Professional Documents
Culture Documents
تم عقد هذه الندوة وإصدار هذا التقرير بفضل المساهمات الكريمة والدعم المالي من
الوكالة السويدية للتنمية الدولية ) ،(SIDAوالوكالة الدنماركية للمساعدات التنموية
) ،(DANIDAووزارة الخارجية والشؤون األوروبية في فرنسا ،والمفوضية األوروبية ،ومؤسسات
المجتمع المفتوح ).(OSF
تقع المسؤولية الحصرية بشأن محتويات هذه الوثيقة على المؤسسة األورو-متوسطية
لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان ) ،(EMHRFوال يجوز تحت أي ظرف اعتبار أنها تعكس
مواقف المفوضية األوروبية أو أي من الشركاء الماليين المذكورين أعاله.
1
4 تمهيد
جدول المحتويات
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
6 ملخص تنفيذي
9 مقدمة
88 االستنتاجات
96 المرفق :1شهادة من الثورة المصرية
www.emhrf.orgندوة نقاشية 3-2 ،نيسان/إبريل ،2011بروكسل
3
تهدف المؤسسة األورو-متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان
تمهيد
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
إلى تعزيز ودعم عمل المدافعين عن حقوق اإلنسان في منطقة جنوب
المتوسط من خالل توفير مساعدات مالية ملموسة ضمن األطر الزمنية
والمرونة المطلوبة من أجل السماح للمدافعين عن حقوق اإلنسان بمواصلة
نشاطاتهم بالرصد والمناصرة والحوار ،ومواصلة جهودهم الرامية إلى
تعزيز حقوق اإلنسان والدفاع عنها (الحقوق المدنية والسياسية واالقتصادية
واالجتماعية والثقافية) في المنطقة.
نظم مجلس أمناء المؤسسة األورو-متوسطية 1في يومي 2و 3نيسان/إبريل ّ
2011ندوة بعنوان “التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية :سياسات الدول
وديناميكيات المجتمع المدني ،وقد ضمت الندوة أكثر من 60جهة فاعلة تتمتع
بمكانة بارزة وتؤدي دورا بارزا في المنطقة العربية ،ومن بينها جهات حققت
مكتسبات على األرض في الكفاح من أجل الحقوق والحريات ،وجهات تسعى
إلى االبتكار فيما يتعلق بأهداف تدخالتها وأشكالها.
في البداية ،وفي مرحلة التحضير لهذه الندوة ،كان هدفها السعي لتحقيق
فهم أوضح لجميع العوامل التي تعيق التغيير الديمقراطي في المنطقة،
وذلك من خالل تحليل القوى المحركة لتصرفات الجهات الفاعلة المختلفة،
وهي :الحكومات العربية ،والمجتمع الدولي ،ومجتمع المانحين ،والجهات
الفاعلة المحلية خصوصا الجماعات واألفراد الملتزمون بتعزيز الديمقراطية
والدفاع عن حقوق اإلنسان.
عقدت الندوة في فترة اجتاحت فيها المنطقة احداث كبيرة ستؤثر على مستقبل المنطقة،
www.emhrf.orgندوة نقاشية 3-2 ،نيسان/إبريل ،2011بروكسل
كانت بعض التغييرات التي حدثت واعدة ومن الممكن أن تقود إلى تحول كبير نحو
الديمقراطية .كما كانت هذه التغييرات تجليا إلمكانات العمل والتعبئة في مجتمعات ظل
يُفترض من أمد بعيد أنها غير مبالية ومستسلمة لمصيرها .وثمة أوضاع أخرى تظهر بأن بعض
األنظمة قادرة على مقاومة اإلصالحات وأنها مستعدة للمقاومة.
وعلى الرغم من الغموض والتغير المتسارع في البيئة التي نشأت عن هذه األحداث ،فقد
هدفت الندوة إلى رعاية حوار مبكر وتبادل لآلراء بين الجهات الفاعلة المختلفة ،وسعت لتحديد
التوجهات األساسية في المنطقة ،آخذت باالعتبار هذه األحداث األخيرة وما تعنيه للمنطقة.
5
1 1يترأس مجلس األمناء السيد إدريس اليازمي ،وهو رئيس المجلس الوطني لحقوق اإلنسان في المغرب ،واألمين
العام السابق للفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان ،وعضو مجلس اإلدارة والمجلس االستشاري للمركز الوطني لتاريخ
الهجرة في فرنسا ،والبيت العربي في إسبانيا .وتشغل كريستين م .ميركيل منصب نائب الرئيس ،وهي رئيسة
محام،
ٍ قسم الثقافة (ذاكرة العالم) ،في البعثة األلمانية لليونسكو .أمين الصندوق هو إسكيل ترولي ،وهو
وشريك في مكتب باخ وبرون ،الدنمارك .ويضم مجلس أمناء المؤسسة األورو-متوسطية في عضويته السيد
خميس شماري ،السفير التونسي لدى اليونسكو ،وعضو سابق في البرلمان التونسي ،وحازئ على جائزة نورمبورغ
لحقوق اإلنسان؛ وبهي الدين حسن ،وهو مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق اإلنسان ،مصر؛ وكمال الجندوبي،
رئيس الشبكة األورو-متوسطية لحقوق اإلنسان ،ورئيس لجنة احترام الحريات وحقوق اإلنسان في تونس .وهاني
مجلي ،وهو نائب رئيس المركز الدولي للعدالة االنتقالية ،وعضو مجلس إدارة الصندوق العربي لحقوق اإلنسان،
مصر .ولين ويلتشمان ،بروفيسورة في القانون مع تركيز على الشرق األوسط وشمال إفريقيا ،كلية الدراسات الشرقية
واإلفريقية ،وعضوة في مجلس أمناء المركز الدولي للحماية القانونية لحقوق اإلنسان ،وهي عضوة في مجلس
التحرير التأسيسي لمجلة العالم اإلسالمي لحقوق اإلنسان ،المملكة المتحدة؛ وليلى رهيوي ،متخصصة في إدارة
البرامج ،هيئة األمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة ،المغرب.
طرحت يقدم هذا التقرير عرضا عاما لألفكار والمساهمات الرئيسية التي ُ
ملخص تنفيذي
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
أثناء الندوة التي نظمتها المؤسسة األورو-متوسطية لدعم المدافعين عن
حقوق اإلنسان ،وكانت بعنوان ‘التغييرات الديمقراطية في المنطقة العربية:
سياسات الدول وديناميكيات المجتمع المدني’ وعقدت في بروكسل يومي 2
و 3نيسان/إبريل .2011
كانت هذه الندوة من أوائل الندوات التي يتم تنظيمها في أعقاب االنتفاضات
فضاء لتبادل لألفكار
ً الكبيرة في الشرق األوسط وشمال إفريقيا .وقد أتاحت
والتأمل حيث شارك فيها أكاديميون معروفون ،وفاعلون من المجتمع المدني،
ومانحون ،وممثلون حكوميون ممن يعملون في المنطقة ،ومن المنهمكين
في تعزيز الديمقراطية والدفاع عن حقوق اإلنسان .وقد تركز النقاش على أربعة
محاور رئيسية ،هي :منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الحكومية المحلية؛
ومنطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الدولية؛ ومنطق ومنطلقات المجتمع
المدني والجهات الفاعلة غير الحكومية؛ ومنطق ومنطلقات مجتمع المانحين.
أما النقاش الذي تناول منطق ومنطلقات الجهات الفاعلية الدولية فقد تركز
على سياسات الواليات المتحدة األمريكية واالتحاد األوروبي ،وذلك على الرغم
من أهمية دور الجهات الفاعلة الدولية األخرى ،مثل الصين وروسيا .ويقع على
كاهل الواليات المتحدة واالتحاد األوروبي واجب مهم في هذه الحقبة الجديدة
لسياسات الشرق األوسط ،إذ يتعين عليهما االبتعاد عن إيالء األهمية لألمن
واالستقرار في المنطقة العربية والتوجه نحو سياسات تعكس التزامهما
بحقوق اإلنسان والقيم الديمقراطية .وسيتعين على المجتمع الدولي أن يقبل
حالة عدم االستقرار التي تالزم أي تحول ديمقراطي ،وعليه أن يكون مستعدا
للتضحية باالستقرار قصير األمد لمصلحة االستقرار طويل األمد المستند إلى
الديمقراطية بدال من األنظمة االستبدادية .وفي هذه الحقبة من التحول في
المنطقة العربية (حتى في البلدان التي لم تشهد تغييرا كامال في أنظمة الحكم) ،سيكون
www.emhrf.orgندوة نقاشية 3-2 ،نيسان/إبريل ،2011بروكسل
للجهات الفاعلة الدولية دور مهم في دعم ما يجري من إصالحات وتحول ،ودون أن تسعى إلى
فرض نظام سياسي محدد .وأخيرا ،ينبغي على الواليات المتحدة واالتحاد األوروبي والجهات
الدولية األخرى أن تضع في أعلى سلم أولوياتها تعزيز القيم العالمية بدال من التركيز على
تحقيق مصالحها الجيو-إستراتيجية؛ وعليها كذلك أن تفهم أن هذه المصالح ال تتناقض على
المدى البعيد مع القيم العالمية والديمقراطية.
وركز الحوار بشأن منطق ومنطلقات المجتمع المدني والجهات الفاعلة غير الحكومية على
دور اإلسالميين والمنظمات غير الحكومية ووسائل اإلعالم في المجتمعات العربية .وعمدت
المناقشات إلى وضع االنتفاضات الحالية في السياق التاريخي إلحياء نشاط المجتمع المدني
الذي حدث خالل العقد الماضي في تونس ومصر وعدة بلدان في المنطقة .وقد لعبت
المنظمات غير الحكومية دورا مهما في توفير فضاء لالحتجاجات ،وإن كان قد تم إضعاف
هذه المنظمات خالل السنوات الماضية .أما الجهات الفاعلة اإلسالمية ،فقد أظهرت هوية
أكثر تعقيدا بكثير مما كان يفترض الغرب .فلم يقتصر األمر على استعدادها المتزايد للتعاون
مع العلمانيين خالل السنوات السابقة ،ولكنها قررت أيضا دعم االحتجاجات دون أن تسعى
إلى السيطرة على الخطاب غير الديني لالحتجاجات .وفي حين تتسم أجندة اإلسالميين
بعدم الوضوح (كما تظل تطلعاتها الديمقراطية دائما موضع شك) ،بيد أنه اتضح أن هوية
اإلسالميين آخذة في التغيير ويتزايد تعقيدها مع مرور الوقت .أما ما يتعلق بوسائل اإلعالم،
وهي عامل مهم في العالم العربي ،فقد أصبحت وسائل اإلعالم الحكومية في طليعة
7
األدوات التي تستخدمها الحكومات للحد من االحتجاجات .ومن جانب آخر ،أكدت االنتفاضات
األخيرة على الدور المهم الذي يمكن أن تؤديه وسائل االتصال الجديدة مثل فيسبوك وتويتر،
إضافة إلى الدور البارز الذي لعبته قناة ‘الجزيرة’ ووسائل اإلعالم المستقلة األخرى في نشر
األخبار حول االحتجاجات وزيادة اهتمام المواطنين من جميع أنحاء المنطقة .ومن األسئلة
المهمة التي ينبغي التعامل معها هو تأثير الثورات واإلصالحات على دور الجهات الفاعلة غير
الحكومية ،ففي حين قد تختار بعض الجهات أن تدخل معترك السياسية ،إال أن جهات أخرى
ستعيد صياغة واليتها .وعلى أية حال ،يجب مواصلة تعزيز ودعم المجتمع المدني خالل هذه
الفترة التي تشهد تغييرات هائلة.
تركز النقاش الذي تناول منطق ومنطلقات مجتمع المانحين على الدور المتغ ّير ّ أخيراً،
للمانحين في فترة التحول العربي .وثمة التزام مهم على الجهات المانحة الحكومية ،مثل
الواليات المتحدة واالتحاد األوروبي ،إلعادة تقييم أهدافها وإعادة النظر في اتساق إستراتيجياتها
التمويلية ،إذ أنها ظلت تمول في آن واحد الحكومات االستبدادية القمعية والجهات الفاعلة
من المجتمع المدني .وثمة حاجة إلى تعزيز مفهوم اشتراطية الدعم من أجل ضمان احترام
الحقوق األساسية .وبالنسبة لجميع المانحين بصفة عامة ،ثمة حاجة إلى إعادة تقييم
إستراتيجيات التمويل وضمان أن األموال ال تنفق فحسب ،بل أنها تنفق بأسلوب فعال لتشجيع
التغيير الحقيقي والمستدام في المنطقة .وينبغي على المانحين أن يأخذوا بحسبانهم
احتياجات ومطالب متلقي الدعم عند اتخاذ القرارات .ومن الضروري أيض ًا زيادة التواصل مع
الجهات التي تتلقى الدعم.
يصعب توقع ما ستؤول إليه االحتجاجات في الشرق األوسط ،فمصر وتونس تواجهان مهمة
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
إعادة بناء هياكلهما السياسية في الوقت الذي يعمالن فيه للتصدي للمطالب االقتصادية
واالجتماعية للسكان .أما ليبيا وسوريا ،وإلى حد ما اليمن والبحرين ،فستواجه التبعات
الجسيمة إلعادة بناء مجتمعاتها بعد فترة طويلة من عنف الدولة .إال أن دوال أخرى في المنطقة،
مثل المغرب والجزائر واألردن ،استجابت لغاية اآلن لالحتجاجات عبر إصالحات سياسية محدودة،
ولكنها مهمة .وفي جميع الحاالت ،ثمة حاجة لتعزيز الجهود واالستثمار في مشاريع وطنية
إلعادة البناء والتحول التي تشمل مجاالت عديدة :مثل المساواة بين الجنسين ،وتحول
المجتمعات العربية ،واإلصالحات الدستورية ،واإلصالحات المؤسسية في مجال العدالة بصفة
خاصة ،والطموحات االجتماعية وحقوق المواطنين العرب ،والتداخل بين التاريخ والذاكرة في
التوجّ ه إلى تسوية االنتهاكات الماضية ،وبشأن التعددية والتنوع .وتقع على كاهل الجهات
الفاعلة التي تعمل في المنطقة مسؤولية المساهمة في هذه المشاريع الوطنية وأن
تدعمها ،وأن تخلق الفضاء الضروري للتدارس والتباحث عبر الحدود الوطنية وضمن الجماعات
الرئيسية واألفراد المعنيين .وتمثل المؤسسة األورو-متوسطية لدعم المدافعين عن
حقوق اإلنسان إحدى تلك الجهات الفاعلة ،وسيتطور دورها في المنطقة العربية على ضوء
التطورات األخيرة والتوصيات التي ستخرج بها هذه الندوة.
8
بقلم السيد :خميس شماري ،عضو مجلس أمناء المؤسسة األورو-
مقدمة
www.emhrf.orgندوة نقاشية 3-2 ،نيسان/إبريل ،2011بروكسل
تهز المنطقة العربية منذ بداية عام 2011موجة غير مسبوقة من االحتجاجات
الشعبية وتجري فيها تغيرات استراتيجية جوهرية ،بينما باتت نظريات عديدة
راسخة من الماضي موضع شك وتساؤل .يمكنا أن نش ّبه رياح الثورة التي
هزت العالم العربي من المغرب إلى البحرين ‘برياح الخماسين’ – وهي رياح
قوية محملة بالرمال تتشكل كل سنة في الصحراء المصرية وتهب على
كل المنطقة وصو ًال إلى فلسطين وما بعدها .وكما هي الحال بالنسبة
للعاصفة الرملية ،تعمل هذه األحداث على إعادة تشكيل المشهد دون أن
تتيح لنا أن نميز اليوم ما بين الذي سيتالشى والذي سيولد إلى النور .لقد
أظهر الشعب التونسي وشعوب المنطقة ،على أية حال ،أن العالم العربي
اإلسالمي ليس محكوم ًا عليه ببساطة بمعادلة :إما الطغيان العلماني
أو االستبداد اإلسالمي.
9
1 .1تستفيد المؤسسة األورو-متوسطية من أساس صلب من الثقة
والمصداقية تحظى به في المنطقة ال سيما في تونس ،حيث لعبت
أنشطتها في السنوات الماضية دوراً حاسم ًا في تمكين منظمات غير
حكومية مهمة ومدافعين عن حقوق اإلنسان على البقاء ومواصلة
أنشطتهم .وبالتالي ،وعلى الرغم من االنتباه المتزايد الذي توليه
الحكومات والمانحون األجانب لتونس ،فمن المرجح أن تواصل المؤسسة
األورو-متوسطية تمتعها بثقة المدافعين الساعين للحصول على
مساعدتها في المستقبل.
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
وذلك كوسيلة لدعم تحولها نحو الديمقراطية .ومع أنه يتوجب الترحيب بهذا الزخم ،إال
أنه ثمة خطر من أن توجيهه نحو األهداف المنشودة سوف يستغرق وقت ًا وأنه سيؤدي إلى
تأثيرات تزعزع استقرار منظمات المجتمع المدني .لذلك ،يتوجب على المؤسسة األورو-
متوسطية أن تكون قادرة على االستجابة على أفضل نحو ممكن لالحتياجات الجديدة
الناشئة – حيث الوقت والتركيز المحلي أساسيان هنا -من أجل دعم التنمية التنظيمية
واالستراتيجية لعمل الفاعلين في المنطقة.
4 .4لقد تحملت المنظمات غير الحكومية الحقوقية الكبيرة في المنطقة ،سواء في تونس
أم في مصر ،أعباء تفوق طاقتها في العمل أثناء سنوات القمع .ونتيجة لذلك ،ال تمتلك
هذه المنظمات الموارد المادية والبشرية الالزمة لتشغيل برامجها الخاصة ،وال الموارد
التنظيمية الالزمة إلدارة التمويل الجديد الذي ستتلقاه .وبالتالي سيكون الدعم المقدم
على شكل بناء للقدرات والنصح االستراتيجي أمراً أساسي ًا.
في ضوء ما تقدم ،ستقدم المؤسسة األورو-متوسطية دعما فعاال للمدافعين عن
حقوق اإلنسان في تلك البلدان من خالل بعثة استكشافية استراتيجية ستكون الغاية
الرئيسية منها تقييم نوعية المبادرات الجدية التي تم إطالقها في المنطقة وتقديم الدعم
االستراتيجي على المستوى المحلي للتنمية التنظيمية االستراتيجية لعمل المدافعين عن
حقوق اإلنسان في المنطقة .وستواصل المؤسسة األورو-متوسطية تقديم المساعدة
على أساس طارئ في هذه البلدان حيث الظروف صعبة حق ًا ،وكذلك دعم القدرات 10
التنظيمية للمدافعين ومقدرتهم على إطالق مشاريع مبتكرة وحساسة في المنطقة .ومن
ناحية ثانية ،ستتيح هذه اآللية الجديدة أداة أكثر مرونة للمؤسسة األورو-متوسطية من أجل
االستجابة للتحوالت الجوهرية الجارية في المنطقة وتقديم الدعم الفعال بأكبر قدر ممكن
للمدافعين عن حقوق اإلنسان في جهودهم الهادفة إلى التشجيع على إجراء إصالحات دائمة
وحقيقية.
عالوة على ذلك ،من المهم أيض ًا أن نكرّم أشخاص ًا آخرين كانوا جنوداً للحرية وألهمتنا أعمالهم
على مر السنين الماضية .دعونا نتذكر أولئك الذين كان ينبغي أن يكونوا بيننا ليعيشوا هذه
اللحظة الهامة والمثيرة -رغم صعوبتها -في العالم العربي ومنهم أحمد عثماني ودريس
بن زكري وحميدة بن ساديا ومحمود خليلي وغيرهم.
كذلك ،ال ننسى أصدقاء ال يمكنهم السفر حاليا ممن ظلوا هدف ًا للقمع والترهيب العنيفين
www.emhrf.orgندوة نقاشية 3-2 ،نيسان/إبريل ،2011بروكسل
من الدولة بسبب نشاطهم السياسي – ومنهم نبيل رجب وعبد الهادي الخواجا من البحرين
باإلضافة إلى مازن درويش ورزان زيتونة من سوريا .إن أفكارنا مع هؤالء األصدقاء خالل هذه
الفترة العصيبة.
11
رمزي بليل (تونس(
الفصل األول :منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الحكومية المحلية
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
مارك شايد-بولسني (مصر)
14
االتجاه ،مهما كانت أهميته بحسب المعايير سقوط بن علي ومبارك :أنظمة في
المحلية والتاريخ الحديث لهذين البلدين. سجال لكن هزيمتها لم تكتمل
لقد سهلت القوات المسلحة في كل من
تونس ومصر سير األحداث ،وكانت تلك إيبرهارد كينل
القوات من نواح عدة جزءا رئيسيا ،إن لم المركز الوطني لألبحاث العلمية في باريس /
تكن ركيزة أساسية ،في النظامين البائدين. معهد الدراسات السياسية ،غرونوبل
وبالمثل ،اضطلع المدنيون الذين كانوا
في صف النظام القديم بأدوار مهمة ،وإن شهدت األشهر القليلة الماضية انتفاضات
كانت عابرة ،في األيام األولى من االنتقال شعبية عارمة أطاحت برئيسين عربيين كان
إلى نظام سياسي جديد كان يفتقر حينها حكمهما يبدو راسخ ًا في وقت ليس ببعيد،
إلى اليقين .وهكذا ،فإن عناصر النظامين وأنهما لن يتركا منصبيهما إال إلى القبر.
القديمين كانت أو ما زالت قادرة على التأثير وفي كلتا الحالتين ،أتى زوال هذين الرئيسين
في سير األحداث وحماية بعض ما كانت وبعض أعوانهما المقربين بمن فيهم
تمثله وما كان يمثله الحكام المخلوعون. أفراد العائلة بتغيرات جوهرية أخرى أثرت
بل قد تكون استمرارية هذه العناصر أقوى في سوسيولوجية الجماعات والتحالفات
فيما إذا نظرنا إلى المستويات ما دون قمة الحاكمة ،واألوجه المؤسسية لممارسة
السلطة في الحكومات والممثلة بالوزراء السلطة ،وطرق عمل أجهزة الدولة بعمومها
ورؤساء الوزراء والرؤساء .فما انفك أولئك بما فيها األجهزة اإلدارية والقضائية و”األمنية”،
15
األفراد الذين عينهم بن علي أو مبارك وكذلك العالقة بين الحاكم والمحكوم .كما
ذات يوم يس ّيرون شؤون الهيئات اإلدارية خ ّلفت أحداث تونس ومصر أثرا بالغا في بلدان
وبعض الهيئات القضائية .وفي الوقت عربية أخرى وفي والية ويسكونسن األمريكية
نفسه ،تضمن الترتيبات الرأسمالية السائدة التي ما فتئ النقابيون المتظاهرون فيها
المستندة إلى المحسوبية ومحاباة األقارب ضد تقييد حقوقهم في المساومة الجماعية
(أو «الرأسمالية السياسية» إذا ما قيلت بعبارة في القطاع العام يستشهدون بشجاعة
أكثر حيادا من الناحية األكاديمية مستعارة المحتجين المصريين وشرعيتهم وجَ َلدهم.
من المنهجية الفيبرية) استمرار امتالك رجال وإلى هذه الساعة ،خرجت مظاهرات مهمة
األعمال المقربين من الحكام السابقين نوعا ما في األقطار العربية ك ِّلها تقريبا
أصوال رئيسية ولعب دور مؤثر في االقتصاد. للمطالبة بالعيش الكريم وإجراء إصالحات
تمكن الحكام ّ وفي الدول العربية األخرى، سياسية كإرساء آليات جدية للمشاركة
وأنظمتهم وما يخضع لهم من أجهزة الدولة السياسية واحترام حقوق اإلنسان وفي بعض
من الدفاع عن الوضع القائم لغاية اآلن .وقد الحاالت للمطالبة برحيل الحكام الحاليين.
اتخذوا موقفا دفاعيا إلى حد كبير يتواءم في وفي وقت كتابة هذه السطور ،كانت
شدته مع قوة االحتجاجات والقوى المعارضة، البحرين ال تزال على الحافة فيما انزلقت ليبيا
وفي بعض الحاالت كان هذا الموقف مفرطا إلى حرب أهلية تقريبا.
في دفاعيته .كما وافقوا ،قوال على األقل،
على تقديم تنازالت متنوعة .ومع ذلك، ومع ذلك ،فقد ظل التغيير حتى في تونس
فقد تمكنوا جميعا من الصمود لغاية اآلن ومصر تدريجيا وال يزال يتأتى بطرق ال يمكن
رغم كل الصعاب ،أو حتى تمكنوا من قلب التكهن بنتائجها .وفي كلتا الحالتين
الطاولة على المعارضة كما حدث في ليبيا. أيضا( ،قد) ال تزال التحفظات قائمة بالنسبة
اإليجابية والسلبية [السلبية :أي الحرية من تسعى هذه المقالة إلى تسليط بعض
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
تدخل اآلخرين]. الضوء على (أوال) أسباب االضطرابات ولماذا
تحدث بطرق مغايرة في البلدان المختلفة،
وعلى الرغم من أن عامل اللغة والمأزق (ثانيا) أهمية هذه األحداث بالنسبة لممارسة
وسهل “سقوط أحجار ّ المشترك قد عجّ ل السلطة وطبيعة النظام السياسي وطرق
الدومينو” ،فإن اندالع “الثورة” في ُ
القطر تلو عمل أجهزة الدولة بعمومها في حالة
القطر كما تتهاوى أحجار الدومينو يرتكز ُ مصر والتي إن كانت ال تمثل البلدان األخرى
إلى حد كبير إلى بعض أوجه الشبه المهمة فإنها توضح عددا من الصعوبات والمخاطر
بين هذه األقطار من حيث التغيير االقتصادي المحدقة «بالثورات العربية» التي لم تكتمل
والجمود السياسي أو ما هو أسوأ .لقد ظلت بعد( ،ثالثا) حقيقة التغييرات ووعود القيام
مكونات االضطراب حاضرة في المنطقة بها في البلدان العربية األخرى التي لم يُخ َلع
بأسرها منذ وقت طويل ،في حين ظلت حكامها (حتى اآلن).
تتراجع قدرة األنظمة الحاكمة على تلبية
توقعات شعوبها ومطالبها .وألكثر من مظالم متشابهة ،نتائج متغايرة
عقدين من الزمن ،اتجهت العولمة وما
انطوت عليه من إصالحات وتحرر في الميدان ينصب الكثير من النقاش الدائر حول الثورات
االقتصادي إلى زيادة مداخيل بعض الفئات األخيرة على عدوى األحداث وانتقالها من
السكانية وإثرائها ،وإلى تهميش فئات بلد عربي واحد إلى بلدان عربية أخرى .وال
أخرى أو إفقارها أو إنزالها منزل الفقر الدائم. شك في أن االضطرابات األولى في تونس
وكان رأسماليو المحسوبية والمحاباة قد امتدت بسهولة أكبر إلى الدول العربية 16
ورجال األعمال ذوو الميزة التنافسية دوليا األخرى بفضل اللغة المشتركة والتصور
والمنخرطون بالمهن الحرة وكذلك بوجود تاريخ ،أو باألحرى مأزق ،مشترك .وسواء
الموظفون الرئيسيون ضمن كوادر هؤالء دل تلويح المصريين بالعلم التونسي في ّ
من بين القالئل نسبيا الفائزين بدرجات ميدان التحرير بعد عقود من بلوغ القومية
متفاوتة من جراء إزالة القيود ونمو السوق العربية أوجها في الخمسينيات والستينيات
والقطاع الخاص .أما العاملون في القطاع من القرن المنصرم أم لم يدل على بقي ٍة
العام وموظفو الخدمة المدنية وأرباب من تركة التضامن العابر للحدود بصرف
العمل وعمالهم المنخرطون في األنشطة النظر عن عدم ثباته في توحيد الدول
غير التنافسية في القطاع الخاص فكانوا من العربية المختلفة ضمن “وطن عربي”
بين الخاسرين .إن انعدام حرية التعبير وغياب فإن ذلك سيتبين الحقا .ولغاية اللحظة،
السبل الفعالة للمشاركة السياسية كما لم يتم التعبير عن االحتجاجات بعبارات
تجسده وسائل اإلعالم التابعة للحكومة، القومية المشتركة التي تسمو على
والرقابة ،وتزوير االنتخابات أو ببساطة عدم فردية الدولة .كما لم يتم التعبير عنها
بق للخاسرينإجرائها ،وقمع اإلضرابات لم يُ ِ كثيرا بعبارات دينية كما برهنت على ذلك
سوى أمل ضئيل في إسماع أصواتهم. بوجه التحديد الشعائر الدينية والصلوات
وفي تلك األثناء كانت تسود مشاعر التي أقامها المسلمون والمسيحيون
االستياء في أوساط الكثير من الفائزين جنبا إلى جنب في ميدان التحرير .بل كانت
الذين واجهت حركتهم التصاعدية في نهاية لغة االحتجاجات لغة القيم العالمية
المطاف طريقا مسدودا سببه الرأسماليون لحقوق اإلنسان والحكم الديمقراطي
المحابيون المستأثرون بميزة الوصول والكرامة اإلنسانية من حيث الحريات
السكان .ولعل انشقاقات داخلية مشابهة إلى فرص االئتمان واألسواق والسياسات
الفصل األول :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
ينبغي النظر إلى هذه التغييرات على ضوء شبكات وجماعات بأسرها ،على األقل مؤقتا،
عدد من حلقات مستمرة بارزة تستدعي ونجم عن ذلك غياب رجال أعمال بارزين من
تقييما متحفظا للسمة «الثورية» المزعومة تشكيلة الحكومة برئاسة رئيس الوزراء
لألحداث األخيرة .ففي البداية ،لم يتنح أو يُقال االنتقالي الثاني عصام شرف ،ومن القيادة
جميع ممثلي النظام السابق .فعلى سبيل الجديدة للحزب الوطني الديمقراطي
المثال ،المدعي العام األول العاكف على الذي فقد الكثير من قوته .وعلى المستوى
التحقيق مع الوزراء وممثلي النظام الذين المؤسسيُ ،ع ِّلق العمل بالدستور بهدف
ُكشفت مساوؤهم هو نفسه المدعي العام تعديله أوال ومن ثم إبداله إن أمكن بدستور
الذي كان منذ فترة ليست بالبعيدة يحاكم جديد في مرحلة الحقة من العملية .كما
كل من رغب نظام مبارك بإسكاته. مطيعا َّ أصبح منصب رئيس الجمهورية شاغرا ،في
أما رئيس المجلس العسكري األعلى ،المشير حين اختفى نائب الرئيس الذي عينه مبارك
طنطاوي ،فقد عينه مبارك وظل ووزير دفاعه في أيامه األخيرة .أما السلطة األعلى في
المطيع لفترة طويلة .ورغم أن المتظاهرين البالد فهي اللجنة العسكرية العليا التي
في ساحة التحرير وعموم البالد ر ّوجوا كثيرا، المعلق وهي في لم ينص عليها الدستور ُ
وبنجاح ،للوحدة بين الجيش والشعب ،فإن الواقع هيئة جديدة كليا وإن كانت تشير إلى
القادة العسكريين اآلخرين كلهم قد ُع ِّينوا حدوث ترتيبات مشابهة عقب تولي جمال
أيضا بقرار من الرئيس السابق ولم يترددوا قط عبد الناصر والضباط األحرار السلطة في عام
في دعمه .واآلن أصبحت القوات المسلحة، .1952وفي الوقت نفسه ،تشهد أجزاء أخرى
بعد أن كانت ركنا من أركان النظام القديم، من أجهزة الدولة تغييرا كبيرا .فجهاز الشرطة 18
تمثل النظام االنتقالي وهمشت جميع في حالة ارتباك وعلى وشك أن تُعاد هيكلته،
الفئات التي ارتبطت باألنظمة السابقة مثل في حين يسعى الجهاز القضائي إلى
جهاز الشرطة والحزب الوطني الديمقراطي استعادة بعض ما فقده من استقاللية .كما
ووسائل اإلعالم المملوكة للدولة .ومع ذلك، طرأ على العالقة بين الحاكم والمحكوم
ليس بالضرورة أن تتحول القوات المسلحة (أو «الدولة» و»المجتمع») تغير كبير يتجلى
الفاقدة ألي شهادة ديمقراطية إلى المدافع في قيام مئات اآلالف بالنزول إلى الشارع
التلقائي والضامن للديمقراطية كما ينظر للمطالبة برحيل مبارك ،وفي مواصلتهم
إليها الكثير من المصريين .وبحكم تعريف النزول إلى الشارع كلما كانوا غير راضين عن
الجيش ككيان غير ديمقراطي عموما وتيرة التغيير ،وفي إقدام بعضهم حتى على
فيما يختص بطرق عمله الداخلية ،فليس مهاجمة مقرات جهاز أمن الدولة الممقوت
بالضرورة ألي جيش أن ينشط في معارضة وتفتيشها .وعلى نحو ال يقل أهمية ،يجري
الدمقرطة أو في الترويج لها إال مؤقتا إذا حاليا وضع تشريعات من أجل الحد من بعض
اضطرته الضغوط الداخلية أو الخارجية .إن السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية،
للجيش شواغله االقتصادية الخاصة به وهو بواسطة تنظيم حالة الطوارئ على سبيل
يدافع عن مصلحته؛ فالضباط يسعون إلى المثال ،ومن أجل ضمان أن تكون االنتخابات
حماية مستحقاتهم في الرتبة والمزايا وهم حرة ونزيهة من وجهة نظر رسمية .ويمكن
أيضا يدافعون عن تصور معين للدولة ولدور سرد تغييرات مماثلة حصلت في تونس
مصر في المنطقة والعالم وهو تصور قائم على مستويات مختلفة حيثما كان التغيير
على القومية وواجبات الدولة وعلى التنمية أكثر أهمية.
إلى حد ما .فلم يتخل الجيش عن الزميل
العسكرية في مصر ليست متاحة للنساء. الضابط حسني مبارك إال عندما أدرك بفعل
الفصل األول :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية
ومع ذلك ،فحتى الحكومة الجديدة برئاسة االحتجاجات في البالد وردود الفعل الدولية
عصام شرف ال تضم أكثر من وزيرة واحدة .لقد بأن بمقدوره الدفاع عن مصالحه بوجه أفضل
كان تمثيل النساء في ميدان التحرير تمثيال دون الرئيس .إن المحاكمات العسكرية
جيدا ،ولكنه لم يكن بالمستوى نفسه في األخيرة للمحتجين واألحكام القاسية التي
لجان المحتجين التنسيقية التي برزت لغاية صدرت بحقهم تبين بعض القيود على إعادة
اآلن والتي تتفاوض مع الجيش .ويبدو بأن تعريف العالقات القائمة بين الحكام الجدد
محاوالت توسيع نطاق المشاركة السياسية ومَن ال يزال محكوما.
وتعزيز احترام حقوق اإلنسان ال تزال قليلة
التأثير في اختالل التوازن بين الجنسين. وعلى الرغم من التغيرات المهمة الطارئة
على األصعدة كافة ،فإن النظام القديم
التغيير المستقبلي سيعكس على األرجح يختف بأسره .إن كون الكأس نصف ِ لم
موازين القوى الداخلية فارغة أو نصف ممتلئة هو مجرد رأي .فلربما
ستستمر التوجهات األولية نحو رفع مستوى
يبقى السؤال الرئيسي في المرحلة الحالية المشاركة السياسية واحترام حقوق اإلنسان،
عما إذا كان ميزان القوى بين الناجين منّ أو ربما سيعاود مؤيدو النظام القديم لملمة
النظام القديم والداعين إلى إقامة نظام صفوفهم ،أو قد تتوقف ببساطة عملية
جديد قد مال بما يكفي لصالح الفريق الثاني التغيير عند مرحلة ما ألن الجيش يريد تحجيم
بما يضمن االنتقال إلى الديمقراطية أو على القوى المعارضة لشركائه البازغين في إطار
19
األقل إلى ترتيب قائم على تقاسم السلطة عملية ما تهدف إلى رسم وجه ديمقراطي
يمكنه قبوله .وبطبيعة الحال ،يعتمد للنظام القديم .وفي حين قد ال يرغب الجيش
االنتقال الناجح إلى الديمقراطية على أكثر بحكم البالد ،فإنه قد يود البقاء كدولة ضمن
من مجرد دستور جديد مهما كان مفصال دولة وأن يتفاوض من أجل الحصول على
وتشاركيا ومهما احترم حقوق اإلنسان. تنازالت بارزة خاصة بمكانته وطرق عمله
ومن أكثر األمور أهمية أن يُكرس الدستور الداخلية وإجراءات ترفيع كوادره وميزانيته
الديمقراطي مبدأ الفصل بين السلطات واستقالله عن الحكام المنتخبين ديمقراطيا.
بغية إقامة ضوابط وموازين تضمن وحدها وقد يسعى الجيش إلى الحصول على موقع
بقاء الديمقراطية .وعلى أقل تقدير ،ينبغي داخل الدولة يماثل الموقع الذي شغله
للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية نظيره التركي حتى وقت قريب ،أو الموقع
أن تستقل عن بعضها بدرج ٍة تُمكنها من الذي صممه الجيش التشيلي لنفسه بعد
الحيلولة دون قيام أي واحدة منها بإساءة رجوع البالد إلى الديمقراطية ،أو الموقع الذي
استخدام السلطة .ويمكن أيضا إضافة قوى ما فتئ الضباط في البرازيل يشغلونه ،وإن
ضابطة أخرى إما على شكل فصل عمودي بصورة أقل ظهورا للعيان كما في األمثلة
بين السلطات كما في األنظمة الفدرالية السابقة.
أو على شكل مؤسسات وهيئات متنوعة
تتمتع بقدر كبير من االستقاللية وتزويدها وثمة مجال آخر حيث لم تقل حالة االستمرار
بالموظفين من السلطات الدستورية أهمية .فقد ظل معظم قادة االحتجاجات
الرئيسية الثالث (من األفضل من خالل والمعارضة بعمومها وممثلو األنظمة
إجراءات ال تصب في صالح سلطة واحدة االنتقالية من الذكور .وهذا ليس مستغربا
دون األخرى) .فعلى سبيل المثال ،يمكن أن في حالة اللجنة العسكرية العليا ألن المهن
وفي حين قد تكون هذه األحزاب وهؤالء تُدار محطة اإلذاعة والتلفزة الرسمية بواسطة
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
المرشحون ممثلين لقطاعات واسعة من هيئة تختار السلطات الدستورية أعضاءها
الشعب فإنهم ال يزالون يعانون من نقص لفترات أطول من الدورة االنتخابية .ويمكن
الموارد والقدرات التنظيمية الكفيلة بإنجاح للمؤسسات الحكومية الرئيسية أن تُدار
مشاركتهم في االنتخابات أو الضغط بواسطة مديرين تعينهم الحكومة تعيينا
لتحقيق مطالب أعضائهم والمتعاطفين ال يمكن إلغاؤه قبل انتهاء فترة واليتهم
معهم وناخبيهم المحتملين .وبعبارة المحددة والممتدة لسنوات عدة .واألهم
أخرى ،فإن الدستور الديمقراطي ليس إال من ذلك بالطبع ،هو أن يكون القضاء
هيكال عظميا يتعين على القوى السياسية والمحاكم اإلدارية وديوان المحاسبة بمنأى
المنظمة وواسعة الحيلة والمتنافسة أن عن أي تدخل من السلطات األخرى.
تكسوه باللحم والعضالت التي من شأنها
أن تخرجه إلى الحياة .كما إن الديمقراطية ومع ذلك ،ينبغي لهذه اآلليات الدستورية
بمعناها الحقيقي ال يمكن أن تستوعب والقانونية أن تلقى الدعم من دوام
مجاالت األنشطة التي تقع خارج نطاقها المنافسة على النفوذ بين القوى السياسية
مثل القوات المسلحة التي تشكل دولة القوية التي ال تتآمر من أجل تقويض مبدأ
داخل دولة وتخرج من تحت مظلة القرارات الفصل بين السلطات الدستورية المفترض
والقوانين التي تضعها السلطات المنتخبة. أن ينظم تنافسها ،وال تشكك في شرعية
وهذه الدول القائمة داخل دول تختلف عن بعضها البعض وبذلك تحافظ على توافق
السلطات المستقلة جزئيا التي تضمن أساسي في اآلراء بشأن حدود نظام الحكم
إقامة الضوابط والموازين ،من حيث أن وعضويته .وفي مصر ،ال بد من النظر إلى 20
استقالل أي من هذه السلطات الدستورية مطلب الكثيرين من صف المعارضة
يضمن استقالل السلطات األخرى ،فيمكن بتمديد الفترة االنتقالية إلى سنة على ضوء
للمحاكم أن تحكم ببطالن االنتخابات هذا الطرح تحديدا .ففي الوقت الراهن،
المزورة ولكن بمجرد شغور منصب قضائي ثمة قوتان سياسيتان فقط هما حركة
قد يقوم البرلمان أو وزير ما أو هيئة أخرى اإلخوان المسلمين وبقايا الحزب الوطني
مسؤولة أمام البرلمان بملء ذاك المنصب. الديمقراطي لهما من القوة ما يكفي
ومهما كانت التفاصيل ،فإن الرهان مرتفع للمشاركة في منافسة من هذا القبيل.
في أن يكون النظام السياسي نظاما ومع ذلك ،فلقد أُضعف الحزب الوطني
ديمقراطيا ،ومن غير األكيد أن ميزان القوى الديمقراطي جراء االنتفاضة الشعبية ،بينما
بين مناصري الوضع الراهن ومناهضيه يصب واجه اإلخوان المسلمون ثورة من الداخل
(بالفعل) في صالح هذه النتيجة. يقودها األعضاء األصغر سنا واألقل تزمتا
والذين دعوا مؤخرا إلى «يوم غضب» لهم
وبالمقارنة مع حجم بقايا نظام مبارك ،قد في إشارة إلى االحتجاجات التي أسقطت
تكون المعارضة قوية عددا ،غير أنها ال تزال مبارك؛ وهو ما نجح قادة الحركة في تفاديه
ضعيفة من حيث قدراتها ومواردها .ولكن ولكن ربما مؤقتا فقط .وعلى أية حال ،فإن
حتى مليون متظاهر في ميدان التحرير األحزاب والجماعات األخرى في وضع أسوأ
وباقي أنحاء البالد ال يمثلون بالضرورة غالبية وهي بحاجة إلى وقت أكثر لتنمو وتنظم
المصريين البالغ تعدادهم 75مليون نسمة. صفوفها وتبني مصداقيتها في نظر
لقد خرجت من رحم المظاهرات العفوية الناخبين .وتنطبق هذه الحال كذلك على
آليات وهيئات تنسيقية تحاول تمثيل المرشحين المحتملين لمنصب الرئاسة.
والمحاباة والحكم المستبد .وبالضرورة فإن الناشطين والمواطنين المعنيين بما يجري.
الفصل األول :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية
أفضليات هذه المجموعات فيما يتعلق ولكن هل ستتمكن هذه من مضاهاة مزيج
بالسياسة االقتصادية واالجتماعية تتشعب القوة الناعمة والقوة الخشنة أو العسكرية
كثيرا ،فهناك على سبيل المثال مَن يفضل التي في جعبة «النظام االنتقالي »،بما
العودة إلى الضرائب التصاعدية وآخرون في ذلك مئات األلوف من الجنود المدربين
ينافحون عن النسب الثابتة المعمول بها والمجهزين والخاضعين تحت تصرف قيادة
حاليا .وقد تزيد مثل هذه االختالفات من توتر وقوى متماسكة نسبيا ،في سياق تخصيص
العالقات بين الجماعات المختلفة التي الموارد االقتصادية رغم أنها غدت أكثر ندرة
عملت مع ًا وأجبرت مبارك على التنحي. مما كانت عليه قبل بضعة أشهر؟ إن السبيل
وعموما ،فإن المعارضة بالتالي قد تزداد الوحيد لكي تفرض المعارضة نفسها هو أن
انقساما في الفترة السابقة إلجراء االنتخابات تواصل التعبئة بأشكال مقبولة لدى غالبية
التي قد تُجرى في موعد أقربه صيف عام .2011 المصريين ،وهي مهمة ليست بالسهلة
وفي حين أن هذه االنقسامات تساهم في نظرا للتحديات االقتصادية الهائلة التي سبق
التعددية السياسية ،فإنها أيضا قد تقوي بعضها الثورة ،وانبثق بعضها بال شك من
بقايا النظام القديم. الثورة ،وال يزال بعضها ينجم من التطورات
الراهنة الخارجة عن إرادة المصريين مثل عودة
وفي مصر ،ولدرجة أقل في تونس ،قد تضطر العمال المهاجرين من ليبيا.
القوى السياسية المعارضة إلى الموافقة
على «مراحل انتقالية وفاقية» تمنح ممثلي ما زال ميزان القوى متقلبا حيث إن توافق
21
النظام القديم وخصومهم على السواء اآلراء بين المحتجين بشأن الحاجة إلى نظام
حدا أدنى من الضمانات .ويمكن الحصول سياسي جديد أكثر تشاركية ال يعكس
على هذه الضمانات إما عبر أنماط االنتخابات بحكم الواقع توافقا في اآلراء حيال الخيارات
والتمثيل الذي يجعل حكم األغلبية حكما السياسية األخرى .وال شك في أن المظالم
نسبيا وإما بمعزل عن نتائج االنتخابات عبر االقتصادية المزمنة ،والتي فاقمها ارتفاع
خلق مساحات محجوزة وبالتالي «دول داخل أسعار الغذاء واألزمة المالية العالمية وغياب
دول» تخرج من يد الحكومات المنتخبة حرية التعبير ،مسؤولة عن الكثير من مشاعر
ديمقراطيا .وبطبيعة الحال ،قد يشق على االستياء الشعبي في مصر وأنحاء أخرى من
المحتجين وغيرهم من المدافعين عن منطقة الشرق األوسط .فكثير من المحتجين
الديمقراطية الموافقة على ترتيبات من هذا ينتمون إلى شرائح «الطبقة الوسطى»
القبيل .ومع ذلك ،فإن السؤال المطروح ال التي ترى نفسها خاسرة في سياق اإلصالح
يقتصر فقط على ما إذا كانت هذه الترتيبات والتحرر االقتصادي التقليدي المطبق على
مرغوبة ،بل أيضا على ما إذا كان ميزان مدى العقود الماضية ،إما ألنها أصبحت في
القوى مواتيا إلرساء نظام ديمقراطي الواقع أفقر وإما ألنها اس ُتبعدت أكثر فأكثر
بالكامل .وبالرغم من الفوارق المتنوعة بين بواسطة الثلة القليلة نسبيا المستفيدة
إسبانيا والبرازيل ،فإن كليهما يقدم مثاال من تلك اإلصالحات .وينتمي محتجون
ناجحا للمراحل االنتقالية الوفاقية والتي آخرون ُكثر إلى فئات اجتماعية ما فتئت
تضم الخصوم وحتى األعداء السابقين في تعيش على الدوام تقريبا في حالة فقر .غير
محاولة لبناء نظام سياسي شامل .وفي أن هنالك آخرين ظلوا يرتقون حتى أدركوا
كلتا الحالتين ،تعززت الصبغة الديمقراطية بأن تطلعاتهم االقتصادية والسياسية قد
للحكومة عبر السنين ،وإن ظل الجيش أحبطت على يد رأسماليي المحسوبية
والتعليم ومخصصات الموازنة غير تلك البرازيلي يحتفظ بقدر كبير من االستقالل إلى
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
المخصصة للقوات المسلحة .وربما يومنا هذا .وفي تونس ،يُثار التساؤل حول
سيواصلون منحاهم التصاعدي وينجحون إمكانية إنشاء نظام ديمقراطي بالكامل
في نهاية المطاف في احتواء نفوذ القوات رغم إرادة ومصالح األعضاء السابقين في
المسلحة وحتى الحد منه كما حصل بدرجات الحزب الدستوري الجديد ،والشرطة ،والقوى
متفاوتة في تركيا والبرازيل وتشيلي .وربما األخرى المرتبطة بنظام الرئيس السابق
سيتمكنون عاجال أم آجال من إلغاء كافة زين العابدين بن علي .ويشكل هؤالء
االمتيازات الخاصة ،المادية والسياسية ،التي المؤيدون أعدادا كبيرة من الناس؛ إذ تفيد
تحصل عليها القوى المرتبطة بالنظام بعض اإلحصاءات بأن حزب النظام السابق
السابق وبذلك يقيمون نظاما ديمقراطيا كان يضم أكثر من مليون عضو يتبع كال
بالكامل .ومع ذلك ،سوف يكون النظام منهم العديد من المعالين .ومرة أخرى ،فإن
الجديد على األرجح نظاما أكثر تعددية وتنوعا ً
أهمية عن الموارد التي يتحكم األعداد تقل
من سابقه .وينبغي لهذا التنوع أن ينتقل بها أولئك المؤيدون ودرجة تنظيمهم وما
إلى المستويات األدنى في هرم الدولة، إلى ذلك من االعتبارات .ولعل مثال مصر
ويعزز االستقاللية في هذه المستويات، هو أكثر وضوحا .ففي الوقت الراهن على
ويحبذ تجربة السياسات والحوار وروح المبادرة. األقل يصعب تصور مخرج للمأزق الحالي ال
وينبغي تعزيز المركزية السلطة ،وإن بقدر ٍ يضم بعض مكونات النظام البائد المتجذرة
يسيرٍ على األقل ،وتعزيز موقف األفراد في ومن ضمنها أجزاء من الحزب الوطني
سياق التعامل مع الدولة ومؤسساتها. الديمقراطي والشرطة وال سيما القوات
المسلحة .إن استبعاد هذه المكونات من 22
ما وراء مصر وتونس اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل بلدهم
قد يدفعهم بسهولة للطعن في النظام
تمكنت األنظمة العربية األخرى حتى اآلن الجديد كما حدث في العراق بعد حل حزب
من مواجهة تحديات المحتجين .وال زال من البعث والقوات المسلحة .وبمعزل عن
السابق ألوانه في هذه المرحلة أن نجزم بما التعاطف السياسي الذي قد يُكنه المرء،
ستؤول إليه األحداث في تلك الدول في فسيكون مفيدا لو استطاع أعضاء الحزب
المستقبل القريب أو البعيد .ومع ذلك ،ال الدستوري الجديد المعلق في تونس
ينبغي بالضرورة أن يحدث التغيير سريعا تشكيل حزب جديد ،كما استطاع شيوعيو
كما حصل في تونس ومصر؛ بل قد يستغرق ألمانيا الشرقية السابقون بعد الوحدة مع
وقتا أطول بكثير ،وحتى االنتفاضات الفاشلة ألمانيا الغربية.
قد تتمخض في النهاية عن بعض التغيير
السياسي. وعلى الرغم من ذلك ،ينبغي ألي ترتيب
مستقبلي لتقاسم السلطة في مصر أن
لقد انصبت ردود الفعل األولية لمعظم يزيد من مشاركة القوى المعارضة للنظام
الحُ كام على استيعاب المحتجين واستباق البائد .فحتى لو اضطروا إلى الدخول في
أي مطالب أخرى أكبر بكثير .فآل الصباح ترتيبات غير متكافئة وأخفقوا في الحصول
في الكويت يوزعون النقود ،وبشار األسد على حقائب وزارية مثل الدفاع والمالية
في سوريا يزيد اإلعانات ويطلق سراح بعض والداخلية والخارجية ،فقد يكون لهم تأثير
السجناء السياسيين ،والجيش الجزائري كبير في مستقبل السياسات االجتماعية
يكبح جماح أسعار السلع االستهالكية واالقتصادية في مجاالت عدة منها الصحة
وحيثما اختيرت التنازالت كسبيل (مؤقت) األساسية ،ومحمد السادس في المغرب
الفصل األول :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية
للمضي قدما ،تغدو الحكومات أكثر تعددية يعد بإصالحات دستورية ال تزال معالمها
في المواقع الهامشية ،وتضم شخصيات من مبهمة .كما اس ُتخدمت العصي بموازاة
المعارضة وممثلين عن المجتمع المدني. الجزرة للحد من التنازالت قدر اإلمكان .ففي
وقد يجري تعديل السياسات االجتماعية بعض األماكنُ ،قمعت المظاهرات األكبر
بمفهومها العام وكذلك أولويات الموازنة حجما المنادية بمطالب أكثر راديكالية ،أو
ولكن دائما ضمن الحدود المقبولة لدى غدت تتعرض للقمع بصورة أشد وأعنف.
النظام ومؤيديه .أما إمكانية أن تتحول وليبيا هي خير مثال على ذلك تليها البحرين
محاوالت التزيين هذه إلى تغيير أكثر جوهرية فاليمن .ومن الواضح بأن األنظمة السياسية
فيعتمد كليا على موازين القوى الداخلية. المختلفة تعمل بطرق مختلفة يحددها
وكذلك ،ليس من الضرورة أن تنجم من ذلك جزئيا تاريخها واقتصادها وسوسيولوجيتها
مساواة أكبر بين الجنسين ،إذ هنالك العديد والدعم األجنبي الذي تحصل عليه ،وهو
من المجتمعات التي تبدو أكثر تحفظا في ما يعكس جزئيا الحسابات المختلفة التي
هذا الصدد من بعض األنظمة االستبدادية. يضعها الحكام في اعتبارهم بموازاة القيود
وحيثما وقع االختيار على استخدام القمع، والفرص التي يواجهونها على الصعيد
ف ُيرجح أن يكون القمع شديدا ،اعتمادا على الدولي .وعلى أية حال ،فإن األنظمة عاكفة
تأثير الواليات المتحدة وربما أوروبا .وهكذا، على المقاومة ،ولكن بعضها يقاوم بصورة
فقد تكون للمحتجين البحرينيين فرصة ملحوظة أكثر من األخرى.
أفضل في مواصلة احتجاجاتهم مقارنة
23
بنظارئهم في ليبيا .ولكن حتى القمع وبحسب تلك العوامل ،قد يلجأ الحكام إلى
الناجح قد يُفضي الحقا إلى انفتاح سياسي خيارين على طرفي نقيض وحلول وسيطة
مضبوط على هيئة محاولة للتزيين ،وإن كان عديدة .وقد يستمرون في محاولة استيعاب
فقط لتفادي تكرار االحتجاجات .وهنا أيضا، االحتجاجات بتقديم التنازالت ،أو قد يلجأون
سيكون تأثير الواليات المتحدة حاسما. إلى أشكال مختلفة ودرجات متفاوتة من
القمع .أما من يختار تقديم التنازالت منهم
وبالرغم من أهمية الحد من وطأة القمع، فسيسعى رغم ذلك إلى ضمان أن ال تؤدي
فمن المستبعد أن تدعم القوى الخارجية التغييرات إلى تقليص كبير في سلطاته.
المحتجين بما يكفي لخلع حكام الدول وهذا قد يكون تحديدا هدف اإلصالحات
العربية األخرى بسرعة؛ غير أن سوريا قد الدستورية التي أعلنها محمد السادس في
تكون مثاال لذلك إذا ما سنحت الفرصة المغرب .كما سيحاول الحكام وضع اتفاقات
استثناء بالضرورة .وعلى
ً ولكنها لن تكون شكلية لتقاسم السلطة بعيدا عن أي مرحلة
أية حال ،لن يكون الدعم الخارجي عسكريا انتقالية وفاقية .وليس ثمة سبب لالعتقاد
سوى في الحاالت القصوى مثل ليبيا .لم بأنه يتعين على القادة العرب أن يكونوا
يُخلع زين العابدين بن علي بفعل القوى أكثر استعدادا من ملوك أوروبا في الماضي
الخارجية .أما مبارك فكان ضحية مبكرة لنفاذ للتخلي طوعا عن السلطة والنفوذ والموارد.
صبر القوى الخارجية وكان بإمكانه ربما أن وكما حصل ذات مرة في بريطانيا وفي بقاع
يظل على رأس السلطة لو أن احتجاجات أخرى ،فإن مدى التنازالت سوف يعكس قوة
البحرين سبقت احتجاجات مصر .وبالرغم الضغوط.
من أن اإلدارة األمريكية والحكومات األوروبية
ال تملك أي سبب حتى اآلن للتذمر أو القلق
ضحية لموجه غير متوقعة من االحتجاجات بشأن سير األحداث في تونس ومصر ،فإنها
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
يُظهر مدى التحدي الذي تواجهه الجهات ال تزال تفضل الوجوه المألوفة لها ،وال سيما
الحكومية المحلية التي يمكن أن نقول إذا كانوا حلفاء عسكريين رئيسيين لها.
عن كثير منها أنها تبدو أقل استقراراً من غير أنها قد تحاول إقناعهم بإجراء إصالحات
المطاح بهما.
نظيرتيهما السابقتين ُ على المدى المتوسط والبعيد لتفادي قيام
احتجاجات عارمة في المستقبل ،ولكن
كيف يؤثر إسقاط رئيسي تونس ومصر بعد أن تخمد االحتجاجات الحالية .إن من
والطريقة التي تم بها إسقاطهما جراء المستبعد أن تسقط األنظمة الحاكمة أو
اندالع احتجاجات عارمة على حسابات النخب تنفتح إلى حد كبير دون تعبئة شعبية واسعة
الحاكمة ومنطقها في بقية المنطقة؟ وما ومتواصلة ،وربما تكون مقترنة بانقسامات
هي بعض النتائج التي يجب الخروج بها داخل الجماعات الحاكمة ومحاوالت انقالبية.
من األحداث األخيرة والتي ستصوغ شكل
اإلجراءات التي ستتخذها الجهات الحكومية
المحلية. 2-1منطق ومنطلقات الجهات
الفاعلة الحكومية المحلية
استثناء ملكي؟
نيل هيكس
يالحظ أن الحكام الذين تم إسقاطهم منظمة حقوق اإلنسان أو ً
ال ،نيويورك
والحكام اآلخرين الذين يواجه حكمهم أشد
التحديات خطورة – في اليمن وسوريا وليبيا أو ًال وقبل كل شيء ،تشكل االنتفاضات 24
– هم رؤساء ألنظمة جمهورية وليست الشعبية في شمال أفريقيا والشرق األوسط
ملكيات وراثية .يمكن للملكيات أن تزعم أزمة بالنسبة للنخب الحاكمة في كل
أنها فوق السياسة وبالتالي تتمتع بقدر المنطقة .وفي مواجهة موجة االحتجاجات
أكبر من النأي عن المسؤولية المباشرة عن المعدية والمتعذر كبتها يجد ُ الشعبية
األخطاء التي تقع .ويمكن للملوك استبدال القادة العرب أنفسهم مضطرين لالختيار
الحكومة (بل وقاموا بذلك في األردن مث ً
ال). بين القمع أو التك ّيف (وربما احتواء هذه
الموجة في نهاية المطاف) وفق ًا لمطالب
وقد يبدو أن المرونة التي تقدمها أنظمة حكم المحتجين .وعلى الرغم من أن رئيسين
الفرد الملكية التي تضم هياكل حكم تابعة فقط فقدا منصبيهما لغاية اآلن إال أنهما
للحاكم كالمغرب واألردن والكويت توفر شكال ضربتين كبيرتين – إذ ربما أنهما كانا
درجة من األمن للملوك العرب في السياق أكثر القادة العرب نجاحا من بين الحكام
الحالي .وكلما كان نمط الحكم مطلق ًا أكثر المستبدين الذين يديرون أنظمة دكتاتورية
كلما ق ّلت فرصة الحكام في التنصل من ويتحالفون مع الغرب وممن لم يتسببوا –
المساءلة وبالتالي امتصاص نقمة الشعب. في الغالب -بالكثير من اإلحراج لحلفائهم
ومؤيديهم الغربيين ،وكانا يحققان نمواً
بالنسبة للمحتجين في األنظمة الجمهورية اقتصادي ًا .لقد كانا قائدين يُتوقع لهما أن
االستبدادية القمعية كان الهدف الذي يحكما مدى الحياة وأن يمارسا حتى سيطرة
يسددون إليه سهام غضبهم واضح ًا وكان على الذين سيخلفونهما في النهاية بدرجة
مطلبهم بسيط ًا ،وهو :يجب أن يرحل الرئيس كبيرة .إن مسألة سقوط حاكمين مستبديَن
(وأسرته والمقربين منه) .أما المحتجون في يتسمان بالبراعة والقدرة على التكيف
المتكون بعد وقوع
ّ ومن خالل اإلدراك الدول الملكية العربية فقد كانوا أكثر تردداً
الفصل األول :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية
الحدث ،نجد أن جذور هذه الجماعة في مصر، بكثير في المطالبة بإسقاط زعماء بلدانهم
ال ،كانت أكثر تدرج ًا؛ فقد كان الناشطون مث ً حتى إن تكن لديهم الشكاوى االقتصادية
ً ً
الذين لعبوا دورا بارزا في االحتجاجات التي والسياسية ذاتها التي أعرب عنها نظراؤهم
أسقطت الرئيس ناشطين في االنتخابات من المحتجين في الجمهوريات المجاورة،
الرئاسية عام 2005وهي االنتخابات التي استثناء ملكي ًا
ً األمر الذي يوحي بأن ثمة
أُعطي فيها المصريون الفرصة كي ينتخبوا من خطر اإلسقاط عن طريق االحتجاجات
رئيسهم في انتخابات تنافسية ألول مرة. الشعبية .إال أن النزاع المتصاعد في البحرين
ويمكننا اقتفاء أثر خط من الخطوط من استثناء
ً قد يشي بأن هذا االستثناء ليس
خالل حركة كفاية التي بدأت باالعتراض على مطلق ًا وأن القمع والقسوة من قبل النخب
طول بقاء حسني مبارك في منصبه منذ الحاكمة من أي نوع سوف تعمل على رفع
منتصف العقد الماضي؛ إلى حملة أيمن سقف المطالبة بالتغيير.
نور االنتخابية الرئاسية واالحتجاجات على
المخالفات االنتخابية التي أعقبت ذلك؛ ومن القوة المحفزة للشباب المتعلم الناشط
ثم إلى احتجاجات القضاة عام 2006التي عبر الشبكات
قاومت جهود الحكومة لتقليص دور القضاء
في اإلشراف على االنتخابات؛ ثم إلى جهود ربما يكون من المفارقة أن تكون الدول
كسب تأييد عمال النسيج المضربين في األكثر تجانس ًا واألقل مشاكسة والمتمتعة
المحلة الكبرى عام 2008والتي انبثق عنها بمعدالت قوية من النمو االقتصادي أول
25
حركة 6أبريل 2008على موقع فيسبوك؛ إلى الدول سقوط ًا .ومن األشياء التي ساعد
االحتجاجات الواسعة على مقتل خالد سعيد النمو االقتصادي على خلقها هو جماعات
على يد أحد ضباط الشرطة خارج مقهى الناشطين المتعلمين ممن لديهم
لإلنترنت في اإلسكندرية في حزيران /يونيو تطلعات وتربطهم شبكات .لقد لعبت
2010؛ وحتى سباق االنتخابات البرلمانية لعام النخب الليبرالية المدينية في مصر وتونس
2010التي شهدت مبادرات لتوعية الناخبين دوراً قيادي ًا في االحتجاجات .يبقى أن نرى مقدار
وجهوداً لتنسيق مشاريع مستقلة للمجتمع نجاحهم في العمليات األقل دراماتيكية
المدني لمراقبة االنتخابات .لقد كان المتمثلة في إعادة بناء مؤسسات الدولة
لالستياء الشعبي من االنتخابات البرلمانية على امتداد خطوط أكثر دراماتيكية وفي
في تشرين ثاني /نوفمبر 2010التي لم تكن التنافس على السلطة السياسية .لقد قاد
نزيهة بالمرة تأثير مباشر غذى انتفاضة 25 النمو االقتصادي القوي وتطور تقنيات
كانون ثاني /يناير تغذية مباشرة. االتصاالت إلى نشوء طبقة من الشباب
المتعلم المتصل مع نظرائه في مختلف
قبل ثورتي تونس ومصر كان الناس بقاع العالم إال أنه حُ رم من فرصة التطور
يسقطون من حساباتهم هؤالء الناشطين على الصعيد الشخصي أو من المشاركة
على أساس أن تأثيرهم سطحي؛ فما الذي السياسية ذات الشأن في مجتمعه .ومهما
يمكن أن يفعله بضع مئات من المتظاهرين بلغ صغر هذه الطبقة وامتيازاتها وعدم
في الشارع أمام جبروت جهاز أمن الدولة؟ تمثيلها للمجتمع األكبر إال أن هذه الجماعة
وظل من المشكوك به بشدة أن يتمكن تمثل عنصراً جديداً برز على نحو مفاجئ وغير
هؤالء الناشطين الشباب على تعبئة عدد متوقع كفاعل سياسي له شأنه.
كاف إلحداث تغيير إذ ال يتبعون
ٍ من الناس
أكبر لمواصلة التعليم العالي ومن ضمنه ألحزاب معارضة راسخة وال تربطهم بالجماهير
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
الدراسة في الخارج. سوى صالت واهية.
الموضع الوحيد الذي كانت الجهات ومن هنا فإنه من غير المحتمل أن تكون
الحكومية المحلية تمتلك فيه خياراً هو الجهات الحكومية الفاعلة قد توقعت أن
في الكيفية التي ترد فيها على المظالم نشاطا لجماعة من الواضح أنها هامشية
التي يشترك بها أفراد الشعب على نطاق قد يشكل تهديداً لها .وبطبيعة الحال
واسع .صحيح أن طريقة السعي إلى كانت الماليين التي خرجت إلى الشوارع
تجنب االحتجاجات (والرحيل في النهاية) في تونس ومصر تمثل ما هو أكثر بكثير
من خالل اإلصالح وتقديم التنازالت لم يتم من النخب الليبرالية غير كبيرة العدد .إن
اختبارها ولكنها ليست أكثر جدارة من األمر الذي استطاع هؤالء الناشطون –
تشديد القمع .لقد هبط مستوى تسامح وعلى نحو هادف -القيام به هو تحديد
االحتجاجات في المنطقة مع القمع حيث الشكاوى التي يشعر بها عميق ًا جمهور
أظهرت الجماهير -التي شجعها المثاالن عريض من الناس بخصوص االفتقار إلى
المصري والتونسي -إرادة على االستمرار الفرص االقتصادية (وخير مثال عليها تضحية
في االحتجاجات الشعبية حتى في مواجهة التونسي محمد البوعزيزي بنفسه وكان
استخدام السلطات للقوة المميتة في دول ال عن العمل يكسب رزقه من ‘بسطة’ عاط ً
كاليمن وسوريا. يبيع منها في الشارع) ووحشية الشرطة
(وهو مطلب وجد له قضية رمزية في ضرب
ومن االستجابات التي بدا أنها ناجحة في خالد سعيد من اإلسكندرية حتى الموت، 26
احتواء االحتجاجات هي رشوة الناس؛ فقد والتي حظيت صفحتها على موقع فيسبوك
عمدت الحكومات التي تمتلك موارد مالية «كلنا خالد سعيد» بشعبية ملحوظة)
كالسعودية (أو إيران) أو الجزائر إلى زيادة والفساد الرسمي (الذي تمثل في تسريبات
دعمها للمواد األساسية أو أمرت بدفع أموال ويكيليكس عن إسراف زوجة زين العابدين
مباشرة للمواطنين الستباق االحتجاجات. بن علي ،ليلى الطرابلسي وأفراد أسرتها
ومن األساليب الرادعة التخويف من عدم في المال) والحرمان من الحقوق السياسية
االستقرار والفوضى في الدول التي لها تاريخ (وهناك الكثير من األمثلة على ذلك
قريب من النزاع الداخلي المرير كالجزائر أو إال أن انتخابات البرلمان المصري األخير
العراق أو لبنان ،وقد نجحت هذه الدول في شكلت مثا ًال فاضح ًا).
تالفي االحتجاجات الشعبية الجدية حتى اآلن.
وليس أمام الجهات الحكومية المحلية إال
رد فعل سياسة الواليات المتحدة خيارات محدودة لمحاولة احتواء خطر النخب
الليبرالية المرتبطة عبر الشبكات والتي
لم تكن الجماهير المحلية وحدها التي لم برزت حديث ًا إلى حيز الوعي؛ إذ أنه ال يمكن
تعد تحتمل القمع وعدم االستجابة من قبل في الغالب إلغاء تأثير التغيرات االقتصادية
الحكومات العربية؛ فقد توصلت إدارة أوباما والثقافية واالجتماعية التي رافقت النمو
إلى موقف ثابت داعم «للمطالب المشروعة االقتصادي واالندماج في األسواق العالمية
للمحتجين المطالبين بحقوقهم العالمية». والدخول إلى شبكة اإلنترنت ومشاهدة
وهذه الموقف ال يترجم نفسه إلى استجابة القنوات الفضائية والتي صاحبها نمو هائل
ثابتة للسياسة إزاء اندالع حمى االنتفاضات في حجم فئة الشباب وتمتعهم بإمكانية
محل المصالح التقليدية للواليات المتحدة في كل مكان .وهناك نمط قد نشأ لحد اآلن
الفصل األول :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية
في المنطقة ،وهذه المصالح تبقى كما ولكنه نمط يأخذ شكله كيفما اتفق على
هي :مكافحة اإلرهاب ومنع انتشار األسلحة النحو التالي:
النووية واحتواء إيران وتأمين مصادر النفط •تأييد خطابي قوي للمحتجين في
والطاقة وأمن إسرائيل ،وأفضل وسيلة البلدان التي تربطها عالقة خصومة مع
لخدمة هذه المصالح هي حفظ استقرار الواليات المتحدة كإيران وسوريا ،ولكن
المنطقة والقدرة على التنبؤ بمجريات األمور قليل من التحمس للتدخل المباشر؛
فيها .وتعلم الجهات الحكومية المحلية •تشجيع الحكام المستبدين الحلفاء
أفضليات صناع السياسات في الواليات للمضي قدم ًا في اإلصالح السياسي
المتحدة وهي تبقى قادرة على تسويق لتجنب تصاعد االحتجاجات كما حدث
شكل معدل من االستقرار المألوف من خالل في األردن والمغرب؛
القمع (أو من خالل نموذج التغيير التدريجي •قبول على مستوى الخطب للتطلعات
المسيطر عليه) من أجل كسب تأييد الديمقراطية لالنتفاضتين التونسية
الواليات المتحدة أو قبولها بذلك. والمصرية (ولكن يظل علينا أن نرى
حجم ورغبة الواليات المتحدة في
لقد تعرض المبدأ الذي كان يُمسك العمل بفاعلية من أجل دعم ما يمكننا
بالعالقات بين الواليات المتحدة األمريكية وصفه تقدم ًا ديمقراطي ًا حقيقي ًا في
وحلفائها في المنطقة لضربة من األحداث كال البلدين).
في تونس ومصر .والواقع أن هذا المبدأ كان •الخوف من اضطراب العالقات مع
27
يتزعزع إذ كانت تصدر عن األنظمة القمعية شركاء استراتيجيين رئيسيين كالبحرين
إشارات بشأن عدم قدرتها على االستمرار في وقبل كل شيء السعودية.
السيطرة على السلطة ،وخاصة في مصر •التوتر بسبب التأثير المحتمل
حتى قبل االنتفاضة. لالحتجاجات المسببة لعدم االستقرار
على دول متصدعة كاليمن والسودان
السؤال المطروح على السياسة األمريكية وهي دول يمكن أن تسوء األمور فيها
اآلن هو ما إذا كان يمكن إيجاد مسار نحو بسرعة كبيرة؛
االستقرار وتأمين المصالح الحيوية للواليات •وأخيراً التدخل المسلح في ليبيا في
المتحدة عبر تعزيز الديمقراطية واإلصالح استثناء عن القاعدة.
ً موقف يبدو
السياسي واحترام حقوق اإلنسان في
عالقاتها مع الحلفاء في المنطقة؟ وهل يجب على الجهات الحكومية المحلية أن
يمكن تطبيق مثل هذا النهج على نطاق تأخذ بعين االعتبار رؤية الواليات المتحدة
واسع دون إثارة الفوضى وعدم االستقرار والمجتمع الدولي كله ،أال أن المسألة ليست
الخطير؟ وإذا ما كان العثور على هذا المسار حسبة بسيطة كما توحي به السياسات
وتفعيله ممكن ًا – حيث تشكل مصر وتونس المختلفة المتبعة في البلدان المختلفة.
حالتا اختبار لهذا األمر -فإن عصر الحكم وفي الوقت الذي تحاول فيه الواليات
االستبدادي في المنطقة يدخل في طوره المتحدة أن تكون على الجانب الصحيح من
النهائي في الواقع. التاريخ إال أنها أبعد من أن تكون أداة للتغيير
اإليجابي ال تنحرف عن الخط .إن الوقوف
يمكن لمصر أن تكون محدداً للنزعة في إلى جانب المحتجين المطالبين بالحريات
المنطقة برمتها ،كما أنه من المحتمل أن السياسية وحكومات أكثر استجابة لم يحل
الحاكمة .وبالمقابل يُنظر إلى ذلك على أنه يص ّلب الرأي الدولي مدعوم ًا بالرأي العام
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
محاولة من إيران لزيادة تأثيرها في الخليج وسياسات الدول في المنطقة العربية من
على حساب السعودية .وربما كان القمع موقفه ضد الحكام المستبدين المتشبثين
رداً واضح ًا بالنسبة لحكام البحرين ولكن بسياساتهم ،مما يض ّيق من خيارات الجهات
في هذا الوقت فإن الرد يعتبر معقداً من قبل الحكومية المحلية بصورة كبيرة .إال أن
التعاطف الدولي – وخاصة األمريكي -مع السؤال -في الوقت الحالي -يظل بال
هدف استعادة الكرامة. جواب ،كما أن بقاء األمر على هذا النحو هو
إلى حد كبير في صالح الحكام المستبدين
ال يمكن لنا أن نسقط من اعتباراتنا المتمسكين بعناد بالمبادئ البالية.
احتمالية أن تعمل حالة االضطراب التي
استلهمت االنتفاضتين التونسية والمصرية قابلية انتقال حمى االنتفاضات
على تغذية النزاعات الداخلية واإلقليمية
الموجودة مسبق ًا وعلى تفاقمها .إن فتور اتخذت حمى االنتفاضة شكلها األنقى في
الموقف في البحرين يزيد من التوترات بين تونس ومصر :فقد شكلت االنتفاضتان هناك
إيران والسعودية والتي قد تستمر في دول ثورتين على حكومتين قمعيتين وفاسدتين
أخرى بما فيها العراق .كذلك األمر بالنسبة يُنظر إليهما على أنهما يمتهنان الكرامة
لالضطرابات في سوريا والتي قد تكون األساسية للمواطنين وأنهما مسؤولتان
قد تأثرت بشكل صرف من أشكال حمى عن االنحطاط الوطني .وتمثل استعادة
االنتفاضات في عيون المحتجين السوريين قيم الحرية والعدالة والكرامة والمساواة
الذين يواجهون رصاص النظام المستبد، برنامج أهداف إيجابي ،وليس فقط الستعادة 28
ولكنها قد تبدو في عيون إيران على أنها الكبرياء والكرامة على المستوى الشخصي
محاولة لزعزعة الوضع عند حليفتها في بل على مستوى الرفاه الوطني أيض ًا.
المنطقة .وهذا يؤدي بطهران إلى امتداح
الثورة في مصر وتونس والبحرين ولكن لقد انتشر شكل ما من أشكال هذه الحمى
معارضة مثل هذه التطورات في سوريا. في مختلف أنحاء العالم العربي وكان
وقد يشجع هذا إيران أيض ًا على السعي إلى موجوداً قبلها في شوارع إيران صيف عام .2009
تعويض خسارتها الملموسة وتعرضها وفي األماكن التي كانت توجد فيها نزاعات
للخطر عن طريق التأكيد على تأثيرها في قبل ذلك –كاليمن والبحرين -اختلطت
العراق ولبنان وأماكن أخرى .وبالنسبة التظلمات القديمة مع هدف استعادة
إلسرائيل وأمريكا فقد تبدو األحداث في سوريا الكرامة ،إال أن القوى المحركة لتلك النزاعات
غير قابلة للتنبؤ على نحو خطير وإمكانية أن القديمة تستمر في التأثير على ردود أفعال
تكون مثيرة لعدم االستقرار بالنسبة للصراع الجهات الحكومية المحلية وتقييد أفعالها.
اإلسرائيلي -الفلسطيني.
فعلى سبيل المثال ،بالنسبة لملك البحرين
تتعرض الجهات الحكومية المحلية على وداعميه السعوديين على الجانب اآلخر من
مستوى العالم تقريب ًا لمسألة انتشار جسر البحرين فإن الثورة من أجل مزيد من
االنتفاضات بسبب أخطائها الداخلية ،ولكن ال بوجودالديمقراطية وحكومة أكثر تمثي ً
المشهد السياسي المتغير في المنطقة مشاركة كبيرة للشيعة تبدو محاولة من قبل
يوفر -في الوقت ذاته -فرص ًا إلضعاف األغلبية الشيعية لتحويل ميزان القوى في
المنافسين وإمكانية تشكيل أحالف جديدة البحرين لصالحها على حساب األقلية السنية
في مصر ودول أخرى من شأنه أن يشكل مع األنظمة المتحولة .إن عدم التيقن على
الفصل األول :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية
تهديداً للنخبة اإليرانية الحاكمة ليس أقله أن المستوى االستراتيجي في هذه اللحظة هو
اإليرانيين قد تحفزهم رؤية العرب يحققون مصدر قلق كبير بالنسبة للواليات المتحدة
تقدم ًا ديمقراطي ًا أكبر مما كانوا هم قادرين وقوى غربية أخرى وإسرائيل وكذلك بالنسبة
على تحقيقه. لبقية األنظمة االستبدادية في المنطقة.
وعلى الرغم من أن الغرب قد يتحدث عن
تمثل إيران القمعية تهديداً كبيراً على النتائج الربيع العربي إال أن ثقل الرأي والمصلحة
اإليجابية لالنتفاضات في العالم العربي. الضاغط من أجل الرجوع إلى شيء يشابه
وطالما أن إليران المعادية لمصالح الغرب النظام القديم يظل ثق ً
ال قوي ًا.
نفوذا في المنطقة فإن احتواء هذا النفوذ
سيشكل أولوية لصانعي السياسة الغربية األنظمة المتشبثة بسياساتها
مما يقلل من احتمالية حدوث مواجهة بين
الغرب والسعودية على ضعف اإلصالحات إيران
السياسية فيها ،بل وعلى تحركها ضد اإلصالح
في البحرين ودول أخرى .عالوة على ذلك، تدخل إيران ضمن عملية دراسة ردود أفعال
تشجع الجمهورية اإلسالمية النزعة الطائفية الدول العربية على االحتجاجات الشعبية
الشيعية-السنية التي بإمكانها أن تقوض ال قوي ًا ضمن العوامل لكونها تمثل عام ً
برنامج األهداف اإليجابي حقوقي التوجه الداخلية المحركة للكثير من تلك االحتجاجات
لالنتفاضات الشعبية في المجتمعات السيما في منطقة الخليج .ولو كان النجاح
29
مختلطة الطوائف والمذاهب .لقد تصرفت قد ُكتب لالحتجاجات الشعبية في إيران
الجمهورية اإلسالمية لفترة طويلة من كتلك التي دعمتها الحركة الخضراء لما
الزمن كنموذج لشكل ما من السياسة كانت س ُتعد فقط نموذج ًا إيجابي ًا للحركات
اإلسالمية الطائفية التي تفرق بين المؤمنين الديمقراطية في العالم العربي بل كانت
الحقيقيين وغيرهم من المسلمين الذين أيض ًا ستزيل ،أو تخفف من ،المخاوف
تزعم بأنهم أقل صحة عقائدي ًا .إن ارتكاز األمنية التي تستخدم سبب ًا للتغاضي عن
الشرعية السياسية على استقامة العقيدة النزعة االستبدادية في الدول العربية ومنها
الدينية والتفسيرات األيديولوجية لإلسالم السعودية والبحرين بل ومصر أيض ًا .لم
يسيران أيض ًا باتجاه مضاد للروح الشعبية يعد من المحتمل أن تخفف ضرورة احتواء
الديمقراطية والمناصرة لحقوق اإلنسان إيران ذات النوايا العدوانية من المخاوف
التي صبغت بصبغتها االنتفاضات الشعبية الغربية بشأن عدم إمكانية التنبؤ بالعمليات
في األشهر األخيرة. الديمقراطية عند حلفائها العرب.
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
باإلضافة إلى إرسال دعم عسكري لهم. التشجيع الكالمي.
وقيل أن الملك عبد اهلل لم يكن راضي ًا عن
الطريقة التي أدارت بها الواليات المتحدة لقد أوضح الرئيس أوباما أن أحد دوافع دعم
ظهرها لصديقها السابق في القاهرة ،بل إنه الواليات المتحدة للتدخل المسلح في
رفض االجتماع بكبار المسؤولين من اإلدارة ليبيا ،هو تالفي نشوء مثال سلبي عبر بقاء
األمريكية –وزيرة الخارجية كلنتون ووزير الدفاع القذافي في السلطة عن طريق إطالق كم
غيتس -عندما كانوا في زيارة للمنطقة خالل هائل من عنف الدولة ضد المحتجين .تتمتع
شهري شباط /فبراير وآذار /مارس .2011 ليبيا بقدرة حقيقية على إثارة اضطرابات عند
جيرانها من خالل وسائل اقتصادية وغيرها.
وفي الوقت ذاته ،ليست السعودية محصنة إن من شأن القذافي التواق لالنتقام إذا
ضد الكثير من القضايا الكامنة تحت سطح ما استمر في الحكم أن يتسبب بتعطيل
االضطرابات في المنطقة ،فنسبة كبيرة من النزعات الديمقراطية اإليجابية في المنطقة.
سكانها من الشباب ،ولديها شباب متعلم ومن العناصر التي تثير المشاكل بالنسبة
عاطل عن العمل أو يعمل بوظيفة أقل من للتغيير الديمقراطي هو عدم حسم الموقف
مؤهالته وال منفذ لمهاراتهم وطموحاتهم، العسكري .ومن شأن التدخل العسكري
وفيها نخبة حاكمة فاسدة ،وفيها شكل الدولي لفترة طويلة أن يصبغ حتم ًا التصور
غير مستجيب من أشكال الحكومة وتحرم المحلي والدولي لالنتفاضات ،والتي
شعبها من حقوق وحريات أساسية ،كما ينظر إليها في الوقت الحاضر نظرة إيجابية
أن التعصب الديني والالمساواة بين الرجل ألنها تحركت ونُفذت على يد مواطنين 30
والمرأة منتشريّن بصورة استثنائية. في كل بلد .تشكل االنتفاضة مصدر فخر
للمصريين والتونسيين كونهم صنعوا
أضف إلى ذلك القلق الغربي من الدعم مستقبلهم بأيديهم وأسقطوا دكتاتوريات
السعودي للتطرف الديني واإلرهاب الذي فاسدة .ولكن مهمات القصف الجوي
عمل أص ً
ال على وجود شريحة مستعدة للدفع الغربي والقوات الغربية ستقود إلى
باتجاه التغيير في المملكة ،وهذه الشريحة تعزيز رواية مختلفة وهي أن من يدفع نحو
قد تنمو بسهولة وتصبح مصدر إزعاج للنظام التغيير – في ليبيا على األقل -هم أطراف
السعودي. خارجية تسعى لخدمة مصالحها .ونظراً
ألن الصراع العسكري يكون دراماتيكي ًا
تتمتع السعودية بقدرة كبيرة على دعم بطبيعته ويتطلب قدرا أكبر من الموارد
النتائج السياسية التي توافق مصالحها ويجتذب قدرا أكبر من التغطية اإلخبارية،
في الدول المجاورة وعلى نطاق أوسع من مقارنة مع التغير الديمقراطي التدريجي وذو
الجوار ،ويمكننا أن نتوقع من السعودية أن المسار الوعر ،فينبغي عدم االستهانة
تدعم عودة الوضع الذي كان قائم ًا في مصر بإمكانية أن تكتسب هذه الرواية البديلة
وتونس من خالل الموارد المالية واإلعالمية رواج ًا.
والدينية المتاحة لها.
السعودية
ومع ذلك فإن المملكة ،التي تكتنفها
شكوك حول مصير خالفة الجيل القادم من ع َّبرت السعودية بوضوح عن استيائها من
األمراء ،بحاجة إلى نموذج من الحكم يمكن اإلطاحة بنظام مبارك في مصر وأشارت
معتادة على التعامل مع رأي عام شعبي أن يعمل فيها على المدى المتوسط إلى
الفصل األول :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية
يمكنه أن يتعاظم ليشكل تحدي ًا حقيقي ًا الطويل .وإذا ما ظل االستثناء الملكي من
لمدى سيطرتها على السلطة .وسواء حمى االنتفاضات (المذكور آنف ًا) قائم ًا ،فإن
حققت االنتفاضتان الشعبيتان في تونس من صالحها أن تمضي في طريق اإلصالح
ومصر نجاحا في إحداث تغيير بنيوي في التدريجي وتتحاشى التدخالت المدمرة في
مجتمعهما في النهاية أم لم ال ،فقد أدخلتا الجهود اإلصالحية للدول المجاورة.
عنصرا جديدا ال يمكن التنبؤ به في السياسات
العربية .ولن يكون الحكام المستبدون في سوريا
المنطقة قادرين أبداً على اإلحساس بالثقة
والرضا بالدرجة التي كانوا عليها ذات يوم إن عدم اصطفاف سوريا مع الحكام
من أن حكمهم سيدوم إلى األبد. العرب الموالين للغرب وضعها في موقع
منفصل عن التوجهات في المنطقة ،وظن
البعض أن هذا سيمنحها بعض المناعة من
3-1األفكار والنتائج المتمخضة عن االحتجاجات الشعبية ،إال أنه ثبت عدم صحته
النقاش قدم الرئيس األسد تنازالت على شكلذلك إذ ّ
رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ عقود،
إذا أردنا التحدث عن الجهات الحكومية ال ،كما هدد بقمع أكثر قسوة مع استمرارمث ً
المحلية الفاعلة علينا أن نبحث أو ًال في هوية االحتجاجات الشعبية في التصاعد واالنتشار.
الجهات التي تشكل الدولة في المنطقة
31
العربية .من الواضح أنه يوجد في جميع الدول خالصة النتائج
العربية جماعتان رئيسيتان تمتلكان سلطة
كبيرة ،وهما الجيش ونخبة أصحاب األعمال. إن النتيجة النهائية لالنتفاضات الديمقراطية
أما بالنسبة للنخبة السياسية الحاكمة فهي في الشرق األوسط ستصوغها تفاعالت
تتشكل في الغالب من واحدة من هاتين مركبة بين أطراف فاعلة مختلفة من ضمنها
الجماعتين إن لم يكن من كليهما (كما الجهات الحكومية المحلية – سواء أكانت
كان الحال بالنسبة لعهد مبارك) .من هنا، جديدة التحول إلى الديمقراطية كما هي
وفي ضوء السلطة التي تمتلكها هاتان الحال بالنسبة لمصر وتونس ،أم كانت
الجماعتان ينبغي على المرء أن يتوخى تعمل في الظاهر على اإلصالح كالمغرب،
الحذر بشأن المدى الذي يمكن أن تحدث فيه أم دو ًال استبدادية متشبثة بسياساتها،
ثورة كاملة على المستوى السياسي ،سواء وخاصة السعودية وإيران .وسوف تستعمل
في مصر أو تونس أو أي مكان آخر. القوى الخارجية نفوذها ،خصوصا أوروبا
والواليات المتحدة ،وهي مضطرة اآلن
السلطة المركزية للجيش بسبب ضغط األحداث إلى إعادة النظر في
االفتراضات القديمة من حيث ما هي أفضل
يمتلك الجيش سلطة كبيرة بصفته جهة طريقة لحماية مصالحها القومية الحيوية.
حكومية فاعلة في كافة الدول العربية .في
الواقع ،كان ‘نجاح’ االحتجاجات ،إلى حد ما، إن من العوامل الجديدة في هذه المعادلة
في إسقاط األنظمة متوقف ًا على الموقف المعقدة هي قوة المواطنين العرب
النهائي الذي تتخذه القوات المسلحة مع أنفسهم ،ال سيما النخب الشابة المتطورة
المحتجين أو ضدهم .من ناحية ثانية ،وبينما من أبناء المدن .وليست الحكومات العربية
إعاقة الجيش في الحصول على تلك كان ينظر إلى الجيش في مصر على أنه
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
المنافع. ‘المنقذ للشعب’ إال أنه ظل في دول أخرى
يمثل قوة محافِظة .وفي الواقع ،إذا كان
تشكل الحالة المصرية إشارة تحذير بشأن الجيش في تونس ومصر قد أخذ جانب ًا مؤيداً
الصعوبات المتعلقة بتحقيق ثورة مكتملة للشعب ضد بن علي ومبارك ،فقد فعل
األركان حتى لو كان الجيش يدعم إجراء ذلك انطالق ًا من مصلحته الذاتية ،وفقط
تغيير في النظام ،كما أنها تسلط الضوء عندما أصبح من غير المجدي له مواصلة دعم
على النزعة المحافظة التي قد تعيق تغيير الدكتاتور المطاح به .من المهم لنا أن نفهم
النظام في دول لم يحدث فيها التغيير هذا الدافع كي نكون واقعيين بشأن المدى
بعد .ومن األهمية بمكان أن نشير إلى أمثلة الذي يمكن أن يذهب إليه التغيير الجذري
تاريخية دعم فيها الجيش عملية التحول والمدى الذي سيحدث به هذا التغيير تحت
الديمقراطي كاملة (كالبرازيل مث ً
ال) أو أصبح إشراف الجيش.
حارس ًا للديمقراطية (كما في تركيا) – ومن
شأن هذه األمثلة أن تحيي األمل في أن لقد أشارت القرارات التي اتخذها الجيش في
الجيش في مصر ودول عربية أخرى سوف مصر ،على سبيل المثال ،إلى أن الجيش غير
يدعم -في ظل الضغط المناسب من راغب في متابعة اإلصالح الكامل لكل جهاز
الخارج ولكن من الشعوب نفسها أيض ًا- ّ
ويشكل إقرار الدولة وغير مستعد لذلك.
اإلصالح الحقيقي بد ًال من الحفاظ على قانون جديد يحظر اإلضرابات واالحتجاجات
الوضع القائم. التي تعيق عمل المؤسسات العامة –
والذي قد تؤدي مخالفته إلى الحبس – 32
الحضور القوي والدائم للنخبة الحاكمة مؤشرا واضحا على ذلك .وال تزال أعمال
والرأسماليين المقربين التعذيب مستمرة في أعقاب سقوط مبارك
وتضييق الخناق على جهاز أمن الدولة ،بل
تتسم االقتصادات العربية إلى حد كبير ثمة ما هو أشد صدم ًا من ذلك وهو ورود
بوجود رأسمالية مؤلفة من المقربين حيث شكاوى من إجراء فحوص للعذرية لبعض
تصبح نخبة قطاع األعمال في الغالب النساء الالتي شاركن في التظاهرات.
جزءاً من النخبة الحاكمة أو مستفيدة من كما يدل تردد الجيش في تعيين حكومة
الصفقات التجارية ذات االمتيازات نظراً تكنوقراط انتقالية على عدم رغبته في
لعالقاتها الشخصية الوثيقة مع النظام. ضمان أن االنتخابات القادمة ستكون حرة
تشكل هذه العالقة الوثيقة على نحو ال ونزيهة وأن السياسيين من النظام السابق
يمكن تالفيه عائق ًا إضافي ًا أمام النجاح الكامل ال يتمتعون بأفضلية على أحزاب المعارضة
للثورة أو للتحول الديمقراطي – وعلى األرجح التي تواجه تحدي ًا يتمثل في بناء نفسها
أن يكون الرأسماليون المقربون تواقين في فترة زمنية قصيرة للغاية .أخيراً ،استفاد
إلى حماية مصالحهم وامتيازاتهم التي الجيش في مصر – شأنه شأن الجيوش في
تكمن في المحافظة على سلطة الحرس مناطق عربية أخرى -من األنظمة الحاكمة
القديم وبالتالي من المرجح أن يستخدموا حيث حصل على قدر كبير من السلطة
نفوذهم المالي للتأثير على الجهود الرامية واالحترام واالمتيازات المالية بسبب عالقاته
إلى إصالح جهاز الدولة .وعلى الرغم من الوثيقة والشخصية غالب ًا مع رؤساء مختلف
المالحقة القضائية لبعض كبار زعماء المال الدول .ومن المحتمل أن ال يلقى أي إصالح
بتهم تتعلق بالفساد (من ضمن تهم أخرى) يتوجب حدوثه قبوال حسنا إذا ما أدى إلى
تواجهه الملكيات يتيح لها التعامل على مثل قضية أحمد عز في مصر ،إال أن غالبية
الفصل األول :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية
نحو أكثر انفتاح ًا مع إمكانية اإلصالح بينما في طبقة أصحاب األعمال ال تزال متحصنة بقوة
بلدان مثل سوريا – حيث غدت شرعية القيادة في الدول العربية .وينطبق هذا أيض ًا حتى
بحد ذاتها موضع شك -أدت الحاجة إلى عند تشكيل حكومات جديدة ال تشتمل
البقاء إلى ردود أشد تطرف ًا وعنف ًا .يجب علينا على الحضور المعتاد لكبار رجال األعمال.
أن نأخذ بعين االعتبار هذه العوامل المحركة وبالتالي ،يتوجب على أية دراسة تتناول
المختلفة بين األنظمة الملكية وغير الملكية كيفية زيادة فرص حدوث إصالح كامل أن
عند محاولتنا معرفة المدى الذي تستطيع أو تأخذ بعين االعتبار الحضور القوي لنخبة
تريد الجهات الحكومية الفاعلة أن تستجيب األعمال التي تكون –في معظم الحاالت-
به لالنتفاضات في بلدانها. محافظة وغير ميالة إلى دعم إصالحات قد
تؤثر على مصالحها.
ومع ذلك ،فعلى الرغم من أنه ما من بلد في
الشرق األوسط شهد لغاية اآلن ثورة سياسية الفرد بصفته الفاعل الرئيسي في التغيير
كاملة (يرافقها تطهير كامل لجهاز الدولة
من عناصر النظام السابق ورغبة تامة في رغم أنه يجدر بالمرء أن يظل متفائ ً
ال فيما
التخلص من الفساد والظلم ...إلى آخره) يتعلق بالتطورات السياسية في الشرق
إال أننا ال نقلل هنا من شأن االنتفاضات في األوسط ،من المهم أن يتوخى جانب الحذر
المنطقة .في واقع األمر ،وإن لم تحدث ثورة من احتماالت التغيير التام .وعلى المرء
سياسية ،فلقد حدثت ثورة فردية حيث يبدو أيض ًا أن يتذكر ،إلى حد ما ،العواقب الوخيمة
33
أن األفراد في المنطقة العربية يتحولون لثورات سابقة قامت أيض ًا أثناء تصويبها
من تابعين إلى مواطنين يتبنون الخطاب لألخطاء بمعاقبة طبقات اجتماعية برمتها
الحقوقي الذي يرافق الصحوة الديمقراطية. دون تمييز – وأحيان ًا على نحو غير منصف.
كما اشتمل خطاب االحتجاجات على يجب أن يكون السبيل التي يسلكه التغيير
ً
معبرة عن غضبه المناداة بالكرامة اإلنسانية مدروسا بروية وذلك للتأكد من وجود توازن
من اإلذالل الذي يتعرض له الفرد على يد بين المصالحة المناسبة والتقيد المتزامن
القادة وعن رغبته في احترام الفرد كآدمي .إن بالحقوق.
صعود الفرد بصفته جزءاً مركزي ًا من خطاب
االحتجاج هو من أهم مميزات االحتجاجات من الصعب إذن أن نكون قادرين على
العربية وهو عنصر من شأنه أن يوفر األرضية توقع ما إذا كان سيتم حل الحزب الوطني
الخصبة لتقدم حقوق اإلنسان األساسية. الديمقراطي في مصر والتجمع الديمقراطي
الدستوري في تونس ح ً
ال تام ًا أم أنهما
سيتحوالن إلى أحزاب أخرى .وإنه على قدر أكبر
من الصعوبة التنبؤ بما ستقوم به الجهات
الحكومية الفاعلة في دول أخرى؛ فعلى
سبيل المثال بدت األنظمة الملكية في
المنطقة –في الوقت الحالي على األقل-
أكثر صموداً لالنتفاضات حيث لم يستهدف
المحتجون بدرجة كبيرة إسقاط الملكية
بل إجراء تغييرات في النظام وتحسينات
اجتماعية .وهذا الخطر األقل حدة الذي
الفصل الثاني :منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الدولية
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
رمزي بليل (تونس)
34
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
في الجنوب في تغيير هذا الموقف؛ بل إن في آن واحد داخل المؤسسات األوروبية
الخطر يكمن في إمكانية أن تسعى بعض ويعكسان مدى الصعوبة في التوفيق بين
األحزاب السياسية اليمينية المتطرفة التي الشواغل المتباينة.
أجّ جت المخاوف من اإلسالم في مجتمعاتها
بربط مسألة التنقل بعلمنة المجتمعات أعلنت الممثلة السامية لالتحاد األوروبي
العربية وليس بإرساء الديمقراطية فيها. لشؤون السياسة الخارجية واألمن ،كاثرين
آشتون ،عن خطة أوروبية جديدة لها ثالثة
وبالنسبة لمجتمع حقوق اإلنسان ،ثمة حاجة عناصر هي المال والولوج إلى األسواق
ملحة للترويج لمبدأ التنقل كحق من حقوق والتنقل .وسوف يكون عنصر المال على
التنمية البشرية .إن الشباب العربي بحاجة األرجح العنصر األسهل تنفيذا بالنسبة ألوروبا؛
إلى اإللتحاق بالمؤسسات التعليمية ومزاولة أما عنصر الولوج إلى األسواق ،أي إزالة القيود
التدريب المهني في بلدان الشمال من أجل المفروضة على وصول بضائع معينة من
المساهمة في اندماجهم في اقتصادات الصناعات الحاسمة للتنمية االقتصادية في
بلدانهم األصلية وتحفيز النمو االقتصادي. بلدان الجنوب (المنتجات والصناعات الزراعية
وتُعتبر برامج االتحاد األوروبي التي تنظم والمنسوجات) ،فستواجه على األرجح بعض
تداول المهنيين من الشباب العرب جانبا المعارضة من بلدان جنوب أوروبا؛ أما العنصر
أساسيا في التنمية المشتركة مع الجنوب الثالث المتمثل في التنقل فهو األكثر
ً
رغبة في تدعي الحكومات األوروبية
التي ّ إشكالية من وجهة النظر في أوروبا ومن
إقامتها. المستبعد أن يتحقق قريبا .غير أنه الجانب األبرز 36
واألهم من جوانب هذه العالقة ،إن البلدان
ثان ًيا .التحديات المقبلة األوروبية تعلم ،من الناحية المنطقية ،بأن
اقتصاداتها تحتاج إلى اليد العاملة المهاجرة
)1التشارك مع أنظمة ديمقراطية ولكن هذه البلدان عاجزة سياسيا عن تسويق
تحمل حكومتا تونس ومصر في مرحلة هذه الحقيقة للرأي العام فيها .وما نراه في
ما بعد االستبداد توقعات كبيرة من أوروبا. المقابل هو تخوف مفرط من المهاجرين غير
وهما تعتبران أنهما أنجزتا ثورتيهما باالعتماد الشرعيين الذين يحطون رحالهم في جزيرة
على قوتهما الذاتية .إن التراجع عن الماضي وإحياء لمتالزمة «قوارب الموت».
ٌ المبيدوزا
وبناء مؤسسات ديمقراطية سيجري إلى حد
كبير بواسطة عمليات أصيلة داخلية .غير أن لقد بِتنا نشهد تراجعا في موقف القادة
التنمية االقتصادية والوعد بمستقبل أفضل السياسيين مثل المستشارة األلمانية أنجيال
ال يمكن أن يتحققا دون دعم خارجي. ميركل والرئيس الفرنسي نيكوال ساركوزي
الذين أعلنا على المأل «فشل التعددية
سوف تبحث حكومتا مصر وتونس ،بعد أن الثقافية» كنموذج لمجتمعيهما ودعيا إلى
أصبح بوسعهما القول إنهما تمثالن اآلن ضرورة الدفاع عن الهوية الوطنية والثقافة
نظاما سياسيا شرعيا ،عن الدعم التقني األصلية (في تشرين األول/أكتوبر 2010و شباط/
في الكثير من المجاالت .وثمة رسالة واضحة فبراير 2011على التوالي) .إن تصريحاتهما
تبعث بها كلتا الحكومتين تفيد بأن الدعم هذه تتناقض ومصالحهما االجتماعية
الموجه لتعزيز حقوق اإلنسان والديمقراطية واالقتصادية ،غير أن نجاتهما سياسيا هي
ليس أولوية .فما هم بحاجة ماسة إليه هو األولية كما يتضح من ذلك .وفي هذا الصدد،
بين أوروبا وكافة البلدان العربية .وهذا إنجاز الدعم المالي واالقتصادي والتدابير التجارية
الفصل الثاني :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية
كبير لمجتمع حقوق اإلنسان وال رجعة فيه. التي من شأنها أن تساعدهم في مواجهة
وفي مواجهة القمع المتواصل ،تعكف التحديات الهائلة للتنمية االقتصادية،
البلدان األوروبية بسرعة على نشر مجموعة وتلبية االحتياجات الملحة في مجال اإلغاثة
من اآلليات التي تتيح لها ممارسة الضغط االجتماعية .وهم ،إلى اآلن ،لم يروا ارتفاعا في
على الحكومات االستبدادية ،إذ تقوم حجم المساعدات االقتصادية التي يخصصها
بالتصعيد الحذر في صياغة البيانات العامة االتحاد األوروبي إلى أكثر مما كانت عليه في
التي تدين العنف وتشير إلى النتيجة السابق.
المتمثلة في فقدان الشرعية وإلى التدابير
المالية والقانونية التي تستهدف أفرادا إن تغيير المواقف في طريقة تقديم
محددين من النخبة الحاكمة؛ وتقوم كذلك المساعدات وإدارة التحديات سيكون مهما
باستخدام المحافل الدبلوماسية المختلفة بقدر أهمية حجم المساعدات نفسها.
(مؤسسات االتحاد األوروبي ،ومجلس فللحكومات العربية الديمقراطية ما يبرر
األمن التابع لألمم المتحدة ،والهيئات سعيها إلى عالقة قائمة على شراكة حقيقية
المتخصصة التابعة لألمم المتحدة)؛ تحترم أولوياتها.
والتنسيق مع منظمات حقوق اإلنسان غير
الحكومية والتهديد بالمالحقة القضائية )2التعامل مع الحكومات غير الشرعية
عبر المؤسسات القضائية الدولية أو القيام بدت مصر وتونس بأنهما قد شقتا طريقا
بذلك فعليا. لالنتقال السلمي بعيدا عن االستبداد ،بيد
37
أن استجابة نظام القذافي للثورة في ليبيا
الخالصة تشير إلى سيناريوهات أكثر عنفا في سياقات
أخرى ،في حين أن البحرين وسوريا توحيان
تدرك البلدان األوروبية جيدا بأن نجاح االنتقال بأن الحكومات األوروبية سوف تواجه في
في مصر وتونس نحو نظام ديمقراطي ً
ضرورة الشهور وربما في السنوات القادمة
مستقر سوف يكون بمثابة مثال للبلدان لتحديد مواقفها نحو األنظمة السياسية
األخرى .وقد أصبح اآلن بإمكان العالقات التي ستظل استبدادية.
القوية بين منظمات حقوق اإلنسان العربية
والدولية القائمة على القيم المشتركة أن تواجه تلك الحكومة معضلة رئيسية تتمثل
تستفيد من أرضية العمل الجديدة في هذين في أن الدفاع عن األنظمة االستبدادية الباقية
البلدين .وينبغي لجماعات حقوق اإلنسان قد بات أمرا غير ممكن .فقد تواصل بلدان
في مصر وتونس أن تشارك بصورة أكبر االتحاد األوروبي عالقاتها التجارية وتعاونها
في كل مجال تقريبا في إطار النظام لكي األمني مع تلك األنظمة بطرق خفية .ولكن
تغرس قواعدها في المؤسسات والوثائق متى ما تعبأت الشعوب في هذه البلدان
القانونية التأسيسية وهي ما تزال في طور وواجهت القمع ،فإنه سيستحيل سياسيا
التغيير. تبرير االستمرار في العمل كالمعتاد ،مهما
كانت أهمية المصالح القائمة.
وعلى المستوى الحكومي الدولي ،سوف
تالحظ الحكومات األوروبية على األرجح بأن شق جدول أعمال حقوق اإلنسان طريقهلقد ّ
الحكومات الديمقراطية العربية ستكون بقوة وفرض نفسه على العالقات القائمة عبر
أكثر حزما في الضغط لوضع مصالحها المنطقة المتوسطية ،وعلى نطاق أوسع
هذا ،لم يكن جفيرسون وحده من يحمل هذه واحتياجاتها في صلب جدول األعمال
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
المشاعر؛ إن اإليمان بالديمقراطية هو من وجعلها المحرك للشراكة األورو-متوسطية.
أعمق القيم المتجذرة على نطاق واسع في وال تستطيع أي حكومة ديمقراطية أن
أمريكا .ومع ذلك ،وعلى الرغم من أن دعم تجازف بأن تبدو وكأنها الحارس أو الشرطي
الديمقراطية ظل دائما يرد في الخطابات ألمن أوروبا في مقابل إيداع أصولها المالية
الرئاسية ،إال أن النهوض بالديمقراطية المكتسبة بطرق غير مشروعة في بنوك
بوصفه عنصرا رئيسيا في سياسة الواليات أوروبية ،أو توافق على سياسيات اقتصادية
المتحدة في الشرق األوسط يمثل أمرا جديدا تنطوي على تضحيات ال يطيقها شعبها.
نسبيا .ووفقا للباحث كين واالك ،رئيس إن من الموروثات المؤلمة التي خلفتها
المعهد الوطني للديمقراطية“ ،أتت نقطة السلطوية المستبدة كب ُتها للحوار اإلقليمي
االنعطاف في السياسية األمريكية ...أثناء بشأن النموذج المناسب للتنمية االقتصادية
عقد الثمانينات من القرن الماضي عندما تم وبشأن المسؤوليات االجتماعية األساسية
استقاء درس مهم حول التحول السياسي التي ينبغي أن تضطلع بها الدولة .ومن
في بلدان مثل شيلي ونيكاراغوا والفلبين موروثاتها أيضا أنها سمحت بقواعد
...فالقوى السياسية في أقصى اليمين السوق الالإنسانية بأن تسود بدال من تلك
وفي أقصى اليسار تمتعت بعالقات تعزز المسؤوليات االجتماعية األساسية .أما اآلن،
بعضها بعضا ،مما أدى إلى تهميش القوى فستكون لدى الحكومات الديمقراطية
الديمقراطية التي تقع في الوسط” 2.لقد في الجنوب السلطة المعنوية والسياسية
تحدث الرؤساء ريغان وجورج أتش .دبليو. لالنخراط في عملية تشاورية مع أوروبا من
بوش وكلنتون بقوة تأيدا للديمقراطية؛ إال أجل إعادة تحديد حجم الدولة ودورها من أجل 38
أنه وحتى وصول إدارة الرئيس جورج دبليو نموذج إنمائي أكثر إنسانية.
بوش ،لم تكن فكرة النهوض بالديمقراطية
في صلب السياسة األمريكية نحو الشرق 2-2نهج الواليات المتحدة األمريكية
األوسط. للنهوض بالديمقراطية في الشرق
األوسط
إن اعتناق إدارة الرئيس بوش لفكرة النهوض
بالديمقراطية لم يجعلها تخرج عن كونها مايكل سينغ
ركنا من أركان السياسة األمريكية في معهد واشنطن لسياسات الشرق األدنى،
المنطقة ،بل أن العكس هو الصحيح .فقد واشنطن العاصمة
اختلطت جهود النهوض بالديمقراطية
مع سياسات أخرى سعت لها إدارة الرئيس ثمة جذور عميقة لفكرة النهوض
بوش ،وأهمها الحرب في العراق والحملة بالديمقراطية لدى الحكومة األمريكية ،وربما
التي تقودها الواليات المتحدة لمكافحة تعود إلى عهد توماس جفيرسون .ففي عام
اإلرهاب في العالم – مما أدى إلى حالة ،1793عندما كانت الثورية الفرنسية تتحول
من االستقطاب في مجتمع السياسيين إلى الفوضى والوحشية ،كتب جفيرسون
األمريكيين بحلول عام .2008وانتقد محللون “كنت سأفضل أن يخرب نصف األرض ،بدال
من اليسار مساعي النهوض بالديمقراطية من أن تفشل الثورة” .وواصل القول“ ،ولو لم
أثناء عهد الرئيس بوش بوصفها مفرطة يتبق سوى آدم واحد وحواء واحدة في كل َ
في اعتمادها على القوة العسكرية، بلد وأن يكونا أحرارا ،لكان أفضل مما هو عليه
ومختلطة على نحو غير مالئم مع جهود الحال اآلن .”1وعلى الرغم من كل حماسه
ولكن هؤالء النقاد أنفسهم ينزعون إلى مكافحة اإلرهاب ،وغير متسقة .حتى أن
الفصل الثاني :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية
الخلط بين نقدهم لجهود اإلدارة األمريكية الباحثة مارينا أوتواي من مؤسسة كارنيغي
للنهوض بالديمقراطية وبين عدم رضاهم للسالم الدولي ذهبت إلى القول إن “جهود
عن سياسات أمريكية أخرى في المنطقة. النهوض بالديمقراطية في الشرق األوسط
فالمحلل نفسه ،على سبيل المثال ،قال 3
لم تؤ ِد إلى نتائج إيجابية”.
أن استثمار جهود أكبر في المفاوضات
كان”ضرورة الفلسطينية اإلسرائيلية على الرغم من مثل هذه اآلراء ،وبصرف النظر
إستراتيجية” لتحسين جهود واشنطن في عن موقف المرء من حرب العراق أو الجهود
نشر الديمقراطية .ونصح بأن “الفرصة للدفع الدولية لمكافحة اإلرهاب ،ثمة أدلة تشير إلى
بالديمقراطية في الشرق األوسط [ في عهد أن الجهود األمريكية للنهوض بالديمقراطية
الرئيس أوباما] تبدو أقل كثيرا مما كانت عليه خالل الفترة بين عامي 2009-2001قد أدت إلى
6
في عهد سلفه”. نتائج مهمة .فوفقا للباحث واالك“ ،حتى
عام ،2003وفر الحث المتواصل من قبل
ولهذا السبب ،فليس مفاجئا أن ينتهج الرئيس بوش ،وخصوص ًا ما يتعلق بالشرق
الرئيس أوباما نهجا أكثر تواضعا بخصوص األوسط ،قدرا جيدا من الفضاء السياسي
نشر الديمقراطية مقارنة بما انتهجه سلفه. لإلصالح ...وفي الواقع ،أصبحت معايير الحرية
وعندما تم توجيه سؤال لوزيرة الخارجية، والديمقراطية وعلى نحو مضطرد جزءا من
هيالري كلينتون ،فيما إذا كانت ستثير الخطاب العام والمطالب في المنطقة.
قضية حقوق اإلنسان خالل اجتماعها مع وحتى في األماكن التي كان التقدم
39
القادة الصينيين في بكين في شباط/فبراير الديمقراطي فيها ضئيال ،أخذت لغة الجدال
،2009أكدت الوزيرة على أن “تشديدنا على تتغير ،وهذا ليس إنجازا بسيطا” .وفي عام
[حقوق اإلنسان] لن يتدخل في حواراتنا ،2001صنفت مؤسسة “فريدوم هاوس” أربعة
بشأن األزمة االقتصادية العالمية ،وأزمة عشر بلدا من بلدان الشرق األوسط وشمال
تغير المناخ العالمية ،وأزمة األمن” 7.وذكر إفريقيا على أنها “ليست حرة” ،وثالثة بلدان
الرئيس أوباما موضوع الديمقراطية بوصفه أخرى على أنها “حرة جزئيا” .وفي عام 2008
الموضوع الخامس من ضمن سبعة قاضيا 4
أصبح الرقم 11و 6على التوالي.
طرحها للنقاش في الخطاب الذي ألقاه
في القاهرة في 4حزيران/يونيو ،2009ولكنه بيد أنه عندما وصلت إدارة الرئيس أوباما ،ظهر
تعرض للنقد ألنه ظهر غير مهتم باحتجاجات أن نفورا كبيرا بدء ينتشر بين اليسار السياسي
المعارضة في إيران التي جرت قبل بضعة نحو النهج العام الذي انتهجه الرئيس بوش
أيام فقط من يوم إلقاء الخطاب .وأدلى فيما يخص الشرق األوسط ،وأن هذا النفور
نائب الرئيس ،جوزيف بايدن ،بتعليقات حول قد يدشن نهاية جهود واشنطن للنهوض
الموضوع أثناء مشاركته في مؤتمر أمني بالديمقراطية في المنطقة .وقد وجه
عقد في ميونخ في 7شباط/فبراير ،2009 منتقدو إدارة الرئيس بوش اتهاما لها بخلط
وأوضح النهج الذي تنتهجه إدارة أوباما بشأن جهود النهوض بالديمقراطية على نحو غير
قضية النهوض بالديمقراطية ،إذ قال نائب مالئم مع أهداف غير متعلقة بها ،وقال أحد
الرئيس“ :لقد وضعت إدارتنا أهدافا طموحة... المحللين إن ذلك أدى إلى “إرسال رسالة بأن
الدفع بالديمقراطية ليس من خالل فرضها أجندة الديمقراطية والحرية تتعلق قبل كل
بالقوة من الخارج ،وإنما من خالل العمل شيء بمصالح ذاتية وتهدف إلى تحويل
مع المعتدلين في الحكومات والمجتمع 5
المجتمعات لتحقيق مصالح أمريكية”.
الدوحة أمام القادة العرب ،ودعت بلدان المدني لبناء المؤسسات التي تحمي
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
المنطقة إلى “إجراء اإلصالحات السياسية الحرية” 8.لقد شكل تصريح نائب الرئيس،
التي من شأنها خلق الفضاء الذي يطالب به بايدن ،إشارة مبكرة على الخطوط األساسية
الشباب ،كي يشاركوا في الشؤون العامة لنهج أوباما – نبذ سياسة الرئيس بوش
وأن يكون لهم دور مهم في اتخاذ القرارات بشأن نشر الديمقراطية ،والتركيز على جهود
التي تؤثر على حياتهم” .إضافة إلى ذلك، المجتمع المدني “من أسفل الهرم إلى
تضمنت ميزانية اإلدارة األمريكية للعام 2011 أعاله” وبناء المؤسسات بدال من الضغط
زيادة في تمويل دعم الديمقراطية في من األعلى إلى األسفل على حكومات
الشرق األوسط. المنطقة .ثمة عناصر محددة من نهج أوباما
نالت دعما واسع النطاق ،مثل التأكيد على
ولكن من غير الواضح مدى التغير الذي حرية شبكة اإلنترنت وإمكانية الحصول على
حدث ،وقد أثيرت تساؤالت في هذا الصدد التكنولوجيا؛ في حين تعرضت جوانب أخرى
بسبب استجابة إدارة الرئيس أوباما البطيئة إلى النقد ،مثل تقليص دور الواليات المتحدة
وغير المتسقة الحتجاجات حركات المعارضة في قيادة الديمقراطية ،والتركيز على الحكم
في تونس ومصر وليبيا وأماكن أخرى .إن بدال من نشر الديمقراطية ،والتركيز على
الميزانية األمريكية المخصصة للبرامج النزاع اإلسرائيلي الفلسطيني كوسيلة
الخاصة “بالديمقراطية” في الشرق األوسط للتصدي لقضايا إقليمية.
تتزايد ،ولكنها تظل مركزة إلى حد بعيد على
جانب “الحكم” بدال من التغيير السياسي. ومع مرور الوقت ،ظهر أن إدارة أوباما تضع
كما ظل التغيير الذي جرى لطريقة تسليم تركيزا أكبر على الديمقراطية في خطابها 40
المساعدات على حاله ،مثال المتطلبات العام .وقد يكون ذلك ناشئا عن تضاؤل
بوجوب أن يمر التمويل األمريكي النزعة مع مرور الوقت التخاذ مواقف سياسية
للديمقراطية عبر منظمات غير حكومية مختلفة بوضوح عن مواقف إدارة الرئيس
حائزة على موافقة الحكومة المصرية بوش ،أو نتيجة لالنتقادات التي تعرضت لها
(السابقة) .حتى مستويات التمويل بدت اإلدارة في إعقاب استجابتها المثيرة للحيرة
أنها تتأثر بالرغبة بتحسين العالقات مع لالحتجاجات التي جرت في إيران في عام .2009
األنظمة الموجودة في المنطقة .فقد أشار وقد ألقى الرئيس أوباما خطابا أمام الجمعية
'المشروع الخاص بالديمقراطية في الشرق العامة لألمم المتحدة في أيلول/سبتمبر
األوسط' إلى المالحظات التالية فيما يخص 2010حاجج فيه بقوة على أهمية النهوض
المساعدات األمريكية لمصر: بالديمقراطية .وقد أكد على أن “أولئك الذين
يدافعون عن القيم [العالمية] لشعوبهم
“لقد اقترحت اإلدارة األمريكية أن مصر تفتقر ظلوا أقرب أصدقائنا وحلفائنا ،بينما اختار
للقدرة كي تستوعب على نحو مالئم الذين ينكرون هذه الحقوق – سواء كانوا
مستوى التمويل للديمقراطية والحكم مجموعات إرهابية أو حكومات استبدادية
والمخصص للسنة المالية 2006وحتى – أن يظلوا أعداء لنا” .كما صرح أيض ًا“ ،إن
السنة المالية ،2008مما دفع إلى حدوث الديمقراطية تحقق الكثير للمواطنين ،وأكثر
تقليص كبير في ميزانية السنة المالية .2009 من أي نظام حكم آخر .وهذه الحقيقة ستزداد
وإذا كانت الضفة الغربية وغزة ولبنان (وكل قوة في هذا العالم الذي أخذت تتالشى فيه
منها يقل عدد سكانه عن 5ماليين نسمة) الحدود” 9.وفي كانون الثاني/يناير ،2011ألقت
تستطيع استيعاب 41.5مليون دوالر أمريكي وزيرة الخارجية ،هيالري كلينتون ،خطابا في
األمرين مع ًا .وأصبحت هذه الفكرة مرفوضة و 23.2مليون دوالر أمريكي على التوالي من
الفصل الثاني :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية
حالي ًا ،على األقل من الناحية النظرية إن لم التمويل للديمقراطية والحكم ،فسيبدو من
يكن في الممارسة العملية دائما ،وذلك غير المرجح أن مصر (والتي يبلغ عدد سكانها
من قبل إدارتي الرئيسين بوش وأوباما .لقد 80مليون نسمة ويوجد فيها أكثر من 15,000
دحضت وزيرة الخارجية السابقة كونداليسا منظمة غير حكومة) غير قادرة على استيعاب
رايس فكرة أن الواليات المتحدة يمكنها أن 01
25مليون دوالر من هذا النوع من التمويل”.
تشتري االستقرار على حساب الديمقراطية،
وذلك في خطاب ألقته في عام 2005في وعلى نحو مماثل ،وفيما أثار خطاب الرئيس
الجامعة األمريكية في القاهرة ،وقد حددت أوباما في األمم المتحدة وخطاب الوزيرة
في الخطاب عددا من اإلصالحات السياسية كلينتون في الدوحة الكثير من الحماس ،إال
المحددة التي كانت الحكومة تضغط على أنهما لم يحددا أي بلد أو إجراء محدد ترغب
الحكومة المصرية كي تنفذها .وفي مناظرة الواليات المتحدة من قادة المنطقة أن
أثناء االنتخابات الرئاسية األمريكية جرت عام يقوموا به .وفيما أصبحت الخطابات أكثر
،2007أكد أوباما الذي كان حينها مرشحا قوة ،ظل النهج األساسي كما هو حتى بدأت
للرئاسة ،على ما ذهبت إليه الوزيرة رايس انتفاضات عام ،2011والذي يتمثل في التركيز
إذ قال أن حقوق اإلنسان واألمن القومي الكبير على الحكم والجهود الموجهة من
“ليسا أمرين متعارضين ...بل هما يكمالن القاعدة الشعبية نحو أعلى الهرم السياسي،
11
بعضهما”. مع حد أدنى من الضغط على الحكومات.
ستؤدي هذه الثورات من دون شك إلى إعادة
41
لقد أظهرت األحداث األخيرة في الشرق تقييم لنهج الواليات المتحدة حول النهوض
األوسط أن االستقرار الذي قدمته األنظمة بالديمقراطية في الشرق األوسط وما
الديكتاتورية يمكن أن يكون وهما ،وفي يتجاوزه ،ولكن ما زال الوقت مبكرا لتحديد
حين يوفر التاريخ أدلة عديدة على أن الكيفية التي ستؤثر فيها على سياسية
الديمقراطية تعزز السالم بعيد األمد واالزدهار، الواليات المتحدة .ستتعرض واشنطن
فإنني أوضحت في مقالة نشرتها مؤخراً هذا لضغوط متعارضة كي تدفع نحو اإلصالح
االنقسام على النحو التالي: السياسي من ناحية ،وكي تعزز التحالف
اإلقليمي من ناحية أخرى .وسيتعين على
“عند ركوب الزوارق النهرية الصغيرة، إدارة الرئيس أوباما واإلدارات التي ستليها أن
يمكنك أن تختار أحد نوعين من تحدد ما إذا كانت هذه الجهود تكمل بعضها
االستقرار ،ولكن ال يمكنك الحصول أم أنها متعارضة بالضرورة.
عليهما مع ًا .فالزورق مسطح القعر
له إمكانية “استقرار أولي” كبيرة – إذ المصالح األمريكية والنهوض
يمخر المياه بسالسة ،وال يرتج لألمام بالديمقراطية
والخلف .ولكنه يتميز بمستوى
منخفض من “االستقرار النهائي” – ما زالت هناك أفكار متبقية من الفترة السابقة
ففي المياه المتدفقة ،ينزع الزورق إلى في واشنطن ،وهي أنه يتعين علينا االختيار
االنقالب بسرعة وبصفة كارثية .أما ما بين تشجيع االستقرار وبين النهوض
الزورق ذو القعر المدبب ،فهو عكس بالديمقراطية في الشرق األوسط .وبمعنى
ذلك تمام ًا ،فهو يوفر مستوى استقرار آخر ،يمكن لنا إما أن ندفع بمصالحنا أو أن
أولي منخفض ،مما يتطلب جهدا كبيرا نلتزم بقيمنا ولكن ال يمكن لنا القيام بكال
لهذا التعبير .ولذلك ،يمكن للنهوض لتوجيهه ،كما ينزع للتأرجح المستمر
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
بالديمقراطية على المدى البعيد أن تخدم من جانب إلى آخر .ولكن هذا النوع
المصالح الواضحة للواليات المتحدة من من الزوارق أسرع وأكثر فاعلية ،كما أن
حيث االستقرار اإلقليمي في الشرق األوسط. مستوى االستقرار النهائي الكبير يعني
أنها ال تنقلب في المياه المتدفقة،
وإلى جانب توطيد االستقرار السياسي ويمكن إعادته إلى الوضع المطلوب
على المدى البعيد ،يمكن لجهود النهوض حتى عندما ينقلب”.
بالديمقراطية أيضا أن تحافظ على تأثير
الواليات المتحدة من خالل التحول في وال يختلف األمر فيما يتعلق باألنظمة
األنظمة الحاكمة .إن االعتماد على دكتاتور الدكتاتورية. واألنظمة الديمقراطية
فرد للحفاظ على العالقات الثنائية المهمة فالديمقراطية تتضمن الكثير من الجداالت،
يشبه حافظة استثمارية ال يوجد فيها سوى كما هو واضح في حالة الواليات المتحدة،
نوع واحد من األسهم ،فهذا األمر محفوف إذ ظل التوازن السياسي يتأرجح بين
بالمخاطر ،وبصرف النظر عن ضخامة العوائد اليمين واليسار خالل السنوات الخمس
الموعودة .لقد وصف الباحث لورن كرانير، الماضية ،وحيث يمكن للخطاب السياسي
وهو رئيس المعهد الدولي للمحافظين ،هذا أن يكون صاخب ًا .ومن الناحية األخرى ،نجد
الخطر في شهادة أدلى بها في 9شباط/فبراير أن الدكتاتوريات عادة ما تتمتع باستقرار
2011أمام الكونغرس األمريكي ،إذ قال “إن مصطنع – حتى تصل إلى نقطة االنعطاف،
وجود روابط وثيقة مع الحكام المستبدين ال والتي عادة ما تأتي في وقت أسرع مما هو
يخدم مصالح الواليات المتحدة عندما يسقط متوقع .وهكذا كان الحال في تونس ،والتي 42
هؤالء الحكام من هرم السلطة وعندما يتبع بدت كأنها واحة من الهدوء حتى تحولت
ذلك فراغ سياسي .من المهم عندما تدعو شرارة صغيرة إلى حركة اجتاحت الحكم
الضرورة إلى إقامة عالقات مع حكومات الراسخ لزين العابدين بن علي.
استبدادية أن نخطط لليوم الذي لن تكون
فيه هذه الحكومات في السلطة ،وأن نشجع تفتقر األنظمة الدكتاتورية إلى آليات
ونساعد الجهات التي يمكن أن تحل محلها”. التصحيح الذاتي وللمؤسسات التي توفر
وعلق كرانير أن الواليات المتحدة “واظبت استقرارا راسخا لألنظمة الديمقراطية .فحرية
على تهيئة الجيل القادم من القادة” في التعبير وحرية التجمع وتعددية األحزاب
أوكرانيا وجورجيا وكيرقيزستان ،ولهذا كانت وخضوعها للمساءلة ،واالنتخابات الحرة
في موضع جيد لمواصلة العالقات الجيدة والنزيهة ،واستقالل القضاء ،هي جميعا ما
13
بعد أن حدثت ثورات في تلك البلدان. يؤلف هيكال حيويا للديمقراطية كي توفر
منفذا إلنصاف الناس من تظلماتهم .ولكن
وفي حين وجه المحللون من اليسار ،كما في األنظمة الدكتاتورية ،يتم حرمان الناس
أشرنا أعاله ،انتقادات إلى اإلدارات األمريكية من هذه المنافذ ويظل الغضب يشتعل
السابقة لقيامها بربط جهود النهوض تحت السطح ،ويتفجر بين الفينة والفينة
بالديمقراطية مع الجهود الرامية إلى مكافحة 12
على نحو عنيف.
اإلرهاب ،فإن إدارة أوباما تصرفت بطريقة
صائبة إذ أكدت على أن اإلصالح السياسي هو يبدو هذه التشبيه خيالي ًا ،ولكنه مالئم.
أمر ضروري لمكافحة التطرف .وعلقت الوزيرة فاالستقرار الحقيقي ال يأتي عن طريق قمع
كلينتون في خطابها الذي ألقته في الدوحة التعبير السياسي ،بل بالممارسة المسؤولة
أجل توفير رابط بين الفرعين 15.قد يكون بالقول“ ،إذ لم يقدم القادة رؤيا إيجابية
الفصل الثاني :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية
من المغري ،وأحيانا من المفيد سياسيا، ووفروا للشباب طرقا جدية للمساهمة،
التركيز على واحد فقط من هذه األفرع الثالثة فإن جهات أخرى ستمآل الفراغ .فالعناصر
والتخلي عن الفرعين الباقيين .ولكن من المتطرفة والجماعات اإلرهابية وجهات أخرى
المرجح أن القيام بذلك سيفشل وستكون التي تستغل اليأس والفقر تجتهد حاليا
له نتيجة عكسية .على سبيل المثال ،فإن في الوصول إلى الشباب وتطلب والءهم
الجهود التي تقتصر على العمل من األعلى وتنافس على التأثير عليهم” .وقد أشار
لألسفل أو من األسفل إلى األعلى يمكن أن محللون آخرون إلى أن األنظمة االستبدادية
تبدو متسمة بالنفاق أو أن ترفع اآلمال بالتغيير والجماعات اإلسالمية أحيانا يعززان بعضهما
على نحو غير معقول؛ والتركيز حصريا على بعض ًا (كما أشار الباحث ووالك فيما يخص
بناء المؤسسات قد يؤدي ببساطة إلى زيادة أقصى اليسار وأقصى اليمين في أمريكا
كفاءة األنظمة االستبدادية. الجنوبية) :فاألنظمة االستبدادية تستغل
األحزاب اإلسالمية لتوجيه االضطرابات
إن جهود النهوض بالديمقراطية المتجهة الشعبية ،وفي الوقت نفسه تستغلها
من األعلى لألسفل تتضمن العمل مع لمطالبة الغرب بعدم ممارسة الضغوط
الحكومات أو الضغط عليها كي تفتح مجاال عليها إلجراء إصالحات سياسية 14.وال أعني
للمشاركة الشعبية في السياسيات .وفي بذلك أن الجماعات المتطرفة ال تشكل خطرا
حين أنه من المرجح أن ذلك يتضمن الضغط حقيقيا على الديمقراطيات حديثة النشأة
من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتنافسية، وأنها ال تستطيع استغالل التحول الهش في
43
وإقامة أنظمة لتعددية األحزاب ،إال أنها ال الشرق األوسط.
تقتصر على الدعوة إلجراء انتخابات .وفي
حين تم توجيه انتقادات للواليات المتحدة أخيراً ،تتميز األنظمة القمعية في الشرق
في السابق بسبب تركيزها المفترض على األوسط أيضا بأن لديها مستويات مرتفعة من
االنتخابات وجهود النهوض بالديمقراطية، البطالة والفساد والكساد االقتصادي .وإذا ما
أكد الباحث توم كاروثيرز من مؤسسة ترافق اإلصالح السياسي ونشر الديمقراطية
كارنيجي للسالم الدولي على أن “جهود مع إصالحات اقتصادية وزيادة في حركة
الواليات المتحدة للنهوض بالديمقراطية، األيدي العاملة ورأس المال والبضائع ،فإن
وبرامجها وسياساتها ،في معظمها ،لم الواليات المتحدة واالقتصادات المنفتحة
تعكس تأكيدا حصريا أو حتى طاغيا على األخرى ستستفيد من ذلك.
االنتخابات” 16.والجوانب األخرى من فتح
المجال السياسي تتضمن ،ولكنها ال تقتصر نهج بثالثة أفرع للنهوض بالديمقراطية
على ،زيادة المشاركة (مثال أمام النساء
واألقليات) في السياسة؛ وضمان الحريات عادة ما يكتنف الغموض الحوارات بشأن
المدنية مثل حرية التعبير ،وحرية الصحافة، النهوض بالديمقراطية ألن عبارة النهوض
وحرية التجمع ،وأيضا – كما أضافت الوزيرة بالديمقراطية تعني شيئا مختلفا للناس
كلينتون – “حرية االرتباط واالتصال”؛ وضمان المختلفين .في الواقع فإن نهج ًا شام ً
ال
استقالل القضاء والمجالس التشريعية. للنهوض بالديمقراطية يتطلب ثالثة أفرع:
ويجب على الجهود من األعلى إلى األسفل عمل من األعلى لألسفل مع الحكومات،
أن تركز أيضا على اإلصالح السياسي عمل من األسفل إلى األعلى مع المجتمع
ومكافحة الفساد ،والتي عادة ما تكون المدني ،وجهود لبناء المؤسسات من
ولهذه األسباب وغيرها ،فإن الواليات المتحدة وثيقة الصلة باألركان الهيكلية لألنظمة
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
كثيرا ما تحافظ على مسافة بينها وبين االستبدادية.
جهودها المتجهة من األسفل إلى أعلى
في مجال النهوض بالديمقراطية ،فنجدها وفي حين يمكن للضغوط على الحكومات
تكلف المنظمات غير الحكومية والهيئات من األعلى إلى األسفل إلجراء إصالحات
المتعددة األطراف للقيام بهذه الجهود. سياسية واقتصادية أن تؤدي إلى توتير
العالقات ،فإن ذلك ينطبق أيض ًا على العديد
تقع جهود بناء المؤسسات في موقع من القضايا الدبلوماسية المهمة للواليات
متوسط بين جهود النهوض بالديمقراطية المتحدة – فالضغوط من أجل تحقيق اإلصالح
المتوجهة من األسفل لألعلى ،وتلك ليست فريدة من هذه الناحية .ثمة انطباع
المتوجهة من األعلى لالسفل؛ فإذا أدت سائد بأن النهوض بالديمقراطية ليس أحد
الجهود من أعلى إلى أسفل إلى فتح مجال المصالح الجوهرية للواليات المتحدة ،وإنما
سياسي ،وأدت الجهود من األسفل إلى أمراً كمالي ًا يرتبط على نحو غامض بقيمنا،
األعلى إلى تدريب األفراد والمنظمات على ويمكن لهذا االنطباع أن يقود المسؤولين
ملء هذا المجال السياسي ،فإن جهود الرسميين من عدة مستويات إلى أن يتجنبوا
بناء المؤسسات تسعى إلضفاء الصفة ممارسة الضغوط من األعلى إلى األسفل
الهيكلية على هذا المجال السياسي. وأن يركزوا بدال من ذلك على الحفاظ
وبشكل ما ،فإن بناء المؤسسات هو أهم على رأس المال الدبلوماسي الستخدامه
فرع من األفرع الثالثة ،من ناحية أنه يمكن في قضايا أكثر “إستراتيجية” .ولكن هذا
عبرها التراجع عن قرارات القادة ،ويمكن التصرف خاطئ ،إذ أن الجهود الحقيقية 44
أن يصل إليها األفراد من المجتمع المدني للنهوض بالديمقراطية تكون أثناء
ويترددوا عليها .ولكن المؤسسات الفعالة العمل الدبلوماسي اليومي ،وفي محتوى
والراسخة – مثل المحاكم والسجون التي االجتماعات والمؤتمرات الصحفية ،وليس
تؤدي وظائفها ،والمجالس التشريعية عبر خطابات تأتي في مناسبات متباعدة.
الخاضعة للمساءلة ،ووسائل اإلعالم التي
تتقيد باألصول المهنية ،واألحزاب السياسية، تتضمن الجهود من األسفل إلى األعلى
وتو ّفر الربط مع شبكة اإلنترنت ،وأجهزة األمن من أجل النهوض بالديمقراطية تقديم
التي تتقيد باألصول المهنية – يمكنها المساعدة لألفراد ولمنظمات المجتمع
أن توفر االستقرار واالستدامة لعملية نشر المدني بهدف تحسين مشاركتهم
الديمقراطية .ولكن بناء المؤسسات هو السياسية وأحيانا االقتصادية .كما أن الجهود
أيض ًا أصعب هذه األفرع الثالثة وأبطؤها من األسفل إلى األعلى تثير قضايا قد تكون
تحققا .ويجب أن تتضافر الدبلوماسية مع أكثر تعقيدا من القضايا المرتبطة بالجهود
التنمية من أجل البناء الناجح للمؤسسات، المتجهة من األعلى إلى األسفل – على
إذ أن الحفاظ على زخمها وتقدمها على مر سبيل المثال ،ما إذا كان يجب التعامل
الوقت يتطلب العمل مع حكومات متعاقبة مع أحزاب معينة (مثل األحزاب اإلسالمية)،
ومع قادة المجتمع المدني. وإمكانية أن يقود االرتباط المباشر بالواليات
المتحدة أو حكومات غربية أخرى إلى تقويض
وعلى امتداد هذه األفرع الثالثة للنهوض الجهات الفاعلة في المجتمع المدني،
بالديمقراطية ،ثمة وسائل عديدة متوفرة والقرارات الصعبة بخصوص ما إذا كان يجدر
للواليات المتحدة .ومنها الدبلوماسية العمل مع الحكومات أم من وراء ظهرها.
هذه المشكلة ،يجب على كبار المسؤولين الثنائية ،مثل االجتماعات بين كبار
الفصل الثاني :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية
األمريكيين المعنيين باألمن القومي أن المسؤولين التي توفر مجاال لممارسة
يتحققوا من أنه يتم إدماج الديمقراطية على الضغط بشأن أهمية اإلصالح السياسي
المستوى اإلقليمي في المناقشات رفيعة بالنسبة للواليات المتحدة؛ والدبلوماسية
المستوى بشأن قضايا السياسة في الشرق متعددة األطراف ،كالتي تجري في إطار
األوسط ،بدال من االعتماد على تقديرات مبادرة الشرق األوسط وشمال إفريقيا األوسع،
الموظفين عبر الهرم البيروقراطي .ويجب ومجموعة الثمانية؛ والدبلوماسية الثقافية
على هؤالء المسؤولين أيضا أن يوفروا إرشادا والعامة ،مثل التبادل بين الناس والتبادل
واضحا ،ويستحسن أن يكون ذلك عبر صياغة التكنولوجية؛ والوسائل التشريعي؛
إستراتيجية دقيقة ومتسقة لألمن القومي، والتصريحات العامة مثل الخطابات التي
كي تحكم المساومات اليومية التي تجري أشرنا إليها أعاله؛ والشراكة بين القطاعين
في الميدان بين النهوض بالديمقراطية العام والخاص مثل مبادرة “شركاء في بداية
17
وغيرها من القضايا. جديدة” التي تم إطالقها في نيسان/إبريل
2010؛ والمساعدات المالية وغيرها من أشكال
خاتمة المساعدة؛ وأدوات مثل العقوبات والحوافز،
وأحيانا اإلجبار.
إذ تجد الواليات المتحدة نفسها منهمكة
بعملية عسكرية لدعم االنتفاضة في مع هذه الوفرة من مسارات العمل ووفرة
ليبيا ،وتواجه نتائج غير مؤكدة مع حلفائها الوسائل للدفع بهذه المسارات تأتي الحاجة
45
القديمين ،أي مصر وتونس والبحرين، إلى تنظيم اآللة البيروقراطية األمريكية كي
لم يعد من الممكن الزعم بأن النهوض تتمكن من تنفيذ إستراتيجيات النهوض
بالديمقراطية واإلصالح السياسي ليسا أمرا بالديمقراطية تنفيذا فعاال .وتقليديا ،كانت
مركزيا في مصالح الواليات المتحدة في القضايا الشاملة مثل النهوض بالديمقراطية
الشرق األوسط ،أو أن فرص تحقيق تقدم تنال اهتماما ضئيال في عملية صنع القرار
في اإلصالح السياسي في المنطقة هي األمريكية ،وذلك يعود إلى حد بعيد إلى أن
فرص ضئيلة .إن عدم االهتمام النسبي من المكاتب اإلقليمية تشكل مراكز قوى في
قبل واشنطن نحو نشر الديمقراطية خالل مجتمع المزاولين للسياسة الخارجية .وقد
السنوات األخيرة يضعها في موقع غير مالئم جرت جهود للتصدي لهذه المشكلة ،مثال
عندما تنشأ أزمات في تلك البلدان ،كما أنه من خالل إدماج هذه القضايا ضمن هياكل
أجبر المسؤولين األمريكيين على محاولة المكاتب اإلقليمية ،أو تعزيز سلطاتها
تدارك السياسات اإلقليمية واللحاق بها في شكليا ،إال أن هذه الجهود لم تحقق سوى
تطورها السريع .إال أنه من خالل التأكيد نجاحا ضئيال ،مما ترك مصير جهود النهوض
المتجدد من الحزبين األمريكيين الرئيسيين بالديمقراطية متوقفة على طاقات ونفوذ
على النهوض بالديمقراطية بالتعاون المسؤولين األفراد الذين يسعون لتحقيقها.
مع الشركاء المحليين والدوليين ،بإمكان وكأي مبادرة سياسية ،فحتى سياسات
الواليات المتحدة أن تساعد الناس في النهوض بالديمقراطية التي يتم وضعها
الشرق األوسط على تشكيل أنظمة سياسية على أسس سليمة وصياغتها على نحو
أكثر شموال للكافة ،وكذلك إقامة عالقات مقنع وتنال دعم الرئيس ،قد تتعرض للتعثر
أقوى مع الواليات المتحدة والغرب. أثناء تنفيذها إذا لم يتم تكييف الهيكل
البيروقراطي على نحو صحيح .ومن أجل حل
1 1توماس جفيرسون« ،رسالة إلى وليم شورت» (3
3-2األفكار والنتائج الرئيسية
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
كانون الثاني/يناير ،)1793أوراق توماس جفيرسون في
المتمخضة عن النقاش مكتبة الكونغرس ،السلسلة ،1الملف .17
2 2كينيث والك« ،النهوض بالديمقراطية :مذهب
بوش في عهد أوباما» ،نقاش فريق خبراء في ‘مبادرة
تتمثل نقطة االتفاق المشتركة بين مختلف السياسة الخارجية’ 21 ،أيلول/سبتمبر .2009
الفاعلين في مجال حقوق اإلنسان في ضرورة 3 3مارينا أوتاواي« ،النهوض بالديمقراطية في الشرق
األوسط :استعادة المصداقية» ،مؤسسة كارنيغي
أن يتك ّيف –على األقل -الفاعلون الدوليون
للسالم الدولي ،ورقة إيجاز ،رقم ،60أيار/مأيو .2008
مع األوضاع المتغيرة في المنطقة العربية. 4 4بيانات مؤسسة ‘فريدوم هاوس’ على الموقع http://
في الحقيقة ،دفع االتحاد األوروبي والواليات ،www.freedomhouse.orgبالوصول إليه في 18آذار/
مارس .2011
المتحدة حتى اآلن باتجاه سياسات تدعم 5 5بريان كاتوليس« ،إدارة أوباما والنهوض بالديمقراطية
األنظمة الدكتاتورية في الشرق األوسط. في الشرق األوسط» ،تقرير مؤسسة ‘سينتشوري’.2009 ،
وقد صيغت تلك السياسات من منطلق 6 6المرجع السابق.
7 7ريتشارد سبينسر« ،هيالري كلينتون :حقوق اإلنسان
المخاوف األمنية والحاجة حسب تصورهما للصينيين هي أمر ثانوي بالنسبة للنجاة من األزمة
إلى االحتواء ،مما أدى إلى إقصاء الشواغل االقتصادية» ،صحيفة ‘تيليغراف’ 20 ،شباط/فبراير .2009
المتعلقة بحقوق اإلنسان والحريات المدنية 8 8نائب الرئيس ،جوزيف بايدن« ،تعليقات أثناء مؤتمر
ميونخ الـ 45حول السياسية األمنية» 7 ،شباط/فبراير
إلى أسفل سلم األولويات .وبالتالي ،ال .2009
يقتصر التحدي المقبل للفاعلين الدوليين 9 9الرئيس باراك أوباما« ،خطاب أمام الجمعية العامة
على انتهاز هذه الفرصة المهمة لدعم لألمم المتحدة» 23 ،أيلول/سبتمبر .2010
1 10ستيفين مكنيرني« ،مخصصات الميزانية الفدرالية
التغيير الديمقراطي في المنطقة بل أيضا للسنة المالية :2011الديمقراطية ،والحكم ،وحقوق
القيام بذلك مع قبول عدم االستقرار الحتمي اإلنسان في الشرق األوسط» ،مشروع الديمقراطية في
الذي يرافق أي تحول ديمقراطي. الشرق األوسط ،نيسان/إبريل .2010
«1 11مناظرة مرشحي الحزب الديمقراطي في 46
الس فيغاس» 15 ،CNN.com ،تشرين الثاني/
هناك الكثير من القضايا التي يجب التصدي http://transcripts.cnn.com/ ،2007 نوفمبر
( html.02.se/15/0711/TRANSCRIPTSبالوصول إليه
لها فيما يتعلق بأدوار الفاعلين الدوليين
في 18آذار/مارس .)2011
ومسؤولياتهم في ضوء األوضاع سريعة 1 12مايكل سينغ« ،الديمقراطية ال تختلف عن ذلك كثيرا»،
التغير في الشرق األوسط .ومن المهم 28 ،ForeignPolicy.comكانون الثاني/يناير ،2011
/28/01/2011/http://shadow.foreignpolicy.com/posts
بالنسبة للفاعلين الدوليين أال يستجيبوا democracy_is_not_all_that_different
فقط لما يجري في المنطقة بل وأن 1 13لورن دبليو كرانير« ،شهادة أمام لجنة العالقات
يستجيبوا بالطريقة الصحيحة. الخارجية في مجلس النواب األمريكي» 9 ،شباط/فبراير
.2011
See for example Jeremy Sharp, “US Democracy1 14
فهم خصوصيات االحتجاجات األخيرة Promotion Policy in the Middle East: the Islamist
.2006 ,15 Dilemma,” CRS Report for Congress, June
1 15يمكن للمرء إضافة فرع رابع ،وهو العناية بديمقراطيتنا
قبل تفجر االنتفاضة التونسية التي بدأت في الواليات المتحدة .وهذا األمر يتجاوز نطاق هذه
في كانون أول /ديسمبر 2010كان الخطر الورقة ،ولكنه امتداد مشروع لهذا الموضوع.
الرئيسي الذي ينطلق من المنطقة العربية 1 16توم كاروثيرز« ،الجهود األمريكية للنهوض
بالديمقراطية في عهد أوباما» ،نقاش فريق خبراء في
هو خطر األصولية اإلسالمية .وكان هذا مؤسسة كارنيغي للسالم الدولي 3 ،آذار/مارس .2009
الخطر اإلسالمي هو المبرر الرئيسي للدعم 1 17لالطالع على المزيد حول موضوع إصالح عملية
الغربي لألنظمة الدكتاتورية كما بدا جلي ًا صناعة القرارات المتعلقة باألمن القومي ،انظر
مايكل سينغ« ،تحسين أداء مجلس األمن القومي»،
ال من خالل الدعم الواسع لمبارك أثناء مث ً مجلة ‘أميريكان إنتيريست’ ،العدد 2تشرين الثاني/
فترة رئاسته .إال أن األحداث األخيرة عكست نوفمبر – كانون األول/ديسمبر .2009
تطلعات حقيقية نحو المبادئ العالمية
خفت صوت هذا الخطاب بصورة كبيرة كما للمساواة والديمقراطية واختلفت كثيراً عن
الفصل الثاني :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية
أظهره خطاب أوباما في القاهرة عام 2009الذي المطالب التي تم التعبير عنها من خالل
لم يتناول الحاجة إلى الديمقراطية التامة إطار ديني .وعلى الرغم من أن الجماعات
بل تطرق إلى أهمية الشباب في صياغة اإلسالمية قد تستغل فرصة هذه األوضاع
مجتمع اليوم وأهمية اإلنترنت واإلعالم الحر الجديدة إال أنه ال يمكن إنكار أن األحداث
وحقوق المرأة من بين أمور أخرى .وقد يكون األخيرة لم تكن ذات طبيعة دينية بأي شكل،
تركيز أوباما على العوامل المفضية إلى وأنه لم يعد باإلمكان استخدام الطموحات
الديمقراطية ال على الديمقراطية نفسها الدينية مبرراً لدعم األنظمة الديكتاتورية في
أكثر جدوى ،خاصة وأن الشعوب العربية المنطقة.
ترى تشجيع الديمقراطية على أنه شكل من
أشكال التدخل غير المرحب به وفرض لشكل وقد عكست االحتجاجات إلى حد ما حس ًا
محدد من أشكال الديمقراطية الغربية. بالوحدة بين الدول العربية؛ فقد حركت
االنتفاضة التونسية احتجاجات في الدول
تبنّي سياسة دعم حقوق اإلنسان المجاورة لتونس ،حيث خرجت في البداية
والتطلعات الديمقراطية تأييداً للكفاح التونسي ومن ثم لالحتجاج
على الحكومات القمعية في تلك الدول.
ثمة أدوار مهمة يتعين أن تؤديها الواليات وربما كان الجانب األكثر إثارة لالهتمام واألجدر
التطلعات لدعم وأوروبا المتحدة بالمالحظة ،هو أنه على الرغم من حس
الديمقراطية وحقوق اإلنسان في المنطقة الوحدة الذي أبرزته هذه االحتجاجات ،إال أنها لم
47
العربية .فمن ناحية ،تتحمل الواليات المتحدة تشر في أية مرحلة من مراحلها إلى القضية
عبء االبتعاد عن النمط األمني الذي كانت الفلسطينية وضرورة محاربة إسرائيل ،األمر
ترى من خالله أن الديمقراطية واالستقرار في الذي ميزها بوضوح عن التحركات التي
المنطقة ال يلتقيان وأن أحدهما يقصي اآلخر. كانت تجري في الماضي والتي كانت غالب ًا
وعلى الرغم من أن إدارتي الرئيسين تشجيع ما تخلط بين السخط الداخلي مع السخط
تحدثتا عن هذا التغير ،إال أنه كان من الواضح من األوضاع الفلسطينية-اإلسرائيلية.
أن ما تعربان عنه يتناقض مع السياسات
المعمول بها على األرض .ومن ناحية أخرى، دعم الديمقراطية أم تشجيعها
يتحمل االتحاد األوروبي مسؤولية استبدال
نهجه الذي اتخذ تقليدي ًا الطابع اإلنمائي من القضايا التي يتوجب التأمل فيها ما
بنهج يركز أيض ًا على السياسة .وقد تحدثت يتعلق بمسألة ما إذا كان ينبغي على
كاثرين آشتون عن الحاجة إلى استراتيجية الفاعلين الدوليين – الواليات المتحدة
تتألف من ثالثة أركان ،هي :المال ،وولوج واالتحاد األوروبي بصورة أساسية -تب ّني
السوق ،وقابلية التنقل .إال أنه من غير الواضح سياسات تشجع على الديمقراطية في
ما الموقع الذي تحتله حقوق اإلنسان في هذا العالم العربي أم سياسات تدعمها .إن
النهج .ومن الواضح بجالء أنه يتوجب التعبير هذا الجدل فيما يتعلق بدعم أو تشجيع
بصراحة عن دعم حقوق اإلنسان – وبالتالي الديمقراطية وثيق الصلة بشدة بالنسبة
عدم التساهل مع المستويات العالية من للواليات المتحدة التي انتهجت أثناء إدارة
القمع -في سياسات االتحاد األوروبي .وعلى بوش – جزئي ًا على األقل وعلى المستوى
مستوى أكثر إلحاح ًا ،يمكن لالتحاد األوروبي الخطب بالتأكيد -نهج تشجيع الديمقراطية
أن يتعاون في الحرب على الفساد عن طريق المحضة في المنطقة .وفي ظل إدارة أوباما
يقبل الفاعلون الدوليون كاالتحاد األوروبي تجميد األموال ‘المسروقة’ من قبل رؤساء
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
والواليات المتحدة هذا االستقرار المنقوص األنظمة الدكتاتورية كمبارك وبن علي
من أجل تحقيق األهداف طويلة األمد. وإعادتها إلى بلدانها األصلية – وهو اقتراح
القى أص ً
ال الكثير من المقاومة.
إعادة صياغة الحرب على التطرف
التعامل مع حاالت عدم االستقرار في
ستكون إحدى المصاعب الجوهرية التي الديمقراطيات المتشكلة حديث ًا
تواجه الواليات المتحدة واالتحاد األوروبي
هي إمكانية أن تصل إلى السلطة جماعات من القضايا التي سيتوجب على الفاعلين
ليست على اتفاق تام مع المبادئ الغربية الدوليين – السيما الواليات المتحدة واالتحاد
– كاإلخوان المسلمين في مصر .ويمثل ما األوروبي – التعامل معها هي حالة عدم
حدث في الجزائر أوائل التسعينيات من القرن االستقرار التي تنشأ عن أي تحول ديمقراطي.
الماضي درس ًا ممتازاً في مجال صعوبات أو ًال :يجب على الفاعلين الدوليين أن يوافقوا
تشجيع الديمقراطية أو دعمها حيث شهدت على التعامل مع التوقعات المتزايدة
تلك الفترة ربيعا عربيا ،وتناميا لشجب للشعوب العربية وأن يكونوا مستعدين
للتعذيب ،وانتشارا للصحف المستقلة، للتعامل معها؛ ليس من حيث التحول
ولكنها انتهت إلى إلغاء انتخابات عام 1992 الديمقراطي وحسب بل أيض ًا من حيث
خوف ًا من وصول اإلسالميين إلى السلطة. التطلعات االقتصادية بخصوص قابلية
وهذا المثال يوضح الوضع الصعب الذي التنقل االجتماعي والتوظيف .وسوف
قد يجد االتحاد األوروبي والواليات المتحدة يتوجب أخذ تلك المطالب المتزايدة في 48
نفسيهما فيه إذا استمر التحول الديمقراطي الحسبان عند صياغة سياسات االتحاد
في الدول العربية في التقدم. األوروبي والواليات المتحدة في المنطقة.
عالوة على ذلك ،سيتطلب ذلك أيض ًا قبو ًال
في حين سيتعين على الواليات المتحدة معين ًا لفكرة أن صياغة تلك السياسات
واالتحاد األوروبي أن يتعلما قبول نتائج أية لن تقتصر عليهما فقط ،بل أيضا من قبل
عملية ديمقراطية في الشرق األوسط ،يجب الفاعلين المحليين الذين ينبغي االستماع
عليهما أيضا أن يطورا تصوراً يميز الفوارق إلى أفكارهم.
الدقيقة بين مختلف الفاعلين على األرض.
وفي حين ظلت المعادلة ترتكز إلى حد ثاني ًا ،من المحتم أن الديمقراطيات الجديدة
بعيد ترتكز إلى المفارقة بين المعتدلين ستواجه قدرا أكبر من الخالفات الداخلية .فإذا
والمتطرفين – حيث المتطرفون هم أخذنا الحالة المصرية ،فبينما كانت توجد
األصوليون الدينيون والمعتدلون هم دائما خالفات معينة بين األقباط والمسلمين،
بصورة رئيسية العلمانيون -فمن المهم إال أنه من المرجح أن تتضاعف الهويات ضمن
إعادة صياغة تلك المعادلة بحيث تفرّق ما كل فئة دينية حسب المواقف المتنوعة من
بين الساعين لتحقيق الحرية والساعين إلى مختلف القضايا .ومما ال يمكن تالفيه في
تقييدها .ومن شأن إعادة الصياغة هذه أن مسألة الديمقراطية هو أنها إذ تتيح للناس
تعكس في الوقت ذاته األهمية الممنوحة الحق في التعبير عن شكاويهم ورغباتهم
الحترام حقوق اإلنسان األساسية مع احترام فإنها أيض ًا تزيد من احتمال االختالف في
وجود الفوارق الثقافية والمعتقدات. المجتمع .ويمكن أن يتعرض االستقرار للخطر
على المدى القصير ،ولكن من المهم أن
الفصل الثاني :منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية
49
الفصل الثالث :منطق ومنطلقات المجتمع المدني والجهات الفاعلة غير الحكومية
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
مارك شايد-بولسني (مصر)
50
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
الفاعلة أن تُكيف أنشطتها في مصر المعارضة الرسمية بدور رئيسي في
وتونس والبلدان يمضيان قدما صوب الثورتين التونسية والمصرية؟
التحول الديمقراطي؟
كانت األحزاب السياسية المرخصة ضعيفة
سوف يتعين على المنظمات غير الحكومية في مصر وتونس وغير قادرة على إيجاد سبيل
واألفراد العاملين فيها اتخاذ قرارات كثيرة في ال يخرق القواعد التي أقرتها لها الحكومة
العهد الجديد في مصر وتونس ألنهم على بغية تنظيم مظاهرات شعبية فعالة .لقد
األرجح سيجدون إمكانيات ألنشطتهم أكثر خرجت المظاهرات في تونس بعفوية في
بكثير من أي وقت مضى .وبالفعل ،لقد بدايتها ،وفي نهاية المطاف لعبت الحركات
أخذ بعض األفراد البارزين ممن عملوا في العمالية وغيرها دورا تنظيميا .كما اضطلعت
السابق في الوسط األكاديمي أو الجهود منظمات شبابية مثل « 6إبريل» و»كلنا خالد
الدعوية يفكرون حاليا في مزاولة العمل سعيد» بتنظيم االحتجاجات األولى في
السياسي الرسمي ألنهم يتوقعون أن مصر يوم 25كانون الثاني/يناير وحصلت
تكون السياسية في المرحلة الجديدة أكثر على دعم كامل من بعض الحركات األحدث
حرية وأن يكون هنالك تسامح مع طيف عهدا مثل الجمعية الوطنية للتغيير وعلى
واسع من اآلراء السياسية .كما سيجد دعم فاتر من الحركات األقدم عهدا كحركة
الفاعلون غير الحكوميين ومنهم نشطاء اإلخوان المسلمين وحزبي الوفد والتجمع.
حقوق اإلنسان النائين طوعا عن السياسة وكلما تنامت المظاهرات وكبرت كلما زاد
الرسمية فرصا أعظم في إطار عملهم. انخراط هذه الحركات واألحزاب األقدم ،بيد أنها 52
أما المسؤولون الحكوميون المنتخبون لم تستحوذ تماما على المظاهرات على
بنزاهة ،والذين سيكون بعضهم على اإلطالق .وفي الواقع ،تشكك الثورتان في
األقل ممن عمل سابقا في القطاع غير مصر وتونس في الفكرة القديمة القائلة بأن
الحكومي ،فسيكونون على األرجح أكثر وجود معارضة سياسية قوية ومتماسكة بقدر
انفتاحا لمدخالت الجهات غير الحكومية معقول هو أمر الزم لإلطاحة بنظام مستبد.
الفاعلة ومساهماتها في السياسات .كما
ينبغي وجود نطاق أوسع بكثير من أجل ومن رحم االنتفاضات الناجحة والثورات
تكوين الجماعات الجديدة ،ومنها على المستمرة في مصر وتونس ما فتئت تنبثق
سبيل المثال المنظمات الرقابية الراصدة منظمات جديدة تضم حركات وأحزاب ٌ
لألداء الحكومي ،كي تشارك في عملية سياسية ولجان لحماية الثورة وفيض من
أكثر انفتاحا. المنظمات األخرى الناشئة .وأخذت تنجم
منها أيضا أزمات أو باألحرى ثورات مصغرة في
وسوف تواجه الجهات غير الحكومية الفاعلة أوساط العديد من المنظمات األقدم ومنها
التي كانت ضالعة للغاية في الثورات بخاصة تلك المنظمات التابعة للنظام
كالحركات الشبابية تحديا خاصا في الفترة القديم .وستستغرق عملية الفرز شهورا عدة
لما تحاول أن تقرر كيف ومتى ينبغيالمقبلة ّ وربما أعواما ستذوي أو تختفي خاللها بعض
لها تكييف أنشطتها في سياق التحول من الجهات غير الحكومية الرئيسية الفاعلة التي
الوضع الثوري إلى الوضع االنتقالي. يعود تاريخها لعهد ما قبل الثورة ،وستخرج
جهات أخرى بحلة جديدة ،وتزداد قوة جهات
أخرى ،كما ستبرز جهات أخرى جديدة.
أسرة آل خليفة الحاكمة والمنتمية إلى لماذا ظلت الجهات غير الحكومية
الفصل الثالث :منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية
الطائفة السنية نجحت في طلب الدعم الفاعلة غير قادرة حتى اآلن على النجاح
السياسي والعسكري من المملكة العربية في انتفاضتي البحرين وليبيا؟
السعودية وغيرها من دول الخليج.
تتسم الجهات غير الحكومية الفاعلة في
ما هو الدور الذي يمكن للجهات غير ليبيا بضعف تطورها مقارنة بنظيراتها في
الحكومية الفاعلة أن تقوم به في البلدان البلدان العربية األخرى؛ فال توجد أي وسائل
التي ال تسعى لتغيير النظام القائم وإنما إعالم حرة أو منظمات مجتمع مدني مستقلة
إلصالحه؟ تُذكر ألنها محظورة بموجب القانون وفقا
لنظام الجماهيرية المعمول به منذ عام
سوف تخلف الثورتان التونسية والمصرية ( 1977وإلى حد ما منذ انقالب عام .)1969وفي
أثرا باقيا إن هما نجحتا في التحول الحق إلى األسابيع التي تلت خروج التظاهرات العفوية
الديمقراطية ،ولكن لن تشهد البلدان العربية التي تطورت الحقا إلى ثورة مسلحة بعد أن
جميعها تغيرا في قياداتها في المستقبل هداستخدم القذافي وأنصاره القوة ضدها ،جَ ِ
القريب .وفي الكثير من البلدان ،ال تسعى الثوار في الخروج بقيادة تستطيع التواصل
الجهات غير الحكومية الفاعلة بالضرورة إلى مع العالم الخارجي .وباإلضافة إلى ذلك ،لم
تولي القيادة أو تغيير النظام ولكنها تسعى تستطع الجهات غير الحكومية الفاعلة التي
للحصول على حقوق سياسية ومدنية أكثر ثارت ضد القذافي أن تقيم قضية مشتركة
في إطار نظام قد جرى إصالحه. مع جيش متماسك (مثلما حصل في مصر
53
وتونس) لسبب بسيط وهو أن ليبيا ال تملك
ومع ذلك ،فحتى تلك الجهات غير الحكومية ً
فنتيجة الستراتيجية فرّق تسد التي جيشا.
الفاعلة الساعية وراء اإلصالح وليس التغير يتبعها القذافي منذ أمد طويل والتي تستند
الجذري آخذة في تعلم الدروس من الثورتين إلى القبلية الراسخة داخل المجتمع الليبي،
التونسية والمصرية .فهي تتعلم ،على فقد تشتت الجيش بدال من أن يقف معه أو
سبيل المثال ،بأن النشاط على اإلنترنت ضده.
والتشبيك االجتماعي من الوسائل الناجعة
للتعبئة وقياس مدى التأييد للتغييرات، وعلى النقيض من الوضع في ليبيا،
وأنه يمكن ترجمتها إلى ضغط حقيقي تتسم الجهات غير الحكومية الفاعلة في
على الحكومات حينما تصاحبها احتجاجات البحرين بقوة تطورها وتمتع الكثير منها،
في الشارع .وهي تتعلم بأن الحكومات ومن ضمنها منظمات حقوق اإلنسان،
التي تواجهها قد تكون أكثر هشاشة وتأثرا بمستويات من التأييد الشعبي تحسدها
بالضغوط مما كانت تعتقده قبل عدة أشهر. عليها المنظمات في البلدان العربية األخرى.
كما إنها تعلمت من تجربتي ليبيا والبحرين ويتركز هذا التأييد بصورة أساسية في أوساط
بأن االحتجاجات في الشارع لن تنجح تلقائيا البحرينيين الشيعة الذين يشكلون ما نسبته
وأن الدعم الدولي قد ال يصل في الوقت 70في المئة من إجمالي عدد السكان ،بيد
المناسب. أن هذا التأييد ال ينحصر فيهم .ولكن جهودها
الرامية إلى انتزاع تنازالت من النظام الملكي
أو حتى اإلطاحة به لم تُكلل بالنجاح إلى
اآلن وذلك يرجع إلى حد كبير إلى استخدام
المرتزقة في صفوف القوات المسلحة وألن
وبالتالي لم يكن مفاجئا أن تشهد مصر السياسي واالجتماعي
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
موجة ثانية أو ما يمكن أن نسميه الجيل
الثاني من االحتجاجات كانت هذه المرة عمرو الشوبكي
احتجاجات اجتماعية حصرا جزئية الحيز منتدى البدائل العربي ،قاهرة
والمطالب .حيث تم تبني فكرة االحتجاجات
بوسائلها المختلفة للتعبير عن المطالب أوال ـ الفاعلون غير الحكوميين بين
الملحة والمباشرة التي أصبحت ُ الحياتية المجال السياسي واالجتماعي
أكثر ضرورية مع تنامي عمليات خصخصة
القطاع العام والخدمات االجتماعية مثل تزايد خالل السنوات الماضية دور الفاعلين
الصحة والتعليم .1لكن لم يكن ميدان غير الحكوميين في الحياة السياسية
هذه االحتجاجات الجديدة هو الشارع وإنما المصرية وانقسموا بين ما يمكن تسميتهم
محل العمل للتعبير عن تضرر العاملين والفاعلين االجتماعيين بالفاعلين
من التعسف والقهر وبخس الحقوق الواقع السياسيين ،حتى امتزجا معا أثناء ثورة 25
عليهم من رؤسائهم في العمل .وهكذا يناير.
تدحرجت كرة الثلج االحتجاجية من مصنع
هنا إلى مصنع هناك حتى أصبحت تشكل من المؤكد أن الحركات السياسية
ظاهرة عامة تستحق التوقف أمامها مطوال. االحتجاجية التي شهدتها البالد ،مثل الحركة
فاالحتجاجات العمالية تراوحت بين االعتصام المصرية من أجل التغيير “كفاية” ،أدت دورا
والتظاهر والتجمهر وصوال إلى اإلضراب كبيرا ،فقد كان لها أثر واضح في رفع سقف
الكلي أو الجزئي أو التباطؤ في العمل، المطالب ونشر ثقافة االحتجاج .ونظرا 54
وبدأت من المصانع ،خصوصا مصانع الغزل لكون حركة كفاية ومثيالتها تميزت ببعد
والنسيج ،وواصلت تغلغلها في كافة سياسي عام وبحت ،فقد كان حجم حشدها
القطاعات اإلنتاجية والخدمية وصوال إلى للجماهير محدودا ،فلم يكن من السهل
قطاعي الصحة والتعليم .فلم تعد بذلك ّ إقناع المواطن المصري البسيط الذي يلهث
قاصرة على العمال فقط وإنما امتدت بحثا عن الرزق بأن الديمقراطية واإلصالح يجب
لتشمل الموظفين والمهنيين ،حيث كان أن يكونا على قمة أولوياته ،وان يتظاهر في
لكل من هذه القطاعات يوم أو أيام من سبيلهما معرضا نفسه للمالحقة األمنية
االحتجاجات المطلبية .وقد ساهم النجاح المحتملة .ورغم محاولة الحركة الدفع بعدد
النسبي الذي حظيت به هذه المظاهر من الشعارات االجتماعية واالقتصادية على
االحتجاجية في انتشارها بين القطاعات أجندتها لجذب المزيد من المناصرين مثل
المختلفة .حتى أنه قد أغرى البعض باالنتقال “كفاية ظلم -كفاية فساد -كفاية بطالة”،
إلى مرحلة أشمل من االحتجاجات تطال كل إال أن ميدان عمل هذه الشعارات وحامليها
القطاعات في ذات اليوم لتشكل ضغطا كان ال يزال الشارع المصري الذي لم يكن
أكبر على الحكومة وتؤسس بذلك الجيل مؤهال بعد للتظاهر بغزارة .وهكذا سرعان ما
الثالث من االحتجاجات المتمثل في اإلضراب أثبتت كفاية محدودية تجربتها وعجزها عن
العام ،والذي يمكن القول إنه نجح في التواصل مع الجماهير الغفيرة .غير أن ثقافة
البداية افتراضيا وفشل واقعيا ،ثم عاد ونجح االحتجاج التي نشرتها كانت لها مفعول أكبر
جزئيا في إضراب المحلة عام 2008إلى أن نجح من الحركة ذاتها ،خاصة مع تدهور الظروف
بشكل كامل في ثورة 25يناير. المعيشية وتزايد الشكوى من الفساد اإلداري
وسوء اإلدارة.
لم تكن النخبة العمالية الجديدة التي أدارت ثانيا ـ مالمح االحتجاجات االجتماعية
الفصل الثالث :منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
معينة ويتقاضون أجرا في المقابل وليس على مستوي الجمهورية ،إلى أن تتحقق
لحسابهم الخاص. مطالبهم.
ولكن تصاعد وتيرة االحتجاجات في مواقع تميزت مطالب الجيل الثاني من االحتجاجات
العمل كانت محل إجماع من الجميع ،كما بأنها جزئية ومنطقية وقابلة للتحقيق ،فهي
يبينه الملحق اإلحصائي الذي أعده مركز لم تتعد صرف المستحقات المالية المتأخرة
األرض لدراسات حقوق اإلنسان في مصر. للعاملين المحتجين أو تحسين ظروف
العمل وتوفير الرعاية الصحية المالئمة أو
ثالثاـ خريطة الفاعلين غير الحكوميين النقل اآلمن .بل إن أكثر المطالب طموحا
كانت إقالة قيادة المؤسسة أو المصنع
في أعقاب الحرب األمريكية على العراق، بسبب سوء اإلدارة أو تفشي الفساد ،أي
وتحت تأثير الضغوط األمريكية على النظام أن األمر لم يتخذ أي صفة سياسية على
المصري من أجل اإلصالح وتوسيع هامش اإلطالق .كما لم تكن هذه االحتجاجات بأي
الديمقراطية ،تحول الزخم والحراك الشعبي حال من األحوال امتدادا تنظيميا أو نوعيا
الذي ساد الشارع المصري من أجل االحتجاج لحركة كفاية ،وإنما تمتعت بذاتية منفصلة
على الحرب على العراق إلى المطالبة وعكست رؤية مختلفة وصلت إلى حد
باإلصالح الشامل على المستوى الداخلي االستنجاد بالرئيس السابق مبارك ورئيس
المصري .ومما ضاعف من حالة الحراك الوزراء للتدخل المباشر .حتى أن المحتجين
الشعبي آنذاك إعالن الرئيس مبارك عن رفعوا في عدد من مواقع االحتجاج بطاقات 56
تعديل المادة 76من الدستور .وقد تولدت عضويتهم في الحزب الوطني للتأكيد على
من هذا الحراك عددا من الحركات الشعبية عدم معارضتهم السياسية للحكم القائم.3
المطالبة بالتغيير والتي مثلت اإلرهاصات
األولى لتلك المرحلة ،ونذكر منها“ :حركة 20 لقد عكف عدد من المنظمات الحقوقية
مارس” ،التي كانت عبارة عن محاولة لتجميع على رصد ومراقبة تطور هذه االحتجاجات
نشطاء اليسار -على اختالف مشاربهم- في مختلف مواقع العمل .غير أن توصيف
وخلق تيار يساري جديد ومتماسك وقادر على االحتجاج لم يكن أمرا متفقا عليه ،فحين اعتبر
التواصل مع الجماهير وإحداث تأثير حقيقي البعض أن االحتجاج ينحصر في االعتصام أو
في الشارع المصري؛ و”الحركة الشعبية اإلضراب عبر التظاهر والتجمهر ،رأى البعض
من أجل التغيير” ،والتي بادر بإنشائها أيضا اآلخر أن االحتجاج يشمل تقديم الشكاوى ورفع
نشطاء منتمون فكريا إلى اليسار ،وكان الدعاوى القضائية أو حتى التهديد باإلضراب.
الهدف منها أن تكون تجمعا يضم مختلف األمر الذي أدى إلى اختالف عدد االحتجاجات
القوى السياسية الفاعلة على الساحة عن الفترة نفسها بين مرصد حقوقي وآخر.
المصرية من أجل المطالبة بالديمقراطية كما أن تصنيف العمال لم يكن منضبطا،
والحريات والحقوق األساسية للمصريين.4 فقد ينتمي إلى العمال عمال المصانع
والشركات العامة والخاصة فقط ،أو قد
أما الحركة التي استطاعت إحداث تأثير يضاف إليهم العاملون أو الموظفون في
فعلي على الساحة المصرية ،والتي أحدثت هذه المؤسسات وفي الجهات الحكومية
حالة غير مسبوقة من الحراك على الساحة أيضا .كما قد يتسع المفهوم ليشمل كل
المصرية ،واستوعبت في طياته معظم القطاعات باختالف طبيعة عملها ،طالما
“عمال من أجل التغيير” للدفاع عن مصالح
ّ الحركات السابقة ،بل وامتد تأثيرها ليشمل
الفصل الثالث :منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية
الطبقة العاملة ،ومواجهة الخطــط التي أيضا الدول العربية ،كانت هي «الحركة
تدمر المصالح العمالية من وجهة نظرهم، المصرية من أجل التغيير»(كفاية).
ولحشد الصفوف العمالية في مواجهة
السياسات النيوليبرالية الجديدة ،واآلثار فعقب اإلعالن عن التغيير الوزاري المصري
السلبية للخصخصة ،التي تتبعها الحكومة في يوليو ،2004صاغ ثالثمائة من المثقفين
أيضا حركة “شباب المصرية .كما تكونت ً المصريين والشخصيات العامة ،التي تمثل
من أجل التغيير” للعمل وسط الشباب الطيف السياسي المصري على اختالف
المعارض لرفض حالة الطوارئ ،وممارسة ألوانه ،وثيقة تأسيسية تطالب بتغيير
القمع ،باإلضافة إلى حالة اإلقصاء للشباب سياسي حقيقي في مصر ،وبإنهاء الظلم
من ممارسة العمل السياسي السلمي. االقتصادي والفساد في البالد ،وبإنهاء تبعية
السياسة الخارجية المصرية .وعقدت الحركة
وكانت ضمن الحركات األخرى التي مؤتمرها التأسيسي في سبتمبر ،2004وشهد
نشأت حركة « أطباء بال حقوق» ،والتي الشارع المصري أولى مظاهراتها في كانون
دفاعا عن حقوق ً تهدف إلى التحرك الثاني/ديسمبر من العام نفسه .وفي
األطباء ،وفى مواجهة أوضاع مهنة الطب غضون شهور قليلة ،نمت الحركة المصرية
المتدهورة،واألحوال المنهارة للخدمات من أجل التغيير (كفاية) من تجمع مثقفين
الصحية المقدمة للمواطنين .وحركة إلى أن انتزعت حق التظاهر السلمي ضد
«مهندسون ضد الحراسة» ،التي تنظم النظام القائم ،وازداد الموقعون على بيان
57
صفوف المهندسين المصريين ،بهدف انتزاع كفاية ليبلغ اآلالف.5
نقابتــــهم من قبضة الدولة ،التي فرضت
عليها «الحراسة «منذ أكثر من اثني عشر عاما. كان ميالد وانطالق حركة “ كفاية “ إيذانا
غير أن أهم األخوات على اإلطالق ،هي حركة بإعالن متواتر لنشأة عدد كبير من الحركات
«نادي القضاة» وهو الهيئة التمثيلية الوحيدة ق من رحم حــركة “الشقيقة” :بعضها تَ َخ ّل َ
للقضاة في مصر المنتخبة من قبل القضاة “كفاية” ،والبعض اآلخر تم بمشاركة من
ذاتهم ،وقد تحركت من أجل استقالل القضاء نشطاء الحركة ،والبعض الثالث تمتع
في مصر بعيدا عن السلطة التنفيذية ،كما باستقاللية نسبية – أو كاملة-عنها ،لكن
ناضلوا من أجل توفير رقابة قضائية نزيهة كلها عـملت في االتجاه نفسه :تعميق
على االنتخابات المصرية بجميع مستوياتها.6 الممارسة الديمقراطية ،والعمل على
توسيع هامش العمل الشعبي المستقل،
لم تكن البيئة المحيطة غائبة عن هذه مما حدا بالكثيرين إلطالق اسم “أخوات
التطورات ،فمع استمرار أزمات االقتصاد كفاية” على تلك التحركات .فعلى سبيل
ذاتها من المرحلة الثانية ،بل وتعاظمها، المثال تشكلت “حركة استقالل الجامعة – 9
حيث تزايد عدد العاطلين ليبلغ في بعض مارس” من مجموعة كبــيرة من األكاديميين
التقديرات 24بالمائة .7ومع اندفاع قطار المرموقين في شتى الجامعات المصرية،
الخصخصة وما أصاب العمال من جرائه ،بدأ بهدف التحرك لتحقيق الحرية األكاديمية،
شعور أعمق لدى المواطن المصري بغياب وتخليص الجامعات المصرية من هيمنة
أي إمكانية لتحسين األوضاع االقتصادية، الدولة وأجهزة األمن ،وكفالة حرية الفكر
خاصة مع بروز ظواهر تدل على أن المشكلة واالعتقاد للطالب واألساتذة ،ومحاربة الفساد
في األساس تكمن في سوء توزيع الدخل، في المحيط الجامعي .وأُنشئت حركة
ذات النقد الالذع للنظام ،والمصري اليوم حيث بدأت مشروعات إسكانية وتجارية
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
بمتابعتها لكافة القضايا بشكل حر يتسم تتوجه للشريحة الثرية من المجتمع المصري
بنقد الوضع القائم ،وجريدة البديل ذات والقت رواجا ،مما يدل على اتساع الفجوة
الطابع اليساري بتحقيقاتها الجريئة التي الطبقية في المجتمع المصري ،مما خلق
تمس النظام الحاكم .أعطت هذه اآللة شعورا باإلجحاف ،خاصة من جانب الطبقة
اإلعالمية زخما للحركة السياسية في مصر الوسطى ودفع فئات منها إلى اللحاق
تجاوز أحيانا حجمها الحقيقي في محاولة بحركة االحتجاج ،التي كان وقودها األساسي
اإلعالم الجديد جذب القراء والمشاهدين خالل تلك الفترة الطبقة الوسطى المثقفة.
من المصادر التقليدية .وهو ما ع َّرف الشارع
المصري بهذه االحتجاجات ودفع ببعض كما تميزت هذه الفترة بازدياد دور لجنة
من شرائحه للمشاركة فيها .كما أعطى السياسات داخل الحزب الوطني ،وزادت
المحتجين شعورا بأن صوتهم بات مسموعا معها سطوة رجال األعمال فعين «أحمد
وأن هناك من يدعمهم أو يقف خلفهم. عز» رجل األعمال المعروف ومحتكر صناعة
الحديد في مصر رئيسا للكتلة البرلمانية
ومن الجدير بالذكر أن نقابة الصحفيين قد للحزب الوطني .كما تشكلت حكومة
تحولت إلى منبر إلطالق تظاهرات «كفاية» جديدة في 2004بها 6من رجال األعمال.
وغيرها من الحركات االحتجاجية ،األمر الذي كما تم طرح قضية توريث السلطة لنجل
جعلها تحت حصار شبه دائم من أجهزة األمن. الرئيس بشكل أكثر كثافة خاصة مع سفره
وعلى جانب آخر ،جرت تحركات إدارية داخل أكثر من مرة للواليات المتحدة األمريكية.
الصحف القومية – القريبة من الحكومة- واتسمت هذه المرحلة بتسامح أكبر مع 58
حيث أطاحت تلك التغييرات أو التحركات حركات المعارضة عن تلك السابقة ،لظروف
بمعظم كبار الصحفيين المستقرين على االنتخابات البرلمانية والرئاسية في 2005
كراسيها منذ وقت طويل ،وأتت بوجوه الستكمال الشكل الديمقراطي لهذه
جديدة ،ربما ال يتمتع الكثير منها بالمهنية االنتخابات .ولم تخرج عن هذا اإلطار سوى
أو الكفاءة ،بقدر ما يتمتعون بالقرب من تظاهرة التعديالت الدستورية التي سبق
األجهزة األمنية أو من لجنة السياسات بالحزب التحدث عنها .كما اتسعت مساحة الحرية
الوطني الحاكم. على مستوى الفضائيات المصرية وبدأت
برامج الحوارات في نقل وتحليل قضايا لم
ويعتبر الكثير من الصحفيين المستقلين يكن يتم التطرق إليها فيما سبق خاصة ما
أنه إذا كانت تحركات القضاة وحركة كفاية يتعلق بقضايا الفساد أو الديمقراطية.
وغيرها من الحركات االحتجاجية قد ساهمت
في رفع سقف النقاش السياسي على وفي السياق ذاته ،برزت الصحف المستقلة
الساحة المصرية ،فإن الصحافة المصرية األكثر جرأة في كسر تلك التابوهات أو في
المستقلة أوصلت صوت هذه الحركات إلى اختراق الخطوط الحمراء ،وأصبح في مصر
الرأي العام والشارع المصري .ومن الجدير صحافة مستقلة وحزبية ال تتحرج من االنتقاد-
بالذكر أن الصحف الحزبية والمستقلة قد الشرس في بعض األحيان -للمسئولين،
مارست أيضا نوعا من االحتجاج الخاص بها، وعلى رأسهم -وللمرة األولى منذ سنوات
إلى جانب تغطية التظاهرات التي قامت بها طوال-رئيس الجمهورية وعائلته .األمر الذي
«كفاية» وسواها من الحركات االحتجاجية، لم تعرفه الصحافة المصرية قب ً
ال .وبرزت جرائد
فعلى سبيل المثال ،لجأت حوالي 12 مثل العربي الناصري ،والدستور المستقلة
والدولة ،كما يذهب من ناحية أخرى إلى أن صحيفة مستقلة وحزبية إلى االحتجاب في
الفصل الثالث :منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية
الفكر العروبي وانتشاره في مصر كانت آثاره مايو 2007احتجاجا على تمرير قانون بالبرلمان
كارثية عليها ،ومن ثم ينادي الحزب بإقامة يبيح حبس الصحفيين.8
وطن يؤمن بالتعددية والليبرالية ،ال يسمح
للدين بالتدخل في السياسة ،ويكون أساس أما عن الوضع الدولي واإلقليمي فقد استمر
المواطنة هي القومية المصرية الفرعونية، في تلك الفترة خطاب اإلصالح الداخلي
باالبتعاد عن «مستنقع االنتماء العروبي».10 وضرورة «نشر الديمقراطية» في الشرق
األوسط ،وطرح مبادرات متعددة لـ»الشراكة
ويصب أيضا في هذا التيار مجموعة أخرى مع الشرق األوسط» ،سواء من جانب الواليات
هي»مصريون ضد التمييز الديني» (مارد)، المتحدة أو من جانب االتحاد األوروبي؛ انطالقا
وإن كانت أطروحات تلك المجموعة تركز من النظرية القائلة بأن النظم االستبدادية
بصورة كبيرة على تنمية «الطابع المدني القائمة في الشرق األوسط مثلت «معم ً
ال
الديمقراطي للدولة المصرية» ،ومناهضة لتفريخ اإلرهاب» ،ومن ثم تصديره إلى الخارج،
ممارسات التمييز الديني بين المواطنين على غرار ما حدث في 11سبتمبر/أيلول .األمر
المصريين بكافة الوسائل المتاحة ،وتعتمد الذي يتطلب تغيير األوضاع – أو األنظمة-
هذه المجموعة على «الهوية المصرية» في تلك الدول ،سواء بالعمليات العسكرية
كأساس ألطروحتها ،وذلك على حساب – كما حدث في العراق -أو عبر األدوات
الهوية العربية ،التي تم تهميشها تماما الدبلوماسية واالقتصادية والضغوط الدولية
باعتبارها قد تسببت في تفشي الفكر من أجل الديمقراطية ،وذلك في حالة النظم
59
الديني على الساحة السياسية المصرية، «الصديقة» للواليات المتحدة ،مثل مصر
مدعوما بأموال النفط القادمة من الخليج والسعودية واألردن وسواها.
العربي ،والسبب الرئيس في انتشار وتفشي
التمييز الديني بين المواطنين المصريين بالعطف على العوامل السابقة ،بدأت
البسطاء.11 عدة تغيرات ملحوظة تظهر في الخطاب
الرسمي المصري ،ربما كان أبرزها تراجع
رابعا ـ الفاعلون غير الحكوميين في الخطاب العربي ،وظهور خطاب «مصر أو ًال»
مدينة المحلة وبروفه ثورة 25يناير/كانون بشكل مبالغ فيه أحيانا .وارتبط ظهور هذا
الثاني الخطاب أيضا بظهور عدد من الخطابات
التي تذهب في االتجاه ذاته ،ربما بشكل
جاءت المواجهات الدامية التي شهدتها أكثر تطرفا ،من جانب بعض الحركات
مدينة المحلة العمالية في 6أبريل/نيسان والقوى السياسية الجديدة محدودة األثر على
2008لتكشف عن فارق كبير بين نمطين الساحة المصرية .ونذكر من هذه القوى
من االحتجاجات انتشرا في ربوع مصر في «حزب مصر األم» ،أو»حزب مصر الليبرالي
الفترة األخيرة ،أحدهما افتراضي قادته مواقع الفرعوني» ،وهو حزب رفضت لجنة األحزاب
على اإلنترنت وبعض النشطاء السياسيين اعتماد تأسيسه بحجة مخالفة المبادئ
في العاصمة وحدث على المواقع التي يدعو إليها لمبادئ الدستور المصري،9
اإللكترونية وعبر رسائل الهواتف المحمولة، وهو تيار سياسي ظهر على الساحة
والفضائيات ،والثاني حقيقي جري عمليا المصرية بعدما كان متواريا في الصالونات
على أرض المحلة وشارك فيه آالف العمال الثقافية .ويؤكد برنامج الحزب المذكور
والمهمشين والمحرومين وسقط فيه ثالثة على العلمانية ،وضرورة الفصل بين الدين
وال يسمح للطرف األول إال بالقيام باإلضرابات قتلي وعشرات الجرحى ،وهو امتداد أكثر عنفا
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
االفتراضية ،ويسمح للطرف الثاني أن يطالب لسلسلة االحتجاجات االجتماعية ،لكونها
فقط بمطالب فئوية تتعلق بتحسين الرواتب خارج األطر السياسية والحزبية الموجودة،
وظروف العمل دون أي حديث في السياسة. بصورة قد تغير من المشهد السياسي في
أوساط الحكم أو المعارضة.
وتطبيقا لهذا الفهم ،قامت الحكومة بصرف
مكافأة مالية فورية للعمال ،حتى تصل وأحدثت الدعوة “االفتراضية” إلضراب 6
الرسالة واضحة ،بأن الحكومة هي التي إبريل/نيسان و 4مايو/أيار تأثيرا نفسيا كبيرا،
في يدها المال وهي القادرة على أن تلبي أقلق عموم المواطنين ودفعهم لمالزمة
مطالب العمال ،ال المتظاهرين وأصحاب منازلهم في 6إبريل/نيسان بفضل بيان وزارة
الشعارات السياسية. الداخلية ،وذلك خوفا من حالة افتراضية لم
تحدث في الواقع ،وبدت شوارع القاهرة شبه
والمؤكد أن الحكومة حققت قدر من النجاح خالية نتيجة الخوف من إضراب لم يحدث.
الذي تأكد إنه مؤقت في فصل السياسة
عن المطالب االجتماعية ،وابتكرت أساليب والحقيقة أن هذا التفاوت بين االفتراضي
متعددة حتى قضت على األحزاب ،وهمشت والحقيقي جاء بعد أن تعثرت حركات
من دور الحركات السياسية الجديدة ،وقضت االحتجاج السياسية ،وفشلت في التواصل
على استقالل النقابات وحولت معظمها مع الجماهير رغم أنها فتحت لها باب تاريخي
إلى كيانات مسخ للحكومة واإلدارة ،دون أي في القدرة على االحتجاج وكسر نسبي
تأثير حقيقي ،ساعدها في ذلك تلك اللغة لثقافة الخوف من التظاهر والنزول إلى 60
الخشبية التي الزال يستخدمها كثير من الشارع لقول كلمة حق في وجه حكم جائر.
السياسيين ،وغياب ثقافة ديمقراطية عن
أحزاب المعارضة ،إال أن مسئولية الحكم عن وبدت أمراض السياسة ال تختلف كثيرا في
قتل السياسة تظل أساسية. أوساط المعارضة عن الحكومة ،وإن ظل
الفارق األساسي أن األخيرة هي التي تحكم
ومن هنا فأن الطريقة التي تعاملت بها وفي يدها كل مؤسسات الدولة ،وبالتالي
الحكومة مع نتائج إضراب عمال مدينة المحلة هي مسئولة عن انهيار قوي المعارضة جراء
في عام 2008تؤكد نفس المنحي السابق، المناخ الذي أشاعته ،وفشلت ليس فقط في
وهو أن هناك مطالب اجتماعية مشروعة، أن تكون ديمقراطية إنما أيضا في تلبية الحد
يمكن حلها بالترضية ،وتكون عادة “حكمة األدنى من احتياجات الناس.
الرئيس” هي المفتاح السحري ألي حل ،وليس
التظاهر أو المطالبة باإلصالح السياسي. والحقيقة أن الحكومة تعاملت مع إضراب
العمال بسياسة العصا والجزرة ،فقمعت
والمؤكد أن هذه الطريقة التي طبقت حرفيا بقسوة المتظاهرين ،وبسطت يدها،
ــ وبسخاء ــ عقب إضرابات المحلة ،تجيء وأعطتهم مكافأة شهرا في سخاء لم يعتادوا
نتيجة تزايد االحتجاجات االجتماعية والتي تقع علية ،ثم عاد الرئيس وقرر زيادة المرتبات
خارج كل األحزاب والكيانات السياسية. بنسبة تصل إلى .%30وإن كان ال يخلو من
داللة ،فالحكم ناضل “بكفاءة” يحسد عليها
فمن الوهم أن يتصور المرء أن إضراب من أجل وضع نشطاء السياسة في ناحية،
المحلة لن يتكرر في مواقع أخري وبصورة وأصحاب المطالب الفئوية في ناحية أخري،
حصار كل المظاهر السياسية ،ناقال الخطر أكثر عنفا وخطرا ،ومن الوهم أيضا التصور أن
الفصل الثالث :منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية
من التنظيمات السياسية إلى االحتجاجات القوى السياسية القديمة والجديدة لها أي
االجتماعية. عالقة بأحداث المحلة ،إنما الخطر الحقيقي
وكانت هناك جملة من األسباب ساعدت الذي بات يهدد مصر أن هناك تفاعالت
النظام في القضاء على “خطر” السياسة اجتماعية غير مرئية عملت على تنمية أنماط
والسياسيين ،بعضها يتعلق بالمالحقات من الفوضى والعشوائية واالحتجاجات
والقيود األمنية ،ولكن أهمها يتعلق االجتماعية من المستحيل إيقافها بطريقة
بالطبيعة غير السياسية للحكم الحالي، الحكم الحالية ،وسيدفع الجميع ثمنا باهظا
الذي فضل التعامل بسطوة اإلدارة واألمن. لتغييب السياسة ،وإيقاف عملية اإلصالح
وعرفت البالد األحزاب الموازية كبديل عن والتطور الديمقراطي.
فشل األحزاب األصلية ،والنقابات الموازية
كبديل عن النقابات الرسمية واتحادات من المؤكد أن الواقع الحقيقي أصبح ينبأ
الطالب الموازية كبديل عن االتحادات بانفجارات كبري وعشوائية ،ال يجب البحث
الطالبية الرسمية الغائبة. عن أسبابها عند السياسيين وال صحف
المعارضة ،ألنها ستكون احتجاجات خام
ومع عجز كل من المؤسسات األصلية لم تمر عبر مصفاة حزب أو نقابة ،تهذب
والموازية ،على التأثير بصورة حاسمة في من سلوكها ومطالبها وتضعها في قالب
الجماهير واكتساب ثقتها ،تحولت األخيرة تفاوضي مع السلطة كما يجري في الدول
إلى الحلول الفردية واالحتجاجات الفردية الديمقراطية ،إنما ستكون شديدة العنف
61
كبديل على االحتجاجات السياسية. والقسوة ولن يستطيع أحد إيقافها.
لقد اتضح منذ مواجهات مدينة المحلة خامساـ كيف تعامل النظام المصري مع
العمالية في إبريل/نيسان 2008أن هناك الفاعلين غير الحكوميين؟
مرحلة جديدة دخلتها البالد وتتمثل في
أن الخطر الحقيقي لم يعد هو خطر تركز تعامل النظام المصري مع الفاعلين غير
التنظيمات السياسية إنما خطر االحتجاجات الحكوميين طوال الفترة التي سبقت ثورة
االجتماعية العشوائية ،صحيح أن معظم 25يناير/كانون الثاني على مسألة أساسية:
هذه االحتجاجات سلمية وتسعى فقط لرفع الفصل بين السياسي واالجتماعي
األجور وتحسين ظروف العمل ،إال أن قدرة
الحكومة ستظل محدودة على تلبية كل يمكن القول بأن نظام الرئيس مبارك واجه
هذه المطالب ،وهو ما يثير خطرا حقيقيا منذ البداية تحديا صعبا تمثل في اإلرهاب
من أن تتحول من المجال االجتماعي إلى الذي نجح في هزيمته عقب مواجهات
السياسي ،ولو من باب االحتجاج على عدم أمنية عنيفة وحمالت اعتقال واسعة ،حصل
تلبية مطالبها. خاللها النظام على دعم أحزاب المعارضة،
ومع بداية عقد التسعينيات استقرت أوضاع
سادسا ـ الثورة المصرية صناعة خارج البالد أمنيا وبقي الوضع السياسي على ما
الفاعلين التقليديين هو عليه ،حيث تآكل دور النخبة السياسية،
وانهارت األحزاب القديمة ،وتعثرت القوى
لم يكن ما جري في مصر يوم 25يناير/كانون السياسية الجديدة ،وزادت درجة االحتقان
الثاني مصادفة أو رد فعل عشوائي إنما والفوضى واالنتفاضات العشوائية ،بعد
إن النظام السابق الذي كنا نطالبه بدمج هو حصاد كامل لسياسات اعتمدت على
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
القوى والحركات االحتجاجية الجديدة الموائمات والتلفيق ،وتزوير االنتخابات وفساد
في العملية السياسية ،لم يقتصر على اإلدارة والحلول األمنية وتجاهل المشكالت
استبعادها واستمرار قهرها إنما أيضا االجتماعية.
استبعد القوى السياسية الشرعية من إن حرص النظام المصري السابق على تدمير
الحياة السياسية فكافأ الوفد على انتخاباته أي وسائط منظمة للتفاوض بين العمال
الداخلية الديمقراطية بأن أسقط تقريبا كل والموظفين وقادة االحتجاجات االجتماعية،
مرشحيه ،وليخرج عمليا من ساحة العمل واعتمادها على الحلول التلفيقية
الشرعي القوي السياسية الجيدة والقديمة والمسكنات برفع محدود لألجور هنا أو هناك
على السواء. أدى إلى تفجر طاقة كبيرة للغضب واالحتجاج
ساعدت على حدوث الثورة.
إن من يتصور أن مشكلة مصر في الحكومة
مخطئ ،فمشكلتها كانت في أن رئيسها لقد عرفت مصر ليس فقط نظاما غير
يحكم البالد منذ 30عاما ،وأن أي بلد في ديمقراطي إنما نظاما معدوم الكفاءة
أي مكان في العالم مهما كانت “حكمة” والخيال جعل ألول مرة في تاريخ مصر
رئيسها فال بد أن تكون النتيجة سلبية على المعاصر معيار االقتراب من السلطة ليس
كل المستويات فالعالم لم يخترع نظام فقط الوالء كما جري في العصور السابقة،
المدتين في الحكم من فراغ ألن أي رئيس أو إنما الجهل والفساد وانعدام الكفاءة.
مدير أو وزير يبقي في مكانه عشرين أو ثالثين
عاما فال بد أن تكون النتيجة سلبية على إن التزوير الفج الذي جري في االنتخابات 62
المجتمع وفي قدرته على األداء والتجديد في التشريعية األخيرة وأسفر عن استئصال
عالم يتغير كل يوم. كامل لكل قوى المعارضة من التمثيل في
البرلمان مثل عامل رئيسي وراء اندالع الثورة
لقد ظهر في مصر فاعلون غير حكوميين في مصر ،حين تحولت اعتراضات النواب من
جدد رفضوا أن يحشروا داخل خيارات النظام داخل البرلمان ،إلى احتجاجات محبطين في
في التمديد لمبارك أو التوريث لنجله وتجاوزا قلب الشارع ،بعد أن تصور أن احتكار الحديد
أيضا خطاب األحزاب التقليدية وأسسوا يمكن أن ينتقل إلى احتكار السياسة والبشر.
لتيارات سياسية واجتماعية جديدة صنعت
جميعها ثورة 25يناير/كانون الثاني. إن ما فعله قادة الحزب الوطني الجدد
في االنتخابات األخيرة مسئول مسئولية
إن االنقسام الذي عرفته مصر قبل ثورة مباشرة عن اندالع ثورة مصر ،ليس فقط
25يناير/كانون الثاني بين الفاعلين غير باختياره لمرشحين معدومي الخبرة والمهارة
الحكوميين الذين يتحركون في المجال السياسية ومنعزلين عن الناس ،إنما أيضا
االجتماعي وبين نظرائهم من النشطاء في تحويل ما عرف بحزب الدولة منذ االتحاد
الذين يتحركون في المجال السياسي ،قد االشتراكي وحزب مصر والطبعة األولي من
تم تجاوزه أثناء الثورة حتى لو كان قد عاد مرة الحزب الوطني إلى شركة خاصة يقودها
أخرى ولو بشكل جزئي في تصاعد كثير من أمين تنظيم زاوج بين السلطة والمال هادما
المطالب الفئوية التي بدت منفصلة عن في الطريق كثير من تقاليد هذه الدولة.
المطالب السياسية.
3 3المصري اليوم.2007-9-28 ، والمؤكد أن هذا الفصل المبالغ فيه
الفصل الثالث :منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية
4 4مقابلة مع عضو مؤسس في الحركتين ،القاهرة25 ، بين الفئوي والسياسي هو نتاج الواقع
أبريل/نيسان .2009
.5 5د .دينا شحاتة ،في االنتخابات الرئاسية المصرية السياسي المعاش الذي اعتبر فيه النظام
،2005مركز األهرام للدراسات السياسية واإلستراتيجية، السابق أن أي تواصل بين النشطاء
القاهرة .2005 السياسيين والمحتجين ألسباب اجتماعية
6 6أحمد بهاء الدين شعبان« ،الحركات االحتجاجية
الجديدة في مصر» http://www.ahewar.org/m. خط ًا أحمر ال يجب تجاوزه ،رغم أن المجتمعات
2090=asp?i الصحية وليس فقط الديمقراطية تنظر إلى
7 7أحمد النجار ،التقرير االقتصادي االستراتيجي ،األهرام،
السياسيين باعتبارهم همزة وصل مطلوبة
القاهرة .2004
8 8المرجع السابق. بين المضربين والمحتجين اجتماعيا من
9 9ميشيل نجيب« ،حزب مصر األم»http://www. ، جهة ،والحكومة من جهة أخري ،وقادرين
2282=freecopts.net/forum/showthread.php?t
http://www.freecopts.net/forum/showthread. 1 10
على تدعيم المسارات التفاوضية والحلول
2282=php?t الوسط بين الجانبين ،ومنع أي نزوع نحو
/08/2006/http://egyptiansisyphus.blogspot.com 1 11 استخدام العنف.
html.22_blog-post
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
أمراً حتمي ًا .ولم تكن المسألة –في الواقع- شباب السادس من أبريل وحركة ‘كلنا
بالنسبة للكثيرين تتمثل فيما إذا كان التغيير خالد سعيد’ دور أساسي في انطالق شرارة
سيحدث قط ،بل متى سيحدث هذا التغيير. الثورة من خالل دعوتهما إلى االحتجاج يوم
الخامس والعشرين من كانون ثاني /يناير.
وبالتالي ،وعلى الرغم من أن االحتجاجات في من ناحية ثانية ،يمكننا النظر إلى نشوء تلك
المنطقة العربية اتسمت بعنصر العفوية االحتجاجات على أنه نتيجة لصحوة سياسية
واالفتقار إلى التنظيم والقيادة ،إال أنه من واجتماعية تسبب بها الحضور الكبير
األهمية بمكان أن نضعها في سياق إحياء لحركة ‘كفاية’ وهو ائتالف جماهيري اش ُتهر
نشاط المجتمع المدني الذي طبع المنطقة بمعارضته الصريحة لمبارك في انتخابات
بطابعه في العقد الماضي .من ناحية أخرى، عام 2005نشأ مع الخيوط األولى لالحتجاج
من األهمية بمكان أيض ًا أن نقر في الوقت السياسي بشأن االنتفاضة الفلسطينية
نفسه بوجود ضعف متأصل في منظمات الثانية والحرب على العراق .وعلى الرغم من
المجتمع المدني في المنطقة – فقد كان أن هذه الحركة فقدت معظم زخمها وبرزت
نجاح حركة االحتجاجات في مصر وتونس جماعات أخرى على المشهد المصري ،إال أن
مرده إلى حد كبير إلى وقوف الجيش إلى تجاهل أهميتها كمصدر إلهام للفاعلين
جانب الشعب ضد الرئيس .أما في الدول الرئيسيين اليوم في المجتمع المدني
األخرى التي لم يتخذ الجيش فيها موقفا سيقود إلى سوء فهم عميق لتطور
شبيه ًا – كاليمن والبحرين -فما يراه المرء المجتمع المدني في مصر.
هو صراع أطول زمني ًا بكثير يحيط به قدر أكبر 64
من الشك من حيث من يكون الطرف الذي أما االنتفاضات في تونس فقد سبقها هي
ستنتهي االحتجاجات لصالحه .وينبغي األخرى إحياء للنقابات العمالية ،وكان أبرز
االعتراف أيض ًا بهذا الضعف الذي يعاني منه مالمح هذا اإلحياء حركة قفصة عام 2008
المجتمع المدني كي نتصدى لموضوع: التي أضرب فيها العمال والشباب وغيرهم
بأي السبل يمكن ويتوجب تعزيز المجتمع مدة ستة أشهر في سابقة من نوعها في
المدني؟ كما أن هذا أمر أساسي من أجل منطقة المناجم الجنوبية بتونس .وقد
تعزيز التحول الكامل نحو الديمقراطية في شارك في اإلضرابات واالحتجاجات غالبية
الدول التي يكون فيها هذا التحول ممكن ًا سكان المنطقة حيث احتجوا على ظروف
حيث الديمقراطية أكبر من مجرد إجراء العمل الخطرة في مناجم الفوسفات
انتخابات حرة ونزيهة. والبطالة المزمنة والمستويات المرتفعة
من الفساد وقضايا أخرى .وقد واجهت
دور المنظمات غير الحكومية في خلق الحكومة االضطرابات بإجراءات عنيفة
فضاء لالحتجاجات واعتقاالت وتعذيب في محاولة لقمع ما
شكل أكبر موجة احتجاجات اجتماعية في
ال يمكن للمرء أن يتحدث عن المنظمات تونس خالل عشرين سنة .وكانت تحركات
غير الحكومية دون التفريق بين المحلي قفصة-الرديف السلمية مؤشراً واضح ًا على
والدولي منها .وقد لعبت المنظمات غير أنه بالرغم من القمع الشديد الذي اتسم
الحكومية الدولية دوراً مهم ًا ليس فقط عن به حكم بن علي ،إال أن النشاط السياسي
طريق تقديم الدعم للمنظمات المحلية، شهد دفع ًا جديداً في السنوات التي سبقت
بل أيضا بزيادة الوعي خارج المنطقة فيما احتجاجات كانون أول /ديسمبر ،2010كما أدى
يمكن تجاهل دورها في صياغة المجتمع يتعلق باالنتهاكات المهمة لحقوق اإلنسان
الفصل الثالث :منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
المساجد في الغالب كنقاط تجمع ألوائل تأطير السياسة العربية على أنها محصورة
المحتجين وقدمت لهم في وقت الحق في االختيار ما بين االستبدادية واألصولية
المساعدة الطبية والغذائية ولكنها لم اإلسالمية .وهذه النظرة ،إضافة إلى إغفالها
تحرض المحتجين على تبني خطاب ديني. دور الفاعلين غير الحكوميين اآلخرين في
صياغة السياق االجتماعي-السياسي
ومع أن هذا الموقف قد يشير إلى شيء للعالم العربي ،أفرطت في تبسيط الحركة
من التخطيط االستراتيجي واالنتهازية من عدلت اإلسالمية وتجاهلت الطريقة التي ّ
قبل القيادة الدينية (الرغبة في جني ثمار نفسها وتحولت فيها مع مضي الوقت.
االحتجاجات دون تحمل تبعة المجازفة لقد أظهرت الحركة اإلسالمية – أو الفصائل
الزائدة) ،إال أنه يعكس أيض ًا مستوى قوي ًا من األكثر اعتدا ًال فيها -بطرق ّ
عدة براغماتية
البرغماتية – وهو فهم حدود الخطاب الديني وقوية ،رغبة في التعاون مع الجماعات األخرى
في فترة االحتجاجات والرغبة في التفاهم في المجتمع على الرغم من عدم اعتناقها
والتعاون مع الجماعات األخرى. لنفس المعتقدات فيما يخص دور الدين
في المجتمع .إن ائتالف 18أكتوبر للحقوق
الدور المركزي لإلعالم – بشكليه القديم والحريات ليس إال أحد األمثلة على ذلك ،وما
والحديث -في تغذية االحتجاجات العربية تعاون اإلخوان المسلمين مع الدكتور محمد
ورفع مستوى الوعي داخل المنطقة البرادعي قبل احتجاجات كانون ثاني /يناير
وخارجها 2011وأثناءها إال مثال آخر.
66
أبرزت االحتجاجات في المنطقة العربية لقد اتخذ الفاعلون اإلسالميون أيض ًا موقف ًا
األدوار التي ال يمكن تجاهلها لمختلف «غير متوقع» نوع ًا ما في احتجاجات المنطقة
ً
بداية، أشكال اإلعالم في مجتمع اليوم. العربية .وفي بداية االنتفاضات خشيت غالبية
أبرزت االحتجاجات األهمية المركزية لألشكال الناس من استيالء الجماعات الدينية على
الجديدة من اإلعالم االجتماعي كالفيسبوك االحتجاجات؛ إال أنه كان مثيراً لالهتمام أن نرى
وتويتر ،وهو إعالم اع ُتمد لفترة طويلة لتعزيز الغياب التام ألي خطاب ديني في المطالب
النشاط على الشبكة مع نشاط محدود السياسية واالجتماعية للمحتجين ،وكان
فقط على األرض .وكان لوسائل اإلعالم هناك بالمقابل تزايد مضطرد للدعم الديني
االجتماعي هذه دور جوهري في حشد لالنتفاضات دون أية محاولة لالستيالء
تأييد الناس وتنظيم االحتجاجات وتبادل على التحرك .فعلى سبيل المثال ،غ ّير
المعلومات – إلى حد قيام شركة غوغل األزهر -الذي زعم في البداية أن االضطرابات
مكنت المحتجين باستحداث وسيلة بديلة ّ وعدم االستقرار ال يمكن أن تقود إال إلى
في مصر من استخدام التويتر من أجل الفوضى -من خطابه وأضفى الشرعية
االلتفاف على إغالق شبكة اإلنترنت .كما على االحتجاجات بزعم أن نظام ًا جديداً قد
لعبت هذه الوسائل دوراً مهم ًا في دعم يتمخض في الواقع عن حالة االضطرابات.
«ظاهرة الدومينو» في انتشار االحتجاجات كما أن عودة يوسف القرضاوي إلى مصر
من بلد إلى آخر حيث استخدم الشباب وتأييده لالحتجاجات الذي تمثل في ُخطب ِه
الفيسبوك كمصدر رئيسي للمعلومات. أيام الجمعة التي توجه بها إلى المسلمين
لقد كانت هذه الوسائل اإلعالمية الجديدة واألقباط على حد سواء ،تمثل أيض ًا تعبيراً
شديدة الفعالية لدرجة أن قناة الجزيرة أيض ًا عن هذا الدعم الديني الذي صاحبه عدم
التلطيف من حدة الغضب على المؤسسات استخدمت موقع تويتر مباشرة لمتابعة
الفصل الثالث :منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية
الرسمية .وفي مصر ،شهد اإلعالم الذي المحتجين في الشوارع وتغطية األحداث
تسيره الدولة ثورته الخاصة في شباط /فبراير اآلخذة في التوسع على األرض .وينبغي لنا
حيث استقال صحفيون وإعالميون من أركان أال نقلل من شأن المرونة واليد الطولى
التلفزيون ورفضوا االستمرار في رسم صورة اللتين تتمتع بهما هذه األشكال الجديدة
منحازة عن الثورة .وعلى الرغم من أن اإلعالم من اإلعالم – حيث يتوجب على المنظمات
الرسمي ال يزال غير حر – حتى في تونس التي تعمل داخل المنطقة العربية وخارجها
ومصر – إال أنه من الواضح أن الثورات قد أثرت أن تأخذ بعين االعتبار المدى الذي يمكن به
أيض ًا على جهازه الداخلي ،وأنها قد تترك أثرا استعمال هذه المصادر اإلعالمية الجديدة من
على المدى الطويل على الطريقة التي يتم أجل التنظيم وزيادة الوعي في المستقبل.
بها بها عرض األخبار.
وكان دور المصادر اإلخبارية المستقلة
هوية ودينامية جديدة للفاعلين في على القدر نفسه من األهمية في تغطية
المجتمع المدني في سياق اإلصالح االحتجاجات ،وإلى حد ما في استمراريتها.
السياسي وقد زودت قناة الجزيرة – التي قد تكون
أكثر القنوات الفضائية العربية مصداقية-
من الواضح أن الفاعلين غير الحكوميين ال المشاهدين العرب وغير العرب بتغطية
يعملون دائم ًا في توافق وانسجام؛ فعلى مستمرة على الرغم من أنها كانت هدف ًا
الرغم من أن الجماعات اإلسالمية تعاونت لغضب الحكومة وإغالق مكاتبها .وفي
67
فيما مضى مع الجماعات غير الدينية إال أنه الجزائر ،غطت الصحف الخاصة األحداث
من المهم أن نضع في حسباننا االنقسامات الجارية في تونس وأماكن أخرى بحماسة
التي قد تبرز إلى السطح عندما تتحقق أهداف وظلت تشير الحتمالية تعرض الجزائر نفسها
مشتركة معينة .وهذا ما يجري حالي ًا في مصر لمصير مماثل .لقد لعبت هذه المصادر
حيث يمكن للمرء أن يلحظ القدر الكبير من اإلعالمية الخاصة دوراً أساسي ًا في تشكيل
الخالف بين اإلخوان المسلمين والمعارضة الرأي العام حول األحداث الجارية – داخل
العلمانية هناك .وسوف يتوجب التعامل العالم العربي وخارجه على حد سواء -كما
مع هذه الخالفات وكيفية حلها في السياق أنها جعلت من مسألة التقليل من أهمية
الديمقراطي. االحتجاجات من قبل الحكومات أمر أصعب
بكثير.
ومن القضايا األخرى المهمة التي يتوجب
البحث فيها على خلفية التحول الديمقراطي أخيراً ،من األهمية بمكان اإلشارة إلى تأثير
في بلدان معينة ،واإلصالح في بلدان أخرى، االحتجاجات العربية على اإلعالم الذي تسيره
هو الكيفية التي سيتطور بها الفاعلون في الدولة والمعروف بافتقاره إلى المصداقية
المجتمع المدني والفاعلون غير الحكوميين. وانحيازه إلى الحكومة .لقد اضطرت وسائل
فمن ناحية ،يمكن للمرء في سياق االنفتاح اإلعالم الحكومية في معظم الدول
الديمقراطي وحرية إنشاء األحزاب السياسية العربية إلى بث صور تعوزها الدقة لألحداث
(بما فيها األحزاب السياسية الدينية) أن يرى – المندلعة على األرض .إال أن الحكومات
وقد رأينا بالفعل – انتقا ًال من قبل الكثيرين العربية – وقد تعلمت من التجربة المصرية
من العمل غير القانوني إلى العمل بصور ملحوظة -بدأت اليوم بالسماح
القانوني من خالل إنشاء األحزاب السياسية بالتغطية الرسمية لالحتجاجات على أمل
السياسي وشفافيته .وفي كافة األحوال والمشاركة فيها .ومع أن جماعتا النهضة
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
فإنه من المهم التشجيع على تعزيز جماعات واإلخوان المسلمين تحاوالن بالفعل إنشاء
المجتمع المدني التي تلعب جميع ًا دوراً أحزاب سياسية إال أنهما تمثالن حركتين
مهم ًا في صياغة مستقبل المنطقة وتعزيز لهما طموحات سياسية منذ أمد بعيد.
الديمقراطية وديمومتها. ويقوم فاعلون آخرون من المجتمع المدني
ومثقفون بمراجعة أهدافهم واحتمالية
صياغة المجتمع المصري في المستقبل،
وينبغي أال يتم تعزيز هذا االنفتاح السياسي
وحسب ،بل وحمايته لضمان المشاركة
الحقيقية من قبل هؤالء الفاعلين الجدد.
عالوة على ذلك ،يجب التشجيع على إيجاد
هيكلية ديمقراطية داخلية والتطلع إليها
في األحزاب السياسية الجديدة – وينبغي لها
أن تشتمل على مشاركة متكافئة من قبل
النشطاء من الشباب والنساء الذين لعبوا
دوراً مهما في االحتجاجات في المنطقة
كلها .كذلك ،ينبغي لهذه األحزاب أن تتبنى
هيكلية عمودية وليس هيكلية تراتبية (أو
ضمان نوع من القابلية التحركية على األقل)،
وأن تحض على خلق بيئة الحوار والتبادلية. 68
69
الفصل الرابع :منطق ومنطلقات مجتمع المانحين
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
رمزي بليل (تونس)
70
قام به مجتمع المانحين أنه غير مجدي أو المتوسطية :ما بين التطلعات
ال مسؤول و/أو ال يتناسب مع المشاكل والواقع واالحتياجات البرغماتية
السائدة في هذه المنطقة من العالم؟ أم
ينبغي أن يعتبر موقفه بشكل عام نابعا عن باراه ميكايل
إرادة فاعلة سليمة وجدية ،والتي لم تمكنه مؤسسة العالقات الدولية والحوار الخارجي
من التقدم أسرع مما سمحت به الظروف؟ ( ،)FRIDEمدريد
ليس من السهل الجزم بين الفرضيتين ألن
كال منها تستند إلى مجموعة معقدة من في الوقت الذي تعيش فيه منطقة
االعتبارات .فال يوجد هناك مجتمع مانح واحد الشرق األوسط وشمال إفريقيا سلسلة من
بل العديد من المجتمعات المانحة التي التصدعات االستراتيجية التي من الصعب
تستجيب كل منها لضرورات معينة وفريدة. التنبؤ بنتائجها في هذه المرحلة ،يبدو أن
وعلى الرغم من ذلك ،من الممكن ضمن العوامل االقتصادية والمالية كانت حاسمة
الظروف الحالية أن يتم التخطيط لخلفية هنا ،وذلك على الرغم من أنه ال يمكن
عامة ،دونما الرغبة في العودة إلى الماضي، اإلشارة إلى وجود نقص مطلق لألموال
تحدد لنا مواقف مسؤولة ينبغي أن تعطى في الدول المعنية .والواقع أن مؤشرات
األولوية ابتداء من اآلن .وإن لم يفت األوان االقتصاد الكلي والجزئي الخاصة بمعظم
بعد على العمل الفعال فقد حان الوقت دول منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا
لكي يتم التحرك بأنجع طريقة ممكنة. ال تشير على اإلطالق إلى وجود وضع كارثي.
71
ففي حين أن الناتج المحلي اإلجمالي/للفرد
ووفقا لذلك ،ولتطوير هذه األفكار ،سأتناول في اليمن أقل ب 35مرة من ناتج قطر كما
أو ًال مبدأ المشروطية الذي يمكن أن يكون هو الحال بالنسبة لناتج المغرب الذي يقل
قد حكم (أو لم يحكم) تصرفات الجهات 4مرات عن ناتج السعودية ،إال أن الثروات
المانحة المعنية بالشرق األوسط وشمال والتدفقات المالية ظلت متوفرة في جميع
إفريقيا .ثم سنقوم بتفحص هذا النهج على هذه البلدان على الرغم من وجود تفاوت
ضوء المتطلبات واالحتياجات التي أعربت فيما بينها.
عنها كل من تلك البلدان ومواطنيها .وأخيرا،
سأناقش الكيفية التي يمكن لمجتمع وفي حين لعب الوضع االقتصادي دورا في
المانحين عبرها العمل في المنطقة هذه التطورات ،إال أن عاصفة االحتجاجات
بأسلوب مفيد ويلبي تطلعات المواطنين التي انطلقت من تونس تضمنت أيضا
والبلدان. عنصرا سياسيا .فاالفتقار للحد األدنى الالزم
إلعالة األسرة واألقارب هو في حد ذاته
أهمية مبدأ المشروطية وضع يمكن أن يؤدي لإلحباط والشكاوى
واالستياء .غير أن تراكب هذه الوضعية في
على الرغم من تنوع الجهات المانحة ظل غياب آفاق سياسية واعدة من شأنه أن
المعنية بالشرق األوسط وشمال إفريقيا يولد مزيجا متفجرا .إن هذه الرياح الزاحفة التي
واختالف أهدافها ،إال أنها استخدمت ولو تجتاح الشرق األوسط وشمال إفريقيا تعطي
نظريا مبدأ المشروطية كي تبرر صرفها كلمة «عدم اليقين» أقوى معنى لها.
األموال للدول المعنية .ومن الحاالت األكثر
تمثيال لهذا الموضوع ،وضع االتحاد األوروبي،
نفسه أمام أوهام ضائعة .فهذه األحداث الالعب الرئيسي في هذا المجال .ومن
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
التي تم وضعها في منظور طويل األمد الناحية النظرية ،مثلت مسيرة برشلونة
تشير إلى مدى سوء وضع االتحاد األوروبي: ( )1995من خالل عناصرها الثالثة (السياسية،
الذي جعله كما يقول المثلa payer but « : االقتصادية ،االجتماعية ،الثقافية والبشرية)
( ”not a playerمموال وليس فاعال). القاعدة النظرية التي حددت وضع االتحاد
األوروبي في البيئة الجنوبية .وقد أشار البعد
استياء عميق وليس بأزمة السياسي من مسيرة برشلونة إلى ضرورة
تمسك الشركاء بحقوق اإلنسان والحريات
ال يقتضي األمر أن تكون عبقريا لترى كيف أن األساسية .ولكن بصرف النظر عن شرعية
بلدان جنوب وشرق المتوسط كانت بعيدة وجدارة هذا المبدأ ،إال أن النتيجة التي ال يمكن
كل البعد عن أن تدعي خلوها من المشاكل التملص منها هي أن هذا المبدأ لم يطبق
قبل 1995وبعده .لقد كانت العناصر الثالثة في الواقع العملي .حيث تعد األوضاع التي
التي اشتملتها مسيرة برشلونة وثيقة عرفتها الجزائر ومصر واألردن وسوريا أكبر
الصلة في هذا الصدد .هناك أمثلة كثيرة عن شاهد على ذلك.
غياب انفتاح الحقول السياسية في الشرق
األوسط ،باستثناء إسرائيل وتركيا أو إلى وينبغي التأكيد هنا على الطريقة التي
حد ما لبنان واألراضي الفلسطينية .وفيما جعلت الموقف األوروبي يعطي نتائج
يخص الجانب االقتصادي فقد ظل الفساد عكسية سواء كان ذلك بالنسبة لالتحاد
والربح غير المشروع واستيالء النخب على األوروبي أو بلدان جنوب وشرق المتوسط.
الثروات وانتشار البؤس االجتماعي هو الواقع فالشروط التي وضعت مقابل اإلفراج عن 72
الطاغي في المنطقة .أما البعد االجتماعي األموال لم تكن لها نتائج ملموسة على
والمعوقات الخاصة به فهي مرتبطة بشكل أرض الواقع ،الشيء الذي أضعف موقف
واضح بالعوائق التي سادت المجالين األوروبيين .فالهوة العميقة ما بين نوايا
االقتصادي والسياسي. االتحاد األوروبي وبين ما تم تطبيقه على
أرض الواقع عززت فكرة وجود كيان لم يحترم
وفي الوقت نفسه ،من المهم أن نشير المبادئ التي يعتبرها مقدسة بالرغم من
إلى تطور محدد في هذا الوضع؛ وهو أن امتالكه للموارد الالزمة .لقد أدى ذلك إلى
اقتصادات المنطقة المتوسطية لم تظل إضعاف شديد لموقف األوروبيين .أما في
خامدة منذ .1995فقد ساهمت كل من جنوب وشرق المتوسط فحصولهم على
العولمة التجارية وتدفق الثروات وتطوير األموال بشكل تلقائي إضافة إلى المشاريع
صناعة الخدمات والعصرنة – النسبية نوعا التي لم تشجع الحكومات على االستجابة
ما -لألنظمة االقتصادية ،وبصورة أعم للمطالب السياسية واالجتماعية ،مما
التحول السريع للدول االشتراكية لمنطق زاد نزعتها إلدامة العقبات المؤسساتية
السوق ،ساهمت في طفرة اقتصادية كبرى. واألوضاع التعسفية فيما يخص احترام
وعلى أثر ذلك ،سرعان ما شهدت االقتصادات حريات المواطنين.
الراكدة لتلك الدول انطالقة كبيرة .يمكن مع
ذلك النظر إلى هذا التحول على أنه ظاهري وبالتالي فقد خسر االتحاد األوروبي الكثير
فقط ،من وجهة نظر الذين يعتقدون أنه ال في هذا الصدد بفقدانه عنصرا أساسيا من
يمكن لدولة أن تدعي أنها متطورة إال إذا جوهره المؤسسي والسياسي .وفي الضفة
ترافق التقدم االقتصادي مع تغيير سياسي. األخرى من المتوسط ،وجد المجتمع المدني
تعد أهم مزود باألسلحة العالية الجودة أهم لقد كان هذا النهج في التفكير رائجا في
الفصل الرابع :منطق ومنطلقات مجتمع املانحني
بكثير من آليات التعاون مع اتحاد أوروبي أقل الوقت الذي ظهرت فيه نظريات فرانسيس
التزاما بالسياسات القائمة على المصالح. فوكوياما حول “نهاية التاريخ” وتقدم العالم
وهكذا يبدو أن منطق المانحين له وزن نسبي بأجمعه نحو الديمقراطية واالقتصاد الحر.
مقارنة مع الحقائق اإلقليمية ،حيث تقابل ومع ذلك ال أحد يستطيع أن يزعم بأن الوضع
االحتياجات االجتماعية واالقتصادية لدول في المنطقة المتوسطية ظل على حاله
جنوب وشرق المتوسط طموحات أوروبية خالل الخمسة عشر سنة األخيرة .فسياسيا،
مجردة من أية أدوات قسرية تفتقر لمعايير ظلت األحداث في نفس المستوى السيء
المشروطية .أما بالنسبة للجهات المانحة الذي كانت عليه سابقا ،غير أن هذا لم يؤخر
الثنائية كالواليات المتحدة واليابان وروسيا التطور االقتصادي المستديم والواضح
وغيرها) أو الجهات المانحة المتعددة األطراف في كل الدول المعنية .صحيح أن الثروات
(كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وما ظلت مقتصرة على مجموعات صغيرة
إلى ذلك) فقد تراوحت توقعاتها ما بين عدم في كل بلد ،غير أن فرص تحسين الوضعية
وجود طلبات محددة مقابل الحصول على االقتصادية للكل كانت متوفرة أيضا .أما
مساعدة منها ،واإلصرار على نحو أكثر وضوحا بالنسبة لالستثمارات التي تقدمها الجهات
أن تكون اإلصالحات االقتصادية موجهة المانحة فعلى الرغم من كونها ال تمتثل إال
بمتطلبات التحول إلى اقتصاد السوق .وفي نادرا لمبدأ المشروطية ،إال أنها ساهمت في
النهاية ،ال يسعنا إال أن نلحظ كيف ساهم هذا تطوير البنية التحتية.
الموقف في تعزيز حاالت التصلب السياسي
73
في تلك البلدان ،وتراجع احتمال أن تتحقق ال يسعنا إال أن نقول بأن الجهات المانحة
مطالب المواطنين ولو جزئيا .واستمر هذا تغلبت على إرادة الحكومات في بسط
الوضع حتى انطالق االنتفاضة التونسية في سيطرتها على ما تعتبره “الحقوق السيادية”.
ديسمبر/كانون األول 2010إذ حدث تحول عن وأكيد أن هناك تفاوتا ينطبق على هذا
الوضع الذي كان سائدا في الماضي مما االستنتاج الذي هو أبعد من أن يكون
قد يقود إلى إعادة ترتيب هذه العالقات في مطلقا .ومع ذلك فمن الواضح أنه لم
المنطقة .وفيما يتجاوز القيود السياسية يتم التصدي على نحو مباشر للسياسات
واالجتماعية واالقتصادية ،يصبح الثمن القسرية التي تمارسها دول جنوب وشرق
الباهض لتحقيق “الكرامة” عنصرا رئيسيا. المتوسط ،وذلك انطالقا من دوافع
برغماتية .وكون مبدأ االشتراطية األوروبي
توجيهات يمكن أن تكون مفيدة ترافق مع ضغوطات ناعمة ،لم تكن لدى
للمنطقة ولمصلحة المانحين الحكومات التي تتلقى الدعم أية أسباب
كي تخشى أن يتخذ الشركاء األوروبيون في
وهكذا بعد مرور خمسة عشر عاما على النجاح النهاية موقفا معاديا لها .لكن األمور تختلف
الجزئي (أو الفشل الجزئي) لمسيرة برشلونة، حينما يتعلق األمر ببلد كالواليات المتحدة
وفي الوقت الذي يفترض أن يكون لمشروع حيث تقترن المساعدات والطرق المعتمدة
االتحاد من أجل المتوسط منحى فعاال في في معظمها بمنطق سياسي-عسكري.
السياسة األوروبية في المنطقة ،نرى كيف إن حكومات شرق وجنوب البحر األبيض
أن المبادرات التي قامت بها الجهات المانحة المتوسط ترغب في ضمان استقرار سلطتها
بدت معيبة ،بالرغم من كونها جديرة بالثناء. وتوفير حماية عسكرية ،ويبدو أن التعاون مع
ومع ذلك ،لم يفت األوان بعد للقيام بعمل الواليات المتحدة القوية دبلوماسيا والتي
ب-فهم سليم لالحتياجات الحقيقية جيد .فالوضع الحالي المتقلب في منطقة
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
للناس: شرق المتوسط وجنوبه يتيح فرصة إلعادة
صياغة النهج الذي يجب أن يعطى األولوية
ال يتعلق األمر بتحديد وتطبيق سياسات في هذه المنطقة من العالم ،وتجعلنا نكفر
شاملة من أجل القيام بتنمية من أجل عن أخطاء الماضي .وفي هذا الصدد ،فإن
التنمية بحد ذاتها ،بل يتعلق بأذن صاغية اإلعالن عن توصيات هادفة يظل عمال من
لطبيعة المطالب المطروحة لكي نتمكن أكثر األعمال مجازفة حيث يتم تطبيق سياسة
من معرفة كيفية تلبية هذه المطالب .هذا إجمالية للمساعدات في منطقة متغيرة
وبدال من تسليط الضوء على سياسات وغير مستقرة كالشرق األوسط المعاصر الذي
موحدة يمكن أن تنجح هنا وأن تفشل هناك، تنطبق عليه هذه المواصفات .ومن الممكن
فربما تحتاج الجهات المانحة معرفة لمن أن يتم توجيه المسارات من أجل مالئمة
ولماذا وكيف ينبغي عليها أن تعمل آخذة أفضل ما بين طبيعة العرض (المانحين)
بعين االعتبار االحتياجات التي يعبر عنها وطبيعة الطلب (مواطنو جنوب وشرق
السكان المعنيون. المتوسط) من خالل المبادئ التالية:
أحيانا ،يرغب المانحون بتحقيق نتائج معينة إنه الشرط الذي ال غنى عنه لتمكين
في حدود وقت معين .إال أن تحديد جدول الجهات المانحة من الجمع ما بين الشرعية
زمني محدد يحمل في طياته خطر عدم والفعالية .فعلى الرغم من أن المساعدات 74
القدرة على تحقيق األهداف المرجوة نظرا الممنوحة للدول المتوسطية قد ال تكون
لعدم احترام الجدول الزمني المخصص مصحوبة بأية شروط ،إال أنه ستكون ثمة
لذلك .وعلى العكس فالعمل من خالل عدة فرصة أكبر كي تقود هذه المساعدات إلى
مراحل وتحديد تحقيق هدف ما على المدى تحقيق تحسينات إذا ما أوضحت الجهات
المتوسط والطويل من شأنه أن يساهم المانحة ما هي توقعاتها وما هي أهدافها.
في نجاح المهمة المسندة .فكل بلد وكل وثمة مجاالت قد تستفيد على نحو كبير إذا ما
مجتمع وكل مكان له خصوصيات تجعل تم إشعار الحكومات المتلقية للمساعدات
الوصفة السحرية ناجحة في مكان معين بالشروط المرتبطة بالتمويل ،وال سيما أن
ولكن ينبغي تكييفها في سياقات أخرى من هذا التمويل مفيد جدا لتلك الحكومات؛
أجل تحقيق نتائج في وقت سريع. ومن بين هذه المجاالت إزالة العوائق
السياسية في المنطقة ،والنهوض باإلدارة
د -عدم الوقوع في فخ المواعظ واالكتفاء االقتصادية الفعالة ،والشفافية ،ومكافحة
الذاتي: الفساد ،وتحسين نقل المعرفة والتعليم.
وبإمكان الحكومات أن تقبل هذه الترتيبات
إن التوق للحرية وللتمثيل الجيد للنخب أو أن ترفضها ،ولكن إذا رفضتها فسيتعين
الحاكمة ليس حكرا على الغرب؛ بل هو عليها التضحية بمبالغ مالية طائلة.
ببساطة تعبير عن حاجة اإلنسان والمواطن.
ومن الخطأ اعتبار كل شعب ثائر واع
“بالمعايير الغربية” السائدة في هذا المجال
فذلك من شأنه أن يعيق المردودية .كما
بمستقبلهم وبقدرتهم على دعم التغييرات من شأن خطاب واعظ ومتخذ الغرب مركزا
الفصل الرابع :منطق ومنطلقات مجتمع املانحني
التي أسهموا فيها بشكل قيم بكل تأكيد. له أن يولد شعورا بالرفض لدى مجتمعات
منفتحة على آفاق مشابهة لألوضاع السائدة
في الدول الغربية .ولذلك فتنحية المواقف
2-4منطق ومنطلقات مجتمع العقائدية وتطوير أساس إنساني ببساطة
المانحين :المانحون األمريكيون واحترام المواطن يعتبر أفضل ضمان لتعزيز
سلمي لإلصالحات السياسية واالقتصادية
ستيفن مكينرني واالجتماعية الواعدة في المجتمعات
مشروع الديمقراطية للشرق األوسط المتوسطية.
( ،)POMEDواشنطن العاصمة
ه -األخذ بعين االعتبار المفهوم الشرعي
تقتضي األحداث التاريخية في الشرق للنسبية:
األوسط وشمال أفريقيا التي وقعت أوائل
عام 2011منا إجراء عملية إعادة نظر عميقة إن هذه الفكرة مرتبطة بما سبق ،فكيف
من أجل إعادة هيكلة المعونة الخارجية يمكننا العمل في حالة فشل بعض الدول
للواليات المتحدة ال سيما المعونات الخاصة – عمدا أو ال – في استيعاب كامل لمفاهيم
بالتحول الديمقراطي والحوكمة .إال أن هذه توطيد سيادة القانون والتقدم الديمقراطي
العملية سوف تستغرق وقت ًا في حين تكافح والتنمية االقتصادية .أفضل مثال على هذا
الوكاالت والمؤسسات الحكومية األمريكية ما يجري اليوم في العراق وفي أفغانستان
75
من أجل التأقلم مع هذه التغيرات على نحو بشكل خاص .وكم نستغرب أو ربما حتى
سريع .غداة االنتفاضات التي تجتاح منطقة نشعر باإلساءة برؤية بعض المجتمعات
الشرق األوسط وشمال أفريقيا يمكننا عموم ًا المترددة في القيام بتغييرات ديمقراطية
تصنيف التحديات التي تواجه المعونات واجتماعية .ويصادف – أو قد يصادف – أن
والحوكمة للديمقراطية األمريكية تنتصر مثل هذه التركيبات .إن الرغبة في
بطريقتين ،هما: التغيير شيء وتحديد طبيعة التغيير شيء
(((1ما هي أنواع المعونات الخارجية األكثر آخر .ولذلك فمهما كانت النتائج يضل
إلحاح ًا خالل الفترة االنتقالية التي تلي مفهوم النسبية مهما ويجب احترامه.
سقوط الحاكم كما شاهدنا في مصر
وتونس (وكما قد تؤول إليه الحال في الختام
قريب ًا في دول أخرى كليبيا أو اليمن أو
سوريا)؟ وكيف يمكن تقديم مثل هذه وأخيرا ،فسياسات المعونة لصالح بلدان
المعونة بأكبر قدر من الفعالية ومن جنوب وشرق المتوسط ليست عديمة
خالل أي المؤسسات؟ الجدوى كما أنها لم تكن محفزا للتغيير.
(((2كيف يمكن تعديل المعونة الخارجية، ال يجدر بنا أن نأسف لذلك؛ ففي خضم
وهل ينبغي تعديلها ،في دول الثورات المتوسطية المتأججة ،يرجع
كالمغرب واألردن – حيث النظام القائم فضل سيناريوهات التغيير النتفاضة هذه
ال يزال سليم ًا بصورة أساسية -استجابة المجتمعات نفسها .وسيكون المانحون
للحاجة الملحة إلجراء إصالحات حقيقية على خطأ إذا لم يستفيدوا من التحوالت
كما دلت عليه االنتفاضات في مختلف الحالية إلجراء نقد ذاتي وتحسين معالم
أنحاء المنطقة؟ سياساتهم التقليدية .وهذا مرتبط
المتدني التي تم تخصيص مستويات كبيرة وتشتمل العوائق األساسية التي تعترض
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
من المعونات االقتصادية لها .توجد حالي ًا سبيل التعامل مع هذين التحديين ،على:
بعثات للوكالة األمريكية للتنمية الدولية ( )1الجمود الحاصل في مختلف المؤسسات
في كل من مصر واألردن ولبنان والمغرب الحكومية األمريكية والمقاومة الطبيعية
والضفة الغربية وغزة واليمن بينما نالحظ أن إلجراء تغييرات كبيرة في النهج واالستراتيجية،
هذه البعثات غير موجودة في دول مجلس ( )2أجواء الميزانية االتحادية األمريكية التي
التعاون الخليجي ،أي في شبه الجزيرة تحول دون تخصيص أية تمويالت إضافية،
العربية ،وكذلك في الجزائر وليبيا وتونس. ( )3صعوبة االستجابة لمثل هذه التطورات
الدراماتيكية في الكثير من دول الشرق
وربما يتمثل التحدي األكبر للوكالة في األوسط وشمال أفريقيا كلها في الوقت ذاته.
تنفيذها لبرامج ديمقراطية وحوكمة فعالة
في أن مثل هذه األعمال ال تشكل سوى نظرة عامة على المؤسسات المانحة في
جزءا صغيرا من أعمال الوكالة وهو جزء قد الواليات المتحدة
ال يتوافق مع غالبية البرامج األخرى التابعة لها.
فمنذ تأسيسها في عام 1961تمثلت مهمة الوكالة األمريكية للتنمية الدولية
الوكالة أو ًال وقبل كل شيء في محاربة
الفقر ودعم التنمية االقتصادية ،ولم تبدأ تعد الوكالة األمريكية للتنمية الدولية
فعلي ًا في أعمالها الخاصة بالديمقراطية ( )USAIDالمؤسسة الحكومية الرئيسية
والحوكمة إال في التسعينيات في أعقاب في الواليات المتحدة لتقديم المعونات
انهيار االتحاد السوفييتي .واليوم تبلغ الخاصة المعونة ومنها الخارجية 76
حصة هذه البرامج أقل من ربع ميزانية برامج بالديمقراطية والحوكمة .وهذه الوكالة
الوكالة في منطقة الشرق األوسط وشمال مسؤولة عن تقديم الغالبية العظمى من
أفريقيا وهي حتى أقل من ذلك في مناطق المعونات الخارجية الثنائية غير العسكرية
أخرى .يركز جُّ ل أعمال الوكالة األمريكية التي يتم تخصيصها من خالل حسابات
للتنمية الدولية على التخفيف من حدة الفقر صندوق الدعم االقتصادي ( )ESFوالمعونة
ومشاريع التنمية االقتصادية والبنى التحتية اإلنمائية ( .)DAوفي الوقت الحاضر ،تدير
مما يتطلب تنسيق ًا وثيق ًا بين بعثة الوكالة الوكالة عملية تقديم نحو 1.7مليار دوالر من
وحكومة البلد المضيف .تضطر الوكالة المعونات الخارجية لمنطقة الشرق األوسط
حفاظ ًا على عالقات تخلو من الخصومة وشمال أفريقيا من ضمنها 400مليون دوالر
في كثير من األحوال إلى تحاشي برامج تقريب ًا مخصصة لدعم برامج الديمقراطية
الديمقراطية والحوكمة التي قد تغضب والحوكمة.
الحكومة المضيفة وأن تركز بالمقابل على
أنشطة أقل ضرراً من قبيل تحسين مستوى مقارنة بالمبادرات الحكومية األمريكية
أداء المؤسسات الحكومية. األخرى ،يتم تخطيط برامج الوكالة األمريكية
للتنمية الدولية على نطاق أوسع كما أنها
ويع ّبر عن هذه المعضلة التقرير 03الصادر تشمل مشاريع ذات أمد أطول وميزانيات
في شهر تشرين أول /أكتوبر 2009عن مكتب أضخم .وتدير الوكالة أعمالها في المنطقة
المفتش العام للوكالة األمريكية للتنمية بوجه عام من خالل بعثاتها الموجودة داخل
الدولية الذي يق ّيم أعمال الديمقراطية األقطار على الرغم من أن هذه البعثات
والحوكمة التي قامت بها الوكالة في مصر موجودة فقط في األقطار ذات الدخل
السياق الجديد أن يكون هناك قيود أقل ويصف تأثير برامج الوكالة للديمقراطية
الفصل الرابع :منطق ومنطلقات مجتمع املانحني
على دعم الوكالة للفاعلين السياسيين والحوكمة بأنه «محدود» ويعود السبب في
المستقلين – منها على سبيل المثال ذلك ،وإلى درجة كبيرة ،إلى ضعف التعاون
إلغاء السياسة التي كانت تمنع الوكالة من طرف الحكومة المصرية .ومن األمثلة
من تمويل المنظمات غير الحكومية غير على تلك الجهود الرامية إلى استرضاء
المسجلة لدى الحكومة المصرية كما الحكومة المضيفة قرار الوكالة عام 2009
أوضحنا أعاله ،في آذار /مارس 2011في أعقاب بالتوقف عن تمويل منظمات المجتمع
سقوط مبارك .من الواضح أن الوكالة المدني غير المسجلة لدى الحكومة
ستلعب دوراً ريادي ًا في دعم التحول في مصر؛ المصرية بموجب قانون المنظمات غير
فما أن أعلنت الوزيرة كلنتون عن إعادة برمجة الحكومية ،وهي سياسة لطالما شجعت
150مليون دوالر من األموال التي لم يتم عليها الحكومة المصرية.
صرفها ألغراض دعم التحول في مصر حتى
أطلقت الوكالة كشفين بالبرامج السنوية بالطبع ،ال يشكل هذا العامل حالة تنفرد بها
بهدف إعطاء منح جديدة .يتعلق الكشف الوكالة األمريكية للتنمية الدولية؛ فالرغبة
األول بخمسين منحة متوقع تقديمها تصل في االحتفاظ بعالقات طيبة مع الحكومات
قيمتها اإلجمالية إلى 65مليون دوالر لدعم المضيفة تصبغ بصبغتها الجهود األمريكية
برامج الديمقراطية والحوكمة حيث سيتم لدعم الديمقراطية عبر المعونات الخارجية
التركيز على 5مجاالت رئيسية ،هي :إشراك ومجموعة من األدوات األخرى بغض النظر
المجتمعات المدنية /الوعي المدني؛ عمن تكون الوكالة المنفذة .ولكن
77
والعمليات االنتخابية والسياسية :وإمكانية بالمقارنة مع المؤسسات الحكومية
الوصول إلى العدالة /حقوق اإلنسان؛ األمريكية األخرى يظهر هذا التركيز جلي ًا في
والشفافية والمساءلة؛ والمشاركة المدنية. الوكالة األمريكية للتنمية الدولية أكثر منه
أما الكشف السنوي الثاني فيتوقع أن يضم في أية وكالة أخرى ،وذلك بسبب طبيعة
ستين منحة تبلغ قيمتها نحو 100مليون دوالر األعمال األخرى للوكالة وكذلك بسبب أن
لتقديم الدعم االقتصادي لمصر (وسيضم القسم األعظم من األموال التي تُدار من
التمويل من أجل الديمقراطية والحوكمة، قبل الوكالة هي أموال مساعدات ثنائية
إلى جانب المائة وخمسين مليون ًا التي تتم تحت مظلة اتفاقية ثنائية بين الواليات
سيعاد برمجتها 15 ،مليون من األموال التي المتحدة والحكومات العربية المضيفة.
لم يتم صرفها والتي كانت مخصصة أص ً
ال
لهذا الغرض). بعد اإلطاحة ببن علي في تونس ومبارك
في مصر يمكن لهذه القيود أن تتقلص.
وإلى جانب إدارة المعونات االقتصادية وإذا ما ظهرت حكومات جديدة تلتزم التزام ًا
الثنائية من خالل البعثات القطرية يوجد حق ًا بالممارسات الديمقراطية يمكن لدور
للوكالة مكتبين آخرين يمكنهما لعب الوكالة في العمل مع هذه الحكومات أن
دور مهم في الوقت الحاضر ،والمكتبان يكتسب أهمية فورية ،وبصورة خاصة قد
هما :مكتب المبادرات االنتقالية ()OTI تبرهن خبرة الوكالة في بناء المؤسسات
ومكتب برامج الشرق األوسط ()OMEP بالتعاون مع الحكومات المضيفة أنها
ومقره القاهرة .تم تأسيس مكتب المبادرات ذات قيمة كبيرة في المساعدة في نشوء
االنتقالية في أوائل التسعينيات بعد انهيار المؤسسات الديمقراطية الضرورية جداً.
االتحاد السوفييتي بهدف مساعدة الدول إضافة إلى ذلك ،من المحتمل ضمن هذا
نطاق واسع على هذه المرونة هو لبنان في على التحول إلى حكومات ديمقراطية
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
أعقاب اغتيال رفيق الحريري في شباط /فبراير مستقرة .وفي وقت الحق صار المكتب يركز
2005الذي أشعل شرارة ثورة األرز التي أدت أعماله على عمليات التحول أثناء النزاعات
إلى إجراء انتخابات برلمانية غير مخطط لها. وما بعدها ال سيما في أفغانستان .وقد تمت
وفي هذه الحالة لم تكن الوكالة األمريكية هيكلة مكتب المبادرات االنتقالية بحيث
للتنمية الدولية قادرة على تكييف تمويالتها يتفاعل مع العوامل المحركة المتغيرة
أو برامجها بسرعة كافية لتقديم الدعم ويستجيب لها بصورة أسرع من المكاتب
الالزم بشدة لإلشراف على تلك االنتخابات التقليدية للوكالة األمريكية للتنمية الدولية
ومراقبتها بينما كان مكتب مبادرة الشراكة وبعثاتها القطرية ،وبالتالي ربما يكون
الشرق أوسطية الجديد قادراً على التقدم المكتب في موقع جيد يؤهله للعب دور في
وتقديم العون الالزم .وينبغي أن تعتبر هذه تونس ومصر في الوقت الحالي .أما مكتب
القدرة على االستجابة السريعة للظروف برامج الشرق األوسط الذي يتخذ من القاهرة
المتغيرة ق ّيمة للغاية وسط هذه التغيرات مقراً له فلم يركز كثيراً على قضايا التحول
السريعة التي تجتاح المنطقة. الديمقراطي أو اإلصالح بل على مجموعة من
المشاريع اإلنمائية في المنطقة .ومع ذلك،
ونظراً ألن مبادرة الشراكة الشرق أوسطية من الطبيعي أن نتوقع من هذا المكتب أن
تقع ضمن مكتب شؤون الشرق األدنى بوزارة يتحول في برامجه إلى تقديم دعم إضافي
الخارجية فإنه من المفترض أن يتم تنسيق لعمليات التحول القائمة ،وذلك في ظل
برامجها على نحو وثيق مع سياسة الواليات االحتياجات الهائلة في مصر وأماكن أخرى
المتحدة – التي تتم صياغتها غالب ًا وتنفيذها في المنطقة. 78
من قبل مكتب شؤون الشرق األدنى
وموظفيه العاملين في سفارات الواليات مبادرة الشراكة الشرق أوسطية
المتحدة في المنطقة .إضافة إلى ذلك ،لم
يتم إنشاء مبادرة الشراكة الشرق أوسطية تقع مبادرة الشراكة الشرق أوسطية ()MEPI
فقط لغاية تنفيذ مشاريع ذات توجه إصالحي التي أنشأتها إدارة الرئيس بوش في كانون
بل كي تصبغ ثقافة صانعي السياسات أول /ديسمبر 2002ضمن مكتب شؤون
بمكتب شؤون الشرق األدنى بصبغة مؤيدة الشرق األدنى ( )NEAبوزارة الخارجية .تبلغ
لإلصالحات .وفي الواقع العملي ،كان هذا الميزانية السنوية للمبادرة 65مليون دوالر،
التأثير متواضع ًا نسبي ًا رغم أنه يظل علينا وبلغ معدلها 75مليون دوالر سنوي ًا منذ عام
أن نرى المستوى الذي ستعلو به األصوات .2004
إصالحية التوجه بما فيها تلك الموجودة
في مبادرة الشراكة الشرق أوسطية في إن مشاريع مبادرة الشراكة الشرق أوسطية
النقاشات الداخلية للسياسة غداة األحداث هي مشاريع صغيرة النطاق قصيرة األجل
األخيرة. وذات ميزانية أكثر تواضع ًا إذا ما قارناها ببرامج
الوكالة األمريكية للتنمية الدولية .ونتيجة
ومنذ إنشائها وجدت مبادرة الشراكة الشرق لذلك ،يُنظر عموم ًا إلى برامج المبادرة على
أوسطية على نحو متزايد الموقع الالئق أنها أكثر مرونة وأكثر سرعة على الحركة
بها في تقديم الدعم المباشر لمنظمات وأكثر قدرة على التفاعل مع الظروف
المجتمع المدني المستقلة .وعلى المتغيرة من الوكالة األمريكية للتنمية
نحو مغاير للمعونة المقدمة من قبل الدولية .ومن األمثلة التي يُستشهد بها على
وفي أعقاب الثورات مباشرة في كل من بعثات الوكالة األمريكية للتنمية الدولية
الفصل الرابع :منطق ومنطلقات مجتمع املانحني
تونس ومصر بدا أن عمل المبادرة – حتى ال تكون المعونة المقدمة من مبادرة
مع كونه من مكتب تونس – يركز بدرجة الشراكة محكومة عادة باتفاقيات ثنائية
أكبر على مصر منه على تونس ،ولكن ذلك مع الحكومات المضيفة مما يحررها من
يتغير اآلن بصورة سريعة .وفي 22آذار /مارس عبء الدخول في أعمال تتسم بمزيد من
الماضي صرحت وزارة الخارجية إنه ستتم الحساسية السياسية .فعلى سبيل المثال،
إعادة برمجة 20مليون دوالر من أموال المبادرة تقدمت المبادرة من أجل تقديم التمويل
من أجل دعم التحول في تونس .وسوف يتم لمنظمات المجتمع المدني غير المسجلة
استخدام هذه األموال لدعم تطوير األحزاب لدى الحكومة المصرية بموجب قانون
السياسية ومنظمات المجتمع المدني الدولة الخاص بالمنظمات غير الحكومية
لتعزيز اإلعالم المستقل ودعم مراقبة حقوق في أعقاب قرار الوكالة األمريكية للتنمية
اإلنسان وبرامجها. الدولية عام 2009بالتوقف عن تقديم الدعم
لتلك المنظمات.
مكتب الديمقراطية وحقوق اإلنسان
والعمل إال أنه تنبغي اإلشارة هنا إلى أن برامج المبادرة
ال تزال مقيدة من حيث نطاق العمل – غالب ًا
يعتبر مكتب الديمقراطية وحقوق اإلنسان بضغط من موظفي السفارة المحليين –
والعمل ( )DRLالمكتب الفاعل بوزارة بغية تجنب إثارة عداء الحكومة المضيفة.
الخارجية المكلف بدعم الديمقراطية فقد تمت الموافقة مؤخراً على عرض في
79
وحقوق اإلنسان في كافة أنحاء العالم .وقد البحرين ولكن بعد أن تم تجريد المبادرة من
ركز هذا المكتب في قسم كبير من برامجه عنصر كان يبحث إمكانيات إعادة رسم الدوائر
في الشرق األوسط على الجهود المتعلقة االنتخابية في البحرين وهو موضوع حساس
بالديمقراطية والحوكمة في العراق ،وهو سياسي ًا إال أنه أساسي لمعالجة التوترات
غالب ًا ما يرمي إلى تلبية االحتياجات في السياسية في البحرين .وفي مثال آخر،
الدول التي قد تكون فيها الوكالة األمريكية منعت المبادرة مشاركة عضو في اإلخوان
للتنمية الدولية أقل نشاط ًا بشأن قضايا المسلمين كمتحدث في مؤتمر للحوار في
الديمقراطية .حالي ًا ،يبلغ مستوى تمويل مصر تموله المبادرة.
المكتب لبرامجه ونفقاته التشغيلية على
مستوى العالم حوالي 92مليون دوالر كذلك تلعب مبادرة الشراكة الشرق أوسطية
مقابل 65مليون دوالر لمبادرة الشراكة دوراً غاية في األهمية في الدول التي ال
الشرق أوسطية (التي تعمل في الشرق توجد فيها بعثات أو مكاتب لوكالة التنمية
األوسط فقط) ونحو 400مليون دوالر للوكالة الدولية ،ومن بين هذه الدول دول مجلس
األميركية للتنمية الدولية في الشرق األوسط. التعاون الخليجي حيث تنشط المبادرة منذ
ومع أن برامج مكتب الديمقراطية وحقوق بعض الوقت .وينبغي لوجود أحد المكتبين
اإلنسان والعمل عالمية النطاق إال أن مساعد اإلقليميين للمبادرة في تونس أن يؤهلها
وزير الخارجية مايكل بوسنر الذي يرأس هذا للعب دور بارز في دعم التحول في تونس
المكتب منذ عام 2009شدد بقوة على أهمية نحو حكم ديمقراطي؛ فعلى الرغم من
الشواغل المتعلقة بالديمقراطية وحقوق وجود هذا المكتب منذ سنوات عديدة لم
اإلنسان في العالم العربي. تضطلع المبادرة في أية برامج للديمقراطية
والحوكمة في تونس قبل سقوط بن علي.
أن يحول األموال التي كانت مرصودة على وجه الخصوص ،زاد مكتب الديمقراطية
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
لمناطق أخرى لتلبية االحتياجات الملحة في وحقوق اإلنسان والعمل من برامجه في
منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا ،في مصر للتعويض عن التخفيضات الحادة في
حين أن معظم أموال الوكالة األمريكية تمويالت الوكالة األمريكية للتنمية الدولية
للتنمية الدولية تكون محددة لكل بلد من الخاصة بالديمقراطية والحوكمة في هذا
البلدان .من الواضح أن مكتب الديمقراطية البلد منذ عام ،2009ويبدو أن المكتب سيلعب
وحقوق اإلنسان والعمل سيواصل لعب دور دوراً مهم ًا في برمجة الخمسة وسبعين
مهم في تقديم المعونة لمصر خالل عملية مليون دوالر اإلضافية التي تم تخصيصها
تحولها. مؤخراً لدعم الديمقراطية في مصر بعد
الثورة .كذلك حدث تقسيم للعمل عام 2009
برنامج الديمقراطية في منطقة الشرق في التمويل المخصص لمصر من المكتب
األدنى ()NERD ومن مبادرة الشراكة الشرق أوسطية حيث
يقوم المكتب بتمويل المنظمات غير
تم إنشاء برنامج الديمقراطية في منطقة الحكومية الدولية (الغربية بصورة أساسية)
الشرق األدنى رسمي ًا من قبل الكونغرس التي تعمل في مصر بينما تمول المبادرة
األمريكي في آذار /مارس 2009إال أنه تم المنظمات غير الحكومية المصرية المحلية.
ال إلدارة أوباما من قبل الفريقوضعه أص ً ويبدو أن هذا النهج كان فعا ًال في مصر وأنه
االنتقالي القادم [للحكم] باالشتراك مع من الممكن توطيده بسهولة في دول أخرى
لجان الكونغرس للمخصصات المالية. في المنطقة أيض ًا.
وكان الهدف من هذا البرنامج هو استبدال 80
األموال المخصصة إليران كأموال للدعم يمكن ،بمعنى معين ،اعتبار مكتب
االقتصادي إبان عهد إدارة بوش .وينظر على الديمقراطية وحقوق اإلنسان والعمل
نطاق واسع إلى إنشاء هذا البرنامج على أنه ،ومن خالل دوره كطرف فاعل في دعم
إقرار من إدارة أوباما بضرورة دعم اإلصالحيين الديمقراطية والحوكمة في المنطقة ،على
الديمقراطيين في إيران ولكن بإتباع نهج أنه النظير المقابل للوكالة األمريكية للتنمية
مختلف عن نهج إدارة بوش .وعلى العكس الدولية – ففي حين تعتبر الوكالة مؤسسة
مما كان يجري في عهد إدارة بوش ،فإنه إنمائية عريقة تتمتع بميزانية ضخمة ،إال أنها
عندما يتم تخصيص األموال لدعم التغيير لم تقم بتوسيع نطاق أعمالها ليشمل
الديمقراطي في إيران تحديداً يمكن مجال الديمقراطية والحوكمة إال في وقت
استخدام المخصصات المالية التي يقرها متأخر .بينما يعتبر مكتب الديمقراطية
الكونغرس بموجب برنامج الديمقراطية وحقوق اإلنسان والعمل مؤسسة تركز على
في منطقة الشرق األدنى ألغراض متصلة الديمقراطية وحقوق اإلنسان منذ نشأتها ،إال
ببرامج الديمقراطية في أي مكان من منطقة أنها بدأت بالقيام بذلك مؤخراً فقط من خالل
الشرق األدنى. البرامج اإلنمائية .ومن المزايا التي قد يتمتع
بها المكتب من حيث االستجابة للتطورات
يمكن لهذه المرونة أن تكون ذات قيمة كبيرة األخيرة في المنطقة أنه ال يتم تخصيص
كون اإلدارة تسعى إلى دعم الديمقراطية أمواله إقليمي ًا بموجب تشريعات الكونغرس
في مختلف أنحاء العالم العربي ضمن المتعلقة بالمخصصات المالية؛ األمر الذي
أجواء الميزانية التي ال تتيح مجا ًال ألية زيادة قد يمنح المكتب مرونة أكبر في إعادة برمجة
في أي بند من بنود ميزانية الشؤون الدولية. أمواله .فعلى سبيل المثال ،يمكن للمكتب
المستبدة؛ ومساعدة الديمقراطيات الجديدة وال يوجد أي مؤشر على أن أموال برنامج
الفصل الرابع :منطق ومنطلقات مجتمع املانحني
على النجاح؛ وبناء الديمقراطية بعد النزاعات؛ الديمقراطية في منطقة الشرق األدنى يجري
وتقديم المساعدة للديمقراطية في العالم تخصيصها لمكان غير إيران بهدف تقديم
اإلسالمي 13.ومن الواضح أن دعم التحول المساعدة لبلد آخر في المنطقة لغاية
الديمقراطي القائم في مصر وتونس اآلن ،إال أنه من المحتمل أن يتم النظر في
يتوافق مع األولويات الثالث األخيرة من هذه ذلك في األشهر القادمة .وينبغي اإلشارة
ال أن الصندوق األولويات ،كما أنه يبدو فع ً هنا إلى أنه رغم أن هذه المرونة هي مرونة
يعمل حالي ًا على توسيع نطاق برامجه مسموح بها قانون ًا إال أنها ستحتاج إلى إشعار
بسرعة في كل من مصر وتونس. الكونغرس بها وموافقته عليها .يؤيد الكثير
من أعضاء الكونغرس ،ال سيما من مجلس
من الناحية التاريخية ،كان الكونغرس داعم ًا النواب ،بقوة تمويل التحول الديمقراطي
بشدة صندوق المنح الوطنية من أجل في إيران ،وعلى الرغم من التغيرات التاريخية
الديمقراطية وبرامجه بما فيها برامجه في في العالم العربي فقد يكون هناك تردد في
منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا .وقد إعادة برمجة األموال من مخصصات إيران .وال
منح الكونغرس في كل سنة من السنوات يبدو أن إدارة أوباما تبحث في هذا األمر بصفته
الثالث الماضية أموا ًال تزيد 15مليون دوالر على ال للحصول على المال في بيئة خياراً محتم ً
األقل عما طلبته اإلدارة حيث منح الكونغرس ميزانية شديدة التقييد.
الصندوق 115مليون دوالر عام 2009و 118مليون ًا
لعام 2010حيث تم تخصيص ما بين 15إلى 18 صندوق المنح الوطنية من أجل
81
مليون دوالر منها لمنطقة الشرق األوسط الديمقراطية ()NED
وشمال أفريقيا .إال أنه من المحتمل ،وبسبب
القيود على الميزانية ،أن نرى هبوط ًا في صندوق المنح الوطنية من أجل الديمقراطية
مخصصاته السنوية من الكونغرس للسنة ليس وكالة من وكاالت الحكومة األمريكية،
المالية .2011ومع ذلك يمتلك الصندوق خيار وذلك على العكس من كافة المؤسسات
تحويل أموال إضافية ضمن ميزانيته إلى آنفة الذكر .وهو إذن مؤسسة غير حكومية
برامجه الخاص بالشرق األوسط استجابة أنشأها الكونغرس عام 1983تتلقى كل
لألحداث. أموالها تقريب ًا من خالل المخصصات
السنوية التي يقرها الكونغرس مباشرة.
مؤسسة المستقبل وقد ازدادت أموال صندوق المنح الوطنية
من أجل الديمقراطية من الكونغرس زيادة
مؤسسة المستقبل هي مؤسسة غير مطردة طيلة العقد الفائت وتبلغ حالي ًا 118
ّ
ربحية ،مثل صندوق المنح الوطنية من مليون دوالر للعالم منها 15مليون دوالر
أجل الديمقراطية ،وتتلقى كل أموالها لمنطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا.
تقريب ًا من حكومات غربية وعربية حيث وقبل االنتفاضات األخيرة في الشرق األوسط
تأتي نصف أموالها من الحكومة األمريكية. حدد صندوق المنح الوطنية من أجل
وتركز المؤسسة على دعم وتعزيز وتشجيع الديمقراطية خمس أولويات استراتيجية
منظمات المجتمع المدني في كل المنطقة أساسية لعمله على نطاق العالم ،هي :فتح
من خالل منح مباشرة بصورة أساسية .ويبدو المجال السياسي في الدول ذات األنظمة
أن المؤسسة ،التي تُدار محلي ًا وعربي ًا والتي المستبدة؛ تقديم العون للديمقراطيين
تتخذ من العاصمة األردنية عمان مقراً لها ،قد والعمليات الديمقراطية في الدول شبه
إذا قلنا إن أجواء الميزانية واألجواء االقتصادية اكتسبت سمعة في أوساط الفاعلين العرب
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
عند المؤسسات الخاصة أيض ًا أصبحت في في المجتمع المدني كمؤسسة مستقلة
ظل الركود االقتصادي الذي بدأ عام 2007 جديرة بالثقة تدعم اإلصالحات في المنطقة.
أضعف مما كانت عليه قبل سنة أو سنتين؛ وهذه المؤسسة قادرة بصورة خاصة على
فقد انخفض مستوى الهبات الخيرية وتقديم دعم فاعلين معينين في المجتمع المدني
المنح ودعم المؤسسات للمجموعات في كل المنطقة ال يقبلون بتلقي الدعم
األمريكية غير الربحية في العامين 2008 مباشرة من الواليات المتحدة أو الحكومات
و .2009وقد ذكرت مجلة ‘ذا كرونيكيل أوف الغربية األخرى.
فيالنثروبي’ في تشرين أول /أكتوبر 232010أن إال أنه ثمة عدم انتظام في منح األموال
الهبات الممنوحة ألكبر 400جمعية خيرية في لهذه المؤسسة؛ فقد تلقت 21مليون دوالر
الواليات المتحدة انخفضت بنسبة %11خالل تقريب ًا من الحكومة األمريكية عام 2007ولم
عام 2009وهي أسوأ نسبة انخفاض منذ 20 تتسلم أية أموال أخرى غيرها من الواليات
عام ًا. المتحدة منذ ذلك الوقت .وكانت وزيرة
الخارجية األمريكية السابقة كوندوليزا رايس
ومع ذلك ،تتمتع المؤسسات الخاصة بقدر قد تعهدت بمنح 35مليون دوالر للمؤسسة
أكبر من المرونة وعدد أقل من المعيقات عام 2005إال أنه لم يتم تسليم سوى 21مليون ًا
البيروقراطية مقارنة بالمؤسسات الحكومية منها لحد اآلن .وعلى الرغم من أن المخطط
كما أنها قد تكون أكثر أهلية لالستجابة له هو إنفاق الواحد وعشرين مليون ًا هذه مع
بصورة أسرع لألحداث الدراماتيكية التي نهاية عام 2010إال أن المؤسسة لم تستلم
وقعت في األشهر الماضية .ويبدو أن الجهات بعد أية أموال إضافية من الواليات المتحدة 82
المانحة الخاصة تبقى حذرة من التدخل كما أنه ليس واضح ًا ما إذا كانت الحكومة
في االنتفاضات التي ال تزال قائمة إال أنها األمريكية ستفي بالتزامها بمنح 35مليون
تكون تواقة لتقديم الدعم استجابة للطلب دوالر للمؤسسة إما من خالل حسابات
المحلي في دول كمصر وتونس حيث تمت البرامج القائمة كمبادرة الشراكة الشرق
اإلطاحة بالحاكم .وفي مقالة رأي نُشرت في أوسطية وصندوق برنامج الديمقراطية في
شباط /فبراير 33أعلن جورج سوروس رئيس منطقة الشرق األدنى أو من خالل مخصصات
مؤسسة المجتمع المفتوح أن مؤسساته الكونغرس .ونظراً ألن المؤسسة غير
كانت مستعدة «إلنشاء مراكز للموارد لدعم موجودة كبند ثابت على جدول الميزانية
حكم القانون وإصالح الدستور ومحاربة االتحادية أو المخصصات المالية السنوية،
الفساد وتعزيز المؤسسات الديمقراطية فإن كل هذه الخيارات ازدادت صعوبة بصورة
في تلك البلدان التي تطلب المساعدة في كبيرة بسبب ظروف الميزانية الحالية.
إنشاء تلك المراكز ،بينما بقيت خارج البلدان
التي ال ترحب بتلك الجهود» .ومنذ الثورة في المانحون من الجهات األهلية
كل من مصر وتونس يبدو أن عددا كبيراً من
المؤسسات الخاصة يقوم على نحو سريع يمكن أن تكون المؤسسات الخاصة
باستكشاف فرص تقديم الدعم خالل الفترة والمؤسسات غير الربحية طرف ًا متمم ًا له
االنتقالية. قيمته للجهات الحكومية األمريكية المانحة،
كما أن ثمة مزايا مقارنة مهمة قد تمتلكها
هذه المؤسسات الخاصة على نظيراتها
الحكومية .من ناحية أخرى ،ال نجانب الصواب
ويأتي هذا في وقت يرغب فيه الكثيرون في الكونغرس األمريكي
الفصل الرابع :منطق ومنطلقات مجتمع املانحني
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
الكونغرس ،ال سيما في مجلس النواب ،ال في المنطقة .تبلغ المساعدات العسكرية
يؤيدون على ما يبدو الجهود الهادفة إلى األمريكية لمنطقة الشرق األوسط وشمال
التعامل مع التحوالت التاريخية الحادثة في أفريقيا في الوقت الحاضر نحو 4.9مليار دوالر
مختلف أنحاء منطقة الشرق األوسط وشمال أي نحو %75من مجمل المعونات األمريكية
أفريقيا. المقدمة للمنطقة .في الوقت الذي ال تكون
فيه الموارد المالية اإلضافية متاحة ،يمكن
النتائج لهذه المساعدات العسكرية األمريكية
القائمة أن تكون مصدراً للموارد ذا قيمة
ال من الحكومة والجهات الخاصة يبدو أن ك ً استثنائية .وتجدر اإلشارة إلى أن إجراء مثل هذا
المانحة في الواليات المتحدة يركزان بصورة التحول في المساعدات قد يُواجه بمعارضة
أساسية على دعم التحول في مصر وتونس. كبيرة في الكونغرس وقد تأتي مثل هذه
ونحن نتفهم سبب هذا التركيز نظراً ألن المعارضة من قبل مؤيدي المساعدات
كال البلدين يمر بتغيرات تاريخية ويطلب العسكرية إلسرائيل الذين قد يخشون
المساعدة .وفي كال البلدين تقوم إدارة من أن إجراء تخفيضات على المساعدات
أوباما بوضع برامج تركز على مواضيع عامة العسكرية الممنوحة لحكومات عربية من
كرفع مستوى الشفافية وإشراك الجميع شأنه أن يفتح الباب أمام تخفيضات في
إلى جانب التأكيد على الحقوق والحريات. المساعدات العسكرية األمريكية إلسرائيل
وسوف تشتمل البرامج في كال البلدين باإلضافة إلى معارضة من قبل شركات
على دعم العمليات االنتخابية وتطوير المقاوالت الدفاعية األمريكية والشركات 84
األحزاب السياسية ومنظمات المجتمع الصانعة للمعدات العسكرية التي تشتريها
المدني وتعزيز دور اإلعالم المستقل بصفته حكومات شرق أوسطية بأموال أمريكية.
الحارس على العملية السياسية وبيئة حقوق
اإلنسان. وتنبغي اإلشارة أيض ًا إلى أن االهتمام الكبير
من قبل الحزبين في مجلس الشيوخ بدعم
عدا مصر وتونس ،يبدو أن ثمة وضوح ًا أقل الديمقراطية في المنطقة غائب بصورة
بكثير يكتنف الكيفية التي ينبغي بها ملحوظة عن مجلس النواب .وفي داللة
تكييف برامج المعونة القائمة بحيث تصبح بليغة على ذلك ما حدث في شهادة مدير
أكثر فاعلية في ضوء األحداث الدراماتيكية الوكالة األمريكية للتنمية الدولية راجيف
في المنطقة .وفي كثير من الحاالت يبدو شاه التي أدلى بها في جلستين أمام كل
أن النهج المعتاد هو توسيع نطاق البرامج من لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب
القائمة والقيام بالمزيد مما يتم القيام واللجنة الفرعية لمخصصات المجلس
به أص ً
ال وذلك بد ًال من إجراء إعادة نظر الخاصة بالعمليات الرسمية والخارجية
جوهرية في االستراتيجية .من نقاط الضعف يومي 16و 30آذار /مارس ،حيث لم يقم أي
الثابتة في المساعدات األمريكية الخاصة من أعضاء اللجنتين بتوجيه ولو سؤال واحد
بالديمقراطية والحوكمة المقدمة لحلفاء لشاه بخصوص الدعم األمريكي للشرق
الواليات المتحدة هي عدم الرغبة في األوسط في هذه اللحظة الهامة .وبالمقابل،
التعامل مع المجاالت الحساسة سياسي ًا – ركزت كلتا الجلستين بالكامل تقريب ًا على
وهي غالب ًا ما تكون المجال األهم -وليس الحاجة إلى إجراء تخفيض على الميزانية
من الواضح ما إذا كان ذلك سيتغير في العامة للمعونات الخارجية .وقد اشتكى عدد
وثمة أسئلة مهمة يجب طرحها – على ضوء األحداث األخيرة .ويزيد نقطة الضعف
الفصل الرابع :منطق ومنطلقات مجتمع املانحني
سبيل المثال ،إلى أي مدى كانت الجماعات هذه سوءاً الجمود البيروقراطي – فالبرامج
التي شرعت في التظاهرات والثورات تحصل وال ُن ُهج القائمة لها أنصار يدافعون عنها في
على تمويل من الجهات المانحة الغربية؟ حين أن المبادرات الالزم اتخاذها والتي لم
كيف يمكن للمانحين أن يكونوا مبادرين يتم إنشاؤها بعد ليس لها من يناضل من
وأن يستجيبوا للتغييرات دون أن يتصرفوا في أجلها بالطريقة ذاتها .كما أن البيئة الصعبة
ظل معطيات لم تنضج بعد؟ للميزانية تزيد من هذه التحديات تعقيداً
ذلك أنه ال يوجد على ما يبدو موارد جديدة
إعادة النظر في األركان اإليديولوجية متوفرة من طرف الكونغرس .أخيراً ،يبدو أن
وإستراتيجيات التمويل ثمة وجهات نظر مختلفة في مختلف أفرع
ومكاتب الحكومة األمريكية فيما يتعلق
أو ًال وقبل كل شيء ،ثمة حاجة إلعادة النظر بالدور المناسب للمعونة األمريكية في هذا
في األركان األيديولجية واإلستراتيجيات التي الوقت .ثمة رغبة واضحة وقوية لدى الكثيرين
ظلت سائدة حتى اآلن .وقد كانت معظم داخل إدارة أوباما في تقديم الدعم الالزم
برامج التمويل متأثرة إلى حد ما بالنموذج للمنطقة في هذه اللحظة التاريخية إال أن
النيو-كالسيكي التي أدت سياساته في فعالية هذه الرغبة قد يتم إعاقتها وتقويضها
واقع األمر إلى إثارة االحتجاجات والثورات بواسطة عقبات كبيرة.
التي شهدناها في المنطقة .وفي واقع
األمر ،فإن العديد من البلدان العربية ال 1 1الوكالة األمريكية للتنمية الدولية ،مكتب المفتش
العام «التقرير النهائي لمراجعة أنشطة الوكالة
85
تفتقر إلى األموال ،وشهدت مستويات نمو األمريكية للتنمية الدولية في مجال الديمقراطية
مرتفعة – إال أن ذلك النمو لم يصل إلى والحوكمة في مصر» .تقرير رقم (،)P-001-10-263-6
األغلبية العظمى من السكان .وتبعا لذلك، 27تشرين أول /أكتوبر .2009
2 2صندوق المنح الوطنية من أجل الديمقراطية« ،وثيقة
يجب التفكير في نموذج جديد تستند إليه االستراتيجية ،كانون ثاني /يناير .»2007
سياسات التمويل. The Chronicle of ”,400 The Philanthropy“3 3
2010 ,21 October 2 .No ,23 .Philanthropy, Vol
George Soros, “Why Obama has to get Egypt4 4
ويتسم هذا األمر بأهمية واستعجال كبيرين .2011 ,3 Rights,” The Washington Post, February
على ضوء الخسائر االقتصادية الكبيرة التي «5 5السناتور جون كيري حول سياسة الواليات المتحدة
تجاه الشرق األوسط» ،مؤسسة كارنيغي للسلم
نشأت عن األحداث التي شهدتها المنطقة. العالمي 16 ،آذار /مارس http://carnegie-mec. .2011
ففي حالة مصر ،حدثت خسائر في الدخل .3161=org/events/?fa
من السياحة والصناعة ومن إغالق بورصة
األسهم ،وكذل خسائر من توقف أموال
العمال المصريين في ليبيا ،وبلغ حجم 3-4األفكار والنتائج الرئيسية المتمخضة
الخسائر ما يقارب بليون دوالر أمريكي .وما عن النقاش
هو ضروري اآلن ليس فقط تمويل مستعجل
لسد هذه الثغرة ،بل أيضا استثمارات وإعادة من المحتم أن يعيد المانحون التفكير في
هيكلة الديون والمسامحة بالديون وإجراء إستراتيجيات التمويل في المنطقة العربية
تحقيقات بشأن تخصيص األموال .يجب – سواء كانت البلدان تمر بتحول كامل
على المانحين كذلك أن ينظروا باهتمام نحو الديمقراطية ،كما في مصر وتونس،
أكبر إلى التمكين. أم أنها مرت بتغييرات أقل شأنا في قيادتها
وقوانينها ،مثل الجزائر مع رفع حالة الطوارئ.
تعزيز هذه المشروطية من أجل ضمان أن إزالة التناقضات من سياسات التمويل
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
الحكومات الجديدة تحترم الحقوق األساسية
للسكان ،وال تطور (منذ البداية) عالقات عداء ظ ّلت السياسات التمويلية المتناقضة
مع المواطنين. أحد المشاكل التي تعتري التمويل في
المنطقة العربية ،وخصوصا من جهات
تبسيط الهياكل واإلجراءات الداخلية التمويل الحكومية ،إذ توجد رغبة – وحاجة
للمانحين الرئيسيين متصورة – للمحافظة على عالقات جيدة
مع الحكومات العربية ،مما يؤدي تلقائيا
يجب على المانحين أن يأخذوا باعتبارهم إلى تحديد مدى التمويل المتوفر لجماعات
عوامل أخرى لم يجري التشكيك بها بسبب المجتمع المدني .وكانت النتيجة ما يشبه
األحداث األخيرة ،ولكن يجدر التفكير بشأنها ‘الفصام’ حيث توفر الحكومات المانحة
مع ذلك .وأولها هو ضمان إمكانية الوصول التمويل للحكومات لتعزيز أجهزتها
إلى التمويل من قبل األفراد والمنظمات في العسكرية والقمعية ،وفي الوقت نفسه
المنطقة العربية ،وذلك ما ظلت المؤسسة توفر التمويل لجماعات المجتمع المدني
األورو-متوسطية تطمح إليه خالل السنوات التي تكافح من أجل حماية حقوق اإلنسان
الستة الماضية ،وحققت في ذلك نجاحا كبيرا. وتناصر الحريات اإلنسانية األساسية.
وفي مقابل ذلك ،ظل المانحون الرئيسيون،
مثل االتحاد األوروبي ،يتسمون بالبطء كان لهذه الدبلوماسية متعددة الطبقات
وتعقيد اإلجراءات التي تقييد إمكانية الفئات تبعات سلبية على األرض – ليس فقط ألنها
المحتاجة للتمويل في تقديم الطلبات تخفف من تأثير فعالية المساعدات الممنوحة 86
والحصول على ما تحتاجه من تمويل. إلى جماعات المجتمع المدني ،بل أيضا ألنها
تعزز االنطباع بأن لدى الممولين دوافع تخدم
إن الميزة التي تتسم بها الجهات المانحة مصالحهم الذاتية عندما يوفرون المساعدات
األصغر حجما ،مثل المؤسسة األورو- للمنطقة .وفي واقع األمر ،من ضمن القضايا
متوسطية ،والتي يمكنها إن تقدم منحا التي يجب معالجتها هو االرتياب الذي يشعر
نيابة عن مانحين أكبر ،هي قدرتها على به مواطنو المنطقة بخصوص األهداف
التصرف بسرعة وبساطة اإلجراءات لتقديم والغايات الحقيقية لمجتمع المانحين .وثمة
طلبات التمويل ،وكذلك مستوى المعرفة رأي شائع على نطاق واسع بأن المساعدات
الكبير الذي تملكه بشأن واليتها الجغرافية األجنبية هي أحد أشكال التدخل في الشؤون
المحددة .وتمثل سياسة إعادة توجيه المنح الداخلية .وتؤدي السياسات التمويلية
طريقة يمكن لكبار المانحين من خاللها المتناقضة إلى تزايد العداء نحو الجهات
الوصول إلى األفراد والمنظمات األشد حاجة المانحة.
وفي الوقت ذاته تيسير شفافية التمويل.
وإذا أخذنا باالعتبار أن هذا النوع من اآلليات إحدى الطرق لحل هذه التناقض هي إحياء
والدعم محدود في عدده ،فمن المهم لكبار مبدأ المشروطية في التمويل ،حيث ال تتلقى
المانحين تطوير إجراءات أبسط إذا رغبوا الحكومات التمويل إال إذا التزمت باحترام
أن يكونا فاعلين أساسيين في المنطقة وحماية حقوق اإلنسان والحريات األساسية.
العربية .ويجري حاليا تطوير مثل هذه وبهذه الطريقة ،ال يؤدي تمويل الحكومات
المرونة في مجاالت مثل إعادة تأهيل ضحايا إلى تعزيز قوتها ضد المجتمع المدني .وفي
التعذيب ،ولكن يجب توسيعها إلى مجاالت بتحول ديمقراطي ،يمكن ّ البلدان التي تمر
أخرى عندما تتوفر الموارد اإلنسانية وغيرها
الفصل الرابع :منطق ومنطلقات مجتمع املانحني
من الموارد.
االستنتاجات
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
قبل السيد كمال الجندوبي ،رئيس الشبكة األورومتوسطية لحقوق اإلنسان
(تونس-فرنسا) ،والسيد إدريس اليازمي ،رئيس المؤسسة األورو-متوسطية
لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان (المغرب) بصفتهما مديران للحوار،
والدكتور محمد صغير جنجر الباحث واالختصاصي في علم اإلنسان ومدير مجلة
برولوغ (المغرب) بصفته مقررا عاما للندوة ،والسيد عمرو صالح عضو المكتب
التنفيذي في ائتالف شباب الثورة المصرية والباحث في مركز القاهرة لدراسات
حقوق اإلنسان (مصر) ،ولجنة مؤلفة من المناقشين التالية أسماؤهم :السيد
إسماعيل أمزيان وهو محاضر ووزير سابق مبعوث لمنظمة التجارة (الجزائر)،
والسيدة خديجة شريف األمينة العامة للفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان
(تونس) ،والسيد سعيد بن عربية وهو مستشار قانوني في لجنة الحقوقيين
الدولية (المغرب-سويسرا) ،والسيدة أمل الباشا ،رئيسة منتدى الشقائق
العربي لحقوق اإلنسان (اليمن) ،والسيد مجدي النعيم المستشار والخبير في
مجال حقوق اإلنسان (السودان).
هدفت الندوة في بادئ األمر ،كما ورد في البرنامج وفي الكلمات االفتتاحية ،إلى
التعرف إلى الجهات الفاعلة المعيقة لجهود إرساء الديمقراطية في بلدان
جنوب المتوسط ،وتحليل دوافع مختلف الجهات الفاعلة وأصحاب المصلحة:
الحكومات ،والمجتمع الدولي ،والجهات الفاعلة المحلية وال سيما تلك
المنخرطة في تعزيز الديمقراطية وحقوق اإلنسان .وفي الوقت الذي عقدت 88
في الندوة ،فرضت التطورات السياسية في المجتمعات العربية ضرورة تعديل
التركيز المواضيعي والقضايا األساسية التي كانت على جدول أعمال الندوة،
كما هيمنت أيضا على المناقشات والحوارات.
ركزت النقاشات ،منذ الجلسة األولى التي ُكرست لمناقشة سياسات الجهات
الفاعلة الحكومية المحلية ،على طبيعة تسلسل األحداث الناجمة من التغيرات
السياسية التي قلبت الوضع في تونس ومصر واآلخذة حاليا في االنتشار في
شدد بعض المشاركين ،مستندين إلى ّ مختلف بقاع العالم العربي .وقد
الدروس المستفادة من التجارب الماضية في االنتقال الديمقراطي (في أمريكا
الالتينية وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى) ،على ضرورة توخي الحذر في التفاعل
مع هذا النوع من األحداث .ففي حين استجاب المدافعون عن حقوق اإلنسان
بحماس ،بطبيعة الحال ،لهذه التطورات ،فإن ماضي التجارب الديمقراطية
السابقة يبين لنا بأنها كانت في كثير من األحيان عمليات طويلة وملتوية
تُميزها تسلسالت لألحداث يصعب غالبا التكهن بها :إرساء النظام الجديد
وفشله وتحقيق توازنه وتوطيده ،فترات االستقرار ،األزمات ،فصول االستبداد،
التجديد الديمقراطي .إن ما شهدته الجزائر في عقد التسعينات من القرن
المنصرم هو مثال مهم ينبغي استحضاره ،حيث شهدت البالد انعكاسا
في مسار الديمقراطية عقب قيام تحالف بين اإلسالميين والحرس القديم.
وينبغي لنا أن نحذر من االستخفاف بقدرة األنظمة القائمة أو باستعدادها على تقديم تنازالت
االستنتاجات
أشار مشاركون عدة إلى حقيقة معرفية أساسية مفادها أن العلوم اإلنسانية واالجتماعية
قادرة على تيسير فهم التطورات الراهنة من خالل التفسير وإعادة التفسير ،ولكن االرتكان إليها
ال .فالمستقبل وحده هو الذي يمكنه أن ومضل ً
من أجل التنبؤ بالمستقل سيكون أمرا عبثيا ُ
يكشف لنا نتائج العملية الجارية ،من ثورات وانتفاضات ،ونطاق اآلثار التاريخية التي نراها اآلن
تتبلور ،بطبيعة الحال ،في المجتمعات العربية.
وفي االنتظار لحين تبلور رؤية أكثر وضوحا ،وبصرف النظر عن التغيرات والتصحيحات التي
شدد العديد من المشاركين على
سوف تخضع لها هياكل وأجهزة الدول في المنطقة ،فقد ّ
النقاط التالية:
1 .1ظهور نوع جديد من األفراد المتشبثين بكرامتهم ،وهي دون شك نتيجة لعملية تحول
اجتماعي بطئية وطويلة.
2 .2الحاجة إلى الحفاظ على مجموعة متنوعة من وسائل تعبئة المواطنين وتعزيز انتشار
89
ثقافة الديمقراطية في المنطقة وترسيخها .وهذا األمر يقتضي مقاربات إلدارة النزاعات
والتنوع بالوسائل السلمية ،وتعزيز المواطنة ،ونبذ االنقسامات العرقية والدينية ،وقلب
واقع العالقات بين الدولة والمجتمع دون إضعاف الدولة لدرجة أن ال يعود بمقدورها
االضطالع بوظيفتها الرسمية المتمثلة في التوفيق بين مختلف األطراف.
3 .3الحاجة إلى وضع آلية تحمي الديمقراطية في البلدان التي تشهد عملية انتقالية .وال
بد من التوسع في النقاش حول شكل الديمقراطية األنسب لمختلف الدول المعنية
وعلى نحو يحمي الحريات والحقوق األساسية بصرف النظر عن الحزب المن َتخب لتولي
السلطة.
ديناميات الجهات الفاعلة الدولية :المصلحة الذاتية مقابل القيم ،التنازع مقابل
التفاعل
لقد قادنا النقاش إلى اإلقرار بأنه ال بد من إجراء مراجعة منهجية للكثير من االفتراضات واألطر
التحليلية والمفاهيم المستخدمة لغاية اآلن في النظر إلى المجتمعات العربية ،وال سيما فيما
يتعلق بقدرتها على تبني ثقافة الديمقراطية وحقوق اإلنسان.
كما خلصنا إلى أن هذه النتيجة تنطبق أيضا على المذهب الكامن وراء البرامج المصممة
لنشر الديمقراطية وحقوق اإلنسان ودعمها في العالم العربي بمبادرة الجهات الفاعلة
الدولية وتنفيذ تلك البرامج .إن التركيز على االستقرار واألمن الذي ظل سائدا لغاية اآلن قد
كشف بالفعل عن أوجه قصورهما في الماضي ،أما اليوم فيوشك أن يطويه الزمن في ضوء
الحراك االجتماعي والسياسي الدائر في جنوب المتوسط.
أبرز العديد من المشاركين ضرورة أن تتخلى الجهات الفاعلة الدولية (وال سيما الواليات
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
المتحدة واالتحاد األوروبي) عن أسلوب المفاضلة بين القيم ومصالحها الذاتية ،لما له من
عواقب وخيمة ،وأن تضع مقاربة جديدة للتعامل مع بلدان جنوب المتوسط فيما يتعلق بدعم
حركة حقوق اإلنسان في المنطقة.
أظهرت مناقشاتنا حول الجهات الفاعلة غير الحكومية بأن المفاجأة التي أحدثتها التطورات
الكبرى الحاصلة في العالم العربي على مدى الشهور الماضية كان مر ّدها بشكل رئيسي
إلى أن معظم التركيز كان منصبا على الدول (كما يتضح من كافة النظريات التي تتحدث عن
تفرد الحالة العربية والسلطوية في المنطقة) أو على الجماعات التي يُنظر إليها كمشروع
جهات فاعلة حكومية (اإلسالميين) .وكنتيجة لذلك ،بات مفهوم العالم العربي العالق بين
االستبداد واألصولية أمرا مقبوال بصفة عامة.
ومع أن األحداث الجارية في الوقت الراهن لم تكن متوقعة بتاتا ،إال أنها لم تتولد من فراغ .فقد
كانت العناصر الرئيسية موجودة ،كما يدل على ذلك الكم الكبير من المشاريع التي نفذتها
المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية وكذلك التقارير العديدة المنشورة حول قضايا
حقوق اإلنسان في المنطقة .إن المنظمات غير الحكومية والناشطين على الصعيد المحلي
هم في الواقع تمثيل مباشر للرغبة والتطلعات الصادقة الكامنة في المنطقة منذ سنين من
أجل إرساء قيم عالمية .لقد كان محمد السيد سعيد ،والذي أهديت هذه الندوة تخليدا لذكراه،
من أوائل من أصروا على ضرورة تنظيم حوارات بين المدافعين عن حقوق اإلنسان في مختلف
أنحاء المنطقة – في القاهرة أو الرباط أو أي مكان آخر في المنطقة – وأحيانا خارجها نظرا
للتدابير األمنية .ال تتضح هذه األرضية الخصبة بالنظر فقط إلى المنظمات والجهات الفاعلة
في مجال حقوق اإلنسان بل أيضا بالنظر إلى تطور المشهد الفني العربي على مرّ السنوات
الماضية .فقد اضطلع الفنانون في المنطقة ،من مغني الراب والرسامين والممثلين والكتاب
وغيرهم ،بدور مهم في تهيئة األرضية للتعبئة من خالل مضامين أعمالهم وحضورهم البارز
في العديد من االنتفاضات التي حصلت في تونس ومصر وغيرهما .وال بد من النظر إلى هذه
االستنتاجات
الفئات كجهات فاعلة تكافح أيضا من أجل الحرية وثقافة الديمقراطية ،وليس بأنها منعزلة
ببساطة عن باقي المجتمع .وال يمكن تجاهل المشهد الثقافي في العالم العربي ،وينبغي
للمرء أن ينتبه إلى هذا المشهد إذا ما أراد أن يفهم كيفية نشوء هذه االنتفاضات وما سيترتب
عليها.
بخفة عن بيئة بشرية تمر بمرحلة انتقالية وقادت إلى إعادة ّ لقد أماطت األحداث األخير اللثام
استكشاف ما دأبت البحوث االجتماعية التاريخية واالتجاهات السائدة في تطور المجتمعات
العربية تظهره باستمرار على مدار العقدين الماضيين – وال سيما التحوالت الديمغرافية،
والتحضر ،والتقدم الثقافي المدفوع بتسريع وتيرة التعليم ،وظهور جهات فاعلة جديدة بما
فيها الشباب والنساء ،وأهمية وسائل اإلعالم ووسائل االتصال الجديدة بما في ذلك إعادة
تشكيل البيئة االجتماعية الثقافية ،واالتجاهات الجديدة على صعيد المشاركة االجتماعية
ً
عينة قوامها 13بلدا (هي ً
دراسة تناولت فيها واالحتجاج المجتمعي .لقد أجرت مؤسسة آنا ليند
المغرب ومصر وسوريا ولبنان وتركيا من الجنوب ،وألمانيا وفرنسا وإسبانيا والسويد والمملكة
المتحدة والبوسنة من الشمال) وأظهرت الدراسة بوضوح بأن عينتي الجنوب والشمال ،رغم
سئل المشاركون عن اختالفهما في بعض المجاالت ،كانتا متشابهتين إلى حد بعيد حينما ُ
القيم العالمية – على النقيض مما يتوقعه الكثيرون.
أما تقرير برنامج األمم المتحدة اإلنمائي لعام ،2009فقد س ّلط الضوء على حقيقة مفادها أننا
91
نشهد ذروة طفرة اإلنجاب في العالم العربي وهو ما يفسر بروز جيل جديد تماما وأضخم عددا
على الساحة .ويُميز هذا الجيل نفسه عن سابقيه بمستويات التعليم العالية في أوساطه
(حتى وإن كان نجاح هذا التعليم نجاحا جزئيا) وبالعدد الكبير من الشابات المتعلمات .ولهذه
التغيرات آثار مهمة على الديناميات المجتمعية والمطالب االجتماعية واالقتصادية والسياسية
للشعوب العربية وعلى عملية تكوين المجتمع المدني وتطوره على المدى البعيد.
لقد أظهرت مناقشاتنا حول بعض الحاالت (تونس ومصر وحتى المغرب) بأننا نواجه تعددا في
الجهات الفاعلة :ليس فقط األحزاب السياسية واالتحادات العمالية التقليدية بل أيضا أحزاب
جديدة ومنظمات تنسيقية شبابية وشبكات تركز على حركة االحتجاج االجتماعي الجديدة
(مثل المتخرجين العاطلين عن العمل وغيرهم) .والمحصلة هي مشهد متغير على الدوام،
وهو ما سيتطلب في السنوات المقبلة اهتماما ومراقبة حثيثة .وثمة العديد من القضايا على
المحك:
•إلى ماذا ستؤول الفجوة بين األجيال والتي تؤثر في كافة المؤسسات (األحزاب والحركات
االجتماعية واالتحادات العمالية وما إلى ذلك)؟
•ماذا سيكون التأثير المترتب عن تمكين المرأة في الحياة العامة؟ من حيث الحملة
الرامية لضمان احترام حقوق اإلنسان والديمقراطية والتعبير الثقافي ،إلخ؟
•كيف س ُيعاد ترتيب المجتمعات المدنية العربية في المرحلة المقبلة؟ كيف ستطور
خصص التمويل، طرق التدخالت ،وكيف س ُي َّ منظمات حقوق اإلنسان ،وكيف ستختلف ُ
وما إلى ذلك؟
•التحول في البيئة اإلعالمية؛ والنزاعات بسبب وسائل اإلعالم؛ وحصول الجهات الفاعلة
الجديدة على وسائل إعالمية جديدة ،وما إلى ذلك.
•تطور اإلسالميين؛ وإمكانية إعادة هيكلة البيئة الدينية في عملية التحول نحو
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
الديمقراطية؛ مكانة المساجد (كمساحات محايدة وغير مس ً ّيسة).
•المقاربات التي تتبناها مختلف الجهات الفاعلية في التنظيم والتعبئة.
وعموما ،تقع على عاتق الجهات الفاعلة في المجتمع المدني أربع مسؤوليات رئيسية هي:
1المساهمة على قدر االستعداد واالستطاعة في مختلف المشاريع الوطنية الكبرى .1
وعمليات إعادة اإلعمار الجارية
2االنخراط في التأمالت الحالية والمناقشات الجارية بين الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية .2
من أجل المساهمة في إعادة صياغة جدول األعمال الدولي
3التأمل في المتغيرات الدولية بالنسبة للمنظمات التي تنتمي إليها الجهات الفاعلة .3
في المجتمع المدني وتسعى جاهدة إلعادة صياغة جدول أعمالها واستراتيجياتها
4وكما ذكر بعض المناقشين ،من المهم أن يتم تنظيم المكان والزمان بسرعة وفعالية .4
بغية إجراء هذه التأمالت والحوارات بين مختلف الجهات الفاعلة في المنطقة – من أجل
الكشف عن االختالفات الكامنة بين البلدان وكذلك عن أوجه التشابه األساسية والدروس
التي يمكن استخالصها واالستفادة منها.
وعالوة على ذلك ،يقع على كاهل المنظمات غير الحكومية الدولية – وال سيما المرتبطة
المجتمعين الوطني والدولي وممارسة
َ بحقوق اإلنسان – واجب محدد في حشد تأييد
الضغط عليهما لجلب منتهكي حقوق اإلنسان للعدالة .فالمساءلة أمر أساسي لضمان أن 92
تتضاءل فرصة وقوع انتهاكات حقوق اإلنسان مستقب ًلا.
يفيد االستنتاج العام المستقى من مناقشاتنا بأن البيئة العربية الجديدة تشجع قيام وعي
جديد في أوساط المانحين بشأن الحاجة إلى إعادة صياغة استراتيجياتهم .وهذا يقتضي إدراك
نقاط عديدة أثارها المشاركون:
•مراجعة مفهوم المشروطية على ضوء البيئة العربية الجديدة التي يميزها انتهاء،
أو محاوالت إنهاء ،عهد االستبداد عبر ازدهار المجتمعات المدنية وبدايات االنتقال نحو
الديمقراطية في عدد من البلدان.
•التركيز على دعم عملية التحول الديمقراطي في البلدان العربية دعما ماليا واقتصاديا.
•وضع استراتيجية لدعم حقوق اإلنسان تشمل قطاعات ومشاريع مك َّيفة لتناسب مراحل
االنتقال المختلفة ،مثل البرامج الداعمة للمدافعين عن حقوق اإلنسان وتأهيلهم،
والبرامج القائمة على المساوة بين الجنسين ،والبرامج المتعلقة بالتاريخ وذاكرته ،نظرا
إلى أن االنتقال قد حفز قيام حوارات ال بد لها وأن تتناول التاريخ الحديث وذاكرته.
•اتباع قدر أكبر من الشفافية والمرونة في إجراءات التمويل من أجل زيادة رقعة وصول
المساعدات ،وكذلك القدرة على تكييف التمويل في السياقات شديدة التقلب.
دروس للمستقبل
االستنتاجات
سيتعين على الجهات الفاعلة الرئيسية في العالم العربي اليوم (أو تلك التي تركز على
العالم العربي) أن تتعلم العمل ضمن سياق يتسم بالتقلب الشديد ،وأن تطور قدرة كي
تظل طاقاتها معبأة وفي الوقت نفسه حاضرة ضمن التطورات التي تحدث ،وأن تنهمك في
تأمل جاد بشأن الخطوات المستقبلية التي ينبغي اتخاذها .وثمة حقيقة مهمة يجب إبقاؤها
في الذهن من جانب جميع المهتمين بـالتطوارت التي تحدث في المنطقة ،وهي أنه على
الرغم من وجود نزعات مشتركة لجميع أو معظم بلدان المنطقة ،إال أنه توجد ديناميكيات
وطنية تميز كل دولة عن غيرها – فتونس ليست مصر ،وليبيا ليست الجزائر ،والجزائر ليست
المغرب ،إلخ .وعملية التحول ليست عملية خطية ،وبالتالي ال يمكن تصدير نماذج الثورات
وال ينبغي تصديرها – وذلك على الرغم من الكفاح المشترك نحو الديمقراطية والحرية والذي
يجب أن يتواصل.
وإذ تنهمك الجهات الفاعلة بالمنطقة العربية ،ثمة سبع قضايا يجب معالجتها في أي بلد يمر
بإصالحات كبيرة:
1قضية المساواة بين الجنسين في المجتماعات العربية وموقعها األساسي في .1
الديمقراطيات؛
2تبعات الفجوة بين األجيال على جميع الهياكل في هذه الحقبة التي تشهد تحوال .2
93
اجتماعيا؛
3قضية اإلصالحات الدستورية ومأسسة سيادة الشعب؛ .3
4اإلصالحات المؤسسية األساسية التي يجب أن تحدث ،وخصوصا في مجال العدالة؛ .4
5المسألة االجتماعية وكيفية معالجة الطموحات االجتماعية للمواطنين العرب؛ .5
6قضية التاريخ والذاكرة والتحول وتسوية انتهاكات الحقوق التي حدثت في الماضي .6
(المصالحة الوطنية)؛
7قضية التعددية والتنوع – خصوصا في البلدان التي يوجد فيها حاجة ملحة لمعالجة .7
التنوع الديني والثقافي بأسلوب سلمي.
وبالنسبة للمنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق اإلنسان ،مثل المؤسسة األورو-
متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان وغيرها ،ثمة حاجة إلى التركيز على النهوض
بالقدرات وبناء المؤسسات في بلدان المنطقة العربية التي تشهد تحوال ديمقراطيا و/
أو إصالحات .عالوة على ذلك ،ينبغي تنظيم عمليات لتبادل اآلراء يشارك فيها ممثلون عن
بلدان مختلفة من أجل إبراز أفضل للروابط واالختالفات على أرض الواقع ،وبهدف إيجاد األسلوب
األكثر فاعلية لحماية هذه التحوالت حيث تحدث .وفي الواقع ،وكما ورد سابق ًا ،فإن اإلحاطة
بخبرة “التراجع” التي حدثت في الجزائر لها أصداء قوية جدا بالنسبة للنشاطات التي تحدث
في مصر وتونس في هذه اللحظة التي يجد بها البلدان نفسيهما يكافحان من أجل توطيد
الديمقراطية .وبالنسبة للمؤسسة األورو-متوسطية بصفة محددة ،فقد سلطت األحداث
األخيرة الضوء على حاجة المؤسسة لتوسيع إطار واليتها فيما يتجاوز البلدان التي تعمل بها
اآلن ،كي تتضمن ليبيا والبلدان الواقعة في الجزء الشرقي من المنطقة ،مثل البحرين واليمن.
رمزي بليل (تونس(
عمرو صالح ،عضو المكتب التنفيذي الئتالف شباب الثورة المصرية والباحث في
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
معهد القاهرة لدراسات حقوق اإلنسان ،قاهرة
هناك عبارة أتذكرها دائم ًا وقالها أحد األصدقاء في االئتالف ،وهي :كانت المرحلة
السابقة للخامس والعشرين من كانون ثاني /يناير شبيهة بحرب االستنزاف
بينما يمكننا تشبيه الخامس والعشرين من كانون ثاني /يناير بالعبور ،أي حرب
السادس من تشرين أول /أكتوبر.
إن ما حدث في الخامس والعشرين من كانون ثاني /يناير له جذوره وهو ليس
ابتداء من عام 2004كان النشاط السياسي في أوجه حيث
ً معزو ًال عن الماضي.
أيقظت حركة كفاية المجتمع المصري .ومع أن الحركة لم تعد ناشطة إال أن
أهميتها تظل موجودة .كما يمكننا قول الشيء نفسه عن حزب الغد ،فعلى
الرغم من أن بريق الحزب قد خبا ،وأن موقع أيمن نور كعضو في المعارضة قد
تراجع ،إال أن تجربة الحزب تظل ماثلة في أذهان الناس وقد تمخض عنها إنشاء
مبادرات جديدة مختلفة .فقد عملت إضرابات السادس من نيسان /أبريل عام
2008وحادثة تعذيب خالد سعيد وموته وعودة الدكتور محمد البرادعي –رغم
أنها ليست أحداث ًا استثنائية إذا ما نظرنا إليها بمعزل عن بعضها البعض -على
تعزيز مزاج فكري مختلف لدى الناشطين المصريين.
أطلق الدعوة إلى احتجاجات الخامس والعشرين من يناير مؤسس موقع حركة 96
“كلنا خالد سعيد”؛ إال أنه يتوجب وضع تلك االحتجاجات في سياقها – وكانت
حركة شباب السادس من أبريل قد دعت إلى االحتجاج على وحشية الشرطة
يوم الخامس والعشرين من نيسان /أبريل العام الفائت ،أي .2010باإلضافة
إلى ذلك ،كانت الحركة قد احتجت في عدة مناسبات أمام المحكمة العليا
المصرية وعلى الرغم من أن لم يتجمع سوى بضع مئات إال أنها كانت عالمة
على عودة حركة االحتجاجات.
وقبل االنتفاضة التونسية ،كانت هناك خطط لالحتجاج يوم 25كانون ثاني/
يناير 2011أمام وزارة الداخلية .إال أن األحداث في تونس والدور الذي لعبته في
كسر حاجز الخوف ألهمت الناشطين بتكرار نفس التجربة في مصر ،وبالتالي
فإن نجاح التجربة التونسية وسقوط بن علي كان العامل المحفز على إنشاء
صفحة موقع “كلنا خالد سعيد” حيث دعي الناس إلى الخروج يوم الخامس
والعشرين من كانون ثاني /يناير من أجل التعبير عن مطالبهم االقتصادية
واالجتماعية والسياسية.
بموازاة ذلك ،أود أن أخبركم عن االئتالف الذي أنتمي إليه والذي لم يكن ائتالف ًا
في البداية بل مجموعة من الشبان من مختلف الحركات السياسية .وقد وجد
هؤالء األشخاص توافق ًا وأرضية مشتركة وقاموا بالتنسيق على نحو فعال فيما
بينهم .لم يقم االئتالف بعمل هذه االحتجاجات بل كان أعضاؤه بمثابة المحرك
الرئيسي وراءها .وقد ُعقدت االجتماعات لمناقشة العديد من األشياء ،منها
ال :األحياء التي ينبغي أن تبدأ منها االحتجاجات .لقد ألهمتنا التجربة التونسية بفكرة مهمة: مث ً
املرفق :1شهادة من الثورة املصرية
فقد انطلقت االحتجاجات من المناطق التي تعيش فيها “الطبقة الدنيا” ومن ثم امتدت فيما
بعد لتصل إلى المناطق األيسر حا ًال .كما أننا رأينا في التجربة التونسية أن المحتجين لم يرفعوا
شعارات سياسية وحسب تعبر عن الوالء لحزب سياسي معين ،بل إنهم تخطوا ذلك كله نحو
االحتجاج على قضايا اجتماعية واقتصادية ،وهذا ما كنا نريد القيام به أيض ًا.
قررنا أن نختار حي ًا شعبي ًا كنقطة انطالق لالحتجاجات .وكانت الفكرة أن يكون التجمع في حي
الناحية –وهو حي شعبي -والسير إلى ميدان التحرير ماريّن عبر مناطق رئيسية من المدينة
كشارع جامعة الدول وشارع التحرير وكوبري قصر النيل .وعندما وصلنا إلى ميدان التحرير أول
مرة أيدت مجموعة كبيرة البقاء في الميدان بينما ارتأت مجموعة أخرى إنه ينبغي أن تضم
االحتجاجات عدداً أكبر وأنه يمكن الدعوة إليها في يوم آخر الجتذاب عدد أكبر من الناس.
غير عاقدين العزم بقينا في ميدان التحرير رغم األوامر الواضحة من قوات األمن لنا بالمغادرة.
وفي الساعة 12:20صباح ًا بدأت قوات األمن باستخدام الغاز المسيل للدموع األمر الذي
جعل البقاء في الميدان متعذراً .وفي يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من
كانون ثاني /يناير استمرت االحتجاجات بشكل من أشكال “حرب االستنزاف” حيث حدثت عدة
احتجاجات في مناطق مختلفة من القاهرة بهدف إضعاف قوات األمن.
ووجهت دعوة أخرى للتظاهر يوم الثامن والعشرين من كانون ثاني /يناير تبدأ بعد صالة
97
الجمعة .وقد تم اختيار مسارات مختلفة وتمت طباعتها في نشرات ونشرها على اإلنترنت رغم
إغالق الشبكة يوم السابع والعشرين من الشهر .وكان المشاركون في االحتجاجات غاية في
التنظيم ،وعلى الرغم من قرار مجموعتنا بالتركيز فقط على قضايا اجتماعية واقتصادية بدأ
المحتجون من أنفسهم بالهتاف “تسقط الحكومة” .نحن كنشطاء لم نطلق شرارة ذلك
ولكن المحتجين أنفسهم بدأوا بترديد تلك الشعارات .إضافة إلى حي الناحية ،جاء متظاهرون
آخرون من إمبابة وهي منطقة شعبية أخرى ولم تتمكن قوى األمن من إيقاف تقدمهم نحو
ميدان التحرير على الرغم من اعتراضهم بصفوف من الرجال المزودين بالهراوات واألسلحة.
وعندما وصل المتظاهرون إلى كوبري قصر النيل – وهو نقطة الدخول الرئيسية إلى ميدان
التحرير -وقعت مواجهات كبيرة ،و ُقتل وجرح الكثير من المواطنين العاديين أثناء محاولتهم
وصول ميدان التحرير واالستيالء على المنطقة .وقد شجع وصول الجيش مساء الثامن
والعشرين من كانون ثاني /يناير المحتجين ،ذلك أن الناس تصوروا أنه إشارة على االنتصار
على الشرطة وبالتالي فهو إشارة على نهاية النظام.
وعندما بدأ االعتصام في الميدان ،كانت هناك لحظات شعر الناس فيها بالملل أو القلق من
فقدان وظائفهم وفكروا أنه ربما يكون بوسعهم أن يغادروا ومن ثم يعودوا لالحتجاج في
مرحلة الحقة – فقد كان لديهم إحساس بأنهم قد أنجزوا الكثير بمجرد االحتجاج .إال أن الصورة
المشوهة التي صورت بها الحكومة المحتجين من خالل وصفهم بالعمالء المزدوجين
والخونة وأنهم خطر على استقرار البالد ،عززت من قناعات الناس وجعلتهم يدركون أن
معركتهم لن تنتهي إال أذا حدثت نتائج واضحة وفورية .وأمعن النظام في رد فعله الغبي –
فعلى الرغم من أن خطاب مبارك الذي زعم فيه أنه سيموت على تراب مصر ويدفن فيه زاد من
تعاطف الناس معه ،إال أن الهجوم من على ظهر الخيول والجمال قلب هذا التعاطف رأس ًا
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
على عقب .واستمرت تذبذب التعاطف حتى جاء خطاب مبارك االستفزازي األخير حيث أنه بد ًال
من التنحي كما توقع الجميع قام بتسليم سلطاته إلى عمر سليمان .وبالتالي أصبح الناس
أكثر تصميم ًا وبدأوا بتوسيع نطاق احتجاجاتهم إلى مناطق أخرى مثل ماسبيرو وقصر العروبة.
ثم انهار النظام يوم الجمعة 11شباط /فبراير 2011بعد عرض مدهش لإلرادة من قبل الشعب.
هذا باختصار سرد لكل األحداث التي وقعت لغاية سقوط مبارك ونظامه .ولكني أود أن أذكر
أشياء أخرى :فنحن كثيراً ما نُسأل عن سبب نجاحنا – فقبل الثورة تصورنا أن معاركنا ضد النظام
على أنها ضعيفة جداً ألنه لم يكن ألعمالنا إال القليل من التأثير على المدى الطويل ،وبدا
وكأن أعمالنا لها تأثيرات مؤقتة فقط وبالتالي لم نكن نتوقع أبداً أنه سيكون من الممكن
لها أن تصبح ثورة فعلية .وبعد الثورة أدركنا أن نشاطنا في الحقيقة كان له تأثير بالفعل على
وعي الناس وإراداتهم السياسية.
ومن جوانب الضعف األخرى التي كنا نركز عليها هو أنه ال توجد في مصر كيانات سياسية
كاف لتقود الناس وترشدهم ،وقد ظننا أن تلك مشكلة
ٍ منظمة وال توجد جهة تتمتع بحضور
كبيرة ولكننا اكتشفنا أثناء الثورة أنها كانت ميزة في الحقيقة فقد كانت االحتجاجات تمثل
بحق أرادة المحتجين الذين عبروا عن مطالب أساسية تمام ًا.
عالوة على ذلك ،كان من الجوانب اإليجابية للثورة أنه لم يكن لها قائد .وكنا كثيراً ما نُسأل
خالل الثمانية عشر يوم ًا من االحتجاجات من قبل الصحفيين األجانب :من هم قادة هذه الثورة؟ 98
وكان األشخاص الذين كان بوسعهم أن يصبحوا قادة حكماء حيث أنهم كانوا يجمعون
الكل دون التشجيع على الفرقة ويتحدثون عن الحرية والديمقراطية وإزاحة النظام .وهكذا
ظلت االحتجاجات تعبئة لمصلحة الشعب وليس للقادة.
وفي النهاية ،ينبغي تشجيع الجماعات األخرى في العالم العربي التي تريد من حكوماتها أن
تتنحى أو تريد إجراء إصالحات حقيقية على رفع صوتها وأن تعبر عن مطالبها .ويجب أن يكون
لالحتجاجات جذور في المناطق الشعبية وأن ترفع شعارات تالمس شغاف الناس مالمسة
شخصية؛ وعلى هؤالء الناس أن يرفعوا أصواتهم بأنفسهم دون أن يخبرهم أحد ما يجب قوله.
1-2سوريا :الرد الوحشي للنظام
لم تكن سوريا حصينة أمام موجة السخط التي اجتاحت الشرق األوسط خالل
األشهر األخيرة ،وذلك على الرغم من المزاعم التي أطلقها الرئيس األسد وعلى
الرغم من نفيه لهذا األمر .بدأت االحتجاجات تتصاعد في سوريا منذ 15آذار/
مارس ،2011وخصوصا في 18آذار/مارس ،عندما ثارت جماهير مدينة درعا احتجاجا
على وحشية الشرطة بعد اعتقال وقتل بعض المتظاهرين .وشهد األسبوع
التالي تظاهرات من مدينة الالذقية الساحلية إلى مدينة القامشلي الكردية
في الشمال .وعلى الرغم من أن معظم المتظاهرين لم يطالبوا باستقالة
الرئيس األسد ،إال أن هذه االضطرابات تمثل أكبر تح ٍد لحكمه منذ خلف والده.
وعلى الرغم من المزاعم التي تطلقها الحكومة ،فإن الشعارات التي تنادي بها
األغلبية العظمى من التظاهرات تشير إلى أن الحركة االحتجاجية هي حركة
عفوية وموحدة وسليمة وغير طائفية ،وذلك وفقا لمنظمة هيومان رايتس
ووتش ومنظمات دولية رئيسية أخرى.
99
وكانت االستجابة الرئيسية لقوات األمن السورية وأجهزة المخابرات هي
استخدام الذخيرة الحية إلسكات االحتجاجات المتصاعدة ،واالحتجاز التعسفي
لمئات المتظاهرين وإخضاعهم للتعذيب وإساءة معاملتهم .كما قامت
قوات األمن باحتجاز عدد من الصحفيين والناشطين والمحامين الذين قاموا
باإلبالغ عن االحتجاجات أو نادوا للخروج بتظاهرات أخرى .عالوة على ذلك ،قامت
قوات األمن السورية في بلدتين على األقل بمنع الموظفين الطبيين وغيرهم
من الوصول إلى المتظاهرين الجرحى ،كما منعت المتظاهرين الجرحى من
الوصول إلى المستشفيات ،وذلك حسبما أوردت منظمة هيومان رايتس
ووتش.
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
مرسوما رابعا (المرسوم رقم )55سيزيد المدة التي يمكن ألجهزة األمن أن تحتجز المشتبه بهم
بارتكاب جرائم معينة ضد الدولة ،وذلك قبل إحالتهم إلى المدعي العام ،وقد ازدادت المدة
من يوم واحد إلى سبعة أيام .وكما أشارت منظمة هيومان رايتس ووتش ،كلما طالت مدة
احتجاز األفراد قبل عرضهم على السلطة القضائية ،كلما زاد خطر انتهاك حقوق المحتجزين
واإلساءة إليهم.
وقد واصل النظام الحاكم منذ ذلك الوقت ممارسة القمع والعنف ،ويقدر أن عدد القتلى وصل
إلى 1000قتيل وأن ما يقارب 8000شخص أصبحوا محتجزين أو مفقودين منذ بداية االحتجاجات.
وقد استهدفت الحكومة المدافعين عن حقوق اإلنسان نظرا للدور المهم الذي يؤدونه في
الكشف عن انتهاكات حقوق اإلنسان ومعارضة التصرفات الوحشية التي يقوم بها النظام
السوري .وقد احتجزت السلطات عددا من المدافعين عن حقوق اإلنسان ،وثمة آخرين
مفقودين ،إال أن بعضهم لجأ إلى االختباء وواصلوا عملهم بسبب خطورة الوضع وألهمية
اإلبالغ عن االنتهاكات التي تقوم بها الحكومة السورية.
وقد أصدرت مجموعة من منظمات حقوق اإلنسان السورية 53بيانا مشتركا في 26أيار/مايو 2011
دعت فيه إلى اإلفراج عن جميع المدافعين عن حقوق اإلنسان الذين احتجزتهم الدولة ،وأوردت
قائمة باسماء المعتقلين والمحتجزين والذين تعرضوا لمضايقات من النظام خالل األشهر
الماضية:
100
فخالل األشهر الماضية ،تعرض لالعتقال التعسفي عددا من نشطاء حقوق اإلنسان ،في
مختلف المحافظات السورية ،عرف منهم الزمالء التالية أسماؤهم:
•بتاريخ 16آذار لعام 2011تم اعتقال المفكر الطيب تيزيني عضو مجلس إدارة المنظمة
السورية لحقوق اإلنسان سواسية البالغ من العمر 77سنة ....أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 3 / 22تم اعتقال األستاذ مازن درويش رئيس المركز السوري لحرية اإلعالم
والتعبير ،أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 3 / 25تم اعتقال الدكتور عاصم قبطان عضو المنظمة العربية لحقوق
اإلنسان في سورية من أمام منزله الكائن في ساحة الشهبندر في دمشق ...أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 3 / 27اعتقل المحامي والناشط الحقوقي حسين عيسى بعيد خروجه من
القصر العدلي في دمشق ،عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سورية...
أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 3 / 27اعتقل المحامي والناشط الحقوقي تامر الجهماني ،من نادي الصحافة
بدمشق عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سورية ،أفرج عنه ،وبتاريخ 4 / 29
2011 /تم اعتقاله من جديد في محافظة درعا.
•في يوم الجمعة 2011 / 4 / 1تم اعتقال الزميل عبد الكريم ضعون عضو مجلس األمناء
في لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق اإلنسان في سورية (ل.د.ح) ،من
ساحة مدينة السلمية -حماه -وسط سورية ،حيث كان متواجدا لمراقبة أحداث التجمع
السلمي في ساحة المدينة ،والذي تم تفريقه بالقوة من قبل السلطات السورية (األمن
والشرطة) ،وقد تعرض الزميل ضعون للضرب بالعصي والهروات قبل اعتقاله تعسفي ًا...
أفرج عنه.
•في 2011 / 4 / 10تعرض لالعتقال التعسفي من أمام منزله الكائن في بلدة بسيمة (وادي
املرفق :2أوضاع حرجة في املنطقة العربية
بردى) ،السيد احمد معتوق عضو مجلس إدارة الجمعية األهلية لمناهضة الصهيونية،
وعضو المنظمة العربية لحقوق اإلنسان في سورية ،والقيادي في حزب االتحاد
االشتراكي العربي الديمقراطي...
•بتاريخ 2011 / 4 / 16قام فرع فلسطين – األمن العسكري باستدعاء الناشط الحقوقي محمد
ضياء الدين دغمش ،وتم اعتقاله ..أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 4 / 17اعتقل فرع األمن السياسي في الحسكة الناشط الحقوقي الشاعر
إبراهيم بركات عضو مجلس أمناء ماف ،وتمت إحالته إلى دمشق – فرع الفيحاء ووردت
أنباء صحافية عن تردي وضعه الصحي.
•بتاريخ 2011 / 4 / 22تم استدعاء الناشط الحقوقي عضو مجلس إدارة اللجنة الكردية الراصد
األستاذ جوان يوسف عدة مرات وال زال مطلوب ًا لالستدعاء.
•بتاريخ 2011 / 4 / 23أقدمت السلطات السورية (األمن الجوي) على االعتقال التعسفي
بحق الناشط الحقوقي المعروف الزميل دانيال سعود رئيس لجان الدفاع عن الحريات
الديمقراطية وحقوق اإلنسان في سورية ،وعضو اللجنة التنفيذية في الشبكة األورو-
متوسطية لحقوق اإلنسان ،وجاء اعتقاله على خلفية نشاطه الحقوقي في سورية...
أفرج عنه.
•وبتاريخ 2011 / 4 / 26تم استدعاء الناشط الحقوقي إبراهيم زورو والعضو في لجان الدفاع
عن الحريات الديمقراطية وحقوق اإلنسان في سورية ..أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 4 / 30تم توقيف السيد راسم السيد سليمان األتاسي عضو مجلس األمناء في
101
المنظمة العربية لحقوق اإلنسان ،وذلك عن طريق المحكمة العسكرية بعد أن فبركت
له إحدى الجهات األمنية تهمة زائفة ال يمكن لعاقل أن يصفها ..أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 4 / 28تم استدعاء الناشط السياسي والحقوقي الدكتور حازم النهار ألحد
الفروع األمنية والذي قام باعتقاله ...أفرج عنه.
•في مدينة القامشلي -الحسكة بتاريخ 2011 / 4 / 30تم اعتقال الناشط الحقوقي األستاذ
عبد القادرالخزنوي – عضو مجلس منظمة حقوق اإلنسان في سورية – ماف ...أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 5 / 1وفي مدينة الرقة ،تم اعتقال المحامي عبد اهلل الخليل عضو مجلس اإلدارة
في جمعية حقوق اإلنسان في سورية.
•بتاريخ 2011 / 5 / 2تم استدعاء الناشط الحقوقي أحمد الحجي الخلف عضو في المنظمة
العربية لحقوق اإلنسان في سورية إلى إحدى الجهات األمنية ،وتم توقيفه ...أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 5 / 4وفي مدينة الالذقية ،تم اعتقال األستاذ المحامي احمد بكور عضو
مجلس إدارة سابق في المنظمة العربية لحقوق اإلنسان في سورية.
•بتاريخ 2011 / 5 / 4تم اعتقال الصيدلي السيد وليد القاضي ” أبو خالد “وعمره 59عاما وهو
عضو نشيط في فرع الهالل األحمر العربي السوري في ريف دمشق ...أفرج عنه.
•في مدينة القامشلي –الحسكة تم اعتقال الناشط الحقوقي المهندس أكرم حسين
عضو اللجنة الكردية لحقوق اإلنسان ..أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 5 / 8تم اعتقال الزميل عالء الدين بياسي عضو مجلس األمناء في لجان
الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق اإلنسان في سورية ،وتم مصادرة كومبيوتره
الشخصي ،من مدينة بانياس – طرطوس ...أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 5 / 11تم اعتقال المحامي والناشط الحقوقي األستاذ ماجد كندو من مدينة
بانياس – طرطوس.
•بتاريخ 2011 / 5 / 13قامت األجهزة األمنية باعتقال المحامية والناشطة الحقوقية كاترين
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
جرجس التلى وذلك عن طريق اختطافها من الشارع في منطقة برزة بالقرب من دمشق
.،المحامية كاترين جرجس التلى تولد 1978تخرجت من كلية الحقوق ودخلت مهنة
المحاماة عام ،2007ونشطت في الدفاع عن حقوق اإلنسان والمرافعة عن معتقلي الرأي
أمام المحاكم السورية ...أفرج عنه.
•بتاريخ 2011 / 5 / 14تم اعتقال الناشط في مجال المجتمع المدني األستاذ محمد نجاتي
طيارة – حمص ،عضو جمعية حقوق اإلنسان في سورية.
•بتاريخ 2011 / 5 / 18تم اعتقال الناشط الحقوقي فيصل الغزاوي عضو المنظمة العربية
لحقوق اإلنسان في سورية ،والقيادي في حزب االتحاد االشتراكي العربي الديمقراطي..
أفرج عنه.
•وبتاريخ 2011 / 5 / 11قامت قوات األمن باعتقال وائل حمادة من مكتبه ،وهو ناشط سياسي
متزوج من الناشطة الحقوقية المحامية رزان زيتونة(متوارية عن االنظار) .وكانت قوات
األمن قد ذهبت إلى منزل الزوجين يوم 2011 / 4 / 30للبحث عنهما ولكنها حين لم تجدهما،
قامت باعتقال عبد الرحمن ،الشقيق األصغر لحمادة والذي يبلغ من العمر 20سنة.
•بتاريخ 2011 / 5 / 26تم اعتقال الدكتور محمد عناد سليمان من منطقة الكسوة-ريف
دمشق ،وهو عضو في المنظمة العربية لحقوق اإلنسان في سورية.
•وفي سياق أخر،تم تحريك الدعوى المسلكية من مجلس فرع نقابة المحامين في
حلب ،بحق الزميل المحامي األستاذ رديف مصطفى رئيس مجلس إدارة اللجنة الكردية
لحقوق اإلنسان في سورية ( الراصد )،وتم استجوابه على المخالفات المسلكية التالية:
التحريض على السلطة في سورية بجميع مقاالته -ارتكاب العديد من الجرائم الجزائية 102
الواقعة على أمن الدولة المنصوص عنها بقانون العقوبات العام -إثارة مواضيع
تستهدف الوحدة الوطنية باستخدام مصطلحات وإشاعات وأقاويل كاذبة وبث أخبار
كاذبة للتحريض على الدولة في جميع مقاالته .وبتاريخ 2011 / 4 / 3حيث تم إصدار القرار
التالي :عدم مسؤوليته عن الجرائم المنسوبة اليه.واالكتفاء بعقوبة التنبيه فيما
يخص مخالفته للقوانين والتعاميم النقابية ،يضاف إلى كل ذلك ،فقد تعرض لعدة
استدعاءات أمنية منذ أوائل شهر آيار.
•وفي سياق مماثل وبتاريخ 2011 / 5 / 16وفي مدينة دمشق-في أشرفية صحنايا،قامت دورية
أمنية باقتحام منزل الزميل محمد فتح اهلل النجار -عضو مجلس ’األمناء في لجان الدفاع
عن الحريات الديمقراطية وحقوق اإلنسان ،ورغم عدم وجوده بالمنزل فقد قامت الدورية
األمنية بمصادرة مكتبته.
يجب ممارسة ضغوط أكبر على الحكومة من أجل اإلفراج عن جميع المدافعين عن حقوق
اإلنسان الذين ال يزالون قيد االحتجاز أو مفقودينن كما يجب دفع الحكومة السورية إلى الوفاء
بالتزاماتها القانونية الحترام حقوق اإلنسان للذين يعملون على حمايتها وتعزيزها في سوريا.
1 1المنظمة العربية لحقوق اإلنسان في سورية ،المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق اإلنسان والحريات العامة في
سورية ( ،) DADالمنظمة الوطنية لحقوق اإلنسان في سورية ،اللجنة الكردية لحقوق اإلنسان في سوريا (الراصد)،
منظمة حقوق اإلنسان في سورية – ماف ،لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق اإلنسان في سورية (ل.د.ح).
2-2اليمن :ملخص حول االنتهاكات المصاحبة لالحتجاجات منذ منتصف
املرفق :2أوضاع حرجة في املنطقة العربية
شباط/فبراير
ماجد المذحجي
مسؤول الشكاوي واإلعالم ،منتدى الشقائق العربي لحقوق اإلنسان
صنعاء 16 ،أيار/مايو 2011
شهد اليمن منذ 16شباط/فبراير احتجاجات واسعة في 17محافظة ،وتبلورت الحقا في شكل
اعتصامات مفتوحة ومسيرات سلمية في المدن واألرياف ،ورفعت مطلب رحيل الرئيس علي
عبداهلل صالح عن السلطة ،وقد جوبهت هذه األشكال االحتجاجية بحملة قمع واسعة رافقتها
أعمال قتل ممنهجة وغير مبرره تجاه المحتجين ،مما أوقع الكثير من القتلى في صفوفهم
إضافة إلى إصابة المئات بالرصاص الحي واآلالف باالختناقات نتيجة االستخدام الكثيف للغاز
المسيل للدموع .وقد كان الطرف القائم بهذه االنتهاكات هو األجهزة األمنية وعلى رأسها
جهاز األمن المركزي والحرس الجمهوري (وحدة من الجيش) ،وعناصر األمن العام ،باإلضافة
إلى مدنيين مسلحين من مؤيدي الرئيس علي عبداهلل صالح قاموا بشن هجمات دامية على
المحتجين بينما وقفت قوات األمن متفرجة .عالوة على ذلك تعرض العديد من المحتجين
لعمليات اعتقال تعسفي واختفاء قسري وتعذيب ومعاملة مهينة وحاطة بالكرامة اإلنسانية.
كما تعرضت حرية الرأي والتعبير النتهاكات واسعة تمثلت بمصادرة الصحف المستقلة
والحزبية المعارضة وحجب المواقع اإللكترونية وإغالق مكتب قناة ‘الجزيرة’ ،وتعرض صحفيون
103
ومصورون ومراسلون لوكاالت األنباء والمحطات الفضائية العتداءات مختلفه وصلت إلى
القتل في بعض الحاالت ،إضافة إلى طرد عدد من الصحفيين األجانب الوافدين من خارج البالد
لتغطة األحداث.
الحق في الحياة
استخدمت قوات األمن ووحدات من الجيش القوة المميته تجاه المحتجين السلميين في
مختلف المحافظات اليمنية طوال األشهر الثالثة الماضية من عمر االحتجاجات ،مما أدى إلى
مقتل ما ال يقل عن 145متظاهراً ،بينهم 18طفال وامرأة واحدة .ووثقت المنظمات الحقوقية أن
معظم أعمال القتل ارتكبتها قوات األمن المركزي (يقودها ابن شقيق الرئيس اليمني) وقوات
الحرس الجمهوري (وحدة من الجيش يقودها النجل األكبر للرئيس اليمني) وقوات الشرطة
العسكرية ،إضافة إلى قوات األمن العام وعناصر مدنية مسلحة قامت بعدة هجمات دامية
على المحتجين تحت نظر قوات األمن وحمايتها،.
وشهد يوم الجمعة 18آذار/مارس سقوط أكبر عدد من القتلى في يوم واحد حيث سقط ما
اليقل 45قتيال في هجوم شنه مسلحون مدنيون تحت حماية قوات األمن المركزي ،وقد حدثت
الواقعه بعد إنهاء عشرات اآلالف من المحتجين تأديتهم صالة الجمعة في ساحة االعتصام
الدائمة في صنعاء .وبدأت الواقعة بإحراق كثيف إلطارات السيارات باشر بعدها المسلحون
إطالق النار بشكل كثيف على مؤخرة ساحة االعتصام من على سطح منزل أحد القيادات
األمنية البارزه (رئيس قسم التحريات في إدارة البحث الجنائي بالعاصمة) ومنزل محافظ
محافظة المحويت ،ومنزل سفير اليمن في السعودية.
وشهدت العاصمة صنعاء أعلى مستوى من عمليات القتل منذ بدء االحتجاجات في منتصف
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
شباط/فبراير ،حيث وصل عدد القتلى فيها منذ بدء االحتجاجات إلى ما ال يقل عن 80قتيال ،تلتها
عدن بـ 26قتيال ،وتعز بـ 23قتيال ،والحديدة 5قتلى ،وإب 4قتلى ،وعمران قتيلين ،والجوف قتيلين،
والبيضاء قتيلين ،وحضرموت قتيل واحد.
تعرض العديد من المحتجيين السلميين لعمليات اعتقال تعسفي من قبل القوات األمنية
أثناء مشاركتهم في االعتصامات والمسيرات ،وتم احتجازهم لفترات متراوحة ثم أفرج عنهم
الحقا دون توجيه أية تهم ودون إحالة أي منهم للقضاء ،خصوصا من تجاوزت فترة احتجازه
المدة القانونية ،حيث تعرض بعضهم خاللها ألشكال متعدده من التعذيب وضروب المعاملة
القاسية والمهينة والحاطة بالكرامة االنسانية ،كما حدث في حالة محمد بجاش الشرعبي
الذي تم اعتقاله وتعرض للتعذيب البدني والحرمان من النوم في معسكر تابع لألمن المركزي
الذي يقوده ابن شقيق الرئيس علي عبداهلل صالح ،إضافة إلى حاالت أخرى متعدده.
وتعرض السياسي اليمني المعروف والقيادي البارز في الحراك الجنوبي حسن باعوم ونجله
فواز الختفاء قسري منذ يوم 20شباط/فبراير ،إضافة الختفاء قسري لثمانية آخريين من نشطاء
الحراك الجنوبي منذ يوم 26شباط/فبراير .وكان باعوم البالغ من العمر 76عام ًا قد اقتيد من
مستشفى النقيب في عدن حيث كان يخضع للعالج بسب إصابته بمرض السكري ومرض في
القلب ،وما زالت جهة احتجازه غير معلومة. 104
متعددة منذ بدء االحتجاجات التي تطالب برحيل ّ تعرضت حرية الرأي والتعبير النتهاكات
الرئيس اليمني ،وطالت وسائل إعالم وصحفيين ومصوريين ومراسلي وكاالت األنباء الخارجية
متعددة ،وقتل الصحفي جمال ّ والمحطات الفضائية ،حيث تعرضوا لمضايقات واعتداءات
الشرعبي يوم 18آذار/مارس أثناء تغطيته لالحتجاجات ،كما تعرضت قناة ‘الجزيرة’ للنصيب
األكبر من المضايقات ،إذ طرد اثنان من مراسليها ليعقب ذلك اقتحام مكتبها من قبل مسلحين
تحت أنظار الشرطة ،وقد تم نهب بعض محتويات المكتب ،ووصل األمر إلى إغالق المكتب
بقرار رسمي من السلطات وسحب تراخيص مراسليها .وكل ذلك على خلفية تغطيتها
لالحتجاجات في اليمن .كما تعرضت العديد من الصحف المستقلة والحزبية المعارضة
للمصادرة من قبل القوات األمنية وعناصر من الجيش على مداخل المدن اليمنية ،وتزامنت
وقائع هذه المصادرات مع بدء حركة االحتجاجات لتتصاعد وتيرة المصادرة مع التغطية الواسعة
ألحداث االعتصامات والمسيرات ،حيث صودرت كل من صحف ‘الشارع’ و ‘األولى’ و ‘الشاهد’
و ‘اليقين’ و ‘المصدر’ و ‘األهالي’ و ‘الناس’ و ‘التجمع’ و ‘النداء’ في وقائع متفرقة ومتكرّرة.
كما قامت السلطات بحجب عدد من المواقع اإلخبارية اإللكترونية على خلفية تغطيتها
لالحتجاجات ،وتم بشكل رئيسي حجب موقع ‘المصدر أونالين’ اإلخباري المستقل ،وموقع
‘مأرب برس’ اإلخباري المستقل ،كما حجبت مدونة ‘ارحل’ المهتمة بتوثيق االحتجاجات
السلمية في اليمن.
وتعرضت الصحفية توكل كرمان والصحفي محمد سعيد الشرعبي لالعتقال التعسفي
املرفق :2أوضاع حرجة في املنطقة العربية
يوم 22كانون الثاني/يناير في بداية حركة االحتجاجات ،وظال رهن االحتجاز لمدة يومين .كما
تعرض الصحفي عبدالسالم جابر لالعتقال واالختفاء القسري يوم 12آذار/مارس لمدة يومين،
وتم احتجاز الصحفي عبدالعزيز المجيدي لساعات من قبل نقطة عسكرية تابعة للحرس
الجمهوري يوم 25نيسان/إبريل ،وتم اعتقال الصحفي عبدالحافظ معجب لمدة يوم من قبل
نقطه أمنية على مداخل مدينة الحديدة يوم 6أيار/مايو.
وتعرض عدد من المراسلين والصحفين العتداءات وحشية بالضرب المبرح أثناء قيامهم
بتغطية المظاهرات واالعتصامات السلمية المناهضة للرئيس ،وذلك على يد قوات األمن
ومسلحين مؤيدين للرئيس ،حيث تعرض ما ال يقل عن 35من الصحفيين الدوليين واليمنيين
للضرب والمضايقة سعي ًا لمنعهم من تغطية االحتجاجات .وكان الصحفيون الذين تعرضوا
لالعتداء من قناتي ‘العربية’ و ‘الجزيرة’ الفضائيتين وجريدة ‘القدس العربي’ وصحيفة ‘غارديان’
متعددة بما في ذلك محطة ‘بي بي سي’ و ‘اسوشيتيد برس’ و ‘رويترز’ ّ البريطانية ووكاالت
ووكالة ‘فرانس برس’ باإلضافة إلى عدد من الصحفيين المستقلين .ومن هذه االعتداءات أيضا
ما تعرضت له الصحفية سامية األغبري والصحفي محي الدين جرمه والصحفي عبداهلل غراب
والصحفي حمود منصر والمصور فؤاد الخضر والمصور سمير النمري من اعتداءات بالضرب
أثناء تغطيتهم لالحتجاجات السلمية.
وتلقى عدد كبير من الصحفيين تهديدات مباشرة عبر الهاتف بأنهم سيتعرضون للقتل
105
واالعتقال ،وذلك بهدف ثنيهم عن التغطية الصحفية لألحداث ،ومن بينهم أحمد الشلفي
وفيصل الصفواني وآخرون.
مارست السلطات األمنية اعتداءات واسعة على االعتصامات والتجمعات السلمية التي
نظمها المحتجون السلميون في مختلف المحافظات بغرض فضها ،حيث استخدمت القوة
تجاه ما ال يقل عن 60مسيرة واعتصاما في 17محافظة يمنية خالل ثالثة أشهر ،وأودت هذه
الهجمات الدامية على المسيرات واالعتصامات بحياة عشرات المحتجيين السلميين.
كما تم توثيق ما ال يقل عن 12حالة جرى فيها منع الطواقم الطبية من الوصول إلى الجرحى
أثناء المسيرات في صنعاء لوحدها ،كما قامت قوات األمن المركزي باختطاف أربع طبيبات
أثناء قيامهن باإلسعافات األولية لعدد من الجرحي خالل مظاهرة جرت في يوم 19نيسان/إبريل
في صنعاء ،وتم الحق ًا إطالق سراحهن بعد أن وجه المحتجون تهديدات بأنهم سيزحفون إلى
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
قصر الرئيس اليمني.
وتلقى العديد من األطباء تهديدات ومضايقات من قبل أجهزة األمن بسبب مشاركتهم
في المستشفيات الميدانية التي أنشئت لمعالجة جرحى االحتجاجات في مختلف ساحات
االعتصامات في المحافظات اليمنية.
تلقى عدد من النشطاء والمدافعين عن حقوق اإلنسان في اليمن تهديدات متعددة وصلت
إلى حد التهديد بالقتل وإيذاء أسرهم على خلفية نشاطاتهم في مناهضة انتهاكات حقوق
اإلنسان ورصدها أثناء االحتجاجات السلمية على مدى األشهر الثالثة الماضية ،حيث وردت
تهديدات عبر الهاتف إلى كل من أمل الباشا وياسمين الصبري وعبدالرشيد الفقية وغازي
السامعي وسامية األغبري وماجد المذحجي.
تلقى عدد من السياسين ونشطاء االحتجاجات الميدانية المناهضة للرئيس اليمني تهديدات
ومضايقات مختلفه وصلت إلى حد التهديد بالقتل وإيذاء عائالتهم على خلفية االحتجاجات
السلمية ،حيث تعرض لذلك محمد سالم باسندوه رئيس لجنة الحوار الوطني (أحد أهم 106
المكونات السياسية المعارضة) ،وسلطان السامعي ،وعبدالكريم الخيواني ،وتوكل
كرمان ،وخالد األنسي ،وبشرى المقطري ،وعبدالحميد شكري ،وأحمد الربيزي ،ومحمد الصبري،
وعيدروس النقيب ،ومحمد غالب أحمد ،ومحمد الحميري ،وآخرون.
مريم الخواجة ،رئيسة مكتب العالقات الخارجية في مركز البحرين لحقوق اإلنسان
المنامة 30 ،أيار/مايو 2011
63
نداء لالحتجاج للمطالبة باإلصالح ودستور جديد بتاريخ 14شباط/فبراير.
ً أطلق شباب البحرين
وكل من مصر وتونس وسوريا واليمن هو أن الشعوب في تلك ٍ إن الفرق بين البحرين
البلدان تواجه حكوماتها وحسب عندما تطالب باإلصالح ،بينما يضطر المحتجون المؤيدون
للديمقراطية في البحرين لمواجهة ممالك الخليج ك ِّلها .ورغم أن المحتجين مسالمون وع َّزل،
شخصا
ً قوة مفرطة ال داعي لها ،وتسببت في مقتل 31 ً فإن قوات األمن والجيش استخدمت
وجرح كثيرين آخرين 73.ومنذ وقوع الهجوم الثاني على دوار اللؤلؤة بُعيد نشر قوات درع الجزيرة
(قوات دول مجلس التعاون الخليجي) في منتصف شهر آذار/مارس 83،لم تنقطع انتهاكات
93
حقوق اإلنسان بل استمرت حتى غدا الوضع اآلن بمثابة أزمة إنسانية.
ونظ ًرا الرتباط المملكة العربية السعودية والبحرين ومجلس التعاون الخليجي بعالقات مع
املرفق :2أوضاع حرجة في املنطقة العربية
الحكومات الغربية ،فقد ندرت األصوات المؤثرة الناقدة لما يحدث من انتهاكات في البحرين،
وال سيما أصوات حلفاء الملوك المقربين :الواليات المتحدة والمملكة المتحدة .بل حدا األمر
بوزيرة الخارجية األمريكية هيالري كلنتون أن تقول إن للبحرين حق سيادي في دعوة القوات
04
لكي تدخلها ،رغم االتفاق المبرم بين هذه البلدان والذي ينص على خالف ذلك.
وبلغة األرقام ،اع ُتقل أكثر من 1,000شخص (من سكان البحرين البالغ عددهم نحو نصف مليون
نسمة) من بينهم أكثر من 140امرأة وربعهم من األطفال 14.وقد وردت تقارير كثيرة تفيد باستخدام
التعذيب والمعاملة السيئة داخل مراكز االحتجاز .وإلى اآلن ،لقي أربعة أشخاص حتفهم بسبب
التعذيب 24.كما اختفى بعض المحتجزين بُعيد اعتقالهم 34وال يزال البعض مفقودا بعد مرور
أكثر من شهرين على اعتقالهم بواسطة قوات األمن ،في حين م ََثل البعض أمام محاكم
عسكرية على وجه السرعة 44.وتتراوح التهم في العادة بين التجمع غير المشروع (لكي يجتمع
أكثر من خمسة أشخاص ،فإنه يتعين عليهم الحصول على تصريح من وزارة الداخلية) ،وهو
ما شوه صورة البحرين في الخارج ،وبين التحريض على كراهية النظام 54.وتنطوي االعتقاالت
على غارات ليلية يقوم فيها رجال ملثمون يرتدون مالبس مدنية وزي شرطة مكافحة الشغب
باقتحام البيوت بين الساعة الواحدة والرابعة صباحً ا ،ف ُير ِّوعون مَن في البيت ويعتقلون
أفرادا معينين من األسرة .وفي جميع غارات االعتقال تقريبا ،ال يتم إبراز مذكرات اعتقال ،فيً
حين يتعرض الناس للضرب ،والبيوت للتخريب ،والنساء للتحرش الجنسي ،والممتلكات
للمصادرة 64.وكل األشخاص مستهدفون حيث اشتملت االعتقاالت ،على سبيل المثال ال
107
الحصر ،على مدرسين ،وأساتذة جامعات ،وطلبة ،وأطباء ،وممرضين ،ومحامين ،وبرلمانيين
مستقيلين ،والعبي كرة قدم محترفين ،ومدافعين عن حقوق اإلنسان.
(لقد تضرر نحو 9000شخص في البحرين ،بحسب إحصاءات مركز البحرين لحقوق اإلنسان ،من
طردوا من وظائفهم هم المعيلون جراء حاالت التسريح عن العمل ،فالكثير من أولئك الذي ُ
84
ألسرهم).
هنالك الكثيرون من الجرحى الذين يتلقون العالج في بيوتهم ألنهم يخشون الذهاب إلى
html.201138153916892448/03/2011/http://english.aljazeera.net/programmes/peopleandpower 1 1
-99%80%http://amnesty.org/en/news-and-updates/report/evidence-bahraini-security-forces%E22 2
16-03-2011-brutality-revealed
،17bahrain.html/world/middleeast/17/02/2011/http://www.nytimes.com :فبراير/ شباط17 الهجوم بتاريخ3 3
7P9ybW96RRo=http://www.youtube.com/watch?v :ولمشاهدته بالفيديو
html.177626/http://www.presstv.ir/detail4 4
/20032011-http://www.eurasiareview.com/clinton-renews-us-commitment-to-gcc-security5 5
3862/http://bahrainrights.hopto.org/en/node6 6
bahrain-suspicious-deaths-custody/13/04/2011/http://www.hrw.org/en/news7 7
bahrain-new-arrests-target-doctors-rights-activists/20/03/2011/http://www.hrw.org/en/news8 8
bahrain-new-arrests-target-doctors-rights-activists/20/03/2011/http://www.hrw.org/en/news9 9 108
4082/http://bahrainrights.hopto.org/en/node1 10
14852/http://www.frontlinedefenders.org/node1 11
/global-union-movement-calls-for-end-to-repression-in-bahrain/21/04/2011/http://blog.aflcio.org1 12
html.2011514104251715508/05/2011/http://english.aljazeera.net/news/middleeast
3879/http://bahrainrights.hopto.org/en/node1 13
/emergency-report-decries-bahrain-human-rights-abuses/22/04/2011/http://bahrain.phrblog.org1 14
html.2011513112016389348/05/2011/http://english.aljazeera.net/video/middleeast
المرفق :3قائمة المشاركين في الندوة
املرفق :3قائمة املشاركني في الندوة
شكر وتقدير
التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية :سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | 2011
بالشكر من جديد للمتحدثين والمشاركين في الندوة على مساهماتهم
القيمة وتأمالتهم وحواراتهم حول التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية.
عقدت هذه الندوة بدعم كريم من الوكالة السويدية للتنمية الدولية )،(SIDA
والوكالة الدنماركية للمساعدات التنموية ) ،(DANIDAووزراة الخارجية
والشؤون األوروبية في فرنسا ،والمفوضية األوروبية ،ومؤسسات المجتمع
المفتوح ،وتتوجه المؤسسة األورو-متوسطية بالشكر لهم جميع ًا.
112
تصميم :زينة خيراهلل
(اميان موسعد (مصر
EMHRF
Vestergade 16, 2nd floor
1456 Copenhagen K, Denmark
Tel: +45 32 64 17 12
Fax: +45 32 64 17 02
www.emhrf.org
الجهات المانحة