Professional Documents
Culture Documents
تقدم:
2 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
3 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
4 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
مقدمة:
لقد ظلت عالقات الشغل و إلى عهد قريب تخضع لمبدأي سلطان اإلرادة و العقد شريعة
المتعاقدين ،1إال أنه و بسبب ما جره هذان المبدآن من مساوئ على الطبقة العاملة ،اضطرت
التشريعات المقارن ة إلى التدخل في عالقات الشغل ،وخلق إطار قانوني يتالءم وخصوصية
هذه العالقات.2
و إذا كان إلى عهد قريب ينظر إلى المقاولة باعتبارها من الناحية االجتماعية حلبة
صراع و نزاع بين الفرقاء ،فقد أصبح اآل ن مطروحا النظر إليها من زاوية اعتبارها فضاء
لخلق الثروات و فرص الشغل ،وإذا كان ضروريا أن تساهم في إنعاش و تطوير االقتصاد
الوطني ،فال بد أن يتم بموازاة ذلك مراعاة واقع الطبقة االجتماعية المستضعفة :الطبقة
الشغيلة.3
ذلك أن طبيعة عقد الشغل تختلف باختالف االلتزامات التي يولدها هذا األخير ،فهي،
وإن كانت واضحة محددة بالنسبة للمشغل ،وال تتجاوز إطار أداء األجر ،ومكان تنفيذ الشغل،
وعدم إرهاق األجير ،فإنها بالنسبة لهذا األخير-األجير -غير محددة؛ نتيجة ألثر التبعية التي
يتمتع المشغل في ظلها بسلطات واسعة ومتعددة ،توجيهية ،إدارية ،وتأديبية داخل المؤسسة،
و هو ما يعطي االنطباع على أنه الحكم الوحيد فيها ،له اقتضاء الحق بنفسه دونما أي رقيب،
في ظل عالقة تتسم مسبقا بعدم تساوي المراكز القانونية ،والواقعية لألطراف.4
ومن هنا تبدأ صعوبة وخصوصية دور القضاء في حل هاته النزاعات ،خاصة وأن
تدخل المشرع لوضع حدود حمائية لمصلحة األجير لم يكن من شأنه التقليل من أهمية مبدإ
1
- François Varcin:"Le pouvoir patronal de direction dans l'entreprise",
Thèse pour le doctorat en droit, université Lumière-lyon2, 2000, P 155.
- 2عبد اللطيف خالفي ":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،الجزء األول ،الطبعة
األولى ،المطبعة والوراقة الوطنية ،الطبعة األولى ،2004 ،ص .18
- 3أستاذي محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين أحكام تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل" ،الطبعة
األولى ،دار القلم-الرباط ،2003 ،ص .3
- 4عز السعيد ":العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية" ،الطبعة األولى ،مطبعة
النجاح الجديدة-الدار البيضاء ،1999 ،ص .11
5 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تبعيته للمشغل ،و هو ما يعطي االنطباع عن فشل القانون في تنظيم هاته العالقة ،بعد أن
أصبح رائدها التناقض والمواجهة ،وهو ما توحي به النصوص الشغلية المتسمة بانعدام
التناسق الشكلي والموضوعي.
فمهما بلغت الحماية والحقوق والضمانات المقررة لألجير ،ومهما بلغت المكتسبات
التي حققها المشرع للشغيلة على مستوى القوانين الموضوعية ،فسيبقى ذلك كله عبثا إذا لم
يكن هناك تنظيم قضائي ،قادر على نقل تلك الحقوق والحماية والضمانات ،ومن حالة
5
السكون إلى حالة الحركة ،وذلك عن طريق الجبر عند المس بها أو خرقها.
إذ تعتبر النصوص القانونية عند وضعها من طرف المشرع نصوصا جامدة ،والذي
يبث فيها الحركة هو القضاء ،فالمشرع وان قصر في وضع النصوص التي تستطيع مجاراة
التطور ،فإن المهمة تنتقل إلى الجهاز القضائي الذي عليه أن يسد كل نقص في هذه
النصوص ،ذلك أن وظيفته ال تقتصر على تطبيق القاعدة القانونية الجامدة كما هي ،وإنما من
6
واجبه أيضا أن يسد كل ثغرة تظهر في صرحها وأن يجعلها مسايرة للتطور االجتماعي.
وهكذا ،فالقضاء ال يخلق من الوجهة النظرية قواعد قانونية عامة ومجردة ،ومع ذلك
ف إنه وبما يصدره من أحكام وقرارات فإنه يساهم في إنشاء هذه القواعد القانونية العامة ،وذلك
عندما تستقر أحكامه على اتجاه معين ،فحينما تأخذ محكمة ما أو أكثر من محكمة بحل معين
فيما يعرض عليها من منازعات ونوازل وتأخذ غيرها بذات الحل في المنازعات والنوازل
المشابهة ،فإن هذا المسلك يجعل الحل المأخوذ به ليس صادرا عن حكم فردي بل صادرا عن
القضاء كمصدر و لو تفسيري للقاعدة القانونية ،7لذلك يتعين التفرقة بين حكم المحكمة وحكم
- 5هاشم العلوي ":تقييم تجربة التنظيم القضائي في المادة االجتماعية :الواقع واآلفاق" ،الندوة الثانية
للقضاء االجتماعي ،المعهد الوطني للدراسات القضائية ،يومي 26-25فبراير ،1992منشورات جمعية
تنمية البحوث و الدراسات القضائية ،1993 ،ص .340
- 6عز الدين الماحي ":مدى مساهمة االجتهاد القضائي في إنشاء القواعد القانونية" ،مقال منشور
بمجلة المنتدى ،ع الرابع ،يوليوز ،2004ص.157
- 7إن االج تهاد القضائي بوصفه عمال ذهنيا إبداعيا ،يجعله يحمل معنيين أحدهما خاص و اآلخر عام،
فيقصد باألول :مجموع األحكام و القرارات الصادرة عن المحاكم (الهيئات ذات الطبيعة القضائية) في
مسألة قانونية و بتعبير آخر هو "مجموع الحلول القضائية الصادرة عن المحاكم" ،للمزيد راجع في هذا
6 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
القضاء ،فاألول ال يخلق سوى حلول فردية خاصة ،في حين أن الثاني يعتبر مصدرا من
مصادر القاعدة القانونية في حالة استقرار المحاكم على اتجاه معين ،8لذلك فإن عالقة القضاء
مع التشريع لم تعد بالشيء الهين واليسير ،للبس الذي يكتنف النصوص أحيانا ولغموضها
أحيانا أخرى.9
إال أن القضاء االجتماعي القائم اليوم ،ليس هو ذاته في فترة ما قبل الحماية ،و ال هو
نفسه بفترة الحماية ،و ال هو في فترة االستقالل و المرحلة التي أعقبها ،10إذ مر بتطورات
مهمة ،و في مراحل تاريخية مختلفة.
ففي فترة ما قبل الحماية ،لم يوجد في المغرب محاكم خاصة تنتظر في النزاعات
المترتبة عن عالقات الشغل ،فالخالفات التي كانت داخل مختلف المهن و الحرف كان يتولى
فضها أمين الحرفة عن طريق التحكيم ،فإذا لم ينجح في ذلك التجأ إلى المحتسب .كما لم يكن
في المغرب في أول عهد الحماية محاكم خاصة للبث في قضايا الشغل ،فهذه األخيرة ،كانت
اإلطـار موسى عبود ":االجتهاد القضائي و دوره في خلق القاعدة القانونية" ،مقال منشور بمجلة
المحاماة ،ع ،3دون ذكر السنة ،ص .16
-A. de theu, I. Kovalovszky et N.Bernard:" Précis de méthodologie juridique,
les sources, documentaires du droit", Publications des facultés universitaires,
Saint-Louis, Bruxelles, 2000, P 33.
أما المعنى الخاص فهو :الحل الخاص الذي يضعه القضاء بشأن قضية معينة ،أي مجموع الحلول
القانونية التي تتوصل إليها المحاكم بمناسبة معالجتها لإلشكاالت القانونية ،للمزيد راجع في هذا اإلطار:
-G.D.Geneviéve:"Institution judiciaires et juridictionnelles", Paris, 1987,P45.
-بوبشير محند أمقران":تحول االجتهاد القضائي بين النص و التطبيق" ،مجلة المحاماة ،ع ،2
،2004ص .53
فيما يميز الفقه اإلسالمي بين االجتهاد االستنباطي و بين االجتهاد التنزيلي ،راجع في هذا اإلطار:
-علي حب هللا ":دراسات في فلسفة أصول الفقه و الشريعة و نظرية المقاصد" ،الطبعة األولى،
دار الهادي بيروت-لبنان ،2005 ،ص .687-686
- 8عبد اللطيف خالفي ":االجتهاد القضائي في المادة االجتماعية :رصد لمبادئ ولقرارات المجلس
األعلى ومحاكم االستئناف ،"1968-1998الطبعة األولى ،المطبعة والوراقة الوطنية-مراكش،2000 ،
ص .6
- 9محمد سعيد بناني ":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل عالقات الشغل الفردية" ،الجزء
األول ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ، 2005 ،ص .86
- 10فنظامنا القضائي االجتماعي ظل يتأرجح بين عدة اختيارات وتجارب ،دون أن يستقر على حال
واحد ،فقد عرف ما بين سنة 1957و ،1974أي في غضون سبعة عشر سنة فقط ثالثة تجارب ،في
الوقت الذي صمدت فيه أنظمة قضائية اجتماعية مقارنة عقودا من الزمان ،تطورت فيها داخل نفسها و
تأصلت داخل بنائها الهيكلي األصيل ،كفرنسا ،للمزيد راجع في هذا اإلطار :هاشم العلوي ":تقييم تجربة
التنظيم القضائي في المادة االجتماعية :الواقع و اآلفاق" ،م س ،ص.344
7 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
من اختصاص محاكم الصلح والمحاكم االبتدائية طبقا للقواعد العامة ،إال أنه مع ازدياد
المشاريع الصناعية و نمو الصناعة وما صاحب ذلك من كثرة اليد العاملة ،خاصة األجنبية
منها ،عملت سلطات الحماية الفرنسية على إنشاء أول جهة قضائية ينحصر اختصاصها في
البت في النزاعات التي تنشب بين العمال وأصحاب األعمال.11
و بعد استقالل المغرب ،حلت محاكم الشغل محل مجالس الخبراء ،التي اتسع نطاق
اختصاصها ،بحيث أصبح يشمل جميع نزاعات الشغل الفردية أية كان جنسية الخصوم،13
لينتقل المشرع بعدها إلى توسيع دائرة النزاعات االجتماعية عن طريق إحداث المحاكم
االجتماعية بواسطة الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1-72-110و ذلك بتاريخ 15جمادى
الثانية ،1392الموافق ل 27يوليوز ،1972أسند إليها النظر في كل النزاعات االجتماعية،
بما فيها ق ضايا التعويض عن حوادث الشغل و األمراض المهنية و قضايا الضمان
االجتماعي ،باإلضافة إلى النزاعات الفردية للشغل ،و هي محاكم تتألف من قاض رئيس و
عدد متساو من المستشارين المشغلين أو المستشارين المأجورين ،يعينون بقرار لوزير الشغل
اعتمادا على اقتراحات المنظمات المهنية األكثر تمثيال ،و ذلك لمدة 3سنوات قابلة للتجديد.14
- 11عبد اللطيف خالفي ":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية"،م س ،ص .167
- 12الحاج الكوري":القانون االجتماعي المغربي" ،الطبعة الثانية ،مكتبة دار السالم-الرباط ،2001 ،ص
.69
- 13موسى عبود":دروس في القانون االجتماعي" ،الطبعة الثانية ،المركز الثقافي العربي ،1994 ،ص
.27
- 14أسامة األبهري ":تجربة المحاكم االجتماعية بالمغرب( )1972-1974و الحاجة إلى إحداث قضاء
اجتماعي متخصص" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في المهن القضائية و القانونية ،كلية
8 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إال أن هذه المحاكم لم تستمر طويال أمام موجة اإلصالح القضائي التي عرفتها المملكة
بتاريخ 15يوليوز ،1974بموجب الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1-74-338المتعلق
بالتنظيم القضائي للمملكة ،الذي بموجبه ألغيت المحاكم االجتماعية و أسند اختصاصها إلى
المحاكم العادية ،المتمثلة في المحاكم االبتدائية ،15و بهذا نكون قد انتقلنا من دائرة القضاء
المتخصص إلى حقل القضاء العادي ،مثلما كنا في أول عهد الحماية مع اختالف أساسي ،هو
توسيع اختصاص و مجال نظر المحاكم العادية في القضايا االجتماعية.
و باعتبار أن موضوعنا يتناول الحماية القضائية لألجير ،فذلك يتطلب منا من ناحية
أولى ،تحديد المقصود بالحماية ،و عن أي قضاء نتحدث؟ و من ناحية ثانية ،بيان مفهوم
حماية األجير .فأما مفهوم األجير ،فال يطرح أي مشكل طالما أن المشرع عمل على تحديده
في المادة 6من مدونة الشغل بنصه على أنه ":يعد أجيرا كل شخص التزم ببذل نشاطه
المهني ،تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين ،لقاء أجر ،أيا كان نوعه ،وطريقة أدائه" ،و
أما بخصوص حماية األجير ،فالمقصود بذلك التصدي لكل المخالفات الماسة بحقوقه و
ضمان الوسائل الكفيلة بتحقيق هذه الحماية.
أما بخصوص القضاء المعني ،فمن منطلق الفصل 20من قانون المسطرة المدنية،16
هو القضاء الناظر في النزاعات االجتماعية التي يكون فيها أحد أطرافها أجيرا و اآلخر
العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد الخامس السويسي-الرباط ،السنة الجامعية
،2009/2008ص .13-12
- 15هاشم العلوي ":تقييم تجربة التنظيم القضائي في المادة االجتماعية :الواقع و اآلفاق" ،م س،
ص.340
- 16نصت المادة 20من قانون المسطرة المدنية على ":تختص المحاكم االبتدائية في القضايا
االجتماعية بالنظر في:
أ) النزاعات الفردية المتعلقة بعقود الشغل أو التدريب المهني والخالفات الفردية التي لها عالقة
بالشغل أو التدريب المهني.
ب)التعويض عن األضرار الناتجة عن حوادث الشغل واألمراض المهنية طبقا للتشريع الجاري به
العمل؛
ج) النزاعات التي قد تترتب عن تطبيق المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضمان
االجتماعي".
-ظهير شريف بمثابة قانون ،رقم ،1-74-447بتاريخ 11رمضان 29(1394شتنبر ،)1974
بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية ،منشور بالجريدة الرسمية ،ع 2303مكرر ،بتاريخ 30
شتنبر ،1974ص .2741
9 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
مشغال ،بسبب نشوء نزاع بينهما يرتبط بعقد الشغل أو ما قبله في مرحلة التجربة و االختبار
أو بسبب تعويض عن حادثة شغل أو مرض مهني أو نتيجة لعدم االلتزام بتسجيل األجير
بمؤسسة الصندوق الوطني للضمان االجتماعي أو غيره.
و لتحليل موضوع "الحماية القضائية لألجير" ،يقتضي الوقوف بداية ،عند المظاهر
التي تجعل من الموضوع المذكور موضوعا هاما ،و دواعي اختياره ،و يحتم ضرورة تحديد
نطاقه؛ دون نسيان أهم عنصر ينبني عليه الموضوع المعني بالدارسة ،و هي الوقوف على
اإلشكالية المركزية التي تعالج في صلب البحث ،وصـــــــوال إلى إعالن منهج/مناهج البحث
و خطته.
تتجلى أهمية الموضوع الذي نحن بصدد البحث فيه ،في الدور الذي ينهض به القضاء،
ليس فقط في إعمال نصوص القانون و لكن أيضا في حماية حقوق األجراء ،و ضمان
حرياتهم في إطار القانون .و لوال األهمية التي يكتسيها القضاء االجتماعي و القضاء عموما،
ما كان المشرع الدستوري ليخصص فصال يبرز فيه أهمية القاضي قائال":يتولى القاضي
حماية حقوق األشخاص و الجماعات و حرياتهم و أمنهم القضائي و تطبيق القانون".17
فتكمن أهمية دراسة موضوع" الحماية القضائية لألجير" ،في كونه يمس شريحة
واسعة من المجتمع أال وهي فئة األجراء ،التي تسعى جاهدة في تحقيق االستقرار بالعمل؛
وبالتالي ضمان االستقرار األسري والنفساني ،خاصة في ظل األوضاع االقتصادية الحالية
التي تتسم بعدم الثبات.
كما يعتبر الموضوع الذي نحن بصدده من األهمية بمكان ،ذلك أنه يتطرق للجانب
العملي في تطبيق المقتضيات الشغلية أال وهو الجانب القضائي باألساس ،مع دعمه ببعض
المواقف الفقهية التي تطرقت للموضوع بشكل عام دون الخوض في الجزئيات ،باإلضافة
- 17الفصل 117من الدستور المغربي ،الصادر بال ظهير الشريف رقم 1.11.91الصادر في 27من
شعبان 29( 1432يوليو )2011بتنفيذ نص الدستور ،الجريدة الرسمية عدد 5964مكرر بتاريخ 28
شعبان 30( 1432يوليو ،)2011ص .3600
10 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إلى كون الموضوع لم يكن موضوع أي دراسة متخصصة ،إذ أن مجمل األبحاث قد عالجت
هاته الحماية في عموميتها ،أو تطرقت له من أحد الجوانب فقط ،كاألجر ،أو مدة الشغل ،أو
الفصل التعسفي و تعديل عقد الشغل...إلخ.
كما تبرز أهمية الموضوع أيضا في الوقوف على دور القضاء في حماية األجير ،و
معرفة وسائل تدخله في ذلك ،خاصة إذا علمنا أن األجير يوجد في منطقة ضعف بالمقارنة
مع مشغله ،الذي يملك السلطة في تأديبه و التعديل في بنود عقد العمل أو فصله دون مراعاة
شروط ذلك ،ما لم يتدخل القضاء للحد من هذه السلطة و إخضاعها للضوابط التي يفرضها
القانون ،و بالتالي معرفة مظاهر حماية األجير في ضوء العمل القضائي ،أي القيام بدارسة
عملية في ضوء األحكام و القرارات القضائية الصادرة في المادة االجتماعية ،في مجال
النزاعات الفردية 18المتولدة عن تطبيق مدونة الشغل.
فتتضح أهمية هذه الدراسة أيضا ،في مرور 15سنة على دخول مدونة الشغل حيز
التنفيذ ،وبالتالي يتعين علينا معرفة اإلشكاالت العملية التي من شأنها أن تضعف الحماية
المنشودة لألجير ،محاولة منا لدفع المشرع لإلسراع بالتدخل ،خاصة إذا ما علمنا أن اجتهاد
القضاء ا الجتماعي و في محاولة منه لحماية األجير ،يعرف تضاربا في بعض قراراته و
أحكامه.
و بالتالي سيكون باألهمية بمكان بحث األفكار القوية التي تحرك العمل القضائي من
خالل األحكام الصادرة في الموضوع ،و إن كنا لكثرتها ،سنقتصر على خوض حاالت معينة
دون األخرى ،و هو ما سيحد من النتائج التي سيسفر عنها البحث ،إال أن انتقاء البعض منها،
البد و أن يكون قد تم التفكير فيه بعمق ،مادام سيركز في غالبيته على أهم اإلشكاالت
المطروحة حاليا.
- 18يراد بالنزاعات الفردية هي التي ال تمس إال مصالح فردية ،تتعلق أساسا بحقوق األجير الشخصية،
في حين أن النزاعات الجماعية هي التي تمس المصالح الجماعية لألجراء ،إما نتيجة عدم تطبيق القانون
الجاري به العمل أو نتيجة خرقه أو إلغاؤه .للمزيد من التفصيل ،راجع في هذا اإلطار:
-علي الصقلي ":نزاعات الشغل الجماعية و طرق تسويتها السلمية في القانون المغربي" ،أطروحة
لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة سيدي
محمد بن عبد هللا-فاس ،السنة الجامعية ،1989/1988ص .14
11 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
كما أن قصور الحماية القانونية لألجير ،إما لغموض النصوص القانونية أو لفراغات
تشريعية ،ال شك سيدفع أي باحث و يغري أي مهتم بالشأن القانوني عامة و الحقل
االجتماعي خاصة ،إلى محاولة البحث حول هاته الحماية أمام القضاء و الوقوف عند أهم
وسائل تدخله ،خاصة إذا ما علمنا أن التشريع بما يتميز به من عمومية و تجريد ال يضع إال
حلوال وسطى ،و ال يخصص حلول فردية لكل النزاعات ،كما ال يمكن تصور توفيق المشرع
بين خاصيتي االستقرار و االستمرارية.
هكذا ،دراسة هذا الموضوع أصبحت تفرض نفسها في وقت أصبح فيه القضاء
االجتماعي المغربي يحتل مكانة هامة ،بعد أن عرف طفرة كمية و نوعية ،و بعد أن شب عن
الطوق ،متلمسا طريقه بعيدا عن أي تبعية عمياء للقضاء األجنبي ،خاصة القضاء الفرنسي،
باعتباره المدرسة األولى التي تربى في أحضانها ،و إن كانت عالمية قانون الشغل ،و
مصادقة المغرب على العديد من االتفاقيات الدولية في مجال تنظيم الشغل جعلت من
االقتباس القضائي أمرا اعتياديا ،و لكن في الحدود التي تتوافق و خصوصيات واقعنا
االقتصادي و االجتماعي ،و بما يتماشى و حماية الطرف الضعيف في العالقة الشغلية:
األجير.
لما كان القضاء االجتماعي قد اتسع اختصاصه ،بالنظر في النزاعات الفردية المتعلقة
بعقود الشغل أ و التدريب المهني والخالفات الفردية التي لها عالقة بالشغل أو التدريب
المهني ،و التعويض عن األضرار الناتجة عن حوادث الشغل واألمراض المهنية طبقا
للتشريع الجاري به العمل ،و النظر في النزاعات التي قد تترتب عن تطبيق المقتضيات
التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضمان االجتماعي ،19فلن نبحث في كل هذه االختصاصات
12 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
،التي 20
إنما فقط النزاعات الفردية المتضمنة في مدونة الشغل ،دون النزاعات الجماعية
يكون أحد أطرافها منظمة نقابية لألجراء أو جماعة من األجراء ،ويكون هدفها الدفاع عن
مصالح جماعية ،مهنية ،لهؤالء األجراء ،و التي تختص بها هيئات متنوعة و بدرجات
متفاوتة.21
ويقصد بالنزاعات الفردية في الشغل تلك التي ال تمس إال مصالح فردية ،تتعلق أساسا
بحقوق األجير الشخصية ،فهي كل خالف يقوم بين األجير أو المتدرب من جهة و المشغل أو
ممثله من جهة ثانية ،بمناسبة أو بسبب تنفيذ العالقة الشغلية ،إلخالل أحدهما بااللتزام من
االلتزامات المحددة في العقد أو لخرقه أو عدم امتثاله لنص قانوني أو تنظيمي أو اتفاقي ،مما
يسبب ضررا للطرف اآلخر.
و نظرا لطبيعة المنازعات الفردية ،و ما قد ينشأ عنها من مضاعفات و إخالل باستقرار
عالقات الشغل الفردية ،و ما يترتب على ذلك من إخالل بالحقوق و االلتزامات المقررة
للطرفين ،فإن مدونة الشغل قد أحاطتها بعناية تنظيمية خاصة ،كما وضعت لها إجراءات
تسوية متميزة ،قصد تسهيل معالجتها و تسويتها في مختلف المراحل التي تمر بها ،ابتداء من
مرحلة التكوين و السريان ،وصوال لمرحلة إنهاء و انتهاء العالقة الشغلية.
"- 20نزاعات الشغل الجماعية" هي الخالفات الناشئة بسبب الشغل ،والتي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية
لألجراء أو جماعة من األجراء ،ويكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية ،مهنية ،لهؤالء األجراء.
كما تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخالفات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها مشغل واحد،
أو عدة مشغلين ،أو منظمة مهنية للمشغلين ،ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين أو
المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين(المادة 549من مدونة الشغل).
-ظهير شريف رقم 1.03.194صادر في 14من رجب 11( 1424سبتمبر )2003بتنفيذ القانون رقم
65.99المتعلق بمدونة الشغل ،الجريدة الرسمية عدد 5167بتاريخ 13شوال 8( 1424ديسمبر
،)2003ص .3969
- 21الكتاب السادس من القانون رقم 65-99المتعلق بمدونة الشغل.
للوقوف حول موضوع تسوية النزاعات الشغل الجماعية ،راجع في هذا اإلطار:
-محمد الشرقاني ":النظام القانوني للمفاوضة الجماعية :الحوار االجتماعي" ،الطبعة األولى،
دار اآلفاق المغربية-الدار البيضاء،2014 ،
--محمد سعيد بناني ":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل :عالقات الشغل الجماعية"،
الجزء الرابع ،المجلد األول ،الطبعة األولى ،مكتبة دار السالم-الرباط.2011 ،
-رشيد رفقي":الصلح و التصالح في المادة االجتماعية" ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة-
الدار البيضاء.2010 ،
13 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و إذا كانت مهمة القضاء االجتماعي تتحدد أساسا في تنزيل نصوص القانون
االجتماعي دون االنحراف عنها ،فالقاعدة تنص أنه ال اجتهاد مع وجود نص ،و لكن لما
كانت بعض النصوص غامضة أو تحمل أكثر من تأويل ،فإنه يعمد إلى تفسيرها و الوقوف
عندها الستجالء معانيه ا ،و معرفة المقصد و الهدف من وراء وضعها ،و قد يلجأ القضاء
االجتماعي أحيانا إلى تكميل النصوص بسبب النقص الحاصل فيها ،و أحيانا أخرى ،قد يفسر
النص الواحد بتفسيرات مختلفة أخذا بعين االعتبار األوضاع االجتماعية المختلفة لألجراء،
لذلك سيكون نطاق دراسة موضوعنا ينحصر في الحماية القضائية لألجير على مستوى
التكريس التشريعي للمقتضيات التشريعية الحمائية ،و تدخل القضاء االجتماعي لحماية
األجير عند الغموض أو الفراغ التشريعي.
:2منهج البحث
من أجل مالمسة اإلشكالية المحورية و التساؤالت الفرعية التي يطرحها هذا
الموضوع ،فإننا سن عتمد على الثالثي المؤطر للدراسة القانونية ،و المتمثل في كل من
التشريع ،و االجتهاد القضائي ،و الفقه في بعض المواقف .و مادام موضوع البحث يتعلق
بدراسة الحماية القضائية لألجير ،فمن الطبيعي أن يكون المنهج المعتمد في البحث هو
المنهج التحليلي باألساس ،و المتمثل في دراسة األحكام و القرارات و تحليلها و مناقشتها.
و من أجل تحديد مكان قوة و ضعف هذه الحماية سنعتمد المنهج المقارن كلما سمحت
لنا فرصة ذلك ،كل ذلك من أجل البحث حول مدى توفق القضاء المغربي في حماية األجير.
إذا كان المشرع قد حاول إقرار حماية لألجير من خالل المقتضيات التشريعية لمدونة
الشغل ،فإن هذه األخيرة جاءت قاصرة عن استيعاب كل النزاعات التي تنشب بين األجير و
مشغله ،و أمام غموض بعض النصوص التشريعية أحيانا و الفراغ التشريعي أحيانا أخرى،
التدخل القضاء لمحاولة رسم الحدود الممكن في إطارها حماية األجير باعتباره طرف
ضعيف في العالقة الشغلية.
14 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و من تم ،فاإلشكالية الجوهرية التي يطرحها موضوع الحماية القضائية لألجير تتمثل
في الحدود الفاصلة بين الحماية القضائية لألجير من خالل تكريس المقتضيات التشريعية و
طريقة تعامله معها ،و حمايته من خالل االجتهاد القضائي عند غموض هذه النصوص و
تدخله حالة الفراغ التشريعي ،و من تم تحديد دور القضاء في حماية األجير ،فهل وفق
القضاء فعال في حماية األجير؟
لإلجابة عن اإلشكالية المركزية أعاله و كذا مختلف األسئلة المتفرعة عنها ،و من أجل
رفع اللبس و استجالء الغموض ،و توضيح الرؤيا ،و كذا الوقوف حول مختلف الجوانب
المتعلقة بالموضوع قيد الدراسة ،تقتضي منهجية البحث العلمي تناوله في فصلين ،هما:
15 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إذا كان األجير يسعى إلى الحفاظ على مصدر لقمة عيشه و حماية حقوقه المترتبة عن
عقد الشغل انطالقا من مبدأ االستقرار في العمل ،فإن هاجس المشغل يتجه أساسا نحو تحقيق
الربح و حماية المكتسبات االقتصادية للمقاولة كغاية أي مشروع تجاري ،و بين هذين
الهاجسين االجتماعي و االقتصادي يكون القضاء مطالب بفهم الخصوصيات التي ينفرد بها
القانون االجتماعي ،انطالقا من مبدأ التوازن بين االعتبارات االجتماعية و المصالح
االقتصادية ،و ذلك بالتطبيق السليم لمقتضياته و الفهم العميق لمبادئه في النظرة الكالسيكية
مع المفهوم الجديد لقانون الشغل ،و الذي لم يعد ينحصر في النظرة الكالسيكية لحماية األجير
كطرف ضعيف في عقد الشغل ،علما أن عقد الشغل كان دائما هو الضمانة األساسية التي
تحدد التزامات و حقوق كل طرف على حدة.
فقد وجد القضاء أحيانا في عقد الشغل المرتكز األساسي و الفعال لحماية حقوق األجير،
سواء ما تعلف منها بأداء األجر ،أو تحديد مكان تنفيذ الشغل ،أو عدم تحميل األجير فوق
طاقته ،إال أن ذلك ال يتم إال من خالل الحفاظ لألجير على مصدر دخله ،و هو ضمان شغل
قار له ،و من لم يأل هذا القضاء جهدا في بسط الحماية التشريعية حتى في حالة حصول
تغييرات بالمؤسسة ،إما في بنيتها ،أو في أشخاص مسيريها ،انطالقا من مبدأ استمرارية عقد
الشغل ،و التي ال يمكن أن تؤثر فيها التكييفات التي يضفيها األطراف على عالقتهم.
إال أن المنازعة في إحدى هاته الحقـــوق غـــالبا ما ال تتم إال بمناسبة طرد األجير الذي
يعمد إلـــى الطعن قضائيا للمــطالبة بمــا يظهر له منها ،و قد تنحصر هــاته المطالبة في
تقرير تعسفية أو بطالن إجراء من اإلجراءات التأديبية ،مما يضطر القضاء إلى التدخل لحسم
الخالف ،و إعمال سلطته في المراقبة ،و هذا ما سيفرض بحث كيفيتها ،و عما إذا كــانت
مراقبة الحقة فقط ،أم أن هذا القضاء استطاع إجراء مراقبة ســابقة إلجراء الفصــل ،و إلى
أي مدى ذهب القضاء االجتماعي المغربي في تدخله في هذا المجــال؟ و هو ما سنتناوله
بنوع من التفصيل من خالل الوقوف في المبحث األول على التكريس القضائي للمقتضيات
التشريعية الحمائية العقدية لألجير ،و المقتضيات الرقابية على تأديبه في المبحث الثاني.
16 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إن البعد الحمائي لقانون الشغل دفع القضاء على األقل إلى ضمان تقاضي األجير ألجر
عادل يتماشى و القوانين الجاري بها العمل ،هادفا من وراء ذلك الحد من التجاوزات التي قد
تثبت أحيانا في حق بعض المشغلين ،خاصة في المؤسسات الصغرى و المتوسطة ،التي
تعرف شبه فوضى فيما يخص عدم احترام الحد األدنى لألجور ،بل إن فئة من هؤالء
المشغلين تعمد إلى اتخاذ إجراءات تمييزية ،تحت ستار سلطتها التنظيمية إلبعاد بعض
األجراء من المؤسسة ،دون احترام للمكان المتفق عليه في تنفيذ عقد الشغل ،و في ظروف ال
تراعى فيها أدنى الحقوق ،بل إن هاته المؤسسات تعرف نوعا من االرتجالية ،و تعتمد
أساليب بعيدة عن الروح اإلنسانية ،و ال تراعى فيها أبسط القواعد االجتماعية و النفسية في
إدارة القوى العاملة ،حيث يتم نسج عالقة خاصة ،ترمي إلى إخضاع األجير و محو
شخصيته اإلنسانية ،دون مراعاة لظروفه الصحية ،أو قدراته الجسمانية على العمل ،و هو ما
يكرس المنظور المادي لعالقة الشغل ،باعتبار القوى العاملة ضمن وسائل اإلنتاج المعتمدة
لدى المشغلين متعاقبين ،و هو ما تفطن إليه المشرع المغربي و دفعه إلى التدخل أحيانا
بنصوص آمرة حماية للطرف الضعيف ،و قام القضاء بتثبيته إعماال إلرادة المشرع.
المطلب األول :تعامل القضاء االجتماعي مع النزاعات المثارة بشأن عقد الشغل
إذا كان المشرع المغربي قد توخى من خالل ربط األجير بالمؤسسة ،أكثر منها
بالمشغل ،ضمان استقرار عالقة الشغل ،في حالة تغيير المركز القانوني لهذا األخير ،فإن
التساؤل يظل مطروحا حول موقف القضاء أمام هشاشة هاته الرابطة ،خاصة بعد حصول
االنتقال الفعلي للمؤسسة بيد الغير ،22أو حالة ما إذا ارتأت هاته األخيرة ممارسة نشاط مغاير
- 22عز السعيد":العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .29
17 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
للسابق ،فهل استطاع هذا القضاء الحفاظ على مبدإ استقرار الشغل في كل هاته األحوال؟ و
ما هو االتجاه التي تبناه في القضايا التي لم يثبت له فيها وجود تعاقب بين المشغلين على
المؤسسة؟ و هي وضعية توحي بتعدد العالقات ،و تطرح دور القضاء ليس فقط في هذا
الشأن ،و لكن حتى في حالة تعاقب المشغلين متى لجأ بعضهم إلى تحايل قانوني من قبيل
التخلي عن المؤسسة لفائدة المالك الجديد(الفقرة األولى) ،بل إن دور القضاء يزداد أهمية في
الحالة التي يطال فيها التحايل ،التكييف القانوني لعقد الشغل ،مما يدفع القضاء في إطار دوره
اإليجابي ،إلى إضفاء الوصف الحقيق للرابطة العقدية التي تجمع الطرفين ،و ذلك من منظور
تكريس مبدإ استمرارية الشغل(الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :الحماية القضائية لألجير عند تغيير المركز القانوني للمشغل
إن لمبدأ استقرار الشغل أهمية بالغة في حياة األجير االقتصادية و االجتماعية ،و لعل
هذه األهمية هي التي جعلت التشريعات الحالية بما فيها المشرع المغربي تحرص على
دعمه ،من خالل مجموعة من القواعد و المقتضيات ،23و ذلك لضمان استمرار عالقة الشغل
ألطول مدة ممكنة و لتحقيق الطمأنينة في نفوس األجراء المعرضين لهاجس الفصل في صيغ
مختلفة تتنوع حسب الحاالت.
و من أهم القواعد اآلمرة التي تعكس روح و فلسفة قانون الشغل و المتمثلة في حماية
األجراء ،نجد قاعدة استقرار الشغل عند حدوث تغيير في المركز القانوني للمشغل ،24و التي
تم التنصيص عليها بمقتضى المادة 19من م ش ،فحددت أسباب و حاالت تغيير المركز
القانوني للمشغل على سبيل المثال ال الحصر الرتباط استقرار الشغل بالحق في الشغل كحق
دستوري.
- 23خالد بنهاشم":استقرار التعاقد في قانون الشغل" .بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،كلية
العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة الحسن الثاني عين الشق-الدار البيضاء ،السنة الجامعية
،2007/2006ص .23
24
- ( J F) CESARO:"La notion du transferts d'entreprise", Revue de Droit
social, N0 7/8 2005, p718.
18 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و المقصود بتغيير المركز القانوني للمشغل تغيير الصفة القانونية لهذا األخير ،حيث
يستمر النشاط المزاول نفسه أو نشاط يماثله تحت إدارة جديدة ،و هو ما يفضي إلى استبدال
مشغل بآخر عن طريق تصرفات إرادية أو غير إرادية ،ناقلة أو غير ناقلة للملكية ،25و هو
المعنى المستفاد من المادة 19من م ش.
فقد درج االجتهاد التقليدي للقضاء المغربي على اعتبار أن أي تحوير في المركز
القانوني لعالقة الشغل ال يؤثر في شيء على استمرارية األجير في عمله ،وفقا لما نص عليه
التشريع المغربي ،ضمانا الستقرار الشغل و ديمومته ،مهما كان نوع التصرف الذي بموجه
انتقلت المؤسسة للغير ،26سواء عن طريق اإلرث أو البيع أو اإلدماج...إلخ ،27و ذلك ألن
العالقة الشغلية تجد سندها في ارتباط األجير بالمؤسسة ،ال بأشخاصها.
و عليه فالمبدأ هو سريان الحقوق و الواجبات بين المشغل القديم و الجديد ،و لو حصل
التغيير المذكور عن طريق التصرفات القانونية المفضية لتغيير المركز القانوني الواردة في
مدونة الشغل (أوال) أو حسب اجتهاد القضاء االجتماعي(ثانيا).
الشك ،أنه من أهم القواعد اآلمر التي تعكس روح و فلسفة قانون الشغل و المتمثلة في
حماية األجراء ،قاعدة استقرار الشغل عند تغيير المركز القانوني للمشغل ،و التي تم
التنصيص عليها بمقتضى المادة 19من مدونة الشغل و التي جاء فيها ":إذا طرأ تغيير على
الوضعية القانونية للمشغل ،أو على الطبيعة القانونية للمقاولة ،وعلى األخص بسبب
اإلرث ،أو البيع ،أو اإلدماج ،أو الخوصصة ،فإن جميع العقود التي كانت سارية المفعول
حتى تاريخ التغيير ،تظل قائمة بين األجراء وبين المشغل الجديد ،الذي يخلف المشغل
- 25أحمد أزراف":تغيير المركز القانوني للمشغل و إشكالية استمرارية عقود الشغل" ،مقال منشور
بمجلة دعامات ،العدد ،4سنة ،2018ص .170
- 26عز السعيد":العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .30
- 27الفصل 754من ق ل ع....":إذا طرأ تغيير في المركز القانوني لرب العمل ،و على األخص بسبب
اإلرث أو البيع أو اإلدماج أو تحويل المشروع ،أو تقديمه حصة في شركة فإن جميع عقود العمل
الجارية في يوم هذا التغيير تستمر بين المالك الجديد للمشروع و بين عماله و خدمه و مستخدميه."...
19 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
يعتبر اإلرث من بين حاالت تغيير المركز القانوني للمشغل التي نصت عليها المادة
19من م ش ،ذلك أن وفاة المشغل ال تؤدي إلى إنهاء عقد الشغل ،بل العكس فهي مستمرة
28
مع ورثته طالما أنه ليس هناك اعتبار لشخصية الموروث في عقد الشغل.
غير أنه إذا كان األصل أن وفاة المشغل -بخالف األجير -ال تؤدي إلى إنهاء عقد
الشغل ،ألن شخصيته ليست محل اعتبار إذ تبقى عالقة الشغل قائمة بين األجراء و ورثة
المشغل ،29فهناك استثناء حيث تضع وفاة المشغل حدا لتلك العقود متى روعيت شخصيته و
أخذت بعين االعتبار وقت إبرام العقد ،كما لو كان محاميا ،طبيبا أو صيدليا ،حيث تنتهي
عقود الشغل سواء كانت محددة المدة أو غير محددة المدة ،30إذ ال يمكن للورثة االستمرار
في إدارة مؤسسة الموروث ألن ذلك يتطلب توفر مؤهالت علمية خاصة و على إذن خاص
بممارسة المهنة.
هكذا ،فالوارث يحل محل الموروث في حقوقه و التزاماته و ال يحل محله في أوصافه
التي يتطلب االتصاف بها شروطا خاصة ،و على هذا األساس يذهب قضاء المجلس األعلى
و الممثل في الغرفة االجتماعية إلى قول في أحد قراراته... ":31ورثة الصيدلي ال يحلون
- 28أحمد أزراف":تغيير المركز القانوني للمشغل و إشكالية استمرارية عقود الشغل" ،م س ،ص .171
- 29خالد بنهاشم":استقرار التعاقد في قانون الشغل" ،م س ،ص .26
- 30أحمد أزراف":تغيير المركز القانوني للمشغل و إشكالية استمرارية عقود الشغل" ،م س ،ص .172
- 31قرار صادر عن المجلس األعلى ،عدد ،111بتاريخ 5فبراير ،1994ملف اجتماعي عدد
،90/9732منشور بالمجموعة الكاملة لمجلة قضاء المجلس األعلى ،ع ،47س ،1995ص .206
20 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
محله في تسيير الصيدلية و االحتفاظ بمن يستغلها من العمال ألن ممارسة المهنة يتطلب
كفاءة علمية و إذنا بالممارسة."...
و من تم فهناك مراكز قانونية ،ال يمكن تصور تغييرها إال بالشكل القانوني المقرر لها
كمهنة الصيدلي مثال ،فوفاة الصيدلي ال يجعل عقد الشغل مع مستخدميه مستمرا مع خلفه
"الزوجة مثال" بحكم أن المهنة نظمها القانون في إطار خاص و تستوجب لممارستها
الحصول على رخصة ، 32و هو نفس األمر بالنسبة للطبيب و مهنة المحاماة ،إذ جاء في
حيثيات إحدى قرارات المجلس األعلى أنه...":حيث تبت صدق ما نعته الوسيلة على القرار
أن مهنة المحاماة منظمة بالقانون و أن ممارستها تتطلب شروط خاصة ،لذلك فإن ورثة
الهالك الطاعنين ال يمكنهم االستمرار في ممارسة مهنة مورثهم ،و بالتالي فإنه ال مجال
لتطبيق مقتضيات الفصل 754من ق ل ع ،و بذلك يكون القرار خارقا لمقتضيات الفصل
المحتج به و معرضا للنقض و اإلبطال".33
و نفس األمر بالنسبة لمهنة الطبيب و التي تقتضي توفر شروط شكلية و موضوعية
للحصول على رخصة من الجهة المختصة لممارستها ،و وفاة صاحبها يجعل حدا للممارسة
التي كان يقوم بها صاحب الرخصة ،و ال يمكن لخلفه أن يستمر في ممارسة عمله إال إذا كان
للمجلس 34
متوفرا على نفس الشروط و حاصال على رخصة ،وهو ما ذهب إليه قرار
األعلى ..":حيث صدق ما عابته الطاعنة على القرار ذلك أن الثابت من وقائع الدعوى أن
المطلوبة في النقض أكدت في مقالها أنها مم رضة و بهذه لصفة كانت تعمل لدى الطبيب(ل
م) مدة تزيد عن سبعة و عشرين عاما و لما توفي استمرت في العمل مع المدعى عليها
بوصفها زوجة له و القرار كان فاسد التعليل و محرفا لوقائع الدعوى لما اعتبر أن عالقة
العمل و مدتها غير منازع فيها و الحال أن الطاعنة قد أثارت و بشكل صحيح انعدام الصفة
32عمر النحال":تغيير المركز القانوني للمشغل" ،ندوة حول موضوع":مدونة الشغل بعد سنتين من
التطبيق" ،نظمتها وزارة العدل بتعاون مع وزارة التشغيل و التكوين المهني ،سلسلة الندوات و اللقاءات و
األيام الدراسية ،العدد التاسع ،2007 ،ص .108
- 33قرار المجلس األعلى عدد ،221مؤرخ في ،2000/3/21ملف اجتماعي ،عدد ،99/1/5/635غير
منشور.
- 34قرار صادر عن المجلس األعلى عدد ،681بتاريخ ،2000/7/19في الملف االجتماعي
،2000/1/5/202ص .219غير منشور.
21 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
في توجيه الدعوى ضدها كخلف للطبيب (ل م) و أنه طبقا للقانون فإن المهن المنظمة
بمقتضيات تقتضي توفر شروط شكلية و موضوعية للحصول على رخصة من الجهة
المختصة.....و ال يمكن لخلفه أن يستمر في مباشرة عمله إال إذا كان متوفرا على نفس
الشروط و حاصال على رخصة من الجهة المختصة."...
فإذا انتقلت إلى الوارث تلك الشروط الخاصة فال مجال إلعمال المادة 19من مدونة
الشغل ،و من تم تنتفي مسؤولية الوارث اتجاه األجراء عن المدة المتبقية من عقد الشغل إذا
كانت محددة المدة ،أو أجل اإلخطار إذا كانت غير محددة المدة ،و ال تبقى مسؤوليتهم قائمة
إال عن الحقوق المستحقة قانونا لألجراء.
يعد البيع من بين التصرفات القانونية التي ال تؤدي إلى تغيير المركز القانوني للمشغل
حسب ما جاء في المادة 19من مدونة الشغل ،حيث ال يفضي إلى انتقال المؤسسة أو المقاولة
من شخص إلى آخر عن طريق البيع إلى إنهاء عقود الشغل الجـــارية ،اعتبارا لكــــون
الــبيع -كتصرف قانوني ناقل للملكية -يعتبر من بين حاالت تغيير المركز القانوني للمشغل،
35
حيث تنتقل عقود الشغل إلى المالك الجديد للمقاولة.
و سار القضاء المغربي في نفس المنحى بتكريسه لمبدأ عدم تأثر استمرار عقود الشغل
بانتقال المقاولة إلى المالك الجديد ،و اعتبر أن كل تغيير على المركز القانوني لرب العمل
بسبب البيع و نحوه ال يؤثر على عقود العمل الجارية إلى يوم حصول هذا التغيير و تستمر
36
بين المالك الجديد للمشروع و بين عمال هذا المشروع.
و إذا كان قضاء المجلس األعلى يبلور مقتضيات الفصل 754من ق ل ع المقابل
للمادة 19من مدونة الشغل ،فما هي الحالة بالنسبة للبيع بالمزاد العلني باعتباره بيع يتم جبرا
ضد إرادة مالكه؟ هل تطبق قاعدة استمرار عقود الشغل؟.
- 35أسماء العبدالوي":أثر تغيير المركز القانوني للمشغل على عقود الشغل"،م س ،ص .24
- 36أحمد أزراف":تغيير المركز القانوني للمشغل و إشكالية استمرارية عقود الشغل" ،م س ،ص .174
22 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فالمشرع المغربي لم يدرج صراحة حالة البيع بالمزاد العلني ضمن حاالت تغيير
المركز القانوني للمشغل ،فإن عمومية لفظ "البيع" الوارد بالمادة 19من مدونة الشغل تجعله
قابال ألن يشمل البيع بالمزاد العلني سواء كان اختياريا أو جبريا ،37و هذا ما ذهب إليه
له حينما أقر قاعدة تقضي بأن التفويت الجبري للمقاولة من 38
المجلس األعلى في قرار
طرف دائنيها ينقل معه عقود الشغل المرتبطة بها إلى المفوت له جبريا ،و يصبح هذا األخير
مشغال يحل محل السابق في التزاماته القانونية في تنفيذ عقد الشغل.39
:3حالة اإلدماج
آلية اقتصادية و قانونية إلعادة هيكلة قطاع الشركات و تقوية قدرتها 40
يعد اإلدماج
التدبيرية و المالية و التنافسية عن طريق تركيز اإلمكانيات المالية و التقنية ،و تجميع
الطاقات البشرية مما يحقق التكامل و التعاون بين الشركات الخاضعة له ،41حيث أصبح
المشروع الكبير في هذا العصر المحرك الفعال لتحقيق التقدم االقتصادي و نشوء
.
المشروعات الضخمة
فاإلدمـــاج كمـــا عرفه د أحمد شكـري السباعـــي هو تكتل أو اتحاد شركتين أو ضم
(أو دمج) شركتين أو أكثر قصد تكوين شركة واحدة قوية لمواجهة إشكاالت السوق و
المنافسة الداخلية و الدولية و األعباء الضريبية و المصاريف و التعقيدات اإلدارية ،و في
سبي ل تحقيق الشركات للغايات و األهداف االقتصادية أساسا التي تصبو إليها من خالل
خضوعها لإلدماج ،ال ينبغي أن يكون ذلك على حساب فئة األجراء المرتبطة بهذه الشركات
- 37أحمد أزراف":تغيير المركز القانوني للمشغل و إشكالية استمرارية عقود الشغل" ،م س ،ص .174
- 38قرار للمجلس األعلى ،عدد ،699صدر بتاريخ ،18/06/2009ملف اجتماعي رقم -1-5-1043
،200غير منشور.
- 39أسماء العبدالوي":أثر تغيير المركز القانوني للمشغل على عقود الشغل" ،م س ،ص .24
- 40سواء استعملنا كلمة إدماج أو اندماج كالهما صحيح ،لكن الفرق بين االندماج و اإلدماج يتمثل في
كون االندماج اتحاد مقاولتين أو أكثر إلنشاء مقاولة جديدة باسم جديد ،في حين أن عملية االندماج هي
انصهار مقاولة في مقاولة أخرى مع احتفاظ هذه األخيرة باسمها أو تغييره حسب طبيعة النشاط الممارس
الجديد.
- 41محمد البعداوي ":اإلدماج بين الشركات :طبيعته القانونية و آثاره" ،المجلة المغربية لقانون األعمال
و المقاوالت ،ع ،4يناير ،2004ص .29
23 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
كونها ال تتجزأ من كيان هذه األخيرة ،و األكثر من ذلك تتأثر بالتطورات و التغيرات التي
42
تلحقها.
و لما كا ن اإلدماج يضفي حتما إلى انقضاء و انحالل الشركة المضمومة (حالة اإلدماج
عن طريق الضم) أو الشركات المدمجة (في حالة االندماج قصد تأسيس شركة جديدة) ،فإن
التساؤل يثار حول مصير عقود الشغل المبرمة بين األجراء و الشركات المدمجة.
إن انقضاء الشركة المضمومة أو الشركات المدمجة ال يؤثر على عقود الشغل الجارية
و المبرمة بين األجراء و بين شركات المنقضية ،إذ تظل هذه العقود قائمة و مستمرة مع
الشركة الضامة و الجديدة ،ال سيما مع إدراج المشرع المغربي صراحة حالة اإلدماج بين
الشركات ضمن حاالت تغيير الوضعية القانونية للمشغل التي تفضي إلى ديمومة عقود الشغل
السارية المفعول مع المشغل الجديد(الشركة الدامجة أو الجديدة) و ذلك ضمن المادة 19من
مدونة الشغل ،فالمشرع لم يعتبر اإلدماج سببا من أسباب إنهاء عقود الشغل حفاظا على مبدأ
استقرار الشغل ،و تتحمل الشركة الجديد حقوق و التزامات الشركة بعد انقضائها ،و تحل
محلها فيما لها و ما عليها ،و بدون حاجة لتحرير عقود جديدة مع األجراء.43
و اتجاه القضاء ال يختلف عما قرره المشرع و الفقه ،إذ لم يجعل من االندماج سببا
إلنهاء عقود الشغل السارية وقت حصول االندماج ،فالشركة الدامجة تتحمل حقوق و
التزامات الشركة الم ندمجة بعد انقضائها ،و تحل محلها فيما لما لها و ما عليها ،دون أن
يتطلب األمر إبرام عقود جديدة من طرف األفراد مع الشركة الدامجة ،و هو ما أكده المجلس
األعلى في قرار له..":حيث إن األصل التجاري هو نفسه انتهى في شركة(خ) و ليس هناك
تغير جذري في النشاط التجاري ،إذ الزالت المؤسسة تمارس نشاطا مقاربا جدا للنشاط
السابق.44"...
- 42أحمد أزراف":تغيير المركز القانوني للمشغل و إشكالية استمرارية عقود الشغل" ،م س ،ص .175
- 43خالد بنهاشم":استقرار التعاقد في قانون الشغل" ،م س ،ص .27
- 44قرار صادر عن المجلس األعلى عدد ،168بتاريخ 6فبراير ،1989في الملف االجتماعي رقم
88/9027م إ يونيو ،1989المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،1990 ،44ص .267
24 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و عموما فإن انتقال المقاولة عن طريق اإلدماج فإن جل العقود تنتقل بجميع الحقوق و
االلتزامات المقررة بنص القانون أو بعقد العمل أو بمقتضى النظام الداخلي للمقاولة
المندمجة ،غير أن مبدأ استمرارية عقود الشغل رغم تغيير األقدمية و بنفس المكافآت و
العطل المؤدى عنها و المعاشات ،كما تلتزم الشركة الدامجة بدفع مستحقات الصندوق
الوطني للضمان االجتماعي ،45غير أنه إذا كان بإمكان المشغل الجديد أن يراجع شروط
العمل مع كل عامل حسب ما يتفق مع سلطته في إدارة و تنظيم المقاولة ،فإنه ملزم بأن ال
يمس بالحقوق المكتسبة لألجير ،إال أن هذا األخير إذا فضل عدم استئناف عالقة العمل مع
المشغل الجديد فهو حر في اختياره ،لكنه يعتبر و الحالة هذه مستقيال من عمله و ال معقب في
ذلك على المشغل أو المقاول الجديد.
و من هذا المنطلق فإن السماح للمشغل الجديد بتعديل النظام الداخلي بشكل يمس
بالحقوق المكتسبة ألجراء الشركة المندمجة ،قد يفرغ مبدأ اسمرار عقد الشغل بعد تغيير
المركز القانوني للمشغل من محتواه ،ألن المشغل الجديد قد يعمد إلى استغالل إمكانية تعديل
النظام الداخلي للمقاولة لتضييق الخناق على األجراء و دفعهم إلى االستقالة من الشغل،
خاصة إذا كان في ذلك التعديل مساس خطير بحقوقهم األساسية ،كأن يتم تخفيض أجورهم
46
بشكل ملموس.
و تجدر اإلشارة إلى أنه يمكن أن تنتج عملية ادماج بين شركتين أو شركات لها نفس
النشاط ،مما يؤدي إلى حالة تكرار لبعض مناصب الشغل ،و يفرض هذا الوضع أن اإلبقاء
على أحد هذه المناصب يقضي إلغاء المنصب اآلخر ،و مادام من الناحية الواقعية يصعب
االحتفاظ بالمنصبين معا ،فإنه من حق الشركة الدامجة إلغاء أحدها لكن ما هو المعيار الذي
سنعتمده في هذا اإللغاء؟
- 45جواد الهداج ":تغيير المركز القانوني للمشغل" ،م س ،ص .34
- 46عز سعيد":العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .32
25 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
نعتقد أن هذا اإلشكال يرتبط بمسائل التنظيم و الهيكلة ،مما يفرض على المشغل احترام
مسطرة ترتيب اإلعفاء المنصوص عليها في المادة 4771من م ش ،أي األخذ بعين االعتبار
عنصر األقدمية أوال ،ثم الكفاءة المهنية ثانيا ،ثم األعباء العائلية لألجير في المرتبة األخيرة.
تختلف كلمة الخوصصة من بلد ألخر و يؤدي هذا االختالف إلى الغموض ،مما يجعل
تطبيق هذه العملية يختلف باختالف الدول .48و على مستوى القانون الدستوري المغربي
يقصد بها تحويل نشاطات تجارية و اقتصادية من القطاع العام إلى القطاع الخاص طبقا
للفصل 71من دستور 2011الذي يجعل خوصصة المؤسسات العمومية من اختصاص
البرلمان.
إال نحن ما يهمنا هو الجانب االجتماعي للخوصصة و أساسا فئة األجراء و مصير
عقود شغلهم بعد عملية التحويل ،فالتساؤل المطروح هو ما يتعلق بموقع رهان المحافظة
على التشغيل ضمن استرتيجية سياسة الخوصصة بالمغرب ،أو مدى إمكانية الحفاظ على
مستوى التشغيل بالمقاوالت العمومية المخوصصة؟
إن تنصيص المشرع المغربي صراحة على الخوصصة ضمن الفقرة السابعة من
الفصل 754من ق ل ع ،يرجع إلى تأثره بالتشريعات المقارنة و خاصة التشريع الفرنسي
القديم لسنة 1928و التي لم تدرج بدورها حالة الخوصصة إلى جانب حاالت انتقال المقاولة
- 47تنص المادة 71من م ش على ":يباشر الفصل المأذون به بالنسبة إلى كل مؤسسة في المقاولة تبعا
لكل فئة مهنية ،مع مراعاة العناصر الواردة أدناه:
-األقدمية؛
-القيمة المهنية؛
-األعباء العائلية.
يتمتع األجراء المفصولون باألولوية في إعادة تشغيلهم ،وفق الشروط المنصوص عليها في المادة
508أدناه".
- 48خالد بنهاشم":استقرار التعاقد في قانون الشغل" ،م س ،ص .36
26 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
من جهة ،و كذا إلى اعتبار الخوصصة ظاهرة حديثة فرضت وجودها في السنوات األخيرة،
49
حيث إنها لم تكن معروفة في الوقت الذي عدل فيه الفصل 754/7من ق ل ع .1938
و إذا كان الفصل 754من ق ل ع ،قد ترك غموضا بالنسبة لبعض أشكال انتقال
المقاولة ،فإن المادة 19من م ش أضافت حالة جديدة ،و يتعلق األمر بتحويل المؤسسات
العامة إلى القطاع الخاص.
و ال شك أن رغبة المشرع في تأمين استقرار الشغل هي التي دفعت به إلى إضافة حالة
الخوصصة إلى حاالت انتقال المقاولة ،لما لهذه العملية خاصة من تأثير بالغ على هذا
االستقرار ،لذلك و حسما ألي نزاع يمكن أن يثار بشأن تحويل مؤسسات عامة إلى القطاع
الخاص ،اعتبر المشرع الخوصصة من قبيل التغيير الحاصل في المركز القانوني للمشغل
بين األجراء ،و الخلف بقوة القانون ،ألن هذه القاعدة من النظام العام و ال يجوز االتفاق على
مخالفتها.50
ثانيا :التصرفات القانونية المفضية لتغيير المركز القانوني حسب اجتهاد القضاء
االجتماعي
حسب المادة 19من م ش اعتبر المشرع المغربي التصرفات القانونية التي تؤدي إلى
تغيير المركز القانوني للمشغل على سبيل المثال و ليس الحصر ،فنتج عن هذا قياس
تصرفات كثيرة التي لم يأت ذكرها نظرا الستعصاء النص القانوني حسب احتياجات
المجتمع ،و ألن نفس االعتبارات الحمائية التي أخذت المشرع إلى استلزام إعمال قاعدة
المادة المذكورة عند حدوث تغيير في المركز القانوني للمشغل بفعل التصرفات الواردة بهذه
51
األخيرة تطرح نفسها أمام حدوث هذا التغيير بموجب تصرفات أخرى.
- 49أحمد أزراف":تغيير المركز القانوني للمشغل و إشكالية استمرارية عقود الشغل" ،م س ،ص .177
- 50رشيد الفياللي":المركز القانوني لألجير في ظل قانون الخوصصة"،مقال منشور بمجلة اإلشعاع،
العدد الرابع ،1990 ،ص ،59أورده :خالد بنهاشم":استقرار التعاقد في قانون الشغل" ،م س ،ص .27
- 51أسماء العبدالوي":أثر تغيير المركز القانوني للمشغل على عقود الشغل" ،م س ،ص .59
27 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
في هذا اإلطار عمد االجتهاد القضائي إلى اإلقرار بوجوب تمديد إعمال قاعدة
االستمرار القانوني لعقود الشغل المذكورة في المادة 19من م ش عن هذه التصرفات
القانونية ،التي أدخلت في حكم تلك الواردة في المادة المذكورة على سبيل القياس ،52و من
بينها حالة إخضاع األصل التجاري للتسيير الحر( )1و حالة إخضاع عملية االمتياز كإحدى
أساليب إدارة المرافق العامة ،و كذا التطرق إلشكالية تطبيق القاعدة المذكورة في حالة
التدبير المفوض(.)2
عرف المشرع المغربي عقد التسيير الحر لألصل التجاري من خالل الفقرة األولى من
المادة 152من مدونة التجارة...":عقد يوافق بمقتضاه مالك األصل التجاري أو مشغله على
إكرائه كال أو بعضا لمسير يستغله تحت مسؤوليته".
فحسب هذه المادة التسيير الحر عقد يتخلى المالك بمقتضاه للغير لمدة معينة عن حق
استغالل األصل التجاري مع احتفاظه بملكيته مقابل احتفاظ الغير بمنافع استغالله و تحمله
التكاليف الناتجة عن االستغالل مع التزامه بأداء الوجيبة الكرائية لفائدة المكري.
غير أن المقتضيات القانونية المنظمة لهذا العقد -من 152إلى -158لم تتعرض
لوضعية األجراء سواء قبل إبرامه أو بعده ،كما أن مدونة الشغل لم تدرج حالة التسيير الحر
لألصل التجاري ضمن حاالت تغيير المركز القانوني للمشغل الواردة بالمادة 19من م ش،
و التي تلزم استمرارية عقود الشغل مع المشغل الجديد.
و قد تقضى القضاء المغربي أثر القضاء الفرنسي ،53بان أقر بوجوب إعمال مقتضيات
الفصل 754/7من ق ل ع (المادة 19من م ش) في حالة التسيير الحر للمشروع ،و ذلك في
- 52أحمد أزراف":تغيير المركز القانوني للمشغل و إشكالية استمرارية عقود الشغل" ،م س ،ص .179
- 53لقد طبق القضاء الفرنسي المادة L122_ 12/2من قانون الشغل على التسيير الحر لألصل التجاري،
و من تم اعتبر أن عقود الشغل تستمر في حالة إيجار األصل التجاري معتبرا أن إيجار هذا األخير يعتبر
تغييرا في المركز القانوني للمشغل على سبيل المثال ال الحصر ،للمزيد راجع في هذا اإلطار:
28 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
قرار صادر عن األعلى جاء فيه ...":حيازة الطالب لفندق بموجب حكم قضائي ألجل
تسييره لحين استيفاء الديون المترتبة له بذمة الشركة المالكة ،يجعله بمثابة المسير الحر
للمشروع ،و بالتالي المشغل الجديد للعمال و المستخدمين الجارية عقود عملهم وقت
الحيازة ،و هو ما يندرج ضمن مقتضيات الفصل 754من ق ل ع" ،54و سيرا في نفس
المغربي بضرورة إضافة حالة التسيير الحر إلى الحاالت الواردة 55
المنحى أقر بعض الفقه
بالمادة 19من م ش ،و ذلك حتى في حالة إنهاء ذلك العقد.
االمتياز يعني تعهد اإلدارة إلى أحد األفراد أو الشركات بإدارة مرفق عام اقتصادي و
استغالله لمدة محدودة ،و ذلك عن طريق أجراء و أموال يقدمها الملتزم و على مسوؤليته،
56
في مقابل تقاضي رسوم من المنتفعين لهذا المرفق العام.
وقد ذهب القضاء المغربي إلى اعتبار االمتياز سبب من أسباب تغيير المركز القانوني
للمشغل ،رغم عدم النص عليه في المادة 19من م ش كما سبق اإلشارة إليه ،فتم قياسا على
الحاالت الموجودة بهذه المادة حماية لمصلحة األجير.
و من خالل التعاريف الفقهية المحددة لمفهوم عقد االمتياز استعمالها لعبارة "الملتزم
الذي يستعمل أمواله و عماله إلدارة المرفق" و كذا عبارة "عن طريق عمال و أموال يقدمها
الملتزم و على مسؤوليته" يفيد عدم تحمل الملتزم االحتفاظ باألجراء العاملين بالمرفق العام
الخاضع لطريقة االمتياز ،و عدم تحمل الملتزم االحتفاظ باألجراء على هذا النحو ،57و يعتبر
-بوعبيد الترابي":تغيير المركز القانوني للمشغل على ضوء العمل القضائي المغربي و المقارن"،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و
االجتماعية ،جامعة محمد الخامس السويسي -الرباط ،السنة الجامعية ،2007/2006ص .38
- 54قرار عدد ،970صادر بتاريخ ،1999/10/6في الملف االجتماعي عدد ،99/202أوردته أسماء
العبدالوي":أثر تغيير المركز القانوني للمشغل على عقود الشغل" ،م س ،ص .62
- 55أحمد أزراف":تغيير المركز القانوني للمشغل و إشكالية استمرارية عقود الشغل" ،م س ،ص .180
- 56أحمد حميوي":المركز القانوني لألجير في ظل قانون الخوصصة بالمغرب" ،أطروحة لنيل دكتوراه
الدولة في الحقوق ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد بن عبد هللا-فاس ،السنة
الجامعية ،2006/2005ص .16
- 57أسماء العبدالوي":أثر تغيير المركز القانوني للمشغل على عقود الشغل" ،م س ،ص .70
29 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
جانب من الفقه معيارا من معايير التمييز بين أسلوب االمتياز و أسلوب التدبير المفوض
للمرافق العامة ،إذ يذهب د عبد هللا حداد في هذا اإلطار إلى أن الملتزم في يتعهد بتوفير
األموال و العمال ،بينما التدبير المفوض يحتفظ المفوض إليه بالمستخدمين مع مراعاة
حقوقهم ،58و هذا ما نجده في المادة 26من قانون 05-54المتعلق بالتدبير المفوض ،و التي
أكدت على احتفاظ المفوض إليه بالمستخدمين التابعين للمرفق العام مع الحفاظ على حقوقهم
المكتسبة ،و كذا إمكانية التنصيص في العقد على مقتضيات مخالفة ،إال أن االستثناء الذي
منح للمفوض إليه يترك له الحرية من أجل التحكم في مصير المستخدمين و حقوقهم المكتسبة
و استغاللهم حسب مصلحته الشخصية و تحقيق الربح له دون اعتبار لهؤالء المستخدمين.
يتضح مما سبق أنه من أهم القواعد القانونية اآلمرة التي تعكس الطابع الحمائي لألجير
هي قاعدة استمرارية عقود الشغل عند تغيير المركز القانوني للمشغل ،و التي نصت عليها
المادة 19من مدونة الشغل ،و أمام بروز حاالت لم ترد ضمن مقتضيات المادة السالفة الذكر
عمل القضاء على توسيع الوقائع التي تدخل ضمن حاالت تغيير المركز القانوني للمشغل،
حماية لألجير و ضمانا لحقوقه و مكتسباته.
و عليه فوفق الصيغة المعتمدة لحل هذا النزاع ،آثر القضاء عدم اعتبار حلول مشغل
محل آخر سببا قاصرا إلنهاء عالقة الشغل السارية ،معتبرا أن المحافظة على العقود ما بين
األجراء و المقاول الجديد ،إنما تتم بطريقة أوتوماتيكية ،إذ تستمر في إنتاج آثارها بوحي من
القانون نفسه ،و من تم فإن أي تنازل عن الحقوق المكتسبة بمقتضاها ال ترتكز على
أساس ،59و هو ما ذهبت إليه محكمة النقض في إحدى قراراتها و الذي جاء فيه..":ذلك أن
الثابت من خالل وثائق الملف أن المطلوبة في النقض ارتبطت مع الطالبة مصحة زرهون
التي حل ت محل مصحة الكورنيط بعد إغالقها ،بعقد شغل كتابي مؤرخ في 2010/08/17
موقع عليه من طرفها و الذي لم يكن محل أي طعن جدي من طرفها ،و بالتالي فإن ما
ذهبت إليه المحكمة المطعون في قرارها من كون عقد الشغل بين الطرفين بقي مستمرا
لكون مصحة زرهون حلت محل مصحة الكورنيط رغم وجود عقد جديد بين الطرفين
- 58أحمد أزراف":تغيير المركز القانوني للمشغل و إشكالية استمرارية عقود الشغل" ،م س ،ص .182
- 59عز سعيد":العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .31
30 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
ارتضته و قبلته األجيرة بتوقيعها عليه في غياب ما يفييد بقاء المشغلة الجديدة تؤدي أجور
عمال المشغلة القديمة أثناء فترة اإلغالق ،يجعل قراراها معلل تعليال ناقصا و يتعين
نقضه" ،60ألن قاعدة استمرارية العالقة الشغلية في األحوال السالفة تعد من النظام العام ،و
بالتالي يعتبر االتفاق على ما يخالفها عديم األثر ،فاستمرارية عقد الشغل نابعة من القانون ،و
ليس نتيجة أي تسوية تفاوضية بين األطراف.
و من تم نستخلص أن إرادة المشغلين ،أو األجراء ال تلعب دور في الحفاظ على عقود
الشغل ،و ليس على المشغل المتنازل أن يخبر كل فرد على حدة بالتغيير المستقبلي لشخص
المشغل ،كما ال يمكن لألجير الذي لم يقبل االستبدال الحاصل ،أن يطعن في االتفاق ،بعلة أن
هذا الحلول الجديد يعد بمثابة تغيير جوهري للعقد ،يخوله الحق في إنهائه ،و بالتالي تحميل
تبعات ذلك على عاتق مشغله األول.
فالعالقة الشغلية تستمر بغض النظر عن إرادة األجير التي ال يمكن أن تعمل إال في
لحظة التغيير الفعلي ،و التي يكون فيها لكال الطرفين ممارسة حق الفسخ الفردي ،الذي يتمثل
بالنسبة لألجير في االستقالة ،شرط أن يكون عقد الشغل غير محدد المدة ،و على أن يتحمل
61
عواقبها.
و قد يعمد المشغل ،مراوغة لمبدإ استقرار الشغل في الحاالت السابقة ،إلى التخلص
من بعض األجراء قبل أن يتم النقل الفعلي للمؤسسة للمقاول الجديد ،مما تصبح معه الحماية
التشريعية التي كرسها القضاء غير مجدية ،و لعل هذا ما دفعه إلى التصدي ،إلحباط هاته
المناورة القانونية التي ترمي إلى إفراغ النص القانوني من مضمونه اإليجابي ،فاعتبر
تعسفيا ،الفصل الحاصل نتيجة غش ،أو تواطؤ المقاولين المتعاقبين عند إرادتهم التحايل
بالقانون على القانون ،من خالل استعمال حق الفسخ باإلرادة المنفردة و الذي قد يتخذ صورا
شتى كاالدعاء الكاذب بإغالق المؤسسة ،مع أنه قد يتم تحويلها للغير بعد مدة يسيرة ،بل نجد
- 60قرار لمحكمة النقض ،مؤرخ في ،2015/11/29ملف اجتماعي عدد ،2015/1/5/719غير منشور.
61
-Gerard lyon cean et Jean Pélissier: "Les Grands arrêts de droit du
travail",Paris-éd Sirey 2 éd 1980, P 292.
أورده :عز السعيد":العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .31
31 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
أن القضاء المغربي قام بإعطاء مبدأ الشغل القار ،مدلوال أكثر عمقا ،حين اعتبر أن عقد
الشغل يستمر مع المقاول الجديد ،و لو توقف النشاط لمدة تفوق ثمان سنوات ،و هو ما يظهر
لنا من حيثيات قرار المجلس األعلى المؤرخ في 1989/2/6الذي جاء فيه":إن توقف المقهى
بعد مغادرة األجنبية للمغرب ،و لمدة تفوق ثماني سنوات ،لم يغير من المركز القانوني
62
للطرفين ،المشغل و األجير ،فاألصل التجاري هو نفسه."...
إن لمبدإ استقرار الشغل أهمية بالغة في حياة األجير االقتصادية و االجتماعية ،و لعل
هذه األهمية هي التي جعلت التشريعات الحالية بما فيها التشريع المغربي في إطار االستجابة
لمطالب المنظمات المهنية بضرورة توسيع دائرة و نطاق مبدأ المرونة في عالقة الشغل ،كما
حرصت المنظمات المهنية بضرورة توسيع دائرة و نطاق مبدأ المرونة في عالقة الشغل،63
كما حرصت على دعم األجراء من خالل مجموعة من المقتضيات لضمان استمرار عالقة
الشغل ألطول مدة ممكنة و كذا لتحقيق الطمأنينة في أنفسهم.
و إذا كان المشرع قد حدد أشكال العقود المحددة المدة ،فإن أرباب المقاوالت مع ذلك
يلجأون إلى إبرام عقود الشغل المحددة المدة إلنجاز أعمال تبدو من حيث الوصف المعطى
لها مؤقتة ،و لكنه في الواقع تتجاوز الحدود القانونية لذلك الوصف ،64و ذلك بهدف إبقاء
األجير في وضعية العامل المؤقت ،للتملص من االلتزامات و الحقوق المتوجبة لألجير القار،
األمر ا لذي يستوجب النظر في قضية تأويل إرادة الطرفين سواء من خــــــالل تكييف العقد
- 62عز سعيد":العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .35
63
-La chrats mohamed et la kouissi Lobna:"les clauses de garantie d'emploi
un remède contractuel aux maux de la résiliation du contrat de travail",
Revue des affaires juridiques et judiciaires, Numéro 2, janvier 2017, P45.
- 64أسماء الشرقاوي":الرقابة على سلطات المشغل في القانون المغربي" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في
الحقوق ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد الخامس أكدال-الرباط ،السنة
الجامعية ،2013/2012ص .210
32 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و إعطائه الوصف الحقيقي له في حالة الغموض ،أو إعادة تكييفه ،و للقضاء دور رائد في
هذا المجال.65
إذ جعل القضاء االجتماعي من ضمن أهدافه ،تأمين حماية األجير ،و ذلك بضمان أجره
القار عن طريق اعتبار أنه يعمل تحت تبعية المشغل لمدة غير محددة ،إال أن هذا الطموح
القضائي و التشريعي قد يصطدم ببعض المعوقات ،منها ما هو ناتج عن الظروف
االقتصادية ،و منها ما يرجع أساسا لعقلية المشغل الذي قد ال يتعاقد وفق مبدأ حين النية.
فيجد معه القضاء نفسه مضطرا إلى التدخل إلضفاء الوصف الحقيقي على العقد
المبرم ،فالتحايل القانوني للمشغل قد يتخذ عدة صور ،منها تعاقده لمدة محددة ،و ذلك تهربا
من االلتزام الذي يولده عقد الشغل غير محدد المدة ،فقيام المشغل بإخفاء الطبيعة القانونية
تحت ستار تكييف ظاهري وهمي دفع القضاء إلى التدقيق في هاته العقود ،بقصد إيجاد
المعيار األمثل للتمييز بين العقدين ،و قد جعله ذلك أحيانا يقوم بتحديد العقد استنادا لطبيعته،
66
و ذلك "بربطه مع ذاتية العمل المنجز.
فعملية التأويل و إعادة التكييف أدت بالقضاء إلى أن يستجلي خبايا النصوص و
غموضها ،و هو ما أفرز إنت اجه لعدة قواعد قضائية كان لها كبير األثر في المساهمة في
الدفع بعجلة التشريع إلى األمام من خالل تقنينها في مدونة الشغل.
33 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إن عدم إعطاء المشرع المغربي في مدونة الشغل تكييفا لعقد الشغل في فترة االختبار،
جعله موضوع جدل من طرف الفقه ،و ذلك قصد إعطاء التكييف الخاص له ،فانقسم بذلك
إلى ثالث اتجاهات رئيسية :منهم من اعتبره عقد تمهيديا" ،67"L'avont-contratو منهم
من اعتبره معلقا على شرط واقف ،و هناك من ذهب إلى اعتباره معلقا على شرط فاسخ،68
مما دفع بالقضاء للتدخل إلعطاء تكييف لعقد الشغل أثناء فترة االختبار حماية لألجير و
تكريسا لمبدأ استقرار الشغل.
و ال ريب أن فترة االختبار تشكل عقد شغل مؤقت ،بحكم أنه يمهد الطريق إلدماج
األجير محل االختبار في إطار عمل محدد المدة أو غير محدد المدة ،كما أن كل طرف يملك
في هذه الفترة حق فسخ هذا العقد دون سابق إعالم و دون حصول الطرف اآلخر على
تعويض ،و هذا هو المبدأ العام الذي كان سائدا قبل صدور المدونة ،إال أن هذه األخيرة أتت
بمستجد جديد يمكن اعتباره استثناء من المبدأ العام الذي ال يستحق معه األجير أي تعويض
69
في حالة إنهاء عقد الشغل المؤقت.
و رغم كونه عقد شغل مؤقت ،فإنه و بعد مضي أجله يستفيد األجير من التعويض عن
أجل اإلخطار ،غير أن مدونة الشغل حددته في أجل ال يمكن أن يقل عن ثمانية أيام ،و إذا ما
34 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
استمر األجير في العمل بعد انتهاء فترة االختبار يطرح إشكاال أمام القضاء االجتماعي حول
طبيعته.
و في هذا اإلطار ذهبت محكمة النقض إلى أن استمرار العمل بعد انتهاء فترة االختبار
المحددة قانونا حسب الحالة ،يترتب عنه عدم إمكانية إنهاء عقد الشغل دون مبرر ،إذ جاء في
حيثيات إحدى القرارات ...":فإن من الثابت أن ورقة األداء المتعلقة بمارس 2007المدلى
بها من قبل المطلوب أنها تشير إلى أن تاريخ نهاية الفترة المؤدى عنها األجر هي
2007/03/31و دون أن يرد في نهايتها هي 2007/03/11كما ورد في الوسيلة ،مما
تكون مدة ثالثة أشهر محددة لفترة عمل المطلوب في فترة االختبار قد تجاوزها ،و تكون
الطالبة غير محقة في إنهاء عقد الشغل بدون مبرر بعد فترة االختبار ،كما يفهم من الفقرة
األولى من المادة 13من مدونة الشغل التي تنص على أن :فترة االختبار هي الفترة التي
يمكن من خاللها ألحد الطرفين إنهاء عقد الشغل بإرادته دون أجل إخطار و ال تعويض.
و يبقى ما ورد بالوسيلة األولى من أن المحكمة اعتمدت على تاريخ غير حقيقي
مرتكز على أساس".70
و في قرار آخر لمحكمة النقض جاء في حيثياته ...":حيث أن فترة االختبار و إن كان
من حق المشغل تجديدها مرة واحدة كما تنص على ذلك مقتضيات المادة 14من مدونة
الشغل فإن هذا الحق في التمديد لم يرد التنصيص عليه كتابة في العقد الرابط بين المطلوب
و ط البة النقض و لم تدل هذه األخيرة بما يفيد تمديدها ،لذلك فإن المطلوب بقضائه في
عمله مع مشغلته مدة التجربة المنصوص عليها في العقد المحدد في ثالثة أشهر ،فإنه
يعتبر أجيرا قارا...و طالما أنه ال يوجد هناك ملحق عقدي يسمح لمشغلته بتمديد فترة
االختبار إلى ثالثة أشهر أخرى ،فإنها بإنهائها لعقد الشغل المذكور تكون فسخته بطريقة
تعسفية موجبة للتعويض".71
35 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و هو نفس التوجه الذي سارت عليه محاكم الموضوع ،كما هو الشأن لحكم ابتدائية
تمارة الذي جاء فيه ":لكن حيث إنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 14من مدونة الشغل
نجد أن المشرع قد حدد فترة االختبار بالنسبة للمستخدمين في شهر و نصف و انه يمكن
تجديدها مرة واحدة و انه لما كان الثابت من وثائق الملف أن العالقة بين الطرفين امتدت
ألكثر من المدة القانونية المذكورة و ذلك بإقرار المدعى عليه فإن العقد الذي يربطهما
يكون هو عقد عمل صحيح و ليس مجرد فترة اختبار الشيء الذي يكون معه ما دفع به
المدعى عليه غير مرتكز على أساس و يتعين رده".72
هكذا ،يجد القضاء االجتماعي العقد مرتكزا لحماية األجير ،باعتبار العقد شريعة
المتعاقدين ،فإذا ما تمت مدة االختبار ،يجب أن يرتب األجير في إحـــــــدى أصناف الخدمة
و اعتبر أجيرا رسميا.
ال شك أن من أبرز التعديالت التي عرفتها المقتضيات المنظمة لعالقة الشغل تلك التي
همت عقود الشغل ،و قد بدا واضحا الحضور القوي لهاجس المشرع التوفيق بين مصالح
المشغل في كسب قدر كبير من المرونة من جهة و مصالح األجير المتمثلة في تعزيز هامش
73
أوسع لالستفادة من استقرار عالقة الشغل من جهة أخرى.
و ينتصب عقد الشغل المحدد المدة من العقود التي شملتها تلك التعديالت بعد الموقف
الباهت و المضطرب لتشريع الشغل السابق الذي أتعب القضاء و خلف االرتباك في صفوفه
خالل مرحلة طويلة في مساره ،و كما ال يخفى على أحد أنه لم يقتصر أمر اعتبار عقد الشغل
غير المحدد المدة هو األصل على المشرع المغربي فقط ،بل إن العديد من التشريعات تعتبر
العقد غير المحدد المدة هو األساس الذي تقوم عليه عالقة الشغل ،و بالتالي فهو ال يثير أي
36 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إشكال ،و يبقى االستثناء هو اللجوء إلى عقود الشغل المحددة المدة ،74و التي يتم اللجوء إليها
لتحقيق مهمة خاصة و محدودة من ناحية الزمان ،و بالتالي ال يمكن إبرام عقد الشغل محدد
المدة بشكل مطلق ،فحرية المشغل في إبرام هذه العقود مقيدة تشريعيا ،و في حالة إبرام عقد
محدد المدة في غير الحاالت التي نص عليها القانون ،يتم تكييف العقد و اعتباره غير محدد
المدة.75
و هذا ما سار عليه القضاء االجتماعي في األحكام الصادرة عنه ،ما لم يكن هناك نص
مكتوب يتضمن خالف ذلك ،ألنه في هذه الحالة فالقضاء مدعو إلى إعــــــــــادة تكييف العقد
و تصحيح الوضع ،وفق ما تضمنه العقد لهذه العالقة لإلطالع على نية األطراف ،و وفق ما
تنص عليه األعراف المهنية ،و كذلك باالعتماد على طبيعة العمل الذي يتم إنجازه.
كما أثبت الواقع في المرحلة الراهنة تراجع العقود الشفوية لصالح العقود المبرمة
كتابة ،و هذا إن كان ييسر على القضاء مهمة البحث عن إرادة األطراف وفقا للقواعد العامة،
فإنه ال يقضي على النزاعات المتعلقة بتكييف عقد الشغل بصفة نهائية ،فالبنود التي يتضمنها
العقد ال تتسم دائما بالوضوح و الدقة ،فاإلشكال ال يطرح بالنسبة للعقود المبرمة كتابة بقدر
ما يتعلق بالعقود الشفوية التي يتوقف تكييفها و تحديد ماهيتها على ما يثبته الطرفين ،76لكون
عقد الشغل ال يعتبر استثناء من العقود المبنية على مبدأ سلطان اإلرادة إعماال لقاعدة العقد
شريعة المتعاقدين ،لذلك فإن البعد الحمائي الذي يستحضره القضاء عند بثه في النزاعات
المرتبة عن تنفيذ هذا العقد هو الذي يضمن حماية األجير من كل التعسفات المحتملة من جهة
- 74سعيد عز البوشتاوي ":عقد الشغل محدد المدة في ضوء القانون المغربي و المقارن" ،الطبعة
األولى ،دون ذكر الطبعة ،2005 ،ص .60
- 75بلقاسم بنبراهيم ":حماية األجير في عقد الشغل محدد المدة" ،تعليق على قرار محكمة النقض ،عدد
،1069الصادر بتاريخ 15شتنبر ،2011في الملف االجتماعي عدد ،1077/1/2010منشور بمجلة
العلوم القانونية ،العدد الثاني ،2015 ،ص .195
- 76صباح كوثو":أنواع عقد الشغل" ،مقال منشور بمجلة المنارة للدراسات القانونية و اإلدارية ،ع ،14
،2016ص .182
37 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المشغل ،كما يضمن حماية المؤسسة االقتصادية من كل تهاون أو تقصير في أداء العمل على
الوجه المطلوب و لم يكن المشرع المغربي متغاضيا عن هذه الحماية.77
و إذا كان المشرع المغربي قد نظم عقد الشغل محدد المدة في صلب مدونة الشغل ،فإن
هذا التنظيم جاء قاصرا على استيعاب كل أحكام العقد المذكور ،و هذه الثغرة التشريعية بدون
أدنى شك لصالح المشغلين ،فهل كان للقضاء دور في إعادة تكييف وصف هذه العقود؟ و هل
وفر القضاء االجتماعي حماية لألجير الذي يعاني من اإلنهاء المبستر لعقده؟.
هكذا ،نجد القضاء االجتماعي يذهب إلى اعتبار أنه إذا كان لطرفي عقد الشغل المشغل
واألجير حرية إبرام عقد الشغل لمدة محددة ،فيجب أن يأتي توافقهما في نطاق المادتين 16و
17من مدونة الشغل ،اللتان أورد فيهما المشرع على سبيل الحصر الحاالت االستثنائية التي
يسمح فيها بإبرام عقد الشغل لمدة محددة ،و عند عدم القدرة على إثبات ذلك اعتبر العقد غير
محدد المدة و استحق معه األجير مجموع التعويضات التي أقرها المشرع لعقد الشغل غير
المحدد المدة باعتباره األصل ،و هو ما جاء في قرار 78لمحكمة النقض ... ":إال أن المشغلة
لم تستطع إثبات أي حالة من الحاالت المشار إليها أعاله (المادة ...)17- 16حيث تبين
صحة ما عابته الطالبة على القرار المطعون فيه ،ذلك أنه وإن كان لطرفي عقد الشغل
(المؤاجر واألجير) أن يبرما العقد بتوافق إرادتيهما ،إال أن ذلك العقد يتعين أن يرد في
نطاق المقتضيات القانونية المنصوص عليها بمدونة الشغل ،ما دام التعاقد في النازلة قد تم
بعد دخول المدونة حيز التنفيذ .ولما كان المشرع وبمقتضى المادتين 16 :و 17من مدونة
الشغل قد نص على سبيل الحصر على الحاالت التي يتم فيها إبرام عقد الشغل محدد المدة،
مما يفيد أن األصل هو عقد الشغل غير محدد المدة ،علما بأن الطرف الفاسخ لعقد الشغل
غير محدد المدة بدون مبرر ،يترتب في حقه األثر القانوني المتمثل في أدائه التعويض
- 77محمد المنصوري":حماية عقد الشغل من خالل أهم القرارات الصادرة عن المجلس األعلى(لمدة
خمسين سنة)" ،مداخلة بالندوة الجهوية التاسعة ،بمقر محكمة االستئناف بأكادير 06-05 ،يونيو ،2007
جمعية التكافل االجتماعي لقضاة و موظفي المجلس األعلى ":عقود العمل و المنازعات االجتماعية من
خالل قرارات المجلس األعلى" ،الطبعة األولى ،مطبعة األمنية ،2007 ،ص .139
- 78قرار صادر عن محكمة النقض ،عدد ،1069بتاريخ 15شتنبر ،2011في ملف اجتماعي عدد
،2010/1/5/1077منشور بمجلة قضاء محكمة النقض ،ع ،2012 ،75ص .259
38 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
للمتضرر من ذلك الفسخ ،خالفا لعقد الشغل محدد المدة ،فإنه بانتهاء مدته يفسخ تلقائيا،
وال يترتب عن ذلك الفسخ أي تعويض ،فإن محكمة االستئناف عندما اعتبرت عقد الشغل
المدرج بالملف هو عقد محدد المدة ،دون أن تبرز إحدى الحاالت المنصوص عليها حصرا
بالمادتين 16و 17المذكورتين ،يكون قرارها المطعون فيه غير مرتكز على أساس
قانوني سليم لخرقه المقتضى القانوني المثار ،مما يعرضه للنقض."..
فإبرام عقد الشغل في غير الحاالت الواردة في المادة 16و 17من مدونة الشغل يجعل
عقد الشغل غير محدد المدة ،فللقاضي االجتماعي سلطة إعادة تكييف مدة عقد الشغل ،و هو
ما جاء في قرار 79آخر لمحكمة النقض...":حيث إن المادة 16تنص على" "...و المادة 17
نصت على " ،"...و إذا كان العقد محدد المدة في سنة فإن استمرار الطرفين في تنفيذ هذا
العقد من شأنه أن يحول هذا العقد إلى عقد غير محدد المدة ،بمعنى أنه في غير هذه
الحاالت الواردة في المادتين 16و 17أعاله فإن عقد الشغل يعتبر غير محدد المدة ،و لما
كان عقد الشغل المبرم بين الطاعنة و المطلوبة في النقض ال يوافق أية حالة من الحاالت
الواردة أعاله فإنه يبقى غير محدد المدة ،خاصة و أن الطاعنة لم تثبت أن عملها موسمي
و أن ما تدعيه من أن نشاطها يزداد هو دفع يعوزه اإلثبات...و ال مجال لتطبيق الفصل
230من ق ل ع مادام أن الحقوق التي تقرها المدونة تعتبر حدا أدنى ال يمكن التنازل عنه،
و على هذا األساس فإن المادتين 16و 17من م شهما األولى بالتطبيق."...
إلى جانب حصر المشرع لحاالت اللجوء إلى عقد الشغل المحدد المدة بموجب المادتين
16و 17من مدونة الشغل ،فإرادة األطراف ال يمكن أن تكون كذلك خارج مقتضيات المادة
516فيما يخص عقود تشغيل األجانب من حيث إلزامية التأشير عليها من لدن السلطة
39 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و هو ما سارت عليه محاكم الموضوع ،كما هو الشأن لحكم ابتدائية تمارة ":وحيث
لئن كان الثابت من أوراق الملف و مما راج أمام المحكمة بجلسة البحث أن المدعي أجير
أجنبي من ساحل العاج ،و قد أبرم مع المدعى عليها عقد عمل مؤقت لمدة أربعة أشهر
دون أن يحدد هذا العقد تاريخ بداية العمل و ال نهايته ،فإن المشرع أوجب في المادة 516
من مدونة الشغل على كل مشغل يرغب في تشغيل أجير أجنبي أن يحصل على رخصة من
قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تسلم على شكل تأشيرة توضع على عقد الشغل ،و
يعتبر تاريخ التأشيرة هو تاريخ بداية عقد الشغل ،كما يجب أن يكون عقد الشغل الخاص
40 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
باأل جانب مطابقا للنموذج الذي تحدده السلطة الحكومية المكلفة بالشغل ،وحيث إنه و لما
كان العقد المستدل به مخالفا لهذه المقتضيات اآلمرة فإن العقد هو باطل عديم األثر".81
باإلضافة إلى أن لمشرع لم يميز بين المشغل األجنبي و المشغل المغربي فكالهما
يخضع لمقتضيات المادة 516من حيث الحصول على الرخصة بالشغل من قبل السلطة
الحكومية المعنية ،و هو ما كرسته محكمة النقض في قرار 82لها...":المشرع لم يميز بين
المشغل األجنبي و المشغل المغربي عند تشغيله األجير فكالهما يخضع لمقتضيات المادة
516من مدونة الشغل ،و المحكمة لما ثبت لها من بطاقة تعريف األجيرة أنها من جنسية
فرنسية ،و أن عقد العمل الرابط بينها و بين المشغل األجنبي يخضع للمقتضيات أعاله ،و
رتبت على ذلك بطالن عقد الشغل لغياب الرخصة بالشغل من قبل السلطة الحكومية
المعنية ،تكون قد عللت قراراها تعليال كافيا."..
و إن كان المشرع قد حدد حاالت اللجوء إلى عقود الشغل المحددة المدة ،فإن اإلشكال
يثار عند محاولة تكييف عقود الشغل ذات الطبيعة الموسمية كحالة من الحاالت ،لكون
المشرع تجنب إعطاء أي مفهوم قانوني للعقود الموسمية ،و إن كان هو المنحى الذي سلكته
معظم التشريعات المقارنة ،83و هو ما يدفعنا لطرح سؤال يتعلق بالعناصر المعتمدة من
القضاء االجتماعي إلضفاء صفة الموسمية على العقد؟
و لكون هذا النوع من العقود عرف انتشارا واسعا في العديد من الميادين ذات األشغال
الموسمية المختلفة كما هو الشأن في المجال الفالحي و الصيد البحري الذي يفوق عدد
العاملين فيه الس تين ألف ،و هو يبقى كذلك العقد المفضل بالنسبة للمقاوالت التي تشتغل في
- 81حكم ابتدائية تمارة ،بتاريخ ،2016/06/30ملف نزاعات الشغل ،2015/1501/774غير منشور.
- 82قرار محكمة النقض ،عدد ،570بتاريخ 24أبريل ،2014في الملف االجتماعي عدد
،2013/1/5/262نشرة قرارات محكمة النقض ،ع ،2015 ،19ص .23
- 83في هذا اإلطار نجد وزارة التشغيل الفرنسية و في سبيل محاولتها وضع تفسير لسماح المشرع
الفرنسي باستخدام أجراء مؤقتين من أجل القيام بعمل موسمي بموجب الفصل ،11-122اقتبست الصياغة
التي تبنتها بعض االتفاقيات الجماعية ،حيث اعتبرت من خالل دوريتها المؤرخة في 30أكتوبر ،1990
أنه يقصد باألشغال الموسمية":تلك التي عادة ما تكون مدعوة للتكرار كل سنة في تاريخ ثابت تقريبا
بحسب تواتر المواسم ،و أنماط الحياة االجتماعية و التي يتم إنجازها لفائدة إحدى المقاوالت الخاضعة
في نشاطها لنفس التقلبات" ،سعيد البوشتاوي ":عقد الشغل المحدد المدة في ضوء القانون المغربي و
المقارن" ،م س ،ص .212
41 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المجال الفندقي مادامت السياحة الجبلية أو الساحلية تعرف تدفقا في فترة الصيف أو إبان
تساقط الثلوج ،مما يدفع بأصحابها إلى االستعانة بأيدي عاملة إضافية لحين انتهاء المواسم
الرئيسية ،84فكان الب د للقضاء االجتماعي من جهته محاولة التصدي للفراغ التشريعي في
مجال تحديد العقد الموسمي.
هكذا ،اعتبر المجلس األعلى في العديد من القرارات ،أن موسمية العمل المسند لألجير
تتوقف على ثبوت اشتغاله لفترة تقل عن المدة المتطلبة قانونا العتباره أجيرا قارا ،و قضى
تبعا ل ذلك بنقض عدة قرارات استئنافية بعلة أن األجير مجرد عامل موسمي استنادا للمدد
الواردة في بطاقة التنقيط ،و هو المنحى الذي سلكه قضاة الموضوع الذين استنتجوا بدورهم
نفس الصفة بناء على أوراق األداء ،و بطاقة الشغل ،85كما حمل المجلس األعلى في قرار له
األجير عبء إثبات استمراريته في العمل عند ادعاء المشغل للموسمية ،و هو نفس المبدأ
الذي أعاد التأكيد عليه في قرار له في ،862001/02/28و اعتبر في قرار آخر أن تجديد
النشاط بصفة دورية ال يكسب األجير صفة األجير القار مادام المشغل متشبث بالموسمية ،و
هو ما جاء في حيثيات قرار لمحكمة النقض..":لكن حيث أن الثبات من وثائق الملف و من
تصريحات األطراف و شهادة الشاهدين أن الطالبة تشتغل مع المطلوبة في تلفيف الخضر
من شهر شتنبر إلى شهر يونيه ،و هو ما يجعل العمل الذي تقوم به ذا طبيعة موسمية لعدم
إمكانية استمراره بعد ذلك نتيجة عدم توفر المنتوج الفالحي موضوع التلفيف مما يجعل
العقد الرابط بين طرفي الدعوى عقدا رسميا ،و ال ينزع عنه هذه الصفة اشتغال الطالبة في
نفس العمل لسنوات متعددة ،إذ أن كل عقد ينتهي بانتهاء فترة التلفيف ليبدأ عقد جديد عند
بداية موسم جديد ،و ما يؤكد ذلك الوثائق األخرى المضمنة بالملف و منها التصريحات
باألجور لدى الصندوق الوطني للضمان االجتماعي التي تشير إلى اشتغالها لفترات متقطعة
من كل سنة ،و كذا اشتغالها لدى جهات أخرى ،و كذا اإلشعار الذي تبعت به المشغلة
- 84سفيان ققوش":عقد الشغل المحدد المدة على ضوء العمل القضائي" ،م س ،ص .165
- 85سعيد البوشتاوي":عقد الشغل المحدد المدة في ضوء القانون المغربي و المقارن" ،م س ،ص.105
-- 86بشرى العلوي":الفصل التعسفي لألجير على ضوء العمل القضائي" ،م س ،ص .72
42 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
لمفتش الشغل عند بداية و نهاية موسم التلفيف برسم كل موسم فالحي ،87"..و هو ما
كرسته محاكم الموضوع كما يتضح من قرار لمحكمة االستئناف بمكناس...":و حيث أنه و
بالرجوع إلى وثائق الملف و مستنداته خاصة شهادة األجر المدلى بها ،التي تحمل بصمته
و توقيعه...يتبين أنها تحمل صفة المدعي كأجير موسمي...و تتضمن البيانات المحددة في
قرار وزير التشغيل الصادر في ،2005/02/09مما يؤكد أنه لم يكن يشتغل لدى المستأنف
عليها بشكل دائم و مستمر أي لمدة تفوق سنة ،و إنما كان يشتغل بشكل متقطع و خالل
فترات غير مترابطة و ان صفة المستأنف هو أجير موسمي اقتضت ظروف عمله في
الضيعة الفالحية اشتغاله بكيفية موسمية و بحسب الحاجة إلى العمل وفقا لمقتضيات المادة
....16و بالتالي باألجير ال يكون محقا في الحصول على التعويضات التي نص عليها
المشرع من الضرر و الفصل و اإلخطار.88"..
و هو ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها جاء فيه ..":حيث أن الثابت من خالل
وثائق الملف خاصة شهادة العمل أن عالقة الشغل بين الطرفين مستمرة منذ
2007/09/03كأستاذ باجرة شهرية إلى غاية توصله بقرار فصله عن العمل بتاريخ
2012/03/01تسلمه بتاريخ 2012/03/06حسب محضر التبليغ بنفس التاريخ و أن
المشغلة لما اعتبرت العقد الرابط بينها و بين المطلوب هو عقد شغل محدد المدة باعتباره
موسميا طبقا للمادة 16من مدونة الشغل دون تقديمها الدليل على أن عقد الشغل أبرم لمدة
محددة ،و هو ما تكذبه شهادة العمل و شهادة األجر المدلى بها بالملف التي تثبت
استمرارية عمله منذ تاريخ 2007/09/03إلى غاية توصله بقرار الفصل بتاريخ
2012/03/06حسب محضر المفوض القضائي ،و من تم ال يعتبر عمله موسميا و لمدة
محددة و يبقى ذلك خاضع لمقتضيات مدونة الشغل التي تعتبر الحقوق الواردة فيها حد
43 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
أدنى ال يمكن التنازل عنه ،و أن محكمة االستئناف المؤيد للحكم االبتدائي لما اعتبرت أن
العقد غير محدد المدة و قضت له بالتعويضات تكون قد طبقت المقتضيات القانونية تطبيقا
سليما".89
إال أن مجرد تضمين العقد أو أوراق األداء أو بطاقة الشغل صفة الموسمية ال يعتبر
بحد ذاته دليال على كون العمل المؤدى موسميا ،بل ال بد من االعتداد بطبيعة العمل المتعاقد
بشأنه ،ذلك أن إبرام العقود في موسم معين ال يعني بالضرورة أن األجراء استخدموا في
أعمال موسمية ،و عليه فدور القاضي يجب أن ينصب على مطابقة األشغال مع مفهوم العمل
الموسمي الذي ينبغي أن يكتسي بدوره طابعا دوريا و متقطع و لو في أكثر من موسم في
السنة ،90عالوة على ذلك ليس من الضروري أن ترتبط الموسمية بشعبة معينة من النشاط ،و
هو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسة في قرارها الصادر بتاريخ 26أكتوبر ،1999إلى
القول بكون قضاة الموضوع على صواب متى تبين لهم أن نشاط المقاولة ينحصر في إنتاج
مواد بالستيكية ،و هي مواد تصلح لكل االستعماالت و في كل المواسم و ال تقتصر
االستفادة منها فقط خالل فصل معين ،و بذلك فهي لم تكن تعمل في حقل نشاط موسمي
خاص بالتخييم فقط ،كما اعتبر نفس القضاة في قضية مشابهة أن أنشطة مقاوالت البيع
بطريقة المراسلة ال تبرر اللجوء إلى للعقد الموسمي ،ألن هذه األنشطة تستمر دون توقف
على مدار السنة ،كما أن االستغناء عن العامل بعد انتهاء الموسم ال يترتب عليه أي
91
تعويض.
فيالحظ أن محكمة النقض تستمد طبيعة عقد الشغل الموسمي من الوصف الذي يعطيه
المشغل لهذا العقد من خالل الوثائق الصادرة عنه ،كما تطبق ذلك أيضا على أي وصف يفيد
أنه مؤقت ،مع أن هذا الوصف يجب أن يخضع لمراقبة المحكمة و ما إذا كان مطابقا للمعيار
الذي يميز بين العقدين.
44 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
كما أن إنهاء عالقة شغل ذات طابع موسمي ال يخول الحق في التعويضات الثالثية،
التي يكفلها القانون في حالة إنهاء عالقة الشغل المستمرة بشكل تعسفي ،92كما ذهبت في ذلك
لها ..":و حيث إن المحكمة و في إطار سلطتها 93
محكمة االستئناف بالقنيطرة في قرار
التقديرية في تقييم الحجج و تقدير قيمتها في اإلثبات و مادامت الوثائق المذكورة تعتبر
حجة كتابية ال يمكن دحض ما جاء فيها بشهادة الشهود ،فإنها تعتبر حجة كاملة و مقبولة
في إثبات طبيعة عالقة الشغل بين الطرفين وصفة األجير كعامل موسمي.
و حيث أنه ما دامت طبيعة عالقة الشغل بين الطرفين في نازلة الحال تكتسي طابعا
موسميا فإن إنهاء هذه العالقة ال يخول المستأنف عليه الحق في التعويضات الثالثية التي
يكفلها القانون في حالة إنهاء عالقة الشغل المستمرة بشكل تعسفي ،و بذلك يكون الحكم
االبتدائي قد جانب الصواب فيما قضى به من تعويض عن الضرر و عن الفصل و عن
األخطار و يتعين إلغاؤه و الحكم تصديا برفض الطلب".
و لكون عقد الشغل يبرم إما لمدة غير محددة أو محددة أو إلنجاز شغل معين ،94و أن
ينتهي بانتهاء الشغل الذي كان محال له كما جاء في 95
هذا األخير هو عقد محدد المدة
97
مقتضيات المادة 33من مدونة الشغل ،96و هو ما أكدته محكمة النقض في قرار
لها..." :لكن خالفا لما جاء بالوسيلة فإن واقع الملف يؤخذ منه أن نشاط المطلوبة مرتبط
- 92قرار استئنافية القنيطرة ،قرار عدد ،453صدر بتاريخ ،2017/06/12:ملف ،2017/1501/51غير
منشور.
- 93قرار محكمة االستئناف بالقنيطرة ،رقم ،454:بتاريخ ،2017/10/05:ملف 16/1501/750:غير
منشور.
- 94الفقرة األولى من المادة 16من مدونة الشغل.
- 95فيما ذهب القضاء الفرنسي إلى اعتبار"العقد المبرم من أجل إنجازه أشغال معينة إلى اعتباره عقد
غير محدد المدة ،لكون ال يعرف تاريخ نهاية إنجاز األشغال ،مثل العقد المبرم إلنجاز فيلم سينمائي،
حيث اعتبرت محكمة النقض الفرنسية بأن هذا العقد هو غير محدد المدة ،"...سفيان ققوش ":عقد الشغل
المحدد المدة على ضوء العمل القضائي" ،م س ،ص .170
- 96و هو المعطى الذي أكده قرار للمجلس األعلى بقوله..":و حيث تبين إذن أن العقد الرابط بين
الطرفين كان من أجل عمل معين و لم يكن عقد غير محدد المدة ،الشيء الذي ينتهي معه بانتهاء
المشروع و دون أداء أي تعويض عن اإلشعار أو اإلعفاء أو الضرر التعسفي ،"...قرار أورده :إدريس
فجر":مساهمة في دراسة نظرية العقد أسباب انقضاء عقد العمل" ،م س ،ص .393
- 97قرار صادر عن محكمة النقض ،عدد ،1389بتاريخ ،2012/08/02ملف اجتماعي عدد
،2010/1/5/1997غير منشور.
45 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
بقطاع البناء و تزاوله في إطار أوراش مما يجعل نشاطها مرتبطا باألوراش و هو ما تؤكده
شهادة التصريح باألجور ،إذ تشير إلى أن األجير كان يشتغل لدى المطلوبة لفترات منقطعة
غير متواصلة و في أوراش محددة،كما تشير أيضا إلى أنه اشتغل لفترات أخرى لدى
مشغلين آخرين غير المطلوبة ،و هو ما أقر به الطاعن نفسه خالل جلسة البحث الذي
أدرته المحكمة االبتدائية ،إذ أفاد أنه عندما تتوقف الشركة يذهب للعمل لدى جهات أخرى
من أجل لقمة العيش ،مما يؤكد اشتغال الطاعن لدى المطلوبة من حين آلخر في إطار
أوراش معينة ،و تنتهي عالقة الطرفين ببعضهما بانتهاء األشغال بكل ورش ،مما يجعل
عمل األجير مرتبط بالورش ألن عالقته بالمطلوبة تكون من أجل إنجاز عمل معين ،و هو
ما تجيزه مقتضيات المادة 16من م ش...فالطاعن في النازلة عمل لدى المطلوبة من أجل
إنجاز شغل معين الرتباط عمله بأوراش البناء و التي تنتهي عالقته بالمطلوبة."...
و الشك أن هذا النوع من العقود هو اآلخر يثير جملة من اإلشكاالت العملية خاصة تلك
التي تهم التعاقد إلنجاز شغل معين في إطار األوراش ،و تلك المتعلقة بكيفية تحديد التعويض
المستحق لألجير في حالة ثبوت فسخ المشغل للعقد بصفة تعسفية قبل انتهاء الشغل المتفق
على إنجازه.
فاإلشكال يطرح عند التعاقد إلنجاز شغل معين في إطار األوراش حين تعدد األوراش
و تتوالى دون أن يفصل بينهما فارق زمني مهم ،فيجد األجير نفسه قد اشتغل بصفة مستمرة
و بدون انقطاع لمدة طويلة قد تقارب العشر سنوات أو ما يزيد ،فهل يكيف العقد هنا بكونه
غير محدد المدة و بالتالي يعتبر األجير هنا رسميا؟ إن هذا التوجه هو ما سار عليه المجلس
األعلى في قراره"عندما اعتبر اشتغال األجير في بناء سد لمدة تفوق األربع سنوات بصفة
مستمرة أجيرا رسميا رغم أن المشغلة أثارت و تمسكت بمقتضيات عقد العمل المبرم
إلنجاز شغل معين في إطار الورش" ،98و هو توجه أراد منه المجلس األعلى حماية األجير
- 98قرار صادر عن المجلس األعلى عدد ،2075بتاريخ ،1971/12/6أورده سفيان ققوش ":عقد
الشغل المحدد المدة على ضوء العمل القضائي" ،م س ،ص .170
46 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و تكريس مبدأ استقرار الشغل ،كما أن عمل األجير بعدة أوراش و بصفة مستمرة بانتقاله من
ورش آلخر و دون انقطاع ،يجعل العقد الرابط بين الطرفين عقدا غير محدد المدة.99
إال أن فصل األجير قبل انتهاء العمل المكلف به بالورش يعتبر فصال تعسفيا ،يبقى
األجير محقا في تعويض يحتسب من تاريخ توقيفه عن العمل إلى تاريخ انتهاء العمل المكلف
به بالورش ،و هو ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار 100لها...":و القرار االستئنافي لما
اعتبر أن العقد الرابط بين الطرفين هو عقد محدد المدة و أن للمشغلة حق تقرير إنهائه
دون حاجة ألي إجراء أو تعويض أو تبرير الفسخ ،و رتب اآلثار القانونية عن ذلك ،في
حين أن العقد و إن كان محددا ،فإن مدته محددة في انتهاء أشغال الورش للعمل الموكول
لألجير حسب ما تم التنصيص عليه في الفصل األول من عقد العمل الرابط بين الطرفين ،و
أن المشغلة لم تثبت واقعة إنهاء العمل المكلف به األجير بالورش المذكور ،مما يبقى معه
ما انتهى إليه غير مرتكز على أساس.".
كما نجد أن المشرع و معه القضاء عمل على حماية األجير و ضمان استقرار و
استمرارية شغله عند تخلف الشكلية التي أقرتها مدونة الشغل في عقد الشغل المحددة المدة،
يحوله إلى عقد شغل غير محمد المدة و يستفيد معه األجير من التعويضات التي أقرها
المشرع لهذا األخير باعتباره األصل ،و هو ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها جاء
فيه ...":حيث إن مقتضيات المادة 15من مدونة الشغل تنص على( )...و لما كان عقد
الشغل المحتج به من طرف الطاعنة من أجل إثبات أنه عقد محدد المدة ،ال يستوفي
الشروط الواردة بالمادة 15أعاله ،خاصة شرط تصحيح إمضاء الطرفين ،و المحكمة
- 99قرار محكمة النقض ،عدد ،875الصادر بتاريخ 9أبريل ،2015في الملف االجتماعي عدد
،2014/1/5/420نشرة قرارات محكمة النقض عدد ،2015 ،19ص .56
100قرار محكمة النقض ،عدد ،1015الصادر بتاريخ 24ماي ،2018في الملف االجتماعي عدد
،2017/1/5/458غير منشور.
و هو نفس المعطى الذي سبق أن أكدته محكمة النقض في قرار لها:
-قرار عدد ،783المؤرخ في ،2012/04/26ملف اجتماعي عدد ،2011/1/5/794غير
منشور.
47 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المطعون في قرارها لما استبعدته لهذه العلة و اعتمدت شهادة الشهود إلثبات العالقة
الشغلية و استمرارها ،كانت على صواب".101
و هو نفس المعطى الذي سبق أن أكدته محكمة النقض في قرار 102لها...":و المطلوبة
في النقض لما استدلت بعقد شغل محدد للمدة في 15يوما فقد كان عليها تبرير سبب
اللجوء إليه و ان هي لم تفعل ،فإن هذا العقد يبقى عديم األثر خاصة أنه و كما دفع الطالب
غير مستوف للشروط المنصوص عليها في المادة 15من مدونة الشغل و ذلك بعدم توقيعه
من طرف المشغلة و المصادقة عليه .و ان ما يؤكد دفع الطالب بأن عالقته بالمطلوبة هي
عالقة مستمرة ،و أن عمله كان غير محدد المدة تضمين شهادة التصريح باألجور الصادرة
عن الصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،التي تفيد أنه عمل بصفة مستمرة منذ يناير
2008لغاية نوفمبر 2010و هي حجة صادرة عن جهة رسمية و قد كان يتعين األخذ
بها ،"..فعدم احترام مقتضيات المادة 15من مدونة الشغل يجعل العقد المبرم كتابة حجة
غير ملزمة للقاضي االجتماعي إلثبات مدة عقد الشغل أي االستمرارية.
هكذا ،فالعقد الذي يجوز به إثبات مدة عقد الشغل ،هو ذلك الذي يستوفي شروط المادة
15من مدونة الشغل ،و هو المعطى الذي سبق و أن أكدته محكمة النقض في قرار لها...":
لكن خالفا لما ورد في السبب فإن العقد األخير المبرم بين الطرفين وبإقرار من المشغلة
أنجز بتاريخ 04/11/16إلى غاية 05/09/30و هو ما تأكده شهادة العمل الصادرة عنها
وأن مدونة الشغل تطبق عليه وطبقا ألحكام الفصل 15منها فإن عقد العمل الكتابي يجب
تحريره في نظيرين موقع عليهما من طرف ألجير والمشغل ومصادق على صحة إمضائهما
من قبل الجهة المختصة ويحتفظ األجير بأحد النظيرين ،وهذه الشروط الواجب توفرها في
عقد العمل الكتابي ال يتضمنها عقد العمل المستدل به من طرف الطالبة مما يجعله باطال
وغير منتج ألي اثر قانوني مما ترتب عنه أن عمل المطلوب لديها يكتسي صبغة االستمرار
48 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
وأنها لم تبرر طرد المطلوب بأي موجب قانوني مما ترتب عنه استحقاقه للتعويضات
المحددة له قانونا .103 "..
فإذا ما تم إبرام عقد الشغل كتابة ،و احترم مقتضيات المادة 15من مدونة الشغل ،تم
تحريره في نظيرين موقع عليهما من طرف األجير والمشغل و تمت المصادقة على صحة
إمضائهما من قبل الجهة المختصة ،فال يجوز إثبات ما يخالفه بشهادة الشهود ،و هو ما أكده
قرار 104لمحكمة االستئناف بمكناس ...":و حيث إن نائب المستأنف عليه أدلى ابتدائيا رفقة
مذكرته المؤرخة في 2018/2/24بعقد شغل محدد المدة موقع عليه من طرف المستأنف و
مصادق على صحة إمضائه في 2018/4/2لدى الجهة اإلدارية المختصة ،و لم يكن محل
طعن أو منازعة جدية ،خاصة أنه ال ينازع في أنه هو من قام بالتوقيع و المصادقة عليه
لدى الجهة المختصة ،و بالتالي فإنه كان يتوفر على الوقت الكافي و الظروف المناسبة
للتأكد من موضوع العقد و اإلطالع على مضمونه قبل التوقيع عليه و إرجاعه لمشغله،
فتوقيعه على العقد المذكور على العقد المذكور و مصادقته على هذا التوقيع لدى الجهة
المختصة يكون قد ارتضى جميع بنوده ،و الثابت ان العقد مدة العمل هي ستة أشهر،
باإلضافة أنه ما ثبت بالكتابة ال يجوز إثبات ما يخالفه بشهادة الشهود،فإن عقد الشغل
الرابط بين الطرفين هو عقد محدد المدة ينتهي بانتهاء مدته".
ف التكييف القضائي للعقد يمكن أن يستند إلى عدم وضوح القصد من األلفاظ المستعملة
في ا لعقد للتعبير عن اإلرادة عند إبرام العقد ،و التكييف في هذه الحالة يقوم على التباس في
- 103قرار صادر عن محكمة النقض ،636 ،بتاريخ ،2008/6/4ملف اجتماعي عدد ،2007/1/5/1044
مجلة قضاء محكمة النقض ،ع ،2009 ،71ص .291
و هو المعطى الذي كرسته العديد من قرارات محكمة النقض ،نذكر:
-قرار صادر عن محكمة النقض ،عدد ،307بتاريخ ،2016/02/23ملف اجتماعي عدد
،2015/1/5/291غير منشور.
- 104قرار محكمة االستئناف بمكناس ،بتاريخ ،2019/02/12ملف اجتماعي رقم ،1501/2018/1534
غير منشور.
و هو المعطى الذي سبق و أن أكدته محكمة النقض في العديد من القرارات ،راجع في هذا اإلطار:
-قرار محكمة النقض ،عدد ،1733المؤرخ في ،2015/9/3في الملف االجتماعي ،2015/1/5/52
منشور بنشرة قرارات محكمة النقض ،الغرفة االجتماعية ،العدد ،19ص .128
-قرار محكمة النقض ،عدد ،1833المؤرخ في ،2011/12/22في الملف االجتماعي عدد
،2011/1/5/193غير منشور.
49 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
بنود العقد كما يمكن أن يستند إلى ظروف موضوعية تتعلق بطبيعة العمل و طريقة تنفيذ
العقد ،105و كما ال يخفى على أحد هو أن عقد الشغل محدد المدة ينتهي بانتهاء مدته إذا كان
تاريخ اإلنهاء محددا سلفا أو بانتهاء الشغل المتفق عليه ،لكن الواقع أبان أن بعض المشغلين
يواظبون على تجديد هذه العقود باستمرار غير مراعين في ذلك المدة القصوى التي حددها
المشرع للتجديد كما حددتها المادة 17من مدونة الشغل ،أو إلى جعل فترة فاصلة بين كل
عقد متجددة على حد ة ،أو استمرار النشاط الذي يدعون أنه موسمي بصفة مستمرة و غيرها
من الحيل التي يراد من ورائها جعل األجير الذي يشتغل تحت إمرتهم أجيرا مؤقتا تهربا من
تبعات األجير الرسمي و ما يكلفهم من تعويضات و تبعات إثر إنهاء العقد من جانبهم بصفة
تعسفية.106
فبعد اإلطالع على مجموعة من القرارات لمحكمة النقض نجدها قد انتبهت لمثل هذه
الحيل التي تقع من قبل المشغلين ،و هكذا اعتبرت المحكمة المذكورة في قرار 107لها أن عقد
العمل الذي يبرم لمدة محددة في سنة واحدة ،ثم يجدد كل سنة لنفس المدة و لعدة سنين ،يعتبر
عقدا غير محدد المدة ألن تحديده و تجديده إنما هو وسيلة يهدف من ورائها المشغل إلى
إخفاء وجود عقد غير محدد المدة للتهرب من اآلثار القانونية للعقد المذكور ،108و الحقيقة أن
هذا التوجه الذي جاءت به محكمة النقض هو منصوص عليه في القانون الفرنسي المؤرخ
في 03يناير 1947المتعلق بنظام العقود المحددة المدة الذي جعل من هذه العقود المحددة
المتتابعة تولد مجموعة عقدا غير محدد المدة يقتضي عند اإلنهاء مراعاة أحكامه ،و هو ما
اعتمدته محكمة النقض عندما رفضت اعتبار العقود المتجددة عقودا محددة المدة و لو تم
النص على مدة العقد األولى أو إدراج بند التجديد الصريح أو عدد التمديدات المتتابعة على
اختالف مددها ،فالتتابع يجعلها مجموعة لمدة غير محددة.109
- 105أسماء الشرقاوي":الرقابة على سلطات المشغل في القانون المغربي" ،م س ،ص .212
- 106أسماء العبدالوي":أثر تغيير المركز القانوني للمشغل على عقود الشغل" ،م س ،ص .149
- 107قرار للمجلس األعلى ،عدد ،135صادر بتاريخ ،2007/01/09غير منشور
- 108قرار محكمة النقض ،عدد ،304صادر بتاريخ ،2015/02/23غير منشور،
109
- Frank Petit;" Droit des contrats de travail", 2éme édition, welters klumer
France 2000, P 120.
50 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
لهذا نأمل من المشرع المغربي أن يحذو حذو نظيره الفرنسي الذي يعد الملهم للتشريع
المغربي ،و النص على أن عقد الشغل محدد المدة الذي ال يحترم مدة التجديد المنصوص
عليها في المادة 17من المدونة و يتجدد بصفة مستمرة و لسنين متعددة ،يعتبر عقد شغل غير
محدد المدة يتمتع بامتيازات هذا األخير ،110خاصة أن محكمة النقض قد عرفت مواقفها
بخصوص هذا المقتضى شذا و جذبا إلى أن استقرت حاليا على هذا الموقف حماية لألجير و
تكريسا لمبدأ استقرار الشغل.
إال أن تحول عقد الشغل من محدد المدة إلى غير محدد المدة بتجديده ،يقتضي أن يكون
ضمن الحاالت الواردة في الفقرة األولى من المادة 17من المدونة ،و هو ما ذهبت إليه
محكمة النقض في قرار 111لها يهم أجيرا مياوما ...":مادامت اإلشارة في ورقة أداء األجر
عن شهر يناير 1990إلى أن الطالب عامل مياوم فإنه يدخل في الحالة الثانية من المادة
، 16باعتبار أن وصف مياوم و إن كان يقصد به أنه يتقاضى أجره حسب العمل ،فغنه
يرجع إلي أنه ال يشتغل خالل كل األيام المقررة للعمل قانونيا كل شهر ،و هو ما تنبه إليه
القرار المطعون فيه و عن صواب حينما استند في تعليله أيضا إلى عدد ساعات العمل عن
كل سنة تقل بكثير عن عدد الساعات التي يعمل خاللها العامل القار ،كما أن اإلشارة في
ورقة أداء األجر إلى تاريخ بداية العمل و تاريخ أداء األجر ،و في حالة المنازعة في طبيعة
العمل من قبل المشغل ال تعتبر حجة كافية على أن األجير قد اشتغل خالل المدة الفاصلة بين
التاريخيين ،و أنه إذا كان ينبغي التحري في الوصف الذي يعطيه المشغل لألجير فغنه
يتعين أن يتم إثبات كامل المدة من خالل أوراق أداء أجر او ما يقوم مقامها."..
و عليه نسجل التدخل اإليجابي لمحكمة النقض ،في سبيل تغيير الوصف القانوني
للعقود من محددة المدة إلى غير محددة المدة ،و إن كان هذا التدخل ال يخلو من تراجعات كما
ال حظنا ذلك ،و نأمل من المشرع المغربي أن يضمن هذه االجتهادات حتى ال يجد القضاء
110
- Alain sanret;"Droit du travail et de la protection sociale", Gazette du
palais, vendredi-samedi 20 Marse, 2010, P 54.
- 111قرار للمجلس األعلى ،عدد ،881بتاريخ ،2009/07/15في الملف االجتماعي عدد
،2008/1/5/1202غير منشور أورده:محمد سعد الجرندي ":الدليل العملي لمدونة الشغل" ،الجزء
األول ،م س ،ص .144
51 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
سندا قانونيا يعتمدون عليه في تعليل أحكامهم بدل استنادهم في كثير من الحاالت من أجل
إعادة تكييف الوصف القانوني لهذه العقود على مبادئ العدالة و اإلنصاف ،و التي ال تروق
112
بعضا من الباحثين و المهتمين في ميدان قانون الشغل.
و نفس الحكم ينطبق على استرسال إبرام عقود شغل محددة المدة و إن كانت بينها
فترات متقطعة توحي بأنها غير متجددة ،حيث تعتبر هذه العقود محددة المدة اعتمادا على
مبادئ العدالة و اإلنصاف ،كما تذهب محاكم الموضوع في ذلك ،113إال أن محكمة النقض
كان لها موقف معاكس حينما ألغت مثل هذه األحكام و القرارات و أقرت بأن مثل هذه العقود
114
تعتبر غير محددة المدة.
كما استقرت محكمة النقض على أن تضمن المشغل في العقد المحدد المدة شرط يخوله
حق فسخ العقد بإرادته المنفردة قبل حلول األجل المحدد ،يجعل العقد هو عقد شغل لمدة غير
محددة ،و هو نفس موقف محكمة النقض الفرنسية ،115و هذا بديهي على اعتبار أن هذا
الشرط يعد مخالفا للنظام العام االجتماعي فيبطل الشرط و يبقى العقد صحيحا.
و بالتالي فتدخل القضاء االجتماعي من أجل إعادة تكييف عقود الشغل جاء كجزاء على
تحايل بعض المشغلين الذين يستغلون النصوص القانونية و يحاولن القيام بعملية التطويع لها
من أجل التهرب من مجموعة من الواجبات الملقاة على عاتقهم ،و إعادة التكييف تشكل
انتصارا لألجراء من أجل الحصول على تعويضات تغطي بعضا من مقدار التعسف الذي
يتعرضون إليه.
- 112أمينة رضوان":مدونة الشغل من خالل االجتهاد القضائي" ،الطبعة األولى ،مطبعة األمنية-الرباط،
،2016ص .375
..."- 113و حيث يتعين القول بأن عمله لدى المشغلة كان بصفة متقطعة ،و هو بهذه الصفة يستغنى عنه
في أي وقت دون أن تكون المشغلة ملزمة اتجاهه بأي تعويض عن الطرد و توابعه ،و هو بذلك ال
يستحقه فعال"،قرار محكمة االستئناف بالرباط ،عدد ،578الصادر بتاريخ ،2005/09/27في الملف
رقم ،15/04/608غير منشور.
- 114عز سعيد البوشتاوي":عقد الشغل المحدد المدة في ضوء القانون المغربي" ،م س ،ص .208
- 115سفيان فقوش":عقد الشغل المحدد المدة على ضوء العمل القضائي" ،مداخلة بندوة":عقود العمل و
المنازعات االجتماعية من خالل قرارات المجلس األعلى محكمة النقض" ،م س ،ص .178
52 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تعتبر مقاولة التشغيل المؤقت مولودا جديدا في القانون المغربي ،تم اقتباس مكوناتها
من مقتضيات االتفاقية الدولية رقم 181الخاصة بوكاالت التشغيل الخصوصية الصادر عن
منظمة العمل الدولية ،116و لقد جاءت هذه المقاوالت بهدف خلق مرونة أكبر في سوق الشغل
و تمكين المقاوالت من يد عاملة مؤهلة.117
و إذا كان الهدف األساسي من شرعنة عقود الشغل المؤقتة هو تحقيق المرونة في
التشغيل ،باعتبارها مطلبا أساسيا لمجابهة نظام عولمة االقتصاد و ضمان استمرار نشاط
المشغل بما يتوافق و متطلبات السوق ،118فإنه و منعا لتحايل المشغلين على هذه العقود
باللجوء إليها في إطار أشغال دائمة تملصا من آثار عقود الشغل غير محددة المدة ،119عمل
المشرع على تنظيمها من خالل تحديد حاالت اللجوء إليها حصرا :120إحالل أجير محل
أجير آخر في حالة غيابه ،أو في حالة توقف عقد الشغل ،ما لم يكن التوقف ناتجا عن
اإلضراب؛التزايد المؤقت في نشاط المقاولة؛ إنجاز أشغال ذات طابع موسمي121؛ إنجاز
أشغال استقر العرف على عدم اللجوء فيها إلى عقد شغل غير محدد المدة بسبب طبيعة
- 116الظهير الشريف رقم 8/99/1بتاريخ 1شتنبر 2000المتعلق بنشر االتفاقية الدولية رقم 181
الخاصة بوكاالت االستخدام الخاصة المتبناة من طرف المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية ،في دورته
،85بتاريخ 4يونيو ،1997منشور بالجريدة الرسمية ،ع ،4878بتاريخ فاتح مارس .2001
- 117يوسف بوكنيفي":حدود حماية أجراء مقاوالت التشغيل المؤقت :دراسة في ضوء مدونة الشغل"،
م س ،ص .115
- 118أزهور هيباوي":الضمانات القانونية و القضائية لألجراء على ضوء مدونة الشغل المغربي"،
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،وحدة التكوين في قانون العقود و العقار ،كلية العلوم القانونية
و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد األول-وجدة ،السنة الجامعية ،2016/2015ص .72
119
- Abdallah Boudahrain;"Le droit du travail au Maroc",T l embauche et
condition du travail, 1er édition, 2005, P200.
- 120المادة 496من مدونة الشغل.
- 121في هذا اإلطار ذهبت محكمة النقض إلى أن العمل الموسمي يظل عقده موسميا و ال ينزع عنه هذه
الصفة االشتغال في نفس العمل سنوات متعددة إذ جاء في أحد قراراتها..":لكن حيث أن الثابت من وثائق
الملف و من تصريحات األطراف و شهادة الشاهدين أن الطالبة تشتغل مع المطلوبة في تلفيف الخضر
من شهر شتنبر إلى شهر يونيه ،و هو ما يجعل العمل الذي تقوم به ذا طبيعة موسمية لعدم إمكانية
استمراره بعد ذلك نتيجة توفر المنتوج الفالحي موضوع التلفيف مما يجعل العقد الرابط بين طرفي
الدعوى عقدا موسميا ،و ال ينزع عنه هذه الصفة اشتغال الطالبة في نفس العمل سنوات متعددة أن كل
عقد ينتهي بانتهاء فترة التلفيف ليبدأ عقد جديد عند بداية موسم جديد ،"..قرار عدد ،79مؤرخ في
،2016/01/14ملف اجتماعي عدد ،2015/1/5/1665غير منشور.
53 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
الشغل ،كما أنه ال يمكن اللجوء إلى أجراء مقاولة التشغيل المؤقت من أجل إنجاز أشغال
تكتسي خطورة خاصة ،122و هذا العقد يربط ثالثة أشخاص األجير و وكالة التشغيل المؤقت
و المقاولة المستعملة.
و من خالل هذا التحديد يظهر بأن المشرع المغربي قد رام تحقيق مبدأ استقرار الشغل
و توفير األجر القار لألجير ،إال أن هذا الطموح قد تواجهه عراقيل تجعل من غير العدل
إلزام المشغل بالحفاظ على األجراء دائما نظرا الستحالة تحقيق ذلك في كل الحاالت ،و ذلك
لنوعية األعمال التي تقتضي دائما في إطاره المؤقت ،و هنا يثار الجدل عندما يريد المشغل
االستغناء عن بعض أجرائه تحت مبرر العمل المؤقت.
و بالطبع يتعين أن يت دخل القضاء االجتماعي للنظر في هذا الدفع ،فهل يعتمد على
مبرر جدي أم أنه يرمي إلى التحايل على القانون ،فالمتحايل على القانون يجب أن يعامل
بنقيض قصده ،و هو األمر الذي يدفع بنا إلى تناول كيفية تعامل القضاء المغربي مع عقود
الشغل الثالثية.
التوجه األول :توجه القضاء االجتماعي في اعتبار العقد المؤقت محددة المدة
إذا ما تم احترام مقتضيات مدونة الشغل المتعلقة بإبرام عقود الشغل المؤقتة ،أي تم
لجوء المستعمل إلى أجراء مقاوالت التشغيل المؤقت في الحاالت المنصوص عليها قانونا ،و
تم إبرام العقد بين مقاولة التشغيل المؤقت و األجير المؤقت ،و المقاولة المستفيدة من خدمات
األجراء المؤقتين ،فإن األمر هنا ال يطرح إشكاالت و العقد ينتهي بانتهاء مدته و ال يستحق
54 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
األجير أي تعويض ،حيث أن المشرع لم ينص على استحقاق األجير المؤقت لتعويضات بعد
االنتهاء من مهمته.
و لجوء المستعمل إلى أجراء مقاولة التشغيل المؤقت ،ال يجعل منه مشغال بالمفهوم
القانوني ،وإنما تبقى عالقة التبعية قائمة بين مقاولة التشغيل المؤقت واألجير الذي وضع
رهن إشارة المقاولة المستعملة مادامت مقاولة التشغيل المؤقت هي التي تشغل األجراء
وتؤدي لهم أجورهم ،وتفي بكل االلتزامات القانونية الناشئة عن تنفيذ عقد الشغل أو إنهائه ،و
هو ما أقرته محكمة النقض في قرار لها ":حيث تبين صحة ما عابته الطاعنة على القرار،
ذلك أنه من الثابت من وثائق الملف كما هي معروضة على محكمة االستئناف مصدرته
دفعت وبمقتضى جوابها أن نشاطها المرتبط باستيراد وتسويق األسمدة الزراعية يكتسي
طابعا موسميا وتحتاج إلى يد عاملة غير دائمة وتحتم عليها اللجوء إلى مقاوالت التشغيل
المؤقت لتمد هذه األخيرة بأجرائها وتضعهم رهن إشارتها لمدة معينة موسم آلخر ،وأنها منذ
2001/9/1لجأت إلى الوساطة في التشغيل مع وكاالت خصوصية متعددة ،فأبرمت مع
شركته (ت) و هي وكالة مختصة في التشغيل المؤقت عقدا كتابيا إلدارة اإلجراء ،وأنه بطلب
من الطاعنة وضعت المطلوب رهن إشارتها وقد عززت ذلك بصدده لعقد يربط بين الطرفين
والتمست إدخاله في الدعوى ،وأدلت المدخلة بمذكرة أقرت فيها بعالقة الشغل المؤقت مع
المطلوب وأدلت بعقد وشهادة وورقة أداء أجر ،إال أن المحكمة استبعدت الوثائق المدلى بها،
واعتبرت عالقة الشغل قائمة بين الطالبة والمطلوب استنادا لشهادة الشهود المستمع إليهم
خالل المرحلتين االبتدائية و االستئنافية ودون أن تلتفت إلى باقي الوثائق الكتابية مع أن هذه
األخيرة تغني عن شهادة الشهود ،كما أنه طبقا لمقتضيات المادة 477من مدونة الشغل و
المادة 495من نفس القانون ...فإن دور الطالبة قد انحصر في صفة المستعمل وتبقى عالقة
الشغل قائمة مع شركة "ت" مما تكون معه المحكمة قد بنت قرارها على تعليل فاسد".
و هكذا ،يظهر من خالل هذه القرارات القضائية الصادرة عن محكمة النقض أنه في
حالة وجود ما يثبت أن األجير تعاقد مع مشغله في إطار التشغيل المؤقت ،أي من أجل القيام
بأشغال غير دائمة تسمى مهام ،و خاصة وجود عقد شغل مؤطر لعالقة الشغل ،فإن األمر ال
55 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
يط رح إشكاال ،و يتم الفصل في النزاع وفقا لما تبينه وسائل اإلثبات المقدمة أمام القضاء ،و
بالتالي يكون األجير في هذه الحاالت أجيرا مؤقتا تم التعاقد معه من أجل القيام بمهام محددة
و دعم نشاط المقاولة بصفة مؤقتة وفقا للحاالت المنصوص عليها في المادة 496من م ش و
وفقا للمدة المحددة في نص المادة 500من نفس المدونة و ال يستحق بذلك األجير أي
تعويض.
و هذا ما أكده كذلك قضاء الموضوع في العديد من األحكام و القرارات الصادرة عنه،
كما هو الشأن في قرار صادر عن محكمة االستئناف بمكناس جاء فيه...":و حيث أن
المستأنف عليها أدلت بوصل تصفية الحساب مؤرخ في 2014/12/31و موقع عليه من
طرف المستأنف نفسه ،و لم يكن محل أية منازعة و يشهد فيه بأنه توصل بجميع
مستحقاته عن األجرة و العطلة المؤدى عنها و المستحقة إلى غاية دجنبر ،2014و أن
المستأنف تعاقد مع المستأنف عليها لالشتغال معها بموجب عقد تكليف مؤقت كما يتضح
من ورقة األداء ،و حيث أن ما ثبت كتابة ال يمكن إثبات ما يخالفه بشهادة الشهود ،و حيث
أنه لما كان األمر كذلك فإن طلبات المستأنف تبقى غير مؤسسة و الحكم المستأنف الذي
قضى برفضها جاء في محله مطابقا للقانون و معلل بما فيه الكفاية و يتعين تأييده".124
صادر عن المحكمة االبتدائية االجتماعية بالدار البيضاء جاء فيه ما 125
و في حكم
يلي..." :و حيث نازعت المدعى عليها في الطلب مفيدة أنها مقاولة مختصة في التشغيل
المؤقت لدى زبنائها و أن التشغيل يكون بعقود محددة المدة و المهمة حسب حاجيات
الزبائن و أن مهمة المدعي قد ا نتهت و التمست رفض الطلب و احتياطيا إجراء بحث و
أدلت بعقد.
و حيث أن الثابت من عقد العمل المدلى به من طرف المدعى عليها لتوقيع المدعي و
لم يكن محل منازعة من جانبه أن المدعى عليها مقاولة مختصة في التشغيل المؤقت ،و
56 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
أنها قامت بوضع المدعي رهن إشارة "سوماكا" ما كان بوصفها شركة مستعملة و أن
مدة العقد امتدت من 2013/12/25إلى غاية .2014/03/24
و حيث أنه من المعلوم ،أن عقود العمل المبرمة مع مقاوالت التشغيل المؤقت هي
عقود محددة المدة و تنتهي بانتهاء المدة المحددة في العقد لما هو منصوص عليه في
المادة 496من مدونة الشغل.
و حيث أنه بانتهاء مدة العمل محدد المدة فإنه ال ينتج لألجير أي حق في الحصول
على أي تعويض عن اإلخطار أو الفصل أو الضرر على اعتبار أن هذه لتعويضات تبقى
حكرا على األجراء الدائمين و الرسمين فقط".
كما جاء في حكم أخر صادر عن نفس المحكمة 126ما يلي...":و حيث إن عبء إثبات
مدة العمل و االسترسال فيه يقع على عاتق األجير و أن برجوع المحكمة إلى وثائق الملف
و خاصة أوراق األداء تبين لها بأنها ال تثبت اشتغال المدعي لدى المدعى عليها بصفة
مسترسلة طيلة المدة المضمنة بمقاله و الممتدة من 2010/01/1إلى .2014/08/28
كما أن المدعي و بالرغم من إجراء بحث في النازلة فإنه لم يحضر شهود التأكيد،
ذلك و يبقى من الثابت إذن هو ما تمسكت به المدعى عليها ،أي أن المدعي كان عامال
مؤقتا لديها و أن ما يؤكد دفعها هو العقد المدلى به في الملف."..
ف من خالل هذه األحكام ،يظهر بأن القضاء المغربي و أمام وجود عقد شغل مؤقت
يؤطر العالقة التعاقدية بين أطرافه ،و كذلك أمام وجود الحاالت المسموح بها اللجوء إلى هذا
الصنف من األجراء ،ال يكلف نفسه بالبحث في أمور أخرى ،و بالتالي يقضي وفقا لما جاء
في العقد المؤطر لعالقة الشغل و أن انتهاء هذا العقد ينتهي معه عمل األجير الذي كان مؤقتا
- 126حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ،عدد ،5165بتاريخ ،2015/07/06ملف
اجتماعي ،غير منشور.
للمزيد في هذا اإلطار راجع األحكام التالية:
-حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ،عدد ،5992بتاريخ ،2015/01/01ملف
اجتماعي عدد ،14/9390غير منشور.
-حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ،عدد ،5943بتاريخ ،2015/0101ملف
اجتماعي عدد ،14/9391غير منشور.
57 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
دون أن يكون محقا في أي تعويض لكون المشرع المغربي لم يجد تعويضا لألجراء في عقود
الشغل المؤقتة.
فالمشرع المغربي إذا كان قد أغفل هذه النقطة – التعويض عن عدم استقرار الشغل-
على الرغم من األهمية االجتماعية التي تكتسيها ،حيث تعتبر بمثابة حافز يشجع األجراء
على اختيار هذا النوع من التشغيل ،فإن بعض التشريعات المقارنة التي نظمت التشغيل
المؤقت قد أعطت ألجراء مقاوالت التشغيل المؤقت الحق في الحصول على تعويض عن
عدم استقرار وضعيتهم ،و ذلك بمجرد انتهاء المهمة المسندة إليهم ،كالمشرع الفرنسي الذي
أقر تعويض يقدر بنسبة 10%على األقل من مجموع المبالغ اإلجمالية الصافية التي تلقاها
127
األجير مقابل وضعه رهن إشارة المستعمل في حاالت.
لكن قد يحدث و هي الحاالت الغالبة أن يتم التحايل على مقتضيات مدونة الشغل
المنظمة لعقود الشغل المؤقتة من طرف بعض المشغلين بسوء نية ،حيث يقدمون إبرام عقود
شغل مؤقتة في إطار أشغال دائمة ،فكيف تعامل القضاء المغربي مع هذه الحاالت؟ و ما هو
التكييف الذي أعطاه لها؟
كثيرة هي الحاالت التي يتم فيها التحايل على مقتضيات مدونة الشغل المنظمة لعقود
الشغل المؤقتة ،و التي حدد المشرع حاالت إبرامها على سبيل الحصر وفقا لنص المادة 496
من م ش ،و حدد منع اللجوء إلى هذه العقود ،في حاالت أخرى معينة ،لكن هناك بعض
المشغلين يلجأون إلى مقاولة التشغيل المؤقت لالستفادة من خدماتهم في إطار أعمال دائمة و
ليس من أجل القيام بمهام كما تطلب ذلك مشرع المدونة.
- 127يوسف بوكنيفي ":حدود حماية أجراء مقاوالت التشغيل المؤقت :دراسة في ضوء مدونة الشغل"،
مقال منشور بمجلة القضاء المدني ،العدد ،2014 ،10ص .126
58 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و ال شك أن هذا يضر بحقوق األجراء و يهدد مبدأ استقرار الشغل ،هذا األخير الذي
يكتسي أهمية ببالغة في حياة األجير االقتصادية و االجتماعية ،مما حتم على القضاء
االجتماعي التدخل نحو حماية األجير بتأصيله و تكريسه لمبدأ استقرار الشغل حتى في الحالة
التي يتم فيها تحديد المدة بشكل واضح ،مضيفا على العقد المحدد المدة صفة العقد غير
المحدد المدة ،دفعا للتحايل بالقانون على القانون ،و الذي يرتاده المشغلون ،من خالل خلعهم
على األنماط الواقعية ،حلال قانونية تخدم مصالحهم ،و ذلك تحلال من االلتزامات التي تولدها
العقود المستمرة ،و هو ما جاء في قرار لمحكمة النقض...":و الثابت من وثائق الملف أن
الطالبة دفعت بكون العقد الذي يربطها مع المطلوب هو عقد محدد المدة دون أن تثبت قيام
إحدى حاالت المادة 16المشار إليها أعاله ،و ال يفيدها في ذلك قول أن العقد تم وصفه
بالعقد المحدد المدة ألن تحديد طبيعة العقد ال ترجع إلرادة األطراف .128"...
فالقضاء تدخل في هاته الحالة للبحث عن حقيقة العالقة الشغلية ،معاملة للمشغل سيء
النية بنقيض قصده ،إذ غالبا ما يهدف إلى التخلص من أجراء مزعجين ،أو من الذين بلغوا
سن التقاعد و لم تعد لهم القدرة على إنجاز الشغل ،تهربا من أداء الواجبات القانونية التي
تفرضها عليه الضوابط القانونية ،فاعتبر القضاء االجتماعي أن مجموع العقود المحددة المدة
تشكل عقدا واحدا مستمرا ،و هي حالة كثيرة الشيوع في الحياة العملية ،و تقتضي حماية
لألجير الطرف الضعيف في العالقة الشغلية.
و دائما في تكريس مبدأ أن عقد الشغل يكون غير محدد المدة ،تلمس القضاء في حاالت
كثيرة معايير أخرى لالقتراب من حقيقة الرابطة العقدية ،سواء بربط العقد مع طبيعة و نوع
الشغل العمل المنجز ،أو من خالل نوع األداءات التي كان يتقاضاها األجير.
هذا ،و يظهر لنا من خالل استقرائنا للمواقف القضائية السابقة أن القاضي االجتماعي
حاول المحافظة على تطبيق المبادئ الحمائية التي تضمنها تشريع الشغل ،و ذلك من منطق
الوضوح الذي اتسمت به التزامات المشغل ،غير أن الصعوبة بالنسبة إليه كانت تثور
- 128قرار عدد ،2296الصادر بتاريخ 12نونبر ،2015في الملف االجتماعي ،2014/1/5/1359
منشور بمجلة قضاء محكمة النقض ،ع ،80س ،2016ص .381
59 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
بخصوص اال لتزامات الواقعة على عاتق المشغل بشأن ظروف الشغل ،و هو ما سيكون
موضوع تحليل في المطلب الموالي.
إذا كان من الصعب تحديد مفهوم"ظروف الشغل" ،فيمكن القول تجاوزا أنها تشمل جل
مقتضيات القانو ن المنظم لعالقات الشغل و إن كانت تحصر على مستوى الدراسات الفقهية
في مدة الشغل و الراحة و العطل و التغيبات و كذا نظام األجر ،فضال عن تدابير حفظ
الصحة و السالمة و نظم التعويض عن حوادث الشغل و األمراض المهنية ،129و التي
عرفت تطورا بما يتماشى و حماية األجير من خالل تحسينها و أنسنتها ،و أصبحت معيارا
لقياس مدى تقدم أو تخلف تشريع الشغل.
و كما هو معلوم أن هذه الظروف تتغير معالمها بحسب التشريعات و بحسب درجة
نموها ،و تتغير بحسب القطاعات و أصناف األجراء و أنظمتهم الخاصة ،لهذا سنكتفي
باألجر و المدة لكونهما يشكالن حصة األسد من القضايا التي تطرح أمام القضاء االجتماعي،
للطابع المعيشي لألجر و ألنسنة مدة الشغل بما يتماشى و مهارات و قدرات األجير ،فكيف
عمل القضاء االجتماعي على تحقيق حماية لهذا األخير (األجير)؟.
فبعد أن كانت مدة الشغل و تحديد األجر و لفترة طويلة يخضعان لمبدأ سلطان اإلرادة
في العالقات بين المشغل و األجير ،و لما نتج عن ذلك من استغالل فاحش لألجراء ،كان
طبيعيا أن تتدخل الدولة لرعاية مصالح العمال بسن قوانين تنظم األجر من جهة و تحديد مدة
130
الشغل من جهة أخرى.
و لما كان هناك تماثل في أوضاع المقاوالت ،كان عاديا جدا أن تتولى السلطات
الحكومية تحديد مدة الشغل و األجر بكيفية مماثلة لجميع القطاعات ،و ظلت المطالب النقابية
- 129محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص .215
- 130محمد القري اليوسفي":األجر و مدة الشغل" ،مساهمة في إطار ورشات تكوين مفتشي الشغل حول
مدونة الشغل ،وزارة التشغيل و التكوين المهني ،مكتب العمل الدولي ،فبراير-يونيو ،2005ص .1
60 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
حتى حدود الثمانينات تركز على تقليص األجر ،و المطالبة بوضع ضوابط للرفع من األجور
131
بصفة دورية تلبية للحاجات األساسية لعموم األجراء.
فكيف تعامل القضاء االجتماعي مع المشاكل المثارة بشأن موضوع أجر األجير(الفقرة
األولى) و مدة شغله (الفقرة الثانية).
عرفت اتفاقية الشغل العربية رقم 15لسنة 1983األجر من خالل مادتها األولى
بأنه":يقصد باألجر كل ما يتقاضاه العامل مقابل عمله ،بما فيه العالوات و المكافآت و
المنح و المزايا ،و غير ذلك من متممات األجر".
و المالحظ أن المشرع المغربي من خالل مدونة الشغل لم يعط تعريفا لألجر ،إال أن
جانبا من الفقه المغربي عرفه بكونه هو":كل ما يدخل الذمة المالية لألجير نظير قيامه
بالعمل أو بمناسبته ،سواء أداه المشغل شخصيا ،أو أداه غيره من المتعاملين مع المحل
الذي يشتغل فيه ،و ذلك أيا كان نوعه ،و أيا كانت التسمية التي تطلق عليه ،و أيا كانت
الطريقة التي يتحدد بها ،و كيفما كان شكله و طبيعة عقد الشغل" ،132فاألجر قد " يكون
عبارة عن مقابل مالي و قد يكون في جزء منه مبلغا ماليا و في جزء آخر عبارة عن نسبة
من األرباح أو نسبة من رؤوس الماشية أو نصيب من المحصول الفالحي" ،133فمفهوم
األجر يختلف باختالف الزاوية التي ينظر منها إليه سواء أكانت قانونية بحته أو
اقتصادية ،134و هذا التعريف ينطبق مع أحكام الفصل 723من ق ل ع الذي عرف عقد
العمل و كذا أحكام المادة السادسة من مدونة الشغل التي عرفت األجير.
61 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فمن جملة المواضيع التي حظيت بعناية خاصة نجد األجر باعتباره عنصرا من
عناصر عقد الشغل ،باألساس الذي تقوم عليه عالقات الشغل ،فاألجير ال يقدم الشغل إال
بهدف الحصول على األجر ،135و الشخص الذي يقوم بالعمل دون أن يقصد الحصول أجر ال
يعتبر عمله داخل في إطار عالقات الشغل ،136إال أن ذلك ال يعني تقرير بطالن عقد الشغل
إذا لم يعمد الطرفان إلى تحديده طالما يفترضان قيامه ،خاصة و أن المشرع تدارك ذلك
عندما قضى بأن المحكمة في مثل هذه الحالة هي التي تتولى تحديده وفق ما يقضي به
العرف.137
و قد ظل األجر و ال يزال يثير اهتمامات العديد من المهتمين بالشأن العمالي ،و هذا ما
دفع فقهاء القانون االجتماعي إلى القول بأن قواعد قانون الشغل تدور في مجملها حول قضية
األجر ،و يمكن الرجوع إلى الملفات المطلبية للنقابات العمالية للوقوف على أولوية هذا
138
المطلب.
و نظرا ألهمية األجر الذي يعتبر أحد أهم أركان عقد الشغل و األساس الذي تقوم عليه
هذه العالقة ،و لما يطرحه من إشكاليات يعاني منها الممارس القانوني بسبب تعدد النصوص
القانونية التي ينبغي له أن يتعامل معها ،و الختالف منظور األجر بالنسبة للمشغل و األجير
في حالة النزاع ،و للكيفية التي يتم احتسابه أثناء خضوعه لبعض االقتطاعات الضريبية أو
واجبات الصندوق الوطني للضمان االجتماعي و للخالف الذي قد يقع بين المشغل و األجير
بشأن اعتبار المزايا المادية و العينية من مشموالت األجر أم ال ،139فكان ال بد قبل المطالبة
- 135علي الصقلي":أداء األجور و ضماناته القانونية" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون
الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد الخامس أكدال-الرباط ،السنة
الجامعية ،1977ص .2
-136عمر الشيكر ":حماية األجر من خالل بعض مقتضيات مدونة الشغل" ،مقال منشور بمجلة
المحامي ،العدد ،46سنة ،2006ص.225 :
- 137محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين أحكام تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص
.115
- 138أستاذنا محمد القري اليوسفي":األجر و المدة" ،م س ،ص .2
- 139محمد غزيول برادة":إشكالية األجر و توابعه في النزاعات العمالية" ،الندوة الثانية للقضاء
االجتماعي ،م س ،ص .102
62 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
باستحقاقه عند عرض النزاع أمام المحاكم إثابته وجودا و قيمته (أوال) ،قبل أن يمر على ذلك
األجل القانوني للتقادم (ثانيا).
إذا كان المشغل – كمدين باألجر – يلتزم بإثبات حصول أدائه ،140فإن هناك وسائل
خاصة بمجال عالقات الشغل متوفرة تسهل عملية اإلثبات على الطرفين معا ،و يندرج
بعضها في إطار االلتزامات القانونية الملقاة على عاتق المشغل كبطاقة األداء و دفتر األداء،
هذا فضال عن ما يعرف بــ" توصيل تصفية كل حساب" الذي يسعى المشغل للحصول عليه
من جانب األجير عند انتهاء عالقة الشغل ،141إذ المشرع لم يقتصر على القواعد العامة
لإلثبات في القانون المدني ،وعيا منه بخصائص األجر و آثاره المعيشية على حياة األجير،
فاألجر ليس دينا مدنيا كبقية الديون ،142فهو يخضع لنظام خاص ،يمكن اعتباره منبثقا من
منطق االستثناء الذي نص عليه الفصل 401من قانون االلتزامات و العقود.143
لكن ق د يتم النزاع بشأن مبلغ األجر ،إذ أننا نكون في العديد من الحاالت أمام نزاعات
تتعلق بمقدار األجر ،فهل ينبغي االقتصار على ورقة األداء و دفتر األداء؟ و هل يستوجب
اإلثبات من طرف األجير أم من طرف المشغل؟ أم يمكن للمحكمة في إطار المسطرة
االستقصائية أن تساهم في ذلك؟
ف نظام اإلثبات في المادة االجتماعية يقتضي من المشغل الذي يدعي أداء األجر أن يثبت
ذلك ،و األمر يتعلق حسبما إذا كان المشغل ينازع الحق في األجور المطالب بها من طرف
- 140و هو ما كرسته محكمة النقض في قرار لها":و حيث إن الثابت من وثائق الملف عدم إدالء الطالب
بوثيقة األداء أو دفتر األداء إلثبات تقاضي المطلوبة ألجرة شهري أبريل و ماي 2010مادام هو الملزم
باإلثبات عمال بمقتضيات الفصل 85من قانون المسطرة المدنية ،و بالتالي فإن تصريحات الشهود
المستمع إليهم ابتدائيا بجلسة البحث ال تلزم المحكمة و ال ترتب أي أثر قانوني أمام إلزامية الحجة
الكتابية ،"..قرار عدد ،739الصادر بتاريخ 29ماي ،2014في الملف االجتماعي عدد
،213/1/5/509مجلة قضاء محكمة النقض ،ع ،214 ،78ص .297
- 141محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل"،م س ،ص .253
- 142محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،الجزء
الثالث ،الطبعة األولى ،مكتبة دار السالم ،2009 ،ص .593
- 143ينص الفصل 401من ق ل ع على ":ال يلزم إلثبات االلتزامات أي شكال خاص ،إال في األحوال
التي يقرر القانون فيها شكال معينا."...
63 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
األجير أو يزعم بأدائه لتلك األجور ،و ذلك بإثبات أدائها ،و هنا يتضح بأنه إذا لم ينازع
المشغل في ادعاء األجير ،فإنه يكون عليه أن يثبت أداء األجر لألجير ،أما إذا نفى عدم
اشتغال األجير في المدة المتنازع عليها ،فإنه يكون على هذا األخير عبء إثبات أنه اشتغل
144
فعال.
و إذا كان عبء إثبات أداء األجر يقع على عاتق المشغل حماية لألجير الطرف
الضعيف في العالقة الشغلية ،فإن عبء اإلثبات ينقلب إذا ما ادعى األجير أنه كان يتقاضى
أجرا يقل عن الحد األدنى لألجور المقرر قانونا ،و هو ما ذهبت إليه محكمة النقض في
قرار 145لها جاء فيه ..":لكن لما كانت األجيرة ال تنفي األصل الذي هو توصلها باألجر فإنه
بادعائها بأنها كانت تتقاضى من مشغلتها أجرا يقل عن الحد األدنى المقرر قانونا (أو األجر
الكافي) تكون قد ادعت خالف األصل ،وبالتالي يكون عبء اإلثبات على كاهلها عمال
بقاعدة من ادعى خالف األصل عليه إثباته ،فالقرار لما خلص إلى رفض الطلب بخصوص
أداء فارق األجر للطاعنة يكون معلال تعليال كافيا".
فاألجر يعتبر أهم التزام يرتبه عقد الشغل على عاتق المشغل ،و يلزم أدائه كامال دون
تأخير و إال اعتبر أخالال بالتزام ،و اعتبر القضاء االجتماعي مغادرة األجير لعمله بسبب
ذلك ال يمكن أن يعتبر إال طردا مقنعا يجعل إنهاء العقد يكتسي طابع التعسف ،بل أن محكمة
لها إلى اعتباره طردا مقنعا حتى لو كان تأخير أداء األجر شهر 146
النقض ذهبت في قرار
باعتباره أهم ركن في عقد الشغل.
و حماية ألجر األجير لطابعه المعيشي ،ذهب القضاء االجتماعي إلى اعتبار كل
تخفيض منه إلى أقل من الحد األدنى لألجور ،يعد إجراءا تعسفيا ،و مغادرة األجير لعمله
ب سبب عدم االستجابة لطلبه الرامي إلى الرفع من أجره إلى الحد األدنى القانوني يعد أمرا
- 144سارة أكاو":الوسائل الخاصة إلثبات األجر في مدونة الشغل" ،مقال منشور بمجلة القانون المغربي،
ع ،34س ،2017ص .252
- 145قرار صادر عن محكمة النقض ،عدد ،92بتاريخ 21يناير ،2009في الملف االجتماعي
،2008/1/5/697غير منشور.
- 146قرار صادر عن محكمة النقض ،عدد ،484بتاريخ ،2016/03/15في الملف االجتماعي عدد
،2015/1/5/271غير منشور.
64 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
لكن إذا كان عقد الشغل عقدا رضائيا ،فإن أي تغيير في أركانه الجوهرية بإرادة منفردة
دون موافقة الطرف الثاني يشكل فسخا له ،و يترتب عنه التعويض لفائدة المتضرر ،أما إذا
تعلق األمر بتكملة األجر أو االقتطاعات لفائدة الصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،فإن
ذلك ال يشكل مسا بالركن األساسي في العقد الذي هو األجر ،ألنه بإمكان األجير أن يطالب
بهما خالل اشتغاله بالمقاولة و ليس مغادرته لها تلقائيا ،و هو المعطى الذي أكداه محكمة
النقض في قرار 148لها بتاريخ 02أكتوبر ،2014و لكون الحد األدنى لألجر يعد من النظام
العام االجتماعي و أن ادعاء األجير تقاضيه أقل من الحد األدنى يلقي عبء اإلثبات على
عاتق المشغل ،ألن األجير ال يمكنه إثبات واقعة سلبية ،و هو ما أكده قرار 149لمحكمة النقض
بتاريخ ،2013/4/4و سارت عليه مختلف محاكم الموضوع.150
- 147قرار صادر عن المجلس األعلى ،عدد ،135بتاريخ ،2007/2/7في الملف االجتماعي عدد
،2006/915غير منشور.
- 148قرار محكمة النقض ،عدد ،1136بتاريخ 02أكتوبر ،2014ملف اجتماعي عدد
،2013/1/5/1642نشرة قرارات محكمة النقض-الغرفة االجتماعية ،ع ،2015 ،19ص .84
- 149قرار صادر عن محكمة النقض ،عدد ،525بتاريخ ،2013/4/4في الملف االجتماعي عدد
،2012/2/5/1503منشور بنشرة قرارات محكمة النقض ،ع ،13ص 81و ما بعدها.
- 150حكم ابتدائية مكناس ،عدد ،1332بتاريخ ،2018/12/20ملف رقم ،17/1501/821غير منشور.
65 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إال أن األجير إذا ما كان يتقاضى أجر يفوق الحد األدنى يرفض طلبه المتعلق بتكملة
األجر ،و يرفض كذلك إذا ما لم يثبت تقاضيه مقدار أجر معين و عدد سنوات ،151و هو جاء
في حكم البتدائية مكناس..":حيث يستفاد من معطيات الملف و خاصة تصريحات المدعي
أنه كان يتقاضى طيلة مدة عمله أجرة يومية قدرها 100درهم ،و هي أجرة تفوق الحد
األدنى المعمول به مما يكون معه طلبه بهذا الخصوص غير مؤسس و يتعين رفضه".152
إال أنه و بالرجوع إلى مقتضيات المادة 41من مدونة الشغل ،و باعتبار األجر مقابل
العمل الفعلي ،نجد أن المشرع خير المحكمة بين الحكم باإلرجاع و بين الحكم لألجير
بالتعويض و لم تقر استحقاق األجير ألجره عن المدة الفاصلة بين حكم المحكمة بإرجاعه إلى
لمحكمة النقض أنه ... ":حيث 153
عمله و بين تنفيذ المشغل لهذا اإلرجاع ،إذ جاء في قرار
إن الفقرة األخيرة من المادة 41من مدونة الشغل لم تشر إلى ذلك ،و جاء فيها ما يلي :
"في حالة تعذر أي اتفاق بواسطة الصلح التمهيدي ،يحق لألجير رفع دعوى أمام المحكمة
المختصة ،التي لها أن تحكم ،في حالة ثبوت فصل األجير تعسفيا ،إما بإرجاع األجير إلى
شغله أو حصول ه على تعويض عن الضرر " ،وتبعا لذلك فإن الطالب يبقى غير محق في
األجر عن المدة المذكورة ...وال يمكن تحميل المادة 41ما ال تحتمل ،واعتبار أن استحقاق
األجير لألجر يستخلص ضمنيا".
و إذا كان اإلثبات سهال بشأن األجر المطالب به ،عندما تحترم المقاولة وسائل اإلثبات
المحددة قانونا ،و عندما يكون األجير حسن النية في ادعاءاته ،فإن األمر يختلف عند عدم
احترام القانون أو التقاضي بسوء نية ،حيث تكون المحكمة ملزمة باعتماد وسائل اإلثبات
التي تتجسد في الكتابة ،أو الشهود ،أو القرائن ،لذلك سنتطرق إلثبات أداء األجر في
الظروف العادية( ،)1و في حالة إنهاء النشاط المهني(.)2
66 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
للحديث عن إثبات األجر أمام القضاء االجتماعي في الظروف العادية ،ينبغي التمييز
بين وسيلتين :األولى تتعلق بورقة األداء(أ) و الثانية بدفتر األداء(ب).
على غرار ما كان ينص عليه الفصل 10من ظهير 1953المعدل بظهير 1961و
أيضا الفصل 336من مشروع 1995و ما يقضي به الفصل 370من مدونة ،1999يتعين
على جميع المشغلين أن يسلموا إلى األجراء بطاقة األداء154أو ورقة األداء عند كل أداء
لألجر.
إال أن عدم توفر األجير على هذه البطاقة يعني أنه لم يتوصل باألجر ،أما إذا كان يتوفر
155
عليها فهذا يفيد براءة ذمة المشغل.
و قد أضاف الفصل 336من مشروع 1995و الفصل 370من مدونة الشغل في
الفقرة الثانية منه على أنه ال يعتبر تنازال من األجير عن حقه في األجر و توابعه القبول
الصادر منه لورقة األداء المتضمنة للوفاء باألجر دون احتجاج أو تحفظ ،و ال يسري هذا
الحكم و لو ذكر األجير في دليل الوثيقة عبارة"قرئ و صدوق عليه" متبوعة بإمضائه.
و يطرح السؤال حول المبالغ المضمنة ببطاقة األداء هل تعتبر قرينة على األداء؟
للجواب عن ذلك نشير إلى أنها تعتبر فعال قرينة على األداء إلى أن يثبت العكس ،و هو ما
لها جاء فيه...":و حيث إن نائب 156
ذهبت إليه محكمة االستئناف بمكناس في قرار
المستأنف أدلى بأوراق أداء أجور العمال و هي تتضمن إمضاء العمال و تفيد توصلهم
- 154تتضمن هذه البطاقة عدة بيانات تحددها السلطة المكلفة بالشغل ،أهمها:اسم المشغل ،اسم شركته،
مهنته ،رقم انخراطه في الصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،اسم األجير ،و تاريخ أيام و ساعات
العمل ،و المزايا اإلضافية لألجر ،و مبلغ األجر اإلجمالي ،و ملف االقتطاعات منه.
- 155عبد الكريم غالي":في القانون االجتماعي المغربي :على ضوء مدونة الشغل و أنظمة الحماية
االجتماعية و في ظل المستجدات االقتصادية و التكنولوجية الحديثة" الطبعة الرابعة ،دار القلم،2010 ،
ص .158
- 156قرار لمحكمة االستئناف بمكناس ،1202 ،بتاريخ ،2016/09/20ملف رقم ،1501/2015/92
غير منشور.
67 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
بأجورهم عن المدد التي اشتغلوا خاللها و التي تتراوح بين يوم و ثالثة أيام كل خمسة
عشر يوما ،و من ضمنهم المستأنف عليه ( ف م) ،و حيث إن المحكمة أمرت بإجراء بحث
في الملف و تم استدعاء األطراف إال أن المستأنف عليه....و دفاعه...توصل و لم يحضر،
و بالتالي لم تتم المنازعة في المدلى به...و بالتالي فإن طلب هذا األخير الحكم له بأجرته
عن نفس المدة المذكورة أعاله غير مستند على أساس سليم ،و الحكم المستأنف الذي
استجاب له رغم ذلك جاء في غير محله ،و مخالف للقانون و يتعين إلغاؤه ،"...لكن ما هو
الحل حالة عدم اإلشارة إلى بعض المبالغ التي توصل بها األجير و أغفل المشغل تضمينها
بالبطاقة المذكورة؟ نجيب أيضا بأن ذلك يعتبر قرينة على عدم األداء و على المشغل إثبات
العكس.
و إذا كان األصل في بطاقة األداء هو براءة ذمة المشغل ،فإنها ال تمنع األجير من
الطعن فيها على مستوى المبالغ المتضمنة بها إذا قدر أنها ال توافق ما يستحقه حسب االتفاق
أو العرف أو القانون إذا كانت تقل عن ما يضمنه القانون ،157إذ تثار من الناحية العملية
بعض المشاكل التي تخص مبلغ األجر المضمن ببطاقة األداء أو بالعقد إذ جرت العادة أن
بعض المؤسسات تعمد أثناء تعاقدها مع بعض األطر العليا بالمؤسسة إلى تضمين أجر يقل
عن األجر الحقيقي في عقد الشغل و في بطاقة األداء ،و يؤدى لألجير الفرق من الصندوق
األسود ،و ذلك تهربا من الضرائب و احتياطيا لما يمكن أن يطرح من مشاكل بين المشغل و
األجير في حالة النزاع القضائي ،158فهل لألجير وسيلة معينة إلثبات أن األجر الذي يحصل
عليه يفوق األجر المضمن ببطاقة األداء و عقد الشغل؟.
للجواب عن ذلك نشير إلى أنه بإمكان األجير إثبات هذه الحقيقة ألن ببطاقة األداء ليست
لها إال قوة إثباتية نسبية ،و بالتالي فإنها تعتبر مجرد بداية حجة يمكن إثبات ما يخالفها.
- 157محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص .253
- 158محمد غزيول برادة":إشكالية األجر و توابعه في النزعات العمالية" ،م س ،ص .113
68 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و إذا ما نازع المشغل بشأن المدة التي اشتغل فيها األجير ،فيمكن لهذا األخير أن يثبت
بواسطة الشهود اشتغاله للمدة المتنازع بشأنها ،و يبقى للمحكمة في إطار سلطتها التقديرية أن
159
تقدر مدى مصداقية شهادة الشهود.
و تجدر اإلشارة إلى أن أهمية ورقة األداء ،و البيانات التي ألزم المشغل بأن تتضمنها،
أحيانا تكون ضد األجير و ال تخدم مصالحه ،إذ يذهب القضاء االجتماعي إلى اعتبار أن
ورقة األداء ا لمحددة لصفة األجير تحرم األجير من تمتيعه من مزايا الشغل القار إذا ما كان
أجيرا مؤقتا و قضى مدة تفوق سنة في العمل الفعلي.
إلى جانب بطاقة األداء التي تسلم ألجير يجب على المشغل أن يمسك في كل مؤسسة أو
جزء من المؤسسة أو ورشة سجال يعرف باسم "دفتر األداء" ،160و يتعين أن يتضمن جميع
النموذجية التي تماثل بطاقة األداء و ال يمكن للمشغل أن يقوم بتسجيل وهمي 161
البيانات
لمبلغ األجر ،إذ أن المشرع نص على أن جميع البيانات الموجودة في بطاقة األداء يجب نقلها
إلى دفتر األداء.162
فحماية ألجر األجير أقر المشرع و كرس القضاء إلزامية مسك دفتر األجور ،إال أنه
يمكن بطلب من المشغل االستعاضة عن دفتر األداء ،باعتماد أساليب الميكانوغرافية أو
- 159محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س،
ص .96
- 160موسى عبود":دروس في القانون االجتماعي" ،م س ،ص .149
- 161و بالرجوع إلى قرار وزير التشغيل و الشؤون االجتماعية و التضامن المتعلق بتحديد نموذج دفتر
األداء ،أن هذا الدفتر يشتمل على صفحات مرقمة و مؤرخة و مرتبة و خالية من كل بياض أو فراغ أو
تشطيب و مؤشر عليها من طرف العون المكلف بتفتيش الشغل ،مع مراعاة مقتضيات المادة 372من
مدونة الشغل ،قرار وزير التشغيل و التكوين المهني رقم 05-347صادر في 29ذي الحجة 9(1425
فبراير )2005بتحديد نموذج دفتر األداء.
162عبد الكريم غالي":في القانون االجتماعي المغربي :على ضوء مدونة الشغل و أنظمة الحماية
االجتماعية و في ظل المستجدات االقتصادية و التكنولوجية الحديثة" ،م س ،ص .158
69 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المعلوماتية أو أية وسيلة أخرى من وسائل المراقبة تحظى بقبول العون المكلف بتفتيش
الشغل و تعوض دفتر األداء.163
كما يجب على المشغل االحتفاظ بدفتر األداء مدة ال تقل عن سنتين من تاريخ إقفاله ،و
عليه االحتفاظ بمستندات المحاسبة الميكانوغرافية و المعلوماتية أو بوسائل المراقبة األخرى
التي تقوم مقام دفتر األداء ،مدة ال تقل عن سنتين من تاريخ اعتماد تلك المستندات أو
الوسائل ،164و يجب وضع دفتر األداء أو المستندات األخرى التي تحل محله رهن إشارة
األعوان المكلفين بتفتيش الشغل ،و مفتشي الصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،الذين
يمكنهم طلب اإلطالع عليها في أي وقت.
و في مجال اإلثبات يبقى للمحكمة االستئناس بهذا الدفتر في معالجة النزاع المتعلق
باألجر ،هذا إذا كان ممسوكا من طرف المشغل و إال سيفقد – بالمقابل – هذا األخير وسيلة
165
إثبات ربما كانت في مصلحته.
باستقراء أنواع القضايا التي كانت و ما تزال تعرض على القضاء االجتماعي ،نجد أن
عددا مهما يتعلق بموضوع الوفاء باألجر من عدمه ،و تفاديا لكل صعوبة في اإلثبات ،خاصة
من طرف األجير ،نظم المشرع المغربي وسائل للحسم أو على األقل المساعدة في مجال
إثبات األجور ،باعتبارها تشكل كما قلنا موضوعا لعدد ال يستهان به من القضايا التي تعرض
166
على القضاء.
فعند انتهاء عقد الشغل يتعين على المشغل أن يسلم لألجير شهادة العمل(أ) كما أنه يبقى
من حقه أن يطلب من األجير أن يسلمه توصيال بتصفية كل حساب(ب).
- 163سارة أكاو":الوسائل الخاصة إلثبات األجر في مدونة الشغل" ،م س ،ص .260
164عمر الشيكر ":حماية األجر من خالل بعض مقتضيات مدونة الشغل" ،م س ،ص .226
-165محمد الشرقاني ":عالقـــات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل " ،م س ،ص .254
- 166عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س ،ص .328
70 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تعتبر شهادة العمل أو الشغل من الوثائق التي يلتزم المشغل بتسليمها إلى األجير عند
انتهاء عقد الشغل ،و ذلك تحت طائلة أداء تعويض ،167داخل أجل أقصاه ثمانية أيام.
و إذا كانت شهادة الشغل تسلم لألجير دون أي اعتبار ،سواء لمدة الشغل التي تكون
قصيرة جدا أو لخطأ األجير...و تهيأ منذ نهاية أجل اإلخطار لوضعها رهن إشــــارة األجير،
و تتزامن مع توصيل تصفية كل حساب ،و إذا كـــــــان من المقبول اإلشادة بخصال األجير
و فع اليته في الشغل ،بالرغم من تعارض ذلك مع فصله من منصبه ،إال أن االجتهاد القضائي
يمنع على المشغل اإلشارة إلى وجود أي شرط في شهادة الشغل ال يكون في مصلحة
األجير ،168و حتى لو كان األجير اتخذ مبادرة إنهاء عقد الشغل باستقالته ،فإنه من حقه أن
يطالب بشهادة الشغل متضمنة لألجر التي يتقاضاه من مشغله.169
و حماية لألجير ،فشهادة الشغل ال يمكن معارضتها بشهادة الشهود ،كما ذهبت في ذلك
لها جاء فيه...":وشهادة العمل التي تحمل عبارة بطاقة الشغل 170
محكمة النقض في قرار
المستمرة وهي صادرة عن المشغلة تعتبر حجة كتابية تغني األجير عن كل إثبات وال يمكن
معارضتها بشهادة الشهود كما ال يمكن دحضها إال بحجة مماثلة لها ،والقرار لما بت على
النحو المذكور كان فاسد التعليل المنزل منزلة انعدامه المؤدي للنقض".
- 167نصت المادة 72من مدونة الشغل على ":يجب على المشغل ،عند انتهاء عقد الشغل ،تحت طائلة
أداء تعويض ،أن يسلم األجير شهادة شغل داخل أجل أقصاه ثمانية أيام.
يجب أن يقتصر في شهادة الشغل ،على ذكر تاريخ التحاق األجير بالمقاولة ،وتاريخ مغادرته لها،
ومناصب الشغل التي شغلها .غير أنه يمكن ،باتفاق الطرفين ،تضمين شهادة الشغل بيانات تتعلق
بالمؤهالت المهنية لألجير ،وبما أسدى من خدمات.
تعفى شهادة الشغل من رسوم التسجيل ولو اشتملت على بيانات أخرى غير تلك الواردة في الفقرة
الثانية أعاله .ويشمل اإلعفاء الشهادة التي تتضمن عبارة "حر من كل التزام" أو أي صياغة أخرى
تثبت إنهاء عقد الشغل بصفة طبيعية.".
- 168المصطفى شنضيض ":عقد الشغل الفردي في ضوء مدونة الشغل الجديدة القانون رقم 99-65و
النصوص التنظيمية الصادرة بشأنه "،الطبعة األولى ،دون ذكر المطبعة ،س ،2004ص .141
- 169سارة أكاو ":الوسائل الخاصة إلثبات األجر في مدونة الشغل" ،م س ،ص .262
- 170قرار صادر عن محكمة النقض ،عدد ،90بتاريخ ،2008/1/23في الملف االجتماعي عدد
،2007/1/5/1070غير منشور.
71 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إن عالقة الشغل عالقة غير أبدية ،فهي قابلة دائما للفسخ أو االنتهاء ،و هي حينما تفسخ
أو تنتهي قد تترتب عنها خالفات حول األداءات المستحقة في الغالب لألجير ،لهذا يحاول
المشغل في الكثير من األحيان أن يحمــــي نفسه من أية مطالب محتملة من جانب األجر،171
و ذلك بمطالبته عند فسخ العالقة الشغلية ،أو إنهائها بتوصيل يبرئ فيه ذمته من كل أداء له
عليه يسمى"توصيل تصفية كل الحساب" أو "توصيل إبراء الذمة".172
فهذه الوسيلة – توصيل تصفية كل الحساب -على خالف الوسيلتين السابقتين تعتبر
كوثيقة ،تسلم لألجير عند إنهاء عقد الشغل ،بحيث يعمل هذا األخير تفاديا لكل مطالبة الحقة
من األجير إلى منحه توصيال إلبراء ذمته بصفة نهائية سواء من حيث استحقاق األجر أو
173
تعويضات انتهاء عقد الشغل.
فتوصيل تصفية كل حساب إذن هو التوصيل الذي يسلمه عند إنهاء العقد ألي سبب
كان ،و ذلك قصد تصفية كل األداءات اتجاهه ،و يعتبر باطال كل إبراء أو صلح طبقا للفصل
1089من ق ل ع ،174يتنازل فيه األجير عن أي أداء وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل
إنهائه ،و يجب تحت طائلة البطالن أن يتضمن توصيل تصفية كل حساب جملة من
البيانات ،175و أن يكون توقيع األجير على التوصيل مسبوقا بعبارة":قرأت و وافقت" ،176و
72 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إذا كان األجير أميا وقع التوصيل بالعطف العون المكلف بتفتيش الشغل في إطار
الصلح المنصوص عليه في المادة 178532من مدونة الشغل.
و من أجل معالجة عواقب تسرع األجير الموقع على التوصيل ،أقرت مدونة الشغل
أحقيته في التراجع عنه داخل أجل الستين يوما الموالية لذلك التوقيع ،على خالف التشريع
السابق الذي حددها في يوما فقط ،و ذلك من خالل إما بإبالغ المشغل بذلك التراجع بواسطة
رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل ،أو برفع دعوى لدى المحكمة ،هذا مع ضرورة أن يعمد
األجير إلى تضمين الوسيلة المثبتة للتراجع مختلف الحقوق العالقة و التي ما زال متمسكا
179
بها.
و قد أثبت الواقع العملي ،أن األجير يقدم و بكل سهولة على التوقيع على هذا التوصيل
المبرئ لذمة المشغل ،رغبة منه في استخالص ما يدعيه قبله ،إال أنه قد يتبين له فيما بعد أنه
يجب ،إذا كان األجير أميا ،أن يكون توصيل تصفية كل حساب موقعا بالعطف من قبل العون المكلف
بتفتيش الشغل ،في إطار الصلح المنصوص عليه في المادة 532أدناه.".
- 176سارة أكاو ":الوسائل الخاصة إلثبات األجر في مدونة الشغل" ،م س ،ص .262
- 177قرار صادر عن محكمة النقض ،عدد ،856بتاريخ ،2013/06/06في الملف االجتماعي عدد
2012/2/5/1285ـ غير منشور.
- 178تنص المادة 532من مدونة الشغل على ":تناط باألعوان المكلفين بتفتيش الشغل المهام التالية:
– 4إجراء محاوالت التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية.
يحرر في شأن هذه المحاوالت محضر يمضيه طرفا النزاع ،ويوقعه بالعطف العون المكلف
بتفتيش الشغل .وتكون لهذا المحضر قوة اإلبراء في حدود المبالغ المبينة فيه".
- 179محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص -255
.256
73 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
ما تزال له مستحقات أخرى في ذمة المشغل ،180فكيف يستخلصها و هو الذي وقع على
توصيل يبرئ فيه ذمة مشغله من أية مطالب أو مستحقات؟ فهل يمكن التراجع عن التوصيل؟
انطالقا من الطابع الحمائي لقانون الشغل ،ال يعتبر المشرع المغربي توقيع األجير
لتوصيل تصفية كل حساب ،مبرئا لذمة المشغل من كل أداء قد يكون مستحقا له ،إال إذا مر
أجل سقوط الحق المحدد قانونا في ستين يوما التالية لتوقيعه ،181و هي المدة التي منحها
المشرع لألجير لكي يفكر في هدوء ،فقد تكون له مستحقات أخرى ما يزال من حقه
استيفاءها ،و قد تكون المبالغ المدفوعة له تصفية لكل حساب ناقصة ،لذلك منحه المشرع
مهلة الستين يوما ليتدبر فيما وقع عليه ،و التراجع عنه إذا تبين له أنه كان مخطئا في تقديره
لما يستحقه من أداءات ،182و هو ما أكدته محكمة النقض في قرار لها جاء فيه..":من المقرر
أن تراجع األجير عن التوصيل خالل الستين يوما التالية لتوقيعه يثبت إما بإبالغ المشغل
بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل ،او برفع دعوى لدى المحكمة ،و لما كان
األجير قد وقع على وصل صافي الحساب بتاريخ ،2011/11/22و أن المشغلة توصلت
برسالة التراجع عن التوصيل بتاريخ ،2012/1/20يكون تراجعه قد تم داخل األجل
القانوني ،و القرار المطعون فيها لما اعتبر أن التراجع قدم خارج االجل بعلة أن تاريخ
تقديم المقال االفتتاحي هو تاريخ التراجع عن التوصيل ،يكون ما انتهى إليه غير مرتكز
على أساس".183
- 180عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س ،ص .332
- 181الفقرة األولى من المادة 75من م مدونة الشغل.
- 182عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س ،ص .274
- 183قرار محكمة النقض ،عدد /508بتاريخ 19فبراير ،2015في الملف فاالجتماعي عدد
،2014/1/5/452نشرة قرارات محكمة النقض ،ع ،2015 ،19ص .97
- 184قرار محكمة االستئناف بمكناس ،بتاريخ ،2018/11/15ملف رقم ،2017/1501/2720غير
منشور.
74 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المشرع في ستين يوما ،كما أن تقديم الدعوى هو بمثابة تراجع عن توصيل صافي كل
حساب ،عمال بمقتضيات المادة 75من مدونة الشغل ،و بناء على مقتضيات المادة 76
":ال يعتد بالتوصيل الذي وقع التراجع عنه بصفة قانونية أو الذي ال يمكن ان يسري عليه
أجل السقوط إال باعتباره مجرد توصيل بالمبالغ المبينة فيه."..
و للتذكير فقط فإن التوصيل الموقع من طرف األجير القاصر تسري عليه أحكام
األهلية ،بحيث ال يكون صحيحا إال إذا كان هذا األجير مأذونا بذلك و إال كان ذلك التصرف
185
قابال لإلبطال.
إذا كان األجير يستحق األجر نظير قيامه بعمله ،بل إنه يستحق هذا األجر حتى إذا لم
ينجز العمل المتفق عليه ،و إن كان ذلك بشروط معينة ،186فحماية ألجر األجير ذهب القضاء
االجتماعي من خالل قرار للمجلس األعلى أن األجير الذي يضع نفسه رهن إشارة مشغله
يستحق األجر سواء باشر عمله أو تعذر عليه ذلك برفض المشغل السماح له بممارسة
- 185محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص .255
- 186أقرت المادة 735من ق ل ع أنه ":من التزم بتنفيذ صنع أو بأداء خدمات معينة يستحق األجر الذي
وعد به بتمامه ،إذا لم يتمكن من تقديم خدماته أو إتمام الصنع الموعود به لسبب راجع إلى شخص رب
العمل ،بشرط أن يكون قد وضع نفسه تحت تصرفه و لم يؤجر خدماته لشخص آخر،
و مع ذلك يحق للمحكمة أن تخفض األجر المشترط بحسب مقتضيات الظروف".و نصت المادة
347على ":يؤدى لألجير ،عن المدة التي يقضيها في مكان الشغل ،في حالة ضياع الوقت لسبب خارج
عن إرادته ،أجر يحتسب بناء على نفس األسس التي يحتسب عليها األجر العادي.
غير أنه ،إذا كان األجير يتقاضى أجره على أساس القطعة ،أو الشغل المؤدى ،أو المردودية،
وجب له عن ذلك الوقت الضائع ،أجر يؤدى له على أساس معدل أجره خالل الستة والعشرين يوما
السابقة ،على أال يقل ذلك عن الحد األدنى القانوني لألجر.
إذا كان ضياع الوقت ،في النشاطات غير الفالحية ،راجعا ألسباب خارجة عن إرادة األجير ،فإن
الوقت المقضي بأماكن الشغل يحسب لفائدة األجير ويؤدى عنه على أساس األجرة العادية.
إذا تعذر على المشغل ،في النشاطات الفالحية ،توفير الشغل بسبب حاالت جوية غير مألوفة ،فإن
األجير الذي يكون رهن إشارة المشغل طيلة الصباح وما بعد الزوال يستفيد من أجرة نصف يوم إذا ظل
عاطال اليوم بكامله.
ويتقاضى ثلثي األجرة اليومية إذا ظل عاطال خالل نصف يوم فقط.".
75 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
عمله ،187إال أن الدعوى الخاصة به -األجر -إذا لم ترفع داخل أجل محدد قانونا يطالها
التقادم ،ما لم يكن األجير في وضع يستحق معه المطالبة بحقوقه.
هكذا ،و بمقتضى المادة 395من مدونة الشغل ،فإن دعوى األجر ،و على غرار
الحقوق الناتجة عن عقود الشغل الفردية ،و عن عقود التدريب من أجل اإلدماج المهني ،و
عن الخالفات الفردي ة التي لها عالقة بهذه العقود ،أيا كانت طبيعة هذه الحقوق ،سواء كانت
نابعة من تنفيذ هذه العقود أو عن إنهائها ،تتقادم بمرور سنتين ،تبدأ من اليوم الموالي ألخر
يوم من الفترة الزمنية التي يستحق عنها األجر ،و ذلك حسب دورية األداء ،بحيث إذا كان
األجر يؤدى أسبوعيا ،فإن مدة التقادم تبدأ من السريان ابتداء من اليوم األول لألسبوع
لها جاء فيه..":و 189
الموالي ،188و هو ما ذهبت إليه المحكمة االبتدائية بمكناس في حكم
حيث أنه استنادا لمقتضيات المادة 395من مدونة الشغل...فقد تبين للمحكمة من خالل
اطالعها على المقال االفتتاحي للدعوى و اإلصالحي و اإلضافي للمدعية تلتمس الحكم لها
بفارق األجر عن المدة من 2014/06/30إلى 2016/06/30و عن المدة 2016/07/01
إل متم ماي 2018مما يجعل التقادم قد طال الفترة األولى الممتدة من 2014/06/30إلى
2016/06/30فقط و تبقى المدة الالحقة لم يطلها التقادم و تستحق عنها التعويض عن
فارق األجر ."..
كما أن مدة التقادم هاته تهم األجر و توابعه ،و هو ما ذهب إليه المجلس األعلى في
قرار له يتعلق باألقدمية "باعتبارها من مشتمالت األجر ،"190إذ جاء فيه...":و حيث ثبت
صدق ما عابته الطاعنة على القرار ،ذلك أن األقدمية تعتبر من توابع األجر و تخضع
للتقادم المنصوص عليه بالفصل 388من ق ل ع ،و ال تتوقف المطالبة بها على البت في
دعوى الطرد من العمل و أن الثابت من وثائق الملف و ما يقر به المطلوب أنه قد توقف
- 187قرار صادر عن المجلس األعلى ،عدد ،49بتاريخ 17يناير ،1995في الملف االجتماعي عدد
،91/8774المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،العدد ،53ص ،1996ص .189
- 188عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س ،ص .337
- 189حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بمكناس ،عدد /1310بتاريخ ،2018/12/18ملف نزاعات
الشغل عدد ،2016/1501/584غير منشور.
- 190قرار المجلس األعلى ،عدد 350المؤرخ في 14/4/2004ملف اجتماعي عدد ،2003/1/5/1241
المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،العدد ،53ص ،1996ص .219
76 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
عن العمل يوم 6ماي 1988و تقدم بدعواه الحالية للمطالبة بالتعويض عن األقدمية عن
العمل يوم 6ماي ،1988و تقدم بدعواه الحالية للمطالبة بالتعويض عن األقدمية بتاريخ
12ماي ،1999و القرار لما قضى له بالتعويض عن األقدمية خرق مقتضيات الفصل
المستدل به ،مما يعرضه للنقض".
فالتعويض عن األقدمية من توابع األجر يتقادم بمضي سنة طبقا للفصل 388من قانون
اال لتزامات والعقود ،ما لم يثبت انقطاع أمره لتبدأ مدة جديدة للتقادم من وقت انتهاء األثر
المترتب عن سبب االنقطاع ،و هو ما جاء في قرار 191لمحكمة النقض ...":وحيث إنه منذ
فسخ عقد الشغل من طرف واحد من قبل المشغلة تقدمت العارضة بطلب التعويض وبقت
سالكة للمساطر القضائية إلى اآلن وذلك بالتفصيل اآلتي :أن العارضة تقدمت بدعوى
التعويض عن الطرد التعسفي بتاريخ 02/04/02صدر فيها حكم بعدم قبول الدعوى كما أنه
بعد ذلك تقدمت بتاريخ 02/11/13صدر فيها حكم بعدم القبول وبعد ذلك 13 04/04/20
صدر فيها الحكم القاضي للعارضة القاضي بالتعويضات عن األقدمية والعطلة السنوية وهذا
هو الحكم المستأنف من قبل المطلوبة وعليه يكون الفصل الواجب تطبيقه على النازلة هو
الفصل 381من ق ل ع وليس الفصل المعتمد من قبل القرار والذي حرم العارضة من
تعويضها عن األقدمية الذي لم تتمتع به باعتبار أن المساطر التي سلكتها كفيلة بقطع
التقادم وتطبيق مقتضيات الفصل 381من ق ل ع .لكن حيث إن التعويض عن األقدمية هو
من توابع األجر ويتقادم بمضي سنة طبقا ألحكام الفصل 388من ق ل ع وهو ما طبقه
القرار الذي قضى للطالبة بمستحقاتها عن السنة األخيرة ولم تثبت هذه األخيرة لمحكمة
الموضوع ما تدعيه من قطع أمد التقادم".
و إذا كان المشرع المغربي ينص على تقادم دعوى المطالبة باألجر بمرور سنتين،
بحيث ال يمكن بعدها قبول هذه الدعوى إذا تمسك المشغل بواقعة التقادم ،فإننا نرى أنه ،و إذا
وجد األجير الدائن في وضع استحال عليه معه المطالبة بحقوقه ،فإن دعواه يتعين أن تقبل
- 191قرار صادر عن محكمة النقض ،عدد ،726بتاريخ ،2008/06/25في الملف االجتماعي عدد
،2007/1/5/1111مجلة قضاء محكمة النقض ،ع ،2009 ،71ص .302
77 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
بصرف النظر عن التقادم ،192و ذلك طبقا لما ينص عليه الفصل 380من ق ل ع في فقرته
األخيرة ،و التي جاء فيها أنه ال محل للتقادم إذا وجد بالفعل في ظروف تجعل من المستحيل
عليه المطالبة بحقوقه خالل األجل المقرر للتقادم.
على أن تراخي األجير و مرور مدة التقادم عن المطالبة بأجوره ال يمنعه أن يوجه –
أمام المحكمة – اليمين إلى المشغل أو ورثته (طبقا للفصل 390من ق ل ع) أو للمدير العام
أو المدير التجاري أو الممثل القانوني إذا تعلق األمر بشركة ،حتى إذا نكل من وجهت إليه
اليمين اعتبر ذلك قرينة على أنه مدين بالدين(األجر) و أصبح آنذاك ملتزما باألداء في إطار
تقادم عادي( 15سنة) ،193و هو ما جاء في قرار لمحكمة للمجلس األعلى ...":القرار الذي
استبعد المطالبة بتوجيه اليمين الحاسمة لعدم إدالء الطالب بدليل كتابي لدحض االعتراف
بالدين يكون مخالفا ألحكام الفصل 85من قانون المسطرة المدنية".194
يعتبر تدخل المشرع في مختلف الدول ،لتنظيم أوقات الشغل من اإلجراءات ذات
األهمية الكبيرة بالنسبة لألجراء ،فتنظيم أوقات الشغل من المواضيع التي تشكل حقوقا و
التزامات متبادلة ،و بالتالي فإن ترك أمر تحديدها إلى السلطة التقديرية لطرفي العقد على
أساس حرية التعاقد ،يؤدي بدون شك إلى تعسف المشغل في فرض المدة التي تناسبه ،و إن
كان ذلك على حساب قوة و وقت األجير ،الذي كثيرا ما يضطر إلى قبولها تحت وطأة
الحاجة االقتصادية ،195فالتشريعات االجتماعية إن عمدت إلى تحديد مدد قصوى للشغل إن
على مستوى األسبوع أو الشهر أو السنة و كذا ضمان الراحة و العطلة و التغيب في فترات
- 192عبد الكريم غالي":في القانون االجتماعي المغربي" ،م س ،ص .157
- 193محمد الشرقاني": ":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص.256
- 194قرار صادر عن المجلس األعلى ،عدد ،271بتاريخ 12/03/2003ملف اجتماعي عدد
،2001/2/3/1240المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،العدد ،53ص ،1996ص .189
- 195أحمد سليمان":التنظيم القانوني لعالقات العمل في التشريع الجزائري :عالقات العمل الفردية" ،دون
ذكر الطبعة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،س ،1992ص ،145أشار إليه :عبد اللطيف خالفي":الوسيط
في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س ،ص .571
78 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و مناسبات معينة ،فلكي ال يتحمل األجير ما يفوق حدود طاقته الجسمية و الفكرية و يعرضه
للحوادث المهنية ،196هذا فضال عن تحقيق أهدفا اقتصادية و اجتماعية.197
مدة العمل بأنها ،تلك الفترة الزمنية اليومية و األسبوعية التي 198
و يعرف بعض الفقه
يلتزم فيها األجير بوضع نفسه و وقته تحت تصرف و خدمة المشغل ،أي الفترة الزمنية التي
يلتزم بقضائها في مكان العمل.
فإذا كان المشرع قد وضع القواعد العامة المنظمة لمدة الشغل في القسم الثالث من
مدونة الشغل ،فما هو موقف القضاء االجتماعي من مدة الشغل؟ من حيث تقليصها و تمديها؟
و إلى أي حد وفق في تكريس حماية قضائية لألجير؟
أوال :الحماية القضائية لألجير عند التجاوز االستثنائي لمدة الشغل العادية
تؤدي الظروف اإلستعجالية و األسباب االقتصادية غالبا -و بصفة استثنائية -إلى
الخروج عن الحد القانوني لساعات الشغل العادية ،و يتأتى ذلك عدم التقيد بساعات الشغل
اليومية أو األسبوعية و تشغيل األجراء عددا من الساعات يفوق تلك المحددة قانونا.
و إذا كان المشرع قد نظم تمديد مدة الشغل و الساعات اإلضافية بمقتضى قواعد آمرة،
فإن أه م مالحظة يمكن تسجيلها تتجلى في قلة األحكام و القرارات القضائية بشأن تمديد مدة
الشغل و الساعات اإلضافية.
79 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و في هذا الصدد سنتناول حاالت تجاوز الحد األقصى القانوني لساعات الشغل في ،1
أما الساعات اإلضافية و إن كانت تشكل تمديدا لمدة الشغل العادية فسنخصص لها 2لما
تعرفه من خصوصية و إشكال يبتعد نوعا ما عن باقي الحاالت األخرى.
بتفحص مقتضيات مدونة الشغل و باألخص القسم الثالث منها ،نجد ثمة أربع حاالت
يمكن للمشغل تجاوز المدة القانونية للشغل ،و هي على التوالي:
خروجا عن المبدإ الذي أرساه المشرع المغربي ،من خالل المادة 184من مدونة
الشغل ،فإن المقتضيات القانونية صريحة في السماح للمشغل بتجاوز الحد األقصى القانوني
لساعات الشغل العادية ،إذا اقتضى األمر تدارك ساعات ضائعة من العمل بسبب توقف
جماعي أو جزئي ،ألسباب عارضة ،أو لقوة قاهرة.
و هكذا ،و بالرجوع إلى المادة 189من مدونة الشغل ،نجد المشرع المغربي ،يخول
المشغل صراحة ،إمكانية تمديد فترة الشغل اليومية ،الستدراك ساعات الشغل الضائعة بسبب
توقف الشغل جماعيا في كل المؤسسة ،أو في جزء منها ،ألسباب عارضة ،أو لقوة قاهرة ،و
ذلك مثل إصابة آالت أو معدات المؤسسة أو المقاولة أو انقطاع التيار الكهربائي ،أو لعدم
وجود المواد األولية أو السلع ،السيما في المؤسسات ذات الطابع التجاري ،كذلك يمكن تمديد
فترة الشغل اليومي ،و تدارك ما ضاع من ساعات الشغل بسبب النقصان الذي قد يحصل في
العمل في بعض المواسم ،أو في بعض األوقات من السنة ،و بصفة عامة بسبب قلة
المعامالت ،أو األزمات التي قد تمر منها المؤسسة المشغلة ،ففي جميع هذه الحاالت ،و ما
شابهها ،يمكن للمشغل تمديد فترة الشغل اليومي ،و تدارك ما ضاع من ساعات شغل.
إال أن المشرع و حماية منه لألجير ،أقر ضرورة استشارة مندوبي األجراء و الممثلين
النقابيين بالمقاولة عند وجودهم بشأن استدراك ساعات الشغل الضائعة ،كما منع العمل ألكثر
80 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
من 30يوما في السنة ،و أن ال تفوق مدة التمديد ساعة في اليوم؛ أي عدم تجاوز مدة الشغل
اليومية 10ساعات الستدراك الساعات الضائعة ،و إن كان هذا المقتضى األخير كما ال
جدوى من التنصيص عليه ،لكون المادة 184حسمت األمر بوضع 10ساعات في اليوم
199
كحد أقصى بدال من 8ساعات التي تم إقرارها بمشروع المدونة.
و مزيدا من الحماية ،فكل مشغل خالف مقتضيات التمديد ،يعاقب بغرامة من 300إلى
500درهم ،و تكرر عقوبات الغرامة بتعدد األجراء الذين لم يراع في حقهم تطبيق أحكام
المواد السالفة الذكر ،على أال يتجاوز مجموع الغرامات 20.000درهم.200
و إذا كان للمشغل أن يستدرك ساعات الشغل الضائعة ،بسبب التوقف الجماعي أو
الجزئي للمؤسسة ،ألسباب عارضة ،أو لقوة قاهرة ،و ذلك وفق شروط معينة ،فإنه يمكن له
أيضا استدراك ساعات الشغل التي قد تضيع بسبب عطلة ،و إن كان ذلك وفق شروط معينة،
حددتها المدونة في المادة 227من مدونة الشغل ،و المتمثلة في :استشارة مندوب األجراء و
الممثلين النقابيين عند وجودهم ،و أن يتم استدراك الساعات الضائعة خالل الثالثين يوما
الموالية لتاريخ تلك العطلة ،و يجب مبدئيا أال يباشر االستدراك في اليوم الذي يبج أن يستفيد
فيه األجير من راحته األسبوعية ،و إن كان ذلك يمكن استثناء ،بشرط أال يصادف يوم
الراحة األسبوعية يوم عيد مؤدى عنه ،و أال يتم تجاوز 10ساعات من الشغل في اليوم،و في
جميع األحوال ،يجب على المشغل أن يبلغ كتابة العون المكلف بتفتيش الشغل ،التواريخ التي
سيباشر فيها االستدراك.
و مزيدا من الحماية لألجير ،أقر المشرع بموجب المادة 230من مدونة الشغل ،أنه
يعاقب المشغل بغرامة من 300إلى 500درهم عند استدراك الساعات الضائعة بسبب يوم
عطلة ،و تكرر عقوبات الغرامة بتعدد األجراء الذين لم يراع في حقهم تطبيق حكم القانون،
على أال يتجاوز مجموع الغرامات 20000ردهم ،كما أقر بموجب المادة 228أنه يؤدى
األجر عن الساعات المستدركة بنفس الشروط التي يؤدى بها عن ساعات الشغل العادية.
81 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
حماية لألجير و خاصة لمدة الشغل عند تمديدها ،أقر المشرع أنه إذا كان الشغل الذي
يؤديه أجراء في مؤسسة ما ،شغال متقطعا أصال ،أو عندما تقتضي الضرورة تأدية أشغال
تحضيرية أو تكميلية ال غنى عنها للنشاط العام للمؤسسة ،مع استحالة إنجازها في حدود مدة
الشغل العادية ،فإنه يمكن تمديد فترة شغل األجراء المخصصين لتنفيذ تلك األشغال إلى ما
بعد المدة العادية المذكورة ،على أال تتجاوز الفترة الممددة اثنتي عشرة ساعة في اليوم كحد
أقصى.201
ج:األشغال المستعجلة
إذا تطلب ا ألمر القيام في مقاولة ما ،بأشغال مستعجلة تقتضي الضرورة إنجازها
فورا ،من أجل الوقاية من أخطار وشيكة الوقوع ،أو تنظيم تدابير نجدة ،أو إصالح ما تلف
من معدات المقاولة ،أو تجهيزاتها ،أو بناياتها ،أو لتفادي فساد بعض المواد ،جاز تمديد مدة
الشغل العادية ،باالستمرار في الشغل طيلة يوم واحد ،ثم تمديدها بساعتين ،خالل األيام
الثالثة التي تلي ذلك اليوم.202
إال أنه و حماية لألجير ،تنحصر االستثناءات المتعلقة بتجاوز مدة الشغل العادية ،في
األجراء الذين يفوق سنهم ثماني عشرة سنة .غير أنه يمكن أن تقرر استثناءات أخرى تطبق
على األحداث البالغين ست عشرة سنة ،بالنسبة للمشتغلين بالمصلحة الطبية ،وقاعة
الرضاعة ،وغيرها من المصالح المحدثة لفائدة أجراء المؤسسة وعائالتهم ،والمشتغلين
بالمخازن ،ومراقبي الحضور ،وسعاة المكاتب ،ومنظفي أماكن الشغل ،ومن إليهم من
األعوان.
82 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و يرى بعض الفقه ،203أنه كان على المشرع المغربي ،بلورة للطابع الحمائي لقانون
الشغل ،و حماية لفئة النساء األجيرات ،و كذلك لفئة األجراء المعاقين ،كان عليه ،أن ينص
على منع تطبيق هذا النظام على هاتين الفئتين من األجراء ،و ذلك مهما كان سنهم.
و مزيدا من الحماية ،أقر المشرع بموجب المادة ،194أنه تحدد السلطة الحكومية
كيفيات تطبيق التجاوز االستثنائي لمدة الشغل العادية ،حسب المهنة ،أو 204
المكلفة بالشغل
الصناعة ،أو التجارة ،أو الصنف المهني على مستوى التراب الوطني ،أو على مستوى إقليم
معين ،بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية لألجراء األكثر تمثيال.
و فيما يخص األجر عن الساعات التي تقضى في الشغل ،أقر المشرع بموجب
المادة 193من مدونة الشغل أنه يؤدى بسعر األجر المؤدى عن مدة الشغل العادية ،إال إذا تم
إعطاء األجير في مقابلها راحة تعويضية ،أو إذا كانت تلك الساعات مقررة إلعطاء األجير
مهلة ل تناول وجبة طعامه ،إذا كان وقت الطعام يتخلل وقت الشغل؛ أو معدة بحكم طبيعة
الشغل المتقطعة ،بحيث تطابق ساعات حضور ،ال ساعات شغل فعلي ،وذلك إذا تخللت
ساعات الشغل فترات استراحة طويلة ،خصوصا الشغل الذي يؤديه البوابون في البنايات
المعدة للسكن ،والمراقبون ،والحراس ،والمشتغلون في المقاولة بإطفاء الحريق ،أو بتوزيع
البنزين ،والمشتغلون بالمصلحة الطبية للمقاولة.
- 203عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل :العالقات الفردية" ،م س ،ص .579
- 204قرار لوزير التشغيل والتكوين المهني رقم 341.05صادر في 29من ذي الحجة 9( 1425
فبراير )2005بتحديد كيفيات تطبيق المواد من 187إلى 192من مدونة الشغل ،الجريدة الرسمية عدد
5300بتاريخ 6صفر 17( 1426مارس ،)2005ص .985
- 205عبد الكريم غالي":في القانون االجتماعي المغربي" ،م س ،ص .172
- 206موسى أعبود":دروس في القانون االجتماعي" ،م س ،ص 90
83 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تأديتها ،تحضيرا أو تكميال ألعمال ال غنى عنها للنشاط العام للمقاولة ،أو النقاد أخطار
وشيكة أو لتنظيم تدابير نجدة.207
و حتى ال يكون اللجوء إلى الساعات اإلضافية وسيلة عادية ،و بالتالي تستعمل إلفراغ
اإلنقاص من مدة الشغل من محتواه و هدفه ،فإن المدونة قد أحاطت اللجوء إلى هذه الساعات
208
بمجموعة من القيود و الضمانات لفائدة األجراء.
فالساعات اإلضافية هي تلك التي تتجاوز مدة الشغل المقررة عادة لشغل األجير و
المنجزة خارج مدة الشغل العادية ،و التي تحتم على المقاولة مواجهة أشغال تقتضيها مصلحة
وطنية أو زيادة استثنائية في حجم الشغل ،209و للوقوف حول مظاهر حماية األجير عند
اشتغاله لساعات إضافية ،سنقف عند حاالت اللجوء إليها و مدته(أ) و األجر المستحق عن
العمل اإلضافي الذي يختلف حسب ما إذا اشتغل األجير ليال أو صباحا أو في يوم الراحة
األسبوعية(ب).
تعتبر في حكم ساعات الشغل اإلضافية ،بالنسبة للمقاوالت التي يقسم فيها الحد األقصى
السنوي ،و الذي هو 2288ساعة شغل ،تقسيما غير متساو خالل السنة ،ساعات الشغل التي
تتجاوز يوميا عشر ساعات ،حيث تحتسب الساعات اإلضافية ابتداء من الساعة الحادية
عشر ،210كما تعتبر في حكم الساعات اإلضافية للشغل كل ساعات الشغل التي تنجز سنويا
.
ابتداء من الساعة 2289فما فوق
كذلك تعتبر في حكم ساعات الشغل اإلضافية ،كل ساعة شغل تنجز خالل األسبوع،
خارج أوقات الشغل ،بالنسبة لألجير الذي لم يشتغل األسبوع بكامله ،و ذلك إما بسبب فصله
من الشغل ،أو بسبب استقالته ،أو استفادته من العطلة السنوية المؤدى عنها ،او تعرضه
84 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
لحادثة شغل أو لمرض مهني ،أو استفادته من يوم عيد مؤدى عنه األجر ،أو من يوم عطلة،
و يسري نفس الحكم على األجير الذي ألحق بالشغل خالل األسبوع حسب مقتضيات المادة
200من مدونة الشغل.211
لكن تبقى اإلشارة واجبة إلى أن المجلس األعلى قد تناول في أحد قراراته حالة رفض
األجير العمل لساعات إضافية ،حيث جاء في قرار للغرفة االجتماعية ...":إن تغيب
المطلوب عن العمل بسبب رفضه العمل خالل الساعات اإلضافية عن مدة تتجاوز الحد
األقصى المسموح به قانونا يعتبر مبررا ذلك أن االلتزام بأوقات العمل من قبل األجير يجب
أن تكون في حدود الساعات التي يحددها القانون خاصة و أن المادة 184من مدونة الشغل
حددت مدة لشغل العادية في 2288ساعة في السنة أو 44ساعة في األسبوع ،و أن توزيع
هذه المدة ممكن حسب حاجيات المقاولة شريطة أال تتجاوز مدة العمل العادية عشر ساعات
في اليوم مما كان معه القرار معلال و الوسيلتان ال سند لهما".212
يتبين لنا من خالل هذا القرار أن األجير ملزم باالشتغال في حدود مدة الشغل العادية ،و
أنه غير ملزم باالشتغال لمدة تتجاوز الحد األقصى المسموح به قانونا ،و كل رفض من
األجير ال يشكل خطأ من طرفه يبرر فسخ العقد.
و الجدير باإلشارة ،أن مدونة الشغل لم تقيد حرية المشغل في اللجوء إلى العمل بهذه
الساعات اإلضافية ،سواء بمراجعة مفتش الشغل أو باستشارة المنظمة النقابية أو مندوب
األجراء.213
تختلف معظم التشريعات في نسبة و طريقة احتساب األجر المستحق عن ساعات العمل
اإلضافي ،حيث تقر مدونة الشغل باختالف قيمة التعويض المضاف لألجر العادي حسب
- 211عبد اللطيف خالفي ":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س ،ص .283-285
- 212قرار صادر عن المجلس األعلى عدد ،186بتاريخ 20فبراير ،2008ملف اجتماعي عدد
،2007/1/5/481منشور بمجلة قرارات المجلس األعلى ،الجزء األول ،السلسلة ،2009 ،1ص .189
- 213محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين أحكام تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص
.222
85 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
وقت إنجاز هذه الساعات ،214فيؤدى لألجير كيفما كانت طريقة أداء أجره ،زيادة نسبتها
25%عن الساعات اإلضافية ،إذا قضاها فيما بين السادسة صباحا والتاسعة ليال في
النشاطات غير الفالحية ،وفيما بين الخامسة صباحا والثامنة ليال في النشاطات الفالحية،
و % 50إذا قضاها فيما بين التاسعة ليال والسادسة صباحا في النشاطات غير الفالحية ،وفيما
بين الثامنة ليال والخامسة صباحا في النشاطات الفالحية.215
و ترفع هذه الزيادة على التوالي بالنسبة للفترتين إلى % 50وإلى ،% 100إذا قضى
األجير الساعات اإلضافية في اليوم المخصص لراحته األسبوعية ،حتى ولو عوضت له فترة
الراحة األسبوعية براحة تعويضية.
هكذا ،فالتعويض المستحق عن إنجاز األجير لساعات شغل إضافية فيتمثل باإلضافة
إلى أجره المتفق عليه مع مشغله ،زيادة تختلف نسبتها بحسب ما إذا كانت الساعات اإلضافية
أنجزت نهارا أو ليال أو خالل اليوم المخصص للراحة األسبوعية ،216إال أنه يتعين على
األجير إثبات ذلك و إال رفض طلبه كما ذهبت في ذلك المحكمة االبتدائية بمكناس في أحد
أحكامها....":217حيث لم تثبت المدعية أنها اشتغلت ساعات إضافية عن عدد الساعات
المحددة بمقتضى القانوني ،مما يتعين رفض طلبها."...
و مزيدا من الحماية لألجير ،فإن التعويض عن الساعات اإلضافية ،يؤدى لألجير دفعة
واحدة مع األجر المستحق ،حيث يحتسب على أساس األجر و توابعه ،باستثناء التعويضات
العائلية و الحلو ان ،إال فيما يتعلق باألجراء الذين يتكون أجرهم منه فقط ،كذلك ال تدخل في
الحساب نفقات سبق أن تحملها األجير بسبب شغله ،و يعاقب كل مشغل بغرامة من 300إلى
- 214بشرى العلوي":الفصل التعسفي لألجير على ضوء العمل القضائي" ،م س ،ص .366
- 215المادة 201من مدونة الشغل.
- 216محمد القري اليوسفي" :األجر و مدة الشغل" ،م س ،ص .22
- 217حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بمكناس ،عدد ،616بتاريخ ،2019/05/23ملف رقم
،1501-18/911غير منشور
86 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
500درهم عن عدم أداء التعويض المستحق عن ساعات الشغل اإلضافية ،218و هو جزاء
ضعيف.219
هكذا ،يتضح بما ال يدع مجا ال للشك أن المشرع عمل على حماية األجير عند تمديد مدة
الشغل العادية ،كما أقر مقتضيات حمائية أكثر لفئات خاصة من األجراء ،بمقارنة بالتشريع
السابق ،تبرز مالئمتها لمضمون االتفاقيات الدولية ،فأوردت تنظيما قانونيا يخص حماية
األحداث ،النساء ،و تشغيل المعاقين ،حيث كرست مبدأ المساواة في مدة الشغل بين األجير
الحدث و األجير الراشد ،و أولت االهتمام ألول مرة بوضعية األجير المعاق.220
ثانيا :الحماية القضائية لألجير عند اإلنقاص االستثنائي لمدة الشغل العادية
إذا كانت المقتضيات القانونية السابقة عن مدونة الشغل ،تعترف للمشغل بإمكانية
اإلنقاص من ساعات الشغل العادية ،كما كانت محددة قانونا ،221فإنها كانت بالمقابل تمنع أي
اثر لهذا اإلنقاص على األجر ،و هو ما كان يبلوره االجتهاد القضائي المغربي ،سواء في ذلك
قضاء المجلس األعلى ،أو قضاء الموضوع ،222و الشك أن هذا اإلجراء المرتبط
بالصعوبات الم الية التي قد تعرفها المقاوالت و ما قد تخلفه من انعكاس سلبي على القدرة
الشرائية لألجراء بالنظر لتأثير ذلك اإلنقاص على مبلغ األجير ،من أكثر األحكام التي ظلت
من النقاط العالقة في إطار الحوار بين الفرقاء االجتماعيين لفترة طويلة.223
إال أن جلسات الحوار المتعددة حول مقتضيات مدونة الشغل و منها أساسا مسألة
التقليص من مدة الشغل العادية قد أسفرت عن بلورة أحكام جديدة تختلف في كثير من
- 218عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س ،ص .286-285
- 219محمد الشرقاني ":عالقات الشغل بين أحكام تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص
.223
- 220محمد الشرقاني و محمد القري اليوسفي و عبد العزيز العتيقي":مدونة الشغل مع تحليل ألهم
المستجدات" ،م س ،ص .47
- 221للمزيد راجع في هذا اإلطار :خالد المروني ":تخفيض ساعات العمل بين مقتضيات التشريع الحالي
و مشروع مدونة الشغل" ،مقال منشور بمجلة اإلشعاع ،العدد ،2012 ،27ص .124و ما بعدها.
- 222عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س ،ص .587
- 223محمد الشرقاني ":عالقات الشغل بين أحكام تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص
.223
87 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
للوقوف حول مظاهر الرقابة و حماية األجير ،سنقف عند نطاق االنقاص االستثنائي
لمدة الشغل(أ) ،و بعده للرقابة القضائية على مسطرة اإلنقاص االستثنائي لممدة شغل األجير
لعادية(ب).
أ :الرقابة القضائية على نطاق اإلنقاص االستثنائي لمدة الشغل العادية.
إذا كان اإلنقاص من ساعات الشغل العادية ،يشمل جميع المؤسسات و المقاوالت،
سواء كانت تمارس نشاطا فالحيا أو نشاطا غير فالحي ،فإن ذلك محصور فقط في تلك التي
قد تمر بازمة اقتصادية عابرة ،او تلك التي تمر بظروف طارئة خارجة عن إرادتها ،أي
ظروف استثنائية و غير متوقعة ،تجبر المؤسسة أو المقاولة المشغلة على اإلنقاص من
ساعات الشغل العادية لمواجهتها.225
و إذا كانت "األزمة االقتصادية" يمكن ضبطها و الوقوف عند معالمها ،و قد تسهل
مراقبتها سواء من طرف السلطة اإلدارية أو من طرف القضاء ،فإن معايير اعتبار تلك
األزمة عابرة أم ال من حيث الزمن يصعب ضبطها ،فضال على أن األزمة االقتصادية كما
أصبحت تبرر التقليص من مدة الشغل الفعلية ،قد تكون أيضا سببا للفصل الجزئي أو
الجماعي لألجراء طبقا للمادة 66و ما يليها من مدونة الشغل.226
- 224عمار تيزاوي":مدونة الشغل و التنمية االقتصادية و االجتماعية" ،م س ،ص .132
- 225عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س ،ص .588
- 226عمار تيزاوي":مدونة الشغل و التنمية االقتصادية و االجتماعية" ،م س ،ص .132
88 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
أما السبب الثاني المتمثل في "الظروف الطارئة الخارجة عن إرادة المشغل" يظل
غامضا يثير اللبس و التأويالت المختلفة فقها و قضاء ،و على مستوى الفرقاء االجتماعيين،
هذا في حين كان مشروع 95ال يتيح إمكانية اإلنقاص إال للمقاوالت التي تعرف أوضاعا
مال ية صعبة "ال يمكن مواصلة استغاللها" و كأننا أمام حالة استحالة استمرار نشاط المقاولة
بالعمل بالساعات القانونية.227
ب :الرقابة القضائية على مسطرة اإلنقاص االستثنائي لمدة الشغل العادية
إذا كان المشرع قد وضع قواعد آمرة نظم بمقتضاها اإلنقاص من مدة الشغل فإن
القضاء يبسط رقابته ،ضمانا لتوازن العالقة الرابطة بين األجير و المشغل و التي كانت ال
تزال مشوبة بنوع من التعسف.228
و ال شك أن التقليص من مدة الشغل يثير إشكال مدى حرية رئيس المقاولة في إقدام
على هذا اإلجراء ،خصوصا و أن تلك المدة تلعب دورا أساسيا في تحديد األجر ،إذ أن هذا
األخير يؤدي مقابل العمل الذي يقاس بوحدات الزمن ،لذلك فحرية رئيس المقاولة في
التقليص يجب أن تقاس في مختلف أبعادها أي من حيث التقليص من مدة الشغل دون المساس
229
باألجر ،و التقليص مع المساس بهذا األخير.
و إلمكانية اللجوء إلى مسطرة اإلنقاص يلتزم المشغل أن يحترم شروطا معينة ،تختلف
بحسب ما إذا لم يتجاوز المدة القصوى لإلنقاص أو عمد إلى تجاوزها ،علما بان تلك المدة قد
حددت في المدونة في 75يوما في السنة سواء كانت متصلة أو غير متصلة.
فإذا انحصرت مدة اإلنقاص في تلك المدة أو دونها كان المشغل ملتزما فقط باستشارة
جهة معينة تختلف بحسب عدد األجراء بالمقاولة المعنية ،230فيلزم المشغل الذي يشغل الذي
- 227محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص .224
- 228إلياس التلفاني":تقليص مدة الشغل و تمديدها على ضوء مدونة الشغل و العمل القضائي" ،مقال
منشور بمجلة الفقه و القانون ،ع الثامن ،يونيو ،2013ص .139
-229أحمد فرصاد ":حدود السلطة التنظيمية للمشغل" ،مقال منشور ب مجلة القضاء المدني ،ع ،12
،2015ص.89
- 230محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص .224
89 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
يشغل اعتياديا عشرة أجراء أو أكثر و الراغب في التقليص من مدة الشغل العادية تبليغ ذلك
لمندوب األجراء و الممثلين النقابيين حالة وجودهم ،قبل أسبوع على األقل من تاريخ الشروع
في التقليص ، 231و أن يزودهم بكل المعلومات و اإلثباتات الالزمة و الضرورية ،مما يبين
استعمال المشرع لعبارات ضاربة في العمومية دون تحديد لطبيعة تلك المعلومات ،و لعله
أراد بذلك ترك السلطة للجهات المعنية في طلب الوثائق الالزمة نظرا لصعوبة حصر الئحة
اإلثباتات الضرورية ،الختالف أسباب التقليص من ساعات العمل.232
و هو ما كرسته محكمة النقض في قرار لها ،جاء فيه..":و لما ثبت من خالل وثائق
الملف و مستنداته و كذا البحث المنجز ابتدائيا أن الطاعنة لم تبلغ مندوبي األجراء
اعتزامها على تقليص مدة الشغل العادية قبل أسبوع من الشروع في التقليص و لم تزودهم
بكل المعلومات حول اإلجراءات المزمع اتخاذها و اآلثار التي يمكن أن تترتب عنها ،و
الثابت كذلك أن الطاعنة لم تحصل على إذن من عامل العمالة رغم تجاوز مدة التقليص
ستين يوما المنصوص عليها بالمادة ...186فالمحكمة لما اعتبرت أن عدم سلوك
اإلجراءات المذكورة يجعل الطرد تعسفيا تكون قد طبقت المقتضيات القانونية الواجبة
تطبيقا سليما".233
و هو ما سارت عليه محكمة االستئناف بالدار البيضاء في قرار لها ...":حيث إن
لجوء المشغل إلى تقليص ساعات العمل ثابت بإقراره من خالل سجالت األجور المحتج بها
من طرفها ،و أن لجوء المشغل إلى تقليص ساعات العمل قد تم بإرادتها المنفردة و دون
اتفاق مع العمال ،و دون سلوك المسطرة المنصوص عليها في الفصل 185من مدونة
الشغل ،و تبعا لذلك يكون هذا األخير قد أخل بأهم أركان عقد العمل وهو األجر.234"...
90 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و تماشيا مع هاجس استمرارية المقاولة ،استقرت مدونة الشغل على مدة تقليص في
حدود 60يوما عوض 75يوما في السنة (مشروع ،)99و إلضفاء طابع المشروعية يتعين
على المشغل استشارة مندوبي األجراء و الممثلين النقابيين أو لجنة المقاولة حالة وجودها،
مع إلزامية استشارتهم أيضا في كل إجراء من شأنه الحد و التخفيف من حدة التقليص ،مما
يبرز موقف المدونة اإليجابي و المتمثل في إشراك المؤسسات السالفة الذكر ألجل حماية
الطبقة الشغيلة.235
أما إذا تجاوزت مدة اإلنقاص المدة المحددة ( 75يوما) ،فيلتزم المشغل بإجراء مفاوضة
مع مندوبي األجراء إلمكانية االتفاق على المدة التي يجب أن يستغرقها اإلنقاص ،و إذا ما
فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق ،فيكون آنذاك لزاما على المشغل العازم على اإلنقاص
من ساعات العمل لمدة تفوق 75يوما أن يحصل على إذن من عامل العمالة أو اإلقليم ،و ذلك
وفق مسطرة الفصل الجزئي أو الكلي ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية أو اإلغالق
االضطراري.236
إذا كانت مقتضيات الفصل 8من ظهير 18يونيو ،1936المتعلق بمدة العمل ،و
الملغى بموجب مدونة الشغل ،تنص على أن إنقاص ساعات الشغل كما كانت محددة بمقتضى
األول من الظهير ،ال يمكن بأي حالة من األحوال أن يكون سببا في اإلنقاص من األجر ،و
كل شرط يخالف ذلك يعتبر باطال ،فالمالحظ أن مدونة الشغل لم تسر في هذا االتجاه ،237إذ
قررت أنه في غياب مقتضيات أكثر حمائية لألجير يكتفي بأداء األجر المناسب لمدة الشغل
الفعلية التي أداها بعد اإلنقاص شرط فقط أال يقل عن ربع األجر الذي يتقاضاه عادة األجير،
- 235بالل العشيري":مستجدات مدونة الشغل في مجال إنهاء عقود الخدمة" ،م س ،ص .233
- 236محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص .225
237عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل :العالقات الفردية" ،م س ،ص .590
91 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و على أساس أال ينزل هذا الربع عن الحد األدنى القانوني لألجير و ذلك في ضوء النصوص
القانونية المنظمة لهذا الحد األدنى.238
فيما يذهب رأي آخر إلى قول":أننا إزاء استثناء من القاعدة العامة في تحديد الحد
األقصى لساعات الشغل العادية ،ال يمكن أن تحتج بخصوصه بالمبدإ المنصوص عليه في
المادة 356من مدونة الشغل ،الخاص بالحد األدنى القانوني لألجير ،و إال سنفرغ
االستثناء الذي يسمح باإلنقاص من ساعات الشغل العادية من محتواه و من حماية
المؤسسة أو المقاولة التي تمر بأزمة اقتصادية عابرة أو بظروف طارئة خارجة عن
إرادتها".239
و مزيدا من الحماية لألجير ،أن المشرع قد شدد العقوبة على مخالفة مقتضيات المادتين
185و 186المنظمتين ألحكام اإلنقاص ،فتراوحت الغرامة ما بين 10آالف و 20ألف
درهم بموجب المادة 204من مدونة الشغل.
إال أن هاجس الحفاظ على عناصر الشغل يقتضي إمكانية نزول األجر عن المستحق
بعد التقليص من مدة الشغل إلى ما دون الحد األدنى لألجور ،خاصة و أن مدونة الشغل قد
اعتمدت في عدة أحكام لها على احتساب األجر على أساسا ساعات الشغل .عالوة على أن
النص القانوني الضامن للحد األدنى القانوني لألجير إنما قرر في الحاالت العادية ،بينما تظل
أحكام التقليص من مدة الشغل أحكاما استثنائية تبررها حاالت خاصة .فموافقة األجير على
التخفيض من أجرته إلى ما دون 50%المحددة قانونا "..يعتبر تنازال عن مال حاضر من
اجل مال مستقبل ،و هو ضمانة للحفاظ على استقرار الشغل ،لذلك فإعطاء العنصر االتفاقي
دور الريادة في حل أزمة المقاولة ،سيكون أفضل بكثير من التطبيق اآللي لنصوص المدونة
و التي كثيرا ما تأتي متضاربة مع البعد الواقعي للمقاوالت المتعثر.240"..
- 238محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص .225
239عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل :العالقات الفردية" ،م س ،ص ..590
- 240و هي القناعة التي باتت تطبع جل القرارات القضائية الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية ،التي
ذهبت في قرارها المؤرخ في 31يناير 2012إلى ":أنه يمكن تخفيض ساعات عمل األجراء األطر عن
طريق عقود فردية أسبوعية أو شهرية أو سنوية ،بموجب اتفاقية جماعية أو اتفاقات فردية لتحديد
92 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
في هذا اإلطار ،و لتجاوز اآلثار السلبية لفقدان الشغل ،التفكير 241
و يقترح بعض الفقه
في إحداث صندوق إسعافي لتدارك النقص الذي يمكن أن يمس األجور بسبب التقليص،
مسايرة الطرح الفرنسي القاضي بمنح تعويضات مهمة لألجراء نتيجة تقليص األجور
مراعاة للطابع المعيشي.
و أمام دقة الدور المنوط بالقاضي لحل نزاعات الشغل ،و صعوبته أمام المواجهة التي
أقرها القانون بين مصالح كافة أطراف العالقة الشغلية ،و التي عجز عن تنظيمها ،و كذا
بالنظر للتناقض الحاصل بين مبادئ تؤيد أطروحات المشغلين و تمجد سلطته التأديبية و
التنظيمية ،و أخرى تميل لمبدأ استقرار الشغل و حماية األجير ،فالقاضي ال يمكنه أن يجعل
هذا التناقض إال من خالل عمله التأويلي و االجتهادي الذي يفرض عليه اختيار ترجيح إحدى
المصالح على األخرى ،و ذلك من منطق القانون أحيانا ،و من خالل مبادئ العدل و
اإلنصاف أحيانا أخرى ،واضعا في اعتباره كل المؤثرات الخارجية ،اقتصادية كانت أم
اجتماعية ،تحقيقا إلنجاز عملية الحق في أعلى مراتبها تجنبا لكل عسف أو ظلم ،غير أن ذلك
لم يخل من إصدار أحكام قضائية متضاربة أدت في بعض األحيان إلى خلق نوع من
االرتياب حول مدى عدالة الحكم الشغلي ،هو ما سيكون موضوع الفصل الموالي.
األجراء المستفيدين من هذا اإلجراء" ،أحمد فرصاد ":حدود السلطة التنظيمية للمشغل" ،م س،
ص.91
- 241عبد العزيز العتيقي":مختصر القانون االجتماعي" ،م س ،ص .151
93 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إذا كان التشريع المغربي ،و على غرار غيره من التشريعات المقارنة ،يعترف للمشغل
بسلطة تأديب 242أي من أجرائه المخل بالتزاماته القانونية أو االتفاقية ،و بقواعد االنضباط و
السير الحسن داخل المؤسسة ،فإن سلطته هذه ليست مطلقة ،و إنما تمارس تحت مراقبة
القضاء ،243ذ لك أنه ،و في حالة تعذر أي اتفاق بين الطرفين بواسطة الصلح التمهيدي ،الذي
يجري أمام مفتش الشغل ،في إطار الفقرة الرابعة من المادة 532من مدونة الشغل ،فإنه يحق
لألجير المعاقب تأديبيا اللجوء إلى القضاء للمطالبة بإلغاء العقوبة التأديبية الموقعة عليه
بصفة غير مبررة ،244إما الدعائه بعدم ارتكاب أي خطأ ،أو لعدم احترام المشغل لقواعد و
إلجراءات التأديب المحددة بقواعد أمر في القانون ،و على القضاء في هذه الحالة البحث في
مدى التقيد بهذه القواعد و اإلجراءات التأديبية ،مادام أن ذلك ال يؤدي إلى عرقلة سير
المؤسسة ،و ما دام انه ال يحرم المشغل من السير الحسن لمؤسسته.
فتعد السلطة التأديبية من أهم السلطات التي يتمتع بها المشغل ،245في زمن انقضاء عهد
العدالة الخاصة ،و هي بذلك تشكل استثناء من األصل العام الذي يجعل من الدولة الشخص
- 242يمكن اعتباره السلطة التأديبية بأنها تلك التي يمنحها القانون للمشغل صاحب العمل ،بحيث تمكنه من
فرض العقوبات و الجزاءات على األجير المخل بأي التزام من االلتزامات الملقاة على عاتقه بموجب عقد
الشغل ،مادام أن حسن سير المؤسسة و الحفاظ على النظام العام داخلها يفرض ضرورة وجود جزاءات
رادعة لمن تعمد التقصير في تنفيذ هذه االلتزامات أو أهمل في ذلك ،كما يقتضي وجود سلطة عليا لتوقيع
هذه الجزاءات و العقوبات ،للمزيد راجع في هذا اإلطار:
-فريدة اليوموري":حدود السلطة التأديبية للمشغل قراء في المادتين 37و 39من مدونة الشغل"،
مقال منشور بمجلة األبحاث و الدراسات القانونية ،ع ،6نونبر-دجنبر ،2015ص .37
- 243الفقرة األخيرة من المادة 42من مدونة الشغل.
- 244عبد اللطيف خالفي ":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س ،ص .460
- 245للوقوف حول أساس السلطة التأديبية للمشغل ،راجع في هذا اإلطار:
-عثمان الوجدي":األساس القانوني لسلطة المشغل التنظيمية" ،مقال منشور بمجلة األبحاث و
الدراسات القانونية ،ع ،6نونبر-دجنبر ،2015ص .206
-محمد بوعزيز":السلطة التأديبية لرئيس المؤسسة في قطاع الشغل الخاص بالمغرب" ،رسالة لنيل
دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد
الخامس أكدال-الرباط ،السنة الجامعية ،1984/1983ص 93و ما بعدها.
94 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
الوحيد الذي له صالحية توقيع العقاب ،و ال يقلل من خطورتها زعم جانب من الفقه و
القضاء ارتضاء األجير الضمني بالخضوع لها ،أو تبرير البعض اآلخر أنها سلطة تالزم
المشغل ،بالنظر لما يتحمله من مسؤوليات اتجاه بلده ،كمساهم في دوران دواليبه االقتصادية،
246
و التي ال تلزم ماليته فقط بل و شخصه أحيانا.
فالقضاء االجتماعي لعب دورا إيجابيا في مجال حماية الحقوق األساسية ،المتولدة عن
عقد الشغل ،و التي استفاد األجير منها مباشرة ،خاصة فيما يتعلق بضمان أجره طبقا لمبدإ
استقرار الشغل و استنادا لاللتزامات الجلية التي يضعها العقد المذكور على عاتق المشغل،
إال أنه في المقابل ،سنجد المشغل يتمتع بسلطات نظرا للقوة الملزمة للعقد من جهة ،و
95 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
باعتباره رئيس للمؤسسة من جهة ثانية .فكيف عمل القاضي االجتماعي على حماية األجير
من سلطة المشغل؟
لإلجابة عن هذا السؤال ،البد لنا من الوقوف عند الرقابة التي يجريها القضاء
االجتماعي على الشروط الشكلية المتعلقة بتأديب األجير(المطلب األول) ،و بعده لرقابته على
الشروط الموضوعية(المطلب الثاني) ،ألن القضاء االجتماعي عند رفع النزاع إليه يراقب
مدى احترام هذه اإلجراءات ،إذ يترتب على عدم احترام إحداها أو إغفالها كلية ،اعتبار
الجزاء التأديبي تعسفيا ،و يعفي المحكمة من مناقشة األخطاء المنسوبة إلى األجير مادامت
الشكليات القانونية المتطلبة عند اتخاذ الجزاء التأديبي لم يتم احترامها.248
الشك أن المشغل يتوفر في تشريع الشغل على السلطة التأديبية التي تمكنه من توجيه
العمل داخل ال مقاولة و اإلشراف على عمل األجراء لديه و الذين يوجدون في وضعية التبعية
القانونية للمشغل بغية إدارة أفضل للمنشأة ،249لكن هذه السلطة التأديبية التي يتوفر عليها
المشغل ليست مطلقة ،بل مقيدة ضرورة احترام شروط شكلية أقرها المشرع و كرسها
القضاء.
و يقصد بالشروط الشكلية ،تلك القيود ذات الطبيعة اإلجرائية الضرورية لصحة و
سالمة مقرر الجزاء التأديبي ،حيث يترتب على تجاوزها أو إغفالها اعتبار الجزاء التأديبي
250
تعسفيا.
هكذا ،قيد المشرع سلطة المشغل التأديبية في نقل أجيره أو توقيفه أو فصله بمجموعة
من اإلجراءات الشكلية ،و ذلك حماي ة له من تعسف مشغله و ضمانا الستقرار عقد شغله .و
- 248قرار المجلس األعلى عدد ،935الصادر بتاريخ 15غشت ،2008في الملف االجتماعي عدد
،2007/437منشورة بالمجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،عدد ،70لسنة ،2009ص .272
- 249بلقاسم بنبراهيم ":حماية األجير في عقد الشغل محدد المدة" ،تعليق على قرار للمجلس األعلى
عدد ،938الصادر بتاريخ 15نوفمبر ،2006في الملف االجتماعي عدد ،2006/1/5/968منشور بمجلة
العلوم القانونية ،العدد الثاني ،2015 ،ص .200
-250أسماء الشرقاوي ":الرقابة على سلطات المشغل في القانون المغربي" ،م س ،ص .260
96 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تتجلى حماية األجير أكثر و المقررة ألول مرة في مدونة الشغل في استفادة األجير المرتكب
لخطأ غير جسيم و الخاضع للعقوبة الثالثة أو الرابعة و العقوبة الخامسة أو السادسة من
مسطرة معينة ال يعمل بها عادة سوى في حالة الخطأ الجسيم ،و يتعلق األمر بإتاحة الفرصة
لذلك األجير من االستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب األجراء
يختاره بنفسه مع تحرير محضر في الموضوع يوقعه الطرفان و يتسلم األجير نسخة منه ،و
حيث ال يعتبر الفصل آنذاك مبررا إال بعد استنفاذ هذه المسطرة ،251و هو ما كرسته محكمة
لها جاء فيه...":إن المحكمة لما اعتبرت أن اتخاذ عقوبة التوقيف من 252
النقض في قرار
العمل في حق األجير وفق مقتضيات المادة 37من مدونة الشغل دون احترام مقتضيات
المادة 62من نفس المدونة ،يجرد تلك العقوبة من أي أثر في مواجهته..تكون قد طبقت
القانون تطبيقا سليما."..
فيعتبر الجزاء التأديبي تعسفيا إذا ما تم إغفال أي إجراء من اإلجراءات الشكلية التي
أقرها المشرع كــ"التوقيف عن الشغل مدة ال تتعدى ثمانية أيام" ،و كل توقف لمدة غير
محددة يعتبر بمثابة فصل عن العمل ،و هو ما جاء في قرار 253لمحكمة النقض جاء فيه...":
لكن حيث إن إيقاف األجير عن العمل بدون أجر من طرف مشغلته (طالبة النقض) بمقتضى
رسالتها المؤرخة في 2005/8/5لمدة غير محددة يعتبر في حد ذاته فصال عن العمل،
لكون المادة ( 37الفقرة الثالثة) من مدونة الشغل تجعل أقصى مدة توقيف األجير عن
الشغل كإجراء تأديبي ال يتعدى ثمانية أيام ،وبعدم سلوك المشغلة مسطرة الفصل عن العمل
- 251محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين أحكام تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص
.165
- 252قرار عدد ،517صادر بتاريخ 16ماي ،217في الملف االجتماعي عدد ،2016/1/5/1136نشرة
قرارات محكمة النقض عدد ،31 ،ص .34
و هو نفس المعطى الذي سبق و أن أكدته في قرار:
-قرار للمجلس األعلى ،عدد ،1017بتاريخ 25غشت ،2011في الملف االجتماعي عدد
،2010/1144،5مجلة قضاء محكمة النقض ،ع ،2012 ،75ص .270
- 253قرار محكمة النقض ،عدد /884الصادر بتاريخ 09أبريل ،2015في الملف االجتماعي عدد
،2014/1/5/1640نشرة قرارات محكمة النقض-الغرفة االجتماعية ،ع ،2015 ،19ص ،11
هو نفس المعطى الذي كرسته محكمة النقض في العديد من القرارات ،راجع :
-قرار محكمة النقض عدد ،801بتاريخ ،2013/05/23قضاء محكمة النقض ،ع ،2014 ،18
ص .241
97 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المنصوص عليها بالمادة 62وما يليها من مدونة الشغل ،تكون محكمة االستئناف مصدرة
القرار المطعون فيه قد خلصت إلى أن األمر يتعلق بفصل تعسفي ،ورتبت األثر القانوني
عن ذلك بتعليل كاف وسليم عندما نصت بأن المشغلة لم تحترم مقتضيات المادتين 37و
62من المدونة".
98 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
خلصت بذلك إلى أن األجير كان موضوع طرد تعسفي من طرف مشغلته ،و رتبت األثر
القانوني عن ذلك ،يكون قراراها المطعون فيه معلال بما فيه الكفاية في تبرير ما انتهى
إليه.255"...
و إذا كانت المدونة قد أقرت هذه اإلجراءات في المواد 64 ،63 ،62و ،65باعتبارها
إجراءات تهم كافة األجراء ،فإنها نصت على إجراءات خاصة في نصوص مختلفة تتعلق
بفئة معينة من األجراء ،و عليه سنتطرق في هذه المطلب لرقابة القضاء االجتماعي على
القيود المسطرية المتعلقة بعموم األجراء في الفقرة األولى ،على أن نخصص الفقرة الثانية
للرقابة القضائية المتعلقة بفئة األجراء المحميين.
سبقت اإلشارة إلى أن هذه القيود تجد تأصيلها التشريعي في المواد 62و 63و 64و
65من مدونة الشغل ،و يمكن التمييز فيها بين القيود المسطرية السابقة على إقرار العقوبة
التأديبية في أوال ،و القيود المسطرية الالحقة إلقرار العقوبة التأديبية في ثانيا.
أوال :الرقابة القضائية على الشروط المسطرية السابقة على إقرار العقوبة
التأديبية
للوقوف حول الرقابة القضائية على الشروط المسطرية السابقة على إقرار العقوبة
التأديبية ،سنتطرق للجهة المختصة بإجراء مسطرة التأديب( ،)1ثم االستماع إلـــــى األجير
و تخويله حق الدفاع( ،)2و تحرير محضر االستماع()3
- 255قرار المجلس األعلى ،عدد ،935الصادر بتاريخ 15غشت ،2008في الملف االجتماعي عدد
،2007/437م س ،ص .272
99 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
من خالل المقتضيات المنظمة لمسطرة تأديب األجراء في ضوء مدونة الشغل ،يالحظ
أن المشغل أو من ينوب عنه في ذلك ،هو وحده الذي يتابع مسطرة التأديب ،و يقرر العقوبة
في حق األجير المخل بالتزاماته اتجاه المقاولة ،و هو ما جاء في قرار لمحكمة النقض ":إن
مسطرة الفصل التأديبي تعتبر إلزامية بدليل صيغة الوجوب التي استهلت بها ،و ال ينفي
عنها ذلك ما نصت عليه الفقرة األخير من المادة 62من م ش..ذلك أنه حتى في حالة
رفض أحد الطرفين إج راءها أو إتمامها يتعين اللجوء إلى مفتش الشغل ،و هو ما لم يثبت
في هذه النازلة ،خاصة و أنه ال يمكن أن نتصور مطالبة األجير لمشغله بعقد جلسة
لالستماع إليه حول الخطأ الجسيم ،فصاحب المبادرة دائما هو المشغل ،و من ثم فما دامت
الطالبة لم تلجأ إلى مفتش الشغل..تكون قد أخلت بمقتضيات هذه المسطرة ،و يغني ذلك عن
إجراء بحث حول األخطاء المنسوبة له" ،256وهو ما سارت عليه محاكم الموضوع 257كما
هو الشأن في حكم البتدائية تمارة ":وحيث إن ادعاء المشغلة بكون األجير ارتكب خطأ
جسيما طبقا للفصل 39من مدونة الشغل يقتضي منها أن تسلك مسطرة الفصل المنصوص
عليها في الفصول 62و 63و 64و 65باعتبارها قواعد قانونية آمرة ،و جرى العمل
القضائي لدى محكمة النقض أن المحكمة تنظر في مدى احترام المشغلة لهذه المسطرة قبل
مناقشة الخطأ الجسيم.258"..
100 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إال أن المالحظ ،هو تشبث مشرع مدونة الشغل بفكرة المقاولة الفردية التي يكون فيها
المشغل هو الحكم الوحيد ،و عدم مواكبة المقاولة المواطنة التي ال يكون فيها المشغل مستقال
بتقرير مصيرها و مصير أجرائها ،بل يكون ذلك بشكل تشاوري بين مختلف الفاعلين في
261
إلى المطالبة بضرورة إحداث مجلس تأديبي 260
المقاولة ،259و هو ما دفع بعض الفقه
مخت صر بالنظر في المخالفات التي يرتكبها األجراء ،و إقرار عقوبات تأديبية في حقهم للحد
من سلطة المشغل في إقرار عقوبات تأديبية غير مشروعة.
و إذا كان المشرع قد نص على إحداث "لجنة المقاولة" ،262فإنه لم يدرج من بين
اختصاصاتها ،263متابعة مسطرو تأديب األجراء ،و حبذا لو حذا المشرع المغربي حذو
نظيره التونسي في هذا اإلطار.
من خالل مقتضيات مدونة الشغل ،فإن اتخاذ إحدى العقوبات التأديبية باستثناء عقوبتي
اإلنذار و التوبيخ األول ،يقتضي إتباع مجموعة من اإلجراءات المسطرية ،التي تبتدئ بتبليغ
األجير بالمخالفة التأديبية التي ارتكبها ،و استدعائه لالستماع إليه و الدفاع عن نفسه ،و ذلك
ما ينسجم مع مقتضيات االتفاقية الدولية رقم 158لسنة ،1982و المتعلقة بإنهاء االستخدام
بمبادرة من صاحب العمل و المتممة بالتوصية عدد .166
101 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و يكتسي هذا اإلجراء أهمية كبرى ،في كونه يهيئ الفرصة إلجراء المقابلة بين المشغل
و األجير ،و التي خاللها يمكن لهذا األخير أن يوضح للمشغل أمورا قد تكون غائبة عنه ،و
في إطار دفاعه عن نفسه ،يمكن لألجير أن يقدم جميع اإلثباتات و يقنعه بكون المخالفات
المنسوبة إليه غير صحيحة ،و هو ما قد يقتنع به المشغل فيتراجع عن العقوبة التي يعتزم
264
إقراراها في حق األجير.
وإذا كانت المادة 62من مدونة الشغل قد أوجبت على المشغل استدعاء األجير
لالستماع إليه و تخويله حق الدفاع ،فإ نها لم تحدد الطريقة التي يستدعى بها هذا األخير ،و
كذا محتوى االستدعاء ،و هو ما يشكل إحدى النواقص التي طبعت بعض مقتضيات
265
المدونة.
كما أوجبت – المادة -62أيضا أن يتم االستماع إلى األجير بحضور مندوب األجراء
أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره األجير بنفسه تحت طائلة بطالن المسطرة ،و عند
عدم حضور مندوب األجراء أو الممثل القانوني إلى جانب األجير الذي له حق اختياره يجعل
مسطرة االستماع معيبة ،و يترتب عنه اعتبار الفصل تعسفيا.
و الدور الذي يقوم به مندوب األجراء أو الممثل النقابي ،هو مؤازرة األجير أو محاولة
إقناع المشغل بأن الفعل الذي ارتكبه األجير لم يلحق ضررا بالمقاولة ،أو أن الضرر الذي
خلفه فعل ا ألجير ال يقارن مع المجهودات التي بذلها في خدمة المقاولة ،و من تم إقناعه
266
بالتراجع عن قراره.
و إذا كان باإلمكان تطبيق هذا المقتضى في المقوالت التي تتوفر على مندوب األجراء
و الممثل النقابي ،فإنه من الصعوبة بمكان تطبيقه في المقاوالت التي ال يشترط فيها القانون
- 264التجاني أحمد الزاكي":إجراءات إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة من طرف المشغل" ،مداخلة
بالندوة الجهوية التاسعة للقضاء االجتماعي ،م س.274 ،
- 265عبد القادر البوبكري" :حدود السلطة التأديبية للمشغل على ضوء مدونة الشغل و العمل القضائي:
دراسة مقارنة" ،م س ،ص .63
- 266الحاج الكوري ":مدونة الشغل الجديدة :أحكام عقد الشغل" ،م س ،ص 286
102 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
التوفر على مندوب األجراء أو الممثل النقابي ،267فهل غياب مندوب األجراء أو الممثل
النقابي في مثل هذه الحالة يجعل المسطرة باطلة؟ و في الحالة التي يختار فيها األجير
الحضور للمقابلة وحده ،دون أن يكون مرفوقا بمندوب األجراء أو الممثل النقابي رغم
وجدوده بالمقاولة ،فهل تكون هذه المقابلة صحيحة أم باطلة؟
إجابة عن السؤال الثاني نعتقد أن المقابلة تكون صحيحة ،طالما أناطت المادة 62من
المدونة ،باألجير اختيار من يحضر معه من مندوب األجراء أو الممثل النقابي ،فقد يرى
األجير بأن مصلحته تقتضي عدم حضور أي منهما ،إما لكونهما غير مؤهلين للدفاع عن
حقوقه ،أو لتشكيكه في نزاهتهما.
كما قيدت المادة 62من مدونة الشغل ،مسطرة االستماع إلى األجير ،بقيد زمني محدد
في ثمانية أيام كأجل لالستماع لألجير ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل
المنسوب إليه.
إال أن مضي أكثر من ثمانية أيام ،ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب األجير
المخالفة المنسوبة إليه ،دون استدعائه لالستماع إليه ،و تخويله حق الدفاع عن نفسه ،يعد
دليال على اقتناع المشغل بعدم ارتكاب األجير ألي فعل يستحق عنه المساءلة التأديبية ،و إما
دليال على عدم أهمية المخالفة المقترفة من طرف ،268و هو نفس توجه قضاء الموضوع كما
يتضح من قرار الستئنافية الرباط الذي أكد من خالله على أن":عدم االستماع لألجير داخل
أجل ثمانية أيام من تاريخ ارتكاب الخطأ الجسيم يشكل خرقا لمقتضيات المادة 62من مدونة
الشغل ،ذلك أنه قد ثبت استطالة الفترة الزمنية من تاريخ ارتكاب الخطأ الجسيم و تاريخ
االستماع إليه لمدة تفوق ثمانية أيام ،فإن ذلك يعتبر دليال لعدم اقتناع المشغل بعدم ارتكاب
- 267تنص المادة 430من مدونة الشغل على ":يجب أن ينتخب ،بالشروط المنصوص عليها في هذا
القانون ،مندوبون عن األجراء ،في جميع المؤسسات التي تشغل اعتياديا ما ال يقل عن عشرة أجراء
دائمين.".
- 268عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل الشغل" ،م س ،ص .448
103 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
األجير ألي فعل يستحق عليه المساءلة التأديبية ،و يعتبر في هذه الحالة قد تنازل عن حقه في
الفسخ.269"...
و إذا كان هذا المقتضى يكتسي أهمية كبرى ،في كونه يعزز الحدود التشريعية
المفروضة على السلطة التأديبية للمشغل ،فإن بداية احتساب اجل الثمانية أيام يبقى غامضا،
فهل يبتدئ من تاريخ علم المشغل بوقوع المخالفة المتابع من أجلها األجير ،أم من تاريخ
ارتكابها؟
نصت الفقرة الثانية من المادة 62من مدونة الشغل على أنه":يحرر محضر في
الموضوع من قبل إدارة المقاولة ،يوقعه الطرفان ،و تسلم نسخة منه إلى األجير".
من خالل هذا المقتضى ،يالحظ بأن المدونة أوجبت على المشغل تتويج مسطرة
االستماع بتحرير محضر في الموضوع ،غير أنها لم تحدد الصيغة التي يتم بها إنجاز هذا
المحضر سواء على مستوى الشكل أو المضمون ،كما يالحظ أن المدونة حصرت األشخاص
الذين يوقعون محضر االستماع في المشغل او من ينوب عنه و االجير المنسوبة إليه
المخالفة .بينما كان عليها فرض توقيع هذا المحضر من طرف كل من حضر جلسة
االستماع ،خصوصا مندوب األجراء أو الممثل النقابي ،و ذلك قصد تسهيل المأمورية على
القضاء في مراقبته لمدى حضور ممثلي األجراء مع األجير ،تبعا لما توجبه المادة 62من
المدونة.270
- 269قرار استئنافية الرباط ،بتاريخ ،2006/10/17في الملف االجتماعي عدد ،15/2005/1058أورده
محمد الكوهن":اإلشكاالت المثارة بخصوص الفصل التأديبي" ،مداخلة بالندوة الجهوية التاسعة ،تحت
عنوان":مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق" ،سلسلة الندوات و اللقاءات و األيام الدراسية ،ع ،9مكتبة
دار السالم-الرباط ،2007 ،ص 132و .133
270عبد القادر البوبكري":حدود السلطة التأديبية للمشغل على ضوء مدونة الشغل و العمل القضائي"،
م س ،ص.68
للمزيد راجع في هذا اإلطار:
-الحاج الكوري ":مدونة الشغل الجديدة :أحكام عقد الشغل" ،م س ،ص.288
104 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إال أن الفقرة األخيرة من المادة 62من مدونة الشغل رجعت بنا إلى بداية المسطرة،
حيث نصت على أنه ":إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة ،يتم اللجوء إلى
مفتش الشغل" ،فهذا المقتضى يثير مجموعة من المالحظات نورد بعضها كما يلي:
-إن صياغة هذه الفقرة قد تفيد بأن مسطرة االستماع ليست وجوبية ،لكونها
خولت للطرف الثاني للجوء إلى مفتش الشغل بعد رفض الطرف األول إجراء
مسطرة االستماع ،و هذا ما يتناقض مع صيغ الوجوب التي وردت في الفقرات
271
األولى من نفس المادة ،مما يدفع المشغلين إلى عدم اإلكثراث بها.
-لم تحدد الفقرة األخيرة من المادة 62من مدونة الشغل ،اإلجراء الذي سيقوم
به مفتش الشغل بعد اللجوء إليه من طرف المشغل أو األجير ،فهل يكتفي باإلشهاد
على رفض إجراء مسطرة االستماع ،أم أنه يبادر إلى إجراء محاولة التصالح في
إطار الفقرة الرابعة من المادة 532من مدونة الشغل؟
-من المعلوم أن المشغل هو الذي يبادر إلى اتخاذ العقوبة التأديبية ،مما يفترض
معه أنه هو الذي يقوم بتحريك مسطرة التأديب من خالل إبالغ األجير و دعوته إلى
االستماع ،و عليه ال يمكن تصور حالة رفض المشغل إجراء أو إتمام المسطرة تبعا
لما أشارت إليه الفقرة األخيرة من المادة ،62ألن الرفض يصدر دائما من الجهة
الموجهة إليها الدعوى و هو األجير في حالتنا هاته.
ثانيا :الرقابة القضائية على الشروط المسطرية السابقة على إقرار العقوبة
التأديبية
إذا تحقق المشغل من حصول الخطأ الموجب للعقوبة التأديبية ،و عدم اقتناعه بدفوعات
األجير خالل مسطرة االستماع ،فإنه يمر إلى مرحلة اتخاذ العقوبة التأديبية ،و في هذا اإلطار
أقرت مدونة الشغل بعض القيود اإلجرائية المصاحبة إلقرار العقوبة التأديبية و المتمثلة
- 271محمد الكوهن":اإلشكاالت المثارة بخصوص مسطرة الفصل التأديبي" ،مداخلة بالندوة الجهوية
التاسعة ،م س ،ص .134
105 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
أساسا في تبليغ مقرر العقوبة( )1و تحديد بعض المسائل التي يجب تضمينها في مقرر
الفصل من الشغل(.)2
عمل المشرع المغربي على حماية األجير في إطار مسطرة الفصل التأديبي ،و ذلك
بإلزام المشغل بتسليم مقرر العقوبة التأديبية إلى األجير المعني باألمر يدا بيد مقابل وصل ،أو
داخل أجل ثمان و أربعين ساعة من تاريخ 272
بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل
اتخاذ المقرر المذكور ،273فال يجوز إبالغ األجير بمقرر العقوبة التأديبية بشكل شفاهي ،أو
274
عن طريق البريد العادي أو أحد زمالئه ،و ال بالطريقة القضائية و إن كان بعض الفقه
يجيزها.
و أحيانا قد يصعب تبليغ األجير بمقرر العقوبة التأديبية ،خصوصا بواسطة البريد
المضمون ،حيث أن الظرف البريدي قد يرجع بعبارة"عنوان ناقص" أو "غير مطلوب" أو
انتقل إلى مكان آخر" أو "عنوان غير موجود" ،...ففي مثل هذه الحاالت هل يعتبر المشغل
قد أخلى مسؤوليته عن التبليغ ،أم أنه ملزم بتحقيق نتيجة التبليغ و هي تسلم األجير لمقرر
التبليغ لمقرر العقوبة التأديبية؟
و إذا كان العنوان الذي يجب اعتماده في التبليغ هو العنوان الوارد في بطاقة الشغل أو
البطاقة الوطنية لألجير ،ف إنه ينبغي على األجير عند تغيير محل إقامته أن يطلع المشغل على
عنوانه الجديد يدا بيد أو بواسطة رسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل.275
- 272كانت الفقرة التاسعة من الفصل السادس من النظام النموذجي الملغى تلزم المشغل باتباع الطريقين
معا ،غذ نصت أنه":المستأجر الذي يريد طرد أحد مستخدميه...يجب عليه أن يخبره بذلك في ظرف
الثماني و األربعين ساعة من وقت إثباتها و ذلك بواسطة رسالة مضمونة الوصول و عالوة عن ذلك
يتعين على المستأجر أن يسلم بنفسه العامل نسخة من الرسالة المذكورة."..
- 273المادة 63من مدونة الشغل.
- 274عبد العزيز العتيقي":القانون االجتماعي المغربي" ،الطبعة األولى ،دون ذكر المطبعة ،2000 ،ص
127و ما بعدها.
- 275الفقرة األخيرة من المادة 22من مدونة الشغل.
106 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
من بين القيود المسطرية المفروضة على المشغل في إقرار عقوبة تضمين مقرر
الفصل األسباب المبررة التخاذه و تاريخ االستماع إلى األجير ،باإلضافة إلى إرفاقه
بالمحضر المتعلق بمسطرة االستماع.276
و لضمان احترام هذا اإلجراء ،نصت الفقرة األخيرة من المادة 64من مدونة الشغل
على أنه":ال يمكن للمحكمة أن تنظر إال في األسباب الواردة في مقرر الفصل و ظروفه" ،و
بهذا المقتضى األخير ،تكون المدونة قد وضعت حدا للجدل الفقهي و القضائي بشأن األسباب
الواردة في مقرر الفصل و ما إذا كان باإلمكان اعتماد أسباب أخرى غير مذكورة في هذه
الرسالة أم ال؟
ففي ظل هذه المقتضيات الجديدة ،فإن المحكمة تنطلق فقط من األسباب الواردة في
مقرر الفصل لتحديد مدى مشروعيته ،و عليه فإن هذه األسباب يجب أن تكون واضحة ،و ال
تكون عبارة عن اتهامات عامة و غامضة ،فمثال ذكر التحريض على إفساد األجراء و سب
المقاولة دون تحديد األلفاظ المستعملة في السب و ال تاريخ وقوعها ،ال يجيز للمحكمة أن
تستعمل سلطتها التقديرية في اعتبار الفصل مبررا من عدمه.277
و من بين المسائل التي يجب النص عليها في مقرر الفصل ،األجل الذي يمكن فيه
لألجير المفصول رفع دعواه أمام المحكمة المختصة ،و المحدد في تسعين يوما من تاريخ
توصل األجير بمقرر الفصل تحت طائلة سقوط الحق.278
فرقابة القضاء االجتماعي لم تقف عند الرقابة على احترام المشغل لإلجراءات الشكلية
الخاصة بتوقيع الجزاء التأديبي – سواء تعلق األمر بالنقل أو التوقيف أو الفصل -على
األجراء العاديين ،بل يبسط رقابته أيضا على مدى احترام المشغل للشروط الشكلية الخاصة
107 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
بتوقيع الجزاء التأديبي على مندوبي األجراء و الممثلين النقابيين و طبيب الشغل و األجيرة
الحامل كأجراء محميين ،إذا كان هذا الجزاء يرمي إلى النقل أو إلى التوقيف عن الشغل لمدة
محددة ،أو الفصل من الشغل ،حيث يجب أن يكون هذا الجزاء موضوع مقرر يوافق عليه
مفتش الشغل.279
الفقرة الثانية :الرقابة القضائية على الشروط الشكلية المتعلقة بتأديب األجراء
المحميين
للوقوف حو رقابة القضاء االجتماعي على الشروط اإلجرائية المتعلقة بتأديب األجراء
المحميين ،يقتضي التطرق لمندوب األجراء و الممثل النقابي(أوال) ،و تأديب طبيب الشغـــل
و األجيرة الحامل(ثانيا).
أوال :رقابة القضاء االجتماعي على تأديب مندوب األجراء و الممثل النقابي
إذا كان مشرع مدونة الشغل قد كفل للطبقة العاملة مجموعة من الحقوق ،فإنه خص من
بينها فئة مندوبي األجراء و الممثلين النقابيين بحماية إضافية ،مؤكدا في سبيل األخذ بها على
إعمال ما تضمنته مقتضياته ،280إضافة إلى ما جاءت به االتفاقيات و المواثيق الدولية في هذا
الشأن.281
و قبل التطرق إلى رقابة القاضي االجتماعي على الشروط اإلجرائية المتعلقة بتأديب
الممثل النقابي( ،)2سنقف عند الرقابة القضائية على الشروط الشكلية لتأديب مندوب
األجراء(.)1
108 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و في هذا اإلطار ،تدخلت المشرع من خالل مدونة الشغل ،فأقر حماية خاصة لهذه
الفئة من األجراء عن طريق فرض قيود مسطرية تضيق من سلطة المشغل في تأديب مندوب
األجراء ،فنصت المادة 457من مدونة الشغل على ":يجب أن يكون كل إجراء تأديبي،
يعتزم المشغل اتخاذه في حق مندوب األجراء ،أصليا كان أو نائبا ،موضوع مقرر ،يوافق
عليه العون المكلف بتفتيش الشغل ،إذا كان هذا اإلجراء يرمي إلى نقل المندوب أو نائبه من
مصلحة إلى أخرى ،أو من شغل إلى آخر ،أو إلى توقيفه عن شغله ،أو فصله عنه".
و هو ما أكدته محكمة النقض من ضرورة استصدار موافقة مفتش الشغل 284قبل اتخاذ
المشغل أي قرار بفصل مندوب األجراء أو الممثل النقابي ،و إال اعتبر اإلجراء الصادر في
حقه باطال و مكتسيا طابع التعسف بغض النظر عن جسامة الخطأ الذي ارتكبه ،285إذ جاء
في قرار لمحكمة النقض جاء فيه..":إن لجوء المشغلة لمفتش الشغل مجددا من أجل إبداء
الرأي بخصوص ما هي مقدمة عليه من فصل لمندوب األجراء ،يؤكد قناتها بأن مراسلتها
األولى لم تحظ بقبول الجهة المذكورة و قد كان عليها انتظار رده ،إال أنها بإقدامها على
- 282محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س،
.903
- 283عبد القادر البوبكري":حدود السلطة التأديبية للمشغل على ضوء مدونة الشغل و العمل القضائي"،
م س ،ص .77
- 284للوقوف حول مختلف وظائف مفتش الشغل ،راجع في هذا اإلطار :محمد طارق":الوظيفة الرقابية
لمفتش الشغل" ،مقال منشور بمجلة القانون المغربي ،ع ،22يناير ،2014ص.83
- 285الزهرة أنوار":المشغل بين السلطة التأديبية و الرقابة القضائية" ،م س ،ص .218
109 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
اتخاذ مقرر الفصل قبل ذلك بل و بعد رفع الدعوى تكون قد خرقت مسطرة الفصل الخاصة
بمندوب األجراء و هو ما كان على محكمة االستئناف التصريح به مع ترتيب اآلثار
القانونية عليه".286
آخر لمحكمة النقض ...":لكن حيث إن الثابت لقضاة الموضوع أن 287
و في قرار
الطاعنة أقدمت على طرد أجيرها دون أن تطبق في حقه المسطرة المنصوص عليها وجوبا
بالمادة 457من مدونة الشغل ،الناصة على أن كل إجراء تأديبي في حق مندوب األجراء
أصليا كان أو نائبها يعتزم اتخاذ في حقه أن يوافق عليه لعون المكلف بتفتيش الشغل تحت
طائلة اعتبار اإلجراء المتخذ يتسم بطابع التعسف و القرار و عن صواب انتهى باستحقاق
المطلوب للتعويض المخول له قانونا و المترتب عن فسخ عقد العمل دون احترام اإلجراء
المسطري المشار إليه أعاله ،و هو تعليل صحيح و مطابق للقانون".
فمن خالل هذا المقتضى ،288يتضح أن رأي مفتش الشغل حول قرار التأديب الذي
يعتزم المشغل اتخاذه في حق مندوب األجراء أصبح إلزاميا و مقررا ،و وضع حدا للجدل
الفقهي و القضائي حول طبيعة رأي مفتش الشغل في ظل ظهير 29أكتوبر 1962المتعلق
بتمثيل المستخدمين في المقاوالت ،و الذي تم نسخه بمقتضى المادة 586من مدونة الشغل.
كما أن مخالفة رأي مفتش الشغل يجعل اإلجراء المتخذ متسما بالتعسف موجبا
للتعويض ،و هو ما يجعل رأيه إلزاميا و ليس استشاريا ،و هو ما جاء في قرار لمحكمة
النقض ...":حيث إنه ال أساس لما إثارته المستأنفة أيضا في هذا المجال ،ذلك أن المشرع
سعيا منه لتوفير المزيد من الحماية والضمانات لمندوبي العمال ونوابهم خالل فترة
انتدابهم ،أوجب في المادة المحتج بسوء تأويلها من طرف المحكمة موافقة مفتش الشغل
على كل إجراء تأديبي كما هو منصوص عليه في تلك المادة ،يعتزم المشغل اتخاذه في حق
مندوبي العمال ونوابهم فاألمر ال يتعلق بمجرد رأي استشاري ...وحيث إن مفتش الشغل لم
- 286قرار محكمة النقض ،عدد ،2بتاريخ 8يناير ،2015في الملف االجتماعي عدد ،2014/1/5/173
نشرة قرارات محكمة النقض ،ع ،2015 ،19ص .93
- 287محكمة المجلس األعلى ،عدد ،337الصادر بتاريخ 25مارس ،2009في الملف االجتماعي عدد
،18/5/1/2008غير منشور.
- 288مادة 457من مدونة لشغل.
110 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
يوافق على عقوبة الفصل التي قررت المشغلة حسب كتابه المؤرخ في 2004/7/13 :و
رغم ذلك لجأت إلى طرده من عمله ،غير عابئة برأي مفتش الشغل وال باالقتراح الذي
ضمنه في كتابه المشار أعاله ...األمر الذي يكون قرارها يكتسي صبغة تعسفية ،وتبعا لذلك
يكون ما ذهب إليه الحكم االبتدائي في تفسيره لمقتضيات المادة 457من مدونة الشغل هو
عين الصواب ويجسد قصد المشرع .289"...
و تجدر اإلشارة أن الحماية المقررة في المادة 457من مدونة الشغل ال تقتصر على
مندوب األجراء أو نائبه ،بل تمتد إلى قدماء األجراء ،خالل ستة أشهر من تاريخ انتهاء
انتدابهم ،و كذا المترشحين النتخابات مندوبي األجراء ،منذ وضع اللوائح االنتخابية و إلى
حين مضي ثالثة أشهر من تاريخ اإلعالن عن نتائج االنتخابات.290
كما وسعت المدونة أيضا من العقوبات التأديبية التي تخضع لهذا القيد المسطري،
فباإلضافة إلى عقوبة الفصل ،فإنها تمتد إلى عقوبتي النقل و التوقيف المؤقت.
بعد أن كان تشريع الشغل الملغى ال يشمل الممثل النقابي بأي حماية خاصة ،فإن مدونة
الشغل أضفت على الممثل النقابي صفة األجير المحمي ،أسوة في ذلك بقانون الشغل
الفرنسي؛ فأصبح الممثل النقابي يتمتع بنفس الحماية المقررة لمندوب األجراء ،و ذلك ما
نصت عليه الفقرة األولى من المادة ،472التي جاء فيها ":يستفيد الممثلون النقابيون من نفس
التسهيالت و الحماية التي يستفيد منها مندوبو األجراء ،بمقتضى هذا القانون".
هكذا ،فمشرع القانون رقم 65-99بشأن مدونة لشغل لئن كان قد كفل للطبقة العاملة
مجموعة من الحقوق ،فإنه قد خص من بينها فئة مندوبي األجراء و الممثلين النقابيين بحماية
111 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إضافية مؤكدا في سبيل األخذ بها على إعمال ما تضمنته مقتضياته ،إضافة إلى ما جاءت به
291
االتفاقيات و المواثيق الدولية في هذا الشأن.
و عليه فإنه يجب على المشغل الذي يعتزم فصل الممثل النقابي ،أو نقله إلى مصلحة
أخرى ،أو توقفه عن شغله ،الحصول على إذن مفتش الشغل و ذلك ما أقره المجلس في قرار
له بتاريخ ،2011/10/27فاعتبر أن الطاعنة مادامت لم تسلك المسطرة المنصوص عليها
في المادة 457من مدونة الشغل الواجبة اإلتباع قبل اللجوء إلى فصل أجير له صفة ممثل
نقابي فإن قرار الفصل يكون باطال.292
ثانيا :الرقابة القضائية على الشروط الشكلية المتعلقة بتأديب طبيب الشغل و
األجيرة الحامل
قبل مالمسة رقابة القاضي االجتماعي على الشروط الشكلية المتعلقة باألجيرة
الحامل( ،)2سنتطرق لمناقشة الرقابة المرتبطة بطبيب الشغل(.)1
إذا كانت المهام المنوطة بطبيب الشغل الواردة في المادة 318من مدونة الشغل ال
تشكل إزعاجا للمشغل ،293طالما أنها ال تتجاوز مجرد تقديم إسعافات و خدمات طبية
لألجراء ،فإن مبادرة طبيب الشغل للقيام بما أملته عليه الفقرة األولى من المادة 320من
المدونة ،294قد تشكل أكبر إزعاج للمشغل الذي يعتبر الحكم الوحيد داخل المقاولة ،فهذه
- 291قرار محكمة النقض ،عدد ،306بتاريخ ،2010/4/8في الملف االجتماعي عدد ،2009/1/5/498
قرارات محكمة النقض ،ع ،18م س ،ص .230
- 292قرار عدد ،1487الصادر بتاريخ ،2011/10/27في الملف االجتماعي عدد ،2010/1/5/301
أورده عبد القادر البوبكري ،م س ،ص .85
- 293نصت المادة 318من مدونة الشغل على ":يؤدي طبيب الشغل دورا وقائيا ،يتمثل في إجراء
الفحوص الطبية الواجبة على األجراء ،خاصة الفحص الطبي الرامي إلى التأكد من مالءمة مناصب
الشغل للحالة الصحية لألجراء عند بداية تشغيلهم ،وإلى تجنيبهم كل ما قد يضر بصحتهم بسبب الشغل،
والسيما بمراقبة شروط النظافة في مكان الشغل ،ومخاطر العدوى ،والحالة الصحية لألجراء".
- 294نصت الفقرة األولى من المادة 320على ":يكون طبيب الشغل مؤهال القتراح تدابير فردية ،كالنقل
من شغل إلى آخر ،أو تحويل منصب الشغل ،إذا كانت تلك التدابير تبررها اعتبارات تتعلق خاصة بسن
األجير ،وقدرته البدنية على التحمل ،وحالته الصحية".
112 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المادة أجازت لطبيب الشغل اقتراح تدابير فردية كالنقل من شغل إلى آخر ،أو تحويل منصب
الشغل ،إذا كانت هذه التدابير تبررها اعتبارات تتعلق خاصة بسن األجير و قدرته البدنية و
حالته الصحية ،و أمام ما أوجبته الفقرة الثانية من المادة المذكورة بأخذ تلك االقتراحات بعين
االعتبار ،و إذا رفضها فيلزمه بيان األسباب التي حالت دون العمل بها ،فهي إمكانية يرى
فيها المشغل تهديدا لسلطته داخل المقاولة .مما قد يدفعه إلى البحث عن كل الوسائل التي
تمكنه من التخلص منه عن طريق الفصل التأديبي ،أو على األقل مضايقته و الضغط عليه
بواسطة فرض عقوبات تأديبية أخرى ،كالنقل إلى مصلحة أخرى أو التوقيف المؤقت أو
غيره.295
من هذا المنطلق ،تدخل المشرع و ألول مرة مع إقرار مدونة الشغل لفرض قيود و
قواعد مسطرية يجب على المشغل احترامها قبل اتخاذ أي إجراء تأديبي في حق طبيب
الشغل ،و ذلك ما نصت عليه المادة 313من مدونة الشغل.296
و هو ما كرسته محكمة النقض في قرار لها جاء فيه ..":و الثابت أن المطلوب كان
يشتغل مهمة طبيب الشغل لدى الطالبة و ذلك بمقتضى عقد غير محدد المدة ،و بالتالي فهو
يحضى بحماية خاصة في مدونة الشغل ،و هي المنصوص عليها في المادة ،313و التي
تبين من خالل معطيات النازلة عدم احترامها من طرف المشغلة ،بل أن الطالبة اكتفت
بتوجيه إخطار للمطلوب تشعره فيه بوضع حد لخدمته دون تبرير لموقفها ،و لذلك من
2012/10/02معتمدة على مقتضيات البند 7من العقد المبرم بين الطرفين.
و حيث إن المادة 11من مدونة الشغل تسير في اتجاه أن الحقوق التي يقررها هذا
القانون تعتبر الحد األدنى ال يمكن النزول عنه ،و بالتالي ال يمكن تطبيق بنود عقد الشغل
إال إذا كانت أحكامه أكثر فائدة بالنسبة لألجير ،و أنه ما دامت المادة السابعة من عقد
- 295عبد القادر البوبكري":حدود السلطة التأديبية للمشغل على ضوء مدونة الشغل و العمل
القضائي" ،م س ،ص .77
- 296نصت المادة 313من مدونة الشغل على":يجب أن يكون ،كل إجراء تأديبي ،يعتزم المشغل أو
رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاوالت اتخاذه في حق طبيب الشغل ،موضوع قرار ،يوافق عليه
العون المكلف بتفتيش الشغل ،بعد أخذ رأي الطبيب مفتش الشغل".
113 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
االتفاق الطبي ال توفر حماية أكثر و هو ما ذهب إليه القرار االستئنافي المؤيد للحكم
االبتدائي و عن صواب.297"...
إن الوظيفة االجتماعية التي تقوم بها المرأة األجيرة ،إلى جانب وظيفتها المهنية،
تقتضي إقرار تدابير حمائية خاصة ،حفاظا على صحتها و سالمتها و قصد توفير الظروف
المالءمة إلنجاز وظيفتها اإلنجابية و التربوية ،و كذا حمايتها من كل السلوكات التعسفية التي
قد تتعرض لها هذه التدابير الحمائية.298
و نظرا لكون المشغل قد يتضايق من جراء الوضعية الصحية للمرأة الحامل ،و التي قد
توثر عل ى مردوديتها في الشغل ،مما قد يدفع به إلى البحث عن الوسائل المتاحة له لفصلها
عن العمل ،فإن مدونة الشغل أقرت من خالل الفقرة األولى و الثانية من المادة 159عدم
جواز فصل األجير الحامل خالل فترة حملها و بعد الوضع بأربعة عشر أسبوعا ،و كذا
خالل فترة توقفها عن الشغل بسبب نشوء حالة مرضية ناتجة عن الحمل أو النفاس بشرط
إثبات ذلك بشهادة طبية.
- 297قرار محكمة النقض ،عدد ،219بتاريخ 09فبراير ،2016في الملف االجتماعي عدد
،2015/1/5/37مجلة قضاء محكمة النقض ،العدد ،2017 ،81ص .192
- 298محمد الشرقاني و محمد القري اليوسفي و عبد العزيز العتيقي":مدونة الشغل مع تحليل ألهم
المستجدات"،م س ،ص .118-117
114 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
هذه الحالة يكون باطال و في هذا حماية األمومة كما تناولتها المدونة و االتفاقيات
الدولية"،299
غير أن الحماية المقررة لألجيرة الحامل مشروط من جانب أول ،بإثبات األجيرة حملها
بشهادة طبية ،ال غير ،كما يتبين ذلك من المادة ،159و من جانب ثان ،أال ترتكب هذه
األخيرة خطأ جسيما يحملها على إنهاء عقد شغلها من قبل المشغل.
إال أن الحظر المنصوص عليه في المادة 159من مدونة الشغل إنما يكون حال إنهاء
العقد تعسفيا و هو ما ال يمكن تصوره إذا كان اإلنهاء بتراضي طرفي العقد ،إذ ذهبت محكمة
النقض إلى أن اتفاق الطرفين أمام مفتش الشغل و الذي حرر بشأنه محضر وقعه الطرفان و
صادقا ع لى صحة توقيهما لدى من يجب ،و تسلم األجيرة لكافة مستحقاتها ،أنه يعتبر منهيا
للعالقة الشغلية ،و ال يمكن الطعن فيه أمام القضاء و ال يعتبر باطال بدعوى إبرامه أثناء
الحمل.300
غير أن هذا المنع سرعان ما تبدد مع االستثناء الذي جاءت به الفقرة الثانية من نفس
المادة ال مذكورة ،حيث أجازت هذه الفقرة فصل األجيرة الحامل ،في حالة ارتكابها لخطأ
جسيم ،أو لألسباب القانونية األخرى للفصل ،بشرط أال يتم تبليغ هذه األخيرة قرار فصلها
أثناء فترة توقف عقد الشغل المنصوص عليها في المادتين 154و 156من المدونة.
فالمالحظ أن المنع الذي أقرته الفقرة األولى و الثانية من المادة 159من المدونة قد
تراجعت عنه في الفقرة الثالثة منها ،و هو ما يخلق نوعا من الغموض و التناقض بين
مقتضيات هذه المادة ،مما يدفع إلى القول بان القيد التشريعي الوحيد الذي يقيد سلطة المشغل
- 299قرار محكمة االستئناف بالرباط ،عدد ،323بتاريخ ،2007/4/24ملف رقم ،2006/15/795أورده
عديل هتوف و صوابني عبد اإلله ،م س ،ص .48
- 300قرار محكمة النقض ،عدد ،234بتاريخ 08مارس ،2017في الملف االجتماعي عدد
،2016/2/5/560نشرة قرارات محكمة النقض ،ع ،31م س ،ص .72
115 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فصل األجيرة الحامل ،و هو فقط إرجاء تبليغها بمقرر الفصل إلى حين انتهاء فترة توقفها
301
عن الشغل بسبب الحمل و الوالدة.
فالقواعد اإلجرائية التي يتعين على المشغل احترامها قبل توقيع الجزاء التأديبي المتعلق
بالنقل أو التوقيف أو الفصل تعد قواعد جوهرية متعلقة بالنظام العام االجتماعي ،302إذ ال تلجأ
المحاكم إ لى مراقبة األفعال المنسوبة إلى األجير و تكييفها ،إال بعد التأكد من سالمة
اإلجراءات المسطرية ،فإذا تأكدت أن المشغل احترم القيود الشكلية انتقلت إلى بحث األسباب
الموضوعية لإلجراء المتخذ و مدى جديتها ،و هو ما سيكون موضوع تحليل في المطلب
الموالي.
إذا كان المشرع قد قيد السلطة التأديبية للمشغل ،بإقراره لعدد من اإلجراءات الشكلية
التي يجب احترامها ،فإن القضاء أيضا له دوره في هذا الصدد ،بحيث يعتبر المالذ األخير
الذي يبقى أمام األجير لإلقرار إما بعدم مشروعية استعمال السلطة التأديبية من طرف
المشغل و عدم تناسبها مع الفعل المقترف من طرفه أو إقرار العكس؛ فالقضاء يملك الحكم
بإبطال الجزاء التأديبي الموقع على األجير أو بتعويضه عن ذلك متى كان للتعويض
303
محل.
- 301عبد القادر البوبكري":حدود السلطة التأديبية للمشغل على ضوء مدونة الشغل و العمل
القضائي" ،م س ،ص .88
- 302للوقوف حول مفهوم النظام العام االجتماعي راجع في هذا اإلطار:
-امحمد ماسي":مفهوم النظام العام في قانون الشغل" ،مذكرة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون
الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد الخامس أكدال-الرباط ،السنة
الجامعية .1985
-أمينة رضوان":جزاء مخالفة النظام العام في قانون الشغل" ،مقال منشور بمجلة اإلرشاد القانوني،
عدد مزدوج الثاني و الثالث ،2018 ،ص 15و ما بعدها.
- 303فريدة اليوموري":حدود السلطة التأديبية للمشغل قراءة في المادتين 37و 39من مدونة الشغل"،
م س ،ص .43
116 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فبعد اقتناع القاضي باحترام المشغل لكافة اإلجراءات الالزمة لممارسة سلطته
التأديبية ،فإنه ينتقل إلى بسط رقابته على الوجود المادي للخطأ التأديبي 304و مدى جسامته،
305
و كذا مالءمة العقوبات المتخذة في حق األجير للخطأ المرتكب من طرفه.
فسلطة القضاء في مراقبة األفعال المنسوبة لألجير و التي تبرر توقيع الجزاء التأديبي
تقتصر على تلك الواردة في مقرر الجزاء التأديبي ،306و هكذا بعد أن يتأكد القاضي من
ارتكاب األخطاء التي استند إليها المشغل في توقيع الجزاء التأديبي ينتقل إلى تكييف هذا
الخطأ لمعرفة ما إذا كان يشكل فعال خطأ تأديبيا يخول للمشغل إعمال سلطته التأديبية ،و
يحدد ما إذا كان خطأ جسيما يخو ل فصل األجير مباشرة أم خطأ غير جسيم يتعين معه إعمال
قاعدة التدرج في الجزاء ،فالقضاء في إطار رقابته للسلطة التأديبية ،غير ملزم بالوصف
الذي يعطيه المشغل للخطأ المنسوب لألجير ،بحيث يكون له دائما أن يعيد تكييف طبيعة هذا
الخطأ ،307و هو ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها...":و حيث لما كان للمشغل الحق
في اتخاذ عقوبات تأديبية في مواجهة أجيره تطبيقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 37
من م ش و في إطار سلطته التنظيمية المخولة له ،فإن المحكمة هي المختصة للنظر في
مدى شرعية هذه السلطة و التأكد من وجود الخطأ المثار ثم شرعية الجزاء المتخذ و مدى
تناسبه مع الخطأ المرتكب و ذلك في نطاق حقها في الرقابة الواسعة على الوصف القانوني
المعطى للوقائع.308"..
117 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و هو ما سارت عليه محاكم الموضوع ،كما هو الشأن بالنسبة لمحكمة االستئناف بالدار
البيضاء في قرار لها...":لكن حيث إن المحكمة بعد اطالعها على وثائق الملف و
تصريحات الطرفين ،و كذا تصريحات الشهود ثبت لها عدم ثبوت الخطأ الجسيم في
مواجهة األجير ،و أن ما نسب إلى األجير مجرد أخطاء بسيطة ال ترقى إلى األخطاء
الجسيمة ،خاصة أن الضرر المزعوم من طرف المشغلة غير وارد في النازلة الشيء الذي
يبقى معه طعن المشغلة غير مرتكز على أساس مما يتعين معه الحكم برده".309
و تختلف سلطة القاضي في تكييف األخطاء التأديبية بحسب ما إذا تعلق األمر بخطأ
تأديبي وارد في مدونة الشغل ،أو بأخطاء غير منصوص عليها قانونا.
فإذا تعلق األمر بتكييف األخطاء التأديبية الواردة في مدونة الشغل فإن سلطة القاضي
في تكييفها تكون ضيقة ،إذ بعد تأكده من ثبوت الفعل الذي يحتج به المشغل باعتباره سببا
لتأديب األجير ،فإنه ينتقل إلى تكييف هذا الفعل في ظل النصوص القانونية المحددة لألخطاء
التأديبية ،إذ عليه أن يبين بدقة الواقعة التي كيفها على أنها خطأ تأديبي ،بحيث يوضح وجه
التطابق بين هذه الواقعة و الخطأ التأديبي المنصوص عليه ،فلو تتعلق األمر مثال بالسب
الفادح عليه أن يحدد في التعليل العبارات المستعملة و ما تحمله من التجريح أو التحقير في
حق من وجهت ضده.310
إذا تعلق األمر بأخطاء غير منصوص عليها قانونا ،فإن القاضي يكون أمام صعوبة
أكبر مقارنة مع األخطاء المنصوص عليها قانونا ،فالقاضي ملزم بتحليل األخطاء التأديبية
على ضوء القواعد التي تجعل الخطأ الجسيم هو الخطأ الذي يؤثر في استقرار المقاولة ،و
الخطأ غير الجسيم ذلك الذي ال يرقى إلى هذه الدرجة ،و هذا العمل يقتضي من القاضي ربط
الخطأ بخطورته ،و بالتالي تقدير جسامته .311و الحكم أو القرار يكون ناقص التعليل حين
- 309قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء ،عدد ،5417الصادر بتاريخ ،2008/07/14في الملف
االجتماعي عدد ،2910/07غير منشور.
- 310عمر نحال":االجتهاد القضائي بشأن الطرد من أجل الخطأ الجسيم" ،مجلة البحوث ،ع األول ،س
،2002ص .127
- 311محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س،
ص .243
118 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
يقضي بتعويض دون بيان للفعل أو الخطأ الذي ترتبت عنه المسؤولية أو نتج عنه الضرر،
أو دون بيان السبب و مداه أو نوع التهديد ،و بناء على ربط الخطأ بخطورته يتضح للقاضي
وجود العديد من األفعال غير المبررة أو المبررة للجزاء التأديبي.
و ال تقتصر رقابة القضاء على وجود األخطاء التأديبية و تكييفها(الفقرة األولى) ،و
إنما تشمل أيضا مراقبة مدى مالءمة الجزاء التأديبي الذي اتخذه المشغل لألخطاء المنسوبة
إلى األجير و مدى احترامه لمبدإ التدرج في إيقاع العقوبات ،مع إمكانية تدخله لتعديلها(الفقرة
الثانية).
الفقرة األولى :رقابة القضاء االجتماعي على وجود الخطأ المبرر لتأديبي
للحديث عن الرقابة القضائية على وجود الخطأ التأديبي ،سنقف عند قواعد إثباته(أوال)،
قبل أن ال يطال العقوبة أمد التقادم(ثانيا).
إن قواعد العامة لإلثبات ،و خصوصا منها الفصل 399من ق ل ع ،توحي بأن اإلثبات
على مدعيه ،مما يترتب عنه من الناحية المبدئية ،أن األجير هو من يتحمل عبء إثبات
تعسف المشغل في فصله ،لكونه هو المدعي.
غير أنه من الناحية المنطقية ،ال يسوغ و ال يعقل أن يكلف األجير بإثبات واقعة سلبية
أو واقعة غير موجودة أصال ،كأن يكون الخطأ المنسوب إلى األجير هو السرقة ،و يكون هذا
األجير ملزما بنفي واقعة السرقة ،و ليس لديه شهود أو دليل مادي يثبت براءته من هذه
312
التهمة التي قد يلصقها به المشغل.
و قد ظل عبء اإلثبات و لمدة طويلة على عاتق األجير ،الذي كان عليه إثبات أن
الفصل يكتسي صبغة تعسفية ،313إال أنه نظرا للصعوبات التي تعترض األجير في إثبات
- 312إدريس فجر ":مساهمة في دراسة نظرية أسباب انقضاء عد العمل" ،م س ،ص .89
- 313للتوسع في قواعد إثبات الفصل التعسفي راجع:
119 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تعسفية الفصل ،314و انسجاما مع الطابع الحمائي لمقتضيات قانون الشغل ،عمل القضاء
المغربي بمختلف درجاته على تكريس قاعدة قلب عبء اإلثبات على المشغل ،فأصبح هذا
األخير ملزما بإثبات وجود الخطأ المبرر للعقوبة التأديبية ،و يعتبر هذا التوجه القضائي من
أبرز مظاهر الحماية القضائية لألجير ،كما يشكل قيدا مهما على السلطة التأديبية للمشغل،
حيث أن هذا األخير بمجرد علمه بأنه هو الملزم بإثبات الخطأ الموجب إلقرار العقوبة
التأديبية ،فإنه غالبا ما ال يلجأ إلجراء هذه العقوبة التأديبية ،إال إذا كان متأكدا من تحقق
الخطأ.،
و قد عملت مدونة الشغل على تكريس هذا التوجه القضائي ،من خالل تنصيصها في
الفقرة األخيرة من المادة 63على أنه":يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر
مقبول للفصل ،كما يقع عليه عبء اإلثبات عندما يدعي مغادرة األجير لشغله".
و هو ما ذهبت إليه المحكمة االبتدائية بوجدة في أحد أحكامها ... ":و حيث أن المدعى
عليه اكتفى بالقول بكون المدعى قام بسرقته لكن دون إثبات ذلك بأية وسيلة من وسائل
اإلثبات مما يجعل ادعاءه مجردا من كل إثبات و عدم األساس ،و يتعين رفضه و يكون تبعا
لذلك الطرد الذي تعرض له المدعي طردا تعسفيا يستوجب التعويض عنه.315"..
و إذا ثبت ما قيل بشأن تقييد المشغل بإثبات الوجود المادي لألخطاء المنسوبة لألجير،
فإن القضاء خوله إمكانية استعمال كافة وسائل اإلثبات ،سواء كانت كتابية أو بشهادة الشهود
أو القرائن ،حيث يجب على القاضي عند اقتناعه بإحداها أو البعض منها أن يشير في حكمه
إلى مصدر اقتناعه ،و إال كان حكمه معرضا للنقض.
-سهام الكشوتي":القواعد المنظمة لإلثبات في نزاعات الشغل" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق،
وحدة التكوين و البحث في قانون العقود و العقار ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية،
جامعة محمد األول-وجدة ،السنة الجامعية ،2010-2009ص 101و ما يليها.
- 314دنيا مباركة":اإلنهاء التعسفي لقعد العمل :دراسة مقارنة" ،أطروحة لنيل درجة دكتوراه الدولة في
الحقوق ،كلية الحقوق ،جامعة عين شمس القاهرة-مصر ،1987 ،ص 390و ما بعدها.
- 315حكم المحكمة االبتدائية بوجدة ،عدد ،1553بتاريخ ،2007/11/28في الملف االجتماعي عدد
،07/49عبد القادر البوبكري":حدود السلطة التأديبية للمشغل على ضوء مدونة الشغل و العمل
القضائي" ،م س ،ص .113
120 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إال أنه يالحظ أن العديد من المحاكم تكون قناعتها عن طريق االستماع إلى الشهود ،و
ال جدال في ذلك ،مادامت الشهادة تنصب على وقائع مادية يمكن إثباتها بجميع وسائل
اإلثبات.
إال أن اإلشكالية التي يمكن أن تطرح في مسألة اإلثبات عن طريق شهادة الشهود ،هو
مدى صحة شهادة الشهود الذين الزالوا في عالقة تبعية مع المشغل ،فهل تجوز شهادتهم رغم
تقديم هذا الدفع من أحد األطراف أليس وجود هؤالء الشهود تحت تأثير ضغط المشغل من
شأنه أن يواجه شهادتهم لصالحه؟.
إجابة عن هذه التساؤالت ذهب قضاء محكمة النقض في عدة قرارات متوالية أنه ال
يوجد نص قانوني يمنع من األخذ بشهادة الشهود الزالوا في عالقة تبعية مع المشغل ،316و
نحن نعتقد أن القاضي االجتماعي هو المعول عليه في حماية األجير من أي تحايل على
القانون أو تضليل للعدالة من شأنه أن يضر بمصالح األجير ،بحيث يبقى في النهاية مسألة
تقييم شهادة الشهود ،حتى لو كانوا الزالوا تحت تبعية المشغل ،خاضعا للسلطة التقديرية
للقاضي بحيث يبقى لهذا األخير الحق في استبعاد شهادة الشهود أو األخذ بشهادة أحدهم أو
بعضهم دون غيرهم و ال رقابة عليه في ذلك من قبل المجلس األعلى إال من حيث التعليل.317
كما نؤيد هذا المبدأ في جعل المشغل هو من يتحمل عبء إثبات مدى مشروعية
العقوبة المتخذة من طرفه مادام أنه هو من يرجع إليه أمر إقرارها.
رغم أن المشرع أتى بضمانات جديدة تقيد من السلطة التأديبية للمشغل فنص على
الئحة الجزاءات التأديبية التي يمكن أن يتعرض لها األجير المخالف تحقيقا للمساواة بين
- 316قرار المجلس األعلى عدد ،397بتاريخ ،2005/04/13في الملف االجتماعي عدد ،2005/51
المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،العدد ،2006 ،63ص .218
-317قرار صادر عن المجلس األعلى ،عدد ،424بتاريخ ،2005/04/20ملف اجتماعي عدد
،2004/77أورده :ياسين المتحف":دور القضاء في ترسيخ مبدأ استقرار الشغل" ،رسالة لنيل دبلوم
الماستر في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة القاضي عياض-
مراكش ،السنة الجامعية ،2012/2011ص .96
121 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
األجراء و فرض احترام التدرج في العقوبات ،كما حاول تحقيق العدالة بضرورة إنذار
األجير كتابة و السماح له بتحقيق دفاعه و تقرير حق الطعن في جميع القرارات التأديبية ،إال
أنه كان بخيال حينما تجنب تحديد مدة لتقادم المخالفات أو العقوبات خالفا لبعض التشريعات
األخرى كالمشرع الفرنسي الذي نص في المادة L122-44على أنه تتقادم كل عقوبة أو
جزاء بمرور شهرين من تاريخ علم المشغل بالمخالفة ما لم تكن هذه المخالفة موضوع
متابعة جنائية.
و يستخلص من المادة 38أنه بعد استنفاذ العقوبات الواردة في المادة 37داخل أجل
سنة يمكن فصل األجير ،و يعتبر الفصل في هذه الحالة مبررا ،و يفهم من هذا النص أن
المشرع قرر مدة تقادم ضمنية حصرها في سنة ،إال أن ما ينبغي االنتباه إليه هو أن مدة
التقادم غير مرتبط بقرار الفصل فقط بل إن كل عقوبة تمضي عليها سنة ،ينبغي أن تسقط من
سجل العقوبات ،فلو فرضنا أن أول مخالفة كانت بتاريخ 2017/10/10و أرخ مخالفة
يمكنها أن تؤدي إلى الفصل حصلت بتاريخ ،2018/10/01ففي هذه الحالة يمكن للمشغل أن
يتخذ قرار الفصل ،لكن إذا حصلت المخالفة بتاريخ 2018/10/20فال يمكن اتخاذ قرار
الفصل ألن المخالفة األولى سجلت بتاريخ 2017/10/10قد مضى عليها أكثر من سنة و
بمرور هذ ه المدة تكون قد سقطت ،و بسقوط المخالفة األولى يطرح مشكل مراعاة التدرج في
318
العقوبات.
ال شك أن العقوبات التأديبية تشكل هاجسا كبيرا لدى األجراء لخطورتها و تأثيرها
المباشر على حياتهم المهنية ،و إذا كانت مدونة الشغل قد تحاشت إعطاء تعريف للعقوبة
التأديبية ،فإن قانون الشغل الفرنسي لـ 4غشت 1982عرفها بكونها ،كل تدبير غير
المالحظات الشفهية ،و الذي يتخذه المشغل عندما يرتكب األجير فعال يعتبر بمثابة خطأ من
122 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
طرفه سواء كان لهذا التدبير تأثير فوري أو ال على وجود األجير داخل المؤسسة أو وظيفته
أو مستقبله المهني أو األجر الذي يتقاضاه.319
و لما كانت مختلف التشريعات قد أتاحت للمشغل سلطة إيقاع عقوبة تأديبية على كل
أجير صدر عنه خطأ مرتبط بالشغل ،فإنها استوجبت بالمقابل فرض قيود و حدود لهذه
السلطة حتى ال يساء استعمالها ،و تتمظهر في مراقبة القضاء االجتماعي لمبدأ التدرج في
العقوبة و وحدتها(أوال) ،و إمكانية تدخله –القضاء االجتماعي -لتعديل العقوبة (ثانيا).
مما ال شك فيه أن المشغل ملزم في إيقاع العقوبات التأديبية باحترام مبدإ التدرج في
العقوبات التأديبية( ،)1و مبدأ وحدة العقوبة (.)2
يشكل احترام مبدإ التدرج في ترتيب العقوبات و توقيعها ضمانة أساسية بالنسبة
لألجراء خصوصا أولئك الذين تكثر أخطاؤهم ،ليتخذوا جميع االحتياطات الالزمة لتقويم
سلوكهم بمجرد تلقي الجزاء على المخالفة األولى أو الثانية ،كما يمثل ضمانة للمشغل الذي
320
يضفي ،باحترامه لمبدأ التدرج ،طابع المشروعية المفترض لقراراته التأديبية.
و أول مالحظة يمكن تسجيلها بهذا الصدد ،هو أن المشرع المغربي لم يعرف الخطأ
غير الجسيم ،و إن كان قد حدد آثاره على مستوى العقوبة الواجبة التطبيق على األجير
المرتكب لذلك الخطأ ،و من ثمة يمك القول أن وجود الخطأ غير الجسيم المبيح لتأديب
319
- L'article L 122-40 stiqule que: "constitue une sanction toute mesure
autre que les observation verbales, prise par l'employeur à la suite d'un
agissement considéré par lui comme fautif, que cette mesure soit de nature
à affecter immédiatement on non la présence du salarié dans l'entreprise, sa
fonction, sa carrière, sa rémunération".
- 320السعد بارك هللا":العقوبات التأديبية لألجير بين اإلهانة و نسبية المالءمة :دراسة مقارنة" ،مقال
منشور بمجلة قانون األعمال ،ع ،4دون ذكر السنة ،ص .103
123 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
األجير مسألة تندرج ضمن السلطة التقديرية لمحاكم الموضوع ،321إال أنه تبقى مسألة عدم
الحسم في تحدي د صفات الخطأ غير الجسيم ،ثغرة بارزة قد يجعل منها المشغلين مجاال خصبا
لتوسيع سلطاتهم التأديبية بشكل تعسفي ،و اعتبار كل ما من شانه أن يشكل نقطة انتقاد
لألجير ،خطأ غير جسيم يفتح به المشغل سلطته التأديبية ،حتى و إن كان فعال تافها أو ال
يرقى لدرجة الخطأ الذي يوجب المساءلة ،كما أن المشرع لم يستعمل عبارة الخطأ المستعملة
عادة في الكتب الفقهية ،و هو بذلك يقتصر على ذكر الخطأ الجسيم و غير الجسيم.
إال أن العقوبات التي أوردها المشرع في المادة ، 37من قبيل التوبيخ األول و الثاني و
التوبيخ الثالث ،تتنافى و كرامة األجير الطرف الضعيف في عالقة الشغل ،بل و قد تحط من
كرامته و شخصيته أمام مشغل جبار يستغل ذلك الضعف و االنهزام جراء قيامه بتوبيخ
أجيره ،في فرض ما يشاء من الشروط القاسية اتجاه األجير ،فهذه العقوبات مهينة لألجير
بدون معنى ،ما لم يتدارك و تصحيح ذلك من طرف المشغل ،322و في هذا اإلطار ننوه بما
سار عليه المشرع المصري بخصوص الجزاءات التأديبية.323
124 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
لكن المشرع رغم فرضه لمبدأ التدرج في العقوبات من خالل المادة 38من مدونة
الشغل ،324و نظرا ألنه كان يستعجل الوصول إلى حالة الفصل ،فقد خالف هو نفسه مبدأ
التدرج حينما نص في ذات المادة على أنه يمكن للمشغل بعد استنفاذ هذه العقوبات – و
المقصود بها العقوبات الواردة في المادة -37داخل السنة أن يقوم بفصل األجير ،مما قد يدفع
المشغل أيضا إلى تطبيق تلك العقوبات التأديبية على األجير ألبسط األسباب قصد استيفاء تلك
العقوبات داخل السنة ،و بالتالي يصبح من حقه فصل األجير دون تعويض ،و هو ما يفرض
مراقبة صارمة من طرف القضاء للتأكد من جدية األسباب التي دفعت إلى إصدار عقوبة
325
تأديبية في حق األجير.
و إذا كان واضحا أن هذا المقتضى يعتبر تدبيرا حمائيا لألجير ،فقد تم هدره بالمقتضى
الذي يسمح بعد استنفاذ جميع العقوبات التأديبية داخل السنة أن يقوم بفصل األجير ،326و
حيث يعتبر الفصل في هذه الحالة مبررا ،مما يطرح تساؤال عريضا حول إمكانية القول
بإعفاء المشغل من مسطرة الفصل التأديبي مادام المشرع قد قرر –مسبقا -بكون الفصل
الناتج عن ارتكاب أربعة أخطاء غير جسيمة داخل السنة فصال مشروعا ،و بالتالي فال مجال
أصال إلتاحة الفرصة لألجير للدفاع عن نفسه بجلسة االستماع و ال مجال بالتالي لخضوع
قرار المشغل بالفصل لمراقبة السلطة القضائية وفق الفقرة األخيرة من المادة 42من مدونة
الشغل ،و كأننا في هذه الحالة أمام فصل تأديبي مشروع بقوة القانون!! و ال حاجة إلخضاعه
ألية إجراءات مسطرية قبلية ،و بالتالي يبدو أن المشرع كان أكثر رحمة باألجير المنسوب
إليه الخطأ الجسيم قياسا لزميله األجير المنسوب إليه أخطاء غير جسيمة متعاقبة ارتكبت
- 324نصت المادة 38من مدونة الشغل على ":يتبع المشغل بشأن العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في
العقوبة .ويمكن له بعد استنفاذ هذه العقوبات داخل السنة أن يقوم بفصل األجير؛ ويعتبر الفصل في هذه
الحالة فصال مبررا.".
- 325محمد بنحساين":شرح قانون الشغل المغربي" ،الطبعة الثالثة ،مطبعة إمستيتن-الرباط ،أكتوبر
،2012ص .205
- 326المادة 38من مدونة الشغل ":يتبع المشغل بشأن العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في العقوبة .ويمكن له
بعد استنفاذ هذه العقوبات داخل السنة أن يقوم بفصل األجير؛ ويعتبر الفصل في هذه الحالة فصال مبررا".
125 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
داخل السنة ،و كانت موضوع عقوبات تأديبية متتالية و متدرجة ،بحيث يستفيد األول من
327
مسطرة االستماع بينما يحرم منها األجير الثاني.
كما أن مبدأ التدرج في العقوبة التأديبية ال يطبق إال في حالة ارتكاب األجير لخطأ
غيرجسيم ،و هو ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها جاء فيه...":و حيث إن المحكمة
أبرزت في تعليلها جسامة الخطأ المرتكب من طرف الطالب الذي أقر به هو نفسه عند
االستماع إليه أنه قام بتوسيم علبة غير معدة للتصدير كما أقر بقيامه بذلك عدة مرات،
فضال على كون الشهود أكدوا أن هذا الفعل أدى إلى إفراغ الشاحنة و سبب خسائر للشركة
و هو ما يعتبر إهماال سبب ضررا يجعل من الفعل المرتكب خطأ جسيما يبرر فسخ العقد،
كما أنه و خالفا لما أثاره الطالب فإن المشغل له صالحية اختيار العقوبة المناسبة للخطأ
المرتكب و هو غير ملزم باتباع التدرج في العقوبات فهو صاحب السلطة التأديبية التي ال
يحد منها سوى أن تكون العقوبة مالءمة للخطأ المرتكب.328"..
و هو نفس المعطى الذي سبق أن أكده المجلس األعلى في قرار 329له ،جاء فيه...":كما
يعيب على القرار نقصان التعليل الموازي النعدامه ،باعتبار أن الطالب أورد في مقاله
االستئنافي أن المشغل أثناء سقوطه بسبب المرض استغنى عنه و شغل أجير آخر محله ،و
أن المشغل بذلك أخل بإجراءات التأديب وفق مدونة الشغل الواضحة في أن المشغل ملزم
بعدم اللجوء إلى العقوبة األشد إال بعد استنفاذ العقوبة األخف مع حقه في اللجوء إلى
الفصل كعقوبة نهائية إذا استنفذ جميع العقوبات األدنى داخل السنة (المادة ."...)38
كما سبقت ا إلشارة إلى ذلك أن المشغل ،ملزم باتباع الترتيب المقرر بالنسبة للعقوبات
المتعلقة بالخطأ البسيط ،لكن هل هو ملزم بتوقيع أكثر من عقوبة على األجير حتى يكون له
- 327محمد الشرقاني و محمد القري اليوسفي":الفصل التأديبي لألجير وفق مدونة الشغل الجديدة"،
مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون األعمال و المقاوالت ،ع ،18-17يناير-يونيو ،2011ص.33
- 328قرار محكمة النقض ،عدد ،114بتاريخ 19يناير ،2016في الملف االجتماعي عدد
،2014/1/5/1008نشرة قرارات محكمة النقض الغرفة االجتماعية ،ع ،31ص .13
- 329قرار صادر عن المجلس األعلى عدد ،1158بتاريخ 22شتنبر ،2011في الملف االجتماعي عدد
،2010/1/5/141منشور بالمجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،عدد ،2012 ،74ص .291
126 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فيما بعد الحق في فصله متى تكرر قيامه بهذا الخطأ؟ بتعبير آخر ،هل إذا تغاضى المشغل
عن معاقبة األجير رغم ارتكابه للخطأ أو الفعل المنسوب إليه أكثر من مرة داخل نفس السنة
و بالعدد المقرر قانونا يفقده حقه في فصله؟.
جوابا على هذا السؤال و بالرجوع إلى مقتضيات المادة 38من مدونة الشغل نجدها
تقر بضرورة تدرج العقوبة بالنسبة لألخطاء غير الجسيمة ،حيث فرضت ضرورة ارتكاب
ا ألجير أربعة أخطاء خالل السنة ،ألن العبرة في هذا الصدد بتكرار الخطأ ،لكن متى اقتصر
المشغل في فرض هذه العقوبة شفويا ،مادام المشرع لم يحدد شكال معينا لذلك خاصة بالنسبة
لإلنذار ،هل سيتم احتسابها خاصة متى تمت بين األجير و المشغل دون حضور لمندوب
األجراء أو من ينوب عنه؟.
في هذا الصدد نعتقد ،إلى جانب بعض الفقه ،أن إعطاء المشغل إمكانية فصل األجير
الرتكابه مخالفة رابعة و التي سيعاقب عليها إما بتوبيخ ثالث أو بنقله إلى مصلحة أو مؤسسة
أخرى عند االقتضاء بحيث يكون قد استحق العقوبة بصفة قانونية على هذه المخالفة ،و
بالتالي ال مجال لتطبيق عقوبة الفصل في حقه ،اللهم إال إذا ارتكب مخالفة خامسة ،أما توقيع
عقوبتين على نفس المخالفة فهو أمر مردود قانونا ،330إذ جاء في أحد قرارات المجلس
األعلى أنه "...حيث يستفاد من مراجعة وثائق الملف أن المستأنف عليها كانت محل عدة
عقوبات تأديبية لسبب عدم المردودية و ضعف اإلنتاج و عدم احترام مقاييس الجودة
المعمول بها في الشركة ،كان آخرها قرار التوقيف عن العمل ،و بدون أجر لمدة سبعة أيام
ابتداء من ،2004/09/28و أنه كان على المستأنف عليها بتاريخ ،2004/09/30و أثناء
فترة التوقف عن العمل ،أنجزت معها محضر استماع استمعت فيه للمسؤول عن قسم
الموارد البشرية ،و للمستأنف عليها ،و الذي ليس فيه ما يفيد أن هذه األخيرة رفضت
- 330و هو ما استقر عليه القضاء حين اعتبر أنه " :ال يسوغ أن يعاقب األجير عن خطأ واحد مرتين،
فالمشغل له الحق في اتخاذ عقوبة التوقيف عن العمل للمدة المنصوص عليها قانونا ،غير أنه ليس من
حقه أن يتبعها مباشرة بعقوبة الطرد من العمل لنفس األسباب المبينة بقرار التوقيف عن العمل ،إذ
مؤدى ذلك أن يعاقب الشخص مرتين على خطأ واحد و هو أمر مردود قانونا".قرار صادر عن المجلس
األعلى عدد ،169بتاريخ ،2008/02/20في الملف االجتماعي عدد ،531/5/1/2007منشور
بالمجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،2009 ،70ص 252
127 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
القيام بعملها ،و حيث أن الشركة المشغلة قررت فصل المستأنف عليها ،و الذي ليس فيه
ما يفيد أن هذه األخيرة رفضت القيام بعملها ،و حيث أن الشركة المشغلة قررت فصل
المستأنف عليها من عملها مباشرة بعد انتهاء مدة التوقيف عن العمل ،و لنفس األسباب
المبينة بقرار التوقيف عن العمل حسب ما هو برسالة الفصل النهائي ،و حيث أن الشخص
ال يعاقب مرتين عن نفس الفعل ...يكورن قراراها المطعون فيه الذي خلص إلى أن
المطلوبة في النقض كانت موضوع طرد تعسفي من طرف مشغلتها (طالبة النقض) ،و
رتب األثر القانوني عن ذلك ،معلال تعليال سليما و كافيا و مطابقا للقانون ،و تبقى الوسيلة
المستدل بها على غير أساس".331
و عليه ،يمكن القول بأن القضاء قد سد ثغرات التي تركها المشرع في مسطرة التأديب
من جهة ،و بسط رقابته على القرارات التي يتخذها المشغل في إطار السلطة التأديبية استنادا
إلى المادة 42من مدونة الشغل ،332و يمكن أن نمثل لرقابة القضاء على استعمال المشغل
لسلطته في اتخاذ العقوبات التأديبية بإحدى تعليالت محكمة االستئناف بالدار البيضاء الواردة
بقرارها الذي جاء فيه ...":حيث أنه و على فرض أن ما قام به األجير من ارتداء جوارب
- 331قرار صادر عن المجلس األعلى عدد ،169بتاريخ 20فبراير ،2008ملف اجتماعي عدد
،2007/1/5/531منشور بالمجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،70س ،2009ص .252
- 332السعد بارك هللا":العقوبات التأديبية لألجير بين اإلهانة و نسبية المالءمة :دراسة مقارنة" ،م س ،
ص .106
128 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المشغلة التي تصرح بواسطة ممثلها أثناء جلسة البحث أن ال علم له ما إذا كانت صالحة أو
غير صالحة ،و أن الشاهد شاهد األجير و هو خارج من المسجد يرتدي الجوارب ،فإنها ال
ترقى إلى درجة الخطأ الجسيم بل كان على المشغل أن يحترم التدرج في العقوبة
المنصوص عليها في الفصل 37من مدونة الشغل.333"...
إال أنه تبقى هاته الضمانة غير كافية لحماية األجير ،مادام المشرع لم يحدد طبيعة
الخطأ غير الجسيم ،الشيء الذي يتيح للمشغل صالحية واسعة في كيفية تحديد طبيعة
األخطاء التي يمكنه أن يعاقب عليها ،حتى و إن كان القضاء يبسط رقابته على السلطة
التأديبية ،إال أن ذلك ال يتأتى إال في المرحلة الالحقة للفصل ،و ما يرافق ذلك من طول
المساطر و البطء في البت في الملف ،لمدة قد تطول ،عالوة على ضياع حقوق األجير
المكتسبة.
إذا كان العمل القضائي ،يشكل وحدة شبه منسجمة حول شرعية الرقابة القضائية على
وجو د الخطأ ،بما في ذلك إعطاء قضاة الموضوع كامل السلطة ،لتكييف طبيعته ،فإن
الخالف انصب أساسا على مدى سلطة المحكمة ،في تقدير تناسبية الخطأ مع العقوبة ،334و
قد تم طرح السؤال حول دور القضاء االجتماعي في هاته الحالة ،فهل له الحكم باستبدال
العقوبة بأخرى مناسبة ،أم له االكتفاء بإلغائها فقط ،أم يفتقد أي دور في هذا المجال؟ و ما
يطرح اإلشكالية الكبرى حول مدة شمولية الرقابة القضائية على السلطة التأديبية بكاملها.
و على خالف عدد من التشريعات المقارنة ،التي تمنح القضاء مالءمة الجزاء التأديبي
مع الخطأ المرتكب من طرف األجير ،فإن مشرع مدونة الشغل لم ينص على هذه المسألة
صراحة و بكل وضوح ،لذلك فإن قضاء الموضوع ،و بالنظر إلى ما يشكله مبدأ المالءمة
من تحقيق للمساواة في المجال التأديبي يذهب إلى بسط رقابته على مدى احترام المشغل لهذا
129 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المبدأ ،و يعطي لنفسه حق المالءمة بين الخطأ المرتكب و بين الجزاء ،335و ال رقابة عليه
من طرف محكمة النقض إال بخصوص التعليل كما ذهبت محكمة النقض في قرار
لها ...":حيث إن محكمة الموضوع لها صالحية تقدير الحجج المعروضة أمامها و ال رقابة
عليها في ذلك من طرف محكمة النقض إال من حيث التعليل المعتمد من طرفها ،و بالرجوع
إلى وثائق الملف و مستنداته فإن المحكمة أسست قضائها على عدم ثبوت ارتكاب األجير
لخطأ جسيم بعد تقييمها للحجج المقدمة من طرف المطالبة ،حيث اعتبرت بعد أجراء البحث
و معاينة الشريط المدلى به عدم ثبوت قيام المطلوبة بإلحاق خسائر بإطار عجالت السيارة
و اعتبرت أن طلب إجر اء خبرة فنية للتأكد من كون المطلوب هو الذي يظهر في الشريط ال
جدوى منه باعتبار أن الشخص الذي يظهر في الشريط و إن كان هو األجير فإنه لم يثبت
قيامة إلحاق أية خسائر بعجلة السيارة".336
و إذا كان قضاء الموضوع يعطي لنفسه هذه السلطة التي لم تقف عند مجرد الحكم
بتعسفي ة الجزاء التأديبي ،و إنما إلى حد الحكم بإلغائه ،فإن المجلس األعلى ذهب خالف ذلك،
حيث بتتبع موقفه نجده يتجه إلى االعتراف لقضاة الموضوع بمراقبة الوصف الحقيقي للخطأ
فقط ،و دون التدخل لتقرير مالءمة الجزاء ،معتبرا تقدير الجزاء ،من صميم اختصاصات
المشغل ،337إذ يستقل بتوقيعه طبقا لمبدأ السلطة التأديبية ،و من تم ليس من اختصاص
القضاء التدخل إللغائها ،األمر الذي يفهم معه أن محكمة النقض –المجلس األعلى -ال تريد
من المحاكم الدنيا أن تلعب دور القضاء االستئنافي بحيث تقوم بتخفيض أو إلغاء الجزاءات
التأديبية بدعوى عدم المالءمة ،و إنما تريد منها أن تتأكد من عدم تجاوز المشغل لسلطته
المعلقة بالحفاظ على السير العادي و الحسن للمقاولة.
و إذا كان هذا القضاء يحترس من التدخل في سلطة المشغل التأديبية ،خصوصا فيما
يتعلق بمالءمة الجزاء مع الخطأ ،حيث منع إلغاء الجزاءات التأديبية ،تاركا المجال مفتوحا
-335الزهرة أنوار":المشغل بين السلطة التأديبية و الرقابة القضائية" ،م س ،ص .219
- 336قرار محكمة النقض ،عدد ،1975بتاريخ 06شتنبر ،2016ملف اجتماعي عدد
،2015/1/5/1307نشرة قرارات محكمة النقض-الغرفة االجتماعية ،ع ،31ص .15
- 337محمد بوعزيز":السلطة التأديبية لرئيس المؤسسة في قطاع الشغل الخاص بالمغرب"،م س ،ص
.284
130 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
لقضاة الموضوع لتقرير عدم مشروعيتها متى كانت تعسفية ،و ترتيب جميع النتائج التي
تحفظ حقوق األجير دون التدخل في طريقة تسيير المشغل لمقاولته ،فإن ذلك ال يمنع من كون
رقابة القضاء تظل رقابة حقيقية و فعلية ،338إذ تقوم بدور فعال في الموازاة بين حق المشغل
في ت أديب األجير ،و مصلحة هذا األخير في استمرار عقد شغله ،و كل ذلك في اتجاه إعطاء
مفهوم أكثر فعالية لمضمون مبدأ استقرار الشغل.339
و على هذا األساس ،فإن للقاضي أن يقضي بإبطال العقوبة ،و ذلك لعدم قانونيتها أو
لعدم تبرير توقيعها على األجير ،مادام أن هذه العقوبة ال تعتبر سوى تقدير خاطئ من طرف
المشغل لما يتناسب مع الخطأ المرتكب من طرف األجير.
فالقضاء المغربي يعتمد على مقتضيات المادة 41من مدونة الشغل و التي تقضي
بأنه ...":في حالة تعذر أي اتفاق بواسطة الصلح التمهيدي ،يحق لألجير رفع دعوى أمام
المحكمة المختصة ،التي لها أن تحكم ،في حالة ثبوت فصل األجير تعسفيا ،إما بإرجاع
األجير إلى شغله أو حصوله على تعويض عن الضرر يحدد مبلغه على أساس أجر شهر
ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة على أن ال يتعدى سقف 36شهرا".
فيكون لها الحق – اعتمادا على سلطتها التقديرية -في أن تقضي بأحد الحلين ،إما
إرجاع األجير إلى عمله ،أو الحكم له بتعويض عما لحقه من ضرر جراء فصله تعسفيا،
خالفا لما كان عليه األمر قبل ،بحيث أن تضارب مصالح طرفي عالقة الشغل كانت سببا في
التردد في حاالت كثيرة حول إمكانية إرجاع األجير إلى عمله ،خاصة متى طلب هذا األخير
بذلك دون المطالبة بالتعويض أو العكس ،إضافة إلى الموقف الذي يتخذه المشغل اتجاه
األجير ،و الذي لن يتوارى عن طرده مرة أخرى متى قبل بالحكم و تم تنفيذه.
و إذا كان للمحكمة الحق في رقابة السلطة التأديبية للمشغل ،و في كيفية استعمالها من
حيث مدى مشروعية الجزاء المتخذ و مدى تن اسبه مع الخطأ المقترف من طرف العامل
تكريسا للمقتضيات التشريعية ،فإن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد :هل كان للقضاء
- 338أسماء الشرقاوي":الرقابة على سلطات المشغل في القانون المغربي" ،م س ،ص .284
339
-Farid El Bacha:" Le licenciement dans la jurisprudence", Revue
marocaine de droit et d'économie et du développement, N 22, 1990, P 146.
131 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
االجتماعي دور في تحليل النصوص الغامضة ،و هل كان له دور في خلق قواعد عند الفراغ
التشريعي؟ و هو ما سيكون موضوع تحليل في الفصل الموالي.
132 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إذا كان التشريع يعبر عن اختيارات األمة و مصالحها العامة ،فإن االجتهاد القضائي
يتميز بكونه يضمن استمرارية القواعد التشريعية ،من خالل مالءمتها مع الوقائع و النوازل،
فالتشريع بما يتميز به من عمومية و تجريد ال يضع إال حلوال وسطى ،و ال يخصص حلول
مصدرا مستقال و مساويا 340
فردية لكل النزاعات ،و هذا ما يجعل من االجتهاد القضائي
لباقي مصادر القانون ،فهو يخصص القاعدة القانونية ،و يقوم بتحيينها ،إذ بدونه ال يتمكن
التشريع من التوفيق بين خاصيتي االستقرار و االستمرارية ،فاالجتهاد القضائي يؤمن
للتشريع مالحقة تطورات المجتمع من خالل تطبيق النصوص القديمة بروح جديدة ،341وفق
ما عبر عنه الفقه األلماني باالجتهاد القضائي التطوري ،342كما أنه يساهم في تفسير
النصوص الغامضة و يكمل الناقص منها فيصير االجتهاد مصدرا مباشرا للقانون.
و يحتل اجتهاد ال قضاء االجتماعي أهمية بالغة في إعطاء صورة واضحة عن النظام
القانوني للدولة ،فهو ليس مجرد أحكام تصدر عن المحاكم ،و إنما يشكل أيضا مجاال إلبراز
خصائص النظام القانوني ،فالقضاء يمكن أن يساهم باجتهاداته في خلق القاعدة القانونية و
المساهمة في تحقيق استقرار المعامال ت و تحقيق األمن القانوني ،ينضاف إلى ذلك دوره في
تفسير النصوص القانونية الغامضة و تكملة النقص الحاصل فيها ،حيث يصير القضاء
مصدرا مباشرا للقانون.343
- 340تطلق على االجتهاد القضائي في اللغة العربية عدة مصطلحات ،منها "اجتهاد" و اجتهادات
المحاكم" و "قضاء" ،موسى عبود":االجتهاد القضائي و دوره في خلق القاعدة القانونية" ،مقال منشور
بمجلة المحاماة ،ع ،3دون ذكر السنة ،ص .16
أما في اللغة الفرنسية فإن عبارة االجتهاد القضائي " "Jurisprudenceمشتقة من أصل التيني يتكون من
لفظ" "Jurisو يعني القانون ،ثم لفظ " "Prudentiaو تعني المعرفة أو العلم ،بحيث يطلق قديما على
االجتهاد القضائي"العلم التطبيقي للقانون" ،للمزيد راجع في هذا اإلطار:
341
- F.Michaut:"Le droit dans tous ses états à travers l'œuvre de robert M.
Cover", L'Harmanttan, Paris, P 201.
342
- J.c.Billier et A.Maryoili:"Histoire de la philosophie du droit",Armand colin,
Paris, 2001, P195.
- 343إن االجتهاد القضائي بوصفه عمال ذهنيا إبداعيا ،يجعله يختلف عن العمل القضائي من حيث
مصدره و شكله و مضمونه ،و من نتائج هذه التفرقة بين االجتهاد القضائي و العمل القضائي ،أن معظم
التشريعات تجعل من العمل القضائي عملية منظمة قانونا لحسم كل نزاع يثور بين األفراد،
133 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و إذا كان القضاء االجتماعي المغربي قد عرف نوعا من التطور التدريجي نحو توحيد
حلوله الحمائية لألجير ،سواء ما يتعلق بحقوقه األساسية التي يولدها عقد الشغل ،أو تلك التي
لها ارتباط بحقه كإنسان ،فإنه بالمقابل اتسم بعدم االستقرار و التعارض في أحكامه عند
تناوله لبعض النصوص القانونية.
و ال شك أن هذه الوضعية مؤسفة بالنسبة للمتقاضي ،و ذات أهمية قصوى لكل
المشتغلين بالقانون أو السوسيولوجيا القضائية ،و الذين يتساءلون عن منطق العمل القضائي
في حل النزاعات ،أو طبيعة الحلول التي يطرحها.
فقد أدى تظ افر عدة أسباب ،إلى تنوع األحكام القضائية ،منها ما يتعلق بخصوصية
القانون المطبق ذاته ،سواء من حيث مصدر نشوئه ،أو من حيث طبيعته البنيوية ،و منها ما
هو لصيق بشخص القاضي االجتماعي ،و مكوناته ،هذا األخير الذي قد يضطر أحيانا أمام
قصور النصوص القانونية ،إلى ابتكار بعض القواعد فوق القانونية ،كوسيلة لحل النزاع
المطروح عليه ،و إن كان اجتهاده ال ينحصر في إقرار مبادئ أصولية ثابتة ،و هو ما يعطي
اإلنطباع ب أن هذا القضاء ال يريد أن يغلق على نفسه في قوالب جاهزة ،و إن كان لبعض
344
المبادئ القانونية و العوامل الذاتية دورها في خلق هذا التباين القضائي.
و إذا كانت مهمة القضاء االجتماعي تتحدد أساسا في تنزيل نصوص القانون
االجتماعي دون االنحراف عنها ،فالقاعدة تنص أنه ال اجتهاد مع وجود نص ،و لكن لما
كانت بعض النصوص غامضة أو تحمل أكثر من تأويل ،فإنه يعمد إلى تفسيرها و الوقوف
عندها الستجالء معانيها ،و معرفة المقصد و الهدف من وراء وضعها ،و قد يلجأ القضاء
-محمد عبد النباوي":تعميم االجتهاد القضائي :مساهمة في خدمة العدالة"،مقال منشور بالموقع
االلكتروني لمجلة مغرب القانون ، https://www.maroclaw.comK :تاريخ اإلطالع
،2019/08/17على الساعة .23:30
للمزيد راجع في هذا اإلطار:
-P.Deumier:" création du droit et rédaction des arrêts par la cour de cassation",
Dalloz 2007, P 56.
-J.c.Billier et A.Maryoili:"Histoire de la philosophie du droit",Armand colin,
Paris, 2001, P195
- 344عز سعيد ":العمل القضائي المغربي في نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص 13
134 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
االجتماعي أحيانا إلى تكميل النصوص بسبب النقص الحاصل فيها و أحيانا أخرى ،قد يفسر
النص الواحد بتفسيرات مختلفة آخذا بعين االعتبار األوضاع االجتماعية المختلفة
345
لألجراء.
فالقضاء يعتبر مصدرا تفسيريا للقاعدة القانونية ،يساعد على تجلية ما قد يكتنفها من
غموض و يوضح ما يعتريها من إبهام ،فهو مصدر لالستئناس يسترشد به للتعرف على
حقيقة القا عدة القانونية كما هي مستمدة من المصادر الرسمية ،فبدون القضاء ال يمكن أن
تؤدي القاعدة القانونية وظيفتها ،ذلك أن التشريع باعتباره المصدر الرئيسي للقانون ال يكون
كامال و متضمنا الحل لكل نزاع يعرض أمام القضاء ،و هذا الوضع يفسح المجال أمام هذا
األخير للتدخل في بعض الحاالت ال لتطبيق القاعدة القانونية بل لخلق هذه القاعدة
القانونية ،346و هو ما سنعمل على توضيحه بنوع من التفصيل ،من خالل الوقوف عند
اجتهاد القضاء االجتماعي عند غموض المقتضيات التشريعية (المبحث األول) ،و تدخله حالة
الفراغ التشريعي (المبحث الثاني).
يشكل تفسير القانون عملية مهمة و صعبة في نفس الوقت ،و ال يتحقق الهدف منها إال
بضبط قواعدها ،و إخضاعها لمعيار ضابط يسعف في الوصول إلى حلول قانونية عادلة و
فعالة ،و دون الخروج عن حدود النص ،بشكل يسمح بانسجام و استقرار التفسيرات القضائية
من جهة ،و تحولها مع الوقت إلى تراكمات تضمن تطور التشريع و مسايرته لما يستحدث
347
من نوازل من جهة أخرى.
- 345محمد سعد بناني":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل" ،م س ،ص .210
- 346عبد اللطيف خالفي":الوسيط في مدونة الشغل" ،م س ،ص .80
- 347طيب البواب":المجلس األعلى و توحيد التشريع" ،مداخلة ضمن الندوة التي نظمت بمناسبة
الذكرى األربعين لتأسيس المجلس األعلى ،بتاريخ 20-18دجنبر ،1997مطبعة األمنية ،الرباط،1999 ،
ص .47
135 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و يرتبط تفسير القانون أساسا بالنص الغامض ،بحيث متى كان النص واضحا جلي
المعنى وجب تطبيقه بشكل مباشر دون حاجة إلى تفسير أو تأويل ،إعماال لنظرية النص
الواضح ،التي تعتبر من النظريات الراسخة في الفقه و القضاء ،غير أنه في بعض األحيان
قد يكون النص واضحا ال يحتاج إلى تفسير ،و مع ذلك يجد القاضي نفسه مجبرا على المرور
بمرحلة تفسير النص قبل تطبيقه على الحالة المعروضة عليه ،إذا كان النص المذكور
يتعارض مع نصوص قانونية أخرى بشكل يستدعي تفسيره باستحضار تلك النصوص ،إما
باعتبارها مكملة له أو باعتبارها استثناء يرد عليه.
و أمام دقة الدور المنوط بالقاضي لحل نزاعات الشغل ،و صعوبته أمام المواجهة التي
أقرها القانون بين مصالح كافة أطراف العالقة الشغلية ،و التي عجز عن تنظيمها ،و كذا
بالنظر للتناقض الحاصل بين مبادئ تؤيد أطروحات المشغلين و تمجد سلطته التأديبية و
التنظيمية ،و أخرى تميل لمبدأ استقرار الشغل و حماية األجير ،فالقاضي ال يمكنه أن يجعل
هذا التناقض إال من خالل عمله التأويلي و االجتهادي الذي يفرض عليه اختيار ترجيح إحدى
المصالح على األخرى ،و ذلك من منطق القانون أحيانا ،و من خالل مبادئ العدل و
اإلنصاف أحيانا أخرى ،واضعا في اعتباره كل المؤثرات الخارجية ،اقتصادية كانت أم
اجتماعية ،تحقيقا إلنجاز عملية الحق في أعلى مراتبها تجنبا لكل عسف أو ظلم ،غير أن ذلك
لم يخل من إصدار أحكام قضائية متضاربة أدت في بعض األحيان إلى خلق نوع من
االرتياب حول مدى عدالة الحكم الشغلي.
و إذا كان التذبذب الناجم عن تعايش الحلول المتباينة يجد مصدره في عدم قيام المشرع
بحسم عدة مشاكل قانونية ،أو في تعدد معاني األلفاظ المستعملة ،فإن دراسة األحكام القضائية
أبانت أن محكمة النقض و قبلها المجلس األعلى لم تعلن عن موقفها في الكثير من الحاالت،
مما أصبح معه قضاة الموضوع متروكين في هذا الحقل ألنفسهم ،و من تم نجم عن هاته
الحرية نوع من عدم االستقرار في تمط حل الكثير من النزاعات ،348و هو ما سيتضح من
- 348عز سعيد ":العمل القضائي المغربي في نزاعات الشغل الفردية"،م س ،ص .160
136 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
خالل تخصيصنا في المطلب األول الجتهاد القضاء االجتماعي الثابت ،و المتغير في المطلب
الثاني.
لقد دفع المنظور الليبرالي لعالقة الشغل بالمشرع ،إلى محاولة إيجاد نسق تشريعي
ينظم عالقة األجير بمشغله بشكل يحافظ على استمرار تبعية األول للثاني ،عن طريق
امتصاص التوترات التي يمكن أن تولدها هاته العالقة ،غير انه في عمليته التوفيقية هاته،
اصطدم بإشكالية تضارب مصالح كل الطرفين ،و عوض تحقيق التوافق المنشود بين
حقوقهما ،أصبحت هاته الحقوق في اتجاه مضاد و متجابه ،مما دفع القضاء االجتماعي
المغربي إلى محاولة إعادة الكفة ،فاستقر في ذلك على قواعد من شأنها تحقيق حماية فعالة
لألجير الطرف الضعيف في العالقة الشغلية.
هكذا سنتطرق في الفقرة األولى إلثبات عالقة الشغل ،فيما سنخصص الفقرة الثانية
للتكييف القضائي لألخطاء المرتكبة من طرف األجير.
مما ال شك فيه أن المشرع و حين تطرقه لتعريف عقد الشغل الفردي أو كما أسماه
إجارة الخدمة أو العمل ،349قد أغفل أهم عنصر من عناصره أال و هو عالقة التبعية ،و التي
تعتبر المعيار الحاسم للتم ييز بين هذا العقد و باقي العقود المشابهة ،فانتقده الفقه و تجاوزه
القضاء في العديد من القرارات ،350و هو ما دفع مشرع مدونة الشغل إلى التطرق لتعريف
األجير على أنه كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين
- 349نص الفصل 723من ق ل ع على":إجارة الخدمة أو العمل عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم
لآلخر خدماته الشخصية ألجل محدد ،أو من أجل أداء عمل معين ،في نظير اجر يلتزم هذا األخير بدفعه
له".
- 350يتضح هذا التجاوز من خالل قرار للمجلس األعلى ":و حيث إن القرار المطعون فيه اعتبر أن
العالقة الرابطة بين الطرفين هي عالقة شغل اعتمادا على األجر فقط دون أن يبرز بقية العناصر من
إشراف و توجيه و رقابة ،و بذلك يكون ناقص التعليل الموازي النعدامه مما يعرضه للنقض" ،قرار
للمجلس األعلى عدد ،442بتاريخ 15أبريل ،1997في الملف االجتماعي عدد ،95/1/4/298منشور
بالمجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،العددان ،1999 ،54-53ص .345
137 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
لقاء أجر أيا كان نوعه و طريقة أدائه ،351و كأننا به أمام تعريف لعقد الشغل ،الشتماله أهم
العناصر المكونة له .فهو إذن "العقد الذي يلتزم به فيه أحد المتعاقدين بأن يعمل في خدمة
المتعاقد اآلخر و تحت إدارته و إشرافه في مقابل أجر يلتزم هذا األخير بدفعه له" ،352لكن
كان يجب على المدونة أن تلغي الفصل 626من ق ل ع الذي مازال يعتبر عقد الشغل من
قبيل إجارة األشخاص ،و هو األمر الذي يحط من كرامة اإلنسان ،الذي أصبح كالشيء قابل
للتأجير و االستئجار.353
كما تكتسي مسألة تحديد العناصر المميزة لعقد الشغل ،أهمية خاصة ،و ذلك ألن توافر
أو انعدام هذه العناصر هو الذي يتحكم في تطبيق أو عدم تطبيق القانون االجتماعي ،و
354
بالتالي فإن هذه العناصر هي التي تحدد لنا النظام القانوني الخاص باألجراء.
و يالحظ في هذا الصدد ،أن الفقه غير متفق حول حصر و تحديد األركان المميزة لعقد
المصري إلى حصر هذه األركان في ركنين 355
الشغل ،و هكذا فينما يذهب بعض الفقه
رئيسيين فقط ،و هما األجر و عالقة التبعية ،و يذهب البعض اآلخر مثل محمود جمال الدين
زكي ،إلى أن العناصر الجوهرية لعقد الشغل هي أربعة و هي :األجر و أداء العمل ،و عالقة
التبعية ،و المدة.356
138 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فعنصر الزمن في عقد الشغل عنصر عرضي ال جوهري ،359و قبل وقوفنا عند هذه
العن اصر و اإلشكاالت التي تطرحها(ثانيا) ،سنقف عند عبء إثبات العالقة الشغلية(أوال)
إن إثبات االلتزام يتم بمقتضى الفصل 399من ق ل ع على عاتق المدعي ،لذا إن
األجير طبقا لهذه القاعدة هو الملزم بإثبات العالقة الشغلية طبقا للمادة 18من مدونة الشغل
التي تنص على أنه":يمكن إثبات عقد الشغل بجميع وسائل اإلثبات.
و مسايرة لهذه القواعد فإن محاكم الموضوع تلقي بعبء اإلثبات على عاتق األجير،
ففي حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالعرائش جاء فيه...":و حيث أن عالقة العمل و
استمراريتها ثابتة من خالل شواهد األجر المدلى بها في الملف و التي تضمنت بداية عمل
المدعي و هو ،2013/06/28و كانت آخرها مؤرخة في أبريل ،2014مما يجعل المحكمة
تطمئن و تركن إليها و تجعلها حجة في إثبات عالقة العمل و استمراريتها المدة المدعى
فيها".360
139 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و هو ما سارت عليه محكمة االستئناف بالقنيطرة في قرار لها ":و حيث أن المحكمة
و في إطار سلطتها التقديرية في تقييم الحجج و تقدير قيمتها في اإلثبات ثبت لها أن شهادة
الشاهدين و التي لم تكن محل طعن تشكل حجة كافية و مقبولة على قيام عالقة الشغل و
استمرارها بين الطرفين خالل المدة المحددة بالمقال ،السيما و أن المستأنفة ال تنف كون
األجير المستأنف عليه كان يشتغل لديها و إنما ركزت في استئنافها على أنه كان يشتغل
لديها ب صفة متقطعة و غادر العمل إال أنها لم تدل بأية حجة إلثبات ذلك ،لذا يبقى ما أثارته
المستأنفة بهذا الخصوص على غير أساس و يبقى الحكم المستأنف الذي اعتمد شهادة
الشهود للقول بثبوت عالقة الشغل بين المستأنف و المستأنف عليه و استمرارهما طيلة
المدة الواردة بالمقال ،و رتب على ذلك النتائج القانونية مصادفا للصواب و يتعين تأييده
في ذلك".362
أما محكمة النقض ففد جعلت عبء إثبات العالقة الشغلية يقع على عاتق المشغل في
عدة قرارات ،إذ جاء في أحد القرارات..":لكن حيث إن ادعاء الطاعنة االشتغال لدى
األطراف المطلوبة و مقاضاتها من اجل الحكم عليها كمشغلة يقضي إثبات عالقة شغلية
بكل مقوماتها من رقابة و إشراف و توجيه و هو ما لم يتحقق في النازلة.363"...
- 362قرار استئنافية القنيطرة ،قرار عدد ،440بتاريخ ،17/05/29:ملف رقم،07/1501/17غير منشور.
- 363قرار محكمة النقض عدد ،611صادر بتاريخ ،2015/03/05في ملف اجتماعي عدد
،2014/1/5/250غير منشور.
-قرار محكمة النقض ،عدد ،50بتاريخ ،2016/01/07ملف اجتماعي عدد ،2015/1/5/2127غير
منشور.
-قرار محكمة النقض ،عدد ،1142بتاريخ ،2014/10/02ملف اجتماعي عدد ،2013/1/5/1856غير
منشور.
-جاء في قرار آخر أنه":حيث ثبت صحة ما عابه الطاعن على القرار ذلك أنه من المقرر قانونا أن إثبات
عالقة العمل و مدته و استمراريته يقع على عاتق األجير طبقا للفصل 399من ق ل ع إال أن المحكمة
المطعون في قرارها حملت الطالب عبء إثبات كون العمل مؤقتا مما تكون معه قد قلبت عبء اإلثبات و
بنت قرارها على تعليل فاسد و عرضته للنقض" ،قرار للمجلس األعلى ،عدد ،19بتاريخ
،2009/01/07ملف اجتماعي عدد ،2008/1/5/240غير منشور.
140 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
لكن بالرغم من إثبات األجير لعالقة الشغل الذي تربطه بالمشغل بواسطة الشهود ،إال
أن هذا األخير قد يدلي بأوراق األداء متقطعة لفترات اشتغلها لديه ،و هنا تأخذ بعض المحاكم
364
بالحجة الكتابية دون شهادة الشهود طبقا للقواعد العامة.
و يالحظ على قرار محكمة االستئناف بوجدة و قرار المجلس األعلى أنهما استبعدا
شهادة الشهود إلثبات عقد الشغل و استمراريته ،و أن الحجة الكتابية هي المعتبر في مثل هذه
على 367
النوازل .و أن القضاء ارتكن للقواعد العامة الواردة في الفصل 404من ق ل ع
حساب مقتضيات المادة 18من مدونة الشغل التي تجعل إثبات عقد الشغل و استمراريته
تكون بجميع وسائل اإلثبات.
و نظرا لكون المشغل يملك قوة اقتصادية يملي شروطه على األجير ،و أن هذا األخير
طرف ضعيف في العالقة الشغلية وأن المدونة لها طابع حمائي ،فتكريس محكمة النقض لهذا
التوجه هو إجحاف في حق فئة عريضة من األجراء الذين يتوفرون على عقود عمل محددة
- 364قرار محكمة االستئناف بالجديدة ،عدد ،239بتاريخ ،2004/05/31ملف عدد ،2004/31أوردته
بشرى العلوي":الفصل التعسفي لألجير على ضوء العمل القضائي" ،م س ،ص .88
- 365قرار المجلس األعلى ،عدد ،1212بتاريخ ،2011/10/06في الملف االجتماعي عدد
،2010/1/5/1246أورده عمر أزوكار":قضاء محكمة النقض في مدونة الشغل" ،م س ،ص .99
- 366قرار محكمة النقض ،عدد ،2399بتاريخ ،2012/12/06ملف اجتماعي عدد ،212/2/5/592غير
منشور.
- 367جاء في قرار لمحكمة النقض أنه ":حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار المطعون فيه ( )...و
ان المشغل نازع في طبيعة عملها داخل الحمام إذ اعتبر أنها مجرد كسالة تشتغل لحسابها الخاص ،إال
أنه لم يثبت ذلك بمقبول إذ أن منازعة المشغل في طبيعة و استمرارية عمل األجير يلقي عليه عبء
إثباتها بكافة وسائل اإلثبات المنصوص عليها في المادة 404من ق ل ع ."...قرار محكمة النقض عدد
،50بتاريخ ،2016/01/07ملف اجتماعي عدد ،2015/1/5/2127غير منشور.
141 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المدة تم تمدد لعدة مرات ،368فكان من األفضل السير على خطى مقتضيات المادة 18من
مدونة الشغل ،التي فتحت الباب أمام األجير إلثبات عالقته بمشغله بجميع وسائل اإلثبات و لم
تقيده بأي مقتضى تشريعي آخر ،و هو ما سنعمل على التطرق له بنوع من التفصيل في
(ثانيا).
إذا كا ن عقد الشغل غير مشروط بشكلية معينة ،فإن ثبوت العالقة الشغلية غير مقيد
بوسيلة إثبات محدد ،إذ يمكن إثبات عقد الشغل بكافة وسائل اإلثبات ،سواء تلك المنصوص
عليها في قانون االلتزامات و العقود و المذكورة في الفصل 404منه في اإلقرار و الكتابة،
شهادة الشهود و القرا ئن و اليمين ،أو المنصوص عليها في مدونة الشغل كبطاقة الشغل أو
أوراق أداء األجر أو شهادة العمل أو غيرها ،369فأهم خصوصية يتميز بها قانون الشغل في
مجال اإلثبات هي توزيع عبء اإلثبات بين األجير و المشغل ،غير أنه يبدو أن مسألة اإلثبات
ال تشكل صعوبة كلما توفر األجير على بطاقة العمل او بطاقة التسجيل...و هي القواعد التي
سارت عليها محكمة النقض و قبلها المجلس األعلى في كل قراراتها منها القرار عدد
46332الذي أكد فيه ما يلي ":لكن حيث إنه بمقتضى الفصل 723من ق ل ع فإن عقود
العمل يمكن إثباتها من طرف العامل وحده بجميع وسائل اإلثبات بما في ذلك شهادة
الشهود.
و حيث إن الحكم المطعون فيه عندما استبعد شهادة الشهود كحجة إلثبات عالقة العامل
برب العمل قد طبق مقتضيات الفصل المشار إليه أعاله تطبيقا سليما مما تكون معه الوسيلة
غير مرتكزة على أساس" ،370بل إن المجلس األعلى ذهب أبعد من ذلك عندما أجاز إثبات
- 368المصطفى المهداوي":عبء اإلثبات في نزاعات الشغل الفردية بين مقتضيات مدونة الشغل و
العمل القضائي"،م س ،ص .173
- 369محمد المنصوري":حماية عقد الشغل من خالل أهم القرارات الصادرة عن المجلس األعلى" ،م
س ،ص .141
- - 370قرار المجلس األعلى ،عدد ،46332بتاريخ ،1975/01/27أشار إليه :محمد الكشبور":إنهاء
عقد الشغل" ،م س ،ص .65
142 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
العالقة الشغلية بشهادة الشاهد الواحد ،371كما أجاز االستماع لألجراء كشهود إلثبات أو لنفي
عالقة الشغل في قرار له أكد فيه..":ال يوجد أي نص قانوني يمنع االستماع إلى األجراء
كشهود.372"...
و عموما ،فإن محكمة النقض أكدت في أكثر من مناسبة على أن لقضاة الموضوع
االعتماد على شهادة الشهود إلثبات أو لنفي العالقة الشغلية ،و لهم كامل السلطة في تقدير
هذه الشهادة و ال رقابة عليهم من قبل المجلس األعلى إال إذا حرفوا تلك الشهادة ،و ال يمكن
اللجوء إلى وسيلة إثبات أخرى إذا كان العقد مكتوبا ،إذ ال يجوز إثبات عكس الثابت بالكتابة،
و هو ما أكده المجلس األعلى حين اعتبر":الحجة الكتابية و هي شهادة العمل مقدمة على
شهادة الشهود في إثبات استمرار األجيرة في العمل بعد انقطاعها ،373"..إال أن أهم
خصوصية يتميز بها قانون الشغل في مجال اإلثبات هو توزيع عبء اإلثبات بين األجير و
المشغل ،374فاأل جير مدعي العالقة الشغلية يقع عليه إثباتها و إثبات عنصر االستمرارية و
كذا جميع العناصر المرتبطة بعقد الشغل من أجرة و غيرها من االمتيازات التي تفوق الحد
األدنى المنصوص عليه في مدونة الشغل ،و في المقابل يقع على المشغل عبء إثبات جميع
الدفوعات التي ينفي بها تلك العالقة ،أو إثبات مبرر إنهائها.
- 371إذ جاء في قرار للمجلس األعلى أنه...":حيث إنه مادام ال يوجد أي نص قانوني يمنع ألخذ بشهادة
الشاهد الواحد ،فقد كان على قضاة محكمة االستئناف اإلطالع على ما جاء في شهادة الشاهد المستمع
إليه ،و تقدير شهادته ،و إذا لم يقتنعوا بها فقد كان عليهم االستماع إلى الشاهد الثاني الذي قدمه
الطاعن ،و الذي استغنى عن االستماع إليه القاضي االبتدائي بعدما اقتنع بشهادة الشاهد المستمع إليه
حسب محضر االستماع المدرج بالملف االبتدائي.
و حيث إن محكمة االستئناف عندما اكتفت بالتعليل المشار إليه أعاله و هو عدم كفاية الشاهد الواحد
إلثبات عالقة العمل من غير بيان سبب ذلك ،و األسس التي اعتمدت عليها ،قد جعلت قرارها ناقص
التعليل المنزل منزلة انعدامه ،و بذلك عرضته للنقض".قرار عدد للمجلس األعلى عدد ،534بتاريخ
،1987/10/19في الملف االجتماعي عدد ،87/8061أورده المصطفى المهداوي":عبء اإلثبات في
نزاعات الشغل الفردية بين مقتضيات مدونة الشغل و العمل القضائي"،م س ،ص .174
- 372قرار المجلس األعلى عدد ،397بتاريخ ،2005/04/13في الملف االجتماعي عدد ،2005/51
المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،العدد ،2006 ،63ص .218
- 373بوشرى العلوي":اإلثبات في مدونة الشغل" ،سلسلة الندوات و اللقاءات و األيام الدراسية ،ع ، 9
الندوة المنعقدة حول موضوع مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق ،ص .73
- 374محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل" ،الجزء الثاني ،طبعة يناير ،دون
ذكر المطبعة ،2007ص .95
143 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و جدير بالذكر أن المحكمة ملزمة بالتحقق من جدية الشهادة و مدى إلمام الشاهد بجميع
العناصر و استفساره عن جميع تفاصيل العالقة الشغلية لتفادي التحيز و شهادة المجاملة،
السيما و أن اعتمادها يكون له األثر الحاسم في الحكم بالمستحقات المترتبة عن عقد الشغل.
و قد أكد أحد الباحثين على أن سلطة القاضي في اإلثبات بالنسبة للقضايا في المادة
المدنية بصفة عامة-االجتماعية بصفة عامة -أنها تختلف باختالف طبيعة القضايا التي ينظر
فيها القاض ي ،و يرى أن طبيعة سلطة القاضي بشأن وسائل اإلثبات في التشريع المغربي
رهينة بمجال توظيف هذه السلطة و حدود استعمالها ،فهي إذن سلطة يضيق مداها و تنحصر
حدود نطاقها كلما تعلق موضوع اإلثبات بالوسائل المطلقة و القطعية(الكتابة ،اإلقرار،
القرائن القانوني ،اليمين الحاسمة" فيكون بذلك دور القاضي سلبيا ،في المقابل ان هذه السلطة
يتسع مداها و تمتد حدود نطاقها كلما تعلق األمر بوسائل ذات الحجية النسبية و غير
375
القطعية(الشهادة ،القرائن القضائية ،اليمين المتممة" فيكون بذلك دور القاضي إيجابيا.
فموقف محكمة النقض بخصوص مسألة اإلثبات تميز بالليونة إلى حد القول بإمكانية
االستعانة بالخبرة كلم ا كانت الغاية هي البحث عن العناصر المكونة لعالقة الشغل ،غير أنه
يبدو أن مسألة اإلثبات ال تكون بمثل هذه الصعوبة كلما توفر األجير على بطاقة األداء أو
بطاقة العمل ،أو بطاقة التسجيل لدى الصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،و هي وثائق
376
تغني المحكمة عن باقي وسائل اإلثبات األخرى.
و ال شك أن عقد الشغل الفردي يقوم عند توافر عناصره ،و المتمثلة في قيام األجير
بعمل لمصلحة الطرف اآلخر ،و هو المشغل ،و التزام هذا األخير بأداء األجر للطرف
- 375بنسالم أوديجا":سلطة القاضي في اإلثبات في المادة المدنية" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد الخامس اكدال-الرباط ،السنة
الجامعية ،2015/2014ص 115و ما بعدها.
- 376محمد المنصوري":حماية عقد الشغل من خالل أهم القرارات الصادرة عن المجلس األعلى" ،م
س ،ص .141
144 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
األول ،في إطار تبعية تحكم هذه العالقة الشغلية ،بما تتضمنه هذه التبعية من إشراف و توجيه
377
و رقابة.
و معلوم أنه في كثر من األحيان ،يرفع األجير دعوى الفصل غير المبرر ضد مشغله،
فيدعي هذا األخير أن العالقة التي تربطه بالمدعي هي عالقة ال يحكمها قانون الشغل ،378و
بتعبير آخر ،فهي حسب ادعائه رابطة يحكمها إما القانون المدني و إما القانون التجاري مثال،
و هو إنما ،من خالل ادعائه هذا ،يحاول أن يتهرب من الحقوق التي تضمنتها مدونة الشغل
379
لطبقة األجراء.
و السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المضمار هو :كيف تعامل القضاء المغربي ،سواء
قضاء الموضوع ،أو قضاء محكمة النقض ،مع هذه المسألة؟ أو بتعبير أدق كيف استطاع
القضاء االجتماعي خلق قواعد حماية لألجير إلثبات العالقة الشغلية؟
- 377مصطفى شنضيض":عقد الشغل الفردي في ضوء مدونة اشغل الجديدة القانون رقم 99-65و
النصوص التنظيمية الصادرة بشأنه" ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء ،2004 ،ص
40
- 378جاء في قرار لمحكمة االستئناف بمكناس أنه":حيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف و خاصة "عقد
رقابة على أبقار" ....يتبين أنه تم االتفاق على رعاية المستأنف لألبقار مقابل الحصول على الثلث من
المنتوج أو الربح بعد البيع و بعد خصم المصاريف بنفس النسبة...و حيث دفع المستأنف بأنه كانت
تربطه عالقة شغل مع المستأنف عليه منذ 1995أي قبل ّإبرام عقد الرقابة المذكور ،بقي مجردا من
اإلثبات ،مادام أن الشهود المستمع إليهم ابتدائيا أكدوا عدم علمهم بمختلف عناصر العالقة الرابطة بين
الطرفين ،كما لم يؤكدوا وجود عالقة تبعية بين الطرفين و ال وجود عنصر الرقابة و التوجيه ،و أنهم ال
يعرفون وجود أجر...و حيث لما كان األمر كذلك فإن العالقة بين الطرفين هي عالقة شراكة و ليس
عالقة شغل ،ما دام المستأنف لم يثبت عناصر عقد شغل من تبعية و أجر ،"...قرار محكمة االستئناف
بمكناس ،بتاريخ ،2016/01/05ملف رقم ،2015،1501/421غير منشور.
للمزيد راجع :
-قرار محكمة االستئناف بمكناس ،بتاريخ ،2016/07/19ملف رقم ،1501/2016/73غير منشور.
-جاء في قرار آخر":و حيث أن شهادة الشهود المستمع إليهم ابتدائيا جاءت عامة و لم يؤكدوا وجود
عالقة تبعية بين المستأنف و المستأنف عليه ،و ال وجود لعنصر الرقابة و التوجيه ...و حيث انه لما
كان األمر كذلك إن العالقة بين الطرفين هي عالقة كراء الشاحنة المذكورة و ليست عالقة شغل،"..قرار
محكمة االستئناف بمكناس ،بتاريخ ،2016/06/28ملف رقم .1501/2015/3589غير منشور.
-قرار محكمة االستئناف بمكناس ،بتاريخ ،2015/02/03ملف رقم ،1501/14/2620غير منشور.
-حكم ابتدائية مكناس ،عدد ،1315بتاريخ ،2018/12/18ملف نزاعات الشغل عدد
،2017/1501/745غير منشور.
- 379محمد الكشبور":إنهاء عقد الشغل" ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء،2008 ،
ص .240
145 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
هذا ما سنحاول اإلجابة عنه من خالل تناول كل عنصر من عناصر عقد الشغل،
بتخصيص 1لعنصر أداء العمل و أدار األجر ،و ألهمية عنصر التبعية نخصص له .2
يعتبر عقد الشغل من العقود الملزمة لجانبين ،فمن جهة يلزم األجير بأداء العمل
الموكول له في المكان المتفق عليه ،و من جهة أخرى يلزم المشغل بضرورة أداء األجر
كمقابل للعمل الذي قام به.
و يميز العمل كعنصر من عناصر عقد الشغل هذا األخير عن غيره من العقود األخرى
التي ترد على األشياء المادية ،فعقد الشغل يرد على عمل اإلنسان ،و هذا ما يميزه عن
اإليجار الذي يرد على االنتفاع بالشيء(380أ) ،كما يميزه كذلك عنصر األجر ،فعقد الشغل
من عقود المعاوضة يستلزم حصول األجير على أجر نظير عمله ،و من ثمة فتخلف عنصر
األجر ال يجعل من العقد المبرم بين الطرفين عقد شغل ،و إنما عقد تبرع أو عقد خدمة
مجانية(ب)
التزام األجير بالقيام بالعمل هو االلتزام األساسي الذي يقع على عاتقه ،و العمل الذي
يلتزم األجير بالقيام به هو العمل المتفق عليه في عقد الشغل ،و يجب أن يؤدي هذا العمل في
المكان المتفق عليه ،381با عتبار أن الصفة االختيارية هي أهم ما يميز كل العقود ،و عليه فإن
الشغل اإلجباري ال يمكنه أن يدخل في إطار عقد الشغل ،فالسجين الذي يشتغل مكرها في
السجن ال يبرم عقد الشغل ،382كما أنه يبقى عقد الشغل عقدا شخصيا حتى ولو أدي لفائدة عدة
مشغلين كحالة الصحي المحترف و الوكيل التجاري و األجير بمنزله.383
146 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و يقتضي تنفيذ هذا االلتزام من قبل األجير التواجد في مكان العمل و االستعداد للقيام
بالعمل شخصيا لحساب المشغل 384و تحت إدارته و إشرافه و مراقبته ،أو بمعنى آخر تحت
سلطة المشغل ،385و هو ما أكده قرار لمحكمة االستئناف بمكناس جاء فيه..":و حيث أجمع
الشهود المستمع إليهم أن المستأنف عليها ال ترتبط بعقد شغل مع المستأنفة ،كما أن
المستأنف عليها ال تتواجد بصفة دائمة و مستمرة بضيعة المستأنفة و أنها كانت تشتغل
خارج الضيعة في بعض األحيان في الضيعات المجاورة ،و أنها كانت تغيب عن الضيعة
لعدة شهور .و حيث إن العالقة الشغلية تقتضي أن يستمر األجير في خدمة مشغله و أن ال
يؤجر خدماته للغير ،و هو ما ال يتوفر في نازلة الحال ،إضافة إلى أنة الملف خال مما يثبت
العناصر القانونية لعقد الشغل من تبعية و توجيه و رقابة و أداء عمل لفائدة المشغل ،و
حيث أنه لما كان األمر كذلك فإن عالقة الشغل غير ثابتة في الملف"،386
كما يستلزم أيضا ،تحلي األجير بحسن النية في تنفيذ التزامه بأداء العمل ،باإلضافة
إلى أنه يخضع -األجير -لبعض االلتزامات السيما تنفيذ التعليمات التي يتلقاها من المشغل و
387
المحافظة على األشياء التي تسلم إليه إلنجاز الشغل ،و تنفيذ الشغل حسب قواعد الفن.
و تبعا لذلك ،فقد يدعي المشغل أن األجير قد غادر العمل من تلقاء نفسه ،أو لم يعد
مستعدا للقيام بالعمل ،كادعاء أن األجير يشتغل لدى مشغل آخر ،أو أنه لم يعد يرغب في
العمل ،أو عدم أهلية األجير للقيام بالنشاط الموكول إليه و عدم أهليته لمنصبه.
- 384إن الصفة الشخصية اللتزامات األجير تكون أحد األسس المهمة لتنفيذ االلتزام ،إذ يمنع عليه
االستعانة في عمله بأجير آخر ،كما يمنع عليه منح منصبه لشخص آخر دون موافقة المشغل ،و هذا المبدأ
أقره الفصل 736من ق ل ع ،فيمنع على األجير أن يعهد بتنفيذ مهمته إلى شخص آخر ،إذا تبين من
طبيعة العمل ،أو من اتفاق الطرفين ،أن للمشغل مصلحة في قيام األجير بالتزامه بصفة شخصية .للتوسع
أكثر ،راجع في هذا اإلطار:
-محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل" ،م س ،ص .364
-عبد اللطيف خالفي":االجتهاد القضائي في المادة االجتماعية" ،م س ،ص.277
-حسن كيرة":أوصل قانون العمل :عقد العمل" ،الطبعة الثالثة ،منشأة المعارف االسكندرية-
مصر ،1983 ،ص .305
- 385محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل" ،م س ،ص .359
386قرار محكمة االستئناف بمكناس ،بتاريخ ،2016/12/27ملف رقم ،2014/1501/3658غير
منشور.
- 387موسى عبود":دروس في القانون االجتماعي" ،م س ،ص .166
147 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
ففي مثل هذه الحاالت و غيرها يطرح إشكال اإلثبات ،سواء من قبل المشغل باعتباره
مدعيا لواقعة عدم أداء األجير لعمله المتفق عليه ،أو سواء من قبل األجير كمدع بأنه مستعد
ألداء عمله ،أو أنه وضع خدماته رهن مشغله.
و جدير باإلشارة في هذا الصدد أن إثبات عقد الشغل متيسر بجميع وسائل اإلثبات
إعماال للمادة 18من مدونة الشغل ،و بالتالي فإثبات أداء العمل كعنصر من عناصره يخضع
هو اآلخر لمبدأ حرية اإلثبات.
هكذا فإثبات واقعة امتناع األجير القيام بالعمل الموكول له يقع على عاتق المشغل ،و
هو ما أكدته محكمة النقض في قرار لها جاء فيه...":حيث إن المشغلة لم تثبت واقعة رفض
األجير لعمله ،و ذلك بكيفية واضحة ال لبس فيها ،فالشاهدان المستمع إليهم في جلسة البحث،
صرحا أنهما أخبرا من طرف المشغل بأن األجير رفض القيام بعمله ،و لم يعاين الشاهدان
واقعة الرفض مباشرة ،و إنما سمعا و شهادة السماع ال تكون مفيدة لإلثبات."...
كما أن واقعة عدم التحاق األجير بعمله بالرغم من إنذاره بالرجوع إليه ،يمكن إثباتها
بشهادة الشهود ،و هو ما أكدته ذات المحكمة أيضا في قرار لها..":لكن حيث إن المحكمة لما
ثبت لديها من خالل جلسة البحث المنجز أمامها أن األجير توصل برسالة اإلنذار المؤرخ
في ،1995/01/19و بتنفيذه للعقوبة المضمنة به و هي التوقف عن العمل لمدة 7أيام ،و
ثبت لديها من خالل شهادة الشاهد (ز أ) ،ان األجير بعد تنفيذه للعقوبة لم يعد إلى عمله و
لم يثبت هذا األخير أنه التحق بالعمل بعد انتهاء مدة العقوبة أو منع من طرف مشغلته عن
االلتحاق بالعمل.388"...
و في نفس السياق ،ورد في قرار آخر صادر عن نفس المحكمة أنه...":لكن من جهة،
حيث إن محكمة االستئناف و خالفا لما أثير فقد أوضحت أن ما استندت إليه...و أنها
اعتمدت على تصريحات الشهود المستمع إليهم أمامها و المضمنة في محاضر جلسة
البحث ،و قد أكدوا معاينتهم بحكم عملهم إلى جانب األجير أنهم و أثناء الدخول إلى مقر
- 388قرار المجلس األعلى ،عدد ،1104بتاريخ ،2003/10/28ملف اجتماعي عدد ،2003/1/5/579
أورده :رشييد بامو":إثبات عقد الشغل في ضوء العمل القضائي" ،م س ،ص .47
148 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
العمل مع الساعة السابعة و النصف صباحا و هو الوقت المحدد من طرف اإلدارة لولوج
مقر العمل ،و هو ما أكده ممثل الطاعنة أثناء االستماع إليه تعرض األجير للتوقيف بدون
أن يعرف أو يعرفوا السبب ،علموا به جميعا بعد ذلك من األجير نفسه و من الممثل
القانوني للطاعنة ،و من تم فشهادتهم و خالفا لما أثير انصبت على منعه من الدخول قبل
إصدار عقوبة التوقيف التي اعترتها تعسفية فللجأ إلى مفتش الشغل ،و بعدها عرض نفسه
على مشغلته تنفيذا لمطالبتها له بمقتضى اإلنذار بااللتحاق بالعمل ،و عمل على إثبات ذلك
بواسطة محضر المعاينة المنجز من طرف المفوض القضائي.389"...
و صفوة القول يمكن إثبات أداء العمل بإقرار المشغل بأن األجير يؤدي عمله لديه ،أو
بشهادة العمل أو بأي حجة أخرى تفيد أداء األجير لعمله لفائدة مشغله.
إذا كان أداء العمل من أهم االلتزامات التي يتحملها األجير ،فإن أداء األجر ،بالمقابل
يشكل أبرز االلتزامات الملقاة على عاتق المشغل ،و هذا ما يجعل من عقد الشغل عقدا تبادليا،
يرتب في ذمة طرفيه التزامات متقابلة.
و إذا كان األجر مقابال للعمل ف ال أجر إذن بدون عمل ،كما إذا توقف عقد األجير عن
العمل بسبب المرض أو اإلضراب اللهم إذا قضى اتفاق أو اتفاقية جماعية بذلك .و مقابل ذلك
فال يخضع الشغل المجاني/التطوعي ألحكام القانون االجتماعي ،هذا و إن كان من الممكن أن
390
يولد مسؤولية صاحبه إذا أحدث بتدخله ذلك ضررا للغير.
إال أن إثبات أداء األجر كعنصر جوهري من عناصر عقد الشغل يقتضي منا التطرق
إلى الجهة التي تتحمل عبء اإلثبات ،ثم نتعرض إلــــــــى الوسائل القانونية إلثباته.
- 389قرار محكمة النقض ،عدد ،879بتاريخ ،2012/05/10ملف اجتماعي عدد ،2011/1/5/442غير
منشور.
- 390محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص .115
149 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إذا كان األصل أن "إثبات االلتزام على مدعيه" ،391فإنه ال محل لتطبيق هذا األصل
بخصوص إثبات أداء األجر ،فمراعاة منه للطابع الحمائي لقانون الشغل ،و كذا للمركز
االقتصادي الضعيف لألجير في مواجهة المشغل األقوى اقتصاديا ،يذهب جانب من االجتهاد
القضائي المغربي إلى تحميل عبء إثبات أداء األجر للمشغل ،و أن القول قول األجير فيما
صرح به من مبلغ األجر ،إلى أن يثب ت العكس من قبل المشغل و ال موجب لتطبيق الحد
األدنى لألجر ،فالمشغل هو الملزم بمسك دفتر األجور ،و تهيئ بطاقة األداء لمستخدميه ،و
من تم فهو الذي يتوفر على دفاتر األداء ،و هو عليه اإلدالء بالئحة األجور إلثبات أن األجر
الذي يتقاضاه األجير هو خالف ما صرح به.
و هذا التوجه تبناه القضاء المغربي ،سواء على مستوى قضاء الموضوع ،392أو على
مستوى قضاء محكمة النقض،393و خالفا لذلك ذهب في بعض األحكام و القرارات إلى
150 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تحميل األجير عبء إثبات األجر إذا ما تجاوز الحد األدنى لألجور ،394كما سبق أن تطرقنا
لذلك في الفصل األول من بحثنا هذا.
و رغم هذا التضارب الحاصل في موقف القضاء المغربي ،فإنه يتجه نحو تحميل
المشغل عبء إثبات الوفاء باألجر كعنصر من عناصر عقد الشغل ،و نحن ندعم من جهتنا
هذا التوجه ،من جهة أن المشغل ألزمه المشرع بمسك دفاتر أداء األجور و تسليم أجرائه
أوراق األداء ،و من جهة ثانية أن األجير هو الحلقة الضعيفة في عالقات الشغل و تحميل
عبء إثبات الوفاء باألجر للمشغل يتماشى و الطابع الحمائي لقانون الشغل.
و غني عن البيان ،أن أوراق أداء األجر الصادرة عن المشغل ،و الموقع عليها من
طرفه األجير ،تقوم مقام عقد الشغل الرابط بينهما ،395إال أن مسألة إثبات األجر ال تثير أي
إشكال في الحالة التي يتبين فيها للمحكمة أن األجير يتقاضى أجرا يقل عن الحد األدنى
لألجور ،أو في الحالة التي يصرح فيها هذا األخير أنه يتقاضى أجرا دون الحد األدنى
لألجير ،إذ لم يترك المشرع المغربي إثبات األجر إلى مجرد ما تقضي به القواعد العامة في
القانون المدني ،والتي تجعل عبء اإلثبات على عاتق الدائن ،إال أن عبء أداء األجر يقع
على عاتق المشغل396إذا كان األجير في إطار تعاقده مع المشغل ،ملزما بأداء عمله لفائدة هذا
األخير ،فإنه بالمقابل يبقى المشغل مطوقا بالتزام أداء أجر األجير مقابل أداء العمل ،على
اعتبار أن األجر هو ما يتقاضاه األجير مقابل عمله ،397ويكون هذا األجر باتفاق الطرفين مع
مراعاة بعض األحكام القانونية العامة الواردة بمدونة الشغل من المواد 345إلى .394
- 394جاء في حيثيات هذا القرار أنه":من جهة ثانية ،فإن القرار المطعون فيه و المؤيد للحكم االبتدائي
رد طلبات الطاعن المضمنة في مقاله االفتتاحي ،و التي تضمنت تكملة األجر منذ شهر شتنبر 2001إلى
متم شهر أكتوبر ،2007لعدم إثبات الطاعن (األجير) األجر الذي ادعى توصله به و المحدد في
11161,00درهما ،مما يكون معه القرار معلال بما يكفي ،غير خارق ألي مقتضى و الوسيلتان على
غير أساس."...قرار المجلس األعلى ،عدد ،1312بتاريخ ،2011/10/13ملف اجتماعي عدد
،2010/1/5/849أورده عمر أزوكار":قضاء محكمة النقض في مدونة الشغل" ،م س ،ص .152
- 395قرار للمجلس األعلى ،عدد ،23بتاريخ 14يناير ،2010في الملف االجتماعي عدد
،2009/1/5/76المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،73م س ،ص .257
-- 396عبد الطيف خالفي "،الوسيط في مدونة الشغل:عالقات الشغل الفردية" ،م س،ص.328
-- 397محمد الكشبور":الوسيط في مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س ،ص.284-283
151 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
ونظرا للطابع الجماعي لقانون الشغل فقد خصه المشرع االجتماعي بقواعد خاصة
مفادها أن عبء إثبات الوفاء باألجر يقع على عاتق المشغل ألن األجير ال يمكنه إثبات واقعة
سلبية .وذلك ما ذهب إليه القضاء االجتماعي في العديد من األحكام والقرارات الصادرة عنه،
محكمة النقض الذي جاء فيه أن ":حيث تبين صحة ما نعاه الطاعن على 398
ومنها قرار
القرار ،ذلك أن الثابت قانونا أن األجر يجب أن ال يقل عن الحد األدنى القانوني المحدد
بنص تنظيمي ،والطاعن تمسك أمام قضاة الموضوع بكون ما كان يتقاضاه من أجر هو
دون الحد األدنى وطالب بتكملته إلى الحد المذكور مما يجعل عبء إثبات خالف ما يدعيه
على عاتق المطلوبين (المشغلين) ،إذ هما المكلفان باإلثبات طبقا ألحكام الفصل 400من
ق.ل.ع مادام ملزمين وفق مقتضيات المادة 370من مدونة الشغل بتسليم األجير عند أداء
األجر ورقة األداء التي تتضمن باإلضافة إلى اسمه واسم المؤاجر وعنوان هذا األخير وكذا
الصنف المهني لألجير وعدد األيام والساعات التي اشتغلها ،مبلغ األجر الذي توصل به،
كما أنهما ملزمين بمسك دفاتر األداء عمال بأحكام المادة 371من نفس المدونة أو اعتماد
أساليب المحاسبة الميكانوغرافية أو المعلوماتية أو أية وسيلة أخرى من وسائل المراقبة
يراها العون المكلف بتفتيش الشغل كفيلة بأن تقوم مقام ذلك الدفتر وفق ما تقضي به المادة
،372والقرار لما ذهب خالل ذلك وألقى على الطاعن (األجير) عبء اإلثبات يكون قد أخل
بالمقتضيات أعاله فوجب نقضه وإبطاله" ،فإثبات أداء األجر إذن يقع على عاتق المشغل،
كما أسلفنا الذكر باعتماد وسائل اإلثبات المنصوص عليها قانونا ،و يتعلق األمر بورقة األداء
و دفتر األداء و توصيل تصفية كل حساب.
فلقيام عقد الشغل البد من أداء العمل من طرف األجير ،و أداء األجر من طرف
المشغل ،و خضوع األول للثاني عند قيامه بذلك العمل ،هذا الخضوع هو ما يعبر عنه بعالقة
- 398القرار عدد ،525الصادر بتاريخ 4يناير ،2013في الملف االجتماعي عدد ،2012/2/5/1504
غير منشور.
152 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
التبعية ،399هذه األخيرة تعد عنصر جوهري في عقد الشغل ،ألنها هي التي تعطيه استقالله
عن عقود أخرى تشبهه من عدة أوجه ،إال أنها تنعدم فيها هذه العالقة ،400فهي إما قد تتخذ
بعدا قانونيا ،يتمثل في خضوع األجير إلشراف و توجيه و مراقبة المشغل ،و إما بعدا
اقتصاديا يرتكز على اعتماد األجير في حياته على شغله ،و خصوصا على ما يستمده من
أجر.401
و باعتبارها أهم عنصر من عناصر عقد الشغل ،فإثبات هذا العنصر يمكن من ناحية
تحديد ماهية العمل الخاضع لمقتضيات مدونة الشغل عن سواه (أ) ،كما يساعد من ناحية
أخرى في تمييز عقد الشغل عن غيره من العقود المشابهة(ب).
أ :إثبات عنصر التبعية لتحديد العمل الخاضع لمقتضيات مدونة الشغل عن سواه
لقد خصصت مدونة الشغل قسما مستقال لمجال تطبيقها هو القسم األول الذي يحتوي
خمس مواد كانت أول ما استهلت به مقتضياتها ،غير أن دراستنا في هذا المضمار لن تنصب
على مناقشة هذه المقتضيات ،و إنما سوف تقتصر على مناقشة توجه القضاء المغربي
بخصوص بعض األمثلة العملية التي توقف عندها ،و التي تطرح بعد اإلشكاالت ،لنرى كيف
أخضع أعماال لمقتضيات مدونة الشغل(أ،)1-و أعماال أخــرى استثناها من مقتضياتها(أ،)2-
من خالل تحليله و بحثه لعنصر التبعية و مدى وجوده من عدمه.
سنعرض في هذا الصدد ،لبعض الحاالت التي أخضع من خاللها القضاء االجتماعي
المغربي بعض األعمال لمقتضيات قانون الشغل و ذلك كما يلي:
- 399المصطفى شنضيض":عقد الشغل الفردي في ضوء مدونة اشغل الجديدة القانون رقم 99-65و
النصوص التنظيمية الصادرة بشأنه" ،م س ،ص .80
- 400موسى عبود":دروس في القانون االجتماعي" ،م س ،ص .166
- 401عبد اللطيف خالفي":االجتهاد القضائي في المادة االجتماعية" ،م س ،ص .349
153 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
أ:1-1-مساعد التاجر
اعتبرت محكمة النقض في قرار لها أن عالقة الشغل بين األجير و بين صاحب محل
تجاري و الثابتة بشهادة الشهود الذين أبرزوا من خاللها عالقة التبعية و األجر ،ال يؤثر على
قيامها أداؤه حسب حجم السلعة المبيعة ،أو قيامه بأعمال تدخل في صميم عمله كمساعد
تاجر ،و قد جاء في تعليل أحد القرارات لمحكمة النقض أنه..":لكن حيث إن المحكمة
المطعون في قرارها قد استخلصت في إطار سلطتها التقديرية ،و التي ال رقابة لها من قبل
المجلس األعلى إال من حيث التعليل ،من خالل شهادة الشاهدين المستمع إليهما من طرف
المحكمة االبتدائية ،استخلصت قيام عالقة الشغل بين المطلوب و الطالب و من خاللها
عالقة التبعية و التي ال يثر عليها أو ينفيها فقيام المطلوب ببعض األعمال التي تفرضها
طبيعة عمله ،كما أن عدم استقرار األجر في مبلغ معين و ارتباطه بحجم السلعة المبيعة ال
يجعل من عالقة التبعية أيضا منعدمة.402"..
أ:2-1-طبيب الشغل
كان الرأي السائد فيما مضى هو أن مهنة الطب تتنافى بطبيعتها مع التبعية ،ألن
الطبيب ينجز عمله المهني حسب رأيه الشخصي ،و بمقتضى معرفته الفنية ،و ال يمكنه أن
يتلقى أي أمر أو توجيه من المؤسسة المشغلة حول كيفية إنجازه لعمله المهني ،إال أن هذا
403
الرأي قد تقلص و حل محله مفهوم جديد لنطاق التبعية.
فأصبح بكفي توافر اإلطار الخارجي لها ،أي الظروف الزمانية و المكانية التي يجب
أن ينفذ فيها الشغل ،و في هذا اإلطار قضت محكمة النقض في قرار 404لها أن القانون ينص
على أن كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين لقاء
- 402قرار للمجلس األعلى ،عدد ،38بتاريخ ،2010/01/14ملف اجتماعي عدد ،2009/1/5/263
أورده محمد سعد جرندي":مجال تطبيق مدونة الشغل من خالل قرارات محكمة النقض" ،م س ،ص .39
- 403موسى عبود":دروس في القانون االجتماعي" ،م س ،ص .170
- 404قرار المجلس األعلى عدد ،447بتاريخ ،2009/05/20ملف اجتماعي عدد ،2008/851منشور
بالمجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،72ص .262
-قرار محكمة النقض ،عدد ،2278بتاريخ ،2012/11/22في الملف االجتماعي عدد ،2010/1/5/228
مجلة الحقوق ،ع ،2015 ،10ص .277
154 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
أجر أيا كان نوعه أو طريقة أدائه يعد أجيرا ،فإن العقد الرابط بين المشغل و طبيب الشغل
بالمؤسسة يكيف على أنه عقد شغل ،و يستمد طبيب الشغل صفته كأجير من نوعية العمل
الذي يقوم به لحساب المشغل ،و من ثمة يبقى عنصر التبعية قائما حتى و لو مارس طبيب
الشغل عمله في المقاولة بكل استقالل و حرية إزاء مشغله ،إذ يبقى خاضعا لسلطته التأديبية.
كما أن نفس المحكمة ذهبت في قرار آخر أن إشراف المشغلة في ظل التبعية اإلدارية
التنظيمية ال يمس جوهر العمل الذي يؤديه األجير من الناحية الفنية بصفته طبيبا ،ألن التبعية
القانونية تتحقق حتى و لو كان يتمتع باستقالل كبير من الناحية الفنية في القيام بعمله ،و جاء
في تعليلها ما يلي...":لكن ،حيث إن الثابت من الوثائق كما هي معروضة على محكمة
االستئناف و خاصة منها عقد العمل المبرم بتاريخ 1993/02/15بين الطاعنة و المطلوب
بعد اختبار شفوي أجرته معه بتاريخ 1993/02/02و الذي بمقتضاه شغلته كطبيب عام
لديها لمدة 6أشهر أصبحت بعد ذلك مدة غير محددة ،و من دون أن تحد من استقالليته في
العمل الموكول له مع تبعيته لها بتنفيذه لكل طلباتها و تعليماتها ،و هي الواردة
بالبروتوكول الموقع من طرفهما معا بتحديدها لساعات العمل و كيفية أدائه ،كما أعطته
حقه في العطلة السنوية ،و بتمتيعه بأجل إخطار حددته في ثالثة أشهر في حالة فسخ العقد،
و أن ما جاء في بروتوكول االتفاق ينم عن وجود تبعية إدارية تنظيمية ألنها هي المشرفة
على تحديد العمل و ظروفه ،بتحديدها لمكان العمل و أوقاته ،و تسليم المواد و األدوات
الالزمة للعمل ،و منعها للمطلوب من أن يسخر خدماته للغير أو ان يعمل لصالحه(الفصل
11من العقد) و إشرافه في ظل التبعية اإلدارية التنظيمية ال يمس جوهر العمل الذي يؤديه
األجير من الناحية الفنية بصفته طبيبا ،ألن التبعية القانونية تتحقق هنا حتى و لو كان
يتمتع باستقالل كبير من لناحية الفنية في القيام بعمله ،ألن تبعيته لها تنظيمية إدارية من
تحديدها لنوع العمل و نطاقه و حدوده و مواعيده .405"...
- 405قرار محكمة النقض ،عدد ،2147بتاريخ ،2015/11/04ملف اجتماعي عدد ،2014/2/5/804
منشور بمجلة قضاء محكمة النقض ،ع ،80ص .384
155 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
هكذا ،فإذا كانت العالقة التعاقدية بين طبيب الشغل و المقاولة قد عرفت قبل دخول
مدونة الشغل حيز التطبيق نوعا من اللبس فيما يتعلق بطبيعتها ،و هذا ما حدا بالقضاء إلى
406
نقض حقيقتها من خالل معيار عنصر"التبعية" ،فإن المدونة حسمت في نوع هذه العالقة.
و تبعا لذلك ،فالعالقة التي تجمع بين المشغل و طبيب الشغل تخضع لمقتضيات مدونة
الشغل باعتبارها عالقة شغلية ،و من تم ال يمكن للمشغل توقيع أي إجراء تأديبي في حق
طبيب الشغل ،إال بمقتضى قرار يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل.
في هذا السياق ،ذهبت الغرفة االجتماعية بمحكمة النقض في قرار صادر عنها إلى أن
مهنة المفوض القضائي تعتبر مهنة حرة و ترتبط بقطاع الخدمات ،لذلك فإن قيام الكاتب
بمساعدة المفوض القضائي في مهامه و ارتباطه معه بعقد شغل ،يترتب عليه خضوعه
لمدونة الشغل ،و جاء في تعليلها...":لما كانت المادة األولى من مدونة الشغل في فقرتها
الثانية تنص على":كما تسري أحكام هذا القانون على المشغلين الذين يزاولن مهنة حرة،
و على قطاع الخدمات ،و بشكل عام على األشخاص الذين ارتبطوا بعقد شغل ،و ال يدخل
شغلهم في نطاق أي نشاط من النشاطات المشار إليها أعاله" ،إضافة إلى تنصيص المادة
السادسة من مدونة الشغل على":يعد أجيرا كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني ،تحت
تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين ،لقاء أجر ،أيا كان نوعه ،و طريقة أداءه.
يعد مشغال كل شخص طبيعي أو اعتباري ،خاصا كان أو عاما ،يستأجر خدمات
شخص ذاتي واحد أو أكثر" ،فمحكمة الموضوع لما اعتبرت العالقة بين المفوض القضائي
و كاتبه المحلف هي عالقة عمل و تخضع لمدونة الشغل مادام أن الكاتب المحلف يعمل
- 406عبد الرحيمم الهاشمي":طبيعة العالقة التعاقدية بين طبيب الشغل و المقاولة" ،مداخلة بالندوة
الجهوية التاسعة ،م س ،ص .252
156 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تحت إشرافه و توجيه و مراقبة المفوض القضائي ،و يتقاضى أجرا عن عمله من طرف
المفوض القضائي ،تكون قد طبقت أحكام مدونة الشغل تطبيقا سليما.407"...
سنورد من خالل هذه النقطة بعض األمثلة عن بعض الفئات التي استثناها القضاء
االجتماعي المغربي من نطاق تطبيق مدونة الشغل ،النعدام عالقة التبعية في العمل الذي
يقومون به ،و هذه الفئات هي:
أ:1-2-مدير الشركة
لقد أكد القضاء المغربي في كثير من اجتهاداته ،أن عالقة مدير الشركة بالشركة التي
يتولى إدارتها ال تشكل عالقة شغل ،النتفاء عنصر التبعية فيها ،و هو عنصر جوهري في
408
عقد الشغل.
هكذا ،ذهبت محكمة النقض في قرار لها إلى أنه..":مادام أن المدعي قد عين مديرا
عاما لشركة المساهمة ،فإن عزله يخضع للقانون المتعلق بشركات المساهمة ،الذي يجيز
لمجلس اإلدارة عزله في أي وقت ،و دون أن يستلزمه الحصول على تعويض ،و إن طبيعة
عمله كمدير عام تقتضي أن يمارس مهامه باستقالل تام بشكل تنتفي معه عالقة التبعية
بينه و بين مجلس اإلدارة ،هذه العالقة التي تعتبر عنصرا أساسيا في عقد الشغل ،األمر
الذي يجعل من عمله يطغى عليه عمل الوكيل على عمل األجير ،و إن استدالله بورقة أداء
تحدد مبلغا يتقاضاه من الشركة ال يجعل منه أجرا ،و إنما يدخل في إطار المكافأة التي
157 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
يمنحها له المجلس اإلداري ،و المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي اعتبرت المسير
وكيال و ليس أجيرا ،بعدما تأكد لها أنه لم يشغل منصب أجير يقوم بعمل فعلي قبل أن يعين
في منصب مدير عام ،تكون قد بنت قراراها على أساسا قانوني سليم".409
ذهبت محكمة النقض في قرار لها أن الحمال بمحطمة طرقية من خالل إشهاد كتابي
يؤكد خالله بأنه يعمل لحسابه الخاص و أنه يتقاضى أجره من الزبناء ،و اعتبرته حجة على
أنه ال يعتبر أجيرا لصاحب المحطة ،و جاء في تعليل أحد قراراها أنه ":لكن من جهة أول،
و كما جاء في تعليل القرار المطعون فيه ،فإن الثابت من اإلشهاد الكتابي المصحح اإلمضاء
من قبل الطالب أن هذا األخير كان يعمل حماال بالمحطة الطرقية لحسابه الخاص ،و
يتقاضى أجره مباشرة من الزبناء و دون تدخل المطلوب في ذلك ،و هذه الوثيقة الكتابية
تعبر حجة في كون الطالب كان يعمل حماال لحسابه الخاص و يتقاضى أجره من الزبناء،
مما تنتفي معه عالقة الشغل بينه و بين المطلوب ،من تم فإن ما هو ثابت بالكتابة ال يمكن
إثبات ما يخالفه إال بالكتابة ،و تبعا لذلك فإن ما صرح به شهود الطالب من كون هذا األخير
كانت تر بطه عالقة شغل بالمطلوب يبقى غير جدير باالعتبار ،و ما يؤكد ذلك أن الشهود
المستمع إليه من قبل المحكمة المطعون في قراراها أكدوا جميعا طبيعة عمل الطالب كحمال
يعمل باستقالل تام و يتقاضى أجره من الزبائن.410"..
تأكيدا من محكمة النقض على أهمية عنصر التبعية في تكييف عالقات الشغل اعتبرت
أن عمل التدليك بالحمامات التقليدية ،ال يكتسي رابطة العمل بالمفهوم القانوني ،ألنه يتقاضى
مستحقاته من الزبناء و دون أي تدخل من صاحب الحمام ،مما تنتفي معه عالقة التبعية ،و إن
- 409قرار المجلس األعلى ،عدد ،775بتاريخ ،2011/06/02ملف اجتماعي عدد ،2009/1524منشور
بمجلة قضاء المجلس األعلى ،ع ،74ص .295
- 410قرار محكمة النقض ،عدد ،292بتاريخ ،2012/02/09ملف اجتماعي عدد ،2010/1/5/1035
أورده سعد جرندي ":الدليل العملي لمدونة الشغل" ،م س ،ص .65
158 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
قيامه بمراقبة الماء و تنظيف الحمام فضال عن أنه يرتبط بعمله ،فإنه يكون كمقابل لإلذن له
باستعمال الحمام للقيام بمهمته.411
و في نفس المنوال أيضا ،ذهبت في قرار آخر إلى أن القيام بخدمة مستخدمين بحمام
تابع لشركة لإلسمنت و عدم ثبوت أي عالقة بين من تقوم بهذه المهمة و بين هذه الشركة ،و
قيام ها أيضا بتنظيف غسيل المستخدمين ،ال يعطيها صفة أجيرة تابعة للشركة ،و قد جاء في
حيثياته" :حيث تبين صحة ما نعته الطاعنة ،ذلك أنها دفعت في مقالها االستئنافي ،بنفي
وجود أية عالقة تربطها بالمطلوبة ،و بأن الشهود المستمع إليهم أكدوا عدم ارتباط المعنية
باألمر بأية ع القة شغل بالطاعنة ،و أنها كانت تتولى خدمة مستخدمي حمام المستخدمين و
أن األجر يؤديه لها هؤالء ،عالوة على تنظيفها أحيانا غسيل المستخدمين مقابل أجر متفق
عليه ،و رتبت على ذلك اآلثار القانونية عن إنهائها و قضت للمطلوبة بتعويضات ،مستندة
في ذلك على شهادة الشهود ،و الحال أن الشاهد ( ب س) أدلى أنه ال يعرف مشغل المدعية
و أن محاسب الشركة ال يؤدي لها األجر و ال يعرف من يؤديه لها ،و أكد الشاهد ( م ب) أن
أجرها كانت تتقاضاه من مبالغ يتم جمعها من طرف العمال و أنها ال تربطها عالقة شغل
بالشركة و كانت تقوم ببعض األعمال المنزلية ،و تقوم بالغسيل لبعض العائالت ،و تتقاضى
مقابل ذلك منهم ،مما كان قراراها غير معلل بما فيه الكفاية ،و غير مرتكز على أساس،
مما يعرضه للنقض".412
و هو ما سارت عليه محاكم الموضوع كما يتضح من قرار لمحكمة االستئناف بمكناس
الذي جاء فيه":و حيث الثابت من شهادة الشهود المستمع إليهم ابتدائيا أن مورثة
المستأنفين إنما كانت تشتغل لمصلحتها الخاصة و تحصل على مقابل عملها مباشرة من
- 411قرار المجلس األعلى عدد ،707بتاريخ ،2008/06/18ملف اجتماعي عدد ،2007/1026أورده :
رشيد بامو":إثبات عقد الشغل في ضوء العمل القضائي" ،م س ،ص .62
- 412قرار محكمة النقض ،عدد ،231بتاريخ ،2013/02/14ملف اجتماعي عدد ،2012/2/5/841
أورده سعد جرندي":الدليل العملي لمدونة الشغل" ،م س ،ص .64
159 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
الزبناء "كمدلكة" و بالتالي فإنه لم تكن هناك عالقة تبعية بينها و بين المستأنف عليها ،و
تبقى عناصر عقد الشغل غير قائمة و غير ثابتة في نازلة الحال.413"..
ب :إثبات عنصر التبعية لتمييز عقد الشغل عن غيره من العقود المشابهة
إذا كان عقد الشغل ينصب على النشاط اإلنساني ،فإنه ليس العقد الوحيد الذي محله هذا
النشاط ،فكثيرة هي العقود التي ترد على عمل اإلنسان كعقود المقاولة و الشركة و التسيير
الحر لألصل التجاري و ال وكالة...كلها عقود قد تختلط بعقد الشغل ،السيما عندما يكون
عنصر التبعية غير واضح.
و في هذا اإلطار نتساءل ،كيف استطاع القضاء التمييز بين عقد الشغل و غيره من
العقود األخرى المشابهة؟.
إذا كان عقد المقاولة حسب مقتضيات الفصل 723من ق ل ع يرد على عمل يلتزم
بأدائه شخص لحساب شخص آخر نظير أجر ،فوجه الشبه بينه و بين عقد الشغل كبير ،ألن
موضوع هذا األخير هو أيضا أداء عمل مقابل أجر ،414فهذا التشابه اللفظي و هذا التقارب
القانوني الناتج عن وجود مجموعة من القواعد المشتركة أقرها المشرع نفسه يجعل التمييز
صعبا في بعض األحيان ،و مع ذلك فإن هذا التمييز ضروري نظرا لما يترتب عليه من
آثار.415
و تبعا لذلك ،فلتمييز عقد الشغل و عقد المقاولة ال نتوقف عند أداء العمل مهما اختلفت
صوره أو أداء األجر كيفما كان تحديده ،و إنما العبرة بعنصر التبعية ،و هل هو موجود
- 413قرار محكمة االستئناف بمكناس ،بتاريخ ،2015/06/23الغرفة االجتماعية ،ملف رقم
،1501/2014/1862غير منشور.
- 414عبد اللطيف خالفي":االجتهاد القضائي في المادة االجتماعية"،م س ،ص .382
- 415موسى عبود":دروس في القانون االجتماعي" ،م س ،ص .176
160 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فتكيف العالقة باعتبارها عالقة شغل ،أم غير موجود فتكيف العالقة بأنها مجرد عقد
416
مقاولة.
هكذا ،فقد صدرت عن محكمة النقض العديد من القرارات التي تميز بين العقدين
المذكورين ،لذلك فعدم إثبات عالقة التبعية جعلت محكمة النقض تعتبر العالقة الموجودة بين
طرفين من أجل حفر اآلبار عالقة تستند على عقد مقاولة ،ألنها تجعل المشغل في حفر اآلبار
يتمتع في عمله باستقالل تام يخوله استعمال أدواته و وسائله الخاصة في ذلك ،و وفق الطرق
التي يراها مالءمة ،417و بالتالي فعقد المقاولة يتميز باالستقالل التام في العمل و ال يخضع
ألي رقابة أو توجيه ،و من ثمة فإن ما يحدث نتيجة العمل يعد مسؤول عنه المقاول وحده
دون غيره.
و هو ما سارت عليه محاكم الموضوع كما يتضح من قرار لمحكمة االستئناف الذي
جاء فيه أنه.. ":و بالرجوع إلى وثائق الملف و خاصة العقد المدلى بصورة منه...يتبين أنه
التزم بمقتضاه"..بالقيام بأشغال البناء و اليد العاملة للطرف األول(المستأنف عليها) ..و
تم تحديد ثمن المتر المربع في مبلغ 1100درهم...و كل عيب في االنجاز يتكلف الطرف
الثاني (المستأنف) بالتعويض عنه و ذلك بعد إجراء عملية التقييم ،و يتعهد هذا األخير بان
العمال الذين يشغلهم تحت مسؤوليته الكاملة من تأمين"....و هو عقد موقع عليه من طرف
المستأنف و مشهود على صحة إمضائه من طرف الجهة اإلدارية المختصة ،و لم يكن محل
أية منازعة جديدة من طرف المستأنف ،و بالتالي فإن العالقة الرابطة بين الطرفين هي في
إطار عقد مقاولة و ليس عقد شغل مادام أن عناصر عالقة الشغل من تبعية و أجر و رقابة
و توجيه ال تتوفر في العالقة الرابطة بين الطرفين" ،418فتستخلص التبعية من ظروف
الواقع الذي ينفذ في إطاره عقد الشغل ،و هي تندرج ضمن السلطة التقديرية لقضاء
الموضوع.
161 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
عرف الفصل 982من ق ل ع عقد الشركة بأنه":عقد بمقتضاه يضع شخصان أو
أكثر أموالهم أو عملهم أو هما معا ،لتكون مشتركة بينهم ،بقصد تقسيم الربح الذي قد ينشأ
عنها".
و انطالقا من هذا التعريف فقد يقع الخلط بين عقد الشركة و عقد الشغل ،و يرجع ذلك
إلى أن الشريك في الشركة قد يكون شريكا بعمله فقط ،كما أن أجر األجير في إطار عقد
الشغل قد يأخذ شكل نسبة من األرباح التي قد تحققها الشركة المشغلة ،ففي الحالة التي يلتزم
فيها الشريك بتقديم عمله كحصة في الشركة ،فإن التزامه هذا قد يختلط بااللتزام الناشئ عن
عقد الشغل بتقديم العمل ،و بالتالي يشتبه مركز الشريك بالعمل بمركز األجير ،ذلك أن هذا
األخير يساهم هو أيضا بعمله مع مشغله في المشروع ،كما أنه في الحالة التي يكون فيها أجر
األجير عبارة عن جزء من األرباح ،فإن مركزه كذلك قد يختلط بمركز الشريك الذي يحصل
على نسبة من األرباح ،مما يستدعي التمييز بين العقدين.
هكذا ،فعنصر التبعية هو المعيار الذي يستند إليه القضاء لتمييز عقد الشغل عن عقد
الشركة ،فقد اعتبرت محكمة النقض استخالص األجير الذي كان يعمل سائقا لحافلة ألجره
على أساس نسبة معينة من المدخول ال تأثير له على التكييف القانوني لعقد الشغل مادام أداء
هذا األجر ال تشترط فيه طريقة معينة.419
- 419و قد جاء في حيثيات قرارها ما يلي..":و بخصوص طبيعة العالقة الرابطة بين الطالبة والمطلوب،
فغنه من الثابت من تصريحات الشهود المستمع إليهم من طرف المحكمة االبتدائية أن المطلوب كانت
تربطه عالقة شغل بالطالبة و بصفة مستمرة ،حيث كان يعمل سائقا لحافلة هذه األخيرة ،و أما أداء
األجر من قبل الطالبة للمطلوب على شكل نسبة معينة ،و كما أكد هذا األخير بذلك بجلسة البحث فال
يجعل من هذه العالقة عقد شركة ،و ال تأثير له في التكييف القانوني لهذا العقد و الذي يظل عقد شغل،
خاصة و أن األجر كعنصر في عقد الشغل لم تشترط فيه المادتان السادسة و 354من مدونة الشغل
طريقة معينة ،فقد يؤدي لألجير نسبة من المدخول سيما و أن الطالبة لم تثبت وجود عالقة شركة بينهما
و بين المطلوب."...قرار محكمة النقض ،عدد ،1753بتاريخ ،2011/12/08ملف اجتماعي عدد
،2010/1/5/666منشور بدفاتر محكمة النقض ،اللقاء التواصلي في موضوع :إشكاليات المادة
االجتماعية في ضوء اجتهادات محكمة النقض ،عدد ،23مطبعة المعارف الجديدة-الرباط ،2015 ،ص
.235
162 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و جاء في قرار لمحكمة االستئناف بمكناس أنه":حيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف
و خاصة "عقد رقابة على أبقار" ....يتبين أنه تم االتفاق على رعاية المستأنف لألبقار
مقابل الحصول على الثلث من المنتوج أو الربح بعد البيع و بعد خصم المصاريف بنفس
النسبة...و حيث دفع المستأنف بانه كانت تربطه عالقة شغل مع المستأنف عليه منذ 1995
أي قبل ّإبرام عقد الرقابة المذكور ،بقي مجرداا من اإلثبات ،مادام أن الشهود المستمع
إليهم ابتدائيا أكدو عدم علمهم بمختلف عناصر العالقة الرابطة بين الطرفين ،كما لم يؤكدو
وجود عالقة تبعية بين الطرفين و ال وجود عنصر الرقابة و التوجييه ،و أنهم ال يعرفون
وجود أجر،،،،و حيث لما كان األمر كذلك فإن العالقة بين الطرفين هي عالقة شراكة و
ليس عالقة شغل ،ما دام المستأنف لم يثببت عناصر عقد شغل من تبعية و أجر.420"...
المبدأ أن األصل التجاري يدار من طرف مالكه ،غير أنه ليس هناك أي مانع قانوني
من إدارته بواسطة الغير ،بموجب عقد تسيير حر .و الذي يتولى بموجبه المسير الحر تسيير
األصل التجاري بصفة حرة و تحت مسؤوليته ،و هذا ما يميزه عن اإلدارة المأجورة لألصل
التجاري ،الذي يكون فيه المسير عبارة عن أجير يخضع في عالقته بمالك األصل التجاري
421
أو مستغله لمدونة الشغل.
و من هذه الناحية ،يكون وجود عالقة التبعية أو عدمها هو الفاصل في التمييز بين
الوضعين خاصة عندما يتمسك كل طرف عند النزاع بالتكييف القانوني لعالقتها على النحو
الذي يحقق مصالحه.
فقد جاء في حيثيات قرار لمحكمة النقض ما يلي..":لكن حيث إن الطاعن ال ينكر أنه
ارتبط مع المطلوبة منذ سنة 1972على األقل في تسيير محطة البنزين ،حسب العقد الذي
أدلى به الطرفان ،و ادعاؤه الجهل بمحتوى العقد يتنافى مع عمله بمقتضاه مدة 15سنة ،و
163 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إقراره باستخالص أجرته و أجرة العمال معه و واجب الضرائب ،و بذلك يكون سكوت
القرار على الدفع بالجهل بالعقد بمثابة رفض ضمني له ،ألنه دفع غير ثابت و قد اعتمد
الحكم االبتدائي المؤيد على وجود عقد لتسيير الحر و انتفاء عالقة الشغل بين الطرفين
النتفاء عنصري التبعية و اإلشراف بينهما ،و هو تعليل كاف لما انتهى إليه باإلضافة
لحيثيات القرار التي تسير في نفس االتجاه ،و بذلك تكون وسائل النقض على غير
أساس".422
و نفس األمر زكته أيضا في قرار آخر صادر بتاريخ ،2012/11/18حيث اعتبرت
إسناد تسيير المشروع من طرف مالكه لشخص بمقابل و استقالل المسير باإلشراف و تدبر
أمر المشروع و القيام بكل ما يهم هذا األخير من تعاقد مع األجراء و إبرام الصفقات و تحمل
المسؤولية ،يجعل العالقة بين الطرفين (المالك و المسير) ،عالقة تسيير ال عالقة شغل ،و
النزاع بشأنهما يخرج عن نطاق القضاء االجتماعي فتكون المحكمة قد جانبت الصواب لما
اعتبرت العالقة في النازلة عالقة شغل ،و رتبت عنها آثارها القانونية ،وإذا كان هذا فيما
يخص إثبات العالقة الشغلية ،فماذا عن موقف القضاء بشأن األخطاء المرتكبة من طرف
األجير؟ و هو ما سيكون موضوع الفقرة الموالية.
قد تحدث أسباب تؤدي إلى انتهاء عقد الشغل ،و نظريا يمكن أن تأتي مبادرة االنتهاء
من طرف المشغل أو من طرف األجير ،و لكن في الواقع تأتي غالبا من طرف المشغل ،و
لذلك كان من جملة المطالب التي كافح من اجلها األجراء وضع قيد على إمكانية إنهاء
المشغل للعقد .و للسبب نفسه نرى أن التشريع بشأن هذه المسألة يتجه نحو هذه الغاية ،ألن
423
المقصود هو الحيلولة دون بقاء األجير عاطال.
- 422قرار المجلس األعلى ،عدد ،417بتاريخ ،1995/04/25ملف اجتماعي عدد ،1992/8461منشور
بالمجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،1995 ،47ص .209
- 423موسى عبود":دروس في القانون االجتماعي" ،م س ،ص .187
164 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و إذا كان المشغل هو صاحب المبادرة في اتخاذ قرار فصل األجير عن عمله ،424فإن
هذا األجير قد يكون هو اآلخر –إذا أراد ذلك -صاحب المبادرة بعرض دعواه أمام القضاء
لمنازعة مشغله في األسباب التي استند عليها كمبرر لفصله من العمل ،و إذ ذاك يصبح
القاضي مدعوا لمراقبة مدى خطورة و جسامة تلك األسباب إحقاقا للعدالة و بحثا عن
اإلنصاف و ذلك بطبيعة الحال بعد أن يكون قد تثبت من احترام المقتضيات الشكلية لمسطرة
425
الفصل حال إثارتها من قبل صاحب المصلحة.
و بعرض النزاع أمام القضاء سننتقل إلى مرحلة اإلثبات ،ولقد كان اإلشكال المطروح
في ظل النظام النموذجي هو بخصوص الطرف الذي سيكلف باإلثبات هل هو األجير عمال
بمقتضيات الفصل 399من ق ل ع أم المشغل لكونه يدعي ارتكاب األجير للخطأ الذي على
- 424جاء في قرار لمحكمة النقض أنه ":إن مسطرة الفصل التأديبي تعتبر إلزامية بدليل صيغة الوجوب
التي استهلت بها ،و ال ينفي عنها ذلك ما نصت عليه الفقرة األخير من المادة 62من م ش..ذلك أنه
حتى في حالة رفض أحد الطرفين إجراءها أو إتمامها يتعين اللجوء إلى مفتش الشغل ،و هو ما لم يثبت
في هذه النازلة ،خاصة و أنه ال يمكن أن نتصور مطالبة األجير لمشغله بعقد جلسة لالستماع إليه حول
الخطأ الجسيم ،فصاحب المبادرة دائما هو المشغل ،و من ثم فما دامت الطالبة لم تلجأ إلى مفتش
الشغل..تكون قد أخلت بمقتضيات هذه المسطرة ،و يغني ذلك عن إجراء بحث حول األخطاء المنسوبة
له" ،قرار محكمة النقض ،عدد ،2313بتاريخ ،2012/11/29ملف اجتماعي عدد ،2012/2/5/536
غير منشور ،للمزيد راجع:
-قرار محكمة االستئناف بمكناس ،بتاريخ ،2016/12/20الغرفة االجتماعي ملف رقم
،1501/2015/3776غير منشور.
حكم ابتدائية مكناس ،عدد ،510بتاريخ ،2019/04/23ملف نزاعات الشغل عدد
،2018/1501/164غير منشور.
-قرار عدد ،616بتاريخ 28يونيو ،2017في الملف االجتماعي عدد ،2016/2/5/1590نشرة
قرارات محكمة النقض ،ع ،31م س ،ص .84
-قرار محكمة النقض ،عدد ،2331بتاريخ ،2012/11/29في الملف االجتماعي عدد
،2012/2/5/220غير منشور.
-قرار محكمة النقض ،عدد ،2316بتاريخ ،2012/11/29في الملف االجتماعي عدد
،2010/1/5/547غير منشور.
-قرار محكمة النقض ،عدد ،1/107بتاريخ ،2018/2/13ملف اجتماعي عدد ،2016/1/5/2204
غير منشور.
-قرار محكمة النقض ،عدد /1017بتاريخ ،2011/08/25ملف اجتماعي عدد
،2010/1/5/1144منشور بمجلة القضاء المدني ،ع ،2014 ،10ص .238
- 425عبد الحكيم صباح":رقابة المجلس األعلى على مسطرة الفصل التأديبي و مدى إلزاميتها" ،م س،
ص .441
165 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تدخل 426
أساسه قام بفصله؟ و إن لم تكن له تلك الصفة في الدعوى فإن االجتهاد القضائي
حينها و اعتبر أن المشغل هو الملزم بإثبات الخطأ الذي ينبهه ألجيره قبل أن يقدم على فصله
من العمل ،و إن كان المجلس األعلى قد حسم فيه و حدد التوجه بشأنه إال أنه لم يبقى قائما في
ظل مدونة الشغل التي نصت صراحة لمقتضى فقرتها األخيرة من المادة 63على أنه":يقع
على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل".
و بعد هذه المرحلة و قيام المشغل إثبات أسباب فصله لألجير ،ستأتي المرحلة األهم و
هي بسط الرقابة القضائية على هذه األخطاء و تقدير مدى جسامتها للقول ما إذا كان رب
العمل قد مارس سلطته التأديبية بدون تعسف ،أو أنه حاد عن الصواب في اتخاذ قرار
الفصل.
166 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إال أن المشرع المغربي لم يرد أي تعريف للخطأ الجسيم ،429لكون من الصعب تحديده
الرتباطه بالواقع و بظروفه المتغيرة باستمرار ،و إمكانية اختالفه من عمل ألخر .و أمام
عدم التوفر على معيار دقيق يتدخل القضاء لتحديده أخذا بعين االعتبار كونه عمدي أو غير
عمدي ثم درجة الخطأ ثم األخذ بسوء نية أو حسن نية األجير و حالته الصحية و العقلية و
430
النفسية و أقدميته و أثار سلوكه على نشاط المؤسسة.
كما أن الفصل 40أورد عبارة "تعد من بين األخطاء الجسيمة المرتكبة ضد األجير
من طرف المشغل أو رئيس المقاولة أو المؤسسة ما يلي ":مما يفيد أنها بدورها على سبيل
المثال ال الحصر كما هو الحال بالنسبة للفصل 39من المدونة.
و قد أوضحت المادة 61من المدونة أنه":يمكن فصل األجير من الشغل ،دون مراعاة
أجل اإلخطار ،و دون تعويض عن الفصل ،و ال تعويض عن الضرر ،عند ارتكابه خطأ
جسيما".
و من تم كان إلزاما على المشغل ذكر أسباب فصله لألجير برسالة الفصل ،و أن تكون
هذه األسباب واضحة و دقيقة ،فعدم ذكر األسباب و على الرغم من احترامه المسطرة
سيجعل الفصل تعسفيا ما دامت المحكمة و كما سبق القول مقيدة بمناقشة ما ورد بالرسالة
فقط و ال يمكنها أن تستمع إلى أية أسباب أخرى تثار أمامها ألول مرة ،431فضال على أن تلك
- 429عرفته محكمة النقض الفرنسية بقول هو الخطأ الذي يحول دون استمرار عالقة الشغل و لو أثناء
مهلة األخطاء.
"La faute grave du salarier est celle qui rend impossible le maintien du
"… travailleur dans l'entrepris , même pendant la durée du préavis
Cas-soc 14 juin 1961, N 639, P507.
- 430الطيب دوش":الفصل التعسفي لألجير في ضوء اجتهاد المجلس األعلى" ،مداخلة بالندوة التاسعة
للقضاء االجتماعي ،م سس ،ص.491
- 431أنظر في هذا الصدد:
-قرار المجلس األعلى ،عدد ،196بتاريخ ،1992/04/13في الملف االجتماعي عدد ،89/10003
المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،46ص .188
-قرار المجلس األعلى ،بتاريخ ،1995/09/05في الملف االجتماعي عدد ،92/8666مجلة اإلشعاع ،ع
،14ص .87
167 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
االتهامات ال يجب أن تكون عامة أو غامضة ،بل يجب أن تكون محددة من حيث ألفاظها و
432
تاريخ وقوعها حتى يمكن للحكمة استعمال سلطتها التقديرية في اعتبارها خطأ فادحا أم ال.
بل أكثر من ذلك ،اعتبر صراحة أن مسألة تقييم جسامة الخطأ تدخل في السلطة
التقديرية لقضاة الموضوع ،كما أكد ذلك المجلس األعلى في أحد قراراته ،433عندما اعتبر أن
ما أثاره طالب النقض بخصوص جسامة الخطأ إنما هو مجادلة في وقائع و أدلة تخضع
لتقدير قضاة الموضوع بما لهم من سلطة في ذلك ،و بأن القرار المطعون فيه قد رد تلك
الدفوع بتعليل كاف في تبرير ما انتهى إليه ،فقضى برفض الطلب.
فإذا كان الفصل غير مبني على سبب حقيقي و جدي فيمكن للمحكمة أن تقترح إعادة
إدماج األجير بالمؤسسة مع احتفاظه بكل مكتسباته ،و يالحظ تالزمية بين أن يكون السبب
جدي و حقيقي و غير غامض في نفس الوقت و إذا انعدم عنصر من هذين العنصرين فإن
الفصل يعتبر غير قانوني و بالتالي تعسفي ،434لذلك سنقف عند التكييف القضائي لألخطاء
الجسيمة الواردة في مدونة الشغل( ،)1و تلك التي خارجها (.)2
ال شك أن كل القرارات التي يتخذها المشغل في إطار سلطته التأديبية تخضع لرقابة
القضاء ،435و ذلك عمال بالمادة 42من م ش ،و هكذا يواجه قاضي الموضوع السلطة
- 432عبد الحكيم صباح":رقابة المجلس األعلى على مسطرة الفصل التأديبي و مدى إلزاميتها " ،م س،
ص .444
- 433قرار للمجلس األعلى ،عدد ،180الصادر بتاريخ ،2005/02/23في الملف االجتماعي عدد
،2004/1/5/772غير منشور.
أنظر كذلك:
-القرار عدد ،557الصادر بتاريخ ،2004/05/26في الملف االجتماعي عدد ،2004/195و القرار
عدد ،1036بتاريخ ،2004/10/13في الملف االجتماعي عدد ،04/614و القرار عدد ،327بتاريخ
،1997/03/25في الملف االجتماعي عدد ،1995/1210و القرار عدد ،257بتاريخ ،2005/03/09
في الملف االجتماعي عدد ،2006/642و القرار عدد ،397بتاريخ ،2005/04/13في الملف عدد
،2005/51بشرى العلوي":الفصل التعسفي لألجير على ضوء العمل القضائي" ،م س ،ص .143
- 434الطيب دوش":الفصل التعسفي لألجير في ضوء اجتهاد المجلس األعلى" ،م س ،ص .492
- 435قرار محكمة النقض ،عدد ،792بتاريخ ،2012/4/26ملف اجتماعي عدد ،2011/1/5/1304غير
منشور.
168 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
التقديرية للمشغل للتأكد من الخطأ من عدمه ،436و بعده لرقابة محكمة النقض ،و من األخطاء
الجسيمة الواردة بالمدونة و التي تخضع لرقابة القضاء نذكر:
ال شك أن الثقة و االئتمان هما صفتان يجب أن يتحلى بهما األجير و هو يؤدي عمله،
فإن خرقهما بالتجاء األجير إلى السرقة يجعل من الفصل مبررا مشروعا من قبل المشغل.
و إذا كان الخطأ الجسيم المتمثل في السرقة صدر بشأنه حكم جنحي قضى ببراءة
األجير ،فينبغي التقيد به من طرف القضاء االجتماعي ،و إال عد المقرر الصادر عن
المحكمة مشوبا بالتعسف يتوجب نقضه ،437و على هذا النحو قضى المجلس األعلى أنه":لكن
حيث إن الثابت لقضاة الموضوع أن المطلوب في النقض تمت متابعته بجنحة السرقة و
صدر حكم قضى ببراءته منها مما ترتب عنه أن الخطأ المنسوب إليه من طرف مشغلته قد
برئ منه بمقتضى القرار المذكور الذي يعتبر حجة فيما فصل فيه و يمنع على المحكمة
البحث فيه من جديد".438
169 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
- 439جاء في حكم البتدائية مراكش أنه ":وحيث إنه باإلطالع على الوثائق المدلى بها وخاصة محضر
محاولة التصالح ،ومحضر المعاينة المدلى بهما من طرف المدعية ،تبين أنهما اتفقا على رجوع
المدعية للعمل إبتداء من يوم الخميس 18يونيو 2015على الساعة الثامنة صباحا ،وأن المدعية وإن
أدلت بمحضر منعها من ولوج مقر العمل في اليوم المذكور حرر بالساعة الحادية عشرة والنصف ،فإنه
ال يمكن اعتبارها متخلية بموجبه عن عملها لعدم احترامها ساعة دخول المدرسين والمحددة في الساعة
الثامنة ،لكون المادة 39من م ش حددت التغيب المعتبر خطأ جسيما في التغيب بدون مبرر ألكثر من
أربعة أيام أو ثمانية أنصاف يوم خالل اإلثني عشر شهرا ،وهو ما لم يثبت في حقها ،فضال عن كون
منعها من ولوج مقر العمل لم يؤسس على عدم حضورها في الثامنة صباحا بل أسس على ضرورة
جوابها عن االستفسار الموجه لها .
وحيث تبعا لما ضمن بالوثائق الكتابية المشار إليها ،باعتبارها حججا ترجح عما صرح به شهود
المشغلة ،تكون مغادرة المدعية لعملها منتفية وليس بالملف ما يثبتها ،ويتعين معه رد الدفع المثار
بخصوصها" .حكم عدد ،2015/1501/1675بتاريخ ،2017/01/09غير منشور.
- 440قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء ،رقم ،3932بتاريخ ،2015/10/9ملف رقم ،11/741غير
منشور.
- 441حكم ابتدائية مراكش ،عدد ،2015/1501/111بتاريخ ،2017/01/23غير منشور.
170 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و المالحظ أن القضاء يربط أحيانا التغيب بدون مبرر بالمغادرة التلقائية ،442و أحيانا
أخرى باالستقالة ،و هو أمر غير مقبول ،ألنه إذا كان التغيب بدون مبرر يشكل خطأ جسيما
و مبررا للفصل ،فإن المغادرة التلقائية ليست كذلك ،فالمشرع لم يعتبرها خطأ جسيما ،أما
االستقالة ،443فهي إنهاء للعقد من جانب األجير وفق شكليات معينة ،444و إن كانت كل هذه
المفاهيم تشترك في أثر واحد ،و هو انقضاء عقد الشغل من دون استحقاق أي تعويض من
طرف األجير.
من جملة االلتزامات التي يتعين الوفاء بها داخل المقاولة كذلك ،التزام األجير القيام
بالعمل المطلوب منه إنجازه ،باعتباره أهم التزام ناتج عن عالقة الشغل ،445و تبعا لذلك فكل
فعل يصدر من األجير يتمثل في رفض إنجاز شغل أوكل إليه تنفيذه و لم يقع ذلك يعد مبررا
لفصله.446
أيضا إذا كان المشغل ملزما بالحرص على قواعد حفظ الصحة و سالمة األجراء،447
فإنه يتعين نظير ذلك أن يلتزم األجراء باحترام تلك القواعد ،و كل خرق لها من جانبهم،
448
يعطي المشغل الحق في فصلهم.
- 442قرار محكمة النقض عدد ،1201بتاريخ ،2012/6/7في الملف االجتماعي عدد 1225/1/5/2010
للمجلس القضائي التوثيق و النشر مركز اإللكتروني بالموقع منشور
األعلى ،www.cpdj.coursuprem.ma:م س.
- 443قرار للمجلس األعلى ،عدد ،614بتاريخ ،2008/5/28في الملف االجتماعي عدد
،2007/1/5/736منشور بالموقع اإللكتروني مركز النشر و التوثيق القضائي للمجلس
األعلى ،www.cpdj.coursuprem.ma:م س.
- 444تنص الفقرة الثانية من المادة 34من م ش على ":يمكن إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة
األجير عن طريق االستقالة المصادق على صحة إمضائها من طرف الجهة المختصة؛ وال يلزمه في ذلك
إال احترام األحكام الواردة في الفرع الثالث أدناه بشأن أجل اإلخطار.".
- 445محمد الكشبور":إنهاء عقد الشغل" ،م س ،ص .161
- 446قرار محكمة النقض ،عدد ،111بتاريخ ،2011/2/10ملف اجتماعي عدد .2009/1/5/1661
- 447قرار محكمة النقض ،عدد ،1611بتاريخ ،2011/11/17ملف اجتماعي عدد ،2010/1/5/1904
أورده عمر أزوكار":قضاء محكمة النقض في مدونة الشغل" ،م س ،ص .190
- 448قرار محكمة النقض ،عدد ،196بتاريخ 13فبراير ،2014ملف اجتماعي عدد ،2013/1/5/607
نشرة قرارات محكمة النقض ،الغرفة االجتماعية ،السلسلة ،3الجزء ،13م س ،ص .15
171 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إذن ،فالخطأ الجسيم يمكن أن يتخذ صورة امتناع عن أمر واجب على األجير أداءه أو
عمال يمنع عليه فعله.
يسمح كمبرر مقبول للفصل ،ارتكاب األجير إما لعنف مادي يتمثل في افتعال مشاجرة
داخل مقر العمل ،فجاء في قرار لمحكمة النقض أنه ":حيث إنه و بمقتضى المادة 20من
مدونة الشغل يكون األجير مسؤوال في إطار شغله عن فعله كما عليه االمتثال ألخالقيات
المهنة وفق ما تقضي بذلك المادة 21من نفس المدونة ،و هو ما يستوجب التقيد بضوابط
العمل و منها عدم إحداث الفوضى و الشغب داخل مقر العمل ،و الثابت من معطيات الملف
دخول الطاعن في شجار مع أحد زمالئه بمناسبة القيام بالعمل و هو ما يعد إخالل بظروف
العمل بصرف النظر عمن كان منهما سببا في الشجار و من منها اعتدى على اآلخر".449
و إما لعنف م عنوي ،يتجلى في السب و الشتم سواء كان موجها للمشغل أو لغيره من
األجراء بحضرة المشغل ،450كما يتضح ذلك من قرار لمحكمة النقض الذي جاء فيه":إن
تلفظ األجير بعبارة نابية داخل المعمل و في مواجهة أي كان ،يعد خطأ جسيما طبقا لما هو
منصوص عليه في المادة 39من م ش ،و ذلك لمخالفته لقواعد األخالق و اآلداب العامة،
- 449قرار محكمة النقض ،عدد ،357بتاريخ 23فبراير ،2012في الملف االجتماعي عدد
،2010/1/5/1030منشور بمجلة القضاء المدني ،ع ،2014 ،10ص .234
-قرار محكمة النقض ،عدد ،734بتاريخ 29ماي ،2014في الملف االجتماعي عدد ،2013/1/5/85
قرارات محكمة النقض ،الغرفة االجتماعية ع ،19م س ،ص .18
- 450قرار المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء ،عدد ،4159بتاريخ ،2015/4/15ملف رقم ،2014/296
غير منشور.
-قرار محكمة النقض ،عدد ،617بتاريخ ،2012/3/29ملف اجتماعي عدد ،2010/1/5/1285غير
منشور.
-قرار للمجلس األعلى ،عدد ،660بتاريخ ،2007/6/20في الملف االجتماعي عدد ،2006/5/1274
للمجلس القضائي التوثيق و النشر مركز اإللكتروني بالموقع منشور
األعلى ،www.cpdj.coursuprem.ma:م س.
172 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و المحكمة لما نفت عن هذا الفعل وصف الخطأ الجسيم بعلة أن عبارة السب لم تستهدف
أي شخص بذاته ،تكون قد عللت قرارها تعليال فاسدا".451
و جاء في قرار آخر للمجلس األعلى أنه ":حيث ثبت ما نعته الوسيلة ذلك أنه اعتبر
األجير قد ارتكبت خطأ يتمثل في السب و الشتم ضد رئيسها المباشر دون أن تبين المحكمة
في تعليلها نوع السب و مداه ليعلم هل يشكل قذفا أم ال كما لم تبين نوع التهديد مما يجعله
ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه و المؤدي للنقض.452"...
كما يعتبر خطأ جسيما يفضي إلى فصل االجير من الشغل ،إفساد األجير لكمية كبيرة
من األثواب أو إلحاقه الضرر بأشياء المقاولة ،453و قد يأخذ على الخطأ الجسيم سلوكا غير
أخالقي من جانب األجير كما في حالة التحرش الجنسي ،454و فتح مواقع إباحية بمكان
الشغل.455
و تت عد األخطاء التي قد يرتكبها األجير و التي ورد النص عليها بالمدونة ،إال أن الثابت
قضاء في سبيل حماية األجير من قرارات المشغل الجائرة ،أنه يتعين أن تحصل هذه
456
األخطاء داخل المقاولة ،أي تحت إشراف المشغل ،ثم أن يتم إثباتها من طرف المشغل.
- 451قرار محكمة النقض ،عدد ،657بتاريخ 4يوليوز ،2017في الملف االجتماعي عدد
،2016/1/5/1422نشرة قرارات محكمة النقض ،ع ،31م س ،ص .40
- 452قرار للمجلس األعلى ،عدد ،564بتاريخ ،2000/07/12ملف اجتماعي عدد ،1999/1/5/134
غير منشور.
- 453قرار للمجلس األعلى ،عدد ،1220بتاريخ ،1996/10/15في الملف االجتماعي عدد
،94/1/5/8671المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،عدد ،52ص .159
- 454قرار محكمة النقض ،عدد ،672بتاريخ 9ماي ،2013ملف اجتماعي عدد ،2012/1/5/1494
مجلة قضاء محكمة النقض ،ع .267 ،2013 ،76
-قرار المجلس األعلى ،عدد ،758بتاريخ 2يونيو ،211ملف اجتماعي عدد ،2010/1/5/96مجلة
محكمة النقض ،ع ،2012 ،75ص .314
- 455قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء ،رقم ،2717بتاريخ ،213/6/13ملف رقم 12/889غير
منشور.
- 456قرار محكمة النقض ،عدد ،725بتاريخ ،2012/4/19في الملف االجتماعي عدد
.2010/1/5/1365منشور بالموقع اإللكتروني مركز النشر و التوثيق القضائي للمجلس
األعلى ،www.cpdj.coursuprem.ma:م س.
173 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فكل تقصير أو سلوك شاذ من جانب األجير إال و انتعشت معه سلطة المشغل التأديبية،
كما أن األخطاء الواردة في المادة 39من م ش ليست من النظام العام ،بحيث ال يسوغ
القضاء بها تلقائيا من طرف المحكمة ما لم يقع التمسك بها و إثباتها من طرف المشغل ،كما
أن المشغل غير مجبر بفصل األجير في حالة توفرها ،بل ال شيء يمنعه من اتخاذ عقوبة
الفصل و العدول عنها او تغييرها بالعقوبات التأديبية المضمنة بالمادة 38من مدونة
الشغل ،457شريطة تبرير هذا التغيير إذا وجد مقتضى خاص يفرض عليه ذلك ،أما األخطاء
األخرى و الغير الواردة في مدونة الشغل ،فتخضع للسلطة التقديرية للمحكمة حسب درجة
خطورتها.
عرف القضاء االجتماعي الفصل بأنه ":كل سلوك يصدر عن رب العمل أو ممن له
سلطة اتخاذ القرار بمقتضى النظام الداخلي للمؤسسة أو عن األجراء الذي استندت إليه
نيابة عن مشغلهم شروط التشغيل و كذا االجراء الذين وضعوا تحت إشرافهم(المادة
السابعة من مدونة الشغل) متى كان هذا السلوك من شأنه حرمان األجير من مزاولة المهام
التي أوكلت إليه بمقتضى العقد أو القانون أو االتفاقيات الجماعية أو العرف أو النظام
الداخلي للمؤسسة".458
و كلما قرر المشغل أن يفصل األجير تعين عليه أن يبرر ذلك و إال عد الفصل
تعسفيا ،459و على كل فالقاضي ملزم بالبحث عن السبب الحقيقي للفصل مع اإللمام
بالظروف المؤدية إلى هذا الفصل ،لينتقل بعد ذلك إلى التأكد من جدية هذا السبب و
خطورته ،ألن وجود السبب ال يستوجب بالضرورة وجود صفة الجدية في المبرر.460
- 457قرار للمجلس األعلى ،عدد ،58بتاريخ 16يناير ،208ملف اجتماعي عدد ،2017/1/5/1058
نشرة قرارات المجلس األعلى ،السلسلة ،1الجزء األول ،م س ،ص .182
- 458قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء ،عدد ،782بتاريخ ،2014/3/3ملف عدد ،13/3445غير
منشور.
- 459موسى عبود":دروس في القانون االجتماعي" ،م س ،ص.54
- 460محمد سعيد بناني":المراقبة القضائية للخطأ الفادح" ،م س ،ص .29
174 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و ندرج فيما يلي ،بعضا من األخطاء التي هي من وضع القضاء لم يأت المشرع على
ذكرها في المادة 39من م ش ،و ذلك وفق الشكل التالي:
تعتبر مسألة اعتقال األجير لجنحة صدر بشأنها حكم نهائي و سالب للحرية من األسباب
المشروعة للفصل (المادة 39من م ش) ،لذلك ينبغي التمييز بينها و بين اعتقال األجير الذي
لم يصدر في حقه بعد حكم نهائي و سالب للحرية ،ذلك أن القضاء يجعل من غياب األجير
لمدة تجاوز المدة القانونية بسبب االعتقال سببا يبرر فصله ،و يشكل خطأ جسيما حتى و لو
حكمت المحكمة ببراءته.461
صحيح أن هذا الخطأ لم تشر إليه المادة 39من مدونة الشغل صراحة ،و مع ذلك اعتبر
المجلس األعلى ان هذا الخطأ يشكل خيانة للزبناء الذين هم عنصر أساسي من عناصر
462
المطعم الذي هو محل الشغل ،و لذلك يحق للمحكمة أن تعتبره خطأ جسيما.
جاء في قرار للمجلس األعلى ما يلي":لكن حيث إن محكمة الموضوع ثبت لها من
شهادة الشهود المستمع إليهم و من الوقائع الثابتة أن الطاعن ققد تجاوز االختصاص
المسموح له في إعطاء القروض...كما أنه سلم قروضا للزبناء دون الحصول على ضمانات
كافية ،كما أنه قام بتغيير البيانات الموجودة بعقد رهن...مما ترتب عنه أن الطاعن ارتكب
خطأ جسيما استوجب فصله عن العمل دون أن يستحق معه أي تعويض.463"...
- 461قرار محكمة النقض ،عدد ،243بتاريخ 14فبراير ،2013ملف اجتماعي عدد ،2012/1/5/578
نشرة قرارات محكمة النقض ،السلسلة ،3الجزء ،13م س ،ص .53
- 462قرار للمجلس األعلى ،عدد ،213بتاريخ ،1997/2/25ملف اجتماعي عدد ،1995/1/4/1091
المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،52م س ،ص .166
- 463قرار للمجلس األعلى ،عدد ،306بتاريخ ،2003/4/1ملف اجتماعي عدد ،2002/1/5/776
المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،2004 ،61ص .187
175 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فيالحظ على هذا القرار أنه يتضمن عدة أخطاء ارتكبها األجير (البنكي) و بالرغم من
ذلك ،فالم جلس األعلى ذهب في قرار له أنه يكفي المحكمة أن تعتمد خطأ واحدا و هي غير
464
ملزمة بمناقشة كل األخطاء.
إذا كان هذا الشرط يهدف إلى حماية مصلحة المشغل ،فهو يشكل أيضا قيدا خطيرا
على حرية األجير ،و ربما يحول بينه و بين رزقه ،و يجعله مجبرا على البقاء في خدمة
المشغل ،لذا وجب تحقيق التوازن بين مصالح طرفي العقد ،عن طريق وضع شروط لصحة
االلتزام االتفاقي بعدم المنافسة.
و فعال وضع القضاء شروطا للمنافسة غير المشروعة ،حيث قضى المجلس
األعلى ":إن السبب الذي يشكل منافسة للمشغل تبرر طرد األجير من العمل ،و هو قيامه
بأعمال تمس فعليا بنشاط المشغل في سوق العمل ،كأن يسخر األجير خبرته أو خدماته إلى
جهة أخرى بشكل يؤثر على مردوديته في العمل لدى مشغله أو يقوم بإفشاء أسرار
المؤسسة التي يعمل بها" ،465كما يجب وفق الفصل 109من ق ل ع أن يتضمن شرط عدم
المنافسة تحديده من حيث الزمان و المكان و إال عد الشرط باطال و غير مرتب ألي أثر ،و
،
يترتب عن اإلخالل بهذه الشروط التزام األجير بالتعويض لفائدة المشغل
أيضا ،و حتى نكون أمام منافسة غير مشروعة يجب أن يمارس األجير نفس النشاط
الذي يباشره المشغل ،أما لو كان النشاط مخالفا لنشاط المشغل فال مجال للقول بوجود
منافسة غير مشروعة ،و هكذا قضت محكمة النقض ،أن" ...المنافسة غير المشروعة ال
- 464قرار للمجلس األعلى ،عدد ،414بتاريخ ،2006/5/10ملف اجتماعي عدد ،2005/1/5/1159
المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،2007 ،66ص .220
- 465قرار للمجلس األعلى ،عدد ،180بتاريخ 23فبراير ،2005في الملف االجتماعي عدد
،2004/1/5/772منشور بالموقع اإللكتروني مركز النشر و التوثيق القضائي للمجلس
األعلى ،www.cpdj.coursuprem.ma:م س.
176 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تعتبر قائمة طالما أن الجمعية الرياضية التي أسسها األجير وفق ظهير 15نونبر 1958
تختلف في نشاطها و أهدافها عن نشاط المشغلة الذي هو التعليم".466
إال أن الالئحة التشريعية لألخطاء الجسيمة تضمنت اعتبرت بمثابة خطأ جسيم يمكن
أن يؤدي إلى فصل األجير دون استحقاقه ألي تعويض ،في حين تظل الصياغة التي وردت
اإلشارة إليها جد عامة و فضفاضة ،و يتعلق األمر بارتكاب خطأ نشأت عنه خسارة مادية
للمشغل.
فواضح أن هذه الصياغة من شأنها من جهة أن تستوعب جميع األخطاء الواردة في
الالئحة و من جهة ثانية أفعاال أخرى خارج الالئحة قد يثيرها المشغل ،و هو األمر الذي
سيفتح المجال واسعا أمام القضاء إلعمال سلطته التقديرية في مسألة خطيرة تهم استقرار
الشغل .فهل عوضت مدونة الشغل ما ضاع من المشغل عند تحديد و حصر الئحة األخطاء
الجسيمة ،و ذلك من خالل تخويله إمكانية إثارة أي فعل منسوب لألجير باعتباره خطأ
جسيما لمجرد ترتيبه لخسارة مادية جسيمة؟
و في األخير البد لإلشارة من أن الرقابة الثالثية على جسامة الخطأ ،و التي تبتدأ
بسلطة المشغل التأديبية و رقابته على أفعال األجير مرورا برقابة قضاء الموضوع بتقييمه
للخطأ ،و انتهاء برقابة محكمة النقض على تعليل هذه األخيرة فيما خلصت إليه بشأن ذلك،
لمن شأنه أن يحقق استقرارا في األوضاع االجتماعية ،ما دام أن توجهات التي تقررها
محكمة النقض من خالل إرساء القواعد القانونية تكون واجبة االحترام و اإلتباع ،467و تكون
دائما ليست لصالح األجير فقط باعتباره طرفا ضعيفا أو ضد المشغل دوما باعتباره طرفا
قويا ،بل تسعى في الغالب لتكون في صلح المقاولة المغربية ،لكن ماذا لو تعلق األمر
بالمغادرة التلقائية للشغل أو االستقالة؟
- 466قرار محكمة النقض ،ملف عدد ،2012/2/371مجلة القضاء و القانون ،ع ،2013 ،163ص
.239
- 467عبد الحكيم صباح":رقابة المجلس األعلى على مسطرة الفصل التأديبي و مدى إلزاميتها" ،م س،
ص .447
177 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
ال شك أن عقد الشغل يشكل رابطة قانونية بين طرفي العالقة الشغلية األجير و
المشغل ،هذه الرابطة يستفيد بمقتضاها كل طرف على حدة على من مجموعة من الحقوق،
كما يلتزم بتنفيذ جملة من االلتزامات ،غير أنه ال يمكن أن تكون رابطته أبدية ،بحيث يمكن
إنهاء عقد الشغل من طرف األجير بصفة فردية عن طريق مغادرته التلقائية للشغل أو عن
طريق االستقالة ،هذه األخيرة تمثل وسيلة إلنهاء عقد الشغل غير محدد المدة.
و لعل من أهم المستجدات التي عرفتها مدونة الشغل هي تلك المرتبطة بإنهاء العالقة
الشغلية بين طرفيها ،468و ذلك في اتجاه تحقيق نوع من التوازن بين مصلحة المقاولة و
األجير ،مما سيؤدي إلى الدفع بعجلة التنمية االقتصادية و تحقيق العدالة االجتماعية.
فالمغادرة التلقائية و االستقالة من أهم ما ابتدعه القضاء ،إلى أن جاءت مدونة الشغل و
قننتهما ،فأقرت المادة 63على أنه ":يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر
مقبول للفصل ،كما يقع عليه عبء اإلثبات عندما يدعي مغادرة األجير لشغله" ،كما نصت
على األحكام المتعلقة باالستقالة في الفقرة الثانية من المادة 34التي جاء في ":يمكن إنهاء
عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة األجير عن طريق االستقالة المصادق على صحة
إمضائها من طرف الجهة المختصة؛ وال يلزمه في ذلك إال احترام األحكام الواردة في الفرع
الثالث أدناه بشأن أجل اإلخطار".
لكن ما يعاب على المشرع أنه لم يقدم أي تعريف للمغادرة ،و هو ما ترك المجال للفقه
للتدخل من أجل التمييز بينها و بين ما يمكن أن يلتبس بها من وقائع قانونية أخرى ،في غياب
بكونها":لجوء األجير إما مباشرة بعد 469
نص قانوني يعطي مفهوما لها ،فعرفها أحد الفقه
التحاقه بمقر شغله أو بعد البدء في إنجازه ،و قبل حلول الوقت المحدد النتهاء الشغل،
468األستاذان محمد الشرقاني و محمد القري اليوسفي":الفصل التأديبي لألجير وفق مدونة الشغل" ،م
س ،ص .34
- 469المرجع نفسه.
178 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
بمغادرة مقر الشغل دون سبب مشروع أو إذن مشغله ،و دون أن يرتكب هذا األخير أي خطأ
جسيم في حق األجير".
ولإلجابة سنقف في الفقرة األولى للحديث عن المغادرة التلقائية ،فيما سنخصص الفقرة
الثانية لإلستقالة.
إذا كان المغادرة قد حذفت من الئحة األخطاء الجسيمة ،فيجدر التنبيه إلى أنها لم تحذف
في منطق واضع المدونة ،حيث اندست عرضا في مادة أخرى ،حين نصت الفقرة الثانية من
المادة ": 63يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل ،كما يقع عليه
عبء اإلثبات عندما يدعي مغادرة األجير لشغله" و كأن المغادرة مبرر مقبول للفصل يقع
فقط على عاتق المشغل عبء إثباتها.470
يقصد بالمغادرة التلقائية القرار المنفرد الذي يصدر عن األجير و المتمثل في مغادرته
للمؤسسة التي يعمل بها بصفة نهائية .فقد تكون من ورائها عدة متعلقة باألجير ،كتحسين
الوضعية االجتماعية أو لدواع صحية التي تلزمه بأن يتغيب دون إخطار المشغل ،كما قد
يغادر األجير عمله ألسباب شخصية محضة.471
و إذا كان لكل متعاقد الحق في إنهاء عقد الشغل بإرادة منفردة ،فيجب أال يتعسف في
استعمال حقه في اإلنهاء ،و التعسف في اإلنهاء هو أن يتجاوز المتعاقد المنهي حدود حسن
النية و الغرض الذي من أجل منح حق إنهاء العقد بإرادته المنفردة ،و كمثال على ذلك فقد
- 470محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص .170
- 471ميمون الوكيلي":المقاولة بين حرية التدبير و مبدأ استقرار الشغل" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في
الحقوق ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة الحسن الثاني عين الشق-الدار البيضاء،
السنة الجامعية ،2007/2006ص .427
179 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
يعمد األجير إلى مفاجأة المشغل و دون إشعار مشغله ،فنكون أمام واقعة مغادرة األجير
التلقائية لشغله ،فيطرح التساؤل حول حاالتها و كييف يتم إثباتها؟ إذا ما استحضرنا أن
المشغل كثيرا ما يدعي بأنه لم يقم بفصل األجير و أن هذا األخير غادر مكان العمل بصفة
تلقائية ،فما هو التكييف الذي يمكن أن يعطى لمغادرة مكان العمل؟ و كيف عمل القضاء
االجتماعي على تحقيق حماية لألجير باعتباره طرف ضعيف في العالقة الشغلية بمناسبة
مغادرته لشغله؟
تعتبر المغادرة التلقائية مبررة و ذلك إذا ما توفرت شروط و ظروف معينة تبررها ،إال
أن المغادرة التلقائية لألجير ال تكون دائما مبررة فقد يقع أن يغادر األجير دون وجود أدنى
مبرر فنكون بذلك أمام مغادرة تلقائية غير مبررة.
و في هذا اإلطار نجد أن مدونة الشغل لم تقتصر على ذكر األخطاء الجسيمة لألجير
فقط ،بل أض افت بعض األخطاء التي تعتبر أيضا جسيمة إذا ارتكبت من طرف المشغل ضد
األجير ،و اعتبرت أن مغادرة األجير لشغله بسبب ارتكاب المشغل ألحد األفعال المنصوص
عليها في المادة 40من مدونة الشغل ،بمثابة فصل تعسفي ،472فالخطأ الجسيم المرتكب من
طرف المشغل يضمن لألجير مغادرته التلقائية لشغله و يبررها ،و يعتبر اإلنهاء في هذه
الحاالت بمثابة فصل تعسفي ،473شرط أن يثبت األجير ذلك الخطأ الجسيم المنسوب إلى
المشغل و الذي برر مغادرته لعمله.474
و بالرجوع إلى المادة 40من مدونة الشغل ،نالحظ استعمال المشرع العبارة
التالية":يعد من بين األخطاء الجسيمة"و هو ما يؤكد أن هذه األخطاء واردة على سبيل
- 472بشرى العلوي":مسطرة فصل األجير في إطار مدونة الشغل و كيفية احتساب التعويض عن
الضرر(الفصل التعسفي)" ،مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون األعمال و المقاوالت ،ع ،7يناير
،2005ص .40
- 473محمد أوزيان":المراقبة القضائية للخطأ الجسيم" ،مقال منشور بمجلة الملف ،ع ،8أبريل ،2006
ص .59
- 474محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين أحكام تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص
.170
180 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المثال ال الحصر ،و هو األمر الذي يفتح المجال كذلك للسلطة التقديرية للقاضي للقول بمدى
اعتبار فعل معين صادر عن المشغل ضد األجير بمثابة خطأ جسيم يبرر مغادرة األجير
لشغله أم ال ،و من بين هذه الحاالت نذكر:
في هذا اإلطار ذهب المجلس األعلى في قرار له ":لئن كان نظام العمل داخل المقاولة
يفرض على العاملين وضع قبعة واقية على الرأس ،فإن تقيد األجيرة بما يفرض عليها مع
ارتدائها أيضا سترة للرأس التزمت بها كطريقة خاصة في لباسها ،ال يشكل إخالل بذلك
النظام ،و من تم فإن مطالبتها من طرف المشغل بإزالة الحجاب الموضوع على رأسها يعد
مساسا بحريتها الشخصية ،مادام لم يثبت أن لباسها على الوجه المذكور يحول دون قيامها
بعملها على الوجه المطلوب أو أنه يعرقله بأي شكل من األشكال ،و أمام تمسك األجيرة
بممارسة حريتها في لباسها ،فإن مغادرتها لعملها إن تمت من قبلها أمام إصرار المشغل
على موقفه تعتبر طردا مقنعا من عملها".475
في هذا اإلطار ذهبت محكمة النقض و قبلها المجلس األعلى 476في قرار 477لها أن منع
األجير من االلتحاق بعمله مل لم يخلع القبعة هو إنهاء للعقد الرابط بينهما بإرادة منفردة
للمشغل ،طالما أن خلع هذه القبعة فيه إضرار بصحته ،و مغادرته مبررة و أنها طرد مقنع،
و جاء في تعليله... ":ذلك أن الثابت لقضاة الموضوع أن الطالب تمسك بكونه التحق بعمله
بعد توقيفه و بعد توصله باإلنذار بالرجوع إلى عمله ،إال أن المطلوبة فرضت عليه خلع
القبعة من رأسه بعلة أن القانون الداخلي يمنع عليه ذلك ،غير أنه و نظرا لكون ذلك يلحق
- 475قرار للمجلس األعلى ،عدد ،1016بتاريخ ،2010/12/09في الملف االجتماعي عدد
.2009/1/5/600نشرة قرارات المجلس األعلى المتخصصة ،الغرفة االجتماعية ،السلسلة ،2الجزء
السابع ،مطبعة األمنية الرباط ،ماي ،2011ص .35-34
- 476قرار للمجلس األعلى ،عدد ،165بتاريخ ،2010/2/18في الملف االجتماعي عدد
.2009/1/5/454
- 477قرار محكمة النقض ،عدد ،2374بتاريخ ،2012/12/6في الملف االجتماعي عدد ،2012/5/567
غير منشور.
181 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
ضررا بصحته فقد امتنع عن ذلك ،و أدلى بشهادة طبية...تؤكد أن حالته الصحية ال تسمح
له ببقاء رأسه عاريا ،مما يجعل موقفها المتمثل في منعه من وضع القبعة مسا بصحته ،إال
أن القرار المطعون فيه اعتبر مع ذلك مغادرة الطالب لعمله التلقائية ثابتة في حقه استنادا
لشهادة الشهود المستمع إليهم...مع أن هذه المغادرة ترجع إلى رفض المشغلة لقيام الطالب
بعمله مستعمال للقبعة أثناء العمل ،و من تم فإصرار المطلوبة على خلع القبعة للطالب
يشكل إنهاء للعقد الرابط بينهما من طرفها و طردا مقنعا يرتب مسؤوليتها."...
478
:3تغير نوعية العمل أو المكان المتفق عليه باإلرادة المنفردة للمشغل
نظرا لما تستلزمه الظروف االقتصادية و التغييرات الهيكلية من تغير نظام العمل
بالمقاولة ،و إجراء ما تقتضيه مصلحة المؤسسة من تغييرات و تعديالت في ظروف العمل،
فإن المشغل يجوز له إحداث وظائف جديدة و إلغاء مناصب موجودة ،و هو ما قد يترتب
للمجلس األعلى جاء 479
عليه تغيير نوع العمل المسند لألجير و في هذا الصدد نجد قرار
فيه":لئن كان حقا أن المشغل هو من يحدد شروط عقد شغل حسب ظروف العمل و حاجياته
و أن األجير ملزم باالمتثال ألوامره بهذا الخصوص إال أن ذلك ال يعني أنه من حق المشغل
تغيير نوعية عمل األجير ضدا على إرادته و مخالفة ما سبق لهما أن اتفقا عليه في عقد
الشغل ،و إخالل المشغل ببنود عقد الشغل بتغيير نوعية العمل الموكول إلى األجير يرتب
مسؤولية عن إنهائه بصورة تعسفية و ال يعتبر األجير الذي توقف عن تقديم خدماته بسبب
ذلك اإلخالل مغادرا لعمله بصفة تلقائية".480
كما أ نه في حالة تغيير مكان العمل بإرادة منفردة للمشغل و دون موافقة األجير اعتبر
القضاء االجتماعي أن ذلك فصال مقنعا و هو ما يتضح من قرار لمحكمة النقض جاء فيه":
و حيث إن نقل األجيرة من مقر عملها األصلي الذي هو مقهى و مطعم مراكش إلى مقهى و
- 478راجع في هذا اإلطار ما سبق أن تطرقنا له بخصوص تعديل عقد الشغل بإرادة منفردة للمشغل(الفقرة
الثانية من المطلب األول من هذا المبحث).
- 479قرار للمجلس األعلى ،عدد ،1016بتاريخ 9دجنبر ،2010المجموعة الكاملة لقضاء المجلس
األعلى ،م س ،ص .213
- 480قرار للمجلس األعلى ،عدد ،429بتاريخ 15أبريل ،2009في الملف االجتماعي عدد
،08/1/5/213المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،2011 ،ص .98
182 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
حلويات األدارسة الذي يعتبر فرعا للمشغلة األصلية ،يستوجب أساسا موافقة األجيرة
باعتباره تعديال لركن من أركان عقد العمل أال و هو المحل ،و هو األمر المنتفي في النازلة،
و بالتالي فإن المسؤولية عن إنهاء عقد الشغل يقع على عاتق المشغلة ألن اإلنهاء كان
بسبب تعسفها في التغيير الجوهري لعقد العمل و الذي ألحق ضررا باألجيرة و امتناع هذه
األخيرة من االلتحاق بالعمل الجديد ال يعتبر مغادرة تلقائية بل طردا مقنعا".481
و في المقابل هناك حاالت إذا ما غادر فيها األجير شغله اعتبرت مغادرته غير مبررة،
و هذه الحاالت المنصوص عليها في المادة 39من مدونة الشغل و المتمثلة في األخطاء
الجسيمة المرتكبة من طرف األجير ،482كإفشاء سر مهني نتج عنه ضرر للمقاولة ،و خيانة
األمانة.483
ال شك أن اإلثبات أو البينة هي الوسيلة العملية التي يعتمد عليها األفراد في صيانة
حقوقهم ،كما أنها األداة الضرورية التي يعول عليها القاضي في التحقيق من الوقائع
القانونية ،484هكذا ،فمسألة تحديد الطرف الذي يكون عليه إثبات المغادرة التلقائية ،أثار نقاشا
قانونيا حادا حول الخروج عن القاعدة المدنية في اإلثبات بأن البينة على المدعي ،بحيث يتم
- 481قرار محكمة النقض ،عدد ،416بتاريخ ،2016/3/8ملف اجتماعي عدد ،2015/1/5/241غير
منشور.
- 482سنتطرق لذلك بنوع من التفصيل في الفقرة األولى من المطلب الثاني من المبحث الموالي.
483و هو ما تطرق له قرار للمجلس -و جاء في تعليله ":أن المحكمة لما ثبت لديها من خالل الوصل
المؤرخ في 2005/02/27الصادر عن األجيرة و الموقع من طرفها الذي يتضمن وجبة الفطور و
مشروبات غير مفصلة بثمنها أن هناك مبلغ إجمالي و أنه بعد مقارنته بالئحة األسعار و أثمنة
المشروبات الواردة بالوصل تبين أن الثمن اإلجمالي يفوق الثمن المكرس بالئحة األسعار ،مما يتعين
لها أن األجيرة تختلس المبالغ من الزبناء باتفاق مع النادل الذي غادر العمل بعد اكتشافه القضية و
احتجاج الزبناء على الزيادة في الثمن ،كان ما قضت به المحكمة من اعتبار االجيرة قد ارتكبت خطأ
جسيما (بمثابة في السرقة و خيانة األمانة) مرتكز على أساس و الوسائل مجتمعة ال سند لها ،"..قرار
عدد ،2005/425بتاريخ ،27/02/2002في الملف االجتماعي عدد ،08/1/5/213المجموعة الكاملة
لقضاء المجلس األعلى ،2006 ،ص.175
- 484إدريس العلوي العبدالوي ":وسائل اإلثبات في التشريع المدني المغربي".الطبعة األولى ،دون ذكر
المطبعة ،سنة ،1977ص .4
183 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
نقل عبء اإلثبات من األجير إلى المشغل ،و هذا يدفعنا إلى التساؤل إلى أي حد أخذت
االجتهادات بالقواعد العامة المتعلقة باإلثبات؟
إال أن مدونة الشغل قد تداركت النقص الحاصل حول الجهة الملقى عليها عبء إثبات
المغادرة ،هل على عاتق المشغل أم األجير؟ فأقرت بموجب مقتضيات المادة 63أنه يقع على
عاتق المشغل عبء إثبات مغادرة األجير لشغله.
هكذا يكون المشرع قد وفر على كافة األطراف المتدخلة في عالقات الشغل جهة البحث
عن الملزم باإلثبات و حسم النزاع ،إذ أوجب على المشغل إثبات مغادرة األجير لعمله،485
هذا األخير الذي تحلل من عبء اإلثبات و لم يبق ملزما به إال في حالة نادرة و هي عندما
يدعي بأنه رجع إلى عمله بعد اإلنذار ،إال أنه منع من العودة من طرف مشغله ،إذ عليه في
486
هذه الحالة إثبات ذلك كما عليه إثبات أنه لم يزود مشغله بعنوان مسكنه الجديد.
ال شك أنه من بين القضايا الكثيرة المطروحة أمام أنظار القضاء االجتماعي و ذلك في
مادة نزاعات الشغل الفردية هي كالتالي :األجير يدعي أنه تعرض لفصل تعسفي من طرف
مشغله و يطا لب بالتعويضات المستحقة عن هذا الفصل ،أما المشغل فينفي ذلك و يدفع بكون
المدعي هو من غادر شغله من تلقاء نفسه ،487فعندما تطرح القضية بهذه الصورة ،فإن أهم
اإلشكاالت التي تواجهها المحكمة هنا هي :على عاتق أي من الطرفين يقع عبء اإلثبات؟
- 485جاء في قرار لمحكمة النقض أنه ":حيث ثبت صحة ما عابه الطالب على القرار المطعون فيه ذلك
أن مشرع مدونة لشغل حمل المشغل عبء اإلثبات لما يدعي مغادرة األجير لعمله ( ،)63و يتم اإلثبات
المطلوب بكل وسائل اإلثبات القانونية المتاحة بما فيها رسالة إنذار يوجهها المشغل إلى األجير....أو
بواسطة شهادة الشهود...غير أنه في النازلة لم تتمكن الطالبة من اإلدالء بشهادة الشهود إلثبات ما
تدعيه من مغادرة المطلوبة لعملها تلقائيا ،"...قرار محكمة النقض ،عدد ،1274المؤرخ في
،2012/06/14ملف اجتماعي عدد ،2011/1/5/812غير منشور.
-حكم المحكمة االبتدائية بمكناس ،عدد ،582بتاريخ ،2019/5/16ملف رقم ،18-1501/446غير
منشور.
- 486مصطفى عزيز":إثبات مغادرة العمل" ،مداخلة بالندوة الجهوية التاسعة ،م س ،ص .543
- 487جاء في حكم البتدائية مكناس أنه..":و حيث إن المدعي فضال عن عدم إدالئه بما يثبت اشتغاله
بصفة مستمرة فإن الشاهدين أكدا مغادرة المدعي لعمله من تلقاء نفسه" ،حكم ابتدائية مكناس ،عدد
/1320بتاريخ ،2018/12/18ملف نزاعات الشغل عدد ،2018/1501/276غير منشور.
184 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
في هذا اإلطار نصت الفقرة الثانية من المادة 63من مدونة الشغل على ما يلي ":يقع
على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل ،كما يقع عليه عبء اإلثبات
عندما يدعي مغادرة األجير لشغله" ،و هو ما أكده 488قرار جاء في تعليله ":المشغل و إن
عرض على األجير الرجوع إلى العمل و أبدى رغبته في استمرار العالقة الشغلية بحسب ما
هو مضمن بمحضر محاولة الصلح المنجز من طرف مفتش الشغل ،فإن ذلك ال يعد اتفاقا
بين الطرفين على استمرارية عقد الشغل ،و ال يعفى المشغل من إثبات واقعة مغادرة األجير
لعمله ،إذ يتحمل هو عبء إثبات ما ادعاه بهذا الخصوص و إال اعتبر منهيا لعقد الشغل
بصورة تعسفية.489".
و في قرار آخر لمحكمة النقض...":لكن ،حيث إنه من الثابت من وقائع النازلة أن
محور النزاع يدور حول مغادرة (المطلوب) عمله تلقائيا بعد أن ألحق خسائر بالثوب الذي
كان يقوم بصنعه و رفضه التعويض عن هذه الخسارة و إنذاره بالرجوع لعمله رجع
بمال حظة ،و أنه بغض النظر عن مناقشة التعويض عن الخسارة من طرف األجير بكاملها
أو بالتقسيط فإن المشغلة هي الملزمة قانونا بإثبات المغادرة التلقائية كما جاء في المادة
63من م ش ،و الملف خال مما يثبت ذلك ،خاصة و أن األجير لم يتوصل برسالة اإلنذار
بالرجوع لعمله ،و محكمة الموضوع عندما استعملت سلطتها في تقدير الوقائع المعروضة
عليها ...و الذي استبعدت فيه تصريحات الشاهد(أ ع) ..و هي وقائع استنتجت منها
المحكمة و عن صواب أن إنهاء عقد الشغل كان من جانب المشغلة و مشوبا
بالتعسف".490
- 488نشير في هذا اإلطار إلى أن المجلس األعلى تراجع موقفه المتمثل في جعل عبء اإلثبات على عاتق
األجير سواء طلب بالتعويض عن الفصل التعسفي أو اقتصر المشغل على الرد بأن األجير غادر العمل
من تلقاء نفسه ،و هذه الحالة األخيرة تسبب عبء ثقيال على األجير إذ كان ملزما بإثبات عدم مغادرته
العمل من تلقاء نفسه و ملزم بعد ذلك بإثبات أن فصله من العمل كان فعال تعسفيا ثم إثبات وقوع الضرر
فيما بعد ،فكان هذا العبء يقف حاجزا منيعا بين األجير و التعويض عن الفصل التعسفي ،و هي المسألة
التي حرمت العديد من األجراء من التعويض لصعوبة اإلثبات ،و كان اتجاه القضاء المغربي في غير
صالح األجير.
- 489قرار للمجلس األعلى ،عدد ،575بتاريخ 13ماي ،2009أورده محمد سعيد بناني":قانون المشغل
بالمغرب" ،الجزء الثاني ،م س ،ص .662
- 490قرار محكمة النقض ،عدد ،936بتاريخ ،2012/05/17ملف اجتماعي عدد ،2012/2/5/236غير
منشور.
185 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
كما جاء في قرار آخر له أنه":إن المشغلة التي تدعي توجيه إنذار إلى أجيرها
بالرجوع إلى العمل عن طريق البريد المضمون يقع عليها عبء إثبات توصله به فعليا
لنفي ما يزعمه األجير من توصله بغالف البريد فارغا ومن أي إنذار".491
و جاء في قرار آخر يسير في نفس المنحى أنه ":يقع على المشغل إثبات المغادرة
التلقائية تحت طائلة اعتبار اإلنهاء من جانبه غير مبرر و موجب للتعويض".492
فباستقراء موقف محكمة النقض من هذه القرارات المتمثلة في عبء إثبات مغادرة
العمل ،نالحظ أن هذه األخيرة سارت من خالل عدة قرارات في جعل عبء اإلثبات على
عاتق األجير سواء طالب بالتعويض عن الفصل التعسفي أو اقتصر المشغل على الرد بأن
األجير غادر العمل من تلقاء نفسه ،و هذه الحالة األخيرة تسبب عبء ثقيال على األجير إذا
كان ملزما بإثبات عدم مغادرته العمل من تلقاء نفسه و ملزم بعد ذلك بإثبات أن فصله من
العمل كان فعال تعسفيا ،ثم إثبات وقوع الضرر فيما بعد.
و ينقلب عبء اإل ثبات على األجير في الحالة التي يثبت فيها المشغل أن األجير غادر
العمل من تلقاء نفسه و دفع األجير أن رجع إلى العمل و منع من الدخول من طرف المشغل،
و هذا ما أكده المجلس األعلى في قرار له جاء فيه...":لكن حيث إن المحكمة لم تثبت لديهما
من خالل جلسة البحث و االستماع إلى الشاهد المكلف بالعمال داخل المؤسسة و في إطار
المهام المنوطة به ،أن األخيرة استفادت من عطلتها السنوية و لم ترجع للعمل و هي
المكلفة بإثبات رجوعها و التحاقها بالعمل بعد انتهاء الرخصة ،و المحكمة لما أعطت
تكييف للنازلة على أساس مغادرة تلقائية يكون قرارها مرتكز على أساس".493
و في نفس التوجه الذي سارت عليه محاكم الموضوع كما يتضح من قرار استئنافية
مكناس إلى الذي جاء فيه":بالرجوع إلى مستندات القضية و وثائق الملف بين أن الشركة
- 491قرار للمجلس األعلى ،عدد ،1140بتاريخ 21أكتوبر ،2009ملف اجتماعي عدد
،2008/1/5/1355منشور بالمجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،2010 ،7ص .284
- 492قرار للمجلس األعلى ،عدد ،636بتاريخ ،2009/06/03في الملف االجتماعي عدد
،2008/5/1/541غير منشور.
- 493قرار للمجلس األعلى ،عدد ،305بتاريخ ،2005/3/23ملف اجتماعي عدد ،06/1190غير منشور
أوردته :بشرى العلوي":اإلثبات في مدونة الشغل" ،م س ،ص .198
186 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المستأنفة قد قامت بتوقيف األجير عن العمل ،مما جعل هذا األخير يلجأ إلى مفتش الشغل
الذي قام بتاريخ ،2005/05/12بمحاولة الصلح بين الطرفين انتهت بالفشل بعدما رفض
األجير االلتحاق بعمله رغم المجهودات التي بذلها مفتش الشغل.
و حيث إنه خالفا لما يزعمه المستأنف عليه فإن واقعة رجوعه إلى العمل و منعه من
الدخول إلى العمل إلى مكتبه و إغالق جهاز حاسوبه و تسليم وثائقه إلى موظف آخر ظلت
مجردة من أي وسيلة أو حجة تثبتها مما يبقى معه األجير هو من غادر العمل من تلقاء
نفسه".494
لقد أكد اجتهاد القضاء االجتماعي في العديد من القرارات أن المغادرة التلقائية هي
واقعة مادية يمكن إثباتها بك ل الوسائل ، ،و هو ما يؤكد جانب المدونة التي نهجها القضاء
المغربي لتكريس الطابع الحمائي لقانون الشغل.
تعتبر رسالة الرجوع إلى العمل من أهم وسائل اإلثبات الكتابية التي أفرزها الواقع
العملي و كرسها االجته اد القضائي ،لكن هذا األخير ذهب كذلك إلى اعتبارها غير ملزمة
للمشغل و إنما مجرد وسيلة إلثبات المغادرة التلقائية.
- 494قرار محكمة االستئناف بمكناس ،عدد ،2972بتاريخ ،2007/4/17ملف عدد ،5/2006غير
منشور.
- 495قرار للمجلس األعلى ،عدد ،414بتاريخ ،2009/4/5ملف اجتماعي عدد ،774/5/1/2008غير
منشور.
187 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و في هذا السياق نجد قرار للمجلس األعلى جاء فيه":بقاء اإلنذار الموجه من طرف
المشغل إلى األجير بالرجوع إلى العمل بدون جدوى يثبت المغادرة التلقائية لألجير لعمله،
وبالتالي قد أتى من طرفه".496
و في قرار آخر اعتبر واقعة المغادرة التلقائية ثابتة ،بإقرار األجير بتوصله باإلنذار
بالرجوع إلى العمل و عدم إثبات رجوعه ،رغم تمسكه بكون مقر العمل كان مغلقا أثناء
رجوعه إلى عمله ،و جاء في تعليله...":لكن حيث إن إقرار الطالب بجلسة البحث المنعقدة
بتاريخ 2009/09/20من قبل محكمة الدرجة األولى بكونه" استجاب لرسالة إنذارية
بالرجوع إلى العمل إال أن الباب أغلق في وجهه للمعمل ،و أنه لست له أية إثباتات،"...
فإن ما أثير باالستئناف المقابل للطالب من أن اإلنذار الذي توصل به ال يتعلق بالرجوع إلى
عمله و أن اإلنذار الذي توصل به بالبريد المضمون يتعلق موضوعه بتعذر االستماع إليه و
ليست فيه أية دعوة للرجوع يكذبه إقرار المذكور الذي حدد من خالله موضوع اإلنذار الذي
توصل به ،بل إنه أكد في نفس تصريحه أنه ال يتوفر على حجة إلثبات رجوعه إلى عمله،
و في ظل خلو الملف مما يثبت ذلك فإن واقعة المغادرة التلقائية المنسوبة له تبقى ثابتة في
حقه ،و هو ما انتهى إليه القرار المطعون و عن صواب ،497"...كما أن توصل األجير
بإنذار الرجوع للعمل و عدم استجابته لذلك بسبب إنقاص أجرته ال ينفي عنه واقعة المغادرة
التلقائية إذا ما بقي هذا اإلدعاء مجردا من اإلثبات.498
188 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
هكذا ،فرسالة الرجوع إلى العمل تعتبر من أهم وسائل إثبات المغادرة التلقائية ،فإذا
ثبت توصل األجير بها بصفة قانونية ،و لن يثبت أنه رجع إلى العمل و منع من مواصلته
تثبت المغادرة التلقائية في حقه ،499و ال يستحق أي تعويض ،500كما يجب أن يكون إنذارا
واضحا يهم الرجوع للعمل ،كما أكدت ذلك محكمة النقض في قرار لها جاء في قرار لمحكمة
النقض أنه ":حيث صح ما عابه الطاعن على القرار المطعون فيه ذلك أن اإلنذار المؤرخ
في 2014/5/28الذي احتج به المطلوب إلثبات مغادرة الطالب للعمل تلقائيا لم يكن إنذارا
من أجل الرجوع للعمل و إنما تضمن فقط تذكيرا من المشغل للطالب بكونه يخوض إضرابا
عن العمل أضر به و أنه في حالة استمراره في ذلك سيتخذ اإلجراء المناسب ،و هو بذلك
ليس إنذارا صريحا بالرجوع للعمل و خاصة أن المشغل اتبعه بقرار إقالة من العمل.501"...
- 499جاء في قرار لمحكمة النقض أنه ":حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار...بعثت المطلوبة
لألجيرة إنذارا تطالبها بالعودة إلى العمل فور بداية السنة الدراسية و إال ستعتبرها مغادرة لعملها تلقائيا
و الذي توصلت به بنفس تاريخ توجيهه الذي هو ...2014/9/1و حيث إن الطالبة –األجيرة -على إثر
اإلنذار المذكور التحقت بالمؤسسة بتاريخ 2014/09/12فتم منعها من طرف السيدة (ل ع) بصفتها
مديرة تربوية و التي أشعرتها حسن المدون بمحضر معاينة إثبات الحال "بكونها مفصولة عن العمل"
"سيري هللا يسهل عليك" مما تكون معه الطالبة قد أثبت التحاقها بالعمل بداية السنة الدراسية و تم
منعها من ذلك ،"...قرار محكمة النقض ،عدد ،1/688بتاريخ ،2017/7/18ملف اجتماعي عدد
،2016/1/5/1400غير منشور.
- 500الحسين أبلهاض ":اجتهادات المجلس األعلى في مادة التغيب" ،م س ،ص .372
- 501قرار محكمة النقض ،عدد ،1/369المؤرخ في ،2019/3/05ملف اجتماعي عدد
،2018/1/5/431غير منشور.
و هو نفس المعطى الذي سبق أن أكده في العديد من القرارات نذكر منها:
-قرار محكمة النقض ،عدد ،1/1215بتاريخ ،2018/12/04ملف اجتماعي عدد ،217/1/5/2927
غير منشور.
-قرار محكمة النقض ،عدد ،1/369بتاريخ ،2019/3/05ملف اجتماعي رقم ،2018/1/5/431غير
منشور.
189 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تبين لها أن المفوض القضائي..عاين مجموعة من العمال يصل عددهم إلى أربعين عامال
من بينهم طالب اإلجراء متوجهين إلى الباب من أجل الدخول إلى الشركة إال الحارس وقف
بالباب و طلب منهم عدم الدخول ،و بالتالي فإن المحضر لم يشر إلى موقف المكلف الذي
ذكر المفوض القضائي بأنه وجده بمقر الشركة و ال التأكد من صفته كما إن المفوض
القضائي لم يعاين منع المستأنف فقط و الذي هو طالب اإلجراء من االلتحاق بعمله و إنما
عاين مجموعة من العمال يبلغ عددهم أربعين عامال يريدون الدخول إلى المعمل ،فطلب
منهم الحارس التوقف و الذي لم يثبت أنه تلقى تعليمات من طرف الجهة المخولة باتخاذ
قرار في هذا الشأن ،خاصة و أن الذي طلب منهم عدم الدخول هو مجرد حارس و أن ما
قام به يدخل في صميم مهامه مادام أن األمر يتعلق بمحاولة مجموعة من العمال بهذا العدد
كانوا متوقفين عن العمل بسبب اإلضراب و ليس المستأنف بعمله بمفرده.
إال أن التساؤل الذي يطرح هل دعوة المشغل لألجير من أجل العودة إلى العمل أثناء
جريان الدعوى ينهض دليال على المغادرة التلقائية؟
190 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
أنه تعرض للطرد و ادعاء الطاعن أنه غادر العمل من تلقاء نفسه و رفض الرجوع إلى
العمل رغم توصله برسالة الرجوع ،فإن المحكمة طبقت القانون و أجرت البحث لتحديد
ظروف إنهاء عالقة الشغل طبقا للفصل 752من ق ل ع ،و لم تقدم أية حجة و لم تحضر
جلست البحث ،و اكتفت بتأكيد رسالتها مع أنها صادرة عنها و الحقة لتاريخ انتهاء عالقة
الشغل و ال تفيد ظروف إنهائها في أي شيء ،و كذلك األمر بالنسبة للوثيقة الصادرة عن
مفتش الشغل التي لم تبين السبب في إنهاء العالقة ألن كل طرف تمسك أمام مفتش الشغل
بأن الطرف اآلخر هو الذي أنهاه ،و لذلك فإن عدم إثبات المغادرة التلقائية يجعل دعوة
األجير إلى االلتحاق بالعمل مجرد عرض جديد يحق له رفضه و ال يترتب على هذا الرفض
أي أثر مما يجعل الوسيلة على غير أساس" ،إال أن رفض القيام بالعمل اإلضافي ال يعد
مغادرة تلقائية للعمل بل هي مغادرة اضطرارية ،و ال ضير على األجير إن هو لم يستجب
لإلنذار بالرجوع و يكون في وضع المفصول من عمله.504
هكذا ،يتعين لألخذ باإلنذار بالرجوع إلى العمل كوسيلة إثبات أن يكون قد توصل به
األجير بصفة قانونية ،و أن يكون قد وجهه بعد مغادرة األجير لعمله ،و قبل تقديمه للمقال
االفتتاحي للدعوى ،و إال اعتبر عديم القيمة ،ذلك أن توجيه اإلنذار بعد رفع المقال من طرف
األجير يدخل في إطار ما يسمى إقامة حجة بمناسبة النزاع ،505و هو ما ذهبت إليه استئنافية
القنيطرة في قرار لها ":و حيث أنه مادامت المشغلة تتمسك بمغادرة األجير لعمله تلقائيا و
أن عبء اإلثبات يقع على عاتقها طبقا للمادة 63من مدونة الشغل ،فغن الثابت من وثائق
الملف أنها أدلت بمحضر تبليغ إنذار بالرجوع إلى العمل مؤرخ في ،2012/01/27أشعر
فيه هذا األخير بااللتحاق بعمله داخل أجل 48ساعة ،و تقديم اإلنذار المبرر للغياب ،توصل
ببه هذا األخير بصفة شخصية بنفس التاريخ بواسطة المفوض القضائي ،كما استمعت
محكمة الدرجة األولى لشاهدين قدمتهما المستأنف عليها فشهدا بأن المستأنف ترك عمله
تلقائيا.
- 504قرار محكمة النقض ،عدد ،257بتاريخ ،2013/02/14في الملف االجتماعي عدد
،2012/2/5/1143مجلة الحقوق ع ،2015 ،10ص .253
- 505محمد سعد جرندي":الطرد التعسفي لألجير بين التشريع و القضاء بالمغرب" ،م س ،ص .174
191 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و حيث أن المحكمة و في إطار سلطتها التقديرية في تقييم الحجج و تقدير قيمتها في
اإلثبات تبين لها أن المستأنف توصل باإلنذار بالرجوع إلى العمل بشكل قانوني و لم يكن
محل منازعة ،و بالتالي فإنه يتعين ترتيب األثر القانوني عليه و ذلك باالستجابة لمضمونه
من طرف المستأنف التي يقع عليه عبء إثبات االلتحاق بعمله أو أن مشغلته رفضت
إرجاعه إليه ،و أنه مادام لم تقدم أي دليل في هذا الشأن فإن مغادرته لعمله تلقائيا تكون
ثابتة ،كما أنه ال يمكن لهذا األخير الذي توصل باإلنذار نفي المغادرة التلقائية عن طريق
الدفع بأنه التجأ إلى القضاء للفصل في النزاع ألن تسجيل الدعوى أو عدم تسجيلها ال يؤثر
في شيء على نتيجة اإلنذار بالرجوع للعمل المتوصل به بشكل قانوني".506
و هناك إشكالية أخرى تطرح باستمرار أمام القضاء االجتماعي ،هي إشكالية رجوع
طي التبليغ المتعلق برسالة الرجوع إلى العمل بمالحظة غير مطلوب ،فقد جاء في قرار
للمجلس األعلى أن":اإلنذارات المحتج بها لم يتوصل بها األجير و أن عبارة غير مطلوب ال
تفيد التوصل فكان ما قضت به المحكمة من تعويض عن الطرد لعدم إثبات المغادرة
التلقائية من طرف المشغل مرتكزا على أساس".507
و هو ما سارت عليه محاكم الموضوع ،كما يتضح من حكم ابتدائية طنجة الذي جاء
فيه ":و حيث تقدمت المدعى عليها في شخص نائبها بدفعها في مواجهة المدعي من أنه
غادر العمل و لم يلتحق به رغم توصله باإلنذار بالرجوع للعمل ملتمسا رفض دعواه ،و
حيث تمسك المدعي في معرض تصريحاته بأنه لم يتوصل برسالة الرجوع إلى العمل التي
طالب تمسك بها المشغل ،و حيث ثبت للمحكمة و من خالل دراستها للملف و محتوياته من
أن المشغل حقا أرسل اإلنذار بالرجوع إلى العمل للمدعي بتاريخ 2009/05/04إال أنه لم
يدل بما يفيد توصل هذا األخير به ،و طبقا لما نصت عليه المادة 63من مدونة الشغل ،فإن
الطرف المشغل هو الملزم بإثبات المغادرة التلقائية في حق المدعي و الحال أن المدعى
عليها تقدمت بدفعها هذا و لم تعمل على إثباته في حقه.
- 506قرار استئنافية القنيطرة ،عدد ،543بتاريخ 2015/06/05:ملف رقم ،14/1501/749:غير منشور.
- 507قرار للمجلس األعلى ،عدد ،915بتاريخ ،2005/05/21ملف اجتماعي عدد ،05/1/5/499غير
منشور.
192 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و حيث بذلك تكون المشغلة قد عجزت عن إثبات هاته الواقعة في حق المدعي و الذي
أصبح معه الفصل الذي تعرض له يكتسي طابع عدم المشروعية و التعسف في استعمال
هذا الحق ،و ظل التزام المشغلة قائما اتجاهه مادام ال يجود بملف النازلة ما يفيد التحلل
منه".508
إال أن تطبيق االجتهاد المذكور م شروط بأن يكون األجير يسكن بالعنوان الذي صرح
به للمشغل ،أو على األقل أن يكون قد أخبر هذا األخير بعنوانه الجديد ،و إال اعتبر عدم
سحبه للرسالة من البريد غير ملزم للمشغل ،509كما قضت بذلك المادة 22من مدونة
الشغل ،510و كرسه القضاء االجتماعي.511
في هذا اإلطار جاء في قرار للمجلس األعلى ما يلي":عدم إجراء بحث إلثبات واقعة
مغادرة األجير لعمله يعرض القرار المطعون فيه للنقض" ،512إال أن ثبوت المغادرة بتعبير
األجير عن رغبته في فسخ عقد الشغل ،يعفي المشغل من إثبات واقعة الطرد و ال تكون
المحكمة ملزمة باالستجابة إلجر اء بحث إلثبات ذلك ،و هو ما يتضح من قرار لمحكمة
النقض...":حيث إن ما اعتبرته الطالبة من أن"عدم توصلها من مشغلتها بأجرتها"يعتبر
قرينة على تعرضها للطرد ال يعتبر كذلك في ظل ثبوت واقعة المغادرة التلقائية من خالل
تصريح الشاهدة المستمع إليها من قبل المحكمة المطعون في قرارها ،و الذي جاء فيه من
أن الطالبة صرحت لها بأنه " أصبحت ال تطيق ظروف العمل و أنها ترغب في فض عقد
الشغل" و من أنها "ال ترغب في العمل مع الشخص الذي تم استخدامه من طرف
- 508حكم المحكمة االبتدائية بطنجة ،في الملف عدد ،2010/09/1038بتاريخ ،2010/03/22أورده
الحسين أبلهاض ":اجتهادات المجلس األعلى في مادة التغيب" ،م س ،ص .373
- 509الحسين أبلهاض ":اجتهادات المجلس األعلى في مادة التغيب" ،م س ،ص .374
- 510نصت المادة 22على أنه ":ينبغي على األجير ،عند تغيير محل إقامته ،أن يطلع المشغل على عنوانه
الجديد إما يدا بيد أو بواسطة رسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل".
- 511قرار للمجلس األعلى ،عدد ،889بتاريخ ،2005/9/4في الملف االجتماعي عدد ،2005/5/1/419
غير منشور.
- 512قرار للمجلس األعلى ،عدد ،952بتاريخ ،28/9/2005في الملف اجتماعي عدد ،596/5/1/2005
م س.
193 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المشغلة" كما أن الشاهدة"حاولت االتصال باألجيرة لكن والدها كان يمنعها من ذلك" ،و
أما طلب إجراء بحث الذي تقدمت به الطالبة فال مبرر هلل مادام إثبات المغادرة التلقائية يقع
على عاتق المشغلة...و هذا ما دفع المحكمة إلى رفضه بعدما توفرت لها العناصر الكافية
للبت في النازلة.513"...
و من الناحية العملية فإن أكثر الوسائل المستعملة في إثبات واقعة مغادرة األجير
التلقائية هي شهادة الشهود.
تعتبر شهادة الشهود من أهم وسائل اإلثبات انتشارا على أرض الواقع و الساحة
القانونية في المادة االجتماعية ،و ذلك راجع باألساس إلى الطابع االجتماعي و الحمائي
لألجير ،514كما نص الفصل 280من قانون المسطرة المدنية على إمكانية استدعاء الشهود
من طرف القاضي و االستماع إليهم ،باإلضافة إلى أن القضاء االجتماعي يعتمد على هذه
الوسيلة و التي تعتبر من أكثر وسائل اإلثبات انتشارا في المادة االجتماعية ،و ذلك راجع
باألساس إلى الطابع الحمائي الذي تتسم به العالقات الشغلية ،فما موقف القضاء االجتماعي
من هذه الوسيلة؟
في هذا اإلطار ذهب المجلس األعلى إلى األخذ بشهادة الشهود إلثبات المغادرة التلقائية
و جاء في قرار له أن ...":لكن حيث إنه في غياب أي مقرر لفصل المطلوب من عمله و أمام
نفي المطلوبة...واقعة الفصل و تمسكها بالمغادرة التلقائية للعمل تبقى هي الملزمة باإلثبات
عمال بأحكام الفقرة األخير من المادة 63من مدونة الشغل ،و أنها سعيا لذلك أحضرت
الشاهدين (ع ح – ع ر ب)فأكد األول أن المطلوب كان مريضا و قد غاب لمدة ثم استأنف
عمله و بعد أسبوع توقف بسبب المرض و أخبره بأنه لم يتمكن من مواصلة العمل ،و أن
ذلك تم خالل شهر غشت ،2008مما يؤكد أن المغادرة ثابتة ،و هو ما استخلصه القرار و
- 513قرار لمحكمة النقض ،عدد ،95بتاريخ ،2014/01/23في الملف االجتماعي عدد
،2013/1/5/718أورده محمد سعد جرندي":الدليل العملي لمدونة الشغل" ،م س ،ص .404
- 514بشرى العلوي":اإلثبات في مدونة الشغل"،م س ،ص .86
194 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
عن صواب ،و مادام األمر في النازلة يتعلق بالمغادرة ال بالفصل فال موجب للنعي على
المطلوبة عدم احترامها المسطرة المنصوص عليها في المادة 62و ما يليها ،فيكون القرار
سليما فيما انتهى إليه و معلال بما فيه الكفاية و الوسيلة على غير أساس".515
و هو نفس التوجه الذي سارت عليه محاكم الموضوع كما يتضح من قرار صادر عن
محكمة االستئناف بمكناس أنه ":حيث أن شهادة الشهود أكدت مغادرة المستأنف لعمله
بدون مبرر مشروع و أن هذه الشهادة جاءت منسجمة مع وقائع النازلة و مع ما هو
مضمن بمحضر مفتش الشغل ،األمر الذي يتعين معه تأييد الحكم المستأنف بجميع أجزائه
لمصادفته الصواب".516
كما أكدت محكمة االستئناف بمكناس في قرار آخر أنه":فضال على أن األجير قد غادر
العمل بشكل تلقائي كما هو ثابت من خالل شهادة الشاهدين".517
إال أ ن تساؤال يمكن طرحه :هل جهل الشاهد سبب انتهاء عالقة الشغل بنفي المغادرة
التلقائية؟ في هذا الصدد أكد المجلس األعلى في قرار له أنه":تكون واقعة المغادرة التلقائية
غير ثابتة ،إذا كان الشاهد يجهل سبب انتهاء عالقة الشغل ،و أكد وجود نزاع بين األجيرة
المفصولة و مجموعة من العامالت و بين إدارة الشركة المشغلة".518
في هذا اإلطار جاء في قرار الستئنافية مكناس أنه ":لكن حيث خالفا لما تزعمه
المستأنفة ،فإنه بالرجوع إلى مستندات القضية خاصة شهادة الشاهدين(ب غ) و (ح ش)
بعد أدائهما اليمين القانونية ،نجد أن األول صرح بأن المدعي عمل لدى المدعى عليها مدة
- 515قرار محكمة النقض ،عدد ،194بتاريخ ،2013/02/13في الملف االجتماعي عدد
،2013/1/5/990منشور بمجلة قضاء محكمة النقض ،ع ،2014 ،77ص .279
- 516قرار لمحكمة االستئناف بمكناس ،عدد ،07/803بتاريخ ،2007/09/20الغرفة االجتماعية ملف
رقم ،6/06/1040غير منشور.
- 517قرار للمجلس األعلى ،عدد ،445بتاريخ ،2011/2/25ملف اجتماعي عدد ،501/09/3588غير
منشور.
- 518قرار للمجلس األعلى ،عدد ،7بتاريخ 5يناير ،2010ملف اجتماعي عدد ،5/08/910غير
منشور.
195 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
أكثر من 5سنوات و سند علمه كونه سبق له أن عمل لدى المدعى عليها ،بينما أفاد الثاني
بأن المدعي عمل لدى المدعى عليها مدة أكثر من 5سنوات بصفة مستمرة ،و ليس من
الضروري أن تأتي شهادتهما مطابقة تمام التطابق مع تصريحات األجير ،ألنه من غير
المعقول أن يشهد الشاهدين بتاريخ بداية العمل و تاريخ نهايته...و بالتالي فإن فسخ العقد
من قبل المشغلة بعلة أن األجير هو الذي غادر العمل من تلقاء نفسه ظل مجردا من أية
وسيلة تثبته".519
بقي أن نشير في ختام هذه النقطة لوسائل إثبات المغادرة التلقائية أن نتساءل عن:
هل للمحكمة السلطة التقديرية اتجاه هذه الوسائل؟
يجيب المجلس األعلى في قرار له أنه ":اعتماد شهادة الشهود للقول بانتفاء واقعة
المغادرة التلقائية ال يشوبه أي خرق للقانون ،مادام أن تقييم شهادة الشهود يخضع للسلطة
التقديرية لقضاة الموضوع ،و ال رقابة للمجلس األعلى في ذلك إال من حيث التعليل".520
فيالحظ عمليا من خالل أحكام و قرارات المحاكم أنها غالبا ما تتجه في بناء قناعتها
إلى االستماع إلى شهادة الشهود ،ألن لها السلطة الكاملة لقبول ما تراه من الشهادات و رفض
521
ما لم تقتنع به.
- 519قرار لمحكمة االستئناف بمكناس ،بتاريخ ،2007/2/27في الملف رقم ،06/3/167غير منشور.
- 520قرار للمجلس األعلى ،عدد ،1774بتاريخ ،2011/10/03في الملف االجتماعي عدد
،9/1/5/156قرارات محكمة النقض ،م س ،ص .235
- 521سعيد الزهيري":القواعد المنظمة لطرق اإلثبات في دعوة فسخ عقد الشغل" ،مداخلة بالندوة الثانية
للقضاء االجتماعي ،م س ،ص .55
196 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و التعويض عن اإلنهاء التعسفي ،و كذا مستحقاته من شهادة شغل و توصيل تصفية كل
حساب.
فالمغادرة التلقائية للشغل من طرف األجير من تلقاء نفسه ،تحرر المشغل من مجموعة
من االلتزامات تفرضها عليه مدونة الشغل ،522التي يسعى المشرع من خاللها إلى حماية
األجير ،باعتباره الطرف الضعيف في العالقة الشغلية ،و متى ثبت أن مغادرة األجير لعمله
دون سبب مقنع ألزم بتعويض مشغله ،و هو أكده قرار للمجلس األعلى مما جاء فيه":حيث
تبين صحة ما عابته الطاعنة على القرار ،ذلك أن مقتضيات المادة 41في فقرتها األولى
من مدونة الشغل تنص...كما أن المادة 51من نفس القانون...و الثابت من وقائع النازلة
مغادرة األجيرة عملها تلقائيا و المثبتة بمقتضى القرار المطعون فيه ،مما تبقى معه
المشغلة محقة في تعويضها عما لحق بها من جراء تعسف األجيرة عند فسخها عالقة
الشغل بإرادتها المنفردة ،و ال تعفى األجيرة من أداء التعويض عن الضرر و اإلخطار لفائدة
مشغلتها بعلة أن هذه األخيرة كانت على علم بواقعة المغادرة التلقائية و لم تفاجأ بغياب
األجيرة عن عملها.523"..
و المغادرة التلقائية للعمل كشكل من أشكال إنهاء عقد الشغل من طرف األجير ال
تطرح أي إشكال إذا كان التعامل بحسن نية و معبر عنها بإرادة حرة و واضحة ،إذ توصف
باالستقالة التي يعتبر من خاللها األجير عن إرادته في إنهاء العقد من طرفه و التحلل من هذا
العقد.
إال أن ثقل االلتزامات المفروضة على المشغلين قانونا ،قد تدفع بهم عند فصلهم
ألجرائهم إلى ممارسة ضغوط مادية و معنوية تحملهم على مغادرة العمل من تلقاء أنفسهم،
ليتحللوا من هذه االلتزامات سواء قدم األجير استقالته أو ترك العمل دون استقالة و دون
- 522كاحترام مسطرة الفصل التأديبي لألجير ،إذ جاء و في قرار للمجلس األعلى":إن احترام إجراءات
الطرد تكون إلزامية فقط في حالة ارتكاب األجير لخطأ جسيم و ال تكون كذلك في حالة المغادرة التلقائية
التي تثبت في حق المطالب من خالل شهادة الشهود المستمع إليهم من قبل محكمة درجة أولى".قرار
للمجلس األعلى ،عدد ،161بتاريخ ،2008/2/13ملف اجتماعي عدد ،448/5/1/2007غير منشور.
- 523قرار للمجلس األعلى ،عدد ،1517بتاريخ ،2013/11/28في الملف االجتماعي
عدد ،2012/1/5/1452أورده محمد سعد جرندي":الدليل العملي لمدونة الشغل" ،م س ،ص .315
197 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
الرجوع إليه ،و االستقالة و ترك العمل باعتبارهما وجها من أوجه إنهاء عقد الشغل بإرادة
األجير المنفرد ،و ليستقيما قانونا يجب أن تصدرا من األجير بإرادة حرة و سليمة من
مبطالتها ،و إذا كانت هذه اإلرادة معيبة لسبب من األسباب كاإلكراه مثال فإنهما يعتبران و
العدم سواء ،و هذا طبعا بعد إثبات ذلك ،524و هو ما سنتطرق له بنوع من التفصيل في الفقرة
الموالية.
ال شك أن االستقالة التي كانت في ظل "قانون الشغل السابق" غير خاضعة لمسطرة
معينة ،إذ كانت تقبل بصفة كتابية أو شفوية ،و كانت الصعوبة المرتبطة بها هي مسألة
إثباتها ،غير أن مشرع مدونة الشغل غير الوضع ،إذ حدد من خالل الفقرة األخيرة من المادة
34من مدونة الشغل...":أنه يمكن إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة األجير عن
طريق االستقالة المصادق على صحة إمضائها من طرف الجهة المختصة ،و ال يلزمه في
ذلك إال احترام األحكام الواردة في الفرع الثالث أدناه بشأن أجل اإلخطار".
و إذا كان معلوما أن اإلنهاء من جانب األجير يظل ممارسة نادرة ،قياسا لإلنهاء
الصادر من جانب المشغل ،فاالستقالة كتصرف قانوني انفرادي أبرز نموذج من نماذج ذلك
525
اإلنهاء.
إال أن المشرع المغربي لم يتطرف لتعريف االستقالة سواء في مدونة الشغل أو في
تشريع الشغل الملغى ،شأنه في ذلك شأن التشريعات المقارنة ،مما أدى إلى ظهور بعض
التعاريف في صفوف الفقه و القضاء.
فعرفها بعض الفقه الفرنسي أنها":شكل إلنهاء عقد الشغل بمبادرة من األجير و بإيعاز
من هذا األخير ،شريطة أن يكون هذا اإلنهاء معبرا عن اإلرادة الصريحة و غير المشكوك
198 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فيها لألجير" ،526و بعض الفقه المصري":تصرف قانوني يصدر عن العامل بمقتضاه يعبر
عن إرادته صراحة و إما ضمنا بوضع حد للرابطة العقدية التي تربطه بصاحب
المؤسسة" ،527فيما عرفها بعض الفقه المغربي أنها ":تعبير عن إرادة األجير في إنهاء
عقد العالقة الشغلية بينه و بين مشغله و بمحض إرادته معيبة بأي عيب من عيوب الرضا،
و هي حق ثابت يتمتع به األجير و ال يمكن إسقاطه ،فهي إذن من النظام العام سواء تم
قبولها من طرف المشغل أم ال".528
فتعد االستقالة طريقا من طرق انقضاء عقد الشغل الخاص باألجير ،باعتبارها تعبير
صريح عن األجير يعلم فيه عن رغبته في وضع حد للعالقة الشغلية التي تربطه بالمشغل،529
و أنها حق ثابت من حقوق األجير سواء رضي المشغل بذلك أم ال ،بل و ال يحتاج األجير
إلى تبرير ذلك التصرف أو تعليله ،530نظمها المشرع من خالل 3مواد في مدونة الشغل هي
المادة 34و ،64و .272
فإذا كان المشرع المغربي لم ينظم االستقالة في ظل المقتضيات القديمة فإن المدونة
سطرت بعض األحكام الخاصة باالستقالة بمثابة شروط شكلية و موضوعية لصحة هذا
التصرف القانوني ،األمر ال ذي يدفعنا للتساؤل حول كيفية تعاطي القضاء االجتماعي مع
شروط االستقالة(أوال) و كذلك النتائج المترتبة عليها(ثانيا) ،محاولة منا استجالء مظاهر
حماية األجير كطرف ضعيف في العالقة الشغلية.
526
- "La démission est un mode de rupture du contrat de travail? A l'initiative de
salarie et imputable a ce dernier , Pour être analysée comme un démission, la
rupture doit résulter d'une volonté claire et non équivoque du salaire".
-Marie Ducase, anges Rosset, Lysiane tholy: jurisprudence sociale droit du
travail, Group revue fiduciaire, Paris, 6 édition 2003, P428.
- 527محمود جمال الدين زكي":عقد العمل في القانون المصري" ،الطبعة الثانية ،مطابع الهيئة المصرية
العانة للكتاب ،1982،ص .1037
- 528بشرى العلوي ":الفصل التعسفي على ضوء العمل القضائي" ،م س ،ص .207
للمزيد راجع في هذا اإلطار:
محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م س،
ص 956و ما بعدها.
- 529فاطمة حداد":إنهاء عقد الشغل عن طريق االستقالة" ،مقال منشور بالمجلة المغربي لإلدارة
المحلية و التنمية ،عدد مزدوج ،98-97مارس/يونيو ،2011ص .184
- 530محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص .190
199 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
للوقوف حول كيفية تعامل القضاء المغربي مع شروط صحة االستقالة ،يتعين علينا أن
نميز بين شروطها الشكلية ( )1و شروطها الموضوعية(.)2
من خالل استقراء المقتضيات القانونية المنظمة لالستقالة نجد أن المشرع المغربي
يضع مجموعة من الشروط الشكلية لصحة االستقالة الصادرة عن األجير ،و تتجسد هذه
الشروط أساسا في أن تكون مكتوبة و مصادق على صحة إمضائها من طرف الجهة
المختصة ،و توجيه نسخة من االستقالة للعون المكلف بالشغل ،و بعد احترام أجل اإلخطار
أهم من هذه الشروط الشكلية.
و إذا كانت االستقالة هي إمكانية و حق متاح لألجير إلنهاء عقد الشغل غير محدد المدة
بإرادته المنفردة ،فإن استعماله لهذا الحق مقيد بضرورة مراعاة أجل اإلخطار ،و عدم
التعسف في اإلنهاء و إال اعتبر مسؤوال عن تعويض األضرار التي قد تلحق بالمشغل أو
531
المؤسسة.
من هذا المنطلق تدخل المشرع لتنظيم حق األجير في االستقالة ليجعله حقا نسبيا ال
يجوز التعسف في استعماله ،و ذلك عن طريق وضع قيد شكلي على إجراء االستقالة يتمثل
في احترام أجل اإلخطار.
فاإلخطار أو سابق اإلعالم أو مهلة التنبيه ،532هي إشعار الطرف الراغب في إنهاء
عقد الشغل غير محدد المدة باإلرادة المنفردة للطرف اآلخر في العالقة التعاقدية برغبته في
هذا اإلنهاء .إال أن مجرد التعبير عن الرغبة في إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة ال يعتبر
- 531بالل العشري ":مستجدات مدونة الشغل في إطار إنهاء عقود الخدمة" ،م س ،ص.238
- 532زهرة بدار":مهلة اإلخطار التي تطرح أمام القضاء في قضايا نزاعات الشغل" ،الندوة الثانية
للقضاء االجتماعي ،م س ،ص .262
200 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
وحده كافيا ،إال إذا اقترن بضمانة أخرى و هي منح مهلة للطرف اآلخر ينتهي بانتهائها عقد
الشغل الذي يربط بينهما 533و هو ما يسمى في الفقه و القانون بأجل اإلخطار.
و من بين الحاالت الواقعية التي عرضت على أنظار القضاء االجتماعي المغربي نجد
قرار للمجلس األعلى جاء فيه ":تقديم األجير الستقالته من العمل و قبول المشغلة لهذه
االستقالة ،ال يمكن أن يحرمها من مهلة اإلشعار الذي طالبت به المشغلة بعلة قبولها
لالستقالة ،فمحكمة االستئناف عندما رفضت التعويض عن مهلة اإلشعار الذي طالبت به
المشغلة ،يكون تحليلها ناقصا ينزل منزلة انعدامه ،مما يعرض قرارها للنقض".534
فيتبين من خالل هذا القرار أن أجل اإلخطار يعتبر من صميم النظام العام ،و هو مقرر
في هذا الصدد لمصلحة المشغل حماية له من استقالة األجير المباغتة التي من شأنها أن تمس
بمصالح المقاولة ،و هو حق للمشغل حتى في الحالة التي يوافق فيها على استقالة األجير لما
هو مبين في القرار أعاله.
و جاء في قرار آخر":رغم أن المشغل اشترط على األجير العمل لديه لمدة 5سنوات
فإن العقد الرابط بين الطرفين هو عقد غير محدد المدة ،مما يخول لألجير عمال بالمادة 34
من مدونة الشغل الحق في انتهائه عن طريق االستقالة و ال يقيده سوى احترام أجل
اإلخطار".535
و هو ما سارت عليه محاكم الموضوع ،كما هو الشأن لحكم ابتدائية تمارة ":وحيث إنه
بالرجوع إلى عقد العمل الغير محدد المدة المبرم بين الطرفين يتضح بانهما اتفاقا على
- 533جاء في حكم البتدائية مكناس أنه":حيث إن المدعى عليه ملزم باحترام أجل اإلخطار عندما يقدم
على إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة منفردة طبقا للمادة 43من م ش ،و حيث إنه يترتب عن
إنهاء عقد الشغل غير المحدد المدة دون إعطاء أجل اإلخطار أو قبل انصرام مدته أداء الطرف المسؤول
عن اإلنهاء تعويضا عن اإلخطار للطرف اآلخر ،يعادل األجر الذي كان من المفروض أن يتقاضاه
األجير ،لو استمر في أداء شغله طبقا للمادة 51من م ش" ،حكم ابتدائية مكناس ،عدد ،1305بتاريخ
،2018/12/14ملف نزاعات الشغل عدد ،2016/1501/689غير منشور.
- 534قرار للمجلس األعلى ،عدد /263بتاريخ ،2004/03/24ملف اجتماعي عدد ،2003/1/5/731
للمجلس القضائي التوثيق و النشر مركز اإللكتروني بالموقع منشور
األعلى ،www.cpdj.coursuprem.ma:تاريخ اإلطالع ،2019/08/01على الساعة .21:30
- - 535قرار للمجلس األعلى ،عدد ،1066بتاريخ 8مارس ،2011في الملف االجتماعي عدد
،10/5/324منشور بمجلة قضاء محكمة االستئناف بالرباط ،ع ،2ص.217
201 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
أنه في حالة إنهاء العقد من طرف األجير فإن أجل اإلخطار الذي يجب أن يلتزم به هذا
األخير هو ثالثة أشهر.
وحيث إن البين من خالل اإلطالع على محضر محاولة التصالح المبرم بين الطرفين
أمام مفتش الشغل المؤرخ في 2016/4/26ان المدعي غادر العمل بتاريخ 2016/4/1و
الحال أن المدة التي كان يجب أن يتقيد بها األجير بعد تقديمه استقالته و الممتدة إلى ثالثة
أشهر تلزمه أن يبقى ملتزما بأجل اإلخطار إلى غاية 2016/5/24و بالتالي و لما كان
المدعي قد غادر عمله قبل هذا األجل فإنه يكون مخال بالتزامه و تبقى المشغلة محقة في
طلب تعويض عن عدم احترامه أجل اإلخطار".536
فيتبين لنا إذن أن احترام أجل اإلخطار كشرط شكلي لصحة االستقالة يعد إجراء مؤكدا
عليه تشريعيا و مكرسا من قبل العمل القضائي في المادة االجتماعية.
فاألجير مثله مثل المشغل البد من احترام أجل اإلخطار قبل عزمه على إنهاء عالقة
الشغل ،و لو تمت صيغة ذلك عبر االستقالة ،و يسري هذا الحكم سواء كان عقد الشغل غير
محدد المدة ،أو محدد المدة و أريد إنهاؤه قبل انتهاء أجله ،و إال التزم األجير بتعويض
المشغل بنفس طريقة تعويض هذا األخير عن الفصل الفجائي ،و مع ذلك الحظنا اعتياد
القضاء المغربي استعمال عبارة "االستقالة التعسفية" عوض "االستقالة المفاجئة" ،و
538
تبعه بعض الفقه 537في ذلك.
أما بالنسبة للكتابة باعتبارها شكال خاصا بوثيقة االستقالة فتعتبر ضرورية لضمان
وضوحها ،خاصة أن قرارات محكمة النقض تؤكد ضرورة أن تكون االستقالة واضحة و من
بينها قرار ..":االستقالة من العمل يجب أن تكون واضحة".539
202 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و تفاديا إلشكاالت المثارة بصدد احتماالت االستقالة االضطرارية أو الوهمية التي قد
يستغلها المشغل ضد األجير ،و ضبطا آلثار االستقالة عموما عمدت المدونة إلى اشتراط
المصادقة على صحة إمضائها من طرف الجهة المختصة ،إال أنه يحدث في الواقع العملي
أن يوقع األجير على وثيقة مسلمة له من طرف المشغل و محررة بلغة يجهلها ،معتقدا أنه
يتوصل بمستحقاته من جراء هذا التوقيع ،غير أنه يفاجأ فيما بعد بأن هذه الوثيقة هي عبارة
عن استقالته ،فيلجأ إلى القضاء ليطعن فيها باألمية ،فما موقف القضاء المغربي من هذا
الطعن؟ ،540كما يطرح التساؤل في الحالة التي تكون فيها وثيقة االستقالة محررة بلغة ال
يفهمها األجير ،هل تعتبر صحيحة و منتجة آلثارها؟
في هذا الصدد من المفيد أن نستئنس بتوجهات العمل القضائي المقارن و خاصة
القضاء الفرنسي ،فقد أكدت محكمة النقض الفرنسية بأنه":لقد كانت محكمة االستئناف
مصادفة للصواب عندما اعتبرت بأن األجير الذي ال يعرف القراءة و الكتابة باللغة
الفرنسية ،أنه حتى في افتراضنا أنه قام بإمضاء رسالة االستقالة ،فإنه لم يكن متأكدا من
معناها و نطاقها ،األمر الذي يجعل إرادته في تقديم االستقالة ملتبسة".541
أما المشرع المغربي فلم يتطرق إلى معنى األمية في قانون االلتزامات و العقود ،و
اكتفى بذكر عبارة "األمي" في إطار القواعد المنظمة للمحررات الكتابية كدليل في اإلثبات،
مما جعل القضاء المغربي مطالبا بتحديد مفهوم األمي ،فاعتبر في البداية و عند تطبيقه
لمقتضيات الفصل 427من ق ل ع أن األمي هو الذي يجهل اإلمضاء ،542و في مرحلة ثانية
- 540محمد الشرقاني و محمد القري اليوسفي و عبد العزيز العتيقي":مدونة الشغل مع تحليل ألهم
المستجدات" ،م س ،ص .29
541
- Cas, Soc,19 Décembre 2000,N5239, FD, Sarl Ste de grand travaux, Antilles
et Gugan ci, Perey,rejet, Marie ducasse, Jurisprudence sociale, droit du travail,6
Emme édition, Groupe revue fiduciaire, Paris, 2003, P411.
- 542قرار للمجلس األعلى ،عدد ،198بتاريخ 15أبريل ،1970منشور بالمجموعة الكاملة لقضاء
المجلس األعلى ،المادة المدنية ،من 1966إلى ،1982ص .136
203 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تراجع عن موقفه السابق و اعتبر أن األمي هو الذي يجهل مضمون الوثيقة الموقع عليها،543
ليستقر في مرحلة ثالثة على أن األمي هو الذي يجهل اللغة التي حرر بها العقد.544
فتوقيع ا ألجير على وثيقة االستقالة المتمسك بها من طرف المشغل ،يعتبر قرينة على
أن المتمسك ضده غير أمي ،إال أن هذه القرينة هي قرينة بسيطة يمكن لألجير أن يثبت
عكسها ،أي أن يثبت أنه أمي ،و يقع هذا اإلثبات بكافة الوسائل ،بما فيها القرائن و شهادة
الشهود ،كما يمكن أن تستشفه المحكمة من خالل البحث التي تجريه في النازلة.
هذا ما يتعلق بالشروط الشكلية لصحة االستقالة و رقابة القضاء االجتماعي عليها من
أجل حماية األجير و التي نالحظ أن المشرع حددها بصريح مدونة الشغل ،لكنه لم يتطرق
إلى الشروط الموضوعية لصحة االستقالة ،مما يدفعنا إلى التساؤل حول دور القضاء
االجتماعي في توضيح هذه الشروط.
إن االستقالة و كما سبق القول هي تصرف قانوني يصدر عن األجير يعبر بمقتضاه عن
رغبته في وضع حد للعالقة الشغلية التي تربطه بالمشغل ،و تأسيسا على أن االستقالة
تصرف قانوني فيتعين أن تتوفر على مقومات التصرف القانوني الصحيح ،و من ذلك أن
تصدر عن إرادة ،أي أن ال يكون األجير قد اضطر إلى وضع استقالته.
إذ قد يحصل في الواقع العملي ،أن يقدم األجير على االستقالة من المشغل ،نتيجة
للضغط و اإلكراه الممارسين عليه من قبل المشغل ،فحسب جانب من الفقه ،فإن المشغل الذي
ال يكون راغبا في أجير ما ،و ال يريد في نفس الوقت تمتيعه بتعويضاته عن الفصل ،يحاول
جاهدا أن نصب له األفخاخ ،و يطرح أمامه المتاعب و المضايقات و االستفزازات ،لكي
يدفعه –مضطرا -إلى تقديم استقالته ،بل و أحيانا من خالل تغيير بنود العقد ،كتغيير نوعية
- 543قرار المحكمة اإلقليمية بالرباط ،عدد ،518/51بتاريخ 18يناير ،1974في الملف المدني عدد 32
،منشور بمجلة المحاماة ،ع ،17يونيو-يوليوز ،1980ص .60
- 544قرار للمجلس األعلى ،عدد ،777بتاريخ 15دجنبر ،1976في الملف المدني عدد ،74أورده
إدريس بلمحجوب":قرارات المجلس األعلى بغرفتين أو بجميع الغرف" ،ج ،4الطبعة األولى ،مطبعة
األمنية-الرباط ،2006 ،ص 6و مت بعدها.
204 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
الشغل أو التنقيل لمدينة أخرى ،بل و أحياننا استعمال التدليس وحتى اإلكراه 545إزاء األجير،
كأن يتم تهديده بالتبليغ عن سرقة لم يرتكبها إذا لم يقدم استقالته ،أو التهديد بمتابعة جنائية
546
على إثر خطأ جسيم يمثل أيضا جريمة.
فكثيرا ما ي دفع األجير بشأن االستقالة أنها كانت اضطرارية أو كانت تحت الضغط و
اإلكراه ،547فهل يذهب القضاء المغربي إلى حد البحث في مدى سالمة إرادة األجير و مدى
548
حرية هذا األخير في تقديمها.
في هذا اإلطار قضى المجلس األعلى في قرار له أن":اإلكراه يقتضي وقائع من شأنها
أن تحدث ألما جسديا أو اضطرابا نفسيا أو خوفا من التعرض لخطر كبير و أن تكون السبب
الدافع لتقديم االستقالة ،و محكمة االستئناف عندما نصت بأن األجير تعرض إلكراه معنوي
حمله على مغادرة الشركة المشغلة خوفا من تعرضه لمكروه عند استمراره في العمل
لديها ،و دون أن تبرر نوع الضغوط غير المشروعة المؤثرة في إرادة األجير وقت تقديم
االستقالة ،تكون قد عللت قراراها تعليال ناقصا".549
إذن المجلس األعلى يرى بأنه طالما أن األجير المسقيل لم يتعرض لوقائع عارضة من
شأنها أن تحدث له ألما جسميا و اضطرابا نفسيا أو خوفا من التعرض لخطر كبير تكون هي
السبب الدافع إلى االستقالة ،فإنه ال يمكن التشكيك في صحة و سالمة إرادته ،و القول بأنه
كان مكرها على تقديم استقالته.
- 545نص الفصل 46من ق ل ع على":اإلكراه إجبار يباشر من غير أن يسمح به القانون يحمل
بواسطته شخص شخصا آخر على أن يعمل عمال بدون رضاه" ،و الفصل 47من نفس القانون
على...":غذا قام على وقائع من طبيعتها أن تحدث لمن وقعت عليه إما ألما جسميا أو اضطرابا
نفسيا...أو الخوف من تعريض نفسه أو شرفه أو أمواله لضرر كبير مع مراعاة السن و الذكورة و
االنوثة و حالة األشخاص و درجة تأثرهم".
- 546محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص .192
- 547رشيدة أحفوظ":إشكاليات مدونة لشغل و االجتهاد القضائي" ،مداخلة بالندوة الجهوية التاسعة م
س ،ص .127
- 548فاطمة حداد":إنهاء عقد الشغل عن طريق االستقالة" ،م س ،ص .181
- 549قرار للمجلس األعلى ،عدد ،965بتاريخ ،2003/09/30في الملف االجتماعي عدد
،2003/1/5/264منشور بالمجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،2003 ،61ص .289
205 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و معنى ذلك أن القضاء المغربي يكيف اإلكراه في المادة االجتماعية استنادا إلى
المعايير المقررة في المادة المدنية ،الشيء الذي يترتب عليه األخذ باستقالة األجير رغم
الطعن الالحق فيها ،و هذا ال يخدم في شيء مصالح الطبقة الشغيلة و يجعل القضاء بعيدا عن
550
الدور الذي يتعين عليه أن يقوم به في المادة االجتماعية.
و في قرار للمجلس األعلى أكد على أنه":ال أثر لالستقالة التي يقدمها األجير تحت
وطأة الضغط و اإلكراه يمكن إثبات الضغط و اإلكراه بشهادة الشهود و كذا بالقرائن و منها
تجريد األجير من عدد من الصالحيات و اشتغال األجير لمدة بعد تقديمه االستقالة و تقاضيه
أجرة عن ذلك".551
فهذا القرار يتناول عنصر إثبات اإلكراه على االستقالة ،حيث صرح المجلس األعلى
بإمكانية إثباتها بشهادة الشهود و القرائن ،و هي كلها تدخل ضمن الوسائل العامة لإلثبات.
و من أهم المبادئ التي استحدثها القضاء الفرنسي قاعدة االستقالة بسبب ظروف
معنوية ،فقد قضت محكمة النقض الفرنسية أن":االستقالة التي قدمها عامالن بسبب
ظروفهما االجتماعية الناتجة عن عدم التوصل بالتعويضات عن العطل ،بعد إشعار المشغلة
بواسطة مفتش الشغل ،هي استقالة اضطرارية و أن الفسخ حصل دون اعتماد مبرر حقيقي
و معقول ،و رفضت نقض حكم محكمة الموضوع التي استنتجت أن هذه الظروف هي التي
أدت إلى المطالبة بفسخ عالقة العمل عن طريق االستقالة".552
كما قضت محكمة النقض الفرنسية في قرر آخر بأن":االستقالة الناتجة عن إكراه
المشغل بالشكل الذي يمس بكرامة و حياة األجير الخاصة تعتبر فصال تعسفيا".553
- - 550فاطمة حداد":إنهاء عقد الشغل عن طريق االستقالة" ،م س ،ص .182
- 551قرار للمجلس األعلى ،عدد ،624بتاريخ ،2009/5/27ملف اجتماعي عدد ،944/5/1/2008
552قرار أورده محمد عطاف":مقاربة بين عمل المجلس األعلى و محكمة النقض الفرنسية حول بعض
األخطاء الجسيمة" ،م س ،ص.80
553
-Cas, Soc, 3 avril 2001, N 1513 F D S C h Thiol et…le Cam, Marie ducasse,
op cit,P432.
206 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و أيضا من المبادئ التي أكدتها محكمة النقض الفرنسية ،مسألة االستقالة التعسفية
لألجير ،فقد جاء في قرار لها بأن":المشغل يجب عليه أن يثبت الطابع التعسفي لالستقالة
لكي يحصل على تعويض عن الضرر".554
فبناء على قرار محكمة النقض الفرنسية من الشروط الموضوعية أيضا أال يكون
األجير فيها متعسفا ،على أن إثبات الطابع التعسفي لالستقالة يقع على عاتق المشغل.
عالوة على ما سلف ذكره ،فاالستقالة باعتبارها تعبير صريح من األجير يعلن فيها عن
رغته في وضع حد للعالقة الشغلية التي تربطه بالمشغل ،يطرح التساؤل حول مدى إمكانية
أن نفترض في بعض الحاالت أن األجير تغيب عن العمل مدة معينة فهل يعد في حكم
المستقيل؟
بداية ،حصول األجير على إذن من المشغل بالغياب يجعل سبب االنقطاع عن العمل
مشروعا ما دام سبب الغياب حقيقي و مشروع و ليس فيه أي غش ،أما إذا اتضح عكس ذلك
فإن التغيب يكون غير مشروع.
و أحيانا يكون الغياب مشروعا بالرغم من انعدام اإلذن ،خاصة إذا كان الغياب بسبب
قوة قاهرة أو مرض أو اعتقال أو انقطاع المواصالت أو حبسه احتياطيا أو وفاة أحد أقاربه
أو بسبب عذر قوي لم يستطع معه الحضور للعمل ،إال أنهي يتعين عليه إخطار المشغل
بسبب الغياب قبل أن يستعمل هذا األخير حقه في إنهاء العقد ،مما يجعل تقصير األجير في
إبالغ األجير بسبب تغيبه ال يؤثر على الحق المشروع الذي أعطاه المشرع للمشغل في إنهاء
555
العقد.
و جاء في قرار للمجلس األعلى أن ":األجير إذا زاد غيابه لمرض غير المرض
المهني أو لحاثة غير حادثة الشغل على مائة و ثمانين يوما متواليا خالل 365يوما أو إذا
- Cas, Soc,22 Juin 1994,N 2893 PFBS, Robert dets bevra lachenait, Cassation,
554
207 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فقد األجير قدرته على االستمرار في مزاولة شغله ،أمكن لمشغله أن يعتبره في حكم
المستقيل من عمله و دون أن يكون ملزما بأي تعويض".556
و في قرار آخر جاء فيه":يقع على األجير الذي كان في إجازة مرضية أن يثبت
التحاقه بعمله أو أنه منع من ذلك بعد استئنافه له تحت طائلة اعتباره في حكم
المستقيل".557
و ما يمكننا إثارته بالنسبة للقرارين أن المجلس األعلى لم يقم إال بتطبيق القانون و
خاصة المادة 272من مدونة الشغل ،لذلك فاألمر يتعلق باختيارات المشرع أكثر ما هو
اختيار قضائي ،558و هو اختيار منتقد من طرف الفقه المغربي ،خاصة اعتبار األجير الذي
فقد قدرته على العمل في حكم المستقيل ،فهذا المقتضى يتعارض مع ما قررته مدونة الشغل،
مثال المادة 39التي نصت على أن اإلعاقة ال تبرر مشروعا للفصل إذا لم يكن من شأنها أن
تحول دون أداء األجير المعاق لشغل يناسبه داخل المقاولة ،بل ألكثر من ذلك فالمادة 166
تنص على أنه يحتفظ كل أجير أصبح معاقا لسبب من األسباب بمنصب شغله و يسند إليه
شغل يالءم نوع إ عاقته بعد إعادة تأهيله ،إال إذا تعذر ذلك لحدة إعاقته أو لطبيعة الشغل ،و
ذلك بعد أخذ رأي طبيب الشغل أو لجنة السالمة و حفظ الصحة ،بمعنى أن عدم القدرة على
العمل ال تعد سببا مشروعا للفصل ،فلماذا نعتبره في حكم المستقيل لعدم قدرته على العمل.
و ما يثيره كذلك القر ار ،أنه وضع عبء اإلثبات على عاتق األجير فيما يتعلق بالتحاقه
بعمله بعد اإلجازة المرضية ،أو أنه منع من ذلك ،األمر الذي سيكون من الصعب على
األجير إثباته في الواقع العملي.
- 556قرار للمجلس األعلى ،عدد ،229بتاريخ ،05/03/2008في الملف االجتماعي عدد ،539/2007
أوردته فاطمة حداد":إنهاء عقد الشغل عن طريق االستقالة" ،م س ،ص 182
- 557قرار للمجلس األعلى ،عدد ،466بتاريخ ،30/3/2008في الملف االجتماعي عدد
،2007/1/5/1388منشور بالموقع االلكتروني ،www.kurisprudence.ma:تاريخ اإلطالع
،2019/07/18على الساعة .22:30
- 558جاء في قرار لمحكمة النقض ،أنه":لئن كانت مقتضيات المادة 272من م ش تخول للمشغل اعتبار
األجير في حكم المستقيل إذا فقد قدرته على االستمرار في مزاولة شغله ،فإن األمر يتعلق باألشخاص
غير القادرين على العمل بصفة نهائية و تجاوز المدة المسموح بها قانونا" ،قرار محكمة النقض ،عدد
،197بتاريخ 22فبراير ،2017في الملف االجتماعي عدد ،2014/2/5/355نشرة قرارات محكمة
النقض ،ع ،31م س ،ص .55
208 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و يترتب عن االستقالة التزامات متبادلة بعد انتهاء عقد الشغل ،و حماية لألجير رتب
المشرع ع لى المشغل التزام بمنح شهادة الشغل لألجير المستقيل ،و تحميله مسؤولية عن
األمراض المهنية التي تكون قد أصابت األجير.
هكذا ،نستنتج إذن أن االستقالة في مدونة الشغل تصرف قانوني انفرادي يستلزم
الكتابة ،هذه األخير هي ما يميزها عن المغادرة التلقائية للعمل التي تعد واقعة مادية يمكن
إثباتها بجميع وسائل اإلثبات بما في ذلك شهادة الشهود ،كما أن المصادقة على صحة إمضاء
االستقالة ليست شرطا لصحتها على الرغم من تنصيص المشرع على ضرورة المصادقة
عليها في المادة 34من مدونة الشغل ،إذ اعتبرت محكمة النقض أن عدم المصادقة على
الوثيقة العرفية – االستقالة غالبا ما تكون في وثيقة عرفية -ال ينزع عنها قوتها الثبوتية ما لم
يطعن فيها باإلنكار ،و هو ما سارت عليه محاكم الموضوع كما هو الشأن البتدائية خنيفرة":
و حيث أدلت المدعى عليها بصورة طبق األصل الستقالة صادرة عن المدعي و مصححة
اإلمضاء بتاريخ ...2017/05/28و حيث أنه من الثابت قانونا أنه على من ال يريد االعتراف
بالورقة العرفية التي يحتج بها عليه أن ينكر صراحة خطه أو توقيعه ،فإن لم يفعل اعتبرت
الورقة معترفا بها تطبيقا للفصل 431من ق ل ع ،و حيث إن المدعي لم يبادر إلى إنكار ما
نسب إليه من توقيع اال ستقالة ،و بالتالي فإن المدعي هو من غادر عمله من تلقاء نفسه و
وضع حدا للعقد الذي يربطه بمشغله بإرادته المنفردة ،و حيث و تبعا لذلك فإن المدعى عليها
لم تتعسف في إنهاء عقد الشغل المذكور ،و بالتالي تكون طلبات التعويضات الناتجة عن
إنهاء عقد الشغل غير مرتكزة على أساس و يتعين التصريح برفضها" ،559و هو ما نسايره
طالما المشرع لم يرتب أي جزاء على تخلف إجراء المصادقة ،كما أن توقيع االستقالة و
المصادقة على صحة إمضائها قرائن بسيطة على عدم أمية األجير قابلة إلثبات العكس،
باإلضافة إلى أن مفاجئة المشغل باالستقالة و عدم التقيد بأجل اإلخطار يلزم األجير
بالتعويض عن اإلخطار للمشغل ،و الذي يخضع للقواعد العامة ،إال أن ثبوت إكراه األجير أو
أميته و تغيبه لمدة قانونية تجعل استقالته عديمة األثر القانوني ،و إذا كانت هذه أهم حاالت
تدخل القضاء االجتماعي عند الغموض التشريعي ،ماذا عن موقفه حالة الفراغ التشريعي؟
- 559حكم ابتدائية خنيفرة ،عدد ،36:بتاريخ ،2018/03/15:ملف رقم ،16/110:غير منشور.
209 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المبحث الثاني :بعض االجتهادات الحمائية للقضاء االجتماعي لألجير عند الفراغ
التشريعي
تعتبر وظيفة القضاء أسبق في الوجود تاريخيا عن فكرة قواعد القانون ،سواء تعلق
األمر بالقواعد العرفية أو القواعد التشريعية ،و تعد وظيفة خلق القواعد القانونية جزءا من
وظيفة القضاء ،ذلك أن محدودية التشريع و صعوبة إحاطة نصوصه بما سيحدث من وقائع
و نوازل تجعله في حاجة دائمة لمصدر آخر من مصادر القانون يكمله و يبعث الروح فيه ،و
هذه هي وظيفة القضاء ،ألنه يحتك بالواقع و يتفاعل بسرعة مع سيرورة الزمن ،لذلك القاعد
القانونية بالنسبة للقاضي ليست إرثا من الماضي يطبقها حرفيا على الحاضر ،و إنما هي آلية
يتولى القاضي بعث الحياة فيها لتستمر في المستقبل عن طريق ما يسمى بالتفسير القضائي
560
اإلنشائي.
و إذا كان القضاء في األحوال العادية ،يخلق القواعد القانونية و ال يشرع ،فإنه في
أوقات األزمات تزداد أهمية اجتهاده ،و يشبه دوره في مثل هذه األوقات دور المشرع ،حتى
قيل إن القضاء هو مشرع وقت األزمات ،فإذا كانت القواعد القانونية تطبق في األحوال
العادية كما سطرت من طرف المشرع ،فإنه في أوقات األزمات يعاد النظر في ترتيب
المصالح و األولويات على نحو مخالف لما تمت مراعاته عند وضع النص.
فاالجتهاد القضائي إذن ،يشكل مصدرا يغذي النظام القانوني ،فإذا كان التشريع يرتبط
بالقانون ،فاالجتهاد القضائي يرتبط بحياة القانون ،و لذلك يبقى القانون الذي تصنعه المحاكم
561
هو القانون الحي المتحرك و الحقيقي.
و الشك أن مدونة الشغل أعطت نفسا جديدا ألحكام العالقات بين األطراف المكونة
لعقد الشغل و ما يترتب عنها من آثار سواء على مستوى إبرام و تكوين عقد الشغل ،أو تنفيذه
أو إنهاءه ،بشكل يكتسي طابع المرونة و محاولة تحقيق التوازن بين أطراف يصعب التوفيق
-- 560محمد عبد النباوي":تعميم االجتهاد القضائي :مساهمة في خدمة العدالة" ،م س(،موقع الكتروني)
561
- P.Deumier:" création du droit et rédaction des arrêts par la cour de
cassation", Dalloz 2007, P 56.
210 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
بينها -األجير و المشغل -غايتها هي العمل على استمرار المقاولة و الرفع من إنتاجها ،و
562
في الوقت نفسه القضاء على البطالة و تحقيق فرصا للشغل.
فاالجتهاد القضائي البد من اإلحاطة به و العلم به ،من اجل اإللمام بمادة الشغل ،و
بدونه سيبقى إدراك هذه المادة ناقصا ،563و أمام كثرة و تشعب حاالت الفراغ التشريعي و
تدخل القضاء االجتماعي ،سنكتفي بالتطرق لبعض اجتهاداته الحمائية لألجير مرحلة سريان
عقد الشغل (المطلب األول) ،و أثناء النظر النزاع (المطلب الثاني).
المطلب األول :بعض اجتهادات القضاء االجتماعي في مرحلة سريان عقد الشغل
إذا كان المشغل بحكم موقعه هو من يحدد شروط عقد الشغل حسبما تقتضيه حاجياته،
فإن ما يبرمه مع أجرائه من عقود عمل ال يخرج عن القواعد العامة لاللتزامات و العقود ،و
ما لعنصر التبعية من أثر في عقد الشغل يجعل األجير ملزما باالمتثال ألوامر مشغله و ال
يمكن أن يخل بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين.564
فعق د الشغل ال يعتبر استثناء من العقود المبنية على مبدأ سلطان اإلرادة إعماال لقاعدة
العقد شريعة المتعاقدين ،لذلك فالبعد الحمائي الذي يستحضره القضاء عند بته في المنازعات
المرتبة عن تنفيذ هذا العقد هو الذي يضمن حماية المؤسسة االقتصادية من كل تهاون أو
565
تقصير في أدار العمل.
إال أن سلطة المشغل قد تتخذ صورة ماكرة ،تحتم على القضاء التدخل لتقرير مسألة
مدى شرعية الشروط التي من شأنها المس بالحماية التشريعية و القضائية المقررة لألجير،
أمام مبدأ العقد شريعة المتعاقدين ،سيما و أن المشغل ،و في إطار ديناميكيته ،قد يعمد إلى
المس بمؤسسة الزواج بتضمينه شرط العزوبة و األمومة ،من خالل فصل األجيرة الحامل،
- 562مليكة بنزاهير":تكريس مدونة الشغل لالجتهاد القضائي" ،م س ،ص .94
- 563إدريس فجر":مكانة االجتهاد في منازعات الشغل" ،مداخلة بالندوة التاسعة للقضاء االجتماعي ،م
س ،ص .45
- 564قرار للمجلس األعلى ،عدد ،429بتاريخ ،2009/4/15في الملف االجتماعي عدد
،2008/1/5/827منشور بمجلة الحقوق ،ع ،2015 ،10ص .221
- 565محمد المنصوري":حماية عقد الشغل من خالل أهم القرارات الصادرة عن المجلس األعلى" ،م
س ،ص .140
211 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
بالرغم من المنع الصريح للمشرع ،بل و قد يتجاوز األمر ذلك إلى المس بإحدى الحريات
العامة لألجير عن طريق اتخاذه إجراءات تمييزية للحد من نشاطه النقابي ،خاصة متى كان
يحمل صفة مزدوجة كأجير عادي ،و كممثل لبقية األجراء بالمؤسسة،
هكذا ،القضاء االجتماعي يضطلع بمهمة صعبة ،أال و هي تنظيم العالقة الشغلية بنوع
من المرونة و الحفاظ على التوازنات االقتصادية و المالية للمقاولة و التوازنات االجتماعية
لحماية األجراء ،هذه الحماية ستشكل محور تحليل هذا المطلب ،من خالل الوقوف عند
اجتهادات القضاء االجتماعي لحماية بعض الحقوق المرتبطة بشخص األجير(الفقرة
األولى) ،و عند تعديل عقد الشغل بإرادة منفردة للمشغل (الفقرة الثانية).
يقصد بالحقوق المرتبطة بشخص األجير ،تلك الحقوق الوثيقة الصلة بشخصية كل
إنسان ،تعبر عما له من سلطات مختلفة ترد على مقومات شخصيته ،فتضمن له االنتفاع
بنفسه و حمايتها من االعتداء عليها ،566حيث ردها بعض الفقه إلى ثالثة فروع ،فرع أول
يعكس شخصية اإلنسان من حيث مقوماتها المادية التي تتكون من الكيان الذاتي الذي يظهر
به اإلنسان كالحق في الحياة و الحق في السالمة البدنية ،و فرع ثاني يعكس شخصية اإلنسان
من حيث مقوماتها المعنوية التي ترتبط ارتباطا مباشرا بشرف اإلنسان و مشاعره كالحق في
الكرامة ،و فرع ثالث يتعلق بنشاط هذه الشخصية و ما يستلزمها من حماية كحرية التفكير ،و
الحق في الزواج.
- 566محمد بنحساين":عقد العمل و حماية حقوق األجراء الشخصية" ،مداخلة بالندوة التاسعة للقضاء
االجتماعي ،م س ،ص .156
- 567إن أول من أثار االنتباه إلى وجود اعتداء على حقوق األجراء لشخصية ،هو القرار المبدئي الصادر
عن المجلس األعلى ،عدد ،1300بتاريخ 20يوليو ،1983مجلة الملحق ،ع ،20فبراير .1989
212 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
مجهوده البدني أو الفكري ،568مما يدفع األول إلى فرض ما شاء من شروط على الثاني ،فهل
تضمن المشرع المغربي حماية لهذه الحقوق؟ و ما موقف القضاء االجتماعي منها؟
و هو ما سيكون موضوع تحليل في هذه الفقرة من خالل الوقوف عند الحماية القضائية
لحقوق األجير المتولدة عن عقد الشغل(أوال) ،و تلك المرتبطة بمزاولة األجير لشغله(ثانيا).
ال شك أن الحقوق الشخصية التي يقع المساس بها بمناسبة إبرام عقد الشغل ال تقع تحت
حصر ،إال أننا سنقتصر على البعض منها ،من خالل الوقوف عند الحماية القضائية للحقوق
المرتبطة بمظهر و اسم األجير ( ،)1و الحماية القضائية لبعض حقوقه األسرية (.)2
الشك أن كثر طالبي الشغل و ندرة فرص العمل قد شجعت المشغلين على الغلو فيما
يفرضوه على األجراء من شروط ،هذه األخيرة و نظرا لكثرتها ،سنقتصر فقط على تلك التي
تهم المس بحرية األجير في اختيار المظهر الذي يكون عليه في عمله(أ) ،و كذا االسم الذي
يجب أن يستعمله(ب).
الشك أن قرار المجلس األعلى عدد 1300السابق الذكر ،يعتبر سابقة قضائية في
توفير الحماية للحقوق الشخصية لألجراء ،التي ال طالما كانت مستجابة من قبل المشغلين،
األمر الذي دفع المشرع المغربي إلى تضمين مدونة الشغل عدة مواد تهدف و إن كان ذلك
بشكل محتشم إلى حماية هذه الحقوق.
بداية ،يمكن القول بأن القرار المذكور ،قد رسم خطا فاصال بين األجير خارج إطار
تنفيذ عقد الشغل ،و ما يستتبع ذلك من انتفاء سلطة المشغل ،و بين األجير خالل وقت و مكان
- 568باستثناء األجراء ذوي الكفاءات العالية الذين يستطيعون فرض شروطهم.
213 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تنفيذ عقد الشغل ،حيث ضرورة االمتثال ألوامر رب العمل ،مادامت السلطة تمارس من
طرف هذا األخير في حدود الشرعية.
فالمش رع عندما ينظم و القضاء عندما يراقب ،كال منهما يحاول ترك الحياة الشخصية
لألجير بمعزل عن مراقبة المشغل ،فالتزامات األجير ينبغي حصرها فيما له عالقة بتنفيذ
الشغل ،و لهذا فاالنطالقة تتجسد في كون التبعية ال تمتد إلى التدخل بإعطاء األوامر خارج
أوقات الشغل ،أو أثن اءه في بعض األحيان ،إذ ما تبين أن سلوك األجير الئق و يناسب اإلطار
الذي تمارس فيه أنشطة المؤسسة ،و إرغام بعض المؤسسات لألجيرات على عدم ارتداء
الجلباب أثناء العمل ،هو أمر يدخل في الواقع ضمن سلطة المشغل غير المشروعة،569
فاختيار المظهر ،من حيث المبدأ هو حق لألجي ر له الحرية في أن يختار المظهر الذي يرى
أنه يناسبه ،و ال يمكن للمشغل أن يتدخل في ذلك كأن يفرض على األجير إتباع أسلوب معين
في اللباس أو المحافظة على وزن أو شكل جسم معينين مادام أن ذلك ال يسبب أي ضر مهم
للمشغل.
هكذا ،فمسألة الموازنة بين مصالح المشغل و األجير هي من المسائل الواقعية التي
تخضع للسلطة التقديرية للقاضي االجتماعي ،هذا األخير الذي يجب في اعتقادنا بلورة للطابع
الحمائي لمدونة الشغل ،أن يسير في اتجاه عدم اعتبار أن مظهر األجير من حيث المبدأ سببا
للفصل.
و هو ما رسخه القضاء الهندي ،ففي قضية عرضت على هذا القضاء أمرت محكمة
هندية شركة للطيران الهندية" "AIRE INDIAالتي تديرها الدولة بإعادة مضيفة جوية إلى
شغلها بعد أن فصلتها الشركة لكونها ممتلئة بصورة زائدة ،كما أمرت هذه المحكمة بتغيير
عمل المضيفة و نقلها إلى األشغال األرضية و دفع أجرها منذ فصلها من الشغل اعتبارا من
570
سنة .2001
- 569محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب على ضوء مدونة الشغل" ،م س ،ص .401
- 570مقال تحت عنوان":منوعات" ،جريدة المساء اليومية ،ع ،13/4الثالثاء ،2010/11/14ص .16
214 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و بذلك يكون القضاء الهندي قد اعتبر أن مظهر األجير ال يمكن أن يعتبر مبررا كافيا
للفصل ،اللهم إذا كان من شأن هذا المظهر أن يحدث ضررا للمشغل.
و هو نفس التوجه الذي سار عليه قضاء المجلس األعلى في قرار له أنه ":لئن كان
نظام العمل داخل المقاولة يفرض على العاملين وضع قبعة واقية على الرأس ،فإن تقيد
األجيرة بما فرض عليها ،مع ارتدائها أيضا سترة للرأس التزمت بها كطريقة خاصة في
لباسها ،ال يشكل إخالال بذلك النظام ،و من تم فإن مطالبتها من طرف المشغل بإزالة
الحجاب الموضوع على رأسها يعد مساسا بحريتها ،مادام لم يثبت ان لباسها على النحو
المذكور يحول دون قيامها بعملها على الوجه المطلوب ،أو أنه يعرقله بأي شكل من
األشكال ،و أنه أمام تمسك األجيرة بممارستها حريتها في لباسها فإن مغادرتها لعملها ،إن
تمت من قبلها أمام إصرار المشغل على موقفه تعتبر طردا مقنعا من عملها تستحق معه
التعويضات التي يخولها قانون الشغل عن الفسخ لعقد الشغل".571
و ذهبت محكمة النقض في قرار 572أخر أن منع األجير من االلتحاق بعمله ما لم يخلع
القبعة هو إنهاء للعقد الرابط بينهما بإرادة منفردة للمشغل ،طالما أن خلع هذه القبعة فيه
إضرار بصحته ،و مغادرته مبررة و أنها طرد مقنع ،و جاء في تعليله... ":ذلك أن الثابت
لقضاة الموضوع أن الطالب تمسك بكونه التحق بعمله بعد توقيفه و بعد توصله باإلنذار
بالرجوع إلى عمله ،إال أن المطلوبة فرضت عليه خلع القبعة من رأسه بعلة أن القانون
الداخلي يمنع عليه ذلك ،غير أنه و نظرا لكون ذلك يلحق ضررا بصحته فقد امتنع عن ذلك،
و أدلى بشهادة طبية...تؤكد أن حالته الصحية ال تسمح له ببقاء رأسه عاريا ،مما يجعل
موقفها المتمثل في منعه من وضع القبعة مسا بصحته ،إال أن القرار المطعون فيه اعتبر
مع ذلك مغادرة الطالب لعمله التلقائية ثابتة في حقه استنادا لشهادة الشهود المستمع
- 571قرار للمجلس األعلى ،عدد ،1016بتاريخ 9دجنبر ،2010في الملف االجتماعي عدد
،2009/1/5/600نشرة قرارات المجلس األعلى المتخصصة ،الغرفة االجتماعية ،السلسلة ،2الجزء
السابع ،مطبعة األمنية الرباط ،ماي ،2011ص .35-34
- 572قرار محكمة النقض ،عدد ،2374بتاريخ ،2012/12/6في الملف االجتماعي عدد ،2012/5/567
غير منشور.
-قرار للمجلس األعلى ،عدد ،165بتاريخ ،2010/2/18في الملف االجتماعي عدد ،2009/1/5/454
منشور بمجلة الحقوق ،ع ،2015 ،10ص .225
215 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إليهم...مع أن هذه المغادرة ترجع إلى رفض المشغلة لقيام الطالب بعمله مستعمال للقبعة
أثناء العمل ،و من تم فإصرار المطلوبة على خلع القبعة للطالب يشكل إنهاء للعقد الرابط
بينهما من طرفها و طردا مقنعا يرتب مسؤوليتها."...
و من تم يفهم ما أورده ا لقرار المذكور من ضوابط قيد بها ممارسة تلك الحرية و هي
عدم عرقلة العمل أو التقصير في أدائه على الوجه المتفق عليه في عقد الشغل ،مع اإلشارة
إلى أن عبء إثبات واقعة التقصير أو عرقلة العمل ،أي إثبات عنصر الضرر يقع على عاتق
573
المشغل.
لذلك ،يمكن القول بان سلطة المشغل قد تتسم بالشرعية عندما يكون مثال اللباس الذي
ترتديه األجيرة من شأنه أن يحدث خلال في السير العادي للمؤسسة فيما بين األجراء او بين
األجير المخل بأبسط صور الهندام و الزبناء ،و هذا ما سارت عليه محكمة االستئناف بنانسي
في قرارها الصادر بتاريخ 29نونبر 1982حينما اعتبرت عدم ارتداء رافعة
النهدين" "Soutien Gorgeتحت قميص شفاف أمر مخالفا لآلداب و األخالق الحميدة ،و
أن ذلك أثار خلال بالمؤسسة نتيجة تردد بقي األجراء على مكتب هذه األخيرة بكثرة.574
و هكذا ،يبقى للقضاء االجتماعي في إطار سلطته التقديرية ،الموازنة بين المصالح
المشروعة للمشغل و حقوق األجير المرتبطة بشخصيته مع اآلخذ بعين االعتبار الطابع
الحمائي لقانون الشغل و الضرورة االجتماعية و االقتصادية لحماية األجير.
ب :حق األجير في اختيار اسمه
غني عن البيان ،أن لكل فرد اسم ينفرد به تمييزا له عن غيره من األفراد ،و يمنع
اخت الطه و اشتباهه بهم ،فاالسم يعتبر حقا من الحقوق الشخصية باعتباره الوسيلة التي تمكن
575
الشخص من تمييز ذاته و تفادي االختالط بينه و بين غيره في هذا المجال.
- 573محمد المجدوبي":إنهاء عقد الشغل بسبب ارتداء الحجاب في مكان العمل" ،مقال منشور بنشرة
قرارات المجلس األعلى ،م س ،ص .39
574
- Bemer Jenn Louis, L'absence de soutien Gorge est un motif de licenciement,
le Monde 1 décembre1982, P14.
- 575محمد بنحساين":عقد العمل و حماية حقوق األجراء الشخصية" ،م س ،ص .19
216 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إال أن المالحظ تفشي ظاهرة المس و االعتداء على هذا الحق في مجال عالقات الشغل،
السيما من قبل شركات االتصال و الخدمات المعلوماتية ،حيث تفرض على األجيرات
اللواتي يشتغلن لديها كمراسالت هاتف" "Opératriceأن تتقمصن اسما أجنبيا إليهام
الزبون بأن المكالمة تجري من أوربا أو أمريكا و ليس المغرب.
فقد سبق ألحدى الصحف الوطنية أن أوردت خبر أجيرة بمركز تكنو بارك بالدار
البيضاء ،تجبر على تقديم نفسها للزبناء باسم "كاترين لوبالن" عوض "مريم اإلدريسي"
الذي هو اسمها الحقيقي.
و إذا كان الحق في االسم يعتبر حقا من الحقوق الثابتة لكل إنسان فإن هذا سوف
يترتب عليه أن اشتراط المشغل على أجير تغيير اسمه لالشتغال لديه ،أن يعتبر هذا الشرط
باطال استنادا للفصل 109من ق ل ع ،و لكن دون تطبيق الشطر الثاني من الفصل المذكور،
و القاضي ببطالن االلتزام المقترن بالشرط المانع من مباشرة الحقوق و الرخص الثابتة لكل
إنسان إذ في هذه الحالة يجب تكييف القاعدة العامة الواردة في الفصل 109بما يتالءم و غاية
576
قانون الشغل المتمثلة في حماية األجير.
و ذلك على غرار قضية المضيفات الجوية السالفة الذكر ،حيث يتعين على القضاء أن
يعتبر شرط تغيير اسم األجير باطال دون أن يؤدي إلى بطالن االلتزام المعلق عليه إن كان
من شأنه االنتقاص من حقوق األجير أي استنادا إلى مفهوم النظام العام االجتماعي.
ال شك أن الحماية التشريعية و القضائية في مجال الحقوق الفردية لالجير تعدت الحق
في الزواج(أ ) ،لتهم أيضا حق األمومة الذي يفترض إعمال حماية خاصة لألجيرة الحامل،
التي قد يستغل المشغل فرصة وقعها حبلى للتحلل من التزاماته العقدية و فصلها من
الشغل(ب).
- 576محمد بنحساين":عقد العمل و حماية حقوق األجراء الشخصية" ،م س ،ص .22
217 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إذا كان من المسلم به مبدئيا أن األجير يسترجع كامل حريته بمجرد انتهاء وقت العمل،
و خروجه من المؤسسة ،على اعتبار أن تبعيته و خضوعه للمشغل ،ال تتم إال في الحدود
الزمكانية لتنفيذ عقد الشغل ،فإن الواقع العملي يكشف أن المشغل يتدخل في أحييان كثيرة
حتى خارج إطار تنفيذ العقد نفسه ،فيفرض على األجير شروطا تخرج عن أداء العمل بمعناه
الضيق ،لتتعداه إلى حياة األجير الشخصية ،التي بداهة تخرج عن مهنته و ذلك كحقه في أن
577
يتزوج و يكون له أوالد.
غير أن المجلس األعلى عند نظره في تلك النازلة أقر بطالن شرط عدم الزواج وحده
دون االلتزام المعلق عليه ،حيث جاء في قراره أنه ":لئن كان الفصل 109من قانون
االلتزامات و العقود ينص على بطالن االلتزام المقترن بشرط من شأنه أن يمنع أو يحد من
مباشرة الحقوق و الرخص الثابتة لكل إنسان كحقه في أن يتزوج ،و حقه في أن يباشر
حقوقه المدنية ،فإن هذا الشرط يكون باطال و ال يؤدي إلى بطالن االلتزام الذي يعلق عليه
إذا كان من شأنه اإلنقاص من حقوق األجير ،لذلك فإن المحكمة كانت على صواب عندما
اعتبرت أن شرط عدم الزواج الذي التزمت به المطلوبة في النقض يعتبر باطال ،و يبقى
العقد صحيحا و رتب على ذلك آثار الفسخ التعسفي لعقد العمل الصادر بإرادة منفردة من
- 577عز سعيد":العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .96
- 578محمد بنحساين":عقد العمل و حماية حقوق األجراء الشخصية" ،م س ،ص.152-151
218 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
جانب الطاعنة ،فكان بذلك قرارها معلال تعليال كافيا و صحيحا و لم تخرق الفصول المحتج
بها مما تكون معه الوسيلة غير مرتكزة على أساس".579
و إن كان قد أشار في قراره إلى الفصل 109من قانون االلتزامات و العقود ،فهو لم
يعتمد عليه منفردا لتقرير صحة عقد الشغل ،ألن من شأن اعتماد هذا الفصل أن يحرم
األجيرة من أي تعويض ،اعتبارا لكونه يجعل من الشرط الباطل يؤدي تلقائيا إلى بطالن
االلتزام المعلق عليه ،و إنما عمد إلى تفسير نس الفسل 109بما يناسب مفهوم النظام العام
االجتماعي و ذلك حينما أشار إلى أن بطالن الشرط ال يؤدي إلى بطالن االلتزام الذي يعلق
عليه إذا كان من شأنه االنتقاص من حقوق األجير.
ذلك أن القضاء يميز بين مخالفة القواعد المتعلقة بالنظام العم المطلق ،و مخالفة القواعد
المتعلقة بالنظا م العام االجتماعي ،فإذا كان يرتب البطالن على مخالفة الطائفة األولى ،فإنه
يقرر جواز مخالفة القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام االجتماعي إذا كان ذلك لمصلحة
األجير ،حيث سبق لمحكمة النقض الفرنسية في إحدى قراراتها أن اعتبرت ":أن مخالفة
القواعد القانونية المقررة لمصلحة األجراء ال يترتب عليها البطالن إال إذا مست بمصلحة
هؤالء( )...فإنه ال يقبل من المؤاجر أن يثير بطالنا لم يتقرر إال لحماية األجير ،و بقدر ما
يمس حقوق هذا األخير".580
و بذلك يكون المجلس األعلى قد استطاع ،في غياب نص صريح في قانون الشغل ،أن
يقرر الحم اية للحق في الزواج باعتباره أحد حقوق األجراء الشخصية ،و هو ما دفع مشرع
مدونة الشغل إلى تضمين مجموعة من المبادئ التي سبق للقضاء أن أقرها.
هكذا نصت المادة 9من مدونة الشغل على منع كل تمييز بين األجراء من حيث الحالة
الزوجية يكون من شأنه خرق أو تحريف مبدأ كافئ الفرص ،أو عدم المعاملة بالمثل في
مجال التشغيل أو تعاطي مهنة ،السيما ما يتعلق باالستخدام ،و إدارة الشغل و توزيعه ،و
- 579قرار للمجلس األعلى ،عدد ،1300بتاريخ 20يوليو ،1983م س ،ص .204
580
- Cas, Soc, 12 février 1975,Bull, N 68, P 65.
أورده :محمد بنحساين":عقد العمل و حماية حقوق األجراء الشخصية" ،م س ،ص .153
219 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
األجر و رتب على مخالفة هذا المنع في المادة 12من م ش معاقبة المشغل بغرامة تتراوح
بين 15000و 30000درهم مع مضاعفتها في حالة العود.
كما حددت المادة 36من نفس المدونة مجموعة من األسباب ال يمكن اعتبارها مبررا
مقبوال التخاذ العقوبات التأديبية أو الفصل من الشغل ،و من ضمنها الحالة الزوجية أو
المسؤوليات العائلية ،ال أن هذه الحماية تعرف قصورا على مستوى اإلثبات ،ذلك أن مدونة
الشغل جاءت خالية من أي إشار ة لكيفية إثبات حالة التمييز التي قد يتعرض لها األجير أو
طالب العمل ،عكس ما عليه األمر تشريعات أخرى كالقانون الفرنسي.581
فالمشرع الفرنسي كان واعيا بصعوبة اإلثبات التي قد تعترض األجير أو طالب العمل
الذي يكون ضحية تمييز بسبب حالته الزوجية ،حيث يكفيه تقديم العناصر الواقعية التي تمكن
من افتراض وجود تمييز بسبب هذه الحالة أو غيرها من الحاالت الواردة في الفصل L122-
582
،45ليصبح المشغل ملزما بإثبات أن قراره كان مبررا بعناصر ال تتضمن أي تمييز.
و إذا كان يصعب حماية الحق في الزواج وفق قواعد مدونة الشغل ،بسبب صعوبة
إثبات التمييز على أساس الحالة الزوجية ،فإن حقوقا شخصية أخرى قد يقع المساس بها في
عالقة الشغل تظل بدون حماية بسبب غياب نص عام يحمي كافة الحقوق الشخصية.
و قد تعدت الحماية التشريعية و القضائية مجال الحقوق الفردية ،لتهم أيضا حق
األمومة الذي يفترض إعمال حماية خاصة لألجيرة الحامل ،التي قد يستغل المشغل فرصة
وقعها حبلى للتحلل من التزاماته العقدية و فصلها من الشغل.
ب :األجيرة الحامل
يقصد باألجير المحمي هو ذلك الذي أفرد له المشرع قواعد قانونية خاصة تنظم
مسطرة إنهاء عقد شغله و تحدد المراحل التي يتعين اتباعها قبل اإلقدام على ذلك ،و ذلك إما
لصفة فيه أو بالنظر لوضعية صحية يوجد عليها ،583كما هو الشأن بالنسبة لألجيرة الحامل.
220 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فطبقا لمقتضيات المادة 159من مدونة الشغل ،فإنه ال يمكن إنهاء عقد شغل األجيرة
التي ثبت حملها بشهادة طبية سواء أثناء الحمل أو بعد الوضع بأربعة عشر أسبوعا ،كما ال
يمكن للمشغل إنهاء عقد شغلها أثناء فترة توقفها عن الشغل بسبب نشوء حالة مرضية عن
الحمل أو النفاس تثبتها بشهادة طبية ،لكن في حالة ارتكابها خطأ جسيما ،فإنه يمكنه إنهاء عقد
شغلها شريطة عدم تبليغها قرار اإلعفاء أثناء فترة توقف عقد الشغل و هي الفترة المحددة في
سبعة أسابيع قبل الوضع و سبعة أسابيع بعد الوضع ،و من حقها أال تستأنف العمل بعد انتهاء
األربعة عشرا أسبوعا ألجل تربية أوالدها شريطة أن تشعر المشغل بذلك في أجل أقصاه
خمسة عشر يوما من انتهاء إجازة األمومة ،و في هذه الحالة فإن فترة توقف العقد ال تتجاوز
تسعين يوما.
كما أن قد المشرع حدد صراحة جزاء خرق هذه المقتضيات ،عندما اعتبر في الفقرة
األخيرة من المادة 159أن اإلنهاء خالل فترات توقف العقد غير ذي أثر ،فضال عن ترتيبه
جزاء زجريا على خرق هذه القواعد فعاقب المشغل بذلك بغرامة تتراوح من عشر آالف إلى
عشرين ألف.
غير أن الحماية المقررة لألجيرة الحامل مشروط من جانب أول ،بإثبات األجيرة حملها
بشهادة طبية ،ال غير ،كما يتبين ذلك من المادة ،159و من جانب ثان ،أال ترتكب هذه
األخيرة خطأ جسيما يحملها على إنهاء عقد شغلها من قبل المشغل.
- 584قرار محكمة االستئناف بالرباط ،عدد ،323بتاريخ ،2007/4/24ملف رقم ،2006/15/795أورده
عديل هتوف و صوابني عبد اإلله ،م س ،ص .48
221 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إال أن الحظر المنصوص عليه في المادة 159من مدونة الشغل إنما يكون حال إنهاء
الع قد تعسفيا و هو ما ال يمكن تصوره إذا كان اإلنهاء بتراضي طرفي العقد ،إذ ذهبت محكمة
النقض إلى أن اتفاق الطرفين أمام مفتش الشغل و الذي حرر بشأنه محضر وقعه الطرفان و
صادقا على صحة توقيهما لدى من يجب ،و تسلم األجيرة لكافة مستحقاتها ،أنه يعتبر منهيا
للعالقة الشغل ية ،و ال يمكن الطعن فيه أمام القضاء و ال يعتبر باطال بدعوى إبرامه أثناء
الحمل.585
هكذا ،نالحظ أن العناية التشريعية باألجيرة الحامل هي بالتبعية عناية بالطفل ،و هو ما
حاول القضاء تكريسه من خالل تمتيع المرأة الحامل بكامل حقوقها ،و من تم ،فالحماية
المذكورة هي مج رد تمديد للقواعد المنظمة و المدافعة عن المؤسسة العائلية ،و بشكل أوسع
مؤسسة الطفل.586
ثانيا :اجتهادات القضاء االجتماعي لحماية بعض الحقوق الشخصية أثناء مزاولة
األجير لشغله
سنقف عند المراقبة الطبية المضادة و المس بالحياة الخاصة لألجير في ( ،)1و
اإلجراءات التميزية و عرقلة تمثيل األجراء(.)2
عمد المشرع إلى وضع نظام خاص للحد من اآلثار السلبية التي يخلفها مرض األجير،
و ذلك عن طريق االستفادة من العناية الطبية ،و تقاضي تعويضات يومية خالل مدة
المرض ،وفق ضوابط معين ة ،يقوم المشغل بأدائها ،خاصة و أن المرض ليس عائقا يعطل
موضوع عقد الشغل فقط و لكن يشكل خطورة على االستقرار المالي لألجير ،و حماية
- 585قرار محكمة النقض ،عدد ،234بتاريخ 08مارس ،2017في الملف االجتماعي عدد
،2016/2/5/560نشرة قرارات محكمة النقض ،ع ،31م س ،ص .72
- 586في هذا اإلطار نص المبدأ الرابع من إعالن حقوق الطفل الذي تبنته جمعية األمم المتحدة منذ شهر
نوفمبر ":1959يجب أن تتاح للطفل التمتع بمزايا األمن االجتماعي ،و أن يكون له الحق في أن ينشأ و
ينمو في صحة و عافية ،و تحقيقا لهذا الهدف يجب أن تمنح "الرعاية و الوقاية له و ألمه قبل والدته و
بعدها"و ينبغي أن يكون للطفل ،الحق في التغذية الكافية ،و المأوى ،و الرياضة ،و العناية الطبية".
222 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
لألجير المريض اعتبر المشرع و أكد القضاء االجتماعي أن مرض األجير المثبت قانونا
يوقف عقد الشغل مؤقتا طبقا لما تنص عليه المادة 32من م ش ،و ال يمكن أن تتخذ أي
عقوبة تأديبية في حق األجير المريض أثناء توقفه عقد عمله المبرر ،و كل فصل خالل الفترة
المذكورة يكون فصال تعسفيا.587
غير أن االستفادة من هاته االمتيازات ،التي تؤمن على األقل ،اجر المريض بحسب
أقدميته ،و وفق نسبة هاته األقدمية ،قد تنبني على تصريحات غير حقيقية ،و مغشوشة بقصد
التغيب دون التعرض الحتمال الفصل من العمل ،و قد أدى ذلك بالمشغلين إلى تضمين
االتفاقات الجماعية التي يبرمونها مع نقابات العمال شرطا يخولهم حق فحص مضاد على كل
أجير ثارت حوله الشكوك بخصوص صدق مزاعمه ،و ذلك عن طريق عرضه على طبيب
مراقب.
و نجد المشرع قد أقر بموجب الفقرة الثانية من المادة 271أنه ":يمكن للمشغل أن يعهد
على نفقته ،إلى طبيب يختاره بنفسه ،بأن يجري على األجير فحصا طبيا مضادا ،داخل مدة
التغيب المحددة في الشهادة الطبية المدلى بها من قبل األجير" .فيثار التساؤل حول مدى
شرعية إجراء هاته الفحوص المضادة ،و ما إذا كانت تشكل في حد ذاتها خرقا للحياة
الخاصة لألجير؟ لقد عرفت هذه المسألة تنوعا قضائيا تأرجح بين الرفض و القبول.
في هذا اإلطار ،ذهب المشرع إلى أنه يمكن للمشغل أو مؤمنه أن يعين طبيبا واحدا
مختصا أو عدة أطباء مختصين من أجل إطالعه على الحالة الصحية للمصاب خالل فترة
العالج ،و يمكن للطبيب أو األطباء المعينين إجراء مراقبة طبية على المصاب بحضور
الطبيب المعالج بعد إشعارهما بذلك برسالة مضمومة مع اإلشعار بالتوصل قبل تاريخ إجراء
المراقبة بخمسة أيام على األقل.588
- 587قرار محكمة النقض ،عدد ،233بتاريخ 08مارس ،2017في الملف االجتماعي عدد
،2016/2/5/554نشرة قرارات محكمة النقض ،ع ،31م س ،ص .69
- 588المادة 26من القانون رقم 12-18المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل ،ظهير شـــريف رقــــم
،190-14-1صادر في 6ربيع األول 29( 1436ديسمبر ،)2014الجريدة الرسمية عدد 6328بتاريخ
فاتح ربيع اآلخر 22( 1436يناير ،)2015ص 489
223 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
إال أن المشرع منح المشغل حق تقديم طلب إيقاف أداء التعويضات اليومية لألجير
الممتنع عن إجراء المراقبة الطبية في ميدان حوادث الشغل و األمراض المهنية ،589عن
طريق مسطرة مجانية ،و في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ،حيث يصدر فيها قاضي
المستعجالت أمرا معلال ،و انتهائيا بذلك ،و هي نتيجة اعتباطية ،على اعتبار أن مرض
األجير لم يعد يشكل جوهر الخالف ،و من تم فشهادة الطبيب المعالج قد توجد دون أن تكون
لها عالقة مع حالة األجير المرضية ،في حين أن المراقبة المضادة للمشغل ،قد تحرم األجير
من تقاضي تعويضاته اليومية ،فقط لمجرد امتناعه عن خوضها.
و لعل حرمان األجير من التعويضات اليومية ،يطرح مسألة القيمة الثبوتية لكل من
شهادة الطبيب المعالج و الطبيب المراقب ،و مدى حجية كل منهما أمام األخرى ،فاعتبار
الفحص المضاد إثباتا مضادا يدحض إثبات األجير ،يجعل التدليل بالشهادة األولى تدليال
بسيطا ،خاصة أمام عدم وجود أي نص قانوني يقرر حجيتها ،و إن كان البعض اعتبرها
بمثابة بداية حجة ،يجوز تكملتها عن طريق المراقبة المضادة؛ و يكتسي الفحص المضاد من
جهة أخرى في حالة تضمينه في اتفاقية جماعية صفة شرط إضافي و ليس نموذجا لإلثبات
590
وضعه األطراف للرجوع إليه.
كما ذهبت األستاذة CATALAبأن تفضيل شهادة الطبيب المراقب ،و منحها قوة
ثببوتية أكبر من شهادة الطبيب المعالج يشكل إقرارا خطيرا في نظام ليبرالي ،بكون الشهادة
األولية ال تثبت شيئا ،و هو نفس االستنتاج الذي يمكن إعماله بالنسبة لشهادة الطبيب
المراقب ،مما يثير إشكالية الوصف الواجب إعطاؤه لهاته الشواهد المتعارضة.591
- 589المادة 27من قانون ":18-12يجب على المصاب االستجابة للمراقبة الطبية بعد توجيه إشعار ثان
طبق الشروط و اآلجال المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 26أعاله تحت طائلة إيقاف
التعويض ،ما لم تحل دون ذلك قوة قاهرة أو أسباب مشروعة.
و يتم توقيف أداء هذا التعويض بعد توصل المصاب برسالة معللة مضمونة الوصول مع اإلشعار
بالتوصل من قبل المشغل أو مؤمنه داخل أجل الخمسة أيام الموالية للتاريخ المحدد في اإلشعار الثاني
إلجراء المراقبة الطبية."..
- 590عز سعيد ":العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص.89
- 591المرجع نفسه ،ص .90
224 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و نظن أن للمحكمة إجراء خبرة ثالثة ،تكون الفاصل في الحكم ،و إن كان الشك يجب
أن يفسر لفائدة الطرف الضعيف في العالقة ،و من تم القول بترجيح شهادة الطبيب المعالج،
كما إذا شهد الطبيب أو األطباء المعينون إلجراء المراقبة الطبية ،بأن األجير قادر على
استئناف عمله و نازعه في ذلك هذا األخير أو الطبيب المعالج وجب إجراء مراقبة طبية من
طرف طبيب خبير مختص.592
هكذا ،يتضح لنا أنه ليس هناك أي تحليل قانوني متناسق ،بين االتجاه المؤيد أو
المعارض للفحص الطبي ،قادر على التوفيق بين المنطقين الحاضرين ،منطق حماية حقوق
األشخاص ،عن طريق إقرار مفاهيم كالشخصية و القرار الطبي ،و الحق في الصحة ،و عدم
التمييز ،و حماية الحياة الخاصة ،و منطق المشرع الذي اعتمد النص القانوني أو االتفاقي،
إلقرار شرعية الفصل حالة عدم امتثاله.
أ مام تطور مؤسسات الشغل تطورت العالقات المهنية ،كما أن تعدد المؤسسات و
تشكيل األجراء في المؤسسة الواحدة أدى إلى إيجاد نوع من التضامن العمالي ،و من تم
ظهرت الحاجة إلى إحداث هيئات للدفاع عن مصالح األجراء ،593تمثلت في بداية األمر في
النقابة ،و على اعتبار أن النقابة كهيئة تمثيلية لألجراء ال توجد في جميع المؤسسات ،فقد
سمح المشرع لألجراء بانتخاب ممثلين عنه بالمؤسسة و هم من يعرفون بمندوبي األجراء،
كما يمكن لهؤالء المندوبين ،و بشروط معينة ،انتخاب بعضهم أعضاء في لجنة المقاولة التي
جاءت بها مدونة الشغل(المادة .)464
و إذا كان القضاء كأصل عام حرم على المشغل التدخل في حياة األجير الشخصية
خارج حق المؤسسة ،المكان التقليدي لتنفيذ عقد الشغل ،حيث يسترجع هذا األخير كامل
حريته ،فإن هذا القضاء أيضا و بمساندة تشريعية أحيانا ،أخرج بعض الحاالت األخرى ،و
لو أنها تتعلق بعناصر مهنية لها ارتباط بشغل األجير ،عن مبدأ الخضوع لسلطة المشغل ،و
225 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
يتعلق األمر ببعض الحقوق المعترف بها لألجراء ،كالحق النقابي ،و حق التمثيل الجماعي،
و التي بتحليلها بشكل إيجابي ،فإنها تصبح بمثابة اعتراف مقابل لحرية فردية لمصلحة
األجير ،و ال أدل على ذلك من الحق النقابي مثال ،الذي يمنع التمييز النقابي من قبل
المشغلين ،مما يعد بمثابة اعتراف بالحرية النقابية كحرية فردية.
و من الالفت للنظر ،أن هذا الطابع الفردي يخص كل األجراء نظرا لمحدودية النشاط
الجماعي في الكثير من المؤسسات االقتصادية في المغرب لصغر حجمها من جهة ،و
لضعف التأطير النقابي من جهة ثانية ،و من تم فممارسة هذا الحق ال يمكن ان يتم إال
خارج المؤسسة.
و نظرا للعراقيل التي يمكن أن يحدثها المشغل للوقوف أمام أي تنظيم نقابي داخل
أرضية تنفيذ الشغل و مكانه ،و التي يمكن أن تطال األجير الممثل ،الذي يتمتع في هاته
الحالة بصفة مزدوجة ،كأجير عادي و كممثل لألجراء ،نجد أن المشرع المغربي تدخل
بمقتضى عدة نصوص تشريعية ،لحماية المؤسسات التمثيلية ،و هو أسلوب حمائي يتوافق
و طبيعة العالقة المنسوجة التي تجمع األجير الممثل بمشغله ،و هي حالة قانونية تجمع
الضدين ،فلكي يتقدم لالنتخابات و التعيين يجب أوال أن تكون له صفة أجير في المؤسسة،
أي له روابط عقدية مع المشغل ،و هذا التعيين و االنتخاب ،ينجم عنهما حالة قانونية
أخرى ،لها طابع نظامي يجمع الطرفين.
و عليه يثار التساؤل حول كيفية تجنب المشغل استعمال حقوقه العقدية التي من شأنها
منع األجير من ممارسة مهامه النيابية؟ و أهمية التساؤل تكون في كون الممثل عندما يمارس
نيابته ،فإنه يتحرر من سلطة المشغل ،مما قد يعطي االنطباع بقيام فوضى داخل المؤسسة ،و
هو ما ال يمكن أن يقره المشغل.
من هنا تظهر أهمية الحماية التشريعية و القضائية لهاته الحرية األساسية ،فمشرع
القانون رقم 65-99بشأن مدونة لشغل لئن كان قد كفل للطبقة العاملة مجموعة من الحقوق،
فإنه قد خص من بينها فئة مندوبي األجراء و الممثلين النقابيين بحماية إضافية مؤكدا في
226 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
سبيل األخذ بها على إعمال ما تضمنته مقتضياته ،إضافة إلى ما جاءت به االتفاقيات و
594
المواثيق الدولية في هذا الشأن.
فتشكل حماية األجراء الحاميلين لصفة مندوب أجراء أو ممثل نقابي حماية إضافية ،و
ضمانة و درع ضد قرارات المشغل التعسفية القاضية بالفصل ،بحيث أوجبت المادة 457من
مدونة الشغل ،أن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل اتخاذه في حق مندوب األجراء أو
الممثل النقابي موضوع مقرر يوافق عليه لعون المكلف بتفتيش الشغل ،و كرس القضاء هذه
القاعدة عمليا من خالل العديد من القرارات الصادرة عنه ،نشير منها إلى القرار الصادر عن
المجلس األعلى الذي جاء فيه ما يلي":حيث تبين صحة ما عابته الطاعنة على القرار ،ذلك
أنه عمال بمقتضيات المادة 459من م ش ،فإنه يتعين على المشغل في حالة ارتكاب األجير
خطأ جسيما الذي له صفة مندوب الشغل ،فإنه يتعين على المشغل في حالة ارتكاب األجير
خطأ جسيما الذي له صفة مندوب لألجراء أن يقرر التوقيف المؤقت في حقه و أن يشعر
العون المكلف بتفتيش الشغل باإلجراء التأديبي المتخذ في حقه ،على أن يقوم هذا األخير
باتخاذ قراره بذلك إما بالموافقة أو بالرفض داخل أجل 8أيام الموالية لإلشعار و أن يكون
معلال" ،و لم يكتف بتأكيد القاعدة فقط بل رتب جزاء البطالن على خرقها ،بالرغم من أن
المشرع لم يقرر ذلك ،معتبرا أن إجراء أخذ رأي مفتش الشغل يعد من النظام العام.
كما يخضع القرار الصادر عن مفتش الشغل ،سواء بالموافقة أو الرفض على اإلجراء
التأديبي المتخذ في حق مندوب األجراء أو الممثل النقابي ،للطعن فيه من طرف المتضرر
595
أمام المحكمة اإلدارية ألن األمر بتعلق بقرار إداري.
فالقضاء عمل على تكريس هاته الحماية من خالل التصدي لكل إجراء تمييزي ضد
النقابي أو ممثل األجراء و هو موقف محمود سلكه القضاء المغربي في عدة مناسبات ،مكنه
من وضع حد لمساوئ االستخدام المباشر .إال أن المشرع المغربي كان عليه أن يضع نصا
- 594قرار المجلس األعلى ،عدد ،306بتاريخ ،2010/4/8في الملف االجتماعي عدد ،2009/1/5/498
قرارات محكمة النقض ،ع ،18م س ،ص .230
- 595قرار محكمة ،عدد ،1194بتاريخ 12شتنبر ،2013ملف اجتماعي عدد ،2012/2/5/1664نشرة
قرارات محكمة النقض ،السلسلة ،3الجزء ،13م س ،ص .68
227 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
قانونيا جامعا مانعا و صريحا يحمي سائر الحقوق الشخصية في عالقة الشغل ،ألنه إذا كان
القضاء من خالل القرار 1300السالف الذكر ،قد ذهب في اتجاه حماية األجراء استنادا
لمفهوم النظام العام االجتماعي ،596فإنه ليس هناك ما يمنع من تراجع هذا القضاء عن موقفه
السابق ،و بالتالي تطبيق الفصل 109من ق ل ع بشكل حرفي و هو ما سيؤدي إلى
اإلضرار باألجير
الفقرة الثانية :االجتهاد الحمائي لألجير عند تعديل عقد الشغل بإرادة منفردة
للمشغل
إذا كان المشرع قد خول للمشغل جميع الصالحيات و السلط الممكنة إلدارة مشروعه و
السهر على نجاحه ،فإن القضاء عمل على بلورة مفهوم جديد مفاده أن المشغل ليس هو الحكم
الوحيد في المؤسسة ،إنما يمارس سلطاته تحت رقابة القضاء ،597و إن كان األصل ،أن
العالقة بين المشغل و أجيره ينشئها و ينظمها العقد الذي يبرم برضاهما ،598لذا احتل
موضوع تعديل عقد الشغل حيزا كبيرا من اهتمامات الفقه و القضاء في السنوات األخيرة،599
و مرد هذا اال هتمام إلى كون هذا التعديل ليس أمرا اختياريا ،و إنما هو أمرر مفروض على
228 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المقاولة في سياق بحثها الدائم عن تكييف قوة الشغل مع محيطها االقتصادي و االجتماعي،
من أجل مواجهة التحديات التي يفرضها اقتصاد السوق المرتكز على حرية المنافسة و
المبادرة الحرة.
و باعتبار أ ن االلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة
لمنشئيها ،و ال يجوز إلغاؤها إال برضاهما معا أو في الحاالت المنصوص عليها في
القانون ،600فتطبيق هذا المبدأ على عقود الشغل ينتهي بنا إلى منع المشغل من إدخال أي
تعديل بإرادته المنفردة على عقد الشغل .و هكذا يالحظ بأن هناك مصلحتين مختلفتين
تتجاذبين موضوع تعديل عقد الشغل ،فاألجير سيتمسك بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين و
يرفض كل تعديل يتم إدخاله من قبل المشغل على العقد ما لم يوافق عليه ،601خاصة إذا كان
يمس بحقوقه أو يحمله بالتزامات إضافية ،أما المشغل فهو يرى بدوره أن من حقه القيام
بإدخال تعديالت على عقد الشغل ،و ذلك استجابة لما قد تستلزمه الظروف االقتصادية و
التغيرات الهيكلية من وجوب إعادة تنظيم العمل بالمقاولة وفق ما تقتضيه مصلحة الشغل و
ازدهار المؤسسة ،و في هذا اإلطار نجد مدونة الشغل أقرت بموجب الفقرة الثانية من المادة
19أنه ":يحتفظ األجير المرتبط بعقد شغل غير محدد المدة والذي يتم نقله في إطار الحركة
الداخلية داخل المؤسسة أو المقاولة أو مجموعة المقاوالت كالشركات القابضة ،بنفس
الحقوق والمكاسب الناشئة عن عقد شغله وذلك بغض النظر عن المصلحة أو الفرع أو
المؤسسة التي يتم تعيينه بها ،وعن المهام المسندة إليه ما لم يتفق الطرفان على مزايا
أكثر فائدة لألجير".
229 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فبين حماية مصلحة المقاولة و حماية األجير يقف القضاء أمام معادلة صعبة ،تتطلب
منه تحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة ،602و يبدو أن هذه االعتبارات هي التي دفعت
ب القضاء االجتماعي إلى التدخل ألجل التوفيق بين المصلحتين المتعارضتين ،و محاولة رسم
الحدود الممكن في إطارها تعديل عقد الشغل ،بما يسمح للمقاولة التكيف مع الظروف المالية
و االقتصادية المحيطة بها ،و يوفر في ذات الوقت حماية فعالة لألجير من استغالل المشغل
لسلطته في اإلدارة و التنظيم ،و بحكم تطرقنا للتعديل الذي يهم األجر و مدة الشغل في الفصل
األول ،فتحليلنا في هذه الفقرة سينصب باألساس على تعديل مكان الشغل (أوال) ،و تعديل
نوع عمل األجير(ثانيا).
يلتزم األجير ،بمقتضى عقد الشغل ،عند قيامه بأداء العمل المتفق عليه ،باحترام
المقتضيات التي يقتضيها السير العادي للمؤسسة التي يعمل بها ،و أهمها ضرورة أن ينجز
عمله في المكان و الزمان المتفق عليهما بينه و بين المشغل ،603و إن كان المشرع المغربي
لم يشر إلى ذلك بصفة مباشرة و صريحة ،إال أن دراسة المادة 15من مدونة الشغل تقتضي
ضرورة احترام هذا المقتضى باحترام كافة الشروط المتعلقة بإنشاء عقد الشغل حسب
مقتضيات قانون االلتزامات و العقود.
و عموما ،فإنه ال يجوز تكليف األجير بالقيام بعمله إال في المكان المقرر لذلك ،فمتى
تضمن عقد لشغل تحديد مكان إنجازه ،فإنه يتعين على األطراف إنجاز الشغل في المكان
المعين في العقد ،و ال يجوز ألي طرف االنفراد بتعديله إال بموافقة الطرف اآلخر.
هذا ،و على خالف الحالة التي يتضمن فيها عقد الشغل شرطا يخول للمشغل نقل
األجير من مكان إلى آخر تبعا لحاجيات المقاولة ،أو كانت األعراف المهنية تقضي بذلك،
- 602محمد سعد جرني ":الطرد التعسفي لألجير في ظل مدونة الشغل و القضاء المغربي" ،م س ،ص
.322
- 603فريدة اليوموري":إشكالية تعديل عقد الشغل بين رأي الفقه و موقف القضاء" ،مقال منشور
بالمجلة المغربية لقانون األعمال و المقاوالت ،ع ،2011 ،18-17ص .20
230 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
فإن اإلشكال يدق حول مدى تخويل المشغل إمكانية من هذا القبيل في حال خلو العقد من مثل
هذا الشرط ،و ذلك في إطار سلطته التنظيمية؟
بداية ،األصل أن تحديد مكان تنفيذ الشغل ال يحول دون المشغل و تغيير ذلك بمقتضى
سلطته التنظيمية في اإلدارة و اإلشراف طبقا لحاجة و ظروف اإلنتاج ،و بما يراه كفيل
لتحقيق مصلحة العمل بغير قصد اإلساءة إلى األجير طالما أن التغيير الذي يجريه ليس فيه
ما يتعارض مع القانون.
غير أنه لما كان من شأن هذا المقتضى أن يطلق الحبل على الغارب للمشغل في نقل
األجير من مكان آلخر ،و ما يترتب على ذلك من ضرر لألجير ،فإن القضاء يشترط لصحة
تغيير مكان العمل أال يكون هذا التعديل جوهريا ،و هو ما يطرح مشكل تحديد ما يعتبر
تعديال جوهريا لمكان العمل من عدمه.
في هذا اإلطار ،ذهبت محكمة النقض الفرنسية في اتجاه حري بالتأييد إلى أن تقدير ما
إذا كان مكان العمل يعد جوهريا من عدمه يقوم على تحري أثر التغيير على أعباء األجير
المأخوذة منه بعين االعتبار عند التعاقد ،بحيث يعد التعديل جوهريا كلما كان من شأنه زيادة
أعباء األجير ،و يدخل في االعتبار كذلك المسافة بين المكانين و زمن االنتقال ،و وسيلة
604
المواصالت و االمتيازات التعويضية التي يقدمها المشغل لتخفيف من أعباء تغيير المكان.
و في نفس اإلطار قضى المجلس األعلى بمشروعية قرار المشغل بنقل األجير مؤقتا
605
إلى مكان آخر مقابل منحه تعويضات ما دام خاليا من قصد اإلضرار باألجير.
أما في الحالة التي يكون فيها التعديل الوارد على مكان تنفيذ عقد الشغل من شأنه أن
يحمل األجير تكاليف إضافية ،فإنه يشترط موافقة األجير على هذا النقل ،و إال اعتبر ذلك
تعديال تعسفيا لعقد ال ينتج أي أثر ،و هو ما سبق أن أقره المجلس األعلى في إحدى قراراته
التي جاء فيها.." :نقل األجير من مدينة إلى أخرى و دون استفادته من هذا النقل...يعتبر
- 604زكريا الغماري":سلطة المشغل في التعديل االنفرادي لعقد الشغل :دراسة في ضوء العمل
القضائي" ،مقال منشور بمجلة القضاء المدني،ع ،2013 ،7ص .117
- 605قرار للمجلس األعلى ،بتاريخ ،1995/9/26ملف اجتماعي عدد ،92/8199مجلة اإلشعاع ،ع ،17
ص .117
231 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
ت عديال تعسفيا من طرف المشغل ،و بالتالي فإن امتناع األجير عن االلتحاق بمقر العمل
الجديد ال يعتبر خطأ فادحا منه يستوجب طرده" ،606و هو ما ذهبت إليه المحكمة االبتدائية
ببني مالل في حكم لها ،جاء فيه ":حيث التمست المدعى عليها اعتبار المدعية مغادرة
العمل بصفة تلقائية لكونها عرضت عليها االنتقال إلى مكان أخر (مدينة خريبكة) لالشتغال
بها و رفضت ذلك مما تكون معه غير مستحقة ألي تعويض.
و حيث ان المحكمة بعد اطالعها على وثائق الملف و محتوياته تبين لها خلو الملف
مما يثبت موافقة األجير المدعية على تغيير مكان عملها من مدينة بني مالل إلى مدينة
خريبكة األمر الذي تكون معه تسريحها على هذا النحو يعتبر طرد تعسفي على اعتبار أن
نقلها من مكان لألخر يترتب عليه تكاليف إضافية على أجرها الشهري".607
هكذا ،فأهم أثر ينشأ عن رفض األجير التعديل التعسفي هو إنهاء عقد الشغل ،و إذا
انتهى عقد الشغل بهذه الكيفية يصبح المشغل ملزما بتمتيع أجيره بتعويضات عن الضرر
608
الذي تسبب فيه التعسف في اإلنهاء.
إال أن إشكالية اآلثار المتمثلة في اعتبار التعديل تعسفيا أو مبررا ،تجرنا إلى تحليل
القرارات الصادرة عن محكمة النقض في الموضوع ،و هي تتطرق إلى جانب تغيير مكان
الشغل د اخل المدينة الواحدة أو بين عدة مدن؛ إلى تغيير مكان الشغل بصفة مؤقتة( ،)1علما
بان التغيير سواء بصفة دائمة أو تم في غياب أي اتفاق مسبق ينبغي أن يتميز عن تغيير مكان
الشغل من منطلق التدابير التأديبية(.)2
اختلف منظور رؤية قضاة محكمة النقض للتغيير الذي يتصف بالديمومة عن ذلك
التغيير الذي يتصف بطابع التأقيت ،ففي قرار صادر عن المجلس األعلى أكد على أن
- 606قرار للمجلس األعلى ،بتاريخ ،1990/09/24المجموعة الكاملة لقضاء المجلس األعلى ،ع ،46ص
.185
- 607حكم ابتدائية بني مالل ،رقم ،57بتاريـخ ،2013/05/13عــــدد ،2011/113غير منشور.
- 608عمر التيزاوي":مدونة الشغل بين متطلبات المقاولة و حقوق األجراء" ،الطبعة األولى ،دون ذكر
المطبعة ،يونيو ،2017ص .473
232 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
الصبغة المؤقتة للمهمة و التي تقضي بانتقال أجير إلى مدينة أخرى ،قصد القيام بمهمة ال
يشكل من حيث المبدأ عقوبة النقل من ورش آلخر ،و ال يدخل ضمن التدابير التأديبية ،ما لم
يثبت أن القصد من هذا اإلجراء هو اإلضرار باألجير ،و قد أكد ذات المبدأ في القرار عدد
، 830حيث ينعى هذا القرار على قضاة الموضوع عدم تمييزهم بين اإلعفاء المؤقت و
النهائي و أنهم لم يأخذوا بعين االعتبار إمكانية مطالبة األجير لمشغلته بوضع حد النتدابه،
متى تجاوز المدة لمسموح بها ،أي المتفق على قضائها بمدينة القنيطرة ،علما أن المشغلة
سبق أن انتدبته إلى إحدى فروعها بتونس ،خالل سنة ،1989و كذا إمكانية مطالبتها
609
بالمصاريف و التعويضات المترتبة عن إنجاز المهمة دون المساس بشروط العقد.
لكن يحق لنا في هذا اإلطار التساؤل حول الموافقة المسبقة لألجير على تعديل مكان
عمله بصفة مؤقتة؟
- 609عصام الوراي":حدود سلطة المشغل في تغيير مكان عمل األجير" ،مقال منشور بمجلة القضاء
المدني ،ع ،2010 ،2ص .100-99
233 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
في هذا اإلطار يجيبنا المجلس األعلى بقرار له مما جاء فيه...":أن العقد كان صريحا
في تشغيل الطاعن نائبا لمدير فندق حسان الموجود بالرباط ،و ال يوجد ضمن العقد بند
يسمح للمشغلة بنقل الطاعن لمدينة أخرى ،و قيام المشغلة بإعفاء الطاعن لعدم استجابته
لقرارها بنقله إلى زاكورة بمثابة خرق للفصل 230من ق ل ع".610
فالقضاء االجتماعي المغربي يعتبر موافقة األجير المسبقة على قبول تعديل المشغل
لمكان شغل األجير تكريسا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين ،و ال يجوز للمشغل تجاوز هذه
القاعدة.
و في هذا اإلطار ،يصبح تحليل إرادة طرفي العالقة التعاقدية أمرا ال محيد عنه من
أجل استجالء قيمة عنصر مكان تنفيذ العقد ضمن مختلف العناصر التي يتضمنها العقد ،و
ذلك من زاوية تأ ثير هذا العنصر على حياة األجير من جهة ،دون أن نتجاهل مدى وجود
ظروف تحتم على المقاولة تغيير مكان تعديل شغل األجير.
أما بالنسبة لظروف األجير من حيث االعتداد بقرب مكان الشغل من مسكنه ،إنه يعد
تعديال غير جوهري لمكان الشغل إذا كان المكان الذي نقل إليه األجير ال يبعد عن محل
إقامته كثيرا ،و ال يقتضي الوصول إليه وقتا طويال ،مع سهولة المواصالت و تعويض
األجير عن نفقات المواصالت ،أو أن المسافة بين مكان شغله الجديد و موطنه هي نفس
المسافة بين مكان شغله القديم و موطنه ،أو إذا كان مكان الشغل الجديد لم يبعد األجير عن
611
محل إقامته بل قربه إليه.
و يجب أيضا مراعاة الظروف االجتماعية لألجير ،و مدى أهمية التعديل بالنسبة لهذه
الظروف ،فإن كان نقل األجير إلى مكان آخر ليس له أثر على حياته العائلية ،و لم يكن ذلك
مأخوذا في االعتبار عند التعاقد ،فإن هذا النقل ال يعد تعديال جوهريا للعقد.
- 610قرار للمجلس األعلى ،عدد ،511بتاريخ ،1990/03/05في الملف االجتماعي عدد ،88/9853
أورده محمد سعد جرندي":الطرد التعسفي لألجير بين التشريع و القضاء بالمغرب" ،م س ،ص .316
- 611عصام الوراي":حدود سلطة المشغل في تغيير مكان عمل األجير" ،م س ،ص .98
234 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
هكذا ،فاألصل هو أن مكان الشغل ليس عنصرا جوهريا ،و يعد أمرا طبيعيا ،إذ أن
مكان الشغل يتعلق بكيفية تنفيذ الشغل المطلوب من األجير القيام به ،و يملك المشغل سلطة
واسعة في هذا المجال ،كما يمكن أن يعتبر مكان الشغل عنصرا جوهريا إذا كان هناك اتفاق
صريح أو انطالقا م ن عقد الشغل أو النظام الداخلي أو في حالة ما إذا تم استنباط ذلك ضمنيا
وقت إبرام العقد.
و ما يمكن استنتاجه من خالل موقف المجلس األعلى مقارنة بما عليه الحال على
مستوى القضاء المقارن ،أن التوجه القضائي كان يسير في اتجاه تكريس سلطة المشغل إال
أنه تراجع عن ذلك ،و عمل على الحد من سلطة المشغل كلما كان هناك ضرر لألجير ،أو أن
612
المشغل لم يعوض األجير عن هذا النقل.
توصلنا من خالل ما سبق أن محكمة النقض في هذا اإلطار ذهبت إلى اعتبار قرار نقل
األجير إلى مدينة أخرى دون استفادته من هذا النقل بمثابة نقل تعسفي ،و دون أن يكون عقد
الشغل يسمح به ،فتتضح لنا إذن المحددات التي يمكن للمشغل القيام بتغيير عمل األجير على
ضوئها ،منها أن يكون هناك بند في العقد يسمح بالنقل ،أو تعويض األجير عن هذا النقل.
كلما تضمن عقد شغل األجير بند إمكانية تغيير مكان شغله ،فالمشغل له حق القيام بهذا
التغيير شريطة أن يكون األجير قد وافق على الشرط في عقد الشغل ،و إمكانية تضمين شرط
المرونة الجغرافية -كمفهوم لبند تعديل مكان شغل األجير في العقد -تبرز كذلك من خالل
االتفاقية الجماعية في حالة وجودها أو النظام الداخلي ،613إال أنه في الغالب ال يتعلق هذا
النقل بكافة األجراء بل بأجراء معينين ،و نعني هنا فئة األجراء/األطر.
- 612عصام الوراي":حدود سلطة المشغل في تغيير مكان عمل األجير" ،م س ،ص .99
- 613محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب على ضوء مدونة الشغل :عالقات الشغل الفردية" ،م
س ،ص .168
235 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و قد اعتبر المجلس األعلى في قرار له ،أن نقل األجيرة من مدينة الدار البيضاء إلى
مدينة مراكش دون موافقتها ،و دون أن ينص عقد الشغل على هذا الشرط يعتبر تغييرا في
بنود العقد ،يجعل األجيرة في حالة إعفاء تعسفي ،و جاء في حيثياته..":لكن حيث أن
المحكمة لما ثبت لديها من خالل وثائق الملف و تصريحات األطراف ،أن المشغلة أغلقت
معملها بالدار البيضاء ،و أن الطرفين سبق لهما أن اتفقا على مكان الشغل هو مدينة الدار
البيضاء ،باعتباره مكان تنفيذ العقد ،و أن المشغلة لما نقلتها إلى مدينة مراكش دون
موافقتها و دون أن يوجد بالعقد شرط خاص يسمح للمشغلة بنقلها يعد ذلك خرقا جوهريا
في بند عقد الشغل ،و المحكمة لما طبقت الفصل 230من ق ل ع كان قراراها مرتكزا على
أساس.614"..
و في قرار آخر لمحكمة النقض جاء فيه":و حيث إن نقل األجيرة من مقر عملها
األصلي الذي هو مقهى و مطعم مراكش إلى مقهى و حلويات األدارسة الذي يعتبر فرعا
للمشغلة األصلية ،يستوجب أساسا موافقة األجيرة باعتباره تعديال لركن من أركان عقد
العمل أال و هو المحل ،و هو األمر المنتفي في النازلة ،و بالتالي فإن المسؤولية عن إنهاء
عقد الشغل يقع على عاتق المشغلة ألن اإلنهاء كان بسبب تعسفها في التغيير الجوهري
لعقد العمل و الذي ألحق ضررا باألجيرة و امتناع هذه األخيرة من االلتحاق بالعمل الجديد ال
يعتبر مغادرة تلقائية بل طردا مقنعا".615
في هذا اإلطار اعتبر المجلس األعلى عدم التحاق األجيرة بالشغل الجديد لنقلها من
مدينة ألخرى بالرغم من تمكينها من جميع االمتيازات ،و هي امرأة متزوجة و لها أطفال ،ال
يشكل خطأ جسيما و ال مغادرة تلقائية ،و تعتبر في حالة إعفاء تعسفي ،و جاء في تعليله.":
حيث ثبت صدق ما نعته الوسيلة على القرار ذلك أن ما عللت به المحكمة من كون المشغلة
236 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و في إعمال لسلطتها التقديرية و اإلدارية ،التي تخول لها الحق في تشغيل أجراءها حسب
ما تتطلبه ظروف الشغل ،قامت بنقل األجيرة من برشيد إلى الدار البيضاء مع توفير وسائل
النقل التي وضعتها رهن إشارة األجيرة ،و أن امتناعها عن الشغل هو امتناع غير مبرر،
يكون عقد الشغل يسمح بذلك ،و أن توفير وسائل النقل ،و كون االنتقال طبق على جميع
األجيرات ال يشكل قرينة الموافقة المسبقة على قرار النقل الذي اتخذته المشغلة ،فكان ما
قضت به المحكمة من اعتبارها في حكم المستقيلة غير مرتكز على أساس ،و يتعين
نقضه".616
و رغم كون عنصر االستفادة من النقل محددا أساسيا ،إال أن الفقه المغربي انتقده و
عاب عليه كونه فضفاض ،617ألنه يبقى استجالء إرادة الطرفين من خالل بنود العقد ،هو
الحل الذي يمك ن قضاة الموضوع من معرفة ما إذا كان تعديل عقد شغل األجير بنقله من
مكان لآلخر بمثابة تعديل جوهري في عقد شغل األجير ،أم مجرد تمثيل لسلطة المشغل في
تنظيم منشأته ،كما أنه كلما غابت مؤشرات حسن النية اقترب المشغل بسلطته من مقتضيات
المادة 37من مدونة الشغل.
اعتبارا لما تستلزمه الظروف االقتصادية و التغييرات الهيكلية من تغير نظام العمل
بالمقاولة ،و إجراء ما تقتضيه مصلحة المؤسسة من تغييرات و تعديالت في ظروف العمل،
فإن المشغل يحق له في إطار سلطته التنظيمية اتخاذ جميع التدابير و اإلجراءات التي يراها
ضرورية لتحسين المردودية داخل المقاولة ،بحيث يجوز له إحداث وظائف جديدة و إلغاء
مناصب موجودة ،و هو ما قد يترتب عليه تغيير نوع العمل المسند لألجير ،إذ يتم نقله إلى
مراكز أقل ميزة من ذلك المتفق عليه في العقد أو منصب أو وظيفة ال تتناسب مع مؤهالته
237 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
التي على أساسها تم إبرام عقد استخدامه ،618فهل يعتبر تغيير نوع العمل المناط باألجير
داخل في إطار سلطة التنظيم و اإلدارة المخولة للمشغل ،أم أن نوع العمل يعد من العناصر
األساسية لعقد الشغل ،و التي ال يمكن للمشغل أن يستقيل بتعديلها إال بموافقة األجير ،ما لم
يتضمن العقد شرطا يخول للمشغل إمكانية إجراء تعديل من هذا القبيل ،بإرادته المنفردة؟
و على خالف المشرع المغربي الذي لم يعنى ببيان ما تتيحه السلطة التنظيمية للمشغل
من إمكانية إجراء تعديل باإلرادة المنفردة من عدمه لنوع العمل المتفق عليه ،فإن المشرع
المصري تصدى لمسألة من هذا ا لقبيل ،و خول للمشغل الحق في تغيير نوع العمل األجير
استجابة لمتطلبات العمل ،حيث نصت في هذا اإلطار المادة 696من قانون العمل المصري
على أن ":نقل العامل إلى مركز أقل ميزة أو مالءمة من المركز الذي يشغله ال يعد عمال
تعسفيا...إذا ما اقتضته مصلحة العمل" ،كما نصت المادة 54من قانون العمل على
أنه...":و له (أي المشغل) أن يكلف العامل بعمل غير المتفق عليه إذا كان ال يختلف عنه
اختالفا جوهريا شرط عدم المساس بحقوقه المادية".
فالقضاء االجتماعي و حماية منه لألجير كطرف ضعيف ،وضع ثالثة قيود ترد على
حق المشغل في تغيير نوع العمل المناط باألجير و هي:
و يتم االعتداد في ذلك بمدى االختالف بين العملين في النوع ،أو الكفاءة المتطلبة
ألدائهما ،619و ليس لمدى اختالفهما في المميزات أو الناحية األدبية ،620و يسترشد في ذلك
بالمؤهالت و الخبرة المستلزمة للعمل و الجهد الالزم إلنجازه.
- 618زكرياء العماري":سلطة المشغل في التعديل االنفرادي لعقد الشغل في ضوء العمل القضائي" ،م
س ،ص .119
- 619جاء في قرار للمجلس األعلى أنه":تكليف األجيرة بالعمل مدرسة بالتعليم اإلعدادي ال يتناسب مع
مؤهالتها العلمية و تخصصها بدال من العمل في التعليم االبتدائي فإن رفضها القيام بالعمل الجديد ال
يشكل خطأ جسيما مبررا للطرد" ،قرار للمجلس األعلى ،عدد ،249بتاريخ ،2010/03/18في الملف
االجتماعي عدد ،2009/1/5/606غير منشور أورده محمد سعد جرندي":الدليل العملي لمدونة
الشغل" ،م س ،ص .262
238 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و تطبيقا ذلك ،قضى المجلس األعلى باعتبار العمل المسند لألجير من مدير عام بشركة
على منصب رئيس قسم اإلعالميات يعد تعديال جوهريا للعقد يتعين رفضه ،و علل قراره بما
يلي..":إن العقد الرابط بين الطرفين صريح في تشغيله مديرا عاما لدى المشغلة ،و ال
يوجد في العقد بند يسمح لها بتشغيله في عمل آخر ،مع أنه يوجد فرق ما بين المدير العام
للشركة و رئيس قسم اإلعالميات ،و أن نقل األجير و إذا لم يكن فيه ضرر مادي له نفيه
ضرر معنوي كبير".621
فإذا كانت للمشغل سلطة إدارة مشروعه و تنظيمه و إعادة تنظيمه متى كان ذلك
ضروريا ،فإن ذلك ال ينبغي أن يضر باألجير ،و أال ينصب على عناصر جوهرية في عقد
الشغل ،كتغيير عمل األجيرة من مسؤولة بالشركة عن مصلحة الزبناء إلى العمل بمصلحة
توزيع الهاتف يعتبر تصرفا يتسم بطابع التعسف في تغيير مناصب الشغل و فيه مساس
بص فة المطلوبة في العمل و يؤثر على معنوياتها لكونه ال يتالءم و كفاءاتها المهنية ،و أن
امتناعها عن االلتحاق بالعمل الجديد ال يعتبر مغادرة تلقائية بل طردا مقنعا كما ذهبت في
ذلك محكمة النقض.622
و في قرار آخر ذهب المجلس األعلى إلى اعتبار تغيير عمل األجير من المصلحة
التجارية إلى المصلحة اإلدارية يشكل تغييرا لنوع عمل األجير ،لكونه كان يتقاضى عمولة
من هذه المهمة ،و جاء في تعليله ":إن الثابت من عقد الشغل الرابط بين الطالبة و
المطلوب...أن هذا األخير تم تشغليه للقيام بمهمة بائع بالمصلحة التجارية لدى الطالبة و
أنه سيتوصل ب اإلضافة إلى أجرته بعمولة ترتبط بحجم المبيعات ،كما أن الطالبة تضع رهن
إشارته سيارة الخدمة و منحة من أجل مصاريف البنزين ،و تبعا لذلك فإن قيام الطالبة
- 620جاء في قرار للمجلس األعلى أنه ":إذا كان عمل األجيرة األصلي يتمثل في بيع الخبز بالمخبزة و
النظافة فإن تكليفها بغسل األواني الذي يرتبط بعملها ال يشكل تغييرا لنوع العمل" ،قرار للمجلس
األعلى ،عدد ،251بتاريخ ،2009/02/25في الملف االجتماعي عدد ،2008/5/1/687غير منشور
أورده محمد سعد جرندي":الدليل العملي لمدونة الشغل" ،م س ،ص .259
- 621قرار للمجلس األعلى ،عدد ،2554بتاريخ ،1996/11/26ملف اجتماعي عدد ،642مجلة
المحامي ،ع ،1998 ،33-32ص .326
- 622قرار محكمة النقض ،عدد ،429بتاريخ 26أبريل ،2017في الملف االجتماعي عدد
،2016/2/5/1082نشرة قرارات محكمة النقض ،ع ،31م س ،ص .82
239 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
بتحويل المطلوب إلى المصلحة اإلدارية يشكل تغييرا لنوع العمل يستلزم الموافقة عليه و
هو ما لم يتم في النازلة ،مما يجعل اإلجراء المتخذ في حق المطلوب يشوبه طابع التعسف
و يستحق معه التعويضات المحكوم بها.623"...
و عموما ،فإن اعتبار التغيير الداخل على نوع العمل جوهريا من عدمه ،يقوم على
أساس النظر إلى طبيعة وصف الوظيفة الجديدة المسندة لألجير و مدى ارتباطها باإلمكانيات
الفنية و العملية المتطلبة ألدائها ،فكلما كان االرتباط وثيقا بين الوظيفة و مؤهالت األجير كان
التعديل جوهريا ،ال يملك المشغل سلطة إجراءه و العكس صحيح.
ذلك أن سلطة المشغل في تنظيم و إدارة المقاولة ينبغي أن تكون دائما مؤطرة بمصلحة
العمل ،و الهدف من هذا الشرط هو الحيلولة دون المشغل و استغالل سلطته التنظيمية قصد
إلحاق الضرر باألجير عن طريق تغيير نوع العمل المسند إليه ،و يترتب على ذلك أنه في
الحالة التي يتبين فيها أن التغيير إنما تم قصد اإلساءة إلى األجير أو لتحقيق مصلحة غير
624
مشروعة ،فإن األجير ال يكون ملزما باحترام قرار المشغل هذا.
:3أال يترتب على تغيير نوع العمل مساس بحقوق األجير المادية
ال شك أن الغاية من هذا القيد حماية األجير من استغالل المشغل لسلطته التنظيمية في
إدارة المقاولة قصد المساس بحقوق األجير المالية ،و مع ذلك فإن هذا الشرط قد يشكل عائقا
أمام سلطة المشغل في تنظيم العمل داخل المقاولة وفقا لما تقتضيه مصلحة المؤسسة ،شأن
الحالة التي تقتضي فيها مصلحة الشغل نقل األجير من عمل يستحق عنه عمولة إلى عمل
- 623قرار للمجلس األعلى ،عدد ،277بتاريخ ،2009/03/04في الملف االجتماعي عدد
،2008/1/5/15غير منشور أورده محمد سعد جرندي":الدليل العملي لمدونة الشغل" ،م س ،ص
.260-259
- 624همام محمود همام":قانون العمل :عقد العمال الفردي" ،دون ذكر الطبعة ،دار المعرفة الجامعية-
اإلسكندرية ،1987 ،ص ،260أورده :زكرياء العماري":سلطة المشغل في التعديل االنفرادي لعقد
الشغل دراسة في ضوء العمل القضائي" ،م س ،ص .120
240 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
جديد ال تستحق عنه عمولة ،625فهل يعتبر الحق في العمولة من الحقوق المادية التي يمنع
على المشغل المساس بها عن طريق تغيير نوع العمل أم أنها تعتبر من ملحقات األجر غير
الدائمة التي ال تكتسي صفة الثبات و االستقرار ،بحيث ال ترتقي إلى مستوى الحق المكتسب
المتمثل أساسا في األجر األساسي لألجير ،إال أنه حالة وجود قوة قاهرة فإنه يجوز للمشغل
لغرض معالجته أن يغير من نوع العمل المسند لألجير.
وفي ختام هذه الفقرة يمكننا طرح تساؤل هل يمكن األخذ بموافقة األجير الضمنية في
الحالة التي ال يتم التنصيص صراحة على هذه الموافقة في القانون أو في اتفاق الطرفين؟
بداية ،ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى اعتبار استمرار األجير في عمله بالرغم من
اعتراضه على التعديل الجديد يعتبر بمثابة موافقة ضمنية على هذا التعديل ،626إال أنها عدلت
عن هذا الموقف و تبنت موقفا آخر من خالل قرارها الشهير المؤرخ في 8أكتوبر ،1987
الذي ذهبت فيه إلى أن بقاء األجير في العمل بعد اعتراضه على التعديل الذي اقترحه المشغل
ال يعني قبوله مهما طالت مدة بقائه في العمل بعد اقتراح التعديل ،و يستوي ذلك أن يتجدد
هذا االعتراض من حين لآلخر طوال فترة استمراره أو ال يتجدد ،إذ يكفي احتجاجه على
اقتراح التعديل ليتحمل المشغل مسؤولية إنهاء عقد الشغل في حالة رفضه العتراض
األجير.627
أما القضاء االجتماعي المغربي ذهب إلى اعتبار التحاق األجير بمقر الشغل الجديد و
تقاضي أجره عن مدة معينة ،موافقة ضمنية على تغيير مكان العمل ،و الطرد مبررا ،628و
- 625جاء في قرار للمجلس األعلى أنه ":مادام عقد العمل ينص على أن األجير كان يعمل بائعا في
المصلحة التجارية و يتقاضى عمولة عن هذه المهمة فإن تكليفه بالعمل بالمصلحة اإلدارية يشكل تغييرا
لنوع عمله يستلزم موافقته تحت طائلة اعتبار الطرد الذي تعرض له تعسفيا" ،قرار عدد ،277بتاريخ
،2009/03/04في الملف االجتماعي عدد ،2008/1/5/15غير منشور أورده محمد سعد
جرندي":الدليل العملي لمدونة الشغل" ،م س ،ص .260-259
626
- Bernard Teyssie, la modification de contras de travail instrument de gestion
l'entreprise dr, soc N 12, décembre 1986, P86.
627
-Stéphane Janiki;"La modification de contrat de travail ",mémoire de droit
privé université Lille , Année 1998/1999, P 105.
- 628قرار للمجلس األعلى ،عدد ،416بتاريخ ،2008/04/23في الملف االجتماعي عدد
،2007/1/5/285أورده محمد سعد جرندي":الدليل العملي لمدونة الشغل" ،م س ،ص .258
241 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
سواء كان األجير يشتغل في إطار عقد شغل محدد المدة أو غير محدد المدة أو في إطار عقد
الشغل من الباطن أو في إطار قانوني آخر و حصل أن ثبت في حقه ارتكاب خطأ جسيم
مهني ،إال و كان ذلك مبررا مقبوال إلمكانية فصله عن عمله دون استحقاقه ألي تعويض عن
هذا الفصل ،دون مستحقاته التي لم يستخلصها كاألجور أو التعويض عن العطل و شهادة
الشغل ،إال أنه و إذا ما ثبت خالف ذلك ،المشرع خول للقاضي خيار بين الحكم لألجير إما
بالتعويض أو بالرجوع إلى العمل و نطاق التنفيذ المعجل للحكم ،و هو ما يطرح إشكاالت ال
تقل عن تلك التي سبق و أن تطرقنا لها في بحثنا منذ بدايته كما سيتضح بعد حين.
المطلب الثاني :بعض اجتهادات القضاء االجتماعي الحمائي لألجير عند الفصل
في النزاع
إن حماية األجير الطرف الضعيف في العالقة التي تجمع بين عنصري اإلنتاج و إعادة
التوازن بينهما ،تعتبر من أهم األهداف التي يسعى قانون الشغل إلى تكريسها ،و ذلك باعتماد
عدة وسائل نص عليها المشرع في مدونة الشغل ،629هذه األخيرة قد أقرت العديد من الحقوق
لألجراء معتبرة إياه من النظام العام ،بحيث ال يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها ،كما تضمنت
مجموعة من اإلجراءات و المساطر الواجب إتباعها أمام القضاء االجتماعي عند نشوب
نزاع بين األجير و مشغله.
إال أن أهم ما يعاب على القضاء بصفة عامة هو البطء في اإلجراءات ،و إذا كان المهتم
بالقضاء يعرف أسباب هذا البطء ،فإن عامة الناس ال يعرفون ذلك و ال يهمهم إال الوصول
إلى حقوقهم و في أقل وقت ممكن ،و إن كان هذا العيب ينطبق على القضايا بمختلف أنواعها
و المعروضة على المحاكم ،فإنه بالنسبة لقضايا الشغل تكون له انعكاسات سلبية على العامل
الذي ال يلجأ إلى المحكمة إال في حالة الضرورة و هي في غالب األحيان حالة الفصل من
العمل ،حيث يفقد مورد عيشه ،630فيلجأ إلى المحكمة و كله أمل في الحصول على حقه
- 629يوسف حنان":المصالحة كآلية لفض نزاعات الشغل الجماعية :دراسة مقارنة" ،مقال منشور
بمجلة العلوم القانونية ،ع ،1ماي ،2013ص .159
- 630الوالي حميد":قواعد المسطرة في مادة نزاعات الشغل الفردية و اإلشكاليات التي تطرحها قانونا و
عمال" ،مداخلة بالندوة الثانية للقضاء االجتماعي ،م س ،ص.247-246
242 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
بأقصى سرعة ،لذلك منها مسطرة الصلح التي تجد سندها في عدة نصوص كقانون
االلتزامات و العقود و قانون المسطرة المدنية و مدونة الشغل.
و تتسم هذه المساطر بخصوصيات تنفرد بها عن باقي القضايا المدنية األخرى،
إللزاميتها لجميع القضايا االجتماعية ،إذ نص الفصل 277من ق م م على ":يحاول
القاضي في بداية الجلسة التصالح بين األطراف" ،و نصت المادة 73من مدونة الشغل
على" ":التوصيل عن تصفية كل حساب" هو التوصيل الذي يسلمه األجير للمشغل ،عند
إنهاء العقد ألي سبب كان ،وذلك قصد تصفية كل األداءات تجاهه .يعتبر باطال كل إبراء أو
صلح ،طبقا للفصل 1098من قانون االلتزامات والعقود ،يتنازل فيه األجير عن أي أداء
وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل إنهائه" ،فيتضح من خالل الفصل 277من ق م م و
ما يليه ،و المادة 73و ما بعدها ،أن للصلح في القانون االجتماعي خصوصية موضوعية.
كما أن من آثاره حسم النزاع بين الطرفين و ال يمكن الرجوع فيه بالنظر للحجية التي
اكتسبها و التي تعادل تلك التي يتوفر عليها الحكم القضائي الذي حاز قوة الشيء المقضي به،
و في ذلك تأكيدا لمبدأ سلطان اإلرادة ،631هكذا سنتطرق الجتهاد القضاء االجتماعي قبل
إصدار الحكم في الفقرة األولى ،فيما سنخصص الفقرة الثانية الجتهاد القاضي االجتماعي
بعد إصدار الحكم.
إذا كان التذبذب الناجم عن تعايش الحلول المتباينة يجد مصدره في عدم قيام المشرع
بحسم عدة مشاكل قانونية ،أو في تعدد معاني األلفاظ المستعملة ،فإن دراسة األحكام القضائية
أبانت أن محكمة النقض و قبلها المجلس األعلى لم تعلن عن موقفها في الكثير من الحاالت،
مما أصبح معه قضاة الموضوع متروكين في هذا الحقل ألنفسهم ،و من تم نجم عن هذه
الحرية نوع من عدم االستقرار في نمط حل الكثير من النزاعات.
-رشيد تاشفين":آثار الصلح و قوته الثبوتية" ،مقال منشور بمجلة البحوث ،ع ،2011 ،10ص 631
.14
243 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
ف مؤسسة القضاء كوسيلة كالسيكية لفض النزاعات أصبحت أمام العديد من المعيقات
شبه عاجزة عن تقد يم حلول تتوافق ،و ما يميز عالقات الشغل من حساسية ،كل هذا دفع
بالتشريعات إلي البحث عن وسائل بديلة بواسطتها يتم حل النزاع الذي قد ينشأ بين األجير و
632
المشغل.
فقد يعمد المشغل و في إطار استراتيجية دفاعية إلى المناورة بقصد التخلص من بعض
األجراء الذين ال يرغب في وجودهم على أرضية مؤسسته ،فيعمد إلى إبرام الصلح معهم لما
يوفره هذا األخير كتقنية ،633من امتيازات تحد من تقاضي األجير المطرود لكل حقوقه ،و إن
كان التعاقد بهذا الخصوص يتم أحيانا عن حسن نية في حالة اجتياز المؤسسة لظروف
اقتصادية عويصة ،634و من تم فدور القضاء ينحصر في بحث مدى حقيقة األسباب المثارة
من قبل المشغل ،و التي تكون قد دفعته التخاذ إجراء من اإلجراءات التأديبية أو التنظيمية في
حق أحد األجراء،
و قد كان المحرر الكتابي الذي يوقعه األجير حال مغادرته للعمل ،أحد أهم الوسائل
القانونية التي اعتمدها المشغل إلثبات تقاضي األجير لكافة حقوقه ،غير أن التحايل الذي كان
يلحق تحرير هذا الوصل ،دفع المشرع في إطار سياسته الحمائية إلى إقرار ما يسمى
كإجراء وحيد إلبراء ذمة المشغل ،نظرا لما يوفره هذا 635
بالتوصيل عن صافي كل حساب
- 632يوسف حنان":المصالحة كآلية لفض نزاعات الشغل الجماعية :دراسة مقارنة" ،م س ،ص .159
- 633راجع في هذا اإلطار:
-محمد المكي":الصلح في نزاعات الشغل بين التشريع و القضاء" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في
القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد الخامس
السويسي-الرباط ،السنة الجامعية .2009/2008
-بهيجة المجاري":الصلح القضائي في المادة االجتماعية بين التشريع و الواقع" ،رسالة لنيل
دبلوم الماستر في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة
القاضي عياض-مراكش ،السنة الجامعية .2015/2014
-يامنة حركات":الصلح بين مفتشية الشغل و القضاء" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون
الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد الخامس أكدال-الرباط،
السنة الجامعية .2009/2008
- 634عز سعيد":العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص 160
"- 635التوصيل عن تصفية كل حساب" هو التوصيل الذي يسلمه األجير للمشغل ،عند إنهاء العقد ألي
سبب كان ،وذلك قصد تصفية كل األداءات تجاهه(الفقرة األولى من المادة .)73
244 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
636
الوصل من ضمانات ،إن على مستوى الشكل أو المضمون بالنسبة لألجراء األميين
بالخصوص ،637و الذين خولهم المشرع حق نقض داللة التوصيل المذكور داخل أجل الستين
يوما التالية لتاريخ توقيعه ،638و المنازعة في األداءات األخرى التي لهم على المشغل ،و
حماية لألجير اعتبر المشرع باطال كل إبراء أو صلح ينازل فيه األجير عن أي أداء وجب
لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل إنهائه.639
و العمل القضائي تقيد في مجموعة من القرارات بشكليات تحرير ورقة تصفية كل
حساب ضمانا لمبدأ الحماية القانونية لألجير المقررة لفائدته ،و صونا لحقوقه الثابتة من
خالل أحقيته في الرجوع عن الوصل الذي سبق و أن وقعه كإبراء لذمة مشغله خاصة و أن
المشرع المغربي و تأكيدا منه على هذه الحماية اعتبر كل األداءات التي تبين لألجير أنه
محق فيها و لم يتقاضاها فله الحق ،فيها رغم توقيعه على التوصل ،و هو ما ذهبت إليه
محكمة النقض الفرنسية باعتبار أن التوصيل و لو توافرت فيه كل الشروط الشكلية و لو لم
- 636إذا كان األجير أميا يجب ،أن يكون توصيل تصفية كل حساب موقعا بالعطف من قبل العون المكلف
بتفتيش الشغل ،في إطار الصلح المنصوص عليه في المادة 532أدناه(الفقرة األخيرة من المادة 74من
مدونة الشغل).
- 637علي الصقلي":أداء األجر و ضماناته القانونية" ،م س ،ص .161
- 638قرار محكمة النقض ،عدد ،508بتاريخ 19فبراير ،2015في الملف االجتماعي عدد
،2014/1/5/452قرارات محكمة النقض ،ع ،19م س ،ص .97
- 639للوقوف حول شروط توصيل تصفية كل حساب ،راجع في هذا اإلطار:
-المصطفى الصباحي":وصل اإلبراء"توصيل تصفية كل حساب" ،مداخلة بالندوة الثانية للقضاء
االجتماعي ،م س ،ص .67
- 640للوقوف حول تنظيم الصلح راجع في هذا اإلطار :إبراهيم قضا":تنظيم الصلح في منازعات الشغل
الفردية" ،مداخلة بالندوة التاسعة للقضاء االجتماعي ،م س ،ص .384
- 641عز سعيد ":العمل القضائي المغربي في نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .162
245 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
يطعن فيه و بعد فوات األجل و تبين لألجير أنه محق في تعويضات أخرى ،فإنه يبقى محقا
في التعويضات الجديدة بدون الذي كان بالتوصيل ،أما إذا كان التوصيل بسيطا فإنه من حقه
مراجعة كل التعويضات التي لم يسبق له أن حازها ،642كما رفض مواجهة األجير بوصل
تصفية حساب غير موقع من طرفه إذ جاء في قرار للمجلس األعلى أنه ":خالفا لما أثارته
الطالبة أن األجير لم يعترف بأي وثيقة للصلح مؤكدا في مذكرته المؤرخة في 97/11/11
المدرجة بالملف أن وثيقة تصفية الحساب المدلى بها من طرف المشغلة خالية من توقيعه
و لم يسبق له أن توصل بالمبالغ المضمنة بها تم إن الوثيقة ليست حجة على المبالغ
المضمنة بها لعدم توقيعها من طرف األجير.643"...
و على هذا األساس ،فإذا كان التوصيل صحيحا متضمنا لعدة مبالغ ،كاألجر و
تعويضات العطل...فإن االتجاه القضائي السائد ،يقضي بعدم إسقاط كل األداءات ،و إنما
الموقع عليها فقط ،و لو بعد فوات أجل السقوط ،ذلك أن لألجير المطالبة بواجب التعويض
عن الفصل التعسفي دون بقية المطالب ،أما إذا كان التوصيل بسيطا فإنه يمكن تعديل كل
المبالغ التي تقاضاها من أجل مطالب معينة ،و له طلب الحكم بالفرق بينها إلى جانب
644
التعويضات األخرى ،كالتعويض عن سابق اإلعالم و عن اإلعفاء.
و لعل هذا االتجاه ما يدفع الطرفين معا إلى االحتياط أكثر عند تحرير هذا التوصيل ،و
ذلك بذكر كل المطالب بصفة دقيقة و المبالغ التي تمثلها ،و هو احتياط يتماشى و مصلحة
األجير دون المشغل ،الذي كلما وقع خلل في التوصيل ،ال يكون له إال إتباع القواعد العامة
إلظهار تعيب إرادته بعيب التدليس مثال ،خاصة و أن المشرع المغربي منح حق الطعن في
التوصيل لألجير ال غير ،فإذا ما تم إغفال احترام هذا المقتضى التشريعي ،فإن المشغل
يتحمل عبء إثبات تقاضي األجير لكافة حقوقه طبقا لمقتضيات الفصل 400من ق ل ع ،و
هو ما أكده القضاء المغربي حينما اعتبر أنه ال مجال لاللتفات للدفع المتعلق بالتقادم ،مادام
- 642فيصل لعموم و بدر اإلدريسي":تنازل األجير عن حقوقه من خالل عقد الشغل على ضوء العمل
القضائي و التشريع المغربي" ،مداخلة بالندوة التاسعة ،م س ،ص .306
- 643قرار للمجلس األعلى ،عدد ،5بتاريخ 13يناير ،2001ملف اجتماعي عدد ،2000/5/1/528
المجلة المغربية لقانون األعمال و المقاوالت ،ع ،4يناير ،20004ص .48
- 644عز سعيد ":العمل القضائي المغربي في نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .162
246 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
أن المشغل لم يدل بما يفيد براءة ذمته في هذا الصدد ،خصوصا و أن الحجة في إثباتها تكون
معكوسة أي على عاتق المشغل.
و قد يحصل أن يوقع األجير وصل صافي الحساب و يلحقه بوثيقة إنهاء رضائي،
فيكون بذلك قد تنازل عن حقه في التمسك بحق المراجعة المنصوص عليه بالفصل 745من
ق ل ع ،و عبر عن رغبته في سلوك مسطرة الصلح المدني ،645و هو ما أقره قرار للمجلس
األعلى جاء فيه ":أنهب اإلضافة إلى وصل تصفية الحساب المذكور أدلت الطالبة باإلشهاد
المؤرخ في 95/08/24و الذي تضمن تصريح األجير بأنه يغادر العمل بطواعية و اختيار،
وفقا للشروط التي تم االتفاق عليها ،بتعويضه عن العطلة و اإلعالن و الفصل ،و أن هذا
اإلشهاد موقع من طرفه و لم ينازع فيه كما يستفاد منه أن إنهاء العقد بين الطرفين كان
اتفاقيا و رضائيا و أن محكمة االستئناف المصدرة للقرار المطعون فيه عندما اعتمدت في
تعليلها ع لى وصل تصفية الحساب دون مناقشة الوثيقة الملحقة به و المؤرخة في نفس
اليوم يكون قرارها غير معلل و معرضا للنقض".646
و أمام الدقة التي يتميز بها التوصيل عن صافي كل حساب ،و التي تجعل المشغلين
بعيدين عن أن يكونوا في مأمن من منازعة األجير ،التجأ هؤالء إلى مؤسسة الصلح المدني،
لما تتمتع به من مزية إجهاض كل نزاع مستقبلي ،647فاالتفاق الكتابي ينهي النزاع بصفة
ودية بعد ركون الطرفين إلى تنازالت متبادلة ،و من تم فالصلح نابع من إرادة مشتركة،
مفروض فيها أنها حرة ،و خالله يلتزم األجير بعدم اإلدعاء ضد المشغل بأي مطالب
قضائية ،في الوقت الذي يتكفل المشغل بأدائه له مبالغ مالية مقابل هذا االلتزام ،دون غش أو
تدليس.
و لما كان الصلح المدني في حقيقته تصرفا قانونيا تتجسد فيه فكرة العدالة بمفهومها
التبادلي ،فإنه يفترض نوعا من التوازن بين المصلحتين المتعارضتين ،و نوعا من المساواة
- 645فيصل لعموم و بدر اإلدريسي":تنازل األجير عن حقوقه من خالل عقد الشغل على ضوء العمل
القضائي و التشريع المغربي" ،م س ،ص .307-306
- 646قرار للمجلس األعلى ،عدد ،441بتاريخ ،2001/05/25ملف اجتماعي عدد ،01/65/150المجلة
المغربية لقانون األعمال و المقاوالت ،ع ،4يناير ،2004ص .49
- 647الفصل 1098من ق ل ع.
247 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
في المراكز القانونية لألطراف ،و هو ما يفتقد في عالقة الشغل ،خاصة متى تم االتفاق
الودي إبان التعاقد ،أو قبيل انتهاء العالقة الشغلية ،مما قد يمس بحقوق األجير ،لدرجة تقل
عن الحد األدنى.
باإلضافة إلى أن قواعد الصلح المدني تتعارض مع قواعد قانون الشغل المتسمة بطابع
النظام العام ،و رغم التنصيص صراحة على بطالنه طبقا للمادة ،73و هو ما ذهبت
المحكمة االبتدائية لتمارة في حكم 648لها جاء فيه ":وحيث دفع المدعى عليه بأن المدعي قد
حصل على كل مستحقاته عن رضا نفس و اقتناع و لم يعد مدينا له بأي شيء ،مؤكدا ذلك
بصورة شمسية إلشهاد و اعتراف مؤرخ في .2015/10/13
وحيث ،إنه لئن صح ما دفع به المدعى عليه فإن المادة 73من مدونة الشغل في
فقرتها الثانية تقضي بأنه يعتبر باطال كل إبراء أو صلح ،طبقا للفصل 1098من قانون
اإللتزامات و العقود يتنازل فيه األجير عن أي أداء وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل
إنهائه.
وحيث يستفاد من أحكام الفصل أعاله أن المشرع المغربي رتب أثر البطالن حول كل
صلح مدني في نزاعات الشغل لم ينعقد أمام مفتش الشغل الذي أوكل له المشرع حسب
مقتضيات الفصلين 41و 532من مدونة الشغل إجراء الصلح بين أطراف العالقة الشغلية.
وحيث إنه و مادام أن الطرفان أبرما صلحا خالفا لمقتضيات القانون المنظمة للصلح
التمهيدي طبقا للفصلين أعاله ،فإن عقد الصلح المبرم بينهما صلح باطل و ال أثر له و هو
و العدم سيان".
فالمشغل يفضل اللجوء إلى آلية الصلح المدني لحسم النزاع بينه و بين األجير بصفة
نهائية ،و األجير يجد نفسه بسبب وضعه االجتماعي و االقتصادي مضطرا لقبول هذا
الصلح ،649و رغم أن المسلم به أن قواعد القانون االجتماعي آمرة من النظام العام و ال يجوز
248 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
االتفاق على مخالفتها و التنازل عنها إال إذا كانت هذه المخالفة في مصلحة األجير ،650و
و 2و 72من مدونة الشغل إال أن المحكمة 651
رغم صراحة مقتضيات المـــــــــادة 73
االبتدائية بالدار البيضاء تعتد بعقد الصلح المبرم في نطاق الفصل 1098من ق ل ع ،و ال
تقضي ببطالنه و اعتبارها فقط مجرد وثيقة بالمبالغ المبينة فيها و تحكم لإلجراء تبعا لذلك
بالفرق بين ما هو مستحق قانونا و ما تقاضاه برسم وثيقة الصلح ،حيث قضت أن...":و
حيث يكون بذلك عقد الصلح المبرم بين المدعي و المدعى عليها ملزما للمدعي و ال يجوز
له التراجع عنه بأي حال من األحوال ،خاصة و أنه التزم في نفس عقد الصلح بأن ال يتقدم
بأي مطالب بعد إبرام الصلح سواء كانت قضائية أو غير قضائية".652
و بال رغم من الموقف الصريح للمشرع ،فإن القضاء المغربي أقر في العديد من أحكامه
مشروعية الصلح المدني متغاضيا بذلك عن المقتضيات اآلمرة التي تعتبر التوصيل عن
صافي كل حساب الوسيلة المشروعة الوحيدة لإلبراء ،و هذا ما جاء في قرار للمجلس
األعلى..":إن عقد الصلح الذي يبرمه األجير مع مشغله ،و الحال أن الدعوى معروضة
على القضاء ينهي النزاع نهائيا عمال بالفصل 1098من ق ل ع و ال يمكن اعتباره تنازال
محظورا على األجير عن تعويضاته المستحقة(الفصل 754من ق ل ع) كما ال يمكن
الرجوع فيه وفقا ألحكام الفصل 1106من قانون االلتزامات و العقود".653
كما أن الصلح المدني يبقى بعيدا أن يكون المؤسسة المثلى لحماية األجراء ،654و
إقراره قضائيا من لدن بعض المحاكم فيه تقويض لحقوقهم ،و خرق إلرادة المشرع الحمائية
التي أحدثت تقنية التوصيل عن صافي كل حساب بتاريخ 6يوليوز 1954ال لشيء إال
إلحداث قطيعة مع الصلح ا لمدني ذي النزعة الليبرالية ،و التوجه نحو تعميق اتجاه تضامني
249 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تحقيقا للعدل التوزيعي لألعباء و المنافع االجتماعية ،و في ذلك قضاء على القصور الذي
يعتري الصلح المدني ذي الحجة المطلقة ،و تتأكد وجاهة اعتماد التوصيل عن صافي كل
حساب إلبراء ذمة المشغل من خالل فشل مؤسسة الصلح المدني في الحد من النزاعات
القضائية.
و قد أقر المجلس األعلى االتفاق المسبق كإجراء وقائي للصلح ،و لم يعتبر من
الضروري حصول تنازالت متقابلة بين الطرفين ،و هذا ما أكده في قراره المؤرخ في
1987/10/5الذي اعتبر فيه أن":يعد صحيحا عقد العمل المتضمن التفاق الطرفين على
ممارسة إنهاء العقد من الطرف المشغل ،و لو بدون مبرر ،مقابل جزاء يتمثل في تعويض
جزافي يتفق مع أحكام الفصل 754من ق ل ع".
و هو التوجه الذي سارت عليه مختلف محاكم الموضوع ،كما هو الشأن بالنسبة
لمحكمة االستئناف بالدار البيضاء في قرار لها جاء فيه":أن الصلح الفردي الذي أبرم بين
األجير و رب العمل ،و الذي بمقتضاه تم االتفاق على إنهاء العقد و فسخه يعتبر صحيحا ،و
بالتالي ال يمكن التمسك بأنه طرد تعسفي".655
و يقترب هذا االتجاه القضائي من قرار لمحكمة النقض الفرنسية ،التي اعتبرت بتاريخ
14يناير 1988أنه بالرغم من عدم وجود تنازالت متقابلة بين الطرفين ،فإذ ذلك ال يؤثر في
وصف االتفاق المذكور بالصلح المشروع...طالما تبين من األلفاظ الواضحة و المحددة لهذا
العمل القانوني ،أن إنهاء عالقات العمل التعاقدية ،تم باتفاق مشترك ،و أن العامل أقر بتسليمه
على سبيل التصالح ،مبلغا جزافيا ،و محددا بصفة نهائية ،كما رفضت اعتبار التوصيل عن
صافي كل حساب التقنية الوحيدة لتسوية ودية لآلثار المالية الناجمة عن انقضاء عالقة
الشغل ،خالصة إلى إقرار مشروعية الصلح الودي ،و بعد أن لقيت اقتراحات المشغلين بهذا
الشأن قبوال لدى بقية األجراء المسرحين و ممثليهم.656
- 655قرار لمحكمة االستئناف بالدار البيضاء ،عدد ،211بتاريخ ،1981/01/18في الملف االجتماعي
عدد ،1987/1984غير منشور أورده:محمد معزوز":خصوصية الصلح و المصالحة في نزاعات
الشغل" ،م س ،ص .69
- 656عز سعيد ":العمل القضائي المغربي في نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .163
250 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و نعتقد أنه يجب عدم األخذ بهذا الرأي على إطالقه ،إذ يطرح التساؤل عن أي حرية
يقصد؟ و الحال أننا أمام اختالف في المراكز القانونية لألطراف ،طرف ضعيف و آخر
قوي ،و إذا كان هذا يصدق إلى حد بعيد على الدول الغربية التي تعتمد أنظمة اجتماعية
للتعويض عن البطالة و توجد بها نقابات قوية مما يخلق نوعا من التوازن بين القوى
الموجودة على الساحة ،و بالتالي الحفاظ على حقوق األجراء ،فإن ذلك بعيد المنال في ما
يسمى "بالدول السائرة في طريق النمو" ،التي غالبا ما يتم التنازل و الصلح على حساب
حقوق األجراء ،سواء قبل نشوء الحق لكونهم يكونون تحت رحمة المشغل ،أو بعد انتهاء
العقد حيث يصبح األجراء مهددين بااللتحاق بطابور األجراء العاطلين ،و الحال أنهم في
أمس الحاجة للمال لمواجهة الظروف المستقبلية.
كما أن التنصيص على بطالن الصلح المدني في مجال انتهاء عقود الشغل يجعل هذا
األخير ال يسعف كإطار قانوني التفاقات المغادرة الطوعية للعمل إلمكانية المطالبة ببطالنه
من قبل األجير استنادا إلى مقتضيات المادة 73من م ش ،و بالتالي فالبديل هو اتفاق الصلح
657
التمهيدي النهائي في إطار المادة 41من مدونة الشغل.
و أمام واقعية هذا التدخل و إيجابياته ،قامت الدعوى إلسناد الصلح كإجراء أولي على
قبل إحالته على المحكمة بقصد المصادقة عليه ،و هو ما يتضح من 659
يد مفتشي الشغل
251 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
خالل مقتضيات المادة 41من م ش.إال أنه –الصلح التمهيدي -ليس إلزاميا بل أعطى
المشرع لألجير الخيار بين مباشرته أمام مفتش الشغل قبل اللجوء إلى القضاء ،أو التخلي
عنه و رفع الدعوى مباشرة للمطالبة بالحقوق المقررة قانونا ،كما يؤخذ عليه كذلك عدم
فعاليته إذ في الغالب األعم ما تكون نتيجته سلبية.660
هذا ،و بالرغم من الضمانات التي يوفرها الصلح القضائي أو ما اصطلح عليه
بالتصالح ،و المتمثلة في إجرائه أمام المحكمة التي تعاين تفاوض الطرفين ،فإنه مع ذلك نجده
نادر الوقوع عمليا بالرغم من أهميته ،التي وصلت إلى درجة أن إغفال التنصيص على
عرض محاولة الصلح يجعل الحكم وفق ما ذهب إليه المجلس األعلى باطال ،و إذا ما تأكد
نجاح هذا الصلح فإن القاضي يثبته بمقتضى أمر غير قابل ألي طعن ،و يتعين تنفيذه بقوة
القانون ،و إن كان المشرع خول لألجير الحق في أن يثير بطالن التصالح إما للخطأ أو
التدليس أو اإلكراه.
و يختلف الصلح القضائي بذلك عن التوصيل عن صافي كل حساب الشيء الذي يترك
المجال لألجير للطعن فيه داخل الستين يوما ،661و نظرا لقلة القضايا التي يتم فيها التصالح،
فإن ترتيب البطالن في حالة إغفاله نهائيا فيه نوع من التشدد ،و يجمل بالمشرع المغربي
الحد من ذلك ،كما انصب اإلشكال بالنسبة للقضاء االجتماعي المغربي أيضا حول التأويل و
التكييف الذي يجب إعطاؤه للمقتضيات الحمائية التي تضمنتها الئحة األخطاء المبررة لفصل
األجير ،كما سيتضح بعد حين.
-عبد العالي بناني اسميرس":دور مفتشية الشغل و أثره على القضاء االجتماعي" ،مداخلة بالندوة الثانية
للقضاء االجتماعي ،م س ،ص .225
- 660محمد معزوز":الصلح و المصالحة في نزاعات الشغل" ،مقال منشور بمجلة المنبر القانوني ،ع ،6
أبريل ،2014ص .71
- 661نصت على ذلك المادة 75من مدونة الشغل ":يمكن التراجع عن التوصيل خالل الستين يوما
التالية لتوقيعه.
يجب إثبات التراجع عن التوصيل إما بإبالغ المشغل بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل ،أو
برفع دعوى لدى المحكمة .وال يعتد بالوسيلة المثبتة للتراجع إال إذا حدد فيها األجير مختلف الحقوق
التي مازال متمسكا بها.
252 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
ال شك أن مركز المشغل في عقد الشغل يجعله دائما الجانب القوي ،لما توفر له من
وسائل تجعله مطمئن على مصالحه ،و التي ال يؤثر عليها فسخ عقد الشغل مع األجير ،و
على العكس فإن األجير يحاول دائما الحفاظ على عالقته مع رب العمل الستمراره في العمل
ألنه يشعر أنه جانب ضعيف في العقد و غير مطمأن على مستقبله.662
فكلما عمد المشغل إلى إنهاء عقد الشغل بإرادته المنفردة ،كان لألجير الحق في إمكانية
المطالبة إما بالرجوع إلى عمله أو بالحصول على تعويضات ،663إما عن طريق صلح
664
تمهيدي أو قضاء أمام المحكمة المختصة.
و رغم كون منطوق الحكم الشغلي يعد النتيجة الطبيعية التي تبرر المسار الذي عرفه
التسبيب القضائي ،إال أننا نصطدم في إطار نزاعات الشغل بالرغم من وحدة الموضوع و
األطراف و السبب ،باختالف في النتيجة ،و ذلك بسبب الرخصة التي منحها المشرع للقاضي
في إعمال حقه في الخيار بين الحكم لألجير حالة ثبوت تعسفية الفصل :إما بالرجوع للعمل أو
بالتعويض ،و هو ما يطرح مسألة أحقية المحكمة في تجاوز طلبات األطراف(أوال).
و إذا كان الم شرع قد أفرد بابا خاصا بالمسطرة في القضايا االجتماعية و تناولها بدءا
من تحديد الجهة المختصة بالبث فيها و خصها بأحكام روعيت فيها عدة اعتبارات اقتضتها
طبيعة هذه القضايا و ما تحتاج إليه من عناية خاصة لتبسيط المسطرة و تقريبها من
األجير ،665فإن المشرع لم يخصص لتنفيذ األحكام الصادرة في القضايا االجتماعية أية
مقتضيات خاصة تميزها عن باقي األحكام ،إذ ال نجد أية إشارة إلى تنفيذ هذه االحتكام
- 662المصطفى سهم":دعوى الخيار بين الرجوع إلى العمل و التعويض عن الطرد التعسفي" ،مداخلة
بالندوة الثانية للقضاء االجتماعي ،م س ،ص .202-201
- 663باستثناء الحالة التي يكون فيها األجير قد أحيل على التقاعد و لم يكن استوفى بعد عدد األيام من
التأمين المتطلبة لالستفادة من راتب الشيخوخة الذي يصرفه الصندوق للضمان االجتماعي حسن
مقتضيات المادة 526من مدونة الشغل.
- 664محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين أحكام تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل" ،م س ،ص
.174
- 665محمد ليديدي":قواعد تنفيذ األحكام و إشكالياته في منازعات الشغل" ،مداخلة بالندوة الثانية ،م س،
ص .302
253 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
باستثناء اإلشارة إلى القوة التنفيذية للحكم و شموله بالنفاذ المعجل بقوة القانون ،و ما هو
طرح إشكالية نطاق األداءات التي يمكن أن تكون مشمولة بالنفاذ المعجل(ثانيا).
يعد الحكم بأحد الشقين أهم مميزات الطابع التدخلي للقاضي االجتماعي في نزاعات
للقاضي 666
الشغل ،و الذي يجد أساسه من منطلق تشريعي ،ذلك أن المشرع المغربي أجاز
في حالة ثبوت الفصل ا لتعسفي إما النطق بإرجاع األجير لعمله أو الحكم له بتعويض مناسب
تراعى فيه جملة من العناصر .667إال أن هذه الحرية المتروكة للقاضي ال ينبغي تفسيرها أنها
مجرد سلطة تقديرية بسيطة منحها له المشرع ،بل هي مسؤولية جسيمة تتطلب منه الحنكة و
التريث و تلزمه بأن يقدر كل ناز لة حسب ظروفها ،و يستحسن أال يتسرع في إصدار الحكم
إال بعد التأكد من مآله و مصير تنفيذه.668
و إذا كان القاضي في غالب األحيان يحاول أن يحقق إرادة المشرع بخصوص إقرار
مبدأ استقرار الشغل من خالل الحكم بعودة األجير المطرود للمؤسسة التي اشتغل فيها ،فإنه
ال تغرب عنه معطيات الواقع و ظروفه ،و التي غالبا ما تعاكس هذا الطموح ،669و حتى ال
تنقلب الحماية التي ينشدها تطبيق هذا المبدأ في اتجاه يعاكس مصلحة األجير ،متى تبين من
خالل الجلسات األولى أو بعد إرادة تنفيذ الحكم الصادر ،أن المشغل يتهرب من االنصياع
للحكم القضائي القاضي عليه باإلرجاع ،و الذي يشكل في حقيقته عرقلة جديدة أمام األجير و
- 666نصت الفقرة األخيرة من المادة 41على ":في حالة تعذر أي اتفاق بواسطة الصلح التمهيدي،
يحق لألجير رفع دعوى أمام المحكمة المختصة ،التي لها أن تحكم ،في حالة ثبوت فصل األجير تعسفيا،
إما بإرجاع األجير إلى شغله أو حصوله على تعويض عن الضرر يحدد مبلغه على أساس أجر شهر
ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة على أن ال يتعدى سقف 36شهرا".
- 667للوقوف حول هذه العناصر ،راجع في هذا اإلطار:
-محمد الجرندي":األسس التي يخضع لها تقييم التعويض عن الطرد التعسفي" ،مداخلة بالندوة الثانية
للقضاء االجتماعي ،م س ،ص .257
- 668الزهرة الطاهري":دعوى الخيار بين الرجوع إلى العمل و التعويض عن الطرد التعسفي" ،مداخلة
بالندوة الثانية للقضاء االجتماعي ،م س ،ص .194-193
-669سعيد الكوكبي":تنفيذ األحكام االجتماعية في التشريع المغربي" ،الطبعة األولى ،مطبعة دار القلم-
الرباط ،دجنبر ،2002ص .16
254 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تقاضي حقوقه ،خاصة و أن األبعاد الواقعية لتطبيق مسطرة الشغل أبانت عن بطء في
670
سيرها.
و إذا كان الواقع أن الحكم بالرجوع إلى العمل إن كان سهال من الناحية النظرية،671
فإنه سيكون صعبا من حيث التنفيذ و مستحيال في بعض األحيان ،حينما يكون األجير بجانب
المشغل ،رغم هذا األخير ،إذ ال يعقل أن تبقى للمشغل أية ثقة في األجير السيما إذا كان يحتل
منصبا عاليا يخوله حق اتخاذ القرارات و واجب السهر على مصالح المؤسسة ،و ستتعرض
ال محالة سلطة المشغل إلى الضعف و االحتقار أمام األجراء الذين ارجعوا إلى العمل رغم
672
أنفه.
و لعل المرونة التي اتسمت بها الفقرة األخيرة من المادة 41حينما أجازت للمحكمة
إعمال حقها في الخيار بين أحد األمرين ،هي التي أعطتها صالحيات واسعة ،إال أن ذلك لم
يخل من ظهور عدة إشكاليات كان من أهم نتائجها تعارض التأويل في الحالة التي يقتصر
فيها األجير على المطالبة مثال بالرجوع دون التعويض أو العكس ،فهل المحكمة تكون مقيدة
بحدود طلبات األطراف طبقا لمقتضيات الفصل 3من ق م م ،أم أنها تكون حرة في تطبيق
النص الشغلي وفق ما ترتئيه؟
فقد كان الموقف القضائي في أعلى هيئة له ،منبعا للتناقضات ،كان لها أثرها في ظهور
بعض المبادئ الجديدة في نزاعات الشغل ،كمفهوم التعدي أو البطالن ،و مفهوم اإلرجاع
كجزاء مدني.
- 670عز سعيد ":العمل القضائي المغربي في نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .163
- 671راجع في هذا اإلطار:
-سناء شاحم":تنفيذ األحكام في المادة االجتماعية" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،
كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد األول-وجدة ،السنة الجامعية
.2016/2015
-ياسير الزيتوني":تنفيذ األحكام في المادة االجتماعية في القانون المغربي" ،رسالة لنيل دبلوم
الماستر في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة القاضي
عياض-مراكش ،السنة الجامعية .2011/2010
- 672الحسين باخنفار":األسس التي يخضع لها تقييم التعويض عن الطرد التعسفي و دعوى الخيار بين
الرجوع إلى العمل و التعويض عن الطرد التعسفي" ،مداخلة بالندوة الثانية للقضاء االجتماعي ،م س،
ص .101
255 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و قد كان القضاء يعمد أحيانا إلى تجاوز الحكم بالرجوع و االقتصار على التعويض
فقط ،حينما كان يظهر له خالل مرحلة التصالح أن ال أمل في عودة الحال إلى ما كانت عليه
بين الطرفين المتعاقدين ،خاصة من جانب رب العمل الذي يرى في مثوله أمام المحكمة ،هذا
إن حضر ،إهدارا لكرامته ،و مسا بسلطته و مكانته بين بقية األجراء ،هذا فضال على أن
الحل القضائي قد يكون األنسب نتيجة تردد األجير و تخوفه من الردود االنتقامية لمشغله
حالة رجوعه.
و كثيرة هي الحاالت التي تم فيها معاينة مأمور التنفيذ لقبول المشغلين تنفيذ قرار
اإلرجاع ،و لكن بمجرد ما يتوارى المنفذ عن األنظار ،إال و يتم طرد األجير من جديد ،و
هي حالة تشبه كثيرا ،وضعية المرأة الناشز ،التي كلما نفذ عليها الحكم لبيت الزوجية ،إال و
تظاهرت بذلك ،لكن بمجرد ما يحرر محضر عدم االمتناع فإنه تعاود الكرة من جديدة ،و
673
تغادر البيت ،ذلك أنه ليس هناك مودة بسيف ،و ال حب بإكراه.
و لعل هذه األسباب هي التي أملت على القاضي المغربي التغاضي عن طلب الرجوع
و الحكم بالتعويض ،مع أنه لم تتم المطالبة به متجاوزا في ذلك النصوص المسطرية التي
تلزمه بالتقيد عند بثه في قضية ما ،بحدود طلبات المتقاضين ،إال أنه ال يجوز إثارته –طلب
اإلرجاع للعمل -ألول مرة أمام محكمة النقض ،الختالط الواقع فيه بالقانون.674
كما نجد أن التناقض قائم أساسا بين النص المسطري الذي ال يسمح بهذا التجاوز ،و
بين المقتضيات الموضوعية المسطرة في مدونة الشغل التي تعطي للمحكمة كامل السلطة
لتقرير ما شاء لها في ذلك ،فينجم عن مخالفته اعتبار القاضي قد شط في استعمال سلطته
بتجاهله لحدود الدعوى ،ذلك أن مستنتجات األطراف ليست إال تعبيرا عن إرادتهم الخاصة،
و عليه فخرق القاضي لحدود الدعوى يعد تجاوزا منه لسلطته ،و خرقا لقاعدة من النظام
العام ،و عليه فال يمكن للقاضي أن يضيف جديدا أو ينقص منه ،و إال عرض حكمه للنقض
لتجاوزه الحول التي عرضها الطرفان المتخاصمان إلى حل ثالث.
- 673عز سعيد ":العمل القضائي المغربي في نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .165
- 674قرار محكمة النقض ،عدد /407بتاريخ ،2016/3/2ملف اجتماعي عدد ،2015/2/5/2538غير
منشور.
256 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و مع ذلك ذهب المجلس األعلى في اتجاه مخالف في عدة قرارات مبدئية ،استند فيها
إلى مقتضيات مدونة الشغل و قبلها الفصل السادس من القانون الملغى ،و في نطاق سلطتها
التقديرية صالحية تقرير اإلرجاع ،أو منح األجير التعويض المستحق متى ثبت لها أنه تم
فصله تعسفيا ،و ذلك دونما حاجة لتعليل اختيارها ،مادام القانون منحها ذلك ،و من تم فهي
ليست ملزمة باتباع طلبات الطرفين ،و هو ما ذهبت إليه المحكمة االبتدائية ببني مالل" :و
حيث إن إقدام المشغل على إنهاء عقد شغل األجير بإرادته المنفردة دون مبرر مشروع و
دون إخطار األجير مما يكون معه الطرد متسما بالتعسف ،و حيث إن طلب إرجاع األجير
لعمله يبقى مستبعد لعدم رغبة المشغل في ذلك مما يتعين معه الحكم للمدعي بالتعويضات
الثالثية عن الفصل التعسفي ،677"..و في حكم آخر ":و حيث إن طلب إرجاع العارض إلى
عمله يبقى مستبعدا لعدم إعراب الطرف المدعى عليه عن استعداده لذلك .األمر الذي تقرر
معه منحه تعويضات عن الضرر و عن الفصل و عن مهلة اإلخطار".678
257 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و إذا كان المجلس األعلى قد حسم هاته اإلشكالية مستندا في ذلك أيضا إلى كون
مقتضيات الفصل السادس (المادة )41بدوره من النظام العام ،و هو أمر محمود يجسد الدور
التقليدي لهذا المجلس في مجال توحيد التأويل القضائي ،إال أن الحل الذي طرحه لم يكن
كامال ،و ذلك الختالف مواقفه حول ما إذا كان يجب إقران الحكم القاضي بالرجوع بأجرة
المدد السابقة عليه ،و التي كان فيها العقد موقوفا أم ال؟ فالمجلس األعلى اعتبر أحيانا أن
ثبوت الفصل غير القانوني يخول في حالة اإلرجاع تقاضي األجير ألجرة مدة التوقف بعلة
أنه جاعال خدماته رهن إشارة مشغله ،679في انتظار حكم المحكمة ،بل إنه يستحق أجره
كامال و لو أغفل عن طلبه.
و قد قضى بعكس هذا االتجاه في حاالت مشابهة ،مسجال بذلك تراجعا في موقفه
السابق ،حينما نقض عدة أحكام لكون األجر ال يكون مستحقا إال مقابل العمل ،معتمدا في ذلك
على مقتضيات الفصل 723من ق ل ع ،بالرغم من أن بنوده ال تصلح أساسا سليما لتعزيز
الموقف المذكور.
و تجدر اإلشارة إلى أن االجتهاد القضائي األخير أصبح قارا ،إذ دأبت المحاكم الدنيا
على اتباعه حتى و لو امتنع المشغل على إرجاع األجير ،بل و حتى في حالة ثبوت عكس
ذلك ،فإنه كان يكتفي بالحكم له بالتعويض عن الفصل التعسفي.
و نظن أنه يمكن قبول تحويل االمتناع عن اإلرجاع إلى تعويض نظرا للصلة المباشرة
التي تكون للمشغل مع أجرائه ،خاصة في المؤسسات الصغرى و المتوسطة ،و من تم ال
مجال إلكراه المشغل على اإلرجاع و لو عن طريق التهديد المالي أو الغرامة التهديدية لعدم
جدوى الحكم بها ،و هو ما صادفناه لدى القضاء المغربي ،و الذي ذهب إلى حد اعتبار أن
الشركة لها حرية التصرف ،و ال يمكن إجبارها على اإلرجاع.
- 679جاء في قرار لمحكمة النقض أنه":حيث تبين صحة ما عابته الطاعنة ذلك أنها تمسكت و بمقتضى
مقالها االستئنافي بأن األجير المطلوب عمل لدى شركة اديكو المغرب خالل المدة من ماي إلى أكتوبر
،2007و هي نفس الفترة التي يدعي اشتغاله لديها و أدلت بالوثائق الصادرة عن الصندوق الوطني
للضمان االجتماعي إلثبات ذلك ،غذ تضمن تصريح هذه المشغلة بالمطلوب لدى الصندوق
المذكور"..قرار محكمة النقض ،عدد ،55بتاريخ ،2016/1/13ملف اجتماعي عدد ،2014/1/5/1638
غير منشور.
258 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و إذا كان ال أحد يجادل في أن الحكم بالرجوع للعمل مبدأ مهم ،فإنه يجب أن ال يؤخذ
على إطالقه لكي ال ينقلب ضدا على مبدأ التشغيل ،و من تم يحسن التعامل معه بنوع من
المرونة وفق كل حالة و حسب ظروف كل قضية ،و ذلك دون المساس بحقوق األجراء
الثابتة و التي ال يمكن تجاوزها تحت ستار المرونة.
لكن هل يمكن تطبيق مقتضيات الفصل 448من ق م م و الحكم على المشغل بالغرامة
التهديدية في حالة امتناعه عن إرجاع األجير إلى عمله؟ باعتبارها ذلك المبلغ المالي الذي
يمكن الحكم به على الملزم بتنفيذ حكم بالقيام بعمل أو االمتناع منه عن كل يوم يتأخر فيه عن
التنفيذ.680
إن المتتبع لقرارات المجلس األعلى يخلص إلى أن المجلس األعلى يذهب إلى عدم
تطبيق الغرامة التهديدية في حال ما إذا امتنع رب الشغل عن إرجاع األجير إلى عمله إذ
ذهب إلى أنه مادام أن هناك نص خاص و الفصل 6من النظام النموذجي المؤرخ في
1948/10/23تقابل المادة 41من مدونة الشغل الذي يطبق في هذه الحالة ،فال مجال
لتطبيق مقتضيات الفصل 448من ق م م المتعلق بالغرامة التهديدية ،و يمكن لألجير في هذه
681
الحالة أن يتقدم بدعوى التعويض عن الفصل التعسفي.
إال أن قيمة األحكام ال تظهر إال تنفيذها ،و المحكمة يجب عليها أال تمنح لألطراف
فرصة تحقير مقرراتها ،و قبل الحكم بإرجاع األجير إلى عمله أو الحكم لألجير
بالتعويضات ،يجب التفكير مسبقا في مصير هذا الحكم ،682فإن السرعة في تنفيذ الحكم
الشغلي ،و بعث الحركية فيه حماية لألجير الذي يكون في أمس الحاجة ،و في وقت وجيز،
أملت على المشرع شموله بالنفاذ المعجل بقوة القانون ،و هو ما أثار إشكالية تحديد األداءات
259 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
التي تخضع لهذا المبدأ ،و هو ما عرف بدوره نوعا من االنقسام القضائي ،كما سنوضح ذل
في (ثانيا).
ال يخفى على أحد أهمية التنفيذ 683و ما يعلقه عليه المتقاضون من آمال على اعتبار أنه
هو التجسيد المادي لفعالية الجهاز القضائي ،و ألنه هو وسيلة إبراز محتويات الحق المتنازع
684
عليه و ألنه غاية كل من يطرق باب القضاء.
إال أنه و برجوعنا إلى مدونة الشغل و قانون المسطرة المدنية في بابه الخاص
بالمسطرة االجتماعية ال نجد أية إشارة إلى تنفيذ هذه األحكام باستثناء اإلشارة إلى القوة
التنفيذية للحكم و شموله بالنفاذ المعجل بقوة القانون.
و يظهر من خالل دراسة بعض القرارات أن قضاة المجلس األعلى لم يستقروا على
موقف ثابت و موحد ،إذ تأرجح العمل القضائي بين شمول األداءات المستحقة لألجير و من
بينها األجر و مختلف التعويضات بالنفاذ المعجل ،و بين قصر تطبيق هاته القاعدة على
األجر و توابعه دون بقية المطالب ،غير أنه في اآلونة األخيرة أعطى المجلس المذكور لنفسه
الحق في إيقاف هاته األحكام طبقا لمقتضيات الفصل 381من ق م م ،و الحال أن ذلك
- 683يقصد بالتنفيذ لغة :تحقيق الشيء و إخراجه من الفكر إلى مجال الواقع ،و في اصطالح القانون
الخاص يقصد بالتنفيذ L'exécutionمعنيان :أولهما موضوعي يتمثل بالوفاء بااللتزام Le Paiement
اختيارا ،و ثانيهما إجرائي يتمثل في تنفيذ االلتزام جبرا على المدين ،للمزيد راجع في هذا اإلطار
-عبد المجيد غميجة":قواعد التنفيذ و إشكالياته في األحكام االجتماعية" ،مداخلة بالندوة الثانية للقضاء
االجتماعي ،م س ،ص .315
- 684محمد ليديدي":قواعد تنفيذ األحكام و إشكالياته في منازعات الشغل" ،مداخلة بالندوة الثانية للقضاء
االجتماعي ،م س ،ص .302
- 685نص الفصل 285من ق م م على أنه ":يكون الحكم مشموال بالنفاذ المعجل بحكم القانون في
قضايا حوادث الشغل ،و األمراض المهنية ،و في قضايا الضمان االجتماعي ،و قضايا عقود الشغل و
التدريب المهني ،رغم كل تعرض أو استئناف".
260 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
يتعارض مع الفقرة األخيرة من الفصل 147من ق م م التي تمنع إيقاف القضايا المشمولة
بالنفاذ المعجل بقوة القانون.
و يتضح من خالل استقراء أحكام محاكم الدرجة األولى ،686أن هاته األخيرة سارت
في غالبيتها في اتجاه يعتبر هاته القضايا مشمولة بالنفاذ المعجل ،و قد درجت على تذييلها
بالصيغة التنفيذية ،و هو األمر الذي أصبح من باب المسلمات ،بل إن مصالح كتابة الضبط
كانت تعتمد تلقائيا إلى الشروع في هذا التنفيذ بالرغم من افتقار الحكم للصيغة المذكورة،
فجهاز كتابة الضبط لم يكن يعترض على التنفيذ بمجرد ما يتأكد أن الحكم صدر في مادة
اجتماعية ،687بل إن هذا الجهاز لم يكن في حاجة النتظار مرور األجل الخاص بمواقيت
الطعن ،او اإلدالء بشهادة عدم التعرض و االستئناف للبدء في عملية التنفيذ ،إلدخاله هاته
ال قضايا في عداد القضايا االجتماعية ،و التي نص المشرع أنها تكتسي القوة التنفيذية بقوة
القانون ،رعاية لمصلحة معينة ،و فئة من المتقاضين ارتأى المشرع جدارتها بذلك ،خاصة
فئة األجراء لما قد تتعرض له من ضرر من جراء التأخير في التنفيذ لمدة طويلة ،و من تم
فسرعة التنفيذ تخدم مبدأ استقرار الشغل ،كذا األجر القار ،و عليه فقاعدة النفاذ المعجل
القانوني توازي في قيمتها المكتسبات األخرى التي غنمها األجراء في الميدان اإلجرائي
كالمساعدة القضائية بقوة القانون ،و كقاعدة قلب عبء اإلثبات ،أو كالتزام الخلف الخاص
بالتزامات السلف حالة تغيير المركز القانوني للمشغل.
- 686جاء في حكم البتدائية مراكش ،أنه ":وحيث إن األحكام في المادة االجتماعية تكون مشمولة بالنفاذ
المعجل بقوة القانون متى تعلقت بتعويضات ناتجة عن العقد ،وأن ما تعلق منها بالتعويضات المرتبطة
بواقعة الطرد التعسفي حسبما جرى بذلك العمل القضائي ،تخضع لسلطة المحكمة التقديرية ،وتخضع
في شمولها بالنفاذ المعجل لمدى ارتباطها بثبوت المسؤولية التقصيرية لألطراف من عدمه .
وحيث تبعا لما ذكر أعاله ،يكون طلب تمتيع الحكم بالنفاذ المعجل مقبوال فيما يخص التعويض عن
العطلة السنوية و األقدمية ،ورفضه في الباقي" .حكم ،2016/1501/226 ،بتاريخ ،2017/1/30غير
منشور.
- 687عز سعيد ":العمل القضائي المغربي في نزاعات الشغل الفردية" ،م س ،ص .168
261 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
تستفيد من االمتياز القانوني للقاعدة السابقة ،أما التعويض عن الفصل التعسفي و الخاضع
لتقدير المحكمة ،فهو ال يشمل بالنفاذ المعجل بقوة القانون ،و فرض على قضاة الموضوع أن
يبينوا في حكمهم الظروف التي استندوا إليها في األمر بالنفاذ المعجل لهاته التعويضات و
ذلك تطبيقا للفصل 147من ق م م.688
و يشكل هذا المنحى القضائي محاولة لتأصيل القرارات الصادرة في هذا الشأن ،خاصة
و أن النزعة الشرعوية للقضاة دفعت البعض اآلخر إلى محاولة استلهام التفسير من روح
689
نص الفصل 20من ق م م المتعلق باختصاص المحاكم في القضايا االجتماعية.
فحدد نطاق تطبيق 285من ق م م بالنسبة لقضايا عقود الشغل السارية أثناء النزاع ،و
التي حصرها في أجرة أيام العمل و أجرة الشهر الثالث عشر و العموالت و المشاركة في
األرباح ،و الساعات اإلضافية ،و مكافأة اإلنتاج و العطلة السنوية ،و التعويضات العائلية ،و
المنح السن وية ،و منح شهادة العمل ،في حين أدخل الطلبات التي تقدم بعد انتهاء عقد الشغل
ألي سبب كان في نطاق نزاعات الشغل أو خالفاته ،إذ لم يعد باإلمكان أن يطلق عليها قضايا
690
عقود الشغل ،مادام أن عقد الشغل قد فسخ.
- 688قرار المجلس األعلى ،عدد ،547بتاريخ ،1979/2/17ملف رقم ،73306م س ،ص .164
- 689ينص الفصل 20من ق م م على أنه ":تختص المحاكم االبتدائية في القضايا االجتماعية بالنظر في:
-النزاعات الفردية المتعلقة بعقود الشغل أو التدريب المهني ،و الخالفات الفردية التي لها عالقة بالشغل
أو التدريب المهني".
- 690محمد عطاف":أحكام التنفيذ المعجل في المادة االجتماعية من خالل النصوص القانونية و العمل
القضائي" ،مداخلة بالندوة الثانية للقضاء االجتماعي ،م س ،ص .299
262 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
خاتمة:
على امتداد صفحات هذا البحث ،حاولنا الوقوف حول مختلف جوانب الحماية القضائية
لألجير ،سواء تلك التي استند فيها على المقتضيات التشريعية ،من خالل تطويعها و جعلها
مسايرة للتحوالت االقتصادية و االجتماعية التي تمر منها المقاولة ،أو من خالل ابتداع
مبادئ خاصة ،فتوقنا عند ضرورة ربط األجير بالمؤسسة أكثر منها بالمشغل ،في حالة تغيير
المركز القانوني لهذا األخير ،و أمام هشاشة هاته الرابطة أبرزنا موقف القضاء و كيف عمل
على خلق حاالت غير واردة في المادة 19من مدونة الشغل ضمانا الستقرار العالقة الشغلية
لما فيه من حماية لألجير ،و تحقيقا للطمأنينة في نفس هذا األجير تدخل القضاء إلضفاء
الوصف الحقيقي على العقد المبرم لكشف تحايل المشغلين في إبرام عقود الشغل ،كما امتد
القضاء لبسط حمايته لألجير إلى ظروف الشغل و تكريس المقتضيات التشريعية الحمائية
لألجير.
كما توقفنا بنوع من التفصيل عند الرقابة القضائية على تأديب األجير ،و أبرزنا كيف
أ ن القضاء عمل على بلورة مفهوم جديد لصالحيات المشغل و سلطاته في إدارة مشروعه،
مفاده أن المشغل ليس هو الحكم الوحيد في المؤسسة ،و إنما يمارس سلطاته تحت رقابة
القضاء ،و إن كان األصل ،أن العالقة بين المشغل و أجيره ينشئها و ينظمها العقد الذي يبرم
برضاهما.
و أمام القصور التشريعي في حماية األجير ،تطرقنا في الفصل الثاني لوسائل تدخل
القضاء االجتماعي لحماية هذا األخير ،فتوقنا عن المؤثرات التي تنتظم العمل القضائي ،الذي
ليس مطلوب منه تطبيق النصوص فقط ،و لكن أيضا إيجاد الحلول المناسبة لكل نزاع ،و
أبرزنا دور القاضي االجتم اعي في حل النزاعات الفردية ،و الوسائل التي اعتمدها لحماية
األجير ،ثارة مواجهته الغموض التشريعي ،و ثارة أخرى عند الفراغ التشريعي ،فتناولنا أهم
المواضيع التي تطرح إشكاالت أمام القضاء االجتماعي ،كإثبات العالقة الشغلية ،المغادرة،
االستقالة ،و تعديل عقد الشغل بإرادة منفردة للمشغل ،كما استغلنا الفرصة للوقوف عند
263 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
الحماية القضائية للحقوق المرتبطة بشخص األجير ،تلك المتولدة عن عقد الشغل ،و تلك
المرتبطة بمزاولة األجير لشغله ،و موقفه من تكييف األخطاء الجسيمة...إلخ.
و في ختام هذه الخاتمة ،سنقف عند بعض االستنتاجات في أوال ،و المقترحات في ثانيا.
إال أننا نعتقد أن المشغل يجب عليه أن يتدخل بنص صريح بمدونة الشغل يسمح للقضاء
بالتدخ ل لمباشرة رقابته على قرارات المشغل فيما يتعلق بتعديل عقد الشغل ،مثلما وقع تماما
بالنسبة للرقابة على القرارات التي تندرج في سلطة المشغل التأديبية.
كما استنتجنا ،أن القضاء درج على اعتبار أن أي تغيير للمركز القانوني للمشغل ال
يؤثر في شيء على استمرارية األجير في عمله ضمانا لالستقرار الشغل و ديمومته ،و أن
هذا القضاء ال يدخر جهدا في سبيل بلورة مبدأ استقرار الشغل ،ليس فقط من خالل دوره
التقليدي في تطبيق النصوص القانونية ،و إنما كذلك من خالل اجتهاداته و توسعه في تفسير
264 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
مقتضيات الفصل 754من ق ل ع و المادة 19من م ش ،كما عمل القضاء على التصدي
لكل محاولة تدليس أو تحايل على مبدأ استقرار الشغل ،األمر الذي يجسد الدور الذي يلعبه
القضاء في سبيل بلورة الطابع الحمائي لألجير.
كما استنتجنا ،أنه تم إغفال في المدونة إسناد مهمة االستماع إلى األجير من قبل لجنة
موسعة يكون المشغل أحد أعضائها فقط ،و بالتالي تكون مهمة إقرار الفصل إلى هذه الهيئة
بدل المجلس التأديبي.
كما يالحظ ،أن القضاء قد ألقى عبء إثبات استمرارية الشغل على عاتق األجير ،و في
ذلك داللة على أنه يعتمد مقتضيات قانون االلتزامات و العقود القاضية بان إثبات االلتزام
على مدعيه(الفصل ،) 399و هو أمر قاس يصعب على األجير إقامة الدليل عليه ،لذا يكون
من األفضل أن يسير القضاء في إثبات استمرارية عالقة الشغل على عاتق المشغل ،كما فعل
بالنسبة للمغادرة التلقائية و إثبات وجود مبرر مقبول للفصل.
كما استنتجنا ،أن القضاء لم يستقر بعد على موقفه بخصوص المغادرة التلقائية لألجير،
فأحيانا يصفها بكونها دفع من جانب المشغل و أحيانا أخرى يربطها بالتغيب غير المبرر ،و
أحيانا أخرى يعتبر األجير المغادر لعمله تلقائيا في حكم المستقيل ،بينما يعتبرها أحيانا أخرى
عدم تنفيذ لاللتزام من قبل األجير ،لذا يتعين أن يوحد القضاء موقفه من المغادرة التلقائية
لألجير في انتظار تدخل المشرع.
كما يالحظ ،أن االستقالة باعتبارها طريقا من طرق انقضاء عقد الشغل الخاص
باألجير ،و بكونها تعبير صريح عن األجير يعلم فيه عن رغبته في وضع حد للعالقة الشغلية
التي تربطه بالمشغل ،و أنها حق ثابت من حقوق األجير سواء رضي المشغل بذلك أم ال ،بل
و ال يحتاج األجير إلى تبرير ذلك التصرف أو تعليله ،تعرف قصورا تشريعيا لكون المشرع
نظمها من خالل 3مواد في مدونة الشغل هي المادة 34و ،64و ،272و لم يتطرق لبعض
صورها كاالستقالة االضطرارية.
265 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
و استنتجنا ،أن االستقالة في مدونة الشغل تصرف شكلي يستلزم الكتابة ،و أن
المصادقة على صحة إمضائها ليست شرطا لصحتها ما لم يطعن فيها باإلنكار ،و التوقيع و
المصادقة عليها قرائن بسيطة على عدم أمية األجير قابلة إلثبات العكس ،و أن عدم التقيد
بأجل اإلخطار عند االستقالة يلزم األجير بتعويض المشغل ،و أن التعويض عن الضرر
الناتج عن االستقالة المفاجئة يخضع للقواعد العامة الواردة في ق ل ع ،كما أن عدم إثبات
األجير لإلكراه على االستقالة يجعل هذه األخيرة منتجة لكافة آثارها ،إال أن ثبوت أمية
األجير تجعل استقالته عديمة األثر القانوني ،و التغيب غير المبرر خالل المدة القانونية يجعل
األجير في حكم المستقيل شريطة مطالبة المشغل له لاللتحاق بالعمل.
كما الحظنا ،غياب التعديل كمفهوم قانوني في مدونة الشغل ،فرض على القضاء
المغربي إقرار بعض المبادئ التي تنظم عقد الشغل ،أهمها التمييز بين التعديل غير
الجوهري الذي يحق للم شغل إجرائه بشرط عدم اإلضرار باألجير و الحفاظ على حقوقه ،و
التعديل الجوهري الذي ال يكون مشروعا إال بموافقة األجير ،و بالتالي حاول رسم الحدود
الممكنة لحماية األجير من خالل سده للفراغ التشريعي الذي يعرفه موضوع تعديل عقد
الشغل باإلرادة المنفردة للمشغل.
ثانيا :االقتراحات
إذا كان المشرع من خالل مدونة الشغل قد حاول حماية األجير باعتباره الطرف
الضعيف في العالقة الشغلية ،فقد عرف قصورا؛ دفع القضاء للتدخل بكل وسائله الممكنة،
محاولة منه لرسم الحدود الممكنة لحماية األجير ،إال أن ذلك لم يرق إلى المستوى المطلوب،
فاألجير قد يكون ضحية للمشغل ،أو ضحية للقصور التشريعي ،و قد يكون ضحية للتضارب
القضائي ،لذلك نورد في هذا اإلطار بعض االقتراحات التي نعتقد أنه من شأنها أن تحقق
حماية تشريعية و قضائية أكثر لألجير خاصة ،و الطبقة المستضعفة :الشغيلة عامة ،خاصة
إذا ما علمنا امتداد هذه الحماية ألسر األجراء:
-ضرورة اشتراط كتابة عقود الشغل لتسهيل مهمة التكييف على القضاء ،اقتداء
ببعض التشريعات المقارنة(التشريع المصري مثال).
266 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
-تضمين التصرفات القانونية المفضية لتغيير المركز القانوني التي تعود الجتهاد
القضاء االجتماعي ،كحالة التسيير الحر لألصل التجاري ،و االمتياز كأسلوب إلدارة
المرفق العام.
-ضرورة تدخل لمشرع إلعادة صياغة المادة 62من مدونة الشغل و جعلها في
متناول القاضي االجتماعي ،و أن يلزم األطراف و ال يدع شك في اختيارها؛ و بالتالي
اعتبارها من النظام العام يثي رها القاضي في جميع مراحل الدعوى ،و التأكيد على
إحداث هيئة جماعية يكون لها القرار النهائي في فصل األجير و تشرف على مسطرة
االستماع إلى هذا األخير ،و السهر على تبليغه.
-العمل على تحديد الئحة لألخطاء الجسيمة على سبيل الحصر و اعتبار أي خطأ
خارج هذه الالئحة غير جسيم ،أو النص على معيار محدد يساعد القضاء على تكييف
الخطأ ،و يتجلى هذا المعيار في جسامة الضرر؛ حيث أنه كلما كان الضرر جسيما
اعتبر الخطأ جسيما و كلما كان الضرر بسيطا تم تكييف الخطأ على أنه خطأ بسيط.
-تدخل المشرع لتحديد مفهوم تعديل عقد الشغل ،و تبني المبادئ التي توصل إليها
اجتهاد القضاء االجتماعي ،و تحديد اإلجراءات التي يجب على المشغل إتباعها عند
تعديله لعقد الشغل بإرادته المنفردة.
-تدخل المشرع المغربي إلدراج نص عام يتناول حماية الحياة الخاصة لألجير ،و
نشر ثقافة حقوق اإلنسان داخل المقاولة المغربية ،و توعية األجراء بحقوقهم الشخصية
و إمكانية التشبث بها ،و الدفاع عنها ،حتى يتم فتح المجال أمام القضاء لتطوير هذه
الحماية ،و تأكيد سمو هذه الحقوق على كل قيد أو شرط يحد منها.
267 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
هكذا ،يمكننا قول أن سلطات القاضي و حماية منه لألجير تجاوزت مهمة تطبيق
القانون ،و أهلته لتطوير القاعدة القانونية و إعادة صنعها ،و بالتالي تمكين القرار القضائي
من مساهمته في الحياة العامة و توجيهها ،و في مجال القضاء االجتماعي يظهر هذا الدور
أكثر فاعلية ،و أكثر اتساعا ،بفعل طبيعة المادة االجتماعية و نوعية المتقاضين ،كما أن هذا
الدور لم يأت من النظرة التقليدية التي جعلت من القضاء مؤسسة خاضعة للقانون بمفهوم
ميكانيكي محض ،محصور في التطبيق الحرفي للنصوص القانونية على النوازل المعروضة
عليه ،دون تقييم النعكاساتها ،و إن كان هذا البحث خصص لبحث الحماية القضائية لألجير،
فهل تدخل القضاء لحماية المشغل ،و التوفيق بين المصالح المتضاربة للمقاولة؟
268 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
الئحة المراجـــع
269 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
الكتب:
-محمد الشرقاني و محمد القري اليوسفي و عبد العزيز العتيقي":مدونة الشغل مع
تحليل ألهم المستجدات" ،طبعة ،2010مكتبة سجلماسة-مكناس.
-محمد الشرقاني":عالقات الشغل بين أحكام تشريع الشغل و مشروع مدونة
الشغل" ،الطبعة األولى ،دار القلم-الرباط.2003 ،
-محمد الكشبور":إنهاء عقد الشغل" ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة-الدار
البيضاء.2008 ،
-محمد بنحساين":شرح قانون الشغل المغربي" ،الطبعة الثالثة ،مطبعة إمستيتن-
الرباط ،أكتوبر .2012
270 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
-محمد سعد جرندي":الدليل العملي لمدونة الشغل" ،ج األول ،الطبعة األولى،مطبعة
صناعة الكتاب-الدار البيضاء.2016 ،
-محمد سعيد بناني ":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل عالقات الشغل
الفردية" ،الجزء األول ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء. 2005،
-محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل" ،الجزء الثاني،
طبعة يناير ،دون ذكر المطبعة .2007
-محمد سعيد بناني":قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل :عالقات الشغل
الفردية" ،الجزء الثالث ،الطبعة األولى ،مكتبة دار السالم،2009 ،
-المصطفى شنضيض ":عقد الشغل الفردي في ضوء مدونة الشغل الجديدة القانون
رقم 99-65و النصوص التنظيمية الصادرة بشأنه "،الطبعة األولى ،دون ذكر
المطبعة ،س .2004
-مصطفى شنضيض":عقد الشغل الفردي في ضوء مدونة اشغل الجديدة القانون رقم
65-99و النصوص التنظيمية الصادرة بشأنه" ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح
الجديدة-الدار البيضاء.2004 ،
-ملكية ابن زاهير و عمر نحال و إدريس نجيم":حقوق اإلنسان في مجال الشغل و
تطبيقاتها في القضاء الوطني" ،الطبعة األولى ،دون ذكر المطبعة.2017 ،
-موسى عبود":دروس في القانون االجتماعي" ،الطبعة الثانية ،المركز الثقافي
العربي.1994 ،
271 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
* األطروحات:
-أحمد حميوي":المركز القانوني لألجير في ظل قانون الخوصصة بالمغرب"،
أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و
االجتماعية ،جامعة محمد بن عبد هللا-فاس ،السنة الجامعية .2006/2005
-أزهور هيباوي":الضمانات القانونية و القضائية لألجراء على ضوء مدونة الشغل
المغربي" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،وحدة التكوين في قانون العقود
و العقار ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد األول-وجدة،
السنة الجامعية .2016/2015
-أسامة األبهري ":تجربة المحاكم االجتماعية بالمغرب( )1972-1974و الحاجة إلى
إحداث قضاء اجتماعي متخصص" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في
المهن القضائية و القانونية ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة
محمد الخامس السويسي-الرباط ،السنة الجامعية .2009/2008
-أسماء الشرقاوي":الرقابة على سلطات المشغل في القانون المغربي" ،أطروحة لنيل
الدكتوراه في الحقوق ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد
الخامس أكدال-الرباط ،السنة الجامعية .2013/2012
-امحمد ماسي":مفهوم النظام العام في قانون الشغل" ،مذكرة لنيل دبلوم الدراسات
العليا في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة
محمد الخامس أكدال-الرباط ،السنة الجامعية .1985
-بنسالم أوديجا":سلطة القاضي في اإلثبات في المادة المدنية" ،أطروحة لنيل
الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة
محمد الخامس اكدال-الرباط ،السنة الجامعية .2015/2014
-خالد بنهاشم":استقرار التعاقد في قانون الشغل" .بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا
المعمقة ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة الحسن الثاني عين
الشق-الدار البيضاء ،السنة الجامعية .2007/2006
272 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
-دنيا مباركة":اإلنهاء التعسفي لقعد العمل :دراسة مقارنة" ،أطروحة لنيل درجة
دكتوراه الدولة في الحقوق ،كلية الحقوق ،جامعة عين شمس القارهة-مصر.1987 ،
الرسائل: *
-رشيد بامو":إثبات عقد الشغل في ضوء العمل القضائي" ،بحث نهاية التكوين،
المعهد العالي للقضاء ،فوج ،41السنة التكوينية .2017/2015
-سهام الكشوتي":القواعد المنظمة لإلثبات في نزاعات الشغل" ،أطروحة لنيل
الدكتوراه في الحقوق ،وحدة التكوين و البحث في قانون العقود و العقار ،كلية العلوم
القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد األول-وجدة ،السنة الجامعية
.2010-2009
-عبد القادر البوبكري":حدود السلطة التأديبية للمشغل على ضوء مدونة الشغل و
العمل القضائي :دراسة مقارنة" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،وحدة
التكوين و البحث في قانون العقود و العقار ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و
االجتماعية ،جامعة محمد األول-وجدة ،السنة الجامعية .2013/2012
-علي الصقلي":أداء األجور و ضماناته القانونية" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا
في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد
الخامس أكدال-الرباط ،السنة الجامعية .1977
-علي الصقلي":نزاعات الشغل الجماعية و طرق تسويتها السلمية في القانون
المغربي" ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و
االقتصادية و االجتماعية ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا-فاس ،السنة الجامعية
.1989/1988
-محمد بوعزيز":السلطة التأديبية لرئيس المؤسسة في قطاع الشغل الخاص
بالمغرب" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص،كلية العلوم القانونية
و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة محمد الخامس أكدال-الرباط ،السنة الجامعية
.1984/1983
273 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
-ميمون الوكيلي":المقاولة بين حرية التدبير و مبدأ استقرار الشغل" ،أطروحة لنيل
الدكتوراه في الحقوق ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة الحسن
الثاني عين الشق-الدار البيضاء ،السنة الجامعية .2007/2006
-نبيل الكط ":أثر التحوالت الالحقة بالمقاولة على وضعية األجراء" ،أطروحة لنيل
الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة
موالي إسماعيل-مكناس ،السنة الجامعية .2017/2016
المقاالت و المداخالت:
* المقاالت:
-أحمد أزراف":تغيير المركز القانوني للمشغل و إشكالية استمرارية عقود الشغل"،
مقال منشور بمجلة دعامات ،العدد ،4سنة .2018
-أحمد فرصاد ":حدود السلطة التنظيمية للمشغل" ،مقال منشور ب مجلة القضاء
المدني ،ع .2015 ،12
-أحمد فرصاد ":حدود السلطة التنظيمية للمشغل" ،مقال منشور ب مجلة القضاء
المدني ،ع 2015 ،12
-إلياس التلفاني":تقليص مدة الشغل و تمديدها على ضوء مدونة الشغل و العمل
القضائي" ،مقال منشور بمجلة الفقه و القانون ،ع الثامن ،يونيو .2013
-إلياس التلفاني":تقليص مدة الشغل و تمديدها على ضوء مدونة الشغل و العمل
القضائي" ،مقال منشور بمجلة الفقه و القانون ،ع الثامن ،يونيو .2013
-أمينة رضوان":جزاء مخالفة النظام العام في قانون الشغل" ،مقال منشور بمجلة
اإلرشاد القانوني ،عدد مزدوج الثاني و الثالث.2018 ،
-بشار طالل المومني":الحماية القانونية ألجر العامل وفقا للقواعد العامة و قانون
تنظيم عالقات العمل االتحادي اإلمارتي :دراسة مقارنة" ،مقال منشور بمجلة القانون
المغربي ،ع 30 ،30مارس .2016
274 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
275 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
-عمر الشيكر ":حماية األجر من خالل بعض مقتضيات مدونة الشغل" ،مقال منشور
بمجلة المحامي ،العدد ،46سنة .2006
-عمر نحال":االجتهاد القضائي بشأن الطرد من أجل الخطأ الجسيم" ،مجلة البحوث،
ع األول ،س .،2002
-فاطمة حداد":إنهاء عقد الشغل عن طريق االستقالة" ،مقال منشور بالمجلة
المغربي لإلدارة المحلية و التنمية ،عدد مزدوج ،98-97مارس/يونيو.2011
-فريدة اليوموري":إشكالية تعديل عقد الشغل بين رأي الفقه و موقف القضاء"،
مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون األعمال و المقاوالت ،ع .2011 ،18-17
-فريدة اليوموري":حدود السلطة التأديبية للمشغل قراء في المادتين 37و 39من
مدونة الشغل" ،مقال منشور بمجلة األبحاث و الدراسات القانونية ،ع ،6نونبر-دجنبر
.2015
-محمد البعداوي ":اإلدماج بين الشركات :طبيعته القانونية و آثاره" ،المجلة
المغربية لقانون األعمال و المقاوالت ،ع ،4يناير .2004
-محمد الشرقاني و محمد القري اليوسفي":الفصل التأديبي لألجير وفق مدونة الشغل
الجديدة" ،مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون األعمال و المقاوالت ،ع ،18-17
يناير-يونيو .2011
-محمد أوزيان":المراقبة القضائية للخطأ الجسيم" ،مقال منشور بمجلة الملف ،ع ،8
أبريل .2006
-محمد طارق":الوظيفة الرقابية لمفتش الشغل" ،مقال منشور بمجلة القانون
المغربي ،ع ،22يناير .2014
-محمد معزوز":الصلح و المصالحة في نزاعات الشغل" ،مقال منشور بمجلة المنبر
القانوني ،ع ،6أبريل .2014
-المصطفى المهداويي":عبء اإلثبات في نزاعات الشغل الفردية بين مقتضيات مدونة
الشغل و العمل القضائي" ،مقال منشور بمجلة المناظرة ،ع ،20-19شتنبر .2017
276 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
277 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
* المداخالت:
-إبراهيم قضا":تنظيم الصلح في منازعات الشغل الفردية" ،مداخلة بالندوة الجهوية
التاسعة ،بمقر محكمة االستئناف بأكادير 06-05 ،يونيو ،2007جمعية التكافل
االجتماعي لقضاة و موظفي المجلس األعلى ":عقود العمل و المنازعات االجتماعية
من خالل قرارات المجلس األعلى" ،الطبعة األولى ،مطبعة األمنية.2007 ،
-بالل العشري":مستجدات مدونة الشغل في إطار إنهاء الخدمة" ، ،مداخلة بالندوة
الجهوية التاسعة ،بمقر محكمة االستئناف بأكادير 06-05 ،يونيو ،2007جمعية
التكافل االجتماعي لقضاة و موظفي المجلس األعلى ":عقود العمل و المنازعات
االجتماعية من خالل قرارات المجلس األعلى" ،الطبعة األولى ،مطبعة األمنية،
.2007
-بوشرى العلوي":اإلثبات في مدونة الشغل" ،سلسلة الندوات و اللقاءات و األيام
الدراسية ،ع ، 9الندوة المنعقدة حول موضوع مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق.
-التجاني أحمد الزاكي":إجراءات إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة من طرف
المشغل" ،مداخلة بالندوة الجهوية التاسعة ،بمقر محكمة االستئناف بأكادير06-05 ،
يونيو ،2007جمعية التكافل االجتماعي لقضاة و موظفي المجلس األعلى ":عقود
العمل و المنازعات االجتماعية من خالل قرارات المجلس األعلى" ،الطبعة األولى،
مطبعة األمنية.2007 ،
-التهامي الدباغ":األسس التي يخضع لها تقييم التعويض عن الطرد التعسفي و
دعوى الخيار بين الرجوع إلى العمل و التعويض عن الطرد التعسفي" ،الندوة الثانية
للقضاء االجتماعي ،المنظمة من طرف المعهد الوطني للدراسات القضائية ،الرباط
26-25فبراير ،1992منشورات جمعية تنمية البحوث و الدراسات القضائية.
-الحسان أيت عبو":دعوى الخيار بين الرجوع للعمل أو التعويض" ،الندوة الجهوية
التاسعة ،بمحكمة االستئناف أكادير ،يومي 6-5يونيو ،2007منشورة ب":عقود العمل
و المنازعات االجتماعية من خالل قرارات المجلس األعلى" ،مطبعة األمنية-الرباط،
.2007
278 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
279 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
-طيب البواب":المجلس األعلى و توحيد التشريع" ،مداخلة ضمن الندوة التي نظمت
بمناسبة الذكرى األربعين لتأسيس المجلس األعلى ،بتاريخ 20-18دجنبر ،1997
مطبعة األمنية ،الرباط.1999 ،
-الطيب دوش":الفصل التعسفي لألجير في ضوء اجتهاد المجلس األعلى" ،مداخلة
بالندوة الجهوية التاسعة ،بمحكمة االستئناف أكادير ،يومي 6-5يونيو ،2007منشورة
ب ":عقود العمل و المنازعات االجتماعية من خالل قرارات المجلس األعلى"،
مطبعة األمنية-الرباط.2007 ،
-عبد الحكيم صباح":رقابة المجلس األعلى على مسطرة الفصل التأديبي و مدى
إلزاميتها" ،مداخلة ب الندوة الجهوية التاسعة ،بمحكمة االستئناف أكادير ،يومي 6-5
يونيو ،2007منشورة ب":عقود العمل و المنازعات االجتماعية من خالل قرارات
المجلس األعلى" ،مطبعة األمنية-الرباط.2007 ،
-عبد الرحيمم الهاشمي":طبيعة العالقة التعاقدية بين طبيب الشغل و المقاولة"،
مداخلة بالندوة الجهوية التاسعة ،بمحكمة االستئناف أكادير ،يومي 6-5يونيو ،2007
منشورة ب":عقود العمل و المنازعات االجتماعية من خالل قرارات المجلس
األعلى" ،مطبعة األمنية-الرباط.2007 ،
-عبد الرزاق لعلج":حجية محاضر مفتش الشغل بإنهاء المنازعة االجتماعية
بالصلح" ،مداخلة بالندوة الجهوية التاسعة ،بمقر محكمة االستئناف بأكادير06-05 ،
يونيو ،2007جمعية التكافل االجتماعي لقضاة و موظفي المجلس األعلى ":عقود
العمل و المنازعات االجتماعية من خالل قرارات المجلس األعلى" ،الطبعة األولى،
مطبعة األمنية.2007 ،
-عبد المجيد غميجة":قواعد التنفيذ و إشكالياته في األحكام االجتماعية" ،الندوة
الثانية للقضاء االجتماعي ،المنظمة من طرف المعهد الوطني للدراسات القضائية،
الرباط 26-25فبراير ،1992منشورات جمعية تنمية البحوث و الدراسات القضائية.
280 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
281 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
282 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
-بلقاسم بنبراهيم ":حماية األجير في عقد الشغل محدد المدة" ،تعليق على قرار
محكمة النقض ،عدد ،1069الصادر بتاريخ 15شتنبر ،20111في الملف االجتماعي
عدد ،1077/1/2010منشور بمجلة العلوم القانونية ،العدد الثاني.2015 ،
-بلقاسم بنبراهيم " :حماية األجير في عقد الشغل محدد المدة" ،تعليق على قرار
للمجلس األعلى ،عدد ،938الصادر بتاريخ 15نوفمبر ،2006في الملف االجتماعي
عدد ،2006/1/5/968منشور بمجلة العلوم القانونية ،العدد الثاني.2015 ،
283 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق47 العدد
ouvrages:
Mémoires et thèses:
* Thèses:
- François Varcin:"Le pouvoir patronal de direction dans
l'entreprise", Thèse pour le doctorat en droit, université
Lumière-lyon2, 2000.
284 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق47 العدد
* Mémoires:
- Stéphane Janiki;"La modification de contrat de travail",mémoire
de droit privé université Lille , Année 1998/1999.
Articles:
285 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
286 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
الفـــهرس
مقدمة1......................................................................................................:
الفصل األول :التطبيقات القضائية للنصوص التشريعية الحمائية لألجير16 ....................
المبحث األول :التكريس القضائي للمقتضيات التشريعية الحمائية العقدية لألجير 17 ...........
المطلب األول :تعامل القضاء االجتماعي مع النزاعات المثارة بشأن عقد الشغل 17 ...........
الفقرة األولى :الحماية القضائية لألجير عند تغيير المركز القانوني للمشغل 18 .................
أوال :التصرفات القانونية المفضية لتغيير المركز القانوني الواردة في مدونة الشغل 19 .......
:1تغيير المركز القانوني للمشغل حالة اإلرث20 ..................................................
:2تغيير المركز القانوني للمشغل بسبب البيع 22 ..................................................
:3حالة اإلدماج 23 ......................................................................................
:4تغيير المركز القانوني للمشغل في حالة الخوصصة 26 .......................................
ثانيا :التصرفات القانونية المفضية لتغيير المركز القانوني حسب اجتهاد القضاء االجتماعي
27 .............................................................................................................
: 1حالة التسيير الحر لألصل التجاري 28 ..........................................................
:2االمتياز كأسلوب إلدارة المرفق العام29 .........................................................
الفقرة الثانية :التكييف القضائي لعقد الشغل32 ........................................................
أوال :تكييف عقد الشغل أثناء فترة االختبار34 .........................................................
ثانيا :التكييف القضائي لعقود الشغل الفردية 36 .......................................................
ثالثا :التكييف القضائي لعقود الشغل الثالثية53 ........................................................
التوجه األول :توجه القضاء االجتماعي في اعتبار العقد المؤقت محددة المدة 54 ............
التوجه الثاني :توجه القضاء االجتماعي في اعتبار العقد المؤقت في بعض الحاالت غير
محدد المدة 58 .............................................................................................
المطلب الثاني :التطبيقات القضائية للنصوص التشريعية المتعلقة بظروف الشغل 60 ..........
الفقرة األولى :الحماية القضائية ألجر األجير 61 ......................................................
أوال :إثبات األجر 63 ......................................................................................
287 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
288 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
289 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المبحث األول :االجتهاد الحمائي للقضاء االجتماعي لألجير عند الغموض التشريعي 135 ...
المطلب األول :االجتهاد الحمائي الثابت للقضاء االجتماعي لألجير 137 .........................
الفقرة األولى :االجتهاد القضائي و إثبات عالقة الشغل 137 .......................................
أوال :عبء إثبات العالقة الشغلية139 ...................................................................
ثانيا :إثبات عناصر العالقة الشغلية 142 ................................................................
:1إثبات عنصر أداء العمل و أداء األجر 146 ........................................................
أ :إثبات عنصر أداء العمل 146 .........................................................................
ب :إثبات عنصر أداء األجر 149 ........................................................................
:2إثبات عنصر التبعية 152 ..............................................................................
أ :إثبات عنصر التبعية لتحديد العمل الخاضع لمقتضيات مدونة الشغل عن سواه 153 .........
أ :1-عنصر التبعية و تحديد بعض األعمال الخاضعة لمدونة الشغل 153 ........................
أ:1-1-مساعد التاجر154 ...............................................................................
أ:2-1-طبيب الشغل154 ................................................................................
أ:3-1-كاتب المفوض القضائي 156 ..................................................................
أ :2-عنصر التبعية و تحديد األعمال غير الخاضعة لمدونة الشغل 157 ..........................
أ:1-2-مدير الشركة157 ................................................................................
أ:2-2-الحمال بمحطة طرقية158 .....................................................................
أ:3-2-عامل التدليك بالحمامات التقليدية 158 .......................................................
ب :إثبات عنصر التبعية لتمييز عقد الشغل عن غيره من العقود المشابهة 160 ...............
ب :1-عقد الشغل و عقد المقاولة 160 ...................................................................
ب :2-تمييز عقد الشغل عن عقد الشركة 162 .........................................................
ب :3-تمييز عقد الشغل عن عقد التسيير الحر لألصل التجاري163 ..............................
الفقرة الثانية :اجتهاد القضاء االجتماعي بشأن تكييف األخطاء الجسيمة 164 ....................
:1التكييف القضائي لألخطاء الجسيمة الواردة بمدونة الشغل 168 ................................
أ :السرقة و خيانة األمانة169 ........................................................................... :
ب:التغيب بدون مبرر 170 ................................................................................
290 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
ج :رفض األجير إنجاز الشغل و إخالله بقواعد الصحة و السالمة 171 ..........................
د :العنف المادي و المعنوي172 ........................................................................:
هـ :اإلضرار بالمقاولة أو اإلخالل باالحترام الواجب داخلها173 ..................................
:2التكييف القضائي لألخطاء الجسيمة غير الواردة في مدونة الشغل 174 ......................
أ :اعتقال األجير 175 .......................................................................................
ب:الزيادة في األثمنة على زبناء المطعم175 ..........................................................
ج:تجاوز مدير الوكالة البنكية االختصاص المسموح به في إعطاء القروض 175 ..............
د :المنافسة غير المشروعة176 ..........................................................................
المطلب الثاني :االجتهاد القضائي الحمائي المتغير لألجير 178 ....................................
الفقرة األولى :المغادرة التلقائية179 .....................................................................
أوال :حاالت المغادرة التلقائية180 .......................................................................
:1مغادرة األجير بسبب مس المشغل بحريته الشخصية181 .......................................
:2مغادرة األجير ألسباب صحية 181 ..................................................................
:3تغير نوعية العمل أو المكان المتفق عليه باإلرادة المنفردة للمشغل 182 ......................
ثانيا :إثبات المغادرة التلقائية 183 ........................................................................
:1توزيع عبء اإلثبات184 ..............................................................................
:2وسائل إثبات المغادرة التلقائية 187 ..................................................................
أ :اإلنذار بالرجوع إلى العمل187 ...................................................................... :
ب :إجراء البحث193 .....................................................................................:
ج :شهادة الشهود 194 ......................................................................................
الفقرة الثانية :اإلستقالة 198 ...............................................................................
أوال :شروط صحة االستقالة 200 ........................................................................
:1الرقابة القضائية على الشروط الشكلية لصحة االستقالة200 ....................................
:2الرقابة القضائية على الشروط الموضوعية لصحة االستقالة204 ...............................
291 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
المبحث الثاني :بعض االجتهادات الحمائية للقضاء االجتماعي لألجير عند الفراغ التشريعي
210 ...........................................................................................................
المطلب األول :بعض اجتهادات القضاء االجتماعي في مرحلة سريان عقد الشغل 211 .......
الفقرة األولى :اجتهادات القضاء االجتماعي لحماية بعض الحقوق المرتبطة بشخص األجير
212 ...........................................................................................................
أوال :اجتهادات القضاء االجتماعي لحماية بعض الحقوق الشخصية لألجير المتولدة عن عقد
الشغل 213 ...................................................................................................
:1الحماية القضائية للحقوق المرتبطة بمظهر و اسم األجير213 ..................................
أ :حرية األجير في اختيار مظهره 213 .................................................................
ب :حق األجير في اختيار اسمه 216 ....................................................................
:2الحماية القضائية لبعض الحقوق األسرية لألجير 217 ...........................................
أ :الحق في الزواج218 ....................................................................................
ب :األجيرة الحامل 220 ...................................................................................
ثانيا :اجتهادات القضاء االجتماعي لحماية بعض الحقوق الشخصية أثناء مزاولة األجير
لشغله 222 ....................................................................................................
:1المراقبة الطبية المضادة و المس بالحياة الخاصة لألجير 222 ..................................
:2اإلجراءات التميزية و عرقلة تمثيل األجراء 225 .................................................
الفقرة الثانية :االجتهاد الحمائي لألجير عند تعديل عقد الشغل بإرادة منفردة للمشغل 228 .....
أوال :تعديل مكان الشغل 230 .............................................................................
:1التغيير المؤقت لمكان الشغل 232 ....................................................................
:2التغيير الدائم لمكان الشغل235 .......................................................................
أ:تضمين بند تغيير مكان الشغل بالعقد 235 ............................................................
ب:االستفادة من النقل كعنصر جوهري لتغيير مكان الشغل 236 ...................................
ثانيا :تعديل نوع الشغل237 ...............................................................................
:1أال يكون العمل الجديد مختلف جوهريا عن العمل المحدد في العقد 238 ......................
292 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
293 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
294 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
رابط حتميل مجيع األعداد السابقة من سلسلة أحباث قانونية جامعية معمقة
https://allbahit.blogspot.com/search/label/%D8%B3%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A9%
20%D8%A3%D8%A8%D8%AD%D8%A7%D8%AB%20%D9%82%D8%A7%D9%86%D9
%88%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D9%8A%D
8%A9%20%D9%85%D8%B9%D9%85%D9%82%D8%A9
295 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي
العدد 47من سلسلة األحباث املعمقة بعنوان احلماية القضائية لألجري للباحث حممد بن رفيق
منشورات:
296 سلسلة هتتم بنشر األحباث املعمقة – تقدمي األستاذ حممد القامسي