Professional Documents
Culture Documents
نرجو منكم اخوايت األحباء املسامهة معنا يف نشر املوقع بني األصدقاء
واهلل املوفق
األمثال يف القرآن الكرمي
بسم اهلل الرمحن الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على خري الربية حممد وآله
وصحب أمجعني
قال شيخنا رمح اهلل وقع يف القرآن أمثال وان أمثال القرآن ال يعقلها إال العاملون وأهنا شهبي
شيء بشيء يف حكم وتقريب املعقول من احملسوس أو أحد احملسوسني من األخر واعتبهار
أحدمها باآلخر كقول تعاىل يف حق املنافقني ومثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضآءت ما
حول ذهب اهلل بنورهم وتركهم يف ظلمات ال يصربون صم بكم عمي فهم ال يرجعهون أو
كصيب من السماء في ظلمات ورعد وبرق جيعلون أصابعهم يف آذاهنم إىل قول إن اهلل على
كل شيء قدير فضرب للمنافقني حبسب حاهلم مثلني مثال ناريا ومثال مائيا ملا يف املاء والنار من
اإلضاءة واإلشراق واحلياة فإن النار مادة النور واملاء مادة احلياة وقد جعل اهلل سبحان الوحي
الذي أنزل من السماء متضمنا حلياة القلوب واستنارهتا وهلذا مساه روحا ونورا وجعل قابليه
أحياء يف النور ومن مل يرفع ب رأسا أمواتا يف الظلمات وأخرب عن حال املنافقني بالنسهبة إىل
حظهم من الوحي أهنم مبنزلة من استوقد نارا لتضيء ل وينتفع هبا وهذا ألهنهم دخلهوا يف
اإلسالم فاستضاءوا ب وانتفعوا ب
تشبي الكفار باملطر املصاحب للظلمة والرعد والربق وآمنوا ب وخالطوا املسلمني ولكن ملا مل
يكن لصحبتهم مادة من قلوهبم من نور اإلسالم طغى عنهم وذهب اهلل بنورهم ومل يقل نارهم
فإن النار فيها اإلضاءة واإلحراق فذهب اهلل مبا فيها من اإلضاءة وأبقى عليهم ما فيهها مهن
اإلحراق وتركهم يف ظلمات ال يبصرون فهذا حال من أبصر مث عمي وعرف مث أنكر ودخل
يف اإلسالم مث فارق بقلب ال يرجع إلي وهلذا قال فهم ال يرجعون
مث ذكر حاهلم بالنسبة إىل املثل املائي فشبههم بأصحاب صيب وهو املطر الذي يصهوب أي
ينزل من السماء في ظلمات ورعد وبرق فلضعف بصائرهم وعقوهلم اشتدت عليهم زواجر
القرآن ووعيده وهتديده وأوامره ونواهي وخطاب الذي يشب الصواعق فحاهلم كحال مهن
أصاب مطر في ظلمة ورعد وبرق فلضعف وخوف جعل أصبعي يف أذني خشية من صهاعقة
تصيب وقد شاهدنا حنن وغرينا كثريا من خمانيث تالميذ اجلهمية واملبتدعة إذا مسعوا شيئا مهن
آيات الصفات وأحاديث الصفات املنافية لبدعتهم رأيتهم عنها معرضني كأهنم محر مسهتنفرة
فرت من قسورة ويقول خمنثهم سدوا عنا هذا الباب واقرأوا شيئا غري هذا وترى قلوهبم مولية
وهم جيمحون لثقل معرفة الرب سبحان تعاىل وأمسائ وصفات على عقوهلم وقلوهبم وكهذل
املشركون على اختالف شركهم إذا جرد هلم التوحيد وتليت عليهم نصوص املبطلة
فصل وقد ذكر سبحان املثلني املائي والناري يف سورة الرعد ولكن يف حق املؤمنني فقال تعاىل
أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون علي يف النار
ابتغاء حلية أو متاع زبد مثل كذل يضرب اهلل شب الوحي الذي أنزله حليهاة القلهوب
واألمساع واألبصار باملاء الذي أنزل حلياة األرض بالنبات وشب القلوب باألودية فقلب كبري
يسع علما عظيما كواد كبري يسع ماء كثريا وقلب صغري إمنا يسع حبسب كالوادي الصهغري
فسالت أودية بقدرها واحتملت قلوب من اهلدى والعلم بقدرها كما أن السيل إذا خهال
األرض ومر عليها احتملت غثاء وزبدا فكذل اهلدى والعلم إذا خال القلوب أثار ما فيها
من الشهوات والشبهات ليقلعها ويذهبها كما يثري الدواء وقت شرب من البهدن أخالطه
فتكرب هبا شارب وهي من متام نفع الدواء فان أثارها ليذهب هبا فإن ال جيامعها وال يساكنها
وهكذا يضرب اهلل احلق والباطل مث ذكر املثل الناري فقال ومما يوقدون علي يف النار ابتغهاء
حلية أو متاع زبد مثل وهو اخلبث الذي خيرج عند سب الذهب والفضة والنحاس واحلديد
فتخرج النار ومتيزه وتفصل عن اجلوهر الذي ينتفع ب فريمى ويطرح ويذهب جفاء فكذل
الشهوات والشبهات يرميها قلب املؤمن ويطرحها وجيفوها كما يطرح السيل والنار ذله
الزبد والغثاء واخلبث ويستقر يف قرار الوادي املاء الصايف الذي يسقي من الناس ويزرعهون
ويسقون أنعامهم كذل يستقر يف قرار القلب وجذره اإلميان اخلالص الصايف الهذي ينفهع
صاحب وينتفع ب غريه ومن مل يفق هذين املثلني ومل يتدبرمها ويعرف ما يراد منهما فليس من
أهلهما واهلل املوفق
فصل ومنها قول تعاىل إمنا مثل احلياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختل ب نبات األرض
مما يأكل الناس واألنعام حىت إذا أخذت األرض زخرفها و ازينت وظن أهلها أهنم قهادرون
عليها أتاها أمرنا ليال أو هنارا فجعلناها حصيدا كأن مل تغن باألمس كذل نفصل اآليات لقوم
يتفكرون شب سبحان احلياة الدنيا يف أهنا تتزين يف عني الناظر فتروق بزينتها وتعجب فيميهل
إليها ويهواها اغترارا من هبا حىت إذا ظن أن مال هلا قادر عليها سلبها بغتة أحوج ما كهان
إليها وحيل بين وبينها فشبهها باألرض الذي ينزل الغيث عليها فتعشب وحيسن نباهتا ويروق
منظرها للناظر فيغتر ب ويظن أن قادر عليها مال هلا فيأتيها أمر اهلل فتدرك نباهتا اآلفة بغتهة
فتصبح كأن مل تكن قبل فيخيب ظن وتصبح يداه صفرا منهما فهكذا حال الدنيا والواثق هبا
سواء وهذا من أبلغ التشبي والقياس فلما كانت الدنيا عرضة هلذه اآلفات واجلنة سليمة منها
قال تعاىل تعاىل واهلل يدعوا إىل دار السالم فسماها هنا دار السالم لسالمتها من هذه اآلفات
اليت ذكرها يف الدنيا فعم بالدعوة إليها وخص باهلداية من شاء فذل عدل وهذا فضل
فصل ومنها قول تعاىل مثل الفريقني كاألعمى واألصم والبصري والسميع هل يستويان مهثال
أفال تذكرون فإن سبحان وتعاىل ذكر الكفار ووصفهم بأهنم ما كانوا يستطيعون السمع وما
كانوا يبصرون مث ذكر املؤمنني ووصفهم باإلميان والعمل الصاحل واإلخبات إىل رهبم فوصفهم
بعبودية الظاهر وبالباطن جعل أحد الفريقني كاألعمى واألصم من حيث كان قلب أعمى عن
رؤية احلق أصم عن مساع فشبهت مبن بصره أعمى عن رؤية أحق األشياء ومسع أصم عهن
مساع األصوات والفريق اآلخر بصري القلب مسيع كبصري العني ومسيع األذن فتضمنت اآليهة
قياسني و متثيلني للفريقني مث نفى التسوية عن الفريقني بقول هل يستويان مثال
فصل ومنها قول تعاىل مثل الذين اختذوا من دون اهلل أولياء كمثل العنكبوت فذكر سهبحان
إهنم ضعفاء وأن الذين اختذوهم أولياء
فصل
النوع الثاين أصحاب مثل الظلمات املتراكمة وهم الذين عرفوا احلق واهلدى وآثروا عليه
ظلمات الباطل والضالل فتراكمت علي ظلمة الطبع وظلمة النفوس وظلمة اجلهل حيهث مل
يعلموا بعلمهم فصاروا جاهلني وظلمة اتباع الغي واهلوى فحاهلم كحال من كان يف حبر جلي
ال ساحل ل وقد غشي موج ومن فوق ذل املوج موج ومن فوق سحاب مظلهم فههو يف
ظلمة البحر وظلمة املوج وظلمة السحاب وهذا نظري ما هو في من الظلمات اليت مل خيرجه
اهلل منها إىل نور اإلميان وهذان املثالن بالسراب الذي ظن مادة احلياة وهو املاء والظلمهات
املضادة للنور نظري املثلني اللذين ضرهبما للمنافقني واملؤمنني ومها املثل املائي واملثل النهاري
وجعل حظ املؤمنني منهما احلياة واإلشراق وحظ املنافقني منهما الظلمة املضادة للنور واملوت
املضاد للحياة فكذل الكفار يف هذين املثلني حظهم من املاء السراب الذي يغرر الناظر فيه
وال حقيقة ل وحظهم الظلمات املتراكمة وهذا جيوز أن يكون املراد ب حال كل طائفة مهن
طوائف الكفار وأهنم عدموا مادة احلياة واإلضاءة بإعراضهم عن الوحي فيكون املثالن صفتني
ملوصوف واحد وجيوز أن يكون املراد ب تنويع أحوال الكفار وأن أصحاب املثل األول ههم
الذين عملوا
مثل الشرك باهلل يستجيبون وال يهتدون وال يفرقون بني ما يضرهم وبني ما ينفعهم واألنعهام
تفرق بني ما يضرها من النبات والطريق فتجتنب وما ينفعها فتؤثره واهلل تعاىل مل خيلق لألنعهام
قلوبا تعقل هبا وال ألسنة تنطق هبا وأعطى ذل هلؤالء مث مل ينتفعوا مبا جعل هلم من العقهول
والقلوب واأللسنة واألمساع واألبصار فهم أضل من البهائم فإن من ال يهتدي إىل الرشد وإىل
الطريق مع الدليل ل أضل وأسوأ حاال ممن ال يهتدي حيث ال دليل مع
فصل
ومنها قول تعاىل ضرب لكم مثال من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أميانكم من شركاء يف ما
رزقناكم فأنتم في سواء ختافوهنم كخيفتكم أنفسكم كذل نفصل اآليات لقوم يعقلون وهذا
دليل قياسي احتج اهلل سبحان ب على املشركني حيث جعلوا ل من عبيده وملك شركاء فأقام
عليهم حجة يعرفون صحتها من نفوسهم وال حيتاجون فيها إىل غريهم ومن أبلغ احلجهاج أن
يأخذ اإلنسان من نفس وحيتج علي مبا هو يف نفس مقرر عندهم معلوم هلا فقال هل لكم من
ما ملكت أميانكم من عبيدكم وإمائكم شركاء يف املال واألهل أي هل يشارككم عبيدكم يف
أموالكم و أهليكم فأنتم وهم يف ذل سواء ختافون أن يقامسوكم أموالكم ويشاطروكم إياها
ويستأثرون ببعضها عليكم كما خياف الشري شريك وقال ابن عباس ختافون أن يرثهوكم
كما يرث بعضكم بعضا واملعىن هل
هل يرضى أحد منكم أن يكون عبده شريك يف مال وأهل حىت يساوي يف التصرف يف ذل
فهو خياف أن ينفرد يف مال بأمر يتصرف في كما خياف غريه من الشركاء واألحرار فهإذا مل
ترضوا ذل ألنفسكم فلم عدلتم يب من خلقي من هو مملوك يل فإن كان هذا احلكم باطال يف
فطركم وعقولكم مع أن جائز عليكم ممكن يف حقكم إذ ليس عبيدكم ملكا لكم حقيقة وإمنا
هم إخوانكم جعلهم اهلل حتت أيديكم وأنتم وهم عبادي فكيف تستجيزون مثل هذا احلكهم
يف حقي مع أن من جعلتموهم يل شركاء عبيدي وملكي وخلقي فهكذا يكون تفصيل اآليات
ألويل العقول
فصل ومنها قول تعاىل ضرب اهلل مثال عبدا مملوكا ال يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقها
حسنا فهو ينفق من سرا وجهرا هل يستوون احلمد هلل بل أكثرهم ال يعلمون وضرب اهلل مثال
رجلني أحدمها أبكم ال يقدر على شيء وهو كل على مواله أينما يوجه ال يأت خبهري ههل
يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم
هذان مثالن متضمنان قياسني من قياس العكس وهو نفى احلكم لنفي علت وموجبه فهإن
القياس نوعان قياس طرد يقتضي اثبات احلكم يف الفرع لثبوت علة األصل في وقياس عكس
يقتضي نفي احلكم عن الفرع لنفي علة احلكم في فاملثل األول ما ضرب اهلل سبحان لنفسه
ولألوثان فاهلل سبحان هو املال لكل شيء ينفق كيف يشاء على عبيده سرا وجههرا لهيال
وهنارا ميين مألى ال تغضيها نفقة سحاء الليل والنهار واألوثان مملوكة عاجزة ال تقدر علهى
شيء فكيف جتعلوهنا شركاء يل وتعبدوهنا من دوين مع هذا التفاوت العظيم والفرق املبني هذا
قول جماهد وغريه وقال ابن
إن اهلل يعلم وأنتم ال تعلمون عباس وهو مثل ضرب اهلل تعاىل للمؤمن والكافر ومثل املؤمن يف
اخلري الذي عنده مث رزق من رزقا حسنا فهو ينفق من على نفس وعلى غريه سرا وجههرا و
الكفار مبنزلة عبد مملوك عاجز ال يقدر على شيء ألن ال خري عنده فهل يستوي الرجالن عند
أحد من العقالء والقول األول أشب باملراد فأن أظهر يف بطالن الشرك وأوضح عند املخاطب
وأعظم يف إقامة احلجة وأقرب نسبا بقول ويعبدون من دون اهلل ماال ميل هلهم رزقها مهن
السموات واألرض شيئا وال يستطيعون فال تضربوا هلل األمثال إن اهلل يعلم وأنتم ال تعلمون مث
قال
ضرب اهلل مثال عبدا مملوكا ال يقدر ومن لوازم هذا املثل وأحكام أن يكون املؤمن املوحهد
كمن رزق من رزقا حسنا والكافر املشرك كالعبد اململوك الذي ال يقدر على شيء فهذا ممها
نب علي املثل وأرشد إلي فذكره ابن عباس منبها على إرادت ألن اآلية اختصت به فتأمله
فإن جتده كثريا يف كالم ابن عباس وغريه من السلف يف فهم القرآن فيظن الظان أن ذله
معىن اآلية اليت ال معىن هلا غريه فيحكي قول
فصل وأما املثل الثاين فهو مثل ضرب اهلل سبحان لنفس وملا يعبدون من دون أيضا فالصهنم
الذي يعبدون من دون بنزلة رجل أبكم ال يعقل وال ينطق بل هو أبكم القلب واللسان قهد
عدم النطق القليب
كمال العبودية واللساين ومع هذا فهو عاجز ال يقدر على شيء البتة ومع هذا فأينما أرسلت
ال يأتي خبري وال يقضي ل حاجة و اهلل سبحان حي قادر متكلم يأمر بالعدل وههو علهى
صراط مستقيم وهذا وصف ل بغاية الكمال واحلمد فإن أمره بالعدل وهو احلق يتضمن أنه
سبحان عامل ب معلم ل راض ب آمر لعباده ب حمب ألهل ال يأمر بسواه بل ينزه عن ضهده
الذي هو اجلور والظلم والسف والباطل بل أمره وشرع عدل كل وأهل العدل هم أوليهاؤه
وأحباؤه وهم اجملاوروه عن ميين على منابر من نور وأمره بالعدل يتناول األمر الشرعي الديين
واألمر القدري الكوين وكالمها عدل ال جور في بوج ما كما يف احلديث الصحيح
اللهم اين عبدك ابن عبدك ابن أمت ناصييت بيدك ماض يف حكم عدل يف قضاؤك فقضاؤه
هو أمره الكوين فإمنا أمره إذا أراد شيئا فإمنا يقول ل كن فيكون فال يأمر حبق وعدل وقضاؤه
وقدره القائم ب حق وعدل وإن كان يف املقضي املقدر ما هو جور وظلم فإن القضهاء غهري
املقضي والقدر غري املقدر مث أخرب سبحان أن على صراط مستقيم وهذا نظري قول شهعيب
علي الصالة والسالم إين توكلت على اهلل ريب وربكم ما من دابة إال هو آخذ بناصيتها إن ريب
على صراط مستقيم فقول ما من دابة إال هو آخذ بناصيتها نظري قول ناصييت بيدك وقول إن
ريب على صراط مستقيم نظري قول عدل يف قضاؤك فاألول ملك والثاين محده وهو سبحان ل
املل ول احلمد وكون سبحان على صراط مستقيم يقتضي أن ال يقول إال احلق وال يأمر إال
بالعدل وال يفعل إال ما هو مصلحة وحكمة وعدل
فصل ويف اآلية قول ثان مثل اآلية األوىل سواء أن مثل ضرب اهلل للمؤمن والكافر وقد تقدم
ما يف معىن هذا القول واهلل املوفق
فصل ومنها قول تعاىل مثل الذين محلوا التوراة مث مل حيملوها كمثل احلمار حيمل أسفارا بئس
مثل القوم الذين كذبوا بآيات اهلل واهلل ال يهدي القوم الظاملني فقاس سبحان من محل كتابه
لؤمن ب ويتدبره ويعمل ب ويدعو إلي مث خالف ذل ومل حيمل إال على ظهر قلب فقرأه به
بغري تدبر وال تفهم وال اتباع ل وال حتكيم ل وعمل مبوجب كحمار على ظهره زاملة أسفار
ال يدري ما فيها وحظ منها محلها على ظهره ليس إال فحظ
مثل الذي أوتى الكتاب ومل يعمل ب اهلل والدار اآلخرة مع وفور علم بالكلب يف هلث سهر
بديع وهو أن الذي حال ما ذكره اهلل من انسالخ من آيات واتباع هواه إمنا كان لشدة هلف
على الدنيا النقطاع قلب عن اهلل والدار اآلخرة فهو شديد اللهف عليها وهلف نظهري هلهف
الكلب الدائم يف حال ازعاج وترك واللهف واللهث شقيقان وأخوان يف اللفظ واملعىن قال
ابن جريج الكلب منقطع الفؤاد ال فؤاد ل أن حتمل علي يلهث أو تترك يلهث فههو مثهل
الذي يترك اهلدى ال فؤاد ل إمنا فؤاده ينقطع قلت مراده بانقطاع فؤاده أن ليس له فهؤاد
حيمل على الصرب وترك اللهث وهكذا الذي انسلخ من آيات اهلل مل يبق مع فؤاد حيمل على
الصرب عن الدنيا وترك اللهف عليها فهذا يلهف على الدنيا من قلة صربه عليها وهذا يلهث
من قلة صربه على املاء فالكلب من أقل احليوانات صربا عن املاء وإذا عطش أكل الثرى من
العطش وإن كان صرب عن اجلوع وعلى كل حال فهو من أشد احليوانات هلثا يلهث قائمها
وقاعدا وماشيا وواقفا ذل لشدة حرص فحرارة احلرص يف كبده توجب ل دوام اللههث
فهكذا مشبه شدة حرارة الشهوة يف قلب توجب ل دوام اللهث
فإن محلت علي باملوعظة والنصيحة فهو يلهث وإن تركت ومل تعظ فهو يلهف قهال جماههد
وذل مثال الذي أوتى الكتاب ومل يعمل ب وقال ابن عباس إن حتمل علي الكلمة مل حيملهها
وإن تركت مل يهتد إىل اخلري
سبب االنسالخ كالكلب إن كان رابضا هلث وإن طرد هلث وقال احلسن وهو املنافق ال يثبت
على احلق دعي أو مل يدع وعظ أم مل يوعظ كالكلب يلهث طرد أو ترك وقال عطاء ينبح إن
محلت علي أو مل حتمل علي وقال حممد بن قتيبة كل شيء يلهث إمنا يلهث من إعياء أو عطش
أال الكلب فإن يلهث يف حال الكالل أو حال الراحة وحال الصحة وحال املرض والعطهش
فضرب اهلل مثال ملن كذب بآيات وقال ابن عطية إن وعظت فهو ضال وإن تركت فهو ضهال
كالكلب إن طردت هلث وإن تركت على حال هلث ونظريه قول تعاىل وإن تدعوهم إىل اهلدى
ال يتبعوكم سواء عليكم أدعومتوهم أم أنتم صامتون
وتأمل ما يف هذا املثل من احلكم و املعىن فمنها قول وآتيناه آياتنا فأخرب سبحان أن هو الذي
آتاه آيات فإهنا نعمة واهلل هو الذي أنعم هبا علي فأضافها إىل نفس مث قال فانسلخ منهها أي
خرج منها كما تنسلخ احلية من جلدها وفارقها فراق اجللد ينسلخ عهن اللحهم ومل يقهل
فسلخناه منها ألن هو الذي تسبب إىل انسالخ منها باتباع هواه ومنها قول سبحان فأتبعه
الشيطان أي حلق وأدرك كما قال تعاىل يف قوم فرعون فأتبعوهم مشرقني فكهان حمفوظها
حمروسا بآيات اهلل حممي اجلانب هبا من الشيطان ال ينال من شيئا إال غلى غرة وخطفة فلمها
انسلخ من آيات اهلل ظفر ب الشيطان ظفر األسد بفريست فكان من الغاوين العاملني خبهالف
علمهم الذين يعرفون احلق ويعملون
سبب اخللود إىل األرض خبالف كعلماء السوء ومنها أن سبحان قال ولو شئنا لرفعنهاه هبها
فأخرب سبحان أن الرفعة عنده ليست مبجرد العلم فإن هذا كان من العلماء وإمنا هي باتبهاع
احلق إيثاره وقصد مرضاة اهلل تعاىل فان هذا كان من أعلم أهل زمان ومل يرفع اهلل بعلمه ومل
ينفع ب فتعوذ باهلل من علم ال ينفع وأخرب سبحان أن هو الذي يرفع عبده إذا شاء مبا آتاه اهلل
من العلم وإن مل يرفع اهلل فهو موضوع ال يرفع أحد ب رأسا فإن اخلافض الرافع اهلل سبحان
خفض ومل يرفع واملعىن ولو شئنا فضلناه وشرفناه ورفعنا قدره ومنزلت باآليات اليت آتيناه قال
ابن عباس رضي اهلل عنهما ولو شئنا لرفعناه بعلم هبا وقالت طائفة الضمري يف قول لرفعنهاه
عائد على الكفر واملعىن ولو شئنا لرفعناه عن الكفر مبا مع من آياتنا قال جماهد وعطاء لرفعنا
عن الكفر باإلميان وعصمناه وهذا املعىن حق واألول مراد اآلية وهذا من لوازم املراد وقهد
تقدم أن السلف كثريا ما ينبهون على الزم معىن اآلية فيظن الظان أن ذل هو املراد منهها
وقول ولكن أخلد إىل األرض قال سعيد بن جبري ركن إىل األرض وقال جماهد سكن وقهال
مقاتل رضي بالدنيا وقال
أبو عبيدة لزمها وأبطأ واملخلد من الرجال هو الذي تبطئ مشيت ومن الدواب الذي تبقهى
ثناياه إىل أن خترج رباعيت وقال الزجاج خلد وأخلد واحد وأصل من اخللود وهو الهدوام
والبقاء يقال فالن أخلد والذ باملكان إذا أقام ب قال مال بن نويره بأبناء حي من قبائل مال
وعمرو بن يربوع أقاموا وأخلدوا
قلت ومن قول تعاىل يطوف عليهم ولدان خملدون أي قد خلقوا للبقاء لذل ال يتغريون وال
يكربون وهم على سن واحد أبدا وقيل املقرطون يف آذاهنم واملسورون يف أيديهم وأصحاب
هذا القول فسروا اللفظ ببعض لوازم وذل إشارة إىل التخليد على ذل السن فال ينهايف
القولني
وقول واتبع هواه قال الكليب اتبع مسافل األمور وترك معاليها وقال أبو روق اختار الهدنيا
على اآلخرة وقال عطاء
أراد الدنيا وأطاع شيطان وقال ابن زيد كان هواه مع القوم يعين الذين حاربوا موسى عليه
الصالة والسالم وقوم وقال ميان اتبع امرأت ألهنا هي اليت محلت على ما فعله فهإن قيهل
اإلستدراك بلكن يقتضي أن يثبت بعدها نفي ما قبلها أو ينفي ما أثبت كما تقول لو شهئت
ألعطيت لكين مل أعط ولو شئت ملا فعلت كذا لكين فعلت فاالستدراك يقتضي ولهو شهئنا
لرفعناه هبا ولكنا مل نشأ أو فلم نرفع ولكن أخلد فكيف استدرك بقوله ولكنه أخلهد إىل
األرض بعد قول ولو شئنا لرفعناه هبا قيل هذا من الكالم امللحوظ في املعىن املعدول في عهن
مراعاة األلفاظ إىل املعاين وذل أن مضمون قول ولو شئنا لرفعناه هبا أن مل يتعاط األسهباب
اليت تقتضي رفع باآليات من ايثار اهلل ومرضات على هواه ولكن آثر الدنيا وأخلد إىل األرض
واتبع هواه وقال الزخمشري املعىن ولو لزم آياتنا لرفعناه هبا فذكر املشيئة واملراد ما هي تابعة
ل ومسببة عن قال أال ترى إىل قول ولكن أخلد فاستدرك املشيئة بإخالده الذي ههو فعله
فوجب أن تكون ولو شئنا يف معىن ما هو فعل ولو كان الكالم على ظاهره لوجب أن يقهال
ولو شئنا لرفعناه ولكنا مل نشأ فهذا من شنشنة نعرفها من قدري ناف للمشيئة العامة مبعهد
للنجعة يف جعل كالم اهلل معتزليا
مثل الظن التجسس االغتياب قدريا فأين قول ولو شئنا من قول ولو لزمها مث إذا كان اللزوم
هلا موقوفا على مشيئة اهلل وهو احلق بطل أصل وقول إن مشيئة اهلل تابعة للزوم آليات تابعهة
ملشيئة اهلل عز وجل فمشيئة اهلل سبحان متبوعة التابعة وسبب ال مسبب وموجب مقتضي ال
مقتضى فما شاء اهلل وجب وجوده وما مل يشأ امتنع وجوده
فصل ومنها قول تعاىل يآ أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثريا من الظن إن بعهض الظهن إمث وال
جتسسوا وال يغتب بعضكم بعضا أحيب أحدكم أن يأكل حلم أخي ميتا فكرهتموه واتقوا اهلل
إن اهلل تواب رحيم وهذا من أحسن القياس التمثيلي فان شب متزيق عرض األخ بتمزيق حلم
وملا كان املغتاب ميزق عرض أخي يف غيبت كان مبنزلة من يقطع حلم يف حال غيبة روح عن
باملوت ملا كان املغتاب عاجزا عن دفع بنفس بكون غائبا عن ذم كان مبنزلة امليهت الهذي
يقطع حلم وال يستطيع أن يدفع عن نفس وملا كان مقتضى األخهوة التهراحم والتواصهل
والتناصر فعلق عليها املغتاب ضد مقتضاها من الذم والعيب والطعن كان ذل نظري تقطيعه
حلم أخي واألخوة تقتضي حفظ وصيانت والذب عن وملا كان املغتاب متفكها بغيبت وذمه
متحليا بذل شب بأكل حلم أخي بعد تقطيع وملا كان املغتاب حمبا لذل معجبا ب شب مبهن
حيب أكل حلم أخي ميتا وحمبت لذل قدر زائد على جمرد أكل كما أن أكل قدر زائد علهى
متزيق فتأمل هذا التشبي والتمثيل وحسن موقع ومطابقة املعقول في للمحسهوس وتأمهل
أخباره عنهم بكراهة أكل حلم األخ ميتا ووصفهم بذل يف آخر اآلية واإلنكار عليهم يف أوهلا
أن جيب
مثل أعمال الكفار أحدهم ذل فكما أن هذا مكروه يف طباعهم فكيف حيبون ما هو مثله
ونظريه فاحتج عليهم مبا كرهوه على ما أحبوه وشب هلم ما حيبون مبا هو أكره شيء إلهيهم
وهم أشد شيء نفرة عن فلهذا يوجب العقل والفطرة واحلكمة أن يكونوا اشد شيء نفهرة
عما هو نظريه ومشبه وباهلل التوفيق
فصل ومنها قول تعاىل مثل الذين كفروا برهبم أعماهلم كرماد اشتدت ب الريح يف يوم عاصف
ال يقدرون مما كسبوا على شيء ذل هو الضالل البعيد فشب تعاىل أعمال الكفار يف بطالهنا
وعدم االنتفاع هبا برماد مرت علي ريح شديدة يف يوم عاصف فشب سهبحان أعمهاهلم يف
حبوطها وذهاهبا باطال كاهلباء املنثور لكوهنا على غري أساس من اإلميان واإلحسان وكوهنا لغري
اهلل عز وجل على غري أمره برماد طريت الريح العاصف فال يقدر صاحب على شيء من وقت
شدة حاجت إلي فلذل ال يقدرون مما كسبوا على شيء ال يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من
أعماهلم على شيء فال يرون هلا أثرا من ثواب وال فائدة نافعة فإن اهلل ال يقبل من العمل إال ما
كان خالصا لوجه موافقا لشرع واألعمال أربعة فواحد مقبول وثالثة مهردودة فهاملقبول
اخلالص الصواب فاخلالص أن يكون هلل ال لغري والصواب أن يكون مما شرع علهى لسهان
رسول والثالثة املردودة ما خالف ذل
ويف تشبيهها بالرماد سر بديع وذل للتشاب الذي بني أعماهلم وبني الرماد يف إحراق النهار
وإذهاهبا ألصل هذا وهذا فكانت األعمال اليت لغري اهلل عز وجل وعلى غري مراده طعمة للنار
وهبا تسعر النار على أصحاهبا وينشئ اهلل هلم من أعماهلم الباطلة نارا وعذابا كما ينشئ ألهل
األعمال املوافقة ألمره
رفع العمل الصاحل حني وإذا تأملت هذا التشبي رأيت مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة
يف القلب اليت فروعها من األعمال الصاحلة صاعدة إىل السماء وال تزال هذه الشجرة تثمهر
األعمال الصاحلة كل وقت حبسب ثباهتا يف القلب وحمبة القلب هلا وإخالص فيها ومعرفته
حبقيقتها وقيام حبقها ومراعاهتا حق رعايتها فمن رسخت هذه الكلمة يف قلب حبقيقتها اليت هي
حقيقتها واتصف قلب هبا وانصبغ هبا بصبغة اهلل اليت ال أحسن صبغة منها فيعرف حقيقة اهليئة
اليت يثبتها قلب هلل ويشهد هبا لسان وتصدقها جوارح ونفى تل احلقيقة ولوازمها عن كل ما
سوى اهلل عز وجل وواطأ قلب لسان يف هذا النفي واإلثبات وانقادت جوارح ملن شهد له
بالوحدانية طائعة سالكة سبل رب ذلال غري ناكبة عنها وال باغية سواها بدال كمها ال يبتغهي
القلب سوى معبوده احلق بدال فال ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسهان ال
تزال تؤتى مثرهتا من العمل الصاحل الصاعد إىل الرب تعاىل وهذه الكلمة الطيبة تثمر كهثريا
طيبا كلما يقارن عمل صاحل فريفع العمل الصاحل الكلم الطيب كما قال تعاىل إليه يصهعد
الكلم الطيب والعمل الصاحل يرفع فأخرب سبحان أن العمل الصاحل يرفع الكلم الطيب وأخرب
أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها كل وقت عمال صاحلا كل وقت
واملقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد املؤمن هبا عارفا مبعناها وحقيقتها نفيا واثباتها متصهفا
مبوجبها قائما قلب ولسان وجوارح بشهادت فهذه الكلمة من هذا الشاهد أصلها ثبات راسخ
يف قلب وفروعها متصلة
مثل النخلة واملؤمن بالسماء وهي خمرجة لثمرهتا كل وقت ومن السلف من قال إن الشهجرة
الطيبة هي النخلة ويدل علي حديث ابن عمر الصحيح ومنهم من قال هي املؤمن نفس كما
قال حممد بن سعد حدثين أيب حدثين عمي حدثين أيب عن أبي عن ابن عباس قول أمل تر كيف
ضرب اهلل مثال كلمة طيبة كشجرة طيبة يعين بالشجرة الطيبة املؤمن ويعين باألصل الثابت يف
األرض والفرع يف السماء يكون املؤمن يعمل يف األرض ويتكلم فيبلغ قول وعمل السهماء
وهو يف األرض وقال عطية العويف يف ضرب اهلل مثال كلمة طيبة كشجرة طيبة قال ذل مثل
املؤمن ال يزال خيرج من كالم طيب وعمل صاحل يصعد إىل اهلل
وقال الربيع بن أنس أصلها ثابت وفرعها يف السماء قال ذل املؤمن ضرب مثل يف اإلخالص
هلل وحده وعبادت وحده ال شري ل قال أصلها ثابت قال أصهل عمله ثابهت يف األرض
وفرعها يف السماء قال ذكره يف السماء وال اختالف بني القولني فاملقصود باملثهل املهؤمن
والنخلة مشبهة ب وهو مشب هبا وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فاملؤمن املشهب هبها أوىل أن
يكون كذل ومن قال من السلف إهنا شجرة يف اجلنة فالنخلة من أشرف أشجار اجلنة
جتديد اإلميان
ويف هذا املثل من األسرار والعلوم واملعارف ما يليق ويقتضي علم الذي تكلم به سهبحان
وحكمت فمن ذل أن الشجرة ال بد هلا من عروق وساق وفروع وورق ومثر فكذل شجرة
اإلميان واإلسالم ليطابق املشب املشب ب فعروقها العلم واملعرفة واليقني وسهاقها اإلخهالص
وفروعها األعمال ومثرهتا ما توجب األعمال الصاحلة من اآلثار احلميدة والصفات املمدوحهة
واألخالق الزكية والسمت الصاحل واهلدى والدل املرضى فيستدل على غرس هذه الشجرة
يف القلب وثبوهتا في هبذه األمور فإذا كان العلم صحيحا مطابقا ملعلوم الذي أنزل اهلل كتاب
ب واالعتقاد مطابقا ملا أخرب ب عن نفس وأخربت ب عن رسل صلوات اهلل وسالم علهيهم
واإلخالص قائم يف القلب واألعمال موافقة لألمر واهلدى والدل والسهمت مشهاب هلهذه
األصول مناسب هلا علم أن شجرة اإلميان يف القلب أصلها ثابت وفرعها يف السماء وإذا كان
األمر بالعكس علم أن القائم بالقلب إمنا هو الشجرة اخلبيثة اليت اجتثت من فوق األرض ماهلا
من قرار ومنها أن الشجرة ال تبقى حية إال مبادة تسقيها وتنميها فإذا انقطع عنهها السهقي
أوش أن تيبس فهكذا شجرة اإلسالم يف القلب إن مل يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقهت
بالعمل النافع والعمل الصاحل والعود بالتذكر على التفكر والتفكر على التذكر وإال أوشه
أن تيبس ويف مسند اإلمام أمحد من حديث أيب هريرة رضي اهلل عن قال قال رسهول اهلل إن
اإلميان خيلق يف القلب كما خيلق الثوب فجددوا إميانكم
الغرس الطيب وباجلملة فالغرس إن مل يتعاهده صاحب أوش أن يهل ومن هنا يعلم شهدة
حاجة العباد إىل ما أمر اهلل ب من العبادات على تعاقب األوقات وعظيم رمحت ومتهام نعمته
وإحسان إىل عباده بأن وضعها عليهم وجعلها مادة لسقي غراس التوحيد الهذي غرسه يف
قلوهبم
ومنها إن الغرس والزرع النافع قد أجرى اهلل سبحان العادة أن ال بد أن خيالط دغل ونبهت
غريب ليس من جنس فإن تعاهده رب ونقاه وقلم كمل الغرس والزرع واستوى ومت نباته
وكان أوفر لثمرت وأطيب وأزكى وإن ترك أوش أن يغلب على الغرس والزرع ويكهون
احلكم ل أو يضعف األصل وجيعل الثمرة ذميمة ناقصة حبسب كثرت وقلت ومن مل يكن ل فق
يقيس يف هذا ومعرفت ب فإن يفوت ربح كثري وهو ال يشعر فاملؤمن دائم سعي يف شيئني سقي
هذه الشجرة وتنقية ما حوهلا فبسقيها تبقى وتدوم وبتنقية ما حوهلا تكمل وتتم واهلل املستعان
وعلي التكالن
فهذا بعض ما تضمن هذا املثل العظيم اجلليل من األسرار واحلكم ولعلها قطرة من حبر حبسب
أذهاننا الواقعة وقلوبنا املخبطة وعلومنا القاصرة وأعمالنا اليت توجب التوبة واالستغفار وإال
فلو طهرت منا القلوب وصفت األذهان وزكت النفوس وخلصت األعمال وجتردت اهلمهم
للتقي عن اهلل تعاىل
مثل الكلمة اخلبيثة ورسول لشاهدنا من معاين كالم اهلل عز وجل وأسهراره وحكمه مها
تضمحل عنده العلوم وتتالشى عنده معارف احلق وهبذا يعرف قدر علوم الصحابة ومعارفهم
رضي اهلل عنهم وإن التفاوت الذي بني علومهم وعلوم من بعدهم كالتفاوت الذي بينهم يف
الفضل واهلل أعلم حيث جيعل مواقع فضل ومن خيتص برمحت
فصل مث ذكر سبحان مثل الكلمة اخلبيثة فشبهها بالشجرة اخلبيثة اليت اجتثهت مهن فهوق
األرض ما هلا من قرار فال عرق ثابت وال فرع عال وال مثرة زاكية وال ظل وال جىن وال ساق
قائم وال عرق يف األرض ثابت مغدق وال أعالها مونق وال جىن هلا وال تعلو بلى تعلى
وإذا تأمل اللبيب أكثر كالم هذا اخللق يف خطاهبم وكتبهم وجده كذل فاخلسهران كهل
اخلسران الوقوف مع واالشتغال ب عن أفضل الكالم وأنفع قال الضحاك ضرب اهلل مهثال
للكافر بشجرة اجتثت من فوق األرض ما هلا من قرار يقول ليس هلا أصل وال فرع وليس هلا
مثرة و ال فيها منفعة كذل الكافر ليس يعمل خريا وال يقول وال جيعل اهلل في بركة وال منفعة
وقال ابن عباس
ومثل كلمة خبيثة وهي الشرك كشجرة خبيثة يعين الكافر اجتثت من فوق األرض ما هلا من
قرار يقول الشرك ليس ل أصل يأخذ ب الكافر وال برهان وال يقبل اهلل عمهل املشهرك وال
يصعد إىل اهلل فليس ل أصل ثابت يف األرض وال فرع يف السماء يقول ليس ل عمل صاحل يف
السماء وال يف اآلخرة وقال الربيع بن أنس
كيفية التثبيت
فاخللق كلهم قسمان موفق بالتثبيت وخمذول بترك التثبيت ومادة التثبيت وأصل ومنشأه من
القول الثابت وفعل ما أمر ب العبد فيهما يثبت اهلل عبده فكل ما كان أثبت قوال وأحسن فعال
كان أعظم تثبتا قال تعاىل ولو أهنم فعلوا ما يوعظون ب لكان خريا هلم وأشد تثبيتها فأثبهت
الناس قلبا أثبتهم قوال والقول الثابت هو القول احلق والصدق وهو ضهد القهول الباطهل
الكذب فالقول نوعان ثابت ل حقيقة وباطل ال حقيقة ل وأثبت القهول كلمهة التوحيهد
ولوازمها فهي أعظم ما يثبت اهلل هبا عباده يف الدنيا واآلخرة وهلذا ترى الصادق من أثبهت
الناس وأشجعهم قلبا والكاذب من أمهن الناس وأخبثهم وأكثرهم تلويا وأقلهم ثباتا وأههل
الفراسة يعرفون صدق الصادق من ثبات قلب وقت االختبار وشجاعت ومهابته ويعرفهون
كذب الكاذب بضد ذل وال خيفى ذل إال على ضعيف البصرية وسئل بعضهم عن كهالم
مسع من متكلم ب فقال واهلل ما فهمت من شيئا اال أين مسعت لكالم صولة ليست بصهولة
مبطل فما منح العبد منحة أفضل من منحة القول الثابت وجيد أهل القول الثابت مثرت أحوج
ما يكونون إلي يف قبورهم ويوم معادهم كما يف صحيح مسلم من حديث الرباء بن عهازب
عن النيب أن هذه اآلية نزلت يف عذاب القرب وقد جاء هذا مبينا يف أحاديث صحاح فمنها ما
يف املسند من حديث داود بن أيب هند عن أيب نضرة عن أيب سعيد قال كنا مع النيب يف جنازة
فقال يا أيها الناس إن هذه األمة تبتلى يف قبورها فإذا اإلنسان دفن وتفرق عن
سؤال القرب أصحاب جاءه مل بيده مطراق فأقعده فقال ما تقول يف هذا الرجل فإن كهان
مؤمنا قال أشهد أال إل إال اهلل وحده ال شري ل وأشهد أن حممدا عبده ورسول فيقول له
صدقت فيفتح ل باب إىل النار فيقال ل هذا منزل لو كفرت برب فأما إذ آمنت فهإن اهلل
أبدل ب هذا مث يفتح ل باب إىل اجلنة فرييد أن ينهض ل اسكن مث يفسح ل يف قربه وأمها
الكافر واملنافق فيقال ل ما تقول يف هذا الرجل فيقول ال أدري فيقال ال دريت وال اهتديت
مث يفتح ل باب إىل اجلنة فيقال ل هذا منزل لو آمنت برب فأما إذ كفرت فإن اهلل أبهدل
ب هذا مث يفتح ل باب إىل النار مث يقمع املل باملطراق قمعة يسمع خلهق اهلل كلههم إال
الثقلني قال بعض أصحاب يا رسول اهلل ما منا من أحد يقوم على رأس مل بيده مطراق إال
هيل عند ذل فقال رسول اهلل يثبت اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت يف احليهاة الهدنيا ويف
اآلخرة ويضل اهلل الظاملني ويفعل اهلل ما يشاء
ويف املسند من حديث الرباء بن عازب وروى املنهال عن عمرو وعن زاذان عن الرباء قهال
قال رسول اهلل وذكر قبض روح املؤمن فقال يأتي آت يعين يف قربه فيقول من رب وما دين
ومن نبي فيقول ريب اهلل وديين اإلسالم ونيب حممد قال فيقول ل ما رب وما دين وههي
آخر فتنة تعرض على املؤمن فذل حني يقول اهلل يثبت اهلل الذين آمنوا بهالقول الثابهت يف
احلياة الدنيا ويف اآلخرة فيقول ريب اهلل وديين اإلسالم ونبيي حممد فيقال ل صهدقت وههذا
حديث صحيح
وقال محاد بن سلمة عن حممد بن عمر وعن أيب سلمة عن أيب هريرة قال قال رسول اهلل يثبت
اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة قال إذا قيل ل يف القرب من رب وما
دين فيقول ريب اهلل وديين االسالم ونيب حممد جاء بالبينات من عند اهلل فآمنهت وصهدقت
فيقال ل صدقت على هذا عشت وعلي مت وعلي تبعث وقال األعمش عن املنهال بن عمرو
عن زاذان عن الرباء بن عازب قال قال رسول اهلل وذكر قبض روح املؤمن قال فترجع روح
يف جسده ويبعث إلي ملكان شديدان فيجلسان وينهران ويقوالن من رب فيقول اهلل ومها
دين فيقول اإلسالم فيقوالن ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول حممد رسول اهلل قهال
فيقوالن ل وما يدري قال يقول قرأت كتاب اهلل فآمنت ب وصدقت وذل قول اهلل تبارك
وتعاىل يثبت اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة رواه ابهن حبهان يف
صحيح وأمحد ويف صحيح أيضا من حديث أيب هريرة يرفع قال إن امليت ليسهمع خفهق
نعاهلم يولون عن مدبرين فإذا كان مؤمنا كانت الصالة عند رأس والزكاة عن ميين وكهان
الصيام عن يساره وكان فعل اخلريات من الصدقة والصلة واملعروف واإلحسان إىل الناس عند
رجلي فيؤتى من عند رأس فتقول الصالة ما قبلي مدخل فيؤتى عن ميين فتقول الزكهاة مها
قبلي مدخل فيؤيت عن يساره فيقول الصيام ما قبلي مدخلى فيؤتى من عند رجلي فتقول فعل
اخلريات من الصدقة والصلة واملعروف و اإلحسان إىل الناس ما قبلي مدخل فيقال ل اجلس
فيجلس قد مثلت ل الشمس قد قدمت للغروب فيقال ل أخربنا عما نسأل عن فيقول وعم
تسألوين فيقول دعوين حىت أصلي فيقال إن ستفعل
فأخربنا عما نسأل فيقول وعم تسألون فيقال ل أرأيت هذا الرجل الذي بعث فيكم مهاذا
تقول في وماذا تشهد ب علي فيقول حممد فيقولون نعم فيقول أشهد أن رسول اهلل وأن جاءنا
بالبينات من عند اهلل فصدقناه فيقال ل على ذل حييت وعلى ذل مت وعلى ذل تبعهث
إن شاء اهلل مث يفسح ل يف قربه سبعون ذراعا وينور ل في مث يفتح ل باب إىل اجلنهة فيقهال
انظر إىل ما أعد اهلل ل فيها فيزداد غبطة وسرورا مث جيعل نسمت يف النسم الطيبة وهي طري
خضر تعلق بشجر اجلنة فيعاد اجلسد إىل ما بدا من من التراب وذل قول اهلل يثبت اهلل الذين
آمنوا بالقول الثابت يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة وال تستطل هذا الفصل املعتهرض فهاملفيت
والشاهد واحلاكم بل وكل مسلم أشد ضرورة إلي من الطعام والشهراب والهنفس وبهاهلل
التوفيق
فصل ومنها قول تعاىل فاجتنبوا الرجس من األوثان واجتنبوا قول الهزور حنفهاء هلل غهري
مشركني ب ومن يشرك باهلل فكأمنا خر من السماء فتخطف الطري أو هتوى ب الريح يف مكان
سحيق فتأمل هذا املثل ومطابقت حلال من أشرك باهلل وتعلق بغريه وجيوز ل يف هذا التشهبي
أمران أحدمها أن جتعل تشبيها مركبا ويكون قد شب من أشرك باهلل وعبد مع غريه
مثل من يشرك باهلل فكأمنا خر من السماء برجل قد تسبب إىل هالك نفس هالكا ال يرجهى
مع جناة فصور حال بصورة من خر من السماء فاختطف الطري يف اهلوى فتمهزق مزعها يف
حواصلها أو عصفت ب الريح حىت هوت يف بعض املطارح البعيدة وعلى هذا ال ينظر إىل كل
فرد من أفراد الشب ومقابلت من املشب ب
والثاين أن يكون من التشبي املفرق فيقابل كل واحد من أجزاء املمثل باملمثل ب وعلى ههذا
فيكون قد شب اإلميان والتوحيد يف علوه وسعت وشرف بالسماء اليت هي مصهعده ومهبطه
فمنها يهب إىل األرض وإليها يصعد منها وشب تارك اإلميان والتوحيد بالساق من السماء إىل
أسفل سافلني من حيث التضييق الشديد واآلالم املتراكمة والطري الذي خيطف أعضاءه وميزق
كل ممزق بالشياطني اليت يرسلها اهلل سبحان وتعاىل علي تؤزه أزا وتزعج وتقلق إىل مظهان
هالك فكل شيطان ل مزعة من دين وقلب كما أن لكل طري مزعة من حلم وأعضائ والريح
اليت هتوي ب يف مكان سحيق هو هواه الذي حيمل القاء نفس يف أسفل مكان وأبعهده مهن
السماء
فصل ومنها قول تعاىل يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا ل إن الذين تدعون من دون اهلل لن
خيلقوا ذبابا ولو اجتمعوا ل وإن يسلبهم الذباب شيئا ال يستنقذوه منه ضهعف الطالهب
واملطلوب وما قدروا اهلل حق قدره إن اهلل لقوي عزيز حقيق كل عبد أن يستمع هلذا
الشرك باهلل لن خيلقوا ذبابا املثل ويتدبره حق تدبره فإن يقطع موارد الشرك من قلب وذله
أن املعبود أقل درجات أن يقدر على إجياد ما ينفع عابده وإعدام ما يضره واآلهلة اليت يعبدها
املشركون من دون اهلل لن تقدر على خلق ذباب ولو اجتمعوا كلهم خللق فكيف ما هو أكرب
من وال يقدرون على االنتصار من الذباب إذا سلبهم شيئا مما علهيهم مهن طيهب وحنهوه
فيستنقذون من فال هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف احليهوان وال علهى
االنتصار من واسترجاع ما سلبهم إياه فال أعجز من هذه اآلهلة وال أضعف منهها فكيهف
يستحسن عاقل عبادهتا من دون اهلل تعاىل وهذا املثل من أبلغ ما أنزل اهلل سبحان يف بطهالن
الشرك وجتهيل أهل وتقبيح عقوهلم والشهادة على أن الشياطني قد تتالعب هبم أعظم مهن
تالعب الصبيان بالكرة حيث أعطوا اإلهلية اليت من بعض لوازمها القدرة على مجيع املقدورات
واإلحاطة جبميع املعلومات والغىن عن مجيع املخلوقات وأن يعمد إىل الرب يف مجيع احلاجات
وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإجابة الدعوات فأعطوها صورا ومتاثيل متتنع عليها القدرة
على خملوقات اآلهلة احلق وأذهلا وأصغرها وأحقرها ولو اجتمعوا لذل وتعاونوا عليه وأدل
من ذل على عجزهم وانتفاء آهلتهم أن هذا اخللق األقل األذل العاجز الضعيف لو اختطف
منهم شيئا واستلب فاجتمعوا على أن يستنقذوه من لعجزوا عن ذل ومل يقدروا علي مث سوى
بني العابد واملعبود يف الضعف والعجز بقول ضعف الطالب
مثل الذي ينعق واملطلوب قيل الطالب العابد واملطلوب املعبود فهو عاجز متعلق بعاجز وقيل
هو تسوية بني السالب واملسلوب وهو تسوية بني اإلل والذباب يف الضعف والعجز وعلهى
هذا فالطالب اإلل الباطل واملطلوب الذباب يطلب من ما استنقذه من وقيل الطالب الذباب
واملطلوب اآلهلة فالذباب يطلب من ما يأخذه مما علي والصحيح أن اللفظ يتنهاول اجلميهع
فضعف العابد واملعبود واملستلب و املستلب فمن جعل هذا اآلهلة مع القوي العزيز فما قدره
حق قدره وال عرف حق معرفت وال عظم حق عظمت
فصل ومنها قول تعاىل ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق مبا ال يسمع إال دعاء ونداء صم
بكم عمى فهم ال يعقلون
فتضمن هذا املثل ناعقا أي مصوتا بالغنم وغريها و منعوقا ب وهو الدواب فقيل الناعق العابد
وهو الداعي للصنم والصنم هو املنعوق ب املدعو وإن حال الكافر يف دعائ كحال من ينعق
مبا ال يسمع هذا قول طائفة منهم عبد الرمحن بن زيد وغريه واستشكل صاحب الكشهاف
ومجاعة مع هذا القول وقالوا قول إال دعاء ونداء ال يساعد علي ألن األصنام ال تسمع دعاء
وال نداء وقد أجيب عن هذا االشكال بثالثة
أجوبة أحدها أن زائدة واملعىن مبا ال يسمع دعاء ونداء قالوا وقد ذكر األصهمعي يف قهول
الشاعر
جراجيج ال تنفع إال مناخة
أي ما تنف مناخة وهذا جواب فاسد فإن إال ال تزاد يف الكالم
اجلواب الثاين أن التشبي وقع يف مطلق الدعاء ال يف خصوصات املدعو
اجلواب الثالث أن املعىن أن مثل هؤالء يف دعائهم آهلتهم اليت ال تفق دعآءهم كمثل النهاعق
بغنم فال ينتفع بنعقت شيئا غري أن يف دعآء ونداء وكذا املشرك ليس ل من دعائ وعبادت إال
العناء وقيل املعىن ومثل الذين كفروا كالبهائم اليت ال تفق مما يقول الراعي أكثر من الصوت
فالراعي هو داعي الكفار والكفار هم البهائم املنعوق هبا قال سيبوي املعىن ومثل يا حممهد
ومثل الذين كفروا كمثل الناعق و املنعوق ب وعلى قول فيكون املعىن ومثل الذين كفهروا
وداعيهم كمثل الغنم والناعق هبا ذل أن جتعل هذا من التشبي املركب وأن جتعل من التشبي
املفرق فإن جعلت من املركب كان تشبيها للكفار يف عدم فقههم وانتفاعهم بالغنم اليت ينعهق
هبا الراعي فال تفق من قول شيئا غري الصوت اجملرد الذي هو الدعاء والنداء وإن جعلت من
التشبي املفرق فالذين
مثل اإلنفاق حبب كفروا مبنزلة البهائم ودعاؤهم إىل الطريق واهلدى مبنزلة النعيق وإدراكههم
جمرد الدعاء والنداء كإدراك البهائم جمرد صوت الناعق واهلل أعلم
فصل ومنها قول تعاىل مثل الذين ينفقون أمواهلم يف سبيل اهلل كمثل حبة أنبتت سبع سنابل يف
كل سنبلة مائة حبة واهلل يضاعف ملن يشآء واهلل واسع عليم شب سبحان نفقة املنفق يف سبيل
سواء كان املراد ب اجلهاد أو مجيع سبل اخلري من كل بر مبن بذر بذرا فأنبتت كل حبة سهبع
سنابل اشتملت كل سنبلة على مائة حبة واهلل يضاعف حبسب حال املنفق وإميان وإخالصه
واحسان ونفع نفقت وقدرها ووقوعها موقعها فان ثواب االنفاق يتفاوت حبسب مها يقهوم
بالقلب من االميان واالخالص والتثبت عند النفقة وهو اخراج املال بقلب ثابت قد انشهرح
صدره باخراج ومسحت ب نفس وخرج من قلب قبل خروج من يده فهو ثابت القلب عند
اخراج غري جزع وال هلع وال متبع نفس ترجف يده وفؤاده ويتفاوت حبسب نفع اإلنفاق
ومصارف مبواقع وحبسب طيب املنفق وذكائ وحتت هذا املثل من الفق أن سهبحان شهب
االنفاق بالبذر فاملنفق مال الطيب هلل ال لغريه باذر مال يف أرض زكية فمغلة حبسهب بهذرة
وطيب أرض وتعاهد البذر بالسقي ونفي الدغل والنبات الغريب عن فإذا اجتمعهت ههذه
األمور ومل حترق الزرع نار وال حلقت جائحة جاء أمثال اجلبال وكان مثل كمثل حبة بربهوة
وهي املكان في نصب
مثل النفقة يف سبيل اهلل الشمس والرياح فترىب األشجار هناك أمت تربية فنزل عليها من السماء
مطر عظيم القطر متتابع فرواها ومناها فآتت أكلها ضعفي ما تؤتي غريها بسبب ذل الوابل
وإن مل يصبها وابل فطل مطر صغري القطر يكفيها لكرم منبتها تزكو على الطل وتنمي علي مع
أن يف ذكر نوعي الوابل والطل إشارة إىل نوعي اإلنفاق الكثري والقليل فمن الناس من يكون
إنفاق وابال ومنهم من يكون إنفاق طال واهلل ال يضيع مثقال ذرة فإن عرض هلذا العامل مها
يفرق أعمال ويبطل هبا حسنات كان مبنزلة رجل ل جنة من خنيل وأعناب جتري مهن حتتهها
األهنار ول فيها من كل الثمرات وأصاب الكرب ول ذرية ضعفاء فأصاهبا إعصهار فيه نهار
فاحترقت فإذا كان يوم استيفاء األعمال وإحراز األجور وجد العامل عمل قد أصهاب مها
أصاب صاحب هذه اجلنة فحسرت حينئذ أشد من حسرة هذا على جنت فهذا مثل ضرب اهلل
سبحان يف احلسرة لسلب النعمة عند شدة احلاجة إليها مع عظم قدرها ومنفعتهها والهذي
ذهبت عن قد أصاب الكرب والضعف فهو أحوج ما كان إىل نعمت ومع هذا فل ذرية ضعفآء
ال يقدرون على نفع والقيام مبصاحل بل هم يف عيال فحاجت إىل نعمت حينئذ أشد ما كانت
لضعف وضعف ذريت فكيف يكون حال هذا إذا كان ل بستان عظيم في من مجيع الفواكه
والثمر وسلطان مثره أجل الفواك وأنفعها وهو مثر النخيل واألعناب فنخل يقهوم بكفايته
وكفاية ذريت فأصبح يوما وقد وجده حمترقا كل كالصرمي فأي حسرة أعظم
مثل اإلنفاق باملن واألذى من حسرت قال ابن عباس هذا مثل الذي خيتم ل بالفساد يف آخهر
عمره وقال جماهد هذا مثل املفرط يف طاعة اهلل حىت ميوت وقال السري هذا مثل للمرائي يف
نفقت الذي ينفق لغري اهلل ينقطع عن نفعها أحوج ما يكون إليها وسأل عمر بهن اخلطهاب
الصحابة رضي اهلل عنهم يوما عن هذه اآلية فقالوا اهلل أعلم فغضب عمر وقال قولوا نعلم أو
ال نعلم فقال ابن عباس يف نفسي منها شيء يا أمري املؤمنني قال قل يا ابن أخهي وال حتصهر
نفس قال ضرب مثل لعمل قال ألي عمل قال لرجل غىن يعمل باحلسنات مث بعث اهلل له
الشيطان فعمل باملعاصي حىت أحرق أعمال كلها وقال احلسن هذا مثل قل واهلل أعلهم مهن
يعقل من الناس شيخ ضعف جسم وكثر صبيان أفقر ما كان إىل جنت وإن أحدكم واهلل أفقر
ما يكون إىل عمل إذا انقطعت عن الدنيا
فصل فإن عرض هلذه األعمال من الصدقات ما يبطلها من املن واألذى والرياء فالرياء مينهع
انعقادها سببا للثواب واملن واألذى يبطل الثواب الذي كان سببا ل فمثل صاحبها وبطهالن
عمل كمثل صفوان وهو احلجر األملس علي تراب فأصاب وابل وهو املطر الشديد فتركه
صلدا ال شيء علي وتأمل جزاء هذا املثل البليغ وانطباقها على أجزاء املمثل ب تعرف عظمة
القرآن وجاللت فإن احلجر يف مقابلة قلب هذا املرائي و املان واملؤذي فقلب يف
مثل ما ينفقون كمثل ريح قسوت عن اإلميان واإلخالص واإلحسان مبنزلة احلجهر والعمهل
الذي لغري اهلل مبنزلة التراب الذي على ذل احلجر فقوة ما حتت وصالبت متنع من الثبهات
والنبات عند نزول الوابل فليس ل مادة متصلة بالذي يقبل املاء وينبت الكأل وكذل قلب
املرآئي ليس ل ثبات عند وابل األمر والنهي والقضاء والقدر فإذا نزل علي وابهل الهوحي
انكشف عن ذل التراب اليسري الذي كان علي فربز ما حتت حجرا صلدا ال نبات في وهذا
مثل ضرب اهلل سبحان لعمل املرآئي ونفقت ال يقدر يوم القيامة على ثواب شيء من أحوج ما
كان إلي وباهلل التوفيق
فصل ومنها قول تعاىل إن الذين كفروا لن تغين عنهم أمواهلم وال أوالدههم مهن اهلل شهيئا
وأولئ أصحاب النار هم فيها خالدون مثل ما ينفقون يف هذه احلياة الدنيا كمثل ريح فيهها
صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكت وما ظلمهم اهلل ولكن أنفسهم يظلمون ههذا
مثل ضرب اهلل تعاىل ملن أنفق مال يف غري طاعت ومرضات فشب سبحان ما ينفق هؤالء مهن
أمواهلم يف املكارم واملفاخر وكسب الثناء وحسن الذكر ال يبتغون ب وج اهلل وما ينفقونه
ليصدوا ب عن سبيل اهلل واتباع رسل عليهم الصالة والسالم بالزرع الذي زرعه صهاحب
يرجو نفع وخريه فأصابت ريح شديدة الربد جدا حيرق بردها ما مير علي من الزرع والثمهار
فأهلكت ذل الزرع وأيبست
مثل امرأة نوح وامرأة لوط من أبلغ األمثال فإن اخلالص ملال واحد مستحق مهن معونته
وإحسان والتفات إلي وقيام مبصاحل ما ال يستحق صاحب الشركاء املتشاكسني احلمد هلل بل
أكثرهم ال يعلمون
فصل ومنها قول تعاىل ضرب اهلل مثال للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا حتت عبدين
من عبادنا صاحلني فخانتامها فلم يغنيا عنهما من اهلل شيئا وقيل ادخال النار مهع الهداخلني
وضرب اهلل مثال للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن يل عندك بيتا يف اجلنة وجنين من
فرعون وعمل وجنين من القوم الظاملني ومرمي ابنة عمران اليت أحصنت فرجها فنفخنا في من
روحنا وصدقت بكلمات رهبا وكتب وكانت من القانتني فاشتملت هذه اآليات على ثالثهة
أمثال مثل للكافر ومثلني للمؤمنني فتضمن مثل الكفار أن الكافر يعاتب على كفره وعداوت
هلل تعاىل ورسول وأوليائ وال ينفع مع كفره ما كان بين وبني املؤمنني من حلمهة نسهب أو
وصلة صهر أو سبب من سبب االتصال فان األسباب كلها تنقطع يوم القيامة إال ما كان منها
متصال باهلل وحده على أيدي رسل عليهم الصالة والسالم فلو نفعت وصلة القرابة واملصاهرة
والنكاح مع عدم االميان لنفعت الصلة اليت كانت بني نوح ولوط عليهما الصالة والسهالم
وامرأتيهما فلما مل يغنيا عنهما من اهلل شيئا
مثل امرأة نوح وامرأة لوط وقيل هلما ادخال النار مع الداخلني فقطعت اآلية حينئذ طمع من
ارتكب معصية اهلل تعاىل وخالف أمره ورجا أن ينفع صالح غريه من قريب أو أجنيب ولهو
كان بينهما يف الدنيا أشد االتصال فال اتصال فوق اتصال النبوة واألبوة والزوجية ومل يغهن
نوح علي الصالة والسالم عن ابن وال إبراهيم علي الصالة والسالم عن أبي وال نوح ولوط
عليهما الصالة و السالم عن امرأتيهما من اهلل شيئا قال اهلل تعاىل لن تنفعكم أرحهامكم وال
أوالدكم يوم القيامة يفصل بينكم وقال تعاىل يوم ال متل نفس لنفس شيئا واألمر يومئهذ هلل
وقال تعاىل واتقوا يوما ال جتزي نفس عن نفس شيئا وقال تعاىل واخشوا يوما ال جيزي والهد
عن ولده وال مولود هو جاز عن والده شيئا وهذا كل تكذيب ألطماع املشركني الباطلة أن
من تعلقوا ب من دون اهلل من قرابة أو صهر أو نكاح أو صحبة تنفعهم يوم القيامة أو جتريهم
من عذاب اهلل تعاىل أو تشفع هلم عند اهلل تعاىل وهذا أصل ضالل بين آدم وشهركهم وههو
الشرك الذي ال يغفره اهلل وهو الذي بعث اهلل تعاىل مجيع رسل عليهم الصالة والسالم وأنزل
مجيع كتب بإبطال وحماربة أهل ومعاداهتم
فصل وأما املثالن اللذان للمؤمنني فأحدمها امرأة فرعون ووج املثل أن اتصال املؤمن بالكافر
ال يضره شيئا إذا فارق يف كفره وعمل فمعصية العاصي ال تضر املطيع شيئا يف اآلخهرة وإن
تضرر هبا يف الدنيا بسبب العقوبة اليت حتل بأهل األرض إذا أضاعوا أمر اهلل عز وجل فتهأيت
عامة فلم يضر
مثل امرأة فرعون ومرمي امرأة فرعون اتصاهلا ب وهو من أكفر الكافرين ومل ينفع امرأة نهوح
ولوط اتصاهلما هبما ومها رسوال رب العاملني
املثل الثاين للمؤمنني مرمي اليت ال زوج هلا ال مؤمن وال كافر فذكر ثالثة أصناف النساء املرأة
الكافرة اليت هلا وصلة بالرجل الصاحل واملرأة الصاحلة اليت هلا وصلة بالرجل الكافر واملهرأة
العزبة اليت ال وصلة بينها وبني أحد فاألوىل ال تنفعها وصلتها وسببها والثانيهة ال تضهرها
وصلتها وسببها والثالثة ال يضرها عدم الصلة شيئا مث يف هذه األمثال من األسرار البديعة مها
يناسب سياق السورة فإهنا سيقت يف ذكر أزواج النيب والتحذير من تظاهرهن علي وأهنن إن
مل يطعن اهلل ورسول ويردن الدار اآلخرة مل ينفعهن اتصاهلن برسول اهلل كما مل ينفع امرأة نوح
ولوط اتصاهلما هبما وهلذا ضرب هلما يف هذه السورة مثل اتصال النكاح دون القرابة قهال
حيىي بن سالم ضرب اهلل املثل األول حيذر عائشة وحفصة مث ضرب هلما املثل الثاين حيرضهما
على التمس بالطاعة ويف ضرب املثل للمؤمنني مبرمي أيضا اعتبار آخر وهو أهنا مل يضرها عند
اهلل شيئا قذف أعداء اهلل تعاىل اليهود هلا ونسبتهم إياها وابنها إىل ما برأمها اهلل عن مع كوهنا
الصديقة الكربى املصطفاة على نساء العاملني فال يضر
احلرص على الطاعة الرجل الصاحل قذف الفجار والفساق في ويف هذا تسهلية لعائشهة أم
املؤمنني إن كانت السورة نزلت بعد قصة اإلف وتوطني نفسها على ما قال فيها الكاذبون إن
كانت قبلها كما يف التمثيل بامرأة نوح ولوط حتذير هلا وحلفصة مما اعتمدتاه يف حهق الهنيب
فتضمنت هذه األمثال التحذير هلن والتخويف والتحريض هلن على الطاعة والتوحيد والتسلية
وتوطني النفس ملن أوذي منهن وكذب علي وأسرار التنزيل فوق هذا وأجل من وال سهيما
أسرار األمثال اليت ال يعقلها إال العاملون متت حبمد اهلل وحسن توفيق وصلى اهلل على حممهد
وعلى آل وصحب وسلم تسليما اللهم اغفر لكاتبها ولقارئها ومتدبرها حق تدبرها وملصنفها
ومجيع املسلمني واملسلمات واملؤمنني واملؤمنات آمني واحلمد هلل رب العاملني
بقلم الفقري إىل رب تعاىل علي بن زيد آل غفر اهلل ل ولوالدي وجلميع املسلمني
واحلمد هلل الذي بنعمت تتم الصاحلات