Professional Documents
Culture Documents
فالشخص
هو الذات المفكرة و الواعية .الحرة في تصرفاتها و المستقلة في إرادتها و المسؤولة قانونيا و أخالقيا .و
يمتلك كل شخص هوية خاصة به و تسمح له بالتميز عن اآلخرين .حيث يشعر بأنه الشخص ذاته في
مختلف مراحل حياته ،أي أن له أنا يرجع له أفعاله و أحاسيسه .فما هي المقومات التي من شأنها تحديد
هوية الشخص ؟ هل يمكن اختزالها في محددات جسدية خارجية أم داخلية؟ وهل القول بوحدة الهوية
الشخصية يهني ثبات األنا أم تغيره؟
عند بداية تحليلينا للنص الذي بين أيدينا .يتبين بأن صاحب النص يدعم فكرة أن المعيار األساسي للحكم على الشخص هو هو
يتمثل في استمرارية الجسد المادية عبر الزمن .فهو بهذا القول يصرح و بشكل علني عن طرحه و يبدأ بتفسيره و لكنه أوال
يعطي مثاال من خالله يريد تأكيد طرحه .حيث أعطى مثاال واضحا أشد الوضوح هدفه من ذلك هو أن يبين بأن المعيار الذي جعلنا
نقول بأن هذا الشيء هو هذا أو ذاك هو نفس المعيار الذي سيمكننا من معرفتنا لذواتنا كما أنه يؤكد على أن أي طرح آخر يعد
خاطئا و يعطي مثاال بقوله [كأن أقول مثال أنا إنسان جديد] وهذا ليس منطقيا فاإلنسان هو اإلنسان ال يتجدد وال يتغير ،يتغير
جسده و تتغير مالمحه و أفكاره لكن هويته تبقى ثابتة مع مرور الزمن ،ثم يعود ليصرح من جديد و بشكل واضح بطرحه القائم
على أساس أن الهوية الشخصية تتحدد بواسطة الذاك رة ،حيث أن هذه األخيرة هي من توفر نلك المعرفة الداخلية التي تربطنا
بالماضي فالذاكرة هي من تخول لنا تذكر األشياء و بالتالي معرفتها و تحديدها .كما أنه يضيف إلى ذلك أن هذه الذاكرة ليست
وحدها من تؤسس للمعيار الذي يساعدنا على معرفة األشياء و معرفة ذواتنا بل يضيف إليها كال من العقل و الجسد باعتبار
هاذين األخيرين يرتبطان أو باألحرى يتصالن بالذاكرة .حيث يمكن أن نعتبرهم كخلية موحدة تشارك و تتضامن لتحقيق هدف
معين أال وهو المعرفة المؤكدة لألشياء ومن تم لذواتنا حيث أن ذكرى شيء من الماضي تتعلق بشيء حدث ألجسادنا أو ألدمغتنا
مما يؤكد الترابط التوثيق بين الذاكرة و العقل و الجسد .من هذا يتبين بأنه لكي تكون هناك استمرارية لألجساد يجب في بعض
األحيان أن يتأكد على األقل من خالل الذاكرة .فال يمكن اعتبار إنسان بال ذاكرة فذلك سيكون جسدا فقط جسدا به روح لكنه ال
يستطيع معرفة اآلخرين فكيف باألحرى سيستطيع معرفة نفسه و تأكيد شخصيته و هويته؟
من خالل هذا يتبين بأن أطروحة صلب النص أطروحة فلسفية واضحة تتأسس على كون أن الذاكرة هي المحدد و المؤسس
الضروري للهوية الشخصية في اتصالها بالضرورة بأدمغتنا و أجسادنا .ففي غياب الذاكرة تغيب الهوية الشخصية و بالتالي
يغيب الفرد داخل المجتمع فيصبح خاليا من كل ما من شأنه أن يحدده.
واعتمد صاحب النص لتأكيد أطروحته على بنية حجاجية منطقية و مترابطة حيث استهل نصه بطرح أطروحته ثم سرعان ما بدأ
بتفسيرها وشرحها واعتمد في ذلك على إعطاء بعض األمثلة الواضحة لتسهيل الفهم و االستيعاب كما أنه تدرج في شرح
أطروحته حتى تظهر واضحة للجميع.
حسب صاحب النص تتأسس الهوية الشخصية و تتحدد على أساس الذاكرة في ارتباطها بالجسد و العقل.فإلى أي حد يمكن القول
بهذا الطرح ؟ أال يمكن القول بأن هناك أشياء أخرى تحدد الهوية الشخصية كالعقل ،اإلرادة ،الشعور الوعي .أال يمكن أن تتحدد
الهوية الشخصية باجتماع كل هذه المقومات أن بعضها؟ هذه األسئلة تحيلنا إلى استحضار مواقف بعض الفالسفة.
يمكن القول أن هناك بعض المواقف المؤثرة التي تفيد التبسيط إلمكانية معالجة هذا اإلشكال ،نذكر كمثال الفيلسوف "ديكارت".
فهذا الفيلسوف الذي ينتمي إلى التصور العقالني يرى بأن المحدد األساسي للهوية الشخصية يتمثل في العقل باعتباره الشيء
الوحيد الثابت الالمتغير في الشخص ،الشيء الذي من خالله يستطيع الشخص إثبات وجوده وذاته ومن تم هويته و شخصيته
وذلك انطالقا من أفعال الشك التي بواسطتها يستطيع اإلنسان إثبات ذاته و العمل بمبدأ الكوجيطو "أنا أفكر أنا موجود" .فبتفكيري
النابع من عقلي وحده الغير مرتبط باألشياء الحسية الملموسة أستطيع إثبات وجودي و أناتي .حيث أن "ديكارت" ال يؤمن بأي
شيء قابل للتجديد و التغير و خصوصا باألشياء الحسية ففي نظره هي أشياء خادعة و كاذبة .من هنا يتبين بأن "ديكارت" ال
يوافق صاحب النص في كون الذاكرة يمكن أن تحدد الهوية الشخصية لكننا يمكن أن نعتبر بأنه مؤيد لصاحب النص من ناحية
العقل و من أهميته في تحديد الهوية الشخصية.
هذا فيما يخص "ديكارت" أما بالنسبة " لشوبنهاور" فهو يتوافق مع "ديكارت" في كون أن محدد الهوية الشخصية يجب أن
يكون شيئا ثابتا غير قابل للتجديد ،لكنهما على العكس من ذلك هما متعارضان بالنسبة لتحديد هذا الشيء.فإن كان بالنسبة
"لديكارت" العقل هو ما يحدد الهوية الشخصية فعلى العكس من ذلك يرى "شوبنهاور" بأن المؤسس الوحيد و الضروري
للهوية الشخصية يتمثل في اإلرادة .إرادة الحياة و البقاء .فإن سألنا أي شخص كيفما كان عما هو الشيء الثابت فيه فسيقول
إرادة الحياة و البقاء على الوجود هي دوما حلمه الذي ال يتغير بتغير الزمان و المكان فاإلنسان بطبعه يميل للبقاء .وعليه فإن
"سوبنهاور" يجد بأن الذاكرة ال يمكن اعتبارها شيئا محددا للهوية الشخصية فهذه الذاكرة قد يصيبها التلف و النسيان فبمجرد
إصابة الشخص بحادثة أو مرض يمكن أن يفقد ذاكرته أو باألحرى سيفقد هويته إذا ما اعتبرنا أنها المحدد للهوية .فكيف يمكن
أن نربط مصير وجودنا بشيء يمكن أن نفقده بمجرد إصابتنا بحادثة كما يمكن أن تكون الحادثة هي إصابتنا بقطعة حجر من هنا
يتبين بأن "شوبنهاور" ال يتفق مع صاحب النص في كون أن الذاكرة هي تحدد الهوية الشخصية لألفراد.
بين هذا و ذالك نجد أن هناك بعض الفالسفة الذين ربطوا مصير الهوية الشخصية باإلحساس و الشعور ثم بالذاكرة و الوعي.
فحسب الفيلسوف التجريبي "جون لوك " ترتبط الهوية الشخصية بكل ما هو حسي ملموس .فهذا الفيلسوف المنتمي للتصور
التجريبي يرى بأن اإلحساس و الشعور هما المحددان األساسيان للهوية الشخصية .فعن طريقهما يمكن أن نعرف ذواتنا معرفة
كلية مطلقة .فهذا اإلحساس و الشعور يعد وعيا كليا بوجودنا من هنا يمكن أن نؤكد أنه حسب "جون لوك" :الشعور و اإلحساس
المصاحبان للوعي يحددان هوية الشخص كما ال ينفي دور الذاكرة في تحديد الهوية الشخصية فهو يعتبرها امتدادا للشعور في
الزمان و بهذا يمكن اعتبارخ مؤيدا لصاحب النص من هذه الناحية فبالنسبة إليه الذاكرة تحيلنا على أساس و مشاعر كانت لدينا
في الماضي و بواسطة الذاكرة نستطيع االحتفاظ بها.
إذا كانت الذاكرة و الشعور هما المحددان للهوية حسب "جون لوك" أال يمكن أن نعتبر الطبع أيضا محددا ومؤسسا لبناء الهوية
الشخصية لألفراد ؟ حسب فلسفة "الشوليي" نجد بأنه يؤكد على ضرورة الطبع و الذاكرة لتحديد الهوية الشخصية فطبعنا
باألمس هو نفس طبعنا اليوم ال يتغير مع تغير الزمان و يساعده على ذلك الذاكرة .فبوجودها نستطيع أن نضمن ثبات طبعنا وإذا
ضمنا ثبات طبعنا ضمنا معرفتنا لذواتنا معرفة دائمة ال متغيرة.
بعد التطرق إلى مواقف هؤالء الفالسفة يتبين بأن هذا اإلشكال عميق جدا تتضارب فيه اآلراء من فيلسوف آلخر حيث أن هناك
من يرى بأن الهوية الشخصية ثابتة تتمثل أو ب األحرى تتأسس على العقل أو اإلرادة و هناك من يرى بأن الهوية تعتمد على
شيء متغير كالشعور و الوعي و الذاكرة و الطبع .
صفوة القول إن اإلشكال الذي بين أيدينا و الذي يتعلق بالهوية الشخصية و المعايير المعتمدة لتحديدها هو عبارة عن قضية من
بين القضايا الفلسفية و الفكرية الشائكة التي أثارت جدل الكثير من األشخاص و التي جعلت األرضية خصبة أمام فالسفة إلبراز
آرائهم و تأكيدها.
من هنا يبرز جليا كما أنه من الواضح أن الهوية الشخصية تعتمد إما على شيء ثابت كالعقل و اإلرادة أو على شيء متغير
كالشعور و الطبع فإن كانت تعتمد على الشيء األول أي ثابت فإنها ال تعتمد على شيء متغير.