Professional Documents
Culture Documents
أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
ملخص
تعتبر التجربة الماليزية في عملية التنمية االقتصادية واحدة من أكبر التجارب العالمية الرائدة
في مجال التنمية االقتصادية ،والنقطة األساسية التي انطلقت منها ماليزيا في عملية التنمية االقتصادية
هي سياسة االعتماد على الذات ،وتعد التجربة الماليزية من التجارب التنموية الجديرة باالهتمام والدراسة
لما حققته من إنجازات كبيرة يمكن أن تستفيد منها الدول النامية كي تنهض من التخلف االقتصادي،
في هذا الصدد أنه منذ أربعين سنة خلت كانت ماليزيا من أفقر الدول في ( )1
ويقول جوزيف ستجليتز
العالم ،وبع د استقاللها لم تتبع توجهات وتعليمات المؤسسات الدولية بل اختارت أن تتبع النماذج
التنموية الناجحة لجيرانها اآلسيويين .
قريبا من الناتج المحلى اإلجمالي
ولقد كان ناتجها المحلى اإلجمالي ،كما يذكر ستجليتزً ،
في هايتي وهندوراس ومصر ،وأدنى من الناتج المحلى اإلجمالي في غانا بحوالي .%5ووفق ًا لتقديرات
عام ،2010فقد تضاعف دخل ماليزيا إلى 7أو 8أمثال الدخل في غانا ،وأكثر من خمسة أضعاف
الدخل في هندوراس ،وأكثر من ضعفي ونصف الدخل في مصر .وتحتل ماليزيا اآلن مرتبة عليا بين
ّ
مجموعة الدول التي حققت نمواً هائالً على مستوى العالم ،فتقف إلى جانب الصين وتايوان وكوريا
الجنوبية.
ووضعت ماليزيا خططاً للقضاء على الفقر المدقع ،وانخفض معدل الفقر إلى %2.8عام
،2010ثم إلى %0.4عام .2015ونجحت ماليزيا في تقليص الفوارق في الدخول ،بعد أن كانت
تلك الفوارق سبب ًا في التوترات بين المجموعات العرقية فيما مضى .ولم تحقق ماليزيا هذه الغاية بإنزال
األعلى إلى األدنى ،بل برفع األدنى إلى األعلى.
أما فيما يخص سياسة التوزيع فقد استطاعت أن تدمج الفئات المتواضعة والعمالة األجنبية
في النسيج االقتصادي واالجتماعي من خالل رفع دخولها وجني ثمار رفع الكفاءة االقتصادية ،وانعكس
ّ
ذلك إيجابي ًا على المواطنين في تحس ين نوعية حياتهم في توفير الضروريات من الغذاء والعالج والتعليم
واألمن ،وكان أول المستفيدين من هذا النمو االقتصادي هم الفقراء والعاطلون عن العمل والمرضى
والمجموعات العرقية األكثر فق اًر في المجتمع ،واألقاليم األقل نمواً.
( )1اقتصادي أمريكي حائز على جائزة نوبل في االقتصاد عام .2001
9
أحمد محيي الدين محمد التلباني.د "التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة
ونتيجة لهذه السياسات الناجحة فقد حققت ماليزيا خالل العقود األربعة الماضية قفزات هائلة
وكذلك الحال، فأصبحت الدولة الصناعية األولى في العالم اإلسالمي،في التنمية البشرية واالقتصادية
مما انعكس في تنويع مصادر دخلها، من خالل تأسيس بنية تحتية متطورة،في مجال التجارة الخارجية
ولذا حققت تقدم ًا ملحوظ ًا في معالجة قضايا،القومي من الصناعة والز ارعة والمعادن والنفط والسياحة
ويركز هذا البحث على عرض وتقويم تجربة التنمية االقتصادية، كما سنري، والفساد،الفقر والبطالة
.في ماليزيا والدروس المستفادة منها
Abstract
Malaysian Economic Experience Calendar and lessons learned
The Malaysian experience in the process of economic development is
one of the largest global experiences in the field of economic development.
The main point from which Malaysia started the process of economic
development is the policy of self-reliance. Developing countries benefit from
economic underdevelopment, says Joseph StiglitzIn In this regard that forty
years ago, Malaysia was one of the poorest countries in the world. After
independence, it did not follow the directions and instructions of international
institutions but chose to follow the successful development models of its
Asian neighbors.
Their GDP, Stiglitz notes, was close to that of Haiti, Honduras and
Egypt, and by about 5% lower than Ghana's. According to 2010 estimates,
Malaysia's income has doubled to seven or eight times that of Ghana, more
than five times that of Honduras, and more than two and a half times that of
Egypt. Malaysia now ranks high among the group of countries that have
achieved tremendous growth globally, standing by China, Taiwan and South
Korea.
Malaysia has put in place plans to eradicate extreme poverty. The
poverty rate dropped to 2.8% in 2010 and to 0.4% in 2015. Malaysia did not
10
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
achieve this goal by lowering the highest to the lowest but raising the lowest
to the highest.
As for the distribution policy, it was able to integrate modest groups
and foreign labor into the economic and social fabric by raising their income
and reaping the fruits of raising economic efficiency. This was reflected
positively on citizens in improving their quality of life in providing the
necessities of food, treatment, education and security. Economic growth is
the poor, the unemployed, the sick, the poorest ethnic groups in society, and
the least developed regions.
As a result of these successful policies, Malaysia has made
tremendous leaps in human and economic development over the past four
decades. As we shall see, this research focuses on presenting and evaluating
the experience of economic development in Malaysia and the lessons learned
from it.
-1مقدمة
وعزَز في أبنائها الجهل
لقد عانت ماليزيا ألعوام عديدة من االستعمار الذي نهب خيراتها ً
والتخلف ،فقد خضعت لوطأة االستعمار الغربي لمدة خمسمائة عام ،و طرق االستعمار أبواب ماليزيا
منذ القرن السادس عشر ،بدءاً باالستعمار البرتغالي ،ثم الهولندي ،وأخي اًر االستعمار البريطاني ،الذي
بدأ في منتصف القرن السابع عشر ،وبالتحديد في عام ،1665واستمر االحتالل البريطاني جاثم ًا
على ماليزيا ،يستنزفها بدون انقطاع ،ولمدة تقترب من ثالثة قرون ،فعندما اندلعت الحرب العالمية
الثانية وقعت ماليزيا تحت االحتالل الياباني خالل عام 1941وحتى استسلمت اليابان في شهر
سبتمبر ،1945ثم عادت بعدها لإلدارة البريطانية ،حتى حصلت على كامل استقاللها في عام
،1957وأُعلن قيام دولة ماليزيا في 16مارس ( 1963الحقائق األمريكي ،2007 ،ص .)97ولقد
كانت بداية الحراك المجتمعي نحو النهضة في ظهور حركات التجديد واإلصالح بعد أن اختلت عقائد
الناس وانتشر بينهم الجهل والخرافة ،ثم قام ثلة من المصلحون المخلصون بعملية اإلصالح.
11
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
المتقدمة
ّ مصاف الدول
ّ اآلسيوية التي خرجت من كبوتها لتنهض إلى
ّ النمور
وتعد ماليزيا أحد ّ
خالل عقدين من الزمن ،إذ قدمت تجربة ناجحة ورائدة في التعايش بين المجموعات البشرية التي
وهم
تنتمي إلى ديانات وقوميات متعددة ،ومنها أربعة أعراق وخمس ديانات أساسية ،وهي :الماليو ( ُ
السكان المحليون) ويمثلون نحو %60من السكان يدين معظمهم باإلسالم ،والصينيون ويمثلون %27
يدينون بالبوذية ،والهنود يمثلون %7يدين معظمهم الهندوسية ،وهناك %6يدينون بالمسيحية ،وديانات
أخرى ،مثل الكونفوشية والسيخية (الحقائق األمريكي ،2007،ص .)97أي خليط هذا؟
ومما يجدر ذكره أن ماليزيا تقع ،في جنوب شرقي آسيا ،وتتكون من 13والية وثالثة أقاليم
السكاني لعام 2016بنحو30.875.800 اتحادية ،حيث ُيقدر عدد ُسكانها وفق ًا إلحصائيات التعداد ُ
ٍ
بشكل السكان في ماليزيا نسمة يتوزعون فوق مساحتها الممتدة إلى أكثر من 330.290كم ،²و ّ
يتوزع ُ
الرقعة األكثر أهلية في البالد فيقيم فيها ما يربو علي
غير متكافئ ،حيث تعتبر شبه جزيرة الماليو ُ
أما المناطق الشرقية من البالد فيقدر عددهم بسبعة ماليين نسمة ،ويأتي ذلك في 20مليون نسمةّ ،
ضوء تمركز الصناعات وتطورها في تلك المناطق المأهولة.
وكانت ماليزيا قبل نحو أربعة عقود مجتمعاً زراعياً ال يعرف سوى زراعة األرز والمطاط
وبعض النباتات والفاكهة ،لكن التطور الهائل الذي حدث ،خفض معدل الفقر من %52في عام
،1970إلى %5فقط في عام 2002ثم إلى 0.4عام ،2015وقد بلغ متوسط الدخل السنوي للفرد
في ماليزيا قبل بداية حقبة التنمية 350دوالر أمريكي ،بما يعادل نحو 1050رينجيت ماليزي
(الصاوي ،2013 ،ص ،)15وارتفع إلى نحو 37760رينجيت ماليزي بما يعادل 12600دوالر
أمريكي عام ،2016كما يوضح ذلك جدول رقم (.)13
وال غرو في أن التجربة الماليزية في التنمية هي أحد التجارب الفريدة التي يجب على الدول
العربية واإلسالمية االستفادة منها واستلهامها ،وهي الدولة اإلسالمية الوحيدة التي يقوم اقتصادها على
التنوع ،والفضل يعود في ذلـك إلى اهتمـام الحكومات الماليزية ،منـذ االسـتقالل ،بـالمواطن وتنميـة طاقاتـه
وإمكاناته الفكرية ،ممـا حفـز المـواطن علـى رد الجميـل لدولتـه وحكومتـه الـتي قـدمت لـه كـل مسـتلزمات
الرقـي البشـري المـادي والمعنـوي ،بحي ـث تم تحجـيم الفقـر والبطالة .كمـا اسـتطاعت الدولـة في ماليزيـا
االهتمـام بـرأس المـال البشـري سـواء االسـتفادة مـن أهـل الـبالد األصليين أو من المهاجرين من المسلمين
التي ترحب السلطات الماليزية بتوطينهم .ويركز هذا البحث على التجربة التنموية ،وكيف استطاعت
12
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
م اليزيا بعد أن نالت استقاللها خوض معارك التنمية االقتصادية مع المحافظة على قيمها الدينية،
ومعتقداتها ،وأعراق سكانها وذلك بفضل وطنية أبنائها وإخالصهم وحسن رؤيتهم للمستقبل.
1-1مشكلة البحث:
تتمثل مشكلة البحث في معاناة معظم دول العالم الثالث من الفقر والتخلف ،وانخفاض
مستويات المعيشة ،وارتفاع معدالت البطالة والتضخم ،وعليه تسعى معظم هذه الدول استلهام تجارب
التنمية الناجحة وصوالً لالستفادة من تطبيقها .ولذا تدور مشكلة البحث في تقييم تجربة التنمية
االقتصادية في ماليزيا والدروس المستفادة منها.
2-1أهمية البحث:
ترجع أهمية البحث إلى كون تجربة التنمية االقتصادية في دولة ماليزيا قدمت للعالم أجمع
مشروعاً تنموياً معاص اًر يجمع بين الحداثة واإلسالم ،ويضاهي في رؤياه النماذج العالمية المتقدمة،
وتنبع أهمية هذه التجربة في كونها تدمج بين القيم المجتمعية واألداء االقتصادي إلى حد التالحم،
على حد تعبير Gunnar Mayrdaleأن االقتصاد مشحون بالقيم Economic sis value
.loadedوترجع أهمية القيام بهذا البحث إلى ما يلي:
معرفة األسباب التي تدفع الدول النامية إلى االنطالق نحو التقدم. •
تقييم تجارب التنمية االقتصادية الناجحة للوقوف على أهم األسباب التي ساعدت هذه الدول •
في رفع مستويات المعيشة لشعوبها.
معرفة الدروس المستفادة من التجارب الناجحة في التنمية االقتصادية في الدول المتقدمة •
ٍ
بصفة عامة ،والدول التي مرت بنفس ظروف الدول النامية ،والتي من أهمها االستعمار،
ٍ
بصفة خاصة. وعدم االستقرار السياسي
4-1أهداف البحث:
يتمثل الهدف الرئيسي لهذه الدراسة في تقييم تجربة التنمية االقتصادية في ماليزيا والدروس
المستفادة منها .ويتفرع من الهدف الرئيسي ستة أهداف فرعية هي:
معرفة كيف تطورت األوضاع االقتصادية في ماليزيا خالل العقود السابقة النطالق عملية •
التنمية االقتصادية.
معرفة كيف بدأ االنطالق نحو عملية التنمية االقتصادية في ماليزيا. •
13
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
5-1حدود البحث:
حدود البحث المكانية :سيتم تطبيق هذه الدراسة على تجربة عملية التنمية االقتصادية في •
ماليزيا .ويرجع ذلك لسببين:
أولهما :نجاح هذه التجربة في دولة ماليزيا مما أهلها إلى االنتقال إلى صفوف الدول المتقدمة في
بداية األلفية الثالثة.
ثانيهما :تقارب الظروف االقتصادية واالجتماعية في ماليزيا مع معظم ظروف الدول النامية مثل
مصر.
حدود البحث الزمانية :سيتم تقييم تجربة عملية التنمية االقتصادية في ماليزيا خالل الفترة •
( ) 2018-1970وهي الفترة التي بدأت منها ماليزيا في االنطالق نحو تحقيق عملية التنمية
االقتصادية.
6-1منهج البحث:
تعتمد هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي ،حيث تقوم هذه الدراسة بوصف تجربة
التنمية االقتصادية في ماليزيا ،وتحليل نتائجها لبيان مدى نجاح التجربة في تحقيق أهدافها؟ وما هي
أهم الدروس المستفادة منها بالنسبة للدول النامية؟
7-1خطة البحث:
ال
تتضمن الدراسة مقدمة موجزة تشمل مشكلة البحث وأهميته وأهدافه ومنهجه وخطته ،فض ً
عن ثمانية أقسام أساسية ،يتناول أولها :التنمية االقتصادية في األدب االقتصادي ،ويوضح ثانيها
تطور األوضاع االقتصادية في ماليزيا خالل العقود السابقة النطالق عملية التنمية االقتصادية ،ويبين
ثالثها :اال نطالق نحو عملية التنمية االقتصادية في ماليزيا ،ويعرض رابعها :محاور عملية التنمية
االقتصادية في ماليزيا .ويتناول خامسها :ثمار عملية التنمية االقتصادية في ماليزيا ،ويوضح سادسها:
تقييم تجربة التنمية االقتصادية في ماليزيا ،ويبين سابعها :الدروس المستفادة من تجربة التنمية
14
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
االقتصادية في ماليزيا بالنسبة للدول النامية .ويوضح ثامنها :نتائج التجربة الماليزية في التنمية
االقتصادية.
15
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
وعمليات الصناعة في ظل اإلطار التقني والمؤسسي السائد في آسيا (عبد الفضيل،2000 ،
ص .(31
( )4دارسة ( )Ramon v, navratnam, 2001بعنوان "االنتعاش االقتصادي في ماليزيا
وإصالح السياسات والتنمية المستدامة" .تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على الواقع الماليزي
قبل االستقالل وبعد االستقالل وعمليات التنمية االقتصادية بقيادة مهاتير محمد وكيف
وضع الرؤى واألسس والسياسات للخروج من وضع ماليزيا الزراعي إلى الصناعة
واإللكترونيات وكيف استطاع التغلب على الصعوبات من خالل عدم التعامل مع صندوق
النقد والبنك الدوليين ،وكيف سخر اإلنسان الماليزي من أجل خدمة بلدة واستخدم مدخرات
األفراد للتغلب على األزمات المالية واالتجاه نحو التصدير والتصنيع .وتوصلت هذه الدراسة
إلى أن السياسة الحكيمة لماليزيا بتصديها لق اررات صندوق النقد والبنك الدوليين كان لها
أثر واضح في وضع االقتصاد الماليزي على طريق التنمية االقتصادية المستدامة ،كما
توصلت إلى أن سياسة النظر شرقاً التي اتبعها مهاتير محمد كانت وراء نجاح التجربة
التنموية الماليزية (.)Ramon, 2001, p17
( )5دراسة (عمر الرافعي ،)2007،بعنوان" خطابات محاضير محمد" :هدفت هذه الدراسة إلى
التعرف على مراحل التطور في مجاالت التنمية االقتصادية واالجتماعية وكيف يمكن أن
بناء على معارف ودراسات ورؤى مستقبلية، تصبح ماليزيا متقدمة بحلول عام ً 2020
وبفضل مجموعة من السياسات التعليمية والتجارية والصناعية والتكنولوجية واالجتماعية،
وكيف يمكن تحقيق وحدة الصف الماليزي من خالل القضاء على التعدد العرقي ،وذلك
بإشراكهم في عملية التنمية االقتصادية .وكيف يمكن وضع خطة وطنية للخروج من األزمات
المالية .وتوصلت الدراسة إلى أن انتقال ماليزيا من اإلنتاج الزراعي إلى اإلنتاج الصناعي،
هو ما دفعها نحو عمليات التنمية الشاملة وحققت إنجازات كبيرة في معدالت الناتج المحلي
اإلجمالي (الرافعي ، 2007،ص .)19
( )6دراسة (عبد الحافظ الصاوي )2010 ،بعنوان" قراءة في تجربة ماليزيا التنموية" :هدفت تلك
الدارسة إلى التعرف على العوامل االقتصادية والسياسية التي حققت نجاح التجربة الماليزية،
وتوصلت إلى عدد من النتائج ،منها اعتماد ماليزيا على الموارد المحلية الداخلية في توفير
رؤوس األموال الالزمة لتحقيق التنمية االقتصادية واالعتماد على الذات ورفض توصيات
صندوق النقد الدولي (الصاوي ،2001 ،ص.)16
16
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
( )7دراسة (إبراهيم غرايبة ،)2010 ،بعنوان "التجربة الماليزية )المهاتيرية) في مواجهة األزمة
المالية" :وهدفت هذه الدراسة إلى التعرف على المقومات التي ساعدت ماليزيا في التغلب
على األزمة المالية ،وكيف استطاعت أن تقف في وجه إمالءات صندوق النقد والبنك
الدوليين وكيف استطاع رئيس الوزراء أن ينهض بماليزيا ويعمل على الحد من تداعيات
األزمة المالية على االقتصاد الماليزي ،وتوصلت الدراسة إلي عدم التعاون مع تعاليم صندوق
النقد والبنك الدوليين ،كما توصلت الدراسة إلى االستفادة من التجربة اليابانية واشتقاق
الدروس المستفادة منها على أساس ما قدمته اليابان من تنمية شاملة مما ساعدها على
النمو االقتصادي المرتفع ،وأيضا االهتمام بالقوى البشرية المدربة كونها وسيلة إلنجاح أي
عملية تنموية مستقبلية (غرايبة ،2010،ص .)28
( )8دراسة (بيومي ،)2011 ،بعنوان "التجربة الماليزية وفق مبادئ التمويل واالقتصاد اإلسالمي":
هدفت الدارسة إلى تقييم تجربة ماليزيا في مجال تطبيق االقتصاد اإلسالمي والتعرف على
عوامل نجاح تلك التجربة الماليزية وأهم التحديات وكيفية التغلب عليها .وتوصلت الدارسة
إلى أن ماليزيا استطاعت استبدال النموذج الرأسمالي الغربي الذي كان من نتائجه تكدس
األموال والثروات في يد فئة معينة من المجتمع وهم الصينيون والوصول إلى نموذج إسالمي
يقوم على عدالة التوزيع واالستفادة من التكنولوجيا (بيومي ،2011 ،ص.)42
مالحظات على الدراسات السابقة:
تعد هذه الدارسات من الدارسات القليلة ،التي تناولت تجربة التنمية االقتصادية في ماليزيا
ومدى مالءمتها لالقتصاد المصري وتتغاير الدارسات السابقة في تناولها ألهم الركائز األساسية
والمقومات التي استندت عليها التجربة الماليزية.
والحق أن دراستنا للتجربة االقتصادية الماليزية سوف نتعرض من خاللها ألهم مراحل تطور
االقتصاد الماليزي منذ سبعينات القرن العشرين ،وحتي منتصف العقد الثاني من القرن الحادي
والعشرين ،وكذلك التطرق ألهم األزمات االقتصادية التي تعرضت لها وكيفية الخروج منها ،ومدى
إمكانية االستفادة من النموذج الماليزي كمقاربة ورؤية تنموية اقتصادية واجتماعية للدولة المصرية،
كما تختلف تلك الدراسة عن الدراسات السابقة في تحليلها لواقع التجربة االقتصادية التنموية في ماليزيا
منذ عام 1970وحتي ،2018وكذلك التطرق إلي أسباب نجاح التجربة االقتصادية الماليزية.
17
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
18
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
وتكاد تكون ماليزيا دولة فريدة في نظامها السياسي .إنه ثمة خليط من ديمقراطية برلمانية
فيدرالية ،وملكية دستورية ( ،)Muzaffar, 1989, P33حتى أن َملَ ِكيَِّتها أيضاً ذات طابع خاص،
فهي الدولة الوحيدة في العالم الذي ُينتخب فيها الملك كل خمس سنوات من قبل مجلس السالطين
التسعة ،وعلى الرغم من أن الملك في النظم الملكية البرلمانية الشبيهة بالنظام الماليزي ،كبريطانيا
مثالً ،يعتبر رأس الدولة ،وال يتمتع بصالحيات تذكر في السياسة الداخلية والخارجية للدولة إال ما تعلق
منها بالبروتوكوالت واالحتفاالت الرسمية ،فان الملك في ماليزيا عالوة على انه يرأس الدولة اسمياً،
كما هو الحال في هذه النظم ،فهو أيضا زعيم السلطة الدينية اإلسالمية ،كما يرأس مجلس الح ّكام
المكون من السالطين التسعة والحكام األربعة (الشيخ وآخرين ،2004 ،ص ص ،)167 -161وهذا
َّ
المجلس راح يتولى إدارة الشئون الدينية والثقافية للماليو .ولهذا فان رئاسة الملك للسلطة الدينية
باإلضافة إلى نص الدستور على أن الدين اإلسالمي هو دين الدولة الرئيسي يؤكد أن ماليزيا دولة
إسالمية.
أما السلطة التنفيذية فيرأسها رئيس الوزراء المنتخب والذي يتمتع ،وفق ًا للنظام األساسي،
بالسلطات الحقيقية .وينص الدستور على أن يكون رئيس الوزراء عضواً في مجلس النواب وهو عادة
ما يكون زعيم األغلبية البرلمانية أيضاً .ويتكون البرلمان من مجلسين :مجلس الشيوخ (ديوان نيكا ار)،
ومجلس النواب (ديوان الرعية) ،ويتم اختيار أعضاء مجلس الوزراء أيض ًا من بين أعضاء البرلمان.
والمجلس ورئيسه مسئولون مسئولية مباشرة أمام البرلمان (عبد الكريم ،2007،ص .)112
وال غرو فقد استلهم هذا النظام مجموعة من المميزات اإليجابية ساعدت على تحقيق االستقرار
السياسي .كما ساعدت على توحيد والتقاء المصالح المتضاربة للجماعات واألعراق المتعددة ،هذه
المميزات تزيد من فرص االستقرار الحكومي والسياسي الذي يعتبر مطلب ًا أساسي ًا لتطور المجتمعات
النامية (زرؤم ،2010 ،ص .)88
بيد أن هذه الممارسة الفريدة للديمقراطية نابعة بدرجة كبيرة من محاولة الحكومة ضمان
االستقرار االجتماعي في مجتمع متعدد األعراق واألديان ،ليس من السهل حكمه وإدارته ( Lehar,
،)1998, P58وهدفت نشاطات وسياسات الحكومة دائم ًا إلى تخفيف التوتر وتجنب النزاعات العرقية.
حتى أن شرعية الحكومة أصبحت مستمدة ليس فقط من االنتخابات الديمقراطية وإنما أيضاً من قدرتها
على تحقيق هذا الهدف .وال عجب في ذلك ،فالتباين االقتصادي والطبقي بين الجماعات المختلفة
19
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
عاد ًة ما يفضي إلى حالة من عدم االستقرار والتوتر الكامن الذي ينذر بنزاعات عرقية أو حرب أهلية
(برومبرغ وآخرين ،1991 ،ص .)35وتطلب األمر أن نصت المادة 153من الدستور الفيدرالي
على الوضع الخاص للماليو أبناء البالد األصليين في صباح وسرواك (مربعي ،2010 ،ص .)37
والحق أن النظام السياسي واالنتخابي في ماليزيا ،كما قدمنا ،قد لعب دو اًر هام ًا وأساسي ًا في
تحقيق االستقرار االجتماعي والسياسي والحكومي ،كما ساعد على تحقيق أهداف السياسة االقتصادية
الجديدة وعملية التحديث التي بدأت في مطلع السبعينات .وربما يناسب هذا النظام الديمقراطيات
الناشئة .ولكن هل يعني هذا أن النموذج المذكور هو نموذجاً مثالياً؟
إن اإلجابة على هذا التساؤل بمضامينه السابقة تعني أن الديمقراطية في ماليزيا لها لون
خاص ال يستحسنه الغربيون (عبد العال ،بدون تاريخ) ،ألنه ببساطة لون يتميز باستقالله السياسي
واالقتصادي ،ولون يرفض الهيمنة أو فرض القيم الغريبة إذا كانت تتعارض والمصالح القومية للدولة.
والدارس للنموذج الديمقراطي الماليزي يجد أنه نموذجاً متطو اًر وناجح في جوانب عديدة ،وحسبه أنه
استطاع أن يستوعب التباينات العرقية والدينية والثقافية المتعددة ،وأن يحافظ على االستقرار االجتماعي
الضروري لعملية التحديث والتنمية ،كما ساعد في الوقت نفسه على تحقيق تقدم اقتصادي غير مسبوق.
فهو بهذا نظام فريد ،نظام يروج لإلسالم في الوقت الذي يمارس فيه أنماط اقتصادية رأسمالية ،حيث
يجمع ،علي سبيل المثال ،في السياسة االقتصادية بين الرأسمالية الليبرالية من جهة ،وبين التدخل
الحكومي في االقتصاد من ٍ
جهة ثانية ،وهو نظام يحمي الخصوصية الطبقية والثقافية لألعراق المختلفة
من ٍ
جهة ثالثة ،وفي ذات الوقت يعمل على غرس المشاعر الوطنية في أذهان المواطنين على اختالف
معتقداتهم ،ولقد ترتب علي الممارسة التطبيقية لهذا النظام في الديموقراطية نتائج طيبة ومبهرة ،وال
عجب في ذلك فقد انتقلت هذه الدولة تحت مظلته إلي مصاف الدول المتقدمة مستلهم ًة في ذلك النتائج
المتحققة ،تارك ًة التشدق والتغني بالنظم الديموقراطية الجوفاء التي دفعت بالعديد من الدول النامية إلي
غياهب التخلف والمزيد من التبعية.
ولم تعرف الدولة الموحدة إال عام ،)Andaya, 2001, P331( 1963ولم يعرف سكان كوااللمبور
الكهرباء والطرق الممهدة ،وأغلب السكان ال يعرفون سوي األكواخ بيوتاً ،ولكن في غضون أربعة عقود
من الزمن ،ارتفعت مستويات المعيشة من 350دوالر كدخل سنوي للمواطن الماليزي قبل بداية التنمية،
إلي نحو 12600دوالر في عام ،2016محتلة بذلك المرتبة الـ 48عالمي ًا ،والثانية في جنوب شرق
آسيا بعد سنغافورة فقط ،وذلك بين دول العالم التي يصل عددها إلي 188دولة (تقرير التنمية البشرية،
.)2016
دولة زر ٍ
اعية تعتمد على تصدير زيت النخيل واألخشاب وزراعة األرز ،إلي وتحولت من ٍ
ٍ
صناعية تصنع وتصدر األجهزة اإللكترونية ،وكل متطلبات أجهزة الكمبيوتر ،والسيارات ،وقد ٍ
دولة
تحولت من ٍ
بيوت من طين وأكواخ من الصفيح إلي ناطحات سحاب وبيوت حديثة ال تقل عن نظيرتها
في اليابان أو الواليات المتحدة وشوارع وطرق سريعة وسكك حديدية متطورة ال تقل عن نظيرتها في
الدول المتقدمة ،ومن جامعة حكومية واحدة في عام 1963إلى 20جامعة حكومية و 33جامعة
خاصة و 34جامعة تكنولوجية متخصصة في عام ،2011ولم يكن هناك سوي11ألف طالب ًا ماليزي ًا
يدرسون في الخارج عام 1963أصبح العدد 91.554طالباً يدرسون في أستراليا والواليات المتحدة
والصين واليابان ومصر ،كما سنري في النهضة التعليمية فيما بعد.
وتولي تنكو عبد الرحمن رئاسة الحكومة فيها عام ،1957وحرص على إقامة أسس الدولة
الماليزية على أساس االلتزام بتعاليم اإلسالم في القضاء على الجهل والفقر والمرض ،ثم تبعه تون
وضوحا في تبنيه شعارات إسالمية تواكبت مع الصحوة
ً عبد الرازق عام ،1970والذي كان أكثر
اإلسالمية التي عمت العالم اإلسالمي في السبعينيات ،فقام في عام 1971بوضع خطة لمدة عشرين
عام ًا سميت "السياسة االقتصادية الجديدة" من أجل تحقيق توزيع أكثر عدالً للثروة بين األعراق المتعددة
وإنعاش االقتصاد الوطني (حسين ،2004 ،ص .)34وأفسحت السياسة االقتصادية الجديدة المجال
االقتصادي للماليو ،وساهمت في توزيع أكثر عدالً للثروة ،وتمكن الماليو ،من تكوين ثروات كبيرة،
وازداد التعاون واالتصال بين األعراق بشكل لم يسبق له مثيل ،وتوسعت الطبقة المتوسطة بشكل ملفت
لالنتباه ،كل هذا ساعد على إيجاد حالة اجتماعية مستقرة وعمل على إذابة الفروق الطبقية والعرقية
أيضاً (بشير ،2008 ،ص .)95
21
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
ثم ما وطئي أن كانت المرحلة الثالثة األكثر صراحة في تبني المنهج اإلسالمي مع بداية
الثمانينيات مع تولي مهاتير محمد رئاسة الحكومة ،حيث ركز في البداية على تحفيز النمو ،من خالل
تطبيق عدد من الحزم المعيارية لتنشيط نمو الناتج المحلي اإلجمالي ،وتحقيق المساواة والعدالة
االجتماعية ،وحققت ماليزيا خالل العقدين األخيرين من القرن العشرين نمواً وازدها اًر متمي اًز فاق كل
التوقعات .وبعد أزمة الثمانينات ،تمتعت ماليزيا بعقد من النمو االقتصادي غير مسبوق بلغ %8
سنوياً ،فضالً عن أن هذا النمو قام على أساس صناعي وإنتاجي .ومع نهاية التسعينات حققت السياسة
الجديدة ووريثتها سياسة التطوير الجديدة التي بدأت في عام 1991الكثير من المكاسب االقتصادية،
كما أنهت التوترات العرقية كلي ًا .فقد نما االقتصاد نمواً قوي ًا ،وأدى هذا النمو إلى ازدهار غير مسبوق
لكل األعراق في الدولة ،وأصبح بإمكان الحكومة اتخاذ إجراءات أكثر تحررية في المجال االقتصادي
فبدأت بالتخفيف تدريجياً من خطط التغيير الموجهة حكومياً ،وكأنها سياسة لمواجهة متطلبات وتحديات
العولمة.
وما برح القادة عن إعالن هدف جديد أسموه رؤية ،2020والتي تهدف إلى أن تصبح ماليزيا
بحلول عام 2020دولة متقدمة وتتمتع بمستوى معيشي مرتفع ،فرؤية 2020هي خطة لثالثين سنة،
ال تحدد فقط الهدف ولكن أيضاً االستراتيجيات والخطوات التي تتوسل بها الدولة لتحقيق هذا الهدف.
ٍ
متقدمة بطريقتها قبل حلول عام ،2020أي أن تصبح وهي بالطبع تدور حول تحول ماليزيا إلى ٍ
دولة
بقدر ثراء وبقدر تصنيع الدول الصناعية المتقدمة ،بدون خسارة ٍ
ألي من شخصيتها األخالقية أو
الثقافية أو الدينية (مهاتير ،2004 ،ص .)15
الطاقات واألفكار ،ال من أجل تطبيقها وإنما إلخضاعها لنقاش ممتد ومناظرة طويلة ،فهناك ممن
يكتبون الكتب لمجرد إثارة القضايا الجدلية .وهناك من يكون بهبة التلباثي واستكناه األلفاظ والرؤى
السديدة ،وهذا ما يفيد البالد والعباد.
وتقوم فلسفة التنمية في ماليزيا على فكرة أن التنمية االقتصادية والبشرية تقود إلى المساواة
في الدخل ،ولذلك البد وأن تنعكس مكاسب التطور االقتصادي على حياة الفرد بمختلف مناحيها،
كتوجيه االهتمام نحو ترقية المنظومة التعليمية والنهوض بها ،مما يؤدي إلي خلق سياقاً تنموياً متكامالً
ينعكس على تحسين باقي القطاعات ،بشرط أن يكون الفقراء والعاطلين عن العمل والمجموعات العرقية
األكثر فق اًر هم أول المستفيدين من ذلك ،والشك أن اإليمان بهذه الفلسفة دافعه األول أن العالقة بين
زيادة النمو ومستوي الفقر عكسية ،ألن وصول الفقراء إلى تعليم أفضل وإلى صحة أفضل قد ساهما
بفعالية في عملية تسريع وزيادة معدالت النمو االقتصادي .وقد قامت فلسفة التجربة الماليزية وفق
الرؤية اإلسالمية للنظام االقتصادي على عدد من المبادئ :
( )1الملكية المزدوجة ،حيث يجمع النظام اإلسالمي بين الملكية العامة والملكية الخاصة،
فاإلسالم يحمي الملكية الخاصة ويرعاها إذا كانت من مصادر مشروعة ،ويضع قيد
المصلحة العامة على توسع ولي األمر في الملكية العامة.
ّ
( )2الحرية االقتصادية التي تكفل للقطاع الخاص حرية ممارسة النشاط االقتصادي بما ال
يتعارض مع المصلحة العامة ،بل أن يعمل في إطار المصلحة العامة للمجتمع ،وأن تقوم
الدولة بتهيئة المناخ المناسب للقطاع الخاص ،وتراقب نشاطه لكي يكون متفًقاً مع قواعد
الشريعة اإلسالمية.
( )3العدالة االجتماعية التي تُبنى على التكافل االجتماعي والتوازن العام ،والتي تتمثل في التوزيع
العادل للدخل والثروة بين كافة أفراد المجتمع دون تمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو
السن أو اللون ،أو غير ذلك من األسباب.
( )4وصول نسبة الفائدة إلى الصفر ،والذي يتوافق مع تحريم الربا في الشريعة اإلسالمية .
ورغم السير علي هدي هذه الفلسفة المستنيرة في تحقيق التنمية المرجوة ،إال أن الطريق إليها
كان محفوفاً بالمشاكل والصعاب ،فلقد واجه رئيس الوزراء "مهاتير محمد" نفس المشكالت
التقليدية الشائعة في الشعوب النامية مثل :انتشار الجهل واألمية ،وانعدام المهارات اإلنتاجية،
23
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
وغياب روح اإلبداع والمغامرة ،والميل األصيل إلى الكسل ،إضافة إلى الهزيمة النفسية وانعدام
الطموح وعدم الرغبة في التع لم أو النهوض والتقدم ،وكانت هذه هي السمات األساسية
الراسخة في وجدان الشعب الماليزي ـ خاصة السكان األصليين ،حتى أفرد مهاتير محمد
لهذه القضية كتابا سماه معضلة الماليو ،ولعل من أمثلة ما ذكره بهذا الخصوص:
عندما كانت الدولة تخصص لألغلبية الماليو من السكان األصليين حصص ًا وأسهم ًا أ.
في صناديق االستثمار والشركات الوطنية ،بل كانت ُتلزم المستثمرين األجانب
بتخصيص حصة قدرها %30من أسهم شركاتهم للسكان األصليين (الماليو) في
صناديق االستثمار والشركات الوطنية ،وبسبب ميلهم الطبيعي إلى الكسل فقد كانوا
يقومون ببيع تلك األسهم إلى الصينيين لجنى أربا ٍح سريعة بدالً من المغامرة واالستثمار
وجني أرباح أكثر على المدى البعيد.
ّ
ب .وأيضاً عندما كانت الدولة تسند إلى شركاتهم الخاصة مشاريع قومية كانوا يسارعون
إلسنادها من الباطن للمقاولين الصينيين ،وتفضيل جنى ربح سريع من فرق السعر،
ٍ
وجنى المزيد من األرباح ،أو حتى االستفادة من الخبرات بدالً من تنفيذها بأنفسهم
ّ
التنفيذية.
وبطبيعة الحال في أي تجربة اقتصادية ،كان لزام ًا على مهاتير محمد أن يحتذي بتجارب
سابقة ناجحة ،ولم يرغب أن يكون انطالقه عشوائي ًا ،وقد كان أمام أحد خيارين :إما الشرق أو الغرب،
فكان الخيار األول .حيث ُسميت سياسته باالتجاه شرقاً ،واستقر اختياره على المعجزة اليابانية فجعلها
أمامه قدوة ومثالً أعلى ،وراحت مقولة مهاتير محمد تلخص وتبلور ذلك ،والتي قال فيها "عندما أردنا
أن نصلي اتجهنا صوب مكة وعندما أردنا التقدم اتجهنا صوب اليابان "وقد كان توجه مهاتير محمد
ناحية اليابان مستلهماً من تجربة نجاحها الملحوظ بشكل كبير ،فهي خبرة وتجربة دولة خرجت من
الحرب منهارة ،قامت بإعادة بناء األرض واإلنسان .وعليه اختارت ماليزيا اليابان التي تحتل مكانة
عالمية وإقليمية على كافة المستويات وخاص َة التصنيعية ،حي ث تجاوز حجم إجمالي الناتج المحلي
الياباني عدة مرات إجمالي الناتج المحلي لدول شرق أسيا مجتمعة ،بما فيها الصين خالل فترة
الثمانينات ،وكانت اليابان من األسباب الجوهرية التي ساهمت في يقظة وتوعية الشعب اآلسيوي مما
أطلق عليه "وهم التفوق األوربي" .وتري ماليزيا أن االستراتيجية التي انتهجتها اليابان في إنتاج سلع
24
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
جيدة بأسعار زهيدة ساهمت بشكل كبير في تحقيق تفوقها على المنتجات األوربية واألمريكية ذات
األسعار المرتفعة ،وبالتالي نجحت في السيطرة على أسواق آسيا وأفريقيا ،باإلضافة إلى إتباع سياسة
منهجية في التصنيع ،وإيجاد ق يادات تتمتع بمستوى علمي فائق ،وتتميز بالتطور واإلبداع ،وعلى
المستوى المعنوي نجد في اليابان االلتزام األخالقي والمهني بقيم العمل اآلسيوية ،مما يستتبعه التفاني
والجدية في األداء المهني (عبد الواحد ،2012 ،ص.)84
ولقد استعرض بالتفصيل مسألة (أخالق العمل) لدي العامل الياباني ،وتحدث عن االجتهاد،
والعمل الدؤوب ،والروح الوطنية ،واالفتخار بالمنتجات ،ودقة التنظيم ،والمهارات اإلدارية ،والشمولية،
واالهتمام بأدق التفاصيل في اإلنتاج ،حتى أنه امتدح (ثقافة العار) اليابانية والتي تجعل العامل الياباني
يفضل الموت على شعوره بالفشل أو حتى التقصير (ميتكيس ،2007 ،ص .)25وهو تنمية حس
الخجل من الفشل ،مما يعزز قيم التحدي في اإلنجاز ،فتجد الياباني كمواطن وعامل ،ينتمي إلى قيم
األخالق واألمانة ،وفي الوقت ذاته ،يحرص على تقديم منتج منافس عالي الجودة .ومن ناحية أخري
شعور العامل الياباني بالف خر بما يقدمه من إنتاج متميز ذو قدرة تنافسية عالية ،دون النظر فقط إلى
ما يتقاضاه من مقابل مادي لذلك العمل ،كل هذه السمات المميزة للعامل الياباني دفعت مهاتير محمد
لنقل التجربة إلى ماليزيا عبر جهود متواصلة .ويري أنه إذا أمكن حمل العمال الماليزيين على تطوير
ثقافة العمل اليابانية وجعلها جزءاً مكمالً من عاداتهم وروتين عملهم ،فسيثمر عملهم عن منتجات
تضاهي المنتجات اليابانية.
ويري أيضاً أن حقائق التاريخ ماثلة أمامنا وتمدنا بالدروس اليومية (Milne, 1999, PP65-
.)80واللذين ال يزالون يتمسكون بالنظر غرباً ) ،(Look Westتخونهم الحقائق اليومية وسيضيعون
وقت ًا ثمين ًا على شعوبهم.
ويري رئيس الوزراء الماليزي أن بعض المتحذلقين من البشر يتصورون أن الشركات األمريكية
تنتقل إلى آسيا بسبب رخص اليد العاملة وأنه ليست هناك قوانين تحمي الموظفين والعمال ،ويغفلون
عن أن أجر اليد العاملة جزء بسيط جداً من تكلفة اإلنتاج خصوص ًا في الصناعات األتوماتيكية ( كثيفة
رأس المال) التي تعتمد على اآللة والروبوت ،وال تحتاج إلى يد عاملة كثيرة ولكنها بالمقابل في حاجة
ماسة لليد العاملة النوعية ،ذات الكفاءة العالية التي توفرها هذه األسواق ،حيث أن حكومات هذه الدول
األسيوية أسست نهضتها المعاصرة على دعم قطاع التعليم وتطوير قدرات شعوبها على استيعاب
25
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
وتطوير التكنولوجيا المعاصرة .والمخطئون وحدهم من يتصورون أن دور الصينين والهنود في مصانع
( )Dellاألمريكية أو ( )Intelيقتصر على حراسة المبنى أو الرد على المكالمات التليفونية ،وما ال
يعلمونه أن هذه الشركات العمالقة أصبحت تجد صعوبة كبيرة في توظيف تقنيين ذوي مستوى عال
من المجتمع األمريكي الذي تدهور فيه التعليم ،وخصوص ًا التعليم الفني ،إلى مستويات دنيا ،على حد
تعبيره ،مقارن ًة بمستويات التعليم والتدريب بدول شرق آسيا ،وهم اآلن على أبواب نقل وحدات البحث
والتطوير ( )Research & Developmentإلى الهند والصين وكوريا.
26
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
المختلفة .ومن ثم أصبحت األرض الماليزية ممهدة وجاهزة لالنطالق واللحاق بركب الدول المتقدمة.
ويمكن تقسيم التحوالت التي لحقت بمسار التنمية في ماليزيا منذ نهاية الستينات ،على النحو التالي:
27
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
بلغ 398.5مليار دوالر لعام ( 2016أنظر جدول رقم ،)13وبلغ معدل النمو السنوي للناتج القومي
( % 5.9تقديرات ،)2006ووصلت قيمة صادراتها إلى 147.1مليار دوالر (تقديرات ،)2005
التي تعتبر ماليزيا من أكثر الدول انتقاداً ورفضاً لسياسات الهيمنة االقتصادية والثقافية المصاحبة لها،
من ٍ
جهة ثالثة.
29
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
وال غرو أن المسألة االقتصادية هي نقطة الضعف الرئيسة في مشروع اإلسالم السياسي
للعديد من الدول ،فمعظم حركات اإلسالم السياسي ـ إن لم تكن كلها ـ ال تملك رؤية اقتصادية واقعية
لمواجهة المشكالت االقتصادية التي تعاني منها مجتمعاتها ،وليس لها مشروعاً تنموياً شامالً يرتكز
على منهج علمي محدد لتطوير القطاعات االقتصادية ،واقترابها من المسألة االقتصادية هو مجرد
خطابات استعراضية وحلول آنية دون وجود رؤية استراتيجية وبدائل حقيقية ،حيث هناك أسباب سياسية
وتبعية دولية ،ال يمكن تجاوزها ،وكل ذلك أدي إلى الخلل الكبير في المقاربة بين التنمية االقتصادية
و اإلسالم في تلك الدول.
وبالنظر في تاريخ المسلمين نستطيع أن نالحظ بأن العدل ال يتحقق بصالح الحاكم فقط،
وال يتأتى بمجرد اإلعالن عن تطبيق الشريعة ،بل بوجود نظام حكم وضوابط تحاسب الحاكم إن أخطأ،
وتأخذ بيده إن تجاوز ،وتعزله إن خرج على مصلحة الجماعة أو أساء استخدام مصالحها ،وهي
ضوابط قد تنبع من ضمير الحاكم ووجدانه ،وهذا نادر في كثير من األحوال ،فاألصح أن تكون
السلطة مقننة ،وهذا ما تردده الدول المتقدمة في مجال السياسة واإلدارة المؤسسية وتطلق عليه مصطلح
الحاكمية الرشيدة "." Good governance
ولكن كيف ساهمت األبعاد الثقافية واالقتصادية والسياسية لإلسالم في تحقيق االستقرار
االجتماعي والسياسي في ماليزيا؟
إن ثمة ظهور النهضة اإلسالمية بشكل متزامن مع السياسة الداعمة للماليزيين ساعد على إيجاد معنى
قوي وجديداً لهم ،هذا الواقع دفع الجماعات المتعددة إلى إظهار تميُّزها من خالل ربط العرق بالدين.
وهذا ال يعني أن هناك صراع سياسي على أساس طبقي في البالد ،بل أن مساحة الحوار التي يتيحها
النظام السياسي ساعدت على إثراء التجربة الديمقراطية في ماليزيا ،وجعلتها نموذجًا مختلف ًا نسبي ًا عن
النماذج الغربية للديمقراطية ويبقي اإلسالم المكون والعنصر األساسي في تشكيل هوية الماليو والعامل
المشترك األهم للمسلمين من كل الطبقات والخلفيات السياسية والفكرية والتاريخية (العكري،2014 ،
ص .)38بل أصبح جزًء ال يتج أز من الحياة السياسية واالقتصادية في الدولة .فتزايدت المؤسسات
اإلسالمية في المجاالت المالية والصحية والخدمات االجتماعية والسياحية واألسواق والمصانع
المختلفة ،مما ساعد في انتقال الماليزيين لممارستهم لإلسالم من مجرد ممارسة روحية صوفية رمزية
30
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
إلى ممارسة مادية وواقعية أضحت طابع ًا ممي اًز للمعامالت داخل المجتمع الماليزي ،ولقد أدي تفعيل
مفهوم "ماليزيا أمة واحدة" ،أن أصبحت العالقة بين المسلمين وغير المسلمين مستقرة.
وبدأ االهتمام باالقتصاد اإلسالمي يأخذ أط اًر عملية بعد إنشاء الحكومة لهيئة قومية خاصة
بتنظيم وتسهيل عملية الحج إلى مكة ،وبرهن ذلك على إمكانية نجاح المؤسسات اإلسالمية ،فهذا
النجا ح تم النظر إليه على أنه في الحقيقة نجاح للمؤسسات المالية اإلسالمية وللفكر االقتصادي
اإلسالمي ،ومع ازدهار هذا االتجاه في الثمانينات ،بدأت مرحلة إرساء األساس لدور شامل لإلسالم
في استقرار الحياة االجتماعية واالقتصادية والسياسية على المستويين المحلي والفيدرالي .فقامت الدولة
بتأسيس العديد من البرامج الخاصة بذلك ،والتي كانت تهدف إلى الدفاع عن اإلسالم من جهة والى
دعم عملية التحديث االقتصادي من جهة أخرى .ومن أهم المؤسسات التي ساهمت في دعم استراتيجية
االقتصاد اإلسالمي هذه ،كلية المعلمين اإلسالمية ،1982والجامعة العالمية اإلسالمية ،1983
والبنك اإلسالمي ،1983ومؤسسة التطوير اإلسالمية ،1984وشركة التأمين اإلسالمية (تكافل)
،1985وغيرها ،ولعل أهم هذه المؤسسات هو البنك اإلسالمي الذي تأسس وفق ًا لميثاق البنوك
اإلسالمية لعام .1983ولقد ساهمت الحكومة الفيدرالية من خالل مؤسساتها المالية المتعددة ،وهيئة
الحج بنحو %65من رأس المال المدفوع للبنك اإلسالمي ،بينما ساهمت الواليات المحلية ببقية رأس
المال .ولقد حقق البنك نجاحًا كبي اًر حتى أن عدداً كبي اًر من المتعاملين مع البنك هم من غير المسلمين.
فمثالً ،تشير التقارير البنكية لعام 1995إلى أن حوالي %40من أصحاب حسابات االستثمار العام
في البنك اإلسالمي هم من غير المسلمين.
وفي عام 1993أطلقت الحكومة مشروع مالي إسالمي بدون فائدة يشمل البنوك المحلية
والمؤسسات المالية األخرى المهتمة بإدارة األعمال المالية واالقتصادية بطريقة إسالمية .ولقد أدى
نجاح المؤسسات المالية اإلسالمية وازدياد الطلب على الخدمات المالية التي تُقدم وفقاً للنظام
اإلسالمي ،إلى اإلقبال حتى من قبل المستثمرين غير المسلمين .ولهذا فقد تم إنشاء نظام مصرفي
مزدوج إسالمي وتقليدي يسيران بشكل متوازي .وقد حقق هذا النظام نجاحًا ملحوظ ًا أيض ًا ،وقام البنك
المركزي بالموافقة على تأسيس بنك إسالمي ثاني هو بنك المعامالت ،ليس هذا فحسب ،بل أن النجاح
الفريد الذي حققته البنوك اإلسالمية قد دفع معظم البنوك األخرى بما فيها البنوك الغربية واليابانية
المستثمرة في ماليزيا مثل "سيتي بنك" وغيره من تبني سياسة النظام المزدوج الممثل في (الفائدة
31
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
والمرابحة) .ولم يقتصر النشاط االقتصادي اإلسالمي على البنوك بل تعداها إلى مشاريع مالية أخرى
تم توجيهها لخدمة الطبقات األقل دخالً في المجتمع .وانتهاجاً لضمان العدالة االجتماعية وتخفيض
الفجوة بين الفقراء واألغنياء قامت الحكومة بتأسيس صندوق ائتمان خاص يهدف إلى منح قروض
للفقراء بدون فائدة .وباختصار ،لقد أصبح هذا النظام المالي الذي يعمل بنجاح منذ أكثر من 30عام ًا
جزًء من الحياة اليومية للماليزيين.
أيضاً الخصوصية الكبيرة التي عالجت بها قضية التعدد العرقي واستطاعت تحويلها من
نقطة ضعف ومصدر للصراع إلى مصدر قوة ،وذلك بتحقيق العدالة بين جميع األعراق واحترام جميع
المعتقدات وترك الحرية الكاملة لهم لممارسة شعائرهم الدينية واحترام مقدساتهم ومعابدهم والحفاظ عليها
ضد أي عابث ،ناحين في ذلك منحي التحفيز المعنوي لكل الفئات على النجاح واالستفادة من
اإليجابيات الموجودة في الثقافات المتعددة ال العمل على محوها .ولم يستنكف مهاتير محمد في رؤاه
االقتصادية ـ أو يتردد ـ من األخذ ببعض تجارب المدارس الفكرية االقتصادية ،من غير المسلمين،
عمالً بمبدأ الحكمة ضالة ا لمؤمن أنى وجدها أخذ بها ،لتحقيق الرفاهية االقتصادية لكافة طوائف أبناء
شعبه .فقد استطاعت الحكومة ،تحت قيادته ،تحقيق التوازن بين حماية حقوق المسـلمين وغيـر
المسلمين.
ولقد برهنت أعماله بأنه من العظماء القالئل الذين سيخلدهم التاريخ ،هؤالء العظماء الذين
ينصفهم التمييز ،وتظلمهم المساواة ،فلم نري فري ًا يفري فريه ،فقد استطاع بحكمته وعزيمته أن يقود
سفينة بالدة في ٍ
بحر أمواجه عاتية ومتالطمة ،ليصل بها إلى بر األمان وتكون بالده في مصاف
الدول المتقدمة.
32
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
عن العمالة الغير ماهرة إلى الطلب علي العمالة األكثر مهارة وتعليم ًا ،ومن ثمة فان األمر يستوجب
زيادة االستثمار في رأس المال البشري.
وفور الحصول على االستقالل أعطت الدولة اهتمامها األول بقضية التعليم كهدف ال غنى
عنه لتحقيق النهضة ،وذلك ألنها تدرك أن التعليم هو الذي يكفل تنمية وصقل الموارد البشرية للدولة،
ولذا حرصت اإلدارة الماليزية منذ االستقالل على تقديم خدمات التعليم األساسي ـ لمدة إحدى عشرة
سنة ـ مجاناً ،كما أولت الحكومة عناية كبيرة بتأسيس معاهد خاصة لتدريب المعلمين وتأهيلهم على
المستوى القومي ،وقد كفل الدستور الماليزي حق التعليم لكل فئات المجتمع باعتباره واحداً من أهم
الحريات األساسية ،كما أعطي الحق في إقامة مدارس طائفية لكل جماعة عرقية علي اختالف
انتماءاتها ،وفي نفس الوقت تضمنت القوانين الماليزية الوضع الخاص للماليو خاصة فيما يتعلق
بالمنح الدراسية أو اإلمكانيات أو األنشطة أو غيرها من االمتيازات .ويوضح الجدول التالي مقدار
ونسبة اإلنفاق العام على التعليم من إجمالي اإلنفاق الحكومي خالل الفترة 1996وحتى :2017
جدول رقم ( )1النفقات الحكومية المركزية على التعليم ونسبته المئوية من اإلنفاق القومي
التغير ()% القيمة التاريخ التغير ()% القيمة (*) التاريخ
16 5.8 2011 21.7 2.9 1996
2 5.7 2012 27.6 3.7 2000
4 5.5 2013 21.6 4.5 2006
5 5.2 2014 2- 4.4 2007
4- 5 2015 9- 4.0 2008
4 4.8 2016 50 6.0 2009
2 4.7 2017 16 - 5.0 2010
المصدرNATIONAL ACCOUNTS :Malaysia :
تقرير التنمية البشرية لعام 2006
(*) القيمة بالمليار دوالر
ويتضح من الجدول السابق أن اإلنفاق على التعليم كنسبة من إجمالي النفقات قد ازداد من
%21.7عام 1996إلى %27.6عام 2000وهو ما يزيد عن ربع اإلنفاق القومي ،ثم ارتفع عام
2009بنسبة %50وفي عام 2011بنسبة %16وخالل معظم سنوات الدراسة في تزايد مستمر
اللهم إال في سنوات معدودة مارس االنخفاض ،وهذا يعكس مدي اهتمام الدولة بالتعليم باعتباره قاطرة
33
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
التنمية االقتصادية .في حين أن ما تنفقه إسرائيل على التعليم %13.7من إجمالي نفقاتها الحكومية
لعام ،2006أما ما تنفقه مصر على التعليم %9من الميزانية العامة لعام .2018/2017
وقد قامت الحكومة بتأسيس قاعدة ممتدة لشبكة المعلومات في المؤسسات الجامعية وإمدادها
بموارد المعرفة والبنية التحتية األساسية في هذا الصدد ،وتدعم الحكومة جهود األبحاث العلمية في
الجامعات بواسطة مؤسسة تطوير التقنية الماليزية ،وهي تشجع الربط بين الشركات والباحثين ،من
ناحية ،والمؤسسات المالية والتقنيين ،من الناحية األخرى ،من أجل استخدام أنشطة البحث الجامعية
لألغراض التجارية ،وهناك العديد من مراكز التقنية التي تهدف إلى إيجاد قنوات تعاون بين األعمال
العلمية والمصانع ،وتوفير الموارد الضرورية إلنجاز األعمال البحثية التطبيقية ،ويلعب المجلس القومي
للبحوث العلمية والتطوير دو اًر في رعاية المؤسسات البحثية وتقوية العالقة بين مراكز البحوث
والجامعات من ناحية ،وبين القطاع الخاص من ن ٍ
احية أخري ،و بالتالي لم تعد الحكومة مطالبة بدعم
كل األنشطة البحثية بمفردها ،بل شاركتها في ذلك المصانع والمؤسسات المالية واالقتصادية .وأنشأت
أكبر جامعة إسالمية أصبحت ضمن أهم 500جامعة في العالم.
وقضية العلم والتعليم ومكافحة األمية تأخذ أولوياتها في ماليزيا ،فحسبنا أن %88.7من
عدد السكان فوق سن الخامسة عشر عاماً يستطيع القراءة والكتابة ،وقد كانت هذه النسبة %80في
عام ،1990مما يوضح استمرار وتواصل الجهود للقضاء على ظاهرة األمية تمام ًا .ولعل من الالفت
للنظر أن اإلناث ما بين سن 24-15عام ًا تصل نسبة معرفتهن للقراءة والكتابة إلى %97.3وال
يخفي أن هذا هو سن الزواج وتكوين األسرة ،وبالتأكيد ستكون األم المتعلمة أحرص على تعليم أبنائها.
وهذا ما يدعونا إلى أن نجيب على سؤال ُملِ ٍّح ،وهو :كيف استطاعت دولة مثل ماليزيا أن
تحقق هذا التقدم؟ وما هو دور العلم في هذا النجاح المذهل؟ وهذا التساؤل ال نبتغي من وراه التقليل
من شأن ماليزيا ،بقدر ما هو مبعث إعجاب ودهشة ،وشعور باالمتنان والفخر ،وخاصة أنها دولة ذات
إمكانيات محدودة ،فال تملك ـ مثالً ـ احتياطيات نفطية هائلة ،مثل السعودية والعراق ،وال تمتلك طاقات
بشرية ضخمة ،مثل مصر ،وكذلك فهي ال تمتلك 30مليون فدان صالحة للزراعة مثل السودان،
وفضالً عن ذلك ،فمساحتها ليست شاسعة مثل الجزائر التي تقترب من 2.5مليون كم( 2كتاب الحقائق
الدولي األمريكي ،2007 ،ص ،) 97بل وعلى العكس من ذلك ،فقد اجتمعت في ماليزيا عدة عوامل،
34
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
يكفي أي عامل منهم ليكون حجة للتكاسل والقعود عن العمل ،بدالً من التنافس مع الدول المتقدمة
ومضارعتها .فضالً عن التركيبة العرقية المعقدة (كتاب الحقائق الدولي األمريكي 2007،ص.)98
وقد واكب هذا االهتمام بالتعليم دخول ماليزيا مرحلة التصنيع الثقيل ،مثل صناعات األسمنت
والحديد والصلب ،بل وتصنيع السيارة الماليزية الوطنية (بريتون) ،ثم التوسع في صناعة النسيج
وصناعة اإللكترونيات ،والتي صارت تساهم بثلثي القيمة المضافة للقطاع الصناعي ،وتستوعب %40
ّ
من العمالة .وكانت التسعينيات من القرن الماضي مرحلة نضج الثمرة ،حيث ُوضعت ماليزيا في قائمة
الدول المتقدمة في مجال التعليم (بشير ،2002 ،ص ،)97وتوافقاً مع ثورة عصر التقنية ،قامت
الحكومة الماليزية في عام 1996بوضع خطة تقنية شاملة ،من أهم أهدافها إدخال الحاسب اآللي
واالرتباط بشبكة اإلنترنت في كل مدرسة ،بل في كل فصل دراسي ،وبالفعل بلغت نسبة المدارس
المربوطة بشبكة اإلنترنت في ديسمبر 1999أكثر من ،%90وبلغت هذه النسبة في الفصول الدراسية
،%45كما أنَّه من كل ألف شخص في ماليزيا يوجد 397من مستخدمي اإلنترنت .كما يوجد 299
باحث لكل مليون نسمة (مهاتير ،2004 ،ص.)14
كما أنشأت الحكومة الماليزية العديد مما يعرف بالمدارس الذكية التي تتوفر فيها مواد دراسية
تساعد الطالب على تطوير مهاراتهم واستيعاب التقنية الجديدة ،وذلك من خالل مواد متخصصة عن
أنظمة التصنيع المتطورة وشبكات االتصال ،ونظم استخدام الطاقة التي ال تحدث تلوث ًا للبيئة.
وفي هذا السياق تم إنشاء أكثر من 400معهد وكلية جامعية خاصة ،تقدم دراسات وبرامج
مشتركة مع الجامعات في الخارج ،كما أتاحت الفرصة للطالب الماليزيين لمواصلة دراستهم في
الجامعات األجنبية (إبراهيم ،2006 ،ص ،)114ولم تنس الحكومة المرأة الماليزية ،والتي حصلت
على نصيبها من التعليم كالرجل تمام ًا ،بل تقدم الحكومة قروض ًا بدون فوائد لتمكين اآلباء من إرسال
بناتهم إلى المدارس وتوفير مستلزمات المدرسة ،وتعطى الفقراء مساعدات مجانية لهذا الغرض .ولقد
كان من محصلة ذلك أن أدت األبحاث التي أجريت على شجرة المطاط إلى مضاعفة إنتاجيتها عشر
مرات عما قبل ،وأضحت كاأليك في الغابات ،وبالنسبة لزيت النخيل انخفضت فترة إنتاجه إلى أربع
سنوات بعد أن كانت سبع سنوات.
وقامت ماليزيا باالستثمار في مجاالت البحث والتطوير وإنشاء مراكز تصنيعية في
اإللكترونيك الدقيق والمعلوماتية (حيث نجد مثالً الشركة األمريكية العمالقة INTELتنتج أغلب
35
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
شرائحها Micro - Processorsفي ماليزيا) ،إضافة إلى تشجيع ودعم االستثمار األجنبي،
واالستثمار في المجال العلمي ،متوسالً بذلك تحقيق عدة أهداف ،وهي األهداف التي تم تحقيق أغلبيتها
مع حلول عام ،2016وتتضمن ما يلي:
تحويل ماليزيا إلى نقطة جامعة للشبكات المعلوماتية .Information Networks أ.
ب .تطوير استراتيجية تعليمية حديثة تجمع بين الحداثة واألصالة وهو المالحظ في المنظومة
التعليمية الماليزية حالياً.
ج .بناء منظومة تعليمية متوافقة مع توجهات الدولة الماليزية وتعكس رغبتها في أن تكون قطب
معرفي هام في عالم تنافسي.
د .إنشاء جامعات عالمية متخصصة في جميع المجاالت وِقبلة لطالب العلم من كافة الدول.
وتندرج معظم السياسات المتبعة بهذا الشأن في اآلتي:
( )1التزام الحكومة بمجانية التعليم األساسي إلتاحة الفرصة للجميع من أجل التعلم.
( )2االهتمام بتعليم المرأة واالرتقاء بوعيها.
( )3االنفتاح على النظم التعليمية المتطورة وإتباع مختلف المناهج الدولية الرائدة.
( )4االهتمام بالتعليم ما قبل المدرسة (رياض األطفال).
( )5تركيز التعليم االبتدائي على المعارف األساسية والمعاني الوطنية.
( )6العناية بتأسيس معاهد تدريب المعلمين والتدريب الصناعي.
( )7التوافق مع التطورات التقنية والمعلوماتية.
وعليه يمكن القول إن ماليزيا تخطط لجعل قطاع التعليم قطاعاً خالقاً هدفه األول هو
النهوض بعجلة التنمية االقتصادية وتدعيمها ،واستكمال مخططها االستراتيجي لعام ،2020وبالتالي
فهي من خالل اهتمامها بالتعليم فهي تهتم باإلنسان وتوسيع مداركه العلمية والحياتية في إطار النهوض
برأس المال البشري والفكري.
2-2-4االهتمام بالصحة
في غمار اهتمام ماليزيا بالخدمات الصحية ،نشرت مجلة " ،"International Livingتقري ًار
أفادت فيه أن الرعاية الصحية في ماليزيا األفضل عالمياً ،مما وضعها في المرتبة األولى عالمياً تلتها
36
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
كوستاريكا ،والمكسيك في المرتبة الثالثة ،إضاف ًة إلى وجودها في مراكز متقدمة على صعيد السياحة
العالجية عالمياً.
وأرجع التقرير الذي نشرته المجلة على موقعها أن تربع ماليزيا على عرش الرعاية الصحية
عالمي ًا ،بسبب قوة الرينجيت ،والتكلفة المنخفضة للسفر جواً ،وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وقوائم
االنتظار الطويلة في الدول الغربية ،مما أدي إلي زيادة نسبة السياح الراغبين في العالج والقادمين إلى
ف األطباء في ماليزيا كأفضل األطباء ماليزيا بنسبة %100خالل األعوام الخمس الماضية .كما ِ
صن َ
ُ
تدريباً في القارة اآلسيوية ،فضالً عن تميز ماليزيا ببيئة صحية من حيث المناخ ممثالً في الثبات
النسبي لدرجات الح اررة .وأوضح التقرير أن المستشفيات الع امة والخاصة تقدم خدماتها ،إلى جانب
بعض المستشفيات الغير ربحية التي تقدم خدمات استثنائية ،كما زار ماليزيا خالل عام 2016مليون
سائح طبي ،تلقوا عالجات في جراحة التجميل ،واألسنان ،واألمراض الجلدية .ويوضح الجدول التالي
نسبة اإلنفاق على قطاع الصحة في ماليزيا:
جدول رقم ( )2النفقات الحكومية المركزية على الصحة ونسبته المئوية من اإلنفاق القومي
التغير ()% القيمة التاريخ التغير ()% القيمة (*) التاريخ
3.35 6.5 2011 9.10 5.6 2005
1.20 6.6 2012 17.32 6.6 2006
3.29 6.8 2013 4.53 6.3 2007
15.02 7.9 2014 4.37 6.0 2008
4.90 8.2 2015 2.19 5.9 2009
0.14 8.2 2016 07.5 6.3 2010
المصدر :أطلس بيانات العالم ،ماليزيا.
(*) القيمة بالمليار دوالر
ويتضح من الجدول أن نسبة اإلنفاق على الصحة قد زادت من %9.1عام 2005إلى
%17.32عام ،2006بنسبة زيادة قدرها حوالي ،%8خالل عام واحد .وكان معدل اإلنفاق على
الصحة في تزايد مستمر خالل سنوات الدراسة ،وهذا يدل على أن الحكومة تولي أولوية كبيرة للفرد
الماليزي كإنسان تسعي الدولة لتحقيق التنمية االقتصادية من أجلة .ويوضح الجدول التالي النفقات
الحكومية على الصحة ونسبته من إجمالي الناتج القومي:
37
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
جدول رقم ( )3النفقات الحكومية المركزية على الصحة ونسبته المئوية من إجمالي الناتج القومي
التغير ()% القيمة التاريخ التغير ()% القيمة (*) التاريخ
4.95 3.4 2011 9.1 2.8 2005
4.66 3.5 2012 11.5 3.2 2006
0.72 3.6 2013 1.58 3.1 2007
5.63 3.8 2014 1.29 3.1 2008
3.30 3.9 2015 7.82 3.3 2009
2.45 3.8 2016 2.82 3.2 2010
المصدر :أطلس بيانات العالم ،ماليزيا
(*) القيمة بالمليار دوالر
ويتضح من الجدول السابق أن اإلنفاق على الصحة كنسبة من إجمالي الناتج القومي في
تزايد مستمر أيض ًا خالل فترة الدراسة .وينعكس ذلك في تكفل الحكومة الماليزية بتغطية نفقات نحو
% 98من تكاليف الرعاية الصحية ،وال يشمل ذلك السكان األصليين فقط ،بل يتوسع ليشمل حتى
األجانب منهم بغض النظر عن ظروف إقامتهم ومدى شرعيتها.
ويعتبر كالَ من القطاعين العام والخاص العبان مهمان في تقديم منظومة الرعاية الصحية
في ماليزيا حيث أن القطاع العام يقدم حوالي %80من الخدمات الصحية ،والذي ال يزال يعتبر واحدًا
من أفضل القطاعات الصحية في المنطقة .وتبذل الحكومة الماليزية جهوداً كبيرة لتوسيع وتطوير
خدمات الرعاية الصحية ،ولقد كان نصيب الفرد من الرعاية الصحية في تزايد مستمر كما يوضح
الجدول التالي:
جدول رقم ( ) 4متوسط نصيب الفرد من النفقات الحكومية المركزية على الصحة ومعدل تغيره
التغير ()% القيمة التاريخ التغير ()% القيمة (*) التاريخ
10.73 739 2011 9.1 486 2005
10.35 816 2012 19.10 579 2006
5.21 858 2013 8.56 628 2007
12.02 962 2014 2.13 642 2008
7.90 1038 2015 400 667 2009
1.43 1053 2016 0.06 668 2010
المصدر :أطلس بيانات العالم ،ماليزيا
(*) القيمة بالدوالر
38
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
ويتضح من الجدول السابق التزايد الكبير في نصيب الفرد من النفقات على الصحة لترتفع
من $486عام 2005لتصل إلى $1053عام ،2016بمعدل زيادة قدره .%217ويبرهن ذلك
أيضاً تزايد النصيب النسبي لقطاعي التعليم والصحة واحتاللهم أولويه على كافة القطاعات األخرى
ّ
كما يوضح ذلك الجدول التالي:
جدول رقم ( )5النسبة المئوية للنفقات على الخدمات (حسب القطاع) وفقاً للحكومة المركزية
2000 2001 قطاع الخدمة
65.9 64.1 التعليم
7.5 11.5 الصحة
13.1 10.8 اإلسكان
13.6 13.6 خدمات أخري
100 100 النسبة اإلجمالية
المصدرNATIONAL ACCOUNTS :Malaysia :
ولقد أسفرت هذه الرعاية عن معدل منخفض لوفيات الرضع ،وهو معيار تحديد الكفاءة
العامة للرعاية الصحيةـ حيث بلغ 8.3حالة لكل ألف طفل ولد حياً لتحتل ماليزيا المركز السابع
آسيوي ًا ،ومقارب ًا للمعدالت العالمية ،ومتفوق ًا على بعض الدول في أوروبا واألمريكتين.
أما إذا نظرنا نظرة سريعة على مؤشر "العمر المتوقع عند الوالدة" ،وهو أحد المؤشرات التي
تستدل بها منظمات الصحة حول العالم لقياس تطور الخدمات الصحية ،يوضح لنا مدي التطور الذي
شهده القطاع الطبي ،حيث سجَّل متوسط عمر الفرد نحو 75سنة ،وبواقع 78.9للنساء و73.5
للرجال عام ،2018بعد أن كان 59سنة في عام ( 1974بشير ،2008 ،ص .)98وانخفض احتمال
الوفاة قبل سن الخامسة لكل 1000وليد إلي 6وفيات( ،تقرير منظمة الصحة العالمية لعام .)2018
3-4المحور الثالث :القضاء على الفقر
لقد خرجت ماليزيا إلى العالم بعد حصولها على االستقالل وهي تعاني من جروح غائرة في
جسدها الوليد ،المتمثل في دولة صغيرة تتكون من اتحاد 13والية ،وكان أكبر جراح الدولة الوليدة
هو جرح الفقر ،فكان قرابة نصف الشعب الماليزي يعاني الفقر المدقع ،وتلك شيمة البالد التي تعرضت
لالحتالل ،والذي كان ـ ـ وال زال ـ ـ من طبيعة عمله أن يحرص ليل نهار على نشر الجهل والتخلف،
حتى يضمن استق ارره ،وسهولة قيادته لفريسته .وذلك هو المشهد ـ ـ إن لم يكن هناك ما هو أسوأ منه ـ ـ
وقت حصول ماليزيا على االستقالل.
39
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
ولقد كان الفقر أهم المعوقات التي واجهت طريق ماليزيا في التنمية المنشودة ،ويعتبر قياس
الفقر وتحديد معدالته من المؤشرات التي تكشف عن مدي تقدم الدولة والنجاح الذي حققته في المجالين
االقتصادي واالجتماعي .ومجمل القول إن ماليزيا قد حققت طفرة هائلة في مجال القضاء على الفقر
المدقع الذي كان يعاني منه حوالي %65من الماليو عام ( 1970تقرير التنمية البشرية،)2016 ،
والذي تراجع معدله إلى %3.6عام ،2006ثم إلى %0.4عام 2015كما يوضح ذلك الجدول
التالي:
جدول رقم ( )6تطور معدل الفقر في ماليزيا خالل الفترة 2002ــ 2015
واالنخفاض في معدالت الفقر كما يوضحها الجدول السابق ترجع إلى النهضة الشاملة التي
قامت بها ماليزيا على كافة المستويات ولقد انعكس ذلك على معدالت الفقر في الريف والحضر كما
يوضحها الجدول التالي:
جدول رقم ( )7تطور معدل الفقر في ماليزيا في الريف والحضر خالل الفترة 2002ــ 2015
2014 2012 2009 2007 2004 2002 التاريخ
1.6 3.4 8.4 7.1 11.9 13.5 معدل الفقر في الريف
0.3 1.0 1.7 2.0 2.5 2.3 معدل الفقر في الحضر
المصدر :أطلس بيانات العالم ،ماليزيا
40
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
عادة يكون مؤشر الفقر والفقر المدقع أكبر منه في الريف عنه في
ً ويوضح الجدول أنه
المدن ،وقد أنخفض مؤشر الفقر المدقع في الريف من ،%3.5إلى %2.4خالل العامين المذكورين،
ويعود ذلك إلى سياسة الحكومة الماليزية التي تولي اهتماماً كبي اًر في مساعدة األسر والعائالت من
ذوي الدخل المحدود ،وذلك لتكون ضمن مجموعة الطبقة المتوسطة الدخل حسب الخطط التنموية
التي تضعها الحكومة .ولق د انعكس ذلك في تحقيق العدالة في توزيع الدخل من خالل حساب مؤشر
جيني ،كما يوضح ذلك الجدول التالي:
جدول رقم ( )9يوضح معامل جيني ومؤشر الفقر ومتوسط نصيب الفرد خالل الفترة 2007ــ 2015
مؤشر الفقر% متوسط نصيب الفرد $ معامل جيني% معدل البطالة% السنة
3.6 6179.6 46 3.2 2007
3.6 7218.4 46 3.3 2008
3.8 7277.8 46.2 3.7 2009
2.7 8754.2 46 3.4 2010
2.3 10068.1 37 3.1 2011
1.7 10440.0 35 3 2012
1.3 10338.1 34 3.2 2013
0.6 10538.3 35 3.1 2014
0.5 10539.2 35 3 2015
المصدر :من إعداد الباحث ،استناداً على بيانات صندوق النقد الدولي ،تقرير التنمية البشرية لماليزيا2016 ،
ويتضح من الجدول السابق أن العدالة في توزيع الدخل والتي يحددها مؤشر جيني كانت
أقرب إلى حدود المساواة في توزيع الدخل ،حيث كان مؤشر جيني العام إبان األزمة المالية قد شكل
نسبة %46و .%46.2وعلي أي حال فإن المؤشر أقرب إلى المساواة في توزيع الدخل ،خالل عامي
ّ
األزمة ،ألنه أقل من ،%50حيث كلما أقترب المؤشر من %100يكون هناك عدم مساواة في هيكل
توزيع الدخل القومي (تتراوح قيمة المؤشر بين الصفر و .)%100كما أن مؤشر الفقر انخفض من
41
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
%3.6عام 2007إلى %0.5عام ،2015وهذا دليل آخر على اهتمام الدولة بمعالجة مشكلة الفقر
والقضاء عليه ،وثمة مؤشر آخر لقياس تحسن مستوي المعيشة والقضاء على الفقر وهو التزايد المستمر
في متوسط نصيب الفرد من الدخل ،فقد ارتفع من 6179.6دوالر أمريكي عام 2007إلى 10539.2
دوالر أمريكي عام .2015ويعتبر هذا من ضمن سياسات مكافحة الفقر والبطالة والتي استُعملت
كحل للصراعات العرقية التي عرفتها ماليزيا.
كما استكملت الدولة جهودها من خالل سياسة الخصخصة وسياسة التنمية القومية التي
بدأت عام 1990ووضعت خططاً للتنمية لمدة 30عاماً ،اعتمدت هذه الخطط التنموية على فلسفة
النمو المصحوب بالعدالة التوزيعية ،وهو ما أدي إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية ،كما ذكرنا ،وتحقيق
تقدم ملحوظ في القضاء على الفقر سواء المدقع أو النسبي ،وأصبحت ماليزيا وفقا لتقرير األمم المتحدة
خامس دولة علي مستوي العالم من حيث قوة االقتصاد المحلي .وقد بلغت جملة ما أنفقته الحكومة
في مكافحة الفقر من خالل تنفيذ استراتيجية السياسة االقتصادية الجديدة حوالي 32.9مليار رينجيت
ماليزي بما يعادل %19.1من مجموع الدخل الكلي ( 172.1مليار رينجيت ماليزي) ،أما في عام
1991إلى عام 2000ارتفع اإلنفاق على مكافحة الفقر إلى 34.6مليار رينجيت ماليزي بما يعادل
%22.5من مجموع الدخل الكلي ( 153.7مليار رينجيت ماليزي).
ولقد حددت الدولة مجموعة من السياسات التنموية ونفذتها عبر مجموعة من الخطط الطويلة
األجل ،وأخري قصيرة األجل قادت البالد نحو التقدم االقتصادي ،وهدفت هذه السياسات في مجملها
إلي أعادة بناء المجتمع الماليزي ،وتصحيح االختالالت االقتصادية بين العرقيات المختلفة من خالل
التوزيع العادل لثمار التنمية والقضاء علي الفقر (مركز الدراسات األسيوية ،جامعة القاهرة،)2013 ،
وهذه األهداف تم بلورتها في السياسة االقتصادية الجديدة التي تم وضع أسسها عام 1970لتحسين
األوضاع االقتصادية لسكان البالد األصليين "الماليو" ووضع حد للتغاير االقتصادي بين الماليو
والصينيين .وجاءت سياسة التنمية القومية عام 1981في إطار التوجه القومي الطموح ـ ـ الذي وضعه
مهاتير محمد ـ ـ تحت شعار رؤية ( )2020والتي تهدف إلى االنتقال بماليزيا إلى مصاف الدول
المتقدمة بحلول عام . 2020ويمكن تحديد أربع ركائز جوهرية لهذه الرؤية الفكرية وهي :القومية
الماليزية ،التطور الرأسمالي ،دور اإلسالم في التنمية ،الدور القومي للدولة .وقد ظل تمكين الماليو
42
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
اقتصادي ًا هدف ًا ثابت ًا للسياسات االقتصادية الماليزية باعتباره آلية إلعادة هيكلة المجتمع الماليزي،
وتحقيق عدالة توزيع الثروة ،والتي كانت تتسم بوضع مختل في غير صالح الماليو.
ولقد ساعد على ذلك أن زيادة النمو بمعدل (درجة مئوية واحدة) في ماليزيا تؤدي إلى تقليل
عدد الفقراء بنسبة تتجاوز ،%3وهي من أعلى النسب في العالم ،األمر الذي جعل سياسات التنمية
الممتدة منذ عام 1970تركز على هدفين أساسين ،هما تقليل الفقر ،وإعادة هيكلة المجتمع.
وحددت هذه السياسات استراتيجيات معينة لتقليل الفقر ،مثل زيادة امتالك الفقراء لألراضي
ورأس المال المادي ،وتم وضع برامج في ماليزيا لتخصيص أسهم للماليو "سكان ماليزيا األصليين"
وإيثارهم بمشروعات الشركات الكبيرة .ومثال لهذه الشركات شركة الطيران (ماس) التي قامت الحكومة
بخصخصتها وتمليكها للماليو المسلمين ،ومن الشركات العمالقة التي أنشأتها الحكومة شركة (بروتون)
لبناء السيارات لصالح الماليو أيضاً .وحتى الشركات التي يكون االستثمار فيها بأموال أجنبية يكون
نسبة %30منها للماليو و %70للمستثمرين األجانب.
وفي الوقت ذاته تضمنت السياسة الضريبة في ماليزيا بُعداً اجتماعي ًا يستفيد منه الفقراء من
خالل اعتماد مبدأ التصاعدية في ضريبة الدخل ،ولقد أدت هذه السياسة إلى االنخفاض في مؤشر
الفقر في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء .فازداد دخل األسر وارتفع مستوي المعيشية في
المدن والريف من خالل تطبيق برامج مختلفة تستهدف القضاء على الفقر وانخفضت ،نتيجة ذلك،
معدالت انتشار الفقر في صفوف السكان الماليزيين (مجلس حقوق اإلنسان.)2009 ،
ومن األرقام الرسمية ذات الداللة يالحظ أن % 94من الفقراء في ماليزيا يتاح ألطفالهم
التعليم األساسي مجاناً ،فضالً عن توفير الكثير من السلع والخدمات األساسية ،األمر الذي ساهم في
زيادة مستوى الرفاهية للمواطنين ،وانعكس ذلك إيجابي ًا ،ومن ٍ
جهة ثانية ،تضاعف دخل الفرد أكثر من
7مرات منذ االستقالل ( )1957وحتى عام ، 1995حيث ارتفع المتوسط السنوي لدخل الفرد من
$350قبل بداية حقبة التنمية وفي أعقاب االستقالل إلى $450عام ،1972ثم إلى $680عام
1974وإلى $1234عام ،1980ثم إلى $2099عام 1990ووصل $9273عام ،2010ثم
ارتفع ليصل إلي $12586في عام . 2016في وقت كانت فيه نسبة الزيادة في الناتج القومي العالمي
% 3.2وبلغت الزيادة الحقيقية السنوية في نصيب الفرد من الناتج القومي اإلجمالي من عام 1985
إلى عام 1994حوالي ،%5.7وبلغت الزيادة السنوية في الناتج المحلي اإلجمالي في الفترة من عام
43
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
44
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
45
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
معدالت مرتفع ة من البطالة ،وتذكر اإلحصائيات ،أن معدل البطالة لعام ،2010في ماليزيا انخفض
إلى نحو %3فقط ،ثم انخفض إلى %2.8عام ( 2015تقرير التنمية البشرية.)2016،
ولقد نجحت ماليزيا في تحقيق هذا الهدف ،كما رأينا ،إلى أن وصلت إلى حد استيراد العمالة
من الخارج ،ويرجع ذلك إلى تميزها في مجال التخطيط الجيد لتنمية االقتصاد ،والذي يركز على
الصناعات الحديثة كثيفة العمل ،وكثيفة رأس المال في آن واحد مثل الصناعات اإللكترونية التي
استوعبت أعداداً كبيرة من األيدي العاملة.
ولقد ساعد توفير دورات تدريبية للعاطلين في تعزيز قدراتهم ودخولهم سوق العمل ،وأثناء
القيام بتلك الدورات تقوم الدولة بدفع رواتب لهؤالء العاطلين ،ثم بعد انتهاء هذه الدورات التدريبية تقوم
بتوفير فرص العمل لهم ،وإن لم يلتحقوا بالعمل بمحض إرادتهم فهم مضطرين وملتزمين بإرجاع
المصاريف والرواتب التي دفعت لهم أثناء الدورات ،وبالتالي هذا النوع من السياسات يعمل كرادع أو
وسيلة ضغط على هؤالء العاطلين ،وهو يعكس مدى إرادة الدولة في تشغيل مواطنيها ،إال من أبى،
وال يتوقف دور الدولة عند هذا الحد فقط ،بل قيامها بدعم الجهات المستخدمة لهؤالء العاملين من أجل
تقديم حوافز مالية ومزايا للعاملين الجدد ،فضالً عن أن الرؤية الماليزية 2020كانت دافعاً كبي اًر نحو
جذب االستثمارات األجنبية وبالتالي توفير فرص عمل جديدة ،والتي فاقت في الكثير من المجاالت
عن حاجات السكان األصليين وفتحت المجال لتوفير العمالة من الخارج ،كما ذكرنا .وهو ما جعل
ماليزيا من أكثر دول جنوب شرق آسيا جذب ًا للعمالة ،ولقد سجلت ماليزيا ثاني أدنى نسبة للبطالة بين
دول رابطة اآلسيان بعد سنغافورة وضمن ال 20دولة األقل بطالة في العالم.
5-4المحور الخامس :جذب االستثمارات األجنبية
اعتمدت ماليزيا على جذب االستثمارات األجنبية من خالل دعوة رجال األعمال األجانب
العاملين على أراضيها أكثر من اعتمادها على الهيئات الحكومية المتخصصة في جذب االستثمارات،
كذلك االعتماد على توفير بنية أساسية أكثر من االعتماد على اإلعفاءات الضريبية المقدمة والتركيز
على عنصر توافر المصادر البشرية أكثر من اعتمادها على المصادر الطبيعية.
ويمكن إجمال ذلك في أن العالقة بين االستثمار األجنبي المباشر من ناحية ،وكالً من
مستوي التعليم والبنية األساسية وتطوير القدرات العلمية والبشرية ،من الناحية األخرى ،هي عالقة
46
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
طردية ،فكلما توافر رأس المال البشري المدرب والمؤهل ،وكذلك البنية التحتية في بلد معين ،كلما
ارتفعت قدرة ذلك البلد على جذب االستثمار.
ولم يكن نجاح ماليزيا في تطوير اقتصادها وزيادة قدرتها على جذب االستثمار األجنبي
المباشر إال نتيجة عوامل عديدة أبرزها اهتمامها بتنمية المورد البشري وتطويره ،والذي ساعدها على
توفير قدرات علمية مؤهلة استطاعت جذب الشركات االستثمارية العالمية إلى ماليزيا ،وبالتالي أسهم
بشكل كبير في حدوث تحوالت هيكلية جذرية في االقتصاد الماليزي ،وأصبح القطاع الصناعي هو
العصب الرئيسي لهذا االقتصاد بدال من القطاع الزراعي الذي احتل هذه المكانة لفترة طويلة من قبل،
فضالً عن احتالل ماليزيا لمراتب متقدمة عالمي ًا في مجال تصنيع أشباه الموصالت والرقائق
اإللكترونية ،وتوظيف القدرات العلمية والتعليمية كأداة مهمة لبلوغ مرحلة االقتصاد المعرفي القائم على
تقنية المعلومات واالتصاالت.
ولقد أدى توافر القدرات العلمية والتعليمية في تطور النظام التعليمي إلى احتالل ماليزيا
المركز ( )28عالمي ًا في مؤشر الجاهزية الشبكية من بين ( )134دولة شملها تقرير التنافسية العالمي
لقطاع تقنية المعلومات ”"The Global Information Technology Report 2009
” ،“GITRويوضح مؤشر الجاهزية الشبكية ” (Networked Readiness Index) “NRIمدى
جاهزية الدولة للمشاركة في التطورات الحديثة في مجال تقنية المعلومات واالتصاالت واالستفادة منها.
ويتكون مؤشر الجاهزية الشبكية ( )2009 ،Irenaمن ثالثة مؤشرات فرعية هي:
( )1مؤشر البيئة التقنية :ويقيس هذا المؤشر مدى درجة تميز البيئة التي توفرها الدولة لتحسين
وتطوير استخدام تقنية المعلومات واالتصاالت بشكل كفء وفعال.
( )2مؤشر الجاهزية التقنية :ويقيس هذا المؤشر مدى قدرة األفراد ومؤسسات األعمال
والحكومة ،على تحسين وتطوير اإلمكانات المستقبلية لتقنيات المعلومات واالتصاالت.
( )3مؤشر االستخدام :ويوضح هذا المؤشر درجة استخدام وتطبيق تقنية المعلومات
واالتصاالت من قبل األفراد ومؤسسات األعمال والحكومة.
47
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
48
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
معدل النمو السنوي ()% االستثمار األجنبي المباشر (مليون دوالر) السنة /المؤشر
43.51 3895 1999
2.74- 3788 2000
85.45- 554 2001
478.15 3203 2002
22.79- 2473 2003
86.97 4624 2004
14.20- 3967 2005
53.36 6084 2006
40.33 8538 2007
14.28- 7318 2008
81.12- 1381 2009
المصدرUNCTAD, World Investment Report, United Nations, several years :
ويتضح من الجدول السابق تذبذب تدفقات االستثمار األجنبي المباشر لماليزيا حيث بلغ
متوسط معدل نمو التدفقات خالل الفترة 1990إلي 1999نحو ،%11.38غير أن هذه النسبة قد
ارتفعت بحوالي أربعة أضعاف خالل الفترة 2000ـ ،2009حيث بلغت ،%43.82وبلغ أعلى
معدل لتدفق االستثمار األجنبي المباشر في عام 2007حيث وصل إلى 8538مليون دوالر ،إال
أن تأثير األزمة المالية العالمية أدى إلى انحسار كبير في تلك التدفقات وبصفة خاصة في عام
2009الذي وصلت فيه التدفقات االستثمارية إلى أدنى مستوي لها منذ عام 2001حيث بلغت
1381مليون دوالر ،وقد ساعدت هذه االستثمارات التي أسهمت في نقل التكنولوجيا على تمكين
ماليزيا من إضافة منتجات جديدة إلى قائمة الصادرات لتشمل األجهزة اإللكترونية والكهربائية ،فضالً
عن منتجات صناعة النسيج.
ولقد مارست الشركات األجنبية الوافدة إلى ماليزيا دو اًر مهماً في التحول الهيكلي لالقتصاد
خالل العقدين األخيرين في القرن العشرين ،مما وضع هذا االقتصاد في مقدمة االقتصادات المصنعة
حديثاً ( ،)1997 ،UNCTADمن خالل هيمنتها على الصناعات التحويلية ،والسيما الصناعات
الكهربائية واإللكترونية.
وقد كان االنفتاح على األفكار والتقنيات األجنبية أحد العوامل المهمة في تطور ماليزيا
الناجح والمعتمد على زيادة اإلنتاجية ،وذلك في سعيها للحاق بركب الدول المتقدمة ،وقد ركزت ماليزيا
49
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
بشكل كبير في الحصول على االستثمار األجنبي المباشر الناقل للتقنية الحديثة ،وخصوص ًا من
ِ
بقناعة تامة بأن الحصول على التقنية الحديثة والتكوين السريع لرأس المال البشري اليابان ،وذلك
كليهما يكمل بعضه البعض ويعززه ،وال ريب في أن يكون االقتصاد الماليزي وكذلك دول النمور
اآلسيوية برمتها قد استطاعت تحقيق االستخدام المنتج للمعرفة التقنية الحديثة وكذلك االستثمارات
األجنبية دون توافر مهندسين ومختصين وعمال محليين على مستوى عال من المهارة والكفاءة.
وقد تنوعت مصادر االستثمار األجنبي المباشر الوارد إلى ماليزيا خالل فترة التنمية ،ففي
الثمانينات كانت اليابان هي المصدر الرئيس لتلك االستثمارات تلتها سنغافورة ثم بريطانيا وبعدها
الواليات المتحدة ،وفي بداية التسعينات أصبحت تايوان هي المصدر الرئيسي لالستثمار األجنبي
المباشر في ماليزيا ،وفي منتصف التسعينات أصبحت الواليات المتحدة هي المصدر الرئيسي تلتها
اليابان ثم سنغافورة ،وفي بداية األلفية الثالثة دخلت ألمانيا لتصبح المصدر الرئيسي لالستثمار األجنبي
المباشر في ماليزيا تلتها الواليات المتحدة ثم سنغافورة ،وقد أسهمت تلك البلدان الثالثة بنسبة %75.5
من إجمالي االستثمارات في القطاع الصناعي الماليزي ( .)Hock, 2005, P.95وتشير البيانات
إلى أنه في عام 1985أنفقت 13شركة أمريكية تنتج أشباه الموصالت في ماليزيا أكثر من 100
مليون دوالر على تدريب القوى العاملة الماليزية ومعظمها من المهندسين والفنيينَ ،
وخلَق االستثمار
األجنبي المباشر أكثر من 85000فرصة عمل في قطاع اإللكترونيات وحدها في أواخر الثمانينات
(معجزة شرق أسيا ،)2000 ،واستمر تدفق االستثمار األجنبي المباشر إلى ماليزيا في بداية القرن
الحالي وبلغ عام 2007نحو 538.3مليار دوالر ( ،)UNCTAD, 2010وقد أسهم االستثمار
األجنبي المباشر في ماليزيا باآلتي:
( )1أصبحت ماليزيا ثالث أكبر منتج في العالم ألشباه الموصالت ،وفي أواخر الثمانينات أقامت
شركة سيمنز في ماليزيا رابع مصنع لها في العالم لصناعة الرقائق اإللكترونية.
( )2قامت شركات ناشيونال ألشباه الموصالت ،وموتوروال وهيتاشي ببناء مصانع لها في ماليزيا،
كما قامت شركة سيجت السنغافورية المتخصصة في إنتاج أقراص الحاسوب ببناء مصنع
لها في ماليزيا.
( )3أدى تراكم الخبرة وانخفاض أجور مهندسي البرمجيات في ماليزيا حيث لم تتجاوز أجورهم
%20من نظيرتها في ألمانيا ،أدي ذلك إلى جذب شركة نيكسدورف كمبيوتر األلمانية،
50
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
والتي أقامت مرك اًز للبرمجيات ،كما استدعت شركة إنتل خبراءها الماليزيين للمساعدة في
إنشاء خط تجميع رقائق الحاسوب في والية أريزونا األمريكية.
( )4دخلت شركة شارب اليابانية في مشاريع مشتركة عديدة في ماليزيا ،إذ تقوم بتجميع أجهزة
التلفزيون الملونة ،وشاشات الحاسوب ،وكذلك فعلت شركة سوني.
وقد أدت هذه المشاريع وغيرها إلى تطور كبير في القطاع الصناعي الماليزي والجدول
اآلتي يوضح بعض مؤشرات الصناعة الماليزية.
جدول رقم ( )12تطور بعض مؤشرات القطاع الصناعي الماليزي بين العامين 2000ــ 2005
51
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
52
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
( )3وكانت النقلة التالية هي منح مزايا ضريبية للشركات اليابانية التي تقوم بتجميع األجهزة
المنزلية خاصة (التليفزيون والتكييف والفيديو ،وأجهزة الصوت) ومنحتها 8سنوات إعفاء
ضريبي فقط إلنتاج تلك األجهزة بمكون محلى ال يقل عن %80وإعفاء ضريبي مفتوح في
حالة تصدير %80من اإلنتاج.
وتعتبر ماليزيا ،من أكثر الدول النامية نجاح ًا في استخدام الحوافز الضريبية الستهداف
وتوجيه االستثمار األجنبي المباشر والشركات متعددة الجنسيات لصناعات وقطاعات معينة .ويعكس
تطور هيكل الحوافز في ماليزيا االنتقال التدريجي من التشجيع العام لالستثمار األجنبي المباشر إلى
التركيز المحدد في توجيه االستثمار للقطاعات عالية التقنية والعناقيد الصناعية ،وفي عام 1986تم
تحرير كافة القيود الخاصة بحقوق الملكية في الشركات ،تحت مظلة "قانون تشجيع االستثمار" كاالتي:
السماح لألجانب باالستحواذ على %100من حقوق الملكية في شركاتهم وذلك عند قيامهم •
بتصدير نسبة %80أو أكثر من منتجات تلك الشركات.
السماح للشركات التي تصدر ما بين %51ـ %79من منتجاتها بنسبة مناظرة من %51 •
ـ %79من حقوق الملكية األجنبية لتلك الشركات.
السماح للشركات بتصدير نسبة تتراوح بين %20ـ %50من منتجاتها بتملك حتى %51 •
من حقوق الملكية األجنبية لتك الشركات.
السماح للشركات التي تستطيع تصدير %20فقط أو أقل من منتجاتها أن تتملك بحد أقصى •
%30من حقوق الملكية األجنبية لتلك الشركات.
وقد روعي في هذا القانون أهمية العوامل التي تتضمن التأثيرات التشابكية ومدى استخدام
المواد الخام والمكونات المحلية ،وحسن اختيار أماكن توطين تلك الشركات وكذا القيمة المضافة.
وفي عام 1991تمت مراجعة شاملة لسياسة الحوافز بهدف تنظيم وتوجيه الحوافز ،وتقوية
األثر الضريبي وتشجيع تنمية الصناعات ذات القدرات التنافسية ،وتم استخدام أربعة معايير أداء لتقييم
طلبات منح الحوافز:
( )1قيمة مضافة 30ـ .%50
( )2محتوى محلي بنسبة 20ـ .%50
( )3مستوى تقني مقاس بعدد المشرفين اإلداريين والفنيين.
53
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
54
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
هذه المشاريع .وقد كان لهذه المشروعات عظيم األثر والنفع على الشعب الماليزي ،حيث وفرت مليوني
ّ
فرصة عمل للمواطن الماليزي ،إلى جانب الفائدة الكبرى المتمثلة في نقل التقنية الحديثة وتطوير
مهارات العمالة الماليزية .وتقوم الدولة الماليزية بتنفيذ سياسة الصداقة مع رجال األعمال والمستثمرين،
والتي يقصد بها تسهيل اإلجراءات المكتبية واإلدارية ،وزيادة الحوافز االستثمارية ،إضافة إلى وضوح
القوانين وسهولة اإلجراءات (مهاتير ،2004 ،ص .)29
ولقد توسلت باليابان قدوة صناعية لها ،وأخذ عنها الماليزيون قيم العمل وكيفية إعداد الخطط،
وتحديدا
ً كما أن ماليزيا طورت صناعاتها من كثيفة العمل إلى صناعات تركز على كثافة رأس المال
الصناعات التكنولوجية التي لها قيمة مضافة كبيرة.
وفي سبيلها لنجاح سياساتها التصنيعية فقد اتبعت عدد من األهداف أهمها:
أ .هدفت سياسة "النظر شرقاً" إلى تشجيع الماليزيين على االقتداء والتعلم من التجربة اليابانية
وخاص ًة المواقف اإليجابية ،مثل :أخالقيات العمل والمنهجية الصناعية والتطور التقني واألداء
االقتصادي المميز.
ولسياسة النظر شرًقا جانبان مهمان ،األول هو :األخذ بالقيم الشرق آسيوية مثل االنضباط في
العمل والتطبيقات اإلدارية المنضبطة مع التركيز على العمل الجاد واإلخالص والعمل الجماعي
وتشجيع اإلنتاجية واالعتماد على الذات والصبر والمثابرة وإعالء روح األسرة الواحدة .والثاني
هو اتباع سياسة مالية ونقدية وتجارية كلية متوازنة وحكيمة.
وشملت عملية االستفادة من التجربة اليابانية جوانب نظرية وعملية ،تمثل ذلك في االستثمار
الياباني المباشر حيث تعلمت ماليزيا أفكا اًر عملية ووضعتها موضع التنفيذ كسياسات تعبئة
المدخرات المحلية والتكوين الرأسمالي لتمويل مشروعات التنمية االقتصادية واالجتماعية.
وقام اليابانيون بتقديم برامج التدريب المهني عن طريق وكالة التعاون الدولي اليابانية Japan
, International Cooperation Agencyوهو ما مكن ماليزيا من االستفادة من التجربة
اليابانية في مجال التدريب الصناعي ثم برامج التبادل الثقافي Cultural Exchange
Programsوالتي ُمولت من جانب مؤسسات يابانية لتشجيع الماليزيين على التعرف على
الثقافة اليابانية ،وإتاحة الفرصة للماليزيين لدراسة التجربة اليابانية من جوانبها المختلفة .
55
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
وكان من ثمرة هذه البرامج تأسيس وحدة الدراسات اليابانية ضمن معهد الدراسات االستراتيجية والدولية
الماليزي عام 1991وهو من أشهر معاهد التفكير في ماليزيا.
ب .التصنيع العنقودي :انتهجت ماليزيا في نموذجها التصنيعي ما يسمى بطريقة "التصنيع
العنقودي" التي تقوم على أساس وجود عالقات ترابط وتشابك في شكل عنقود تنتظم حباته بين
الوحدات اإلنتاجية والنشاطات المتصلة بها ،والتي تمثلها ثالثة عناصر هي :الصناعات،
والموردون ،وخدمات األعمال .
ج .دور المؤسسات في التنمية الصناعية :هناك كثير من المؤسسات والهيئات ساهمت في إنجاح
عملية التنمية الصناعية نذكر منها:
.1الهيئة الماليزية للتنمية الصناعية Malaysian Industrial Development
) Authority (MIDAوتعد المحطة األولى للمستثمرين الذين ينوون إنشاء استثمارات
صناعية أو ذات صلة بالقطاع الصناعي في ماليزيا .وتقوم الهيئة بتوفير كل المعلومات
المهمة عن المزايا االستثمارية كما تتولي جميع اإلجراءات والتصاريح والتصديقات
الضرورية للقيام باألعمال االستثمارية.
.2الهيئة اإلنتاجية القومية ،National Productivity Corporationوهي هيئة اتحادية
تهتم بزيادة اإلنتاجية الكلية في االقتصاد الماليزي (إنتاجية عوامل اإلنتاج المختلفة كرأس
المال والعمل).
.3هيئة تنمية التجارة الخارجية الماليزية Malaysia External Trade Development
،Corporationوتأسست هذه الهيئة عام ،1993وتعرف باسم "ماتريد"
) ، (MATRADEومهمتها ترويج وتشجيع التجارة الخارجية الماليزية والقيام بتقديم
معلومات للمصدرين والمستوردين الماليزيين وتطوير وتشجيع الصادرات الماليزية مع
التركيز على المنتجات الصناعية ،والقيام بإجراء الدراسات علي األسواق الخارجية
للمنتجات الماليزية من أجل تحسين وضعها التنافسي والعمل على إيجاد قاعدة معلومات
لمساعدة المصدرين الماليزيين ،وتقوم بتقديم برامج لتدريب مهارات المصدرين الماليزيين
في مجال التسويق الدولي وحماية االستثمارات الماليزية في الخارج.
56
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
57
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
لمحاولة تسليط الضوء على رؤية رئيس الحكومة الماليزية (رؤية )2020وكان من أبرز جوانبها ما
يلي:
أن ماليزيا سوف تعتمد على القطاع الخاص كمحرك أول للنمو االقتصادي .ورغم أن السنوات أ.
األولي لم يستطع القطاع الخاص أن يستجيب كلية للتحديات ،إال أنه خالل السنوات الثالث
األخيرة من عقد الثمانيات استطاع القطاع الخاص االنتعاش وبدأت استجابته حيث بلغ
معدل النمو عام 1988نحو %8.8وارتفع في عام 1989ليصبح ،%9.8و %4.9في
عام ( 1990المركز الديموقراطي العربي.)2017،
ب .سوف تخفض الحكومة من دورها في مجاالت اإلنتاج االقتصادي ولكنها لن تستطيع أن
تتراجع كلي ًة عن المجال االقتصادي ،فلن تتخلى عن مسئولياتها في المراقبة ووضع أطر
العمل القانونية من أجل التنمية االجتماعية واالقتصادية السريعة.
ج .سوف تستمر عملية خفض اللوائح وعدم المغاالة في وضعها ،رغم أنها تلعب دو اًر أساسياً
في كيفية حكم المجتمع الذي يعد االقتصاد جزءاً منه.
د .سوف تستمر الخصخصة كأحد الركائز األساسية في استراتيجيتنا الفعالة للتنمية الوطنية،
وتلك االستراتيجية ال تقوم على اعتقاد أيديولوجي بل تهدف بصفة خاصة إلى دعم المنافسة
وال فعالية وخفض العبء المالي عن كاهل الحكومة واإلسراع بتحقيق األهداف الصناعية
الوطنية .وفي تطبيق سياسة الخصخصة تدرك الحكومة تمام اإلدراك الحاجة إلى حماية
المصالح العامة وضمان حصول الفقراء على الخدمات األساسية وضمان جودة الخدمات
بأقل تكلفة وتجنب ممارسات االحتكار الغير منتجة.
ه .سوف يتم اإلسراع بتنمية قطاع التصنيع ولكي يتحقق ذلك يجب أن نعتمد على قوانا الوطنية
ونعالج نقاط ضعفنا .وتحتاج الحكومة في تنفيذ سياسة التصنيع أن توسع من نطاق القاعدة
الصناعية ،ففي عام 1988شكلت الصناعة اإلليكترونية والكهربائية والنسيج %63من
الصادرات المصنعة ،حيث أن المعدات اإلليكترونية وحدها مثلت %50من الصادرات
المصنعة ،لذا يجب التنويع.
58
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
و .سوف تخطط الحكومة نظم مناسبة لدعم مستوى الخبرة اإلدارية والتكنولوجية ومهارات
العاملين بقطاع االقتصاد .علماً بأن المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي إحدى القواعد
واألسس األساسية للمستقبل الصناعي والحكومة ملتزمة التزاماً كامالً بتطويرها.
ز .تنويع الصادرات يتطلب أيض ًا تنويع أسواق التصدير ويجب أن يبحث المصدرون الماليزيون
عن أسواق غير تقليدية ألن االعتماد على الصادرات هو أفضل سبيل لدعم النمو.
ح .إن التحرير االقتصادي يجعل القطاع الخاص أقل اعتماداً على األرباح الغير عادية (الزائفة،
أو الوهمية) التي يستفيد منها بعض المنتجين على حساب المستهلكين ،لذا يجب أن نعمل
على سيادة جو المنافسة بين المنتجين.
ط .سوف تستمر الحكومة في دعم تقدم االستثمارات األجنبية لدورها الجوهري في اإلسراع بتنمية
قطاع التصنيع ،ومرة أخرى فإننا لن نتخلى عن االستراتيجية ال اربحة ،لكننا سوف نعمل على
ضمان استفادة ماليزيا االستفادة القصوى من تدفق االستثمارات األجنبية.
وبصفة عامة فإن االقتصاد الماليزي يتميز بأن له نمواً قوي ًا ،وتضخم ًا متدني ًا ،وعمال ًة كامل ًة،
ويتمتع باستثمارات مرتفعة محلياً ودولياً ،مما جعل االقتصاد الماليزي يسجل نمواً بنسبة %6.4في
عام ،2014متفوقاً على معظم الدول األخرى في رابطة اآلسيان بما في ذلك سنغافورة التي حققت
معدل نمو قدره %2.1وإندونيسيا بمعدل %5.1وفيتنام بمعدل %5.3وكوريا الجنوبية بمعدل
.%3.6ولقد كان قطاع اإلنشاءات هو األعلى مساهمة في النمو بنسبة %9.9يليه قطاع الصناعات
التحويلية بنسبة % 7.3وقطاع الزراعة بنسبة %7.1وقطاع الخدمات بنسبة %6.4وقطاع البترول
والتعدين ساهم بنسبة .%2.1وتستهدف رؤية 2020الوصول بمتوسط نصيب الفرد من الدخل
القومي إلى 15ألف دوالر بحلول عام ( 2020يوسف ،2010 ،ص .)91
ويؤكد مهاتير محمد أن ماليزيا تستطيع أن تحقق ذلك ،فماليزيا لديها القدرة المالية التي
يتطلبها تحقيق ذلك ،فاألفراد يقومون باالدخار ،حيث أن %40من الدخل القومي يتم توفيره كل سنة
من خالل المؤسساتّ الكبيرة ،وإحدى تلك المؤسسات هي صناديق االدخار التي تعد إسهام ًا من
العمال وأصحاب العمل ،فهم يسهمون بنسبة %20من األجر ،حيث يدفع العامل %9وصاحب
العمل %11لتوضع النسبتان مجتمعتين في صندوق االدخار ،وأصبح لدينا أموال ضخمة اآلن ،تبلغ
نحو 400مليار رينجيت ،كما أن لدينا مدخرات أخرى ( مهاتير ،2016 ،ص .)43وكرر مهاتير
59
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
محمد مقولته أنه ال يجب أن تصبح ماليزيا متقدمة فقط من الناحية االقتصادية بل أن يشمل التقدم
كافة النواحي األخرى االجتماعية والثقافية والنفسية والروحية" .
60
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
61
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
ومن الجدول السابق تتضح اإلنجازات التي حققتها ماليزيا ،فعلي مستوي الناتج المحلي
اإلجمالي فقد ارتفع مع بداية حقبة التنمية من 53309مليون رينجيت في عام 1980إلى 119081
مليون رينجيت عام ،1990ثم إلى 356401مليون رينجيت عام ،2000حتى وصل إلى
1230120مليون رينجيت عام ،2016بما يعادل 307.53مليار دوالر أمريكي .مما يعني تضاعف
الناتج المحلي اإلجمالي بأكثر من 23مرة منذ عام 1980وحتى عام ،2016وذلك مردة إلى محاور
التنمية الرشيدة التي ذكرناها من قبل.
أما على مستوي الدخل القومي فقد أرتفع بدوره من 51390مليون رينجيت عام 1980إلى
114017مليون رينجيت عام 1990بمعدل نمو قدره ،%122خالل الفترة المذكورة .ثم ارتفع ليصل
إلى 327492مليون رينجيت بمعدل نمو قدره %537عن مثيله عام ،1980ثم ارتفع ليصل إلى
1195480مليون رينجيت عام ،2016بما يعادل 298870مليون دوالر أمريكي .وهذه ثمرًة أخري
من ثمار التنمية الماليزية.
وبالنسبة لمتوسط نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي فقد كان خالل حقبة السبعينات
نحو 810رينجيت بما يعادل 270دوالر أمريكي ،ارتفع ليصل إلى 3703رينجيت في عام ،1980
وظل متصاعداً ليصل إلى 6299رينجيت عام 1990بمعل نمو قدرة ،%70ثم ارتفع ليصل إلى
13939رينجيت بمعل نمو قدره %276عن متوسط نصيب الفرد عام .1980ثم ارتفع ليصل إلى
37759رينجيت عام .2016بما يعادل 9439.75دوالر أمريكي ،ومن المستهدف أن يصل إلى
15000دوالر بحلول عام ،2020وفقا لرؤية .2020
أما عن إعادة هيكلة االقتصاد الماليزي فقد استطاعت حكومات هذه الدولة بعد االستقالل
أن تُحدث طفرة هائلة في إعادة هيكلة اقتصادها القومي على النحو الذي أحلت فيه قطاع التصنيع
محل قطاع الزراعة في األهمية النسبية كما يوضح ذلك الجدول التالي:
جدول رقم ( )14الناتج المحلي اإلجمالي الماليزي حسب القطاع خالل الفترة ( 2003 – 1960نسبة مئوية)
2003 2000 1995 1990 1980 1970 1960 القطاع
8.2 8.7 10.3 18.7 22.8 30.8 40.5 الزراعة
7.2 6.6 8.2 9.7 10.0 6.3 6.1 التعدين
30.6 33.4 27.1 27.0 20.0 13.4 8.6 التصنيع
56.8 52.6 51.3 42.3 47.2 51.3 44.8 الخدمات
المصدر :صندوق النقد الدولي ،تقرير التنمية البشرية لماليزيا
62
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
أداء اقتصادي ًا عالي ًا منذ بداية حقبة التنمية ،وكما يوضح الجدول السابق،
لقد حققت ماليزيا ً
قد كان القطاع الزراعي يمثل أكثر من ،%40والقطاع الصناعي يمثل %8.6قبل بداية التنمية،
واُستُخدمت سياسة تبديل األدوار ،لينخفض نصيب القطاع الزراعي في إجمالي الناتج المحلي إلي
،%22.8ويرتفع نصيب القطاع الصناعي إلي ،%20وذلك خالل ثمانينات القرن الماضي ،ويزداد
نصيب قطاع التعدين والخدمات إلي %47.2 ،%10علي الترتيب ،غير أن سياسة تبديل األدوار
للقطاعات االقتصادية قد أخذت منحي كبير في بداية القرن الحالي ليصل قطاع الصناعة إلي %30.6
من الناتج المحلي اإلجمالي وينخفض نصيب القطاع الزراعي ليصل .%8.2في عام ،2003ووصل
معدل نمو الناتج المحلي إلى نسبة ،%8فيما كان التصنيع في الدولة ينأى بنفسه بعيداً عن الصناعات
التقليدية التي ُعرفت بها الدولة ،كصناعة المطاط والقصدير ،باتجاه الصناعات التكنولوجية العالية
() 2
المستوى من قبيل الموصالت الصغيرة والرقائق اإللكترونية المصغرة ،ووضعت مؤسسة هاريتيج
( )Heritage-Foundationالعالمية ،ماليزيا في المرتبة العاشرة من بين افضل اقتصاديات العالم
انفتاحًا .وهذا يعكس أن نموذج التنمية الفريد الذي اتبعته ماليزيا ،قد كان شامالً و علي جميع المحاور
والقطاعات ،ولقد ترتب علي السياسات التي أتبعتها هذه الدولة من منع تصدير المنتجات الخام ،ارتفاع
نصيب القطاع الصناعي ذو القيمة المضافة األعلى ،وكذلك فتح الباب علي مصراعيه أمام
االستثمارات األجنبية وفق شروط ومعايير محددة ،مما ساعد علي التوسع الكبير لقطاع التصنيع .
كما رئينا في جدول رقم (.)14
2-5انخفاض نسبة الفقر في ماليزيا
تعتبر تجربة مكافحة الفقر في ماليزيا من أبرز التجارب التي ُكللت بالنجاح على مستوى
العالم اإلسالمي الذي يعيش % 37من سكانه تحت خط الفقر ،فقد استطاعت ماليزيا خالل ثالثة
عقود ( ،)2000-1970القضاء على الفقر المدقع الذي كان يعاني منه حوالي %65من الماليا قبل
عام (1970صندوق النقد الدولي ،)2016 ،والذي تراجع معدله إلى %3.6عام ،2007ثم إلى
( )2مؤسسة بحثية وتعليمية ،تأسست في عام 1973في واشنطن ومن ضمن أهدافها صياغة السياسات العامة المحافظة
وتعزيزها اعتماداً على مبادئ الشراكة ،وتقوم المؤسسة بإجراء األبحاث الدقيقة بشأن القضايا االقتصادية والسياسية
األساسية ،وتر ي المؤسسة أن التغييرات التي قامت بها ماليزيا "تتحرك في االتجاه االقتصادي والسياسي الصحيح وتشيد
بالسياسات االقتصادية الجريئة في ماليزيا .أنظر في ذلك:
"“Asia Africa Intelligence Wire :" Heritage hails Malaysia's bold economic policies ,
Washington , 11_ JAN_2005.
63
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
المصدر :من إعداد الباحث ،استنادًا على بيانات صندوق النقد الدولي ،تقرير التنمية البشرية لماليزيا.2016 ،
ليس هذا فحسب بل أن ذلك تصاحب مع زيادة اإلنتاجية ،حيث وصلت نسبة مساهمة
إجمالي اإلنتاجية في الناتج المحلي إلى ،%19.7حيث تعمل الحكومة الماليزية على تحسين جودة
العمل من خالل وضع سياسات قوية وحوافز مناسبة لخلق فرص عمل حديثة من شأنها أن تزيد من
معدالت األجور وتزيد من اإلنتاجية من خالل تطبيق التكنولوجيا وانتشار مراكز التدريب في ربوع
البالد.
4-5انخفاض معدالت التضخم
لقد كان من ثمار تحقيق التنمية االقتصادية في ماليزيا انخفاض معدل التضخم بصورةٍ كبيرة
كما يظهرها الجدول التالي:
64
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
ويتضح من الجدول السابق انخفاض معدل التضخم ،مع بداية حقبة التنمية ،وتولي رئيس
الوزراء الماليزي مهاتير محمد ،من %9.7عام ،1981إلى %1.79مع اقتراب نهاية فترة حكمه
األولي ،ثم أخذ يتذبذب حول معدل %3حتى عام ،2014وهو المعدل القياسي للتضخم والمقبول
عالمي ًا ،ليصل في عام 2015إلى ،%2.4ولقد أعلن البنك المركزي الماليزي أن معدل التضخم قد
وصل إلى ،%2.5خالل عام ،2018وذلك مقارن ًة بمعدل %3.7في عام .2017وذكر البنك في
تقريره السنوي لعام ، 2018أنه على الرغم من ارتفاع أسعار النفط والسلع على الصعيد العالمي ،إال
ال عن أن سعر صرف الرينجيت قد
أن ذلك قد ساهم بشكل أقل في معدل التضخم في ماليزيا ،فض ً
تحسن خالل عام 2018مقارن ًة بسعر صرفه في العام السابق ()trading economics, 2017
65
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
66
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
( )4تستند سياسة اإلصالح السياسي في ماليزيا إلى ركيزتين أساسيتين هما :استئصال الفقر وإعادة
هيكلة المجتمع من جديد .وهكذا كان التوزيع العادل للثروة ومنح فرصة متساوية للمواطنين في
التعليم والصحة والتوظيف في أولويات السياسة االقتصادية الجديدة.
وبعد سنوات من تطبيق هذه السياسة التنموية اإلصالحية حققت ماليزيا مزيداً من االستقرار واالزدهار
واختفى االحتقان العرقي وانتشر العدل في ربوع البالد وأصبح المعيار األول ليس اللون أو اللغة أو
ِ
العرق ،بل العلم والعمل واإلخالص للوطن .وحقق البرنامج التنموي اإلصالحي نتائج فاقت التوقعات
حيث ارتفعت نسبة الثروة في الطبقة الفقيرة في ماليزيا من %4سنة 1970إلى %30عام ،1997
كما ارتفع الناتج القومي وانتعش االقتصاد
2-6بالنسبة للبنى التحتية لإلنسان واالستثمار:
ركزت النهضة الماليزية على بناء اإلنسان واالستثمار فيه على أساس أنه هو الثروة الحقيقة
والمحرك األول ألي نهضة اقتصادية وعلمية ،فكانت النتيجة ،نهضة أبهرت العالم وتغنت بها الشعوب
التواقة إلى التغيير والنهوض ،وكان أساس هذه النهضة وركيزتها العنصر البشري ً
بناء وتكوين ًا وتنظيم ًا،
مع زرع قيم العمل والتميز واإلبداع ،واالهتمام بالبنية األساسية واالبتكار (إبراهيم ،2006 ،ص)30
:3 - 6بالنسبة لإلصالح االقتصادي:
( )1بدأت ماليزيا في السبعينيات من القرن الماضي إجراء حزمة من اإلصالحات االقتصادية،
حيث انتقلت من اعتمادها علي التعدين والزراعة إلى اقتصاد يعتمد بصورة أكبر على
التصنيع ،من خالل جذب االستثمارات الخارجية وخاصة من اليابان ،ووضعت ماليزيا
استراتيجية شملت مختلف القطاعات الصناعية (ميتكيس ،2011 ،ص ،)27األمر الذي
أدي إلي ازدهار الصناعات الثقيلة في سنوات قليلة ،وأصبحت صادرات البالد محرك النمو
الرئيسي لالقتصاد ،واستطاعت ماليزيا تحقيق معدل نمو مستمر تجاوز ،%8وتزامن ذلك
النمو مع انخفاض معدالت التضخم خالل عقدي الثمانينيات والتسعينيات ،ومن ثم نشطت
صناعة اإللكترونيات حتي أصبحت ماليزيا اليوم تعد واحدة من أكبر مصنعي أقراص
الحاسوب الصلبة.
( )2سعت ماليزيا إلى القضاء على الفقر مع السياسات االقتصادية الجديدة ،وخاصة بعد أعمال
الشغب العرقية التي وقعت في 13مايو ،1969وال غرو في ذلك فقد نجحت ماليزيا في
67
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
خفض معدالت الفقر من %54من السكان عام 1970إلى نحو %5في عام ،2004
والي %0.4عام ( 2015صندوق النقد الدولي.)2016 ،
( )3عملت ماليزيا على سد فجوة التفاوت الطبقي بين العرقيات المختلفة ،التي لم تكن في صالح
الماليو أصحاب البالد األصليين من خالل زيادة نصيب الماليو من ثمار التنمية ،حيث تم
عبر مجموعة من السياسات االقتصادية واالجتماعية رفع نصيب هذه الفئة من الثروة والدخل
من نحو %3.5في الستينيات إلى نحو %30في بداية األلفية الثالثة ،وكان للتعليم الدور
األبرز في تحقيق هذا التغيير.
( )4كما عملت ماليزيا على التوسع في برنامج الخصخصة الذي يعتمد على تمليك المواطنين
الشركات العامة ،وذلك بعد أن نجحت الدولة في تكوين بنية أساسية واقتصادية ضخمة،
يمكن االعتماد عليها في تحقيق النهضة ،وتحقق ذلك على طريقتها الخاصة ،فقد َن ّمت
مسؤولية األفراد ودفعتهم عملياً في المساهمة في تحقيق األهداف القومية ،واحتفظت بسهم
خاص في إدارة المؤسسات ذات األهمية االجتماعية واالستراتيجية ،لعدم التخلي عن دورها
في ممارسة الرقابة واإلشراف عليها.
( )5تميزت التجربة االقتصادية الماليزية بالذاتية في التعامل مع أزمة عام 1997االقتصادية،
ولعب رئيس الوزراء دو اًر بار اًز في إدارته لألزمة المالية التي عصفت بدول شرق آسيا ،حيث
أصدر مجموعة ق اررات تهدف إلى فرض قيود على التحويالت النقدية خاصة الحسابات التي
يملكها غير المقيمين وفرض أسعار صرف محددة لبعض المعامالت .فكما هو الحال مع
الدول األخرى المتضررة من األزمة ،كان هناك مضاربة في بيع العملة الماليزية "رينجيت"
وانخفضت االستثمارات األجنبية المباشرة بمعدل ينذر بالخطر ،وتدفقت رؤوس األموال إلى
خارج البالد ،وانخفضت قيمة ال عملة الوطنية بشكل حاد ،كما انخفض مؤشر بورصة
كوااللمبور المركب ،ورغم شدة وطأة األزمة االقتصادية ،إال أن الحكومة تعاملت معها بحكمة
بالغة ،فقد تم تشكيل مجلس عمل وطني اقتصادي للتعامل مع األزمة النقدية ،حيث اتجه
المجلس إلي تحجيم الفساد وإصالح الجهاز اإلداري للدولة ومحاربة المضاربة على العملة
الوطنية في الخارج ،وفرض البنك المركزي الماليزي الرقابة على رؤوس األموال ،وعمل علي
تثبيت سعر صرف العملة الوطنية أمام الدوالر والعمالت األجنبية األخرى ،كما رفضت
68
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
ماليزيا حزم المساعدات االقتصادية من صندوق النقد الدولي ،األمر الذي أثار دهشة
واستغراب العديد من المحللين وخبراء االقتصاد ،وفي أقل من عامين نجحت ماليزيا في
النهوض من كبوتها االقتصادية من جديد ،وعندما سئل رئيس وزراء ماليزيا حول كيفية
تجنب ماليزيا األزمة االقتصادية ،والتي أدت إلى انهيار اقتصاديات دول آسيوية أخرى،
فأجاب بسخرية" :الدرس األول :ال تأخذ بنصيحة صندوق النقد الدولي".
كبير في الثمانينيات ومنتصف التسعينيات في ظل حكومة
اقتصاديا ًا
ً نموا
( )6شهدت ماليزيا ً
مهاتير محمد الذي تميز حكمه بمكافحة الفساد وإرسال اآلالف من موظفي المؤسسات
الماليزية إلى ٍ
كل من اليابان وكوريا الجنوبية للتدريب وجلب ثقافة العمل واإلنتاجية معهم إلى
ماليزيا ،وانخفضت نسبة الفقر فيها اليوم أقل من %1والبطالة من بين أدنى النسب في
العالم .لقد حققت ماليزيا كل هذا دون أن تطبق نصائح صندوق النقد الدولي أو االستدانة
الخارجية ولم تنتظر منح من أي دولة خارجية أو من االتحاد األوروبي.
( )7نقلت الواليات المتحدة وألمانيا واليابان صناعة السيارات والكمبيوتر والمعدات الكهربائية
والدواء فيها إلى ماليزيا من خالل الشركات المتعددة الجنسية ،نظ اًر لتوافر األيدي العاملة
ذات األجر المناسب ،فضالً عن توفر بيئة استثمارية محفزة.
( )8اعتمدت ماليزيا بدرجة كبيرة على الموارد الداخلية في توفير رؤوس األموال الالزمة لتمويل
االستثمارات حيث ارتفع االدخار المحلي اإلجمالي بنسبة %40بين عام 1970وعام
،1993كما زاد االستثمار المحلي اإلجمالي بنسبة %50خالل الفترة ذاتها (حسين،
.)2004
( )9امتالك ماليزيا لرؤية مستقبلية للتنمية والنشاط االقتصادي من خالل خطط خمسية متتابعة
ومتكاملة منذ االستقالل وحتى اآلن ،بل استعداد ماليزيا المبكر للدخول في القرن الحالي
"الواحد والعشرين" من خالل التخطيط لماليزيا 2020والعمل على تحقيق ما تم التخطيط
له.
( )10وجود درجة عالية من التنوع في البنية الصناعية وتغطيتها لمعظم فروع النشاط الصناعي
(الصناعات االستهالكية ـ الصناعات الوسيطة ـ الصناعات الرأسمالية) وقد كان هذا األمر
محصلة لنجاح سياسات التنمية في ماليزيا والذي يمكن اعتباره سبباً ونتيجة في الوقت نفسه.
69
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
( )11في مجال التنمية المادية عملت ماليزيا على تحقيق العدالة والتوازن بين المناطق ،بحيث ال
يتم تنمية منطقة على حساب أخرى ،فازدهرت مشروعات البنية األساسية في كل الواليات،
كما اهتمت بتنمية النشاطات االقتصادية جميعها ،فلم يهمل القطاع الزراعي في سبيل تنمية
القطاع الصناعي الوليد أو القطاع التجاري االستراتيجي ،وإنما تم إمداده بالتسهيالت والوسائل
التي تدعم نموه ،وتجعله السند الداخلي لنمو القطاعات األخرى.
( )12كما اتفقت التنمية الماليزية مع المبدأ اإلسالمي الذي يجعل اإلنسان محور النشاط التنموي
وأداته ،فأكدت تمسكها بالقيم األخالقية والعدالة االجتماعية والمساواة االقتصادية ،مع االهتمام
بتنمية األغلبية المسلمة لسكان البالد األصليين من الماليو وتشجيعهم على العمل بالقطاعات
اإلنتاجية الرائدة ،فضالً عن زيادة ملكيتهم لها.
وتس عى ماليزيا لتعزيز دورها باعتبارها واحدة من الوجهات الرائدة في قطاع التمويل اإلسالمي،
وطرح رئيس الوزراء في منتصف عام 2003فكرة الدينار اإلسالمي بهدف توحيد اقتصاد دول العالم
اإلسالمي في تعامالتها الخارجية وعدم اعتمادها الكلي على الدوالر األميركي وهذه الفكرة أقلقت
االقتصاديين والمفكرين الغربيين الذين أبدوا تخوفهم من فقدان الدوالر األميركي لسيطرته على التجارة
العالمية .ما أحوجنا في البلدان العربية إلى االقتداء بالتجربة االقتصادية الماليزية لالستفادة منها
باعتبارها من أفضل التجارب العالمية في مجال التنمية االقتصادية.
-7النتائج
الدروس المستفادة من تجربة التنمية في ماليزيا: •
( )1إننا في حاجة إلى دراسة منطلقات حضارتنا اإلسالمية األولى ،وكيف حول اإلسالم العرب
من أمه تتسم بالجهل والتخلف إلى صناع أعظم حضارة لعشرة قرون من الزمان ،وكيف
أسسوا هذه النهضة على قيم تعبدوا بها إلى هللا ،حيث استطاعت هذه القيم اإلسالمية أن
تحدث طفرة اقتصادية ونهضة حقيقية ،ولقد بلورت ماليزيا كل هذه القيم واستدعتها إلى عالم
الواقع.
( )2ومن أسرار النهضة الماليزية التخطيط الجيد وتنفيذ الخطط التي يتم وضعها في اإلطار
الزمني المحدد لها ،والنظرة المستقبلية في عملية التخطيط وضمان تنفيذ البرامج والمشروعات
70
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
وعدم توقفها ،وتحقيق الهدف المنشود وهو االرتقاء بالمواطن الماليزي ورفع مستوى دخله
وتحسين وضعه االقتصادي وتوفير الحياة الكريمة لجميع المواطنين.
( )3النجاح في محاربة ومكافحة الفساد فقد أنشأت ماليزيا "أكاديمية مكافحة الفساد" والتي تقوم
بتدريب العاملين فيها ،وتقوم بتدريب الماليزيين العاملين في الهيئات الرقابية لديها في غيرها
من الدول أيض ًا ،وأنشأت كذلك هيئة مستقلة لمكافحة الفساد في الجهاز الحكومي وفي
القطاع الخاص ،والنتيجة هي أن ماليزيا تحتل المرتبة رقم 53في مؤشر مدركات الفساد
مقارنة بالصين التي تحتل المرتبة رقم 80ومصر التي تحتل المرتبة رقم 114وفقا لتقرير
عام .2013
( )4المناخ السياسي لماليزيا يمثل حالة خاصة بين جيرانها ،بل بين الكثير من الدول النامية،
حيث يتميز بتهيئة الظروف المالئمة لإلسراع بالتنمية االقتصادية .وذلك أن ماليزيا لم تتعرض
الستيالء طائفة معينة على السلطة .ويتم اتخاذ الق اررات دائماً من خالل المفاوضات المستمرة
بين األحزاب السياسية القائمة على أسس عرقية ،مما جعل سياسة ماليزيا توصف بأنها
تتميز بأنها ديموقراطية في جميع األحوال.
( )5أنه يتوجب على الدول النامية ومنها مصر االستفادة من تجربة هذه الدولة ،وهذا ال يعني
بأي حال من األحوال استنساخ التجربة كما هي ،ولكن يستوجب األمر أن نكون مدركين
إلى أن ماليزيا اهتمت بتطوير البنية األساسية وتشجيع االستثمار األجنبي بما يوفر العملة
األجنبية .أن اهتمام ماليزيا بالقطاع الخاص لم يكن أبداً على حساب القطاع العام ،ولكن
ألدراكها عظم أهمية المشروعات الصغيرة في النهوض بأي اقتصاد ،وهو ما اهتمت به
ماليزيا أيض ًا.
( )6أن ماليزيا خاضت نفس التجربة التي خاضتها مصر ،من اضطراب سياسي وأمني ،وانحدار
اقتصادي ولكن مع كل هذا استطاعت بفضل إخالص قادتها وأبنائها تحقيق طفرة في الملف
االقتصادي.
( )7لقد بدأت ماليزيا تجربتها التنموية واالقتصادية إبان تولي الرئيس حسني مبارك السلطة في
مصر ،ورغم أن مصر بدأت مراحل التنمية قبل ذلك بأكثر من ثالثون عاماً ،ولديها من
الموارد االقتصادية والبشرية ما لم يتاح لدولة ماليزيا ،ولديها أيضاً مقومات السلم االجتماعي
71
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
وانسجام المصالح بين طائفتيها اإلسالمية والمسيحية ،واللتان تعيشان في انسجام تام ومودة
ومحبة منذ األزل ،وهو قلما يتوافر لدي أي دولة في العالم ،ورغم كل ذلك لم تحقق مصر
نتائج ذات قيمة بالمقارنة بدولة صغيرة كماليزيا ولم تضع قدميها علي طريق التنمية
االقتصادية الجادة بعد ،وكأنه ُكتب علينا أن نكون في مضمار الدول المتخلفة أو النامية
إلي أبد الدهر ،فمنذ أن بدأنا مراحل التنمية في النصف الثاني من القرن الماضي وأحوالنا
االقتصادية في تراجع مستمر ،على كافة المؤشرات ،اللهم إال باستثناء اآلحاد من السنوات
خالل هذه المسيرة الطويلة.
( )8أن االستفادة من التجربة الماليزية أمر إيجابي ،والبد أن نعي جيداً أن لكل دولة خصوصيتها
حيث ال يمكن التطبيق الحرفي لتجربة دولة ما في دولة أخرى .فسر نجاح التجربة الماليزية
يكمن في مراعاة رئيس الحكومة لخصوصية بالده .فلقد أثبتت التجربة الماليزية نجاحاً يُستحق
الدراسة ،فكيف استطاعت في 22عاماً فقط الخروج من انحطاط اإلدارة السياسية ،والفساد،
واستغالل النفوذ ،والموارد ،والروابط االجتماعية الداخلية والخارجية ،إلى أن أصبحت من
أكثر دول العالم تقدماً وازدها اًر.
( )9لعلنا نستفيد من هذه التجربة في مرحلة البناء التي تحاول أن تعيشها الدولة المصرية ،ليس
في المجال االقتصادي فحسب ،بل نحن بحاجة إلى التنمية في مختلف المجاالت االجتماعية
والثقافية واألخالقية والسياسية ،متوسلين في ذلك بتفعيل المفاهيم الصحيحة للحريات
والديمقراطية والعدالة االجتماعية ،وفوق كل هذا مكافحة الرشوة والفساد واستغالل النفوذ على
كافة المستوي ات في المجتمع والتنازل عن مبادئ الدولة البوليسية ،والهيمنة والتسلط ،وإتاحة
الحريات ،وتوفير النشاط الخصب لالبتكار ومزاولة األعمال.
( )10أن ثمة عوامل تساعد علي نجاح التجربة ،أهمها أن تكون متوافقة مع طبيعة الشعب المصري،
وهذه الضالة تتوفر في التجربة الماليزية ،بخالف التجارب الغربية التي حققت نجاحاً لكنها ال
تتناسب جميعها مع العادات الشرقية واإلسالمية .حيث يعتبر المحدد األساسي لتطبيق التجربة
هو أن تتوافق مع الظروف االقتصادية والمجتمعية ،وأن يتحقق ذلك في حدود األطر التي
تحقق العدالة االجتماعية ،وبما يحافظ على مستوى دخول األفراد بصورة عادلة ،كما أننا نرى
أن تطبيق سياسات السوق المفتوحة ،وتحقيق عدالة التوزيع االقتصادي ،وتحفيز االستثمار بما
72
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
يحقق مراعاة المعايير االجتماعية ،لتحقيق العدالة االجتماعية ،لهو الطريق الحق لتحقيق
التنمية االقتصادية المنشودة ،كما حدث بالتجربة الماليزية.
( )11إن ما ينقصنا لتطبيق تجربة ماليزيا أمران هما االستراتيجية التي يمكن بها نقل التجربة
الماليزية بما يتناسب مع ظروف الدولة ،واألمر اآلخر هو استراتيجية تطبيقها على أرض
الواقع.
كذلك التعامل مع االستثمارات األجنبية الواردة ضمن ضوابط وشروط تصب في النهاية في
مصلحة االقتصاد القومي .واعتمادها سياسة التركيز على التصنيع مع وجود درجة عالية من
التنوع في البيئة االقتصادية وتغطيتها لمعظم قطاعات النشاط االقتصادي .ودعم التوجه
التصديري ،وإعطائه أهمية ال تقل عن دعم الصناعات المصدرة نفسها.
( )12إنه ال يوجد خالف على تطبيق التجربة الماليزية في مصر خاصة وإنها أثبتت نجاحها في
هذه الدولة ،لكن إذا تم تطبيقها في مصر يشترط أن يكون هناك حوافز اقتصادية تشجع
االستثمارات المصرية ،مؤكداً على أن يكون الهدف في المقام األول هو المنفعة والمصلحة
العامة لالقتصاد المصري .وأنه إذا ما تم منح تسهيالت خاصة لشريحة المستثمرين األجانب
والوافدين إلى مصر مثل إعفاء المشروعات االستثمارية من الضرائب لفترة محدودة ومنح
تسهيالت جمركية مشروطة بأن تكون هناك منفعة مشتركة بحيث يتم تشغيل أكبر عدد من
العمالة المصرية ومن ثم نستطيع القضاء على جزء كبير من البطالة في مصر.
( )13إن مقترحات رئيس الوزراء الماليزي التي قدمها للنهوض بالصناعة في مصر واالقتصاد
المصري ،لالن تمثل تحديات كبيرة تواجه االقتصاد والصناعة سواء من ناحية توفير األراضي
للمستثمرين في كافة القطاعات ،أو من ناحية تدبير األموال الالزمة لتجهيز هذه األراضي بما
تحتاجه من بنية أساسية حديثة ومتقدمة .باإلضافة إلى أن المستثمر األجنبي إذا استشعر أن
هناك تسهيالت سواء تسهيالت جمركية أو ضريبية أو غيرها من التسهيالت والمزايا التي تتاح
لالستثمار فانه سيقبل إليك سريع ًا .والبد أن يكون هناك محفزات وشروط والعمل بمبدأ اإلفادة
واالستفادة بحيث يستفيد االقتصاد المصري والعمالة المصرية من هذه التوجهات االستثمارية.
73
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
القديمة ،ودول الخليج تعيش على الحضارة القديمة ،هذه الدول مهد الحضارات ولكن لألسف جاء
األحفاد فلم يستطيعوا أن يواصلوا ما قام به اآلباء واألجداد ،كيف ال يستطيع هؤالء القيام بالنهضة
االقتصاد ية وها هي أمامهم تجربة حية هي تجربة ماليزيا مع أن وضعها لم يكن حينما تسلمت مهام
السلطة فيها أفضل من كثير من الدول العربية في ذلك الوقت ،كيف ال يستطيعون أن ينهضوا مثلما
نهضنا نحن" ؟.
وانتقد رئيس الوزراء الماليزي ،خطط صندوق النقد الدولي ،وقال إن الحكومة الماليزية قررت
بعد دراستها أال تتبعها ،ألنها تفقرنا وال تفيدنا ،وحذر من خطورة اتباع شروط صندوق النقد الدولي
ونصائحه ،بناء علي تجربة ماليزيا وما قدمه لها الصندوق في بداية نهضتها وتبين أنها نصائح
مضللة ،وتم تفاديها وقررت ماليزيا التعامل مع مشاكلها ذاتي ًا دون الرجوع لنصائح الصندوق الذي بدأ
يضغط على ماليزيا إلحباط تجربتها ،وقال مهاتير محمد أنصح المصريين بعدم االقتراض من صندوق
النقد الدولي ،والبحث عن موارد داخلية لتوفير السيولة الالزمة لتحقيق التنمية .وقال أنا ال أحب سياسة
االقتراض ،خاصة أن المقترض يخضع للمقرض ،فصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليسا مؤسستين
عالميتين بمعنى الكلمة ،ولكنهما يخضعان لسيطرة وهيمنة عدة دول فقط ،ومن ثم فإن توجههما يصب
لخدمة مصالح تلك الدول ،وأكد أن االعتماد على الموارد الداخلية والذاتية وعدم االقتراض من الخارج
كان أحد أسباب النمو االقتصادي السريع ماليزيا.
وذكر في معرض حديثة بمكتبة اإلسكندرية عند استضافته بها عام ،2012وقد كان هناك
بعض االحتجاجات الفئوية نظ اًر لما كانت تنعم به مصر من حرية في أعقاب ثورة يناير وإبان حكم
الرئيس السابق ،أن مصر حالياً في أشد الحاجة إلى االستقرار ،ولن يأتي االستقرار إال بتوحد االثنين
معا "الشعب والحكومة" والوصول إلى المناخ الديمقراطي ،وأن يستوعب القائمون على صنع القرار في
الدولة القيود التي تفرضها عليهم الديمقراطية ،السيما أن مصر تعيش مرحلة انتقالية ويجب عليها أن
تخطط وتحاول بناء نفسها خالل الفترة الحالية من خالل إشاعة الديمقراطية .وذكر أنه على الحكومة
المصرية االستجابة للمطالب الشعبية المشروعة حتى يتحقق االستقرار المنشود في الفترة المقبلة ،والبدء
في تحقيق خطط إنتاجية لزيادة حجم التجارة واالستثمارات.
وأدان رئيس الوزراء الماليزي العولمة ووصفها بأنها شكل جديد من أشكال الهيمنة االستعمارية
تفرضه الدول القوية على الضعيفة ،وقال إن العولمة سوف تجعل الدول الغنية أكثر غنى والدول
74
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
الفقيرة أكثر فق اًر ،وتنهب األولي الموارد الطبيعية للثانية وتستغلها .وعبر رئيس الوزراء عن العولمة
بأنها (بلطجة) سياسية واقتصادية خلقتها الدول المتقدمة ،خاصة القوى الغربية ،من أجل السيطرة على
الموارد الطبيعية للدول األقل نمواً .مؤكداً أنها (تهديد كبير يواجه العالم اليوم مثل اإلرهاب الذي يخشى
الغرب منه).
وقال رئيس الوزراء في معرض شنه حملة قوية ضد العولمة وضد المظالم التي تمتلئ بها
الساحة السياسية واالقتصادية العالمية أن هذا االستعمار الجديد الذي يرتع تحت راية العولمة تزايد
دون قيود تحد منه ،نظ اًر لقلق الدول القوية بشأن أمنها االقتصادي على حساب الدول األضعف التي
تستسلم للضغوط .
وأضاف أن الدول المتقدمة يمكنها حتى إجبار الحكومات األخرى التي ال تتمشى مع
مصالحها بسبب فشل مخططاتها االقتصادية للسيطرة عليها ،للدخول في إطار العولمة .وأشار إلى
أن األزمة المالية اآلسيوية لعامي 1998-1997كانت إحدى تلك المؤامرات التي أُخضعت فيها عدة
دول بالمنطقة لمطالب صندوق النقد والبنك الدوليين لتحرير اقتصاداتهم .وشدد مهاتير محمد دائم ًا
على رفضه لفكر العولمة حسبما تفسرها وتطرحها الواليات المتحدة والغرب ،ذلك ألنها ستؤدي (حسب
رأيه) إلى فتح أسواق الدول النامية أمام الشركات األمريكية واألوربية العمالقة التي ال تقوى مؤسسات
الدول ال نامية على منافستها ،وينتهي األمر باستمرار احتكار الشركات الكبرى .ويرى رئيس الوزراء أنه
ال يجب القبول بأي أفكار أو سياسات لمجرد أنها صادرة من الغرب .فقد تعرضت العملة الماليزية
الرينجيت ،إلى مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها ،وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة إلى
خارج ماليزيا ،وقال إن ما حدث ،باختصار ،أنهم كانوا يبيعون عملتنا بكميات كبيرة ،وظلوا يمارسون
عمليات البيع تلك إلى أن انخفضت قيمتها إلى حوالي نصف ما كانت عليه قبل األزمة ،وكنا عندما
نتهمهم بأي تهمة ،يلجؤون إلى تخفيض قيمة عملتنا ،لذلك قررنا أن نوقفهم عن اإلتجار بالعملة،
فطلبنا من البنك المركزي الماليزي أن يوعز إلى جميع البنوك العاملة في ماليزيا بمنع التحويل البنكي.
وهكذا ،تمكنا من تثبيت قيمة العملة عند القيمة التي نرغبها .أما بالنسبة للعولمة فال يمكننا تجنبها،
نظ اًر ألن االتصاالت قوية ،وتجري بشكل متسارع ومتناغم ،وال بد لها أن تأخذ مجراها ،لكن الغرب
كان يريدها في المجال االقتصادي فقط ،أي نقل األموال من بلد إلى آخر من دون فوائد .تلك كانت
نظرتهم إلى العولمة ،أي أن يكون من حقهم ،عندما يأتون إلى بالدنا بأموالهم ،أن يشتروا حصصاً في
75
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
السوق وأسهما ،والتحكم باألسعار ورفعها من خالل الشراء المتكرر ،ومن ثم بيع األسهم والحصص،
وجمع نقودهم ،وبالتالي اإلضرار بالمستثمر المحلي .لقد أكدنا لهم أن هذا غير مسموح ،وقلنا لهم إذا
أردتم نقل األموال بشكل سلس من بلد إلى آخر ،فيجب أيضا السماح لألشياء األخرى باالنتقال السهل
عبر الحدود ،لذا كان البد لي من اقتراح إرسال مائة مليون صيني فقير ،ومائة مليون هندي فقير،
إلى أوروبا وأمريكا ،جزًء من العولمة أيض ًا ،ولكنهم أجابوا :ال ،وعندما سألتهم عن رأيهم فيما إذا كان
المال هو ما يجب أن ينتقل بشكل سلس ،وليس الناس ،أجابوا باإليجاب .حاصل القول ،إن ما خرجنا
به من تلك األزمة ،هو أن النصيحة التي يقدمها اآلخرون تكون لمصلحتهم فقط وليس لمصلحة الطرف
اآلخر .فنحن نتذكر جيداً عندما قاموا بتخفيض قيمة العملة الماليزية .مثالً كانت هناك شركة تقدر
قيمتها بحوالي 100مليون رينجيت ماليزي ،لكن ما لبثت أن انخفضت قيمتها إلى النصف ،وبالتالي
هم يستطيعون أن يحضروا أموالهم ويشتروا هذه الشركات والبنوك والصناعات التي تعاني وتصارع
من أجل البقاء ،فيشتروها بأقل من سعر السوق ،مع التذكير بأنهم لو توقفوا عن أالعيبهم في مجال
العملة ،فستتوقف عن فقدان قيمتها أو هبوطها ومنع الناس من اإلفالس ،مع اإلبقاء على قيمة هذه
الشركات.
ومثلما أبهر العالم من خالل تجربة فريدة ،فاجأ العالم أيضاً بقرار وقع كالصاعقة على عقول
الماليزيين ،عندما قرر عام 2002اعتزال الحياة السياسية ،وتعليق ًا على هذا القرار قال رئيس الوزراء
في أحد الحوارات الصحفية" :وجدت أنى مكث ت فترة طويلة في الحكم وأن الناس أرادوا أن أتنحى،
وربما ظنوا أنى أتقدم في السن وكان على أن أفسح المجال أمام قيادة جديدة ،كما ترددت في أُ ُذني
ّ
عبارة كانت تقولها لي أمي" ،تطلب عدم إطالة مدة الزيارة حتى وإن كنت محل ترحيب ،ألن الناس
سيستاؤون منك لو أطلت" .لكنه لعظمة إنجازاته الحقيقية التي لمسها الشعب الماليزي على اختالف
طوائفه وأعراقه ،وشهدت بها المنظمات والهيئات الدولية ،أعيد انتخابه رئيساً للوزراء وهو في عامه
الثالث والتسعون ،في شهر مايو ،2018وهكذا تكون القيادات الوطنية المخلصة.
76
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
املراجع
-1املراجع العربية
( )1إبراهيم ،رجاء (" :)2006السياسة التعليمية وتنمية الموارد البشرية في ماليزيا" ،النموذج الماليزي للتنمية،
برنامج الدراسات الماليزية ،كلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة.
( )2الرافعي ،عمر (" :)2007خطابات محاضير محمد".
( )3الشيخ ،رأفت غنيمي ،وآخرين (" :)2004تاريخ آسيا الحديث والمعاصر" ،كلية اآلداب ،جامعة الزقازيق.
( )4الصاوي ،عبد الحافظ ( :)2013قراءة في تجربة ماليزيا التنموية" ،مجلة الوعي اإلسالمي ،رقم العدد،451
الشهر الخامس ،السنة الثالثة ،الكويت.
( )5العكري ،سكينة ( " :)2014مكافحة الفقر ،ماليزيا نموذجا " ،صحيفة الوسط البحرينية ،العدد ،189،األحد 8
أغسطس .2014
( )6بلقاسم مربعي :إدارة التعددية اإلثنية ودورها في بناء الدولة( ،دراسة النموذج الماليزي) ،رسالة ماجستير ،جامعة
محمد خضير بسكرة ،الجزائر.2010،
( )7بشير ،محمد شريف (" :)2002دراسة منشورة على موقع إسالم أون الين ،بعنوان االستثمار في البشر في
ماليزيا ،الرابط
www.islamonline.net/arabic/economics/2002/05/article11.shtml
( )8بشير ،محمد شريف ( " :)2008سياسات وأساليب مكافحة الفقر دروس مستفادة من التجربة الماليزية" ،جامعة
األمام محمد بن سعود اإلسالمية.
( )9بيومي ،نوال عبد المنعم (" :(2011التجربة الماليزية وفق مبادئ التمويل واالقتصاد اإلسالمي" ،مكتبة الشروق.
( )10حسين ،سعد علي (" :)2004تجربة التنمية الماليزية ،دراسة في األبعاد السياسية واالقتصادية واالجتماعية"،
رسالة دكتـوراه غيـر منـشورة ،كليـة العلـوم الـسياسية ،جامعة ،بغداد.
( )11دانيال ،برومبرغ ،األيوبي ،عمر سعيد (" :)1991التعدد وتحديات االختالف للمجتمعات المنقسمة وكيف تستقر"،
دار السواقي بيروت ،الطبعة األولي.
( )12زرؤم ،عبد الحميد (" :)2010أثر االستقرار السياسي في ماليزيا" ،رسالة دكتوراه ،جامعة وهران ،الجزائر.
( )13عبد العال ،محمد محمود (بدون تاريخ)" :التعدد العرقي من التنازع إلى التناغم :النموذج الماليزي والنموذج
األميركي" ،دراسة صادرة عن مركز التنوع للدراسات.
( )14عبد الكريم ،عادل (" :)2007النخبة السياسية في ماليزيا (دراسة تحليلية عن سيطرة التحالف الوطني الحاكم)"،
رسالة ماجستير ،جامعة أسيوط ،مركز دراسات المستقبل.
( )15عبد الفضيل ،محمود (" :)2000العرب والتجربة اآلسيوية ،الدروس المستفادة" ،مركز دراسات الوحدة العربية،
بيروت.
77
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
( )16عبد الواحد ،عبد الرحيم (" :)2003الدكتور محاضر محمد بعيون عربية وإسالمية " ،األجواء للنشر والتوزيع،
اإلمارات العربية المتحدة.
( )17عبد الواحد ،عبد الرحيم (" :)2012ثورات الربيع العربي ،مهاتير محمد عاقل في زمن الجنون" ،دار ميديا دهب
إنترناشيونال ،اإلمارات العربية المتحدة.
( )18عوض ،جابر سعيد ( " :)2006محاضير محمد وقضية التعددية العرقية والمجتمع الماليزي في الفكر السياسي
لمحاضير محمد” ،برنامج الدراسات الماليزية ،جامعة القاهرة.
( )19غرايبة ،ابراهيم ( " :)2010التجربة الماليزية «المهاتيرية» في مواجهة األزمة المالية" .
( )20قنديل ،محمد المنسي (" :)1995ماليزيا نمر إسالمي يتحفز.
( )21كتاب "الطريق إلى األمام" ،الصادر عن مكتب رئيس الوزراء الماليزي.1991 ،
( )22كتاب الحقائق الدولي األميركي لعام .)*( 2007
( )23ميتكيس ،هدي (" :)2007القيم األسيوية " ،مركز الدراسات األسيوية ،كلية االقتصاد والعلوم السياسية ،جامعة
القاهرة.
( )24محمد ،مهاتير ( " :)2016التجربة الماليزية "نهضة أمة" ،مؤسسة عبد الحميد شومان ،عمان ،األردن.
( )25محمد ،مهاتير ( " :)1996المعجزة األسيوية ،أسطورة أم حقيقة" ،ورقة مقدمة في افتتاح منتدى ماليزيا ،الواليات
المتحدة لتكنولوجيا المشاريع التجارية في سان فرانسيسكو بالواليات المتحدة األمريكية في 20مايو ،1996في
موسوعة مهاتير محمد ( )2004المجلد الخامس :ماليزيا ،دار الكتاب العربي (ماليزيا).
( )26محمد ،مهاتير (" :)2004الموسوعة" ،المجلد الثاني ،دار الكتاب المصري (القاهرة) ،دار الكتاب اللبناني
(بيروت) ،دار الفكر (كوااللمبور) ،دار الكتاب (ماليزيا).
( )27محمد ،مهاتير (" :)2004رؤية لعام ،2020االقتصاد والتنمية والوصفة الماليزية" ،خطبة ألقيت في منتدى جدة
االقتصادي ،جدة ،المملكة العربية السعودية 18 ،يناير .2004مكتبة شروق الدولية ،القاهرة.
( )28ميتكيس ،هدي (" :)2011قضايا اإلصالح في ماليزيا ،مركز الدراسات األسيوية ،كلية االقتصاد والعلوم السياسية
جامعة القاهرة.
( )29وهبان ،أحمد ( ":)2003الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر :دراسة في األقليات والجماعات والحركات
العرقية" ،اإلسكندرية ،دار الجامعة الجديدة للنشر.
( )30يوسف ،ناصر (" :)2010دينامية التجربة اليابانية في التنمية المركبة ،دراسة مقارنة بين الجزائر وماليزيا" ،مركز
دراسات الوحدة العربية ،بيروت.
(*) كتاب حقائق العالم (باإلنجليزية ) The World Fact book :هو منشور سنوي تصدره وكالة المخابرات األمريكية ابتداء من عام ،1962وي تضمن حوالي صفحتين إلى ثالثة عن
كل دولة تعترف بها الواليات المتحدة .وابتداء من عام 1971أصبح هذا الكتاب غير سري .وبالرغم من أنه مخصص ألن يستعمل من قبل دوائر الحكومة األميركية ،فهو كثيراً ما يستخدم
من قبل المنظمات األميركية المختلفة لسهولة الوصول إليه وألنه ضمن الملكية العامة حيث ال تشمله حقوق الطبع .والكتاب ال يعتمد على جواسيس االستخبارات األميركية ،بل يعتمد على
المعلومات التي تنشرها الوزارات األميركية المختلفة (مثل وزارة الدفاع ووزارة التجارة) ،لذلك ال يحتوي على أي أسرار.
78
أحمد محيي الدين محمد التلباني.د "التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة
املراجع األجنبية-2
(1) Andaya Barbara & Leonard Y. A (2001): “History of Malaysia”، University of Hawaii
Press.
(2) Chandra Muzaffar (1989):” Challenge and Choices in Malaysian Politics and
Societies” ،Gelugor, Penang, ALIRAN.
(3) Habibah Lehar& Musalmah Abdullah & Yaacob Anas )1998): “Malaysian
Economy” ,Shah Alam: Pusat Pendidikan Lanjutan, Institute Teknologi MARA.
(4) Irena Mia &others (2009):” Gauging the networked readiness of Nations”, in The
Global Information Technology, Report 2008-2009, World Economic Forum,
Geneva.
(5) Ramon v, navratnam (2001):” Malaysia economic recovery, policy reforms for
economic sustainability”, Pelita Jaya.
(6) R. S. Milne &Diane K. Mauzy (1999): “Malaysian Politics under Mahathir”, London:
Routledge.
(7) Wong Hock . Tsen (2005):” The determinant of Foreign Direct Investment in the
Manufacturing Industry of Malaysia”, Journal of Economic Cooperation, Vol. 2,
2005.
(8) www.islamonline.net/arabic/economics/2002/05/article11.shtml.
التقارير-3
كلية االقتصاد، مركز الدراسات األسيوية، النموذج الماليزي للتنمية،) البعد االجتماعي في النموذج الماليزي للتنمية1(
2013. ، جامعة القاهرة،والعلوم السياسية
.2018 ، مؤشرات ماليزيا،trading economics ) البنك الدولي2(
الدورة، الفريق العامل المعني باالستعراض الدوري الشامل، مجلس حقوق اإلنسان،) الجمعية العامة لألمم المتحدة3(
. 2009 فبراير13-2، جنيف،الرابعة
.2017 ، يونيو، العدد الثالث، مجلة العلوم السياسية والقانون،) المركز الديمقراطي العربي4(
تقرير التنمية البشرية لعام، برنامج االمم المتحدة اإلنمائي،) (تنمية للجميع، لمحة عامة،) تقرير التنمية البشرية5(
.2016
.2005 ، األمم المتحدة، صادر عن برنامج األمم المتحدة اإلنمائي،) تقرير التنمية البشرية في ماليزيا6(
.2015 ، األمم المتحدة، صادر عن برنامج األمم المتحدة اإلنمائي،) تقرير التنمية البشرية لماليزيا7(
.2016 ، تقرير التنمية البشرية لماليزيا،) صندوق النقد الدولي8(
79
د .أحمد محيي الدين محمد التلباني التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"
( )9مركز اإلما ارت للدراسات والبحوث االستراتيجية ،معجزة شرق آسيا "النمو االقتصادي والسياسات العامة"،
اإلما ارت ،الطبعة األولي.2000 ،
( )10موقع هيئة التنمية الصناعية الماليزية .2011/8/29
( )11هيئة التنمية الماليزية ،االستثمار في ماليزيا.
(12) UNCTAD, The World Investment Report United Nations, New York and Geneva,
1997.
(13) UNCTAD, World Investment Report 2010, New York and Geneva, 2010.
(14) UNCTAD, World Investment Report 2010.
80