Professional Documents
Culture Documents
للشيخ
أيب املنذر الشنقيطي
حفظه هللا تعاىل
شفاء النفوس من شبهات الفركوس
فهذه رسالة وصلت ملنتدى األسئلة يف منرب التوحيد واجلهاد ،تتعلق بعدد من
الشبهات اليت تثار حول اجلهاد اليوم أاثرها املدعو حممد علي فركوس وتلقفتها صحيفة
النهار اجلزائرية ابلنشر عرب صفحاهتا ،وقد يسر هللا للشيخ الفاضل أيب املنذر الشنقيطي
حفظه هللا أن يفند هذه الشبهات ويرد عليها .
نص الرسالة:
إىل اإلخوة القائمني على هذا املنتدى أوجه حتييت إليكم ...
فلقد خرج علينا املدعو أبو عبد املعز حممد علي فركوس بفتوى حول شرعية اجلهاد يف
املغرب اإل سالمي وقال ما قال فيها حول جهادان املبارك وقد تلقتها وسائل االعالم وقامت
بنشرها منها جريدة النهار اجلزائرية لبث الشك يف نفوس الشباب املتحمس هلذا اجلهاد.
( )1
فنرجو منكم إ خواننا ان تقوموا ابلرد على هذا املبطل وهذا هو نص فتواه.... :
()1
ني ِِ ِ ِ ِ ِ وحديث جاب ِر ب ِن ََسُرَة رضي هللا عنهما« :لَن يربح ه َذا ال ِّد ِ
صابَةٌ م َن ال ُْم ْسلم َ
ين قَائ ًما يُ َقات ُل َعلَْيه ع َ
ُ ْ َْ َ َ َ َ ُ
الساعَةُ»( -٢أخرجه مسلم يف «اإلمارة» ( )925/2رقم ( ،)1922وأمحد يف «مسنده» وم َّ
َح ََّّت تَ ُق َ
( ،) 108 ،106 ،103/5من حديث جابر بن َسرة بن جنادة بن جندب رضي هللا عنهما.).
األحاديث ،وإذا كانت ال تنطبق على ِ
الف َرِق اجلهاديِّة املعاصرةِ فعلى من تنطبق؟ ِ شرحا هلذه
نريد منكم ً
جواب( :حممد علي فركوس)
السالم على من أرسله هللا رمحةً للعاملني ،وعلى آله وصحبه وإخوانه
الصالة و ّ
رب العاملني ،و ّ
اْلمد هلل ّ
إىل يوم ال ّدين ،أما بعد:
للفرِق اجلهادي ِة ِ
املعاصَرةِ إالّ إذا كان معهم والةُ أموِرهم أو كانوا ِ ِ ِ ِ
ّ ومنِ منطلق هذا املعتقد ،فال شرعيّةَ َ
ِ
يخ
يدل على أ ّن املقاتلةَ مع األمراء ،وقد ع ّقب ال ّش ُ السؤ ِال ّ املذكور يف ّ
ُ حتت إمارِتم وإشرافِهم ،و ُ
اْلديث
املهدي :وهو حمم ُد بن ِ
عبد هللاِ ،كما ُّ كلمة« :أ َِم ُري ُه ْم» ِبنّه
حمم ٌد انصر ال ّدي ِن األلباينُّ -رمحه هللا -على ِ
ُ ُ ّ
حسن( -١١انظر« :سلسلة األحاديث ٌ ها وبعض
ُ صحيح
ٌ ها بعض
َ ُ د ِبساني األحاديث
ُ بذلك فرت
ْ تضا
الصحيحة» لأللباين.).)372-371 ،278/5( : ّ
مذاهب اخلوارِج ما فيه ِ ذكرت من التّحذي ِر من اآلجري -رمحه هللا« :-قد
ُّ ِ
وض ْم َن هذا املعىن ،قال
ُ
وحيف األمر ِاء ،وملِ األئم ِة
مذهب اخلوارِج ،ومل يَ َر رأيَهم ،وصرب على َج ْوِر ّ ِ بالغٌ ملن عصمه هللاُ تعاىل عن
ِ ِ
وحج معهم، الحّ ، ابلص ِ
للوالَة ّ ف الظّل ِم عنه وع ِن املسلمني ،ودعا ُ َير ْج عليهم بسيفه ،وسأل هللاَ تعاىل ك ْش َ
بطاعة فأمكنه أطاعهم ،وإن مل ٍ كل ع ُد ٍّو للمسلمني وصلّى معهم اجلُ ُمعةَ والعيدين ،فإ ْن أمروهوجاهد معهم َّ
كف لسانَه وي َده ،ومل يَ ْه َو ِ ِ ٍ ِ
نت بينهم لزم بيتَه و ُّميكنْه اعتذر إليهم ،وإن أمروه مبعصية مل يُط ْعهم ،وإذا دارت الف َُ
اط املستقي ِم إن شاء هللاُ»(« -١٢ال ّشريعة» فتنة ،فمن كان هذا وص َفه كان على الصر ِ ما هم فيه ،ومل يعِن على ٍ
ّ ْ َْ ُ ْ
لآلجري.).)40( :
وبعد :
أخي الكري هذه تعليقات بسيطة على بعض ما ورد يف كالم الشيخ الفركوس :
قوله :
ِ
كجهاد فس ِ
واملال حسيًّا ابلنّ ِ ِ حبس ِ اجلهاد ٍ
ب نوعيّته ،ف َق ْد يكون اجلهادُ ّ ماض َ َ (علما أ ّن
ً
ِ
اجلهاد يف سبيلِ ِ ُّ ِ ِ
ابحلجة والربهان ،وهذا كله م َن ِ ِ الط ِ
ّلب وال ّدف ِع ،أو معنوًًّّي ابللّسان كاجلهاد ّ
ِ
هللا تعاىل).
معىن كالمه أن اجلهاد اْلسي ابلنفس (جهاد السيف) قد يتوقف ليحل حمله اجلهاد
املعنوي ابللسان -وال يعين هذا أن اجلهاد توقف -بل هو ماض ما دام واحد من النوعني
موجودا !!
أوال :
أن اجلهاد حقيقة يف عبادة جماهدة الكفار ابلسيف وجماز يف سائر العبادات والقرابت
اليت فيها بذل للجهد ومكابدة للمشاق .
كل من أتعب نفسه يف ذات هللا فقد جاهدرشد يف املقدمات ُّ « : وهلذا قال العالَّمة ابن ٍ
يف سبيله؛ إال أن اجلهاد يف سبيل هللا إذا أُطلق فال يقع إبطالقه إال على جماهدة الكفار ابلسيف
يد وهم صاغرون » . حَّت يدخلوا يف اإلسالم أو يعطوا اجلزية عن ٍ
(يكون فعل {جاهد} مستعمال يف حقيقته وجمازة ومها اجلهاد ابلسيف واجلهاد إبقامة
اْلجة والتعريض للمنافق بنفاقه فإن ذلك يطلق عليه اجلهاد جمازا كما يف قوله صلى هللا عليه
وسلم "رجعنا من اجلهاد األصغر إىل اجلهاد األكرب" )1(،وقوله للذي سأله اجلهاد فقال له :
"ألك أبوان" ؟ قال :نعم قال " :ففيهما فجاهد" ).اه .
وحيث أطلق اجلهاد يف لفظ الشارع فهو ينصرف إىل اجلهاد ابلسيف ألنه حقيقة فيه وال
ينصرف إىل غريه.
والقاعدة أن اللفظ ال يصرف عن اْلقيقة إال الستحالة قصدها أو لقرينة دالة على أّنا
غري مقصودة .
(فإذا ورد لفظ محل على اْلقيقة إبطالقه ،وال حيمل على اجملاز إال بدليل ) ،الفقيه واملتفقه
)96 / 1( -
( )1قال ش يخ اإلس الم ابن تيمية رمحه هللا" :وأما اْلديث الذي يرويه بعض هم ،أنه قال يف غزوة تبوك:
(رجعنا من اجلهاد األص غر إىل اجلهاد األكرب) فال أص ل له ،ومل يروه أحد من أهل املعرفة ِبقوال النِب ص لى
هللا عليه وسلم وأفعاله ،وجهاد الكفار من أعظم األعمال."..اه الفرقان ص .]45-44منرب التوحيد
واجلهاد]
وقد سأل رجل النِب صلى هللا عليه وسلم ( :ما اجلهاد قال أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم)
رواه أمحد يف املسند وعبد الرزاق يف املصنف عن عمرو بن عبسة بسند رجاله ثقات.
اثنيا :
اجلهاد ابلسيف ال ينوب عنه بقية أعمال اخلري اليت تسمى جهادا "جمازا" :
كالمه يف الفقرة السابقة فيه حماولة للتسوية بني جهاد السيف وجهاد الكلمة وكأّنا يريد
صاحبه أن يقول للقارئ :
فحني ننشغل ابلدعوة والتعليم فال ِبس علينا من القعود ألننا جماهدون !!
فالقيام جبهاد اْلجة والبيان ال يسقط عنا القيام جبهاد السيف والسنان؛ فكالمها واجب
ال جيوز التفريط فيه ممن وجب عليه والقيام ِبحدمها ال يسقط اآلخر .
(عن النِب صلى هللا عليه وسلم قال من مل يغز أو جيهز غازًّي أو َيلف غازًّي يف أهله خبري
أصابه هللا سبحانه بقارعة قبل يوم القيامة).
وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم( :من مات ومل يَ ْغ ُز
ث نفسه ابلغزو ،مات على شعبة من نفاق) رواه مسلم. ومل ُحيَ ِّد ْ
وروى اْلاكم يف املستدرك عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم( :من لقي هللا بغري أثر من اجلهاد لقيه وفيه ثلمة ) قال اْلاكم :هذا حديث كبري يف
الباب غري أن الشيخني مل حيتجا إبَساعيل بن رافع .
فال بد لكل مسلم من املشاركة يف جهاد السيف إما ابملباشرة وإما ابلدعم وإال كان عاصيا
آمثا مستوجبا لإلمث والعقوبة .
وهذا الوعيد موجه لكل مسلم حَّت ولو كان منشغال ابلدعوة والتعليم .
فحني ننشغل ابلدعوة إىل هللا وتعليم الناس وإرشادهم فال ينبغي أن خنادع أنفسنا وندعي
ِبننا على ثغرة عظيمة من أجل التهرب من ثغرات أخرى أعظم كلفة وأشد خطرا مثل اجلهاد
ابلسيف ..
وال بد من التنبيه إىل أن الدين ال يقوم على ا لسيف دون اْلجة وال يقوم على اْلجة
دون السيف بل يقوم على السيف الذي تدعمه اْلجة وعلى اْلجة اليت حيميها السيف ‘
فقوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر ‘
فال داعي إذن حملاولة الفصل بني العلم واجلهاد أو االستعاضة ِبحدمها عن اآلخر ألن
كال منهما يدعم اآلخر ويكمله واملسلمون مطالبون ابجلمع بينهما وعدم التفريط يف أي منهما
:
والدعوة ابلبيان وإقامة اْلجة ال تقتضي أبدا ترك اجلهاد ابلسيف .
( وقوله تعاىل { :وال جتادلوا أهل الكتاب إال ابليت هي أحسن اال الذين ظلموا
منهم }وقوله { :وجادهلم ابليت هي أحسن} ليس يف القرآن ما ينسخهما ولكن بعض الناس
يظن أن من اجملادلة ترك اجلهاد ابلسيف وكل ما كان متضمنا لرتك اجلهاد املأمور به فهو منسوخ
آبًّيت السيف) النبوات )157 / 1( -
يقول بعض أهل العلم ِبن اجلهاد ابْلجة أفضل من اجلهاد ابلسيف ،والذي يظهر أن
هذا القول غري صحيح َبذا اإلطالق وذلك لعدة أسباب :
إن العبادات ينبغي أن يفرق فيها عند التفضيل بني حالتني :
حالة التعارض (أي عدم إمكانية اجلمع بينها) ،وحالة االجتماع (أي عند إمكانية اجلمع
بينها).
أما ابلنسبة ْلالة التعارض فإنه ينبين على التفضيل فيها تقدي الفاضل وأتخري املفضول
،وهذه اْلالة ال ينبغي التفضيل فيها إبطالق بني العبادات الواجبة اليت َيتلف جماهلا إذ كلها
مطلوبة يف حملها .
وإّنا ينظر إىل األفضلية حبسب اْلال والظرف فما كانت حاجة الوقت إليه أشد كان
أفضل من غريه
وقد يكون الشخص أقدر على أداء واجب وأكثر أهلية له من غريه فهو ابلنسبة له أفضل
ألنه أصبح متعينا عليه .
وهلذا فإن القضاء وطلب العلم قد يتعينان على شخص دون آخر .
أما اْلالة الثانية وهي حالة "إمكان اجلمع بني العملني" اليت ال ينبين على التفضيل فيها
تقدي وال أتخري وإّنا معرفة األكثر ثوااب فقط فال ينبغي القول فيها ابلتفضيل إال بناء على نص
من الشارع ألن التفضيل بني األعمال من حيث الثواب مسألة توقيفية ال دخل فيها لالجتهاد
.
ونريد اآلن النظر يف النصوص الشرعية ملعرفة أيهما أكثر ثوااب :اجلهاد ابلسيف أم اجلهاد
ابْلجة وتبليغ العلم ؟
ورد يف النصوص الشرعية تفضيل اجلهاد ابلسيف على سائر األعمال ومن ذلك :
-1عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه ،قال :قيل ًّي رسول هللا أي الناس أفضل فقال
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :م ؤمن جياهد يف سبيل هللا بنفسه وماله قالوا :مث من قال :مؤمن
يف شعب من الشعاب يتقي هللا ويدع الناس من شره.
رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم:- -2عن أيب هريرة -رضي هللا عنه -قال :قال ُ
أجد َمحولة ،وال أجد ما أمحلهم لكن ال ُت عن َس ِريَّة ،و ْ أش َّق على املسلمني ما ختلَّ ْف ُ
«لوال أن ُ
ِ ِ
أحييت مث
ُ ت ،مث قاتلت يف سبيل هللا فَ ُقتلْ ُ
ُ ت أينعلي أن يتخلَّفوا عين ،فَلَ َود ْد ُ
عليه ،ويَ ُش ُّق َّ
ِ
يت» البخاري. ُحيِ ُ
ت ،مث أ ْ
قُت ْل ُ
اجلهاد يف
َ -3عن أيب هريرة -رضي هللا عنه -قال « :قيل ًّ :ي رسول هللا ،ما يَ ْع ِدل
كل ذلك يقول :ال تستطيعونه، سبيل هللا ؟ قال :ال تستطيعونه ،فأعادوا عليه مرتني ،أو ثالاثُّ ،
ت آبًّيت هللا ،ال يَ ْف ُرت من صيام وال مث قال :مثَل اجملاهد يف سبيل هللا ،كمثل الصائم القانِ ِ
َ ُ
اجملاهد يف سبيل هللا» أخرجه مسلم والرتمذي. ُ يرجع
صالة ،حَّت َ
رسول هللا -صلى هللا عليه
-4عن أيب سعيد اخلدري -رضي هللا عنه -قال :كان ُ
الناس وهو مسند ظهره إىل راحلته ،فقال « :أال أخربكم خب ِري الناس،
وسلم -عام تبوك َيطُب َ
إن ِم ْن خري الناس :رجال عمل يف سبيل هللا على ظهر فرسه ،أو على ظهر وشر الناس ؟ َّ
َّ
بعريه ،أو على قدمه ،حَّت َيتيَه املوت ،وإن من َشِّر الناس رجال يقرأ كتاب هللا ال يرعوي إىل
شيء منه» أخرجه النسائي.
-حدثنا حممد بن عرعرة قال حدثنا شعبة عن سليمان عن مسلم البطني عن سعيد بن
جبري عن ابن عباس عن النِب صلى هللا عليه وسلم أنه قال ما العمل يف أًّيم أفضل منها يف
هذه قالوا وال اجلهاد قال وال اجلهاد إال رجل خرج َياطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء .
-6عن أيب هريرة قال ( :سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :أي العمل أفضل ؟
قال :إميان ابهلل ورسوله قيل مث ماذا؟ قال اجلهاد يف سبيل هللا ،قيل مث ماذا؟ قال حج مربور)
متفق عليه .
وهذه األحاديث دالة على تفضيل اجلهاد على سائر األعمال وهلذا كان هو ذروة سنام
اإلسالم .
من اخلطأ أن نظن ِبن الشرع الذي جاء من عند أحكم اْلاكمني يساوي يف املنزلة بني
جهاد فيه القتل واألسر وم فارقة األهل واألوطان ومشقة الرتحال واألسفار ومراغمة ذوي البأس
من الكفار مع جهاد (جمازا) ال قتل فيه وال أسر وال تعب وال أخطار وال إزعاج من الكفار !
(ومنها :أن العبادة الشاقة على النفس ،هلا فضل ومزية ليست لغريها ،وكلما عظمت
املشقة عظم األجر).
-2عن عائشة قالت قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( :املاهر ابلقرآن مع السفرة
الكرام الربرة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه ٌّ
شاق له أجران) متفق عليه .
-3عن أيب بن كعب قال ( :كان رجلٌ ال أعلم رجالً أبعد من املسجد منه وكان ال
ختطئه صالة فقيل له أو قلت له لو اشرتيت محاراً تركبه يف الظلماء ويف الرمضاء قال ما يسرين
أن منزِل إىل جنب املسجد إين أريد أن يكتب ِل ممشاي إىل املسجد ورجوعي إذا رجعت إىل
أهلي فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :قد مجع هللا لك ذلك كله) متفق عليه .
-4عن أيب هريرة قال قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( :أثقل صالة على املنافقني
صالة العشاء وصالة الفجر لو يعلمون ما فيهما ألتومها ولو حبواً) متفق عليه .
(وأما الصبح فألّنا يف وقت لذة النوم فإن كانت يف زمن الربد ففي وقت شدته لبعد
العهد ابلشمس لطول الليل وإن كانت يف زمن اْلر :فهو وقت الربد والراحة من أثر حر
الشمس لبعد العهد َبا فلما قوي الصارف عن الفعل ثقلت على املنافقني وأما املؤمن الكامل
اإلميان :فهو عامل بزًّيدة األجر لزًّيدة املشقة) .إحكام األحكام شرح عمدة األحكام / 1( -
)116
-5عن عائشة ،قالت ًّ :ي رسول هللا يصدر الناس بنُس َك ٌني وأصدر بنُس ٍ
ك واحد ؟ قال ُ ُ
( :انتظري فإذا طهرت فاخرجي إىل التنعيم فأهلي منه مث ائتنا مبكان كذا ولكنها على قدر
نفقتك أو نصبك) رواه البخاري .
(أفعال الرب كلها األجر فيها على قدر املشقة والنفقة ،وهلذا استحب مالك وغريه اْلج
راكبا ،ومصداق هذا ىف كتاب هللا قوله { :الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ىف سبيل هللا ِبمواهلم
وأنفسهم أعظم درجة عند هللا وأولئك هم الفائزون } التوبة ] 20 :وىف هذا فضل الغىن
وإنفاق املال ىف الطاعات ،وملا ىف قمع النفس عن شهواِتا من املشقة على النفس ) شرح
صحيح البخارى البن بطال )445 / 4( -
(القاعدة الثالثة واخلمسون :من قواعد القرآن :أنه يبني أن األجر والثواب على قدر املشقة
يف طريق العبادة ،ويبني مع ذلك أن تسهيله لطريق العبادة من منته وإحسانه ،وأّنا ال تنقص
من األجر شيئاً) القواعد اْلسان يف تفسري القرآن .
ومن املهم التنبه إىل أن هناك فرقا حساسا بني اجلهاد ابلسيف واجلهاد ابلكلمة ..
اجلهاد ابلسيف ابب من أبواب الفقه املعروفة ..له أحكامه املعروفة ..
نعلم من خالل هذه األحكام :مَّت يكون واجبا وأين يكون واجبا وعلى من يكون واجبا
..
أي أنه عبادة حمددة ومقدرة كما هو الشأن يف عبادة الصالة وعبادة الصوم وعبادة الزكاة
..
أما جهاد الكلمة والدعوة والتعليم واملوعظة فهو عبادة غري مقدرة فالشرع مل جيعل له
نصااب حمددا وجواب أو سقوطا ،ومل َيصص له وقتا ومل يعني له مكاان .
وهذا اإلطالق يستفاد منه أنه عبادة موسعة الوقت خبالف اجلهاد ابلسيف فهو مضيق
الوقت .
ومعلوم أن العبادة املضيق وقتها مقدمة على العبادة املوسع وقتها .
ألن الواجب املضيق وجوبه على الفورية منذ وقت وجوبه ،والواجب املوسع وجوبه على
الرتاخي .
كما أن الواجب املضيق يعاقب على تركه مبجرد حضور وقته ،أما الواجب املوسع فال
يعاقب عليه إال ابلنسبة للرتك يف العمر كله (ما مل يتعني ) .
أقول :وهذه األمور كلها تدل على أن تفضيل جهاد الكلمة على اجلهاد ابلسيف إبطالق
فيه قدر من عدم الدقة .
*****
قوله :
هللا تعاىل لقولِه صلّى هللا عليه وآلِه وسلّم« :ج ِ
اه ُدوا سبيل ِ اجلهاد يف ِ ِ (وهذا كلُّه ِم َن
َ ُ
أعم ِم َن
اجلهاد ُّ
َ ِ
احلديث يظهر أ ّن »...ومن ِ
داللة ْ
ِ ني ِِب َْموالِ ُكم وأَنْ ُف ِس ُكم وأَل ِ
ْسنَتِ ُك ْم َْ
ِ
ال ُْم ْش ِرك َ َ ْ َ
ِ
القتال) ،
صحيح أن اجلهاد "اجملازي" – املقصود به كل ما فيه مشقة يف سبيل هللا -أعم من
القتال.
أما اجلهاد حقيقة فال يطلق إال على القتال ابلسيف .
ني ِِب َْم َوالِ ُك ْم َوأَنْ ُف ِس ُك ْم َوأَلْ ِسنَتِ ُك ْم» فقدِ ِ
«:جاه ُدوا الْ ُم ْش ِرك َ
أما قوله صلى هللا عليه وسلم َ
ورد يف سياق التحريض على جهاد الكفار .
وذالك أن جهاد الكفار يكون حبمل السالح مباشرة وإبعانة اجملاهدين ابألموال وجتهيز
الغزاة وبتحريض املسلمني على القتال ورفع مهمهم وتثبيط الكافرين وختذيلهم فهذه األمور
الثالثة داخلة يف جهاد الكفار وهي املقصودة يف اْلديث فال عالقة للحديث جبهاد اْلجة
والبيان بل هو وارد يف قتال الكفار .
(اْلديث دليل على وجوب اجلهاد ابلنفس وهو ابخلروج واملباشرة للكفار وابملال وهو
بذله ملا يقوم به من النفقة يف اجلهاد والسالح وحنوه وهذا هو املفاد من عدة آًّيت يف القرآن
اه ُدوا ِِب َْم َوالِ ُك ْم َوأَنْ ُف ِس ُك ْم} واجل هاد ابللسان إبقامة اْلجة عليهم ودعائهم إىل هللا تعاىل{وج ِ
ََ
{وال يَنَالُو َن ِم ْن َع ُد ٍّو نَْيالً إَِّال
َ للعدو نكاية فيه ما كل من وحنوه الزجر
و اللقاء عند ات و وابألص
صالِ ٌح} وقال صلى هللا عليه وسلم ْلسان:إن هجو الكفار أشد عليهم من ِ
ب َهلُْم بِه َع َملٌ َ
ِ
ُكت َ
وقع النبل).
( قال املنذري حيتمل أن يريد بقوله وألسنتكم اهلجاء ويؤيده قوله " :فلهو أسرع فيهم من
نضح النبل" وحيتمل أن يريد به حض الناس على اجلهاد وترغيبهم فيه وبيان فضائله هلم).شرح
السيوطي لسنن النسائي )7 / 6( -
*****
قوله :
وذاك ألن اجلهاد ابلسيف ال يلتبس من حيث التناول الفقهي مع غريه فلكل أحكامه
اليت متيزه عن اآلخر .
وقد حتدث الفقهاء عن اجلهاد ابلسيف وبينوا واجباته وشروطه وممنوعاته وسائر األحكام
املتعلقة به وابلرجوع إىل مصنفاِتم ميكن أن ّنيز بني اجلهاد الواجب واجلهاد املندوب واجلهاد
املمنوع واجلهاد املشروع دون اْلاجة إىل وضع األصبع على هذه التعريفات اليت إن صحت
فهي من اْلق الذي أريد به الباطل !
ألن الفكرة اليت يدندن حوهلا هؤالء هي أن اجلهاد ليس حمصورا يف القتال ابلسيف؛ بل
هناك جهادات أخرى أقل تكلفة وأكثر جدوائية ميكن االستعاضة َبا عن اجلهاد ابلسيف !!
لكن مبجرد أن نسقط على واقعنا أحكام اجلهاد املقررة يف الفقه فسوف يتبخر هذا الكالم
ويبطل مفعوله .
*****
قوله :
فهو يريد إق ناعنا ِبن هؤالء املخذلني والقاعدين عن جهاد أعداء الدين هم اجملاهدون
اْلقيقيون !!
أعتقد أن هذه هي آخر نظرية تفتقت عنها ذهنية املخذلني :أن يكون القعود عن اجلهاد
نوعا من اإلعداد !
ومن الواجب عليك – حسب هذه النظرية -أن تكسر املسلمات العقلية وجتمع بني
الضدين فتؤمن ِبن ترك اجلهاد يساوي القيام ابجلهاد !
إن هللا تعاىل مل يشرع اإلعداد لكي يكون ذريعة للتخذيل واالستمرار يف القعود ..
اإلعداد عملية استعداد ومجع للطاقات يقوم َبا الطرف ِ
املهاجم قبل بدء املعركة أما الطرف
املهاجم فال وقت لديه لإلعداد بل ضرورة املعركة تفرض عليه أن يبادر بصد العدوان ابملوجود
َ
طلب املفقود .
وأال يشغله عن البدار ُ
هذا النوع من اإلعداد ينسحب عليه املثل اْلساين الذي يقول " :أُفات ال ّديٌكة وهو
يتحّزم" أي ( :انتهت املعركة وهو يستعد) !
َ
إن العدو قد حل ابلدًّير وعاث يف األمصار ..وسفك الدماء ..وانتهك األعراض
..ودنس املقدسات ..وّنب الثروات ..فإىل مَّت اإلعداد ؟
اإلعداد ال يعين أن ندخل يف سرداب عميق ال ّناية له مث ننظر من بعيد إىل ضحاًّي
املسلمني ونلوح هلم إبشارة النصر ونقول :حنن قادمون !
وهلذا أمر هللا تعاىل ابملستطاع منه فقال { :وأعدوا هلم ما استطعتم من قوة }..
وإنك لتلمح يف قوله تعاىل { :ما استطعتم} إشارة إىل اإلسراع واملبادرة اليت ال تسمح
ابلرتاخي فتدرك أن اآلية سيقت يف معرض التحفيز واالستنفار لكن أصحاب اإلعداد السرمدي
جعلوها ذريعة لنوم عميق !
إن اإلعداد شرع ليكون زًّيدة يف قوة املسلمني ال وسيلة للتخذيل والتقاعس عن نصرة
املستضعفني.
ومعين هذا أن اجلهاد ابْلجة والربهان حيمي بيضة املسلمني من أعداء الدين !
وقد فسر النِب صلى هللا عليه وسلم اإلعداد املأمور به بقوله (:أال إن القوة الرمي أال
إن القوة الرمي ).
إن محاية بيضة املسلمني ال تكون إال ابلسيف ،والقوة ال يصدها إال القوة ..
وإّنا شرعت جمادلة الكفار ابْلجة والربهان من أجل دعوِتم إىل اإلسالم ال ْلماية
املسلمني منهم فهذا ميدان وذلك ميدان .
وإذا كان اجلهاد ابْلجة والربهان حيمي بيضة املسلمني كما تزعمون ًّي أصحاب جهاد
الكلمة فدونكم بيضة املسلمني فإّنا مستباحة إىل أقصى اْلدود ..فلم ال حتموّنا ؟
*****
قوله
إعداد الع ّدةِ
ِ شر ِط قتال الك ّفا ِر املا ِّد َّ
ُ والبشري حيتاج إىل ْ
َّ ي (مثّ ينبغي أن يُ ْعلَ َم أ ّن َ
ومقاتلة مع والةِ األم ِر) ،
ٍ صحيح ٍ
ونبيل، ٍ اإلميانيّ ِة واملا ّديِّة ،وإىل ٍ
غرض
-1العدة اإلميانية
-2العدة املادية
الزعم ِبن اجلهاد سواء كان جهاد دفع أو جهاد نشر يشرتط له درجة من اإلميان زائدة
على أصل اإلميان زعم ابطل ال أساس له من الصحة وال مستند له من الشرع ومل يقل به أحد
من أهل العلم .
بل إن اجلهاد جيب على كل مسلم – غري معذور -مهما كانت درجة إميانه يف الضعف.
(أتى النِب صلى هللا عليه وسلم رجل مقنع ابْلديد فقال ًّي رسول هللا أقاتل أو أسلم قال
أسلم مث قاتل فأسلم مث قاتل فقتل فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عمل قليال وأجر كثريا)
رواه البخاري .
ودلت السنة على أن اجملاهدين قد يتفاوتون يف اإلميان قوة وضعفا وأنه قد يكون فيهم
قوي اإلميان وقد يكون فيهم ضعيف اإلميان :
َسعت
ُ بن اخلطاب يقول: عمر َ َسعت َ ُ عن فضالة بن عبيد -رضي هللا عنه -قال :
ؤمن َجيِّ ُد اإلميانِ ،لق َيرسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -يقول « :الشُّهداء أربعة :رجل م ِ
َُ ُ ُ َ
الناس إليه أعيُنَهم يوم القيامة هكذا -ورفع ص َد َق هللا حَّت قُتل ،فذلك الذي يَْرفَع ُ الع ُد َّو فَ َ
َ
النِب -صلى هللا عليه أسهُ حَّت َسقطت قَلَنْ ُسوتُه ،فال أدري أقَلَنْ ُسوِةَ عُمر أراد أم قَلَنْ ُس َوةَ ِ ِّ رَ
لدهُ بِ َش ْوك طَلْح من ِ
ضرب ج ُ فكأّنا ُ ورجل ُمؤمن َجيِّ ُد اإلميان ،لَق َي َ
الع ُد َّو َّ وسلم -؟ -قال ُ :
وآخر ِ اجلُْ ِ
ط عمال صاْلا َ ور ُجل ُمؤمن َخلَ َ ب ،أَته َس ْه ُم َغرب فَ َقتَ لَهُ ،فهو يف الدرجة الثانيةَ ،
ف على أسَر َ ِ ِ ِ
ص َد َق هللا حَّت قُت َل -فذلك يف الدرجة الثالثة ،ورجل ُمؤمن ْ الع ُد َّو ،فَ َ
سيئا ،لَق َي َ
ابعة» أخرجه الرتمذي. نفسه ،لقي الع ُد َّو ،فَص َد َق هللا حَّت قُتِل ،فذلك يف الدرجة الر ِ
َ َ َ
واألحاديث مصرحة ِبن اجملاهد قد تكون له ذنوب حتتاج إىل املغفرة وأن القتل يف سبيل
هللا يكفرها ومن ذلك :
النِب -صلى هللا عليه وسلم- عن أيب هريرة -رضي هللا عنه -قال « :جاء رجل إىل ِّ
تلت يف سبيل هللا صابرا ُْحمتَسبا .مقبال غري مدبر، أيت إن قُ ُ وهو َيَْطُب على املنرب ،فقال :أر َ
ت ساعة ،فقال :أين السائل آنِفا ؟ فقال الرجل: ِ
أيُك ّف ُر هللا عين سيئآِت ؟ قال :نعم ،مث َس َك َ
ت يف سبيل هللا صابرا ُحمتَسبا ُم ْقبال غري ُم ْدبر ِ
أيت إن قُتلْ ُت ؟ قال :أر َفها َأان ذَا ،قال :ما قُلْ َ
أيك ِّف ُر هللا] َع ِّين سيئاتى ؟ قال :نعم ،إال الدَّينَ ،س َّارين به جربيل آنفا» أخرجه النسائي.
مث إنه من التناقض البني القول ابشرتاط قوة اإلميان ألي عبادة من العبادات؛ ألن هذه
العبادات هي الوسيلة لزًّيدة اإلميان وابلزًّيدة منها يزداد اإلميان .
وال ميكن أن تكون زًّيدة اإلميان متوقفة على حصول العبادات ويف الوقت نفسه يكون
حصول العبادات متوقفا على زًّيدة اإلميان ..فهذا دور وتسلسل يف غاية االستحالة .
واشرتاط قوة اإلميان للجهاد ابلذات مسألة ال معىن هلا ألن اجلهاد من أشد العبادات
داللة على قوة اإلميان ملا فيه من التضحية واملشقة اليت ال يصرب عليها إال من كان قوي اإلميان
وهلذا كان الشهيد ال يفنت يف قربه ألنه قدم الرباهني الدالة على صدق إميانه .
جهاد املسلمني اليوم للكفار كله جهاد دفع وال نعلم أحدا من أهل العلم قال ِبن جهاد
الدفع يشرتط له اإلعداد
(وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن اْلرمة والدين فواجب إمجاعا فالعدو
الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ال شيء أوجب بعد اإلميان من دفعه فال يشرتط له شرط
بل يدفع حبسب اإلمكان .وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغريهم فيجب التفريق بني
دفع الصائل الظامل الكافر وبني طلبه يف بالده.) ،
والدليل على أن جهاد الدفع ال يشرتط له إعداد وأن الصائل يدفع حبسب اإلمكان ما
رواه مسلم يف صحيحه عن حممد بن جعفر عن العالء بن عبد الرمحن عن أبيه عن أيب هريرة
قال :
(جاء رجل إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ًّي رسول هللا أرأيت إن جاء رجل
يريد أخذ ماِل قال فال تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلين قال قاتله قال أرأيت إن قتلين قال
فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو يف النار).
وعن طلحة بن عبد هللا بن عوف عن سعيد بن زيد قال َسعت رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم يقول :
(من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو
شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد) رواه الرتمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.
وجه الداللة من اْلديثني األمر بدفع الصائل والتصدي له والرتغيب فيما فيه من األجر
والثواب؛ ومعلوم أن دفع الصائل ال يتحقق إال ابملبادرة فمن اشتغل ابإلعداد عن مدافعة
الصائل فقد أخل مبا أوجب هللا عليه .
عندما يهجم العدو ويغزو املسلمني يف عقر دارهم فال جيوز اإلمهال وال االنتظار وال
الرتبص ..
بل إن اجلهاد يف هذه اْلالة يصبح واجبا على من مل يكن واجبا عليه ..كما قال الشيخ
خليل يف املختصر ( :وتعني بفجء العدو وإن على امرأة ) وذلك من أجل املبادرة إىل دفع
الصائل .
ويسقط يف هذه اْلالة وجوب اإلعداد ليحل مكانه وجوب املبادرة .
مث إن اإلعداد سواء ابلنسبة جلهاد الدفع أو جهاد النشر ال يتصور فيه أكثر من الوجوب
وال ينبغي أن يقال ِبنه شرط صحة ألنه جمرد وسيلة وليس مقصودا لذاته .
وهذا الشرط يشرتط لكل األعمال والطاعات إال أنه شرط قبول ال شرط وجوب .
لقول النِب صلى هللا عليه وسلم :إّنا األعمال ابلنيات وإّنا لكل امرئ ما نوى .
فالعمل قد يكون يف الظاهر صحيحا ويف الباطن مردودا على صاحبه .
ومن زعم ِبن هذا الشرط مفقود عند اجملاهدين اليوم فعليه البينة .
وأعتقد أن الشيخ ذكر هذا الشرط من ابب االستكثار من الشروط وإال فقد كان غنيا
عن إيراده .
اشرتاط اإلمام جلهاد الدفع مسألة ابطلة ال تنطلق من أساس شرعي وال تنسجم مع منطق
عقلي ومل يقل َبا أحد من أهل العلم املتقدمني .
الوجه االول :أن انتظار وجود اإلمام أو تنصيبه يتناىف مع وجوب املبادرة الذي سبق أن
ذكران .
الوجه الثاين :إذنه صلى هللا عليه وسلم يف مقاتلة اإلمام إذا ارتد بقوله ( :إال أن تروا كفرا
بواحا عندكم من هللا فيه برهان) ،فأخرب النِب صلى هللا عليه وسلم بوجوب قتال اْلاكم إذا
ارتد ومل َيمر ابستخالف إمام مكانه قبل املقاتلة فدل ذلك على مشروعية القتال مع انعدام
اإلمام ألن ترك البيان عند وقت اْلاجة ال جيوز .
(جاء رجل إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ًّي رسول هللا أرأيت إن جاء رجل
يريد أخذ ماِل قال فال تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلين قال قاتله قال أرأيت إن قتلين قال
فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو يف النار) .فيه داللة على مشروعية جهاد الدفع دون
إمام ابلنسبة للفرد ،وهو يدل من ابب األحروية على مشروعية جهاد الدفع دون إمام ابلنسبة
للجماعة .
الوجه الرابع :إقرار النِب صلى هللا عليه وسلم لقتال أيب بصري لقريش وحده وقوله فيه :
(ويل أمه مسعر حرب ،لو كان معه غريه).
و إقراره لسلمة بن األكوع رضي هللا عنه عندما قاتل الذين عدوا على إبل الصدقة ومل
يستأذن النِب صلي هللا عليه وسلم فأقره بقوله (خري رجالتنا سلمة ).
الوجه اخلامس :مسألة اشرتاط اإلمام للجهاد فيها أيضا نوع من الدور والتسلسل ؛
فباعتبار أن نصب اإلمام ال يكون إال عن طريق اجلهاد والقوة سوف يكون اشرتاط اإلمام
للجهاد من الدور .
ربوان ال تض ززه فه يع اد ال جه ام ب تم ال إم وقل
بوان ال تنص ه فه نبايع ام ال إم اد ب تم ال جه وقل
ا وم عاقلين ا لق ى وعظ كف ه دور دليل وفي اء ال إذا ج
وقضية اشرتاط اإلمام للجهاد أصبحت من الشبه املتهافتة فقد رد عليها أهل العلم وبينوا
بطالّنا مبا فيه الكفاية .
وقد رد عليها الشيخ عبد الرمحن بن حسن آل الشيخ رمحه هللا يف الرد على اعرتاضات
ابن نبهان فقال :
إمام متبع ؟! هذا من حجة أن اجلهاد ال جيب إال مع ٍ كتاب ،أم ِبية ٍ ( ويقال ِ :بي ٍ
الفرية يف الدين ،والعدول عن سبيل املؤمنني ،واألدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن
{ولَْوال َدفْ ُع
تذكر ،من ذلك عموم األمر ابجلهاد ،والرتغيب فيه ،والوعيد يف تركه ،قال تعاىل َ
ض }(البقرة :من اآلية ،)251وقال يف سورة اْلج ِ ض ُه ْم بِبَ ْع ٍ َِّ
ض لََف َس َدت ْاأل َْر ُ َّاس بَ ْع َ
اّلل الن َ
ص َو ِام ُع }...اآلية (اْلج :من اآلية. )40 اّللِ النَّاس ب عضهم بِب ع ٍ ِ
ت َ
ض َهلُّد َم ْ {ولَْوال َدفْ ُع َّ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ
وكل من قام ابجلهاد يف سبيل هللا فقد أطاع هللا وأدى ما فرضه هللا ،وال يكون اإلمام إماماً
إال ابجلهاد ،ال أنه ال يكون جهاد إال إبمام( ) .الدرر . )200 - 199/8
(حنن اليوم أمام تيار جديد وهو تيار ربط األحكام واْلقوق الشرعية وشعائر الدين الظاهرة
ابْلاكم وابإلمام يف الوقت الذي هلؤالء األئمة واْلكام توجهات ختالف الشريعة ،فيؤدي إىل
تعطيل هذه الشعائر أو جعلها أداة للسياسة ،فبدل أن تكون السياسة َتبعة للدين أصبح
العكس حَّت قال بعضهم ،الدين َيدم السياسة ..
وإذا كان املعطلة من جهمية ومعتزلة وأشعرية وغريهم قد ّأولوا آًّيت وأحاديث الصفات
وحرفوها إىل أصوهلم الباطلة ،فإن هؤالء ّأولوا وحرفوا اآلًّيت واألحاديث املتعلقة ابجلهاد والقيام
ابلشعائر الظاهرة واْلقوق والواجبات الشرعية وخصوها ابْلكام مع تعطيل اْلكام هلا ....
مذهب اإلمامية املعاصرة قائم على أّنم يوجبون على اإلنسان إتباع املذهب الفقهي السياسي
املناسب للحكام أو املذهب الوطين أو اإلقليمي أو الدوِل أو العاملي ،وهو جزء من توجه
املنهزمني واملتخاذلني ال كثرهم هللا ،وجزء من توجه املرجئة املعاصرة املصانعني للحكام) .اه
*****
قوله :
وتر َك ِ
القتال يف ِ
األئمة ْ وتر َك ِ
قتال ّ
ِ
لزوم اجلماعة ْ
ِ
السنّةَ : ِ
أصول ِ
أهل ّ (ذلك أل ّن ِمن
ِ
الفتنة)..
التعليق :
ترك قتال األئمة ليس على إطالقه فحرمة اخلروج عليهم مشروطة ِبمور مبينة يف السنة
وقد ذكرت هذا األمر بشيء من التفصيل يف رسالة "اإلنتصار" فقلت هناك :
( إن النصوص الشرعية قيدت وجوب السمع والطاعة لإلمام بتطبيق شرع هللا .
وهلذا قال عليه الصالة والسالم ( :إن أمر عليكم عبد أسود جمدع يقودكم بكتاب هللا
فاَسعوا له وأطيعوا) فقيد وجوب طاعته بكونه يقود بكتاب هللا .
وهذا القيد املذكور ورد يف رواًّيت :مسلم وأمحد وأيب عوانة والنسائي وابن حبان والطرباين
يف املعجم األوسط .
والرواًّيت اليت مل يرد فيها هذا القيد يتعني محلها على هذه املقيدة ملا علم من وجوب محل
املطلق على املقيد .
ومن ذلك تقييده صلى هللا عليه وسلم ْلرمة اخلروج على أئمة قريش ابستمرارهم على
إقامة الدين :
فقد روى اإلمام البخاري يف صحيحه عن معاوية :قال َ:سعت رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم يقول :إن هذا األمر يف قريش ال يعاديهم أحد إال كبه هللا على وجهه ما أقاموا الدين .
وإذا كانت حرمة اخلروج مشروطة إبقامة الدين ابلنسبة ألئمة قريش الذين هم أشرف
األئمة فمن دوّنم أوىل .
ومن ذلك أيضا تقييده صلى هللا عليه وسلم ْلرمة اخلروج على األئمة إبقامة الصالة :
عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال خيار أئمتكم الذين حتبوّنم وحيبونكم ويصلون
عليكم وتصلون عليهم ،وشرار أئمتكم الذين تبغضوّنم ويبغضونكم وتلعنوّنم ويلعنونكم ،قيل
ًّي رسول هللا أفال ننابذهم ابلسيف؟ قال :ال ما أقاموا فيكم الصالة .
فدلت هذه الرواًّيت كلها على ثالث قيود ْلرمة اخلروج على اإلمام هي :
والقيد الرابع كونه مل َيرج من دائرة اإلسالم وقد نص عليه النِب صلى هللا عليه وسلم بقوله
فيما رواه البخاري وغريه عن عبادة بن الصامت رضي هللا عنه قال :
(دعاان النِب صلى هللا عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن ابيعنا على السمع
والطاعة يف منشطنا ومكرهنا وعسران ويسران وأثرة علينا وأن ال ننازع األمر أهله إال أن تروا كفرا
بواحا عندكم من هللا فيه برهان ).
واعلم أن هذه الشروط األربع ملنع اخلروج على اإلمام هي من قبيل الشرط على البدل
الذي يعين أنه يكفي وجود أحد الشروط لتحقق املشروط كقولك إن قام زيد أو خرج فأعطه
الثوب فإنه يستوجب إعطاء الثوب ِبحد األمرين وال يشرتط توفر الشرطني ،وإىل هذا أشار يف
" املراقي " بقوله :
فمشروعية اخلروج على اإلمام حاصلة ابنتفاء أحد القيود السابقة :
اْلكم بكتاب هللا أو إقامة الدين أو إقامة الصالة أو عدم اخلروج من اإلسالم .
ونستنتج من هذا كله مشروعية اخلروج على اْلكام املعطلني للشرع بغض النظر عن
تكفريهم ) اه .
*****
قوله :
التعليق :
فهو إذن السمع والطاعة يف املعروف وليس السمع والطاعة مطلقا كما يريد البعض .
( -1ال طاعة يف معصية هللا إّنا الطاعة يف املعروف) ابن حبان -البخاري -مسلم
( -2إال أن يؤمر مبعصية هللا فإنه ال طاعة يف معصية هللا عز وجل) مسند أيب عوانة
( -3فإذا أمر مبعصية فال َسع وال طاعة) لفظ البخاري
( -5ال طاعة يف معصية هللا ) عند البزار يف حديث عمران بن حصني واْلكم بن عمرو
الغفاري
( -6ال طاعة ملن عصى هللا ) حديث عبادة بن الصامت عند أمحد والطرباين
" ال طاعة يف معصية هللا " أي ال جتب بل حترم على من كان قادراً على االمتناع ....وهذا
تقييد ملا أطلق يف األحاديث املطلقة القاضية بطاعة أوِل األمر على العموم ،والقاضية ابلصرب
على ما يقع من األمري مما يكره ،والوعيد على مفارقة اجلماعة ،واملراد قوله " ال طاعة يف معصية
هللا " نفي اْلقيقة الشرعية ال الوجودية ،وقوله " إّنا الطاعة يف املعروف " فيه بيان ما يطاع فيه
أولوا األمر وهو األمر ابملعروف ال ما كان منكراً ،واملراد ابملعروف ما كان من األمور املعروفة
يف الشرع ال املعروف يف العقل أو العادة ،ألن اْلقائق الشرعية مقدمة على غريها على ما تقرر
يف األصول ] ا.ه
واملشكلة أن اْلكام اليوم كل أوامرهم معاصي ألّنم حيكمون بغري ما أنزل هللا ويتبعون
نظما ُمالفة لشرع هللا .
ومبا أن نسبة طاعتهم مطردة مع نسبة انقيادهم لشرع هللا فيجب اليوم نزع اليد من طاعتهم
ألّنم نزعوا أيديهم من االنقياد لشرع هللا .
*****
قوله :
ال بد عند ه ذا الكالم من حتقيق مسألة مهمة وهي :من هو اإلمام اجلائر الذي ّنينا
عن اخلروج عليه
إن املخالفات الصادرة من اإلمام اجلائر الذي أمرت األحاديث ابلصرب على طاعته ال
تصل إىل درجة تبديل شرع هللا واْلكم مبا عداه؛ بل هي أدىن من ذلك وأيسر ،ومن أمثلتها :
وقوله « :تسمع وتطيع لألمري وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاَسع وأطع».
أمور تنكروّنا قالوا ًّي رسول هللا فما أتمران قال تؤدون
وقوله « :إّنا ستكون بعدي أثرةً و ٌ
اْلق الذي عليكم وتسألون هللا الذي لكم».
فهذا النوع من املخالفات واملعاصي هو الذي يعترب صاحبه إماما جائرا أما من عطل
اْلدود وألغى شرع هللا فهو كافر ال جائر وليس هو من أرشد النِب صلى هللا عليه وسلم ابلصرب
على طاعته ألن طاعة هذا النوع من اْلكام تعين هدم الدين من أساسه ومعاذ هللا أن َيمر
النِب صلى هللا عليه وسلم بذلك .
وقد حتدثت عن هذه املسألة أيضا يف رسالة "االنتصار" السابقة الذكر فقلت هناك :
(العلماء الذين حتدثوا عن وجوب طاعة اإلمام وإن جار ،مل يكونوا يعربون ابجلور عن
تعطيل اْلدود واْلكم بغري ما أنزل هللا ..
هذه هي املعاين اليت يذكرها العلماء ملعىن اإلمام اجلائر غري العدل .
قال املناوي عند اْلديث ( - 1790إن هللا تعاىل ليؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر):
(فال يتخيل يف إمام أو سلطان فاجر إذا محى بيضة اإلسالم أنه مطروح النفع يف الدين
لفجوره فيُ َج َّوز اخلروج عليه وخلعه ألن هللا تعاىل قد يؤيد به دينه ،وفجوره على نفسه فيجب
الصرب عليه وطاعته يف غري إمث) .فيض القدير )328 / 2( -
وقال أبو عبد هللا حممد بن يوسف العبدري الشهري ابملواق (ت 897 :ه ) :
(قال عياض يف إكماله :مجهور أهل السنة من أهل اْلديث والفقه والكالم أنه ال َيلع
السلطان ابلفسق والظلم وتعطيل اْلقوق ) .التاج واإلكليل )35 / 12( -
(وقد أمجع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان املتغلب واجلهاد معه وأن طاعته خري من
اخلروج عليه ملا يف ذلك من حقن الدماء وتسكني الدمهاء ) .فتح الباري -ابن حجر 13( -
)7 /
ومل أر يف شيء من كالم أهل العلم ما يدل على أّنم يعتربون أن اإلمام اجلائر الذي
حذرت من اخلروج عليه النصوص الشرعية يدخل فيه ذلك الذي عطل اْلدود وألغى املناهج
الشرعية ) اه .
فحكام زماننا الذين حياربون شرع هللا ال ميكن أن يقاسوا حبكام اجلور من األمويني
والعباسيني الذين مل يكن هلم شرع حيتكمون إليه سوى شرع هللا .
ومع ذلك فقد خرج عليهم العلماء والتابعون وأهل اْلسبة يف القرون الثالثة املزكاة .
(وأما قوله أال ننازع األمر أهله فقد اختلف الناس يف ذلك فقال القائلون منهم أهله أهل
العدل واإلحسان والفضل والدين مع القوة على القيام بذلك فهؤالء ال ينازعون ألّنم أهله وأما
أهل اجلور والفسق والظلم فليسوا ِبهل له
واحتجوا بقول هللا عز و جل إلبراهيم {إين جاعلك للناس إماما قال ومن ذرييت قال ال
ينال عهدي الظاملني } البقرة 124
ذهب إىل هذا طائفة من السلف الصاحل واتبعهم بذلك خلف من الفضالء والقراء
والعلماء من أهل املدينة والعراق؛ وَبذا خرج بن الزبري واْلسني على يزيد وخرج خيار أهل
العراق وعلماؤهم على اْلجاج ،وهلذا أخرج أهل املدينة بين أمية عنهم وقاموا عليهم فكانت
اْلرة) االستذكار .)16 / 5( -
وإّنا قلنا َبذا القول مصريا إىل اجلمع بني أحاديث النِب صلى هللا عليه وسلم ،فإنه كما
ثبت عنه النهي عن اخلروج على أئمة اجلور ثبت عنه أيضا األمر مبجاهدة بعضهم ابأليدي
فقد روى مسلم يف صحيحه عن عبد هللا بن مسعود أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال
( :ما من نِب بعثه هللا يف أمة قبلي إال كان له من أمته حواريون وأصحاب َيخذون بسنته
ويقتدون ِبمره مث إّنا ختلف من بعدهم خلوف يقولون ما ال يفعلون ويفعلون ما ال يؤمرون
فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن
وليس وراء ذلك من اإلميان حبة خردل) .
وقد كان اْلواريون واألصحاب الذين أخذوا بسنة النِب صلى هللا عليه وسلم واقتدوا ِبمره
هم اخللفاء الراشدون .
مث جاء من بعد اخللفاء الراشدين خلوف من األمراء يقولون ما ال يفعلون ويفعلون ما ال
يؤمرون وأخرب النِب صلى هللا عليه وسلم مبشروعية جماهدِتم ابأليدي فقال ( :فمن جاهدهم
بيده فهو مؤمن).
والذي يظهر وهللا أعلم أن هذا من العلم الذي كتمه أبو هريرة خشية ِبس األمراء؛ فقد
روى البخاري عن سعيد املقربي عن أيب هريرة قال :
(حفظت من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعاءين فأما أحدمها فبثثته وأما اآلخر فلو
بثثته قطع هذا البلعوم).
(لقطع هذا يعين رأسه ومحل العلماء الوعاء الذي مل يبثه على األحاديث اليت فيها تبيني
أسامي أمراء السوء وأحواهلم وزمنهم وقد كان أبو هريرة يكىن عن بعضه وال يصرح به خوفا
على نفسه منهم كقوله أعوذ ابهلل من رأس الستني وإمارة الصبيان يشري إىل خالفة يزيد بن
معاوية ألّنا كانت سنة ستني من اهلجرة واستجاب هللا دعاء أيب هريرة فمات قبلها بسنة
...وإّنا أراد أبو هريرة بقوله قطع أي قطع أهل اجلور رأسه إذا َسعوا عيبه لفعلهم وتضليله
لسعيهم ) فتح الباري -ابن حجر )216 / 1( -
(قوله :وأما اآلخر لو بثثته قطع هذا البلعوم ،-قال املهلب ،وأبو الزاند :يعىن أّنا
عرف به صلى هللا عليه وسلم من فساد الدين ،وتغيري كانت أحاديث أشراط الساعة ،وما ّ
األحوال ،والتضييع ْلقوق هللا تعاىل ،كقوله صلى هللا عليه وسلم :متت يكون فساد هذا
الدين على يدى أغيلمة سفهاء من قريش ،-وكان أبو هريرة يقول :لو شئت أن أَسيهم
ِبَسائهم ،فخشى على نفسه ،فلم يصرح ) شرح صحيح البخارى البن بطال / 1( -
.)195
ومهما يكن من أمر فإن قوله صلى هللا عليه وسلم (:فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن) مع
قوله « :تسمع وتطيع لألمري وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاَسع وأطع» .دال على أن أمراء
اجلور قد يكون اخلروج عليهم مشروعا ،وقد يكون ممنوعا ،ويف ذلك مجع بني األحاديث الواردة
يف املوضوع ،وال شك أن اجلمع بني النصني أوىل من إلغاء أحدمها كما قال الشيخ سيدي عبد
هللا يف املراقي :
وعليه فإن اخلروج على األمراء يكون ممنوعا إذا كان فسقهم يتعلق ببعض املعاصي
واالستئثار ابألموال وحنو ذالك من الضرر الذي ميكن حتمله .
ويكون مشروعا إذا استفحل خطرهم وعم ضررهم وكانت مفسدة بقائهم يف اْلكم أعظم
من مفسدة اخلروج عليهم ..فينبغي ارتكاب أهون الشرين وحتقيق أعظم املصلحتني كما قام
اخلضر خبرق السفينة وقتل الغالم .
وانطالقا من هذه القاعدة وحدها ميكن القول مبشروعية اخلروج على أمراء اجلور إذا كان
ضرر بقائهم أعظم من ضرر اخلروج عليهم .
ففي هذا القول تطبيق هلذه القاعدة الشرعية و فيه مجع بني النصوص وفيه أيضا توجيه
سليم الختالف الصحابة والتابعني يف اخلروج على أمراء اجلور الذين عاصروهم فالذين رأوا
مشروعية اخلروج عليهم اعتربوا أن مفسدة بقائهم يف اْلكم أعظم من مفسدة اخلروج ،والذين
رأوا منع اخلروج غلبوا مفسدة اخلروج على مفسدة بقائهم يف اْلكم .
أما اعتبار اخلروج على أئمة اجلور ممنوعا دائما ففيه إلغاء هلذه القاعدة الشرعية وفيه إلغاء
لبعض النصوص وفيه جتري لبعض األخيار من السلف الذين نعتربهم قدوة لنا .
(فإذا كان أهل اْلق يف عصابة ميكنهم الدفع وال ييئسون من الظفر ففرض عليهم ذلك
وإن كانوا يف عدد ال يرجون لقلتهم وضعفهم بظفر كانوا يف سعة من ترك التغيري ابليد وهذا
قول علي بن أيب طالب رضي هللا عنه وكل من معه من الصحابة وقول أم املؤمنني عائشة رضي
هللا عنها وطلحة والزبري وكل من كان معهم من الصحابة وقول معاوية وعمرو والنعمان بن بشري
وغريهم ممن معهم من الصحابة رضي هللا عنهم أمجعني وهو قول عبد هللا بن الزبري وحممد
واْلسن بن علي وبقية الصحابة من املهاجرين واألنصار والقائمني يوم اْلرة رضي هللا عن
مجيعهم أمجعني وقول كل من أقام على الفاسق اْلجاج ومن وااله من الصحابة رضي هللا عنهم
مجيعهم كأنس بن مالك وكل من كان ممن ذكران من أفاضل التابعني كعبد الرمحن ابن أيب ليلى
وسعيد بن جبري وابن البحرتي الطائي وعطاء السلمي األزدي واْلسن البصري ومالك بن دينار
ومسلم بن بشار وأيب اْلوراء والشعِب وعبد هللا بن غالب وعقبة بن عبد الغافر وعقبة بن
صهبان وماهان واملطرف بن املغرية ابن شعبة وأيب املعد وحنظلة بن عبد هللا وأيب سح اهلنائي
وطلق بن حبيب واملطرف بن عبد هللا ابن الشخري والنضر بن أنس وعطاء بن السائب وإبراهيم
بن يزيد التيمي وأيب اْلوسا وجبلة بن زحر وغريهم مث من بعد هؤالء من َتبعي التابعني ومن
بعدهم كعبد هللا بن عبد العزيز ابن عبد هللا بن عمر وكعبد هللا بن عمر وحممد بن عجالن ومن
خرج مع حممد بن عبد هللا بن اْلسن وهاشم بن بشر ومطر ومن أخرج مع إبراهيم بن عبد هللا
وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأيب حنيفة واْلسن بن حيي وشريك ومالك والشافعي
وداود وأصحاَبم فإن كل من ذكران من قدي وحديث أما انطق بذلك يف فتواه وأما الفاعل
لذلك بسل سيفه يف إنكار ما رآه منكرا ) اه من الفصل يف امللل واألهواء والنحل / 4( -
.)132
وأما وصية بعض السلف دائما ابلتحذير من اخلروج على أئمة اجلور فهي مل تصدر يف
سياق اإلخبار عن حكم شرعي اثبت وإّنا كانت اجتهادا أملته مصلحة الواقع وانعكاساته
فهي ال تعدوا كوّنا استمرارا ملذهب السلف الذين مل يكونوا يرون مشروعية اخلروج على اْلجاج
وأمثاله نظرا ملا يرتتب عليه ذالك اخلروج ،ويبقى أن من حقنا االستمرار على مذهب السلف
الذين رأوا مشروعية اخلروج فاملتبع هلؤالء أيضا متبع للسلف .
وقد نبه ابن حزم إىل أن القول ابملنع املطلق للخروج على أئمة اجلور ال يسوغ شرعا ملا
يرتتب عليه من مفاسد حيث قال :
(ويقال هلم ما تقولون يف سلطان جعل اليهود أصحاب أمره والنصارى جنده وألزم
املسلمني اجلزية ومحل السيف على أطفال املسلمني وأابح املسلمات للزان ومحل السيف على
كل من وجد من املسلمني وملك نساءهم وأطفاهلم وأعلن العبث َبم وهو يف كل ذلك مقر
ابإلسالم معلن به ال يدع الصالة ؟
فإن قالوا :ال جيوز القيام عليه ،قيل هلم أنه ال يدع مسلما إال قتله مجلة وهذا إن ترك
أوجب ضرورة أن ال يبقى إال هو وحده وأهل الكفر معه !
فإن أجازوا الصرب على هذا خالفوا االسالم مجلة وانسلخوا منه وإن قالوا بل يقام عليه
ويقاتل وهو قوهلم قلنا هلم فان قتل تسعة أعشار املسلمني أو مجيعهم إال واحد منهم وسىب من
نسائهم كذلك وأخذ من أمواهلم كذلك فان منعوا من القيام عليه تناقضوا وان أوجبوه سألناهم
عن أقل من ذلك وال نزال حنطهم إىل أن نقف َبم على قتل مسلم واحدا أو على امرأة واحدة
أو على أخذ مال أو على انتهاك بشرة بظلم فان فرقوا بني شيء من ذلك تناقضوا وحتكموا
بال دليل وهذا ماال جيوز وان أوجبوا إنكار كل ذلك رجعوا إىل اْلق) اه الفصل يف امللل
واألهواء والنحل )135 / 4( -
لكن ليس من املسلم قول ابن حزم :أن التفريق بني قتل الكثري من املسلمني وقتل الواحد
تفريق بال دليل .
فالتفريق بينهم قائم على دليل واضح وهو :املقارنة بني مفسدة اخلروج ومفسدة بقاء
اجلور واحتمال أخفهما وإزالة أعظمهما .
وهذه االحتماالت اليت ذكر ابن حزم تبني يف جمملها أن القول إبطالق املنع للخروج على
أهل اجلور قد يكون ذريعة لتحمل املفاسد العظيمة اليت ما شرع الصرب على جور األئمة إال
لتفاديها .
وانطالقا من قاعدة أن املعلول يدور مع العلة وجودا وعدما فإنه يتعني القول ِبن اخلروج
علي أئمة اجلور ال مينع إال إذا كانت مفسدة اخلروج أعظم من مفسدة استمرار اجلور .
فنحن اليوم أمام حكام مبدلني لشريعة الرمحن وموالني ألعداء اإلسالم ..
فاْلديث عن وجوب طاعتهم قبل اْلديث عن إثبات إسالمهم هو من قبيل النقش قبل
إثبات العرش .
قوله :
كلمة املسلمني ،ويرتتّب عليه ِمن إر ِ
اقة ُّت ِ وخالف وسبب لتشت ِ ٌ إبعادهم فُ ْرقَةٌ
(أل ّن َ
ْ ُ ٌ
ط علي ِه ُمسلِّ ُ ضعِ ُ احلقوق ِ
وعدم استقرا ِر األم ِن ما يُ ْ ِ ال ّد ِ
ف َش ْوَكةَ املسلمني ويُ َ ماء وضيا ِع
األعداءَ.) ،
هذا قد يكون صحيحا ابلنسبة للخروج على اْلاكم اجلائر لفسق أو لعدم أداء حقوق
الرعية؛ أما اإلمام املبدل لشرع هللا واملواِل ألعداء هللا فبقاؤه يف اْلكم من أعظم املفاسد ألنه
يفسد على الناس أمر دينهم وهذه هي الفتنة بعينها اليت قال هللا تعاىل يف شأّنا { :والفتنة
أشد من القتل }.
فمفسدة القتل واالضطراب أهون من مفسدة الفتنة يف الدين والردة عن دين هللا ابلتحاكم
إىل غري شرع هللا ومواالة أعداء هللا .
(ولو اقتتلت اْلاضرة والبادية حَّت يفنو عن بكرة أبيهم لكان أهون من أن ينصبوا طاغوَت
يف األرض حيتكمون إليه) .
(وقال بع ضهم :إن يف القيام إابحة اْلري وسفك الدماء وأخذ األموال وهتك األستار
وانتشار األمر .فقال هلم اآلخرون :كال ألنه ال حيل ملن أمر ابملعروف وّنى عن املنكر أن
يهتك حرميا وال أن َيخذ ماال بغري حق وال أن يتعرض ملن ال يقاتله فإن فعل شيئا من هذا
فهو الذي فعل ما ين بغي أن يغري عليه وأما قتله أهل املنكر قلوا أو كثروا فهذا فرض عليه وأما
قتل أهل املنكر الناس وأخذهم أمواهلم وهتكهم حرميهم فهذا كله من املنكر الذي يلزم الناس
تغيريه .وأيضا فلو كان خوف ما ذكروا مانعا من تغيري املنكر ومن األمر ابملعروف لكان هذا
بعينه مانعا من جهاد أهل اْلرب وهذا ماال يقوله مسلم وإن دعى ذلك إىل سِب النصارى
نساء املؤمنني وأوالدهم وأخذ أمواهلم وسفك دمائهم وهتك حرميهم وال خالف بني املسلمني
يف أن اجلهاد واجب مع وجود هذا كله وال فرق بني األمرين وكل ذلك جهاد ودعاء إىل القرآن
والسنة) اه الفصل يف امللل واألهواء والنحل )134 / 4( -
إن الدين يتعرض اليوم حملنة عظيمة وفتنة مل يتعرض هلا على مر عصور اإلسالم ..
الدين اليوم يتعرض لفتنة تنحية الشريعة عن واقع الناس وحياِتم وإحالل القوانني الوضعية
حملها ..
وهذه وهللا فتنة عظيمة تفوق فتنة القول خبلق القرآن اليت تصدى هلا العلماء وضحوا يف
سبيل وقفها ابملهج واألرواح .
وحنن اليوم أمام فتنة ترسيخ القوانني الوضعية وتنحية الشريعة اإلسالمية يف حاجة إىل
التضحية ابلغاِل والنفيس ..
ويف حاجة إىل بذل الدماء الطاهرة النقية لكي تبقى شريعة هللا طاهرة نقية ..
*****
قوله :
جواز إقرا ِر احل ّك ِام ووالةِ األموِر على ما هم عليه من املعاصي (وليس معىن ذلك َ
حدود ما وسعه من قدرةٍِ وإنكارها يف ِ
ُمالفاهتم الواجب كراهيةُ ش ِ
رعيّ ِة ،وإ ّّنا ٍ
واملخالفات ال ّ
ُ ُ
موجات من االضطر ِ
اابت ٍ ِ
إحداث يد من ٍ
طاعة أو املناصحة والتّغي ِري ،من غ ِري نز ِع ٍ
ِ على
ِ
والقذف شتائ ِم الس ِ
باب وال ّ ِ ِ َ ِ واملشاغَ ِ
واملظاهرات واالعتصامات واملنشورات ،وأنوا ِع ّ بات
ِ
اإلخالل ِ
وسائل ِ
ابحلديد والنّا ِر ،وغ ِريها من اخلروج عليه
ِ لطان وأعوانِه ،أو املوج ِه للس ِ
َّ ّ
غري ٍ ٍ ِ
ِ ٍ ابألم ِن واالستقرا ِر ،سواء كان
منتظما على هيئة ف َرق حزبيّة جهاديّة ،أو َ ً اخلروج عليه
ُ
حال الثُّوا ِر الذين مل يصربوا على َج ْوِر احل ّك ِام وظُل ِ
ْمهم) ، منتظ ٍم كما هو ُ ّ
التعليق :
هذا الكالم يقال يف حق املنكرات العامة والبسيطة اليت قد تضر فاعلها وحده ويسلم
املنكر عليه؛ أما فرض األنظمة الكفرية والقوانني الوضعية فليس من األمور اليت ميكن ان تنكر
إنكارا خفيفا ألن السكوت عليها سكوت على الكفر .
*****
قوله :
التعليق :
هذا كالم ابطل فإن هذه اجلماعات اجلهادية اليوم تقوم جبهاد الدفع الذي ال حيتاج إىل
إذن اإلمام وال وجوده.
ومع ذ لك فإن معظم هذه اجلماعات جتاهد اليوم جمتمعة حتت إمرة إمام واحد تدين له
ابلسمع والطاعة وهو متصف جبميع األوصاف اليت تشرتط لإلمام ولكن املشكلة أن بعض
الفقهاء املعاصرين أصبح يعترب أن من شروط اإلمام اعرتاف األمم املتحدة إبمامته !!
*****
قوله :
األمري لفظة مشرتكة تطلق على أمري اجليش وعلى اإلمام األعظم .
وال توجد قرينة تدل على أن املراد ابألمري يف اْلديث اإلمام األعظم ،وحَّت لو كان هو
املراد فإن وجوده وقت نزول عيسى ال يدل على أنه كان موجودا دائما .فليس يف اْلديث
داللة على ما ذكر .
*****
قوله :
ال إعداد ٍ
وبناء فإ ّن الطّائفةَ املنصورةَ ال تز ُ واحتاجت املرحلةُ إىل ٍ ِ طشرو ُ ت ال ّ(فإ ْن ختلَّ َف ِ
ِ ِ ابحلج ِة ِ ِ
ال هللاُ
احلديث« :الَ يَ َز ُ املعنوي ،وقد جاء يفُّ القتال
ُ والربهان وهو مبقوماهتا جتاه ُد ّ ّ
ِ ِ ِ
س يَ ْستَ ْعملُ ُه ْم ِيف طَ َ ِ ِ
س ِيف َه َذا ال ّدي ِن بغَْر ٍ
اعته» َع َّز َو َج َّل يَ ْغ ِر ُ
التعليق :
بينا بطالن تلك الشروط وبينا أن اإلعداد ال يبيح ترك اجلهاد املتعني ،وبينا أن االشتغال
ابجلهاد ابْلجة ال يسقط وجوب اجلهاد ابلسيف .
و استدالله ابْلديث األخري خارج عن املوضوع ألنه حديث عام ال داللة فيه على شيء
مما يريد .
وهللا اعلم
وصلى هللا على سيدان حممد وعلى آله وصحبه أمجعني .