Professional Documents
Culture Documents
لغويا اسم لفعل سعد ،سعدا وسعادة،والسعادة هي اليمن؛وهذا المفهوم الذي يعني الخير يشير الى معنيين :معنى مادي محسوس يتمثل
في االرضاء،ومعنى يتمثل في التدبير.وعلى المستوى الفلسفي تتحدد السعادة في كونها حالة ارضاء تام للذات يتسم بالقوة و
الثبات،ويتميز اللذة للحظيتها،وعن الفرحة لحركيتها.
اذا كانت الرغبة هي الميل لموضوع نفتقر اليه،و اللذي يمثل امتالكه مصدر متعة و ارتياح،فهل يمكن القول بأن امتالك االنسان لهذا
الموضوع يعني تحقيقه للسعا دة المطلوبة ؟ بمعنى آخر هل يشكل ارضاء الرغبة أساس السعادة المنشودة من طرف االنسان،أم أن
تحقيق هذه السعادة اليمكن أن يتم اال باالبتعاد عن الرغبات و التحرر من سلطتها؟ و هل يمكن لالنسان أن يكون سعيدا بدون تحقيق
رغباته؟
يذهب المفكر و الفيلسوف العربي المسلم" أحمد ابن مسكويه"( 421/320هـ) في كتابه":تهذيب األخالق و تطهير األعراق" الى انتقاد
الموقف الحسي اللذي يحصر السعادة في اللذة البدنية ،ويتمثل هذا الموقف في نظره في العامة و الرعاع من الناس،ألنهم جعلوا النفس
ا لشريفة كالعبد الممتهن،وكاألجير المستخذم في خدمة النفس الشهوانية لتخدمها في المأكل و المشربوغيره،و"ابن مسكويه" يشرف
اللذة العقلية ويعلي من شأنها الى درجة القداسة أحيانا فهي لذة تامة و شريفة ال تمل ،يختص بها االنسان وحده،وهو القول اللذي ذهب
الى تأكيده باقي ا لفالسفة المسلمون ،نذكر منهم "أبو نصر الفارابي" اللذي فضل في كتابه "تحصيل السعادة" اللذة العقلية حيث جعلها
خيرا على االطالق،ألننا كما يقول ":نطلبها لذاتها كغاية،ونؤثرها لذاتها ال لشيء آخر،فهيمكتفية بنفسها و كمال لصاحبها" .كما نجد
نفس القول أيضا لدى الفيلسو ف المسلم "فخر الدين الرازي"اللذي ذهب في مؤلفه "كتاب الروح و النفس" الى التأكيد على أن السعادة
الحقيقية ال تكمن في االشباع المادي الحسي الصرف،وانما في ما يملكه االنسان من علوم و معارف و أخالق فاضلة .
نستنتج مما سبق أن هذا الموقف يصدر عن مرجعية دينية اسالمية ،يغلب على رؤيتها للسعادة البعدالديني الروحي العقلي،اللذي
يؤثر السعادة الروحية التي ترتبط بالزهد و التقشف والطمأنينة النفسية عوضا عن السعادة المادية التي تلهث دائما وراء المادي
الحسي ذا الطابع الالمنتهي.
أبيقور( 270/341ق.م) :يذهب هذا الفيلسوف اليوناني الى أن المتعة أو اللذة التي نجنيها من تحقيق الرغبة هي بداية الحياة السعيدة
و غاياتها ،وهذه هي القاعدة التي ننطلق منها في تحديد ما ينبغي اختياره وما ينبغي تجنبه،وهي أخيرا المرجع اللذي نرجع اليه كلما
أخذ نا االحساس معيارا للخير الحاصل لنا ،ولما كانت اللذة هي الخير الرئيسي و الطبيعي،فاننا ال نبحث عن أية لذة كانت،بل نحن
نتنازل أحيانا عن لذات كثيرة نظرا لما تخلفه من ازعاج،كما نفضل عليها آالما شديدة ،اذا ما كانت هذه اآلالم بعد مكابدتها طويال
تسمح بالفوز بلذة أ عظم.وعلى هذا األساس فان كل لذة هي في ذاتها خير،وكل ألم هو شر ،فاالنسان اذن في نظر" أبيقور" ال يمكن أن
يظفر بالسعادة المتمثلة في هدوء النفس وطمأنينتها اال بغياب االضطراب و األلم و نشدان اللذة.
"سينيكا" ( sénèquesالقرن األول الميالدي) :حسب هذا الفيلسوف ال يمكن للنفس االنسانية اال أن تكون أكثر تعاسة اذا أصرت
على السعي وراء اللذة المادية ،ذلك أن أساس الحياة السعيدة حسب "سينيكا" هو العقل السليم اللذي يستطيع ادراك الحقيقة،والتخلص
من سيطرة الرغبات و األحاس يس و األلم و الخوف،واال كان االنسان كالبهيمة حسب "سينيكا" مع فرق واحد هو أن البهائم تفتقرالى
العقل ،بينما االنسان يسيء استعمال عقله ،وهكذا لن يكون سعيدا اذا ما بالغ في التفكير في المستقبل و بناء اآلمال فيكون ذلك مصدر
آالم؛ بينما يكون سعيدا اذا ما قبل بالحاضر ،ورضي بالحال اللذي هو عليه.هكذا فالسعادة حسب "سينيكا" تتجلى في قوله" :نكون
سعداء عندما نترك للعقل مهمة تدبير جميع ما يتعلق بوجودنا"
تركيب :مفهوم الرغبة اذن مفهوم اشكالي ،ألنه يوجد في مفترق الطرق بين ما هو بيولوجي،وما هو ثقافي وما هو نفسي ،وما
ديني ودنيوي...