Professional Documents
Culture Documents
تقديم
1ـ ينتابنى الرعب حين أقرأ مؤلفاتى القديمة والتى كتبتها حين كنت فى جامعة
األزهر .كنت ال أرى بأسا من االستشهاد بأحاديث أراها تتفق مع القرآن الكريم ،
ض ت َو ْاأل َ ْر ِس َم َاوا ِ وكنت غافال عن قوله جل وعال ( :أَ َو َل ْم يَنظروا فِي َملَكو ِ
ت ال َّ
ث بَ ْعدَه ي َحدِي ٍ ب أَ َجله ْم ۖفَبِأ َ ِِّس ٰى أَن يَكونَ قَ ِد ا ْقت ََر َ يءٍ َوأَ ْن َع َ َو َما َخلَقَ اللَّـه ِمن َ
ش ْ
ث َب ْعدَه يؤْ ِمنونَ ﴿ِ ( )﴾١٥ت ْل َك آ َيات اللَّـ ِه ي َحدِي ٍ يؤْ ِمنونَ ﴿ ﴾٥٨١االعراف ) ( فَ ِبأ َ ِِّ
ث َب ْعدَ اللَّـ ِه َوآ َياتِ ِه يؤْ ِمنونَ ﴿ ﴾٦الجاثية )( َو ِمنَ ي َحدِي ٍ ق ۖ فَ ِبأ َ ِِّنَتْلوهَا َعلَي َْك ِب ْال َح ِّ ِ
يل اللَّـ ِه ِبغَي ِْر ِع ْل ٍم َويَت َّ ِخذَهَا
س ِب ِض َّل َعن َث ِلي ِ اس َمن يَ ْشت َِري لَ ْه َو ْال َحدِي ِ النَّ ِ
ين ﴿ ﴾٦لقمان ) . هز ًوا ۖ أولَ ٰـئِ َك لَه ْم َعذَ ٌ
اب ُّم ِه ٌ
2ـ بعدها كانت نقلة فى التفكير وفى الدين ،بدأت االحتكام الى القرآن الكريم فى
السنة كلها ونشرت ( القرآن وكفى ) و ( االسناد فى الحديث ) و( التأويل ) و ( حد
الردة ) و ( عذاب القبر والثعبان ).
3ـ ولكن كنت أيضا غافال عن االحتكام للقرآن الكريم فيما فعله الصحابة و (
الخلفاء الراشدون ) بعد موت خاتم النبيين ،رجعت الى القرآن بعد دراسة جادة
لتاريخ الخلفاء ( الراشدين ) فايقنت أنهم الخلفاء الفاسقون .وكالعادة فكل ما أعتنقه
أبادر بنشره .وفى خضم هذا التحول والمعايشة القرآنية أيقنت أن من الكفر جعل
شهادة االسالم الواحدة ( ال إله إال هللا ) شهادتين ،وكنت قد تركت جامعة األزهر
بسبب إنكار الشفاعة وتتفضيل النبى دمحم ع ِّمن سبقه من األنبياء وإنكار عصمته
الشخصية ،لذا كان ال بد من إكتمال األمر برفض أن تكون شهادة االسالم
شهادتين ألنه تعنى التفريق بين الرسل وتفضيل خاتم النبيين ع ِّمن سبقه من األنبياء
عليهم جميعا السالم .أشرت الى شهادة االسالم الواحدة فى مقال عن التقوى فثار
جدل فى الموقع ترتب عليه مقاالت الحقة .رأيت أن انشرها فى كتاب ،ونسيت
الموضوع ثم تذكرته ،واآلن أنشر هذا الكتاب بالمقدمة التى كتبتها يومئذ .
وهللا جل وعال هو المستعان.
أحمد صبحى منصور
فى 22نوفمبر 2112
المقال االول:
(الَ نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِ ِّمن ُّرس ِل ِه)
مقدمة
1ـ دارت مناقشات حامية فى موقعنا (اهل القرآن ) بعد نشر مقال (التقوى جوهر
االسالم ) .النقاش انصب حول مقدمة المقال وعنوانها (التقوى نقطة الفصل بين
االسالم والمحمديين) وخاصة قولى فيها (:فشهادة االسالم واحدة وليست إثنتين ،
فهى شهادة أنه ال اله اال هللا فقط .ومن شهد بهذا فقد آمن بكل األنبياء دون أن يفرق
بينهم ،أو أن يرفع واحدا من بينهم فوق اآلخرين .حين يضاف الشهادة بمحمد
رسوال فهنا تفضيل له على غيره من األنبياء وتمييز له عنهم ،وهذا كفر باالسالم
وفقا لما أكده هللا تعالى فى القرآن ( البقرة ( ) 222 ، 131آل عمران ( )28النساء
( )122 : 121األحقاف .)0ولكن العقيدة األساسية لديهم إنهم أمة دمحم،وأن دمحما هو
سيد المرسلين ،وهذا تأليه للنبى دمحم يؤكده قيامهم بالحج الى قبره و الصالة اليه
بزعم الصالة عليه ووضع اسمه الى جانب اسم هللا تعالى فى المساجد وفى األذان
للصالة قبل الصالة و فى التحيات أثناء الصالة ،وفى صالة ركعات السنة له بعد
الصالة ،وفى قراءة الفاتحة له ،وفى االعتقاد الجازم فى شفاعته كأنه المالك ليوم
الدين .وكل ذلك كفر عقيدى باالسالم).
اعترض بعض األحبة واتهمنى بتكفير أغلبية المسلمين ،متخذا من وجود أكثرية
حجة على كالم هللا جل وعال ،مع أن هللا تعالى يؤكد أن األكثرية دااما ضد الحق ،
وأن النبى دمحما عليه السالم لو أطاعها فستضله عن سبيل هللا (.األنعام 111 : 112
).
2ـ ولقد قلت إنه ( كفر عقيدى ) وليس بالكفر السلوكى الذى يعنى االعتداء .وقد
سبق توضيح أن االسالم فى العقيدة هو التسليم واالعتقاد فى هللا تعالى وحده االها
ال شريك له ،وفى معناه السلوكى هو السالم و المسالمة ،فكل من كان مسالما فهو
مسلم حسب سلوكه ،ينطبق هذا على األغلبية الساحقة من البشر غير االرهابيين
سواء كانوا من المسلمين أوالمسيحيين أو البوذيين أو االسراايليين ألن االرهابى
كافر بسلوكه مهما كان انتماؤه وشعاراته ،وال دخل لنا بمعتقده ألن حساب العقااد
عند رب العزة يوم القيامة ،فمن مات مشركا استحق الخلود فى النار مهما كان
َّللا َعلَ ْي ِه الشعار الذى يرفعه فى الدنيا ،يقول جل وعال ( ِإنَّه َمن ي ْش ِر ْك ِب َّ ِ
اَّلل فَقَدْ َح َّر َم َّ
ار) ( الماادة . ) 22 ص ٍ ْال َجنَّةَ َو َمأ ْ َواه النَّار َو َما ِل َّ
لظا ِل ِمينَ ِم ْن أَن َ
ورغبة فى اصالح عقااد المسلمين بالقرآن الكريم ،وخوفا عليهم من الخلود فى
النار وتضييع أعمالهم الصالحة فال بد من عرض تلك العقااد على القرآن الكريم .
وأعلم ان الدخول فى هذا المجال سيجلب غضب الكثيرين من األحبة ،وسيجلب
المزيد من االضطهاد لى وألسرتى التى يؤاخذها المجرمون بماليس لهم فيه دخل ،
ولكن كتم الحق يعنى لعنة هللا والمالاكة و الناس اجمعين( البقرة 120ـ ) .ولهذا
أقول الحق القرآنى وال أفرضه على أحد ،وبعدها فلكل إنسان حرية االختيار ..
وسنلتقى أمام الواحد القهار يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون .
3ـ إن الكفر العقيدى أوالشرك فى العقيدة يبدأ عند البشر بتمييز نبى على غيره من
األنبياء ورفعه فوقهم توطئة لتأليهه ،ثم يتلوه تقديس وتأليه أصحاب ذلك النبى
وحوارييه ،ثم تتسع داارة التقديس والتأليه (للصالحين ) لتصل الى التبرك
بالمتخلفين عقليا كالمجاذيب .ويتجسد التقديس القلبى أوالشرك القلبى أوالكفر
القلبى فى عبادات عملية تتمثل فى التبرك والتوسل بأحجار القبور المنسوبة ألولئك
األشخاص و بالحج اليهم وتقديم القرابين لسدنة تلك المعابد .
وهذا المرض لم ينج منه المسلمون مع وجود القرآن الكريم معهم ،فمع تكرار
قولهم شفهيا ( ال اله إال هللا ) إال إن حياتهم الدينية متخمة بتقديس وعبادة القبور ،
وأهمها القبر المنسوب للنبى دمحم عليه السالم.
ويبدأ تناقضهم مع االسالم باضافة اسم النبى دمحم الى هللا تعالى فى الشهادة ،أى
بتمييزه عن الرسل ،والتفريق بينه وبين الرسل ،وتحويل شهادة التوحيد من
شهادة واحدة الى شهادتين ،ثم التوسع كيفا بجعل النبى دمحم شريكا هلل تعالى فى
األذان و الصالة والحج ،مع التوسع فى (الكم ) بتقديس غير النبى من الصحابة
واألامة واألولياء ،وقيام عبادات عملية كالحج الى قبورهم وتقديم القرابين لهم.
وألن الشرك يبدأ بتقديس النبى فال بد من بدء العالج بمواجهة أول خطوة فى عقااد
الشرك وهى رفع النبى دمحم عليه السالم فوق مستوى الرسل بالتفرقة بينه وبين
الرسل .وقد أ ِّكد رب العزة مقدما ـ ومرارا ـ على النهى عنها و التحذير منها ،
وجعلها إختبارا حيا وعمليا لصحة العقيدة ،فالمؤمن الحق يقول ( سمعنا وأطعنا )
أما المحمدى فلسان حاله يقول ( سمعنا وعصينا ) .وذلك المحمدى يجعل نفسه
عدوا لمحمد ولعقيدته (ال اله إال هللا ) التى عاش من أجلها مجاهدا رسول هللا عليه
السالم .
8ـ وجاء ضمن ردى عليهم ( :أننى ال أكفِّر أشخاصا وانما معتقدات تخالف القرآن
الكريم ،وهذا بهدف الوعظ والتحذير وليس التكفير ،وكررت حتى مللت من
التكرار حق كل انسان فى معتقده طالما ال يفرضه على الغير ) ،وهانذا أؤكد
مجددا أنه ليس القصد فى كل ما أكتب تكفير أحد ،وانما توضيح حقااق االسالم
المنسية فى القرآن الكريم أمال فى هداية المسلمين من عذاب يوم الدين.
كما أننى أخاطب األحياء وليس األموات الذين تحددت مصاارهم حسب ما قدموه
من ايمان وعمل ،وعلم ذلك عند هللا تعالى وحده .أخاطب األحياء ،ولديهم متسع
من الوقت للتفكير ،وكل ما أطلبه أن يخلو كل انسان الى ضميره ويقرأ
بموضوعية وتعقل ،ويختار ما يشاء لنفسه ،ألن كل انسان مسئول عن نفسه وعن
مستقبله يوم الدين .
وأعترف أنها مشكلة حقيقية .فمن يعمل فى إصالح المسلمين بالقرآن الكريم ال بد
أن يستشهد بالقرآن الكريم الذى أوضح كل معالم الشرك وتناقضها مع حقااق
االسالم .ومشكلة االصالح فى أن كل ما حذر منه رب العزة فى تفصيالته لعقااد
المشركين قد وقع فيها (المسلمون ) ،وبالتالى فإن أمانة البحث تستوجب توضيح
هذا التناقض بين حقااق االسالم فى القرآن الكريم والمعتقدات الساادة لدى
المسلمين بهدف االصالح والتذكير والتحذير وليس للتكفير والتحقير.
2ـ وقد سبق معالجة هذا الموضوع فى كتابى ( األنبياء فى القرآن الكريم ) الذى
قررته ـ مع أربعة كتب أخرى ـ على طلبتى فى جامعة األزهر عام ، 1022
وبسب تلك الكتب صدرت قرارات رايس الجامعة فى 1022 / 2/2بوقفى عن
العمل ومصادرة مستحقاتى المالية ومنعى من الترقية آلستاذ مساعد ومنعنى من
السفر وإحالتى للتحقيق الذى تواله وقتها د .دمحم سيد طنطاوى عميد كلية أصول
الدين فى أسيوط .وبسبب تصميمى على ما كتبت صدر قرار االتهام رسميا
باحالتى لمجلس التأديب متهما بانكار شفاعة النبى دمحم وانكار عصمته ( المطلقة )
وأنكار تفضيله على األنبياء.
وكانت التهمة األخيرة بسبب بحث (التفضيل بين األنبياء )فى كتاب ( األنبياء فى
القرآن الكريم) والذى أثبت أن تفضيل المسلمين للنبى دمحم على غيره من الرسل
يتناقض مع االسالم .
وبعد مرور 23عاما أنشر ذلك البحث مع تفصيل استلزم أن أكتبه فى ثالثة
مقاالت بحثية ،أولها هذا المقال الذى يناقش قضية التفريق بين رسل هللا ،ثم يناقش
المقال الثانى قضية التفضيل بين الرسل ،ونختم بالمقال الثالث عن شهادة االسالم
:هل هى واحدة أم أكثر.
وهللا جل وعال هو المستعان..
ضه ْم َعلَى َب ْع ٍ
ض) الرسل فَض َّْلنَا َب ْع َ
المقال القادم (تِ ْل َك ُّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال الثاني:
فى التفريق والتفضيل بين األنبياء وشهادة االسالم
(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض )
مقدمة :
1ـ هذا البحث كان من قبل خطبة جمعة ألقيتها فى مساجد جماعة دعوة الحق التى
كنت مشرفا عليه وقت غياب صاحبها (د .سيدرزق الطويل) فى السعودية ،وثار
ى وقتها شيوخ األزهر فى كلية أصول الدين فى طنطا حيث كنت أذهب الى عل ِّ
هناك مرة فى الشهر أللقى خطبة الجمعة ،وتحديا لهم نشرت البحث فى مجلة
الجمعية ( الهدى النبوى ) ،فتعاظمت ثورتهم وأهدروا دمى لو ذهبت الى طنطا ،
فتحديتهم وصممت على أن أكون منتدبا للتدريس يوما اسبوعيا فى كلية أصول
الدين فى طنطا عقر دارهم ألدرس للطلبة ما ينكره أولئك الشيوخ ،ولم أنقطع عن
خطبتى أول كل شهر فى مسجد دعوة الحق فى طنطا ،وخطبت فى إنكار الشفاعة
وعصمة األنبياء والتناقض بين البخارى و القرآن .
دبروا مؤامرة لقتلى فى مشاجرة ـ حتى يضيع دمى بين القباال ـ ،فطلبوا مناظرتى
،وقبلت ،وتحدد موعدها ومكانها فى مسجد دعوة الحق يوم شم النسيم عام 1028
ـ أى منذ ربع قرن ـ سافرت كالعادة من القاهرة الى طنطا وحدى.دخلت المسجد
فوجدتهم قد تجمعوا فيه ،تكلمت بالقرآن ،ثم بدأت كالمى عن البخارى بقولى ( :
البخارى بشر غير معصوم ،ومن اعتقد العصمة فى البخارى فقد كفر بما أنزل
على دمحم ) .عندها وقف شيوخ كلية أصول الدين وغادروا المكان ،وكأنها إشارة
ى كثيرون يريدون الفتك بى ،فأحاطنى أهل المسجد يحموننى البدء إذ هجم عل ِّ
وحملونى الى غرفة داخلية ،وطردوا البغاة .صمم أهل المسجد على أن أتم
محاضرتى ،وعادت أجهزة التسجيل ،وانطلق صوتى بالميكروفون أكمل كالمى
،وبدأ الذين تركوا المسجد ـ ومنهم المهاجمون الغاضبون ـ يعودون شيئا فشيئا،
وبهدوء الى ان تكامل العدد كما كان ،واستمعوا لى بهدوء وتأثر وأنا أقرأ لهم من
كتاب البخارى وأسألهم هل يرضون بهذا الطعن فى هللا تعالى ورسوله ،وأحيانا
كانت تغلبنى دموعى مؤكدا لهم أنه ليست لى مصلحة شخصية سوى الدفاع عن
دين هللا جل وعال ،وفى سبيله أتحمل األذى منهم ومن اآلخرين .
كانت هزيمة قاصمة لشيوخ األزهر فى فرع طنطا التابع لجامعة األزهر ،فطلبوا
من الجامعة ومن أمن الدولة عدم السماح لى بالتدريس منتدبا فى كلية أصول الدين
فرع طنطا ،وتم لهم ما أرادوا .
وردا عليهم جميعا أدخلت البحث وأبحاثا أخرى فى كتبى التى قررتها على الطلبة
فى جامعة األزهر عام ،1022وخصوصا كتاب (األنبياء فى القرآن الكريم:
دراسة تحليلية).
وتحركت السفارة السعودية فى القاهرة بنفوذها ورياالتها ،وفى الخامس من شهر
مايو عام 1022تمت إحالتى الى التحقيق داخل جامعة األزهر متهما بأننى فى
كتاب ( األنبياء فى القرآن الكريم ) وفى اربعة كتب أخرى أنكرت عصمة األنبياء
( المطلقة ) و شفاعة النبى ،وأننى رفضت تفضيل النبى دمحم على األنبياء السابقين
.والقصة معروفة وانتهت بتركى جامعة األزهر عام ، 1022ودخول السجن فى
نفس العام ،وتحقق أكبر نصر للنفوذ السعودى و الريال السعودى.
ويوم اعالن القبض علينا قام السنيون بتعليق الفتات على مساجدهم فى طنطا تقول
( الحمد هلل قبضوا على منكر السنة ).
أى إن بحث ( التفضيل بين األنبياء ) يحتل موقعا هاما فى سيرة حياتى و تاريخ
األزهر.
2ـ وفى هذا البحث تعرضت إجماال للعناصر الثالثة :التفريق بين الرسل وتحليل
لموضوع التفضيل بين الرسل وتناقض تفضيل النبى دمحم على األنبياء السابقين مع
االسالم .
وسبق نشر موضوع النهى عن التفريق بين الرسل ،ونتوقف االن مع الموضوع
التالى وهو تحليل التفضيل بين الرسل فى رؤية قرآنية .
ض) ضه ْم َعلَى َب ْع ٍ الرسل فَض َّْلنَا َب ْع َ أوال ( :تِ ْل َك ُّ
1ـ العادة انك لو قلت ألحدهم إنه ال يصح تفضيل النبى دمحم على من سبقه من
ض ). ضه ْم َعلَى بَ ْع ٍ الرسل فَض َّْلنَا بَ ْع َ األنبياء فإنه يرد كالببغاء قوله تعالى (تِ ْل َك ُّ
نقول( كالببغاء ) وال نعتذر عن هذا التشبيه ألنه حقيقى ،فصاحبنا الببغاء هذا يردد
ـ دون أن يعقل ـ ما اعتاده السابقون قوله دون عقل ،إنه مجرد اقتطاع جزء من
آية قرآنية من سياقها واالستشهاد بها خالف ما تدل عليه .ولو تدبر فى اآلية
الكريمة ما فعل .
ض ) وتبدأ بكلمة ضه ْم َعلَى َب ْع ٍ الرسل فَض َّْلنَا َب ْع َ 2ـ االية الكريمة تقول ِ ( :ت ْل َك ُّ
(تِ ْل َك ) وهى إشارة الى رسل سابقين ورد ذكرهم قبل تلك اآلية الكريمة ،منهم داود
وت َوآتَاه َّللا َوقَت ََل دَاود َجال َ الذى ورد ذكره فى قوله جل وعال َ (:ف َهزَ موهم ِبإِذْ ِن َّ ِ
ت
سدَ ِ ض لَّفَ َ ضه ْم بِبَ ْع ٍ اس بَ ْع َ َّللا ْالم ْل َك َو ْال ِح ْك َمةَ َو َعلَّ َمه ِم َّما يَشَاء َولَ ْوالَ دَ ْفع َّ ِ
َّللا النَّ َ َّ
ق َو ِإنَّ َك َّللا نَتْلوهَا َعلَي َْك ِب ْال َح ِّ ِ َّللا ذو فَض ٍْل َعلَى ْال َعالَ ِمينَ ِت ْل َك آ َيات َّ ِ األ َ ْرض َولَ ِك َّن َّ َ
الرسل فَض َّْلنَا سلِينَ ) ( البقرة ) 222 : 221بعدها قال تعالى ( :تِ ْل َك ُّ لَ ِمنَ ْالم ْر َ
ض) .أى يشير رب العزة الى أنبياء محددين هم داود والنبى اآلخر ضه ْم َعلَى بَ ْع ٍ بَ ْع َ
الذى أشار على بنى اسراايل بأن طالوت قد بعثه هللا تعالى عليهم ملكا ،بعد موت
موسى عليهم جميعا السالم فى قصة سبقت موضوع التفضيل ( البقرة 222 : 281
) وبالتحديد فاالشارة الى ثالثة من رسل هللا هم موسى و ذلك النبى الذى لم يذكر
هللا تعالى اسمه ( اسمه فى التوراة صموايل ) ،وداود ،عليهم السالم.
ض) ضه ْم َعلَى بَ ْع ٍ الرسل فَض َّْلنَا بَ ْع َ 3ـ ثم تأتى اآلية الكريمة تقول عنهم (تِ ْل َك ُّ
ضه ْم َّللا َو َرفَ َع َب ْع َ ويأتى التفصيل فى نفس اآلية ،فيقول رب العزة ِّ ِ ( :م ْنهم َّمن َكلَّ َم َّ
ت ) وواضح هنا أن الكالم عن تفضيل موسى عليه السالم بالتحديد ،أى إن دَ َر َجا ٍ
هللا جل وعال رفعه درجات .ويقول رب العزة عن عيسى عليه السالم فى سياق
وح ْالقد ِس ) ثم يقول ت َوأَيَّدْنَاه بِر ِ سى ابْنَ َم ْريَ َم ْالبَ ِيِّنَا ِ التفضيل و التميز َ ( :وآتَ ْينَا ِعي َ
َّللا َما ا ْقتَت ََل الَّذِينَ ِمن َب ْع ِدهِم ِ ِّمن َب ْع ِد جل وعال عن أتباعهم واختالفاتهم َ ( :ولَ ْو شَاء َّ
َّللا َما آمنَ َو ِم ْنهم َّمن َكفَ َر َولَ ْو شَاء َّ اختَلَفواْ فَ ِم ْنهم َّم ْن َ َما َجا َءتْهم ْالبَ ِيِّنَات َولَ ِك ِن ْ
َّللا يَ ْفعَل َما ي ِريد ) ( البقرة .) 223 : 221أى ال توجد أدنى إشارة ا ْقتَتَلواْ َولَ ِك َّن َّ َ
لمحمد خاتم النبيين هنا على االطالق ألن الحديث عن جماعة من رسل هللا تعالى
لبنى اسراايل تعقيبا على قصة من قصصهم فى القرآن الكريم.
ضه ْم َعلَى الرسل فَض َّْلنَا بَ ْع َ 3ـ األهم من هذا هو قوله تعالى (فَض َّْلنَا) فى (تِ ْل َك ُّ
ض ) وهى واضحة لكل من يبصر فى أن التفضيل حق االهى هلل تعالى وحده ، بَ ْع ٍ
فاهلل وحده هو الذى يملك حق التفضيل ،وهو وحده الذى يملك رفع بعضهم فوق
َّللا َو َرفَ َع ض ِ ِّم ْنهم َّمن َكلَّ َم َّ ضه ْم َعلَى َب ْع ٍ الرسل فَض َّْلنَا َب ْع َ بعضهم درجاتِ (:ت ْل َك ُّ
ت) وهو وحده جل وعال الذى آتى عيسى عليه السالم البينات وأيده ضه ْم دَ َر َجا ٍ بَ ْع َ
وح ْالقد ِس ) وهو وحده ت َوأَيَّدْنَاه بِر ِ سى ابْنَ َم ْريَ َم ْالبَ ِيِّنَا ِ بروح القدسَ ( :وآتَ ْينَا ِعي َ
َّللا يَ ْفعَل َما ي ِريد ). جل وعال الذى يفعل ما يريد ( َولَ ِك َّن َّ َ
هللا جل وعال وحده هو األعلم بمن خلق ،هو أعلم بنا من أنفسناَّ ( :ربُّك ْم أَ ْعلَم ِبك ْم
َاك َعلَ ْي ِه ْم َو ِكيالً ) ،وهو س ْلن َ َّربُّك ْم أَ ْعلَم ِبك ْم ِإن يَشَأ ْ يَ ْر َح ْمك ْم أَ ْو ِإن يَشَأ ْ ي َع ِذِّبْك ْم َو َما أَ ْر َ
األعلم وحده بحياة كل نبى وسريرته ومدى طاعته وجهاده ،وعلى أساس علمه بهم
يأتى تفضيله لبعضهم على بعض ،ولهذا تقول اآلية التاليةَ ( :و َرب َُّك أَ ْعلَم ِب َمن ِفي
ورا) ض َوآتَيْنَا دَاوودَ زَ ب ً ض النَّ ِب ِيِّينَ َعلَى َب ْع ٍ ض َولَقَدْ فَض َّْلنَا َب ْع َ ت َواأل َ ْر ِ
س َم َاوا ِ ال َّ
(االسراء .)22 :28
أما نحن البشر فليس فى علمنا هذا ،لم نر نبيا من األنبياء ،وال نعرف عددهم
الحقيقى ،بل حتى ال يعرف ذلك خاتم النبيين دمحم عليه وعليهم السالم َ ( :ورسالً قَدْ
سى تَ ْك ِلي ًما) ( َّللا مو َ صه ْم َع َلي َْك َو َكلَّ َم َّ صنَاه ْم َعلَي َْك ِمن قَبْل َورسالً لَّ ْم نَ ْقص ْ ص ْ قَ َ
النساء )118وبالتالى فإن من يفاضل بين األنبياء إنما يضع نفسه فى موضع رب
العزة جل وعال ،وليس هذا مجرد استنتاج من القرآن الكريم ،ولكنه استنتاج
عقلى أيضا فالمدرس هو الذى من حقه أن يفاضل بين تالميذه حسب اجتهادهم
الذى يراه ويحكم عليه ،وهو له منزلة تتيح له هذا وترفعه فوق مستوى
تالميذه.وذلك الذى يقوم بالتفضيل بين األنبياء إنما يتربع فوق كرسى وينظر من
أعلى لألنبياء ليقرر من هو األفضل ،اى يرفع نفسه فوقهم ،وبالتالى يزعم لنفسه
ـ دون أن يدرى ـ األلوهية .
أما المؤمن الحق فال يعطى نفسه هذا ،يكتفى بتدبر القرآن الكريم وااللتزام بما
جاء فيه من عدم التفريق بين الرسل ووجوب االيمان بهم جميعا دون تفرقة بين
هذا أو ذاك ( :البقرة () 222 ، 132 : 132آل عمران ،) 22 : 23وان من
يفرق بين الرسل فهو عند هللا تعالى كافر ( النساء ) 122 : 121وأن االيمان ليس
اَّلل َو َرسو ِل ِه بشخص النبى وإنما بالرسالة والكتاب (:يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنواْ ِآمنواْ ِب َّ ِ
ِي أَنزَ َل ِمن قَبْل َو َمن يَ ْكف ْر ِب َّ ِ
اَّلل ب الَّذ َ ب الَّذِي ن ََّز َل َعلَى َرسو ِل ِه َو ْال ِكتَا ِ َو ْال ِكتَا ِ
ضالالً بَ ِعيدًا ) ( النساء .) 113 ض َّل َ اآلخ ِر فَقَدْ َ َو َمالاِ َكتِ ِه َوكتبِ ِه َورس ِل ِه َو ْاليَ ْو ِم ِ
ثانيا :مالمح قرآنية فى مدح بعض األنبياء والرسل السابقين بعد موتهم:
نحن هنا ال نحكم بتفضيل نبى على آخر ،ولكن نتدبر ما قاله رب العزة فى مدح
بعض رسله ،وهو جل وعال وحده صاحب الحق فى التفضيل بين عباده من
األنبياء.
مدح ابراهيم عليه السالم
1ـ ابراهيم عليه السالم هو النبى الوحيد ـ فى القرآن الكريم ـ الذى تتابعت فيه
َّلل َحنِيفًا َولَ ْم يَك ِمنَ ْالم ْش ِركِينَ ِيم َكانَ أ َّمةً قَانِتًا ِ َّ ِ صفات المدح اآلتية ِ ( :إ َّن ِإ ْب َراه َ
سنَةً َوإِنَّه فِي ص َراطٍ ُّم ْستَ ِق ٍيم َوآتَ ْينَاه فِي الدُّ ْنيَا َح َ شَا ِك ًرا ِِّأل َ ْنع ِم ِه اجْ تَبَاه َو َهدَاه إِلَى ِ
ِيم َح ِنيفًا َو َما َكانَ ِمنَ صا ِل ِحينَ ث َّم أَ ْو َح ْينَا ِإلَي َْك أَ ِن ات َّ ِب ْع ِملَّةَ ِإب َْراه َ
اآلخ َر ِة لَ ِمنَ ال َّ
ِ
ْالم ْش ِركِينَ ) (النحل .)123 :121مدحه هللا جل وعال بأنه كان (أمة ) من األخالق
الحميدة ،قانتا عابدا هلل تعالى ،لم يقع فى الشرك ،وشاكرا ألنعم ربه ،وقد إجتباه
ربه وهداه للصراط المستقيم ،وأنعم عليه فى الدنيا بحسنة ،وأعد له درجة
ى يرزق ـ بأن الصالح فى االخرة ،ثم فى النهاية يأتى األمر للنبى دمحم ـ وهو ح ِّ
يتبع ملة ابراهيم .
2ـ ابراهيم عليه السالم هو النبى الوحيد ـ فى القرآن الكريم ـ الذى جعله هللا تعالى
إماما للناس ،بسبب نجاحه فى االختبارات التى أدخله هللا تعالى فيها ،ونجح فى
ِيم َربُّه تنفيذ األوامر بالتمام والكمال ،فقال عنه ربه جل وعال َ ( :و ِإ ِذ ا ْبتَلَى ِإب َْراه َ
ت فَأَتَ َّمه َّن) ( البقرة ) 128أو بالتعبير القرآنى (وفِّى ) أى قام بما عليه ِب َك ِل َما ٍ
ِيم الَّذِي َوفَّى ) ( النجم .) 32 بالتوفية الحقة َ ( :وإِب َْراه َ
3ـ وهو النبى الوحيد الذى عندما أنِّبه هللا تعالى مدحه ،اى مدحه فى معرض اللوم
سال ٌم فَ َما ال َ سال ًما قَ َ ِيم ِب ْالب ْش َرى قَالواْ َ ت رسلنَا ِإب َْراه َ ،إقرأ قوله تعالى َ ( :ولَقَدْ َجا َء ْ
س ِم ْنه ْم ِخيفَةً َصل ِإلَ ْي ِه نَ ِك َره ْم َوأَ ْو َج َ ث أَن َجا َء ِبعِجْ ٍل َحنِي ٍذ فَلَ َّما َرأَى أَ ْي ِديَه ْم الَ ت ِ لَ ِب َ
ش ْرنَاهَا بِإ ِ ْس َحاقَ ت فَبَ َّض ِح َك ْ َف إِنَّا أ ْر ِس ْلنَا إِلَى قَ ْو ِم لوطٍ َو ْام َرأَته قَااِ َمةٌ فَ َ قَالواْ الَ تَخ ْ
ش ْي ًخا ِإ َّن َهذَا وز َو َهذَا َب ْع ِلي َ ت َيا َو ْيلَت َى أَأَ ِلد َوأَنَا ْ َعج ٌ وب قَالَ َْو ِمن َو َراء ِإ ْس َحاقَ َي ْعق َ
ت ِإنَّه َّللا َو َب َر َكاته َعلَيْك ْم أَ ْه َل ْال َب ْي ِ َّللا َرحْ َمت َّ ِ يب قَالواْ أَتَ ْع َج ِبينَ ِم ْن أَ ْم ِر َّ ِ ي ٌء َع ِج ٌ ش ْ لَ َ
الر ْوع َو َجا َءتْه ْالب ْش َرى ي َجادِلنَا فِي قَ ْو ِم لوطٍ َّ
إن ِيم ََّب َع ْن ِإب َْراه َ َح ِميدٌ َّم ِجيدٌ فَلَ َّما ذَه َ
ض َع ْن َهذَا إِنَّه قَدْ َجا َء أَ ْمر َر ِبِّ َك َوإِنَّه ْم يب يَا إِب َْراهِيم أَع ِْر ْ ِيم لَ َح ِلي ٌم أَ َّواهٌ ُّمنِ ٌ إِب َْراه َ
اب َغيْر َم ْردو ٍد )( هود ) 21 : 10 آ ِتي ِه ْم َعذَ ٌ
أخطأ ابراهيم هنا حين أخذ يجادل المالاكة فى رفع العذاب عن قوم لوط ،وجاءه
ض َع ْن يب يَا ِإب َْراهِيم أَع ِْر ْ ِيم لَ َح ِلي ٌم أَ َّواهٌ ُّمنِ ٌ اللوم هينا رفيقا ومقترنا بالمدح ( ِإ َّن ِإب َْراه َ
اب َغيْر َم ْردو ٍد ). َهذَا إِنَّه قَدْ َجا َء أَ ْمر َر ِبِّ َك َوإِنَّه ْم آتِي ِه ْم َعذَ ٌ
جدير بالذكر أن هللا تعالى حين كان يعاتب خاتم األنبياء فلم تكن فيها هذه النغمة
الحانية بل كان العتاب قاسيا كقوله تعالى فى خطاب مباشر ( َو ِإذْ تَقول ِللَّذِي أَ ْن َع َم
َّللا م ْبدِي ِه ِك َما َّ َّللا َوت ْخ ِفي فِي نَ ْفس َ ق َّ َ ِك َعلَي َْك زَ ْو َج َك َوات َّ ِ ت َعلَ ْي ِه أَ ْمس ْ َّللا َعلَ ْي ِه َوأَ ْن َع ْم َ
َّ
َّللا أَ َح ُّق أَن تَ ْخشَاه ) ( األحزاب .) 32التأنيب هنا شديد فى قوله اس َو َّ َوتَ ْخشَى النَّ َ
َّللا أَ َح ُّق أَن ت َْخشَاه ) أو كقوله تعالى له فى خطاب مباشر اس َو َّ تعالى له ( َوت َْخشَى النَّ َ
اج َك ) ( التحريم ) 1 ات أَ ْز َو ِض َ َّللا لَ َك تَ ْبتَ ِغي َم ْر َ ي ِل َم ت َح ِ ِّرم َما أَ َح َّل َّ أيضا(يَا أَيُّ َها النَّ ِب ُّ
اج َك ). ات أَ ْز َو ِ ض َ التأنيب هنا قاس فى قوله تعالى له (تَ ْبتَ ِغي َم ْر َ
8ـ وابراهيم عليه السالم هو النبى الوحيد المذكور باالسم الذى امر هللا تعالى
ص َراطٍ رسوله دمحما خاتم النبيين بأن يعلن أنه متبع لملته ( :ق ْل ِإنَّ ِني َهدَا ِني َر ِبِّي ِإلَى ِ
ِيم َحنِيفًا َو َما َكانَ ِمنَ ْالم ْش ِركِينَ ) ( األنعام .) 111 ُّم ْستَ ِق ٍيم دِينًا قِيَ ًما ِ ِّملَّةَ ِإب َْراه َ
2ـ وملة ابراهيم هى المقياس الصحيح للفالح ،ومن يرغب عنها ويعرض عنها
س ِفهَِيم إِالَّ َمن َ فهو السفيه الغافل ،يقول جل وعال َ ( :و َمن يَ ْرغَب َعن ِ ِّملَّ ِة إِب َْراه َ
صا ِل ِحينَ ) ( البقرة .) 131 اآلخ َر ِة لَمِنَ ال َّ طفَ ْينَاه ِفي الدُّ ْن َيا َو ِإنَّه ِفي ِ ص َ سه َولَقَ ِد ا ْ نَ ْف َ
ويالحظ هنا أن اآلية الكريمة قسمان ،تحدث القسم األول عن تسفيه من يعرض
عن ملة ابراهيم ،ومدح القسم الثانى ابراهيم هليه السالم بان هللا تعالى اصطفاه فى
الدنيا ،وأنه فى االخرة سيكون من الصالحين.
1ـ جدير بالذكر أيضا أن المقياس االلهى الذى تركز حول ابراهيم وملته قد فضح
الظالمين من ذرية ابراهيم الذين جاءوا بعده ،من العرب وبنى اسراايل .
ونتذكر هنا حرص ابراهيم على هذه الذرية وخوفه المستقبلى عليهم حين كان
صال ِة َو ِمن ذ ِ ِّريَّ ِتي َربَّنَا َوتَقَب َّْل د َعاء ) ( ابراهيم 81 يم ال َّ يدعو ربه ( َربِّ ِ اجْ َع ْلنِي م ِق َ
) ،بل أنه عندما كافأه ربه بأن جعله إماما للناس الصالحين فى كل زمان ومكان
تمنى أن يكونوا ذريته فجاء الرد من هللا تعالى بما يشير الى إن من ذريته من
ال إِ ِنِّي ت فَأَتَ َّمه َّن قَ َ سيكون ظالما ال يصلح لهذا الشرفَ (:وإِ ِذ ا ْبتَلَى إِب َْراه َ
ِيم َربُّه بِ َك ِل َما ٍ
الظا ِل ِمينَ )(البقرة .)128 ال الَ يَنَال َع ْهدِي َّ ال َو ِمن ذ ِ ِّريَّ ِتي قَ َ اس ِإ َما ًما قَ َ َجا ِعل َك ِللنَّ ِ
من هذه الذرية من رغب عن ملة ابراهيم ،ومنهم من جعلها تجارة ،ومنهم من
كفر وقام بتحرف الملة االبراهيمية ،وعندما نزل القرآن الكريم بالحق كان أولئك
يباشرون نشاطهم فى تحريف ملة ابراهيم ،فثار جدل ونقاش تردد صداه فى
القرآن الكريم ،ورد هللا تعالى عليهم يدعوهم الى ملة ابراهيم التى تركوها مع
ارى ص َ انتحالهم اسم ابراهيم وجعله يهوديا أو نصرانيا َ (:وقَالواْ كونواْ هودًا أَ ْو نَ َ
ِيم َحنِيفًا َو َما َكانَ ِمنَ ْالم ْش ِركِينَ ) (أَ ْم تَقولونَ ِإ َّن ِإب َْراه َ
ِيم تَ ْهتَدواْ ق ْل بَ ْل ِملَّةَ ِإب َْراه َ
َّللا )ارى ق ْل أَأَنت ْم أَ ْع َلم أَ ِم َّ ص َ ط َكانواْ هودًا أَ ْو نَ َ وب َواأل َ ْسبَا َ س َحاقَ َويَ ْعق َ يل َوإِ َْوإِ ْس َما ِع َ
(البقرة ) 181 ، 132ويؤكد رب العزة أن أولى الناس بابراهيم هم النبى دمحم عليه
السالم ومن يتبع القرآن الكريم الذى أبان ملة ابراهيم على حقيقتها َ ( :يا أَ ْه َل
نجيل ِإالَّ ِمن بَ ْع ِد ِه أَفَالَ تَ ْع ِقلونَ ت الت َّ ْو َراة َو ِ
اإل ِ نزلَ ِ ِيم َو َما أ ِب ِل َم ت َحاجُّونَ فِي ِإب َْراه َ ْال ِكتَا ِ
ْس لَكم بِ ِه ِع ْل ٌم َو َّ
َّللا يَ ْعلَم هَاأَنت ْم هَؤالء َحا َججْت ْم فِي َما لَكم بِ ِه ِع ْل ٌم فَ ِل َم ت َحاجُّونَ فِي َما لَي َ
ص َرا ِنيًّا َولَ ِكن َكانَ َح ِنيفًا ُّم ْس ِل ًما َو َما َوأَنت ْم الَ تَ ْعلَمونَ َما َكانَ ِإب َْراهِيم َيهو ِديًّا َوالَ نَ ْ
ي َوالَّذِينَ آ َمنواْ ِيم لَلَّذِينَ اتَّبَعوه َو َهذَا النَّ ِب ُّ
اس ِبإِب َْراه َ َكانَ ِمنَ ْالم ْش ِركِينَ ِإ َّن أَ ْولَى النَّ ِ
ي ْالمؤْ ِمنِينَ ) ( آل عمران . ) 12 : 12 َو َّ
َّللا َو ِل ُّ
وبعد موت النبى دمحم عليه السالم دخل فى الفتوحات العربية ـ المناقضة لتشريع
االسالم ـ كثيرون من أهل الكتاب ،ودخل معظمهم فى االسالم ،فأرجعوا نفس
التحريف القديم فى ملة ابراهيم فى صورة أحاديث .وسبقت االشارة الى أن هللا
تعالى جعل ابراهيم وملته مقياسا ،ومن يرغب عن ملته فقد سفه نفسه .وبهذا
المقياس فضح هللا تعالى كثيرين من أهل الكتاب ورد عليهم .وبعد نزول القرآن
الكريم وموت النبى دمحم تردد نفس التزوير فى أحاديث زورها مبتدعو الديانة
السنية ،وانصب بعض هذا التزوير على سيرة ابراهيم العطرة .أى أن ذلك
المقياس المشار اليه القرآن الكريم يحكم علي من يرغب عن ملة ابراهيم حتى فى
المستقبل ،فى صورة من صور االعجاز فى القرآن الكريم .
وللتدليل على ذلك نتذكر مدح هللا جل وعال للخليل ابراهيم بأنه كان صديقا
صدِِّيقًا نَّ ِبيًّا) ( مريم . ) 81أى لم يكن فقط ِيم ِإنَّه َكانَ ِ ب ِإب َْراه َنبيا( َواذْك ْر فِي ْال ِكتَا ِ
(صادقا ) بل (صديقا ) وهى صيغة مبالغة من الصدق تعنى أنه لم يكذب أبدا ،
حتى لقد تعرض للتحريق بالنار دون أن يتراجع أو يمالىء .ثم جاء وصفه
بالصديق قبل وصفه بالنبوة ،فلم يقل تعالى :كان نبيا صديقا ،أى تعلم الصدق بعد
أن صار نبيا ،ولكن جعل صفة المبالغة فى الصدق سابقة لنبوته ،أى التزم الصدق
مذ كان صبيا ،أى إن الصدق صفة أساس فيه من بدايته الى نهايته ،ولكن حديث
أبى هريرة فى البخارى يبالغ فى وصف ابراهيم بالكذب فزعم أن ابراهيم كذب
ثالث كذبات.
هنا يصدق عليهم المقياس االلهى ،فهم قد حرفوا سيرة ابراهيم ،وإذا كان رب
العزة قد جعله صديقا نبيا فقد جعلوه كذابا .
وقد يتساءل بعضهم :وما صلة هذا بموضوع التفضيل ؟ وأقول إن هذا االفتراء
هو تدليل زااف لجعلهم دمحما أفضل األنبياء ،أى أفضل من أبيه ابراهيم ،ويستدلون
بأن ابراهيم كان كذابا ،وبالتالى فمحمد الصادق األمين أفضل منه.
مدح موسى عليه السالم :
صا َو َكانَ َرسوال نَّبِيًّا سى إِنَّه َكانَ م ْخلَ ً ب مو َ 1ـ يقول تعالى َ (:واذْك ْر فِي ْال ِكتَا ِ
ور األ َ ْي َم ِن َوقَ َّر ْبنَاه ن َِجيًّا َو َو َه ْبنَا لَه ِمن َّرحْ َم ِتنَا أَخَاه هَارونَ الط ِب ُّ َونَادَ ْينَاه ِمن َجا ِن ِ
ص ا) ـ نَ ِبيًّا) (مريم )23 :21هنا يمدح هللا تعالى موسى عليه السالم بأنه كان (م ْخلَ ً
بفتح الالم ـ أى خالصة الخير ،وأن ربه جل وعال هو الذى ناداه وكلمه ،بل أكثر
قربه اليه يناجيه ( َوقَ َّر ْبنَاه ن َِجيًّا) ،وهو تعبير هاال فى مدح موسى ،ثم من من ذلك ِّ
أجله جعل هارون أخاه وزيرا ونبيا معه .
2ـ وورد أول حديث هلل تعالى مع موسى فى سورة (طه ) حين جاءه التكليف
بالرسالة ،خاف موسى من فرعون وطغيانه وطلب أن يكون معه أخوه هارون ،
ولم يرد هللا تعالى عليه بالتأنيب ولكن ذ ِّكره بالنعم التى احاطه بها ،ومنهاَ (:وأَ ْلقَيْت
طنَ ْعت َك ِلنَ ْفسِي )(طه ) 81 : 0وال ص َ صنَ َع َعلَى َع ْينِي )َ (،وا ْ َعلَي َْك َم َحبَّةً ِ ِّم ِنِّي َو ِلت ْ
يستطيع القلم وصف ما فى اآليتين من مدح لموسى عليه السالم.
مدح داود عليه السالم :
1ـ يقول جل وعال عن داود عليه السالم فى معرض مدحه لداود عليه السالم
ص ِب ْر َعلَى َما َيقولونَ َواذْك ْر َع ْبدَنَا دَاوودَ ذَا يخاطب خاتم األنبياء عليهم السالم( :ا ْ
ورة ً الطي َْر َمحْش َ ق َو َّ اإل ْش َرا ِ
ي ِ َو ِ سبِِّحْنَ ِب ْال َع ِش ِّ ال َم َعه ي َ س َّخ ْرنَا ْال ِجبَ َ األ َ ْي ِد ِإنَّه أَ َّو ٌ
اب ِإنَّا َ
ب ) .وهذه النعم لم يزدد بها طا ِ ص َل ْال ِخ َ شدَدْنَا م ْل َكه َوآتَ ْينَاه ْال ِح ْك َمةَ َوفَ ْ اب َو َك ٌّل لَّه أَ َّو ٌ
داود عليه السالم إال ورعا وخشوعا هلل تعالى .واالبتالء بالنعمة أعظم من االبتالء
بالمحنة .
وفى سياق المدح وللتدليل على خشوع داود لربه عز وجل يقص هللا تعالى قصة
الخصوم الذين تسوروا المحراب على داود وهو يصلى ففزع منهم وظن أنها فتنة
من هللا ،وعندما تبين له األمر وأنهم خصوم عاديون بادر باالستغفار والتوبة من
اب ِإذْ دَخَلوا َعلَى دَاوودَ س َّوروا ْال ِمحْ َر َ ص ِم ِإذْ تَ َ َاك نَ َبأ ْال َخ ْ
الظن الذى أل ِّم به َ ( :وه َْل أَت َ
ق َوال ض فَاحْكم بَ ْينَنَا ِب ْال َح ِّ ِ ان بَغَى بَ ْعضنَا َعلَى بَ ْع ٍ ص َم ِ َف َخ ْ ع ِم ْنه ْم قَالوا ال تَخ ْ فَفَ ِز َ
ي نَ ْع َجةٌ اط إِ َّن َهذَا أَ ِخي لَه تِ ْس ٌع َوتِسْعونَ نَ ْع َجةً َو ِل َ ص َر ِس َو ِاء ال ِ ِّ ط َوا ْه ِدنَا إِلَى َ ت ْش ِط ْ
اج ِهال نَ ْع َجتِ َك إِلَى نِعَ ِ ظلَ َم َك بِس َؤ ِال لَقَدْ َ ب قَ َ طا ِ ال أَ ْك ِف ْلنِي َها َو َع َّزنِي فِي ْال ِخ َ احدَة ٌ فَقَ َ َو ِ
ت
صا ِل َحا ِ ض ِإالَّ الذِينَ آ َمنوا َو َع ِملوا ال َّ َّ طاء لَ َي ْب ِغي َب ْعضه ْم َعلَى َب ْع ٍ ْ
يرا ِ ِّم ْن الخلَ َ َو ِإ َّن َكثِ ً
َاب )( ص : 12 ظ َّن دَاوود أَنَّ َما فَتَنَّاه فَا ْستَ ْغفَ َر َربَّه َوخ ََّر َرا ِكعًا َوأَن َ َوقَ ِلي ٌل َّما ه ْم َو َ
.) 28
2ـ على خالف ذلك تقرأ فى تراث الدين السِّنى روايات تطعن النبى داود عليه
السالم ،وننقل عن القرطبى فى ( تفسيره ) قوله (قال سفيان الثوري وغيره.
وسبب ذلك ما حكاه ابن عباس أن داود عليه السالم حدث نفسه إن ابتلي أن
يعتصم .فقيل له :انك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك .فأخذ الزبور
ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه ،فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء طاار كأحسن
ما يكون من الطير ،فجعل يدرج بين يديه .فهم أن يتناوله بيده ،فاستدرج حتى وقع
في كوة المحراب ،فدنا منه ليأخذه فطار ،فاطلع ليبصره فأشرف على امرأة
تغتسل ،فلما رأته غطت جسدها بشعرها .قال السدي :فوقعت في قلبه .قال ابن
عباس :وكان زوجها غازيا في سبيل هللا وهو أوريا بن حنان ،فكتب داود إلى أمير
الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت ،وكان حملة التابوت إما أن يفتح هللا
عليهم أو يقتلوا ،فقدمه فيهم فقتل ،فلما انقضت عدتها خطبها داود ،واشترطت عليه
إن ولدت غالما أن يكون الخليفة بعده ،وكتبت عليه بذلك كتابا ،وأشهدت عليه
خمسين رجال من بني إسراايل ،فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان وشب ،وتسور
الملكان وكان من شأنهما ما قص هللا في كتابه .ذكره الماوردي وغيره .وال يصح.
قال ابن لعربي :وهو أمثل ما روي في ذلك .قلت :ورواه مرفوعا بمعناه الترمذي
الحكيم في نوادر األصول عن يزيد الرقاشي ،سمع أنس بن مالك يقول :سمعت
رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول( :إن داود النبي عليه السالم حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع
على بني إسراايل بعثا وأوصى صاحب البعث فقال :إذا حضر العدو قرب فالنا
وسماه ،قال فقربه بين يدي التابوت -قال -وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان
يستنصر به فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش
الذي يقاتله فقدم فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة )
وبهذه الروايات تم تشويه سيرة ذلك النبى العظيم الذى قال عنه رب العزة فى
َّللا ْالم ْل َك َو ْال ِح ْك َمةَ َو َعلَّ َمه ِم َّما يَشَاء ) ( البقرة )221وأفرده سياق التفضيل ( َوآتَاه َّ
بالذكر من بين جميع األنبياء فى موضوع الوحى فقال تعالى (إِنَّا أَ ْو َح ْينَا إِلَي َْك َك َما
وب
س َحاقَ َويَ ْعق َ يل َوإِ ْ وح َوالنَّبِ ِيِّينَ ِمن بَ ْع ِد ِه َوأَ ْو َح ْينَا إِلَى إِب َْراه َ
ِيم َوإِ ْس َما ِع َ أَ ْو َح ْينَا إِلَى ن ٍ
ورا) ( س َوهَارونَ َوسلَيْ َمانَ َوآتَ ْينَا دَاوودَ زَ ب ً ُّوب َويون َ سى َوأَي َ َواأل َ ْسبَ ِ
اط َو ِعي َ
ت
س َم َاوا ِ النساء ) 113وأفرده من بينهم فى معرض التفضيل ( َو َرب َُّك أَ ْعلَم ِب َمن فِي ال َّ
ورا)( االسراء ) 22 ض َوآتَ ْينَا دَاوودَ زَ ب ً ض النَّ ِب ِيِّينَ َعلَى بَ ْع ٍ ض َولَقَدْ فَض َّْلنَا بَ ْع َ َواأل َ ْر ِ
اولو العزم من الرسل :
وقد أمر هللا تعالى خاتم األنبياء بأن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ،فقال :
الرس ِل ) ( األحقاف ،)23أى هناك من الرسل صبَ َر أ ْولوا ْال َع ْز ِم ِمنَ ُّ (فَا ْ
ص ِب ْر َك َما َ
من تفوق فى التحمل والصبر ،وقد أشار هللا تعالى بعضهم فقال فى معرض مدح
ابراهيم واسحاق ويعقوب مخاطبا خاتم األنبياء بأن يذكرهم َ ( :واذْك ْر ِعبَادَنَا
ص ٍة ِذ ْك َرى صنَاهم ِبخَا ِل َ ار ِإنَّا أَ ْخلَ ْ
ص ِوب أو ِلي األ َ ْيدِي َواأل َ ْب َ ِيم َو ِإ ْس َحاقَ َو َي ْعق َ ِإب َْراه َ
ار )( ص . ) 82 : 82أى مدحهم هللا ط َفيْنَ األ َ ْخ َي ِ الد َِّار َو ِإنَّه ْم ِعندَنَا َل ِمنَ ْالم ْ
ص َ
تعالى بأنهم كانوا يتذكرون اآلخرة دااما ،وأنهم ممن اصطفاهم هللا تعالى وكانوا
أخيارا .الشاهد هنا هو قوله تعالى عنهم (أو ِلي األ َ ْيدِي) أى أولى العزم .ويضاف
ار) أى أولو البصيرة الصادقة . ص ِاليه ( َواأل َ ْب َ
وفى التراث السنى يزعمون أن أولى العزم من الرسل هم دمحم ونوح وابراهيم
وموسى وابراهيم وعيسى ..أى يتدخلون فى علم هللا تعالى وغيبه ويهرفون بما ال
يعرفون.
المقال الثالث:
فى التفريق والتفضيل بين الرسل
شهادة االسالم هى ( ال إله إال هللا ) فقط!!
مقدمة
1ـ سبق التأكيد على نهى هللا جل وعال عن التفريق بين الرسل ،وأن من يصمم
على هذا ويموت عليه هذا يلقى هللا تعالى كافرا طبقا لما جاء فى القرآن الكريم:
َّللا َورس ِل ِه َويَقولونَ نؤْ ِمن اَّللِ َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أَ ْن يفَ ِ ِّرقوا بَيْنَ َّ ِ (إِ َّن الَّذِينَ يَ ْكفرونَ بِ َّ
يال أولَ ِئ َك هم ْال َكا ِفرونَ َحقًّا ض َوي ِريدونَ أَ ْن َيت َّ ِخذوا َبيْنَ ذَ ِل َك َ
س ِب ً ض َونَ ْكفر بِ َب ْع ٍ ِب َب ْع ٍ
َوأَ ْعتَدْنَا ِل ْل َكافِ ِرينَ َعذَابًا م ِهينًا ) ،أما المؤمنون حقا فقد قال تعالى عنهم َ (:والَّذِينَ
وره ْم َو َكانَ َّ
َّللا ف يؤْ تِي ِه ْم أج َ س ْو َاَّلل َورس ِل ِه َولَ ْم يفَ ِ ِّرقوا بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم أولَئِ َك َ
آ َمنوا ِب َّ ِ
ورا َر ِحي ًما )( النساء ) 122 : 121أى هى قضية (فارقة ) بين المؤمن حقا غَف ً
والكافر فعال عند هللا جل وعال حسبما جاء فى القرآن الكريم .وقلنا إن التفريق بين
الرسل يعنى تفضل رسول على آخر بما يمهد لرفعه الى مستوى االلوهية مع هللا
جل وعال ،وهذا ما يقع فيه معظم المسلمين من أصحاب الديانات األرضية حين
يجعلون دمحما عليه السالم قرينا هلل تعالى فى الذكر والتسبيح واألذان والصالة و
التشهد و الحج ..وفى شهادة االسالم.
2ـ شهادة االسالم هى أصال شهادة توحيد أى شهادة واحدة ،ولكنهم يجعلوها
شهادتين ،يقسمونها بالتساوى بين ذكر هللا تعالى وذكر دمحم ،وال يخلو ذكر هلل
تعالى من وجود دمحم معه كأنما يستكثرون ذكر اسم هللا تعالى وحده .
3ـ والغريب أنهم يهتفون دااما ( هللا أكبر ) ويفتتحون الصالة ب ( هللا أكبر ) أى
(أكبر) مطلقا من أن يكون الى جانبه مخلوق آخر ،أو (أكبر) من أن (نذكر) معه
شيئا آخر ،ثم يناقضون مفهوم (هللا أكبر ) حين يضيفون لألكبر جل وعال واحدا
من مخلوقاته،وهم بذلك ما قدروا هللا تعالى حق قدره .
8ـ تمييزهم (دمحما ) وحده بذكر اسمه مع هللا تعالى فى شهادة االسالم يتجلى فيه
التفريق بين الرسل ،فلماذا نذكر دمحما دون عيسى أو موسى أو لوط أو ابراهيم
أواسحق أو يونس ..الخ .
2ـ وتميز (دمحم) بذكره وحده الى جانب هللا تعالى فى شهادة االسالم فيه تفضيل
صريح لمحمد على من سبقه من األنبياء و المرسلين ،وليس من حق أى مخلوق
أن يفاضل بين األنبياء ،ومن يفعل ذلك ال يكون فقط كافرا باهلل تعالى ورسوله
ولكن يكون أيضا مدعيا لاللوهية دون أن يعلم.
1ـ وتميز (دمحم) بذكره الى جانب هللا تعالى فى شهادة االسالم يجعل االسالم دين
دمحم وحده دون بقية األنبياء ،وهذا تناقض مع القرآن الكريم الذى يؤكد أن االسالم
هو دين هللا تعالى الذى نزلت به كل الرساالت السماوية ،كل منها ينطق بلسان
القوم الذين جاء منهم واليهم النبى أو الرسول ،الى أن نزل القرآن الكريم خاتما
للرساالت السماوية بلسان عربى مبين .
2ـ وتقديس اى نبى هو البداية التى تفتح المجال لتقديس البشر ممن يطلق عليهم
الصالحين واألولياء و( القديسين )ثم ينفتح الباب على مصراعية لتقديس العصاة
والمجرمين والحكام المستبدين والمتالعبين بالسياسة و الدين.
ومثال فإن تقديس شخص دمحم وإسمه وإدخال إسمه فى الصالة و األذان والحج الى
الوثن المسمى بقبر النبى فى المدينة كان مقدمة لتقديس أضرحة األولياء والحج
اليهم واعتقاد الشفاعة فيهم أسوة بالشفاعة المزعومة للنبى دمحم ،بل وإضافة أسماء
األولياء فى األذان للصالة بتمجيد أسمااهم على المآذن كما كان شااعا فى العصر
المملوكى.
والبداية هى إدخال اسم دمحم فى شهادة االسالم وجعلها ثنااية بعد أن كانت واحدة
وحدانية ،وجعلها قسمة بين هللا تعالى و أحد مخلوقاته وهو دمحم .
ارتكب الدين السِّنى هذا االفك ،وعليه سار العصر العباسى ،ثم تسيد التصوف
فرفع مكانة األولياء الى جانب دمحم ،وقام الشيعة برفع أسماء على وبنيه الى جانب
النبى دمحم ،و تكاثر (الشركاء ) هلل تعالى فى ملكه ودينه .
2ـ ونعطى مثاال عمليا عن التحوير العملى فى شهادة االسالم فى العصر
المملوكى بحيث أصبحت ثالثية و ليس فقط ثنااية .
ففي العصر المملوكي حيث أصبح التصوف التدين الفعلي للدولة ،صار االعتقاد
في األولياء هو الشهادة الرسمية للدخول في اإلسالم ،حيث أضحى اإلسالم مجرد
رسم وشكل مظهري تمارس من خالله شعاار التصوف ومعتقداته المضادة
لإلسالم ..فعندما أسلم أحمد بن هوالكو بعث برسالة رسمية إلى المنصور قالوون
يشهد فيها ( بوحدانية هللا والشهادة بمحمد عليه أفضل الصلوات والسالم ،بصدق
نبوته ،وحسن االعتقاد في أوليااه الصالحين) (.سيرة المنصور .تاريخ مخطوط
/مجلد / 1لوحة )11ولم يعرف المسكين – الذي دخل اإلسالم زورا ً – أن
االعتقاد في األولياء الصالحين بزعمه ينفي إخالص الدين هلل تعالى ،ولكنه الدين
األرضى الذى تسيد العصر المملوكى بعد أفول سيطرة الدين السنى فى العصر
العباسى ،وسار على ذلك الناس ،و(أسلم ) ابن هوالكو على أيديهم ..أى دخل فى
دين التصوف األرضى الذى اختطف اسم االسالم فى العصر المملوكى .
وترتب على اإليمان باألولياء الصوفية اإليمان ببركاتهم و(تصريفهم ) أى
كراماتهم ومعجزاتهم حتى لم تخل تحية اإلسالم (السالم عليكم ورحمة هللا
وبركاته) من تأثير الدين األرضى الصوفى ،فأدخل فيها األولياء مع هللا ،وسجل
ذلك كتاب رسمي بعثه النجاشي للسلطان جقمق سنة 282فقال فيه (ورحمته
وبركاته عليكم أجمعين وبركات األولياء الصالحين) (.السخاوى :تاريخ التبر
المسبوك ص ) . 12
2ـ وانتهى العصرين المملوكى و العثمانى ،وخفت تأثير الدين الصوفى األرضى
ولكن عادت بالوهابية سيطرة الدين السِّنى األرضى فعادت شهادة االسالم إثنين
باالبقاء على اسم دمحم فقط الى جانب اسم هللا جل وعال .وسيطر ذلك على أفئدة
الكثيرين ،فليس صعبا التخلى عن تقديس األولياء الصوفية ،ولكن الصعب هو
التخلى عن تقديس دمحم.
كانت شهادة االسالم واحدة فى العصر الحقيقى لالسالم ،ثم جعلوها مثناة ،ثم
ثالثية ،وعادت مثناة اآلن ،ونتمنى أن تعودة الشهادة الحقيقية للوحدانية ،ولهذا
نناقش هنا التاكيد على أن شهادة االسالم هى ( ال إله إال هللا ) فقط !!.
أوال :
شهادة االسالم ليس فيها إسم مخلوق بجانب الخالق جل وعال :
1ـ الشهادة فى العقيدة فرع عن االيمان العقيدى ،أى تعلن شهادتك بما تؤمن به ،
فالذى يؤمن بمحمد أفضل من األنبياء وشريكا هلل تعالى فى دينه وفى ملكه وملكوته
يتجلى هذا فى شهادته بأن يجعلها مثناة ،والذى يضيف الى دمحم أهل بيته أو
األولياء وكراماتهم يجعل شهادته ثالثية .
ولو كنت مؤمنا صحيح االيمان فلن يكون أى مخلوق محال إليمانك ،فااليمان فى
االسالم ليس بشخص النبى أو شخص الرسول ،ولكن بما نزل على ذلك النبى
الرسول بِ َما أ ْن ِز َل ِإلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه َو ْالمؤْ ِمنونَ )( وذلك الرسول ،يقول جال وعال (:آ َمنَ َّ
البقرة 222ـ ) .أى أن الرسول نفسه آمن ـ ليس بشخصه ونفسه ولكن ـ بما أنزله
هللا تعالى عليه فى الكتاب السماوى .وبنفس االيمان ونوعيته آمن المؤمنون
َ (:و ْالمؤْ ِمنونَ ) أى آمن المؤمنون بما أنزله هللا تعالى على الرسول ،وليس ايمانهم
متعلقا بشخص الرسول واسمه وتاريخه ولكن بما أنزله هللا جل وعال عليه .
وألنها قضية ايمان وكفر فقد جاءت فى مفتتح سورة (دمحم ) ( :الَّذِينَ َكفَروا َو َ
صدُّوا
ت َوآ َمنوا بِ َما ن ِ ِّز َل َعلَى صا ِل َحا ِ ض َّل أَ ْع َمالَه ْم َوالَّذِينَ آ َمنوا َو َع ِملوا ال َّ َّللا أَ َ
يل َّ ِ
سبِ ِ
َعن َ
صلَ َح َبالَه ْم ) فلم يقل ( آمنوا بمحمد س ِيِّئَا ِت ِه ْم َوأ َ ْ ْ
م َح َّم ٍد َوه َو ال َح ُّق ِمن َّر ِبِّ ِه ْم َكفَّ َر َع ْنه ْم َ
) ولكن قال ( َوآ َمنوا ِب َما ن ِ ِّز َل َعلَى م َح َّم ٍد ) .وبالتالى فالشهادة هنا ممنوع أن يوجد
فيها غير هللا جل وعال وما أنزله على رسوله ،أى ممنوع أن يوجد فيها اسم
مخلوق من البشر أو من المالاكة .
2ـ ومن المضحك أن نتصور النبى دمحما ينطق شهادة االسالم فيقول ( أشهد أنه ال
الرسول اله إال هللا وأننى دمحم رسول هللا ) ،ولكن عليه أن يلتزم بقوله تعالى (آ َمنَ َّ
بِ َما أ ْن ِز َل إِلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه ) أى عليه أن يشهد بالشهادة االسالمية الصحيحة التى شهد
بها هللا جل وعال ،وشهد بها معه المالاكة وأولو العلم قياما بالقسط والعدل .
ومن المضحك ايضا أن يقول النبى فى حياته ( ما بين قبرى ومنبرى روضة من
رياض الجنة ) فلم يكن يعرف اين قبره وال بأى أرض يموت ،أو أن يقول ( من
حج ولم يزرنى فقد جفانى ) أو يقوم هو بتشريع الحج الى قبره وهو حى يرزق
..أو أن يقول فى التشهد ( اللهم صلى على حضرتنا وعلى آل حضرتنا ..الخ ) كل
ذلك االفك كالم مضحك يبعث على الرثاء ،وطقوس مضحكة تبعث على البكاء.
وكل هذه المبكيات المضحكات نبعت من جعل شهادة االسالم مثناة بعد ان كانت
واحدة تعبر عن الوحدانية .
ش ِهدَ َّ
َّللا 3ـ إن شهادة االسالم جاءت فى صيغتها الصحيحة فى قوله جل وعال َ ( :
ْط الَ ِإلَهَ ِإالَّ ه َو ْال َع ِزيز ا ْل َح ِكيم ِإ َّن
أَنَّه الَ ِإلَهَ ِإالَّ ه َو َو ْال َمالاِ َكة َوأ ْولواْ ْال ِع ْل ِم قَااِ ًما ِب ْال ِقس ِ
اإلسْالم )( آل عمران .) 10 : 12 الدِِّينَ ِعندَ َّ ِ
َّللا ِ
هنا تأتى شهادة أنه ال اله إال هللا مؤكدة من رب العزة ،ومن المالاكة ومن أولى
العلم ،وفى نفس اآلية تتكرر شهادة أنه ال اله اال هللا مرتين مع وصفه جل وعال
بالعزيز الحكيم ،وتقرير أن الدين عند هللا هو االسالم ،أى إن هذه هى شهادة
االسالم الذى نزلت به كل رساالت السماء و قال به كل األنبياء .وكما نرى ليس
فى هذه الشهادة باالسالم سوى (ال اله إال هللا ) ،وليس فيها دمحم أو غيره .وقوله
ْط ) إشارة الى أن العبث بهذه الشهادة جل وعال فى سياق هذه الشهادة (قَا ِا ًما ِب ْال ِقس ِ
االلهية لالسالم هو نقيض القسط ،اى هو ظلم للخالق جل وعال حين نضع الى
جانب إسمه العظيم أسما لمخلوق من مخلوقاته .
إن شهادة االسالم ( ال اله اال هللا ) شهادة واحدة هو"التشهد" وهو جزء أساس فى
َّللا أَنَّه َال ِإلَ َه ِإ َّال ه َو
ش ِهدَ َّ
الصالة اليومية يقوله رب العزة والمالاكة وأولو العلم َ ( :
ْط َال ِإلَهَ ِإ َّال ه َو ْال َع ِزيز ْال َح ِكيم ) ىل عمران ) 12 َو ْال َم َالاِ َكة َوأولو ْال ِع ْل ِم قَااِ ًما ِب ْال ِقس ِ
ومن اسف اننا تناسينا هذا التشهد وابدلناه بصيغة متهافتة منتحلة مختلفة الصياغات
أسميناها " التحيات " حتى نجعل السم دمحم ذكرا وتعظيما فى صالتنا وهى ـ أى
صالتنا ـ المفترض فيها أن تكون لذكر هللا تعالى وحده وتعظيمه وحده.
8ـ ولو قال رب العزة ( شهد هللا أنه ال اله إال هللا وأن دمحما رسول هللا )...ألصبح
ذلك تناقضا فى القرآن الكريم ،فكيف ينهى هللا تعالى عن التفريق بين األنبياء ثم
يقوم هو جل وعال بوضع هذا التفريق فى شهادة االسالم .ليس فى االسالم عوج أو
تناقض ،ولكن المسلمين بأهوااهم ودياناتهم األرضية هم الذين أوقعوا أنفسهم فى
تناقض مع القرآن الكريم .
2ـ وفى التأكيد على أن شهادة االسالم شهادة واحدة فقط تقصر األلوهية على هللا
تعالى وحده ،دون ذكر اسم بشر معه من الرسل واألنبياء ،يكفيك قوله تعالى :
ون ) .و اقرأ ما بعد ارهَب َِّاي فَ ْ َّللا َال تَت َّ ِخذوا ِإلَ َهي ِْن اثْنَي ِْن ِإنَّ َما ه َو ِإلَهٌ َو ِ
احدٌ فَإِي َ ( َوقَ َ
ال َّ
اصبًا أَفَغَي َْر َّ ِ
َّللا ض َولَه الدِِّين َو ِ ت َواأل َ ْر ِ س َم َاوا ِ هذه اآلية الكريمةَ ( :ولَه َما فِي ال َّ
َّللا ث َّم إِذَا َمسَّكم الض ُُّّر فَإِلَ ْي ِه تَجْأَرونَ ) (النحل 21ـ تَتَّقونَ َو َما بِكم ِ ِّمن ِنِّ ْع َم ٍة فَ ِمنَ َّ ِ
.)23تجد هنا معنى أن تقتصر شهادة االسالم على أنه ال اله اال هللا فقط دون رفع
بشر الى مرتبة االقتران باهلل جل وعال ،فهو وحده مالك السماوات واألرض ،
وهو وحده الذى يملك الدين ،وهو وحده الذى يجب أن نتقيه ونخشاه ،وهو وحده
الذى يملك النفع والضرر ،وليس دمحم أو أى مخلوق آخر شريكا هلل جل وعال فى
أى شىء مما سبق ،فكيف تقرنه برب العزة ؟.
ثانيا :للقرآن الكريم صفات رب العالمين :
وألن القرآن الكريم هو كالم رب العالمين ـ وكالم هللا جل وعال صفة من صفاته
وإسم من أسمااه الحسنى ـ فإن هللا تعالى وصف القرآن الكريم بما وصف به ذاته
العلية ،وننقل هنا بايجاز ما شرحناه فى كتابينا ( القرآن وكفى : )..
-1فكما أنه ال إله إال هللا فانه ال كتاب للمسلم إال القرآن كتاب هللا..يقول هللا تعالى
ي ي ٍ َوال ي ْش ِرك فِي ح ْك ِم ِه أَ َحدًا َواتْل َما أ ِ
وح َ فى ذاته العلية ( َما لَهم ِ ِّمن دونِ ِه ِمن َو ِل ِّ
ب َر ِبِّ َك ال مبَد َِِّل ِل َك ِل َماتِ ِه َولَن ت َِجدَ ِمن دونِ ِه م ْلتَ َحدًا ) (الكهف )21:22 ِإلَي َْك ِمن ِكتَا ِ
فاهلل وحده هو الولى الذى ال يشرك فى حكمه أحدا .والقرآن هو وحده الكتاب الذى
أوحى للنبى وال مبدل لكلماته ،ولن يجد النبى غير القرآن كتابا ً يلجأ إليه .والنبى ال
َّللا أَ َحدٌ َولَ ْن أَ ِجدَ ِمن دونِ ِه يلجأ إال هلل تعالى ربا ً وإلها ً (ق ْل ِإ ِنِّي لَن ي ِج َ
يرنِي ِمنَ َّ ِ
م ْلتَ َحدًا ); (الجن .)22والنبى أيضا ً ليس لديه إال القرآن ملتحدا ً وملجأ ( َواتْل َما
ب َر ِبِّ َك ال مبَد َِِّل ِل َك ِل َماتِ ِه َولَن ت َِجدَ ِمن دونِ ِه م ْلتَ َحدًا); هذا بالنسبة
ي إِلَي َْك ِمن ِكتَا ِ
وح َ
أ ِ
للنبى عليه السالم ..فكيف بنا نحن؟.
- 2المؤمن يكتفى باهلل تعالى ربا ً ويكتفى بالقرآن كتابا ً :عن اكتفاء المؤمن باهلل
َّللا بِ َكافٍ َع ْبدَه ) ; (الزمر .)31والمؤمن طالما يكتفى
ْس َّ تعالى ربا ً يقول تعالى (أَلَي َ
باهلل تعالى ربا ً فهو أيضا ً يكتفى بكتاب هللا فى الهداية والتشريع يقول تعالى (أَ َولَ ْم
يَ ْك ِف ِه ْم أَنَّا أَنزَ ْلنَا َعلَي َْك ْال ِكت َ
َاب يتْلَى َعلَ ْي ِه ْم ) (العنكبوت .)21ويالحظ أن اآليات
الكريمة التى تحض على االكتفاء باهلل ربا ً وعلى االكتفاء بالقرآن كتابا ً جاءت كلها
بأسلوب االستفهام اإلنكارى ..أى اإلنكار على من يتخذون أولياء وأربابا ً مع هللا
والذين يتخذون كتبا ً أخرى مع كتاب هللا.
-3القرآن هو الحق الذى ال ريب فيه ،ويلفت النظر أن هللا تعالى وصف ذاته العلية
بأنه الحق ،ووصف إنزال القرآن بأنه أنزله بالحق ،ووصف القرآن نفسه بأنه
َّللا َربُّكم ْال َح ُّق فَ َماذَا
الحق ..عن وصف هللا تعالى بالحق يقول الحق تعالى (فَذَ ِلكم َّ
َّللا ه َو ْال َح ُّق َوأَ َّن
ص َرفونَ ) (يونس ( ،)32ذَ ِل َك ِبأ َ َّن َّ َ ق ِإالَّ الضَّالل فَأَنَّى ت ْ بَ ْعدَ ْال َح ِّ ِ
اطل ) (لقمان .)31 َما يَدْعونَ ِمن دونِ ِه ْالبَ ِ
ق نَزَ َل )(اإلسراء ق أَنزَ ْلنَاه َوبِ ْال َح ِّ ِ
وعن إنزال القرآن بالحق يقول تعالى ( َوبِ ْال َح ِّ ِ
.)112
ب ه َو ْال َح ُّق وعن وصف القرآن بأنه الحق يقول تعالى ( َوالَّذِي أَ ْو َح ْينَا ِإلَي َْك ِمنَ ْال ِكتَا ِ
صص ْال َح ُّق ) (آل عمران .)12 ) (فاطر .)31ويقول ( :إِ َّن َهذَا لَه َو ْالقَ َ
بل إن هللا تعالى يصف الحق القرآنى بأنه الحق اليقينى المطلق ،يقول تعالى (إِ َّن
ين ); (الحاقة .)21 ين ) (الواقعة َ ( )02و ِإنَّه لَ َح ُّق ْاليَ ِق ِ َهذَا لَه َو َح ُّق ْال َي ِق ِ
-8القرآن هو الحديث الوحيد الذى ينبغى اإليمان به :إذ أكد رب العزة أن اإليمان
ث بَ ْعدَه يؤْ ِمنونَ ) ي ِ َحدِي ٍ ال يكون إال بحديثه تعالى فى القرآن الكريم فقال (فَبِأ َ ِّ
(المرسالت (.)21األعراف )122
بل إن هللا تعالى يجعل من اإليمان بحديث القرآن وحده مقترنا ً باإليمان به تعالى
وحده ،فكما ال إيمان إال بحديث القرآن وحده فكذلك ال إيمان إال باهلل وحده إلها ً.
وكما أن المؤمن يكتفى باهلل وحده إلها ً فهو أيضا ً يكتفى بحديث القرآن وحده حديثا ً..
ث َّللا نَتْلوهَا َعلَي َْك ِب ْال َح ِّ ِ
ق فَ ِبأ َ ِّ
ي ِ َحدِي ٍ وجاءت تلك المعانى فى قوله تعالى ( ِت ْل َك آ َيات َّ ِ
ص ُّر َّللا تتْلَى َعلَ ْي ِه ث َّم ي ِت َّ ِ َّللا َوآ َياتِ ِه يؤْ ِمنونَ َو ْي ٌل ِلِّك ِِّل أَفَّاكٍ أَثِ ٍيم َي ْس َمع آ َيا ِ
َب ْعدَ َّ ِ
ب أَ ِل ٍيم ) (الجاثية .)2 :1 ش ِْره ِب َعذَا ٍ م ْستَ ْك ِب ًرا َكأَن لَّ ْم يَ ْس َم ْع َها فَبَ ِّ
2ـ ال مثيل للقرآن كما أنه ال مثيل هلل تعالى :يقول تعالى عن ذاته العلية (لَي َ
ْس
ي ٌء ) (الشورى .)11ويقول تعالى عن كتابه الحكيم (قل لَّئِ ِن اجْ تَ َم َع ِ
ت َك ِمثْ ِل ِه َ
ش ْ
آن الَ يَأْتونَ ِب ِمثْ ِل ِه ) (اإلسراء ..)22إذن اإلنس َو ْال ِج ُّن َعلَى أَن يَأْتواْ ِب ِمثْ ِل َهذَا ْالق ْر ِ ِ
ال مثيل للقرآن كما أنه ال مثيل هلل ،فليس هناك مثيل هلل جل وعال وليس هناك مثيل
للقرآن.
ثالثا :شهادة هللا جل وعال للقرآن الكريم هى ايضا تاكيد للشهادة بأنه ال اله إال هللا :
1ـ وألن القرآن الكريم هو كالم رب العالمين ـ وكالم هللا جل وعال صفة من
صفاته وإسم من أسمااه الحسنى ـ فإن هللا تعالى يشهد ايضا شهادة مماثلة بأن
القرآن الكريم منزل من عند هللا ،ويشهد بذلك أيضا المالاكة ،وكفى باهلل جل
وعال شهيدا ،إقرأ فى ذلك قوله جل وعال فى شهادته عن القرآن الكريم (:لَّ ِك ِن َّ
َّللا
ش ِهيدًا)(النساء 111 يَ ْش َهد ِب َما أَنزَ َل ِإلَي َْك أَنزَ لَه ِب ِع ْل ِم ِه َو ْال َمالاِ َكة يَ ْش َهدونَ َو َكفَى ِب َّ ِ
اَّلل َ
).
2ـ وحين تقول " :اشهد ان ال اله اال هللا" تكون قد نطقت بصحيح االيمان المذكور
الرسول بِ َما أ ْن ِز َل إِلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه َو ْالمؤْ ِمنونَ )( البقرة فى قوله جل وعال ( :آ َمنَ َّ
.)222
وتكون أيضا قد آمنت بكل كتاب سماوى جاء به األنبياء جميعا ،وتكون قد آمنت
بهم جميعا ألن كل واحد منهم جاء مبعوثا بهذه الحقيقة السامية ،وهذا ما قاله رب
وحي ِإلَ ْي ِه أَنَّه َال س ْلنَا ِم ْن قَ ْب ِل َك ِم ْن َرس ٍ
ول ِإ َّال ن ِ العزة لخاتم رسل هللا تعالى َ ( :و َما أَ ْر َ
ون ) األنبياء ) 22وقال له أيضا نفس التحذير من الوقوع فى إِلَهَ إِ َّال أَنَا فَاعْبد ِ
ي ِإلَي َْك وح َ الشرك ،وهو نفس التحذير الذى قيل من قبل لألنبياء السابقين َ ( :ولَقَدْ أ ِ
ط َّن َع َمل َك َولَتَكون ََّن ِمنَ ْالخَا ِس ِرينَ .بَ ِل َّ َ
َّللا ت لَيَحْ بَ ََو ِإلَى الَّذِينَ ِم ْن قَ ْب ِل َك لَئِ ْن أَ ْش َر ْك َ
شا ِك ِرينَ ) الزمر . ) 11 : 12 فَاعْبدْ َوك ْن ِمنَ ال َّ
وحتى ال يظن نفسه مميزا على األنبياء السابقين قال هللا تعالى لخام النبيين ( :ق ْل َما
ي َو َما الرس ِل َو َما أَد ِْري َما ي ْف َعل ِبي َو َال بِك ْم ِإ ْن أَت َّ ِبع ِإ َّال َما يو َحى ِإلَ َّ عا ِمنَ ُّ ك ْنت ِبدْ ً
ين ) األحقاف ) 0أى أمره رب العزة ان يقول ويعلن أنه ليس مميزا ير م ِب ٌأَنَا ِإ َّال نَ ِذ ٌ
بين الرسل ،وانه ال يعلم الغيب وال يدرى ما سيحدث له أو لغيره ،وأنه مجرد
رسول منذر لقومه متبع للقرآن الكريم.
وحين تؤمن بالقرآن الكريم وتردد شهادة هللا جل وعال بأن القرآن نزل من عند هللا
جل وعال وأنزله بعلمه فإنك تشهد بنبوة دمحم ونبوة كل من سبقه من األنبياء ـ بال
تفريق وبال تفضيل حسبما جاء فى القران الكريم .
وفى نفس الوقت فإن من يكفر برسالة نبى إنما يكفر بكل الرساالت ألن كل
الرساالت السماوية تقول شيئا واحدا ،وعلى سبيل المثال فان قوم نوح حين كذبوا
برسالة نوح فقد كذبوا بكل الرساالت السماوية التى لم يكونوا يعلمون عنها شيئا
وح لَّ َّما
ألنها نزلت بعد موتهم وغرقهم وهالكهم ،يقول جل وعال عنهم َ (:وقَ ْو َم ن ٍ
س ِلينَ )( الشعراء وح ْالم ْر َ الرس َل أَ ْغ َر ْقنَاه ْم ) ( الفرقان َ ( ) 32كذَّبَ ْ
ت قَ ْوم ن ٍ َكذَّبوا ُّ
) 112أى كذبوا برساالت لم يعرفوها ألنهم كذبوا برسالة نوح وما جاء فى رسالة
نوح جاءت به كل الرساالت الالحقة .
3ـ باختصار :حين تشهد بأن القرآن الكريم منزل من عند هللا جل وعال فانك
تؤكد شهادة أن (ال اله إالا هللا ).
1ـ ولذا تأتى شهادة هللا جل وعال للقرآن الكريم مقترنة بالشهادة بأنه جل وعال ال
اله إال هو ،وأتى ذلك فى أوامر تكرررت للرسول دمحم عليه السالم بكلمة (:قل )
ش ِهيدٌ ش َهادَة ً ق ِل َّ ِ
َّللا َ يءٍ أَ ْكبَر َ ش ْ أى أن يقول هذا فى الرد على المشركين ( :ق ْل أَ ُّ
ي َ
ي َهذَا ْالق ْرآن ألنذ َِركم ِب ِه َو َمن بَلَ َغ أَاِنَّك ْم لَتَ ْش َهدونَ أَ َّن َم َع َّ ِ
َّللا ي ِإلَ َّ
وح َ
بَ ْينِي َوبَ ْينَك ْم َوأ ِ
ش ِركونَ ) ( األنعام آ ِل َهةً أ ْخ َرى قل الَّ أَ ْش َهد ق ْل إِنَّ َما ه َو إِلَهٌ َو ِ
احدٌ َوإِنَّنِي بَ ِري ٌء ِ ِّم َّما ت ْ
.) 10أى إن شهادة هللا أكبر شهادة ،والشهادة االلهية هنا بأن الوحى القرآنى قد
نزل إنذارا لهم ،وإذا كانوا يشهدون أن مع هللا تعالى آلهة أخرة فالرسول مأمور أن
يرفض هذه الشهادة الشركية ،ومأمور أن يشهد أنه ال اله اال هللا.
والمستفاد من اآلية الكريمة أن الشهادة واحدة بألوهية هللا تعالى وحده ،ويؤكدها
أن القرآن منزل من عند هللا جل وعال ،وأن دمحما هو أول المأمورين فى القرآن
بقول هذه الشهادة ،وأنه مأمور أيضا برفض أى شهادة تخالف ال اله اال هللا.
2ـ ويؤكد هذا قوله تعالى لخاتم األنبياء ( :فَا ْعلَ ْم أَنَّه ال إِلَهَ إِالَّ َّ
َّللا) ( دمحم ) 10
والعلم هنا هو شهادة قلبية قبل أن تكون شهادة لسانية .
خامسا :الحب الحقيقى للنبى دمحم هو اتباع القرآن ،ومنه أن تكون شهادة االسالم
واحدة فقط
1ـ الحب الحقيقى للنبى دمحم عليه السالم هوأن نستمسك بما كان يستمسك به دمحم
ص َراطٍ ي ِإلَي َْك ِإنَّ َك َعلَى ِ وح َ ِك ِبالَّذِي أ ِعليه السالم وهو القرآن الكريم (فَا ْست َْمس ْ
ُّم ْستَ ِق ٍيم ) ( الزخرف ) 83هو أن تتبع القرآن الكريم وهوالمنهج االلهى الذى جاهد
فى سبيله.
َّللا فَات َّ ِبعونِي يحْ ِببْكم الحب هو االتباع والطاعة للقرآن الكريم ( :ق ْل ِإ ْن ك ْنت ْم ت ِحبُّونَ َّ َ
ول فَإِ ْن ت ََولَّ ْوا فَإِ َّن َّ َ
َّللا الرس َ ور َر ِحي ٌم .ق ْل أَ ِطيعوا َّ َ
َّللا َو َّ َّللا َويَ ْغ ِف ْر لَك ْم ذنوبَك ْم َو َّ
َّللا غَف ٌ َّ
َال ي ِحبُّ ْال َكافِ ِرينَ ) آل عمران .) 32 : 31
ولقد كان عليه السالم مأمورا بإتباع القرآن وحده ( األعراف ( ) 213األنعام :
( ) 111 ، 21األحقاف ( ) 0يونس ( ) 12األحزاب () 1الجاثية ( ) 12القيامة
،) 12وأمره هللا تعالى باتباع ملة ابراهيم ،وهى محفوظة فى القرآن الكريم
(النحل () 123األنعام () 111النجم 32ـ )(األعلى ـ .) 10
وأمرنا هللا جل وعال باتباع القرآن الكريم ـ شأن النبى دمحم ( األعراف ( ) 122 ، 3
األنعام ) 123وأمرنا باتباع ملة ابراهيم ( آل عمران ( ) 02النساء ( ) 122
الحج .) 22
2ـ بكيد الشيطان نصبح أعداء هلل تعالى ورسله دون أن ندرى ،فالشيطان يجعلنا
نتطرف فى حب النبى ليتحول حبنا له الى تأليه وتقديس نتناسى معه جوهر العقيدة
االسالمية التى ناضل وأوذى دمحم عليه السالم نفسه فى سبيلها .وأفظع مثل لهذا
التأليه أن يكون دمحم جزءا تاليا لشهادة التوحيد ،والتى من من المفروض ـ كشهادة
توحيد أن تكون شهادة واحدة ولكنهم يجعلونها شهادة ثنااية ،ثم يشركون دمحما مع
هللا تعالى فى األذان والصالة ( صالة الفرض وصالة السنة ،والتحيات ) ،بل حتى
فى كل مسجد تقريبا يوضع اسم هللا تعالى فى جهة واسم دمحم فى الجهة المقابلة ،
وفى الحج هناك حج لقبره المزعوم ،وهناك صلوات له بزعم الصالة عليه
تضاهىء الصالة هلل تعالى والتسبيح هلل تعالى ،بل تزيد .األساس هنا أنهم قاموا
بتقسيم االسالم بين هللا تعالى ودمحم ،وجعلوا شهادة االسالم ثنااية وليست وحدانية.
ومن العادات المضحكة للتدين الفاسد فى مصر ان يقال عند الوداع " أشهد ان ال
اله اال هللا " فيرد الطرف اآلخر " واشهد أن سيدنا دمحما رسول هللا " .والغريب انهم
يحسبون انهم يحسنون صنعا .ولو أنصفوا لرددوا شهادة واحدة هى " ال اله اال هللا
" وعملوا بها فعال ،واذن لن يكونوا أعداء لمحمد وربه جل وعال.
األنبياء جميعا أرسلهم هللا تعالى ليؤكدوا تلك الحقيقة ،وقد عانوا وجاهدوا فى سبيل
ليحول حبنا نشرها وكانوا أول الناس ايمانا بها وتفانيا فى نشرها ،ثم جاء الشيطان ِّ
لهم الى تطرف يجعلهم آلهة مع هللا ،وبذلك ينسف أساس دعوتهم ،ويجعلهم فى
موقف حرج مع هللا تعالى يوم القيامة حين يساالهم رب العزة عن أولئك الذين
ضلَ ْلت ْم ِعبَادِي
َّللا فَيَقول أَأَ ْنت ْم أَ ْ عبدوهم َ ( :ويَ ْو َم يَحْ شره ْم َو َما يَ ْعبدونَ ِم ْن د ِ
ون َّ ِ
يل ؟ قَالوا سبْ َحان ََك َما َكانَ يَ ْنبَ ِغي لَنَا أَ ْن نَت َّ ِخذَ ِم ْن دونِ َك ِم ْن ضلُّوا ال َّ
سبِ َ هَؤ َال ِء أَ ْم ه ْم َ
أَ ْو ِل َيا َء َولَ ِك ْن َمت َّ ْعتَه ْم َوآ َبا َءه ْم َحتَّى نَسوا ال ِذِّ ْك َر َو َكانوا قَ ْو ًما ب ً
ورا ) الفرقان 12: 12
).
سادسا :شهادة (ال اله إال هللا ) وكون الرسول رحمة للعالمين :
من خالل القرآن الكريم نتعرف على الحقااق اآلتية خاصة بالنبى دمحم وبالرسول :
1ـ دمحم خاتم النبيين والرسول رحمة للعالمين :
ول َّ ِ
َّللا عن شخص دمحم يقول تعالىَّ ( :ما َكانَ م َح َّمدٌ أَبَا أَ َح ٍد ِ ِّمن ِ ِّر َجا ِلك ْم َولَ ِكن َّرس َ
َوخَات ََم النَّ ِب ِيِّينَ )(األحزاب ،) 81وفعال فلم ينجب دمحم عليه السالم ولدا عاش حتى
بلغ مبلغ الرجال ،أى لم يكن دمحم أبا ألحد من رجال المسلمين بعده ،وتخيلوا لو
حدث فسيكون هذا االبن مقدسا غاية فى التقديس ،تخيلوا التقديس الذى يحظى به
الحسين والسيدة زينب وغيرهم وهم مجرد أحفاد من إبنته فاطمة ؟ .دمحم عليه
السالم ليس أبا ألحد من الرجال البالغين ،وهو خاتم األنبياء .هذه هى صفته
باعتباره نبيا ،وقد سبق فى كتابنا (القرآن وكفى ) ـ وهو منشور هنا ـ أن فصلنا
فى الفرق بين مدلول النبى ومدلول الرسول ،فقلنا إن مصطلح النبى هو شخص
دمحم فى حياته وتعامالته مع عصره و المحيطين به ،أما مفهوم الرسول فهو النبى
حين يقرأ القرآن أو الرسالة االلهية ،وبعد موته فالقرآن أو الرسالة هو الرسول .
ومن هنا فان دمحما كشخص ليس رحمة للعالمين ،ولكن الرسول هو الذى يظل
رحمة للعالمين ،ألن دمحما النبى قد مات ،أما الرسول وهو القرآن بعد وفاة النبى
فهو مستمر رحمة للعالمين طالما استمر القرآن الكريم بيننا.
ار َك الَّذِي ن ََّز َل ْالف ْرقَانَ َعلَى َع ْب ِد ِه ِل َيكونَ ِلل َعالَ ِمينَ نَذ ً
ِيرا ْ وهنا نتأمل قوله تعالى ( :تَ َب َ
)( الفرقان ،) 1فالقرآن الكريم أنزله هللا جل وعال على عبده (النبى دمحم ) ليكون
القرآن الكريم إنذارا للعالمين جميعا من عهد النبى الى قيام الساعة ،فالفرقان هنا ـ
أى القرآن ـ هو رسالة إنذار وتحذير وتوعية للعالمين ،ولو استوعبوا هذا اإلنذار
وتلك التوعية وعملوا بمقتضاها الستحقوا رحمة هللا تعالى يوم القيامة ،وفى هذا
َاك ِإالَّ َرحْ َمةً ِلِّ ْل َعالَ ِمينَ )(األنبياء ،) 112 :أى أرسله س ْلن َالمعنى يقول تعالى َ ( :و َما أَ ْر َ
هللا تعالى بالقرآن ليكون القرآن أو الرسالة رحمة للعالمين .
وليس معقوال أن يكون دمحما البشرـ الذى مات ـ رحمة للعالمين ،المعقول أن يكون
القرآن أو الرسالة المحفوظة من لدن هللا تعالى ـ والتى ال تزال بيننا ـ هى الرحمة
الباقية و المستمرة .وهذه الرحمة ليست منحة مجانية لكل من هبِّ ودبِّ ،بل هى
رحمة لمن يؤمن بها ،ويلتزم بها فى سلوكه ،ويموت على ذلك ،وبها تشمله
رحمة هللا تعالى يوم القيامة فينجو من عذاب النار.
أهمية هذا هنا فى التركيز على الرسالة وهى القرآن الكريم ،فالقرآن هو الذى جاء
مصدقا لكل الكتب السماوية السابقة ومهيمنا عليها ،وهو الذى نزلت بشأنه آيتان
فى أن هللا تعالى يشهد بنزوله من لدنه جل وعال ،وهو الذى ينهى عن التفريق بين
الرسل وأن االيمان يجب أن يكون بالرسل جميعا بال تفرقة.
األهمية أيضا هنا هى فى الرد على من يجعل شخص دمحم ( رحمة للعالمين ) ليتخذ
منها مسوغا لرفع دمحم فوق بقية األنبياء ووضعه الى جانب الخالق جل وعال.
2ـ النبى والرسول بين البشرية و الوحى :
يؤكد هذا أن النبى دمحما موصوف بالبشرية مثل بقية البشر ،وأن الوحى االلهى ال
يرتفع به فوق البشرية التى يتماثل فيها مع كل الناس ،بل إنه مأمور بأن يعلن أنه
ي أَنَّ َما ِإلَهك ْمبشر مثلنا يوحى اليه أنه ال اله إال هللا ( :ق ْل ِإنَّ َما أَنَا بَش ٌَر ِ ِّمثْلك ْم يو َحى ِإلَ َّ
احدٌ )( الكهف .) 111ويأتى التاكيد على كونه عليه السالم رجال من العرب إِلَهٌ َو ِ
اس َع َجبًا أَ ْن أَ ْو َح ْينَا ِإلَى َرج ٍل ِ ِّم ْنه ْم) ( األميين ينذرهم بالوحى االلهى ( :أَ َكانَ ِللنَّ ِ
يونس .) 2وقد مات ذلك الرجل ـ ذلك البشر ـ وبقى معنا القرآن الكريم محفوظا
بيد العلى القدير .وبالتالى فال يصح أن يكون هذا البشر ـأو الرجل العربى ـ شريكا
هلل جل وعال فى شهادة االسالم ،أو فى أى ملمح من مالمح األلوهية .
سابعا :موضوع ومنطوق الشهادة فى االسالم واحد فقط ال يتعدد :قد يتعدد الشهود
ولكن يكون موضوع الشهادة واحدا ال يتعدد :
هناك شاهد ينطق بالشهادة ،وهناك صيغة الشهادة أو موضوعها التى ينطق بها
الشاهد .وهناك شهادات مختلفة متنوعة يشهد فيها أو بها المؤمن أو المؤمنون فى
العقيدة و الشريعة ،ولكن موضوع الشهادة نفسه المنطوق على اللسان يكون واحدا
ال يتعدد .ونعطى أمثلة للتوضيح :
فى العقيدة :
ْطَّللا أَنَّه الَ إِلَهَ إِالَّ ه َو َو ْال َمالاِ َكة َوأ ْولواْ ْال ِع ْل ِم قَااِ ًما بِ ْال ِقس ِ ش ِهدَ َّ 1ـ يقول جل وعال َ (:
اإلسْالم ) ( آل عمران .) 10 : 12 الَ ِإلَ َه ِإالَّ ه َو ْال َع ِزيز ْال َح ِكيم ِإ َّن الدِِّينَ ِعندَ َّ ِ
َّللا ِ
موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو ( ال اله إال هللا ).
َّللا يَ ْش َهد ِب َما أَنزَ َل ِإلَ ْي َك أَنزَ لَه ِب ِع ْل ِم ِه َو ْال َمالاِ َكة يَ ْش َهدونَ 2ـ يقول جل وعال( لَّ ِك ِن َّ
ش ِهيدًا ) ( النساء . ) 111موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو أن القرآن َو َكفَى بِ َّ ِ
اَّلل َ
الكريم نزل بعلم هللا جل وعال.
ي ِإلَ َّ
ي وح َ ش ِهيدٌ بَ ْينِي َوبَ ْينَك ْم َوأ ِ ش َهادَة ً ق ِل َّ ِ
َّللا َ يءٍ أَ ْكبَر َ ش ْ
ي َ 3ـ يقول جل وعال ( ق ْل أَ ُّ
َّللا آ ِل َهةً أ ْخ َرى قل الَّ أَ ْش َهد َهذَا ْالق ْرآن ألنذ َِركم بِ ِه َو َمن بَلَ َغ أَاِنَّك ْم لَتَ ْش َهدونَ أَ َّن َم َع َّ ِ
ش ِركونَ ) ( االنعام . )10هنا شهادتان لكل احدٌ َوإِنَّنِي بَ ِري ٌء ِ ِّم َّما ت ْ ق ْل إِنَّ َما ه َو إِلَهٌ َو ِ
منهما موضوعه ،فموضوع الشهادة هنا واحد فقط ،هو فى األولى أن هللا تعالى
أوحى للنبى دمحم بالقرآن لينذرهم به ،وفى الثانية أنه ال اله إال هللا .
يل ِيم َو ِإ ْس َما ِع َ نز َل َعلَى ِإب َْراه َ نز َل َعلَ ْينَا َو َما أ ِ اَّلل َو َما أ ِ 8ـ يقول جل وعال ( ق ْل آ َمنَّا ِب َّ ِ
سى َوالنَّبِيُّونَ ِمن َّر ِبِّ ِه ْم الَ نفَ ِ ِّرق سى َو ِعي َ ي مو َ اط َو َما أوتِ َ وب َواأل َ ْسبَ ِ
َوإِ ْس َحاقَ َويَ ْعق َ
ْالم دِينًا فَلَن ي ْق َب َل ِم ْنه َوه َو ِفي اإلس ِ َبيْنَ أَ َح ٍد ِ ِّم ْنه ْم َونَحْن لَه م ْس ِلمونَ َو َمن َي ْبت َِغ َغي َْر ِ
ول
الرس َ ش ِهدواْ أَ َّن َّ َّللا قَ ْو ًما َكفَرواْ بَ ْعدَ ِإي َمانِ ِه ْم َو َ ْف يَ ْهدِي َّ اآلخ َرةِ ِمنَ ْالخَا ِس ِرينَ َكي َ ِ
الظا ِل ِمينَ ) ( آل عمران ) 21 : 28 َّللا الَ يَ ْهدِي ْالقَ ْو َم َّ َح ٌّق َو َجا َءهم ْالبَ ِيِّنَات َو َّ
موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو أن ( الرسول حق ) .والرسول يعنى هنا
الرسالة ألن الخطاب عام لكل زمان ومكان بأن من يبتغى غير االسالم دينا فلن
يقبله هللا جل وعال ،فاالسالم هو الدين الذى نزلت به كل الرساالت السماوية ،
وأن أولئك الذين شهدوا بأن الرسول حق قد جاءتهم البينات من ربهم ،أى القرآن
ول َح ٌّق ) ال يطلق الرس َ ش ِهدواْ أَ َّن َّ أى الرسالة .ويالحظ ان وصف ( الحق ) فى ( َو َ
على شخص ،وإنما هو وصف للقرآن الكريم أو لرب العالمين أو يأتى بمعنى
العدل ،وبالتالى فالشهادة هنا ليست لشخص دمحم وإنما لما نزل عليه من البينات ،أو
الرسالة .
الَّللا قَ َ اري إِلَى َّ ِ ص ِ ال َم ْن أَن َ سى ِم ْنهم ْالك ْف َر قَ َ س ِعي َ 2ـ يقول جل وعال ( فَلَ َّما أَ َح َّ
ت َوات َّ َب ْعنَا اَّلل َوا ْش َهدْ ِبأَنَّا م ْس ِلمونَ َربَّنَا آ َمنَّا ِب َما أَنزَ ْل ْ َّللاِ آ َمنَّا ِب َّ ِ
صار َّ ْال َح َو ِاريُّونَ نَحْن أَن َ
شا ِهدِينَ ) ( آل عمران ) 23 : 22موضوع الشهادة هنا واحد ول فَا ْكت ْبنَا َم َع ال َّ الرس َ َّ
فقط هو قولهم َ ( :وا ْش َهدْ ِبأَنَّا م ْس ِلمونَ ) .ثم جاء بعدها دعاؤهم هلل جل وعال ( َربَّنَا
شا ِهدِينَ ) ول فَا ْكت ْبنَا َم َع ال َّالرس َ ت َواتَّبَ ْعنَا َّ آ َمنَّا بِ َما أَنزَ ْل ْ
س َواء َب ْينَنَا َوبَ ْينَك ْم أَالَّ نَ ْعبدَ ب تَ َعالَ ْوا ِإلَى َك ِل َم ٍة َ 1ـ يقول جل وعال ( ق ْل َيا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ
َّللا فَإِن ت ََولَّ ْوا
ون َّ ِضا أَ ْر َبابًا ِ ِّمن د ِ ش ْيئًا َوالَ َيت َّ ِخذَ َب ْعضنَا َب ْع ً َّللا َوالَ ن ْش ِر َك ِب ِه َ ِإالَّ َّ َ
فَقولواْ ا ْش َهدواْ ِبأَنَّا م ْس ِلمونَ ) ( آل عمران ) 18وهنا أمر بهذه الشهادة الواحدة:
(فَقولوا) أى هم مأمورون بأن يجعلوا موضوع الشهادة واحدا فقط هو( :ا ْش َهدواْ
ِبأَنَّا م ْس ِلمونَ ).
فى اآلخرة :
الرس َل فَيَقول َماذَا أ ِجبْت ْم قَالواْ الَ ِع ْل َم لَنَا ِإنَّ َك 1ـ يقول جل وعال ( يَ ْو َم يَجْ َمع َّ
َّللا ُّ
ب) (الماادة ) 110موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو(الَ ِع ْل َم لَنَا نت َعالَّم ْالغيو ِ أَ َ
ب) أى يطلب هللا جل وعال شهادة الرسل عن مدى إستجابة نت َعالَّم ْالغيو ِ ِإنَّ َك أَ َ
أقوامهم لهم ،وتأتى شهادتهم واحدة فقط ،أنهم ال يعلمون ،ألن هللا تعالى وحده هو
عالم الغيوب .
صونَ َعلَيْك ْم ْ
نس أَلَ ْم يَأتِك ْم رس ٌل ِ ِّمنك ْم يَق ُّ اإل ِ 2ـ يقول جل وعال ( يَا َم ْعش ََر ْال ِج ِِّن َو ِ
ش ِهدْنَا َعلَى أَنف ِسنَا َوغ ََّرتْهم ْال َح َياة الدُّ ْن َيا آ َيا ِتي َوينذِرونَك ْم ِلقَاء َي ْو ِمك ْم َهذَا قَالواْ َ
ش ِهدواْ َعلَى أَنف ِس ِه ْم أَنَّه ْم َكانواْ َكافِ ِرينَ ) ( االنعام ) 131موضوع الشهادة هنا َو َ
واحد فقط هو شهادتهم على أنفسهم بالكفر.
ب بِآيَاتِ ِه أ ْولَئِ َك َّللا َك ِذبًا أَ ْو َكذَّ َ
ظلَم ِم َّم ِن ا ْفت ََرى َعلَى َّ ِ 3ـ يقول جل وعال ( فَ َم ْن أَ ْ
ب َحتَّى ِإذَا َجا َءتْه ْم رسلنَا َيت ََوفَّ ْونَه ْم قَالواْ أَيْنَ َما كنت ْم تَدْعونَ َصيبهم ِ ِّمنَ ْال ِكتَا ِ َينَاله ْم ن ِ
ش ِهدواْ َعلَى أَنف ِس ِه ْم أَنَّه ْم َكانواْ َكافِ ِرينَ ) ( االعراف ضلُّواْ َعنَّا َو َ َّللا قَالواْ َ
ون َّ ِ ِمن د ِ
) 32موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو شهادتهم على أنفسهم بالكفر.
ارا َوك ْف ًرا َوتَ ْف ِريقًا بَيْنَ ْالمؤْ ِمنِينَ ض َر ً 8ـ يقول جل وعال ( َوالَّذِينَ اتَّخَذواْ َمس ِْجدًا ِ
َّللا َي ْش َهد َّللا َو َرسولَه ِمن قَبْل َولَ َيحْ ِلف َّن ِإ ْن أَ َردْنَا ِإالَّ ْالح ْسنَى َو َّ ب َّ َ ار َصادًا ِلِّ َم ْن َح َ َو ِإ ْر َ
َّللا يَ ْش َهد ِإنَّه ْم ِإنَّه ْم لَ َكاذِبونَ )(التوبة ) 112موضوع الشهادة هنا واحد فقط هوَ ( :و َّ
لَ َكاذِبونَ ).
2ـ يقول جل وعال ( أَلَ ْم تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقوا يَقولونَ ِإل ْخ َوانِ ِهم الَّذِينَ َكفَروا ِم ْن أَ ْه ِل
ب لَئِ ْن أ ْخ ِرجْ ت ْم لَن َْخر َج َّن َم َعك ْم َوال ن ِطيع فِيك ْم أَ َحدًا أَ َبدًا َو ِإن قوتِ ْلت ْم لَنَنص َرنَّك ْم ْال ِكتَا ِ
َّللا َي ْش َهد ِإنَّه ْم لَ َكاذِبونَ ) ( الحشر )11موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو ( َو َّ
َّللا َو َّ
يَ ْش َهد ِإنَّه ْم لَ َكاذِبونَ ).
َّللا يَ ْعلَم إِنَّ َك 1ـ يقول جل وعال ( إِذَا َجا َء َك ْالمنَافِقونَ قَالوا َن ْش َهد إِنَّ َك لَ َرسول َّ ِ
َّللا َو َّ
َّللا َي ْش َهد ِإ َّن ْالمنَا ِفقِينَ لَ َكاذِبونَ ) (المنافقون ) 1موضوع الشهادة التى لَ َرسوله َو َّ
َّللا ) ،وشهادة هللا جل وعال قالها المنافقون واحد فقط هو قولهم (نَ ْش َهد ِإنَّ َك لَ َرسول َّ ِ
َّللا يَ ْش َهد ِإ َّن ْالمنَافِقِينَ َل َكاذِبونَ ) عليهم هى واحدة فقط َ ( :و َّ
وحتى فى الشريعة والمعامالت :
1ـ فى تحريم ما أح ِّل هللا تعالى بهتانا وزورا ،يقول جل وعال ( ق ْل هَل َّم ش َهدَا َءكم
ش ِهدواْ َفالَ تَ ْش َهدْ َم َعه ْم َوالَ تَت َّ ِب ْع أَ ْه َواء الَّذِينَ َّللا َح َّر َم َهذَا فَإِن َ الَّذِينَ َي ْش َهدونَ أَ َّن َّ َ
اآلخ َرةِ َوهم ِب َر ِبِّ ِه ْم يَ ْعدِلونَ ) ( االنعام )121 َكذَّبواْ ِبآيَاتِنَا َوالَّذِينَ الَ يؤْ ِمنونَ ِب ِ
َّللا َح َّر َم َهذَا ) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو(:أَ َّن َّ َ
2ـ فى العقوبة السلبية للمشهورات بالفاحشة دون وجود دليل مادى ،يقول جل
ش ِهدواْ سااِك ْم فَا ْستَ ْش ِهدواْ َعلَ ْي ِه َّن أَ ْر َب َعةً ِ ِّمنك ْم فَإِن َ شةَ ِمن ِنِّ َ اح َ وعال ( َوالَّالتِي َيأْتِينَ ْالفَ ِ
س ِبيالً ) ( النساء 12 َّللا لَه َّن َ ى يَت ََوفَّاه َّن ْال َم ْوت أَ ْو يَجْ َع َل َّ ت َحت َّ َ فَأ َ ْمسِكوه َّن فِي ْالبيو ِ
) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو إن أولئك النسوة يأتين الفاحشة ،يقول هذه
الصيغة الواحدة أربعة من الشهود.
ى عليه بعد أن يبلغ مبلغ الرجال يقول جل وعال 3ـ فى أخذ اليتيم أمواله من الوص ِّ
ى ِإذَا بَلَغواْ ال ِنِّ َكا َح فَإِ ْن آنَسْتم ِ ِّم ْنه ْم ر ْشدًا فَادْفَعواْ ِإلَي ِْه ْم أَ ْم َوالَه ْم ( َوا ْبتَلواْ ْاليَتَا َمى َحت َّ َ
يراف َو َمن َكانَ فَ ِق ً ارا أَن يَ ْكبَرواْ َو َمن َكانَ َغنِيًّا فَ ْليَ ْستَ ْع ِف ْ َوالَ تَأْكلوهَا إِس َْرافًا َوبِدَ ً
اَّلل َحسِيبًا) ( وف فَإِذَا دَفَ ْعت ْم ِإلَ ْي ِه ْم أَ ْم َوالَه ْم فَأ َ ْش ِهدواْ َعلَ ْي ِه ْم َو َكفَى ِب َّ ِ فَ ْل َيأْك ْل ِب ْال َم ْعر ِ
النساء )1موضوع الشهادة هنا واحد فقط هواالشهاد عليهم باستالمهم أموالهم
المدفوعة لهم.
8ـ عندما يوصى الرجل عند الموت وهو بعيد عن أهله فى سفر أو غربة فال بد
من وجود شاهدين يسمعان منه وصيته ،ويبلغان الشهادة لألهل وصاحب السلطة
فى المجتمع ،فلو ظهر أنهما كاذبان فيقوم إثنان غيرهما ،يقول جل وعال ( يَا أَيُّ َها
َان ذَ َوا َعد ٍْل ِ ِّمنك ْم صيَّ ِة اثْن ِ ض َر أَ َحدَكم ْال َم ْوت ِحينَ ْال َو ِ ش َهادَة بَ ْينِك ْم إِذَا َح َ الَّذِينَ آ َمنواْ َ
صيبَة ْال َم ْو ِ
ت صابَتْكم ُّم ِ ض فَأ َ َ ض َربْت ْم فِي األ َ ْر ِ ان ِم ْن َغي ِْرك ْم إِ ْن أَنت ْم َ أَ ْو آخ ََر ِ
ارتَبْت ْم الَ نَ ْشت َِري ِب ِه ثَ َمنًا َولَ ْو َكانَ ذَا ان ِب َّ ِ
اَّلل ِإ ِن ْ صال ِة فَي ْق ِس َم ِ تَحْ بِسونَه َما ِمن َب ْع ِد ال َّ
َّللا ِإنَّا ِإذًا لَّ ِمنَ اآلثِ ِمينَ فَإِ ْن عثِ َر َعلَى أَنَّه َما ا ْستَ َحقَّا ِإثْ ًما ش َهادَةَ َّ ِ ق ْربَى َوالَ نَ ْكتم َ
ش َهادَتنَا اَّلل لَ َ
ان ِب َّ ِ ان فَي ْق ِس َم ِ ان َمقَا َمه َما ِمنَ الَّذِينَ ا ْستَ َح َّق َعلَ ْي ِهم األ َ ْولَيَ ِ ان يَقو َم ِ فَآخ ََر ِ
ش َهادَةِ َعلَى ْ
الظا ِل ِمينَ ذَ ِل َك أَدْنَى أَن يَأتواْ بِال َّ ش َهادَتِ ِه َما َو َما ا ْعتَدَ ْينَا إِنَّا إِذًا لَّ ِمنَ َّ أَ َح ُّق ِمن َ
َّللا الَ َي ْهدِي ْالقَ ْو َم َّللا َوا ْس َمعواْ َو َّ ان َب ْعدَ أَ ْي َما ِن ِه ْم َواتَّقوا َّ َ َوجْ ِه َها أَ ْو َيخَافواْ أَن ت َردَّ أَ ْي َم ٌ
ْالفَا ِسقِينَ ) (الماادة )112 : 111موضوع الشهادة األولى واحد فقط هو( :الَ
َّللا إِنَّا إِذًا لَّ ِمنَ اآلثِ ِمينَ ) فإن كذبا ش َهادَةَ َّ ِ نَ ْشت َِري بِ ِه ثَ َمنًا َولَ ْو َكانَ ذَا ق ْربَى َوالَ نَ ْكتم َ
ش َهادَتِ ِه َما َو َما ش َهادَتنَا أَ َح ُّق ِمن َ فيشهد ويقسم إثنان آخران بقول محدد ،وهو َ ( :ل َ
الظا ِل ِمينَ ) ا ْعتَدَ ْينَا ِإنَّا ِإذًا لَّ ِمنَ َّ
ش ِهدَ شَا ِهدٌ ِ ِّم ْن أَ ْه ِل َها ِإن َكانَ ِي َر َاودَتْنِي َعن نَّ ْفسِي َو َ ال ه َ 2ـ يقول جل وعال (قَ َ
تت َوه َو ِمنَ ْال َكا ِذ ِبينَ َو ِإ ْن َكانَ قَ ِميصه قدَّ ِمن دب ٍر فَ َكذَبَ ْ صدَقَ ْ قَ ِميصه قدَّ ِمن قب ٍل فَ َ
صا ِدقِينَ ) يوسف )22: 21موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو ( :إِن َوه َو ِمن ال َّ
ت َوه َو ِمنَ ْال َكا ِذ ِبينَ َو ِإ ْن َكانَ قَ ِميصه قدَّ ِمن دب ٍر صدَقَ ْ َكانَ قَ ِميصه قدَّ ِمن قب ٍل َف َ
صا ِدقِينَ ) ت َوه َو ِمن ال َّ فَ َكذَ َب ْ
1ـ عندما يالعن الزوج زوجته متهما إياها بالزنا ـ دون تقديم شهود ثالثة معه ،
ش َهادَة يقول جل وعال َ ( :والَّذِينَ يَ ْرمونَ أَ ْز َوا َجه ْم َولَ ْم يَكن لَّه ْم ش َهدَاء إِالَّ أَنفسه ْم فَ َ
َّللا َعلَ ْي ِه ِإن َكانَ َت َّ ِ سة أَ َّن لَ ْعن َ ام َ صا ِدقِينَ َو ْالخَ ِ اَّلل ِإنَّه لَ ِمنَ ال َّت ِب َّ ِ أَ َح ِد ِه ْم أَ ْر َبع َ
ش َهادَا ٍ
اَّلل ِإنَّه لَ ِمنَ ْال َكا ِذ ِبينَ
ت ِب َّ ِش َهادَا ٍ ِمنَ ْال َكا ِذ ِبينَ َو َيد َْرأ َع ْن َها ْال َعذَ َ
اب أَ ْن تَ ْش َهدَ أَ ْر َب َع َ
صا ِدقِينَ )(النور ) 0 : 1موضوع َّللا َعلَ ْي َها ِإن َكانَ ِمنَ ال َّ ب َّ ِ ض َسةَ أَ َّن َغ َ َو ْالخ ِ
َام َ
الشهادة هنا واحد فقط هو إتهام الزوجة بالزنا فى أربع مرات ،وفى الشهادة
الخامسة يشهد بأن لعنة هللا جل وعال عليه إن كان كاذبا .ونفس الحال مع الزوجة
المتهمة ،تشهد أربع شهادات بصيغة واحدة أن زوجها كاذب فى اتهامه لها ،وفى
الشهادة الخامسة تشهد بأن غضب هللا جل وعال عليها إن كان زوجها صادقا فى
اتهامه لها .الموضوع هنا واحد ومحدد.
2ـ عن االنفصال النهااى بعد مرحلة الطالق ،يقول جل وعال ( فَإِذَا َبلَ ْغنَ أَ َجلَه َّن
ي َعد ٍْل ِ ِّمنك ْم َوأَقِيموا ارقوه َّن ِب َم ْعروفٍ َوأَ ْش ِهدوا ذَ َو ْ فَأ َ ْمسِكوه َّن ِب َم ْعروفٍ أَ ْو فَ ِ
َّللا يَجْ َعل لَّه ق َّ َ اآلخ ِر َو َمن يَت َّ ِ اَّلل َو ْاليَ ْو ِم ِ َّلل ذَ ِلك ْم يو َعظ ِب ِه َمن َكانَ يؤْ ِمن ِب َّ ِ ش َهادَةَ ِ َّ ِ ال َّ
َم ْخ َر ًجا ) ( الطالق ) 2موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو أن يشهد إثنان من
الشهود العدول بأن الزوجة المطلقة بعد بلوغ عدتها وهى فى بيت الزوجية قد
أمسك بها زوجها أى تمسك بها بالمعروف ولم يرد االنفصال عنها ،أو أنه فارقها
وانفصل عنها أيضا بالمعروف .
يتضح مما سبق أن منطوق الشهادة ومضمونها واحد ،حتى لو تعددت الشهادات و
تعدد الشهود ،وبالتالى فال يصح أن يتعدد منطوق الشهادة ومضمونها كأن تقول :
( أشهد أن ال اله إال هللا وأن فالنا رسول هللا )
خامسا ـ هل كان عليه السالم يدعو لاليمان به أم الى االيمان بالقرآن ؟
1ـ كان عليه السالم يجاهد المشركين سلميا بالقرآن الكريم ( فَال ت ِط ِع ْال َكافِ ِرينَ
يرا ) ( الفرقان ،) 22وبه كان ينذرهم ( َوأَنذ ِْر ِب ِه الَّذِينَ َو َجا ِهدْهم ِب ِه ِج َهادًا َك ِب ً
ش ِفي ٌع لَّ َعلَّه ْم يَتَّقونَ ) ( ي َوالَ َ ْس لَهم ِ ِّمن دونِ ِه َو ِل ٌّ يَخَافونَ أَن يحْ شَرواْ ِإلَى َر ِبِّ ِه ْم لَي َ
األنعام َ ( ) 21و َكذَ ِل َك أَ ْو َح ْينَا ِإلَي َْك ق ْرآنًا َع َر ِبيًّا ِلِّتنذ َِر أ َّم ْالق َرى َو َم ْن َح ْولَ َها َوتنذ َِر
ير )( الشورى ) 2وبالقرآن س ِع ِ يق فِي ال َّ يق فِي ْال َجنَّ ِة َوفَ ِر ٌ ْب فِي ِه فَ ِر ٌ يَ ْو َم ْال َج ْم ِع ال َري َ
آن َمن َيخَاف َو ِعي ِد ) الكريم كان عليه السالم يعظ المؤمنين ويذ ِّكرهم ( :فَذَ ِ ِّك ْر ِب ْالق ْر ِ
( ق ) 82
2ـ فى دعوته المشركين لم يكن عليه السالم يدعوهم الى االيمان به ولكن الى
االيمان بالقرآن الكريم ،لم يكن يقدم لهم نفسه ولكن يقرأ عليهم القرآن الكريم داعيا
أن يؤمنوا بهذا القرآن ،وقد تكرر هذا فى القرآن الكريم ،ومنه نعرف كيف كانت
تختلف مواقفهم حين االستماع الى القرآن الكريم :
* منهم من كان يجادل بالباطل متهما القرآن بأنه أساطير ،ويقوم بحملة دعااية
ضد القرآن ناهيا عن االستماع له وآمرا باالبتعاد عنه ،وجاء وصفهم فى قوله
تعالى َ ( :و ِم ْنهم َّمن َي ْست َِمع ِإلَ ْي َك َو َج َع ْلنَا َعلَى قلو ِب ِه ْم أَ ِكنَّةً أَن َي ْفقَهوه َوفِي آذَانِ ِه ْم
وك ي َجادِلون ََك يَقول الَّذِينَ َكفَرواْ َو ْق ًرا َو ِإن يَ َر ْوا ك َّل آيَ ٍة الَّ يؤْ ِمنواْ ِب َها َحتَّى ِإذَا َجاؤ َ
سه ْم َو َما اطير األ َ َّولِينَ َوه ْم يَ ْن َه ْونَ َع ْنه َويَنْأ َ ْونَ َع ْنه َوإِن ي ْه ِلكونَ إِالَّ أَنف َ س ِإِ ْن َهذَا إِالَّ أَ َ
َي ْشعرونَ ) ( األنعام .) 21 : 22
* وبعضهم فى النهى عن االستماع للقرآن الكريم كان أيضا يأمر بالتشويش على
آن َو ْالغ َْوا فِي ِه ال الَّذِينَ َكفَروا ال تَ ْس َمعوا ِل َهذَا ْالق ْر ِ القارىء باللغو فى الكالم َ ( :وقَ َ
لَعَلَّك ْم تَ ْغ ِلبونَ ) ( فصلت ) 21
* وكان بعضهم يرفض االستماع للقرآن متبجحا بأنه قد سمع بما فيه الكفاية ،وأنه
يستطيع االتيان بمثله ،متهما القرآن بأنه أساطير األولين ،بل كان يرفع يديه الى
السماء داعيا هللا تعالى أن ينزل عليه الهالك إن كان هذا القرآن من عند هللا تعالى :
اطير س ِس ِم ْعنَا لَ ْو نَشَاء لَق ْلنَا ِمثْ َل َهذَا إِ ْن َهذَا إِالَّ أَ َ ( َوإِذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه ْم آيَاتنَا قَالواْ قَدْ َ
ارة ً ِ ِّمنَِك فَأ َ ْم ِط ْر َعلَ ْينَا ِح َج َ األ َ َّولِينَ َو ِإذْ قَالواْ اللَّه َّم ِإن َكانَ َهذَا ه َو ْال َح َّق ِم ْن ِعند َ
ب أَ ِل ٍيم ) ( األنفال ) 32 : 31 س َماء أَ ِو ااْتِنَا ِب َعذَا ٍ ال َّ
* وبعضهم كان يقولها بصراحة ؛ إنه ال يعجبه هذا القرآن ويطلب من النبى ان
ت قَ َ
ال يبدله ويخترع قرآنا آخر على هوى المستمعين َ ( :وإِذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه ْم آيَاتنَا بَ ِيِّنَا ٍ
آن َغي ِْر َهذَا أَ ْو َبد ِِّْله) ويأتى الرد ( ق ْل َما َيكون ِلي ت ِبق ْر ٍ الَّذِينَ الَ َي ْرجونَ ِلقَا َءنَا ااْ ِ
ابصيْت َر ِبِّي َعذَ َ ي ِإ ِنِّي أَخَاف ِإ ْن َع َ أَ ْن أبَ ِدِّلَه ِمن تِ ْلقَاء نَ ْفسِي ِإ ْن أَت َّ ِبع ِإالَّ َما يو َحى ِإلَ َّ
َّللا َما تَلَ ْوته َعلَيْك ْم َوالَ أَد َْراكم ِب ِه فَقَدْ لَ ِبثْت فِيك ْم عم ًرا ِ ِّمن قَ ْب ِل ِه يَ ْو ٍم َع ِظ ٍيم قل لَّ ْو شَاء َّ
ب بِآيَاتِ ِه إِنَّه الَ ي ْف ِلح َّللا َك ِذبًا أَ ْو َكذَّ َ
ظلَم ِم َّم ِن ا ْفت ََرى َعلَى َّ ِ أَفَالَ تَ ْع ِقلونَ فَ َم ْن أَ ْ
ْالمجْ ِرمونَ ) ( يونس ) 12 : 12
* وبعضهم كانت عيناه تنطق بالغضب حين يسمع القرآن ،وينظر شذرا للنبى دمحم
عليه السالم وهو يقرأ عليه آيات القرآن متهما النبى عليه السالم بالجنون َ ( :وإِن
ون ) س ِمعوا ال ِذِّ ْك َر َويَقولونَ إِنَّه لَ َمجْ ن ٌ ار ِه ْم لَ َّما َ
ص ِ يَ َكاد الَّذِينَ َكفَروا لَي ْز ِلقون ََك بِأ َ ْب َ
(القلم ) 21
* وبعضهم ـ حين كان يتلى عليهم القرآن ـ كانوا يكادون يفتكون بالقارىء َ (:و ِإذَا
ت تَعْ ِرف فِي وجو ِه الَّذِينَ َك َفروا ْالمن َك َر يَ َكادونَ يَسْطونَ ِبالَّذِينَ تتْلَى َعلَ ْي ِه ْم آيَاتنَا بَ ِيِّنَا ٍ
يَتْلونَ َعلَ ْي ِه ْم آيَاتِنَا) ( الحج ) 22وهنا إشارة الى أن بعض أواال الصحابة كان
يشارك فى الدعوة الى االسالم بقراءة القرآن متابعا لطريقة النبى فى الدعوة
بالقرآن .
* وبعضهم كان يعرض عن االستماع للقرآن ويستهزىء به َ (:و ْي ٌل ِلِّك ِِّل أَفَّاكٍ
ب أَ ِل ٍيم ش ِْره بِعَذَا ٍ ستَ ْكبِ ًرا َكأَن لَّ ْم يَ ْس َم ْع َها فَبَ ِّ ص ُّر م ْ َّللا تتْلَى َعلَ ْي ِه ث َّم ي ِ ت َّ ِ أَثِ ٍيم َ ْس َمع آيَا ِ
ين ) ( الجاثية 2ـ ) أو اب ُّم ِه ٌ ش ْيئًا ات َّ َخذَهَا هز ًوا أ ْولَئِ َك لَه ْم َعذَ ٌ َو ِإذَا َع ِل َم ِم ْن آ َياتِنَا َ
يشترى لهو الحديث و األساطير يحكيها للناس ليلهيهم عن االستماع للقرآن الكريم
َّللا ِبغَي ِْر ِع ْل ٍم َويَت َّ ِخذَهَا هز ًوا يل َّ ِس ِب ِض َّل َعن َ ث ِلي ِ اس َمن يَ ْشت َِري لَ ْه َو ْال َحدِي ِ ( َو ِمنَ النَّ ِ
ين َوإِذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه آيَاتنَا َولَّى م ْستَ ْكبِ ًرا َكأَن لَّ ْم يَ ْس َم ْع َها َكأ َ َّن فِي اب ُّم ِه ٌ أ ْولَئِ َك لَه ْم َعذَ ٌ
ب أَ ِل ٍيم ) ( لقمان .) 2 : 1 ش ِْره ِب َعذَا ٍ أذنَ ْي ِه َو ْق ًرا فَ َب ِّ
أى إنه عليه السالم لم يكن يطلب من الناس االيمان به بل كان يطلب منهم االيمان
بالقرآن الذى أنزله هللا تعالى عليه ،ولذلك كان يتلوه عليهم وهم لما يسمعون
رافضون .
3ـ ومن خالل معاناتنا فى الدعوة الى الرجوع الى القرآن الكريم فان أصحاب
الديانات األرضية ـ خصوصا السنيين ـ يتصرفون نفس التصرف حين نستشهد لهم
بالقرآن الكريم ،لذا فإن من إعجاز القرآن الكريم وآياته أنه ال يجعل كالمه خاصا
باهل مكة أو المشركين فى عهد النبى ،وإنما يجعلها حالة عامة تتكرر فى كل
زمان فى التعامل مع هدى القرآن ،وهى فعال تتكرر فى عصرنا وفيمن نعرفه من
َّللا تتْلَى َعلَ ْي ِه ث َّم
ت َّ ِ الناس .لذلك يقول تعالى مثال َ (:و ْي ٌل ِلِّك ِِّل أَفَّاكٍ أَثِ ٍيم َ ْس َمع آ َيا ِ
ش ْيئًا ات َّ َخذَهَا ب أَ ِل ٍيم َو ِإذَا َع ِل َم ِم ْن آيَاتِنَا َش ِْره ِب َعذَا ٍ ص ُّر م ْستَ ْك ِب ًرا َكأ َن لَّ ْم يَ ْس َم ْع َها فَبَ ِّ ي ِ
ين ) ( الجاثية 2ـ ) ،ولو تمعنت فى االيات الكريمة اب ُّم ِه ٌ هز ًوا أ ْولَئِ َك لَه ْم َعذَ ٌ
وجدتها تشير الى عصرنا كما لوكانت نزلت فى عصرنا ،وكذلك كل االيات
ض َّل ث ِلي ِ اس َمن َي ْشت َِري لَ ْه َو ْال َحدِي ِ السابقة ،إقرأ مثال قوله جل وعال َ ( :و ِمنَ النَّ ِ
ين َو ِإذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه آيَاتنَا َّللا ِبغَي ِْر ِع ْل ٍم َويَت َّ ِخذَهَا هز ًوا أ ْولَئِ َك لَه ْم َعذَ ٌ
اب ُّم ِه ٌ يل َّ ِس ِب ِ َعن َ
ب أَ ِل ٍيم ) ( لقمان 2 : 1 ش ِْره بِعَذَا ٍ َولَّى م ْستَ ْكبِ ًرا َكأَن لَّ ْم يَ ْس َم ْع َها َكأ َ َّن فِي أذنَ ْي ِه َو ْق ًرا فَبَ ِّ
) أى طالما يوجد (ناس ) فمن الناس من يفعل هذا .وهكذا يفعل ( الناس ) فى
عصرنا هذا .
سادسا :السجود إيمانا بالقرآن كان شهادة االسالم العملية فى عهد النبى دمحم عليه
السالم .
1ـ فى مقابل التكذيب من المشركين كان المؤمنون من أهل الكتاب يسارعون
باعالن ايمانهم بالقرآن حين كان عليه السالم يتلو عليهم آياته َ (:وق ْرآنا ً فَ َر ْقنَاه
َنزيالً ق ْل ِآمنواْ بِ ِه أَ ْو الَ تؤْ ِمنواْ إِ َّن الَّذِينَ أوتواْ ث َون ََّز ْلنَاه ت ِ اس َعلَى م ْك ٍ ِلتَ ْق َرأَه َعلَى النَّ ِ
ان س َّجدًا َويَقولونَ س ْب َحانَ َر ِبِّنَا إِن َكانَ ْال ِع ْل َم ِمن قَ ْب ِل ِه إِذَا يتْلَى َعلَ ْي ِه ْم يَ ِخ ُّرونَ ِلألَذْقَ ِ
َوعْد َر ِبِّنَا لَ َم ْفعوالً )(االسراء 112ـ ).
نالحظ هنا أنهم سجدوا معلنين ايمانهم بما سمعوا ،حيث تذكروا وعد هللا تعالى
ألسالفهم فى عهد موسى عليه السالم حين رفع فوقهم جبل الطور واخذ عليهم
الميثاق ،فسجد األسالف على أذقانهم وهم ينظرون الى جبل الطور المرفوع
ظنُّواْ أَنَّه َوا ِق ٌع ِب ِه ْم فوقهم يظنون أنه واقع بهم ( َو ِإذ نَتَ ْقنَا ْال َج َب َل فَ ْوقَه ْم َكأَنَّه ظلَّةٌ َو َ
خذواْ َما آتَ ْينَاكم ِبق َّوةٍ َواذْكرواْ َما فِي ِه لَ َعلَّك ْم تَتَّقونَ )(األعراف .) 121وأعتادوا من
وقتها السجود على األذقان إعالنا لاليمان ،فلما قرىء عليهم القرآن الكريم ـ وهم
أصحاب العلم القديم ـ بادروا باعالن شهادتهم بالسجود على األذقان وفق ما
اعتادوا.
وقد قال جل وعال عن موقف الصالحين من أهل الكتاب حين تتلى عليهم آيات
الرحْ َمن خ َُّروا س َّجدًا َوب ِكيًّا ) ( مريم ، ) 22أى انه الرحمن ِ ( :إذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه ْم آيَات َّ
ليس فقط أن تسجد حين تدخل فى االسالم إيمانا بما أنزل هللا تعالى من كتاب ،
ولكن تسجد أيضا كلما تليت عليك آيات الرحمن ،فالسجود إعالن بالدخول فى
االسالم وإعالن باستمرار االنتماء الى االسالم ،ويتكرر هذا كلما وعظك أحد
بالقرآن الكريم ،يقول جل وعال عن المؤمنين الحقيقيين ِ ( :إنَّ َما يؤْ ِمن ِبآيَاتِنَا الَّذِينَ
سبَّحوا بِ َح ْم ِد َر ِبِّ ِه ْم َوه ْم ال يَ ْستَ ْكبِرونَ ) ( السجدة .) 12 إِذَا ذ ِ ِّكروا بِ َها خ َُّروا س َّجدًا َو َ
بل إن سحرة فرعون الذين لم تكن لهم خلفية دينية صحيحة والذين أتوا لمنافسة
موسى خدمة لفرعون ـ عندما فوجئوا بآية موسى أعلنوا ايمانهم برب موسى
اجدِينَ قَالواْ آ َمنَّا ِب َربِّ ِ س ِ
س َح َرة َي ال َّوهارون بأن سجدوا فورا هلل جل وعال َ ( :وأ ْل ِق َ
ْالعَالَ ِمينَ )( األعراف 121ـ )
2ـ فالسجود عند تالوة القرآن الكريم كان هو الشهادة المعلنة للدخول فى االسالم،
لذلك نرى العكس فى موقف المشركين ،يقول تعالى عنهم ( :فَ َما لَه ْم ال يؤْ ِمنونَ
ئ َعلَ ْي ِهم ْالق ْرآن ال يَسْجدونَ بَ ِل الَّذِينَ َكفَرواْ ي َكذِِّبونَ )(االنشقاق 21ـ ) ،أى َو ِإذَا ق ِر َ
بدال من أن يؤمنوا حين يستمعون لقراءة القرآن وبدال من السجود إيمانا به كانوا
يعلنون تكذيبهم للقرآن الكريم برفض السجود .
ولقد ارتبط الكتاب االلهى باسم الرحمن قبل نزول القرآن الكريم ،ونلمح هذا من
قوله تعالى عن الصالحين من أهل الكتاب من ذرية األنبياء السابقين ِ ( :إذَا تتْلَى
الرحْ َمن خ َُّروا س َّجدًا َوب ِكيًّا ) ( مريم .) 22ونزل القرآن الكريم مرتبطا َعلَ ْي ِه ْم آيَات َّ
الرحْ َمن َعلَّ َم ْالق ْرآنَ ) ( الرحمن 2 : 1 أيضا باسم الرحمن الذى علِّم القرآن َّ ( :
)،ولذلك ارتبط أيضا تكذيب المشركين بنفورهم من اسم (الرحمن ) ،ورفضهم
لرحْ َم ِن قَالوا َو َما يل لَهم اسْجدوا ِل َّ السجود للرحمن حين يتلى عليهم القرآن َ ( :و ِإذَا ِق َ
ورا )( الفرقان .) 11 الرحْ َمن أَنَسْجد ِل َما تَأْمرنَا َوزَ ادَه ْم نف ً َّ
ونعطى مثال لرفضهم السجود للرحمن وتكذيبهم للقرآن باستعراض بعض آيات
سورتى القلم و النجم ،وهما من أواال ما نزل من القرآن الكريم.
تبدأ سورة (القلم ) بالقسم بالقلم وما يسطره القلم بأن النبى دمحما ليس مجنونا حينما
نزلت عليه نعمة ربه وهى القرآن الكريم (ن َو ْال َقلَ ِم َو َما يَسْطرونَ َما أَ َ
نت بِنِ ْع َم ِة
ون ) ،وهذا جاء ردا على اتهامهم للنبى دمحم عليه السالم بالجنون .ثم َر ِبِّ َك ِب َمجْ ن ٍ
بعدها يشير رب الى محاولة المكذبين بالقرآن التاثير على النبى فيأمره ربه جل
وعال أالِّ يطيع المكذبين للقرآن الكريم ،سواء من كان منهم مداهنا كاألفعى أو كان
فظا غليظ القلب ( :فَال ت ِط ِع ْالم َك ِذِّبِينَ َودُّوا لَ ْو تدْهِن فَيدْهِنونَ َوال ت ِط ْع ك َّل َحالَّفٍ
اطير األ َ َّولِينَ ) .وهم جميعا كانوا يرفضون س ِال أَ َ
ين )ِ ( ....إذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه آ َياتنَا قَ َ َّم ِه ٍ
السجود للقرآن الكريم مع استمرار دعوتهم للسجود إيمانا بالكتاب الكريم ،ولذا
سيكون من عقابهم يوم القيامة أنهم سيحاولون السجود ندما ـ بعد فوات األوان ـ فال
ق َويدْ َع ْونَ إِلَى السُّجو ِد فَال يَ ْست َِطيعونَ خَا ِشعَةً يستطيعون (:يَ ْو َم ي ْكشَف َعن َ
سا ٍ
سا ِلمونَ ) والسبب فى هذه صاره ْم ت َْرهَقه ْم ذِلَّةٌ َوقَدْ َكانوا يدْ َع ْونَ ِإلَى السُّجو ِد َوه ْم َ أَ ْب َ
المهانة أنهم كانوا يكذبون بالقرآن الكريم ،لذا يقول جل وعال للنبى دمحم ( :فَذَ ْرنِي
سنَ ْستَد ِْرجهم ِ ِّم ْن َحيْث ال يَ ْعلَمونَ ) .ثم تنتهى السورة برسم ث َ َو َمن ي َكذِِّب ِب َهذَا ْال َحدِي ِ
ى نابض لمشاعرهم حين كان يتلو عليهم النبى دمحم عليه السالم آيات القرآن ، ح ِّ
كانوا ينظرون له شذرا فى كراهية ويتهمونه بالجنون مع أن هللا تعالى أنزل هذا
ار ِه ْم لَ َّما
ص ِالقرآن الكريم ذكرا للعالمين َ (:و ِإن َي َكاد الَّذِينَ َك َفروا لَي ْز ِلقون ََك ِبأ َ ْب َ
ون َو َما ه َو ِإالَّ ِذ ْك ٌر ِلِّ ْل َعالَ ِمينَ ) (القلم 11 :2 ، 2 : 1 س ِمعوا ال ِذِّ ْك َر َويَقولونَ ِإنَّه لَ َمجْ ن ٌ َ
.) 22 : 21 ، 88 : 82 ، 12 ،يهمنا فيما سبق التأكيد على دعوتهم للدخول فى
االسالم بالسجوك للقرآن ،وأنهم كانوا يرفضون .
وبنفس الطريقة تبدأ سورة النجم بالقسم بالنجم بأن صاحبهم دمحما ـ الذى صاحب
المشركين وعرفوا صدقه وأمانته ـ لم يقع فى الضالل والغواية عندما نزل عليه
الوحى القرآنى ونطق به وأخذ يتلوه داعيا قومه للسجود للرحمن إعالنا عن إيمانهم
نطق َع ِن احبك ْم َو َما غ ََوى َو َما َي ِ ص ِض َّل َ جْم ِإذَا ه ََوى َما َ بهذا الوحى االلهىَ (:والنَّ ِ
شدِيد ْالق َوى)(النجم 1ـ ) وتنتهى السورة ي يو َحى َعلَّ َمه َ ْال َه َوى ِإ ْن ه َو ِإالَّ َوحْ ٌ
باالشارة الى موقف المشركين من القرآن الكريم ،وتدعوهم الى اعالن االيمان به
ض َحكونَ َوال تَبْكونَ َوأَنت ْم ث تَ ْع َجبونَ َوتَ ْ سجودا هلل جل وعال ( :أَفَ ِم ْن َهذَا ْال َحدِي ِ
َّلل َواعْبدوا) ( النجم )12 : 20 امدونَ فَاسْجدوا ِ َّ ِ س ِ َ
3ـ وفى كل األحوال فان القرآن هو األساس فى الرفض أو القبول ،فالمؤمن
ينشرح صدره إذا سمع القرآن ويزداد به ايمانا ،والمشرك يضيق صدره بما
يسمع ،بل يزداد طغيانا وكفرا ،وليس هذا مقصورا على عهد النبى دمحم عليه
السالم ،بل هو حكم عام يسرى فى كل زمان ومكان ،ونعانى منه فى وقتنا هذا
وفى مجتمعات تنتمى الى االسالم باالسم وهى تكرر أفعال مشركى العرب فى
عهد النبوة.
َّللا أَن وللتدليل على صحة ما نقول نستشهد بااليات الكريمة التالية (:فَ َمن ي ِر ِد َّ
ض ِيِّقًا َح َر ًجا َكأَنَّ َماصد َْره َ ضلَّه َيجْ َع ْل َ ْالم َو َمن ي ِردْ أَن ي ِ إلس ِ صد َْره ِل ِ َي ْه ِد َيه َي ْش َرحْ َ
ص َراط َر ِبِّ َك س َعلَى الَّذِينَ الَ يؤْ ِمنونَ َو َهذَا ِ الرجْ َ س َماء َكذَ ِل َك يَجْ َعل َّ
َّللا ِ ِّ صعَّد فِي ال َّ يَ َّ
ت ِلقَ ْو ٍم يَذَّ َّكرونَ ) ( األنعام ( ) 121 : 122إِنَّ َما ْالمؤْ ِمنونَ ص ْلنَا اآليَا ِ م ْستَ ِقي ًما قَدْ فَ َّ
ت َعلَي ِْه ْم آيَاته زَ ادَتْه ْم إِي َمانًا َو َعلَى َر ِبِّ ِه ْم ت قلوبه ْم َوإِذَا ت ِليَ ْ الَّذِينَ إِذَا ذ ِك َر َّ
َّللا َو ِجلَ ْ
نز َل ِإلَي َْك ِمن َّر ِبِّ َك ط ْغ َيانًا َوك ْف ًرا يرا ِ ِّم ْنهم َّما أ ِ َيت ََو َّكلونَ ) ( األنفال َ ( ) 2ولَ َي ِزيدَ َّن َك ِث ً
ورة ٌ فَ ِم ْنهم َّمن يَقول أَيُّك ْم زَ ادَتْه َه ِذ ِه ِإي َمانًا تس َ نزلَ ْ ) ( الماادة َ () 12 ، 18و ِإذَا َما أ ِ
ض فَأ َ َّما الَّذِينَ آ َمنواْ فَزَ ادَتْه ْم ِإي َمانًا َوه ْم يَ ْستَ ْبشِرونَ َوأ َ َّما الَّذِينَ فِي قلو ِب ِهم َّم َر ٌ
سا إِلَى ِرجْ ِس ِه ْم َو َماتواْ َوه ْم َكافِرونَ ) ( التوبة .) 121 : 122 فَزَ ادَتْه ْم ِرجْ ً
8ـ وليس شرطا أن يكون هذا السجود هلل تعالى فى حضور النبى دمحم عليه السالم
ألنه ليس فى االسالم كهنوت ،بل هو عالقة خاصة ومباشرة بين المخلوق وخالقه
جل وعال ،ويتم بها االنقياد بالعقيدة و السلوك هلل تعالى وحده ،وليس إنقيادا لمحمد
أو غيره من المخلوقات .لذلك فقد تحدث رب العزة عن مؤمنين آمنوا فى مكة بعد
الهجرة و لم يعرفهم النبى دمحم حيث كان فى المدينة بعيدا عنهم .وأولئك المؤمنون
أعلنوا هلل جل وعال إيمانهم وسجدوا له أيمانا بالقرآن الكريم ،وبلغ من إهتمام رب
العزة بسالمتهم أن منع المسلمين من الهجوم على مكة ردا على إعتداء مشركى
مكة ،خوفا من أن تؤدى الحرب الى قتل أولئك المؤمنين فى مكة والذين ال يعلم
صدُّوك ْم َع ِن النبى والمؤمنون عنهم شيئا ،يقول جل وعال ( :هم الَّذِينَ َكفَروا َو َ
ساء ُّمؤْ ِمنَاتٌ ْي َم ْعكوفًا أَن َيبْل َغ َم ِحلَّه َولَ ْوال ِر َجا ٌل ُّمؤْ ِمنونَ َونِ َ ْال َمس ِْج ِد ْال َح َر ِام َو ْال َهد َ
صيبَكم ِ ِّم ْنهم َّم َع َّرة ٌ ِبغَي ِْر ِع ْل ٍم ) ( الفتح .) 22 طؤوه ْم فَت ِ لَّ ْم تَ ْعلَموه ْم أَن تَ َ
ونفس الحال حين أدرك العرب فى النهاية عبث عبادة األصنام والقبور ،بعد أن
ذاع بينهم القرآن فآمنوا ودخلوا فى دين هللا باآلالف دون أن يكون دمحم النبى شاهدا
على اسالمهم وعلى قولهم ونطقهم الشهادة .ثم قابلهم عليه السالم بعدها ورآهم فى
ْت النَّ َ
اس َّللا َو ْالفَتْح َو َرأَي َ
صر َّ ِ حجة الوداع أفواجا يقول جل وعال لهِ (:إذَا َجا َء نَ ْ
َّللا أَ ْف َوا ًجا ) (النصر .)2 : 1 ِين َّ ِ
يَدْخلونَ فِي د ِ
إن الدخول فى ( دولة االسالم )هو الذى يستلزم الدخول فى العهد والعقد .وهنا 2ـ ِّ
يتجلى الفارق بين االسالم ودولة االسالم .
االسالم عالقة خاصة بين المخلوق وخالقه جل وعال ،ال تستلزم واسطة أو شهادة
رسمية أو حضورا بشريا من أحد .وهنا يختلف االسالم دين هللا جل وعال عن
أديان البشر األرضية حيث الكهنوت والمؤسسات الدينية و( رجال الدين )
بمالبسهم الخاصة بألوانها الخاصة وتصميماتها الخاصة ،ودرجاتها ورموزها
وطقوسها و طرقها العبقرية فى استجالب و استحالب أموال الناس.
ومع أن دين االسالم ال يستلزم هذا اإلشهار فى دخول االسالم أو االشهار فى
اعالن شهادة االسالم فإن األمر يختلف بالنسبة لدخول دولة االسالم .ألن الدولة
فى االسالم هى تعاقد بين الناس تتم على أساسه قيام سلطة مهمتها إقرار العدل
وحرية الفكر والمعتقد طبقا لقاعدة(:ال إكراه فى الدين) .وفى هذا العقد يدخل
األفراد جميعا من رجال ونساء ( :الماادة ( ) 2الممتحنة ، ) 12ثم هناك عهد آخر
بالدفاع عن الدولة عند الخطر (:األحزاب () 28 :22 ، 12الفتح .) 11 ،12وقد
صلنا هذا فى مقاالت سبقت. ف ِّ
أخيرا :المنافقون هم الذين كانوا يأتون للنبى يشهدون له أنه رسول هللا :
1ـ المشركون يتركز اهتمامهم على شخص النبى فيرفضون الكتاب السماوى
حسدا منهم لشخص النبى ( َو َكذَ ِل َك َج َع ْلنَا ِفي ك ِِّل قَ ْر َي ٍة أَ َكا ِب َر مج ِْر ِمي َها ِل َي ْمكرواْ ِفي َها
َو َما يَ ْمكرونَ ِإالَّ ِبأَنف ِس ِه ْم َو َما يَ ْشعرونَ َو ِإذَا َجا َءتْه ْم آيَةٌ قَالواْ لَن نُّؤْ ِمنَ َحتَّى نؤْ ت َى
َّللا أَ ْعلَم َحيْث يَجْ َعل ِر َ
سالَتَه َّللا) ويرد عليهم رب العزة َّ ( : ي رسل َّ ِ ِمثْ َل َما أوتِ َ
شدِيدٌ بِ َما َكانواْ يَ ْمكرونَ فَ َمن ي ِر ِد َّ
َّللا اب َ َّللا َو َعذَ ٌ
َار ِعندَ َّ ِ صغ ٌ صيب الَّذِينَ أَجْ َرمواْ َ سي ِ َ
َ
ض ِيِّقًا َح َر ًجا َكأنَّ َماصد َْره َ ضله َيجْ َع ْل َ َّ َ
ْالم َو َمن ي ِردْ أن ي ِ إلس ِ صد َْره ِل ِأَن َي ْه ِد َيه َي ْش َرحْ َ
س َعلَى الَّذِينَ الَ يؤْ ِمنونَ ) (األنعام : 123 الرجْ َ س َماء َكذَ ِل َك يَجْ َعل َّ
َّللا ِ ِّ صعَّد فِي ال َّ يَ َّ
.) 122
2ـ والمشركون الذين كانوا يدخلون فى االسالم خداعا ونفاقا كانوا يحرصون على
إعالن إيمانهم على مشهد من المؤمنين ومأل من المسلمين ،وكان ينزل الوحى
القرآنى يفضحهم ،يقول جل وعال َ ( :و ِإذَا َجاؤوك ْم قَالواْ آ َمنَّا َوقَد دَّخَلواْ ِب ْالك ْف ِر َوه ْم
َّللا أَ ْعلَم ِب َما َكانواْ يَ ْكتمونَ ) ( الماادة .) 11والسخرية هاالة من قَدْ خ ََرجواْ ِب ِه َو َّ
أولئك الذين يدخلون بالكفر ويخرجون به مع إعالنهم االيمان .
وبعضهم كان يحلو له خداع المؤمنين بهذا االعالن عن االيمان ،ثم بعد ان يخلو
بعضهم ببعض يتندرون على المؤمنين وخداعهم للمؤمنين ،وهم فى الحقيقة
اآلخ ِر َو َما اَّلل َو ِب ْاليَ ْو ِم ِ
اس َمن يَقول آ َمنَّا ِب َّ ِ يخدعون أنفسهم مما يشعرون َ ( :و ِمنَ النَّ ِ
سهم َو َما يَ ْشعرونَ ).. َّللاَ َوالَّذِينَ آ َمنوا َو َما يَ ْخدَعونَ إِالَّ أَنف َ هم بِمؤْ ِمنِينَ يخَادِعونَ َّ
اطي ِن ِه ْم قَالواْ ِإنَّا َم َعك ْم ِإنَّ َما نَحْن ( َو ِإذَا لَقواْ الَّذِينَ آ َمنواْ قَالواْ آ َمنَّا َو ِإذَا َخلَ ْوا ِإلَى َ
ش َي ِ
م ْستَ ْه ِزؤونَ )(البقرة ) 18 ، 0 :2
وبعضهم كان يؤكد ايمانه و اسالمه بأن يقسم باهلل أغلظ االيمان ،وسرعان ما
تفضحهم أعمالهم ،أو كفرهم السلوكى فيراهم المؤمنون على حقيقتهم أشد الناس
سمواْ ِب َّ ِ
اَّلل َج ْهدَ كفرا ،يقول جل وعال عنهم َ ( :و َيقول الَّذِينَ آ َمنواْ أَهَؤالء الَّذِينَ أَ ْق َ
ص َبحواْ خَا ِس ِرينَ ) ( الماادة ) 23 ت أَ ْع َماله ْم فَأ َ ْط ْ أَ ْي َمانِ ِه ْم ِإنَّه ْم لَ َم َعك ْم َح ِب َ
وبعضهم كان يذهب للنبى دمحم يؤكد اسالمه وطاعته ،ثم يخرج من عنده يتآمر
عليه ويكذب عليه ؛ ينسب له أقواال لم يقلها ،وينزل القرآن يفضحهم ويأمر النبى
َّت
ِك َبي َ طا َعةٌ فَإِذَا َب َرزواْ ِم ْن ِعند َ دمحما عليه السالم باالعراض عنهم َ ( :و َيقولونَ َ
ض َع ْنه ْم َوت ََو َّك ْل َعلَى َّ ِ
َّللا َّللا َي ْكتب َما ي َبيِِّتونَ فَأَع ِْر ْطااِفَةٌ ِ ِّم ْنه ْم َغي َْر الَّذِي تَقول َو َّ َ
اَّلل َو ِكيالً ) ثم يوجِّه هللا تعالى لهم نصيحة بصيغة استنكارية تقول ( :أَفَالَ َو َكفَى ِب َّ ِ
يَتَدَبَّرونَ ْالق ْرآنَ ) ( النساء ،) 22 : 21ألنهم لو تدبروا القرآن الكريم بقلب مفتوح
ألمنوا حق االيمان وما احتاجوا لهذا الخداع .
وتكرر مرة أخرى قوله تعالى (أَفَال يَتَدَبَّرونَ ْالق ْرآنَ ) تعليقا على موقف مماال
يتحدث عن أولئك المنافقين الذين كانوا يكرهون ما أنزل هللا ،وكانوا يدخلون على
النبى يؤكدون إيمانهم ثم إذا خرجوا من عنده استهزءوا باالسالم ( :دمحم :ـ : 11
) 28
ومما سبق نفهم قوله جل وعال عن المنافقين ِ ( :إذَا َجا َء َك ْالمنَافِقونَ قَالوا نَ ْش َهد ِإنَّ َك
َّللا يَ ْش َهد إِ َّن ْالمنَافِقِينَ لَ َكاذِبونَ اتَّخَذوا أَ ْي َمانَه ْمَّللا يَ ْعلَم إِنَّ َك لَ َرسوله َو َّ لَ َرسول َّ ِ
َّللا َو َّ
ساء َما َكانوا يَ ْع َملونَ ) ( المنافقون .) 2 :1فقد َّللا إِنَّه ْم َ
يل َّ ِ سبِ ِ
صدُّوا َعن َ جنَّةً فَ َ
حرص المنافقون على المجىء للنبى ليشهدوا أمامه ـ كذبا وخداعا ـ قاالين له (إنك
لرسول هللا ) ويأتى الرد بأن هللا تعالى يعلم بأنه رسول هللا ،ولكن يشهد هللا جل
وعال بأن المنافقين كاذبين فى شهادتهم ألنها ال تعبر عن حقيقة ما فى قلوبهم من
تكذيب للرسول وكفر بالقرآن الكريم وعداء لالسالم.
المنافق هو الذى يحتاج الى إشهار إيمانه رهبة أو رغبة ،وهكذا كان يفعلون فى
حياة النبى دمحم يشهدون له بأنه رسول هللا ،وكان القرآن الكريم ينزل يخبر بما فى
قلوبهم ،داعيا أحيانا الى أن يتدبروا القرآن الكريم .
3ـ وانتهى القرآن الكريم نزوال ،ومات خاتم األنبياء عليهم جميعا السالم ،ومالبث
أن عادت عقااد الشرك تغزو قلوب المسلمين فاخترعوا لها باالفتراء أديانا أرضية
،تبدأ عقيدة الشرك فيها بإضافة اسم دمحم الى شهادة االسالم توطئة لتقديس
مخلوقات أخرى الى جانبه .
وبسبب تعمق هذا الزيف فى قلوب األغلبية الساحقة من المسلمين فإن القارىء لهذا
المقال يستغربه ،وقد يستهجنه ،وألنه ال يستطيع إنكار االيات القرآنية التى يقوم
عليها وال يستطيع الهجوم على القرآن الكريم فال يتبقى له إال الهجوم على كاتب
المقال.
8ـ بسيطة ..
غفر هللا تعالى لنا ولكم ،وهدانا وإياكم قبل أن يأتى أحدنا الموت ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال الرابع:
إنه هللا جل وعال ..يا أيها الناس!!..
مقدمة -:
دار جدال داخل موقع أهل القرآن حول موضوع شهادة اإلسالم حين كتبت أنها
شهادة واحدة هى ( ال إله إال هللا ) ،وأن إضافة إسم دمحم وجعلها شهادة مثناة فيه
تفريق بين الرسل وتفضيل للنبى دمحم على من سبقه من األنبياء وهذا منهى عنه ،
ثم أنه النواة األولى للوقوع فى الشرك يترتب عليها ماهو واقع اليوم من تحول
معظم المسلمين إلى (دمحمين) يجعلون دمحما شريكا هلل تعالى فى الصالة واآلذان
والتشهد والحج ،أى شريكا هلل تعالى فى الدعاء والعبادة ،يستغيثون به ويعبدونه
مع هللا تعالى ويجعلونه بالشفاعة المزعومة مالكا ليوم الدين .
بعض األحبة إعترض قااال إن إضافة دمحم للشهادة ليس من الشرك فى
شىء،فوعدت أن أكتب مقاال ختاميا فى سلسلة التفريق والتفضيل وشهادة اإلسالم
.وهذا هو المقال .
1ـــ أخترت أن يكون العنوان " إنه هللا ..يا أيها الناس " للتذكير بعظمة هللا عز
وجل التى عادة ما ينساها اإلنسان فيكون من الذين ما قدروا هللا حق قدره .
2ـــ المشكلة هنا أن هللا عز وجل هو غيب بالنسبة لنا ،ال نراه .ولكن نرى بعض
آالء صنعه فينا وفيما حولنا (الذاريات .) 21: 21فى السموات آيات تلقى من
اإلنسان عدم إكتراث ( يوسف ،.) 111-112بحيث ال يسأل اإلنسان نفسه هل
الذى خلق كل هذا الكون وحده يحتاج إلى شريك ؟! أو يستحق أن يذكر إلى جانبه
بشر من المخلوقات
ثانيا -:إخالص الدين هلل تعالى وحده يمنع أن نضيف اسم مخلوق شريكا مع هللا
جل وعال.
1ـــ سبق أن أكدنا أن عمل الصالحات وحده ال يكفى فالبد أن يصدر عن عقيدة ال
مجال فيها لتقديس المخلوقات ،أى ال تقديس وال عبادة وال دعاء إال هلل تعالى وحده
،وسبق التأكيد على أن مصير المشرك أن يحبط هللا عمله الطيب فيكون مصيره
الخلود فى النار ( النساء (،) 111، 82الماادة .) 22
2ـــ إخالص الدين هلل تعالى هو محور اإلسالم،هللف تعالى وحده الدين الخالص(:
الزمر (،) 3البينة ، ) 2والدين له شقان :العبادة ،ويجب أن تكون العبادة خالصة
هلل تعالى (الزمر ، ) 11،18، 2والعقيدة أى اإلستغاثة والدعاء وطلب العون فال
يكون إلى باهلل تعالى ومن هللا تعالى ( األعراف ( ، ) 20غافر . ) 12 ، 18
وفى سورة الفاتحة يؤكد المسلم أن هللا تعالى وحده هو الذى نعبده،وهو وحده الذى
ندعوه ونستعين به ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ،وهو إيجاز رااع لمعنى اإلخالص
.
8ـــ وإخالص الدين والعقيدة والعبادة هو حالة داامة مستمرة عند المؤمن صحيح
الدين ألنه ينظف قلبه دااما بذكر هللا تعالى وحده وبتالوة القرآن الكريم وتدبره.
ويعرف المشركون االخالص هلل تعالى عند المصااب فقط،عند الغرق مثال
يفزعون ويدعون هللا تعالى مخلصين له الدين ( يونس () 22العنكبوت () 12
لقمان ،) 32حتى فرعون نفسه مر بهذه التجربة فى الوقت الضااع( يونس 01ـ
).
وليتذكر اإلنسان منا نفسه وهو فى موقف عصيب يدعو هللا تعالى راجيا باكيا تاابا
عندما يشرف على الهالك من مرض أو غرق أو مصيبة هاالة قاهرة ،عندها
يعرف معنى اإلخالص ،هذا هو اإلخالص المؤقت الذى سرعان ما ينساه
المشرك بعد زوال المحنة ،والمطلوب أن يتحول إلى إخالص داام ومستمر حتى
يلقى ربه بقلب سليم .
2ـــ ومن التعبيرات القرآنية عن إخالص الدين هلل تعالى أن يتوجه وجهك هلل
تعالى وحده ،أو أن تسلم وجهك هلل تعالى ،وبالتالى فال يكون هنا شريك فى
عقيدتك مع هللا تعالى (:األنعام ( ، ) 20األعراف (،) 20آل عمران .) 21وبذلك
يلقى المؤمن ربه يوم القيامة بقلب سليم (الشعراء . ) 20-22
1ـــ اإلخالص يعنى أن يكون التقديس هلل تعالى ، % 111وبالتالى فإن أى ذرة
شرك تحول هذا اإلخالص الى شرك وكفر ،وال يكون القلب سليما عند لقاء هللا جل
وعال.
إن الناس تعتقد أنه يكفى أن يعبدوا هللا ويكفى أن يؤمنوا به ،وأن يعترفوا بوجوده.
هذا ماكان عليه العرب فى الجاهلية،وهو ما عليه المحمديون اليوم على إختالف
أديانهم األرضية.
ينسون أن المطلوب أن يؤمنوا باهلل تعالى وحده إالها وأن يعبدوه وحده وأن يقدسوه
وحده ،وهذا هو معنى اإلخالص ،وبالتالى فال مجال للتسامح مع أى ذرة شك ،
ألنه ال شريك له جل وعال حين خلق هذا الكون وحين خلق األنسان ،وألن من
الظلم لرب العزة أن تشرك به أو أن تضيف لمقامه المقدس مخلوقات من خلقه .
لذا فإن التعبير القرآن عن الشرك يجعل أقل من %111يكون شركا وكفرا ،بمعنى
أنه لو أشركت باهلل جل وعال ذرة شرك واحده وحيدة وحافظت عليها حتى الموت
فقد حبط عملك وتحتم خلودك فى النار.
ش ِركواْ ِب ِه َ
ش ْيئًا)(النساء .) 31 2ـ وقد قالها رب العزةَ ( :واعْبدواْ َّ َ
َّللا َوالَ ت ْ
ش ْيئًا) ،والمعنى أن هللا تعالىش ِركواْ بِ ِه َ
َّللا) يؤكده النهى ( َوالَ ت ْ فاألمر هنا ( َواعْبدواْ َّ َ
هو الذى شيأ األشياء أو خلق األشياء ،ومن جعل أى نسبة من تلك األشياء
المخلوقة شريكا هلل تعالى فقد وقع فى الشرك ،يستوى إن كان هذا الشىء ملكا من
المالاكة أو نبيا من األنبياء أو مجرما من أرباب السوابق .
ولذلك ال مجال للتوسط هنا بين اإلسالم والكفر ،فإما إخالص ( ) %111هلل تعالى
وحده وإما كفر وشرك وشراكة مع هللا تعالى ولو بنسبة واحد فى المااة .بمعنى
آخر فأى شاابة إعتقاد فى شىء مع هللا ،أو أن يقل االخالص عن درجة ()%111
فهو شرك وكفر .بمعنى آخر :إما حق وإما باطل ،وال وسطية بينهما (يونس ) 32
،فال مجال للشركة أو للقسمة على إثنين(النحل ) 22-21حتى لو كان ألحدهما
نسبة %1.1فقط .لذلك يأتى التحذير للمؤمنين فى حياتهم بتصحيح إيمانهم حتى ال
يعيشون مؤمنين حسب الظاهر ،بينما يلقون هللا تعالى كافرين خالدين فى النار(
النساء .) 131
أى ال بد أن يفهمواأن اإلخالص يعنى إحتكار اإليمان كله باهلل تعالى وحده إلها
.،والكفر أو الشرك يحوى إيمانا باهلل تعالى وبغيره.هذا اإليمان المختلط المغشوش
الخالى من اإلخالص ال يقبله هللا تعالى ويلعن أصحابه( النساء ،22،81
()122البقرة () 22الحاقة ،) 81ومصير صاحبه إلى النار(السجدة . ) 20
2ـــ وليس إخالص الدين هلل تعالى مشكلة عسيرة،ألنها إختيار قلبى ،فالذى يريد
الهداية بإخالص يجدها فى المتناول،أما الذى يصمم على عقيدته ويتلمس لها األدلة
ويتعسف لها الحجج فتراه يستسهل الوقوع فى الشرك وال يعتبر ما يعتقده شركا
طالما – فى نظره – يؤمن باهلل تعالى ...
وعلى العكس ،فال مجال للتساهل فى عقيدة ( ال إله إال هللا ) بينما يتساهل فيها
المحمديون والمشركون ،بل يالحظ أن هللا تعالى أباح األعذار فى العبادات ،فهناك
القصر فى الصالة وأعذار فى الصوم وفى الحج الواجب على المستطيع فقط
وأعذار فى الصدقة لمن ال يستطيع وأعذار فى الجهاد ،ولكن ال عذر مطلقا لمن
يقع فى الشرك والكفر ويظل به دون توبة إلى أن يموت .
نتكلم هنا عن اإلرادة القلبية أى القلب المخلص هلل تعالى مقابل الذى شرح بالكفر
صدره ،فلو إمتأل قلبك إخالصا هلل تعالى فال عليك إن إضطررت تحت اإلكراه أن
ينطق لسانك بما يخالف قلبك .هذا مسموح لك (النحل ،)111
0ـ ال مجال فى عقيدة اإلخالص ألى اعذار وال مجال فيها لعذر النية الطيبة .
النية مجالها فى العمل للمؤمن صحيح العقيدة فقط ...فاهلل تعالى يغفر لمن يخطىء
ناسيا ولمن ال يقع فى التعمد ،مثل القسم باهلل تعالى(الماادة ،)20وساار األعمال
(:األحزاب () 2النساء () 03الماادة .) 02
هذا كله يخص عمل المؤمنين صحيحى العقيدة .أما المشرك فقد إنتهى أمره من
قبل ،إذ أحبط هللا تعالى كل أعماله الصالحة .
11ـ وفى النهاية فاإلخالص القلبى أوالشرك القلبى هو إختيار ممكن وسهل لكل
من أراد ،ولهذا يستسهل الناس إتباع ما وجدوا عليه آباءهم ،كما يسهل على من
يريد الهوى أن يهتدى.أى من السهل عليك أن تخلص هلل تعالى قلبك ،ومن السهل
أيضا أن تجعل دمحما شريكا له فى الشهادة وفى الحج وفى الشفاعة والصالة ...الخ ،
هى عقااد تراود عقل اإلنسان وقلبه ،وله حريته فى االختيار ،ولكن هذا اإلختيار
السهل يترتب عليه الخلود فى الجنة أو النار .
ثالثا :تحذير من بذرة الشرك التى تبدأ بتمييز نبى عن غيره من األنبياء -:
1ــــ قد يقال انه ليس معنى أن نشهد بأن دمحما رسول هللا أننا نقع فى الشرك ،ألننا
لسنا مثل اآلخرين فال نقول مثلهم شفاعة النبى وال نقول مثلهم أشرف المرسلين ،
أو سيد المرسلين وال نحج إلى قبره ....الخ .
وفى الرد نقول :
هنا بذرة الشرك وبدايته،وسبق التأكيد على أن %1نقص فى اإلخالص يعنى
الشرك .
وبذرة الشرك تبدأ بإبتداع شىء فى الدين ليس فى كتاب هللا ويخالف كتاب هللا .فلم
يقل رب العزة فى شهادة اإلسالم ( شهادة هللا أنه ال إله إال هو وأن دمحما رسول هللا
) بل أن لفظ دمحم فى القرآن الكريم جاء فى 8مرات كال منها يؤكد على بشريته ،
منها أنه مجرد رسول هللا ،قد خلت من قبله الرسل (آل عمران ) 188وأنه رسول
هللا وخاتم النبيين ولن يبلغ أحد أبنااه مبلغ الرجال(األحزاب ،) 81واإليمان بما
نزل على دمحم ( دمحم ) 2أى ليس بمحمد نفسه،وجاءت آية أخرى بالصفات الظاهرية
للصحابة الذين حوله ،وأن منهم من سيدخل الجنة (الفتح ،) 20أى بعضهم وليس
كلهم ...
األخطر هنا أن تميزه بذكره فى الشهادة مع هللا هو تفريق واضح بين الرسل
وتفضيل له عليهم ،وهذا منهى عنه،أى أنه ليس فقط إبتداعا فى الدين بل هو
عصيان صريح ألمر هللا جل وعال .
ومع انه سبق التوضيح فى مقال ( ال نفرق بين أحد من رسله ) أن التفريق
موصوف بالكفر الحقيقى فى القرآن الكريم ،إال أننا هنا نعيد التأكيد على اآلتى -:
الضمان الوحيد لعدم التفريق بين الرسل هو – كما أكد رب العزة – أن يكون
اإليمان بما أنزل هللا تعالى عليهم ،وليس اإليمان بأشخاصهم .
ألن التفريق بين الرسل قضية عقيدية حساسة ال مجال فيها للتوسط ،أى أن
%1فيها وقوع فى الشرك ،أى ال مجال للمناورة والتالعب باآليات الكريمة ،
ألن ذلك يتعدى مرحلة الضالل إلى مرحلة أحط وهى اإلضالل .
ألن التفريق بين الرسل قضية عقيدية فاألمر فيها بالسمع والطاعة،وإالِّ فهو
عصيان للرحمن .
ألنها قضية عقيدية مرتبطة بإخالص الدين هلل تعالى وحده فال مجال ألى منفذ
يفتح الباب أمام شخصنة اإلسالم بتقديس شخص دمحم ،وهى اللبنة األولى التى يتمدد
ويتعمق على أساسهاالشرك كما يحدث األن عند المحمديين من سنة وشيعة
وصوفية .
وألنها قضية إخالص فى العقيدة فال مجال لشخص النبى – أى نبى – فيها ،
حيث أن حساسية وضع النبى بالذات تكون قاتلة إلخالص العقيدة هلل تعالى إذا تم
تمييز نبى من األنبياء على غيره بالمخالفة ألوامر هللا تعالى ،فذلك هو السبيل
لتأليه النبى مع هللا جل وعال .
القول بأننا نقول الشهادتين فقط دون الوقوع فى بقية معالم الشرك – يعنى أن
القاال بهذا قد تخلص من أغلب ما توارثه من عقااد الشرك ،ولكن ال يزال محتفظا
بقاعدة الشرك األساسى،وهى جعل دمحم شريكا هلل تعالى فى شهادة اإلسالم،أى
اليزال أمامه وقت ليصل إلى االخالص التام فى العقيدة.نرجو هللا تعالى له ولنا
الهداية ..
ونعيد التأكيد على أنه فى عدم التفريق بين الرسل يأتى اإليمان باهلل تعالى
مقترنا باإليمان بما نزل على الرسول،وتأتى إضافة المالاكة والكتب والرسل
بضمير يعود على هللا ،كأدوات هلل جل وعال فى تبليغ الرسالة ،وليس ككيانات
مستقلة ينبغى اإليمان بها إيمانا مستقال،ألنها لو كانت كيانات مستقله ألصبحت آلهه
مع هللا .مع التأكيد على أن النبى دمحم هو أول المأمورين بهذا اإليمان ،ولنقرأ
نز َل إِلَ ْي ِه ِمن َّر ِبِّ ِه َو ْالمؤْ ِمنونَ ك ٌّل آ َمنَ بِ َّ ِ
اَّلل الرسول بِ َما أ ِ آمنَ َّ بتمعن قوله جل وعالَ ( :
ط ْعنَا غ ْف َران ََك َ َ
َو َمال ِا َك ِت ِه َوكت ِب ِه َورس ِل ِه الَ نفَ ِ ِّرق َبيْنَ أ َح ٍد ِ ِّمن ُّرس ِل ِه َوقَالواْ َ
س ِم ْعنَا َوأ َ
صير :البقرة ، ) 222 َربَّنَا َو ِإلَي َْك ْال َم ِ
وبسبب عدم التوسط فالقضية هنا هى إما إيمان حقيقى وإما كفر حقيقى بال
ط ْعنَا) يقابلهم الكافرون الذين يتمسكون ـ س ِم ْعنَا َوأَ َتوسط بينهما ،فالمؤمنون يقولون( َ
حتى الموت ـ بالتفريق بين الرسل .والموقفان المتناقضان للفريقين كال منهما
يشرح األخر بمنهج المخالفة،أى مخالفة كال منهما لالخر بوجود كل منهما فى
معسكر يناقض األخر،أى تلمح فى معسكر اإليمان أنه ضد التفريق بين الرسل ،
ويأتى شرح التفريق بين الرسل فى توضيح صفات الكفار مع وصفهم بالكفر
الحقيقى .ونسترجع اآلية الكريمة ...
معسكر اإليمان الحقيقى وصفاته يحملون لواء (الَ نفَ ِ ِّرق َبيْنَ أَ َح ٍد ِ ِّمن ُّرس ِل ِه)
الذى أ ِّكده رب العزة أكثر من مرة فى القرآن الكريم (البقرة (،) 222، 131آل
عمران ( ،) 28النساء .) 122يقابل هذا معسكر الكفر الحقيقى الذى وصفه هللا
تعالى (النساء .) 121-121ومنه نعرف أن التفريق بين الرسل هو كفر باهلل ألنه
إرتفع بشخص أحد الرسل فوق مستوى الرسل األخرين ،أى رفعه إى مستوى
الشريك مع هللا تعالى ولو بنسبة . %1
والتفريق بين الرسل هو كفر بالرسل ،أى كفر بكل الرساالت السماوية التى
نزلت فى تأكيد أنه ال إله إال هللا .
وهو تفريق بين هللا ورسله إذ يحدث إضطرابا فى قضية اإليمان ،ففى اإليمان
الحق يتحدد اإليمان باهلل تعالى إلها ال إله غيره وال إله معه ،ويتحدد باإليمان بما
أنزل على الرسل مؤكدا أنه ال له إال هللا .ولكن عند تمييز رسول معين والتفريق
بينه وبين الرسل يرتبك الوضع اإليمانى هنا ،إذا زاد اإليمان برسول على بقية
الرسل ،ودخلت شخصية الرسول البشرية عنصرا فى اإليمان ،وتميز بهذا عن
بقية الرسل مما يعد كفرا بالرساالت التى جاءوا بها،وفى نفس الوقت فإن هذا
اإليمان الزااد بأحد الرسل قد تم إقتطاعه من اإليمان باهلل تعالى ،وأعطوا ذلك
الرسول تقديسا من التقديس المفروض فيه أن يكون هلل تعالى وحده ،وبذلك يتناقص
األيمان باهلل تعالى من ، %111والجزء المقتطع منه يضاف لشخص الرسول مما
يعد كفرا باهلل ،وهنا يحدث اإلرتباك فى قضية اإليمان ،فيتحول إلى كفر ،أو
اَّلل َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أَن يفَ ِ ِّرقواْ بَيْنَ َّ ِ
َّللا على حد قوله تعالى( :إِ َّن الَّذِينَ يَ ْكفرونَ بِ َّ ِ
س ِبيالً)( ض َوي ِريدونَ أَن َيت َّ ِخذواْ َبيْنَ ذَ ِل َك َ ض َونَ ْكفر ِب َب ْع ٍ َورس ِل ِه َو َيقولونَ نؤْ ِمن ِب َب ْع ٍ
النساء . ) 121ولذلك حكم هللا تعالى بأن ذلك هو الكفر الحقيقى ،ومصير من
يموت عليه هو العذاب المهين (أ ْولَئِ َك هم ْال َكافِرونَ َحقًّا َوأَ ْعتَدْنَا ِل ْل َكافِ ِرينَ َعذَابًا
ُّم ِهينًا)(النساء ) 121
اَّلل َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أَن يفَ ِ ِّرقواْ َبيْنَ َّ ِ
َّللا ولنتأمل قوله تعالى ( ِإ َّن الَّذِينَ َي ْكفرونَ ِب َّ ِ
س ِبيالً) ض َوي ِريدونَ أَن يَت َّ ِخذواْ بَيْنَ ذَ ِل َك َ ض َونَ ْكفر ِببَعْ ٍ َورس ِل ِه َويَقولونَ نؤْ ِمن ِببَ ْع ٍ
(النساء ) 121أى أنهم يتخذون ذلك سبيال إلى توسيع وتعميق قاعدة الشرك،يبدأ
التفريق بالتأليه لشخص الرسول ثم تعميق صفاته اإللهية ،ثم إضافة آلهة أخرى
معه ،أى يبدأ قاعدة الشرك بــ %1شركا تستقطعه من اإلخالص الواجب هلل تعالى
ن فيكون اإليمان شركة بين هللا والنبى ،يجعلون هلل %00وللنبى ، %1ثم ال
يلبث أن يتعمق الشرك كما هو حادث األن إلى %00للنبى واألامة واألولياء
والشيوخ وآل البيت والصحابة والتابعين ...وأقل من %1هلل تعالى ،وكل ذلك
ينبع من القاعدة الضئيلة ( ، )%1أى جعل شهادة اإلسالم الواحدة شهادتين
والتفريق بين الرسل وتفضيل دمحم عليهم .
وهم يتخذون إلى ذلك سبيال أيضا بإختالق األدلة بالتالعب بآيات القرآن الكريم
ومصطلحاته وبإختراع األحاديث ونسبتها إلى خاتم المرسلين،وإضافة شهادة ثانية
إلى شهادة اإلسالم يحتلها دمحم إلى جانب رب العزة ،مع أنه لم تأت شهادة فى
عقااد اإلسالم فى القرآن الكريم إال فيما يخص رب العزة والقرآن الكريم .
وهو يتخذون إلى ذلك سبيال بإتهام من يقول الحق بأنه يعادى خاتم المرسلين
دمحما عليه السالم ،مع أننا أكثر الناس حبا له ألننا نبراه من تلك األكاذيب وألننا
نتمسل بما كان يتمسك به عليه السالم ونقتدى به فى جهاده فى سبيل (:ال إله إال
هللا وحده ال شريك له ).
1ـــ إذا تحكم الشيطان فى قلب اإلنسان فإنه يجعله يرى الحق باطال والباطل
حقا،ويجعله يحسب أنه على الهدى(:األعراف ()31النحل ()13األنعام ) 122
(فاطر ) 2ووظيفته أن يزين للمشرك سوء عمله .
2ـــ وأبناء إبليس وذريته يقترن كل واحد منهم بكل فرد مشرك يزيده ضالال ،
ويزين له سوء عمله حتى يحسب أنه على الهدى (الزخرف ( ،) 32فصلت 22
).ويصيبه بالعمى العقلى عن ذكر هللا تعالى .يخدعه القرين األبليسى بأن ال شىء
عليه إذا ذكر األولياء المقدسين واألنبياء مع هللا تعالى ،ويتحكم فيه فيجعله يرفض
ذكر هللا وحده وتعظيمه وحده(الزمر() 82اإلسراء ،) 81ويوم القيامة سيتبرأ منه
ذلك القرين ويتبرأ هو من ذلك القرين (ق . ) 22-23والنجاة من هذا القرين
الشيطانى هى قراءة وسماع وتدبرالقرآن الكريم وفيه ذكر هللا تعالى.
8ــــ ويبدو تعمق هذا الخداع ،حين تعرف من القرآن الكريم أن المشرك يموت
معتقدا أنه على الحق ويظل منخدعا بهذا حتى يوم الحساب ،إذ يحاور رب العزة
مصمما أنه لم يكن مشركا (األنعام ) 28-21ويزول عنهم الخداع حين يرون
أنفسهم على وشك اإللقاء فى النار ،عندها يتمنون فرصةأخرى بال جدوى (األنعام
.) 31- 22
فهل ننتظر هذا المصير ؟!! أم نبادر قبل الموت بتصحيح عقاادنا وعدم اإلصرار
على الباطل ؟.
ختاما .
1ـ نحن نحترم حق كل إنسان فيما يختاره من عقيده ويصمم عليها ،وطالما يصمم
على عقيدته فال شأن له بهذا المقال ،هذا المقال موجه لمن يريد معرفة الحق ،
ولمن أفلح فى تطهير جزء كبير من عقيدته ،نقول له بدافع الحب له والحرص على
مستقبله يوم القيامه أن يعيد التفكير طالبا من هللا تعالى الهداية بإخالص ،ألن
مشكلة الشرك الكبرى تكمن فى خداع الناس اى يظل صاحب الضالل المؤقت
مقتنعا أنه على حق ،ويحسب أنه يحسن صنعا ويحسب أنه مهتدى ،ويظل هكذا
يخدع نفسه دون أن يشعر إلى وقت اإلحتضار حيث ال تجدى التوبة ...
اس َمن يَقول آ َمنَّا 2ـ ندعو هللا تعالى أال نكون ممن قال فيهم رب العزة ( َو ِمنَ النَّ ِ
َّللاَ َوالَّذِينَ آ َمنوا َو َما يَ ْخدَعونَ إِالَّ اَّلل َوبِ ْاليَ ْو ِم ِ
اآلخ ِر َو َما هم بِمؤْ ِمنِينَ يخَادِعونَ َّ بِ َّ ِ
سهم َو َما َي ْشعرونَ البقرة . ) 0-2 أَنف َ
ندعو هللا تعالى أال نكون ممن إذا قيل لهم (إنه هللا) فيردون (إنه دمحم).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال الخامس:
لم يفهم ،ولن يفهم ..لماذا؟
مقدمة :
1ـ أختم بهذا المقال سلسلة مقاالت (التفريق بين الرسل والتفضيل بينهم ،وشهادة
االسالم الواحدة) .وكنت أريد أن يقول المقال السابق (إنه هللا جل وعال ..ايها
الناس) هو خاتم المقاالت ،ولكن تعليقا إستفزنى فكتبت هذا المقال للرد النهااى
عليه وعلى صاحبه ،أو من كتبه لصاحبه .
أوال :
يقول التعليق :
ما هو تفسيركم لآلية التالية:ولو كانوا يؤمنون باهلل والنبي وما انزل اليه ما
اتخذوهم اولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون .الماادة 21الحظ الكالم كان موجها
لليهود في عصر النبي .اآلية تطالبهم باأليمان باهلل و"النبي" وما أنزل اليه أي
"الرسالة".آية واضحة تعني ان تؤمن باهلل تعالى الها واحد ,وبالنبي دمحم رسوال هلل,
وبما أنزل اليه أي القرآن .ولآلية التالية:انما المؤمنون الذين امنوا باهلل ورسوله
واذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستاذنوه ان الذين يستاذنونك اولئك
الذين يؤمنون باهلل ورسوله فاذا استاذنوك لبعض شانهم فاذن لمن شئت منهم
واستغفر لهم هللا ان هللا غفور رحيم من الواضح أن "ورسوله" هنا معناها النبي
دمحم ,ودليل ذلك هو سياق األستئذان الذي حصل زمن النبي.الحظ "أنما" وهي أداة
قصر.ولآلية التالية :قل يا ايها الناس اني رسول هللا اليكم جميعا الذي له ملك
السماوات واالرض ال اله اال هو يحيي ويميت فامنوا باهلل ورسوله النبي االمي
الذي يؤمن باهلل وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون اآلية صريحة في أننا علينا أن نؤمن
باهلل وأن نؤمن برسوله النبي األمي ,وأننا علينا أن نتبع الرسول أي النبي
األمي.ولآلية التالية:كيف يهدي هللا قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق
وجاءهم البينات وهللا ال يهدي القوم الظالمين الحظ "وشهدوا أن الرسول حق".
ومن الواضح ان الرسول هنا هو ليس "القرآن" وأنما الرسول شخصيا .أي شهدوا
بأنه رسول من هللا عز وجل مبلغا لرسالنه اليهم ,هذا هو المقصود على حد علمي
البسيط.
َّللا يَ ْعلَم إِنَّ َك كيف تفسر اآلية التاليةِ:ذَا َجا َء َك ْالمنَافِقونَ قَالوا َن ْش َهد إِنَّ َك لَ َرسول َّ ِ
َّللا َو َّ
يل
س ِب ِصدُّوا َعن َ َّللا َي ْش َهد ِإ َّن ْالمنَا ِفقِينَ لَ َكاذِبونَ ( )1اتَّخَذوا أَ ْي َمانَه ْم جنَّةً فَ َ
لَ َرسوله َو َّ
ساء َما َكانوا يَ ْع َملونَ ()2الحظ التعقيب "أتخدوا أيمانهم جنه".هذا اآلية َّللا ِإنَّه ْم َ
َّ ِ
تدل بصورة صريحة على أن المسلمين كانوا على زمن الرسول يشهدون
بالشهادتين ,واال فما الذي دفع المنافقين ألن يشهدوا لمحمد بالرسالة اذا كان ذلك
ليس ضروريا لدخول األسالم آنذاك ,وأذا لم تكن هناك شهادتين فكيف تفسر
"أتخذوا أيمانهم جنة" ,اآلية بالنسبة لعلمي البسيط واضح فهم قد أسدلوا الستار
على أيمانهم الحقيقي باألشراك بأن أضهروا ماكان يعتبر مضهرا لأليمان آنذاك,
وهو الشهادة للرسول بالرسالة.
الفكرة األساسية من مقالكم هي فكرة عظيمة ,لكن اللهجة التتفق مع لهجة القرآن.
لو فرضنا صحة التشدد الموجود في مقالكم ,لما قال هللا هذه اآليات اعاله ,بل
ألتهمنا القرآن بأضالل المسلمين وبتوجيههم بأتجاه آخر تماما يؤدي بهم الى الخلود
في النار.باألضافة هناك أساليب غير صحيح في المقالة.الحظ قولكم :ـــ سبق أن
أكدنا أن عمل الصالحات وحده ال يكفى فالبد أن يصدر عن عقيدة ال مجال فيها
لتقديس المخلوقات ،أى ال تقديس وال عبادة وال دعاء إال هلل تعالى وحده ،وسبق
التأكيد على أن مصير المشرك أن يحبط هللا عمله الطيب فيكون مصيره الخلود فى
النار ( النساء (،) 111، 82الماادة .) 22ماذا تقصد ب"أكدنا" ,هذا األسلوب
خاطي ,ألنه يعطي أنطباع بأنكم تعرف بالضبط ما سيحصل يوم القيامة ,وحتى
لوفرضنا ذلك اليجوز أن تقول "أكدنا" ,لك أن تقول بأن هناك آيات في القرآن
تشدد على كذا وكذا ,ولكن ليس لك أن تقول "أكدنا" وكأنك أنت من يقرر مصير
هؤالء وليس رب العزة.
لهجة المقال متطرفة وشديدة وال تتناسب مع لهجة القرآن الرحيمة الرؤوفة
بالناس.ثم ماذا تقصد بنسبة األشراك ,وغيرها من المصطلحات وكأن هناك "شرك
خفي" أو شرك في الالوعي .األشراك دااما شيء واضح ,والمشرك يعلم قطعا بأنه
مشرك ,اليوجد أشراك خفي أو نسبة أشراك واحد بالمااة ومن هذا القبيل .أن هللا
اليحاسب على شيء اليعلمة األنسان .أنت تتكلم عن شيء مثل الشرك خطئا ,وأل
أدري ان كان هناك شيء من هذا القبيل عند هللا.
ثانيا :
1ـ فى نهاية مقالى السابق ( إنه هللا جل وعال ..ايها الناس ) قلت ( :ختاما .
نحن نحترم حق كل إنسان فيما يختاره من عقيده ويصمم عليها ،وطالما يصمم
على عقيدته فال شأن له بهذا المقال ،هذا المقال موجه لمن يريد معرفة الحق ،
ولمن أفلح فى تطهير جزء كبير من عقيدته ،نقول له بدافع الحب له والحرص على
مستقبله يوم القيامه أن يعيد التفكير طالبا من هللا تعالى الهداية بإخالص ،ألن
مشكلة الشرك الكبرى تكمن فى خداع الناس اى يظل صاحب الضالل المؤقت
مقتنعا أنه على حق ،ويحسب أنه يحسن صنعا ويحسب أنه مهتدى ،ويظل هكذا
يخدع نفسه دون أن يشعر إلى وقت اإلحتضار حيث ال تجدى التوبة ) ...
إى إن صاحب التعليق طالما يصمم على عقيدته فنحن نحترم حريته العقيدية ،
وليس مدعوا للتعليق هنا ألن المقال ال يخاطبه والشأن له به .ولكن صاحبنا أقحم
نفسه فيما الشأن له به .
2ـ االعتراضات التى جاء بها سبق التعرض لها بما يؤكد انه لم يقرأ ما كتبته ،أو
إنه قرأ ولم يفهم ،أو لم يرد أن يفهم .وعلى سبيل المثال :
كتبت اكثر من مرة أنه ليس فى االسالم إيمان بشخص ،ولكن االيمان بالوحى
الذى يصير به هذا الشخص رسوال ،وكتبت مئات المرات أصف دمحما بانه خاتم
المرسلين وخاتم األنبياء .والمعنى إن االيمان هو بالوحى الذى صار به دمحم نبيا
ورسوال ،وليس بشخص دمحم .
وأرجو من بعض أهل القرآن أن يحسب كم مرة كررت هذا .
وبالتالى فكالمه هنا عن االيمان باألنبياء يقطع بأنه إما لم يقرأ وإما لم يفهم .وأعيد
وأكرروأؤكد هنا للمرة األلف إنه ليس فى االسالم مطلقا االيمان بشخص ،ألن
االيمان بشخص هو تاليه لهذا الشخص ،ولهذا صار المسلمون (دمحميين ) ألنهم
آمنوا بشخص دمحم وسيرة دمحم وشفاعة دمحم و معجزات دمحم وكل الخرافات الى
صنعوها حول دمحم .
ثم بعدها إفترقوا الى عدة أديان أرضية ،منهم سنييون يقدسون ويؤلهون أشخاصا
آخرين بجانب دمحم مثل الخلفاء الراشدين األربعة وأامة المذاهب الفقهية األربعة
والبخارى ومسلم وابن تيمية وابن عبد الوهاب وابن فالن وابن فالن ..بينما
أصحاب الدين الشيعى األرضى فيؤلهون عليا بن أبى طالب و الحسن والحسين
وعلى زين العابدين وجعفر الصادق وعلى الرضا ،والسيدة فاطمة و السيدة زينب
..ووو .ثم أهل الدين الصوفى فباالضافة الى اآللهة السابقين فلديهم آلهتهم الخاصة
من أشخاص أمثال الجيالنى والرفاعى و البدوى و الشاذلى و المرسى و الدسوقى
و الجنيد و الغزالى و ووو.
أى بدأ التقديس بشخص واحد ثم إتسع وتعمق .
وهذا هو الفارق بين االسالم والمحمديين على اختالف أديانهم األرضية .
ليس فى االسالم إيمان بشخص وإنما بالوحى الذى صار به هذا الشخص نبيا
ورسوال .أيمان بالنبى والرسول وليس بالشخص نفسه.
لو كررت هذا الكالم ألف مرة أخرى فلن يفهم صاحبنا.
* ومنهج الكتابة فى الدعوة يسمح باالعادة و التكرار و التأكيد ،ليس فقط ألن
الدعوة تحتاج الى هذا ولكن أيضا ألن الباحث يضطر الى التذكير بقضية جرى
التعرض لها بالتفصيل من قبل ولكن يحتاج الى االشارة اليها فى مقال آخر فى
نفس السلسلة ،لذا يعيد التذكير و التاكيد على ما قاله من قبل ليبنى عليه المقال
الجديد .هذه ضرورة علمية منهجية فى الكتابة البحثية الدعوية .
وهى أيضا ضرورة عقدية إيمانية للباحث المؤمن بما يقول .فإذا كان رب العزة
يؤكد فى القرآن الكريم أن المشركين هم أصحاب النار وأن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات هم اصحاب الجنة فإن المؤمن بالقرآن الكريم ال بد أن يؤكد هذه الحقيقة
ألنه يؤمن بها .وليس تاكيده هنا تدخال فى علم هللا جل وعال ،ألنه ـأى الباحث ـ
ال يتكلم عن شخص بذاته ولكن عن صفات من االيمان والكفر و عمل الصالحات
وعمل السيئات ،وهو يكرر وينقل ما قاله رب العزة .
وسبق ان قلنا مرات كثيرة إننا الشأن لنا باألشخاص ولكن بالصفات التى ذكرها
القرآن الكريم .
ومع أنها قضية معروفة ومفهومة ،فإن صاحبنا يلوم علينا ذلك التاكيد.
صاحبنا لم يقرأ ،أو لم يفهم ،ولو كررت هذا الكالم ألف مرة فلن يفهم صاحبنا .
ثالثا :
ولكن لماذا لم يفهم ولن يفهم صاحبنا ؟
االجابة فى القصة التالية :
عندما نشرت كتابى األول ( السيد البدوى بين الحقية والخرافة ) عام 1022أحدث
دويا هااال بين الدواار الصوفية التى تقدس السيد البدوى منذ موته من اكثر من
ِّ
أثبت باألدلة سبعة قرون ،وتقيم له مولدا حافال رسميا وشعبيا كل عام .فى كتابى
أن السيد البدوى كان متآمرا شيعيا تخفى بالتصوف وتزعم حركة لقلب نظام الحكم
األيوبى فى مصر وإعادة الدولة الفاطمية الشيعية ،فلما فشل اضطر النتحال
التصوف الى النهاية لينقذ حياته من عتاة الدولة المملوكية الجديدة التى قامت على
أنقاض الدولة األيوبية .
وسننشر هذا الكتاب فى موقعنا بعونه جل وعال.
لم يجد الصوفية وقت ظهور الكتاب وسيلة للرد عليه سوى االشاعات .أشاعوا أن
السيد البدوى انتقم منى بكراماته فأعمى عينى .
جاء بعضهم يؤكد لى أن السيد البدوى قد أعمى عينى ،فقلت له :ربما أكون
الباحث الوحيد الذى ال يرتدى نظارة طبية ( وال أزال بحمده جل وعال ) أالترى
حمق هذه االشاعة ؟
كرر نفس المقولة أن السيد البدوى قد أعمانى. فكان رد صاحبنا أن ِّ
قلت له :لم يحدث وأنظر لى !!.فكرر نفس الكالم .
عندها تذكرت قوله جل وعال عن المشركين الذين يسيطر الشيطان على قلوبهم
( َوإِن تَدْعوه ْم إِلَى ْالهدَى الَ يَ ْس َمعواْ َوت ََراه ْم يَنظرونَ إِلَي َْك َوه ْم الَ يب ِ
ْصرونَ )(
األعراف . )102
هى نفس حالة صاحبنا ،نرجو له الشفاء .
أخيرا :
1ـ أما وصفه المقال بأنه متطرف فهذا يحتاج الى رد منفصل .ليس ردا عليه
ولكن الثبات حقيقة هى أن عقيدة االسالم ( ال اله إال هللا ) متطرفة فعال ،ولكنه
تطرف محمود معقول ميسور .وأن عقيدة الشرك فعال معتدلة ولكنه إعتدال مذموم
ِّ
ومنحط وعسير . ووضيع
المقال السادس:
التطرف المحمود فى العقيدة االسالمية
واالعتدال المذموم فى األديان المحمدية:
1ـ التطرف مصطلح جديد لم يرد فى القرآن الكريم ،وجىء به حديثا ليدل على
الوهابية السنية التى استرجعت ثقافة العصور الوسطى الدينية التى كان يتبعها
المسلمون خصوصا أتباع الدين السنى األرضى منهم.
الدولة السعودية بدينها الوهابى هى التى نشرت ( التعصب ) و( التزمت ) و (
التطرف ) باسم االسالم ،وسرعان ما يتحول التطرف الى ارهاب ،واالرهاب هو
االخر مصطلح جديد ،يدل على تلك االعتداءات الدنيئة على المدنيين .
2ـ يمكن أن نضع مفهوما لغويا للتطرف ماخوذ من أصله اللغوى ،أى الوصول
الى نهاية طرف الشىء .أى الى % 111منه .
3ـ تطبيق ذلك على االخالق أمر شنيع ألن الشااع أن األخالق الفاضلة تقع فى
الوسط بين شيئين متناقضين ،كالهما متطرف ،فالكرم وسط بين البخل
واالسراف ،و الشجاعة وسط بين الجبن و التهور .أى إن التطرف فى مجال
السلوك يخالف األخالق الحميدة ألن االعتدال هو معيار الفضاال.
8ـ هذا صحيح اسالميا فيما يخص األخالق والعبادات فقط .
فالتوسط أساس فى االنفاق فى سبيل هللا ،وفى االنفاق عموما ( َوالَّذِينَ ِإذَا أَنفَقوا لَ ْم
يس ِْرفوا َولَ ْم يَ ْقتروا َو َكانَ بَيْنَ ذَ ِل َك قَ َوا ًما ) (الفرقان .) 12
واالسراف مذموم ومنهى عنه فى التعامل مع المال فى الصدقات وفى االنفاق
ِيرا ِإ َّن ْالمبَذِّ ِِرينَ
يل َوالَ تبَذ ِّ ِْر تَ ْبذ ً
سبِ ِت ذَا ْالق ْربَى َحقَّه َو ْال ِم ْسكِينَ َوابْنَ ال َّ العادى ( َوآ ِ
ورا )( َوالَ تَجْ عَ ْل يَدَ َك َم ْغلولَةً إِلَى ش ْي َ
طان ِل َربِِّ ِه َكف ً ين َو َكانَ ال َّ
اط ِشيَ ِ َكانواْ إِ ْخ َوانَ ال َّ
ورا) ( االسراء .) 20 ، 22 : 21 ْط فَتَ ْقعدَ َملو ًما َّمحْس ً ط َها ك َّل ْالبَس ِ عن ِق َك َوالَ تَبْس ْ
واالسراف مذموم فى كل األحوال ( َيا َبنِي آدَ َم خذواْ ِزينَتَك ْم ِعندَ ك ِِّل َمس ِْج ٍد َوكلواْ
َوا ْش َربواْ َوالَ تس ِْرفواْ ِإنَّه الَ ي ِحبُّ ْالمس ِْرفِينَ )( األعراف . ) 31
وسبق التعرض للبخل كأحد مظاهر الكفر السلوكى .فاالسراف والبخل من مظاهر
الكفر ،أما االسالم فهو التوسط واالعتدال بينهما .
ولهذا فاالسالم يجعل المسلمين أمة وسطا ( البقرة ) 183فى تعاملهم مع الناس ،
وفى المقابل تأتى صفتا االسراف والبخل من مالمح الكفر السلوكى ،أى تاتى
كلتاهما مرادفا لمصطلح التطرف فى عصرنا .
ولهذا ايضا يقوم دين االسالم على اليسر والتخفيف ورفع الحرج فيما يخص
العبادات وفى التعامل مع البشر ،كما ال يؤاخذ هللا تعالى المؤمن عند الخطأ و
النسيان واالكراه وعدم التعمد.
2ـ ولكن كل ذلك الشأن له بعقيدة االسالم (ال اله إال هللا )
هنا ال مجال لالعتدال ،بل بتعبيرعصرنا :تقوم عقيدة االسالم ( ال اله إال هللا )
على التطرف،ولكن فى هذا التطرف ينبع احترام العقل وسموالخلق والتيسير فى
الدين ،بينما يعنى االعتدال في العقيدة الوقوع فى الشرك ،ويتأسس عليه انحطاط
عقلى وخلقى ومشقة وتعسير فى الدين .
هذا يستلزم شرحا ..
أهال بكم معنا ..
أوال ـ (التطرف) فى عقيدة (ال اله إال هللا ) و(االعتدال) فى عقيدة (الشرك )
1ـ قلنا أن التطرف هو الوصول الى أقصى الطرف ،أى الوصول الى % 111
منه بحيث ال يوجد شىء الى جانبه .
2ـ وهذا بالضبط معنى االخالص فى العقيدة على نحو ما سبق شرحه فى المقال
السابق ( إنه هللا عز وجل ..ايها الناس ) فاالخالص فى العقيدة هلل تعالى رب
العالمين يعنى أن تكون األلوهية قصرا على رب العزة بدرجة . %111
وهذا ما يأتى التعبير عنه بأسلوب القصر فيما يخص عقيدة ( ال اله إال هللا ) وفيما
يخص تحديد دور النبى /الرسول ،وبشريته بما ال يتخطى حدوده البشرية و تبليغه
الرسالة .وسبق التوسع فى هذه النقطة فى المقال الثانى من سلسلة (إن ربك هو
أعلم من يضل عن سبيله )
فى هذا (التطرف العقيدى ) فى ( ال إله إال هللا ) يكمن السمو العقلى والعقلى
والتيسير.
3ـ االعتدال فى العقيدة يعنى السماح باالعتقاد فى شركاء مع هللا تعالى فال تكون
االلوهية والتقديس قصرا عليه وحده بنسبة مااة فى المااة بل بنسبة أقل ،بحيث
يسمح ويتسع المجال العقيدى (المعتدل) الضافة تقديس المخلوقات الى جانب
الخالق ،وبذلك تشتهر األديان األرضية بتقديس األنبياء وأصحابهم وحوارييهم
واألامة واألولياء والشيوخ والقديسيين واألحبار والرهبان ..الخ ..
8ـ فى هذا االعتدال ( العقيدى ) يكمن كل ما يحط باالنسان ويصل به الى أقل
درجة من الحيوان ( :األعراف ( )122 : 122الفرقان .) 88 : 83
ثانيا :السمو العقلى فى قصر االلوهية على هللا تعالى وحده :
بالعقل المجرد البسيط فال يوجد لنا من خالق إال هللا ،إذن ليس لنا من اله إال هللا جل
وعال .التسليم بهذا احترام للعقل ،وعدم التسليم به انحطاط بالعقل .
ونسترجع بعض المالمح القرآنية فى االحتجاج العقلى بموضوع الخلق دليال على
أنه ال يستحق أن يكون االها للمخلوقا سوى هللا الخالق جل وعال.
1ـ يأتى الموضوع باسلوب القصر ،فكما إنه ال خالق إال هللا إذن فال إله إال هللا ،
يقول جل وعال :
ض ال إِلَهَ إِالَّ ه َو ) ( فاطر ) 3 س َماء َواأل َ ْر َِّللا يَ ْرزقكم ِ ِّمنَ ال َّ ق َغيْر َّ ِ (ه َْل ِم ْن خَا ِل ٍ
2ـ التاكيد على أن تلك اآللهة المزعومة مخلوقة مثل من يعبدها من حمقى البشر ،
َّللا الَ
ون َّ ِبل ميتة ال تشعر بموعد بعثها ،كقوله تعالى ( َوالَّذِينَ َيدْعونَ ِمن د ِ
ش ْيئًا َوه ْم ي ْخلَقونَ أَ ْم َواتٌ َغيْر أَحْ يَاء َو َما يَ ْشعرونَ أَيَّانَ ي ْب َعثونَ ) (النحل يَ ْخلقونَ َ
) 21 : 21
3ـ تحدى الحمقى من البشر الذين يعبدون ويقدسون تلك المخلوقات أن تستطيع
آلهتهم المزعومة المخلوقة أن تخلق شيئا ( :ق ْل أَ َرأَيْت ْم ش َر َكا َءكم الَّذِينَ تَدْعونَ ِمن
ت ) ( فاطر .)81 س َم َاوا ِض أَ ْم لَه ْم ِش ْركٌ فِي ال َّ َّللا أَرونِي َماذَا َخلَقوا ِمنَ األ َ ْر ِ ون َّ ِد ِ
ض أَ ْم لَه ْم ِش ْركٌ فِي َّللا أَرونِي َماذَا َخلَقوا ِمنَ األ َ ْر ِ (ق ْل أَ َرأَيْتم َّما تَدْعونَ ِمن د ِ
ون َّ ِ
ت ) ( االحقاف ) 8 س َم َاوا ِال َّ
والتأكيد على عجزهم عن خلق ذبابة حتى لو اجتمعوا على ذلك ،بل لو سلبتهم
ب َمثَ ٌل فَا ْستَ ِمعوا لَه ِإ َّن الذبابة شيئا فلن يستطيعوا إنقاذه منها (يَا أَيُّ َها النَّاس ض ِر َ
ش ْيئًا ِّال َّللا لَن يَ ْخلقوا ذبَابًا َولَ ِو اجْ ت َ َمعوا لَه َوإِن يَسْلبْهم الذُّبَاب َ ون َّ ِ الَّذِينَ تَدْعونَ ِمن د ِ
يز ي َع ِز ٌ َّللا لَقَ ِو ٌّ
َّللا َح َّق قَد ِْر ِه ِإ َّن َّ َ
طلوب َما َقدَروا َّ َ الطا ِلب َو ْال َم ْف َّ ضع َ َي ْستَن ِقذوه ِم ْنه َ
) ( الحج ) 28 : 23
8ـ المقارنة بين الخالق جل وعال وتلك اآللهة المزعومة المخلوقة ( :أَفَ َمن يَ ْخلق
َك َمن الَّ يَ ْخلق أَفَال تَذَ َّكرونَ ) ( النحل ) 12
2ـ ولنترك للقارىء العزيز أن يضع عنوانا لقوله جل وعال (:أَ ْم خ ِلقوا ِم ْن َغي ِْر
ض بَل ِّال يوقِنونَ ) (الطور : 32 ت َواأل َ ْر َس َم َاوا ِ يءٍ أَ ْم هم ْالخَا ِلقونَ أَ ْم َخلَقوا ال َّ ش ْ َ
يءٍش ْ َّللا خَا ِلق ك ِِّل َ َّلل ش َر َكاء َخلَقواْ َكخ َْل ِق ِه فَتَشَابَهَ ْالخ َْلق َعلَ ْي ِه ْم ق ِل َّ ( ) 31أَ ْم َج َعلواْ ِ َّ ِ
احد ْالقَ َّهار) (الرعد ) 11 َوه َو ْال َو ِ
1ـ هى اسئلة بسيطة ومباشرة تخاطب العقل ،وتسمو به فى نفس الوقت ،وحين
يكون الذى يوجِّه هذه األسئلة للعقل البشرى هو هللا جال وعال ففى هذا احترام
للعقل البشرى وتقدير له يأتى من خالقه جل وعال.
وهى فى نفس الوقت أسئلة صعبة وعسيرة على من أهمل عقله وانحط به الى
مستوى الالعقل ،بدليل أن أكثرية البشر يقدسون البشر والحجر ،وبدليل أن أامة
المحمديين وقادتهم فى الدنيا والدين (األرضى ) يقدسون البشر من ( دمحم ) الى
غيره ،ويتبركون بأحجار القبورواألوثان ،ومنها ذلك القبر الوثن المنسوب لمحمد
الى أى قبر فى قرية نااية فى بالد ( المسلمين ) .
ثالثا :االنحطاط العقلى فى االعتدال العقيدى للمشركين الكافرين :
1ـ فى عبادة غير هللا واالستغاثة بغير هللا يتجلى االنحطاط العقلى بكل سوءاته
وسيئاته .
2ـ لنفترض أن ذلك المخلوق المعبود ال يزال حيا يسعى ،كما يقدس الصوفية
أولياءهم ،وكما يقدس الشيعة فالنا الذى هو بزعمهم ( آية هللا روح هللا )،أو كما
يقدس السنيون أامتهم من الشعراوى سابقا الى القرضاوى حاليا .
هذا المخلوق الحى ( المقدس ) عند أتباعه ال شك أن له جسدا ،وهذا الجسد يحتاج
الى طعام ،وهذا الطعام يحتاج الى سعى للحصول عليه ،ويحتاج الى هضم ثم
أمس االفتقار الى هللا جل وعال خالقه . الى إخراج .وهو فى كل تلك الحاالت فى ِّ
(الطعام ) فارق أساس بين الخالق جل وعال وحده والمخلوق .فاهلل جل وعال هو
الذى (يطعم المخلوقات ) وهو جل وعال ال يطعمه أحد ،يقول جل وعال ( :ق ْل
طعَم ) ( األنعام 18 ط ِعم َوالَ ي ْ ض َوه َو ي ْ ت َواأل َ ْر ِس َم َاوا ِ اط ِر ال ََّّللا أَت َّ ِخذ َو ِليًّا فَ ِ
أَ َغي َْر َّ ِ
) .لذا فكل المخلوقات مفتقرة له وهو الغنى عن العالمين ،ألنه جل وعال هو وحده
( الصمد ).
وألن التقديس فى الشرك والكفر يبدأ بتقديس النبى فقد جاء التأكيد على أن أنبياء
هللا ورسله هم رجال مثل بقية البشر ،وأنهم ليسوا خالدين ،وأنهم يأكلون الطعام
وما يعنيه أكل الطعام من نقص بشرى واحتياج للخالق جل وعال ،يقول تعالى عن
وحي ِإلَ ْي ِه ْم فَاسْأَلواْ أَ ْه َل ال ِذِّ ْك ِر ِإن س ْلنَا قَ ْبلَ َك ِإالَّ ِر َجاالً نُّ ِ
األنبياء والرسل َ (:و َما أَ ْر َ
ام َو َما َكانوا خَا ِلدِينَ ) ( األنبياء سدًا ِّال يَأْكلونَ َّ
الط َع َ كنت ْم الَ تَ ْعلَمونَ َو َما َج َع ْلنَاه ْم َج َ
.) 2 : 2وابراهيم عليه السالم خاطب ربه جل وعال فقال (الَّذِي َخلَقَنِي فَه َو يَ ْهد ِ
ِين
ط ِعم ِني َو َي ْس ِقي ِن) ( الشعراء .) 20 : 22وفى الرد على من يعبد َوالَّذِي ه َو ي ْ
المسيح وأمه عليهما السالم قال جل وعال يذ ِّكر ببشريتهما واحتياجهما للطعام حين
صدِِّيقَةٌ الرسل َوأ ُّمه ِ ت ِمن قَ ْب ِل ِه ُّ كانا احياءَّ (:ما ْال َمسِيح ابْن َم ْريَ َم إِالَّ َرسو ٌل قَدْ َخلَ ْ
ت ث َّم انظ ْر أَنَّى يؤْ فَكونَ ) ( الماادة 22 ْف نبَ ِيِّن لَهم اآليَا ِ ام انظ ْر َكي َ طعَ َ الن ال ََّكانَا يَأْك ِ
)
وألن عالم الغيب و الشهادة جل وعال كان يعرف مقدما أنه سيأتى وقت يقدِّس فيه
المحمديون دمحما بمثل ما يقدس به المسيحيون المسيح فقد جاء التاكيد فى سورة
مكية على احتياج دمحم خاتم المرسلين للطعام وسعيه للحصول عليه شأن األنبياء
السابقين ،إذ كان خاتم المرسلين يأكل الطعام ويمشى فى األسواق فتندر عليه
ق) وجاء الرد ام َويَ ْمشِي فِي األَس َْوا ِ ول يَأْكل َّ
الط َع َ الرس ِ ال َهذَا َّ المشركون َ ( :وقَالوا َم ِ
سلِينَ إِالَّ إِنَّه ْمس ْلنَا قَ ْبلَ َك ِمنَ ْالم ْر َ من هللا جل وعال ،ومنه قول الرحمن َ (:و َما أَ ْر َ
ق)(الفرقان.) 21 ، 2 ام َويَ ْمشونَ فِي األَس َْوا ِ لَيَأْكلونَ َّ
الطعَ َ
االن تخيل جسد النبى البشرى مثل جسدك بأجهزته التناسلية والحيوية من إخراج
بول وبراز ،وتخيل العمليات الحيوية التى يقوم بها هذا الجسد للنبى ولك ،ومنها
العملية الجنسية ،فاألنبياء مثلى ومثلك كانوا يتزوجون ويتناسلون ،وينامون مع
نسااهم كما تفعل سيادتك ،وهللا جل وعال يقول عنهم فى هذه النقطة بالذاتَ (:ولَقَدْ
س ْلنَا رسالً ِ ِّمن قَ ْب ِل َك َو َج َع ْلنَا لَه ْم أَ ْز َوا ًجا َوذ ِ ِّريَّةً )(الرعد ) 32أى كان لهم
أَ ْر َ
زوجات ،وأنجبوا منهن ذرية ،وتلك حقااق عقلية بسيطة ومباشرة ،ويمكن أن
تتخيل كيف ينجب النبى من زوجته بنفس اللقاء الجنسى ( الحيوانى ) الذى تنجب
به أنت وينجب به كبار المجرمين وعتاة الظالمين .هو نفس الجسد،وهى نفس
الشهوة العاصفة الجسدية الحسية التى ينسى فيها ابن آدم عقله واحترامه لنفسه ،
وكلنا نفس البشر ،فكيف يكون هناك تقديس لهذا الجسد وتأليه له على األجساد
األخرى وهى من نفس الطينة ؟
ثم األمراض التى تصيب ذلك الجسد البشرى للنبى أو لغيره ،منها ما يخص
الطعام والشراب كالمغص واالسهال و االمساك ،و منها ما يأتى بعوامل أخرى
بنفس ما يحدث لى ولك وله ولها .تخيل النبى وهو يعانى من االسهال أو االمساك
أو وهو يخرج الريح بصوت أو بدون صوت ،أو وهو يذهب للتبول و التبرز .ال بد
أن تتخيل كل هذا للنبى لتتأكد من بشريته وأنه مخلوق له جسد ينتمى لالرض مثلك
،وأنه ال يمكن أن يكون مقدسا بأى حال .
ثم فى النهاية يموت جسد النبى ،ويتحول الجسد الميت نفسه الى ( طعام )
لألالرض التى جاء منها ( طه .)22تعتري جسد النبى ما تعترى أجساد البشر
حين تتحول بالموت الى (سوأة ) تسىء الناظرين،وال بد من إخفااها عن أعين
الناظرين وأنوفهم إكراما لصاحبها الذى عادت نفسه للبرزخ ،يستوى إن كان نبيا
من المرسلين أو من عتاة المجرمين .تخيل ما حدث لجسد النبى بعد الموت وهو
مدفون فى التراب ،حين يتصلب الجسد ثم ينفجر ،ثم ترتع فيه الديدان ،ثم تأكله
الى أن تنتهى األنسجة ،وتبقى العظام ،وتتحول فى النهاية الى تراب .نفس الموت
الذى حل ويحل بالجميع .حين تتخيل ذلك كله بهدى القرآن الكريم تعرف الى أى
حد ينحط المشركون بهجر العقل حين يركع أحدهم أو يسجد أو يقف قانتا أمام قبر
مقدس منسوب لنبى أو ولى ..
3ـ ثم :ماذا يقدسون وماذا يخاطبون ،وبمن يستغيثون ؟ هل بالجثة المدفونة و
الجسد الرميم ؟
سيقال :إنهم يعتقدون حياته فى قبره .أى يحكمون عليه بالسجن فى زنزانة ضيقة
تحت األرض الى أن تقوم الساعة ،ثم تكون أقدامهم فوقه وهو تحت أقدامهم فى
األرض .أهذا تقديس أم تجريس ؟ إهذا إحترام وإكبار أم استهزاء و احتقار ؟ ..ال
يوجد عقل هنا ،بل انحطاط فى العقل.
ثم تخيل وهم يستغيثون به يطلبون منه المدد معتقدين حياته البرزخية وقدراته (
الجهنمية ) ثم فجأة يخرج عليهم من القبر فاتحا ذراعيه ؟ هل سيبقون فى مكانهم
يستقبلونه أم يولون األدبار ؟ ..هل بعد هذا انحطاط فى العقل .
اين العقل فى وجود كثير من األضرحة المقدسة للحسين فى مصر والعراق و
الشام؟ ويشترك فى تقديسها الشيعة و الصوفية وعوام السنة ..المضحك أن كل
ِّ
انحط مشهد للحسين يزعم أن بداخله (رأس الحسين )؟ ونتساءل لندرك الهوة التى
اليها عقل المحمديين :كم عدد الرءوس التى كانت للحسين ؟ أشهر قبر مقدس
للحسين هو الذى أقامته الدولة الفاطمية فى القاهرة قبيل أن تسقط تلك الدولة ،لم
تفكر فى رأس الحسين وهى تبنى القاهرة عاصمة لها ،او حين بنت األزهر
جامعة لها ،ولكن اضطرت لهذه الخدعة وهى تلفظ أنفاسها وحين انحسرت
الدعوة الشيعية فى مصر فقام الوزير األفضل بانشاء هذا الوثن ليعيد بعض النفوذ
لخالفة شيعية تحتضر .وسقطت الدولة الفاطمية وتحولت الى متحف التاريخ ،
ولكن ظل ضريح الحسين شاهدا وعنوانا على انحطاط العقل لدى المسلمين
المحمديين فى مصر(المعتدلين فى عقيدتهم )
ال توجد رأس للحسين فى أى مشهد من تلك المشاهد المقامة على رأسه
،أو(رءوسه) .ولكن تخيل أن رأسه بالفعل مدفونة فى ذلك المشهد أو ذاك ؟ ماذا
بقى من تلك الرأس ؟ مجرد جمجمة أم رأس كاملة ؟ وهل يمكن أن تظل حية بدون
جسد بعد مفارقة جسدها فى كربالء ؟ لنقل أنها رأس حية بدون جسد وتتكلم
وتمشى ( ال أعرف كيف ) ولكن دعنا نتخيل هذا الهراء فى وجود رأس حية بال
جسد .هل لو خرجت تلك الرأس لنا ورأيناها هل سنستقبلها باالحضان ؟ وكيف
تحتضن رأسا بالجسد ؟ ام هل نفر منها فرارا ،فنجعلها تبكى ؟ وكيف حينئذ
ستبكى ؟ .لنتخيل تلك الرأس الحية تحت الرماد ولها كرامات ،فأين كانت كراماتها
حين قطعها سيف األمويين فى كربالء ؟ لو كانت مقدسة الستعصت على القطع
والذبح ،ولكن قطعها سيف حديدى وبالتالى فاألولى منها بالتقديس هو ذلك السيف
الذى انتصر عليها .
ثم لنفترض أن الحسين بكامل جسده يعيش بيننا حيا فما الذى يستطيع أن يفعله لنا ،
وهو الذى لم يستطع أن ينجح فى ثورته ،وهو الذى خدعه أنصاره واستقدموه من
مأمنه الى مقتله ؟ وهل يكون للحسين شىء فى تصريف ملك هللا جل وعال ،فى
ي ٌء ) ( آل ْس لَ َك ِمنَ األ َ ْم ِر َ
ش ْ الوقت الذى ليس فيه لجده دمحم عليه السالم ( :لَي َ
عمران .)122
8ـ أى هى فى النهاية عبادة ليست لرماد ميت أو لرأس ال وجود لها ،هى فى
الواقع عبادة ألحجار الضريح وما يضاف اليها من زجاج وأسالك واقمشة ملونة،
وكل ما يتبرك بلمسه العابدون للمشهد او الضريح او القبر المقدس .بايجاز هى
عبادة لألوثان .
ماذا يعنى هذا عقال :إن هللا جل وعال قد سخر لنا مواد الطبيعة التى نسير عليها
باقدامنا ،ونتبول فوقها ونتبرز ،وتتحول الى قاذورات ،مهما اختلفت أنواعها من
تراب وصخور وأخشاب ونبات ..الخ ..ثم بدال من أن نمشى عليها بارجلنا نصنع
منها آلهة مقدسة فى شكل قبر مقدس ،ونزعم أن تحت القبر رأس فالن أو جثة
عالن ،وكل التبرك والتقديس يذهب لالحجار ،وكل القرابين والنذور واألموال
تذهب الى جيوب سدنة المعبد واهل االحتيال.
باختصار يعبد المحمديون ما ينحتون ،ونقول لهم ما قاله ابراهيم عليه السالم
َّللا أَ ْوثَانًا َوت َْخلقونَ ِإ ْف ًكا ) (
ون َّ ِلقومه منذ عشرات القرون ِ (:إنَّ َما تَ ْعبدونَ ِمن د ِ
َّللا َخلَقَك ْم َو َما تَ ْع َملونَ ) ( الصافات : 02 ال أَتَ ْعبدونَ َما تَنْ ِحتونَ َو َّ
العنكبوت () 12قَ َ
.) 01
2ـ ثم هذه القرابين وتلك النذور على تلك األوثان إنحطاط عقلى آخر فى ذلك
االعتدال العقيدى لدى المحمديين .هذا ( المحمدى ) تراه يقظا واعيا فى كل ما
يخص دنياه من عمل وعالقات وبيع وشراء وشئون مالية واقتصالدية ،هنا يكون
من الصعب خداعه .ولكنه فى مجال العقااد ينحط ويرضى بأن يكون مخدوعا .
لو ذهب لشراء سلعة تجده يبحث عن األجود واألرخص سعرا ،ثم يساوم الى أن
يفوز بما يريد أو بعض ما يريد .لكنه أمام الوثن المقدس يعطى األموال نذرا
وقربانا دون أن يسأل نفسه :هل تلك األموال تذهب فعال الى االله المقدس المدفون
أم يلتهمها سدنة المعبد وهم يتندرون عليه؟
حقيقة األمر أن الذى يدفع األموال للوثن ووللولى المدفون ال علم له بحقيقة ذلك
الوثن وصاحب ذلك الوثن ،واسمه وحياته وتاريخه .الذى يدفع النذور لقبر السيد
البدوى فى طنطا ال يعرف االسم الحقيقى للسيد البدوى ،وأنه أحمد بن على بن
ابراهيم ،وال يعرف أن السيد البدوى و شيخ العرب وغيرها من ألقاب قد تم
إطالقها عليه بعد موته،أى أنه مات دون أن يدرى عنها شيئا.الذين يعبدون قبر أبى
الحسن الشاذلى فى ( حميثرا ) على البحر األحمر ال يعرفون شيئا عن حقيقة أبى
الحسن الشاذلى سوى الخرافات المكتوبة عنه ،حتى حين يستغيثون به ال يعرفون
أن إسمه الحقيقى هو ( على بن عبد الجبار) .والذين يطوفون حول وثن الحسين فى
المشهد الحسنى بالقاهرة ال يعلمون أنه ال يوجد شىء فى القبر ،وأنها كذبة كبرى
استمرت تخدع المصرين وال تزال شاهدة على انحطاط عقلى أريد له االستمرار
ألغراض سياسية و مالية .كل ذلك يعبر عنه رب العزة فى إيجاز واعجاز فى قوله
َاَّلل لَتسْأَل َّن َع َّما كنت ْم
َصيبًا ِ ِّم َّما َرزَ ْقنَاه ْم ت َّ ِجل وعال َ ( :ويَجْ عَلونَ ِل َما الَ يَ ْعلَمونَ ن ِ
تَ ْفتَرونَ ) ( النحل .) 21أرجوكم التدبر فى هذه االية الكريمة.
ذلك مجرد ملمح من مالمح الخبل العقلى لدى االعتدال فى العقيدة الكافرة المشركة
رابعا :السمو الخلقى فى العقيدة االسالمية وعكسه فى عقااد المحمديين :
1ـ ايهما األكرم لك :أن تكون عبدا هلل جل وعال وحده ،وهو خالقك وهو الذى
سيحاسبك يوم الدين أم تكون عبدا لمخلوق مثلك ؟ أيهما األكرم لك :أن تسجد
وتركع هلل جل وعال وحده ألنه خالقك وحده أم أن تخشع وتسجد وتركع لمواد بناء
من طوب ورمل و اسمنت واحجار وزجاج وأخشاب وأقمشة ملونة مزركشة ،
صنعها إنسان مثلك ليخدعك و يستخف بعقلك ؟
أيها األكرم لك :أن يكون لك اله واحد الشريك معه ،وهو الخالق لك ولغيرك ،أم
أن تتعدد وتتكاثر آلهتك فبدال من أألن تكون (عبد هللا ) تكون عبد النبى وعبد
الرسول وعبد الحسين وعبد على وعبد الصالحين وعبد المسيح ..الخ ؟
كيف تكون لك كرامة إذا إخترت بكامل حريتك مخلوقا مثلك ليكون االها لك ؟
وهو مثلك ال يملك لنفسه نفعا وال ضرا وال موتا وال حياة وال نشورا ؟ .أراد هللا
جل وعال لك العزة والكرامة وأردت لنفسك المهانة و الحقارة .وصدق هللا العلى
َّلل ْال ِع َّزة َو ِل َرسو ِل ِه َو ِل ْلمؤْ ِمنِينَ َولَ ِك َّن ْالمنَافِقِينَ ال يَ ْعلَمونَ ) (المنافقون ) 2 العظيمَ (:و ِ َّ ِ
كرم هللا جل وعال بنى آدم ( َولَقَدْ َك َّر ْمنَا َب ِني آدَ َم َو َح َم ْلنَاه ْم ِفي ْال َب ِ ِّر وتأمل كيف ِّ
ضيالً ) ( االسراء ت َوفَض َّْلنَاه ْم َعلَى َكثِ ٍ
ير ِ ِّم َّم ْن َخلَ ْقنَا تَ ْف ِ َو ْال َبحْ ِر َو َرزَ ْقنَاهم ِ ِّمنَ َّ
الط ِيِّ َبا ِ
)21ثم كيف أوقع أبناء آدم بأنفسهم االسترقاق الطوعى .
2ـ لذا ترتبط سيادة الدين االرضى على شعب ما بأن يكون هذا الشعب خانعا
لسلطة سياسية مستبدة طاغية ،تحكم مباشرة بالدين األرضى ( مثل والية الفقيه )
أو تستخدم الدين االرضى فى تثبيت طغيانها كما تفعل نظم الحكم االستبدادية فى
بالد ( المحمديين ) .فطالما رضى الناس بخنوعهم أمام شباك ضريح ،وطالما
ركعوا وسجدوا أمام أعتاب القبور المقدسة ،وطالما شاع فيهم المثل الشعبى فى
العصر المملوكى ( من زار األعتاب ما خاب ) فمن السهل عليهم الخنوع و
الخضوع لحاكم مستبد يذيقهم النكال .
3ـ وال يقتصر األمر على ذلك ،فهناك األفظع فى التردى الخلقى ،وهو تشريع
العدوان فى الدين السنى و تشريع االنحالل فى الدين الصوفى ،ولست متخصصا
فى الدين الشيعى ألعطى مثال منه ،وأطلب من المتخصصين تعليمنا بأمثلة منه .
يل َّ ِ
َّللا س ِب ِ فى االسالم :يقول جل وعال فى تشريع القتال فى االسالم َ ( :وقَاتِلواْ فِي َ
َّللا الَ ي ِحبُّ ْالم ْعتَدِينَ ) (البقرة .) 101القتال هنا مقيد الَّذِينَ يقَاتِلونَك ْم َوالَ تَ ْعتَدواْ ِإ َّن َّ َ
بكونه فى الدفاع فقط وعدم االعتداء .
فى الدين السِّنى األرضى ،ينسبون للنبى دمحم عليه السالم قوله ( :أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا ال اله إال هللا وأننى رسول هللا ) .هنا أمر بالقتال الكراه الناس
على الدخول فى الدين المحمدى .هذا إعتداء على الغير ،وهللا جل وعال ال يحب
المعتدين .والسنيون أبرز المعتدين .
فى الدين األرضى الصوفى ،يتحول الجهاد المعتدى العنيف فى الدين السِّنى الى
جهاد وديع مسالم تحت عنوان ( جهاد النفس ) .وممارسة جهاد النفس عمليا كان
يعنى فى العصر المملوكى أن يعيش الصوفية داخل الخوانق واألربطة والزوايا و
القباب و المساجد بال عمل سوى ممارسة (الذكر ) أى الرقص ،والوجد (أى
الغناء ) و القول بالشاهد على جمال هللا (أى ممارسة الشذوذ الجنسى فرديا أو
جماعيا ) وتسهيل الدعارة بكل أنواعها داخل وخارج المؤسسة الصوفية ( أى
القيادة ) وتدخين الحشيش (أى السطلة والسِّكر ) ،ثم يزعمون أنهم قد اتحدوا باهلل
جل وعال وصاروا جزءا منه وفق عقااد الحلول واالتحاد الصوفية .
هذا هو جهاد النفس عندهم ،وتفصيله سيأتى فى الجزء الثالث من موسوعة
التصوف ،والتى سننشرها متاحة على موقعنا بعونه تعالى .ونضطر ـ آسفين ـ
لنقل ما قاله المقريزى كشاهد عيان على جهاد الصوفية فى عصره .ونعتذر مجددا
على األلفاظ الصريحة فى النص ولكن ال بد من إثباتها للتعرف على إنحطاط
العصر المملوكى خلقيا :يقول المقريزى فى (الخطط المقريزية ،الجزء الثالث ) :
(قال مؤلفه :ذهب وهللا ما هنالك ،وصارت الصوفية كما قال الشيخ فتح الدين دمحم
بن دمحم بن سيد الناس اليعمري:
بغير زيادَ ْه. ما شروط الصوفي في عصرنا اليو َم سوى ستة ِ
والرقص والغنا والقياد ْه. ِ كر والسطل ِة وهي نيك العلوق والس ِ
ً
وحلوال من جه ِل ِه أو أعاد ْه. واذا ما هذى وابدى اتحادًا
عا فهو شيخ الشيوخ ذو السجَّادَ ْه. عقال وشر ًت ً واتى المنكرا ِ
ثم تالشى اآلن حال الصوفية ومشايخها ،حتى صاروا من سقط المتاع ،ال ينسبون
الى علم وال ديانة ..والى هللا المشتكى.) !!.
هنا لدينا أنواع ثالثة من تشريع الجهاد والقتال :تشريع االهى واضح بالقتال
الدفاعى فقط وتحريم االعتداء ،وهذا فى االسالم .وتشريع ارضى سنى باالعتداء
على الغير الرغامهم على الدخول فى الدين األرضى وقول ( الشهادتين ) ،ثم
تشريع الجهاد الظريف الممتع للصوفية ،حين يتخذ شيخ الشيوخ ذو السجادة من
سجادته فراشا ليس للصالة بل لممارسة الشذوذ الفردى والجماعى ..
هذا ملمح من الفوارق الخلقية بين التطرف المحمود فى العقيدة االسالمية و
االعتدال المرذول فى عقااد المحمديين .
خامسا :التيسير والتعسير بين تطرف العقيدة االسالمية واعتدال العقااد المحمدية
1ـ لنفترض وجود عبد مملوك لثالثة من الشركاء كل منهم يملك فيه جزءا ،وهم
شركاء متنازعون متشاكسون .كيف سيكون حال هذا العبد المملوك المسكين ؟
سيكون فى أسوأ حال .سيقول له سيده رقم 1افعل كذا ويهدده بالعقاب ،وردا
عليه سقول له سيده رقم 2ال تفعل هذا ،ويهدده بالعقاب ،ويأتى سيده رقم 3برأى
مخالف ويهدد العبد المسكين إن لم يفعله .هذا العبد المملوك هنا يعانى تعاسة ال
مثيل لها .وتخيل وجود عبد مملوك لشخص واحد ،يقول رأيا واحدا ،وطريقته
معروفة ومفهومة ..هذا العبد هنا يعيش فى يسر وسهولة .هذا هو معنى قوله جل
سلَ ًما ِلِّ َرج ٍل ه َْل
َّللا َمثَالً َّرجالً فِي ِه ش َر َكاء متَشَا ِكسونَ َو َرجالً َ
ب َّض َر َ
وعال َ ( :
ان َمثَالً) (الزمر .) 20يَ ْستَ ِويَ ِ
من فضل هللا جل وعال أن جعل لنا كتابا محددا ،له بداية وله نهاية ،ويتكون من
سور معلومة ،وكل سورة تتكون من آيات مرقمة .ثم إن كل االيات ميسرة للذكر
لمن أراد الهداية ،وفى كلها مجال لمن أراد التوسع المعرفى .هذا هو التيسير فى
التطرف العقيدى االسلالمى ،حيث يوجد كتاب واحد وحيد جعله هللا جل وعال
ميسرا للذكر.
المحمديون فى الجانب المقابل ( المعتدل ) ،لهم كتبهم المقدسة فى العقااد و
الشرااع ،هى كتب لها أول ولكن ليس لها آخر .ال يمكن للمحمدى أن يتعرف
على كل تلك الكتب المقدسة .كلها تتناقض مع بعضها تبعا للدين األرضى ( سنة ،
شيعة ،تصوف ) وفى داخل كل دين منها تختلف حسب كل مذهب أوطاافة
أوطريقة ،بل فى داخل الكتاب الواحد تجد اختالفا فى الروايات وتناقضا فى
اآلراء .أيها األسهل :الرجوع الى كتاب واحد هو القرآن الكريم ؟ أم االتجاه الى
كتب التراث لتتوه بينها الى ما ال نهاية!!.
أخيرا ..كما قال المقريزى( ..الى هللا المشتكى.)!!.