس‪-‬غاالباغوس التي تبلغ مساحتها‬ ‫للترصف التشاركي واملستدام يف موارد الغاالباغوس ‪ -‬الذي يحمل أيضا اسم‬
‫‪ 7500‬كيلومرت مربع‪ ،‬مجمل املساحة اليابسة‬ ‫أرخبيل كولومبوس – وهو موقع يف اإلكوادور مسجل عىل قائمة الرتاث العاملي‬
‫ملنتزه غاالباغوس الوطني‪.‬‬ ‫منذ سنة ‪ ،1978‬ومصنّف كمَ حمية للمحيط الحيوي يف إطار شبكة اليونسكو‬
‫ويعترب الغاالباغوس من بني أفضل النماذج‬ ‫العاملية منذ سنة ‪.1984‬‬
‫التي حققت تفاعال منسجما ومنفعة متبادلة‬
‫بني اإلنسان وبيئته الطبيعية‪ .‬وترتكز‬ ‫يضم األرخبيل الذي يقع عىل بعد ‪ 1000‬كيلومرت‬
‫اسرتاتيجية إدارة محمية املحيط الحيوي‬ ‫من اليابسة والذي يأوي واحدا من أغنى النظم‬
‫عىل إنتاج املواد الغذائية التي تعود بالنفع‬ ‫البيئية البحرية يف العالم‪ ،‬ثالث عرشة جزيرة‬
‫عىل االقتصاد املحيل‪ ،‬وعىل احرتام النظم‬ ‫كبرية – مصحوبة بـ‪ 147‬جزيرة صغرية‬
‫البيئية‪ ،‬ومنع دخول األنواع التي من شأنها‬ ‫وصخور بحرية ‪ -‬تش ّكلت منذ أربعة ماليني‬
‫أن تغزو املحيط وتعرض للخطر التنوع‬ ‫سنة‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬أغلب هذه الجزر هي قمم‬
‫الحيوي‪ ‬األصيل‪.‬‬ ‫براكني مغمورة يف أعماق البحر‪ ،‬يفوق ارتفاع‬
‫بعضها ‪ 3000‬مرت من قاع املحيط الهادئ‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫األحداث‬

‫ومنذ سنة ‪ ،2017‬تمت إعادة تدوير نصف‬ ‫ويقع منتزه غاالباغوس الوطني يف قلب‬
‫النفايات الصلبة بفضل برنامج فرز النفايات‬ ‫املحمية‪ ،‬ويعد مثاال ناجحا للترصف التشاركي‪،‬‬

‫مصالحة‬ ‫واستعادة املواد منها‪ ،‬وذلك بمشاركة‬


‫السكان‪ ‬املحليني‪.‬‬
‫إذ يتيح للسكان املحليني االرتزاق بطريقة‬
‫مستدامة من خالل موارد بعض األنشطة‪ ،‬مثل‬
‫الصيد أو تربية املاشية أو السياحة أو الرتفيه‪،‬‬
‫ومن خالل مرشوع محميات املحيط الحيوي‬
‫بفضل تخطيط محكم للترصف يف إنتاج املواد‬
‫كأداة إلدارة املناطق الساحلية والجزر يف‬
‫الجنوب الرشقي للمحيط الهادئ‪ ،‬يعمل حاليا ً‬ ‫الغذائية املحلية وإعادة تدوير النفايات‪.‬‬
‫بقلم لوك جاكي‬
‫برنامج اإلنسان واملحيط الحيوي التابع‬ ‫وإذا أخذنا عىل سبيل املثال إنتاج القهوة‪ ،‬فقد‬
‫لليونسكو‪ ،‬بالتعاون مع حكومة إكوادور‪،‬‬ ‫تم سنة ‪ 2015‬إنشاء تعاونية تضم كال من‬
‫يف مارس ‪ ،2018‬توجه كل من املخرج‬
‫ومنتزه غاالباغوس الوطني واملجتمعات‬ ‫املزارعني وأصحاب املطاحن والتجار بهدف‬
‫الفرنيس لوك جاكي‪ ،‬الحائز سنة ‪2006‬‬ ‫املحلية‪ ،‬عىل توسيع محمية املحيط الحيوي كي‬ ‫تحسني إنتاج وتسويق األصناف الثمانية لنوع‬
‫عىل جائزة أوسكار لرشيطه الوثائقي‬ ‫تبلغ مساحة ‪ 133.000‬كيلومرت مربع‪ ،‬لتشمل‬ ‫األرابيكا التي تزرع منذ قرن يف الجزر‪ ،‬عىل‬
‫محمية غاالباغوس البحرية التي تعد مالذا ً‬ ‫ارتفاع ‪ 250‬مرتا ً فوق مستوى سطح البحر‪.‬‬
‫«مسرية اإلمرباطور»‪ ،‬واملخرجة‬ ‫حقيقيا ً للكائنات البحرية الحية‪ .‬وباعتبارها‬ ‫وبفضل نكهتها الشهرية‪ ،‬يبلغ سعر قهوة‬
‫واملصورة سارة دل بن‪ ،‬إىل أرخبيل‬ ‫نقطة التقاء العديد من التيارات البحرية‪،‬‬ ‫غاالباغوس سبعة أضعاف نظريتها بالقارة‪.‬‬
‫الغاالباغوس يف رحلة استكشافية‬ ‫حيث تختلط املياه الباردة والدافئة‪ ،‬تشكل‬ ‫وتحرتم طرق اإلنتاج (الخالية من املبيدات‬
‫هذه املحمية مأوى للعديد من الكائنات الحية‬ ‫الحرشية) والقطف والتصنيع قواعد حماية‬
‫ملرشوع فيلم سينمائي جديد‪ .‬وقد‬ ‫األصلية‪ ،‬وكذلك للكائِنات الواردة من مختلف‬ ‫البيئة‪ ،‬مما سيتيح لهذه األصناف الحصول عىل‬
‫رافقهم يف تلك الرحلة اخصائيون من‬ ‫مناطق املحيط الهادئ‪.‬‬ ‫شهادة املنشأ‪.‬‬
‫برنامج اإلنسان واملحيط الحيوي التابع‬ ‫بتمويل من الحكومة الفلمَ ندية ململكة بلجيكا‪،‬‬ ‫أما بالنسبة إلعادة تدوير النفايات الصلبة‪،‬‬
‫يدعم املرشوع املذكور إنشاء محميات للمحيط‬ ‫فإن حكومة بلدية سانتا كروز تقوم منذ عرش‬
‫لليونسكو‪ .‬ويف ما ييل شهادة لوك جاكي‬
‫الحيوي باعتبارها أدوات ملمارسات مبتكرة‬ ‫سنوات باتخاذ املزيد من املبادرات وتنسيقها‪،‬‬
‫عن تلك الرحلة‪ ،‬سجلها فريق اليونسكو‪.‬‬ ‫ومتالئمة مع السياقات االجتماعية والثقافية‬ ‫وتحسيسية حول‬ ‫ِ‬ ‫ومنها بعث برامج تربوية‬
‫والبيئية‪ .‬كما يشجع عىل إنشاء شبكة تشاركية‬ ‫املشاكل البيئية‪ ،‬وحظر استعمال املواد‬
‫لتبادل املعلومات والتجارب حول تقلص‬ ‫املكونة من البويل إثيلني أو منع توريد الجعة‬
‫تنرش رسالة اليونسكو هذا املقال بمناسبة‬ ‫التنوع البيولوجي‪ ،‬والترصف يف املناطق‬ ‫واملرشوبات الغازية يف عبوات غري قابلة إلعادة‬
‫انعقاد الدورة الثالثني ملجلس برنامج‬ ‫الساحلية وإدارة التنمية املستدامة‪ .‬ويهتم‬ ‫التدوير‪.‬‬
‫اإلنسان واملحيط الحيوي يف باملبانغ‬ ‫املرشوع بشكل خاص بالسواحل والجزر يف‬
‫غري أن الفضل يف نجاح هذه املبادرات يعود‬
‫بأندونيسيا‪ ،‬من ‪ 23‬إىل ‪ 28‬يوليو ‪.2018‬‬ ‫الجنوب الرشقي للمحيط الهادئ الواقعة يف‬
‫باألساس إىل سكان القرى الذين أخذوا عىل‬
‫شييل‪ ،‬وكولومبيا‪ ،‬واإلكوادور‪ ،‬وبنما وبريو‪ .‬كما‬
‫عاتقهم حماية البيئة واملحافظة عليها‪ .‬فيقوم‬
‫تساهم هذه الجهود يف توفري سبل عيش أفضل‬
‫الحرفيون باقتناء املواد القابلة إلعادة التدوير‬
‫هذا الصباح‪ ،‬بينما كنت أتجول يف أزقة سانتا‬ ‫لسكان املنطقة‪.‬‬
‫ليصنعوا منها عدة أمتعة‪ ،‬ويستخدم البناؤون‬
‫كروز‪ ،‬شاهدت رجالً عجوزا ً يقرأ صحيفة‬ ‫كتل الزجاج أو األلواح الزجاجية يف بناء‬
‫وكان يرافقه أسد بحر‪ ،‬يجالسه بكل تلقائية‬ ‫املنازل‪ ،‬ويتجنّد الصيادون لحظر استعمال‬
‫عىل نفس املقعد‪ .‬وعىل مسافة قصرية منهما‪،‬‬ ‫شباك الصيد البالستيكية ويقومون بأنفسهم‬
‫رأيت رجاال وقد عادوا لتوهم من الصيد‪،‬‬ ‫بجمع النفايات امللوثة للبحر‪ ،‬شأنهم شأن‬
‫يبيعون سمكا طازجا سوف يُستهلك قبل‬ ‫السكان الذين يشاركون بشكل منتظم يف‬
‫غروب الشمس‪ .‬واصلت طريقي‪ ،‬فاعرتضت‬ ‫تنظيف الشواطئ‪.‬‬
‫بعض املارة والسياح واإلغوانا‪ .‬وكفاني أن‬ ‫إعادة تصنيع النفايات يف‬
‫ابتعد قليال عن األزقة ليتسنى يل التأمل يف‬ ‫سانتا كروز بالغاالباغوس‬
‫األطفال وهم يلعبون حول السالحف العمالقة‬
‫التي يناهز عمرها مائة سنة‪ ،‬وهي ترعى‬
‫العشب بكل هدوء‪.‬‬
‫جلت العالم كله لكنني لم أر قط مثل هذا‬
‫التقارب بني مختلف الكائنات الحية‪ ،‬ربما‬
‫باستثناء أنتاركتيكا‪ ،‬القارة القطبية الجنوبية‪.‬‬
‫هذه األماكن النائية‪ ،‬تشكل يف نهاية األمر‪ ،‬آخر‬
‫مالذ لحياة متناغمة بني اإلنسان والطبيعة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يف كال املنطقتني‪ ،‬ظروف الحياة‬
‫قاسية جدا‪.‬‬
‫‪© Sarah Del Ben‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪62‬‬


‫األحداث‬

‫اإلنسان والطبيعة‬ ‫بني‬


‫‪© Sarah Del Ben‬‬

‫املخرج الفرنيس لوك جاكاي‪ ،‬أثناء سفره‬


‫لتحديد مواقع التصوير يف الغاالباغوس‪،‬‬
‫تنقل صحبة فريق من اليونسكو‪،‬‬‫حيث ّ‬ ‫أما أنا‪ ،‬فيل حظ التمتع بمهارات تمكنني من‬ ‫يف أرايض غاالباغوس القاحلة واملع ّرضة لحرارة‬
‫يف مارس ‪2018‬‬ ‫القيام‪ ،‬بكل تواضع‪ ،‬بدور الوسيط بني العلم‬ ‫الشمس املحرقة والتي تعرس فيها الحياة‪ ،‬ال‬
‫وعامة الجمهور‪ .‬لدي مهارة يف انتاج صور‬ ‫وجود ألي رصاع بني النشاط البرشي والتنوع‬
‫قادرة عىل تمرير الرسائل‪ ،‬بكفاءة أصبحت‬ ‫البيولوجي‪ .‬ويخال لنا أننا متواجدون يف مخرب‬
‫اآلن مؤكدة‪ .‬وأضع هذه املهارة يف خدمة‬ ‫بمقاس حقيقي‪ ،‬بصدد مشاهدة دليل حي‬
‫التغري املناخي وتق ّلص التنوع البيولوجي‬ ‫الكوكب‪ .‬وهذا ما يدفعني لدعم برنامج اإلنسان‬ ‫إلمكانية التعايش بني البرش والحيوانات‪...‬‬
‫قضايا معقدة للغاية‪ .‬والسينما قادرة‬ ‫واملحيط الحيوي التابع لليونسكو‪ ،‬إذ تتوافق‬ ‫رشيطة أن يتم وضع سياسات للترصف‬
‫عىل جعلها يف متناول الجمهور من خالل‬ ‫طموحاته مع قناعاتي‪ .‬إن فلسفة هذا الربنامج‬ ‫الرشيد يف املوارد‪ ،‬من شأنها أن تسمح للنظم‬
‫ترجمتهما إىل قصص بسيطة وذات بعد كوني‬ ‫تستند إىل فكرة التعايش‪ ،‬وهي فكرة ألتزم‬ ‫البيئية بالبقاء‪ .‬وهذا األرخبيل نموذج يجدر‬
‫يف نفس الوقت‪ .‬وهكذا‪ ،‬تفتح السينما أمامنا‬ ‫بها‪ ‬تماما‪.‬‬ ‫االقتداء به يف بقية أنحاء العالم‪ ،‬يف ما يخص‬
‫الباب األول عىل طريق الوعي‪.‬‬ ‫سبل سد الهوة التي اتسعت‪ ،‬جراء ترصفاتنا‪،‬‬
‫إن السينما أداة رائعة إلذكاء الوعي‪ ،‬إذ تتسم‬
‫بيننا وبني بقية الكائنات الحية‪.‬‬
‫وملا نكون قد أخذنا ذلك املنحى‪ ،‬ندرك أنه من‬ ‫لغتها بالعاطفة والتعبري املجازي‪ .‬وال تحتاج‬
‫باب الخيال أن نتصور ولو لحظة واحدة –‬ ‫الستعمال خطاب الوعظ أو االتهام‪ ،‬فذلك لم‬ ‫إن املساهمة يف املحافظة عىل النظم‬
‫رغم أن األجيال األربعة أو الخمسة األخرية من‬ ‫يعد يف الحقيقة يجدي نفعا‪ .‬هي تؤثر يف روح‬ ‫االيكولوجية مهمة معقدة دائمً ا‪ .‬ولكن قبل‬
‫البرشية قد قامت فعال بذلك ‪ -‬أنه بإمكاننا أن‬ ‫املشاهدين وعقولهم‪ .‬كما تدعوهم لالندماج‬ ‫كل يشء‪ ،‬ال بد أن نتعلم كيف نتعرف عىل‬
‫نعيش يف معزل عن الطبيعة‪ .‬نحن آتون من‬ ‫يف الطبيعة‪ ،‬إما بدافع االستمتاع بجمالها‬ ‫تلك النظم وكيف نحبها‪ .‬وإذا بادر كل واحد‬
‫الطبيعة ونحن يف حاجة إليها ألشياء أساسية‬ ‫أو بدافع االستفادة من منافعها أو بدافع‬ ‫منا بالقيام بذلك‪ ،‬من خالل استخدام مواهبه‬
‫مثل التنفس أو رشب املاء أو الغذاء‪ .‬كما أننا يف‬ ‫الفضول‪ ‬فقط‪.‬‬ ‫وقدراته‪ ،‬فسوف تثمر جهودنا الجماعية‪ ،‬تلك‬
‫حاجة إليها كي نشيّد أحالمنا‪.‬‬ ‫هي قناعتي‪ .‬إنني أؤمن إيمانا راسخا بأن هذه‬
‫الطاقة الجماعية سوف تسمح لنا بامليض قدما‬
‫نحو حياة لن نعد نتقلد فيها دور املستعمر‬
‫بل دور املترصف‪ ،‬ونحو مجتمع واع بقيمة‬
‫الكوكب الذي يعيش فيه‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫األحداث‬

‫طائرة بدون طيّار‬


‫تكشف عن‬

‫ أسرار تيواناكو‬
‫لوسيا اغليزياس كونتز (اليونسكو)‬

‫ها أن موقع تيواناكو الذي يقع عىل‬


‫بعد ‪ 70‬كلم غربي مدينة الباز و‪ 15‬كلم‬
‫عن ضفاف بحرية تيتيكاكا‪ ،‬يُفاجئنا‬
‫من جديد‪ .‬هو مركز روحي وسيايس‬
‫لثقافة تيواناكو (بوليفيا)‪ ،‬مُسجّ ل منذ‬
‫سنة ‪ 2000‬يف قائمة الرتاث العاملي‪.‬‬
‫وقد تمّ ت فيه مؤخرا اكتشافات‬
‫استثنائية يف إطار مرشوع لليونسكو‪.‬‬

‫تنرش رسالة اليونسكو هذا املقال بمناسبة‬


‫الدورة ‪ 42‬للجنة الرتاث العاملي التي تنعقد‬
‫من ‪ 24‬يونيو إىل ‪ 4‬يوليو ‪ 2018‬يف املنامة‬
‫(البحرين)‪.‬‬

‫خريطة لتيواناكو صُ مّمت باالعتماد عىل‬


‫وفرتها طائرة بدون‬‫معطيات ذات ‪ 3‬أبعاد ّ‬
‫وبعد أن اختار الرئيس إيفو موراليس‪ ،‬وهو‬ ‫طيّار‪ .‬الخطوط السوداءتشري إىل آثار‬ ‫يمثّل تيواناكو أحد أهم املواقع األثرية املبهرة يف‬
‫من أصل أمريكي‪-‬هندي‪ ،‬تيواناكو كمكان‬ ‫تجمعات سكنية مُحتملة‬ ‫أمريكا الجنوبية‪ ،‬برتكيبة مجمع مبانيه الهائلة‬
‫رمزي الفتتاح كل واحدة من فرتات حكمه‬ ‫يف منطقة مولو كونتو‪.‬‬ ‫وموقعه عىل ارتفاع ما يفوق مستوى البحر‬
‫الثالث عىل رأس بوليفيا (يف ‪ 2006‬و‪2010‬‬ ‫© ‪José Ignacio Gallego / UNESCO‬‬ ‫بـ‪ 3800‬مرت‪ .‬ويعود تاريخه إىل العرص قبل‬
‫و‪ ،)2015‬استعاد املوقع أهمّ يته وأصبح‬ ‫اإلسباني لألنديز‪ ،‬حيث كان‪ ،‬طيلة عدة قرون‪،‬‬
‫اليوم جزءا ال غنى عنه من برامج الزيارات‬ ‫عاصمة المرباطورية شاسعة وجبارة‪ ،‬استمدت‬
‫السياحية‪ .‬غري أن التمتّع الكامل بهذا املوقع‬ ‫وإثر انهيار هذه الثقافة يف القرن الثالث عرش‪،‬‬ ‫سيطرتها من استعمال مواد وتقنيات مبتكرة‪،‬‬
‫يستوجب من الزائر جهودا كبرية‪ .‬ذلك أن‬ ‫تع ّرضت تيواناكو إىل عمليات سلب مكثفة‪:‬‬ ‫تم ّكنت بفضلها من تحسني انتاجها الفالحي‪،‬‬
‫تيواناكو ال تتط ّلب مُج ّرد التأمّ ل‪ ،‬وإنما‬ ‫كانت للمكان جاذبية مثل املغناطيس عىل‬ ‫وبالتايل من تطوير قدراتها االقتصادية‪ .‬ومنذ‬
‫دقة املالحظة والتوثيق‪ .‬إذ لم يتبقى‬ ‫استعمال ّ‬ ‫مفتّيش الكنوز‪ ،‬ممّ ا أدى إىل اندثار آثار نفيسة‪.‬‬ ‫عهد تيواناكو‪ ،‬تطوّرت الثقافة التي تحمل‬
‫من املجموعة الفخمة من املعابد والقصور‬ ‫وكان يُستعمل أيضا كمقطع للحجر‪ ،‬كما‬ ‫نفس االسم‪ ،‬والتي بلغت أوجها بني سنتي‬
‫إال األنقاض أو آثار ت ّم إعادة بناء سبعة منها‬ ‫تشهد عىل ذلك العديد من الوثائق التاريخية‪.‬‬ ‫‪ 500‬و‪ 900‬من عرصنا‪ ،‬وأشعّ ت عىل مناطق‬
‫جُ زئيّا‪ :‬هرم أكابانا‪ ،‬ومعبد كانتاتاييتا‪ ،‬واملعبد‬ ‫ويمكن العثور عىل بعض القطع التي نقلت‬ ‫شاسعة تض ّم غرب بوليفيا‪ ،‬والجنوب الغربي‬
‫الصغري املقبور جزئيا تحت األرض‪ ،‬ومعبد‬ ‫من املوقع واستعملت يف مباني عرصية‬ ‫للبريو‪ ،‬وشمال األرجنتني والشييل‪.‬‬
‫كاالساسايا‪ ،‬وقرص بوتوني‪ ،‬وقرص كريي كاال‪،‬‬ ‫متواجدة يف املدينة املجاورة‪ ،‬وحتّى يف العاصمة‬
‫وهرم بوما بونكو‪.‬‬ ‫البوليفية‪ ‬الباز‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪64‬‬


‫األحداث‬

‫‪© Ernestina Cortés Albor / UNESCO‬‬

‫مراسم أيامارية يف تيواناكو ‪ -‬بوليفيا‬

‫كما يتضمّ ن هذا الربنامج الطموح‪ ،‬الذي‬ ‫لكن هذه اآلثار املتبقية تحمل بوضوح طابع‬
‫طة للسياحة املستدامة‬ ‫انتهى إنجازه م ّ‬
‫ُؤخرا‪ ،‬خ ّ‬ ‫الحضارات العظمى ملا تكنه من معجزات‬
‫(باعتبار أن تيواناكو يقع يف الهضاب املرتفعة‪،‬‬ ‫مثل بوما بونكو (باب بوما) ا ُملتكوّن من كتل‬
‫بالنسبة يل هو‬ ‫يف منطقة مُع ّرضة للزالزل‪ ،‬ويف وادٍ منحرص‬
‫بني مجموعتني من الجبال)‪ ،‬وكذلك‪ ،‬و ِبطلب‬
‫ضخمة من الحجر الرميل يصل وزنها إىل‬
‫‪ 130‬طنا‪ ،‬موصولة فيما بينها بواسطة مشابك‬

‫اكتشاف العمر‪:‬‬ ‫من لجنة الرتاث العاملي‪ ،‬إنجاز مسح طبوغرايف‬


‫شامل للموقع‪.‬‬
‫من نحاس‪ ،‬وهو انجاز يُثري الدهشة بما أن‬
‫هذه الحضارة لم تكن تعرف العجلة – ويف‬

‫تيواناكو تُمثّل منذ‬


‫تقدير بعض الباحثني‪ ،‬كان يستوجب حمل‬
‫ويوضح عالم اآلثار خوزي إغناسيو غالغو‬
‫مثل تلك الكتل جهود ‪ 1300‬إىل ‪ 2600‬شخصا‬
‫ريفيال‪ ،‬الذي يعتني بهذا املرشوع لصالح‬
‫املن ّ‬ ‫– علما وأن معرفتها باملعادن منحت هذه‬
‫‪ 500‬سنة أحد‬ ‫ظمة‪« :‬بما أنني متواجد عىل امليدان‪ ،‬اقرتحت‬
‫عىل اليونسكو إنجاز هذه الدراسة باستخدام‬ ‫الحضارة التفوّق عىل الصعيد العسكري‪.‬‬
‫االستشعار عن بعد‪ :‬وبفضل الطائرات دون‬
‫املراجع التاريخية‬ ‫طيّار واألقمار االصطناعية‪ ،‬يمكننا اليوم‬
‫الحصول عىل معطيات يف غاية ّ‬
‫الدقة»‪،‬‬
‫اكتشافات جديدة‬
‫إن الدافع األسايس لبعث مرشوع صيانة‬
‫يف علم اآلثار عىل‬ ‫مُضيفا‪«:‬لقد تطلب إعداد املرشوع سنة كاملة‪.‬‬
‫وبما أنني كنت مُتعاونا مع جامعة كمبلوتانس‬
‫تيواناكو وهرم أكابانا واملحافظة عليهما‪ ،‬سنة‬
‫‪ 2015‬بمبادرة من مكتب اليونسكو بكيتو‪،‬‬
‫الصعيد العاملي‬ ‫بمدريد‪ ،‬ف ّكرت يف التوجّ ه إىل مركب الدراسات‬
‫املتميزة يف تلك الجامعة‪ ،‬املتكون من مجموعة‬
‫بأموال مودعة يابانية مخصصة للرتاث العاملي‬
‫يف حدود ‪ 870.000‬دوالر أمريكي‪ ،‬هو رضورة‬
‫من املخابر التابعة لعدة كليات‪ ،‬حيث يعمل‬ ‫ُحي إلدارة املوقع – وهو أمر‬ ‫إنجاز مخطط م ّ‬
‫العديد من املختصني املمتازين‪ ،‬وهو مركب‬ ‫مفروض عىل كافة املواقع ا ُملسجّ لة عىل قائمة‬
‫يمارس أسعارا مناسبة جداً»‪.‬‬ ‫الرتاث العاملي – وكذلك رضورة وضع برنامج‬
‫تربوي وخاص باملتاحف يُساعد عىل ح ّل‬
‫البعض من ألغاز تيواناكو‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫األحداث‬

‫ترشيك التجمعات املحلية‬


‫خوليو كندوري‪ ،‬مدير مركز البحوث األثرية‬
‫واألنثروبولوجية واإلدارية لتيواناكو ‪ -‬أي‬
‫الهيئة ا ُملك ّلفة بتسيري املوقع ‪ -‬ر ّكز عنايته منذ‬
‫البداية عىل هذا املرشوع‪ .‬ويعترب أن الخريطة‬
‫الطوبوغرافية الجديدة تُمثّل يف ح ّد ذاتها أداة‬
‫للمحافظة عىل املوقع‪ ،‬ويرشح يف هذا الصدد‪:‬‬
‫«لدينا اآلن مساحة مدروسة تُقدّر بـ ‪650‬‬
‫هكتارا‪ ،‬وهو مُعطى يُمكن االعتماد عليه ملزيد‬
‫البحث ولتوسيع املنطقة ذات الحماية الفائقة»‪.‬‬
‫وللمرشوع موطن قوة آخر‪ ،‬أال وهو التشاور‬
‫ا ُملنتظم مع السكان ذوي األصل األمريكي‪-‬‬
‫الهندي‪ ،‬علما بأنه تُوجد عىل طريف املوقع‪،‬‬
‫شماال ورشقا‪ ،‬مناطق آهلة‪ .‬وتعد البلدية‬
‫الحالية لتيواناكو ثالثة مناطق سكنية تض ّم‬
‫‪ 23‬دائرة‪ ،‬ويعيش حوايل ‪ 12.000‬ساكن يف‬ ‫مشهد مُلوّن لهرم أكابانا‪.‬تُمثّل الخطوط‬
‫املنطقة األثرية ذاتها ويف ضواحيها القريبة‪.‬‬ ‫الحمراء القنوات التي كشفتها الحفريات‬
‫ويُضيف خوليو كندوري‪« :‬لقد تم إنجاز‬ ‫األثرية سابقا‪ ،‬أما الخطوط السوداء فهي‬
‫املرشوع بكافة مراحله يف تفاعل حيوي للغاية‬ ‫تُشري إىل قنوات مُحتملة‪ ،‬قد تسبب تدهور‬
‫مع السكان‪ ،‬ويف ذلك رس نجاحنا يف الحصول‬ ‫بنيتها يف إحداث شقوق كبرية يف املبنى‪.‬‬
‫عىل هذه النتيجة»‪ ،‬مؤ ّكدا أن «بعض األفراد من‬
‫جماعات هوانكولو وأتشاكا ساهموا يف السنة‬
‫‪© José Ignacio Gallego / UNESCO‬‬
‫إال أننا كنّا يف حاجة إىل طائرة دون طيّار قادرة‬
‫املاضية يف االستبيان الذي قمنا به للتثبّت‬ ‫عىل التحليق عىل ارتفاع يفوق ‪ 4000‬مرت‪،‬‬
‫وفرتها الطائرة‬ ‫يف‪ ‬ما إذا كانت املعطيات التي ّ‬ ‫ولم يكن بوسعنا نقل طائرة جامعة مدريد إىل‬
‫مطابقة للواقع‪ .‬وقد أنجزوا هذا العمل بكل‬ ‫بوليفيا‪ .‬فتوجّ هنا إىل رشكة سويرسية تقوم‬
‫ّ‬
‫رسور‪ .‬وعلينا أن نواصل مدّهم بنتائجنا حتى‬ ‫لكن ا ُملعطيات الجديدة م ّكنت أيضا من‬ ‫بتوزيع الطائرات يف شييل ويف بوليفيا‪ .‬فأنجزت‬
‫يتبنّوها»‪ .‬وبالتوازي مع ذلك‪ ،‬ازداد عدد الزوار‬ ‫الحصول عىل املزيد من املعلومات حول املعالم‬ ‫التقويم املطلوب وقمنا باستغالله يف مخرب‬
‫الوطنيني والدوليني – وقد فاق ‪ 125.000‬زائر‬ ‫املعروفة‪ ،‬عىل غرار بوما بونكا‪ ،‬وهو مجمع‬ ‫بمدريد»‪.‬‬
‫يف سنة ‪ .2017‬ويقول مدير املركز‪« :‬تضمن‬ ‫من املعابد كانت مساحته املعروفة ال تتعدى‬
‫تم التقاط الصور بني شهري أكتوبر وديسمرب‬
‫تلك املداخيل االكتفاء الذاتي االقتصادي‬ ‫هكتارين‪ ،‬وأصبحنا نعلم اآلن أنه يحتوي عىل‬
‫من سنة ‪ ،2016‬وصدرت النتائج األوىل يف‬
‫للموقع‪ ،‬كما تسمح لنا باالستفادة من‬ ‫منصتني أخريني‪ ‬مطمورتني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مايو ‪ .2017‬وقد ّ‬
‫وفرت الطائرة معطيات عىل‬
‫مهارات املهندسني املعماريني‪ ،‬والكيميائيني‪،‬‬ ‫ويقول عالم اآلثار يف هذا الصدد‪« :‬بعد‬ ‫الدقة‪ ،‬مع هامش خطأ يق ّل عن ‪4‬‬ ‫غاية من ّ‬
‫والجيولوجيني»‪،‬مُضيفا‪«:‬نأمل يف مواصلة‬ ‫االكتشافات التي حصلنا عليها بفضل‬ ‫سنتيمرتات‪ ،‬عىل كامل املوقع األثري‪.‬‬
‫التعاون مع السلطات البلدية والوطنية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الطائرات دون طيّار‪ ،‬أصبح أمامنا مُركب‬
‫وكشفت الخريطة التي ت ّم الحصول عليها‬
‫باإلضافة لدعم اليونسكو طبعا»‪.‬‬ ‫ديني يمسح ‪ 17‬هكتارا‪ ،‬أي ثالثة أضعاف‬
‫مجموعة من املباني غري ا ُملتوقعة‪ ،‬مُو ّزعة عىل‬
‫وحسب أسطورة األيمارا‪ ،‬قد يكون األسالف قد‬ ‫مساحة الهرم األكرب يف مرص»‪.‬‬
‫كامل مساحة املنطقة التي تم استكشافها‪،‬‬
‫أخفوا يف باب الشمس‪ ،‬وهو املعلم األكثر رمزيّة‬ ‫ويُضيف عالم اآلثار‪ ،‬وهو يعرض عىل شاشة‬ ‫والتي تمسح ‪ 411‬هكتارا‪ .‬وتمت ّد املنطقة‬
‫رس إنقاذ البرشية يف حال وقوفها‬ ‫يف تيواناكو‪ّ ،‬‬ ‫حاسوبه خرائط وصورا لتدعيم أقواله‪« :‬لقد‬ ‫األثرية إجماال عىل أكثر من ‪ 600‬هكتار‪،‬‬
‫عىل شفا الهاوية‪ .‬ومن حسن الحظ‪ ،‬لم تحن‬ ‫ضبطنا يف الحني خريطة للموقع ولكل ما يوجد‬ ‫بست م ّرات من تقديراتنا‪.‬‬‫ّ‬ ‫أي‪ ‬أكثر‬
‫الساعة بعد‪ .‬ويف األثناء‪ ،‬بفضل جهود الباحثني‬ ‫تحت األرض‪ .‬ويُمثّل ذلك بالنسبة يل اكتشاف‬
‫ومكن تحليل الصور الجوية من اكتشاف‬
‫وبفضل التكنولوجيا املتقدّمة‪ ،‬بدأ عهد جديد‬ ‫العمر‪ :‬تيواناكو تُمثّل منذ ‪ 500‬سنة أحد‬
‫أثر معبد حجري مطمور حذو ما يقارب‬
‫لهذه الثقافة التي أسست‪ ،‬انطالقا من ضفاف‬ ‫املراجع التاريخية يف علم اآلثار عىل الصعيد‬
‫مائة بناية دائريّة ومستطيلة ذات الحجم‬
‫بحرية تيتيكاكا ا ُملقدّسة‪ ،‬املجتمع األكثر تقدّما‬ ‫العاملي‪ ...‬ويشء من هذا القبيل ال يحدث إال م ّرة‬
‫الكبري (قد تكون وحدات سكنيّة)‪ ،‬عالوة عىل‬
‫يف ذلك العرص‪ ،‬وابتكرت شكال من أشكال‬ ‫واحدة يف الحياة املهنية للباحث»‪.‬‬
‫خنادق وقنوات وطرقات ومباني أخرى تتعلق‬
‫الدولة التي لم يسبق لها مثيل يف هذه الرقعة‬
‫بمجاالت مختلفة‪.‬‬
‫من القا ّرة األمريكية‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪66‬‬


‫‪70‬‬ ‫‪N‬‬
‫‪E S C‬‬

‫‪O‬‬
‫‪U‬‬

‫‪R‬‬

‫الذكرى ‪70‬‬
‫‪C‬‬

‫‪O‬‬ ‫‪E‬‬
‫‪U R I‬‬

‫لتأسيس رسالة اليونسكو‬


‫الصحيفة الوحيدة التي كان يقرأها نيلسون مانديال‬
‫يف جزيرة روبن‬

‫بقلم أنار ّ‬
‫كسام‬
‫«نظام التفرقة العنرصية ليس‪ ،‬كما‬
‫يعتقد البعض لحد اآلن‪ ،‬مجهودا‬
‫صادقا يهدف إىل تحقيق تكافؤ الفرص‬
‫بني املجموعات العرقية‪ ،‬لكن يف أطر‬
‫مُنفصلة‪ .‬إنه دون شك تمييز عنرصي‬
‫فرضه أشخاص ذوي البرشة البيضاء‪،‬‬
‫لصالحهم حرصيّا‪ ،‬وعىل حساب‬
‫السكان السود أو الذين يختلف لونهم‬
‫عن البيض»‪ .‬هذا ما قرأه يف صفحات‬
‫الرسالة السجني رقم ‪،64/466‬‬
‫نيلسون مانديال‪ ،‬ملا كان معتقال يف‬
‫‪© UNESCO / Michel Claude‬‬

‫جزيرة روبن‪ ،‬دون علم ح ّراس الدولة‬


‫البوليسية التي كانت قائمة يف أفريقيا‬
‫الجنوبية آنذاك‪.‬‬

‫نيلسون مانديال‪ ،‬رئيس املؤتمر الوطني‬


‫األفريقي‪ ،‬و فيديريكو مايور‪ ،‬املدير العام‬ ‫تنرش الرسالة هذا املقال بمناسبة الذكرى‬
‫«كانت السلطات تُحاول أن تفرض علينا‬ ‫لليونسكو (‪ ،)1999-1987‬يف مقر املنظمة‪،‬‬ ‫املائة مليالد نيلسون مانديال‪ ،‬املولود يف ‪18‬‬
‫تعتيما كامال‪ ،‬ولم تكن تُريد أن يبلغ إىل علمنا‬ ‫يوم ‪ 14‬أكتوبر ‪.1993‬‬ ‫يوليو ‪.1918‬‬
‫أي خرب من شأنه أن يرفع من معنويّاتنا‪ ،‬وال‬
‫أن نعلم بوجود أطراف يف الخارج ما زالت‬
‫تُف ّكر فينا»‪.‬‬
‫يف سنة ‪ ،1964‬حُ كم عىل نيلسون مانديال‬
‫إال أنه كان بإمكان السجناء أن يُتابعوا‬ ‫ورفاقه يف الكفاح بالسجن ا ُملؤبّد‪ ،‬وكانت إدارة‬
‫دراستهم الثانوية والجامعية‪ ،‬وأن يحصلوا‬ ‫السجن ساهرة عىل أن تكون سنوات اعتقالهم‬
‫فترسب‬
‫ّ‬ ‫بالتايل عىل الكتب التي يحتاجونها‪.‬‬ ‫األوىل قاحلة عىل املستويني الفكري والروحي‪،‬‬
‫يف فرتة ما‪ ،‬بني كتب الحسابيات واالقتصاد‬ ‫مثلها مثل أرض جزيرة روبن الجدباء‪ :‬كانت‬
‫املطلوبة من طرف ا ُملعتقلني‪ ،‬اشرتاك يف رسالة‬ ‫الصحف ممنوعة بما فيها الصحف املح ّلية‪.‬‬
‫اليونسكو باللغة اإلنجليزية‪ ،‬يتم إرساله‬ ‫وقد ذكر مانديال يف الكتاب الذي خصصه‬
‫من‪ ‬باريس‪.‬‬ ‫لسريته الذاتية‪ ،‬والذي يحمل عنوان «طريق‬
‫طويلة نحو الحرية»(‪:)1994‬‬

‫‪67‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫خاص ‪ -‬الذكرى ‪ 70‬لتأسيس الرسالة‬
‫‪70‬‬

‫التفرقة العنرصية‬
‫جزيرة روبن كانت عبارة عن ألكاتراز أفريقيا‬
‫الجنوبية‪ ،‬الجزيرة‪-‬السجن حيث يقبع سجناء‬
‫الحق العام السود املحكوم عليهم با ُملؤبّد‪ ،‬دون‬
‫أي أمل يف إطالق رساحهم‪ .‬وعندما اشتدّت‬
‫املقاومة ضد التفرقة العنرصية وانترشت‪،‬‬
‫خالل السنوات ‪ 1960‬و‪ ،1970‬أرسلت‬
‫الحكومة العنرصية الجنوب أفريقية املعارضني‬
‫السياسيني األكثر تأثريا إىل هناك‪ ،‬لقضاء بقية‬
‫حياتهم‪ .‬يف الواقع‪ ،‬كانت سجنا وسط السجن‪،‬‬
‫ألن السجن الرئييس كان أفريقيا الجنوبية‬
‫ذاتها‪ ،‬حيث انغلقت أقلية ا ُملستعمرين البيض‬
‫عىل شعورها الجنوني بالتفوّق العرقي عىل‬
‫الشعب األصيل‪ .‬وكانت الحياة بكل جوانبها‪،‬‬
‫الخاصة منها والعامة‪ ،‬تخضع لقوانني‬
‫عنرصية ت ّم سنّها بهدف قمع سمعة األغلبية‬
‫السوداء وتشويهها‪ ،‬لصالح األقلية البيضاء‬
‫صاحبة كل االمتيازات‪.‬‬
‫وكانت الطبقة الحاكمة تدّعي أنها تُحافظ عىل‬

‫‪© UNESCO‬‬
‫«القيم األوروبية» وتدعمها‪ ،‬بعنوان مهمتها‬
‫املزعومة «للنهوض الحضاري» بأفريقيا‪ .‬وهو‬
‫موقف متناقض‪ ،‬بما أنها يف الحقيقة‪ ،‬تتجاهل‬ ‫غالف عدد نوفمرب‪ 1977‬لرسالة اليونسكو‬
‫تلك القيم التي ترتكز عىل مبادئ الحرية‪،‬‬
‫والعدالة‪ ،‬والديمقراطية واألخوة‪ ،‬وهي القيم‬ ‫من الواضح أن هذه املج ّلة ال تمثل يف نظر‬
‫التي ناضل األوروبيون من أجلها طيلة قرون‪.‬‬ ‫إدارة السجن التي ال تفقه يف الغالب إال اللغة‬
‫لم يكن يُوجد أيّ من هذه املواضيع يف قاموس‬ ‫األفريقانية‪ ،‬أية خطورة بالنسبة لهذه الفصيلة‬
‫وانطالقا من هذا الرصاع بالتحديد – أي من‬ ‫التفرقة العنرصية‪ ،‬وال يف األرايض القاحلة‬ ‫من السجناء الذين كان يُسمح لهم‪ ،‬بعد قضاء‬
‫الحرب ا ُملدمّ رة ضد العنرصية النازية التي‬ ‫لجزيرة روبن‪ .‬وأرصّ مانديال عىل إعالم املدير‬ ‫يوم يف األشغال الشاقة يف محجر من الكلس‪،‬‬
‫كادت أن تج ّر العالم إىل الهاوية‪ ،‬خالل الحرب‬ ‫العام لليونسكو بأن مطالعة الرسالة كانت‬ ‫باال ّ‬
‫طالع يف زنزانتهم عىل مثل تلك املحتويات‬
‫العاملية الثانية – تم إنشاء اليونسكو ونظام‬ ‫الصلة التي تربطهم بالعالم الخارجي‪.‬‬ ‫«الخالية من األهميّة»‪.‬‬
‫األمم املتحدة‪ .‬لقد أدركت أمم العالم سنة‬
‫لقد حظيت بمرافقة فيديريكو مايور يف تلك‬ ‫وقد قص مانديال بنفسه هذه الوقائع يف‬
‫‪ ،1945‬أنه «ال مجال أبدا» للقبول بمثل هذه‬
‫الزيارة‪ ،‬وعندما استمعت إىل ترصيحات‬ ‫سبتمرب ‪ 1996‬يف مكتبه الرئايس بمبنى‬
‫املآيس مستقبال‪ .‬وق ّررت‪ ،‬يف إطار اليونسكو‪،‬‬
‫الرئيس‪ ،‬تساءلت عن مغزاها وعن مدى‬ ‫يونيون بلدنغس يف بريتوريا‪ ،‬عىل فيديريكو‬
‫وبكل وضوح‪ ،‬أن «حصون السالم يجب أن‬
‫أهمّ يتها‪ .‬لقد لعبت الرسالة دور الحمام الزاجل‬ ‫مايور املدير العام لليونسكو آنذاك‪ ،‬خالل‬
‫تبنى يف عقول البرش»‪( ،‬كما جاء يف امليثاق‬
‫بني باريس وهذه الجزيرة الصغرية النائية‬ ‫الزيارة الرسمية التي أداها ألفريقيا الجنوبية‬
‫التأسييس للمنظمة) بفضل تقاسم املعارف‬
‫الواقعة وسط جنوب املحيط األطليس‪ ،‬لتحمل‬ ‫الجديدة يف عهدها الديمقراطي‪.‬‬
‫وتطويرها يف جميع املجاالت‪ ،‬وال سيما يف‬
‫ملانديال ورفاقه أخبارا وأفكارا من القارات‬
‫مجاالت الرتبية والعلم والثقافة‪.‬‬ ‫وذ ّكر الرئيس بأنه كان يستمتع‪ ،‬هو ورفاقه‪،‬‬
‫الخمس يف غفلة ح ّراس الدولة البوليسية التي‬
‫ولم يستوعب نظام أفريقيا الجنوبية هذا‬ ‫كانت قائمة يف أفريقيا الجنوبية زمن التفرقة‬ ‫بقراءة الرسالة‪ ،‬تلك «النافذة املفتوحة» عىل‬
‫الدرس‪ ،‬بل اختار امليضّ يف االتجاه املعاكس‪،‬‬ ‫العنرصية‪ .‬ممّ ا يعني أن املعرفة واألفكار قادرة‬ ‫العديد من املواضيع الجديدة‪ ،‬مثل التنوّ ع‬
‫بتدعيم التفرقة‪ ،‬واإلقصاء‪ ،‬والحرمان‪ ،‬واإلهانة‪،‬‬ ‫عىل التحليق‪ ،‬عند الحاجة!‬ ‫الثقايف‪ ،‬وتراث اإلنسانية املشرتك‪ ،‬وتاريخ‬
‫والعنف‪ .‬وكل من يعارض هذه اإليديولوجيا‬ ‫أفريقيا‪ ،‬والتعليم يف سبيل التنمية‪...‬‬
‫ا ُملتخ ّلفة كان عقابه النفي ا ُملؤبّد‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪68‬‬


‫‪70‬‬ ‫خاص ‪ -‬الذكرى ‪ 70‬لتأسيس الرسالة‬

‫إن قيمة الصحف‬


‫بالنسبة للمساجني‬
‫السياسيني تفوق‬
‫قيمة الذهب أو‬
‫األملاس‪ ،‬وكانوا‬
‫متعطشني إليها‬
‫أكثر من املؤونة‬
‫أو التبغ‬
‫نيلسون مانديال‬

‫مقاالت ضد التمييز العنرصي يف‬


‫جزيرة روبن‬
‫أتخيّل ابتسامة االرتياح التي تعلو محيّا‬
‫مانديال ورفاقه يف النضال وهم يقرؤون هذه‬
‫األسطر حول العنرصية‪ ،‬التي نُرشت سنة‬
‫‪ 1968‬بقلم عالم االجتماع الربيطاني جون‬
‫راكس‪« :‬إن نظام التمييز العنرصي يف جنوب‬
‫أفريقيا هو املثال الصارخ للعنرصية يف عاملنا‬
‫اليوم‪ .‬نظام التفرقة العنرصية ليس‪ ،‬كما‬
‫يعتقد البعض لحد اآلن‪ ،‬مجهودا صادقا يهدف‬
‫إىل تحقيق تكافؤ الفرص بني املجموعات‬
‫العرقية‪ ،‬لكن يف أطر مُنفصلة‪ .‬إنه دون شك‬
‫تمييز عنرصي فرضه أشخاص ذوي البرشة‬
‫‪© UNESCO‬‬

‫البيضاء‪ ،‬لصالحهم حرصيّا‪ ،‬وعىل حساب‬


‫السكان السود أو الذين ليسوا من البيض»‪.‬‬
‫أطلقوا رساح نيلسون منديال‪ ،‬املدافع الشجاع‬ ‫(العنرصية تحت القناع)‪.‬‬
‫عن حقوق اإلنسان‪ .‬غالف عدد نوفمرب ‪1983‬‬
‫إن ما تقوم به اليونسكو بكل صرب ومثابرة‬ ‫بعد ميض حوايل عرش سنوات‪ ،‬مثّلت مجزرة‬
‫وقوة‪ ،‬يُعاضد نضال السود يف جنوب أفريقيا‪،‬‬ ‫لرسالة اليونسكو‪.‬‬
‫التالميذ يف سويتو سنة ‪ 1976‬من قبل الرشطة‬
‫فهم أظهروا‪ ،‬بفضل شجاعة انتفاضتهم‪ ،‬أنهم‬ ‫صورة منديال من إنجاز الرسام اإلرلندي‬
‫املسلحة خالل املظاهرات منعرجا يف تاريخ‬
‫تجاوزوا الخوف واسرتجعوا األمل‪ .‬وحتى تبقى‬ ‫لويس لو بروكي‪.‬‬
‫النضال ضد التمييز العنرصي‪ ،‬وذلك بتعبئة‬
‫املجموعة الدولية وفيّة لذاتها‪ ،‬عليها أن تتجنّد‬ ‫جيل شاب من املعارضني الغاضبني والثائرين‬
‫وأن تتح ّرك بحزم حتّى ال تُخيّب هذا األمل»‪.‬‬ ‫عىل فرض اللغة األفريقانية كلغة تعليم يف‬
‫ال شك يف أن قراءة ذلك العدد مُنعت يف‬ ‫ويف نوفمرب من السنة املوالية‪ ،‬نرشت الرسالة‬ ‫مدارس السود‪ .‬وقد أظهرت تلك املجزرة لبقية‬
‫جزيرة روبن ولكن‪ ،‬يف األثناء‪ ،‬بلغ النضال‬ ‫خاصا حول العنرصية يف جنوب أفريقيا‬ ‫ّ‬ ‫عددا‬ ‫العالم أن اسرتاتيجية الحكومة العنرصية‬
‫الساحة الدولية‪ ،‬وبدأ بعض قادة بريتوريا‬ ‫يحمل عنوان «أفريقيا الجنوبية يف رصاع‬ ‫تكمن يف اللجوء إىل القوة العنيفة ال غري‪ ،‬وحتى‬
‫يدركون أنهم سوف يحتاجون إىل مانديال‪،‬‬ ‫مع العنرصية»‪ ،‬يبدأ بهذه السطور‪« :‬من‬ ‫ضد تالميذ غري مسلحني‪ .‬فتم إقصاء أفريقيا‬
‫عاجال أو آجال‪ .‬وبم ّر السنني‪ ،‬ارتقي موقف‬ ‫بني أشكال العبودية الحديثة‪ ،‬يُمثّل التمييز‬ ‫الجنوبية من قبل املجتمع الدويل ونبذها من‬
‫مانديال وقضيته‪ ،‬يف حني واصل نظام التمييز‬ ‫العنرصي اليوم الشكل األكثر دناءة‪.‬‬ ‫طرف كافة شعوب العالم‪ ،‬أو عىل األقل من‬
‫العنرصي عدوانه وعنفه إزاء السود من شعبه‬ ‫طرف الحكومات‪.‬‬
‫وإزاء الدول األفريقية املجاورة‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪| 2018‬‬


‫خاص ‪ -‬الذكرى ‪ 70‬لتأسيس الرسالة‬
‫‪70‬‬

‫يوم ‪ 11‬أكتوبر‬
‫‪ ،1990‬اجتاز‬
‫مانديال أبواب‬
‫السجن‬

‫انتهى اعتقال مانديال يف الجزيرة يف أواخر سنة‬


‫‪ ،1982‬وت ّم نقله يف البداية إىل سجن بولسمور‬
‫لسجن‬ ‫قرب مدينة كايب‪ ،‬ث ّم إىل منزل تابع ِ‬
‫فيكتور فريستار‪ ،‬حيث وجد «رفاهة» نسبية‪.‬‬
‫‪© UNESCO‬‬

‫وأثناء تلك املرحلة من اعتقاله‪ ،‬التي تواصلت‬


‫حتى سنة ‪ ،1990‬يقول مانديال إنه كان‬
‫رسالة اليونسكو فرباير ‪:1992‬‬ ‫يقيض ساعات يف «التحدث مع العدو»‪ ،‬وهي‬
‫«التفرقة العنرصية‪ :‬بداية النهاية»‪.‬‬ ‫طريقته يف بدء الحوار واملحادثات مع أعضاء‬
‫النظام األكثر ذكاء واألقل تعصبا‪ ،‬إلقناعهم‬
‫«عرشة آالف يوم»‬ ‫بأن عنف الدولة واملعاملة العسكرية لن يُهدّئا‬
‫من التحرك املتفاقم يف البالد‪ ،‬وبأنه ال بد من‬
‫وعىل أعضاء «القبائل البيض» يف أفريقيا أن‬ ‫يمكن أن ننظر للسنوات السبع والعرشين التي‬ ‫ر ّد سيايس عىل مطالب التغيري الواردة من كل‬
‫يكونوا مُمتنّني ملانديال لكل الوقت الذي قضاه‬ ‫قضاها مانديال يف االعتقال بطريقتني‪ :‬بأنها‬ ‫الجهات‪ ،‬بما فيها املجتمع الدويل‪.‬‬
‫ولصموده حتى آخر رمق‪ ،‬ليُنقذهم‪،‬‬‫ترقبهم‪ُ ،‬‬ ‫يف ّ‬ ‫تمثل تضحية رهيبة بأحسن سنوات العمر‪،‬‬
‫سلميّا وبكل صرب‪ ،‬من سجن عقولهم ومن‬ ‫وثمنا بالغ القساوة عىل عائلته التي ُفرض‬ ‫وأتى أخريا اليوم الذي طال انتظاره‪ ،‬كان ذلك‬
‫أوهام التفرقة والتفوّق‪ ،‬ليصل بهم إىل أرض‬ ‫عليها الغياب والضياع – أي أن هذه السنوات‬ ‫يوم ‪ 11‬أكتوبر ‪ ،1990‬اليوم الذي اجتاز فيه‬
‫مشرتكة حيث ال يوجد مجال لطرد أي كان‬ ‫هي بالتأكيد عقابا أشنع ممّ ا يُخيّل‪ .‬ولكن‬ ‫مانديال أبواب السجن ليَفرض نفسه‪ ،‬يف بضعة‬
‫بسبب لون برشته‪.‬‬ ‫باإلمكان أيضا النظر إىل «العرشة آالف يوما»‬ ‫أيام‪ ،‬كالسلطة املعنوية للبالد – ويف ذلك نجاح‬
‫وراء القضبان‪ ،‬كما ينعتها مانديال‪ ،‬بمنظور‬ ‫باهر لهذا الرجل الذي عاش يف املنفى طيلة ما‬
‫ويف سنة ‪ ،1999‬أصبحت جزيرة روبن أول‬ ‫يُناهز الثالثني سنة‪ ،‬وكان يُمنع نرش اسمه أو‬
‫موقع جنوب‪-‬أفريقي يُسجّ ل يف قائمة الرتاث‬ ‫آخر‪ :‬عىل أنها تمثل الفرتة التي احتاجها إلقناع‬
‫العنرصيني بكرس سالسلهم اإليديولوجية‬ ‫صورته أو أقواله! ويف مايو ‪ ،1994‬وبعد أربع‬
‫العاملي‪ .‬وإذا وُضعت يوما قائمة عاملية لكل‬ ‫سنوات من املفاوضات ا ُملضنية مع حكومة‬
‫من ساهم يف رقي الضمري املشرتك لإلنسانية‪،‬‬ ‫والثقافية‪ ،‬وبالقبول بأن الحرية والكرامة‬
‫لكل سكان جنوب أفريقيا‪ ،‬بمختلف أجناسهم‬ ‫دي كالرك‪ ،‬تم انتخاب مانديال عىل رأس دولة‬
‫سيكون نيلسون مانديال من بينهم‪.‬‬ ‫أفريقيا الجنوبية الجديدة‪ ،‬كأول رئيس ملجتمع‬
‫ومعتقداتهم‪ ،‬هي الخصال األسمى لدَولة‬
‫ّ‬
‫متحضة‪.‬‬ ‫ديمقراطي غري عنرصي حيث سيتَعايش يف‬
‫ضطهدون وا ُملظ َ‬
‫طهَ دون‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سالم ا ُمل‬
‫أنار كسام (تنزانيا) مديرة سابقة لربنامج‬
‫اليونسكو الخاص بجنوب أفريقيا من‬
‫‪ 1993‬إىل ‪.1996‬‬

‫رسالة اليونسكو • يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪2018‬‬ ‫|‬ ‫‪70‬‬


‫منشورات اليونسكو‬
‫‪www.unesco.org/publishing‬‬
‫‪publishing.promotion@unesco.org‬‬
‫ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ‬
‫ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬ ‫اشرتكوا يف‬ ‫اكتشفوا‬
‫النسخة اإللكرتونية‬
‫رسالة‬
‫اليونسكو‬
‫مجاني ‪%100‬‬ ‫وساهموا‬
‫‪http//ar.unesco.org/courier/subscribe‬‬ ‫يف التعريف بها!‬

‫إلعبوا دورا‬ ‫تصدر يف ‪ 9‬لغات‬


‫رياديا!‬ ‫اإلنجليزية والعربية والصينية‬
‫ساهموا بصفة فعّ الة يف إنجاح‬ ‫واإلسبانية واإلسربانتو والفرنسية‬
‫رسالة اليونسكو بالتشجيع عىل ترويجها‬ ‫والربتغالية والروسية والرسدينية‪.‬‬
‫واستعمالها طبقا لسياسة االستعمال الحر‬ ‫كونوا رشكاء فاعلني‪ ،‬اقرتحوا إصدار رسالة‬
‫للمنظمة‪.‬‬ ‫اليونسكو يف لغات إضافية‪.‬‬
‫‪http://ar.unesco.org/open-access‬‬ ‫االتصال‪i.denison@unesco.org :‬‬

‫ملخص التقرير العاملي لرصد‬ ‫وسائل اإلعالم يف م واجهة اإلرهاب‪:‬‬ ‫منع التط ّرف العنيف من خالل‬ ‫اشرتكوا يف النسخة الورقية‬
‫التعليم ‪2017/18‬‬ ‫دليل للصحفيني‬ ‫التعليم‪ :‬دليل لصانعي السياسات‬
‫املساءلة يف مجال التعليم‪:‬‬ ‫‪ISBN 978-92-3-600065-7‬‬
‫• سنتان (‪ 8‬أعداد)‪ 54 :‬يورو‬ ‫• سنة واحدة (‪ 4‬أعداد)‪ 27 :‬يور و‬
‫‪ISBN 978-92-3-600068-8‬‬
‫الوفاء بتعهّ داتنا‬ ‫‪ 75‬صفحة‪ 24 x 17 ،‬صم‪ُ ،‬م ّ‬
‫سف ر‬
‫‪ 110‬صفحات‪ 21 x 14،8 ،‬صم‪،‬‬ ‫ملزيد التفاصيل‪http://publishing.unesco.org :‬‬ ‫وحيث أن هذه النرشية ليس لها غاية ربحية‪ ،‬فإن‬
‫‪ISBN 978-92-3-600069-5‬‬ ‫ُم ّ‬
‫سف ر‪PDF ،‬‬ ‫ُم ّ‬
‫توف ر عىل املوقع‬ ‫سعرها يُغ ّ‬
‫‪ 448‬صفحة‪ 28 x 21،5 ،‬سم‪ُ ،‬م ّ‬ ‫‪DL Services – C/O Michot Entrepôts‬‬ ‫طي فقط تكاليف طبعها وإرسالها‪.‬‬
‫سف ر‪،‬‬ ‫ُم ّ‬
‫توف ر عىل املوقع‬ ‫‪http://unesdoc.unesco.org‬‬
‫‪ 45‬يورو‬ ‫‪http://unesdoc.unesco.org‬‬ ‫‪Chaussée de Mons 77,‬‬
‫تعرض هذه النرشية توجيهات عمل يّة عىل‬ ‫عرض تفضييل لالشرتاكات ا ُملج ّمعة‪ %10 :‬تخفيض‬
‫هذا الدليل ا ُمل وجّ ه للصحفيني وللمحرتفني‬ ‫أصحاب مهنة التعليم (أصحاب الق رار‬ ‫‪B 1600 Sint Pieters Leeuw, Belgique‬‬
‫يواصل التقرير الثاني من سلسلة التقارير‬ ‫يف وسائل اإلعالم يهدف إىل توفري املعلومات‬ ‫السيايس‪ ،‬املد ّرسني والجهات الفاعلة يف‬ ‫ ‪Tél.: (+ 32) 477 455 329   E-mail: jean.de.lannoy@dl-servi.com‬‬ ‫بداية من خمسة اشرتاكات‪.‬‬
‫العاملية لرصد التعليم تقييم التقدم املحرز‬ ‫األساس يّة والتشجيع عىل التفكري يف معالجة‬ ‫مجال الرتبية) ملواجهة املشاكل الخصوص يّة‬
‫يف تحقيق هدف التنمية املستدامة الخاص‬ ‫اإلرهاب يف وسائل اإلعالم وبواسطتها‪.‬‬ ‫التي يطرحها التط ّرف العنيف‪.‬‬
‫بالتعليم (هدف التنمية املستدامة ‪)4‬‬
‫واستنادا إىل نصائح خرباء ومؤسسات‬ ‫ّ‬
‫خاص ة إىل مساعدة‬ ‫ويهدف الدليل بصفة‬
‫وغاياته العرش‪.‬‬
‫مشهورة‪ ،‬واالستشهاد بالعديد من األمثلة‪،‬‬ ‫ا ُمل ك ّل فني وا ُمل ك ّل فات بوضع السياسات صلب‬ ‫‪© UNESCO 2018‬‬ ‫املح ّررون‪:‬‬ ‫‪ - 2018‬عدد ‪ - 3‬تصدر منذ ‪1948‬‬
‫ويبحث التقرير قضية املسؤولية يف مجال‬ ‫يستكشف هذا الدليل التحديات املهنية‬ ‫وزارات الرتبية عىل ضبط األولويّات‪ ،‬وعىل‬ ‫‪ISSN 2220-3540 • eISSN 2220-3559‬‬ ‫اإلنجليزية‪ :‬رشاز سيدهفا‬
‫التعليم‪ ،‬محل الً ُ‬
‫الس بل التي تتيح لجميع‬ ‫تصدر رسالة اليونسكو فصليا‪ ،‬عن منظمة األمم املتحدة‬
‫واملعضالت األخالقية عند القيام بتغطية‬ ‫برمجة وتطبيق إج راءات وقائية ناجعة‬ ‫‪ ‬‬
‫العربية‪ :‬أنيسة الربّاق‬
‫للرتبية والعلم والثقافة‪ .‬هدفها التعريف باملثل العليا للمنظمة‬
‫الجهات الفاعلة املعنية تعزيز الفعالية‬ ‫األحداث اإلرهابية‪ ،‬كما يطرح التساؤالت‬ ‫يف مجال التعليم‪ ،‬كمساهمة يف األنشطة‬ ‫الصينية‪ :‬سون مني ودار الصني للرتجمة والنرش‬
‫من خالل نرش تبادل األفكار حول مواضيع ذات بُعد دويل‬
‫مجلة فصلية ح ّرة اإلقتناء‪ ،‬برتخيص من‬ ‫اإلسبانية‪ :‬بياتريز خواز‬ ‫ومتعلقة باملهام املوكولة إليها‪.‬‬
‫والكفاءة واإلنصاف يف توفري التعليم‪.‬‬ ‫األساسية حول تأثري تلك املعالجة عىل‬ ‫الوطنية للوقاية من التط ّرف العنيف‪.‬‬ ‫)‪Attribution-ShareAlike 3.0 IGO (CC-BY-SA 3.0 IGO‬‬ ‫الفرنسية‪ :‬ريجيس مريان‬
‫التماسك االجتماعي وعىل انتشار الخوف‬ ‫)‪(http://creativecommons.org/licenses/by-sa/3.0/igo/‬‬ ‫السخي الذي ّ‬
‫توفره‬ ‫ّ‬ ‫تصدر رسالة اليونسكو بفضل الدعم‬
‫الروسية‪ :‬مارينا يرتسيفا‬
‫يعرتف مستعميل محتويات املجلة بقبولهم رشوط اإلستعمال‬ ‫جمهورية ِّ‬
‫الصني الشعبية‪.‬‬
‫يف‪ ‬املجتمع‪.‬‬ ‫املنصوص عليها يف نظام التوثيق املفتوح لليونسكو‬ ‫الرتجمة ‪ :‬منري الرشيف‪ ،‬خالد أبو حجلة‪ ،‬نبيل السّ خاوي‪ ،‬النغسباير‬
‫‪http://ar.unesco.org/open-access/‬‬ ‫التصميم‪ :‬كورين هايوارث‬ ‫املدير‪ :‬فانسان دي فورني‬
‫صورة الغالف‪ © : :‬فرانشسكو رواغ‬ ‫مديرة التحرير‪ :‬ياسمينا شوبوفا‬
‫يطبق هذا الرتخيص حرصيّا عىل استعمال النصوص‪ .‬بالنسبة‬ ‫الطباعة ‪ :‬اليونسكو‬
‫الستعمال الصور‪ ،‬من الرضوري توجيه طلب إىل اليونسكو‬ ‫مدير اإلنتاج والرتويج‪ :‬إيان دنيسون‬
‫للحصول عىل ترخيص مسبق‪.‬‬ ‫النرشات املشرتكة‪:‬‬ ‫أمينة التحرير‪ :‬كاترينا مركيلوفا‬
‫إن التسميات وطريقة تصميم املعطيات الواردة يف هذه النرشية‬ ‫الربتغالية‪ :‬آنا لوشيا غيمارايس‬ ‫محررة‪ :‬شان سياورونغ‬
‫تعب عن أي موقف ملنظمة اليونسكو حول الوضع القانوني‬ ‫ال ّ‬ ‫اسبريانتو‪ :‬تريزورو هوانغ ينباو‬ ‫مح ّررة النسخة اإللكرتونية‪ :‬ماالهات إبراهيموفا‬
‫للدول‪ ،‬ولألرايض‪ ،‬وللمدن أو املناطق‪ ،‬أو حول الهيئات الحاكمة‪،‬‬ ‫الرسدينية‪ :‬دياغو كرايني‬ ‫إخراج الصور‪ :‬دانيكا بيجلجاك‬
‫أو الحدود املرسومة‪.‬‬ ‫اإلرشادات وحقوق إعادة النرش‪:‬‬ ‫اإلنتاج الرقمي‪ :‬دنيس بتزاليس‬
‫تعب املقاالت الواردة يف هذه النرشية عن أفكار وآراء مؤ ّلفيها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪courier@unesco.org‬‬ ‫العالقات مع وسائل اإلعالم‪ :‬اليتيسيا كايس‬
‫وهي ليست بالرضورة آراء منظمة اليونسكو وال تلزمها بأي‬ ‫‪7, place de Fontenoy, 75352 Paris 07 SP, France ‬‬ ‫مساعدة اإلدارة والتحرير‪ :‬كارولينا روالن أورتيغا‬
‫شكل من األشكال‪.‬‬ ‫‪© UNESCO 2018‬‬
‫الذكرى ‪ 70‬لتأسيس ال ّرسالة‬
‫العلم عبر الصفحات‬

‫يوليو‪-‬سبتمرب ‪2018‬‬

‫ال ّذكاء‬
‫االصطناعي‬
‫وعود وتهديدات‬

‫ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ‬


‫‪© UNESCO‬‬

‫ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬

You might also like