You are on page 1of 2

‫المحور الثالث‪ :‬الرغبة و السعادة‬

‫داللة مفهوم السعادة‪:‬‬

‫لغويا اسم لفعل سعد ‪،‬سعدا وسعادة‪،‬والسعادة هي اليمن؛وهذا المفهوم الذي يعني الخير يشير الى معنيين ‪ :‬معنى مادي محسوس يتمثل‬
‫في االرضاء‪،‬ومعنى يتمثل في التدبير‪.‬وعلى المستوى الفلسفي تتحدد السعادة في كونها حالة ارضاء تام للذات يتسم بالقوة و‬
‫الثبات‪،‬ويتميز اللذة للحظيتها‪،‬وعن الفرحة لحركيتها‪.‬‬

‫االشكال األساسي للمحور‪:‬‬

‫اذا كانت الرغبة هي الميل لموضوع نفتقر اليه‪،‬و اللذي يمثل امتالكه مصدر متعة و ارتياح‪،‬فهل يمكن القول بأن امتالك االنسان لهذا‬
‫الموضوع يعني تحقيقه للسعا دة المطلوبة ؟ بمعنى آخر هل يشكل ارضاء الرغبة أساس السعادة المنشودة من طرف االنسان‪،‬أم أن‬
‫تحقيق هذه السعادة اليمكن أن يتم اال باالبتعاد عن الرغبات و التحرر من سلطتها؟ و هل يمكن لالنسان أن يكون سعيدا بدون تحقيق‬
‫رغباته؟‬

‫الموقف األول‪(:‬االبتعاد عن الرغبات شرط لتحقيق السعادة)‬

‫يذهب المفكر و الفيلسوف العربي المسلم" أحمد ابن مسكويه"( ‪ 421/320‬هـ) في كتابه‪":‬تهذيب األخالق و تطهير األعراق" الى انتقاد‬
‫الموقف الحسي اللذي يحصر السعادة في اللذة البدنية‪ ،‬ويتمثل هذا الموقف في نظره في العامة و الرعاع من الناس‪،‬ألنهم جعلوا النفس‬
‫ا لشريفة كالعبد الممتهن‪،‬وكاألجير المستخذم في خدمة النفس الشهوانية لتخدمها في المأكل و المشربوغيره‪،‬و"ابن مسكويه" يشرف‬
‫اللذة العقلية ويعلي من شأنها الى درجة القداسة أحيانا فهي لذة تامة و شريفة ال تمل‪ ،‬يختص بها االنسان وحده‪،‬وهو القول اللذي ذهب‬
‫الى تأكيده باقي ا لفالسفة المسلمون ‪،‬نذكر منهم "أبو نصر الفارابي" اللذي فضل في كتابه "تحصيل السعادة" اللذة العقلية حيث جعلها‬
‫خيرا على االطالق‪،‬ألننا كما يقول ‪ ":‬نطلبها لذاتها كغاية‪،‬ونؤثرها لذاتها ال لشيء آخر‪،‬فهيمكتفية بنفسها و كمال لصاحبها"‪ .‬كما نجد‬
‫نفس القول أيضا لدى الفيلسو ف المسلم "فخر الدين الرازي"اللذي ذهب في مؤلفه "كتاب الروح و النفس" الى التأكيد على أن السعادة‬
‫الحقيقية ال تكمن في االشباع المادي الحسي الصرف‪،‬وانما في ما يملكه االنسان من علوم و معارف و أخالق فاضلة ‪.‬‬

‫نستنتج مما سبق أن هذا الموقف يصدر عن مرجعية دينية اسالمية ‪،‬يغلب على رؤيتها للسعادة البعدالديني الروحي العقلي‪،‬اللذي‬
‫يؤثر السعادة الروحية التي ترتبط بالزهد و التقشف والطمأنينة النفسية عوضا عن السعادة المادية التي تلهث دائما وراء المادي‬
‫الحسي ذا الطابع الالمنتهي‪.‬‬

‫الموقف الثاني‪( :‬السعادة تحقيق للرغبات‪،‬وتجنب اآلالم)‬

‫أبيقور(‪ 270/341‬ق‪.‬م)‪ :‬يذهب هذا الفيلسوف اليوناني الى أن المتعة أو اللذة التي نجنيها من تحقيق الرغبة هي بداية الحياة السعيدة‬
‫و غاياتها ‪،‬وهذه هي القاعدة التي ننطلق منها في تحديد ما ينبغي اختياره وما ينبغي تجنبه‪،‬وهي أخيرا المرجع اللذي نرجع اليه كلما‬
‫أخذ نا االحساس معيارا للخير الحاصل لنا‪ ،‬ولما كانت اللذة هي الخير الرئيسي و الطبيعي‪،‬فاننا ال نبحث عن أية لذة كانت‪،‬بل نحن‬
‫نتنازل أحيانا عن لذات كثيرة نظرا لما تخلفه من ازعاج‪،‬كما نفضل عليها آالما شديدة‪ ،‬اذا ما كانت هذه اآلالم بعد مكابدتها طويال‬
‫تسمح بالفوز بلذة أ عظم‪.‬وعلى هذا األساس فان كل لذة هي في ذاتها خير‪،‬وكل ألم هو شر‪ ،‬فاالنسان اذن في نظر" أبيقور" ال يمكن أن‬
‫يظفر بالسعادة المتمثلة في هدوء النفس وطمأنينتها اال بغياب االضطراب و األلم و نشدان اللذة‪.‬‬

‫الموقف الثالث‪ (:‬السعادة هي التعقل في ضبط و توازن الرغبات)‬

‫"سينيكا"‪ ( sénèques‬القرن األول الميالدي)‪ :‬حسب هذا الفيلسوف ال يمكن للنفس االنسانية اال أن تكون أكثر تعاسة اذا أصرت‬
‫على السعي وراء اللذة المادية ‪ ،‬ذلك أن أساس الحياة السعيدة حسب "سينيكا" هو العقل السليم اللذي يستطيع ادراك الحقيقة‪،‬والتخلص‬
‫من سيطرة الرغبات و األحاس يس و األلم و الخوف‪،‬واال كان االنسان كالبهيمة حسب "سينيكا" مع فرق واحد هو أن البهائم تفتقرالى‬
‫العقل‪ ،‬بينما االنسان يسيء استعمال عقله‪ ،‬وهكذا لن يكون سعيدا اذا ما بالغ في التفكير في المستقبل و بناء اآلمال فيكون ذلك مصدر‬
‫آالم؛ بينما يكون سعيدا اذا ما قبل بالحاضر‪ ،‬ورضي بالحال اللذي هو عليه‪.‬هكذا فالسعادة حسب "سينيكا" تتجلى في قوله‪" :‬نكون‬
‫سعداء عندما نترك للعقل مهمة تدبير جميع ما يتعلق بوجودنا"‬

‫تركيب ‪ :‬مفهوم الرغبة اذن مفهوم اشكالي ‪ ،‬ألنه يوجد في مفترق الطرق بين ما هو بيولوجي‪،‬وما هو ثقافي وما هو نفسي‪ ،‬وما‬
‫ديني ودنيوي‪...‬‬

You might also like