You are on page 1of 39

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫مت بفضل اهلل التحميل من موقعكم ‪www.4kotob.com‬‬

‫نرجو منكم اخوايت األحباء املسامهة معنا يف نشر املوقع بني األصدقاء‬

‫واألقارب ويف املنتديات‬

‫يكن لنا مجيعا بإذن اهلل صدقة جارية‬

‫للمزيد من الكتب افتح ‪www.4kotob.com‬‬

‫واهلل املوفق‬
‫األمثال يف القرآن الكرمي‬

‫تأليف اإلمام مشس الدين حممد بن أيب بكر بن قيم اجلوزية‬


‫املنافقون يف كتاب اهلل‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على خري الربية حممد وآله‬
‫وصحب أمجعني‬
‫قال شيخنا رمح اهلل وقع يف القرآن أمثال وان أمثال القرآن ال يعقلها إال العاملون وأهنا شهبي‬
‫شيء بشيء يف حكم وتقريب املعقول من احملسوس أو أحد احملسوسني من األخر واعتبهار‬
‫أحدمها باآلخر كقول تعاىل يف حق املنافقني ومثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضآءت ما‬
‫حول ذهب اهلل بنورهم وتركهم يف ظلمات ال يصربون صم بكم عمي فهم ال يرجعهون أو‬
‫كصيب من السماء في ظلمات ورعد وبرق جيعلون أصابعهم يف آذاهنم إىل قول إن اهلل على‬
‫كل شيء قدير فضرب للمنافقني حبسب حاهلم مثلني مثال ناريا ومثال مائيا ملا يف املاء والنار من‬
‫اإلضاءة واإلشراق واحلياة فإن النار مادة النور واملاء مادة احلياة وقد جعل اهلل سبحان الوحي‬
‫الذي أنزل من السماء متضمنا حلياة القلوب واستنارهتا وهلذا مساه روحا ونورا وجعل قابليه‬
‫أحياء يف النور ومن مل يرفع ب رأسا أمواتا يف الظلمات وأخرب عن حال املنافقني بالنسهبة إىل‬
‫حظهم من الوحي أهنم مبنزلة من استوقد نارا لتضيء ل وينتفع هبا وهذا ألهنهم دخلهوا يف‬
‫اإلسالم فاستضاءوا ب وانتفعوا ب‬

‫تشبي الكفار باملطر املصاحب للظلمة والرعد والربق وآمنوا ب وخالطوا املسلمني ولكن ملا مل‬
‫يكن لصحبتهم مادة من قلوهبم من نور اإلسالم طغى عنهم وذهب اهلل بنورهم ومل يقل نارهم‬
‫فإن النار فيها اإلضاءة واإلحراق فذهب اهلل مبا فيها من اإلضاءة وأبقى عليهم ما فيهها مهن‬
‫اإلحراق وتركهم يف ظلمات ال يبصرون فهذا حال من أبصر مث عمي وعرف مث أنكر ودخل‬
‫يف اإلسالم مث فارق بقلب ال يرجع إلي وهلذا قال فهم ال يرجعون‬
‫مث ذكر حاهلم بالنسبة إىل املثل املائي فشبههم بأصحاب صيب وهو املطر الذي يصهوب أي‬
‫ينزل من السماء في ظلمات ورعد وبرق فلضعف بصائرهم وعقوهلم اشتدت عليهم زواجر‬
‫القرآن ووعيده وهتديده وأوامره ونواهي وخطاب الذي يشب الصواعق فحاهلم كحال مهن‬
‫أصاب مطر في ظلمة ورعد وبرق فلضعف وخوف جعل أصبعي يف أذني خشية من صهاعقة‬
‫تصيب وقد شاهدنا حنن وغرينا كثريا من خمانيث تالميذ اجلهمية واملبتدعة إذا مسعوا شيئا مهن‬
‫آيات الصفات وأحاديث الصفات املنافية لبدعتهم رأيتهم عنها معرضني كأهنم محر مسهتنفرة‬
‫فرت من قسورة ويقول خمنثهم سدوا عنا هذا الباب واقرأوا شيئا غري هذا وترى قلوهبم مولية‬
‫وهم جيمحون لثقل معرفة الرب سبحان تعاىل وأمسائ وصفات على عقوهلم وقلوهبم وكهذل‬
‫املشركون على اختالف شركهم إذا جرد هلم التوحيد وتليت عليهم نصوص املبطلة‬

‫املاء الذي ب احلياة‬


‫لشركهم امشأزت قلوهبم وثقل عليهم لو وجدوا السبيل إىل سد آذاهنم لفعلوا وكذل جنهد‬
‫أعداء أصحاب رسول اهلل ثقل ذل عليهم جدا فأنكرت قلوهبم وهذا كل شب ظاهر ومثهل‬
‫حمقق من اخواهنم من املنافقني يف املثل الذي ضرب اهلل هلم باملاء فإهنم ملها تشهاهبت قلهوهبم‬
‫تشاهبت أعماهلم‬

‫فصل وقد ذكر سبحان املثلني املائي والناري يف سورة الرعد ولكن يف حق املؤمنني فقال تعاىل‬
‫أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون علي يف النار‬
‫ابتغاء حلية أو متاع زبد مثل كذل يضرب اهلل شب الوحي الذي أنزله حليهاة القلهوب‬
‫واألمساع واألبصار باملاء الذي أنزل حلياة األرض بالنبات وشب القلوب باألودية فقلب كبري‬
‫يسع علما عظيما كواد كبري يسع ماء كثريا وقلب صغري إمنا يسع حبسب كالوادي الصهغري‬
‫فسالت أودية بقدرها واحتملت قلوب من اهلدى والعلم بقدرها كما أن السيل إذا خهال‬
‫األرض ومر عليها احتملت غثاء وزبدا فكذل اهلدى والعلم إذا خال القلوب أثار ما فيها‬
‫من الشهوات والشبهات ليقلعها ويذهبها كما يثري الدواء وقت شرب من البهدن أخالطه‬
‫فتكرب هبا شارب وهي من متام نفع الدواء فان أثارها ليذهب هبا فإن ال جيامعها وال يساكنها‬
‫وهكذا يضرب اهلل احلق والباطل مث ذكر املثل الناري فقال ومما يوقدون علي يف النار ابتغهاء‬
‫حلية أو متاع زبد مثل وهو اخلبث الذي خيرج عند سب الذهب والفضة والنحاس واحلديد‬
‫فتخرج النار ومتيزه وتفصل عن اجلوهر الذي ينتفع ب فريمى ويطرح ويذهب جفاء فكذل‬
‫الشهوات والشبهات يرميها قلب املؤمن ويطرحها وجيفوها كما يطرح السيل والنار ذله‬
‫الزبد والغثاء واخلبث ويستقر يف قرار الوادي املاء الصايف الذي يسقي من الناس ويزرعهون‬
‫ويسقون أنعامهم كذل يستقر يف قرار القلب وجذره اإلميان اخلالص الصايف الهذي ينفهع‬
‫صاحب وينتفع ب غريه ومن مل يفق هذين املثلني ومل يتدبرمها ويعرف ما يراد منهما فليس من‬
‫أهلهما واهلل املوفق‬

‫فصل ومنها قول تعاىل إمنا مثل احلياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختل ب نبات األرض‬
‫مما يأكل الناس واألنعام حىت إذا أخذت األرض زخرفها و ازينت وظن أهلها أهنم قهادرون‬
‫عليها أتاها أمرنا ليال أو هنارا فجعلناها حصيدا كأن مل تغن باألمس كذل نفصل اآليات لقوم‬
‫يتفكرون شب سبحان احلياة الدنيا يف أهنا تتزين يف عني الناظر فتروق بزينتها وتعجب فيميهل‬
‫إليها ويهواها اغترارا من هبا حىت إذا ظن أن مال هلا قادر عليها سلبها بغتة أحوج ما كهان‬
‫إليها وحيل بين وبينها فشبهها باألرض الذي ينزل الغيث عليها فتعشب وحيسن نباهتا ويروق‬
‫منظرها للناظر فيغتر ب ويظن أن قادر عليها مال هلا فيأتيها أمر اهلل فتدرك نباهتا اآلفة بغتهة‬
‫فتصبح كأن مل تكن قبل فيخيب ظن وتصبح يداه صفرا منهما فهكذا حال الدنيا والواثق هبا‬
‫سواء وهذا من أبلغ التشبي والقياس فلما كانت الدنيا عرضة هلذه اآلفات واجلنة سليمة منها‬
‫قال تعاىل تعاىل واهلل يدعوا إىل دار السالم فسماها هنا دار السالم لسالمتها من هذه اآلفات‬
‫اليت ذكرها يف الدنيا فعم بالدعوة إليها وخص باهلداية من شاء فذل عدل وهذا فضل‬
‫فصل ومنها قول تعاىل مثل الفريقني كاألعمى واألصم والبصري والسميع هل يستويان مهثال‬
‫أفال تذكرون فإن سبحان وتعاىل ذكر الكفار ووصفهم بأهنم ما كانوا يستطيعون السمع وما‬
‫كانوا يبصرون مث ذكر املؤمنني ووصفهم باإلميان والعمل الصاحل واإلخبات إىل رهبم فوصفهم‬
‫بعبودية الظاهر وبالباطن جعل أحد الفريقني كاألعمى واألصم من حيث كان قلب أعمى عن‬
‫رؤية احلق أصم عن مساع فشبهت مبن بصره أعمى عن رؤية أحق األشياء ومسع أصم عهن‬
‫مساع األصوات والفريق اآلخر بصري القلب مسيع كبصري العني ومسيع األذن فتضمنت اآليهة‬
‫قياسني و متثيلني للفريقني مث نفى التسوية عن الفريقني بقول هل يستويان مثال‬
‫فصل ومنها قول تعاىل مثل الذين اختذوا من دون اهلل أولياء كمثل العنكبوت فذكر سهبحان‬
‫إهنم ضعفاء وأن الذين اختذوهم أولياء‬

‫مثل املشرك بالعنكبوت‬


‫أضعف منهم فهم يف ضعفهم وما قصدوه من اختاذ األولياء كالعنكبوت اختذت بيتا وهو أوهن‬
‫البيوت وأضعفها وحتت هذا املثل أن هؤالء املشركني أضعف ما كانوا حيث اختذوا من دون‬
‫اهلل أولياء فلم يستفيدوا مبن اختذوهم أولياء إال ضعفا كما قال تعاىل واختذوا من دون اهلل آهلة‬
‫ليكونوا هلم عزا كال سيكفرون بعبادهتم ويكونون عليهم ضدا وقال تعاىل واختذوا مهن دون‬
‫اهلل آهلة لعلهم ينصرون ال يستطيعون نصرهم وهم هلم جند حمضرون وقال بعد أن ذكر هالك‬
‫األمم املشركني وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آهلتهم اليت يدعون مهن‬
‫دون اهلل من شيء ملا جاء أمر رب وما زادوهم غري تتبيب فهذه أربعة مواضع يف القرآن تدل‬
‫على أن من اختذ من دون اهلل وليا يتعزز ب و يتكثر ب ويستنصر ب مل حيصل ل ب إال ضهد‬
‫مقصوده ويف القرآن أكثر من ذل وهذا من أحسن األمثال وأدهلا علهى بطهالن الشهرك‬
‫وخسارة صاحب وحصول على ضد مقصوده فإن قيل فهم يعلمون أن أوهن البيهوت بيهت‬
‫العنكبوت فكيف نفى عنهم علم ذل بقول لو كانوا يعلمون‬
‫فاجلواب أن سبحان مل ينف عنهم علمهم بوهن بيت العنكبوت وإمنا نفى علمهم بأن اختاذهم‬
‫أولياء من دون كالعنكبوت اختذت بيتا فلو علموا ذل ملا فعلوه ولكن ظنهوا أن اختهاذهم‬
‫األولياء من دون يفيدهم عزا وقوة فكان األمر خبالف ما ظنوا‬

‫مثل من عمل كسراب أو يف حبر جلى‬


‫فصل‬
‫ومنها قول تعاىل والذين كفروا أعماهلم كسراب بقيعة حيسب الظمآن ماء حىت إذا جهاءه مل‬
‫جيده شيئا ووجد اهلل عنده فوفاه حساب واهلل سريع احلساب أو كظلمات يف حبر جلي يغشهاه‬
‫موج من فوق سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده مل يكد يراها ومن مل جيعل اهلل‬
‫ل نورا فما ل من نور‬
‫ذكر سبحان للكافرين مثلني مثال بالسراب ومثال بالظلمات املتراكمة وذل ألن املعرضهني‬
‫عن اهلدى واحلق نوعان أحدمها من يظن أن على شيء فيتبني ل عند انكشاف احلقائق خالف‬
‫ما كان يظن وهذه حال أهل اجلهل وأهل البدع واألهواء الذين يظنون أهنم على هدى وعلم‬
‫فإذا انكشفت احلقائق تبني هلم أهنم مل يكونوا على شيء وأن عقائدهم وأعماهلم اليت ترتبهت‬
‫عليها كانت كسراب يرى يف أعني الناظرين ماء وال حقيقة ل وهكذا األعمال اليت لغهري اهلل‬
‫عز وجل وعلى غري أمره حيسبها العامل نافعة ل وليست كذل وهذه هي األعمال اليت قال‬
‫اهلل عز وجل فيها وقدمنا إىل ما عملوا من عمل فجعلناه هبآء منثورا وتأمل جعل اهلل سبحان‬
‫السراب بالقيعة وهي األرض اخلالية القفر من البناء والشجر‬
‫مثل من عمل كسراب أو يف جبر جلي‬
‫والنبات والعامل فمحل السراب أرض قفر ال شيء هبا والسراب ال حقيقة ل وذل مطهابق‬
‫ألعماهلم وقلوهبم اليت أقفرت من اإلميان واهلدى وتأمل ما حتت قول حيسب الظمهآن مهآء‬
‫والظمآن الذي اشتد عطش فرأى السراب فظن ماء فتبع فلم جيده شيئا بل خان أحوج مها‬
‫كان إلي فكذل هؤالء ملا كانت أعماهلم على غري طاعة الرسل عليهم الصالة والسالم ولغري‬
‫اهلل جعلت كالسراب فرفعت هلم أظمأ ما كانوا إليها فلم جيدوا شيئا ووجدوا اهلل سبحان مث‬
‫فجازاهم بأعماهلم ووفاهم حساهبم ويف الصحيح من حديث أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عن‬
‫عن النيب يف حديث التجلي يوم القيامة مث يؤتى جبهنم تعرض كأهنا السراب فيقال لليهود وما‬
‫كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد عزيرا ابن اهلل فيقال كذهبم مل يكن هلل صاحبة وال ولد فمها‬
‫تريدون قالوا نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون يف جهنم مث يقال للنصارى ما كنهتم‬
‫تعبدون فيقولون كنا نعبد املسيح ابن اهلل فيقال كذبتم ما كان هلل صاحبة وال ولد فما تريدون‬
‫فيقولون أن تسقينا فيقال هلم اشربوا فيتساقطون وذكر احلديث وهذه حال كل صاحب باطل‬
‫فإن خيون باطل أحوج ما كان إلي فإن الباطل ال حقيقة ل وهو كإمس باطهل فهإذا كهان‬
‫االعتقاد غري مطابق وال حق كان متعلق باطال وكذل إذا كانت غاية العمل باطلة كالعمل‬
‫لغري اهلل عز وجل أو على غري أمره بطل‬

‫مثل من عرف احلق واهلدى وعمل بغريه‬


‫العمل ببطالن غايت وتضرر عامل ببطالن وحبصول ضد ما كان يؤمل فلم يذهب علي عمل‬
‫واعتقاده ال ل وال علي بل صار معذبا بفوات نفع وحبصول ضد النفع فلهذا قال تعاىل ووجد‬
‫اهلل عنده فوفاه حساب واهلل سريع احلساب فهذا مثل الضال الذي حيسب أن على هدى‬

‫فصل‬
‫النوع الثاين أصحاب مثل الظلمات املتراكمة وهم الذين عرفوا احلق واهلدى وآثروا عليه‬
‫ظلمات الباطل والضالل فتراكمت علي ظلمة الطبع وظلمة النفوس وظلمة اجلهل حيهث مل‬
‫يعلموا بعلمهم فصاروا جاهلني وظلمة اتباع الغي واهلوى فحاهلم كحال من كان يف حبر جلي‬
‫ال ساحل ل وقد غشي موج ومن فوق ذل املوج موج ومن فوق سحاب مظلهم فههو يف‬
‫ظلمة البحر وظلمة املوج وظلمة السحاب وهذا نظري ما هو في من الظلمات اليت مل خيرجه‬
‫اهلل منها إىل نور اإلميان وهذان املثالن بالسراب الذي ظن مادة احلياة وهو املاء والظلمهات‬
‫املضادة للنور نظري املثلني اللذين ضرهبما للمنافقني واملؤمنني ومها املثل املائي واملثل النهاري‬
‫وجعل حظ املؤمنني منهما احلياة واإلشراق وحظ املنافقني منهما الظلمة املضادة للنور واملوت‬
‫املضاد للحياة فكذل الكفار يف هذين املثلني حظهم من املاء السراب الذي يغرر الناظر فيه‬
‫وال حقيقة ل وحظهم الظلمات املتراكمة وهذا جيوز أن يكون املراد ب حال كل طائفة مهن‬
‫طوائف الكفار وأهنم عدموا مادة احلياة واإلضاءة بإعراضهم عن الوحي فيكون املثالن صفتني‬
‫ملوصوف واحد وجيوز أن يكون املراد ب تنويع أحوال الكفار وأن أصحاب املثل األول ههم‬
‫الذين عملوا‬

‫مثل املنعم عليهم والضالني واملغضوب عليهم‬


‫على غري علم وال بصرية بل على جهل وحسن ظن باألسالف فكانوا حيسبون أهنم حيسهنون‬
‫صنعا وأصحاب املثل الثاين هم الذين استحبوا الضاللة على اهلدى وآثروا الباطل على احلق‬
‫وعموا عن بعد إذ أبصروه وجحدوه بعد أن عرفوه فهذا حال املغضوب عليهم واألول حال‬
‫الضالني وحال الطائفتني خمالف حلال املنعم عليهم املذكورين يف قول تعاىل اهلل نور السموات‬
‫واألرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح املصباح يف زجاجة إىل قول ليجزيهم اهلل أحسن ما‬
‫عملوا ويزيدهم من فضل واهلل يرزق من يشاء بغري حساب فتضمنت اآليات أوصاف الفرق‬
‫الثالثة املنعم عليهم وهم أهل النور والضالني وهم أصحاب السراب واملغضوب عليهم وهم‬
‫أهل الظلمات املتراكمة واهلل أعلم فاملثل األول من املثلني ألصحاب العمل الباطل الهذي ال‬
‫ينفع فأولئ أصحاب العمل الباطل وهؤالء أصحاب العمل الذي ال ينفهع واالعتقهادات‬
‫الباطلة وكالمها مضاد للهدى ودين احلق وهلذا مثل حال الفريق الثهاين يف تالطهم أمهواج‬
‫الشكوك والشبهات والعلوم الفاسدة يف قلوهبم بتالطم أمواج البحر في وأهنا أمواج متراكمة‬
‫من فوقها سحاب مظلم وهكذا أمواج الشكوك والشب يف قلوهبم املظلمة اليت قد تراكمهت‬
‫عليها سحب الغي واهلوى والباطل فليتدبر اللبيب أحوال الفريقني وليطابق بينهما وبني املثلني‬
‫يعرف عظمة القرآن وجالل وأن تنزيل من حكيم محيد وأخرب سبحان أن املوجب لذل أن‬
‫مل جيعل هلم نورا بل تركهم على الظلمة اليت خلقوا فيها فلم خيرجهم منها إىل النهور فإنه‬
‫سبحان ويل الذين آمنوا خيرجهم من الظلمات إىل النور ويف املسند من حديث عبد اهلل بهن‬
‫عمر رضي اهلل عنهما أن النيب‬

‫مثل من يسمع وال يعقل‬


‫قال إن اهلل خلق خلق يف ظلمة وألقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذل النور اهتدى ومن‬
‫أخطأه ضل فلذل أقول جف القلم على علم اهلل فاهلل سبحان خلق اخللق يف ظلمة فمن أراد‬
‫هدايت جعل ل نورا وجوديا حيىي ب قلب وروح كما حيىي بدن بالروح اليت ينفخها في فهي‬
‫حياتان حياة البدن بالروح وحياة الروح والقلب بالنور وهلذا مسى اهلل الوحي روحا لتوقهف‬
‫احلياة احلقيقية علي كما قال تعاىل ينزل املالئكة بالروح من أمره على من يشاء مهن عبهاده‬
‫وقال يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده وقال وكذل أوحينا إلي روحها مهن‬
‫أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب وال اإلميان ولكن جعلناه نورا هندي ب من نشاء من عبادنها‬
‫فجعل وحي روحا ونورا فمن مل حيي هبذا الروح فهو ميت ومن مل جيعل ل نورا من فههو يف‬
‫الظلمات مال من نور‬
‫فصل‬
‫ومنها قول تعاىل أم حتسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إال كاألنعام بل هم أضهل‬
‫سبيال فشب أكثر الناس باألنعام واجلامع بني النوعني التساوي يف عدم قبول اهلدى واالنقياد ل‬
‫وجعل األكثرين أضل سبيال من األنعام ألن البهيمة يهديها سائقها فتهتدي وتتبع الطريق فال‬
‫حتيد عنها ميينا وال مشاال واألكثرون يدعوهنم الرسل ويهدوهنم السبيل فال‬

‫مثل الشرك باهلل يستجيبون وال يهتدون وال يفرقون بني ما يضرهم وبني ما ينفعهم واألنعهام‬
‫تفرق بني ما يضرها من النبات والطريق فتجتنب وما ينفعها فتؤثره واهلل تعاىل مل خيلق لألنعهام‬
‫قلوبا تعقل هبا وال ألسنة تنطق هبا وأعطى ذل هلؤالء مث مل ينتفعوا مبا جعل هلم من العقهول‬
‫والقلوب واأللسنة واألمساع واألبصار فهم أضل من البهائم فإن من ال يهتدي إىل الرشد وإىل‬
‫الطريق مع الدليل ل أضل وأسوأ حاال ممن ال يهتدي حيث ال دليل مع‬

‫فصل‬
‫ومنها قول تعاىل ضرب لكم مثال من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أميانكم من شركاء يف ما‬
‫رزقناكم فأنتم في سواء ختافوهنم كخيفتكم أنفسكم كذل نفصل اآليات لقوم يعقلون وهذا‬
‫دليل قياسي احتج اهلل سبحان ب على املشركني حيث جعلوا ل من عبيده وملك شركاء فأقام‬
‫عليهم حجة يعرفون صحتها من نفوسهم وال حيتاجون فيها إىل غريهم ومن أبلغ احلجهاج أن‬
‫يأخذ اإلنسان من نفس وحيتج علي مبا هو يف نفس مقرر عندهم معلوم هلا فقال هل لكم من‬
‫ما ملكت أميانكم من عبيدكم وإمائكم شركاء يف املال واألهل أي هل يشارككم عبيدكم يف‬
‫أموالكم و أهليكم فأنتم وهم يف ذل سواء ختافون أن يقامسوكم أموالكم ويشاطروكم إياها‬
‫ويستأثرون ببعضها عليكم كما خياف الشري شريك وقال ابن عباس ختافون أن يرثهوكم‬
‫كما يرث بعضكم بعضا واملعىن هل‬

‫هل يرضى أحد منكم أن يكون عبده شريك يف مال وأهل حىت يساوي يف التصرف يف ذل‬
‫فهو خياف أن ينفرد يف مال بأمر يتصرف في كما خياف غريه من الشركاء واألحرار فهإذا مل‬
‫ترضوا ذل ألنفسكم فلم عدلتم يب من خلقي من هو مملوك يل فإن كان هذا احلكم باطال يف‬
‫فطركم وعقولكم مع أن جائز عليكم ممكن يف حقكم إذ ليس عبيدكم ملكا لكم حقيقة وإمنا‬
‫هم إخوانكم جعلهم اهلل حتت أيديكم وأنتم وهم عبادي فكيف تستجيزون مثل هذا احلكهم‬
‫يف حقي مع أن من جعلتموهم يل شركاء عبيدي وملكي وخلقي فهكذا يكون تفصيل اآليات‬
‫ألويل العقول‬

‫فصل ومنها قول تعاىل ضرب اهلل مثال عبدا مملوكا ال يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقها‬
‫حسنا فهو ينفق من سرا وجهرا هل يستوون احلمد هلل بل أكثرهم ال يعلمون وضرب اهلل مثال‬
‫رجلني أحدمها أبكم ال يقدر على شيء وهو كل على مواله أينما يوجه ال يأت خبهري ههل‬
‫يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم‬
‫هذان مثالن متضمنان قياسني من قياس العكس وهو نفى احلكم لنفي علت وموجبه فهإن‬
‫القياس نوعان قياس طرد يقتضي اثبات احلكم يف الفرع لثبوت علة األصل في وقياس عكس‬
‫يقتضي نفي احلكم عن الفرع لنفي علة احلكم في فاملثل األول ما ضرب اهلل سبحان لنفسه‬
‫ولألوثان فاهلل سبحان هو املال لكل شيء ينفق كيف يشاء على عبيده سرا وجههرا لهيال‬
‫وهنارا ميين مألى ال تغضيها نفقة سحاء الليل والنهار واألوثان مملوكة عاجزة ال تقدر علهى‬
‫شيء فكيف جتعلوهنا شركاء يل وتعبدوهنا من دوين مع هذا التفاوت العظيم والفرق املبني هذا‬
‫قول جماهد وغريه وقال ابن‬

‫إن اهلل يعلم وأنتم ال تعلمون عباس وهو مثل ضرب اهلل تعاىل للمؤمن والكافر ومثل املؤمن يف‬
‫اخلري الذي عنده مث رزق من رزقا حسنا فهو ينفق من على نفس وعلى غريه سرا وجههرا و‬
‫الكفار مبنزلة عبد مملوك عاجز ال يقدر على شيء ألن ال خري عنده فهل يستوي الرجالن عند‬
‫أحد من العقالء والقول األول أشب باملراد فأن أظهر يف بطالن الشرك وأوضح عند املخاطب‬
‫وأعظم يف إقامة احلجة وأقرب نسبا بقول ويعبدون من دون اهلل ماال ميل هلهم رزقها مهن‬
‫السموات واألرض شيئا وال يستطيعون فال تضربوا هلل األمثال إن اهلل يعلم وأنتم ال تعلمون مث‬
‫قال‬

‫ضرب اهلل مثال عبدا مملوكا ال يقدر ومن لوازم هذا املثل وأحكام أن يكون املؤمن املوحهد‬
‫كمن رزق من رزقا حسنا والكافر املشرك كالعبد اململوك الذي ال يقدر على شيء فهذا ممها‬
‫نب علي املثل وأرشد إلي فذكره ابن عباس منبها على إرادت ألن اآلية اختصت به فتأمله‬
‫فإن جتده كثريا يف كالم ابن عباس وغريه من السلف يف فهم القرآن فيظن الظان أن ذله‬
‫معىن اآلية اليت ال معىن هلا غريه فيحكي قول‬
‫فصل وأما املثل الثاين فهو مثل ضرب اهلل سبحان لنفس وملا يعبدون من دون أيضا فالصهنم‬
‫الذي يعبدون من دون بنزلة رجل أبكم ال يعقل وال ينطق بل هو أبكم القلب واللسان قهد‬
‫عدم النطق القليب‬

‫كمال العبودية واللساين ومع هذا فهو عاجز ال يقدر على شيء البتة ومع هذا فأينما أرسلت‬
‫ال يأتي خبري وال يقضي ل حاجة و اهلل سبحان حي قادر متكلم يأمر بالعدل وههو علهى‬
‫صراط مستقيم وهذا وصف ل بغاية الكمال واحلمد فإن أمره بالعدل وهو احلق يتضمن أنه‬
‫سبحان عامل ب معلم ل راض ب آمر لعباده ب حمب ألهل ال يأمر بسواه بل ينزه عن ضهده‬
‫الذي هو اجلور والظلم والسف والباطل بل أمره وشرع عدل كل وأهل العدل هم أوليهاؤه‬
‫وأحباؤه وهم اجملاوروه عن ميين على منابر من نور وأمره بالعدل يتناول األمر الشرعي الديين‬
‫واألمر القدري الكوين وكالمها عدل ال جور في بوج ما كما يف احلديث الصحيح‬
‫اللهم اين عبدك ابن عبدك ابن أمت ناصييت بيدك ماض يف حكم عدل يف قضاؤك فقضاؤه‬
‫هو أمره الكوين فإمنا أمره إذا أراد شيئا فإمنا يقول ل كن فيكون فال يأمر حبق وعدل وقضاؤه‬
‫وقدره القائم ب حق وعدل وإن كان يف املقضي املقدر ما هو جور وظلم فإن القضهاء غهري‬
‫املقضي والقدر غري املقدر مث أخرب سبحان أن على صراط مستقيم وهذا نظري قول شهعيب‬
‫علي الصالة والسالم إين توكلت على اهلل ريب وربكم ما من دابة إال هو آخذ بناصيتها إن ريب‬
‫على صراط مستقيم فقول ما من دابة إال هو آخذ بناصيتها نظري قول ناصييت بيدك وقول إن‬
‫ريب على صراط مستقيم نظري قول عدل يف قضاؤك فاألول ملك والثاين محده وهو سبحان ل‬
‫املل ول احلمد وكون سبحان على صراط مستقيم يقتضي أن ال يقول إال احلق وال يأمر إال‬
‫بالعدل وال يفعل إال ما هو مصلحة وحكمة وعدل‬

‫تفسري ابن جرير ملعىن الصراط‬


‫فهو على حق يف أقوال وأفعال فال يقضي على العبد ما يكون طاملا ل ب وال يأخذه بغري ذنب‬
‫وال ينقص من حسنات شيئا وال حيمل علي من سيئات غري اليت مل يعملها ومل يتسبب إليها شيئا‬
‫وال يؤاخذ أحدا بذنب غريه وال يفعل ق ماال حيمد علي ويثىن ب علي ويكهون له فيه‬
‫العواقب احلميدة والغايات املطلوبة فإن كون على صراط مستقيم يأىب ذل كل‬
‫قال حممد بن جرير الطربي وقول إن ريب على صراط مستقيم يقول إن ريب على طريق احلق‬
‫جيازي احملسن من خلق بإحسان و املسيء بإساءت ال يظلم أحدا منهم شيئا وال يقبل منهم إال‬
‫اإلسالم واإلميان مث حكى عن جماهد من طريق شبل عن ابن أيب جنيح عن إن ريب على صراط‬
‫مستقيم قال احلق وكذل رواه ابن جريج عن وقالت فرقة هي مثل قول إن رب لباملرصاد‬
‫وهذا اختالف عبارة فإن كون باملرصاد هو جمازاة احملسن بإحسان واملسيء بإساءت وقالهت‬
‫فرقة يف الكالم حذف تقديره إن ريب حيثكم على صراط مستقيم وحيضكم علي وههؤالء إن‬
‫أرادوا أن هذا معىن اآلية اليت أريد هبا فليس كما زعموا وال دليل على هذا املقدر‬
‫وقد فرق سبحان بني كون آمرا بالعدل وبني كون على صراط مستقيم وإن أرادوا أن حثه‬
‫على الصراط املستقيم من مجلة على صراط مستقيم فقد أصابوا وقالت فرقة أخهرى معهىن‬
‫كون على صراط مستقيم أن مرد العباد واألمور كلها إىل اهلل ال يفوت شيء منها وهؤالء أن‬
‫أرادوا أن هذا معين اآلية فليس كذل وإن أرادوا ان هذا من لوازم كونه علهى صهراط‬
‫مستقيم ومن مقتضاه و موجب فهو حق وقالت فرقة أخرى معناه كل شيء حتت قدرت وقهره‬
‫ويف ملك وقبضت وهذا وإن كان حقا فليس هو معىن اآلية وقد فرق شعيب عليه الصهالة‬
‫والسالم بني قول ما من دابة إال هو آخذ بناصيتها وبني قول إن ريب على صراط مستقيم فهما‬
‫معنيان مستقالن فالقول قول جماهد وهو قول أئمة التفسري وال حتتمل العربية غريه إال علهى‬
‫استكراه قال جرير ميدح عمر بن عبد العزيز ‪ ...‬أمري املؤمنني على صهراط ‪ ...‬إذا اعهوج‬
‫املوارد مستقيم‪...‬‬
‫وقد قال تعاىل من يشأ اهلل يضلل ومن يشأ جيعل على صراط مستقيم وإذا كان اهلل تعاىل هو‬
‫الذي جعل رسل عليهم الصالة والسالم وأتباعهم على الصراط املستقيم يف أقواهلم وأفعاهلم‬
‫فهو سبحان أحق أن يكون على صراط مستقيم يف قول وفعل وإن كهان صهراط الرسهل‬
‫وأتباعهم هو موافقة أمره فصراط الذي هو سبحان علي هو ما يقتضي محده وكمال وجمهده‬
‫من قول احلق وفعل وباهلل التوفيق‬

‫فصل ويف اآلية قول ثان مثل اآلية األوىل سواء أن مثل ضرب اهلل للمؤمن والكافر وقد تقدم‬
‫ما يف معىن هذا القول واهلل املوفق‬

‫مثل من أعرض عن كالم اهلل‬


‫فصل ومنها قول تعاىل يف تشبي من أعرض عن كالم وتدبره فما هلم عن التذكرة معرضهني‬
‫كأهنم محر مستنفرة فرت من قسورة شبههم يف إعراضهم ونفورهم عن القرآن حبمهر رأت‬
‫األسد والرماة ففرت من وهذا من بديع التمثيل فإن القوم من جهلهم مبا بعث اهلل سهبحان‬
‫رسول كاحلمر فهي ال تعقل شيئا فإذا مسعت صوت األسد أو الرامي نفرت من أشد النفهور‬
‫وهذا غاية الذم هلؤالء فإهنم نفروا عن اهلدى الذي في سعادهتم وحياهتم كنفور احلمر عمها‬
‫يهلكها ويعقرها وحتت املستنفرة معىن أبلغ من النافرة فإهنا لشدة نفورها قد استنفر بعضهها‬
‫بعضا وحض على النفور فإن يف االستفعال من الطلب قدرا زائدا على الفعل اجملرد فكأهنها‬
‫تواصت بالنفور وتواطأت علي ومن قرأها بفتح الفاء فاملعىن أن القسورة استنفرها ومحلهها‬
‫على النفور ببأس وشدت‬

‫فصل ومنها قول تعاىل مثل الذين محلوا التوراة مث مل حيملوها كمثل احلمار حيمل أسفارا بئس‬
‫مثل القوم الذين كذبوا بآيات اهلل واهلل ال يهدي القوم الظاملني فقاس سبحان من محل كتابه‬
‫لؤمن ب ويتدبره ويعمل ب ويدعو إلي مث خالف ذل ومل حيمل إال على ظهر قلب فقرأه به‬
‫بغري تدبر وال تفهم وال اتباع ل وال حتكيم ل وعمل مبوجب كحمار على ظهره زاملة أسفار‬
‫ال يدري ما فيها وحظ منها محلها على ظهره ليس إال فحظ‬

‫مثل الذين محلوا التوراة‬


‫من كتاب اهلل كحظ هذا احلمار من الكتب اليت على ظهره فهذا املثل وإن كان قد ضهرب‬
‫لليهود فهو متناول من حيث املعىن ملن محل القرآن فترك العمل ب ومل يؤد حق ومل يرع حق‬
‫رعايت‬
‫فصل ومنها قول تعاىل واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبع الشيطان فكهان‬
‫من الغاوين ولو شئنا لرفعناه هبا ولكن أخلد إىل األرض واتبع هواه فمثل كمثل الكلهب إن‬
‫حتمل علي يلهث أو تترك يلهث ذل مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم‬
‫يتفكرون فشب سبحان من آتاه كتاب وعلم العلم الذي منع غريه فترك العمل ب واتبع هواه‬
‫وآثر سخ اهلل على رضاه ودنياه على آخرت واملخلوق على اخلالق بالكلب الذي هو مهن‬
‫أخبث احليوانات و أوضعها قدرا و أخبثها نفسا ومهت ال تتعدى بطن وأشدها شرها وحرصا‬
‫ومن حرص أن ال ميشي إال وخطم يف األرض يتشمم و يتروح حرصا وشرها وال يزال يشم‬
‫دبره دون سائر أجزائ وإذا رميت ل حبجر رجع إلي ليعض من فرط هنمت وهو من أمههن‬
‫احليوانات وأمحلها للهوان وأرضاها بالدنايا واجليف املروحة أحب إلي من اللحهم الطهري‬
‫والقذرة أحب إلي من احللوى وإذا ظفر مبيتة تكفي مائة كلب مل يدع كلبا يتناول مع منه‬
‫شيء إال هر علي وقهره حلرص وخبل وشره ومن عجيب أمره وحرص أن إذا رأى ذا هيئهة‬
‫رثة وثياب دنية وحال زرية نبح ومحل علي كأن يتصور مشاركت ل ومنازعت يف قوت وإذا‬
‫رأى ذا هيئة حسنة وثياب مجيلة ورئاسة وضع ل خطم باألرض وخضع ل ومل يرفع إلي رأس‬
‫ويف تشبي من آثر الدنيا وعاجلها على‬

‫مثل الذي أوتى الكتاب ومل يعمل ب اهلل والدار اآلخرة مع وفور علم بالكلب يف هلث سهر‬
‫بديع وهو أن الذي حال ما ذكره اهلل من انسالخ من آيات واتباع هواه إمنا كان لشدة هلف‬
‫على الدنيا النقطاع قلب عن اهلل والدار اآلخرة فهو شديد اللهف عليها وهلف نظهري هلهف‬
‫الكلب الدائم يف حال ازعاج وترك واللهف واللهث شقيقان وأخوان يف اللفظ واملعىن قال‬
‫ابن جريج الكلب منقطع الفؤاد ال فؤاد ل أن حتمل علي يلهث أو تترك يلهث فههو مثهل‬
‫الذي يترك اهلدى ال فؤاد ل إمنا فؤاده ينقطع قلت مراده بانقطاع فؤاده أن ليس له فهؤاد‬
‫حيمل على الصرب وترك اللهث وهكذا الذي انسلخ من آيات اهلل مل يبق مع فؤاد حيمل على‬
‫الصرب عن الدنيا وترك اللهف عليها فهذا يلهف على الدنيا من قلة صربه عليها وهذا يلهث‬
‫من قلة صربه على املاء فالكلب من أقل احليوانات صربا عن املاء وإذا عطش أكل الثرى من‬
‫العطش وإن كان صرب عن اجلوع وعلى كل حال فهو من أشد احليوانات هلثا يلهث قائمها‬
‫وقاعدا وماشيا وواقفا ذل لشدة حرص فحرارة احلرص يف كبده توجب ل دوام اللههث‬
‫فهكذا مشبه شدة حرارة الشهوة يف قلب توجب ل دوام اللهث‬
‫فإن محلت علي باملوعظة والنصيحة فهو يلهث وإن تركت ومل تعظ فهو يلهف قهال جماههد‬
‫وذل مثال الذي أوتى الكتاب ومل يعمل ب وقال ابن عباس إن حتمل علي الكلمة مل حيملهها‬
‫وإن تركت مل يهتد إىل اخلري‬
‫سبب االنسالخ كالكلب إن كان رابضا هلث وإن طرد هلث وقال احلسن وهو املنافق ال يثبت‬
‫على احلق دعي أو مل يدع وعظ أم مل يوعظ كالكلب يلهث طرد أو ترك وقال عطاء ينبح إن‬
‫محلت علي أو مل حتمل علي وقال حممد بن قتيبة كل شيء يلهث إمنا يلهث من إعياء أو عطش‬
‫أال الكلب فإن يلهث يف حال الكالل أو حال الراحة وحال الصحة وحال املرض والعطهش‬
‫فضرب اهلل مثال ملن كذب بآيات وقال ابن عطية إن وعظت فهو ضال وإن تركت فهو ضهال‬
‫كالكلب إن طردت هلث وإن تركت على حال هلث ونظريه قول تعاىل وإن تدعوهم إىل اهلدى‬
‫ال يتبعوكم سواء عليكم أدعومتوهم أم أنتم صامتون‬
‫وتأمل ما يف هذا املثل من احلكم و املعىن فمنها قول وآتيناه آياتنا فأخرب سبحان أن هو الذي‬
‫آتاه آيات فإهنا نعمة واهلل هو الذي أنعم هبا علي فأضافها إىل نفس مث قال فانسلخ منهها أي‬
‫خرج منها كما تنسلخ احلية من جلدها وفارقها فراق اجللد ينسلخ عهن اللحهم ومل يقهل‬
‫فسلخناه منها ألن هو الذي تسبب إىل انسالخ منها باتباع هواه ومنها قول سبحان فأتبعه‬
‫الشيطان أي حلق وأدرك كما قال تعاىل يف قوم فرعون فأتبعوهم مشرقني فكهان حمفوظها‬
‫حمروسا بآيات اهلل حممي اجلانب هبا من الشيطان ال ينال من شيئا إال غلى غرة وخطفة فلمها‬
‫انسلخ من آيات اهلل ظفر ب الشيطان ظفر األسد بفريست فكان من الغاوين العاملني خبهالف‬
‫علمهم الذين يعرفون احلق ويعملون‬

‫سبب اخللود إىل األرض خبالف كعلماء السوء ومنها أن سبحان قال ولو شئنا لرفعنهاه هبها‬
‫فأخرب سبحان أن الرفعة عنده ليست مبجرد العلم فإن هذا كان من العلماء وإمنا هي باتبهاع‬
‫احلق إيثاره وقصد مرضاة اهلل تعاىل فان هذا كان من أعلم أهل زمان ومل يرفع اهلل بعلمه ومل‬
‫ينفع ب فتعوذ باهلل من علم ال ينفع وأخرب سبحان أن هو الذي يرفع عبده إذا شاء مبا آتاه اهلل‬
‫من العلم وإن مل يرفع اهلل فهو موضوع ال يرفع أحد ب رأسا فإن اخلافض الرافع اهلل سبحان‬
‫خفض ومل يرفع واملعىن ولو شئنا فضلناه وشرفناه ورفعنا قدره ومنزلت باآليات اليت آتيناه قال‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنهما ولو شئنا لرفعناه بعلم هبا وقالت طائفة الضمري يف قول لرفعنهاه‬
‫عائد على الكفر واملعىن ولو شئنا لرفعناه عن الكفر مبا مع من آياتنا قال جماهد وعطاء لرفعنا‬
‫عن الكفر باإلميان وعصمناه وهذا املعىن حق واألول مراد اآلية وهذا من لوازم املراد وقهد‬
‫تقدم أن السلف كثريا ما ينبهون على الزم معىن اآلية فيظن الظان أن ذل هو املراد منهها‬
‫وقول ولكن أخلد إىل األرض قال سعيد بن جبري ركن إىل األرض وقال جماهد سكن وقهال‬
‫مقاتل رضي بالدنيا وقال‬

‫أبو عبيدة لزمها وأبطأ واملخلد من الرجال هو الذي تبطئ مشيت ومن الدواب الذي تبقهى‬
‫ثناياه إىل أن خترج رباعيت وقال الزجاج خلد وأخلد واحد وأصل من اخللود وهو الهدوام‬
‫والبقاء يقال فالن أخلد والذ باملكان إذا أقام ب قال مال بن نويره بأبناء حي من قبائل مال‬
‫وعمرو بن يربوع أقاموا وأخلدوا‬
‫قلت ومن قول تعاىل يطوف عليهم ولدان خملدون أي قد خلقوا للبقاء لذل ال يتغريون وال‬
‫يكربون وهم على سن واحد أبدا وقيل املقرطون يف آذاهنم واملسورون يف أيديهم وأصحاب‬
‫هذا القول فسروا اللفظ ببعض لوازم وذل إشارة إىل التخليد على ذل السن فال ينهايف‬
‫القولني‬
‫وقول واتبع هواه قال الكليب اتبع مسافل األمور وترك معاليها وقال أبو روق اختار الهدنيا‬
‫على اآلخرة وقال عطاء‬

‫أراد الدنيا وأطاع شيطان وقال ابن زيد كان هواه مع القوم يعين الذين حاربوا موسى عليه‬
‫الصالة والسالم وقوم وقال ميان اتبع امرأت ألهنا هي اليت محلت على ما فعله فهإن قيهل‬
‫اإلستدراك بلكن يقتضي أن يثبت بعدها نفي ما قبلها أو ينفي ما أثبت كما تقول لو شهئت‬
‫ألعطيت لكين مل أعط ولو شئت ملا فعلت كذا لكين فعلت فاالستدراك يقتضي ولهو شهئنا‬
‫لرفعناه هبا ولكنا مل نشأ أو فلم نرفع ولكن أخلد فكيف استدرك بقوله ولكنه أخلهد إىل‬
‫األرض بعد قول ولو شئنا لرفعناه هبا قيل هذا من الكالم امللحوظ في املعىن املعدول في عهن‬
‫مراعاة األلفاظ إىل املعاين وذل أن مضمون قول ولو شئنا لرفعناه هبا أن مل يتعاط األسهباب‬
‫اليت تقتضي رفع باآليات من ايثار اهلل ومرضات على هواه ولكن آثر الدنيا وأخلد إىل األرض‬
‫واتبع هواه وقال الزخمشري املعىن ولو لزم آياتنا لرفعناه هبا فذكر املشيئة واملراد ما هي تابعة‬
‫ل ومسببة عن قال أال ترى إىل قول ولكن أخلد فاستدرك املشيئة بإخالده الذي ههو فعله‬
‫فوجب أن تكون ولو شئنا يف معىن ما هو فعل ولو كان الكالم على ظاهره لوجب أن يقهال‬
‫ولو شئنا لرفعناه ولكنا مل نشأ فهذا من شنشنة نعرفها من قدري ناف للمشيئة العامة مبعهد‬
‫للنجعة يف جعل كالم اهلل معتزليا‬

‫مثل الظن التجسس االغتياب قدريا فأين قول ولو شئنا من قول ولو لزمها مث إذا كان اللزوم‬
‫هلا موقوفا على مشيئة اهلل وهو احلق بطل أصل وقول إن مشيئة اهلل تابعة للزوم آليات تابعهة‬
‫ملشيئة اهلل عز وجل فمشيئة اهلل سبحان متبوعة التابعة وسبب ال مسبب وموجب مقتضي ال‬
‫مقتضى فما شاء اهلل وجب وجوده وما مل يشأ امتنع وجوده‬
‫فصل ومنها قول تعاىل يآ أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثريا من الظن إن بعهض الظهن إمث وال‬
‫جتسسوا وال يغتب بعضكم بعضا أحيب أحدكم أن يأكل حلم أخي ميتا فكرهتموه واتقوا اهلل‬
‫إن اهلل تواب رحيم وهذا من أحسن القياس التمثيلي فان شب متزيق عرض األخ بتمزيق حلم‬
‫وملا كان املغتاب ميزق عرض أخي يف غيبت كان مبنزلة من يقطع حلم يف حال غيبة روح عن‬
‫باملوت ملا كان املغتاب عاجزا عن دفع بنفس بكون غائبا عن ذم كان مبنزلة امليهت الهذي‬
‫يقطع حلم وال يستطيع أن يدفع عن نفس وملا كان مقتضى األخهوة التهراحم والتواصهل‬
‫والتناصر فعلق عليها املغتاب ضد مقتضاها من الذم والعيب والطعن كان ذل نظري تقطيعه‬
‫حلم أخي واألخوة تقتضي حفظ وصيانت والذب عن وملا كان املغتاب متفكها بغيبت وذمه‬
‫متحليا بذل شب بأكل حلم أخي بعد تقطيع وملا كان املغتاب حمبا لذل معجبا ب شب مبهن‬
‫حيب أكل حلم أخي ميتا وحمبت لذل قدر زائد على جمرد أكل كما أن أكل قدر زائد علهى‬
‫متزيق فتأمل هذا التشبي والتمثيل وحسن موقع ومطابقة املعقول في للمحسهوس وتأمهل‬
‫أخباره عنهم بكراهة أكل حلم األخ ميتا ووصفهم بذل يف آخر اآلية واإلنكار عليهم يف أوهلا‬
‫أن جيب‬

‫مثل أعمال الكفار أحدهم ذل فكما أن هذا مكروه يف طباعهم فكيف حيبون ما هو مثله‬
‫ونظريه فاحتج عليهم مبا كرهوه على ما أحبوه وشب هلم ما حيبون مبا هو أكره شيء إلهيهم‬
‫وهم أشد شيء نفرة عن فلهذا يوجب العقل والفطرة واحلكمة أن يكونوا اشد شيء نفهرة‬
‫عما هو نظريه ومشبه وباهلل التوفيق‬
‫فصل ومنها قول تعاىل مثل الذين كفروا برهبم أعماهلم كرماد اشتدت ب الريح يف يوم عاصف‬
‫ال يقدرون مما كسبوا على شيء ذل هو الضالل البعيد فشب تعاىل أعمال الكفار يف بطالهنا‬
‫وعدم االنتفاع هبا برماد مرت علي ريح شديدة يف يوم عاصف فشب سهبحان أعمهاهلم يف‬
‫حبوطها وذهاهبا باطال كاهلباء املنثور لكوهنا على غري أساس من اإلميان واإلحسان وكوهنا لغري‬
‫اهلل عز وجل على غري أمره برماد طريت الريح العاصف فال يقدر صاحب على شيء من وقت‬
‫شدة حاجت إلي فلذل ال يقدرون مما كسبوا على شيء ال يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من‬
‫أعماهلم على شيء فال يرون هلا أثرا من ثواب وال فائدة نافعة فإن اهلل ال يقبل من العمل إال ما‬
‫كان خالصا لوجه موافقا لشرع واألعمال أربعة فواحد مقبول وثالثة مهردودة فهاملقبول‬
‫اخلالص الصواب فاخلالص أن يكون هلل ال لغري والصواب أن يكون مما شرع علهى لسهان‬
‫رسول والثالثة املردودة ما خالف ذل‬
‫ويف تشبيهها بالرماد سر بديع وذل للتشاب الذي بني أعماهلم وبني الرماد يف إحراق النهار‬
‫وإذهاهبا ألصل هذا وهذا فكانت األعمال اليت لغري اهلل عز وجل وعلى غري مراده طعمة للنار‬
‫وهبا تسعر النار على أصحاهبا وينشئ اهلل هلم من أعماهلم الباطلة نارا وعذابا كما ينشئ ألهل‬
‫األعمال املوافقة ألمره‬

‫مثل الكلمة الطبية‬


‫اليت هي خالصة لوجه من أعماهلم نعيما وروحا فأثرت النار يف أعمال أولئ حىت جعلتهها‬
‫رمادا فهم وما يعبدون من دون اهلل وقود النار‬
‫فصل ومنها قول تعاىل أمل تر كيف ضرب اهلل مثال كلمة طيبة كشجرة طيبة أصهلها ثابهت‬
‫وفرعها يف السماء تؤيت أكلها كل حني بإذن رهبا ويضرب اهلل األمثال للناس لعلهم يتذكرون‬
‫فشب سبحان الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة ألن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصاحل والشجرة‬
‫الطيبة تثمر الثمر النافع وهذا ظاهر على قول مجهور املفسرين الذين يقولون الكلمة الطيبهة‬
‫هي شهادة أن ال إل إال اهلل فإهنا تثمر مجيع األعمال الصاحلة الظاهرة و الباطنة فكل عمهل‬
‫صاحل مرضي هلل عز وجل مثرة هذا الكلمة ويف تفسري علي بن أيب طلحة عن ابن عباس رضي‬
‫اهلل عنهما قال أصلها ثابت قول ال إل إال اهلل يف قلب املؤمن وفرعها يف السماء يقول يرفع هبا‬
‫عمل املؤمن إىل السماء وقال الربيع بن أنس كلمة طيبة هذا مثل اإلميان واإلميان الشهجرة‬
‫الطيبة وأصلها الثابت الذي ال يزول اإلخالص في وفرع يف السماء خشية اهلل والتشبي على‬
‫هذا القول أصح وأظهر وأحسن فإن سبحان شب شجرة التوحيد يف القلب بالشجرة الطيبهة‬
‫الثابتة األصل الباسقة الفرع يف السماء علوا اليت ال تزال تؤيت مثرهتا كل‬

‫رفع العمل الصاحل حني وإذا تأملت هذا التشبي رأيت مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة‬
‫يف القلب اليت فروعها من األعمال الصاحلة صاعدة إىل السماء وال تزال هذه الشجرة تثمهر‬
‫األعمال الصاحلة كل وقت حبسب ثباهتا يف القلب وحمبة القلب هلا وإخالص فيها ومعرفته‬
‫حبقيقتها وقيام حبقها ومراعاهتا حق رعايتها فمن رسخت هذه الكلمة يف قلب حبقيقتها اليت هي‬
‫حقيقتها واتصف قلب هبا وانصبغ هبا بصبغة اهلل اليت ال أحسن صبغة منها فيعرف حقيقة اهليئة‬
‫اليت يثبتها قلب هلل ويشهد هبا لسان وتصدقها جوارح ونفى تل احلقيقة ولوازمها عن كل ما‬
‫سوى اهلل عز وجل وواطأ قلب لسان يف هذا النفي واإلثبات وانقادت جوارح ملن شهد له‬
‫بالوحدانية طائعة سالكة سبل رب ذلال غري ناكبة عنها وال باغية سواها بدال كمها ال يبتغهي‬
‫القلب سوى معبوده احلق بدال فال ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسهان ال‬
‫تزال تؤتى مثرهتا من العمل الصاحل الصاعد إىل الرب تعاىل وهذه الكلمة الطيبة تثمر كهثريا‬
‫طيبا كلما يقارن عمل صاحل فريفع العمل الصاحل الكلم الطيب كما قال تعاىل إليه يصهعد‬
‫الكلم الطيب والعمل الصاحل يرفع فأخرب سبحان أن العمل الصاحل يرفع الكلم الطيب وأخرب‬
‫أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها كل وقت عمال صاحلا كل وقت‬
‫واملقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد املؤمن هبا عارفا مبعناها وحقيقتها نفيا واثباتها متصهفا‬
‫مبوجبها قائما قلب ولسان وجوارح بشهادت فهذه الكلمة من هذا الشاهد أصلها ثبات راسخ‬
‫يف قلب وفروعها متصلة‬

‫مثل النخلة واملؤمن بالسماء وهي خمرجة لثمرهتا كل وقت ومن السلف من قال إن الشهجرة‬
‫الطيبة هي النخلة ويدل علي حديث ابن عمر الصحيح ومنهم من قال هي املؤمن نفس كما‬
‫قال حممد بن سعد حدثين أيب حدثين عمي حدثين أيب عن أبي عن ابن عباس قول أمل تر كيف‬
‫ضرب اهلل مثال كلمة طيبة كشجرة طيبة يعين بالشجرة الطيبة املؤمن ويعين باألصل الثابت يف‬
‫األرض والفرع يف السماء يكون املؤمن يعمل يف األرض ويتكلم فيبلغ قول وعمل السهماء‬
‫وهو يف األرض وقال عطية العويف يف ضرب اهلل مثال كلمة طيبة كشجرة طيبة قال ذل مثل‬
‫املؤمن ال يزال خيرج من كالم طيب وعمل صاحل يصعد إىل اهلل‬
‫وقال الربيع بن أنس أصلها ثابت وفرعها يف السماء قال ذل املؤمن ضرب مثل يف اإلخالص‬
‫هلل وحده وعبادت وحده ال شري ل قال أصلها ثابت قال أصهل عمله ثابهت يف األرض‬
‫وفرعها يف السماء قال ذكره يف السماء وال اختالف بني القولني فاملقصود باملثهل املهؤمن‬
‫والنخلة مشبهة ب وهو مشب هبا وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فاملؤمن املشهب هبها أوىل أن‬
‫يكون كذل ومن قال من السلف إهنا شجرة يف اجلنة فالنخلة من أشرف أشجار اجلنة‬

‫جتديد اإلميان‬
‫ويف هذا املثل من األسرار والعلوم واملعارف ما يليق ويقتضي علم الذي تكلم به سهبحان‬
‫وحكمت فمن ذل أن الشجرة ال بد هلا من عروق وساق وفروع وورق ومثر فكذل شجرة‬
‫اإلميان واإلسالم ليطابق املشب املشب ب فعروقها العلم واملعرفة واليقني وسهاقها اإلخهالص‬
‫وفروعها األعمال ومثرهتا ما توجب األعمال الصاحلة من اآلثار احلميدة والصفات املمدوحهة‬
‫واألخالق الزكية والسمت الصاحل واهلدى والدل املرضى فيستدل على غرس هذه الشجرة‬
‫يف القلب وثبوهتا في هبذه األمور فإذا كان العلم صحيحا مطابقا ملعلوم الذي أنزل اهلل كتاب‬
‫ب واالعتقاد مطابقا ملا أخرب ب عن نفس وأخربت ب عن رسل صلوات اهلل وسالم علهيهم‬
‫واإلخالص قائم يف القلب واألعمال موافقة لألمر واهلدى والدل والسهمت مشهاب هلهذه‬
‫األصول مناسب هلا علم أن شجرة اإلميان يف القلب أصلها ثابت وفرعها يف السماء وإذا كان‬
‫األمر بالعكس علم أن القائم بالقلب إمنا هو الشجرة اخلبيثة اليت اجتثت من فوق األرض ماهلا‬
‫من قرار ومنها أن الشجرة ال تبقى حية إال مبادة تسقيها وتنميها فإذا انقطع عنهها السهقي‬
‫أوش أن تيبس فهكذا شجرة اإلسالم يف القلب إن مل يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقهت‬
‫بالعمل النافع والعمل الصاحل والعود بالتذكر على التفكر والتفكر على التذكر وإال أوشه‬
‫أن تيبس ويف مسند اإلمام أمحد من حديث أيب هريرة رضي اهلل عن قال قال رسهول اهلل إن‬
‫اإلميان خيلق يف القلب كما خيلق الثوب فجددوا إميانكم‬
‫الغرس الطيب وباجلملة فالغرس إن مل يتعاهده صاحب أوش أن يهل ومن هنا يعلم شهدة‬
‫حاجة العباد إىل ما أمر اهلل ب من العبادات على تعاقب األوقات وعظيم رمحت ومتهام نعمته‬
‫وإحسان إىل عباده بأن وضعها عليهم وجعلها مادة لسقي غراس التوحيد الهذي غرسه يف‬
‫قلوهبم‬
‫ومنها إن الغرس والزرع النافع قد أجرى اهلل سبحان العادة أن ال بد أن خيالط دغل ونبهت‬
‫غريب ليس من جنس فإن تعاهده رب ونقاه وقلم كمل الغرس والزرع واستوى ومت نباته‬
‫وكان أوفر لثمرت وأطيب وأزكى وإن ترك أوش أن يغلب على الغرس والزرع ويكهون‬
‫احلكم ل أو يضعف األصل وجيعل الثمرة ذميمة ناقصة حبسب كثرت وقلت ومن مل يكن ل فق‬
‫يقيس يف هذا ومعرفت ب فإن يفوت ربح كثري وهو ال يشعر فاملؤمن دائم سعي يف شيئني سقي‬
‫هذه الشجرة وتنقية ما حوهلا فبسقيها تبقى وتدوم وبتنقية ما حوهلا تكمل وتتم واهلل املستعان‬
‫وعلي التكالن‬
‫فهذا بعض ما تضمن هذا املثل العظيم اجلليل من األسرار واحلكم ولعلها قطرة من حبر حبسب‬
‫أذهاننا الواقعة وقلوبنا املخبطة وعلومنا القاصرة وأعمالنا اليت توجب التوبة واالستغفار وإال‬
‫فلو طهرت منا القلوب وصفت األذهان وزكت النفوس وخلصت األعمال وجتردت اهلمهم‬
‫للتقي عن اهلل تعاىل‬

‫مثل الكلمة اخلبيثة ورسول لشاهدنا من معاين كالم اهلل عز وجل وأسهراره وحكمه مها‬
‫تضمحل عنده العلوم وتتالشى عنده معارف احلق وهبذا يعرف قدر علوم الصحابة ومعارفهم‬
‫رضي اهلل عنهم وإن التفاوت الذي بني علومهم وعلوم من بعدهم كالتفاوت الذي بينهم يف‬
‫الفضل واهلل أعلم حيث جيعل مواقع فضل ومن خيتص برمحت‬
‫فصل مث ذكر سبحان مثل الكلمة اخلبيثة فشبهها بالشجرة اخلبيثة اليت اجتثهت مهن فهوق‬
‫األرض ما هلا من قرار فال عرق ثابت وال فرع عال وال مثرة زاكية وال ظل وال جىن وال ساق‬
‫قائم وال عرق يف األرض ثابت مغدق وال أعالها مونق وال جىن هلا وال تعلو بلى تعلى‬
‫وإذا تأمل اللبيب أكثر كالم هذا اخللق يف خطاهبم وكتبهم وجده كذل فاخلسهران كهل‬
‫اخلسران الوقوف مع واالشتغال ب عن أفضل الكالم وأنفع قال الضحاك ضرب اهلل مهثال‬
‫للكافر بشجرة اجتثت من فوق األرض ما هلا من قرار يقول ليس هلا أصل وال فرع وليس هلا‬
‫مثرة و ال فيها منفعة كذل الكافر ليس يعمل خريا وال يقول وال جيعل اهلل في بركة وال منفعة‬
‫وقال ابن عباس‬
‫ومثل كلمة خبيثة وهي الشرك كشجرة خبيثة يعين الكافر اجتثت من فوق األرض ما هلا من‬
‫قرار يقول الشرك ليس ل أصل يأخذ ب الكافر وال برهان وال يقبل اهلل عمهل املشهرك وال‬
‫يصعد إىل اهلل فليس ل أصل ثابت يف األرض وال فرع يف السماء يقول ليس ل عمل صاحل يف‬
‫السماء وال يف اآلخرة وقال الربيع بن أنس‬

‫مثل الشجرة اخلبيثة مثل‬


‫التثبيت بالقول الصاحل الكافر ليس لقول وال لعمل أصل وال فرع وال يستقر قول وال عمل‬
‫على األرض وال يصعد إىل السماء وقال سعيد عن قتادة يف هذه اآلية إن رجال لقي رجال من‬
‫أهل العلم فقال ل ما تقول يف الكلمة اخلبيثة قال ال اعلم هلا يف األرض مستقرا وال يف السماء‬
‫مصعدا إال أن تلزم عنق صاحبها حىت يوايف هبا يوم القيامة وقول اجتثت أي استؤصلت مهن‬
‫فوق األرض مث أخرب سبحان عن فصل وعدل يف الفريقني أصحاب الكلم الطيهب والكلهم‬
‫اخلبيث فأخرب أن يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت أحوج ما يكونون إلي يف الدنيا واآلخهرة‬
‫وأن يضل الظاملني وهم املشركون عن القول الثابت فأضل هؤالء بعدله لظلمههم وثبهت‬
‫املؤمنني بفضل إلمياهنم وحتت قول يثبت اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت يف احلياة الهدنيا ويف‬
‫اآلخرة كنز عظيم من وقف علي لظنت وأحسن استخراج واقتناءه وأنفق من فقد غنم ومن‬
‫حرم فقد حرم وذل أن العبد ال يستغين عن تثبيت اهلل طرفة عني فإن مل يثبت وإال زالهت‬
‫مساء إميان وأرض عن مكاهنما وقد قال تعاىل ألكرم خلق علي عبده ورسول ولوال أن ثبتناك‬
‫لقد كدت تركن إليهم شيئا قليال وقال تعاىل إذ يوحي رب إىل املالئكة أين معكم فثبتوا الذين‬
‫آمنوا ويف الصحيحني من حديث البجلي قال وهو يسأهلم ويثبتهم وقال تعاىل لرسول وكهال‬
‫نقص علي من أنباء الرسل ما نثبت ب فؤادك‬

‫كيفية التثبيت‬
‫فاخللق كلهم قسمان موفق بالتثبيت وخمذول بترك التثبيت ومادة التثبيت وأصل ومنشأه من‬
‫القول الثابت وفعل ما أمر ب العبد فيهما يثبت اهلل عبده فكل ما كان أثبت قوال وأحسن فعال‬
‫كان أعظم تثبتا قال تعاىل ولو أهنم فعلوا ما يوعظون ب لكان خريا هلم وأشد تثبيتها فأثبهت‬
‫الناس قلبا أثبتهم قوال والقول الثابت هو القول احلق والصدق وهو ضهد القهول الباطهل‬
‫الكذب فالقول نوعان ثابت ل حقيقة وباطل ال حقيقة ل وأثبت القهول كلمهة التوحيهد‬
‫ولوازمها فهي أعظم ما يثبت اهلل هبا عباده يف الدنيا واآلخرة وهلذا ترى الصادق من أثبهت‬
‫الناس وأشجعهم قلبا والكاذب من أمهن الناس وأخبثهم وأكثرهم تلويا وأقلهم ثباتا وأههل‬
‫الفراسة يعرفون صدق الصادق من ثبات قلب وقت االختبار وشجاعت ومهابته ويعرفهون‬
‫كذب الكاذب بضد ذل وال خيفى ذل إال على ضعيف البصرية وسئل بعضهم عن كهالم‬
‫مسع من متكلم ب فقال واهلل ما فهمت من شيئا اال أين مسعت لكالم صولة ليست بصهولة‬
‫مبطل فما منح العبد منحة أفضل من منحة القول الثابت وجيد أهل القول الثابت مثرت أحوج‬
‫ما يكونون إلي يف قبورهم ويوم معادهم كما يف صحيح مسلم من حديث الرباء بن عهازب‬
‫عن النيب أن هذه اآلية نزلت يف عذاب القرب وقد جاء هذا مبينا يف أحاديث صحاح فمنها ما‬
‫يف املسند من حديث داود بن أيب هند عن أيب نضرة عن أيب سعيد قال كنا مع النيب يف جنازة‬
‫فقال يا أيها الناس إن هذه األمة تبتلى يف قبورها فإذا اإلنسان دفن وتفرق عن‬
‫سؤال القرب أصحاب جاءه مل بيده مطراق فأقعده فقال ما تقول يف هذا الرجل فإن كهان‬
‫مؤمنا قال أشهد أال إل إال اهلل وحده ال شري ل وأشهد أن حممدا عبده ورسول فيقول له‬
‫صدقت فيفتح ل باب إىل النار فيقال ل هذا منزل لو كفرت برب فأما إذ آمنت فهإن اهلل‬
‫أبدل ب هذا مث يفتح ل باب إىل اجلنة فرييد أن ينهض ل اسكن مث يفسح ل يف قربه وأمها‬
‫الكافر واملنافق فيقال ل ما تقول يف هذا الرجل فيقول ال أدري فيقال ال دريت وال اهتديت‬
‫مث يفتح ل باب إىل اجلنة فيقال ل هذا منزل لو آمنت برب فأما إذ كفرت فإن اهلل أبهدل‬
‫ب هذا مث يفتح ل باب إىل النار مث يقمع املل باملطراق قمعة يسمع خلهق اهلل كلههم إال‬
‫الثقلني قال بعض أصحاب يا رسول اهلل ما منا من أحد يقوم على رأس مل بيده مطراق إال‬
‫هيل عند ذل فقال رسول اهلل يثبت اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت يف احليهاة الهدنيا ويف‬
‫اآلخرة ويضل اهلل الظاملني ويفعل اهلل ما يشاء‬
‫ويف املسند من حديث الرباء بن عازب وروى املنهال عن عمرو وعن زاذان عن الرباء قهال‬
‫قال رسول اهلل وذكر قبض روح املؤمن فقال يأتي آت يعين يف قربه فيقول من رب وما دين‬
‫ومن نبي فيقول ريب اهلل وديين اإلسالم ونيب حممد قال فيقول ل ما رب وما دين وههي‬
‫آخر فتنة تعرض على املؤمن فذل حني يقول اهلل يثبت اهلل الذين آمنوا بهالقول الثابهت يف‬
‫احلياة الدنيا ويف اآلخرة فيقول ريب اهلل وديين اإلسالم ونبيي حممد فيقال ل صهدقت وههذا‬
‫حديث صحيح‬

‫وقال محاد بن سلمة عن حممد بن عمر وعن أيب سلمة عن أيب هريرة قال قال رسول اهلل يثبت‬
‫اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة قال إذا قيل ل يف القرب من رب وما‬
‫دين فيقول ريب اهلل وديين االسالم ونيب حممد جاء بالبينات من عند اهلل فآمنهت وصهدقت‬
‫فيقال ل صدقت على هذا عشت وعلي مت وعلي تبعث وقال األعمش عن املنهال بن عمرو‬
‫عن زاذان عن الرباء بن عازب قال قال رسول اهلل وذكر قبض روح املؤمن قال فترجع روح‬
‫يف جسده ويبعث إلي ملكان شديدان فيجلسان وينهران ويقوالن من رب فيقول اهلل ومها‬
‫دين فيقول اإلسالم فيقوالن ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول حممد رسول اهلل قهال‬
‫فيقوالن ل وما يدري قال يقول قرأت كتاب اهلل فآمنت ب وصدقت وذل قول اهلل تبارك‬
‫وتعاىل يثبت اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة رواه ابهن حبهان يف‬
‫صحيح وأمحد ويف صحيح أيضا من حديث أيب هريرة يرفع قال إن امليت ليسهمع خفهق‬
‫نعاهلم يولون عن مدبرين فإذا كان مؤمنا كانت الصالة عند رأس والزكاة عن ميين وكهان‬
‫الصيام عن يساره وكان فعل اخلريات من الصدقة والصلة واملعروف واإلحسان إىل الناس عند‬
‫رجلي فيؤتى من عند رأس فتقول الصالة ما قبلي مدخل فيؤتى عن ميين فتقول الزكهاة مها‬
‫قبلي مدخل فيؤيت عن يساره فيقول الصيام ما قبلي مدخلى فيؤتى من عند رجلي فتقول فعل‬
‫اخلريات من الصدقة والصلة واملعروف و اإلحسان إىل الناس ما قبلي مدخل فيقال ل اجلس‬
‫فيجلس قد مثلت ل الشمس قد قدمت للغروب فيقال ل أخربنا عما نسأل عن فيقول وعم‬
‫تسألوين فيقول دعوين حىت أصلي فيقال إن ستفعل‬
‫فأخربنا عما نسأل فيقول وعم تسألون فيقال ل أرأيت هذا الرجل الذي بعث فيكم مهاذا‬
‫تقول في وماذا تشهد ب علي فيقول حممد فيقولون نعم فيقول أشهد أن رسول اهلل وأن جاءنا‬
‫بالبينات من عند اهلل فصدقناه فيقال ل على ذل حييت وعلى ذل مت وعلى ذل تبعهث‬
‫إن شاء اهلل مث يفسح ل يف قربه سبعون ذراعا وينور ل في مث يفتح ل باب إىل اجلنهة فيقهال‬
‫انظر إىل ما أعد اهلل ل فيها فيزداد غبطة وسرورا مث جيعل نسمت يف النسم الطيبة وهي طري‬
‫خضر تعلق بشجر اجلنة فيعاد اجلسد إىل ما بدا من من التراب وذل قول اهلل يثبت اهلل الذين‬
‫آمنوا بالقول الثابت يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة وال تستطل هذا الفصل املعتهرض فهاملفيت‬
‫والشاهد واحلاكم بل وكل مسلم أشد ضرورة إلي من الطعام والشهراب والهنفس وبهاهلل‬
‫التوفيق‬
‫فصل ومنها قول تعاىل فاجتنبوا الرجس من األوثان واجتنبوا قول الهزور حنفهاء هلل غهري‬
‫مشركني ب ومن يشرك باهلل فكأمنا خر من السماء فتخطف الطري أو هتوى ب الريح يف مكان‬
‫سحيق فتأمل هذا املثل ومطابقت حلال من أشرك باهلل وتعلق بغريه وجيوز ل يف هذا التشهبي‬
‫أمران أحدمها أن جتعل تشبيها مركبا ويكون قد شب من أشرك باهلل وعبد مع غريه‬

‫مثل من يشرك باهلل فكأمنا خر من السماء برجل قد تسبب إىل هالك نفس هالكا ال يرجهى‬
‫مع جناة فصور حال بصورة من خر من السماء فاختطف الطري يف اهلوى فتمهزق مزعها يف‬
‫حواصلها أو عصفت ب الريح حىت هوت يف بعض املطارح البعيدة وعلى هذا ال ينظر إىل كل‬
‫فرد من أفراد الشب ومقابلت من املشب ب‬
‫والثاين أن يكون من التشبي املفرق فيقابل كل واحد من أجزاء املمثل باملمثل ب وعلى ههذا‬
‫فيكون قد شب اإلميان والتوحيد يف علوه وسعت وشرف بالسماء اليت هي مصهعده ومهبطه‬
‫فمنها يهب إىل األرض وإليها يصعد منها وشب تارك اإلميان والتوحيد بالساق من السماء إىل‬
‫أسفل سافلني من حيث التضييق الشديد واآلالم املتراكمة والطري الذي خيطف أعضاءه وميزق‬
‫كل ممزق بالشياطني اليت يرسلها اهلل سبحان وتعاىل علي تؤزه أزا وتزعج وتقلق إىل مظهان‬
‫هالك فكل شيطان ل مزعة من دين وقلب كما أن لكل طري مزعة من حلم وأعضائ والريح‬
‫اليت هتوي ب يف مكان سحيق هو هواه الذي حيمل القاء نفس يف أسفل مكان وأبعهده مهن‬
‫السماء‬
‫فصل ومنها قول تعاىل يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا ل إن الذين تدعون من دون اهلل لن‬
‫خيلقوا ذبابا ولو اجتمعوا ل وإن يسلبهم الذباب شيئا ال يستنقذوه منه ضهعف الطالهب‬
‫واملطلوب وما قدروا اهلل حق قدره إن اهلل لقوي عزيز حقيق كل عبد أن يستمع هلذا‬

‫الشرك باهلل لن خيلقوا ذبابا املثل ويتدبره حق تدبره فإن يقطع موارد الشرك من قلب وذله‬
‫أن املعبود أقل درجات أن يقدر على إجياد ما ينفع عابده وإعدام ما يضره واآلهلة اليت يعبدها‬
‫املشركون من دون اهلل لن تقدر على خلق ذباب ولو اجتمعوا كلهم خللق فكيف ما هو أكرب‬
‫من وال يقدرون على االنتصار من الذباب إذا سلبهم شيئا مما علهيهم مهن طيهب وحنهوه‬
‫فيستنقذون من فال هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف احليهوان وال علهى‬
‫االنتصار من واسترجاع ما سلبهم إياه فال أعجز من هذه اآلهلة وال أضعف منهها فكيهف‬
‫يستحسن عاقل عبادهتا من دون اهلل تعاىل وهذا املثل من أبلغ ما أنزل اهلل سبحان يف بطهالن‬
‫الشرك وجتهيل أهل وتقبيح عقوهلم والشهادة على أن الشياطني قد تتالعب هبم أعظم مهن‬
‫تالعب الصبيان بالكرة حيث أعطوا اإلهلية اليت من بعض لوازمها القدرة على مجيع املقدورات‬
‫واإلحاطة جبميع املعلومات والغىن عن مجيع املخلوقات وأن يعمد إىل الرب يف مجيع احلاجات‬
‫وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإجابة الدعوات فأعطوها صورا ومتاثيل متتنع عليها القدرة‬
‫على خملوقات اآلهلة احلق وأذهلا وأصغرها وأحقرها ولو اجتمعوا لذل وتعاونوا عليه وأدل‬
‫من ذل على عجزهم وانتفاء آهلتهم أن هذا اخللق األقل األذل العاجز الضعيف لو اختطف‬
‫منهم شيئا واستلب فاجتمعوا على أن يستنقذوه من لعجزوا عن ذل ومل يقدروا علي مث سوى‬
‫بني العابد واملعبود يف الضعف والعجز بقول ضعف الطالب‬

‫مثل الذي ينعق واملطلوب قيل الطالب العابد واملطلوب املعبود فهو عاجز متعلق بعاجز وقيل‬
‫هو تسوية بني السالب واملسلوب وهو تسوية بني اإلل والذباب يف الضعف والعجز وعلهى‬
‫هذا فالطالب اإلل الباطل واملطلوب الذباب يطلب من ما استنقذه من وقيل الطالب الذباب‬
‫واملطلوب اآلهلة فالذباب يطلب من ما يأخذه مما علي والصحيح أن اللفظ يتنهاول اجلميهع‬
‫فضعف العابد واملعبود واملستلب و املستلب فمن جعل هذا اآلهلة مع القوي العزيز فما قدره‬
‫حق قدره وال عرف حق معرفت وال عظم حق عظمت‬
‫فصل ومنها قول تعاىل ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق مبا ال يسمع إال دعاء ونداء صم‬
‫بكم عمى فهم ال يعقلون‬
‫فتضمن هذا املثل ناعقا أي مصوتا بالغنم وغريها و منعوقا ب وهو الدواب فقيل الناعق العابد‬
‫وهو الداعي للصنم والصنم هو املنعوق ب املدعو وإن حال الكافر يف دعائ كحال من ينعق‬
‫مبا ال يسمع هذا قول طائفة منهم عبد الرمحن بن زيد وغريه واستشكل صاحب الكشهاف‬
‫ومجاعة مع هذا القول وقالوا قول إال دعاء ونداء ال يساعد علي ألن األصنام ال تسمع دعاء‬
‫وال نداء وقد أجيب عن هذا االشكال بثالثة‬

‫أجوبة أحدها أن زائدة واملعىن مبا ال يسمع دعاء ونداء قالوا وقد ذكر األصهمعي يف قهول‬
‫الشاعر‬
‫جراجيج ال تنفع إال مناخة‬
‫أي ما تنف مناخة وهذا جواب فاسد فإن إال ال تزاد يف الكالم‬
‫اجلواب الثاين أن التشبي وقع يف مطلق الدعاء ال يف خصوصات املدعو‬
‫اجلواب الثالث أن املعىن أن مثل هؤالء يف دعائهم آهلتهم اليت ال تفق دعآءهم كمثل النهاعق‬
‫بغنم فال ينتفع بنعقت شيئا غري أن يف دعآء ونداء وكذا املشرك ليس ل من دعائ وعبادت إال‬
‫العناء وقيل املعىن ومثل الذين كفروا كالبهائم اليت ال تفق مما يقول الراعي أكثر من الصوت‬
‫فالراعي هو داعي الكفار والكفار هم البهائم املنعوق هبا قال سيبوي املعىن ومثل يا حممهد‬
‫ومثل الذين كفروا كمثل الناعق و املنعوق ب وعلى قول فيكون املعىن ومثل الذين كفهروا‬
‫وداعيهم كمثل الغنم والناعق هبا ذل أن جتعل هذا من التشبي املركب وأن جتعل من التشبي‬
‫املفرق فإن جعلت من املركب كان تشبيها للكفار يف عدم فقههم وانتفاعهم بالغنم اليت ينعهق‬
‫هبا الراعي فال تفق من قول شيئا غري الصوت اجملرد الذي هو الدعاء والنداء وإن جعلت من‬
‫التشبي املفرق فالذين‬
‫مثل اإلنفاق حبب كفروا مبنزلة البهائم ودعاؤهم إىل الطريق واهلدى مبنزلة النعيق وإدراكههم‬
‫جمرد الدعاء والنداء كإدراك البهائم جمرد صوت الناعق واهلل أعلم‬
‫فصل ومنها قول تعاىل مثل الذين ينفقون أمواهلم يف سبيل اهلل كمثل حبة أنبتت سبع سنابل يف‬
‫كل سنبلة مائة حبة واهلل يضاعف ملن يشآء واهلل واسع عليم شب سبحان نفقة املنفق يف سبيل‬
‫سواء كان املراد ب اجلهاد أو مجيع سبل اخلري من كل بر مبن بذر بذرا فأنبتت كل حبة سهبع‬
‫سنابل اشتملت كل سنبلة على مائة حبة واهلل يضاعف حبسب حال املنفق وإميان وإخالصه‬
‫واحسان ونفع نفقت وقدرها ووقوعها موقعها فان ثواب االنفاق يتفاوت حبسب مها يقهوم‬
‫بالقلب من االميان واالخالص والتثبت عند النفقة وهو اخراج املال بقلب ثابت قد انشهرح‬
‫صدره باخراج ومسحت ب نفس وخرج من قلب قبل خروج من يده فهو ثابت القلب عند‬
‫اخراج غري جزع وال هلع وال متبع نفس ترجف يده وفؤاده ويتفاوت حبسب نفع اإلنفاق‬
‫ومصارف مبواقع وحبسب طيب املنفق وذكائ وحتت هذا املثل من الفق أن سهبحان شهب‬
‫االنفاق بالبذر فاملنفق مال الطيب هلل ال لغريه باذر مال يف أرض زكية فمغلة حبسهب بهذرة‬
‫وطيب أرض وتعاهد البذر بالسقي ونفي الدغل والنبات الغريب عن فإذا اجتمعهت ههذه‬
‫األمور ومل حترق الزرع نار وال حلقت جائحة جاء أمثال اجلبال وكان مثل كمثل حبة بربهوة‬
‫وهي املكان في نصب‬

‫مثل النفقة يف سبيل اهلل الشمس والرياح فترىب األشجار هناك أمت تربية فنزل عليها من السماء‬
‫مطر عظيم القطر متتابع فرواها ومناها فآتت أكلها ضعفي ما تؤتي غريها بسبب ذل الوابل‬
‫وإن مل يصبها وابل فطل مطر صغري القطر يكفيها لكرم منبتها تزكو على الطل وتنمي علي مع‬
‫أن يف ذكر نوعي الوابل والطل إشارة إىل نوعي اإلنفاق الكثري والقليل فمن الناس من يكون‬
‫إنفاق وابال ومنهم من يكون إنفاق طال واهلل ال يضيع مثقال ذرة فإن عرض هلذا العامل مها‬
‫يفرق أعمال ويبطل هبا حسنات كان مبنزلة رجل ل جنة من خنيل وأعناب جتري مهن حتتهها‬
‫األهنار ول فيها من كل الثمرات وأصاب الكرب ول ذرية ضعفاء فأصاهبا إعصهار فيه نهار‬
‫فاحترقت فإذا كان يوم استيفاء األعمال وإحراز األجور وجد العامل عمل قد أصهاب مها‬
‫أصاب صاحب هذه اجلنة فحسرت حينئذ أشد من حسرة هذا على جنت فهذا مثل ضرب اهلل‬
‫سبحان يف احلسرة لسلب النعمة عند شدة احلاجة إليها مع عظم قدرها ومنفعتهها والهذي‬
‫ذهبت عن قد أصاب الكرب والضعف فهو أحوج ما كان إىل نعمت ومع هذا فل ذرية ضعفآء‬
‫ال يقدرون على نفع والقيام مبصاحل بل هم يف عيال فحاجت إىل نعمت حينئذ أشد ما كانت‬
‫لضعف وضعف ذريت فكيف يكون حال هذا إذا كان ل بستان عظيم في من مجيع الفواكه‬
‫والثمر وسلطان مثره أجل الفواك وأنفعها وهو مثر النخيل واألعناب فنخل يقهوم بكفايته‬
‫وكفاية ذريت فأصبح يوما وقد وجده حمترقا كل كالصرمي فأي حسرة أعظم‬

‫مثل اإلنفاق باملن واألذى من حسرت قال ابن عباس هذا مثل الذي خيتم ل بالفساد يف آخهر‬
‫عمره وقال جماهد هذا مثل املفرط يف طاعة اهلل حىت ميوت وقال السري هذا مثل للمرائي يف‬
‫نفقت الذي ينفق لغري اهلل ينقطع عن نفعها أحوج ما يكون إليها وسأل عمر بهن اخلطهاب‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم يوما عن هذه اآلية فقالوا اهلل أعلم فغضب عمر وقال قولوا نعلم أو‬
‫ال نعلم فقال ابن عباس يف نفسي منها شيء يا أمري املؤمنني قال قل يا ابن أخهي وال حتصهر‬
‫نفس قال ضرب مثل لعمل قال ألي عمل قال لرجل غىن يعمل باحلسنات مث بعث اهلل له‬
‫الشيطان فعمل باملعاصي حىت أحرق أعمال كلها وقال احلسن هذا مثل قل واهلل أعلهم مهن‬
‫يعقل من الناس شيخ ضعف جسم وكثر صبيان أفقر ما كان إىل جنت وإن أحدكم واهلل أفقر‬
‫ما يكون إىل عمل إذا انقطعت عن الدنيا‬
‫فصل فإن عرض هلذه األعمال من الصدقات ما يبطلها من املن واألذى والرياء فالرياء مينهع‬
‫انعقادها سببا للثواب واملن واألذى يبطل الثواب الذي كان سببا ل فمثل صاحبها وبطهالن‬
‫عمل كمثل صفوان وهو احلجر األملس علي تراب فأصاب وابل وهو املطر الشديد فتركه‬
‫صلدا ال شيء علي وتأمل جزاء هذا املثل البليغ وانطباقها على أجزاء املمثل ب تعرف عظمة‬
‫القرآن وجاللت فإن احلجر يف مقابلة قلب هذا املرائي و املان واملؤذي فقلب يف‬

‫مثل ما ينفقون كمثل ريح قسوت عن اإلميان واإلخالص واإلحسان مبنزلة احلجهر والعمهل‬
‫الذي لغري اهلل مبنزلة التراب الذي على ذل احلجر فقوة ما حتت وصالبت متنع من الثبهات‬
‫والنبات عند نزول الوابل فليس ل مادة متصلة بالذي يقبل املاء وينبت الكأل وكذل قلب‬
‫املرآئي ليس ل ثبات عند وابل األمر والنهي والقضاء والقدر فإذا نزل علي وابهل الهوحي‬
‫انكشف عن ذل التراب اليسري الذي كان علي فربز ما حتت حجرا صلدا ال نبات في وهذا‬
‫مثل ضرب اهلل سبحان لعمل املرآئي ونفقت ال يقدر يوم القيامة على ثواب شيء من أحوج ما‬
‫كان إلي وباهلل التوفيق‬
‫فصل ومنها قول تعاىل إن الذين كفروا لن تغين عنهم أمواهلم وال أوالدههم مهن اهلل شهيئا‬
‫وأولئ أصحاب النار هم فيها خالدون مثل ما ينفقون يف هذه احلياة الدنيا كمثل ريح فيهها‬
‫صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكت وما ظلمهم اهلل ولكن أنفسهم يظلمون ههذا‬
‫مثل ضرب اهلل تعاىل ملن أنفق مال يف غري طاعت ومرضات فشب سبحان ما ينفق هؤالء مهن‬
‫أمواهلم يف املكارم واملفاخر وكسب الثناء وحسن الذكر ال يبتغون ب وج اهلل وما ينفقونه‬
‫ليصدوا ب عن سبيل اهلل واتباع رسل عليهم الصالة والسالم بالزرع الذي زرعه صهاحب‬
‫يرجو نفع وخريه فأصابت ريح شديدة الربد جدا حيرق بردها ما مير علي من الزرع والثمهار‬
‫فأهلكت ذل الزرع وأيبست‬

‫ضرب اهلل مثال رجال‬


‫واختلف يف الصر فقيل الربد الشديد وقيل النار قال ابن عباس وقال األنباري وإمنا وصهفت‬
‫النار أهنا صر لتصريتها عند االلتهاب وقيل الصر الصوت الذي يصحب الريح من شدة هبوهبا‬
‫واألقوال الثالثة متالزمة فهو برد شديد حمرق بيبس للحرث كما حترق النار وفيه صهوت‬
‫شديد ويف قول أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم تنبي على أن سبب إصابتها حلرثهم ههو‬
‫ظلمهم فهو الذي سل عليهم الريح املذكورة حىت أهلكت زرعهم وأيبست فظلمههم ههو‬
‫الريح اليت أهلكت أعماهلم ونفقاهتم وأتلفتها‬
‫فصل ومنها قول تعاىل ضرب اهلل مثال رجال في شركاء متشاكسون ورجال سلما لرجل هل‬
‫يستويان مثال احلمد هلل بل أكثرهم ال يعلمون هذا مثل ضرب اهلل سبحان للمشرك واملوحهد‬
‫فاملشرك مبنزلة عبد متلك مجاعة مشتركني يف خدمت ال ميكن رضاهم أمجعني واملوحد ملا كهان‬
‫يعبد اهلل وحده فمثل كمثل عبد رجل واحد قد سلم ل وعلم مقاصده وعرف الطريهق إىل‬
‫رضاه فهو يف راحة من تشاحن اخللطاء في بل هو سامل ملالك من غري منازع في مهع رأفهة‬
‫مالك ب ورمحت ل وشفقت علي وإحسان إلي وتوليت مبصاحل فهل يستوي هذان العبهدان‬
‫وهذا‬

‫مثل امرأة نوح وامرأة لوط من أبلغ األمثال فإن اخلالص ملال واحد مستحق مهن معونته‬
‫وإحسان والتفات إلي وقيام مبصاحل ما ال يستحق صاحب الشركاء املتشاكسني احلمد هلل بل‬
‫أكثرهم ال يعلمون‬
‫فصل ومنها قول تعاىل ضرب اهلل مثال للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا حتت عبدين‬
‫من عبادنا صاحلني فخانتامها فلم يغنيا عنهما من اهلل شيئا وقيل ادخال النار مهع الهداخلني‬
‫وضرب اهلل مثال للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن يل عندك بيتا يف اجلنة وجنين من‬
‫فرعون وعمل وجنين من القوم الظاملني ومرمي ابنة عمران اليت أحصنت فرجها فنفخنا في من‬
‫روحنا وصدقت بكلمات رهبا وكتب وكانت من القانتني فاشتملت هذه اآليات على ثالثهة‬
‫أمثال مثل للكافر ومثلني للمؤمنني فتضمن مثل الكفار أن الكافر يعاتب على كفره وعداوت‬
‫هلل تعاىل ورسول وأوليائ وال ينفع مع كفره ما كان بين وبني املؤمنني من حلمهة نسهب أو‬
‫وصلة صهر أو سبب من سبب االتصال فان األسباب كلها تنقطع يوم القيامة إال ما كان منها‬
‫متصال باهلل وحده على أيدي رسل عليهم الصالة والسالم فلو نفعت وصلة القرابة واملصاهرة‬
‫والنكاح مع عدم االميان لنفعت الصلة اليت كانت بني نوح ولوط عليهما الصالة والسهالم‬
‫وامرأتيهما فلما مل يغنيا عنهما من اهلل شيئا‬

‫مثل امرأة نوح وامرأة لوط وقيل هلما ادخال النار مع الداخلني فقطعت اآلية حينئذ طمع من‬
‫ارتكب معصية اهلل تعاىل وخالف أمره ورجا أن ينفع صالح غريه من قريب أو أجنيب ولهو‬
‫كان بينهما يف الدنيا أشد االتصال فال اتصال فوق اتصال النبوة واألبوة والزوجية ومل يغهن‬
‫نوح علي الصالة والسالم عن ابن وال إبراهيم علي الصالة والسالم عن أبي وال نوح ولوط‬
‫عليهما الصالة و السالم عن امرأتيهما من اهلل شيئا قال اهلل تعاىل لن تنفعكم أرحهامكم وال‬
‫أوالدكم يوم القيامة يفصل بينكم وقال تعاىل يوم ال متل نفس لنفس شيئا واألمر يومئهذ هلل‬
‫وقال تعاىل واتقوا يوما ال جتزي نفس عن نفس شيئا وقال تعاىل واخشوا يوما ال جيزي والهد‬
‫عن ولده وال مولود هو جاز عن والده شيئا وهذا كل تكذيب ألطماع املشركني الباطلة أن‬
‫من تعلقوا ب من دون اهلل من قرابة أو صهر أو نكاح أو صحبة تنفعهم يوم القيامة أو جتريهم‬
‫من عذاب اهلل تعاىل أو تشفع هلم عند اهلل تعاىل وهذا أصل ضالل بين آدم وشهركهم وههو‬
‫الشرك الذي ال يغفره اهلل وهو الذي بعث اهلل تعاىل مجيع رسل عليهم الصالة والسالم وأنزل‬
‫مجيع كتب بإبطال وحماربة أهل ومعاداهتم‬
‫فصل وأما املثالن اللذان للمؤمنني فأحدمها امرأة فرعون ووج املثل أن اتصال املؤمن بالكافر‬
‫ال يضره شيئا إذا فارق يف كفره وعمل فمعصية العاصي ال تضر املطيع شيئا يف اآلخهرة وإن‬
‫تضرر هبا يف الدنيا بسبب العقوبة اليت حتل بأهل األرض إذا أضاعوا أمر اهلل عز وجل فتهأيت‬
‫عامة فلم يضر‬
‫مثل امرأة فرعون ومرمي امرأة فرعون اتصاهلا ب وهو من أكفر الكافرين ومل ينفع امرأة نهوح‬
‫ولوط اتصاهلما هبما ومها رسوال رب العاملني‬
‫املثل الثاين للمؤمنني مرمي اليت ال زوج هلا ال مؤمن وال كافر فذكر ثالثة أصناف النساء املرأة‬
‫الكافرة اليت هلا وصلة بالرجل الصاحل واملرأة الصاحلة اليت هلا وصلة بالرجل الكافر واملهرأة‬
‫العزبة اليت ال وصلة بينها وبني أحد فاألوىل ال تنفعها وصلتها وسببها والثانيهة ال تضهرها‬
‫وصلتها وسببها والثالثة ال يضرها عدم الصلة شيئا مث يف هذه األمثال من األسرار البديعة مها‬
‫يناسب سياق السورة فإهنا سيقت يف ذكر أزواج النيب والتحذير من تظاهرهن علي وأهنن إن‬
‫مل يطعن اهلل ورسول ويردن الدار اآلخرة مل ينفعهن اتصاهلن برسول اهلل كما مل ينفع امرأة نوح‬
‫ولوط اتصاهلما هبما وهلذا ضرب هلما يف هذه السورة مثل اتصال النكاح دون القرابة قهال‬
‫حيىي بن سالم ضرب اهلل املثل األول حيذر عائشة وحفصة مث ضرب هلما املثل الثاين حيرضهما‬
‫على التمس بالطاعة ويف ضرب املثل للمؤمنني مبرمي أيضا اعتبار آخر وهو أهنا مل يضرها عند‬
‫اهلل شيئا قذف أعداء اهلل تعاىل اليهود هلا ونسبتهم إياها وابنها إىل ما برأمها اهلل عن مع كوهنا‬
‫الصديقة الكربى املصطفاة على نساء العاملني فال يضر‬

‫احلرص على الطاعة الرجل الصاحل قذف الفجار والفساق في ويف هذا تسهلية لعائشهة أم‬
‫املؤمنني إن كانت السورة نزلت بعد قصة اإلف وتوطني نفسها على ما قال فيها الكاذبون إن‬
‫كانت قبلها كما يف التمثيل بامرأة نوح ولوط حتذير هلا وحلفصة مما اعتمدتاه يف حهق الهنيب‬
‫فتضمنت هذه األمثال التحذير هلن والتخويف والتحريض هلن على الطاعة والتوحيد والتسلية‬
‫وتوطني النفس ملن أوذي منهن وكذب علي وأسرار التنزيل فوق هذا وأجل من وال سهيما‬
‫أسرار األمثال اليت ال يعقلها إال العاملون متت حبمد اهلل وحسن توفيق وصلى اهلل على حممهد‬
‫وعلى آل وصحب وسلم تسليما اللهم اغفر لكاتبها ولقارئها ومتدبرها حق تدبرها وملصنفها‬
‫ومجيع املسلمني واملسلمات واملؤمنني واملؤمنات آمني واحلمد هلل رب العاملني‬
‫بقلم الفقري إىل رب تعاىل علي بن زيد آل غفر اهلل ل ولوالدي وجلميع املسلمني‬
‫واحلمد هلل الذي بنعمت تتم الصاحلات‬

You might also like