You are on page 1of 35

1

‫‪2‬‬

‫( اجلسء األول )‬

‫الحمد هلل ‪ ,‬والصالة والسالم على أشرف الخلق ‪ ...‬وبعد ‪:‬‬


‫كتب األستاذ الفاضل سعد العجمي كتابا عن حجية فهم السلف ‪ ,‬ينتقد فيو تقريرات السلفية ادلعاصرة يف‬
‫تعاملها مع مبدأ ( االلزاـ بفهم السلف ) ‪ ,‬وقد كتبت تقريرا سلتصرا عن كتابو ‪ ,‬ضمنتو عددا من األغبلط‬
‫ادلنهجية اليت وقع فيها ‪ ,‬مبينا وجو غلطو ‪ ,‬بقدر من االستدالؿ اإلرتايل ‪ ,‬ومل أقصد إىل النقد التفصيلي دلا يف‬
‫الكتاب ‪ ,‬مع أين قد أشرت إىل أين سأقوـ بذلك ‪.‬‬

‫مث كتب سلمو اهلل تعقيبا على قراءيت النقدية لكتابو ‪ ,‬وقد تضمن تعقيبو عددا من األغبلط يف الفهم واخلروج‬
‫عن ادلوضوع ‪ ,‬ودخوؿ يف موضوعات أخرى ليست ىي ادلقصودة بالكبلـ ادلطروح ‪ ,‬وتضمن عددا من األفكار‬
‫الصائبة ‪.‬‬

‫وقد افتتح تعقيبو بكبلـ طويل عن كتابو ‪ ,‬وأنو كاف من أكثر الكتب مبيعا يف بعض ادلعارض ‪ ,‬وأف الناس‬
‫أقلبوا عليو إقباال كبَتا ‪.‬‬

‫وذكر أف (( سيوؼ الردود مشرعة على الكتاب من أكثر من بروفيسور وأس ػ ػ ػ ػ ػتاذ جامعي وباحث وطالب‬
‫علم )) ‪ ,‬وكاف ىذا يف سياؽ الثناء على كتابو وبياف أمهيتو ‪.‬‬

‫ومل يكتف بذلك ‪ ,‬بل صور أف اتبػ ػ ػ ػ ػ ػاع ادلذىب السػ ػ ػ ػ ػلفي يعيش ػ ػ ػ ػ ػوف حالة من االضػ ػ ػ ػ ػ ػطراب والقلل من كتابو‬
‫( فهم بُت ناقد وناقم ‪ ,‬وغاضب وشامت ) ‪.‬‬

‫وبغض النظر عن دقة وصفو ومطابقتو للواقع ‪ ,‬فإف كثرة الردود على حبث ما ليس دليبل على أمهيتو وال على‬
‫قوتو العلمية ‪ ,‬وإمنا يف أحياف كثَتة قد تكوف راجعة إىل طبيعة ادلوضوع ‪ ,‬وىذه الطبيعة ال فضل للباحث فيو إال‬
‫أنو شارؾ فقط ‪ ,‬وقد تكوف راجعة إىل أسلوبو ادلستفز وعباراتو االستعبلئية أو غَت ذلك ‪.‬‬

‫ولو كانت كثرة الردود دليبل على أمهية حبث ما وقوتو العلمية لكاف كتاب اإلسبلـ وأصوؿ احلكم لعلي‬
‫عبدالرازؽ من أقوى الكتب وأكثرىا دتاسكا ‪ ,‬واحلقيقة أف األمر ليس كذلك ‪.‬‬

‫ولو أف الباحث ترؾ مثل ىذه ادلقدمة اليت تدؿ يف احلقيقة على أحد أمرين إما استعبلء ال يليق بباحث عن‬
‫احلق وإما شك وتردد يف قيمة ما جاء بو ‪ ,‬وترؾ احلكم للناس لكاف ذلك أكمل وأحسن ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وحىت ال يكوف الكبلـ دائرا حوؿ آراء ومقاالت خارجة عن صلب ادلوضوع ‪ ,‬اخًتت أف يكوف تعقييب عليو‬
‫ىذه ادلرة متعلقا بادلوضوعات نفسها ‪ ,‬من غَت وقوؼ مع أغبلطو التفصيلية اليت وقع فيها يف تعقيبو األخَت ‪ ,‬ومع‬
‫ذلك سأعلق على كل ما يستحق التعليق ‪ ,‬ولكن ذلك سيكوف بالتبع ال بالقصد ‪.‬‬

‫وأكرر ما قلتو عن الكتاب من قبل ‪ ,‬فالكتاب بالنسبة للجادين في البحث العلمي يمثل صدمة وخيبة‬
‫أمل ‪ ,‬فهو لم يقدم يحثا مثريا للقضية المركزية التي تناولها ‪ ,‬وإنما قدم تصورا سطحيا عن مفهومها‬
‫وحدودىا وأدلتها عند المؤسسين لها ‪ ,‬وحديثا طويال عن فروع متعلقة بها ال أثر لها في صلبها ‪.‬‬

‫وسيكون الحديث في ىذه الورقة مركزا على إثبات ىذه الحقيقة ‪ ,‬وذلك عبر األمور التالية ‪:‬‬

‫األمر األول ‪ :‬فهه الصلف بني املعيارية واشتعنال املعاصرين ‪.‬‬


‫تعد قضية فهم السلف قضية زلورية يف ادلدرسة السلفية يف القدمي واحلديث وليس ادلعاصرة فقط ‪ ,‬فهي من‬
‫األصوؿ الكربى اليت دتيزت هبا عن غَتىا من ادلدارس ‪ ,‬فكما أف ادلدرسة الكبلمية دتيز عن غَتىا من ادلدارس‬
‫بقضية تقدمي العقل على النقل ‪ ,‬وزلاكمة النقل إىل أصوؿ العقلية ‪ ,‬فإف ادلدرسة السلفية دتيز بالتسليم لفهم‬
‫السلف ‪ ,‬واالنطبلؽ منو يف فهم النصوص الشرعية ‪.‬‬

‫ومقتضى ىذا أف القاصد إىل نقد السلفية يف أصلها الذي امتازت بو جيب عليو أف يتتبع ذلك األصل ‪,‬‬
‫وحيرص على الوقوؼ على أىم ما قيل فيو ‪ ,‬وأف حيرر مقاالت أئمة السلفية فيو وحيدد أصوؿ أدلتهم ألهنم‬
‫ادلؤسسوف ذلذا األصل احملوري ‪ ,‬وذلك ال يكوف إال جبمع مقاال أئمة السلف ادلقدمُت ومقاالت ابن تيمية وابن‬
‫القيم يف ىذه القضية وحتليلها ‪ ,‬مث بعد ذلك تكوف احملاكمة للمعاصرين تصويبا وختطئة ‪.‬‬

‫ولكن الباحث مل يصػ ػ ػ ػنع ذلك يف كتاب يزعم أنو أقوى كتاب يف نقد مبػ ػ ػدأ فهم السلف عند ادلدرسة‬
‫السلفية ‪ ,‬وإمنا اقتصر على تقريرات عدد من ادلعاصرين ‪ ,‬وال شك أف قدرا منهم يعد من الرموز ادلؤثرين ‪ ,‬وحاوؿ‬
‫أف يصور ذلك ادلبدأ من خبلؿ ما يقولونو ‪.‬‬

‫وىذا خلل يف دراسة ادلدارس الضخمة يف مسائلها احملورية ‪ ,‬إف مثل األستاذ العجمي مثل رجل أراد أف ينتقد‬
‫مبدأ تقدمي العقل على النقل عند األشاعرة ‪ ,‬فذىب إىل ادلعاصرين ورتع نفرا منهم ‪ ,‬بعضهم من الرموز ادلؤثرين‬
‫وبعضهم ليس كذلك ‪ ,‬ورتع أقواذلم وقاـ بتحليلها ‪ ,‬ومل حيرر رؤية ادلؤسسُت للمذىب يف ىذه القضية ومل يقف‬
‫معها ومل جيمع ادلتهم ومل يناقشها ‪ ,‬مث طفق يقوؿ ‪ :‬نقدت ادلدرسة األشعرية يف أصوذلا وبينت هتافتها! ‪ ,‬فكيف‬
‫إذا رتع مع ذلك اخلطأ يف دراسة ما عليو ادلعاصرين والقصور الشديد يف حتليلها ‪ ,‬كما صنع األسػ ػ ػ ػ ػ ػتاذ العجمي‬
‫‪4‬‬

‫يف السلفية؟! فإف اخللل سيكوف كربا ال زلالة ‪ ,‬وىذا ما نراه يف كتاب فهم السلف ‪.‬‬

‫أثرت عليو ىذه القضية ح ػ ػاوؿ اخلروج من ىذا اخللل الكبَت بأنو نص على أف دراسػ ػ ػتو للسلفية‬ ‫وحُت ُ‬
‫ادلعاصرة ‪ ,‬ألنو قاؿ يف العنواف الفرعي للكتاب ‪ (( :‬دراسة أصولية ألىم أصػ ػ ػوؿ ادلدرسة السلفية ادلعاصرة )) ‪ ,‬مث‬
‫قاؿ ‪ (( :‬فالدارسة كما ىو ظاىر يف أصوؿ ادلدرسة السلفية ادلعاصرة ‪ ,‬فبالتأكيد سيكوف احلديث مطوال عن أقواؿ‬
‫ادلعاصرين ادلنتسبُت ذلذه ادلدرسة )) ‪.‬‬

‫ولكن ىذا ال ينفعو وال يزيل الخلل المنهجي الذي وقع فيو ‪ ,‬وذلك ألمرين ‪:‬‬
‫األمر األول ‪ :‬أنا ال ننازعو يف أنو يدرس حالة السلفية ادلعاصرة ‪ ,‬ولكنو يدرسها يف أىم أصل من أصوذلا ‪,‬‬
‫فكاف الواجب ادلنهجي عليو أف حيرر ىذا األصل ومكانتو يف ادلدرسة من حيث األساس ‪ ,‬وجيمع األدلة اليت‬
‫اعتمدت عليها يف نسبة ىذا األصل إىل أئمة السلف ومناقشتها ‪ ,‬فمن ادلعلوـ أف ادلدرسة السلفية ادلعاصرة مل‬
‫تبتكر ىذا األصل ‪ ,‬وإمنا ىو مستقر شائع منذ العصور األوىل ‪ ,‬وىناؾ شواىد كثَتة على ذلك ‪ ,‬حرص أتباع‬
‫ادلدرسة السلفية على رتعها ورصدىا ‪ ,‬وىي تتطلب نقاشا شلن يقصد إىل الرد على السلفية ‪ ,‬فهل قاـ بو األستاذ‬
‫العجمي؟!‬

‫إف مثل ما قاـ بع العجمي مثل ذلك الذي درس ادلذىب األشعري يف أىم أصل من أصولو وفرط يف بيانو‬
‫عند ادلؤسسُت للمذىب ‪ ,‬وأعرض عن الشواىد اليت اعتمدوا عليها يف نسبة ذلك األصل إىل ادلؤسسُت ‪.‬‬

‫وحُت اعًتاضنا عليو قاؿ ‪ :‬أنا قلت يف العنواف الفرعي لكتاب ( دراسة أصولية ألىم أصل من أصوؿ ادلدرسة‬
‫األشعرية ادلعاصرة ) فإف ىذا ال يغنيو ‪ ,‬خاصة إذا علم أف معاصرين األشاعرة ال يساووف ادلتقدمُت يف التحرير‬
‫والضبط والوضوح ‪ ,‬وأف ادلعاصرين يذكروف شواىد من كبلـ أئمتهم على أصلهم ‪.‬‬

‫األمر الثاني ‪ (( :‬قوؿ فبالتأكيد أف يكوف احلديث مطوال عن ادلعاصرين )) ‪ ,‬خروج عن زلل البحث ‪ ,‬فنحن‬
‫ال ننقد عليو كثرة احلديث عن ادلعاصرين ‪ ,‬فهذا شأنو ‪ ,‬وإمنا ننقد عليو تفريطو يف حترير رؤية أئمة السلف‬
‫ادلتقدمُت ‪ ,‬فأوىم القراء بتعليقو ذلك أننا ننقد عليو كثرة النقل عن ادلعاصرين ‪ ,‬وىذا خلل فيو الفهم ‪.‬‬

‫*********************‬
‫‪5‬‬

‫األمر الثاني ‪ :‬املراد بفهه الصلف عند املتقدمني ‪:‬‬


‫مل يستخدـ أئمة السلف ادلتقدمُت رتلة ( فهم السلف ) وإمنا استعملوا عبارات أخرى كقوذلم ‪ ( :‬ما عليو‬
‫الصحابة ‪ ,‬ما عمل بو السلف ‪ ,‬ما قالو أئمة اذلدى ) ‪ ,‬وحنوىا من العبارات ‪.‬‬

‫ومع ذلك فتحديد ادلراد بفهم السلف عند ادلتقدمُت من أئمة السلف مهم يف نقاشنا لؤلستاذ العجمي ‪ ,‬ألنو‬
‫يكرر مرارا بأف السلفية ادلعاصرة أتت مبعٌت جديد لفهم السلف ليس موجودا عند ادلقدمُت ‪ ,‬فإثبات أف أئمة‬
‫السلف يقرروف ىذا األصل ‪ ,‬وأهنم يقصدوف بو اإلرتاع ينقض أصبل من األصوؿ األساسية اليت بٌت عليو نقده ‪.‬‬

‫واالحتجاج بفهم أئمة السلف وما كانوا عليو من الفهم للدين واالستدالؿ عليو قدمي ‪ ,‬فقد تشكل يف زمن‬
‫الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ , -‬ودعا إليو عدد من الصحابة ومن بعدىم ‪ ,‬وكلما ظهر جيل يذكر اجليل الذي‬
‫قبلو ‪.‬‬

‫ومن أشهر األقواؿ يف ذلك قوؿ ابن مسعود ‪ (( : -  -‬إف اهلل نظر يف قلوب العباد فوجد قلب زلمد‬
‫خَت قلوب العباد ‪ ,‬فبعثو برسالتو مث نظر يف قلوب العباد بعد قلب زلمد فوجد قلوب أصحابو خَت قلوب العباد ؛‬
‫فاختارىم لصحبة نبيو ونصرة دينو فما رآه ادلسلموف حسنا فهو عند اهلل حسن وما رآه ادلس ػ ػلموف قبيحا فهو عند‬
‫اهلل قبيح )) (‪.)1‬‬

‫ومن ادلعلوـ أف ابن مسعود ‪ -  -‬ال يقصد أفراد الصحابة ‪ ,‬وإمنا يقصد ما كاف عليو رلموعهم إما اتفاقا‬
‫أو سكوتا ( اإلرتاع السكويت ) ‪ ,‬بدليل أف بعض الصحابة كاف يريد على بعض وخيطئ بعضهم بعضا ‪ ,‬وىذا ما‬
‫قرره ابن القيم ‪ ,‬فإف ظاىر شرحو لوجو الداللة من األثر متعلق باإلرتاع السكويت ‪.‬‬

‫وقاؿ حذيفة بن اليماف ‪ (( : -  -‬كل عبادة مل يتعبَّدىا أصحاب زلمد ‪ -  -‬فبل تعبَّدوىا ‪ ,‬فإف‬
‫األوؿ مل يدع لآلخر مقاالً ؛ فاتقوا اهلل يا معشر القراء ‪ ,‬وخذوا بطريق من كاف قبلكم )) (‪.)2‬‬

‫وقاؿ ابن عباس ‪ -  -‬للخوارج ‪ (( :‬أتيتكم من عند أصحاب النيب ‪ : -  -‬ادلهاجرين واألنصار ‪,‬‬
‫ومن عند ابن عم النيب ‪ , -  -‬وعليكم نزؿ القرآف ‪ ,‬فهم أعلم بتأويلو منكم )) (‪. )3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجو الطيالسي يف مسنده (‪ , )243‬وصحح األثر عدد من العلماء ‪ ,‬وحسنو بعضهم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ادلبارؾ يف الزىد (‪. )47‬‬
‫(‪ )3‬رواه النسائي (‪. )8522‬‬
‫‪6‬‬

‫وقاؿ عمر بن عبد العزيز ‪ (( :‬قف حيث وقف القوـ وقل كما قالوا واسكت عما سكتوا ‪ ,‬فإهنم عن علم‬
‫وقفوا ‪ ,‬وببصر نافذ كفوا ‪ ,‬وىم على كشفها كانوا أقوى ‪ ,‬وبالفضل لو كاف فيها أحرى ‪ ,‬فلئن كاف اذلدى ما أنتم‬
‫عليو فلقد سبقتموىم إليو ‪ ,‬ولئن قلتم حدث بعدىم فما أحدثو إال من سلك غَت سبيلهم ورغب بنفسو عنهم ‪,‬‬
‫وإهنم ذلم السابقوف ‪ ,‬ولقد تكلموا منو مبا يكفي ‪ ,‬ووصفوا منو ما يشفي ‪ ,‬فما دوهنم مقصر وال فوقهم زلسر ‪,‬‬
‫لقد قصر عنهم ‪ ,‬قوـ فجفوا وطمح آخروف عنهم فغلوا ‪ ,‬وإهنم فيما بُت ذلك لعلى ىدى مستقيم )) (‪.)1‬‬

‫اصرب نفسك على السنة وقف حيث وقف القوـ واسلك سبيل السلف الصاحل فإنو‬ ‫((‬ ‫ويقوؿ األوزاعي ‪:‬‬
‫يسعك ما وسعهم وقل مبا قالوا وكف عما كفوا ولو كاف ىذا خَتا ما خصصتم بو دوف أسبلفكم فإنو مل يدخر‬
‫عنهم خَت خبئ لكم دوهنم لفضل عندكم )) (‪.)2‬‬

‫ويقوؿ قاؿ أبو العالية ‪ (( :‬عليكم باألمر األوؿ الذي كانوا عليو قبل أف يفًتقوا )) ‪.‬‬

‫ويقوؿ اإلماـ أزتد ‪ (( :‬أصوؿ السنة عندنا ‪ :‬التمسك مبا كاف عليو أصحاب رسوؿ اهلل ‪ , -  -‬واالقتداء‬
‫هبم )) (‪.)3‬‬

‫ويلخص البللكائي رتلة ذلك فيقوؿ ‪ (( :‬أوجب ما على ادلرء معرفة اعتقاد الدين ‪ ,‬وما كلف اهلل بو عباده‬
‫من فهم توحيده وصفاتو وتصديق رسلو بالدالئل واليقُت‪ ,‬والتوصل إىل طرقها واالس ػ ػتدالؿ عليها باحلجج‬
‫والرباىُت ‪ ,‬وكاف من أعظم مقوؿ ‪ ,‬وأوضح حجة ومعقوؿ ‪ :‬كتاب اهلل احلق ادلبُت ‪ ,‬مث قوؿ رسوؿ اهلل ‪-  -‬‬
‫وصحابتو األخيار ادلتقُت ‪ ,‬مث ما أرتع عليو السلف الصػ ػ ػاحلوف ‪ ,‬مث التمسك مبجموعها وادلقاـ عليها إىل يوـ‬
‫الدين ‪ ,‬مث االجتناب عن البدع واالستماع إليها شلا أحدثها ادلضلوف )) (‪.)4‬‬

‫ومعٌت ىذه اآلثار ظاىر نبُت ‪ ,‬فادلقصود هبا أف الفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة ىو الفهم الذي كاف‬
‫عليو الصحابة ‪ -‬رضواف اهلل عليهم ‪ -‬مبجموعهم وما اتبعو عليو التابعوف وأتباعهم ‪ ,‬وأف فهمهم ال خيالف‬
‫الكتاب والسنة ‪ ,‬وأف كل فهم للكتاب والسنة خيالف ما كانوا عليو مبجموعهم فهو فهم خطاء ال زلالة ‪.‬‬
‫وليس ادلراد أف الصحابة والتابعُت ذلم فهم خاص خارج عن مقتضيات الكتاب والسنة ‪ ,‬وأف ىذا الفهم‬
‫مصدر آخر من مصادر االستدالؿ مستقل عن الكتاب والسنة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪. )4612‬‬


‫(‪ )2‬رواه اآلجري يف الشريعة (‪. )294‬‬
‫(‪ )3‬أصوؿ السنة (‪. )14‬‬
‫(‪ )4‬شرح أصوؿ اعتقاد أىل السنة واجلماعة (‪. )7/1‬‬
‫‪7‬‬

‫وليس ادلراد أف الفرد من الصحابة قولو حجة ملزمة ال ديكن اخلروج عنها ‪ ,‬وأف من خرج عنها وقع يف‬
‫االبتداع والضبلؿ والفسق واالحنراؼ ‪.‬‬

‫وشلا يدؿ على أف أئمة السلف يقص ػ ػدوف بذلك اإلرتاع وليس قوؿ األفراد أهنػ ػ ػم رتبوا على سلػ ػ ػالفة ما كاف‬
‫عليو الصحابة الضبلؿ والتفسيق ‪ ,‬واخلروج عن السنة إىل الضبلؿ واالحنراؼ ‪ ,‬بل ربتوا يف بعض ادلسائل الكفر‬
‫األكرب ‪.‬‬

‫ف هم ال يقصدوف بذلك أفراد الصحابة والتابعُت ؛ ألهنم مل حيكموا على من خالف األفراد منهم بالفسق‬
‫والضبلؿ ‪ ,‬فاإلماـ أزتد مع أحذه بقوؿ الصحايب مل حيكم على كل من خالفو يف ذلك باخلروج عن السنة‬
‫والوقوع يف الضبلؿ والتفرؽ كما حكم على من خالق إرتاع الصحابة يف أصوؿ الدين العلمية والعملية ‪.‬‬

‫وشلن استدؿ هبذه اآلثار وغَتىا على حجية إرتاع السلف من الصحابة والتابعُت ابن قدامة ‪ ,‬فإنو حُت‬
‫حتدث عن وجوب اتباع السلف ذكر رتلة من النصوص الشرعية وتلك اآلثار عن السلف ‪ ,‬مث قاؿ ‪ (( :‬فقد ثبت‬
‫وجوب اتباع السلف ‪ -‬رزتة اهلل عليهم ‪ -‬بالكتاب والسنة واإلرتاع )) (‪ , )1‬مث استدؿ على ذلك بالعقل والعربة ‪.‬‬

‫وقد علق األستاذ الكرمي على ىذه النصوص اليت ذكرهتا فقاؿ ‪ (( :‬ما نقلو الباحث عن اإلماـ أزتد واألوزاعي‬
‫ىي من النصوص العامة اليت حتث على التمسك هبدي ساداتنا الصحابة ‪ ,‬ومن سار على هنجهم ادلبارؾ ‪ ,‬وىو‬
‫قائم على ىدي الوحيُت ال خبلؼ عليو ‪ ,‬وحنن حنمل أمثاؿ ىذه النصوص الشريفة مبا زتلنا عليو نصوص السنة‬
‫النبوية الداعية القتفاء آثار الصحابة ‪ ,‬كحديث العرباض بن سارية ‪ (( : -  -‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء‬
‫الراشدين المهديين ‪ )) ..‬أي ‪ :‬عليكم بسنتهم اليت وافقوا هبا هبا سنيت ‪ ,‬ال أف ذلم سنة مستقلة ألحادىم‬
‫وأفرادىم ‪ ,‬أو فهما خاصا يكوف بذاتو واجب االتباع ‪ ,‬ويلزـ كل رلتهد قد استكمل أدوات االجتهاد األخذ بو ‪,‬‬
‫وإف أدى اجتهاده يف الدليل من الوحي إىل خبلفو )) ‪.‬‬

‫واألستاذ الكرمي يصر على خطئو الذي بٌت عليو كتابو كلو ‪ ,‬فهو جيعل كبلـ األئمة عن مرجعية فهم الصحابة‬
‫كالكبلـ عن حجية أقواؿ اخللفاء أو قوؿ فرد من أفرادىم ‪ ,‬وىذا قدر ٍ‬
‫عاؿ من اخللط والتزييف للمسائل ‪ ,‬فأئمة‬
‫السلف يتحدثوف عن الصحابة جبملتهم كما ىو ظاىر كبلمهم ‪ ,‬وذلذا حيكموف على من خالف ذلك بالضبلؿ‬
‫والفسق ‪ ,‬وىو يصر على أف كبلمهم ال خيرج عن الكبلـ عن حجية فعل اخللفاء الراشدين ‪ ,‬الذين ىم جزء من‬
‫الصحابة وليسوا كل الصحابة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ذـ التأويل (‪. )35‬‬


‫‪8‬‬

‫مث إنو ال أحد يقوؿ ‪ :‬إف فهم الصحابة مستقل عن داللة النصوص ‪ ,‬وال أحد يقوؿ ‪ :‬إنو فهم خاص يكوف‬
‫بذاتو واجب االتباع ‪ ,‬وإمنا غاية ما يقاؿ ‪ :‬إف فهمهم ال خيرج عن مقصود الشريعة ‪ ,‬وإف كل فهم خيالف فهمهم‬
‫فهو باطل ‪.‬‬

‫مث إف تراكيب تلك اآلثار وسياقها يدؿ على أف ادلقصود هبا اإللزاـ وترتيب األحكاـ بالفسق والضبلؿ‬
‫واخلروج عن السنة إىل البدعة أو عن اإلسبلـ إىل الكفر ؛ ألهنا جاءت يف سياؽ الرد على ادلبتدعة يف زماهنم ‪,‬‬
‫واألصل يف ذكر ذلك األصل إمنا ىو يف الرد على ادلبتدعة اخلارجُت عن السنة يف أصوؿ االعتقاد ‪ ,‬فهذا يدؿ‬
‫على أهنم يتحدثوف عن أصل ملزـ توجب سلالفتو الضبلؿ واخلروج عن السنة ‪ ,‬وىذا ال يكوف إال يف اإلرتاع ‪.‬‬

‫مث أورد األستاذ كبلما عن الغزايل والقرايف يف احلديث عن سنة اخللفاء الراشدين ‪ ,‬وكل ذلك خروج عن زلل‬
‫البحث ‪ ,‬فالسلف يف كبلمهم ذلك ال يقصدوف سنة اخللفاء الراشدين ‪ ,‬وإمنا يقصدوف فهم الصحابة مبجموعهم‬
‫ال ببعض أفرادىم ‪.‬‬

‫مث إف رلرد النقل عن مثل الغزايل والقرايف يف سياؽ الرد على أتباع ادلذىب السلفي ليس ملزما ؛ ألهنم‬
‫خيالفوهنما يف عدد من األصوؿ العقدية ‪ ,‬فاختبلفهما معهم يف تفسَت كبلـ بعض السلف أمر طبيعي ‪ ,‬وال إلزاـ‬
‫فيو البتة ‪ ,‬فالنقل عنهم رلرد تكثر ال أثر لو ‪.‬‬

‫مث ذكر األستاذ أف ابن تيمية وابن الق ػ ػ ػيم استدلوا بتلك اآلثار على حجية قوؿ الصحػ ػ ػايب مبفرده ‪ ,‬وليس‬
‫على حجية فهم الصحابة مبجموعهم ‪ ,‬وذكر أف ىذه (( طامة كربى تنسف كل ما نباه األخ العمَتي )) ‪ ,‬وقاؿ ‪:‬‬
‫(( أي تناقض اوقع العمػ ػ ػ ػَتي بو نفسو ؛ إذ كاف فهػ ػ ػ ػمو لداللة أثر األوزاعي على النق ػ ػ ػيض من فهػ ػ ػ ػم ابن تيمية‬
‫وابن القيم لداللتو ‪ ,‬لذلك استدال بو على حجية قوؿ الصحايب ‪ ,‬يف الوقت الذي استدؿ بو العمَتي على حجية‬
‫إرتاع السلف )) ‪.‬‬

‫وىذا التعليق غريب حقا ‪ ,‬وتفخيم ألمر ال حقيقة لو ‪ ,‬وهتويل لكبلـ فارغ ال معٌت لو ؛ فاألستاذ فهم أف‬
‫االستػ ػ ػ ػدالؿ بذلك األثر على حجية قوؿ الص ػ ػ ػ ػحايب يناقض االستدالؿ بو على اإلرتػ ػ ػ ػاع ‪ ,‬وفهم أف اس ػ ػ ػتدالؿ‬
‫ا بن تيمية وابن القيم هبذا األثر على حجية قوؿ الصحايب معناه أنو ال ديكنهم أبدا أف يستدلوا بو على حجية‬
‫اإلرتاع ‪ ,‬وىذه أساس مشكلتو األساسية يف فهم األدلة والتعامل معها ‪ ,‬وما زاؿ مصرا عليها ‪.‬‬
‫والغريب حقا أف ابن تيمية يف ادلوضع نفسو استدؿ ببعض اآليات على حجية قوؿ الصحايب ‪ ,‬مث استدؿ هبا‬
‫يف مواضع أخرى على اإلرتاع كما سبق نقلو قبل قليل ‪ ,‬فهل معٌت ذلك أف ابن تيمية أوقع نفسو يف التناقض ‪,‬‬
‫ووقع يف طامة كربى تنسق كل ما أصلو؟!‬
‫‪9‬‬

‫ﭐﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱠ‬ ‫وابن قدامػ ػ ػ ػة استدؿ بق ػ ػ ػولو تع ػ ػ ػ ػاىل ‪:‬‬


‫[ النساء ‪ ] 111 :‬على وجوب اتباع الصحابة والتابعُت ‪ ,‬واستدؿ هبا أيضا على حجية اإلرتاع ‪ ,‬كما سيأيت نقلو ‪,‬‬
‫فهل ابن قدامة واقع يف التناقض ؟‬

‫ال يكوف ىؤالء العلماء واقعُت يف التناقض إال عند من ال يفهم طرؽ االستدالؿ ومسالك ‪ ,‬وأما من فهم ذلك ‪,‬‬
‫فإنو يعلم أف استدالذلم من قبيل االستدالؿ بقياس األوىل أو بغَته من ادلسالك ‪.‬‬
‫خالصة ‪:‬‬

‫النقوؿ السابقة وغَتىا كثَت شلا مل ينقل تدؿ على أمرين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أف مركزية فهم السلف ليست خاصة بالسلفية ادلعاصرة كما يصور األستاذ الكرمي ‪ ,‬وإمنا ىي أمر‬
‫شائع يف ادلدرسة السلفية عموما من عصر الصحابة ومن جاء بعدىم ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬أف ادلراد بفهم السلف وما ماثلو من ادلصطلحات إرتاعهم وليس أفرادىم ‪.‬‬

‫********************‬

‫األمر الثالث ‪ :‬املراد بفهه الصلف عند ابن تينية ‪:‬‬


‫حترير رؤية ابن تيمية يف معٌت فهم السلف مهم جدا دلن أراد أف يتنقد السلفية ادلعاصرة ؛ ألنو وإف تقدـ زمانو‬
‫إال أنو يعد من الرموز السلفية ادلؤثرين فيهم جدا ‪ ,‬وكثَت من طلبة العلم والشيوخ يرجعوف إىل كبلـ ابن تيمية أكثر‬
‫من رجوعهم إىل رموز السلفية ادلعاصرة ‪ ,‬وكتبو تقرأ وتشرح أكثر من كتب رموز السلفية ادلعاصرة ‪ ,‬فالتفريط يف‬
‫حترير رؤيتو حوؿ معٌت فهم السػ ػ ػلف وضبط أدلتو ‪ ,‬واإلعراض عنها حبجة أنو ليس مقصودا بالدراس ػ ػ ػة خلل كبَت‬
‫يف البحث وهترب من اجلباؿ الرواسي اليت تبطل االعًتاضات اذلزيلة على أصوؿ ادلدرسة السلفية ‪.‬‬

‫وعلى كل حاؿ فالشأف يف ابن تيمية ظاىر ‪ ,‬فإف أقوالو متظافرة على القوؿ بأف ادلراد حبجية فهم السلف‬
‫إرتاعهم وما اتفقوا عليو ‪ ,‬ومن أقوالو يف ذلك ‪ ((:‬فمذىب أىل السنة واجلماعة ما دؿ عليو الكتاب والسنة واتفق‬
‫عليو سلف األمة )) (‪ , )1‬ويق ػ ػ ػوؿ ‪ (( :‬ومذىب أىل الس ػ ػ ػ ػنة واجلمػ ػ ػ ػاعة مذىب قدمي معػ ػ ػروؼ قبل أف خي ػ ػ ػلق اهلل‬
‫أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأزتد ‪ ,‬فإنو مذىب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم ‪ ,‬ومن خالف ذلك كاف مبتدعا‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة النبوية (‪. )145/2‬‬


‫‪11‬‬

‫عند أىل السنة واجلماعة ‪ ,‬فإهنم متفقوف على أف إرتاع الصحابة حجة ‪ ,‬ومتنازعوف يف إرتاع من بعدىم )) (‪.)1‬‬

‫ويقوؿ ‪ (( :‬الذي جيب على اإلنساف اعتقاده يف ذلك وغَته ما دؿ عليو كتاب اهلل وسنة رسولو ‪-  -‬‬
‫واتفق عليو سلف ادلؤمنُت الذين أثٌت اهلل تعاىل عليهم وعلى من اتبعهم وذـ من اتبع غَت سبيلهم )) (‪.)2‬‬

‫وقاؿ بعد أف ذكر رتلة أصوؿ أىل السنة يف العقيدة الواسطية وذكر مصادر االستدالؿ ادلعتمد عندىم ‪,‬‬
‫فذكر الكتاب والسنة ‪ ,‬مث قاؿ ‪ (( :‬واإلرتاع ىو األصل الثالث الذي يعتمد عليو يف العلم والدين وىم يزنوف هبذه‬
‫األصوؿ الثبلثة رتيع ما عليو الناس من أقواؿ وأعماؿ باطنة أو ظاىرة شلا لو تعلق بالدين ‪ ,‬واإلرتاع الذي ينضبط‬
‫ىو ما كاف عليو السلف الصاحل ؛ إذ بعدىم كثر االختبلؼ وانتشرت األمة )) (‪.)3‬‬

‫فهذا القوؿ يفسر مراده بفهم السلف ‪ ,‬وأنو اإلرتاع ‪ ,‬ويبُت أنو يقصد إرتاع القروف الثبلثة ‪.‬‬

‫ويقوؿ مصرحا بذلك ‪ (( :‬وال جيوز ألحد أف يعدؿ عما جاء يف الكتاب والسنة واتفق عليو سلف األمة‬
‫وأئمتها إىل ما أحدثو بعض الناس شلا قد يتضمن خبلؼ ذلك أو يوقع الناس يف خبلؼ ذلك وليس ألحد أف‬
‫يضع للناس عقيدة وال عبادة من عنده ؛ بل عليو أف يتبع وال يبتدع ويقتدي وال يبتدئ )) (‪.)4‬‬

‫ويزيد األمر وضوحا أنو طرح على نفسو سؤاؿ حاصلو ‪ :‬إذا كاف أئمة السلف ( أىل احلديث ) ال يتفقوف‬
‫على خبلؼ الصحابة فلماذا مل يذكر إرتاعهم يف أصوؿ الفقو ؟ ‪ ,‬وأجاب عنو ‪ ,‬حيث يقوؿ ‪ (( :‬مل جيتمع قط‬
‫أىل احلديث على خبلؼ قولو يف كلمة واحدة‪ ,‬واحلق ال خيرج عنهم قط ‪ ,‬وكل ما اجتمعوا عليو فهو شلا جاء بو‬
‫الرسوؿ‪ ,‬وكل من خػ ػ ػالفهم من خارجي ورافضي ومعتزيل وجهمي وغَتىم من أىل البدع ‪ ,‬فإمنا خيالف رسوؿ اهلل‬
‫‪... -  -‬‬

‫فإف قيل‪ :‬فإذا كاف احلق خيرج عن أىل احلديث‪ ,‬فلم مل يذكر يف أصوؿ الفقو أف إرتاعهم حجة ‪ ,‬وذكر‬
‫اخلبلؼ يف ذلك ‪ ,‬كما تكلم على إرتاع أىل ادلدينة وإرتاع العًتة ؟ ‪.‬‬

‫قيل‪ :‬ألف أىل احلديث ال يتفقوف إال على ما جاء عن اهلل ورسولو وما ىو منقوؿ عن الصحابة ‪ ,‬فيكوف‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة النبوية (‪. )406/2‬‬


‫(‪ )2‬رلموع الفتاوى (‪. )235/12‬‬
‫(‪ )3‬رلموع الفتاوى (‪. )157/3‬‬
‫(‪ )4‬رلموع الفتاوى (‪. )490/11‬‬
‫‪11‬‬

‫االستدالؿ بالكتاب والسنة وبإرتاع الصحابة مغنيا عن دعوى إرتاع ينازع يف كونو حجة بعض الناس )) (‪.)1‬‬

‫وبُت ابن تيمية أف إرتاع السلف ادللزـ يشمل ما كاف منصوصا وما كاف مستػ ػ ػ ػنبطا منهم ‪ ,‬حيث يقوؿ ‪:‬‬
‫(( فما ثبت عنو من السنة فعلينا اتباعو ؛ سواء قيل إنو يف القرآف ؛ ومل نفهمو حنن أو قيل ليس يف القرآف ؛ كما أف‬
‫ما اتفق عليو السابقوف األولوف والذين اتبعوىم بإحساف ؛ فعلينا أف نتبعهم فيو ؛ سواء قيل إنو كاف منصوصا يف‬
‫السنة ومل يبلغنا ذلك أو قيل إنو شلا استنبطوه واستخرجوه باجتهادىم من الكتاب والسنة )) (‪.)2‬‬

‫وبُت أصوؿ أىل السنة االستداللية ثبلثة ‪ ,‬حيث يقوؿ ‪ (( :‬فاألصوؿ الثابتة بالكتاب والسنة واالرتاع ىي‬
‫مبنزلة الدين ادلشًتؾ بُت األنبياء ليس ألحد خروج عنها ومن دخل فيها كاف من أىل االسبلـ احملض وىم أىل‬
‫السنة واجلماعة )) (‪.)3‬‬

‫فابن تيمية واضح جدا يف حتديد مراده بفهم السلف الذي يعده حجة ملزمة ‪ ,‬وىو الفهم اإلرتاعي بينهم ‪,‬‬
‫فهو يكرر كثَتا بأف ما عليو السلف مبجموعهم ىو مرجعية أىل السنة اليت حيكموف من خبلذلا على ادلخالفُت ذلم‬
‫بالضبلؿ واخلروج من السنة ‪ ,‬ومل جيعل قوؿ الصحابة الفرد معيارا ‪ ,‬وال أصبل قائما بذاتو من أصوؿ أىل السنة ‪.‬‬

‫فإف قيل ‪ :‬ابن تيمية يصرح حبجية قوؿ اخللفاء وقوؿ الصحايب ‪.‬‬

‫قيل ‪ :‬حنن ال ننكر ذلك ‪ ,‬ومها مسألتاف سلتلفاف عند ابن تيمية يف احلقيقة ويف احلكم ‪ ,‬فإف ابن تيمية مع‬
‫قولو حبجية قوؿ الصحايب الفرد بشروط وقيود يذكرىا ال حيكم على من خالفو بالفسق والضبلؿ واخلروج من السنة‬
‫إىل االحنراؼ ك التجهم والرفض ووغَتمها ‪ ,‬وإمنا حيكم عليو باخلطأ وسلالفة الدليل ‪ ,‬وأما ادلخالف لفهم السلف‬
‫اإلرتاعي فإنو حيكم عليو باألحكاـ ادلتعلقة مبخالفة اإلرتاع ‪ ,‬وىي كثَتة متعددة ‪.‬‬

‫وادلشكل أف األستاذ العجمي مل يفرؽ بُت مراتب احلجج ‪ ,‬وتعامل معها بدرجة واحدة ‪ ,‬فحُت وجد بعض‬
‫العلماء يقولوف حبجية قوؿ الصحايب أو اخللفاء الراشدين ‪ ,‬توىم أهنم يساووف بينها وبُت حجية فهم السلف‬
‫اإلرتاعي يف احلجية ويف األحكاـ ادلًتتبة عليو ‪ ,‬وىذا قصور شديد يف التصور والفهم ‪.‬‬

‫وظهر من خبلؿ األمرين السابقُت أف السلفية ادلعػ ػ ػ ػ ػ ػاصرة ليست متفردة يف جعل فهم السلف ش ػ ػ ػ ػ ػ ػعارا ذلا ‪,‬‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة النبوية (‪. )166/5‬‬


‫(‪ )2‬رلموع الفتاوى (‪. )163/5‬‬
‫(‪ )3‬رلموع الفتاوى (‪. )117/19‬‬
‫‪12‬‬

‫وال يف جعلو معيارا يف فهم الكتاب والسنة واحلكم على من خالف مدلوذلا ‪ ,‬كما يوىم كبلـ األستاذ العجمي ‪,‬‬
‫بل ذلك عاـ عند أئمة السلف ادلتقدمُت وادلتوسطُت ‪.‬‬

‫وقد قاؿ األستاذ العجمي ‪ (( :‬مقص ػ ػ ػودنا من ذلك أف نرد على القوؿ الذي قالت بو ادلدرسػ ػ ػ ػة السلفية‬
‫ادلعاصرة يف قوذلا بوجوب اتباع فهم السلف ‪ ,‬ودلا كاف ىذا القوؿ جديدا ‪ ,‬مل يقل بو أحد من أئمة ادلذاىب‬
‫ادلتبعة‪.)1( ))...‬‬

‫قص َد أف فهم السلف بإرتاعهم مل يقل بو إال ادلعاصرين ‪ ,‬فهذا غَت صحيح ‪ ,‬والتقرير السابق يبُت‬
‫فهو إف َ‬
‫قص َد فهم السلف بأفرادىم ‪ ,‬فهذه دعوى عريضة منو ما سيأيت يدؿ على بطبلهنا ‪.‬‬
‫بطبلف دعواه ‪ ,‬وإف َ‬

‫********************‬

‫األمر الرابع ‪ :‬املراد بفهه الصلف عند رموز الصلفية املعاصرة ‪:‬‬
‫حتدث رموز السلفية ادلعاصرة عند مرجعية ما كاف عليو السلف كثَتا ‪ ,‬ولكن التعبَت بلفظ ( فهم السلف )‬
‫ليس مستعمبل عند رتيعهم ‪ ,‬ومن أكثر من استعملو األلباين ‪ -‬رزتو اهلل ‪. -‬‬

‫وىم يف كبلمهم ال خيرجوف عما قرره أئمة السلف ادلتقدموف وال ما قرره ابن تيمية ‪ ,‬فمقصودىم بفهم‬
‫السػ ػ ػ ػلف ادللزـ الذي توجب سلالفتو الوقػ ػ ػ ػوع يف الضبلؿ ما كانوا عليو من الفهم للنصوص الش ػ ػ ػرعية مبجػ ػ ػموعهم‬
‫ال بأفرادىم ‪.‬‬

‫ويدل على ذلك أمور ‪:‬‬


‫األمر األول ‪ :‬تراكيبهم الدالة على اف ادلقصود اإلرتاع ‪ ,‬وقد نقل األستاذ العجمي قدرا منها ‪ ,‬ولكنو أساء‬
‫فهمها ‪.‬‬

‫يقوؿ ابن باز ‪ (( :‬عقيدة الوىابية ‪ :‬ىي التمسك بكتاب اهلل وسنة رسولو ‪ , -  -‬والسَت على ىديو ‪,‬‬
‫وىدي خلفائو الراش ػ ػ ػ ػدين ‪ ,‬والتابعػ ػ ػ ػُت ذلم بإحساف ‪ ,‬وما كاف عليو السلف الصاحل ‪ ,‬وأئم ػ ػ ػ ػة الدين واذلدى ‪,‬‬
‫أىل الفقو والفتوى يف باب معرفة اهلل ‪ ,‬وإثبات صفات كمالو ونعوت جبللو‪ ,‬اليت نطق هبا الكتاب العزيز‪,‬‬
‫وصحت هبا األخبار النبوية‪ ,‬وتلقتها صحابة رسوؿ اهلل ‪ -  -‬بالقبوؿ والتسليم‪ .‬يثبتوهنا ويؤمنوف هبا وديروهنا‬

‫(‪ )1‬فهم السلف (‪. )269‬‬


‫‪13‬‬

‫كما جاءت ‪ ,‬من غَت حتريف وال تعطيل‪ ,‬ومن غَت تكييف وال دتثيل‪ ,‬ويتمسكوف مبا درج عليو التابعوف ‪,‬‬
‫وتابعوىم من أىل العلم واإلدياف والتقوى )) (‪.)1‬‬

‫فهذه الًتاكيب تدؿ على أنو يتحدث عن حالة إرتاعهم ‪ ,‬وما درجوا عليو ‪ ,‬وليس عن حالة أفرادىم ‪.‬‬

‫وكثَتا ما يكرر ابن باز بأف الصحابة والتابعوف أرتعوا على كذا وكذا ‪ ,‬ومن ذلك قولو ‪ (( :‬أىل السنة‬
‫واجلماعة من أصحاب الرسوؿ ‪ -  -‬والتابعُت ذلم بإحسػ ػ ػ ػاف رلمعوف على أف اهلل يف السماء ‪ ,‬وأنو فوؽ‬
‫العرش )) (‪.)2‬‬

‫وأما العثيمُت فقد تابع ابن تيمية يف أف اإلرتاع الذي ينضبط ىو إرتاع القروف الثبلثة ‪ ,‬وبُت أف ىذا ىو‬
‫مرجع أىل السنة وأصلهم الذي ينطلقوف منو ‪.‬‬

‫وذكر ادلؤلف ( ص‪ ) 113‬أف الفوزاف قدـ لكتاب يقرره فيو مؤلفو أف منهج السلف ىو ما أرتعوا عليو ‪ ,‬وأنو‬
‫استدؿ على قولو بالنصوص الواردة يف اإلرتاع ‪ ,‬والغريب أف ادلؤلف مل يقف عند ىذا األمر لَتاجع فهمو لكبلـ‬
‫ادلعاصرين ‪.‬‬

‫وأما األلباين فاألمر فيو واضح جلي ‪ ,‬فإف من أكثر من حتدث من رموز السلفية ادلعاصرة عن فهم السلف ‪,‬‬
‫وفسره مرات كثَتة بأف ادلقصود بو رتاعتهم وإرتاعهم وما ىم عليو جبملتهم ‪ ,‬ومن ذلك قولو ‪ (( :‬قولو عليو‬
‫الصبلة والسبلـ ‪ ((:‬وأصحابي )) ىذا احلديث وىذا اللفظ تفسَته بالرواية األخرى وىي األشهر واألقوى سنداً‪,‬‬
‫وىي اليت تقوؿ جواباً عن سؤاؿ السائلُت عن الفرقة الناجية قاؿ عليو الصبلة والسبلـ ‪ (( :‬ىي الجماعة )) ‪ ,‬ىي‬
‫اجلماعة‪ ,‬فقولو ىذا تفسَت لآلية السابقة ‪ ,‬ﭐﱡﭐ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱠ [ النساء ‪ ] 111 :‬فسبيل ادلؤمنُت ىي اجلماعة ‪,‬‬
‫واجلماعة ىي سبيل ادلؤمنُت )) (‪.)3‬‬

‫ويقوؿ األلباين ‪ (( :‬دعوتنا ‪ -‬ىنا الشاىد وىنا بيت القصيد ‪ -‬تقوـ على ثبلثة أركاف على الكتاب والسنة‬
‫وإتباع السلف الصػ ػ ػ ػ ػاحل ‪ ,‬فمن زعم بأنو يتبع الكتاب والسػ ػ ػ ػ ػنة وال يتبع السلف الصاحل ‪ ,‬ويقوؿ بلسػ ػ ػ ػاف حالو‬
‫وقد يقوؿ بلساف قالو وكبلمو‪ :‬ىم رجاؿ وحنن رجاؿ‪ ,‬فإنو يكوف يف زيغ ويف ضبلؿ ‪ ,‬دلاذا ؟ ألنو ما أخذ هبذه‬
‫النصوص اليت أمسعناكم إياىا آنفا ‪ ,‬لقد اتبع سبيل ادلؤمنُت ؟ ال ‪ ,‬لقد اتبع أصحاب الرسوؿ الكرمي ؟ ال ‪,‬‬

‫(‪ )1‬رلموع الفتاوى (‪. )228/1‬‬


‫(‪ )2‬رلموع الفتاوى (‪. )105/2‬‬
‫(‪ )3‬موسوعة األلباين يف العقيدة (‪. )266/1‬‬
‫‪14‬‬

‫ما اتبع ؟ اتبع إف مل أقل ىواه ‪ ,‬فقد اتبع عقلو ‪ ,‬والعقل معصوـ ؟ اجلواب ‪ :‬ال‪ ,‬إذف فقد ضل ضبلال مبينا )) (‪.)1‬‬

‫األمر الثاني ‪ :‬أف بعض ػ ػ ػهم ذكر بأف فهم السػ ػ ػ ػلف معصػ ػ ػ ػوـ ‪ ,‬فقد نقل األست ػ ػ ػاذ عن األلبػ ػ ػ ػاين أنو قػ ػ ػ ػاؿ ‪:‬‬
‫(( االنتساب إىل السلفية يعٍت االنتساب إىل العصمة )) ‪ ,‬فهذا يدؿ وضوح على أنو يقصد اإلرتاع ؛ ألنو من‬
‫ادلستبعد أف األلباين يقصد أفراد الصحابة أو اخللقاء الراشدين ؛ ألف األلباين خالفهم يف عدد من ادلسائل ؛ وألف‬
‫اعتقاد عصمة أحد من أفراد الصحابة قوؿ باطل ال خيفى على األلباين وال غَته من العلماء السلفيُت ‪.‬‬

‫األمر الثالث ‪ :‬أف بعض رموز السلفُت ادلعاصرين صرحوا برد عدد من األقواؿ اليت قاذلا بعض اخللفاء‬
‫الراشدين أو بعض الصحابة مع علمهم بقوذلم هبا ‪ ,‬ومن ذلك صنيع األلباين مع األذف األوؿ الذي فعلو عثماف ‪,‬‬
‫وقد ذكره ادلؤلف (‪ , )425‬ومن ذلك موقف األلباين والعثيمُت من عدد ركعات صبلة الًتاويح ‪ , ,‬وقد ذكره‬
‫ادلؤلف (‪ , )454‬وغَتىا من األمثلة ‪.‬‬

‫فهذه ادلواقف تدؿ على أف ما يقرره رموز السلفية ادلعاصرة من حجية فهم السلف ال يقصدوف بو أفرادىم ؛‬
‫إذ لو كانوا يقصدوف أفرادىم دلا خالفوىم يف مثل ىذه ادلسائل مع علمهم بأنو قوؿ ذلم ‪ ,‬ويوضحو أف السلفيُت‬
‫ادلعاصرين اآلخرين الذين أخذوا مبا روي عن أفراد الصحابة مل يضللوا ادلخالفُت ذلم من أصحاهبم ومل حيكموا‬
‫عليهم بالضبلؿ والفسق ‪ ,‬وذلك ألهنم يعلموف أف حجية فهم السلف ال تشمل ىذه ادلسائل ‪ ,‬وألهنم يعلموف أف‬
‫ادلخالفة لفهم السلف بإرتاعهم ال يتساوى مع سلالفة أفراد الصحابة ‪.‬‬

‫والغريب حقا أف ادلؤلف يعلم ذلك جيدا ‪ ,‬ولكنو يصر على جعلو تناقضا من السلفيُت ادلعاصرين ‪ ,‬ولو كاف‬
‫مدركا حلقيقة لقوذلم ومنهجهم لعلم أف ىذا الصنيع دليل على أهنم يقصدوف بفهم السلف إرتاعهم ال أفرادىم ‪.‬‬

‫األمر الرابع ‪ :‬أف كبلـ األئمة ادلؤسسُت وادلؤثرين يف السلفيُت ادلعاصرين ‪ ,‬وخاصة ابن تيمية ظاىر جدا‬
‫يف بياف أف ادلقصود حجية بفهم السلف ما كانوا عليو من اإلرتاع ‪ ,‬فمن ادلستبعد أف يطبق رموز السلفيُت‬
‫ادلعاصرين على سلالفة ذلك ‪ ,‬ومن ادلستبعد أف الشيوخ وكبار طلبة العلم يف اجلامعات والدروس ‪ ,‬وادلختصوف يف‬
‫العقيدة على سلالفة ذلك ‪.‬‬
‫نعم قد خيطئ بعض الرموز أو بعض الشيوخ يف الفهم واإلدراؾ لذلك األصل ‪ ,‬وىذا أمر طبيعي ؛ أما تعميم‬
‫احلكم على السلفية ادلعاصرة ‪ ,‬وبغَت دليل ؛ إال فُهوـ خاطئة لبعض األدلة ‪ ,‬فهذه رلازفة يف احلكم ‪ ,‬وخلل يف‬
‫التفكَت ‪.‬‬

‫(‪ )1‬موسوعة األلباين يف العقيدة (‪. )220/1‬‬


‫‪15‬‬

‫األمر الخامس ‪ :‬أف بع ػ ػ ػ ػض رموز السلفية ادلع ػ ػ ػ ػػاصرة نص على أف ما قالو اخل ػ ػ ػ ػػلفاء الراشػ ػ ػ ػػدوف ال يؤخذ بو‬
‫إذا خالف الكت ػ ػ ػػاب والس ػ ػ ػ ػػنة ‪ ,‬يقوؿ عبد الرزتن الرباؾ ‪ (( :‬قولو ‪ (( -  -‬عليكم بسنـ ـ ـ ـتي وسنة الخلفاء‬
‫الراشدين )) يدؿ على اتباع اخللفاء الراشدين يف سنتهم ‪ ,‬فما س ػ ػ ػ ػنَّو أبو بكر ‪ ,‬أو عمر ‪ ,‬أو عثمػ ػػاف ‪ ,‬أو علي‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬ما مل خيتلفوا فيو ‪ ,‬ومل خيالف دليبل من الكتاب والسنة ‪ ,‬فهو سنة ماضية ‪ ,‬حنن مأموروف‬
‫باتباعهم ‪ ,‬واتباعهم يف ىذا ىو حتقيق اتباع النيب ‪ . )1( )) -  -‬فلو كاف قوؿ أفراد الصحابة حجة مطلقة‬
‫معصومة دائما دلا قاؿ ىذا القوؿ ‪ ,‬وأحسب أف ىذا ىو قوؿ رتهور رموز السلفية ادلعاصرة ‪.‬‬

‫مث إف الرباؾ أخذ يف شرح ما يعتقده ‪ ,‬فذكر كبلما طويبل يدؿ على أنو يعتقد أف احلجة ادللزمة اليت توجب‬
‫سل الفتها اخلروج من السنة والوقوع يف الضبلؿ إمنا ىي فيما كاف عليو الصحابة بإرتاعهم فعبل وتركا ‪ ,‬وليس فيما‬
‫كاف عليو أفرادىم ‪.‬‬

‫األمر السادس ‪ :‬أف بعض ادلعاصرين من السلفيُت صرح بأف ادلراد بفهم السلف إرتاعهم ‪ ,‬وىو ما صنعو‬
‫الشيخ الدميجي ‪ ,‬وقد نقل ادلؤلف كبلمو مرارا ‪.‬‬

‫وقوؿ الشيخ الدميجي (( وىذا يقتضي إرتاعهم )) ليست زيادة من الشيخ الكرمي ‪ ,‬وال تقيدا ‪ ,‬وإمنا ىي‬
‫توضيح وزيادة بياف ‪ ,‬فبل أحد خيالفو يف ذلك ‪ ,‬وىو مل يدع أنو خالف أحد ‪ ,‬وكتابو لو أكثر من سبع سنوات ‪,‬‬
‫وقرأه آالؼ السلفيُت ‪ ,‬فلم ينكر عليو أحد ذلك ‪.‬‬

‫والشيخ الدميجي ليس رلرد أكادديي ‪ -‬كما يصور األستاذ العجمي‪ , -‬وإمنا ىو من كبار شيوخ السلفية‬
‫ادلعاصرين ‪ ,‬ولو دروس وطبلب وكتب ‪ ,‬وخترج على يديو عشرات الطبلب ‪ ,‬وكتابو عن فهم السلف قرأه مئات‬
‫بل آالؼ طلبة العلم ‪.‬‬

‫وكثَت من الشيوخ السلفيُت الذين يشرحػ ػ ػ ػوف الكتب وحياضروف ويؤلفوف يقرروف ما ذكره الش ػ ػ ػ ػيخ الدميجي‬
‫من غَت نكَت منهم ‪.‬‬

‫وقد حاوؿ األستاذ العجمي أف يلمز من صرح هبذه الزيادة من ادلعاصرين األكاددييُت فقاؿ ‪ (( :‬أما الباحثوف‬
‫األكاددييوف ادلنتسبوف للمدرسة السلفية ‪ ,‬ومبا دتليو عليهم شروط البحث العلمي ادلعاصر ‪ ,‬واجلامعات احلديثة من‬
‫استغراؽ البحث يف أي مسألة جلميع ادلصادر وادلراجع القددية اضطرىم ذلك للنظر يف كتابات كبار أئمة ىذا‬

‫(‪ )1‬إرشاد العباد إىل معاين دلعة االعتقاد ‪ ,‬ص ( ‪. ) 29‬‬


‫‪16‬‬

‫العلم ‪ ,‬وىنا حينما نظروا يف الكتابات األصولية مل يسعفهم ىذا العلم يف إجياد ادلباحث اخلاصة هبذا العلم ‪,‬‬
‫فنظروا إىل أقرب ما يوافقو فقالوا هبذا القوؿ ‪ ,‬من أف ادلراد هبم السلف ىو إرتاعهم )) (‪.)1‬‬

‫فهو يصور حاؿ معاصرين السلفيُت األكاددييُت بأهنم مضطروف لذلك ‪ ,‬وأهنم إمنا فعلوا ذلك استػ ػ ػغبلال‬
‫لبعض تقريرات األصوليُت وليس ألهنم يعتقدوف ذلك فعبل ‪ ,‬وليس ألهنم يعتقدوف أف أئمة ادلتقدمُت يقرروف ذلك‬
‫ادلعٌت ‪.‬‬

‫وىذا فضبل عن أنو صػ ػ ػ ػ ػنيع قبيح لكونو دخ ػ ػ ػوال يف النػ ػ ػ ػ ػيات فهو قائم على سوء فهم دلراد ادلدرسػ ػ ػ ػة السلفية‬
‫يف القدمي واحلديث حبجية فهم السلف ‪.‬‬

‫********************‬

‫نقد تفصري املؤلف ملعنى فهه الصلف عن املدرشة الصلفية ‪:‬‬


‫يف ابتداء احلديث عن ىذه النق ػ ػ ػطة ال بد من التػ ػ ػ ػ ػأكيد على أين نسبت إىل األست ػ ػ ػ ػ ػاذ العجمي أنو ينسب‬
‫إىل السلفية ادلعاصرة أهنا جتعل فهم السلف يف إرتاعهم ‪ ,‬واحلقيقة أنو مل يقل ذلك ‪ ,‬وإمنا نسب ىذا القوؿ إىل‬
‫بعض السلفية ادلعاصرة ‪ ,‬فأنا أعتذر منو أوال ‪ ,‬وأعتذر من اإلخوة القراء ثانيا ‪ ,‬مع أنو يف احلقيقة مل ينف ذلك‬
‫عن رموز السلفية صراحة ‪ ,‬وغاية ما فعل أنو زعم بأهنم يستدلوف على فهم السلف وقوؿ الصحايب وقوؿ اخللفاء‬
‫الراشدين بأدلة واحدة فنسب إليهم أهنا شيء واحد ‪.‬‬

‫ولكن تلك النسبة ‪ ,‬وإف كانت خطأ مٍت إال أهنا ال تساوي األخطاء اليت وقع فيها األستاذ العجمي يف‬
‫تعاملو مو تقريرات السلفية ادلعاصرة مع فهم السلف ‪ ,‬فقد أخطأ يف تصوير قوذلم ويف أدلتهم وحكم عليهم‬
‫بالتناقض واالضطراب نتيجة سوء فهمو دلا يقولونو ‪.‬‬

‫وبيانو فيما يلي ‪:‬‬


‫ذكر األستاذ العجمي أف رموز السلفية ادلعاصرة يروف أف فهم السلف ىو (( ما علمو وفقهو واستنبطو‬
‫الصحابة والتابعوف وأتباعهم من رلموع النصوص الشرعية او آحادىا مرادا هلل تعاىل ولرسولو شلا يتعلق مبسائل‬
‫الدين العلمية والعملية شلا أثر عنهم من قوؿ أو فعل أو تقرير )) (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬فهم السلف (‪. )93‬‬


‫(‪ )2‬فهم السلف (‪. )62‬‬
‫‪17‬‬

‫فأنت ترى أف ىذا التعريف الذي اختاره ‪ ,‬وذكر أف رموز السلفية يقررونو ليس فيو دتييز ىل ادلقصود بو ما‬
‫فهمو أفرادىم أـ ما كاف عليو رتاعتهم وإرتاعهم ‪.‬‬

‫ولكنو ذكر أف رموز السلفية ادلعاصرة يستدلوف على حجية فهم السلف باألدلة الواردة يف حجية قوؿ‬
‫الصحايب واخللفاء الراشدين ‪ ,‬مث قرر أف ذلك يعٍت أهنم جيعلوف ىذه ادلسائل قضية واحدة !!‬

‫يقوؿ األستاذ العجمي ‪ (( :‬لقد اكتشفت وأنا أحبث يف كتابات ادلنتسبُت للمدرسة السلفية حوؿ حجية فهم‬
‫السلف أف مدار احتجاجهم على ىذا األصل ال خيرج عن أدؿ القائلُت حبجية اتفاؽ اخللفاء الراشدين ‪...‬‬
‫وال عن أدلة القائلُت حبجية قوؿ الصحايب النقلة والعقلية ‪ ...‬مث ذكر نقوال عن عدد من رموز السلفية ‪ ,‬مث قاؿ ‪:‬‬
‫إف ىذه احلقيقة اليت سقتها يف إثبات الًتابط الوثيق عند ادلنتسبُت للمدرسة السلفية ‪ -‬علموا أو مل يعلموا ‪ -‬بُت‬
‫قوذلم حبجية فهم السلف وبُت القوؿ حبجية قوؿ الصحايب والقوؿ حبجية اتفاؽ اخللفاء الراشدين ‪ ,‬واليت اعتربىا‬
‫حقيقة واضحة جلية بالغة ‪ ...‬إذف فأدلة وجوب اتباع السلف وفهمهم عند السلفيُت ىي عُت أدلة حجية قوؿ‬
‫الصحايب ‪ ,‬لذلك استدؿ ىذا الباحث السلفي مبا عقده ابن القيم لبلستدالؿ على حجية قوؿ الصحايب ‪ ,‬فدؿ‬
‫ذلك على احتاد عُت ادلسألتُت عند السادة السلفيُت )) (‪.)1‬‬

‫فهذا التقرير من األستاذ العجمي يدؿ بوضوح أنو مل جيد كبلما صرحيا لرموز السلفية ادلعاصرة يصرحوف فيو‬
‫بأف مرادىم بفهم السلف ما كاف عليو افرادىم ‪ ,‬ومل جيد دليبل على ذلك إال نوع األدلة اليت اعتمدوا عليها يف‬
‫تقرير ىذا األصل ‪ ,‬وذلذا جعل ما فهمو اكتشافا!!‬

‫فلما وجدىا ال خترج عن أدلة حجية قوؿ الصحايب وقوؿ اخللفاء الراشدين نسب إليهم أهنم جيعلوف فهم‬
‫السلف يف أفرادىم ‪.‬‬

‫وفي الحقيقة أن األستاذ الكريم وقع بصنيعو ىذا في مغالطة "رجل القش" فإنو صور قول مخالفيو‬
‫تصويرا مخالفا لحقيقة حالهم ‪ ,‬ثم طفق يرد عليهم ‪ ,‬فهو في الحقيقة يرد على أناس وىميين ‪ ,‬فالسلفيون‬
‫فال يفسرون فهم السلف الذي يجعلونو حجة ومعيارا في فهم النصوص بأفرادىم ‪ ,‬وإنما بإجماعهم كما‬
‫سبق بيانو بأدلتو ‪.‬‬

‫وىذا الصنيع من األستاذ ىو أساس الخطأ الذي أقام عليو كتابو ‪ ,‬ومنبع جل األغالط التي وقع فيها ‪,‬‬

‫(‪ )1‬فهم السلف (‪. )78 , 77 ,73‬‬


‫‪18‬‬

‫وسنبين ما في كالمو من غلط باألمور التالية ‪:‬‬

‫األمر األول ‪ :‬أنو اختزؿ أدلة السلفيُت على حجية فهم السلف وجعلها (( ال خيرج عن أدؿ القائلُت حبجية‬
‫اتفاؽ اخللفاء الراشدين ‪ ...‬وال عن أدلة القائلُت حبجية قوؿ الصحايب النقلة والعقلية )) ‪.‬‬

‫ويقوؿ يف موطن آخر ‪ (( :‬ادلنتسبوف للمدرسة السلفية مل خيرجوا عن أدلة ىاتُت ادلسألتُت يف استدالذلم حلجية‬
‫فهم السلف )) (‪.)1‬‬

‫ولكنو خفف العبارة يف موضع آخر من الكتاب فقاؿ ‪ (( :‬جل استدالالهتم على ىذا األصل‪.)2( )) ..‬‬

‫وعلى كبل األمرين فما قاـ بو األستاذ خطأ شنيع يف تصوير مقاالت الناس وأدلتهم ‪ ,‬فإف من أشهر األدلة‬
‫اليت اعتمد عليها السلفيوف (غَت األكاددييُت الذين يصرحوف باإلرتاع) يف تثبيت حجية فهم السلف النصوص‬
‫الواردة يف اإلرتاع ‪ ,‬واستدالذلم هبذا النوع من األدلة منتشر وكثَت يف القدمي واحلديث ‪ ,‬والغريب أف األشخاص‬
‫الذين نقل عنهم األستاذ ذكروا ىذا يف كتبهم ‪ ,‬وال أدري دلاذا أغلف ادلؤلف التعليق عليها ‪ ,‬ىل ألهنا ال ختدـ‬
‫فكرتو أـ ماذا؟‬

‫‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ‬ ‫ومن أشهر األدلة اليت اعتمدوا عليها قولو تعاىل‬


‫ﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﭐ ﭐﱠ [ النساء ‪. ] 111 :‬‬

‫ومن أشهر من صنع ذلك األلباين ‪ -‬وىو من الرموز السلفيُت الذين ال حيصروف فهم السلف يف اإلرتاع عند‬
‫األستاذ‪ ,-‬فإنو ال يكاد يذكر قضية فهم السلف إال ويستدؿ عليو بتلك اآلية ‪ ,‬فقد استدؿ هبا عشرات ادلرات ‪,‬‬
‫ومن ذلك قولو ‪":‬منشأ اخلبلؼ ىو أهنم خالفوا سبيل ادلؤمنُت‪ ,‬ربنا عز وجل حينما ذكر سبيل ادلؤمنُت يف قولو‬
‫تعاىل‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﭐ ﭐ ﭐﱠ‬

‫كاف ديكن أف يقاؿ ‪ :‬ومن يشاقق الرسوؿ من بعد ما تبُت لو اذلدى نولو ما توىل ‪ ,‬لكنو حلكمة بالغة عطف على‬
‫مشاققة الرسوؿ قولو ‪ : ‬ﭐﱡﭐ ﱧﱨ ﱩﱪ ﱠ واحلكمة واضحة جدا أف ىؤالء ادلؤمنُت ىم الذين بينوا لنا‬
‫القرآف والسنة ‪ ,‬ولذلك قاؿ رسوؿ اهلل ‪ -  -‬يف بيانو دلثل ىذه اآلية ‪ ,‬وجوابا عن سؤاؿ السائل حينما ذكر‬
‫عليو الس ػ ػبلـ أف الفرقة الناجية ىي واح ػ ػ ػ ػدة من بُت ثبلث وسبع ػ ػ ػ ػُت فرقة ‪ ,‬دلا سئ ػ ػ ػ ػل ما ىي الفرقة النػ ػ ػ ػ ػ ػاجية ؟‬

‫(‪ )1‬فهم السلف (‪. )91‬‬


‫(‪ )2‬فهم السلف (‪. )269‬‬
‫‪19‬‬

‫قاؿ عليو الصبلة والسبلـ ‪ (( :‬ما أنا عليو وأصحابي )) ‪ ,‬ما قاؿ ما أنا عليو فقط ‪ ,‬وإمنا أض ػ ػ ػ ػاؼ إىل ذلك‬
‫وأصحايب )) (‪.)1‬‬

‫وحُت قرر حجية فهم الصح ػ ػ ػ ػ ػابة ناقبل عن ابن القيم قاؿ ‪ (( :‬ىذا ليس من االستنباط ‪ ,‬وال ىو من‬
‫االجتػ ػ ػ ػهاد الذي يقبل احتػ ػ ػ ػ ػماؿ أف يكوف خطأ ‪ ,‬وإمنا ىو اعتػ ػ ػ ػ ػ ػماد على كتػ ػ ػ ػ ػ ػ ػاب اهلل وعلى حديث رسوؿ اهلل‬
‫ﭐﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ‬ ‫‪ , -  -‬أما الكتاب‪ :‬فقوؿ ربنا ‪ ‬يف القرآف الكرمي‪:‬‬
‫ﱪ ﭐﱠ )) (‪ , )2‬مث أطاؿ يف شرح داللة اآلية ‪.‬‬

‫ىم يقولوف بالكتاب والسنة لكن خيالفوف ما كاف عليو السلف الصاحل ‪ ,‬ىذا‬ ‫((‬ ‫ويقوؿ عن ادلنحرفُت ‪:‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﱞ ﱟﱠﱡﱢﱣﱤ ﱥﱦﱧﱨ ﱩﱪﱫﱬ‬ ‫السلف ‪ ,‬ىم ادلعنيوف بقولو تبارؾ وتعاىل ‪:‬‬
‫ﱭﱮﱯﱰﱱ ﱲﱳﭐ ﭐﱠ [ النساء ‪ , ] 111 :‬فسبيل ادلؤمنُت ‪ :‬ىم السلف الصاحل )) (‪.)3‬‬

‫لماذا أغلف األستاذ ىذه اآلية التي ىي من أصول األدلة التي اعتمد عليها األلباني في تأسيس حجية‬
‫فهم السلف ‪ ,‬ومن أكثرىا اعتمادا عنده ‪.‬‬
‫فإذا سلمنا أن األلباني لم يبين مراده بفهم السلف ‪ ,‬وسلمنا للمؤلف بأن طبيعة األدلة ىي التي تحدد‬
‫المراد بفهم السلف ‪ ,‬فلماذا لم يذكر ىذه اآلية التي ىي بناء على منهجو قوية الداللة في بيان المراد؟!‬

‫وقد أحاؿ األستاذ ( ص‪ ) 77‬إىل كتاب ما ىي السلفية ‪ ,‬للدكتور عبداهلل البخاري ‪ ,‬والدكتور قد استدؿ‬
‫هبذه اآلية أيضا على حجية فهم السلف ‪ ,‬وكذلك استدؿ هبا سليم اذلبليل يف كتابو ( دلاذا اخًتت السلفية )‬
‫وغَتىم كثَت‪.‬‬

‫بل االستدالؿ هبذه اآلية ليس خاصا بالسلفية ادلعاصرة ‪ ,‬وإمنا ىو قدمي ‪ ,‬وشلن استدالؿ هبا أبو حامت ‪ ,‬فإنو‬
‫يقوؿ بعد أف بُت فضل الصحابة ‪ ((:‬فكانوا عدوؿ األمة وأئمة اذلدى وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة ‪ ,‬وندب‬
‫اهلل ‪ ‬إىل التمسك هبديهم واجلري على منهاجهم والسلوؾ لسبيلهم واالقتداء هبم فقاؿ ‪ ( :‬ومن (‪ )4‬يتبع غَت‬

‫(‪ )1‬موسوعة األلباين يف العقيدة (‪. )17/6‬‬


‫(‪ )2‬ادلرجع السابق (‪. )218/1‬‬
‫(‪ )3‬ادلرجع السابق (‪. )723/7‬‬
‫(‪ )4‬كذا يف األصل ‪ ,‬والصحيح ( ويتبع ) ‪.‬‬
‫‪21‬‬

‫سبيل ادلؤمنُت نولو ما توىل ) )) (‪.)1‬‬

‫وشلن استدؿ هبا ابن قدامة ‪ ,‬حيث يقوؿ ‪ (( :‬الباب الثاين يف بياف وجوب اتباعهم واحلث على لزوـ مذىبهم‬
‫ﭐﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠ‬ ‫وسلوؾ سبيلهم وبياف ذلك من الكتاب والسنة وأقواؿ األئمة ‪ ,‬وأما الكتاب فقوؿ اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﭐ ﭐﱠ [ النساء ‪ ] 111 :‬فتوعد على‬
‫ﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬ ‫اتباع غَت سبيلهم بعذاب جهنم ووعد متبعهم بالرضواف واجلنة فقاؿ تعاىل‬
‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﭐﱠ [ التوبة ‪ ] 111 :‬فوعد ادلتبعُت ذلم بإحساف مبا وعدىم بو من‬
‫رضوانو وجنتو والفوز العظيم )) (‪.)2‬‬

‫فإذا كانت طبيعة األدلة تدل على معنى فهم السلف ‪ ,‬فإن ىذه اآلية من أقوى األدلة التي تدل على‬
‫مرادىم بفهم السلف ‪ ,‬فلماذا أغفلها األستاذ ؟‬

‫واألستاذ الكرمي يرى أف االستدالؿ هبذه اآلية على حجية فهم السلف يناقض االستدالؿ هبا على حجية‬
‫علماء األمة ‪ ,‬وفهمو خطأ سيأيت بيانو يف اجلزء الثاين ‪ ,‬ولكنو أوىم القراء أنو مل يستدؿ هبذه اآلية إال األكاددييُت‬
‫الذي صرحوا باإلرتاع ‪ ,‬واحلقيقة أف االستدالؿ هبا منتشر يف القدمي واحلديث ‪.‬‬

‫واألستاذ يصور أنو لم يستدل بهذه اآلية على حجية فهم السلف إال من صرح بأن فهم السلف ىو‬
‫إجماعهم(‪ ,)3‬وبناء على كالمو ىذا فاأللباني ليس ممن استدل بها ‪ ,‬والحقيقة أن األمر ليس كذلك كما‬
‫سبق بيانو ‪.‬‬
‫وحتى ال يأتي األستاذ ويقول ‪ :‬بل ذكرت اآلية وناقشتها ‪ ..‬فنقول من اآلن ‪ :‬نعم ذكرتها ‪ ,‬ونقاشك‬
‫لها خطأ ظاىر ‪ ,‬ولكن نقدنا لك ىنا أنك لم تذكرىا في أدلة رموز السلفيين الذين اختزلت أدلتهم على‬
‫حجية فهم السلف ‪.‬‬

‫األمر الثاني ‪ :‬أقاـ األستاذ كبلمو على أف االحتػ ػ ػ ػ ػ ػاد يف األدل ػ ػ ػ ػ ػة يستلزـ االحتاد يف عُت ادلس ػ ػ ػ ػائل ‪ ,‬حيث‬
‫يقوؿ ‪ (( :‬أدلة وجوب اتباع السلف وفهمهم عند السلفيُت ىي عُت أدلة حجية قوؿ الصحايب ‪ ,‬لذلك استدؿ‬
‫ىذا البػ ػ ػ ػ ػاحث الس ػ ػ ػ ػ ػ ػلفي مبا عقده ابن القيم لبلستدالؿ على حجية قوؿ الص ػ ػ ػ ػ ػحايب ‪ ,‬فدؿ ذلك على احت ػ ػ ػ ػاد‬

‫(‪ )1‬اجلرح والتعديل (‪. )8/1‬‬


‫(‪ )2‬ذـ التأويل (‪. )28‬‬
‫(‪ )3‬فهم السلف (‪. )99‬‬
‫‪21‬‬

‫عُت ادلسألتُت عند السادة السلفيُت )) ‪.‬‬

‫وىذا قصور شديد يف التحليل والفهم ‪ ,‬فليس لدى االستاذ إال خيارين إما أف ختتلف أدلة ادلسائل وإما أف‬
‫تكوف متحدة يف حقيقتها ‪ ,‬ولكنو أغفل خيارات أخرى أشد وضوحا وبيانا ‪ ,‬ومنها ‪ :‬االستدالؿ بقياس األوىل ‪,‬‬
‫أستدؿ بأدلة مسألة ما على مسألة أخرى سلتلفة عنها يف عدد من ادلقتضيات بقياس األوىل ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فقد‬

‫وىذا الذي صنعو أتباع ادلدرسة السلفية ‪ ,‬فإنو استدلوا بالنصوص الواردة يف فضل الصحابة ويف حجية قوؿ‬
‫اخللفاء الراشدين وقوؿ الصحايب بقياس األوىل ‪ ,‬وحاصلو أنو إذا كاف حاؿ بعض الصحابة كذلك فحاذلم إذا‬
‫أرتعوا أقوى وأكمل ‪ ,‬وكذلك صنعوا يف النصوص الواردة يف اإلرتاع ‪.‬‬

‫وسواء وافق األستاذ العجمي على ىذا االستدالؿ أو انتقده ‪ ,‬فبل إشكاؿ ‪ ,‬ولكن ذلك ال يسوغ لو ألبتة‬
‫االدعاء بأف أتباع ادلدرسة السلفية جيعلوف تلك ادلسائل ادلختلفة شيئا واحدا يف احلقيقة واألحكاـ ادلًتتبة عليها ‪.‬‬

‫وقد أثرت ىذه القض ػ ػ ػ ػ ػية على األس ػ ػ ػ ػ ػتاذ فقاؿ يف اجلواب عليها ‪ (( :‬فما الذي يقصػ ػ ػ ػ ػده باشًتاؾ ادلسػ ػ ػ ػ ػ ػائل‬
‫يف األدلة ‪ ,‬ىل يقصد أف ىذه النصوص اليت يذكرىا علماء السلفية ادلعاصرة يف استدالذلم على حجة فهم‬
‫السلف ‪ ,‬ىل يقصد أهنا نص ػ ػ ػ ػ ػوص قابلة ألف يس ػ ػ ػ ػتدؿ هبا على الشيء ونقضيها ‪ ,‬فيستدؿ هبا على حج ػ ػ ػ ػية‬
‫إرتاع السلف الذي ال خػ ػ ػ ػ ػبلؼ فيها ‪ ,‬ويستدؿ هبا أيضا على حجػ ػ ػ ػ ػ ػية أقواؿ اخللفاء وقوؿ الصػ ػ ػ ػ ػ ػحايب ادلختلفة‬
‫يف حجيتهما ؟ )) ‪.‬‬

‫وىذا يؤكد أنو مل يفهم كبلـ من يقوـ بنقدىم ‪ ,‬مع أنو نقل بعض األق ػ ػ ػ ػواؿ اليت تفسَت طريقهم يف‬
‫االستدالؿ ‪ ,‬فهم حُت استدلوا بالنصوص الواردة يف حجية قوؿ الصحايب واخللفاء على حجية إرتاع الصحابة إمنا‬
‫اعتمدوا على قياس األوىل ‪ ,‬فإذا ثبتت احلجة ألفرادىم فثبوهتا يف رلموع أقوى وأظهر ‪ ,‬وذلم مسالك أخرى يف‬
‫االستدالؿ ‪.‬‬

‫وأكرر مرة أخرى أف البحث ليس يف مناقشة األستاذ يف موقفو من ىذا االستدالؿ ‪ ,‬وإمنا يف بياف أنو مل‬
‫يفهم وجو استدالذلم وال طريقتو ‪ ,‬فوقع يف خطأ كبَت أضر بكل حبثو ‪ ,‬وىو تصوره أهنم جيعلوف ادلسألتُت مسألة‬
‫واحدة ‪.‬‬

‫األمر الثالث ‪ :‬يلزـ على طريقة األس ػ ػ ػ ػ ػ ػتاذ يف حتليل األقواؿ أف يكوف قوؿ الص ػ ػ ػ ػ ػ ػحايب عند ابن تيمية من قبيل‬
‫اإلرتاع ادللزـ ؛ ألف ابن تيمية استدؿ على حجية قولو ببعض النص ػ ػ ػ ػ ػوص الواردة يف اإلرتاع ‪ ,‬فإنو اس ػ ػ ػ ػ ػتدؿ يف‬
‫‪22‬‬

‫ﭐﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬ ‫كتاب " تنبيو الرجل العاقل " ( ‪ ) 576 / 2‬بقولو تعاىل ‪:‬‬
‫ﱡﱣﱤ ﱥﱦﱧﱠ [ آل عمران ‪ ] 111:‬على‬ ‫ﱙ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱢ‬ ‫ﱖﱗﱘ ﱚ‬

‫حجية قوؿ الصحايب ‪ ,‬واستدؿ هبا يف رلموع الفتاوى ( ‪ ) 125 / 28‬على حجية اإلرتاع ‪.‬‬

‫فبناء على منهجية األستاذ الغريبة جيوز لنا أف نق ػ ػ ػرر بأف ابن تيمية يرى أف قوؿ الصحايب واإلرتاع شيء‬
‫واحد ‪ ,‬وأهنما متحداف يف احلقيقة واألحكاـ ادلًتتبة عليهما ‪.‬‬

‫خامتة ‪ :‬تعقيبات خمتصرة ‪:‬‬


‫يف ىذه اخلادتة سأعلق على عدد من التعليقات اليت قاـ هبا األستاذ العجمي وقد أخطأ فيها ‪.‬‬
‫التعليق األول ‪ :‬ذكرت يف قرايت النقدية بأين سأقتصر على رؤوس األفكار من غَت دخوؿ يف التفاصيل وذكر‬
‫األدلة ‪.‬‬

‫وكل قارئ لتلك الورقة يعلم أف القصد منها بياف أصوؿ األغبلط إرتاال وليس تتبع كل ما يف الكتاب ‪.‬‬
‫ولكن ماذا فعل األسػ ػ ػ ػ ػتاذ الكرمي ؟ ‪ ,‬أخذ يقوؿ بأين إمنا ترؾ الدخػ ػ ػ ػ ػ ػوؿ يف األدلة ألنو ال ديكن أف يرد على‬
‫ما قاـ بو ‪.‬‬
‫وىذا من التضخيم الذي ال يزاؿ صاحبنا األستاذ يكرره عن نفسو وعن الكتاب ‪ ,‬فكل أحد يفرؽ بُت‬
‫النقد اإلرتايل الذي يقتصر على بياف أصوؿ الغلط الفهم واالستدالؿ ‪ ,‬وبُت النقد الذي يقصد إىل تتبع كل‬
‫التفاصيل واألدلة ‪.‬‬

‫وأما النقد التفصيلي دلا ذكره من االعًتاضات ادلتعلقة بصلب ادلوضوع فسيكوف يف اجلزء الثاين ‪ ,‬فبل يستعجل‬
‫ما سيأتيو ‪.‬‬

‫التعليق الثاني ‪ :‬قلت ‪ (( :‬لو كاف الباحث صاحب منهجية علمية دقيقة ‪ ,‬وملتزـ مبناىج احلجاج واجلدؿ‬
‫لًتكز حديثو على ثبلثة أمور )) ‪.‬‬

‫فعلق يقوؿ ‪ :‬أنا ذكرت تلك األمور وأطاؿ يف الكبلـ ‪ ,‬وىذا خلل يف الفهم منو ‪ ,‬فالنقد الذي قدمت ليس‬
‫راجعا إىل عدـ ذكره ‪ ,‬وإمنا ىو راجع إىل أنو مل يركز عليها ؛ ألهنا صلب ادلوضوع ولبو ‪ ,‬وإمنا ركز على أمور‬
‫وأطاؿ فيها جدا ‪.‬‬

‫فإف أراد أف يعًتض على نقدي ىذا فعليو فعل واحد من أمرين ‪:‬‬
‫‪23‬‬

‫األول ‪ :‬أف ينب بأنو ركز على تلك ادلوضوعات وأعطاىا حقها من البحث والتحليل واالستدالؿ ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أف يثبت بأهنا ليست مركزية وال تستحق الًتكيز‬

‫أما أف يعلق بأنو ناقشها وحبثها فهو يتحدث يف غَت زلل النقد ‪.‬‬

‫التعليق الثالث ‪ :‬ذكرت يف قرايت النقية تنبيها أشرت فيو إىل أنو ناقش بعض األمور اليت دعوتو إىل الًتكيز‬
‫عليها ‪ ,‬فقاؿ األستاذ العجمي معلقا على ذلك التنبيو ‪ (( :‬ىنا يقر العمَتي مبا جحده آنفا من أين مل أتعرض ذلذه‬
‫القضية اليت يراىا مركزية يف البحث )) ‪.‬‬

‫وىذا فهم غريب جدا من األستاذ الكرمي ‪ ,‬فأنا مل أقل إنو مل يتعرض ‪ ,‬وإمنا قلت ‪ :‬أنو مل يركز ‪ ,‬وذتة فرؽ‬
‫كبَت بُت األمرين ‪ ,‬فقد قلت ‪ (( :‬فلو قاـ الباحث هبذه األمور لكاف لبحثو أثر يف معاجلة ىذه القضية ادلركزية ‪,‬‬
‫ولكنو لؤلسف مل يركز حديثو على تلك القضايا ‪ ,‬وإمنا صور قوؿ سلالفيو بطريقة خاطئة ‪ ,‬مث شرؽ وغرب يف‬
‫مسائل ال أثر ذلا يف نصرة قولو أو إبطاؿ قوؿ سلالفيو )) ‪.‬‬

‫التعليق الرابع ‪ :‬ذكرت يف معرض إثبايت لقصوره البحثي أف أتباع ادلذىب السلفي أثاروا قضايا مهمة يف‬
‫حبثو ىو مل يتعرض ذلا ‪ ,‬وذكرت مسألة أثارىا ابن تيمية ‪.‬‬

‫وعلق عليها بقولو ‪ (( :‬ىذا أنت أحد أتباع ادلذىب السلفي ‪ ,‬ومل تذكر لنا ما فائدة ذلك )) ‪ ,‬وىذا تعليق‬
‫غريب كل الغرابة ‪ ,‬وال قيمة لو ‪.‬‬

‫واجلواب الصحيح أف يثبت بأنو وقف عليها ‪ ,‬وأنو ال أثر ذلا يف إثبات قصوره البحث ‪ ,‬أو أف يقر بأنو مل‬
‫يكن يعلمها من قبل ‪ ,‬ويقر بالقصور فيما قاـ بو من حبث ‪.‬‬

‫التعليق الخامس ‪ :‬نسب األستاذ إيل أين أقوؿ ‪ :‬إف كل السلفيُت يقولوف بعدـ حجية قوؿ اخللفاء الراشدين‬
‫وقوؿ الصحايب ‪ .‬وىذه النسبة خطأ ظاىر ‪ ,‬فأنا مل أقل ذلك أبدا ‪ ,‬فهذا تقوؿ من األستاذ الكرمي علي ‪.‬‬

‫التعليق السادس ‪ :‬كرر األستاذ مرارا بأنو ناقش أدلة السلفيُت على حجية فهم السلف وبياف بطبلهنا ‪,‬‬
‫وأشعر القارئ بأين قد هتربت منها ‪.‬‬

‫وىذا يدؿ بوضوح على أنو مل يفهم حقيقة النقد الذي قدمتو لبحثو ‪ ,‬فأنا ال أقوؿ إنو مل يناقش شيئا من‬
‫األدلة اليت اعتمد عليها السلفيوف يف تأسيس فهم السلف ‪ ,‬وإمنا أقوؿ إنو فهم كبلـ السلفيُت خطأ ‪ ,‬وفهم طريقة‬
‫‪24‬‬

‫استدالذلم ببعض األدلة خطأ وحكم على مواقف خطأ ‪ ,‬ومل يذكر كل أدلتهم ادلعربة عن حقيقة قوذلم وإمنا اختزذلا‬
‫وشتتها ‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فتكراره بأنو رد على أدلة السلفيُت وناقشها ال قيمة لو ؛ ألف ذلك ليس ىو زلل النقد ‪.‬‬

‫التعليق السابع ‪ :‬قلت يف التعليق ‪ (( :‬وأنا ىنا ال أصحح صنيع ما فعلو بعض أتباع ادلذىب السلفي يف كثَت‬
‫من استدالذلم ‪ ,‬وإمنا أبُت أف ما فعلو الناقد من دعوى البناء غَت صحيح )) ‪.‬‬

‫وقد فهم األستاذ من ىذا الكبلـ أين أوافقو يف نقد السلفية ادلعاصرة ‪ ,‬وعرض يب بأين أريد أف أظهر يف صورة‬
‫ادلدافع ‪.‬‬

‫وىذا فهم غريب للكبلـ ‪ ,‬فكوين أخطئ بعض أصحابنا يف بعض األدلة ليس معٌت ذلك أين أخطئو يف‬
‫األصل ذاتو ‪ ,‬وىو حجية فهم السلف بإرتاعهم ‪ ,‬وليس معناه أين أنسب إليهم أهنم يفسروف حجية فهم السلف‬
‫بقوؿ الصحايب الفرد ‪ ,‬فهذا مل أقل أبدا ‪ ,‬وىو زلل النقد لكتاب األستاذ الكرمي ‪.‬‬

‫لو أف األستاذ الكرمي كاف ينتقد بعض أدلة السلفيُت على حجية فهم السلف دلا قمت بنقده ‪ ,‬ولكنو يقدـ‬
‫معٌت جديدا ويدعي أنو ادلمثل حلقيقة قوذلم ‪ ,‬وىذا ىو زلل االعًتاض ‪.‬‬

‫ولو أنو ذكر أف ذلك القوؿ الذي ينتقده قالو بعض السلفيُت ‪ ,‬دلا تشجعت لنقده ؛ ألف السلفيُت كثر ‪,‬‬
‫فبل غرابة أف يقع بعضهم يف اخلطأ أو يف القصور ‪ ,‬ولكنو جيعل ذلك القوؿ ىو ادلمثل دلنهج السلفيُت ‪.‬‬

‫التعليق الثامن ‪ :‬لو قػ ػ ػ ػ ػاؿ قػ ػ ػ ػ ػ ػ ػائل ‪ :‬من خبلؿ است ػ ػ ػ ػ ػ ػقراء كبلـ رموز السلفية ادلعػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػاصرين وجدت أف رتلة‬
‫( فهم السلف ) ‪ ,‬تطلق على كل ما نقل عن الصحابة والتابعُت‪ ,‬ولكن ما نقل عنهم على مراتب بعضها إرتاع‬
‫وبعضها قوؿ أفراد ‪ ,‬فما كاف من قبيل اإلرتاع فحكمو حكم اإلرتاع حجة وسلالفة ‪ ,‬وما كاف من قبيل قوؿ‬
‫األفراد ‪ ,‬فحكمو حكم األدلة ادلختلفة فيها = أقوؿ لو قاؿ ذلك قائل لكاف قولو أقرب من قوؿ األستاذ الذي‬
‫يصر ‪ -‬بغَت أدلة صحيحة ‪ -‬على أف رموز السلفيُت يفسروف فهم السلف مبا نُقل عن أفرادىم ‪ ,‬مث جيعلوف لو‬
‫حجية اإلرتاع يف اإللزاـ وادلخالفة ‪.‬‬

‫ويف ختاـ ىذا اجلزء أسأؿ اهلل يل وألخي سعد العجمي التوفيق والسداد ‪ ,‬واإلخبلص يف القوؿ والعمل ‪,‬‬
‫وأسألو سبحانو أف يغفر لنا الزلل ‪ ,‬وأف يعفو عن التقصَت والذنب ‪ ,‬إنو ويل ذلك والقادر عليو ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫( اجلسء الثاني )‬

‫الحمد هلل ‪ ,‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء ‪ ,‬وبعد ‪:‬‬


‫فهذا ىو اجلزء الثاين يف الرد على كتاب حجية فهم السلف ‪ ,‬لؤلستاذ سعد العجمي ‪ ,‬وقد ذكرت يف اجلزء‬
‫األوؿ معٌت فهم السلف عن أئمة السلف ادلتقدمُت وعند ابن تيمية وعند السلفيُت ادلعاصرين ‪ ,‬وأقدمت األدلة‬
‫على ذلك ‪ ,‬وبينت خطأ ادلؤلف حُت نسب إىل رموز السلفيُت أهنم جيعلوف حجية فهم السلف يف أقواذلم أفرادىم‬
‫ال يف قوذلم إرتاعهم ‪ ,‬وذكرت ما يف فهمو من خطأ ‪ ,‬وما يف استداللو من غلط ‪.‬‬

‫وقد ذكر أف بعض األكاددييُت السلفيُت جعل فهم السلف يف إرتاعهم ‪ ,‬وذكر أف ىذا صنيعا جديدا ال‬
‫يعرؼ عند السلفيُت وخاصة رموزىم ادلعاصرين ‪ ,‬وحاوؿ أف يثَت ضده عددا من االعًتاضات ‪ ,‬ضخم منها وأعلى‬
‫من شأهنا ‪ ,‬وىي يف احلقيقة ال تعدو أف تكوف أغبلطا يف الفهم ‪ ,‬واحنرافا يف اإلدراؾ وتكلفا يف اإليراد واحلجاج ‪,‬‬
‫ويف ىذا اجلزء سأبُت ما يف اعًتاضاتو من أغبلط واحنرافات ‪.‬‬

‫فقد اعرتض األشتاذ العجني على فهه الصلف بإمجاعهه خبنصة اعرتاضات ‪:‬‬
‫االعرتاض األول ‪ :‬أف لفظ الفهم ال يدؿ على معٌت اإلرتاع ‪ ,‬حيث يقوؿ ‪ (( :‬من الناحية اللغوية وقد‬
‫تقدمت معنا عند احلديث عن مفهوـ مفردة الفهم يف االستعماؿ اللغوي ‪ ,‬وكيف أهنا تكاد تًتادؼ مع مفردات‬
‫العلم وادلعرفة والتصور والتعقل ‪ ,‬إف ىذه احلقائق اللغوية دلفردة الفهم أبعد ما تكوف عن حقيقة مفردة اإلرتاع ‪ ,‬ال‬
‫من الناحية االصطبلحية األصولية ‪ ..‬وال من الناحية اللغوية ‪ ,‬واليت تأيت مبعٌت مغاير دلعٌت الفهم )) (‪.)1‬‬

‫واالعًتاض على من فسر فهم السلف بإرتاعهم هبذا ادلعٌت يف غاية البعد ‪ ,‬وىو خػطأ ظاىر وغلط بُت ؛‬
‫ألف تقرير معٌت اإلرتاع ليس مأخوذا من لفظة ( الفهم ) البتة ‪ ,‬وال عبلقة لو بذلك ال من قريب وال بعيد ‪ ,‬ومل‬
‫يقل أحد من أتباع ادلدرسة السلفية إف إرتاع السلف مأخوذ من لفظة الفهم أو متضمن فيها ‪ ,‬وإمنا ىي متضمنة‬
‫يف لفظة السلف ‪ ,‬أو متضمنة يف السياؽ أو موضحة يف الشرح والتوضيح ‪.‬‬

‫فيكوف معٌت تقريرىم ‪ :‬الفهم الذي أرتع عليو السلف ‪ ,‬أو العلم الذي أرتع عليو السلف أو التصور الذي‬
‫أرتع عليو السلف ‪ ,‬فالتقييد باإلرتاع مأخوذ من شيء آخر غَت لفظة الفهم‪.‬‬

‫وىذا التعبَت ليس خاصا بالسلفيُت ‪ ,‬وإمنا ىو شائع يف لغة العلماء ‪ ,‬فكثَتا ما يقوؿ ادلنظروف يف العلوـ ‪:‬‬

‫(‪ )1‬حجية فهم السلف (‪. )94‬‬


‫‪26‬‬

‫فهم العلماء كذا وكذا ‪ ,‬أي أدرؾ العلماء يف رلموعهم أو مبجموعهم كذا وكذا ‪ ,‬ويقولوف ‪ :‬جيب أال خيرج عن‬
‫فهم العلماء أو عن فهم ادلفسرين مثبل ‪ ,‬فادلقصػ ػ ػ ػود بكبلمهم ىذا أال خيرج عن الفهم الذي أرتع عليو الع ػ ػ ػلماء‬
‫أو ادلفسرين إذا كاف حديثا عن التفسَت ‪.‬‬

‫يقوؿ أبو حياف تعليقا على كبلـ للزسلشري ‪ (( :‬وما ذىب إليو الزسلشري من جتويز كونو فارغا من اذلم إىل‬
‫آخره‪ ,‬خبلؼ ما فهمو ادلفسروف من اآلية )) (‪ , )1‬ومقصوده سلالف للفهم الذي توارد عليو ادلفسروف يف رلموعهم‬
‫أو رتيعهم ‪.‬‬

‫ويقوؿ القرطيب يف التعليق على بعض األحاديث ادلتعلقة بعتق الرقيق ‪ (( :‬فهم العلماء من ذلك تشوؼ الشارع إىل‬
‫[ النساء ‪] 43 :‬‬ ‫‪ :‬ﭐﭐﱡﭐ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱠ‬ ‫العتق )) (‪ , )2‬ويقوؿ أبو عبداهلل القرطيب ‪ (( :‬فهم العلماء من قولو تعاىل‬
‫أنو مىت عجز عن نفقتها مل يكن قواما عليها )) (‪ , )3‬ويقوؿ ابن ادللقن تعليقا على بعض األحاديث ‪ (( :‬الذي‬
‫فهمو العلماء أف ىذا النهي ليس على وجو التحرمي ‪ ,‬وإمنا ىو من باب سد الذرائع واإلرشاد إىل األصلح )) (‪.)4‬‬

‫فلفظة الفهم سواء كانت مصدرا أو فعبل ال يراد منها التعبَت عن اإلرتاع ‪ ,‬وإمنا يراد هبا التعبَت عن العلم‬
‫واإلدراؾ ‪ ,‬وأما اإلرتاع فهو مأخوذ من شيء آخر كما سبق بيانو ‪.‬‬

‫وحنن ال ننكر أف رتلة ‪ ( :‬فهم العلماء ) قد تطلق ويراد هبا العلماء مبجموعهم ال جبميعهم ‪ ,‬ولكن ال أحد‬
‫من العارفُت بلغة أىل العلم يقوؿ ‪ :‬إهنا ال تطلق على اإلرتاع حباؿ ‪ ,‬وال أحد منهم يقوؿ إف معٌت اإلرتاع‬
‫مأخوذ من لفظ الفهم ‪.‬‬

‫وال أدري كيف فهم األستاذ العجمي كيف ذلك الفهم ؟ وكيف تصور أف ادلنتسبُت للسلفية جيعلوف اإلرتاع‬
‫مأخوذا من لفظة الفهم ‪ ,‬حىت يعًتض بذلك االعًتاض الغريب ؟‬

‫االعرتاض الثاني ‪ :‬أف إرتاع أىل عصور ثبلثة شلتنع ‪ ,‬نعم قد ُجيمع أىل عصر واحد على مسألة معينة ‪,‬‬
‫أما اجتماع أىل عصور ثبلثة على مسألة فهو شلتنع ‪ ,‬يقوؿ ادلؤلف بعد أف ذكر تعريف األصوليُت لئلرتاع ‪ ,‬وأنو‬
‫يقوـ على اتفاؽ أىل عصر من العصور ‪ (( :‬تأمل ىنا قوذلم ‪ (( :‬يف عصر من العصور )) فبل بد أف يكوف ىذا‬

‫(‪ )1‬البحر احمليط (‪. )290/8‬‬


‫(‪ )2‬ادلفهم دلا أشكل من تلخيص كتاب مسلم () ‪.‬‬
‫(‪ )3‬اجلامع ألحكاـ القرآف (‪. )169/5‬‬
‫(‪ )4‬التوضيح شرح اجلامع الصحيح (‪. )645/15‬‬
‫‪27‬‬

‫اإلرت ػ ػ ػ ػ ػػاع حصل يف عصر استػ ػ ػطاع اجملته ػ ػ ػ ػدوف فيو أف يتفقوا على ىذا احلكم الشػ ػ ػ ػرعي ‪ ,‬أما يف ىذا التػ ػ ػ ػ ػعريف‬
‫‪ -‬يعٍت تعريف السلفيُت لفهم السلف ‪ -‬فقد جعل ىذا اإلرتاع متفرقا على ثبلثة ‪ -‬عصور عصر الصحابة ‪,‬‬
‫وعصر التابعُت وعصر أتباع التابعُت ‪ , -‬فكيف يصح ألىل ثبلثة عصور متفرقة أف جيتمعوا وجيمعوا على مسألة‬
‫أو فهم ‪ ,‬مث يقاؿ عن ىذا الفهم ‪ :‬إنو فهم السلف الذي يقتضي إرتاعهم ‪ ,‬إذ ىو حجة ‪ ,‬واستحالة وقوع‬
‫مسمى اإلرتاع على أكثر من عصر واحد أشار إليو ابن رشد احلفيد )) (‪ , )1‬مث نقل لفظو ‪.‬‬

‫وىذا االعًتاض ال خيتلف عن سابقو يف الغرابة والبعد عن إمكانية الصواب ‪ ,‬فهو يتوىم أف السلفيُت‬
‫يعتقدوف أف علماء السلف يف القروف الثبلثة ال بد أف جيتمعوا يف عصر واحد على مسألة شرعية ‪ ,‬وىذا التصور‬
‫ال يليق مبشتغل بالعلم أف يظنو يف أجهل طلبة العلم ‪ ,‬فكيف مبن يعلم أهنم مشتغلوف بالعلم الشرعي وذلم قدر‬
‫كبَت فيو ال خيتلف عن حاؿ ادلعاصرين ذلم أو يقاربو على التنزؿ ‪.‬‬

‫وبيان ما في اعتراض األستاذ العجمي من غلط وخلل يمكن أن يحصل من وجوه ‪:‬‬
‫الوجو األول ‪ :‬أف كثَتا من أتباع ادلنهج السلفي ‪ ,‬وأشهرىم إمامهم ابن تيمية يقرروف بأف اإلرتاع الذي‬
‫ينضبط ىو إرتاع الصحابة ‪ ,‬وأف من بعدىم إمنا ىم مقتفوف لو وناقلوف لو دلن بعدىم ‪ ,‬فهم يقرروف أف الصحابة‬
‫إذا أرتعوا فإرتاعهم مستند ألرتاع من جييء بعدىم من أئمة التابعُت وأتباعهم ‪ ,‬فليس يف األمر اعتقاد اجتماع‬
‫أىل القروف الثبلثة يف آف واحد ال من قريب وال بعيد ‪.‬‬

‫األمر الثاني ‪ :‬أتباع ادلدرسة السلفية ليسوا جهلة بأصوؿ الفقو ‪ ,‬فهم إذا أطلقوا لفظ اإلرتاع يف كبلمهم‬
‫فإهنم يعنوف بو ما ىو مقرر يف أصوؿ الفقو ‪ ,‬ومن ادلعلوـ أف مفهوـ اإلرتاع وشروطو األساسية من ادلعلوـ من علم‬
‫األصوؿ بالضرورة ‪ ,‬ليست يف حاجة إىل ختصص عميق ‪ ,‬فإذا أطلق مشتغل بالعلم الشرعي لفظ اإلرتاع أو ما‬
‫يدؿ عليو ‪ ,‬فاألصل الذي ال شك فيو أنو يقصد ما ىو مقرر يف اللغة العرفية بأصوؿ الفقو ‪ ,‬وال يصح أف تنسب‬
‫إليو التصورات الغربية عن لغة العلم إال إذا صرح بذلك أو وجد يف كبلمو ما يدؿ عليو داللة قوية ‪.‬‬

‫أما االعتماد على رلرد العبارات العامة والتوىم يف الفهم وسوء الظن القائم على التجهيل واالستخفاؼ فهذا‬
‫صنع خارج عن هنج العلماء وعن مسالك النقد الصحيحة ‪.‬‬

‫األمر الثالث ‪ :‬أف جنس ىذه اإلطبلقات ليست خاصة بالسلفيُت ‪ ,‬بل ىي طريقة معهودة ومقبولة يف كبلـ‬
‫العلماء ‪ ,‬فكثَتا ما يقولوف ‪ :‬ىذا ما عليو إرتاع األمة ‪ ,‬وال يعنوف أف األمة كلها باختبلؼ قروهنا اجتمعت على‬

‫(‪ )1‬حجية فهم السلف (‪. )95‬‬


‫‪28‬‬

‫ىذا القوؿ يف وقت واحد ‪ ,‬وإمنا يعنوف بذلك أف األمة أرتع علماؤىا قرنا بعد قرف على ذلك القوؿ ‪ ,‬ولو أخذنا‬
‫يف نقل مقاالت العلماء اليت استخدموا فيها تركيب ‪ ( :‬إرتاع األمة ) أو ( إرتاع العلماء ) خلرجنا عن ادلقصود ‪,‬‬
‫ومع ذلك أحب أال خيلو الكبلـ عن نقل بعض نصوصهم ‪ ,‬يقوؿ الباحي ‪ (( :‬إرتاع األمة على حكم احلادثة‬
‫دليل شرعي ‪ ,‬فيجب ادلصَت إىل ما اجتمعت عليو ‪ ,‬والقطع بصحتو خبلفا لئلم ػ ػ ػ ػ ػامية )) (‪ , )1‬ويقوؿ البػ ػ ػ ػ ػاقبلين‬
‫يف أثناء حديثو عن بعض ادلس ػ ػ ػ ػ ػائل ‪ (( :‬من أقوى األدلة على ذلك إرتاع األمػ ػ ػ ػ ػة على أف اهلل ‪ -  -‬قد خَت‬
‫بُت أمور حرـ اجلمع بينها )) (‪ , )2‬ويقوؿ اجلويٍت ‪ (( :‬القوؿ يف جواز انعقاد إرتاع األمة من جهة القياس والرأي‬
‫ووجو اخلبلؼ فيو )) (‪.)3‬‬

‫فإذا كانت تلك اإلطبلقات ال تدؿ على أف األمة كلها اجتمعت يف عصر واحد على حكم مسالة شرعية ‪,‬‬
‫وال تعٍت أف علماء األمة كلهم اجتمعوا يف عصر واحد على حكم مسألة شرعية ‪ ,‬فكذلك مقالة ( أجمع‬
‫السلف من الصاحبة والتابعين وأتباعهم ) ال تعٍت أهنم اجتمعوا يف وقت واحد على مسألة شرعية ‪ ,‬وإمنا غاية‬
‫ما تعٍت أهنم تتابعوا قرنا بعد قرف على حكم تلك ادلسألة ‪.‬‬

‫وأجدد مرة أخرى اعتذاري للقارئ الكرمي ؛ لشعوري بأين أذكر لو كبلما معلوما بالضرورة للمشتغلُت بالعلوـ‬
‫الشرعية ‪.‬‬

‫االعرتاض الثالث ‪ :‬أف ىذا اإلرت ػ ػ ػ ػاع ال فائدة منو ؛ ألنو يعُت عنو إرتاع علماء األمػ ػ ػ ػة ‪ ,‬يقوؿ ادلؤلف ‪:‬‬
‫(( إذا سلمنا أف ادلراد بفهم السلف الذي ال يسع ألحد فهم الكتاب والسنة إال بو أنو ىو اإلرتاع ‪ ,‬فأي جديد‬
‫يف ذلك )) (‪ , )4‬ورتاىَت مذاىب األمة تقر بذلك ؟‬

‫يف ابتداء التعليق على ىذا االعًتاض ال بد من القوؿ بأف ىذا االعًتاض وجيو ‪ ,‬يستحق اإلثارة واإلجابة‬
‫وادلناقشة ‪ ,‬ولكن األستاذ الكرمي مل يتفرد بو من كل وجو ‪ ,‬وإمنا طرح قبلو ابن تيمية سؤاال مقػ ػ ػ ػاربا لو منذ أكثر‬
‫من ستة قروف ‪ ,‬وأجاب عليو ‪ ,‬وذلك اجلواب يصلح يف مناقشة ىذا االعًتاض ويغٍت عنو ‪.‬‬

‫يقوؿ ابن تيمية بعد أف ذكر بأف أىل احلديث مل جيمعوا على خطأ ‪ (( :‬فإف قيل ‪ :‬فإذا كاف احلػ ػ ػ ػق ال خيرج‬

‫(‪ )1‬اإلشارة يف أصوؿ الفقو (‪. )71‬‬


‫(‪ )2‬التقريب واإلرشاد (‪. )157/2‬‬
‫(‪ )3‬التلخيص يف أصوؿ الفقو (‪. )104/3‬‬
‫(‪ )4‬حجية فهم السلف (‪. )96‬‬
‫‪29‬‬

‫عن أىل احلديث ‪ ,‬فلم مل يذكر يف أصوؿ الفقو أف إرتاعهم حجة ‪ ,‬وذكر اخلبلؼ يف ذلك ‪ ,‬كما تكلم على‬
‫إرتاع أىل ادلدينة وإرتاع العًتة ؟ ‪.‬‬
‫قيل‪ :‬ألف أىل احلديث ال يتفقوف إال على ما جاء عن اهلل ورسولو وما ىو منقوؿ عن الصحابة ‪ ,‬فيكوف‬
‫االستدالؿ بالكتاب والسنة وبإرتاع الصحابة مغنيا عن دعوى إرتاع ينازع يف كونو حجة بعض الناس )) (‪.)1‬‬

‫ومعٌت كبلـ ابن تيمية أف إرتاع أىل احلديث القائم على إرتاع السلف ال خيتلف يف حقيقتو عن إرتاع‬
‫الصحابة ‪ ,‬فبل داعي ألف يذكر مفردا يف أصوؿ الفقو باعتباره قضية قائمة بنفسها ‪.‬‬

‫فجوابو ينبو على ضرورة التفريق بُت حقيقة األمر وبُت طريقة التعامل معو ‪ ,‬فكوف أمر من األم ػ ػ ػ ػور ال يذكر‬
‫يف علم من العلم ليس معناه أنو ال قيمة لو أو ال اعتبار حلقيقتو ‪ ,‬وإمنا ألف غَته يغٍت عن ذكره ‪.‬‬

‫وزيادة على ما سبق يقاؿ ‪ :‬إف ختصيص إرتاع السلف لو فوائد متعددة ‪:‬‬
‫الفائدة األولى ‪ :‬أف إرتاع السلف إمنا برز من حيث األصل يف مواجهة أىل االبتداع الذين ظهروا يف‬
‫العصور الثبلثة وخالفو السنة يف عد من األصوؿ الشرعية ‪ ,‬فأبرز أئمة السلف يف وجوىهم إرتاع الصحابة‬
‫والتابعُت ‪ ,‬وكرروا ىذا ادلعٌت كثَتا ؛ ألنو من أقوى ادلضامُت اليت تبُت احنراؼ أولئك ادلبتدعة عن اجلادة يف أصوؿ‬
‫الدين ‪ ,‬وتكشف عن معامل اجلادة ادلستقيمة فيها ‪.‬‬

‫وما زاؿ ذلك اإلرتاع الذي توارد عليو الصحابة والتابعوف وأتباعهم من أقوى احلجج ادلبينة ألصوؿ االحنراؼ‬
‫يف أصوؿ الدين ‪ ,‬والضابطة ألصوؿ االستدالؿ عليها وتقريرىا ‪.‬‬

‫فأضحى ألرتاعهم خصوصية من ىذه اجلهة ‪ ,‬وىي خصوصية بالغة األمهية واألثر ‪ ,‬وألجل ىذا اىتم هبا‬
‫العلماء على مر العصور رتعا ودراسة وبيانا لؤلمهية وتوصية وحثا على االلتزاـ هبا ‪.‬‬

‫الفائدة الثانية ‪ :‬إف ألئمة السلف ىيبة يف قلوب طوائف األمة ‪ ,‬حىت أضحى كثَت من الطوائف تعلن‬
‫انتس ػ ػ ػ ػ ػاهبا إليهم ‪ ,‬إال من شذ عنهم من الرافض ػ ػ ػ ػ ػ ػة وغَتىم ‪ ,‬فالق ػ ػ ػ ػ ػاضي عبداجلػ ػ ػ ػ ػبار ادلعتزيل عقد فصبل يف كتابو‬
‫( فضل االعتزاؿ ) كرر القوؿ فيو بأهنم ادلتبعوف للصحابة دوف غَتىم من الناس(‪ , )2‬وكذلك احلاؿ يف جل‬
‫الطوائف العقدية األخرى ‪.‬‬

‫(‪ )1‬منهاج السنة النبوية (‪. )166/5‬‬


‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬فضل االعتزاؿ (‪. )185‬‬
‫‪31‬‬

‫فذكر إرتاعهم وإبرازه وجعلو زلور السجاؿ يعطي لئلرتاع ادلتحقق يف أصوؿ الدين ىيبة كبَتة يف النفوس ‪.‬‬

‫الفائدة الثالثة ‪ :‬أئمة السلف ىم مؤسسو أصوؿ العلوـ الشرعية ‪ ,‬فبل يكاد يقع اإلرتاع على أصل من‬
‫أصوؿ الدين دوهنم ‪ ,‬بل كل إرتاع على أصل من أصوؿ الدين فهم أصلو ومنبعو ‪ ,‬وىذا ادلعٌت يقلب القضية ‪,‬‬
‫وجيعل ذكر إرتاع السلف بالغ األمهية ؛ ألنو يف احلقيقة إرجاع لئلرتاع إىل أصلو وتعبَت عن أساسو وربط مبنبعو ‪,‬‬
‫فذكر إرتاع العلماء على أصوؿ من أصوؿ الدين تبع إلرتاع السلف ‪ ,‬بل إرتاع السلف يغٍت عنو ‪.‬‬

‫وبناء على ىذا التقرير ديكن أف يقاؿ ‪ :‬إف مسائل الدين نوعاف ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬األصوؿ ‪ ,‬وىذه األصل فيها إرتاع السلف ‪ ,‬وذكره يغٍت عنو غَته ‪.‬‬

‫النوع الثاني ‪ :‬الفروع والنوازؿ ‪ ,‬وىذه قد ال يكوف اإلرتاع فيها ظاىرا يف زمن السلف ‪ ,‬وقد ال تكوف‬
‫ادلسألة مطروحة يف زماهنم ‪ ,‬فذكر إرتاع العلماء فيها أوىل وأحرى ‪.‬‬

‫فتحصل شلا سبق أف ما أثاره األستاذ العجمي ليس صاحلا إلبطاؿ حجية إرتاع السلف وال مشكبل عليو ‪.‬‬

‫وعلى التسليم بأف أحدا ما مل يسلم بتلك الفوائد ‪ ,‬فإف ذلك ليس قادحا يف حجية إرتاع السلف يف أصوؿ‬
‫الدين ‪ ,‬وال يف الزاميتو دلن احنرؼ عن السنة ووقع يف البدع والضبلؿ ‪ ,‬ألف العربة بثبوت اإلرتاع منهم والزامو ‪,‬‬
‫وليس بتسميتو وإفراده مبصطلح خاص ‪.‬‬

‫االعرتاض الرابع ‪ :‬أف وصف السلف عند السلفيُت جاء مطلقا غَت مقيد بالعلماء ‪ ,‬ومعلوـ أف الصحابة‬
‫والتابعُت وأتباعهم ليسوا كلهم من أىل العلم واالجتهاد وال من أىل االشتغاؿ بالفقو ‪ ,‬يقوؿ ادلؤلف بعد أف ذكر‬
‫أف األصوليُت قيدوا اإلرتاع بأىل االجتهاد من األمة ‪ ,‬وبعد أف بُت أف الصحابة والتابعُت وأتباعهم متفاوتوف يف‬
‫العلم ‪ ,‬وأف بعضهم ليس لو اشتغاؿ بو ‪ (( :‬فهل كل الصحابة رلتهدوف عنده وعند القائلُت حبجية فهم السلف ‪,‬‬
‫فلذلك أطلق عبارات تعريفية عليهم رتيعا ‪ ,‬أـ إف التابعُت كلهم عدوؿ ورلتهدوف ‪ ,‬فيكوف فهممهم وعلمهم‬
‫واستنباطهم رتيعا حجة يف دين اهلل وبل ىو مبنزلة اإلرتاع الذي ال يسع أحدا خبلفو ‪ ,‬ىذا أمر حيتاج إىل إعادة‬
‫نظر )) (‪.)1‬‬

‫واالعًتاض هبذا ادلعٌت على حجية إرتاع السلف غَت صحيح ؛ ألف أتباع ادلنهج السلفي ال يعدوف رتيع‬
‫الصحابة والتابعُت وأتباعهم من أىل االجتهاد والفتوى ‪ ,‬بل يدركوف أهنم على درجات يف ىذه األمور ‪.‬‬

‫(‪ )1‬حجية فهم السلف (‪. )97‬‬


‫‪31‬‬

‫وتعبَتىم بإرتاع الصحابة والتابعُت وأتباعهم ال يعٍت أهنم يعنوف كل فرد فردا منهم ‪ ,‬وال يصح إلزامهم هبذا ‪,‬‬
‫وذلك ألمور ‪:‬‬

‫األمر األول ‪ :‬أف ختصيص اإلرتاع مبن عرؼ بالعلم واالجتهاد فيو ليس من األمور اخلفية ‪ ,‬وإمنا ىو من‬
‫األمور ادلعلومة وجودىا بالضرورة يف أصوؿ الفقو دلن ىو مشتغل بالعلوـ الشرعية ‪ ,‬فإذا أطلق أتباع ادلنهج السلفي‬
‫لفظ اإلرتاع فهم يعنوف ببل شك وال ريب أصوؿ ادلضامُت اليت يتضمنها لفظ اإلرتاع ‪ ,‬ومنها شرط كونو حاصبل‬
‫من اجملتهدين ‪.‬‬

‫وال يليق بدارس أف يستحف مبن يقوـ بنقده إىل درجة أف ينسب إىل رتاعة كبَتة ‪ ,‬فيها مئات من العلماء‬
‫واألكاددييُت والشيوخ اجلهل بوجود أمور ىي من ضروريات العلم وبدائو ‪ ,‬ومل يعتمد يف ذلك إال على ظنوف ورتل‬
‫يف غاية البعد عما فهمو ‪.‬‬

‫وإف فرض وجود فرد منهم أو أفراد ال يعلموف ذلك ‪ ,‬فبل يصح تعميم ىذا احلكم على رتيعهم ؛ لظهور‬
‫خطئهم ومناقضتو دلا ىو معلوـ وجوده بالضرورة يف أصوؿ الفقو ‪.‬‬

‫األمر الثاني ‪ :‬أف استعماؿ اجلمل اليت يظهر فيها نسػ ػ ػ ػ ػ ػبة اإلرتاع إىل رتلة الصػ ػ ػ ػ ػحابة والتابعُت وأتباعهم ‪,‬‬
‫بل إىل رتلة العلماء ‪ ,‬بل إىل رتلة األمة ‪ ,‬ليس خاصا بأتباع ادلنهج السلفي ‪ ,‬وإمنا ىو أسلوب شائع ومنتشر يف‬
‫لغة علماء الشريعة ‪.‬‬

‫يقوؿ ابن عباس يف زلاورتو للخوارج ‪ (( :‬أتيتكم من عند أصحاب رسوؿ اهلل )) ‪ ,‬ومل يقل من عند علماء‬
‫أصحاب رسوؿ اهلل ‪.‬‬

‫وكذلك احلاؿ يف العبارات اليت أطلقها أئمة السلف ادلتقدمُت يف الدعوة إىل اقتفاء أثر الصحابة مل يقيدوىا‬
‫بعلمائهم ‪ ,‬قاؿ عمر بن عبد العزيز ‪ (( :‬قف حيث وقف القوـ )) (‪ , )1‬ويقوؿ األوزاعي ‪ (( :‬اصرب نفسك على‬
‫السنة وقف حيث وقف القوـ واسلك سبيل السلف الصاحل )) (‪ , )2‬ويقوؿ قاؿ أبو العالية ‪ (( :‬عليكم باألمر‬
‫األوؿ الذي كانوا عليو قبل أف يفًتقوا )) ‪ ,‬ويقوؿ اإلماـ أزتد ‪ (( :‬أصوؿ السنة عندنا ‪ :‬التمسك مبا كاف عليو‬
‫أصحاب رسوؿ اهلل ‪ , -  -‬واالقتداء هبم )) (‪ ,)3‬فهؤالء األئمة مل يقيدوا من أوصوا باتباع آثارىم بعلمائهم ‪,‬‬

‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪. )4612‬‬


‫(‪ )2‬رواه اآلجري يف الشريعة (‪. )294‬‬
‫(‪ )3‬أصوؿ السنة (‪. )14‬‬
‫‪32‬‬

‫ألف ذلك معلوـ بداىة ‪.‬‬

‫وحُت خلص البللكائي ما جيب على ادلسلم يف أصوؿ الدين قاؿ ‪ (( :‬أوجب ما على ادلرء معرفة اعتقاد الدين‪,‬‬
‫وما كلف اهلل بو عباده من فهم توحيده وصفاتو وتصديق رسلو بالدالئل واليقُت ‪ ,‬والتوصل إىل طرقها واالستدالؿ‬
‫عليها باحلجج والرباىُت ‪ ,‬وكاف من أعظم مقوؿ‪ ,‬وأوضح حجة ومعقوؿ ‪ :‬كتاب اهلل احلق ادلبُت ‪ ,‬مث قوؿ رسوؿ‬
‫اهلل ‪ , -  -‬وصحابتو األخيار ادلتقُت ‪ ,‬مث ما أرتع عليو السلف الصاحلوف ‪ ,‬مث التمسك مبجموعها وادلقاـ‬
‫عليها إىل يوـ الدين ‪ ,‬مث االجتناب عن البدع واالستماع إليها شلا أحدثها ادلضلوف )) (‪.)1‬‬

‫ويقوؿ ادللطي ‪ (( :‬الذي عندي من ذلك أف تلزـ ادلنهج ادلستقيم ‪ ,‬وما نزؿ بو التنزيل وسنة الرسوؿ ‪ ,‬وما‬
‫مضى عليو السلف الصاحل ‪ ,‬فعليك بالسنة واجلماعة ترشد إف شاء اهلل )) (‪.)2‬‬

‫ومل يقيدوا ذلك بعلماء الص ػ ػ ػ ػ ػحابة والتابعُت وأتباعهم ؛ ألف ذلك معلوـ بالضرورة عند ادلشتغلُت بالعلوـ‬
‫الشرعية ‪.‬‬

‫وكذلك احلاؿ يف األصوليُت وغَتىم ‪ ,‬فإهنم كثَتا ما يطلقوف رتلو ‪ ( :‬إرتاع األمة ) أو ( أرتعت األمة ) ‪,‬‬
‫وىم ببل شك ال يقصدوف كل فرد فردا من األمة ‪ ,‬وإمنا يقصدوف أىل االجتهاد منها ‪ ,‬فكذلك احلاؿ فيمن أطلق‬
‫إرتاع السلف أو إرتاع الصحابة والتابعُت وأتباعهم ‪ ,‬فبل شك أهنم ال يقصدوف كل فرد فردا منهم ‪ ,‬وإمنا‬
‫يقصدوف أىل العلم واالجتهاد منهم ‪.‬‬

‫االعتراض الخامس ‪ :‬أف االستدالؿ بالنصوص الواردة يف اإلرتاع على حجية فهم السلف خطأ لكونو‬
‫سلالف للعموـ فيها ‪ ,‬يقوؿ ادلؤلف ‪ (( :‬فأين وجدوا يف ىذه األدلة األصولية الدالة على حجية اإلرتاع ختصيصها‬
‫هبذه احلقة الزمنية ادلباركة ( الصحابة والتابعُت وأتباعهم ) دوف سائر احلقب ‪ ,‬وبأي دليل وحجة وبرىاف ينزعوف‬
‫من األمة حجية إرتاعها ‪ ,‬وخيصصونو يف السلف فقط ‪ ,‬وقد أتت النصوص الشرعية عامة يف رتيع األمة ال‬
‫سلفها فقط )) (‪ , )3‬مث طفق ادلؤلف يذكر عموـ تلك النصوص ويكثر من نقل أقواؿ العلماء ‪.‬‬

‫وىذا االعًتاض غريبة كل الغرابة ‪ ,‬فقد فهم األستاذ العجمي أف االستدالؿ هبذه اآليات على حجية فهم‬
‫السلف يقتضي ختصيػ ػ ػ ػ ػ ػصها هبم ‪ ,‬وبالتايل يتعارض مع االست ػ ػ ػ ػ ػدالؿ هبا على حجية إرت ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػاع علماء األمة‬

‫(‪ )1‬شرح أصوؿ اعتقاد أىل السنة واجلماعة (‪. )7/1‬‬


‫(‪ )2‬التنبيو والرد على أىل األىواء والبدع (‪. )41‬‬
‫(‪ )3‬حجية فهم السلف (‪. )99‬‬
‫‪33‬‬

‫ويتناقض معو ‪ ,‬وىذا فهم خاطئ ‪ ,‬بل ىو شديد اخلطأ ‪.‬‬

‫فأتباع ادلدرسة السلفية ال حيصروف داللة تلك اآليات يف الداللة على إرتاع أئمة السلف ‪ ,‬ومل يستعلموا‬
‫عبارات تدؿ على ذلك ال من قريب وال من بعيد ‪ ,‬وإمنا بينوا بيانا واضحا جليا بأف استدالذلم بتلك اآليات على‬
‫حجية إرتاع السلف قائم على قياس األوىل ‪ ,‬وىذا يقتضي أهنم ينطلقوف من أهنا تدؿ على حجية إرتاع األمة ‪,‬‬
‫وأف داللتها على حجية فهم السلف من باب أوىل ‪.‬‬

‫ﭐﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠ‬ ‫والغريب حقا أف األستاذ العجمي نقل كبلـ الشيخ الدميجي يف االستدالؿ بقولو تعاىل ‪:‬‬
‫ﱡﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩﱪ ﱠ [ النساء ‪ ] 111 :‬نصػ ػ ػ ػ ػا صرحيا على وجػ ػ ػ ػ ػ ػو داللتها ‪ ,‬حديث يقوؿ ‪:‬‬
‫(( شلا ال شك فيو أف السلف الصاحل من الصحابة والتابعُت وأتباعهم بإحساف ىم ( أوىل الناس ) دخوال فيمن‬
‫مساىم اهلل ىنا ادلؤمنُت )) (‪.)1‬‬

‫إف ىذا التقرير يف غاية الوضوح يف الداللة على أف السلفيُت ال حيصروف داللة ىذه اآلية يف الداللة على‬
‫إرتاع السلف ‪ ,‬وإمنا يروف أهنا تدؿ عليو بداللة األوىل ‪ ,‬ولكن االستاذ العجمي يقفز على ىذا التقرير مع أنو نقلو‬
‫يف كتابو! ‪ ,‬ويصور كبلـ السلفيُت على غَت ما ىو عليو ‪ ,‬وكفى هبذا خلبل يف الفهم والتصور واحلجاج واجلدؿ ‪.‬‬

‫مث يقاؿ ‪ :‬من مل يصرح من العلماء والسلفيُت بداللة األوىل يف االستدالؿ بتلك اآلية أو غَتىا على حجية‬
‫إرتاع السلف ‪ ,‬فليس معناه أنو يعتقد ختصيصها هبم ‪ ,‬ألف من مسالك االستدالؿ الصحيحة االستدالؿ بشموؿ‬
‫العاـ ألفراده ‪ ,‬وال شك أف أئمة السلف من أفراد علماء األمة ‪ ,‬فمن استدؿ بالعاـ على بعض أفراده ليس معناه‬
‫أنو حيصره فيها ما مل ينص على ذلك ‪ ,‬فكيف إذا رتع مع ذلك االستدالؿ بالنص يف كل ادلقامات ‪ ,‬كما صنع‬
‫ابن قدامة وغَته ‪ ,‬فإهنم استدلوا بتلك اآلية على حجية اإلرتاع وعلى حجية ما عليو السلف ‪ ,‬وليس ىذا تناقضا‬
‫منهم ‪ ,‬وإمنا ىو إعماؿ للنص يف كل ما يدخل حتتو ‪.‬‬

‫وكذلك احلاؿ يف كل النصوص اليت تدؿ على فضل أمة اإلسبلـ حُت يستدؿ هبا بعض العلماء على فضل‬
‫الصح ابة وتفضيلهم ‪ ,‬فذلك راجع إما إىل قياس األوىل أو إىل مشوؿ العموـ ألفراده ‪ ,‬وىي مسالك استداللية‬
‫صحيحة معتربة ‪ ,‬وأما دعوى التخصيص والتناقض بُت االستدالؿ هبا على بعض أفرادىا وعلى عموـ أفرادىا كما‬
‫صنع ادلؤلف فهو صنيع خاطئ ‪ ,‬خارج عن مسالك االستدالؿ ادلعتربة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬فهم السلف ‪ ,‬الدميجي (‪. )91‬‬


‫‪34‬‬

‫فأنت ترى أيها القارئ الكرمي حجم اخلطأ الذي وقع فيو األستاذ العجمي يف اعًتاضاتو اليت أثارىا على‬
‫منهج السلفيُت يف حجية فهم السلف ‪ ,‬مل يعد خافيا عليك حجم األغبلط اليت وقع فيها وضخامة األخطاء اليت‬
‫تلبس هبا حيثو ‪ ,‬مع أنو ال يفػأ يكرر بأنو سلك ادلسالك ادلعتمدة يف أصوؿ الفقو ‪ ,‬وأف من يقوـ بنقدىم ال‬
‫يهتموف بتلك ادلسالك ! ومع أنو يضخم من كتابو كما ضخمو غَته ‪ ,‬وصوروا للقراء بأنو سيكوف كتابا زلرجا‬
‫ألتباع ادلنهج السلفي ! وكل ذلك هتويل ال يقوـ على أساس كما ظهر من خبلؿ ىذا النقد ادلختصر ‪.‬‬

‫أساؿ اهلل تعاىل يل وألخي سعد العجمي التوفيق والسداد ‪ ,‬وحسن القصد والعمل ‪ ,‬وأف جيعلنا رتيعا من‬
‫زتاة دينو والذابُت عنو وادلناصرين لو ‪.‬‬

‫وأكرر اعتذاري الشديد ألخي األستاذ سعد عن كل ما يسوؤه يف نقدي الذي قدمتو لبحثو ‪ ,‬فالنقد يف أصلو‬
‫ليس زلببا للنفوس فكيف أف تضمن ما يسوؤىا ؟ ‪.‬‬

‫********************‬
‫‪35‬‬

‫احملتـــــــــــــــــــويات‬
‫( اجلسء األول ) ‪2 ................................................................................‬‬
‫األمر األول ‪ :‬فهم السلف بُت ادلعيارية واستعماؿ ادلعاصرين ‪3 ....................................... .‬‬
‫األمر الثاني ‪ :‬ادلراد بفهم السلف عند ادلتقدمُت ‪5 .................................................. :‬‬
‫األمر الثالث ‪ :‬ادلراد بفهم السلف عند ابن تيمية ‪9 ................................................. :‬‬
‫األمر الرابع ‪ :‬ادلراد بفهم السلف عند رموز السلفية ادلعاصرة ‪12 ..................................... :‬‬
‫نقد تفسَت ادلؤلف دلعٌت فهم السلف عن ادلدرسة السلفية ‪16 ................................... :‬‬
‫خاتمة ‪ :‬تعقيبات مختصرة ‪22 .................................................................. :‬‬

‫( اجلسء الثاني ) ‪25 ............................................................................‬‬


‫اعًتاض األستاذ العجمي على فهم السلف بإرتاعهم ‪25 ............................................ :‬‬
‫االعتراض األول ‪25 ....................................................................... :‬‬
‫االعتراض الثاني ‪26 ....................................................................... :‬‬
‫االعتراض الثالث ‪28 .......................................................................:‬‬
‫االعتراض الرابع ‪30 ....................................................................... :‬‬

‫********************‬

You might also like