You are on page 1of 118

‫التغيير الديمقراطي‬

‫في المنطقة العربية‬


‫سياسات الدول وديناميكيات المجتمع المدني‬
‫ندوة نقاشية‪ 2-3 ،‬نيسان‪/‬إبريل ‪ ،2011‬بروكسل‬

‫رمزي بليل (تونس(‬


‫التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية‬
‫سياسات الدول وديناميكيات المجتمع المدني‬

‫ندوة نقاشية‪ 2-3 ،‬نيسان‪/‬إبريل ‪ ،2011‬بروكسل‬


‫‪ www.emhrf.org‬ندوة نقاشية‪ 3-2 ،‬نيسان‪/‬إبريل ‪ ،2011‬بروكسل‬

‫تم عقد هذه الندوة وإصدار هذا التقرير بفضل المساهمات الكريمة والدعم المالي من‬
‫الوكالة السويدية للتنمية الدولية )‪ ،(SIDA‬والوكالة الدنماركية للمساعدات التنموية‬
‫)‪ ،(DANIDA‬ووزارة الخارجية والشؤون األوروبية في فرنسا‪ ،‬والمفوضية األوروبية‪ ،‬ومؤسسات‬
‫المجتمع المفتوح )‪.(OSF‬‬

‫تقع المسؤولية الحصرية بشأن محتويات هذه الوثيقة على المؤسسة األورو‪-‬متوسطية‬
‫لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان )‪ ،(EMHRF‬وال يجوز تحت أي ظرف اعتبار أنها تعكس‬
‫مواقف المفوضية األوروبية أو أي من الشركاء الماليين المذكورين أعاله‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪4‬‬ ‫تمهيد‬

‫جدول المحتويات‪ ‬‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫‪6‬‬ ‫ملخص تنفيذي‬

‫‪9‬‬ ‫مقدمة‬

‫‪14‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الحكومية‬


‫المحلية‬
‫‪15‬‬ ‫‪ 1-1‬األنظمة العربية في أعقاب سقوط بن علي ومبارك‪ :‬أنظمة في‬
‫سجال لكن هزيمتها لم تكتمل‬
‫‪24‬‬ ‫‪ 2-1‬منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الحكومية المحلية‬
‫‪31‬‬ ‫‪ 3-1‬األفكار والنتائج المتمخضة عن النقاش‬

‫‪34‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الدولية‬


‫‪35‬‬ ‫‪ 1-2‬منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة األوروبية في مواجهة‬
‫التغييرات الديمقراطية في العالم العربي‬
‫‪38‬‬ ‫‪ 2-2‬نهج الواليات المتحدة األمريكية للنهوض بالديمقراطية في‬
‫الشرق األوسط‬
‫‪46‬‬ ‫‪ 3-2‬األفكار والنتائج الرئيسية المتمخضة عن النقاش‬
‫‪2‬‬
‫‪50‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات المجتمع المدني والجهات‬
‫الفاعلة غير الحكومية‬
‫‪51‬‬ ‫‪ 1-3‬منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة غير الحكومية‬
‫‪54‬‬ ‫‪ 2-3‬الفاعلون غير الحكوميين بين السياسي واالجتماعي‬
‫‪63‬‬ ‫‪ 3-3‬األفكار والنتائج الرئيسية المتمخضة عن النقاش‬

‫‪70‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬منطق ومنطلقات مجتمع المانحين‬


‫‪71‬‬ ‫‪ 1-4‬المانحون والمنطقة المتوسطية‪ :‬ما بين التطلعات والواقع‬
‫واالحتياجات البرغماتية‬
‫‪75‬‬ ‫‪ 2-4‬منطق ومنطلقات مجتمع المانحين‪ :‬المانحون األمريكيون‬
‫‪85‬‬ ‫‪ 3-4‬األفكار والنتائج الرئيسية المتمخضة عن النقاش‬

‫‪88‬‬ ‫االستنتاجات‬
‫‪96‬‬ ‫المرفق ‪ :1‬شهادة من الثورة المصرية‬
‫‪ www.emhrf.org‬ندوة نقاشية‪ 3-2 ،‬نيسان‪/‬إبريل ‪ ،2011‬بروكسل‬

‫‪99‬‬ ‫المرفق ‪ :2‬أوضاع حرجة في المنطقة العربية‬


‫‪99‬‬ ‫‪ 1-2‬سوريا ‪:‬الرد الوحشي للنظام‬
‫‪103‬‬ ‫‪ 2-2‬اليمن‪ :‬ملخص حول االنتهاكات المصاحبة لالحتجاجات منذ‬
‫منتصف شباط‪/‬فبراير‬
‫‪106‬‬ ‫صيف خانق على المتظاهرين‬
‫ٍ‬ ‫‪ 3-2‬البحرين‪ :‬ربيع العرب يتحول إلى‬

‫‪109‬‬ ‫المرفق ‪ :3‬قائمة المشاركين في الندوة‬

‫‪112‬‬ ‫شكر وتقدير‬

‫‪3‬‬
‫تهدف المؤسسة األورو‪-‬متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان‬

‫تمهيد‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫إلى تعزيز ودعم عمل المدافعين عن حقوق اإلنسان في منطقة جنوب‬
‫المتوسط من خالل توفير مساعدات مالية ملموسة ضمن األطر الزمنية‬
‫والمرونة المطلوبة من أجل السماح للمدافعين عن حقوق اإلنسان بمواصلة‬
‫نشاطاتهم بالرصد والمناصرة والحوار‪ ،‬ومواصلة جهودهم الرامية إلى‬
‫تعزيز حقوق اإلنسان والدفاع عنها (الحقوق المدنية والسياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية والثقافية) في المنطقة‪.‬‬

‫وبصفة خاصة‪ ،‬تهدف المؤسسة األورو‪-‬متوسطية إلى دعم المدافعين عن‬


‫حقوق اإلنسان الذين يعانون من صعوبات أو يواجهون مخاطر‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫آلية لالستجابة الطارئة إضافة إلى مشاريع لبناء القدرات من أجل الشروع في‬
‫مشاريع مبتكرة وحساسة تنفذها منظمات ومجموعات صغيرة من المدافعين‬
‫عن حقوق اإلنسان والتي ال تتوفر لها القدرات للتوجه إلى الجهات المانحة‬
‫الرئيسية أو التي ال تندرج ضمن الفئات التي تدعمها الجهات المانحة‪.‬‬

‫وإضافة إلى توفير المساعدات المالية الطارئة واإلستراتيجية للمدافعين‬


‫عن حقوق اإلنسان‪ ،‬فإن أحد األهداف الرئيسية لنشاطات المؤسسة األورو‪-‬‬
‫متوسطية هو ضمان االستدامة والمنظور طويل األجل لنشاطات الجهات‬
‫التي تدعمها‪ .‬ولهذا الغرض‪ ،‬تطمح المؤسسة األورو‪-‬متوسطية إلى مساعدة‬
‫المدافعين عن حقوق اإلنسان كي ينهمكوا على نحو أفضل مع الجهات‬ ‫‪4‬‬
‫األخرى صاحبة المصلحة والمعنية بحقوق اإلنسان‪ ،‬وذلك على المستوى‬
‫القطري واإلقليمي والدولي‪ ،‬وأن تتعاون مع هذه الجهات من أجل التصدي‬
‫للمشاكل التي يعاني منها المدافعون عن حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫نظم مجلس أمناء المؤسسة األورو‪-‬متوسطية‪ 1‬في يومي ‪ 2‬و ‪ 3‬نيسان‪/‬إبريل‬ ‫ّ‬
‫‪ 2011‬ندوة بعنوان “التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول‬
‫وديناميكيات المجتمع المدني‪ ،‬وقد ضمت الندوة أكثر من ‪ 60‬جهة فاعلة تتمتع‬
‫بمكانة بارزة وتؤدي دورا بارزا في المنطقة العربية‪ ،‬ومن بينها جهات حققت‬
‫مكتسبات على األرض في الكفاح من أجل الحقوق والحريات‪ ،‬وجهات تسعى‬
‫إلى االبتكار فيما يتعلق بأهداف تدخالتها وأشكالها‪.‬‬

‫في البداية‪ ،‬وفي مرحلة التحضير لهذه الندوة‪ ،‬كان هدفها السعي لتحقيق‬
‫فهم أوضح لجميع العوامل التي تعيق التغيير الديمقراطي في المنطقة‪،‬‬
‫وذلك من خالل تحليل القوى المحركة لتصرفات الجهات الفاعلة المختلفة‪،‬‬
‫وهي‪ :‬الحكومات العربية‪ ،‬والمجتمع الدولي‪ ،‬ومجتمع المانحين‪ ،‬والجهات‬
‫الفاعلة المحلية خصوصا الجماعات واألفراد الملتزمون بتعزيز الديمقراطية‬
‫والدفاع عن حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫عقدت الندوة في فترة اجتاحت فيها المنطقة احداث كبيرة ستؤثر على مستقبل المنطقة‪،‬‬
‫‪ www.emhrf.org‬ندوة نقاشية‪ 3-2 ،‬نيسان‪/‬إبريل ‪ ،2011‬بروكسل‬

‫وما تزال هذه األحداث تجري على نحو يومي‪.‬‬

‫كانت بعض التغييرات التي حدثت واعدة ومن الممكن أن تقود إلى تحول كبير نحو‬
‫الديمقراطية‪ .‬كما كانت هذه التغييرات تجليا إلمكانات العمل والتعبئة في مجتمعات ظل‬
‫يُفترض من أمد بعيد أنها غير مبالية ومستسلمة لمصيرها‪ .‬وثمة أوضاع أخرى تظهر بأن بعض‬
‫األنظمة قادرة على مقاومة اإلصالحات وأنها مستعدة للمقاومة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من الغموض والتغير المتسارع في البيئة التي نشأت عن هذه األحداث‪ ،‬فقد‬
‫هدفت الندوة إلى رعاية حوار مبكر وتبادل لآلراء بين الجهات الفاعلة المختلفة‪ ،‬وسعت لتحديد‬
‫التوجهات األساسية في المنطقة‪ ،‬آخذت باالعتبار هذه األحداث األخيرة وما تعنيه للمنطقة‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪1 1‬يترأس مجلس األمناء السيد إدريس اليازمي‪ ،‬وهو رئيس المجلس الوطني لحقوق اإلنسان في المغرب‪ ،‬واألمين‬
‫العام السابق للفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان‪ ،‬وعضو مجلس اإلدارة والمجلس االستشاري للمركز الوطني لتاريخ‬
‫الهجرة في فرنسا‪ ،‬والبيت العربي في إسبانيا‪ .‬وتشغل كريستين م‪ .‬ميركيل منصب نائب الرئيس‪ ،‬وهي رئيسة‬
‫محام‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫قسم الثقافة (ذاكرة العالم)‪ ،‬في البعثة األلمانية لليونسكو‪ .‬أمين الصندوق هو إسكيل ترولي‪ ،‬وهو‬
‫وشريك في مكتب باخ وبرون‪ ،‬الدنمارك‪ .‬ويضم مجلس أمناء المؤسسة األورو‪-‬متوسطية في عضويته السيد‬
‫خميس شماري‪ ،‬السفير التونسي لدى اليونسكو‪ ،‬وعضو سابق في البرلمان التونسي‪ ،‬وحازئ على جائزة نورمبورغ‬
‫لحقوق اإلنسان؛ وبهي الدين حسن‪ ،‬وهو مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق اإلنسان‪ ،‬مصر؛ وكمال الجندوبي‪،‬‬
‫رئيس الشبكة األورو‪-‬متوسطية لحقوق اإلنسان‪ ،‬ورئيس لجنة احترام الحريات وحقوق اإلنسان في تونس‪ .‬وهاني‬
‫مجلي‪ ،‬وهو نائب رئيس المركز الدولي للعدالة االنتقالية‪ ،‬وعضو مجلس إدارة الصندوق العربي لحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫مصر‪ .‬ولين ويلتشمان‪ ،‬بروفيسورة في القانون مع تركيز على الشرق األوسط وشمال إفريقيا‪ ،‬كلية الدراسات الشرقية‬
‫واإلفريقية‪ ،‬وعضوة في مجلس أمناء المركز الدولي للحماية القانونية لحقوق اإلنسان‪ ،‬وهي عضوة في مجلس‬
‫التحرير التأسيسي لمجلة العالم اإلسالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬المملكة المتحدة؛ وليلى رهيوي‪ ،‬متخصصة في إدارة‬
‫البرامج‪ ،‬هيئة األمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة‪ ،‬المغرب‪.‬‬
‫طرحت‬ ‫يقدم هذا التقرير عرضا عاما لألفكار والمساهمات الرئيسية التي ُ‬

‫ملخص تنفيذي‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫أثناء الندوة التي نظمتها المؤسسة األورو‪-‬متوسطية لدعم المدافعين عن‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬وكانت بعنوان ‘التغييرات الديمقراطية في المنطقة العربية‪:‬‬
‫سياسات الدول وديناميكيات المجتمع المدني’ وعقدت في بروكسل يومي ‪2‬‬
‫و ‪ 3‬نيسان‪/‬إبريل ‪.2011‬‬

‫كانت هذه الندوة من أوائل الندوات التي يتم تنظيمها في أعقاب االنتفاضات‬
‫فضاء لتبادل لألفكار‬
‫ً‬ ‫الكبيرة في الشرق األوسط وشمال إفريقيا‪ .‬وقد أتاحت‬
‫والتأمل حيث شارك فيها أكاديميون معروفون‪ ،‬وفاعلون من المجتمع المدني‪،‬‬
‫ومانحون‪ ،‬وممثلون حكوميون ممن يعملون في المنطقة‪ ،‬ومن المنهمكين‬
‫في تعزيز الديمقراطية والدفاع عن حقوق اإلنسان‪ .‬وقد تركز النقاش على أربعة‬
‫محاور رئيسية‪ ،‬هي‪ :‬منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الحكومية المحلية؛‬
‫ومنطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الدولية؛ ومنطق ومنطلقات المجتمع‬
‫المدني والجهات الفاعلة غير الحكومية؛ ومنطق ومنطلقات مجتمع المانحين‪.‬‬

‫ركز المحور الخاص بمنطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الحكومية المحلية‬


‫على الديناميكيات بين تلك الجهات (الجيش‪ ،‬نخب قطاع األعمال‪ ،‬نظام‬
‫الحكم القديم‪ ،‬وغيرها)‪ ،‬وعلى الطريقة التي تكون بها هذه الديناميكيات‬
‫بناءة أو هدامة نحو التحول الديمقراطي‪ .‬لقد كانت االنتفاضات في الشرق‬
‫األوسط سببا ونتيجة في اآلن نفسه للبروز الجديد للفرد العربي كمواطن‪ ،‬مما‬ ‫‪6‬‬
‫قدم فاعال جديدا للمشهد السياسي ظل يتم تجاهله حتى وقت قريب‪ .‬وفي‬ ‫ّ‬
‫حين يمثل هذا األمر جانبا ثوريا‪ ،‬إال إنه لم يتضح بعد مدى التحول الديمقراطي‬
‫الذي ستشهده بلدان المنطقة‪ ،‬والمدى الذي سيؤثر فيه هذا التحول على‬
‫صياغة السياسات واإلستراتيجيات المستقبلية‪ .‬لذا يتعين على المرء توخي‬
‫الحذر بشأن حدوث تراجع في الديمقراطية ونشوء عقبات أمامها‪ .‬وحيث توجد‬
‫إمكانات للتغير الديمقراطي‪ ،‬يجب إيالء انتباه خاص إلقامة هياكل ديمقراطية‬
‫من شأنها تمكين المواطنين وحماية حقوقهم السياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬

‫أما النقاش الذي تناول منطق ومنطلقات الجهات الفاعلية الدولية فقد تركز‬
‫على سياسات الواليات المتحدة األمريكية واالتحاد األوروبي‪ ،‬وذلك على الرغم‬
‫من أهمية دور الجهات الفاعلة الدولية األخرى‪ ،‬مثل الصين وروسيا‪ .‬ويقع على‬
‫كاهل الواليات المتحدة واالتحاد األوروبي واجب مهم في هذه الحقبة الجديدة‬
‫لسياسات الشرق األوسط‪ ،‬إذ يتعين عليهما االبتعاد عن إيالء األهمية لألمن‬
‫واالستقرار في المنطقة العربية والتوجه نحو سياسات تعكس التزامهما‬
‫بحقوق اإلنسان والقيم الديمقراطية‪ .‬وسيتعين على المجتمع الدولي أن يقبل‬
‫حالة عدم االستقرار التي تالزم أي تحول ديمقراطي‪ ،‬وعليه أن يكون مستعدا‬
‫للتضحية باالستقرار قصير األمد لمصلحة االستقرار طويل األمد المستند إلى‬
‫الديمقراطية بدال من األنظمة االستبدادية‪ .‬وفي هذه الحقبة من التحول في‬
‫المنطقة العربية (حتى في البلدان التي لم تشهد تغييرا كامال في أنظمة الحكم)‪ ،‬سيكون‬
‫‪ www.emhrf.org‬ندوة نقاشية‪ 3-2 ،‬نيسان‪/‬إبريل ‪ ،2011‬بروكسل‬

‫للجهات الفاعلة الدولية دور مهم في دعم ما يجري من إصالحات وتحول‪ ،‬ودون أن تسعى إلى‬
‫فرض نظام سياسي محدد‪ .‬وأخيرا‪ ،‬ينبغي على الواليات المتحدة واالتحاد األوروبي والجهات‬
‫الدولية األخرى أن تضع في أعلى سلم أولوياتها تعزيز القيم العالمية بدال من التركيز على‬
‫تحقيق مصالحها الجيو‪-‬إستراتيجية؛ وعليها كذلك أن تفهم أن هذه المصالح ال تتناقض على‬
‫المدى البعيد مع القيم العالمية والديمقراطية‪.‬‬

‫وركز الحوار بشأن منطق ومنطلقات المجتمع المدني والجهات الفاعلة غير الحكومية على‬
‫دور اإلسالميين والمنظمات غير الحكومية ووسائل اإلعالم في المجتمعات العربية‪ .‬وعمدت‬
‫المناقشات إلى وضع االنتفاضات الحالية في السياق التاريخي إلحياء نشاط المجتمع المدني‬
‫الذي حدث خالل العقد الماضي في تونس ومصر وعدة بلدان في المنطقة‪ .‬وقد لعبت‬
‫المنظمات غير الحكومية دورا مهما في توفير فضاء لالحتجاجات‪ ،‬وإن كان قد تم إضعاف‬
‫هذه المنظمات خالل السنوات الماضية‪ .‬أما الجهات الفاعلة اإلسالمية‪ ،‬فقد أظهرت هوية‬
‫أكثر تعقيدا بكثير مما كان يفترض الغرب‪ .‬فلم يقتصر األمر على استعدادها المتزايد للتعاون‬
‫مع العلمانيين خالل السنوات السابقة‪ ،‬ولكنها قررت أيضا دعم االحتجاجات دون أن تسعى‬
‫إلى السيطرة على الخطاب غير الديني لالحتجاجات‪ .‬وفي حين تتسم أجندة اإلسالميين‬
‫بعدم الوضوح (كما تظل تطلعاتها الديمقراطية دائما موضع شك)‪ ،‬بيد أنه اتضح أن هوية‬
‫اإلسالميين آخذة في التغيير ويتزايد تعقيدها مع مرور الوقت‪ .‬أما ما يتعلق بوسائل اإلعالم‪،‬‬
‫وهي عامل مهم في العالم العربي‪ ،‬فقد أصبحت وسائل اإلعالم الحكومية في طليعة‬
‫‪7‬‬
‫األدوات التي تستخدمها الحكومات للحد من االحتجاجات‪ .‬ومن جانب آخر‪ ،‬أكدت االنتفاضات‬
‫األخيرة على الدور المهم الذي يمكن أن تؤديه وسائل االتصال الجديدة مثل فيسبوك وتويتر‪،‬‬
‫إضافة إلى الدور البارز الذي لعبته قناة ‘الجزيرة’ ووسائل اإلعالم المستقلة األخرى في نشر‬
‫األخبار حول االحتجاجات وزيادة اهتمام المواطنين من جميع أنحاء المنطقة‪ .‬ومن األسئلة‬
‫المهمة التي ينبغي التعامل معها هو تأثير الثورات واإلصالحات على دور الجهات الفاعلة غير‬
‫الحكومية‪ ،‬ففي حين قد تختار بعض الجهات أن تدخل معترك السياسية‪ ،‬إال أن جهات أخرى‬
‫ستعيد صياغة واليتها‪ .‬وعلى أية حال‪ ،‬يجب مواصلة تعزيز ودعم المجتمع المدني خالل هذه‬
‫الفترة التي تشهد تغييرات هائلة‪.‬‬

‫تركز النقاش الذي تناول منطق ومنطلقات مجتمع المانحين على الدور المتغ ّير‬ ‫ّ‬ ‫أخيراً‪،‬‬
‫للمانحين في فترة التحول العربي‪ .‬وثمة التزام مهم على الجهات المانحة الحكومية‪ ،‬مثل‬
‫الواليات المتحدة واالتحاد األوروبي‪ ،‬إلعادة تقييم أهدافها وإعادة النظر في اتساق إستراتيجياتها‬
‫التمويلية‪ ،‬إذ أنها ظلت تمول في آن واحد الحكومات االستبدادية القمعية والجهات الفاعلة‬
‫من المجتمع المدني‪ .‬وثمة حاجة إلى تعزيز مفهوم اشتراطية الدعم من أجل ضمان احترام‬
‫الحقوق األساسية‪ .‬وبالنسبة لجميع المانحين بصفة عامة‪ ،‬ثمة حاجة إلى إعادة تقييم‬
‫إستراتيجيات التمويل وضمان أن األموال ال تنفق فحسب‪ ،‬بل أنها تنفق بأسلوب فعال لتشجيع‬
‫التغيير الحقيقي والمستدام في المنطقة‪ .‬وينبغي على المانحين أن يأخذوا بحسبانهم‬
‫احتياجات ومطالب متلقي الدعم عند اتخاذ القرارات‪ .‬ومن الضروري أيض ًا زيادة التواصل مع‬
‫الجهات التي تتلقى الدعم‪.‬‬
‫يصعب توقع ما ستؤول إليه االحتجاجات في الشرق األوسط‪ ،‬فمصر وتونس تواجهان مهمة‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫إعادة بناء هياكلهما السياسية في الوقت الذي يعمالن فيه للتصدي للمطالب االقتصادية‬
‫واالجتماعية للسكان‪ .‬أما ليبيا وسوريا‪ ،‬وإلى حد ما اليمن والبحرين‪ ،‬فستواجه التبعات‬
‫الجسيمة إلعادة بناء مجتمعاتها بعد فترة طويلة من عنف الدولة‪ .‬إال أن دوال أخرى في المنطقة‪،‬‬
‫مثل المغرب والجزائر واألردن‪ ،‬استجابت لغاية اآلن لالحتجاجات عبر إصالحات سياسية محدودة‪،‬‬
‫ولكنها مهمة‪ .‬وفي جميع الحاالت‪ ،‬ثمة حاجة لتعزيز الجهود واالستثمار في مشاريع وطنية‬
‫إلعادة البناء والتحول التي تشمل مجاالت عديدة‪ :‬مثل المساواة بين الجنسين‪ ،‬وتحول‬
‫المجتمعات العربية‪ ،‬واإلصالحات الدستورية‪ ،‬واإلصالحات المؤسسية في مجال العدالة بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬والطموحات االجتماعية وحقوق المواطنين العرب‪ ،‬والتداخل بين التاريخ والذاكرة في‬
‫التوجّ ه إلى تسوية االنتهاكات الماضية‪ ،‬وبشأن التعددية والتنوع‪ .‬وتقع على كاهل الجهات‬
‫الفاعلة التي تعمل في المنطقة مسؤولية المساهمة في هذه المشاريع الوطنية وأن‬
‫تدعمها‪ ،‬وأن تخلق الفضاء الضروري للتدارس والتباحث عبر الحدود الوطنية وضمن الجماعات‬
‫الرئيسية واألفراد المعنيين‪ .‬وتمثل المؤسسة األورو‪-‬متوسطية لدعم المدافعين عن‬
‫حقوق اإلنسان إحدى تلك الجهات الفاعلة‪ ،‬وسيتطور دورها في المنطقة العربية على ضوء‬
‫التطورات األخيرة والتوصيات التي ستخرج بها هذه الندوة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫بقلم السيد‪ :‬خميس شماري‪ ،‬عضو مجلس أمناء المؤسسة األورو‪-‬‬

‫مقدمة‬
‫‪ www.emhrf.org‬ندوة نقاشية‪ 3-2 ،‬نيسان‪/‬إبريل ‪ ،2011‬بروكسل‬

‫متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان‪ ،‬وسفير‪ ،‬الممثل الدائم‬


‫لتونس لدى اليونسكو‪.‬‬

‫تهز المنطقة العربية منذ بداية عام ‪ 2011‬موجة غير مسبوقة من االحتجاجات‬
‫الشعبية وتجري فيها تغيرات استراتيجية جوهرية‪ ،‬بينما باتت نظريات عديدة‬
‫راسخة من الماضي موضع شك وتساؤل‪ .‬يمكنا أن نش ّبه رياح الثورة التي‬
‫هزت العالم العربي من المغرب إلى البحرين ‘برياح الخماسين’ – وهي رياح‬
‫قوية محملة بالرمال تتشكل كل سنة في الصحراء المصرية وتهب على‬
‫كل المنطقة وصو ًال إلى فلسطين وما بعدها‪ .‬وكما هي الحال بالنسبة‬
‫للعاصفة الرملية‪ ،‬تعمل هذه األحداث على إعادة تشكيل المشهد دون أن‬
‫تتيح لنا أن نميز اليوم ما بين الذي سيتالشى والذي سيولد إلى النور‪ .‬لقد‬
‫أظهر الشعب التونسي وشعوب المنطقة‪ ،‬على أية حال‪ ،‬أن العالم العربي‬
‫اإلسالمي ليس محكوم ًا عليه ببساطة بمعادلة‪ :‬إما الطغيان العلماني‬
‫أو االستبداد اإلسالمي‪.‬‬

‫وقد سجلت المؤسسة األورو‪-‬متوسطية في اجتماعها األخير أربع مالحظات‬


‫أولية فيما يتعلق برسالتها‪ ،‬وبشأن االتجاهات الرئيسية لهذا الربيع العربي‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫‪1 .1‬تستفيد المؤسسة األورو‪-‬متوسطية من أساس صلب من الثقة‬
‫والمصداقية تحظى به في المنطقة ال سيما في تونس‪ ،‬حيث لعبت‬
‫أنشطتها في السنوات الماضية دوراً حاسم ًا في تمكين منظمات غير‬
‫حكومية مهمة ومدافعين عن حقوق اإلنسان على البقاء ومواصلة‬
‫أنشطتهم‪ .‬وبالتالي‪ ،‬وعلى الرغم من االنتباه المتزايد الذي توليه‬
‫الحكومات والمانحون األجانب لتونس‪ ،‬فمن المرجح أن تواصل المؤسسة‬
‫األورو‪-‬متوسطية تمتعها بثقة المدافعين الساعين للحصول على‬
‫مساعدتها في المستقبل‪.‬‬

‫‪2 .2‬ثمة عدد كبير من المبادرات الجديدة في تونس‪ ،‬ليس في العاصمة‬


‫وحسب بل وفي المناطق النائية أيض ًا‪ .‬ومن المرجح أن يتبلور توجّ ه مماثل‬
‫في مصر ودول أخرى في المنطقة‪ ،‬إن لم يكن قد بدأ ذلك بالفعل‪ .‬ويقوم‬
‫العديد من المنظمات بمحاولة وضع قائمة بهذه المبادرات الجديدة‪ ،‬إال أن‬
‫األمر يتسم بالصعوبة‪ ،‬وفي الحقيقة قد يكون من السابق ألوانه تقييم‬
‫جودة هذه المبادرات‪ .‬وبالتالي فإن ثمة حاجة إلى اتباع نهج نوعي يركز‬
‫على المستوى المحلي من أجل دعم وتعزيز هذه المبادرات التي يقوم‬
‫بتنفيذها فاعلون محليون‪.‬‬
‫‪3 .3‬من المرجح أن يتم توفير مستوى كبير من التمويل على نحو غير تمييزي للدول المعنية‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫وذلك كوسيلة لدعم تحولها نحو الديمقراطية‪ .‬ومع أنه يتوجب الترحيب بهذا الزخم‪ ،‬إال‬
‫أنه ثمة خطر من أن توجيهه نحو األهداف المنشودة سوف يستغرق وقت ًا وأنه سيؤدي إلى‬
‫تأثيرات تزعزع استقرار منظمات المجتمع المدني‪ .‬لذلك‪ ،‬يتوجب على المؤسسة األورو‪-‬‬
‫متوسطية أن تكون قادرة على االستجابة على أفضل نحو ممكن لالحتياجات الجديدة‬
‫الناشئة – حيث الوقت والتركيز المحلي أساسيان هنا‪ -‬من أجل دعم التنمية التنظيمية‬
‫واالستراتيجية لعمل الفاعلين في المنطقة‪.‬‬

‫‪4 .4‬لقد تحملت المنظمات غير الحكومية الحقوقية الكبيرة في المنطقة‪ ،‬سواء في تونس‬
‫أم في مصر‪ ،‬أعباء تفوق طاقتها في العمل أثناء سنوات القمع‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ال تمتلك‬
‫هذه المنظمات الموارد المادية والبشرية الالزمة لتشغيل برامجها الخاصة‪ ،‬وال الموارد‬
‫التنظيمية الالزمة إلدارة التمويل الجديد الذي ستتلقاه‪ .‬وبالتالي سيكون الدعم المقدم‬
‫على شكل بناء للقدرات والنصح االستراتيجي أمراً أساسي ًا‪.‬‬

‫في ضوء ما تقدم‪ ،‬ستقدم المؤسسة األورو‪-‬متوسطية دعما فعاال للمدافعين عن‬
‫حقوق اإلنسان في تلك البلدان من خالل بعثة استكشافية استراتيجية ستكون الغاية‬
‫الرئيسية منها تقييم نوعية المبادرات الجدية التي تم إطالقها في المنطقة وتقديم الدعم‬
‫االستراتيجي على المستوى المحلي للتنمية التنظيمية االستراتيجية لعمل المدافعين عن‬
‫حقوق اإلنسان في المنطقة‪ .‬وستواصل المؤسسة األورو‪-‬متوسطية تقديم المساعدة‬
‫على أساس طارئ في هذه البلدان حيث الظروف صعبة حق ًا‪ ،‬وكذلك دعم القدرات‬ ‫‪10‬‬
‫التنظيمية للمدافعين ومقدرتهم على إطالق مشاريع مبتكرة وحساسة في المنطقة‪ .‬ومن‬
‫ناحية ثانية‪ ،‬ستتيح هذه اآللية الجديدة أداة أكثر مرونة للمؤسسة األورو‪-‬متوسطية من أجل‬
‫االستجابة للتحوالت الجوهرية الجارية في المنطقة وتقديم الدعم الفعال بأكبر قدر ممكن‬
‫للمدافعين عن حقوق اإلنسان في جهودهم الهادفة إلى التشجيع على إجراء إصالحات دائمة‬
‫وحقيقية‪.‬‬

‫وفاء لذكرى المدافع المصري عن حقوق‬


‫ً‬ ‫وفي الختام‪ ،‬من الجدير أن نذكر أن هذه الندوة ُعقدت‬
‫اإلنسان الزميل المرحوم محمد السيد سعيد الذي توفي قبل نحو سنتين‪ .‬وفي هذه الفترة‬
‫التي تجري فيها تحوالت غير عادية في العالم العربي‪ ،‬وبمناسبة هذه الندوة‪ ،‬يرغب مجلس‬
‫أمناء المؤسسة األورو‪-‬متوسطية لحقوق اإلنسان لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان أن‬
‫يكرّم الرؤية االستشرافية واإلسهامات الق ّيمة لمحمد السيد سعيد‪ .‬وسوف تظل إسهامات‬
‫الدكتور سعيد الفكرية واإلنسانية تضيء دروب كل الذين يتوقون إلى الحرية والعدالة وكل‬
‫إنسان يتطلع إلى رؤية حقوق اإلنسان مزدهرة في المجتمعات العربية كما هي الحال في‬
‫مجتمعات أخرى في العالم‪.‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬من المهم أيض ًا أن نكرّم أشخاص ًا آخرين كانوا جنوداً للحرية وألهمتنا أعمالهم‬
‫على مر السنين الماضية‪ .‬دعونا نتذكر أولئك الذين كان ينبغي أن يكونوا بيننا ليعيشوا هذه‬
‫اللحظة الهامة والمثيرة ‪ -‬رغم صعوبتها ‪ -‬في العالم العربي ومنهم أحمد عثماني ودريس‬
‫بن زكري وحميدة بن ساديا ومحمود خليلي وغيرهم‪.‬‬
‫كذلك‪ ،‬ال ننسى أصدقاء ال يمكنهم السفر حاليا ممن ظلوا هدف ًا للقمع والترهيب العنيفين‬
‫‪ www.emhrf.org‬ندوة نقاشية‪ 3-2 ،‬نيسان‪/‬إبريل ‪ ،2011‬بروكسل‬

‫من الدولة بسبب نشاطهم السياسي – ومنهم نبيل رجب وعبد الهادي الخواجا من البحرين‬
‫باإلضافة إلى مازن درويش ورزان زيتونة من سوريا‪ .‬إن أفكارنا مع هؤالء األصدقاء خالل هذه‬
‫الفترة العصيبة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫رمزي بليل (تونس(‬
‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الحكومية المحلية‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫مارك شايد‪-‬بولسني (مصر)‬

‫‪14‬‬

‫تمت معالجة موضوع ‘منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الحكومية المحلية’‬


‫من قبل البروفيسورة لين ويلتشمان‪ ،‬عضو مجلس أمناء المؤسسة األورو‪-‬‬
‫متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان‪ ،‬وأستاذة في كلية الدراسات‬
‫الشرقية واألفريقية (المملكة المتحدة)‪ ،‬وقد عملت البروفيسورة ويلتشمان‬
‫على إدارة الحوار؛ وشارك كمعقب السيد نزار صاغية‪ ،‬وهو محامي وباحث‬
‫(من لبنان) ‪ .‬وتكون فريق المتحدثين من التالية أسماؤهم‪ :‬الدكتور إيبرهارد‬
‫كينيل‪ ،‬بروفيسور بحث في المركز الوطني للبحث العلمي (فرنسا)‪ ،‬والسيد‬
‫نيل هيكس‪ ،‬وهو مستشار في السياسات الدولية يعمل في منظمة حقوق‬
‫اإلنسان أو ًال (الواليات المتحدة األمريكية)‪.‬‬
‫لمدى التغيير وطبيعته غير القابلة لعكس‬ ‫‪ 1-1‬األنظمة العربية في أعقاب‬
‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية‬

‫االتجاه‪ ،‬مهما كانت أهميته بحسب المعايير‬ ‫سقوط بن علي ومبارك‪ :‬أنظمة في‬
‫المحلية والتاريخ الحديث لهذين البلدين‪.‬‬ ‫سجال لكن هزيمتها لم تكتمل‬
‫لقد سهلت القوات المسلحة في كل من‬
‫تونس ومصر سير األحداث‪ ،‬وكانت تلك‬ ‫إيبرهارد كينل‬
‫القوات من نواح عدة جزءا رئيسيا‪ ،‬إن لم‬ ‫المركز الوطني لألبحاث العلمية في باريس ‪/‬‬
‫تكن ركيزة أساسية‪ ،‬في النظامين البائدين‪.‬‬ ‫معهد الدراسات السياسية‪ ،‬غرونوبل‬
‫وبالمثل‪ ،‬اضطلع المدنيون الذين كانوا‬
‫في صف النظام القديم بأدوار مهمة‪ ،‬وإن‬ ‫شهدت األشهر القليلة الماضية انتفاضات‬
‫كانت عابرة‪ ،‬في األيام األولى من االنتقال‬ ‫شعبية عارمة أطاحت برئيسين عربيين كان‬
‫إلى نظام سياسي جديد كان يفتقر حينها‬ ‫حكمهما يبدو راسخ ًا في وقت ليس ببعيد‪،‬‬
‫إلى اليقين‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن عناصر النظامين‬ ‫وأنهما لن يتركا منصبيهما إال إلى القبر‪.‬‬
‫القديمين كانت أو ما زالت قادرة على التأثير‬ ‫وفي كلتا الحالتين‪ ،‬أتى زوال هذين الرئيسين‬
‫في سير األحداث وحماية بعض ما كانت‬ ‫وبعض أعوانهما المقربين بمن فيهم‬
‫تمثله وما كان يمثله الحكام المخلوعون‪.‬‬ ‫أفراد العائلة بتغيرات جوهرية أخرى أثرت‬
‫بل قد تكون استمرارية هذه العناصر أقوى‬ ‫في سوسيولوجية الجماعات والتحالفات‬
‫فيما إذا نظرنا إلى المستويات ما دون قمة‬ ‫الحاكمة‪ ،‬واألوجه المؤسسية لممارسة‬
‫السلطة في الحكومات والممثلة بالوزراء‬ ‫السلطة‪ ،‬وطرق عمل أجهزة الدولة بعمومها‬
‫ورؤساء الوزراء والرؤساء‪ .‬فما انفك أولئك‬ ‫بما فيها األجهزة اإلدارية والقضائية و”األمنية‪”،‬‬
‫‪15‬‬
‫األفراد الذين عينهم بن علي أو مبارك‬ ‫وكذلك العالقة بين الحاكم والمحكوم‪ .‬كما‬
‫ذات يوم يس ّيرون شؤون الهيئات اإلدارية‬ ‫خ ّلفت أحداث تونس ومصر أثرا بالغا في بلدان‬
‫وبعض الهيئات القضائية‪ .‬وفي الوقت‬ ‫عربية أخرى وفي والية ويسكونسن األمريكية‬
‫نفسه‪ ،‬تضمن الترتيبات الرأسمالية السائدة‬ ‫التي ما فتئ النقابيون المتظاهرون فيها‬
‫المستندة إلى المحسوبية ومحاباة األقارب‬ ‫ضد تقييد حقوقهم في المساومة الجماعية‬
‫(أو «الرأسمالية السياسية» إذا ما قيلت بعبارة‬ ‫في القطاع العام يستشهدون بشجاعة‬
‫أكثر حيادا من الناحية األكاديمية مستعارة‬ ‫المحتجين المصريين وشرعيتهم وجَ َلدهم‪.‬‬
‫من المنهجية الفيبرية) استمرار امتالك رجال‬ ‫وإلى هذه الساعة‪ ،‬خرجت مظاهرات مهمة‬
‫األعمال المقربين من الحكام السابقين‬ ‫نوعا ما في األقطار العربية ك ِّلها تقريبا‬
‫أصوال رئيسية ولعب دور مؤثر في االقتصاد‪.‬‬ ‫للمطالبة بالعيش الكريم وإجراء إصالحات‬
‫تمكن الحكام‬ ‫ّ‬ ‫وفي الدول العربية األخرى‪،‬‬ ‫سياسية كإرساء آليات جدية للمشاركة‬
‫وأنظمتهم وما يخضع لهم من أجهزة الدولة‬ ‫السياسية واحترام حقوق اإلنسان وفي بعض‬
‫من الدفاع عن الوضع القائم لغاية اآلن‪ .‬وقد‬ ‫الحاالت للمطالبة برحيل الحكام الحاليين‪.‬‬
‫اتخذوا موقفا دفاعيا إلى حد كبير يتواءم في‬ ‫وفي وقت كتابة هذه السطور‪ ،‬كانت‬
‫شدته مع قوة االحتجاجات والقوى المعارضة‪،‬‬ ‫البحرين ال تزال على الحافة فيما انزلقت ليبيا‬
‫وفي بعض الحاالت كان هذا الموقف مفرطا‬ ‫إلى حرب أهلية تقريبا‪.‬‬
‫في دفاعيته‪ .‬كما وافقوا‪ ،‬قوال على األقل‪،‬‬
‫على تقديم تنازالت متنوعة‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فقد ظل التغيير حتى في تونس‬
‫فقد تمكنوا جميعا من الصمود لغاية اآلن‬ ‫ومصر تدريجيا وال يزال يتأتى بطرق ال يمكن‬
‫رغم كل الصعاب‪ ،‬أو حتى تمكنوا من قلب‬ ‫التكهن بنتائجها‪ .‬وفي كلتا الحالتين‬
‫الطاولة على المعارضة كما حدث في ليبيا‪.‬‬ ‫أيضا‪( ،‬قد) ال تزال التحفظات قائمة بالنسبة‬
‫اإليجابية والسلبية [السلبية‪ :‬أي الحرية من‬ ‫تسعى هذه المقالة إلى تسليط بعض‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫تدخل اآلخرين]‪.‬‬ ‫الضوء على (أوال) أسباب االضطرابات ولماذا‬
‫تحدث بطرق مغايرة في البلدان المختلفة‪،‬‬
‫وعلى الرغم من أن عامل اللغة والمأزق‬ ‫(ثانيا) أهمية هذه األحداث بالنسبة لممارسة‬
‫وسهل “سقوط أحجار‬ ‫ّ‬ ‫المشترك قد عجّ ل‬ ‫السلطة وطبيعة النظام السياسي وطرق‬
‫الدومينو”‪ ،‬فإن اندالع “الثورة” في ُ‬
‫القطر تلو‬ ‫عمل أجهزة الدولة بعمومها في حالة‬
‫القطر كما تتهاوى أحجار الدومينو يرتكز‬ ‫ُ‬ ‫مصر والتي إن كانت ال تمثل البلدان األخرى‬
‫إلى حد كبير إلى بعض أوجه الشبه المهمة‬ ‫فإنها توضح عددا من الصعوبات والمخاطر‬
‫بين هذه األقطار من حيث التغيير االقتصادي‬ ‫المحدقة «بالثورات العربية» التي لم تكتمل‬
‫والجمود السياسي أو ما هو أسوأ‪ .‬لقد ظلت‬ ‫بعد‪( ،‬ثالثا) حقيقة التغييرات ووعود القيام‬
‫مكونات االضطراب حاضرة في المنطقة‬ ‫بها في البلدان العربية األخرى التي لم يُخ َلع‬
‫بأسرها منذ وقت طويل‪ ،‬في حين ظلت‬ ‫حكامها (حتى اآلن)‪.‬‬
‫تتراجع قدرة األنظمة الحاكمة على تلبية‬
‫توقعات شعوبها ومطالبها‪ .‬وألكثر من‬ ‫مظالم متشابهة‪ ،‬نتائج متغايرة‬
‫عقدين من الزمن‪ ،‬اتجهت العولمة وما‬
‫انطوت عليه من إصالحات وتحرر في الميدان‬ ‫ينصب الكثير من النقاش الدائر حول الثورات‬
‫االقتصادي إلى زيادة مداخيل بعض الفئات‬ ‫األخيرة على عدوى األحداث وانتقالها من‬
‫السكانية وإثرائها‪ ،‬وإلى تهميش فئات‬ ‫بلد عربي واحد إلى بلدان عربية أخرى‪ .‬وال‬
‫أخرى أو إفقارها أو إنزالها منزل الفقر الدائم‪.‬‬ ‫شك في أن االضطرابات األولى في تونس‬
‫وكان رأسماليو المحسوبية والمحاباة‬ ‫قد امتدت بسهولة أكبر إلى الدول العربية‬ ‫‪16‬‬
‫ورجال األعمال ذوو الميزة التنافسية دوليا‬ ‫األخرى بفضل اللغة المشتركة والتصور‬
‫والمنخرطون بالمهن الحرة وكذلك‬ ‫بوجود تاريخ‪ ،‬أو باألحرى مأزق‪ ،‬مشترك‪ .‬وسواء‬
‫الموظفون الرئيسيون ضمن كوادر هؤالء‬ ‫دل تلويح المصريين بالعلم التونسي في‬ ‫ّ‬
‫من بين القالئل نسبيا الفائزين بدرجات‬ ‫ميدان التحرير بعد عقود من بلوغ القومية‬
‫متفاوتة من جراء إزالة القيود ونمو السوق‬ ‫العربية أوجها في الخمسينيات والستينيات‬
‫والقطاع الخاص‪ .‬أما العاملون في القطاع‬ ‫من القرن المنصرم أم لم يدل على بقي ٍة‬
‫العام وموظفو الخدمة المدنية وأرباب‬ ‫من تركة التضامن العابر للحدود بصرف‬
‫العمل وعمالهم المنخرطون في األنشطة‬ ‫النظر عن عدم ثباته في توحيد الدول‬
‫غير التنافسية في القطاع الخاص فكانوا من‬ ‫العربية المختلفة ضمن “وطن عربي”‬
‫بين الخاسرين‪ .‬إن انعدام حرية التعبير وغياب‬ ‫فإن ذلك سيتبين الحقا‪ .‬ولغاية اللحظة‪،‬‬
‫السبل الفعالة للمشاركة السياسية كما‬ ‫لم يتم التعبير عن االحتجاجات بعبارات‬
‫تجسده وسائل اإلعالم التابعة للحكومة‪،‬‬ ‫القومية المشتركة التي تسمو على‬
‫والرقابة‪ ،‬وتزوير االنتخابات أو ببساطة عدم‬ ‫فردية الدولة‪ .‬كما لم يتم التعبير عنها‬
‫بق للخاسرين‬‫إجرائها‪ ،‬وقمع اإلضرابات لم يُ ِ‬ ‫كثيرا بعبارات دينية كما برهنت على ذلك‬
‫سوى أمل ضئيل في إسماع أصواتهم‪.‬‬ ‫بوجه التحديد الشعائر الدينية والصلوات‬
‫وفي تلك األثناء كانت تسود مشاعر‬ ‫التي أقامها المسلمون والمسيحيون‬
‫االستياء في أوساط الكثير من الفائزين‬ ‫جنبا إلى جنب في ميدان التحرير‪ .‬بل كانت‬
‫الذين واجهت حركتهم التصاعدية في نهاية‬ ‫لغة االحتجاجات لغة القيم العالمية‬
‫المطاف طريقا مسدودا سببه الرأسماليون‬ ‫لحقوق اإلنسان والحكم الديمقراطي‬
‫المحابيون المستأثرون بميزة الوصول‬ ‫والكرامة اإلنسانية من حيث الحريات‬
‫السكان‪ .‬ولعل انشقاقات داخلية مشابهة‬ ‫إلى فرص االئتمان واألسواق والسياسات‬
‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية‬

‫بين المناطق الشرقية والغربية في ليبيا‬ ‫االحتكارية الخاصة باألنظمة االستبدادية‪.‬‬


‫قد ساهمت في تطور األحداث هناك‪ .‬وال‬
‫شك في أن ثمة حاجة إلجراء بحوث أكثر‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يعكس تفاوت قوة االضطرابات‬
‫للحصول على فهم تام للتطورات المتوالية‬ ‫وتأثيرها في البلدان المختلفة عددا من‬
‫التي أفضت إلى تغيرات رئيسية في بضعة‬ ‫الفوارق االقتصادية واالجتماعية والسياسية‬
‫شهور فقط‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ثمة ظروف مختلفة‬ ‫القائمة بينها‪ .‬فرغم خضوع كل تلك البلدان‬
‫أثرت بوضوح في حدة االحتجاجات وشكلها‬ ‫تقريبا لحكم أنظمة استبدادية‪ ،‬فإنها تختلف‬
‫وآثارها‪.‬‬ ‫من حيث درجة االستبداد وأشكاله وأسسه‬
‫االجتماعية‪ .‬كما إنها تختلف من حيث الدخل‬
‫مصر‪ :‬كأس نصفها فارغ أم نصفها‬ ‫والثروة‪ ،‬فتتراوح بين بلدان منخفضة الدخل‬
‫ممتلئ؟‬ ‫وأخرى ذات دخل مرتفع‪ .‬وهي تختلف كذلك‬
‫من حيث البنية االجتماعية إذ ينقسم بعضها‬
‫يُظهر ما تقدم بأن الظروف تتباين كثيرا‬ ‫أكثر من البعض اآلخر إلى “مجتمعات” قائمة‬
‫بحسب البلد وأن أيا من البلدان ال يجمع‬ ‫على روابط دينية أو لغوية أو “قبلية” أو روابط‬
‫بين كافة التغيرات التي طرأت إلى اآلن‪.‬‬ ‫أخرى‪ .‬فقد تكون االحتجاجات في تونس‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يبدو تقييم هذه التغيرات وأثرها‬ ‫ومصر اندلعت وتفاقمت ألن انعدام العوائد‬
‫في إطار حالة واحدة على األقل أمرا فيه نفع‬ ‫النفطية انطوى على استشراء المصاعب‬
‫وإفادة‪ .‬ولقد وقع اختياري على مصر‪ ،‬إذ إن‬ ‫االقتصادية التي عادة ما تواجهها معظم‬
‫‪17‬‬
‫معرفتي ودرايتي بها تفوق معرفتي بغيرها‪.‬‬ ‫البلدان ذات الفائض اإلنتاجي المنخفض‬
‫لقد اقتضى رحيل حسني مبارك رحيل‬ ‫في جنوب الكرة األرضية؛ وقد تفاقمت‬
‫زوجته أيضا وأبنائه الذين لعبوا جميعا دورا‬ ‫هذه المصاعب في فترة الركود االقتصادي‬
‫سياسيا بارزا في النظام البائد‪ .‬كما أفضى‬ ‫التي بدأت بارتفاع أسعار الغذاء واستمرت‬
‫رحيله إلى زوال مجموعة من رجال األعمال‬ ‫بتأثير األزمة المالية العالمية‪ .‬وربما كانت‬
‫البارزين المقربين من جمال مبارك والذين‬ ‫المبادرة في تونس ألنها قيدت حرية التعبير‬
‫كان لهم نفوذ كبير في الحزب الوطني‬ ‫والمشاركة السياسية بصرامة أكثر من‬
‫الديمقراطي الحاكم‪ ،‬وفي حكومة نظيف‬ ‫مصر وألن سكانها مطلعون بدرجة أكبر‬
‫التي وقعت ضحية للثورة قبل بضعة أيام‬ ‫على الظروف السياسية والمعيشية في‬
‫من تنحي مبارك نفسه‪ .‬ومن هؤالء الذين‬ ‫شمال الكرة األرضية وألنهم بذلوا موارد‬
‫سقطوا من عليائهم من يواجه التحقيق‬ ‫أعظم من أجل التعبئة بفضل مستويات‬
‫بتهمة الفساد وتهم أخرى كما يظهر من‬ ‫التعليم والدخل األعلى في أوساطهم‪.‬‬
‫مصير «الثريين» أحمد عز وإبراهيم كمال‪ .‬أما‬ ‫ومن ناحية‪ ،‬ربما كانت تونس مهد التغيير‬
‫األكاديميون الذين راهنوا على جمال مبارك‬ ‫نظرا لنمائها النسبي – وهو جانب قد يؤكد‬
‫وأترابه من رجال األعمال فقد يتمكنوا على‬ ‫الصحة الجزئية لنظريات التحديث‪ .‬وبالرغم‬
‫األقل من العودة إلى مناصبهم الجامعية‬ ‫من دور البحرين في خدمة اقتصادات النفط‬
‫ما لم تطالهم تهم الفساد‪ .‬وأما المعاونون‬ ‫والغاز في منطقة الخليج وطبيعتها غير‬
‫المقربون لحسني مبارك الذين ارتقوا سلم‬ ‫المباشرة كدولة ريعية‪ ،‬فقد تأثرت البحرين‬
‫الرتب في القوات المسلحة (من أمثال‬ ‫ربما ألن االنشقاقات المجتمعية الغائرة‪،‬‬
‫رئيس الوزراء االنتقالي األول أحمد شفيق)‬ ‫وهي انشقاقات نسبية وموضوعية‪ ،‬قادت‬
‫أو في أجهزة الدولة األخرى‪ ،‬فلم يكونوا‬ ‫على األقل إلى تهميش جزء كبير من‬
‫وبالرغم من اتساع نطاق التغييرات‪ ،‬فإنه‬ ‫أفضل حاال‪ .‬فبوجود هؤالء األفراد‪ُ ،‬همشت‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫ينبغي النظر إلى هذه التغييرات على ضوء‬ ‫شبكات وجماعات بأسرها‪ ،‬على األقل مؤقتا‪،‬‬
‫عدد من حلقات مستمرة بارزة تستدعي‬ ‫ونجم عن ذلك غياب رجال أعمال بارزين من‬
‫تقييما متحفظا للسمة «الثورية» المزعومة‬ ‫تشكيلة الحكومة برئاسة رئيس الوزراء‬
‫لألحداث األخيرة‪ .‬ففي البداية‪ ،‬لم يتنح أو يُقال‬ ‫االنتقالي الثاني عصام شرف‪ ،‬ومن القيادة‬
‫جميع ممثلي النظام السابق‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫الجديدة للحزب الوطني الديمقراطي‬
‫المثال‪ ،‬المدعي العام األول العاكف على‬ ‫الذي فقد الكثير من قوته‪ .‬وعلى المستوى‬
‫التحقيق مع الوزراء وممثلي النظام الذين‬ ‫المؤسسي‪ُ ،‬ع ِّلق العمل بالدستور بهدف‬
‫ُكشفت مساوؤهم هو نفسه المدعي العام‬ ‫تعديله أوال ومن ثم إبداله إن أمكن بدستور‬
‫الذي كان منذ فترة ليست بالبعيدة يحاكم‬ ‫جديد في مرحلة الحقة من العملية‪ .‬كما‬
‫كل من رغب نظام مبارك بإسكاته‪.‬‬ ‫مطيعا َّ‬ ‫أصبح منصب رئيس الجمهورية شاغرا‪ ،‬في‬
‫أما رئيس المجلس العسكري األعلى‪ ،‬المشير‬ ‫حين اختفى نائب الرئيس الذي عينه مبارك‬
‫طنطاوي‪ ،‬فقد عينه مبارك وظل ووزير دفاعه‬ ‫في أيامه األخيرة‪ .‬أما السلطة األعلى في‬
‫المطيع لفترة طويلة‪ .‬ورغم أن المتظاهرين‬ ‫البالد فهي اللجنة العسكرية العليا التي‬
‫في ساحة التحرير وعموم البالد ر ّوجوا كثيرا‪،‬‬ ‫المعلق وهي في‬ ‫لم ينص عليها الدستور ُ‬
‫وبنجاح‪ ،‬للوحدة بين الجيش والشعب‪ ،‬فإن‬ ‫الواقع هيئة جديدة كليا وإن كانت تشير إلى‬
‫القادة العسكريين اآلخرين كلهم قد ُع ِّينوا‬ ‫حدوث ترتيبات مشابهة عقب تولي جمال‬
‫أيضا بقرار من الرئيس السابق ولم يترددوا قط‬ ‫عبد الناصر والضباط األحرار السلطة في عام‬
‫في دعمه‪ .‬واآلن أصبحت القوات المسلحة‪،‬‬ ‫‪ .1952‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬تشهد أجزاء أخرى‬
‫بعد أن كانت ركنا من أركان النظام القديم‪،‬‬ ‫من أجهزة الدولة تغييرا كبيرا‪ .‬فجهاز الشرطة‬ ‫‪18‬‬
‫تمثل النظام االنتقالي وهمشت جميع‬ ‫في حالة ارتباك وعلى وشك أن تُعاد هيكلته‪،‬‬
‫الفئات التي ارتبطت باألنظمة السابقة مثل‬ ‫في حين يسعى الجهاز القضائي إلى‬
‫جهاز الشرطة والحزب الوطني الديمقراطي‬ ‫استعادة بعض ما فقده من استقاللية‪ .‬كما‬
‫ووسائل اإلعالم المملوكة للدولة‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫طرأ على العالقة بين الحاكم والمحكوم‬
‫ليس بالضرورة أن تتحول القوات المسلحة‬ ‫(أو «الدولة» و»المجتمع») تغير كبير يتجلى‬
‫الفاقدة ألي شهادة ديمقراطية إلى المدافع‬ ‫في قيام مئات اآلالف بالنزول إلى الشارع‬
‫التلقائي والضامن للديمقراطية كما ينظر‬ ‫للمطالبة برحيل مبارك‪ ،‬وفي مواصلتهم‬
‫إليها الكثير من المصريين‪ .‬وبحكم تعريف‬ ‫النزول إلى الشارع كلما كانوا غير راضين عن‬
‫الجيش ككيان غير ديمقراطي عموما‬ ‫وتيرة التغيير‪ ،‬وفي إقدام بعضهم حتى على‬
‫فيما يختص بطرق عمله الداخلية‪ ،‬فليس‬ ‫مهاجمة مقرات جهاز أمن الدولة الممقوت‬
‫بالضرورة ألي جيش أن ينشط في معارضة‬ ‫وتفتيشها‪ .‬وعلى نحو ال يقل أهمية‪ ،‬يجري‬
‫الدمقرطة أو في الترويج لها إال مؤقتا إذا‬ ‫حاليا وضع تشريعات من أجل الحد من بعض‬
‫اضطرته الضغوط الداخلية أو الخارجية‪ .‬إن‬ ‫السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية‪،‬‬
‫للجيش شواغله االقتصادية الخاصة به وهو‬ ‫بواسطة تنظيم حالة الطوارئ على سبيل‬
‫يدافع عن مصلحته؛ فالضباط يسعون إلى‬ ‫المثال‪ ،‬ومن أجل ضمان أن تكون االنتخابات‬
‫حماية مستحقاتهم في الرتبة والمزايا وهم‬ ‫حرة ونزيهة من وجهة نظر رسمية‪ .‬ويمكن‬
‫أيضا يدافعون عن تصور معين للدولة ولدور‬ ‫سرد تغييرات مماثلة حصلت في تونس‬
‫مصر في المنطقة والعالم وهو تصور قائم‬ ‫على مستويات مختلفة حيثما كان التغيير‬
‫على القومية وواجبات الدولة وعلى التنمية‬ ‫أكثر أهمية‪.‬‬
‫إلى حد ما‪ .‬فلم يتخل الجيش عن الزميل‬
‫العسكرية في مصر ليست متاحة للنساء‪.‬‬ ‫الضابط حسني مبارك إال عندما أدرك بفعل‬
‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فحتى الحكومة الجديدة برئاسة‬ ‫االحتجاجات في البالد وردود الفعل الدولية‬
‫عصام شرف ال تضم أكثر من وزيرة واحدة‪ .‬لقد‬ ‫بأن بمقدوره الدفاع عن مصالحه بوجه أفضل‬
‫كان تمثيل النساء في ميدان التحرير تمثيال‬ ‫دون الرئيس‪ .‬إن المحاكمات العسكرية‬
‫جيدا‪ ،‬ولكنه لم يكن بالمستوى نفسه في‬ ‫األخيرة للمحتجين واألحكام القاسية التي‬
‫لجان المحتجين التنسيقية التي برزت لغاية‬ ‫صدرت بحقهم تبين بعض القيود على إعادة‬
‫اآلن والتي تتفاوض مع الجيش‪ .‬ويبدو بأن‬ ‫تعريف العالقات القائمة بين الحكام الجدد‬
‫محاوالت توسيع نطاق المشاركة السياسية‬ ‫ومَن ال يزال محكوما‪.‬‬
‫وتعزيز احترام حقوق اإلنسان ال تزال قليلة‬
‫التأثير في اختالل التوازن بين الجنسين‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من التغيرات المهمة الطارئة‬
‫على األصعدة كافة‪ ،‬فإن النظام القديم‬
‫التغيير المستقبلي سيعكس على األرجح‬ ‫يختف بأسره‪ .‬إن كون الكأس نصف‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫موازين القوى الداخلية‬ ‫فارغة أو نصف ممتلئة هو مجرد رأي‪ .‬فلربما‬
‫ستستمر التوجهات األولية نحو رفع مستوى‬
‫يبقى السؤال الرئيسي في المرحلة الحالية‬ ‫المشاركة السياسية واحترام حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫عما إذا كان ميزان القوى بين الناجين من‬‫ّ‬ ‫أو ربما سيعاود مؤيدو النظام القديم لملمة‬
‫النظام القديم والداعين إلى إقامة نظام‬ ‫صفوفهم‪ ،‬أو قد تتوقف ببساطة عملية‬
‫جديد قد مال بما يكفي لصالح الفريق الثاني‬ ‫التغيير عند مرحلة ما ألن الجيش يريد تحجيم‬
‫بما يضمن االنتقال إلى الديمقراطية أو على‬ ‫القوى المعارضة لشركائه البازغين في إطار‬
‫‪19‬‬
‫األقل إلى ترتيب قائم على تقاسم السلطة‬ ‫عملية ما تهدف إلى رسم وجه ديمقراطي‬
‫يمكنه قبوله‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬يعتمد‬ ‫للنظام القديم‪ .‬وفي حين قد ال يرغب الجيش‬
‫االنتقال الناجح إلى الديمقراطية على أكثر‬ ‫بحكم البالد‪ ،‬فإنه قد يود البقاء كدولة ضمن‬
‫من مجرد دستور جديد مهما كان مفصال‬ ‫دولة وأن يتفاوض من أجل الحصول على‬
‫وتشاركيا ومهما احترم حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫تنازالت بارزة خاصة بمكانته وطرق عمله‬
‫ومن أكثر األمور أهمية أن يُكرس الدستور‬ ‫الداخلية وإجراءات ترفيع كوادره وميزانيته‬
‫الديمقراطي مبدأ الفصل بين السلطات‬ ‫واستقالله عن الحكام المنتخبين ديمقراطيا‪.‬‬
‫بغية إقامة ضوابط وموازين تضمن وحدها‬ ‫وقد يسعى الجيش إلى الحصول على موقع‬
‫بقاء الديمقراطية‪ .‬وعلى أقل تقدير‪ ،‬ينبغي‬ ‫داخل الدولة يماثل الموقع الذي شغله‬
‫للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية‬ ‫نظيره التركي حتى وقت قريب‪ ،‬أو الموقع‬
‫أن تستقل عن بعضها بدرج ٍة تُمكنها من‬ ‫الذي صممه الجيش التشيلي لنفسه بعد‬
‫الحيلولة دون قيام أي واحدة منها بإساءة‬ ‫رجوع البالد إلى الديمقراطية‪ ،‬أو الموقع الذي‬
‫استخدام السلطة‪ .‬ويمكن أيضا إضافة قوى‬ ‫ما فتئ الضباط في البرازيل يشغلونه‪ ،‬وإن‬
‫ضابطة أخرى إما على شكل فصل عمودي‬ ‫بصورة أقل ظهورا للعيان كما في األمثلة‬
‫بين السلطات كما في األنظمة الفدرالية‬ ‫السابقة‪.‬‬
‫أو على شكل مؤسسات وهيئات متنوعة‬
‫تتمتع بقدر كبير من االستقاللية وتزويدها‬ ‫وثمة مجال آخر حيث لم تقل حالة االستمرار‬
‫بالموظفين من السلطات الدستورية‬ ‫أهمية‪ .‬فقد ظل معظم قادة االحتجاجات‬
‫الرئيسية الثالث (من األفضل من خالل‬ ‫والمعارضة بعمومها وممثلو األنظمة‬
‫إجراءات ال تصب في صالح سلطة واحدة‬ ‫االنتقالية من الذكور‪ .‬وهذا ليس مستغربا‬
‫دون األخرى)‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬يمكن أن‬ ‫في حالة اللجنة العسكرية العليا ألن المهن‬
‫وفي حين قد تكون هذه األحزاب وهؤالء‬ ‫تُدار محطة اإلذاعة والتلفزة الرسمية بواسطة‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫المرشحون ممثلين لقطاعات واسعة من‬ ‫هيئة تختار السلطات الدستورية أعضاءها‬
‫الشعب فإنهم ال يزالون يعانون من نقص‬ ‫لفترات أطول من الدورة االنتخابية‪ .‬ويمكن‬
‫الموارد والقدرات التنظيمية الكفيلة بإنجاح‬ ‫للمؤسسات الحكومية الرئيسية أن تُدار‬
‫مشاركتهم في االنتخابات أو الضغط‬ ‫بواسطة مديرين تعينهم الحكومة تعيينا‬
‫لتحقيق مطالب أعضائهم والمتعاطفين‬ ‫ال يمكن إلغاؤه قبل انتهاء فترة واليتهم‬
‫معهم وناخبيهم المحتملين‪ .‬وبعبارة‬ ‫المحددة والممتدة لسنوات عدة‪ .‬واألهم‬
‫أخرى‪ ،‬فإن الدستور الديمقراطي ليس إال‬ ‫من ذلك بالطبع‪ ،‬هو أن يكون القضاء‬
‫هيكال عظميا يتعين على القوى السياسية‬ ‫والمحاكم اإلدارية وديوان المحاسبة بمنأى‬
‫المنظمة وواسعة الحيلة والمتنافسة أن‬ ‫عن أي تدخل من السلطات األخرى‪.‬‬
‫تكسوه باللحم والعضالت التي من شأنها‬
‫أن تخرجه إلى الحياة‪ .‬كما إن الديمقراطية‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ينبغي لهذه اآلليات الدستورية‬
‫بمعناها الحقيقي ال يمكن أن تستوعب‬ ‫والقانونية أن تلقى الدعم من دوام‬
‫مجاالت األنشطة التي تقع خارج نطاقها‬ ‫المنافسة على النفوذ بين القوى السياسية‬
‫مثل القوات المسلحة التي تشكل دولة‬ ‫القوية التي ال تتآمر من أجل تقويض مبدأ‬
‫داخل دولة وتخرج من تحت مظلة القرارات‬ ‫الفصل بين السلطات الدستورية المفترض‬
‫والقوانين التي تضعها السلطات المنتخبة‪.‬‬ ‫أن ينظم تنافسها‪ ،‬وال تشكك في شرعية‬
‫وهذه الدول القائمة داخل دول تختلف عن‬ ‫بعضها البعض وبذلك تحافظ على توافق‬
‫السلطات المستقلة جزئيا التي تضمن‬ ‫أساسي في اآلراء بشأن حدود نظام الحكم‬
‫إقامة الضوابط والموازين‪ ،‬من حيث أن‬ ‫وعضويته‪ .‬وفي مصر‪ ،‬ال بد من النظر إلى‬ ‫‪20‬‬
‫استقالل أي من هذه السلطات الدستورية‬ ‫مطلب الكثيرين من صف المعارضة‬
‫يضمن استقالل السلطات األخرى‪ ،‬فيمكن‬ ‫بتمديد الفترة االنتقالية إلى سنة على ضوء‬
‫للمحاكم أن تحكم ببطالن االنتخابات‬ ‫هذا الطرح تحديدا‪ .‬ففي الوقت الراهن‪،‬‬
‫المزورة ولكن بمجرد شغور منصب قضائي‬ ‫ثمة قوتان سياسيتان فقط هما حركة‬
‫قد يقوم البرلمان أو وزير ما أو هيئة أخرى‬ ‫اإلخوان المسلمين وبقايا الحزب الوطني‬
‫مسؤولة أمام البرلمان بملء ذاك المنصب‪.‬‬ ‫الديمقراطي لهما من القوة ما يكفي‬
‫ومهما كانت التفاصيل‪ ،‬فإن الرهان مرتفع‬ ‫للمشاركة في منافسة من هذا القبيل‪.‬‬
‫في أن يكون النظام السياسي نظاما‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فلقد أُضعف الحزب الوطني‬
‫ديمقراطيا‪ ،‬ومن غير األكيد أن ميزان القوى‬ ‫الديمقراطي جراء االنتفاضة الشعبية‪ ،‬بينما‬
‫بين مناصري الوضع الراهن ومناهضيه يصب‬ ‫واجه اإلخوان المسلمون ثورة من الداخل‬
‫(بالفعل) في صالح هذه النتيجة‪.‬‬ ‫يقودها األعضاء األصغر سنا واألقل تزمتا‬
‫والذين دعوا مؤخرا إلى «يوم غضب» لهم‬
‫وبالمقارنة مع حجم بقايا نظام مبارك‪ ،‬قد‬ ‫في إشارة إلى االحتجاجات التي أسقطت‬
‫تكون المعارضة قوية عددا‪ ،‬غير أنها ال تزال‬ ‫مبارك؛ وهو ما نجح قادة الحركة في تفاديه‬
‫ضعيفة من حيث قدراتها ومواردها‪ .‬ولكن‬ ‫ولكن ربما مؤقتا فقط‪ .‬وعلى أية حال‪ ،‬فإن‬
‫حتى مليون متظاهر في ميدان التحرير‬ ‫األحزاب والجماعات األخرى في وضع أسوأ‬
‫وباقي أنحاء البالد ال يمثلون بالضرورة غالبية‬ ‫وهي بحاجة إلى وقت أكثر لتنمو وتنظم‬
‫المصريين البالغ تعدادهم ‪ 75‬مليون نسمة‪.‬‬ ‫صفوفها وتبني مصداقيتها في نظر‬
‫لقد خرجت من رحم المظاهرات العفوية‬ ‫الناخبين‪ .‬وتنطبق هذه الحال كذلك على‬
‫آليات وهيئات تنسيقية تحاول تمثيل‬ ‫المرشحين المحتملين لمنصب الرئاسة‪.‬‬
‫والمحاباة والحكم المستبد‪ .‬وبالضرورة فإن‬ ‫الناشطين والمواطنين المعنيين بما يجري‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية‬

‫أفضليات هذه المجموعات فيما يتعلق‬ ‫ولكن هل ستتمكن هذه من مضاهاة مزيج‬
‫بالسياسة االقتصادية واالجتماعية تتشعب‬ ‫القوة الناعمة والقوة الخشنة أو العسكرية‬
‫كثيرا‪ ،‬فهناك على سبيل المثال مَن يفضل‬ ‫التي في جعبة «النظام االنتقالي‪ »،‬بما‬
‫العودة إلى الضرائب التصاعدية وآخرون‬ ‫في ذلك مئات األلوف من الجنود المدربين‬
‫ينافحون عن النسب الثابتة المعمول بها‬ ‫والمجهزين والخاضعين تحت تصرف قيادة‬
‫حاليا‪ .‬وقد تزيد مثل هذه االختالفات من توتر‬ ‫وقوى متماسكة نسبيا‪ ،‬في سياق تخصيص‬
‫العالقات بين الجماعات المختلفة التي‬ ‫الموارد االقتصادية رغم أنها غدت أكثر ندرة‬
‫عملت مع ًا وأجبرت مبارك على التنحي‪.‬‬ ‫مما كانت عليه قبل بضعة أشهر؟ إن السبيل‬
‫وعموما‪ ،‬فإن المعارضة بالتالي قد تزداد‬ ‫الوحيد لكي تفرض المعارضة نفسها هو أن‬
‫انقساما في الفترة السابقة إلجراء االنتخابات‬ ‫تواصل التعبئة بأشكال مقبولة لدى غالبية‬
‫التي قد تُجرى في موعد أقربه صيف عام ‪.2011‬‬ ‫المصريين‪ ،‬وهي مهمة ليست بالسهلة‬
‫وفي حين أن هذه االنقسامات تساهم في‬ ‫نظرا للتحديات االقتصادية الهائلة التي سبق‬
‫التعددية السياسية‪ ،‬فإنها أيضا قد تقوي‬ ‫بعضها الثورة‪ ،‬وانبثق بعضها بال شك من‬
‫بقايا النظام القديم‪.‬‬ ‫الثورة‪ ،‬وال يزال بعضها ينجم من التطورات‬
‫الراهنة الخارجة عن إرادة المصريين مثل عودة‬
‫وفي مصر‪ ،‬ولدرجة أقل في تونس‪ ،‬قد تضطر‬ ‫العمال المهاجرين من ليبيا‪.‬‬
‫القوى السياسية المعارضة إلى الموافقة‬
‫على «مراحل انتقالية وفاقية» تمنح ممثلي‬ ‫ما زال ميزان القوى متقلبا حيث إن توافق‬
‫‪21‬‬
‫النظام القديم وخصومهم على السواء‬ ‫اآلراء بين المحتجين بشأن الحاجة إلى نظام‬
‫حدا أدنى من الضمانات‪ .‬ويمكن الحصول‬ ‫سياسي جديد أكثر تشاركية ال يعكس‬
‫على هذه الضمانات إما عبر أنماط االنتخابات‬ ‫بحكم الواقع توافقا في اآلراء حيال الخيارات‬
‫والتمثيل الذي يجعل حكم األغلبية حكما‬ ‫السياسية األخرى‪ .‬وال شك في أن المظالم‬
‫نسبيا وإما بمعزل عن نتائج االنتخابات عبر‬ ‫االقتصادية المزمنة‪ ،‬والتي فاقمها ارتفاع‬
‫خلق مساحات محجوزة وبالتالي «دول داخل‬ ‫أسعار الغذاء واألزمة المالية العالمية وغياب‬
‫دول» تخرج من يد الحكومات المنتخبة‬ ‫حرية التعبير‪ ،‬مسؤولة عن الكثير من مشاعر‬
‫ديمقراطيا‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬قد يشق على‬ ‫االستياء الشعبي في مصر وأنحاء أخرى من‬
‫المحتجين وغيرهم من المدافعين عن‬ ‫منطقة الشرق األوسط‪ .‬فكثير من المحتجين‬
‫الديمقراطية الموافقة على ترتيبات من هذا‬ ‫ينتمون إلى شرائح «الطبقة الوسطى»‬
‫القبيل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن السؤال المطروح ال‬ ‫التي ترى نفسها خاسرة في سياق اإلصالح‬
‫يقتصر فقط على ما إذا كانت هذه الترتيبات‬ ‫والتحرر االقتصادي التقليدي المطبق على‬
‫مرغوبة‪ ،‬بل أيضا على ما إذا كان ميزان‬ ‫مدى العقود الماضية‪ ،‬إما ألنها أصبحت في‬
‫القوى مواتيا إلرساء نظام ديمقراطي‬ ‫الواقع أفقر وإما ألنها اس ُتبعدت أكثر فأكثر‬
‫بالكامل‪ .‬وبالرغم من الفوارق المتنوعة بين‬ ‫بواسطة الثلة القليلة نسبيا المستفيدة‬
‫إسبانيا والبرازيل‪ ،‬فإن كليهما يقدم مثاال‬ ‫من تلك اإلصالحات‪ .‬وينتمي محتجون‬
‫ناجحا للمراحل االنتقالية الوفاقية والتي‬ ‫آخرون ُكثر إلى فئات اجتماعية ما فتئت‬
‫تضم الخصوم وحتى األعداء السابقين في‬ ‫تعيش على الدوام تقريبا في حالة فقر‪ .‬غير‬
‫محاولة لبناء نظام سياسي شامل‪ .‬وفي‬ ‫أن هنالك آخرين ظلوا يرتقون حتى أدركوا‬
‫كلتا الحالتين‪ ،‬تعززت الصبغة الديمقراطية‬ ‫بأن تطلعاتهم االقتصادية والسياسية قد‬
‫للحكومة عبر السنين‪ ،‬وإن ظل الجيش‬ ‫أحبطت على يد رأسماليي المحسوبية‬
‫والتعليم ومخصصات الموازنة غير تلك‬ ‫البرازيلي يحتفظ بقدر كبير من االستقالل إلى‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫المخصصة للقوات المسلحة‪ .‬وربما‬ ‫يومنا هذا‪ .‬وفي تونس‪ ،‬يُثار التساؤل حول‬
‫سيواصلون منحاهم التصاعدي وينجحون‬ ‫إمكانية إنشاء نظام ديمقراطي بالكامل‬
‫في نهاية المطاف في احتواء نفوذ القوات‬ ‫رغم إرادة ومصالح األعضاء السابقين في‬
‫المسلحة وحتى الحد منه كما حصل بدرجات‬ ‫الحزب الدستوري الجديد‪ ،‬والشرطة‪ ،‬والقوى‬
‫متفاوتة في تركيا والبرازيل وتشيلي‪ .‬وربما‬ ‫األخرى المرتبطة بنظام الرئيس السابق‬
‫سيتمكنون عاجال أم آجال من إلغاء كافة‬ ‫زين العابدين بن علي‪ .‬ويشكل هؤالء‬
‫االمتيازات الخاصة‪ ،‬المادية والسياسية‪ ،‬التي‬ ‫المؤيدون أعدادا كبيرة من الناس؛ إذ تفيد‬
‫تحصل عليها القوى المرتبطة بالنظام‬ ‫بعض اإلحصاءات بأن حزب النظام السابق‬
‫السابق وبذلك يقيمون نظاما ديمقراطيا‬ ‫كان يضم أكثر من مليون عضو يتبع كال‬
‫بالكامل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬سوف يكون النظام‬ ‫منهم العديد من المعالين‪ .‬ومرة أخرى‪ ،‬فإن‬
‫الجديد على األرجح نظاما أكثر تعددية وتنوعا‬ ‫ً‬
‫أهمية عن الموارد التي يتحكم‬ ‫األعداد تقل‬
‫من سابقه‪ .‬وينبغي لهذا التنوع أن ينتقل‬ ‫بها أولئك المؤيدون ودرجة تنظيمهم وما‬
‫إلى المستويات األدنى في هرم الدولة‪،‬‬ ‫إلى ذلك من االعتبارات‪ .‬ولعل مثال مصر‬
‫ويعزز االستقاللية في هذه المستويات‪،‬‬ ‫هو أكثر وضوحا‪ .‬ففي الوقت الراهن على‬
‫ويحبذ تجربة السياسات والحوار وروح المبادرة‪.‬‬ ‫األقل يصعب تصور مخرج للمأزق الحالي ال‬
‫وينبغي تعزيز المركزية السلطة‪ ،‬وإن بقدر ٍ‬ ‫يضم بعض مكونات النظام البائد المتجذرة‬
‫يسيرٍ على األقل‪ ،‬وتعزيز موقف األفراد في‬ ‫ومن ضمنها أجزاء من الحزب الوطني‬
‫سياق التعامل مع الدولة ومؤسساتها‪.‬‬ ‫الديمقراطي والشرطة وال سيما القوات‬
‫المسلحة‪ .‬إن استبعاد هذه المكونات من‬ ‫‪22‬‬
‫ما وراء مصر وتونس‬ ‫اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل بلدهم‬
‫قد يدفعهم بسهولة للطعن في النظام‬
‫تمكنت األنظمة العربية األخرى حتى اآلن‬ ‫الجديد كما حدث في العراق بعد حل حزب‬
‫من مواجهة تحديات المحتجين‪ .‬وال زال من‬ ‫البعث والقوات المسلحة‪ .‬وبمعزل عن‬
‫السابق ألوانه في هذه المرحلة أن نجزم بما‬ ‫التعاطف السياسي الذي قد يُكنه المرء‪،‬‬
‫ستؤول إليه األحداث في تلك الدول في‬ ‫فسيكون مفيدا لو استطاع أعضاء الحزب‬
‫المستقبل القريب أو البعيد‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال‬ ‫الدستوري الجديد المعلق في تونس‬
‫ينبغي بالضرورة أن يحدث التغيير سريعا‬ ‫تشكيل حزب جديد‪ ،‬كما استطاع شيوعيو‬
‫كما حصل في تونس ومصر؛ بل قد يستغرق‬ ‫ألمانيا الشرقية السابقون بعد الوحدة مع‬
‫وقتا أطول بكثير‪ ،‬وحتى االنتفاضات الفاشلة‬ ‫ألمانيا الغربية‪.‬‬
‫قد تتمخض في النهاية عن بعض التغيير‬
‫السياسي‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬ينبغي ألي ترتيب‬
‫مستقبلي لتقاسم السلطة في مصر أن‬
‫لقد انصبت ردود الفعل األولية لمعظم‬ ‫يزيد من مشاركة القوى المعارضة للنظام‬
‫الحُ كام على استيعاب المحتجين واستباق‬ ‫البائد‪ .‬فحتى لو اضطروا إلى الدخول في‬
‫أي مطالب أخرى أكبر بكثير‪ .‬فآل الصباح‬ ‫ترتيبات غير متكافئة وأخفقوا في الحصول‬
‫في الكويت يوزعون النقود‪ ،‬وبشار األسد‬ ‫على حقائب وزارية مثل الدفاع والمالية‬
‫في سوريا يزيد اإلعانات ويطلق سراح بعض‬ ‫والداخلية والخارجية‪ ،‬فقد يكون لهم تأثير‬
‫السجناء السياسيين‪ ،‬والجيش الجزائري‬ ‫كبير في مستقبل السياسات االجتماعية‬
‫يكبح جماح أسعار السلع االستهالكية‬ ‫واالقتصادية في مجاالت عدة منها الصحة‬
‫وحيثما اختيرت التنازالت كسبيل (مؤقت)‬ ‫األساسية‪ ،‬ومحمد السادس في المغرب‬
‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية‬

‫للمضي قدما‪ ،‬تغدو الحكومات أكثر تعددية‬ ‫يعد بإصالحات دستورية ال تزال معالمها‬
‫في المواقع الهامشية‪ ،‬وتضم شخصيات من‬ ‫مبهمة‪ .‬كما اس ُتخدمت العصي بموازاة‬
‫المعارضة وممثلين عن المجتمع المدني‪.‬‬ ‫الجزرة للحد من التنازالت قدر اإلمكان‪ .‬ففي‬
‫وقد يجري تعديل السياسات االجتماعية‬ ‫بعض األماكن‪ُ ،‬قمعت المظاهرات األكبر‬
‫بمفهومها العام وكذلك أولويات الموازنة‬ ‫حجما المنادية بمطالب أكثر راديكالية‪ ،‬أو‬
‫ولكن دائما ضمن الحدود المقبولة لدى‬ ‫غدت تتعرض للقمع بصورة أشد وأعنف‪.‬‬
‫النظام ومؤيديه‪ .‬أما إمكانية أن تتحول‬ ‫وليبيا هي خير مثال على ذلك تليها البحرين‬
‫محاوالت التزيين هذه إلى تغيير أكثر جوهرية‬ ‫فاليمن‪ .‬ومن الواضح بأن األنظمة السياسية‬
‫فيعتمد كليا على موازين القوى الداخلية‪.‬‬ ‫المختلفة تعمل بطرق مختلفة يحددها‬
‫وكذلك‪ ،‬ليس من الضرورة أن تنجم من ذلك‬ ‫جزئيا تاريخها واقتصادها وسوسيولوجيتها‬
‫مساواة أكبر بين الجنسين‪ ،‬إذ هنالك العديد‬ ‫والدعم األجنبي الذي تحصل عليه‪ ،‬وهو‬
‫من المجتمعات التي تبدو أكثر تحفظا في‬ ‫ما يعكس جزئيا الحسابات المختلفة التي‬
‫هذا الصدد من بعض األنظمة االستبدادية‪.‬‬ ‫يضعها الحكام في اعتبارهم بموازاة القيود‬
‫وحيثما وقع االختيار على استخدام القمع‪،‬‬ ‫والفرص التي يواجهونها على الصعيد‬
‫ف ُيرجح أن يكون القمع شديدا‪ ،‬اعتمادا على‬ ‫الدولي‪ .‬وعلى أية حال‪ ،‬فإن األنظمة عاكفة‬
‫تأثير الواليات المتحدة وربما أوروبا‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫على المقاومة‪ ،‬ولكن بعضها يقاوم بصورة‬
‫فقد تكون للمحتجين البحرينيين فرصة‬ ‫ملحوظة أكثر من األخرى‪.‬‬
‫أفضل في مواصلة احتجاجاتهم مقارنة‬
‫‪23‬‬
‫بنظارئهم في ليبيا‪ .‬ولكن حتى القمع‬ ‫وبحسب تلك العوامل‪ ،‬قد يلجأ الحكام إلى‬
‫الناجح قد يُفضي الحقا إلى انفتاح سياسي‬ ‫خيارين على طرفي نقيض وحلول وسيطة‬
‫مضبوط على هيئة محاولة للتزيين‪ ،‬وإن كان‬ ‫عديدة‪ .‬وقد يستمرون في محاولة استيعاب‬
‫فقط لتفادي تكرار االحتجاجات‪ .‬وهنا أيضا‪،‬‬ ‫االحتجاجات بتقديم التنازالت‪ ،‬أو قد يلجأون‬
‫سيكون تأثير الواليات المتحدة حاسما‪.‬‬ ‫إلى أشكال مختلفة ودرجات متفاوتة من‬
‫القمع‪ .‬أما من يختار تقديم التنازالت منهم‬
‫وبالرغم من أهمية الحد من وطأة القمع‪،‬‬ ‫فسيسعى رغم ذلك إلى ضمان أن ال تؤدي‬
‫فمن المستبعد أن تدعم القوى الخارجية‬ ‫التغييرات إلى تقليص كبير في سلطاته‪.‬‬
‫المحتجين بما يكفي لخلع حكام الدول‬ ‫وهذا قد يكون تحديدا هدف اإلصالحات‬
‫العربية األخرى بسرعة؛ غير أن سوريا قد‬ ‫الدستورية التي أعلنها محمد السادس في‬
‫تكون مثاال لذلك إذا ما سنحت الفرصة‬ ‫المغرب‪ .‬كما سيحاول الحكام وضع اتفاقات‬
‫استثناء بالضرورة‪ .‬وعلى‬
‫ً‬ ‫ولكنها لن تكون‬ ‫شكلية لتقاسم السلطة بعيدا عن أي مرحلة‬
‫أية حال‪ ،‬لن يكون الدعم الخارجي عسكريا‬ ‫انتقالية وفاقية‪ .‬وليس ثمة سبب لالعتقاد‬
‫سوى في الحاالت القصوى مثل ليبيا‪ .‬لم‬ ‫بأنه يتعين على القادة العرب أن يكونوا‬
‫يُخلع زين العابدين بن علي بفعل القوى‬ ‫أكثر استعدادا من ملوك أوروبا في الماضي‬
‫الخارجية‪ .‬أما مبارك فكان ضحية مبكرة لنفاذ‬ ‫للتخلي طوعا عن السلطة والنفوذ والموارد‪.‬‬
‫صبر القوى الخارجية وكان بإمكانه ربما أن‬ ‫وكما حصل ذات مرة في بريطانيا وفي بقاع‬
‫يظل على رأس السلطة لو أن احتجاجات‬ ‫أخرى‪ ،‬فإن مدى التنازالت سوف يعكس قوة‬
‫البحرين سبقت احتجاجات مصر‪ .‬وبالرغم‬ ‫الضغوط‪.‬‬
‫من أن اإلدارة األمريكية والحكومات األوروبية‬
‫ال تملك أي سبب حتى اآلن للتذمر أو القلق‬
‫ضحية لموجه غير متوقعة من االحتجاجات‬ ‫بشأن سير األحداث في تونس ومصر‪ ،‬فإنها‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫يُظهر مدى التحدي الذي تواجهه الجهات‬ ‫ال تزال تفضل الوجوه المألوفة لها‪ ،‬وال سيما‬
‫الحكومية المحلية التي يمكن أن نقول‬ ‫إذا كانوا حلفاء عسكريين رئيسيين لها‪.‬‬
‫عن كثير منها أنها تبدو أقل استقراراً من‬ ‫غير أنها قد تحاول إقناعهم بإجراء إصالحات‬
‫المطاح بهما‪.‬‬
‫نظيرتيهما السابقتين ُ‬ ‫على المدى المتوسط والبعيد لتفادي قيام‬
‫احتجاجات عارمة في المستقبل‪ ،‬ولكن‬
‫كيف يؤثر إسقاط رئيسي تونس ومصر‬ ‫بعد أن تخمد االحتجاجات الحالية‪ .‬إن من‬
‫والطريقة التي تم بها إسقاطهما جراء‬ ‫المستبعد أن تسقط األنظمة الحاكمة أو‬
‫اندالع احتجاجات عارمة على حسابات النخب‬ ‫تنفتح إلى حد كبير دون تعبئة شعبية واسعة‬
‫الحاكمة ومنطقها في بقية المنطقة؟ وما‬ ‫ومتواصلة‪ ،‬وربما تكون مقترنة بانقسامات‬
‫هي بعض النتائج التي يجب الخروج بها‬ ‫داخل الجماعات الحاكمة ومحاوالت انقالبية‪.‬‬
‫من األحداث األخيرة والتي ستصوغ شكل‬
‫اإلجراءات التي ستتخذها الجهات الحكومية‬
‫المحلية‪.‬‬ ‫‪ 2-1‬منطق ومنطلقات الجهات‬
‫الفاعلة الحكومية المحلية‬
‫استثناء ملكي؟‬
‫نيل هيكس‬
‫يالحظ أن الحكام الذين تم إسقاطهم‬ ‫منظمة حقوق اإلنسان أو ً‬
‫ال‪ ،‬نيويورك‬
‫والحكام اآلخرين الذين يواجه حكمهم أشد‬
‫التحديات خطورة – في اليمن وسوريا وليبيا‬ ‫أو ًال وقبل كل شيء‪ ،‬تشكل االنتفاضات‬ ‫‪24‬‬
‫– هم رؤساء ألنظمة جمهورية وليست‬ ‫الشعبية في شمال أفريقيا والشرق األوسط‬
‫ملكيات وراثية‪ .‬يمكن للملكيات أن تزعم‬ ‫أزمة بالنسبة للنخب الحاكمة في كل‬
‫أنها فوق السياسة وبالتالي تتمتع بقدر‬ ‫المنطقة‪ .‬وفي مواجهة موجة االحتجاجات‬
‫أكبر من النأي عن المسؤولية المباشرة عن‬ ‫المعدية والمتعذر كبتها يجد‬ ‫ُ‬ ‫الشعبية‬
‫األخطاء التي تقع‪ .‬ويمكن للملوك استبدال‬ ‫القادة العرب أنفسهم مضطرين لالختيار‬
‫الحكومة (بل وقاموا بذلك في األردن مث ً‬
‫ال)‪.‬‬ ‫بين القمع أو التك ّيف (وربما احتواء هذه‬
‫الموجة في نهاية المطاف) وفق ًا لمطالب‬
‫وقد يبدو أن المرونة التي تقدمها أنظمة حكم‬ ‫المحتجين‪ .‬وعلى الرغم من أن رئيسين‬
‫الفرد الملكية التي تضم هياكل حكم تابعة‬ ‫فقط فقدا منصبيهما لغاية اآلن إال أنهما‬
‫للحاكم كالمغرب واألردن والكويت توفر‬ ‫شكال ضربتين كبيرتين – إذ ربما أنهما كانا‬
‫درجة من األمن للملوك العرب في السياق‬ ‫أكثر القادة العرب نجاحا من بين الحكام‬
‫الحالي‪ .‬وكلما كان نمط الحكم مطلق ًا أكثر‬ ‫المستبدين الذين يديرون أنظمة دكتاتورية‬
‫كلما ق ّلت فرصة الحكام في التنصل من‬ ‫ويتحالفون مع الغرب وممن لم يتسببوا –‬
‫المساءلة وبالتالي امتصاص نقمة الشعب‪.‬‬ ‫في الغالب‪ -‬بالكثير من اإلحراج لحلفائهم‬
‫ومؤيديهم الغربيين‪ ،‬وكانا يحققان نمواً‬
‫بالنسبة للمحتجين في األنظمة الجمهورية‬ ‫اقتصادي ًا‪ .‬لقد كانا قائدين يُتوقع لهما أن‬
‫االستبدادية القمعية كان الهدف الذي‬ ‫يحكما مدى الحياة وأن يمارسا حتى سيطرة‬
‫يسددون إليه سهام غضبهم واضح ًا وكان‬ ‫على الذين سيخلفونهما في النهاية بدرجة‬
‫مطلبهم بسيط ًا‪ ،‬وهو‪ :‬يجب أن يرحل الرئيس‬ ‫كبيرة‪ .‬إن مسألة سقوط حاكمين مستبديَن‬
‫(وأسرته والمقربين منه)‪ .‬أما المحتجون في‬ ‫يتسمان بالبراعة والقدرة على التكيف‬
‫المتكون بعد وقوع‬
‫ّ‬ ‫ومن خالل اإلدراك‬ ‫الدول الملكية العربية فقد كانوا أكثر تردداً‬
‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية‬

‫الحدث‪ ،‬نجد أن جذور هذه الجماعة في مصر‪،‬‬ ‫بكثير في المطالبة بإسقاط زعماء بلدانهم‬
‫ال‪ ،‬كانت أكثر تدرج ًا؛ فقد كان الناشطون‬ ‫مث ً‬ ‫حتى إن تكن لديهم الشكاوى االقتصادية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الذين لعبوا دورا بارزا في االحتجاجات التي‬ ‫والسياسية ذاتها التي أعرب عنها نظراؤهم‬
‫أسقطت الرئيس ناشطين في االنتخابات‬ ‫من المحتجين في الجمهوريات المجاورة‪،‬‬
‫الرئاسية عام ‪ 2005‬وهي االنتخابات التي‬ ‫استثناء ملكي ًا‬
‫ً‬ ‫األمر الذي يوحي بأن ثمة‬
‫أُعطي فيها المصريون الفرصة كي ينتخبوا‬ ‫من خطر اإلسقاط عن طريق االحتجاجات‬
‫رئيسهم في انتخابات تنافسية ألول مرة‪.‬‬ ‫الشعبية‪ .‬إال أن النزاع المتصاعد في البحرين‬
‫ويمكننا اقتفاء أثر خط من الخطوط من‬ ‫استثناء‬
‫ً‬ ‫قد يشي بأن هذا االستثناء ليس‬
‫خالل حركة كفاية التي بدأت باالعتراض على‬ ‫مطلق ًا وأن القمع والقسوة من قبل النخب‬
‫طول بقاء حسني مبارك في منصبه منذ‬ ‫الحاكمة من أي نوع سوف تعمل على رفع‬
‫منتصف العقد الماضي؛ إلى حملة أيمن‬ ‫سقف المطالبة بالتغيير‪.‬‬
‫نور االنتخابية الرئاسية واالحتجاجات على‬
‫المخالفات االنتخابية التي أعقبت ذلك؛ ومن‬ ‫القوة المحفزة للشباب المتعلم الناشط‬
‫ثم إلى احتجاجات القضاة عام ‪ 2006‬التي‬ ‫عبر الشبكات‬
‫قاومت جهود الحكومة لتقليص دور القضاء‬
‫في اإلشراف على االنتخابات؛ ثم إلى جهود‬ ‫ربما يكون من المفارقة أن تكون الدول‬
‫كسب تأييد عمال النسيج المضربين في‬ ‫األكثر تجانس ًا واألقل مشاكسة والمتمتعة‬
‫المحلة الكبرى عام ‪ 2008‬والتي انبثق عنها‬ ‫بمعدالت قوية من النمو االقتصادي أول‬
‫‪25‬‬
‫حركة ‪ 6‬أبريل ‪ 2008‬على موقع فيسبوك؛ إلى‬ ‫الدول سقوط ًا‪ .‬ومن األشياء التي ساعد‬
‫االحتجاجات الواسعة على مقتل خالد سعيد‬ ‫النمو االقتصادي على خلقها هو جماعات‬
‫على يد أحد ضباط الشرطة خارج مقهى‬ ‫الناشطين المتعلمين ممن لديهم‬
‫لإلنترنت في اإلسكندرية في حزيران‪ /‬يونيو‬ ‫تطلعات وتربطهم شبكات‪ .‬لقد لعبت‬
‫‪2010‬؛ وحتى سباق االنتخابات البرلمانية لعام‬ ‫النخب الليبرالية المدينية في مصر وتونس‬
‫‪ 2010‬التي شهدت مبادرات لتوعية الناخبين‬ ‫دوراً قيادي ًا في االحتجاجات‪ .‬يبقى أن نرى مقدار‬
‫وجهوداً لتنسيق مشاريع مستقلة للمجتمع‬ ‫نجاحهم في العمليات األقل دراماتيكية‬
‫المدني لمراقبة االنتخابات‪ .‬لقد كان‬ ‫المتمثلة في إعادة بناء مؤسسات الدولة‬
‫لالستياء الشعبي من االنتخابات البرلمانية‬ ‫على امتداد خطوط أكثر دراماتيكية وفي‬
‫في تشرين ثاني‪ /‬نوفمبر ‪ 2010‬التي لم تكن‬ ‫التنافس على السلطة السياسية‪ .‬لقد قاد‬
‫نزيهة بالمرة تأثير مباشر غذى انتفاضة ‪25‬‬ ‫النمو االقتصادي القوي وتطور تقنيات‬
‫كانون ثاني‪ /‬يناير تغذية مباشرة‪.‬‬ ‫االتصاالت إلى نشوء طبقة من الشباب‬
‫المتعلم المتصل مع نظرائه في مختلف‬
‫قبل ثورتي تونس ومصر كان الناس‬ ‫بقاع العالم إال أنه حُ رم من فرصة التطور‬
‫يسقطون من حساباتهم هؤالء الناشطين‬ ‫على الصعيد الشخصي أو من المشاركة‬
‫على أساس أن تأثيرهم سطحي؛ فما الذي‬ ‫السياسية ذات الشأن في مجتمعه‪ .‬ومهما‬
‫يمكن أن يفعله بضع مئات من المتظاهرين‬ ‫بلغ صغر هذه الطبقة وامتيازاتها وعدم‬
‫في الشارع أمام جبروت جهاز أمن الدولة؟‬ ‫تمثيلها للمجتمع األكبر إال أن هذه الجماعة‬
‫وظل من المشكوك به بشدة أن يتمكن‬ ‫تمثل عنصراً جديداً برز على نحو مفاجئ وغير‬
‫هؤالء الناشطين الشباب على تعبئة عدد‬ ‫متوقع كفاعل سياسي له شأنه‪.‬‬
‫كاف إلحداث تغيير إذ ال يتبعون‬
‫ٍ‬ ‫من الناس‬
‫أكبر لمواصلة التعليم العالي ومن ضمنه‬ ‫ألحزاب معارضة راسخة وال تربطهم بالجماهير‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫الدراسة في الخارج‪.‬‬ ‫سوى صالت واهية‪.‬‬

‫الموضع الوحيد الذي كانت الجهات‬ ‫ومن هنا فإنه من غير المحتمل أن تكون‬
‫الحكومية المحلية تمتلك فيه خياراً هو‬ ‫الجهات الحكومية الفاعلة قد توقعت أن‬
‫في الكيفية التي ترد فيها على المظالم‬ ‫نشاطا لجماعة من الواضح أنها هامشية‬
‫التي يشترك بها أفراد الشعب على نطاق‬ ‫قد يشكل تهديداً لها‪ .‬وبطبيعة الحال‬
‫واسع‪ .‬صحيح أن طريقة السعي إلى‬ ‫كانت الماليين التي خرجت إلى الشوارع‬
‫تجنب االحتجاجات (والرحيل في النهاية)‬ ‫في تونس ومصر تمثل ما هو أكثر بكثير‬
‫من خالل اإلصالح وتقديم التنازالت لم يتم‬ ‫من النخب الليبرالية غير كبيرة العدد‪ .‬إن‬
‫اختبارها ولكنها ليست أكثر جدارة من‬ ‫األمر الذي استطاع هؤالء الناشطون –‬
‫تشديد القمع‪ .‬لقد هبط مستوى تسامح‬ ‫وعلى نحو هادف‪ -‬القيام به هو تحديد‬
‫االحتجاجات في المنطقة مع القمع حيث‬ ‫الشكاوى التي يشعر بها عميق ًا جمهور‬
‫أظهرت الجماهير ‪-‬التي شجعها المثاالن‬ ‫عريض من الناس بخصوص االفتقار إلى‬
‫المصري والتونسي‪ -‬إرادة على االستمرار‬ ‫الفرص االقتصادية (وخير مثال عليها تضحية‬
‫في االحتجاجات الشعبية حتى في مواجهة‬ ‫التونسي محمد البوعزيزي بنفسه وكان‬
‫استخدام السلطات للقوة المميتة في دول‬ ‫ال عن العمل يكسب رزقه من ‘بسطة’‬ ‫عاط ً‬
‫كاليمن وسوريا‪.‬‬ ‫يبيع منها في الشارع) ووحشية الشرطة‬
‫(وهو مطلب وجد له قضية رمزية في ضرب‬
‫ومن االستجابات التي بدا أنها ناجحة في‬ ‫خالد سعيد من اإلسكندرية حتى الموت‪،‬‬ ‫‪26‬‬
‫احتواء االحتجاجات هي رشوة الناس؛ فقد‬ ‫والتي حظيت صفحتها على موقع فيسبوك‬
‫عمدت الحكومات التي تمتلك موارد مالية‬ ‫«كلنا خالد سعيد» بشعبية ملحوظة)‬
‫كالسعودية (أو إيران) أو الجزائر إلى زيادة‬ ‫والفساد الرسمي (الذي تمثل في تسريبات‬
‫دعمها للمواد األساسية أو أمرت بدفع أموال‬ ‫ويكيليكس عن إسراف زوجة زين العابدين‬
‫مباشرة للمواطنين الستباق االحتجاجات‪.‬‬ ‫بن علي‪ ،‬ليلى الطرابلسي وأفراد أسرتها‬
‫ومن األساليب الرادعة التخويف من عدم‬ ‫في المال) والحرمان من الحقوق السياسية‬
‫االستقرار والفوضى في الدول التي لها تاريخ‬ ‫(وهناك الكثير من األمثلة على ذلك‬
‫قريب من النزاع الداخلي المرير كالجزائر أو‬ ‫إال أن انتخابات البرلمان المصري األخير‬
‫العراق أو لبنان‪ ،‬وقد نجحت هذه الدول في‬ ‫شكلت مثا ًال فاضح ًا)‪.‬‬
‫تالفي االحتجاجات الشعبية الجدية حتى اآلن‪.‬‬
‫وليس أمام الجهات الحكومية المحلية إال‬
‫رد فعل سياسة الواليات المتحدة‬ ‫خيارات محدودة لمحاولة احتواء خطر النخب‬
‫الليبرالية المرتبطة عبر الشبكات والتي‬
‫لم تكن الجماهير المحلية وحدها التي لم‬ ‫برزت حديث ًا إلى حيز الوعي؛ إذ أنه ال يمكن‬
‫تعد تحتمل القمع وعدم االستجابة من قبل‬ ‫في الغالب إلغاء تأثير التغيرات االقتصادية‬
‫الحكومات العربية؛ فقد توصلت إدارة أوباما‬ ‫والثقافية واالجتماعية التي رافقت النمو‬
‫إلى موقف ثابت داعم «للمطالب المشروعة‬ ‫االقتصادي واالندماج في األسواق العالمية‬
‫للمحتجين المطالبين بحقوقهم العالمية»‪.‬‬ ‫والدخول إلى شبكة اإلنترنت ومشاهدة‬
‫وهذه الموقف ال يترجم نفسه إلى استجابة‬ ‫القنوات الفضائية والتي صاحبها نمو هائل‬
‫ثابتة للسياسة إزاء اندالع حمى االنتفاضات‬ ‫في حجم فئة الشباب وتمتعهم بإمكانية‬
‫محل المصالح التقليدية للواليات المتحدة‬ ‫في كل مكان‪ .‬وهناك نمط قد نشأ لحد اآلن‬
‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية‬

‫في المنطقة‪ ،‬وهذه المصالح تبقى كما‬ ‫ولكنه نمط يأخذ شكله كيفما اتفق على‬
‫هي‪ :‬مكافحة اإلرهاب ومنع انتشار األسلحة‬ ‫النحو التالي‪:‬‬
‫النووية واحتواء إيران وتأمين مصادر النفط‬ ‫ •تأييد خطابي قوي للمحتجين في‬
‫والطاقة وأمن إسرائيل‪ ،‬وأفضل وسيلة‬ ‫البلدان التي تربطها عالقة خصومة مع‬
‫لخدمة هذه المصالح هي حفظ استقرار‬ ‫الواليات المتحدة كإيران وسوريا‪ ،‬ولكن‬
‫المنطقة والقدرة على التنبؤ بمجريات األمور‬ ‫قليل من التحمس للتدخل المباشر؛‬
‫فيها‪ .‬وتعلم الجهات الحكومية المحلية‬ ‫ •تشجيع الحكام المستبدين الحلفاء‬
‫أفضليات صناع السياسات في الواليات‬ ‫للمضي قدم ًا في اإلصالح السياسي‬
‫المتحدة وهي تبقى قادرة على تسويق‬ ‫لتجنب تصاعد االحتجاجات كما حدث‬
‫شكل معدل من االستقرار المألوف من خالل‬ ‫في األردن والمغرب؛‬
‫القمع (أو من خالل نموذج التغيير التدريجي‬ ‫ •قبول على مستوى الخطب للتطلعات‬
‫المسيطر عليه) من أجل كسب تأييد‬ ‫الديمقراطية لالنتفاضتين التونسية‬
‫الواليات المتحدة أو قبولها بذلك‪.‬‬ ‫والمصرية (ولكن يظل علينا أن نرى‬
‫حجم ورغبة الواليات المتحدة في‬
‫لقد تعرض المبدأ الذي كان يُمسك‬ ‫العمل بفاعلية من أجل دعم ما يمكننا‬
‫بالعالقات بين الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫وصفه تقدم ًا ديمقراطي ًا حقيقي ًا في‬
‫وحلفائها في المنطقة لضربة من األحداث‬ ‫كال البلدين)‪.‬‬
‫في تونس ومصر‪ .‬والواقع أن هذا المبدأ كان‬ ‫ •الخوف من اضطراب العالقات مع‬
‫‪27‬‬
‫يتزعزع إذ كانت تصدر عن األنظمة القمعية‬ ‫شركاء استراتيجيين رئيسيين كالبحرين‬
‫إشارات بشأن عدم قدرتها على االستمرار في‬ ‫وقبل كل شيء السعودية‪.‬‬
‫السيطرة على السلطة‪ ،‬وخاصة في مصر‬ ‫ •التوتر بسبب التأثير المحتمل‬
‫حتى قبل االنتفاضة‪.‬‬ ‫لالحتجاجات المسببة لعدم االستقرار‬
‫على دول متصدعة كاليمن والسودان‬
‫السؤال المطروح على السياسة األمريكية‬ ‫وهي دول يمكن أن تسوء األمور فيها‬
‫اآلن هو ما إذا كان يمكن إيجاد مسار نحو‬ ‫بسرعة كبيرة؛‬
‫االستقرار وتأمين المصالح الحيوية للواليات‬ ‫ •وأخيراً التدخل المسلح في ليبيا في‬
‫المتحدة عبر تعزيز الديمقراطية واإلصالح‬ ‫استثناء عن القاعدة‪.‬‬
‫ً‬ ‫موقف يبدو‬
‫السياسي واحترام حقوق اإلنسان في‬
‫عالقاتها مع الحلفاء في المنطقة؟ وهل‬ ‫يجب على الجهات الحكومية المحلية أن‬
‫يمكن تطبيق مثل هذا النهج على نطاق‬ ‫تأخذ بعين االعتبار رؤية الواليات المتحدة‬
‫واسع دون إثارة الفوضى وعدم االستقرار‬ ‫والمجتمع الدولي كله‪ ،‬أال أن المسألة ليست‬
‫الخطير؟ وإذا ما كان العثور على هذا المسار‬ ‫حسبة بسيطة كما توحي به السياسات‬
‫وتفعيله ممكن ًا – حيث تشكل مصر وتونس‬ ‫المختلفة المتبعة في البلدان المختلفة‪.‬‬
‫حالتا اختبار لهذا األمر‪ -‬فإن عصر الحكم‬ ‫وفي الوقت الذي تحاول فيه الواليات‬
‫االستبدادي في المنطقة يدخل في طوره‬ ‫المتحدة أن تكون على الجانب الصحيح من‬
‫النهائي في الواقع‪.‬‬ ‫التاريخ إال أنها أبعد من أن تكون أداة للتغيير‬
‫اإليجابي ال تنحرف عن الخط‪ .‬إن الوقوف‬
‫يمكن لمصر أن تكون محدداً للنزعة في‬ ‫إلى جانب المحتجين المطالبين بالحريات‬
‫المنطقة برمتها‪ ،‬كما أنه من المحتمل أن‬ ‫السياسية وحكومات أكثر استجابة لم يحل‬
‫الحاكمة‪ .‬وبالمقابل يُنظر إلى ذلك على أنه‬ ‫يص ّلب الرأي الدولي مدعوم ًا بالرأي العام‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫محاولة من إيران لزيادة تأثيرها في الخليج‬ ‫وسياسات الدول في المنطقة العربية من‬
‫على حساب السعودية‪ .‬وربما كان القمع‬ ‫موقفه ضد الحكام المستبدين المتشبثين‬
‫رداً واضح ًا بالنسبة لحكام البحرين ولكن‬ ‫بسياساتهم‪ ،‬مما يض ّيق من خيارات الجهات‬
‫في هذا الوقت فإن الرد يعتبر معقداً من قبل‬ ‫الحكومية المحلية بصورة كبيرة‪ .‬إال أن‬
‫التعاطف الدولي – وخاصة األمريكي‪ -‬مع‬ ‫السؤال ‪-‬في الوقت الحالي‪ -‬يظل بال‬
‫هدف استعادة الكرامة‪.‬‬ ‫جواب‪ ،‬كما أن بقاء األمر على هذا النحو هو‬
‫إلى حد كبير في صالح الحكام المستبدين‬
‫ال يمكن لنا أن نسقط من اعتباراتنا‬ ‫المتمسكين بعناد بالمبادئ البالية‪.‬‬
‫احتمالية أن تعمل حالة االضطراب التي‬
‫استلهمت االنتفاضتين التونسية والمصرية‬ ‫قابلية انتقال حمى االنتفاضات‬
‫على تغذية النزاعات الداخلية واإلقليمية‬
‫الموجودة مسبق ًا وعلى تفاقمها‪ .‬إن فتور‬ ‫اتخذت حمى االنتفاضة شكلها األنقى في‬
‫الموقف في البحرين يزيد من التوترات بين‬ ‫تونس ومصر‪ :‬فقد شكلت االنتفاضتان هناك‬
‫إيران والسعودية والتي قد تستمر في دول‬ ‫ثورتين على حكومتين قمعيتين وفاسدتين‬
‫أخرى بما فيها العراق‪ .‬كذلك األمر بالنسبة‬ ‫يُنظر إليهما على أنهما يمتهنان الكرامة‬
‫لالضطرابات في سوريا والتي قد تكون‬ ‫األساسية للمواطنين وأنهما مسؤولتان‬
‫قد تأثرت بشكل صرف من أشكال حمى‬ ‫عن االنحطاط الوطني‪ .‬وتمثل استعادة‬
‫االنتفاضات في عيون المحتجين السوريين‬ ‫قيم الحرية والعدالة والكرامة والمساواة‬
‫الذين يواجهون رصاص النظام المستبد‪،‬‬ ‫برنامج أهداف إيجابي‪ ،‬وليس فقط الستعادة‬ ‫‪28‬‬
‫ولكنها قد تبدو في عيون إيران على أنها‬ ‫الكبرياء والكرامة على المستوى الشخصي‬
‫محاولة لزعزعة الوضع عند حليفتها في‬ ‫بل على مستوى الرفاه الوطني أيض ًا‪.‬‬
‫المنطقة‪ .‬وهذا يؤدي بطهران إلى امتداح‬
‫الثورة في مصر وتونس والبحرين ولكن‬ ‫لقد انتشر شكل ما من أشكال هذه الحمى‬
‫معارضة مثل هذه التطورات في سوريا‪.‬‬ ‫في مختلف أنحاء العالم العربي وكان‬
‫وقد يشجع هذا إيران أيض ًا على السعي إلى‬ ‫موجوداً قبلها في شوارع إيران صيف عام ‪.2009‬‬
‫تعويض خسارتها الملموسة وتعرضها‬ ‫وفي األماكن التي كانت توجد فيها نزاعات‬
‫للخطر عن طريق التأكيد على تأثيرها في‬ ‫قبل ذلك –كاليمن والبحرين‪ -‬اختلطت‬
‫العراق ولبنان وأماكن أخرى‪ .‬وبالنسبة‬ ‫التظلمات القديمة مع هدف استعادة‬
‫إلسرائيل وأمريكا فقد تبدو األحداث في سوريا‬ ‫الكرامة‪ ،‬إال أن القوى المحركة لتلك النزاعات‬
‫غير قابلة للتنبؤ على نحو خطير وإمكانية أن‬ ‫القديمة تستمر في التأثير على ردود أفعال‬
‫تكون مثيرة لعدم االستقرار بالنسبة للصراع‬ ‫الجهات الحكومية المحلية وتقييد أفعالها‪.‬‬
‫اإلسرائيلي‪ -‬الفلسطيني‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬بالنسبة لملك البحرين‬
‫تتعرض الجهات الحكومية المحلية على‬ ‫وداعميه السعوديين على الجانب اآلخر من‬
‫مستوى العالم تقريب ًا لمسألة انتشار‬ ‫جسر البحرين فإن الثورة من أجل مزيد من‬
‫االنتفاضات بسبب أخطائها الداخلية‪ ،‬ولكن‬ ‫ال بوجود‬‫الديمقراطية وحكومة أكثر تمثي ً‬
‫المشهد السياسي المتغير في المنطقة‬ ‫مشاركة كبيرة للشيعة تبدو محاولة من قبل‬
‫يوفر ‪-‬في الوقت ذاته‪ -‬فرص ًا إلضعاف‬ ‫األغلبية الشيعية لتحويل ميزان القوى في‬
‫المنافسين وإمكانية تشكيل أحالف جديدة‬ ‫البحرين لصالحها على حساب األقلية السنية‬
‫في مصر ودول أخرى من شأنه أن يشكل‬ ‫مع األنظمة المتحولة‪ .‬إن عدم التيقن على‬
‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية‬

‫تهديداً للنخبة اإليرانية الحاكمة ليس أقله أن‬ ‫المستوى االستراتيجي في هذه اللحظة هو‬
‫اإليرانيين قد تحفزهم رؤية العرب يحققون‬ ‫مصدر قلق كبير بالنسبة للواليات المتحدة‬
‫تقدم ًا ديمقراطي ًا أكبر مما كانوا هم قادرين‬ ‫وقوى غربية أخرى وإسرائيل وكذلك بالنسبة‬
‫على تحقيقه‪.‬‬ ‫لبقية األنظمة االستبدادية في المنطقة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن الغرب قد يتحدث عن‬
‫تمثل إيران القمعية تهديداً كبيراً على النتائج‬ ‫الربيع العربي إال أن ثقل الرأي والمصلحة‬
‫اإليجابية لالنتفاضات في العالم العربي‪.‬‬ ‫الضاغط من أجل الرجوع إلى شيء يشابه‬
‫وطالما أن إليران المعادية لمصالح الغرب‬ ‫النظام القديم يظل ثق ً‬
‫ال قوي ًا‪.‬‬
‫نفوذا في المنطقة فإن احتواء هذا النفوذ‬
‫سيشكل أولوية لصانعي السياسة الغربية‬ ‫األنظمة المتشبثة بسياساتها‬
‫مما يقلل من احتمالية حدوث مواجهة بين‬
‫الغرب والسعودية على ضعف اإلصالحات‬ ‫إيران‬
‫السياسية فيها‪ ،‬بل وعلى تحركها ضد اإلصالح‬
‫في البحرين ودول أخرى‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬ ‫تدخل إيران ضمن عملية دراسة ردود أفعال‬
‫تشجع الجمهورية اإلسالمية النزعة الطائفية‬ ‫الدول العربية على االحتجاجات الشعبية‬
‫الشيعية‪-‬السنية التي بإمكانها أن تقوض‬ ‫ال قوي ًا ضمن العوامل‬ ‫لكونها تمثل عام ً‬
‫برنامج األهداف اإليجابي حقوقي التوجه‬ ‫الداخلية المحركة للكثير من تلك االحتجاجات‬
‫لالنتفاضات الشعبية في المجتمعات‬ ‫السيما في منطقة الخليج‪ .‬ولو كان النجاح‬
‫‪29‬‬
‫مختلطة الطوائف والمذاهب‪ .‬لقد تصرفت‬ ‫قد ُكتب لالحتجاجات الشعبية في إيران‬
‫الجمهورية اإلسالمية لفترة طويلة من‬ ‫كتلك التي دعمتها الحركة الخضراء لما‬
‫الزمن كنموذج لشكل ما من السياسة‬ ‫كانت س ُتعد فقط نموذج ًا إيجابي ًا للحركات‬
‫اإلسالمية الطائفية التي تفرق بين المؤمنين‬ ‫الديمقراطية في العالم العربي بل كانت‬
‫الحقيقيين وغيرهم من المسلمين الذين‬ ‫أيض ًا ستزيل‪ ،‬أو تخفف من‪ ،‬المخاوف‬
‫تزعم بأنهم أقل صحة عقائدي ًا‪ .‬إن ارتكاز‬ ‫األمنية التي تستخدم سبب ًا للتغاضي عن‬
‫الشرعية السياسية على استقامة العقيدة‬ ‫النزعة االستبدادية في الدول العربية ومنها‬
‫الدينية والتفسيرات األيديولوجية لإلسالم‬ ‫السعودية والبحرين بل ومصر أيض ًا‪ .‬لم‬
‫يسيران أيض ًا باتجاه مضاد للروح الشعبية‬ ‫يعد من المحتمل أن تخفف ضرورة احتواء‬
‫الديمقراطية والمناصرة لحقوق اإلنسان‬ ‫إيران ذات النوايا العدوانية من المخاوف‬
‫التي صبغت بصبغتها االنتفاضات الشعبية‬ ‫الغربية بشأن عدم إمكانية التنبؤ بالعمليات‬
‫في األشهر األخيرة‪.‬‬ ‫الديمقراطية عند حلفائها العرب‪.‬‬

‫ليبيا‬ ‫تزدهر الجمهورية اإلسالمية على تغذية‬


‫الشعور بأنها بلد يعيش تحت حصار من‬
‫تحرك المجتمع الدولي ضد التهديد‬ ‫قبل القوى المعادية وهي الواليات المتحدة‬
‫االستبدادي في ليبيا من خالل قرار مجلس‬ ‫بصورة أساسية وحلفائها‪ .‬كان من السهل‬
‫األمن رقم ‪ 1973‬والعملية العسكرية الناشئة‬ ‫على القادة في إيران أن يفرطوا في التشنيع‬
‫عنه والمدعومة من قبل الجامعة العربية‬ ‫على األنظمة االستبدادية المدعومة من‬
‫حيث تقدم لبنان بمشروع قرار لمجلس األمن‬ ‫الغرب كمصر وأن يشوهوا صورتها وبالتالي‬
‫وتم إنفاذه من قبل الواليات المتحدة وفرنسا‬ ‫فإن وجود حكومات أكثر تمثي ً‬
‫ال وأكثر كفاءة‬
‫على جيرانها البحرينيين بإتباع خط متشدد‬ ‫بصورة أساسية‪ ،‬ومن قبل بريطانيا عن طريق‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫باإلضافة إلى إرسال دعم عسكري لهم‪.‬‬ ‫التشجيع الكالمي‪.‬‬
‫وقيل أن الملك عبد اهلل لم يكن راضي ًا عن‬
‫الطريقة التي أدارت بها الواليات المتحدة‬ ‫لقد أوضح الرئيس أوباما أن أحد دوافع دعم‬
‫ظهرها لصديقها السابق في القاهرة‪ ،‬بل إنه‬ ‫الواليات المتحدة للتدخل المسلح في‬
‫رفض االجتماع بكبار المسؤولين من اإلدارة‬ ‫ليبيا‪ ،‬هو تالفي نشوء مثال سلبي عبر بقاء‬
‫األمريكية –وزيرة الخارجية كلنتون ووزير الدفاع‬ ‫القذافي في السلطة عن طريق إطالق كم‬
‫غيتس‪ -‬عندما كانوا في زيارة للمنطقة خالل‬ ‫هائل من عنف الدولة ضد المحتجين‪ .‬تتمتع‬
‫شهري شباط‪ /‬فبراير وآذار‪ /‬مارس ‪.2011‬‬ ‫ليبيا بقدرة حقيقية على إثارة اضطرابات عند‬
‫جيرانها من خالل وسائل اقتصادية وغيرها‪.‬‬
‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬ليست السعودية محصنة‬ ‫إن من شأن القذافي التواق لالنتقام إذا‬
‫ضد الكثير من القضايا الكامنة تحت سطح‬ ‫ما استمر في الحكم أن يتسبب بتعطيل‬
‫االضطرابات في المنطقة‪ ،‬فنسبة كبيرة من‬ ‫النزعات الديمقراطية اإليجابية في المنطقة‪.‬‬
‫سكانها من الشباب‪ ،‬ولديها شباب متعلم‬ ‫ومن العناصر التي تثير المشاكل بالنسبة‬
‫عاطل عن العمل أو يعمل بوظيفة أقل من‬ ‫للتغيير الديمقراطي هو عدم حسم الموقف‬
‫مؤهالته وال منفذ لمهاراتهم وطموحاتهم‪،‬‬ ‫العسكري‪ .‬ومن شأن التدخل العسكري‬
‫وفيها نخبة حاكمة فاسدة‪ ،‬وفيها شكل‬ ‫الدولي لفترة طويلة أن يصبغ حتم ًا التصور‬
‫غير مستجيب من أشكال الحكومة وتحرم‬ ‫المحلي والدولي لالنتفاضات‪ ،‬والتي‬
‫شعبها من حقوق وحريات أساسية‪ ،‬كما‬ ‫ينظر إليها في الوقت الحاضر نظرة إيجابية‬
‫أن التعصب الديني والالمساواة بين الرجل‬ ‫ألنها تحركت ونُفذت على يد مواطنين‬ ‫‪30‬‬
‫والمرأة منتشريّن بصورة استثنائية‪.‬‬ ‫في كل بلد‪ .‬تشكل االنتفاضة مصدر فخر‬
‫للمصريين والتونسيين كونهم صنعوا‬
‫أضف إلى ذلك القلق الغربي من الدعم‬ ‫مستقبلهم بأيديهم وأسقطوا دكتاتوريات‬
‫السعودي للتطرف الديني واإلرهاب الذي‬ ‫فاسدة‪ .‬ولكن مهمات القصف الجوي‬
‫عمل أص ً‬
‫ال على وجود شريحة مستعدة للدفع‬ ‫الغربي والقوات الغربية ستقود إلى‬
‫باتجاه التغيير في المملكة‪ ،‬وهذه الشريحة‬ ‫تعزيز رواية مختلفة وهي أن من يدفع نحو‬
‫قد تنمو بسهولة وتصبح مصدر إزعاج للنظام‬ ‫التغيير – في ليبيا على األقل‪ -‬هم أطراف‬
‫السعودي‪.‬‬ ‫خارجية تسعى لخدمة مصالحها‪ .‬ونظراً‬
‫ألن الصراع العسكري يكون دراماتيكي ًا‬
‫تتمتع السعودية بقدرة كبيرة على دعم‬ ‫بطبيعته ويتطلب قدرا أكبر من الموارد‬
‫النتائج السياسية التي توافق مصالحها‬ ‫ويجتذب قدرا أكبر من التغطية اإلخبارية‪،‬‬
‫في الدول المجاورة وعلى نطاق أوسع من‬ ‫مقارنة مع التغير الديمقراطي التدريجي وذو‬
‫الجوار‪ ،‬ويمكننا أن نتوقع من السعودية أن‬ ‫المسار الوعر‪ ،‬فينبغي عدم االستهانة‬
‫تدعم عودة الوضع الذي كان قائم ًا في مصر‬ ‫بإمكانية أن تكتسب هذه الرواية البديلة‬
‫وتونس من خالل الموارد المالية واإلعالمية‬ ‫رواج ًا‪.‬‬
‫والدينية المتاحة لها‪.‬‬
‫السعودية‬
‫ومع ذلك فإن المملكة‪ ،‬التي تكتنفها‬
‫شكوك حول مصير خالفة الجيل القادم من‬ ‫ع َّبرت السعودية بوضوح عن استيائها من‬
‫األمراء‪ ،‬بحاجة إلى نموذج من الحكم يمكن‬ ‫اإلطاحة بنظام مبارك في مصر وأشارت‬
‫معتادة على التعامل مع رأي عام شعبي‬ ‫أن يعمل فيها على المدى المتوسط إلى‬
‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية‬

‫يمكنه أن يتعاظم ليشكل تحدي ًا حقيقي ًا‬ ‫الطويل‪ .‬وإذا ما ظل االستثناء الملكي من‬
‫لمدى سيطرتها على السلطة‪ .‬وسواء‬ ‫حمى االنتفاضات (المذكور آنف ًا) قائم ًا‪ ،‬فإن‬
‫حققت االنتفاضتان الشعبيتان في تونس‬ ‫من صالحها أن تمضي في طريق اإلصالح‬
‫ومصر نجاحا في إحداث تغيير بنيوي في‬ ‫التدريجي وتتحاشى التدخالت المدمرة في‬
‫مجتمعهما في النهاية أم لم ال‪ ،‬فقد أدخلتا‬ ‫الجهود اإلصالحية للدول المجاورة‪.‬‬
‫عنصرا جديدا ال يمكن التنبؤ به في السياسات‬
‫العربية‪ .‬ولن يكون الحكام المستبدون في‬ ‫سوريا‬
‫المنطقة قادرين أبداً على اإلحساس بالثقة‬
‫والرضا بالدرجة التي كانوا عليها ذات يوم‬ ‫إن عدم اصطفاف سوريا مع الحكام‬
‫من أن حكمهم سيدوم إلى األبد‪.‬‬ ‫العرب الموالين للغرب وضعها في موقع‬
‫منفصل عن التوجهات في المنطقة‪ ،‬وظن‬
‫البعض أن هذا سيمنحها بعض المناعة من‬
‫‪ 3-1‬األفكار والنتائج المتمخضة عن‬ ‫االحتجاجات الشعبية‪ ،‬إال أنه ثبت عدم صحته‬
‫النقاش‬ ‫قدم الرئيس األسد تنازالت على شكل‬‫ذلك إذ ّ‬
‫رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ عقود‪،‬‬
‫إذا أردنا التحدث عن الجهات الحكومية‬ ‫ال‪ ،‬كما هدد بقمع أكثر قسوة مع استمرار‬‫مث ً‬
‫المحلية الفاعلة علينا أن نبحث أو ًال في هوية‬ ‫االحتجاجات الشعبية في التصاعد واالنتشار‪.‬‬
‫الجهات التي تشكل الدولة في المنطقة‬
‫‪31‬‬
‫العربية‪ .‬من الواضح أنه يوجد في جميع الدول‬ ‫خالصة النتائج‬
‫العربية جماعتان رئيسيتان تمتلكان سلطة‬
‫كبيرة‪ ،‬وهما الجيش ونخبة أصحاب األعمال‪.‬‬ ‫إن النتيجة النهائية لالنتفاضات الديمقراطية‬
‫أما بالنسبة للنخبة السياسية الحاكمة فهي‬ ‫في الشرق األوسط ستصوغها تفاعالت‬
‫تتشكل في الغالب من واحدة من هاتين‬ ‫مركبة بين أطراف فاعلة مختلفة من ضمنها‬
‫الجماعتين إن لم يكن من كليهما (كما‬ ‫الجهات الحكومية المحلية – سواء أكانت‬
‫كان الحال بالنسبة لعهد مبارك)‪ .‬من هنا‪،‬‬ ‫جديدة التحول إلى الديمقراطية كما هي‬
‫وفي ضوء السلطة التي تمتلكها هاتان‬ ‫الحال بالنسبة لمصر وتونس‪ ،‬أم كانت‬
‫الجماعتان ينبغي على المرء أن يتوخى‬ ‫تعمل في الظاهر على اإلصالح كالمغرب‪،‬‬
‫الحذر بشأن المدى الذي يمكن أن تحدث فيه‬ ‫أم دو ًال استبدادية متشبثة بسياساتها‪،‬‬
‫ثورة كاملة على المستوى السياسي‪ ،‬سواء‬ ‫وخاصة السعودية وإيران‪ .‬وسوف تستعمل‬
‫في مصر أو تونس أو أي مكان آخر‪.‬‬ ‫القوى الخارجية نفوذها‪ ،‬خصوصا أوروبا‬
‫والواليات المتحدة‪ ،‬وهي مضطرة اآلن‬
‫السلطة المركزية للجيش‬ ‫بسبب ضغط األحداث إلى إعادة النظر في‬
‫االفتراضات القديمة من حيث ما هي أفضل‬
‫يمتلك الجيش سلطة كبيرة بصفته جهة‬ ‫طريقة لحماية مصالحها القومية الحيوية‪.‬‬
‫حكومية فاعلة في كافة الدول العربية‪ .‬في‬
‫الواقع‪ ،‬كان ‘نجاح’ االحتجاجات‪ ،‬إلى حد ما‪،‬‬ ‫إن من العوامل الجديدة في هذه المعادلة‬
‫في إسقاط األنظمة متوقف ًا على الموقف‬ ‫المعقدة هي قوة المواطنين العرب‬
‫النهائي الذي تتخذه القوات المسلحة مع‬ ‫أنفسهم‪ ،‬ال سيما النخب الشابة المتطورة‬
‫المحتجين أو ضدهم‪ .‬من ناحية ثانية‪ ،‬وبينما‬ ‫من أبناء المدن‪ .‬وليست الحكومات العربية‬
‫إعاقة الجيش في الحصول على تلك‬ ‫كان ينظر إلى الجيش في مصر على أنه‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫المنافع‪.‬‬ ‫‘المنقذ للشعب’ إال أنه ظل في دول أخرى‬
‫يمثل قوة محافِظة‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬إذا كان‬
‫تشكل الحالة المصرية إشارة تحذير بشأن‬ ‫الجيش في تونس ومصر قد أخذ جانب ًا مؤيداً‬
‫الصعوبات المتعلقة بتحقيق ثورة مكتملة‬ ‫للشعب ضد بن علي ومبارك‪ ،‬فقد فعل‬
‫األركان حتى لو كان الجيش يدعم إجراء‬ ‫ذلك انطالق ًا من مصلحته الذاتية‪ ،‬وفقط‬
‫تغيير في النظام‪ ،‬كما أنها تسلط الضوء‬ ‫عندما أصبح من غير المجدي له مواصلة دعم‬
‫على النزعة المحافظة التي قد تعيق تغيير‬ ‫الدكتاتور المطاح به‪ .‬من المهم لنا أن نفهم‬
‫النظام في دول لم يحدث فيها التغيير‬ ‫هذا الدافع كي نكون واقعيين بشأن المدى‬
‫بعد‪ .‬ومن األهمية بمكان أن نشير إلى أمثلة‬ ‫الذي يمكن أن يذهب إليه التغيير الجذري‬
‫تاريخية دعم فيها الجيش عملية التحول‬ ‫والمدى الذي سيحدث به هذا التغيير تحت‬
‫الديمقراطي كاملة (كالبرازيل مث ً‬
‫ال) أو أصبح‬ ‫إشراف الجيش‪.‬‬
‫حارس ًا للديمقراطية (كما في تركيا) – ومن‬
‫شأن هذه األمثلة أن تحيي األمل في أن‬ ‫لقد أشارت القرارات التي اتخذها الجيش في‬
‫الجيش في مصر ودول عربية أخرى سوف‬ ‫مصر‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬إلى أن الجيش غير‬
‫يدعم ‪-‬في ظل الضغط المناسب من‬ ‫راغب في متابعة اإلصالح الكامل لكل جهاز‬
‫الخارج ولكن من الشعوب نفسها أيض ًا‪-‬‬ ‫ّ‬
‫ويشكل إقرار‬ ‫الدولة وغير مستعد لذلك‪.‬‬
‫اإلصالح الحقيقي بد ًال من الحفاظ على‬ ‫قانون جديد يحظر اإلضرابات واالحتجاجات‬
‫الوضع القائم‪.‬‬ ‫التي تعيق عمل المؤسسات العامة –‬
‫والذي قد تؤدي مخالفته إلى الحبس –‬ ‫‪32‬‬
‫الحضور القوي والدائم للنخبة الحاكمة‬ ‫مؤشرا واضحا على ذلك‪ .‬وال تزال أعمال‬
‫والرأسماليين المقربين‬ ‫التعذيب مستمرة في أعقاب سقوط مبارك‬
‫وتضييق الخناق على جهاز أمن الدولة‪ ،‬بل‬
‫تتسم االقتصادات العربية إلى حد كبير‬ ‫ثمة ما هو أشد صدم ًا من ذلك وهو ورود‬
‫بوجود رأسمالية مؤلفة من المقربين حيث‬ ‫شكاوى من إجراء فحوص للعذرية لبعض‬
‫تصبح نخبة قطاع األعمال في الغالب‬ ‫النساء الالتي شاركن في التظاهرات‪.‬‬
‫جزءاً من النخبة الحاكمة أو مستفيدة من‬ ‫كما يدل تردد الجيش في تعيين حكومة‬
‫الصفقات التجارية ذات االمتيازات نظراً‬ ‫تكنوقراط انتقالية على عدم رغبته في‬
‫لعالقاتها الشخصية الوثيقة مع النظام‪.‬‬ ‫ضمان أن االنتخابات القادمة ستكون حرة‬
‫تشكل هذه العالقة الوثيقة على نحو ال‬ ‫ونزيهة وأن السياسيين من النظام السابق‬
‫يمكن تالفيه عائق ًا إضافي ًا أمام النجاح الكامل‬ ‫ال يتمتعون بأفضلية على أحزاب المعارضة‬
‫للثورة أو للتحول الديمقراطي – وعلى األرجح‬ ‫التي تواجه تحدي ًا يتمثل في بناء نفسها‬
‫أن يكون الرأسماليون المقربون تواقين‬ ‫في فترة زمنية قصيرة للغاية‪ .‬أخيراً‪ ،‬استفاد‬
‫إلى حماية مصالحهم وامتيازاتهم التي‬ ‫الجيش في مصر – شأنه شأن الجيوش في‬
‫تكمن في المحافظة على سلطة الحرس‬ ‫مناطق عربية أخرى‪ -‬من األنظمة الحاكمة‬
‫القديم وبالتالي من المرجح أن يستخدموا‬ ‫حيث حصل على قدر كبير من السلطة‬
‫نفوذهم المالي للتأثير على الجهود الرامية‬ ‫واالحترام واالمتيازات المالية بسبب عالقاته‬
‫إلى إصالح جهاز الدولة‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫الوثيقة والشخصية غالب ًا مع رؤساء مختلف‬
‫المالحقة القضائية لبعض كبار زعماء المال‬ ‫الدول‪ .‬ومن المحتمل أن ال يلقى أي إصالح‬
‫بتهم تتعلق بالفساد (من ضمن تهم أخرى)‬ ‫يتوجب حدوثه قبوال حسنا إذا ما أدى إلى‬
‫تواجهه الملكيات يتيح لها التعامل على‬ ‫مثل قضية أحمد عز في مصر‪ ،‬إال أن غالبية‬
‫الفصل األول‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة احلكومية احمللية‬

‫نحو أكثر انفتاح ًا مع إمكانية اإلصالح بينما في‬ ‫طبقة أصحاب األعمال ال تزال متحصنة بقوة‬
‫بلدان مثل سوريا – حيث غدت شرعية القيادة‬ ‫في الدول العربية‪ .‬وينطبق هذا أيض ًا حتى‬
‫بحد ذاتها موضع شك‪ -‬أدت الحاجة إلى‬ ‫عند تشكيل حكومات جديدة ال تشتمل‬
‫البقاء إلى ردود أشد تطرف ًا وعنف ًا‪ .‬يجب علينا‬ ‫على الحضور المعتاد لكبار رجال األعمال‪.‬‬
‫أن نأخذ بعين االعتبار هذه العوامل المحركة‬ ‫وبالتالي‪ ،‬يتوجب على أية دراسة تتناول‬
‫المختلفة بين األنظمة الملكية وغير الملكية‬ ‫كيفية زيادة فرص حدوث إصالح كامل أن‬
‫عند محاولتنا معرفة المدى الذي تستطيع أو‬ ‫تأخذ بعين االعتبار الحضور القوي لنخبة‬
‫تريد الجهات الحكومية الفاعلة أن تستجيب‬ ‫األعمال التي تكون –في معظم الحاالت‪-‬‬
‫به لالنتفاضات في بلدانها‪.‬‬ ‫محافظة وغير ميالة إلى دعم إصالحات قد‬
‫تؤثر على مصالحها‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فعلى الرغم من أنه ما من بلد في‬
‫الشرق األوسط شهد لغاية اآلن ثورة سياسية‬ ‫الفرد بصفته الفاعل الرئيسي في التغيير‬
‫كاملة (يرافقها تطهير كامل لجهاز الدولة‬
‫من عناصر النظام السابق ورغبة تامة في‬ ‫رغم أنه يجدر بالمرء أن يظل متفائ ً‬
‫ال فيما‬
‫التخلص من الفساد والظلم ‪ ...‬إلى آخره)‬ ‫يتعلق بالتطورات السياسية في الشرق‬
‫إال أننا ال نقلل هنا من شأن االنتفاضات في‬ ‫األوسط‪ ،‬من المهم أن يتوخى جانب الحذر‬
‫المنطقة‪ .‬في واقع األمر‪ ،‬وإن لم تحدث ثورة‬ ‫من احتماالت التغيير التام‪ .‬وعلى المرء‬
‫سياسية‪ ،‬فلقد حدثت ثورة فردية حيث يبدو‬ ‫أيض ًا أن يتذكر‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬العواقب الوخيمة‬
‫‪33‬‬
‫أن األفراد في المنطقة العربية يتحولون‬ ‫لثورات سابقة قامت أيض ًا أثناء تصويبها‬
‫من تابعين إلى مواطنين يتبنون الخطاب‬ ‫لألخطاء بمعاقبة طبقات اجتماعية برمتها‬
‫الحقوقي الذي يرافق الصحوة الديمقراطية‪.‬‬ ‫دون تمييز – وأحيان ًا على نحو غير منصف‪.‬‬
‫كما اشتمل خطاب االحتجاجات على‬ ‫يجب أن يكون السبيل التي يسلكه التغيير‬
‫ً‬
‫معبرة عن غضبه‬ ‫المناداة بالكرامة اإلنسانية‬ ‫مدروسا بروية وذلك للتأكد من وجود توازن‬
‫من اإلذالل الذي يتعرض له الفرد على يد‬ ‫بين المصالحة المناسبة والتقيد المتزامن‬
‫القادة وعن رغبته في احترام الفرد كآدمي‪ .‬إن‬ ‫بالحقوق‪.‬‬
‫صعود الفرد بصفته جزءاً مركزي ًا من خطاب‬
‫االحتجاج هو من أهم مميزات االحتجاجات‬ ‫من الصعب إذن أن نكون قادرين على‬
‫العربية وهو عنصر من شأنه أن يوفر األرضية‬ ‫توقع ما إذا كان سيتم حل الحزب الوطني‬
‫الخصبة لتقدم حقوق اإلنسان األساسية‪.‬‬ ‫الديمقراطي في مصر والتجمع الديمقراطي‬
‫الدستوري في تونس ح ً‬
‫ال تام ًا أم أنهما‬
‫سيتحوالن إلى أحزاب أخرى‪ .‬وإنه على قدر أكبر‬
‫من الصعوبة التنبؤ بما ستقوم به الجهات‬
‫الحكومية الفاعلة في دول أخرى؛ فعلى‬
‫سبيل المثال بدت األنظمة الملكية في‬
‫المنطقة –في الوقت الحالي على األقل‪-‬‬
‫أكثر صموداً لالنتفاضات حيث لم يستهدف‬
‫المحتجون بدرجة كبيرة إسقاط الملكية‬
‫بل إجراء تغييرات في النظام وتحسينات‬
‫اجتماعية‪ .‬وهذا الخطر األقل حدة الذي‬
‫الفصل الثاني‪ :‬منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الدولية‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫رمزي بليل (تونس)‬

‫‪34‬‬

‫تمت معالجة موضوع منطق ومنطلقات الجهات الفاعلة الدولية من قبل‬


‫السيدة كريستين م‪ .‬ميركل‪ ،‬نائب رئيس المؤسسة األورو‪-‬متوسطية لدعم‬
‫المدافعين عن حقوق اإلنسان‪ ،‬ورئيسة مديرية الثقافة واالتصال (ذاكرة العالم)‪،‬‬
‫اللجنة األلمانية لليونسكو‪ ،‬وقد عملت السيدة ميركل على إدارة الحوار؛ وشارك‬
‫كمعقب السيد أندرو كالريت‪ ،‬المدير التنفيذي لمؤسسة آنا ليند للحوار بين‬
‫الثقافات (إسبانيا‪-‬مصر)‪ .‬وتكون فريق المتحدثين من التالية أسماؤهم‪:‬‬
‫الدكتورة بسمة قضماني‪ ،‬المديرة التنفيذية لمبادرة اإلصالح العربي (فرنسا‪-‬‬
‫سوريا)‪ ،‬والدكتور مايكل سينغ‪ ،‬المدير اإلداري لمعهد واشنطن لسياسات‬
‫الشرق األدنى (الواليات المتحدة األمريكية)‪.‬‬
‫وفهمهم للتطورات الحثيثة الجارية في‬ ‫‪ 1-2‬منطق ومنطلقات الجهات‬
‫الفصل الثاني‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية‬

‫المجتمعات العربية‪.‬‬ ‫الفاعلة األوروبية في مواجهة‬


‫‪2)2‬سوف تتأثر سياساتهم بالضرورة تأثرا‬ ‫التغييرات الديمقراطية في العالم‬
‫كبيرا‪ ،‬ولكن هل سير َقون إلى مستوى‬ ‫العربي‬
‫التحدي ويضطلعون بدور حاسم في‬
‫عملية االنتقال؟‬ ‫بسمة قضماني‬
‫مبادرة اإلصالح العربي‪ ،‬باريس‬
‫أوال‪ .‬تصورات متغيرة وسط مخاوف‬
‫مستمرة‬ ‫تركز هذه الورقة على منطق الجهات‬
‫الفاعلة األوروبية في التعامل مع التغيرات‬
‫ساد تصور في مستهل ثورتي تونس‬ ‫الديمقراطية الحاصلة في العالم العربي‪.‬‬
‫ومصر بأن التيار اإلسالمي كان على وشك‬ ‫وفي حين أن منطقها متأث ٌر بوضوح بموقف‬
‫االنتصار في العالم العربي‪ .‬ومما يبعث‬ ‫الواليات المتحدة‪ ،‬فإن األوروبيون يتصرفون‬
‫على االستغراب‪ ،‬أن رد الفعل هذا كان‬ ‫كجهات فاعلة خارجية وكجيران في الوقت‬
‫في أوروبا أكثر انتشارًا في أوساط الزعماء‬ ‫ذاته‪.‬‬
‫السياسيين منه في المجتمعات‪ .‬فقد أدرك‬
‫الرأي العام والمثقفون ووسائل اإلعالم‬ ‫تتمثل إحدى الركائز األساسية لسياسة‬
‫في أوروبا وفي وقت مبكر طبيعة الحركة‬ ‫أوروبا نحو البلدان الواقعة على الساحل‬
‫القائمة وأشاروا إلى القيم العالمية في‬ ‫الجنوبي للبحر المتوسط في حرصها على‬
‫‪35‬‬
‫مجال حقوق اإلنسان وسيادة القانون التي‬ ‫األمن وبالتالي االستقرار‪ .‬وعلى مرّ العقود‬
‫رفع شعارها المتظاهرون‪ .‬وكان لهم دور في‬ ‫الثالثة الماضية‪ ،‬ساد منطق احتواء الجنوب‬
‫تصوير المطالب الديمقراطية التي تنشدها‬ ‫رغم كل الحديث والمبادرات الداعية إلى‬
‫المجتمعات العربية بأنها موجهة أيضا إلى‬ ‫شراكة أورو‪-‬متوسطية لتحقيق التنمية‬
‫قادة الشمال‪ ،‬وفي إقناع هؤالء القادة من‬ ‫المشتركة‪ ،‬وإقامة حوارات بين المجتمعات‪،‬‬
‫أجل إبداء دعمهم لتغير األنظمة‪ .‬كما إن‬ ‫وحرص أوروبا المعلن على تعزيز حقوق‬
‫وزراء الخارجية في البلدان األوروبية الرئيسية‬ ‫اإلنسان والديمقراطية‪ .‬وقد أقيمت شراكات‬
‫(فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا)‬ ‫ناجحة مع قادة المغرب والمشرق العربي‬
‫الذين لديهم معرفة عميقة بالمجتمعات‬ ‫بشأن مكافحة اإلرهاب‪ ،‬وضبط الحدود لمنع‬
‫العربية قد قاموا بدور حاسم في الدفع نحو‬ ‫تدفق المهاجرين إلى أوروبا‪ ،‬ومراقبة األفكار‬
‫تغيير تصور الحكومات األوروبية حيال الثورات‬ ‫ً‬
‫مراقبة وثيقة‪.‬‬ ‫اإلسالمية واإلسالميين‬
‫وموقفها منها‪.‬‬
‫أما اليوم‪ ،‬فهذا المنطق يواجه تحديات‬
‫هناك تصوران متناقضان سيظالن يقودان‬ ‫جسيمة تفرضها التغيرات الديمقراطية‬
‫المواقف األوروبية‪ :‬أحدهما يرى الحركات‬ ‫الحاصلة في الجنوب‪.‬‬
‫الثورية بمثابة تأكيد على أن المنطقة‬ ‫‪1)1‬اضطر األوروبيون إلى إعادة النظر‬
‫العربية مضطربة وأنها ستظل مصدرا لعدم‬ ‫في موقفهم ونظرتهم للبلدان‬
‫االستقرار والتهديد بالنسبة ألوروبا؛ أما الثاني‬ ‫العربية‪ .‬وفي حين سوف يظل منطق‬
‫فرصة تاريخية للدخول‬‫ٌ‬ ‫فيرى بأن تلك الثورات‬ ‫األمن الشاغل األكبر‪ ،‬فإن األوروبيين‬
‫في شراكات استراتيجية مع الجنوب وبناء‬ ‫منخرطون في عملية تحول فكري‬
‫فضاء أورو‪-‬متوسطي مستقر ومشترك‬ ‫ونفسي على صعيد تصورهم‬
‫يُستبعد أن تتسبب التغيرات الديمقراطية‬ ‫على أُسس جديدة‪ .‬ويوجد هذان التصوران‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫في الجنوب في تغيير هذا الموقف؛ بل إن‬ ‫في آن واحد داخل المؤسسات األوروبية‬
‫الخطر يكمن في إمكانية أن تسعى بعض‬ ‫ويعكسان مدى الصعوبة في التوفيق بين‬
‫األحزاب السياسية اليمينية المتطرفة التي‬ ‫الشواغل المتباينة‪.‬‬
‫أجّ جت المخاوف من اإلسالم في مجتمعاتها‬
‫بربط مسألة التنقل بعلمنة المجتمعات‬ ‫أعلنت الممثلة السامية لالتحاد األوروبي‬
‫العربية وليس بإرساء الديمقراطية فيها‪.‬‬ ‫لشؤون السياسة الخارجية واألمن‪ ،‬كاثرين‬
‫آشتون‪ ،‬عن خطة أوروبية جديدة لها ثالثة‬
‫وبالنسبة لمجتمع حقوق اإلنسان‪ ،‬ثمة حاجة‬ ‫عناصر هي المال والولوج إلى األسواق‬
‫ملحة للترويج لمبدأ التنقل كحق من حقوق‬ ‫والتنقل‪ .‬وسوف يكون عنصر المال على‬
‫التنمية البشرية‪ .‬إن الشباب العربي بحاجة‬ ‫األرجح العنصر األسهل تنفيذا بالنسبة ألوروبا؛‬
‫إلى اإللتحاق بالمؤسسات التعليمية ومزاولة‬ ‫أما عنصر الولوج إلى األسواق‪ ،‬أي إزالة القيود‬
‫التدريب المهني في بلدان الشمال من أجل‬ ‫المفروضة على وصول بضائع معينة من‬
‫المساهمة في اندماجهم في اقتصادات‬ ‫الصناعات الحاسمة للتنمية االقتصادية في‬
‫بلدانهم األصلية وتحفيز النمو االقتصادي‪.‬‬ ‫بلدان الجنوب (المنتجات والصناعات الزراعية‬
‫وتُعتبر برامج االتحاد األوروبي التي تنظم‬ ‫والمنسوجات)‪ ،‬فستواجه على األرجح بعض‬
‫تداول المهنيين من الشباب العرب جانبا‬ ‫المعارضة من بلدان جنوب أوروبا؛ أما العنصر‬
‫أساسيا في التنمية المشتركة مع الجنوب‬ ‫الثالث المتمثل في التنقل فهو األكثر‬
‫ً‬
‫رغبة في‬ ‫تدعي الحكومات األوروبية‬
‫التي ّ‬ ‫إشكالية من وجهة النظر في أوروبا ومن‬
‫إقامتها‪.‬‬ ‫المستبعد أن يتحقق قريبا‪ .‬غير أنه الجانب األبرز‬ ‫‪36‬‬
‫واألهم من جوانب هذه العالقة‪ ،‬إن البلدان‬
‫ثان ًيا‪ .‬التحديات المقبلة‬ ‫األوروبية تعلم‪ ،‬من الناحية المنطقية‪ ،‬بأن‬
‫اقتصاداتها تحتاج إلى اليد العاملة المهاجرة‬
‫‪ )1‬التشارك مع أنظمة ديمقراطية‬ ‫ولكن هذه البلدان عاجزة سياسيا عن تسويق‬
‫تحمل حكومتا تونس ومصر في مرحلة‬ ‫هذه الحقيقة للرأي العام فيها‪ .‬وما نراه في‬
‫ما بعد االستبداد توقعات كبيرة من أوروبا‪.‬‬ ‫المقابل هو تخوف مفرط من المهاجرين غير‬
‫وهما تعتبران أنهما أنجزتا ثورتيهما باالعتماد‬ ‫الشرعيين الذين يحطون رحالهم في جزيرة‬
‫على قوتهما الذاتية‪ .‬إن التراجع عن الماضي‬ ‫وإحياء لمتالزمة «قوارب الموت‪».‬‬
‫ٌ‬ ‫المبيدوزا‬
‫وبناء مؤسسات ديمقراطية سيجري إلى حد‬
‫كبير بواسطة عمليات أصيلة داخلية‪ .‬غير أن‬ ‫لقد بِتنا نشهد تراجعا في موقف القادة‬
‫التنمية االقتصادية والوعد بمستقبل أفضل‬ ‫السياسيين مثل المستشارة األلمانية أنجيال‬
‫ال يمكن أن يتحققا دون دعم خارجي‪.‬‬ ‫ميركل والرئيس الفرنسي نيكوال ساركوزي‬
‫الذين أعلنا على المأل «فشل التعددية‬
‫سوف تبحث حكومتا مصر وتونس‪ ،‬بعد أن‬ ‫الثقافية» كنموذج لمجتمعيهما ودعيا إلى‬
‫أصبح بوسعهما القول إنهما تمثالن اآلن‬ ‫ضرورة الدفاع عن الهوية الوطنية والثقافة‬
‫نظاما سياسيا شرعيا‪ ،‬عن الدعم التقني‬ ‫األصلية (في تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ 2010‬و شباط‪/‬‬
‫في الكثير من المجاالت‪ .‬وثمة رسالة واضحة‬ ‫فبراير ‪ 2011‬على التوالي)‪ .‬إن تصريحاتهما‬
‫تبعث بها كلتا الحكومتين تفيد بأن الدعم‬ ‫هذه تتناقض ومصالحهما االجتماعية‬
‫الموجه لتعزيز حقوق اإلنسان والديمقراطية‬ ‫واالقتصادية‪ ،‬غير أن نجاتهما سياسيا هي‬
‫ليس أولوية‪ .‬فما هم بحاجة ماسة إليه هو‬ ‫األولية كما يتضح من ذلك‪ .‬وفي هذا الصدد‪،‬‬
‫بين أوروبا وكافة البلدان العربية‪ .‬وهذا إنجاز‬ ‫الدعم المالي واالقتصادي والتدابير التجارية‬
‫الفصل الثاني‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية‬

‫كبير لمجتمع حقوق اإلنسان وال رجعة فيه‪.‬‬ ‫التي من شأنها أن تساعدهم في مواجهة‬
‫وفي مواجهة القمع المتواصل‪ ،‬تعكف‬ ‫التحديات الهائلة للتنمية االقتصادية‪،‬‬
‫البلدان األوروبية بسرعة على نشر مجموعة‬ ‫وتلبية االحتياجات الملحة في مجال اإلغاثة‬
‫من اآلليات التي تتيح لها ممارسة الضغط‬ ‫االجتماعية‪ .‬وهم‪ ،‬إلى اآلن‪ ،‬لم يروا ارتفاعا في‬
‫على الحكومات االستبدادية‪ ،‬إذ تقوم‬ ‫حجم المساعدات االقتصادية التي يخصصها‬
‫بالتصعيد الحذر في صياغة البيانات العامة‬ ‫االتحاد األوروبي إلى أكثر مما كانت عليه في‬
‫التي تدين العنف وتشير إلى النتيجة‬ ‫السابق‪.‬‬
‫المتمثلة في فقدان الشرعية وإلى التدابير‬
‫المالية والقانونية التي تستهدف أفرادا‬ ‫إن تغيير المواقف في طريقة تقديم‬
‫محددين من النخبة الحاكمة؛ وتقوم كذلك‬ ‫المساعدات وإدارة التحديات سيكون مهما‬
‫باستخدام المحافل الدبلوماسية المختلفة‬ ‫بقدر أهمية حجم المساعدات نفسها‪.‬‬
‫(مؤسسات االتحاد األوروبي‪ ،‬ومجلس‬ ‫فللحكومات العربية الديمقراطية ما يبرر‬
‫األمن التابع لألمم المتحدة‪ ،‬والهيئات‬ ‫سعيها إلى عالقة قائمة على شراكة حقيقية‬
‫المتخصصة التابعة لألمم المتحدة)؛‬ ‫تحترم أولوياتها‪.‬‬
‫والتنسيق مع منظمات حقوق اإلنسان غير‬
‫الحكومية والتهديد بالمالحقة القضائية‬ ‫‪ )2‬التعامل مع الحكومات غير الشرعية‬
‫عبر المؤسسات القضائية الدولية أو القيام‬ ‫بدت مصر وتونس بأنهما قد شقتا طريقا‬
‫بذلك فعليا‪.‬‬ ‫لالنتقال السلمي بعيدا عن االستبداد‪ ،‬بيد‬
‫‪37‬‬
‫أن استجابة نظام القذافي للثورة في ليبيا‬
‫الخالصة‬ ‫تشير إلى سيناريوهات أكثر عنفا في سياقات‬
‫أخرى‪ ،‬في حين أن البحرين وسوريا توحيان‬
‫تدرك البلدان األوروبية جيدا بأن نجاح االنتقال‬ ‫بأن الحكومات األوروبية سوف تواجه في‬
‫في مصر وتونس نحو نظام ديمقراطي‬ ‫ً‬
‫ضرورة‬ ‫الشهور وربما في السنوات القادمة‬
‫مستقر سوف يكون بمثابة مثال للبلدان‬ ‫لتحديد مواقفها نحو األنظمة السياسية‬
‫األخرى‪ .‬وقد أصبح اآلن بإمكان العالقات‬ ‫التي ستظل استبدادية‪.‬‬
‫القوية بين منظمات حقوق اإلنسان العربية‬
‫والدولية القائمة على القيم المشتركة أن‬ ‫تواجه تلك الحكومة معضلة رئيسية تتمثل‬
‫تستفيد من أرضية العمل الجديدة في هذين‬ ‫في أن الدفاع عن األنظمة االستبدادية الباقية‬
‫البلدين‪ .‬وينبغي لجماعات حقوق اإلنسان‬ ‫قد بات أمرا غير ممكن‪ .‬فقد تواصل بلدان‬
‫في مصر وتونس أن تشارك بصورة أكبر‬ ‫االتحاد األوروبي عالقاتها التجارية وتعاونها‬
‫في كل مجال تقريبا في إطار النظام لكي‬ ‫األمني مع تلك األنظمة بطرق خفية‪ .‬ولكن‬
‫تغرس قواعدها في المؤسسات والوثائق‬ ‫متى ما تعبأت الشعوب في هذه البلدان‬
‫القانونية التأسيسية وهي ما تزال في طور‬ ‫وواجهت القمع‪ ،‬فإنه سيستحيل سياسيا‬
‫التغيير‪.‬‬ ‫تبرير االستمرار في العمل كالمعتاد‪ ،‬مهما‬
‫كانت أهمية المصالح القائمة‪.‬‬
‫وعلى المستوى الحكومي الدولي‪ ،‬سوف‬
‫تالحظ الحكومات األوروبية على األرجح بأن‬ ‫شق جدول أعمال حقوق اإلنسان طريقه‬‫لقد ّ‬
‫الحكومات الديمقراطية العربية ستكون‬ ‫بقوة وفرض نفسه على العالقات القائمة عبر‬
‫أكثر حزما في الضغط لوضع مصالحها‬ ‫المنطقة المتوسطية‪ ،‬وعلى نطاق أوسع‬
‫هذا‪ ،‬لم يكن جفيرسون وحده من يحمل هذه‬ ‫واحتياجاتها في صلب جدول األعمال‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫المشاعر؛ إن اإليمان بالديمقراطية هو من‬ ‫وجعلها المحرك للشراكة األورو‪-‬متوسطية‪.‬‬
‫أعمق القيم المتجذرة على نطاق واسع في‬ ‫وال تستطيع أي حكومة ديمقراطية أن‬
‫أمريكا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وعلى الرغم من أن دعم‬ ‫تجازف بأن تبدو وكأنها الحارس أو الشرطي‬
‫الديمقراطية ظل دائما يرد في الخطابات‬ ‫ألمن أوروبا في مقابل إيداع أصولها المالية‬
‫الرئاسية‪ ،‬إال أن النهوض بالديمقراطية‬ ‫المكتسبة بطرق غير مشروعة في بنوك‬
‫بوصفه عنصرا رئيسيا في سياسة الواليات‬ ‫أوروبية‪ ،‬أو توافق على سياسيات اقتصادية‬
‫المتحدة في الشرق األوسط يمثل أمرا جديدا‬ ‫تنطوي على تضحيات ال يطيقها شعبها‪.‬‬
‫نسبيا‪ .‬ووفقا للباحث كين واالك‪ ،‬رئيس‬ ‫إن من الموروثات المؤلمة التي خلفتها‬
‫المعهد الوطني للديمقراطية‪“ ،‬أتت نقطة‬ ‫السلطوية المستبدة كب ُتها للحوار اإلقليمي‬
‫االنعطاف في السياسية األمريكية ‪ ...‬أثناء‬ ‫بشأن النموذج المناسب للتنمية االقتصادية‬
‫عقد الثمانينات من القرن الماضي عندما تم‬ ‫وبشأن المسؤوليات االجتماعية األساسية‬
‫استقاء درس مهم حول التحول السياسي‬ ‫التي ينبغي أن تضطلع بها الدولة‪ .‬ومن‬
‫في بلدان مثل شيلي ونيكاراغوا والفلبين‬ ‫موروثاتها أيضا أنها سمحت بقواعد‬
‫‪ ...‬فالقوى السياسية في أقصى اليمين‬ ‫السوق الالإنسانية بأن تسود بدال من تلك‬
‫وفي أقصى اليسار تمتعت بعالقات تعزز‬ ‫المسؤوليات االجتماعية األساسية‪ .‬أما اآلن‪،‬‬
‫بعضها بعضا‪ ،‬مما أدى إلى تهميش القوى‬ ‫فستكون لدى الحكومات الديمقراطية‬
‫الديمقراطية التي تقع في الوسط”‪ 2.‬لقد‬ ‫في الجنوب السلطة المعنوية والسياسية‬
‫تحدث الرؤساء ريغان وجورج أتش‪ .‬دبليو‪.‬‬ ‫لالنخراط في عملية تشاورية مع أوروبا من‬
‫بوش وكلنتون بقوة تأيدا للديمقراطية؛ إال‬ ‫أجل إعادة تحديد حجم الدولة ودورها من أجل‬ ‫‪38‬‬
‫أنه وحتى وصول إدارة الرئيس جورج دبليو‬ ‫نموذج إنمائي أكثر إنسانية‪.‬‬
‫بوش‪ ،‬لم تكن فكرة النهوض بالديمقراطية‬
‫في صلب السياسة األمريكية نحو الشرق‬ ‫‪ 2-2‬نهج الواليات المتحدة األمريكية‬
‫األوسط‪.‬‬ ‫للنهوض بالديمقراطية في الشرق‬
‫األوسط‬
‫إن اعتناق إدارة الرئيس بوش لفكرة النهوض‬
‫بالديمقراطية لم يجعلها تخرج عن كونها‬ ‫مايكل سينغ‬
‫ركنا من أركان السياسة األمريكية في‬ ‫معهد واشنطن لسياسات الشرق األدنى‪،‬‬
‫المنطقة‪ ،‬بل أن العكس هو الصحيح‪ .‬فقد‬ ‫واشنطن العاصمة‬
‫اختلطت جهود النهوض بالديمقراطية‬
‫مع سياسات أخرى سعت لها إدارة الرئيس‬ ‫ثمة جذور عميقة لفكرة النهوض‬
‫بوش‪ ،‬وأهمها الحرب في العراق والحملة‬ ‫بالديمقراطية لدى الحكومة األمريكية‪ ،‬وربما‬
‫التي تقودها الواليات المتحدة لمكافحة‬ ‫تعود إلى عهد توماس جفيرسون‪ .‬ففي عام‬
‫اإلرهاب في العالم – مما أدى إلى حالة‬ ‫‪ ،1793‬عندما كانت الثورية الفرنسية تتحول‬
‫من االستقطاب في مجتمع السياسيين‬ ‫إلى الفوضى والوحشية‪ ،‬كتب جفيرسون‬
‫األمريكيين بحلول عام ‪ .2008‬وانتقد محللون‬ ‫“كنت سأفضل أن يخرب نصف األرض‪ ،‬بدال‬
‫من اليسار مساعي النهوض بالديمقراطية‬ ‫من أن تفشل الثورة”‪ .‬وواصل القول‪“ ،‬ولو لم‬
‫أثناء عهد الرئيس بوش بوصفها مفرطة‬ ‫يتبق سوى آدم واحد وحواء واحدة في كل‬ ‫َ‬
‫في اعتمادها على القوة العسكرية‪،‬‬ ‫بلد وأن يكونا أحرارا‪ ،‬لكان أفضل مما هو عليه‬
‫ومختلطة على نحو غير مالئم مع جهود‬ ‫الحال اآلن‪ .”1‬وعلى الرغم من كل حماسه‬
‫ولكن هؤالء النقاد أنفسهم ينزعون إلى‬ ‫مكافحة اإلرهاب‪ ،‬وغير متسقة‪ .‬حتى أن‬
‫الفصل الثاني‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية‬

‫الخلط بين نقدهم لجهود اإلدارة األمريكية‬ ‫الباحثة مارينا أوتواي من مؤسسة كارنيغي‬
‫للنهوض بالديمقراطية وبين عدم رضاهم‬ ‫للسالم الدولي ذهبت إلى القول إن “جهود‬
‫عن سياسات أمريكية أخرى في المنطقة‪.‬‬ ‫النهوض بالديمقراطية في الشرق األوسط‬
‫فالمحلل نفسه‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬قال‬ ‫‪3‬‬
‫لم تؤ ِد إلى نتائج إيجابية”‪.‬‬
‫أن استثمار جهود أكبر في المفاوضات‬
‫كان”ضرورة‬ ‫الفلسطينية‬ ‫اإلسرائيلية‬ ‫على الرغم من مثل هذه اآلراء‪ ،‬وبصرف النظر‬
‫إستراتيجية” لتحسين جهود واشنطن في‬ ‫عن موقف المرء من حرب العراق أو الجهود‬
‫نشر الديمقراطية‪ .‬ونصح بأن “الفرصة للدفع‬ ‫الدولية لمكافحة اإلرهاب‪ ،‬ثمة أدلة تشير إلى‬
‫بالديمقراطية في الشرق األوسط [ في عهد‬ ‫أن الجهود األمريكية للنهوض بالديمقراطية‬
‫الرئيس أوباما] تبدو أقل كثيرا مما كانت عليه‬ ‫خالل الفترة بين عامي ‪ 2009-2001‬قد أدت إلى‬
‫‪6‬‬
‫في عهد سلفه”‪.‬‬ ‫نتائج مهمة‪ .‬فوفقا للباحث واالك‪“ ،‬حتى‬
‫عام ‪ ،2003‬وفر الحث المتواصل من قبل‬
‫ولهذا السبب‪ ،‬فليس مفاجئا أن ينتهج‬ ‫الرئيس بوش‪ ،‬وخصوص ًا ما يتعلق بالشرق‬
‫الرئيس أوباما نهجا أكثر تواضعا بخصوص‬ ‫األوسط‪ ،‬قدرا جيدا من الفضاء السياسي‬
‫نشر الديمقراطية مقارنة بما انتهجه سلفه‪.‬‬ ‫لإلصالح ‪ ...‬وفي الواقع‪ ،‬أصبحت معايير الحرية‬
‫وعندما تم توجيه سؤال لوزيرة الخارجية‪،‬‬ ‫والديمقراطية وعلى نحو مضطرد جزءا من‬
‫هيالري كلينتون‪ ،‬فيما إذا كانت ستثير‬ ‫الخطاب العام والمطالب في المنطقة‪.‬‬
‫قضية حقوق اإلنسان خالل اجتماعها مع‬ ‫وحتى في األماكن التي كان التقدم‬
‫‪39‬‬
‫القادة الصينيين في بكين في شباط‪/‬فبراير‬ ‫الديمقراطي فيها ضئيال‪ ،‬أخذت لغة الجدال‬
‫‪ ،2009‬أكدت الوزيرة على أن “تشديدنا على‬ ‫تتغير‪ ،‬وهذا ليس إنجازا بسيطا”‪ .‬وفي عام‬
‫[حقوق اإلنسان] لن يتدخل في حواراتنا‬ ‫‪ ،2001‬صنفت مؤسسة “فريدوم هاوس” أربعة‬
‫بشأن األزمة االقتصادية العالمية‪ ،‬وأزمة‬ ‫عشر بلدا من بلدان الشرق األوسط وشمال‬
‫تغير المناخ العالمية‪ ،‬وأزمة األمن”‪ 7.‬وذكر‬ ‫إفريقيا على أنها “ليست حرة”‪ ،‬وثالثة بلدان‬
‫الرئيس أوباما موضوع الديمقراطية بوصفه‬ ‫أخرى على أنها “حرة جزئيا”‪ .‬وفي عام ‪2008‬‬
‫الموضوع الخامس من ضمن سبعة قاضيا‬ ‫‪4‬‬
‫أصبح الرقم ‪ 11‬و ‪ 6‬على التوالي‪.‬‬
‫طرحها للنقاش في الخطاب الذي ألقاه‬
‫في القاهرة في ‪ 4‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2009‬ولكنه‬ ‫بيد أنه عندما وصلت إدارة الرئيس أوباما‪ ،‬ظهر‬
‫تعرض للنقد ألنه ظهر غير مهتم باحتجاجات‬ ‫أن نفورا كبيرا بدء ينتشر بين اليسار السياسي‬
‫المعارضة في إيران التي جرت قبل بضعة‬ ‫نحو النهج العام الذي انتهجه الرئيس بوش‬
‫أيام فقط من يوم إلقاء الخطاب‪ .‬وأدلى‬ ‫فيما يخص الشرق األوسط‪ ،‬وأن هذا النفور‬
‫نائب الرئيس‪ ،‬جوزيف بايدن‪ ،‬بتعليقات حول‬ ‫قد يدشن نهاية جهود واشنطن للنهوض‬
‫الموضوع أثناء مشاركته في مؤتمر أمني‬ ‫بالديمقراطية في المنطقة‪ .‬وقد وجه‬
‫عقد في ميونخ في ‪ 7‬شباط‪/‬فبراير ‪،2009‬‬ ‫منتقدو إدارة الرئيس بوش اتهاما لها بخلط‬
‫وأوضح النهج الذي تنتهجه إدارة أوباما بشأن‬ ‫جهود النهوض بالديمقراطية على نحو غير‬
‫قضية النهوض بالديمقراطية‪ ،‬إذ قال نائب‬ ‫مالئم مع أهداف غير متعلقة بها‪ ،‬وقال أحد‬
‫الرئيس‪“ :‬لقد وضعت إدارتنا أهدافا طموحة‪...‬‬ ‫المحللين إن ذلك أدى إلى “إرسال رسالة بأن‬
‫الدفع بالديمقراطية ليس من خالل فرضها‬ ‫أجندة الديمقراطية والحرية تتعلق قبل كل‬
‫بالقوة من الخارج‪ ،‬وإنما من خالل العمل‬ ‫شيء بمصالح ذاتية وتهدف إلى تحويل‬
‫مع المعتدلين في الحكومات والمجتمع‬ ‫‪5‬‬
‫المجتمعات لتحقيق مصالح أمريكية”‪.‬‬
‫الدوحة أمام القادة العرب‪ ،‬ودعت بلدان‬ ‫المدني لبناء المؤسسات التي تحمي‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫المنطقة إلى “إجراء اإلصالحات السياسية‬ ‫الحرية”‪ 8.‬لقد شكل تصريح نائب الرئيس‪،‬‬
‫التي من شأنها خلق الفضاء الذي يطالب به‬ ‫بايدن‪ ،‬إشارة مبكرة على الخطوط األساسية‬
‫الشباب‪ ،‬كي يشاركوا في الشؤون العامة‬ ‫لنهج أوباما – نبذ سياسة الرئيس بوش‬
‫وأن يكون لهم دور مهم في اتخاذ القرارات‬ ‫بشأن نشر الديمقراطية‪ ،‬والتركيز على جهود‬
‫التي تؤثر على حياتهم”‪ .‬إضافة إلى ذلك‪،‬‬ ‫المجتمع المدني “من أسفل الهرم إلى‬
‫تضمنت ميزانية اإلدارة األمريكية للعام ‪2011‬‬ ‫أعاله” وبناء المؤسسات بدال من الضغط‬
‫زيادة في تمويل دعم الديمقراطية في‬ ‫من األعلى إلى األسفل على حكومات‬
‫الشرق األوسط‪.‬‬ ‫المنطقة‪ .‬ثمة عناصر محددة من نهج أوباما‬
‫نالت دعما واسع النطاق‪ ،‬مثل التأكيد على‬
‫ولكن من غير الواضح مدى التغير الذي‬ ‫حرية شبكة اإلنترنت وإمكانية الحصول على‬
‫حدث‪ ،‬وقد أثيرت تساؤالت في هذا الصدد‬ ‫التكنولوجيا؛ في حين تعرضت جوانب أخرى‬
‫بسبب استجابة إدارة الرئيس أوباما البطيئة‬ ‫إلى النقد‪ ،‬مثل تقليص دور الواليات المتحدة‬
‫وغير المتسقة الحتجاجات حركات المعارضة‬ ‫في قيادة الديمقراطية‪ ،‬والتركيز على الحكم‬
‫في تونس ومصر وليبيا وأماكن أخرى‪ .‬إن‬ ‫بدال من نشر الديمقراطية‪ ،‬والتركيز على‬
‫الميزانية األمريكية المخصصة للبرامج‬ ‫النزاع اإلسرائيلي الفلسطيني كوسيلة‬
‫الخاصة “بالديمقراطية” في الشرق األوسط‬ ‫للتصدي لقضايا إقليمية‪.‬‬
‫تتزايد‪ ،‬ولكنها تظل مركزة إلى حد بعيد على‬
‫جانب “الحكم” بدال من التغيير السياسي‪.‬‬ ‫ومع مرور الوقت‪ ،‬ظهر أن إدارة أوباما تضع‬
‫كما ظل التغيير الذي جرى لطريقة تسليم‬ ‫تركيزا أكبر على الديمقراطية في خطابها‬ ‫‪40‬‬
‫المساعدات على حاله‪ ،‬مثال المتطلبات‬ ‫العام‪ .‬وقد يكون ذلك ناشئا عن تضاؤل‬
‫بوجوب أن يمر التمويل األمريكي‬ ‫النزعة مع مرور الوقت التخاذ مواقف سياسية‬
‫للديمقراطية عبر منظمات غير حكومية‬ ‫مختلفة بوضوح عن مواقف إدارة الرئيس‬
‫حائزة على موافقة الحكومة المصرية‬ ‫بوش‪ ،‬أو نتيجة لالنتقادات التي تعرضت لها‬
‫(السابقة)‪ .‬حتى مستويات التمويل بدت‬ ‫اإلدارة في إعقاب استجابتها المثيرة للحيرة‬
‫أنها تتأثر بالرغبة بتحسين العالقات مع‬ ‫لالحتجاجات التي جرت في إيران في عام ‪.2009‬‬
‫األنظمة الموجودة في المنطقة‪ .‬فقد أشار‬ ‫وقد ألقى الرئيس أوباما خطابا أمام الجمعية‬
‫'المشروع الخاص بالديمقراطية في الشرق‬ ‫العامة لألمم المتحدة في أيلول‪/‬سبتمبر‬
‫األوسط' إلى المالحظات التالية فيما يخص‬ ‫‪ 2010‬حاجج فيه بقوة على أهمية النهوض‬
‫المساعدات األمريكية لمصر‪:‬‬ ‫بالديمقراطية‪ .‬وقد أكد على أن “أولئك الذين‬
‫يدافعون عن القيم [العالمية] لشعوبهم‬
‫“لقد اقترحت اإلدارة األمريكية أن مصر تفتقر‬ ‫ظلوا أقرب أصدقائنا وحلفائنا‪ ،‬بينما اختار‬
‫للقدرة كي تستوعب على نحو مالئم‬ ‫الذين ينكرون هذه الحقوق – سواء كانوا‬
‫مستوى التمويل للديمقراطية والحكم‬ ‫مجموعات إرهابية أو حكومات استبدادية‬
‫والمخصص للسنة المالية ‪ 2006‬وحتى‬ ‫– أن يظلوا أعداء لنا”‪ .‬كما صرح أيض ًا‪“ ،‬إن‬
‫السنة المالية ‪ ،2008‬مما دفع إلى حدوث‬ ‫الديمقراطية تحقق الكثير للمواطنين‪ ،‬وأكثر‬
‫تقليص كبير في ميزانية السنة المالية ‪.2009‬‬ ‫من أي نظام حكم آخر‪ .‬وهذه الحقيقة ستزداد‬
‫وإذا كانت الضفة الغربية وغزة ولبنان (وكل‬ ‫قوة في هذا العالم الذي أخذت تتالشى فيه‬
‫منها يقل عدد سكانه عن ‪ 5‬ماليين نسمة)‬ ‫الحدود”‪ 9.‬وفي كانون الثاني‪/‬يناير ‪ ،2011‬ألقت‬
‫تستطيع استيعاب ‪ 41.5‬مليون دوالر أمريكي‬ ‫وزيرة الخارجية‪ ،‬هيالري كلينتون‪ ،‬خطابا في‬
‫األمرين مع ًا‪ .‬وأصبحت هذه الفكرة مرفوضة‬ ‫و ‪ 23.2‬مليون دوالر أمريكي على التوالي من‬
‫الفصل الثاني‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية‬

‫حالي ًا‪ ،‬على األقل من الناحية النظرية إن لم‬ ‫التمويل للديمقراطية والحكم‪ ،‬فسيبدو من‬
‫يكن في الممارسة العملية دائما‪ ،‬وذلك‬ ‫غير المرجح أن مصر (والتي يبلغ عدد سكانها‬
‫من قبل إدارتي الرئيسين بوش وأوباما‪ .‬لقد‬ ‫‪ 80‬مليون نسمة ويوجد فيها أكثر من ‪15,000‬‬
‫دحضت وزيرة الخارجية السابقة كونداليسا‬ ‫منظمة غير حكومة) غير قادرة على استيعاب‬
‫رايس فكرة أن الواليات المتحدة يمكنها أن‬ ‫‪01‬‬
‫‪ 25‬مليون دوالر من هذا النوع من التمويل‪”.‬‬
‫تشتري االستقرار على حساب الديمقراطية‪،‬‬
‫وذلك في خطاب ألقته في عام ‪ 2005‬في‬ ‫وعلى نحو مماثل‪ ،‬وفيما أثار خطاب الرئيس‬
‫الجامعة األمريكية في القاهرة‪ ،‬وقد حددت‬ ‫أوباما في األمم المتحدة وخطاب الوزيرة‬
‫في الخطاب عددا من اإلصالحات السياسية‬ ‫كلينتون في الدوحة الكثير من الحماس‪ ،‬إال‬
‫المحددة التي كانت الحكومة تضغط على‬ ‫أنهما لم يحددا أي بلد أو إجراء محدد ترغب‬
‫الحكومة المصرية كي تنفذها‪ .‬وفي مناظرة‬ ‫الواليات المتحدة من قادة المنطقة أن‬
‫أثناء االنتخابات الرئاسية األمريكية جرت عام‬ ‫يقوموا به‪ .‬وفيما أصبحت الخطابات أكثر‬
‫‪ ،2007‬أكد أوباما الذي كان حينها مرشحا‬ ‫قوة‪ ،‬ظل النهج األساسي كما هو حتى بدأت‬
‫للرئاسة‪ ،‬على ما ذهبت إليه الوزيرة رايس‬ ‫انتفاضات عام ‪ ،2011‬والذي يتمثل في التركيز‬
‫إذ قال أن حقوق اإلنسان واألمن القومي‬ ‫الكبير على الحكم والجهود الموجهة من‬
‫“ليسا أمرين متعارضين ‪ ...‬بل هما يكمالن‬ ‫القاعدة الشعبية نحو أعلى الهرم السياسي‪،‬‬
‫‪11‬‬
‫بعضهما”‪.‬‬ ‫مع حد أدنى من الضغط على الحكومات‪.‬‬
‫ستؤدي هذه الثورات من دون شك إلى إعادة‬
‫‪41‬‬
‫لقد أظهرت األحداث األخيرة في الشرق‬ ‫تقييم لنهج الواليات المتحدة حول النهوض‬
‫األوسط أن االستقرار الذي قدمته األنظمة‬ ‫بالديمقراطية في الشرق األوسط وما‬
‫الديكتاتورية يمكن أن يكون وهما‪ ،‬وفي‬ ‫يتجاوزه‪ ،‬ولكن ما زال الوقت مبكرا لتحديد‬
‫حين يوفر التاريخ أدلة عديدة على أن‬ ‫الكيفية التي ستؤثر فيها على سياسية‬
‫الديمقراطية تعزز السالم بعيد األمد واالزدهار‪،‬‬ ‫الواليات المتحدة‪ .‬ستتعرض واشنطن‬
‫فإنني أوضحت في مقالة نشرتها مؤخراً هذا‬ ‫لضغوط متعارضة كي تدفع نحو اإلصالح‬
‫االنقسام على النحو التالي‪:‬‬ ‫السياسي من ناحية‪ ،‬وكي تعزز التحالف‬
‫اإلقليمي من ناحية أخرى‪ .‬وسيتعين على‬
‫“عند ركوب الزوارق النهرية الصغيرة‪،‬‬ ‫إدارة الرئيس أوباما واإلدارات التي ستليها أن‬
‫يمكنك أن تختار أحد نوعين من‬ ‫تحدد ما إذا كانت هذه الجهود تكمل بعضها‬
‫االستقرار‪ ،‬ولكن ال يمكنك الحصول‬ ‫أم أنها متعارضة بالضرورة‪.‬‬
‫عليهما مع ًا‪ .‬فالزورق مسطح القعر‬
‫له إمكانية “استقرار أولي” كبيرة – إذ‬ ‫المصالح األمريكية والنهوض‬
‫يمخر المياه بسالسة‪ ،‬وال يرتج لألمام‬ ‫بالديمقراطية‬
‫والخلف‪ .‬ولكنه يتميز بمستوى‬
‫منخفض من “االستقرار النهائي” –‬ ‫ما زالت هناك أفكار متبقية من الفترة السابقة‬
‫ففي المياه المتدفقة‪ ،‬ينزع الزورق إلى‬ ‫في واشنطن‪ ،‬وهي أنه يتعين علينا االختيار‬
‫االنقالب بسرعة وبصفة كارثية‪ .‬أما‬ ‫ما بين تشجيع االستقرار وبين النهوض‬
‫الزورق ذو القعر المدبب‪ ،‬فهو عكس‬ ‫بالديمقراطية في الشرق األوسط‪ .‬وبمعنى‬
‫ذلك تمام ًا‪ ،‬فهو يوفر مستوى استقرار‬ ‫آخر‪ ،‬يمكن لنا إما أن ندفع بمصالحنا أو أن‬
‫أولي منخفض‪ ،‬مما يتطلب جهدا كبيرا‬ ‫نلتزم بقيمنا ولكن ال يمكن لنا القيام بكال‬
‫لهذا التعبير‪ .‬ولذلك‪ ،‬يمكن للنهوض‬ ‫لتوجيهه‪ ،‬كما ينزع للتأرجح المستمر‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫بالديمقراطية على المدى البعيد أن تخدم‬ ‫من جانب إلى آخر‪ .‬ولكن هذا النوع‬
‫المصالح الواضحة للواليات المتحدة من‬ ‫من الزوارق أسرع وأكثر فاعلية‪ ،‬كما أن‬
‫حيث االستقرار اإلقليمي في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫مستوى االستقرار النهائي الكبير يعني‬
‫أنها ال تنقلب في المياه المتدفقة‪،‬‬
‫وإلى جانب توطيد االستقرار السياسي‬ ‫ويمكن إعادته إلى الوضع المطلوب‬
‫على المدى البعيد‪ ،‬يمكن لجهود النهوض‬ ‫حتى عندما ينقلب”‪.‬‬
‫بالديمقراطية أيضا أن تحافظ على تأثير‬
‫الواليات المتحدة من خالل التحول في‬ ‫وال يختلف األمر فيما يتعلق باألنظمة‬
‫األنظمة الحاكمة‪ .‬إن االعتماد على دكتاتور‬ ‫الدكتاتورية‪.‬‬ ‫واألنظمة‬ ‫الديمقراطية‬
‫فرد للحفاظ على العالقات الثنائية المهمة‬ ‫فالديمقراطية تتضمن الكثير من الجداالت‪،‬‬
‫يشبه حافظة استثمارية ال يوجد فيها سوى‬ ‫كما هو واضح في حالة الواليات المتحدة‪،‬‬
‫نوع واحد من األسهم‪ ،‬فهذا األمر محفوف‬ ‫إذ ظل التوازن السياسي يتأرجح بين‬
‫بالمخاطر‪ ،‬وبصرف النظر عن ضخامة العوائد‬ ‫اليمين واليسار خالل السنوات الخمس‬
‫الموعودة‪ .‬لقد وصف الباحث لورن كرانير‪،‬‬ ‫الماضية‪ ،‬وحيث يمكن للخطاب السياسي‬
‫وهو رئيس المعهد الدولي للمحافظين‪ ،‬هذا‬ ‫أن يكون صاخب ًا‪ .‬ومن الناحية األخرى‪ ،‬نجد‬
‫الخطر في شهادة أدلى بها في ‪ 9‬شباط‪/‬فبراير‬ ‫أن الدكتاتوريات عادة ما تتمتع باستقرار‬
‫‪ 2011‬أمام الكونغرس األمريكي‪ ،‬إذ قال “إن‬ ‫مصطنع – حتى تصل إلى نقطة االنعطاف‪،‬‬
‫وجود روابط وثيقة مع الحكام المستبدين ال‬ ‫والتي عادة ما تأتي في وقت أسرع مما هو‬
‫يخدم مصالح الواليات المتحدة عندما يسقط‬ ‫متوقع‪ .‬وهكذا كان الحال في تونس‪ ،‬والتي‬ ‫‪42‬‬
‫هؤالء الحكام من هرم السلطة وعندما يتبع‬ ‫بدت كأنها واحة من الهدوء حتى تحولت‬
‫ذلك فراغ سياسي‪ .‬من المهم عندما تدعو‬ ‫شرارة صغيرة إلى حركة اجتاحت الحكم‬
‫الضرورة إلى إقامة عالقات مع حكومات‬ ‫الراسخ لزين العابدين بن علي‪.‬‬
‫استبدادية أن نخطط لليوم الذي لن تكون‬
‫فيه هذه الحكومات في السلطة‪ ،‬وأن نشجع‬ ‫تفتقر األنظمة الدكتاتورية إلى آليات‬
‫ونساعد الجهات التي يمكن أن تحل محلها”‪.‬‬ ‫التصحيح الذاتي وللمؤسسات التي توفر‬
‫وعلق كرانير أن الواليات المتحدة “واظبت‬ ‫استقرارا راسخا لألنظمة الديمقراطية‪ .‬فحرية‬
‫على تهيئة الجيل القادم من القادة” في‬ ‫التعبير وحرية التجمع وتعددية األحزاب‬
‫أوكرانيا وجورجيا وكيرقيزستان‪ ،‬ولهذا كانت‬ ‫وخضوعها للمساءلة‪ ،‬واالنتخابات الحرة‬
‫في موضع جيد لمواصلة العالقات الجيدة‬ ‫والنزيهة‪ ،‬واستقالل القضاء‪ ،‬هي جميعا ما‬
‫‪13‬‬
‫بعد أن حدثت ثورات في تلك البلدان‪.‬‬ ‫يؤلف هيكال حيويا للديمقراطية كي توفر‬
‫منفذا إلنصاف الناس من تظلماتهم‪ .‬ولكن‬
‫وفي حين وجه المحللون من اليسار‪ ،‬كما‬ ‫في األنظمة الدكتاتورية‪ ،‬يتم حرمان الناس‬
‫أشرنا أعاله‪ ،‬انتقادات إلى اإلدارات األمريكية‬ ‫من هذه المنافذ ويظل الغضب يشتعل‬
‫السابقة لقيامها بربط جهود النهوض‬ ‫تحت السطح‪ ،‬ويتفجر بين الفينة والفينة‬
‫بالديمقراطية مع الجهود الرامية إلى مكافحة‬ ‫‪12‬‬
‫على نحو عنيف‪.‬‬
‫اإلرهاب‪ ،‬فإن إدارة أوباما تصرفت بطريقة‬
‫صائبة إذ أكدت على أن اإلصالح السياسي هو‬ ‫يبدو هذه التشبيه خيالي ًا‪ ،‬ولكنه مالئم‪.‬‬
‫أمر ضروري لمكافحة التطرف‪ .‬وعلقت الوزيرة‬ ‫فاالستقرار الحقيقي ال يأتي عن طريق قمع‬
‫كلينتون في خطابها الذي ألقته في الدوحة‬ ‫التعبير السياسي‪ ،‬بل بالممارسة المسؤولة‬
‫أجل توفير رابط بين الفرعين‪ 15.‬قد يكون‬ ‫بالقول‪“ ،‬إذ لم يقدم القادة رؤيا إيجابية‬
‫الفصل الثاني‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية‬

‫من المغري‪ ،‬وأحيانا من المفيد سياسيا‪،‬‬ ‫ووفروا للشباب طرقا جدية للمساهمة‪،‬‬
‫التركيز على واحد فقط من هذه األفرع الثالثة‬ ‫فإن جهات أخرى ستمآل الفراغ‪ .‬فالعناصر‬
‫والتخلي عن الفرعين الباقيين‪ .‬ولكن من‬ ‫المتطرفة والجماعات اإلرهابية وجهات أخرى‬
‫المرجح أن القيام بذلك سيفشل وستكون‬ ‫التي تستغل اليأس والفقر تجتهد حاليا‬
‫له نتيجة عكسية‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬فإن‬ ‫في الوصول إلى الشباب وتطلب والءهم‬
‫الجهود التي تقتصر على العمل من األعلى‬ ‫وتنافس على التأثير عليهم”‪ .‬وقد أشار‬
‫لألسفل أو من األسفل إلى األعلى يمكن أن‬ ‫محللون آخرون إلى أن األنظمة االستبدادية‬
‫تبدو متسمة بالنفاق أو أن ترفع اآلمال بالتغيير‬ ‫والجماعات اإلسالمية أحيانا يعززان بعضهما‬
‫على نحو غير معقول؛ والتركيز حصريا على‬ ‫بعض ًا (كما أشار الباحث ووالك فيما يخص‬
‫بناء المؤسسات قد يؤدي ببساطة إلى زيادة‬ ‫أقصى اليسار وأقصى اليمين في أمريكا‬
‫كفاءة األنظمة االستبدادية‪.‬‬ ‫الجنوبية)‪ :‬فاألنظمة االستبدادية تستغل‬
‫األحزاب اإلسالمية لتوجيه االضطرابات‬
‫إن جهود النهوض بالديمقراطية المتجهة‬ ‫الشعبية‪ ،‬وفي الوقت نفسه تستغلها‬
‫من األعلى لألسفل تتضمن العمل مع‬ ‫لمطالبة الغرب بعدم ممارسة الضغوط‬
‫الحكومات أو الضغط عليها كي تفتح مجاال‬ ‫عليها إلجراء إصالحات سياسية‪ 14.‬وال أعني‬
‫للمشاركة الشعبية في السياسيات‪ .‬وفي‬ ‫بذلك أن الجماعات المتطرفة ال تشكل خطرا‬
‫حين أنه من المرجح أن ذلك يتضمن الضغط‬ ‫حقيقيا على الديمقراطيات حديثة النشأة‬
‫من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتنافسية‪،‬‬ ‫وأنها ال تستطيع استغالل التحول الهش في‬
‫‪43‬‬
‫وإقامة أنظمة لتعددية األحزاب‪ ،‬إال أنها ال‬ ‫الشرق األوسط‪.‬‬
‫تقتصر على الدعوة إلجراء انتخابات‪ .‬وفي‬
‫حين تم توجيه انتقادات للواليات المتحدة‬ ‫أخيراً‪ ،‬تتميز األنظمة القمعية في الشرق‬
‫في السابق بسبب تركيزها المفترض على‬ ‫األوسط أيضا بأن لديها مستويات مرتفعة من‬
‫االنتخابات وجهود النهوض بالديمقراطية‪،‬‬ ‫البطالة والفساد والكساد االقتصادي‪ .‬وإذا ما‬
‫أكد الباحث توم كاروثيرز من مؤسسة‬ ‫ترافق اإلصالح السياسي ونشر الديمقراطية‬
‫كارنيجي للسالم الدولي على أن “جهود‬ ‫مع إصالحات اقتصادية وزيادة في حركة‬
‫الواليات المتحدة للنهوض بالديمقراطية‪،‬‬ ‫األيدي العاملة ورأس المال والبضائع‪ ،‬فإن‬
‫وبرامجها وسياساتها‪ ،‬في معظمها‪ ،‬لم‬ ‫الواليات المتحدة واالقتصادات المنفتحة‬
‫تعكس تأكيدا حصريا أو حتى طاغيا على‬ ‫األخرى ستستفيد من ذلك‪.‬‬
‫االنتخابات”‪ 16.‬والجوانب األخرى من فتح‬
‫المجال السياسي تتضمن‪ ،‬ولكنها ال تقتصر‬ ‫نهج بثالثة أفرع للنهوض بالديمقراطية‬
‫على‪ ،‬زيادة المشاركة (مثال أمام النساء‬
‫واألقليات) في السياسة؛ وضمان الحريات‬ ‫عادة ما يكتنف الغموض الحوارات بشأن‬
‫المدنية مثل حرية التعبير‪ ،‬وحرية الصحافة‪،‬‬ ‫النهوض بالديمقراطية ألن عبارة النهوض‬
‫وحرية التجمع‪ ،‬وأيضا – كما أضافت الوزيرة‬ ‫بالديمقراطية تعني شيئا مختلفا للناس‬
‫كلينتون – “حرية االرتباط واالتصال”؛ وضمان‬ ‫المختلفين‪ .‬في الواقع فإن نهج ًا شام ً‬
‫ال‬
‫استقالل القضاء والمجالس التشريعية‪.‬‬ ‫للنهوض بالديمقراطية يتطلب ثالثة أفرع‪:‬‬
‫ويجب على الجهود من األعلى إلى األسفل‬ ‫عمل من األعلى لألسفل مع الحكومات‪،‬‬
‫أن تركز أيضا على اإلصالح السياسي‬ ‫عمل من األسفل إلى األعلى مع المجتمع‬
‫ومكافحة الفساد‪ ،‬والتي عادة ما تكون‬ ‫المدني‪ ،‬وجهود لبناء المؤسسات من‬
‫ولهذه األسباب وغيرها‪ ،‬فإن الواليات المتحدة‬ ‫وثيقة الصلة باألركان الهيكلية لألنظمة‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫كثيرا ما تحافظ على مسافة بينها وبين‬ ‫االستبدادية‪.‬‬
‫جهودها المتجهة من األسفل إلى أعلى‬
‫في مجال النهوض بالديمقراطية‪ ،‬فنجدها‬ ‫وفي حين يمكن للضغوط على الحكومات‬
‫تكلف المنظمات غير الحكومية والهيئات‬ ‫من األعلى إلى األسفل إلجراء إصالحات‬
‫المتعددة األطراف للقيام بهذه الجهود‪.‬‬ ‫سياسية واقتصادية أن تؤدي إلى توتير‬
‫العالقات‪ ،‬فإن ذلك ينطبق أيض ًا على العديد‬
‫تقع جهود بناء المؤسسات في موقع‬ ‫من القضايا الدبلوماسية المهمة للواليات‬
‫متوسط بين جهود النهوض بالديمقراطية‬ ‫المتحدة – فالضغوط من أجل تحقيق اإلصالح‬
‫المتوجهة من األسفل لألعلى‪ ،‬وتلك‬ ‫ليست فريدة من هذه الناحية‪ .‬ثمة انطباع‬
‫المتوجهة من األعلى لالسفل؛ فإذا أدت‬ ‫سائد بأن النهوض بالديمقراطية ليس أحد‬
‫الجهود من أعلى إلى أسفل إلى فتح مجال‬ ‫المصالح الجوهرية للواليات المتحدة‪ ،‬وإنما‬
‫سياسي‪ ،‬وأدت الجهود من األسفل إلى‬ ‫أمراً كمالي ًا يرتبط على نحو غامض بقيمنا‪،‬‬
‫األعلى إلى تدريب األفراد والمنظمات على‬ ‫ويمكن لهذا االنطباع أن يقود المسؤولين‬
‫ملء هذا المجال السياسي‪ ،‬فإن جهود‬ ‫الرسميين من عدة مستويات إلى أن يتجنبوا‬
‫بناء المؤسسات تسعى إلضفاء الصفة‬ ‫ممارسة الضغوط من األعلى إلى األسفل‬
‫الهيكلية على هذا المجال السياسي‪.‬‬ ‫وأن يركزوا بدال من ذلك على الحفاظ‬
‫وبشكل ما‪ ،‬فإن بناء المؤسسات هو أهم‬ ‫على رأس المال الدبلوماسي الستخدامه‬
‫فرع من األفرع الثالثة‪ ،‬من ناحية أنه يمكن‬ ‫في قضايا أكثر “إستراتيجية”‪ .‬ولكن هذا‬
‫عبرها التراجع عن قرارات القادة‪ ،‬ويمكن‬ ‫التصرف خاطئ‪ ،‬إذ أن الجهود الحقيقية‬ ‫‪44‬‬
‫أن يصل إليها األفراد من المجتمع المدني‬ ‫للنهوض بالديمقراطية تكون أثناء‬
‫ويترددوا عليها‪ .‬ولكن المؤسسات الفعالة‬ ‫العمل الدبلوماسي اليومي‪ ،‬وفي محتوى‬
‫والراسخة – مثل المحاكم والسجون التي‬ ‫االجتماعات والمؤتمرات الصحفية‪ ،‬وليس‬
‫تؤدي وظائفها‪ ،‬والمجالس التشريعية‬ ‫عبر خطابات تأتي في مناسبات متباعدة‪.‬‬
‫الخاضعة للمساءلة‪ ،‬ووسائل اإلعالم التي‬
‫تتقيد باألصول المهنية‪ ،‬واألحزاب السياسية‪،‬‬ ‫تتضمن الجهود من األسفل إلى األعلى‬
‫وتو ّفر الربط مع شبكة اإلنترنت‪ ،‬وأجهزة األمن‬ ‫من أجل النهوض بالديمقراطية تقديم‬
‫التي تتقيد باألصول المهنية – يمكنها‬ ‫المساعدة لألفراد ولمنظمات المجتمع‬
‫أن توفر االستقرار واالستدامة لعملية نشر‬ ‫المدني بهدف تحسين مشاركتهم‬
‫الديمقراطية‪ .‬ولكن بناء المؤسسات هو‬ ‫السياسية وأحيانا االقتصادية‪ .‬كما أن الجهود‬
‫أيض ًا أصعب هذه األفرع الثالثة وأبطؤها‬ ‫من األسفل إلى األعلى تثير قضايا قد تكون‬
‫تحققا‪ .‬ويجب أن تتضافر الدبلوماسية مع‬ ‫أكثر تعقيدا من القضايا المرتبطة بالجهود‬
‫التنمية من أجل البناء الناجح للمؤسسات‪،‬‬ ‫المتجهة من األعلى إلى األسفل – على‬
‫إذ أن الحفاظ على زخمها وتقدمها على مر‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬ما إذا كان يجب التعامل‬
‫الوقت يتطلب العمل مع حكومات متعاقبة‬ ‫مع أحزاب معينة (مثل األحزاب اإلسالمية)‪،‬‬
‫ومع قادة المجتمع المدني‪.‬‬ ‫وإمكانية أن يقود االرتباط المباشر بالواليات‬
‫المتحدة أو حكومات غربية أخرى إلى تقويض‬
‫وعلى امتداد هذه األفرع الثالثة للنهوض‬ ‫الجهات الفاعلة في المجتمع المدني‪،‬‬
‫بالديمقراطية‪ ،‬ثمة وسائل عديدة متوفرة‬ ‫والقرارات الصعبة بخصوص ما إذا كان يجدر‬
‫للواليات المتحدة‪ .‬ومنها الدبلوماسية‬ ‫العمل مع الحكومات أم من وراء ظهرها‪.‬‬
‫هذه المشكلة‪ ،‬يجب على كبار المسؤولين‬ ‫الثنائية‪ ،‬مثل االجتماعات بين كبار‬
‫الفصل الثاني‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية‬

‫األمريكيين المعنيين باألمن القومي أن‬ ‫المسؤولين التي توفر مجاال لممارسة‬
‫يتحققوا من أنه يتم إدماج الديمقراطية على‬ ‫الضغط بشأن أهمية اإلصالح السياسي‬
‫المستوى اإلقليمي في المناقشات رفيعة‬ ‫بالنسبة للواليات المتحدة؛ والدبلوماسية‬
‫المستوى بشأن قضايا السياسة في الشرق‬ ‫متعددة األطراف‪ ،‬كالتي تجري في إطار‬
‫األوسط‪ ،‬بدال من االعتماد على تقديرات‬ ‫مبادرة الشرق األوسط وشمال إفريقيا األوسع‪،‬‬
‫الموظفين عبر الهرم البيروقراطي‪ .‬ويجب‬ ‫ومجموعة الثمانية؛ والدبلوماسية الثقافية‬
‫على هؤالء المسؤولين أيضا أن يوفروا إرشادا‬ ‫والعامة‪ ،‬مثل التبادل بين الناس والتبادل‬
‫واضحا‪ ،‬ويستحسن أن يكون ذلك عبر صياغة‬ ‫التكنولوجية؛‬ ‫والوسائل‬ ‫التشريعي؛‬
‫إستراتيجية دقيقة ومتسقة لألمن القومي‪،‬‬ ‫والتصريحات العامة مثل الخطابات التي‬
‫كي تحكم المساومات اليومية التي تجري‬ ‫أشرنا إليها أعاله؛ والشراكة بين القطاعين‬
‫في الميدان بين النهوض بالديمقراطية‬ ‫العام والخاص مثل مبادرة “شركاء في بداية‬
‫‪17‬‬
‫وغيرها من القضايا‪.‬‬ ‫جديدة” التي تم إطالقها في نيسان‪/‬إبريل‬
‫‪2010‬؛ والمساعدات المالية وغيرها من أشكال‬
‫خاتمة‬ ‫المساعدة؛ وأدوات مثل العقوبات والحوافز‪،‬‬
‫وأحيانا اإلجبار‪.‬‬
‫إذ تجد الواليات المتحدة نفسها منهمكة‬
‫بعملية عسكرية لدعم االنتفاضة في‬ ‫مع هذه الوفرة من مسارات العمل ووفرة‬
‫ليبيا‪ ،‬وتواجه نتائج غير مؤكدة مع حلفائها‬ ‫الوسائل للدفع بهذه المسارات تأتي الحاجة‬
‫‪45‬‬
‫القديمين‪ ،‬أي مصر وتونس والبحرين‪،‬‬ ‫إلى تنظيم اآللة البيروقراطية األمريكية كي‬
‫لم يعد من الممكن الزعم بأن النهوض‬ ‫تتمكن من تنفيذ إستراتيجيات النهوض‬
‫بالديمقراطية واإلصالح السياسي ليسا أمرا‬ ‫بالديمقراطية تنفيذا فعاال‪ .‬وتقليديا‪ ،‬كانت‬
‫مركزيا في مصالح الواليات المتحدة في‬ ‫القضايا الشاملة مثل النهوض بالديمقراطية‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬أو أن فرص تحقيق تقدم‬ ‫تنال اهتماما ضئيال في عملية صنع القرار‬
‫في اإلصالح السياسي في المنطقة هي‬ ‫األمريكية‪ ،‬وذلك يعود إلى حد بعيد إلى أن‬
‫فرص ضئيلة‪ .‬إن عدم االهتمام النسبي من‬ ‫المكاتب اإلقليمية تشكل مراكز قوى في‬
‫قبل واشنطن نحو نشر الديمقراطية خالل‬ ‫مجتمع المزاولين للسياسة الخارجية‪ .‬وقد‬
‫السنوات األخيرة يضعها في موقع غير مالئم‬ ‫جرت جهود للتصدي لهذه المشكلة‪ ،‬مثال‬
‫عندما تنشأ أزمات في تلك البلدان‪ ،‬كما أنه‬ ‫من خالل إدماج هذه القضايا ضمن هياكل‬
‫أجبر المسؤولين األمريكيين على محاولة‬ ‫المكاتب اإلقليمية‪ ،‬أو تعزيز سلطاتها‬
‫تدارك السياسات اإلقليمية واللحاق بها في‬ ‫شكليا‪ ،‬إال أن هذه الجهود لم تحقق سوى‬
‫تطورها السريع‪ .‬إال أنه من خالل التأكيد‬ ‫نجاحا ضئيال‪ ،‬مما ترك مصير جهود النهوض‬
‫المتجدد من الحزبين األمريكيين الرئيسيين‬ ‫بالديمقراطية متوقفة على طاقات ونفوذ‬
‫على النهوض بالديمقراطية بالتعاون‬ ‫المسؤولين األفراد الذين يسعون لتحقيقها‪.‬‬
‫مع الشركاء المحليين والدوليين‪ ،‬بإمكان‬ ‫وكأي مبادرة سياسية‪ ،‬فحتى سياسات‬
‫الواليات المتحدة أن تساعد الناس في‬ ‫النهوض بالديمقراطية التي يتم وضعها‬
‫الشرق األوسط على تشكيل أنظمة سياسية‬ ‫على أسس سليمة وصياغتها على نحو‬
‫أكثر شموال للكافة‪ ،‬وكذلك إقامة عالقات‬ ‫مقنع وتنال دعم الرئيس‪ ،‬قد تتعرض للتعثر‬
‫أقوى مع الواليات المتحدة والغرب‪.‬‬ ‫أثناء تنفيذها إذا لم يتم تكييف الهيكل‬
‫البيروقراطي على نحو صحيح‪ .‬ومن أجل حل‬
‫‪1 1‬توماس جفيرسون‪« ،‬رسالة إلى وليم شورت» (‪3‬‬
‫‪ 3-2‬األفكار والنتائج الرئيسية‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫كانون الثاني‪/‬يناير ‪ ،)1793‬أوراق توماس جفيرسون في‬
‫المتمخضة عن النقاش‬ ‫مكتبة الكونغرس‪ ،‬السلسلة ‪ ،1‬الملف ‪.17‬‬
‫‪2 2‬كينيث والك‪« ،‬النهوض بالديمقراطية‪ :‬مذهب‬
‫بوش في عهد أوباما»‪ ،‬نقاش فريق خبراء في ‘مبادرة‬
‫تتمثل نقطة االتفاق المشتركة بين مختلف‬ ‫السياسة الخارجية’‪ 21 ،‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪.2009‬‬
‫الفاعلين في مجال حقوق اإلنسان في ضرورة‬ ‫‪3 3‬مارينا أوتاواي‪« ،‬النهوض بالديمقراطية في الشرق‬
‫األوسط‪ :‬استعادة المصداقية»‪ ،‬مؤسسة كارنيغي‬
‫أن يتك ّيف –على األقل‪ -‬الفاعلون الدوليون‬
‫للسالم الدولي‪ ،‬ورقة إيجاز‪ ،‬رقم ‪ ،60‬أيار‪/‬مأيو ‪.2008‬‬
‫مع األوضاع المتغيرة في المنطقة العربية‪.‬‬ ‫‪4 4‬بيانات مؤسسة ‘فريدوم هاوس’ على الموقع ‪http://‬‬
‫في الحقيقة‪ ،‬دفع االتحاد األوروبي والواليات‬ ‫‪ ،www.freedomhouse.org‬بالوصول إليه في ‪ 18‬آذار‪/‬‬
‫مارس ‪.2011‬‬
‫المتحدة حتى اآلن باتجاه سياسات تدعم‬ ‫‪5 5‬بريان كاتوليس‪« ،‬إدارة أوباما والنهوض بالديمقراطية‬
‫األنظمة الدكتاتورية في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫في الشرق األوسط»‪ ،‬تقرير مؤسسة ‘سينتشوري’‪.2009 ،‬‬
‫وقد صيغت تلك السياسات من منطلق‬ ‫‪6 6‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪7 7‬ريتشارد سبينسر‪« ،‬هيالري كلينتون‪ :‬حقوق اإلنسان‬
‫المخاوف األمنية والحاجة حسب تصورهما‬ ‫للصينيين هي أمر ثانوي بالنسبة للنجاة من األزمة‬
‫إلى االحتواء‪ ،‬مما أدى إلى إقصاء الشواغل‬ ‫االقتصادية»‪ ،‬صحيفة ‘تيليغراف’‪ 20 ،‬شباط‪/‬فبراير ‪.2009‬‬
‫المتعلقة بحقوق اإلنسان والحريات المدنية‬ ‫‪8 8‬نائب الرئيس‪ ،‬جوزيف بايدن‪« ،‬تعليقات أثناء مؤتمر‬
‫ميونخ الـ ‪ 45‬حول السياسية األمنية»‪ 7 ،‬شباط‪/‬فبراير‬
‫إلى أسفل سلم األولويات‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ال‬ ‫‪.2009‬‬
‫يقتصر التحدي المقبل للفاعلين الدوليين‬ ‫‪9 9‬الرئيس باراك أوباما‪« ،‬خطاب أمام الجمعية العامة‬
‫على انتهاز هذه الفرصة المهمة لدعم‬ ‫لألمم المتحدة»‪ 23 ،‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪.2010‬‬
‫‪1 10‬ستيفين مكنيرني‪« ،‬مخصصات الميزانية الفدرالية‬
‫التغيير الديمقراطي في المنطقة بل أيضا‬ ‫للسنة المالية ‪ :2011‬الديمقراطية‪ ،‬والحكم‪ ،‬وحقوق‬
‫القيام بذلك مع قبول عدم االستقرار الحتمي‬ ‫اإلنسان في الشرق األوسط»‪ ،‬مشروع الديمقراطية في‬
‫الذي يرافق أي تحول ديمقراطي‪.‬‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬نيسان‪/‬إبريل ‪.2010‬‬
‫‪«1 11‬مناظرة مرشحي الحزب الديمقراطي في‬ ‫‪46‬‬
‫الس فيغاس»‪ 15 ،CNN.com ،‬تشرين الثاني‪/‬‬
‫هناك الكثير من القضايا التي يجب التصدي‬ ‫‪http://transcripts.cnn.com/‬‬ ‫‪،2007‬‬ ‫نوفمبر‬
‫‪( html.02.se/15/0711/TRANSCRIPTS‬بالوصول إليه‬
‫لها فيما يتعلق بأدوار الفاعلين الدوليين‬
‫في ‪ 18‬آذار‪/‬مارس ‪.)2011‬‬
‫ومسؤولياتهم في ضوء األوضاع سريعة‬ ‫‪1 12‬مايكل سينغ‪« ،‬الديمقراطية ال تختلف عن ذلك كثيرا»‪،‬‬
‫التغير في الشرق األوسط‪ .‬ومن المهم‬ ‫‪ 28 ،ForeignPolicy.com‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪،2011‬‬
‫‪/28/01/2011/http://shadow.foreignpolicy.com/posts‬‬
‫بالنسبة للفاعلين الدوليين أال يستجيبوا‬ ‫‪democracy_is_not_all_that_different‬‬
‫فقط لما يجري في المنطقة بل وأن‬ ‫‪1 13‬لورن دبليو كرانير‪« ،‬شهادة أمام لجنة العالقات‬
‫يستجيبوا بالطريقة الصحيحة‪.‬‬ ‫الخارجية في مجلس النواب األمريكي»‪ 9 ،‬شباط‪/‬فبراير‬
‫‪.2011‬‬
‫‪See for example Jeremy Sharp, “US Democracy1 14‬‬
‫فهم خصوصيات االحتجاجات األخيرة‬ ‫‪Promotion Policy in the Middle East: the Islamist‬‬
‫‪.2006 ,15 Dilemma,” CRS Report for Congress, June‬‬
‫‪1 15‬يمكن للمرء إضافة فرع رابع‪ ،‬وهو العناية بديمقراطيتنا‬
‫قبل تفجر االنتفاضة التونسية التي بدأت‬ ‫في الواليات المتحدة‪ .‬وهذا األمر يتجاوز نطاق هذه‬
‫في كانون أول‪ /‬ديسمبر ‪ 2010‬كان الخطر‬ ‫الورقة‪ ،‬ولكنه امتداد مشروع لهذا الموضوع‪.‬‬
‫الرئيسي الذي ينطلق من المنطقة العربية‬ ‫‪1 16‬توم كاروثيرز‪« ،‬الجهود األمريكية للنهوض‬
‫بالديمقراطية في عهد أوباما»‪ ،‬نقاش فريق خبراء في‬
‫هو خطر األصولية اإلسالمية‪ .‬وكان هذا‬ ‫مؤسسة كارنيغي للسالم الدولي‪ 3 ،‬آذار‪/‬مارس ‪.2009‬‬
‫الخطر اإلسالمي هو المبرر الرئيسي للدعم‬ ‫‪1 17‬لالطالع على المزيد حول موضوع إصالح عملية‬
‫الغربي لألنظمة الدكتاتورية كما بدا جلي ًا‬ ‫صناعة القرارات المتعلقة باألمن القومي‪ ،‬انظر‬
‫مايكل سينغ‪« ،‬تحسين أداء مجلس األمن القومي»‪،‬‬
‫ال من خالل الدعم الواسع لمبارك أثناء‬ ‫مث ً‬ ‫مجلة ‘أميريكان إنتيريست’‪ ،‬العدد ‪ 2‬تشرين الثاني‪/‬‬
‫فترة رئاسته‪ .‬إال أن األحداث األخيرة عكست‬ ‫نوفمبر – كانون األول‪/‬ديسمبر ‪.2009‬‬
‫تطلعات حقيقية نحو المبادئ العالمية‬
‫خفت صوت هذا الخطاب بصورة كبيرة كما‬ ‫للمساواة والديمقراطية واختلفت كثيراً عن‬
‫الفصل الثاني‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية‬

‫أظهره خطاب أوباما في القاهرة عام ‪ 2009‬الذي‬ ‫المطالب التي تم التعبير عنها من خالل‬
‫لم يتناول الحاجة إلى الديمقراطية التامة‬ ‫إطار ديني‪ .‬وعلى الرغم من أن الجماعات‬
‫بل تطرق إلى أهمية الشباب في صياغة‬ ‫اإلسالمية قد تستغل فرصة هذه األوضاع‬
‫مجتمع اليوم وأهمية اإلنترنت واإلعالم الحر‬ ‫الجديدة إال أنه ال يمكن إنكار أن األحداث‬
‫وحقوق المرأة من بين أمور أخرى‪ .‬وقد يكون‬ ‫األخيرة لم تكن ذات طبيعة دينية بأي شكل‪،‬‬
‫تركيز أوباما على العوامل المفضية إلى‬ ‫وأنه لم يعد باإلمكان استخدام الطموحات‬
‫الديمقراطية ال على الديمقراطية نفسها‬ ‫الدينية مبرراً لدعم األنظمة الديكتاتورية في‬
‫أكثر جدوى‪ ،‬خاصة وأن الشعوب العربية‬ ‫المنطقة‪.‬‬
‫ترى تشجيع الديمقراطية على أنه شكل من‬
‫أشكال التدخل غير المرحب به وفرض لشكل‬ ‫وقد عكست االحتجاجات إلى حد ما حس ًا‬
‫محدد من أشكال الديمقراطية الغربية‪.‬‬ ‫بالوحدة بين الدول العربية؛ فقد حركت‬
‫االنتفاضة التونسية احتجاجات في الدول‬
‫تبنّي سياسة دعم حقوق اإلنسان‬ ‫المجاورة لتونس‪ ،‬حيث خرجت في البداية‬
‫والتطلعات الديمقراطية‬ ‫تأييداً للكفاح التونسي ومن ثم لالحتجاج‬
‫على الحكومات القمعية في تلك الدول‪.‬‬
‫ثمة أدوار مهمة يتعين أن تؤديها الواليات‬ ‫وربما كان الجانب األكثر إثارة لالهتمام واألجدر‬
‫التطلعات‬ ‫لدعم‬ ‫وأوروبا‬ ‫المتحدة‬ ‫بالمالحظة‪ ،‬هو أنه على الرغم من حس‬
‫الديمقراطية وحقوق اإلنسان في المنطقة‬ ‫الوحدة الذي أبرزته هذه االحتجاجات‪ ،‬إال أنها لم‬
‫‪47‬‬
‫العربية‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬تتحمل الواليات المتحدة‬ ‫تشر في أية مرحلة من مراحلها إلى القضية‬
‫عبء االبتعاد عن النمط األمني الذي كانت‬ ‫الفلسطينية وضرورة محاربة إسرائيل‪ ،‬األمر‬
‫ترى من خالله أن الديمقراطية واالستقرار في‬ ‫الذي ميزها بوضوح عن التحركات التي‬
‫المنطقة ال يلتقيان وأن أحدهما يقصي اآلخر‪.‬‬ ‫كانت تجري في الماضي والتي كانت غالب ًا‬
‫وعلى الرغم من أن إدارتي الرئيسين تشجيع‬ ‫ما تخلط بين السخط الداخلي مع السخط‬
‫تحدثتا عن هذا التغير‪ ،‬إال أنه كان من الواضح‬ ‫من األوضاع الفلسطينية‪-‬اإلسرائيلية‪.‬‬
‫أن ما تعربان عنه يتناقض مع السياسات‬
‫المعمول بها على األرض‪ .‬ومن ناحية أخرى‪،‬‬ ‫دعم الديمقراطية أم تشجيعها‬
‫يتحمل االتحاد األوروبي مسؤولية استبدال‬
‫نهجه الذي اتخذ تقليدي ًا الطابع اإلنمائي‬ ‫من القضايا التي يتوجب التأمل فيها ما‬
‫بنهج يركز أيض ًا على السياسة‪ .‬وقد تحدثت‬ ‫يتعلق بمسألة ما إذا كان ينبغي على‬
‫كاثرين آشتون عن الحاجة إلى استراتيجية‬ ‫الفاعلين الدوليين – الواليات المتحدة‬
‫تتألف من ثالثة أركان‪ ،‬هي‪ :‬المال‪ ،‬وولوج‬ ‫واالتحاد األوروبي بصورة أساسية‪ -‬تب ّني‬
‫السوق‪ ،‬وقابلية التنقل‪ .‬إال أنه من غير الواضح‬ ‫سياسات تشجع على الديمقراطية في‬
‫ما الموقع الذي تحتله حقوق اإلنسان في هذا‬ ‫العالم العربي أم سياسات تدعمها‪ .‬إن‬
‫النهج‪ .‬ومن الواضح بجالء أنه يتوجب التعبير‬ ‫هذا الجدل فيما يتعلق بدعم أو تشجيع‬
‫بصراحة عن دعم حقوق اإلنسان – وبالتالي‬ ‫الديمقراطية وثيق الصلة بشدة بالنسبة‬
‫عدم التساهل مع المستويات العالية من‬ ‫للواليات المتحدة التي انتهجت أثناء إدارة‬
‫القمع‪ -‬في سياسات االتحاد األوروبي‪ .‬وعلى‬ ‫بوش – جزئي ًا على األقل وعلى المستوى‬
‫مستوى أكثر إلحاح ًا‪ ،‬يمكن لالتحاد األوروبي‬ ‫الخطب بالتأكيد‪ -‬نهج تشجيع الديمقراطية‬
‫أن يتعاون في الحرب على الفساد عن طريق‬ ‫المحضة في المنطقة‪ .‬وفي ظل إدارة أوباما‬
‫يقبل الفاعلون الدوليون كاالتحاد األوروبي‬ ‫تجميد األموال ‘المسروقة’ من قبل رؤساء‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫والواليات المتحدة هذا االستقرار المنقوص‬ ‫األنظمة الدكتاتورية كمبارك وبن علي‬
‫من أجل تحقيق األهداف طويلة األمد‪.‬‬ ‫وإعادتها إلى بلدانها األصلية – وهو اقتراح‬
‫القى أص ً‬
‫ال الكثير من المقاومة‪.‬‬
‫إعادة صياغة الحرب على التطرف‬
‫التعامل مع حاالت عدم االستقرار في‬
‫ستكون إحدى المصاعب الجوهرية التي‬ ‫الديمقراطيات المتشكلة حديث ًا‬
‫تواجه الواليات المتحدة واالتحاد األوروبي‬
‫هي إمكانية أن تصل إلى السلطة جماعات‬ ‫من القضايا التي سيتوجب على الفاعلين‬
‫ليست على اتفاق تام مع المبادئ الغربية‬ ‫الدوليين – السيما الواليات المتحدة واالتحاد‬
‫– كاإلخوان المسلمين في مصر‪ .‬ويمثل ما‬ ‫األوروبي – التعامل معها هي حالة عدم‬
‫حدث في الجزائر أوائل التسعينيات من القرن‬ ‫االستقرار التي تنشأ عن أي تحول ديمقراطي‪.‬‬
‫الماضي درس ًا ممتازاً في مجال صعوبات‬ ‫أو ًال‪ :‬يجب على الفاعلين الدوليين أن يوافقوا‬
‫تشجيع الديمقراطية أو دعمها حيث شهدت‬ ‫على التعامل مع التوقعات المتزايدة‬
‫تلك الفترة ربيعا عربيا‪ ،‬وتناميا لشجب‬ ‫للشعوب العربية وأن يكونوا مستعدين‬
‫للتعذيب‪ ،‬وانتشارا للصحف المستقلة‪،‬‬ ‫للتعامل معها؛ ليس من حيث التحول‬
‫ولكنها انتهت إلى إلغاء انتخابات عام ‪1992‬‬ ‫الديمقراطي وحسب بل أيض ًا من حيث‬
‫خوف ًا من وصول اإلسالميين إلى السلطة‪.‬‬ ‫التطلعات االقتصادية بخصوص قابلية‬
‫وهذا المثال يوضح الوضع الصعب الذي‬ ‫التنقل االجتماعي والتوظيف‪ .‬وسوف‬
‫قد يجد االتحاد األوروبي والواليات المتحدة‬ ‫يتوجب أخذ تلك المطالب المتزايدة في‬ ‫‪48‬‬
‫نفسيهما فيه إذا استمر التحول الديمقراطي‬ ‫الحسبان عند صياغة سياسات االتحاد‬
‫في الدول العربية في التقدم‪.‬‬ ‫األوروبي والواليات المتحدة في المنطقة‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬سيتطلب ذلك أيض ًا قبو ًال‬
‫في حين سيتعين على الواليات المتحدة‬ ‫معين ًا لفكرة أن صياغة تلك السياسات‬
‫واالتحاد األوروبي أن يتعلما قبول نتائج أية‬ ‫لن تقتصر عليهما فقط‪ ،‬بل أيضا من قبل‬
‫عملية ديمقراطية في الشرق األوسط‪ ،‬يجب‬ ‫الفاعلين المحليين الذين ينبغي االستماع‬
‫عليهما أيضا أن يطورا تصوراً يميز الفوارق‬ ‫إلى أفكارهم‪.‬‬
‫الدقيقة بين مختلف الفاعلين على األرض‪.‬‬
‫وفي حين ظلت المعادلة ترتكز إلى حد‬ ‫ثاني ًا‪ ،‬من المحتم أن الديمقراطيات الجديدة‬
‫بعيد ترتكز إلى المفارقة بين المعتدلين‬ ‫ستواجه قدرا أكبر من الخالفات الداخلية‪ .‬فإذا‬
‫والمتطرفين – حيث المتطرفون هم‬ ‫أخذنا الحالة المصرية‪ ،‬فبينما كانت توجد‬
‫األصوليون الدينيون والمعتدلون هم‬ ‫دائما خالفات معينة بين األقباط والمسلمين‪،‬‬
‫بصورة رئيسية العلمانيون‪ -‬فمن المهم‬ ‫إال أنه من المرجح أن تتضاعف الهويات ضمن‬
‫إعادة صياغة تلك المعادلة بحيث تفرّق ما‬ ‫كل فئة دينية حسب المواقف المتنوعة من‬
‫بين الساعين لتحقيق الحرية والساعين إلى‬ ‫مختلف القضايا‪ .‬ومما ال يمكن تالفيه في‬
‫تقييدها‪ .‬ومن شأن إعادة الصياغة هذه أن‬ ‫مسألة الديمقراطية هو أنها إذ تتيح للناس‬
‫تعكس في الوقت ذاته األهمية الممنوحة‬ ‫الحق في التعبير عن شكاويهم ورغباتهم‬
‫الحترام حقوق اإلنسان األساسية مع احترام‬ ‫فإنها أيض ًا تزيد من احتمال االختالف في‬
‫وجود الفوارق الثقافية والمعتقدات‪.‬‬ ‫المجتمع‪ .‬ويمكن أن يتعرض االستقرار للخطر‬
‫على المدى القصير‪ ،‬ولكن من المهم أن‬
‫الفصل الثاني‪ :‬منطق ومنطلقات اجلهات الفاعلة الدولية‬

‫‪49‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات المجتمع المدني والجهات الفاعلة غير الحكومية‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫مارك شايد‪-‬بولسني (مصر)‬

‫‪50‬‬

‫تمت معالجة موضوع منطق ومنطلقات المجتمع المدني والجهات الفاعلة‬


‫غير الحكومية من قبل السيد خميس شماري‪ ،‬عضو مجلس أمناء المؤسسة‬
‫األورو‪-‬متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان‪ ،‬وسفير‪ ،‬الممثل الدائم‬
‫لتونس لدى اليونسكو (تونس)‪ ،‬وقد قام السيد شماري بإدارة الحوار؛ وشارك‬
‫كمعقب البروفيسور محمد توزي‪ ،‬وهو باحث في العلوم السياسية ومتخصص‬
‫وتكون فريق المتحدثين من التالية‬
‫ّ‬ ‫في الحركات اإلسالمية المغربية (المغرب)‪.‬‬
‫أسماؤهم‪ :‬الدكتورة ميشيل ديون‪ ،‬زميلة متقدمة في مؤسسة كارنيغي‬
‫للسالم الدولي؛ والدكتور عمرو الشوبكي‪ ،‬رئيس منتدى البدائل العربي (مصر)‪.‬‬
‫المانحة للمنطقة والتي أصبحت في موقف‬ ‫‪ 1-3‬منطق ومنطلقات الجهات‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية‬

‫عصيب يتمثل في عدم قدرتها على التحيز‬ ‫الفاعلة غير الحكومية‬


‫لكال الطرفين في آن واحد‪.‬‬
‫ميشيل ديون‬
‫تثير األحداث التي وقعت بين كانون األول‪/‬‬ ‫مؤسسة كارنيغي للسالم الدولي‪ ،‬واشنطن‬
‫ديسمبر ‪ 2010‬وآذار‪/‬مارس ‪ 2011‬عددا من األسئلة‬ ‫العاصمة‬
‫حول الدور الحالي والمستقبلي للجهات غير‬
‫الحكومية الفاعلة‪:‬‬ ‫شهد دور الجهات الفاعلة غير الحكومية في‬
‫الشرق األوسط تغيرا كليا منذ اندالع الثورتين‬
‫ما هي العوامل التي أدت إلى نجاح‬ ‫التونسية والمصرية في كانون الثاني‪/‬‬
‫الجهات غير الحكومية الفاعلة في إحداث‬ ‫يناير ‪ .2011‬فلطالما بدت الحركات واألحزاب‬
‫التغيير السياسي في مصر وتونس؟‬ ‫السياسية ومنظمات المجتمع المدني بما‬
‫فيها تلك المعنية بحقوق اإلنسان واإلعالم‬
‫انطوت حالة مصر على وجه الخصوص‬ ‫والمؤسسات التعليمية وغيرها من الجهات‬
‫على قدر كبير من نماء اإلعالم المستقل‪،‬‬ ‫بعدة على هامش‬ ‫ً‬ ‫غير الحكومية الفاعلية ُم‬
‫ومنظمات المجتمع المدني بما فيها‬ ‫الحياة السياسية‪ ،‬غير أنها غدت اليوم محور‬
‫ً‬
‫صراحة للديمقراطية‬ ‫المنظمات المؤيدة‬ ‫النشاط في بلدين عربيين على األقل وهي‬
‫وحركات االحتجاج المتعددة‪ ،‬والتشبيك‬ ‫تدفع باتجاه الحصول على دور أكبر في عدة‬
‫بين النشطاء المناصرين للديمقراطية‬ ‫بلدان عربية أخرى‪ .‬وحتى في البلدان التي‬
‫‪51‬‬
‫على مدار ‪ 5‬إلى ‪ 7‬سنوات خلت‪ .‬وفي حين‬ ‫تشهد في الوقت الراهن نشاطا احتجاجيا‬
‫شهدت تونس بعض التطور أيضا‪ ،‬إال إنها‬ ‫قليال في العلن‪ ،‬أخذت الجهات غير الحكومية‬
‫كانت بيئة أشد تقييدا‪ .‬وفي كال البلدين‪،‬‬ ‫الفاعلة تعيد النظر في خياراتها وتتدارس‬
‫كانت الجهات غير الحكومية الفاعلة قادرة‬ ‫إمكانيات جديدة‪ .‬ولم تعد الحكومات‬
‫على مناشدة مؤسسات حكومية معينة‬ ‫هي الجهات الفاعلة الوحيدة القادرة على‬
‫للحصول على مساعدتها في مجابهة‬ ‫تولي زمام المبادرة بينما تنتهج الجهات غير‬
‫القيادة السياسية‪ .‬وبوجه خاص‪ ،‬امتلك‬ ‫الحكومية الفاعلة ردات الفعل إلى حد كبير‬
‫كال البلدين أجهزة عسكرية متماسكة‬ ‫وتتخذ في الغالب موقفا دفاعيا‪.‬‬
‫ومتمايزة عن أجهزة األمن الداخلي القمعية‬
‫أرادت أن تحافظ على سمعتها الطيبة‬ ‫إن تنامي األهمية السياسية للجهات غير‬
‫وتعيد االستقرار إلى البالد وهو ما اقتضى‬ ‫الحكومية الفاعلة يعكس اتجاها ظل‬
‫رفض إطالق النار على المتظاهرين سلميا‬ ‫واضحا في البلدان العربية إبان العقد‬
‫وإصدار قرار في نهاية المطاف إلجبار الزعيم‬ ‫الماضي وهو أن المجتمعات أصبحت أكثر‬
‫السياسي على التنحي‪ .‬إن نجاح الجهات‬ ‫دينامية في حين ظلت معظم الحكومات‬
‫غير الحكومية الفاعلة في جهودها الرامية‬ ‫ثابتة نسبيا وغير قادرة على االستجابة‬
‫إلقامة قضية مشتركة مع جهة حكومية‬ ‫بفعالية للدعوات المتزايدة إلجراء إصالحات‬
‫رئيسية قد فتح الطريق لحدوث تحوالت‬ ‫سياسية واقتصادية واجتماعية‪ .‬ولم تُفض‬
‫سلمية نسبيا (رغم سقوط عدد كبير من‬ ‫الهوة الناشئة جراء ذلك بين المواطنين‬
‫الضحايا في كل حالة)‪.‬‬ ‫وحكوماتهم إلى احتجاجات واسعة النطاق‬
‫وعدة انتفاضات وحسب وإنما وضعت‬
‫ضغوطا على الحكومات األجنبية والجهات‬
‫كيف ينبغي للجهات غير الحكومية‬ ‫لماذا لم تضطلع أحزاب وحركات‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫الفاعلة أن تُكيف أنشطتها في مصر‬ ‫المعارضة الرسمية بدور رئيسي في‬
‫وتونس والبلدان يمضيان قدما صوب‬ ‫الثورتين التونسية والمصرية؟‬
‫التحول الديمقراطي؟‬
‫كانت األحزاب السياسية المرخصة ضعيفة‬
‫سوف يتعين على المنظمات غير الحكومية‬ ‫في مصر وتونس وغير قادرة على إيجاد سبيل‬
‫واألفراد العاملين فيها اتخاذ قرارات كثيرة في‬ ‫ال يخرق القواعد التي أقرتها لها الحكومة‬
‫العهد الجديد في مصر وتونس ألنهم على‬ ‫بغية تنظيم مظاهرات شعبية فعالة‪ .‬لقد‬
‫األرجح سيجدون إمكانيات ألنشطتهم أكثر‬ ‫خرجت المظاهرات في تونس بعفوية في‬
‫بكثير من أي وقت مضى‪ .‬وبالفعل‪ ،‬لقد‬ ‫بدايتها‪ ،‬وفي نهاية المطاف لعبت الحركات‬
‫أخذ بعض األفراد البارزين ممن عملوا في‬ ‫العمالية وغيرها دورا تنظيميا‪ .‬كما اضطلعت‬
‫السابق في الوسط األكاديمي أو الجهود‬ ‫منظمات شبابية مثل «‪ 6‬إبريل» و»كلنا خالد‬
‫الدعوية يفكرون حاليا في مزاولة العمل‬ ‫سعيد» بتنظيم االحتجاجات األولى في‬
‫السياسي الرسمي ألنهم يتوقعون أن‬ ‫مصر يوم ‪ 25‬كانون الثاني‪/‬يناير وحصلت‬
‫تكون السياسية في المرحلة الجديدة أكثر‬ ‫على دعم كامل من بعض الحركات األحدث‬
‫حرية وأن يكون هنالك تسامح مع طيف‬ ‫عهدا مثل الجمعية الوطنية للتغيير وعلى‬
‫واسع من اآلراء السياسية‪ .‬كما سيجد‬ ‫دعم فاتر من الحركات األقدم عهدا كحركة‬
‫الفاعلون غير الحكوميين ومنهم نشطاء‬ ‫اإلخوان المسلمين وحزبي الوفد والتجمع‪.‬‬
‫حقوق اإلنسان النائين طوعا عن السياسة‬ ‫وكلما تنامت المظاهرات وكبرت كلما زاد‬
‫الرسمية فرصا أعظم في إطار عملهم‪.‬‬ ‫انخراط هذه الحركات واألحزاب األقدم‪ ،‬بيد أنها‬ ‫‪52‬‬
‫أما المسؤولون الحكوميون المنتخبون‬ ‫لم تستحوذ تماما على المظاهرات على‬
‫بنزاهة‪ ،‬والذين سيكون بعضهم على‬ ‫اإلطالق‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬تشكك الثورتان في‬
‫األقل ممن عمل سابقا في القطاع غير‬ ‫مصر وتونس في الفكرة القديمة القائلة بأن‬
‫الحكومي‪ ،‬فسيكونون على األرجح أكثر‬ ‫وجود معارضة سياسية قوية ومتماسكة بقدر‬
‫انفتاحا لمدخالت الجهات غير الحكومية‬ ‫معقول هو أمر الزم لإلطاحة بنظام مستبد‪.‬‬
‫الفاعلة ومساهماتها في السياسات‪ .‬كما‬
‫ينبغي وجود نطاق أوسع بكثير من أجل‬ ‫ومن رحم االنتفاضات الناجحة والثورات‬
‫تكوين الجماعات الجديدة‪ ،‬ومنها على‬ ‫المستمرة في مصر وتونس ما فتئت تنبثق‬
‫سبيل المثال المنظمات الرقابية الراصدة‬ ‫منظمات جديدة تضم حركات وأحزاب‬ ‫ٌ‬
‫لألداء الحكومي‪ ،‬كي تشارك في عملية‬ ‫سياسية ولجان لحماية الثورة وفيض من‬
‫أكثر انفتاحا‪.‬‬ ‫المنظمات األخرى الناشئة‪ .‬وأخذت تنجم‬
‫منها أيضا أزمات أو باألحرى ثورات مصغرة في‬
‫وسوف تواجه الجهات غير الحكومية الفاعلة‬ ‫أوساط العديد من المنظمات األقدم ومنها‬
‫التي كانت ضالعة للغاية في الثورات‬ ‫بخاصة تلك المنظمات التابعة للنظام‬
‫كالحركات الشبابية تحديا خاصا في الفترة‬ ‫القديم‪ .‬وستستغرق عملية الفرز شهورا عدة‬
‫لما تحاول أن تقرر كيف ومتى ينبغي‬‫المقبلة ّ‬ ‫وربما أعواما ستذوي أو تختفي خاللها بعض‬
‫لها تكييف أنشطتها في سياق التحول من‬ ‫الجهات غير الحكومية الرئيسية الفاعلة التي‬
‫الوضع الثوري إلى الوضع االنتقالي‪.‬‬ ‫يعود تاريخها لعهد ما قبل الثورة‪ ،‬وستخرج‬
‫جهات أخرى بحلة جديدة‪ ،‬وتزداد قوة جهات‬
‫أخرى‪ ،‬كما ستبرز جهات أخرى جديدة‪.‬‬
‫أسرة آل خليفة الحاكمة والمنتمية إلى‬ ‫لماذا ظلت الجهات غير الحكومية‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية‬

‫الطائفة السنية نجحت في طلب الدعم‬ ‫الفاعلة غير قادرة حتى اآلن على النجاح‬
‫السياسي والعسكري من المملكة العربية‬ ‫في انتفاضتي البحرين وليبيا؟‬
‫السعودية وغيرها من دول الخليج‪.‬‬
‫تتسم الجهات غير الحكومية الفاعلة في‬
‫ما هو الدور الذي يمكن للجهات غير‬ ‫ليبيا بضعف تطورها مقارنة بنظيراتها في‬
‫الحكومية الفاعلة أن تقوم به في البلدان‬ ‫البلدان العربية األخرى؛ فال توجد أي وسائل‬
‫التي ال تسعى لتغيير النظام القائم وإنما‬ ‫إعالم حرة أو منظمات مجتمع مدني مستقلة‬
‫إلصالحه؟‬ ‫تُذكر ألنها محظورة بموجب القانون وفقا‬
‫لنظام الجماهيرية المعمول به منذ عام‬
‫سوف تخلف الثورتان التونسية والمصرية‬ ‫‪( 1977‬وإلى حد ما منذ انقالب عام ‪ .)1969‬وفي‬
‫أثرا باقيا إن هما نجحتا في التحول الحق إلى‬ ‫األسابيع التي تلت خروج التظاهرات العفوية‬
‫الديمقراطية‪ ،‬ولكن لن تشهد البلدان العربية‬ ‫التي تطورت الحقا إلى ثورة مسلحة بعد أن‬
‫جميعها تغيرا في قياداتها في المستقبل‬ ‫هد‬‫استخدم القذافي وأنصاره القوة ضدها‪ ،‬جَ ِ‬
‫القريب‪ .‬وفي الكثير من البلدان‪ ،‬ال تسعى‬ ‫الثوار في الخروج بقيادة تستطيع التواصل‬
‫الجهات غير الحكومية الفاعلة بالضرورة إلى‬ ‫مع العالم الخارجي‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬لم‬
‫تولي القيادة أو تغيير النظام ولكنها تسعى‬ ‫تستطع الجهات غير الحكومية الفاعلة التي‬
‫للحصول على حقوق سياسية ومدنية أكثر‬ ‫ثارت ضد القذافي أن تقيم قضية مشتركة‬
‫في إطار نظام قد جرى إصالحه‪.‬‬ ‫مع جيش متماسك (مثلما حصل في مصر‬
‫‪53‬‬
‫وتونس) لسبب بسيط وهو أن ليبيا ال تملك‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فحتى تلك الجهات غير الحكومية‬ ‫ً‬
‫فنتيجة الستراتيجية فرّق تسد التي‬ ‫جيشا‪.‬‬
‫الفاعلة الساعية وراء اإلصالح وليس التغير‬ ‫يتبعها القذافي منذ أمد طويل والتي تستند‬
‫الجذري آخذة في تعلم الدروس من الثورتين‬ ‫إلى القبلية الراسخة داخل المجتمع الليبي‪،‬‬
‫التونسية والمصرية‪ .‬فهي تتعلم‪ ،‬على‬ ‫فقد تشتت الجيش بدال من أن يقف معه أو‬
‫سبيل المثال‪ ،‬بأن النشاط على اإلنترنت‬ ‫ضده‪.‬‬
‫والتشبيك االجتماعي من الوسائل الناجعة‬
‫للتعبئة وقياس مدى التأييد للتغييرات‪،‬‬ ‫وعلى النقيض من الوضع في ليبيا‪،‬‬
‫وأنه يمكن ترجمتها إلى ضغط حقيقي‬ ‫تتسم الجهات غير الحكومية الفاعلة في‬
‫على الحكومات حينما تصاحبها احتجاجات‬ ‫البحرين بقوة تطورها وتمتع الكثير منها‪،‬‬
‫في الشارع‪ .‬وهي تتعلم بأن الحكومات‬ ‫ومن ضمنها منظمات حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫التي تواجهها قد تكون أكثر هشاشة وتأثرا‬ ‫بمستويات من التأييد الشعبي تحسدها‬
‫بالضغوط مما كانت تعتقده قبل عدة أشهر‪.‬‬ ‫عليها المنظمات في البلدان العربية األخرى‪.‬‬
‫كما إنها تعلمت من تجربتي ليبيا والبحرين‬ ‫ويتركز هذا التأييد بصورة أساسية في أوساط‬
‫بأن االحتجاجات في الشارع لن تنجح تلقائيا‬ ‫البحرينيين الشيعة الذين يشكلون ما نسبته‬
‫وأن الدعم الدولي قد ال يصل في الوقت‬ ‫‪ 70‬في المئة من إجمالي عدد السكان‪ ،‬بيد‬
‫المناسب‪.‬‬ ‫أن هذا التأييد ال ينحصر فيهم‪ .‬ولكن جهودها‬
‫الرامية إلى انتزاع تنازالت من النظام الملكي‬
‫أو حتى اإلطاحة به لم تُكلل بالنجاح إلى‬
‫اآلن وذلك يرجع إلى حد كبير إلى استخدام‬
‫المرتزقة في صفوف القوات المسلحة وألن‬
‫وبالتالي لم يكن مفاجئا أن تشهد مصر‬ ‫السياسي واالجتماعي‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫موجة ثانية أو ما يمكن أن نسميه الجيل‬
‫الثاني من االحتجاجات كانت هذه المرة‬ ‫عمرو الشوبكي‬
‫احتجاجات اجتماعية حصرا جزئية الحيز‬ ‫منتدى البدائل العربي‪ ،‬قاهرة‬
‫والمطالب‪ .‬حيث تم تبني فكرة االحتجاجات‬
‫بوسائلها المختلفة للتعبير عن المطالب‬ ‫أوال ـ الفاعلون غير الحكوميين بين‬
‫الملحة والمباشرة التي أصبحت‬ ‫ُ‬ ‫الحياتية‬ ‫المجال السياسي واالجتماعي‬
‫أكثر ضرورية مع تنامي عمليات خصخصة‬
‫القطاع العام والخدمات االجتماعية مثل‬ ‫تزايد خالل السنوات الماضية دور الفاعلين‬
‫الصحة والتعليم‪ .1‬لكن لم يكن ميدان‬ ‫غير الحكوميين في الحياة السياسية‬
‫هذه االحتجاجات الجديدة هو الشارع وإنما‬ ‫المصرية وانقسموا بين ما يمكن تسميتهم‬
‫محل العمل للتعبير عن تضرر العاملين‬ ‫والفاعلين‬ ‫االجتماعيين‬ ‫بالفاعلين‬
‫من التعسف والقهر وبخس الحقوق الواقع‬ ‫السياسيين‪ ،‬حتى امتزجا معا أثناء ثورة ‪25‬‬
‫عليهم من رؤسائهم في العمل‪ .‬وهكذا‬ ‫يناير‪.‬‬
‫تدحرجت كرة الثلج االحتجاجية من مصنع‬
‫هنا إلى مصنع هناك حتى أصبحت تشكل‬ ‫من المؤكد أن الحركات السياسية‬
‫ظاهرة عامة تستحق التوقف أمامها مطوال‪.‬‬ ‫االحتجاجية التي شهدتها البالد‪ ،‬مثل الحركة‬
‫فاالحتجاجات العمالية تراوحت بين االعتصام‬ ‫المصرية من أجل التغيير “كفاية”‪ ،‬أدت دورا‬
‫والتظاهر والتجمهر وصوال إلى اإلضراب‬ ‫كبيرا‪ ،‬فقد كان لها أثر واضح في رفع سقف‬
‫الكلي أو الجزئي أو التباطؤ في العمل‪،‬‬ ‫المطالب ونشر ثقافة االحتجاج‪ .‬ونظرا‬ ‫‪54‬‬
‫وبدأت من المصانع‪ ،‬خصوصا مصانع الغزل‬ ‫لكون حركة كفاية ومثيالتها تميزت ببعد‬
‫والنسيج‪ ،‬وواصلت تغلغلها في كافة‬ ‫سياسي عام وبحت‪ ،‬فقد كان حجم حشدها‬
‫القطاعات اإلنتاجية والخدمية وصوال إلى‬ ‫للجماهير محدودا‪ ،‬فلم يكن من السهل‬
‫قطاعي الصحة والتعليم‪ .‬فلم تعد بذلك‬ ‫ّ‬ ‫إقناع المواطن المصري البسيط الذي يلهث‬
‫قاصرة على العمال فقط وإنما امتدت‬ ‫بحثا عن الرزق بأن الديمقراطية واإلصالح يجب‬
‫لتشمل الموظفين والمهنيين‪ ،‬حيث كان‬ ‫أن يكونا على قمة أولوياته‪ ،‬وان يتظاهر في‬
‫لكل من هذه القطاعات يوم أو أيام من‬ ‫سبيلهما معرضا نفسه للمالحقة األمنية‬
‫االحتجاجات المطلبية‪ .‬وقد ساهم النجاح‬ ‫المحتملة‪ .‬ورغم محاولة الحركة الدفع بعدد‬
‫النسبي الذي حظيت به هذه المظاهر‬ ‫من الشعارات االجتماعية واالقتصادية على‬
‫االحتجاجية في انتشارها بين القطاعات‬ ‫أجندتها لجذب المزيد من المناصرين مثل‬
‫المختلفة‪ .‬حتى أنه قد أغرى البعض باالنتقال‬ ‫“كفاية ظلم‪ -‬كفاية فساد‪ -‬كفاية بطالة”‪،‬‬
‫إلى مرحلة أشمل من االحتجاجات تطال كل‬ ‫إال أن ميدان عمل هذه الشعارات وحامليها‬
‫القطاعات في ذات اليوم لتشكل ضغطا‬ ‫كان ال يزال الشارع المصري الذي لم يكن‬
‫أكبر على الحكومة وتؤسس بذلك الجيل‬ ‫مؤهال بعد للتظاهر بغزارة‪ .‬وهكذا سرعان ما‬
‫الثالث من االحتجاجات المتمثل في اإلضراب‬ ‫أثبتت كفاية محدودية تجربتها وعجزها عن‬
‫العام‪ ،‬والذي يمكن القول إنه نجح في‬ ‫التواصل مع الجماهير الغفيرة‪ .‬غير أن ثقافة‬
‫البداية افتراضيا وفشل واقعيا‪ ،‬ثم عاد ونجح‬ ‫االحتجاج التي نشرتها كانت لها مفعول أكبر‬
‫جزئيا في إضراب المحلة عام ‪ 2008‬إلى أن نجح‬ ‫من الحركة ذاتها‪ ،‬خاصة مع تدهور الظروف‬
‫بشكل كامل في ثورة ‪ 25‬يناير‪.‬‬ ‫المعيشية وتزايد الشكوى من الفساد اإلداري‬
‫وسوء اإلدارة‪.‬‬
‫لم تكن النخبة العمالية الجديدة التي أدارت‬ ‫ثانيا ـ مالمح االحتجاجات االجتماعية‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية‬

‫االحتجاجات المتتالية ونسقتها ذات خبرة‬ ‫الجديدة‬


‫قيادية كبيرة‪ ،‬غير أنها استطاعت مع توالي‬
‫االحتجاجات أن تطور من قدراتها التنظيمية‬ ‫بالنظر إلى حجم ونوعية االحتجاجات‬
‫والتفاوضية وتحقق نجاحا تلو اآلخر لم يخلو‬ ‫االجتماعية التي شملت أغلب القطاعات‬
‫من بعض التضحيات‪ ،‬مثل االعتقال أو التضرر‬ ‫والمحافظات‪ ،‬نجد أنها رغم انتشارها وربما‬
‫الوظيفي نتيجة للمشاركة في االحتجاج‪.‬‬ ‫تشتتها قد حافظت على قدر من االتساق‬
‫والتشابه‪ ،‬كما سيلي توضيحه‪:‬‬
‫كانت االحتجاجات العمالية بمثابة القاطرة‬
‫لسلسلة من االحتجاجات المشابهة في‬ ‫فاجأت هذه االحتجاجات النخبة السياسية‬
‫القطاعات األخرى مثل الموظفين واألطباء‬ ‫الحاكمة والمعارضة على حد سواء‪ ،‬حيث‬
‫والمعلمين وأساتذة الجامعات والصحفيين‪.‬‬ ‫كانت بمثابة تمرد صريح على هيمنتهما‬
‫وصوال إلى عدد من المواطنين المتضررين‬ ‫على الحياة العامة‪ .‬كما أفرزت قيادات جديدة‬
‫من أوضاع أو قرارات حكومية وخاصة‬ ‫وبديلة شديدة االرتباط بقواعدها‪ ،‬األمر الذي‬
‫محلية معينة‪ ،‬مثل سائقي التاكسي‬ ‫أحرج القيادات التقليدية مما أفسح المجال‬
‫والمكيروباص المحتجين على سوء أوضاع‬ ‫فيما بعد لتغيرها بالكامل‪.‬‬
‫الطرق بين القرى والمدن‪ ،‬أو سكان منطقة‬
‫عشوائية معرضة لإلزالة دون وجود بدائل‬ ‫اتضح هذا األمر بجالء من خالل فشل القيادات‬
‫إليواء السكان‪ .‬غير أن هذه االحتجاجات ال تزال‬ ‫العمالية النقابية “المنتخبة” في سرعة حل‬
‫‪55‬‬
‫متفرقة وغير منظمة ولم تصل بعد للنضج‬ ‫االحتجاجات العمالية أو احتوائها‪ ،‬بما يشكك‬
‫الذي وصلت إليه االحتجاجات العمالية‪.‬‬ ‫في مصداقيتها ومدى تمثيلها للعمال‪،‬‬
‫ويؤكد سوء عواقب االنتهاكات الصريحة‬
‫شهدت االحتجاجات العمالية حالة يمكن‬ ‫التي طالت انتخابات االتحادات العمالية‬
‫أن نسميها “تمكين” للفئات التي عادة‬ ‫األخيرة‪.‬‬
‫ما تكون عازفة عن المشاركة السياسية‬
‫والمجتمعية‪ .‬فالشباب كان بمثابة خاصرة‬ ‫تميزت هذه االحتجاجات بمحدودية الحيز حيث‬
‫االحتجاجات كما شاركت المرأة بقوة غير‬ ‫أن كل منها يحدث في مصنع بعينه أو شركة‬
‫معهودة وكانت في مقدمة المحتجين‪،‬‬ ‫محددة‪ ،‬في سبيل مطالب فئوية محددة‬
‫وهكذا نجد أن االحتجاجات نجحت في إفراز‬ ‫خاصة بالحقوق المالية للعاملين أو تحسين‬
‫نخبة قيادية جديدة وادماج فئات ظلت بعيدة‬ ‫ظروف العمل‪ .‬ورغم ذلك فقد حدث عدد‬
‫لمدة طويلة عن المشاركة‪.‬‬ ‫من االحتجاجات التضامنية في محافظات‬
‫ومصانع أخرى تشبه الصدى على االحتجاجات‬
‫نالحظ أن أهم االحتجاجات وأنجحها هي‬ ‫األصلية‪ ،‬مثل التظاهرات التضامنية التي قام‬
‫تلك التي حرص منفذوها على إقامتها‬ ‫بها عمال كفر الدوار وعمال غزل ميت غمر‬
‫على عدة مراحل وبوتيرة تصاعدية‪ .‬وفي‬ ‫وعمال الدلتا للغزل بطنطا وزفتى‪ ،‬مواكبة‬
‫إضراب موظفي الضرائب العقارية أبرز مثال‬ ‫إلضراب عمال غزل المحلة في سبتمبر ‪.22007‬‬
‫على ذلك‪ ،‬حيث بدأوا باالعتصام أمام مبنى‬ ‫مما يعطى االنطباع بأن االحتجاجات لم تعد‬
‫وزارة المالية ثم فضوا اعتصامهم على أن‬ ‫تحدث في جزر منعزلة عن بعضها البعض‪،‬‬
‫يستأنفوه بعد شهرين أمام مبنى مجلس‬ ‫إنما اصبح بعضها يشكل صدى للبعض‬
‫الوزراء‪ ،‬ممتنعين طوال هذه الفترة عن‬ ‫اآلخر‪.‬‬
‫أن المنتمين إليها يعملون لحساب جهة‬ ‫تحصيل الضرائب العقارية في المديريات‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫معينة ويتقاضون أجرا في المقابل وليس‬ ‫على مستوي الجمهورية‪ ،‬إلى أن تتحقق‬
‫لحسابهم الخاص‪.‬‬ ‫مطالبهم‪.‬‬

‫ولكن تصاعد وتيرة االحتجاجات في مواقع‬ ‫تميزت مطالب الجيل الثاني من االحتجاجات‬
‫العمل كانت محل إجماع من الجميع‪ ،‬كما‬ ‫بأنها جزئية ومنطقية وقابلة للتحقيق‪ ،‬فهي‬
‫يبينه الملحق اإلحصائي الذي أعده مركز‬ ‫لم تتعد صرف المستحقات المالية المتأخرة‬
‫األرض لدراسات حقوق اإلنسان في مصر‪.‬‬ ‫للعاملين المحتجين أو تحسين ظروف‬
‫العمل وتوفير الرعاية الصحية المالئمة أو‬
‫ثالثاـ خريطة الفاعلين غير الحكوميين‬ ‫النقل اآلمن‪ .‬بل إن أكثر المطالب طموحا‬
‫كانت إقالة قيادة المؤسسة أو المصنع‬
‫في أعقاب الحرب األمريكية على العراق‪،‬‬ ‫بسبب سوء اإلدارة أو تفشي الفساد‪ ،‬أي‬
‫وتحت تأثير الضغوط األمريكية على النظام‬ ‫أن األمر لم يتخذ أي صفة سياسية على‬
‫المصري من أجل اإلصالح وتوسيع هامش‬ ‫اإلطالق‪ .‬كما لم تكن هذه االحتجاجات بأي‬
‫الديمقراطية‪ ،‬تحول الزخم والحراك الشعبي‬ ‫حال من األحوال امتدادا تنظيميا أو نوعيا‬
‫الذي ساد الشارع المصري من أجل االحتجاج‬ ‫لحركة كفاية‪ ،‬وإنما تمتعت بذاتية منفصلة‬
‫على الحرب على العراق إلى المطالبة‬ ‫وعكست رؤية مختلفة وصلت إلى حد‬
‫باإلصالح الشامل على المستوى الداخلي‬ ‫االستنجاد بالرئيس السابق مبارك ورئيس‬
‫المصري‪ .‬ومما ضاعف من حالة الحراك‬ ‫الوزراء للتدخل المباشر‪ .‬حتى أن المحتجين‬
‫الشعبي آنذاك إعالن الرئيس مبارك عن‬ ‫رفعوا في عدد من مواقع االحتجاج بطاقات‬ ‫‪56‬‬
‫تعديل المادة ‪ 76‬من الدستور‪ .‬وقد تولدت‬ ‫عضويتهم في الحزب الوطني للتأكيد على‬
‫من هذا الحراك عددا من الحركات الشعبية‬ ‫عدم معارضتهم السياسية للحكم القائم‪.3‬‬
‫المطالبة بالتغيير والتي مثلت اإلرهاصات‬
‫األولى لتلك المرحلة‪ ،‬ونذكر منها‪“ :‬حركة ‪20‬‬ ‫لقد عكف عدد من المنظمات الحقوقية‬
‫مارس”‪ ،‬التي كانت عبارة عن محاولة لتجميع‬ ‫على رصد ومراقبة تطور هذه االحتجاجات‬
‫نشطاء اليسار‪ -‬على اختالف مشاربهم‪-‬‬ ‫في مختلف مواقع العمل‪ .‬غير أن توصيف‬
‫وخلق تيار يساري جديد ومتماسك وقادر على‬ ‫االحتجاج لم يكن أمرا متفقا عليه‪ ،‬فحين اعتبر‬
‫التواصل مع الجماهير وإحداث تأثير حقيقي‬ ‫البعض أن االحتجاج ينحصر في االعتصام أو‬
‫في الشارع المصري؛ و”الحركة الشعبية‬ ‫اإلضراب عبر التظاهر والتجمهر‪ ،‬رأى البعض‬
‫من أجل التغيير”‪ ،‬والتي بادر بإنشائها أيضا‬ ‫اآلخر أن االحتجاج يشمل تقديم الشكاوى ورفع‬
‫نشطاء منتمون فكريا إلى اليسار‪ ،‬وكان‬ ‫الدعاوى القضائية أو حتى التهديد باإلضراب‪.‬‬
‫الهدف منها أن تكون تجمعا يضم مختلف‬ ‫األمر الذي أدى إلى اختالف عدد االحتجاجات‬
‫القوى السياسية الفاعلة على الساحة‬ ‫عن الفترة نفسها بين مرصد حقوقي وآخر‪.‬‬
‫المصرية من أجل المطالبة بالديمقراطية‬ ‫كما أن تصنيف العمال لم يكن منضبطا‪،‬‬
‫والحريات والحقوق األساسية للمصريين‪.4‬‬ ‫فقد ينتمي إلى العمال عمال المصانع‬
‫والشركات العامة والخاصة فقط‪ ،‬أو قد‬
‫أما الحركة التي استطاعت إحداث تأثير‬ ‫يضاف إليهم العاملون أو الموظفون في‬
‫فعلي على الساحة المصرية‪ ،‬والتي أحدثت‬ ‫هذه المؤسسات وفي الجهات الحكومية‬
‫حالة غير مسبوقة من الحراك على الساحة‬ ‫أيضا‪ .‬كما قد يتسع المفهوم ليشمل كل‬
‫المصرية‪ ،‬واستوعبت في طياته معظم‬ ‫القطاعات باختالف طبيعة عملها‪ ،‬طالما‬
‫“عمال من أجل التغيير” للدفاع عن مصالح‬
‫ّ‬ ‫الحركات السابقة‪ ،‬بل وامتد تأثيرها ليشمل‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية‬

‫الطبقة العاملة‪ ،‬ومواجهة الخطــط التي‬ ‫أيضا الدول العربية‪ ،‬كانت هي «الحركة‬
‫تدمر المصالح العمالية من وجهة نظرهم‪،‬‬ ‫المصرية من أجل التغيير»(كفاية)‪.‬‬
‫ولحشد الصفوف العمالية في مواجهة‬
‫السياسات النيوليبرالية الجديدة‪ ،‬واآلثار‬ ‫فعقب اإلعالن عن التغيير الوزاري المصري‬
‫السلبية للخصخصة‪ ،‬التي تتبعها الحكومة‬ ‫في يوليو‪ ،2004‬صاغ ثالثمائة من المثقفين‬
‫أيضا حركة “شباب‬ ‫المصرية‪ .‬كما تكونت ً‬ ‫المصريين والشخصيات العامة‪ ،‬التي تمثل‬
‫من أجل التغيير” للعمل وسط الشباب‬ ‫الطيف السياسي المصري على اختالف‬
‫المعارض لرفض حالة الطوارئ‪ ،‬وممارسة‬ ‫ألوانه‪ ،‬وثيقة تأسيسية تطالب بتغيير‬
‫القمع‪ ،‬باإلضافة إلى حالة اإلقصاء للشباب‬ ‫سياسي حقيقي في مصر‪ ،‬وبإنهاء الظلم‬
‫من ممارسة العمل السياسي السلمي‪.‬‬ ‫االقتصادي والفساد في البالد‪ ،‬وبإنهاء تبعية‬
‫السياسة الخارجية المصرية‪ .‬وعقدت الحركة‬
‫وكانت ضمن الحركات األخرى التي‬ ‫مؤتمرها التأسيسي في سبتمبر‪ ،2004‬وشهد‬
‫نشأت حركة « أطباء بال حقوق»‪ ،‬والتي‬ ‫الشارع المصري أولى مظاهراتها في كانون‬
‫دفاعا عن حقوق‬ ‫ً‬ ‫تهدف إلى التحرك‬ ‫الثاني‪/‬ديسمبر من العام نفسه‪ .‬وفي‬
‫األطباء‪ ،‬وفى مواجهة أوضاع مهنة الطب‬ ‫غضون شهور قليلة‪ ،‬نمت الحركة المصرية‬
‫المتدهورة‪،‬واألحوال المنهارة للخدمات‬ ‫من أجل التغيير (كفاية) من تجمع مثقفين‬
‫الصحية المقدمة للمواطنين‪ .‬وحركة‬ ‫إلى أن انتزعت حق التظاهر السلمي ضد‬
‫«مهندسون ضد الحراسة»‪ ،‬التي تنظم‬ ‫النظام القائم‪ ،‬وازداد الموقعون على بيان‬
‫‪57‬‬
‫صفوف المهندسين المصريين‪ ،‬بهدف انتزاع‬ ‫كفاية ليبلغ اآلالف‪.5‬‬
‫نقابتــــهم من قبضة الدولة‪ ،‬التي فرضت‬
‫عليها «الحراسة «منذ أكثر من اثني عشر عاما‪.‬‬ ‫كان ميالد وانطالق حركة “ كفاية “ إيذانا‬
‫غير أن أهم األخوات على اإلطالق‪ ،‬هي حركة‬ ‫بإعالن متواتر لنشأة عدد كبير من الحركات‬
‫«نادي القضاة» وهو الهيئة التمثيلية الوحيدة‬ ‫ق من رحم حــركة‬ ‫“الشقيقة”‪ :‬بعضها تَ َخ ّل َ‬
‫للقضاة في مصر المنتخبة من قبل القضاة‬ ‫“كفاية”‪ ،‬والبعض اآلخر تم بمشاركة من‬
‫ذاتهم‪ ،‬وقد تحركت من أجل استقالل القضاء‬ ‫نشطاء الحركة‪ ،‬والبعض الثالث تمتع‬
‫في مصر بعيدا عن السلطة التنفيذية‪ ،‬كما‬ ‫باستقاللية نسبية – أو كاملة‪-‬عنها‪ ،‬لكن‬
‫ناضلوا من أجل توفير رقابة قضائية نزيهة‬ ‫كلها عـملت في االتجاه نفسه‪ :‬تعميق‬
‫على االنتخابات المصرية بجميع مستوياتها‪.6‬‬ ‫الممارسة الديمقراطية‪ ،‬والعمل على‬
‫توسيع هامش العمل الشعبي المستقل‪،‬‬
‫لم تكن البيئة المحيطة غائبة عن هذه‬ ‫مما حدا بالكثيرين إلطالق اسم “أخوات‬
‫التطورات‪ ،‬فمع استمرار أزمات االقتصاد‬ ‫كفاية” على تلك التحركات‪ .‬فعلى سبيل‬
‫ذاتها من المرحلة الثانية‪ ،‬بل وتعاظمها‪،‬‬ ‫المثال تشكلت “حركة استقالل الجامعة – ‪9‬‬
‫حيث تزايد عدد العاطلين ليبلغ في بعض‬ ‫مارس” من مجموعة كبــيرة من األكاديميين‬
‫التقديرات ‪ 24‬بالمائة‪ .7‬ومع اندفاع قطار‬ ‫المرموقين في شتى الجامعات المصرية‪،‬‬
‫الخصخصة وما أصاب العمال من جرائه‪ ،‬بدأ‬ ‫بهدف التحرك لتحقيق الحرية األكاديمية‪،‬‬
‫شعور أعمق لدى المواطن المصري بغياب‬ ‫وتخليص الجامعات المصرية من هيمنة‬
‫أي إمكانية لتحسين األوضاع االقتصادية‪،‬‬ ‫الدولة وأجهزة األمن‪ ،‬وكفالة حرية الفكر‬
‫خاصة مع بروز ظواهر تدل على أن المشكلة‬ ‫واالعتقاد للطالب واألساتذة‪ ،‬ومحاربة الفساد‬
‫في األساس تكمن في سوء توزيع الدخل‪،‬‬ ‫في المحيط الجامعي‪ .‬وأُنشئت حركة‬
‫ذات النقد الالذع للنظام‪ ،‬والمصري اليوم‬ ‫حيث بدأت مشروعات إسكانية وتجارية‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫بمتابعتها لكافة القضايا بشكل حر يتسم‬ ‫تتوجه للشريحة الثرية من المجتمع المصري‬
‫بنقد الوضع القائم‪ ،‬وجريدة البديل ذات‬ ‫والقت رواجا‪ ،‬مما يدل على اتساع الفجوة‬
‫الطابع اليساري بتحقيقاتها الجريئة التي‬ ‫الطبقية في المجتمع المصري‪ ،‬مما خلق‬
‫تمس النظام الحاكم‪ .‬أعطت هذه اآللة‬ ‫شعورا باإلجحاف‪ ،‬خاصة من جانب الطبقة‬
‫اإلعالمية زخما للحركة السياسية في مصر‬ ‫الوسطى ودفع فئات منها إلى اللحاق‬
‫تجاوز أحيانا حجمها الحقيقي في محاولة‬ ‫بحركة االحتجاج‪ ،‬التي كان وقودها األساسي‬
‫اإلعالم الجديد جذب القراء والمشاهدين‬ ‫خالل تلك الفترة الطبقة الوسطى المثقفة‪.‬‬
‫من المصادر التقليدية‪ .‬وهو ما ع َّرف الشارع‬
‫المصري بهذه االحتجاجات ودفع ببعض‬ ‫كما تميزت هذه الفترة بازدياد دور لجنة‬
‫من شرائحه للمشاركة فيها‪ .‬كما أعطى‬ ‫السياسات داخل الحزب الوطني‪ ،‬وزادت‬
‫المحتجين شعورا بأن صوتهم بات مسموعا‬ ‫معها سطوة رجال األعمال فعين «أحمد‬
‫وأن هناك من يدعمهم أو يقف خلفهم‪.‬‬ ‫عز» رجل األعمال المعروف ومحتكر صناعة‬
‫الحديد في مصر رئيسا للكتلة البرلمانية‬
‫ومن الجدير بالذكر أن نقابة الصحفيين قد‬ ‫للحزب الوطني‪ .‬كما تشكلت حكومة‬
‫تحولت إلى منبر إلطالق تظاهرات «كفاية»‬ ‫جديدة في ‪ 2004‬بها ‪ 6‬من رجال األعمال‪.‬‬
‫وغيرها من الحركات االحتجاجية‪ ،‬األمر الذي‬ ‫كما تم طرح قضية توريث السلطة لنجل‬
‫جعلها تحت حصار شبه دائم من أجهزة األمن‪.‬‬ ‫الرئيس بشكل أكثر كثافة خاصة مع سفره‬
‫وعلى جانب آخر‪ ،‬جرت تحركات إدارية داخل‬ ‫أكثر من مرة للواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫الصحف القومية – القريبة من الحكومة‪-‬‬ ‫واتسمت هذه المرحلة بتسامح أكبر مع‬ ‫‪58‬‬
‫حيث أطاحت تلك التغييرات أو التحركات‬ ‫حركات المعارضة عن تلك السابقة‪ ،‬لظروف‬
‫بمعظم كبار الصحفيين المستقرين على‬ ‫االنتخابات البرلمانية والرئاسية في ‪2005‬‬
‫كراسيها منذ وقت طويل‪ ،‬وأتت بوجوه‬ ‫الستكمال الشكل الديمقراطي لهذه‬
‫جديدة‪ ،‬ربما ال يتمتع الكثير منها بالمهنية‬ ‫االنتخابات‪ .‬ولم تخرج عن هذا اإلطار سوى‬
‫أو الكفاءة‪ ،‬بقدر ما يتمتعون بالقرب من‬ ‫تظاهرة التعديالت الدستورية التي سبق‬
‫األجهزة األمنية أو من لجنة السياسات بالحزب‬ ‫التحدث عنها‪ .‬كما اتسعت مساحة الحرية‬
‫الوطني الحاكم‪.‬‬ ‫على مستوى الفضائيات المصرية وبدأت‬
‫برامج الحوارات في نقل وتحليل قضايا لم‬
‫ويعتبر الكثير من الصحفيين المستقلين‬ ‫يكن يتم التطرق إليها فيما سبق خاصة ما‬
‫أنه إذا كانت تحركات القضاة وحركة كفاية‬ ‫يتعلق بقضايا الفساد أو الديمقراطية‪.‬‬
‫وغيرها من الحركات االحتجاجية قد ساهمت‬
‫في رفع سقف النقاش السياسي على‬ ‫وفي السياق ذاته‪ ،‬برزت الصحف المستقلة‬
‫الساحة المصرية‪ ،‬فإن الصحافة المصرية‬ ‫األكثر جرأة في كسر تلك التابوهات أو في‬
‫المستقلة أوصلت صوت هذه الحركات إلى‬ ‫اختراق الخطوط الحمراء‪ ،‬وأصبح في مصر‬
‫الرأي العام والشارع المصري‪ .‬ومن الجدير‬ ‫صحافة مستقلة وحزبية ال تتحرج من االنتقاد‪-‬‬
‫بالذكر أن الصحف الحزبية والمستقلة قد‬ ‫الشرس في بعض األحيان‪ -‬للمسئولين‪،‬‬
‫مارست أيضا نوعا من االحتجاج الخاص بها‪،‬‬ ‫وعلى رأسهم‪ -‬وللمرة األولى منذ سنوات‬
‫إلى جانب تغطية التظاهرات التي قامت بها‬ ‫طوال‪-‬رئيس الجمهورية وعائلته‪ .‬األمر الذي‬
‫«كفاية» وسواها من الحركات االحتجاجية‪،‬‬ ‫لم تعرفه الصحافة المصرية قب ً‬
‫ال‪ .‬وبرزت جرائد‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬لجأت حوالي ‪12‬‬ ‫مثل العربي الناصري‪ ،‬والدستور المستقلة‬
‫والدولة‪ ،‬كما يذهب من ناحية أخرى إلى أن‬ ‫صحيفة مستقلة وحزبية إلى االحتجاب في‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية‬

‫الفكر العروبي وانتشاره في مصر كانت آثاره‬ ‫مايو‪ 2007‬احتجاجا على تمرير قانون بالبرلمان‬
‫كارثية عليها‪ ،‬ومن ثم ينادي الحزب بإقامة‬ ‫يبيح حبس الصحفيين‪.8‬‬
‫وطن يؤمن بالتعددية والليبرالية‪ ،‬ال يسمح‬
‫للدين بالتدخل في السياسة‪ ،‬ويكون أساس‬ ‫أما عن الوضع الدولي واإلقليمي فقد استمر‬
‫المواطنة هي القومية المصرية الفرعونية‪،‬‬ ‫في تلك الفترة خطاب اإلصالح الداخلي‬
‫باالبتعاد عن «مستنقع االنتماء العروبي»‪.10‬‬ ‫وضرورة «نشر الديمقراطية» في الشرق‬
‫األوسط‪ ،‬وطرح مبادرات متعددة لـ»الشراكة‬
‫ويصب أيضا في هذا التيار مجموعة أخرى‬ ‫مع الشرق األوسط»‪ ،‬سواء من جانب الواليات‬
‫هي»مصريون ضد التمييز الديني» (مارد)‪،‬‬ ‫المتحدة أو من جانب االتحاد األوروبي؛ انطالقا‬
‫وإن كانت أطروحات تلك المجموعة تركز‬ ‫من النظرية القائلة بأن النظم االستبدادية‬
‫بصورة كبيرة على تنمية «الطابع المدني‬ ‫القائمة في الشرق األوسط مثلت «معم ً‬
‫ال‬
‫الديمقراطي للدولة المصرية»‪ ،‬ومناهضة‬ ‫لتفريخ اإلرهاب»‪ ،‬ومن ثم تصديره إلى الخارج‪،‬‬
‫ممارسات التمييز الديني بين المواطنين‬ ‫على غرار ما حدث في ‪ 11‬سبتمبر‪/‬أيلول‪ .‬األمر‬
‫المصريين بكافة الوسائل المتاحة‪ ،‬وتعتمد‬ ‫الذي يتطلب تغيير األوضاع – أو األنظمة‪-‬‬
‫هذه المجموعة على «الهوية المصرية»‬ ‫في تلك الدول‪ ،‬سواء بالعمليات العسكرية‬
‫كأساس ألطروحتها‪ ،‬وذلك على حساب‬ ‫– كما حدث في العراق‪ -‬أو عبر األدوات‬
‫الهوية العربية‪ ،‬التي تم تهميشها تماما‬ ‫الدبلوماسية واالقتصادية والضغوط الدولية‬
‫باعتبارها قد تسببت في تفشي الفكر‬ ‫من أجل الديمقراطية‪ ،‬وذلك في حالة النظم‬
‫‪59‬‬
‫الديني على الساحة السياسية المصرية‪،‬‬ ‫«الصديقة» للواليات المتحدة‪ ،‬مثل مصر‬
‫مدعوما بأموال النفط القادمة من الخليج‬ ‫والسعودية واألردن وسواها‪.‬‬
‫العربي‪ ،‬والسبب الرئيس في انتشار وتفشي‬
‫التمييز الديني بين المواطنين المصريين‬ ‫بالعطف على العوامل السابقة‪ ،‬بدأت‬
‫البسطاء‪.11‬‬ ‫عدة تغيرات ملحوظة تظهر في الخطاب‬
‫الرسمي المصري‪ ،‬ربما كان أبرزها تراجع‬
‫رابعا ـ الفاعلون غير الحكوميين في‬ ‫الخطاب العربي‪ ،‬وظهور خطاب «مصر أو ًال»‬
‫مدينة المحلة وبروفه ثورة ‪ 25‬يناير‪/‬كانون‬ ‫بشكل مبالغ فيه أحيانا‪ .‬وارتبط ظهور هذا‬
‫الثاني‬ ‫الخطاب أيضا بظهور عدد من الخطابات‬
‫التي تذهب في االتجاه ذاته‪ ،‬ربما بشكل‬
‫جاءت المواجهات الدامية التي شهدتها‬ ‫أكثر تطرفا‪ ،‬من جانب بعض الحركات‬
‫مدينة المحلة العمالية في ‪ 6‬أبريل‪/‬نيسان‬ ‫والقوى السياسية الجديدة محدودة األثر على‬
‫‪ 2008‬لتكشف عن فارق كبير بين نمطين‬ ‫الساحة المصرية‪ .‬ونذكر من هذه القوى‬
‫من االحتجاجات انتشرا في ربوع مصر في‬ ‫«حزب مصر األم»‪ ،‬أو»حزب مصر الليبرالي‬
‫الفترة األخيرة‪ ،‬أحدهما افتراضي قادته مواقع‬ ‫الفرعوني»‪ ،‬وهو حزب رفضت لجنة األحزاب‬
‫على اإلنترنت وبعض النشطاء السياسيين‬ ‫اعتماد تأسيسه بحجة مخالفة المبادئ‬
‫في العاصمة وحدث على المواقع‬ ‫التي يدعو إليها لمبادئ الدستور المصري‪،9‬‬
‫اإللكترونية وعبر رسائل الهواتف المحمولة‪،‬‬ ‫وهو تيار سياسي ظهر على الساحة‬
‫والفضائيات‪ ،‬والثاني حقيقي جري عمليا‬ ‫المصرية بعدما كان متواريا في الصالونات‬
‫على أرض المحلة وشارك فيه آالف العمال‬ ‫الثقافية‪ .‬ويؤكد برنامج الحزب المذكور‬
‫والمهمشين والمحرومين وسقط فيه ثالثة‬ ‫على العلمانية‪ ،‬وضرورة الفصل بين الدين‬
‫وال يسمح للطرف األول إال بالقيام باإلضرابات‬ ‫قتلي وعشرات الجرحى‪ ،‬وهو امتداد أكثر عنفا‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫االفتراضية‪ ،‬ويسمح للطرف الثاني أن يطالب‬ ‫لسلسلة االحتجاجات االجتماعية‪ ،‬لكونها‬
‫فقط بمطالب فئوية تتعلق بتحسين الرواتب‬ ‫خارج األطر السياسية والحزبية الموجودة‪،‬‬
‫وظروف العمل دون أي حديث في السياسة‪.‬‬ ‫بصورة قد تغير من المشهد السياسي في‬
‫أوساط الحكم أو المعارضة‪.‬‬
‫وتطبيقا لهذا الفهم‪ ،‬قامت الحكومة بصرف‬
‫مكافأة مالية فورية للعمال‪ ،‬حتى تصل‬ ‫وأحدثت الدعوة “االفتراضية” إلضراب ‪6‬‬
‫الرسالة واضحة‪ ،‬بأن الحكومة هي التي‬ ‫إبريل‪/‬نيسان و‪ 4‬مايو‪/‬أيار تأثيرا نفسيا كبيرا‪،‬‬
‫في يدها المال وهي القادرة على أن تلبي‬ ‫أقلق عموم المواطنين ودفعهم لمالزمة‬
‫مطالب العمال‪ ،‬ال المتظاهرين وأصحاب‬ ‫منازلهم في ‪ 6‬إبريل‪/‬نيسان بفضل بيان وزارة‬
‫الشعارات السياسية‪.‬‬ ‫الداخلية‪ ،‬وذلك خوفا من حالة افتراضية لم‬
‫تحدث في الواقع‪ ،‬وبدت شوارع القاهرة شبه‬
‫والمؤكد أن الحكومة حققت قدر من النجاح‬ ‫خالية نتيجة الخوف من إضراب لم يحدث‪.‬‬
‫الذي تأكد إنه مؤقت في فصل السياسة‬
‫عن المطالب االجتماعية‪ ،‬وابتكرت أساليب‬ ‫والحقيقة أن هذا التفاوت بين االفتراضي‬
‫متعددة حتى قضت على األحزاب‪ ،‬وهمشت‬ ‫والحقيقي جاء بعد أن تعثرت حركات‬
‫من دور الحركات السياسية الجديدة‪ ،‬وقضت‬ ‫االحتجاج السياسية‪ ،‬وفشلت في التواصل‬
‫على استقالل النقابات وحولت معظمها‬ ‫مع الجماهير رغم أنها فتحت لها باب تاريخي‬
‫إلى كيانات مسخ للحكومة واإلدارة‪ ،‬دون أي‬ ‫في القدرة على االحتجاج وكسر نسبي‬
‫تأثير حقيقي‪ ،‬ساعدها في ذلك تلك اللغة‬ ‫لثقافة الخوف من التظاهر والنزول إلى‬ ‫‪60‬‬
‫الخشبية التي الزال يستخدمها كثير من‬ ‫الشارع لقول كلمة حق في وجه حكم جائر‪.‬‬
‫السياسيين‪ ،‬وغياب ثقافة ديمقراطية عن‬
‫أحزاب المعارضة‪ ،‬إال أن مسئولية الحكم عن‬ ‫وبدت أمراض السياسة ال تختلف كثيرا في‬
‫قتل السياسة تظل أساسية‪.‬‬ ‫أوساط المعارضة عن الحكومة‪ ،‬وإن ظل‬
‫الفارق األساسي أن األخيرة هي التي تحكم‬
‫ومن هنا فأن الطريقة التي تعاملت بها‬ ‫وفي يدها كل مؤسسات الدولة‪ ،‬وبالتالي‬
‫الحكومة مع نتائج إضراب عمال مدينة المحلة‬ ‫هي مسئولة عن انهيار قوي المعارضة جراء‬
‫في عام ‪ 2008‬تؤكد نفس المنحي السابق‪،‬‬ ‫المناخ الذي أشاعته‪ ،‬وفشلت ليس فقط في‬
‫وهو أن هناك مطالب اجتماعية مشروعة‪،‬‬ ‫أن تكون ديمقراطية إنما أيضا في تلبية الحد‬
‫يمكن حلها بالترضية‪ ،‬وتكون عادة “حكمة‬ ‫األدنى من احتياجات الناس‪.‬‬
‫الرئيس” هي المفتاح السحري ألي حل‪ ،‬وليس‬
‫التظاهر أو المطالبة باإلصالح السياسي‪.‬‬ ‫والحقيقة أن الحكومة تعاملت مع إضراب‬
‫العمال بسياسة العصا والجزرة‪ ،‬فقمعت‬
‫والمؤكد أن هذه الطريقة التي طبقت حرفيا‬ ‫بقسوة المتظاهرين‪ ،‬وبسطت يدها‪،‬‬
‫ــ وبسخاء ــ عقب إضرابات المحلة‪ ،‬تجيء‬ ‫وأعطتهم مكافأة شهرا في سخاء لم يعتادوا‬
‫نتيجة تزايد االحتجاجات االجتماعية والتي تقع‬ ‫علية‪ ،‬ثم عاد الرئيس وقرر زيادة المرتبات‬
‫خارج كل األحزاب والكيانات السياسية‪.‬‬ ‫بنسبة تصل إلى ‪ .%30‬وإن كان ال يخلو من‬
‫داللة‪ ،‬فالحكم ناضل “بكفاءة” يحسد عليها‬
‫فمن الوهم أن يتصور المرء أن إضراب‬ ‫من أجل وضع نشطاء السياسة في ناحية‪،‬‬
‫المحلة لن يتكرر في مواقع أخري وبصورة‬ ‫وأصحاب المطالب الفئوية في ناحية أخري‪،‬‬
‫حصار كل المظاهر السياسية‪ ،‬ناقال الخطر‬ ‫أكثر عنفا وخطرا‪ ،‬ومن الوهم أيضا التصور أن‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية‬

‫من التنظيمات السياسية إلى االحتجاجات‬ ‫القوى السياسية القديمة والجديدة لها أي‬
‫االجتماعية‪.‬‬ ‫عالقة بأحداث المحلة‪ ،‬إنما الخطر الحقيقي‬
‫وكانت هناك جملة من األسباب ساعدت‬ ‫الذي بات يهدد مصر أن هناك تفاعالت‬
‫النظام في القضاء على “خطر” السياسة‬ ‫اجتماعية غير مرئية عملت على تنمية أنماط‬
‫والسياسيين‪ ،‬بعضها يتعلق بالمالحقات‬ ‫من الفوضى والعشوائية واالحتجاجات‬
‫والقيود األمنية‪ ،‬ولكن أهمها يتعلق‬ ‫االجتماعية من المستحيل إيقافها بطريقة‬
‫بالطبيعة غير السياسية للحكم الحالي‪،‬‬ ‫الحكم الحالية‪ ،‬وسيدفع الجميع ثمنا باهظا‬
‫الذي فضل التعامل بسطوة اإلدارة واألمن‪.‬‬ ‫لتغييب السياسة‪ ،‬وإيقاف عملية اإلصالح‬
‫وعرفت البالد األحزاب الموازية كبديل عن‬ ‫والتطور الديمقراطي‪.‬‬
‫فشل األحزاب األصلية‪ ،‬والنقابات الموازية‬
‫كبديل عن النقابات الرسمية واتحادات‬ ‫من المؤكد أن الواقع الحقيقي أصبح ينبأ‬
‫الطالب الموازية كبديل عن االتحادات‬ ‫بانفجارات كبري وعشوائية‪ ،‬ال يجب البحث‬
‫الطالبية الرسمية الغائبة‪.‬‬ ‫عن أسبابها عند السياسيين وال صحف‬
‫المعارضة‪ ،‬ألنها ستكون احتجاجات خام‬
‫ومع عجز كل من المؤسسات األصلية‬ ‫لم تمر عبر مصفاة حزب أو نقابة‪ ،‬تهذب‬
‫والموازية‪ ،‬على التأثير بصورة حاسمة في‬ ‫من سلوكها ومطالبها وتضعها في قالب‬
‫الجماهير واكتساب ثقتها‪ ،‬تحولت األخيرة‬ ‫تفاوضي مع السلطة كما يجري في الدول‬
‫إلى الحلول الفردية واالحتجاجات الفردية‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬إنما ستكون شديدة العنف‬
‫‪61‬‬
‫كبديل على االحتجاجات السياسية‪.‬‬ ‫والقسوة ولن يستطيع أحد إيقافها‪.‬‬

‫لقد اتضح منذ مواجهات مدينة المحلة‬ ‫خامساـ كيف تعامل النظام المصري مع‬
‫العمالية في إبريل‪/‬نيسان ‪ 2008‬أن هناك‬ ‫الفاعلين غير الحكوميين؟‬
‫مرحلة جديدة دخلتها البالد وتتمثل في‬
‫أن الخطر الحقيقي لم يعد هو خطر‬ ‫تركز تعامل النظام المصري مع الفاعلين غير‬
‫التنظيمات السياسية إنما خطر االحتجاجات‬ ‫الحكوميين طوال الفترة التي سبقت ثورة‬
‫االجتماعية العشوائية‪ ،‬صحيح أن معظم‬ ‫‪ 25‬يناير‪/‬كانون الثاني على مسألة أساسية‪:‬‬
‫هذه االحتجاجات سلمية وتسعى فقط لرفع‬ ‫الفصل بين السياسي واالجتماعي‬
‫األجور وتحسين ظروف العمل‪ ،‬إال أن قدرة‬
‫الحكومة ستظل محدودة على تلبية كل‬ ‫يمكن القول بأن نظام الرئيس مبارك واجه‬
‫هذه المطالب‪ ،‬وهو ما يثير خطرا حقيقيا‬ ‫منذ البداية تحديا صعبا تمثل في اإلرهاب‬
‫من أن تتحول من المجال االجتماعي إلى‬ ‫الذي نجح في هزيمته عقب مواجهات‬
‫السياسي‪ ،‬ولو من باب االحتجاج على عدم‬ ‫أمنية عنيفة وحمالت اعتقال واسعة‪ ،‬حصل‬
‫تلبية مطالبها‪.‬‬ ‫خاللها النظام على دعم أحزاب المعارضة‪،‬‬
‫ومع بداية عقد التسعينيات استقرت أوضاع‬
‫سادسا ـ الثورة المصرية صناعة خارج‬ ‫البالد أمنيا وبقي الوضع السياسي على ما‬
‫الفاعلين التقليديين‬ ‫هو عليه‪ ،‬حيث تآكل دور النخبة السياسية‪،‬‬
‫وانهارت األحزاب القديمة‪ ،‬وتعثرت القوى‬
‫لم يكن ما جري في مصر يوم ‪ 25‬يناير‪/‬كانون‬ ‫السياسية الجديدة‪ ،‬وزادت درجة االحتقان‬
‫الثاني مصادفة أو رد فعل عشوائي إنما‬ ‫والفوضى واالنتفاضات العشوائية‪ ،‬بعد‬
‫إن النظام السابق الذي كنا نطالبه بدمج‬ ‫هو حصاد كامل لسياسات اعتمدت على‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫القوى والحركات االحتجاجية الجديدة‬ ‫الموائمات والتلفيق‪ ،‬وتزوير االنتخابات وفساد‬
‫في العملية السياسية‪ ،‬لم يقتصر على‬ ‫اإلدارة والحلول األمنية وتجاهل المشكالت‬
‫استبعادها واستمرار قهرها إنما أيضا‬ ‫االجتماعية‪.‬‬
‫استبعد القوى السياسية الشرعية من‬ ‫إن حرص النظام المصري السابق على تدمير‬
‫الحياة السياسية فكافأ الوفد على انتخاباته‬ ‫أي وسائط منظمة للتفاوض بين العمال‬
‫الداخلية الديمقراطية بأن أسقط تقريبا كل‬ ‫والموظفين وقادة االحتجاجات االجتماعية‪،‬‬
‫مرشحيه‪ ،‬وليخرج عمليا من ساحة العمل‬ ‫واعتمادها على الحلول التلفيقية‬
‫الشرعي القوي السياسية الجيدة والقديمة‬ ‫والمسكنات برفع محدود لألجور هنا أو هناك‬
‫على السواء‪.‬‬ ‫أدى إلى تفجر طاقة كبيرة للغضب واالحتجاج‬
‫ساعدت على حدوث الثورة‪.‬‬
‫إن من يتصور أن مشكلة مصر في الحكومة‬
‫مخطئ‪ ،‬فمشكلتها كانت في أن رئيسها‬ ‫لقد عرفت مصر ليس فقط نظاما غير‬
‫يحكم البالد منذ ‪ 30‬عاما‪ ،‬وأن أي بلد في‬ ‫ديمقراطي إنما نظاما معدوم الكفاءة‬
‫أي مكان في العالم مهما كانت “حكمة”‬ ‫والخيال جعل ألول مرة في تاريخ مصر‬
‫رئيسها فال بد أن تكون النتيجة سلبية على‬ ‫المعاصر معيار االقتراب من السلطة ليس‬
‫كل المستويات فالعالم لم يخترع نظام‬ ‫فقط الوالء كما جري في العصور السابقة‪،‬‬
‫المدتين في الحكم من فراغ ألن أي رئيس أو‬ ‫إنما الجهل والفساد وانعدام الكفاءة‪.‬‬
‫مدير أو وزير يبقي في مكانه عشرين أو ثالثين‬
‫عاما فال بد أن تكون النتيجة سلبية على‬ ‫إن التزوير الفج الذي جري في االنتخابات‬ ‫‪62‬‬
‫المجتمع وفي قدرته على األداء والتجديد في‬ ‫التشريعية األخيرة وأسفر عن استئصال‬
‫عالم يتغير كل يوم‪.‬‬ ‫كامل لكل قوى المعارضة من التمثيل في‬
‫البرلمان مثل عامل رئيسي وراء اندالع الثورة‬
‫لقد ظهر في مصر فاعلون غير حكوميين‬ ‫في مصر‪ ،‬حين تحولت اعتراضات النواب من‬
‫جدد رفضوا أن يحشروا داخل خيارات النظام‬ ‫داخل البرلمان‪ ،‬إلى احتجاجات محبطين في‬
‫في التمديد لمبارك أو التوريث لنجله وتجاوزا‬ ‫قلب الشارع‪ ،‬بعد أن تصور أن احتكار الحديد‬
‫أيضا خطاب األحزاب التقليدية وأسسوا‬ ‫يمكن أن ينتقل إلى احتكار السياسة والبشر‪.‬‬
‫لتيارات سياسية واجتماعية جديدة صنعت‬
‫جميعها ثورة ‪ 25‬يناير‪/‬كانون الثاني‪.‬‬ ‫إن ما فعله قادة الحزب الوطني الجدد‬
‫في االنتخابات األخيرة مسئول مسئولية‬
‫إن االنقسام الذي عرفته مصر قبل ثورة‬ ‫مباشرة عن اندالع ثورة مصر‪ ،‬ليس فقط‬
‫‪ 25‬يناير‪/‬كانون الثاني بين الفاعلين غير‬ ‫باختياره لمرشحين معدومي الخبرة والمهارة‬
‫الحكوميين الذين يتحركون في المجال‬ ‫السياسية ومنعزلين عن الناس‪ ،‬إنما أيضا‬
‫االجتماعي وبين نظرائهم من النشطاء‬ ‫في تحويل ما عرف بحزب الدولة منذ االتحاد‬
‫الذين يتحركون في المجال السياسي‪ ،‬قد‬ ‫االشتراكي وحزب مصر والطبعة األولي من‬
‫تم تجاوزه أثناء الثورة حتى لو كان قد عاد مرة‬ ‫الحزب الوطني إلى شركة خاصة يقودها‬
‫أخرى ولو بشكل جزئي في تصاعد كثير من‬ ‫أمين تنظيم زاوج بين السلطة والمال هادما‬
‫المطالب الفئوية التي بدت منفصلة عن‬ ‫في الطريق كثير من تقاليد هذه الدولة‪.‬‬
‫المطالب السياسية‪.‬‬
‫‪3 3‬المصري اليوم‪.2007-9-28 ،‬‬ ‫والمؤكد أن هذا الفصل المبالغ فيه‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية‬

‫‪4 4‬مقابلة مع عضو مؤسس في الحركتين‪ ،‬القاهرة‪25 ،‬‬ ‫بين الفئوي والسياسي هو نتاج الواقع‬
‫أبريل‪/‬نيسان ‪.2009‬‬
‫‪ .5 5‬د‪ .‬دينا شحاتة‪ ،‬في االنتخابات الرئاسية المصرية‬ ‫السياسي المعاش الذي اعتبر فيه النظام‬
‫‪ ،2005‬مركز األهرام للدراسات السياسية واإلستراتيجية‪،‬‬ ‫السابق أن أي تواصل بين النشطاء‬
‫القاهرة ‪.2005‬‬ ‫السياسيين والمحتجين ألسباب اجتماعية‬
‫‪6 6‬أحمد بهاء الدين شعبان‪« ،‬الحركات االحتجاجية‬
‫الجديدة في مصر» ‪http://www.ahewar.org/m.‬‬ ‫خط ًا أحمر ال يجب تجاوزه‪ ،‬رغم أن المجتمعات‬
‫‪2090=asp?i‬‬ ‫الصحية وليس فقط الديمقراطية تنظر إلى‬
‫‪7 7‬أحمد النجار‪ ،‬التقرير االقتصادي االستراتيجي‪ ،‬األهرام‪،‬‬
‫السياسيين باعتبارهم همزة وصل مطلوبة‬
‫القاهرة ‪.2004‬‬
‫‪8 8‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫بين المضربين والمحتجين اجتماعيا من‬
‫‪ 9 9‬ميشيل نجيب‪« ،‬حزب مصر األم»‪http://www. ،‬‬ ‫جهة‪ ،‬والحكومة من جهة أخري‪ ،‬وقادرين‬
‫‪2282=freecopts.net/forum/showthread.php?t‬‬
‫‪http://www.freecopts.net/forum/showthread. 1 10‬‬
‫على تدعيم المسارات التفاوضية والحلول‬
‫‪2282=php?t‬‬ ‫الوسط بين الجانبين‪ ،‬ومنع أي نزوع نحو‬
‫‪/08/2006/http://egyptiansisyphus.blogspot.com 1 11‬‬ ‫استخدام العنف‪.‬‬
‫‪html.22_blog-post‬‬

‫والمؤكد أن ثورة ‪ 25‬يناير‪/‬كانون الثاني‬


‫فتحت الباب أمام ميالد فاعلين غير حكوميين‬
‫‪ 3-3‬األفكار والنتائج الرئيسية‬ ‫يحملون مشاريع اجتماعية ذات أساس‬
‫المتمخضة عن النقاش‬ ‫اجتماعي وقادرة على كسر ثنايئة الحزب أو‬
‫التنظيم السياسي الذي ال يمتلك أي قاعدة‬
‫‪63‬‬
‫عالجت األدبيات األكاديمية التي تناولت‬ ‫اجتماعية‪ ،‬واالحتجاجات االجتماعية التي ال‬
‫العالم العربي في قسم كبير منها الفاعلين‬ ‫تحمل أي بعد أو أفق سياسي‪ ،‬لنصبح أمام‬
‫الحكوميين على أنهم الفاعلون الرئيسيون‬ ‫فاعلين غير حكوميين لديهم رؤية سياسية‬
‫الوحيدون في المنطقة‪ .‬ومع أنه ثمة تركيز‬ ‫لها قاعدة اجتماعية أو نقابية وأن الفصل‬
‫متزايد على الحركات اإلسالمية‪ ،‬إال أن هذا‬ ‫التعسفي بين السياسي واالجتماعي بات‬
‫التركيز عاملها من خالل النموذج النمطي‬ ‫من الصعب أن يستمر كما جري في العهد‬
‫للتطرف و‪/‬أو اإلرهاب بصفتها فاع ً‬
‫ال حكومي ًا‬ ‫السابق‪.‬‬
‫ال‪ :‬اإلخوان المسلمون‬ ‫ال (مث ً‬
‫ال مستقب ً‬‫محتم ً‬
‫في مصر)‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬أسهمت األحداث‬ ‫لقد أدى حصاد األعوام الثالثين من حكم‬
‫األخيرة في المنطقة العربية في إبراز صورة‬ ‫مبارك إلى تراكم كل االحتجاجات االجتماعية‬
‫أكثر ديناميكية ومرونة حيث لعب فاعلون‬ ‫والسياسية السابقة وظهور فاعلين جدد‬
‫غير حكوميين مختلفون أدواراً مهمة وإن‬ ‫دمجوا بين السياسي واالجتماعي وفجروا‬
‫تكن مختلفة‪.‬‬ ‫ثورة ‪ 25‬يناير التي أسقطت رأسي النظام‬
‫السابق وال زالت في بداية الطريق نحو إنجاز‬
‫فهم االحتجاجات في سياق إحياء نشاط‬ ‫عملية تحول ديمقراطي‪.‬‬
‫المجتمع المدني‬
‫‪1‬إيمان يحيى‪ ،‬ظاهرة اإلضرابات المصرية‪ ،‬صحيفة‬ ‫‪1‬‬

‫الوقت البحرينية‪ 21 ،‬مايو ‪http://www.alwaqt. 2007‬‬


‫أول نقطة مهمة من المالحظات حول‬ ‫‪3433=com/blog_art.php?baid‬‬
‫االحتجاجات من الجانب المتعلق بالفاعلين‬ ‫‪2‬بيان غزل المحلة ‪ - 5‬تطورات تمهد القتحام األمن‬ ‫‪2‬‬

‫للمصنع‪http://www.hrinfo.net/egypt/ ،2007/9/25 ،‬‬


‫غير الحكوميين هي أن هذه االحتجاجات‬
‫‪shtml.pr0925/2007/ccdlrf‬‬
‫لم تأت من فراغ‪ ،‬بل كانت نتيجة سنوات‬
‫إلى نشوء بيئة أصبح التغير الجذري فيها‬ ‫عديدة من النشاط‪ .‬ففي مصر‪ ،‬كان لحركة‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫أمراً حتمي ًا‪ .‬ولم تكن المسألة –في الواقع‪-‬‬ ‫شباب السادس من أبريل وحركة ‘كلنا‬
‫بالنسبة للكثيرين تتمثل فيما إذا كان التغيير‬ ‫خالد سعيد’ دور أساسي في انطالق شرارة‬
‫سيحدث قط‪ ،‬بل متى سيحدث هذا التغيير‪.‬‬ ‫الثورة من خالل دعوتهما إلى االحتجاج يوم‬
‫الخامس والعشرين من كانون ثاني‪ /‬يناير‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬وعلى الرغم من أن االحتجاجات في‬ ‫من ناحية ثانية‪ ،‬يمكننا النظر إلى نشوء تلك‬
‫المنطقة العربية اتسمت بعنصر العفوية‬ ‫االحتجاجات على أنه نتيجة لصحوة سياسية‬
‫واالفتقار إلى التنظيم والقيادة‪ ،‬إال أنه من‬ ‫واجتماعية تسبب بها الحضور الكبير‬
‫األهمية بمكان أن نضعها في سياق إحياء‬ ‫لحركة ‘كفاية’ وهو ائتالف جماهيري اش ُتهر‬
‫نشاط المجتمع المدني الذي طبع المنطقة‬ ‫بمعارضته الصريحة لمبارك في انتخابات‬
‫بطابعه في العقد الماضي‪ .‬من ناحية أخرى‪،‬‬ ‫عام ‪ 2005‬نشأ مع الخيوط األولى لالحتجاج‬
‫من األهمية بمكان أيض ًا أن نقر في الوقت‬ ‫السياسي بشأن االنتفاضة الفلسطينية‬
‫نفسه بوجود ضعف متأصل في منظمات‬ ‫الثانية والحرب على العراق‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫المجتمع المدني في المنطقة – فقد كان‬ ‫أن هذه الحركة فقدت معظم زخمها وبرزت‬
‫نجاح حركة االحتجاجات في مصر وتونس‬ ‫جماعات أخرى على المشهد المصري‪ ،‬إال أن‬
‫مرده إلى حد كبير إلى وقوف الجيش إلى‬ ‫تجاهل أهميتها كمصدر إلهام للفاعلين‬
‫جانب الشعب ضد الرئيس‪ .‬أما في الدول‬ ‫الرئيسيين اليوم في المجتمع المدني‬
‫األخرى التي لم يتخذ الجيش فيها موقفا‬ ‫سيقود إلى سوء فهم عميق لتطور‬
‫شبيه ًا – كاليمن والبحرين‪ -‬فما يراه المرء‬ ‫المجتمع المدني في مصر‪.‬‬
‫هو صراع أطول زمني ًا بكثير يحيط به قدر أكبر‬ ‫‪64‬‬
‫من الشك من حيث من يكون الطرف الذي‬ ‫أما االنتفاضات في تونس فقد سبقها هي‬
‫ستنتهي االحتجاجات لصالحه‪ .‬وينبغي‬ ‫األخرى إحياء للنقابات العمالية‪ ،‬وكان أبرز‬
‫االعتراف أيض ًا بهذا الضعف الذي يعاني منه‬ ‫مالمح هذا اإلحياء حركة قفصة عام ‪2008‬‬
‫المجتمع المدني كي نتصدى لموضوع‪:‬‬ ‫التي أضرب فيها العمال والشباب وغيرهم‬
‫بأي السبل يمكن ويتوجب تعزيز المجتمع‬ ‫مدة ستة أشهر في سابقة من نوعها في‬
‫المدني؟ كما أن هذا أمر أساسي من أجل‬ ‫منطقة المناجم الجنوبية بتونس‪ .‬وقد‬
‫تعزيز التحول الكامل نحو الديمقراطية في‬ ‫شارك في اإلضرابات واالحتجاجات غالبية‬
‫الدول التي يكون فيها هذا التحول ممكن ًا‬ ‫سكان المنطقة حيث احتجوا على ظروف‬
‫حيث الديمقراطية أكبر من مجرد إجراء‬ ‫العمل الخطرة في مناجم الفوسفات‬
‫انتخابات حرة ونزيهة‪.‬‬ ‫والبطالة المزمنة والمستويات المرتفعة‬
‫من الفساد وقضايا أخرى‪ .‬وقد واجهت‬
‫دور المنظمات غير الحكومية في خلق‬ ‫الحكومة االضطرابات بإجراءات عنيفة‬
‫فضاء لالحتجاجات‬ ‫واعتقاالت وتعذيب في محاولة لقمع ما‬
‫شكل أكبر موجة احتجاجات اجتماعية في‬
‫ال يمكن للمرء أن يتحدث عن المنظمات‬ ‫تونس خالل عشرين سنة‪ .‬وكانت تحركات‬
‫غير الحكومية دون التفريق بين المحلي‬ ‫قفصة‪-‬الرديف السلمية مؤشراً واضح ًا على‬
‫والدولي منها‪ .‬وقد لعبت المنظمات غير‬ ‫أنه بالرغم من القمع الشديد الذي اتسم‬
‫الحكومية الدولية دوراً مهم ًا ليس فقط عن‬ ‫به حكم بن علي‪ ،‬إال أن النشاط السياسي‬
‫طريق تقديم الدعم للمنظمات المحلية‪،‬‬ ‫شهد دفع ًا جديداً في السنوات التي سبقت‬
‫بل أيضا بزيادة الوعي خارج المنطقة فيما‬ ‫احتجاجات كانون أول‪ /‬ديسمبر ‪ ،2010‬كما أدى‬
‫يمكن تجاهل دورها في صياغة المجتمع‬ ‫يتعلق باالنتهاكات المهمة لحقوق اإلنسان‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية‬

‫المدني للدول العربية‪.‬‬ ‫التي تُرتكب في المنطقة العربية (تقارير‬


‫منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس‬
‫ومن التطورات التي سبقت االحتجاجات‬ ‫ووتش والشبكة األورو‪-‬متوسطية لحقوق‬
‫التي بدأت في تونس في ‪ 2010‬وانتشرت إلى‬ ‫اإلنسان والفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان‬
‫بقية أنحاء المنطقة الرغبة المتزايدة من‬ ‫وأخرى غيرها)‪ .‬كما وكان للمنظمات غير‬
‫قبل المنظمات غير الحكومية المحلية في‬ ‫الحكومية المحلية دور مهم في تشجيع‬
‫التعاون مع اإلسالميين المعتدلين‪ .‬ومن‬ ‫المواطن العادي على شجب االنتهاكات‬
‫األمثلة المهمة على ذلك إنشاء ائتالف ‪18‬‬ ‫الهائلة وتبني الحوار القائم على الحقوق‬
‫أكتوبر للحقوق والحريات عام ‪ ،2005‬وهو‬ ‫كمبدأ يؤيده من داخله‪.‬‬
‫ائتالف تشكل بين مجموعة من منظمات‬
‫المجتمع المدني واألحزاب التونسية مرتكزاً‬ ‫في الحقيقة‪ ،‬ومع أن أحداً منا ال يستطيع‬
‫على األهداف المشتركة وليس على وجهات‬ ‫اإلدعاء بأنه كان يتوقع حدوث انتفاضات في‬
‫وضم جماعة النهضة‬ ‫ّ‬ ‫النظر األيديولوجية‪،‬‬ ‫المنطقة العربية‪ ،‬إال أننا إذا استرجعنا بذهننا‬
‫اإلسالمية‪ .‬وبعد ثالث سنوات من النقاش‬ ‫تتابع األحداث‪ ،‬سنجد أن تحو ًال اجتماعي ًا بطيئ ًا‬
‫تمت صياغة مسودة أربعة نصوص حول‬ ‫ال من وقوع هذه االنتفاضات‬ ‫كان يتبلور جاع ً‬
‫المساواة بين الجنسين والحرية الدينية‬ ‫ال‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬كان‬ ‫أمراً محتم ً‬
‫والعالقة بين الدين والدولة والشروط الالزمة‬ ‫األشخاص الوحيدون الذين يمكنهم أن‬
‫إلجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة‪ .‬وقد‬ ‫يتحدثوا مع منظمة هيومان رايتس ووتش‬
‫‪65‬‬
‫تمت الموافقة والتوقيع على هذه النصوص‬ ‫في تونس أواسط التسعينيات من القرن‬
‫من قبل حركة النهضة وجماعات أخرى مما‬ ‫الماضي هم المعارضون المتمسكون‬
‫يمثل واحداً من األمثلة األولى على الحوار‬ ‫بمواقفهم‪ ،‬في حين كان أفراد أسر‬
‫والتعاون بين الجماعات الدينية والعلمانية‬ ‫المعتقلين واألكاديميون يرفضون التحدث‬
‫في البالد‪ .‬ومن األهمية بمكان أ ّلا ننظر إلى‬ ‫معها‪ .‬ولكن لوحظ وجود تحول أواسط‬
‫هذا على أنه حدث استثنائي لن تتمخض عنه‬ ‫العقد األول من القرن الحالي‪ ،‬حيث لم يعد‬
‫شكل سابقة للتعاون‬ ‫ّ‬ ‫أية نتائج‪ ،‬بل كحدث‬ ‫المعارضون المتمسكون بمواقفهم هم‬
‫بين الفاعلين غير الحكوميين الدينيين‬ ‫فقط المستعدون للحديث مع هيومان‬
‫والعلمانيين – وأنه أمر من المحتمل أن يعيد‬ ‫رايتس ووتش ومنظمات أخرى مثيلة لها‪ ،‬بل‬
‫صياغة دور هذين الطرفين في صياغة شكل‬ ‫أخذ يقوم بذلك أشخاص من الدوائر الخارجية‬
‫المجتمع المدني في المستقبل‪.‬‬ ‫للناشطين (ومنهم عائالت المعتقلين)‪.‬‬
‫لقد أوجدت المنظمات غير الحكومية في‬
‫دور اإلسالم والفاعلين اإلسالميين في‬ ‫تونس‪ ،‬مثل المجلس الوطني للحريات‬
‫صياغة المجتمع المدني والعوامل‬ ‫بتونس‪ ،‬الحيز المناسب في المجتمع‬
‫السياسية المحركة في الشرق األوسط‬ ‫التونسي لألشخاص الذين كانوا يتخذون‬
‫قراراً بخصوص ما إذا كانوا سيخاطرون‬
‫ال يمكن إنكار أن الفاعلين اإلسالميين‬ ‫بأمنهم عبر شجب االنتهاكات‪ .‬وبالتالي فإنه‬
‫يلعبون دوراً أساسي ًا في المنطقة العربية‬ ‫على الرغم من أن المنظمات غير الحكومية‬
‫وقد أقرت غالبية التحليالت المتعلقة بالشرق‬ ‫ال ضعيف ًا نسبي ًا بسبب‬ ‫المحلية كانت فاع ً‬
‫األوسط بأهمية هذا الدور‪ .‬إال أن الطريقة‬ ‫القيود الكبيرة المفروضة على حريتها‬
‫التي تم تصوير الفاعلين اإلسالميين بها‬ ‫وبسبب مضايقات الحكومة لها‪ ،‬إال أنه ال‬
‫تدخل في مطالب المحتجين‪ .‬كما عملت‬ ‫كانت غير دقيقة إلى حد كبير‪ ،‬مع الميل إلى‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫المساجد في الغالب كنقاط تجمع ألوائل‬ ‫تأطير السياسة العربية على أنها محصورة‬
‫المحتجين وقدمت لهم في وقت الحق‬ ‫في االختيار ما بين االستبدادية واألصولية‬
‫المساعدة الطبية والغذائية ولكنها لم‬ ‫اإلسالمية‪ .‬وهذه النظرة‪ ،‬إضافة إلى إغفالها‬
‫تحرض المحتجين على تبني خطاب ديني‪.‬‬ ‫دور الفاعلين غير الحكوميين اآلخرين في‬
‫صياغة السياق االجتماعي‪-‬السياسي‬
‫ومع أن هذا الموقف قد يشير إلى شيء‬ ‫للعالم العربي‪ ،‬أفرطت في تبسيط الحركة‬
‫من التخطيط االستراتيجي واالنتهازية من‬ ‫عدلت‬ ‫اإلسالمية وتجاهلت الطريقة التي ّ‬
‫قبل القيادة الدينية (الرغبة في جني ثمار‬ ‫نفسها وتحولت فيها مع مضي الوقت‪.‬‬
‫االحتجاجات دون تحمل تبعة المجازفة‬ ‫لقد أظهرت الحركة اإلسالمية – أو الفصائل‬
‫الزائدة)‪ ،‬إال أنه يعكس أيض ًا مستوى قوي ًا من‬ ‫األكثر اعتدا ًال فيها‪ -‬بطرق ّ‬
‫عدة براغماتية‬
‫البرغماتية – وهو فهم حدود الخطاب الديني‬ ‫وقوية‪ ،‬رغبة في التعاون مع الجماعات األخرى‬
‫في فترة االحتجاجات والرغبة في التفاهم‬ ‫في المجتمع على الرغم من عدم اعتناقها‬
‫والتعاون مع الجماعات األخرى‪.‬‬ ‫لنفس المعتقدات فيما يخص دور الدين‬
‫في المجتمع‪ .‬إن ائتالف ‪ 18‬أكتوبر للحقوق‬
‫الدور المركزي لإلعالم – بشكليه القديم‬ ‫والحريات ليس إال أحد األمثلة على ذلك‪ ،‬وما‬
‫والحديث‪ -‬في تغذية االحتجاجات العربية‬ ‫تعاون اإلخوان المسلمين مع الدكتور محمد‬
‫ورفع مستوى الوعي داخل المنطقة‬ ‫البرادعي قبل احتجاجات كانون ثاني‪ /‬يناير‬
‫وخارجها‬ ‫‪ 2011‬وأثناءها إال مثال آخر‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫أبرزت االحتجاجات في المنطقة العربية‬ ‫لقد اتخذ الفاعلون اإلسالميون أيض ًا موقف ًا‬
‫األدوار التي ال يمكن تجاهلها لمختلف‬ ‫«غير متوقع» نوع ًا ما في احتجاجات المنطقة‬
‫ً‬
‫بداية‪،‬‬ ‫أشكال اإلعالم في مجتمع اليوم‪.‬‬ ‫العربية‪ .‬وفي بداية االنتفاضات خشيت غالبية‬
‫أبرزت االحتجاجات األهمية المركزية لألشكال‬ ‫الناس من استيالء الجماعات الدينية على‬
‫الجديدة من اإلعالم االجتماعي كالفيسبوك‬ ‫االحتجاجات؛ إال أنه كان مثيراً لالهتمام أن نرى‬
‫وتويتر‪ ،‬وهو إعالم اع ُتمد لفترة طويلة لتعزيز‬ ‫الغياب التام ألي خطاب ديني في المطالب‬
‫النشاط على الشبكة مع نشاط محدود‬ ‫السياسية واالجتماعية للمحتجين‪ ،‬وكان‬
‫فقط على األرض‪ .‬وكان لوسائل اإلعالم‬ ‫هناك بالمقابل تزايد مضطرد للدعم الديني‬
‫االجتماعي هذه دور جوهري في حشد‬ ‫لالنتفاضات دون أية محاولة لالستيالء‬
‫تأييد الناس وتنظيم االحتجاجات وتبادل‬ ‫على التحرك‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬غ ّير‬
‫المعلومات – إلى حد قيام شركة غوغل‬ ‫األزهر ‪ -‬الذي زعم في البداية أن االضطرابات‬
‫مكنت المحتجين‬ ‫باستحداث وسيلة بديلة ّ‬ ‫وعدم االستقرار ال يمكن أن تقود إال إلى‬
‫في مصر من استخدام التويتر من أجل‬ ‫الفوضى‪ -‬من خطابه وأضفى الشرعية‬
‫االلتفاف على إغالق شبكة اإلنترنت‪ .‬كما‬ ‫على االحتجاجات بزعم أن نظام ًا جديداً قد‬
‫لعبت هذه الوسائل دوراً مهم ًا في دعم‬ ‫يتمخض في الواقع عن حالة االضطرابات‪.‬‬
‫«ظاهرة الدومينو» في انتشار االحتجاجات‬ ‫كما أن عودة يوسف القرضاوي إلى مصر‬
‫من بلد إلى آخر حيث استخدم الشباب‬ ‫وتأييده لالحتجاجات الذي تمثل في ُخطب ِه‬
‫الفيسبوك كمصدر رئيسي للمعلومات‪.‬‬ ‫أيام الجمعة التي توجه بها إلى المسلمين‬
‫لقد كانت هذه الوسائل اإلعالمية الجديدة‬ ‫واألقباط على حد سواء‪ ،‬تمثل أيض ًا تعبيراً‬
‫شديدة الفعالية لدرجة أن قناة الجزيرة أيض ًا‬ ‫عن هذا الدعم الديني الذي صاحبه عدم‬
‫التلطيف من حدة الغضب على المؤسسات‬ ‫استخدمت موقع تويتر مباشرة لمتابعة‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية‬

‫الرسمية‪ .‬وفي مصر‪ ،‬شهد اإلعالم الذي‬ ‫المحتجين في الشوارع وتغطية األحداث‬
‫تسيره الدولة ثورته الخاصة في شباط‪ /‬فبراير‬ ‫اآلخذة في التوسع على األرض‪ .‬وينبغي لنا‬
‫حيث استقال صحفيون وإعالميون من أركان‬ ‫أال نقلل من شأن المرونة واليد الطولى‬
‫التلفزيون ورفضوا االستمرار في رسم صورة‬ ‫اللتين تتمتع بهما هذه األشكال الجديدة‬
‫منحازة عن الثورة‪ .‬وعلى الرغم من أن اإلعالم‬ ‫من اإلعالم – حيث يتوجب على المنظمات‬
‫الرسمي ال يزال غير حر – حتى في تونس‬ ‫التي تعمل داخل المنطقة العربية وخارجها‬
‫ومصر – إال أنه من الواضح أن الثورات قد أثرت‬ ‫أن تأخذ بعين االعتبار المدى الذي يمكن به‬
‫أيض ًا على جهازه الداخلي‪ ،‬وأنها قد تترك أثرا‬ ‫استعمال هذه المصادر اإلعالمية الجديدة من‬
‫على المدى الطويل على الطريقة التي يتم‬ ‫أجل التنظيم وزيادة الوعي في المستقبل‪.‬‬
‫بها بها عرض األخبار‪.‬‬
‫وكان دور المصادر اإلخبارية المستقلة‬
‫هوية ودينامية جديدة للفاعلين في‬ ‫على القدر نفسه من األهمية في تغطية‬
‫المجتمع المدني في سياق اإلصالح‬ ‫االحتجاجات‪ ،‬وإلى حد ما في استمراريتها‪.‬‬
‫السياسي‬ ‫وقد زودت قناة الجزيرة – التي قد تكون‬
‫أكثر القنوات الفضائية العربية مصداقية‪-‬‬
‫من الواضح أن الفاعلين غير الحكوميين ال‬ ‫المشاهدين العرب وغير العرب بتغطية‬
‫يعملون دائم ًا في توافق وانسجام؛ فعلى‬ ‫مستمرة على الرغم من أنها كانت هدف ًا‬
‫الرغم من أن الجماعات اإلسالمية تعاونت‬ ‫لغضب الحكومة وإغالق مكاتبها‪ .‬وفي‬
‫‪67‬‬
‫فيما مضى مع الجماعات غير الدينية إال أنه‬ ‫الجزائر‪ ،‬غطت الصحف الخاصة األحداث‬
‫من المهم أن نضع في حسباننا االنقسامات‬ ‫الجارية في تونس وأماكن أخرى بحماسة‬
‫التي قد تبرز إلى السطح عندما تتحقق أهداف‬ ‫وظلت تشير الحتمالية تعرض الجزائر نفسها‬
‫مشتركة معينة‪ .‬وهذا ما يجري حالي ًا في مصر‬ ‫لمصير مماثل‪ .‬لقد لعبت هذه المصادر‬
‫حيث يمكن للمرء أن يلحظ القدر الكبير من‬ ‫اإلعالمية الخاصة دوراً أساسي ًا في تشكيل‬
‫الخالف بين اإلخوان المسلمين والمعارضة‬ ‫الرأي العام حول األحداث الجارية – داخل‬
‫العلمانية هناك‪ .‬وسوف يتوجب التعامل‬ ‫العالم العربي وخارجه على حد سواء‪ -‬كما‬
‫مع هذه الخالفات وكيفية حلها في السياق‬ ‫أنها جعلت من مسألة التقليل من أهمية‬
‫الديمقراطي‪.‬‬ ‫االحتجاجات من قبل الحكومات أمر أصعب‬
‫بكثير‪.‬‬
‫ومن القضايا األخرى المهمة التي يتوجب‬
‫البحث فيها على خلفية التحول الديمقراطي‬ ‫أخيراً‪ ،‬من األهمية بمكان اإلشارة إلى تأثير‬
‫في بلدان معينة‪ ،‬واإلصالح في بلدان أخرى‪،‬‬ ‫االحتجاجات العربية على اإلعالم الذي تسيره‬
‫هو الكيفية التي سيتطور بها الفاعلون في‬ ‫الدولة والمعروف بافتقاره إلى المصداقية‬
‫المجتمع المدني والفاعلون غير الحكوميين‪.‬‬ ‫وانحيازه إلى الحكومة‪ .‬لقد اضطرت وسائل‬
‫فمن ناحية‪ ،‬يمكن للمرء في سياق االنفتاح‬ ‫اإلعالم الحكومية في معظم الدول‬
‫الديمقراطي وحرية إنشاء األحزاب السياسية‬ ‫العربية إلى بث صور تعوزها الدقة لألحداث‬
‫(بما فيها األحزاب السياسية الدينية) أن يرى –‬ ‫المندلعة على األرض‪ .‬إال أن الحكومات‬
‫وقد رأينا بالفعل – انتقا ًال من قبل الكثيرين‬ ‫العربية – وقد تعلمت من التجربة المصرية‬
‫من العمل غير القانوني إلى العمل‬ ‫بصور ملحوظة‪ -‬بدأت اليوم بالسماح‬
‫القانوني من خالل إنشاء األحزاب السياسية‬ ‫بالتغطية الرسمية لالحتجاجات على أمل‬
‫السياسي وشفافيته‪ .‬وفي كافة األحوال‬ ‫والمشاركة فيها‪ .‬ومع أن جماعتا النهضة‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫فإنه من المهم التشجيع على تعزيز جماعات‬ ‫واإلخوان المسلمين تحاوالن بالفعل إنشاء‬
‫المجتمع المدني التي تلعب جميع ًا دوراً‬ ‫أحزاب سياسية إال أنهما تمثالن حركتين‬
‫مهم ًا في صياغة مستقبل المنطقة وتعزيز‬ ‫لهما طموحات سياسية منذ أمد بعيد‪.‬‬
‫الديمقراطية وديمومتها‪.‬‬ ‫ويقوم فاعلون آخرون من المجتمع المدني‬
‫ومثقفون بمراجعة أهدافهم واحتمالية‬
‫صياغة المجتمع المصري في المستقبل‪،‬‬
‫وينبغي أال يتم تعزيز هذا االنفتاح السياسي‬
‫وحسب‪ ،‬بل وحمايته لضمان المشاركة‬
‫الحقيقية من قبل هؤالء الفاعلين الجدد‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬يجب التشجيع على إيجاد‬
‫هيكلية ديمقراطية داخلية والتطلع إليها‬
‫في األحزاب السياسية الجديدة – وينبغي لها‬
‫أن تشتمل على مشاركة متكافئة من قبل‬
‫النشطاء من الشباب والنساء الذين لعبوا‬
‫دوراً مهما في االحتجاجات في المنطقة‬
‫كلها‪ .‬كذلك‪ ،‬ينبغي لهذه األحزاب أن تتبنى‬
‫هيكلية عمودية وليس هيكلية تراتبية (أو‬
‫ضمان نوع من القابلية التحركية على األقل)‪،‬‬
‫وأن تحض على خلق بيئة الحوار والتبادلية‪.‬‬ ‫‪68‬‬

‫وسيكون من األهمية بمكان أيض ًا أن نبحث‬


‫في نتائج االنفتاح الديمقراطي المؤثرة على‬
‫قوة المجتمع المدني وعوامله الداخلية في‬
‫المنطقة العربية (في البلدان التي يتغير‬
‫فيها النظام بالكامل وتلك التي تجري فيها‬
‫إصالحات سياسية صغيرة‪ ،‬على حد سواء)‪.‬‬
‫ويجب على التحليالت التي تتناول المجتمع‬
‫المدني‪ ،‬أو الرغبة في مساعدة المجتمع‬
‫المدني في العالم العربي‪ ،‬أن تضع في‬
‫حسبانها هذه اللحظة المهمة من البناء‬
‫التي يقوم فيها الفاعلون غير الحكوميين‬
‫بإعادة صياغة أنفسهم بفعالية كي‬
‫يصبحوا وثيقي الصلة بسياق التغيير الجذري‪.‬‬
‫سوف تقرر بعض الجماعات التحول إلى‬
‫أحزاب سياسية بينما سيقوم آخرون بتعزيز‬
‫التفويض المنوط بهم أو توسيع نطاقه‬
‫وسيتم إنشاء جماعات أخرى للقيام بواجبات‬
‫جديدة – من قبيل الواجبات المتعلقة‬
‫بالجهات التي ستراقب تقدم اإلصالح‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منطق ومنطلقات اجملتمع املدني واجلهات الفاعلة غير احلكومية‬

‫‪69‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬منطق ومنطلقات مجتمع المانحين‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫رمزي بليل (تونس)‬

‫‪70‬‬

‫تمت معالجة موضوع منطق ومنطلقات مجتمع المانحين من قبل السيدة‬


‫ليلى رهيوي‪ ،‬عضوة مجلس أمناء المؤسسة األورو‪-‬متوسطية لدعم‬
‫المدافعين عن حقوق اإلنسان‪ ،‬ومتخصصة في إدارة البرامج في هيئة األمم‬
‫المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (المغرب)‪ ،‬وقد قامت السيدة‬
‫كمعقبة السيدة فاطمة المناع‪ ،‬عضوة‬‫ّ‬ ‫ليلى رهيوي بإدارة الحوار؛ وشاركت‬
‫مجلس الصندوق العربية لحقوق اإلنسان (األردن‪-‬المملكة العربية السعودية)‪.‬‬
‫وتكون فريق المتحدثين من التالية أسماؤهم‪:‬الدكتور باراه ميكايل‪ ،‬باحث‬ ‫ّ‬
‫متقدم في مؤسسة العالقات الدولية والحوار الخارجي (إسبانيا)؛ والسيد‬
‫ستيفن مكلينرني‪ ،‬مدير قسم الدعوة في مشروع الديمقراطية للشرق األوسط‬
‫(الواليات المتحدة)‪.‬‬
‫وضمن هذا السياق‪ ،‬هل يمكن اعتبار ما‬ ‫‪ 1-4‬المانحون والمنطقة‬
‫الفصل الرابع‪ :‬منطق ومنطلقات مجتمع املانحني‬

‫قام به مجتمع المانحين أنه غير مجدي أو‬ ‫المتوسطية‪ :‬ما بين التطلعات‬
‫ال مسؤول و‪/‬أو ال يتناسب مع المشاكل‬ ‫والواقع واالحتياجات البرغماتية‬
‫السائدة في هذه المنطقة من العالم؟ أم‬
‫ينبغي أن يعتبر موقفه بشكل عام نابعا عن‬ ‫باراه ميكايل‬
‫إرادة فاعلة سليمة وجدية‪ ،‬والتي لم تمكنه‬ ‫مؤسسة العالقات الدولية والحوار الخارجي‬
‫من التقدم أسرع مما سمحت به الظروف؟‬ ‫(‪ ،)FRIDE‬مدريد‬
‫ليس من السهل الجزم بين الفرضيتين ألن‬
‫كال منها تستند إلى مجموعة معقدة من‬ ‫في الوقت الذي تعيش فيه منطقة‬
‫االعتبارات‪ .‬فال يوجد هناك مجتمع مانح واحد‬ ‫الشرق األوسط وشمال إفريقيا سلسلة من‬
‫بل العديد من المجتمعات المانحة التي‬ ‫التصدعات االستراتيجية التي من الصعب‬
‫تستجيب كل منها لضرورات معينة وفريدة‪.‬‬ ‫التنبؤ بنتائجها في هذه المرحلة‪ ،‬يبدو أن‬
‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬من الممكن ضمن‬ ‫العوامل االقتصادية والمالية كانت حاسمة‬
‫الظروف الحالية أن يتم التخطيط لخلفية‬ ‫هنا‪ ،‬وذلك على الرغم من أنه ال يمكن‬
‫عامة‪ ،‬دونما الرغبة في العودة إلى الماضي‪،‬‬ ‫اإلشارة إلى وجود نقص مطلق لألموال‬
‫تحدد لنا مواقف مسؤولة ينبغي أن تعطى‬ ‫في الدول المعنية‪ .‬والواقع أن مؤشرات‬
‫األولوية ابتداء من اآلن‪ .‬وإن لم يفت األوان‬ ‫االقتصاد الكلي والجزئي الخاصة بمعظم‬
‫بعد على العمل الفعال فقد حان الوقت‬ ‫دول منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا‬
‫لكي يتم التحرك بأنجع طريقة ممكنة‪.‬‬ ‫ال تشير على اإلطالق إلى وجود وضع كارثي‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫ففي حين أن الناتج المحلي اإلجمالي‪/‬للفرد‬
‫ووفقا لذلك‪ ،‬ولتطوير هذه األفكار‪ ،‬سأتناول‬ ‫في اليمن أقل ب ‪ 35‬مرة من ناتج قطر كما‬
‫أو ًال مبدأ المشروطية الذي يمكن أن يكون‬ ‫هو الحال بالنسبة لناتج المغرب الذي يقل‬
‫قد حكم (أو لم يحكم) تصرفات الجهات‬ ‫‪ 4‬مرات عن ناتج السعودية‪ ،‬إال أن الثروات‬
‫المانحة المعنية بالشرق األوسط وشمال‬ ‫والتدفقات المالية ظلت متوفرة في جميع‬
‫إفريقيا‪ .‬ثم سنقوم بتفحص هذا النهج على‬ ‫هذه البلدان على الرغم من وجود تفاوت‬
‫ضوء المتطلبات واالحتياجات التي أعربت‬ ‫فيما بينها‪.‬‬
‫عنها كل من تلك البلدان ومواطنيها‪ .‬وأخيرا‪،‬‬
‫سأناقش الكيفية التي يمكن لمجتمع‬ ‫وفي حين لعب الوضع االقتصادي دورا في‬
‫المانحين عبرها العمل في المنطقة‬ ‫هذه التطورات‪ ،‬إال أن عاصفة االحتجاجات‬
‫بأسلوب مفيد ويلبي تطلعات المواطنين‬ ‫التي انطلقت من تونس تضمنت أيضا‬
‫والبلدان‪.‬‬ ‫عنصرا سياسيا‪ .‬فاالفتقار للحد األدنى الالزم‬
‫إلعالة األسرة واألقارب هو في حد ذاته‬
‫أهمية مبدأ المشروطية‬ ‫وضع يمكن أن يؤدي لإلحباط والشكاوى‬
‫واالستياء‪ .‬غير أن تراكب هذه الوضعية في‬
‫على الرغم من تنوع الجهات المانحة‬ ‫ظل غياب آفاق سياسية واعدة من شأنه أن‬
‫المعنية بالشرق األوسط وشمال إفريقيا‬ ‫يولد مزيجا متفجرا‪ .‬إن هذه الرياح الزاحفة التي‬
‫واختالف أهدافها‪ ،‬إال أنها استخدمت ولو‬ ‫تجتاح الشرق األوسط وشمال إفريقيا تعطي‬
‫نظريا مبدأ المشروطية كي تبرر صرفها‬ ‫كلمة «عدم اليقين» أقوى معنى لها‪.‬‬
‫األموال للدول المعنية‪ .‬ومن الحاالت األكثر‬
‫تمثيال لهذا الموضوع‪ ،‬وضع االتحاد األوروبي‪،‬‬
‫نفسه أمام أوهام ضائعة‪ .‬فهذه األحداث‬ ‫الالعب الرئيسي في هذا المجال‪ .‬ومن‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫التي تم وضعها في منظور طويل األمد‬ ‫الناحية النظرية‪ ،‬مثلت مسيرة برشلونة‬
‫تشير إلى مدى سوء وضع االتحاد األوروبي‪:‬‬ ‫(‪ )1995‬من خالل عناصرها الثالثة (السياسية‪،‬‬
‫الذي جعله كما يقول المثل‪a payer but « :‬‬ ‫االقتصادية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬الثقافية والبشرية)‬
‫‪( ”not a player‬مموال وليس فاعال)‪.‬‬ ‫القاعدة النظرية التي حددت وضع االتحاد‬
‫األوروبي في البيئة الجنوبية‪ .‬وقد أشار البعد‬
‫استياء عميق وليس بأزمة‬ ‫السياسي من مسيرة برشلونة إلى ضرورة‬
‫تمسك الشركاء بحقوق اإلنسان والحريات‬
‫ال يقتضي األمر أن تكون عبقريا لترى كيف أن‬ ‫األساسية‪ .‬ولكن بصرف النظر عن شرعية‬
‫بلدان جنوب وشرق المتوسط كانت بعيدة‬ ‫وجدارة هذا المبدأ‪ ،‬إال أن النتيجة التي ال يمكن‬
‫كل البعد عن أن تدعي خلوها من المشاكل‬ ‫التملص منها هي أن هذا المبدأ لم يطبق‬
‫قبل ‪ 1995‬وبعده‪ .‬لقد كانت العناصر الثالثة‬ ‫في الواقع العملي‪ .‬حيث تعد األوضاع التي‬
‫التي اشتملتها مسيرة برشلونة وثيقة‬ ‫عرفتها الجزائر ومصر واألردن وسوريا أكبر‬
‫الصلة في هذا الصدد‪ .‬هناك أمثلة كثيرة عن‬ ‫شاهد على ذلك‪.‬‬
‫غياب انفتاح الحقول السياسية في الشرق‬
‫األوسط‪ ،‬باستثناء إسرائيل وتركيا أو إلى‬ ‫وينبغي التأكيد هنا على الطريقة التي‬
‫حد ما لبنان واألراضي الفلسطينية‪ .‬وفيما‬ ‫جعلت الموقف األوروبي يعطي نتائج‬
‫يخص الجانب االقتصادي فقد ظل الفساد‬ ‫عكسية سواء كان ذلك بالنسبة لالتحاد‬
‫والربح غير المشروع واستيالء النخب على‬ ‫األوروبي أو بلدان جنوب وشرق المتوسط‪.‬‬
‫الثروات وانتشار البؤس االجتماعي هو الواقع‬ ‫فالشروط التي وضعت مقابل اإلفراج عن‬ ‫‪72‬‬
‫الطاغي في المنطقة‪ .‬أما البعد االجتماعي‬ ‫األموال لم تكن لها نتائج ملموسة على‬
‫والمعوقات الخاصة به فهي مرتبطة بشكل‬ ‫أرض الواقع‪ ،‬الشيء الذي أضعف موقف‬
‫واضح بالعوائق التي سادت المجالين‬ ‫األوروبيين‪ .‬فالهوة العميقة ما بين نوايا‬
‫االقتصادي والسياسي‪.‬‬ ‫االتحاد األوروبي وبين ما تم تطبيقه على‬
‫أرض الواقع عززت فكرة وجود كيان لم يحترم‬
‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬من المهم أن نشير‬ ‫المبادئ التي يعتبرها مقدسة بالرغم من‬
‫إلى تطور محدد في هذا الوضع؛ وهو أن‬ ‫امتالكه للموارد الالزمة‪ .‬لقد أدى ذلك إلى‬
‫اقتصادات المنطقة المتوسطية لم تظل‬ ‫إضعاف شديد لموقف األوروبيين‪ .‬أما في‬
‫خامدة منذ ‪ .1995‬فقد ساهمت كل من‬ ‫جنوب وشرق المتوسط فحصولهم على‬
‫العولمة التجارية وتدفق الثروات وتطوير‬ ‫األموال بشكل تلقائي إضافة إلى المشاريع‬
‫صناعة الخدمات والعصرنة – النسبية نوعا‬ ‫التي لم تشجع الحكومات على االستجابة‬
‫ما‪ -‬لألنظمة االقتصادية‪ ،‬وبصورة أعم‬ ‫للمطالب السياسية واالجتماعية‪ ،‬مما‬
‫التحول السريع للدول االشتراكية لمنطق‬ ‫زاد نزعتها إلدامة العقبات المؤسساتية‬
‫السوق‪ ،‬ساهمت في طفرة اقتصادية كبرى‪.‬‬ ‫واألوضاع التعسفية فيما يخص احترام‬
‫وعلى أثر ذلك‪ ،‬سرعان ما شهدت االقتصادات‬ ‫حريات المواطنين‪.‬‬
‫الراكدة لتلك الدول انطالقة كبيرة‪ .‬يمكن مع‬
‫ذلك النظر إلى هذا التحول على أنه ظاهري‬ ‫وبالتالي فقد خسر االتحاد األوروبي الكثير‬
‫فقط‪ ،‬من وجهة نظر الذين يعتقدون أنه ال‬ ‫في هذا الصدد بفقدانه عنصرا أساسيا من‬
‫يمكن لدولة أن تدعي أنها متطورة إال إذا‬ ‫جوهره المؤسسي والسياسي‪ .‬وفي الضفة‬
‫ترافق التقدم االقتصادي مع تغيير سياسي‪.‬‬ ‫األخرى من المتوسط‪ ،‬وجد المجتمع المدني‬
‫تعد أهم مزود باألسلحة العالية الجودة أهم‬ ‫لقد كان هذا النهج في التفكير رائجا في‬
‫الفصل الرابع‪ :‬منطق ومنطلقات مجتمع املانحني‬

‫بكثير من آليات التعاون مع اتحاد أوروبي أقل‬ ‫الوقت الذي ظهرت فيه نظريات فرانسيس‬
‫التزاما بالسياسات القائمة على المصالح‪.‬‬ ‫فوكوياما حول “نهاية التاريخ” وتقدم العالم‬
‫وهكذا يبدو أن منطق المانحين له وزن نسبي‬ ‫بأجمعه نحو الديمقراطية واالقتصاد الحر‪.‬‬
‫مقارنة مع الحقائق اإلقليمية‪ ،‬حيث تقابل‬ ‫ومع ذلك ال أحد يستطيع أن يزعم بأن الوضع‬
‫االحتياجات االجتماعية واالقتصادية لدول‬ ‫في المنطقة المتوسطية ظل على حاله‬
‫جنوب وشرق المتوسط طموحات أوروبية‬ ‫خالل الخمسة عشر سنة األخيرة‪ .‬فسياسيا‪،‬‬
‫مجردة من أية أدوات قسرية تفتقر لمعايير‬ ‫ظلت األحداث في نفس المستوى السيء‬
‫المشروطية‪ .‬أما بالنسبة للجهات المانحة‬ ‫الذي كانت عليه سابقا‪ ،‬غير أن هذا لم يؤخر‬
‫الثنائية كالواليات المتحدة واليابان وروسيا‬ ‫التطور االقتصادي المستديم والواضح‬
‫وغيرها) أو الجهات المانحة المتعددة األطراف‬ ‫في كل الدول المعنية‪ .‬صحيح أن الثروات‬
‫(كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وما‬ ‫ظلت مقتصرة على مجموعات صغيرة‬
‫إلى ذلك) فقد تراوحت توقعاتها ما بين عدم‬ ‫في كل بلد‪ ،‬غير أن فرص تحسين الوضعية‬
‫وجود طلبات محددة مقابل الحصول على‬ ‫االقتصادية للكل كانت متوفرة أيضا‪ .‬أما‬
‫مساعدة منها‪ ،‬واإلصرار على نحو أكثر وضوحا‬ ‫بالنسبة لالستثمارات التي تقدمها الجهات‬
‫أن تكون اإلصالحات االقتصادية موجهة‬ ‫المانحة فعلى الرغم من كونها ال تمتثل إال‬
‫بمتطلبات التحول إلى اقتصاد السوق‪ .‬وفي‬ ‫نادرا لمبدأ المشروطية‪ ،‬إال أنها ساهمت في‬
‫النهاية‪ ،‬ال يسعنا إال أن نلحظ كيف ساهم هذا‬ ‫تطوير البنية التحتية‪.‬‬
‫الموقف في تعزيز حاالت التصلب السياسي‬
‫‪73‬‬
‫في تلك البلدان‪ ،‬وتراجع احتمال أن تتحقق‬ ‫ال يسعنا إال أن نقول بأن الجهات المانحة‬
‫مطالب المواطنين ولو جزئيا‪ .‬واستمر هذا‬ ‫تغلبت على إرادة الحكومات في بسط‬
‫الوضع حتى انطالق االنتفاضة التونسية في‬ ‫سيطرتها على ما تعتبره “الحقوق السيادية”‪.‬‬
‫ديسمبر‪/‬كانون األول ‪ 2010‬إذ حدث تحول عن‬ ‫وأكيد أن هناك تفاوتا ينطبق على هذا‬
‫الوضع الذي كان سائدا في الماضي مما‬ ‫االستنتاج الذي هو أبعد من أن يكون‬
‫قد يقود إلى إعادة ترتيب هذه العالقات في‬ ‫مطلقا‪ .‬ومع ذلك فمن الواضح أنه لم‬
‫المنطقة‪ .‬وفيما يتجاوز القيود السياسية‬ ‫يتم التصدي على نحو مباشر للسياسات‬
‫واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬يصبح الثمن‬ ‫القسرية التي تمارسها دول جنوب وشرق‬
‫الباهض لتحقيق “الكرامة” عنصرا رئيسيا‪.‬‬ ‫المتوسط‪ ،‬وذلك انطالقا من دوافع‬
‫برغماتية‪ .‬وكون مبدأ االشتراطية األوروبي‬
‫توجيهات يمكن أن تكون مفيدة‬ ‫ترافق مع ضغوطات ناعمة‪ ،‬لم تكن لدى‬
‫للمنطقة ولمصلحة المانحين‬ ‫الحكومات التي تتلقى الدعم أية أسباب‬
‫كي تخشى أن يتخذ الشركاء األوروبيون في‬
‫وهكذا بعد مرور خمسة عشر عاما على النجاح‬ ‫النهاية موقفا معاديا لها‪ .‬لكن األمور تختلف‬
‫الجزئي (أو الفشل الجزئي) لمسيرة برشلونة‪،‬‬ ‫حينما يتعلق األمر ببلد كالواليات المتحدة‬
‫وفي الوقت الذي يفترض أن يكون لمشروع‬ ‫حيث تقترن المساعدات والطرق المعتمدة‬
‫االتحاد من أجل المتوسط منحى فعاال في‬ ‫في معظمها بمنطق سياسي‪-‬عسكري‪.‬‬
‫السياسة األوروبية في المنطقة‪ ،‬نرى كيف‬ ‫إن حكومات شرق وجنوب البحر األبيض‬
‫أن المبادرات التي قامت بها الجهات المانحة‬ ‫المتوسط ترغب في ضمان استقرار سلطتها‬
‫بدت معيبة‪ ،‬بالرغم من كونها جديرة بالثناء‪.‬‬ ‫وتوفير حماية عسكرية‪ ،‬ويبدو أن التعاون مع‬
‫ومع ذلك‪ ،‬لم يفت األوان بعد للقيام بعمل‬ ‫الواليات المتحدة القوية دبلوماسيا والتي‬
‫ب‪-‬فهم سليم لالحتياجات الحقيقية‬ ‫جيد‪ .‬فالوضع الحالي المتقلب في منطقة‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫للناس‪:‬‬ ‫شرق المتوسط وجنوبه يتيح فرصة إلعادة‬
‫صياغة النهج الذي يجب أن يعطى األولوية‬
‫ال يتعلق األمر بتحديد وتطبيق سياسات‬ ‫في هذه المنطقة من العالم‪ ،‬وتجعلنا نكفر‬
‫شاملة من أجل القيام بتنمية من أجل‬ ‫عن أخطاء الماضي‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬فإن‬
‫التنمية بحد ذاتها‪ ،‬بل يتعلق بأذن صاغية‬ ‫اإلعالن عن توصيات هادفة يظل عمال من‬
‫لطبيعة المطالب المطروحة لكي نتمكن‬ ‫أكثر األعمال مجازفة حيث يتم تطبيق سياسة‬
‫من معرفة كيفية تلبية هذه المطالب‪ .‬هذا‬ ‫إجمالية للمساعدات في منطقة متغيرة‬
‫وبدال من تسليط الضوء على سياسات‬ ‫وغير مستقرة كالشرق األوسط المعاصر الذي‬
‫موحدة يمكن أن تنجح هنا وأن تفشل هناك‪،‬‬ ‫تنطبق عليه هذه المواصفات‪ .‬ومن الممكن‬
‫فربما تحتاج الجهات المانحة معرفة لمن‬ ‫أن يتم توجيه المسارات من أجل مالئمة‬
‫ولماذا وكيف ينبغي عليها أن تعمل آخذة‬ ‫أفضل ما بين طبيعة العرض (المانحين)‬
‫بعين االعتبار االحتياجات التي يعبر عنها‬ ‫وطبيعة الطلب (مواطنو جنوب وشرق‬
‫السكان المعنيون‪.‬‬ ‫المتوسط) من خالل المبادئ التالية‪:‬‬

‫ج‪ -‬عدم إهمال عامل الوقت‪:‬‬ ‫أ‪-‬إعادة فرض مبدأ المشروطية‪:‬‬

‫أحيانا‪ ،‬يرغب المانحون بتحقيق نتائج معينة‬ ‫إنه الشرط الذي ال غنى عنه لتمكين‬
‫في حدود وقت معين‪ .‬إال أن تحديد جدول‬ ‫الجهات المانحة من الجمع ما بين الشرعية‬
‫زمني محدد يحمل في طياته خطر عدم‬ ‫والفعالية‪ .‬فعلى الرغم من أن المساعدات‬ ‫‪74‬‬
‫القدرة على تحقيق األهداف المرجوة نظرا‬ ‫الممنوحة للدول المتوسطية قد ال تكون‬
‫لعدم احترام الجدول الزمني المخصص‬ ‫مصحوبة بأية شروط‪ ،‬إال أنه ستكون ثمة‬
‫لذلك‪ .‬وعلى العكس فالعمل من خالل عدة‬ ‫فرصة أكبر كي تقود هذه المساعدات إلى‬
‫مراحل وتحديد تحقيق هدف ما على المدى‬ ‫تحقيق تحسينات إذا ما أوضحت الجهات‬
‫المتوسط والطويل من شأنه أن يساهم‬ ‫المانحة ما هي توقعاتها وما هي أهدافها‪.‬‬
‫في نجاح المهمة المسندة‪ .‬فكل بلد وكل‬ ‫وثمة مجاالت قد تستفيد على نحو كبير إذا ما‬
‫مجتمع وكل مكان له خصوصيات تجعل‬ ‫تم إشعار الحكومات المتلقية للمساعدات‬
‫الوصفة السحرية ناجحة في مكان معين‬ ‫بالشروط المرتبطة بالتمويل‪ ،‬وال سيما أن‬
‫ولكن ينبغي تكييفها في سياقات أخرى من‬ ‫هذا التمويل مفيد جدا لتلك الحكومات؛‬
‫أجل تحقيق نتائج في وقت سريع‪.‬‬ ‫ومن بين هذه المجاالت إزالة العوائق‬
‫السياسية في المنطقة‪ ،‬والنهوض باإلدارة‬
‫د‪ -‬عدم الوقوع في فخ المواعظ واالكتفاء‬ ‫االقتصادية الفعالة‪ ،‬والشفافية‪ ،‬ومكافحة‬
‫الذاتي‪:‬‬ ‫الفساد‪ ،‬وتحسين نقل المعرفة والتعليم‪.‬‬
‫وبإمكان الحكومات أن تقبل هذه الترتيبات‬
‫إن التوق للحرية وللتمثيل الجيد للنخب‬ ‫أو أن ترفضها‪ ،‬ولكن إذا رفضتها فسيتعين‬
‫الحاكمة ليس حكرا على الغرب؛ بل هو‬ ‫عليها التضحية بمبالغ مالية طائلة‪.‬‬
‫ببساطة تعبير عن حاجة اإلنسان والمواطن‪.‬‬
‫ومن الخطأ اعتبار كل شعب ثائر واع‬
‫“بالمعايير الغربية” السائدة في هذا المجال‬
‫فذلك من شأنه أن يعيق المردودية‪ .‬كما‬
‫بمستقبلهم وبقدرتهم على دعم التغييرات‬ ‫من شأن خطاب واعظ ومتخذ الغرب مركزا‬
‫الفصل الرابع‪ :‬منطق ومنطلقات مجتمع املانحني‬

‫التي أسهموا فيها بشكل قيم بكل تأكيد‪.‬‬ ‫له أن يولد شعورا بالرفض لدى مجتمعات‬
‫منفتحة على آفاق مشابهة لألوضاع السائدة‬
‫في الدول الغربية‪ .‬ولذلك فتنحية المواقف‬
‫‪ 2-4‬منطق ومنطلقات مجتمع‬ ‫العقائدية وتطوير أساس إنساني ببساطة‬
‫المانحين‪ :‬المانحون األمريكيون‬ ‫واحترام المواطن يعتبر أفضل ضمان لتعزيز‬
‫سلمي لإلصالحات السياسية واالقتصادية‬
‫ستيفن مكينرني‬ ‫واالجتماعية الواعدة في المجتمعات‬
‫مشروع الديمقراطية للشرق األوسط‬ ‫المتوسطية‪.‬‬
‫(‪ ،)POMED‬واشنطن العاصمة‬
‫ه‪ -‬األخذ بعين االعتبار المفهوم الشرعي‬
‫تقتضي األحداث التاريخية في الشرق‬ ‫للنسبية‪:‬‬
‫األوسط وشمال أفريقيا التي وقعت أوائل‬
‫عام ‪ 2011‬منا إجراء عملية إعادة نظر عميقة‬ ‫إن هذه الفكرة مرتبطة بما سبق‪ ،‬فكيف‬
‫من أجل إعادة هيكلة المعونة الخارجية‬ ‫يمكننا العمل في حالة فشل بعض الدول‬
‫للواليات المتحدة ال سيما المعونات الخاصة‬ ‫– عمدا أو ال – في استيعاب كامل لمفاهيم‬
‫بالتحول الديمقراطي والحوكمة‪ .‬إال أن هذه‬ ‫توطيد سيادة القانون والتقدم الديمقراطي‬
‫العملية سوف تستغرق وقت ًا في حين تكافح‬ ‫والتنمية االقتصادية‪ .‬أفضل مثال على هذا‬
‫الوكاالت والمؤسسات الحكومية األمريكية‬ ‫ما يجري اليوم في العراق وفي أفغانستان‬
‫‪75‬‬
‫من أجل التأقلم مع هذه التغيرات على نحو‬ ‫بشكل خاص‪ .‬وكم نستغرب أو ربما حتى‬
‫سريع‪ .‬غداة االنتفاضات التي تجتاح منطقة‬ ‫نشعر باإلساءة برؤية بعض المجتمعات‬
‫الشرق األوسط وشمال أفريقيا يمكننا عموم ًا‬ ‫المترددة في القيام بتغييرات ديمقراطية‬
‫تصنيف التحديات التي تواجه المعونات‬ ‫واجتماعية‪ .‬ويصادف – أو قد يصادف – أن‬
‫والحوكمة‬ ‫للديمقراطية‬ ‫األمريكية‬ ‫تنتصر مثل هذه التركيبات‪ .‬إن الرغبة في‬
‫بطريقتين‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫التغيير شيء وتحديد طبيعة التغيير شيء‬
‫((‪(1‬ما هي أنواع المعونات الخارجية األكثر‬ ‫آخر‪ .‬ولذلك فمهما كانت النتائج يضل‬
‫إلحاح ًا خالل الفترة االنتقالية التي تلي‬ ‫مفهوم النسبية مهما ويجب احترامه‪.‬‬
‫سقوط الحاكم كما شاهدنا في مصر‬
‫وتونس (وكما قد تؤول إليه الحال‬ ‫في الختام‬
‫قريب ًا في دول أخرى كليبيا أو اليمن أو‬
‫سوريا)؟ وكيف يمكن تقديم مثل هذه‬ ‫وأخيرا‪ ،‬فسياسات المعونة لصالح بلدان‬
‫المعونة بأكبر قدر من الفعالية ومن‬ ‫جنوب وشرق المتوسط ليست عديمة‬
‫خالل أي المؤسسات؟‬ ‫الجدوى كما أنها لم تكن محفزا للتغيير‪.‬‬
‫((‪(2‬كيف يمكن تعديل المعونة الخارجية‪،‬‬ ‫ال يجدر بنا أن نأسف لذلك؛ ففي خضم‬
‫وهل ينبغي تعديلها‪ ،‬في دول‬ ‫الثورات المتوسطية المتأججة‪ ،‬يرجع‬
‫كالمغرب واألردن – حيث النظام القائم‬ ‫فضل سيناريوهات التغيير النتفاضة هذه‬
‫ال يزال سليم ًا بصورة أساسية‪ -‬استجابة‬ ‫المجتمعات نفسها‪ .‬وسيكون المانحون‬
‫للحاجة الملحة إلجراء إصالحات حقيقية‬ ‫على خطأ إذا لم يستفيدوا من التحوالت‬
‫كما دلت عليه االنتفاضات في مختلف‬ ‫الحالية إلجراء نقد ذاتي وتحسين معالم‬
‫أنحاء المنطقة؟‬ ‫سياساتهم التقليدية‪ .‬وهذا مرتبط‬
‫المتدني التي تم تخصيص مستويات كبيرة‬ ‫وتشتمل العوائق األساسية التي تعترض‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫من المعونات االقتصادية لها‪ .‬توجد حالي ًا‬ ‫سبيل التعامل مع هذين التحديين‪ ،‬على‪:‬‬
‫بعثات للوكالة األمريكية للتنمية الدولية‬ ‫(‪ )1‬الجمود الحاصل في مختلف المؤسسات‬
‫في كل من مصر واألردن ولبنان والمغرب‬ ‫الحكومية األمريكية والمقاومة الطبيعية‬
‫والضفة الغربية وغزة واليمن بينما نالحظ أن‬ ‫إلجراء تغييرات كبيرة في النهج واالستراتيجية‪،‬‬
‫هذه البعثات غير موجودة في دول مجلس‬ ‫(‪ )2‬أجواء الميزانية االتحادية األمريكية التي‬
‫التعاون الخليجي‪ ،‬أي في شبه الجزيرة‬ ‫تحول دون تخصيص أية تمويالت إضافية‪،‬‬
‫العربية‪ ،‬وكذلك في الجزائر وليبيا وتونس‪.‬‬ ‫(‪ )3‬صعوبة االستجابة لمثل هذه التطورات‬
‫الدراماتيكية في الكثير من دول الشرق‬
‫وربما يتمثل التحدي األكبر للوكالة في‬ ‫األوسط وشمال أفريقيا كلها في الوقت ذاته‪.‬‬
‫تنفيذها لبرامج ديمقراطية وحوكمة فعالة‬
‫في أن مثل هذه األعمال ال تشكل سوى‬ ‫نظرة عامة على المؤسسات المانحة في‬
‫جزءا صغيرا من أعمال الوكالة وهو جزء قد‬ ‫الواليات المتحدة‬
‫ال يتوافق مع غالبية البرامج األخرى التابعة لها‪.‬‬
‫فمنذ تأسيسها في عام ‪ 1961‬تمثلت مهمة‬ ‫الوكالة األمريكية للتنمية الدولية‬
‫الوكالة أو ًال وقبل كل شيء في محاربة‬
‫الفقر ودعم التنمية االقتصادية‪ ،‬ولم تبدأ‬ ‫تعد الوكالة األمريكية للتنمية الدولية‬
‫فعلي ًا في أعمالها الخاصة بالديمقراطية‬ ‫(‪ )USAID‬المؤسسة الحكومية الرئيسية‬
‫والحوكمة إال في التسعينيات في أعقاب‬ ‫في الواليات المتحدة لتقديم المعونات‬
‫انهيار االتحاد السوفييتي‪ .‬واليوم تبلغ‬ ‫الخاصة‬ ‫المعونة‬ ‫ومنها‬ ‫الخارجية‬ ‫‪76‬‬
‫حصة هذه البرامج أقل من ربع ميزانية برامج‬ ‫بالديمقراطية والحوكمة‪ .‬وهذه الوكالة‬
‫الوكالة في منطقة الشرق األوسط وشمال‬ ‫مسؤولة عن تقديم الغالبية العظمى من‬
‫أفريقيا وهي حتى أقل من ذلك في مناطق‬ ‫المعونات الخارجية الثنائية غير العسكرية‬
‫أخرى‪ .‬يركز جُّ ل أعمال الوكالة األمريكية‬ ‫التي يتم تخصيصها من خالل حسابات‬
‫للتنمية الدولية على التخفيف من حدة الفقر‬ ‫صندوق الدعم االقتصادي (‪ )ESF‬والمعونة‬
‫ومشاريع التنمية االقتصادية والبنى التحتية‬ ‫اإلنمائية (‪ .)DA‬وفي الوقت الحاضر‪ ،‬تدير‬
‫مما يتطلب تنسيق ًا وثيق ًا بين بعثة الوكالة‬ ‫الوكالة عملية تقديم نحو ‪ 1.7‬مليار دوالر من‬
‫وحكومة البلد المضيف‪ .‬تضطر الوكالة‬ ‫المعونات الخارجية لمنطقة الشرق األوسط‬
‫حفاظ ًا على عالقات تخلو من الخصومة‬ ‫وشمال أفريقيا من ضمنها ‪ 400‬مليون دوالر‬
‫في كثير من األحوال إلى تحاشي برامج‬ ‫تقريب ًا مخصصة لدعم برامج الديمقراطية‬
‫الديمقراطية والحوكمة التي قد تغضب‬ ‫والحوكمة‪.‬‬
‫الحكومة المضيفة وأن تركز بالمقابل على‬
‫أنشطة أقل ضرراً من قبيل تحسين مستوى‬ ‫مقارنة بالمبادرات الحكومية األمريكية‬
‫أداء المؤسسات الحكومية‪.‬‬ ‫األخرى‪ ،‬يتم تخطيط برامج الوكالة األمريكية‬
‫للتنمية الدولية على نطاق أوسع كما أنها‬
‫ويع ّبر عن هذه المعضلة التقرير‪ 03‬الصادر‬ ‫تشمل مشاريع ذات أمد أطول وميزانيات‬
‫في شهر تشرين أول‪ /‬أكتوبر ‪ 2009‬عن مكتب‬ ‫أضخم‪ .‬وتدير الوكالة أعمالها في المنطقة‬
‫المفتش العام للوكالة األمريكية للتنمية‬ ‫بوجه عام من خالل بعثاتها الموجودة داخل‬
‫الدولية الذي يق ّيم أعمال الديمقراطية‬ ‫األقطار على الرغم من أن هذه البعثات‬
‫والحوكمة التي قامت بها الوكالة في مصر‬ ‫موجودة فقط في األقطار ذات الدخل‬
‫السياق الجديد أن يكون هناك قيود أقل‬ ‫ويصف تأثير برامج الوكالة للديمقراطية‬
‫الفصل الرابع‪ :‬منطق ومنطلقات مجتمع املانحني‬

‫على دعم الوكالة للفاعلين السياسيين‬ ‫والحوكمة بأنه «محدود» ويعود السبب في‬
‫المستقلين – منها على سبيل المثال‬ ‫ذلك‪ ،‬وإلى درجة كبيرة‪ ،‬إلى ضعف التعاون‬
‫إلغاء السياسة التي كانت تمنع الوكالة‬ ‫من طرف الحكومة المصرية‪ .‬ومن األمثلة‬
‫من تمويل المنظمات غير الحكومية غير‬ ‫على تلك الجهود الرامية إلى استرضاء‬
‫المسجلة لدى الحكومة المصرية كما‬ ‫الحكومة المضيفة قرار الوكالة عام ‪2009‬‬
‫أوضحنا أعاله‪ ،‬في آذار‪ /‬مارس ‪ 2011‬في أعقاب‬ ‫بالتوقف عن تمويل منظمات المجتمع‬
‫سقوط مبارك‪ .‬من الواضح أن الوكالة‬ ‫المدني غير المسجلة لدى الحكومة‬
‫ستلعب دوراً ريادي ًا في دعم التحول في مصر؛‬ ‫المصرية بموجب قانون المنظمات غير‬
‫فما أن أعلنت الوزيرة كلنتون عن إعادة برمجة‬ ‫الحكومية‪ ،‬وهي سياسة لطالما شجعت‬
‫‪ 150‬مليون دوالر من األموال التي لم يتم‬ ‫عليها الحكومة المصرية‪.‬‬
‫صرفها ألغراض دعم التحول في مصر حتى‬
‫أطلقت الوكالة كشفين بالبرامج السنوية‬ ‫بالطبع‪ ،‬ال يشكل هذا العامل حالة تنفرد بها‬
‫بهدف إعطاء منح جديدة‪ .‬يتعلق الكشف‬ ‫الوكالة األمريكية للتنمية الدولية؛ فالرغبة‬
‫األول بخمسين منحة متوقع تقديمها تصل‬ ‫في االحتفاظ بعالقات طيبة مع الحكومات‬
‫قيمتها اإلجمالية إلى ‪ 65‬مليون دوالر لدعم‬ ‫المضيفة تصبغ بصبغتها الجهود األمريكية‬
‫برامج الديمقراطية والحوكمة حيث سيتم‬ ‫لدعم الديمقراطية عبر المعونات الخارجية‬
‫التركيز على ‪ 5‬مجاالت رئيسية‪ ،‬هي‪ :‬إشراك‬ ‫ومجموعة من األدوات األخرى بغض النظر‬
‫المجتمعات المدنية‪ /‬الوعي المدني؛‬ ‫عمن تكون الوكالة المنفذة‪ .‬ولكن‬
‫‪77‬‬
‫والعمليات االنتخابية والسياسية‪ :‬وإمكانية‬ ‫بالمقارنة مع المؤسسات الحكومية‬
‫الوصول إلى العدالة‪ /‬حقوق اإلنسان؛‬ ‫األمريكية األخرى يظهر هذا التركيز جلي ًا في‬
‫والشفافية والمساءلة؛ والمشاركة المدنية‪.‬‬ ‫الوكالة األمريكية للتنمية الدولية أكثر منه‬
‫أما الكشف السنوي الثاني فيتوقع أن يضم‬ ‫في أية وكالة أخرى‪ ،‬وذلك بسبب طبيعة‬
‫ستين منحة تبلغ قيمتها نحو ‪ 100‬مليون دوالر‬ ‫األعمال األخرى للوكالة وكذلك بسبب أن‬
‫لتقديم الدعم االقتصادي لمصر (وسيضم‬ ‫القسم األعظم من األموال التي تُدار من‬
‫التمويل من أجل الديمقراطية والحوكمة‪،‬‬ ‫قبل الوكالة هي أموال مساعدات ثنائية‬
‫إلى جانب المائة وخمسين مليون ًا التي‬ ‫تتم تحت مظلة اتفاقية ثنائية بين الواليات‬
‫سيعاد برمجتها‪ 15 ،‬مليون من األموال التي‬ ‫المتحدة والحكومات العربية المضيفة‪.‬‬
‫لم يتم صرفها والتي كانت مخصصة أص ً‬
‫ال‬
‫لهذا الغرض)‪.‬‬ ‫بعد اإلطاحة ببن علي في تونس ومبارك‬
‫في مصر يمكن لهذه القيود أن تتقلص‪.‬‬
‫وإلى جانب إدارة المعونات االقتصادية‬ ‫وإذا ما ظهرت حكومات جديدة تلتزم التزام ًا‬
‫الثنائية من خالل البعثات القطرية يوجد‬ ‫حق ًا بالممارسات الديمقراطية يمكن لدور‬
‫للوكالة مكتبين آخرين يمكنهما لعب‬ ‫الوكالة في العمل مع هذه الحكومات أن‬
‫دور مهم في الوقت الحاضر‪ ،‬والمكتبان‬ ‫يكتسب أهمية فورية‪ ،‬وبصورة خاصة قد‬
‫هما‪ :‬مكتب المبادرات االنتقالية (‪)OTI‬‬ ‫تبرهن خبرة الوكالة في بناء المؤسسات‬
‫ومكتب برامج الشرق األوسط (‪)OMEP‬‬ ‫بالتعاون مع الحكومات المضيفة أنها‬
‫ومقره القاهرة‪ .‬تم تأسيس مكتب المبادرات‬ ‫ذات قيمة كبيرة في المساعدة في نشوء‬
‫االنتقالية في أوائل التسعينيات بعد انهيار‬ ‫المؤسسات الديمقراطية الضرورية جداً‪.‬‬
‫االتحاد السوفييتي بهدف مساعدة الدول‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬من المحتمل ضمن هذا‬
‫نطاق واسع على هذه المرونة هو لبنان في‬ ‫على التحول إلى حكومات ديمقراطية‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫أعقاب اغتيال رفيق الحريري في شباط‪ /‬فبراير‬ ‫مستقرة‪ .‬وفي وقت الحق صار المكتب يركز‬
‫‪ 2005‬الذي أشعل شرارة ثورة األرز التي أدت‬ ‫أعماله على عمليات التحول أثناء النزاعات‬
‫إلى إجراء انتخابات برلمانية غير مخطط لها‪.‬‬ ‫وما بعدها ال سيما في أفغانستان‪ .‬وقد تمت‬
‫وفي هذه الحالة لم تكن الوكالة األمريكية‬ ‫هيكلة مكتب المبادرات االنتقالية بحيث‬
‫للتنمية الدولية قادرة على تكييف تمويالتها‬ ‫يتفاعل مع العوامل المحركة المتغيرة‬
‫أو برامجها بسرعة كافية لتقديم الدعم‬ ‫ويستجيب لها بصورة أسرع من المكاتب‬
‫الالزم بشدة لإلشراف على تلك االنتخابات‬ ‫التقليدية للوكالة األمريكية للتنمية الدولية‬
‫ومراقبتها بينما كان مكتب مبادرة الشراكة‬ ‫وبعثاتها القطرية‪ ،‬وبالتالي ربما يكون‬
‫الشرق أوسطية الجديد قادراً على التقدم‬ ‫المكتب في موقع جيد يؤهله للعب دور في‬
‫وتقديم العون الالزم‪ .‬وينبغي أن تعتبر هذه‬ ‫تونس ومصر في الوقت الحالي‪ .‬أما مكتب‬
‫القدرة على االستجابة السريعة للظروف‬ ‫برامج الشرق األوسط الذي يتخذ من القاهرة‬
‫المتغيرة ق ّيمة للغاية وسط هذه التغيرات‬ ‫مقراً له فلم يركز كثيراً على قضايا التحول‬
‫السريعة التي تجتاح المنطقة‪.‬‬ ‫الديمقراطي أو اإلصالح بل على مجموعة من‬
‫المشاريع اإلنمائية في المنطقة‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫ونظراً ألن مبادرة الشراكة الشرق أوسطية‬ ‫من الطبيعي أن نتوقع من هذا المكتب أن‬
‫تقع ضمن مكتب شؤون الشرق األدنى بوزارة‬ ‫يتحول في برامجه إلى تقديم دعم إضافي‬
‫الخارجية فإنه من المفترض أن يتم تنسيق‬ ‫لعمليات التحول القائمة‪ ،‬وذلك في ظل‬
‫برامجها على نحو وثيق مع سياسة الواليات‬ ‫االحتياجات الهائلة في مصر وأماكن أخرى‬
‫المتحدة – التي تتم صياغتها غالب ًا وتنفيذها‬ ‫في المنطقة‪.‬‬ ‫‪78‬‬
‫من قبل مكتب شؤون الشرق األدنى‬
‫وموظفيه العاملين في سفارات الواليات‬ ‫مبادرة الشراكة الشرق أوسطية‬
‫المتحدة في المنطقة‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬لم‬
‫يتم إنشاء مبادرة الشراكة الشرق أوسطية‬ ‫تقع مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (‪)MEPI‬‬
‫فقط لغاية تنفيذ مشاريع ذات توجه إصالحي‬ ‫التي أنشأتها إدارة الرئيس بوش في كانون‬
‫بل كي تصبغ ثقافة صانعي السياسات‬ ‫أول‪ /‬ديسمبر ‪ 2002‬ضمن مكتب شؤون‬
‫بمكتب شؤون الشرق األدنى بصبغة مؤيدة‬ ‫الشرق األدنى (‪ )NEA‬بوزارة الخارجية‪ .‬تبلغ‬
‫لإلصالحات‪ .‬وفي الواقع العملي‪ ،‬كان هذا‬ ‫الميزانية السنوية للمبادرة ‪ 65‬مليون دوالر‪،‬‬
‫التأثير متواضع ًا نسبي ًا رغم أنه يظل علينا‬ ‫وبلغ معدلها ‪ 75‬مليون دوالر سنوي ًا منذ عام‬
‫أن نرى المستوى الذي ستعلو به األصوات‬ ‫‪.2004‬‬
‫إصالحية التوجه بما فيها تلك الموجودة‬
‫في مبادرة الشراكة الشرق أوسطية في‬ ‫إن مشاريع مبادرة الشراكة الشرق أوسطية‬
‫النقاشات الداخلية للسياسة غداة األحداث‬ ‫هي مشاريع صغيرة النطاق قصيرة األجل‬
‫األخيرة‪.‬‬ ‫وذات ميزانية أكثر تواضع ًا إذا ما قارناها ببرامج‬
‫الوكالة األمريكية للتنمية الدولية‪ .‬ونتيجة‬
‫ومنذ إنشائها وجدت مبادرة الشراكة الشرق‬ ‫لذلك‪ ،‬يُنظر عموم ًا إلى برامج المبادرة على‬
‫أوسطية على نحو متزايد الموقع الالئق‬ ‫أنها أكثر مرونة وأكثر سرعة على الحركة‬
‫بها في تقديم الدعم المباشر لمنظمات‬ ‫وأكثر قدرة على التفاعل مع الظروف‬
‫المجتمع المدني المستقلة‪ .‬وعلى‬ ‫المتغيرة من الوكالة األمريكية للتنمية‬
‫نحو مغاير للمعونة المقدمة من قبل‬ ‫الدولية‪ .‬ومن األمثلة التي يُستشهد بها على‬
‫وفي أعقاب الثورات مباشرة في كل من‬ ‫بعثات الوكالة األمريكية للتنمية الدولية‬
‫الفصل الرابع‪ :‬منطق ومنطلقات مجتمع املانحني‬

‫تونس ومصر بدا أن عمل المبادرة – حتى‬ ‫ال تكون المعونة المقدمة من مبادرة‬
‫مع كونه من مكتب تونس – يركز بدرجة‬ ‫الشراكة محكومة عادة باتفاقيات ثنائية‬
‫أكبر على مصر منه على تونس‪ ،‬ولكن ذلك‬ ‫مع الحكومات المضيفة مما يحررها من‬
‫يتغير اآلن بصورة سريعة‪ .‬وفي ‪ 22‬آذار‪ /‬مارس‬ ‫عبء الدخول في أعمال تتسم بمزيد من‬
‫الماضي صرحت وزارة الخارجية إنه ستتم‬ ‫الحساسية السياسية‪ .‬فعلى سبيل المثال‪،‬‬
‫إعادة برمجة ‪ 20‬مليون دوالر من أموال المبادرة‬ ‫تقدمت المبادرة من أجل تقديم التمويل‬
‫من أجل دعم التحول في تونس‪ .‬وسوف يتم‬ ‫لمنظمات المجتمع المدني غير المسجلة‬
‫استخدام هذه األموال لدعم تطوير األحزاب‬ ‫لدى الحكومة المصرية بموجب قانون‬
‫السياسية ومنظمات المجتمع المدني‬ ‫الدولة الخاص بالمنظمات غير الحكومية‬
‫لتعزيز اإلعالم المستقل ودعم مراقبة حقوق‬ ‫في أعقاب قرار الوكالة األمريكية للتنمية‬
‫اإلنسان وبرامجها‪.‬‬ ‫الدولية عام ‪ 2009‬بالتوقف عن تقديم الدعم‬
‫لتلك المنظمات‪.‬‬
‫مكتب الديمقراطية وحقوق اإلنسان‬
‫والعمل‬ ‫إال أنه تنبغي اإلشارة هنا إلى أن برامج المبادرة‬
‫ال تزال مقيدة من حيث نطاق العمل – غالب ًا‬
‫يعتبر مكتب الديمقراطية وحقوق اإلنسان‬ ‫بضغط من موظفي السفارة المحليين –‬
‫والعمل (‪ )DRL‬المكتب الفاعل بوزارة‬ ‫بغية تجنب إثارة عداء الحكومة المضيفة‪.‬‬
‫الخارجية المكلف بدعم الديمقراطية‬ ‫فقد تمت الموافقة مؤخراً على عرض في‬
‫‪79‬‬
‫وحقوق اإلنسان في كافة أنحاء العالم‪ .‬وقد‬ ‫البحرين ولكن بعد أن تم تجريد المبادرة من‬
‫ركز هذا المكتب في قسم كبير من برامجه‬ ‫عنصر كان يبحث إمكانيات إعادة رسم الدوائر‬
‫في الشرق األوسط على الجهود المتعلقة‬ ‫االنتخابية في البحرين وهو موضوع حساس‬
‫بالديمقراطية والحوكمة في العراق‪ ،‬وهو‬ ‫سياسي ًا إال أنه أساسي لمعالجة التوترات‬
‫غالب ًا ما يرمي إلى تلبية االحتياجات في‬ ‫السياسية في البحرين‪ .‬وفي مثال آخر‪،‬‬
‫الدول التي قد تكون فيها الوكالة األمريكية‬ ‫منعت المبادرة مشاركة عضو في اإلخوان‬
‫للتنمية الدولية أقل نشاط ًا بشأن قضايا‬ ‫المسلمين كمتحدث في مؤتمر للحوار في‬
‫الديمقراطية‪ .‬حالي ًا‪ ،‬يبلغ مستوى تمويل‬ ‫مصر تموله المبادرة‪.‬‬
‫المكتب لبرامجه ونفقاته التشغيلية على‬
‫مستوى العالم حوالي ‪ 92‬مليون دوالر‬ ‫كذلك تلعب مبادرة الشراكة الشرق أوسطية‬
‫مقابل ‪ 65‬مليون دوالر لمبادرة الشراكة‬ ‫دوراً غاية في األهمية في الدول التي ال‬
‫الشرق أوسطية (التي تعمل في الشرق‬ ‫توجد فيها بعثات أو مكاتب لوكالة التنمية‬
‫األوسط فقط) ونحو ‪ 400‬مليون دوالر للوكالة‬ ‫الدولية‪ ،‬ومن بين هذه الدول دول مجلس‬
‫األميركية للتنمية الدولية في الشرق األوسط‪.‬‬ ‫التعاون الخليجي حيث تنشط المبادرة منذ‬
‫ومع أن برامج مكتب الديمقراطية وحقوق‬ ‫بعض الوقت‪ .‬وينبغي لوجود أحد المكتبين‬
‫اإلنسان والعمل عالمية النطاق إال أن مساعد‬ ‫اإلقليميين للمبادرة في تونس أن يؤهلها‬
‫وزير الخارجية مايكل بوسنر الذي يرأس هذا‬ ‫للعب دور بارز في دعم التحول في تونس‬
‫المكتب منذ عام ‪ 2009‬شدد بقوة على أهمية‬ ‫نحو حكم ديمقراطي؛ فعلى الرغم من‬
‫الشواغل المتعلقة بالديمقراطية وحقوق‬ ‫وجود هذا المكتب منذ سنوات عديدة لم‬
‫اإلنسان في العالم العربي‪.‬‬ ‫تضطلع المبادرة في أية برامج للديمقراطية‬
‫والحوكمة في تونس قبل سقوط بن علي‪.‬‬
‫أن يحول األموال التي كانت مرصودة‬ ‫على وجه الخصوص‪ ،‬زاد مكتب الديمقراطية‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫لمناطق أخرى لتلبية االحتياجات الملحة في‬ ‫وحقوق اإلنسان والعمل من برامجه في‬
‫منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬في‬ ‫مصر للتعويض عن التخفيضات الحادة في‬
‫حين أن معظم أموال الوكالة األمريكية‬ ‫تمويالت الوكالة األمريكية للتنمية الدولية‬
‫للتنمية الدولية تكون محددة لكل بلد من‬ ‫الخاصة بالديمقراطية والحوكمة في هذا‬
‫البلدان‪ .‬من الواضح أن مكتب الديمقراطية‬ ‫البلد منذ عام ‪ ،2009‬ويبدو أن المكتب سيلعب‬
‫وحقوق اإلنسان والعمل سيواصل لعب دور‬ ‫دوراً مهم ًا في برمجة الخمسة وسبعين‬
‫مهم في تقديم المعونة لمصر خالل عملية‬ ‫مليون دوالر اإلضافية التي تم تخصيصها‬
‫تحولها‪.‬‬ ‫مؤخراً لدعم الديمقراطية في مصر بعد‬
‫الثورة‪ .‬كذلك حدث تقسيم للعمل عام ‪2009‬‬
‫برنامج الديمقراطية في منطقة الشرق‬ ‫في التمويل المخصص لمصر من المكتب‬
‫األدنى (‪)NERD‬‬ ‫ومن مبادرة الشراكة الشرق أوسطية حيث‬
‫يقوم المكتب بتمويل المنظمات غير‬
‫تم إنشاء برنامج الديمقراطية في منطقة‬ ‫الحكومية الدولية (الغربية بصورة أساسية)‬
‫الشرق األدنى رسمي ًا من قبل الكونغرس‬ ‫التي تعمل في مصر بينما تمول المبادرة‬
‫األمريكي في آذار‪ /‬مارس ‪ 2009‬إال أنه تم‬ ‫المنظمات غير الحكومية المصرية المحلية‪.‬‬
‫ال إلدارة أوباما من قبل الفريق‬‫وضعه أص ً‬ ‫ويبدو أن هذا النهج كان فعا ًال في مصر وأنه‬
‫االنتقالي القادم [للحكم] باالشتراك مع‬ ‫من الممكن توطيده بسهولة في دول أخرى‬
‫لجان الكونغرس للمخصصات المالية‪.‬‬ ‫في المنطقة أيض ًا‪.‬‬
‫وكان الهدف من هذا البرنامج هو استبدال‬ ‫‪80‬‬
‫األموال المخصصة إليران كأموال للدعم‬ ‫يمكن‪ ،‬بمعنى معين‪ ،‬اعتبار مكتب‬
‫االقتصادي إبان عهد إدارة بوش‪ .‬وينظر على‬ ‫الديمقراطية وحقوق اإلنسان والعمل‬
‫نطاق واسع إلى إنشاء هذا البرنامج على أنه‬ ‫‪ ،‬ومن خالل دوره كطرف فاعل في دعم‬
‫إقرار من إدارة أوباما بضرورة دعم اإلصالحيين‬ ‫الديمقراطية والحوكمة في المنطقة‪ ،‬على‬
‫الديمقراطيين في إيران ولكن بإتباع نهج‬ ‫أنه النظير المقابل للوكالة األمريكية للتنمية‬
‫مختلف عن نهج إدارة بوش‪ .‬وعلى العكس‬ ‫الدولية – ففي حين تعتبر الوكالة مؤسسة‬
‫مما كان يجري في عهد إدارة بوش‪ ،‬فإنه‬ ‫إنمائية عريقة تتمتع بميزانية ضخمة‪ ،‬إال أنها‬
‫عندما يتم تخصيص األموال لدعم التغيير‬ ‫لم تقم بتوسيع نطاق أعمالها ليشمل‬
‫الديمقراطي في إيران تحديداً يمكن‬ ‫مجال الديمقراطية والحوكمة إال في وقت‬
‫استخدام المخصصات المالية التي يقرها‬ ‫متأخر‪ .‬بينما يعتبر مكتب الديمقراطية‬
‫الكونغرس بموجب برنامج الديمقراطية‬ ‫وحقوق اإلنسان والعمل مؤسسة تركز على‬
‫في منطقة الشرق األدنى ألغراض متصلة‬ ‫الديمقراطية وحقوق اإلنسان منذ نشأتها‪ ،‬إال‬
‫ببرامج الديمقراطية في أي مكان من منطقة‬ ‫أنها بدأت بالقيام بذلك مؤخراً فقط من خالل‬
‫الشرق األدنى‪.‬‬ ‫البرامج اإلنمائية‪ .‬ومن المزايا التي قد يتمتع‬
‫بها المكتب من حيث االستجابة للتطورات‬
‫يمكن لهذه المرونة أن تكون ذات قيمة كبيرة‬ ‫األخيرة في المنطقة أنه ال يتم تخصيص‬
‫كون اإلدارة تسعى إلى دعم الديمقراطية‬ ‫أمواله إقليمي ًا بموجب تشريعات الكونغرس‬
‫في مختلف أنحاء العالم العربي ضمن‬ ‫المتعلقة بالمخصصات المالية؛ األمر الذي‬
‫أجواء الميزانية التي ال تتيح مجا ًال ألية زيادة‬ ‫قد يمنح المكتب مرونة أكبر في إعادة برمجة‬
‫في أي بند من بنود ميزانية الشؤون الدولية‪.‬‬ ‫أمواله‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬يمكن للمكتب‬
‫المستبدة؛ ومساعدة الديمقراطيات الجديدة‬ ‫وال يوجد أي مؤشر على أن أموال برنامج‬
‫الفصل الرابع‪ :‬منطق ومنطلقات مجتمع املانحني‬

‫على النجاح؛ وبناء الديمقراطية بعد النزاعات؛‬ ‫الديمقراطية في منطقة الشرق األدنى يجري‬
‫وتقديم المساعدة للديمقراطية في العالم‬ ‫تخصيصها لمكان غير إيران بهدف تقديم‬
‫اإلسالمي‪ 13.‬ومن الواضح أن دعم التحول‬ ‫المساعدة لبلد آخر في المنطقة لغاية‬
‫الديمقراطي القائم في مصر وتونس‬ ‫اآلن‪ ،‬إال أنه من المحتمل أن يتم النظر في‬
‫يتوافق مع األولويات الثالث األخيرة من هذه‬ ‫ذلك في األشهر القادمة‪ .‬وينبغي اإلشارة‬
‫ال أن الصندوق‬ ‫األولويات‪ ،‬كما أنه يبدو فع ً‬ ‫هنا إلى أنه رغم أن هذه المرونة هي مرونة‬
‫يعمل حالي ًا على توسيع نطاق برامجه‬ ‫مسموح بها قانون ًا إال أنها ستحتاج إلى إشعار‬
‫بسرعة في كل من مصر وتونس‪.‬‬ ‫الكونغرس بها وموافقته عليها‪ .‬يؤيد الكثير‬
‫من أعضاء الكونغرس‪ ،‬ال سيما من مجلس‬
‫من الناحية التاريخية‪ ،‬كان الكونغرس داعم ًا‬ ‫النواب‪ ،‬بقوة تمويل التحول الديمقراطي‬
‫بشدة صندوق المنح الوطنية من أجل‬ ‫في إيران‪ ،‬وعلى الرغم من التغيرات التاريخية‬
‫الديمقراطية وبرامجه بما فيها برامجه في‬ ‫في العالم العربي فقد يكون هناك تردد في‬
‫منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ .‬وقد‬ ‫إعادة برمجة األموال من مخصصات إيران‪ .‬وال‬
‫منح الكونغرس في كل سنة من السنوات‬ ‫يبدو أن إدارة أوباما تبحث في هذا األمر بصفته‬
‫الثالث الماضية أموا ًال تزيد ‪ 15‬مليون دوالر على‬ ‫ال للحصول على المال في بيئة‬ ‫خياراً محتم ً‬
‫األقل عما طلبته اإلدارة حيث منح الكونغرس‬ ‫ميزانية شديدة التقييد‪.‬‬
‫الصندوق ‪ 115‬مليون دوالر عام ‪ 2009‬و‪ 118‬مليون ًا‬
‫لعام ‪ 2010‬حيث تم تخصيص ما بين ‪ 15‬إلى ‪18‬‬ ‫صندوق المنح الوطنية من أجل‬
‫‪81‬‬
‫مليون دوالر منها لمنطقة الشرق األوسط‬ ‫الديمقراطية (‪)NED‬‬
‫وشمال أفريقيا‪ .‬إال أنه من المحتمل‪ ،‬وبسبب‬
‫القيود على الميزانية‪ ،‬أن نرى هبوط ًا في‬ ‫صندوق المنح الوطنية من أجل الديمقراطية‬
‫مخصصاته السنوية من الكونغرس للسنة‬ ‫ليس وكالة من وكاالت الحكومة األمريكية‪،‬‬
‫المالية ‪ .2011‬ومع ذلك يمتلك الصندوق خيار‬ ‫وذلك على العكس من كافة المؤسسات‬
‫تحويل أموال إضافية ضمن ميزانيته إلى‬ ‫آنفة الذكر‪ .‬وهو إذن مؤسسة غير حكومية‬
‫برامجه الخاص بالشرق األوسط استجابة‬ ‫أنشأها الكونغرس عام ‪ 1983‬تتلقى كل‬
‫لألحداث‪.‬‬ ‫أموالها تقريب ًا من خالل المخصصات‬
‫السنوية التي يقرها الكونغرس مباشرة‪.‬‬
‫مؤسسة المستقبل‬ ‫وقد ازدادت أموال صندوق المنح الوطنية‬
‫من أجل الديمقراطية من الكونغرس زيادة‬
‫مؤسسة المستقبل هي مؤسسة غير‬ ‫مطردة طيلة العقد الفائت وتبلغ حالي ًا ‪118‬‬
‫ّ‬
‫ربحية‪ ،‬مثل صندوق المنح الوطنية من‬ ‫مليون دوالر للعالم منها ‪ 15‬مليون دوالر‬
‫أجل الديمقراطية‪ ،‬وتتلقى كل أموالها‬ ‫لمنطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪.‬‬
‫تقريب ًا من حكومات غربية وعربية حيث‬ ‫وقبل االنتفاضات األخيرة في الشرق األوسط‬
‫تأتي نصف أموالها من الحكومة األمريكية‪.‬‬ ‫حدد صندوق المنح الوطنية من أجل‬
‫وتركز المؤسسة على دعم وتعزيز وتشجيع‬ ‫الديمقراطية خمس أولويات استراتيجية‬
‫منظمات المجتمع المدني في كل المنطقة‬ ‫أساسية لعمله على نطاق العالم‪ ،‬هي‪ :‬فتح‬
‫من خالل منح مباشرة بصورة أساسية‪ .‬ويبدو‬ ‫المجال السياسي في الدول ذات األنظمة‬
‫أن المؤسسة‪ ،‬التي تُدار محلي ًا وعربي ًا والتي‬ ‫المستبدة؛ تقديم العون للديمقراطيين‬
‫تتخذ من العاصمة األردنية عمان مقراً لها‪ ،‬قد‬ ‫والعمليات الديمقراطية في الدول شبه‬
‫إذا قلنا إن أجواء الميزانية واألجواء االقتصادية‬ ‫اكتسبت سمعة في أوساط الفاعلين العرب‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫عند المؤسسات الخاصة أيض ًا أصبحت في‬ ‫في المجتمع المدني كمؤسسة مستقلة‬
‫ظل الركود االقتصادي الذي بدأ عام ‪2007‬‬ ‫جديرة بالثقة تدعم اإلصالحات في المنطقة‪.‬‬
‫أضعف مما كانت عليه قبل سنة أو سنتين؛‬ ‫وهذه المؤسسة قادرة بصورة خاصة على‬
‫فقد انخفض مستوى الهبات الخيرية وتقديم‬ ‫دعم فاعلين معينين في المجتمع المدني‬
‫المنح ودعم المؤسسات للمجموعات‬ ‫في كل المنطقة ال يقبلون بتلقي الدعم‬
‫األمريكية غير الربحية في العامين ‪2008‬‬ ‫مباشرة من الواليات المتحدة أو الحكومات‬
‫و‪ .2009‬وقد ذكرت مجلة ‘ذا كرونيكيل أوف‬ ‫الغربية األخرى‪.‬‬
‫فيالنثروبي’ في تشرين أول‪ /‬أكتوبر ‪ 232010‬أن‬ ‫إال أنه ثمة عدم انتظام في منح األموال‬
‫الهبات الممنوحة ألكبر ‪ 400‬جمعية خيرية في‬ ‫لهذه المؤسسة؛ فقد تلقت ‪ 21‬مليون دوالر‬
‫الواليات المتحدة انخفضت بنسبة ‪ %11‬خالل‬ ‫تقريب ًا من الحكومة األمريكية عام ‪ 2007‬ولم‬
‫عام ‪ 2009‬وهي أسوأ نسبة انخفاض منذ ‪20‬‬ ‫تتسلم أية أموال أخرى غيرها من الواليات‬
‫عام ًا‪.‬‬ ‫المتحدة منذ ذلك الوقت‪ .‬وكانت وزيرة‬
‫الخارجية األمريكية السابقة كوندوليزا رايس‬
‫ومع ذلك‪ ،‬تتمتع المؤسسات الخاصة بقدر‬ ‫قد تعهدت بمنح ‪ 35‬مليون دوالر للمؤسسة‬
‫أكبر من المرونة وعدد أقل من المعيقات‬ ‫عام ‪ 2005‬إال أنه لم يتم تسليم سوى ‪ 21‬مليون ًا‬
‫البيروقراطية مقارنة بالمؤسسات الحكومية‬ ‫منها لحد اآلن‪ .‬وعلى الرغم من أن المخطط‬
‫كما أنها قد تكون أكثر أهلية لالستجابة‬ ‫له هو إنفاق الواحد وعشرين مليون ًا هذه مع‬
‫بصورة أسرع لألحداث الدراماتيكية التي‬ ‫نهاية عام ‪ 2010‬إال أن المؤسسة لم تستلم‬
‫وقعت في األشهر الماضية‪ .‬ويبدو أن الجهات‬ ‫بعد أية أموال إضافية من الواليات المتحدة‬ ‫‪82‬‬
‫المانحة الخاصة تبقى حذرة من التدخل‬ ‫كما أنه ليس واضح ًا ما إذا كانت الحكومة‬
‫في االنتفاضات التي ال تزال قائمة إال أنها‬ ‫األمريكية ستفي بالتزامها بمنح ‪ 35‬مليون‬
‫تكون تواقة لتقديم الدعم استجابة للطلب‬ ‫دوالر للمؤسسة إما من خالل حسابات‬
‫المحلي في دول كمصر وتونس حيث تمت‬ ‫البرامج القائمة كمبادرة الشراكة الشرق‬
‫اإلطاحة بالحاكم‪ .‬وفي مقالة رأي نُشرت في‬ ‫أوسطية وصندوق برنامج الديمقراطية في‬
‫شباط‪ /‬فبراير‪ 33‬أعلن جورج سوروس رئيس‬ ‫منطقة الشرق األدنى أو من خالل مخصصات‬
‫مؤسسة المجتمع المفتوح أن مؤسساته‬ ‫الكونغرس‪ .‬ونظراً ألن المؤسسة غير‬
‫كانت مستعدة «إلنشاء مراكز للموارد لدعم‬ ‫موجودة كبند ثابت على جدول الميزانية‬
‫حكم القانون وإصالح الدستور ومحاربة‬ ‫االتحادية أو المخصصات المالية السنوية‪،‬‬
‫الفساد وتعزيز المؤسسات الديمقراطية‬ ‫فإن كل هذه الخيارات ازدادت صعوبة بصورة‬
‫في تلك البلدان التي تطلب المساعدة في‬ ‫كبيرة بسبب ظروف الميزانية الحالية‪.‬‬
‫إنشاء تلك المراكز‪ ،‬بينما بقيت خارج البلدان‬
‫التي ال ترحب بتلك الجهود»‪ .‬ومنذ الثورة في‬ ‫المانحون من الجهات األهلية‬
‫كل من مصر وتونس يبدو أن عددا كبيراً من‬
‫المؤسسات الخاصة يقوم على نحو سريع‬ ‫يمكن أن تكون المؤسسات الخاصة‬
‫باستكشاف فرص تقديم الدعم خالل الفترة‬ ‫والمؤسسات غير الربحية طرف ًا متمم ًا له‬
‫االنتقالية‪.‬‬ ‫قيمته للجهات الحكومية األمريكية المانحة‪،‬‬
‫كما أن ثمة مزايا مقارنة مهمة قد تمتلكها‬
‫هذه المؤسسات الخاصة على نظيراتها‬
‫الحكومية‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬ال نجانب الصواب‬
‫ويأتي هذا في وقت يرغب فيه الكثيرون في‬ ‫الكونغرس األمريكي‬
‫الفصل الرابع‪ :‬منطق ومنطلقات مجتمع املانحني‬

‫اإلدارة والكثير من األشخاص في مجلس‬


‫الشيوخ األمريكي في رؤية زيادة في األموال‬ ‫فاز الحزب الجمهوري باألغلبية في مجلس‬
‫المخصصة لمنطقة الشرق األوسط وشمال‬ ‫النواب األمريكي في انتخابات الكونغرس‬
‫أفريقيا لتلبية الطلبات في الوقت الحاضر‪.‬‬ ‫التي أُجريت في تشرين ثاني‪ /‬نوفمبر ‪2010‬‬
‫وقد تحدث السناتور جون كيري بصراحة عن‬ ‫على خلفية العجز المتزايد بسرعة في‬
‫الحاجة لحزمة معونات واسعة النطاق لدعم‬ ‫ميزانية الدولة‪ .‬ومنذ فوزهم يقوم أعضاء‬
‫اإلصالح الديمقراطي في كل المنطقة‪ .‬كما‬ ‫الكونغرس الجمهوريون بصورة أساسية‬
‫أنه شدد على الحاجة إلى عدم دعم عمليات‬ ‫بإحداث تخفيضات حادة على اإلنفاق‬
‫التحول في دول كمصر وتونس فقط بل‬ ‫االستنسابي‪ .‬وبعد فترة طويلة من الكر‬
‫واستخدام المعونات بصورة خالقة في دعم‬ ‫والفر حول مخصصات السنة المالية ‪ 2011‬بين‬
‫اإلصالحات في دول أخرى في المنطقة‪.‬‬ ‫النواب الجمهوريين والديمقراطيين الذين‬
‫وكان السناتور كيري‪ ،‬إلى جانب السناتور‬ ‫ال يزالون يسيطرون على مجلس الشيوخ‬
‫ليبرمان والسناتور مكين‪ ،‬يدرس إمكانية‬ ‫والبيت األبيض‪ ،‬وافق الكونغرس على‬
‫التقدم بقانون يشرعن حزمة إنمائية واسعة‬ ‫مشروع قانون السنة المالية ‪ 2011‬في الرابع‬
‫النطاق خاصة بمنطقة الشرق األوسط‬ ‫عشر من نيسان‪ /‬أبريل‪ .‬واشتملت الميزانية‬
‫وشمال أفريقيا تتم صياغتها إلى حد ما على‬ ‫على تخفيضات بقيمة ‪ 39.9‬مليار دوالر عن‬
‫غرار قانون عام ‪ 1989‬لدعم الديمقراطية في‬ ‫مستويات عام ‪ .2010‬وبلغ مستوى التمويل‬
‫قدم مساعدات بقيمة ‪ 9‬مليار‬
‫شرق أوروبا الذي َّ‬ ‫للشؤون الدولية ‪ 48.3‬مليار دوالر في السنة‬
‫‪83‬‬
‫دوالر منذ الموافقة عليه‪ .‬إال أنه تم تعطيل‬ ‫المالية ‪ ،2011‬أي أقل من القيمة الموافق‬
‫هذا التشريع من قبل لجان المخصصات في‬ ‫عليها في قانون المخصصات السنوية‬
‫الكونغرس التي حذرت من أن هذه األموال‬ ‫للسنة المالية ‪ 2010‬بما يعادل ‪ 504‬مليون‬
‫ليست موجودة بكل بساطة في ظل‬ ‫دوالر‪ .‬من ناحية أخرى كان هناك مخصصات‬
‫الميزانية الحالية‪ ،‬وأن من شأن هذا التشريع‬ ‫إضافية بقيمة ‪ 7‬مليار دوالر تقريب ًا للشؤون‬
‫أن يرفع من التوقعات التي ال يمكن الوفاء‬ ‫الدولية للسنة المالية ‪ ،2010‬حيث‪ :‬اشتمل‬
‫بها‪.‬‬ ‫قانون المخصصات اإلضافية لعام ‪ 2010‬على‬
‫‪ 5.96‬مليار دوالر للشؤون الدولية‪ ،‬واشتمل‬
‫وعلى قدر كبير من األهمية ما اقترحه السناتور‬ ‫قانون المخصصات اإلضافية لعام ‪ 2009‬على‬
‫كيري في مناسبة عامة بواشنطن في ‪ 16‬آذار‪/‬‬ ‫تمويل مدفوع مقدم ًا بقيمة ‪ 1.03‬مليار دوالر‬
‫مارس‪ 43‬الماضي‪ ،‬إذ أشار إلى إمكانية ظهور‬ ‫على شكل مساعدات عسكرية خارجية لكل‬
‫حاجة إلجراء «تبديل في ميزان» المعونات‬ ‫من إسرائيل ومصر واألردن‪ .‬وإذا ما أخذنا هذين‬
‫األمريكية لمصر عن طريق تحويل قسم من‬ ‫القانونين بعين االعتبار يكون االنخفاض‬
‫المعونات الممنوحة على شكل مساعدات‬ ‫الفعلي عن مستويات السنة المالية ‪ 2010‬هو‬
‫عسكرية سنوية قيمتها ‪ 1.3‬مليار دوالر باتجاه‬ ‫‪ 7.5‬مليار دوالر تقريب ًا‪ .‬ولم تكن قدرة اإلدارة‬
‫تقديم معونات اقتصادية ودعم اإلصالح‬ ‫على االستجابة بتقديم المعونة الالزمة‬
‫السياسي‪ .‬يكتسي هذا التصريح بأهمية‬ ‫وحدها التي ضعفت جراء هذه التخفيضات‬
‫كبيرة ألن أي تبديل من هذا القبيل ينبغي‬ ‫على ميزانية الشؤون الدولية‪ ،‬بل إن الوضع‬
‫أن يحصل على مصادقة الكونغرس‪ ،‬وألن‬ ‫ازداد سوءاً بصورة كبيرة بسبب الشكوك‬
‫إجراء هذا النوع من التبديالت في مصر قد‬ ‫التي ال تزال موجودة بشأن التأخر إلى هذا‬
‫يمهد الطريق لتبديل مماثل للمعونات‬ ‫الحد في مخصصات السنة المالية ‪.2011‬‬
‫كبير من المسؤولين في اإلدارة من أن أعضاء‬ ‫العسكرية بمعونة اقتصادية في دول أخرى‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫الكونغرس‪ ،‬ال سيما في مجلس النواب‪ ،‬ال‬ ‫في المنطقة‪ .‬تبلغ المساعدات العسكرية‬
‫يؤيدون على ما يبدو الجهود الهادفة إلى‬ ‫األمريكية لمنطقة الشرق األوسط وشمال‬
‫التعامل مع التحوالت التاريخية الحادثة في‬ ‫أفريقيا في الوقت الحاضر نحو ‪ 4.9‬مليار دوالر‬
‫مختلف أنحاء منطقة الشرق األوسط وشمال‬ ‫أي نحو ‪ %75‬من مجمل المعونات األمريكية‬
‫أفريقيا‪.‬‬ ‫المقدمة للمنطقة‪ .‬في الوقت الذي ال تكون‬
‫فيه الموارد المالية اإلضافية متاحة‪ ،‬يمكن‬
‫النتائج‬ ‫لهذه المساعدات العسكرية األمريكية‬
‫القائمة أن تكون مصدراً للموارد ذا قيمة‬
‫ال من الحكومة والجهات الخاصة‬ ‫يبدو أن ك ً‬ ‫استثنائية‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن إجراء مثل هذا‬
‫المانحة في الواليات المتحدة يركزان بصورة‬ ‫التحول في المساعدات قد يُواجه بمعارضة‬
‫أساسية على دعم التحول في مصر وتونس‪.‬‬ ‫كبيرة في الكونغرس وقد تأتي مثل هذه‬
‫ونحن نتفهم سبب هذا التركيز نظراً ألن‬ ‫المعارضة من قبل مؤيدي المساعدات‬
‫كال البلدين يمر بتغيرات تاريخية ويطلب‬ ‫العسكرية إلسرائيل الذين قد يخشون‬
‫المساعدة‪ .‬وفي كال البلدين تقوم إدارة‬ ‫من أن إجراء تخفيضات على المساعدات‬
‫أوباما بوضع برامج تركز على مواضيع عامة‬ ‫العسكرية الممنوحة لحكومات عربية من‬
‫كرفع مستوى الشفافية وإشراك الجميع‬ ‫شأنه أن يفتح الباب أمام تخفيضات في‬
‫إلى جانب التأكيد على الحقوق والحريات‪.‬‬ ‫المساعدات العسكرية األمريكية إلسرائيل‬
‫وسوف تشتمل البرامج في كال البلدين‬ ‫باإلضافة إلى معارضة من قبل شركات‬
‫على دعم العمليات االنتخابية وتطوير‬ ‫المقاوالت الدفاعية األمريكية والشركات‬ ‫‪84‬‬
‫األحزاب السياسية ومنظمات المجتمع‬ ‫الصانعة للمعدات العسكرية التي تشتريها‬
‫المدني وتعزيز دور اإلعالم المستقل بصفته‬ ‫حكومات شرق أوسطية بأموال أمريكية‪.‬‬
‫الحارس على العملية السياسية وبيئة حقوق‬
‫اإلنسان‪.‬‬ ‫وتنبغي اإلشارة أيض ًا إلى أن االهتمام الكبير‬
‫من قبل الحزبين في مجلس الشيوخ بدعم‬
‫عدا مصر وتونس‪ ،‬يبدو أن ثمة وضوح ًا أقل‬ ‫الديمقراطية في المنطقة غائب بصورة‬
‫بكثير يكتنف الكيفية التي ينبغي بها‬ ‫ملحوظة عن مجلس النواب‪ .‬وفي داللة‬
‫تكييف برامج المعونة القائمة بحيث تصبح‬ ‫بليغة على ذلك ما حدث في شهادة مدير‬
‫أكثر فاعلية في ضوء األحداث الدراماتيكية‬ ‫الوكالة األمريكية للتنمية الدولية راجيف‬
‫في المنطقة‪ .‬وفي كثير من الحاالت يبدو‬ ‫شاه التي أدلى بها في جلستين أمام كل‬
‫أن النهج المعتاد هو توسيع نطاق البرامج‬ ‫من لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب‬
‫القائمة والقيام بالمزيد مما يتم القيام‬ ‫واللجنة الفرعية لمخصصات المجلس‬
‫به أص ً‬
‫ال وذلك بد ًال من إجراء إعادة نظر‬ ‫الخاصة بالعمليات الرسمية والخارجية‬
‫جوهرية في االستراتيجية‪ .‬من نقاط الضعف‬ ‫يومي ‪ 16‬و ‪ 30‬آذار‪ /‬مارس‪ ،‬حيث لم يقم أي‬
‫الثابتة في المساعدات األمريكية الخاصة‬ ‫من أعضاء اللجنتين بتوجيه ولو سؤال واحد‬
‫بالديمقراطية والحوكمة المقدمة لحلفاء‬ ‫لشاه بخصوص الدعم األمريكي للشرق‬
‫الواليات المتحدة هي عدم الرغبة في‬ ‫األوسط في هذه اللحظة الهامة‪ .‬وبالمقابل‪،‬‬
‫التعامل مع المجاالت الحساسة سياسي ًا –‬ ‫ركزت كلتا الجلستين بالكامل تقريب ًا على‬
‫وهي غالب ًا ما تكون المجال األهم‪ -‬وليس‬ ‫الحاجة إلى إجراء تخفيض على الميزانية‬
‫من الواضح ما إذا كان ذلك سيتغير في‬ ‫العامة للمعونات الخارجية‪ .‬وقد اشتكى عدد‬
‫وثمة أسئلة مهمة يجب طرحها – على‬ ‫ضوء األحداث األخيرة‪ .‬ويزيد نقطة الضعف‬
‫الفصل الرابع‪ :‬منطق ومنطلقات مجتمع املانحني‬

‫سبيل المثال‪ ،‬إلى أي مدى كانت الجماعات‬ ‫هذه سوءاً الجمود البيروقراطي – فالبرامج‬
‫التي شرعت في التظاهرات والثورات تحصل‬ ‫وال ُن ُهج القائمة لها أنصار يدافعون عنها في‬
‫على تمويل من الجهات المانحة الغربية؟‬ ‫حين أن المبادرات الالزم اتخاذها والتي لم‬
‫كيف يمكن للمانحين أن يكونوا مبادرين‬ ‫يتم إنشاؤها بعد ليس لها من يناضل من‬
‫وأن يستجيبوا للتغييرات دون أن يتصرفوا في‬ ‫أجلها بالطريقة ذاتها‪ .‬كما أن البيئة الصعبة‬
‫ظل معطيات لم تنضج بعد؟‬ ‫للميزانية تزيد من هذه التحديات تعقيداً‬
‫ذلك أنه ال يوجد على ما يبدو موارد جديدة‬
‫إعادة النظر في األركان اإليديولوجية‬ ‫متوفرة من طرف الكونغرس‪ .‬أخيراً‪ ،‬يبدو أن‬
‫وإستراتيجيات التمويل‬ ‫ثمة وجهات نظر مختلفة في مختلف أفرع‬
‫ومكاتب الحكومة األمريكية فيما يتعلق‬
‫أو ًال وقبل كل شيء‪ ،‬ثمة حاجة إلعادة النظر‬ ‫بالدور المناسب للمعونة األمريكية في هذا‬
‫في األركان األيديولجية واإلستراتيجيات التي‬ ‫الوقت‪ .‬ثمة رغبة واضحة وقوية لدى الكثيرين‬
‫ظلت سائدة حتى اآلن‪ .‬وقد كانت معظم‬ ‫داخل إدارة أوباما في تقديم الدعم الالزم‬
‫برامج التمويل متأثرة إلى حد ما بالنموذج‬ ‫للمنطقة في هذه اللحظة التاريخية إال أن‬
‫النيو‪-‬كالسيكي التي أدت سياساته في‬ ‫فعالية هذه الرغبة قد يتم إعاقتها وتقويضها‬
‫واقع األمر إلى إثارة االحتجاجات والثورات‬ ‫بواسطة عقبات كبيرة‪.‬‬
‫التي شهدناها في المنطقة‪ .‬وفي واقع‬
‫األمر‪ ،‬فإن العديد من البلدان العربية ال‬ ‫‪1 1‬الوكالة األمريكية للتنمية الدولية‪ ،‬مكتب المفتش‬
‫العام «التقرير النهائي لمراجعة أنشطة الوكالة‬
‫‪85‬‬
‫تفتقر إلى األموال‪ ،‬وشهدت مستويات نمو‬ ‫األمريكية للتنمية الدولية في مجال الديمقراطية‬
‫مرتفعة – إال أن ذلك النمو لم يصل إلى‬ ‫والحوكمة في مصر»‪ .‬تقرير رقم (‪،)P-001-10-263-6‬‬
‫األغلبية العظمى من السكان‪ .‬وتبعا لذلك‪،‬‬ ‫‪ 27‬تشرين أول‪ /‬أكتوبر ‪.2009‬‬
‫‪2 2‬صندوق المنح الوطنية من أجل الديمقراطية‪« ،‬وثيقة‬
‫يجب التفكير في نموذج جديد تستند إليه‬ ‫االستراتيجية‪ ،‬كانون ثاني‪ /‬يناير ‪.»2007‬‬
‫سياسات التمويل‪.‬‬ ‫‪The Chronicle of ”,400 The Philanthropy“3 3‬‬
‫‪2010 ,21 October 2 .No ,23 .Philanthropy, Vol‬‬
‫‪George Soros, “Why Obama has to get Egypt4 4‬‬
‫ويتسم هذا األمر بأهمية واستعجال كبيرين‬ ‫‪.2011 ,3 Rights,” The Washington Post, February‬‬
‫على ضوء الخسائر االقتصادية الكبيرة التي‬ ‫‪«5 5‬السناتور جون كيري حول سياسة الواليات المتحدة‬
‫تجاه الشرق األوسط»‪ ،‬مؤسسة كارنيغي للسلم‬
‫نشأت عن األحداث التي شهدتها المنطقة‪.‬‬ ‫العالمي‪ 16 ،‬آذار‪ /‬مارس ‪http://carnegie-mec. .2011‬‬
‫ففي حالة مصر‪ ،‬حدثت خسائر في الدخل‬ ‫‪.3161=org/events/?fa‬‬
‫من السياحة والصناعة ومن إغالق بورصة‬
‫األسهم‪ ،‬وكذل خسائر من توقف أموال‬
‫العمال المصريين في ليبيا‪ ،‬وبلغ حجم‬ ‫‪ 3-4‬األفكار والنتائج الرئيسية المتمخضة‬
‫الخسائر ما يقارب بليون دوالر أمريكي‪ .‬وما‬ ‫عن النقاش‬
‫هو ضروري اآلن ليس فقط تمويل مستعجل‬
‫لسد هذه الثغرة‪ ،‬بل أيضا استثمارات وإعادة‬ ‫من المحتم أن يعيد المانحون التفكير في‬
‫هيكلة الديون والمسامحة بالديون وإجراء‬ ‫إستراتيجيات التمويل في المنطقة العربية‬
‫تحقيقات بشأن تخصيص األموال‪ .‬يجب‬ ‫– سواء كانت البلدان تمر بتحول كامل‬
‫على المانحين كذلك أن ينظروا باهتمام‬ ‫نحو الديمقراطية‪ ،‬كما في مصر وتونس‪،‬‬
‫أكبر إلى التمكين‪.‬‬ ‫أم أنها مرت بتغييرات أقل شأنا في قيادتها‬
‫وقوانينها‪ ،‬مثل الجزائر مع رفع حالة الطوارئ‪.‬‬
‫تعزيز هذه المشروطية من أجل ضمان أن‬ ‫إزالة التناقضات من سياسات التمويل‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫الحكومات الجديدة تحترم الحقوق األساسية‬
‫للسكان‪ ،‬وال تطور (منذ البداية) عالقات عداء‬ ‫ظ ّلت السياسات التمويلية المتناقضة‬
‫مع المواطنين‪.‬‬ ‫أحد المشاكل التي تعتري التمويل في‬
‫المنطقة العربية‪ ،‬وخصوصا من جهات‬
‫تبسيط الهياكل واإلجراءات الداخلية‬ ‫التمويل الحكومية‪ ،‬إذ توجد رغبة – وحاجة‬
‫للمانحين الرئيسيين‬ ‫متصورة – للمحافظة على عالقات جيدة‬
‫مع الحكومات العربية‪ ،‬مما يؤدي تلقائيا‬
‫يجب على المانحين أن يأخذوا باعتبارهم‬ ‫إلى تحديد مدى التمويل المتوفر لجماعات‬
‫عوامل أخرى لم يجري التشكيك بها بسبب‬ ‫المجتمع المدني‪ .‬وكانت النتيجة ما يشبه‬
‫األحداث األخيرة‪ ،‬ولكن يجدر التفكير بشأنها‬ ‫‘الفصام’ حيث توفر الحكومات المانحة‬
‫مع ذلك‪ .‬وأولها هو ضمان إمكانية الوصول‬ ‫التمويل للحكومات لتعزيز أجهزتها‬
‫إلى التمويل من قبل األفراد والمنظمات في‬ ‫العسكرية والقمعية‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬
‫المنطقة العربية‪ ،‬وذلك ما ظلت المؤسسة‬ ‫توفر التمويل لجماعات المجتمع المدني‬
‫األورو‪-‬متوسطية تطمح إليه خالل السنوات‬ ‫التي تكافح من أجل حماية حقوق اإلنسان‬
‫الستة الماضية‪ ،‬وحققت في ذلك نجاحا كبيرا‪.‬‬ ‫وتناصر الحريات اإلنسانية األساسية‪.‬‬
‫وفي مقابل ذلك‪ ،‬ظل المانحون الرئيسيون‪،‬‬
‫مثل االتحاد األوروبي ‪ ،‬يتسمون بالبطء‬ ‫كان لهذه الدبلوماسية متعددة الطبقات‬
‫وتعقيد اإلجراءات التي تقييد إمكانية الفئات‬ ‫تبعات سلبية على األرض – ليس فقط ألنها‬
‫المحتاجة للتمويل في تقديم الطلبات‬ ‫تخفف من تأثير فعالية المساعدات الممنوحة‬ ‫‪86‬‬
‫والحصول على ما تحتاجه من تمويل‪.‬‬ ‫إلى جماعات المجتمع المدني‪ ،‬بل أيضا ألنها‬
‫تعزز االنطباع بأن لدى الممولين دوافع تخدم‬
‫إن الميزة التي تتسم بها الجهات المانحة‬ ‫مصالحهم الذاتية عندما يوفرون المساعدات‬
‫األصغر حجما‪ ،‬مثل المؤسسة األورو‪-‬‬ ‫للمنطقة‪ .‬وفي واقع األمر‪ ،‬من ضمن القضايا‬
‫متوسطية‪ ،‬والتي يمكنها إن تقدم منحا‬ ‫التي يجب معالجتها هو االرتياب الذي يشعر‬
‫نيابة عن مانحين أكبر‪ ،‬هي قدرتها على‬ ‫به مواطنو المنطقة بخصوص األهداف‬
‫التصرف بسرعة وبساطة اإلجراءات لتقديم‬ ‫والغايات الحقيقية لمجتمع المانحين‪ .‬وثمة‬
‫طلبات التمويل‪ ،‬وكذلك مستوى المعرفة‬ ‫رأي شائع على نطاق واسع بأن المساعدات‬
‫الكبير الذي تملكه بشأن واليتها الجغرافية‬ ‫األجنبية هي أحد أشكال التدخل في الشؤون‬
‫المحددة‪ .‬وتمثل سياسة إعادة توجيه المنح‬ ‫الداخلية‪ .‬وتؤدي السياسات التمويلية‬
‫طريقة يمكن لكبار المانحين من خاللها‬ ‫المتناقضة إلى تزايد العداء نحو الجهات‬
‫الوصول إلى األفراد والمنظمات األشد حاجة‬ ‫المانحة‪.‬‬
‫وفي الوقت ذاته تيسير شفافية التمويل‪.‬‬
‫وإذا أخذنا باالعتبار أن هذا النوع من اآلليات‬ ‫إحدى الطرق لحل هذه التناقض هي إحياء‬
‫والدعم محدود في عدده‪ ،‬فمن المهم لكبار‬ ‫مبدأ المشروطية في التمويل‪ ،‬حيث ال تتلقى‬
‫المانحين تطوير إجراءات أبسط إذا رغبوا‬ ‫الحكومات التمويل إال إذا التزمت باحترام‬
‫أن يكونا فاعلين أساسيين في المنطقة‬ ‫وحماية حقوق اإلنسان والحريات األساسية‪.‬‬
‫العربية‪ .‬ويجري حاليا تطوير مثل هذه‬ ‫وبهذه الطريقة‪ ،‬ال يؤدي تمويل الحكومات‬
‫المرونة في مجاالت مثل إعادة تأهيل ضحايا‬ ‫إلى تعزيز قوتها ضد المجتمع المدني‪ .‬وفي‬
‫التعذيب‪ ،‬ولكن يجب توسيعها إلى مجاالت‬ ‫بتحول ديمقراطي‪ ،‬يمكن‬ ‫ّ‬ ‫البلدان التي تمر‬
‫أخرى عندما تتوفر الموارد اإلنسانية وغيرها‬
‫الفصل الرابع‪ :‬منطق ومنطلقات مجتمع املانحني‬

‫من الموارد‪.‬‬

‫التركيز على نوعية التمويل‪ ،‬وتعلّم‬


‫االستماع إلى الجهات الفاعلة المحلية‬

‫وثمة نقطة أخيرة مهمة تتعلق بالحاجة إلى‬


‫التحول عن منطق «مقدار التمويل» إلى‬
‫«نوعية التمويل»‪ .‬ثمة تصور في المنطقة‬
‫العربية بأن معظم التمويل ينفق على‬
‫خدمات االستشارات وعلى الخبراء‪ .‬ومن‬
‫المهم خالل هذه الفترة التي ينخرط فيها‬
‫الممولون بعملية تفكير بشأن مقدار‬
‫التمويل الذي ينبغي توفيره للمنطقة‪ ،‬أن‬
‫تحقق من أن التمويل يستخدم بأسلوب‬
‫فعال‪ ،‬وخالل إطار زمني معقول‪ ،‬وأنه‬
‫يخصص مباشرة إلى الجماعات التي تعمل‬
‫على تعزيز وحماية حقوق اإلنسان على‬
‫األرض‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫وأخيراً‪ ،‬من االعتبارات المهمة هو المدى‬
‫الذي كانت فيه الجماعات التتي تمولها‬
‫الجهات المانحة الرئيسية في المنطقة جزءا‬
‫من الجهات التي شاركت في االحتجاجات‬
‫والثورات‪ .‬إن نظرة سريعة ستشيرر إلى أنه‬
‫في حين قدم المانحون بصفة غير مباشرة‬
‫تطوير فئات محددة من المجتمع المدني‪ ،‬إال‬
‫أن حراكات التظاهر الكبرى لم تكن ممولة‬
‫من قبل المانحين – ‘حركة شباب ‪ 6‬إبريل’‪ ،‬و‬
‫‘كلنا خالد سعيد’ في مصر ما هي إال أمثلة‬
‫على ذلك‪ .‬يجب على الممولين إعادة تقييم‬
‫فعالية التمويل الذي يقدمونه‪ ،‬وكذلك‬
‫المدى الذي تستند فيه إستراتيجياتهم‬
‫إلى مصالح الجهات الفاعلة المحلية في‬
‫المنطقة بدال من المفاهيم المفروضة من‬
‫الخارج بشأن ما هو األفضل لتلك الجهات‬
‫الفاعلة‪.‬‬
‫جرى تناول االستنتاجات الرئيسية المنبثقة من الحوار الذي استمر يومين من‬

‫االستنتاجات‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫قبل السيد كمال الجندوبي‪ ،‬رئيس الشبكة األورومتوسطية لحقوق اإلنسان‬
‫(تونس‪-‬فرنسا)‪ ،‬والسيد إدريس اليازمي‪ ،‬رئيس المؤسسة األورو‪-‬متوسطية‬
‫لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان (المغرب) بصفتهما مديران للحوار‪،‬‬
‫والدكتور محمد صغير جنجر الباحث واالختصاصي في علم اإلنسان ومدير مجلة‬
‫برولوغ (المغرب) بصفته مقررا عاما للندوة‪ ،‬والسيد عمرو صالح عضو المكتب‬
‫التنفيذي في ائتالف شباب الثورة المصرية والباحث في مركز القاهرة لدراسات‬
‫حقوق اإلنسان (مصر)‪ ،‬ولجنة مؤلفة من المناقشين التالية أسماؤهم‪ :‬السيد‬
‫إسماعيل أمزيان وهو محاضر ووزير سابق مبعوث لمنظمة التجارة (الجزائر)‪،‬‬
‫والسيدة خديجة شريف األمينة العامة للفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان‬
‫(تونس)‪ ،‬والسيد سعيد بن عربية وهو مستشار قانوني في لجنة الحقوقيين‬
‫الدولية (المغرب‪-‬سويسرا)‪ ،‬والسيدة أمل الباشا‪ ،‬رئيسة منتدى الشقائق‬
‫العربي لحقوق اإلنسان (اليمن)‪ ،‬والسيد مجدي النعيم المستشار والخبير في‬
‫مجال حقوق اإلنسان (السودان)‪.‬‬

‫هدفت الندوة في بادئ األمر‪ ،‬كما ورد في البرنامج وفي الكلمات االفتتاحية‪ ،‬إلى‬
‫التعرف إلى الجهات الفاعلة المعيقة لجهود إرساء الديمقراطية في بلدان‬
‫جنوب المتوسط‪ ،‬وتحليل دوافع مختلف الجهات الفاعلة وأصحاب المصلحة‪:‬‬
‫الحكومات‪ ،‬والمجتمع الدولي‪ ،‬والجهات الفاعلة المحلية وال سيما تلك‬
‫المنخرطة في تعزيز الديمقراطية وحقوق اإلنسان‪ .‬وفي الوقت الذي عقدت‬ ‫‪88‬‬
‫في الندوة‪ ،‬فرضت التطورات السياسية في المجتمعات العربية ضرورة تعديل‬
‫التركيز المواضيعي والقضايا األساسية التي كانت على جدول أعمال الندوة‪،‬‬
‫كما هيمنت أيضا على المناقشات والحوارات‪.‬‬

‫سياسات الجهات الفاعلة الحكومية المحلية‬

‫ركزت النقاشات‪ ،‬منذ الجلسة األولى التي ُكرست لمناقشة سياسات الجهات‬
‫الفاعلة الحكومية المحلية‪ ،‬على طبيعة تسلسل األحداث الناجمة من التغيرات‬
‫السياسية التي قلبت الوضع في تونس ومصر واآلخذة حاليا في االنتشار في‬
‫شدد بعض المشاركين‪ ،‬مستندين إلى‬ ‫ّ‬ ‫مختلف بقاع العالم العربي‪ .‬وقد‬
‫الدروس المستفادة من التجارب الماضية في االنتقال الديمقراطي (في أمريكا‬
‫الالتينية وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى)‪ ،‬على ضرورة توخي الحذر في التفاعل‬
‫مع هذا النوع من األحداث‪ .‬ففي حين استجاب المدافعون عن حقوق اإلنسان‬
‫بحماس‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬لهذه التطورات‪ ،‬فإن ماضي التجارب الديمقراطية‬
‫السابقة يبين لنا بأنها كانت في كثير من األحيان عمليات طويلة وملتوية‬
‫تُميزها تسلسالت لألحداث يصعب غالبا التكهن بها‪ :‬إرساء النظام الجديد‬
‫وفشله وتحقيق توازنه وتوطيده‪ ،‬فترات االستقرار‪ ،‬األزمات‪ ،‬فصول االستبداد‪،‬‬
‫التجديد الديمقراطي‪ .‬إن ما شهدته الجزائر في عقد التسعينات من القرن‬
‫المنصرم هو مثال مهم ينبغي استحضاره‪ ،‬حيث شهدت البالد انعكاسا‬
‫في مسار الديمقراطية عقب قيام تحالف بين اإلسالميين والحرس القديم‪.‬‬
‫وينبغي لنا أن نحذر من االستخفاف بقدرة األنظمة القائمة أو باستعدادها على تقديم تنازالت‬
‫االستنتاجات‬

‫والحد من اإلصالح الديمقراطي الكامل‪ .‬ولهذا‪ ،‬ثمة‬


‫ّ‬ ‫للجماعات األخرى بغية االحتفاظ بالسلطة‬
‫سؤال مهم ينبغي التصدي له وهو كيف يمكن تجنب حدوث انعكاس مماثل في الحاالت‬
‫التي سقطت فيها األنظمة وبدأت عملية االنتقال نحو الديمقراطية؟‬

‫أشار مشاركون عدة إلى حقيقة معرفية أساسية مفادها أن العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫قادرة على تيسير فهم التطورات الراهنة من خالل التفسير وإعادة التفسير‪ ،‬ولكن االرتكان إليها‬
‫ال‪ .‬فالمستقبل وحده هو الذي يمكنه أن‬ ‫ومضل ً‬
‫من أجل التنبؤ بالمستقل سيكون أمرا عبثيا ُ‬
‫يكشف لنا نتائج العملية الجارية‪ ،‬من ثورات وانتفاضات‪ ،‬ونطاق اآلثار التاريخية التي نراها اآلن‬
‫تتبلور‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬في المجتمعات العربية‪.‬‬

‫وفي االنتظار لحين تبلور رؤية أكثر وضوحا‪ ،‬وبصرف النظر عن التغيرات والتصحيحات التي‬
‫شدد العديد من المشاركين على‬
‫سوف تخضع لها هياكل وأجهزة الدول في المنطقة‪ ،‬فقد ّ‬
‫النقاط التالية‪:‬‬

‫‪1 .1‬ظهور نوع جديد من األفراد المتشبثين بكرامتهم‪ ،‬وهي دون شك نتيجة لعملية تحول‬
‫اجتماعي بطئية وطويلة‪.‬‬
‫‪2 .2‬الحاجة إلى الحفاظ على مجموعة متنوعة من وسائل تعبئة المواطنين وتعزيز انتشار‬
‫‪89‬‬
‫ثقافة الديمقراطية في المنطقة وترسيخها‪ .‬وهذا األمر يقتضي مقاربات إلدارة النزاعات‬
‫والتنوع بالوسائل السلمية‪ ،‬وتعزيز المواطنة‪ ،‬ونبذ االنقسامات العرقية والدينية‪ ،‬وقلب‬
‫واقع العالقات بين الدولة والمجتمع دون إضعاف الدولة لدرجة أن ال يعود بمقدورها‬
‫االضطالع بوظيفتها الرسمية المتمثلة في التوفيق بين مختلف األطراف‪.‬‬
‫‪3 .3‬الحاجة إلى وضع آلية تحمي الديمقراطية في البلدان التي تشهد عملية انتقالية‪ .‬وال‬
‫بد من التوسع في النقاش حول شكل الديمقراطية األنسب لمختلف الدول المعنية‬
‫وعلى نحو يحمي الحريات والحقوق األساسية بصرف النظر عن الحزب المن َتخب لتولي‬
‫السلطة‪.‬‬

‫ديناميات الجهات الفاعلة الدولية‪ :‬المصلحة الذاتية مقابل القيم‪ ،‬التنازع مقابل‬
‫التفاعل‬

‫لقد قادنا النقاش إلى اإلقرار بأنه ال بد من إجراء مراجعة منهجية للكثير من االفتراضات واألطر‬
‫التحليلية والمفاهيم المستخدمة لغاية اآلن في النظر إلى المجتمعات العربية‪ ،‬وال سيما فيما‬
‫يتعلق بقدرتها على تبني ثقافة الديمقراطية وحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫كما خلصنا إلى أن هذه النتيجة تنطبق أيضا على المذهب الكامن وراء البرامج المصممة‬
‫لنشر الديمقراطية وحقوق اإلنسان ودعمها في العالم العربي بمبادرة الجهات الفاعلة‬
‫الدولية وتنفيذ تلك البرامج‪ .‬إن التركيز على االستقرار واألمن الذي ظل سائدا لغاية اآلن قد‬
‫كشف بالفعل عن أوجه قصورهما في الماضي‪ ،‬أما اليوم فيوشك أن يطويه الزمن في ضوء‬
‫الحراك االجتماعي والسياسي الدائر في جنوب المتوسط‪.‬‬
‫أبرز العديد من المشاركين ضرورة أن تتخلى الجهات الفاعلة الدولية (وال سيما الواليات‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫المتحدة واالتحاد األوروبي) عن أسلوب المفاضلة بين القيم ومصالحها الذاتية‪ ،‬لما له من‬
‫عواقب وخيمة‪ ،‬وأن تضع مقاربة جديدة للتعامل مع بلدان جنوب المتوسط فيما يتعلق بدعم‬
‫حركة حقوق اإلنسان في المنطقة‪.‬‬

‫تتطلب هذه المقاربة ما يلي‪:‬‬


‫ •الحاجة إلى مراجعة شاملة للعالقات القائمة مع األنظمة االستبدادية التي غالبا‬
‫ما تحكمها المصالح االقتصادية في حين يتم تجاهل الدفاع عن القيم المرتبطة‬
‫بالديمقراطية وحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫ •الدعم المؤسسي والمساعدة االقتصادية واالجتماعية المتسقة التي تستهدف‬
‫ً‬
‫عقبة أمام‬ ‫االحتياجات الحقيقية للناس لضمان أن ال تشكل القضايا االجتماعية‬
‫الديمقراطية في مصر وتونس وحيثما يمكن لهذا االنتقال أن يحدث‪ .‬إن عملية االنتقال‬
‫الجارية في تونس ومصر لهي تجربة رائدة في مأسسة سيادة الشعب في المنطقة وال‬
‫بد للجهات الفاعلة الدولية أن تستمر في دعمها‪.‬وعلى نحو أكثر إلحاحا‪ ،‬تقع على عاتق‬
‫المجتمع الدولي مسؤولية مباشرة فيما يتعلق باألوضاع الحرجة الحاصلة في سوريا‬
‫واليمن والبحرين وليبيا‪ .‬وإن من واجب مجلس حقوق اإلنسان ومجلس األمن التابعين‬
‫لألمم المتحدة واالتحاد األوروبي أن يستجيبوا بسرعة لألوضاع الحرجة في تلك البلدان –‬
‫وال سيما في سوريا واليمن والبحرين‪ ،‬حيث أن ثمة حراك قائم في ليبيا بالفعل‪.‬‬

‫ديناميات المجتمع المدني والجهات الفاعلة غير الحكومية‬ ‫‪90‬‬

‫أظهرت مناقشاتنا حول الجهات الفاعلة غير الحكومية بأن المفاجأة التي أحدثتها التطورات‬
‫الكبرى الحاصلة في العالم العربي على مدى الشهور الماضية كان مر ّدها بشكل رئيسي‬
‫إلى أن معظم التركيز كان منصبا على الدول (كما يتضح من كافة النظريات التي تتحدث عن‬
‫تفرد الحالة العربية والسلطوية في المنطقة) أو على الجماعات التي يُنظر إليها كمشروع‬
‫جهات فاعلة حكومية (اإلسالميين)‪ .‬وكنتيجة لذلك‪ ،‬بات مفهوم العالم العربي العالق بين‬
‫االستبداد واألصولية أمرا مقبوال بصفة عامة‪.‬‬

‫ومع أن األحداث الجارية في الوقت الراهن لم تكن متوقعة بتاتا‪ ،‬إال أنها لم تتولد من فراغ‪ .‬فقد‬
‫كانت العناصر الرئيسية موجودة‪ ،‬كما يدل على ذلك الكم الكبير من المشاريع التي نفذتها‬
‫المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية وكذلك التقارير العديدة المنشورة حول قضايا‬
‫حقوق اإلنسان في المنطقة‪ .‬إن المنظمات غير الحكومية والناشطين على الصعيد المحلي‬
‫هم في الواقع تمثيل مباشر للرغبة والتطلعات الصادقة الكامنة في المنطقة منذ سنين من‬
‫أجل إرساء قيم عالمية‪ .‬لقد كان محمد السيد سعيد‪ ،‬والذي أهديت هذه الندوة تخليدا لذكراه‪،‬‬
‫من أوائل من أصروا على ضرورة تنظيم حوارات بين المدافعين عن حقوق اإلنسان في مختلف‬
‫أنحاء المنطقة – في القاهرة أو الرباط أو أي مكان آخر في المنطقة – وأحيانا خارجها نظرا‬
‫للتدابير األمنية‪ .‬ال تتضح هذه األرضية الخصبة بالنظر فقط إلى المنظمات والجهات الفاعلة‬
‫في مجال حقوق اإلنسان بل أيضا بالنظر إلى تطور المشهد الفني العربي على مرّ السنوات‬
‫الماضية‪ .‬فقد اضطلع الفنانون في المنطقة‪ ،‬من مغني الراب والرسامين والممثلين والكتاب‬
‫وغيرهم‪ ،‬بدور مهم في تهيئة األرضية للتعبئة من خالل مضامين أعمالهم وحضورهم البارز‬
‫في العديد من االنتفاضات التي حصلت في تونس ومصر وغيرهما‪ .‬وال بد من النظر إلى هذه‬
‫االستنتاجات‬

‫الفئات كجهات فاعلة تكافح أيضا من أجل الحرية وثقافة الديمقراطية‪ ،‬وليس بأنها منعزلة‬
‫ببساطة عن باقي المجتمع‪ .‬وال يمكن تجاهل المشهد الثقافي في العالم العربي‪ ،‬وينبغي‬
‫للمرء أن ينتبه إلى هذا المشهد إذا ما أراد أن يفهم كيفية نشوء هذه االنتفاضات وما سيترتب‬
‫عليها‪.‬‬

‫بخفة عن بيئة بشرية تمر بمرحلة انتقالية وقادت إلى إعادة‬ ‫ّ‬ ‫لقد أماطت األحداث األخير اللثام‬
‫استكشاف ما دأبت البحوث االجتماعية التاريخية واالتجاهات السائدة في تطور المجتمعات‬
‫العربية تظهره باستمرار على مدار العقدين الماضيين – وال سيما التحوالت الديمغرافية‪،‬‬
‫والتحضر‪ ،‬والتقدم الثقافي المدفوع بتسريع وتيرة التعليم‪ ،‬وظهور جهات فاعلة جديدة بما‬
‫فيها الشباب والنساء‪ ،‬وأهمية وسائل اإلعالم ووسائل االتصال الجديدة بما في ذلك إعادة‬
‫تشكيل البيئة االجتماعية الثقافية‪ ،‬واالتجاهات الجديدة على صعيد المشاركة االجتماعية‬
‫ً‬
‫عينة قوامها ‪ 13‬بلدا (هي‬ ‫ً‬
‫دراسة تناولت فيها‬ ‫واالحتجاج المجتمعي‪ .‬لقد أجرت مؤسسة آنا ليند‬
‫المغرب ومصر وسوريا ولبنان وتركيا من الجنوب‪ ،‬وألمانيا وفرنسا وإسبانيا والسويد والمملكة‬
‫المتحدة والبوسنة من الشمال) وأظهرت الدراسة بوضوح بأن عينتي الجنوب والشمال‪ ،‬رغم‬
‫سئل المشاركون عن‬ ‫اختالفهما في بعض المجاالت‪ ،‬كانتا متشابهتين إلى حد بعيد حينما ُ‬
‫القيم العالمية – على النقيض مما يتوقعه الكثيرون‪.‬‬

‫أما تقرير برنامج األمم المتحدة اإلنمائي لعام ‪ ،2009‬فقد س ّلط الضوء على حقيقة مفادها أننا‬
‫‪91‬‬
‫نشهد ذروة طفرة اإلنجاب في العالم العربي وهو ما يفسر بروز جيل جديد تماما وأضخم عددا‬
‫على الساحة‪ .‬ويُميز هذا الجيل نفسه عن سابقيه بمستويات التعليم العالية في أوساطه‬
‫(حتى وإن كان نجاح هذا التعليم نجاحا جزئيا) وبالعدد الكبير من الشابات المتعلمات‪ .‬ولهذه‬
‫التغيرات آثار مهمة على الديناميات المجتمعية والمطالب االجتماعية واالقتصادية والسياسية‬
‫للشعوب العربية وعلى عملية تكوين المجتمع المدني وتطوره على المدى البعيد‪.‬‬

‫لقد أظهرت مناقشاتنا حول بعض الحاالت (تونس ومصر وحتى المغرب) بأننا نواجه تعددا في‬
‫الجهات الفاعلة‪ :‬ليس فقط األحزاب السياسية واالتحادات العمالية التقليدية بل أيضا أحزاب‬
‫جديدة ومنظمات تنسيقية شبابية وشبكات تركز على حركة االحتجاج االجتماعي الجديدة‬
‫(مثل المتخرجين العاطلين عن العمل وغيرهم)‪ .‬والمحصلة هي مشهد متغير على الدوام‪،‬‬
‫وهو ما سيتطلب في السنوات المقبلة اهتماما ومراقبة حثيثة‪ .‬وثمة العديد من القضايا على‬
‫المحك‪:‬‬
‫ •إلى ماذا ستؤول الفجوة بين األجيال والتي تؤثر في كافة المؤسسات (األحزاب والحركات‬
‫االجتماعية واالتحادات العمالية وما إلى ذلك)؟‬
‫ •ماذا سيكون التأثير المترتب عن تمكين المرأة في الحياة العامة؟ من حيث الحملة‬
‫الرامية لضمان احترام حقوق اإلنسان والديمقراطية والتعبير الثقافي‪ ،‬إلخ؟‬
‫ •كيف س ُيعاد ترتيب المجتمعات المدنية العربية في المرحلة المقبلة؟ كيف ستطور‬
‫خصص التمويل‪،‬‬ ‫طرق التدخالت‪ ،‬وكيف س ُي َّ‬ ‫منظمات حقوق اإلنسان‪ ،‬وكيف ستختلف ُ‬
‫وما إلى ذلك؟‬
‫ •التحول في البيئة اإلعالمية؛ والنزاعات بسبب وسائل اإلعالم؛ وحصول الجهات الفاعلة‬
‫الجديدة على وسائل إعالمية جديدة‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬
‫ •تطور اإلسالميين؛ وإمكانية إعادة هيكلة البيئة الدينية في عملية التحول نحو‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫الديمقراطية؛ مكانة المساجد (كمساحات محايدة وغير مس ً ّيسة)‪.‬‬
‫ •المقاربات التي تتبناها مختلف الجهات الفاعلية في التنظيم والتعبئة‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬تقع على عاتق الجهات الفاعلة في المجتمع المدني أربع مسؤوليات رئيسية هي‪:‬‬

‫‪1‬المساهمة على قدر االستعداد واالستطاعة في مختلف المشاريع الوطنية الكبرى‬ ‫‪.1‬‬
‫وعمليات إعادة اإلعمار الجارية‬
‫‪2‬االنخراط في التأمالت الحالية والمناقشات الجارية بين الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية‬ ‫‪.2‬‬
‫من أجل المساهمة في إعادة صياغة جدول األعمال الدولي‬
‫‪3‬التأمل في المتغيرات الدولية بالنسبة للمنظمات التي تنتمي إليها الجهات الفاعلة‬ ‫‪.3‬‬
‫في المجتمع المدني وتسعى جاهدة إلعادة صياغة جدول أعمالها واستراتيجياتها‬
‫‪4‬وكما ذكر بعض المناقشين‪ ،‬من المهم أن يتم تنظيم المكان والزمان بسرعة وفعالية‬ ‫‪.4‬‬
‫بغية إجراء هذه التأمالت والحوارات بين مختلف الجهات الفاعلة في المنطقة – من أجل‬
‫الكشف عن االختالفات الكامنة بين البلدان وكذلك عن أوجه التشابه األساسية والدروس‬
‫التي يمكن استخالصها واالستفادة منها‪.‬‬

‫وعالوة على ذلك‪ ،‬يقع على كاهل المنظمات غير الحكومية الدولية – وال سيما المرتبطة‬
‫المجتمعين الوطني والدولي وممارسة‬
‫َ‬ ‫بحقوق اإلنسان – واجب محدد في حشد تأييد‬
‫الضغط عليهما لجلب منتهكي حقوق اإلنسان للعدالة‪ .‬فالمساءلة أمر أساسي لضمان أن‬ ‫‪92‬‬
‫تتضاءل فرصة وقوع انتهاكات حقوق اإلنسان مستقب ًلا‪.‬‬

‫ديناميات مجتمع المانحين‬

‫يفيد االستنتاج العام المستقى من مناقشاتنا بأن البيئة العربية الجديدة تشجع قيام وعي‬
‫جديد في أوساط المانحين بشأن الحاجة إلى إعادة صياغة استراتيجياتهم‪ .‬وهذا يقتضي إدراك‬
‫نقاط عديدة أثارها المشاركون‪:‬‬

‫•مراجعة مفهوم المشروطية على ضوء البيئة العربية الجديدة التي يميزها انتهاء‪،‬‬ ‫ ‬
‫أو محاوالت إنهاء‪ ،‬عهد االستبداد عبر ازدهار المجتمعات المدنية وبدايات االنتقال نحو‬
‫الديمقراطية في عدد من البلدان‪.‬‬
‫•التركيز على دعم عملية التحول الديمقراطي في البلدان العربية دعما ماليا واقتصاديا‪.‬‬ ‫ ‬
‫•وضع استراتيجية لدعم حقوق اإلنسان تشمل قطاعات ومشاريع مك َّيفة لتناسب مراحل‬ ‫ ‬
‫االنتقال المختلفة‪ ،‬مثل البرامج الداعمة للمدافعين عن حقوق اإلنسان وتأهيلهم‪،‬‬
‫والبرامج القائمة على المساوة بين الجنسين‪ ،‬والبرامج المتعلقة بالتاريخ وذاكرته‪ ،‬نظرا‬
‫إلى أن االنتقال قد حفز قيام حوارات ال بد لها وأن تتناول التاريخ الحديث وذاكرته‪.‬‬
‫•اتباع قدر أكبر من الشفافية والمرونة في إجراءات التمويل من أجل زيادة رقعة وصول‬ ‫ ‬
‫المساعدات‪ ،‬وكذلك القدرة على تكييف التمويل في السياقات شديدة التقلب‪.‬‬
‫دروس للمستقبل‬
‫االستنتاجات‬

‫سيتعين على الجهات الفاعلة الرئيسية في العالم العربي اليوم (أو تلك التي تركز على‬
‫العالم العربي) أن تتعلم العمل ضمن سياق يتسم بالتقلب الشديد‪ ،‬وأن تطور قدرة كي‬
‫تظل طاقاتها معبأة وفي الوقت نفسه حاضرة ضمن التطورات التي تحدث‪ ،‬وأن تنهمك في‬
‫تأمل جاد بشأن الخطوات المستقبلية التي ينبغي اتخاذها‪ .‬وثمة حقيقة مهمة يجب إبقاؤها‬
‫في الذهن من جانب جميع المهتمين بـالتطوارت التي تحدث في المنطقة‪ ،‬وهي أنه على‬
‫الرغم من وجود نزعات مشتركة لجميع أو معظم بلدان المنطقة‪ ،‬إال أنه توجد ديناميكيات‬
‫وطنية تميز كل دولة عن غيرها – فتونس ليست مصر‪ ،‬وليبيا ليست الجزائر‪ ،‬والجزائر ليست‬
‫المغرب‪ ،‬إلخ‪ .‬وعملية التحول ليست عملية خطية‪ ،‬وبالتالي ال يمكن تصدير نماذج الثورات‬
‫وال ينبغي تصديرها – وذلك على الرغم من الكفاح المشترك نحو الديمقراطية والحرية والذي‬
‫يجب أن يتواصل‪.‬‬

‫وإذ تنهمك الجهات الفاعلة بالمنطقة العربية‪ ،‬ثمة سبع قضايا يجب معالجتها في أي بلد يمر‬
‫بإصالحات كبيرة‪:‬‬

‫‪1‬قضية المساواة بين الجنسين في المجتماعات العربية وموقعها األساسي في‬ ‫‪.1‬‬
‫الديمقراطيات؛‬
‫‪2‬تبعات الفجوة بين األجيال على جميع الهياكل في هذه الحقبة التي تشهد تحوال‬ ‫‪.2‬‬
‫‪93‬‬
‫اجتماعيا؛‬
‫‪3‬قضية اإلصالحات الدستورية ومأسسة سيادة الشعب؛‬ ‫‪.3‬‬
‫‪4‬اإلصالحات المؤسسية األساسية التي يجب أن تحدث‪ ،‬وخصوصا في مجال العدالة؛‬ ‫‪.4‬‬
‫‪5‬المسألة االجتماعية وكيفية معالجة الطموحات االجتماعية للمواطنين العرب؛‬ ‫‪.5‬‬
‫‪6‬قضية التاريخ والذاكرة والتحول وتسوية انتهاكات الحقوق التي حدثت في الماضي‬ ‫‪.6‬‬
‫(المصالحة الوطنية)؛‬
‫‪7‬قضية التعددية والتنوع – خصوصا في البلدان التي يوجد فيها حاجة ملحة لمعالجة‬ ‫‪.7‬‬
‫التنوع الديني والثقافي بأسلوب سلمي‪.‬‬

‫وبالنسبة للمنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق اإلنسان‪ ،‬مثل المؤسسة األورو‪-‬‬
‫متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان وغيرها‪ ،‬ثمة حاجة إلى التركيز على النهوض‬
‫بالقدرات وبناء المؤسسات في بلدان المنطقة العربية التي تشهد تحوال ديمقراطيا و‪/‬‬
‫أو إصالحات‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬ينبغي تنظيم عمليات لتبادل اآلراء يشارك فيها ممثلون عن‬
‫بلدان مختلفة من أجل إبراز أفضل للروابط واالختالفات على أرض الواقع‪ ،‬وبهدف إيجاد األسلوب‬
‫األكثر فاعلية لحماية هذه التحوالت حيث تحدث‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬وكما ورد سابق ًا‪ ،‬فإن اإلحاطة‬
‫بخبرة “التراجع” التي حدثت في الجزائر لها أصداء قوية جدا بالنسبة للنشاطات التي تحدث‬
‫في مصر وتونس في هذه اللحظة التي يجد بها البلدان نفسيهما يكافحان من أجل توطيد‬
‫الديمقراطية‪ .‬وبالنسبة للمؤسسة األورو‪-‬متوسطية بصفة محددة‪ ،‬فقد سلطت األحداث‬
‫األخيرة الضوء على حاجة المؤسسة لتوسيع إطار واليتها فيما يتجاوز البلدان التي تعمل بها‬
‫اآلن‪ ،‬كي تتضمن ليبيا والبلدان الواقعة في الجزء الشرقي من المنطقة‪ ،‬مثل البحرين واليمن‪.‬‬
‫رمزي بليل (تونس(‬
‫عمرو صالح‪ ،‬عضو المكتب التنفيذي الئتالف شباب الثورة المصرية والباحث في‬

‫المرفق ‪ :1‬شهادة من الثورة المصرية‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫معهد القاهرة لدراسات حقوق اإلنسان‪ ،‬قاهرة‬

‫هناك عبارة أتذكرها دائم ًا وقالها أحد األصدقاء في االئتالف‪ ،‬وهي‪ :‬كانت المرحلة‬
‫السابقة للخامس والعشرين من كانون ثاني‪ /‬يناير شبيهة بحرب االستنزاف‬
‫بينما يمكننا تشبيه الخامس والعشرين من كانون ثاني‪ /‬يناير بالعبور‪ ،‬أي حرب‬
‫السادس من تشرين أول‪ /‬أكتوبر‪.‬‬

‫إن ما حدث في الخامس والعشرين من كانون ثاني‪ /‬يناير له جذوره وهو ليس‬
‫ابتداء من عام ‪ 2004‬كان النشاط السياسي في أوجه حيث‬
‫ً‬ ‫معزو ًال عن الماضي‪.‬‬
‫أيقظت حركة كفاية المجتمع المصري‪ .‬ومع أن الحركة لم تعد ناشطة إال أن‬
‫أهميتها تظل موجودة‪ .‬كما يمكننا قول الشيء نفسه عن حزب الغد‪ ،‬فعلى‬
‫الرغم من أن بريق الحزب قد خبا‪ ،‬وأن موقع أيمن نور كعضو في المعارضة قد‬
‫تراجع‪ ،‬إال أن تجربة الحزب تظل ماثلة في أذهان الناس وقد تمخض عنها إنشاء‬
‫مبادرات جديدة مختلفة‪ .‬فقد عملت إضرابات السادس من نيسان‪ /‬أبريل عام‬
‫‪ 2008‬وحادثة تعذيب خالد سعيد وموته وعودة الدكتور محمد البرادعي –رغم‬
‫أنها ليست أحداث ًا استثنائية إذا ما نظرنا إليها بمعزل عن بعضها البعض‪ -‬على‬
‫تعزيز مزاج فكري مختلف لدى الناشطين المصريين‪.‬‬

‫أطلق الدعوة إلى احتجاجات الخامس والعشرين من يناير مؤسس موقع حركة‬ ‫‪96‬‬
‫“كلنا خالد سعيد”؛ إال أنه يتوجب وضع تلك االحتجاجات في سياقها – وكانت‬
‫حركة شباب السادس من أبريل قد دعت إلى االحتجاج على وحشية الشرطة‬
‫يوم الخامس والعشرين من نيسان‪ /‬أبريل العام الفائت‪ ،‬أي ‪ .2010‬باإلضافة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬كانت الحركة قد احتجت في عدة مناسبات أمام المحكمة العليا‬
‫المصرية وعلى الرغم من أن لم يتجمع سوى بضع مئات إال أنها كانت عالمة‬
‫على عودة حركة االحتجاجات‪.‬‬

‫وقبل االنتفاضة التونسية‪ ،‬كانت هناك خطط لالحتجاج يوم ‪ 25‬كانون ثاني‪/‬‬
‫يناير ‪ 2011‬أمام وزارة الداخلية‪ .‬إال أن األحداث في تونس والدور الذي لعبته في‬
‫كسر حاجز الخوف ألهمت الناشطين بتكرار نفس التجربة في مصر‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن نجاح التجربة التونسية وسقوط بن علي كان العامل المحفز على إنشاء‬
‫صفحة موقع “كلنا خالد سعيد” حيث دعي الناس إلى الخروج يوم الخامس‬
‫والعشرين من كانون ثاني‪ /‬يناير من أجل التعبير عن مطالبهم االقتصادية‬
‫واالجتماعية والسياسية‪.‬‬

‫بموازاة ذلك‪ ،‬أود أن أخبركم عن االئتالف الذي أنتمي إليه والذي لم يكن ائتالف ًا‬
‫في البداية بل مجموعة من الشبان من مختلف الحركات السياسية‪ .‬وقد وجد‬
‫هؤالء األشخاص توافق ًا وأرضية مشتركة وقاموا بالتنسيق على نحو فعال فيما‬
‫بينهم‪ .‬لم يقم االئتالف بعمل هذه االحتجاجات بل كان أعضاؤه بمثابة المحرك‬
‫الرئيسي وراءها‪ .‬وقد ُعقدت االجتماعات لمناقشة العديد من األشياء‪ ،‬منها‬
‫ال‪ :‬األحياء التي ينبغي أن تبدأ منها االحتجاجات‪ .‬لقد ألهمتنا التجربة التونسية بفكرة مهمة‪:‬‬ ‫مث ً‬
‫املرفق ‪ :1‬شهادة من الثورة املصرية‬

‫فقد انطلقت االحتجاجات من المناطق التي تعيش فيها “الطبقة الدنيا” ومن ثم امتدت فيما‬
‫بعد لتصل إلى المناطق األيسر حا ًال‪ .‬كما أننا رأينا في التجربة التونسية أن المحتجين لم يرفعوا‬
‫شعارات سياسية وحسب تعبر عن الوالء لحزب سياسي معين‪ ،‬بل إنهم تخطوا ذلك كله نحو‬
‫االحتجاج على قضايا اجتماعية واقتصادية‪ ،‬وهذا ما كنا نريد القيام به أيض ًا‪.‬‬

‫قررنا أن نختار حي ًا شعبي ًا كنقطة انطالق لالحتجاجات‪ .‬وكانت الفكرة أن يكون التجمع في حي‬
‫الناحية –وهو حي شعبي‪ -‬والسير إلى ميدان التحرير ماريّن عبر مناطق رئيسية من المدينة‬
‫كشارع جامعة الدول وشارع التحرير وكوبري قصر النيل‪ .‬وعندما وصلنا إلى ميدان التحرير أول‬
‫مرة أيدت مجموعة كبيرة البقاء في الميدان بينما ارتأت مجموعة أخرى إنه ينبغي أن تضم‬
‫االحتجاجات عدداً أكبر وأنه يمكن الدعوة إليها في يوم آخر الجتذاب عدد أكبر من الناس‪.‬‬

‫غير عاقدين العزم بقينا في ميدان التحرير رغم األوامر الواضحة من قوات األمن لنا بالمغادرة‪.‬‬
‫وفي الساعة ‪ 12:20‬صباح ًا بدأت قوات األمن باستخدام الغاز المسيل للدموع األمر الذي‬
‫جعل البقاء في الميدان متعذراً‪ .‬وفي يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من‬
‫كانون ثاني‪ /‬يناير استمرت االحتجاجات بشكل من أشكال “حرب االستنزاف” حيث حدثت عدة‬
‫احتجاجات في مناطق مختلفة من القاهرة بهدف إضعاف قوات األمن‪.‬‬

‫ووجهت دعوة أخرى للتظاهر يوم الثامن والعشرين من كانون ثاني‪ /‬يناير تبدأ بعد صالة‬
‫‪97‬‬
‫الجمعة‪ .‬وقد تم اختيار مسارات مختلفة وتمت طباعتها في نشرات ونشرها على اإلنترنت رغم‬
‫إغالق الشبكة يوم السابع والعشرين من الشهر‪ .‬وكان المشاركون في االحتجاجات غاية في‬
‫التنظيم‪ ،‬وعلى الرغم من قرار مجموعتنا بالتركيز فقط على قضايا اجتماعية واقتصادية بدأ‬
‫المحتجون من أنفسهم بالهتاف “تسقط الحكومة”‪ .‬نحن كنشطاء لم نطلق شرارة ذلك‬
‫ولكن المحتجين أنفسهم بدأوا بترديد تلك الشعارات‪ .‬إضافة إلى حي الناحية‪ ،‬جاء متظاهرون‬
‫آخرون من إمبابة وهي منطقة شعبية أخرى ولم تتمكن قوى األمن من إيقاف تقدمهم نحو‬
‫ميدان التحرير على الرغم من اعتراضهم بصفوف من الرجال المزودين بالهراوات واألسلحة‪.‬‬

‫وعندما وصل المتظاهرون إلى كوبري قصر النيل – وهو نقطة الدخول الرئيسية إلى ميدان‬
‫التحرير‪ -‬وقعت مواجهات كبيرة‪ ،‬و ُقتل وجرح الكثير من المواطنين العاديين أثناء محاولتهم‬
‫وصول ميدان التحرير واالستيالء على المنطقة‪ .‬وقد شجع وصول الجيش مساء الثامن‬
‫والعشرين من كانون ثاني‪ /‬يناير المحتجين‪ ،‬ذلك أن الناس تصوروا أنه إشارة على االنتصار‬
‫على الشرطة وبالتالي فهو إشارة على نهاية النظام‪.‬‬

‫وعندما بدأ االعتصام في الميدان‪ ،‬كانت هناك لحظات شعر الناس فيها بالملل أو القلق من‬
‫فقدان وظائفهم وفكروا أنه ربما يكون بوسعهم أن يغادروا ومن ثم يعودوا لالحتجاج في‬
‫مرحلة الحقة – فقد كان لديهم إحساس بأنهم قد أنجزوا الكثير بمجرد االحتجاج‪ .‬إال أن الصورة‬
‫المشوهة التي صورت بها الحكومة المحتجين من خالل وصفهم بالعمالء المزدوجين‬
‫والخونة وأنهم خطر على استقرار البالد‪ ،‬عززت من قناعات الناس وجعلتهم يدركون أن‬
‫معركتهم لن تنتهي إال أذا حدثت نتائج واضحة وفورية‪ .‬وأمعن النظام في رد فعله الغبي –‬
‫فعلى الرغم من أن خطاب مبارك الذي زعم فيه أنه سيموت على تراب مصر ويدفن فيه زاد من‬
‫تعاطف الناس معه‪ ،‬إال أن الهجوم من على ظهر الخيول والجمال قلب هذا التعاطف رأس ًا‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫على عقب‪ .‬واستمرت تذبذب التعاطف حتى جاء خطاب مبارك االستفزازي األخير حيث أنه بد ًال‬
‫من التنحي كما توقع الجميع قام بتسليم سلطاته إلى عمر سليمان‪ .‬وبالتالي أصبح الناس‬
‫أكثر تصميم ًا وبدأوا بتوسيع نطاق احتجاجاتهم إلى مناطق أخرى مثل ماسبيرو وقصر العروبة‪.‬‬
‫ثم انهار النظام يوم الجمعة ‪ 11‬شباط‪ /‬فبراير ‪ 2011‬بعد عرض مدهش لإلرادة من قبل الشعب‪.‬‬

‫هذا باختصار سرد لكل األحداث التي وقعت لغاية سقوط مبارك ونظامه‪ .‬ولكني أود أن أذكر‬
‫أشياء أخرى‪ :‬فنحن كثيراً ما نُسأل عن سبب نجاحنا – فقبل الثورة تصورنا أن معاركنا ضد النظام‬
‫على أنها ضعيفة جداً ألنه لم يكن ألعمالنا إال القليل من التأثير على المدى الطويل‪ ،‬وبدا‬
‫وكأن أعمالنا لها تأثيرات مؤقتة فقط وبالتالي لم نكن نتوقع أبداً أنه سيكون من الممكن‬
‫لها أن تصبح ثورة فعلية‪ .‬وبعد الثورة أدركنا أن نشاطنا في الحقيقة كان له تأثير بالفعل على‬
‫وعي الناس وإراداتهم السياسية‪.‬‬

‫ومن جوانب الضعف األخرى التي كنا نركز عليها هو أنه ال توجد في مصر كيانات سياسية‬
‫كاف لتقود الناس وترشدهم‪ ،‬وقد ظننا أن تلك مشكلة‬
‫ٍ‬ ‫منظمة وال توجد جهة تتمتع بحضور‬
‫كبيرة ولكننا اكتشفنا أثناء الثورة أنها كانت ميزة في الحقيقة فقد كانت االحتجاجات تمثل‬
‫بحق أرادة المحتجين الذين عبروا عن مطالب أساسية تمام ًا‪.‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬كان من الجوانب اإليجابية للثورة أنه لم يكن لها قائد‪ .‬وكنا كثيراً ما نُسأل‬
‫خالل الثمانية عشر يوم ًا من االحتجاجات من قبل الصحفيين األجانب‪ :‬من هم قادة هذه الثورة؟‬ ‫‪98‬‬
‫وكان األشخاص الذين كان بوسعهم أن يصبحوا قادة حكماء حيث أنهم كانوا يجمعون‬
‫الكل دون التشجيع على الفرقة ويتحدثون عن الحرية والديمقراطية وإزاحة النظام‪ .‬وهكذا‬
‫ظلت االحتجاجات تعبئة لمصلحة الشعب وليس للقادة‪.‬‬

‫وفي النهاية‪ ،‬ينبغي تشجيع الجماعات األخرى في العالم العربي التي تريد من حكوماتها أن‬
‫تتنحى أو تريد إجراء إصالحات حقيقية على رفع صوتها وأن تعبر عن مطالبها‪ .‬ويجب أن يكون‬
‫لالحتجاجات جذور في المناطق الشعبية وأن ترفع شعارات تالمس شغاف الناس مالمسة‬
‫شخصية؛ وعلى هؤالء الناس أن يرفعوا أصواتهم بأنفسهم دون أن يخبرهم أحد ما يجب قوله‪.‬‬
‫‪ 1-2‬سوريا ‪:‬الرد الوحشي للنظام‬

‫المرفق ‪ :2‬أوضاع حرجة في المنطقة العربية‬


‫املرفق ‪ :2‬أوضاع حرجة في املنطقة العربية‬

‫رضوان زيادة‪ ،‬مركز دمشق لدراسات حقوق اإلنسان وباحث زائر‬


‫من جامعة جورج تاون‬
‫واشنطن العاصمة ‪،‬دمشق‪ 31 ،‬أيار‪/‬مايو ‪2011‬‬

‫لم تكن سوريا حصينة أمام موجة السخط التي اجتاحت الشرق األوسط خالل‬
‫األشهر األخيرة‪ ،‬وذلك على الرغم من المزاعم التي أطلقها الرئيس األسد وعلى‬
‫الرغم من نفيه لهذا األمر‪ .‬بدأت االحتجاجات تتصاعد في سوريا منذ ‪ 15‬آذار‪/‬‬
‫مارس ‪ ،2011‬وخصوصا في ‪ 18‬آذار‪/‬مارس‪ ،‬عندما ثارت جماهير مدينة درعا احتجاجا‬
‫على وحشية الشرطة بعد اعتقال وقتل بعض المتظاهرين‪ .‬وشهد األسبوع‬
‫التالي تظاهرات من مدينة الالذقية الساحلية إلى مدينة القامشلي الكردية‬
‫في الشمال‪ .‬وعلى الرغم من أن معظم المتظاهرين لم يطالبوا باستقالة‬
‫الرئيس األسد‪ ،‬إال أن هذه االضطرابات تمثل أكبر تح ٍد لحكمه منذ خلف والده‪.‬‬
‫وعلى الرغم من المزاعم التي تطلقها الحكومة‪ ،‬فإن الشعارات التي تنادي بها‬
‫األغلبية العظمى من التظاهرات تشير إلى أن الحركة االحتجاجية هي حركة‬
‫عفوية وموحدة وسليمة وغير طائفية‪ ،‬وذلك وفقا لمنظمة هيومان رايتس‬
‫ووتش ومنظمات دولية رئيسية أخرى‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫وكانت االستجابة الرئيسية لقوات األمن السورية وأجهزة المخابرات هي‬
‫استخدام الذخيرة الحية إلسكات االحتجاجات المتصاعدة‪ ،‬واالحتجاز التعسفي‬
‫لمئات المتظاهرين وإخضاعهم للتعذيب وإساءة معاملتهم‪ .‬كما قامت‬
‫قوات األمن باحتجاز عدد من الصحفيين والناشطين والمحامين الذين قاموا‬
‫باإلبالغ عن االحتجاجات أو نادوا للخروج بتظاهرات أخرى‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬قامت‬
‫قوات األمن السورية في بلدتين على األقل بمنع الموظفين الطبيين وغيرهم‬
‫من الوصول إلى المتظاهرين الجرحى‪ ،‬كما منعت المتظاهرين الجرحى من‬
‫الوصول إلى المستشفيات‪ ،‬وذلك حسبما أوردت منظمة هيومان رايتس‬
‫ووتش‪.‬‬

‫وفي ‪ 26‬آذار‪/‬مارس‪ ،‬دعت مفوضة األمم المتحدة السامية لحقوق اإلنسان‬


‫السلطات السورية إلى “االستماع إلى أصوات الشعب الذي نهض وطالب‬
‫بالتغيير في البالد”‪ .‬كما أشارت إلى أن مواصلة القمع العنيف للمتظاهرين‬
‫على يد قوات األمن (وذلك بعد يوم واحد من إعالن الحكومة عن إجراء‬
‫إصالحات) كان “أمرا مثيرا للقلق بصفة خاصة”‪ .‬كما طالبت باإلفراج عن جميع‬
‫المتظاهرين المحتجزين وعن المدافعين عن حقوق اإلنسان‪ ،‬وطالبت بإجراء‬
‫تحقيق مستقل ومحايد وشفاف بشأن عمليات القتل األخيرة‪.‬‬

‫وقد شجب االتحاد األوروبي حملة القمع “غير المقبولة” ضد االحتجاجات‬


‫السلمية في سوريا‪ .‬وفي ‪ 21‬نيسان‪/‬إبريل‪ ،‬أصدر الرئيس األسد مرسوما برفع‬
‫حالة الطوارئ السارية منذ عام ‪( 1963‬المرسوم رقم ‪ ،)161‬وإلغاء محكمة أمن‬
‫الدولة (المرسوم رقم ‪ ،)53‬واإلقرار بحق التظاهر السلمي وتنظيمه (المرسوم رقم ‪ .)54‬إال أن‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫مرسوما رابعا (المرسوم رقم ‪ )55‬سيزيد المدة التي يمكن ألجهزة األمن أن تحتجز المشتبه بهم‬
‫بارتكاب جرائم معينة ضد الدولة‪ ،‬وذلك قبل إحالتهم إلى المدعي العام‪ ،‬وقد ازدادت المدة‬
‫من يوم واحد إلى سبعة أيام‪ .‬وكما أشارت منظمة هيومان رايتس ووتش‪ ،‬كلما طالت مدة‬
‫احتجاز األفراد قبل عرضهم على السلطة القضائية‪ ،‬كلما زاد خطر انتهاك حقوق المحتجزين‬
‫واإلساءة إليهم‪.‬‬

‫وقد واصل النظام الحاكم منذ ذلك الوقت ممارسة القمع والعنف‪ ،‬ويقدر أن عدد القتلى وصل‬
‫إلى ‪ 1000‬قتيل وأن ما يقارب ‪ 8000‬شخص أصبحوا محتجزين أو مفقودين منذ بداية االحتجاجات‪.‬‬
‫وقد استهدفت الحكومة المدافعين عن حقوق اإلنسان نظرا للدور المهم الذي يؤدونه في‬
‫الكشف عن انتهاكات حقوق اإلنسان ومعارضة التصرفات الوحشية التي يقوم بها النظام‬
‫السوري‪ .‬وقد احتجزت السلطات عددا من المدافعين عن حقوق اإلنسان‪ ،‬وثمة آخرين‬
‫مفقودين‪ ،‬إال أن بعضهم لجأ إلى االختباء وواصلوا عملهم بسبب خطورة الوضع وألهمية‬
‫اإلبالغ عن االنتهاكات التي تقوم بها الحكومة السورية‪.‬‬

‫وقد أصدرت مجموعة من منظمات حقوق اإلنسان السورية‪ 53‬بيانا مشتركا في ‪ 26‬أيار‪/‬مايو ‪2011‬‬
‫دعت فيه إلى اإلفراج عن جميع المدافعين عن حقوق اإلنسان الذين احتجزتهم الدولة‪ ،‬وأوردت‬
‫قائمة باسماء المعتقلين والمحتجزين والذين تعرضوا لمضايقات من النظام خالل األشهر‬
‫الماضية‪:‬‬
‫‪100‬‬
‫فخالل األشهر الماضية ‪،‬تعرض لالعتقال التعسفي عددا من نشطاء حقوق اإلنسان‪ ،‬في‬
‫مختلف المحافظات السورية‪ ،‬عرف منهم الزمالء التالية أسماؤهم‪:‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 16‬آذار لعام ‪ 2011‬تم اعتقال المفكر الطيب تيزيني عضو مجلس إدارة المنظمة‬
‫السورية لحقوق اإلنسان سواسية البالغ من العمر ‪ 77‬سنة‪ ....‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 3 / 22‬تم اعتقال األستاذ مازن درويش رئيس المركز السوري لحرية اإلعالم‬
‫والتعبير‪ ،‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 3 / 25‬تم اعتقال الدكتور عاصم قبطان عضو المنظمة العربية لحقوق‬
‫اإلنسان في سورية من أمام منزله الكائن في ساحة الشهبندر في دمشق‪ ...‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 3 / 27‬اعتقل المحامي والناشط الحقوقي حسين عيسى بعيد خروجه من‬
‫القصر العدلي في دمشق‪ ،‬عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سورية‪...‬‬
‫أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 3 / 27‬اعتقل المحامي والناشط الحقوقي تامر الجهماني‪ ،‬من نادي الصحافة‬
‫بدمشق عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سورية‪ ،‬أفرج عنه‪ ،‬وبتاريخ ‪4 / 29‬‬
‫‪ 2011 /‬تم اعتقاله من جديد في محافظة درعا‪.‬‬
‫ •في يوم الجمعة ‪ 2011 / 4 / 1‬تم اعتقال الزميل عبد الكريم ضعون عضو مجلس األمناء‬
‫في لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق اإلنسان في سورية (ل‪.‬د‪.‬ح)‪ ،‬من‬
‫ساحة مدينة السلمية ‪ -‬حماه ‪ -‬وسط سورية‪ ،‬حيث كان متواجدا لمراقبة أحداث التجمع‬
‫السلمي في ساحة المدينة‪ ،‬والذي تم تفريقه بالقوة من قبل السلطات السورية (األمن‬
‫والشرطة)‪ ،‬وقد تعرض الزميل ضعون للضرب بالعصي والهروات قبل اعتقاله تعسفي ًا‪...‬‬
‫أفرج عنه‪.‬‬
‫ •في‪ 2011 / 4 / 10‬تعرض لالعتقال التعسفي من أمام منزله الكائن في بلدة بسيمة (وادي‬
‫املرفق ‪ :2‬أوضاع حرجة في املنطقة العربية‬

‫بردى)‪ ،‬السيد احمد معتوق عضو مجلس إدارة الجمعية األهلية لمناهضة الصهيونية‪،‬‬
‫وعضو المنظمة العربية لحقوق اإلنسان في سورية‪ ،‬والقيادي في حزب االتحاد‬
‫االشتراكي العربي الديمقراطي‪...‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 4 / 16‬قام فرع فلسطين – األمن العسكري باستدعاء الناشط الحقوقي محمد‬
‫ضياء الدين دغمش‪ ،‬وتم اعتقاله‪ ..‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 4 / 17‬اعتقل فرع األمن السياسي في الحسكة الناشط الحقوقي الشاعر‬
‫إبراهيم بركات عضو مجلس أمناء ماف‪ ،‬وتمت إحالته إلى دمشق – فرع الفيحاء ووردت‬
‫أنباء صحافية عن تردي وضعه الصحي‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 4 / 22‬تم استدعاء الناشط الحقوقي عضو مجلس إدارة اللجنة الكردية الراصد‬
‫األستاذ جوان يوسف عدة مرات وال زال مطلوب ًا لالستدعاء‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 4 / 23‬أقدمت السلطات السورية (األمن الجوي) على االعتقال التعسفي‬
‫بحق الناشط الحقوقي المعروف الزميل دانيال سعود رئيس لجان الدفاع عن الحريات‬
‫الديمقراطية وحقوق اإلنسان في سورية‪ ،‬وعضو اللجنة التنفيذية في الشبكة األورو‪-‬‬
‫متوسطية لحقوق اإلنسان‪ ،‬وجاء اعتقاله على خلفية نشاطه الحقوقي في سورية‪...‬‬
‫أفرج عنه‪.‬‬
‫ •وبتاريخ ‪ 2011 / 4 / 26‬تم استدعاء الناشط الحقوقي إبراهيم زورو والعضو في لجان الدفاع‬
‫عن الحريات الديمقراطية وحقوق اإلنسان في سورية‪ ..‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 4 / 30‬تم توقيف السيد راسم السيد سليمان األتاسي عضو مجلس األمناء في‬
‫‪101‬‬
‫المنظمة العربية لحقوق اإلنسان ‪،‬وذلك عن طريق المحكمة العسكرية بعد أن فبركت‬
‫له إحدى الجهات األمنية تهمة زائفة ال يمكن لعاقل أن يصفها‪ ..‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪2011 / 4 / 28‬تم استدعاء الناشط السياسي والحقوقي الدكتور حازم النهار ألحد‬
‫الفروع األمنية والذي قام باعتقاله‪ ...‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •في مدينة القامشلي‪ -‬الحسكة بتاريخ ‪ 2011 / 4 / 30‬تم اعتقال الناشط الحقوقي األستاذ‬
‫عبد القادرالخزنوي – عضو مجلس منظمة حقوق اإلنسان في سورية – ماف‪ ...‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 5 / 1‬وفي مدينة الرقة‪ ،‬تم اعتقال المحامي عبد اهلل الخليل عضو مجلس اإلدارة‬
‫في جمعية حقوق اإلنسان في سورية‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 5 / 2‬تم استدعاء الناشط الحقوقي أحمد الحجي الخلف عضو في المنظمة‬
‫العربية لحقوق اإلنسان في سورية إلى إحدى الجهات األمنية‪ ،‬وتم توقيفه‪ ...‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 5 / 4‬وفي مدينة الالذقية‪ ،‬تم اعتقال األستاذ المحامي احمد بكور عضو‬
‫مجلس إدارة سابق في‪ ‬المنظمة العربية لحقوق اإلنسان في سورية‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 5 / 4‬تم اعتقال الصيدلي السيد وليد القاضي ” أبو خالد “وعمره ‪ 59‬عاما وهو‬
‫عضو نشيط في فرع الهالل األحمر العربي السوري في ريف دمشق‪ ...‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •في مدينة القامشلي –الحسكة تم اعتقال الناشط الحقوقي المهندس أكرم حسين‬
‫عضو اللجنة الكردية لحقوق اإلنسان‪ ..‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 5 / 8‬تم اعتقال الزميل عالء الدين بياسي عضو مجلس األمناء في لجان‬
‫الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق اإلنسان في سورية‪ ،‬وتم مصادرة كومبيوتره‬
‫الشخصي‪ ،‬من مدينة بانياس – طرطوس‪ ...‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 5 / 11‬تم اعتقال المحامي والناشط الحقوقي األستاذ ماجد كندو من مدينة‬
‫بانياس – طرطوس‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 5 / 13‬قامت األجهزة األمنية باعتقال المحامية والناشطة الحقوقية كاترين‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫جرجس التلى وذلك عن طريق اختطافها من الشارع في منطقة برزة بالقرب من دمشق‬
‫‪.،‬المحامية كاترين جرجس التلى تولد ‪ 1978‬تخرجت من كلية الحقوق ودخلت مهنة‬
‫المحاماة عام ‪ ،2007‬ونشطت في الدفاع عن حقوق اإلنسان والمرافعة عن معتقلي الرأي‬
‫أمام المحاكم السورية‪ ...‬أفرج عنه‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 5 / 14‬تم اعتقال الناشط في مجال المجتمع المدني األستاذ محمد نجاتي‬
‫طيارة – حمص‪ ،‬عضو جمعية حقوق اإلنسان في سورية‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 5 / 18‬تم اعتقال الناشط الحقوقي فيصل الغزاوي عضو المنظمة العربية‬
‫لحقوق اإلنسان في سورية‪ ،‬والقيادي في حزب االتحاد االشتراكي العربي الديمقراطي‪..‬‬
‫أفرج عنه‪.‬‬
‫ •وبتاريخ ‪ 2011 / 5 / 11‬قامت قوات األمن باعتقال وائل حمادة من مكتبه‪ ،‬وهو ناشط سياسي‬
‫متزوج من الناشطة الحقوقية المحامية رزان زيتونة(متوارية عن االنظار)‪ .‬وكانت قوات‬
‫األمن قد ذهبت إلى منزل الزوجين يوم ‪ 2011 / 4 / 30‬للبحث عنهما ولكنها حين لم تجدهما‪،‬‬
‫قامت باعتقال عبد الرحمن‪ ،‬الشقيق األصغر لحمادة والذي يبلغ من العمر ‪ 20‬سنة‪.‬‬
‫ •بتاريخ ‪ 2011 / 5 / 26‬تم اعتقال الدكتور محمد عناد سليمان من منطقة الكسوة‪-‬ريف‬
‫دمشق‪ ،‬وهو عضو في المنظمة العربية لحقوق اإلنسان في سورية‪.‬‬
‫ •وفي سياق أخر‪،‬تم تحريك الدعوى المسلكية من مجلس فرع نقابة المحامين في‬
‫حلب ‪،‬بحق الزميل المحامي األستاذ رديف مصطفى رئيس مجلس إدارة اللجنة الكردية‬
‫لحقوق اإلنسان في سورية ( الراصد )‪،‬وتم استجوابه على المخالفات المسلكية التالية‪:‬‬
‫التحريض على السلطة في سورية بجميع مقاالته‪ -‬ارتكاب العديد من الجرائم الجزائية‬ ‫‪102‬‬
‫الواقعة على أمن الدولة المنصوص عنها بقانون العقوبات العام‪ -‬إثارة مواضيع‬
‫تستهدف الوحدة الوطنية باستخدام مصطلحات وإشاعات وأقاويل كاذبة وبث أخبار‬
‫كاذبة للتحريض على الدولة في جميع مقاالته‪ .‬وبتاريخ ‪ 2011 / 4 / 3‬حيث تم إصدار القرار‬
‫التالي‪ :‬عدم مسؤوليته عن الجرائم المنسوبة اليه‪.‬واالكتفاء بعقوبة التنبيه فيما‬
‫يخص مخالفته للقوانين والتعاميم النقابية‪ ،‬يضاف إلى كل ذلك‪ ،‬فقد تعرض لعدة‬
‫استدعاءات أمنية منذ أوائل شهر آيار‪.‬‬
‫ •وفي سياق مماثل وبتاريخ ‪ 2011 / 5 / 16‬وفي مدينة دمشق‪-‬في أشرفية صحنايا‪،‬قامت دورية‬
‫أمنية باقتحام منزل الزميل محمد فتح اهلل النجار‪ -‬عضو مجلس ’األمناء في لجان الدفاع‬
‫عن الحريات الديمقراطية وحقوق اإلنسان‪ ،‬ورغم عدم وجوده بالمنزل فقد قامت الدورية‬
‫األمنية بمصادرة مكتبته‪.‬‬

‫يجب ممارسة ضغوط أكبر على الحكومة من أجل اإلفراج عن جميع المدافعين عن حقوق‬
‫اإلنسان الذين ال يزالون قيد االحتجاز أو مفقودينن كما يجب دفع الحكومة السورية إلى الوفاء‬
‫بالتزاماتها القانونية الحترام حقوق اإلنسان للذين يعملون على حمايتها وتعزيزها في سوريا‪.‬‬

‫‪1 1‬المنظمة العربية لحقوق اإلنسان في سورية‪ ،‬المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق اإلنسان والحريات العامة في‬
‫سورية ( ‪ ،) DAD‬المنظمة الوطنية لحقوق اإلنسان في سورية‪ ،‬اللجنة الكردية لحقوق اإلنسان في سوريا (الراصد)‪،‬‬
‫منظمة حقوق اإلنسان في سورية – ماف‪ ،‬لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق اإلنسان في سورية (ل‪.‬د‪.‬ح)‪.‬‬
‫‪ 2-2‬اليمن‪ :‬ملخص حول االنتهاكات المصاحبة لالحتجاجات منذ منتصف‬
‫املرفق ‪ :2‬أوضاع حرجة في املنطقة العربية‬

‫شباط‪/‬فبراير‬

‫ماجد المذحجي‬
‫مسؤول الشكاوي واإلعالم‪ ،‬منتدى الشقائق العربي لحقوق اإلنسان‬
‫صنعاء‪ 16 ،‬أيار‪/‬مايو ‪2011‬‬

‫شهد اليمن منذ ‪ 16‬شباط‪/‬فبراير احتجاجات واسعة في ‪ 17‬محافظة‪ ،‬وتبلورت الحقا في شكل‬
‫اعتصامات مفتوحة ومسيرات سلمية في المدن واألرياف‪ ،‬ورفعت مطلب رحيل الرئيس علي‬
‫عبداهلل صالح عن السلطة‪ ،‬وقد جوبهت هذه األشكال االحتجاجية بحملة قمع واسعة رافقتها‬
‫أعمال قتل ممنهجة وغير مبرره تجاه المحتجين‪ ،‬مما أوقع الكثير من القتلى في صفوفهم‬
‫إضافة إلى إصابة المئات بالرصاص الحي واآلالف باالختناقات نتيجة االستخدام الكثيف للغاز‬
‫المسيل للدموع‪ .‬وقد كان الطرف القائم بهذه االنتهاكات هو األجهزة األمنية وعلى رأسها‬
‫جهاز األمن المركزي والحرس الجمهوري (وحدة من الجيش)‪ ،‬وعناصر األمن العام‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى مدنيين مسلحين من مؤيدي الرئيس علي عبداهلل صالح قاموا بشن هجمات دامية على‬
‫المحتجين بينما وقفت قوات األمن متفرجة‪ .‬عالوة على ذلك تعرض العديد من المحتجين‬
‫لعمليات اعتقال تعسفي واختفاء قسري وتعذيب ومعاملة مهينة وحاطة بالكرامة اإلنسانية‪.‬‬
‫كما تعرضت حرية الرأي والتعبير النتهاكات واسعة تمثلت بمصادرة الصحف المستقلة‬
‫والحزبية المعارضة وحجب المواقع اإللكترونية وإغالق مكتب قناة ‘الجزيرة’‪ ،‬وتعرض صحفيون‬
‫‪103‬‬
‫ومصورون ومراسلون لوكاالت األنباء والمحطات الفضائية العتداءات مختلفه وصلت إلى‬
‫القتل في بعض الحاالت‪ ،‬إضافة إلى طرد عدد من الصحفيين األجانب الوافدين من خارج البالد‬
‫لتغطة األحداث‪.‬‬

‫الحق في الحياة‬

‫استخدمت قوات األمن ووحدات من الجيش القوة المميته تجاه المحتجين السلميين في‬
‫مختلف المحافظات اليمنية طوال األشهر الثالثة الماضية من عمر االحتجاجات‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫مقتل ما ال يقل عن ‪ 145‬متظاهراً‪ ،‬بينهم ‪ 18‬طفال وامرأة واحدة‪ .‬ووثقت المنظمات الحقوقية أن‬
‫معظم أعمال القتل ارتكبتها قوات األمن المركزي (يقودها ابن شقيق الرئيس اليمني) وقوات‬
‫الحرس الجمهوري (وحدة من الجيش يقودها النجل األكبر للرئيس اليمني) وقوات الشرطة‬
‫العسكرية‪ ،‬إضافة إلى قوات األمن العام وعناصر مدنية مسلحة قامت بعدة هجمات دامية‬
‫على المحتجين تحت نظر قوات األمن وحمايتها‪،.‬‬

‫وشهد يوم الجمعة ‪ 18‬آذار‪/‬مارس سقوط أكبر عدد من القتلى في يوم واحد حيث سقط ما‬
‫اليقل ‪ 45‬قتيال في هجوم شنه مسلحون مدنيون تحت حماية قوات األمن المركزي‪ ،‬وقد حدثت‬
‫الواقعه بعد إنهاء عشرات اآلالف من المحتجين تأديتهم صالة الجمعة في ساحة االعتصام‬
‫الدائمة في صنعاء‪ .‬وبدأت الواقعة بإحراق كثيف إلطارات السيارات باشر بعدها المسلحون‬
‫إطالق النار بشكل كثيف على مؤخرة ساحة االعتصام من على سطح منزل أحد القيادات‬
‫األمنية البارزه (رئيس قسم التحريات في إدارة البحث الجنائي بالعاصمة) ومنزل محافظ‬
‫محافظة المحويت‪ ،‬ومنزل سفير اليمن في السعودية‪.‬‬
‫وشهدت العاصمة صنعاء أعلى مستوى من عمليات القتل منذ بدء االحتجاجات في منتصف‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫شباط‪/‬فبراير‪ ،‬حيث وصل عدد القتلى فيها منذ بدء االحتجاجات إلى ما ال يقل عن ‪ 80‬قتيال‪ ،‬تلتها‬
‫عدن بـ ‪ 26‬قتيال‪ ،‬وتعز بـ ‪ 23‬قتيال‪ ،‬والحديدة ‪ 5‬قتلى‪ ،‬وإب ‪ 4‬قتلى‪ ،‬وعمران قتيلين‪ ،‬والجوف قتيلين‪،‬‬
‫والبيضاء قتيلين‪ ،‬وحضرموت قتيل واحد‪.‬‬

‫االعتقال التعسفي واالختفاء القسري والتعذيب‬

‫تعرض العديد من المحتجيين السلميين لعمليات اعتقال تعسفي من قبل القوات األمنية‬
‫أثناء مشاركتهم في االعتصامات والمسيرات‪ ،‬وتم احتجازهم لفترات متراوحة ثم أفرج عنهم‬
‫الحقا دون توجيه أية تهم ودون إحالة أي منهم للقضاء‪ ،‬خصوصا من تجاوزت فترة احتجازه‬
‫المدة القانونية‪ ،‬حيث تعرض بعضهم خاللها ألشكال متعدده من التعذيب وضروب المعاملة‬
‫القاسية والمهينة والحاطة بالكرامة االنسانية‪ ،‬كما حدث في حالة محمد بجاش الشرعبي‬
‫الذي تم اعتقاله وتعرض للتعذيب البدني والحرمان من النوم في معسكر تابع لألمن المركزي‬
‫الذي يقوده ابن شقيق الرئيس علي عبداهلل صالح‪ ،‬إضافة إلى حاالت أخرى متعدده‪.‬‬

‫وتعرض السياسي اليمني المعروف والقيادي البارز في الحراك الجنوبي حسن باعوم ونجله‬
‫فواز الختفاء قسري منذ يوم ‪ 20‬شباط‪/‬فبراير‪ ،‬إضافة الختفاء قسري لثمانية آخريين من نشطاء‬
‫الحراك الجنوبي منذ يوم ‪ 26‬شباط‪/‬فبراير‪ .‬وكان باعوم البالغ من العمر ‪ 76‬عام ًا قد اقتيد من‬
‫مستشفى النقيب في عدن حيث كان يخضع للعالج بسب إصابته بمرض السكري ومرض في‬
‫القلب‪ ،‬وما زالت جهة احتجازه غير معلومة‪.‬‬ ‫‪104‬‬

‫حرية الرأي والتعبير‬

‫متعددة منذ بدء االحتجاجات التي تطالب برحيل‬ ‫ّ‬ ‫تعرضت حرية الرأي والتعبير النتهاكات‬
‫الرئيس اليمني‪ ،‬وطالت وسائل إعالم وصحفيين ومصوريين ومراسلي وكاالت األنباء الخارجية‬
‫متعددة‪ ،‬وقتل الصحفي جمال‬ ‫ّ‬ ‫والمحطات الفضائية‪ ،‬حيث تعرضوا لمضايقات واعتداءات‬
‫الشرعبي يوم ‪ 18‬آذار‪/‬مارس أثناء تغطيته لالحتجاجات‪ ،‬كما تعرضت قناة ‘الجزيرة’ للنصيب‬
‫األكبر من المضايقات‪ ،‬إذ طرد اثنان من مراسليها ليعقب ذلك اقتحام مكتبها من قبل مسلحين‬
‫تحت أنظار الشرطة‪ ،‬وقد تم نهب بعض محتويات المكتب‪ ،‬ووصل األمر إلى إغالق المكتب‬
‫بقرار رسمي من السلطات وسحب تراخيص مراسليها‪ .‬وكل ذلك على خلفية تغطيتها‬
‫لالحتجاجات في اليمن‪ .‬كما تعرضت العديد من الصحف المستقلة والحزبية المعارضة‬
‫للمصادرة من قبل القوات األمنية وعناصر من الجيش على مداخل المدن اليمنية‪ ،‬وتزامنت‬
‫وقائع هذه المصادرات مع بدء حركة االحتجاجات لتتصاعد وتيرة المصادرة مع التغطية الواسعة‬
‫ألحداث االعتصامات والمسيرات‪ ،‬حيث صودرت كل من صحف ‘الشارع’ و ‘األولى’ و ‘الشاهد’‬
‫و ‘اليقين’ و ‘المصدر’ و ‘األهالي’ و ‘الناس’ و ‘التجمع’ و ‘النداء’ في وقائع متفرقة ومتكرّرة‪.‬‬

‫كما قامت السلطات بحجب عدد من المواقع اإلخبارية اإللكترونية على خلفية تغطيتها‬
‫لالحتجاجات‪ ،‬وتم بشكل رئيسي حجب موقع ‘المصدر أونالين’ اإلخباري المستقل‪ ،‬وموقع‬
‫‘مأرب برس’ اإلخباري المستقل‪ ،‬كما حجبت مدونة ‘ارحل’ المهتمة بتوثيق االحتجاجات‬
‫السلمية في اليمن‪.‬‬
‫وتعرضت الصحفية توكل كرمان والصحفي محمد سعيد الشرعبي لالعتقال التعسفي‬
‫املرفق ‪ :2‬أوضاع حرجة في املنطقة العربية‬

‫يوم ‪ 22‬كانون الثاني‪/‬يناير في بداية حركة االحتجاجات‪ ،‬وظال رهن االحتجاز لمدة يومين‪ .‬كما‬
‫تعرض الصحفي عبدالسالم جابر لالعتقال واالختفاء القسري يوم ‪ 12‬آذار‪/‬مارس لمدة يومين‪،‬‬
‫وتم احتجاز الصحفي عبدالعزيز المجيدي لساعات من قبل نقطة عسكرية تابعة للحرس‬
‫الجمهوري يوم ‪ 25‬نيسان‪/‬إبريل‪ ،‬وتم اعتقال الصحفي عبدالحافظ معجب لمدة يوم من قبل‬
‫نقطه أمنية على مداخل مدينة الحديدة يوم ‪ 6‬أيار‪/‬مايو‪.‬‬

‫وتعرض عدد من المراسلين والصحفين العتداءات وحشية بالضرب المبرح أثناء قيامهم‬
‫بتغطية المظاهرات واالعتصامات السلمية المناهضة للرئيس‪ ،‬وذلك على يد قوات األمن‬
‫ومسلحين مؤيدين للرئيس‪ ،‬حيث تعرض ما ال يقل عن ‪ 35‬من الصحفيين الدوليين واليمنيين‬
‫للضرب والمضايقة سعي ًا لمنعهم من تغطية االحتجاجات‪ .‬وكان الصحفيون الذين تعرضوا‬
‫لالعتداء من قناتي ‘العربية’ و ‘الجزيرة’ الفضائيتين وجريدة ‘القدس العربي’ وصحيفة ‘غارديان’‬
‫متعددة بما في ذلك محطة ‘بي بي سي’ و ‘اسوشيتيد برس’ و ‘رويترز’‬ ‫ّ‬ ‫البريطانية ووكاالت‬
‫ووكالة ‘فرانس برس’ باإلضافة إلى عدد من الصحفيين المستقلين‪ .‬ومن هذه االعتداءات أيضا‬
‫ما تعرضت له الصحفية سامية األغبري والصحفي محي الدين جرمه والصحفي عبداهلل غراب‬
‫والصحفي حمود منصر والمصور فؤاد الخضر والمصور سمير النمري من اعتداءات بالضرب‬
‫أثناء تغطيتهم لالحتجاجات السلمية‪.‬‬

‫وتلقى عدد كبير من الصحفيين تهديدات مباشرة عبر الهاتف بأنهم سيتعرضون للقتل‬
‫‪105‬‬
‫واالعتقال‪ ،‬وذلك بهدف ثنيهم عن التغطية الصحفية لألحداث‪ ،‬ومن بينهم أحمد الشلفي‬
‫وفيصل الصفواني وآخرون‪.‬‬

‫الحق في التجمع السلمي‬

‫مارست السلطات األمنية اعتداءات واسعة على االعتصامات والتجمعات السلمية التي‬
‫نظمها المحتجون السلميون في مختلف المحافظات بغرض فضها‪ ،‬حيث استخدمت القوة‬
‫تجاه ما ال يقل عن ‪ 60‬مسيرة واعتصاما في ‪ 17‬محافظة يمنية خالل ثالثة أشهر‪ ،‬وأودت هذه‬
‫الهجمات الدامية على المسيرات واالعتصامات بحياة عشرات المحتجيين السلميين‪.‬‬

‫االعتداء على الطواقم الطبية‬

‫تعرضت سيارات اإلسعاف والطواقم الطبية لعدد من االعتداءات والمضايقات من قبل‬


‫القوات األمنية والمدنيين المسلحين تحت نظر أفراد األمن‪ ،‬حيث تم تحطيم ما ال يقل عن ‪3‬‬
‫سيارات إسعاف‪ ،‬أحدها تابعة لجمعية الصليب األحمر الدولية‪ ،‬واثنتان تابعتان للمستشفى‬
‫الميداني في ساحة االعتصام الرئيسية في صنعاء‪ ،‬كما تم اختطاف ‪ 3‬سيارات إسعاف تابعة‬
‫للمستشفى الميداني في صنعاء‪.‬‬

‫كما تم توثيق ما ال يقل عن ‪ 12‬حالة جرى فيها منع الطواقم الطبية من الوصول إلى الجرحى‬
‫أثناء المسيرات في صنعاء لوحدها‪ ،‬كما قامت قوات األمن المركزي باختطاف أربع طبيبات‬
‫أثناء قيامهن باإلسعافات األولية لعدد من الجرحي خالل مظاهرة جرت في يوم ‪ 19‬نيسان‪/‬إبريل‬
‫في صنعاء‪ ،‬وتم الحق ًا إطالق سراحهن بعد أن وجه المحتجون تهديدات بأنهم سيزحفون إلى‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫قصر الرئيس اليمني‪.‬‬

‫وتلقى العديد من األطباء تهديدات ومضايقات من قبل أجهزة األمن بسبب مشاركتهم‬
‫في المستشفيات الميدانية التي أنشئت لمعالجة جرحى االحتجاجات في مختلف ساحات‬
‫االعتصامات في المحافظات اليمنية‪.‬‬

‫التهديدات والمضايقات بحق المدافعين عن حقوق اإلنسان‬

‫تلقى عدد من النشطاء والمدافعين عن حقوق اإلنسان في اليمن تهديدات متعددة وصلت‬
‫إلى حد التهديد بالقتل وإيذاء أسرهم على خلفية نشاطاتهم في مناهضة انتهاكات حقوق‬
‫اإلنسان ورصدها أثناء االحتجاجات السلمية على مدى األشهر الثالثة الماضية‪ ،‬حيث وردت‬
‫تهديدات عبر الهاتف إلى كل من أمل الباشا وياسمين الصبري وعبدالرشيد الفقية وغازي‬
‫السامعي وسامية األغبري وماجد المذحجي‪.‬‬

‫التهديدات والمضايقات بحق السياسين ونشطاء االحتجاجات‬

‫تلقى عدد من السياسين ونشطاء االحتجاجات الميدانية المناهضة للرئيس اليمني تهديدات‬
‫ومضايقات مختلفه وصلت إلى حد التهديد بالقتل وإيذاء عائالتهم على خلفية االحتجاجات‬
‫السلمية‪ ،‬حيث تعرض لذلك محمد سالم باسندوه رئيس لجنة الحوار الوطني (أحد أهم‬ ‫‪106‬‬
‫المكونات السياسية المعارضة)‪ ،‬وسلطان السامعي‪ ،‬وعبدالكريم الخيواني‪ ،‬وتوكل‬
‫كرمان‪ ،‬وخالد األنسي‪ ،‬وبشرى المقطري‪ ،‬وعبدالحميد شكري‪ ،‬وأحمد الربيزي‪ ،‬ومحمد الصبري‪،‬‬
‫وعيدروس النقيب‪ ،‬ومحمد غالب أحمد‪ ،‬ومحمد الحميري‪ ،‬وآخرون‪.‬‬

‫صيف خانق على المتظاهرين‬


‫ٍ‬ ‫‪ 3-2‬البحرين‪ :‬ربيع العرب يتحول إلى‬

‫مريم الخواجة‪ ،‬رئيسة مكتب العالقات الخارجية في مركز البحرين لحقوق اإلنسان‬
‫المنامة‪ 30 ،‬أيار‪/‬مايو ‪2011‬‬

‫‪63‬‬
‫نداء لالحتجاج للمطالبة باإلصالح ودستور جديد بتاريخ ‪ 14‬شباط‪/‬فبراير‪.‬‬
‫ً‬ ‫أطلق شباب البحرين‬
‫وكل من مصر وتونس وسوريا واليمن هو أن الشعوب في تلك‬ ‫ٍ‬ ‫إن الفرق بين البحرين‬
‫البلدان تواجه حكوماتها وحسب عندما تطالب باإلصالح‪ ،‬بينما يضطر المحتجون المؤيدون‬
‫للديمقراطية في البحرين لمواجهة ممالك الخليج ك ِّلها‪ .‬ورغم أن المحتجين مسالمون وع َّزل‪،‬‬
‫شخصا‬
‫ً‬ ‫قوة مفرطة ال داعي لها‪ ،‬وتسببت في مقتل ‪31‬‬ ‫ً‬ ‫فإن قوات األمن والجيش استخدمت‬
‫وجرح كثيرين آخرين‪ 73.‬ومنذ وقوع الهجوم الثاني على دوار اللؤلؤة بُعيد نشر قوات درع الجزيرة‬
‫(قوات دول مجلس التعاون الخليجي) في منتصف شهر آذار‪/‬مارس‪ 83،‬لم تنقطع انتهاكات‬
‫‪93‬‬
‫حقوق اإلنسان بل استمرت حتى غدا الوضع اآلن بمثابة أزمة إنسانية‪.‬‬
‫ونظ ًرا الرتباط المملكة العربية السعودية والبحرين ومجلس التعاون الخليجي بعالقات مع‬
‫املرفق ‪ :2‬أوضاع حرجة في املنطقة العربية‬

‫الحكومات الغربية‪ ،‬فقد ندرت األصوات المؤثرة الناقدة لما يحدث من انتهاكات في البحرين‪،‬‬
‫وال سيما أصوات حلفاء الملوك المقربين‪ :‬الواليات المتحدة والمملكة المتحدة‪ .‬بل حدا األمر‬
‫بوزيرة الخارجية األمريكية هيالري كلنتون أن تقول إن للبحرين حق سيادي في دعوة القوات‬
‫‪04‬‬
‫لكي تدخلها‪ ،‬رغم االتفاق المبرم بين هذه البلدان والذي ينص على خالف ذلك‪.‬‬

‫وبلغة األرقام‪ ،‬اع ُتقل أكثر من ‪ 1,000‬شخص (من سكان البحرين البالغ عددهم نحو نصف مليون‬
‫نسمة) من بينهم أكثر من ‪ 140‬امرأة وربعهم من األطفال‪ 14.‬وقد وردت تقارير كثيرة تفيد باستخدام‬
‫التعذيب والمعاملة السيئة داخل مراكز االحتجاز‪ .‬وإلى اآلن‪ ،‬لقي أربعة أشخاص حتفهم بسبب‬
‫التعذيب‪ 24.‬كما اختفى بعض المحتجزين بُعيد اعتقالهم‪ 34‬وال يزال البعض مفقودا بعد مرور‬
‫أكثر من شهرين على اعتقالهم بواسطة قوات األمن‪ ،‬في حين م ََثل البعض أمام محاكم‬
‫عسكرية على وجه السرعة‪ 44.‬وتتراوح التهم في العادة بين التجمع غير المشروع (لكي يجتمع‬
‫أكثر من خمسة أشخاص‪ ،‬فإنه يتعين عليهم الحصول على تصريح من وزارة الداخلية)‪ ،‬وهو‬
‫ما شوه صورة البحرين في الخارج‪ ،‬وبين التحريض على كراهية النظام‪ 54.‬وتنطوي االعتقاالت‬
‫على غارات ليلية يقوم فيها رجال ملثمون يرتدون مالبس مدنية وزي شرطة مكافحة الشغب‬
‫باقتحام البيوت بين الساعة الواحدة والرابعة صباحً ا‪ ،‬ف ُير ِّوعون مَن في البيت ويعتقلون‬
‫أفرادا معينين من األسرة‪ .‬وفي جميع غارات االعتقال تقريبا‪ ،‬ال يتم إبراز مذكرات اعتقال‪ ،‬في‬‫ً‬
‫حين يتعرض الناس للضرب‪ ،‬والبيوت للتخريب‪ ،‬والنساء للتحرش الجنسي‪ ،‬والممتلكات‬
‫للمصادرة‪ 64.‬وكل األشخاص مستهدفون حيث اشتملت االعتقاالت‪ ،‬على سبيل المثال ال‬
‫‪107‬‬
‫الحصر‪ ،‬على مدرسين‪ ،‬وأساتذة جامعات‪ ،‬وطلبة‪ ،‬وأطباء‪ ،‬وممرضين‪ ،‬ومحامين‪ ،‬وبرلمانيين‬
‫مستقيلين‪ ،‬والعبي كرة قدم محترفين‪ ،‬ومدافعين عن حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫تصف امرأ ٌة الوضعَ فتقول‪:‬‬


‫ُ‬ ‫وفي هذا الصدد‪،‬‬
‫«أشعر أن الوضع في الشارع أسوأ من الوضع داخل السجون أحيانا‪ .‬فال وجود للسالمة‪ .‬وال‬
‫أبدا متى سوف يجيئون (قوات األمن) إلى منزلك‪ ،‬ومتى سوف‬ ‫أحد في مأمن‪ .‬فأنت ال تعرف ً‬
‫يتحرشون بأمك أو أختك أو ابنتك‪ .‬أنت ال تدري متى سوف يصبح أخوك أو أبوك أو ابنك في عداد‬
‫المفقودين أو يتعرض للضرب واإلهانة‪ .‬إنهم لصوص‪ ،‬وعندما يدخلون إلى البيوت‪ ،‬فإنهم‬
‫يسرقون أشياء منها‪ .‬وعندما يوقفونك عند نقاط التفيتش‪ ،‬فإنهم قد يأخذوا مالك‪ .‬إننا نعيش‬
‫في حالة ذعر يومي وال أحد يتحدث عن ذلك‪ .‬ليس هناك أسوأ من العيش في خوف مستمر‪.‬‬
‫ال أحد في مأمن منهم (قوات األمن)‪ .‬كل اآلخرين يقفون في وجه حكوماتهم‪ ،‬إال نحن يتعين‬
‫علينا أن نجابه خمس ممالك – أربعة منها أرسلت قوات للمساعدة في انتهاك حريتنا‪ .‬لقد‬
‫طردوا أكثر من ‪ 2000‬شخص‪ 74‬من وظائفهم وسرعان ما سينفد المال لدى الناس لدرجة أنهم‬
‫لن يعودوا قادرين على إطعام أسرهم أو سداد قروضهم‪ .‬وهم اآلن بصدد توظيف أناس من‬
‫بلدان أخرى ليتولوا وظائف أولئك الذين تم طردهم‪ .‬فلماذا ال يستجيب أحد لألزمة اإلنسانية‬
‫القائمة في البحرين؟ وماذا ينتظرون؟»‬

‫(لقد تضرر نحو ‪ 9000‬شخص في البحرين‪ ،‬بحسب إحصاءات مركز البحرين لحقوق اإلنسان‪ ،‬من‬
‫طردوا من وظائفهم هم المعيلون‬ ‫جراء حاالت التسريح عن العمل‪ ،‬فالكثير من أولئك الذي ُ‬
‫‪84‬‬
‫ألسرهم‪).‬‬
‫هنالك الكثيرون من الجرحى الذين يتلقون العالج في بيوتهم ألنهم يخشون الذهاب إلى‬

2011 | ‫ سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني‬:‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‬


‫ لقد تعرض أكثر من خمسين مسجد‬94.‫المستشفيات بعد أن أصبحت تحت سيطرة الجيش‬
‫ كما تعرضت المحال‬.‫ في حين تعرضت المئات إما لدمار ٍ جزئي أو للتخريب‬،‫شيعي للهدم‬
05
.‫الشيعية لالعتداء والتخريب‬

‫نداء عاج ًلا للمراقبين الدوليين إذ يشرعون في القيام‬


ً ‫فبراير‬/‫ شباط‬14 ‫لقد أطلق تحالف شباب‬
‫ ولسوء‬.‫يونيو وهو التاريخ المقرر لرفع حالة األمن الوطني‬/‫ حزيران‬1 ‫باحتجاجات جماهيرية في‬
‫ واتساع حملة‬،‫ وبفعل استمرار الوجود غير المشروع لقوات مجلس التعاون الخليجي‬،‫الحظ‬
‫ وصمت‬،‫ واستمرار التعذيب والمحاكمات العسكرية‬،‫التضييق التمييزية ضد المدنيين‬
‫صيف حارق وخانق بالنسبة‬
ٍ ‫ فإن الربيع العربي يبدو وأنه سينقلب إلى‬،‫الحكومات الغربية‬
.‫للمحتجين المؤيدين للديمقراطية بالبحرين‬

html.201138153916892448/03/2011/http://english.aljazeera.net/programmes/peopleandpower 1 1
-99%80%http://amnesty.org/en/news-and-updates/report/evidence-bahraini-security-forces%E22 2
16-03-2011-brutality-revealed
،17bahrain.html/world/middleeast/17/02/2011/http://www.nytimes.com :‫فبراير‬/‫ شباط‬17 ‫الهجوم بتاريخ‬3 3
7P9ybW96RRo=http://www.youtube.com/watch?v :‫ولمشاهدته بالفيديو‬
html.177626/http://www.presstv.ir/detail4 4
/20032011-http://www.eurasiareview.com/clinton-renews-us-commitment-to-gcc-security5 5
3862/http://bahrainrights.hopto.org/en/node6 6
bahrain-suspicious-deaths-custody/13/04/2011/http://www.hrw.org/en/news7 7
bahrain-new-arrests-target-doctors-rights-activists/20/03/2011/http://www.hrw.org/en/news8 8
bahrain-new-arrests-target-doctors-rights-activists/20/03/2011/http://www.hrw.org/en/news9 9 108
4082/http://bahrainrights.hopto.org/en/node1 10
14852/http://www.frontlinedefenders.org/node1 11
/global-union-movement-calls-for-end-to-repression-in-bahrain/21/04/2011/http://blog.aflcio.org1 12
html.2011514104251715508/05/2011/http://english.aljazeera.net/news/middleeast
3879/http://bahrainrights.hopto.org/en/node1 13
/emergency-report-decries-bahrain-human-rights-abuses/22/04/2011/http://bahrain.phrblog.org1 14
html.2011513112016389348/05/2011/http://english.aljazeera.net/video/middleeast
‫المرفق ‪ :3‬قائمة المشاركين في الندوة‬
‫املرفق ‪ :3‬قائمة املشاركني في الندوة‬

‫البلد‬ ‫المهنة‬ ‫االسم‬ ‫الرقم‬


‫الجزائر‬ ‫مصطفى بوشاشي رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق اإلنسان‬ ‫‪1‬‬
‫الجزائر‬ ‫محاضر‪ ،‬وموفد وزاري سابق لمنظمة التجارة‬ ‫إسماعيل غوميزين‬ ‫‪2‬‬
‫الجزائر‬ ‫محامي ومدافع عن حقوق اإلنسان‬ ‫أمين سيدهم‬ ‫‪3‬‬
‫الجزائر‪/‬‬
‫بروفيسور‪ ،‬العميد السابق لكلية الحقوق‬ ‫مجيد بن شيخ‬ ‫‪4‬‬
‫فرنسا‬
‫الجزائر‪/‬‬
‫تجمع عائالت المختفين في الجزائر‬ ‫نصيرة دوتور‬ ‫‪5‬‬
‫فرنسا‬
‫بلجيكا‬ ‫وحدة حقوق اإلنسان – المفوضية األوروبية‬ ‫إليسو كابيالني‬ ‫‪6‬‬
‫منسقة االتحاد األوروبي ‪ /‬الشبكة األورو‪-‬‬
‫بلجيكا‬ ‫إميلي درومزي‬ ‫‪7‬‬
‫متوسطية لحقوق اإلنسان‬
‫مكتب المشرق – وحدة حقوق اإلنسان –‬
‫بلجيكا‬ ‫آن كويستنين‬ ‫‪8‬‬
‫المفوضية األوروبية‬
‫محللة سياسات‪ ،‬مديرية العالقات الخارجية في‬
‫بلجيكا‬ ‫جاكلين هيل‬ ‫‪9‬‬
‫االتحاد األوروبي‪ ،‬معهد المجتمع المفتوح‬
‫اإلدارة المركزية المعنية بالميزانية في إطار‬
‫بلجيكا‬ ‫باتريس لينورمان‬ ‫‪10‬‬
‫المبادرة األوروبية لحقوق اإلنسان‬
‫اإلدارة المركزية المعنية بالميزانية في إطار‬ ‫كريستينا مارتينيز‪-‬‬
‫بلجيكا‬ ‫‪11‬‬
‫المبادرة األوروبية لحقوق اإلنسان‬ ‫أوريغون‬
‫حزب الخضر‪ /‬مستشارة في مجال حقوق‬
‫بلجيكا‬ ‫ميشيل ريو‬ ‫‪12‬‬
‫اإلنسان‪ /‬البرلمان األوروبي‬
‫‪109‬‬ ‫مكتب المغرب – وحدة حقوق اإلنسان –‬
‫بلجيكا‬ ‫شادي سيدهم‬ ‫‪13‬‬
‫المفوضية األوروبية‬
‫بلجيكا‬ ‫رئيس جمعية نشاطات متوسطية‬ ‫سيمون سوسكند‬ ‫‪14‬‬
‫رئيس الجمعية المصرية لتحسين المشاركة‬
‫مصر‬ ‫مجدي عبد الحميد‬ ‫‪15‬‬
‫المجتمعية‬
‫مصر‬ ‫رئيس مؤسسة آنا ليند للحوار بيث الثقافات‬ ‫آندرو كاليت‬ ‫‪16‬‬
‫مصر‬ ‫ناشط سياسي – ائتالف شباب الثورة المصرية‬ ‫زياد الالمي‬ ‫‪17‬‬
‫محلل سياسي ورئيس منتدى البديل للدراسات‬
‫مصر‬ ‫عمرو الشوبكي‬ ‫‪18‬‬
‫السياسية‬
‫مصر‬ ‫ناشطة سياسية – ائتالف شباب الثورة المصرية‬ ‫سالي مور‬ ‫‪19‬‬
‫مساعدة مدير مؤسسة آنا ليند للحوار بين‬
‫مصر‬ ‫شيرين مراد‬ ‫‪20‬‬
‫الثقافات‬
‫ناشط سياسي – ائتالف شباب الثورة المصرية‬
‫مصر‬ ‫– وباحث في مركز القاهرة لدراسات حقوق‬ ‫عمرو صالح‬ ‫‪21‬‬
‫اإلنسان‬
‫مساعدة مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق‬
‫مصر‬ ‫سالي سامي‬ ‫‪22‬‬
‫اإلنسان‬
‫فرنسا‪/‬‬
‫األمين العام لجمعية جنريك )‪(Génériques‬‬ ‫فاروق بلخضير‬ ‫‪23‬‬
‫الجزائر‬
‫نائب رئيس جمعية عائالت المختفين في الجزائر فرنسا‬ ‫نجمة بنعزيز‬ ‫‪24‬‬
‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫مستشارة للرئيس‪ ،‬مسؤولة عن المنطقة‬
‫فرنسا‬ ‫المتوسطية والشرق األوسط في مؤسسة‬ ‫آلين شانيل‬ ‫‪25‬‬
‫جين‪-‬جوريه‬
‫المديرية الفرعية لحقوق اإلنسان والشؤون‬
‫فرنسا‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وزارة الخارجية والشؤون األوروبية‪،‬‬ ‫جين لوك ديلفير‬ ‫‪26‬‬
‫فرنسا‬
‫المديرية المعنية بأوضاع القانون والحريات‬
‫فرنسا‬ ‫وإعادة اإلعمار – بعثة الحكم الديمقراطي‪ ،‬وزارة‬ ‫شارلوت دينيس‬ ‫‪27‬‬
‫الخارجية والشؤون األوروبية‪ ،‬فرنسا‬
‫بروفيسور باحث في المركز الوطني الفرنسي‬
‫فرنسا‬ ‫إيبرهارد كينيل‬ ‫‪28‬‬
‫للبحث العلمي‬
‫ألمانيا‬ ‫مستشار‪ /‬متخصص في العلوم السياسية‬ ‫مايكل لودرز‬ ‫‪29‬‬
‫العراق‬ ‫محلل سياسي‬ ‫صالح نصراوي‬ ‫‪30‬‬
‫محامي وباحث‪ /‬المنظمة اللبنانية لحقوق‬
‫لبنان‬ ‫نزار صاغية‬ ‫‪31‬‬
‫اإلنسان والحريات الشخصية‬
‫باحث متخصص في علم اإلنسان‪ ،‬ومدير مجلة‬
‫المغرب‬ ‫محمد جنجار‬ ‫‪32‬‬
‫‘برولوغوس ريفيو’ العلمية‬
‫متخصص بالعلوم السياسية‪ ،‬ومستشار‪،‬‬
‫المغرب‬ ‫محمد توزي‬ ‫‪33‬‬
‫ومختص في الحركات اإلسالمية المغربية‬
‫المغرب‪/‬‬ ‫مستشار قانوني – المفوضية الدولية‬
‫سعيد بنعربية‬ ‫‪34‬‬
‫سويسرا‬ ‫للحقوقيين‬
‫تونس‬ ‫كاتب ومفكر إسالمي‬ ‫عبد المجيد شرفي‬ ‫‪35‬‬
‫تونس‪/‬‬ ‫‪110‬‬
‫األمينة العامة للفدرالية الدولية لحقوق اإلنسان‬ ‫خديجة شريف‬ ‫‪36‬‬
‫فرنسا‬
‫تونس‪/‬‬ ‫مدير مجموعة األبحاث المعنية بالمنطقة‬
‫شريف فرجاني‬ ‫‪37‬‬
‫فرنسا‬ ‫المتوسطية والشرق األوسط )‪(GREMMO‬‬
‫السعودية‪/‬‬ ‫عضوة مجلس أمناء الصندوق العربي لحقوق‬
‫فاطمة المناع‬ ‫‪38‬‬
‫األردن‬ ‫اإلنسان‬
‫كاتب‪ /‬ناشط سياسي‪ /‬عضو المجلس البلدي‬
‫السعودية‬ ‫جعفر الشايب‬ ‫‪39‬‬
‫في القطيف في شرق السعودية‬
‫إسبانيا‪/‬‬ ‫باحث متقدم في مؤسسة العالقات الدولية‬
‫باراه ميكايل‬ ‫‪40‬‬
‫فرنسا‬ ‫والحوار الخارجي‬
‫السودان‬ ‫مركز الخاتم عدالن لالستنارة والتنمية البشرية‬ ‫البكر العفيف مختار‬ ‫‪41‬‬
‫السودان‬ ‫خبير ومستشار في مجال حقوق اإلنسان‬ ‫مجدي النعيم‬ ‫‪42‬‬
‫السويد‪/‬‬ ‫برنامج الحكم الديمقراطي وحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫حسن حسين‬ ‫‪43‬‬
‫مصر‬ ‫الوكالة السويدية للتعاون اإلنمائي الدولي‬
‫سوريا‪/‬فرنسا‬ ‫المديرة التنفيذية‪ ،‬مبادرة اإلصالح العربي‬ ‫بسمة قضماني‬ ‫‪44‬‬
‫مركز دمشق لدراسات حقوق اإلنسان‪ /‬المركز‬
‫سوريا‬ ‫رضوان زيادة‬ ‫‪45‬‬
‫السوري للدراسات السياسية واإلستراتيجية‬
‫ناشط في المجتمع المدني‪ ،‬مدير المركز األورو‪-‬‬
‫هولندا‬ ‫عبد السالم منيبهي‬ ‫‪46‬‬
‫متوسطي للهجرة والتنمية‬
‫مدير برامج – برنامج الحقوق المدنية والسياسية‬
‫بريطانيا‬ ‫إليزابيث مكارثر‬ ‫‪47‬‬
‫في صندوق سيغريد روسينغ‬
‫زميلة متقدمة في مؤسسة كارنيغي للسالم‬
‫أمريكا‬ ‫ميشيل دون‬ ‫‪48‬‬
‫الدولي‬
‫املرفق ‪ :3‬قائمة املشاركني في الندوة‬

‫نائب مدير – الشرق األوسط وشمال إفريقيا –‬


‫أمريكا‬ ‫إيرك غولدستين‬ ‫‪49‬‬
‫منظمة هيومان رايتس ووتش‬
‫مستشار في السياسات الدولية – منظمة‬
‫أمريكا‬ ‫نيل هيكس‬ ‫‪50‬‬
‫حقوق اإلنسان أو ًال‬
‫مدير قسم الدعوة في مشروع الديمقراطية‬
‫أمريكا‬ ‫ستيفين مكلينيرني‬ ‫‪51‬‬
‫للشرق األوسط‬
‫زميل زائر – معهد واشنطن لسياسات الشرق‬
‫أمريكا‬ ‫مايكل سينغ‬ ‫‪52‬‬
‫األدنى‬
‫أستاذ مشارك‪ ،‬الدبلوماسية والشؤون الدولية –‬
‫أمريكا‬ ‫آنتوني تيرادو تشيس‬ ‫‪53‬‬
‫كلية أوكسيدنتال‬
‫رئيسة منتدى الشقيقات العربيات لحقوق‬
‫اليمن‬ ‫أمل باشا‬ ‫‪54‬‬
‫اإلنسان‬
‫مجلس أمناء المؤسسة األورو‪-‬متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان‬
‫رئيس المجلس الوطني لحقوق اإلنسان في‬
‫المغرب‪ ،‬األمين العام السابق للفدرالية الدولية‬
‫المغرب‬ ‫إدريس اليازمي‬ ‫‪55‬‬
‫لحقوق اإلنسان‪ ،‬عضو المجلس االستشاري‬
‫للبيت العربي في إسبانيا‬
‫نائب رئيس‪ ،‬رئيسة قسم الثقافة (ذاكرة‬
‫ألمانيا‬ ‫كريستين ميركل‬ ‫‪56‬‬
‫العالم)‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬اللجنة األلمانية في الونسكو‬
‫الدنمارك‬ ‫أمين الصندوق‪ ،‬محامي‬ ‫إسكيل ترولي‬ ‫‪57‬‬
‫عضو‪ ،‬السفير التونسي لليونسكو‪ ،‬عضو‬
‫تونس‬ ‫سابق في البرلمان التونسي‪ ،‬حائز على جائزة‬ ‫خميس شماري‬ ‫‪58‬‬
‫نوريمبرغ لحقوق اإلنسان‬
‫‪111‬‬
‫عضو‪ ،‬مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق‬
‫مصر‬ ‫بهي الدين حسن‬ ‫‪59‬‬
‫اإلنسان‬
‫عضو‪ ،‬رئيس الشبكة األورو‪-‬متوسطية لحقوق‬
‫تونس‪/‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬رئيس لجنة احترام الحريات وحقوق‬ ‫كمال الجندوبي‬ ‫‪60‬‬
‫فرنسا‬
‫اإلنسان في تونس‪.‬‬
‫عضو‪ ،‬نائب رئيس مسؤول عن البرامج‪ ،‬المركز‬
‫مصر‪/‬‬
‫الدولي للعدالة في المراحل االنتقالية‪ ،‬عضو‬ ‫هاني مجلي‬ ‫‪61‬‬
‫بريطانيا‬
‫مجلس أمناء الصندوق العربي لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫عضوة‪ ،‬متخصصة في إدارة البرامج‪ ،‬صندوق‬
‫المغرب‬ ‫ليلى رهيوي‬ ‫‪62‬‬
‫األمم المتحدة اإلنمائي للمرأة‪.‬‬
‫عضوة‪ ،‬بروفيسورة في القانون مع تركيز على‬
‫الشرق األوسط وشمال إفريقيا‪ ،‬كلية الدراسات‬
‫اإلفريقية والشرقية‪ ،‬عضوة في مجلس أمناء‬
‫بريطانيا‬ ‫لين ويلتشمان‬ ‫‪63‬‬
‫المركز الدولي للحماية القانونية لحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬عضوة في مجلس التحرير التأسيسي‬
‫لمجلة العالم اإلسالمي لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫موظفو المؤسسة األورو‪-‬متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان‬
‫الدنمارك‬ ‫مديرة برنامج‬ ‫آن‪-‬صوفي شيفر‬ ‫‪64‬‬
‫الدنمارك‬ ‫سكرتيرة إدارية‬ ‫كاترين فريدركسن‬ ‫‪65‬‬
‫الدنمارك‬ ‫مساعد مشروع‬ ‫روجر جلخ‬ ‫‪66‬‬
‫الدنمارك‬ ‫متدربة‬ ‫شادية الدرديري‬ ‫‪67‬‬
‫تود المؤسسة األورو‪-‬متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان أن تتوجه‬

‫شكر وتقدير‬

‫التغيير الدميقراطي في املنطقة العربية‪ :‬سياسات الدول وديناميكيات اجملتمع املدني | ‪2011‬‬
‫بالشكر من جديد للمتحدثين والمشاركين في الندوة على مساهماتهم‬
‫القيمة وتأمالتهم وحواراتهم حول التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية‪.‬‬

‫عقدت هذه الندوة بدعم كريم من الوكالة السويدية للتنمية الدولية )‪،(SIDA‬‬
‫والوكالة الدنماركية للمساعدات التنموية )‪ ،(DANIDA‬ووزراة الخارجية‬
‫والشؤون األوروبية في فرنسا‪ ،‬والمفوضية األوروبية‪ ،‬ومؤسسات المجتمع‬
‫المفتوح‪ ،‬وتتوجه المؤسسة األورو‪-‬متوسطية بالشكر لهم جميع ًا‪.‬‬

‫أخيراً‪ ،‬تتوجه المؤسسة األورو‪-‬متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق اإلنسان‬


‫بالشكر إلى جميع الذين لم يتمكنوا من المشاركة في الندوة إما بسبب‬
‫انشغالهم بفعاليات أخرى‪ ،‬أو تعرضهم لالحتجاز التعسفي‪ ،‬أو أية أسباب أخرى‪،‬‬
‫والذين ساهموا بالرغم من ذلك في هذا التقرير عبر المدخالت القيمة التي‬
‫قدموها (بيانات‪ ،‬شهادات‪ ،‬صور‪ ،‬ترجمة النصوص والترجمة الفورية للندوة‪ ،‬وما‬
‫إلى ذلك)‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫تصميم‪ :‬زينة خيراهلل‬
(‫اميان موسعد (مصر‬

EMHRF
Vestergade 16, 2nd floor
1456 Copenhagen K, Denmark
Tel: +45 32 64 17 12
Fax: +45 32 64 17 02
www.emhrf.org

‫الجهات المانحة‬

You might also like