You are on page 1of 135

‫ـ‪1‬ـ‬

‫ـ‪2‬ـ‬
‫ـ‪3‬ـ‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة‬
‫يبدو األشعرى ىف كتابه «االبانة» حريصا كل احلرص على ادعائه االنتمــاء اىل أمحد‬
‫بن حنبل رضى اهلل عنه ‪ ،‬فهو يكــثر من مدحه ويشــيد مبنهجه ويــدافع دفاعا حــارا قويا عن‬
‫مجيع ما قاله وقـ ـ ـ ــرره‪ .‬بل حياول ىف قـ ـ ـ ــوة اثبـ ـ ـ ــات الوجه واليـ ـ ـ ــدين اىل غري ذلك كما فعل ‪،‬‬
‫ويقـ ــول باس ـ ــتواء اهلل على العـ ــرش من غري كيف كما ق ـ ــال ‪ ،‬ويـ ــرد على املعتزلة واحلرورية‬
‫واجلهمية الــذين يريــدون صــرف اآليــات الــواردة ىف ذلك عن معانيها الظــاهرة ‪ ،‬كما أنه ال‬
‫يتحـ ــدث عن «التنزيـ ــه» بأسـ ــلوب صـ ــريح ‪ ،‬وال عن «نظرية الكسـ ــب» أصال ‪ ،‬ويهمل فيه‬
‫الكالم أيضا عن «البعث» و «مشـ ــكلة اخلاص والعـ ــام» و «الوعد والوعيـ ــد» ‪ ،‬كما أنه ال‬
‫يــبني رأيه ىف «التعــديل» والتجــوير باســهاب وكــذلك رأيه ىف «االميان»‪ .‬مما جعل البــاحثني‬
‫ال ــذين اعتم ــدوا على كتابه ه ــذا ىف ح ــرية من أم ــره ‪ ،‬فبعض ــهم اقتص ــروا ىف تق ــديره وتق ــومي‬
‫مذهبه على ذلك ‪ ،‬مث عجبــوا ىف النهاية من تلك الشــهرة الىت واتته من غري أن يكــون هلا ما‬
‫يربرها تربيرا قويا ىف كتابه «االبانة» بل لعل عجبهم قد ازداد حني ادعى مؤرخو الفكر‬
‫ـ‪4‬ـ‬

‫أن األش ــعرى هو الّ ــذي وضع أس ــاس املذهب الس ــائد الي ــوم باسم «األش ــاعرة» وقد محلهم‬
‫ذلك على التم ــاس أس ــباب جناح األش ــعرى ىف غري مذهبه ‪ ،‬ف ــردوا ذلك النج ــاح اىل مركز‬
‫أسـ ـ ـ ــرته ‪ ،‬وشخصـ ـ ـ ــيته الروحية ‪ ،‬وقدرته على اجلدل ‪ ،‬وكراهة الشـ ـ ـ ــعب للمعتزلة ‪ ،‬ورغبة‬
‫األمة ىف أن ت ــرى من أبنائها من يق ــارعهم باحلجة ويه ــزمهم ب ــاملنطق والربه ــان‪ .‬كما محلهم‬
‫ذلك على احلكم بوجود هوة سحيقة بني مــذهب األشــعرى ومــذهب األشــاعرة رغم ادعـاء‬
‫هـ ـ ـ ـ ــؤالء اآلخـ ـ ـ ـ ــرين أهنم أتباعه املخلصـ ـ ـ ـ ــون وتالميذته املوحيـ ـ ـ ـ ــون‪ .‬ولكن البعض اآلخر من‬
‫البـ ـ ــاحثني مل يقتصر على «االبانـ ـ ــة» ىف دراسـ ـ ــته ‪ ،‬بل اسـ ـ ــتثار ىف ذلك ما كتبه الثقـ ـ ــات من‬
‫العلمــاء كالبــاقالىن والشهرســتاىن عن مذهبه ‪ ،‬ومن هــؤالء املستشــرق اهلولنــدى «فنســنك»‬
‫الّـ ـ ــذي وضع الصـ ـ ــورة املأخوذة من «االبانـ ـ ــة» عن مذهبه ‪ ،‬اىل جـ ـ ــانب الصـ ـ ــور العقلية الىت‬
‫رواها ه ــؤالء العلم ــاء عنه ‪ ،‬مث تس ــاءل ىف النهاية ‪ :‬أميكن أن يك ــون األش ــعرى ذا وجهني ‪،‬‬
‫أم أن أتباعه قد تقولـ ــوا عليـ ــه؟ مث رجا ىف النهاية أن يوجد من كتابـ ــات األشـ ــعرى نفسه ما‬
‫يؤيد تلك الصـ ـ ــورة الىت رواها أتباعه عنه والىت تصـ ـ ــرح «بالتنزيه أو الكسـ ـ ــب» حىت يتضح‬
‫مذهبه ويقـ ــوى تعليله ويكـ ــون جـ ــديرا بشـ ــهرته ومركـ ــزه ‪ ،‬فتتجلى لنا تلك الشخصـ ــية الىت‬
‫ينسب إليها أهنا وحـ ــدها الىت مكنت االسـ ــالم من اختاذ طريق وسط بني النقل والعقل ‪ ،‬أو‬
‫بعبارة أخرى بني احلشوية واملعتزلة‪.‬‬
‫ـ‪5‬ـ‬

‫وشاءت إرادة اهلل أن يوجد ذلك املؤلف الّذي نقــدم له اليــوم وهو «كتــاب اللمــع»‪.‬‬
‫فاألشعرى ىف هذا الكتــاب يبــدو أعمق تفكــريا وأســلم منهجا وأشد عناية باألدلة العقلية اىل‬
‫درجة التعقيد أحيان ــا‪ .‬واألش ــعرىـ ىف «كت ــاب اللم ــع» ال ي ــذكر االم ــام أمحد رضى اهلل عنه‬
‫وال يش ــيد مبنهجه ‪ ،‬بل هو على العكس من ذلك يه ــاجم ىف قس ــوة أولئك ال ــذين يض ــيقون‬
‫ب ـ ــالنظر واالسـ ـ ــتدالل وهم «احلنابل ـ ــة» ‪ ،‬وحياول جاهـ ـ ــدا االس ـ ــتدالل على صـ ـ ــحة ذلك من‬
‫القـ ــرآن والس ـ ــنة املطه ـ ــرة‪ .‬واألش ـ ــعرى أيضا ىف «كتـ ــاب اللم ـ ــع» ال يتعـ ــرض ل ـ ــذكر الوجه‬
‫واليـ ــدين واالسـ ــتواء على العـ ــرش كما فعل ىف «االبانـ ــة» بل يهمل ذلك امهاال تامـ ــا‪ .‬ويزيد‬
‫على ذلك التصـ ـ ـ ـ ــريح القـ ـ ـ ـ ــاطع بتنزيه اهلل عن اجلسـ ـ ـ ـ ــمية ونفيه عن اهلل أن يكـ ـ ـ ـ ــون مشـ ـ ـ ـ ــاهبا‬
‫للح ــوادث‪ .‬كما يتح ــدث ىف اس ــهاب عن «نظرية الكس ــب» وما يل ــزم لتأيي ــدها من األدلة‬
‫ويعطى عناية كبـ ـ ــرية لبعض املسـ ـ ــائل اهلامة الىت أشـ ـ ــرنا اىل امهال «االبانـ ـ ــة» هلا «كمشـ ـ ــكلة‬
‫البعث» وحتديد معىن «االميان» ومسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألة «الكبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرية» و «الوعد والوعيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد» و «اخلاص‬
‫والعام» مبا ال خيرج ىف أساسه عن مذهب األشاعرة‪.‬‬
‫واذن فالصــورة العقلية الىت رواها الثقــات من العلمــاء عنه هى صــورة حقة قد كتبت‬
‫بيد األشعرى نفسه‪ .‬وهذه الصورة العقلية الىت أخذناها من «اللمع» توصل ىف الوقت‬
‫ـ‪6‬ـ‬

‫نفسه اىل نتــائج قد تكــون متعارضة أمت التعــارض مع تلك النتــائج الىت وصل إليها من اعتمد‬
‫على «االبانــة» ىف تقــومي مذهبه وتقــدير مواهبــه‪ .‬فســوف يلمس الق ــارئ ـ ـ بعد مطالعة هــذا‬
‫الكتـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ السر ىف جناح األشـ ـ ــعرى ‪ ،‬وكيف أن األشـ ـ ــعرى قد كسب تلك الشـ ـ ــهرة عن‬
‫أسباب ذاتية أصيلة فيه ‪ ،‬وأن مذهبه قد نــال تلك املكانة الرفيعة ألنه مــذهب يرضى خاصة‬
‫األمة وال يصـ ــعب على عامتها ‪ ،‬ال ألن صـ ــاحبه كـ ــان من أسـ ــرة كبـ ــرية أو أنه كـ ــان قـ ــوى‬
‫الشخص ــية‪ .‬كما أن الق ــارئ س ــوف يلمس أيضا بطالن االدع ــاء بوج ــود ه ــوة س ــحيقة بني‬
‫مذهب األشعرى ومـذهب األشـاعرة ‪ ،‬وسـوف جيد أن اخلالف بينه وبني أتباعه مل ميس أية‬
‫مسألة جوهرية ىف املذهب نفسه على حسب ما قرره وصــوره ‪ ،‬وامنا هو خالف ىف طريقة‬
‫االسـ ــتدالل ‪ ،‬أو ىف تفسري بعض األصـ ــول أو الزيـ ــادة ىف الشـ ــرح ‪ ،‬أو االشـ ــتغال مبسـ ــائل مل‬
‫تع ــرض لألش ــعرى ىف أي ــام حياته ‪ ،‬وحسب «اللم ــع» ذلك ليك ــون ج ــديرا مبا ب ــذل فيه من‬
‫جهد ‪ ،‬وما كلفنا من نصب وارهاق‪.‬‬
‫ولكن ذلك يعىن أن هن ـ ـ ــاك ص ـ ـ ــورتني خمتلف ـ ـ ــتني قد وردنا عن م ـ ـ ــذهب األش ـ ـ ــعرى ‪:‬‬
‫صورة حيددها «اللمع» وأخـرى خيددها «االبانـة»‪ .‬فهل يوجد بني الصـورتني تنـاقض؟ واذا‬
‫كان فهل قررمها األشــعرى ىف زمــان واحد فيكــون متناقضا ىف نفسه ؛ أم أن ذلك يعــود اىل‬
‫مرحلتني خمتلفتني ‪ ،‬ىف تطوره الفكرى بعد‬
‫ـ‪7‬ـ‬

‫حتوله عن مـ ــذهب املعتزلـ ــة؟ واذا كـ ــان األمر كـ ــذلك فـ ــأى املرحلـ ــتني هى األسـ ــبق ‪ :‬مرحلة‬
‫اللمع أم مرحلة االبانة؟‬
‫يــرى مكدونالد وتــرينت والســلفية أيضا أن الصــورتني خمتلفتــان اختالفا بينا ‪ ،‬ويــرون‬
‫مع ذلك أن مرحلة «االبانــة» كــانت هى املرحلة األخــرية الىت انتهى إليها رأى األشــعرى ‪،‬‬
‫وعلى ذلك جولد زيهر أيضا ‪ ،‬وان كـ ــان مكدونالد والسـ ــلفية على خالف ىف تعليل حتوله‬
‫عن الص ــورة العقلية الىت يص ــورها «اللم ــع» اىل الص ــورة الس ــلفية الىت يص ــورها «االبان ــة»‪.‬‬
‫فمكدونالد يــرى أنه اضــطر اىل تــرك الصــورة العقلية واثبــات الوجه واليــدين وغري ذلك بعد‬
‫رحيله اىل بغـ ــداد ىف أخريـ ــات حياته ووقوعه حتت نفـ ــوذ احلنابلـ ــة‪ .‬ومعىن ذلك أنه اصـ ــطنع‬
‫الصــورة الثانية ليكسب هبا رضا احلنابلة ‪ ،‬ورمبا ليــدفع شــرهم أيضــا‪ .‬فليست املســألة مســألة‬
‫عقي ــدة ولكنها مس ــألة مالءمة للظ ــروف ومراع ــاة ملا تقتض ــيه‪ .‬ولعل مما يش ــهد ل ــذلك ق ــول‬
‫بعض ــهم ‪ :‬ان األش ــاعرة قد جعل ــوا «االبان ــة» من احلنابلة وقاي ــة‪ .‬ولكن الس ــادة الس ــلفية ال‬
‫يرض ــيهم ه ــذا التعليل ‪ ،‬بل يقول ــون ‪ :‬ان األش ــعرى قد وصل اىل احلق على م ــراتب ؛ ف ــرتك‬
‫أوال مـ ــذهب املعتزلة اىل مذهبه العقلى فأصـ ــاب نصف احلق ‪ ،‬مث تـ ــرك أخـ ــريا مذهبه العقلى‬
‫اىل مــذهب الســلف فأصــاب احلق كله ومــات مرضــيا عنــه‪ .‬وهــذا قــول يبــدو مقبــوال ولكنه‬
‫س ــيظل فرضا حىت جيد ال ــدليل الق ــاطع الّ ــذي يؤي ــده بل انىن أعتقد أن هن ــاك فرضا آخر هو‬
‫أحق باالدعاء وأدىن اىل‬
‫ـ‪8‬ـ‬

‫القب ــول وهو أن الص ــورة الس ــلفية الىت يص ــورها «االبان ــة» قد ص ــدرت أوال ‪ ،‬وأن الص ــورة‬
‫العقلية الىت يصــورها «اللمــع» قد صــدرت أخــريا وأهنا كــانت حتديــدا ملذهب األشــعرى ىف‬
‫وضـعه النهـائى الّـذي مـات صـاحبه وهو يعتنقه ويعتقد صـحته ويـدافع عنه ويرضـاه ألتباعـه‪.‬‬
‫وأسباب هــذا الــرتجيح عنــدى كثــرية ؛ فمنها ما هو نفسى ‪ ،‬ومنها ما هو علمى ‪ ،‬ولعل مما‬
‫يعــود اىل األســباب النفســية أننا نــرى األشــعرى ىف كتــاب «االبانــة» أشــرق ‪ ،‬أســلوبا وأكــثر‬
‫حتمسا وأعظم حتامال على املعتزلة وأكثر بعـدا عن آرائهم‪ .‬وهـذه مظـاهر نفسـية جيدها املرء‬
‫ىف نفسه جتاه رأيه الّـ ـ ـ ــذي يرتكه ابـ ـ ـ ــان تركه أو بعيد التنـ ـ ـ ــازل عنـ ـ ـ ــه‪ .‬أما من الناحية العلمية‬
‫فحسب الق ـ ــارئ أن يراجع بابا مش ـ ــرتكا ىف الكت ـ ــابني ل ـ ــريى أن كت ـ ــاب «اللم ـ ــع» ىف ذلك‬
‫الباب قد أحاط مبسائله وأجاد ىف عرض أدلته ‪ ،‬وأفاض ىف اعرتاضات خصومه وأحسن ىف‬
‫الــرد عليها ؛ مما يــدل على أن «كتــاب اللمــع» مل يكتب اال ىف الــوقت الّــذي نضج املذهب‬
‫فيه ىف نفس صاحبه ‪ ،‬وأنه مل يصوره ىف هذا الكتاب اال بعد أن ألفه وأصبح واضـحا عنـده‬
‫ويشاركىن ىف هذا الرأى «فنسنك» وغريه من الباحثني‪.‬‬
‫ولكن اذا س ـ ـ ـ ـ ــلمنا بوج ـ ـ ـ ـ ــود التخ ـ ـ ـ ـ ــالف بني الص ـ ـ ـ ـ ــورتني فهل يعىن ذلك االع ـ ـ ـ ـ ــرتاف‬
‫بتناقضهما؟‬
‫الواقع أنىن ال أرى أى تناقض بني الصورة الىت حيددها‬
‫ـ‪9‬ـ‬

‫«االبان ــة» وبني الص ــورة الىت حيددها «اللم ــع» ؛ ألن م ــدح االم ــام أمحد وال ــرد على املعتزلة‬
‫واحلرورية واجلهمية ىف انكـ ـ ـ ــارهم الوجه واليـ ـ ـ ــدين واالسـ ـ ــتواء على العـ ـ ـ ــرش ىف االبانة ‪ ،‬مع‬
‫الس ــكوت عن ذلك ىف اللمع ‪ ،‬ال يعترب تناقضا ؛ ألن األش ــعرى يتن ــاقض حقا اذا نفى ذلك‬
‫نفيا قاطعا ىف كتابه «اللمع» ولكن الرجل مل ينف بل سـكت ‪ ،‬والسـكوت عن تقرير رأى‬
‫ىف مؤلف ال يعترب مناقضا لتقريـ ـ ـ ـ ــره ىف مؤلف آخـ ـ ـ ـ ــر‪ .‬نعم األشـ ـ ـ ـ ــعرى قد صـ ـ ـ ـ ــرح ىف كتابه‬
‫«اللمـ ــع» بالتنزيه وخمالفة اهلل للحـ ــوادث ‪ ،‬فهل يلـ ــزم من ذلك أن يكـ ــون متناقضا اذا أثبت‬
‫الوجه والي ــدين واالس ــتواء مثال ىف كت ــاب «االبان ــة»؟ نعم يل ــزم ذلك اذا أثبت وجها مماثال‬
‫لوجهنا ‪ ،‬ويدا مماثلة ليدنا ‪ ،‬واســتواء مشــاهبا الســتوائنا ؛ ولكن األشــعرى قد أثبت ذلك ىف‬
‫«االبانة» مع التصريح ىف أكثر من موضع بأن ذلك امنا هو «بال كيــف»‪ .‬ومعىن ذلك نفى‬
‫املماثلة وع ــدم التع ــارض مع فك ــرة التنزي ــه‪ .‬بل انىن أعتقد أن الص ــورة الس ــلفية كما اعتنقها‬
‫الصـ ــحابة واالمـ ــام أمحد ورمبا ابن تيمية والوهـ ــابيون ال تتعـ ــارض اال قليال جـ ــدا مع مـ ــذهب‬
‫األشاعرة الذين أولوا هذه األشياء ‪ ،‬أعىن الوجه واليــدين واالســتواء اىل غري ذلك ‪ ،‬بالــذات‬
‫والقـ ــدرة واالسـ ــتيالء مثال ؛ ألن السـ ــلف مؤولـ ــون كاألشـ ــاعرة متامـ ــا‪ .‬أقصى ما هنالك أن‬
‫املراد بالوجه مثال على م ــذهب الس ــلف غري حمددة ‪ ،‬مع القطع ب ــأن الوجه الّ ــذي نعرفه غري‬
‫مراد ‪ ،‬وأن املراد عند األشاعرة هو الذات‬
‫ـ ‪ 10‬ـ‬

‫مثال مع القطع بأن الوجه الّذي نعرفه غري مراد‪ .‬وهذا يعىن امجاع اجلميع على التنزيه ونفى‬
‫الوجه املعـ ــروف مثال ‪ ،‬وهـ ــذا يعىن التأويل عنـ ــدهم مجيعـ ــا‪ .‬ولكن ما املراد بالوجـ ــه؟ يقـ ــول‬
‫الس ــلفية ‪ :‬هو وصف هلل أج ــراه على نفسه ‪ ،‬فهو أعلم مبدلول ــه‪ .‬ويق ــول األش ــاعرة انه لفظ‬
‫عرىب ‪ ،‬وحيث قد اســتحال املعىن احلقيقى فليكن املعىن اجملازى الّــذي يناسب عظمة اهلل هو‬
‫املقصـ ــود‪.‬ـ فهما متحـ ــدان ىف التنزيه والتأويل ‪ ،‬وهـ ــذا هو املهم ىف العقيـ ــدة ‪ ،‬وما عـ ــدا ذلك‬
‫فشــيء ال يســتحق خصــاما وال اختالفا ‪ ،‬ولعل من اخلري هلذه األمة االســالمية أن تفهم هــذه‬
‫احلقيقة واضحة جلية‪.‬‬

‫المخطوطات‬
‫ب ــدأت ص ــلىت بكت ــاب اللمع منذ س ــنة ‪ 1950‬حيث ه ــداىن زميل فاضل اىل نس ــخة‬
‫منه ب ــاملتحف الربيط ــاىن ‪ ،‬ولكىن وج ــدت ه ــذه النس ــخة منقولة عن نس ــخة قدمية موج ــودة‬
‫بالكلية األمريكية ببريوت ‪ ،‬فرأيت من واجىب العلمى أن أستحضــرها أيضــا‪ .‬وبــذلك أصــبح‬
‫ل ــدى من املخط ــوط نس ــختان وان ش ــئت فقل نس ــخة واح ــدة قد نقل عنها نس ــخة أخ ــرى‪.‬ـ‬
‫ول ــذلك جعلت اعتم ــادى على األصل ‪ ،‬أعىن نس ــخة ب ــريوت ‪ ،‬وان كنت مل أمهل النظر ىف‬
‫النســخة األخــرى الىت نقلت عنها ‪ ،‬بيانا لقيمتها واســتلهاما هلا ىف بعض األمــاكن الىت تتمــيز‬
‫ىف األصل بصعوبة قراءهتا‪.‬‬
‫ـ ‪ 11‬ـ‬

‫الناسخ لنســخة بــريوت غري معــروف ‪ ،‬وليس لــدى من الوســائل ما يعني على حتديد‬
‫الزمن الّـذي كتبها فيه ‪ ،‬وان كـان من املمكن اجلزم بأنه قد كتبها بعد وفـاة الغـزاىل (‪505‬‬
‫ه‍)‪ .‬ألن الناسخ قد ذكر أن املخطوط يشتمل جبانب كتاب «اللمع» على كتاب «الرســالة‬
‫اللدنية ىف العلم اللدىن» حلجة االسالم الغزاىل رضى اهلل عنه‪ .‬وان كان املخطوط ال حيتــوى‬
‫اال على كتاب «اللمع» فقط‪.‬‬
‫فــاذا انتقلنا اىل العنــوان الّــذي وضــعهـ الناسخ هلذا الكتــاب فاننا جنده «كتــاب اللمــع»‬
‫فقط ‪ ،‬على حني أن األش ـ ــعرى نفسه ىف كت ـ ــاب «العم ـ ــد» ـ ـ ـ على ما يرويه ابن عس ـ ــاكر ـ ـ‬
‫يـ ــذكر أنه قد كتب ثالثة كتب بعن ـ ــوان «اللم ـ ــع» أعىن (‪« )1‬كتـ ــاب اللمع الصـ ــغري» (‪)2‬‬
‫«كتـ ــاب اللمع الكبـ ــري» (‪« )3‬كتـ ــاب اللمع ىف الـ ــرد على أهل الزيغ والبـ ــدع» فـ ــأى هـ ــذه‬
‫الثالثة ما بني أيـ ــدينا اآلن؟ انىن أرجح أنه الثـ ــالث ؛ ألن األشـ ــعرى نفسه قد ذكر أن هن ــاك‬
‫عالقة بني اللمع الصـ ـ ـ ــغري واللمع الكبري ‪ ،‬مؤكـ ـ ـ ــدا أن األول يعترب مقدمة وبابا للثـ ـ ـ ــاىن على‬
‫حني أنه ال توجد أى اشــارة ىف هــذا الكتــاب تربط بينه وبني مؤلف آخر ‪ ،‬وان كــان ذكر‬
‫ذلك ليس ضروريا ؛ ولذلك بقى األمر ترجيحا فقط‪.‬‬
‫أما بالنس ــبة اىل حمتوي ــات ه ــذا املخط ــوط ‪ ،‬فقد ذكر كالين أنه يش ــتمل على عش ــرة‬
‫أبواب وهذا حق ‪ ،‬أال أنه قد أعطى عناوين‬
‫ـ ‪ 12‬ـ‬

‫هـ ــذه األبـ ــواب مع خطأ ىف بعض األحيـ ــان‪ .‬فـ ــاملخطوط مل يـ ــذكر مثال عنوانا للبـ ــاب األول‬
‫فجعل كالين عنوانه شــطرا من عنــوان البــاب الثــاىن‪ .‬واملخطــوط قد ذكر مثال عنوانا للبــاب‬
‫التاسع هو «اخلاص والعـ ـ ــام والوعد والوعيـ ـ ــد» فجعله كالين عنوانا لبـ ـ ــابني ‪ ،‬مما يقطع بأنه‬
‫رمبا مل ير املخطـ ــوط أصال ‪ ،‬وان كـ ــان ثبتا ىف كتابه عن األشـ ــعرى قد ذكر هـ ــذه األبـ ــواب‬
‫بعناوينها على وجه صحيح‪.‬‬
‫فــاذا أردنا بعد ذلك امتحــان املخطــوط وما يتمــيز به فاننا جند الناسخ قد كتبه كتابة‬
‫ســيئة كما أمهل التنقيط ىف كلمــات كثــرية مما يكلف القــارئ متــاعب مجة ويقــوده اىل خطأ‬
‫ىف ادراك املطل ــوب أحيانا كث ــرية‪ .‬ومل يقتصر على ذلك من العي ــوب ‪ ،‬بل أس ــقط ىف بعض‬
‫األحيــان كلمــات ومجال ‪ ،‬وزاد ىف بعض األحيــان كلمــات ومجال ‪ ،‬كما عكس الــرتتيب ىف‬
‫بعض العبارات ووضع عكس املطلـوب ىف البعض اآلخـر‪ .‬ومن املؤكد أن الناسخ ال يعـرف‬
‫الق ــرآن جي ــدا ‪ ،‬وليست له ثقافة عربية واس ــعة‪ .‬وللربهنة على ذلك نرجو الق ــارئ أن يلقى‬
‫نظـ ـ ـ ـ ــرة فاحصة على التعليقـ ـ ـ ـ ــات الىت وضـ ـ ـ ـ ــعناها ىف اهلامش حتت احلرف (ب) وهو احلرف‬
‫الّذي جعلناه رمزا هلذه النسخة‪.‬‬
‫حنن اآلن مع النس ــخة الىت نقلت عن ه ــذه النس ــخة‪ .‬وهى نس ــخة املتحف الربيط ــاىن‬
‫بلندن‪ .‬فقد نسخها ـ كما يؤكد ذلك البارون فون كرامر ـ حــدث مســيحى ‪ ،‬بل ونســخها‬
‫خبط مجيل‬
‫ـ ‪ 13‬ـ‬

‫يغبط عليه ‪ ،‬وان كـ ـ ـ ــان الناسخ مل يصـ ـ ـ ــحح أى خطأ باألصل بل أضـ ـ ـ ــاف إليها كثـ ـ ـ ــريا من‬
‫األخطــاء اخلاصة به ‪ ،‬ورمبا كــان عــذره ىف ذلك ـ كما أشــرت اىل هــذا من قبل ـ أن نســخة‬
‫ب ـ ـ ـ ـ ــريوت ليست منقوطة ىف كثري من املواضع ‪ ،‬وأن أس ـ ـ ـ ـ ــلوب الكتابة وموض ـ ـ ـ ـ ــوعة يتطلب‬
‫الدراكه ختصصا واس ــعا ىف العل ــوم العربية واالس ــالمية‪ .‬وان ك ــان هن ــاك من األخط ــاء ما ال‬
‫عـ ــذر له فيه ‪ ،‬كحـ ــذف كثري من الكلمـ ــات واجلمل ‪ ،‬بل وهنـ ــاك من األخطـ ــاء ما يصـ ــعب‬
‫تعليله تعليال س ــليما‪ .‬مث ــال ذلك تغي ــريه كلمة «س ــنني» ىف قوله تع ــاىل ‪« :‬فلبث ىف الس ــجن‬
‫بضع ســنني» اىل كلمة «أيــام» مع وضــوح األصل ىف ذلك وضــوحا ال يســمح باخلطــإ‪ .‬وقد‬
‫وض ــعت مالحظ ــاتى على ه ــذه النس ــخة حتت احلرف «ل» وهو احلرف الّ ــذي جعلته رم ــزا‬
‫هلا‪.‬‬
‫كان هذا ما كتبته تقــدميا لتخــرجى هــذا الكتــاب قبل أن أفاجأ به مطبوعا ومصــححا‬
‫بيد األب مكـارثى الّـذي نشر املخطـوط سـنة ‪ ، 1953‬فـرأيت من واجىب أن أقـرأ عمله ىف‬
‫ه ــدوء مزمعا االكتف ــاء به اذا ك ــان قد ق ــال الكلمة األخ ــرية ‪ ،‬ومص ــمما على نش ــره للم ــرة‬
‫الثانية اذا كـ ــان مل يصب كل االصـ ــابة ىف خترجيه‪ .‬وقد وافق مكـ ــارثى على ذلك وزاد على‬
‫هــذا بــأن أهــداىن نســخة مطبوعة من عمله ‪ ،‬فشــكرت له تلك الــروح الطيبة الىت يتحلى هبا‬
‫العلماء وحدهم‪.‬‬
‫ـ ‪ 14‬ـ‬

‫مكــارثى قد وفق من غري شك ىف تصــحيح أخطــاء كثــرية بــاملخطوط بل وصــحح ىل‬


‫بعض ما كنت أزمع ذكـ ــره على أنه تصـ ــحيح للمخطـ ــوط قبل أن أرى عملـ ــه‪ .‬ولكن عمل‬
‫مكــارثى مع ذلك مل خيل من أخطــاء ىف رأىي وهــذه األخطــاء تكفى مــربرا العــادة النشر من‬
‫جدي ــد‪ .‬وكل ما أرج ــوه أن ي ــرى مك ــارثى ه ــذا العمل ‪ ،‬وأن يص ــححه أو حيكم بص ــحته ‪،‬‬
‫حىت يتم التعاون العلمى الصحيح‪.‬‬
‫فمثال مك ـ ــارثى قد ت ـ ــرك بعض التعب ـ ــريات مع اليقني خبطئها من غري تص ـ ــحيح ‪ ،‬ففى‬
‫(ص ‪ )9‬ي ــذكر املخط ــوط «وذلك أنه ال جيوز أن حيوك ال ــديباج بالنق ــاوير» فما معىن ذلك‬
‫اذا بقيت العبارة من غري تصحيح؟‪.‬‬
‫وأحيانا يصـ ـ ــحح مكـ ـ ــارثى األصل مبا ال يتناسب مع املطلـ ـ ــوب‪ .‬فمثال يقـ ـ ــول األصل‬
‫(ص ‪« : )52‬ولو جـ ـ ــاز لـ ـ ــزاعم أن يـ ـ ــزعم أن قوله ال تدركه أراد به أهنا ال ت ـ ـ ــدرك غـ ـ ــريه‬
‫األبصار‪ .‬فإن قال ‪ »...‬وليس من شك ىف أن الكالم بــذلك نــاقص حيتــاج اىل اصــالح‪ .‬فما‬
‫ذا فعل مك ــارثى؟ لقد وضع األصل كما هو ‪« :‬ولو ج ــاز ل ــزاعم أن قوله (ال تدرك ــه) أراد‬
‫به أهنا ال تـ ـ ــدرك غـ ـ ــريه األبصـ ـ ــار» مث زاد عليه (جلاز لـ ـ ــزاعم أن يـ ـ ــزعم أن قوله «صـ ـ ــلوا اىل‬
‫واعب ــدوىن» أراد به غ ــريه ف ــاذا فسد ه ــذا فسد ما قال ــه)‪ .‬فلما ذا كل ه ــذا؟ وهل املعىن على‬
‫ذلك مستقيم؟ ان‬
‫ـ ‪ 15‬ـ‬

‫«الزاعم» ىف قوله ‪« :‬ولو جاز لــزاعم» على ذلك التصــحيح ‪ ،‬يكــون من خصـوم األشـعرى‬
‫أى من املعتزلة وهؤالء ال ميكن أن يزعمــوا هــذا الــزعم‪ .‬وعلى ذلك فالعبــارة حتتــاج ىف رأى‬
‫اىل زيادة كلمــتني فقط ‪ ،‬أعىن ‪« :‬هــذا جــاز» بعد قوله ىف األصل ‪« :‬ولو جــاز» وقبل قوله‬
‫‪« :‬لزاعم» فان املعىن بذلك يصبح صحيحا ومفهوما‪.‬‬
‫يضــاف اىل ذلك أن مكــارثى يغري األصل أحيانا من غري ضــرورة ‪ ،‬فــان األصل مثال‬
‫يقـ ـ ـ ـ ــول (ص ‪« : )145‬وبظـ ـ ـ ـ ــاهر قوله تعـ ـ ـ ـ ــاىل ‪( :‬ومن مل حيكم مبا أنـ ـ ـ ـ ــزل اهلل فأولئك هم‬
‫الك ــافرون) أنه ال ي ــرتك احلكم مبا أن ــزل اهلل اال ك ــافر» فغري مك ــارثى كلمة «الك ــافرون» ىف‬
‫األصل اىل كلمة «الفاسقون» كما غري كلمة «كافر» اىل كلمة فاسق ‪ ،‬فلما ذا غــري؟ انىن‬
‫أعتقد أنه اعتقد أنه ال توجد آية أخ ــرى ىف الق ــرآن على الص ــورة الىت وردت ىف األصل بل‬
‫ْفاس ُقو َن)‪ .‬مع أن ىف القــرآن آيــتني‬ ‫ك هم ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم يَ ْح ُك ْم بما أَْن َز َل اهللُ فَأُولئ َ ُ ُ‬‫املوجود فقط ( َو َم ْن ل ْ‬
‫ِ‬ ‫َم يَ ْح ُك ْم بِما أَْن َز َل اهللُ فَأُولئِ َ‬
‫ك ُه ُم الْك اف ُرو َن) وقوله تع ــاىل ‪َ ( :‬و َم ْن ل ْ‬
‫َم‬ ‫أخ ــريني مها ( َو َم ْن ل ْ‬
‫ك ُه ُم الظَّالِ ُمو َن) فهل هن ــاك ىف ض ــوء ه ــذا ض ــرورة للتغري وهل‬ ‫يَ ْح ُك ْم بِما أَْن َز َل اهللُ فَأُولئِ َ‬
‫يصح؟‬
‫ومع ذلك فمكارثى جدير بشكر املسـلمني ‪ ،‬ألنه ـ وهو قس كـاثوليكى ـ قد اشـتغل‬
‫خبدمة التوحيد االسالمى مع‬
‫ـ ‪ 16‬ـ‬

‫وج ــود التبـ ــاين العظيم بني ما يعتقـ ــده هو من ناحية وما يقـ ــرره االسـ ــالم من ناحية أخ ــرى‪.‬ـ‬
‫وقد وضعت مجيع مالحظاتى على عمله حتت احلرف «م»‪.‬‬
‫وكل ما أرجـ ـ ـ ـ ـ ــوه بعد ذلك أن أكـ ـ ـ ـ ـ ــون قد قمت بنصـ ـ ـ ـ ـ ــيب متواضع ىف خدمة العلم‬
‫واملعرفة‪ .‬واهلل وىل التوفيق‪.‬‬
‫***‬
‫دكتور‬
‫حمودة زكى غرابه‬
‫مدير املركز الثقاىف بلندن‬
‫ـ ‪ 17‬ـ‬

‫الرموز‬
‫ب ‪ :‬النسخة الموجودة بالكلية األمريكية ببيروت‪.‬‬
‫ل ‪ :‬النسخة الموجودة بالمتحف البريطانى بلندن‪.‬‬
‫م ‪ :‬تخريج األب مكارثى للمخطوط‪ .‬المطبعة الكاثوليكية‪.‬‬
‫ببيروت سنة ‪.. 1953‬‬
‫(‪ 2‬ـ كتاب اللمع)‬
‫ـ ‪ 18‬ـ‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫وبه نستعني‬
‫احلمد هلل ذى اجلود والثنــاء ‪ ،‬واجملد والســناء ‪ ،‬والعز والكربيــاء ؛ أمحده على ســوابغ‬
‫النعم وجزيل العطاء ‪ ،‬وأشهد أن ال إله اال اهلل وحده ال شريك له عدة (‪ )1‬اللقاء ‪ ،‬وأشــهد‬
‫أن حممدا عبده ورسوله خامت األنبياء‪.‬‬
‫أما بعد ؛ فانك سـ ـ ـ ـ ــألتىن أن أصـ ـ ـ ـ ــنف لك كتابا خمتصـ ـ ـ ـ ــرا أبني فيه مجال توضح احلق‬
‫(‪)3‬‬
‫وتــدمع الباطل ‪ ،‬فــرأيت اســعافك بــذلك ‪( ،‬رزقــك) (‪ )2‬اهلل اخلريات ‪ ،‬وأعانك على اخلري‬
‫واملطلوبات‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫[اهلل وصفاته (‪])4‬‬
‫مسألة‬
‫ان سأل سائل فقال ‪ :‬ما الدليل على أن للخلق صانعا صنعه ومدبرا دبــره؟ قيل (لــه)‬
‫(‪ : )5‬الــدليل على ذلك أن االنســان الّــذي هو ىف غاية الكمــال والتمــام ‪ ،‬كــان نطفة مث علقة‬
‫مث حلما‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬عنده للقاء ‪ ،‬م ‪ :‬عنده للقاء ‪ ،‬وهى ىف األصل ‪ :‬عده للقاء‪.‬‬
‫(‪ )2‬بياض ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )3‬ىف األصل ‪« :‬اخلري مطلوب ـ ـ ـ ــات» وقد اخت ـ ـ ـ ــار أن تك ـ ـ ـ ــون «اخلري باملطلوب ـ ـ ـ ــات» وقد تك ـ ـ ـ ــون ‪« :‬اجلد ىف‬
‫املطلوبات»‪.‬‬
‫(‪ )4‬هذا العنوان ليس ىف األصل وقد تطوعنا بوضعه بعد قراءة ما يشتمل عليه‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫ـ ‪ 19‬ـ‬

‫ودما (وعظم ــا) (‪ ، )1‬وقد علمنا أنه مل ينقل نفسه من ح ــال اىل ح ــال ؛ ألنا ن ــراه ىف ح ــال‬
‫كم ـ ـ ـ ـ ــال قوته ومتام عقله ال يق ـ ـ ـ ـ ــدر أن حيدث لنفسه مسعا وال بص ـ ـ ـ ـ ــرا ‪ ،‬وال أن خيلق لنفسه‬
‫جارح ــة‪ .‬ي ــدل ذلك على أنه ىف ح ــال ض ــعفه ونقص ــانه عن فعل ذلك أعجز ؛ ألن ما ق ــدر‬
‫عليه ىف حــال النقصــان فهو ىف الكمــال عليه أقــدر‪ .‬وما عجز عنه ىف حــال الكمــال فهو ىف‬
‫ح ــال النقص ــان عنه أعج ــز‪ .‬ورأين ــاه طفال مث ش ــابا كهال مث ش ــيخا ‪ ،‬وقد علمنا أنه مل ينقل‬
‫نفسه من ح ــال الشـ ــباب اىل حـ ــال الكرب واهلرم ؛ ألن االنسـ ــان لو جهد أن يزيل عن نفسه‬
‫الكرب واهلرم ويردها اىل حـ ــال الشـ ــباب مل ميكنه ذلك ؛ فـ ــدل ما وصـ ــفنا على أنه ليس هو‬
‫الّذي ينقل نفسه ىف هذه األحوال ‪ ،‬وأن له ناقال نقله من حال اىل حـال ودبــره على ما هو‬
‫عليه ؛ ألنه ال جيوز انتقاله من حـ ـ ـ ـ ــال اىل حـ ـ ـ ـ ــال بغري ناقل وال مـ ـ ـ ـ ــدبر‪ .‬مما بني (‪ )2‬ذلك أن‬
‫القطن ال جيوز أن يتحول غزال مفتــوال ‪ ،‬مث ثوبا منســوجا ‪ ،‬بغري ناسج وال صــانع وال مــدبر‬
‫‪ ،‬ومن اختذ قطنا مث انتظر أن يصري غـ ـ ــزال مفتـ ـ ــوال‪ .‬مث ثوبا منسـ ـ ــوجا بغري صـ ـ ــانع وال ناسج‬
‫كان عن (‪ )3‬معقول (‪ )4‬خارجا ‪ ،‬وىف اجلهل واجلا‪ .‬وكــذلك من قصد اىل برية مل جيد قصــرا‬
‫مبنيا فانتظر أن يتحول (‪ )5‬الطني اىل حالة اآلجر ‪ ،‬وينتضد‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬حذفها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬سنن ‪ ،‬واختار م أن يغريها اىل ‪ :‬يبني‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬عني‪.‬‬
‫(‪ )4‬االنسب «عن املعقول»‬
‫(‪ )5‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬حتول‪.‬‬
‫ـ ‪ 20‬ـ‬

‫بعضه على بعض ‪ ،‬بغري ص ــانع وإال ب ــأن ‪ ،‬ك ــان ج ــاهال‪ .‬واذا ك ــان حتول النطفة علقة ‪ ،‬مث‬
‫مضــغة ‪ ،‬مث حلما ودما وعظما ‪ ،‬أعظم ىف األعجوبة ‪ ،‬كــان أوىل أن يــدل على صــانع صــنع‬
‫النطفة ونقلها من حــال اىل حــال‪ .‬وقد قــال اهلل تعــاىل ‪( :‬أَ َف َرأ َْيتُ ْم ما تُ ْمنُ و َن‪ .‬أَأَ ْنتُ ْم تَ ْخلُ ُقونَ هُ‬
‫أ َْم نَ ْح ُن الْخالِ ُقو َن) (‪ )1‬فما اســتطاعوا أن يقولــوا حبجة اهنم خيلقــون ما مينــون مع متنيهم الولد‬
‫فال يكـ ــون ومع كـ ــراهتهم له فيكـ ــون‪ .‬وقد قـ ــال اهلل تع ـ ــاىل منبها (‪ )2‬خللقه على وحدانيته ‪:‬‬
‫ص ُرو َن) (‪ )3‬بني (‪ )4‬هلم عج ــزهم وفق ــرهم اىل ص ــانع ص ــنعهم وم ــدبر‬ ‫(وفِي أَْن ُف ِس ُكم أَفَال ُت ْب ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫دبرهم‪.‬‬
‫فــان قــالوا ‪ :‬فما يــؤمنكم أن تكــون النطفة مل تــزل قدمية؟ قيل هلم (‪ : )5‬لو كــان ذلك‬
‫كما ادعيتم مل جيز أن يلحقها االعتم ـ ــال والت ـ ــأثري ‪ ،‬وال االنقالب والتغيري ؛ ألن الق ـ ــدمي ال‬
‫جيوز انتقاله وتغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريه ‪ ،‬وأن جيرى عليه مسات احلدث ؛ ألن ما جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ذلك عليه ولزمته‬
‫الضـ ـ ــعة (‪ )6‬مل ينقل من مسات احلدث ‪ ،‬وما مل يس ـ ــبق احملدث ك ـ ــان حمدثا مص ـ ــنوعا ؛ فبطل‬
‫بذلك قدم النطفة وغريها من األجسام‪.‬‬

‫مسألة‬
‫فان قال قائل ‪ :‬مل زعمتم أن البـارى سـبحانه ال يشـبه املخلوقـات؟ قيل (‪( )7‬لـه) (‪: )8‬‬
‫ألنه لو أشبهها لكان حكمه ىف‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬سورة ‪ 56‬اآليتان ‪.59 ، 58‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬مبينا‪.‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 51‬اآلية ‪.21‬‬
‫(‪ )4‬م ‪ :‬يبني‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬له‪.‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬الصغر‬
‫(‪ )7‬نقلها الناسخ ‪ :‬قليل‬
‫(‪ )8‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫ـ ‪ 21‬ـ‬

‫احلديث حكمها ‪ ،‬ولو أشــبهها مل خيل من أن يشــبهها من كل اجلهــات أو من بعضــها‪ .‬فــان‬


‫أشبهها من مجيع اجلهات كان حمدثا مثلها من مجيع اجلهات ‪ ،‬وان أشبهها من بعضها كان‬
‫حمدثا من حيث أشــبهها ‪ ،‬ويســتحيل أن يكــون احملدث مل يــزل قــدميا‪ .‬وقد قــال اهلل تعــاىل ‪:‬‬
‫َح ٌد) (‪.)2‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫س َكمثْله َش ْيءٌ) ‪ .‬وقال تعاىل ‪َ ( :‬ول ْ‬
‫َم يَ ُك ْن لَهُ ُك ُفواً أ َ‬ ‫(ل َْي َ‬
‫(‪)1‬‬

‫مسألة‬
‫فان قال قائل ‪ :‬مل قلتم ان صانع األشياء واحد؟ قيل له ‪:‬‬
‫ألن االث ـ ـ ـ ــنني ال جيرى ت ـ ـ ـ ــدبريمها على نظ ـ ـ ـ ــام وال يتسق (‪ )3‬على احك ـ ـ ـ ــام‪ .‬وال بد أن‬
‫يلحقهما العجز أو واحدا منهما ؛ ألن أحــدمها اذا أراد أن حيىي انســانا وأراد اآلخر أن مييته‬
‫مل خيل أن يتم مرادمها مجيعا أو ال يتم مرادمها ‪ ،‬أو يتم (مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراد أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدمها دون اآلخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‪.‬‬
‫ويسـ ـ ـ ــتحيل أن يتم) (‪ )4‬مرادمها مجيعا ؛ ألنه يسـ ـ ـ ــتحيل أن يكـ ـ ـ ــون اجلسم حيا ميتا ىف حـ ـ ــال‬
‫واحــدة وان مل يتم مرادمها مجيعا وجب عجزمها ‪ ،‬والعــاجز ال يكــون إهلا وال قــدميا (وان مت‬
‫مـ ــراد أحـ ــدمها دون اآلخر وجب عجز من مل يتم مـ ــراده منهما والعـ ــاجز ال يكـ ــون إهلا وال‬
‫قدميا) (‪ )5‬فدل ما قلناه على أن صانع‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 42‬اآلية ‪11‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 112‬اآلية ‪ .4‬وقد كتبها م ‪ :‬كفوا‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬نسق‪.‬‬
‫(‪ )4‬ما بني املربعني نسي ىف األصل وزيادته ضرورية ليتم نظم الدليل‪.‬‬
‫(‪ )5‬ل ‪ :‬ما بني القوسني قد تركه الناسخ‪.‬‬
‫ـ ‪ 22‬ـ‬

‫األشــياء واحد (‪ .)1‬وقد قــال اهلل تعــاىل ‪( :‬ل َْو كا َن فِي ِهما آلِ َه ةٌ إِاَّل اهللُ لََف َس َدتا) (‪ )2‬فهــذا معىن‬
‫احتجاجنا آنفا‪.‬‬

‫مسألة‬
‫فان قال قائل ‪ :‬ما الدليل على جواز اعادة اخللــق؟ قيل له ‪ :‬الــدليل على ذلك أن اهلل‬
‫سبحانه خلقه أوال ال (‪ )3‬على مثال سبق ‪ ،‬فاذا خلقه أوال مل يعيه أن خيلقه خلقا آخر‪ .‬وقد‬
‫يم‪ .‬قُ ْل‬ ‫ال من يح ِي ال ِْعظ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قـ ــال عزوجل ‪َ ( :‬و َ‬
‫ام َوه َي َرم ٌ‬ ‫َ‬ ‫ب لَنا َمثَالً َونَس َي َخ ْل َق هُ ؛ ق َ َ ْ ُ ْ‬ ‫ض َر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يُ ْحيِ َيها الَّ ِذي أَنْ َ‬
‫يم) (‪ )4‬فجعل النشـ ــأة األوىل دليال على‬ ‫ش أَها أ ََّو َل َم َّرة َو ُه َو ب ُك ِّل َخ ْل ٍق َعل ٌ‬
‫ض ِر ناراً‬ ‫جــواز النشــأة اآلخــرة ألهنا ىف معناهــا‪ .‬مث قــال ‪( :‬الَّ ِذي َج َع َل لَ ُك ْم ِم َن َّ‬
‫الش َج ِر اأْل َ ْخ َ‬
‫فَِإذا أَْنتُ ْم ِم ْنهُ تُوقِ ُدو َن) (‪ )5‬فجعل ظهــور النــار على حرها ويبســها من الشــجر األخضر على‬
‫نداوته ورطوبته دليال‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬بقى بعد ذلك احتمـال ان يتفقا وال بد من أبطـال هـذا االحتمــال أيضا حىت يتم الــدليل‪ .‬ويـرى االمـام حممد‬
‫عبـ ــده ىف رسـ ــالته ـ ـ ص ‪ 40‬ـ ـ ‪ 41‬الطبعة العاشـ ــرة لرشـ ــيد رضا ـ ـ أن هـ ــذا االحتمـ ــال باطل اذ لو تعـ ــدد واجب‬
‫الوج ـ ـ ــود لك ـ ـ ــان لكل من الواج ـ ـ ــبني تعني خيالف تعني اآلخر بالض ـ ـ ــرورة وأال مل يتحصل معىن التع ـ ـ ــدد‪ .‬وكلما‬
‫اختلفت التعينـ ـ ــات اختلفت الصـ ـ ــفات الثانية للـ ـ ــذوات املتعينة فيختلف العلم واإلرادة مثال بـ ـ ــاختالف الـ ـ ــذوات‬
‫الواجبة فتخ ــالف أفع ــاهلم بتخ ــالف عل ــومهم وأرادهتم وهو خالف يس ــتحيل معه الوف ــاق فيفسد نظ ــام الك ــون بل‬
‫يستحيل له نظام‪ .‬ولذلك كانت اآلية ‪( :‬ل َْو كا َن فِي ِهما آلِ َهةٌ إِاَّل اهللُ لََف َس َدتا) قطعية الداللة على الوحــدة ىف رأيه‬
‫خالفا للسعد وغريه من املتكلمني فاهنم يروهنا إقناعية‪.‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 21‬اآلية ‪22‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 36‬اآليتان ‪79 ، 78‬‬
‫(‪ )5‬نفس السورة اآلية ‪80‬‬
‫ـ ‪ 23‬ـ‬

‫على ج ــواز خلقه احلي ــاة ىف الرمة البالية والعظ ــام النخ ــرة ‪ ،‬وعلى قدرته على خلق مثل ــه‪ .‬مث‬
‫ق ــال ‪ :‬أو ليس الّ ــذي خلق السـ ــموات واألرض بق ــادر على أن خيلق مثلهم» (‪ .)1‬وه ــذا هو‬
‫املعول عليه ىف احلجاج ىف جواز اعادة اخللق (‪.)2‬‬
‫وهــذا هو الــدليل أيضا على صــحة احلجــاج والنظر ؛ ألن اهلل تعــاىل حكم ىف الشــيء‬
‫حبكم مثله وجعل سبيل النظري وجمراه جمرى نظــريه‪ .‬وقد قــال اهلل تعــاىل ‪( :‬اهللُ َي ْب َد ُؤا الْ َخل َ‬
‫ْق‬
‫ْق ثُ َّم يُِعي ُدهُ َو ُه َو أ َْه َو ُن َعلَْي ِه) (‪ )4‬ـ يريد‬
‫ثُ َّم يُِعي ُدهُ) ‪ .‬وقوله تعاىل ‪َ ( :‬و ُه َو الَّ ِذي َي ْب َد ُؤا الْ َخل َ‬
‫(‪)3‬‬

‫وهو هني عليه ـ فجعل االبتداء كاالعادة‪ .‬فـان قــال قائل ‪ :‬زيــدوىن وضــوحا ىف صــحة النظر‬
‫قال هذا‬ ‫(‪ .)5‬قيل له ‪ :‬قــول اهلل تعــاىل خمربا عن ابــراهيم عليه‌السالم ملا رأى الكــوكب ‪َ ( :‬‬
‫ين‪َ .‬فلَ َّما َرأَى الْ َق َم َر با ِزغ اً َ‬
‫قال هذا َربِّي ‪َ ،‬فلَ َّما أَفَ َل َ‬
‫قال‬ ‫قال ال أ ُِح ُّ ِ ِ‬
‫َربِّي ‪َ ،‬فلَ َّما أَفَ َل َ‬
‫ب اآْل فل َ‬
‫َم َي ْه ِدنِي‬ ‫ِ‬
‫لَئ ْن ل ْ‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬نفس السورة اآلية ‪81‬‬
‫(‪ )2‬يعتمد دليل األشـ ـ ـ ــعرى على أن االعـ ـ ـ ــادة ممكنة عقال وما دامت كـ ـ ـ ــذلك وقد ورد النص بوقوعها فيجب‬
‫التص ـ ــديق هبا‪ .‬ولكن الفالس ـ ــفةـ فيما بعد ق ـ ــالوا أن إع ـ ــادة املع ـ ــدوم ممتنعة بداهة وعلى ذلك فيجب تأويل النص‬
‫لوج ــود قرينة حتيل املعىن األص ــلي‪ .‬فهل ص ــادف األش ــعرى ه ــذا االع ــرتاض؟ وهل ك ــان رأيه أن بعث األجس ــام‬
‫س ــيكون عن ع ــدم أم عن مجع لألج ــزاء األص ــلية كما ذهب اىل ذلك احملقق ــونـ من أتباع ــه؟ الواقع أنه ال يع ــرف‬
‫لألشــعرى رأى ىف ذلك بل رمبا مل يشــتغل أصال مبثل هــذه املبــاحث لعــدم الضــرورة إليها فخصــومه املعتزلة كــانوا‬
‫يسلمون حبشر األجساد‪.‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 30‬اآلية ‪11‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 30‬اآلية ‪27‬‬
‫(‪ )5‬نقلها الناسخ ‪ :‬النظري‪.‬‬
‫ـ ‪ 24‬ـ‬

‫ين») (‪ .)1‬فجمع عليه‌الس الم القمر والكـ ـ ــواكب ىف أنه ال‬ ‫َربِّي أَل َ ُك ونَ َّن ِم َن الْ َق ْوِم َّ‬
‫الض الِّ َ‬
‫جيوز أن يكــون واحد منهما إهلا ربا الجتماعهما ىف األفــول ‪ ،‬وهــذا هو النظر واالســتدالل‬
‫الّذي ينكره املنكرون وينحرف عنه املنحرفون (‪.)2‬‬

‫مسألة‬
‫فان قال قائل ‪ :‬مل أنكرمت أن يكون اهلل تعاىل جسما؟‬
‫قيل له ‪ :‬أنكرنا ذلك ألنه ال خيلو أن يك ــون القائل ل ــذلك أراد ما أنك ــرمت أن يك ــون‬
‫طــويال عريضا جمتمعا ‪ ،‬أو أن يكــون أراد تســميته جســما وان مل يكن طــويال عريضا جمتمعا‬
‫عميقــا‪ .‬فــان كــان أراد ما أنكــرمت أن يكــون طــويال عريضا جمتمعا كما يقــال ذلك لألجســام‬
‫فيما يلينا فهذا ال جيوز ؛ ألن اجملتمع ال يكون شــيئا واحــدا ؛ ألن (‪ )3‬أقل قليل االجتمــاع ال‬
‫يكــون اال من (‪ )4‬شــيئني ؛ ألن الشــيء الواحد ال يكــون لنفسه جمامعا ؛ وقد بينا آنفا (‪ )5‬أن‬
‫اهلل عزوجل شيء واحد ؛ فبطل بذلك أن يكون‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬اآليتان ‪ 77 ، 76‬من سورة األنعام‪.‬‬
‫(‪ )2‬يعاجل املؤلف هذه النقطة على نطاق أوسع ىف كتيبه املسمى «رسالة ىف استحســان اخلوض ىف علم الكالم»‬
‫املطبوع حبيدر أباد باهلند سنة ‪ .1323‬كما أشرنا اىل ذلك ىف املقدمة‪ .‬والّـذي أعـاد طبعه األب مكـارثى ضـمن‬
‫جمموعة حتت عنوان «توحيد األشعرى»‪ .‬املطبعة الكاثوليكية ببريوت سنة ‪ 1953‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬اآلن‪.‬‬
‫(‪ )4‬ىف األصل ‪ :‬بني (بدون نقط) فاختار م أن تكون بني واختيارنا أوىل‪.‬‬
‫(‪ )5‬ما مر آنفا هو الربهنة على الوحــدة مبعىن عــدم التعــدد ىف اآلهلة ‪ ،‬ال الوحــدة مبعىن عــدم الــرتكيب ىف الــذات‬
‫وهو ما حتتاج إليه هنا‪.‬‬
‫ـ ‪ 25‬ـ‬

‫جمتمعــا‪ .‬وان أراد مل ال تســمونه جســما وان مل يكن طــويال عريضا جمتمعــا؟ فاألمساء ليست‬
‫إلينا ‪ ،‬وال جيوز أن نسـ ـ ـ ــمى اهلل تعـ ـ ـ ــاىل باسم مل يسم به نفسه ‪ ،‬وال مساه به رسـ ـ ـ ــوله ‪ ،‬وال‬
‫أمجع املسلمون عليه وال على معناه‪.‬‬

‫مسألة‬
‫فان قال قائل ‪ :‬مل قلتم ان اهلل تعاىل عــامل؟ قيل له ‪ :‬ألن األفعــال احملكمة ال تتسق ىف‬
‫احلكمة اال من عـامل‪ .‬وذلك أنه ال جيوز أن حيوك الـديباج النفـارير (‪ )1‬ويصـنع دقـائق الصـنعة‬
‫من ال حيسن ذلك وال يعلمـ ــه‪ .‬فلما رأينا االنسـ ــان على ما فيه من اتسـ ــاق احلكمة كاحليـ ــاة‬
‫الىت ركبها اهلل فيه والســمع والبصر وكمجــارى الطعــام والشــراب وانقســامهما فيها (‪ )2‬وما‬
‫هو عليه من كماله ومتامه ‪ ،‬والفلك وما فيه من مشسه وقمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــره وكواكبه وجماريها ‪ ،‬دل‬
‫ذلك على أن الّ ـ ــذي ص ـ ــنع ما ذكرن ـ ــاه مل يكن يصـ ــنعه اال وهو ع ـ ــامل بكيفيته وكنهه ‪ ،‬ولو‬
‫(‪)3‬‬
‫جاز أن حتدث الصنائع احلكمية ال من عامل ندر لعل مجيع ما حيدث من حكم احليوان‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬النف ـ ـ ــارير مجع نفـ ـ ــرور وهو العص ـ ـ ــفور ‪ ،‬واجلملة ىف األصل مكتوبة «وذلك أنه ال جيوز أن حيرك الـ ـ ــديباج‬
‫بالنف ـ ـ ــارير» وقد تركها م كما هى ىف األصل بغري تنبيه كما ت ـ ـ ــرك ترمجتها وهى على ذلك ال معىن هلا كما أهنا‬
‫حتتــاج اىل اصــالح قطعا ولعل ما فعلنــاه هو املقصــود للمؤلــف‪ .‬فــان املعىن على ذلك واضح ألن حياكة الــديباج‬
‫بوساطة العصافري مستحيل النعدام العلم بذلك عندها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬وانقسامه فيه ‪ ،‬وقد تركها م كما هى وال تصح اال مع تأويل بعيد‪.‬‬
‫(‪ )3‬لعل املقصود للمؤلف هو لفظ االنسان على أن يراد به أفراده حىت يصح قوله «وتدابريهم»‪.‬‬
‫ـ ‪ 26‬ـ‬

‫وت ـ ـ ـ ــدابريهم وص ـ ـ ـ ــنائعهم حيدث منهم وهم غري ع ـ ـ ـ ــاملني ؛ فلما اس ـ ـ ـ ــتحال ذلك دل على أن‬
‫الصنائع احملكمة ال حتدث اال من عامل (‪.)1‬‬
‫كـ ــذلك ال جيوز أن حتدث الص ـ ــنائع اال من ق ـ ــادر حي ؛ ألنه لو ج ـ ــاز ح ـ ــدوثها ممن‬
‫ليس بقــادر وال حي مل نــدر لعل ســائر ما يظهر من النــاس يظهر منهم وهم عجــزة مــوتى ؛‬
‫فلما استحال ذلك دلت الصنائع على أن اهلل حي قادر‪.‬‬

‫مسألة‬
‫ف ــان ق ــال قائل ‪ :‬مل قلتم ان اهلل مسيع بص ــري؟ قيل له ‪ :‬ألن احلى اذا مل يكن موص ــوفا‬
‫بآفة (‪ )2‬متنعه من ادراك املســموعات واملبصــرات اذا وجــدت فهو مسيع بصــري‪ .‬فلما كــان اهلل‬
‫تعاىل حيا ال جتوز عليه اآلفات من الصمم والعمى وغري ذلك ـ اذ كانت اآلفـات تـدل على‬
‫حدوث جازت عليه ـ صح أنه مسيع بصري‪.‬‬

‫مسألة‬
‫ف ــان قــال ‪ :‬أتقول ــون ان اهلل تع ــاىل مل ي ــزل عاملا قــادرا مسيعا بص ــريا؟ قيل له ‪ :‬ك ــذلك‬
‫نق ــول‪ .‬ف ــان ق ــال ‪ :‬فما ال ــدليل على ذل ــك؟ قيل له ‪ :‬ال ــدليل على ذلك أن احلى اذا مل يكن‬
‫(‪)3‬‬
‫عاملا كان‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬قد يفيد هــذا الــدليل اثبــات أصل العلم هلل ولكن املدعى أن اهلل يعلمـ كل شــيء حىت املعلومــات الىت ســتوجد‬
‫واألشـ ـ ـ ــياء الىت يسـ ـ ـ ــتحيل وجودها فهل يثبت الـ ـ ـ ــدليل ذلك أم أننا ما زلنا حباجة اىل املزيد من األدلة الىت تثبت‬
‫عموم علمه تعاىل لكل ما يصح أن يعلم؟ قد يكون املتأخرون من األشاعرة أكثر عمقا من األشعرى ىف ذلك‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬بأنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬تركها الناسخ‬
‫ـ ‪ 27‬ـ‬

‫موصــوفا بضد العلم من اجلهل أو الشك (‪ )1‬أو اآلفــات فلو كــان البــارى تعــاىل مل يــزل حيا‬
‫غري عــامل لكــان (مل يــزل) موصــوفا بضد العلم‪ .‬ولو كــان (مل يــزل) موصــوفا بضد العلم من‬
‫(‪)3‬‬
‫اجلهل أو الشك أو اآلفـ ـ ـ ـ ـ ــات (‪ )2‬السـ ـ ـ ـ ـ ــتحال أن يعلم ؛ ألن ضد العلم لو كـ ـ ـ ـ ـ ــان ق ـ ـ ـ ـ ــدميا‬
‫الســتحال أن يبطل ‪ ،‬واذا اســتحال أن يبطل ذلك مل جيز أن يصــنع الصــنائع احلكميــة‪ .‬فلما‬
‫صــنعها ودلت على أنه عــامل صح وثبت أنه مل يــزل عاملا ؛ اذ قد اســتحال أن يكــون مل يــزل‬
‫بضد العلم موصوفا‪.‬‬
‫وك ــذلك لو ك ــان مل ي ــزل حيا غري ق ــادر ل ــوجب أن يك ــون مل ي ــزل ع ــاجزا موص ــوفا‬
‫بضد القدرة‪ .‬ولو كان عجزه قدميا الستحال أن يقدر وأن حتدث األفعال منه‪.‬‬
‫وكذلك لو كان مل يزل حيا غري مسيع وال بصري لكان مل يزل موصــوفا بضد الســمع‬
‫من الصمم واآلفات ‪ ،‬وبضد البصر من العمى واآلفات ‪ ،‬وحمال جواز اآلفات على البــارى‬
‫‪ ،‬ألهنا من مسات احلدث ‪ ،‬فدل ما قلناه على أن اهلل تعاىل مل يزل عاملا قادرا مسيعا بصريا‪.‬‬

‫مسألة‬
‫فان قال قائل ‪ :‬مل قلتم ان للبارى (‪ )4‬تعاىل علما به علم‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬الشكر‪.‬‬
‫(‪ )2‬يزيد األصل بعد ذلك قبل قوله ‪« :‬الســتحال أن ‪« »...‬فلو كــان البــارى تعــاىل مل يــزل حيا غري عـامل لكــان‬
‫موصوفا بضد العلم» وهى زيادة ال لزوم هلا بل قد تؤدى اىل اضطراب املعىن‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬رمسها الناسخ هكذا ‪ :‬قدمي‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬البارى‪.‬‬
‫ـ ‪ 28‬ـ‬

‫قيل له ‪ :‬ألن الص ـ ــنائع احلكمية كما ال تقع منا اال ع ـ ــامل ك ـ ــذلك ال حتدث منا اال من ذى‬
‫علم ‪ ،‬فلو مل ت ــدل الص ــنائع على علم من ظه ــرت منه منا مل ت ــدل على أن من ظه ــرت منه‬
‫(‪)1‬‬
‫منا فهو عامل ‪ ،‬فلو دلت على أن البـارى تعـاىل عـامل قياسا على داللتها على (أنا علمـاء)‬
‫ومل ت ــدل على أن له علما (‪ )2‬قياسا على داللتها على أن لنا علما جلاز ل ــزاعم أن ي ــزعم أهنا‬
‫تدل على علمنا وال تدل على أنا علماء‪ .‬واذا مل جيز هذا مل جيز ما قاله هذا القائل‪.‬‬
‫فــان قــال ؛ فما أنكــرمت أن ال تــدل األفعــال احلكمية على علم العــامل منا ‪ ،‬كما دلت‬
‫(‪)3‬‬
‫على أنه عـ ــامل ؛ ألنه ليس معىن العـ ــامل منا أن له علما ؛ ألنه قد يعلم العـ ــامل منا عاملا من‬
‫ال يعلم أن له علمــا؟ قيل له ‪ :‬ان جــاز لك أن تــزعم هــذا جــاز لغــريك أن يــزعم أن األفعــال‬
‫احلكمية تـ ـ ــدل على أن ىل علما هبا وال تـ ـ ــدل على أىن عـ ـ ــامل ؛ ألنه ليس معىن العـ ـ ــامل أن له‬
‫علما (‪ )4‬ألنه قد يعلم االنسان منا أن له علما من ال يعلمه عاملا (‪ .)5‬وأيضا الناسى (‪.)6‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أن علما‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬علم‪.‬‬
‫(‪ )3‬فاعل لقوله «قد يعلم»ـ وكلمة «العامل» قبلها مفعول‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬علم‪.‬‬
‫(‪ )5‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬عامل‪ .‬ولفظ «من» قبلها فاعل لقوله ‪« :‬قد يعلم»ـ واالنسان مفعول‪.‬‬
‫(‪ )6‬هى ىف األصل «لناس» فصححها اىل «لناشــئ» وهى هبذا ال معىن هلا واعتقد اهنا كما صــححها على معىن‬
‫أن الناسى له علم وليس عاملا وقت نس ــيانه يك ــون ذلك تأيي ــدا لقوله قبل ذلك ‪« :‬ألنه قد يعلم االنس ــان منا أن‬
‫له علما من ال يعلمهـ عاملا»‪.‬‬
‫ـ ‪ 29‬ـ‬

‫وأيضا هــذه الــدعوى عنــدى فاســدة‪ .‬وذلك أن معىن (‪ )1‬العــامل عنــدى أن له علما ‪ ،‬ومن مل‬
‫يعلم لزيد علما (‪ )2‬مل يعلمه عاملا‪ .‬ف ــان ق ــال قائل ‪ :‬فما أنكـ ــرمت من أن ي ــدل الفعل احلكمى‬
‫على أن لالنس ــان علما هو غ ــريه كما قلتم انه ي ــدل على علم؟ قيل له ‪ :‬ليس اذا دل الفعل‬
‫احلكمى على أن لالنسـ ـ ـ ــان علما دل على أنه غـ ـ ـ ــريه ‪ ،‬كما ليس اذا دل على أنه عـ ـ ـ ــامل دل‬
‫(‪)4‬‬
‫على أنه متغـ ــاير على وجه من الوجـ ــوه ‪ ،‬وأيضا فـ ــان معىن الغريية (‪ )3‬جـ ــواز مفارقة أحد‬
‫(‪)5‬‬
‫الش ــيئني لآلخر على وجه من الوج ــوه فلما دلت الداللة على ق ــدم الب ــارى تع ــاىل وعلمه‬
‫اســتحال أن يكونا (‪ )6‬غــريين‪ .‬وأيضا فلو جــاز لــزاعم أن الفعل احلكمى (‪ )8( )7‬يــدل على أن‬
‫العـ ــامل عـ ــامل مث يعلم علمه بعد ذلك جلاز لـ ــزاعم أن يـ ــزعم أن الفعل احلكمى يـ ــدل على أن‬
‫العلم علم مث يعلم أنه لعامل بعد ذلك ‪ ،‬واذا مل جيز هذا‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬كتبها الناسخ هكذا ‪ :‬لن يدع ملا‪.‬‬
‫(‪ )3‬هـ ــذا تفسري اصـ ــطالحى للغريية جلأ إليه املؤلف لئال يلزمه القـ ــول بتعـ ــدد القـ ــدماء املتغـ ــايرة اذا قـ ــال وجودية‬
‫الصــفات وتغايرها ىف نفســها مع مغايرهتا للــذات وعلى خالفه معظم أصــحابه وقد أنكر ورود هــذا التعريف عن‬
‫األش ــعرى االم ــام حممد عب ــده (احلاش ــية ص ‪ )99‬مرجحا أنه من مبت ــدعات األص ــحاب لتوجيه قوله ىف الص ــفات‬
‫«أهنا ال هى وال غريه» وقد علمت اآلن قيمة هذا االدعاء‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أجل‪.‬‬
‫(‪ )5‬معطوف على قول «البارى»‪.‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬يكون‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب وتبعه ل ‪ :‬احلكم‪.‬‬
‫(‪ )8‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ هكذا ‪ :‬هذا القائل‪.‬‬
‫ـ ‪ 30‬ـ‬

‫وتكافأ القوالن وجب أن تكون الداللة على أن العامل داللة على العلم‪.‬‬
‫ف ـ ــان ق ـ ــال قائل ‪ :‬من أنه امنا ي ـ ــدل الفعل احلكمى على علم العـ ـ ــامل ألنه ممن جيوز أن‬
‫ميوت وجيهــل‪ .‬قيل له ‪ :‬لو جــاز هــذا لقائله (‪ )1‬جلاز لــزاعم أن يــزعم أن الفعل احلكمى يــدل‬
‫أن العامل عامل ألنه ممن جيوز أن ميوت وجيهل‪.‬‬
‫ومما يبطل ق ـ ــول من ق ـ ــال ان داللة الفعل احلكمى على علم الع ـ ــامل منا داللة على أنه‬
‫غري العــامل وأنه حمدث أن العــامل للعلم (‪ )2‬ما كــان عاملا ال للغريية وال للحــدث ‪ ،‬فــوجب أن‬
‫تك ــون الداللة على أن الع ــامل عــامل داللة على العلم ‪ ،‬ومل يكن العلم علما ألنه غري الع ــامل ‪،‬‬
‫وال ألنه حمدث لوجــود غري ليس بعلم وحمدث ليس بعلم ‪ ،‬فلم جيب أن تكــون الداللة على‬
‫أن العلم علم داللة على أنه حمدث أو أنه غري العـ ــامل‪ .‬وأيضا فلو جـ ــاز لـ ــزاعم أن يـ ــزعم أن‬
‫الداللة على أن العلم علم داللة على حدثه أو داللة على أنه‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬هكـ ــذا ىف األصل وقد غريها م اىل «لعلم» وأع ـ ــرب (م ـ ــا) الىت بعـ ــدها على أهنا (م ـ ــا) االهبامية وحل اجلملةـ‬
‫على أس ــاس أن ال ــدليل املبطل هلذا االدع ــاء هو أن الع ــامل للعلم ال يعلمـ بس ــبب الغريية وال بس ــبب احلدث (أنظر‬
‫الرتمجة) وأنا أوجب بق ـ ــاء اللفظ كما هو وأع ـ ــرب (م ـ ــا) على أهنا نافية فينحل للكالمـ اىل أن ال ـ ــدليل املبطل هلذا‬
‫االدعـ ــاء هو أن االنسـ ــان وقت ادراكه للعلم املتعلق بفـ ــرد ال يـ ــدرك ىف نفس الـ ــوقت الداللة الدالة على العلم أن‬
‫هذا العلم حادث أو أنه مغاير للعامل‪ .‬فلم تكن الداللة على العلم داللة على أنه غري أو أنه حمدث‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫ـ ‪ 31‬ـ‬

‫غري العــامل لــزاعم أن يــزعم أن الداللة على أن العــامل (عــامل) (‪ )1‬داللة على حدثه وأنه متغــاير‬
‫ىف ذاته‪.‬‬
‫والدليل على أن هلل (‪ )2‬تعاىل قـدرة وحيــاة كالــدليل على أن هلل تعــاىل علمــا‪ .‬وقد قــال‬
‫جل ذكــره ‪( :‬أَْن َزلَهُ بِ ِعل ِْم ِه) وقــال ‪َ ( :‬وما تَ ْح ِم ُل ِم ْن أُنْ ثى َوال تَ َ‬
‫ض ُع إِاَّل بِ ِعل ِْم ِه) (‪ )4‬فثبت‬ ‫(‪)3‬‬

‫َش ُّد ِم ْن ُه ْم ُق َّوةً) (‪ )5‬فثبت‬


‫َن اهللَ الَّ ِذي َخلَ َق ُه ْم ُه َو أ َ‬
‫َم َي َر ْوا أ َّ‬
‫العلم لنفسه وق ــال تع ــاىل ‪( :‬أ ََول ْ‬
‫القوة لنفسه‪.‬‬
‫ومما يــدل على أن اهلل تعــاىل عــامل بعلم أنه ال خيلو أن يكــون اهلل تعــاىل عاملا بنفسه أو‬
‫بعلم يسـتحيل أن يكـون هو نفسـه‪ .‬فـان كـان عاملا بنفسه كـانت نفسه علما ‪ ،‬ألن قـائال لو‬
‫قال ‪ :‬ان اهلل تعاىل عامل مبعىن هو غريه لـوجب عليه أن يكـون ذلك املعىن علما ‪ ،‬ويسـتحيل‬
‫أن يكــون العلم عاملا (‪ ، )6‬أو العــامل علما ‪ ،‬أو يكــون اهلل تعــاىل مبعىن الصــفات أال تــرى أن‬
‫الطريق الّـ ــذي يعلم (ب ـ ــه) (‪ )7‬أن العلم علم أن العـ ــامل به علم ألن قـ ــدرة االنسـ ــان الىت (‪ )8‬ال‬
‫يعلم هبا ال جيوز أن يك ــون علم ــا‪ .‬فلما اس ــتحال أن يك ــون الب ــارى تع ــاىل علما اس ــتحال أن‬
‫يكون عاملا بنفسه فاذا استحال ذلك صح أنه عامل يستحيل أن يكون هو نفسه‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ‪ :‬وتبعه ل اهلل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ :‬وتبعه ل ‪ :‬اهلل‪.‬‬
‫(‪ )3‬ص ‪ 4‬اآلية ‪.166‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 41‬اآلية ‪.15‬‬
‫(‪ )5‬س ‪ 35‬اآلية ‪.11‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬علم‪.‬‬
‫(‪ )7‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )8‬ىف ب وتبعه ل ‪ :‬الّذي‪.‬‬
‫ـ ‪ 32‬ـ‬

‫فـ ـ ـ ــان قـ ـ ـ ــال قائل ‪ :‬ما أنكـ ـ ـ ــرمت أن يكـ ـ ـ ــون البـ ـ ـ ــارى سـ ـ ـ ــبحانه عاملا ال بنفسه وال مبعىن‬
‫يســتحيل أن يكــون هو نفســه‪ .‬قيل له ‪ :‬لو جــاز هــذا جلاز أن يكــون قولنا «عــامل» مل يرجع‬
‫به اىل نفسه وال اىل معىن ومل يثبت به نفسه وال معىن يسـ ــتحيل أن يكـ ــون هو نفسه ‪ ،‬واذا‬
‫مل جيز هذا بطل ما قالوه‪.‬‬
‫وهــذا الـدليل يـدل على اثبـات صــفات اهلل تعــاىل لذاته كلها ‪ :‬من احليـاة ‪ ،‬والقــدرة ‪،‬‬
‫والسمع ‪ ،‬والبصر ‪ ،‬وسائر صفات الذات (‪.)1‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬للبــارى تعــاىل صــفات كثــرية منها صــفة نفســية وهى الوجــود ‪ ،‬ويـرى احملققــونـ من املتكلمني أهنا من األمــور‬
‫االعتباري ــة‪ .‬ومنها ص ــفات أس ــلوب مبعىن أن مفهومها س ــلىب مثل الق ــدم والبق ــاء‪ .‬ومنها ص ــفات أفع ــال مثل كونه‬
‫رازقا وه ــذه والىت قبلها ال تقتضى ثب ــوت وصف قــائم بالب ــارى‪ .‬ومنها ص ــفات ثبوتية مثل الق ــدرة واإلرادة وهى‬
‫املقصودة بقول املؤلف «صفات الذات»‪.‬‬
‫ـ ‪ 33‬ـ‬

‫(‪)2‬‬
‫باب الكالم فى القرآن واإلرادة‬
‫أن قــال قائل ‪ :‬مل قلتم أن اهلل تعــاىل مل يــزل متكلما وان كالم اهلل تعــاىل غري خملــوق؟‬
‫ش ْي ٍء إِذا أ ََر ْدن اهُ أَ ْن َن ُق َ‬
‫ول لَ هُ ُك ْن‬ ‫قيل له ‪ :‬قلنا ذلك ألن اهلل تع ــاىل ق ــال ‪( :‬إِنَّما َق ْولُنا لِ َ‬
‫(‪)1‬‬

‫َفيَ ُك و ُن) (‪ )2‬فلو ك ـ ــان الق ـ ــرآن خملوقا لك ـ ــان اهلل تع ـ ــاىل قـ ــائال له ‪« :‬كن» والقـ ــرآن قوله ‪،‬‬
‫ويستحيل أن يكون قوله مقوال له (‪ ، )3‬ألن هذا يوجب قوال ثانيا ‪ ،‬القــول ىف القــول الثـاىن‬
‫وىف تعلقه بقــول ثــالث كــالقول ىف األول وتعلقه بقــول ثــان وهــذا يقتضي ما ال هناية له من‬
‫األقوال وهذا فاسد‪ .‬واذا فسد ذلك فسد أن يكون القرآن‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ولكن ما هو القدمي ىف القرآن ذرايه؟ الفاظه ومعانية أم املعاىن واملدلوالت فقط؟ يلزم األشعرى الصـمت ىف‬
‫االجابة على هــذا الرتديد فيما هو معــروف حىت اليـوم من كتبه وأن كــان الشهرســتاىن ينسب إليه القــول حبدوث‬
‫األلف ـ ــاظ وق ـ ــدم املعىن النفسى بينما ينسب إليه بعض ـ ــهم الق ـ ــول بق ـ ــدمـ اللفظ واملعىن معا (أنظر هناية االق ـ ــدام ص‬
‫‪ 320‬وشرح العقائد العضدية ص ‪.)188‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 16‬اآلية ‪40‬‬
‫(‪ )3‬الضــمري ىف قوله ‪« :‬لــه» يع ــود ىف رأىي اىل القــول ال اىل اهلل على معىن أنه يســتحيل أن يكــون الق ــول خملوقا‬
‫بقــول آخر وبــذلك يتضح الــدليل‪ .‬ويصــوره األشــعرى ىف (االبانة ص ‪ 21‬القــاهرة ســنة ‪ )1348‬هكــذا ‪« :‬ومما‬
‫ي ــدل من كت ــاب اهلل على أن كالمه غري خمل ــوق قوله عزوجل ‪( :‬إِنَّما َق ْولُنا لِ َش ْي ٍء إِذا أ ََر ْدن اهُ أَ ْن َن ُق َ‬
‫ول لَ هُ ُك ْن‬
‫َفيَ ُك و ُن) فلو كــان القــرآن خملوقا لــوجب أن يكــون مقــوال له ( ُك ْن َفيَ ُك و ُن) ولو كــان اهلل عزوجل قــائال للقــول‬
‫( ُك ْن) كــان للقــول قــول ‪ ،‬وهــذا يــوجب أحد أمــرين‪ .‬أما أن يــؤول األمر اىل أن قــول اهلل غري خملــوق ‪ ،‬أو يكــون‬
‫كل قول واقعا بقول ال اىل غاية وذلك حمال»‪.‬‬
‫(‪ 3‬ـ كتاب اللمع)‬
‫ـ ‪ 34‬ـ‬

‫خملوقا ولو ج ــاز أن يقـ ــول لقوله جلاز أن يريد ارادته ‪ ،‬وذلك فاسد عنـ ــدنا وعنـ ــدهم ‪ ،‬واذا‬
‫بطل هذا استحال أن يكون خملوقا‪.‬‬
‫فــان قــال قائل ‪ :‬ما أنك ــرمت أن يك ــون معىن قوله تع ــاىل ‪( :‬أَ ْن َن ُق َ‬
‫ول لَهُ ُك ْن َفيَ ُك و ُن)‬
‫أى نكونه فيك ــون من غري أن (يق ــول له ىف احلقيقة ش ــيئا) (‪ )1‬قيل له ق ــال اهلل تع ــاىل ‪( :‬إِنَّما‬
‫ول لَهُ ُك ْن َفيَ ُك و ُن) فلو جــاز لقائل أن يقــول مل يكن اهلل تعــاىل‬ ‫ش ْي ٍء إِذا أ ََر ْدناهُ أَ ْن َن ُق َ‬
‫َق ْولُنا لِ َ‬
‫قـائال (‪ )2‬لشـيء ىف احلقيقة ( ُك ْن) وامنا املعىن أن تكــون فيكـون ‪ ،‬جلاز لـزاعم أن اهلل تعــاىل ال‬
‫يريد شــيئا‪ .‬وامنا معىن «أردنــاه» فعلنــاه من غري أن تكــون إرادة) (‪ )3‬على وجه من الوجــوه‪.‬‬
‫فــان قــال قائل أن يكــون معىن (‪ )4‬أن اهلل تعــاىل أراد الشــيء أنه فعله وهو مريد له ىف احلقيقة‬
‫مبعىن أنه فاعل لــه؟ قيل له ‪ :‬لو جــاز هــذا لقائله جلاز لــزاعم أن يــزعم أن اهلل عزوجل قائل‬
‫للشيء ىف احلقيقة ( ُك ْن) ويزعم أن معىن‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ىف األصل اضـ ـ ــطراب ونص عبارته ‪« :‬نقـ ـ ــول له ىف احلقيقة وال أن نقـ ـ ــول له ىف احلقيقةـ شـ ـ ــيئا» وقد نقلها‬
‫الناسخ ىف ب كما هى ‪ ،‬ووضع م (وال أن نقول له ىف احلقيقة) بني قوسني وحكم بزيادهتا ‪ ،‬وهو مصيب‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬قائل‪.‬‬
‫(‪ )3‬يقرؤها م إرادة ورأىي أهنا إرادة على أن «تكـ ـ ـ ــون» تامة وهو أوىل رغم أن األصل كتبها «يكـ ـ ـ ــون إرادة»‬
‫ويصبح أن نقراها «يكون إرادة» أى الشيء ويكون اسم «يكون» ضمريا يعود اىل اهلل‪.‬‬
‫(‪ )4‬غريها م اىل (انه) وال ضرورة له على أن نقرأ بالفتح واالسكان (أن)‪.‬‬
‫ـ ‪ 35‬ـ‬

‫ذلك أنه يكونه فيثبت اهلل قوال ىف احلقيقة هو املقول له ‪ ،‬كما زعمتم أن هلل تعــاىل إرادة ىف‬
‫احلقيقة هى مــراده ‪ ،‬ولو جــاز لــزاعم أن يــزعم هــذا جــاز اآلخر أن يقــول أن علم اهلل تعــاىل‬
‫بالشيء هو فعله له‪.‬‬
‫ض) (‪ )1‬وال إرادة‬ ‫ف ـ ــان ق ـ ــال قائل ‪ :‬أليس قد ق ـ ــال اهلل تع ـ ــاىل ( ِج داراً يُ ِري ُد أَ ْن َي ْن َق َّ‬
‫للج ــدار ىف احلقيقة وامنا ق ــال «يري ــد» توس ــعا‪ .‬واملعىن أنه ينقض قيل له نعم ف ــان ق ــال ‪ :‬فما‬
‫ول لَهُ ُك ْن) أى نكونه فيكــون؟ قيل له ‪ :‬الفــرق بني ذلك‬ ‫أنكــرمت أن يكــون معىن (أَ ْن (‪َ )2‬ن ُق َ‬
‫اجلمــاد يســتحيل مع مجاديته أن يكــون مريــدا والبــارى تعــاىل ىف احلقيقة ال يســتحيل عليه أن‬
‫ول لَهُ ُك ْن َفيَ ُك و ُن) مبعىن فكونــه‪ .‬وأيضا فلو‬ ‫يريد أو يقــول ‪ ،‬فلــذلك مل يكن قوله ‪( :‬أَ ْن َن ُق َ‬
‫ول لَ هُ) ليس معن ــاه اثب ــات ق ــول له وامنا معن ــاه أن نكونه كما أن قوله‬ ‫ك ــان قوله ‪( :‬أَ ْن َن ُق َ‬
‫«جـ ـ ـ ــدارا يريد أن ينقض» معنـ ـ ـ ــاه أن ينقض ‪ ،‬جلاز لـ ـ ـ ــزاعم أن يـ ـ ـ ــزعم أن (معـ ـ ـ ــىن)ـ (‪ )3‬قوله‬
‫«أردناه» ‪ :‬فعلناه ‪ ،‬وهو ىف احلقيقة ال يريد فعله‪ .‬كما أن قوله ‪« :‬جــدارا يريد أن ينقض»‬
‫معناه أنه ينقض ‪ ،‬وهذا أوىل ىف حقيقة القياس ‪ ،‬واذا مل جيب هذا مل جيب ما قاله (‪.)4‬‬
‫ويقال هلم ‪ :‬اذا كان معىن أن اهلل تعاىل أراد فعل الشيء أنه‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 18‬اآلية ‪77‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬انقول‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ىف األصل ‪« :‬ما قلتموه» وما ذكرناه اوىل ليتالقى مع قوله ‪« :‬فان قال»‪.‬‬
‫ـ ‪ 36‬ـ‬

‫فعله ومعىن أراد حركة الش ــيء أنه حركه ‪ ،‬فما أنك ــرمت أن يك ــون اجلم ــاد ىف احلقيقة مري ــدا‬
‫حلركة نفسه مبعىن أنه متح ـ ــرك ‪ ،‬وأن ال يك ـ ــون للب ـ ــارى (‪ )1‬تعـ ـ ــاىل على اجلمـ ـ ــاد مزية (‪ )2‬ىف‬
‫اإلرادة ‪ ،‬وأن ال يكــون له مزية على من وقع فعله وهو غري مريد له ألنه قد حصل له معىن‬
‫فاعل كما حصل للبارى تعاىل معىن فاعل‪.‬‬
‫ين) (‪ )3‬قيل له ‪ :‬معىن ذلك أهنما‬ ‫ِِ‬
‫ف ــان ق ــال ‪ :‬فما معىن قوله تع ــاىل ‪( :‬قالَتا أََت ْينا ط ائع َ‬
‫ين)‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫قالتا ىف احلقيقة ‪( :‬أََت ْينا طائع َ‬
‫ومما يدل من القياس على أن اهلل تعاىل مل يزل متكلما أنه لو كان مل يزل غري متكلم‬
‫ـ ـ وهو ممن ال يســتحيل عليه الكالم ـ ـ لكــان موصــوفا بضد الكالم ولكــان ضد الكالم قــدميا‬
‫ولو كــان ضد الكالم قــدميا الســتحال أن يعــدم (‪ )4‬وأن يتكلم البــارى ‪ ،‬ألن القــدمي ال جيوز‬
‫عدمه كما ال جيوز حدوثه ‪ ،‬فكـان جيب أن ال يكـون البـارى قـائال وال آمـرا وال ناهيا على‬
‫وجه من الوجــوه (‪ )5‬وهــذا فاسد عنــدنا وعنــدهم ‪ ،‬واذا فسد هــذا صح وثبت أن البــارى مل‬
‫يزل متكلما قائال‪.‬‬
‫فان قال قائل ‪ :‬ومل زعمتم أنه لو كان مل يزل غري متكلم‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل نقلها الناسخ ‪ :‬البارى‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬مريدا‬
‫(‪ )3‬يقرؤها م «يعدم» فهل يوجد عدم الالزم متعىن فىن‪.‬‬
‫(‪ )4‬من ‪ 41‬اآلية ‪.11‬‬
‫(‪ )5‬من املمكن أن نســلم مع املؤلف وجــوب أن ال يكــون قــائال مبعىن الصــفة القائمة به ‪ ،‬أما وجــوب أن يكــون‬
‫غري آمر أو نـ ـ ـ ــاه فال ‪ ،‬ألنه جيوز أن يكـ ـ ـ ــون آمر أو ناهيا على لسـ ـ ـ ــان أنبيائه مبقتضى ما يفيض عليهم من العلم‬
‫بتشريعاته وضرورة تبليغها للخلق‪.‬‬
‫ـ ‪ 37‬ـ‬

‫لك ـ ـ ـ ــان موص ـ ـ ـ ــوفا بضد الكالم (‪ )1‬قيل له ألن احلى؟ اذا مل يكن موص ـ ـ ـ ــوفا ب ـ ـ ـ ــالكالم كـ ـ ـ ــان‬
‫موصوفا بضده ‪ ،‬كما أنه اذا مل يكن موصوفا بالعلم كان موصوفا بضده ‪ ،‬وذلك أن احلى‬
‫فيما بيننا ذلك حكمه ومل تقم داللة على حي خيلو من الكالم وأضداده ىف الغــائب كما مل‬
‫تقم داللة على حي خيلو من العلم وأضــداده حىت يكــون ال موصــوفا بأنه عــامل بضد العلم ‪،‬‬
‫فقد اجتمع األمر فيهما ‪ :‬أنه مستحيل فيما بيننا حي غري (عامل وال موصــوف بضد العلم ‪،‬‬
‫وأنه مس ـ ــتحيل فيما بيننا حي غري (‪ )2‬متكلم وال موص ـ ــوف بضد الكالم ‪ ،‬وأنه مل يقم على‬
‫ذلك داللة ىف الغـ ـ ــائب‪ .‬فلو جـ ـ ــاز أحد األمـ ـ ــرين وهو حي غري متكلم وال موصـ ـ ــوف بضد‬
‫الكالم جلاز األمر اآلخر وهو حي غري عامل وال موصــوف بضد العلم‪ .‬وأيضا فأنه يســتحيل‬
‫فيما بيننا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامل يوصف بضد العلم مع علمه ‪ ،‬ومتكلم يوصف بضد الكالم مع كالمه ‪،‬‬
‫فلما اجتمعا ىف االحالة وجب أن يك ــون من ج ــوز متكلما ىف الغ ــائب يوصف بضد الكالم‬
‫مع كالمه ‪ ،‬كمن جوز عاملا ىف الغائب يوصف بضد العلم مع علمه ‪ ،‬فكــذلك جيب أيضا‬
‫ملا اســتحال فيما بيننا حي غري عــامل وال موصف بضد العلم ‪ ،‬وجب أن يســتحيل فيما بيننا‬
‫حي غري متكلم وال موصوف بضد الكالم (و) (‪ )3‬أن‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬اىل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬كل ما بني قوسني قد تركه الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل ومل يزدها م وزيادهتا ضرورية لصحة التعبري ومتام املعىن‪.‬‬
‫ـ ‪ 38‬ـ‬

‫يستحيل ذلك ىف الغائب ‪ ،‬ووجب أن يكون من جوز أحد األمرين ىف الغائب كمن جــوز‬
‫األمر اآلخر‪.‬‬
‫وهذا هو الدليل على أن اهلل تعاىل مل يزل مريدا ‪ ،‬وذلك أن احلى اذا كــان غري مريد‬
‫لشـ ـ ـ ــيء أصال وجب أن يكـ ـ ـ ــون موصـ ـ ـ ــوفا بضد من أضـ ـ ـ ــداد االرادات كالسـ ـ ـ ــهو والكراهة‬
‫(‪)2‬‬
‫واالينـ ـ ــاء (‪ )1‬واآلفـ ـ ــات ‪ ،‬كما وجب أن احلى اذا كـ ـ ــان غري عـ ـ ــامل بشـ ـ ــيء أصال (كـ ـ ــان)‬
‫موصـ ـ ــوفا بضد من أضـ ـ ــداد العلـ ـ ــوم كاجلهل والسـ ـ ــهو والغفلة أو املوت وما أشـ ـ ــبه ذلك من‬
‫اآلف ــات فلما (‪ )3‬اس ــتحال أن يك ــون الب ــارى تع ــاىل مل ي ــزل موص ــوفا بضد اإلرادة ألن ه ــذا‬
‫يـ ــوجب أن ال يريد شـ ــيئا على وجه من الوجـ ــوه ‪ ،‬وذلك أن ضد اإلرادة اذا كـ ــان البـ ــارى‬
‫تعاىل مل يزل موصوفا به يوجب قدمه وحمال عدم القدمي ‪ ،‬كما حمال حـدوث القـدمي ‪ ،‬فـاذا‬
‫استحال عدمه وجب أن ال يريد البارى شيئا ويقصد فعله على وجه من‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬من آىن اذا أخر ومنه احلديثـ «آنيت وآذيت» اى أخــرت اجمليء عن وقته وهى ىف األصل «االنبــا» (النقط‬
‫النــون فقــط) فــاقرتح م أن تكــون االبــاء ‪ ،‬وظــاهر أن رسم الكلمة يــأىب ذلك وليس من شك ىف أن االينــاء مبعىن‬
‫التــأخري يعترب من أضــداد اإلرادة‪ .‬وقد يشــهد ألهنا «االبــاء» قــول الشــيخ ىف ص ‪ : 49‬ولو كــان ما يكــره كونه‬
‫لكان ما يأتى «كونه»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )3‬ج ــواب «فلم ــا» غري م ــذكور وان ك ــان من املمكن تق ــديره أو تغيري قوله ‪« :‬فلما اس ــتحال» اىل مثل قولنا‬
‫«ويتحيل» الىت ال تتطلب جوابا‪.‬‬
‫ـ ‪ 39‬ـ‬

‫الوجوه وذلك فاسد‪ .‬فاذا فسد هذا صح وثبت أن البارى تعاىل مل يزل مريدا‪.‬‬
‫فـ ـ ـ ــان قـ ـ ـ ــال قائل ‪ :‬مل (‪ )1‬قلتم اذا كـ ـ ـ ــان من مل يـ ـ ـ ــزل غري متكلم وال مريد وجب أن‬
‫يك ــون موص ــوفا بضد اإلرادة والكالم اذا ك ــان ممن ال يس ــتحيل عليه الكالم واإلرادة ‪ ،‬فما‬
‫أنكرمت من أنه من مل يزل غري فاعل وجب أن يكون موصوفا بضد الفعل وأن يكون تاركا‬
‫فيما مل يزل؟‬
‫(‬
‫قيل له ‪ :‬ال جيب ما قلته ‪ ،‬وذلك أن الكالم (‪ )2‬ضد أليس بكالم ‪ ،‬ولالرادة ض ـ ـ ــدا‬
‫‪ )3‬ليس بـ ـ ــإرادة ‪ ،‬فـ ـ ــوجب لو كـ ـ ــان البـ ـ ــارى (‪ )4‬تعـ ـ ــاىل حيا غري متكلم وال مريد أن يكـ ـ ــون‬
‫موصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوفا بضد الكالم واإلرادة وليس للفعل ضد (‪ )5‬ليس بفعل ‪ ،‬فيجب بنفى الفعل عن‬
‫الفاعل وجود ضده ألن املوجود اذا مل يكن فعال (‪ )6‬كان‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬مل وقد أبقاها م كما هى ورأىي أننا اما أن تغري «مل» اىل «اذا» أو نغري قوله فيما بعد ‪:‬‬
‫«فما أنكــرمت من» اىل قوله «وأنكــرمت» ألن املقصــود هو ادعــاء التالزم بني القــولني ال توجيه ســؤالني بــدليل قــول‬
‫األشــعرى ىف الــرد ‪« :‬مل جيب ما قلتــه» على أن املقــام هنا للــواو ال للفــاء على فــرض أن املراد هو توجيه ســؤالني‬
‫اال اذا قلنا أن الفاء واقعة ىف جواب شرط مقدر وهو بعيد‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل الكالم‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬ضد‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬بارى‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬ضدا‪.‬‬
‫(‪ )6‬الكلمةـ ىف األصل «فعال» وقد اس ـ ـ ــتبعد م بقاءها كما هى وغريها اىل «حمدثا» مع اعرتافه مبا ىف التعبري من‬
‫تعقيد بالنسـ ـ ــبة له ‪ ،‬ورأىي أنه ال ضـ ـ ــرورة هلذا التغيري ألن «فعال» هنا مبعىن مفعـ ـ ــول أى خملـ ـ ــوق ‪ ،‬وال شك أن‬
‫املعىن بذلك واضح وصحيح‪.‬‬
‫ـ ‪ 40‬ـ‬

‫قـ ــدميا ‪ ،‬والقـ ــدمي ال يضـ ــاد احملدثات فلما مل يكن للفعل ضد ليس بفعل مل جيب بنفى الفعل‬
‫عن اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل ىف أزله (‪ )1‬اثبـ ـ ـ ـ ـ ــات ضد ‪ ،‬وملا كـ ـ ـ ـ ـ ــان للكالم ضد ليس بكالم وجب بنفى‬
‫الكالم عن اهلل تعاىل ىف أزله اثبات ذلك الضد ال حمالة‪.‬‬
‫فـ ــان قـ ــال ‪ :‬فيجب اذا كـ ــان القـ ــدمي غري فاعل فيما مل يـ ــزل أن (‪ )2‬يكـ ــون عـ ــاجزا أو‬
‫تاركا قيل له فليس العجز مضـ ــادا للفعـ ــل‪ .‬وذلك أنه ليس من جنس من أجنـ ــاس الفعل من‬
‫حركة وسـ ــكون وغريمها من سـ ــائر األغـ ــراض ال وقد جيوز أن خيلقه اهلل مع العجز ‪ ،‬فعلمنا‬
‫ب ــذلك أن العجز ال يض ــاد الفعل ‪ ،‬ألن األجس ــام (‪ )3‬واجلواهر من أفع ــال اهلل تع ــاىل ‪ ،‬فعلمنا‬
‫أن العجز ال يضــاد الفعل ‪ ،‬ألن عجــزى لو ضــاد فعلى للحركة لكــان تضــاد وقــوع احلركة‬
‫من رىب ىف جسمى‪ .‬أال تــرى أنه اذا اســتحال أن أفعل ىف علما مع املوت اســتحال أن يفعل‬
‫رىب ىف مع املوت علما ‪ ،‬فلما مل يكن العجز مضــادا للفعل وامنا يضــاد القــدرة وكــان الــرتك‬
‫للشيء فعل‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أن له‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬أيكون‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب ‪ ،‬ل ‪ ،‬م «األجســام» واجلملة بــذلك ال فائــدة منها هاهنا ولكننا اذا غرينا الكلمة اىل «األع ــراض» مثال‬
‫كــان املعىن الزما وواضــحا وذلك ألن حركة الشــخص من األعــراض فــاذا كــان اهلل هو اخلالق هلا كما أنه اخلالق‬
‫له ك ـ ـ ــان ع ـ ـ ــاجزا عن خلقها مع أهنا فعل اهلل ق ـ ـ ــائم به ‪ ،‬واذن فقد اجتمع العجز والفعل فلم يكن العجز ض ـ ـ ــدا‬
‫للفعل‪.‬‬
‫ـ ‪ 41‬ـ‬

‫ضد ‪ ،‬ك ــان (‪ )1‬الب ــارى تع ــاىل مل ي ــزل غري فاعل لش ــيء أصال ‪ ،‬ومل (‪ )2‬جيب بنفى (‪ )3‬الفعل‬
‫عنه ىف أزله عجز وال ترك (‪.)4‬‬
‫وأيضا فـ ـ ـ ــان احلى اذا كـ ـ ـ ــان غري متكلم وال مريد وجب أن يكـ ـ ـ ــون موصـ ـ ـ ــوفا بضد‬
‫(‪)5‬‬
‫اإلرادة والكالم ‪ ،‬وليس اذا كــان غري فاعل لشــيء جيب اثبــات ضد هو عجز أو تــرك اذ‬
‫كان عجز االنسان ال يضاد فعله فلم جيب بنفى الفعل عن اهلل تعــاىل ىف أزله اثبــات تــرك أو‬
‫عجز ‪ ،‬كما وجب ىف نفى الكالم واإلرادة عنه ىف أزله اثبات أضدادمها‪.‬‬
‫فـ ــان قـ ــال ‪ :‬فيجب بنفى احلركة عن اهلل تعـ ــاىل ىف أزله أن يكـ ــون سـ ــاكنا‪ .‬قيل ‪ :‬لو‬
‫كــان ممن جيوز أن يتحــرك لــوجب ـ لعمــرى ـ بنفى احلركة عنه أن يكــون ســاكنا كما جيب‬
‫بنفى الكالم واإلرادة عنه ىف أزله اثبات أضدادمها ‪ ،‬اذ كان ممن ال يستحيل ذلك عليه‪.‬‬
‫ف ــان ق ــال ‪ :‬فيجب بنفى التفضل عنه فيما مل ي ــزل أن يك ــون خبيال‪ .‬قيل له ‪ :‬التفضل‬
‫هو ما للمتفضل أن يتفضل به وله أن‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ‪ ،‬ل ‪ ،‬م «فكان»‬
‫(‪ )2‬ب ‪ ،‬ل ‪ ،‬مل ‪ ،‬وقد تركها م بــدون زيــادة الــواو على أهنا جــواب «فلمــا» وراىي أن اجلواب يبــدأ من قوله ‪:‬‬
‫«فكان البارى تعاىل ‪ »...‬وأن قوله ‪« :‬مل ‪ »...‬تتمة له‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬نفى‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬عجزا وال تركا‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب ‪ ،‬ل ‪ ،‬م ‪« :‬اذا» وصـ ـ ـ ــحتها ىف رأىي «اذ» ألهنا وما بعـ ـ ـ ــدها تعليل لنفى التالزم بني مقـ ـ ـ ــدمـ الشـ ـ ـ ــرطية‬
‫وتاليها‪.‬‬
‫ـ ‪ 42‬ـ‬

‫ال يتفضل به ‪ ،‬والبخل امنا جيب مبنع مسـ ـ ــتحق اسـ ـ ــتحق على من خبل ‪ ،‬والبـ ـ ــارى تعـ ـ ــاىل ال‬
‫جيب عليه فعل شيء (‪.)1‬‬
‫ف ــان ق ــال ‪ :‬فيجب بنفى الع ــدل عنه ىف أزله أن يك ــون ج ــائزا (‪ )2‬أو ع ــاجزا قيل له ‪:‬‬
‫ليس جيب بنفى العــدل ضد هو عجز أو جــور ‪ ،‬ألنه ليس من جنس من أجنــاس العــدل اال‬
‫وجيوز أن يفعله اهلل تعـ ــاىل فينا مع العجز فلم جيب بنفى العـ ــدل اثبـ ــات ضد هو عجز ‪ ،‬ومل‬
‫جيب أيضا اثب ــات اجلور ألن االنس ــان قد ال يك ــون ع ــادال اذا مل يكن منه ع ــدل كس ــبه وال‬
‫فعله وال يكون جائزا ‪ ،‬فليس من نفينا عنه العدل أثبتنا له ضدا هو جــور أو عجز ‪ ،‬اذ كنا‬
‫قد ننفى ذلك عنا ‪ ،‬وال نثبت ضـ ـ ـ ـ ـ ــدا هو عجز أو جـ ـ ـ ـ ـ ــور واحلى منا ومن غرينا اذا مل يكن‬
‫عاملا كان موصوفا بضد العلم ‪ ،‬وأيضا فقد ال يكون االنسان عادال وال يكــون جــائزا جبور‬
‫من جنس العدل فليس جيب بنفى العدل ضد هو جــور كما وجب ىف الكالم واإلرادة ألن‬
‫االنســان قد يكــون عــادال بــالكون ىف املكــان اذا أمــره اهلل تعــاىل أن يكــون فيه ‪ ،‬ويكــون ىف‬
‫وقت آخر جائزا بالكون فيه اذا هناه اهلل تعاىل عن الكون‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬من املمكن أن نس ـ ــلم مع املؤلف أن اهلل ال جيب عليه ش ـ ــيء من خ ـ ــارج نفسه ألنه احلاكم األعلى ‪ ،‬ولكن‬
‫أليس جيب له ما هو أليق بكماله وهو منتهى اجلود والفضل الّـ ـ ـ ـ ـ ــذي يتحقق خيلقه أزال‪ .‬اللهم اال اذا قلنا أنه قد‬
‫يكون من اخلري للخلق أن ال يكون خلقهم منذ األزل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬جائزا‪.‬‬
‫ـ ‪ 43‬ـ‬

‫فيه ‪ ،‬فيكون العدل من جنس (‪ )1‬اجلور ‪ ،‬ألن الكون ىف املكان من جنس الكون فيه‪.‬‬
‫فــان قــال ‪ :‬ما أنكــرمت اذا مل يكن البــارى تعــاىل حمركا ىف أزله أن يكــون مســكنا‪ .‬قيل‬
‫له ‪ :‬ال خيلو قولك ‪« ...‬اذا مل يكن حمركا أن يكـ ـ ـ ــون مسـ ـ ـ ــكنا» (أن) (‪ )2‬تعىن اذا كـ ـ ـ ــان مل‬
‫يــزل غري حمرك لنفسه أن يكــون مســكنا هلا ‪ ،‬أو تعىن اذا مل يكن حمركا جلسم كــان مســكنا‬
‫له‪ .‬فان عنيت ان مل حيرك نفسه كان مسكنا هلا فهذا خطأ ‪ ،‬ألن يستحيل أن حيرك نفسه‪.‬‬
‫وحنن مل نقل اذا مل يتكلم من يســتحيل كالمه كــان موصــوفا بضد الكالم وان عــنيت اذا مل‬
‫يكن حمركا فيما مل يــزل جلسم كــان مســكنا له فليس مع اهلل تعــاىل ىف قدمه أجســام فيجب‬
‫اذا مل حيركها أن يسـ ــكنها ‪ ،‬وما مل يكن موج ـ ــودا يسـ ــتحيل حتركه ‪ ،‬فليس اذا مل حيرك ما‬
‫يستحيل حركته وجب أن يسكنه‪.‬‬

‫مسألة‬
‫فان قال ‪ :‬القادر منا على الكالم ىف حــال قدرته عليه قد خال من الكالم وأضــداده‪.‬‬
‫فه ـ ــذا (‪ )3‬ضـ ـ ــرب من اخلالف ؛ ألن القـ ـ ــادر منا على الكالم ىف ح ـ ــال قدرته عليه متكلم ال‬
‫حمالة ‪،‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬من املمكن أن نسـ ـ ــلم هبذا إذا سـ ـ ــلمنا مع املؤلف أن احلسن والقبح ىف األشـ ـ ــياء راجع للشـ ـ ــرع ال ذاتى ىف‬
‫الش ــيء ‪ ،‬أما على رأى من ي ــرى أهنما ذاتي ــان ىف األش ــياء فال ميكن أن نس ــلم أن الع ــدل واجلور يش ــملهما جنس‬
‫واجد قريب‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )3‬يزيد م قيل هذا قوله ‪( :‬قيل له) وال لزوم هلا فان األسلوب العرىب حيتمل هذا احلذف‪.‬‬
‫ـ ‪ 44‬ـ‬

‫وسـندل على ذلك بعد هــذا املوضع من كتابنا (‪ .)1‬على أنا نقــول له ‪ :‬ما أنكــرت أن يكــون‬
‫الق ـ ــادر على العلم قد خال من العلم وأض ـ ــداده‪ .‬ف ـ ــان ق ـ ــال ‪ :‬الق ـ ــادر على العلم قد خال من‬
‫العلم وأض ـ ــداده (‪ )2‬الل ـ ــذين يق ـ ــدر عليهما وال خيلو من علم آخر أو ض ـ ــده قيل له ‪ :‬فقل أن‬
‫القادر على الكالم وضده خيلو (‪ )3‬منهما وال خيلو من كالم آخر أو ضده ال يقدر عليهما‪.‬‬
‫ودليل آخر على أن اهلل تع ــاىل مل ي ــزل متكلما أن الكالم ال خيلو أن يك ــون ق ــدميا أو‬
‫حـ ـ ـ ـ ــديثا (‪ .)4‬فـ ـ ـ ـ ــان كـ ـ ـ ـ ــان حمدثا مل خيل أن حيدثه ىف نفسه أو قائما بنفسه (‪ )5‬أو ىف غـ ـ ـ ـ ــريه ‪،‬‬
‫فيسـ ــتحيل أن حيدثه ىف نفسه ألن ليس مبحل للحـ ــوادث ‪ ،‬ويسـ ــتحيل أن حيدثه قائما بنفسه‬
‫ألنه ص ــفة والص ــفة ال تق ــوم بنفس ــها ويس ــتحيل أن حيدثه ىف غ ــريه ‪ ،‬ألنه لو أحدثه ىف غ ــريه‬
‫لوجب أن نشق (‪ )6‬لذلك اجلسم الّذي فيه الكالم من أخص أوصاف‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬سـ ـ ــوف حياول املؤلف ىف بـ ـ ــاب االسـ ـ ــتطاعة أن يثبت أن الواحد منا ال يقـ ـ ــدر على كسب الشى اال وقت‬
‫صدوره عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ ،‬ل ‪« :‬وأض ــداده» وقد غريها م اىل قوله ‪« :‬وض ــده» ولعل ذلك أوىل ب ــدليل ق ــول املؤلف بعد ذلك ‪:‬‬
‫«اللذين يقدر عليهما»‪.‬‬
‫(‪ )3‬يزيد م ‪« :‬قد» قبلها وال لزوم هلا بل قد تفسد املعىن اذا مل تفهم على أهنا للتحقيق‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬حديثا‪ .‬ولعل األوىل حادثا أو حمدثا‪.‬‬
‫(‪ )5‬الضمري ىف قوله (نفسه) يعود اىل اهلل تعاىل ‪ ،‬والضمري ىف قوله (بنفسه) يعود اىل الكالم‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب وتبعه ل «نشق» واختار م أن يغريها اىل «يشتق»‬
‫ـ ‪ 45‬ـ‬

‫الكالم الالزم له لنفسه امسا ‪ ،‬وللجملة (‪ )1‬الىت احملل منها امساء فـ ـ ــان كـ ـ ــان أخص أوصـ ـ ــاف‬
‫الكالم أنه كالم وجب أن يك ـ ــون ذلك اجلسم متكلما ‪ ،‬وان ك ـ ــان أخص أوص ـ ــافه أنه أمر‬
‫وجب أن يكـ ــون ذلك اجلسم آمـ ــرا ‪ ،‬وكـ ــذلك ان كـ ــان أخص أوصـ ــافه أنه هنى وجب أن‬
‫يكــون ذلك اجلسم ناهيـا‪ .‬فلما اسـتحال أن يتكلم بكالم اهلل غـريه ويـأمر بـأمره غـريه وينهى‬
‫بنهيه غريه ‪ ،‬استحال أن حيدث كالما ىف غريه فيكون به (‪ )2‬متكلما ‪ ،‬واذا فسدت الوجوه‬
‫الىت ال خيلو الكالم منها لو كان حمدثا صح أنه قدمي وأن اهلل تعاىل مل يزل به متكلما‪.‬‬
‫فـ ـ ــان قـ ـ ــال ‪ :‬أفليس (‪ )3‬قد حيدث اهلل تعـ ـ ــاىل ىف غـ ـ ــريه فعال وتفضال ونعمة واحس ـ ــانا‬
‫ورزقا فيكون فاعال منفضال منعما حمسنا رازقا فما أنكــرمت أن حيدث ىف غــريه كالما يكــون‬
‫به متكلما؟ قيل له ‪ :‬لو لزم هذا لزم أن يعلم ويقدر بعلم وقدرة حيدثهما‬
‫__________________‬
‫ألن املؤلف قد اسـ ــتعمل هـ ــذا الفعل فيما بعد كما غري «لـ ــذلك» اىل «ذاك» وجعلها فـ ــاعال لقوله «نشـ ــق» بعد‬
‫تغيريها اىل «يشـ ـ ـ ـ ــتق» وراى أن األصل وهو «نشق لـ ـ ـ ـ ــذلك» صـ ـ ـ ـ ــحيح بل الزم لصـ ـ ـ ـ ــحة املعىن ألنه ليس من‬
‫الضرورى أن يشتق اجلسم لنفسه ذلك الوصف فقد يكون مجادا بل الالزم علينا حنن أن ننعته بذلك الوصف‪.‬‬
‫(‪ )1‬ىف األصل ‪« :‬وللجملــة» وراىي أهنا «أو للجملــة» أى جممــوع الكالم واجلسم الّــذي يقــوم ‪ ،‬فيكــون املشــتق‬
‫امسا واحدا ال امسني كما فهم م‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬فليس‪.‬‬
‫ـ ‪ 46‬ـ‬

‫ىف غـريه كما يتفضل وينعم وحيسن فيما حيدثه ىف غـريه تفضال ونعمة واحسـانا ورزقـا‪ .‬فـان‬
‫مل يلــزم هــذا مل يلــزم ما قلتمــوه (‪ .)1‬وأيضا فــان اهلل تعــاىل اذا أحــدث ىف غــريه تفضال ونعمة‬
‫وفعال واحســانا ورزقا كــان ذلك اجلسم موصــوفا بــأخص أوصــاف الفعل والتفضل والــرزق‬
‫والنعمة واالحســان ‪ ،‬ألنه ان كــان التفضل والنعمة واالحســان والفعل قــوة ال بد أن يكــون‬
‫ذلك اجلسم قوي ــا‪ .‬وك ــذلك ان ك ــان علما أو حي ــاة أو إرادة أو مسعا أو بص ــرا ‪ ،‬فيجب اذا‬
‫أحــدث كالما ىف غــريه أن يشــتق كــذلك العني (‪ )2‬من أخص أوصــاف الكالم ‪ ،‬فلما مل جيز‬
‫ذلك بطل أن يكـ ـ ــون الكالم مقياسا على ما قلتم من أن اهلل تعـ ـ ــاىل حيدث كالما ىف غـ ـ ــريه‬
‫كما حيدث فعله وتفضله ونعمه واحسانه ىف غريه‪.‬‬
‫ف ــان ق ــالوا ‪ :‬أفليس (‪ )3‬قد حيدث اهلل تع ــاىل كتابة ىف غ ــريه وال يك ــون الش ــيء الّ ــذي‬
‫قامت به الكتابة كاتبا؟ قيل هلم ان أحدث اهلل تعاىل ىف غريه كتابة ضرورة كان ذلك الغري‬
‫(‪ )4‬كاتبا باضطرار‪ .‬وكذلك ان كانت الكتابة كسبا كان ذلك الغري‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬لعل األوىل أن يقول ‪« :‬مل يلزم ما قاله» ألن املؤلف قد قال ىف يده االعرتاض ‪ :‬فان قال ‪ ..‬اخل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ك ــذا ىف األصل ب وقد غريها م اىل قوله «الغ ــري» مع أن املعىن يتطلب ‪« :‬العني» وال يس ــتقيم مع «الغ ــري»‬
‫ألن املقصود بالعني هنا املثل والنظري‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬فليس‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬للغري‪.‬‬
‫ـ ‪ 47‬ـ‬

‫كاتبا باكتســاب‪ .‬فيجب اذا أحــدث اهلل تعــاىل كالمه ىف غــريه أن يكــون ذلك الغري متكلما‬
‫(‪)1‬‬
‫بكالم اهلل‬
‫وهذا الدليل على قدم الكالم هو الدليل على قــدم اإلرادة هلل تعــاىل ‪ ،‬ألهنا لو كــانت‬
‫حمدثة لك ــانت ال ختلو من أن يك ــون حيدثها (‪ )2‬ىف نفسه ‪ ،‬أو ىف غ ــريه ‪ ،‬أو قائمة بنفس ــها ‪،‬‬
‫فيستحيل أن حيدثها (ىف نفسه ‪ ،‬ألنه ليس مبحل للحوادث‪ .‬ويســتحيل أن حيدثها) (‪ )3‬قائمة‬
‫بنفسها ‪ ،‬ألهنا صفة والصـفة ال تقـوم بنفسـها ‪ ،‬كما ال جيوز أن حيدث علما وقـدرة قـائمني‬
‫بأنفسـ ــهما‪ .‬ويسـ ــتحيل أن حيدثها ىف غري ‪ ،‬ألن ه ـ ــذا ي ـ ــوجب أن يك ـ ــون ذلك الغري مريـ ــدا‬
‫بــإرادة اهلل تعــاىل ‪ ،‬فلما اســتحالت هــذه الوجــوه الىت ال ختلو اإلرادة منها لو كــانت حمدثة ‪،‬‬
‫صح أهنا قدمية ‪ ،‬وأن اهلل مل يزل مريدا هبا‪.‬‬
‫***‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬للخصم أن يقـ ـ ــول ‪ :‬وال اسـ ـ ــتحالة ىف ذلك ألن املقصـ ـ ــود بكالم اهلل ىف رأيه ما خيلفه اهلل مباشـ ـ ــرة من غري‬
‫توسط ملك أو انسان‪ .‬أما كالمه حقيقة املشابه لكالمنا حقيقة فال يعرتف ‪ :‬بوجوده بل حيكم باستحالته‪.‬‬
‫(‪ )2‬يزيد م بعدها (اهلل) وال ضرورة لذلك ألن الفاعل ضمري يعود اىل اهلل املذكور قبل هذا‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب ‪ :‬ما بني قوسني قد تركه الناسخ‪.‬‬
‫ـ ‪ 48‬ـ‬

‫(‪)3‬‬

‫باب الكالم فى اإلرادة وانها تعم سائر المحدثات‬


‫ف ــان ق ــال قائل ‪ :‬مل قلتم ان اهلل تع ــاىل مريد لكل ش ــيء جيوز أن ي ــراد؟ قيل له ‪ :‬ألن‬
‫اإلرادة اذا كــانت من صــفات الــذات بالداللة الىت ذكرناها وجب (‪ )1‬أن تكــون (‪ )2‬عامة ىف‬
‫كل ما جيوز أن يـ ـ ــراد على حقيقته كما اذا كـ ـ ــان العلم من صـ ـ ــفات الـ ـ ــذات وجب عمومه‬
‫لكل ما جيوز أن يعلم على حقيقته (‪ .)3‬وأيضا فقد دلت الداللة على أن اهلل تعـ ـ ـ ـ ــاىل خـ ـ ـ ـ ــالق‬
‫(‬
‫ال لِما يُ ِري ُد)‬ ‫كل شيء حادث وال جيوز) (‪ )4‬أن خيلق ما ال يريده‪ .‬وقد قال اهلل تعــاىل ( َف َّع ٌ‬
‫‪ .)5‬وأيضا فانه ال جيوز أن يكـ ـ ــون ىف سـ ـ ــلطان اهلل تعـ ـ ــاىل ما ال يريـ ـ ــده ؛ ألنه لو كـ ـ ــان ىف‬
‫ســلطان اهلل تعــاىل ما ال يريــده لــوجب (‪ )6‬أحد أمــرين ‪ :‬اما اثبــات ســهو وغفلة ‪ ،‬أو اثبــات‬
‫ضعف وعجز ووهن وتقصري عن بلوغ ما يريــده‪ .‬فلما مل جيز ذلك على اهلل تعــاىل اسـتحال‬
‫(أن) (‪ )7‬يكون ىف سلطانه ما ال يريده‪ .‬فان قال ‪:‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬مل يذكر املؤلف وجه الوجوب ىف ذلك‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ :‬يكون‪.‬‬
‫(‪ )3‬غريها م اىل «حقيقـ ـ ــة»ـ من غري موجـ ـ ــود وان كـ ـ ــان قد نبه ىف اهلامش اىل أن «حقيقتـ ـ ــه»ـ ىف املوضـ ـ ــعني قد‬
‫تكون أوىل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل «ال» بغري واو‪.‬‬
‫(‪ )5‬س ‪ 85‬اآلية ‪.16‬‬
‫(‪ )6‬ب نقلها الناسخ ‪ :‬وجب‪.‬‬
‫(‪ )7‬النون ليست ىف األصل‪.‬‬
‫ـ ‪ 49‬ـ‬

‫ومل زعمتم ذلـ ــك؟ قيل له ‪ :‬زعمنا ذلك ألن املراد اذا وقع مل يلحق من وقع م ــراده ض ــعف‬
‫وال تقصري عن بلـ ــوغ ما يريـ ــده بوقع (‪ )1‬املراد فـ ــوجب (‪ )2‬أن يلحقه الضـ ــعف والتقصري عن‬
‫بلــوغ ما يريــده اذا مل يقع مــراده أال تــرى أن من وقع ما يعلمه مل يلحقه جهل وال ضد من‬
‫أضـ ـ ــداد العلم بـ ـ ــذلك الشـ ـ ــيء اذا وقع وهو يعلمه ‪ ،‬فـ ـ ــدل ذلك على أنه اذا مل يقع وهو ال‬
‫يعلمه وجب جهله أو وصفه بضد من أضداد العلم‪ .‬وكذلك اذا كان (‪ )3‬ما يريــده مل جيب‬
‫ســهوه وال ضــعفهـ وال وهنه وال تقصــريه عن بلــوغ ما يريــده ‪ ،‬واذا كــان ما ال يريــده وجب‬
‫سهوه أو ضعفهـ ووهنه وتقصريه عن بلوغ ما يريد‪.‬‬
‫وأيضا اذا كــان ىف كــون ما ال يريــده من أفعاله الىت اجتمعنا على أهنا أفعاله وجــوب‬
‫(‪ )4‬الســهو والغفلة والــوهن والتقصري عن بلــوغ ما يريــده ‪ ،‬فكــذلك (‪ )5‬يلــزم ىف كــون ما ال‬
‫يريــده من غــريه (‪ )6‬ما يلــزم ىف كــون ما ال يريــده مما اتفقنا على أنه من أفعالــه‪ .‬أال تــرى أنه‬
‫اذا لزم من زعم أنه يكون من أفعال اهلل ما ال يعلم أن يصفه (‪ )7‬باجلهل أو بضد من أضداد‬
‫العلوم لزم مثل ذلك‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬تعليل لقوله «مل يلحق»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬فيجب‪.‬‬
‫(‪« )3‬كان» تامة أى اذا وجد‪.‬‬
‫(‪ )4‬كلمة «وجوب» اسم لكان‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب ‪ ،‬ل ‪ ،‬م «وكذلك» واملقام هنا للفاء ألنه جواب اذا‪.‬‬
‫(‪ )6‬فاعل لقوله «يلزم»‪.‬‬
‫(‪ )7‬أن وما دخلت عليه ىف تأويل مصدر فاعل لقوله «لزم»‪.‬‬
‫(‪ 4‬ـ كتاب اللمع)‬
‫ـ ‪ 50‬ـ‬

‫من زعم أنه يكــون من غــريه ما ال يعلمه (‪ )1‬وكــذلك اذا لــزم من زعم أن هلل خيرب أنه يكــون‬
‫(‪ )2‬من فعله ما ال يكــون التكــذيب (‪ )3‬هلل ‪ ،‬لــزم من زعم أن اهلل تعــاىل خيرب أنه (‪ )4‬يكــون من‬
‫غ ــريه ما ال يك ــون التك ــذيب ‪ ،‬ال ف ــرق ىف ذلك بني ما اتفقنا على أنه فعله وبني ما يك ــون‬
‫من غــريه‪ .‬وكــذلك اذا لــزم ىف كــون ما ال يريــده البــارى تعــاىل من فعله ضــعف وتقصري عن‬
‫بلوغ ما يريده ‪ ،‬أو سهو وغفلة ‪ ،‬لزم ذلك ىف كون ما ال يريده من غريه وأيضا فقد دلت‬
‫الداللة على أن كل احملدثات خملوقات هلل تعاىل ‪ ،‬فاذا استحال أن يفعل البــارى تعــاىل ما ال‬
‫يري ــده اســتحال أن يقع من غ ــريه ما ال يريــده ؛ اذ كــان ذلك أمجع أفعــاال هلل تع ــاىل‪ .‬وأيضا‬
‫فلو كان ىف العامل (‪ )5‬ما ال يريــده اهلل تعــاىل لكــان ما يكــره كونه ‪ ،‬ولو كــان ما يكــره كونه‬
‫لكـ ــان ما يـ ــأىب كونه ‪ ،‬وهـ ــذا يـ ــوجب أن املعاصى كـ ــانت شـ ــاء اهلل أم أىب (‪ .)6‬وهـ ــذه ص ــفة‬
‫الضعيف املقهور ‪ ،‬وتعاىل ربنا عن ذلك علوا كبريا‪.‬‬
‫فـ ـ ــان ق ـ ــال قائل ‪ :‬خربونا عن ملك من ملـ ـ ــوك الـ ـ ــدنيا أو مر برجل مقعد زمن أعمى‬
‫(‪)7‬‬
‫فشتمه وامللك ال يريد شتمه ‪ ،‬أتقولون‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬ما ال يعلمـ به‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬لكون‪.‬‬
‫(‪ )3‬فاعل لقوله «لزم»‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أن‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬العلم‪.‬ـ‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ هكذا ‪« :‬شاء اهلل أبا»‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب وتبعه ل «أن تقولون»‪.‬‬
‫ـ ‪ 51‬ـ‬

‫ان امللك يلحقه ىف ذلك ضـ ــعف ووهن وتقصري عن بلـ ــوغ ما يريـ ــده اذا أراد أن ال يشـ ــتمه‬
‫فش ـ ــتمه؟ قيل له ‪ :‬أجل ‪ ،‬ولو يكن ما أراد الـ ـ ــزمن (‪ )1‬من ش ـ ــتمه وكـ ـ ــان ما أراده امللك من‬
‫مدحه اي ــاه ك ــان ذلك أوىل ب ــزوال الضـ ــعف وال ــوهن عنه ‪ ،‬على أن امللك اذا مل يـ ــرد ش ــتم‬
‫األعمى املقعد له فقد كره (‪ )2‬شتمه إياه وأىب ذلك ‪ ،‬وقد كان (‪ )3‬شــتمه ‪ ،‬شــاء ذلك امللك‬
‫أو أباه (‪ )4‬وهذه صفة الضعف والوهن‪.‬‬
‫أيضا ‪ :‬فــان من اذا أراد منا أمــرا كــان واذا مل يــرد كونه مل يكن فهو أوىل (‪ )5‬بصــفة‬
‫االقت ــدار ممن يريد ك ــون ما ال يك ــون وأن ال يك ــون ما يك ــون ورب الع ــاملني ال يوصف اال‬
‫بالوصف الّذي هو أوىل بصفة االقتدار‪ .‬فان قال قائل ‪ :‬من اذا أراد أمرا كــان واذا مل يــرده‬
‫مل يكن ‪ ،‬وامنا يكـ ـ ــون اقتـ ـ ــداره مبن يتبعه ويعينه (‪ )6‬ويكـ ـ ــون ضـ ـ ــعفه لقلة أنصـ ـ ــاره وأتباعه ‪،‬‬
‫ورب العاملني ال يتكثر بأحد‪ .‬يقال هلم (‪ : )7‬فما (‪ )8‬أنكرمت ـ ان كان هذا‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ «الزم»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل «ذكره» وقد ابقاها م كما هى مفسرا هلا بأنذره وعقيدتىـ ‪ :‬أهنا «كره» بدليل ما قبلها‪.‬‬
‫(‪ )3‬كان هنا تامة‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬واباه‪.‬‬
‫(‪ )5‬خرب لقوله قبل ذلك «فان من»‪.‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬ويعتبه‪.‬‬
‫(‪ )7‬لعل األوىل أن يقول «يقال له» ألنه قال ىف صدر الكالم ‪« :‬فان قال قائل»‪.‬‬
‫(‪ )8‬ىف األصل «فا» وقد نقلها الناسخ ىف ل «فان»‪.‬‬
‫ـ ‪ 52‬ـ‬

‫(‬
‫على ما تـدعون ـ أن يكـون من أراد من فعله كـون ما ال يكـون وأن ال يكـون (ما يكـون)‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ )1‬فهو أوىل بص ــفة االقت ــدار ممن يريد ك ــون ما يك ــون وأن ال يك ــون ما ال يك ــون (ألن ــه)‬
‫امنا يصح وصـ ــفه باالقتـ ــدار ألنه ممن يتكـ ــثر يفعله ‪ ،‬وجيب اقتـ ــداره مبن ينصـ ــره وضـ ــعفه مبن‬
‫يقعد عنه‪ .‬ويقال هلم ‪ :‬مل زعمتم أن من أراد منا كون ما يكــون امنا يصح وصــفه باالقتــدار‬
‫ألنه ممن يقــوى بكــثرة من يتبعه ويض ــعف بكــثرة من يقعد عنــه؟ فــان قــالوا ‪ :‬ألن ه ــذا فيما‬
‫بيننا هكذا قيل (هلم) (‪ : )3‬وكذلك امنا يدل الفعل احلكمى على أن من ظهر منه عــامل قــادر‬
‫ألنه ممن يعلم بعلم وينــدر بقــدرة ؛ ألنا كــذلك وجــدنا فيما بيننا من دلت األفعــال احلكمية‬
‫على أنه عـ ــامل قـ ــادر ‪ ،‬فما (‪ )4‬أنكـ ــرمت من أنه واجب على اعتاللكم أن ال تـ ــدل (‪ )5‬األفعـ ــال‬
‫احلكمية على أن البارى تعاىل‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليست ىف األصل ومل يـ ــزد م شـ ــيئا وىف رأىي أنه ال بد من زيـ ــادة شـ ــيء‪ .‬ألن اجلملة املصـ ــدرة «بامنا» واقعة‬
‫موقع التعليل‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬فلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬وضع م حــرف النفى بني قوسني وق ــال إن إبق ــاءه قد يعطى معىن خمالفا ملا أراد املؤلــف‪ .‬وهــذا غري صــحيح‬
‫ف ـ ــان املؤلف يريد أن يق ـ ــول للمعتزلة اذا احتكمنا للمش ـ ــاهدة فيما بيننا أمكن لنا بن ـ ــاء على ه ـ ــذا أن ننكر داللة‬
‫الفعل احلكمىـ على أن اهلل عـامل قـادر ألنكم تنكـرون داللة الفعل احلكمىـ على أن اهلل عـامل بعلم مع أن املشـاهد‬
‫أن الفعل احلكمى اذا مل يدل على علم العامل ال يــدل على كونه عاملا‪ .‬فحيث قد نفيتم الداللة على العلم وجب‬
‫نزوال على حكم «املشاهد» أن تنهوا الداللة على أن اهلل عامل‪.‬‬
‫ـ ‪ 53‬ـ‬

‫قــادر عــامل‪ .‬وكــذلك يعارضــون بــأن األفعــال (‪ )1‬احلكمية تــدل على أن من ظهــرت منه عــامل‬
‫قادر ؛ ألنه ممن له علم وقدرة من أجل أن ذلك فيما بيننا كذلك‪.‬‬
‫فــان قــال قائل ‪ :‬ما أنكــرمت أن ال يلحق البــارى الضــعف والــوهن والتقصري عن بلــوغ‬
‫ما يري ــده ألنه يق ــدر أن يلجئ عب ــاده اىل ما أراد كونه منهم‪ .‬قيل له ‪ :‬ان الب ــارى تع ــاىل امنا‬
‫أراد كون (‪ )2‬االميان منهم على أصلك ‪ ،‬بــأن يقع ذلك منهم طوعا يســتحقون عليه الثــواب‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬واذا أجلأهم إليه مل يكونــوا عنــدك طــائعني ‪ ،‬وال للثــواب مســتحقني (فكما جيب بكــون‬
‫ما ال يزيــده) الضــعف والــوهن والتقصري عن بلــوغ ما يريــده لو مل يوصف بالقــدرة على أن‬
‫يلجئهم اىل ذلك ‪ ،‬كـ ــذلك (‪ )4‬جيب له الضـ ــعف والـ ــوهن والتقصري عن بلـ ــوغ ما يريـ ــده اذا‬
‫أراد كونه على وجه ال يوصف بالقـ ـ ــدرة على وقوعه على ذلك الوج ـ ـ ــه‪ .‬وأيضا فأنه يلـ ـ ــزم‬
‫القدرية ‪ :‬اذا ك ــان من ق ــدر أن ي ــؤمن ق ــدر أن يكفر ‪ ،‬أن ال يك ــون الب ــارى تع ــاىل موص ــوفا‬
‫بالقدرة على األمر الّـذي لو فعله ألصــبحوا مؤمــنني ال حمالة ‪( ،‬ألهنم) يقـدرون عنـدهم على‬
‫أن‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬ألفعاله‪.‬‬
‫(‪ )2‬كلمة «كون» هنا معناها وجود وهى ىف األصل ‪« :‬يكون»‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ هكذا «وكما وجب أن يكون ما ال يريده»‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪« :‬وك ـ ـ ــذلك» وح ـ ـ ــذف ال ـ ـ ــواو واجب ألن الكالم متعلق بقوله قبل ذلك ‪« :‬فكما جيب‬
‫يكون ‪.»...‬‬
‫ـ ‪ 54‬ـ‬

‫يكفروا (‪ )1‬عند نــزول اآليــات امللجئــات كما يقــدرون أن يؤمنــوا قبل ذلك ‪ ،‬ومن قــدر على‬
‫الكفر عند نـ ــزول اآلية مل يـ ــؤمن وقوعه منـ ــه‪ .‬وأيضا فلو كـ ــان يقع من االنسـ ــان ما ال يريد‬
‫البارى سبحانه وال يلحق البـارى بـذلك وهن وال ضـعف ألنه قـادر أن يلجئهم إليه (‪ )2‬جلاز‬
‫أن يقع من البــارى ســبحانه من أفعاله ما ال يريــده وال يلحقه ضــعف وتقصري عن بل ــوغ ما‬
‫يري ــده ‪ ،‬ألنه ق ــادر على ايقاعه وتكوينه (‪ )3‬ف ــان مل جيب ه ــذا ول ــزم يك ــون ما ال يري ــده من‬
‫فعله الضعف والوهن ‪ ،‬لزم ذلك ىف فعل عباده‪.‬‬
‫ف ــان ق ــال قائل ‪ :‬ما أنك ــرمت أن يك ــون ك ــون ما ال يري ــده االنس ــان من فعله ي ــوجب‬
‫وقوع ذلك عن (سـهو أو عن ضـعف ووهن) (‪ )4‬وليس يلـزم ذلك ىف كـون ما ال يريـده من‬
‫فعل غ ـ ــريه ف ـ ــوجب مثل ذلك ىف الق ـ ــدمي أيضا قيل له ‪ :‬ليس األمر كما ظننت ‪ ،‬بل القصة‬
‫فيما يكـ ــون من االنسـ ــان ومن غـ ــريه واحـ ــدة ‪ ،‬وذلك أن االنسـ ــان اذا كـ ــان من فعله ما ال‬
‫يريده فأما أن يكون ذلك عن سهو أو عن ضعف ووهن أو (‪ )5‬تقصري عن بلوغ‬
‫__________________‬
‫(‪« )1‬أن ال يكف ــروا» ىف األصل وال شك ىف زي ــادة ح ــرف النفى ب ــدليل قوله تعد ذلك «ومن ق ــدر على الكفر‬
‫‪ ...‬إخل»‪.‬‬
‫(‪ )2‬أى اىل ما يريده ‪ ،‬وهو مفهوم من السياق‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬تلوينه‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ هكذا ‪« ..‬عن ضعف أو سهو أو وهن»‪.‬‬
‫(‪ )5‬كـذا ىف ب ‪ ،‬ل ‪ ،‬م ولعل األوىل أن نقــول ‪« :‬وتقصـري» أو نقــول أن «أو» هنا مبعىن الـواو ألن الالزم أحد‬
‫أمرين فقط ىف رأى املؤلف ومها اما الغفلة أو الضعف كما يبدو ذلك واضحا ىف كالمه‪.‬‬
‫ـ ‪ 55‬ـ‬

‫ما يري ــده وك ــذلك الق ــول فيما يك ــون من غ ــريه ألنه ان مل يكن ذلك عن س ــهو واجب أن‬
‫يكـ ــون عن ضـ ــعف وتقصري عن بلـ ــوغ ما يريـ ــده ‪ ،‬وذلك أن العلة الىت هلا لـ ــزم االنسـ ــان اذ‬
‫(‬
‫كان عاملا مبا وقع منه وهو غري مريد له الضعف (‪ )1‬والتقصري عن بلوغ ما يريده أن مراده‬
‫‪ )2‬مل يقع وأنه مل يرده (‪ ، )3‬ألنه لو كان (‪ )4‬ما يريده مل يلحقه ضعف وال وهن فـاذا مل يقع‬
‫فامنا حلقه الــوهن والتقصري عن بلــوغ ما يريــده من أجل أنه وقع منه وهو عــامل به غري مريد‬
‫له واذا كـ ـ ـ ــانت العلة ما ذكرنا وجب أيضا مثل ذلك فيما يقع من غـ ـ ـ ــريه وهو ال يريـ ـ ـ ــده ‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ألنه اذا كــانت العلة الىت هلا وجب أن يوصف االنســان بضد العلم ىف وقــوع ما يقع منه‬
‫(‪)7‬‬
‫أنه وقع منه وهو ال يعلمه ‪ ،‬فكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذلك (‪ )6‬قصة ما يقع من غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريه وهو ال يعلمه ‪ ،‬اذا‬
‫كـانت العلة ىف ذلك واحـدة‪ .‬وكـذلك القـول ىف اإلرادة (وأيضا فأنـه) (‪ )8‬اذا كـان من غـريه‬
‫ما ال يريده فقد كرهه (‪ )9‬كونه فقد أباه وهذا‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬فاعل لقوله «لزم» وكلمة «االنسان» قبلها مفعول‪.‬‬
‫(‪ )2‬خرب لقوله ‪« :‬أن العلة ‪.»...‬‬
‫(‪ )3‬أى ما وقع منه وهو مفهوم من السياق‪.‬‬
‫(‪« )4‬كان» هنا تاما مبعىن وجد‪.‬‬
‫(‪ )5‬خرب لقوله ‪« :‬كانت»‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب وتبعه ل ‪ :‬وكذلك وتبعهما م واملقام للفاء هنا ألنه جواب اذا‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب وتبعه ل ‪ :‬اذا‪.‬‬
‫(‪ )8‬ل ‪ :‬نقل الناسخ ما بني قوسني هكذا «فايضا»‪.‬‬
‫(‪ )9‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أكره‪.‬‬
‫ـ ‪ 56‬ـ‬

‫يوجب أن الشيء كان شاء أم أىب (‪ )1‬وهذه (‪ )2‬صفة الضعف والوهن‪.‬‬


‫فـ ــان قـ ــالوا ‪ :‬ما أنكـ ــرمت من أن الّـ ــذي جيب ىف كـ ــون ما ال يريـ ــده البـ ــارى تعـ ــاىل من‬
‫عبـ ـ ـ ــاده أن يكـ ـ ـ ــون كارها لـ ـ ـ ــذلك فقط وال جيب ىف ذلك ضـ ـ ـ ــعف وال وهن قيل هلم (‪ )3‬بل‬
‫وقــوع ذلك منه هو كــاره له يــوجب الضــعف والــوهن ال حمالــة‪ .‬ألنه اذا كــان ما كــره كونه‬
‫‪ ،‬ك ــان ما أىب كونه واذا ك ــان ما أىب فقد ك ــان الش ــيء ‪ ،‬ش ــاء أم أب ــاه‪ .‬وه ــذا ي ــوجب أن‬
‫الش ــيء ك ــان ‪ ،‬ش ــاء اهلل تع ــاىل ذلك أم أب ــاه ‪ ،‬وه ــذه ص ــفة الض ــعف (‪ )4‬وأيضا ف ــان املعتزلة‬
‫رجالن ‪ :‬أحـ ــدمها يقـ ــول ‪ :‬ان إرادة اهلل تعـ ــاىل ىف أفعـ ــال عبـ ــاده األمر هبا‪ .‬واآلخر يقـ ــول ‪:‬‬
‫ارادته ىف أفعـ ـ ـ ـ ـ ــال عبـ ـ ـ ـ ـ ــاده خلف (‪ )5‬غري األمر هبا فمن ذهب اىل أهنا األمر لزمه اذا مل يكن‬
‫الب ــارى آمر بأفع ــال األطف ــال واجملانني أن يك ــون كارها هلا ‪ ،‬اذ (‪ )6‬ك ــان جيب بنفى اإلرادة‬
‫ألفعال العباد الكراهة هلا (‪ )7‬واهلل ال يكره‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬أبا‪.‬‬
‫(‪ )2‬غريها م اىل «وهذا»‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬له‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل نقلها الناسخ ‪ :‬ضعف وقد غري م «هذه» ىف األصل أيضا اىل «هذا»‪.‬‬
‫(‪ )5‬أى مغاير لألمر هبا‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬اذا واملقام الذ‪.‬‬
‫(‪ )7‬من يقـ ـ ـ ــول أن اإلرادة مبعىن األمر ال يقـ ـ ـ ــول ان نقيضـ ـ ـ ــها هو ‪ :‬الكراهة وعلى ذلك فال جيب بنفى اإلرادة‬
‫ثبوت الكراهة‪.‬‬
‫ـ ‪ 57‬ـ‬

‫اال معص ـ ـ ــية ‪ ،‬كما ال ينهى اال عن معص ـ ـ ــية واذا مل يكن ه ـ ـ ــذا عن ـ ـ ــدهم هك ـ ـ ــذا أبطل (‪ )1‬ما‬
‫قــالوه‪ .‬وأيضا فــاذا كــان يلــزم فيما جــاز األمر به اذا مل يــأمر به أن يكــون له كارها لــزم من‬
‫كــان ىف عصر الرس ــول صلى‌هللا‌عليه‌وسلم وجــاز عن ــده أن يــنزل النهى عن املبــاح الّــذي‬
‫ليس بطاعة أن يكــون اذا مل يــرد من اهلل تعــاىل األمر به قد (‪ )2‬كــره ‪ ،‬وهــذا يــوجب أن كل‬
‫مباح معصية‬
‫ومن ذهب اىل القول الثاىن ـ وهو قول اجلبائى ـ ان إرادة اهلل تعاىل ألفعال عبــاده هى‬
‫غري األمر هبا (‪ )3‬يقال له ‪ :‬اذا كان جيب بنفى االدارة ألفعـال عبـاده الكراهة فحـدثنا (‪ )4‬هل‬
‫أراد (‪ )5‬اهلل كــون األفعــال الىت ليست مبعــاص وال طاعــات فــان قــال ‪ :‬نعم‪ .‬قيل له ‪ :‬يلزمك‬
‫أن تكون طاعة ‪ ،‬ألن الطاعة عنــدك امنا كــان طاعة للمطــاع (ألنه أرادهـا) (‪ )6‬فـان قـال ‪ :‬مل‬
‫يردها‪ .‬قيل له ‪ :‬فيلزمك أنه كاره لكوهنا ‪ ،‬وهذا يوجب أن تكــون معصــية ‪ ،‬ألن ما كرهه‬
‫اهلل ســبحانه فهو معصــية ‪ ،‬كما أن ما هنى عنه فهو معصــية عنــدكم‪ .‬ويقــال هلم ‪ :‬اذا كــان‬
‫نفى اإلرادة‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬انظل‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬فقد ‪ ،‬ولعل الصــواب حــذف الفــاء ألن قوله ‪« :‬فقد كــره» خرب لقوله ‪« :‬أن يكــون اذا‬
‫مل يرد ‪ »..‬السابقة عليها‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬به‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬فحل لنا‪.‬‬
‫(‪ )5‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أراده‪.‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬ألهنا مرادة‪.‬‬
‫ـ ‪ 58‬ـ‬

‫يوجب اثبات كراهة فيلزمكم اذا كان (اهلل تعاىل مل يزل) (‪ )1‬غري مريد لشيء بتة أن يكون‬
‫مل يزل كارها ‪ ،‬اذا كان نفى اإلرادة يوجب اثبات الكراهة‪.‬‬

‫مسألة‬
‫ويق ــال للمعتزلة ‪ :‬مل زعمتم أنه ال يريد الس ــفه اال س ــفيه (‪)2‬؟ ف ــان ق ــالوا ‪ :‬ألن مريد‬
‫السفه منا سفيه‪ .‬يقال هلم ‪ :‬فكذلك من أراد منا ما يعلم أنه ال يكون ‪ ،‬أو يغلب عنــده أنه‬
‫ال يكـون ‪ ،‬فهو متمن فاقضـوا بـذلك على اهلل تعـاىل اذ (‪ )3‬زعمتم أنه أراد أن يكـون ما علم‬
‫أنه ال يك ـ ــون‪ .‬ويق ـ ــال هلم وك ـ ــذلك (‪ )4‬أيضا من خلى (‪ )5‬بني عبيـ ــده وإمائه ي ـ ــزىن بعض ـ ــهم‬
‫ببعض وهو يـ ـ ـ ـ ـ ــراهم وهو ال يعجز (‪ )6‬عن التفريق بينهم مع كراهته الزنا على أصـ ـ ـ ـ ـ ــولكم ‪،‬‬
‫وقد هناهم قبل ذلك عن الزنا فهو سفيه ‪ ،‬فاقضوا بذلك على اهلل تعاىل واال كنتم مناقضني‬
‫(‪ )7‬فــان قــالوا ‪ :‬لو جــاز أن يريد الســفه من ليس بســفيه جلاز (‪ )8‬أن يقــول الكــذب من ليس‬
‫بكاذب يقال هلم ‪ :‬ما الفرق بينكم‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ هكذا ‪« :‬اهلل تعاىل يوجب مل يزل»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬السفيه‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬اذا‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬لذلك‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬خال‪.‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬يعز‪.‬‬
‫(‪ )7‬كــذا ىف ب ‪ ،‬ل وهى هبذا حمتاجة اىل تق ــدير املفعــول أى مناقضني أنفس ــكم‪ .‬أو أصــولكم وقد غريها م اىل‬
‫متناقضني‪.‬‬
‫(‪ )8‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬وجلاز‪.‬‬
‫ـ ‪ 59‬ـ‬

‫وبني من قـ ــال ولو جـ ــاز أن يريد ما علم أنه ال يكـ ــون من (‪ )1‬ليس مبتمن وخيلى بني عبيـ ــده‬
‫وإمائه يزىن بعضــهم ببعض مع كراهته الزنا عنــدكم وقدرته على املنع واحليلولة من (‪ )2‬ليس‬
‫بسفيه جلاز أن يقول الكذب من ليس بكاذب ‪ ،‬وهذا ما ال جيدون فيه فرقا‪.‬‬
‫ويقال هلم ‪ :‬كما أن مريد السفه منا سفيه‪ .‬فكذلك مريد الطاعة منا مطيع‪ .‬فاقضــوا‬
‫بذلك على الغائب‪.‬‬
‫ومما يــبني أن اهلل تعــاىل مريد لكل شــيء جيوز أن يــراد ‪ ،‬قــول اهلل تعــاىل ( َوما تَش ا ُؤ َن‬
‫ك‬ ‫شاء اهللُ) فــأخرب أنا النشــاء اال ما شــاء أن نشــاءه وقــال تعــاىل ‪َ ( :‬ول َْو َ‬
‫شاء َربُّ َ‬ ‫إِاَّل أَ ْن يَ َ‬
‫(‪)3‬‬

‫س ُه داها) (‪ )5‬وق ــال‬ ‫ض ُكلُّ ُه ْم َج ِميع اً) (‪ )4‬وق ــال ( َولَ ْو ِش ْئنا آَل َت ْينا ُك َّل َن ْف ٍ‬ ‫آَل َم َن َم ْن فِي اأْل َْر ِ‬
‫ك ما َفعلُ وهُ) (‪ )6‬وقــال ‪( :‬ولَو شاء اهلل ما اقْتََتلُ وا و ِ‬
‫لك َّن اهللَ َي ْف َع ُل ما‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫تعــاىل ‪َ ( :‬ول َْو َ‬
‫شاء َربُّ َ‬
‫يُ ِري ُد) (‪ )7‬فـأخرب أنه لو مل يـرد القتــال مل يكن وأن ما أراد من ذلك فقد فعله فـان قـالوا معىن‬
‫هذا لو شاء اهلل ما اقتتلوا ‪ :‬أى لو شـاء أن مينعهم من القتـال مل يكن يقـال هلم ومل ال محلتم‬
‫(‪ )8‬اآلية‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬فاعل لقوله «يريد»‪.‬‬
‫(‪ )2‬فاعل لقوله «خيلى»‪.‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 10‬اآلية ‪99‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 76‬اآلية ‪30‬‬
‫(‪ )5‬س ‪ 32‬اآلية ‪13‬‬
‫(‪ )6‬س ‪ 6‬اآلية ‪112‬‬
‫(‪ )7‬هذا تعبري للمصنف يكرره ىف أكثر من موضع وال شك ىف فساده عربية واألصح ‪ :‬ومل مل حيملوا‪.‬‬
‫(‪ )8‬س ‪ 2‬اآلية ‪.253‬‬
‫ـ ‪ 60‬ـ‬

‫على ظاهرها وقلتم على أى وجه شاء أن ال يكون القتال مل يكن‪ .‬وكــذلك املطالبة عليهم‬
‫ك آَل َم َن َم ْن فِي اأْل َْر ِ‬
‫ض ُكلُّ ُه ْم َج ِميع اً) فــان قــالوا ‪ :‬لو شــاء‬ ‫ىف قول اهلل تعــاىل ‪َ ( :‬ول َْو َ‬
‫شاء َربُّ َ‬
‫اهلل أن يلجئهم اىل االميان لكـ ــانوا مؤم ـ ــنني قيل هلم ‪ :‬أو ليس ـ ــوا مع االجلاء ق ـ ــادرين على أن‬
‫يكفــروا كما هم قــادرون على أن يؤمنــوا؟ فكيف جيب باالجلاء كــون (‪ )1‬االميان منهم وهم‬
‫قـ ـ ـ ــادرون وأن ال يكـ ـ ـ ــون (‪ )2‬منهم اميان مع االجلاء كما هم قـ ـ ـ ــادرون على االميان مع عـ ـ ــدم‬
‫االجلاء؟‪.‬‬
‫فان قالوا ‪ :‬ليس ىف كون ما ال يريده اجياب ضعف ‪ ،‬كما ليس ىف كــون ما مل يــأمر‬
‫به اجياب ضــعف‪ .‬قيل هلم (‪ : )3‬قد كــانت (‪ )4‬أفعاله عنــدكم ومل يــأمر هبا ومل يلحقه ضــعف‬
‫‪ ،‬ولو ك ـ ــانت وهو ال يري ـ ــدها حلقه الض ـ ــعف ‪ ،‬فك ـ ــذلك ك ـ ــون ما مل ي ـ ــأمر به من غ ـ ــريه ال‬
‫يوجب له ضعفا ‪ ،‬وىف كون ما مل يرده من غــريه (مــا) (‪ )5‬يــدل على الضــعف وأيضا فــان ما‬
‫مل يأمر به وهنى عنه أراد (‪ )6‬وقوعه ‪ ،‬فذلك مل يلحقه الضعف‪.‬‬
‫***‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬فاعل لقوله «جيب» وهو مبعىن وجود‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪« :‬قادرون ال يكون»‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬له‪.‬‬
‫(‪« )4‬كان» هناك تامة مبعىن وجد‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬وأراد وقد أبقاها م كما هى والصواب حذف الواو واال فأين خرب «أن»‪.‬‬
‫ـ ‪ 61‬ـ‬

‫(‪)4‬‬

‫باب الكالم فى الرؤية‬


‫ان قال قائل ‪ :‬مل قلتم ان رؤية اهلل تعاىل باألبصـار جـائزة من بـاب القيـاس؟ قيل له ‪:‬‬
‫قلنا ذلك ألن ما ال جيوز أن يوصف به البـ ــارى تعـ ــاىل ويسـ ــتحيل عليه فامنا (‪ )1‬ال جيوز ألن‬
‫ىف جتويزه اثب ــات حدثه (‪ ، )2‬أو اثب ــات ح ــدث معىن فيه ‪ ،‬أو تش ــبيهه ‪ ،‬أو جتنيسه (‪ ، )3‬أو‬
‫قلبه عن حقيقته ‪ ،‬أو جتويزه (‪ ، )4‬أو تظليمه ‪ ،‬أو تكذيبه‪.‬‬
‫وليس ىف جـ ـ ــواز الرؤية اثبـ ـ ــات حـ ـ ــدث ؛ ألن املرئى مل يكن مرئيا ألنه حمدث ‪ ،‬ولو‬
‫ك ـ ــان مرئيا ل ـ ــذلك لل ـ ــزمهم أن ي ـ ــرى كل حمدث ‪ ،‬وذلك باطل عن ـ ــدهم‪ .‬على أن املرئى لو‬
‫كان مرئيا حلدوثه لكان الرائى حمدثا للمرء ؛ اذ كــان مرئيا حلدوثــه‪ .‬وليس ىف الرؤية اثبــات‬
‫حدوث معىن ىف املرئى ألن األلوان مرئيات وال جيوز حدوث معىن فيها (‪( )5‬واال) (‪ )6‬لكـان‬
‫ذلك املعىن هو الرؤية ‪ ،‬وهـ ــذا يـ ــوجب أنا اذا رأينا امليت فقد حـ ــدثت فيه الرؤية وجـ ــامعت‬
‫الرؤية املوت ‪ ،‬واذا رأينا عني األعمى حدثت ىف عينه رؤية فكانت الرؤية جمامعة للعمى ؛‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ هكذا ‪ :‬فان ما‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬حده‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬جبليسه‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬جتويزه‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬فيه‪.‬‬
‫(‪ )6‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫ـ ‪ 62‬ـ‬

‫فلما مل جيز ذلك بطل ما ق ــالوه‪ .‬وليس ىف اثب ــات الرؤية هلل تع ــاىل تش ــبيه (‪ )1‬الب ــارى تع ــاىل ‪،‬‬
‫وال جتنيسه (‪ )2‬وال قلبه عن حقيقته ؛ ألنا نرى السواد والبياض فال يتجانســان وال يشــتبهان‬
‫بوق ــوع الرؤية عليهما ‪ ،‬وال ينقلب الس ــواد عن حقيقته اىل البي ــاض بوق ــوع الرؤية عليه (‪.)3‬‬
‫وال البي ـ ــاض اىل الس ـ ــواد‪ .‬وليس (‪ )4‬ىف الرؤية جتويره (‪ ، )5‬وال تظليمه ‪ ،‬وال تكذيبه ؛ ألنا‬
‫نــرى اجلائر (‪ )6‬والظــامل والكــاذب ‪ ،‬ونــرى من ليس جبائز (‪ )7‬وال ظــامل وال كــاذب ؛ فلما مل‬
‫يكن ىف اثبـات الرؤية شـيء مما ال جيوز على البـارى مل تكن الرؤية مسـتحيلة ‪ ،‬واذا مل تكن‬
‫مستحيلة كانت جائزة على اهلل‪.‬‬
‫فــان عارضــونا بــأن اللمس والــذوق والشم ليس فيه اثبــات احلدث وال حــدوث معىن‬
‫ىف البـ ـ ــارى تعـ ـ ــاىل‪ .‬قيل هلم (‪ : )8‬قد قـ ـ ــال بعض أصـ ـ ــحابنا ان اللمس ضـ ـ ــرب من ضـ ـ ــروب‬
‫املماس ــات‪ .‬وك ــذلك ال ــذوق وهو اتص ــال اللس ــان والله ــوات باجلسم الّ ــذي له الطعم ‪ ،‬وان‬
‫الشم هو اتصال اخليشوم باملشموم الّذي يكون‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬لسببه‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬حيسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬عليهما‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬وأ ليس‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬جتويزه‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب وتبعه ل ‪ :‬اجلائز‬
‫(‪ )7‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬جبائز‪.‬‬
‫(‪ )8‬ب وتبعه ل ‪ :‬له‪.‬‬
‫ـ ‪ 63‬ـ‬

‫عن ــده االدراك له ‪ ،‬وان املتماسني امنا يتماس ــان حبدوث مماسني فيهما ‪ ،‬وان ىف اثبــات ذلك‬
‫اثب ــات ح ــدوث معىن ىف الب ــارى‪ .‬ومن أص ــحابنا من يق ــول ‪ :‬ال خيلو القائل أن يك ــون أراد‬
‫ب ــذكره ال ــذوق واللمس (الشـ ــم) (‪ )1‬أن حيدث اهلل تع ــاىل له (‪ )2‬ادراكا ىف هـ ــذه اجلوارح من‬
‫غري أن حيدث فيه (‪ )3‬معىن ‪ ،‬أو يك ــون أراد (‪ )4‬ح ــدوث معىن في ــه‪ .‬ف ــان ك ــان أراد ح ــدوث‬
‫معىن فيه فذلك ما ال جيوز ‪ ،‬وان كان أراد حــدوث ادراك (‪ )5‬فينا فــذلك جــائز ‪ ،‬واألمر ىف‬
‫التس ــمية اىل اهلل تعــاىل ان أمرنا أن نســميه ملسا وذوقا ومشا (مسيناه (‪ ، )6‬وان منعنا امتنعنا ‪،‬‬
‫وأما الس ــمع فلم (‪ )7‬خيتلف أص ــحابنا فيه وج ــوزوه مجيعا (‪ ، )8‬وق ــالوا انه ج ــائز أن يس ــمعنا‬
‫البارى تعاىل نفسه متكلما‪.‬‬
‫والدليل على أن اهلل تعاىل يرى باالبصار قوله تعاىل ‪( :‬وجوهٌ يومئِ ٍذ ِ‬
‫ناض َرةٌ إِلى َربِّها‬ ‫ُ ُ َْ َ‬
‫اظرةٌ) (‪ )9‬وال جيوز أن يك ــون معىن قوله ‪( :‬إِلى ربِّها ن ِ‬
‫اظ َرةٌ) معت ــربة كقوله تع ــاىل ‪( :‬أَفَال‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ت) (‪ )10‬ألن اآلخرة ليست بدار‬ ‫ف ُخلِ َق ْ‬
‫َي ْنظُُرو َن إِلَى اإْلِ بِ ِل َك ْي َ‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )2‬أى للذائق أو الشام أو الالمس‪.‬‬
‫(‪ )3‬أى ىف البارى تعاىل‬
‫(‪ )4‬فاعله ضمري يعود على (القائل)‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬ادراكا‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬حذفها الناسخ‬
‫(‪ )7‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬مل‬
‫(‪ )8‬ب وتبعه ل ‪ :‬وجوزوا‪.‬‬
‫(‪ )9‬س ‪ :‬اآليتان ‪.،‬‬
‫(‪ )10‬س ‪ :‬اآلية‪.‬‬
‫ـ ‪ 64‬ـ‬

‫اعتب ـ ــار‪ .‬وال جيوز أن يعىن متعطفة رامحة كما قـ ــال ‪َ ( :‬وال َي ْنظُ ُر إِل َْي ِه ْم) (‪ )1‬أى ال يـ ــرمحهم‬
‫وال يتعطف عليهم ؛ ألن البارى ال جيور أن يتعطف عليه‪ .‬وال جيوز أن يعىن منتظــرة ؛ ألن‬
‫النظر اذا قـ ــرن بـ ــذكر الوجـ ــوه مل يكن معنـ ــاه نظر القلب الّـ ــذي هو انتظـ ــار ‪ ،‬كما اذا قـ ــرن‬
‫النظر بــذكر القلب مل يكن معنــاه نظر العني ؛ ألن القائل اذا قــال انظر بقلبك ىف هــذا األمر‬
‫ك ــان معن ــاه نظر القلب ‪ ،‬وك ــذلك اذا ق ــرن النظر بالوجه مل (‪ )2‬يكن معن ــاه اال نظر الوج ــه‪.‬‬
‫والنظر بالوجه هو نظر (‪ )3‬الرؤية الىت تكـ ـ ـ ـ ـ ــون بـ ـ ـ ـ ـ ــالعني الىت ىف الوجه ؛ فصح أن معىن قوله‬
‫(‬
‫ناظ َرةٌ) ‪ :‬رائية ؛ اذ مل جيز أن يعىن شــيئا (‪ )4‬من وجــوه النظر (األخــرى)‬ ‫تعــاىل ‪( :‬إِلى ربِّها ِ‬
‫َ‬
‫‪ .)5‬واذا كـ ـ ـ ــان النظر ال خيلو من وجـ ـ ـ ــوه أربع وفسد منها ثالثة أوجه ‪ ،‬صح الوجه الرابع‬
‫وهو نظر رؤية العني الىت ىف الوجه‪.‬‬
‫فــان قــال قائل ‪ :‬أليس قد قــال اهلل تعــاىل ‪( :‬وج وهٌ يومئِ ٍذ ِ‬
‫باس َرةٌ ‪ ،‬تَظُ ُّن أَ ْن ُي ْف َع َل بِها‬ ‫ُ ُ َْ َ‬
‫ناض َرةٌ ‪ ،‬إِلى‬ ‫ف اقِرةٌ) (‪ )6‬والظن ال يك ــون بالوجه فك ــذلك (‪ )7‬قوله تع ــاىل ‪( :‬وج وهٌ يومئِ ٍذ ِ‬
‫ُ ُ َْ َ‬ ‫َ‬
‫َربِّها‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ :‬اآلية‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬يزيد الناسخ كلمة «هو» قبل قوله مل‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬النظر ‪ ،‬ويصح مع تأويل بعيد‪.‬‬
‫(‪ )4‬أوتبعه ب ‪ :‬شا‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )6‬س اآليتان‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م وكذلك‪.‬‬
‫ـ ‪ 65‬ـ‬

‫ن ِ‬
‫اظ َرةٌ) أراد نظر القلب؟ قيل له ‪ :‬ألن (‪ )1‬الظن ال يك ــون بالوجه وال يك ــون اال ب ــالقلب ‪،‬‬
‫فلما قرن الظن بذكر الوجه كـان معنـاه ظن القلب اذ مل يكن الظن اال به ‪ ،‬فلو كـان النظر‬
‫ال يكــون اال بــالقلب لــوجب اذا ذكــره مع ذكر الوجه أن يرجع به اىل القلب ‪ ،‬فلما كــان‬
‫النظر قد يكـ ــون بالوجه وبغـ ــريه وجب اذا قرنه بـ ــذكر الوجه أن يريد به نظر الوجه ‪ ،‬كما‬
‫أنه اذا قرنه بذكر القلب وجب أن يريد به نظر القلب‪.‬‬

‫مسألة‬
‫صار َو ُه َو يُ ْد ِر ُك اأْل َبْ َ‬
‫صار) (‪)2‬؟ قيل‬ ‫فان قالوا ‪ :‬فما معىن قوله تعاىل ‪( :‬ال تُ ْد ِر ُكهُ اأْل َبْ ُ‬
‫هلم ‪ :‬ىف الدنيا دون اآلخرة (‪ )3‬؛ ألن القـرآن ال يتنـاقض ‪ ،‬فلما قـال ىف آية أخـرى ‪ :‬انه (ال‬
‫تدركه) (‪ )4‬األبصار علمنا أن الوقت الّذي قـال انه ال تدركه األبصــار فيه غري الــوقت الّـذي‬
‫أخربنا أهنا تنظر إليه فيه‪.‬‬
‫(ف ــان) (‪ )5‬ق ــال قائل ‪ :‬ما أنك ــرمت أن يك ــون قوله تع ــاىل ‪( :‬إِلى ربِّها ن ِ‬
‫اظ َرةٌ) ‪ :‬أى اىل‬ ‫َ‬
‫ثـواب رهبا نـاظرة؟ قيل له ‪ :‬ثـواب اهلل تعـاىل غـريه ‪ ،‬وال جيوز أن يعـدل بـالكالم عن احلقيقة‬
‫اىل اجملاز بغري حجة وال داللة‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬يزيد م قبلها قوله ‪( :‬ال) وال ض ــرورة فألن حمط االجابة قوله فيما بعد «ك ــان معن ــاه» بل لعل زيادهتا تضر‬
‫باملعىن‪.‬‬
‫(‪ )2‬س اآلية‪.‬‬
‫(‪ )3‬أو تبعه ب ‪ :‬له‬
‫(‪ )4‬كــذا ىف األصل ولعل الــواجب أن نقــول ‪( :‬تنظر إليــه) بــدال من قوله (ال تدركــه) وميكن ان يقــال أن أســاس‬
‫هذا الباب آية الرؤية السابقة ‪( :‬إِلى ربِّها ِ‬
‫ناظ َرةٌ) وآية مسألتنا أخرى بالنسبة هلا‪.‬‬ ‫َ‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل ومل ينبه م اىل ذلك‪.‬‬
‫ـ ‪ 66‬ـ‬

‫أال ترى أن اهلل تعاىل ملا قال ‪ :‬صلوا ىل واعبدوىن ‪ ،‬مل جيز أن يقــول قائل عىن غــريه‪.‬‬
‫ولو جاز (هذا جلاز) (‪ )1‬لزاعم أن يزعم أن قوله ‪( :‬ال تُ ْد ِر ُكهُ) أراد به أنه (‪ )2‬ال تدرك غــريه‬
‫األبصــار‪ .‬فــان قــال ‪ :‬فــاذا كــان قوله ‪( :‬ال تُ ْد ِر ُك هُ اأْل َبْص ُار) (يعــىن) (‪ )3‬ىف وقت دون وقت‬
‫ْخ ُذهُ ِس نَةٌ َوال َن ْو ٌم) (‪( )4‬يعــىن) (‪ )5‬ىف وقت دون وقت؟‬‫فما أنكــرت أن يكــون قوله ‪( :‬ال تَأ ُ‬
‫قيل له ‪ :‬الفرق بينهما أنه قـال لنا (‪ )6‬ىف آية انه ال تدركه األبصـار ‪ ،‬وقـال ىف آية أخـرى ان‬
‫الوجـ ـ ـ ــوه تنظر إليه ‪ ،‬فاسـ ـ ـ ــتعملنا اآليـ ـ ـ ــتني وقلنا ان املعىن ىف ذلك أهنا تنظر إليه ىف وقت وال‬
‫تدركه ىف وقت ‪ ،‬ومل يقل لنا ىف آية ان السنة والنوم تأخذانه (‪ )7‬وىف آية أخرى ال تأخذانه‬
‫(‪ ، )8‬فيستعمل ىف وقتني‪ .‬وأيضا فان النوم آفة تقوم بالنائم تزيل عنه العلم ‪ ،‬وليست الرؤية‬
‫آفة حتل ىف املرئى (‪ )9‬فيجب منع الرؤية مبثل ما به وجب منع النوم‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ما بني قومني ليس ىف األصل وزيادته ضرورية لتمــام التعبري وكمـال املعىن وقد اقــرتح م إصــالح التعبري على‬
‫حنو آخر أشرنا إليه ىف املقدمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬أهنا‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 2‬اآلية ‪.255‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل أيضا‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب نقلها الناسخ ‪ :‬أيضا‪.‬‬
‫(‪ )7‬كذا ىف األصل والواجب «يأخذانه» على التغليب‪.‬ـ‬
‫(‪ )8‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬تفف‪.‬‬
‫(‪ )9‬ب وتبعه ل ‪ :‬املرئ‪.‬‬
‫ـ ‪ 67‬ـ‬

‫مسألة‬
‫فـ ــان قـ ــالوا ‪ :‬لو جـ ــاز أن يـ ــرى القـ ــدمي سـ ــبحانه وليس كاملرئيـ ــات (‪ )1‬جلاز أن يلمس‬
‫ويـ ـ ـ ـ ـ ــذاق ويشم وليس كاملذوقات وال كامللموسـ ـ ـ ـ ـ ــات وال كاملشـ ـ ـ ـ ـ ــمومات قيل هلم (‪ : )2‬ما‬
‫الفرق بينكم وبني من قال ‪ :‬ولو جـاز أن يكـون القـدمي رائيا (‪ )3‬عاملا قـادرا حيا ال كـالرائني‬
‫(‪ )4‬العلم ـ ــاء الق ـ ــادرين األحي ـ ــاء جلاز أن يك ـ ــون المسا ذائقا ش ـ ــاما ال كالالمسني ال ـ ــذائقني‬
‫الشامني؟ فان (مل) (‪ )5‬جيب هذا فما أنكرمت من أن ال جيب ما قلتموه‪.‬‬

‫مسألة‬
‫فــان قــال قائل ‪ :‬فهل شــاهدمت مرئيا اال جــوهرا أو عرضا حمدودا أو حــاال ىف حمدود؟‬
‫قيل له ‪ :‬ال ‪ ،‬ومل يكن املرئى (‪ )6‬مرئيا ألنه حمدود وال ألنه حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ىف حمدود ‪ ،‬وال ألنه‬
‫جوهر ‪ ،‬وال ألنه عـرض ‪ ،‬فلما مل يكن ذلك كـذلك مل جيب القضـاء بـذلك على الغـائب ‪،‬‬
‫كما جيب اذا مل جند فاعال اال جسما‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬كاملريات‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬له‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬رأسا‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل نقلها الناسخ ‪ :‬الركايني‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب وتبعه ل ‪ :‬املرئ‪.‬‬
‫ـ ‪ 68‬ـ‬

‫وال شـ ــيئا اال جـ ــوهرا أو عرضا (‪ ، )1‬ال عاملا قـ ــادرا حيا اال بعلم وحيـ ــاة وقـ ــدرة حمدثة أن‬
‫يقضى (‪ )2‬بــذلك على الغــائب ؛ اذ مل يكن الفاعل فــاعال ألنه (جســم) (‪ )3‬وال الشــيء شــيئا‬
‫ألنه جوهر أو عرض (‪.)4‬‬
‫***‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أو‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن وما دخلت عليه ىف تأويل مصدر فاعل لقوله «جيب» املصدرة بالنفى‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل ومل ينبه م اىل ذلك‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬جوهرا وال عرضا‪.‬‬
‫ـ ‪ 69‬ـ‬

‫(‪)5‬‬

‫باب الكالم فى القدر‬


‫ان ق ــال قائل ‪ :‬مل زعمتم أن اكس ــاب العب ــاد خملوقة هلل تع ــاىل؟ قيل له قلنا ذلك ألن‬
‫زاء بِما كانُوا َي ْع َملُ و َن) (‪ .)2‬فلما‬
‫اهلل تعاىل قال ‪َ ( :‬واهللُ َخلَ َق ُك ْم َوما َت ْع َملُو َن) وقال ‪َ ( :‬ج ً‬
‫(‪)1‬‬

‫ك ــان اجلزاء واقعا على أعم ــاهلم ك ــان اخلالق ألعم ــاهلم‪ .‬ف ــان ق ــال ‪ :‬أفليس اهلل تع ــاىل ق ــال ‪:‬‬
‫(أََت ْعبُ ُدو َن ما َت ْن ِحتُو َن) (‪ )3‬وعىن األصنام الىت حنتوها ‪ ،‬فما أنكرمت أن يكــون قوله ‪َ ( :‬خلَ َق ُك ْم‬
‫َوما َت ْع َملُو َن) أراد األصنام الىت عملوها؟ قيل له ‪ :‬خطأ ما ظننته ؛ ألن األصنام منحوتة هلم‬
‫ىف احلقيقة فرجع اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل بقوله ‪( :‬أََت ْعبُ ُدو َن ما َت ْن ِحتُ و َن) إليها ‪ ،‬وليست (‪ )4‬اخلشب‬
‫معمولة هلم ىف احلقيقة فريجع بقوله ‪َ ( :‬خلَ َق ُك ْم َوما َت ْع َملُو َن) إليها‪.‬‬
‫ف ما يَ أْفِ ُكو َن) (‪ )7‬ومل يـ ــرد‬
‫فـ ــان قـ ــال قائل ‪ :‬أليس قد قـ ــال اهلل تعـ ــاىل ‪َ( :‬ت ْل َق ُ‬
‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫افكهم ‪ ،‬فما أنكرت أن ال يرجع‬


‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 37‬اآلية ‪96‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 32‬اآلية ‪ 17‬وهى ىف األصل ‪« :‬جزاء مبا كنتم تعملون» وال يوجد ىف القرآن آية كذلك‪.‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 37‬اآلية ‪95‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬وليست‪.‬‬
‫(‪ )5‬ل ‪ :‬حذفها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أفليس‪.‬‬
‫(‪ )7‬س ‪ 26 :‬اآلية ‪45‬‬
‫ـ ‪ 70‬ـ‬

‫بقوله ‪َ ( :‬خلَ َق ُك ْم َوما َت ْع َملُ و َن) اىل أعم ـ ـ ــاهلم؟ قيل له ‪ :‬الّ ـ ـ ــذي ي ـ ـ ــأفكون هو األمثلة (‪ )1‬الىت‬
‫خيل ــوا اىل الن ــاس أهنا حي ــات تس ــعى ‪ ،‬وافكهم ختييلهم (‪ ، )2‬ف ــأراد بقوله ‪( :‬يَ أْفِ ُكو َن) أى‬
‫خييل ــون اىل الن ــاس أهنا تس ــعى ‪ ،‬وافكهم هو ايه ــامهم الش ــيء على خالف ما هو بس ــبيله ‪،‬‬
‫فاألمثلة هى الىت ي ـ ـ ـ ــأفكون وخييل ـ ـ ـ ــون اىل الن ـ ـ ـ ــاس أهنا تس ـ ـ ـ ــعى ىف احلقيقة ‪ ،‬وهى الىت تلقفها‬
‫العصــا‪ .‬وليس جتوز أن يعملــوا اخلشب ىف احلقيقة فلم جيز أن يكــون اهلل تعــاىل أراد بقوله ‪:‬‬
‫( َخلَ َق ُك ْم َوما َت ْع َملُ و َن) (الرج ــوع) (‪ )3‬إليها ووجب أن يرجع اىل األعم ــال كما رجع بقوله‬
‫زاء بِما كانُوا َي ْع َملُو َن) (‪ )4‬اىل األعمال ‪ ،‬فلو جاز لزاعم أن يزعم أن قــول اهلل تعــاىل ‪:‬‬ ‫‪َ ( :‬ج ً‬
‫( َخلَ َق ُك ْم َوما َت ْع َملُو َن) أراد (به) (‪ )5‬غري أعماهلم كما أراد بقوله ‪( :‬ما يَأْفِ ُكو َن) غري افكهم‬
‫زاء بِما كانُوا (‪َ )6‬ي ْع َملُو َن) امنا أراد به غري أعمــاهلم‬
‫‪ ،‬لساغ أن يزعم أن قول اهلل تعاىل ‪َ ( :‬ج ً‬
‫كما أراد بقوله ‪َ ( :‬خلَ َق ُك ْم َوما َت ْع َملُ و َن) غري أعم ـ ــاهلم ‪ ،‬كما أن قوله ‪( :‬ما يَ أْفِ ُكو َن) امنا‬
‫أراد به غري افكهم ‪ ،‬فلما مل جيز هذا مل جيز ما قاله هذا‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬كذا ىف ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ ،‬ولعلها ‪ :‬ألخيله ‪ ،‬وكذا ما بعدها‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬خييلهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ىف األصل ‪« :‬جزاء مبا كنتم ‪ »..‬كما كتب أوال‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )6‬ىف األصل أيضا ‪( :‬بِما ُك ْنتُ ْم)‪.‬‬
‫ـ ‪ 71‬ـ‬

‫والــدليل من القيــاس على خلق أعمــال النــاس ‪ :‬أنا وجــدنا الكفر قبيحا فاســدا بــاطال‬
‫متناقضا خالفا ملن خـ ــالف ‪ ،‬ووج ـ ــدنا االميان حسـ ــنا متعبا مؤملا ‪ ،‬ووجـ ــدنا الكفـ ــار يقصد‬
‫وجيهل نفسه اىل أن يكـ ــون الكفر حسـ ــنا حقا فيكـ ــون خبالف قصـ ــده ‪ ،‬ووجـ ــدنا االميان لو‬
‫شـ ـ ـ ــاء املؤمن أن ال يكـ ـ ـ ــون متعبا مؤملا وال مرمضا مل يكن ذلك كائنا على حسب مشـ ـ ـ ــيئته‬
‫وارادت ـ ـ ـ ـ ــه‪ .‬وقد علمنا أن الفعل ال حيدث على حقيقته اال من حمدث أحدثه عليها ؛ ألنه لو‬
‫جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاز أن حيدث على حقيقته ال من حمدث أحدثه على ما هو عليها جلاز (‪ )1‬أن حيدث‬
‫الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء فعال ال من حمدث أحدثه فعال ‪ ،‬فلما مل جيز ذلك صح أنه مل حيدث على حقيقته‬
‫اال من حمدث أحدثه على ما هو عليه وهو قاصد اىل ذلك ‪ ،‬ألنه لو جـ ـ ـ ـ ـ ــاز حـ ـ ـ ـ ـ ــدوث فعل‬
‫على احلقيقة (‪ )2‬ال من قاصد مل ي ــؤمن أن تك ــون األفع ــال كلها ك ــذلك (‪ )3‬كما أنه لو ج ــاز‬
‫حــدوث فعل ال من فاعل مل يــؤمن أن تكــون األفعــال كلها كــذلك ‪ ،‬واذا كــان هــذا هكــذا‬
‫فقد وجب أن يكون للكفر (‪ )4‬حمدث أحدثه كفرا بــاطال قبيحا وهو قاصد اىل ذلك ‪ ،‬ولن‬
‫(‪ )5‬جيوز أن يكون احملدث له هو‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬يعتمد املؤلف ىف دليله على ه ــذا االس ــتلزام مع أنه غري مس ــلمـ فليس يل ــزم اذا ج ــاز ص ــدور الفعل من فاعل‬
‫جاهل ببعض نواحيه أن جيوز صدور الفعل بدون فاعل اصال ‪ ،‬فان التسوية احلالتني مصادمة للبداهة‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا ىف األصل وقد غريها م اىل «حقيقة»ـ بغري ضرورة‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬بذلك‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬الكفر‪.‬‬
‫(‪ )5‬لعل األوىل أن يقول ‪ :‬ال‪.‬‬
‫ـ ‪ 72‬ـ‬

‫الكــافر الّــذي يريد أن يكــون الكفر حســنا صــوابا حقا فيكــون على خالف ذلــك‪ .‬وكــذلك‬
‫لألميان (‪ )1‬حمدث أحدثه على حقيقته متعبا مؤملا مرمضا غري (‪ )2‬املؤمن الّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي لو جهد أن‬
‫يقع االميان خالف ما وقع من ايالمه واتعابه وارماضهـ مل يكن اىل ذلك سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبيل ‪ ،‬واذا مل‬
‫جيز أن يكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون احملدث للكفر على حقيقته الكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافر ‪ ،‬وال (‪ )3‬احملدث لالميان على حقيقته‬
‫املؤمن ‪ ،‬فقد وجب أن يكـ ـ ــون حمدث ذلك هو اهلل تعـ ـ ــاىل رب العـ ـ ــاملني القاصد اىل ذلك ؛‬
‫ألنه ال جيوز أن يكـ ـ ــون أحـ ـ ــدث ذلك (‪ )4‬جسم من األجس ـ ــام ‪ ،‬ألن األجسـ ـ ــام ال جيوز أن‬
‫تفعل ىف غريها شيئا‪.‬‬
‫فــان قــال قائل ‪ :‬فلم ال دل (‪ )5‬وقــوع الفعل الّــذي هو كسب على أنه ال فاعل له اال‬
‫اهلل ‪ ،‬كما دل على أنه ال خــالق (لــه) (‪ )6‬اال اهلل تعــاىل؟ قيل له ‪ :‬كــذلك نقــول‪ .‬فــان قــال ‪:‬‬
‫فلم ال دل على أنه ال قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادر عليه اال اهلل عزوجل؟ قيل له ‪ :‬ال فاعل له على حقيقته اال‬
‫اهلل تعــاىل وال قــادر عليه أن يكــون على ما هو عليه من حقيقته أن خيرتعه (‪ )7‬اال اهلل تعــاىل‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫فان قال ‪ :‬فلم ال دل كونه كسبا‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬األميان‪.‬‬
‫(‪ )2‬صفة لقوله حمدث‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬اال‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )5‬ىف األصل ‪ :‬فلم ال دل ىف املواضع الثالثة وصحتها فلم مل يدل‪.‬‬
‫(‪ )6‬ليست ىف األصل وزيادهتا أوىل‪.‬‬
‫(‪ )7‬بدل من قوله ‪« ..‬عليه» أى قادر على أن خيرتعه‪.‬‬
‫(‪ )8‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬مكسب‪.‬ـ‬
‫ـ ‪ 73‬ـ‬

‫على حقيقته على أنه ال مكتسب له ىف احلقيقة اال اهلل؟ قيل له ‪ :‬األفعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ال بد هلا من‬
‫فاعل على حقيقتها ‪ ،‬ألن الفعل ال يسـ ـ ـ ـ ـ ــتغىن عن فاعل ‪ ،‬فـ ـ ـ ـ ـ ــاذا مل يكن فاعله على حقيقته‬
‫اجلسم ‪ ،‬وجب أن يكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل هو الفاعل له على حقيقته وليس ال بد للفعل من‬
‫مكتسب يكتســبه على حقيقته ‪ ،‬كما ال بد من فاعل يفعله على حقيقته ‪ ،‬فيجب اذا كــان‬
‫الفعل كسـ ـ ـ ــبا كـ ـ ـ ــان اهلل تعـ ـ ـ ــاىل (هـ ـ ـ ــو) (‪ )1‬املكتسب له على حقيقته ‪ ،‬أال تـ ـ ـ ــرى أن حركة‬
‫االضطرار تدل على أن اهلل تعاىل هو الفاعل هلا على حقيقتها وال تدل على أن املتحــرك هبا‬
‫ىف احلقيقة هو اهلل تعـ ــاىل (‪ ، )2‬اذ ك ــانت حركة كما ك ــان هو الفاعل هلا ىف احلقيقة ‪ ،‬وال‬
‫جيب أن يكون املتحرك املضطر إليها فــاعال هلا على حقيقتها ‪ ،‬اذ (‪ )3‬كــان متحركا هبا على‬
‫احلقيقة ‪ ،‬اذ كـ ــان معىن املتحـ ــرك أن احلركة خلته (‪ )4‬ومل يكن (ذل ـ ــك) (‪ )5‬جـ ــائزا على ربنا‬
‫تعــاىل ‪ ،‬وك ــذلك اذا ك ــان الكسب داال على فاعل فعله على حقيقته مل جيب أن يــدل على‬
‫أن الفاعل له على حقيقته هو املكتسب له وال على أن املكتسب له على احلقيقة هو‬
‫الفاعل له على احلقيقة ‪ ،‬اذ كـ ـ ـ ــان املكتسب مكتسـ ـ ـ ــبا للشـ ـ ـ ــيء ألنه وقع بقـ ـ ـ ــدرة (‪ )6‬له عليه‬
‫حمدثة ومل جيز أن يكون (‪ )7‬رب العاملني‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ ،‬ل ‪ ،‬م ‪ :‬اذا‪.‬‬
‫(‪ )3‬ىف األصل ‪ :‬ارا فغريها م اىل ‪ :‬اذا‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬جلته‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل وزيادهتا واجبة‪.‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬قدرة‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب وتبعه ل ‪ :‬أيكون‪.‬‬
‫ـ ‪ 74‬ـ‬

‫قادرا على الشيء بقدرة حمدثة (‪ )1‬فلم جيز أن يكون مكتســبا لكسب وان كــان فــاعال له ىف‬
‫احلقيقة‪.‬‬
‫فان قال ‪ :‬فهل اكتسب االنسان الشيء على حقيقته كفرا بــاطال واميانا حســنا؟ قيل‬
‫له ‪ :‬هـ ـ ـ ـ ـ ــذا خطأ ‪ ،‬وامنا معىن «اكتسب الكفـ ـ ـ ـ ـ ــر» أنه كفر بقـ ـ ـ ـ ـ ــوة حمدثة ‪ ،‬وكـ ـ ـ ـ ـ ــذلك قولنا‬
‫«اكتسب االميان» (معنـ ــاه أنه من) (‪ )2‬بقـ ــوة حمدثة من غري أن يكـ ــون اكتسب الشـ ــيء على‬
‫حقيقته بل الّ ـ ــذي فعله على حقيقته هو رب الع ـ ــاملني‪ .‬والق ـ ــول ىف الك ـ ــذب وأن له ف ـ ــاعال‬
‫(يفعلـ ـ ـ ـ ــه) على (‪ )3‬حقيقته وكاذبا به غري من فعله على حقيقته ‪ ،‬كـ ـ ـ ـ ــالقول ىف فاعل احلركة‬
‫على احلقيقة (‪ )4‬وأن (‪ )5‬املتحـ ــرك هبا على احلقيقة غري من فعلها على حقيقتها وقد بينا ذلك‬
‫آنفا‪.‬‬
‫ودليل آخر من القي ـ ــاس على خلق أفع ـ ــال الن ـ ــاس ‪ :‬أن ال ـ ــدليل على خلق اهلل تع ـ ــاىل‬
‫حركة االضطرار قائم ىف خلق (‪ )6‬حركة االكتساب ‪ ،‬وذلك أن حركة االضــطرار ان كــان‬
‫الّذي يدل على أن اهلل خلقها حدوثها فكذلك (‪ )7‬القصة ىف حركة االكتساب ‪،‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬حمدثا‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ ،‬ل ‪« :‬امنا هو امنا آمن»‪.‬‬
‫(‪ )3‬ما بني قوسني ليس ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )4‬غريها م اىل حقيقتها‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬واملتحرك من غري زيادة «أن»‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب وتبعه ل ‪ :‬حركة خلق حركة‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب ‪ :‬فذلك ‪ ،‬وقد نقلها الناسخ ىف ل ‪ :‬فلذلك‪.‬‬
‫ـ ‪ 75‬ـ‬

‫وان كـ ــان الّـ ــذي يـ ــدل على خلقها (‪ )1‬حاجتها اىل مكـ ــان وزمـ ــان فكـ ــذلك (‪ )2‬قصة حركة‬
‫االكتساب‪ .‬فلما كــان كل دليل يسـتدل به على أن حركة االضــطرار خملوقة هلل تعــاىل جيب‬
‫به القض ــاء على أن حركة االكتس ــاب خملوقة هلل تع ــاىل ‪ ،‬وجب (‪ )3‬خلق حركة االكتس ــاب‬
‫مبثل ما وجب (به) (‪ )4‬خلق حركة االضطرار‪.‬‬
‫فـ ــان قـ ــال قائل ‪ :‬فيجب اذا كـ ــانت احـ ــدى احلركـ ــتني ضـ ــرورة أن تكـ ــون األخـ ــرى‬
‫ك ـ ــذلك ‪ ،‬واذا ك ـ ــان اح ـ ــدامها كس ـ ــبا أن تك ـ ــون األخ ـ ــرى ك ـ ــذلك‪ .‬قيل له ‪ :‬ال جيب ذلك‬
‫الفرتاقهما ىف معىن الضرورة واالكتساب ‪ ،‬ألن الضرورة ما محل عليه الشــيء وأكــره وجرب‬
‫عليه ولو جهد ىف (‪ )5‬التخلص منه وأراد اخلروج عنه واســتفرغ ىف ذلك جمهــوده مل جيد منه‬
‫انفكاكا وال اىل اخلروج عنه ســبيال ‪ ،‬فــاذا كــانت احــدى احلركــتني هبذا الوصف الّــذي هو‬
‫وصف الضـ ــرورة ‪ ،‬وهى حركة املرتعش من الفـ ــاجل واملرتعد من احلمى كـ ــانت اضـ ــطرارا ‪،‬‬
‫واذا كــانت األخــرى خبالف هــذا الوصف مل تكن اضــطرارا ‪ ،‬ألن االنســان ىف ذهابه وجميئه‬
‫(‬
‫(‪ )6‬واقباله وادبــاره ‪ ،‬خبالف املرتعش من الفــاجل واملرتعد من احلمى ‪ ،‬يعلم االنســان التفرقة‬
‫‪ )7‬بني احلالني من‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬خفها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬فلذلك‪.‬‬
‫(‪ )3‬جواب لقوله قبل ذلك «فلما»‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليست ىف األصل ومل يزدها مع احلاجة إليها‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬التحصل‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب ‪ :‬حميه‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ ،‬التفرق‪.‬‬
‫ـ ‪ 76‬ـ‬

‫نفسه وغـ ـ ـ ــريه علم اضـ ـ ـ ــطرار ال جيوز معه الشك ‪ ،‬فقد وجب اذا كـ ـ ـ ــان العجز ىف احـ ـ ـ ــدى‬
‫احلالتني (‪ )1‬أن القـ ـ ـ ــدرة الىت هى ضـ ـ ـ ــده حادثة ىف احلال األخـ ـ ـ ــرى ؛ ألن العجز لو كـ ـ ـ ــان ىف‬
‫(‬
‫احلالتني مجيعا لكان سبيل االنسان فيهما سبيال واحدة ‪ ،‬فلما مل يكن هــذا هكــذا وكــانت‬
‫‪ )2‬القدرة ىف احدى احلركتني ‪ ،‬وجب أن (‪ )3‬تكون كسبا ؛ ألن حقيقة الكسب أن الشيء‬
‫وقع من املكتسب به بق ــوة حمدثة ‪ ،‬والف ــرتاق (‪ )4‬احلالني ىف احلرك ــتني ‪ ،‬وألن اح ــدامها مبعىن‬
‫الضـ ـ ـ ــرورة وجب أن تكـ ـ ـ ــون الضـ ـ ـ ــرورة ‪ ،‬وألن األخـ ـ ـ ــرى مبعىن الكسب وجب أن تكـ ـ ـ ــون‬
‫كســبا‪ .‬ودليل (‪ )5‬اخللق (‪ )6‬ىف حركة االضــطرار وحركة االكتســاب واحد ؛ فلــذلك وجب‬
‫اذا كـ ـ ــانت احـ ـ ــدامها خلقا أن (‪ )7‬تكـ ـ ــون األخـ ـ ــرى خلقـ ـ ــا‪ .‬أال تـ ـ ــرى أن افرتاقهما ىف ب ـ ــاب‬
‫الضرورة والكسب ال يوجب افرتاقهما ىف باب احلدث والكون بعد أن مل تكونــا‪ .‬فكــذلك‬
‫ال يوجب افرتاقهما ىف باب الضرورة والكسب افرتاقهما ىف اخللق أال تــرى أن اجلسم ملا مل‬
‫يس ـ ـ ـ ـ ـ ــبق احملدثات وجب حدوثه بدخوله ىف معىن احلدث ‪ ،‬وليس جيب اذا دخل ىف احلدث‬
‫مبشاركة احملدثات ىف معىن احلدث اذا كان من احملدثات ما هو حركة أن يكون اجلسم‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬املقصود هبا هنا حالة االضطرار‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬كان‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬أيكون‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل «الفرتاق» بغري واو العطف‪.‬‬
‫(‪ )5‬معطوف ىف رأىي على قوله احدامها والتقدير وألن دليل اخللق‪.‬‬
‫(‪ )6‬يكرر ب وتبعه ل كلمة اخللق‪.‬‬
‫(‪ )7‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أيكون‪.‬‬
‫ـ ‪ 77‬ـ‬

‫حركة ‪ ،‬واذا كــان منها ما هو جسم (ال) (‪ )1‬جيب أن تكــون احلركة جســما ‪ ،‬اذ مل يكونا‬
‫(‪ )2‬يستويان ىف معىن جسم وحركة واســتويا ىف معىن احلدوث‪ .‬فكــذلك ملا اســتوى الكسب‬
‫والضرورة ىف معىن اخللق واحلدث وجب اذا كان أحدمها خلقا هلل أن يكــون اآلخر كــذلك‬
‫‪ ،‬فــذلك مل يــوجب افرتاقها ىف بــاب الضــرورة والكسب افرتاقهما ىف اخللق فــان قــال قائل ‪:‬‬
‫ما أنكـ ــرمت أن يكـ ــون الّـ ــذي دل على أن احـ ــدى احلركـ ــتني خملوقة هلل تعـ ــاىل هو أن حركة‬
‫االضطرار وقعت معجزا (‪ )3‬عنها فاذا وقعت األخـرى مقـدورا عليها خـرجت من أن تكـون‬
‫خملوقة؟ قيل له ‪ :‬لو كان ما وقع مقدورا لغري اهلل تعاىل خرج من أن يكــون خملوقا مل يــؤمن‬
‫أن تك ــون حرك ــات املرتعش من الف ــاجل واملرتعد من احلمى قد أق ــدر اهلل تع ــاىل عليها بعض‬
‫مالئكته يفعلها ىف املتح ــرك باض ــطراب ؛ اذ ك ــان ال يس ــتحيل عند خمالفينا أن يق ــدر الق ــادر‬
‫من املخلــوقني على أن يفعل ىف غــريه ‪ ،‬فبطلت داللتها على أن اهلل تعــاىل فعلها على ما هى‬
‫عليه وكذلك القول ىف حركـات األفالك واجتمـاع أجـزاء الســماء وتأليفهــا‪ .‬واذا كــان هـذا‬
‫هك ــذا فقد بطلت داللة ه ــذه (‪ )4‬األش ــياء على أن اهلل تع ــاىل (خلقه ــا) ومل ي ــؤمن أن يك ــون‬
‫ألجــزاء الســماء جــامع غري اهلل ســبحانه ‪ ،‬ولألفالك حمكم ‪ ،‬وللكــواكب ‪ ،‬حمرك غــريه‪ .‬واذا‬
‫مل جيز ذلك فقد بطل ما قــالوه (‪ )5‬من أن الشــيء اذا كــان مقــدورا لغري اهلل تعــاىل خــرج من‬
‫أن‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليست ىف األصل وزيادهتا واجبة‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬يكن‬
‫(‪ )3‬كذا ىف ب وتبعه ل ‪ ،‬وهو من أعجز صريه عاجزا‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب ‪ :‬قاتلوه‪.‬‬
‫ـ ‪ 78‬ـ‬

‫(يكــون) هلل تعــاىل خملوقا (‪ .)1‬وأيضا فليس العجز بــأن يــدل على أن اهلل تعــاىل خلق املعجــوز‬
‫عنه ب ـ ــأوىل من أن تك ـ ــون الق ـ ــدرة الىت جعلها اهلل تع ـ ــاىل داللة (‪ )2‬على أن اهلل خلق املق ـ ــدور‬
‫عليه ؛ ألن ما خلق اهلل القـ ــدرة فينا عليه فهو عليه أقـ ــدر ‪ ،‬كما أن (مـ ــا) (‪ )3‬خلق فينا العلم‬
‫به فهو به أعلم ‪ ،‬وما خلق فينا الســمع له فهو له أمسع فــاذا اسـتوى ذلك ىف قــدرة اهلل تعــاىل‬
‫وجب اذا أقدرنا اهلل تعاىل على حركة االكتساب أن يكـون هو اخلالق فينا كسـبا لنا ؛ ألن‬
‫ما قدر عليه أن يفعله فينا ومل يفعله فينا كســبا فقد تــرك أن يفعله فينا كســبا ‪ ،‬واذا تــرك أن‬
‫يكون كسبا لنا استحال أن تكـون (‪ )4‬له مكتسـبني ؛ فـدل ما قلنا على أنا ال نكتســبه (‪ )5‬اال‬
‫وقد خلقه اهلل تعاىل لنا كسبا‪.‬‬

‫مسألة‬
‫فــان قــال قائل ‪ :‬اذا كــان كسب االنســان خلقا فما أنكــرت أن يكــون (‪ )6‬له خالقــا؟‬
‫قيل له ‪ :‬مل أقل ان كسىب خلق ىل فيلزمىن أن أك ـ ـ ـ ـ ـ ــون له خالقا ‪ ،‬وامنا قلت خلق لغ ـ ـ ـ ـ ـ ــريى‬
‫فكيف يلزمىن اذا كــان خلقا لغــريى أن أكــون له خالقــا؟ ولو كــان كسىب اذا كــان خلقا هلل‬
‫تع ــاىل كنت له خالقا لك ــانت حركة املتح ــرك باض ــطرار اذا ك ــانت خلقا هلل تع ــاىل ك ــان هبا‬
‫متحركا فلما مل جيز‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬من أن اهلل تعاىل خملوقا‪.‬‬
‫(‪ )2‬هكذا ىف ب وتبعه ل ولعل األوىل «دالة» وهى خري تكون‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬يكون‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬يكتسبه‬
‫(‪ )6‬اسم كان ضمري يعود على االنسان كما هو ظاهر‪.‬‬
‫ـ ‪ 79‬ـ‬

‫ذلك ألنه خلقها حركة لغريه ‪ ،‬مل يلزمنا ما قالوه‪ .‬ألن كسبنا خلق لغرينا‪.‬‬
‫ف ــان ق ــال ‪ :‬أليس (‪ )1‬قد خلق اهلل تع ــاىل ج ــور العب ــاد؟ قيل له ‪ :‬خلقه ج ــورا هلم ‪ ،‬ال‬
‫لــه‪ .‬فــان قـال ‪ :‬فما أنكــرمت أن يكــون جــائرا (‪)2‬؟ قيل له مل يكن اجلائر جـائرا ألنه فعل اجلور‬
‫جورا لغريه ال له ؛ (ألنه) (‪ )3‬لو كان جــائرا هلذه العلة مل يكن ىف املخلــوقني جــائر ؛ فلما مل‬
‫يكن اجلائر جـ ــائرا ألنه فعل اجلور جـ ــورا لغـ ــريه ‪ ،‬مل جيب أن يكـ ــون اهلل خبلقه اجلور جـ ــورا‬
‫لغريه ال له جائرا‪ .‬وأيضا فلو لزم ما قالوه لزم اذا فعل إرادة وشــهوة وحركة لغـريه ال له أن‬
‫يكون مريدا مشتهيا متحركا ؛ فلما مل جيب هذا مل جيب ما قالوه‪.‬‬
‫فان قالوا ‪ :‬فقد خيلق اهلل تعاىل حركة ال يكتسبها أحد وال يكون متحركــا‪ .‬قيل هلم‬
‫‪ :‬وك ــذلك لو خلق اهلل تع ــاىل ج ــورا ال يكتس ــبه أحد مل يكن به ج ــائرا ‪ ،‬وك ــان ج ــورا ملن‬
‫خلقه جورا له به يكون جائرا‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫فان قالوا ‪ :‬فلم ال يقول قـول غـريه (كما خلق جـور غـريه) (‪)4‬؟ قيل هلم ‪ :‬مل نقل‬
‫انه جيوز (جبور) (‪ )6‬غ ـ ــريه ‪ ،‬فيلزمنا أن يق ـ ــول (بقـ ـ ــول) (‪ )7‬غ ـ ــريه ‪ ،‬وامنا قلنا انه خيلق ج ـ ــورا‬
‫لغريه‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أفليس‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬جائرا‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬اللو‬
‫(‪ )4‬ب ‪ :‬كرر الناسخ ما بني قوسني مرتني‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬يقل‪.‬‬
‫(‪ )6‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫ـ ‪ 80‬ـ‬

‫ال له ‪ ،‬وال يكـ ــون به جـ ــائرا فعـ ــروض مثل هـ ــذا أن خيلق قـ ــوال لغـ ــريه وال يكـ ــون به قـ ــائال‪.‬‬
‫وأيضا فلو وجب أن يقـ ــول الكـ ــذب من ليس بكـ ــاذب ‪ ،‬كما فعل اجلور من ليس (جبائر ‪،‬‬
‫لـ ـ ـ ــوجب أن يقـ ـ ـ ــول الكـ ـ ـ ــذب من ليس) (‪ )1‬بكـ ـ ـ ــاذب كما فعل اإلرادة من ليس مبريـ ـ ـ ــدها ‪،‬‬
‫واحلركة من ليس مبتح ــرك هبا ‪ ،‬ف ــان مل جيب ه ــذا مل جيب ما ق ــالوه‪ .‬وأيضا فقد دللنا على‬
‫أن كالم اهلل تعــاىل من صــفات (‪ )2‬ذاته ىف صـدر كتابنا هــذا ‪ ،‬فاسـتحال (‪ )3‬لــذلك أن يكــون‬
‫يقــول (‪ )4‬غــريه قــائال ‪ ،‬كما اذا كــان العلم من صــفات نفسه اســتحال أن يكــون علم غــريه‬
‫علما له ‪ ،‬وأن يكون رب العاملني عاملا بعلم حمدث‪.‬‬

‫مسألة‬
‫فــان قــال قائل ‪ :‬فهل خيلو العبد أن يكــون بني نعمة جيب عليه شــكرها أو بلية جيب‬
‫عليه الصرب عليهـ ـ ــا؟ قيل له ‪ :‬ال خيلو العبد من نعمة وبلية والباليا منها ما جيب الصرب عليها‬
‫كاملصائب من األمراض واألسقام ‪ ،‬وىف األموال‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬كل ما بني املربعني ليس ىف األصل وال شك ىف لزومه وقد حـ ـ ــاول م اصـ ـ ــالح الفقـ ـ ــرة فوضـ ـ ــعها هكـ ـ ــذا ‪:‬‬
‫«وأيضا فلو وجب (ه ــذا ل ــوجب) أن يق ــول الك ــذب من ليس بك ــاذب كما فعل اجلور من ليس جبائر كما فعل‬
‫اإلرادة من ليس مبريد هلا واحلركة من ليس مبتح ــرك هبا ف ــان مل جيب ه ــذا مل جيب ما ق ــالوه» فهل تعطى الفق ــرة‬
‫اآلن معىن صحيحا ‪ ..‬واذا أعطت فهل ميكن أن يكون هو املقصود هنا؟‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬صفا‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب ‪ :‬فستحال وىف ل ‪ :‬فسيحال‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ :‬يقو ‪ ،‬وىف ل ‪ :‬يقول‪.‬‬
‫ـ ‪ 81‬ـ‬

‫واألوالد ‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ .‬ومنها ما ال جيب الصرب عليها كالكفر وسائر املعاصى‪.‬‬

‫مسألة‬
‫فإن قـال قائل ‪ :‬فهل قضى اهلل تعــاىل املعاصى وقـدرها؟ قيل له ‪ :‬نعم ؛ بـأن خلقها ‪،‬‬
‫ْك ِ‬
‫تاب) (‪ )1‬يعىن‬ ‫ضينا إِلى بنِي إِس رائِيل فِي ال ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫وبــأن كتبها وأخرب عن كوهنا ‪ ،‬كما قــال ‪َ ( :‬وقَ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ :‬أخربنـ ــاهم وأعلمنـ ــاهم وكما قـ ــال تعـ ــاىل ‪( :‬إِاَّل ْام َرأَتَ هُ قَ د ْ‬
‫َّرناها م َن الْغ اب ِر َ‬
‫ين) (‪ )2‬يريد ‪:‬‬
‫كتبناها وأخربنا أهنا من الغابرين ‪ ،‬وال نقول قضاها وقدرها بأن أمر هبا‪.‬‬
‫فان قال ‪ :‬أفقضاء (‪ )3‬اهلل تعاىل حق؟ قيل له ‪ :‬من قضاء (‪ )4‬اهلل تعاىل الّــذي هو خلق‬
‫ما هو حق كالطاعات وما مل ينه عنه ‪ ،‬ومن قضاء اهلل تعاىل هو خلق ما هو جور كــالكفر‬
‫واملعاصى ؛ ألن اخللق منه حق ومنه باطل ‪ ،‬وأما القض ــاء الّ ــذي هو أمر القض ــاء الّ ــذي هو‬
‫اعالم واخبار وكتاب فحق ‪ ،‬ألنه غري املقضى‪ .‬ومن أصـحابنا من جييب بـأن يقـول ‪ :‬قضى‬
‫(‪ )5‬اهلل املعصــية والكفر ويقــول بلفظ املعصــية والكفر مها بــاطالن ‪ ،‬وال يقــول بلفظ القضــاء‬
‫انه باطل ؛ ألن قــول القائل قضــاء اهلل باطل (يــوهم أن قضــاءه ال حقيقة لــه) (‪ )6‬كما يقــول‬
‫اذا رأى خشبة‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 17‬اآلية ‪4‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 27‬اآلية ‪.57‬‬
‫(‪ )3‬ب ‪ :‬قضضا‪ .‬وىف ل ‪ :‬قضا‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬قضا‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬قضا وصححها م اىل قضاء ‪ ،‬ورأىي أن الفعل هنا متعني‪.‬‬
‫(‪ )6‬ما بني قوسني ىف األصل وقد ت ـ ـ ــرك م ىف يادته أو زي ـ ـ ــادة ما مياثله فبقى الكالم ناقصا ‪ ،‬واال ف ـ ـ ــأين خرب ىف‬
‫قوله «ألن قول القائل ‪.»...‬‬
‫ـ ‪ 82‬ـ‬

‫منكسـ ــرة بلفظ اخلشـ ــبة هى منكسـ ــرة وهى (‪ )1‬مع ذلك حجة اهلل تعـ ــاىل ‪ ،‬وال يقـ ــول بلفظ‬
‫احلجة اهنا منكــرة ‪ ،‬ألن هــذا يــوهم أن حجة اهلل تعــاىل ال حقيقة هلا فكــذلك (يقــول) (‪ )2‬ان‬
‫الكفر باطل والكفر قض ــاء اهلل تع ــاىل مبعىن أنه خلق اهلل ‪ ،‬وال يق ــول قض ــاء اهلل باطل ؛ ألنه‬
‫يوهم أن ال حقيقة لقضاء اهلل تعــاىل ‪ ،‬وهـذا كما نقــول ‪ :‬الكــافر مـؤمن بـاجلبت والطـاغوت‬
‫‪ ،‬وال نقـ ــول ‪ :‬مـ ــؤمن ونسـ ــكت ؛ ملا فيه من االيهـ ــام‪ .‬ونقـ ــول ‪ :‬النيب صلى‌هللا‌عليه‌وسلم‬
‫كافر (‪ )3‬باجلبت والطاغوت ‪ ،‬وال نقول كافر (‪ )4‬ونسكت ملا فيه من االيهام‪.‬‬

‫مسألة‬
‫ف ــان ق ــال قائل ‪ :‬أفرتضـ ــون بقضـ ــاء اهلل وق ــدره الكف ــر؟ قيل له نرضى ب ــأن قضى اهلل‬
‫تع ــاىل الكفر قبيحا وق ــدره فاس ــدا ‪ ،‬وال نرضى ب ــأن ك ــان الك ــافر به ك ــافرا ؛ ألن اهلل تع ــاىل‬
‫هنانا عن ذل ــك‪ .‬وليس اذا أطلقنا الرضا (‪ )5‬بلفظ القض ــاء وجب أن نطلقه (‪ )6‬بلفظ الكفر ‪،‬‬
‫كما ال جيب اذا قلنا ان اخلشبة حجة هلل تعاىل ‪،‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ىف رأىي أن هـ ـ ــذه اجلملةـ معطوفة على قوله «منكسـ ـ ــره» األوىل على معىن أهنا صـ ـ ــفة ثانية لقوله «خشـ ـ ــبة»‬
‫ولعل القـ ــارئ يلمس ركاكة األسـ ــلوب ىف هـ ــذا املوضـ ــع‪ .‬وجيوز أن تكـ ــون معطوفة على مجلة «هى منكسـ ــرة»‬
‫لتدخل ىف مقول القول ‪ ،‬ويرشد إليه كالمه اآلتى ىف القضاء والكفر‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليست ىف األصل وقد ترك م زيادهتا مع احلاجة إليها‪.‬‬
‫(‪ )3‬يسـ ـ ــلم م أن األصل ‪« :‬كـ ـ ــافر» ولكنه يزيد الما من عنـ ـ ــده كما يزيد «ان» بعد قوله «ونقـ ـ ــول ‪ »...‬وان‬
‫والالم ال ضرورة هلما‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ ،‬م ‪ :‬الكافر‪.‬‬
‫(‪ )5‬يصححها م خطأ ‪ :‬رضى‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬نعلقه‪.‬ـ‬
‫ـ ‪ 83‬ـ‬

‫وان اخلشبة مكسورة أن نقول ‪ :‬حجة اهلل تعاىل مكسـورة ؛ ألن هــذا يــوهم (أن) حجة اهلل‬
‫تعـ ــاىل ال حقيقة هلا ‪ ،‬فكـ ــذلك نطلق الرضا (‪ )1‬بلفظ القضـ ــاء (‪ )2‬والقـ ــدر ‪ ،‬وال نطلقه بلفظ‬
‫(‪)3‬‬
‫الكف ــر‪ .‬ه ــذا ج ــواب أص ــحابنا ال ــذين ذكرنا ج ــواهبم آنف ــا‪ .‬ومن أص ــحابنا من جييد بأنا‬
‫نرضى بقضــاء اهلل تعــاىل وقـدره اللـذين أمرنا أن نرضى هبما اتباعا ألمــره (ألنــه) (‪ )4‬ال يتقــدم‬
‫بني يديه وال يعرتض عليه ‪ ،‬وهــذا كما نرضى بقــاء النبــيني (‪ )5‬عليهم‌السالم ونكــره مــوهتم‬
‫‪ ،‬ونكره بقاء الشياطني ‪ ،‬وكل بقضاء رب العاملني‪.‬‬

‫مسألة‬
‫ف ـ ــان قـ ـ ــال قائل ‪( :‬فأميا خري ‪ :‬اخلري ‪ ،‬أو من اخلري من ـ ــه) (‪)6‬؟ قيل له ‪ :‬من اخلري منه‬
‫متفضال (‪ )7‬به فهو خري من اخلري ‪ ،‬فـان قــال ‪ :‬فأميا شر ‪ :‬الشر ‪ ،‬أو من الشر منــه؟ قيل له ‪:‬‬
‫من كان الشر منه جائرا به فهو شر من الشر‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليست ىف األصل ومل يزدها مع اهنا ضرورية ألهنا وما دخلت عليه مفعول بوهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬القضاء‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬بأن ‪ ،‬وقد أبقاها م كما هى‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليس ىف األصل وزيادهتا أوىل‪.‬‬
‫(‪ )5‬ل ‪ :‬بقاء‪.‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪« :‬فامنا خري اخلري منه أو من اخلري» فصارت بال معىن‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م «متص ـ ــال» ولكىن أعتقد أن الص ـ ــواب (منفض ـ ــال) لتقابل قوله «ج ـ ــائرا» بعد ذلك ‪ ،‬وألن‬
‫نفس السؤال واالجابة موجودان ىف االبانة ص ‪( 60‬القاهرة ‪ 1348‬ه‍) واللفظ املوجود «متفضال»‪.‬‬
‫ـ ‪ 84‬ـ‬

‫مسألة‬
‫فــان قــال ‪ :‬أو تقولــون ان الشر من اهلل تعــاىل؟ قيل له ‪ :‬من أصــحابنا من يقــول بــأن‬
‫األشـ ـ ـ ـ ـ ــياء كلها من اهلل باجلملة ‪ ،‬وال يطلق بلفظ الشر أنه من اهلل تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل ؛ كما يقـ ـ ـ ـ ـ ــال ‪:‬‬
‫األشــياء كلها هلل ىف اجلملة وال يقــال على التفصــيل (‪( )1‬الزوجة والولــد) (‪ )2‬هلل تعــاىل‪ .‬وكما‬
‫نقــول ىف اجلملة (‪ : )3‬ما دون اهلل ضــعيف ‪ ،‬وال يقــال على التفصــيل ‪ :‬دين اهلل ضــعيف فأما‬
‫أنا فأقول ‪ :‬ان الشر من اهلل تعاىل بأن خلقه شرا لغريه ال له‪.‬‬

‫مسألة‬
‫اب لِتَحس بوهُ ِمن ال ِ‬
‫ْكت ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬ ‫فــان قــال ‪ :‬فما معىن قوله تعــاىل ‪َ ( :‬ي ْل ُوو َن أَلْس نََت ُه ْم بالْكت ِ ْ َ ُ َ‬
‫اهلل وما ُه و ِمن ِع ْن ِد ِ‬
‫اهلل) (‪)4‬؟ قيل ‪ :‬معىن ذلك‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫وما ه و ِمن ال ِ‬
‫ْكت ِ‬
‫اب َو َي ُقولُو َن ُه َو م ْن ع ْن د َ َ ْ‬ ‫َ َُ َ‬
‫(‪)5‬‬
‫أهنم حرفـ ــوا وصف رسـ ــول اهلل صلى‌هللا‌عليه‌وس لم وأومهوا السـ ــفيه منهم أنه كتـ ــاهبم‬
‫تاب)‪( .‬وي ُقولُو َن ُه و ِمن ِع ْن ِد ِ‬
‫اهلل) يعىن أن اهلل أنزلــه‪ .‬قــال‬ ‫ْك ِ‬‫قال اهلل تعاىل ‪( :‬وما هو ِمن ال ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ َُ َ‬
‫اهلل) أى مل أنزل عليهم ذلك كما يدعون‪.‬‬ ‫اهلل تعاىل ‪( :‬وما ُهو ِمن ِع ْن ِد ِ‬
‫َ َ ْ‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل التفصيل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪« :‬الزوجة اال والولد»‪.‬‬
‫(‪ )3‬يزيد الناسخ ىف األصل قبل ذلك ‪ :‬قال الشيخ‬
‫(‪ )4‬س ‪ 3‬اآلية ‪.78‬‬
‫(‪ )5‬كذا ىف األصل ولعل األوىل ‪ :‬من كتاهبم (التوراة)‪.‬‬
‫ـ ‪ 85‬ـ‬

‫مسألة‬
‫فاو ٍت)؟ قيل له ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫فــان قــال ‪ :‬فما معىن قوله تعــاىل ‪( :‬ما تَ رى فِي َخل ِ‬
‫الر ْحم ِن م ْن تَ ُ‬ ‫ْق َّ‬
‫ماوات ِطباق اً) واح ــدة ف ــوق األخ ــرى (ما تَ رى فِي َخ ْل ِق‬ ‫ٍ‬ ‫ق ــال اهلل تع ــاىل ‪َ ( :‬خلَ َق َس ْب َع َس‬
‫فاو ٍت) يعىن ىف الســموات ؛ ألنه قــال ‪« :‬فــارجع البصــر» بعد ذكر الســموات‬ ‫ِ‬
‫الر ْحم ِن م ْن تَ ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( َه ْل تَ رى م ْن فُطُ و ٍر) يعىن من ش ــقوق ‪ ،‬في ــه‪ .‬مث ق ــال ‪( :‬ثُ َّم ْارج ِع الْبَ َ‬
‫ص َر َك َّرَت ْي ِن) ىف‬ ‫(‪)1‬‬

‫خاس ئاً) يعىن معيبا (‪َ ( )2‬و ُه َو َح ِس ٌير) (‪ )3‬يعىن‬ ‫ك الْبص ر ِ‬ ‫السـ ــموات واألرض ( َي ْن َقلِ ْ ِ‬
‫ب إل َْي َ َ َ ُ‬
‫مغلوبا ‪ ،‬مل ي ــذكر اهلل تع ــاىل الكفر وال أفع ــال العب ــاد ىف ه ــذه اآلية فك ــون للقدرية ىف ذلك‬
‫حجة‪.‬‬

‫مسألة‬
‫َح َس َن ُك َّل َش ْي ٍء َخلَ َق هُ ‪)5( )4( )..‬؟ قيل‬
‫فــان قــال قائل ‪ :‬فما معىن قــول اهلل تعــاىل ‪( :‬أ ْ‬
‫له ‪ :‬معىن ذلك أنه حيسن أن خيلق ‪ ،‬كما يقــال فالن حيسن الصــياغة أى يعلم كيف يصــوغ‬
‫‪ ،‬فأخرب اهلل تعاىل أنه يعلم أنه كيف خيلق األشياء‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 67‬اآلية ‪.3‬‬
‫(‪ )2‬هى ىف ب ‪ :‬معيبا بدون نقط فقراها م معينا وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 67‬اآلية ‪.4‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 32‬اآلية ‪.7‬‬
‫َح َس َن ُك َّل َش ْي ٍء َخلَ َقهُ)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(‪ )5‬ب ‪ ،‬ل ‪« :‬االنسان» ولكن «األشياء» أنسب بقوله سبحانه ‪( :‬الَّذي أ ْ‬
‫ـ ‪ 86‬ـ‬

‫مسألة‬
‫اطالً)؟‬ ‫الس ماء واأْل َرض وما بيَنهما ب ِ‬
‫ف ــان ق ــال ‪ :‬فما معىن قوله تع ــاىل ‪َ ( :‬وما َخلَ ْقنَا َّ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ‬
‫ين َك َف ُروا) (‪ )2‬فــدل ذلك على أن‬ ‫َّ ِ‬
‫ك ظَ ُّن الذ َ‬ ‫قيل له ‪ :‬ق ــال اهلل تع ــاىل (بعد ذل ــك) ‪ :‬ـ (ذلِ َ‬
‫(‪)1‬‬

‫املعىن فيها (مــا) (‪ )3‬خلقتهما (‪ )4‬وما بينهما وأنا ال أثيب من أطــاعىن وال أعــاقب من عصــاىن‬
‫وكفر ىب ‪ ،‬ألن الكــافرين ظنــوا أهنم ال يعــادون وال هلم رجعة فيعــاقبون‪ .‬فــبني اهلل تعــاىل أنه‬
‫ما خلق اال ومصري بعض ــهم اىل ثــواب ورجــوع بعض ــهم اىل العق ــاب ‪ ،‬وأن الكــافرين ظنــوا‬
‫َّ ِ‬
‫ألنه بني أن ذلك ب ــاب الث ــواب والعق ــاب ‪ ،‬ألنه تع ــاىل ق ــال ‪( :‬أ َْم نَ ْج َع ُل الذ َ‬
‫ين‬ ‫ذلك‬
‫(‪)6( )5‬‬

‫ين َكالْ ُف َّجا ِر) (‪ )7‬فـ ــأخرب‬ ‫ِ‬ ‫ين فِي اأْل َْر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫آمنُ وا و َع ِملُ وا َّ ِ ِ‬
‫ض أ َْم نَ ْج َع ُل ال ُْمتَّق َ‬ ‫الص الحات َكال ُْم ْفس د َ‬ ‫َ َ‬
‫تعــاىل أن ظن املشــركني الــذين أنكر عليهم أهنم ظنــوا أنه ال عاقبة يقع فيها تفرقة بني‬
‫(‪)9‬‬ ‫(‪)8‬‬

‫املؤمنني والكافرين‪ .‬وقد (‪ )10‬حيتمل ‪:‬‬


‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 38‬اآلية ‪27‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل وقد زدناها مسرتش ـ ــدين باألش ـ ــعرى نفسه ىف االبانة ص ‪ 54‬حيث يق ـ ــول ىف معىن ه ـ ــذه‬
‫اآلية ‪« :‬فقال تعاىل ما خلقت ذلك وأنا ال أثيب ‪ ..‬اخل»‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬خلقهما‪.‬‬
‫(‪ )5‬أى أهنم ال يعادون‪.‬‬
‫(‪ )6‬أى خلق السموات واألرض‪.‬‬
‫(‪ )7‬س ‪ 38‬اآلية ‪.28‬‬
‫(‪ )8‬ىف رأىي ذلك خرب أن وال شك ىف ركاكة األسلوب هنا‪.‬‬
‫(‪ )9‬ب وتبعه ل ‪ :‬تقوقه‪.‬‬
‫(‪ )10‬يزيد األصل قبل ذلك ‪ :‬قال الشيخ أبو احلسن‪.‬‬
‫ـ ‪ 87‬ـ‬

‫باطالً) أى مل أخلق ذلك أمجع بــاطال ؛ ألن الباطل‬ ‫السماء واأْل َرض وما بيَنهما ِ‬
‫( َوما َخلَ ْقنَا َّ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ‬
‫بعض خلق اهلل تع ـ ــاىل‪ .‬وحيتمل ‪ :‬ما خلقت ذلك ب ـ ــاطال أى مل اجعله بـ ــاطال اذ خلقتهما ؛‬
‫ض َوما‬ ‫ِ‬ ‫ألن الباطل ح ــدث بعد أن خلقتهم ــا‪ .‬وقد ق ــال اهلل تع ــاىل ‪َ ( :‬خلَ َق َّ‬
‫ماوات َواأْل َْر َ‬ ‫الس‬
‫َب ْيَن ُهما فِي ِست َِّة أَيَّ ٍام) (‪ )1‬فعموم هذا القول يدل على أنه خلق ما بينهما مما حدث من اخللق‬
‫كاملالئكة ال ــذين ك ــانوا بينهما وما خلقه بينهما من أعم ــال احلي ــوان ىف ذلك ال ــوقت ‪ ،‬فلم‬
‫قضوا باحدى اآليـتني على أن اهلل تعــاىل مل خيلق الباطل دون أن يقضــوا باآلية األخــرى على‬
‫أن اهلل تعاىل خلق ما كان بينهما من فعل املالئكة وغريهم ىف ذلك الوقت‪ .‬ويقال ان كــان‬
‫تاب َوما ُه َو ِم َن‬ ‫تاب لِتَحس بوهُ ِمن ال ِ‬
‫ْك ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْوو َن أَلْس نََت ُه ْم بالْك ِ ْ َ ُ َ‬ ‫قــول اهلل تعــاىل ىف املشــركني ‪َ ( :‬يل ُ‬
‫اهلل) معناه (‪ : )2‬مل خيلقه اهلل فلم ال تكون‬ ‫اهلل وما ُهو ِمن ِع ْن ِد ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ْك ِ‬‫ال ِ‬
‫تاب َو َي ُقولُو َن ُه َو م ْن ع ْند َ َ ْ‬
‫الطاعـ ــات خملوقة (لـ ــه) (‪ )3‬ألهنا عنـ ــدكم من عند اهلل تعـ ــاىل؟ وان كـ ــان الكفر واملعاصى غري‬
‫خملوقة هلل تع ــاىل ألهنا متفاوتة فلم ال تك ــون الطاع ــات خملوقة له ألهنا عن ــدكم غري متفاوت ــة؟‬
‫َح َس َن ُك َّل َش ْي ٍء َخلَ َق هُ) على العم ــوم ىف كل ش ــيء خلقه اهلل‬ ‫واذا ك ــان قوله س ــبحانه ‪( :‬أ ْ‬
‫ٍ (‪)5‬‬
‫تعاىل فلم ال كان (‪ )4‬قوله تعاىل ‪( :‬خالِ ُق ُك ِّل َش ْيء)‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 7‬اآلية ‪.54‬‬
‫(‪ )2‬خرب لقوله قبل ذلك أن كان قول اهلل إخل‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل وزيادهتا أوىل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬فلم ال كـ ـ ــان ‪ ،‬وال شك أن صـ ـ ــحتها غربية ‪ :‬فلم مل يكن‪ .‬ولكن هـ ـ ــذا أسـ ـ ــلوب يسـ ـ ــتعملهـ‬
‫املؤلف كثريا كما سبق‪.‬‬
‫(‪ )5‬س ‪ 6‬اآلية ‪.102‬‬
‫ـ ‪ 88‬ـ‬

‫الس ِ‬
‫ماوات‬ ‫(على العموم) ىف كل شيء هو غــريه؟ فــان قــال ‪ :‬فما معىن قوله ‪( :‬ما َخلَ ْقنَا َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫واأْل َرض وما بيَنهما إِاَّل بِ الْح ِّق) (‪)2‬؟ قيل له ‪ :‬خلق اهلل ذلك ب ــأن (‪ )3‬ق ــال له (‪: )4‬ـ ـ ( ِ‬
‫لك ْن)‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َْ ُ‬
‫فاحلق قوله هلما ‪ :‬كونا (‪ )5‬فكاننا‪.‬‬

‫مسألة‬
‫يم) (‪ )6‬يــدل على أنه ال‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ويقــال ألهل القــدر ‪ :‬أليس قــول اهلل تعــاىل ‪( :‬ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫معلــوم اال واهلل به عــامل؟ فــاذا قــالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قيل هلم ‪ :‬ما أنكــرمت أن يــدل قوله تعــاىل ‪َ ( :‬على‬
‫ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير) (‪ )7‬على (‪ )8‬أنه ال مق ـ ــدور اال واهلل عليه قـ ــادر ‪ ،‬وأن ي ـ ــدل قوله تع ـ ــاىل ‪:‬‬
‫( َخلَ َق ُك َّل َش ْي ٍء) على أنه ال حمدث مفعول اال واهلل حمدث له فاعل خالق‪.‬‬

‫مسألة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان س ـ ــأل س ـ ــائل عن ق ـ ــول اهلل تع ـ ــاىل ‪( :‬أ َّ‬
‫ين َو َر ُس ولُهُ)‪.‬‬ ‫َن اهللَ بَ ِريءٌ م َن ال ُْم ْش ِرك َ‬
‫فـ ـ ـ ـ ــاجلواب أن اآلية امنا نـ ـ ـ ـ ــزلت ىف العهـ ـ ـ ـ ــود الىت كـ ـ ـ ـ ــانت بني املشـ ـ ـ ـ ــركني وبني رسـ ـ ـ ـ ــول اهلل‬
‫صلى‌هللا‌عليه‌وسلم ؛‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 15‬اآلية ‪.85‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬فان‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬هبما‪.‬‬
‫(‪ )6‬س ‪ 42‬اآلية ‪.12‬‬
‫(‪ )7‬س ‪ 2‬اآلية ‪.20‬‬
‫(‪ )8‬يكرر ب وتبعه كلمة «يدل» قبل قوله «على» وتركها واجب‪.‬‬
‫ـ ‪ 89‬ـ‬

‫يحوا فِي‬ ‫اهلل ورس ولِ ِه إِلَى الَّ ِذين عاه ْدتُم ِمن الْم ْش ِركِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين فَس ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ‬ ‫راءةٌ م َن َ َ ُ‬ ‫ألن اهلل تعــاىل قــال ‪( :‬بَ َ‬
‫ِ‬ ‫ض أَربعةَ أَ ْش ُه ٍر وا ْعلَموا أَنَّ ُكم غَْي ر م ْع ِج ِزي ِ‬
‫اهلل َوأ َّ‬
‫ين) (‪ .)1‬فــأجلهم‬ ‫َن اهللَ ُم ْخ ِزي الْكاف ِر َ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫اأْل َْر ِ ْ َ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫اهلل َو َر ُس ولِ ِه) يقـ ــول واعالم من اهلل ورسـ ــوله‬‫(‪ )2‬اهلل أربعة أشـ ــهر‪ .‬مث قـ ــال ‪( :‬وأَذا ٌن ِمن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْح ِّج اأْل َ ْكبَ ِر أ َّ‬ ‫(إِلَى الن ِ‬
‫ين َو َر ُس ولُهُ) يعىن من العه ــود الىت‬‫َن اهللَ بَ ِريءٌ م َن ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫َّاس َي ْو َم ال َ‬
‫ك ـ ـ ـ ــانت بني رس ـ ـ ـ ــول اهلل صلى‌هللا‌عليه‌وس لم وبينهم (‪ )4‬اذا انقضت األربعة األش ـ ـ ـ ــهر مث‬
‫عاه ْدتُ ْم ِع ْن َد ال َْم ْس ِج ِد‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫استثىن قوما من املشركني يقال اهنم من بىن كنانة فقــال ‪( :‬إِاَّل الذ َ‬
‫رام فَما اس تَقاموا لَ ُكم فَ ِ‬
‫يموا ل َُه ْم) (‪ )5‬اىل انقض ــاء م ــدهتم‪ .‬على أن اهلل تع ــاىل ذكر‬ ‫اس تَق ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْح ِ َ ْ ُ‬ ‫ال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين) يــدل على‬ ‫املشــركني ومل يقل من شــركهم ‪ ،‬ولو كــان قوله تعــاىل ‪( :‬بَ ِريءٌ م َن ال ُْم ْش ِرك َ‬
‫أنه مل خيلق شركهم لدل على أنه مل خيلقهم ؛ ألنه تعاىل برئ من املشــركني ومن شــركهم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين) (‪ )6‬يوجب أنه ما خلق شركهم للزم القدرية اذ‬ ‫ولو كان قوله تعاىل (بَ ِريءٌ م َن ال ُْم ْش ِرك َ‬
‫قال انه وىل املؤمنني (‪ )7‬أنه خلق امياهنم‪ .‬فلما مل بكن هذا عندهم هكذا بطل ما قالوه‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 9‬اآلية ‪.10‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ ،‬ل ‪ ،‬م ‪ :‬فأحلهم باحلاء وتصح مع التأويل‪.‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 9‬اآلية ‪.2‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬بينه‪.‬‬
‫(‪ )5‬س ‪ 9‬اآلية ‪.7‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬ما بني قوسني قد تركه الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )7‬أو تبعه ب ‪ ،‬م ‪ :‬فق ـ ـ ـ ــد‪ .‬وال شك أن اللفظ الصـ ـ ـ ــحيح هنا هو «أن ـ ـ ـ ــه» ألن أن وما دخلت عليه ىف تأويل‬
‫مصدر فاعل لقوله «للزم ‪.»...‬‬
‫ـ ‪ 90‬ـ‬

‫مسألة‬
‫ان ق ال قائل ‪ :‬حـ ـ ــدثونا عن تـ ـ ــوأمني كانا ىف برية فوقع بقلب أحـ ـ ــدمها أن اهلل واحد ‪ :‬من‬
‫ألقى ذلك ىف قلبــه؟ قلنا له ‪ :‬اهلل تعــاىل فــإن قــال ‪ :‬أفحق ما ألقــاه بقلبــه؟ قيل له ‪ :‬نعم‪ .‬فــان‬
‫ق ــال ‪ :‬أفص ــدقه فيما (‪ )1‬ألق ــاه بقلب ــه؟ قيل (ل ــه) (‪ : )2‬ص ــدق اهلل تع ــاىل ال يك ــون اال كالمه ‪،‬‬
‫وما وقع بقلب االنسان ليس بكالم اهلل تعاىل فيقال ان اهلل تعاىل صدقه فيه‪.‬‬
‫فــان قــال ‪ :‬فــإن اآلخر وقع ىف قلبه أن اهلل ثــالث ثالثة ‪ :‬من ألقى ذلك بقلبــه؟ قيل له‬
‫‪ :‬اهلل‪ .‬فــان قــال ‪ :‬أفباطل ما ألقــاه بقلبــه؟ قيل له ‪ :‬نعم‪ .‬فــان قــال ‪ :‬أفصــدقه فيما ألقــاه بقلبه‬
‫أم كذبه؟ قيل (له) (‪ : )3‬خطأ أن يقــال له صــدقه فيه ؛ ألن صــدق البــارى من صــفات نفسه‬
‫وهو كالمه ‪ ،‬وخطأ أن يقـ ــال كذبه فيه ؛ ألن الكـ ــذب ال جيوز على البـ ــارى تعـ ــاىل ؛ ألنه‬
‫مسـ ــتحيل أن يكـ ــذب ‪ ،‬وليس جيب اذا خلق كـ ــذبا لغـ ــريه وكـ ــذبا ىف قلب غـ ــريه أن يكـ ــون‬
‫كاذبا ‪ ،‬كما ال جيب اذا خلق قـ ــدرة ىف غـ ــريه وإرادة ىف غـ ــريه وحركة ىف غـ ــريه أن يكـ ــون‬
‫بذلك قادرا مريدا متحركا‪.‬‬

‫مسألة‬
‫فـ ـ ـ ــان قـ ـ ـ ــالوا ‪ :‬مل مسيتمونا قدريـ ـ ـ ــة؟ قيل هلم ‪ :‬ألنكم تزعمـ ـ ـ ــون ىف أكسـ ـ ـ ــابكم أنكم‬
‫تقــدروهنا وتفعلوهنا مقــدرة لكم دون خــالقكم ‪ ،‬والقــدرى (‪ )4‬هو من ينسب ذلك لنفسه ‪،‬‬
‫كما أن الصائغ‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬ما القاه‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل نقلها الناسخ ‪ :‬والقدر‪.‬‬
‫ـ ‪ 91‬ـ‬

‫هو من يعــرتف بأنه يصــوغ دون من يــرغم أنه يصــاغ له ‪ ،‬والنجــار هو من يــدعى أنه ينجر‬
‫دون من يعــرتف بأنه ينجر له وال ينجر شــيئا ‪ ،‬وكــذلك القــدرى من يــدعى أنه يفعل أفعاله‬
‫مقدرة (له) (‪ )1‬دون ربه ‪ ،‬ويزعم أن ربه ال يفعل من اكتسابه شيئا‪.‬‬
‫ف ــان ق ــال ‪ :‬فيل ــزمكم أن تكون ــوا قدرية ألنكم تثبت ــون (‪ )2‬الق ــدر قيل هلم ‪ :‬حنن نثبت‬
‫أن اهلل تعــاىل قــدر أعمالنا وخلقها مقــدرة لنا وال نثبت ذلك ال نفســنا‪ .‬فمن أثبت القــدر هلل‬
‫(‪)3‬‬
‫تع ـ ـ ــاىل وزعم أن األفعـ ـ ــال مق ـ ـ ــدرة لربه ال يك ـ ـ ــون ق ـ ـ ــدريا ‪ ،‬كما أن من أثبت الص ـ ـ ــياغة‬
‫والنجـ ـ ــارة لغ ـ ـ ــريه ال يكـ ـ ــون ص ـ ـ ــائغا وال جنارا ‪ ،‬ولو (‪ )4‬كنا قدرية بقولنا ان اهلل فعل أفعالنا‬
‫مقـ ــدرة (لنـ ــا) (‪ )5‬لكـ ــانوا قدرية بقـ ــوهلم أن اهلل تعـ ــاىل فعل أفعاله كلها مقـ ــدرة لـ ــه‪ .‬ولو كنا‬
‫بقولنا ان اهلل تعــاىل قــدر املعاصى قدرية لكــانوا بقــوهلم ان اهلل قــدر الطاعــات قدريــة‪ .‬فلما مل‬
‫يكن ذلك كذلك بطل ما قالوه‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬تثبتوا‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬الصاغة‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أو لو‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل وزيادهتا أوىل‪.‬‬
‫ـ ‪ 92‬ـ‬

‫(‪)6‬‬

‫باب الكالم فى االستطاعة‬


‫ان قال قائل ‪ :‬مل قلتم ان االنسان يستطيع باستطاعة هى غـريه؟ قيل له ‪ :‬ألنه يكـون‬
‫ت ــارة مس ــتطيعا وت ــارة ع ــاجزا ‪ ،‬كما (‪ )1‬يك ــون ت ــارة عاملا وت ــارة غري ع ــامل ‪ ،‬وت ــارة متحركا‬
‫وتــارة غري متحــرك ‪ ،‬فــوجب أن يكــون مســتطيعا (‪ )2‬مبعىن هو غــريه ‪ ،‬كما وجب أن يكــون‬
‫عاملا مبعىن هو غـ ـ ـ ـ ــريه ‪ ،‬وكما وجب أن يكـ ـ ـ ـ ــون متحركا مبعىن هو غـ ـ ـ ـ ــريه ‪ ،‬ألنه لو ك ـ ـ ـ ــان‬
‫مسـتطيعا بنفسه أو مبعىن يســتحيل مفارقته له ‪ ،‬مل يوجد اال وهو مســتطيع ؛ فلما وجد مــرة‬
‫مستطيعا ومرة غري مستطيع صح وثبت أن استطاعته غريه‪.‬‬
‫فان قال قائل ‪ :‬فاذا أثبتم استطاعة هى غريه فلم زعمتم أنه يستحيل تقدمها للفعــل؟‬
‫قيل له ‪ ،‬زعمنا ذلك من قبل أن الفعل ال خيلو أن يكـ ـ ـ ــون حادثا مع االسـ ـ ـ ــتطاعة ىف ح ـ ـ ــال‬
‫حــدوثها أو بعــدها ؛ فــان كــان حادثا معها ىف حــال حــدوثها فقد صح أهنا مع الفعل للفعل‬
‫؛ وان كان حادثا بعدها ـ وقد دلت الداللة على أهنا ال تبقى ـ وجب حدوث الفعل بقــدرة‬
‫(‬
‫معدومة ؛ ولو جــاز ذلك جلاز أن حيدث العجز بعــدها فيكــون الفعل واقعا بقــدرة معدومة‬
‫‪ ، )3‬ولو جاز أن يفعل ىف حال‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ‪ :‬مبا‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪« :‬متحركا»‪.‬‬
‫(‪ )3‬كذلك ىف األصل ولعل األوىل كى يريد جديدا أن يقول مع وجود العجز‪.‬‬
‫ـ ‪ 93‬ـ‬

‫هو فيها عاجز بقدرة معدومة جلاز أن يفعل بعد (‪ )1‬مائة سنة من حال حــدوث القــدرة وان‬
‫كان عاجزا ىف املائة سنة كلها بقدرة (‪ )2‬عدمت من مائة سنة وهذا فاسـد‪ .‬وأيضا فلو جـاز‬
‫حـدوث الفعل مع عـدم القــدرة ووقع الفعل بقــدرة معدومة جلاز وقـوع االحــراق حبرارة نـار‬
‫معدومة وقد قلب اهلل النــار بــردا ‪ ،‬والقطع حبد ســيف معــدوم وقد قلب اهلل الســيف قصــبا ‪،‬‬
‫القطع (‪ )3‬جبارحة معدومة وذلك حمال ؛ فـ ـ ـ ـ ـ ــاذا اسـ ـ ـ ـ ـ ــتحال ذلك وجب أن الفعل حيدث مع‬
‫االستطاعة ىف حال حدوثها‪.‬‬
‫فــان قــالوا ‪ :‬ومل زعمتم أن القــدرة ال تبقى؟ قيل هلم (‪ : )4‬ألهنا لو بقيت لكــانت ال‬
‫(‬
‫ختلو أن تبقى لنفسها أو لبقاء يقوم هبا ؛ فان كانت تبقى لنفسها وجب أن تكون نفســها‬
‫‪ )5‬بقـ ـ ـ ـ ــاء هلا وأن ال توجد اال باقية ‪ ،‬وىف هـ ـ ـ ـ ــذا ما يـ ـ ـ ـ ــوجب (‪ )6‬أن تكـ ـ ـ ـ ــون باقية ىف ح ـ ـ ـ ــال‬
‫حـ ــدوثها‪ .‬وان كـ ــانت تبقى ببقـ ــاء يقـ ــوم هبا ‪ ،‬والبقـ ــاء صـ ــفة ‪ ،‬فقد قـ ــامت الصـ ــفة بالصـ ــفة‬
‫والعــرض بــالعرض ‪ ،‬وذلك فاسد (‪ )7‬ولو جــاز أن تقــوم بالصــفة صــفة جلاز أن تقــوم بالقــدرة‬
‫قدرة ‪ ،‬وباحلياة حياة ‪ ،‬وبالعلم علم ‪ ،‬وذلك فاسد‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬متعلق بقوله قبل ذلك «أن يفعل»‪.‬‬
‫(‪ )3‬كذلك ىف األصل ولعل األوىل أن يقول ‪ :‬البطش‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬له‪.‬‬
‫(‪ )5‬اسم لقوله ‪« :‬تكون»‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب وتبعه ل ‪ :‬جيب‪.‬‬
‫(‪ )7‬لقائل أن يقول ‪ :‬أن البقاء أمر اعتبارى ألنه عبارة عن اســتمرار الوجـود وعلى ذلك فال مــانع أن تتصف به‬
‫الصفة‪.‬‬
‫ـ ‪ 94‬ـ‬

‫(فــان) (‪ )1‬قــال ‪ :‬فما أنكــرمت أن تكــون القــدرة على الشــيء قــدرة عليه وعلى ضــده؟‬
‫قيل له ‪ :‬ألن من ش ــرط الق ــدرة احملدثة أن يك ــون ىف وجودها وج ــود مق ــدورها ؛ ألن ذلك‬
‫لو مل يكن من شــرطها وجــاز وجودها وقتا (وال مقــدور ‪ ،‬جلاز وجودها وقــتني وأكــثر من‬
‫ذلك ‪ ،‬اذ ال فـ ــرق بني وقت) ووقـ ــتني وأكـ ــثر ‪ ،‬ولو كـ ــان هـ ــذا هكـ ــذا جلاز وجودها األبد‬
‫(‪)3‬‬
‫وهو (‪ )2‬فاعل غري فاعل على وجه من الوجـ ـ ـ ـ ــوه‪ .‬أال تـ ـ ـ ـ ــرى أنه ملا مل يكن (من شـ ـ ـ ـ ــرط)‬
‫ق ــدرة الق ــدمي أن ىف وجودها وج ــود مق ــدورها وج ــاز وجودها وال فعل ‪ ،‬مل يس ــتحل أن ال‬
‫تــزال موجــودة وال فعل على وجه من الوجــوه فلما اســتحال أن تكــون قــدرة االنســان األبد‬
‫موجـ ـ ـ ـ ــودة وال يوجد (‪ )4‬منه فعل ال أخذ (‪ )5‬وال تـ ـ ـ ـ ــرك ‪ ،‬وال طاعة وال عصـ ـ ـ ـ ــيان ‪ ،‬واألمر‬
‫والنهى قائمان ‪ ،‬استحال (‪ )6‬ذلك وقتا واحدا ‪ ،‬واذا اســتحال وقتا واحــدا أن توجد القــدرة‬
‫وال مق ــدور فقد وجب أن من (‪ )7‬ش ــرط ق ــدرة االنس ــان أن ىف وجودها وج ــود مق ــدورها ؛‬
‫فاذا كان ذلك استحال‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )2‬أى من قامت به القدرة وهو مفهوم من السياق‪.‬‬
‫(‪ )3‬يكرر ب وتبعه ل قوله ‪« :‬من شرط» مرتني‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ :‬بوجود وقد اختار م أن يغريها اىل موجود‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬ألخذ‪.‬‬
‫(‪ )6‬جواب لقوله قبل ذلك «فلما استحال اخل ‪.»..‬‬
‫(‪ )7‬يزيد م كلمة (يكون) قبل قوله ‪« :‬من شرط ‪ »..‬وال ضرورة هلا على شرط أن نقرأ «أن» بتشديد النون‪.‬‬
‫ـ ‪ 95‬ـ‬

‫أن يق ـ ــدر االنس ـ ــان على الش ـ ــيء وض ـ ــده ؛ ألنه لو ق ـ ــدر عليهما ل ـ ــوجب وجودمها ‪ ،‬وذلك‬
‫حمال‪.‬‬
‫ف ــان ق ــال قائل ‪ :‬ما أنك ــرمت أن تك ــون ق ــدرة واح ــدة على ارادتني وعلى حرك ــتني أو‬
‫على مثلني؟ قيل له ‪ :‬انا أنكرنا (‪ )1‬ذلك من قبل (أن) (‪ )2‬القــدرة ال تكــون قــدرة اال على ما‬
‫يوجد معها ىف حملها ‪ ،‬فلو كــانت قــدرة واحــدة على حركــتني مل خيل أن تكــون قــدرة على‬
‫(‪)4‬‬
‫حركــتني (أن (‪ )3‬يوجــدا معا ىف حــال حــدوثها ‪ ،‬أو على حركــتني أن تكــون واحــدة بعد‬
‫أخـ ــرى‪.‬ـ ف ـ ــان كـ ــانت قـ ــدرة على حرك ـ ــتني أن يكونا معا فقد وجبت حركتـ ــان ىف موضع‬
‫واحد ىف وقت واحد ‪ ،‬ولو جاز هذا جلاز ارتفاع احدى احلركتني اىل ضدها من السـكون‬
‫‪ ،‬فيكــون اجلوهر متحركا عن املكــان ســاكنا فيه ىف وقت واحد ‪ ،‬وهــذا احملال‪ .‬وان كــانت‬
‫ق ــدرة على حرك ــتني توجد (‪ )5‬اح ــدامها (‪ )6‬بعد األخ ــرى فقد ق ــام ال ــدليل والربه ــان على أن‬
‫القدرة ال تبقى ‪ ،‬وهذا يوجب جواز وجود الفعل بقدرة معدومة‪ .‬وهذا مما قد بينا فساده‪.‬‬
‫ومما يدل على أن االستطاعة مع الفعل للفعل ‪ :‬أن من مل خيلق اهلل تعاىل له اســتطاعة‬
‫حمال أن يكتسب شيئا ‪ ،‬فلما استحال‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬أن أنكرنا‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬تعد‪.‬‬
‫(‪ )5‬يزيد م أن قبل قوله ‪« :‬توجد» وال لزوم هلا ألن اجلملة واقعة صفة لقوله ‪« :‬حركتني»‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب ‪ :‬أحدمها‪.‬‬
‫ـ ‪ 96‬ـ‬

‫أن يكتسب الفعل اذا مل تكن اســتطاعة ‪ ،‬صح أن الكسب امنا يوجد لوجودها ‪ ،‬وىف ذلك‬
‫اثبات وجودها مع الفعل للفعل‪.‬‬
‫فــان قــالوا ‪ :‬أليس (‪ )1‬ىف عــدم اجلارحة عــدم الفعــل؟ قيل هلم ‪ :‬ىف عــدم اجلارحة عــدم‬
‫القدرة ‪ ،‬وىف عدم القدرة عـدم االكتســاب ؛ ألهنا اذا عـدمت عـدمت القــدرة فلعـدم القـدرة‬
‫(ما اسـ ـ ــتحال) (‪ )2‬الكسب اذا ع ـ ــدمت اجلارحة ال (‪ )3‬لع ـ ــدم اجلارحة ولو ع ـ ــدمت اجلارحة‬
‫ووجــدت القــدرة لكــان االكتســاب واقعــا‪ .‬ولو كــان امنا اســتحال االكتســاب لعــدم اجلارحة‬
‫لك ــانت اذا وج ــدت وجد الكسب ؛ فلما ك ــانت توجد ويقارهنا العجز وتع ــدم الق ــدرة فال‬
‫يكون كسب (‪ )4‬علم أن االكتساب امنا يقع لعدم االستطاعة ال لعدم اجلارحة‪.‬‬
‫فـ ــان قـ ــالوا ‪ :‬أفليس ىف عـ ــدم احليـ ــاة عـ ــدم الكسـ ــب؟ قيل هلم ‪ :‬نعم ؛ ألن احليـ ــاة اذا‬
‫عدمت عدمت القدرة ‪ ،‬فلعدم القدرة ما (‪ )5‬اســتحال الكسب ال لعــدم احليــاة‪ .‬أال تــرون أن‬
‫احلي ــاة تك ــون موج ــودة ومث عجز فال يك ــون االنس ــان مكتس ــبا ‪ ،‬فعلم أن الكسب مل يع ــدم‬
‫لعدمها وال يوجد لوجودها‪ .‬واجلواب ىف احلياة كاجلواب ىف اجلارحة‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أفليس‪.‬‬
‫(‪ )2‬كـ ــذا ىف األصل و «مـ ــا» ليست نافية قطعا فأما أن نقـ ــول زائـ ــدة أو نقـ ــول أهنا هنا مصـ ــدرية ويكـ ــون املعىن‬
‫فلعدم القدرة استحالة الكسب‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬اال‪.‬‬
‫(‪ )4‬أو تبعه ب ‪ :‬كسبا‪.‬‬
‫(‪ )5‬مث هنا ظرف ال حرف عطف ‪ ،‬واملعىن ‪ :‬هناك عجز‪.‬‬
‫ـ ‪ 97‬ـ‬

‫ف ــان ق ــالوا ‪ :‬اذا ك ــان ىف ع ــدم االحس ــان للحياكة (‪ )1‬ع ــدم احلياكة فلم ال يك ــون ىف‬
‫وج ــود االحس ــان (‪ )2‬هلا وجوده ــا؟ قيل (هلم) (‪ )3‬ان احلياكة تع ــدم لعـ ــدم ق ــدرهتا ‪ ،‬ال لع ــدم‬
‫احســاهنا ‪ ،‬ولو عــدمت احلياكة لعــدم االحســان هلا لوجــدت بوجــود االحســان هلا ؛ فلما مل‬
‫يكن ذلك كذلك وكان االحسان هلا جيامعه العجز ‪ ،‬علم أهنا امنا تعــدم لعــدم القــدرة عليها‬
‫‪ ،‬ولو أجــرى اهلل تعــاىل العــادة أن خيلق القــدرة عليها مع عــدم االحســان هلا لــوقعت احلياكة‬
‫ال حمالة‪.‬‬
‫فـ ــان قـ ــالوا ‪ :‬فـ ــاذا كـ ــان ىف عـ ــدم التحلية واالطالق (‪ )4‬عـ ــدم الفعل ففى (‪ )5‬وجودها‬
‫وجــود الفعــل‪ .‬قيل هلم ‪ :‬كــذلك نقــول‪ .‬فـان قــالوا ‪ :‬فـاذا كــان ىف عــدم احتمــال البنية للفعل‬
‫عــدم الفعل فلم ال يك ــون ىف وجــوه احتم ــال البنية للش ــيء وج ــوده (‪ )6‬قيل هلم (‪ : )7‬كــذلك‬
‫نقول ؛ ألن البنية ال حتتمل اال ما يقوم هبا‪.‬‬
‫(وكل ما تعارضــوننا) (‪ )8‬به ىف هــذه العلة فــاجلواب فيه كــاجلواب ىف اجلارحة واحليــاة‬
‫؛ ألنه ليس عدم الكسب لعدمه‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬احليالة ‪ :‬وكذا ىف سائر املواضع بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬األجسام‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )4‬لعل املراد من التحلية هتيئة الفاعل بقـ ــوى االكتسـ ــاب ‪ ،‬واملراد من االطالق متكني الفاعل من الفعل وعـ ــدم‬
‫احليلولة بينة وبينة‪.‬‬
‫(‪ )5‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬هى‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬وجود ما‬
‫(‪ )7‬ب ‪ :‬وتبعه ل ‪ :‬له‪.‬‬
‫(‪ )8‬ب وتبعه ل «وكلما تعارضونا به» وقد أبقاها م كما هى مع أن ما موصولة‪.‬‬
‫(‪ 7‬ـ كتاب اللمع)‬
‫ـ ‪ 98‬ـ‬

‫ومما ي ــدل على أن االس ــتطاعة مع الفعل ق ــول اخلضر ملوسى عليهما‌السالم ‪( :‬إِنَّ َ‬
‫ك‬
‫ص ْبراً) (‪ )1‬فعلمنا أنه ملا مل يصرب مل يكن للصرب مس ــتطيعا ‪ ،‬وىف ه ــذا بي ــان‬ ‫لَن تَس تَ ِط ِ‬
‫يع َمع َي َ‬
‫ْ ْ َ‬
‫أن ما مل تكن اســتطاعة مل يكن الفعل وأهنا اذا كــانت كــان ال حمالــة‪ .‬ومما يــبني ذلك أن اهلل‬
‫الس ْم َع) (‪ )2‬وقــال ‪َ ( :‬وكانُوا ال يَ ْس تَ ِطيعُو َن َس ْمعاً) (‪ )3‬لو‬
‫تعــاىل قــال ‪( :‬ما كانُوا يَ ْس تَ ِطيعُو َن َّ‬
‫قد أمــروا أن يسـمعوا احلق وكلفــوه ‪ ،‬فـدل ذلك على جــواز تكليف ما ال يطــاق وأن من مل‬
‫يقبل احلق ومل يس ـ ــمعه على طريق القب ـ ــول مل يكن مس ـ ــتطيعا‪ .‬ف ـ ــان ق ـ ــالوا ‪ :‬أال يس ـ ــتطيعون‬
‫االسـ ـ ـ ـ ــتقبال؟ قيل هلم ‪ :‬ما الفـ ـ ـ ـ ــرق (بينكم وبني من قـ ـ ـ ـ ــال اهنم ال يسـ ـ ـ ـ ــتطيعون قبـ ـ ـ ـ ــول احلق‬
‫لالشتغال برتكه‬

‫مسألة‬
‫فـ ــان قـ ــال قائل ‪ :‬أليس قد كلف اهلل تعـ ــاىل الكـ ــافر االميان؟ قلنا له نعم‪ .‬فـ ــان قـ ــال ‪:‬‬
‫أفيسـ ــتطيع (‪ )4‬االميان؟ قيل له ‪ :‬لو اسـ ــتطاعه آلمن ‪ :‬فـ ــان قـ ــال ‪ :‬أفكلفه (‪ )5‬ما ال يسـ ــتطيع؟‬
‫قيل له ‪ :‬هـ ــذا كالم على أمـ ــرين ان أردت بقولك أنه ال يسـ ــتطيع االميان لعجـ ــزه عنه فال ‪،‬‬
‫وان أردت أنه ال يسـتطيعه لرتكه واشـتغاله بضــده فنعم‪ .‬فـان قـال ‪ :‬ما أنكـرمت أن يكـون اهلل‬
‫تع ـ ــاىل كلف الكـ ــافر ما يعجز عنه لرتكه له قيل له ‪ :‬العجز عن الش ـ ــيء أنه خيرج عنه وعن‬
‫ضده ‪ :‬فلذلك استحال أن يعجز‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 18‬اآلية ‪.67‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 11‬اآلية ‪.20‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 18‬اآلية ‪.101‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬فيستطيع‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬فكلفه‪.‬ـ‬
‫ـ ‪ 99‬ـ‬

‫العاجز عن الشيء لرتكه له‪ .‬فان قال ‪ :‬ما أنكرت أن يكون القادر على الشــيء قــادرا على‬
‫ضده كما كـان العـاجز عن الشـيء قـوة على ضـده قياسا على العجز للـزم عـاجزا عن ضـده‬
‫أقيل ‪ :‬لو كانت القوة على الشــيء قــوة أن يكــوم العـون على الشــيء عونا على ضــده قياسا‬
‫على أن العجز عن الشـ ــيء عجز عن ضـ ــده‪ .‬وأيضا فلو كـ ــانت القـ ــدرة على الشـ ــيء قـ ــدرة‬
‫على ضــده قياسا على العجز ـ ـ ألن العجز عن الشــيء عجز عن ضــده ـ لــوجب القــدرة (ما‬
‫وجب ىف العجز من أنه يت ــأتى (‪ )1‬هبا الش ــيء وض ــده كما يتع ــذر ب ــالعجز الش ــيء وض ــده ‪،‬‬
‫(وذلك أن) (‪ )2‬العجز اذا (وج ــد) (‪ )3‬ع ــدم الش ــيء وض ــده املعج ــوز عنهما مع وج ــوده فلم‬
‫يكن االنسـ ــان مكتسـ ــبا هلما فكـ ــان (‪ )4‬يلـ ــزم ىف القـ ــدرة مثله اذا وجـ ــدت وهى القـ ــدرة على‬
‫الشــيء وضــده أن يوجد الشــيء وضــده معها ‪ ،‬ألنه جيب وجــود (‪ )5‬الضــدين مع وجودها ؛‬
‫(‬
‫خبالف ما حيكم به ىف العجز ‪ ،‬ألن العجز حيكم فيه بعدم املعجوز عنه وضده مع وجــوده‬
‫‪ ، )6‬ف ــان مل جيز ه ــذا فقد بطلت العلة وانقضت املعارضة ومل جيب أن تق ــاس الق ــدرة على‬
‫العجز اذا (‪ )7‬مل تكن علة جتمع بينهما ومل تكن القدر) من جنس العجز‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬يتاتا‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب ‪ ،‬ل ‪ ،‬م ‪« :‬ولكان»‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ ،‬ل ‪ ،‬م ‪« :‬لكان»‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬من وجود‪.‬‬
‫(‪ )6‬أى العجز ولعل هذه الفقرة هى أشد فقرات الكتاب ربكا وارتباكا‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب وتبعه ل ‪ :‬اذا‪.‬‬
‫ـ ‪ 100‬ـ‬

‫فــان قــالوا ‪ :‬أفيجــوز أن يكلف اهلل تعــاىل الشــيء مع عــدم اجلارحة ووجــود العجــز؟‬
‫قيل هلم (ال) (‪ ، )1‬ألن املأمور امنا يؤمر ليقبل أو ليــرتك (‪ )2‬ومع عــدم اجلارحة ال يوجد أخذ‬
‫وال تــرك ‪ ،‬وكــذلك العجز ال يوجد معه أخذ وال تــرك ‪( ،‬ألنــه) (‪ )3‬عجز عن الشــيء وعن‬
‫ضده (‪.)4‬‬
‫وأيضا فلو وجب اذا أمر اهلل تع ــاىل االنس ــان بالش ــيء مع ع ــدم قدرته أن ي ــأمر (‪ )5‬به‬
‫مع عدم القدرة كلها لوجب (‪ )6‬اذا أمر اهلل تعــاىل االنســان مع عــدم بعض العلــوم وهو العلم‬
‫باهلل تعــاىل وبأنه أمر أن يــأمره (‪ )7‬بالفعل مع عــدم العلــوم كلها فــان مل جيب هــذا مل جيب اذا‬
‫أمر االنســان مع عــدم القــدرة على ما أمــره به أن يــأمر (‪ )8‬مع عــدم اجلارحة الىت اذا عــدمت‬
‫عــدمت القــدرة كلها ومع وجــود العجز الّـذي مل تعــدم القــدرة بوجــوده‪ .‬وكل مســألة (‪ )9‬ىف‬
‫تكليف ما ال يطاق من األمر بالزكاة مع عدم‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬لرتك‪.‬‬
‫(‪ )3‬أو تبعه ب ‪ :‬ال‪.‬‬
‫(‪ )4‬يقــوع ‪ :‬لعل ‪« :‬جارحتــه» تعطى معىن وهو خطأ ألن املقصــود بعــدم القــدرة هنا العــدم الناشئ عن االمهال‬
‫والرتك قصدا واملقصود بالقدرة كلها عدم اجلارحة‪.‬‬
‫(‪ )5‬فاعل لقوله «فلو وجب»‪.‬‬
‫(‪ )6‬جواب لقوله «فلو»‪.‬‬
‫(‪ )7‬فاعل لقوله «لوجب»‪.‬‬
‫(‪ )8‬ب وتبعه ل ‪ :‬فأمر‪.‬‬
‫(‪ )9‬يزيد الناسخ ىف األصل ‪ :‬قال للشيخ أبو احلسن رحمه‌هللا وكل ‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫ـ ‪ 101‬ـ‬

‫املال وغري ذلك من املسـ ـ ــائل فـ ـ ــاجلواب عنه كما أجبت به عن سـ ـ ــؤاهلم عن األمر مع عـ ــدم‬
‫اجلارحة والتكليف مع وجود العجز‪.‬‬
‫ف ــان ق ــال قائل ‪ :‬ما أنك ــرمت أن يع ــدم الش ــيء وض ــده لوج ــود عج ــزين؟ قيل له ‪ :‬ألنه‬
‫(ال) (‪ )1‬هناية ملا يعجز عنه االنسـ ــان العـ ــاجز الّـ ــذي ال قـ ــدرة فيه ‪ ،‬فلو كـ ــان العجز عن كل‬
‫شيء (‪ )2‬غري العجز (عن) (‪ )3‬غريه لكان ىف االنســان من االعجـاز ما ال يتنـاهى وهـذا حمال‪.‬‬
‫وأيضا فان املوت هو أكرب األعجــاز ألنه تتعــذر (‪ )4‬معه األفعــال كلها ‪ ،‬فلو كــان العجز عن‬
‫كل ش ــيء (‪ )5‬غري العجز عن غ ــريه لك ــان بعض املي ــتني (‪ )6‬امنا تع ــدم منه األفع ــال (‪ )7‬لوج ــود‬
‫أعجــاز ‪ ،‬وهــذا يــوجب أن ىف اجلزء الواحد عجــزين ومــوتني‪ .‬ولو جــاز هــذا جلاز أن يرتفع‬
‫أحدمها اىل حياة فيكون اجلزء الواحد حيا ميتا ىف حال معا ‪ ،‬وهذا حمال فلما استحال هــذا‬
‫علم أنه حمال ىف (‪ )8‬قـ ــول من قـ ــال ان العجز عن كل (‪ )9‬شـ ــيء غري العجز عن غـ ــريه‪ .‬وباهلل‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليست ىف األصل وزيادهتا تكاد تكون ضرورية بقليل من التأمل‪ .‬وقد ترك زيادهتا م‪.‬‬
‫(‪ )2‬كذا ىف األصل ولعل الصواب ‪ :‬عن أى شيء‪.‬‬
‫(‪ )9‬كذا ىف األصل ولعل الصواب ‪ :‬عن أى شيء‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬تغدر‪.‬‬
‫(‪ )5‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬املسن‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب وتبعه ل ‪ :‬لألفعال‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب وتبعه ل ‪ :‬موت‪.‬‬
‫(‪ )8‬كذا ىف األصل ولعل األوىل حذف ىف‪.‬‬
‫ـ ‪ 102‬ـ‬

‫مسألة‬
‫ف ــان ق ــال قائل ‪ :‬خربونا عمن طلق امرأته وأعتق عب ــده ‪ :‬مىت اس ــتطاع طالق امرأته‬
‫وعتق عبــده؟ قيل له ‪ :‬اســتطاع عتق عبــده ىف حــال العتق ‪ ،‬واســتطاع طالق امرأته ىف حــال‬
‫الطالق‪ .‬فــان قــال ‪ :‬أفاســتطاع أن يطلق من ليس امرأته وأن يعتق من ليس عبــده؟ قيل له ‪:‬‬
‫اسـ ـ ـ ــتطاع أن يطلق من ليست امرأته ىف حـ ـ ـ ــال الطالق وقد كـ ـ ـ ــانت امرأته قبل ذلك ‪ ،‬وأن‬
‫يعتق من ليس عب ــده ىف ح ــال العتق وقد ك ــان عب ــده قبل ذل ــك‪ .‬وك ــذلك اجلواب ىف الق ــاء‬
‫العصا واالنتقال من الشمس اىل الظل وعن كسر املكسور (‪.)1‬‬

‫مسألة‬
‫ين يُ ِطي ُقونَهُ فِ ْديَةٌ) (‪.)2‬‬ ‫َّ ِ‬
‫فان قال قائل ‪ :‬خربونا عن قول اهلل تعاىل ‪َ ( :‬و َعلَى الذ َ‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليس ما ورد هنا هو بعينه ما يوجد باألصل ولألمانة العلمية رأيت اثب ـ ـ ـ ــات النص هنا كما هو ىف األصل ‪:‬‬
‫«فــان قــال خربونا عمن طلق امرأته وأعتق عبــده مىت اســتطاع عتق عبــده ىف حــال العتق واســتطاع طالق امرأته‬
‫ىف حـ ــال الطالق فـ ــان قـ ــالوا فاسـ ــتطاع أن يطلق من ليست امرأته وأن يعتق من ليس عبـ ــده قيل له اس ـ ــتطاع أن‬
‫يطلق من ليست امرأته وأن يعتق من ليس عبده قيل له استطاع أن يطلق من ليست امرأته ىف حال الطالق وقد‬
‫كــانت امرأته قبل ذلك وأن يعتق من ليس عبــده ىف حــال العتق وقد كــان عبــده قبل ذلك كما أنه طلق من ليس‬
‫امرأته ىف حـ ــال الطالق وقد كـ ــانت قبل ذلك امرأته واعتق من ليس عبـ ــده ىف حـ ــال العتق وقد كـ ــان عبـ ــده قبل‬
‫ذلك‪ .‬وكذلك اجلواب ىف القاء العصا واالنتقال من الشمس اىل الظل وعن كسر املكسور»‪.‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 2‬اآلية ‪182‬‬
‫ـ ‪ 103‬ـ‬

‫قيل له ‪ :‬حيتمل أن يكـ ـ ــون اهلل تعـ ـ ــاىل أراد الـ ـ ــذين يطيقـ ـ ــون االطعـ ـ ــام ويعجـ ـ ــزون عن‬
‫الصــيام عليهم الفدية اذا أفطــروا ‪ ،‬وحيتمل أن يكــون أراد الــذين يطيقــون الصــيام أن تكلفــوه‬
‫وأرادوه على قــول من رجع باهلاء (‪ )1‬اىل مــذكور تقــدم وهو (‪ )2‬الصــيام‪ .‬وقد قــالت املعتزلة‬
‫‪ :‬ال جيوز أن يرجع هبا (‪ )3‬اال اىل م ـ ــذكور تق ـ ــدم وهو الص ـ ــيام‪ .‬قيل (‪ )4‬هلم ‪ :‬التأويل الّ ـ ــذي‬
‫تأولنــاه هو (‪ )5‬تأويل بعض املتقــدمني وليس النحويــون حجة على الصــحابة والتــابعني ‪ ،‬على‬
‫أن كثريا من النحــويني قد أجــازوا أن ال يرجع باهلاء اىل مــذكور تقــدم‪ .‬مث نكر على املعتزلة‬
‫س ِ‬
‫واح َد ٍة‬ ‫راجعني فنق ـ ــول هلم ‪ :‬ح ـ ــدثونا عن ق ـ ــول اهلل تع ـ ــاىل ‪ُ ( :‬ه َو الَّ ِذي َخلَ َق ُك ْم ِم ْن َن ْف ٍ‬
‫ت َح ْمالً َخ ِفيف اً‬ ‫ش اها َح َملَ ْ‬ ‫َو َج َع َل ِم ْنها َز ْو َجها لِيَ ْس ُك َن إِل َْيها) «يعىن آدم وح ـ ــواء ( َفلَ َّما َتغَ َّ‬
‫ت) يعىن حـ ـ ـ ــواء ( َد َع َوا اهللَ َر َّب ُهما لَئِ ْن آَت ْيتَنا ص الِحاً لَنَ ُك ونَ َّن ِم َن‬‫ت بِ ِه َفلَ َّما أَْث َقلَ ْ‬‫فَ َم َّر ْ‬
‫َّ ِ‬
‫آتاهما) (‪ )9‬زعمت‬ ‫ين) ـ يريد آدم وحــواء‪ .‬وقوله تعـاىل (بعد ذلــك) ( َفلَ َّما ُ‬ ‫الشاك ِر َ‬
‫(‪)8‬‬ ‫(‪)7‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫املعتزلة أن اهلاء وامليم مل يرجع هبما اىل‬


‫__________________‬
‫(‪ )1‬املقصود باهلاء هنا هو الضمري ىف قوله «يطيقونه»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬على‪.‬‬
‫(‪ )3‬أى اهلاء وهى الضمري ىف قوله «يطيقونه»‪.‬‬
‫(‪ )4‬لعل األوىل أن يقول ‪ :‬فقيل هلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬وهو بـ ـ ــالواو وقد أبقاها م قـ ـ ــائال أظن أهنا زائـ ـ ــدة وهى زائـ ـ ــدة قطعا واال فـ ـ ــأين خرب املبتـ ـ ــدا‬
‫«التأويل»‪.‬‬
‫(‪ )6‬س ‪ 7‬اآلية ‪.189‬‬
‫(‪ )7‬معطوف على قوله قبل ذلك حدثونا على عن قول اهلل تعاىل‪.‬‬
‫(‪ )8‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )9‬أى صاحلا س ‪ 7‬اآلية ‪.191‬‬
‫ـ ‪ 104‬ـ‬

‫ما تق ـ ــدم ذك ـ ــره بل رجع هبما اىل املش ـ ــركني من ول ـ ــدمها فنقض ـ ــوا ق ـ ــوهلم ان اهلاء ال‬
‫يرجع هبا اال اىل مـ ـ ـ ــذكور قد تقـ ـ ـ ــدم ذكـ ـ ـ ــره‪ .‬وقد قرأها بعض الصـ ـ ـ ــحابة» «وعلى الـ ـ ـ ــذين‬
‫يطيقون فدية» وكان تأويله (‪ )1‬أهنم (‪ )2‬حيملونه وال يطيقونه‪.‬‬

‫مسألة‬
‫(‬
‫طاع إِل َْي ِه َس بِيالً)‬ ‫ت َم ِن ْ‬
‫استَ َ‬ ‫َ‬ ‫وقد سألوا عن قول اهلل تعاىل ( َولِلَّ ِه َعلَى الن ِ‬
‫َّاس ِح ُّج الْب ْي ِ‬
‫‪ )3‬ف ـ ــاجلواب أن اهلل تع ـ ــاىل أراد املال وهو ال ـ ــزاد والراحلة ومل ي ـ ــرد اس ـ ــتطاعة الب ـ ــدن الىت ىف‬
‫كوهنا كــون مقــدورها وقيــام الداللة من القيــاس على أن االســتطاعة مع الفعل يصح تأويلنا‬
‫ويبطل تأويل خمالفينا‪.‬‬

‫مسألة‬
‫ان قـ ـ ــال قائل ‪ :‬ما معىن قـ ـ ــول اهلل تعـ ـ ــاىل ‪( :‬وس ي ْحلِ ُفو َن بِ ِ‬
‫اهلل لَ ِو ْ‬
‫اس تَطَ ْعنا لَ َخ َر ْجنا‬ ‫ََ َ‬
‫َم َع ُك ْم) (‪ )4‬هل خيلو أن يكونــوا مســتطيعني اخلروج فلم خيرجــوا أو (‪ )5‬لو اســتطاعوا اخلروج‬
‫مل خيرجـ ـ ـ ـ ـ ــوا؟ فـ ـ ـ ـ ـ ــاجلواب ‪ :‬اهنم عنـ ـ ـ ـ ـ ــوا باالسـ ـ ـ ـ ـ ــتطاعة اجلدة واملال وحلفـ ـ ـ ـ ـ ــوا لرسـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل‬
‫صلى‌هللا‌عليه‌وسلم أهنم ال مال هلم وال ظهر حيملون به‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬تأويلهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 3‬اآلية ‪.97‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 9‬اآلية ‪ 42‬وبقيتها ( ُي ْهلِ ُك و َن أَْن ُف َس ُه ْم َواهللُ َي ْعلَ ُم إَِّن ُه ْم لَك ِاذبُو َن) فلما ذا ك ــذهبم اهلل؟ يق ــول املع ــرتض‬
‫هل خيلو ‪ ..‬اخل‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م «و» وهى «أو» قطعا وأال مل حيصل الرتديد‪.‬‬
‫ـ ‪ 105‬ـ‬

‫مع نىب اهلل صلى‌هللا‌عليه‌وسلم فأك ـ ــذهبم اهلل ىف حلفهم ‪ ،‬ألهنم ك ـ ــانوا جيدون املال ‪ ،‬ومل‬
‫تكن املنـ ـ ـ ـ ــاظرة بينهم وبني رسـ ـ ـ ـ ــول اهلل ىف أن االسـ ـ ـ ـ ــتطاعة مع الفعل أو قبله ‪ ،‬امنا كـ ـ ـ ـ ــانت‬
‫احملاورة (‪ )1‬بينهم وبينه ىف اجلدة (‪ )2‬والظهــر‪ .‬وهكــذا ذكر أهل التفسري ونقلة األخبــار ومحلة‬
‫(‪ )3‬اآلث ـ ــار‪ .‬واذا ك ـ ــان ه ـ ــذا هك ـ ــذا فنحن ال ننكر تق ـ ــدم املال للفعل ‪ ،‬وامنا أنكرنا مث تقـ ــدم‬
‫استطاعة البدن للفعل‪.‬‬

‫مسألة‬
‫استَطَ ْعتُ ْم) (‪ )4‬فقد حيتمل أن يكون اهلل‬ ‫فان سألوا عن قول اهلل تعاىل ‪( :‬فَ َّات ُقوا اهللَ َما ْ‬
‫تعاىل أراد اتقـوا اهلل ما كنتم مسـتطيعني فـان كـانوا للتقــوى مسـتطيعني كــان عليهم أن يتقـوا‬
‫‪ ،‬وان كـ ـ ـ ـ ــانوا لرتكه (‪ )5‬مسـ ـ ـ ـ ــتطيعني فعليهم أن يتقـ ـ ـ ـ ــوا ‪ ،‬ألن التقـ ـ ـ ـ ــوى ال يلـ ـ ـ ـ ــزمهم اال أن‬
‫يستطيعوه (‪ )6‬أو يستطيعوا تركه (‪ )7‬وقد حيتمل اتقوا اهلل فيما استطعتم‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب ل ‪ :‬احملارة وصححها اىل اجملاراة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أو تبعه ب ‪ :‬احلدة‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب نقلها الناسخ ‪ :‬ومجلة‪.‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 64‬اآلية ‪16‬‬
‫(‪ )5‬كذا ىف ب وتبعه ل ‪ ،‬م ولعل األوىل ‪ :‬لرتكها ‪ ،‬ألن كلمة التقوى مؤنث جمازى‬
‫(‪ )6‬كذا ىف ب وتبعه ل‪ .‬م ولعل األوىل يستطيعوها للسبب املتقدم‪.‬‬
‫(‪ )7‬كذا ىف ب أيضا وتبعه ل ‪ ،‬م لعل األوىل كما قلت ‪ :‬تركها‪.‬‬
‫ـ ‪ 106‬ـ‬

‫مسألة‬
‫ِّين ِم ْس ِكيناً) (‪ )1‬فــاجلواب ‪:‬‬ ‫ومن ســأل عن قوله تعــاىل ‪( :‬فَمن لَم يس تَ ِطع فَِإط ِ‬
‫ْعام س ت َ‬‫ُ‬ ‫َْ ْ َْ ْ‬
‫أن من مل يستطع لعجز فعليه إطعام ستني مسكينا‪.‬‬
‫ف اهللُ َن ْفس اً إِاَّل ما آتاها) (‪ )2‬فـ ـ ـ ــاملعىن أنه ال‬ ‫ومن سـ ـ ـ ــأل عن قوله تعـ ـ ـ ــاىل ‪( :‬ال يُ َكلِّ ُ‬
‫يكلفها من النفقة اال ما آتاها ‪ ،‬ألنه قـ ـ ــال ذلك عقيب (‪ )3‬ذكر النفقة ؛ قـ ـ ــال ‪َ ( :‬و َم ْن قُ ِد َر‬
‫ف اهللُ َن ْفساً إِاَّل ما آتاها)‪.‬‬ ‫َعلَْي ِه ِر ْزقُهُ َفل ُْي ْن ِف ْق ِم َّما آتاهُ اهللُ ‪ ،‬ال يُ َكلِّ ُ‬
‫ف اهللُ َن ْفس اً إِاَّل ُو ْس َعها) (‪ )4‬فــاجلواب عن ذلك‬ ‫ومن ســأل عن قوله تعــاىل ‪( :‬ال يُ َكلِّ ُ‬
‫أن اهلل تعاىل ال يكلفها ما يضيق عليها من ازالة (‪ )5‬اخلواطر عن النفـوس الىت تـدعو اىل الشر‬
‫؛ ألن اهلل تعـ ــاىل قد جتاوز عن ذلك ووسع على املسـ ــلمني فيما تـ ــدعوهم نفوسـ ــهم إليه من‬
‫ف اهللُ َن ْفس اً‬ ‫املعص ــية اذا مل يرتكب ــوا ذلك بعد أن ك ــان ذلك مض ــيقا عليهم‪ .‬فمعىن (ال يُ َكلِّ ُ‬
‫إِاَّل ُو ْس َعها) يعىن اال ما تطيقه عليها ؛ ألن ما أمر اهلل تع ــاىل به عب ــاده ال يض ــيق عليهم فعله‬
‫ف اهللُ َن ْفس اً إِاَّل ُو ْس َعها)‬‫وال يعج ــزون عن االتي ــان ب ــه‪ .‬وقد ق ــال بعض أص ــحابنا ‪( :‬ال يُ َكلِّ ُ‬
‫يعىن اال ما يسعها وحيل هلا‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 58‬اآلية ‪.4‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 65‬اآلية ‪.8‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬عقب‪.‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 2‬اآلية ‪.286‬‬
‫(‪ )5‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬ان إله‪.‬‬
‫ـ ‪ 107‬ـ‬

‫ين) (‪ )1‬فــان‬ ‫ومن سأل عن قول اهلل تعــاىل خمربا عن العفــريت ‪( :‬وإِنِّي علَي ِه لََق ِو ٌّ ِ‬
‫ي أَم ٌ‬
‫(‬
‫َ َْ‬
‫‪ )2‬كـ ـ ــان (‪ )3‬العفـ ـ ــريت صـ ـ ــادقا ف ـ ــاملعىن ىف قوله ‪« :‬واىن عليه لق ـ ــوى أمني» ان تكلفت ذلك‬
‫وأردته (‪ )4‬فــان (‪ )5‬كــان ممن اذا أراد ذلك أحــدث اهلل تعــاىل له القــدرة عليه مل يكن كاذبا ‪،‬‬
‫وان مل يقل هــذا القــول على هــذا املعىن فهو كــاذب ‪ ،‬وليس ىف قــول العفــاريت والشــياطني‬
‫حجة على دين رب العـ ــاملني ‪ ،‬زعمت املعتزلة أن (‪ )6‬العف ـ ــريت مل يكذبه سـ ــليمان وهو نىب‬
‫ك َوإِنِّي َعلَْي ِه لََق ِو ٌّ‬
‫ي‬ ‫يك بِ ِه َقب ل أَ ْن َت ُق وم ِمن م ِ‬
‫قام َ‬ ‫من أنبيــاء اهلل تعــاىل على قوله ‪( :‬أَنَا آتِ َ‬
‫(‪)7‬‬
‫َ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ين)‪ .‬وال جيوز ألحد أن يكــذب بني يــدى نىب وهو يعلم أنه اذا كــذب رد اهلل عليه كذبه‬ ‫ِ‬
‫أَم ٌ‬
‫جاء َك ال ُْمنافِ ُقو َن) (‪ )9‬فــأخرب‬ ‫على لسان النيب صلى‌هللا‌عليه‌وسلم كما قــال لنبيه ‪( :‬إِذا َ‬
‫(‪)8‬‬

‫اهلل تعاىل بكذهبم‪ .‬ومثل ذلك ىف القرآن كثري ‪ ،‬واحتجوا بذلك أن االستطاعة قبل الفعل‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 27‬اآلية ‪.39‬‬
‫(‪ )2‬بدء االجابة وقد رادم قبلها بعد أن حذف «الفاء» منها (فاجلواب عن ذلك) وال ضرورة لكل هذا‪.‬‬
‫(‪ )3‬أو تبعه ب ‪ :‬كانت‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬وأرادته‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب ل ‪ ،‬م ‪ :‬وان ‪ ،‬واملقام للفاء‪.‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬لو أن‪.‬‬
‫(‪ )7‬كذا ىف ب وتبعه ل ولعل األوىل ىف‬
‫(‪ )8‬املقصود به نىب االسالمـ حممد عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫ك ل ََر ُس ولُهُ َواهللُ‬
‫ول ِ‬
‫اهلل َواهللُ َي ْعلَ ُم إِنَّ َ‬ ‫اء َك ال ُْمن افِ ُقو َن ق الُوا نَ ْش َه ُد إِنَّ َ‬
‫ك ل ََر ُس ُ‬ ‫(‪ )9‬س ‪ 63‬اآلية ‪ 1‬ونصـ ــها (إِذا ج َ‬
‫ي ْشه ُد إِ َّن الْمنافِ ِقين ل ِ‬
‫َكاذبُو َن)‪.‬‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ـ ‪ 108‬ـ‬

‫ف ــبئس ما ق ــالوا (‪ )1‬وظن ــوا بل س ــولت هلم أنفس ــهم األباطي ــل‪ .‬ف ــاجلواب أن نق ــول ملن احتج‬
‫علينا بـ ـ ـ ــذلك ‪ :‬انه ليس ختلو هـ ـ ـ ــذه اآلية الىت حكاها اهلل تع ـ ـ ـ ــاىل عن العفـ ـ ـ ــريت أن يك ـ ـ ـ ــون‬
‫ين) ان اسـ ـ ــتطعت ذلك وتكلفته وأردته ‪ ،‬أو‬ ‫العف ـ ـ ــريت عىن بقوله ‪( :‬وإِنِّي علَي ِه لََق ِو ٌّ ِ‬
‫ي أَم ٌ‬ ‫َ َْ‬
‫ين) ان شــاء اهلل ‪ ،‬أو يكــون عىن بقوله ‪ ،‬ان قــواىن‬ ‫يكــون عىن بقوله ‪( :‬وإِنِّي علَي ِه لََق ِو ٌّ ِ‬
‫ي أَم ٌ‬ ‫َ َْ‬
‫اهلل تعــاىل عليــه‪ .‬ولو مل يعلم ســليمان أن العفــريت أضــمر شــيئا من ذلك لكذبه ورد عليه‬
‫(‪)2‬‬

‫قوله‪ .‬والدليل ىف ذلك قول اهلل تعــاىل ‪( :‬فَ َما ْ‬


‫اسطاعُوا أَ ْن يَظ َْه ُروهُ َو َما ْ‬
‫اس تَطاعُوا لَهُ َن ْقب اً)‬
‫(‬

‫‪ )3‬وقد جـ ــاء ىف التفسري ‪ :‬ال خالف بني أحد من املوحـ ــدين ىف (‪ )4‬أهنم (كـ ــانوا) (‪ )5‬ىف كل‬
‫يــوم يــأملون أن يصــبحوا (‪ )6‬وقد فتحــوه وال يقولــون ان شــاء اهلل ‪ ،‬فــاذا كــان املقــدر قــالوا ‪:‬‬
‫ان ش ــاء اهلل فأص ــبحوا وقد فتح ــوه ؛ ف ــدل (أن ال اس ــتطاعة) (‪ )7‬هلم قبل الفعل اال مع الفعل‬
‫للفعل بإرادة اهلل ذلك‪ .‬وقول (‪ )8‬اهلل تعاىل ىف صاحب يوسف ‪:‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب «مالوا» وقد اختار ل ‪ ،‬م أن تكون «بالوا»‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬أضمره‬
‫(‪ )3‬س ‪ 18‬اآلية ‪.97‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م فيه‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل ومل يزدها م‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب ‪ :‬يصحوان ‪ ،‬وىف ‪ :‬يصحوان‪.‬‬
‫(‪ )7‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬أن االستطاعة‪.‬‬
‫(‪ )8‬معطوف على قوله ذلك ‪« :‬والدليل ىف ذلك قول اهلل تعاىل (فما اسطاعوا) إخل»‪.‬‬
‫ـ ‪ 109‬ـ‬

‫ين) (‪ )1‬أنسى الشــيطان النــاجى (‪ )2‬أن‬ ‫الس ْج ِن بِ ْ ِ ِ‬ ‫ث فِي ِّ‬ ‫الش ْيطا ُن ِذ ْك َر َربِِّه َفلَبِ َ‬
‫(فَأَنْساهُ َّ‬
‫ض َع س ن َ‬
‫ي ــذكر يوسف عند امللك فلم يكن للن ــاجى اس ــتطاعة أن ي ــذكر أمر يوسف للملك اذ ك ــان‬
‫قد وعد يوسف بأن يذكره عند ربه قبل خروجه من السجن ‪ ،‬وكــان ذلك لتمــام مــراد اهلل‬
‫تع ــاىل بيوسف اىل ال ــوقت املعل ــوم الّ ــذي رأى امللك فيه الرؤي ــا‪ .‬وأيضا ق ــول اهلل تع ــاىل لنبيه‬
‫شي ٍء إِنِّي ِ‬
‫فاع ٌل ذلِ َ‬ ‫عليه الصــالة والســالم (وال َت ُقول َّ ِ‬
‫ك غَ داً إِاَّل أَ ْن يَ َ‬
‫شاء اهللُ) (‪ )3‬فــأمر اهلل‬ ‫َن ل َ ْ‬ ‫َ‬
‫(‪)4‬‬
‫تعاىل نبيه بأن ال يقــدم على فعل شــيء يقع ىف نفسه مل يــأت أن يســتثىن ىف قوله ‪ ،‬وأخرب‬
‫اهلل تع ــاىل نبيه أن ال يك ــون قولك ه ــذا كائنا (‪ )5‬قبل فعلك له (اال) (‪ )6‬ان أردت أنا ذلك ‪،‬‬
‫س َعلى أ َْم والِ ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫فسلم النيب صلى‌هللا‌عليه‌وسلم ألمر اهلل تعاىل‪ .‬وقول موسى ‪َ ( :‬ر َّبنَا اطْم ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم) (‪ )7‬فلم يقــدروا اذ رأوا العــذاب‬ ‫اش ُد ْد َعلى ُقلُ وبِ ِه ْم فَال ُي ْؤمنُ وا َحتَّى َي َر ُوا ال َْع َ‬
‫ذاب اأْل َل َ‬ ‫َو ْ‬
‫امللجئ هلم اىل االميان أن يؤمنوا‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 12‬اآلية ‪.42‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م للناجى‪.‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 18‬اآليتان ‪.24 ، 23‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬فـ ـ ــأخرب‪ .‬واألصل هنا ال خيلو من بعض االضـ ـ ــطراب فما رمسناه «مل يـ ـ ــأت» هو ىف األصل ‪:‬‬
‫«مل تاب» ولكن املقصود على تصحيحنا واضح‪ .‬وقد صححها م «مل يأب» فتعقدـ املعىن‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬كائن‪.‬‬
‫(‪ )6‬ليست ىف األصل وعباراته ىف هذا املوضع ال ختلو من اضطراب كبري كما أشرت اىل ذلك آنفا‪.‬‬
‫(‪ )7‬س ‪ 10‬اآلية ‪.88‬‬
‫ـ ‪ 110‬ـ‬

‫ولو اس ــتطاعوا ذلك آلمن ــوا عند مع ــاينتهم ألول الع ــذاب الن ــازل هبم‪ .‬ومثل ذلك ىف كت ــاب‬
‫آمنُوا ‪.)1( )..‬‬ ‫ِاَّل‬
‫اهلل كثري ‪ ،‬وفيما دللنا به كفاية‪ .‬ومثله قوله تعاىل ‪( :‬إ َق ْو َم يُونُ َ‬
‫س ل ََّما َ‬

‫مسألة‬
‫ت‬‫ْج ْر َ‬ ‫اس تَأ ِْج ْرهُ إِ َّن َخ ْي َر َم ِن ْ‬
‫اس تَأ َ‬ ‫ت ْ‬‫ومن س ــأل عن ق ــول ابنة ش ــعيب ألبيها ‪( :‬يا أَب ِ‬
‫َ‬
‫ين) (‪ )2‬ف ــزعم اجلب ــائى (‪ )3‬أن معىن ه ــذه اآلية أهنا أخ ــربت عنه أنه ق ــوى على ما‬ ‫الْ َق ِو ُّ ِ‬
‫ي اأْل َم ُ‬
‫حيت ــاج إليه أبوها من األعم ــال ‪ ،‬واس ــتدل فيما زعم ب ــذلك على أن االس ــتطاعة قبل الفع ــل‪.‬‬
‫فما أعجـ ـ ــزه! من أى طريق اسـ ـ ــتدل هبذه اآلية على الفصل (‪ )4‬وذلك أهنا مل تعـ ـ ــرف موسى‬
‫من قبل قلعه للحجر الّ ــذي قلعه ونزعه بال ــدلو الّ ــذي ن ــزع (ب ــه) (‪ )5‬وامنا (ق ــالت ذلك (‪ )6‬ملا‬
‫عــاينت من شــدته وقوته وأمانته ؛ وذلك أهنا ملا رجعت إليه ىف املرة الثانية وقــالت (‪ )7‬له ان‬
‫أىب يــدعوك ‪ ،‬قــال هلا امشى أمــامى (‪ )8‬واهــديىن الطريق ففعلت ذلك فكــانت الــريح تصــفها‬
‫له‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 10‬اآلية ‪.98‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 28‬اآلية ‪.26‬‬
‫(‪ )3‬أو تبعه ب ‪ :‬اجلبائي‪.‬‬
‫(‪ )4‬كذا ىف ب ‪ ،‬ل م ولعلها ‪ :‬القول‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )6‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )7‬أو تبعه ب ‪ :‬فقالت‪.‬‬
‫(‪ )8‬ب وتبعه ل ‪ :‬خلق وقد أبقاها م كما هى مع أهنا واض ـ ـ ـ ــحة اخلطأ فاما أن نص ـ ـ ـ ــححها اىل قولنا ‪« :‬امشى‬
‫خلفك» أو ‪« :‬امشى أمامى» وهذا ما اخرتناه‪.‬‬
‫ـ ‪ 111‬ـ‬

‫فــأدركت موسى عليه‌السالم اخلشــية ‪ ،‬فقــال هلا ‪ :‬امشى خلفى وعرفيىن الطريق بلســانك‬
‫مينة ويسـ ـ ــرة وتلق ـ ــاء ‪ ،‬ففعلت ذلك ‪ ،‬فلما جـ ـ ــاءت اىل أبيها قـ ـ ــالت (‪ )1‬له أنه قـ ـ ــوى أمني ‪،‬‬
‫فحــرد (‪ )2‬عليها حــردا شــديدا وقــال هلا ‪ :‬يا بنية ‪ ،‬أما قوته فقد علمت هبا ملا رأيت منه فيم‬
‫ع ـ ــرفت أمانت ـ ــه؟ فأخربته مبا رأت منه ‪ ،‬فكيف علمت أنه مس ـ ــتطيعا ملا (رأت من ـ ــه) (‪ )3‬قبل‬
‫الفعل ‪ ،‬وامنا ظهر هلا ذلك منه بعد فعله اي ــاه ؛ فصح عن ــدنا وص ــحت احلجة (على) (‪ )4‬من‬
‫خالفنا أن (‪ )5‬ينبغى أن تكـ ــون اسـ ــتطاعته لـ ــذلك مع نفس فعله لـ ــه‪ .‬والـ ــدليل على ذلك من‬
‫القيــاس أنا لو رأينا رجال ىف احلال قائما (‪ )6‬يصــلى ملا كنا نعلم اســتطاعته مىت حــدثت له اال‬
‫أنا نعلم من نفس الفعل (أهنا) (‪ )7‬ظه ـ ـ ـ ـ ــرت منه للفعل وهى الص ـ ـ ـ ـ ــالة الىت ك ـ ـ ـ ـ ــان يفعله ـ ـ ـ ــا‪.‬‬
‫وحجتنا على من خالفنا ىف كل ما ي ـ ــورده من املس ـ ــائل ىف ب ـ ــاب االس ـ ــتطاعة كما (‪ )8‬رمسنا‬
‫فيما بينا وشرحنا ‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬فقـ ــالوا وقد اصـ ــلحها م اىل ‪« :‬وقـ ــالت» وال بد من حـ ــذف الـ ــواو هنا أو الفـ ــاء ىف قوله بعد‬
‫ذلك «فحرد»‪.‬‬
‫(‪ )2‬هى ىف ب «فح ـ ـ ــرد عليها ح ـ ـ ــردا ش ـ ـ ــديدا» مبعىن غضب ‪ ،‬ولكن ل ‪ ،‬م كتباها ‪« :‬فج ـ ـ ــرد عليها ج ـ ـ ــردا‬
‫شديدا»‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل وقد ترك م زيادهتا مع أن الواجب أن تزيد شيئا‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )5‬ل ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬فإمنا‪.‬‬
‫(‪ )7‬ليست ىف األصل وقد تـ ـ ـ ــرك م زيادهتا مع اهنا ضـ ـ ـ ــرورية ألهنا وما دخلت عليه املفعـ ـ ـ ــول لقوله قبل ذلك ‪:‬‬
‫«نعلم»‪.‬‬
‫(‪ )8‬خرب لقوله قبل ذلك ‪« ..‬وحجتنا على ‪ ..‬إخل»‪.‬‬
‫ـ ‪ 112‬ـ‬

‫مسألة‬
‫ون) (‪)1‬؟ قيل له‬ ‫ْج َّن واإْلِ نْس إِاَّل لِي ْعب ُد ِ‬‫ومن ســأل عن قــول اهلل تعــاىل ‪( :‬وما َخلَ ْق ُ ِ‬
‫ت ال َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫‪ :‬املعىن ىف ذلك أنه أراد بعض اجلن واالنس وهم العاب ـ ــدون هلل منهم ؛ ألن اهلل تع ـ ــاىل قـ ــال‬
‫(‪)3‬‬
‫س) (‪ )2‬والقـ ـ ــرآن ال يتنـ ـ ــاقض‬ ‫ىف موضع آخر (ولََق ْد ذَرأْنا لِج َهنَّم َكثِ يراً ِمن ال ِ‬
‫ْج ِّن َواإْلِ نْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫فوجب أن يكون اهلل تعاىل خلق جلهنم كثريا باآلية الىت تلوناها ‪ ،‬وأنه خلق بعضهم للعبادة‬
‫ون) والــذين خلقهم لعبادته هم الــذين أرادوا‬ ‫ْج َّن واإْلِ نْس إِاَّل لِي ْعب ُد ِ‬
‫بقوله ‪( :‬وما َخلَ ْق ُ ِ‬
‫ت ال َ َ َ ُ‬
‫(‬
‫َ‬
‫‪ )4‬أن يعبدوه ‪ ،‬وعاقبتهم عبادته‪.‬‬
‫ص يلَ ٍة َوال‬ ‫ومن س ــأل عن ق ــول اهلل تع ــاىل ‪( :‬ما جع ل اهلل ِمن ب ِح ير ٍة وال س ائِب ٍة وال و ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ََ َ ُ ْ َ َ َ‬
‫ب) (‪ )5‬فــاملعىن أىن مل أفــرض عليهم ذلك ومل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ َّ ِ‬
‫ين َك َف ُروا َي ْفَت ُرو َن َعلَى اهلل الْ َك ذ َ‬
‫حام َولك َّن الذ َ‬
‫آمرهم به ولكنهم كذبوا على وافـرتوا الكـذب ىف قـوهلم اىن أمـرهتم بـه‪ .‬والـدليل على جـواز‬
‫الء) (‪ )6‬يعىن‬ ‫ماء ه ُؤ ِ‬
‫تكليف ما ال يط ــاق من الق ــرآن ‪ :‬قوله تع ــاىل للمالئكة ‪( :‬أَنْبِئ ونِي بِأَس ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫أمساء اخللق ‪ ،‬وهم ال يعلم ــون ذلك وال يق ــدرون علي ــه‪ .‬وأيضا فقد أخرب أهنم (يُ ْد َع ْو َن إِلَى‬
‫ود فَال يَ ْستَ ِطيعُو َن) (‪ )7‬فاذا جاز‬ ‫السج ِ‬
‫ُّ ُ‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 51‬اآلية ‪.56‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 7‬اآلية ‪.179‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬اليتنا‪.‬‬
‫(‪ )4‬ىف األصل وتبعه ل ‪ :‬أرادوه وقد صححها م ‪« :‬أراد هو» وليس ببعيد‪.‬‬
‫(‪ )5‬س ‪ 5‬اآلية ‪.103‬‬
‫(‪ )6‬س ‪ 2‬اآلية ‪.103‬‬
‫ود فَال يَ ْستَ ِطيعُو َن)‪.‬‬
‫السج ِ‬ ‫ٍ‬
‫ف َع ْن ساق َويُ ْد َع ْو َن إِلَى ُّ ُ‬
‫(‪ )7‬قال تعاىل ىف السورة ‪ 68‬اآلية ‪َ ( 42‬ي ْو َم يُ ْك َش ُ‬
‫ـ ‪ 113‬ـ‬

‫تكليفه اي ــاهم ىف اآلخ ــرة ما ال يطيق ــون ج ــاز ذلك ىف ال ــدنيا ‪ ،‬وقد أمر اهلل تع ــاىل بالع ــدل ‪،‬‬
‫صتُ ْم) (‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َن تَ ْستَطيعُوا أَ ْن َت ْعدلُوا َب ْي َن النِّساء َول َْو َح َر ْ‬ ‫وقد قال ‪َ ( :‬ول ْ‬
‫ِ ِ ِ (‪)2‬‬
‫اد) ( َو َما اهللُ يُ ِري ُد ظُلْم اً‬ ‫ومن س ــأل عن قوله تع ــاىل ‪َ ( :‬و َما اهللُ يُ ِري ُد ظُلْم اً للْعب‬
‫ين) (‪ ، )3‬فاملعىن ىف ذلك أنه مل يرد أن يظلمهم وان كان أراد أن يتظاملوا‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫للْعالَم َ‬
‫َش َر ْكنا َوال‬‫اء اهللُ ما أ ْ‬ ‫ومن س ـ ــأل عن قوله تع ـ ــاىل ‪( :‬س ي ُق ُ َّ ِ‬
‫َش َر ُكوا لَ ْو ش َ‬ ‫ين أ ْ‬ ‫ول الذ َ‬ ‫ََ‬
‫ين ِم ْن َق ْبلِ ِه ْم) فــاجلواب ‪ :‬أهنم قــالوا ذلك على طريق‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ك َك َّذ َّ ِ‬
‫ب الذ َ‬ ‫َ‬ ‫آبا ُؤنا) اىل قوله ( َكذلِ َ‬
‫االســتهزاء ومل يقولــوه على جهة االعتقــاد فأكــذهبم ىف قــوهلم الــذين مل يكونــوا له معتقــدين‬
‫اهلل على طريق االستهزاء) ‪ ،‬فقــال اهلل‬ ‫ول ِ‬ ‫ك ل ََر ُس ُ‬‫كما أكذب املنافقني ىف قوهلم ‪( :‬نَ ْش َه ُد إِنَّ َ‬
‫ك لَرسولُهُ ‪ ،‬واهلل ي ْشه ُد إِ َّن الْمنافِ ِقين ل ِ‬
‫َكاذبُو َن) (‪.)5‬‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫تعاىل ‪َ ( :‬واهللُ َي ْعلَ ُم إِنَّ َ َ ُ‬
‫(‪)6‬‬
‫ومن سـ ــأل عن قـ ــول اهلل تعـ ــاىل ‪( :‬يُ ِري ُد اهللُ بِ ُك ُم الْيُ ْس َر َوال يُ ِري ُد بِ ُك ُم الْعُ ْس َر)‬
‫فــاجلواب أنه أراد أن ال يكونــوا باالفطــار (‪ )7‬ىف الســفر واملرض حــرجني وال آمثني ‪ ،‬وأن ال‬
‫يكونوا ىف عسر من صيامهم (‪.)8‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 4‬اآلية ‪.129‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 40‬اآلية ‪.31‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 3‬اآلية ‪.108‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 6‬اآلية ‪ ، 148‬وهى األصل ‪« :‬وقالوا شاء اهلل ‪.»..‬‬
‫(‪ )5‬س ‪ 63‬اآلية ‪.1‬‬
‫(‪ )6‬س ‪ 2‬اآلية ‪.185‬‬
‫(‪ )7‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬بالصيام‪.‬‬
‫(‪ )8‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬افطارهم واملرجو عن القارئ أن يتأمل قليال هنا‬
‫(‪ 8‬ـ كتاب اللمع)‬
‫ـ ‪ 114‬ـ‬

‫(‪)7‬‬

‫باب الكالم فى التعديل والتجوير‬


‫فان قـال قائل ‪ :‬هل يقــدر اهلل على لطف لو فعله بالكفــار (‪ )1‬آلمنــوا؟ قيل له ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫والـ ـ ـ ــدليل على ذلك أنه يقـ ـ ـ ــدر أن يفعل بـ ـ ـ ــاملؤمنني من عبـ ـ ـ ــاده (‪ )2‬ما لو فعله هبم لبغـ ـ ـ ــوا ىف‬
‫ض) (‪ )3‬وقال ‪َ ( :‬ول َْو ال‬ ‫باد ِه لََبغَ ْوا فِي اأْل َْر ِ‬
‫الر ْز َق لِ ِع ِ‬
‫ط اهللُ ِّ‬
‫سَ‬‫األرض‪ .‬قال اهلل تعاىل ‪َ ( :‬ول َْو بَ َ‬
‫الر ْحم ِن لُِبيُ وتِ ِه ْم ُس ُقفاً ِم ْن‬
‫َج َعلْنا لِ َم ْن يَ ْك ُف ُر بِ َّ‬ ‫ِ‬
‫َّاس أ َُّمةً واح َدةً) يعىن على الكفر (ل َ‬ ‫أَ ْن يَ ُكو َن الن ُ‬
‫ِج َعلَْيها يَظ َْه ُرو َن) (‪ )4‬فلما كان تعاىل قادرا على أن يفعل بــاخللق ما لو فعله هبم‬ ‫ِ ٍ‬
‫فضَّة َو َمعار َ‬
‫كفروا كان قادرا (‪ )5‬أن يفعل هبم ما لو فعله هبم آلمنـوا‪ .‬وأيضا فقد دللنا على أن ىف كـون‬
‫االستطاعة كون الفعل ‪ ،‬فاذا كان قادرا على اقــدارهم على االميان فهو قــادر على أن يفعل‬
‫ما لو فعله هبم آلمنوا‪.‬‬
‫فــان قــال ‪ :‬فــاذا مل يفعل بالكفــار ما يؤمنــون عنــده فقد خبل عليهم؟ قيل له ‪ :‬البخل‬
‫أن ال يفعل الفاعل ما جيب عليه‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬الكافر‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬وبعباده‪.‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 42‬اآلية ‪.27‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 43‬اآلية ‪.32‬‬
‫(‪ )5‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ قـ ـ ـ ـ ــادر ‪ ،‬وقد زاد م «المـ ـ ـ ـ ــا» على قوله قبل ذلك ‪« :‬كفـ ـ ـ ـ ــروا» كما زاد «على» قوله‬
‫«قادرا» وال لزوم لذلك كله‪.‬‬
‫ـ ‪ 115‬ـ‬

‫فعله ‪ ،‬فأما ما ك ـ ــان تفضال فللمتفضل أن يتفضل به وله أن (ال) (‪ )1‬يتفضل به ‪ ،‬وما كـ ــان‬
‫تفضال مل يلحق البخل ىف أن ال يفعله الفاعل (‪.)2‬‬
‫فان قالوا ‪ :‬فاذا مل يفعل هبم (‪ )3‬ما يؤمنون عنده فهل أراد سفههم وكفــرهم؟ قيل له‬
‫‪ :‬نعم‪ .‬وقد أوضحنا ذلك فيما سلف من كالمنا‪.‬‬

‫مسألة‬
‫مث يقـ ـ ــال هلم ‪ :‬ان كـ ـ ــان اهلل تعـ ـ ــاىل اذا مل يفعل هبم ما يؤمنـ ـ ــون عنـ ـ ــده جيب أن يريد‬
‫فسادهم فما أنكرمت من أنه اذا خلقهم وهو يعلم أهنم يكفرون فقد أراد كفرهم؟‬
‫فان قالوا ‪ :‬مريد (‪ )4‬السفه سفيه‪ .‬قيل هلم ‪ :‬أليس خــالق من يعلم أنه يكفر ال يكــون‬
‫ســفيها خبلقه وال يكــون خلقه ايــاه ســفها؟ فما أنكــرمت أن يكــون اخلالق اذا أراد ســفههم مل‬
‫يكن سفيها؟‪.‬‬
‫وقد تكلمنا ىف هذه املسألة قبل هذا املوضع (‪.)5‬‬

‫مسألة‬
‫فان قال قائل ‪ :‬هل هلل تعــاىل أن يــؤمل األطفــال ىف اآلخــرة؟ قيل له ‪ :‬هلل تعــاىل ذلك ‪،‬‬
‫وهو عادل ان فعله‪ .‬وكذلك كل ما يفعله‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )2‬كلمة «الفاعل» مفعول لقوله «مل يلحق» والبخل فاعل‪.‬‬
‫(‪ )3‬يزيد م قبل ذلك لفظ (اهلل) وال لزوم لذلك بدليل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬مريــدا قــول املؤلف قبل ذلك ‪« :‬فــاذا مل يفعل بالكفــار» ألن الكالم ىف العالقة بني اهلل‬
‫وعباده‪.‬‬
‫(‪ )5‬راجع صفحة ‪ 56‬وما بعدها‪.‬‬
‫ـ ‪ 116‬ـ‬

‫على ج ــرم متن ــاه (‪ )1‬بعق ــاب ال يتن ــاهى ‪ ،‬وتس ــخري احلي ــوان بعض ــهم لبعض ‪ ،‬واألنع ــام على‬
‫بعض ـ ــهم دون بعض ‪ ،‬وخلقه اي ـ ــاهم (‪ )2‬مع علمه ب ـ ــأهنم يكف ـ ــرون كل ذلك ع ـ ــدل منه وال‬
‫يقبح من اهلل لو ابت ــدأهم بالع ــذاب األليم وادامته وال يقبح منه أن يع ــذب املؤم ــنني وي ــدخل‬
‫الك ـ ــافرين اجلن ـ ــان ‪ ،‬وامنا نق ـ ــول انه ال يفعل ذلك ألنه أخربنا أنه يع ـ ــاقب الك ـ ــافرين وهو ال‬
‫جيوز عليه الكذب ىف خربه‪.‬‬
‫والـ ـ ــدليل على أن كل ما فعله فله فعله ‪ :‬أنه املالك القـ ـ ــاهر الّـ ـ ــذي ليس مبملـ ـ ــوك وال‬
‫فوقه مــبيح وال آمر وال زاجر وال حــاظر (‪ )3‬وال من رسم له الرســوم وحد له احلدود ؛ فــاذا‬
‫ك ــان ه ــذا هك ــذا مل يقبح منه ش ــيء ؛ اذ (‪ )4‬ك ــان الش ــيء امنا يقبح منا ألنا جتاوزنا ما حد‬
‫ورسم لنا وأتينا (‪ )5‬ما مل منلك اتيانه ؛ فلما مل يكن البـ ــارى مملكا وال حتت أمر مل يقبح منه‬
‫شــيء‪ .‬فــان قــال ‪ :‬فامنا يقبح للكــذب ألنه قبحــه‪ .‬قيل له ‪ :‬أجل ولو حســنه لكــان حســنا ‪،‬‬
‫ولو أمر به مل يكن عليه اع ــرتاض‪ .‬ف ــان ق ــالوا‪ .‬فج ــوزوا (‪ )6‬عليه أن يك ــذب كما ج ــوزمت أن‬
‫يأمر بالكذب؟ قيل هلم ‪ :‬ليس كل ما جاز أن يأمر به جاز أن يوصف به‪ .‬أال ترون‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬أو تبعه ب ‪ :‬متناهى‪.‬‬
‫(‪ )2‬أى الكفار ‪ ،‬وهو مفهوم من السياق‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬خاطر‪.‬‬
‫(‪ )4‬أو تبعه ب ‪ :‬اذا‪.‬‬
‫(‪ )5‬يشــكلها م ‪« :‬وآتينــا» وهو خطأ بــدليل قــول املؤلف بعد ذلك ‪« :‬اتيانــه» فــان «االتيــان» مصــدر أتى مبعىن‬
‫فعل ال أتى مبعىن أعطى ألن مصدرها اإليتاء ال االتيان‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب وتبعه ل ‪ :‬جتوزوا‪.‬‬
‫ـ ‪ 117‬ـ‬

‫أنه قد أمرنا أن نصلى وخنضع ونتحرك وال جيوز عليه أن (يصــلى وخيضع ويتحــرك) (‪ )1‬ألن‬
‫ذلك مســتحيل عليه ‪ ،‬وكــذلك ال جيوز عليه الكــذب ليس لقبحه ولكن ألنه يســتحيل عليه‬
‫الكــذب ‪ ،‬وال جيوز أن يوصف بالقــدرة على أن يكــذب كما ال جيوز وصــفهـ بالقــدرة على‬
‫أن (يتحـ ــرك وجيهـ ــل) (‪ .)2‬ولو جـ ــاز لـ ــزاعم أن يـ ــزعم أنه يوصف البـ ــارى بالقـ ــدرة على أن‬
‫يكذب وال يوصف بالقـدرة على أن جيهل (‪ )3‬وال يـأتى بني ذلك بفرقـان جلاز لقـالب (‪ )4‬أن‬
‫يقلب القصة فـ ـ ــيزعم (‪ )5‬أن الب ـ ــارى يوصف بالقـ ـ ــدرة على أن جيهل ‪ ،‬وال يوصف بالقـ ـ ــدرة‬
‫على أن يكذب ‪ ،‬فلما مل جيز ذلك بطل ما قالوه‪.‬‬
‫(‬
‫فان قال قائل ‪ :‬اذا أمر اهلل تعاىل أن تصــلى فصــالتنا هى حركاتنا الىت نتحــرك (هبا)‬
‫‪ )6‬اذا صلينا ‪ ،‬واملتحرك حللول احلركة فيه والشامت والكاذب امنا كــان شــامتا كاذبا ألنه فعل‬
‫الشــتم والكــذب ال ألن ذلك حل فيــه‪ .‬يقــال له ‪ :‬ان كــانت العلة الىت هلا ألزمنا أن جيوز أن‬
‫يكــذب البــارى تعــاىل عن ذلك علــوا كبــريا أنه أمر به فيجب ىف كل شــيء أمر به أن جيوز‬
‫وصــفه به ؛ فــاذا أمر أن حتل ىف أنفســنا حركــات نتحــرك هبا ‪ ،‬وصــالة نصــلى هبا ‪ ،‬لــزم أن‬
‫جيوز أن حيل ىف نفسه حركات يتحرك‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬نصلى وخنضع ونتحرك‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬نتحرك وجنهل‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬جنهل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ل نقلها الناسخ ‪ :‬الغالب‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪ :‬فزعم‪.‬‬
‫(‪ )6‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫ـ ‪ 118‬ـ‬

‫(‪)2‬‬
‫هبا وص ــالة يص ــلى هبا اللهم اال أن يقول ــوا (‪ )1‬اذا ج ــاز أن ي ــأمر الب ــارى غ ــريه (بالك ــذب)‬
‫فلم ال جيوز أن يفعل كـ ــذبا يكـ ــون به غـ ــريه كاذبة ‪ ،‬كما اذا أمر غـ ــريه أن يصـ ــلى ج ــاز أن‬
‫يفعل لغــريه صــالة يكــون (‪ )3‬غــريه هبا مصــليا‪ .‬فــان ســألونا عن هــذا الســؤال على هــذا الوجه‬
‫فهــذا ما ال ينكــر‪ .‬على أنه ان كــان (املصــلى) (‪ )4‬مصــليا حللــول الصــالة فيه كما أن املتحــرك‬
‫متح ـ ـ ــرك (‪ )5‬حلل ـ ـ ــول احلركة فيه ف ـ ـ ــواجب أن يك ـ ـ ــون كل ج ـ ـ ــزء من (‪ )6‬االنس ـ ـ ــان (اذا حلته‬
‫الصــالة) (‪ )7‬مصــليا كما كــان كل جــزء منه اذا حلته احلركة متحركــا‪ .‬ويقــال هلم ‪ :‬الصــالة‬
‫ىف اللغة هى ال ــدعاء ‪ ،‬ف ــان (ك ــان) (‪ )8‬املص ــلى مص ــليا حلل ــول الص ــالة فيه فيجب أن يك ــون‬
‫داعيا حللــول الــدعاء فيه وهــذا فاسد عنــدهم‪ .‬مث يقــال هلم ‪ :‬اذا جــاز أن يفعل البــارى تعــاىل‬
‫صالة لغريه ويكون هبا مصــليا فلم ال يفعل (‪ )9‬لغــريه إرادة يكـون هبا مريـدا ‪ ،‬وكالما يكـون‬
‫به متكلما؟ فان قالوا ‪ :‬املتكلم املريد متكلم مريد ألنه فعل الكالم‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬ال يقولوا وقد تركها م كما هى وحذف الالم واجب لصحة املعىن‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )3‬أو تبعه ب ‪ :‬كان‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليست ىف األصل وزيادهتا أوىل‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬متحرك وقد أبقاها م كما هى وزاد (كان) قبلها وال بأس به‪.‬‬
‫(‪ )6‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬ومن‪.‬‬
‫(‪ )7‬ليست ىف األصل وزيادهتا أوىل‪.‬‬
‫(‪ )8‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )9‬يزيد قبل قوله ‪« :‬يفعل» (جيوز أن) وال لزوم لذلك‪.‬‬
‫ـ ‪ 119‬ـ‬

‫واإلرادة‪ .‬قيل هلم (‪ : )1‬فما أنكـ ـ ـ ـ ــرمت أن يكـ ـ ـ ـ ــون املصـ ـ ـ ـ ــلى مصـ ـ ـ ـ ــليا ألنه فعل الصـ ـ ـ ـ ــالة فيه ‪،‬‬
‫واملتحــرك متحركا ألنه فعل احلركة فيــه؟ فــان قــال (قائــل) (‪ : )2‬قد يتحــرك منا من ال يفعل‬
‫احلرك ــة‪ .‬قيل له ‪ :‬وقد يريد ويتكلم (من ــا) (‪ )3‬من ال يفعل إرادة وال كالما كالعاشق الّ ــذي‬
‫حيب معش ـ ــوقة حمبة ال ميكنه االنص ـ ــراف عنها ‪ ،‬وكال ـ ــذى يتكلم وهو ن ـ ــائم أو ىف (‪ )4‬حـ ــال‬
‫صــرعه كالما ال ميكنه االنصــراف عنــه‪ .‬فــان قــال ‪ :‬ليست (‪ )5‬حمبة العاشق حمبة ىف احلقيقة ‪،‬‬
‫وال ارادته إرادة (‪ .)6‬قيل هلم ‪ :‬وليس كالم املص ــروع والن ــائم كالما ىف احلقيقة ‪ ،‬وال كالم‬
‫اليقظ ـ ـ ـ ـ ـ ــان كالما ىف احلقيقة ‪ ،‬وال إرادة العاشق إرادة ىف احلقيقة ‪ ،‬وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ما ال يعجز عنه‬
‫ح ــد‪ .‬مث يق ــال هلم ‪ :‬ان ك ــان املص ــلى مص ــليا حلل ــول الص ــالة فيه فليس (‪ )7‬اخلاضع خاض ــعا‬
‫عندكم حللول اخلضوع فيه ؛ ألن اخلضوع يكون ىف القلب واالنســان بكماله خاضــع‪ .‬فــان‬
‫ادعـ ـ ــوا أن القلب خاضع خاشع ألزمنـ ـ ــاهم أن يكـ ـ ــون اللسـ ـ ــان متكلما ىف احلقيقة ‪ ،‬والقلب‬
‫مريدا ىف احلقيقة‪ .‬وان قالوا ‪ :‬اخلاضع‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬له‪.‬‬
‫(‪ )2‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )3‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬وىف‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬ليس‪.‬‬
‫(‪ )6‬يزيد م بعدها (ىف احلقيقة)ـ وال لزوم هلا‪.‬‬
‫(‪ )7‬غريها اىل قوله ‪« :‬أفليس» ورأىي أن ذلك جيعل املعىن متعذرا‪.‬ـ‬
‫ـ ‪ 120‬ـ‬

‫مل يكن خاضعا حللـول اخلضـوع فيــه‪ .‬قيل هلم ‪ :‬فـاذا أمر (نـا) (‪ )1‬اهلل تعــاىل أن خنضع فيجب‬
‫على ســياقكم (‪ )2‬أن خيضع هــو‪ .‬فــان قــالوا ‪ :‬ال ‪ ،‬ولكنه يفعل خضــوعا لغــريه (‪ .)3‬قيل هلم ‪:‬‬
‫وكذلك ان أمرنا بالكذب فجائز أن يفعل كذبا لغريه‪.‬‬
‫فــان قــالوا ‪ :‬الكــاذب كــاذب ألنه فعل الكــذب‪ .‬قيل هلم مثل ذلك ىف اخلاضــع‪ .‬فــان‬
‫قـ ــالوا ‪ :‬مل يكن اخلاضع خاضـ ــعا حللـ ــول اخلضـ ــوع فيه ‪ ،‬وال ألنه فعلـ ــه‪ .‬قيل هلم ‪ :‬ذلك ىف‬
‫الك ــاذب‪ .‬مث يق ــال هلم‪ .‬اذا أمرنا اهلل أن نتح ــرك أفليس ج ــائزا (‪ )4‬أن جيعلنا متح ــركني؟ ف ــان‬
‫قـ ــالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قيل هلم ‪ :‬وكـ ــذلك لو أمرنا بالكـ ــذب جلاز أن جيعلنا كـ ــاذبني‪ .‬مث يقـ ــال هلم ‪:‬‬
‫خربونا أليس زعمتم أن الص ــالة اذا ك ــانت (ك ــانت) (‪ )5‬حرك ــات وك ــان املتح ــرك متحركا‬
‫حللول احلركة فيه واملصلى مصليا (‪ )6‬حللول الصالة فيه؟ فان قــالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قيل هلم ‪ :‬فيجب‬
‫اذا أطـ ــاع (‪ )7‬االنسـ ــان بفعل حركة أمـ ــره اهلل تعـ ــاىل هبا أن يكـ ــون طائعا ألن الطاعة حلته ‪،‬‬
‫كما أنه متح ـ ــرك حلل ـ ــول احلركة فيه ؛ ف ـ ــان ق ـ ــالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قيل هلم ‪ :‬فبعض االنس ـ ــان ط ـ ــائع‬
‫وبعضه عاص اذا حلته املعصية ‪ ،‬وال بد من نعم‪ .‬فيقال (‪ )8‬هلم ‪ :‬فما‬
‫__________________‬
‫(‪« )1‬نا» ليست ىف األصل وزيادهتا أوىل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬قياسا‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬لغري‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬جائز‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬مصل‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب ‪ ،‬ل ‪ :‬لطاع‪.‬‬
‫(‪ )8‬أو تبعه ب ‪ :‬يقال‪.‬‬
‫ـ ‪ 121‬ـ‬

‫أنكــرمت (‪ )1‬أن يكــون بعض االنســان متكلما وهو اللســان ‪ ،‬وبعضه عاملا مريــدا وهو القلب‪.‬‬
‫ف ــان ق ــالوا ‪ :‬احلركة اذا ك ــانت طاعة ف ــاملتحرك متح ــرك حلل ــول احلركة فيه ‪ ،‬وليس الط ــائع‬
‫طائعا حللول الطاعة فيه ‪ ،‬بل هو طــائع بفعل الطاعـة‪ .‬قيل هلم (‪ .)2‬ما أنكــرمت (‪ )3‬وان كــانت‬
‫احلرك ـ ــات ص ـ ــالة وك ـ ــان املتح ـ ــرك متحركا حلل ـ ــول احلركة فيه فاملص ـ ــلى مصل (‪ )4‬ألنه فعل‬
‫الصالة ‪ ،‬ال ألهنا (‪ )5‬حلته‪ .‬فان أجــابوا اىل ذلك قيل هلم ‪ :‬فـاذا أمرنا أن نصـلى (ومل جيز أن‬
‫يصلى) (‪ )6‬هو فيلزم لو أمرنا أن نكــذب أن ال جيوز أن يكــذب (‪ )7‬هو بل جيوز أن يفعل لنا‬
‫ك ـ ــذبا كما ج ـ ــاز أن يفعل لنا ص ـ ــالة ومل جيز أن يص ـ ــلى هو ‪ ،‬فقول ـ ــوا (‪ )8‬ىف الك ـ ــذب هـ ــذا‬
‫الق ــول‪ .‬مث يق ــال هلم ‪ :‬اذا أمرنا أن نتح ــرك جعل لنا حرك ــات نتح ــرك هبا فك ــذلك لو أمرنا‬
‫بالكذب مل يستحل أن يفعل لنا كذبا نكذب به‪.‬‬
‫***‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪ :‬فانكرمت‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬له‪.‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬ما أنكرت‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬مصلى‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬ألنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب ما بني قوسني قد تركه الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬يكذب‪.‬‬
‫(‪ )8‬ب وتبعه ل ‪ :‬فقل‪.‬‬
‫ـ ‪ 122‬ـ‬

‫(‪)8‬‬

‫باب الكالم فى االيمان‬


‫ان قال قائل ‪ :‬ما االميان عندكم باهلل تعاىل؟ قيل له ‪ :‬هو التصديق باهلل‪ .‬وعلى ذلك‬
‫اجتماع أهل اللغة الىت نــزل هبا القــرآن ‪ ،‬قــال اهلل تعــاىل ‪( :‬وما أ َْر َسلْنا ِم ْن ر ُس ٍ‬
‫ول إِاَّل بِلِ ِ‬
‫سان‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سان َع َربِ ٍّي ُمبِي ٍن) (‪ )2‬فلما كــان االميان ىف اللغة الىت أنــزل اهلل‬
‫(‪)3‬‬ ‫َقو ِم ِه) (‪ )1‬وقــال تعــاىل ‪( :‬بِلِ ٍ‬
‫ْ‬
‫ِِ‬ ‫تعــاىل هبا القــرآن هو التصــديق ـ قــال اهلل تعــاىل ‪( :‬وما أَنْ َ ِ ِ‬
‫ت ب ُم ْؤم ٍن لَنا َول َْو ُكنَّا صادق َ‬
‫ين)‬
‫(‪)4‬‬
‫َ‬
‫أى مبصـ ــدق لنا وقـ ــالوا مجيعا ‪« :‬فالن يـ ــؤمن بعـ ــذاب القرب والشـ ــفاعة» يريـ ــدون ‪ :‬بصـ ــدق‬
‫بذلك ـ وجب (‪ )5‬أن يكون االميان هو ما كان عند أهل اللغة اميانا هو التصديق‪.‬‬
‫فـ ــان ق ـ ــال قائل ‪ :‬فحـ ــدثونا عن الفاسق من أهل القبلة أمـ ــؤمن هـ ــو؟ قيل له ‪ :‬نعم ‪:‬‬
‫مـ ــؤمن باميانه ‪ ،‬فاسق بفسـ ــقه وكبريتـ ــه‪ .‬وقد أمجع أهل اللغة أن من كـ ــان منه ضـ ــرب فهو‬
‫ضارب ‪ ،‬ومن كان منه قتل (‪ )6‬فهو‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 14‬اآلية ‪.4‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 26‬اآلية ‪.95‬‬
‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ :‬اآلن‪.‬‬
‫(‪ )4‬س ‪ 12‬اآلية ‪.17‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل «فوجب» وهى جواب لقوله «فلما كان االميان ‪ »..‬إخل‪.‬‬
‫(‪ )6‬ب وتبعه ل ‪« :‬قيل» ففضلت تصحيحها بقتل وأن كانت حتتمل أن تكون قول‪.‬‬
‫ـ ‪ 123‬ـ‬

‫قاتل (‪ ، )1‬ومن ك ــان منه كفر فهو ك ــافر ‪ ،‬ومن ك ــان منه فسق فهو فاسق ومن ك ــان منه‬
‫تصديق فهو مصدق ‪ ،‬وكــذلك من كـان منه االميان فهو مــؤمن‪ .‬ولو كــان الفاسق ال مؤمنا‬
‫وال كــافرا مل يكن منه كفر وال اميان ولكــان (‪ )2‬ال موحــدا وال ملحــدا ‪ ،‬وال وليا وال عــدوا‬
‫؛ فلما اس ــتحال ذلك اس ــتحال أن يك ــون الفاسق ال مؤمنا وال ك ــافرا كما ق ــالت املعتزل ــة‪.‬‬
‫أيضا ف ــاذا ك ــان الفاسق مؤمنا قبل فس ــقه بتوحي ــده فح ــدوث الزنا (‪ )3‬بعد التوحيد ال يبطل‬
‫اسم االميان الّ ــذي مل يفارق ــه‪ .‬وأيضا فقد ك ــان الن ــاس قبل ح ــدوث واصل بن عط ــاء رئيس‬
‫املعتزلة عن مقالتني ‪ :‬منهم خوارج يكفرون مرتكىب الكبــائر ‪ ،‬ومنهم أهل اسـتقامة يقولــون‬
‫هو مؤمن باميانه ‪ ،‬فاسق بكبريته‪ .‬ومل يقل منهم قائل انه ليس مبؤمن وال كافر قبل حدوث‬
‫واصل بن عطـ ـ ـ ـ ــاء حىت اعـ ـ ـ ـ ــتزل واصل األمة وخـ ـ ـ ـ ــرج عن قوهلا ‪ ،‬فسـ ـ ـ ـ ــمى معتزليا مبخالفته‬
‫االمجاع (فبعد من االمجاع قولــه) (‪( )4‬ومــا)ـ (‪ )5‬اتفق املســلمون عليه من أن العاصى من أهل‬
‫القبلة ال خيلو من أن‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪« :‬قابل» وتصحيحها تابع لتصيح ما قبلها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ :‬ولكن‪.‬‬
‫(‪ )3‬يكتبها م دائما «الزنا» مع أن لفظ «الزنا» هو األفصح‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب ‪ ،‬ل ‪« :‬فبعدم االمجاع قوله» وقد صححها م هكذا ‪« :‬فبعدمـ االمجاع (على) قوله»‪.‬‬
‫(‪ )5‬ليست ىف األصل بل ىف «واتفـ ـ ــق» وقد نقلها الناسخ ىف ب «واتفقـ ـ ــوا» وقد تـ ـ ــرك م زيادهتا فأصـ ـ ــبح كله‬
‫مهلهال‪.‬‬
‫ـ ‪ 124‬ـ‬

‫يكون مؤمنا أو كافرا يقضى ببطالن (‪ )1‬قوله‪ .‬وأيضا فلو جاز لقائل أن يقــول ‪ :‬ان من معه‬
‫اميان وأتى كبرية فليس مؤمنا بل (‪ )2‬فاســقا (‪ ، )3‬جلاز لقائل أن يقــول ‪ :‬بل هو مــؤمن باميانه‬
‫‪ ،‬وال يقال فاسق بفسقه‪.‬ـ فان كــان هـذا القــول مسـتحيال ألنه ال جيوز فسق ال لفاسق كــان‬
‫قوهلم مستحيال ألنه ال جيوز اميان اال ملؤمن (‪.)4‬‬
‫***‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ب وتبعه ل ‪« :‬على بطالن» وال شك ىف خطئه ألن القضـ ـ ـ ـ ــاء على البطالن حكم بالصـ ـ ـ ـ ــحة واملقصـ ـ ـ ـ ــود‬
‫خالفه‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م ‪« :‬وال» غ وهو خطأ كما يتبني ذلك من تتمه الكالم‪.‬‬
‫(‪ )3‬غري هام اىل (كافرا)‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬ال ملون‪.‬‬
‫ـ ‪ 125‬ـ‬

‫(‪)9‬‬

‫باب الكالم فى الخاص والعام والوعد والوعيد‬


‫ان قال قائل ‪ :‬خربونا عن قول اهلل تعاىل ‪َ ( :‬وإِ َّن الْ ُف َّج َار ل َِفي َج ِح ٍيم) (‪.)1‬‬
‫صلِ ِيه ناراً) (‪.)2‬‬ ‫ف نُ ْ‬ ‫س ْو َ‬ ‫وعن قوله ‪َ ( :‬و َم ْن َي ْف َع ْل ذلِ َ‬
‫ك عُ ْدواناً َوظُلْماً فَ َ‬
‫وال الْيَت امى ظُلْم اً إِنَّما يَ أْ ُكلُو َن فِي بُطُ ونِ ِه ْم ن اراً‬ ‫َّ ِ‬
‫وقوله تعــاىل ‪( :‬إِ َّن الذ َ‬
‫ين يَ أْ ُكلُو َن أ َْم َ‬
‫ك عُ ْدواناً ‪)...‬‬ ‫ص لَ ْو َن َس ِعيراً) ف ــاجلواب عن ذلك أن قوله تع ــاىل ‪َ ( :‬م ْن َي ْف َع ْل ذلِ َ‬ ‫َو َسيَ ْ‬
‫(‪)3‬‬

‫حيتمل أن يقع على مجيع من يفعل ذلك وحيتمل أن يقع على بعض‪ .‬ألن لفظ «من» يقع‬
‫ىف اللغة مــرة على الكل ومــرة على البعض ‪ ،‬فلما كــانت صــورة اللفظة تــرد مــرة ويــراد هبا‬
‫البعض وتــرد أخــرى ويــرد هبا الكل مل جيز أن يقطع على الكل بصــورهتا كما ال يقطع على‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫البعض بصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورهتا‪ .‬وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذلك ال يقضى بقوله ‪َ ( :‬وإِ َّن الْ ُف َّج َار لَفي َجح ٍيم) و (إِ َّن الذ َ‬
‫ين‬
‫يَ أْ ُكلُو َن ‪ )..‬على بعض وال على كل ؛ اذ ك ـ ـ ـ ــان يقع ذلك ت ـ ـ ـ ــارة على الكل وتـ ـ ـ ــارة على‬
‫البعض وال جــاز لــزاعم أن يــزعم أن الصــورة امنا هى للكل حىت تــأتى داللة البعض مل يكن‬
‫هذا الزاعم (‪ )4‬بزعمه هذا أوىل ممن‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 82‬اآلية ‪.14‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 4‬اآلية ‪.30‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 14‬اآلية ‪.10‬‬
‫(‪ )4‬غريها م اىل قوله ‪« :‬لزاعم» مع أن األصل هو الصحيح‪.‬‬
‫ـ ‪ 126‬ـ‬

‫ق ــال ‪ :‬ص ــورة ه ــذا الق ــول ت ــوجب القض ــاء على العض اىل أن تق ــوم داللة الكل فلما تكافأ‬
‫القائالن ىف قوهلما وجب أن يكون القوالن مجيعا ملغيني‪.‬‬
‫وقد قال زهري (‪: )1‬‬
‫ومن مل يصانع ىف أمور كثرية يضــرس بأنيــاب ويوطأ مبنسم وليس كل من ال يصــانع‬
‫كذلك‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ومن ال يظلم الناس يظلم (‪.)2‬‬
‫ويقول القائل جاءىن من أحببت ‪ ،‬وامنا يعىن واحدا‪ .‬ويقــول ‪ :‬جــاءىن التجــار وان مل‬
‫يكن الكل جــاءه‪ .‬وجــاءىن جـرياىن ‪ ،‬وان مل يـأت مجيعهم‪ .‬ويقــول القائل ‪ :‬لقيىن الفجــار مبا‬
‫كـ ــرهت ‪ ،‬وال يعىن مجيعهم فلما كـ ــانت هـ ــذه األلفـ ــاظ تـ ــرد مـ ــرة ويـ ــراد (‪ )3‬هبا الكل وت ــرد‬
‫أخ ـ ـ ــرى وي ـ ـ ــراد هبا البعض ‪ ،‬مل جيز أن يقضى على الكل دون البعض وال على البعض دون‬
‫الكل اال بداللة‪ .‬وأيضا فلو وجب القضــاء بصــورة هــذه اآليــات أن يقضى على عــذاب كل‬
‫(‪)5‬‬
‫فــاجر وآكل أمــوال اليتــامى ظلما وآكل أمــوال النــاس بالباطل لــوجب أن (‪ )4‬يقضى على‬
‫أن كل املوحدين من أهل الصالة ىف اجلنة بظاهرة قوله تعاىل ‪َ ( :‬م ْن َ‬
‫جاء‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬هو زهري بن أىب سلمى الشاعر اجلاهلى املعروف‪.‬‬
‫(‪ )2‬جزء بيته القائل ‪:‬‬
‫ومن مل يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذد عن خوصه بسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالحه ‪  ‬يه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ومن ال يظلم الن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس يظلم‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬

‫(‪ )3‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م يراد بدون حرف العطف ‪ ،‬وقد حذف م الواو من قوله «ويراد» الثانية‪.‬‬
‫(‪ )4‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬على أن ‪ :‬ولعل األصح بأن‪.‬‬
‫ـ ‪ 127‬ـ‬

‫آمنُ و َن) (‪ )1‬وبظـ ــاهر (‪ )2‬قوله تعـ ــاىل ‪َ ( :‬وال‬ ‫بِالْحس ن ِة َفلَ ه َخي ر ِم ْنها وهم ِمن َف ز ٍع يومئِ ٍذ ِ‬
‫َ ُ ْ ْ َ َْ َ‬ ‫َََ ُ ٌْ‬
‫َحي اءٌ ِع ْن َد َربِّ ِه ْم ُي ْر َزقُ و َن) على أن كل‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اهلل أ َْموات اً بَ ْل أ ْ‬ ‫يل ِ‬‫ين قُتِلُ وا فِي َس بِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫س بَ َّن الذ َ‬
‫تَ ْح َ‬
‫ِ‬
‫مقت ــول ىف س ــبيل اهلل ىف اجلن ــان ي ــرزق فيها ‪ ،‬وبظ ــاهر قوله تع ــاىل ‪( :‬إِ َّن اهللَ َيغْف ُر ال ُّذنُ َ‬
‫وب‬
‫َج ِميع اً) (‪ )5‬على كل ذنب أنه (حىت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذنب (‪ )6‬الّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي) وقف عليه الرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫صلى‌هللا‌عليه‌وس لم وأمجع املسـ ــلمون أنه ال يغفر وهو الشـ ــرك والكفـ ــر‪ .‬وليس قـ ــول من‬
‫ق ــال ان اآلي ــات ىف الوعيد عامة واآلي ــات اآلخ ــرة (‪ )7‬خاصة أوىل من ق ــالب (‪ )8‬قلب القصة‬
‫وجعل آيـ ــات الوعيد خاصة واآليـ ــات اآلخـ ــرة عامـ ــة‪ .‬وأيضا فلو وجب أن يقضى بظـ ــواهر‬
‫اآلي ــات على أن كل ف ــاجر وآكل أمـ ــوال اليتـ ــامى ظلما ىف جهنم جلاز أن يقضى بق ــول اهلل‬
‫جاءنا نَ ِذ ٌير‬ ‫ِ‬ ‫تعـ ــاىل ‪ُ ( :‬كلَّما أُل ِْقي فِيها َف وج س أَل َُهم َخز َنتُها أَل ِ‬
‫َم يَ أْت ُك ْم نَ ذ ٌير ق الُوا بَلى قَ ْد َ‬
‫ْ‬ ‫ْ ٌ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ٍ (‪)9‬‬ ‫ِ‬
‫فَ َك َّذبْنا َو ُقلْنا ما َن َّز َل اهللُ م ْن َش ْيء)‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 27‬اآلية ‪.89‬‬
‫(‪ )2‬معطوف على قوله «بظاهر قوله تعاىل»‪.‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 3‬اآلية ‪.169‬‬
‫(‪ )4‬لعل األوىل أن يقول «بأن» بدال من قوله «على أن» كما سبق‪.‬‬
‫(‪ )5‬س ‪ 39‬اآلية ‪.53‬‬
‫(‪ )6‬ب ‪ ،‬ل ‪« :‬اال ذنبا» وهو ما يأباه السياق‪.‬‬
‫(‪ )7‬املقصود هبا اآليات اخلاصة باملوعد والتبشري‪.‬‬
‫(‪ )8‬يزيد م (قول) قبل قول املؤلف «قالب» وال لزوم له ألنه مفهوم بداهة‪.‬‬
‫(‪ )9‬س ‪ 67‬اآليتان ‪.9 ، 8‬‬
‫ـ ‪ 128‬ـ‬

‫ص الها إِاَّل‬
‫أن النار ال يدخلها اال كافر وبظاهر قوله تعــاىل ‪( :‬فَأَنْ َذ ْرتُ ُك ْم ناراً َتلَظَّى ‪ ،‬ال يَ ْ‬
‫(‪)1‬‬

‫ب َوَت َولَّى) (‪ )2‬أن كل من يصـلى النــار كــذلك ‪ ،‬وبظــاهر قــول اهلل تعــاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اأْل َ ْش َقى الَّذي َك َّذ َ‬
‫ك ُه ُم الْكافِ ُرو َن) (‪ )3‬أنه (‪ )4‬ال يــرتك احلكم مبا أنــزل اهلل‬ ‫َم يَ ْح ُك ْم بِما أَْن َز َل اهللُ فَأُولئِ َ‬
‫( َو َم ْن ل ْ‬
‫اال ك ــافر ‪ ،‬فلما مل يل ــزم أن ال ي ــدخل الن ــار اال ك ــافر (‪ )5‬هبذه (‪ )6‬اآلي ــات مل يل ــزم أن يك ــون‬
‫كل فاجر ىف جهنم وكل آكل أموال اليتامى ظلما وكل من يأكل أموال النــاس بالباطل ىف‬
‫النــار لآليــات الىت تلوناهــا‪ .‬واجلواب عن كل آية يعتلــون هبا ىف الوعيد كــاجلواب عن هــذه‬
‫ك عُ ْدواناً َوظُلْم اً) حيتمل من يفعل ذلك مســتحيال‬ ‫اآليات‪ .‬وقوله تعاىل‪َ ( .‬و َم ْن َي ْف َع ْل ذلِ َ‬
‫(‪)7‬‬

‫وحيتمل اجلمي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع‪ .‬وقوله ‪َ ( :‬وإِ َّن الْ ُف َّج َار ل َِفي َج ِح ٍيم) حيتمل البعض منهم وهم الكف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ‪،‬‬
‫وحيتمل اجلميع وكــذلك اجلواب عن كل آية ىف الوعيــد‪ .‬ويلــزم املعتزلة ان يكــون مجيع أهل‬
‫الشمال‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬يزيد ب وتبعه ل ‪ ،‬م كلمة «مكـ ـ ــذبا» قبل قوله «أن» وجيب حـ ـ ــذفها ألن «أن» متعلقة بقوله ‪« :‬جلاز أن‬
‫يقضى ‪ »..‬قبلها‪.‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 93‬اآليات ‪ 14‬ـ ‪.16‬‬
‫(‪ )3‬س ‪ 5‬اآلية ‪ 44‬وقد غري م «الكافرون» ىف األصل اىل «الفاسقون» كما أشرنا اىل ذلك ىف املقدمة‪.‬ـ‬
‫(‪ )4‬ب ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أو تبعه ‪ :‬كافرا ‪ ،‬وقد غريها م اىل «فاسق» كما أشرنا اىل ذلك أيضا‪.‬‬
‫(‪ )6‬متعلق بقوله «مل يلزم»‪.‬‬
‫(‪ )7‬ب وتبعه ل ‪ :‬مستحيال‪.‬‬
‫ـ ‪ 129‬ـ‬

‫مال فِي س م ٍ‬
‫وم َو َح ِم ٍيم‬ ‫الش ِ‬
‫حاب ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫حاب ِّ‬
‫َُ‬ ‫َص ُ‬ ‫مال ما أ ْ‬ ‫َص ُ‬ ‫كافرين بظاهر قول اهلل تعــاىل ‪َ ( :‬وأ ْ‬
‫ك م ْت رفِين ‪ ،‬وكانُوا ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص ُّرو َن َعلَى‬ ‫ُ‬ ‫‪َ ،‬وظ ٍّل م ْن يَ ْح ُموم ‪ ،‬ال با ِرد َوال َك ِر ٍيم إ َّن ُه ْم كانُوا َق ْب َل ذل َ ُ َ َ َ‬
‫ث ال َْع ِظ ِيم َوك انُوا َي ُقولُ و َن أَإِذا ِم ْتنا َو ُكنَّا تُراب اً َو ِعظام اً أَإِنَّا ل ََم ْبعُوثُ و َن) (‪ )1‬وبقوله ‪:‬‬ ‫ْح ْن ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ُوت كِتابِيَ ْه) اىل قوله تعــاىل ‪( :‬إِنَّهُ كا َن ال‬ ‫َم أ َ‬ ‫ِ‬
‫ول يا ل َْيتَني ل ْ‬‫( َوأ ََّما َم ْن أُوتِ َي كِتابَهُ بِ ِش مالِ ِه َفَي ُق ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫عام ال ِْم ْس ِكي ِن)‬
‫ض َعلى طَ ِ‬ ‫ي ْؤ ِمن بِ ِ‬
‫اهلل ال َْع ِظ ِيم ‪َ ،‬وال يَ ُح ُّ‬ ‫ُ ُ‬
‫***‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬س ‪ 56‬اآليات ‪ 41‬ـ ‪.47‬‬
‫(‪ )2‬س ‪ 69‬اآليات ‪ 25‬ـ ‪.34‬‬
‫(‪ 9‬ـ كتاب اللمع)‬
‫ـ ‪ 130‬ـ‬

‫(‪)10‬‬

‫باب الكالم فى االمامة‬


‫ان قال قائل ‪ :‬ما (‪ )1‬الـدليل على إمامة أىب بكر رضى اهلل عنـه؟ قيل له ‪ :‬الـدليل على‬
‫ذلك أنا وجـ ـ ـ ــدنا النـ ـ ـ ــاس على ثالثة أصـ ـ ـ ــناف ‪ :‬قـ ـ ـ ــائلني يقولـ ـ ـ ــون بامامة على بعد الرسـ ـ ـ ــول‬
‫صلى‌هللا‌عليه‌وسلم ‪ ،‬وقـ ــائلني يقولـ ــون بامامة العبـ ــاس رضى اهلل عنه ‪( ،‬وقـ ــائلني يقولـ ــون‬
‫بامامة الصــديق (‪ )2‬رضى اهلل عنــه)‪ .‬ورأينا (‪ )3‬عليا والعبــاس قد بايعــاه وانقــادا ألمــره ىف كافة‬
‫املسـ ـ ـ ــلمني وان كـ ـ ـ ــان قد توقف (‪ )4‬عن البيعة متوقفـ ـ ـ ــون وقتا ما فقد أطبقـ ـ ـ ــوا على البيعة له‬
‫واالنقيـ ـ ـ ــاد المامته والكـ ـ ـ ــون حتت رايته واتبـ ـ ـ ــاع أمـ ـ ـ ــره ‪ ،‬وقـ ـ ـ ــالوا له ‪ :‬يا خليفة رسـ ـ ـ ــول اهلل‬
‫صلى‌هللا‌عليه‌وس لم ‪ ،‬وال جيوز أن جتمع األمة على خطـ ـ ــأ‪ .‬وال جيوز ملدع (‪ )5‬أن يـ ـ ــدعى‬
‫(‪)6‬‬
‫أن بـ ـ ــاطن على والعبـ ـ ــاس خبالف ما أظهـ ـ ــراه ‪ ،‬ولو جـ ـ ــاز ذلك مل جيز لنا أن نقضى على‬
‫صـ ــحة امجاع من األمة على ش ــيء (ألنـ ــا) (‪ )7‬ال ن ــأمن أن يكـ ــون بـ ــاطن بعض األمة خالف‬
‫ظاهرهم‪ .‬فلما كان مبا يظهر‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ل ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ما بني قوسني ليس ىف األصل وزيادته أوىل وأن كان مفهوما من السياق‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬نقلها الناسخ ‪ :‬ورائنا‪.‬‬
‫(‪ )4‬ب وتبعه ل ‪ :‬يوفق‪.‬‬
‫(‪ )5‬ب وتبعه ل ‪ :‬ملدعى‪.‬‬
‫(‪ )6‬لعل األوىل أن يقول «بصحة ال على صحة» كما سبق‪.‬‬
‫(‪ )7‬ليست ىف األصل‪.‬‬
‫ـ ‪ 131‬ـ‬

‫من األمة من االتفـ ــاق قد يعلم به االمجاع وال يلتفت اىل دعـ ــوى من ادعى الب ـ ــاطن وكـ ــان‬
‫مدعى ذلك كقائل يقول من اخلوارج (‪ )1‬أن باطن على خبالف ظــاهرة ‪ ،‬فلما كــان ىف هــذا‬
‫ابط ـ ــال االمجاع وجب القض ـ ــاء على (‪ )2‬إمامة أىب بكر بعقد من عق ـ ــدها له من املس ـ ــلمني ‪،‬‬
‫وبيعه من بايعه من املهــاجرين واألنصــار ‪ ،‬وامجاع املســلمني عليه ىف وقته ‪ ،‬ال ســيما وعلى‬
‫والعبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس عاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدان له البيعة على أنفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهما ‪ ،‬ومقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــران له باالمامة وخالفة الرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫صلى‌هللا‌عليه‌وسلم ‪ ،‬فاذا كانت االمامة ال خترج عن هؤالء الثالثة بامجاع وقد بايعاه ىف‬
‫كافة املسـ ـ ـ ــلمني ‪ ،‬وجب أن يكـ ـ ـ ــون إماما مفـ ـ ـ ــرتض (‪ )3‬الطاعـ ـ ـ ــة‪ .‬وقد نطق القـ ـ ـ ــرآن بامامة‬
‫الصــديق ودل على إمامة الفــاروق ؛ وذلك أن اهلل تعــاىل قــال ىف ســورة بــراءة للقاعــدين عن‬
‫َن تَ ْخ ُر ُج وا َم ِع َي أَبَ داً‬
‫نص ــرة نبيه صلى‌هللا‌عليه‌وسلم واملتخلفني عن اجله ــاد معه ‪َ ( :‬ف ُق ْل ل ْ‬
‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين) (‪ )4‬وقــال ىف‬ ‫َن تُق اتلُوا َمع َي َع ُد ًّوا إِنَّ ُك ْم َرض يتُ ْم ب الْ ُقعُود أ ََّو َل َم َّرة فَاقْعُ ُدوا َم َع الْخ الف َ‬ ‫َول ْ‬
‫ْخ ُذوها ذَ ُرونا َنتَّبِ ْع ُك ْم‬‫ول ال ُْم َخلَّ ُف و َن إِذَا انْطَلَ ْقتُ ْم إِلى َمغ انِ َم لِتَأ ُ‬
‫سـ ــورة أخـ ــرى (‪ : )5‬ـ ـ ( َس َي ُق ُ‬
‫ِ‬
‫الم اهلل) يعىن قوله ‪( :‬ل ْ‬
‫َن‬ ‫يُ ِري ُدو َن أَ ْن ُيبَ ِّدلُوا َك َ‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬يزيد األصل بعـ ــدها وتبعه ل قوله «من يقـ ــول» وقد أبقاها كما هى مع حاجة النص اىل مثل هـ ــذا احلذف‬
‫الّذي فعلناه‪.‬‬
‫(‪ )2‬لعل األوىل أن يقول بامامة كما سبق‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل نقلها الناسخ معرتض وهو نقيض املطلوب ولعل األوىل «مفروض»‪.‬‬
‫(‪ )4‬اآلية ‪.83‬‬
‫(‪ )5‬املقصود هبا سورة الفتح كما سيصرح بعد ذلك‪.‬‬
‫ـ ‪ 132‬ـ‬

‫َن َتتَّبِعُونا) (‪ )1‬كذلكم قــال اهلل من‬ ‫تَ ْخرجوا م ِعي أَبداً ول ِ ِ‬
‫َن تُقاتلُوا َمع َي َع ُد ًّوا) مث قال «(قُ ْل ل ْ‬
‫ُُ َ َ َ َ ْ‬
‫ين ِم َن‬ ‫قبل فس ــيقولون بل حتس ــدوننا بل ك ــانوا ال يفقه ــون اال قليال» مث ق ــال ‪( :‬قُ ل لِل ِ‬
‫ْم َخلَّف َ‬
‫ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫راب ستُ ْد َعو َن إِلى َقوٍم أُولِي بأ ٍ ِ ٍ ِ‬
‫ْس َشديد تُقاتلُو َن ُه ْم أ َْو يُ ْسل ُمو َن ؛ فَِإ ْن تُطيعُوا ُي ْؤت ُك ُم اهللُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اأْل َ ْع ِ َ ْ‬
‫س ناً) يق ــول (‪ )2‬ان أطعتم ال ــداعى لكم اىل قت ــاهلم آت ــاكم تع ــاىل أج ــرا حس ــنا ( َوإِ ْن‬ ‫َج راً َح َ‬
‫أْ‬
‫َتَت َولَّ ْوا) يعىن تعرضوا عن اجابة لداعى لكم اىل قتاهلم ( َكما َت َولَّْيتُ ْم ِم ْن َق ْب ُل) كما أعرضــتم‬
‫ِّذبْ ُك ْم َع ذاباً أَلِيم اً) (‪ .)3‬وقد علمنا أن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداعم هلم غري النيب‬ ‫من قبل ( ُي َع‬
‫َن تَ ْخ ُر ُجوا َم ِع َي أَبَداً)‪ .‬وقــال ىف ســورة الفتح‬ ‫صلى‌هللا‌عليه‌وسلم ؛ ألنه قال لنبيه‪َ ( .‬ف ُق ْل ل ْ‬
‫اهلل) فمنعهم اهلل تعـ ـ ـ ــاىل عن اخلروج مع نبيه صـ ـ ــلى اهلل وسـ ـ ــلم‬ ‫(ي ِري ُدو َن أَ ْن يب ِّدلُوا َكالم ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬
‫وجعل خــروجهم معه تبــديال لكالمه فــوجب أن الــداعى الّــذي أمــروا باتباعه داع يــدعوهم‬
‫بعد الرسول ‪ ،‬وقد قال الناس قولني (‪ ، )4‬قال بعضهم ‪ :‬هم فــارس والــروم ‪ ،‬وقـال آخــرون‬
‫هم أهل اليمامة‪ .‬وأبو بكر قاتل الروم وأهل اليمامة ‪ ،‬وقوتلت‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬ما بني قوسني مل يذكره األصل وزيادته تعني كثريا على فهم األصل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ب وتبعه ل ‪ ،‬م يقولون وقد زاد م (اذا) ليصح التعبري‬
‫(‪ )3‬هذه اآلية وحىت قبلها من سورة الفتح ‪ :‬اآليتان ‪ 16 ، 15‬وصنيعنا أصح ألن القائل فرد وهو اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫(‪ )4‬أى ىف تعيني أولئك القوم املوصوفني ىف القرآن بوصف (‪ ...‬أُولِي بَأ ٍ‬
‫ْس َش ِد ٍ‬
‫يد)‪.‬‬
‫ـ ‪ 133‬ـ‬

‫ف ــارس ىف أيامه وظهر هبم من (‪ )1‬بع ــده ‪ ،‬ف ــان ك ــانوا أهل اليمامة أو ال ــروم فقد ق ــاتلهم أبو‬
‫بكر رضى اهلل عنه وىف ذلك اجياب إمامته وان كـ ـ ــانوا فـ ـ ــارس فقد قوتلـ ـ ــوا ىف أيامه وفـ ـ ــرغ‬
‫عمر منهم من بعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــده ؛ فقد وجب إمامة عمر ‪ ،‬واذا وجبت إمامة عمر وجبت إمامة أىب‬
‫بكر رضى اهلل عنهما ألن أبا بكر عقـ ـ ــدها له ‪ ،‬وان كـ ـ ــان املعىن ‪ :‬من قاتل فـ ـ ــارس وفـ ـ ــرغ‬
‫منهم ف ــاذا (‪ )2‬وجبت إمامة عمر وجبت إمامة أىب بكر ألنه هو (‪ )3‬العاقد المامت ــه‪ .‬ف ــدل ما‬
‫قلنــاه من القــرآن على إمامة الصــديق والفــاروق‪ .‬واذا وجبت إمامة أىب بكر بالــدالالت الىت‬
‫ذكرناها ـ ـ بظـ ــاهر القـ ــرآن وبامجاع املسـ ــلمني ىف وقته عليها ـ ـ فسد قـ ــول من قـ ــال ان النيب‬
‫صلى‌هللا‌عليه‌وس لم نص على إمامة غ ـ ـ ـ ــريه ‪ ،‬ألنه ال جيوز إمامة من نص الرس ـ ـ ـ ــول على‬
‫إمامة غـ ـ ــريه ‪ ،‬وه ـ ـ ــذا يقضى على (‪ )4‬بطالن ق ـ ـ ــول من قـ ـ ــال ان النيب صلى‌هللا‌عليه‌وس لم‬
‫نصب عليا بعده إماما‪.‬‬
‫ومما يبطل قول من قال بالنص على أىب بكر ‪ :‬أن أبا بكر‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬اسم موصول ال حرف جر وهو فاعل لقوله قبل ذلك ( َوظَ َه َر)‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرتب على حمذوف تقديره ‪ :‬فقد وجبت إمامة عمر‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل ‪ :‬تركها الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )4‬كذا ىف ب وتبعه ل‪ .‬ولعل األوىل يقول ببطالن كما سبق‪.‬‬
‫ـ ‪ 134‬ـ‬

‫قـ ـ ـ ـ ـ ــال لعمر «ابسط يـ ـ ـ ـ ـ ــدك أبايعـ ـ ـ ـ ـ ــك» يـ ـ ـ ـ ـ ــوم السـ ـ ـ ـ ـ ــقيفة (‪ ، )1‬فلو كـ ـ ـ ـ ـ ــان رسـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل‬
‫صلى‌هللا‌عليه‌وسلم نص على إمامته مل جيز أن يقول ‪« :‬ابسط يدك أبايعك»‪.‬‬
‫وقد قلنا ىف األبواب الىت تكلمنا عليها قوال وجيزا‪.‬‬
‫تم الكتاب‬
‫«واحلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬وصلى اهلل على حممد وآله وسلم»‪.‬‬
‫***‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬متعلق بقوله «قال» أى أن أبا بكر قال يوم السقفيةـ لعمر ‪« ..‬أبسط يدك» واهلل وىل التوفيق‪.‬‬
‫ـ ‪ 135‬ـ‬

‫فهرس‬
‫الصفحه‬ ‫املوضوع‬
‫تقدمي‪3.............................................................................‬‬
‫املخطوطات‪10.....................................................................‬‬
‫الباب األول ‪ :‬اهلل وصفاته ‪18.......................................................‬‬
‫الباب الثاىن ‪ :‬باب الكالم ىف القرآن واإلرادة‪23......................................‬‬
‫الباب الثالث ‪ :‬باب الكالم ىف اإلرادة وأهنا تعم سائر احملدثات‪48......................‬‬
‫الباب الرابع ‪ :‬باب الكالم ىف الرؤية ‪61..............................................‬‬
‫الباب اخلامس ‪ :‬باب الكالم ىف القدر‪69.............................................‬‬
‫الباب السادس ‪ :‬باب الكالم ىف االستطاعة‪92........................................‬‬
‫الباب السابع ‪ :‬باب الكالم ىف التعديل والتجويز ‪114.................................‬‬
‫الباب الثامن ‪ :‬باب الكالم ىف االميان‪122............................................‬‬
‫الباب التاسع ‪ :‬باب الكالم ىف اخلاص والعام والوعد والوعيد‪125.....................‬‬
‫الباب العاشر ‪ :‬باب الكالم ىف االمامة‪130...........................................‬‬
‫الفهرس‪134.......................................................................‬‬

You might also like