Professional Documents
Culture Documents
أ ّما بعد :فحقيق بيوم كان فيه وجود المصطفى صلى هللا عليه وسلم أن
غرته أن يعقد طالعا سعيدا ،فا ّتقوا ي ّتخذ عيدا ،وخليق بوقت أسفرت فيه ّ
وتقربوا إلى هللا تعالى بتعظيم شأن ّ الذنوب، هللا عباد هللا ،واحذروا عواقب ّ
بي المحبوب ،واعرفوا حرمته عند عاّل م الغيوب ،ذلِ َك َو َمنْ ُي َع ِّظ ْم هذا ال ّن ّ
ب _ سورة الحج 32 /22 شعائ َِر هَّللا ِ َفإِ َّنها مِنْ َت ْق َوى ا ْلقُلُو ِ
_ َ
!واعلموا أ ّنه ما أكرم أ ّيام مولده ال ّ
شريفة عند من عرف قدرها
سرها
.وما أعظم بركتها عند من الحظ ّ
األول انبثقت عن جوهرة الكون بيضة ال ّ
شرف ففي شهر ربيع ّ
الصدف
الدّرة المصونة Kمن باطن ّ
وفي يوم االثنين منه ظهرت ّ
المشرفة
ّ السعد من كمون العدم ،وب (م ّكة) وفي ثاني عشره أبرز سابق ّ
أنجز صادق الوعد بمضمون الكرم .حملت به أ ّمه في شهر رجب األص ّم،
،ومات أبوه وحمله ما استت ّم ،ث ّم أدّ ت ما حملته من األمانة آمنة
.وكانت م ّما تشكوه الحوامل آمنة
شرت طالئعه بطلوع مس الهدى،السعادة وبدا ،وب ّ
فحينئذ أسفر صبح ّ
السعود بقطب دائرة
وطوق جيد الوجود بعقود اإلفضال ،ودارت أفالك ّ
ّ
،الكمال ،فوضعته صلى هللا عليه وسلم واضعا يديه على األرض
الس ّرة ،مختونا
السماء ،مقطوع ّ
،رافعا رأسه إلى ّ
منزها عن قذر ال ّنفاسّ ،
مكرما ّ .
شام .وخمدت نار الفرس ا ّلتي
فأضاءت له قصور (بصرى) من أرض ال ّ
ّK
وانشق لهيبته حين ولد إيوان كسرى. يعبدونها ،ولم تخمد منذ ألف عام.
الرهبان والك ّهان هواتف البشرى ،وأشرقت مطالع األنوار وتواصلت من ّ
،بميمون وفادته ،وتع ّبقت أرجاء األقطار بطيب والدته
وخرت األصنام على وجوهها إذعانا لسيادته
ّ .
فأرضعته ثويبة -موالة ع ّمه -أ ّياما ،ث ّم تو ّلته حليمة ّ
السعد ّية رضاعا
تتعرف منه الخيرات في
وفطاما ،فشملتها /البركات بحضانته ،ولم تزل ّ
فدر ثديها عليه بعد أن كان عاطال ،وجادت شارفها « »1بال ّلبن بعد مدّ تهّ ،
السير وقد كانت ثاقال،
أن كانت ال تروي ناهال ،وأسرعت أتانها في ّ
.وأخصبت بالدها وكانت قبل ذلك ماحال
يشب شبابا « »4ال يش ّبه الغلمان،
ّ ث ّم فصلته بعد أن ت ّم له الحوالن ،وكان
نبوته ،وأخذه الملكان من بين وظهرت لها في صغره مخائل «ّ »5
الصبيان ،فش ّقا من تحت صدره إلى ّ
سرته ،فاستخرجا منه علقة سوداء، ّ
،وقاال :هذا ّ
حظ ال ّ
شيطان ،وغساله بماء الكوثر
.ث ّم ختماه بالحكمة واإليمان
الصحيحة أ ّنهما ّ
غساله بماء زمزم .فلذلك جزم لت :المشهور في األحاديث ّ
ّ
المتأخرين أنّ ماء زمزم أفضل من الكوثر البلقيني وغيره من
ّK .
ث ّم ماتت لسنّ تمييزه أ ّمه ،وكفله جدّ ه ،ث ّم ع ّمه ،ولم يزل صلى هللا عليه
وسلم ينشأ وعين العناية ترعاه وتحفظه م ّما يحذره ويخشاه ،ومنحه هللا
،تعالى منذ نشأ كل ّ خلق جميل ،وأح ّله من القلوب بالمحل ّ الجليل
والصيانة
ّ ،وعرف من بين أقرانه بالع ّفة
بالصدق واألمانة
ّ .وتم ّيز عند أهل زمانه
نبوته أن تطلع من
سموها ،وآن لشمس ّ ّ ول ّما أخذت مطالع بعثته في أفق
ويتنعمK
ّ علوها؛ ح ّببت إليه الخلوة لألنس بر ّبه .فكان يخلو في (حراء)
ّ
،بقربه ،وكانت تظهر له األضواء واألنوار
.وتس ّلم عليه ّ
بالرسالة األحجار واألشجار
ث ّم كان وحيه مناما ،وتعليمه إلهاما ،فكان ال يرى رؤيا إاّل جاءت مثل فلق
الصبح ،وال ينوي أمرا إاّل ظفر بالفوز وال ّنجح
ّ .
فل ّما بلغ األربعين؛ جاءه جبريل األمين من ر ّبه ذي الجاللة ،بمنشور
اس ِم َر ِّب َك ا َّلذِي َخ َل َقَ .خ َل َق اإْل ِ ْنسانَ مِنْ والرسالة ،فأقرأه :ا ْق َر ْأ ِب ْ بوة ّ ال ّن ّ
َع َل ٍق .ا ْق َر ْأ َو َر ُّب َك اأْل َ ْك َر ُم .ا َّلذِي َع َّل َم ِبا ْل َق َل ِمَ .ع َّل َم اإْل ِ ْنسانَ ما َل ْم َي ْع َل ْم
_سورة العلق _5 -1 /96
فمكث صلى هللا عليه وسلم ب (م ّكة) ثالث عشرة سنة ،يدعوهم إلى سبيل
السعادة في دار
ر ّبه بالحكمة والموعظة الحسنة ،فامن به من سبقت له ّ
.البقاءّ ،
وكذب به من كتب عليه في األزل ال ّ
شقاء
خصه هللا باإلسراء العظيم ،فسار وجبريل
ولعشر سنين من مبعثه الكريم؛ ّ
السماوات العلى ،وجاوز سدرة المنتهى
،مصاحب له إلى أعلى ّ
:وشرف بالمناجاة في المقام /األسنى ،ونال من القرب ما ترجم عنه
س ْي ِن أَ ْو أَدْ نى_سورة ال ّنجم 9 /53
قاب َق ْو َ
َ _ .فكانَ َ
ّ
الحق من ث ّم هاجر إلى دار هجرته ،ومأوى أنصاره وأسرته ،فسل ّ سيف
غمده ،وجاهد في سبيل هللا غاية جهده ،ح ّتى فتح هللا له أقفال البالد،
.وم ّكنه من نواصي العباد ،وأظهر دينه على الدّ ين ك ّله
،ث ّم تو ّفاه عند حضور أجله ،إلى ما أع ّد هللا له في ج ّنات ال ّنعيم
من الكرامة والفوز العظيم
،فسبحان من حباه بأنواع Kاإلكرام ،وأرسله رحمة لجميع األنام
وأولهم ،ونسخ بشرعه ومعولهم ،وخاتم ال ّنب ّيين ّ
ّ وجعله س ّيد ولد آدم
وشرف برسالته المنائر « »2والمنابر، ّ شرائع ،ومأل بذكره المسامع، ال ّ
،وقرن ذكره بذكره في لسان كل ّ ذاكر ،وذ ّلل كل ّ صعب لطاّل به
.وأمدّ ه بمالئكته الكرام تجاهد في ركابه
:نسأل هللا تعالى ا ّلذي أكرمنا بظهوره ،وأخرجنا من ظلمات الكفر بنوره
أن يجعلنا وإ ّياكم م ّمن شملته برحمته العناية ،وال حظته في جميع أحواله
يشرفنا في هذه الدّ نيا بطاعته ،وا ّتباع س ّنته
الرعاية .وأن ّ
،عين ّ
.واغتنام Kزيارته ،ويحشرنا يوم القيامة في شفاعته وزمرته
نتوجه إليك ،ونتش ّفع إليك بح ّقه عليك
ّ ،الله ّم إ ّنا
:فهو أوجه ال ّ
شفعاء لديك ،وأكرم الخلق عليك
،أن ال تدع لنا ذنبا إاّل غفرته ،وال ه ّما إاّل ّ
فرجته
شرا إاّل صرفته ،وال خيرا إاّل
عدوا إاّل كفيته ،وال ّ
ضرا إاّل كشفته ،وال ّ
وال ّ
،يسرته ،وال واليا إاّل أصلحته ،وال مجاهدا في سبيلك إاّل نصرته
ّ
.وال طالبا للخير إاّل أعنته ،وال حاجة هي لك رضى إاّل قضيتها
الراحمين
.يا أرحم ّ
تحقيق
عبد هللا بن محمّد الحبشى
أبو ظبي
في 1418 /7 /25هـ 1997 /11 /25م