You are on page 1of 18

101

‫البعدالتاريخي لشعار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين‬


.”‫“االسالم ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا‬

‫ بوقاعدة البشير‬/‫األستاذ‬
.2 ‫جامعة محمد لمين دباغين سطيف‬

:‫الملخص بالعربية‬

‫ “االسالم‬:‫تعالج مادة هذا المقال بالدراسة والتحليل األبعاد التاريخية لشعار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين‬
‫ من خالل فكمستلغزاتاألحداث الكاشفة لتجليات تلك األبعاد في معالجة القضية‬،“ ‫ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا‬
‫ وكذا إلى ابرازالجهود التي انتصب لها رجال االصالح أو النخب العالمةإلعادة نفخ الروح من جديد في‬،‫الجزائرية‬
‫كيان مقومات الشخصية الجزائرية من تاريخ ودين ولغةوفق منابع ومشارب الدين االسالمي األصيلة بعد الشوائب التي‬
‫طالتهاجراء تناسلجهود القيادةاالستدمارية الفرنسية بما تنطوي عليه من أمشاج متشابكة ومتشعبة تهدف إلى القضاء المبرم‬
‫باإلضافة إلىتحيين سباللنهوض الحضاري بالمجتمع‬،‫على نسيج المقومات والثوابت الناظمة لكينونة المجتمع الجزائري‬
.‫الجزائري وتطبيب جراحه‬

Abstract :
This article treats the historical problematic related to the identification of the historical
dimension of the slogan of the Association of Algerian Islamic Scientists “Islam is our
Religion, Arabic is our Language, Algeria is our Country” , The aime is to show the
efforts of scientists to form the Algerian personality, and to create ways of civilizational
revolution in Algeria, renew Arabic language, and elaborate citizenship according to the
original principals of Islam. This is by showing the reality of the French colonization
policy with its hidden and direct goals, and the bases on which it has built its policy to
achieve its great goal. This goal is to separate the Algerian society from his citizenship,
religion and language. This is because when it succeeds in that it becomes easy for
leaders of colonization in Algeria to realize all their goals. Thus coming up with a
society which does not know his identity, and which will for sure accept everything
without looking at it.

‫ م‬2016 / ‫ هـ‬1437 04 ‫قضايا تاريخية العدد‬


‫‪102‬‬

‫كان تكثيف اجلهود إلعادةنفخ الروح من جديد‬ ‫مقدمة‪:‬‬


‫يف كيان مقومات الشخصية اجلزائرية‪ ،‬وبعث سبل‬
‫النهوض احلضاري باجملتمع اجلزائري‪ ،‬واحياء اللغة‬ ‫ملا اشت ّدت ضغوط االحتالل الفرنسي يف ثالثينيات‬
‫العربية‪ ،‬وم ّد روافد املواطنةلعناصر جسمه وفق منابع‬ ‫ّ‬
‫القرن املاضي على الشخصية اجلزائرية بكل مقوماهتا‬
‫ومشارب الدين االسالمي األصلية واألصيلة‪ ،‬يع ّد‬ ‫من لغة وتاريخ وثقافة وحضارة‪ ،‬أجنبت احلركة الوطنية‬
‫قوام االصالح وعمود سنامه‪ .‬وهو ما نأمل أن‬ ‫مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني؛فكانت هذه‬
‫تضطلع بكشفه العناصر البحثية املوالية‪.‬‬ ‫تشعب مناحيه‬ ‫األخرية منربا رائدا لإلصالح على ّ‬
‫املدججني‬
‫ّ‬ ‫بقيادة كوكبة من العلماء واملصلحني‬
‫بسالح الدين االسالمي والعروبة والوطنية اجلزائرية‪،‬‬
‫◄‪ - 1‬معاول االستدمار لتهديم‬ ‫ذلك هّأنم وقفوا على حقيقة اجلسور املتينة اليت تربط‬
‫الشخصية الجزائرية‪:‬‬ ‫االسالم باللغة واجلزائري بوطنه ودينه ولغته‪ ،‬وأثر‬
‫ذلك الفعال يف ردء الصدع الذي تسعى االدارة‬
‫إ ّن احلقيقة اليت ال مناص منها أ ّن احملتل الفرنسي‬ ‫االستدمارية أن تزيد من عمقه وفجوته يف أوساط‬
‫موازاة مع فشل كل مشاريعه االستدمارية لتحطيم كل‬ ‫وتوسعه ليشمل من‬ ‫الفئة املريضة ‪-‬اليت أجنبتها‪ّ ،-‬‬
‫ما له صلة برفع لواء املقاومة ض ّده من طرف اجلزائريني‬ ‫ال تزال مناعته سليمة‪ .‬وقد جنح العلماء يف مسرية‬
‫على اختالف القيادة اليت امتطت جواد هذه املقاومة‪،‬‬ ‫التوعية‪ ،‬وبعث اليقظة‪ ،‬واحياء الضمري‪ ،‬وتطوير‬
‫ازدادقناعة ‪-‬مع مطلع القرن العشرين‪ -‬أ ّن طول عمره‬ ‫الثقافة العربية االسالمية‪ ،‬وتوحيد أبناء الشعب‬
‫‪-‬متلاّ ‪ -‬قرين مبوت الشخصية الوطنية‬ ‫يف اجلزائر حُ‬ ‫اجلزائري حتت راية العروبة واالسالم والوطن‪ ،‬وصدق‬
‫اجلزائرية املتج ّذرة يف أعماق الفرد اجلزائري‪ ،‬كما بات‬ ‫البشري االبراهيمي حني قال‪“ :‬ان مجعية العلماء‬
‫يدرك يقينا أ ّن جهوده العسكرية ينبغي أن تُرَّكز يف هذا‬ ‫تدافع عن الذاتية اجلزائرية اليت هي عبارة عن العروبة‬
‫املنحى‪ ،‬وإالّ فإ ّن أجله يف اجلزائر قريب ما دامت تلك‬ ‫واالسالم جمتمعني يف وطن”‪.‬‬
‫الشخصية حيّة‪.‬ألجل ذلك بسط الفرنسيون أيديهم‬ ‫تأسيسا على ما سبق‪ ،‬فقد لفت انتباهنا وحنن‬
‫على كل ما له صلة بالقضاء عليها؛ إذ سيطروا على‬ ‫خنوض غمار البحث يف تاريخ مجعية العلماء‬
‫التعليم والسياسة والصحافة واللغة والدين‪ ،‬وعلى كل‬ ‫املسلمني اجلزائريني بأن دراسة شعارها‪“ :‬االسالم‬
‫املؤسسات االجتماعية‪ ،‬وتفنّنوا يف خلق النظريات‬ ‫ديننا والعربية لغتنا واجلزائر وطننا “بالرغم ممّا حظي‬
‫اهلدامة للقضاء على األخالق والقيم واملثل السامية‪،‬‬ ‫لفك الكثري من مستلغزات‬ ‫به من دراسات جادة ّ‬
‫وحتطيم القوى الروحية للمسلمني اجلزائريني بنشر‬ ‫احلدث وجتلياته يف معاجلة القضية اجلزائرية آنئذ‪ ،‬فإ ّن‬
‫الرذائل والفسق والفجور‪،‬كما حاولوا ربط احلضارة‬ ‫هناك أبوابا ال تزال مل تطرق بالشكل الذي يفي‬
‫العربية اجلزائرية مبا يتّصل بالغرائز احليوانية‪ ،‬والرتف‬ ‫احلدث بالدراسة ح ّقه‪ ،‬ومن ذلك ابراز البعدالتارخيي‬
‫النفسي واللهو املخ ّدر‪ ،‬وغرس كل مسوم الفساد اليت‬ ‫هلذا الشعار وامتدادات أمشاجه يف جسم اجملتمع‬
‫من شأهنا أن تضعضع كيان األمة اجلزائرية وتدفع هبا‬ ‫اجلزائري وتطبيب جراحه‪ ،‬من خالل االسهام الفاعل‬
‫إىل اهلالك(‪.)1‬‬ ‫للنخبة العاملة والشرحية اليت محلت على عاتقها مهمة‬
‫لذلك فقد عُ ّد السالح الفتاك إىل جانب‬ ‫الشك قيد أمنلة‪ ،‬أنّه زمنئذ‬
‫ّ‬ ‫االصالح‪ .‬وال يراودنا‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪103‬‬

‫اأن يُقنعوهبأ ّن هؤالء الشيوخ هم أولياء اهلل الصاحلني‬ ‫أسلحة الدمار اليت تستعني هبا فرنسا لتكميم أفواه‬
‫الذينيمنعون الرزق ويبسطونه ملن يشاؤون وميلكون‬ ‫اجلزائريني عن النطق باحلقيقة وقطع كل آماهلم يف‬
‫مفاتيح الغيب وحنو ذلك ممّا ال ميت بصلة ألصول‬ ‫احللم باالستقالل‪ ،‬هو سالح رجال الدين أو دعاة‬
‫الدين االسالمي ومعتقداته‪ ،‬وصرف عقله عن ادراك‬ ‫التغريب؛ الذين ينتصبون يف جهود فرادى ومجاعات‬
‫حقيقة الدين االسالمي وأصوله الصحيحة‪ ،‬وقد‬ ‫إلثارة الشكوك حول االسالم باعتباره احملرك الرئيس‬
‫جنحوا يف ذلك ‪-‬ولو بشكل نسيب‪ -‬من حيث أنتجوا‬ ‫آللة املقاومة والصرب واجللد‪ ،‬واملورد الذي ال ينضب‬
‫ويتعصب‬
‫ّ‬ ‫عقال جزائريايؤمن باخلرافة ويعتقد بالشرك‬ ‫املزود بالطاقة للشحن‪ ،‬والقوة الدافعة للشعب‬ ‫َّ‬
‫بسط هلا أبو القاسم‬ ‫إىل املذهب‪ .‬ولعلّها الرؤية اليت ّ‬ ‫للتمسك حبقه يف احلرية والسري إليها بكل‬
‫ّ‬ ‫اجلزائري‬
‫سعد اهلل حني قال‪ :‬بأ ّن هناك من رجال الزوايا‬ ‫ما ميلك‪ ،‬ليعتق رقبته من ربقة العبودية وذل التبعية‬
‫والطرق الصوفية من ال يزالون على عقائدهم القدمية‬ ‫للمحتل(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫ويف عزلة من تقلبات العصر وجت ّدد الفكر االنساين‪،‬‬ ‫إ ّن وعي القيادة االستدمارية الفرنسية يف اجلزائر‬
‫بل وازدادوا مجودا ‪-‬يف ظل السياسة الفرنسية‪ -‬وبعدا‬ ‫متام الوعي بنجاعة ذلك النهج إن أفلحوا يف مسعاه‪،‬‬
‫عن واقع الشعب اجلزائري ومعاناته اليومية‪ ،‬حىت أ ّن‬‫جعل رجاهلا يفتّشون يف أوكار اخلديعة واملكر والكيد‬
‫بعضهم عن وعي أو غري وعي أصبح أداةً يف يد‬ ‫كل ما يفي بالغرض وال ينتمي أبداإىل قيم االنسانية‬ ‫و ّ‬
‫السلطة الفرنسية إلبقاء اجلماهري خامدة جامدة‬ ‫وشروط التحضر‪ ،‬فأوجدوا لذلك سبال شىت رأوا فيها‬
‫سهلة على االستغالل والسيطرة االستعمارية(‪.)4‬‬
‫مالحمالقدرة على احتواء اجلزائر أرضا وشعبا ومعتقدا‬
‫إ ّن احلديث عن سياسة الفرنسيني للقضاء على‬ ‫يف كياهنم الغريب‪ ،‬وطريقا معبّدا الزالة كل عقبة من‬
‫شأهنا أن حتول دون طموحهم للظفر باجلزائر إىل الشخصية الوطنية اجلزائرية بكل مقوماهتاال يسعه يف‬
‫خصصناه له يف‬‫األبد‪ ،‬ويف طليعة ذلك ضرب اجلزائري وطعنه يف دينه حقيقة األمر هذا اجملال الضيق الذي ّ‬
‫االسالمي ولغته العربيةووطنيّته وانتماءاته األصلية(‪ .)3‬هذا املوطن من دراستنا هذه فضال عن أنّه ليس القصد‬
‫ولتذليل صعاب ذلك الصنيع املشني‪ ،‬كثفوا من بعينه بالدراسة‪ ،‬وحسبنا من صنيعنا هذا ‪-‬حالئذ‪-‬‬
‫ّ‬
‫الدراسات التحليلية املعمقة لنفسية اجملتمع اجلزائري الوقوف على أبرز مالحمها لنكشف عن طبيعة املناخ‬
‫وأحواله العامة واخلاصة‪ ،‬حبثا عن مداخل خيرتقون الذي ساهم يف تعكري صفو حياة اجلزائري بشىت‬
‫هبا منظومة مناعته‪ ،‬فأوجدوا لذلك أبوابا كان من مناحيها‪ ،‬وجتليات العمل االصالحي ومتظهراته‪،‬ذلك‬
‫زمرهتا”باب التصوف”‪،‬ذلك هّأنم رأوا أن التصوف الذي انتصب له علماء اجلمعية ومن ركب سفينة‬
‫ّ‬
‫قد احتل مكانة هامة يف خميال اجملتمع اجلزائري االصالح يف اجلزائر زمنئذ‪ ،‬والذي سنطرقه بشكل‬
‫خصوصا يف ظل املكانة املرموقة اليت حيتلّها شيوخ أكثر تفصيال ممزوجا مع مادة هذه الدراسة يف باقي‬
‫ّ‬
‫الصوفية يف خمياله وعقله وحضور ملساهتم الفاعلة عناصرها حسبما هو مسطور يف أهدافها‪.‬‬
‫يف سلوكياته ومقدرهتم العالية على توجيه مساراته‬
‫تقربوا ◄‪ - 2‬العلماء و سبل الوقاية‪:‬‬ ‫وحتديد مواقفه‪ ،‬وانطالقا من هذا املرتكز وغريه ّ‬
‫من بعض شيوخ الصوفية واستطاعوا أن يستميلوهم‬
‫أمام هذه اجلهود املبذولة من طرف ادارة املستدمر‬
‫طوعوا جهودهم لصاحلهم ويتخذوهنم‬ ‫إىل ص ّفهم ويُ ّ‬
‫لطمس كل ما هو ذو صله بشخصية اجلزائري‪،‬‬
‫كأداة لتمرير مسومهم إىل عقل اجلزائري من قبيل‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪104‬‬

‫إ ّن هذه املقاومة اجلزائرية الضارية اليت قادها‬ ‫كان من بني أسوار الوقاية وقالع املناعة اليت كانت‬
‫أساطني علماء اجلمعية لتحطيم كل اجلسور اليت‬ ‫درعا حصينا ساهم يف محاية الشخصية اجلزائرية‪،‬‬
‫أقامها املستدمر الفرنسي للوصول إىل عقل وقلب‬ ‫هي جهود العلماء املسلمني اجلزائريني بني ضلوع‬
‫وفكر ومعتقد وشخصية اجلزائري‪ ،‬وجدت جنودا‬ ‫مجعية العلماءأو على متنالسفينة اليت ركبوها لعالج‬
‫وأتباعا يقفون وراءها لتحقيق الغاية‪.‬‬ ‫كافة األمراض والسموم القاتلة ‪-‬اليت جنح املستدمر‬
‫وأجدين من خالل هذه الدراسة أسعى للوقوف‬ ‫يف بثّها يف جسم البعض من اجلزائريني ويسعى‬
‫بتوسع وإنمّ ا بشكل‬ ‫لتعميمها على البقية‪ -‬وصياغة الدواء الكايف والشايف‬
‫على هذا النشاط ‪-‬وليس ّ‬
‫مقتضب‪ -‬من خالل شعار اجلمعية السالف الذكر‪،‬‬ ‫للقضاء عليها‪،‬وبعث الروح يف جسمه من جديد‪،‬‬
‫والذي حيمل دالالت عميقة عمق احلضارة اجلزائرية‬ ‫لتنمو مناعة اجلزائري وتقوى حواس شخصيته‬
‫وعمق ماضيها السحيق؛ دالالت ترسم مسرية شعب‬ ‫وهويته يف صدرهوعقله‪ ،‬فتكون نرباسا ينري دربه‬
‫مل ينقطع عن املقاومة يف سبيل ترسيخ هويته واحلفاظ‬ ‫ويدلُّه على حقيقة خمطّطات املستدمر ومراميه القريبة‬
‫على أصالته ومكونات شخصيته‪ ،‬ومحاية أرضه‬ ‫والبعيدة‪،‬كما تقوى عزميته على املقاومة واجللد‬
‫ميل‬ ‫عليها إلفشال تلك املخطّطات العسكرية والسياسية‬
‫يكل و ّ‬‫وضمان أمنه وسالمته‪ ،‬مسرية شعب مل ّ‬
‫عرب تارخيه اجمليد عن الوقوف يف وجه من يستهدف‬ ‫واالجتماعية والدينية اليت تعمل فرنسا على بناء‬
‫املساس بعقيدته ودينه ومعتقداته االسالمية الثابتة‬ ‫عرشها على بساط عقله وجمال وطنه‪.‬‬
‫الراسخة‪ ،‬اليت ساهم أبان فرتة الفتح االسالمي يف‬ ‫إ ّن جهد العلماء هذا‪ ،‬حيتاج يف حقيقة األمر‬
‫تشييد صرحها على أرض املغرب يوم كان هو اجلندي‬ ‫إىل القوة والديناميكية املتنامية‪ ،‬وإىل املناهج والطرق‬
‫والزاد والدليل والرتمجان‪ ،‬كان الفاتح واملقاوم للفاتح‬ ‫الكفيلة بزعزعة تلك املخطّطات وزلزلتها‪ ،‬ورأب‬
‫قبل أن يعي رسالة الفاحتني؛ فقاوم وفتح‪ ،‬واهنزم‬ ‫الصدع الذي أحدثته يف جسم الشخصية اجلزائرية يف‬
‫وانتصر‪ ،‬فكان الفتح اجمليد الذي أقبل على البالد‬ ‫أهم جوانبها؛ وهو ما مل يغفل عنه علماء اجلمعية ويف‬‫ّ‬
‫بعهد جديد حني ألقى االسالم بضالله على بالده‪،‬‬ ‫طليعتهم عبد احلميد ابن باديس‪ ،‬البشري االبراهيمي‪،‬‬
‫وتشبَّعت نفسه بتعاليمه‪ ،‬فأصبح جزءًا من كيانه؛‬ ‫مبارك امليلي‪ ،‬الطيب العقيب وغريهم كثري‪.‬ذلك إ ّن‬
‫حيارب ألجله كما حيارب للحفاظ على روحه‪ ،‬بل‬ ‫مهمة عالج السموم الفرنسية هذه‪ ،‬تقتضي منهم‬
‫يبذل روحه للحفاظ عليه‪ ،‬فيموت هو ليحيا غريه به‪.‬‬ ‫التشخيص اجليد ملواضع ومواطن الضعف اليت تسلّل‬
‫ختمرت يف أذهاننا‬ ‫من خالهلا السم إىل اجلسم‪ ،‬وبناء الوصفة الطبية‬
‫تأسيسا على ما متّ بسطه ّ‬ ‫ ‬
‫مجلة من التساؤالت نوجزها يف‪ :‬ما هي األبعاد التارخيية‬ ‫بإحكام تام‪ ،‬يُراعى فيها كل اجلوانب اليت فتك هبا‬
‫أي مدى‬ ‫ذلك السم‪ ،‬وصياغة الدواء الشايف الذي حيتوي‬
‫اليت ينطوي عليها شعار اجلمعية يا ترى؟وإىل ّ‬
‫يبكل مقوماهتا على‬ ‫على مزيج كل املركبات الدينية والثقافية واالجتماعية‬
‫ارتسمت مالمح شخصية اجلزائر ّ‬
‫ضوئه وحجم تفاعله االجيايب مع مضامينها؟ وإىل‬ ‫والسياسية اليت تش ّكل هوية اجلزائري وشخصيته‬
‫مقومات هذا الشعار مصاللتمتني‬ ‫صياغةً قادرة على احياء ما مات‪ ،‬وتقوية ما هو‬
‫أي ح ّد ش ّكلت ّ‬ ‫ّ‬
‫اجلسور اليت تربط حاضر اجلزائري مباضيه‪ ،‬وحاضره‬ ‫ضعيف‪ ،‬وترسيخ ما شابه الشك‪ ،‬وش ّد عضد ما ال‬
‫مبستقبله؟‬ ‫يزال حيًّا‪ ،‬للحفاظ على سالمته وليكون عونا هلم يف‬
‫أداء املهمة ذاهتا‪.‬‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪105‬‬

‫تصحيح املفاهيم واملغالطات اليت نثرها احملتل على‬ ‫◄‪ - 3‬شعار الجمعية‪ ،‬األبعاد‬
‫فراش عقل اجلزائريني حىت تُذهب وعي هذا االخري‪،‬‬
‫والدالالت‪:‬‬
‫فيصبح أسري ما يمُ لَى عليه؛ال حُي ِّق ُقه أو ِّ‬
‫ميحصه وإنمّ ا‬
‫كتب الشيخ ابن باديس (‪)1940 1889-‬‬
‫يبتلعه كما هو‪ ،‬فيكون عندئذ فريسة سهلة املنال‬
‫سنة ‪ 1935‬عن جريدة املنتقد(‪ )5‬اليت أنشأها سنة‬
‫حىت وبدون فعل الصيد‪ .‬كما رّكزوها على بناء الثقافة‬
‫‪ 1925‬قائال‪“ :‬اهنا كانت تلفت انتباه اجلزائريني‬
‫العالية يف هذا العقل للنهوض بصاحبه إلدراك اجملد‬
‫املسلمني إىل حقهم يف أخذ مكانتهم بني الشعوب‬
‫واحلرية وقيادة نفسه بنفسه‪ ،‬ونبذ التعصب الديين‬ ‫وتبينّ هلم بأهنم ِّ‬
‫يشكلون وطنا له لغته ودينه وتارخيه(‪.”)6‬‬
‫جادة‬
‫واملذهيب وكل أشكال ال ُف ْرقَة واالحنراف عن ّ‬ ‫وهي دعوة صرحية من رئيس مجعية العلماء املسلمني‬
‫الصواب‪ ،‬ومقاومة كل من كان يد ضاربة ض ّد‬
‫لكافة اجلزائريني لالنقالب على واقعهم املرير الذي‬
‫اجلزائريني من أبناء جلدهتم شأن بعض الطرقيني‬
‫يعيشونه بني جدران سجن االحتالل؛ ذلك الواقع‬
‫املنحرفني(‪ .)7‬فالذي يقف على مقاالهتم الصحفية‬
‫الذي تشربفيه شرائح عريضة من عناصر اجملتمع‬
‫وحماضراهتم وكتاباهتم املختلفة يقف على دعوة صرحية‬
‫اجلزائري من كأس اجلهالة اليت تسقيهم آياها سياسته‬
‫للجهاد ضد احملتل ووعي فائق لواقع الشعب اجلزائري‬
‫التدمريية‪،‬وتغيري تلك الظرفية اليت تعصف بني طيّها‬
‫املرير‪ ،‬وجهد ملحوظ إلحياء االسالم والعروبة يف‬
‫أعاصري التبشري والتمصري مبعتقد اجلزائري ودينه تروم‬
‫اجلزائر‪ ،‬كما جاء يف جريدة “لسان العرب”سنة‬
‫اقتالعها من جذورمهاوبناء على صرح عقله وقلبه‬
‫تتلخص يف نقطتني‬ ‫‪ 1947‬بأ ّن أهداف اجلمعية ّ‬ ‫حضارة ومعتقدا دخيال على جسمه وغريبا عنه‪ ،‬كما‬
‫مهمتني مها‪“ :‬احياء ما اندثر من تعاليم االسالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هي دعوة أيضا لتعطيل جهود قوى الغرب املسيحي‬
‫واحياء ما مات من مظاهر اللغة العربية” ‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ليتنصلمن‬
‫ّ‬ ‫اليت تستهدفوطنية اجلزائري وشخصيته‬
‫جاء يف جملة الشهاب ‪-‬اليت أنشأها ابن باديس‬ ‫أصله وينسلخ من جنسه وينفصل عن لغته ودينه‪.‬‬
‫سنة ‪ 1925‬بعد منع املنتقد من الصدور‪،‬حتت‬
‫إ ّن هذا الواقع ‪-‬ال ريب‪ -‬يقتضي من فئة املصلحني‬
‫شعار‪“ :‬تستطيع الظروف أن تكيفنا وال تستطيع‬
‫وشرحية العلماء انقالبا جذريا عليهمن خالل خوض‬
‫بإذن اهلل اتالفنا”‪ -‬يف عددها الصادر يف ماي من‬
‫حرب ضروس على األفكار اهلدامة واملعتقدات‬
‫سنة ‪ 1934‬أ ّن هدف اجلمعية يتمثل يف‪“ :‬اصالح‬ ‫ِ‬
‫لم مشل اجلزائريني حتت‬ ‫الباطلة‪ ،‬والسعي احلثيث ل ّ‬
‫الشعب اجلزائري العريب من الوجهة الدينية‪ ،‬والوطنية‪،‬‬
‫راية الدين الواحد واللغة الواحدة والوطن الواحد‪،‬‬
‫‪.‬أما حممد خري الدين وهو أحد‬ ‫واألدبية والعلمية” ّ‬
‫(‪)9‬‬
‫وذاك هو ما اتخّ ذه العلماء املسلمون اجلزائريون‬
‫ضمن أهداف اجلمعية سنة‬ ‫أعضاء اجلمعية‪ ،‬فقد ّ‬ ‫أسسوها يف اخلامس من ماي‬ ‫شعارا للجمعية اليت ّ‬
‫‪ 1935‬يف مقولته‪“ :‬إ ّن أهداف مجعية العلماء تتمثّل‬
‫سنة ‪،1931‬وسعوا سعيهم احلثيث لتحقيق بنود‬
‫يف احياء االسالم بإحياء الكتاب والسنة‪ ،‬وإحياء‬
‫ذلك الشعار على أرض الواقع اجلزائري‪ ،‬كيف ال‪،‬‬
‫اللغة العربية‪ ،‬وآداهبا‪ ،‬وإحياء التاريخ االسالمي وآثار‬
‫طي بنوده أبعادا تارخيية هامة‬
‫وهو شعار حيمل بني ّ‬
‫رجاله املخلصني(‪ ،)10‬ولتنجلي أمامنا أبعاد شعار‬
‫ودالالت عميقة عن هوية الفرد اجلزائري‪.‬‬
‫اجلمعية التارخيية‪ ،‬رأينا أن نطرقه بندا بندا‪ ،‬كما هو‬
‫آت تفصيله تبعا‪:‬‬ ‫مدون يف‬
‫واحلق‪ ،‬أ ّن علماء اجلمعية ‪-‬كما هو ّ‬
‫تنوعها‪ -‬رّكزوا جهودهم على‬
‫مصنفات املصادر على ّ‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪106‬‬

‫ويف حتقيق األخوة واحملبة االنسانية‪ ،‬ويف نبد الظلم‬ ‫♦ أ‪ -‬االسالم ديننا‪:‬‬
‫والعبوديةونصرة املضطهدين بني خمالب احملتلِني‬
‫ ‬
‫والغاصبني‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ومن خالل ما أمطرته سحب‬
‫كان األساس األول الذي ارتكز عليهشعار‬
‫احملتل الفرنسي من خرافات وشوائب وضالالت على‬
‫اجلمعية هو “االسالم ديننا”؛فاإلسالم هو دين اهلل‬
‫أرض االسالم يف اجلزائر‪ ،‬وشربت منها بعض العقول‬
‫الذي ارتضاه للبشرية قاطبة دينا للهداية والسعادة‬
‫واألنفس من أبنائها‪ ،‬سعت مجعية العلماء إىل جتفيف‬
‫األبدية‪ ،‬وبه بعث الرسل هدا ًة؛ فكان آخرهم حممد‬
‫تلك الينابيع اليت أحدثتها وتطهريها‪ ،‬وإحالل حملّها‬
‫–صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وهذا عمالمبا جاء يف قوله‬
‫االسالم الصايف النقي‪ ،‬وذلك من خالل النشاط‬
‫تعاىل‪“ :‬إ ّن الدين عند اهلل االسالم”(‪ .)11‬وأساس‬
‫التعليمي والرتبوي الذي انتصبوا له يف املدارس‬
‫االسالم هو التوحيد‪،‬وكتابه القرآن؛ الذي تفسريه‬
‫واملساجد وحنو ذلك من مؤسسات التعليم والرتبية‬
‫يكون بالسنة الصحيحة‪ّ ،‬أما البدعة فهي كل شكل‬
‫والوعظ واالرشاد(‪.)13‬‬
‫من العبادة اليت ال أصل هلا يف السنة(‪.)12‬‬
‫وال مريةكذلك‪ ،‬أ ّن كل علماء اجلمعية كانوا‬
‫ّأما االسالم الذي كانت فرنسا ترتضيه للجزائريني‬
‫متشبِّعني باألفكار املعادية لالستدمار‪ ،‬وبالروح‬
‫دينا؛فهو “االسالم امليت” الذي ال روح هلوإنمّ ا‬
‫املتّقدة محاسا إلحداث التغيري والثورة ض ّد أفكار‬
‫اجلسد فحسب‪ ،‬هذا إن رضيت به جسدا‪ .‬وال‬
‫احملتل الضالة وضالالته املضلِّلة‪ ،‬وعلى اجلمود‬
‫غرابة أن تروم فرنسا للجزائريني دينا يدعو إىل فساد‬
‫الفكري الذي جنم عن سياسته لوأد الثقافة اجلزائرية‬
‫العقول واحنطاط األخالق؛ دينا ال ينفع صاحبه‪،‬‬
‫العربية‪ ،‬كما تشبّعوا باملبادئ الداعية إىل العودة إىل‬
‫وباألحرى دينا ال حيمل من االسالم إالّ امسه‪ .‬حىت‬
‫منابع االسالم الصحيحة الصافية النقية اليت سار‬
‫أ ّن أحد املؤرخني الفرنسيني الذين كتبوا عن تاريخ‬
‫عليها سلف هذه األمة‪ ،‬وتطهريه من كل الشوائب‬
‫سمي االسالم يف فرتة‬ ‫اجلزائر وهو “روبري أجريون” يُ ِّ‬
‫والبدع واخلرافات اليت أنتجها احملتل سعيا منه لعزل‬
‫االحتالل باسم “االسالم اجلزائري”؛ وكأن للجزائر‬
‫االسالم عن روح احلضارة والعصرنة وحبس أصحابه‬
‫خاصا هبا يتميّز عن االسالم احلقيقي الذي‬‫اسالما ّ‬
‫بني جدران سجون اجلهل والشرك والبداوة(‪.)14‬‬
‫عليه األمة االسالمية‪ .‬وال غرابة أيضا‪ ،‬أن يصدر‬
‫بناء على ما ينطوي عليه هذا األساس من‬ ‫هذا القول من هذا الكاتب الفرنسي املعادي للقضية‬
‫أمهية بالغة يف حياة الفرد الدنيوية واألخروية‪ ،‬وضعه‬ ‫اجلزائرية؛ فالسياسة الفرنسية ‪-‬كما قلنا‪ -‬ال يروق‬
‫ابن باديس ورفاقه الفصل الرئيس يف شعار اجلمعية‬ ‫فضل اجلزائري االسالم على النصرانية‪،‬‬ ‫ألصحاهبا إن ّ‬
‫ال حييدون عن مبادئه وال يزيغون عنالعمل إلحيائها‬ ‫وعجزت عن سجنه مرغما بني جدران هذه األخرية‪،‬‬
‫قيد أمنلة‪ ،‬ويف هذا املضمار يقول عبد الكرمي بو‬ ‫وإنمّ ا يروق هلا أن يغرتف االسالم الزائف الذي تنسجه‬
‫الصفصاف‪ :‬وكأن ابن باديس “يريد أن يقول للشعب‬ ‫هي وفق ما خيدم مصاحلها التدمريية‪.‬‬
‫اجلزائري على اختالف مشاربه ومذاهبه‪ ،‬أ ّن االسالم‬
‫كما ال خيتلجنا الريبحالئذ أبدا‪ ،‬أ ّن االسالم هو‬
‫هو مناط الفخر واالعتزاز‪ ،‬وهو ما جيعل املسلمني‬
‫الطريق السليم الذي إن سلكه الشعب اجلزائري‬
‫مطالبني بالتعرف عليه والتمسك به‪ ،‬وتطبيق أحكامه‬
‫أدرك غايته املنشودة‪ ،‬غايته يف احلرية واالستقالل‬
‫السمحاء اليت مت ّكنهم حتما من التقدم والرقي”(‪.)15‬‬
‫ويف التقدم والرقي‪ ،‬ويف التماسك والوحدة الوطنية‪،‬‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪107‬‬

‫دولته املستقبلية مدينة القلعة‪ ،‬والذي كان له‬ ‫إ ّن االسالم يف بعده التارخيي بالنسبة للجزائري‪،‬‬
‫الفضل يف رسم مالمح الكيان اجلزائري يف العصر‬ ‫وحد أجداد اجلزائريني بدعوته‬ ‫يعترب هو الذي ّ‬
‫الوسيط(‪ .)16‬مثّ واصل بنوه مسرية احلفاظ على‬ ‫السمحاء إىل األخوة والتضامن واحملبة فيما بينهم‬
‫هذا الكيان‪ ،‬والسعي لضمبالداملغرباألدنىإلىحظرية‬ ‫سوى يف‬ ‫وبني عناصر االنسانية قاطبة‪ ،‬وهو الذي ّ‬
‫سلطاهنملتوحيدالبالداملغربيةحتتحكمالسلطةالصنها‬ ‫الكرامة البشرية واحلقوق االنسانية بني شتىّ األجناس‬
‫جية شأن ما قام به الناصر بن علناس (‪454-‬‬ ‫واأللوان واألعراق اليت ش ّكلت كيانه يف املاضي‪.‬‬
‫‪481‬ه‪1089-1062/‬م) ‪،‬وكذا املنصور‬ ‫يتبجح هبا باسم‬‫وليس دعاوي احملتل الباطلة اليت ّ‬
‫(‪498-481‬ه ‪1106-1089/‬م)(‪.)17‬‬ ‫مبادئ الدميقراطية الفرنسية الزائفة واملدنية األوروبية‬
‫ولكن ملا وقعت اجلزائر بني خمالب احملتل‬ ‫متت لإلنسانية بصلة‪ ،‬كيف ال‪،‬‬ ‫اخلادعة‪ ،‬اليت ال ّ‬
‫ّ‬ ‫والتمييز بني األورويب واجلزائري يف شىت مظاهر احلياة‬
‫الفرنسي شرع يف تنفيذ مشروعه التدمريي للبنية‬
‫االجتماعية والسياسية والدينية والثقافية للجزائري‪،‬‬ ‫هو عمود السياسة الفرنسية وسنامها؛ فالعدلال يقوم‬
‫حيث اختار ملشروعه ذاك أجنع الوسائل وأقدرها‬ ‫عندهاإالّ على أساس املنفعة والعرق واللون وحنوها من‬
‫وأنكاها‪ ،‬وكان من األوتار اليت لعب عليها‪ ،‬هي‬ ‫ذمها االسالم ودعا إىل اجتناهبا‪.‬‬‫األمور املقيتة اليت ّ‬
‫العزف يف أذان العامة من الفقراء واحملرومني واجلهلة‬ ‫ولو رجعنا إىل ماضي اجلزائر وتارخيها اجمليد‬
‫واملستضعفينعلى نغم النزعة الرببرية املقيتة‪ ،‬من خالل‬ ‫احلافل باألحداث بعد فرتة الفتح االسالمي لوقفنا‬
‫“بفرق تسد”‪ .‬وبذلك عمل احملتل‬ ‫السياسة املعروفة ّ‬ ‫على جمتمع متماسك رغم اختالف األلوان املكونة‬
‫ُ‬
‫على التمييز بني الشعب اجلزائري املسلم‪ ،‬وذلك‬ ‫جلسمه‪ ،‬جمتمع يضم أخالطا من الرببر والعرب والرتك‬
‫بإشعال نار الصراع املذهيب وتأجيجها‪ ،‬وزرع مظاهر‬ ‫وحىت العجم امتزجوا يف طينة واحدة ش ّد متاسكها‬
‫اجلهوية والفرقة والعنصرية والعصبية القبلية وتدعيمها‪،‬‬ ‫وصقلها االسالم يف قالب واحد‪ ،‬دفع عنها كل‬
‫حيثاعتقد أ ّن عقول سكان القبائل أكثر خصوبة‬ ‫نعارات اجلاهلية املقيتة من مظاهر التمييز والفرقة‬
‫لزرعها ومنوها‪ ،‬بزعمه أ ّن اسالمهم سطحي‪ ،‬وأهنم‬ ‫والتباين واالختالف‪ ،‬وحىت وإن حدث اختالف يف‬
‫أعداء فطريون للعرب(‪.)18‬‬ ‫الفكر والرؤية كان االجتماع يف احلل واملخرج الذي‬
‫واحملتل يف هذا املنحى‪ ،‬يعترب القبائل شعبا‬ ‫يُشري به علماء االسالم استنباطا من الشرع الصاحل‬
‫منحدرا من الغاليني والرومان والرببر املسيحيني من‬ ‫لكل زمان ومكان‪ .‬وكان هذا االحتاد قوة يف وجه‬
‫العهد الروماين‪ ،‬وحىت من الوندال‪ ،‬وألجل هذا‬ ‫اخلطر اخلارجي الذي كثريا ما أحدق بالبالد وكانت‬
‫تنامت طموحاته يف أن يعتمد عليهم يف احياء جمده‬ ‫املقاومة هي السبيل لتأمني البالد وحدودها‪ ،‬بل‬
‫الضائع املزعوم باجلزائر‪ ،‬وربط شعبها بأصله وجنسه‪،‬‬ ‫وأكثر من ذلك‪ ،‬فقد اجتمعوا كتلة واحدة لتحقيق‬
‫وكان من مظاهر سياسة التفرقة بني اجلزائريني‪ ،‬أن‬ ‫التوسع والسيطرة لتوحيد البالد حتت حكم‬ ‫مطامح ّ‬
‫ويرم البعض اآلخر منها‪،‬‬ ‫واحد كشأن ما قام به أجدادنا من مثل محاد بن‬
‫تمُ نح امتيازات لبعضهم‪ ،‬حُ‬
‫خاصا يف اجملالس املالية(‪.)19‬‬ ‫بلكني(‪419-405‬ه‪1028-1014/‬م) يف‬
‫كإعطاء القبائل متثيال ّ‬
‫العهد احلمادي من جهودلالستقالل مبنطقة املغرب‬
‫وال ريب أ ّن هذا االجراء من شأنه أن حُي ّسس‬
‫األوسط واالنفصال عن األسرة الزيرية خصوصا بعد‬
‫اجلزائريني املخمورين بنبيذ السياسة الفرنسية اجلهنمية‬
‫تأسيسه لقاعدة بالده العسكرية احلصينة وعاصمة‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪108‬‬

‫العلماء جاءوا من خمتلف أحناء القطر اجلزائري ومن‬ ‫االغرائية بالفرقة والتمييز‪ ،‬بدعوى هذا بربري وهذا‬
‫املتطرفون‬
‫ّ‬ ‫خمتلف االجتاهات الدينية؛ فكان فيهم‬ ‫عريب‪ ،‬وجيد مع مرور الوقت وتصاعد سياسة التمييز‬
‫وهم املصلحون عندئذ‪ ،‬وفيهم الرجعيون وهم غري‬ ‫إىل قلوهبم طريقا ُمعبّدا لالقتناع مبخطّطات احملتل‬
‫املصلحني من رجال الدين اجلزائريني(‪ .)20‬وحىت وإن‬ ‫التمييزية‪.‬‬
‫اختلفت منطلقات هذا اخلليط الفكرية بشأن طريقة‬ ‫ّأما احلقيقة اليت ال مناص منها‪ ،‬فإ ّن الرببري أو‬
‫فإنا كانت تلتقي يف حمطات‬ ‫االصالح ومظهره‪ ،‬هّ‬ ‫األمازيغي كان قد فتح قلبه وعقله لإلسالم مذ عرف‬
‫ع ّدة أبرزها أ ّن األمل الذي تعيشه مصدره واحد وهو‬ ‫حقيقة هذا الدين اجلديد ونبل ومسو مبادئه وتعاليمه‬
‫احملتل الفرنسي‪ ،‬بل إ ّن الرؤية االصالحية اليت يتبناها‬ ‫وصالحيتها لكل زمان ومكان خالل القرن األول‬
‫العلماء املصلحون من مثل ابن باديس ونظرائه‬ ‫من اهلجرة السابع للميالد‪ ،‬بل واألكثر من ذلك‬
‫كانت هي السائدة‪ ،‬وفق ما سطّروه يف أهدافها‬ ‫يعتزون أيمّ ا اعتزاز باإلسالم ويفتخرون‬
‫أ ّن الرببر كانوا ّ‬
‫يقره السيد‬
‫ضمنه شعار اجلمعية‪ ،‬وكما ّ‬ ‫العلنية مثلما ّ‬ ‫باالنتساب إليه مذ مرحلة الفتح وإىل يومنا هذا‪.‬‬
‫“جوزيف ديبارمي” الذي رأى سنة ‪ 1932‬أ ّن‬
‫ومل تكن حيلة احملتل الفرنسي التفريقية ِ‬
‫لتنطل‬
‫أهداف مجعية العلماء تتمثل يف “فهم لغة القرآن‪،‬‬
‫على سكان القبائل اجلزائريني‪ ،‬وإنمّ ا من وقع يف‬
‫والعودة إىل الثقافة االسالمية القدمية‪ ،‬واعتبار املغرب‬
‫شباكها كان سيقع بربريا كان أو عربيا‪ ،‬ذلك أ ّن هذه‬
‫العريب كقلعة للعبقرية الشرقية يف وجه الغرب‪ ،‬وتنقية‬
‫الفريسة املصطادة كانت تعيش فراغا روحيا وعلميا‬
‫وتبسيط الدين االسالمي(‪.)21‬‬
‫وتارخييا‪ ،‬نتيجة حالة اجلهل والفقر الذي تعيشه‪،‬‬
‫وال خيتلف اثنان يف أ ّن بداية تش ّكل االطار‬ ‫وألوان السياسة االغرائية الفرنسية لزعزعة أركان‬
‫اسالمهم ووطنيتهم وعروبتهم؛ فضحايا سياستها اجلغرايف للجزائر احلالية عقب مرحلة الفتح االسالمي‬
‫تأسست سنة‬ ‫خليط من العرب والرببر اجلزائريني املسلمني‪ ،‬الذين يرجع إىل عهد دولة بين رستم اليت ّ‬
‫‪160‬ه‪776 /‬م‪ ،‬هذه الدولة ذات املذهب االباضي‬ ‫ُسلِبت شخصيتهم لصاحل املدنية الغربية الزائفة‪.‬‬
‫اليت كانت عاصمتها تيهرت‪ ،‬واليت كانت تضم‬
‫وإذا كانت اجلمعية قد سعت إىل التقريب‬
‫أخالطا من االباضية واملعتزلة والشيعة واملالكية(‪.)22‬‬
‫املذهيب بني املالكيني واألباضيني والرببر دون متييز من‬
‫وبسقوط الدولة الرستمية سنة ‪296‬ه‪909 /‬م‬
‫ضمت بني أعضائها‬ ‫حيث األصل واملذهب‪ ،‬حيث ّ‬
‫وخضوع اقليم املغرب األوسط للسيادة الفاطمية‬
‫عناصر مذهبية متنوعة من أهل السنة ومن االباضية‬
‫الشيعية‪ ،‬وعلى الرغم من الفوارق الشاخصة بني‬
‫هبدف خلقكتلة موحدة تضم مجيع املسلمني الوطنيني‬
‫املذهب الشيعي واملذهب السين املسيطر على‬
‫سخروا حياهتم وعلمهم يف سبيل اجلزائر عن‬ ‫الذين ّ‬
‫البالد اجلزائرية (املغرب األوسط) فإ ّن ذلك مل مينع‬
‫طريق التعليم والرتبية والنضال السياسي وحنوها‪ ،‬فإن‬
‫ّ من أن يعيش هذا املذهب الغريب بني أظهر املغاربة‬
‫جمتمع املغرب األوسط (اجلزائر) قد اجتمع يف العصر‬
‫السنة املالكية‪ .‬ولقد حدث التعايش املبكر بني أهل‬
‫الوسيط ومتاسك على اختالف ألوان املذاهب اليت‬
‫السنة مع القادم الفاطمي أيب عبد اهلل الشيعي إىل‬
‫اعتقدها بنو جلدته‪.‬‬
‫بالد املغرب األوسط وبالضبط إىل أرض كتامة اليت‬
‫يف ذات املضمار‪ ،‬يقول أبو القاسم سعد اهلل محته وأوته ونصرته‪ ،‬بل وكانت ساعده األمين للقيام‬
‫املسلمينبأنا ضمت خليطا من مبهامه العسكرية لتأسيس دولة الفواطم على أرض‬ ‫هّ‬ ‫عن مجعية العلماء‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪109‬‬

‫االسالم الرفيعة ليست وليدة العصر بل كان العدل‬ ‫املغرب‪ ،‬ومل حُت ِدث ال ُف ْرقة بني أهل املذهبني بشكل‬
‫يف االسالم هو وكل مظاهر الرمحة واحلياة الكرمية‬ ‫كبري إالّ بعدما أظهر الشيعة الفاطميني تعنُّتا يف‬
‫خالد يف تاريخ االسالم واملسلمني‪ .‬وهي دعوة من‬ ‫متت بصلة إىل الدين‪ ،‬وفوق‬ ‫مذهبهم ومبالغات ال ّ‬
‫العلماء للمحتل للوقوف على ذلك من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫ذلك سعوا لنشرها يف البالد طوعا وكرها‪ ،‬عندها‬
‫جهة أخرى دعوة للجزائري املسلم إىل الرجوع إىل‬ ‫كان النفور شديدا بني أهل السنة املالكية والشيعة‪،‬‬
‫منابع االسالم الصافية الطاهرة‪.‬‬ ‫وانتهت مسرية الصراع بينهما بعد انتقال الفاطميني‬
‫إىل أرض مصر بطرد الشيعة من املغرب األوسط يقول ابن باديس بشأن التحام الشعب اجلزائري‬
‫العريب األمازيغي حتت راية االسالم‪“ :‬إ ّن أبناء يعرب‬ ‫وسيطرة املذهب السين املالكي(‪.)23‬‬
‫وهذا يف حقيقة األمر‪ ،‬ما كان مينع من وأبناء مازيغ‪ ،‬قد مجع بينهم االسالم منذ بضعة عشر‬
‫وجود بعض املذاهب الغري سنية بني أوساط جمتمع قرنا‪ ،‬مث دأبت تلك القرون متزج بينهم يف الشدة‬
‫وتوحدهم‬
‫املغرب األوسط يف عهد احلكم الصنهاجي وال حكم والرخاء وتؤلّف بينهم يف العسر واليسر ّ‬
‫كونت منهم خالل أحقاب‬ ‫املوحدين وحىت الزيانيني للبالد‪ ،‬بل ومبجيئ الرتك يف السراء والضراء حىت ّ‬
‫العثمانيني تعايش اجملتمع اجلزائري مع هذه العناصر بعيدة‪ ،‬عنصرا مسلما جزائريا ّأمه اجلزائر وأبوه‬
‫وموحد املقامات االسالم(‪.)24‬‬
‫الغري عربية وكان القاسم املشرتك ّ‬
‫وكأ ّن ابن باديس يريد أن يقول‪ :‬هل يُعقل أ ّن‬ ‫هو االسالم‪.‬‬
‫لذلك فال خري للجزائريني إالّ يف اتباع االسالم صبيا صغريا يرضى أن تُطلَّق ّأمه ويفرتق أبويه‪ ،‬فيعيش‬
‫الشر حياته يتيما؟ كال وال‪ ،‬كذاك هو االسالم والشعب‬ ‫كل ّ‬ ‫دينا خالصاألنه األضمن لسعادهتم‪ ،‬وأ ّن ّ‬
‫سوق هلا اجلزائري‪ ،‬ال ميكن أن تفصل بينهما الدهور وعادياهتا‬‫يف االخنداع واالنسياق وراء االغراءات اليت تُ ِّ‬
‫ووحد بينهما وشيّد بنياهنما‬
‫فرنسا خلداع املغرورين مبظاهر املدنية الزائفة والعدالة ما دام من صقل بينهما ّ‬
‫االجتماعية اليت هي أبعد يف مظهرها عن االنسانية الواحد هو االسالم‪ ،‬دين اهلل الواحد للبشر أمجعني‪.‬‬
‫ومن شروط جناح االصالح والدعوة أن‬ ‫بل هي أقرب إىل الدعوات املتطرفة اليت تعرقل سري‬
‫يكون املصلح والداعي خري قدوة‪ ،‬لذلك كان علماء‬ ‫احلضارة االنسانيةوفقا للسليقة البشرية‪.‬‬
‫التمسك مببادئ االسالم‪،‬‬
‫اجلمعية قدوة يف الصالح و ّ‬ ‫لقد رام علماء مجعية العلماء املسلمني اجلزائريني‬
‫وذلك سبيل إىل لفت أنظار النخب العلمية والثقافية‬ ‫من خالل صياغة هذا الشعار القول‪ :‬أ ّن االسالم هو‬
‫على اختالف مشارهبا إىل كنوز املدنية االسالمية‬ ‫دين العاملني‪ ،‬وهو دين اجلزائريني أبا عن ج ّد‪ ،‬دين ميت ّد‬
‫السمحة‪ ،‬لتحذو حذوها يف مسرية الكشف عن‬ ‫باجلزائري إىل مرحلة أجدادنا الفاحتني‪ .‬واحلق أ ّن هذا‬
‫أباطيل املستدمر وسياسته املنتهجة‪ ،‬وللوقوف‬ ‫املبدأ معلوم بالضرورة‪ ،‬فكانوا عندها يرومون أكثر من‬
‫تصور منطقي سليم للحياة يف كنف احلضارة‬ ‫على ّ‬ ‫ذلك‪ ،‬وهو التأكيد للمحتل الفرنسي‪-‬املغتصب حلق‬
‫االسالمية بعيدا عن التعلّق بالزائف املنسوج خبيوط‬ ‫غريه واملستعبد للبشر والزاعم أنّه جاء لنشر رسالة‬
‫يف ظالم‪.‬‬‫احلضارة واخراج العباد من حياة التخلف إىل حياة‬
‫ّأما النجاح احلقيقي من خالل ما يرتضيه‬ ‫التعصب والظلم إىل نور‬‫الرقي واحلضارة ومن حياة ّ‬
‫العدل والدميقراطية يف النصرانية احملرفة‪،-‬أ ّن مبادئ شعار اجلمعية هذا‪ ،‬هو أن يُفلحوا يف تطهري العقيدة‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪110‬‬

‫يتحرر العقل من اجلهل والشرك وفساد العقيدة‪،‬‬


‫مل ّ‬ ‫من كل شائبة قاتلة‪ ،‬ألن العقيدة هي أساس الدين‪،‬‬
‫فإنّه ال ميكنه أن خيوض حرب السالح ض ّد من سلبه‬ ‫فإن صلُحت العقيدة فإ ّن ما بعدها أيسر للصالح‬
‫حريته وعقله‪ ،‬لذلك كان اسرتجاع العقل سبيال إىل‬ ‫ويكون صائبا‪ّ ،‬أما إن فسدت العقيدة‪ ،‬فإ ّن ما يتبعها‬
‫اسرتجاع احلرية وطرد العبودية من عقله وأرضه‪.‬‬ ‫فاسد وإن إن بدا صاحلا‪ ،‬وهو ما يصدق فيهقول اهلل‬
‫تعاىل‪“ :‬إ ّن اهلل ال يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون‬
‫ذلك ملن يشاء”(‪.)25‬‬
‫♦ ب‪ -‬العربية لغتنا‪:‬‬
‫لذلك أولت اجلمعية عناية فائقة بعملية‬
‫كانت فرنسا تدبّر علنا ويف اخلفاء بكل ما أُتيت‬
‫تطهري العقيدة من الشكوك واألباطيل اليت علقت‬
‫حمل العربية‪ ،‬وإعادة‬
‫من قوة إلحالل اللغة الفرنسية ّ‬ ‫جراء بعض املمارسات الطرقية اليت خ ّذرت‬ ‫هبا من ّ‬
‫صقل اللسان اجلزائري على غري طبيعته اليت ُخلق‬
‫عقول اجلزائريني من العامة‪ ،‬من الذين أومههم بعض‬
‫عليها وتوارثها جيال عن جيل مذ أنعم اهلل على‬
‫شيوخها هّأنم واسطة بينهم وبني رهبم‪ ،‬بل إ ّن بعضهم‬
‫البالد املغربية برسالة االسالم‪ ،‬الذي أنزل اهلل جل يف‬
‫بلغت به اجلرأة على اهلل أن ي ّدعي األلوهية‪ ،‬وكذلك‬
‫عالمهعجزته القرآن بلسان عريب مبني‪ ،‬حىت كادت‬
‫من جراء نشاط الكنيسة املعادي لإلسالم لتشويه‬
‫اللغة العربية أن تندثر يف اجلزائر‪ .‬وكان العصب‬
‫االسالم يف عقول البشر من العامة طبعا‪ ،‬ألن‬
‫احلساس الذي أرادت فرنسا أن تقطعه حىت ال يشعر‬ ‫ّ‬ ‫االسالم حمفوظ من اهلل‪ ،‬يقول تعاىل‪“ :‬إنّاحنن ّنزلنا‬
‫يتذوق طعمها وينسى امتداده‬ ‫اجلزائري بعروبته وال ّ‬ ‫الذكر وإنّا له حلافظون”(‪ ،)26‬حىت قيل أ ّن علماء‬
‫إليها‪ ،‬أن عملت على ضرب الثقافة العربية االسالمية‬
‫اجلمعية هم الذين أحيوا حقيقة االسالم باثّني يف‬
‫باجلزائر‪ ،‬والرتكيز على فرنستهم وخاصة سكان‬
‫الشخصية اجلزائرية وعيا دينيا‪ ،‬وقوميا(‪.)27‬‬
‫مر بنا‪ ،‬وكذا‬
‫القبائل الستغالل النزعة الرببرية كما ّ‬
‫تفعيل سياسة التنصري والتجنيس‪ ،‬وتشويه التاريخ‬ ‫كما أنّه على ضوء شعار اجلمعية هذا‪ ،‬ينبغيأن‬
‫يتسن هلم ادخال التحريفات والتشويهات‬ ‫يكون حجر الزاوية يف الدعوة واالصالح لتحرير‬
‫احمللي حىت ىّ‬
‫عن انتمائهم العريب وأ َُّمتِهم االسالمية‪.‬‬ ‫البالد من ظلم االستدماراالرتكاز بشكل أساس‬
‫على امتالك القدرة على خلق جمتمع جديد يعبد اهلل‬
‫كما كان من اخلطط اليت اعتمدها احملتل‬
‫الواحد ويدين باإلسالم ال غري‪ ،‬وهذا اجلهد يقتضي‬
‫لتوسيع دائرة الفرقة والتمييز بني األمازيغ أبناء اجلزائر‬
‫تصفية العقول من رواسب املاضي البغيض الذي‬
‫الواحدة الذين عرهبم االسالم‪ ،‬هو نشر فريوس بني‬
‫خلّفه احملتل‪ ،‬وتطهري النفوس من اخلرافات الضالة‪،‬‬
‫أوساط اجملتمع اجلزائري يف منطقة القبائل يعمل على‬
‫وهذا االنتاج االجتماعي اجلديد بدوره هو القادر‬
‫إضعاف مناعتهم ليقتنعوا بأ ّن العرب استعمروا بالد‬
‫على قيادة سفينة الثورة والكفاح‪ ،‬كفاح السالح‬
‫املغرب‪ ،‬وأ ّن هدف الفاحتني املسلمني هو استغالل‬
‫وكفاح األفكار‪ ،‬يكافح وفق رؤية ثابتة‪ ،‬ومنهج قومي‪،‬‬
‫خريات البالد وممتلكات أهلها(‪.)28‬‬
‫ومبدأ واضح‪ ،‬وغاية سليمة‪.‬‬
‫ولقد كانت جهود العلماء يف جمال احلفاظ‬
‫واجلزائري قبل أن خيوض حرب السالح ض ّد‬
‫على طبيعة لسان اجلزائري العريب املسلم وتقومي ما‬
‫احملتل ينبغي أن يتقن حرب األفكار‪ ،‬حىت ال يكون‬
‫اعوج منه واصالح ما أفسده احملتل‪ ،‬تأخذ منحا‬ ‫ّ‬ ‫فريسة سهلة املنال إن انتصر فضال عن االهنزام‪ ،‬فإذا‬
‫متصاعدا‪ ،‬وحت ّقق جناحا بعد آخر‪ ،‬ولعلّه ذاك ما‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪111‬‬

‫املضمار‪ ،‬يقول ابن باديس سنة ‪ 1938‬يف مقال‬ ‫يلخصه البشري االبراهيمي (‪ )1889--1965‬يف‬ ‫ِّ‬
‫بعنوان “كيف صارت اجلزائر عربية” ‪“ :‬ما من‬ ‫قوله‪“ :‬اللغة العربية هي لغة االسالم الرمسية‪ ،‬وهلذه‬
‫نكري أ ّن األمة اجلزائرية كانت أمازيغية من قدم عهدها‬ ‫اللغة على األمة اجلزائرية حقان أكيدان‪ ،‬كل منهما‬
‫أي أمة من األمم اليت اتصلت هبا ما استطاعت‬ ‫وأ ّن ّ‬ ‫يقتضي وجوب تعلّمها فكيف إذا اجتمعا؟ حق من‬
‫أن تقلِّبها عن كياهنا وال خترج هبا عن أمازيغيتها أو‬ ‫حيث أهنا لغة دين األمة حبكم أ ّن األمة مسلمة‪،‬‬
‫تُدجمها يف عنصرها‪ ،‬بل كانت هي تبتلع الفاحتني‪،‬‬ ‫وحق من حيث هّأنا لغة جنسها أن األمة عربية‬
‫فلما جاء‬‫فينقلبون إليها ويصبحون كسائر أبنائها ‪ّ ،‬‬ ‫اجلنس‪ ،‬ففي احملافظة عليها تعليمها‪ ،‬وذلك كله ألهنا‬
‫العرب وفتحوا اجلزائر فتحا اسالميا لنشر اهلداية‬ ‫مفتاح الدين‪ ،‬أو جزء من الدين”(‪.)29‬‬
‫‪...‬واقامة العدل احلقيقي بني مجيع الناس ال فرق‬
‫واالبراهيمي من خالل هذا النص‪ ،‬يبينّ‬
‫بني العرب الفاحتني واألمازيغ أبناء الوطن األصليني‪.‬‬ ‫أمهية اللغة يف التاريخ االسالمي لكوهنا لغة القرآن‪،‬‬
‫دخل األمازيغ االسالم وتعلموا لغة االسالم العربية‬ ‫وال ميكن لإلنسان أن يفهم حقيقة االسالم وميتثل‬
‫طائعني‪ ،‬ووجدوا أبواب التقدم يف احلياة كلها مفتوحة‬ ‫ألحكامه مبرونة تامة إال إذا فهم اللغة العربية‪ ،‬فضال‬
‫يف وجوههم‪ ،‬فامتزجوا بالعرب باملصاهرة ونافسوهم يف‬ ‫عن القول أنّه يبحر يف دراسة تعاليمه ومبادئه وأسسه‪،‬‬
‫جمالس العلم واألدب وشاطروهم سياسة امللك وقيادة‬ ‫ذلك أ ّن هذا األخري يتطلّب ضلوعه فيها وحتكمه يف‬
‫اجليوش‪ .‬وقامسوهم كل مرافق احلياة‪ ،‬فأقام اجلميع‬ ‫قواعدها‪ .‬والعربية هي جزء من هوية الفرد اجلزائري ال‬
‫صرح احلضارة االسالمية‪ ،‬يعربون عنها وينشرون‬ ‫ميكنه أن ينسلخ عنها‪ ،‬فإذا انسلخ منها كان كاجلسم‬
‫لواءها بلغة واحدة هي اللغة العربية اخلالدة‪ ،‬فاحتدوا‬ ‫الذي انسلخ منه جلده‪ ،‬فأضحى عريانا ال ميكنه أن‬
‫يف العقيدة والنحلة‪ .‬كما احتدوا يف األدب واللغة‬ ‫يربأ إال إذا عاد إليه جلده‪.‬‬
‫فأصبحوا شعبا واحدا عربيا متَّحدا غاية االتحّ اد‪،‬‬
‫وهو إىل جانب هذا‪ ،‬يسوق لنا طريقة احلفاظ‬
‫أي افرتاق يبقى بعد أن اتحّ د‬‫ممتزجا غاية االمتزاج‪ ،‬و ّ‬ ‫على هذه اللغة‪ ،‬وال سبيل إىل ذلك إالّ بتعليمها يف‬
‫تلخص‬ ‫الفؤاد واحتد اللسان؟” ‪.‬ومقولة ابن باديس ّ‬
‫(‪)30‬‬
‫املدارس والكتاتيب والرتكيز على ذلك‪ ،‬بل وجعل‬
‫لنا تاريخ العربية يف اجلزائر وصلة شعبها هبا‪ ،‬وما‬
‫تعلّمها من أسباب فهم الدين وادراك تعاليمه‪،‬‬
‫كان بينهما من أحداث صيرّ هتما جسدا واحدا‪ ،‬فال‬
‫فتكون فضال عن هّأنا جزءًا من هويته‪ ،‬وسيلة لفهم‬
‫العربية ميكنها أن تستغين عن جسمها‪ ،‬وال اجلزائري‬
‫األجزاء األخرى منها‪.‬‬
‫يسمح بأن تغادره روحه‪.‬‬
‫كما أ ّن البنيان الثقايف الذي شيّده العلماء‬
‫إ ّن صلة اجلزائري بعروبته أصيلة وعريقة وضاربة‬
‫اجلزائريون املسلمون كان حصينا‪ ،‬واستطاعوا بفضله‬
‫جذورها يف أعماق تاريخ اجلزائر البعيد؛فلقد كان‬
‫أن يأُووا بداخله عقل وقلب اجلزائري من وساوس‬
‫لذلك العريب الفاتح الفضل يف نشر الرسالة احملمدية‬
‫الشيطان الفرنسي هلم‪ ،‬للوقوع يف جرمية التخلّي‬
‫يف بالد املغرب‪ ،‬وهبذه األرض كان األمازيغي عونه‬
‫عن عروبتهم واالنقالب عليها‪ ،‬وذلك حتت شعار‬
‫وشريكه يف توسيع نطاق االسالم ودائرة معتنقيه‪ ،‬مث‬
‫“العربية لغتنا”‪ .‬فاجلزائريون شعب واحد يف الدين‬
‫بعد ذلك امتزج العريب بالرببري‪ ،‬وشكال جمتمعا واحدا‬
‫واللغة والتاريخ‪ ،‬واملشاعر واألحاسيس أيام السلم أو‬
‫له أعرافه وتقاليده املستوحاة من ينابيع االسالم‪.‬‬
‫احلرب يف ظالل احلرية أو ظلم االستدمار‪ .‬ويف هذا‬
‫ومع تدفّق العرب اهلاللية إىل بالد املغرب االوسط‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪112‬‬

‫مع مطلع النصف الثاين من القرن ‪5‬ه‪11( /‬م) حوله ويأخذه الشوق إلدراك أسرار اللغة ومكنوناهتا‬
‫تزايد عدد العرب يف اجلزائر‪ ،‬وانتشروا يف نواحيها البديعة‪ ،‬واستنباط املعاين والوقوف على داللتها(‪.)33‬‬
‫كما ثار ابن باديس على املناهج وطرق التدريس‬ ‫وأقاليمها‪ ،‬وانصهر اجلميع يف بوتقة العروبة واالسالم‪،‬‬
‫السائد يف عصره ووصفها باجلمود والسطحية‪ ،‬وأهنا‬ ‫وحسنوا كثريا من لسان اجلزائريني العريب(‪.)31‬‬
‫ّ‬
‫وعلى منهج ابن باديس سار بقية علماء اجلمعية‪ ،‬ال تنتج إال معلما جامدا مقلدا‪ ،‬ودعا يف مقابل ذلك‬
‫حيث استنكروا مشاريع فرنسا التغريبيةوالتفريقية‪ ،‬إىل اتباع الطرق العصرية اليت تدفع إىل التفكري اجلاد‬
‫وحاربوا سياسة”الرببرية” بكل الوسائل املتاحة واالبداع املتميّز(‪.)34‬‬
‫وال ريب أ ّن الطريقة يف التدريس تلعب دورا‬ ‫بالعمل الصحفي أو الدعائي أو التعليمي والرتبوي‬
‫وغريها‪،‬وهامجوا النخب الفرنسية اليت سارت يف ال يستهان به يف ش ّد انتباه الطلبة‪ ،‬واقباهلم على‬
‫مؤرخني‪ ،‬وكتّاب‪ ،‬وأدباء‪ ،‬ورجال تعلّمها‪ ،‬وشغفهم بذلك‪ ،‬خصوصا عندما تكون‬ ‫فلكها بش ّدة من ّ‬
‫درسة ُكثُر بل‬ ‫الدين‪ .‬ولعل من بني ما يُربز فشل فرنسا يف مسعاها‬
‫الوسائط متع ّددة واملنافسون للمادة امل َّ‬
‫ُ‬
‫أ ّن من علماء اجلمعية وأعضائها وكثري من تالمذة واألكثر من ذلك حني أن تكون اجلزائر ترزح حتت‬
‫ابن باديس النجباء الذين كانوا منحدرين من منطقة وطأة احملتلبما حُييل إىل تشتُّت اهتمامات الطلبة‪،‬‬
‫القبائل كانوا سيفه املسلول يف وجه سياسة التغريب فيكونآنئذ صاحب الطريقة املثلى يف التدريس هو‬
‫الفرنسية والسياسة الرببرية‪ ،‬ومن ذلك ‪-‬على سبيل من يستقطب الطلبة إىل درسه ُّ‬
‫ويشد انتباههم إليه‪،‬‬
‫املدرس وكفاءته العلمية وأخالقه‬ ‫املثال ال احلصر‪“ -‬الفضيل الورتالين”‪ ،‬و”السعيد‬
‫فضال عن حذق ّ‬
‫الصاحلي”‪ ،‬و”باعزيز بن عمر”‪،‬فهذا األخري يذكر وفعالية قُدراته‪ ،‬لذلك فقد اضطلع علماء اجلمعية‬
‫بو الصفصاف بشأنه أنّه كان يكتب مقاالت راقية بطرق الدعوة االسالمية الصحيحة وطرائق التدريس‬
‫يف صف مجعية العلماء‪ ،‬كما كانوا يعتقدون جازمني إلقناع الناس باالصطالح القومي‪ ،‬وكان سبيلهم إىل‬
‫العريب هو من يتكلم اللغة العربية لغة اجلزائري تفعيلها هو استعمال كل األساليب العلميةاملتاحة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أ ّن‬
‫املسلم‪.‬هذا‪ ،‬ويضاف إليه ذلك النشاط الكبري الذي كالرتكيز على البيان العريب الساحر‪ ،‬والتذكري بأجماد‬
‫تقوم به الزوايا مبنطقة القبائل يف سبيل كشف حقيقة األمة العربية اإلسالمية اجمليدة(‪.)35‬‬
‫مسمى الرببرية‬
‫وخدعه حتت ّ‬ ‫احملتل الفرنسي ومكره ُ‬
‫يُذكر يف هذا املضمار أيضا‪ ،‬أ ّن املعاصرين‬
‫وحنوها‪ ،‬واليت كان أصحاهبا من أتباع املصلحني(‪.)32‬‬
‫الفرنسيني الحظوا أن العلماء أدخلوا بيداغوجية وطنية‬
‫وعلى هذا األساس يذكر الدارسون لتاريخ جديدة يف محلتهم التعليمية مل تكن معروفة يف اجلزائر‬
‫مجعية العلماء املسلمني أ ّن علماءها مل يغفلوا يف قبل احلرب‪ ،‬ومن ذلك أ ّن ابن باديس استخدم هذا‬
‫عملية االصالح والرتبية عن تعليم اللغة العربية وفق النمط اجلديد من مناهج التدريس يف حماضراته اليت‬
‫الطرق التعليمية والرتبوية العصرية للح ّد من عملية كان يلقيها باملساجد اجلزائرية بغية اعداد طلبة اجلزائر‬
‫التغريب والتجنّس والقضاء عليها‪ ،‬ومن ذلك ملسؤولياهتم الوطنية‪ ،‬فكان يعلمهم احملفوظات العربية‬
‫قوي احلماس يف‬ ‫أ ّن مبارك امليلي (‪ )1945-1897‬استطاع أن‬
‫واألناشيد الوطنية اليت من شأهنا أن تُ ِّ‬
‫يستقطب حوله اهتمام الشباب مبنطقة األغواط اليت صدورمهضد احملتل وتزيد من روابط صلتهم بعروبتهم‬
‫أقام هبا مدة سبع سنوات‪ ،‬وذلك حني أحسن اتباع وتاريخ بالدهم العريق؛ فكان الطلبة حيفظوهنا‬
‫طرق التدريس العصرية‪ ،‬اليت جعلت الشباب جيتمع‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪113‬‬

‫وينشدوهنا يف املناسبات االجتماعية والدينية‪ ،‬وكانت دينا والعربية لغة واجلزائر وطنا‪ ،‬وفهموا مكنونات هذا‬
‫تبعث فيهم ويف غريهم ممن يسمعها وحيضرها روح الكتاب وعملوا مبا جاء به وأقره‪ ،‬عندها سيستعيدون‬
‫جمدهم الضائع‪ ،‬وحيظون بأن يكونوا أمة القرآن وأمة‬ ‫الوطنية والتضامن االسالمي واحلرية(‪.)36‬‬
‫وبعيدا عن النظرة الضيقة‪ ،‬دعا علماء اجلمعية العلم واالسالم‪.‬‬
‫إىل جتديد عروبة الشمال االفريقي ووحدته؛ فالبالد كما أنّه وبفضل العلماء عرف اجلزائريون تارخيهم‬
‫املغربية والعربية هي وحدة ال تتجزأ حىت وان فصلت واستفاقوا من سباهتم‪ ،‬وأحبروا بني أحداثه‪ ،‬ترسم‬
‫بينها احلدود اجلغرافية‪ ،‬واللغة هي أحدى موارد امداد هذه األخرية يف خمياهلم فصول الصراع اليت خاضها‬
‫هذه الوحدة‪ ،‬واللغة باإلضافة إىل االسالم هي اجلامع أجدادهم عرب الزمن الصطياد احلرية‪ ،‬وامتطاء جواد‬
‫واملوحد بني شعوب املغرب والوطن العريب‪ ،‬وذلك االستقرار والتطور‪ ،‬وحتديد مالمح الكيان الذي‬
‫أقرها لغة للقرآن ولغة للتخاطب يعيشون فيه وبناء حضارته‪ ،‬وأدركوا عندها أ ّن‬ ‫بفضل االسالم الذي ّ‬
‫واحلوار‪ .‬ويف هذا السياق دعا البشري االبراهيمي إىل املسؤولية ملقاة على عاتقهم ملواصلة درب الصراع‬
‫“عروبة الشمال االفريقي جبميع أجزائه كيفما كانت من أجل احلرية والسيادة التامة على املمتلكات‪،‬‬
‫األصول اليت احندرت منها الدماء والينابيع اليت وامتام مسرية البناء لبلوغ الرقي واالزدهار(‪.)39‬‬
‫انفجرت منها األخالق واخلصائص‪ ،‬والنواحي اليت‬
‫جاءت منها العادات والتقاليد‪ ،‬وهي أثبت أساس‪،‬‬
‫وأقدم عمر‪ ،‬وأصفى عنصر من اجنليزية االجنليز‪ ♦ ،‬ج‪ -‬الجزائر وطننا‪:‬‬
‫وطن اجلزائر‪ ،‬هي تلك البالد اليت كانت تعرف‬ ‫وأملانية األملان‪ ،‬هذه العروبة‪ ،‬األصيلة‪ ،‬العريقة يف‬
‫هذا الوطن هي اليت ص ته وطنا واحدا مل تفرقه بعد الفتح االسالمي باملغرب األوسط وبقيت على‬
‫ّ‬ ‫يرّ‬
‫إال السياسة‪ ،‬سياسة اخلالف يف عصوره الوسطى‪ ،‬ذلك حىت القرن السادس عشر للميالد‪ ،‬أين اجتمعت‬
‫البالد حتت االدارة املركزية العثمانية‪ ،‬فاختذوا هلذه‬ ‫وسياسة االستعمار يف عهده األخري”(‪.)37‬‬
‫البالد عاصمة يف منطقة جزائر بين مزغنة الساحلية‪،‬‬
‫ولبلوغ ذلك‪ ،‬أدخل العلماء تدريس تاريخ‬
‫فعمرت املنطقة وتوسع عمراهنا كثريا‪ ،‬فأطلقوا عليها‬
‫العرب إىل مؤسسات التدريس باجلزائر‪ ،‬وكان اهلدف‬
‫عمموا االسم على كامل البالد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مث‬ ‫ائر‪،‬‬
‫ز‬ ‫اجل‬ ‫اسم‬
‫من ذلك هو بعث عاطفة الوالء للوطن اجلزائري‬
‫وإن كنّا يف هذه الدراسة لسنا بصدد اخلوض‬ ‫بصفة خاصة والعامل العريب واالسالمي بشكل‬
‫عام(‪ ،)38‬وكذا تعليم الطلبة أ ّن مجيع سكان افريقيا يف غمارة مسألة إىل أي عهد يرجع طرح فكرة الكيان‬
‫الشمالية من أصل عريب‪ ،‬وأ ّن للعرب السبق يف العديد اجلزائري‪ ،‬ومن صاحبها؟وما دامت دراستنا تتعلّق‬
‫من االبتكارات واألحباث العلمية‪ ،‬فإليهم الفضل بشعار اجلمعية وأبعاده التارخيية‪ ،‬فإنّنا نقول أ ّن ابن‬
‫يف اكتشاف أمريكا‪ ،‬وهم أول من حاول الطريان‪ ،‬باديس قد طرح الفكرة خالل الثالثينيات من القرن‬
‫وأ ّن ما عليه أوروبا آنذاك من تطور كان انطالقا مما املاضي‪ .‬ويف هذا السياق يقول أبو القاسم سعد اهلل‪:‬‬
‫ّ‬
‫بلغته احلضارة االسالمية من تطور ورقي يف العصر أنّه وعلى الرغم من اتّفاق الكثري من الكتاب أ ّن‬
‫الوسيط‪ ،‬وأ ّن ذاك التطور ليس حكرا على الغرب‪ ،‬علماء اجلمعية بعيدين عن السياسة‪ ،‬إالّ هّأنم يتّفقون‬
‫وإنمّ ا ميكن للعرب واجلزائريني تدارك ما فاهتم أو ما يف الوقت ذاته على أ ّن هدفهم البعيد هو السياسة‪،‬‬
‫ألنم ال حمالة يصطدمون هبا يف مسرية االصالح‬ ‫َّفرطوا فيه إذا ما رجعوا إىل القرآن‪ ،‬وتشبثوا باإلسالم هّ‬
‫ّ‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪114‬‬

‫احملتل وشراك الظلم واملهانة‪ .‬وال ريب أ ّن هذا التكوين‬ ‫اليت خيوضون غمارها‪ ،‬ذلك أ ّن ادارة املستدمر ال‬
‫الرفيع‪ ،‬واملنهج السليم يف االصالح واملقاومة‪،‬‬ ‫حمالة تكون لنشاطهم باملرصاد‪ ،‬ألهنا تعتربهم خطرا‬
‫وتسخريهم لكل امكاناهتم يف سبل انقاذ اجلزائر من‬ ‫على وجودها باجلزائر‪ ،‬فال خيار هلم عندها إالّ ولوج‬
‫براثن االحتالل قد زاد من وطنيّتهم عمقا وترسيخا‪،‬‬ ‫ميدان السياسة(‪.)40‬‬
‫يلتف حوهلم ويكون عوهنم‬ ‫ما جعل الشعب اجلزائري ُّ‬ ‫مر بنا أ ّن احملتل رّكز أميا تركيز على عامل‬
‫ولقد ّ‬
‫لتحقيق طموحهم وطموح كل اجلزائريني‪.‬‬ ‫التفرقة من حيث األصل واجلنس والعرق واملذهب‬
‫وبفضل العلماء‪ ،‬عرف اجلزائريون تارخيهم‬ ‫لتحقيق مآربه االستنزافية لبالد اجلزائر وشعبها‪ ،‬وهذه‬
‫وتشربوا من ينابيعها‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫والمسوا روح وطنيّتهم‬ ‫فإنا تُضعف شعور اجلزائريني‬ ‫السياسة لو جنحت هّ‬
‫وانبسطت بني أيديهم مشاهد فصول املقاومة اليت‬ ‫بوطنيتهم وامياهنم هبا‪ ،‬وجتعلهم يستسلمون بسهولة‬
‫انتصب هلا سلفهم يف سبيل احلفاظ جغرافية اجلزائر‬ ‫العتناق شخصية غريبة عن كياهنم من صنع احملتل‬
‫ومكنون حضارهتا‪ ،‬ودفع كل صنوف العاديات اليت‬ ‫الفرنسي على مقاس بعض العقول املخمورة‪.‬‬
‫وقد تصدى العلماء املصلحون هلذا النشاط حتيق حباضرها ومستقبلها‪ ،‬والسهر على التحيني‬
‫ّ‬
‫العدائي الفتاك‪ ،‬وسارعوا يف خضمه إىل تغذية عقل الدائم لفعالية التأمني وتقوية معاول الدفاع ومنظومة‬
‫الشباب اجلزائري وفكره باألفكار الوطنية‪ ،‬واملشاعر التحصني(‪.)42‬‬
‫لعل كتاب املؤرخ مبارك امليلي “تاريخ اجلزائر‬
‫و ّ‬ ‫الدينية‪ ،‬من خالل تدريسه لتاريخ بالدهوجغرافيتها‪،‬‬
‫ودينه‪ ،‬ولغته‪ ،‬ألن اجلزائري ال حييا إالّ بذلك يف يف القدمي واحلديث” الذي انتهى من كتابة اجلزء‬
‫وطنه‪ .‬وعليه‪ ،‬جند أ ّن فرنسا ملا أدركت أ ّن اخلطر األول منه سنة ‪ 1928‬والثاين سنة ‪ ،1932‬ليُبينِّ‬
‫ّ‬
‫بات حُيدق هبا من طرف علماء اجلمعية‪ ،‬وأ ّن هؤالء وعي علماء اجلمعية بضرورة إعادة كتابة تاريخ اجلزائر‬
‫العلماء قد أحدثوا تغيريا جذريا يف العقلية اجلزائرية كتابة صحيحة بعيدة عن كل التزييف والتحريف‬
‫بعدما صار اجلزائريون ال سيتنشقون إال هواء اجلزائر الذي طاله من طرف الكتابة الفرنسية(‪.)43‬ولقد رّكز‬
‫العربية املسلمة بني أحضان الوطن الواحد‪ ،‬سارعت امليلي يف كتابة تارخيه على فكريت االصالح والوطنية‪،‬‬
‫إىل غلق املدارس واملساجد والكتاتيب اليت كانوا وسعى إىل كشف التاريخ اجلزائري للجزائريني‪ ،‬الذين‬
‫أضحوا ‪-‬ولألسف‪ -‬يدركون تاريخ األجانب وال‬ ‫درسون فيها(‪.)41‬‬
‫يُ ِّ‬
‫وقدكان للتكوين العلمي الذي حظي به علماء يعقلون تارخيهم اجمليد‪ ،‬وإذا كان منهم من يدرك جزءا‬
‫اجلمعية وتنشئتهم العلمية والرتبوية دورها الفعال يف من تاريخ بالده فإ ّن الكثري مبتور من ذاكرته فصول‬
‫ّ‬
‫حتقيق مآرهبم القريبة والبعيدة إلفشال مشاريع احملتل ع ّدة منه وخاصة حقبة التاريخ الوسيط؛ اليت كثريا‬
‫وخمطّطاته التدمريية‪ ،‬فابن باديس قوة علمية وحبر من ما تقفز عليها الكتابة الفرنسية عن قصد لبرت تاريخ‬
‫الدهاء يف االصالح‪ ،‬والرتبية‪ ،‬والسياسة‪ ،‬واملقاومة‪ ،‬اجلزائر وفصله عن أزهى عصوره أيام حضارة االسالم‪،‬‬
‫واالبراهيمي كان أحد حبور العلوم االنسانية ورائدا يف وحىت تربط تارخيهم بالروم والوندال الذيناحتلوا بالد‬
‫االصالح‪ ،‬وكذاك شأن البقية من علماء اجلمعية‪ ،‬اجلزائر يف سالف األزمان‪.‬‬
‫كما يُبينّ ادراك العلماء أيضا لوقع دراسة‬ ‫وحيصلون من الشهادات‬ ‫ّ‬ ‫الذين ما كانوايدرسون‬
‫والعلوم إالّ ليخلصوا بالدهم من ربقة اجلهل وعبودية التاريخ على احياء وطنية اجلزائريوقوميّته وهويته‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪115‬‬

‫كما أنّه وللحفاظ على الشخصية الوطنية اجلزائرية‬ ‫وشخصيته‪ ،‬اليت تريد فرنسا أن تبتلعها بأغاليطها‬
‫من االندثار والذوبان يف مستنقع احملتل الساعي‬ ‫وأكاذيبها وتزييفها حلقائق التاريخ‪ .‬ويذكر سعد اهلل‬
‫لقطع احلبل املتني الذي يش ّد اجلزائري إىل وطنه‬ ‫أ ّن أحد الفرنسيني يقول عن تاريخ امليلي أنّه ذكريات‬
‫وتارخيه ويفصله عن ذلك فصال تاما فيصري مبتور‬ ‫من الشهامة الوطنية اليت تساعد اجلزائريني على بعث‬
‫اهلوية فيلبسه عندها هويته هو‪ ،‬عمل العلماء ويف‬ ‫هنضتهم السياسية والوطنية‪ّ ،‬أما اجلزائريون فقد اعتربوه‬
‫طليعتهم ابن باديس على وضع ح ّد لنشاط احملتل‬ ‫بتارخيه باعث األمة اجلزائرية من جديد(‪.)44‬‬
‫لتجنيس اجلزائريني وادماجهم يف اجملتمع الفرنسي‪،‬‬ ‫وكانللنشاط الدؤوب والديناميكية العالية‬
‫تكرس التمييز بني‬ ‫ون ّددوا بقوة ضد قوانينه اليت ّ‬ ‫من طرف العلماء ملقاومة الفكر االستعماريوالنزعة‬
‫اجلزائريني وتهُ ينهم‪ ،‬واعتربوا هذه القوانني خطرا على‬ ‫الرببرية‪-‬اليت خلقها احملتل وأشكال التقسيم العرقي‬
‫وجود الكيان اجلزائري‪،‬وأصدرواالفتاوى بتكفري كل‬ ‫واالثين اليت انتهجها‪-‬صداه االجيايب الكبري يف حسم‬
‫مسلم جزائري يتنازل عن أحواله الشخصية‪ ،‬بل‬ ‫نتائج معاركهمالفاصلة؛ وذلكبضحد أباطيل احملتل‪،‬‬
‫إ ّن العريب التبسي (‪ )1957 1895-‬كما ينسبه‬ ‫وبناء العقل الواعي مبصري بالده‪ ،‬وتاريخ أجداده‪،‬‬
‫أقاربه وتالمذته له كان أش ّد عداوة للمحتل الفرنسي‪،‬‬ ‫وطينة لسانه‪ ،‬وهذه كلّها جمتمعة حتت عنوان‪:‬‬
‫حيث يقول‪“ :‬من عاش فليعش بعداوته لفرنسا ومن‬ ‫االسالم ديننا‪ ،‬والعربية لغتنا‪ ،‬والوطن اجلزائري بالدنا‬
‫مات فليحمل معه هذه العداوة إىل القرب”‪ .‬وقال‬ ‫وأرضنا‪ ،‬وال حياة للجزائريني إالّ هبا جمتمعة‪.‬‬
‫يتزوج فرنسية يدخل االستعمار إىل‬ ‫أيضا‪“ :‬من ّ‬ ‫يف هذا املضمار‪ ،‬يذكر الكاتب الفرنسي “تيان‬
‫بيته”(‪.)46‬‬
‫الكوتري”(‪ :)T.Lacotire‬أ ّن مجُ دِّدي فكرة‬
‫وباملوازاة مع احلرص الالمتناهي من علماء‬ ‫الوطن اجلزائري هم باألحرى الذين أسسوا مجعية‬
‫اجلمعية على احياء روح الوطنية وتقوية املفعول الذي‬ ‫العلماء ومن املمكن أن جند أن بيان هذا املذهب يف‬
‫غذيها يف نفوس اجلزائريني حىت تقوى مناعتهم على‬ ‫يُ ِّ‬ ‫رد ابن باديس على مقال فرحات عباس؛ إذ عندما‬ ‫ّ‬
‫أي فريوس لضرهبا حىت ولو كان قاتال‪ ،‬دعوا‬ ‫ص ّد ّ‬ ‫رد‬
‫نفى هذا األخري وجود ّأمة جزائرية يف التاريخ‪ّ ،‬‬
‫أيضا إىل حسن اجلوار بني شعوب املغرب العريب‬ ‫عليه ابن باديس بأنّه “نظر يف املاضي واحلاضر ووجد‬
‫وحسن التعايش معها‪ ،‬ووحدة شعوهبا وكذا شعوب‬ ‫تكونت عرب العصور‪ ،‬وأ ّن هلذه‬
‫أ ّن األمة اجلزائرية قد ّ‬
‫العامل االسالمي قاطبة‪ ،‬وتوحيد اجلهود لص ّد الغازي‬ ‫األمة تارخيها ودينها ولغتها وثقافتها وخصائصها‪،‬‬
‫املدجج بأسلحة التفرقة‬
‫النصراين القادم من الشمال ّ‬ ‫وأ ّن هذه األمة ليست فرنسية وال تستطيع أن‬
‫والتشتيت والتمييز لبلوغ مآربه التوسعية(‪.)47‬‬ ‫تكون فرنسية وال تريد أن تكون فرنسية”(‪.)45‬‬
‫و”ال كوتري”بقوله ذاك‪ ،‬يعزو البن باديس ورفاقه‬
‫يف الكفاح ضمن زمرة العلماء ‪-‬الذين قادوا سفينة‬
‫احلركة الوطنية ض ّد احملتل الفرنسي بفكرهم‪ -‬الفضل‬
‫األكرب يف احياء فكرة الوطن اجلزائري‪ ،‬اليت سعى‬
‫املستدمر سعيا حثيثا لدفنها إىل األبد لكنه فشل أمام‬
‫نشاط اجلمعيةالفعال‪.‬‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪116‬‬

‫الهوامش ‪:‬‬ ‫خاتمة‪:‬‬


‫(‪ -)1‬عبد الكرمي بو الصفصاف‪ :‬مجعية العلماء املسلمني‬ ‫يف ختام دراستنا هذهال يسعنا إالّ أن نشيد‬
‫اجلزائريني وعالقاهتا باجلمعيات األخرى (‪)1931-1945‬‬ ‫باجلهود االصالحية اجلبارة اليت بذهلا علماء اجلمعية‬
‫دراسة تارخيية وايديولوجية مقارنة‪،‬املؤسسة الوطنية لالتصال‬ ‫يف خدمة القضية الوطنية للنهوض بالعقل والفكر‬
‫والنشر واالشهار‪،‬الرويبة‪،‬اجلزائر‪ ،1996،‬ص‪.37‬‬ ‫اجلزائري إلدراك حاله والتخطيط ملآله‪ ،‬ختطيطا حمكما‬
‫(‪-)2‬املرجع نفسه‪،‬ص‪.37‬‬ ‫جدير بأن يقود سفينة اجلزائر قيادة سليمة إلرسائها‬
‫يف ميناء احلرية واالستقالل‪.‬‬
‫(‪ -)3‬وذلك خصوصا بعد اهنيار الس ّد العايل واحلامي‬
‫كما أنّه ونظري األمهية الكبرية اليت ينطوي‬
‫ملعظم أجزاء البالد العربية االسالمية؛ وهو اهنيار القوة‬
‫دب يف جسمها‪،‬‬ ‫عليها االصالح الديين والتعليمي والرتبومين أجل‬
‫العظمى الدولة العثمانية بعد الضعف الذي ّ‬
‫إعداد جيلصاحب فكر ناضجوقادر على خوض‬
‫يف النصف األول من القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫غمار الكفاح العسكري املسلح‪ ،‬كان لعلماء اجلمعية‬
‫(‪ -)4‬حممد مبارك امليلي‪ :‬رسالة الشرك ومظاهره‪،‬‬
‫الفضل الكبري يف غرس بذور الوطنية واحياء االسالم‬
‫مكتبة النهضة اجلزائرية‪ ،1966 ،‬ط‪ ،2‬ص‪،102‬‬
‫والعروبة يف نفوس اجلزائريني‪،‬حىت اُعتُبرِ َ هؤالء العلماء‬
‫أبوالقاسم سعداهلل‪ :‬احلركةالوطنيةاجلزائرية‪،‬دارالغرب‬
‫مبثابة رسل الثورة التحريرية واملنظرين هلا‪.‬‬
‫االسالمي‪،‬بريوت‪،‬لبنان‪ ،1992 ،‬ط‪ ،4‬ج‪ ،3‬ص‪.95‬‬
‫وكانت جهود العلماء املسلمني اجلزائريني‬
‫(‪-)5‬كان شعارها “احلق فوق كل أحد والوطن قبل كل‬
‫اجملسدة يف شعار اجلمعية بأبعاده التارخيية‪،‬‬
‫االصالحية َّ‬
‫شيء”‪.‬‬
‫جسورا متينة م ّدها العلماء بني حاضر شعبهم وماضيه‬
‫(‪-)6‬للمزيدمن التفصيل‪،‬أنظر‪ :‬بو الصفصاف‪ :‬املرجع‬ ‫العريق‪ ،‬ليدرك من خالهلا أصله األصيل وعرقه املتني‪،‬‬
‫السابق‪،‬ص‪.61‬‬ ‫ودينه الطاهر‪ ،‬ولسانه العريب‪ ،‬وكيانه احلقيقي املتش ّكل‬
‫(‪-)7‬وغري ذلك من أهداف اجلمعية اليت ال يسع املقام‬ ‫جتسده من‬‫عرب العصور والدهور‪ ،‬وفصول تارخيهبما ّ‬
‫حلصرها يف هذه الدراسة‪.‬‬ ‫مر التاريخ يف سبيل‬ ‫بطوالت شعب ال حتصر على ّ‬
‫(‪ -)8‬ويذكر أبو القاسم سعد اهلل أ ّن من كتب عن‬
‫مقاومة العاديات واملغريات‪ ،‬وبناء احلضارة االنسانية‬
‫أهداف مجعية العلماء املسلمني‪ ،‬كان منهم من حصرها يف‬
‫املستوحاة من عمق الشريعة االسالمية الطاهرة‪،‬‬
‫التعليم العريب‪ ،‬وحماربة اخلرافات‪ ،‬وتطهري االسالم مما علق به‬
‫واملشحونة بالعروبة األصيلة‪.‬‬
‫من شوائب‪ ،‬بينما ذهب البعض اآلخر إىل هّأنم رّكزوا على‬
‫حماربة احملتل ومعاداته بكل السبل‪ ،‬يف الوقت الذي سعى‬
‫البعض إىل تقزمي دور العلماء يف القضية الوطنية حني زعموا‬
‫أهنم “جمموعة من أنصاف املثقفني جاءوا إليها من اخلارج”‪،‬‬
‫سعد اهلل‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،86‬بو الصفصاف‪:‬‬
‫املرجعالسابق‪،‬ص‪ّ .71،109‬أما البشري االبراهيمي فقد‬
‫خلّص أهداف اجلمعية يف نقطتني أساسيتني مها‪“ :‬إحياء‬
‫جمد الدين االسالمي‪ ،‬واحياء جمد اللغة العربية‪ .‬ومع هذا‪،‬‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪117‬‬

‫العريب ‪ :‬دولةبين محادملوك القلعةوجبايـة‪،‬الشركةالوطنية للنش‬ ‫فإنّه ويف حقيقة األمر ال ميكن أن حنصر أهداف اجلمعية‬
‫روالتوزيع‪،‬اجلزائر‪1998،‬م‪،‬ص‪،202‬عبداحلليم عويس‪:‬‬ ‫على ما ساقه البعض من املؤرخني والدارسني‪ ،‬أو حصرها يف‬
‫دولةبين محادصفحةرائعةمن التاريخ اجلزائري‪،‬دارالصحوة‬ ‫اتجّ اه واحد‪ ،‬وذلك أ ّن نشاء العلماء املسلمني ما اقتصر على‬
‫للنشروالتوزيع‪،‬القاهرة‪1999‬م‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.180‬‬ ‫ما سطّروه يف قانون اجلمعية األساسي‪ ،‬وإمنّا كان نشاطهم‬
‫(‪ -)18‬بوالصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪،‬ص‪.127‬‬ ‫فصل يف‬
‫أوسع من ذلك بكثري‪ ،‬ومشل جمالت أوسع‪ .‬وقد ّ‬
‫(‪ –)19‬املرجع نفسه‪،‬ص‪.128‬‬ ‫هذه النقطة عبد الكرمي بو الصفصاف‪ ،‬وبينّ أبرز أهداف‬
‫خصها هبا‪ ،‬انظر‪ :‬بو‬
‫اجلمعية يف الدراسة األكادميية اليت ّ‬
‫(‪ –)20‬سعداهلل ‪:‬املرجع السابق‪،‬ج‪،3‬ص‪.83‬‬
‫الصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.111-112‬‬
‫(‪–)21‬املرجع نفسه‪،‬ص‪.86‬‬
‫(‪ - )9‬حممد خريالدين‪:‬مذكرات‪ ،‬املؤسسة الوطنية‬
‫(‪ –)22‬حممدالعرباوي‪ :‬يف مواجهةالنزعةالرببرية‬ ‫ل ل ك ت ا ب ‪ ،‬ا جل زا ئ ر ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،2 9 6‬س ع د ا هلل ‪ :‬ا مل رج ع‬
‫وأخطارها االنقسامية‪،‬منشورات احتادالكتابالعرب‪،‬دمشق‪،‬‬ ‫السابق‪،‬ج‪،2‬ص‪.397‬‬
‫‪،2005‬ص‪،137‬‬
‫(‪ -)10‬سعداهلل‪ :‬املرجع السابق‪،‬ج‪،3‬ص‪.86‬‬
‫حممود إمساعيل عبدالرزاق‪ :‬اخلوارج يف بالداملغرب حىت‬
‫(‪ –)11‬سورة‪،‬آلعمران‪،‬اآلية‪.19 :‬‬
‫ّمنتصف القرن الرابع اهلجري‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪،‬‬
‫(‪ –)12‬عماد الدين ابن كثري‪ :‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬الدارالبيضاء ‪ ،‬املغرب‪ 1406 ،‬هـ‪-1985‬م‪ ،‬ط‪،2‬ص‬
‫تح‪ ،‬مصطفى السيد حممد وآخرون‪ ،‬قرطبة للطباعة والنشر ‪.230‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،2000 ،‬ج‪،3‬ص‪.36‬‬
‫(‪ –)23‬حممد بوركبة‪« :‬احلياةاالجتماعية على‬
‫(‪-)13‬حممدالصاحل الصديق‪ :‬االمام الشيخ عبداحلميد ابن عهد الدولة الرستمية (‪160-296‬هـ‪777-/‬‬
‫باديس من آثاره ومواقفه‪ ،‬دار البعث للطباعة و النشر‪909 ،‬م) » ‪،‬رسالة ماجسيت ريف التاريخ واحلضارةا‬
‫إلسالمية‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واحلضارة اإلسالمية‪،‬‬ ‫قسنطينة‪ ،‬اجلزائر‪،1983 ،‬ص‪.38‬‬
‫(‪-)14‬أمحدتوفيق املدين‪ :‬هذه هي اجلزائر‪،‬مكتبةالنهضةامل جامعة وهران‪1420-1421 ،‬هـ‪1999-/‬‬
‫‪2000‬م‪،‬ص‪،15‬حممدالناصري‪«:‬عوامل اختفاءاملذهب‬ ‫صرية‪،‬القاهرة‪،‬مصر‪،2001 ،‬ص‪.9-10‬‬
‫اإلمساعيلي من إفريقية الشمالية»‪ ،‬جملة دعوة احلق ‪،‬‬ ‫(‪ – )15‬بوالصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪،‬ص‪.113‬‬
‫العدد العاشر ‪ ،‬السنة األوىل‪ ،‬وزارة عموم األوقاف‪،‬‬ ‫(‪–)16‬حممدابن األثري‪ :‬الكامل يف التاريخ‪،‬صحه‪ ،‬حممد‬
‫الرباط‪،‬املغرب‪1377 ،‬هـ‪-1958‬م‪،‬ص‪.32‬‬ ‫الدقاق‪ ،‬دارالكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬لبنان‪1424،‬هـ‪-‬‬
‫(‪-)24‬بوالصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪،‬ص‪.132‬‬ ‫‪2003‬م‪،‬ط‪ ،4‬مج‪،9‬ص‪،86‬رشيدبورويبة‪ :‬الدولة‬
‫(‪–)25‬سورةالنساء‪،‬اآلية‪.116 :‬‬ ‫احلمادية تارخيها و حضارهتا‪ ،‬الطباعة الشعبية للجيش‪،‬‬
‫اجلزائر‪2007،‬م‪ ،‬ص‪.26-27‬‬
‫(‪ –)26‬سورةاحلجر‪،‬اآلية‪.09:‬‬
‫(‪ -)17‬ابن خلدون ‪ :‬العرب و ديوان املبتدأ واخلرب يف تاريخ‬
‫(‪ –)27‬بوالصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪،‬ص‪.206‬‬
‫العرب والرببر ومن عاصرهم مـن ذوي الشأن األكرب‪ ،‬ضبطه‪،‬‬
‫(‪–)28‬املرجع نفسه‪،‬ص‪.133 130-‬‬ ‫خليل شحادة‪ ،‬راجعه‪،‬سهيل زكار‪ ،‬دارالفكرللطباعةوالنشر‬
‫(‪ –)29‬سعداهلل‪ :‬املرجع السابق‪،‬ج‪،2‬ص‪.393‬‬ ‫والتوزيع‪ ،‬بريوت‪1421 ،‬هـ‪2000/‬م‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪،27‬إمساعيل‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬


‫‪118‬‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ج‪،3‬ص‪.86‬‬ ‫(‪ –)30‬بوالصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪،‬ص‪.131‬‬


‫(‪-)47‬سعداهلل‪ :‬املرجع السابق‪،‬ج‪،3‬ص‪.105‬‬ ‫(‪ –)31‬املدين‪ :‬املرجع السابق‪،‬ص‪ .29‬وحول اهلجرية‬
‫اهلاللية وآثارها على بالداملغرب األوسط‪ ،‬انظر‪ :‬ابن األثري‪:‬‬
‫املصدر السابق ‪ ،‬مج‪ ، 8‬ص‪،86‬ابن خلدون‪ :‬املصدر‬
‫السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬شهاب الدين النويري‪ :‬هنايةاإلرب يف فنون األ‬
‫دب‪،‬تح‪،‬عبداجمليدترجيين‪،‬دارالكتب العلمية‪،‬بريوت‪ ،‬ج‪،24‬‬
‫ص‪.110‬‬
‫(‪ –)32‬بوالصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪،‬ص‪.1343-134‬‬
‫(‪ -)33‬سعداهلل‪ :‬املرجع السابق‪،‬ج ‪،2‬ص‪،404‬‬
‫بوالصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫(‪ –)34‬عمارطاليب‪ z:‬ابن باديس حياته وآثاره‪ ،‬دار‬
‫النهضة ‪ ،‬دمشق‪ ،‬ج‪،3‬ص‪.219‬‬
‫(‪ –)35‬بوالصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪،‬ص‪.120‬‬
‫(‪ -)36‬سعد اهلل‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.400‬‬
‫(‪-)37‬بو الصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.70-71‬‬
‫(‪ -)38‬الزبري بن رحال‪ :‬االمام ابن باديس رائد النهضة‬
‫العلمية والفكرية ‪ ،1940 1889-‬دار اهلدى‪ ،‬عني مليلة‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،1997 ،‬ص‪.29‬‬
‫(‪-)39‬انظركذلك‪:‬سعداهلل‪:‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪،2‬‬
‫ص‪. 401‬‬
‫(‪-)40‬املرجع نفسه‪،‬ص‪.87‬‬
‫(‪ -)41‬بوالصفصاف‪ :‬املرجع السابق‪،‬ص‪.139‬‬
‫(‪-)42‬سعداهلل‪ :‬املرجع السابق‪،‬ج‪،2‬ص‪.401‬‬
‫(‪-)43‬املرجع نفسه‪،‬ص‪.401‬‬
‫(‪ -)44‬املرجع نفسه‪،‬ص‪.401‬‬
‫(‪-)45‬أمحد اخلطيب‪ :‬مجعيةالعلماءا ملسلمني اجلزائريني‬
‫وأثرها االصالحي يف اجلزائر‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،1985 ،‬ص‪.241‬‬
‫(‪-)46‬اخلطيب‪ :‬املرجع السابق‪،‬ص‪،241‬سعداهلل‪:‬‬

‫قضايا تاريخية العدد ‪ 1437 04‬هـ ‪ 2016 /‬م‬

You might also like