You are on page 1of 42

‫شفاء النفوس‬

‫من شبهات الفركوس‬

‫للشيخ‬
‫أيب املنذر الشنقيطي‬
‫حفظه هللا تعاىل‬
‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫(‪)1‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫فهذه رسالة وصلت ملنتدى األسئلة يف منرب التوحيد واجلهاد‪ ،‬تتعلق بعدد من‬
‫الشبهات اليت تثار حول اجلهاد اليوم أاثرها املدعو حممد علي فركوس وتلقفتها صحيفة‬
‫النهار اجلزائرية ابلنشر عرب صفحاهتا‪ ،‬وقد يسر هللا للشيخ الفاضل أيب املنذر الشنقيطي‬
‫حفظه هللا أن يفند هذه الشبهات ويرد عليها ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫نص الرسالة‪:‬‬

‫إىل اإلخوة القائمني على هذا املنتدى أوجه حتييت إليكم ‪...‬‬

‫فلقد خرج علينا املدعو أبو عبد املعز حممد علي فركوس بفتوى حول شرعية اجلهاد يف‬
‫املغرب اإل سالمي وقال ما قال فيها حول جهادان املبارك وقد تلقتها وسائل االعالم وقامت‬
‫بنشرها منها جريدة النهار اجلزائرية لبث الشك يف نفوس الشباب املتحمس هلذا اجلهاد‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫فنرجو منكم إ خواننا ان تقوموا ابلرد على هذا املبطل وهذا هو نص فتواه‪.... :‬‬

‫(‪)1‬‬

‫التالزم احلقيقي بني الطائفة املنصورة وعملها اجلهادي‬

‫السؤال‪( :‬املوجه حملمد علي فركوس)‬

‫اليوم‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫بعض املسلمني ِ‬


‫ببعض األحاديث على شرعيّة الف َرق اجلهاديّة املوجودة َ‬ ‫حيتج ُ‬
‫ّ‬
‫ول‪« :‬الَ تَ َز ُال‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َوآلِِه َو َسلَّ َم يَ ُق ُ‬ ‫ت النِ َّ‬
‫َِّب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫حديث جاب ِر ب ِن عبد هللا رضي هللا عنهما‪ََ :‬س ْع ُ‬ ‫ُ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫طَائ َفةٌ م ْن أ َُّم ُ َ ُ َ ََ َْ ّ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ََ ْ ُ َ ْ ُ َ ْ ََ َ‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ى‬ ‫يس‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ز‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ام‬ ‫ي‬‫ْق‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ىل‬ ‫إ‬ ‫ين‬ ‫ر‬ ‫اه‬ ‫ظ‬ ‫ق‬ ‫ْل‬‫ا‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬‫و‬ ‫ل‬‫ات‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫يت‬
‫ض أ َُم َراءُ تَ ْك ِرَمةَ هللاِ َه ِذهِ األ َُّمةَ»(‪ -١‬أخرجه‬ ‫ض ُك ْم عَلَى بَ ْع ٍ‬ ‫ول‪ :‬الَ إِ َّن بَ ْع َ‬‫ص ِّل لَنَا‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬ ‫فَي ُق ُ ِ‬
‫ول أَم ُري ُه ْم‪ :‬تَ َع َال َ‬ ‫َ‬
‫مسلم يف «اإلميان» (‪ )81/1‬رقم (‪ ،) 156‬من حديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما‪.).‬‬

‫(‪)2‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ني‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫وحديث جاب ِر ب ِن ََسُرَة رضي هللا عنهما‪« :‬لَن يربح ه َذا ال ِّد ِ‬
‫صابَةٌ م َن ال ُْم ْسلم َ‬
‫ين قَائ ًما يُ َقات ُل َعلَْيه ع َ‬
‫ُ‬ ‫ْ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الساعَةُ»(‪ -٢‬أخرجه مسلم يف «اإلمارة» (‪ )925/2‬رقم (‪ ،)1922‬وأمحد يف «مسنده»‬ ‫وم َّ‬
‫َح ََّّت تَ ُق َ‬
‫(‪ ،) 108 ،106 ،103/5‬من حديث جابر بن َسرة بن جنادة بن جندب رضي هللا عنهما‪.).‬‬
‫األحاديث‪ ،‬وإذا كانت ال تنطبق على ِ‬
‫الف َرِق اجلهاديِّة املعاصرةِ فعلى من تنطبق؟‬ ‫ِ‬ ‫شرحا هلذه‬
‫نريد منكم ً‬
‫جواب‪( :‬حممد علي فركوس)‬

‫السالم على من أرسله هللا رمحةً للعاملني‪ ،‬وعلى آله وصحبه وإخوانه‬
‫الصالة و ّ‬
‫رب العاملني‪ ،‬و ّ‬
‫اْلمد هلل ّ‬
‫إىل يوم ال ّدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫ابإلسالم املص ّفى ِ‬


‫احملض ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫متمسكةٌ‬ ‫ِ‬
‫فالطّائفةُ النّاجيةُ واملنصورةُ املذكورةُ يف اْلديث إ ّّنا هي طائفةٌ ّ‬
‫ِب صلّى هللا عليه وآلِه وسلّم وأصحابُه رضي هللا عنهم‪ ،‬ال‬ ‫وابطنًا‪ -‬تقوم مبا كان عليه النّ ّ‬ ‫ظاهرا‬
‫علما وعمالً‪ً ،‬‬ ‫ً‬
‫صح‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫م‬ ‫الئ‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫لوم‬ ‫ِ‬
‫هللا‬ ‫يف‬ ‫أتخذها‬ ‫وال‬ ‫اخلاذلني‪،‬‬ ‫و‬ ‫ئني‬ ‫و‬‫ِ‬ ‫املنا‬ ‫اجيف‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫ها‬ ‫يضر‬ ‫وال‬ ‫فني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املخال‬ ‫ِ‬
‫ال‬‫و‬ ‫أق‬ ‫إىل‬ ‫تلتفت‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ضُّرهم من َك َّذ ََبم (ويف رو ِ‬
‫اية‬ ‫َ َ ُ ُ ْ َ ْ ُْ‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫هللا‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫َم‬‫ِ‬
‫ِب‬ ‫ة‬ ‫م‬‫ِ‬‫ائ‬ ‫ق‬ ‫ة‬ ‫ُم‬‫أ‬
‫َ َ َ ْ َّ َّ ٌ َ َ ٌ ْ‬ ‫يت‬ ‫ُم‬
‫أ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ال‬
‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫«‬ ‫قال‪:‬‬ ‫عنه صلّى هللاُ عليه وآلِه وسلّم أنّه‬
‫البخاري يف «التّوحيد»‬
‫ّ‬ ‫ك»(‪ -٣‬أخرجه‬ ‫مسل ٍم‪َ :‬م ْن َخ َذ َهلُْم) َوالَ َم ْن َخالَ َف ُه ْم َح ََّّت ََيِِْتَ أ َْم ُر هللاِ َو ُه ْم َعلَى َذلِ َ‬
‫ول لَهُ ُك ْن فَيَ ُكو ُن﴾‪ ،‬ومسلم يف «اإلمارة»‬ ‫(‪ )563 /3‬ابب قول هللا تعاىل‪﴿ :‬إَِّّنَا قَ ْولُنَا لِ َش ْي ٍء إِذَا أ ََرْد َانهُ أَ ْن نَ ُق َ‬
‫(‪ )925 /2‬رقم (‪ ،) 1037‬من حديث معاوية بن أيب سفيان رضي هللا عنهما‪ ،).‬وهي مجاعةٌ واحدةٌ ال‬
‫األم ِة إىل ِ‬ ‫ِ‬
‫قيام‬ ‫ِب صلّى هللاُ عليه وآله وسلّم ّأو َل ّ‬
‫مقو ِ‬ ‫االنقسام والتّجزئةَ‪ ،‬متت ّد من زم ِن النّ ِّ‬ ‫َ‬ ‫شطري وال‬
‫تقبل التّع ّد َد والتّ َ‬
‫مات الطّائفةِ‬ ‫بنفس ِّ‬ ‫آخ ُرون ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األم ِة‪ ،‬و‬ ‫ِ‬
‫وَيْلُ ُفهم َ‬ ‫جنس الطّائفة من أجيال تنقرض َ‬ ‫ُ‬ ‫املقصود‬
‫ُ‬ ‫آخر ّ‬ ‫الساعة َ‬ ‫ّ‬
‫مر العصوِر إىل ِ‬
‫قيام‬ ‫يستمر على ِّ‬ ‫بل‬ ‫ها‬ ‫وجود‬ ‫ينقطع‬ ‫ال‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ودعوِتا ِ‬
‫ورجاهل‬ ‫ِ‬ ‫ها‬ ‫ِ‬
‫ومنهج‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫ِبصوهل‬ ‫ِ‬
‫ابتة‬ ‫ث‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬
‫ة‬‫ملنصور‬ ‫ا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫اْلق‪ ،‬وتُظْ ِهر التّوحي َد وال ّشرع‪ ،‬ويكو ُن ال ّدين معها عزيزا منيعا قائما على تقوى من هللاِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً ً ً‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫الساعة‪ ،‬تُ ْعلي كلمةَ ِّ‬ ‫ّ‬
‫ورضو ٍان‪.‬‬

‫غري منقط ٍع‪،‬‬ ‫اجلهاد معها َ‬ ‫ُ‬ ‫يستمر‬


‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫اجلهادي‪ ،‬حيث‬ ‫ائفة وعملِها‬
‫الزم بني هذه الطّ ِ‬
‫ومن هنا يتبلور التّ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ف‬ ‫ض ُع ُ‬ ‫األزمان ويَ ْ‬ ‫أثره يف ِ‬
‫بعض‬ ‫الباطل‪ ،‬واإلميان والكف ِر‪َ ْ ،‬‬
‫غري أنّه قد يَ ْعظُم ُ‬ ‫اْلق و ِ‬‫الصراعُ بني ِّ‬ ‫فهو ابق ما بق َي ّ‬
‫ب نوعيّتِه‪،‬‬ ‫ماض حبس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أماكن ِم َن‬ ‫ٍ‬
‫اجلهاد ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫علما أ ّن‬
‫األرض ويَق ّل يف أخرى‪ً ،‬‬ ‫انتشاره يف َ‬‫يف أزمان أخرى‪ ،‬ويَكْثُ ُر ُ‬
‫كاجلهاد ابْلج ِة و ِ‬
‫الربهان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لب وال ّدف ِع‪ ،‬أو معنوًًّّي ابللّ ِ‬
‫سان‬ ‫ِ‬
‫كجهاد الطّ ِ‬ ‫فس و ِ‬
‫املال‬ ‫حسيًّا ابلنّ ِ‬
‫ّ‬ ‫اجلهاد ّ‬
‫ُ‬ ‫ف َق ْد يكون‬
‫ِ‬
‫ني ِِب َْم َوال ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«جاه ُدوا ال ُْم ْش ِرك َ‬
‫سبيل هللا تعاىل لقوله صلّى هللاُ عليه وآله وسلّم‪َ :‬‬ ‫وهذا كلُّه م َن اجلهاد يف ِ‬
‫ْسنَتِ ُك ْم» (‪ -٤‬أخرجه أمحد يف «مسنده» (‪ ،)124 /3‬وأبو داود يف «اجلهاد» (‪)2504‬‬ ‫وأَنْ ُف ِس ُكم وأَل ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫صححه األلباينّ يف «صحيح اجلامع»‬ ‫ّ‬ ‫اْلديث‬ ‫و‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫هللا‬ ‫رضي‬ ‫أنس‬ ‫حديث‬ ‫من‬ ‫الغزو‪،‬‬ ‫ترك‬ ‫اهية‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ابب‬
‫فاجلهاد من حيث أدواتُه يكون ابلنّ ِ‬
‫فس‬ ‫اجلهاد أعمُّ ِمن ِ‬
‫القتال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اْلديث يظهر أ ّن‬ ‫ومن ِ‬
‫داللة‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ْ ،).)3090‬‬
‫صوص ال ّشرعيّةُ األخرى‪ -‬يكون للك ّفا ِر واملنافقني و ِ‬
‫أهل‬ ‫سان‪ ،‬ومن حيث حملُّه ‪-‬كما دلّ ْ‬ ‫املال واللّ ِ‬
‫و ِ‬
‫ت عليه النّ ُ‬
‫فس‪،‬‬ ‫جهاد النّ ِ‬ ‫يطان يف الباط ِن‪ ،‬فيتنوع اجلهاد إىل أرب ِع مراتب‪ِ :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫فس وال ّش ِ‬ ‫البدع واألهو ِاء يف الظّاه ِر‪ ،‬وللنّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫وخصوص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فس من جهة أدواته‪،‬‬ ‫خبصوص النّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األصل‬ ‫القتال فيكو ُن يف‬ ‫ِ‬
‫وال ّشيطان والك ّفا ِر‪ ،‬واملنافقني‪ ،‬و ّأما ُ‬

‫(‪)3‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫أخص ِ‬ ‫«وجهاد الك ّفا ِر‬ ‫ابن القيِّم ‪-‬رمحه هللا‪:-‬‬ ‫ِ ِ‬


‫أخص‬
‫ُّ‬ ‫وجهاد املنافقني‬
‫ُ‬ ‫ابليد‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫الك ّفا ِر من جهة حملّه‪ ،‬قال ُ‬
‫ابللّ ِ‬
‫سان»(‪« -٥‬زاد املعاد» البن القيّم‪.).)11/3( :‬‬
‫وقتال ‪-‬يف الظّاه ِر‪ -‬ال َُيْ ِرجه عن ِ‬
‫صفة االستمرا ِر‬ ‫قتال ٍ‬‫حدوث تقطُّ ٍع بني ٍ‬‫ِ‬ ‫حال‬
‫أذكر أ ّن َ‬
‫ُ‬ ‫وال يفوتين أن َ‬
‫جهاد‬ ‫ِ‬
‫حقيقة األم ِر تواصل واستمرار‪ ،‬مع بقاء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلعداد اليت تتطلّبها مرحلةُ التّقطُّ ِع هي يف‬ ‫أل ّن طور ِ‬
‫البناء و‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َْ‬
‫بيضة املسلمني من ِ‬
‫أعداء‬ ‫معنوي حفاظًا على ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫كجهاد‬ ‫ِ‬
‫املرحلة‪-‬‬ ‫الك ّفا ِر ‪-‬عموما‪ -‬ابْلج ِة و ِ‬
‫الربهان ‪-‬يف تلك‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫اإلسالم وال ّدي ِن‪.‬‬

‫الع ّدةِ اإلميانيّ ِة واملادّيِّة‪ ،‬وإىل‬ ‫ِ‬


‫شرط إعداد ُ‬
‫البشري حيتاج إىل ِ‬
‫ْ‬ ‫ي و َّ‬ ‫قتال الك ّفا ِر ِ‬
‫املادّ َّ‬ ‫مثّ ينبغي أن يُ ْعلَ َم أ ّن َ‬
‫ِ‬
‫اجلماعة وترَك قتالِ‬ ‫لزوم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومقاتلة مع والة األمر‪ ،‬ذلك أل ّن من أصول ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫صحيح ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫السنّة‪َ :‬‬ ‫أهل ّ‬ ‫ونبيل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫غرض‬
‫ِ‬
‫السنّة يََرْو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فأهل ّ‬
‫وترَك القتال يف الفتنة(‪ -٦‬انظر‪« :‬جمموع الفتاوى» البن تيميّة‪ُ ،).)128ِ/28( :‬‬ ‫األئمة ْ‬ ‫ّ‬
‫االجتماع‪:‬‬
‫ِ‬ ‫متام هذا‬ ‫ِ‬
‫الصالح‪ ،‬ومن ِ‬ ‫لف‬ ‫الس‬ ‫عليه‬ ‫كان‬ ‫ما‬ ‫وعلى‬ ‫ِ‬
‫ة‬‫بو‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫منهاج‬
‫ِ‬ ‫على‬ ‫االجتماع‬
‫ِ‬ ‫وجوب‬ ‫‪-‬‬ ‫ن‬
‫‪-‬إذ ْ‬
‫ّ ُ ّ ُ ْ‬ ‫ّّ‬ ‫َ‬
‫فاجلهاد ٍ‬
‫ماض‬ ‫ِ‬
‫أتم َر علينا ولو كان عب ًدا حبشيًّا‪ ،‬مهما كانت صفةُ عدالته‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫مع والطّاعةُ يف املعروف ل َمن ّ‬ ‫الس ُ‬‫ّ‬
‫األعياد وغريها من شعائ ِر‬ ‫اجلهاد وا ْجلم ِع و ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرب والفاج ِر من الوالة‪ ،‬والطّائفةُ املنصورةُ ترى وجوب ِ‬
‫إقامة‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫مع ّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫غري ُمُْرٍِج من الْملّ ِة‪ ،‬أل ّن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إبعادهم فُ ْرقَةٌ‬ ‫اإلسالم اجلماعيّة مع والة األموِر سواء كانوا صاْلني أو فُ ّساقًا فس ًقا ْ َ‬
‫وعدم استقرا ِر األم ِن‬ ‫اْلقوق ِ‬ ‫ِ‬ ‫وضياع‬
‫ِ‬ ‫اقة ال ّد ِ‬
‫ماء‬ ‫كلمة املسلمني‪ ،‬ويرتتّب عليه ِمن إر ِ‬ ‫ُّت ِ‬ ‫وخالف وسبب لتشت ِ‬ ‫ٌ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املشهور م ْن‬
‫ُ‬ ‫ابن تيميّةَ ‪-‬رمحه هللا‪« :-‬وهلذا كان‬ ‫ط علي ِه ُم األعداءَ‪ ،‬قال ُ‬ ‫ف َش ْوَكةَ املسلمني ويُ َسلّ ُ‬ ‫ضع ُ‬ ‫ما يُ ْ‬
‫ت على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مذهب ِ‬ ‫ِ‬
‫ظلم‪ ،-‬كما دلّ ْ‬ ‫ابلسيف ‪-‬وإن كان فيهم ٌ‬ ‫األئمة وقتا َهلم ّ‬ ‫اخلروج على ّ‬ ‫َ‬ ‫السنّة أ ّّنم ال يََرْو َن‬
‫أهل ّ‬
‫القتال و ِ‬
‫الفتنة‬ ‫الفساد يف ِ‬ ‫ِ‬
‫ِب صلّى هللاُ عليه وآله وسلّم‪ ،‬أل ّن‬ ‫الصحيحةُ املستفيضةُ ع ِن النّ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫األحاديث ّ‬
‫ُ‬ ‫ذلك‬
‫أعظم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أعظم ِم َن‬
‫اْلاصل بظُلْمهم بدون قتال وال فتنة‪ ،‬فيُ ْدفَع(‪ -٧‬ويف األصل‪« :‬فال يُ ْدفَ ُع»‪ُ ).‬‬ ‫الفساد‬ ‫ُ‬
‫خروجها من‬ ‫سلطان إالّ وكان يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫خرجت على ذي‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫طائف‬ ‫ف‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫كاد‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ّ‬‫ل‬‫لع‬ ‫و‬ ‫أدانمها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ام‬‫ز‬ ‫ابلت‬ ‫الفسادين‬
‫ْ‬ ‫ُ َْ‬
‫السنّة النّبويّة» البن تيميّة‪.).)231/3( :‬‬ ‫«منهاج‬ ‫‪-‬‬ ‫‪٨‬‬ ‫ه»(‬ ‫ِ‬
‫الفساد الذي أزالْت‬ ‫أعظم من‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫الفساد ما هو ُ‬
‫ٍ‬
‫املخالفات ال ّشرعِيّ ِة‪،‬‬ ‫ّام ووالةِ األموِر على ما هم عليه من املعاصي و‬ ‫وليس معىن ذلك جو َاز إقرا ِر اْلك ِ‬
‫املناصحة والتّغي ِري‪ ،‬من غ ِري نزِع ٍ‬
‫يد‬ ‫ِ‬ ‫حدود ما وسعه من قدرةٍ على‬ ‫ِ‬ ‫إنكارها يف‬ ‫ِ‬
‫اجب كراهيةُ ُمالفاِتم و ُ‬ ‫وإ ّّنا الو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املظاهرات واالعتصامات واملنشورات‪ ،‬وأنو ِاع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫من طاعة أو إحداث موجات من االضطراابت واملشا َغبات و َ‬
‫ابْلديد والنّا ِر‪ ،‬وغ ِريها من‬ ‫ِ‬ ‫لطان وأعوانِه‪ ،‬أو‬ ‫املوج ِه للس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫وسائل‬ ‫اخلروج عليه‬
‫ِ‬ ‫السباب وال ّشتائ ِم والقذف َّ ّ‬ ‫ّ‬
‫غري منتظ ٍم‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫هيئة فرٍق حزبي ٍة جهادي ٍ‬
‫ة‬ ‫ِ‬ ‫اإلخالل ابألم ِن واالستقرا ِر‪ ،‬سواء كان اخلروج عليه منتظما على ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ّام وظُلْ ِمهم‪ ،‬قال صلّى هللاُ عليه وآلِه وسلّم‪« :‬أَالَ َم ْن‬ ‫حال الثُّوا ِر الذين مل يصربوا على َجوِر اْلك ِ‬
‫ْ‬ ‫كما هو ُ ّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِل َعلَْي ِه َو ٍال فَ َرآهُ ََيِْت َشْي ئًا م ْن َم ْعصيَة هللا فَلْيَكَْرْه َما ََيِْت م ْن َم ْعصيَة هللا‪َ ،‬والَ يَنْز َع َّن يَ ًدا م ْن طَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعة»(‪-٩‬‬ ‫َوِ َ‬
‫أخرجه مسلم يف «اإلمارة» (‪ )900 /2‬رقم (‪ ،)1855‬من حديث عوف بن مالك األشجعي رضي هللا‬
‫َح ٌد ِم َن الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫سأَ‬ ‫«م ْن َك ِرَه ِم ْن أ َِم ِريهِ َشْي ئًا فَلْيَ ْ ِ ِ ِ‬
‫ص ْرب َعلَْيه‪ ،‬فَإنَّهُ لَْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عنه‪ ،).‬وقال صلى هللا عليه وآله وسلم‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ْلطَ ِ ِ‬
‫َخ َر َج ِم َن ُّ‬
‫ات ميتةً َجاهليَّةً»(‪ -١٠‬أخرجه البخاري يف «الفنت» (‪)465 /1‬‬ ‫ات َعلَْيه إِالَّ َم َ‬‫ان ش ْ ًربا فَ َم َ‬
‫ابب قول النِب صلى هللا عليه وسلم «سرتون بعدي أمورا تنكروّنا»‪ ،‬ومسلم يف «اإلمارة» (‪ )898 /2‬رقم‬
‫(‪ ) 1849‬واللفظ له‪ ،‬من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما‪.).‬‬

‫(‪)4‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وأسال هللا تعاىل أن يهدينا ملا اختلف فيه من اْلق إبذنه‪.‬‬

‫والسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬

‫للفرِق اجلهادي ِة ِ‬
‫املعاصَرةِ إالّ إذا كان معهم والةُ أموِرهم أو كانوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ومنِ منطلق هذا املعتقد‪ ،‬فال شرعيّةَ َ‬
‫ِ‬
‫يخ‬
‫يدل على أ ّن املقاتلةَ مع األمراء‪ ،‬وقد ع ّقب ال ّش ُ‬ ‫السؤ ِال ّ‬ ‫املذكور يف ّ‬
‫ُ‬ ‫حتت إمارِتم وإشرافِهم‪ ،‬و ُ‬
‫اْلديث‬
‫املهدي‪ :‬وهو حمم ُد بن ِ‬
‫عبد هللاِ‪ ،‬كما‬ ‫ُّ‬ ‫كلمة‪« :‬أ َِم ُري ُه ْم» ِبنّه‬
‫حمم ٌد انصر ال ّدي ِن األلباينُّ ‪-‬رمحه هللا‪ -‬على ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حسن(‪ -١١‬انظر‪« :‬سلسلة األحاديث‬ ‫ٌ‬ ‫ها‬ ‫وبعض‬
‫ُ‬ ‫صحيح‬
‫ٌ‬ ‫ها‬ ‫بعض‬
‫َ ُ‬ ‫د‬ ‫ِبساني‬ ‫األحاديث‬
‫ُ‬ ‫بذلك‬ ‫فرت‬
‫ْ‬ ‫تضا‬
‫الصحيحة» لأللباين‪.).)372-371 ،278/5( :‬‬ ‫ّ‬
‫مذاهب اخلوارِج ما فيه‬ ‫ِ‬ ‫ذكرت من التّحذي ِر من‬ ‫اآلجري ‪-‬رمحه هللا‪« :-‬قد‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫وض ْم َن هذا املعىن‪ ،‬قال‬
‫ُ‬
‫وحيف األمر ِاء‪ ،‬ومل‬‫ِ‬ ‫األئم ِة‬
‫مذهب اخلوارِج‪ ،‬ومل يَ َر رأيَهم‪ ،‬وصرب على َج ْوِر ّ‬ ‫ِ‬ ‫بالغٌ ملن عصمه هللاُ تعاىل عن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحج معهم‪،‬‬ ‫الح‪ّ ،‬‬ ‫ابلص ِ‬
‫للوالَة ّ‬ ‫ف الظّل ِم عنه وع ِن املسلمني‪ ،‬ودعا ُ‬ ‫َير ْج عليهم بسيفه‪ ،‬وسأل هللاَ تعاىل ك ْش َ‬
‫بطاعة فأمكنه أطاعهم‪ ،‬وإن مل‬ ‫ٍ‬ ‫كل ع ُد ٍّو للمسلمني وصلّى معهم اجلُ ُمعةَ والعيدين‪ ،‬فإ ْن أمروه‬‫وجاهد معهم َّ‬
‫كف لسانَه وي َده‪ ،‬ومل يَ ْه َو‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫نت بينهم لزم بيتَه و ّ‬‫ُميكنْه اعتذر إليهم‪ ،‬وإن أمروه مبعصية مل يُط ْعهم‪ ،‬وإذا دارت الف َُ‬
‫اط املستقي ِم إن شاء هللاُ»(‪« -١٢‬ال ّشريعة»‬ ‫فتنة‪ ،‬فمن كان هذا وص َفه كان على الصر ِ‬ ‫ما هم فيه‪ ،‬ومل يعِن على ٍ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ْ‬
‫لآلجري‪.).)40( :‬‬

‫ماِتا جتاه ُد‬ ‫مبقو ِ‬


‫وبناء فإ ّن الطّائفةَ املنصورةَ ال تز ُال ِّ‬ ‫إعداد ٍ‬
‫احتاجت املرحلةُ إىل ٍ‬
‫ِ‬ ‫طو‬‫ت ال ّشرو ُ‬ ‫فإ ْن ختلَّ َف ِ‬
‫س ِيف َه َذا ال ِّدي ِن‬ ‫ِ‬
‫املعنوي‪ ،‬وقد جاء يف اْلديث‪« :‬الَ يَ َز ُال هللاُ َع َّز َو َج َّل يَغْ ِر ُ‬
‫ُّ‬ ‫القتال‬
‫الربهان وهو ُ‬ ‫ابْلج ِة و ِ‬
‫ّ‬
‫اعتِ ِه»(‪ -١٣‬أخرجه أمحد يف «مسنده» (‪ ،)200 /4‬وابن ماجه‪ :‬ابب اتّباع سنّة‬ ‫َ‬ ‫ط‬
‫َ‬ ‫يف‬‫ِ‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ت‬‫س‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫بغَْر ٍس َ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫حسنه األلباينّ‬ ‫رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم (‪ ،)8‬من حديث أيب عنبة اخلوالينّ رضي هللا عنه‪ .‬واْلديث ّ‬
‫الصحيحة» (‪.).)571 /5‬‬ ‫«السلسلة ّ‬ ‫يف ّ‬
‫وآخر دعواان أن اْلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصلى هللا على حممد وعلى آله وصحبه وإخوانه إىل يوم الدين‬
‫وسلم تسليما‪.‬‬

‫اجلزائر يف‪ 18 :‬رجب ‪ 1431‬ه‬


‫املوافق ل‪ 30 :‬جوان ‪2010‬م‬

‫(‪)5‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫اْلمد هلل رب العاملني‬

‫وصلى هللا على نبيه الكري‬

‫وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫وبعد ‪:‬‬

‫أخي الكري هذه تعليقات بسيطة على بعض ما ورد يف كالم الشيخ الفركوس ‪:‬‬

‫املسألة األوىل ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬
‫ِ‬
‫كجهاد‬ ‫فس ِ‬
‫واملال‬ ‫حسيًّا ابلنّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫حبس ِ‬ ‫اجلهاد ٍ‬
‫ب نوعيّته‪ ،‬ف َق ْد يكون اجلهادُ ّ‬ ‫ماض َ‬ ‫َ‬ ‫(علما أ ّن‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫اجلهاد يف سبيلِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابحلجة والربهان‪ ،‬وهذا كله م َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الط ِ‬
‫ّلب وال ّدف ِع‪ ،‬أو معنوًًّّي ابللّسان كاجلهاد ّ‬
‫ِ‬
‫هللا تعاىل)‪.‬‬

‫معىن كالمه أن اجلهاد اْلسي ابلنفس (جهاد السيف) قد يتوقف ليحل حمله اجلهاد‬
‫املعنوي ابللسان ‪ -‬وال يعين هذا أن اجلهاد توقف ‪ -‬بل هو ماض ما دام واحد من النوعني‬
‫موجودا !!‬

‫هذا الكالم ال بد معه من عدة تنبيهات مهمة ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬‬

‫أن اجلهاد حقيقة يف عبادة جماهدة الكفار ابلسيف وجماز يف سائر العبادات والقرابت‬
‫اليت فيها بذل للجهد ومكابدة للمشاق ‪.‬‬

‫كل من أتعب نفسه يف ذات هللا فقد جاهد‬‫رشد يف املقدمات ‪ُّ « :‬‬ ‫وهلذا قال العالَّمة ابن ٍ‬
‫يف سبيله؛ إال أن اجلهاد يف سبيل هللا إذا أُطلق فال يقع إبطالقه إال على جماهدة الكفار ابلسيف‬
‫يد وهم صاغرون » ‪.‬‬ ‫حَّت يدخلوا يف اإلسالم أو يعطوا اجلزية عن ٍ‬

‫(‪)6‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وقال أبو حيان يف تفسريه ‪:‬‬

‫(يكون فعل {جاهد} مستعمال يف حقيقته وجمازة ومها اجلهاد ابلسيف واجلهاد إبقامة‬
‫اْلجة والتعريض للمنافق بنفاقه فإن ذلك يطلق عليه اجلهاد جمازا كما يف قوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم "رجعنا من اجلهاد األصغر إىل اجلهاد األكرب"‪ )1(،‬وقوله للذي سأله اجلهاد فقال له ‪:‬‬
‫"ألك أبوان" ؟ قال‪ :‬نعم قال ‪" :‬ففيهما فجاهد"‪ ).‬اه ‪.‬‬

‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا‬


‫َسعت َ‬
‫ومن استعماله يف اجملاز أيضا حديث فضالة بن عبيد قال ‪ُ :‬‬
‫«اجملاهد َم ْن جاهد نفسه» أخرجه الرتمذي ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عليه وسلم‪ -‬يقول ‪:‬‬

‫وحيث أطلق اجلهاد يف لفظ الشارع فهو ينصرف إىل اجلهاد ابلسيف ألنه حقيقة فيه وال‬
‫ينصرف إىل غريه‪.‬‬

‫والقاعدة أن اللفظ ال يصرف عن اْلقيقة إال الستحالة قصدها أو لقرينة دالة على أّنا‬
‫غري مقصودة ‪.‬‬

‫عبد هللا يف املراقي ‪:‬‬


‫قال الشيخ سيدي ُ‬

‫إىل اجمل از أو ألق رب حص ل‬ ‫ل‬ ‫تحال األص‬ ‫ا اس‬ ‫وحيثم‬


‫ل‬ ‫ينتق‬

‫وقال اخلطيب البغدادي ‪:‬‬

‫(فإذا ورد لفظ محل على اْلقيقة إبطالقه‪ ،‬وال حيمل على اجملاز إال بدليل )‪ ،‬الفقيه واملتفقه‬
‫‪)96 / 1( -‬‬

‫(‪ )1‬قال ش يخ اإلس الم ابن تيمية رمحه هللا‪" :‬وأما اْلديث الذي يرويه بعض هم‪ ،‬أنه قال يف غزوة تبوك‪:‬‬
‫(رجعنا من اجلهاد األص غر إىل اجلهاد األكرب) فال أص ل له‪ ،‬ومل يروه أحد من أهل املعرفة ِبقوال النِب ص لى‬
‫هللا عليه وسلم وأفعاله‪ ،‬وجهاد الكفار من أعظم األعمال‪."..‬اه الفرقان ص‪ .]45-44‬منرب التوحيد‬
‫واجلهاد]‬

‫(‪)7‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وقد سأل رجل النِب صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬ما اجلهاد قال أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم)‬
‫رواه أمحد يف املسند وعبد الرزاق يف املصنف عن عمرو بن عبسة بسند رجاله ثقات‪.‬‬

‫فاجلهاد حيث أطلق فاملقصود به ‪ :‬اجلهاد ابلسيف ‪.‬‬

‫اثنيا ‪:‬‬

‫اجلهاد ابلسيف ال ينوب عنه بقية أعمال اخلري اليت تسمى جهادا "جمازا" ‪:‬‬

‫كالمه يف الفقرة السابقة فيه حماولة للتسوية بني جهاد السيف وجهاد الكلمة وكأّنا يريد‬
‫صاحبه أن يقول للقارئ ‪:‬‬

‫إن االشتغال جبهاد الكلمة يسقط عنا جهاد السيف !‬

‫فحني ننشغل ابلدعوة والتعليم فال ِبس علينا من القعود ألننا جماهدون !!‬

‫وهذا من تلبيس إبليس !‬

‫فالقيام جبهاد اْلجة والبيان ال يسقط عنا القيام جبهاد السيف والسنان؛ فكالمها واجب‬
‫ال جيوز التفريط فيه ممن وجب عليه والقيام ِبحدمها ال يسقط اآلخر ‪.‬‬

‫كما أن القيام بفريضة الصالة ال يسقط القيام بفريضة الزكاة‪.‬‬

‫وقد روى ابن ماجة يف السنن عن أيب أمامة ‪:‬‬

‫(عن النِب صلى هللا عليه وسلم قال من مل يغز أو جيهز غازًّي أو َيلف غازًّي يف أهله خبري‬
‫أصابه هللا سبحانه بقارعة قبل يوم القيامة)‪.‬‬

‫وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬من مات ومل يَ ْغ ُز‬
‫ث نفسه ابلغزو‪ ،‬مات على شعبة من نفاق) رواه مسلم‪.‬‬ ‫ومل ُحيَ ِّد ْ‬
‫وروى اْلاكم يف املستدرك عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪( :‬من لقي هللا بغري أثر من اجلهاد لقيه وفيه ثلمة ) قال اْلاكم ‪:‬هذا حديث كبري يف‬
‫الباب غري أن الشيخني مل حيتجا إبَساعيل بن رافع ‪.‬‬

‫(‪)8‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫فال بد لكل مسلم من املشاركة يف جهاد السيف إما ابملباشرة وإما ابلدعم وإال كان عاصيا‬
‫آمثا مستوجبا لإلمث والعقوبة ‪.‬‬

‫وهذا الوعيد موجه لكل مسلم حَّت ولو كان منشغال ابلدعوة والتعليم ‪.‬‬

‫فحني ننشغل ابلدعوة إىل هللا وتعليم الناس وإرشادهم فال ينبغي أن خنادع أنفسنا وندعي‬
‫ِبننا على ثغرة عظيمة من أجل التهرب من ثغرات أخرى أعظم كلفة وأشد خطرا مثل اجلهاد‬
‫ابلسيف ‪..‬‬

‫وال بد من التنبيه إىل أن الدين ال يقوم على ا لسيف دون اْلجة وال يقوم على اْلجة‬
‫دون السيف بل يقوم على السيف الذي تدعمه اْلجة وعلى اْلجة اليت حيميها السيف ‘‬
‫فقوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر ‘‬

‫فال داعي إذن حملاولة الفصل بني العلم واجلهاد أو االستعاضة ِبحدمها عن اآلخر ألن‬
‫كال منهما يدعم اآلخر ويكمله واملسلمون مطالبون ابجلمع بينهما وعدم التفريط يف أي منهما‬
‫‪:‬‬

‫متي ل ظب اه أخ دعا ك ل م ا ي ل‬ ‫فم ا ه و إال ال وحي أوح د‬


‫ف‬ ‫مره‬
‫وه ذا دواء ال داء م ن ك ل جاه ل‬ ‫فه ذا ش فاء ال داء م ن ك ل عاق ل‬

‫والدعوة ابلبيان وإقامة اْلجة ال تقتضي أبدا ترك اجلهاد ابلسيف ‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم بن تيمية ‪:‬‬

‫( وقوله تعاىل ‪{ :‬وال جتادلوا أهل الكتاب إال ابليت هي أحسن اال الذين ظلموا‬
‫منهم }وقوله ‪{ :‬وجادهلم ابليت هي أحسن} ليس يف القرآن ما ينسخهما ولكن بعض الناس‬
‫يظن أن من اجملادلة ترك اجلهاد ابلسيف وكل ما كان متضمنا لرتك اجلهاد املأمور به فهو منسوخ‬
‫آبًّيت السيف) النبوات ‪)157 / 1( -‬‬

‫اثلثا ‪ :‬املفاضلة بني العلم واجلهاد‬

‫(‪)9‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫يقول بعض أهل العلم ِبن اجلهاد ابْلجة أفضل من اجلهاد ابلسيف‪ ،‬والذي يظهر أن‬
‫هذا القول غري صحيح َبذا اإلطالق وذلك لعدة أسباب ‪:‬‬

‫السبب األول ‪ :‬التفريق بني حاليت "اجلمع" و "التعارض"‬

‫إن العبادات ينبغي أن يفرق فيها عند التفضيل بني حالتني ‪:‬‬

‫حالة التعارض (أي عدم إمكانية اجلمع بينها)‪ ،‬وحالة االجتماع (أي عند إمكانية اجلمع‬
‫بينها)‪.‬‬

‫أما ابلنسبة ْلالة التعارض فإنه ينبين على التفضيل فيها تقدي الفاضل وأتخري املفضول‬
‫‪ ،‬وهذه اْلالة ال ينبغي التفضيل فيها إبطالق بني العبادات الواجبة اليت َيتلف جماهلا إذ كلها‬
‫مطلوبة يف حملها ‪.‬‬

‫وإّنا ينظر إىل األفضلية حبسب اْلال والظرف فما كانت حاجة الوقت إليه أشد كان‬
‫أفضل من غريه‬

‫وقد نص على ذلك ابن القيم يف بعض كتبه ‪.‬‬

‫وقد يكون الشخص أقدر على أداء واجب وأكثر أهلية له من غريه فهو ابلنسبة له أفضل‬
‫ألنه أصبح متعينا عليه ‪.‬‬

‫وهلذا فإن القضاء وطلب العلم قد يتعينان على شخص دون آخر ‪.‬‬

‫أما اْلالة الثانية وهي حالة "إمكان اجلمع بني العملني" اليت ال ينبين على التفضيل فيها‬
‫تقدي وال أتخري وإّنا معرفة األكثر ثوااب فقط فال ينبغي القول فيها ابلتفضيل إال بناء على نص‬
‫من الشارع ألن التفضيل بني األعمال من حيث الثواب مسألة توقيفية ال دخل فيها لالجتهاد‬
‫‪.‬‬

‫ونريد اآلن النظر يف النصوص الشرعية ملعرفة أيهما أكثر ثوااب ‪ :‬اجلهاد ابلسيف أم اجلهاد‬
‫ابْلجة وتبليغ العلم ؟‬

‫ورد يف النصوص الشرعية تفضيل اجلهاد ابلسيف على سائر األعمال ومن ذلك ‪:‬‬

‫(‪)10‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫‪ -1‬عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قيل ًّي رسول هللا أي الناس أفضل فقال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬م ؤمن جياهد يف سبيل هللا بنفسه وماله قالوا‪ :‬مث من قال‪ :‬مؤمن‬
‫يف شعب من الشعاب يتقي هللا ويدع الناس من شره‪.‬‬

‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪:-‬‬ ‫‪ -2‬عن أيب هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال ُ‬
‫أجد َمحولة‪ ،‬وال أجد ما أمحلهم‬ ‫لكن ال ُ‬‫ت عن َس ِريَّة‪ ،‬و ْ‬ ‫أش َّق على املسلمني ما ختلَّ ْف ُ‬
‫«لوال أن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحييت مث‬
‫ُ‬ ‫ت‪ ،‬مث‬ ‫قاتلت يف سبيل هللا فَ ُقتلْ ُ‬
‫ُ‬ ‫ت أين‬‫علي أن يتخلَّفوا عين‪ ،‬فَلَ َود ْد ُ‬
‫عليه‪ ،‬ويَ ُش ُّق َّ‬
‫ِ‬
‫يت» البخاري‪.‬‬ ‫ُحيِ ُ‬
‫ت‪ ،‬مث أ ْ‬
‫قُت ْل ُ‬
‫اجلهاد يف‬
‫َ‬ ‫‪ -3‬عن أيب هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪« :‬قيل ‪ًّ :‬ي رسول هللا‪ ،‬ما يَ ْع ِدل‬
‫كل ذلك يقول ‪ :‬ال تستطيعونه‪،‬‬ ‫سبيل هللا ؟ قال ‪ :‬ال تستطيعونه‪ ،‬فأعادوا عليه مرتني‪ ،‬أو ثالاث‪ُّ ،‬‬
‫ت آبًّيت هللا‪ ،‬ال يَ ْف ُرت من صيام وال‬ ‫مث قال ‪ :‬مثَل اجملاهد يف سبيل هللا‪ ،‬كمثل الصائم القانِ ِ‬
‫َ ُ‬
‫اجملاهد يف سبيل هللا» أخرجه مسلم والرتمذي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يرجع‬
‫صالة‪ ،‬حَّت َ‬
‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫‪ -4‬عن أيب سعيد اخلدري ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪ :‬كان ُ‬
‫الناس وهو مسند ظهره إىل راحلته‪ ،‬فقال ‪« :‬أال أخربكم خب ِري الناس‪،‬‬
‫وسلم‪ -‬عام تبوك َيطُب َ‬
‫إن ِم ْن خري الناس ‪ :‬رجال عمل يف سبيل هللا على ظهر فرسه‪ ،‬أو على ظهر‬ ‫وشر الناس ؟ َّ‬
‫َّ‬
‫بعريه‪ ،‬أو على قدمه‪ ،‬حَّت َيتيَه املوت‪ ،‬وإن من َشِّر الناس رجال يقرأ كتاب هللا ال يرعوي إىل‬
‫شيء منه» أخرجه النسائي‪.‬‬

‫‪ -5‬روى البخاري يف فضل العشر من ذي اْلجة قال ‪:‬‬

‫‪ -‬حدثنا حممد بن عرعرة قال حدثنا شعبة عن سليمان عن مسلم البطني عن سعيد بن‬
‫جبري عن ابن عباس عن النِب صلى هللا عليه وسلم أنه قال ما العمل يف أًّيم أفضل منها يف‬
‫هذه قالوا وال اجلهاد قال وال اجلهاد إال رجل خرج َياطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ‪.‬‬

‫‪ -6‬عن أيب هريرة قال ‪ ( :‬سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬أي العمل أفضل ؟‬
‫قال ‪ :‬إميان ابهلل ورسوله قيل مث ماذا؟ قال اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬قيل مث ماذا؟ قال حج مربور)‬
‫متفق عليه ‪.‬‬

‫وهذه األحاديث دالة على تفضيل اجلهاد على سائر األعمال وهلذا كان هو ذروة سنام‬
‫اإلسالم ‪.‬‬

‫السبب الثاين ‪ :‬أن األجر على قدر املشقة‬

‫(‪)11‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫من اخلطأ أن نظن ِبن الشرع الذي جاء من عند أحكم اْلاكمني يساوي يف املنزلة بني‬
‫جهاد فيه القتل واألسر وم فارقة األهل واألوطان ومشقة الرتحال واألسفار ومراغمة ذوي البأس‬
‫من الكفار مع جهاد (جمازا) ال قتل فيه وال أسر وال تعب وال أخطار وال إزعاج من الكفار !‬

‫وقد تقرر يف الشرع أن عظم األجر على قدر املشقة ‪:‬‬

‫ومن أدلة هذه القاعدة ‪:‬‬

‫اع ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ين اتَّبَ عُوهُ ِيف َس َ‬
‫صا ِر الَّذ َ‬ ‫َِّب َوالْ ُم َهاج ِر َ‬
‫ين َواألنْ َ‬ ‫اّللُ َعلَى النِ ِ‬
‫ّ‬ ‫ب َّ‬ ‫‪ -1‬قال تعاىل ‪ { :‬لََق ْد ََت َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم } ‪.‬‬ ‫وف َرح ٌ‬ ‫ب َعلَْي ِه ْم إِنَّهُ َب ْم َرءُ ٌ‬
‫وب فَ ِر ٍيق مْن ُه ْم ُمثَّ ََت َ‬
‫يغ قُلُ ُ‬ ‫الْعُ ْس َرةِ ِم ْن بَ ْعد َما َك َ‬
‫اد يَِز ُ‬
‫قال العالمة عبد الرمحن السعدي يف تفسريه وهو يعدد الفوائد من هذه اآلية ‪:‬‬

‫(ومنها‪ :‬أن العبادة الشاقة على النفس‪ ،‬هلا فضل ومزية ليست لغريها‪ ،‬وكلما عظمت‬
‫املشقة عظم األجر)‪.‬‬

‫‪ -2‬عن عائشة قالت قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬املاهر ابلقرآن مع السفرة‬
‫الكرام الربرة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه ٌّ‬
‫شاق له أجران) متفق عليه ‪.‬‬

‫‪ -3‬عن أيب بن كعب قال ‪( :‬كان رجلٌ ال أعلم رجالً أبعد من املسجد منه وكان ال‬
‫ختطئه صالة فقيل له أو قلت له لو اشرتيت محاراً تركبه يف الظلماء ويف الرمضاء قال ما يسرين‬
‫أن منزِل إىل جنب املسجد إين أريد أن يكتب ِل ممشاي إىل املسجد ورجوعي إذا رجعت إىل‬
‫أهلي فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬قد مجع هللا لك ذلك كله) متفق عليه ‪.‬‬

‫‪ -4‬عن أيب هريرة قال قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬أثقل صالة على املنافقني‬
‫صالة العشاء وصالة الفجر لو يعلمون ما فيهما ألتومها ولو حبواً) متفق عليه ‪.‬‬

‫قال ابن دقيق ‪:‬‬

‫(وأما الصبح فألّنا يف وقت لذة النوم فإن كانت يف زمن الربد ففي وقت شدته لبعد‬
‫العهد ابلشمس لطول الليل وإن كانت يف زمن اْلر‪ :‬فهو وقت الربد والراحة من أثر حر‬
‫الشمس لبعد العهد َبا فلما قوي الصارف عن الفعل ثقلت على املنافقني وأما املؤمن الكامل‬
‫اإلميان‪ :‬فهو عامل بزًّيدة األجر لزًّيدة املشقة)‪ .‬إحكام األحكام شرح عمدة األحكام ‪/ 1( -‬‬
‫‪)116‬‬

‫(‪)12‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫‪ -5‬عن عائشة‪ ،‬قالت ‪ًّ :‬ي رسول هللا يصدر الناس بنُس َك ٌني وأصدر بنُس ٍ‬
‫ك واحد ؟ قال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ ( :‬انتظري فإذا طهرت فاخرجي إىل التنعيم فأهلي منه مث ائتنا مبكان كذا ولكنها على قدر‬
‫نفقتك أو نصبك) رواه البخاري ‪.‬‬

‫قال ابن بطال يف شرح هذا اْلديث ‪:‬‬

‫(أفعال الرب كلها األجر فيها على قدر املشقة والنفقة‪ ،‬وهلذا استحب مالك وغريه اْلج‬
‫راكبا‪ ،‬ومصداق هذا ىف كتاب هللا قوله ‪{ :‬الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ىف سبيل هللا ِبمواهلم‬
‫وأنفسهم أعظم درجة عند هللا وأولئك هم الفائزون } التوبة ‪ ] 20 :‬وىف هذا فضل الغىن‬
‫وإنفاق املال ىف الطاعات‪ ،‬وملا ىف قمع النفس عن شهواِتا من املشقة على النفس ) شرح‬
‫صحيح البخارى البن بطال ‪)445 / 4( -‬‬

‫وقال العالمة عبد الرمحن بن انصر السعدي ‪:‬‬

‫(القاعدة الثالثة واخلمسون‪ :‬من قواعد القرآن‪ :‬أنه يبني أن األجر والثواب على قدر املشقة‬
‫يف طريق العبادة‪ ،‬ويبني مع ذلك أن تسهيله لطريق العبادة من منته وإحسانه‪ ،‬وأّنا ال تنقص‬
‫من األجر شيئاً) القواعد اْلسان يف تفسري القرآن ‪.‬‬

‫السبب الثالث ‪ :‬الواجب املضيق‬

‫ومن املهم التنبه إىل أن هناك فرقا حساسا بني اجلهاد ابلسيف واجلهاد ابلكلمة ‪..‬‬

‫وهذا الفرق له داللة عميقة ‪:‬‬

‫اجلهاد ابلسيف ابب من أبواب الفقه املعروفة ‪..‬له أحكامه املعروفة ‪..‬‬

‫نعلم من خالل هذه األحكام‪ :‬مَّت يكون واجبا وأين يكون واجبا وعلى من يكون واجبا‬
‫‪..‬‬

‫ومَّت يكون فرض عني ومَّت يكون فرض كفاية ‪..‬‬

‫أي أنه عبادة حمددة ومقدرة كما هو الشأن يف عبادة الصالة وعبادة الصوم وعبادة الزكاة‬
‫‪..‬‬

‫(‪)13‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫أما جهاد الكلمة والدعوة والتعليم واملوعظة فهو عبادة غري مقدرة فالشرع مل جيعل له‬
‫نصااب حمددا وجواب أو سقوطا‪ ،‬ومل َيصص له وقتا ومل يعني له مكاان ‪.‬‬

‫فهو عبادة مطلقة من مجيع الزواًّي واالجتاهات‪.‬‬

‫وهذا اإلطالق يستفاد منه أنه عبادة موسعة الوقت خبالف اجلهاد ابلسيف فهو مضيق‬
‫الوقت ‪.‬‬

‫ومعلوم أن العبادة املضيق وقتها مقدمة على العبادة املوسع وقتها ‪.‬‬

‫ألن الواجب املضيق وجوبه على الفورية منذ وقت وجوبه ‪ ،‬والواجب املوسع وجوبه على‬
‫الرتاخي ‪.‬‬

‫كما أن الواجب املضيق يعاقب على تركه مبجرد حضور وقته‪ ،‬أما الواجب املوسع فال‬
‫يعاقب عليه إال ابلنسبة للرتك يف العمر كله (ما مل يتعني ) ‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬وهذه األمور كلها تدل على أن تفضيل جهاد الكلمة على اجلهاد ابلسيف إبطالق‬
‫فيه قدر من عدم الدقة ‪.‬‬

‫*****‬

‫املسألة الثانية ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬
‫هللا تعاىل لقولِه صلّى هللا عليه وآلِه وسلّم‪« :‬ج ِ‬
‫اه ُدوا‬ ‫سبيل ِ‬ ‫اجلهاد يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫(وهذا كلُّه ِم َن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أعم ِم َن‬
‫اجلهاد ُّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫احلديث يظهر أ ّن‬ ‫»‪...‬ومن ِ‬
‫داللة‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ني ِِب َْموالِ ُكم وأَنْ ُف ِس ُكم وأَل ِ‬
‫ْسنَتِ ُك ْم‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫ال ُْم ْش ِرك َ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫القتال‪) ،‬‬

‫صحيح أن اجلهاد "اجملازي" – املقصود به كل ما فيه مشقة يف سبيل هللا‪ -‬أعم من‬
‫القتال‪.‬‬

‫أما اجلهاد حقيقة فال يطلق إال على القتال ابلسيف ‪.‬‬

‫(‪)14‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ني ِِب َْم َوالِ ُك ْم َوأَنْ ُف ِس ُك ْم َوأَلْ ِسنَتِ ُك ْم» فقد‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪«:‬جاه ُدوا الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫أما قوله صلى هللا عليه وسلم َ‬
‫ورد يف سياق التحريض على جهاد الكفار ‪.‬‬

‫وذالك أن جهاد الكفار يكون حبمل السالح مباشرة وإبعانة اجملاهدين ابألموال وجتهيز‬
‫الغزاة وبتحريض املسلمني على القتال ورفع مهمهم وتثبيط الكافرين وختذيلهم فهذه األمور‬
‫الثالثة داخلة يف جهاد الكفار وهي املقصودة يف اْلديث فال عالقة للحديث جبهاد اْلجة‬
‫والبيان بل هو وارد يف قتال الكفار ‪.‬‬

‫قال الصنعاين يف سبل السالم ‪:‬‬

‫(اْلديث دليل على وجوب اجلهاد ابلنفس وهو ابخلروج واملباشرة للكفار وابملال وهو‬
‫بذله ملا يقوم به من النفقة يف اجلهاد والسالح وحنوه وهذا هو املفاد من عدة آًّيت يف القرآن‬
‫اه ُدوا ِِب َْم َوالِ ُك ْم َوأَنْ ُف ِس ُك ْم} واجل هاد ابللسان إبقامة اْلجة عليهم ودعائهم إىل هللا تعاىل‬‫{وج ِ‬
‫ََ‬
‫{وال يَنَالُو َن ِم ْن َع ُد ٍّو نَْيالً إَِّال‬
‫َ‬ ‫للعدو‬ ‫نكاية‬ ‫فيه‬ ‫ما‬ ‫كل‬ ‫من‬ ‫وحنوه‬ ‫الزجر‬
‫و‬ ‫اللقاء‬ ‫عند‬ ‫ات‬ ‫و‬ ‫وابألص‬
‫صالِ ٌح} وقال صلى هللا عليه وسلم ْلسان‪:‬إن هجو الكفار أشد عليهم من‬ ‫ِ‬
‫ب َهلُْم بِه َع َملٌ َ‬
‫ِ‬
‫ُكت َ‬
‫وقع النبل)‪.‬‬

‫وقال السيوطي يف الكالم على هذا اْلديث‪:‬‬

‫( قال املنذري حيتمل أن يريد بقوله وألسنتكم اهلجاء ويؤيده قوله ‪" :‬فلهو أسرع فيهم من‬
‫نضح النبل" وحيتمل أن يريد به حض الناس على اجلهاد وترغيبهم فيه وبيان فضائله هلم)‪.‬شرح‬
‫السيوطي لسنن النسائي ‪)7 / 6( -‬‬

‫واْلديث أورده أبو داود يف ابب كراهية ترك الغزو‪،‬‬

‫(ابب هجاء الْ ُم ْشركني)‪.‬‬


‫وأورده ابن اخلراط يف األحكام الكربى حتت عنوان ‪َ :‬‬
‫وقد ورد يف السنة اْلث على اإلنفاق على الغزو واعتبار فاعله مشاركا للمجاهدين يف‬
‫جهادهم وأن ذلك من اجلهاد ابملال ‪.‬‬

‫ومما ورد يف ذلك ‪:‬‬

‫(‪)15‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬


‫حديث زيد بن خالد اجلهين ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أن َ‬
‫غزا‪ ،‬ومن َخلَّف غازًّي يف أهله خبري فقد غزا» أخرجه‬
‫جهز غازًّي يف سبيل هللا فقد َ‬
‫قال ‪« :‬من َّ‬
‫اجلماعة إال «املوطأ»‪.‬‬

‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬


‫وحديث عبد هللا بن عمرو ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬أن َ‬
‫ِ‬
‫أجر الغازي» أخرجه أبو داود‪.‬‬ ‫أجره‪ ،‬وللجاع ِل ُ‬
‫أجره و ُ‬ ‫قال‪« :‬للغَازي ُ‬
‫وهكذا التحريض –وهو من اجلهاد ابللسان‪ -‬أمر به هللا سبحانه وتعاىل مع األمر ابلقتال‬
‫فقال ‪:‬‬
‫ك وح ِر ِ ِ ِ‬ ‫اّللِ َال تُ َكلَّ ُ ِ‬
‫{فَ َقاتِ ْل ِيف َسبِ ِيل َّ‬
‫ني} النساء ‪.]84 :‬‬
‫ض الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫ف إَّال نَ ْف َس َ َ َ ّ‬
‫فاإلن فاق على الغزو والتحريض على اجلهاد كلها من متعلقات اجلهاد ابلسيف وهي املعنية‬
‫يف اْلديث وقد قدمنا أن اجلهاد حيث أطلق فاملقصود به اجلهاد ابلسيف محال له على اْلقيقة‬
‫‪.‬‬

‫فال عالقة – إذن‪ -‬هلذا اْلديث جبهاد اْلجة والكلمة ‪.‬‬

‫*****‬

‫املسألة الثالثة ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬

‫ّسان‪ ،‬ومن حيث حملُّه ‪-‬كما دل ْ‬


‫ّت‬ ‫واملال والل ِ‬
‫فس ِ‬ ‫(فاجلهادُ من حيث أدواتُه يكون ابلنّ ِ‬
‫ِ‬
‫واألهواء يف الظّاه ِر‪،‬‬ ‫شرعيّةُ األخرى‪ -‬يكون للك ّفا ِر واملنافقني ِ‬
‫وأهل البد ِع‬ ‫صوص ال ّ‬
‫عليه النّ ُ‬
‫ش ِ‬ ‫اجلهاد إىل أرب ِع مراتب‪ِ :‬‬
‫جهاد النّ ِ‬ ‫فس وال ّ ِ‬ ‫وللنّ ِ‬
‫يطان‬ ‫فس‪ ،‬وال ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫شيطان يف الباط ِن‪ّ ،‬‬
‫فيتنوع‬
‫فس من ِ‬
‫جهة أدواتِه‪،‬‬ ‫خبصوص النّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األصل‬ ‫القتال فيكو ُن يف‬
‫ُ‬ ‫والك ّفا ِر‪ ،‬واملنافقني‪ّ ،‬‬
‫وأما‬
‫أخص ِ‬ ‫«وجهاد الك ّفا ِر ُّ‬ ‫ابن القيّ ِم ‪-‬رمحه هللا‪:-‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ابليد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وخصوص الك ّفا ِر من جهة حملّه‪ ،‬قال ُ‬
‫ِ‬
‫ّسان»(‪« -٥‬زاد املعاد» البن القيّم‪.).)11/3( :‬‬ ‫أخص ابلل ِ‬ ‫وجهاد املنافقني ُّ‬
‫ُ‬
‫هذا اخللط بني مفهوم اجلهاد ابلسيف وغريه من أنواع اجلهاد األخرى ال طائل من ورائه‬
‫ولن جيين منه املخلطون كبري فائدة ‪.‬‬

‫(‪)16‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وذاك ألن اجلهاد ابلسيف ال يلتبس من حيث التناول الفقهي مع غريه فلكل أحكامه‬
‫اليت متيزه عن اآلخر ‪.‬‬

‫وقد حتدث الفقهاء عن اجلهاد ابلسيف وبينوا واجباته وشروطه وممنوعاته وسائر األحكام‬
‫املتعلقة به وابلرجوع إىل مصنفاِتم ميكن أن ّنيز بني اجلهاد الواجب واجلهاد املندوب واجلهاد‬
‫املمنوع واجلهاد املشروع دون اْلاجة إىل وضع األصبع على هذه التعريفات اليت إن صحت‬
‫فهي من اْلق الذي أريد به الباطل !‬

‫ألن الفكرة اليت يدندن حوهلا هؤالء هي أن اجلهاد ليس حمصورا يف القتال ابلسيف؛ بل‬
‫هناك جهادات أخرى أقل تكلفة وأكثر جدوائية ميكن االستعاضة َبا عن اجلهاد ابلسيف !!‬

‫لكن مبجرد أن نسقط على واقعنا أحكام اجلهاد املقررة يف الفقه فسوف يتبخر هذا الكالم‬
‫ويبطل مفعوله ‪.‬‬

‫*****‬

‫املسألة الرابعة ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬

‫وقتال ‪-‬يف الظّاه ِر‪ -‬ال ُُيْ ِر ُجه‬‫قتال ٍ‬ ‫ِ‬


‫حدوث تقطُّ ٍع بني ٍ‬ ‫حال‬
‫أذكر أ ّن َ‬
‫(وال يفوتين أن َ‬
‫ِ‬
‫حقيقة‬ ‫ِ‬
‫واإلعداد اليت تتطلّبها مرحلةُ التّقطُّ ِع هي يف‬ ‫صفة االستمرا ِر أل ّن طور ِ‬
‫البناء‬ ‫عن ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ابحلج ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والربهان ‪-‬يف تلك‬ ‫ّ‬ ‫األم ِر تواصلٌ واستمر ٌار‪ ،‬مع بقاء جهاد الك ّفا ِر ‪ً -‬‬
‫عموما‪-‬‬
‫ِ‬ ‫بيضة املسلمني من ِ‬ ‫معنوي حفاظًا على ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اإلسالم وال ّدي ِن)‪.‬‬ ‫أعداء‬ ‫ٍّ‬ ‫كجهاد‬ ‫املرحلة‪-‬‬

‫هذا الكالم ما هو إال قلب للحقائق املاثلة أمام األعني !‬

‫فهو يريد إق ناعنا ِبن هؤالء املخذلني والقاعدين عن جهاد أعداء الدين هم اجملاهدون‬
‫اْلقيقيون !!‬

‫وأن ما ميارسونه من قعود وختذيل عن اجلهاد ما هو إال نوع من اإلعداد !!‬

‫أعتقد أن هذه هي آخر نظرية تفتقت عنها ذهنية املخذلني ‪ :‬أن يكون القعود عن اجلهاد‬
‫نوعا من اإلعداد !‬

‫(‪)17‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وابلتاِل فإنه جهاد !!‬

‫ومن الواجب عليك – حسب هذه النظرية‪ -‬أن تكسر املسلمات العقلية وجتمع بني‬
‫الضدين فتؤمن ِبن ترك اجلهاد يساوي القيام ابجلهاد !‬

‫وأن فرتة انقطاع اجلهاد هي نفسها فرتة استمرار اجلهاد !!‬

‫أان ال ألوم من يقول هذا الكالم ‪..‬لكين ألوم من يصدقه !‬

‫إن هللا تعاىل مل يشرع اإلعداد لكي يكون ذريعة للتخذيل واالستمرار يف القعود ‪..‬‬
‫اإلعداد عملية استعداد ومجع للطاقات يقوم َبا الطرف ِ‬
‫املهاجم قبل بدء املعركة أما الطرف‬
‫املهاجم فال وقت لديه لإلعداد بل ضرورة املعركة تفرض عليه أن يبادر بصد العدوان ابملوجود‬
‫َ‬
‫طلب املفقود ‪.‬‬
‫وأال يشغله عن البدار ُ‬
‫هذا النوع من اإلعداد ينسحب عليه املثل اْلساين الذي يقول ‪" :‬أُفات ال ّديٌكة وهو‬
‫يتحّزم" أي ‪( :‬انتهت املعركة وهو يستعد) !‬
‫َ‬
‫إن العدو قد حل ابلدًّير وعاث يف األمصار ‪ ..‬وسفك الدماء ‪..‬وانتهك األعراض‬
‫‪..‬ودنس املقدسات ‪..‬وّنب الثروات ‪..‬فإىل مَّت اإلعداد ؟‬

‫املاليني قتلوا وحنن يف مرحلة اإلعداد !‬

‫واملاليني شردوا وحنن يف مرحلة اإلعداد !‬

‫واملاليني يف السجون وحنن يف مرحلة اإلعداد !‬

‫واملاليني يعيشون اخلوف والفزع وحنن يف مرحلة اإلعداد !‬

‫واملاليني حتت القهر والذل والبطش وحنن يف مرحلة اإلعداد !‬

‫واألجيال تتوارث القعود حبجة اإلعداد !‬

‫ومتوت على الفراش حبجة اإلعداد!‬

‫فإىل مَّت اإلعداد؟‬

‫(‪)18‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ليس هذا هو اإلعداد الذي أمر هللا به ‪..‬‬

‫اإلعداد ال يعين أن ندخل يف سرداب عميق ال ّناية له مث ننظر من بعيد إىل ضحاًّي‬
‫املسلمني ونلوح هلم إبشارة النصر ونقول ‪ :‬حنن قادمون !‬

‫ب كاألسود ونستغل كل اإلمكانيات وجنمع كل‬ ‫ِ‬


‫اإلعداد يعين أن ننتفض كالطري ونث َ‬
‫الطاقات وننطلق يف أسرع اللحظات لدفع العدوان وصد اهلجمات ‪.‬‬

‫وهلذا أمر هللا تعاىل ابملستطاع منه فقال ‪{ :‬وأعدوا هلم ما استطعتم من قوة }‪..‬‬

‫وإنك لتلمح يف قوله تعاىل ‪{ :‬ما استطعتم} إشارة إىل اإلسراع واملبادرة اليت ال تسمح‬
‫ابلرتاخي فتدرك أن اآلية سيقت يف معرض التحفيز واالستنفار لكن أصحاب اإلعداد السرمدي‬
‫جعلوها ذريعة لنوم عميق !‬

‫ًّي أصحاب جهاد اإلعداد ‪:‬‬

‫إن اإلعداد شرع ليكون زًّيدة يف قوة املسلمني ال وسيلة للتخذيل والتقاعس عن نصرة‬
‫املستضعفني‪.‬‬

‫لكن النظرية األخرى األشد غرابة هي ما عرب عنها بقوله ‪:‬‬


‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ابحلج ِة‬ ‫ِ ِ‬
‫ٍّ‬
‫معنوي‬ ‫كجهاد‬ ‫املرحلة‪-‬‬ ‫والربهان ‪-‬يف تلك‬ ‫عموما‪ّ -‬‬‫(مع بقاء جهاد الك ّفا ِر ‪ً -‬‬
‫ِ‬
‫اإلسالم وال ّدي ِن)‪.‬‬ ‫ضة املسلمني من ِ‬
‫أعداء‬ ‫حفاظًا على بي ِ‬

‫ومعين هذا أن اجلهاد ابْلجة والربهان حيمي بيضة املسلمني من أعداء الدين !‬

‫وإذا كان األمر كذلك ‪..‬ففيم إعداد العدة ؟‬

‫وفيم اجلهاد ابلسيف ولدينا اجلهاد ابْلجة ؟‬

‫وهو أقل كلفة وأسهل حمجة !‬

‫ص َو ِام ُع‬ ‫اّللِ النَّاس ب عضهم بِب ع ٍ ِ‬


‫ت َ‬
‫ض َهلُّد َم ْ‬ ‫إّنا فكرة مصادمة لقوله تعاىل ‪َ { :‬ولَْوَال َدفْ ُع َّ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ‬
‫اّللِ َكثِ ًريا } اْلج ‪. ]40 :‬‬‫اس ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َوَم َساج ُد يُ ْذ َك ُر ف َيها ْ‬ ‫َوبِيَ ٌع َو َ‬
‫صلَ َو ٌ‬

‫(‪)19‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وقد فسر النِب صلى هللا عليه وسلم اإلعداد املأمور به بقوله ‪ (:‬أال إن القوة الرمي أال‬
‫إن القوة الرمي )‪.‬‬

‫إن محاية بيضة املسلمني ال تكون إال ابلسيف‪ ،‬والقوة ال يصدها إال القوة ‪..‬‬

‫وإّنا شرعت جمادلة الكفار ابْلجة والربهان من أجل دعوِتم إىل اإلسالم ال ْلماية‬
‫املسلمني منهم فهذا ميدان وذلك ميدان ‪.‬‬

‫وإذا كان اجلهاد ابْلجة والربهان حيمي بيضة املسلمني كما تزعمون ًّي أصحاب جهاد‬
‫الكلمة فدونكم بيضة املسلمني فإّنا مستباحة إىل أقصى اْلدود ‪..‬فلم ال حتموّنا ؟‬

‫أألنه ال حجة لكم وال برهان ؟‬

‫*****‬

‫املسألة اخلامسة ‪:‬‬

‫قوله‬
‫إعداد الع ّدةِ‬
‫ِ‬ ‫شر ِط‬ ‫قتال الك ّفا ِر املا ِّد َّ‬
‫ُ‬ ‫والبشري حيتاج إىل ْ‬
‫َّ‬ ‫ي‬ ‫(مثّ ينبغي أن يُ ْعلَ َم أ ّن َ‬
‫ومقاتلة مع والةِ األم ِر‪) ،‬‬
‫ٍ‬ ‫صحيح ٍ‬
‫ونبيل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اإلميانيّ ِة واملا ّديِّة‪ ،‬وإىل ٍ‬
‫غرض‬

‫ذكر يف هذا الكالم أربعة شروط لقتال الكفار هي ‪:‬‬

‫‪ -1‬العدة اإلميانية‬

‫‪ -2‬العدة املادية‬

‫‪ -3‬الغرض الصحيح والنبيل‬

‫‪ -4‬املقاتلة مع وِل األمر‪.‬‬

‫ونبدأ اآلن يف النظر يف صحة وجود هذه الشروط ‪:‬‬

‫• الشرط األول ‪ :‬العدة اإلميانية‬

‫(‪)20‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫الزعم ِبن اجلهاد سواء كان جهاد دفع أو جهاد نشر يشرتط له درجة من اإلميان زائدة‬
‫على أصل اإلميان زعم ابطل ال أساس له من الصحة وال مستند له من الشرع ومل يقل به أحد‬
‫من أهل العلم ‪.‬‬

‫بل إن اجلهاد جيب على كل مسلم – غري معذور‪ -‬مهما كانت درجة إميانه يف الضعف‪.‬‬

‫اب َآمنَّا قُ ْل َملْ تُ ْؤِمنُوا‬ ‫ِ‬


‫وقد أخرب هللا تعاىل عن ضعف إميان األعراب فقال ‪{ :‬قَالَت ْاأل َْعَر ُ‬
‫َسلَ ْمنَا َولَ َّما يَ ْد ُخ ِل ِْ‬
‫اإلميَا ُن ِيف قُلُوبِ ُك ْم} اْلجرات ‪]14 :‬‬ ‫ِ‬
‫َولَك ْن قُولُوا أ ْ‬
‫ْس‬‫ُوِل َِب ٍ‬ ‫اب َستُ ْد َع ْو َن إِ َىل قَ ْوٍم أ ِ‬ ‫ني ِمن ْاأل َْعر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ومع ذلك استنفرهم بقوله ‪{ :‬قُ ْل ل ْل ُم َخلَّف َ َ َ‬
‫َجًرا َح َسنًا َوإِ ْن تَتَ َولَّْوا َك َما تَ َولَّْي تُ ْم ِم ْن قَ ْب ُل‬ ‫يد تُ َقاتِلُوَّنُْم أ َْو يُ ْسلِ ُمو َن فَإِ ْن تُ ِطيعُوا يُ ْؤتِ ُك ُم َّ‬
‫اّللُ أ ْ‬
‫َش ِد ٍ‬
‫يما } الفتح ‪]16 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يُ َع ّذبْ ُك ْم َع َذ ًااب أَل ً‬
‫وكان الرجل يف زمن النِب صلى هللا عليه وسلم يدخل يف اإلسالم وأول ما يبدأ به من‬
‫األعمال هو اجلهاد ‪.‬‬

‫عن الرباء رضي هللا عنه قال ‪:‬‬

‫(أتى النِب صلى هللا عليه وسلم رجل مقنع ابْلديد فقال ًّي رسول هللا أقاتل أو أسلم قال‬
‫أسلم مث قاتل فأسلم مث قاتل فقتل فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عمل قليال وأجر كثريا)‬
‫رواه البخاري ‪.‬‬

‫ودلت السنة على أن اجملاهدين قد يتفاوتون يف اإلميان قوة وضعفا وأنه قد يكون فيهم‬
‫قوي اإلميان وقد يكون فيهم ضعيف اإلميان ‪:‬‬

‫َسعت‬
‫ُ‬ ‫بن اخلطاب يقول‪:‬‬ ‫عمر َ‬ ‫َسعت َ‬ ‫ُ‬ ‫عن فضالة بن عبيد ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫ؤمن َجيِّ ُد اإلميان‪ِ ،‬لق َي‬‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يقول ‪« :‬الشُّهداء أربعة ‪ :‬رجل م ِ‬
‫َُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الناس إليه أعيُنَهم يوم القيامة هكذا ‪ -‬ورفع‬ ‫ص َد َق هللا حَّت قُتل‪ ،‬فذلك الذي يَْرفَع ُ‬ ‫الع ُد َّو فَ َ‬
‫َ‬
‫النِب ‪-‬صلى هللا عليه‬ ‫أسهُ حَّت َسقطت قَلَنْ ُسوتُه‪ ،‬فال أدري أقَلَنْ ُسوِةَ عُمر أراد أم قَلَنْ ُس َوةَ ِ ِّ‬ ‫رَ‬
‫لدهُ بِ َش ْوك طَلْح من‬ ‫ِ‬
‫ضرب ج ُ‬ ‫فكأّنا ُ‬ ‫ورجل ُمؤمن َجيِّ ُد اإلميان‪ ،‬لَق َي َ‬
‫الع ُد َّو َّ‬ ‫وسلم‪ -‬؟ ‪ -‬قال ‪ُ :‬‬
‫وآخر‬ ‫ِ‬ ‫اجلُْ ِ‬
‫ط عمال صاْلا َ‬ ‫ور ُجل ُمؤمن َخلَ َ‬ ‫ب‪ ،‬أَته َس ْه ُم َغرب فَ َقتَ لَهُ‪ ،‬فهو يف الدرجة الثانية‪َ ،‬‬
‫ف على‬ ‫أسَر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َد َق هللا حَّت قُت َل‪ -‬فذلك يف الدرجة الثالثة‪ ،‬ورجل ُمؤمن ْ‬ ‫الع ُد َّو‪ ،‬فَ َ‬
‫سيئا‪ ،‬لَق َي َ‬
‫ابعة» أخرجه الرتمذي‪.‬‬ ‫نفسه‪ ،‬لقي الع ُد َّو‪ ،‬فَص َد َق هللا حَّت قُتِل‪ ،‬فذلك يف الدرجة الر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫(‪)21‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫واألحاديث مصرحة ِبن اجملاهد قد تكون له ذنوب حتتاج إىل املغفرة وأن القتل يف سبيل‬
‫هللا يكفرها ومن ذلك ‪:‬‬

‫النِب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬ ‫عن أيب هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪« :‬جاء رجل إىل ِّ‬
‫تلت يف سبيل هللا صابرا ُْحمتَسبا‪ .‬مقبال غري مدبر‪،‬‬ ‫أيت إن قُ ُ‬ ‫وهو َيَْطُب على املنرب‪ ،‬فقال ‪ :‬أر َ‬
‫ت ساعة‪ ،‬فقال ‪ :‬أين السائل آنِفا ؟ فقال الرجل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫أيُك ّف ُر هللا عين سيئآِت ؟ قال ‪ :‬نعم‪ ،‬مث َس َك َ‬
‫ت يف سبيل هللا صابرا ُحمتَسبا ُم ْقبال غري ُم ْدبر‬ ‫ِ‬
‫أيت إن قُتلْ ُ‬‫ت ؟ قال ‪ :‬أر َ‬‫فها َأان ذَا‪ ،‬قال ‪ :‬ما قُلْ َ‬
‫أيك ِّف ُر هللا] َع ِّين سيئاتى ؟ قال ‪ :‬نعم‪ ،‬إال الدَّين‪َ ،‬س َّارين به جربيل آنفا» أخرجه النسائي‪.‬‬

‫ويف هذا دليل على أن قوة اإلميان ليست شرطا للجهاد‪.‬‬

‫مث إنه من التناقض البني القول ابشرتاط قوة اإلميان ألي عبادة من العبادات؛ ألن هذه‬
‫العبادات هي الوسيلة لزًّيدة اإلميان وابلزًّيدة منها يزداد اإلميان ‪.‬‬

‫وال ميكن أن تكون زًّيدة اإلميان متوقفة على حصول العبادات ويف الوقت نفسه يكون‬
‫حصول العبادات متوقفا على زًّيدة اإلميان ‪..‬فهذا دور وتسلسل يف غاية االستحالة ‪.‬‬

‫واشرتاط قوة اإلميان للجهاد ابلذات مسألة ال معىن هلا ألن اجلهاد من أشد العبادات‬
‫داللة على قوة اإلميان ملا فيه من التضحية واملشقة اليت ال يصرب عليها إال من كان قوي اإلميان‬
‫وهلذا كان الشهيد ال يفنت يف قربه ألنه قدم الرباهني الدالة على صدق إميانه ‪.‬‬

‫النِب ‪-‬صلى هللا‬


‫وقد روى النسائي يف السنن عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب ِّ‬
‫املؤمنني يُ ْفتَنون يف قبورهم إال الشهيد ؟‬
‫َ‬ ‫ابل‬
‫عليه وسلم‪ :-‬أن رجال قال ‪ًّ« :‬ي رسول هللا‪ ،‬ما ُ‬
‫أس ِه فتنة»‪.‬‬
‫السيوف على ر ِ‬ ‫قال ‪َ :‬ك َفى ِ‬
‫ببارقة ُّ‬
‫• الشرط الثاين‪ :‬العدة املادية‬

‫جهاد املسلمني اليوم للكفار كله جهاد دفع وال نعلم أحدا من أهل العلم قال ِبن جهاد‬
‫الدفع يشرتط له اإلعداد‬

‫قال شيخ اإلسالم بن تيمية ‪:‬‬

‫(وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن اْلرمة والدين فواجب إمجاعا فالعدو‬
‫الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ال شيء أوجب بعد اإلميان من دفعه فال يشرتط له شرط‬

‫(‪)22‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫بل يدفع حبسب اإلمكان‪ .‬وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغريهم فيجب التفريق بني‬
‫دفع الصائل الظامل الكافر وبني طلبه يف بالده‪.) ،‬‬

‫والدليل على أن جهاد الدفع ال يشرتط له إعداد وأن الصائل يدفع حبسب اإلمكان ما‬
‫رواه مسلم يف صحيحه عن حممد بن جعفر عن العالء بن عبد الرمحن عن أبيه عن أيب هريرة‬
‫قال ‪:‬‬

‫(جاء رجل إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ًّي رسول هللا أرأيت إن جاء رجل‬
‫يريد أخذ ماِل قال فال تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلين قال قاتله قال أرأيت إن قتلين قال‬
‫فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو يف النار)‪.‬‬

‫وعن طلحة بن عبد هللا بن عوف عن سعيد بن زيد قال َسعت رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم يقول ‪:‬‬

‫(من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو‬
‫شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد) رواه الرتمذي وقال هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫وجه الداللة من اْلديثني األمر بدفع الصائل والتصدي له والرتغيب فيما فيه من األجر‬
‫والثواب؛ ومعلوم أن دفع الصائل ال يتحقق إال ابملبادرة فمن اشتغل ابإلعداد عن مدافعة‬
‫الصائل فقد أخل مبا أوجب هللا عليه ‪.‬‬

‫إن اإلعداد حمله اْلرب اهلجومية ال اْلرب الدفاعية ‪..‬‬

‫وحمله قبل بداية املعركة ال بعد اشتعاهلا ‪..‬‬

‫عندما يهجم العدو ويغزو املسلمني يف عقر دارهم فال جيوز اإلمهال وال االنتظار وال‬
‫الرتبص ‪..‬‬

‫بل إن اجلهاد يف هذه اْلالة يصبح واجبا على من مل يكن واجبا عليه ‪..‬كما قال الشيخ‬
‫خليل يف املختصر ‪( :‬وتعني بفجء العدو وإن على امرأة ) وذلك من أجل املبادرة إىل دفع‬
‫الصائل ‪.‬‬

‫ويسقط يف هذه اْلالة وجوب اإلعداد ليحل مكانه وجوب املبادرة ‪.‬‬

‫فاإلعداد ليس من شروط جهاد الدفع أبدا ‪.‬‬

‫(‪)23‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫مث إن اإلعداد سواء ابلنسبة جلهاد الدفع أو جهاد النشر ال يتصور فيه أكثر من الوجوب‬
‫وال ينبغي أن يقال ِبنه شرط صحة ألنه جمرد وسيلة وليس مقصودا لذاته ‪.‬‬

‫• الشرط الثالث ‪ :‬الغرض الصحيح النبيل‬

‫وهذا الشرط يشرتط لكل األعمال والطاعات إال أنه شرط قبول ال شرط وجوب ‪.‬‬

‫لقول النِب صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬إّنا األعمال ابلنيات وإّنا لكل امرئ ما نوى ‪.‬‬

‫فالعمل قد يكون يف الظاهر صحيحا ويف الباطن مردودا على صاحبه ‪.‬‬

‫ومن زعم ِبن هذا الشرط مفقود عند اجملاهدين اليوم فعليه البينة ‪.‬‬

‫وأعتقد أن الشيخ ذكر هذا الشرط من ابب االستكثار من الشروط وإال فقد كان غنيا‬
‫عن إيراده ‪.‬‬

‫• الشرط الرابع ‪ :‬اجلهاد مع اإلمام‬

‫اشرتاط اإلمام جلهاد الدفع مسألة ابطلة ال تنطلق من أساس شرعي وال تنسجم مع منطق‬
‫عقلي ومل يقل َبا أحد من أهل العلم املتقدمني ‪.‬‬

‫وبطالن هذا الشرط يتضح من عدة وجوه ‪:‬‬

‫الوجه االول ‪ :‬أن انتظار وجود اإلمام أو تنصيبه يتناىف مع وجوب املبادرة الذي سبق أن‬
‫ذكران ‪.‬‬

‫الوجه الثاين ‪ :‬إذنه صلى هللا عليه وسلم يف مقاتلة اإلمام إذا ارتد بقوله ‪( :‬إال أن تروا كفرا‬
‫بواحا عندكم من هللا فيه برهان)‪ ،‬فأخرب النِب صلى هللا عليه وسلم بوجوب قتال اْلاكم إذا‬
‫ارتد ومل َيمر ابستخالف إمام مكانه قبل املقاتلة فدل ذلك على مشروعية القتال مع انعدام‬
‫اإلمام ألن ترك البيان عند وقت اْلاجة ال جيوز ‪.‬‬

‫الوجه الثالث ‪ :‬حديث أيب هريرة السابق ‪:‬‬

‫(جاء رجل إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ًّي رسول هللا أرأيت إن جاء رجل‬
‫يريد أخذ ماِل قال فال تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلين قال قاتله قال أرأيت إن قتلين قال‬

‫(‪)24‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو يف النار)‪ .‬فيه داللة على مشروعية جهاد الدفع دون‬
‫إمام ابلنسبة للفرد‪ ،‬وهو يدل من ابب األحروية على مشروعية جهاد الدفع دون إمام ابلنسبة‬
‫للجماعة ‪.‬‬

‫الوجه الرابع ‪ :‬إقرار النِب صلى هللا عليه وسلم لقتال أيب بصري لقريش وحده وقوله فيه ‪:‬‬
‫(ويل أمه مسعر حرب‪ ،‬لو كان معه غريه)‪.‬‬

‫و إقراره لسلمة بن األكوع رضي هللا عنه عندما قاتل الذين عدوا على إبل الصدقة ومل‬
‫يستأذن النِب صلي هللا عليه وسلم فأقره بقوله (خري رجالتنا سلمة )‪.‬‬

‫الوجه اخلامس ‪ :‬مسألة اشرتاط اإلمام للجهاد فيها أيضا نوع من الدور والتسلسل ؛‬
‫فباعتبار أن نصب اإلمام ال يكون إال عن طريق اجلهاد والقوة سوف يكون اشرتاط اإلمام‬
‫للجهاد من الدور ‪.‬‬

‫وإىل هذا أشار العالمة حممد املامي الشنقيطي بقوله ‪:‬‬

‫ربوان‬ ‫ال تض‬ ‫ززه فه‬ ‫يع‬ ‫اد‬ ‫ال جه‬ ‫ام ب‬ ‫تم ال إم‬ ‫وقل‬
‫بوان‬ ‫ال تنص‬ ‫ه فه‬ ‫نبايع‬ ‫ام‬ ‫ال إم‬ ‫اد ب‬ ‫تم ال جه‬ ‫وقل‬
‫ا‬ ‫وم عاقلين‬ ‫ا لق‬ ‫ى وعظ‬ ‫كف‬ ‫ه دور‬ ‫دليل وفي‬ ‫اء ال‬ ‫إذا ج‬

‫وقضية اشرتاط اإلمام للجهاد أصبحت من الشبه املتهافتة فقد رد عليها أهل العلم وبينوا‬
‫بطالّنا مبا فيه الكفاية ‪.‬‬

‫وقد رد عليها الشيخ عبد الرمحن بن حسن آل الشيخ رمحه هللا يف الرد على اعرتاضات‬
‫ابن نبهان فقال ‪:‬‬

‫إمام متبع ؟! هذا من‬ ‫حجة أن اجلهاد ال جيب إال مع ٍ‬ ‫كتاب‪ ،‬أم ِبية ٍ‬ ‫( ويقال ‪ِ :‬بي ٍ‬
‫الفرية يف الدين‪ ،‬والعدول عن سبيل املؤمنني‪ ،‬واألدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن‬
‫{ولَْوال َدفْ ُع‬
‫تذكر‪ ،‬من ذلك عموم األمر ابجلهاد‪ ،‬والرتغيب فيه‪ ،‬والوعيد يف تركه‪ ،‬قال تعاىل َ‬
‫ض }(البقرة‪ :‬من اآلية‪ ،)251‬وقال يف سورة اْلج‬ ‫ِ‬ ‫ض ُه ْم بِبَ ْع ٍ‬ ‫َِّ‬
‫ض لََف َس َدت ْاأل َْر ُ‬ ‫َّاس بَ ْع َ‬
‫اّلل الن َ‬
‫ص َو ِام ُع ‪ }...‬اآلية (اْلج‪ :‬من اآلية‪. )40‬‬ ‫اّللِ النَّاس ب عضهم بِب ع ٍ ِ‬
‫ت َ‬
‫ض َهلُّد َم ْ‬ ‫{ولَْوال َدفْ ُع َّ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫وكل من قام ابجلهاد يف سبيل هللا فقد أطاع هللا وأدى ما فرضه هللا‪ ،‬وال يكون اإلمام إماماً‬
‫إال ابجلهاد‪ ،‬ال أنه ال يكون جهاد إال إبمام‪( ) .‬الدرر ‪. )200 - 199/8‬‬

‫(‪)25‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وقال الشيخ على اخلضري يف رسالة "اإلمامية" ‪:‬‬

‫(حنن اليوم أمام تيار جديد وهو تيار ربط األحكام واْلقوق الشرعية وشعائر الدين الظاهرة‬
‫ابْلاكم وابإلمام يف الوقت الذي هلؤالء األئمة واْلكام توجهات ختالف الشريعة‪ ،‬فيؤدي إىل‬
‫تعطيل هذه الشعائر أو جعلها أداة للسياسة‪ ،‬فبدل أن تكون السياسة َتبعة للدين أصبح‬
‫العكس حَّت قال بعضهم‪ ،‬الدين َيدم السياسة ‪..‬‬

‫وإذا كان املعطلة من جهمية ومعتزلة وأشعرية وغريهم قد ّأولوا آًّيت وأحاديث الصفات‬
‫وحرفوها إىل أصوهلم الباطلة‪ ،‬فإن هؤالء ّأولوا وحرفوا اآلًّيت واألحاديث املتعلقة ابجلهاد والقيام‬
‫ابلشعائر الظاهرة واْلقوق والواجبات الشرعية وخصوها ابْلكام مع تعطيل اْلكام هلا ‪....‬‬
‫مذهب اإلمامية املعاصرة قائم على أّنم يوجبون على اإلنسان إتباع املذهب الفقهي السياسي‬
‫املناسب للحكام أو املذهب الوطين أو اإلقليمي أو الدوِل أو العاملي‪ ،‬وهو جزء من توجه‬
‫املنهزمني واملتخاذلني ال كثرهم هللا‪ ،‬وجزء من توجه املرجئة املعاصرة املصانعني للحكام) ‪.‬اه‬

‫*****‬

‫املسألة السادسة ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬
‫وتر َك ِ‬
‫القتال يف‬ ‫ِ‬
‫األئمة ْ‬ ‫وتر َك ِ‬
‫قتال ّ‬
‫ِ‬
‫لزوم اجلماعة ْ‬
‫ِ‬
‫السنّة‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫أصول ِ‬
‫أهل ّ‬ ‫(ذلك أل ّن ِمن‬
‫ِ‬
‫الفتنة‪)..‬‬

‫التعليق ‪:‬‬

‫ترك قتال األئمة ليس على إطالقه فحرمة اخلروج عليهم مشروطة ِبمور مبينة يف السنة‬

‫وقد ذكرت هذا األمر بشيء من التفصيل يف رسالة "اإلنتصار" فقلت هناك ‪:‬‬

‫( إن النصوص الشرعية قيدت وجوب السمع والطاعة لإلمام بتطبيق شرع هللا ‪.‬‬

‫وهلذا قال عليه الصالة والسالم ‪( :‬إن أمر عليكم عبد أسود جمدع يقودكم بكتاب هللا‬
‫فاَسعوا له وأطيعوا) فقيد وجوب طاعته بكونه يقود بكتاب هللا ‪.‬‬

‫(‪)26‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وهذا القيد املذكور ورد يف رواًّيت‪ :‬مسلم وأمحد وأيب عوانة والنسائي وابن حبان والطرباين‬
‫يف املعجم األوسط ‪.‬‬

‫والرواًّيت اليت مل يرد فيها هذا القيد يتعني محلها على هذه املقيدة ملا علم من وجوب محل‬
‫املطلق على املقيد ‪.‬‬

‫ومن ذلك تقييده صلى هللا عليه وسلم ْلرمة اخلروج على أئمة قريش ابستمرارهم على‬
‫إقامة الدين ‪:‬‬

‫فقد روى اإلمام البخاري يف صحيحه عن معاوية ‪ :‬قال ‪َ:‬سعت رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم يقول ‪ :‬إن هذا األمر يف قريش ال يعاديهم أحد إال كبه هللا على وجهه ما أقاموا الدين ‪.‬‬

‫وإذا كانت حرمة اخلروج مشروطة إبقامة الدين ابلنسبة ألئمة قريش الذين هم أشرف‬
‫األئمة فمن دوّنم أوىل ‪.‬‬

‫ومن ذلك أيضا تقييده صلى هللا عليه وسلم ْلرمة اخلروج على األئمة إبقامة الصالة ‪:‬‬

‫فقد روى مسلم يف صحيحه عن عوف بن مالك ‪:‬‬

‫عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال خيار أئمتكم الذين حتبوّنم وحيبونكم ويصلون‬
‫عليكم وتصلون عليهم‪ ،‬وشرار أئمتكم الذين تبغضوّنم ويبغضونكم وتلعنوّنم ويلعنونكم‪ ،‬قيل‬
‫ًّي رسول هللا أفال ننابذهم ابلسيف؟ قال ‪ :‬ال ما أقاموا فيكم الصالة ‪.‬‬

‫فدلت هذه الرواًّيت كلها على ثالث قيود ْلرمة اخلروج على اإلمام هي ‪:‬‬

‫‪ -‬كونه يقود الناس بكتاب هللا (أي حيكم بكتاب هللا)‪.‬‬

‫‪ -‬كونه مقيما للدين ‪.‬‬

‫‪ -‬كونه مقيما للصالة ‪.‬‬

‫والقيد الرابع كونه مل َيرج من دائرة اإلسالم وقد نص عليه النِب صلى هللا عليه وسلم بقوله‬
‫فيما رواه البخاري وغريه عن عبادة بن الصامت رضي هللا عنه قال ‪:‬‬

‫(‪)27‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫(دعاان النِب صلى هللا عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن ابيعنا على السمع‬
‫والطاعة يف منشطنا ومكرهنا وعسران ويسران وأثرة علينا وأن ال ننازع األمر أهله إال أن تروا كفرا‬
‫بواحا عندكم من هللا فيه برهان )‪.‬‬

‫واعلم أن هذه الشروط األربع ملنع اخلروج على اإلمام هي من قبيل الشرط على البدل‬
‫الذي يعين أنه يكفي وجود أحد الشروط لتحقق املشروط كقولك إن قام زيد أو خرج فأعطه‬
‫الثوب فإنه يستوجب إعطاء الثوب ِبحد األمرين وال يشرتط توفر الشرطني‪ ،‬وإىل هذا أشار يف‬
‫" املراقي " بقوله ‪:‬‬

‫ا‬ ‫د حتقق‬ ‫ول واح‬ ‫فبحص‬ ‫وم ا ع ل ى الب دل ق د تعلق ا‬

‫فمشروعية اخلروج على اإلمام حاصلة ابنتفاء أحد القيود السابقة ‪:‬‬

‫اْلكم بكتاب هللا أو إقامة الدين أو إقامة الصالة أو عدم اخلروج من اإلسالم ‪.‬‬

‫ونستنتج من هذا كله مشروعية اخلروج على اْلكام املعطلني للشرع بغض النظر عن‬
‫تكفريهم ) اه ‪.‬‬

‫*****‬

‫املسألة السابعة ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬

‫منهاج النّ ّبوةِ وعلى ما كان عليه‬


‫وجوب االجتما ِع على ِ‬ ‫َ‬ ‫السنّ ِة يَ َرْو َن ‪-‬إذ ْن‪-‬‬
‫فأهل ّ‬
‫( ُ‬
‫أتم َر علينا ولو‬ ‫ِ ِ‬ ‫وم ْن ِ‬ ‫لف الصالِح‪ِ ،‬‬
‫مع والطّاعةُ يف املعروف ل َمن ّ‬
‫الس ُ‬
‫متام هذا االجتما ِع‪ّ :‬‬ ‫الس ُ ّ ُ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫كان عب ًدا حبشيًّا‪ ،‬مهما كانت صفةُ عدالته‪) ،‬‬

‫التعليق ‪:‬‬

‫فهو إذن السمع والطاعة يف املعروف وليس السمع والطاعة مطلقا كما يريد البعض ‪.‬‬

‫وألفاظ اْلديث ترادفت َبذا املعىن ‪:‬‬

‫‪( -1‬ال طاعة يف معصية هللا إّنا الطاعة يف املعروف) ابن حبان ‪-‬البخاري ‪-‬مسلم‬

‫(‪)28‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫‪( -2‬إال أن يؤمر مبعصية هللا فإنه ال طاعة يف معصية هللا عز وجل) مسند أيب عوانة‬

‫‪( -3‬فإذا أمر مبعصية فال َسع وال طاعة) لفظ البخاري‬

‫‪ ( -4‬ال طاعة ملن مل يطع هللا ) حديث معاذ عند أمحد‬

‫‪( -5‬ال طاعة يف معصية هللا ) عند البزار يف حديث عمران بن حصني واْلكم بن عمرو‬
‫الغفاري‬

‫‪ ( -6‬ال طاعة ملن عصى هللا ) حديث عبادة بن الصامت عند أمحد والطرباين‬

‫قال الشوكاين يف نيل األوطار ‪:‬‬

‫" ال طاعة يف معصية هللا " أي ال جتب بل حترم على من كان قادراً على االمتناع ‪....‬وهذا‬
‫تقييد ملا أطلق يف األحاديث املطلقة القاضية بطاعة أوِل األمر على العموم‪ ،‬والقاضية ابلصرب‬
‫على ما يقع من األمري مما يكره‪ ،‬والوعيد على مفارقة اجلماعة‪ ،‬واملراد قوله " ال طاعة يف معصية‬
‫هللا " نفي اْلقيقة الشرعية ال الوجودية‪ ،‬وقوله " إّنا الطاعة يف املعروف " فيه بيان ما يطاع فيه‬
‫أولوا األمر وهو األمر ابملعروف ال ما كان منكراً‪ ،‬واملراد ابملعروف ما كان من األمور املعروفة‬
‫يف الشرع ال املعروف يف العقل أو العادة‪ ،‬ألن اْلقائق الشرعية مقدمة على غريها على ما تقرر‬
‫يف األصول ] ا‪.‬ه‬

‫واملشكلة أن اْلكام اليوم كل أوامرهم معاصي ألّنم حيكمون بغري ما أنزل هللا ويتبعون‬
‫نظما ُمالفة لشرع هللا ‪.‬‬

‫ومبا أن نسبة طاعتهم مطردة مع نسبة انقيادهم لشرع هللا فيجب اليوم نزع اليد من طاعتهم‬
‫ألّنم نزعوا أيديهم من االنقياد لشرع هللا ‪.‬‬

‫*****‬

‫املسألة الثامنة ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬

‫(‪)29‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫الرب والفاج ِر من الوالة‪ ،‬والطّائفةُ املنصورةُ ترى وجوب ِ‬


‫إقامة‬ ‫َ‬ ‫ماض مع َِّ‬ ‫(فاجلهاد ٍ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلهاد وا ْجلُ َم ِع واألعياد وغريها من شعائ ِر اإلسالم اجلماعيّة مع والة األموِر سواء كانوا‬
‫ِج من الْمل ِّة‪) ،‬‬
‫غري ُُمْر ٍ‬
‫ساقًا فس ًقا ْ َ‬
‫صاحلني أو فُ ّ‬
‫التعليق ‪:‬‬

‫ال بد عند ه ذا الكالم من حتقيق مسألة مهمة وهي ‪ :‬من هو اإلمام اجلائر الذي ّنينا‬
‫عن اخلروج عليه‬

‫وهل يدخل فيه املبدل لشرع هللا واملعطل ْلدود هللا ؟‬

‫إن املخالفات الصادرة من اإلمام اجلائر الذي أمرت األحاديث ابلصرب على طاعته ال‬
‫تصل إىل درجة تبديل شرع هللا واْلكم مبا عداه؛ بل هي أدىن من ذلك وأيسر‪ ،‬ومن أمثلتها ‪:‬‬

‫صيَ ِة هللاِ فَلْيَك َْرْه‬


‫قوله صلى هللا عليه وسلم ‪« :‬أَالَ من وِِل علَي ِه و ٍال فَرآه َيِِْت َشي ئًا ِمن مع ِ‬
‫َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ َ ْ ْ َْ‬
‫اع ٍة»‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َما ََيِِْت م ْن َم ْعصيَة هللا‪َ ،‬والَ يَْن ِز َع َّن يَ ًدا م ْن طَ َ‬
‫صِ ْرب َعلَْي ِه»‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫«م ْن َك ِرهَ م ْن أَم ِريه َشْي ئًا فَ ْليَ ْ‬
‫وقوله ‪َ :‬‬
‫وقوله ‪« :‬سرتون بعدي أمورا تنكروّنا»‪.‬‬

‫وقوله ‪« :‬تسمع وتطيع لألمري وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاَسع وأطع»‪.‬‬

‫أمور تنكروّنا قالوا ًّي رسول هللا فما أتمران قال تؤدون‬
‫وقوله ‪« :‬إّنا ستكون بعدي أثرةً و ٌ‬
‫اْلق الذي عليكم وتسألون هللا الذي لكم»‪.‬‬

‫فهذا النوع من املخالفات واملعاصي هو الذي يعترب صاحبه إماما جائرا أما من عطل‬
‫اْلدود وألغى شرع هللا فهو كافر ال جائر وليس هو من أرشد النِب صلى هللا عليه وسلم ابلصرب‬
‫على طاعته ألن طاعة هذا النوع من اْلكام تعين هدم الدين من أساسه ومعاذ هللا أن َيمر‬
‫النِب صلى هللا عليه وسلم بذلك ‪.‬‬

‫وقد حتدثت عن هذه املسألة أيضا يف رسالة "االنتصار" السابقة الذكر فقلت هناك ‪:‬‬

‫(العلماء الذين حتدثوا عن وجوب طاعة اإلمام وإن جار‪ ،‬مل يكونوا يعربون ابجلور عن‬
‫تعطيل اْلدود واْلكم بغري ما أنزل هللا ‪..‬‬

‫(‪)30‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وإّنا يقصدون به غالبا ثالثة معان ‪:‬‬

‫‪ -1‬املتغلب الذي انل اْلكم عن طريق القوة والغلبة ‪.‬‬

‫‪ -2‬الظامل الذي مينع الناس حقوقهم ويظلم الرعية ‪.‬‬

‫‪ -3‬الفاسق الذي يرتكب بعض املعاصي والسيئات املوجب لفسقه ‪.‬‬

‫هذه هي املعاين اليت يذكرها العلماء ملعىن اإلمام اجلائر غري العدل ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪:‬‬

‫قال املناوي عند اْلديث ‪( - 1790‬إن هللا تعاىل ليؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر)‪:‬‬

‫(فال يتخيل يف إمام أو سلطان فاجر إذا محى بيضة اإلسالم أنه مطروح النفع يف الدين‬
‫لفجوره فيُ َج َّوز اخلروج عليه وخلعه ألن هللا تعاىل قد يؤيد به دينه‪ ،‬وفجوره على نفسه فيجب‬
‫الصرب عليه وطاعته يف غري إمث)‪ .‬فيض القدير ‪)328 / 2( -‬‬

‫وقال أبو عبد هللا حممد بن يوسف العبدري الشهري ابملواق (ت ‪897 :‬ه ) ‪:‬‬

‫(قال عياض يف إكماله ‪ :‬مجهور أهل السنة من أهل اْلديث والفقه والكالم أنه ال َيلع‬
‫السلطان ابلفسق والظلم وتعطيل اْلقوق )‪ .‬التاج واإلكليل ‪)35 / 12( -‬‬

‫وقال ابن حجر ‪:‬‬

‫(وقد أمجع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان املتغلب واجلهاد معه وأن طاعته خري من‬
‫اخلروج عليه ملا يف ذلك من حقن الدماء وتسكني الدمهاء )‪ .‬فتح الباري ‪ -‬ابن حجر ‪13( -‬‬
‫‪)7 /‬‬

‫ومل أر يف شيء من كالم أهل العلم ما يدل على أّنم يعتربون أن اإلمام اجلائر الذي‬
‫حذرت من اخلروج عليه النصوص الشرعية يدخل فيه ذلك الذي عطل اْلدود وألغى املناهج‬
‫الشرعية ) اه ‪.‬‬

‫فحكام زماننا الذين حياربون شرع هللا ال ميكن أن يقاسوا حبكام اجلور من األمويني‬
‫والعباسيني الذين مل يكن هلم شرع حيتكمون إليه سوى شرع هللا ‪.‬‬

‫(‪)31‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ومع ذلك فقد خرج عليهم العلماء والتابعون وأهل اْلسبة يف القرون الثالثة املزكاة ‪.‬‬

‫قال اإلمام ابن عبد الرب يف االستذكار ‪:‬‬

‫(وأما قوله أال ننازع األمر أهله فقد اختلف الناس يف ذلك فقال القائلون منهم أهله أهل‬
‫العدل واإلحسان والفضل والدين مع القوة على القيام بذلك فهؤالء ال ينازعون ألّنم أهله وأما‬
‫أهل اجلور والفسق والظلم فليسوا ِبهل له‬

‫واحتجوا بقول هللا عز و جل إلبراهيم {إين جاعلك للناس إماما قال ومن ذرييت قال ال‬
‫ينال عهدي الظاملني } البقرة ‪124‬‬

‫ذهب إىل هذا طائفة من السلف الصاحل واتبعهم بذلك خلف من الفضالء والقراء‬
‫والعلماء من أهل املدينة والعراق؛ وَبذا خرج بن الزبري واْلسني على يزيد وخرج خيار أهل‬
‫العراق وعلماؤهم على اْلجاج‪ ،‬وهلذا أخرج أهل املدينة بين أمية عنهم وقاموا عليهم فكانت‬
‫اْلرة) االستذكار ‪.)16 / 5( -‬‬

‫وإّنا قلنا َبذا القول مصريا إىل اجلمع بني أحاديث النِب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فإنه كما‬
‫ثبت عنه النهي عن اخلروج على أئمة اجلور ثبت عنه أيضا األمر مبجاهدة بعضهم ابأليدي‬
‫فقد روى مسلم يف صحيحه عن عبد هللا بن مسعود أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‬
‫‪( :‬ما من نِب بعثه هللا يف أمة قبلي إال كان له من أمته حواريون وأصحاب َيخذون بسنته‬
‫ويقتدون ِبمره مث إّنا ختلف من بعدهم خلوف يقولون ما ال يفعلون ويفعلون ما ال يؤمرون‬
‫فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن‬
‫وليس وراء ذلك من اإلميان حبة خردل) ‪.‬‬

‫وقد كان اْلواريون واألصحاب الذين أخذوا بسنة النِب صلى هللا عليه وسلم واقتدوا ِبمره‬
‫هم اخللفاء الراشدون ‪.‬‬

‫مث جاء من بعد اخللفاء الراشدين خلوف من األمراء يقولون ما ال يفعلون ويفعلون ما ال‬
‫يؤمرون وأخرب النِب صلى هللا عليه وسلم مبشروعية جماهدِتم ابأليدي فقال ‪( :‬فمن جاهدهم‬
‫بيده فهو مؤمن)‪.‬‬

‫والذي يظهر وهللا أعلم أن هذا من العلم الذي كتمه أبو هريرة خشية ِبس األمراء؛ فقد‬
‫روى البخاري عن سعيد املقربي عن أيب هريرة قال ‪:‬‬

‫(‪)32‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫(حفظت من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعاءين فأما أحدمها فبثثته وأما اآلخر فلو‬
‫بثثته قطع هذا البلعوم)‪.‬‬

‫قال ابن حجر يف الفتح ‪:‬‬

‫(لقطع هذا يعين رأسه ومحل العلماء الوعاء الذي مل يبثه على األحاديث اليت فيها تبيني‬
‫أسامي أمراء السوء وأحواهلم وزمنهم وقد كان أبو هريرة يكىن عن بعضه وال يصرح به خوفا‬
‫على نفسه منهم كقوله أعوذ ابهلل من رأس الستني وإمارة الصبيان يشري إىل خالفة يزيد بن‬
‫معاوية ألّنا كانت سنة ستني من اهلجرة واستجاب هللا دعاء أيب هريرة فمات قبلها بسنة‬
‫‪...‬وإّنا أراد أبو هريرة بقوله قطع أي قطع أهل اجلور رأسه إذا َسعوا عيبه لفعلهم وتضليله‬
‫لسعيهم ) فتح الباري ‪ -‬ابن حجر ‪)216 / 1( -‬‬

‫وقال ابن بطال ‪:‬‬

‫(قوله ‪ :‬وأما اآلخر لو بثثته قطع هذا البلعوم ‪ ،-‬قال املهلب‪ ،‬وأبو الزاند ‪ :‬يعىن أّنا‬
‫عرف به صلى هللا عليه وسلم من فساد الدين‪ ،‬وتغيري‬ ‫كانت أحاديث أشراط الساعة‪ ،‬وما ّ‬
‫األحوال‪ ،‬والتضييع ْلقوق هللا تعاىل‪ ،‬كقوله صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬متت يكون فساد هذا‬
‫الدين على يدى أغيلمة سفهاء من قريش ‪ ،-‬وكان أبو هريرة يقول ‪ :‬لو شئت أن أَسيهم‬
‫ِبَسائهم‪ ،‬فخشى على نفسه‪ ،‬فلم يصرح ) شرح صحيح البخارى البن بطال ‪/ 1( -‬‬
‫‪.)195‬‬

‫ومهما يكن من أمر فإن قوله صلى هللا عليه وسلم ‪(:‬فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن) مع‬
‫قوله ‪« :‬تسمع وتطيع لألمري وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاَسع وأطع»‪ .‬دال على أن أمراء‬
‫اجلور قد يكون اخلروج عليهم مشروعا‪ ،‬وقد يكون ممنوعا‪ ،‬ويف ذلك مجع بني األحاديث الواردة‬
‫يف املوضوع‪ ،‬وال شك أن اجلمع بني النصني أوىل من إلغاء أحدمها كما قال الشيخ سيدي عبد‬
‫هللا يف املراقي ‪:‬‬

‫ا‬ ‫خ بُيِّن‬ ‫ري نس‬ ‫إال فلألخ‬ ‫واجلم ع واج ب م َّت م ا‬


‫ا‬ ‫أمكن‬

‫وعليه فإن اخلروج على األمراء يكون ممنوعا إذا كان فسقهم يتعلق ببعض املعاصي‬
‫واالستئثار ابألموال وحنو ذالك من الضرر الذي ميكن حتمله ‪.‬‬

‫(‪)33‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ويكون مشروعا إذا استفحل خطرهم وعم ضررهم وكانت مفسدة بقائهم يف اْلكم أعظم‬
‫من مفسدة اخلروج عليهم ‪..‬فينبغي ارتكاب أهون الشرين وحتقيق أعظم املصلحتني كما قام‬
‫اخلضر خبرق السفينة وقتل الغالم ‪.‬‬

‫وانطالقا من هذه القاعدة وحدها ميكن القول مبشروعية اخلروج على أمراء اجلور إذا كان‬
‫ضرر بقائهم أعظم من ضرر اخلروج عليهم ‪.‬‬

‫ففي هذا القول تطبيق هلذه القاعدة الشرعية و فيه مجع بني النصوص وفيه أيضا توجيه‬
‫سليم الختالف الصحابة والتابعني يف اخلروج على أمراء اجلور الذين عاصروهم فالذين رأوا‬
‫مشروعية اخلروج عليهم اعتربوا أن مفسدة بقائهم يف اْلكم أعظم من مفسدة اخلروج‪ ،‬والذين‬
‫رأوا منع اخلروج غلبوا مفسدة اخلروج على مفسدة بقائهم يف اْلكم ‪.‬‬

‫أما اعتبار اخلروج على أئمة اجلور ممنوعا دائما ففيه إلغاء هلذه القاعدة الشرعية وفيه إلغاء‬
‫لبعض النصوص وفيه جتري لبعض األخيار من السلف الذين نعتربهم قدوة لنا ‪.‬‬

‫قال ابن حزم ‪:‬‬

‫(فإذا كان أهل اْلق يف عصابة ميكنهم الدفع وال ييئسون من الظفر ففرض عليهم ذلك‬
‫وإن كانوا يف عدد ال يرجون لقلتهم وضعفهم بظفر كانوا يف سعة من ترك التغيري ابليد وهذا‬
‫قول علي بن أيب طالب رضي هللا عنه وكل من معه من الصحابة وقول أم املؤمنني عائشة رضي‬
‫هللا عنها وطلحة والزبري وكل من كان معهم من الصحابة وقول معاوية وعمرو والنعمان بن بشري‬
‫وغريهم ممن معهم من الصحابة رضي هللا عنهم أمجعني وهو قول عبد هللا بن الزبري وحممد‬
‫واْلسن بن علي وبقية الصحابة من املهاجرين واألنصار والقائمني يوم اْلرة رضي هللا عن‬
‫مجيعهم أمجعني وقول كل من أقام على الفاسق اْلجاج ومن وااله من الصحابة رضي هللا عنهم‬
‫مجيعهم كأنس بن مالك وكل من كان ممن ذكران من أفاضل التابعني كعبد الرمحن ابن أيب ليلى‬
‫وسعيد بن جبري وابن البحرتي الطائي وعطاء السلمي األزدي واْلسن البصري ومالك بن دينار‬
‫ومسلم بن بشار وأيب اْلوراء والشعِب وعبد هللا بن غالب وعقبة بن عبد الغافر وعقبة بن‬
‫صهبان وماهان واملطرف بن املغرية ابن شعبة وأيب املعد وحنظلة بن عبد هللا وأيب سح اهلنائي‬
‫وطلق بن حبيب واملطرف بن عبد هللا ابن الشخري والنضر بن أنس وعطاء بن السائب وإبراهيم‬
‫بن يزيد التيمي وأيب اْلوسا وجبلة بن زحر وغريهم مث من بعد هؤالء من َتبعي التابعني ومن‬
‫بعدهم كعبد هللا بن عبد العزيز ابن عبد هللا بن عمر وكعبد هللا بن عمر وحممد بن عجالن ومن‬
‫خرج مع حممد بن عبد هللا بن اْلسن وهاشم بن بشر ومطر ومن أخرج مع إبراهيم بن عبد هللا‬
‫وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأيب حنيفة واْلسن بن حيي وشريك ومالك والشافعي‬

‫(‪)34‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وداود وأصحاَبم فإن كل من ذكران من قدي وحديث أما انطق بذلك يف فتواه وأما الفاعل‬
‫لذلك بسل سيفه يف إنكار ما رآه منكرا ) اه من الفصل يف امللل واألهواء والنحل ‪/ 4( -‬‬
‫‪.)132‬‬

‫وأما وصية بعض السلف دائما ابلتحذير من اخلروج على أئمة اجلور فهي مل تصدر يف‬
‫سياق اإلخبار عن حكم شرعي اثبت وإّنا كانت اجتهادا أملته مصلحة الواقع وانعكاساته‬
‫فهي ال تعدوا كوّنا استمرارا ملذهب السلف الذين مل يكونوا يرون مشروعية اخلروج على اْلجاج‬
‫وأمثاله نظرا ملا يرتتب عليه ذالك اخلروج‪ ،‬ويبقى أن من حقنا االستمرار على مذهب السلف‬
‫الذين رأوا مشروعية اخلروج فاملتبع هلؤالء أيضا متبع للسلف ‪.‬‬

‫وقد نبه ابن حزم إىل أن القول ابملنع املطلق للخروج على أئمة اجلور ال يسوغ شرعا ملا‬
‫يرتتب عليه من مفاسد حيث قال ‪:‬‬

‫(ويقال هلم ما تقولون يف سلطان جعل اليهود أصحاب أمره والنصارى جنده وألزم‬
‫املسلمني اجلزية ومحل السيف على أطفال املسلمني وأابح املسلمات للزان ومحل السيف على‬
‫كل من وجد من املسلمني وملك نساءهم وأطفاهلم وأعلن العبث َبم وهو يف كل ذلك مقر‬
‫ابإلسالم معلن به ال يدع الصالة ؟‬

‫فإن قالوا ‪ :‬ال جيوز القيام عليه‪ ،‬قيل هلم أنه ال يدع مسلما إال قتله مجلة وهذا إن ترك‬
‫أوجب ضرورة أن ال يبقى إال هو وحده وأهل الكفر معه !‬

‫فإن أجازوا الصرب على هذا خالفوا االسالم مجلة وانسلخوا منه وإن قالوا بل يقام عليه‬
‫ويقاتل وهو قوهلم قلنا هلم فان قتل تسعة أعشار املسلمني أو مجيعهم إال واحد منهم وسىب من‬
‫نسائهم كذلك وأخذ من أمواهلم كذلك فان منعوا من القيام عليه تناقضوا وان أوجبوه سألناهم‬
‫عن أقل من ذلك وال نزال حنطهم إىل أن نقف َبم على قتل مسلم واحدا أو على امرأة واحدة‬
‫أو على أخذ مال أو على انتهاك بشرة بظلم فان فرقوا بني شيء من ذلك تناقضوا وحتكموا‬
‫بال دليل وهذا ماال جيوز وان أوجبوا إنكار كل ذلك رجعوا إىل اْلق) اه الفصل يف امللل‬
‫واألهواء والنحل ‪)135 / 4( -‬‬

‫لكن ليس من املسلم قول ابن حزم ‪ :‬أن التفريق بني قتل الكثري من املسلمني وقتل الواحد‬
‫تفريق بال دليل ‪.‬‬

‫(‪)35‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫فالتفريق بينهم قائم على دليل واضح وهو ‪ :‬املقارنة بني مفسدة اخلروج ومفسدة بقاء‬
‫اجلور واحتمال أخفهما وإزالة أعظمهما ‪.‬‬

‫وهذه االحتماالت اليت ذكر ابن حزم تبني يف جمملها أن القول إبطالق املنع للخروج على‬
‫أهل اجلور قد يكون ذريعة لتحمل املفاسد العظيمة اليت ما شرع الصرب على جور األئمة إال‬
‫لتفاديها ‪.‬‬

‫وانطالقا من قاعدة أن املعلول يدور مع العلة وجودا وعدما فإنه يتعني القول ِبن اخلروج‬
‫علي أئمة اجلور ال مينع إال إذا كانت مفسدة اخلروج أعظم من مفسدة استمرار اجلور ‪.‬‬

‫ولكن هذا املبحث ال عالقة له بواقعنا اليوم ‪..‬‬

‫فنحن اليوم أمام حكام مبدلني لشريعة الرمحن وموالني ألعداء اإلسالم ‪..‬‬

‫وهؤالء اْلكام كفار مرتدون خارجون عن اإلسالم ‪..‬‬

‫فاْلديث عن وجوب طاعتهم قبل اْلديث عن إثبات إسالمهم هو من قبيل النقش قبل‬
‫إثبات العرش ‪.‬‬

‫املسألة التاسعة ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬
‫كلمة املسلمني‪ ،‬ويرتتّب عليه ِمن إر ِ‬
‫اقة‬ ‫ُّت ِ‬ ‫وخالف وسبب لتشت ِ‬ ‫ٌ‬ ‫إبعادهم فُ ْرقَةٌ‬
‫(أل ّن َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ط علي ِه ُم‬‫سلِّ ُ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫احلقوق ِ‬
‫وعدم استقرا ِر األم ِن ما يُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ال ّد ِ‬
‫ف َش ْوَكةَ املسلمني ويُ َ‬ ‫ماء وضيا ِع‬
‫األعداءَ‪.) ،‬‬

‫هذا قد يكون صحيحا ابلنسبة للخروج على اْلاكم اجلائر لفسق أو لعدم أداء حقوق‬
‫الرعية؛ أما اإلمام املبدل لشرع هللا واملواِل ألعداء هللا فبقاؤه يف اْلكم من أعظم املفاسد ألنه‬
‫يفسد على الناس أمر دينهم وهذه هي الفتنة بعينها اليت قال هللا تعاىل يف شأّنا ‪{ :‬والفتنة‬
‫أشد من القتل }‪.‬‬

‫فمفسدة القتل واالضطراب أهون من مفسدة الفتنة يف الدين والردة عن دين هللا ابلتحاكم‬
‫إىل غري شرع هللا ومواالة أعداء هللا ‪.‬‬

‫(‪)36‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫قال الشيخ سليمان بن سحمان‪:‬‬

‫(ولو اقتتلت اْلاضرة والبادية حَّت يفنو عن بكرة أبيهم لكان أهون من أن ينصبوا طاغوَت‬
‫يف األرض حيتكمون إليه) ‪.‬‬

‫وقد رد على هذه الشبهة ابن حزم فقال ‪:‬‬

‫(وقال بع ضهم ‪ :‬إن يف القيام إابحة اْلري وسفك الدماء وأخذ األموال وهتك األستار‬
‫وانتشار األمر‪ .‬فقال هلم اآلخرون ‪ :‬كال ألنه ال حيل ملن أمر ابملعروف وّنى عن املنكر أن‬
‫يهتك حرميا وال أن َيخذ ماال بغري حق وال أن يتعرض ملن ال يقاتله فإن فعل شيئا من هذا‬
‫فهو الذي فعل ما ين بغي أن يغري عليه وأما قتله أهل املنكر قلوا أو كثروا فهذا فرض عليه وأما‬
‫قتل أهل املنكر الناس وأخذهم أمواهلم وهتكهم حرميهم فهذا كله من املنكر الذي يلزم الناس‬
‫تغيريه ‪ .‬وأيضا فلو كان خوف ما ذكروا مانعا من تغيري املنكر ومن األمر ابملعروف لكان هذا‬
‫بعينه مانعا من جهاد أهل اْلرب وهذا ماال يقوله مسلم وإن دعى ذلك إىل سِب النصارى‬
‫نساء املؤمنني وأوالدهم وأخذ أمواهلم وسفك دمائهم وهتك حرميهم وال خالف بني املسلمني‬
‫يف أن اجلهاد واجب مع وجود هذا كله وال فرق بني األمرين وكل ذلك جهاد ودعاء إىل القرآن‬
‫والسنة) اه الفصل يف امللل واألهواء والنحل ‪)134 / 4( -‬‬

‫بقي أن نقول ‪:‬‬

‫إن الدين يتعرض اليوم حملنة عظيمة وفتنة مل يتعرض هلا على مر عصور اإلسالم ‪..‬‬

‫الدين اليوم يتعرض لفتنة تنحية الشريعة عن واقع الناس وحياِتم وإحالل القوانني الوضعية‬
‫حملها ‪..‬‬

‫وهذه وهللا فتنة عظيمة تفوق فتنة القول خبلق القرآن اليت تصدى هلا العلماء وضحوا يف‬
‫سبيل وقفها ابملهج واألرواح ‪.‬‬

‫وحنن اليوم أمام فتنة ترسيخ القوانني الوضعية وتنحية الشريعة اإلسالمية يف حاجة إىل‬
‫التضحية ابلغاِل والنفيس ‪..‬‬

‫ويف حاجة إىل االقتناع بضرورية التضحية ‪..‬‬

‫ويف حاجة إىل التلذذ َبذه التضحية ‪..‬‬

‫(‪)37‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ويف حاجة إىل بذل الدماء الطاهرة النقية لكي تبقى شريعة هللا طاهرة نقية ‪..‬‬

‫وال تغسل الكعبة إال بزمزم ‪..‬‬

‫{ويف ذلك فليتنافس املتنافسون} ‪..‬‬

‫*****‬

‫املسألة العاشرة ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬

‫جواز إقرا ِر احل ّك ِام ووالةِ األموِر على ما هم عليه من املعاصي‬ ‫(وليس معىن ذلك َ‬
‫حدود ما وسعه من قدرةٍ‬‫ِ‬ ‫وإنكارها يف‬ ‫ِ‬
‫ُمالفاهتم‬ ‫الواجب كراهيةُ‬ ‫ش ِ‬
‫رعيّ ِة‪ ،‬وإ ّّنا‬ ‫ٍ‬
‫واملخالفات ال ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫موجات من االضطر ِ‬
‫اابت‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إحداث‬ ‫يد من ٍ‬
‫طاعة أو‬ ‫املناصحة والتّغي ِري‪ ،‬من غ ِري نز ِع ٍ‬
‫ِ‬ ‫على‬
‫ِ‬
‫والقذف‬ ‫شتائ ِم‬ ‫الس ِ‬
‫باب وال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫واملشاغَ ِ‬
‫واملظاهرات واالعتصامات واملنشورات‪ ،‬وأنوا ِع ّ‬ ‫بات‬
‫ِ‬
‫اإلخالل‬ ‫ِ‬
‫وسائل‬ ‫ِ‬
‫ابحلديد والنّا ِر‪ ،‬وغ ِريها من‬ ‫اخلروج عليه‬
‫ِ‬ ‫لطان وأعوانِه‪ ،‬أو‬ ‫املوج ِه للس ِ‬
‫َّ ّ‬
‫غري‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ابألم ِن واالستقرا ِر‪ ،‬سواء كان‬
‫منتظما على هيئة ف َرق حزبيّة جهاديّة‪ ،‬أو َ‬ ‫ً‬ ‫اخلروج عليه‬
‫ُ‬
‫حال الثُّوا ِر الذين مل يصربوا على َج ْوِر احل ّك ِام وظُل ِ‬
‫ْمهم‪) ،‬‬ ‫منتظ ٍم كما هو ُ ّ‬
‫التعليق ‪:‬‬

‫هذا الكالم يقال يف حق املنكرات العامة والبسيطة اليت قد تضر فاعلها وحده ويسلم‬
‫املنكر عليه؛ أما فرض األنظمة الكفرية والقوانني الوضعية فليس من األمور اليت ميكن ان تنكر‬
‫إنكارا خفيفا ألن السكوت عليها سكوت على الكفر ‪.‬‬

‫*****‬

‫املسألة احلادية عشرة ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬

‫املعاص َرةِ إالّ إذا كان معهم والةُ‬


‫ِ‬ ‫املعتقد‪ ،‬فال شرعيةَ ِ‬
‫للف َر ِق اجلهاديِّة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منطلق هذا‬ ‫ِ‬
‫(ومن‬
‫ّ‬
‫أمو ِرهم أو كانوا حتت ِ‬
‫إمارهتم وإشرافِهم‪) ،‬‬

‫(‪)38‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫التعليق ‪:‬‬

‫هذا كالم ابطل فإن هذه اجلماعات اجلهادية اليوم تقوم جبهاد الدفع الذي ال حيتاج إىل‬
‫إذن اإلمام وال وجوده‪.‬‬

‫ومع ذ لك فإن معظم هذه اجلماعات جتاهد اليوم جمتمعة حتت إمرة إمام واحد تدين له‬
‫ابلسمع والطاعة وهو متصف جبميع األوصاف اليت تشرتط لإلمام ولكن املشكلة أن بعض‬
‫الفقهاء املعاصرين أصبح يعترب أن من شروط اإلمام اعرتاف األمم املتحدة إبمامته !!‬

‫*****‬

‫املسألة الثانية عشرة ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬

‫خ‬ ‫يدل على أ ّن املقاتلةَ مع األمر ِاء‪ ،‬وقد ع ّقب ال ّ‬


‫شي ُ‬ ‫املذكور يف الس ِ‬
‫ؤال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫(واحلديث‬
‫ُ‬
‫بن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫انصر ال ّدي ِن األلباينُّ ‪-‬رمحه هللا‪ -‬على كلمة‪« :‬أَمريُُه ْم» ِبنّه‬
‫املهدي‪ :‬وهو حمم ُد ُ‬
‫ُّ‬ ‫حمم ٌد ُ‬ ‫ّ‬
‫ضها حسنٌإ)‪.‬‬
‫صحيح وبع ُ‬ ‫ضها‬‫األحاديث ِبساني َد بع ُ‬
‫ُ‬ ‫تضافرت بذلك‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عبد هللا‪ ،‬كما‬
‫ٌ‬
‫التعليق ‪:‬‬

‫األمري لفظة مشرتكة تطلق على أمري اجليش وعلى اإلمام األعظم ‪.‬‬

‫وال توجد قرينة تدل على أن املراد ابألمري يف اْلديث اإلمام األعظم‪ ،‬وحَّت لو كان هو‬
‫املراد فإن وجوده وقت نزول عيسى ال يدل على أنه كان موجودا دائما ‪.‬فليس يف اْلديث‬
‫داللة على ما ذكر ‪.‬‬

‫*****‬

‫املسألة الثالثة عشرة ‪:‬‬

‫قوله ‪:‬‬

‫(‪)39‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ال‬ ‫إعداد ٍ‬
‫وبناء فإ ّن الطّائفةَ املنصورةَ ال تز ُ‬ ‫واحتاجت املرحلةُ إىل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ط‬‫شرو ُ‬ ‫ت ال ّ‬‫(فإ ْن ختلَّ َف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ابحلج ِة‬ ‫ِ ِ‬
‫ال هللاُ‬
‫احلديث‪« :‬الَ يَ َز ُ‬ ‫املعنوي‪ ،‬وقد جاء يف‬‫ُّ‬ ‫القتال‬
‫ُ‬ ‫والربهان وهو‬ ‫مبقوماهتا جتاه ُد ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س يَ ْستَ ْعملُ ُه ْم ِيف طَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س ِيف َه َذا ال ّدي ِن بغَْر ٍ‬
‫اعته»‬ ‫َع َّز َو َج َّل يَ ْغ ِر ُ‬
‫التعليق ‪:‬‬

‫بينا بطالن تلك الشروط وبينا أن اإلعداد ال يبيح ترك اجلهاد املتعني‪ ،‬وبينا أن االشتغال‬
‫ابجلهاد ابْلجة ال يسقط وجوب اجلهاد ابلسيف ‪.‬‬

‫و استدالله ابْلديث األخري خارج عن املوضوع ألنه حديث عام ال داللة فيه على شيء‬
‫مما يريد ‪.‬‬

‫وع ن س وى ّن ج اللج اج ق د أى‬ ‫ورب ذي خل ف لن ا تعص با‬


‫مره‬ ‫ر يض‬ ‫د ألم‬ ‫إال معان‬ ‫واْل ق أن ابن فل يس ينك ره‬

‫وهللا اعلم‬

‫واْلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫وصلى هللا على سيدان حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫وكتبه أبو املنذر الشنقيطي‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫***‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.net‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬
‫‪http://www.mtj.tw‬‬

‫(‪)40‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

You might also like