Professional Documents
Culture Documents
المفهوم :الرغــبــة
المحور الثاني :الرغبة واإلرادة
تمهيد :
إذا كان االنسان يعرف بكونه كائنا واعيا ومريدا ،وكانت اإلرادة volonéهي القدرة على االختيار والتصرف وفق ما يمليه
تفكير الفرد ،وتتعارض بذلك مع دوافع السلوك األولية ،فهل يعني ذلك أن جل أفعال االنسان واعية واختيارية ،أم أم األمرعكس
كما يؤكد التحليل النفسي مع فرويد الذي فسر الفعل االنساني بكونه ناتج عن رغبات مكبوتة في الالشعوروبالتالي يكون سلوكا
الشعوريا عبارة عن رغبات مكبوتة تسعى دائما نحو االشباع .فكيف هي إذن عالقة الرغبة بالوعي واالرادة؟ هل يعي االنسان
رغباته؟وهل له سلطة عليها؟
الموقف األول :االنسان يعي رغباته.
باروخ اسبينوزاB. Spinoz تحليل نص :الرغبة ماهية االنسان
النص:
ثم فهي تبذل جهدا من أجل االستمرارفي وجودها من حيث إن لديها تتألف ماهية النفس من أفكار تامة وأخرى غير تامة ،ومن َ
هذه األفكار أو تلك ،وذلك لمدة غير محدودة .ولما كانت النفس ،من جهة أخرى ،تعي ذاتها حتما بواسطة أفكار وانفعاالت الجسم،
فهي إذن تعي جهدها ذاك.
إذا تعلق هذا الجهد بالنفس وحدها سمي إرادة ،وإذا تعلق بالنفس والجسم معا سمي شهوة؛ فالشهوة ليست إذن غير ماهية االنسان
ذاتها ،التي ينتج عنها حتما ما يصلح لحفظها ،بحيث يتحتم على االنسان القيام به .وعالوة على ذلك ال يوجد أي فرق بين الشهوة،
والرغبة عدا أن الرغبة تتعلق عموما بأفراد االنسان من حيث أنهم يعون شهواتهم ،ولذلك يمكن تعريفها كما يلي :الرغبة
هي الشهوة المصحوبة بوعي ذاتها" .
لقد غدا من الثابت إذن ،من خالل كل ما تقدم ،أننا النسعى إلى شيء وال نريده وال نشتهيه وال نرغب فيه لكوننا نعتقده شيئا
طيبا ،بل نحن ،على العكس من ذلك ،نعتبره شيئا طيبا لكوننا نسعى إليه ونريده ونشتهيه ونرغب فيه...
فإذا قلنا مثال إن السكن كان العلة الغائية لوجود هذا المنزل فإننا إذ ذاك في الحقيقة ال نعني شيئا غير أن شخصا ما قد تصور مزايا
الحياة المنزلية ورغب في بناء منزل .فليس السكن إذن من حيث إنه علة غائية ،إال رغبة جزئية ،وهذه الرغبة في الواقع علة
فاعلة ينظر إليها الناس على أنها العلة األولى نظرا إلى جهلهم بعلل رغباتهم .ولق قلت مرارا عديدة إن الناس يعون حقا أفعالهم
ورغباتهم ،إال أنهم يجهلون العلل التي تجعلهم يرغبون في شيء من األشياء.
باروخ اسبينوزا ،علم األخالق ،عن الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة ص35 :
األجوبة :
-1تتحدد ماهية النفس حسب اسبينوزا من خالل أفكار تامة وغير تامة ،وانفعاالت جسمية(ألم،خوف‘ )...تدفعها دائما لبذل
مجهود من أجل الحفاظ على وجودها.
-2االرادة تتحدد حسب النص بكونها ذلك الجهد الذي تبذله النفس من أجل البقاء ،ويتعلق بها وحدها دون الجسم؛ أما عندما
يتعلق هذا الجهد بهما معا فهويسمى حسب النص بالشهوة .والشهوة التي تكون مصحوبة بوعي ذاتها هي عينها الرغبة .
-3يحاول صاحب النص من خالل المثال أن يبين لنا أن االنسان يكون واعيا برغباته؛ لكن غالبا ما يجهل األسباب الحقيقية
وراءها‘ لذلك يعتبر أن السكن هو السبب والعلة وراء بناء المنزل ،لكن في الحقيقة حسب اسبينوزا هي أن االنسان يجهل األسباب
والعلل الحقيقية ،لكنه يعي فقط رغباته وشهواته.
-4يعرض النص أطروحة مفادها أن االنسان يعي رغباته ،ألن الرغبة ليست شيئا آخر غير الشهوة المصحوبة بوعي ذاتها.
*العلة الغائية :هي العلة التي تكون غاية الفعل والهذف منه.
اعتمد صاحب النص على التعريف :تعريف ماهية النفس ،ثم تعريف الرغبة واالرادة والشهوة.
اعتمد أيضا على حجاج لغوي تمثل في أدوات عرض لغوية ومنطقية مختلفة تفيد :االستنتاج ،االثبات....
الـمـناقـشـة :
حيثما توجد الرغبة يوجد الالشعور .والالشعور لغة تنفلت من سلطة الذات ،لها بنيتها الخاصة والمستقلة وآثارها في الذات.
إن الالشعور لغة توجد وراء الشعور ،وهنا بالضبط تتموضع وظيفة الرغبة...
ما الرغبة إذن إنها ،بمعنى من المعاني ،ترفع ،إلى أبعد حد ،درجة اللذة واالستمتاع ،خارج منطقة الوعي واإلرادة ،لكن
بطريقتها الخاصة .وهي طريقة استيهامية ،يلعب جانب التخييل وسجله دورا أساسيا في عملها...فالرغبة استمتاع الجسد
الموشوم بالتوترات والضغوطات الجنسية الدفينة والمنسية.
شكلت أطروحة "اسبينوزا" حول عالقة الرغبة باالرادة الطرف النقيض ألطروحات رأت في الرغبة مجاال خاصا يخرج
عن إطار الوعي واالراذة خاصة مدرسة التحليل النفسي .فالمحلل النفساني الفرنسي "جاك الكان" يذهب في كتابه "التحليل
النفسي والطب" إلى القول أنه ال سلطة للذات على الرغبة ،فالرغبة تشتغل خارج منطقة الوعي واالرادة .إنه مجال الالشعور،
والالشعور لغة تنفلت من سلطة الذات ،أي خارج الوعي .والرغبة لها بنيتها الخاصة والمستقلة ،فهي ترفع درجة اللذة واالستمتاع
خارج منطقة الوعي واالرادة ،إنها استمتاع الجسد الموش وم بالتوترات ،والضغوطات الجنسية الدفينة والمنسية كما يقول "جاك
الكان" .
التركيب:
يظهر أن عالقة الرغبة بالوعي واإلرادة ،عالقة معقدة نظرا للطابع المعقد للرغبة ذاتها ،نظرا لتداخلها وتعالقها مع
ماهو نفسي وجسدي ،بحيث يصبح منها ما هو واعي ومنها ما هو غير واع ،وهذا ما يجعلنا نقول أن االنسان ال يعي كل
رغباته؛ لكن ذلك ال يعني أن كل رغبات االنسان تشتغل خارج نطاق وعيه وإرادته.
ولـــكـــن