You are on page 1of 73

‫د‪ .

‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫ملخص‬
‫تعتبر التجربة الماليزية في عملية التنمية االقتصادية واحدة من أكبر التجارب العالمية الرائدة‬
‫في مجال التنمية االقتصادية‪ ،‬والنقطة األساسية التي انطلقت منها ماليزيا في عملية التنمية االقتصادية‬
‫هي سياسة االعتماد على الذات‪ ،‬وتعد التجربة الماليزية من التجارب التنموية الجديرة باالهتمام والدراسة‬
‫لما حققته من إنجازات كبيرة يمكن أن تستفيد منها الدول النامية كي تنهض من التخلف االقتصادي‪،‬‬
‫في هذا الصدد أنه منذ أربعين سنة خلت كانت ماليزيا من أفقر الدول في‬ ‫( ‪)1‬‬
‫ويقول جوزيف ستجليتز‬
‫العالم‪ ،‬وبع د استقاللها لم تتبع توجهات وتعليمات المؤسسات الدولية بل اختارت أن تتبع النماذج‬
‫التنموية الناجحة لجيرانها اآلسيويين ‪.‬‬
‫قريبا من الناتج المحلى اإلجمالي‬
‫ولقد كان ناتجها المحلى اإلجمالي‪ ،‬كما يذكر ستجليتز‪ً ،‬‬
‫في هايتي وهندوراس ومصر‪ ،‬وأدنى من الناتج المحلى اإلجمالي في غانا بحوالي ‪ .%5‬ووفق ًا لتقديرات‬
‫عام ‪ ،2010‬فقد تضاعف دخل ماليزيا إلى ‪ 7‬أو ‪ 8‬أمثال الدخل في غانا‪ ،‬وأكثر من خمسة أضعاف‬
‫الدخل في هندوراس‪ ،‬وأكثر من ضعفي ونصف الدخل في مصر‪ .‬وتحتل ماليزيا اآلن مرتبة عليا بين‬
‫ّ‬
‫مجموعة الدول التي حققت نمواً هائالً على مستوى العالم‪ ،‬فتقف إلى جانب الصين وتايوان وكوريا‬
‫الجنوبية‪.‬‬
‫ووضعت ماليزيا خططاً للقضاء على الفقر المدقع‪ ،‬وانخفض معدل الفقر إلى ‪ %2.8‬عام‬
‫‪ ،2010‬ثم إلى ‪ %0.4‬عام ‪ .2015‬ونجحت ماليزيا في تقليص الفوارق في الدخول‪ ،‬بعد أن كانت‬
‫تلك الفوارق سبب ًا في التوترات بين المجموعات العرقية فيما مضى‪ .‬ولم تحقق ماليزيا هذه الغاية بإنزال‬
‫األعلى إلى األدنى‪ ،‬بل برفع األدنى إلى األعلى‪.‬‬
‫أما فيما يخص سياسة التوزيع فقد استطاعت أن تدمج الفئات المتواضعة والعمالة األجنبية‬
‫في النسيج االقتصادي واالجتماعي من خالل رفع دخولها وجني ثمار رفع الكفاءة االقتصادية‪ ،‬وانعكس‬
‫ّ‬
‫ذلك إيجابي ًا على المواطنين في تحس ين نوعية حياتهم في توفير الضروريات من الغذاء والعالج والتعليم‬
‫واألمن‪ ،‬وكان أول المستفيدين من هذا النمو االقتصادي هم الفقراء والعاطلون عن العمل والمرضى‬
‫والمجموعات العرقية األكثر فق اًر في المجتمع‪ ،‬واألقاليم األقل نمواً‪.‬‬

‫(‪ )1‬اقتصادي أمريكي حائز على جائزة نوبل في االقتصاد عام ‪.2001‬‬

‫‪9‬‬
‫ أحمد محيي الدين محمد التلباني‬.‫د‬ "‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة‬

‫ونتيجة لهذه السياسات الناجحة فقد حققت ماليزيا خالل العقود األربعة الماضية قفزات هائلة‬
‫ وكذلك الحال‬،‫ فأصبحت الدولة الصناعية األولى في العالم اإلسالمي‬،‫في التنمية البشرية واالقتصادية‬
‫ مما انعكس في تنويع مصادر دخلها‬،‫ من خالل تأسيس بنية تحتية متطورة‬،‫في مجال التجارة الخارجية‬
‫ ولذا حققت تقدم ًا ملحوظ ًا في معالجة قضايا‬،‫القومي من الصناعة والز ارعة والمعادن والنفط والسياحة‬
‫ ويركز هذا البحث على عرض وتقويم تجربة التنمية االقتصادية‬،‫ كما سنري‬،‫ والفساد‬،‫الفقر والبطالة‬
.‫في ماليزيا والدروس المستفادة منها‬

Abstract
Malaysian Economic Experience Calendar and lessons learned
The Malaysian experience in the process of economic development is
one of the largest global experiences in the field of economic development.
The main point from which Malaysia started the process of economic
development is the policy of self-reliance. Developing countries benefit from
economic underdevelopment, says Joseph StiglitzIn In this regard that forty
years ago, Malaysia was one of the poorest countries in the world. After
independence, it did not follow the directions and instructions of international
institutions but chose to follow the successful development models of its
Asian neighbors.
Their GDP, Stiglitz notes, was close to that of Haiti, Honduras and
Egypt, and by about 5% lower than Ghana's. According to 2010 estimates,
Malaysia's income has doubled to seven or eight times that of Ghana, more
than five times that of Honduras, and more than two and a half times that of
Egypt. Malaysia now ranks high among the group of countries that have
achieved tremendous growth globally, standing by China, Taiwan and South
Korea.
Malaysia has put in place plans to eradicate extreme poverty. The
poverty rate dropped to 2.8% in 2010 and to 0.4% in 2015. Malaysia did not

10
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫‪achieve this goal by lowering the highest to the lowest but raising the lowest‬‬
‫‪to the highest.‬‬
‫‪As for the distribution policy, it was able to integrate modest groups‬‬
‫‪and foreign labor into the economic and social fabric by raising their income‬‬
‫‪and reaping the fruits of raising economic efficiency. This was reflected‬‬
‫‪positively on citizens in improving their quality of life in providing the‬‬
‫‪necessities of food, treatment, education and security. Economic growth is‬‬
‫‪the poor, the unemployed, the sick, the poorest ethnic groups in society, and‬‬
‫‪the least developed regions.‬‬
‫‪As a result of these successful policies, Malaysia has made‬‬
‫‪tremendous leaps in human and economic development over the past four‬‬
‫‪decades. As we shall see, this research focuses on presenting and evaluating‬‬
‫‪the experience of economic development in Malaysia and the lessons learned‬‬
‫‪from it.‬‬

‫‪ -1‬مقدمة‬
‫وعزَز في أبنائها الجهل‬
‫لقد عانت ماليزيا ألعوام عديدة من االستعمار الذي نهب خيراتها ً‬
‫والتخلف‪ ،‬فقد خضعت لوطأة االستعمار الغربي لمدة خمسمائة عام‪ ،‬و طرق االستعمار أبواب ماليزيا‬
‫منذ القرن السادس عشر‪ ،‬بدءاً باالستعمار البرتغالي‪ ،‬ثم الهولندي‪ ،‬وأخي اًر االستعمار البريطاني‪ ،‬الذي‬
‫بدأ في منتصف القرن السابع عشر‪ ،‬وبالتحديد في عام ‪ ،1665‬واستمر االحتالل البريطاني جاثم ًا‬
‫على ماليزيا‪ ،‬يستنزفها بدون انقطاع‪ ،‬ولمدة تقترب من ثالثة قرون‪ ،‬فعندما اندلعت الحرب العالمية‬
‫الثانية وقعت ماليزيا تحت االحتالل الياباني خالل عام ‪ 1941‬وحتى استسلمت اليابان في شهر‬
‫سبتمبر ‪ ،1945‬ثم عادت بعدها لإلدارة البريطانية‪ ،‬حتى حصلت على كامل استقاللها في عام‬
‫‪ ،1957‬وأُعلن قيام دولة ماليزيا في ‪ 16‬مارس ‪( 1963‬الحقائق األمريكي‪ ،2007 ،‬ص‪ .)97‬ولقد‬
‫كانت بداية الحراك المجتمعي نحو النهضة في ظهور حركات التجديد واإلصالح بعد أن اختلت عقائد‬
‫الناس وانتشر بينهم الجهل والخرافة‪ ،‬ثم قام ثلة من المصلحون المخلصون بعملية اإلصالح‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫المتقدمة‬
‫ّ‬ ‫مصاف الدول‬
‫ّ‬ ‫اآلسيوية التي خرجت من كبوتها لتنهض إلى‬
‫ّ‬ ‫النمور‬
‫وتعد ماليزيا أحد ّ‬
‫خالل عقدين من الزمن‪ ،‬إذ قدمت تجربة ناجحة ورائدة في التعايش بين المجموعات البشرية التي‬
‫وهم‬
‫تنتمي إلى ديانات وقوميات متعددة‪ ،‬ومنها أربعة أعراق وخمس ديانات أساسية‪ ،‬وهي‪ :‬الماليو ( ُ‬
‫السكان المحليون) ويمثلون نحو ‪ %60‬من السكان يدين معظمهم باإلسالم‪ ،‬والصينيون ويمثلون ‪%27‬‬
‫يدينون بالبوذية‪ ،‬والهنود يمثلون ‪ %7‬يدين معظمهم الهندوسية‪ ،‬وهناك ‪ %6‬يدينون بالمسيحية‪ ،‬وديانات‬
‫أخرى‪ ،‬مثل الكونفوشية والسيخية (الحقائق األمريكي‪ ،2007،‬ص ‪ .)97‬أي خليط هذا؟‬
‫ومما يجدر ذكره أن ماليزيا تقع‪ ،‬في جنوب شرقي آسيا‪ ،‬وتتكون من ‪ 13‬والية وثالثة أقاليم‬
‫السكاني لعام ‪ 2016‬بنحو‪30.875.800‬‬ ‫اتحادية‪ ،‬حيث ُيقدر عدد ُسكانها وفق ًا إلحصائيات التعداد ُ‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫السكان في ماليزيا‬ ‫نسمة يتوزعون فوق مساحتها الممتدة إلى أكثر من ‪ 330.290‬كم‪ ،²‬و ّ‬
‫يتوزع ُ‬
‫الرقعة األكثر أهلية في البالد فيقيم فيها ما يربو علي‬
‫غير متكافئ‪ ،‬حيث تعتبر شبه جزيرة الماليو ُ‬
‫أما المناطق الشرقية من البالد فيقدر عددهم بسبعة ماليين نسمة‪ ،‬ويأتي ذلك في‬ ‫‪ 20‬مليون نسمة‪ّ ،‬‬
‫ضوء تمركز الصناعات وتطورها في تلك المناطق المأهولة‪.‬‬
‫وكانت ماليزيا قبل نحو أربعة عقود مجتمعاً زراعياً ال يعرف سوى زراعة األرز والمطاط‬
‫وبعض النباتات والفاكهة‪ ،‬لكن التطور الهائل الذي حدث‪ ،‬خفض معدل الفقر من ‪ %52‬في عام‬
‫‪ ،1970‬إلى ‪ %5‬فقط في عام ‪ 2002‬ثم إلى ‪ 0.4‬عام ‪ ،2015‬وقد بلغ متوسط الدخل السنوي للفرد‬
‫في ماليزيا قبل بداية حقبة التنمية ‪ 350‬دوالر أمريكي‪ ،‬بما يعادل نحو ‪ 1050‬رينجيت ماليزي‬
‫(الصاوي‪ ،2013 ،‬ص‪ ،)15‬وارتفع إلى نحو ‪ 37760‬رينجيت ماليزي بما يعادل ‪ 12600‬دوالر‬
‫أمريكي عام ‪ ،2016‬كما يوضح ذلك جدول رقم (‪.)13‬‬
‫وال غرو في أن التجربة الماليزية في التنمية هي أحد التجارب الفريدة التي يجب على الدول‬
‫العربية واإلسالمية االستفادة منها واستلهامها‪ ،‬وهي الدولة اإلسالمية الوحيدة التي يقوم اقتصادها على‬
‫التنوع‪ ،‬والفضل يعود في ذلـك إلى اهتمـام الحكومات الماليزية‪ ،‬منـذ االسـتقالل‪ ،‬بـالمواطن وتنميـة طاقاتـه‬
‫وإمكاناته الفكرية‪ ،‬ممـا حفـز المـواطن علـى رد الجميـل لدولتـه وحكومتـه الـتي قـدمت لـه كـل مسـتلزمات‬
‫الرقـي البشـري المـادي والمعنـوي‪ ،‬بحي ـث تم تحجـيم الفقـر والبطالة‪ .‬كمـا اسـتطاعت الدولـة في ماليزيـا‬
‫االهتمـام بـرأس المـال البشـري سـواء االسـتفادة مـن أهـل الـبالد األصليين أو من المهاجرين من المسلمين‬
‫التي ترحب السلطات الماليزية بتوطينهم‪ .‬ويركز هذا البحث على التجربة التنموية‪ ،‬وكيف استطاعت‬

‫‪12‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫م اليزيا بعد أن نالت استقاللها خوض معارك التنمية االقتصادية مع المحافظة على قيمها الدينية‪،‬‬
‫ومعتقداتها‪ ،‬وأعراق سكانها وذلك بفضل وطنية أبنائها وإخالصهم وحسن رؤيتهم للمستقبل‪.‬‬

‫‪ 1-1‬مشكلة البحث‪:‬‬
‫تتمثل مشكلة البحث في معاناة معظم دول العالم الثالث من الفقر والتخلف‪ ،‬وانخفاض‬
‫مستويات المعيشة‪ ،‬وارتفاع معدالت البطالة والتضخم‪ ،‬وعليه تسعى معظم هذه الدول استلهام تجارب‬
‫التنمية الناجحة وصوالً لالستفادة من تطبيقها‪ .‬ولذا تدور مشكلة البحث في تقييم تجربة التنمية‬
‫االقتصادية في ماليزيا والدروس المستفادة منها‪.‬‬

‫‪ 2-1‬أهمية البحث‪:‬‬
‫ترجع أهمية البحث إلى كون تجربة التنمية االقتصادية في دولة ماليزيا قدمت للعالم أجمع‬
‫مشروعاً تنموياً معاص اًر يجمع بين الحداثة واإلسالم‪ ،‬ويضاهي في رؤياه النماذج العالمية المتقدمة‪،‬‬
‫وتنبع أهمية هذه التجربة في كونها تدمج بين القيم المجتمعية واألداء االقتصادي إلى حد التالحم‪،‬‬
‫على حد تعبير ‪ Gunnar Mayrdale‬أن االقتصاد مشحون بالقيم ‪Economic sis value‬‬
‫‪ .loaded‬وترجع أهمية القيام بهذا البحث إلى ما يلي‪:‬‬
‫معرفة األسباب التي تدفع الدول النامية إلى االنطالق نحو التقدم‪.‬‬ ‫•‬
‫تقييم تجارب التنمية االقتصادية الناجحة للوقوف على أهم األسباب التي ساعدت هذه الدول‬ ‫•‬
‫في رفع مستويات المعيشة لشعوبها‪.‬‬
‫معرفة الدروس المستفادة من التجارب الناجحة في التنمية االقتصادية في الدول المتقدمة‬ ‫•‬
‫ٍ‬
‫بصفة عامة‪ ،‬والدول التي مرت بنفس ظروف الدول النامية‪ ،‬والتي من أهمها االستعمار‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بصفة خاصة‪.‬‬ ‫وعدم االستقرار السياسي‬

‫‪ 4-1‬أهداف البحث‪:‬‬
‫يتمثل الهدف الرئيسي لهذه الدراسة في تقييم تجربة التنمية االقتصادية في ماليزيا والدروس‬
‫المستفادة منها‪ .‬ويتفرع من الهدف الرئيسي ستة أهداف فرعية هي‪:‬‬
‫معرفة كيف تطورت األوضاع االقتصادية في ماليزيا خالل العقود السابقة النطالق عملية‬ ‫•‬
‫التنمية االقتصادية‪.‬‬
‫معرفة كيف بدأ االنطالق نحو عملية التنمية االقتصادية في ماليزيا‪.‬‬ ‫•‬

‫‪13‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫معرفة محاور عملية التنمية االقتصادية في ماليزيا‪.‬‬ ‫•‬


‫تحديد ثمار عملية التنمية االقتصادية في ماليزيا‪.‬‬ ‫•‬
‫تقييم تجربة التنمية االقتصادية في ماليزيا‪.‬‬ ‫•‬
‫معرفة أهم الدروس المستفادة من تجربة التنمية االقتصادية في ماليزيا‪.‬‬ ‫•‬

‫‪ 5-1‬حدود البحث‪:‬‬
‫حدود البحث المكانية‪ :‬سيتم تطبيق هذه الدراسة على تجربة عملية التنمية االقتصادية في‬ ‫•‬
‫ماليزيا‪ .‬ويرجع ذلك لسببين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬نجاح هذه التجربة في دولة ماليزيا مما أهلها إلى االنتقال إلى صفوف الدول المتقدمة في‬
‫بداية األلفية الثالثة‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬تقارب الظروف االقتصادية واالجتماعية في ماليزيا مع معظم ظروف الدول النامية مثل‬
‫مصر‪.‬‬
‫حدود البحث الزمانية‪ :‬سيتم تقييم تجربة عملية التنمية االقتصادية في ماليزيا خالل الفترة‬ ‫•‬
‫(‪ ) 2018-1970‬وهي الفترة التي بدأت منها ماليزيا في االنطالق نحو تحقيق عملية التنمية‬
‫االقتصادية‪.‬‬

‫‪ 6-1‬منهج البحث‪:‬‬
‫تعتمد هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬حيث تقوم هذه الدراسة بوصف تجربة‬
‫التنمية االقتصادية في ماليزيا‪ ،‬وتحليل نتائجها لبيان مدى نجاح التجربة في تحقيق أهدافها؟ وما هي‬
‫أهم الدروس المستفادة منها بالنسبة للدول النامية؟‬

‫‪ 7-1‬خطة البحث‪:‬‬
‫ال‬
‫تتضمن الدراسة مقدمة موجزة تشمل مشكلة البحث وأهميته وأهدافه ومنهجه وخطته‪ ،‬فض ً‬
‫عن ثمانية أقسام أساسية‪ ،‬يتناول أولها‪ :‬التنمية االقتصادية في األدب االقتصادي‪ ،‬ويوضح ثانيها‬
‫تطور األوضاع االقتصادية في ماليزيا خالل العقود السابقة النطالق عملية التنمية االقتصادية‪ ،‬ويبين‬
‫ثالثها‪ :‬اال نطالق نحو عملية التنمية االقتصادية في ماليزيا‪ ،‬ويعرض رابعها‪ :‬محاور عملية التنمية‬
‫االقتصادية في ماليزيا‪ .‬ويتناول خامسها‪ :‬ثمار عملية التنمية االقتصادية في ماليزيا‪ ،‬ويوضح سادسها‪:‬‬
‫تقييم تجربة التنمية االقتصادية في ماليزيا‪ ،‬ويبين سابعها‪ :‬الدروس المستفادة من تجربة التنمية‬

‫‪14‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫االقتصادية في ماليزيا بالنسبة للدول النامية‪ .‬ويوضح ثامنها‪ :‬نتائج التجربة الماليزية في التنمية‬
‫االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -2‬التنمية االقتصادية يف األدب االقتصادي‪:‬‬


‫اهتمت عديد من الدراسات بعملية التنمية االقتصادية والتجارب التي حققتها النمور األسيوية‬
‫وبعض دول العالم‪ .‬ومن أهم هذه الدراسات ما يلي‪:‬‬
‫(‪ )1‬دراسة (محمد المنسي قنديل‪ ،)1995 ،‬بعنوان "ماليزيا نمر إسالمي يتحفز"‪ :‬هدفت هذه‬
‫الدراسة إلى التعرف على المقومات الماليزية الطبيعية والبشرية وكيف استطاعت أن تنهض‬
‫باقتصادها وتلحق بموكب الدول المتقدمة اقتصادي ًا وبموكب النمور اآلسيوية السبعة‪.‬‬
‫وتوصلت الدراسة إلى االهتمام بالقوى البشرية المدربة ألنها السبيل إلنجاح أي عملية تنموية‬
‫مستقبلية بدالً من االعتماد على القوى البشرية الخارجية‪ .‬كما توصلت الدراسة‪( ،‬شأنها شأن‬
‫غيرها من الدراسات)‪ ،‬إلى عدم التعاون مع إمالءات صندوق النقد والبنك الدوليين وحتى ال‬

‫تكون ماليزيا تابع َة ُ‬


‫ومْل َزمة باتباع سياسات موجهة من قبل الحكومات الغربية‪( ،‬قنديل‪،‬‬
‫‪ ،1995‬ص ‪.)21‬‬
‫(‪ )2‬دراسة (مهاتير محمد‪ ،)2000 ،‬بعنوان" ماليزيا واألزمة المالية األسيوية"‪ :‬هدفت هذه الدراسة‬
‫إلى التعرف على األزمة المالية التي عانت منها الدول اآلسيوية المجاورة لماليزيا‪ ،‬وهي‬
‫سنغافورة‪ ،‬وتايوان‪ ،‬والصين‪ ،‬وكيف استطاعت ماليزيا التغلب على هذه األزمة؟ والسبل‬
‫الكفيلة التي اتخذتها ماليزيا من أجل الخروج من هذه األزمة‪ ،‬وتوصلت الدراسة إلى عدم‬
‫التعاون مع ٍ‬
‫كل من صندوق النقد والبنك الدوليين ورفض كافة إمالءاتها‪ ،‬وتوصلت الدراسة‬
‫أيضاً إلى االهتمام بالعنصر البشري الذي هو أساس نجاح أي عملية تنموية (مهاتير‪،‬‬
‫‪ ،2016‬ص ص ‪ 11‬ـ‪.)13‬‬
‫(‪ )3‬دراسة (محمود عبد الفضيل‪ ،)2000،‬بعنوان "العرب والتجربة األسيوية‪ ،‬الدروس المستفادة" ‪:‬‬
‫هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على أهم العناصر والمحددات التي أدت إلى تلك النقلة‬
‫الهائلة من المأساة اآلسيوية عند بداية الستينات إلى المعجزة اآلسيوية عند بداية التسعينات‪،‬‬
‫وكيف تقدمت بلدان آسيا بهذا الشكل بينما تخلفت مسيرة التنمية في األقطار العربية‪ ،‬كما‬
‫بينت هذه الدارسة رؤية متميزة لنموذج التنمية اآلسيوي وباالستناد إلى التجربة اليابانية في‬
‫التنمية‪ ،‬تلك التجربة التي صاحبت دول عديدة من البلدان اآلسيوية ومن ضمنها ماليزيا‪،‬‬
‫كما عالجت هذه الدراسة القضايا المتعلقة بالعالقات المتبادلة بين عمليات التنمية الزراعية‬

‫‪15‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫وعمليات الصناعة في ظل اإلطار التقني والمؤسسي السائد في آسيا (عبد الفضيل‪،2000 ،‬‬
‫ص ‪.(31‬‬
‫(‪ )4‬دارسة (‪ )Ramon v, navratnam, 2001‬بعنوان "االنتعاش االقتصادي في ماليزيا‬
‫وإصالح السياسات والتنمية المستدامة"‪ .‬تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على الواقع الماليزي‬
‫قبل االستقالل وبعد االستقالل وعمليات التنمية االقتصادية بقيادة مهاتير محمد وكيف‬
‫وضع الرؤى واألسس والسياسات للخروج من وضع ماليزيا الزراعي إلى الصناعة‬
‫واإللكترونيات وكيف استطاع التغلب على الصعوبات من خالل عدم التعامل مع صندوق‬
‫النقد والبنك الدوليين‪ ،‬وكيف سخر اإلنسان الماليزي من أجل خدمة بلدة واستخدم مدخرات‬
‫األفراد للتغلب على األزمات المالية واالتجاه نحو التصدير والتصنيع‪ .‬وتوصلت هذه الدراسة‬
‫إلى أن السياسة الحكيمة لماليزيا بتصديها لق اررات صندوق النقد والبنك الدوليين كان لها‬
‫أثر واضح في وضع االقتصاد الماليزي على طريق التنمية االقتصادية المستدامة‪ ،‬كما‬
‫توصلت إلى أن سياسة النظر شرقاً التي اتبعها مهاتير محمد كانت وراء نجاح التجربة‬
‫التنموية الماليزية (‪.)Ramon, 2001, p17‬‬
‫(‪ )5‬دراسة (عمر الرافعي‪ ،)2007،‬بعنوان" خطابات محاضير محمد"‪ :‬هدفت هذه الدراسة إلى‬
‫التعرف على مراحل التطور في مجاالت التنمية االقتصادية واالجتماعية وكيف يمكن أن‬
‫بناء على معارف ودراسات ورؤى مستقبلية‪،‬‬ ‫تصبح ماليزيا متقدمة بحلول عام ‪ً 2020‬‬
‫وبفضل مجموعة من السياسات التعليمية والتجارية والصناعية والتكنولوجية واالجتماعية‪،‬‬
‫وكيف يمكن تحقيق وحدة الصف الماليزي من خالل القضاء على التعدد العرقي‪ ،‬وذلك‬
‫بإشراكهم في عملية التنمية االقتصادية‪ .‬وكيف يمكن وضع خطة وطنية للخروج من األزمات‬
‫المالية ‪ .‬وتوصلت الدراسة إلى أن انتقال ماليزيا من اإلنتاج الزراعي إلى اإلنتاج الصناعي‪،‬‬
‫هو ما دفعها نحو عمليات التنمية الشاملة وحققت إنجازات كبيرة في معدالت الناتج المحلي‬
‫اإلجمالي (الرافعي‪ ، 2007،‬ص ‪.)19‬‬
‫(‪ )6‬دراسة (عبد الحافظ الصاوي‪ )2010 ،‬بعنوان" قراءة في تجربة ماليزيا التنموية"‪ :‬هدفت تلك‬
‫الدارسة إلى التعرف على العوامل االقتصادية والسياسية التي حققت نجاح التجربة الماليزية‪،‬‬
‫وتوصلت إلى عدد من النتائج‪ ،‬منها اعتماد ماليزيا على الموارد المحلية الداخلية في توفير‬
‫رؤوس األموال الالزمة لتحقيق التنمية االقتصادية واالعتماد على الذات ورفض توصيات‬
‫صندوق النقد الدولي (الصاوي‪ ،2001 ،‬ص‪.)16‬‬

‫‪16‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫(‪ )7‬دراسة (إبراهيم غرايبة‪ ،)2010 ،‬بعنوان "التجربة الماليزية )المهاتيرية) في مواجهة األزمة‬
‫المالية"‪ :‬وهدفت هذه الدراسة إلى التعرف على المقومات التي ساعدت ماليزيا في التغلب‬
‫على األزمة المالية‪ ،‬وكيف استطاعت أن تقف في وجه إمالءات صندوق النقد والبنك‬
‫الدوليين وكيف استطاع رئيس الوزراء أن ينهض بماليزيا ويعمل على الحد من تداعيات‬
‫األزمة المالية على االقتصاد الماليزي‪ ،‬وتوصلت الدراسة إلي عدم التعاون مع تعاليم صندوق‬
‫النقد والبنك الدوليين‪ ،‬كما توصلت الدراسة إلى االستفادة من التجربة اليابانية واشتقاق‬
‫الدروس المستفادة منها على أساس ما قدمته اليابان من تنمية شاملة مما ساعدها على‬
‫النمو االقتصادي المرتفع‪ ،‬وأيضا االهتمام بالقوى البشرية المدربة كونها وسيلة إلنجاح أي‬
‫عملية تنموية مستقبلية (غرايبة‪ ،2010،‬ص ‪.)28‬‬
‫(‪ )8‬دراسة (بيومي‪ ،)2011 ،‬بعنوان "التجربة الماليزية وفق مبادئ التمويل واالقتصاد اإلسالمي"‪:‬‬
‫هدفت الدارسة إلى تقييم تجربة ماليزيا في مجال تطبيق االقتصاد اإلسالمي والتعرف على‬
‫عوامل نجاح تلك التجربة الماليزية وأهم التحديات وكيفية التغلب عليها‪ .‬وتوصلت الدارسة‬
‫إلى أن ماليزيا استطاعت استبدال النموذج الرأسمالي الغربي الذي كان من نتائجه تكدس‬
‫األموال والثروات في يد فئة معينة من المجتمع وهم الصينيون والوصول إلى نموذج إسالمي‬
‫يقوم على عدالة التوزيع واالستفادة من التكنولوجيا (بيومي‪ ،2011 ،‬ص‪.)42‬‬
‫مالحظات على الدراسات السابقة‪:‬‬
‫تعد هذه الدارسات من الدارسات القليلة‪ ،‬التي تناولت تجربة التنمية االقتصادية في ماليزيا‬
‫ومدى مالءمتها لالقتصاد المصري وتتغاير الدارسات السابقة في تناولها ألهم الركائز األساسية‬
‫والمقومات التي استندت عليها التجربة الماليزية‪.‬‬
‫والحق أن دراستنا للتجربة االقتصادية الماليزية سوف نتعرض من خاللها ألهم مراحل تطور‬
‫االقتصاد الماليزي منذ سبعينات القرن العشرين‪ ،‬وحتي منتصف العقد الثاني من القرن الحادي‬
‫والعشرين‪ ،‬وكذلك التطرق ألهم األزمات االقتصادية التي تعرضت لها وكيفية الخروج منها‪ ،‬ومدى‬
‫إمكانية االستفادة من النموذج الماليزي كمقاربة ورؤية تنموية اقتصادية واجتماعية للدولة المصرية‪،‬‬
‫كما تختلف تلك الدراسة عن الدراسات السابقة في تحليلها لواقع التجربة االقتصادية التنموية في ماليزيا‬
‫منذ عام ‪ 1970‬وحتي ‪ ،2018‬وكذلك التطرق إلي أسباب نجاح التجربة االقتصادية الماليزية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫‪ -3‬التطور السياسي واالقتصادي ملاليزيا وحصوهلا على االستقالل‬


‫‪ 1-3‬استقالل ماليزيا‪:‬‬
‫استقلت ماليزيا عن بريطانيا في عام ‪ 1957‬في وضع كانت تعاني فيه من التخلف‬
‫االقتصادي‪ ،‬وترك االستعمار البريطاني خلفة مشكله كبيرة في ماليزيا‪ ،‬وهي استقدامه للعمال من‬
‫الصين والهند فتكونت بذلك أزمة وهي تخلف السكان األصليين‪ ،‬شعب الماليو‪ ،‬فضالً عن سيطرة‬
‫الصينيين على ‪ %70‬من االقتصاد الماليزي‪ .‬وفي عام ‪ 1963‬عرفت باتحاد ماليزيا‪ ،‬بسبب انضمام‬
‫مناطق الماليو وسرواك وصباح وسنغافورة‪ ،‬وفي عام ‪ 1965‬انسحبت سنغافورة من االتحاد الماليزي‬
‫وكونت لها دولة مستقلة‪ ،‬وفي ‪ 13‬مايو ‪ ، 1969‬انفجرت أخطر مشكلة في تاريخ ماليزيا المعاصر‪،‬‬
‫وهددت مصير التعايش في البالد‪ ،‬وكادت أن تعصف باالتحاد الماليزي‪ .‬حيث حدثت صدامات دامية‬
‫في العاصمة كوااللمبور بين الماليو الذين يمثلون أكثرية السكان‪ ،‬وبين الصينيين الذين يمثلون أقلية‪،‬‬
‫وذلك نتيجة التفاوت الكبير في مستويات المعيشة‪ ،‬واختالل التوازن االقتصادي بين المجموعتين‪،‬‬
‫والتوزيع غير العادل للثروة‪ .‬واستوجب ذلك بداية مسارات اإلصالح والتغيير من قبل الحكومة‪ ،‬من‬
‫خالل إعادة هيكلة المجتمع الماليزي وذلك بإتباعها لعدة سياسات تشكل ركيزة أساسية لخطط التنمية‬
‫في البالد‪ ،‬جاءت في مقدمتها السياسة االقتصـادية الجديدة‪ ،‬كسياسة أساسية إلعادة هيكلة المجتمع‪،‬‬
‫ومن ثم تحقيق التقدم االقتصادي واالجتماعي وإن كانت قد انطلقت من أسس عرقية ترتبط بتحقيق‬
‫وضع أفضل للسكان األصليين والماليو بصـفة خاصة‪.‬‬

‫‪ 2-3‬نظام احلكم يف ماليزيا‬


‫يقاس نجاح الدول في إدارة مجتمعاتها بمدى تمكنها من تحقيق قدر مقبول من السالم الداخلي‬
‫بين مختلف فئات المجتمع‪ .‬وفى الوقت الذي يبدو فيه هذا السالم أم اَر يسي اَر في المجتمعات بسيطة‬
‫التكوين فإننا نتشكك في إمكانية تحقيقه في المجتمعات ذات التركيبة المتعددة أو المركبة والتي يتصدر‬
‫قائمتها المجتمعات متعددة األعراق‪ .‬لكن مع وجود قيادة ناجحة وتتمتع بالرضاء الشعبي يمكن تحقيق‬
‫السالم واالستقرار حتى مع وجود تعددات عرقية داخل الدولة وهو ما ينطبق على دولة ماليزيا التي‬
‫تتميز بتعدد عرقي وديني‪ ،‬بمضامينها كمجموعة من مواطني الدولة تختلف أغلبية رعاياها من حيث‬
‫الجنس‪ ،‬أو الدين‪ ،‬أو اللغة‪ ،‬أو الثقافة (وهبان‪ ،2003 ،‬ص ‪ ،)169‬وقد يكون ذلك عائق للوصول‬
‫إلى التنمية واالستقرار داخل الدولة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫وتكاد تكون ماليزيا دولة فريدة في نظامها السياسي‪ .‬إنه ثمة خليط من ديمقراطية برلمانية‬
‫فيدرالية‪ ،‬وملكية دستورية (‪ ،)Muzaffar, 1989, P33‬حتى أن َملَ ِكيَِّتها أيضاً ذات طابع خاص‪،‬‬
‫فهي الدولة الوحيدة في العالم الذي ُينتخب فيها الملك كل خمس سنوات من قبل مجلس السالطين‬
‫التسعة‪ ،‬وعلى الرغم من أن الملك في النظم الملكية البرلمانية الشبيهة بالنظام الماليزي‪ ،‬كبريطانيا‬
‫مثالً ‪ ،‬يعتبر رأس الدولة‪ ،‬وال يتمتع بصالحيات تذكر في السياسة الداخلية والخارجية للدولة إال ما تعلق‬
‫منها بالبروتوكوالت واالحتفاالت الرسمية‪ ،‬فان الملك في ماليزيا عالوة على انه يرأس الدولة اسمياً‪،‬‬
‫كما هو الحال في هذه النظم‪ ،‬فهو أيضا زعيم السلطة الدينية اإلسالمية‪ ،‬كما يرأس مجلس الح ّكام‬
‫المكون من السالطين التسعة والحكام األربعة (الشيخ وآخرين‪ ،2004 ،‬ص ص‪ ،)167 -161‬وهذا‬
‫َّ‬
‫المجلس راح يتولى إدارة الشئون الدينية والثقافية للماليو‪ .‬ولهذا فان رئاسة الملك للسلطة الدينية‬
‫باإلضافة إلى نص الدستور على أن الدين اإلسالمي هو دين الدولة الرئيسي يؤكد أن ماليزيا دولة‬
‫إسالمية‪.‬‬
‫أما السلطة التنفيذية فيرأسها رئيس الوزراء المنتخب والذي يتمتع‪ ،‬وفق ًا للنظام األساسي‪،‬‬
‫بالسلطات الحقيقية‪ .‬وينص الدستور على أن يكون رئيس الوزراء عضواً في مجلس النواب وهو عادة‬
‫ما يكون زعيم األغلبية البرلمانية أيضاً‪ .‬ويتكون البرلمان من مجلسين‪ :‬مجلس الشيوخ (ديوان نيكا ار)‪،‬‬
‫ومجلس النواب (ديوان الرعية)‪ ،‬ويتم اختيار أعضاء مجلس الوزراء أيض ًا من بين أعضاء البرلمان‪.‬‬
‫والمجلس ورئيسه مسئولون مسئولية مباشرة أمام البرلمان (عبد الكريم‪ ،2007،‬ص ‪.)112‬‬
‫وال غرو فقد استلهم هذا النظام مجموعة من المميزات اإليجابية ساعدت على تحقيق االستقرار‬
‫السياسي‪ .‬كما ساعدت على توحيد والتقاء المصالح المتضاربة للجماعات واألعراق المتعددة‪ ،‬هذه‬
‫المميزات تزيد من فرص االستقرار الحكومي والسياسي الذي يعتبر مطلب ًا أساسي ًا لتطور المجتمعات‬
‫النامية (زرؤم‪ ،2010 ،‬ص ‪.)88‬‬
‫بيد أن هذه الممارسة الفريدة للديمقراطية نابعة بدرجة كبيرة من محاولة الحكومة ضمان‬
‫االستقرار االجتماعي في مجتمع متعدد األعراق واألديان‪ ،‬ليس من السهل حكمه وإدارته ( ‪Lehar,‬‬
‫‪ ،)1998, P58‬وهدفت نشاطات وسياسات الحكومة دائم ًا إلى تخفيف التوتر وتجنب النزاعات العرقية‪.‬‬
‫حتى أن شرعية الحكومة أصبحت مستمدة ليس فقط من االنتخابات الديمقراطية وإنما أيضاً من قدرتها‬
‫على تحقيق هذا الهدف‪ .‬وال عجب في ذلك‪ ،‬فالتباين االقتصادي والطبقي بين الجماعات المختلفة‬

‫‪19‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫عاد ًة ما يفضي إلى حالة من عدم االستقرار والتوتر الكامن الذي ينذر بنزاعات عرقية أو حرب أهلية‬
‫(برومبرغ وآخرين‪ ،1991 ،‬ص ‪ .)35‬وتطلب األمر أن نصت المادة ‪ 153‬من الدستور الفيدرالي‬
‫على الوضع الخاص للماليو أبناء البالد األصليين في صباح وسرواك (مربعي‪ ،2010 ،‬ص ‪.)37‬‬
‫والحق أن النظام السياسي واالنتخابي في ماليزيا‪ ،‬كما قدمنا‪ ،‬قد لعب دو اًر هام ًا وأساسي ًا في‬
‫تحقيق االستقرار االجتماعي والسياسي والحكومي‪ ،‬كما ساعد على تحقيق أهداف السياسة االقتصادية‬
‫الجديدة وعملية التحديث التي بدأت في مطلع السبعينات‪ .‬وربما يناسب هذا النظام الديمقراطيات‬
‫الناشئة‪ .‬ولكن هل يعني هذا أن النموذج المذكور هو نموذجاً مثالياً؟‬
‫إن اإلجابة على هذا التساؤل بمضامينه السابقة تعني أن الديمقراطية في ماليزيا لها لون‬
‫خاص ال يستحسنه الغربيون (عبد العال‪ ،‬بدون تاريخ)‪ ،‬ألنه ببساطة لون يتميز باستقالله السياسي‬
‫واالقتصادي‪ ،‬ولون يرفض الهيمنة أو فرض القيم الغريبة إذا كانت تتعارض والمصالح القومية للدولة‪.‬‬
‫والدارس للنموذج الديمقراطي الماليزي يجد أنه نموذجاً متطو اًر وناجح في جوانب عديدة‪ ،‬وحسبه أنه‬
‫استطاع أن يستوعب التباينات العرقية والدينية والثقافية المتعددة‪ ،‬وأن يحافظ على االستقرار االجتماعي‬
‫الضروري لعملية التحديث والتنمية‪ ،‬كما ساعد في الوقت نفسه على تحقيق تقدم اقتصادي غير مسبوق‪.‬‬
‫فهو بهذا نظام فريد‪ ،‬نظام يروج لإلسالم في الوقت الذي يمارس فيه أنماط اقتصادية رأسمالية‪ ،‬حيث‬
‫يجمع‪ ،‬علي سبيل المثال‪ ،‬في السياسة االقتصادية بين الرأسمالية الليبرالية من جهة‪ ،‬وبين التدخل‬
‫الحكومي في االقتصاد من ٍ‬
‫جهة ثانية‪ ،‬وهو نظام يحمي الخصوصية الطبقية والثقافية لألعراق المختلفة‬
‫من ٍ‬
‫جهة ثالثة‪ ،‬وفي ذات الوقت يعمل على غرس المشاعر الوطنية في أذهان المواطنين على اختالف‬
‫معتقداتهم‪ ،‬ولقد ترتب علي الممارسة التطبيقية لهذا النظام في الديموقراطية نتائج طيبة ومبهرة‪ ،‬وال‬
‫عجب في ذلك فقد انتقلت هذه الدولة تحت مظلته إلي مصاف الدول المتقدمة مستلهم ًة في ذلك النتائج‬
‫المتحققة‪ ،‬تارك ًة التشدق والتغني بالنظم الديموقراطية الجوفاء التي دفعت بالعديد من الدول النامية إلي‬
‫غياهب التخلف والمزيد من التبعية‪.‬‬

‫‪ 3-3‬األحوال االقتصادية ملاليزيا بعد االستقالل‬


‫تحظي تجربة ماليزيا علي وجه الخصوص بنقاش جاد‪ ،‬وتستحق أن نلقي عليها المزيد من‬
‫الضوء لعل أسرار نجاحها تكون دروس ًا نتعلم منها وتضئ لنا الطريق الذي لم نضع أقدامنا عليه بعد‪،‬‬
‫فقد كانت ماليزيا دول َة غارق َة في الجهل والفقر والمرض‪ ،‬ال يعرف أهلها سوي زراعة األرز واستهالكه‬
‫‪20‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫ولم تعرف الدولة الموحدة إال عام ‪ ،)Andaya, 2001, P331( 1963‬ولم يعرف سكان كوااللمبور‬
‫الكهرباء والطرق الممهدة‪ ،‬وأغلب السكان ال يعرفون سوي األكواخ بيوتاً‪ ،‬ولكن في غضون أربعة عقود‬
‫من الزمن‪ ،‬ارتفعت مستويات المعيشة من ‪ 350‬دوالر كدخل سنوي للمواطن الماليزي قبل بداية التنمية‪،‬‬
‫إلي نحو ‪ 12600‬دوالر في عام ‪ ،2016‬محتلة بذلك المرتبة الـ‪ 48‬عالمي ًا‪ ،‬والثانية في جنوب شرق‬
‫آسيا بعد سنغافورة فقط‪ ،‬وذلك بين دول العالم التي يصل عددها إلي ‪ 188‬دولة (تقرير التنمية البشرية‪،‬‬
‫‪.)2016‬‬
‫دولة زر ٍ‬
‫اعية تعتمد على تصدير زيت النخيل واألخشاب وزراعة األرز‪ ،‬إلي‬ ‫وتحولت من ٍ‬
‫ٍ‬
‫صناعية تصنع وتصدر األجهزة اإللكترونية‪ ،‬وكل متطلبات أجهزة الكمبيوتر‪ ،‬والسيارات‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬
‫دولة‬
‫تحولت من ٍ‬
‫بيوت من طين وأكواخ من الصفيح إلي ناطحات سحاب وبيوت حديثة ال تقل عن نظيرتها‬
‫في اليابان أو الواليات المتحدة وشوارع وطرق سريعة وسكك حديدية متطورة ال تقل عن نظيرتها في‬
‫الدول المتقدمة‪ ،‬ومن جامعة حكومية واحدة في عام ‪ 1963‬إلى ‪ 20‬جامعة حكومية و‪ 33‬جامعة‬
‫خاصة و‪ 34‬جامعة تكنولوجية متخصصة في عام ‪ ،2011‬ولم يكن هناك سوي‪11‬ألف طالب ًا ماليزي ًا‬
‫يدرسون في الخارج عام ‪ 1963‬أصبح العدد ‪ 91.554‬طالباً يدرسون في أستراليا والواليات المتحدة‬
‫والصين واليابان ومصر‪ ،‬كما سنري في النهضة التعليمية فيما بعد‪.‬‬
‫وتولي تنكو عبد الرحمن رئاسة الحكومة فيها عام ‪ ،1957‬وحرص على إقامة أسس الدولة‬
‫الماليزية على أساس االلتزام بتعاليم اإلسالم في القضاء على الجهل والفقر والمرض‪ ،‬ثم تبعه تون‬
‫وضوحا في تبنيه شعارات إسالمية تواكبت مع الصحوة‬
‫ً‬ ‫عبد الرازق عام ‪ ،1970‬والذي كان أكثر‬
‫اإلسالمية التي عمت العالم اإلسالمي في السبعينيات‪ ،‬فقام في عام ‪ 1971‬بوضع خطة لمدة عشرين‬
‫عام ًا سميت "السياسة االقتصادية الجديدة" من أجل تحقيق توزيع أكثر عدالً للثروة بين األعراق المتعددة‬
‫وإنعاش االقتصاد الوطني (حسين‪ ،2004 ،‬ص‪ .)34‬وأفسحت السياسة االقتصادية الجديدة المجال‬
‫االقتصادي للماليو‪ ،‬وساهمت في توزيع أكثر عدالً للثروة‪ ،‬وتمكن الماليو‪ ،‬من تكوين ثروات كبيرة‪،‬‬
‫وازداد التعاون واالتصال بين األعراق بشكل لم يسبق له مثيل‪ ،‬وتوسعت الطبقة المتوسطة بشكل ملفت‬
‫لالنتباه‪ ،‬كل هذا ساعد على إيجاد حالة اجتماعية مستقرة وعمل على إذابة الفروق الطبقية والعرقية‬
‫أيضاً (بشير‪ ،2008 ،‬ص ‪.)95‬‬

‫‪21‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫ثم ما وطئي أن كانت المرحلة الثالثة األكثر صراحة في تبني المنهج اإلسالمي مع بداية‬
‫الثمانينيات مع تولي مهاتير محمد رئاسة الحكومة‪ ،‬حيث ركز في البداية على تحفيز النمو‪ ،‬من خالل‬
‫تطبيق عدد من الحزم المعيارية لتنشيط نمو الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬وتحقيق المساواة والعدالة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وحققت ماليزيا خالل العقدين األخيرين من القرن العشرين نمواً وازدها اًر متمي اًز فاق كل‬
‫التوقعات‪ .‬وبعد أزمة الثمانينات‪ ،‬تمتعت ماليزيا بعقد من النمو االقتصادي غير مسبوق بلغ ‪%8‬‬
‫سنوياً‪ ،‬فضالً عن أن هذا النمو قام على أساس صناعي وإنتاجي‪ .‬ومع نهاية التسعينات حققت السياسة‬
‫الجديدة ووريثتها سياسة التطوير الجديدة التي بدأت في عام ‪ 1991‬الكثير من المكاسب االقتصادية‪،‬‬
‫كما أنهت التوترات العرقية كلي ًا‪ .‬فقد نما االقتصاد نمواً قوي ًا‪ ،‬وأدى هذا النمو إلى ازدهار غير مسبوق‬
‫لكل األعراق في الدولة‪ ،‬وأصبح بإمكان الحكومة اتخاذ إجراءات أكثر تحررية في المجال االقتصادي‬
‫فبدأت بالتخفيف تدريجياً من خطط التغيير الموجهة حكومياً‪ ،‬وكأنها سياسة لمواجهة متطلبات وتحديات‬
‫العولمة‪.‬‬
‫وما برح القادة عن إعالن هدف جديد أسموه رؤية ‪ ،2020‬والتي تهدف إلى أن تصبح ماليزيا‬
‫بحلول عام ‪ 2020‬دولة متقدمة وتتمتع بمستوى معيشي مرتفع‪ ،‬فرؤية ‪ 2020‬هي خطة لثالثين سنة‪،‬‬
‫ال تحدد فقط الهدف ولكن أيضاً االستراتيجيات والخطوات التي تتوسل بها الدولة لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬
‫ٍ‬
‫متقدمة بطريقتها قبل حلول عام ‪ ،2020‬أي أن تصبح‬ ‫وهي بالطبع تدور حول تحول ماليزيا إلى ٍ‬
‫دولة‬
‫بقدر ثراء وبقدر تصنيع الدول الصناعية المتقدمة‪ ،‬بدون خسارة ٍ‬
‫ألي من شخصيتها األخالقية أو‬
‫الثقافية أو الدينية (مهاتير‪ ،2004 ،‬ص ‪.)15‬‬

‫‪ 4-3‬فلسفة التنمية يف ماليزيا‬


‫إن هللا ال يغير مصير أمة إال إذا حاولت األمة نفسها أن تتحسن (مهاتير‪ ،2004 ،‬ص‬
‫‪ ،)31‬وليس المهم هو استعراض المهارة في الجدال‪ ،‬وإنما أن تقبل ما يكون مقبوالً وتضعه موضع‬
‫التنفيذ‪ ،‬ويمكن أن يُترك الباقي جانباً‪ ،‬والمثل يقول "اللذين يستطيعون‪ ..‬يعملون‪ ،‬أما اللذين ال‬
‫يستطيعون‪ ..‬ينتقدون"‪ ،‬هكذا يبدأ مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا موسوعته وتحديدا المجلد الثاني‪،‬‬
‫ويري أن الجدال جزء من تراث أبناء الماليو‪ ،‬وتكون النتيجة النهائية لكل سلسلة من الجدال هي‬
‫اكتشاف أن الفكرة األصلية واآلراء المطروحة في النقاش كلها ليست مقبولة‪ .‬وحيث أن األفكار ليست‬
‫أي منها‪ ،‬وهكذا يبقي األمر دائماً على ما هو عليه‪ ،‬رغم أن ذلك عيب واضح‬
‫مقبولة فال يمكن أتباع ٍ‬
‫وينبغي تغييره‪ ،‬ولقد لقي كثير من األفكار البناءة مثل هذا المصير‪ ،‬ففي كل مرة تناقش فكرة‪ ،‬تُشحذ‬
‫‪22‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫الطاقات واألفكار‪ ،‬ال من أجل تطبيقها وإنما إلخضاعها لنقاش ممتد ومناظرة طويلة‪ ،‬فهناك ممن‬
‫يكتبون الكتب لمجرد إثارة القضايا الجدلية‪ .‬وهناك من يكون بهبة التلباثي واستكناه األلفاظ والرؤى‬
‫السديدة‪ ،‬وهذا ما يفيد البالد والعباد‪.‬‬
‫وتقوم فلسفة التنمية في ماليزيا على فكرة أن التنمية االقتصادية والبشرية تقود إلى المساواة‬
‫في الدخل‪ ،‬ولذلك البد وأن تنعكس مكاسب التطور االقتصادي على حياة الفرد بمختلف مناحيها‪،‬‬

‫كتوجيه االهتمام نحو ترقية المنظومة التعليمية والنهوض بها‪ ،‬مما يؤدي إلي خلق سياقاً تنموياً متكامالً‬
‫ينعكس على تحسين باقي القطاعات‪ ،‬بشرط أن يكون الفقراء والعاطلين عن العمل والمجموعات العرقية‬
‫األكثر فق اًر هم أول المستفيدين من ذلك‪ ،‬والشك أن اإليمان بهذه الفلسفة دافعه األول أن العالقة بين‬
‫زيادة النمو ومستوي الفقر عكسية‪ ،‬ألن وصول الفقراء إلى تعليم أفضل وإلى صحة أفضل قد ساهما‬
‫بفعالية في عملية تسريع وزيادة معدالت النمو االقتصادي‪ .‬وقد قامت فلسفة التجربة الماليزية وفق‬
‫الرؤية اإلسالمية للنظام االقتصادي على عدد من المبادئ ‪:‬‬
‫(‪ )1‬الملكية المزدوجة‪ ،‬حيث يجمع النظام اإلسالمي بين الملكية العامة والملكية الخاصة‪،‬‬
‫فاإلسالم يحمي الملكية الخاصة ويرعاها إذا كانت من مصادر مشروعة‪ ،‬ويضع قيد‬
‫المصلحة العامة على توسع ولي األمر في الملكية العامة‪.‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )2‬الحرية االقتصادية التي تكفل للقطاع الخاص حرية ممارسة النشاط االقتصادي بما ال‬
‫يتعارض مع المصلحة العامة‪ ،‬بل أن يعمل في إطار المصلحة العامة للمجتمع‪ ،‬وأن تقوم‬
‫الدولة بتهيئة المناخ المناسب للقطاع الخاص‪ ،‬وتراقب نشاطه لكي يكون متفًقاً مع قواعد‬
‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )3‬العدالة االجتماعية التي تُبنى على التكافل االجتماعي والتوازن العام‪ ،‬والتي تتمثل في التوزيع‬
‫العادل للدخل والثروة بين كافة أفراد المجتمع دون تمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو‬
‫السن أو اللون‪ ،‬أو غير ذلك من األسباب‪.‬‬
‫(‪ )4‬وصول نسبة الفائدة إلى الصفر‪ ،‬والذي يتوافق مع تحريم الربا في الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫ورغم السير علي هدي هذه الفلسفة المستنيرة في تحقيق التنمية المرجوة‪ ،‬إال أن الطريق إليها‬
‫كان محفوفاً بالمشاكل والصعاب‪ ،‬فلقد واجه رئيس الوزراء "مهاتير محمد" نفس المشكالت‬
‫التقليدية الشائعة في الشعوب النامية مثل‪ :‬انتشار الجهل واألمية‪ ،‬وانعدام المهارات اإلنتاجية‪،‬‬

‫‪23‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫وغياب روح اإلبداع والمغامرة‪ ،‬والميل األصيل إلى الكسل‪ ،‬إضافة إلى الهزيمة النفسية وانعدام‬
‫الطموح وعدم الرغبة في التع لم أو النهوض والتقدم‪ ،‬وكانت هذه هي السمات األساسية‬
‫الراسخة في وجدان الشعب الماليزي ـ خاصة السكان األصليين‪ ،‬حتى أفرد مهاتير محمد‬
‫لهذه القضية كتابا سماه معضلة الماليو‪ ،‬ولعل من أمثلة ما ذكره بهذا الخصوص‪:‬‬
‫عندما كانت الدولة تخصص لألغلبية الماليو من السكان األصليين حصص ًا وأسهم ًا‬ ‫أ‪.‬‬
‫في صناديق االستثمار والشركات الوطنية‪ ،‬بل كانت ُتلزم المستثمرين األجانب‬
‫بتخصيص حصة قدرها ‪ %30‬من أسهم شركاتهم للسكان األصليين (الماليو) في‬
‫صناديق االستثمار والشركات الوطنية‪ ،‬وبسبب ميلهم الطبيعي إلى الكسل فقد كانوا‬
‫يقومون ببيع تلك األسهم إلى الصينيين لجنى أربا ٍح سريعة بدالً من المغامرة واالستثمار‬
‫وجني أرباح أكثر على المدى البعيد‪.‬‬
‫ّ‬
‫ب‪ .‬وأيضاً عندما كانت الدولة تسند إلى شركاتهم الخاصة مشاريع قومية كانوا يسارعون‬
‫إلسنادها من الباطن للمقاولين الصينيين‪ ،‬وتفضيل جنى ربح سريع من فرق السعر‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وجنى المزيد من األرباح‪ ،‬أو حتى االستفادة من الخبرات‬ ‫بدالً من تنفيذها بأنفسهم‬
‫ّ‬
‫التنفيذية‪.‬‬
‫وبطبيعة الحال في أي تجربة اقتصادية‪ ،‬كان لزام ًا على مهاتير محمد أن يحتذي بتجارب‬
‫سابقة ناجحة‪ ،‬ولم يرغب أن يكون انطالقه عشوائي ًا‪ ،‬وقد كان أمام أحد خيارين‪ :‬إما الشرق أو الغرب‪،‬‬
‫فكان الخيار األول‪ .‬حيث ُسميت سياسته باالتجاه شرقاً‪ ،‬واستقر اختياره على المعجزة اليابانية فجعلها‬
‫أمامه قدوة ومثالً أعلى‪ ،‬وراحت مقولة مهاتير محمد تلخص وتبلور ذلك‪ ،‬والتي قال فيها "عندما أردنا‬
‫أن نصلي اتجهنا صوب مكة وعندما أردنا التقدم اتجهنا صوب اليابان "وقد كان توجه مهاتير محمد‬
‫ناحية اليابان مستلهماً من تجربة نجاحها الملحوظ بشكل كبير‪ ،‬فهي خبرة وتجربة دولة خرجت من‬
‫الحرب منهارة‪ ،‬قامت بإعادة بناء األرض واإلنسان‪ .‬وعليه اختارت ماليزيا اليابان التي تحتل مكانة‬
‫عالمية وإقليمية على كافة المستويات وخاص َة التصنيعية‪ ،‬حي ث تجاوز حجم إجمالي الناتج المحلي‬
‫الياباني عدة مرات إجمالي الناتج المحلي لدول شرق أسيا مجتمعة‪ ،‬بما فيها الصين خالل فترة‬
‫الثمانينات‪ ،‬وكانت اليابان من األسباب الجوهرية التي ساهمت في يقظة وتوعية الشعب اآلسيوي مما‬
‫أطلق عليه "وهم التفوق األوربي"‪ .‬وتري ماليزيا أن االستراتيجية التي انتهجتها اليابان في إنتاج سلع‬

‫‪24‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫جيدة بأسعار زهيدة ساهمت بشكل كبير في تحقيق تفوقها على المنتجات األوربية واألمريكية ذات‬
‫األسعار المرتفعة‪ ،‬وبالتالي نجحت في السيطرة على أسواق آسيا وأفريقيا‪ ،‬باإلضافة إلى إتباع سياسة‬
‫منهجية في التصنيع‪ ،‬وإيجاد ق يادات تتمتع بمستوى علمي فائق‪ ،‬وتتميز بالتطور واإلبداع‪ ،‬وعلى‬
‫المستوى المعنوي نجد في اليابان االلتزام األخالقي والمهني بقيم العمل اآلسيوية‪ ،‬مما يستتبعه التفاني‬
‫والجدية في األداء المهني (عبد الواحد‪ ،2012 ،‬ص‪.)84‬‬
‫ولقد استعرض بالتفصيل مسألة (أخالق العمل) لدي العامل الياباني‪ ،‬وتحدث عن االجتهاد‪،‬‬
‫والعمل الدؤوب‪ ،‬والروح الوطنية‪ ،‬واالفتخار بالمنتجات‪ ،‬ودقة التنظيم‪ ،‬والمهارات اإلدارية‪ ،‬والشمولية‪،‬‬
‫واالهتمام بأدق التفاصيل في اإلنتاج‪ ،‬حتى أنه امتدح (ثقافة العار) اليابانية والتي تجعل العامل الياباني‬
‫يفضل الموت على شعوره بالفشل أو حتى التقصير (ميتكيس‪ ،2007 ،‬ص‪ .)25‬وهو تنمية حس‬
‫الخجل من الفشل‪ ،‬مما يعزز قيم التحدي في اإلنجاز‪ ،‬فتجد الياباني كمواطن وعامل‪ ،‬ينتمي إلى قيم‬
‫األخالق واألمانة‪ ،‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬يحرص على تقديم منتج منافس عالي الجودة‪ .‬ومن ناحية أخري‬
‫شعور العامل الياباني بالف خر بما يقدمه من إنتاج متميز ذو قدرة تنافسية عالية‪ ،‬دون النظر فقط إلى‬
‫ما يتقاضاه من مقابل مادي لذلك العمل‪ ،‬كل هذه السمات المميزة للعامل الياباني دفعت مهاتير محمد‬
‫لنقل التجربة إلى ماليزيا عبر جهود متواصلة‪ .‬ويري أنه إذا أمكن حمل العمال الماليزيين على تطوير‬
‫ثقافة العمل اليابانية وجعلها جزءاً مكمالً من عاداتهم وروتين عملهم‪ ،‬فسيثمر عملهم عن منتجات‬
‫تضاهي المنتجات اليابانية‪.‬‬
‫ويري أيضاً أن حقائق التاريخ ماثلة أمامنا وتمدنا بالدروس اليومية (‪Milne, 1999, PP65-‬‬
‫‪ .)80‬واللذين ال يزالون يتمسكون بالنظر غرباً )‪ ،(Look West‬تخونهم الحقائق اليومية وسيضيعون‬
‫وقت ًا ثمين ًا على شعوبهم‪.‬‬
‫ويري رئيس الوزراء الماليزي أن بعض المتحذلقين من البشر يتصورون أن الشركات األمريكية‬
‫تنتقل إلى آسيا بسبب رخص اليد العاملة وأنه ليست هناك قوانين تحمي الموظفين والعمال‪ ،‬ويغفلون‬
‫عن أن أجر اليد العاملة جزء بسيط جداً من تكلفة اإلنتاج خصوص ًا في الصناعات األتوماتيكية ( كثيفة‬
‫رأس المال) التي تعتمد على اآللة والروبوت‪ ،‬وال تحتاج إلى يد عاملة كثيرة ولكنها بالمقابل في حاجة‬
‫ماسة لليد العاملة النوعية‪ ،‬ذات الكفاءة العالية التي توفرها هذه األسواق‪ ،‬حيث أن حكومات هذه الدول‬
‫األسيوية أسست نهضتها المعاصرة على دعم قطاع التعليم وتطوير قدرات شعوبها على استيعاب‬

‫‪25‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫وتطوير التكنولوجيا المعاصرة‪ .‬والمخطئون وحدهم من يتصورون أن دور الصينين والهنود في مصانع‬
‫(‪ )Dell‬األمريكية أو (‪ )Intel‬يقتصر على حراسة المبنى أو الرد على المكالمات التليفونية‪ ،‬وما ال‬
‫يعلمونه أن هذه الشركات العمالقة أصبحت تجد صعوبة كبيرة في توظيف تقنيين ذوي مستوى عال‬
‫من المجتمع األمريكي الذي تدهور فيه التعليم‪ ،‬وخصوص ًا التعليم الفني‪ ،‬إلى مستويات دنيا‪ ،‬على حد‬
‫تعبيره‪ ،‬مقارن ًة بمستويات التعليم والتدريب بدول شرق آسيا‪ ،‬وهم اآلن على أبواب نقل وحدات البحث‬
‫والتطوير (‪ )Research & Development‬إلى الهند والصين وكوريا‪.‬‬

‫‪ 5-3‬االنطالق حنو التنمية‬


‫تُمثل ماليزيا ـ ـ بحق ـ ـ حالة فريدة ومتميزة بين الدول اإلسالمية‪ ،‬ليس فقط بسبب نجاحها‬
‫المبهر في عملية النهضة والتنمية االقتصادية‪ ،‬ومن ثم بلوغها مرتبة متقدمة بين األمم الصاعدة‪ ،‬وإنما‬
‫أيض ًا بسبب براعتها في التعامل مع كل المعضالت والتحديات التي واجهتها‪.‬‬
‫في بادئ األمر‪ ،‬تم اللجوء إلى االستراتيجية التقليدية‪ ،‬وهي اإلحالل محل الواردات‪.‬وكانت‬
‫البداية التركيز على صناعات السلع االستهالكية التي كان معظمها مملوكاً لشركات أجنبية‪ ،‬وهذه‬
‫االستراتيجية في التصنيع تعنى التصنيع المحلي للسلع التي يتم استيرادها من الخارج‪ ،‬وبالفعل تكونت‬
‫نواة صناعية‪ ،‬عبارة عن صناعات صغيرة كصناعة األغذية‪ ،‬ثم تطور األمر لصناعة مواد البناء‬
‫والطباعة والبالستيك والمواد الكيميائية‪ ،‬وساندت الدولة هذه الخطوة الناجحة بإصدار قانون تشجيع‬
‫االستثمار في سنة ‪ ،1968‬لجذب االستثمارات األجنبية بهدف زيادة القاعدة الصناعية‪ ،‬وبالفعل حدث‬
‫توسع في إنتاج زيت النخيل والخشب والمطاط والكاكاو‪ ،‬كما شهد القطاع النفطي تطو اًر كبي اًر‪ ،‬مما‬
‫وضع ماليزيا على خارطة الدول المصدرة للبترول والغاز‪ .‬وفي مطلع السبعينات شجعت الحكومة‬
‫دخول االستثمارات األجنبية في مجال اإللكترونيات وصناعة النسيج‪ ،‬وذلك بتوفير العمالة الماليزية‬
‫وتقديم حوافز ضريبية مغرية‪ ،‬وإصدار التراخيص للمنتجات األجنبية‪ ،‬وإنشاء مناطق تجارة حرة‪ ،‬كما‬
‫بدأت الحكومة تستضيف الشركات الكبرى متعددة الجنسيات لتشغيل الخطوط اإلنتاجية في ماليزيا‪،‬‬
‫فشهدت هذه المرحلة االنتقال من سياسة إحالل الواردات إلى سياسة التصنيع الموجه إلى التصدير‪،‬‬
‫حيث وجدت ماليزيا أن سياسة إحالل الواردات قاصرة عن تلبية طموحاتها التنموية‪ ،‬نظ اًر لضيق السوق‬
‫المحلية وضعف حجم الطلب المحلي‪ ،‬والذي عزز من ضعفه سوء توزيع الدخول بين فئات المجتمع‬

‫‪26‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫المختلفة‪ .‬ومن ثم أصبحت األرض الماليزية ممهدة وجاهزة لالنطالق واللحاق بركب الدول المتقدمة‪.‬‬
‫ويمكن تقسيم التحوالت التي لحقت بمسار التنمية في ماليزيا منذ نهاية الستينات‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬

‫(‪ )1‬حقبة السبعينات‪:‬‬


‫وتغطي تلك الحقبة كال من الخطة الماليزية الثانية (‪ )1975-1971‬والخطة الماليزية الثالثة‬
‫(‪ ،) 1980-1976‬وقد اتسم التحول في هذه الفترة بتطوير دور الدولة التدخلي‪ ،‬وتوسيع رقعة القطاع‬
‫العام في الحياة االقتصادية الماليزية‪ .‬كما شهدت تلك الفترة بداية التوجه التصديري في عمليات‬
‫التصنيع‪ ،‬حيث بدأ التركيز على صناعة المكونات اإللكترونية وبعض المنتجات التصديرية‪ .‬وقد‬
‫اتسمت هذه الصناعات التصديرية بأنها كثيفة العمالة‪ ،‬مما نتج عنه التوسع الكبير في زيادة حجم‬
‫العمالة‪ ،‬وبالتالي انخفاض معدل البطالة وتحسنت إنتاجية العمل‪.‬‬

‫(‪ )2‬فترة التصنيع الثقيل (‪:)1985-1981‬‬


‫وهي الفترة التي تغطيها الخطة الماليزية الرابعة (‪ ،)1985-1981‬وتمثل بداية مسيرة التنمية‬
‫التي تم تصميمها في ظل قيادة مهاتير محمد‪ ،‬حيث تركزت عملية التنمية في محورين‪:‬‬
‫موجة جديدة من الصناعات التي تقوم بعمليات اإلحالل محل الواردات‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫ب‪ .‬الصناعات الثقيلة في إطار ملكية القطاع العام‪.‬‬
‫واهتمت ماليزيا بإنشاء ما يسمى بمناطق النمو االقتصادي وهي خمس مناطق‪:‬‬
‫إسكندر ماليزيا في جنوب والية جوهر‪.‬‬ ‫•‬
‫المنطقة االقتصادية الشمالية‪.‬‬ ‫•‬
‫منطقة الساحل الشرقي االقتصادية‬ ‫•‬
‫منطقة صباح للتنمية‪.‬‬ ‫•‬
‫منطقة سا ارواك للطاقة المتجددة‪.‬‬ ‫•‬
‫ولقد شكلت المنتجات الصناعية المصدرة أكثر من ‪ %85‬من إجمالي صادرات ماليزيا في‬
‫عام ‪ ،2008‬كما عملت على تطوير البنية التحتية والبنية التجارية‪ ،‬أما قطاع الخدمات فقد عرف نمو‬
‫ملحوظ وصل ‪ %7.9‬في عام ‪( 2008‬هيئة التنمية الصناعية‪ .)2011 ،‬وتمثل هذه الفترة مرحلة‬
‫تعميق القاعدة الصناعية في االقتصاد الماليزي‪ ،‬قبل االنطالق إلى آفاق التصدير‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫(‪ )3‬مرحلة التحرير االقتصادي (‪:)2000-1986‬‬


‫تتسم هذه الفترة بإنجاز ثالث خطط خمسية مترابطة‪ ،‬وهي‪ :‬الخطة الماليزية الخامسة‬
‫(‪ )1990-1986‬والخطة الماليزية السادسة (‪ )1995-1991‬والخطة الماليزية السابعة (‪- 1996‬‬
‫‪ ،) 2000‬حيث تبلور في هذه الفترة مشروع مهاتير محمد في التنمية االقتصادية المنفتحة على العالم‬
‫الخارجي من دون التخلي عن المقومات االقتصادية والقيم الوطنية‪ ،‬ونتج عن هذه الخطط تحقيق‬
‫معدالت نمو عالية جنبت ماليزيا الوقوع في شرك الدول الغربية‪.‬‬
‫وأكد مهاتير محمد أن ما شجع المستثمرين‪ ،‬هو اإلعفاءات الضريبية التي كانت مغرية‪ ،‬في‬
‫حين استفاد االقتصاد الماليزي من قدرة العمالة الماليزية على التدريب على الحرف اليدوية والمهن‬
‫الصنا عية المختلفة‪ ،‬والتدريب على كافة المهارات‪ .‬وأشار في السياق ذاته‪ ،‬إلى أن األسواق الصناعية‬
‫استنفذت العمالة الماليزية المتوافرة‪ ،‬وبدأت الدولة باستيراد العمالة من الخارج‪ .‬ولعل أبرز ما يميز هذه‬
‫المرحلة‪ ،‬تلك الطفرة االقتصادية‪ ،‬حيث أصبحت فيها ماليزيا دولة صناعية متقدمة‪ ،‬يساهم قطاعي‬
‫ّ‬
‫الصناعة والخدمات فيها بنحو ‪ % 90‬من الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬وفي عهده بلغت نسبة صادراتها‬
‫من السلع المصنعة ‪ % 85‬من إجمالي صادراتها‪ ،‬بينما الصادرات المصنعة عالية التقنية والتكنولوجيا‬
‫تمثل ‪ %58‬من إجمالي الصادرات المصنعة الماليزية بما يوضح التقدم الملموس في الصناعات التي‬
‫تحتوي على تقنية عالية‪ ،‬مثل الكومبيوتر ووسائل االتصال‪ .‬وإذا نظرنا‪ ،‬مثالً‪ ،‬إلى دولة متقدمة مثل‬
‫ألمانيا‪ ،‬نجد أن صادراتها الصناعية تمثل ‪ %84‬من إجمالي صادراتها‪ ،‬بينما تمثل الصادرات عالية‬
‫التقنية ‪ %17‬من إجمالي الصادرات المصنعة‪ .‬بينما في مصر تمثل الصادرات المصنعة عالية التقنية‬
‫نسبة ‪ % 1‬فقط من إجمالي الصادرات الصناعية‪ .‬وتبلغ نسبة البطالة في ماليزيا ‪( %3‬تقديرات‬
‫‪ ،)2006‬بينما هي في فرنساـ على سبيل المثالـ ‪ %4.3‬وفي ألمانيا ‪ %5‬مما يوضح لنا تفوقها على‬
‫الدول الصناعية الكبرى (تقرير التنمية البشرية‪ .)2005 ،‬وأنتجت ‪ %80‬من السيارات التي تسير في‬
‫طرقاتها‪ ،‬وأصبحت من أنجح الدول في جنوب شرق آسيا‪ ،‬بل وفي العالم اإلسالمي بأكمله‪ .‬ورغم أن‬
‫ماليزيا التي فرضت ‪ %40‬ضرائب على الشركات والصناعات من قبل‪ ،‬أعادت تخفيض تلك النسبة‬
‫إلى ‪ ،%26‬لكن من دون أن تتأثر إيرادات الدولة من الضريبة‪ ،‬وهو مؤشر اقتصادي يدل على قوة‬
‫السوق الماليزي وانتعاشه‪ .‬ومن واقع التقارير والدراسات العالمية‪ ،‬نستطيع أن نرى وبوضوح المكانة‬
‫التي استطاعت هذه الدولة أن تحفرها لنفسها بين دول العالم المتقدم‪ .‬فإجمالي الناتج القومي لماليزيا‬
‫‪28‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫بلغ ‪ 398.5‬مليار دوالر لعام ‪( 2016‬أنظر جدول رقم ‪ ،)13‬وبلغ معدل النمو السنوي للناتج القومي‬
‫‪( % 5.9‬تقديرات ‪ ،)2006‬ووصلت قيمة صادراتها إلى ‪ 147.1‬مليار دوالر (تقديرات ‪،)2005‬‬

‫‪ -4‬حماور التنمية االقتصادية يف ماليزيا‬


‫اعتمدت عملية التنمية االقتصادية على المحاور األساسية األتية‪:‬‬
‫البعد اإلسالمي في التجربة الماليزية‪.‬‬ ‫•‬
‫االهتمام بالتعليم والصحة‪.‬‬ ‫•‬
‫القضاء على الفقر‪.‬‬ ‫•‬
‫القضاء على البطالة‪.‬‬ ‫•‬
‫جذب االستثمارات األجنبية‪.‬‬ ‫•‬
‫االهتمام بالتصنيع والتركيز على التصنيع الموجه للتصدير للخارج‪.‬‬ ‫•‬
‫وسنعرض لذلك كما يلي‪:‬‬
‫‪ 1-4‬احملور األول‪ :‬البعد اإلسالمي يف التجربة املاليزية‬
‫بداي ًة ال يمكن الحديث عن طبيعة الحياة السياسية الداخلية في ماليزيا دون الحديث عن دور‬
‫اإلسالم في تطورها‪ ،‬ألنه كان دائما العنصر الرئيسي في تشكيل هوية الدولة والمجتمع على ٍ‬
‫حد سواء‪.‬‬
‫و ارحت السياسة االقتصادية الجديدة تسير علي هديه مما أدي إلي تغير هام في حياة المجتمع الماليزي‪،‬‬
‫فبدالً من أن تؤدي عملية التحديث التي َّ‬
‫مثلتها السياسة الجديدة إلى زيادة نفوذ العلمانية كما حدث في‬
‫العديد من دول العالم النامي التي اتبعت أساليب التحديث الرأسمالية الغربية‪ ،‬فإن هذه العملية زادت‬
‫من اهتمام الناس بالنشاطات الدينية خاص َة بين الماليزيين المسلمين‪ ،‬فسارت عملية التطور والتحديث‬
‫جنباً إلى ٍ‬
‫جنب مع حركة النهضة اإلسالمية والتي بدأت منذ سبعينات القرن الماضي (عبد الواحد‪،‬‬
‫‪ ،2003‬ص‪ ،)86‬حتي تُوجت بأن الحكومة نفسها تبنت بعض البرامج اإلسالمية‪.‬‬
‫حق ًا لقد كان التوجه الحكومي الداعم للحركة اإلسالمية بمثابة منهج للتكيُّف مع مطالب‬
‫عملية التحديث من جهة‪ ،‬وعملية استغالل فعال ربما ألهم عنصر من عناصر القوة داخل الدولة‬
‫جهة ٍ‬
‫ثانية‪ ،‬والحقاً لعملية العولمة‬ ‫لمواجهة اآلثار السلبية لالنخراط في النظام االقتصادي الدولي من ٍ‬

‫التي تعتبر ماليزيا من أكثر الدول انتقاداً ورفضاً لسياسات الهيمنة االقتصادية والثقافية المصاحبة لها‪،‬‬
‫من ٍ‬
‫جهة ثالثة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫وال غرو أن المسألة االقتصادية هي نقطة الضعف الرئيسة في مشروع اإلسالم السياسي‬
‫للعديد من الدول‪ ،‬فمعظم حركات اإلسالم السياسي ـ إن لم تكن كلها ـ ال تملك رؤية اقتصادية واقعية‬
‫لمواجهة المشكالت االقتصادية التي تعاني منها مجتمعاتها‪ ،‬وليس لها مشروعاً تنموياً شامالً يرتكز‬
‫على منهج علمي محدد لتطوير القطاعات االقتصادية‪ ،‬واقترابها من المسألة االقتصادية هو مجرد‬
‫خطابات استعراضية وحلول آنية دون وجود رؤية استراتيجية وبدائل حقيقية‪ ،‬حيث هناك أسباب سياسية‬
‫وتبعية دولية‪ ،‬ال يمكن تجاوزها‪ ،‬وكل ذلك أدي إلى الخلل الكبير في المقاربة بين التنمية االقتصادية‬
‫و اإلسالم في تلك الدول‪.‬‬
‫وبالنظر في تاريخ المسلمين نستطيع أن نالحظ بأن العدل ال يتحقق بصالح الحاكم فقط‪،‬‬
‫وال يتأتى بمجرد اإلعالن عن تطبيق الشريعة‪ ،‬بل بوجود نظام حكم وضوابط تحاسب الحاكم إن أخطأ‪،‬‬
‫وتأخذ بيده إن تجاوز‪ ،‬وتعزله إن خرج على مصلحة الجماعة أو أساء استخدام مصالحها‪ ،‬وهي‬
‫ضوابط قد تنبع من ضمير الحاكم ووجدانه‪ ،‬وهذا نادر في كثير من األحوال‪ ،‬فاألصح أن تكون‬
‫السلطة مقننة‪ ،‬وهذا ما تردده الدول المتقدمة في مجال السياسة واإلدارة المؤسسية وتطلق عليه مصطلح‬
‫الحاكمية الرشيدة "‪." Good governance‬‬
‫ولكن كيف ساهمت األبعاد الثقافية واالقتصادية والسياسية لإلسالم في تحقيق االستقرار‬
‫االجتماعي والسياسي في ماليزيا؟‬
‫إن ثمة ظهور النهضة اإلسالمية بشكل متزامن مع السياسة الداعمة للماليزيين ساعد على إيجاد معنى‬
‫قوي وجديداً لهم‪ ،‬هذا الواقع دفع الجماعات المتعددة إلى إظهار تميُّزها من خالل ربط العرق بالدين‪.‬‬
‫وهذا ال يعني أن هناك صراع سياسي على أساس طبقي في البالد‪ ،‬بل أن مساحة الحوار التي يتيحها‬
‫النظام السياسي ساعدت على إثراء التجربة الديمقراطية في ماليزيا‪ ،‬وجعلتها نموذجًا مختلف ًا نسبي ًا عن‬
‫النماذج الغربية للديمقراطية ويبقي اإلسالم المكون والعنصر األساسي في تشكيل هوية الماليو والعامل‬
‫المشترك األهم للمسلمين من كل الطبقات والخلفيات السياسية والفكرية والتاريخية (العكري‪،2014 ،‬‬
‫ص‪ .)38‬بل أصبح جزًء ال يتج أز من الحياة السياسية واالقتصادية في الدولة‪ .‬فتزايدت المؤسسات‬
‫اإلسالمية في المجاالت المالية والصحية والخدمات االجتماعية والسياحية واألسواق والمصانع‬
‫المختلفة‪ ،‬مما ساعد في انتقال الماليزيين لممارستهم لإلسالم من مجرد ممارسة روحية صوفية رمزية‬

‫‪30‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫إلى ممارسة مادية وواقعية أضحت طابع ًا ممي اًز للمعامالت داخل المجتمع الماليزي‪ ،‬ولقد أدي تفعيل‬
‫مفهوم "ماليزيا أمة واحدة"‪ ،‬أن أصبحت العالقة بين المسلمين وغير المسلمين مستقرة‪.‬‬
‫وبدأ االهتمام باالقتصاد اإلسالمي يأخذ أط اًر عملية بعد إنشاء الحكومة لهيئة قومية خاصة‬
‫بتنظيم وتسهيل عملية الحج إلى مكة‪ ،‬وبرهن ذلك على إمكانية نجاح المؤسسات اإلسالمية‪ ،‬فهذا‬
‫النجا ح تم النظر إليه على أنه في الحقيقة نجاح للمؤسسات المالية اإلسالمية وللفكر االقتصادي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ومع ازدهار هذا االتجاه في الثمانينات‪ ،‬بدأت مرحلة إرساء األساس لدور شامل لإلسالم‬
‫في استقرار الحياة االجتماعية واالقتصادية والسياسية على المستويين المحلي والفيدرالي‪ .‬فقامت الدولة‬
‫بتأسيس العديد من البرامج الخاصة بذلك‪ ،‬والتي كانت تهدف إلى الدفاع عن اإلسالم من جهة والى‬
‫دعم عملية التحديث االقتصادي من جهة أخرى‪ .‬ومن أهم المؤسسات التي ساهمت في دعم استراتيجية‬
‫االقتصاد اإلسالمي هذه‪ ،‬كلية المعلمين اإلسالمية ‪ ،1982‬والجامعة العالمية اإلسالمية ‪،1983‬‬
‫والبنك اإلسالمي ‪ ،1983‬ومؤسسة التطوير اإلسالمية ‪ ،1984‬وشركة التأمين اإلسالمية (تكافل)‬
‫‪ ،1985‬وغيرها‪ ،‬ولعل أهم هذه المؤسسات هو البنك اإلسالمي الذي تأسس وفق ًا لميثاق البنوك‬
‫اإلسالمية لعام ‪ .1983‬ولقد ساهمت الحكومة الفيدرالية من خالل مؤسساتها المالية المتعددة‪ ،‬وهيئة‬
‫الحج بنحو ‪ %65‬من رأس المال المدفوع للبنك اإلسالمي‪ ،‬بينما ساهمت الواليات المحلية ببقية رأس‬
‫المال‪ .‬ولقد حقق البنك نجاحًا كبي اًر حتى أن عدداً كبي اًر من المتعاملين مع البنك هم من غير المسلمين‪.‬‬
‫فمثالً‪ ،‬تشير التقارير البنكية لعام ‪ 1995‬إلى أن حوالي ‪ %40‬من أصحاب حسابات االستثمار العام‬
‫في البنك اإلسالمي هم من غير المسلمين‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1993‬أطلقت الحكومة مشروع مالي إسالمي بدون فائدة يشمل البنوك المحلية‬
‫والمؤسسات المالية األخرى المهتمة بإدارة األعمال المالية واالقتصادية بطريقة إسالمية‪ .‬ولقد أدى‬
‫نجاح المؤسسات المالية اإلسالمية وازدياد الطلب على الخدمات المالية التي تُقدم وفقاً للنظام‬
‫اإلسالمي‪ ،‬إلى اإلقبال حتى من قبل المستثمرين غير المسلمين‪ .‬ولهذا فقد تم إنشاء نظام مصرفي‬
‫مزدوج إسالمي وتقليدي يسيران بشكل متوازي‪ .‬وقد حقق هذا النظام نجاحًا ملحوظ ًا أيض ًا‪ ،‬وقام البنك‬
‫المركزي بالموافقة على تأسيس بنك إسالمي ثاني هو بنك المعامالت‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل أن النجاح‬
‫الفريد الذي حققته البنوك اإلسالمية قد دفع معظم البنوك األخرى بما فيها البنوك الغربية واليابانية‬
‫المستثمرة في ماليزيا مثل "سيتي بنك" وغيره من تبني سياسة النظام المزدوج الممثل في (الفائدة‬

‫‪31‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫والمرابحة)‪ .‬ولم يقتصر النشاط االقتصادي اإلسالمي على البنوك بل تعداها إلى مشاريع مالية أخرى‬
‫تم توجيهها لخدمة الطبقات األقل دخالً في المجتمع‪ .‬وانتهاجاً لضمان العدالة االجتماعية وتخفيض‬
‫الفجوة بين الفقراء واألغنياء قامت الحكومة بتأسيس صندوق ائتمان خاص يهدف إلى منح قروض‬
‫للفقراء بدون فائدة‪ .‬وباختصار ‪ ،‬لقد أصبح هذا النظام المالي الذي يعمل بنجاح منذ أكثر من ‪ 30‬عام ًا‬
‫جزًء من الحياة اليومية للماليزيين‪.‬‬
‫أيضاً الخصوصية الكبيرة التي عالجت بها قضية التعدد العرقي واستطاعت تحويلها من‬
‫نقطة ضعف ومصدر للصراع إلى مصدر قوة‪ ،‬وذلك بتحقيق العدالة بين جميع األعراق واحترام جميع‬
‫المعتقدات وترك الحرية الكاملة لهم لممارسة شعائرهم الدينية واحترام مقدساتهم ومعابدهم والحفاظ عليها‬
‫ضد أي عابث‪ ،‬ناحين في ذلك منحي التحفيز المعنوي لكل الفئات على النجاح واالستفادة من‬
‫اإليجابيات الموجودة في الثقافات المتعددة ال العمل على محوها‪ .‬ولم يستنكف مهاتير محمد في رؤاه‬
‫االقتصادية ـ أو يتردد ـ من األخذ ببعض تجارب المدارس الفكرية االقتصادية‪ ،‬من غير المسلمين‪،‬‬
‫عمالً بمبدأ الحكمة ضالة ا لمؤمن أنى وجدها أخذ بها‪ ،‬لتحقيق الرفاهية االقتصادية لكافة طوائف أبناء‬
‫شعبه‪ .‬فقد استطاعت الحكومة‪ ،‬تحت قيادته‪ ،‬تحقيق التوازن بين حماية حقوق المسـلمين وغيـر‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ولقد برهنت أعماله بأنه من العظماء القالئل الذين سيخلدهم التاريخ‪ ،‬هؤالء العظماء الذين‬
‫ينصفهم التمييز‪ ،‬وتظلمهم المساواة‪ ،‬فلم نري فري ًا يفري فريه‪ ،‬فقد استطاع بحكمته وعزيمته أن يقود‬
‫سفينة بالدة في ٍ‬
‫بحر أمواجه عاتية ومتالطمة‪ ،‬ليصل بها إلى بر األمان وتكون بالده في مصاف‬
‫الدول المتقدمة‪.‬‬

‫‪ 2-4‬احملور الثاني‪ :‬االهتمام بالتعليم والصحة‬


‫‪ 1-2-4‬االهتمام بالتعليم‬
‫تشير األدبيات إلى أن البلدان التي تمتلك رأس مال بشري مرتفع تحقق معدالت نمو مرتفعة‬
‫ومستدامة‪ ،‬وذلك على اعتبار أن التقنية تقود إلى النمو وتحتاج إلى وفرة رأس المال البشري‪ ،‬وهذه‬
‫األدبيات تحاول الربط بين الجانبين كون هناك اتجاهين بارزين في هذا الشأن‪ ،‬األول تعويضي ويرى‬
‫أن التقنية تعوض رأس المال البشري‪ ،‬في حين االتجاه الثاني هو تكاملي يرى أن التقدم التقني يغير‬
‫هيكل الطلب علي عنصر العمل‪ ،‬بمعني تغير الطلب النسبي على المهارات يؤدي إلي تحول الطلب‬

‫‪32‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫عن العمالة الغير ماهرة إلى الطلب علي العمالة األكثر مهارة وتعليم ًا‪ ،‬ومن ثمة فان األمر يستوجب‬
‫زيادة االستثمار في رأس المال البشري‪.‬‬
‫وفور الحصول على االستقالل أعطت الدولة اهتمامها األول بقضية التعليم كهدف ال غنى‬
‫عنه لتحقيق النهضة‪ ،‬وذلك ألنها تدرك أن التعليم هو الذي يكفل تنمية وصقل الموارد البشرية للدولة‪،‬‬
‫ولذا حرصت اإلدارة الماليزية منذ االستقالل على تقديم خدمات التعليم األساسي ـ لمدة إحدى عشرة‬
‫سنة ـ مجاناً‪ ،‬كما أولت الحكومة عناية كبيرة بتأسيس معاهد خاصة لتدريب المعلمين وتأهيلهم على‬
‫المستوى القومي‪ ،‬وقد كفل الدستور الماليزي حق التعليم لكل فئات المجتمع باعتباره واحداً من أهم‬
‫الحريات األساسية‪ ،‬كما أعطي الحق في إقامة مدارس طائفية لكل جماعة عرقية علي اختالف‬
‫انتماءاتها‪ ،‬وفي نفس الوقت تضمنت القوانين الماليزية الوضع الخاص للماليو خاصة فيما يتعلق‬
‫بالمنح الدراسية أو اإلمكانيات أو األنشطة أو غيرها من االمتيازات‪ .‬ويوضح الجدول التالي مقدار‬
‫ونسبة اإلنفاق العام على التعليم من إجمالي اإلنفاق الحكومي خالل الفترة ‪ 1996‬وحتى ‪:2017‬‬
‫جدول رقم (‪ )1‬النفقات الحكومية المركزية على التعليم ونسبته المئوية من اإلنفاق القومي‬
‫التغير (‪)%‬‬ ‫القيمة‬ ‫التاريخ‬ ‫التغير (‪)%‬‬ ‫القيمة (*)‬ ‫التاريخ‬
‫‪16‬‬ ‫‪5.8‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪21.7‬‬ ‫‪2.9‬‬ ‫‪1996‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪5.7‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪27.6‬‬ ‫‪3.7‬‬ ‫‪2000‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪5.5‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪21.6‬‬ ‫‪4.5‬‬ ‫‪2006‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪5.2‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪2-‬‬ ‫‪4.4‬‬ ‫‪2007‬‬
‫‪4-‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪9-‬‬ ‫‪4.0‬‬ ‫‪2008‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪4.8‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪6.0‬‬ ‫‪2009‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪4.7‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫‪16 -‬‬ ‫‪5.0‬‬ ‫‪2010‬‬
‫المصدر‪NATIONAL ACCOUNTS :Malaysia :‬‬
‫تقرير التنمية البشرية لعام ‪2006‬‬
‫(*) القيمة بالمليار دوالر‬
‫ويتضح من الجدول السابق أن اإلنفاق على التعليم كنسبة من إجمالي النفقات قد ازداد من‬
‫‪ %21.7‬عام ‪ 1996‬إلى ‪ %27.6‬عام ‪ 2000‬وهو ما يزيد عن ربع اإلنفاق القومي‪ ،‬ثم ارتفع عام‬
‫‪ 2009‬بنسبة ‪ %50‬وفي عام ‪ 2011‬بنسبة ‪ %16‬وخالل معظم سنوات الدراسة في تزايد مستمر‬
‫اللهم إال في سنوات معدودة مارس االنخفاض‪ ،‬وهذا يعكس مدي اهتمام الدولة بالتعليم باعتباره قاطرة‬

‫‪33‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫التنمية االقتصادية‪ .‬في حين أن ما تنفقه إسرائيل على التعليم ‪ %13.7‬من إجمالي نفقاتها الحكومية‬
‫لعام ‪ ،2006‬أما ما تنفقه مصر على التعليم ‪ %9‬من الميزانية العامة لعام ‪.2018/2017‬‬
‫وقد قامت الحكومة بتأسيس قاعدة ممتدة لشبكة المعلومات في المؤسسات الجامعية وإمدادها‬
‫بموارد المعرفة والبنية التحتية األساسية في هذا الصدد‪ ،‬وتدعم الحكومة جهود األبحاث العلمية في‬
‫الجامعات بواسطة مؤسسة تطوير التقنية الماليزية‪ ،‬وهي تشجع الربط بين الشركات والباحثين‪ ،‬من‬
‫ناحية‪ ،‬والمؤسسات المالية والتقنيين‪ ،‬من الناحية األخرى‪ ،‬من أجل استخدام أنشطة البحث الجامعية‬
‫لألغراض التجارية‪ ،‬وهناك العديد من مراكز التقنية التي تهدف إلى إيجاد قنوات تعاون بين األعمال‬
‫العلمية والمصانع‪ ،‬وتوفير الموارد الضرورية إلنجاز األعمال البحثية التطبيقية‪ ،‬ويلعب المجلس القومي‬
‫للبحوث العلمية والتطوير دو اًر في رعاية المؤسسات البحثية وتقوية العالقة بين مراكز البحوث‬
‫والجامعات من ناحية‪ ،‬وبين القطاع الخاص من ن ٍ‬
‫احية أخري‪ ،‬و بالتالي لم تعد الحكومة مطالبة بدعم‬
‫كل األنشطة البحثية بمفردها‪ ،‬بل شاركتها في ذلك المصانع والمؤسسات المالية واالقتصادية‪ .‬وأنشأت‬
‫أكبر جامعة إسالمية أصبحت ضمن أهم ‪ 500‬جامعة في العالم‪.‬‬
‫وقضية العلم والتعليم ومكافحة األمية تأخذ أولوياتها في ماليزيا‪ ،‬فحسبنا أن ‪ %88.7‬من‬
‫عدد السكان فوق سن الخامسة عشر عاماً يستطيع القراءة والكتابة‪ ،‬وقد كانت هذه النسبة ‪ %80‬في‬
‫عام ‪ ،1990‬مما يوضح استمرار وتواصل الجهود للقضاء على ظاهرة األمية تمام ًا‪ .‬ولعل من الالفت‬
‫للنظر أن اإلناث ما بين سن ‪ 24-15‬عام ًا تصل نسبة معرفتهن للقراءة والكتابة إلى ‪ %97.3‬وال‬
‫يخفي أن هذا هو سن الزواج وتكوين األسرة‪ ،‬وبالتأكيد ستكون األم المتعلمة أحرص على تعليم أبنائها‪.‬‬
‫وهذا ما يدعونا إلى أن نجيب على سؤال ُملِ ٍّح‪ ،‬وهو‪ :‬كيف استطاعت دولة مثل ماليزيا أن‬
‫تحقق هذا التقدم؟ وما هو دور العلم في هذا النجاح المذهل؟ وهذا التساؤل ال نبتغي من وراه التقليل‬
‫من شأن ماليزيا‪ ،‬بقدر ما هو مبعث إعجاب ودهشة‪ ،‬وشعور باالمتنان والفخر‪ ،‬وخاصة أنها دولة ذات‬
‫إمكانيات محدودة‪ ،‬فال تملك ـ مثالً ـ احتياطيات نفطية هائلة‪ ،‬مثل السعودية والعراق‪ ،‬وال تمتلك طاقات‬
‫بشرية ضخمة‪ ،‬مثل مصر‪ ،‬وكذلك فهي ال تمتلك ‪ 30‬مليون فدان صالحة للزراعة مثل السودان‪،‬‬
‫وفضالً عن ذلك‪ ،‬فمساحتها ليست شاسعة مثل الجزائر التي تقترب من ‪ 2.5‬مليون كم‪( 2‬كتاب الحقائق‬
‫الدولي األمريكي‪ ،2007 ،‬ص‪ ،) 97‬بل وعلى العكس من ذلك‪ ،‬فقد اجتمعت في ماليزيا عدة عوامل‪،‬‬

‫‪34‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫يكفي أي عامل منهم ليكون حجة للتكاسل والقعود عن العمل‪ ،‬بدالً من التنافس مع الدول المتقدمة‬
‫ومضارعتها‪ .‬فضالً عن التركيبة العرقية المعقدة (كتاب الحقائق الدولي األمريكي‪ 2007،‬ص‪.)98‬‬
‫وقد واكب هذا االهتمام بالتعليم دخول ماليزيا مرحلة التصنيع الثقيل‪ ،‬مثل صناعات األسمنت‬
‫والحديد والصلب‪ ،‬بل وتصنيع السيارة الماليزية الوطنية (بريتون)‪ ،‬ثم التوسع في صناعة النسيج‬
‫وصناعة اإللكترونيات‪ ،‬والتي صارت تساهم بثلثي القيمة المضافة للقطاع الصناعي‪ ،‬وتستوعب ‪%40‬‬
‫ّ‬
‫من العمالة‪ .‬وكانت التسعينيات من القرن الماضي مرحلة نضج الثمرة‪ ،‬حيث ُوضعت ماليزيا في قائمة‬
‫الدول المتقدمة في مجال التعليم (بشير‪ ،2002 ،‬ص‪ ،)97‬وتوافقاً مع ثورة عصر التقنية‪ ،‬قامت‬
‫الحكومة الماليزية في عام ‪ 1996‬بوضع خطة تقنية شاملة‪ ،‬من أهم أهدافها إدخال الحاسب اآللي‬
‫واالرتباط بشبكة اإلنترنت في كل مدرسة‪ ،‬بل في كل فصل دراسي‪ ،‬وبالفعل بلغت نسبة المدارس‬
‫المربوطة بشبكة اإلنترنت في ديسمبر ‪ 1999‬أكثر من ‪ ،%90‬وبلغت هذه النسبة في الفصول الدراسية‬
‫‪ ،%45‬كما أنَّه من كل ألف شخص في ماليزيا يوجد ‪ 397‬من مستخدمي اإلنترنت‪ .‬كما يوجد ‪299‬‬
‫باحث لكل مليون نسمة (مهاتير‪ ،2004 ،‬ص‪.)14‬‬
‫كما أنشأت الحكومة الماليزية العديد مما يعرف بالمدارس الذكية التي تتوفر فيها مواد دراسية‬
‫تساعد الطالب على تطوير مهاراتهم واستيعاب التقنية الجديدة‪ ،‬وذلك من خالل مواد متخصصة عن‬
‫أنظمة التصنيع المتطورة وشبكات االتصال‪ ،‬ونظم استخدام الطاقة التي ال تحدث تلوث ًا للبيئة‪.‬‬
‫وفي هذا السياق تم إنشاء أكثر من ‪ 400‬معهد وكلية جامعية خاصة‪ ،‬تقدم دراسات وبرامج‬
‫مشتركة مع الجامعات في الخارج‪ ،‬كما أتاحت الفرصة للطالب الماليزيين لمواصلة دراستهم في‬
‫الجامعات األجنبية (إبراهيم‪ ،2006 ،‬ص‪ ،)114‬ولم تنس الحكومة المرأة الماليزية‪ ،‬والتي حصلت‬
‫على نصيبها من التعليم كالرجل تمام ًا‪ ،‬بل تقدم الحكومة قروض ًا بدون فوائد لتمكين اآلباء من إرسال‬
‫بناتهم إلى المدارس وتوفير مستلزمات المدرسة‪ ،‬وتعطى الفقراء مساعدات مجانية لهذا الغرض‪ .‬ولقد‬
‫كان من محصلة ذلك أن أدت األبحاث التي أجريت على شجرة المطاط إلى مضاعفة إنتاجيتها عشر‬
‫مرات عما قبل‪ ،‬وأضحت كاأليك في الغابات‪ ،‬وبالنسبة لزيت النخيل انخفضت فترة إنتاجه إلى أربع‬
‫سنوات بعد أن كانت سبع سنوات‪.‬‬
‫وقامت ماليزيا باالستثمار في مجاالت البحث والتطوير وإنشاء مراكز تصنيعية في‬
‫اإللكترونيك الدقيق والمعلوماتية (حيث نجد مثالً الشركة األمريكية العمالقة ‪ INTEL‬تنتج أغلب‬

‫‪35‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫شرائحها ‪ Micro - Processors‬في ماليزيا)‪ ،‬إضافة إلى تشجيع ودعم االستثمار األجنبي‪،‬‬
‫واالستثمار في المجال العلمي‪ ،‬متوسالً بذلك تحقيق عدة أهداف‪ ،‬وهي األهداف التي تم تحقيق أغلبيتها‬
‫مع حلول عام ‪ ،2016‬وتتضمن ما يلي‪:‬‬
‫تحويل ماليزيا إلى نقطة جامعة للشبكات المعلوماتية ‪.Information Networks‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫ب‪ .‬تطوير استراتيجية تعليمية حديثة تجمع بين الحداثة واألصالة وهو المالحظ في المنظومة‬
‫التعليمية الماليزية حالياً‪.‬‬
‫ج‪ .‬بناء منظومة تعليمية متوافقة مع توجهات الدولة الماليزية وتعكس رغبتها في أن تكون قطب‬
‫معرفي هام في عالم تنافسي‪.‬‬
‫د‪ .‬إنشاء جامعات عالمية متخصصة في جميع المجاالت وِقبلة لطالب العلم من كافة الدول‪.‬‬
‫وتندرج معظم السياسات المتبعة بهذا الشأن في اآلتي‪:‬‬
‫(‪ )1‬التزام الحكومة بمجانية التعليم األساسي إلتاحة الفرصة للجميع من أجل التعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬االهتمام بتعليم المرأة واالرتقاء بوعيها‪.‬‬
‫(‪ )3‬االنفتاح على النظم التعليمية المتطورة وإتباع مختلف المناهج الدولية الرائدة‪.‬‬
‫(‪ )4‬االهتمام بالتعليم ما قبل المدرسة (رياض األطفال)‪.‬‬
‫(‪ )5‬تركيز التعليم االبتدائي على المعارف األساسية والمعاني الوطنية‪.‬‬
‫(‪ )6‬العناية بتأسيس معاهد تدريب المعلمين والتدريب الصناعي‪.‬‬
‫(‪ )7‬التوافق مع التطورات التقنية والمعلوماتية‪.‬‬
‫وعليه يمكن القول إن ماليزيا تخطط لجعل قطاع التعليم قطاعاً خالقاً هدفه األول هو‬
‫النهوض بعجلة التنمية االقتصادية وتدعيمها‪ ،‬واستكمال مخططها االستراتيجي لعام ‪ ،2020‬وبالتالي‬
‫فهي من خالل اهتمامها بالتعليم فهي تهتم باإلنسان وتوسيع مداركه العلمية والحياتية في إطار النهوض‬
‫برأس المال البشري والفكري‪.‬‬
‫‪ 2-2-4‬االهتمام بالصحة‬
‫في غمار اهتمام ماليزيا بالخدمات الصحية‪ ،‬نشرت مجلة "‪ ،"International Living‬تقري ًار‬
‫أفادت فيه أن الرعاية الصحية في ماليزيا األفضل عالمياً‪ ،‬مما وضعها في المرتبة األولى عالمياً تلتها‬

‫‪36‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫كوستاريكا‪ ،‬والمكسيك في المرتبة الثالثة‪ ،‬إضاف ًة إلى وجودها في مراكز متقدمة على صعيد السياحة‬
‫العالجية عالمياً‪.‬‬
‫وأرجع التقرير الذي نشرته المجلة على موقعها أن تربع ماليزيا على عرش الرعاية الصحية‬
‫عالمي ًا‪ ،‬بسبب قوة الرينجيت‪ ،‬والتكلفة المنخفضة للسفر جواً‪ ،‬وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وقوائم‬
‫االنتظار الطويلة في الدول الغربية‪ ،‬مما أدي إلي زيادة نسبة السياح الراغبين في العالج والقادمين إلى‬
‫ف األطباء في ماليزيا كأفضل األطباء‬ ‫ماليزيا بنسبة ‪ %100‬خالل األعوام الخمس الماضية‪ .‬كما ِ‬
‫صن َ‬
‫ُ‬
‫تدريباً في القارة اآلسيوية‪ ،‬فضالً عن تميز ماليزيا ببيئة صحية من حيث المناخ ممثالً في الثبات‬
‫النسبي لدرجات الح اررة‪ .‬وأوضح التقرير أن المستشفيات الع امة والخاصة تقدم خدماتها‪ ،‬إلى جانب‬
‫بعض المستشفيات الغير ربحية التي تقدم خدمات استثنائية‪ ،‬كما زار ماليزيا خالل عام ‪ 2016‬مليون‬
‫سائح طبي‪ ،‬تلقوا عالجات في جراحة التجميل‪ ،‬واألسنان‪ ،‬واألمراض الجلدية‪ .‬ويوضح الجدول التالي‬
‫نسبة اإلنفاق على قطاع الصحة في ماليزيا‪:‬‬
‫جدول رقم (‪ )2‬النفقات الحكومية المركزية على الصحة ونسبته المئوية من اإلنفاق القومي‬
‫التغير (‪)%‬‬ ‫القيمة‬ ‫التاريخ‬ ‫التغير (‪)%‬‬ ‫القيمة (*)‬ ‫التاريخ‬
‫‪3.35‬‬ ‫‪6.5‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪9.10‬‬ ‫‪5.6‬‬ ‫‪2005‬‬
‫‪1.20‬‬ ‫‪6.6‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪17.32‬‬ ‫‪6.6‬‬ ‫‪2006‬‬
‫‪3.29‬‬ ‫‪6.8‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪4.53‬‬ ‫‪6.3‬‬ ‫‪2007‬‬
‫‪15.02‬‬ ‫‪7.9‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪4.37‬‬ ‫‪6.0‬‬ ‫‪2008‬‬
‫‪4.90‬‬ ‫‪8.2‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2.19‬‬ ‫‪5.9‬‬ ‫‪2009‬‬
‫‪0.14‬‬ ‫‪8.2‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪07.5‬‬ ‫‪6.3‬‬ ‫‪2010‬‬
‫المصدر‪ :‬أطلس بيانات العالم‪ ،‬ماليزيا‪.‬‬
‫(*) القيمة بالمليار دوالر‬
‫ويتضح من الجدول أن نسبة اإلنفاق على الصحة قد زادت من ‪ %9.1‬عام ‪ 2005‬إلى‬
‫‪ %17.32‬عام ‪ ،2006‬بنسبة زيادة قدرها حوالي ‪ ،%8‬خالل عام واحد‪ .‬وكان معدل اإلنفاق على‬
‫الصحة في تزايد مستمر خالل سنوات الدراسة‪ ،‬وهذا يدل على أن الحكومة تولي أولوية كبيرة للفرد‬
‫الماليزي كإنسان تسعي الدولة لتحقيق التنمية االقتصادية من أجلة‪ .‬ويوضح الجدول التالي النفقات‬
‫الحكومية على الصحة ونسبته من إجمالي الناتج القومي‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫جدول رقم (‪ )3‬النفقات الحكومية المركزية على الصحة ونسبته المئوية من إجمالي الناتج القومي‬
‫التغير (‪)%‬‬ ‫القيمة‬ ‫التاريخ‬ ‫التغير (‪)%‬‬ ‫القيمة (*)‬ ‫التاريخ‬
‫‪4.95‬‬ ‫‪3.4‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪9.1‬‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪2005‬‬
‫‪4.66‬‬ ‫‪3.5‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪11.5‬‬ ‫‪3.2‬‬ ‫‪2006‬‬
‫‪0.72‬‬ ‫‪3.6‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪1.58‬‬ ‫‪3.1‬‬ ‫‪2007‬‬
‫‪5.63‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪1.29‬‬ ‫‪3.1‬‬ ‫‪2008‬‬
‫‪3.30‬‬ ‫‪3.9‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪7.82‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫‪2009‬‬
‫‪2.45‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2.82‬‬ ‫‪3.2‬‬ ‫‪2010‬‬
‫المصدر‪ :‬أطلس بيانات العالم‪ ،‬ماليزيا‬
‫(*) القيمة بالمليار دوالر‬
‫ويتضح من الجدول السابق أن اإلنفاق على الصحة كنسبة من إجمالي الناتج القومي في‬
‫تزايد مستمر أيض ًا خالل فترة الدراسة‪ .‬وينعكس ذلك في تكفل الحكومة الماليزية بتغطية نفقات نحو‬
‫‪ % 98‬من تكاليف الرعاية الصحية‪ ،‬وال يشمل ذلك السكان األصليين فقط‪ ،‬بل يتوسع ليشمل حتى‬
‫األجانب منهم بغض النظر عن ظروف إقامتهم ومدى شرعيتها‪.‬‬
‫ويعتبر كالَ من القطاعين العام والخاص العبان مهمان في تقديم منظومة الرعاية الصحية‬
‫في ماليزيا حيث أن القطاع العام يقدم حوالي ‪ %80‬من الخدمات الصحية‪ ،‬والذي ال يزال يعتبر واحدًا‬
‫من أفضل القطاعات الصحية في المنطقة‪ .‬وتبذل الحكومة الماليزية جهوداً كبيرة لتوسيع وتطوير‬
‫خدمات الرعاية الصحية‪ ،‬ولقد كان نصيب الفرد من الرعاية الصحية في تزايد مستمر كما يوضح‬
‫الجدول التالي‪:‬‬
‫جدول رقم (‪ ) 4‬متوسط نصيب الفرد من النفقات الحكومية المركزية على الصحة ومعدل تغيره‬
‫التغير (‪)%‬‬ ‫القيمة‬ ‫التاريخ‬ ‫التغير (‪)%‬‬ ‫القيمة (*)‬ ‫التاريخ‬
‫‪10.73‬‬ ‫‪739‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪9.1‬‬ ‫‪486‬‬ ‫‪2005‬‬
‫‪10.35‬‬ ‫‪816‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪19.10‬‬ ‫‪579‬‬ ‫‪2006‬‬
‫‪5.21‬‬ ‫‪858‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪8.56‬‬ ‫‪628‬‬ ‫‪2007‬‬
‫‪12.02‬‬ ‫‪962‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪2.13‬‬ ‫‪642‬‬ ‫‪2008‬‬
‫‪7.90‬‬ ‫‪1038‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪400‬‬ ‫‪667‬‬ ‫‪2009‬‬
‫‪1.43‬‬ ‫‪1053‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪0.06‬‬ ‫‪668‬‬ ‫‪2010‬‬
‫المصدر‪ :‬أطلس بيانات العالم‪ ،‬ماليزيا‬
‫(*) القيمة بالدوالر‬

‫‪38‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫ويتضح من الجدول السابق التزايد الكبير في نصيب الفرد من النفقات على الصحة لترتفع‬
‫من ‪ $486‬عام ‪ 2005‬لتصل إلى ‪ $1053‬عام ‪ ،2016‬بمعدل زيادة قدره ‪ .%217‬ويبرهن ذلك‬
‫أيضاً تزايد النصيب النسبي لقطاعي التعليم والصحة واحتاللهم أولويه على كافة القطاعات األخرى‬
‫ّ‬
‫كما يوضح ذلك الجدول التالي‪:‬‬
‫جدول رقم (‪ )5‬النسبة المئوية للنفقات على الخدمات (حسب القطاع) وفقاً للحكومة المركزية‬
‫‪2000‬‬ ‫‪2001‬‬ ‫قطاع الخدمة‬
‫‪65.9‬‬ ‫‪64.1‬‬ ‫التعليم‬
‫‪7.5‬‬ ‫‪11.5‬‬ ‫الصحة‬
‫‪13.1‬‬ ‫‪10.8‬‬ ‫اإلسكان‬
‫‪13.6‬‬ ‫‪13.6‬‬ ‫خدمات أخري‬
‫‪100‬‬ ‫‪100‬‬ ‫النسبة اإلجمالية‬
‫المصدر‪NATIONAL ACCOUNTS :Malaysia :‬‬
‫ولقد أسفرت هذه الرعاية عن معدل منخفض لوفيات الرضع‪ ،‬وهو معيار تحديد الكفاءة‬
‫العامة للرعاية الصحيةـ حيث بلغ ‪ 8.3‬حالة لكل ألف طفل ولد حياً لتحتل ماليزيا المركز السابع‬
‫آسيوي ًا‪ ،‬ومقارب ًا للمعدالت العالمية‪ ،‬ومتفوق ًا على بعض الدول في أوروبا واألمريكتين‪.‬‬
‫أما إذا نظرنا نظرة سريعة على مؤشر "العمر المتوقع عند الوالدة"‪ ،‬وهو أحد المؤشرات التي‬
‫تستدل بها منظمات الصحة حول العالم لقياس تطور الخدمات الصحية‪ ،‬يوضح لنا مدي التطور الذي‬
‫شهده القطاع الطبي‪ ،‬حيث سجَّل متوسط عمر الفرد نحو ‪75‬سنة‪ ،‬وبواقع ‪ 78.9‬للنساء و‪73.5‬‬
‫للرجال عام ‪ ،2018‬بعد أن كان ‪ 59‬سنة في عام ‪( 1974‬بشير‪ ،2008 ،‬ص‪ .)98‬وانخفض احتمال‬
‫الوفاة قبل سن الخامسة لكل ‪ 1000‬وليد إلي ‪ 6‬وفيات‪( ،‬تقرير منظمة الصحة العالمية لعام ‪.)2018‬‬
‫‪ 3-4‬المحور الثالث‪ :‬القضاء على الفقر‬
‫لقد خرجت ماليزيا إلى العالم بعد حصولها على االستقالل وهي تعاني من جروح غائرة في‬
‫جسدها الوليد‪ ،‬المتمثل في دولة صغيرة تتكون من اتحاد ‪ 13‬والية‪ ،‬وكان أكبر جراح الدولة الوليدة‬
‫هو جرح الفقر‪ ،‬فكان قرابة نصف الشعب الماليزي يعاني الفقر المدقع‪ ،‬وتلك شيمة البالد التي تعرضت‬
‫لالحتالل‪ ،‬والذي كان ـ ـ وال زال ـ ـ من طبيعة عمله أن يحرص ليل نهار على نشر الجهل والتخلف‪،‬‬
‫حتى يضمن استق ارره‪ ،‬وسهولة قيادته لفريسته‪ .‬وذلك هو المشهد ـ ـ إن لم يكن هناك ما هو أسوأ منه ـ ـ‬
‫وقت حصول ماليزيا على االستقالل‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫ولقد كان الفقر أهم المعوقات التي واجهت طريق ماليزيا في التنمية المنشودة‪ ،‬ويعتبر قياس‬
‫الفقر وتحديد معدالته من المؤشرات التي تكشف عن مدي تقدم الدولة والنجاح الذي حققته في المجالين‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ .‬ومجمل القول إن ماليزيا قد حققت طفرة هائلة في مجال القضاء على الفقر‬
‫المدقع الذي كان يعاني منه حوالي ‪ %65‬من الماليو عام ‪( 1970‬تقرير التنمية البشرية‪،)2016 ،‬‬
‫والذي تراجع معدله إلى ‪ %3.6‬عام ‪ ،2006‬ثم إلى ‪ %0.4‬عام ‪ 2015‬كما يوضح ذلك الجدول‬
‫التالي‪:‬‬
‫جدول رقم (‪ )6‬تطور معدل الفقر في ماليزيا خالل الفترة ‪ 2002‬ــ ‪2015‬‬

‫‪2015‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2008‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪2004‬‬ ‫‪2002‬‬ ‫التاريخ‬

‫‪0.4‬‬ ‫‪0.6‬‬ ‫‪1.7‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪3.6‬‬ ‫‪5.7‬‬ ‫‪5.1‬‬ ‫معدل الفقر‬

‫المصدر‪ :‬أطلس بيانات العالم‪ ،‬ماليزيا‬

‫واالنخفاض في معدالت الفقر كما يوضحها الجدول السابق ترجع إلى النهضة الشاملة التي‬
‫قامت بها ماليزيا على كافة المستويات ولقد انعكس ذلك على معدالت الفقر في الريف والحضر كما‬
‫يوضحها الجدول التالي‪:‬‬
‫جدول رقم (‪ )7‬تطور معدل الفقر في ماليزيا في الريف والحضر خالل الفترة ‪ 2002‬ــ ‪2015‬‬
‫‪2014‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2009‬‬ ‫‪2007‬‬ ‫‪2004‬‬ ‫‪2002‬‬ ‫التاريخ‬
‫‪1.6‬‬ ‫‪3.4‬‬ ‫‪8.4‬‬ ‫‪7.1‬‬ ‫‪11.9‬‬ ‫‪13.5‬‬ ‫معدل الفقر في الريف‬
‫‪0.3‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪1.7‬‬ ‫‪2.0‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫معدل الفقر في الحضر‬
‫المصدر‪ :‬أطلس بيانات العالم‪ ،‬ماليزيا‬

‫ويالحظ من الجدول السابق أن معدل الفقر انخفض في الريف من ‪ %13.5‬عام ‪2002‬‬


‫إلى ‪ %1.6‬عام ‪ ،2014‬في حين انخفض في الحضر من ‪ %2.3‬إلى ‪ %0.3‬خالل نفس الفترة‪،‬‬
‫وهذا يعني أن الدولة تعني اهتمام أكبر بتنمية الريف والمناطق التي كانت مهمشة وتعاني من الفقر‪،‬‬
‫وبرهان ذلك أن نسبة االنخفاض في معدل الفقر كانت ‪ %843‬في الريف مقارنة بنسبة انخفاض‬
‫معدل الفقر في الحضر بنسبة ‪ %767‬خالل الفترة بين عامي ‪ 2002‬و‪.2014‬‬
‫ّ‬
‫كما انخفضت مؤشرات الفقر والفقر المدقع خالل عامي ‪ 1995‬و‪ ،1999‬مع استدامة التنمية‬
‫ّ‬
‫المتبعة كما يوضحها الجدول التالي‪:‬‬
‫بماليزيا وسياسات مكافحة الفقر ُ‬

‫‪40‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫جدول رقم (‪ )8‬معدالت الفقر في ماليزيا خالل الفترة ‪1999-1995‬‬


‫سنة ‪1995‬‬ ‫سنة ‪1999‬‬
‫المؤشر (‪)%‬‬
‫الريف‬ ‫الحضر‬ ‫الريف‬ ‫الحضر‬
‫‪15.6‬‬ ‫‪4.1‬‬ ‫‪13.2‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫مؤشر الفقر‬
‫‪3.5‬‬ ‫‪0.9‬‬ ‫‪2.4‬‬ ‫‪0.6‬‬ ‫مؤشر الفقر المدقع‬
‫المصدر‪http://www.islamonline.net/Arabic/economics/topic.shtml:‬‬

‫عادة يكون مؤشر الفقر والفقر المدقع أكبر منه في الريف عنه في‬
‫ً‬ ‫ويوضح الجدول أنه‬
‫المدن‪ ،‬وقد أنخفض مؤشر الفقر المدقع في الريف من ‪ ،%3.5‬إلى ‪ %2.4‬خالل العامين المذكورين‪،‬‬
‫ويعود ذلك إلى سياسة الحكومة الماليزية التي تولي اهتماماً كبي اًر في مساعدة األسر والعائالت من‬
‫ذوي الدخل المحدود‪ ،‬وذلك لتكون ضمن مجموعة الطبقة المتوسطة الدخل حسب الخطط التنموية‬
‫التي تضعها الحكومة‪ .‬ولق د انعكس ذلك في تحقيق العدالة في توزيع الدخل من خالل حساب مؤشر‬
‫جيني‪ ،‬كما يوضح ذلك الجدول التالي‪:‬‬
‫جدول رقم (‪ )9‬يوضح معامل جيني ومؤشر الفقر ومتوسط نصيب الفرد خالل الفترة ‪ 2007‬ــ ‪2015‬‬
‫مؤشر الفقر‪%‬‬ ‫متوسط نصيب الفرد ‪$‬‬ ‫معامل جيني‪%‬‬ ‫معدل البطالة‪%‬‬ ‫السنة‬
‫‪3.6‬‬ ‫‪6179.6‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪3.2‬‬ ‫‪2007‬‬
‫‪3.6‬‬ ‫‪7218.4‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫‪2008‬‬
‫‪3.8‬‬ ‫‪7277.8‬‬ ‫‪46.2‬‬ ‫‪3.7‬‬ ‫‪2009‬‬
‫‪2.7‬‬ ‫‪8754.2‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪3.4‬‬ ‫‪2010‬‬
‫‪2.3‬‬ ‫‪10068.1‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪3.1‬‬ ‫‪2011‬‬
‫‪1.7‬‬ ‫‪10440.0‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2012‬‬
‫‪1.3‬‬ ‫‪10338.1‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪3.2‬‬ ‫‪2013‬‬
‫‪0.6‬‬ ‫‪10538.3‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪3.1‬‬ ‫‪2014‬‬
‫‪0.5‬‬ ‫‪10539.2‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2015‬‬
‫المصدر‪ :‬من إعداد الباحث‪ ،‬استناداً على بيانات صندوق النقد الدولي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية لماليزيا‪2016 ،‬‬

‫ويتضح من الجدول السابق أن العدالة في توزيع الدخل والتي يحددها مؤشر جيني كانت‬
‫أقرب إلى حدود المساواة في توزيع الدخل‪ ،‬حيث كان مؤشر جيني العام إبان األزمة المالية قد شكل‬
‫نسبة ‪ %46‬و‪ .%46.2‬وعلي أي حال فإن المؤشر أقرب إلى المساواة في توزيع الدخل‪ ،‬خالل عامي‬
‫ّ‬
‫األزمة‪ ،‬ألنه أقل من ‪ ،%50‬حيث كلما أقترب المؤشر من ‪ %100‬يكون هناك عدم مساواة في هيكل‬
‫توزيع الدخل القومي (تتراوح قيمة المؤشر بين الصفر و‪ .)%100‬كما أن مؤشر الفقر انخفض من‬

‫‪41‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫‪ %3.6‬عام ‪ 2007‬إلى ‪ %0.5‬عام ‪ ،2015‬وهذا دليل آخر على اهتمام الدولة بمعالجة مشكلة الفقر‬
‫والقضاء عليه‪ ،‬وثمة مؤشر آخر لقياس تحسن مستوي المعيشة والقضاء على الفقر وهو التزايد المستمر‬
‫في متوسط نصيب الفرد من الدخل‪ ،‬فقد ارتفع من ‪ 6179.6‬دوالر أمريكي عام ‪ 2007‬إلى ‪10539.2‬‬
‫دوالر أمريكي عام ‪ .2015‬ويعتبر هذا من ضمن سياسات مكافحة الفقر والبطالة والتي استُعملت‬
‫كحل للصراعات العرقية التي عرفتها ماليزيا‪.‬‬
‫كما استكملت الدولة جهودها من خالل سياسة الخصخصة وسياسة التنمية القومية التي‬
‫بدأت عام ‪ 1990‬ووضعت خططاً للتنمية لمدة ‪ 30‬عاماً‪ ،‬اعتمدت هذه الخطط التنموية على فلسفة‬
‫النمو المصحوب بالعدالة التوزيعية‪ ،‬وهو ما أدي إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬وتحقيق‬
‫تقدم ملحوظ في القضاء على الفقر سواء المدقع أو النسبي‪ ،‬وأصبحت ماليزيا وفقا لتقرير األمم المتحدة‬
‫خامس دولة علي مستوي العالم من حيث قوة االقتصاد المحلي‪ .‬وقد بلغت جملة ما أنفقته الحكومة‬
‫في مكافحة الفقر من خالل تنفيذ استراتيجية السياسة االقتصادية الجديدة حوالي ‪ 32.9‬مليار رينجيت‬
‫ماليزي بما يعادل ‪ %19.1‬من مجموع الدخل الكلي (‪ 172.1‬مليار رينجيت ماليزي)‪ ،‬أما في عام‬
‫‪ 1991‬إلى عام ‪ 2000‬ارتفع اإلنفاق على مكافحة الفقر إلى ‪ 34.6‬مليار رينجيت ماليزي بما يعادل‬
‫‪ %22.5‬من مجموع الدخل الكلي (‪ 153.7‬مليار رينجيت ماليزي)‪.‬‬
‫ولقد حددت الدولة مجموعة من السياسات التنموية ونفذتها عبر مجموعة من الخطط الطويلة‬
‫األجل‪ ،‬وأخري قصيرة األجل قادت البالد نحو التقدم االقتصادي‪ ،‬وهدفت هذه السياسات في مجملها‬
‫إلي أعادة بناء المجتمع الماليزي‪ ،‬وتصحيح االختالالت االقتصادية بين العرقيات المختلفة من خالل‬
‫التوزيع العادل لثمار التنمية والقضاء علي الفقر (مركز الدراسات األسيوية‪ ،‬جامعة القاهرة‪،)2013 ،‬‬
‫وهذه األهداف تم بلورتها في السياسة االقتصادية الجديدة التي تم وضع أسسها عام ‪ 1970‬لتحسين‬
‫األوضاع االقتصادية لسكان البالد األصليين "الماليو" ووضع حد للتغاير االقتصادي بين الماليو‬
‫والصينيين‪ .‬وجاءت سياسة التنمية القومية عام ‪ 1981‬في إطار التوجه القومي الطموح ـ ـ الذي وضعه‬
‫مهاتير محمد ـ ـ تحت شعار رؤية (‪ )2020‬والتي تهدف إلى االنتقال بماليزيا إلى مصاف الدول‬
‫المتقدمة بحلول عام ‪ . 2020‬ويمكن تحديد أربع ركائز جوهرية لهذه الرؤية الفكرية وهي‪ :‬القومية‬
‫الماليزية‪ ،‬التطور الرأسمالي‪ ،‬دور اإلسالم في التنمية‪ ،‬الدور القومي للدولة‪ .‬وقد ظل تمكين الماليو‬

‫‪42‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫اقتصادي ًا هدف ًا ثابت ًا للسياسات االقتصادية الماليزية باعتباره آلية إلعادة هيكلة المجتمع الماليزي‪،‬‬
‫وتحقيق عدالة توزيع الثروة‪ ،‬والتي كانت تتسم بوضع مختل في غير صالح الماليو‪.‬‬
‫ولقد ساعد على ذلك أن زيادة النمو بمعدل (درجة مئوية واحدة) في ماليزيا تؤدي إلى تقليل‬
‫عدد الفقراء بنسبة تتجاوز ‪ ،%3‬وهي من أعلى النسب في العالم‪ ،‬األمر الذي جعل سياسات التنمية‬
‫الممتدة منذ عام ‪ 1970‬تركز على هدفين أساسين‪ ،‬هما تقليل الفقر‪ ،‬وإعادة هيكلة المجتمع‪.‬‬
‫وحددت هذه السياسات استراتيجيات معينة لتقليل الفقر‪ ،‬مثل زيادة امتالك الفقراء لألراضي‬
‫ورأس المال المادي‪ ،‬وتم وضع برامج في ماليزيا لتخصيص أسهم للماليو "سكان ماليزيا األصليين"‬
‫وإيثارهم بمشروعات الشركات الكبيرة‪ .‬ومثال لهذه الشركات شركة الطيران (ماس) التي قامت الحكومة‬
‫بخصخصتها وتمليكها للماليو المسلمين‪ ،‬ومن الشركات العمالقة التي أنشأتها الحكومة شركة (بروتون)‬
‫لبناء السيارات لصالح الماليو أيضاً‪ .‬وحتى الشركات التي يكون االستثمار فيها بأموال أجنبية يكون‬
‫نسبة ‪ %30‬منها للماليو و‪ %70‬للمستثمرين األجانب‪.‬‬
‫وفي الوقت ذاته تضمنت السياسة الضريبة في ماليزيا بُعداً اجتماعي ًا يستفيد منه الفقراء من‬
‫خالل اعتماد مبدأ التصاعدية في ضريبة الدخل‪ ،‬ولقد أدت هذه السياسة إلى االنخفاض في مؤشر‬
‫الفقر في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء‪ .‬فازداد دخل األسر وارتفع مستوي المعيشية في‬
‫المدن والريف من خالل تطبيق برامج مختلفة تستهدف القضاء على الفقر وانخفضت‪ ،‬نتيجة ذلك‪،‬‬
‫معدالت انتشار الفقر في صفوف السكان الماليزيين (مجلس حقوق اإلنسان‪.)2009 ،‬‬
‫ومن األرقام الرسمية ذات الداللة يالحظ أن ‪ % 94‬من الفقراء في ماليزيا يتاح ألطفالهم‬
‫التعليم األساسي مجاناً‪ ،‬فضالً عن توفير الكثير من السلع والخدمات األساسية‪ ،‬األمر الذي ساهم في‬
‫زيادة مستوى الرفاهية للمواطنين‪ ،‬وانعكس ذلك إيجابي ًا‪ ،‬ومن ٍ‬
‫جهة ثانية‪ ،‬تضاعف دخل الفرد أكثر من‬
‫‪ 7‬مرات منذ االستقالل (‪ )1957‬وحتى عام ‪ ، 1995‬حيث ارتفع المتوسط السنوي لدخل الفرد من‬
‫‪ $350‬قبل بداية حقبة التنمية وفي أعقاب االستقالل إلى ‪ $450‬عام ‪ ،1972‬ثم إلى ‪ $680‬عام‬
‫‪ 1974‬وإلى ‪ $1234‬عام ‪ ،1980‬ثم إلى ‪ $2099‬عام ‪ 1990‬ووصل ‪ $9273‬عام ‪ ،2010‬ثم‬
‫ارتفع ليصل إلي ‪ $12586‬في عام ‪ . 2016‬في وقت كانت فيه نسبة الزيادة في الناتج القومي العالمي‬
‫‪ % 3.2‬وبلغت الزيادة الحقيقية السنوية في نصيب الفرد من الناتج القومي اإلجمالي من عام ‪1985‬‬
‫إلى عام ‪ 1994‬حوالي ‪ ،%5.7‬وبلغت الزيادة السنوية في الناتج المحلي اإلجمالي في الفترة من عام‬

‫‪43‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫‪ 1993-1980‬حوالي ‪ .%6.2‬وبلغت تلك النسبة ‪ %9.5 ،%9.2‬لعامي ‪ 1994‬و‪ 1995‬على‬


‫ّ‬
‫التوالي‪ ،‬وتشير هذه األرقام إلى أن البالد شهدت طفرة قوية في مجال التنمية المعتمدة على التخطيط‬
‫الواعي والتنفيذ الدقيق لها‪ .‬وقد تمحورت سياسات القضاء على الفقر في النقاط التالية (عوض‪،2006 ،‬‬
‫ص‪:)110‬‬
‫(‪ )1‬تطبيق الضريبة التصاعدية على الدخل‪.‬‬
‫(‪ )2‬إعادة هيكلة العمالة وزيادة تنمية األعمال التجارية والصناعية للغالبية الفقيرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬تأسيس شبكة عمل مع مؤسسة مكافحة الفقر وإنشاء روابط مع المؤسسات المعنية بالتنمية‬
‫والتطوير الريفي‪.‬‬
‫(‪ )4‬تشجيع المسلمين في الدولة على توجيه أموال الزكاة نحو صندوق جمع الزكاة القومي في‬
‫مقابل تخفيض الضرائب عليهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬تقديم برامج لدعم الفقراء مثل برنامج التنمية لألسر األشد فق اًر‪.‬‬
‫(‪ )6‬برنامج أمانة اختيار ماليزيا‪ .‬وهو برنامج غير حكومي تنفذه مجموعة من المنظمات الوطنية‬
‫من مختلف الواليات ويهدف إلى التقليل من الفقر المدقع عن طريق زيادة الدخل لألسر‬
‫األشد فق اًر بتقديم قروض بدون فوائد للفقراء كما تقدم الحكومة قروضاً بدون فوائد للبرنامج‬
‫من أجل تمويل مشروعاته للفقراء في مجال الزراعة والمشروعات الصغيرة‪.‬‬
‫(‪ )7‬توفير مرافق البنية األساسية االجتماعية واالقتصادية في المناطق النائية الفقيرة كاالتصاالت‬
‫السلكية والالسلكية ومد شبكات الطرق والمرافق وغيرها‪.‬‬
‫(‪ )8‬سياسات دعم األدوية المنقذة للحياة للفقراء ومجانية العالج في العديد من األمراض‪.‬‬
‫(‪ )9‬القيام بأنشطة يستفيد منها السكان كإقامة المدارس الدينية التي تتم بالمساهمات الشعبية‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫(‪ )10‬منح اإلعانات المالية للفقراء‪ ،‬فقد قامت الحكومة بمنح إعانات مالية لألفراد واألسر كتقديم‬
‫إعانة شهرية تتراوح بين ‪ 130‬و‪ $ 260‬شهريا لكل من يعول أسرة وهو غير قادر عن العمل‬
‫بسبب اإلعاقة أو الشيخوخة‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫‪ 4-4‬المحور الرابع‪ :‬القضاء على البطالة‬


‫لقد كان للبطالة في ماليزيا مسببات مختلفة تماما عن أقرانها من الدول األخرى‪ ،‬فقد عمل‬
‫االستعمار على جلب وفود من الصينيين والهنود للسيطرة على المطاط ومناجم القصدير حتى تظل‬
‫الموارد الهامة تحت السيطرة البريطانية‪ .‬وغير االستعمار التركيبة السكانية لماليزيا مما أفضي إلى‬
‫مزيد من البطالة والتي كانت أسبابها ما يلي‪:‬‬
‫(‪ )1‬عزل الماليو في المناطق الريفية‪ ،‬وبالتالي افتقروا إلى الخبرة في األنشطة الصناعية‬
‫والخدمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬تدني مستواهم التعليمي نتيجة أن المستعمر عمل على جعل تعليمهم حتى المرحلة االبتدائية‬
‫فقط‪.‬‬
‫(‪ )3‬سيطرة العنصر الصيني على الثروات في البالد‪ ،‬حيث كانوا يملكون ثلث ثروات البالد‪،‬‬
‫وفي الوقت ذاته يسيطرون على األنشطة التجارية األكثر ربحية‪.‬‬
‫وقد تدخلت الدولة لضمان حصول الماليو على فرص متكافئة لدخول النشاطات الحديثة‪،‬‬
‫كالصناعة والتجارة والمقاوالت والتشييد ومن ثم المشاركة في عملية التنمية‪ ،‬والحصول على نصيب‬
‫عادل منها‪.‬‬
‫وفيما يخص الحد من البطالة فاتجهت ماليزيا إلى استراتيجية مكافحة الفقر التي تؤدي إلى‬
‫الحد من البطالة (معالجة إنسانية اجتماعية)‪ .‬ومما ال شك فيه أن هناك عالقة وطيدة بين الفقر‬
‫والبطالة‪ ،‬فهل الحد من البطالة يؤدي إلى الحد من الفقر؟ واإلجابة على ذلك ليست بالحتمية‪ ،‬فليس‬
‫دائماً يؤدي الحد من البطالة إلى الحد من الفقر في المجتمع‪ ،‬وحسبنا تقارير البنك الدولي حول الفقر‬
‫والتي تؤكد أن مشكلة الفقر ليست دائم ًا مشكلة بطالة‪ ،‬فقد يكون العامل (غير العاطل) فقي اًر إذا كانت‬
‫األجور منخفضة والقدرة الشرائية متدنية‪ .‬وتأسيساً على ما سبق يثور التساؤل‪ :‬كيف تعاملت ماليزيا‬
‫مع مشكلة البطالة؟‬
‫لقد حاربت ماليزيا البطالة بدراسة أسبابها وتوصلت إلى أنه البد من التحول لبلد مستهلك‬
‫للمواد الخام بدالً من تصديرها حتى تست وعب البطالة وتحد منها‪ .‬بمعني أنها تحولت من بلد مصدر‬
‫للمواد الخام إلي ٍ‬
‫دولة يعتمد اقتصادها على مجاالت صناعية وخدمية متعددة وانطلقت التجربة الماليزية‬
‫في سبعينيات القرن الماضي بعد العديد من البلدان العربية‪ ،‬التي اتسمت بالرطانة والتي ال زالت تعاني‬

‫‪45‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫معدالت مرتفع ة من البطالة‪ ،‬وتذكر اإلحصائيات‪ ،‬أن معدل البطالة لعام ‪ ،2010‬في ماليزيا انخفض‬
‫إلى نحو ‪ %3‬فقط‪ ،‬ثم انخفض إلى ‪ %2.8‬عام ‪( 2015‬تقرير التنمية البشرية‪.)2016،‬‬
‫ولقد نجحت ماليزيا في تحقيق هذا الهدف‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬إلى أن وصلت إلى حد استيراد العمالة‬
‫من الخارج‪ ،‬ويرجع ذلك إلى تميزها في مجال التخطيط الجيد لتنمية االقتصاد‪ ،‬والذي يركز على‬
‫الصناعات الحديثة كثيفة العمل‪ ،‬وكثيفة رأس المال في آن واحد مثل الصناعات اإللكترونية التي‬
‫استوعبت أعداداً كبيرة من األيدي العاملة‪.‬‬
‫ولقد ساعد توفير دورات تدريبية للعاطلين في تعزيز قدراتهم ودخولهم سوق العمل‪ ،‬وأثناء‬
‫القيام بتلك الدورات تقوم الدولة بدفع رواتب لهؤالء العاطلين‪ ،‬ثم بعد انتهاء هذه الدورات التدريبية تقوم‬
‫بتوفير فرص العمل لهم‪ ،‬وإن لم يلتحقوا بالعمل بمحض إرادتهم فهم مضطرين وملتزمين بإرجاع‬
‫المصاريف والرواتب التي دفعت لهم أثناء الدورات‪ ،‬وبالتالي هذا النوع من السياسات يعمل كرادع أو‬
‫وسيلة ضغط على هؤالء العاطلين‪ ،‬وهو يعكس مدى إرادة الدولة في تشغيل مواطنيها‪ ،‬إال من أبى‪،‬‬
‫وال يتوقف دور الدولة عند هذا الحد فقط‪ ،‬بل قيامها بدعم الجهات المستخدمة لهؤالء العاملين من أجل‬
‫تقديم حوافز مالية ومزايا للعاملين الجدد‪ ،‬فضالً عن أن الرؤية الماليزية ‪ 2020‬كانت دافعاً كبي اًر نحو‬
‫جذب االستثمارات األجنبية وبالتالي توفير فرص عمل جديدة‪ ،‬والتي فاقت في الكثير من المجاالت‬
‫عن حاجات السكان األصليين وفتحت المجال لتوفير العمالة من الخارج‪ ،‬كما ذكرنا‪ .‬وهو ما جعل‬
‫ماليزيا من أكثر دول جنوب شرق آسيا جذب ًا للعمالة‪ ،‬ولقد سجلت ماليزيا ثاني أدنى نسبة للبطالة بين‬
‫دول رابطة اآلسيان بعد سنغافورة وضمن ال‪ 20‬دولة األقل بطالة في العالم‪.‬‬
‫‪ 5-4‬المحور الخامس‪ :‬جذب االستثمارات األجنبية‬
‫اعتمدت ماليزيا على جذب االستثمارات األجنبية من خالل دعوة رجال األعمال األجانب‬
‫العاملين على أراضيها أكثر من اعتمادها على الهيئات الحكومية المتخصصة في جذب االستثمارات‪،‬‬
‫كذلك االعتماد على توفير بنية أساسية أكثر من االعتماد على اإلعفاءات الضريبية المقدمة والتركيز‬
‫على عنصر توافر المصادر البشرية أكثر من اعتمادها على المصادر الطبيعية‪.‬‬
‫ويمكن إجمال ذلك في أن العالقة بين االستثمار األجنبي المباشر من ناحية‪ ،‬وكالً من‬
‫مستوي التعليم والبنية األساسية وتطوير القدرات العلمية والبشرية‪ ،‬من الناحية األخرى‪ ،‬هي عالقة‬

‫‪46‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫طردية‪ ،‬فكلما توافر رأس المال البشري المدرب والمؤهل‪ ،‬وكذلك البنية التحتية في بلد معين‪ ،‬كلما‬
‫ارتفعت قدرة ذلك البلد على جذب االستثمار‪.‬‬
‫ولم يكن نجاح ماليزيا في تطوير اقتصادها وزيادة قدرتها على جذب االستثمار األجنبي‬
‫المباشر إال نتيجة عوامل عديدة أبرزها اهتمامها بتنمية المورد البشري وتطويره‪ ،‬والذي ساعدها على‬
‫توفير قدرات علمية مؤهلة استطاعت جذب الشركات االستثمارية العالمية إلى ماليزيا‪ ،‬وبالتالي أسهم‬
‫بشكل كبير في حدوث تحوالت هيكلية جذرية في االقتصاد الماليزي‪ ،‬وأصبح القطاع الصناعي هو‬
‫العصب الرئيسي لهذا االقتصاد بدال من القطاع الزراعي الذي احتل هذه المكانة لفترة طويلة من قبل‪،‬‬
‫فضالً عن احتالل ماليزيا لمراتب متقدمة عالمي ًا في مجال تصنيع أشباه الموصالت والرقائق‬
‫اإللكترونية‪ ،‬وتوظيف القدرات العلمية والتعليمية كأداة مهمة لبلوغ مرحلة االقتصاد المعرفي القائم على‬
‫تقنية المعلومات واالتصاالت‪.‬‬
‫ولقد أدى توافر القدرات العلمية والتعليمية في تطور النظام التعليمي إلى احتالل ماليزيا‬
‫المركز (‪ )28‬عالمي ًا في مؤشر الجاهزية الشبكية من بين (‪ )134‬دولة شملها تقرير التنافسية العالمي‬
‫لقطاع تقنية المعلومات ”‪"The Global Information Technology Report 2009‬‬
‫”‪ ،“GITR‬ويوضح مؤشر الجاهزية الشبكية ”‪ (Networked Readiness Index) “NRI‬مدى‬
‫جاهزية الدولة للمشاركة في التطورات الحديثة في مجال تقنية المعلومات واالتصاالت واالستفادة منها‪.‬‬
‫ويتكون مؤشر الجاهزية الشبكية (‪ )2009 ،Irena‬من ثالثة مؤشرات فرعية هي‪:‬‬
‫(‪ )1‬مؤشر البيئة التقنية‪ :‬ويقيس هذا المؤشر مدى درجة تميز البيئة التي توفرها الدولة لتحسين‬
‫وتطوير استخدام تقنية المعلومات واالتصاالت بشكل كفء وفعال‪.‬‬
‫(‪ )2‬مؤشر الجاهزية التقنية‪ :‬ويقيس هذا المؤشر مدى قدرة األفراد ومؤسسات األعمال‬
‫والحكومة‪ ،‬على تحسين وتطوير اإلمكانات المستقبلية لتقنيات المعلومات واالتصاالت‪.‬‬
‫(‪ )3‬مؤشر االستخدام‪ :‬ويوضح هذا المؤشر درجة استخدام وتطبيق تقنية المعلومات‬
‫واالتصاالت من قبل األفراد ومؤسسات األعمال والحكومة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫لعامي ‪2016 ،2009‬‬


‫ّ‬ ‫جدول رقم )‪ )10‬مؤشر الجاهزية الشبكية لماليزيا ودول مختارة‬
‫الترتيب العالمي‬ ‫قيمة مؤشر الجاهزية الشبكية‬
‫الدولة ‪ /‬العام‬
‫‪2016‬‬ ‫‪2009‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2009‬‬
‫‪26‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪5.3‬‬ ‫‪4.76‬‬ ‫اإلمارات العربية المتحدة‬
‫‪31‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪4.9‬‬ ‫‪4.76‬‬ ‫ماليزيا‬
‫‪27‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪5.2‬‬ ‫‪4.68‬‬ ‫قطر‬
‫‪33‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪4.8‬‬ ‫‪4.28‬‬ ‫السعودية‬
‫‪60‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪4.2‬‬ ‫‪4.19‬‬ ‫األردن‬
‫‪59‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪4.2‬‬ ‫‪4.15‬‬ ‫الصين‬
‫‪91‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪4.03‬‬ ‫الهند‬
‫‪96‬‬ ‫‪3.7‬‬ ‫مصر‬
‫تم تجميع البيانات بمعرفة الباحث باستخدام المصدر التالي‪:‬‬
‫‪Geneva, 2009, p.109, 200 World Economic Forum, The Global Information Technology Report 2008‬‬
‫وتتراوح قيمة مؤشر الجاهزية الشبكية بين (‪ 1‬ـ ‪ )7‬والدرجة ‪ 7‬هي األفضل في حين الدرجة‬
‫‪ 1‬هي األسوأ‪ ،‬أنظر في ذلك ‪ World Economic forum‬تقرير عالمي لتقنية المعلومات لعام‬
‫‪.2016‬‬
‫ولقد أثمرت النهضة التعليمية‪ ،‬وتوفير المناخ االستثماري المالئم إلى تدفق االستثمارات‬
‫األجنبية إلى ماليزيا‪ ،‬واستطاعت ماليزيا استقطاب العديد من االستثمارات األجنبية المباشرة وخصوص ًا‬
‫من أمريكا واليابان‪ ،‬والجدول التالي يوضح تدفقات االستثمار األجنبي المباشر ومعدل نموه خالل‬
‫المدة ‪ 1990‬ـ ‪.2009‬‬
‫جدول رقم (‪ )11‬تدفقات االستثمار األجنبي المباشر لماليزيا خالل المدة (‪ 1990‬ـ ‪)2009‬‬
‫معدل النمو السنوي (‪)%‬‬ ‫االستثمار األجنبي المباشر (مليون دوالر)‬ ‫السنة ‪ /‬المؤشر‬
‫ــ‬ ‫‪2332‬‬ ‫‪1990‬‬
‫‪71.44‬‬ ‫‪3998‬‬ ‫‪1991‬‬
‫‪37.16‬‬ ‫‪5484‬‬ ‫‪1992‬‬
‫‪8.71-‬‬ ‫‪5006‬‬ ‫‪1993‬‬
‫‪13.26-‬‬ ‫‪4342‬‬ ‫‪1994‬‬
‫‪7.73‬‬ ‫‪4678‬‬ ‫‪1995‬‬
‫‪8.55‬‬ ‫‪5078‬‬ ‫‪1996‬‬
‫‪24.51‬‬ ‫‪6323‬‬ ‫‪1997‬‬
‫‪57.07-‬‬ ‫‪2714‬‬ ‫‪1998‬‬

‫‪48‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫معدل النمو السنوي (‪)%‬‬ ‫االستثمار األجنبي المباشر (مليون دوالر)‬ ‫السنة ‪ /‬المؤشر‬
‫‪43.51‬‬ ‫‪3895‬‬ ‫‪1999‬‬
‫‪2.74-‬‬ ‫‪3788‬‬ ‫‪2000‬‬
‫‪85.45-‬‬ ‫‪554‬‬ ‫‪2001‬‬
‫‪478.15‬‬ ‫‪3203‬‬ ‫‪2002‬‬
‫‪22.79-‬‬ ‫‪2473‬‬ ‫‪2003‬‬
‫‪86.97‬‬ ‫‪4624‬‬ ‫‪2004‬‬
‫‪14.20-‬‬ ‫‪3967‬‬ ‫‪2005‬‬
‫‪53.36‬‬ ‫‪6084‬‬ ‫‪2006‬‬
‫‪40.33‬‬ ‫‪8538‬‬ ‫‪2007‬‬
‫‪14.28-‬‬ ‫‪7318‬‬ ‫‪2008‬‬
‫‪81.12-‬‬ ‫‪1381‬‬ ‫‪2009‬‬
‫المصدر‪UNCTAD, World Investment Report, United Nations, several years :‬‬

‫ويتضح من الجدول السابق تذبذب تدفقات االستثمار األجنبي المباشر لماليزيا حيث بلغ‬
‫متوسط معدل نمو التدفقات خالل الفترة ‪ 1990‬إلي ‪ 1999‬نحو ‪ ،%11.38‬غير أن هذه النسبة قد‬
‫ارتفعت بحوالي أربعة أضعاف خالل الفترة ‪ 2000‬ـ ‪ ،2009‬حيث بلغت ‪ ،%43.82‬وبلغ أعلى‬
‫معدل لتدفق االستثمار األجنبي المباشر في عام ‪ 2007‬حيث وصل إلى ‪ 8538‬مليون دوالر‪ ،‬إال‬
‫أن تأثير األزمة المالية العالمية أدى إلى انحسار كبير في تلك التدفقات وبصفة خاصة في عام‬
‫‪ 2009‬الذي وصلت فيه التدفقات االستثمارية إلى أدنى مستوي لها منذ عام ‪ 2001‬حيث بلغت‬
‫‪ 1381‬مليون دوالر‪ ،‬وقد ساعدت هذه االستثمارات التي أسهمت في نقل التكنولوجيا على تمكين‬

‫ماليزيا من إضافة منتجات جديدة إلى قائمة الصادرات لتشمل األجهزة اإللكترونية والكهربائية‪ ،‬فضالً‬
‫عن منتجات صناعة النسيج‪.‬‬
‫ولقد مارست الشركات األجنبية الوافدة إلى ماليزيا دو اًر مهماً في التحول الهيكلي لالقتصاد‬
‫خالل العقدين األخيرين في القرن العشرين‪ ،‬مما وضع هذا االقتصاد في مقدمة االقتصادات المصنعة‬
‫حديثاً (‪ ،)1997 ،UNCTAD‬من خالل هيمنتها على الصناعات التحويلية‪ ،‬والسيما الصناعات‬
‫الكهربائية واإللكترونية‪.‬‬
‫وقد كان االنفتاح على األفكار والتقنيات األجنبية أحد العوامل المهمة في تطور ماليزيا‬
‫الناجح والمعتمد على زيادة اإلنتاجية‪ ،‬وذلك في سعيها للحاق بركب الدول المتقدمة‪ ،‬وقد ركزت ماليزيا‬

‫‪49‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫بشكل كبير في الحصول على االستثمار األجنبي المباشر الناقل للتقنية الحديثة‪ ،‬وخصوص ًا من‬
‫ِ‬
‫بقناعة تامة بأن الحصول على التقنية الحديثة والتكوين السريع لرأس المال البشري‬ ‫اليابان‪ ،‬وذلك‬
‫كليهما يكمل بعضه البعض ويعززه‪ ،‬وال ريب في أن يكون االقتصاد الماليزي وكذلك دول النمور‬
‫اآلسيوية برمتها قد استطاعت تحقيق االستخدام المنتج للمعرفة التقنية الحديثة وكذلك االستثمارات‬
‫األجنبية دون توافر مهندسين ومختصين وعمال محليين على مستوى عال من المهارة والكفاءة‪.‬‬
‫وقد تنوعت مصادر االستثمار األجنبي المباشر الوارد إلى ماليزيا خالل فترة التنمية‪ ،‬ففي‬
‫الثمانينات كانت اليابان هي المصدر الرئيس لتلك االستثمارات تلتها سنغافورة ثم بريطانيا وبعدها‬
‫الواليات المتحدة‪ ،‬وفي بداية التسعينات أصبحت تايوان هي المصدر الرئيسي لالستثمار األجنبي‬
‫المباشر في ماليزيا‪ ،‬وفي منتصف التسعينات أصبحت الواليات المتحدة هي المصدر الرئيسي تلتها‬
‫اليابان ثم سنغافورة‪ ،‬وفي بداية األلفية الثالثة دخلت ألمانيا لتصبح المصدر الرئيسي لالستثمار األجنبي‬
‫المباشر في ماليزيا تلتها الواليات المتحدة ثم سنغافورة‪ ،‬وقد أسهمت تلك البلدان الثالثة بنسبة ‪%75.5‬‬
‫من إجمالي االستثمارات في القطاع الصناعي الماليزي (‪ .)Hock, 2005, P.95‬وتشير البيانات‬
‫إلى أنه في عام ‪ 1985‬أنفقت ‪ 13‬شركة أمريكية تنتج أشباه الموصالت في ماليزيا أكثر من ‪100‬‬

‫مليون دوالر على تدريب القوى العاملة الماليزية ومعظمها من المهندسين والفنيين‪َ ،‬‬
‫وخلَق االستثمار‬
‫األجنبي المباشر أكثر من ‪ 85000‬فرصة عمل في قطاع اإللكترونيات وحدها في أواخر الثمانينات‬
‫(معجزة شرق أسيا‪ ،)2000 ،‬واستمر تدفق االستثمار األجنبي المباشر إلى ماليزيا في بداية القرن‬
‫الحالي وبلغ عام‪ 2007‬نحو ‪ 538.3‬مليار دوالر (‪ ،)UNCTAD, 2010‬وقد أسهم االستثمار‬
‫األجنبي المباشر في ماليزيا باآلتي‪:‬‬
‫(‪ )1‬أصبحت ماليزيا ثالث أكبر منتج في العالم ألشباه الموصالت‪ ،‬وفي أواخر الثمانينات أقامت‬
‫شركة سيمنز في ماليزيا رابع مصنع لها في العالم لصناعة الرقائق اإللكترونية‪.‬‬
‫(‪ )2‬قامت شركات ناشيونال ألشباه الموصالت‪ ،‬وموتوروال وهيتاشي ببناء مصانع لها في ماليزيا‪،‬‬
‫كما قامت شركة سيجت السنغافورية المتخصصة في إنتاج أقراص الحاسوب ببناء مصنع‬
‫لها في ماليزيا‪.‬‬
‫(‪ )3‬أدى تراكم الخبرة وانخفاض أجور مهندسي البرمجيات في ماليزيا حيث لم تتجاوز أجورهم‬
‫‪ %20‬من نظيرتها في ألمانيا‪ ،‬أدي ذلك إلى جذب شركة نيكسدورف كمبيوتر األلمانية‪،‬‬

‫‪50‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫والتي أقامت مرك اًز للبرمجيات‪ ،‬كما استدعت شركة إنتل خبراءها الماليزيين للمساعدة في‬
‫إنشاء خط تجميع رقائق الحاسوب في والية أريزونا األمريكية‪.‬‬
‫(‪ )4‬دخلت شركة شارب اليابانية في مشاريع مشتركة عديدة في ماليزيا‪ ،‬إذ تقوم بتجميع أجهزة‬
‫التلفزيون الملونة‪ ،‬وشاشات الحاسوب‪ ،‬وكذلك فعلت شركة سوني‪.‬‬
‫وقد أدت هذه المشاريع وغيرها إلى تطور كبير في القطاع الصناعي الماليزي والجدول‬
‫اآلتي يوضح بعض مؤشرات الصناعة الماليزية‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )12‬تطور بعض مؤشرات القطاع الصناعي الماليزي بين العامين‪ 2000‬ــ ‪2005‬‬

‫المصدر‪United Nations, P.131 2009, UNIDO, Industrial Development Report :‬‬


‫ويوضح الجدول السابق أن مساهمة القيمة المضافة في الناتج المحلي اإلجمالي لعام‬
‫‪ 2005‬قد بلغت ‪ ،%32.2‬وأن مساهمة الصادرات الصناعية في إجمالي الصادرات بلغت ‪،%85.5‬‬
‫مما يعني سيطرة القطاع الصناعي على إجمالي الصادرات‪ ،‬وفي داخل القطاع الصناعي نفسه‬
‫تسيطر الصادرات متوسطة وعالية التقنية على إجمالي الصادرات بنسبة بلغت ‪.%72.1‬‬
‫لقد أدى توافر التعليم الجيد والبنية األساسية والمهارات البشرية إلى جعل ماليزيا واحدة من‬
‫أبرز الوجهات االستثمارية لعمليات التصنيع الدولية‪ ،‬وقد جذبت ماليزيا ما يزيد عن ‪ 5000‬شركة‬
‫أجنبية من أكثر من ‪ 40‬دولة لمباشرة عملياتها على األراضي الماليزية‪ ،‬وقد وسعت العديد من هذه‬
‫الشركات ونّوعت من نطاق عملياتها مما يعكس ثقتها في ماليزيا كموقع مناسب لمشروعاتها وأعمالها‬
‫(هيئة التنمية الماليزية‪.)2010 ،‬‬
‫ونخلص من ذلك أن ماليزيا تعاملت مع االستثمار األجنبي المباشر بحذر حتى منتصف‬
‫الثمانينيات‪ ،‬ثم سمحت له بالدخول ولكن ضمن شروط تصب بشكل أساسي في صالح االقتصاد‬
‫القومي منها‪:‬‬
‫أال تنافس السلع التي ينتجها المستثمر األجنبي الصن اعات الوطنية التي تشبع حاجات‬ ‫أ‪.‬‬
‫السوق المحلية‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫ب‪ .‬أن تصدر الشركة األجنبية ‪ %50‬على األقل من جملة ما تنتجه‪.‬‬


‫ج‪ .‬كذلك الشركات األجنبية التي يصل رأس مالها المدفوع نحو ‪ 2‬مليون دوالر يسمح لها‬
‫باستقدام خمسة أجانب فقط لشغل بعض الوظائف في الشركة‪.‬‬
‫كذلك فان قانون االستثمار الماليزي يفرق بين ‪ 6‬أنواع مختلفة من المشروعات‪ :‬استثمارات‬
‫استراتيجية‪ ،‬واستثمارات رائدة‪ ،‬واستثمارات مناطق محرومة‪ ،‬واستثمارات عالية التقنية‪ ،‬واستثمارات‬
‫تجديد‪ ،‬واستثمارات مشروعات ربط صناعي‪ .‬ولكل نوع من تلك المشروعات مزايا خاصة وفرها قانون‬
‫االستثمار الماليزي‪ ،‬وكان أهم أسباب النجاح في كل ما سبق هو أن الحكومة الماليزية أدارت االقتصاد‬
‫ال‬
‫بأسلوب "قطاع األعمال" والذي نجح في جذب تلك االستثمارات التي وفرت إنتاجًا ضخم ًا قاب ً‬
‫للتصدير‪.‬‬
‫ولقد ساعد أيضاً على جذب االستثمارات هو ما تحقق من تصميم البنية التحتية في ماليزيا‬
‫لخدمة مجتمع األعمال‪ .‬وهي واحدة من أفضل البني التحتية في آسيا‪ .‬حيث شبكة االتصاالت تخدمها‬
‫التكنولوجيا الرقمية واأللياف البصرية‪ ،‬وخمسة مطارات دولية (جميعها مع مرافق الشحن الجوي)‪،‬‬
‫والطرق السريعة ذات الصيانة الجيدة وسبعة موانئ بحرية دولية جعلت من ماليزيا نقطة انطالق مثالية‬
‫ألسواق آسيا والمحيط الهادئ ‪ .‬وتقع الصناعات في ماليزيا بشكل رئيسي في أكثر من ‪ 500‬مدينة من‬
‫المدن الصناعية والمناطق الحرة المتقدمة في جميع أنحاء البالد‪ .‬ويتم تصنيف هذه المناطق كمناطق‬
‫تجهيز الصادرات‪ ،‬التي تلبي متطلبات الصناعات الموجهة للتصدير‪ .‬وهناك أيض ًا ساحات انتظار‬
‫مخصصة تم تطويرها لتلبية احتياجات صناعات محددة‪.‬‬
‫وألغاز المعجزة الماليزية التي جعلت نصيب الفرد الماليزي من صادراتها ‪ 4753‬دوالر‬
‫متجاو اًز بذلك نصيب الفرد األمريكي في صادرات بالده والذي يبلغ ‪ 3100‬دوالر‪ ،‬والتي يمكن إرجاعها‬
‫إلى العوامل التالية‪:‬‬
‫(‪ )1‬منع تصدير الخامات‪ ،‬مما ترتب عليه أن تحولت ماليزيا بنجاح من إنتاج السلع األولية إلى‬
‫إنتاج السلع الصناعية ‪.‬‬
‫(‪ )2‬مع بداية الثمانينات استطاعت ماليزيا جذب استثمارات خاصة في السلع الكهربائية والمنزلية‬
‫وتجميع اإللكترونيات والتي مهدت لجذب كبرى شركات العالم في اإللكترونيات لتقيم‬
‫مصانعها على األراضي الماليزية‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫(‪ )3‬وكانت النقلة التالية هي منح مزايا ضريبية للشركات اليابانية التي تقوم بتجميع األجهزة‬
‫المنزلية خاصة (التليفزيون والتكييف والفيديو‪ ،‬وأجهزة الصوت) ومنحتها ‪ 8‬سنوات إعفاء‬
‫ضريبي فقط إلنتاج تلك األجهزة بمكون محلى ال يقل عن ‪ %80‬وإعفاء ضريبي مفتوح في‬
‫حالة تصدير ‪ %80‬من اإلنتاج‪.‬‬
‫وتعتبر ماليزيا‪ ،‬من أكثر الدول النامية نجاح ًا في استخدام الحوافز الضريبية الستهداف‬
‫وتوجيه االستثمار األجنبي المباشر والشركات متعددة الجنسيات لصناعات وقطاعات معينة‪ .‬ويعكس‬
‫تطور هيكل الحوافز في ماليزيا االنتقال التدريجي من التشجيع العام لالستثمار األجنبي المباشر إلى‬
‫التركيز المحدد في توجيه االستثمار للقطاعات عالية التقنية والعناقيد الصناعية‪ ،‬وفي عام ‪ 1986‬تم‬
‫تحرير كافة القيود الخاصة بحقوق الملكية في الشركات‪ ،‬تحت مظلة "قانون تشجيع االستثمار" كاالتي‪:‬‬
‫السماح لألجانب باالستحواذ على ‪ %100‬من حقوق الملكية في شركاتهم وذلك عند قيامهم‬ ‫•‬
‫بتصدير نسبة ‪ %80‬أو أكثر من منتجات تلك الشركات‪.‬‬
‫السماح للشركات التي تصدر ما بين ‪ %51‬ـ ‪ %79‬من منتجاتها بنسبة مناظرة من ‪%51‬‬ ‫•‬
‫ـ ‪ %79‬من حقوق الملكية األجنبية لتلك الشركات‪.‬‬
‫السماح للشركات بتصدير نسبة تتراوح بين ‪ %20‬ـ ‪ %50‬من منتجاتها بتملك حتى ‪%51‬‬ ‫•‬
‫من حقوق الملكية األجنبية لتك الشركات‪.‬‬
‫السماح للشركات التي تستطيع تصدير ‪ %20‬فقط أو أقل من منتجاتها أن تتملك بحد أقصى‬ ‫•‬
‫‪ %30‬من حقوق الملكية األجنبية لتلك الشركات‪.‬‬
‫وقد روعي في هذا القانون أهمية العوامل التي تتضمن التأثيرات التشابكية ومدى استخدام‬
‫المواد الخام والمكونات المحلية‪ ،‬وحسن اختيار أماكن توطين تلك الشركات وكذا القيمة المضافة‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1991‬تمت مراجعة شاملة لسياسة الحوافز بهدف تنظيم وتوجيه الحوافز‪ ،‬وتقوية‬
‫األثر الضريبي وتشجيع تنمية الصناعات ذات القدرات التنافسية‪ ،‬وتم استخدام أربعة معايير أداء لتقييم‬
‫طلبات منح الحوافز‪:‬‬
‫(‪ )1‬قيمة مضافة ‪ 30‬ـ ‪.%50‬‬
‫(‪ )2‬محتوى محلي بنسبة ‪ 20‬ـ ‪.%50‬‬
‫(‪ )3‬مستوى تقني مقاس بعدد المشرفين اإلداريين والفنيين‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫(‪ )4‬مستوى التشابك الصناعي‪.‬‬


‫وفي عام ‪ 1995‬بدأ التقليل في منح الحوافز للمشاريع كثيفة االستخدام لعنصر العمل‬
‫والتركيز على االستثمارات الرأسمالية مقاسة بمقدار االستثمار لوحدة العمل‪ ،‬وتمنح إعفاءات ضريبية‬
‫لفترة ‪ 5‬سنوات أو استقطاعات ضريبية على االستثمار تصل إلى ‪ %60‬من تكلفة االستثمارات‬
‫الرأسمالية المؤهلة خالل الخمسة أعوام الماضية بالنسبة لمشاريع التقنية المرتفعة‪ ،‬والمقامة في مناطق‬
‫التقنيات الناشئة (الحاضنات)‪ .‬وتشمل األنشطة المؤهلة‪ ،‬اإللكترونات الحديثة‪ ،‬معدات قياس التقنيات‬
‫البيولوجية‪ ،‬البرمجيات والصناعات الفضائية ‪.‬ولقد كان محصلة كل ذلك ارتفاع معدل نمو إجمالي‬
‫الناتج المحلي ليصل إلى ‪ ،%9‬وظل على هذا المنوال لفترة طويلة‪ ،‬ولقد أدى االستثمار األجنبي‬
‫المباشر إلى إعطاء دفعة قوية لألداء الصناعي في ماليزيا‪ ،‬وكان لهذا االستثمار آثار إيجابية على‬
‫استخدام الموارد المحلية والصناعات المحلية والقوى العاملة المحلية‪ ،‬وكذا على البيئة الطبيعية في‬
‫ماليزيا‪.‬‬
‫‪ 6-4‬المحور السادس‪ :‬االهتمام بالتصنيع‬
‫قامت ماليزيا باتباع سياسة منهجية في التصنيع بمستوى علمي يتميز بالتطور واإلبداع‬
‫كالنموذج الياباني‪ ،‬وتحولت ماليزيا من دولة زراعية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعي الصناعة‬
‫ّ‬
‫والخدمات فيها بنحو ‪ % 90‬من الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة ‪%85‬‬
‫من إجمالي الصادرات‪.‬‬
‫وتدل خطة ماليزيا ‪ 2020‬والتي تقوم على فكرة أن تصبح ماليزيا بحلول هذا التاريخ دولة‬
‫مكتملة البنيان الصناعي‪ ،‬على أنها خطة شديدة الطموح‪ ،‬ولكن تحقيق ماليزيا نمواً بنسبة ‪ %6.7‬في‬
‫الفترة من ‪ 1970‬إلى ‪ ،1990‬وبنسبة ‪ %7.1‬في الفترة من ‪ 1991‬إلى ‪Milne, 1999, ( 2000‬‬
‫‪ )P.58‬يدلل على قدرتها بهذه الرؤية االقتصادية من تحقيق هذا الهدف إذا كررت نفس المشهد‬
‫االقتصادي‪ .‬ولكن كيف تحقق ذلك لماليزيا على يد رائدها مهاتير محمد؟‬
‫تحقق ذلك من خالل التوسع الذي حدث في استثمارات القطاع الصناعي‪ ،‬حيث أنشئ أكثر‬
‫من ‪ 15‬ألف مشروع صناعي‪ ،‬بإجمالي رأس مال وصل إلى ‪ 220‬مليار دوالر‪ ،‬وقد شكلت المشروعات‬
‫األجنبية حوالي ‪ %54‬من هذه المش اريع‪ ،‬بما يوضح مدى االطمئنان الذي يحمله المستثمر األجنبي‬
‫لماليزيا من ناحية األمان‪ ،‬وبالتأكيد ضمان الربحية العالية‪ ،‬بينما مثلت المشروعات المحلية ‪ %46‬من‬

‫‪54‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫هذه المشاريع‪ .‬وقد كان لهذه المشروعات عظيم األثر والنفع على الشعب الماليزي‪ ،‬حيث وفرت مليوني‬
‫ّ‬
‫فرصة عمل للمواطن الماليزي‪ ،‬إلى جانب الفائدة الكبرى المتمثلة في نقل التقنية الحديثة وتطوير‬
‫مهارات العمالة الماليزية‪ .‬وتقوم الدولة الماليزية بتنفيذ سياسة الصداقة مع رجال األعمال والمستثمرين‪،‬‬
‫والتي يقصد بها تسهيل اإلجراءات المكتبية واإلدارية‪ ،‬وزيادة الحوافز االستثمارية‪ ،‬إضافة إلى وضوح‬
‫القوانين وسهولة اإلجراءات (مهاتير‪ ،2004 ،‬ص ‪.)29‬‬
‫ولقد توسلت باليابان قدوة صناعية لها‪ ،‬وأخذ عنها الماليزيون قيم العمل وكيفية إعداد الخطط‪،‬‬
‫وتحديدا‬
‫ً‬ ‫كما أن ماليزيا طورت صناعاتها من كثيفة العمل إلى صناعات تركز على كثافة رأس المال‬
‫الصناعات التكنولوجية التي لها قيمة مضافة كبيرة‪.‬‬
‫وفي سبيلها لنجاح سياساتها التصنيعية فقد اتبعت عدد من األهداف أهمها‪:‬‬
‫أ‪ .‬هدفت سياسة "النظر شرقاً" إلى تشجيع الماليزيين على االقتداء والتعلم من التجربة اليابانية‬
‫وخاص ًة المواقف اإليجابية‪ ،‬مثل‪ :‬أخالقيات العمل والمنهجية الصناعية والتطور التقني واألداء‬
‫االقتصادي المميز‪.‬‬
‫ولسياسة النظر شرًقا جانبان مهمان‪ ،‬األول هو‪ :‬األخذ بالقيم الشرق آسيوية مثل االنضباط في‬
‫العمل والتطبيقات اإلدارية المنضبطة مع التركيز على العمل الجاد واإلخالص والعمل الجماعي‬
‫وتشجيع اإلنتاجية واالعتماد على الذات والصبر والمثابرة وإعالء روح األسرة الواحدة ‪ .‬والثاني‬
‫هو اتباع سياسة مالية ونقدية وتجارية كلية متوازنة وحكيمة‪.‬‬
‫وشملت عملية االستفادة من التجربة اليابانية جوانب نظرية وعملية‪ ،‬تمثل ذلك في االستثمار‬
‫الياباني المباشر حيث تعلمت ماليزيا أفكا اًر عملية ووضعتها موضع التنفيذ كسياسات تعبئة‬
‫المدخرات المحلية والتكوين الرأسمالي لتمويل مشروعات التنمية االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫وقام اليابانيون بتقديم برامج التدريب المهني عن طريق وكالة التعاون الدولي اليابانية ‪Japan‬‬
‫‪ , International Cooperation Agency‬وهو ما مكن ماليزيا من االستفادة من التجربة‬
‫اليابانية في مجال التدريب الصناعي ثم برامج التبادل الثقافي ‪Cultural Exchange‬‬
‫‪ Programs‬والتي ُمولت من جانب مؤسسات يابانية لتشجيع الماليزيين على التعرف على‬
‫الثقافة اليابانية‪ ،‬وإتاحة الفرصة للماليزيين لدراسة التجربة اليابانية من جوانبها المختلفة ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫وكان من ثمرة هذه البرامج تأسيس وحدة الدراسات اليابانية ضمن معهد الدراسات االستراتيجية والدولية‬
‫الماليزي عام ‪ 1991‬وهو من أشهر معاهد التفكير في ماليزيا‪.‬‬
‫ب‪ .‬التصنيع العنقودي‪ :‬انتهجت ماليزيا في نموذجها التصنيعي ما يسمى بطريقة "التصنيع‬
‫العنقودي" التي تقوم على أساس وجود عالقات ترابط وتشابك في شكل عنقود تنتظم حباته بين‬
‫الوحدات اإلنتاجية والنشاطات المتصلة بها‪ ،‬والتي تمثلها ثالثة عناصر هي‪ :‬الصناعات‪،‬‬
‫والموردون‪ ،‬وخدمات األعمال ‪.‬‬
‫ج‪ .‬دور المؤسسات في التنمية الصناعية‪ :‬هناك كثير من المؤسسات والهيئات ساهمت في إنجاح‬
‫عملية التنمية الصناعية نذكر منها‪:‬‬
‫‪ .1‬الهيئة الماليزية للتنمية الصناعية ‪Malaysian Industrial Development‬‬
‫)‪ Authority (MIDA‬وتعد المحطة األولى للمستثمرين الذين ينوون إنشاء استثمارات‬
‫صناعية أو ذات صلة بالقطاع الصناعي في ماليزيا‪ .‬وتقوم الهيئة بتوفير كل المعلومات‬
‫المهمة عن المزايا االستثمارية كما تتولي جميع اإلجراءات والتصاريح والتصديقات‬
‫الضرورية للقيام باألعمال االستثمارية‪.‬‬
‫‪ .2‬الهيئة اإلنتاجية القومية ‪ ،National Productivity Corporation‬وهي هيئة اتحادية‬
‫تهتم بزيادة اإلنتاجية الكلية في االقتصاد الماليزي (إنتاجية عوامل اإلنتاج المختلفة كرأس‬
‫المال والعمل)‪.‬‬
‫‪ .3‬هيئة تنمية التجارة الخارجية الماليزية ‪Malaysia External Trade Development‬‬
‫‪ ،Corporation‬وتأسست هذه الهيئة عام ‪ ،1993‬وتعرف باسم "ماتريد"‬
‫)‪ ، (MATRADE‬ومهمتها ترويج وتشجيع التجارة الخارجية الماليزية والقيام بتقديم‬
‫معلومات للمصدرين والمستوردين الماليزيين وتطوير وتشجيع الصادرات الماليزية مع‬
‫التركيز على المنتجات الصناعية‪ ،‬والقيام بإجراء الدراسات علي األسواق الخارجية‬
‫للمنتجات الماليزية من أجل تحسين وضعها التنافسي والعمل على إيجاد قاعدة معلومات‬
‫لمساعدة المصدرين الماليزيين‪ ،‬وتقوم بتقديم برامج لتدريب مهارات المصدرين الماليزيين‬
‫في مجال التسويق الدولي وحماية االستثمارات الماليزية في الخارج‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫‪ .4‬هيئة التصنيع الثقيل الماليزية ‪Heavy Industries Corporation of Malaysia‬‬


‫)‪ ، (HICOM‬بدأت هيئة التصنيع الثقيل الماليزية بالقيام باالستثمار في مجال الحديد‬
‫والصلب ومشروع السيارة الوطنية بروتون )‪ (PROTON‬عن طريق شراكة مع شركة‬
‫ميتسوبيشي اليابانية والسيارة الوطنية الثانية بيرودوا )‪ (Perodua‬بالشراكة مع دايهاتسو‬
‫اليابانية‪ ،‬إضافة إلى إقامة مجمع الحديد والصلب العمالق ‪.‬‬
‫كما أقامت ماليزيا مدينة ذكية خاصة بالتكنولوجيا خارج العاصمة كوااللمبور‪ ،‬حيث ترتبط‬
‫هذه المدينة بشبكة اتصاالت ذكية تخدم العاصمة المستقبلية لماليزيا‪ ،‬وتضم أضخم الشركات‬
‫التكنولوجية في العالم وتسمى هذه المدينة "بوتراجايا" (حسين‪ ،2004 ،‬ص‪.)40‬‬
‫‪ 7-4‬المحور السابع‪ :‬الرؤية التنموية الماليزية ‪ 2020-1990‬واستدامة التنمية‬
‫تهدف إلى جعل ماليزيا ضمن الدول الخمس األولى في العالم بحلول عام ‪ 2020‬في شتى‬
‫مناحي الحياة‪ ،‬وقد تم وضع هذه الرؤية بعد تولى رئيس الوزراء مهاتير محمد‪ ،‬وعلى إثرها فقد أضيفت‬
‫ساعة إضافية لساعات العمل الرسمية‪.‬‬
‫إن رؤية ‪ 2020‬هي النموذج الماليزي الذي قدمه رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد‪ ،‬خالل‬
‫جدول أعمال خطة التنمية السادسة لماليزيا في عام ‪ .1991‬وتدعو الرؤية األمة الماليزية للوصول‬
‫إلي دولة صناعية مكتفية ذاتي ًا بحلول عام ‪ ،2020‬وتشمل هذه الرؤية جميع نواحي الحياة‪ ،‬من‬
‫االزدهار االقتصادي‪ ،‬والرفاه االجتماعي‪ ،‬واالستقرار السياسي والتعليم بالمستوى العالمي‪ ،‬فضالً عن‬
‫التوازن النفسي واألخالقي للمواطن الماليزي‪.‬‬
‫ويقول رئيس الوزراء عن الهدف من هذه الرؤية‪ :‬أنه "بحلول عام ‪ ،2020‬تستطيع ماليزيا‬
‫أن تكون أمة موحدة ذات مجتمع واثق ومتشرب بالقيم المعنوية واألخالقية القوية‪ ،‬يعيش بشكل‬
‫ديمقراطي‪ ،‬متسامح‪ ،‬ومتعاطف مع الغير‪ ،‬تسوده العدالة االقتصادية واإلنصاف واالزدهار‪ ،‬ويمتلك‬
‫اقتصاداً قاد اًر على المنافسة‪ ،‬ديناميكياً وقوياً ومرناً" (كتاب‪" :‬الطريق إلى األمام"‪ ،‬مكتب رئيس الوزراء‬
‫الماليزي‪.)1991 ،‬‬
‫وبلور رئيس الوزراء هذه الرؤية في كلمة واحدة هي ‪" Wawasan‬واواسان" وتعني للماليزيين‬
‫نهضة بلدهم وتقدمه‪ ،‬ومعناها باللغة العربية "رؤية" أو "تطلع" أو" المضي قدماً"‪ .‬وتعتبر (واواسان‬
‫‪ )2020‬بمثابة خطة استراتيجية لماليزيا تستهدف أن تكون دولة متقدمة بحلول عام ‪ .2020‬وسنسعى‬

‫‪57‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫لمحاولة تسليط الضوء على رؤية رئيس الحكومة الماليزية (رؤية ‪ )2020‬وكان من أبرز جوانبها ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫أن ماليزيا سوف تعتمد على القطاع الخاص كمحرك أول للنمو االقتصادي‪ .‬ورغم أن السنوات‬ ‫أ‪.‬‬
‫األولي لم يستطع القطاع الخاص أن يستجيب كلية للتحديات‪ ،‬إال أنه خالل السنوات الثالث‬
‫األخيرة من عقد الثمانيات استطاع القطاع الخاص االنتعاش وبدأت استجابته حيث بلغ‬
‫معدل النمو عام ‪ 1988‬نحو ‪ %8.8‬وارتفع في عام ‪ 1989‬ليصبح ‪ ،%9.8‬و‪ %4.9‬في‬
‫عام ‪( 1990‬المركز الديموقراطي العربي‪.)2017،‬‬
‫ب‪ .‬سوف تخفض الحكومة من دورها في مجاالت اإلنتاج االقتصادي ولكنها لن تستطيع أن‬
‫تتراجع كلي ًة عن المجال االقتصادي‪ ،‬فلن تتخلى عن مسئولياتها في المراقبة ووضع أطر‬
‫العمل القانونية من أجل التنمية االجتماعية واالقتصادية السريعة‪.‬‬

‫ج‪ .‬سوف تستمر عملية خفض اللوائح وعدم المغاالة في وضعها‪ ،‬رغم أنها تلعب دو اًر أساسياً‬
‫في كيفية حكم المجتمع الذي يعد االقتصاد جزءاً منه‪.‬‬
‫د‪ .‬سوف تستمر الخصخصة كأحد الركائز األساسية في استراتيجيتنا الفعالة للتنمية الوطنية‪،‬‬
‫وتلك االستراتيجية ال تقوم على اعتقاد أيديولوجي بل تهدف بصفة خاصة إلى دعم المنافسة‬
‫وال فعالية وخفض العبء المالي عن كاهل الحكومة واإلسراع بتحقيق األهداف الصناعية‬
‫الوطنية‪ .‬وفي تطبيق سياسة الخصخصة تدرك الحكومة تمام اإلدراك الحاجة إلى حماية‬
‫المصالح العامة وضمان حصول الفقراء على الخدمات األساسية وضمان جودة الخدمات‬
‫بأقل تكلفة وتجنب ممارسات االحتكار الغير منتجة‪.‬‬
‫ه‪ .‬سوف يتم اإلسراع بتنمية قطاع التصنيع ولكي يتحقق ذلك يجب أن نعتمد على قوانا الوطنية‬
‫ونعالج نقاط ضعفنا‪ .‬وتحتاج الحكومة في تنفيذ سياسة التصنيع أن توسع من نطاق القاعدة‬
‫الصناعية‪ ،‬ففي عام ‪ 1988‬شكلت الصناعة اإلليكترونية والكهربائية والنسيج ‪ %63‬من‬
‫الصادرات المصنعة‪ ،‬حيث أن المعدات اإلليكترونية وحدها مثلت ‪ %50‬من الصادرات‬
‫المصنعة‪ ،‬لذا يجب التنويع‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫و‪ .‬سوف تخطط الحكومة نظم مناسبة لدعم مستوى الخبرة اإلدارية والتكنولوجية ومهارات‬
‫العاملين بقطاع االقتصاد‪ .‬علماً بأن المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي إحدى القواعد‬
‫واألسس األساسية للمستقبل الصناعي والحكومة ملتزمة التزاماً كامالً بتطويرها‪.‬‬
‫ز‪ .‬تنويع الصادرات يتطلب أيض ًا تنويع أسواق التصدير ويجب أن يبحث المصدرون الماليزيون‬
‫عن أسواق غير تقليدية ألن االعتماد على الصادرات هو أفضل سبيل لدعم النمو‪.‬‬
‫ح‪ .‬إن التحرير االقتصادي يجعل القطاع الخاص أقل اعتماداً على األرباح الغير عادية (الزائفة‪،‬‬
‫أو الوهمية) التي يستفيد منها بعض المنتجين على حساب المستهلكين‪ ،‬لذا يجب أن نعمل‬
‫على سيادة جو المنافسة بين المنتجين‪.‬‬
‫ط‪ .‬سوف تستمر الحكومة في دعم تقدم االستثمارات األجنبية لدورها الجوهري في اإلسراع بتنمية‬
‫قطاع التصنيع‪ ،‬ومرة أخرى فإننا لن نتخلى عن االستراتيجية ال اربحة‪ ،‬لكننا سوف نعمل على‬
‫ضمان استفادة ماليزيا االستفادة القصوى من تدفق االستثمارات األجنبية‪.‬‬
‫وبصفة عامة فإن االقتصاد الماليزي يتميز بأن له نمواً قوي ًا‪ ،‬وتضخم ًا متدني ًا‪ ،‬وعمال ًة كامل ًة‪،‬‬
‫ويتمتع باستثمارات مرتفعة محلياً ودولياً‪ ،‬مما جعل االقتصاد الماليزي يسجل نمواً بنسبة ‪ %6.4‬في‬
‫عام ‪ ،2014‬متفوقاً على معظم الدول األخرى في رابطة اآلسيان بما في ذلك سنغافورة التي حققت‬
‫معدل نمو قدره ‪ %2.1‬وإندونيسيا بمعدل ‪ %5.1‬وفيتنام بمعدل ‪ %5.3‬وكوريا الجنوبية بمعدل‬
‫‪ .%3.6‬ولقد كان قطاع اإلنشاءات هو األعلى مساهمة في النمو بنسبة ‪ %9.9‬يليه قطاع الصناعات‬
‫التحويلية بنسبة ‪ % 7.3‬وقطاع الزراعة بنسبة ‪ %7.1‬وقطاع الخدمات بنسبة ‪ %6.4‬وقطاع البترول‬
‫والتعدين ساهم بنسبة ‪ .%2.1‬وتستهدف رؤية ‪ 2020‬الوصول بمتوسط نصيب الفرد من الدخل‬
‫القومي إلى ‪ 15‬ألف دوالر بحلول عام ‪( 2020‬يوسف‪ ،2010 ،‬ص ‪.)91‬‬
‫ويؤكد مهاتير محمد أن ماليزيا تستطيع أن تحقق ذلك‪ ،‬فماليزيا لديها القدرة المالية التي‬
‫يتطلبها تحقيق ذلك‪ ،‬فاألفراد يقومون باالدخار‪ ،‬حيث أن ‪ %40‬من الدخل القومي يتم توفيره كل سنة‬
‫من خالل المؤسساتّ الكبيرة‪ ،‬وإحدى تلك المؤسسات هي صناديق االدخار التي تعد إسهام ًا من‬
‫العمال وأصحاب العمل‪ ،‬فهم يسهمون بنسبة ‪ %20‬من األجر‪ ،‬حيث يدفع العامل ‪ %9‬وصاحب‬
‫العمل ‪ %11‬لتوضع النسبتان مجتمعتين في صندوق االدخار‪ ،‬وأصبح لدينا أموال ضخمة اآلن‪ ،‬تبلغ‬
‫نحو ‪ 400‬مليار رينجيت‪ ،‬كما أن لدينا مدخرات أخرى ( مهاتير‪ ،2016 ،‬ص‪ .)43‬وكرر مهاتير‬

‫‪59‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫محمد مقولته أنه ال يجب أن تصبح ماليزيا متقدمة فقط من الناحية االقتصادية بل أن يشمل التقدم‬
‫كافة النواحي األخرى االجتماعية والثقافية والنفسية والروحية" ‪.‬‬

‫‪ -5‬مثار عملية التنمية االقتصادية يف ماليزيا‬


‫لقد رصد تقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة لعام ‪،2001‬‬
‫أهم الدول المصدرة للتقنية العالمية‪ ،‬وكانت ماليزيا في المرتبة التاسعة متقدمة بذلك على إيطاليا‬
‫والسويد‪ ،‬ولقد أثمرت عملية التنمية االقتصادية في ماليزيا في نقل الدولة إلى صفوف الدول المتقدمة‪،‬‬
‫ولقد انعكس ذلك في ارتفاع كالً من إجمالي الناتج المحلي ومتوسط نصيب الفرد من الدخل القومي‪،‬‬
‫ومن ثم تحسن مستوى معيشة الفرد الماليزي‪ .‬فضالً عن القضاء على الفقر‪ ،‬وكذلك انخفضت معدالت‬
‫البطالة والتضخم وفيما يلي توضيح ذلك بالتفصيل‪:‬‬
‫‪ 1-5‬ارتفاع متوسط نصيب الفرد الماليزي من الدخل القومي‪ ،‬وإعادة هيكلة االقتصاد الماليزي‬
‫لقد كان من أهم ثمار التنمية في ماليزيا ارتفاع ٍ‬
‫كل من الناتج المحلي والدخل القومي وكذلك‬
‫متوسط نصيب الفرد ٍ‬
‫لكل منهما مما أدي إلى رواج كبير في ماليزيا‪ ،‬وجعلها تسير في ركاب الدول‬
‫المتقدمة وتتخلي عن موقعها في صفوف الدول النامية ويوضح الجدول التالي تطورات ٍ‬
‫كل من الناتج‬
‫المحلي اإلجمالي والدخل القومي اإلجمالي خالل الفترة ‪ 1980‬وحتى ‪2016‬‬
‫كل من الناتج المحلي اإلجمالي والدخل القومي اإلجمالي خالل الفترة ‪ 1980‬وحتى ‪2016‬‬
‫جدول رقم (‪ )13‬تطورات ٍ‬
‫متوسط نصيب‬ ‫متوسط نصيب‬ ‫الدخل القومي‬ ‫الناتج المحلي‬
‫عدد السكان‬
‫الفرد من الدخل‬ ‫الفرد من الناتج‬ ‫اإلجمالي‬ ‫اإلجمالي‬ ‫السنة‬
‫(ألف نسمة)‬
‫القومي اإلجمالي‬ ‫القومي اإلجمالي‬ ‫(بالمليون رينجيت)‬ ‫(بالمليون رينجيت)‬
‫‪3703‬‬ ‫‪3841‬‬ ‫‪13879‬‬ ‫‪51390‬‬ ‫‪53309‬‬ ‫‪1980‬‬
‫‪3900‬‬ ‫‪4041‬‬ ‫‪14257‬‬ ‫‪55602‬‬ ‫‪57613‬‬ ‫‪1981‬‬
‫‪4075‬‬ ‫‪4273‬‬ ‫‪14651‬‬ ‫‪59710‬‬ ‫‪62599‬‬ ‫‪1982‬‬
‫‪4388‬‬ ‫‪4681‬‬ ‫‪15048‬‬ ‫‪66330‬‬ ‫‪70444‬‬ ‫‪1983‬‬
‫‪4801‬‬ ‫‪5149‬‬ ‫‪15450‬‬ ‫‪74182‬‬ ‫‪79550‬‬ ‫‪1984‬‬
‫‪4531‬‬ ‫‪4878‬‬ ‫‪15883‬‬ ‫‪71962‬‬ ‫‪77470‬‬ ‫‪1985‬‬
‫‪4092‬‬ ‫‪4384‬‬ ‫‪16329‬‬ ‫‪66818‬‬ ‫‪71594‬‬ ‫‪1986‬‬
‫‪4537‬‬ ‫‪4834‬‬ ‫‪16773‬‬ ‫‪76104‬‬ ‫‪81085‬‬ ‫‪1987‬‬
‫‪5069‬‬ ‫‪5364‬‬ ‫‪17219‬‬ ‫‪87286‬‬ ‫‪92370‬‬ ‫‪1988‬‬
‫‪5624‬‬ ‫‪5985‬‬ ‫‪17662‬‬ ‫‪99330‬‬ ‫‪105233‬‬ ‫‪1989‬‬

‫‪60‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫متوسط نصيب‬ ‫متوسط نصيب‬ ‫الدخل القومي‬ ‫الناتج المحلي‬


‫عدد السكان‬
‫الفرد من الدخل‬ ‫الفرد من الناتج‬ ‫اإلجمالي‬ ‫اإلجمالي‬ ‫السنة‬
‫(ألف نسمة)‬
‫القومي اإلجمالي‬ ‫القومي اإلجمالي‬ ‫(بالمليون رينجيت)‬ ‫(بالمليون رينجيت)‬
‫‪6299‬‬ ‫‪6578‬‬ ‫‪18102‬‬ ‫‪114017‬‬ ‫‪119081‬‬ ‫‪1990‬‬
‫‪6919‬‬ ‫‪7285‬‬ ‫‪18547‬‬ ‫‪128324‬‬ ‫‪135124‬‬ ‫‪1991‬‬
‫‪7483‬‬ ‫‪7903‬‬ ‫‪19067‬‬ ‫‪142676‬‬ ‫‪150682‬‬ ‫‪1992‬‬
‫‪8363‬‬ ‫‪8785‬‬ ‫‪19602‬‬ ‫‪163928‬‬ ‫‪172194‬‬ ‫‪1993‬‬
‫‪9237‬‬ ‫‪9704‬‬ ‫‪20142‬‬ ‫‪186049‬‬ ‫‪195461‬‬ ‫‪1994‬‬
‫‪10255‬‬ ‫‪10757‬‬ ‫‪20682‬‬ ‫‪212095‬‬ ‫‪222473‬‬ ‫‪1995‬‬
‫‪11399‬‬ ‫‪11956‬‬ ‫‪21223‬‬ ‫‪241931‬‬ ‫‪253732‬‬ ‫‪1996‬‬
‫‪12251‬‬ ‫‪12945‬‬ ‫‪21769‬‬ ‫‪266699‬‬ ‫‪281795‬‬ ‫‪1997‬‬
‫‪11996‬‬ ‫‪12682‬‬ ‫‪22334‬‬ ‫‪267923‬‬ ‫‪283243‬‬ ‫‪1998‬‬
‫‪12217‬‬ ‫‪13129‬‬ ‫‪22909‬‬ ‫‪279878‬‬ ‫‪300764‬‬ ‫‪1999‬‬
‫‪13939‬‬ ‫‪15169‬‬ ‫‪23495‬‬ ‫‪327492‬‬ ‫‪356401‬‬ ‫‪2000‬‬
‫‪13606‬‬ ‫‪14672‬‬ ‫‪24030‬‬ ‫‪326656‬‬ ‫‪352579‬‬ ‫‪2001‬‬
‫‪14593‬‬ ‫‪15614‬‬ ‫‪24543‬‬ ‫‪358152‬‬ ‫‪383213‬‬ ‫‪2002‬‬
‫‪15825‬‬ ‫‪16725‬‬ ‫‪25038‬‬ ‫‪396232‬‬ ‫‪418769‬‬ ‫‪2003‬‬
‫‪17605‬‬ ‫‪18560‬‬ ‫‪25541‬‬ ‫‪449646‬‬ ‫‪474048‬‬ ‫‪2004‬‬
‫‪19951‬‬ ‫‪20870‬‬ ‫‪26046‬‬ ‫‪519635‬‬ ‫‪543578‬‬ ‫‪2005‬‬
‫‪21826‬‬ ‫‪22478‬‬ ‫‪26550‬‬ ‫‪579490‬‬ ‫‪596784‬‬ ‫‪2006‬‬
‫‪24073‬‬ ‫‪24589‬‬ ‫‪27058‬‬ ‫‪651355‬‬ ‫‪665340‬‬ ‫‪2007‬‬
‫‪27094‬‬ ‫‪27929‬‬ ‫‪27568‬‬ ‫‪746915‬‬ ‫‪769949‬‬ ‫‪2008‬‬
‫‪24880‬‬ ‫‪25385‬‬ ‫‪28081‬‬ ‫‪698643‬‬ ‫‪712857‬‬ ‫‪2009‬‬
‫‪27819‬‬ ‫‪28733‬‬ ‫‪28589‬‬ ‫‪795303‬‬ ‫‪821464‬‬ ‫‪2010‬‬
‫‪30629‬‬ ‫‪31372‬‬ ‫‪29062‬‬ ‫‪890133‬‬ ‫‪911733‬‬ ‫‪2011‬‬
‫‪31698‬‬ ‫‪32913‬‬ ‫‪29510‬‬ ‫‪935410‬‬ ‫‪971552‬‬ ‫‪2012‬‬
‫‪32589‬‬ ‫‪33714‬‬ ‫‪30214‬‬ ‫‪984639‬‬ ‫‪1018614‬‬ ‫‪2013‬‬
‫‪34838‬‬ ‫‪36030‬‬ ‫‪30709‬‬ ‫‪1069819‬‬ ‫‪1106443‬‬ ‫‪2014‬‬
‫‪36093‬‬ ‫‪37123‬‬ ‫‪31186‬‬ ‫‪1125611‬‬ ‫‪1157723‬‬ ‫‪2015‬‬
‫‪37759‬‬ ‫‪38853‬‬ ‫‪31661‬‬ ‫‪1195480‬‬ ‫‪1230120‬‬ ‫‪2016‬‬
‫المصدر‪ :‬تم التجميع وعمل المتوسطات بمعرفة الباحث اعتماداً على‪:‬‬
‫‪NATIONAL ACCOUNTS : GDP and GNI at Constant Prices, 1980 – 2016, Malaysia‬‬

‫‪61‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫ومن الجدول السابق تتضح اإلنجازات التي حققتها ماليزيا‪ ،‬فعلي مستوي الناتج المحلي‬
‫اإلجمالي فقد ارتفع مع بداية حقبة التنمية من ‪ 53309‬مليون رينجيت في عام ‪ 1980‬إلى ‪119081‬‬
‫مليون رينجيت عام ‪ ،1990‬ثم إلى ‪ 356401‬مليون رينجيت عام ‪ ،2000‬حتى وصل إلى‬
‫‪ 1230120‬مليون رينجيت عام ‪ ،2016‬بما يعادل ‪ 307.53‬مليار دوالر أمريكي‪ .‬مما يعني تضاعف‬
‫الناتج المحلي اإلجمالي بأكثر من ‪ 23‬مرة منذ عام ‪ 1980‬وحتى عام ‪ ،2016‬وذلك مردة إلى محاور‬
‫التنمية الرشيدة التي ذكرناها من قبل‪.‬‬
‫أما على مستوي الدخل القومي فقد أرتفع بدوره من ‪ 51390‬مليون رينجيت عام ‪ 1980‬إلى‬
‫‪ 114017‬مليون رينجيت عام‪ 1990‬بمعدل نمو قدره ‪ ،%122‬خالل الفترة المذكورة‪ .‬ثم ارتفع ليصل‬
‫إلى ‪ 327492‬مليون رينجيت بمعدل نمو قدره ‪ %537‬عن مثيله عام ‪ ،1980‬ثم ارتفع ليصل إلى‬
‫‪ 1195480‬مليون رينجيت عام ‪ ،2016‬بما يعادل ‪ 298870‬مليون دوالر أمريكي‪ .‬وهذه ثمرًة أخري‬
‫من ثمار التنمية الماليزية‪.‬‬
‫وبالنسبة لمتوسط نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي فقد كان خالل حقبة السبعينات‬
‫نحو ‪ 810‬رينجيت بما يعادل ‪ 270‬دوالر أمريكي‪ ،‬ارتفع ليصل إلى ‪ 3703‬رينجيت في عام ‪،1980‬‬
‫وظل متصاعداً ليصل إلى ‪ 6299‬رينجيت عام ‪ 1990‬بمعل نمو قدرة ‪ ،%70‬ثم ارتفع ليصل إلى‬
‫‪ 13939‬رينجيت بمعل نمو قدره ‪ %276‬عن متوسط نصيب الفرد عام ‪ .1980‬ثم ارتفع ليصل إلى‬
‫‪ 37759‬رينجيت عام ‪ .2016‬بما يعادل ‪ 9439.75‬دوالر أمريكي‪ ،‬ومن المستهدف أن يصل إلى‬
‫‪ 15000‬دوالر بحلول عام ‪ ،2020‬وفقا لرؤية ‪.2020‬‬
‫أما عن إعادة هيكلة االقتصاد الماليزي فقد استطاعت حكومات هذه الدولة بعد االستقالل‬
‫أن تُحدث طفرة هائلة في إعادة هيكلة اقتصادها القومي على النحو الذي أحلت فيه قطاع التصنيع‬
‫محل قطاع الزراعة في األهمية النسبية كما يوضح ذلك الجدول التالي‪:‬‬
‫جدول رقم (‪ )14‬الناتج المحلي اإلجمالي الماليزي حسب القطاع خالل الفترة ‪( 2003 – 1960‬نسبة مئوية)‬
‫‪2003‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫‪1995‬‬ ‫‪1990‬‬ ‫‪1980‬‬ ‫‪1970‬‬ ‫‪1960‬‬ ‫القطاع‬
‫‪8.2‬‬ ‫‪8.7‬‬ ‫‪10.3‬‬ ‫‪18.7‬‬ ‫‪22.8‬‬ ‫‪30.8‬‬ ‫‪40.5‬‬ ‫الزراعة‬
‫‪7.2‬‬ ‫‪6.6‬‬ ‫‪8.2‬‬ ‫‪9.7‬‬ ‫‪10.0‬‬ ‫‪6.3‬‬ ‫‪6.1‬‬ ‫التعدين‬
‫‪30.6‬‬ ‫‪33.4‬‬ ‫‪27.1‬‬ ‫‪27.0‬‬ ‫‪20.0‬‬ ‫‪13.4‬‬ ‫‪8.6‬‬ ‫التصنيع‬
‫‪56.8‬‬ ‫‪52.6‬‬ ‫‪51.3‬‬ ‫‪42.3‬‬ ‫‪47.2‬‬ ‫‪51.3‬‬ ‫‪44.8‬‬ ‫الخدمات‬
‫المصدر‪ :‬صندوق النقد الدولي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية لماليزيا‬

‫‪62‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫أداء اقتصادي ًا عالي ًا منذ بداية حقبة التنمية‪ ،‬وكما يوضح الجدول السابق‪،‬‬
‫لقد حققت ماليزيا ً‬
‫قد كان القطاع الزراعي يمثل أكثر من ‪ ،%40‬والقطاع الصناعي يمثل ‪ %8.6‬قبل بداية التنمية‪،‬‬
‫واُستُخدمت سياسة تبديل األدوار‪ ،‬لينخفض نصيب القطاع الزراعي في إجمالي الناتج المحلي إلي‬
‫‪ ،%22.8‬ويرتفع نصيب القطاع الصناعي إلي ‪ ،%20‬وذلك خالل ثمانينات القرن الماضي‪ ،‬ويزداد‬
‫نصيب قطاع التعدين والخدمات إلي ‪ %47.2 ،%10‬علي الترتيب‪ ،‬غير أن سياسة تبديل األدوار‬
‫للقطاعات االقتصادية قد أخذت منحي كبير في بداية القرن الحالي ليصل قطاع الصناعة إلي ‪%30.6‬‬
‫من الناتج المحلي اإلجمالي وينخفض نصيب القطاع الزراعي ليصل ‪ .%8.2‬في عام ‪ ،2003‬ووصل‬
‫معدل نمو الناتج المحلي إلى نسبة ‪ ،%8‬فيما كان التصنيع في الدولة ينأى بنفسه بعيداً عن الصناعات‬
‫التقليدية التي ُعرفت بها الدولة‪ ،‬كصناعة المطاط والقصدير‪ ،‬باتجاه الصناعات التكنولوجية العالية‬
‫(‪) 2‬‬
‫المستوى من قبيل الموصالت الصغيرة والرقائق اإللكترونية المصغرة‪ ،‬ووضعت مؤسسة هاريتيج‬
‫(‪ )Heritage-Foundation‬العالمية‪ ،‬ماليزيا في المرتبة العاشرة من بين افضل اقتصاديات العالم‬
‫انفتاحًا‪ .‬وهذا يعكس أن نموذج التنمية الفريد الذي اتبعته ماليزيا‪ ،‬قد كان شامالً و علي جميع المحاور‬
‫والقطاعات‪ ،‬ولقد ترتب علي السياسات التي أتبعتها هذه الدولة من منع تصدير المنتجات الخام‪ ،‬ارتفاع‬
‫نصيب القطاع الصناعي ذو القيمة المضافة األعلى‪ ،‬وكذلك فتح الباب علي مصراعيه أمام‬
‫االستثمارات األجنبية وفق شروط ومعايير محددة‪ ،‬مما ساعد علي التوسع الكبير لقطاع التصنيع ‪.‬‬
‫كما رئينا في جدول رقم (‪.)14‬‬
‫‪ 2-5‬انخفاض نسبة الفقر في ماليزيا‬
‫تعتبر تجربة مكافحة الفقر في ماليزيا من أبرز التجارب التي ُكللت بالنجاح على مستوى‬
‫العالم اإلسالمي الذي يعيش ‪ % 37‬من سكانه تحت خط الفقر‪ ،‬فقد استطاعت ماليزيا خالل ثالثة‬
‫عقود (‪ ،)2000-1970‬القضاء على الفقر المدقع الذي كان يعاني منه حوالي ‪ %65‬من الماليا قبل‬
‫عام ‪(1970‬صندوق النقد الدولي‪ ،)2016 ،‬والذي تراجع معدله إلى ‪ %3.6‬عام ‪ ،2007‬ثم إلى‬

‫(‪ )2‬مؤسسة بحثية وتعليمية‪ ،‬تأسست في عام ‪ 1973‬في واشنطن ومن ضمن أهدافها صياغة السياسات العامة المحافظة‬
‫وتعزيزها اعتماداً على مبادئ الشراكة‪ ،‬وتقوم المؤسسة بإجراء األبحاث الدقيقة بشأن القضايا االقتصادية والسياسية‬
‫األساسية‪ ،‬وتر ي المؤسسة أن التغييرات التي قامت بها ماليزيا "تتحرك في االتجاه االقتصادي والسياسي الصحيح وتشيد‬
‫بالسياسات االقتصادية الجريئة في ماليزيا‪ .‬أنظر في ذلك‪:‬‬
‫"‪“Asia Africa Intelligence Wire :" Heritage hails Malaysia's bold economic policies ,‬‬
‫‪Washington , 11_ JAN_2005.‬‬
‫‪63‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫قضاء مبرم ًا‪ ،‬أنظر جدول رقم‬


‫ً‬ ‫‪ %0.4‬عام ‪ ،2015‬وبذلك يكون الفقر المدقع قد تم القضاء عليه‬
‫(‪.)6‬‬
‫‪ 3-5‬انخفاض معدالت البطالة‬
‫من خالل ما قدمنا للتجربة الماليزية في محاربة ظاهرة البطالة‪ ،‬يتراءى لنا أن النموذج‬
‫الماليزي الناجح في مجال القضاء على البطالة لم يحقق نجاحه هذا بفضل تفرده وتميزه في المقومات‬
‫االقتصادية والطبيعية والبشرية التي تمتلكها هذه الدولة فحسب‪ .‬وإنما صنع نجاحه بفضل السياسات‬
‫واالستراتيجيات الرشيدة التي قامت على أساس االستغالل العقالني للموارد المتاحة‪ ،‬واالعتماد على‬
‫مبدأ المساواة والعدالة االجتماعية في تلك االستراتيجيات بأبعادها السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬
‫والتي ارتقت بالتجربة الماليزية إلى نموذج يحتذي به في تحقيق التنمية االقتصادية‪ ،‬وفي محاربة‬
‫مختلف المشاكل التي من شأنها أن تعرقل عجلة التقدم والتطور‪ ،‬كظاهرة البطالة مثالً‪ .‬فكانت الدروس‬
‫المستقاة من هذه التجربة منطلقاً للعديد من الدول التي الزالت تتخبط شعوبها في مستنقعات موحلة‬
‫من البطالة والفقر وتدني مستوى المعيشة وغيرها‪.‬‬
‫وذكرت آخر اإلحصائيات‪ ،‬أن معدل البطالة في ماليزيا انخفض إلى نحو ‪ %3.2‬في عام‬
‫‪ 2016‬فقط‪ ،‬ووصل في عام ‪ 2018‬الي ‪( %3‬مؤشرات ماليزيا‪.)2018 ،‬‬
‫جدول رقم (‪ )15‬معدالت البطالة خالل الفترة ‪ 1970‬ــ ‪2018‬‬

‫المصدر‪ :‬من إعداد الباحث‪ ،‬استنادًا على بيانات صندوق النقد الدولي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية لماليزيا‪.2016 ،‬‬
‫ليس هذا فحسب بل أن ذلك تصاحب مع زيادة اإلنتاجية‪ ،‬حيث وصلت نسبة مساهمة‬
‫إجمالي اإلنتاجية في الناتج المحلي إلى ‪ ،%19.7‬حيث تعمل الحكومة الماليزية على تحسين جودة‬
‫العمل من خالل وضع سياسات قوية وحوافز مناسبة لخلق فرص عمل حديثة من شأنها أن تزيد من‬
‫معدالت األجور وتزيد من اإلنتاجية من خالل تطبيق التكنولوجيا وانتشار مراكز التدريب في ربوع‬
‫البالد‪.‬‬
‫‪ 4-5‬انخفاض معدالت التضخم‬
‫لقد كان من ثمار تحقيق التنمية االقتصادية في ماليزيا انخفاض معدل التضخم بصورةٍ كبيرة‬
‫كما يظهرها الجدول التالي‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫جدول رقم (‪ )16‬معدالت التضخم خالل الفترة ‪ 1980‬ــ ‪2015‬‬


‫معدل التضخم (‪)%‬‬ ‫السنة‬ ‫معدل التضخم (‪)%‬‬ ‫السنة‬
‫‪3.48‬‬ ‫‪1996‬‬ ‫‪6.72‬‬ ‫‪1980‬‬
‫‪2.66‬‬ ‫‪1997‬‬ ‫‪9.70‬‬ ‫‪1981‬‬
‫‪5.29‬‬ ‫‪1998‬‬ ‫‪5.83‬‬ ‫‪1982‬‬
‫‪2.73‬‬ ‫‪1999‬‬ ‫‪3.70‬‬ ‫‪1983‬‬
‫‪1.79‬‬ ‫‪2002‬‬ ‫‪3.90‬‬ ‫‪1984‬‬
‫‪3.04‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫‪2.59‬‬ ‫‪1985‬‬
‫‪3.62‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪0.35‬‬ ‫‪1986‬‬
‫‪2.03‬‬ ‫‪2007‬‬ ‫‪0.74‬‬ ‫‪1987‬‬
‫‪3.04‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫‪0.29‬‬ ‫‪1988‬‬
‫‪3.62‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪2.56‬‬ ‫‪1989‬‬
‫‪5.43‬‬ ‫‪2008‬‬ ‫‪3.04‬‬ ‫‪1990‬‬
‫‪3.17‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪4.33‬‬ ‫‪1991‬‬
‫‪1.66‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪4.78‬‬ ‫‪1992‬‬
‫‪2.11‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪3.55‬‬ ‫‪1993‬‬
‫‪3.14‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪3.69‬‬ ‫‪1994‬‬
‫‪2.40‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪3.47‬‬ ‫‪1995‬‬
‫المصدر‪ :‬البنك الدولي ‪ ،trading economics‬مؤشرات ماليزيا‪.2018 ،‬‬

‫ويتضح من الجدول السابق انخفاض معدل التضخم‪ ،‬مع بداية حقبة التنمية‪ ،‬وتولي رئيس‬
‫الوزراء الماليزي مهاتير محمد‪ ،‬من ‪ %9.7‬عام ‪ ،1981‬إلى ‪ %1.79‬مع اقتراب نهاية فترة حكمه‬
‫األولي‪ ،‬ثم أخذ يتذبذب حول معدل ‪ %3‬حتى عام ‪ ،2014‬وهو المعدل القياسي للتضخم والمقبول‬
‫عالمي ًا‪ ،‬ليصل في عام ‪ 2015‬إلى ‪ ،%2.4‬ولقد أعلن البنك المركزي الماليزي أن معدل التضخم قد‬
‫وصل إلى ‪ ،%2.5‬خالل عام ‪ ،2018‬وذلك مقارن ًة بمعدل ‪ %3.7‬في عام ‪ .2017‬وذكر البنك في‬
‫تقريره السنوي لعام ‪ ، 2018‬أنه على الرغم من ارتفاع أسعار النفط والسلع على الصعيد العالمي‪ ،‬إال‬
‫ال عن أن سعر صرف الرينجيت قد‬
‫أن ذلك قد ساهم بشكل أقل في معدل التضخم في ماليزيا‪ ،‬فض ً‬
‫تحسن خالل عام ‪ 2018‬مقارن ًة بسعر صرفه في العام السابق (‪)trading economics, 2017‬‬

‫‪65‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫‪ -6‬الدروس املستفادة من جتربة التنمية االقتصادية يف ماليزيا للدول النامية‬


‫تنتهج الدول والحكومات سياسات واستراتيجيات مختلفة لمواجهة الظواهر االقتصادية غير‬
‫المواتية كظاهرة الفقر‪ ،‬والبطالة والتضخم وغيرهما‪ ،‬وذلك بالبحث عن الحلول أو اآلليات التي من‬
‫شأنها احتواء هذه الظواهر لتفادي أضرارها على الفرد والمجتمع‪ .‬وتظهر هنا ضرورة قراءة تاريخ‬
‫التجارب العالمية خاصة الناجحة منها واالطالع على األساليب واالستراتيجيات التي اتُبعت في‬
‫التصدي لهذه الظواهر بهدف االستفادة منها‪ ،‬وهي الوظيفة االجتماعية للتاريخ‪ ،‬حسب رأي ابن خلدون‪.‬‬
‫وتبرز التجربة الماليزية كواحدة من أهم القراءات القيمة كونها تمثل نموذجاً يحتذى به بالنسبة‬
‫لكثير من الدول التي تعاني من مشكالت اقتصادية عديدة‪ .‬فاحتواء المشكالت االقتصادية والسيطرة‬
‫عليها في ماليزيا كان نتيجة منطقية لنهضة توفرت شروطها الموضوعية والسياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬فهي ثمرة استراتيجية وطنية شاملة تفاعل فيها الحاكم والمحكوم‪ ،‬وتجلت فيها عالقة‬
‫الرضا التي أسست ثقة متبادلة وفرت الدعامة المالئمة لنجاح تجربة إنسانية يراها الكثير من الخبراء‬
‫بأنها تحدي ًا جدي اًر بالقراءة والفهم‪ .‬ولقد كان لهذه التجربة عدد من النتائج يمكن االستفادة منها في الدول‬
‫النامية التي تسعي بجدية وإخالص نحو تحقيق التنمية االقتصادية منها‪:‬‬
‫‪ 1-6‬بالنسبة لمنهج اإلصالح السياسي‪:‬‬
‫لقد كان من نتائج التجربة الماليزية على مستوي اإلصالح السياسي ما يلي‪:‬‬
‫(‪ )1‬الحفاظ على السلم والوحدة في ظل تعدد األعراق واختالف الديانات‪.‬‬
‫(‪ )2‬إنشاء مشروعات وطنية عمالقة الهدف منها تعزيز روح االنتماء والوطنية لدى المواطنين‬
‫الماليزيين‪.‬‬
‫(‪ )3‬االستقرار السياسي‪ ،‬فمن الدروس المستفادة من نجاح التجربة الماليزية‪ ،‬االستقرار السياسي‪،‬‬
‫ووجود قيادة وطنية واعية على اطالع ومعرفة جيدة بالواقع الداخلي من حيث المشكالت‬
‫والممكنات‪ ،‬وعلى معرفة بالواقع الخارجي وبالتحديات التي تُفرض على صانع القرار‪ ،‬وقد أدى‬
‫ذلك إلى تحقيق السلم المجتمعي وإلى تجنب الدخول في صراع مع الدول المحيطة ومع القوى‬
‫الكبرى في العالم‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫(‪ )4‬تستند سياسة اإلصالح السياسي في ماليزيا إلى ركيزتين أساسيتين هما‪ :‬استئصال الفقر وإعادة‬
‫هيكلة المجتمع من جديد‪ .‬وهكذا كان التوزيع العادل للثروة ومنح فرصة متساوية للمواطنين في‬
‫التعليم والصحة والتوظيف في أولويات السياسة االقتصادية الجديدة‪.‬‬
‫وبعد سنوات من تطبيق هذه السياسة التنموية اإلصالحية حققت ماليزيا مزيداً من االستقرار واالزدهار‬
‫واختفى االحتقان العرقي وانتشر العدل في ربوع البالد وأصبح المعيار األول ليس اللون أو اللغة أو‬
‫ِ‬
‫العرق‪ ،‬بل العلم والعمل واإلخالص للوطن‪ .‬وحقق البرنامج التنموي اإلصالحي نتائج فاقت التوقعات‬
‫حيث ارتفعت نسبة الثروة في الطبقة الفقيرة في ماليزيا من‪ %4‬سنة ‪ 1970‬إلى ‪ %30‬عام ‪،1997‬‬
‫كما ارتفع الناتج القومي وانتعش االقتصاد‬
‫‪ 2-6‬بالنسبة للبنى التحتية لإلنسان واالستثمار‪:‬‬
‫ركزت النهضة الماليزية على بناء اإلنسان واالستثمار فيه على أساس أنه هو الثروة الحقيقة‬
‫والمحرك األول ألي نهضة اقتصادية وعلمية‪ ،‬فكانت النتيجة‪ ،‬نهضة أبهرت العالم وتغنت بها الشعوب‬

‫التواقة إلى التغيير والنهوض‪ ،‬وكان أساس هذه النهضة وركيزتها العنصر البشري ً‬
‫بناء وتكوين ًا وتنظيم ًا‪،‬‬
‫مع زرع قيم العمل والتميز واإلبداع‪ ،‬واالهتمام بالبنية األساسية واالبتكار (إبراهيم‪ ،2006 ،‬ص‪)30‬‬
‫‪ :3 - 6‬بالنسبة لإلصالح االقتصادي‪:‬‬
‫(‪ )1‬بدأت ماليزيا في السبعينيات من القرن الماضي إجراء حزمة من اإلصالحات االقتصادية‪،‬‬
‫حيث انتقلت من اعتمادها علي التعدين والزراعة إلى اقتصاد يعتمد بصورة أكبر على‬
‫التصنيع‪ ،‬من خالل جذب االستثمارات الخارجية وخاصة من اليابان‪ ،‬ووضعت ماليزيا‬
‫استراتيجية شملت مختلف القطاعات الصناعية (ميتكيس‪ ،2011 ،‬ص‪ ،)27‬األمر الذي‬
‫أدي إلي ازدهار الصناعات الثقيلة في سنوات قليلة‪ ،‬وأصبحت صادرات البالد محرك النمو‬
‫الرئيسي لالقتصاد‪ ،‬واستطاعت ماليزيا تحقيق معدل نمو مستمر تجاوز ‪ ،%8‬وتزامن ذلك‬
‫النمو مع انخفاض معدالت التضخم خالل عقدي الثمانينيات والتسعينيات‪ ،‬ومن ثم نشطت‬
‫صناعة اإللكترونيات حتي أصبحت ماليزيا اليوم تعد واحدة من أكبر مصنعي أقراص‬
‫الحاسوب الصلبة‪.‬‬
‫(‪ )2‬سعت ماليزيا إلى القضاء على الفقر مع السياسات االقتصادية الجديدة‪ ،‬وخاصة بعد أعمال‬
‫الشغب العرقية التي وقعت في ‪ 13‬مايو ‪ ،1969‬وال غرو في ذلك فقد نجحت ماليزيا في‬

‫‪67‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫خفض معدالت الفقر من ‪ %54‬من السكان عام ‪ 1970‬إلى نحو ‪ %5‬في عام ‪،2004‬‬
‫والي ‪%0.4‬عام ‪( 2015‬صندوق النقد الدولي‪.)2016 ،‬‬
‫(‪ )3‬عملت ماليزيا على سد فجوة التفاوت الطبقي بين العرقيات المختلفة‪ ،‬التي لم تكن في صالح‬
‫الماليو أصحاب البالد األصليين من خالل زيادة نصيب الماليو من ثمار التنمية‪ ،‬حيث تم‬
‫عبر مجموعة من السياسات االقتصادية واالجتماعية رفع نصيب هذه الفئة من الثروة والدخل‬
‫من نحو ‪ %3.5‬في الستينيات إلى نحو ‪ %30‬في بداية األلفية الثالثة‪ ،‬وكان للتعليم الدور‬
‫األبرز في تحقيق هذا التغيير‪.‬‬
‫(‪ )4‬كما عملت ماليزيا على التوسع في برنامج الخصخصة الذي يعتمد على تمليك المواطنين‬
‫الشركات العامة‪ ،‬وذلك بعد أن نجحت الدولة في تكوين بنية أساسية واقتصادية ضخمة‪،‬‬
‫يمكن االعتماد عليها في تحقيق النهضة‪ ،‬وتحقق ذلك على طريقتها الخاصة‪ ،‬فقد َن ّمت‬
‫مسؤولية األفراد ودفعتهم عملياً في المساهمة في تحقيق األهداف القومية‪ ،‬واحتفظت بسهم‬
‫خاص في إدارة المؤسسات ذات األهمية االجتماعية واالستراتيجية‪ ،‬لعدم التخلي عن دورها‬
‫في ممارسة الرقابة واإلشراف عليها‪.‬‬
‫(‪ )5‬تميزت التجربة االقتصادية الماليزية بالذاتية في التعامل مع أزمة عام ‪ 1997‬االقتصادية‪،‬‬
‫ولعب رئيس الوزراء دو اًر بار اًز في إدارته لألزمة المالية التي عصفت بدول شرق آسيا‪ ،‬حيث‬
‫أصدر مجموعة ق اررات تهدف إلى فرض قيود على التحويالت النقدية خاصة الحسابات التي‬
‫يملكها غير المقيمين وفرض أسعار صرف محددة لبعض المعامالت‪ .‬فكما هو الحال مع‬
‫الدول األخرى المتضررة من األزمة‪ ،‬كان هناك مضاربة في بيع العملة الماليزية "رينجيت"‬
‫وانخفضت االستثمارات األجنبية المباشرة بمعدل ينذر بالخطر‪ ،‬وتدفقت رؤوس األموال إلى‬
‫خارج البالد‪ ،‬وانخفضت قيمة ال عملة الوطنية بشكل حاد‪ ،‬كما انخفض مؤشر بورصة‬
‫كوااللمبور المركب‪ ،‬ورغم شدة وطأة األزمة االقتصادية‪ ،‬إال أن الحكومة تعاملت معها بحكمة‬
‫بالغة‪ ،‬فقد تم تشكيل مجلس عمل وطني اقتصادي للتعامل مع األزمة النقدية‪ ،‬حيث اتجه‬
‫المجلس إلي تحجيم الفساد وإصالح الجهاز اإلداري للدولة ومحاربة المضاربة على العملة‬
‫الوطنية في الخارج‪ ،‬وفرض البنك المركزي الماليزي الرقابة على رؤوس األموال‪ ،‬وعمل علي‬
‫تثبيت سعر صرف العملة الوطنية أمام الدوالر والعمالت األجنبية األخرى‪ ،‬كما رفضت‬

‫‪68‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫ماليزيا حزم المساعدات االقتصادية من صندوق النقد الدولي‪ ،‬األمر الذي أثار دهشة‬
‫واستغراب العديد من المحللين وخبراء االقتصاد‪ ،‬وفي أقل من عامين نجحت ماليزيا في‬
‫النهوض من كبوتها االقتصادية من جديد‪ ،‬وعندما سئل رئيس وزراء ماليزيا حول كيفية‬
‫تجنب ماليزيا األزمة االقتصادية‪ ،‬والتي أدت إلى انهيار اقتصاديات دول آسيوية أخرى‪،‬‬
‫فأجاب بسخرية‪" :‬الدرس األول‪ :‬ال تأخذ بنصيحة صندوق النقد الدولي"‪.‬‬
‫كبير في الثمانينيات ومنتصف التسعينيات في ظل حكومة‬
‫اقتصاديا ًا‬
‫ً‬ ‫نموا‬
‫(‪ )6‬شهدت ماليزيا ً‬
‫مهاتير محمد الذي تميز حكمه بمكافحة الفساد وإرسال اآلالف من موظفي المؤسسات‬
‫الماليزية إلى ٍ‬
‫كل من اليابان وكوريا الجنوبية للتدريب وجلب ثقافة العمل واإلنتاجية معهم إلى‬
‫ماليزيا‪ ،‬وانخفضت نسبة الفقر فيها اليوم أقل من ‪ %1‬والبطالة من بين أدنى النسب في‬
‫العالم‪ .‬لقد حققت ماليزيا كل هذا دون أن تطبق نصائح صندوق النقد الدولي أو االستدانة‬
‫الخارجية ولم تنتظر منح من أي دولة خارجية أو من االتحاد األوروبي‪.‬‬
‫(‪ )7‬نقلت الواليات المتحدة وألمانيا واليابان صناعة السيارات والكمبيوتر والمعدات الكهربائية‬
‫والدواء فيها إلى ماليزيا من خالل الشركات المتعددة الجنسية‪ ،‬نظ اًر لتوافر األيدي العاملة‬
‫ذات األجر المناسب‪ ،‬فضالً عن توفر بيئة استثمارية محفزة‪.‬‬
‫(‪ )8‬اعتمدت ماليزيا بدرجة كبيرة على الموارد الداخلية في توفير رؤوس األموال الالزمة لتمويل‬
‫االستثمارات حيث ارتفع االدخار المحلي اإلجمالي بنسبة ‪ %40‬بين عام ‪ 1970‬وعام‬
‫‪ ،1993‬كما زاد االستثمار المحلي اإلجمالي بنسبة ‪ %50‬خالل الفترة ذاتها (حسين‪،‬‬
‫‪.)2004‬‬
‫(‪ )9‬امتالك ماليزيا لرؤية مستقبلية للتنمية والنشاط االقتصادي من خالل خطط خمسية متتابعة‬
‫ومتكاملة منذ االستقالل وحتى اآلن‪ ،‬بل استعداد ماليزيا المبكر للدخول في القرن الحالي‬
‫"الواحد والعشرين" من خالل التخطيط لماليزيا ‪ 2020‬والعمل على تحقيق ما تم التخطيط‬
‫له‪.‬‬
‫(‪ )10‬وجود درجة عالية من التنوع في البنية الصناعية وتغطيتها لمعظم فروع النشاط الصناعي‬
‫(الصناعات االستهالكية ـ الصناعات الوسيطة ـ الصناعات الرأسمالية) وقد كان هذا األمر‬
‫محصلة لنجاح سياسات التنمية في ماليزيا والذي يمكن اعتباره سبباً ونتيجة في الوقت نفسه‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫(‪ )11‬في مجال التنمية المادية عملت ماليزيا على تحقيق العدالة والتوازن بين المناطق‪ ،‬بحيث ال‬
‫يتم تنمية منطقة على حساب أخرى‪ ،‬فازدهرت مشروعات البنية األساسية في كل الواليات‪،‬‬
‫كما اهتمت بتنمية النشاطات االقتصادية جميعها‪ ،‬فلم يهمل القطاع الزراعي في سبيل تنمية‬
‫القطاع الصناعي الوليد أو القطاع التجاري االستراتيجي‪ ،‬وإنما تم إمداده بالتسهيالت والوسائل‬
‫التي تدعم نموه‪ ،‬وتجعله السند الداخلي لنمو القطاعات األخرى‪.‬‬
‫(‪ )12‬كما اتفقت التنمية الماليزية مع المبدأ اإلسالمي الذي يجعل اإلنسان محور النشاط التنموي‬
‫وأداته‪ ،‬فأكدت تمسكها بالقيم األخالقية والعدالة االجتماعية والمساواة االقتصادية‪ ،‬مع االهتمام‬
‫بتنمية األغلبية المسلمة لسكان البالد األصليين من الماليو وتشجيعهم على العمل بالقطاعات‬
‫اإلنتاجية الرائدة‪ ،‬فضالً عن زيادة ملكيتهم لها‪.‬‬
‫وتس عى ماليزيا لتعزيز دورها باعتبارها واحدة من الوجهات الرائدة في قطاع التمويل اإلسالمي‪،‬‬
‫وطرح رئيس الوزراء في منتصف عام ‪ 2003‬فكرة الدينار اإلسالمي بهدف توحيد اقتصاد دول العالم‬
‫اإلسالمي في تعامالتها الخارجية وعدم اعتمادها الكلي على الدوالر األميركي وهذه الفكرة أقلقت‬
‫االقتصاديين والمفكرين الغربيين الذين أبدوا تخوفهم من فقدان الدوالر األميركي لسيطرته على التجارة‬
‫العالمية‪ .‬ما أحوجنا في البلدان العربية إلى االقتداء بالتجربة االقتصادية الماليزية لالستفادة منها‬
‫باعتبارها من أفضل التجارب العالمية في مجال التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -7‬النتائج‬
‫الدروس المستفادة من تجربة التنمية في ماليزيا‪:‬‬ ‫•‬
‫(‪ )1‬إننا في حاجة إلى دراسة منطلقات حضارتنا اإلسالمية األولى‪ ،‬وكيف حول اإلسالم العرب‬
‫من أمه تتسم بالجهل والتخلف إلى صناع أعظم حضارة لعشرة قرون من الزمان‪ ،‬وكيف‬
‫أسسوا هذه النهضة على قيم تعبدوا بها إلى هللا‪ ،‬حيث استطاعت هذه القيم اإلسالمية أن‬
‫تحدث طفرة اقتصادية ونهضة حقيقية‪ ،‬ولقد بلورت ماليزيا كل هذه القيم واستدعتها إلى عالم‬
‫الواقع‪.‬‬
‫(‪ )2‬ومن أسرار النهضة الماليزية التخطيط الجيد وتنفيذ الخطط التي يتم وضعها في اإلطار‬
‫الزمني المحدد لها‪ ،‬والنظرة المستقبلية في عملية التخطيط وضمان تنفيذ البرامج والمشروعات‬

‫‪70‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫وعدم توقفها‪ ،‬وتحقيق الهدف المنشود وهو االرتقاء بالمواطن الماليزي ورفع مستوى دخله‬
‫وتحسين وضعه االقتصادي وتوفير الحياة الكريمة لجميع المواطنين‪.‬‬
‫(‪ )3‬النجاح في محاربة ومكافحة الفساد فقد أنشأت ماليزيا "أكاديمية مكافحة الفساد" والتي تقوم‬
‫بتدريب العاملين فيها‪ ،‬وتقوم بتدريب الماليزيين العاملين في الهيئات الرقابية لديها في غيرها‬
‫من الدول أيض ًا‪ ،‬وأنشأت كذلك هيئة مستقلة لمكافحة الفساد في الجهاز الحكومي وفي‬
‫القطاع الخاص‪ ،‬والنتيجة هي أن ماليزيا تحتل المرتبة رقم ‪ 53‬في مؤشر مدركات الفساد‬
‫مقارنة بالصين التي تحتل المرتبة رقم ‪ 80‬ومصر التي تحتل المرتبة رقم ‪ 114‬وفقا لتقرير‬
‫عام ‪.2013‬‬
‫(‪ )4‬المناخ السياسي لماليزيا يمثل حالة خاصة بين جيرانها‪ ،‬بل بين الكثير من الدول النامية‪،‬‬
‫حيث يتميز بتهيئة الظروف المالئمة لإلسراع بالتنمية االقتصادية‪ .‬وذلك أن ماليزيا لم تتعرض‬
‫الستيالء طائفة معينة على السلطة‪ .‬ويتم اتخاذ الق اررات دائماً من خالل المفاوضات المستمرة‬
‫بين األحزاب السياسية القائمة على أسس عرقية‪ ،‬مما جعل سياسة ماليزيا توصف بأنها‬
‫تتميز بأنها ديموقراطية في جميع األحوال‪.‬‬
‫(‪ )5‬أنه يتوجب على الدول النامية ومنها مصر االستفادة من تجربة هذه الدولة‪ ،‬وهذا ال يعني‬
‫بأي حال من األحوال استنساخ التجربة كما هي‪ ،‬ولكن يستوجب األمر أن نكون مدركين‬
‫إلى أن ماليزيا اهتمت بتطوير البنية األساسية وتشجيع االستثمار األجنبي بما يوفر العملة‬
‫األجنبية‪ .‬أن اهتمام ماليزيا بالقطاع الخاص لم يكن أبداً على حساب القطاع العام‪ ،‬ولكن‬
‫ألدراكها عظم أهمية المشروعات الصغيرة في النهوض بأي اقتصاد‪ ،‬وهو ما اهتمت به‬
‫ماليزيا أيض ًا‪.‬‬
‫(‪ )6‬أن ماليزيا خاضت نفس التجربة التي خاضتها مصر‪ ،‬من اضطراب سياسي وأمني‪ ،‬وانحدار‬
‫اقتصادي ولكن مع كل هذا استطاعت بفضل إخالص قادتها وأبنائها تحقيق طفرة في الملف‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫(‪ )7‬لقد بدأت ماليزيا تجربتها التنموية واالقتصادية إبان تولي الرئيس حسني مبارك السلطة في‬
‫مصر‪ ،‬ورغم أن مصر بدأت مراحل التنمية قبل ذلك بأكثر من ثالثون عاماً‪ ،‬ولديها من‬
‫الموارد االقتصادية والبشرية ما لم يتاح لدولة ماليزيا‪ ،‬ولديها أيضاً مقومات السلم االجتماعي‬

‫‪71‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫وانسجام المصالح بين طائفتيها اإلسالمية والمسيحية‪ ،‬واللتان تعيشان في انسجام تام ومودة‬
‫ومحبة منذ األزل‪ ،‬وهو قلما يتوافر لدي أي دولة في العالم‪ ،‬ورغم كل ذلك لم تحقق مصر‬
‫نتائج ذات قيمة بالمقارنة بدولة صغيرة كماليزيا ولم تضع قدميها علي طريق التنمية‬
‫االقتصادية الجادة بعد‪ ،‬وكأنه ُكتب علينا أن نكون في مضمار الدول المتخلفة أو النامية‬
‫إلي أبد الدهر‪ ،‬فمنذ أن بدأنا مراحل التنمية في النصف الثاني من القرن الماضي وأحوالنا‬
‫االقتصادية في تراجع مستمر‪ ،‬على كافة المؤشرات‪ ،‬اللهم إال باستثناء اآلحاد من السنوات‬
‫خالل هذه المسيرة الطويلة‪.‬‬
‫(‪ )8‬أن االستفادة من التجربة الماليزية أمر إيجابي‪ ،‬والبد أن نعي جيداً أن لكل دولة خصوصيتها‬
‫حيث ال يمكن التطبيق الحرفي لتجربة دولة ما في دولة أخرى‪ .‬فسر نجاح التجربة الماليزية‬
‫يكمن في مراعاة رئيس الحكومة لخصوصية بالده‪ .‬فلقد أثبتت التجربة الماليزية نجاحاً يُستحق‬
‫الدراسة‪ ،‬فكيف استطاعت في ‪ 22‬عاماً فقط الخروج من انحطاط اإلدارة السياسية‪ ،‬والفساد‪،‬‬
‫واستغالل النفوذ‪ ،‬والموارد‪ ،‬والروابط االجتماعية الداخلية والخارجية‪ ،‬إلى أن أصبحت من‬
‫أكثر دول العالم تقدماً وازدها اًر‪.‬‬
‫(‪ )9‬لعلنا نستفيد من هذه التجربة في مرحلة البناء التي تحاول أن تعيشها الدولة المصرية‪ ،‬ليس‬
‫في المجال االقتصادي فحسب‪ ،‬بل نحن بحاجة إلى التنمية في مختلف المجاالت االجتماعية‬
‫والثقافية واألخالقية والسياسية‪ ،‬متوسلين في ذلك بتفعيل المفاهيم الصحيحة للحريات‬
‫والديمقراطية والعدالة االجتماعية‪ ،‬وفوق كل هذا مكافحة الرشوة والفساد واستغالل النفوذ على‬
‫كافة المستوي ات في المجتمع والتنازل عن مبادئ الدولة البوليسية‪ ،‬والهيمنة والتسلط‪ ،‬وإتاحة‬
‫الحريات‪ ،‬وتوفير النشاط الخصب لالبتكار ومزاولة األعمال‪.‬‬
‫(‪ )10‬أن ثمة عوامل تساعد علي نجاح التجربة‪ ،‬أهمها أن تكون متوافقة مع طبيعة الشعب المصري‪،‬‬
‫وهذه الضالة تتوفر في التجربة الماليزية‪ ،‬بخالف التجارب الغربية التي حققت نجاحاً لكنها ال‬
‫تتناسب جميعها مع العادات الشرقية واإلسالمية‪ .‬حيث يعتبر المحدد األساسي لتطبيق التجربة‬
‫هو أن تتوافق مع الظروف االقتصادية والمجتمعية‪ ،‬وأن يتحقق ذلك في حدود األطر التي‬
‫تحقق العدالة االجتماعية‪ ،‬وبما يحافظ على مستوى دخول األفراد بصورة عادلة‪ ،‬كما أننا نرى‬
‫أن تطبيق سياسات السوق المفتوحة‪ ،‬وتحقيق عدالة التوزيع االقتصادي‪ ،‬وتحفيز االستثمار بما‬

‫‪72‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫يحقق مراعاة المعايير االجتماعية‪ ،‬لتحقيق العدالة االجتماعية‪ ،‬لهو الطريق الحق لتحقيق‬
‫التنمية االقتصادية المنشودة‪ ،‬كما حدث بالتجربة الماليزية‪.‬‬
‫(‪ )11‬إن ما ينقصنا لتطبيق تجربة ماليزيا أمران هما االستراتيجية التي يمكن بها نقل التجربة‬
‫الماليزية بما يتناسب مع ظروف الدولة‪ ،‬واألمر اآلخر هو استراتيجية تطبيقها على أرض‬
‫الواقع‪.‬‬
‫كذلك التعامل مع االستثمارات األجنبية الواردة ضمن ضوابط وشروط تصب في النهاية في‬
‫مصلحة االقتصاد القومي‪ .‬واعتمادها سياسة التركيز على التصنيع مع وجود درجة عالية من‬
‫التنوع في البيئة االقتصادية وتغطيتها لمعظم قطاعات النشاط االقتصادي‪ .‬ودعم التوجه‬
‫التصديري‪ ،‬وإعطائه أهمية ال تقل عن دعم الصناعات المصدرة نفسها‪.‬‬
‫(‪ )12‬إنه ال يوجد خالف على تطبيق التجربة الماليزية في مصر خاصة وإنها أثبتت نجاحها في‬
‫هذه الدولة‪ ،‬لكن إذا تم تطبيقها في مصر يشترط أن يكون هناك حوافز اقتصادية تشجع‬
‫االستثمارات المصرية‪ ،‬مؤكداً على أن يكون الهدف في المقام األول هو المنفعة والمصلحة‬
‫العامة لالقتصاد المصري‪ .‬وأنه إذا ما تم منح تسهيالت خاصة لشريحة المستثمرين األجانب‬
‫والوافدين إلى مصر مثل إعفاء المشروعات االستثمارية من الضرائب لفترة محدودة ومنح‬
‫تسهيالت جمركية مشروطة بأن تكون هناك منفعة مشتركة بحيث يتم تشغيل أكبر عدد من‬
‫العمالة المصرية ومن ثم نستطيع القضاء على جزء كبير من البطالة في مصر‪.‬‬
‫(‪ )13‬إن مقترحات رئيس الوزراء الماليزي التي قدمها للنهوض بالصناعة في مصر واالقتصاد‬
‫المصري‪ ،‬لالن تمثل تحديات كبيرة تواجه االقتصاد والصناعة سواء من ناحية توفير األراضي‬
‫للمستثمرين في كافة القطاعات‪ ،‬أو من ناحية تدبير األموال الالزمة لتجهيز هذه األراضي بما‬
‫تحتاجه من بنية أساسية حديثة ومتقدمة‪ .‬باإلضافة إلى أن المستثمر األجنبي إذا استشعر أن‬
‫هناك تسهيالت سواء تسهيالت جمركية أو ضريبية أو غيرها من التسهيالت والمزايا التي تتاح‬
‫لالستثمار فانه سيقبل إليك سريع ًا‪ .‬والبد أن يكون هناك محفزات وشروط والعمل بمبدأ اإلفادة‬
‫واالستفادة بحيث يستفيد االقتصاد المصري والعمالة المصرية من هذه التوجهات االستثمارية‪.‬‬

‫وفي حو ٍار مع رئيس وزراء ماليزيا ّ‬


‫شخص المشكلة األساسية لدينا نحن العرب في عجزنا‬
‫عن التنمية وقال‪ " :‬كيف ننهض ونحن نعيش على تاريخ األمجاد‪ ،‬مصر تعيش على أمجاد الحضارة‬

‫‪73‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫القديمة‪ ،‬ودول الخليج تعيش على الحضارة القديمة‪ ،‬هذه الدول مهد الحضارات ولكن لألسف جاء‬
‫األحفاد فلم يستطيعوا أن يواصلوا ما قام به اآلباء واألجداد‪ ،‬كيف ال يستطيع هؤالء القيام بالنهضة‬
‫االقتصاد ية وها هي أمامهم تجربة حية هي تجربة ماليزيا مع أن وضعها لم يكن حينما تسلمت مهام‬
‫السلطة فيها أفضل من كثير من الدول العربية في ذلك الوقت‪ ،‬كيف ال يستطيعون أن ينهضوا مثلما‬
‫نهضنا نحن" ؟‪.‬‬
‫وانتقد رئيس الوزراء الماليزي‪ ،‬خطط صندوق النقد الدولي‪ ،‬وقال إن الحكومة الماليزية قررت‬
‫بعد دراستها أال تتبعها‪ ،‬ألنها تفقرنا وال تفيدنا‪ ،‬وحذر من خطورة اتباع شروط صندوق النقد الدولي‬
‫ونصائحه‪ ،‬بناء علي تجربة ماليزيا وما قدمه لها الصندوق في بداية نهضتها وتبين أنها نصائح‬
‫مضللة‪ ،‬وتم تفاديها وقررت ماليزيا التعامل مع مشاكلها ذاتي ًا دون الرجوع لنصائح الصندوق الذي بدأ‬
‫يضغط على ماليزيا إلحباط تجربتها‪ ،‬وقال مهاتير محمد أنصح المصريين بعدم االقتراض من صندوق‬
‫النقد الدولي‪ ،‬والبحث عن موارد داخلية لتوفير السيولة الالزمة لتحقيق التنمية‪ .‬وقال أنا ال أحب سياسة‬
‫االقتراض‪ ،‬خاصة أن المقترض يخضع للمقرض‪ ،‬فصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليسا مؤسستين‬
‫عالميتين بمعنى الكلمة‪ ،‬ولكنهما يخضعان لسيطرة وهيمنة عدة دول فقط‪ ،‬ومن ثم فإن توجههما يصب‬
‫لخدمة مصالح تلك الدول‪ ،‬وأكد أن االعتماد على الموارد الداخلية والذاتية وعدم االقتراض من الخارج‬
‫كان أحد أسباب النمو االقتصادي السريع ماليزيا‪.‬‬
‫وذكر في معرض حديثة بمكتبة اإلسكندرية عند استضافته بها عام ‪ ،2012‬وقد كان هناك‬
‫بعض االحتجاجات الفئوية نظ اًر لما كانت تنعم به مصر من حرية في أعقاب ثورة يناير وإبان حكم‬
‫الرئيس السابق‪ ،‬أن مصر حالياً في أشد الحاجة إلى االستقرار‪ ،‬ولن يأتي االستقرار إال بتوحد االثنين‬
‫معا "الشعب والحكومة" والوصول إلى المناخ الديمقراطي‪ ،‬وأن يستوعب القائمون على صنع القرار في‬
‫الدولة القيود التي تفرضها عليهم الديمقراطية‪ ،‬السيما أن مصر تعيش مرحلة انتقالية ويجب عليها أن‬
‫تخطط وتحاول بناء نفسها خالل الفترة الحالية من خالل إشاعة الديمقراطية‪ .‬وذكر أنه على الحكومة‬
‫المصرية االستجابة للمطالب الشعبية المشروعة حتى يتحقق االستقرار المنشود في الفترة المقبلة‪ ،‬والبدء‬
‫في تحقيق خطط إنتاجية لزيادة حجم التجارة واالستثمارات‪.‬‬
‫وأدان رئيس الوزراء الماليزي العولمة ووصفها بأنها شكل جديد من أشكال الهيمنة االستعمارية‬
‫تفرضه الدول القوية على الضعيفة‪ ،‬وقال إن العولمة سوف تجعل الدول الغنية أكثر غنى والدول‬

‫‪74‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫الفقيرة أكثر فق اًر‪ ،‬وتنهب األولي الموارد الطبيعية للثانية وتستغلها‪ .‬وعبر رئيس الوزراء عن العولمة‬
‫بأنها (بلطجة) سياسية واقتصادية خلقتها الدول المتقدمة‪ ،‬خاصة القوى الغربية‪ ،‬من أجل السيطرة على‬
‫الموارد الطبيعية للدول األقل نمواً‪ .‬مؤكداً أنها (تهديد كبير يواجه العالم اليوم مثل اإلرهاب الذي يخشى‬
‫الغرب منه)‪.‬‬
‫وقال رئيس الوزراء في معرض شنه حملة قوية ضد العولمة وضد المظالم التي تمتلئ بها‬
‫الساحة السياسية واالقتصادية العالمية أن هذا االستعمار الجديد الذي يرتع تحت راية العولمة تزايد‬
‫دون قيود تحد منه‪ ،‬نظ اًر لقلق الدول القوية بشأن أمنها االقتصادي على حساب الدول األضعف التي‬
‫تستسلم للضغوط ‪.‬‬
‫وأضاف أن الدول المتقدمة يمكنها حتى إجبار الحكومات األخرى التي ال تتمشى مع‬
‫مصالحها بسبب فشل مخططاتها االقتصادية للسيطرة عليها‪ ،‬للدخول في إطار العولمة‪ .‬وأشار إلى‬
‫أن األزمة المالية اآلسيوية لعامي ‪ 1998-1997‬كانت إحدى تلك المؤامرات التي أُخضعت فيها عدة‬
‫دول بالمنطقة لمطالب صندوق النقد والبنك الدوليين لتحرير اقتصاداتهم ‪.‬وشدد مهاتير محمد دائم ًا‬
‫على رفضه لفكر العولمة حسبما تفسرها وتطرحها الواليات المتحدة والغرب‪ ،‬ذلك ألنها ستؤدي (حسب‬
‫رأيه) إلى فتح أسواق الدول النامية أمام الشركات األمريكية واألوربية العمالقة التي ال تقوى مؤسسات‬
‫الدول ال نامية على منافستها‪ ،‬وينتهي األمر باستمرار احتكار الشركات الكبرى‪ .‬ويرى رئيس الوزراء أنه‬
‫ال يجب القبول بأي أفكار أو سياسات لمجرد أنها صادرة من الغرب‪ .‬فقد تعرضت العملة الماليزية‬
‫الرينجيت‪ ،‬إلى مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها‪ ،‬وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة إلى‬
‫خارج ماليزيا‪ ،‬وقال إن ما حدث‪ ،‬باختصار‪ ،‬أنهم كانوا يبيعون عملتنا بكميات كبيرة‪ ،‬وظلوا يمارسون‬
‫عمليات البيع تلك إلى أن انخفضت قيمتها إلى حوالي نصف ما كانت عليه قبل األزمة‪ ،‬وكنا عندما‬
‫نتهمهم بأي تهمة‪ ،‬يلجؤون إلى تخفيض قيمة عملتنا‪ ،‬لذلك قررنا أن نوقفهم عن اإلتجار بالعملة‪،‬‬
‫فطلبنا من البنك المركزي الماليزي أن يوعز إلى جميع البنوك العاملة في ماليزيا بمنع التحويل البنكي‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬تمكنا من تثبيت قيمة العملة عند القيمة التي نرغبها‪ .‬أما بالنسبة للعولمة فال يمكننا تجنبها‪،‬‬
‫نظ اًر ألن االتصاالت قوية‪ ،‬وتجري بشكل متسارع ومتناغم‪ ،‬وال بد لها أن تأخذ مجراها‪ ،‬لكن الغرب‬
‫كان يريدها في المجال االقتصادي فقط‪ ،‬أي نقل األموال من بلد إلى آخر من دون فوائد ‪.‬تلك كانت‬
‫نظرتهم إلى العولمة‪ ،‬أي أن يكون من حقهم‪ ،‬عندما يأتون إلى بالدنا بأموالهم‪ ،‬أن يشتروا حصصاً في‬

‫‪75‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫السوق وأسهما‪ ،‬والتحكم باألسعار ورفعها من خالل الشراء المتكرر‪ ،‬ومن ثم بيع األسهم والحصص‪،‬‬
‫وجمع نقودهم‪ ،‬وبالتالي اإلضرار بالمستثمر المحلي ‪.‬لقد أكدنا لهم أن هذا غير مسموح‪ ،‬وقلنا لهم إذا‬
‫أردتم نقل األموال بشكل سلس من بلد إلى آخر‪ ،‬فيجب أيضا السماح لألشياء األخرى باالنتقال السهل‬
‫عبر الحدود‪ ،‬لذا كان البد لي من اقتراح إرسال مائة مليون صيني فقير‪ ،‬ومائة مليون هندي فقير‪،‬‬
‫إلى أوروبا وأمريكا‪ ،‬جزًء من العولمة أيض ًا‪ ،‬ولكنهم أجابوا‪ :‬ال‪ ،‬وعندما سألتهم عن رأيهم فيما إذا كان‬
‫المال هو ما يجب أن ينتقل بشكل سلس‪ ،‬وليس الناس‪ ،‬أجابوا باإليجاب ‪.‬حاصل القول‪ ،‬إن ما خرجنا‬
‫به من تلك األزمة‪ ،‬هو أن النصيحة التي يقدمها اآلخرون تكون لمصلحتهم فقط وليس لمصلحة الطرف‬
‫اآلخر‪ .‬فنحن نتذكر جيداً عندما قاموا بتخفيض قيمة العملة الماليزية‪ .‬مثالً كانت هناك شركة تقدر‬
‫قيمتها بحوالي ‪ 100‬مليون رينجيت ماليزي‪ ،‬لكن ما لبثت أن انخفضت قيمتها إلى النصف‪ ،‬وبالتالي‬
‫هم يستطيعون أن يحضروا أموالهم ويشتروا هذه الشركات والبنوك والصناعات التي تعاني وتصارع‬
‫من أجل البقاء‪ ،‬فيشتروها بأقل من سعر السوق‪ ،‬مع التذكير بأنهم لو توقفوا عن أالعيبهم في مجال‬
‫العملة‪ ،‬فستتوقف عن فقدان قيمتها أو هبوطها ومنع الناس من اإلفالس‪ ،‬مع اإلبقاء على قيمة هذه‬
‫الشركات‪.‬‬
‫ومثلما أبهر العالم من خالل تجربة فريدة‪ ،‬فاجأ العالم أيضاً بقرار وقع كالصاعقة على عقول‬
‫الماليزيين‪ ،‬عندما قرر عام ‪ 2002‬اعتزال الحياة السياسية‪ ،‬وتعليق ًا على هذا القرار قال رئيس الوزراء‬
‫في أحد الحوارات الصحفية‪" :‬وجدت أنى مكث ت فترة طويلة في الحكم وأن الناس أرادوا أن أتنحى‪،‬‬
‫وربما ظنوا أنى أتقدم في السن وكان على أن أفسح المجال أمام قيادة جديدة‪ ،‬كما ترددت في أُ ُذني‬
‫ّ‬
‫عبارة كانت تقولها لي أمي‪" ،‬تطلب عدم إطالة مدة الزيارة حتى وإن كنت محل ترحيب‪ ،‬ألن الناس‬
‫سيستاؤون منك لو أطلت"‪ .‬لكنه لعظمة إنجازاته الحقيقية التي لمسها الشعب الماليزي على اختالف‬
‫طوائفه وأعراقه‪ ،‬وشهدت بها المنظمات والهيئات الدولية‪ ،‬أعيد انتخابه رئيساً للوزراء وهو في عامه‬
‫الثالث والتسعون‪ ،‬في شهر مايو ‪ ،2018‬وهكذا تكون القيادات الوطنية المخلصة‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫املراجع‬
‫‪ -1‬املراجع العربية‬
‫(‪ )1‬إبراهيم‪ ،‬رجاء (‪" :)2006‬السياسة التعليمية وتنمية الموارد البشرية في ماليزيا"‪ ،‬النموذج الماليزي للتنمية‪،‬‬
‫برنامج الدراسات الماليزية‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الرافعي‪ ،‬عمر (‪" :)2007‬خطابات محاضير محمد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشيخ‪ ،‬رأفت غنيمي‪ ،‬وآخرين (‪" :)2004‬تاريخ آسيا الحديث والمعاصر"‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة الزقازيق‪.‬‬
‫(‪ )4‬الصاوي‪ ،‬عبد الحافظ (‪ :)2013‬قراءة في تجربة ماليزيا التنموية"‪ ،‬مجلة الوعي اإلسالمي‪ ،‬رقم العدد‪،451‬‬
‫الشهر الخامس‪ ،‬السنة الثالثة‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫(‪ )5‬العكري‪ ،‬سكينة (‪ " :)2014‬مكافحة الفقر‪ ،‬ماليزيا نموذجا "‪ ،‬صحيفة الوسط البحرينية‪ ،‬العدد‪ ،189،‬األحد ‪8‬‬
‫أغسطس ‪.2014‬‬
‫(‪ )6‬بلقاسم مربعي‪ :‬إدارة التعددية اإلثنية ودورها في بناء الدولة‪( ،‬دراسة النموذج الماليزي)‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة‬
‫محمد خضير بسكرة‪ ،‬الجزائر‪.2010،‬‬
‫(‪ )7‬بشير‪ ،‬محمد شريف (‪" :)2002‬دراسة منشورة على موقع إسالم أون الين‪ ،‬بعنوان االستثمار في البشر في‬
‫ماليزيا‪ ،‬الرابط‬
‫‪www.islamonline.net/arabic/economics/2002/05/article11.shtml‬‬
‫(‪ )8‬بشير‪ ،‬محمد شريف (‪ " :)2008‬سياسات وأساليب مكافحة الفقر دروس مستفادة من التجربة الماليزية"‪ ،‬جامعة‬
‫األمام محمد بن سعود اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )9‬بيومي‪ ،‬نوال عبد المنعم (‪" :(2011‬التجربة الماليزية وفق مبادئ التمويل واالقتصاد اإلسالمي"‪ ،‬مكتبة الشروق‪.‬‬
‫(‪ )10‬حسين‪ ،‬سعد علي (‪" :)2004‬تجربة التنمية الماليزية‪ ،‬دراسة في األبعاد السياسية واالقتصادية واالجتماعية"‪،‬‬
‫رسالة دكتـوراه غيـر منـشورة‪ ،‬كليـة العلـوم الـسياسية‪ ،‬جامعة‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫(‪ )11‬دانيال‪ ،‬برومبرغ‪ ،‬األيوبي‪ ،‬عمر سعيد (‪" :)1991‬التعدد وتحديات االختالف للمجتمعات المنقسمة وكيف تستقر"‪،‬‬
‫دار السواقي بيروت‪ ،‬الطبعة األولي‪.‬‬
‫(‪ )12‬زرؤم‪ ،‬عبد الحميد (‪" :)2010‬أثر االستقرار السياسي في ماليزيا"‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫(‪ )13‬عبد العال‪ ،‬محمد محمود (بدون تاريخ)‪" :‬التعدد العرقي من التنازع إلى التناغم‪ :‬النموذج الماليزي والنموذج‬
‫األميركي"‪ ،‬دراسة صادرة عن مركز التنوع للدراسات‪.‬‬
‫(‪ )14‬عبد الكريم‪ ،‬عادل (‪" :)2007‬النخبة السياسية في ماليزيا (دراسة تحليلية عن سيطرة التحالف الوطني الحاكم)"‪،‬‬
‫رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة أسيوط‪ ،‬مركز دراسات المستقبل‪.‬‬
‫(‪ )15‬عبد الفضيل‪ ،‬محمود (‪" :)2000‬العرب والتجربة اآلسيوية‪ ،‬الدروس المستفادة"‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫(‪ )16‬عبد الواحد‪ ،‬عبد الرحيم (‪" :)2003‬الدكتور محاضر محمد بعيون عربية وإسالمية "‪ ،‬األجواء للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫اإلمارات العربية المتحدة‪.‬‬
‫(‪ )17‬عبد الواحد‪ ،‬عبد الرحيم (‪" :)2012‬ثورات الربيع العربي‪ ،‬مهاتير محمد عاقل في زمن الجنون"‪ ،‬دار ميديا دهب‬
‫إنترناشيونال‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪.‬‬
‫(‪ )18‬عوض‪ ،‬جابر سعيد (‪ " :)2006‬محاضير محمد وقضية التعددية العرقية والمجتمع الماليزي في الفكر السياسي‬
‫لمحاضير محمد”‪ ،‬برنامج الدراسات الماليزية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬
‫(‪ )19‬غرايبة‪ ،‬ابراهيم (‪ " :)2010‬التجربة الماليزية «المهاتيرية» في مواجهة األزمة المالية" ‪.‬‬
‫(‪ )20‬قنديل‪ ،‬محمد المنسي (‪" :)1995‬ماليزيا نمر إسالمي يتحفز‪.‬‬
‫(‪ )21‬كتاب "الطريق إلى األمام"‪ ،‬الصادر عن مكتب رئيس الوزراء الماليزي‪.1991 ،‬‬
‫(‪ )22‬كتاب الحقائق الدولي األميركي لعام ‪.)*( 2007‬‬
‫(‪ )23‬ميتكيس‪ ،‬هدي (‪" :)2007‬القيم األسيوية "‪ ،‬مركز الدراسات األسيوية‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫(‪ )24‬محمد‪ ،‬مهاتير (‪ " :)2016‬التجربة الماليزية "نهضة أمة"‪ ،‬مؤسسة عبد الحميد شومان‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫(‪ )25‬محمد‪ ،‬مهاتير (‪ " :)1996‬المعجزة األسيوية‪ ،‬أسطورة أم حقيقة"‪ ،‬ورقة مقدمة في افتتاح منتدى ماليزيا‪ ،‬الواليات‬
‫المتحدة لتكنولوجيا المشاريع التجارية في سان فرانسيسكو بالواليات المتحدة األمريكية في ‪20‬مايو ‪ ،1996‬في‬
‫موسوعة مهاتير محمد (‪ )2004‬المجلد الخامس‪ :‬ماليزيا‪ ،‬دار الكتاب العربي (ماليزيا)‪.‬‬
‫(‪ )26‬محمد‪ ،‬مهاتير (‪" :)2004‬الموسوعة"‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬دار الكتاب المصري (القاهرة)‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‬
‫(بيروت)‪ ،‬دار الفكر (كوااللمبور)‪ ،‬دار الكتاب (ماليزيا)‪.‬‬
‫(‪ )27‬محمد‪ ،‬مهاتير (‪" :)2004‬رؤية لعام ‪ ،2020‬االقتصاد والتنمية والوصفة الماليزية"‪ ،‬خطبة ألقيت في منتدى جدة‬
‫االقتصادي‪ ،‬جدة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ 18 ،‬يناير ‪ .2004‬مكتبة شروق الدولية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫(‪ )28‬ميتكيس‪ ،‬هدي (‪" :)2011‬قضايا اإلصالح في ماليزيا‪ ،‬مركز الدراسات األسيوية‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‬
‫جامعة القاهرة‪.‬‬
‫(‪ )29‬وهبان‪ ،‬أحمد (‪ ":)2003‬الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر‪ :‬دراسة في األقليات والجماعات والحركات‬
‫العرقية"‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪.‬‬
‫(‪ )30‬يوسف‪ ،‬ناصر (‪" :)2010‬دينامية التجربة اليابانية في التنمية المركبة‪ ،‬دراسة مقارنة بين الجزائر وماليزيا"‪ ،‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫(*) كتاب حقائق العالم (باإلنجليزية‪ ) The World Fact book :‬هو منشور سنوي تصدره وكالة المخابرات األمريكية ابتداء من عام ‪ ،1962‬وي تضمن حوالي صفحتين إلى ثالثة عن‬
‫كل دولة تعترف بها الواليات المتحدة ‪ .‬وابتداء من عام ‪ 1971‬أصبح هذا الكتاب غير سري‪ .‬وبالرغم من أنه مخصص ألن يستعمل من قبل دوائر الحكومة األميركية‪ ،‬فهو كثيراً ما يستخدم‬
‫من قبل المنظمات األميركية المختلفة لسهولة الوصول إليه وألنه ضمن الملكية العامة حيث ال تشمله حقوق الطبع‪ .‬والكتاب ال يعتمد على جواسيس االستخبارات األميركية‪ ،‬بل يعتمد على‬
‫المعلومات التي تنشرها الوزارات األميركية المختلفة (مثل وزارة الدفاع ووزارة التجارة)‪ ،‬لذلك ال يحتوي على أي أسرار‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ أحمد محيي الدين محمد التلباني‬.‫د‬ "‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة‬

‫ املراجع األجنبية‬-2
(1) Andaya Barbara & Leonard Y. A (2001): “History of Malaysia”، University of Hawaii
Press.
(2) Chandra Muzaffar (1989):” Challenge and Choices in Malaysian Politics and
Societies” ،Gelugor, Penang, ALIRAN.
(3) Habibah Lehar& Musalmah Abdullah & Yaacob Anas )1998): “Malaysian
Economy” ,Shah Alam: Pusat Pendidikan Lanjutan, Institute Teknologi MARA.
(4) Irena Mia &others (2009):” Gauging the networked readiness of Nations”, in The
Global Information Technology, Report 2008-2009, World Economic Forum,
Geneva.
(5) Ramon v, navratnam (2001):” Malaysia economic recovery, policy reforms for
economic sustainability”, Pelita Jaya.
(6) R. S. Milne &Diane K. Mauzy (1999): “Malaysian Politics under Mahathir”, London:
Routledge.
(7) Wong Hock . Tsen (2005):” The determinant of Foreign Direct Investment in the
Manufacturing Industry of Malaysia”, Journal of Economic Cooperation, Vol. 2,
2005.
(8) www.islamonline.net/arabic/economics/2002/05/article11.shtml.

‫ التقارير‬-3
‫ كلية االقتصاد‬،‫ مركز الدراسات األسيوية‬،‫ النموذج الماليزي للتنمية‬،‫) البعد االجتماعي في النموذج الماليزي للتنمية‬1(
2013. ،‫ جامعة القاهرة‬،‫والعلوم السياسية‬
.2018 ،‫ مؤشرات ماليزيا‬،trading economics ‫) البنك الدولي‬2(
‫ الدورة‬،‫ الفريق العامل المعني باالستعراض الدوري الشامل‬،‫ مجلس حقوق اإلنسان‬،‫) الجمعية العامة لألمم المتحدة‬3(
. 2009‫ فبراير‬13-2،‫ جنيف‬،‫الرابعة‬
.2017 ،‫ يونيو‬،‫ العدد الثالث‬،‫ مجلة العلوم السياسية والقانون‬،‫) المركز الديمقراطي العربي‬4(
‫ تقرير التنمية البشرية لعام‬،‫ برنامج االمم المتحدة اإلنمائي‬،)‫ (تنمية للجميع‬،‫ لمحة عامة‬،‫) تقرير التنمية البشرية‬5(
.2016
.2005 ،‫ األمم المتحدة‬،‫ صادر عن برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‬،‫) تقرير التنمية البشرية في ماليزيا‬6(
.2015 ،‫ األمم المتحدة‬،‫ صادر عن برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‬،‫) تقرير التنمية البشرية لماليزيا‬7(
.2016 ،‫ تقرير التنمية البشرية لماليزيا‬،‫) صندوق النقد الدولي‬8(

79
‫د‪ .‬أحمد محيي الدين محمد التلباني‬ ‫التجربة االقتصادية الماليزية "التقويم والدروس المستفادة"‬

‫(‪ )9‬مركز اإلما ارت للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬معجزة شرق آسيا "النمو االقتصادي والسياسات العامة"‪،‬‬
‫اإلما ارت‪ ،‬الطبعة األولي‪.2000 ،‬‬
‫(‪ )10‬موقع هيئة التنمية الصناعية الماليزية ‪.2011/8/29‬‬
‫(‪ )11‬هيئة التنمية الماليزية‪ ،‬االستثمار في ماليزيا‪.‬‬
‫‪(12) UNCTAD, The World Investment Report United Nations, New York and Geneva,‬‬
‫‪1997.‬‬
‫‪(13) UNCTAD, World Investment Report 2010, New York and Geneva, 2010.‬‬
‫‪(14) UNCTAD, World Investment Report 2010.‬‬

‫‪80‬‬

You might also like