Professional Documents
Culture Documents
كتاب الجلالة
كتاب الجلالة
و هو
كلمة هللا
من مجموعة رسائل
الشيخ محيى الدين بن عربي
بسم هللا الرحمن الرحيم
وبه الحول والقوة
الحمد هلل حمدا ال تعلمه األسرار وال تعرفه األرواح وال تدركه العقول وال
تضمره القلوب وال تستشرف عليه النفوس وال تنطق به األفواه ،الجامع للمحامد
األزلية والممد للمحامد األبدية بالتقديس للحامدين عن النظراء واألشباه ،والصالة
على السيد الم ُْو َتى جوامع الكلم محم ٍد الذي عنت لِ َقيُّو ِم َّي ِة َم ْش ِر ِف ِه الوجوه و َس َج ْ
دَت
وتحركت بالصال ِة عليه الشفاهُْ ت بمجد ِه ْ
األلسِ َن ُة ً
قائمة ما َن َط َق ْ ً
دائمة له ال ِجباه صال ًة
حليم أوا ٍهٍ وسلم تسليما عليه وعلى الذين اصْ َط َفى من ك ِّل
أما بعد :فإني ذاك ٌر في هذا الكتاب بعض ما تحوي عليه الجاللة من األسرار
واإلشارات فأقول إن هللا لألسماء بمنزلة الذات لما تحمله من الصفات Gفكل اسم
فيه يندرج ومنه يخرج وإليه يعرج وهو عند المحققين للتعلق ال للتخلق وحقيقته
أنه دليل الذات ال غير ثم انه يظهر في مواطن كثيرة ومراتب جمة إذ ال فائدة
لتصور الذات في تلك المواطن لما تطلبه تلك المراتب من المعاني واألحكام
فتكون الجاللة في ذلك الموطن تعطي بما تحتوي عليه من معاني األسماء ما
يعطيه ذلك اإلسم من جهة ذلك المعنى الذي يختص به وفيه شرف ذلك اإلسم من
حيث أن الجاللة قامت مقامه في ذلك الموطن ِب ُم َه ْي ِم ِن َّي ِت َها على جميع األسماء
وخصوصيِّتها باإلحاطِ َّي ِة فيها كالمذنب إذا قال يا هللا اغفر لي ،فالجاللة ههنا نائبة
مناب الغفار فال يجيبه منها إال معنى االسم الغفار وتبقى الجاللة مقدسة عن
التقييد ،ثم إنها غيب كلُّها ما فيها من عالم الشهادة شي ٌء إال استرواح ما في وقت
تحريكها بالضم في قولك هللا ال غير فإن الهو يظهر هناك وما عدا هذا فغيب
مجرَّ ٌد أعني في اللفظ وأما في الخط والرقم فغيب مطلق ال غير
واعلموا أنها تحوي من الحروف على ستة أحرف وهي :ا ل ل ا ه و ،أربعة منها
ظاهرة في الرقم وهي األلف األولية والم بدء الغيب وهي المدغمة والم بدء
الشهادة وهي المنطوق بها مشددة وهاء الهوية
وأربعة منها ظاهرة في اللفظ وهي ألف القدرة والم بدء الشهادة وألف الذات
وهاء الهو وحرف واحد منها ال ظاهر في اللفظ وال في الرقم لكنه مدلول عليه
وهو واو الهو في اللفظ وواو الهوية في الرقم وانحصرت حروفه ،والالم للعالم
األوسط وهو البرزخ وهو معقول والهاء للغيب والواو لعالم الشهادة ولما كان هللا
هو الغيب المطلق وكان فيه واو عالم الشهادة ألنها شفهية وال يتمكن ظهورها في
هللا ،لهذا لم تظهر في الرقم وال في اللفظ فكانت غيبا في الغيب وهذا هو الغيب
ومن هنا صح شرف الحس على العقل فإن الحس اليوم غيب في العقل والعقل هو
الظاهر فإذا كان غدا في الدار اآلخرة كانت الدولة في الحظيرة اإللهية وكثيب
الرؤية للحس فنظرت إليه األبصار وكانت الغايات لألبصار والبدايات للعقول
ولوال الغايات ما التفت أحد إلى البدايات Gفإنظر ما هنا من األسرار وهو أن
ض ال ُّد ْن َيا َوهّللا ُ ي ُِري ُد اآلخ َِر َة) اآلخرة أشرف من الدنيا قال هللا تعالى ( ُت ِري ُد َ
ون َع َر َ
(واآْل خ َِرةُ َخ ْي ٌر َوأَ ْب َقى) 17سورة األعلى 67سورة األنفال G،وقال تعالى َ
ثم أن اآلخرة لها البقاء والدنيا لها الزوال والفناء G،والبقاء والديمومية أحسن
.وأشرف من الذهاب والفناء
ثم أن المعرفة باهلل ابتداء علم وغايتها عين ،وعين اليقين أشرف من علم اليقين،
والعلم للعقل والعين والبصر ،فالحس أشرف من العقل ،فإن العقل إليه يُسعى ومن
أجل العين َينظر ،فصار عالم الشهادة غيب الغيب ،ولهذا ظهر في الدنيا من أجل
الدائرة فإنه ينعطف آخرها على أولها فصار عالم الشهادة أوال وهو مقيد عما
يجب له من اإلطالق فال يبصر البصر إال في جهة وال تسمع األذن إال في قرب،
فخالفه إذا مشى حقيقة ،وانطلق من هذا التقييد كسماع سارية ونظر عمر رضي
هللا عنه إليه من المدينة وبلوغ الصوت وما أشبه ذلك وصار عالم الغيب وسطا
وهو عالم العقل فإنه يأخذ عن الحس براهينه لما يريد العلم به وصار عالم
:الشهادة المطلق غيبا في الغيب وله يسعى العقل ويخدم وصورته في الدائرة هكذا
لكل شيء ظل وظل هللا العرش ،غير أنه ليس كل ظل يمتد والعرش في األلوهية
ظل غير ممتد لكنه غيب ،أال ترى األجسام ذوات الظل المحسوس إذا أحاطت بها
األنوار كان ظلها فيها ،والنور ظله فيه والظلمة ضياؤها فيها ،ولما استوى هللا
على قلب عبده المؤمن فقال سبحانه(:ما وسعني أرضي وال سمائي ووسعني قلب
عبدي) حين استوى االسم الرحمن على العرش المعروف الظاهر ،فالعرش
الظاهر ظل الرحمن والعرش اإلنساني ظل هللا وبين العرشين في المرتبة ما بين
ـن أَ ّيا ً
االسم هللا والرحمن وان كان قد قال سبحانه(:قُ ِل ْادعُو ْا هّللا َ أَ ِو ْادعُو ْا الرَّ حْ َم َ
مَّا َت ْدعُو ْا َف َل ُه األَسْ َماء ْالحُسْ َنى) فال يخفى من كل وجه على كل عاقل تفاوت
المراتب بين االسمين ولهذا قال ال ُم َكلَّفون( :وما الرحمن) حين قال لهم (اسْ ُج ُدوا
من ) ولم يقولوا :وما هللا ،ولما كان العرش سريرا صار غيبا في الرحمانية، لِلرَّ حْ ِ
ولما كان االستواء اإللهي على القلب Gمن باب وسعني صارت األلوهية غيبا في
اإلنسان فشهادته إنسان وغيبه إله ولسريان األلوهية الغيبية في هذا الشخص
ْت َل ُكم مِّنْ إِ َل ٍه َغي ِْري) اإلنساني ا َّدعى األلوهية باإلسم اإلله فقال فرعونَ (:ما َعلِم ُ
ولم يتحر من أجل أن قالها عن المشيئة ال عن الحال Gال من طريق األمر أن يقول
فتفطن وصرح بالربوبية لكونها ال َّ (أنا هللا) وال قال إله وإنما قالها بلفظة غيري
تقوى قوة األلوهية فقال (أَ َنا ر ُّب ُك ُم األعْ َلى) بخالف من قالها عن الحال Gمن طريق
األمر بمساعدة المشيئة فكان جمعا مثل أبي يزيد حين قال :إنني أنا هللاُ الَ إله إال
أنا فاعْ ُب ُدوني وقال مرة :أنا هللا فلم يكن لأللوهية فيه موضع فراغ ترمي سهامها
فيه لكمال سعة السريان ،فعزة األلوهية على سائر المراتب األسمائية ظاهرة
وغالبة فال مقاومة إلسم معها البتة
هللا كلمة نفي شدت في العالم العلوي فارتفع بها الترجمان ومن عاد نفيا بعد
اإلثبات فال عين له ولو ظهر في اللفظ كما نفي الشريك بقوله ال شريك له فال
عين له في الحكم واللفظ به موجود وما بقي بعد نفي ال إال األلفان وهو األول
واآلخر فاضرب أحدهما في اآلخر يخرج الهاء بينهما وينتفيان وهو الهو فإن
األول له تعالى اسم إضافي ال حقيقة له فيه فإنه بوجودنا وحدوث عيننا كان له
حكم األولية وبتقدير فناء أعيننا كان حكم اآلخرية ونحن من جانب الحقيقة في
ك َشيْئاً) وقال تعالىَ ((:ل ْم َي ُكن َشيْئا ً تعالى(:و َق ْد َخ َل ْق ُت َ
ك مِن َق ْب ُل َو َل ْم َت ُ َ عين قال هللا
م َّْذ ُكوراً)) فكأنا لم نكن فال أولية إذن وال آخرية إذ ال نحن فبقي هو خاصة وهو
المطلوب
الم هذا االسم األولى الم المعرفة ،فإن األلف والالم للتعريف كما جاء ،واأللف
األولى لكان هللا وال شيء معه فبقيت الالم الثانية والهاء وكالمنا على صورة
الرقم فهي الم الملك فإن بزوال األلف والالم األولى تبقى صورة له فهي الم
الملك والهاء كناية عن غيب الذات المطلقة فإن الهاء أول الحروف ولها المبدأ
وهي غيب في اإلنسان ولكن أقصي الغيب فصار هذا االسم بهذه اإلشارات يحوي
على كان هللا وال شيء معه من حيث األلف ويحوي على مقام المعرفة من حيث
الالم األولى ويحوي على مقام الملك وفيه ظهور كل ما سواه من حيث الالم
الثانية ويحوي على ذكر العالم له من حيث الهاء ألنها دليل الغيب وهو غيب
عنهم فال يطلقون عليه تعالى إال هو فباأللف يذكر نفسه وبالهاء يذكره خلقه
وبالوجه الذي يلي األلف من الم المعرفة يعرف نفسه أزال وبالوجه اآلخر منها
الذي هي الم الملك يعرفه خلقه أبداً بالمعرفة المحدثة ومن حيث الالم نفسها التي
هي الم المعرفة تعرفه المعرفة فقد كمل في هذا االسم الوجود المُحدث والقديم
.صفته حقيقة وموصوفه ،فانظر ما أتم هذا االسم وما أكمله
وأما األلف الظاهرة في اللفظ بعد الم الملك المتصلة بالهاء في الخط والواو
الغيبية في الهاء إذا نطق بالهاء الروح فإن نطق بها الجسم عادت الواو ياء فإن
نطقت بها النفس المثلية عادت ألفا فحكم هذه األلف النطقية والواو المتحولة من
صورة إلى صورة بحسب الناطق حكم آخر وذلك أن الهاء لما كانت تنظر إلى
األلف األولى ومقام األلف هناك أ ،ال يتصل به شيء ظهرت األلف بعد الالم
فاتصلت Gبها الالم في النطق فبقيت الهاء وال شيء معها ما دام الكون ال يذكرها
فهي ساكنة سكون حياة ال سكون موت فإن نطق بها الكون أو ذكرها فال بد أن
يكون الذاكر كما قدمنا فيظهر بعدها من الحروف كما ذكرنا
ثم تحقق ما ذكرناه في الهو والها والهي من التحام الهويات إليجاد الكائنات إذا
وهللا بفتح الهاء وهللاُ بضم الهاء تجد الهو في الضم
َ هلل بكسر الهاء
نطقت بقولك با ِ
والهاء في الفتح والهي في الخفض وبقي في السكون لهذا الباب كما ذكرناه وهو
الثبوت
لما كانت له المهيمنية على سائر األسماء سرت فيه األسماء إذا ظهر وسرى فيها
إذا ظهرت سريان الماء في الماء وكان التعيين عن واحد من هذه األسماء فيها أو
تعيينها فيه للحكم واألثر وما توجهت عليه ،فالقصص تبدي األسماء واأللوهية في
العلم واألسماء ،و األلوهية توجد القصص فكأن األمر دوري
حكم هذا اإلسم في العالم الذي يخصه الزائد له على مقام الجمعية والمهيمنية هو
الحيرة السارية في كل شيء عندما يريد المعرفة به والمشاهدة وحضرته الفعل
وهو المشهد الذي ال يشهده منه سواه ،وكل من تكلم فيه قد فقد جهل ما يتكلم فيه
ويتخيل أنه قد أصاب وهو مخطىء ،وبهذا المشهد الكوني والحضرة الفعلية
صحَّ ت األلوهية ال غير حتى أن العقالء وأصحاب القياس من أصحابنا Gمثل أبي
حامد وغيره تخيل أن المعرفة به تقدم على المعرفة بنا عند األكابر وهو غلط نعم
يعرفونه من حيث التقسيم العقلي أن الموجودات تنقسم قسمين إلى ما له أول وإلى
ما ال أول له وغير ذلك ،وهذا كله صحيح ولكن ال يعرفون أبدا كونه إلها ابتداء
قبل معرفتهم بهم وكونه ذاتا معلوم صحيح غير كونه إلها ،وكالمنا في األلوهية ال
في أنه ثم ذات قديمة يستحيل عليها العدم فالقائلون بهذا القول ال تثبت لهم المعرفة
باأللوهية واسمه هللا إال بعد معرفتهم به ولهذا صرح الشرع بالربوبية على حد ما
ذكرنا فقال (من عرف نفسه عرف ربه) ولم يقل من عرف الرب عرف نفسه،
فإنه ال يصح فإذا كانت الربوبية التي هي الباب األقرب إلينا لم تمكن معرفتنا بها
إال بنا فأين أنت واأللوهية ،وقد كنى الشرع عن هذا المقام اإللهي أن حضرته
الحيرة في قوله حين قيل له أين كان ربنا قبل أن يخلق السماء واألرض فقال
صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم (في عما) بالقصر Gوالمد( ،ما فوقه هواء
وما تحته هواء) ،كلمة نفي ،فالقصر للحيرة وجعلها لالسم هللا ،فلهذا حارت
البصائر واأللباب في إدراكه من أي وجه طلبته ،ألنه ال يتقيد باألين ،والمد
للسحاب وهو الجو الحامل Gللماء الذي هو الحياة ومنه كل شيء فهو في ذاته ال
يقال فيه أين ودل عليه بموجود برزخي بين السماء واألرض وفي البرازخ حارت
الحيرات Gفكيف المتحيرون كالخط بين والظل والشمس والمتوهم بين النقطتين
والخطين وبين السطحين وبين كل شيئين فعادت الكلمة البرزخية إلى الحيرة
صل أحد منه إال ما عنده ،لم يحصل غريبا وال بعينها فما ثم إال الحيرة فما ح َّ
ينبغي أن يحصل ،فإن قلت هو هو فهو هو وإن قلت ليس هو هو فليس هو هو
وحارت الحيرة
ولما أراد هللا تعالى تحيير بعض المخلوق من باب بعيد خلق القدرة الحادثة في
القادر الحادث وأحال التأثير وخلق التوجه من القادر الحادث Gعلى الفعل وهو
الكسب فظهر ما لم يكن فقال القادر الحادث فهو فعلي فقال القادر الحادث اآلخر
هو كسبي فقال القادر الحادث الثالث Gليس فعلي وال كسبي وقال القادر القديم هو
فعلي وقال الحق ولم يستحل عند السليم العقل أن يكون مقدور بين قادرين وإنما
الذي يستحيل مؤثر بين مؤثرين فتفهم هذا الفصل Gترشد إن شاء هللا .فاهلل تعالى ال
يعلم وال ينعلم وال يجهل وال ينجهل وال يشهد وال يكشف وال يرى بطريق
اإلحاطة وال يعقل وال يدرك وإنما تتعلق هذه اإلدراكات كلها بأسماء األلوهية
وبأحكام األسماء التي تستحق كالرب والمالك والمؤمن ولهذا أثبت الكتاب والسنة
ظرْ(ربِّ أَرني أَ ْن ُ
الرؤية في الدار اآلخرة للربوبية وفي هذه الدار فقال موسىَ :
ِ
ك) وقال سبحانهَ ( :ف َلمَّا َت َجلَّى َر ُّب ُه ْلل َج َب ِل) فلم يجعل لأللوهية مدخال بل قد نفى إِ َل ْي َ
ْصار)) فأتى بالهو وأثبت أنه ال ك األَب َ صا ُر َوه َُو ي ُْد ِر ُ فقال سبحانه(( :ال ُت ْد ِر ُك ُه األَ ْب َ
يدرك وهو الصحيح وقال تعالى( :وُ جوهٌ َي ْو َم ِئ ٍذ َناضِ رةٌ إِلى َر ِّب َها َناظِ َرةٌ) وبها علق
ُون) وقال عليه الصالة الحجاب فقال سبحانهَ ( :كالَّ إِ َّن ُه ْم َعنْ َرب ِِّه ْم َي ْو َم ِئ ٍذ َل َمحْ جُوب َ
والسالم (ترون ربكم كما ترون القمر) وفي حديث (كما ترون الشمس) ذكره
مسلم في صحيحه جاء في الحديث الصحيح في كتاب مسلم( :إن الرب يتجلى
على طائفة في الحشر فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ باهلل منك هذا مكاننا حتى ربنا
فإذا جاءنا ربنا عرفناه فيأتيهم هللا تبارك وتعالى في صورته التي يعرفونها فيقول:
(أَ َنا َر ُّب ُك ْم) فيقولون أنت ربنا فما ظهر لهم إال الرب وما عرفوا إال الرب وال
وال َم َلكُ) ولو جاء هللا فإنما معناه ُّك ْ (وجا َء َرب َ خاطبهم إال الرب وقال سبحانهَ :
الرب كما قدمناه فإن األحوال والقرائن تطلب بحقائقها من هللا األسماء الخاصة
بها ،وهللا هو الجامع المحيط
ما أحسن ما نبه هللا تعالى حين أمر نبيه وأدرجنا معه في ذلك األمر فقال عز من
قائل( :فاعلم أنه ال إله إال هللا) فهذه كلمة تدل على أن النفي هو عين اإلثبات هو
عين النافي هو عين الم ُْث ِبت هو عين الم ُْث َبت هو عين ال َم ْنفِيُّ فإنه ما نفى إال
األلوهية وما أثبت إال األلوهية وما كان الثابت والمثبت إال األلوهية والمثبت ،فإنه
ت ما ليس بثاب ٍ
ت لو لم تثبُت هي في عينها لم يصح أن يثبت سواها ،ولو أثبت م ُْث ِب ٌ
لكان كذبا ً فهي الم ُْث ِب َت ُة نفسها حقيقة وكالمنا من مقام الحقائق فهذه ستة أحكام ،هي
واحدة في الحقيقة ،وهكذا الوجود كله هو واحد في الحقيقة ال شيء معه ،ولهذا ما
ان َل ُه َق ْلبٌ ْأو أَ ْل َقى السَّمْ َع َوه َُو َش ِهي ٌد)
الطف إشارة الشرع قال هللا تعالى ( :لِ َمنْ َك َ
فالشهيد هو الهو والقلب والسمع فقال كان هللا وال شيء معه وتممها العلماء باهلل
وهو اآلن على ما هو عليه كان فاآلن هو الهو وكان هو الهو فما ثم إال هو ونحن
موجودون وقد أثبت أن الحال Gالحال والعين العين فما ثم إال غيب ظهر وظهور
غاب ثم ظهر ثم غاب ثم ظهر ثم غاب ،هكذا ما شئت فلو تتبعت الكتاب والسنة
ما وجدت سوى واحد أبداً وهو الهو فلم يزل الهو غائبا ً أبداً
وقد أجمع المحققون أن هللا ال يتجلى قط في صورة واحدة لشخص مرتين وال في
صورة واحدة لشخصين وهذا هو توسع الهو ،وقال أبو طالب :ال يرى من ليس
كمثله شيء إال من ليس كمثله شيء فالرائي عين المرئي ،وقد قال :ليس كمثله
شيء فإن كان كما زعم زاعم ليس كهو شيء فالشيء هو الهو ،وإن كانت الكاف
تبال ،فإن كان صفة كان ل َماماً ،قال أبو طالب:
صفة أو زائدة كيف ما كانت فال ِ
وإن لم تكن صفة كان ليس هو الهو وكان الشيء هو الهو والهو هو فال هو إال
هو
ومما يؤيد ما ذكرناه في هللا قوله صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم( :إن هلل
سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها ألحرقت سبحات وجهه ما أدركه من
بصره خلقه) فهذا هو هللا وهو الهو كما ذكرناه ،فما أعلمه صلى هللا عليه وعلى
آله وصحبه وسلم بالمقامات وما أكشفه لألشياء وليس المراد العدد وإنما المراد أن
هللا ال يمكن أن يظهر ،وأيد الكالم بالبصر ،وهذا من شرف البصر أنه وصف هلل،
والعقل ليس كذلك ألن العقل متعلقة بالغيب وما في حق البارىء غيب ،فالكل له
شهادة ،فلهذا كان البصر ولم يكن العقل
من هذا الباب على ما قدمناه أن حضرة الحيرة ما دخل من الحيرة على ال ُّن َّظار
وأرباب األفكار و اإلستبصار في الصفات G،أعني في إثبات أعيانها هلل أو نفيها
وأما أحكامها فال خالف بين العقالء في ذلك ،وصورة الحيرة في ذلك أن من
أثبت أعيانها زائدة على الذات الموصوفة فقد أثبت العدد والكثرة واإلفتقار في هللا
وهو واحد من جميع الوجوه غني بالذات كامل بالذات فكيف يكون هذا وإن قلنا ال
يلزم مثالً من هذا إثبات العدد على وج ٍه ما َف َث َّم ما هو علينا أشد من العدد وهو أن
كامل بغيره ناقصٌ بذاته ،ومن نفى أعيانها وفرَّ
ٍ ً
كاملة بغيرها وك ُّل تكون الذات
من مثل هذين المقامين إما الكثرة وإما النقص تل َّقاه أمر آخر وهو أن الحكم ال
يقدر من جهة ال َّدليل الذي قد نصبتموه على معرفة هللا إن ثبتت هذه األحكام للذات
مجردة فإنه إذا أثبت كونه قادراً لنفسه وقع الفعل أزالً ،وهذا محال ،فإثباته قادراً
لنفسه محال
ثم إن القلب ال يجد ذلك الجالء Gبقياس الشاهد على الغائب ،وال سيما وقد عرف
مأخذ العقول من أين هو ومن أين يُر َّكبُ براهينها وأدلتها فالقصور منوط واإلقدام
على هذه األمور غير حسن ،وكل ما ال يمكن حصوله إال بالمشاهدة والرؤية أو
التعريف فحصوله من غير هذه الطرق افتيات على المقام وجرأة
فاألولى باصحاب العقول الوقوف واإلقرار بالوجود وإحكام الصفات ،وال سبيل
للتعرض ال لنفيها وال إلثباتها ،فإن العقل أعجز من أن يقف على مثل هذا ،بل
على أقل شيء ،فانظر تسلط هذا اإلسم العجيب والكلمة العجيبة على جميع العوالم
بالحيرة والعمى فيه ،فأصحاب Gالعقول انظر ما أشد حيرتهم ،ما اجتمعوا على
شيء ال الم ُْث ِبت َِن وال غيرهم من ال ُّنفاة وأصحاب Gالمشاهدات قد ظهر إليهم ووقع
اإلنكار والعياذ منه حين لم يوافق صورة معرفتهم به ،فمعرفتهم به رأوا وهو
الظاهر لم يزل ،لكن إذا كان مطلوبك في المرآة أن ترى فيه وجهك فلم تأتها على
التقابل بل جئتها على جانب فرأيت صورة غيرك فيها فلم تعرفها وقلت هذا ما
أردت ،فقابلتك المرآة فرأيت صورتك فقلت هذا صحيح فالعيب منك ال من المرآة
ت الطلب بصورة معقولة فاتك خير كثير فقد صار أهل المشاهدة في ولما َقي َّْد َ
حيرة أشد من حيرة أصحاب العقول مع المشاهدة ،وكذلك أصحاب الرؤية أول
رؤية تقع لهم ،فإن الرؤية خالف المشاهدة ،ولهذا الخبر بالرؤية غداً ال
بالمشاهدة ،وقد ذكرنا هذا الفصل في كتاب العين فلينظر هناك ،فيمسكون
أصحاب Gالرؤية على ما وقع لهم فيها فإذا رأوه مرة أخرى َرأَ ْوا خالف ذلك،
وكذلك في كل رؤية ،فحاروا كما حار أهل المشاهدة هنا ،فما ثم إال حيرة في
حيرة ،فلو كان الهو ظاهرا لما صح هذا الخالف ،ولو الهو ظاهراً ما كان الهو
:ولكان األنا وال بد من الهو فال بد الخالف ،ولنا فيه قصيدة
َق َّسم َ
ْت ما عندي على الغرماء وإذا أردت تمتعـا ً بـوجـوده
فظهوره وقفٌ علـى إخفـاءG َو َعد َ
ِمْت من عيني مكان وجوده
فصار ظهور الهو الذي هو هللا إذا لم يكن أنا حتى ال يكون هو الهو هو ولو بقيت
أنا عند ظهور الهو لكان األنت والهو ال بد منه وال بقاء لي ،وما ينتفي الهو إال
في الهو ،فإن الهو ليس من نفسه في الهو وال في غيره ،ومن هذا الباب
هللا َر َمى) وافعل ياعبدي ما لست ْت إِ ْذ َر َمي َ
ْت َو َلكِنَّ َ (و َما َر َمي َ
باب الحيرة اإللهيةَ :
بفاعل بل أنا فاعله وال أفعله إال بك ألن ال يتمكن أن أفعله بي فأنت ال بد منك وأنا
ك الالزم فال ُب َّد مني ،فصارت األمور موقوفة عليّ وعليه فحرت وحارت ُب ُّد َ
:الحيرة وحار كل شيء وما ثم إال حيرة في حيرة ،وكم قلت
ْت شِ عْ ِري َمن ْال ُم َكلَّفْ
َيا َلي َ والعبْـ ُد َح ٌّ
ـق الرَّ بُ َح ٌّق َ
أو قُ ْلت َربٌّ َف َمـا ُي َكلَّ ْ
ـف إِنْ قُ ْل َ
ت َع ْب ٌد َفـ َذا َ
ك َن ْفـ ٌي
وكم قلت
ْت شِ عْ ري َث َّم َمنْ ال َي َحارْ
َلي َ َحي َْرةٌ ِمنْ َحي َْر ٍة َ
صـدَ َر ْ
ت
َفالَّذِي أ ْف َعلُـ ُه ِباضْ طِ َ
ـرارْ أنا َمجْ بو ٌر َوال ِفعْ ـ َل لِـي
ْس في أ ْفعالِـ ِه بال ِخيـارْ
َلي َ والذي أسْ َنـدَ ِفعْ لـي َلـ ُه
وه َُو إن قا َل انا لم يغـارْ أنا إن قُ ْل ُ
ـت أنـا َقـا َل ال
ثبتت ليس لها من قـرارْ فأنا َوهْ َـو َع َلـى ن ْق َطـ ٍة
وكم قلت
َل ُه َوأنا ال ِفعْ ـ َل لـي َف َ
ـأراهُ ْت ِمنْ َت ْكلِيفِ َما ه َُو َخال ٌِق
َت َعجَّ ب ُ
َو َما َثـ َّم إال هللاُ َليْـسً سِ َـواهُ ْت شِ عْ ِري َمنْ َي ُكونُ ُم َكلَّفا ً
َف َيا َلي َ
ومع قولي هذا كله قيل لي افعل ،ومن باب الحيرة اإللهية قوله سبحانهَ ( :ما ُي َب َّد ُل
ْال َق ْو ُل َلدَ يَّ ) فالعاقل يأخذه على إمضاء الحكم وإنفاذه وال َم َر َّد له بقوته ،والمحقق
ت الخمسون إلى ص َل ْ
يأخذه من باب الحيرة ،وإنه ال يتمكن إال هذا وإال فكما َو َ
ص منها ،كذلك لم يتمكن أن تبقى الخمسين أصالً ،لما خمسة ولم ُي َت َم َّكنْ أن ُي ْن َق َ
سبق بها القول ،فهذا بعض ما في الجاللة وقد نجز الغرض الذي أعطاه الوقت،
والحمد هلل