You are on page 1of 66

‫التفريق بين الرسل والتفضيل بينهم وشهادة االسالم الواحدة‬

‫تقديم‬
‫‪ 1‬ـ ينتابنى الرعب حين أقرأ مؤلفاتى القديمة والتى كتبتها حين كنت فى جامعة‬
‫األزهر‪ .‬كنت ال أرى بأسا من االستشهاد بأحاديث أراها تتفق مع القرآن الكريم ‪،‬‬
‫ض‬ ‫ت َو ْاأل َ ْر ِ‬‫س َم َاوا ِ‬ ‫وكنت غافال عن قوله جل وعال ‪( :‬أَ َو َل ْم يَنظروا فِي َملَكو ِ‬
‫ت ال َّ‬
‫ث بَ ْعدَه‬ ‫ي َحدِي ٍ‬ ‫ب أَ َجله ْم ۖفَبِأ َ ِِّ‬‫س ٰى أَن يَكونَ قَ ِد ا ْقت ََر َ‬ ‫يءٍ َوأَ ْن َع َ‬ ‫َو َما َخلَقَ اللَّـه ِمن َ‬
‫ش ْ‬
‫ث َب ْعدَه يؤْ ِمنونَ ﴿‪ِ ( )﴾١٥‬ت ْل َك آ َيات اللَّـ ِه‬ ‫ي َحدِي ٍ‬ ‫يؤْ ِمنونَ ﴿‪ ﴾٥٨١‬االعراف ) ( فَ ِبأ َ ِِّ‬
‫ث َب ْعدَ اللَّـ ِه َوآ َياتِ ِه يؤْ ِمنونَ ﴿‪ ﴾٦‬الجاثية )( َو ِمنَ‬ ‫ي َحدِي ٍ‬ ‫ق ۖ فَ ِبأ َ ِِّ‬‫نَتْلوهَا َعلَي َْك ِب ْال َح ِّ ِ‬
‫يل اللَّـ ِه ِبغَي ِْر ِع ْل ٍم َويَت َّ ِخذَهَا‬
‫س ِب ِ‬‫ض َّل َعن َ‬‫ث ِلي ِ‬ ‫اس َمن يَ ْشت َِري لَ ْه َو ْال َحدِي ِ‬ ‫النَّ ِ‬
‫ين ﴿‪ ﴾٦‬لقمان ) ‪.‬‬ ‫هز ًوا ۖ أولَ ٰـئِ َك لَه ْم َعذَ ٌ‬
‫اب ُّم ِه ٌ‬
‫‪ 2‬ـ بعدها كانت نقلة فى التفكير وفى الدين ‪ ،‬بدأت االحتكام الى القرآن الكريم فى‬
‫السنة كلها ونشرت ( القرآن وكفى ) و ( االسناد فى الحديث ) و( التأويل ) و ( حد‬
‫الردة ) و ( عذاب القبر والثعبان )‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ولكن كنت أيضا غافال عن االحتكام للقرآن الكريم فيما فعله الصحابة و (‬
‫الخلفاء الراشدون ) بعد موت خاتم النبيين ‪ ،‬رجعت الى القرآن بعد دراسة جادة‬
‫لتاريخ الخلفاء ( الراشدين ) فايقنت أنهم الخلفاء الفاسقون ‪ .‬وكالعادة فكل ما أعتنقه‬
‫أبادر بنشره ‪ .‬وفى خضم هذا التحول والمعايشة القرآنية أيقنت أن من الكفر جعل‬
‫شهادة االسالم الواحدة ( ال إله إال هللا ) شهادتين ‪ ،‬وكنت قد تركت جامعة األزهر‬
‫بسبب إنكار الشفاعة وتتفضيل النبى دمحم ع ِّمن سبقه من األنبياء وإنكار عصمته‬
‫الشخصية ‪ ،‬لذا كان ال بد من إكتمال األمر برفض أن تكون شهادة االسالم‬
‫شهادتين ألنه تعنى التفريق بين الرسل وتفضيل خاتم النبيين ع ِّمن سبقه من األنبياء‬
‫عليهم جميعا السالم‪ .‬أشرت الى شهادة االسالم الواحدة فى مقال عن التقوى فثار‬
‫جدل فى الموقع ترتب عليه مقاالت الحقة‪ .‬رأيت أن انشرها فى كتاب ‪ ،‬ونسيت‬
‫الموضوع ثم تذكرته ‪ ،‬واآلن أنشر هذا الكتاب بالمقدمة التى كتبتها يومئذ ‪.‬‬
‫وهللا جل وعال هو المستعان‪.‬‬
‫أحمد صبحى منصور‬
‫فى ‪ 22‬نوفمبر ‪2112‬‬

‫المقال االول‪:‬‬
‫(الَ نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِ ِّمن ُّرس ِل ِه)‬

‫بقلم‪ :‬آحمد صبحي منصور‬


‫تاريخ النشر‪10-11-2112 :‬‬
‫أمر هللا جل وعال المسلمين أن يقولوا (الَ نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِ ِّمن ُّرس ِل ِه)‪ ..‬فقال‬
‫المحمديون (سمعنا وعصينا )‬

‫مقدمة‬
‫‪ 1‬ـ دارت مناقشات حامية فى موقعنا (اهل القرآن ) بعد نشر مقال (التقوى جوهر‬
‫االسالم )‪ .‬النقاش انصب حول مقدمة المقال وعنوانها (التقوى نقطة الفصل بين‬
‫االسالم والمحمديين) وخاصة قولى فيها ‪ (:‬فشهادة االسالم واحدة وليست إثنتين ‪،‬‬
‫فهى شهادة أنه ال اله اال هللا فقط‪ .‬ومن شهد بهذا فقد آمن بكل األنبياء دون أن يفرق‬
‫بينهم ‪ ،‬أو أن يرفع واحدا من بينهم فوق اآلخرين‪ .‬حين يضاف الشهادة بمحمد‬
‫رسوال فهنا تفضيل له على غيره من األنبياء وتمييز له عنهم ‪ ،‬وهذا كفر باالسالم‬
‫وفقا لما أكده هللا تعالى فى القرآن ( البقرة ‪( ) 222 ، 131‬آل عمران ‪( )28‬النساء‬
‫‪( )122 : 121‬األحقاف ‪ .)0‬ولكن العقيدة األساسية لديهم إنهم أمة دمحم‪،‬وأن دمحما هو‬
‫سيد المرسلين ‪ ،‬وهذا تأليه للنبى دمحم يؤكده قيامهم بالحج الى قبره و الصالة اليه‬
‫بزعم الصالة عليه ووضع اسمه الى جانب اسم هللا تعالى فى المساجد وفى األذان‬
‫للصالة قبل الصالة و فى التحيات أثناء الصالة ‪،‬وفى صالة ركعات السنة له بعد‬
‫الصالة‪ ،‬وفى قراءة الفاتحة له ‪ ،‬وفى االعتقاد الجازم فى شفاعته كأنه المالك ليوم‬
‫الدين ‪ .‬وكل ذلك كفر عقيدى باالسالم‪).‬‬
‫اعترض بعض األحبة واتهمنى بتكفير أغلبية المسلمين ‪ ،‬متخذا من وجود أكثرية‬
‫حجة على كالم هللا جل وعال ‪ ،‬مع أن هللا تعالى يؤكد أن األكثرية دااما ضد الحق ‪،‬‬
‫وأن النبى دمحما عليه السالم لو أطاعها فستضله عن سبيل هللا‪ (.‬األنعام ‪111 : 112‬‬
‫)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ولقد قلت إنه ( كفر عقيدى ) وليس بالكفر السلوكى الذى يعنى االعتداء‪ .‬وقد‬
‫سبق توضيح أن االسالم فى العقيدة هو التسليم واالعتقاد فى هللا تعالى وحده االها‬
‫ال شريك له‪ ،‬وفى معناه السلوكى هو السالم و المسالمة ‪ ،‬فكل من كان مسالما فهو‬
‫مسلم حسب سلوكه ‪ ،‬ينطبق هذا على األغلبية الساحقة من البشر غير االرهابيين‬
‫سواء كانوا من المسلمين أوالمسيحيين أو البوذيين أو االسراايليين ألن االرهابى‬
‫كافر بسلوكه مهما كان انتماؤه وشعاراته ‪ ،‬وال دخل لنا بمعتقده ألن حساب العقااد‬
‫عند رب العزة يوم القيامة ‪ ،‬فمن مات مشركا استحق الخلود فى النار مهما كان‬
‫َّللا َعلَ ْي ِه‬ ‫الشعار الذى يرفعه فى الدنيا‪ ،‬يقول جل وعال ( ِإنَّه َمن ي ْش ِر ْك ِب َّ ِ‬
‫اَّلل فَقَدْ َح َّر َم َّ‬
‫ار) ( الماادة ‪. ) 22‬‬ ‫ص ٍ‬ ‫ْال َجنَّةَ َو َمأ ْ َواه النَّار َو َما ِل َّ‬
‫لظا ِل ِمينَ ِم ْن أَن َ‬
‫ورغبة فى اصالح عقااد المسلمين بالقرآن الكريم ‪،‬وخوفا عليهم من الخلود فى‬
‫النار وتضييع أعمالهم الصالحة فال بد من عرض تلك العقااد على القرآن الكريم ‪.‬‬
‫وأعلم ان الدخول فى هذا المجال سيجلب غضب الكثيرين من األحبة ‪ ،‬وسيجلب‬
‫المزيد من االضطهاد لى وألسرتى التى يؤاخذها المجرمون بماليس لهم فيه دخل ‪،‬‬
‫ولكن كتم الحق يعنى لعنة هللا والمالاكة و الناس اجمعين( البقرة ‪ 120‬ـ ) ‪ .‬ولهذا‬
‫أقول الحق القرآنى وال أفرضه على أحد ‪ ،‬وبعدها فلكل إنسان حرية االختيار ‪..‬‬
‫وسنلتقى أمام الواحد القهار يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إن الكفر العقيدى أوالشرك فى العقيدة يبدأ عند البشر بتمييز نبى على غيره من‬
‫األنبياء ورفعه فوقهم توطئة لتأليهه ‪،‬ثم يتلوه تقديس وتأليه أصحاب ذلك النبى‬
‫وحوارييه‪ ،‬ثم تتسع داارة التقديس والتأليه (للصالحين ) لتصل الى التبرك‬
‫بالمتخلفين عقليا كالمجاذيب ‪ .‬ويتجسد التقديس القلبى أوالشرك القلبى أوالكفر‬
‫القلبى فى عبادات عملية تتمثل فى التبرك والتوسل بأحجار القبور المنسوبة ألولئك‬
‫األشخاص و بالحج اليهم وتقديم القرابين لسدنة تلك المعابد ‪.‬‬
‫وهذا المرض لم ينج منه المسلمون مع وجود القرآن الكريم معهم ‪ ،‬فمع تكرار‬
‫قولهم شفهيا ( ال اله إال هللا ) إال إن حياتهم الدينية متخمة بتقديس وعبادة القبور ‪،‬‬
‫وأهمها القبر المنسوب للنبى دمحم عليه السالم‪.‬‬
‫ويبدأ تناقضهم مع االسالم باضافة اسم النبى دمحم الى هللا تعالى فى الشهادة ‪ ،‬أى‬
‫بتمييزه عن الرسل ‪ ،‬والتفريق بينه وبين الرسل ‪ ،‬وتحويل شهادة التوحيد من‬
‫شهادة واحدة الى شهادتين ‪ ،‬ثم التوسع كيفا بجعل النبى دمحم شريكا هلل تعالى فى‬
‫األذان و الصالة والحج ‪،‬مع التوسع فى (الكم ) بتقديس غير النبى من الصحابة‬
‫واألامة واألولياء ‪ ،‬وقيام عبادات عملية كالحج الى قبورهم وتقديم القرابين لهم‪.‬‬
‫وألن الشرك يبدأ بتقديس النبى فال بد من بدء العالج بمواجهة أول خطوة فى عقااد‬
‫الشرك وهى رفع النبى دمحم عليه السالم فوق مستوى الرسل بالتفرقة بينه وبين‬
‫الرسل ‪ .‬وقد أ ِّكد رب العزة مقدما ـ ومرارا ـ على النهى عنها و التحذير منها ‪،‬‬
‫وجعلها إختبارا حيا وعمليا لصحة العقيدة ‪ ،‬فالمؤمن الحق يقول ( سمعنا وأطعنا )‬
‫أما المحمدى فلسان حاله يقول ( سمعنا وعصينا )‪ .‬وذلك المحمدى يجعل نفسه‬
‫عدوا لمحمد ولعقيدته (ال اله إال هللا ) التى عاش من أجلها مجاهدا رسول هللا عليه‬
‫السالم ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ وجاء ضمن ردى عليهم ‪( :‬أننى ال أكفِّر أشخاصا وانما معتقدات تخالف القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬وهذا بهدف الوعظ والتحذير وليس التكفير ‪ ،‬وكررت حتى مللت من‬
‫التكرار حق كل انسان فى معتقده طالما ال يفرضه على الغير ‪ ) ،‬وهانذا أؤكد‬
‫مجددا أنه ليس القصد فى كل ما أكتب تكفير أحد ‪ ،‬وانما توضيح حقااق االسالم‬
‫المنسية فى القرآن الكريم أمال فى هداية المسلمين من عذاب يوم الدين‪.‬‬
‫كما أننى أخاطب األحياء وليس األموات الذين تحددت مصاارهم حسب ما قدموه‬
‫من ايمان وعمل ‪ ،‬وعلم ذلك عند هللا تعالى وحده ‪.‬أخاطب األحياء ‪،‬ولديهم متسع‬
‫من الوقت للتفكير ‪ ،‬وكل ما أطلبه أن يخلو كل انسان الى ضميره ويقرأ‬
‫بموضوعية وتعقل ‪ ،‬ويختار ما يشاء لنفسه ‪ ،‬ألن كل انسان مسئول عن نفسه وعن‬
‫مستقبله يوم الدين ‪.‬‬
‫وأعترف أنها مشكلة حقيقية ‪ .‬فمن يعمل فى إصالح المسلمين بالقرآن الكريم ال بد‬
‫أن يستشهد بالقرآن الكريم الذى أوضح كل معالم الشرك وتناقضها مع حقااق‬
‫االسالم ‪ .‬ومشكلة االصالح فى أن كل ما حذر منه رب العزة فى تفصيالته لعقااد‬
‫المشركين قد وقع فيها (المسلمون )‪ ،‬وبالتالى فإن أمانة البحث تستوجب توضيح‬
‫هذا التناقض بين حقااق االسالم فى القرآن الكريم والمعتقدات الساادة لدى‬
‫المسلمين بهدف االصالح والتذكير والتحذير وليس للتكفير والتحقير‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وقد سبق معالجة هذا الموضوع فى كتابى ( األنبياء فى القرآن الكريم ) الذى‬
‫قررته ـ مع أربعة كتب أخرى ـ على طلبتى فى جامعة األزهر عام ‪، 1022‬‬
‫وبسب تلك الكتب صدرت قرارات رايس الجامعة فى ‪ 1022 / 2/2‬بوقفى عن‬
‫العمل ومصادرة مستحقاتى المالية ومنعى من الترقية آلستاذ مساعد ومنعنى من‬
‫السفر وإحالتى للتحقيق الذى تواله وقتها د‪ .‬دمحم سيد طنطاوى عميد كلية أصول‬
‫الدين فى أسيوط‪ .‬وبسبب تصميمى على ما كتبت صدر قرار االتهام رسميا‬
‫باحالتى لمجلس التأديب متهما بانكار شفاعة النبى دمحم وانكار عصمته ( المطلقة )‬
‫وأنكار تفضيله على األنبياء‪.‬‬
‫وكانت التهمة األخيرة بسبب بحث (التفضيل بين األنبياء )فى كتاب ( األنبياء فى‬
‫القرآن الكريم) والذى أثبت أن تفضيل المسلمين للنبى دمحم على غيره من الرسل‬
‫يتناقض مع االسالم ‪.‬‬
‫وبعد مرور ‪ 23‬عاما أنشر ذلك البحث مع تفصيل استلزم أن أكتبه فى ثالثة‬
‫مقاالت بحثية‪ ،‬أولها هذا المقال الذى يناقش قضية التفريق بين رسل هللا ‪ ،‬ثم يناقش‬
‫المقال الثانى قضية التفضيل بين الرسل ‪ ،‬ونختم بالمقال الثالث عن شهادة االسالم‬
‫‪:‬هل هى واحدة أم أكثر‪.‬‬
‫وهللا جل وعال هو المستعان‪..‬‬

‫المقال األول ‪:‬‬


‫قضية التفريق بين الرسل‪:‬‬

‫ال ن َف ِ ِّرق َبيْنَ أَ َح ٍد ِ ِّمن ُّرس ِل ِه)(البقرة ‪)222‬‬


‫أوال‪َ ( :‬‬
‫‪ 1‬ـ االيمان بالرسول هو االيمان بما أنزل هللا تعالى عليه وعلى كل الرسل ‪ ،‬أى‬
‫ليس ايمانا بشخص الرسول واسمه ولكن بما أنزله هللا تعالى على ذلك الرسول أى‬
‫الرسالة أو الكتاب السماوى‪.‬‬
‫وألن ما أنزله هللا تعالى على أى رسول هو نفس الجوهر الذى نزل على كل‬
‫رسول مع اختالف اللغات والزمان والمكان‪ ،‬فان االيمان الحقيقى بالرسل يعنى أن‬
‫تؤمن بهم جميعا دون ان تفرق بين احد منهم‪.‬‬
‫وألن الخروج عن ذلك مدخل للشرك فان هللا تعالى ألزم المؤمنين ان يقولوا‪:‬‬
‫سمعنا وأطعنا فى عدم التفريق بين الرسل ‪،‬ومن لم يقلها باقتناع يكون كافرا‬
‫عاصيا‪ .‬وهو إختبار يعرف به كل مسلم حقيقة عقيدته ‪،‬وهو بصير على نفسه (بَ ِل‬
‫ِيره)(القيامة ‪ .)12 :18‬قد يعترف فى‬ ‫يرة ٌ َولَ ْو أَ ْلقَى َمعَاذ َ‬
‫ص َ‬‫سان َعلَى نَفْ ِس ِه بَ ِ‬ ‫اإلن َ‬
‫ِ‬
‫يفرق بين الرسل ويتمسك بذلك ‪ ،‬وقد يعترف بالخطأ ويصلح عقيدته‬ ‫نفسه بأنه فعال ِّ‬
‫‪ ،‬وهذا فى إطار الممكن الذى يقدر عليه ‪ ،‬وقد يتمسك بعقيدة التفريق بين الرسل‬
‫ويحاول ان يتعسف لها تأويال فى القرآن الكريم ليضل اآلخرين‪ .‬وكل إنسان وما‬
‫يختاره لنفسه ‪ ،‬وهو على نفسه بصيره مهما تحجج باألعذار ‪.‬‬
‫الرسول بِ َما أ ْن ِز َل‬ ‫‪ 2‬ـ ولمزيد من التوضيح نتوقف بالتدبر مع قوله تعالى ‪ ( :‬آ َمنَ َّ‬
‫اَّلل َو َم َال ِا َك ِت ِه َوكت ِب ِه َورس ِل ِه َال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْن‬‫ِإلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه َو ْالمؤْ ِمنونَ ك ٌّل آ َمنَ ِب َّ ِ‬
‫سا ِإالَّ‬ ‫صير ‪ .‬الَ ي َك ِلِّف َّ‬
‫َّللا نَ ْف ً‬ ‫ط ْعنَا غ ْف َران ََك َربَّنَا َو ِإلَي َْك ْال َم ِ‬ ‫س ِم ْعنَا َوأَ َ‬ ‫رس ِل ِه َوقَالوا َ‬
‫طأْنَا َربَّنَا َوالَ‬ ‫اخذْنَا ِإن نَّسِينَا أَ ْو أَ ْخ َ‬ ‫ت َربَّنَا الَ ت َؤ ِ‬ ‫سبَ ْ‬ ‫ت َو َعلَ ْي َها َما ا ْكتَ َ‬ ‫سبَ ْ‬ ‫و ْس َع َها لَ َها َما َك َ‬
‫طاقَةَ لَنَا بِ ِه‬ ‫ص ًرا َك َما َح َم ْلتَه َعلَى الَّذِينَ ِمن قَ ْب ِلنَا َربَّنَا َوالَ ت َح ِ ِّم ْلنَا َما الَ َ‬ ‫َحْم ْل َعلَ ْينَا إِ ْ‬
‫ت ِ‬
‫نت َم ْوالنَا فَانص ْرنَا َعلَى ْالقَ ْو ِم ْال َكا ِف ِرينَ )( البقرة‬ ‫ار َح ْمنَا أَ َ‬ ‫َواعْف َعنَّا َوا ْغ ِف ْر لَنَا َو ْ‬
‫‪ 222‬ـ )‪.‬‬
‫الرسول ِب َما أ ْن ِز َل ِإلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه ) أى أن الرسول نفسه آمن ـ ليس بشخصه‬ ‫(آ َمنَ َّ‬
‫ونفسه ولكن ـ بما أنزله هللا تعالى عليه فى الكتاب السماوى‪ .‬وبنفس االيمان‬
‫ونوعيته آمن المؤمنون ‪َ (:‬و ْالمؤْ ِمنونَ ) أى آمن المؤمنون بما أنزله هللا تعالى على‬
‫الرسول ‪ ،‬وليس ايمانهم متعلقا بشخص الرسول واسمه وتاريخه ‪ .‬كان ممكنا‬
‫االكتفاء بهذا التوضيح فى معنى االيمان بالرسل يعنى الرسالة ‪،‬ولكن يأتى التأكيد‬
‫والمزيد من التوضيح بأن االيمان بالرسل يتضمن اآلتى ‪:‬‬
‫اَّلل َو َم َال ِا َك ِت ِه َوكت ِب ِه َورس ِل ِه) أى االيمان باهلل جل وعال ومالاكته‬ ‫(ا )( ك ٌّل آ َمنَ ِب َّ ِ‬
‫وكتبه ورسله‪ ،‬وقوله تعالى (ك ٌّل ) تشمل كل الرسل وكل المؤمنين حق االيمان‪،‬‬
‫أىكلهم آمنوا باهلل جل وعال ومالاكته وكتبه ورسله‪.‬‬
‫وهنا سؤال ‪ :‬هل االيمان باهلل جل وعال ومالاكته وكتبه ورسله هو ايمان متعدد ؟‬
‫أى هل هو ايمان باهلل جل وعال االها وحده ؟أم ايمان متعدد بكيانات مستقلة مع هللا‬
‫تعالى؟ أى هل يكون االيمان بالمالاكة والكتب السماوية والرسل منفصال عن‬
‫االيمان باهلل جل وعال؟‬
‫االجابة واضحه فى أنه االيمان باهلل تعالى وحده االها نزلت به المالاكة فى الوحى‬
‫الذى جاء كتابا سماويا على كل الرسل ‪ ،‬ولذلك جاء التعبير ينسب المالاكة والكتب‬
‫السماوية والرسل هلل تعالى كأدوات له جل وعال فى توصيل الرسالة للبشر‪ ،‬فيقول‬
‫اَّلل َو َم َالاِ َكتِ ِه َوكتبِ ِه َورس ِل ِه ) فالمالاكة والكتب والرسل جاءت‬ ‫جل وعال (ك ٌّل آ َمنَ بِ َّ ِ‬
‫مضافة الى ضمير يرجع الى رب العزة باعتبار أنه جل وعال يملكهم جميعا فى‬
‫أنهم أدواته فى تبليغ رسالة (ال اله إال هللا ) للبشر‪.‬‬
‫وحتى ال يقع أحد فى تفضيل أداة على أخرى وبالتالى رفعها الى مستوى هللا تعالى‬
‫المالك لكل هذه األدوات قال تعالى أن من ضرورات االيمان قول الرسول‬
‫والمؤمنين معه‪َ (:‬ال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْن رس ِل ِه ) وكلمة رسله بالعموم وبرجوع‬
‫الضمير (رسله ) الى هللا تعالى مما يؤكد تحريم التفريق بينهم ‪ ،‬فكلهم داخل فى‬
‫كلمة (رسله ) دون تمييز ألحد منهم باالسم أو الشخص ‪.‬‬
‫وحتى يؤكد رب العزة أنها قضية ايمان أو كفر أوجب فيها اعالن السمع والطاعة‬
‫ط ْعنَا ) والسمع والطاعة ليس مجرد كلمة تقال ‪ ،‬بل‬ ‫س ِم ْعنَا َوأَ َ‬ ‫فقال بعدها " ( َوقَالوا َ‬
‫هو عهد وموقف ‪ ،‬على أساسه سيتحدد موقفك أنت يوم القيامة بين الجنة أو النار‪.‬‬
‫فااليمان باهلل تعالى هو األصل وهو الذى يتبعه ويدخل فيه االيمان بمالاكته وكتبه‬
‫ورسله ‪ ،‬وهو شرح لمعنى االيمان بالرسالة ‪،‬أو ايمان الرسول بما أنزل اليه من‬
‫ربه ‪ ،‬فذلك الذى (أ ْن ِز َل إِلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه ) نزلت به المالاكة وتحدث فيه رب العزة عن‬
‫المالاكة ‪ ،‬وهذا الذى (أ ْن ِز َل ِإلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه) هو الكتاب السماوى‪ ،‬أى إن االيمان هنا‬
‫فى حقيقته ايمان بالواحد األحد كما جاء فى كل رسالة سماوية‪.‬‬
‫الرسول‬ ‫وحتى ال يكون هناك أدنى شك فأن التعبير بااليجاب واالثبات فى (آ َمنَ َّ‬
‫اَّلل َو َم َالاِ َكتِ ِه َوكتبِ ِه َورس ِل ِه ) ال بد أن‬ ‫بِ َما أ ْن ِز َل إِلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه َو ْالمؤْ ِمنونَ ك ٌّل آ َمنَ بِ َّ ِ‬
‫يتبعه تأكيد آخر بالنفى وهو قوله تعالى ( َال نفَ ِ ِّرق َبيْنَ أَ َح ٍد ِم ْن رس ِل ِه )‪،‬وهو اسلوب‬
‫القصر المتبع فى عقيدة االسالم ‪،‬أى االيمان باهلل تعالى وحده والكفر بما عداه ‪،‬‬
‫وشهادة االسالم ( ال اله إال هللا ) تبدأ بنفى أى اله والكفر بأى اله ( ال اله ) وتنتهى‬
‫باالستثناء ( إال هللا ) ‪ .‬ونفس الحال هنا فى اآلية الكريمة ؛ تبدأ باثبات حقيقة‬
‫الرسول ِب َما‬ ‫االيمان بالرسل وهو انه ايمان بالرسالة وما تحتويه وجوهرها (آ َمنَ َّ‬
‫اَّلل َو َم َالاِ َكتِ ِه َوكت ِب ِه َورس ِل ِه) ثم تؤكد هذا‬ ‫أ ْن ِز َل ِإلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه َو ْالمؤْ ِمنونَ ك ٌّل آ َمنَ ِب َّ ِ‬
‫االثبات بالنفى الذى ال بد ان يعلنه المؤمنون ‪ ،‬وهو أن يقولوا ( َال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْن‬
‫رس ِل ِه )‬
‫(ب ) ( َال نفَ ِ ِّرق َبيْنَ أَ َح ٍد ِم ْن رس ِل ِه )‪ :‬إذن عدم التفريق بين الرسل هنا هو الوجه‬
‫اآلخر للعملة فى عقيدة االسالم ‪،‬فيجب أن يكون االيمان بكل الرسل جميعا بال‬
‫تفرقة وبال تمييز لرسول على آخر وبدون ذكر السم رسول دون اآلخر ألن‬
‫االيمان هو بالرسالة وما أنزل هللا جل وعال ‪،‬وليس بشخص الرسول ‪ .‬وألنها‬
‫صدُّوا َعن‬ ‫قضية ايمان وكفر فقد جاءت فى مفتتح سورة (دمحم ) ‪( :‬الَّذِينَ َكفَروا َو َ‬
‫ت َوآ َمنوا ِب َما ن ِ ِّز َل َعلَى م َح َّم ٍد‬ ‫صا ِل َحا ِ‬ ‫ض َّل أَ ْع َمالَه ْم َوالَّذِينَ آ َمنوا َو َع ِملوا ال َّ‬ ‫َّللا أَ َ‬
‫يل َّ ِ‬ ‫س ِب ِ‬‫َ‬
‫صل َح بَاله ْم ) فلم يقل ( آمنوا بمحمد )‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫َوه َو ال َح ُّق ِمن َّر ِبِّ ِه ْم َكف َر َعنه ْم َ‬
‫س ِيِّئَاتِ ِه ْم َوأ ْ‬
‫ولكن قال ( َوآ َمنوا بِ َما ن ِ ِّز َل َعلَى م َح َّم ٍد )‪ .‬وألنها أساس العقيدة وتعنى االيمان أو‬
‫الكفر فال بد فيها من االقرار وإعالن الشهادة والتسليم بها سمعا وطاعة ‪ ،‬نطقا‬
‫باللسان و إذعانا بالجنان ‪ ،‬لذا تأتى المرحلة التالية ‪:‬‬
‫صير) أى إعالن الطاعة‬ ‫ط ْعنَا غ ْف َران ََك َربَّنَا َوإِلَي َْك ْال َم ِ‬ ‫س ِم ْعنَا َوأَ َ‬ ‫(ج ) ( َوقَالوا َ‬
‫ط ْعنَا ) وأن يستغفر هللا جل‬ ‫س ِم ْعنَا َوأَ َ‬ ‫وااللتزام بعدم التفريق بأن يقول المؤمن ( َ‬
‫وعال عما كان يقع فيه من قبل من تفريق بين الرسل بأن يقول (غ ْف َران ََك َربَّنَا َو ِإلَي َْك‬
‫صير)‪.‬‬ ‫ْال َم ِ‬
‫اخذْنَا‬ ‫ت َربَّنَا الَ ت َؤ ِ‬
‫سبَ ْ‬ ‫ت َو َعلَ ْي َها َما ا ْكتَ َ‬ ‫سبَ ْ‬ ‫سا ِإالَّ و ْس َع َها لَ َها َما َك َ‬ ‫(د ) (الَ ي َك ِلِّف َّ‬
‫َّللا نَ ْف ً‬
‫ص ًرا َك َما َح َم ْلتَه َعلَى الَّذِينَ ِمن قَ ْب ِلنَا َربَّنَا‬ ‫َحْم ْل َعلَ ْينَا إِ ْ‬‫طأْنَا َربَّنَا َوالَ ت ِ‬ ‫إِن نَّسِينَا أَ ْو أَ ْخ َ‬
‫طاقَةَ لَنَا ِب ِه ) هذا التكليف العقيدى بعدم التفريق بين رسل هللا‬ ‫َوالَ ت َح ِ ِّم ْلنَا َما الَ َ‬
‫عليهم السالم يقع فى نطاق الممكن المستطاع‪ ،‬وكل انسان يستطيع بعقله المجرد أن‬
‫يرفض وضع أى إنسان مخلوق الى جانب الخالق ‪.‬‬
‫وكل مؤمن قارىء للقرآن يعرف أن هللا جل وعال قد أمر خاتم األنبياء أن يعلن أنه‬
‫بشر مثلنا مع أنه يوحى اليه ‪ ،‬وأن من كان يرجو النجاة يوم القيامة فعليه أن يعمل‬
‫عمال صالحا وال يشرك بعبادة ربه أحدا ( الكهف ‪ ) 111‬فهل يصح أن نجعله هو‬
‫عليه السالم شريكا مع هللا جل وعال؟‪ .‬والمؤمن القارىء للقرآن يعلم أن هللا جل‬
‫وعال قد أمر رسوله دمحما عليه السالم بأن يعلن أنه متبع لملة ابراهيم حنيفا ‪ ,‬وإنه‬
‫أول المسلمين بمعنى إنه أول الناس خضوعا للرحمن فقد أسلم هلل رب العالمين‬
‫صالته ونسكه وحياه ومماته ‪ ،‬وأنه ال رب له سوى رب العالمين ( األنعام ‪ 111‬ـ‬
‫) فهل يصح بعدها أن نتجاهل عبوديته هلل تعالى وأن نعتقد العكس فنجعله قرينا هلل‬
‫تعالى فى شهادة االسالم وفى الصالة و الحج والذكر و األذان ؟‪.‬‬
‫العقل السليم يرفض جعل دمحم عليه السالم الذى كان متبعا لملة ابراهيم متميزا على‬
‫ابراهيم وكل من سبق من األنبياء‪ ،‬ليس فقط ألن هللا تعالى هو الذى نهى عن ذلك ‪،‬‬
‫يقر بجهله بالغيب ‪ ،‬ويدخل ضمن الغيب أحوال‬ ‫ولكن أيضا ألن العقل السليم ِّ‬
‫األنبياء السابقين ـ بل وعددهم ـ وما حققوه من منزلة عند هللا‪ .‬وبالتالى فالعقل‬
‫السليم ال يخوض فيما ال يعرف ‪ ،‬ثم إذا اهتدى هذا العقل بالقرآن فال بد أن يقول‬
‫سمعنا وأطعنا ‪ ،‬وال يمكن أن يقول سمعنا وعصينا‪.‬‬
‫وبالتالى فان األمر بعدم التفريق بين الرسل هو فى وسع النفس البشرية ‪ ،‬فلم يكلفها‬
‫هللا جل وعال فوق طاقتها ‪ ، ،‬وعليه فلو التزم المؤمن بهذا الذى يستطيع فعله فإن‬
‫من حقه أن يدعو هللا جل وعال بأال يؤاخذه على ما سلف من خطأ أو نسيان‪(:‬الَ‬
‫اخذْنَا ِإن نَّسِينَا‬ ‫ت َربَّنَا الَ ت َؤ ِ‬‫س َب ْ‬‫ت َو َعلَ ْي َها َما ا ْكتَ َ‬ ‫سا ِإالَّ و ْس َع َها لَ َها َما َك َ‬
‫س َب ْ‬ ‫ي َك ِلِّف َّ‬
‫َّللا نَ ْف ً‬
‫ص ًرا َك َما َح َم ْلتَه َعلَى الَّذِينَ ِمن قَ ْب ِلنَا َربَّنَا َوالَ‬ ‫طأْنَا َربَّنَا َوالَ ت ِ‬
‫َحْم ْل َعلَ ْينَا ِإ ْ‬ ‫أَ ْو أَ ْخ َ‬
‫طاقَةَ لَنَا بِ ِه )‪.‬‬ ‫ت َح ِ ِّم ْلنَا َما الَ َ‬
‫‪ 3‬ـ ونتساءل ‪ :‬إذا كان تنفيذاألمر فى قوله تعالى ( َال نفَ ِ ِّرق َبيْنَ أَ َح ٍد ِم ْن رس ِل ِه) فى‬
‫مقدور االنسان فلماذا تقع أغلبية البشر فى تقديس وعبادة األنبياء ؟ الجواب فى‬
‫كلمة واحدة هى ( الهوى )‪ .‬الهوى نقيض العقل ‪ ،‬وهو الذى يغيب العقل ‪،‬بل هو‬
‫الذى يجعل العالم بالدين يستخدم ذكاءه المعرفى فى تأويل وتغييب الحق الذى أنزله‬
‫ْت َم ِن ات َّ َخذَ‬ ‫هللا تعالى ليضل الناس بما أوتى من علم ‪ ،‬وفيه يقول رب العزة (أَفَ َرأَي َ‬
‫َاوة ً‬
‫ص ِر ِه ِغش َ‬ ‫س ْم ِع ِه َوقَ ْل ِب ِه َو َج َع َل َعلَى بَ َ‬ ‫َّللا َعلَى ِع ْل ٍم َو َخت ََم َعلَى َ‬ ‫ضلَّه َّ‬ ‫ِإلَ َهه ه ََواه َوأَ َ‬
‫َّللا أَفَال تَذَ َّكرونَ )(الجاثية ‪ .) 23‬فذلك شخص أوتى العلم‬ ‫فَ َمن يَ ْهدِي ِه ِمن بَ ْع ِد َّ ِ‬
‫والمعرفة ولكن اتبع هواه فاستخدم علمه فى االضالل فزاده هللا تعالى ضالال على‬
‫ضالل ‪ ..‬ويسألنا ربنا جل وعال (أَفَال تَذَ َّكرونَ ؟ ) وهو تساؤل يجرى مع كل‬
‫زمان ومكان وفوق الزمان والمكان ألن أولئك ( العلماء ) هم فى كل زمان ومكان‬
‫سدنة الديانات األرضية التى تنشأ على أنقاض الدين السماوى‪ ،‬وقام ويقوم أولئك (‬
‫العلماء ) بتحريف وتشويه وتأويل الحق االلهى اتباعا للهوى ‪،‬والهوى ( يهوى‬
‫)المال والجاه ‪ ،‬وال (يهوى) االضطهاد الذى يصاحب من يعلن الحق ويتمسك به‬
‫فى وجه األغلبية التى تتبع الباطل المتوارث مما وجدت عليه آباءها ‪ .‬ولمزيد من‬
‫سلَ َخ ِم ْن َها فَأَتْبَعَه‬ ‫التأكيد ندعو لتدبر قوله تعالى ( َواتْل َعلَ ْي ِه ْم نَبَأ َ الَّذ َ‬
‫ِي آتَ ْينَاه آيَاتِنَا فَان َ‬
‫ض َواتَّبَ َع ه ََواه‬ ‫طان فَ َكانَ ِمنَ ْالغَا ِوينَ َولَ ْو ِشئْنَا لَ َرفَ ْعنَاه بِ َها َولَ ِكنَّه أَ ْخلَدَ إِلَى األ َ ْر ِ‬ ‫ش ْي َ‬
‫ال َّ‬
‫ث أَ ْو تَتْر ْكه َي ْل َهث ذَّ ِل َك َمثَل ْالقَ ْو ِم الَّذِينَ َكذَّبواْ‬ ‫َحْم ْل َعلَ ْي ِه َي ْل َه ْ‬
‫ب ِإن ت ِ‬ ‫فَ َمثَله َك َمثَ ِل ْال َك ْل ِ‬
‫سه ْم‬ ‫ساء َمثَالً ْالقَ ْوم الَّذِينَ َكذَّبواْ ِبآ َياتِنَا َوأَنف َ‬ ‫ص لَ َعلَّه ْم َيتَفَ َّكرونَ َ‬‫ص َ‬ ‫ص ْالقَ َ‬ ‫ِبآ َياتِنَا فَا ْقص ِ‬
‫ظ ِلمونَ ) ( األعراف ‪ 122‬ـ )‬ ‫َكانواْ يَ ْ‬
‫ثانيا ‪َ (:‬ال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم َونَحْن لَه م ْس ِلمونَ ) ( البقرة ‪) 131‬‬
‫التفريق بين الرسل هو بداية التأليه للرسول الذى يميزه الناس على غيره من‬
‫الرسل ‪،‬وهو أيضا هدم للدين االلهى الواحد الذى نزلت به كل الرساالت السماوية‬
‫بمختلف اللغات‪ ،‬والذى يعنى باللغة العربية (االسالم ) أى االستسالم هلل تعالى‬
‫وحده االها ال شريك له فى العقيدة والعبادة والسالم مع الناس فى السلوك‬
‫واألخالق‪.‬التفريق بين الرسل يعنى الخروج من هذا الدين العالمى االلهى الواحد‬
‫والدخول فى أديان أرضية متفرقة مختلفة متنازعة تحت أسماء مختلفة ‪.‬وهذا ما‬
‫حدث فى الرساالت السماوية التى حملت االسالم قبل نزول القرآن الكريم‪.‬‬
‫وحين نزل القرآن الكريم على دمحم خاتم األنبياء الذى ينتمى الى ذرية اسماعيل بن‬
‫ابراهيم عليهم جميعا السالم ‪ ،‬كان أهل الكتاب وقتها قد أهملوا اسم االسالم‬
‫‪،‬واتبعوا أسماء جديدة‪ ،‬وثار الجدل بين المسلمين وأهل الكتاب حول إسم االسالم‬
‫وحول األنبياء السابقين من ابراهيم واسحاق ويعقوب هل كانوا مسلمين أم كانوا‬
‫هودا أو نصارى طبقا للمسميات المستحدثة عند أهل الكتاب بعد إهمال وتضييع‬
‫اسم االسالم ؟‪ .‬وفى الرد عليهم أ ِّكد رب العزة أن ابراهيم أسلم لرب العالمين ‪ ،‬وأن‬
‫ابراهيم ثم يعقوب أوصى كل منهما بنيه بالتمسك بدين االسالم ‪ ،‬ثم ذكر رب العزة‬
‫قول اليهود والنصارى للمسلمين فى عهد نزول القرآن وردِّ عليهم ‪َ ( :‬وقَالواْ كونواْ‬
‫ِيم َحنِيفًا َو َما َكانَ ِمنَ ْالم ْش ِركِينَ ) ( البقرة‬ ‫ارى تَ ْهتَدواْ ق ْل بَ ْل ِملَّةَ إِب َْراه َ‬
‫ص َ‬ ‫هودًا أَ ْو نَ َ‬
‫‪.) 132‬‬
‫اَّلل َو َما أ ْن ِز َل إِلَ ْينَا َو َما أ ْن ِز َل ِإلَى ِإب َْراه َ‬
‫ِيم‬ ‫بعدها قال جل وعال ‪(::‬قولوا آ َمنَّا ِب َّ ِ‬
‫ي النَّ ِبيُّونَ‬ ‫سى َو َما أوتِ َ‬ ‫سى َو ِعي َ‬ ‫ي مو َ‬ ‫اط َو َما أوتِ َ‬ ‫وب َو ْاأل َ ْسبَ ِ‬‫س َحاقَ َويَ ْعق َ‬‫يل َو ِإ ْ‬
‫َو ِإ ْس َما ِع َ‬
‫ِم ْن َر ِبِّ ِه ْم َال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم َونَحْن لَه م ْس ِلمونَ )(البقرة ‪.) 131‬كلمة (قولوا )‬
‫مأموربها المسلمون ‪ ،‬ومقصود بها أهل الكتاب أيضا ‪.‬‬
‫(قولوا ) بالنسبة ألهل الكتاب هى توجيه نفس الدعوة لهم بااليمان بكل ما أنزل هللا‬
‫جل وعال فى الكتب السماوية السابقة التى نزلت على ابراهيم واسماعيل واسحاق‬
‫ويعقوب واألسباط وموسى وعيسى وكل األنبياء ‪ ،‬مع عدم التفريق بين أحد من‬
‫الرسل ‪ ،‬وأن يسلموا هلل جل وعال وحده قلوبهم وعقيدتهم وعبادتهم‪ .‬ليس هنا إيمان‬
‫بشخص أى نبى و لكن بما نزل عليه ‪ ،‬فكل مسلم مأمور بااليمان بكل الكتب‬
‫السماوية ومنهى عن التفرقة بين الرسل ‪،‬‬
‫(قولوا) بالنسبة للمسلمين تعنى أن هللا جل وعال أمرهم بأن يعلنوا ألهل الكتاب أنهم‬
‫يؤمنون بكل ما أنزل على األنبياء السابقين دون تفرقة بينهم ‪ ،‬وأنهم هلل جل وعال‬
‫مسلمون ‪ ،‬وبالتالى يجب أن نكون دعاة ألهل الكتاب نأمرهم بعدم التفريق بين هللا‬
‫والرسل ‪ ،‬وننصحهم ـ مثال ـ أال يرفعوا عيسى فوق األنبياء‪ ،‬وأالِّ يفاضلوا بينهم ‪.‬‬
‫والمالحظ ختم االية بأن يقول المسلمون وأهل الكتاب‪َ ( :‬ال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم‬
‫َونَحْن لَه م ْس ِلمونَ ) فاالسالم من معانيه ومستلزماته عدم التفريق بين رسل هللا‬
‫ليسلم المسلم نفسه هلل تعالى وحده‪ ،‬وهذا ما كان عليه المسلمون فى عهد النبى دمحم‬
‫عليه السالم ‪.‬‬
‫ولكن من دخل فى االسالم من أبناء أهل الكتاب تابعوا أسالفهم فى موضوع‬
‫التفريق بين الرسل ‪ ،‬بأن ميِّزوا خاتم النبيين على من سبقه من الرسل ‪،‬أى إن‬
‫أولئك المسلمين ـ بدال من اصالح معاصريهم من أهل الكتاب ـ تابعوهم فى نفس‬
‫الخطأ ورفعوا دمحما فوق األنبياء‪ ،‬وبعد أن كانوا مسلمين هلل وحده أصبحوا (دمحميين)‬
‫فى مواجهة (المسيحيين)‪ ،‬إذ أضاف المحمديون لمحمد نفس ما أضافه المسيحيون‬
‫للمسيح ‪ ،‬مع بعض اختالفات شكلية لفظية ال محل للتوسع فيها اآلن‪.‬‬
‫وإذا كان المسيحيون قد اختلفوا فى طبيعة المسيح الى أديان أرضية مختلفة فان‬
‫المحمديين بعد اتفاقهم على رفع دمحم فوق السابقين من األنبياء مالبث أن أختلفوا‬
‫حول أصحاب دمحم الى سنة وشيعة ‪ ،‬وكان ممكنا أن يظل هذا االختالف محصورا‬
‫داخل داارة الفكر والفلسفة ‪،‬أى مجرد فكر بشرى منسوب ألصحابه ‪ ،‬ولكن‬
‫المسلمين نسبوا أفكارهم للنبى دمحم وهلل تعالى فى شكل أحاديث بزعم أنها وحى‬
‫االهى ‪ ،‬وبذلك أقاموا أديانا أرضية بوحى مزور يخالف القرآن الكريم ‪ ،‬ويزعم أن‬
‫النبى دمحما قال ( أنا خير ولد آدم وال فخر ) و ( فضِّلت على األنبياء بسبع ‪( )..‬‬
‫كنت نبيا وآدم بين الماء و الطين ) و( كنت نبيا وآدم ال ماء وال طين ) ( أول ما‬
‫خلق هللا نور نبيك يا جابر) ‪...‬الخ ‪..‬وأصبح من افتتاحيات الخطب و المقاالت إفراد‬
‫دمحم وحده بالشهادة مع هللا و بالصالة عليه والتسليم ‪ ،‬ووصفه بأنه (اشرف‬
‫المرسلين ) و( سيد األنبياء والمرسلين )‪.‬و( سيد الكونين )‪.‬الخ ‪.‬‬
‫إنقسم المسلمون كما انقسم أهل الكتاب ‪ ،‬وهم يتنافسون حتى اآلن فيما بينهم ‪،‬أى‬
‫يتنافس المحمديون مع المسيحيين ‪ ،‬وفى كل ذلك جعلوا األنبياء لعبة للتنافس‬
‫والتعصب ‪ ،‬كل فريق يوالى نبيا ويرفعه فوق اآلخرين ـ أى يفرق بين هللا تعالى‬
‫ورسله‪.‬‬
‫اَّلل َو َما أ ْن ِز َل ِإلَ ْينَا َو َما أ ْن ِز َل‬
‫ونعود الى السياق القرآنى فى قوله تعالى (قولوا آ َمنَّا ِب َّ ِ‬
‫سى َو َما‬ ‫سى َو ِعي َ‬ ‫ي مو َ‬ ‫اط َو َما أوتِ َ‬ ‫وب َو ْاأل َ ْسبَ ِ‬‫س َحاقَ َويَ ْعق َ‬ ‫يل َو ِإ ْ‬ ‫ِإلَى ِإب َْراه َ‬
‫ِيم َو ِإ ْس َما ِع َ‬
‫ي النَّبِيُّونَ ِم ْن َر ِبِّ ِه ْم َال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم َونَحْن لَه م ْس ِلمونَ )( البقرة ‪ ) 131‬فقد‬ ‫أوتِ َ‬
‫أمر هللا جل وعال المسلمين هنا بأن يدعو أهل الكتاب الى االيمان بكل ما أنزله‬
‫على كل الرسل ونهاهم عن التفريق بين الرسل ‪ ،‬وأن يسلموا هلل جل وعال قلوبهم ‪.‬‬
‫وغريب أن يقع المسلمون بعدها فى نفس الخطأ ‪،‬وهم المأمورون بنصح أهل‬
‫الكتاب حين فرقوا بين رسل هللا‪ ،‬ولكن األغرب أن اآلية التالية تجعل من موضوع‬
‫"عدم التفريق بين الرسل" قضية ايمانية فارقة يتبين فيها موقع كل انسان ؛إما أن‬
‫يكون مهتديا أو يكون مشركا فى عقيدته ‪ ،‬وما يتبع االشراك باهلل تعالى من تفرق‬
‫فى الدين وانقسامات مذهبية وطاافية ‪ ،‬وقع فيها أهل الكتاب ‪ ،‬ووقع فيها المسلمون‬
‫بعدهم بمجرد أن رفعوا دمحما فوق األنبياء عليهم جميعا سالم هللا تعالى ‪ .‬إقرأ اآلية‬
‫التالية بتمعن وتحسر على تفرق المسلمين منذ أن خالفوا االسالم ورفعوا دمحما فوق‬
‫األنبياء والرسل ‪( :‬فَإِ ْن آ َمنوا ِب ِمثْ ِل َما آ َم ْنت ْم ِب ِه فَقَ ِد ا ْهتَدَ ْوا َو ِإ ْن ت ََولَّ ْوا فَإِنَّ َما ه ْم فِي‬
‫َّللا َوه َو الس َِّميع ْال َع ِليم ) (البقرة ‪ .) 132‬نحن اآلن فى شقاق‬
‫س َي ْك ِفي َكهم َّ‬
‫ق فَ َ‬
‫ِشقَا ٍ‬
‫عقيدى بين السِّنة والشيعة والصوفية ‪ ،‬ثم تشعب الشقاق الى انقسامات مذهبية‬
‫داخل كل طاافة؛ فهناك مذاهب فقهية سنية ‪ ،‬وهناك طوااف مختلفة داخل التشيع ‪،‬‬
‫وهناك طرق متكاثرة داخل التصوف‪ ،‬وفى كل عصرتتزايد االنقسامات ‪ ,‬ولكن‬
‫يبقى أصل الشقاق باقيا ال خالف حوله ألنه سبب المصااب ‪ ،‬وهو أن الجميع‬
‫يقدس دمحما ويصلى عليه أو له ـ صالت تقديس ‪ ،‬ويحج الى قبره فى ابتداع فى‬
‫الدين لم يعرفه النبى دمحم فى حياته‪ ،‬بل لم يعرفه عصر الخلفاء الراشدين ‪ .‬لو‬
‫عاملنا دمحما عليه السالم فى عقاادنا وفقا ألوامر هللا تعالى ما وقعنا فى شقاق‬
‫وخالف‪ ،‬ألننا سنؤمن بالرسل كلهم سواءا بسواء دون تفريق ألن االيمان سيكون‬
‫فقط بما أنزل هللا جل وعال عليهم ‪ ،‬بأنه ال اله إال هللا تعالى الواحد الق ِّهار‪.‬‬

‫ثالثا ‪َ (:‬ال ن َف ِ ِّرق َبيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم َونَحْن َله م ْس ِلمونَ )‬


‫الجدل بين المسلمين وأهل الكتاب المشار اليه آنفا فى سورة البقرة ( ‪) 181 : 131‬‬
‫فى تأكيد أن االسالم هو دين ابراهيم قد تكرر في سورة آل عمران ‪،‬وفيه يقول‬
‫ت الت َّ ْو َراة‬ ‫نزلَ ِ‬
‫ِيم َو َما أ ِ‬‫ب ِل َم ت َحاجُّونَ فِي إِب َْراه َ‬ ‫تعالى ألهل الكتاب (يَا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬
‫نجيل ِإالَّ ِمن َب ْع ِد ِه أَفَالَ تَ ْع ِقلونَ هَاأَنت ْم هَؤالء َحا َججْت ْم ِفي َما لَكم ِب ِه ِع ْل ٌم فَ ِل َم‬ ‫اإل ِ‬‫َو ِ‬
‫َّللا َي ْعلَم َوأَنت ْم الَ تَ ْعلَمونَ َما َكانَ ِإب َْراهِيم َيهو ِديًّا َوالَ‬ ‫ْس لَكم ِب ِه ِع ْل ٌم َو َّ‬ ‫ت َحاجُّونَ فِي َما لَي َ‬
‫ِيم‬
‫اس ِبإِب َْراه َ‬ ‫ص َرانِيًّا َولَ ِكن َكانَ َحنِيفًا ُّم ْس ِل ًما َو َما َكانَ ِمنَ ْالم ْش ِركِينَ ِإ َّن أَ ْولَى النَّ ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫ي ْالمؤْ ِمنِين )( آل عمران ‪ 12‬ـ )‬ ‫ي َوالَّذِينَ آ َمنواْ َو َّ‬
‫َّللا َو ِل ُّ‬ ‫لَلَّذِينَ اتَّبَعوه َو َهذَا النَّبِ ُّ‬
‫ويستمر الى ان يقول جل وعال لهم ليبرىء األنبياء من أكاذيب التأليه التى ألصقها‬
‫َاب َو ْالح ْك َم َوالنُّب َّوةَ ث َّم يَق َ‬
‫ول‬ ‫َّللا ْال ِكت َ‬
‫بهم من جاء بعدهم ‪َ (:‬ما َكانَ ِلبَش ٍَر أَن يؤْ تِيَه َّ‬
‫َّللا َولَ ِكن كونواْ َربَّانِ ِيِّينَ ِب َما كنت ْم ت َع ِلِّمونَ ْال ِكت َ‬
‫َاب‬ ‫ون َّ ِ‬ ‫اس كونواْ ِعبَادًا ِلِّي ِمن د ِ‬ ‫ِللنَّ ِ‬
‫َوبِ َما كنت ْم تَدْرسونَ )( آل عمران ‪ ) 20‬أى ال يصح وال يجوز وال ينبغى لرسول‬
‫من رسل هللا أن يدعو الناس الى جعله االها مع هللا ‪،‬وهو الذى تتمحور رسالته‬
‫حول ( ال اله إال هللا) ‪ .‬وبالتالى فليس فى االسالم تأليه للمالاكة و األنبياء ألن ذلك‬
‫هو الكفر و الخروج عن االسالم الذى هو دين هللا جل وعال ( َوالَ يَأْم َرك ْم أَن‬
‫تَت َّ ِخذواْ ْال َمالاِ َكةَ َوالنَّبِ ِيِّينَ أَ ْربَابًا أَيَأْمركم بِ ْالك ْف ِر بَعْدَ إِذْ أَنتم ُّم ْس ِلمونَ ) ( آل عمران‬
‫‪) 21‬ثم يقول جل وعال يؤكد على ان االسالم ليس فقط دين هللا جل وعال للبشر‬
‫جميعا بل هو أمره جل وعال لكل ما خلق من الكاانات التى تخضع لنواميسه فى‬
‫َّللا يَبْغونَ َولَه أَ ْسلَ َم َمن فِي‬ ‫الكون و الحياة والحركة طوعا أو كرها‪(:‬أَفَغَي َْر د ِ‬
‫ِين َّ ِ‬
‫عا َو َك ْرهًا َوإِلَ ْي ِه ي ْر َجعونَ )( آل عمران ‪. ) 23‬‬ ‫ط ْو ً‬ ‫ض َ‬ ‫ت َواأل َ ْر ِ‬‫س َم َاوا ِ‬ ‫ال َّ‬
‫وإذا كان هذا الدين االسالمى هو الدين لكل الكون من جمادات و كاانات و‬
‫مخلوقات وبشر فكيف يبدأ االنحراف عنه وكيف يبدأ الناس بإقامة أديان أرضية‬
‫على أطالله ؟‬
‫البداية فى جريمة التفريق بين الرسل فيتبعها تقسيم الدين الواحد الى ملل ونحل ‪،‬‬
‫كل ملة ترتفع بالنبى الذى تتبعه فوق األنبياء اآلخرين ‪ .‬ولهذا فان الحل هو االيمان‬
‫بالرساالت السماوية كلها بال تفريق بين الرسل ‪ ،‬وهذا ما أمر هللا تعالى دمحما‬
‫رسوله الخاتم لكى يقوله ويعلنه ألهل الكتاب فى سياق هذا الحوار معهم ‪( :‬ق ْل آ َمنَّا‬
‫وب َواأل َ ْسبَ ِ‬
‫اط‬ ‫يل َوإِ ْس َحاقَ َويَ ْعق َ‬ ‫نز َل َعلَى إِب َْراه َ‬
‫ِيم َوإِ ْس َما ِع َ‬ ‫نز َل َعلَ ْينَا َو َما أ ِ‬ ‫اَّلل َو َما أ ِ‬ ‫بِ َّ ِ‬
‫سى َوالنَّ ِبيُّونَ ِمن َّر ِبِّ ِه ْم الَ نفَ ِ ِّرق َبيْنَ أَ َح ٍد ِ ِّم ْنه ْم َونَحْن لَه‬ ‫سى َو ِعي َ‬ ‫ي مو َ‬ ‫َو َما أو ِت َ‬
‫م ْس ِلمونَ )(آل عمران ‪ ) 28‬هنا يأتى األمر للنبى دمحم نفسه أن يقول نفس ما أمر هللا‬
‫تعالى المسلمين واهل الكتاب بقوله ‪ ،‬وأن ينهاهم عن التفريق بين الرسل ‪(:‬ق ْل آ َمنَّا‬
‫وب َو ْاأل َ ْسبَ ِ‬
‫اط‬ ‫يل َوإِ ْس َحاقَ َويَ ْعق َ‬ ‫اَّلل َو َما أ ْن ِز َل َعلَ ْينَا َو َما أ ْن ِز َل َعلَى إِب َْراه َ‬
‫ِيم َوإِ ْس َما ِع َ‬ ‫بِ َّ ِ‬
‫سى َوالنَّ ِبيُّونَ ِم ْن َر ِبِّ ِه ْم َال نفَ ِ ِّرق َبيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم َونَحْن لَه‬ ‫سى َو ِعي َ‬ ‫ي مو َ‬ ‫َو َما أو ِت َ‬
‫م ْس ِلمونَ ‪().‬آل عمران ‪ ) 28‬ونالحظ هنا تكرار لنفس آية سورة البقرة (قولوا آ َمنَّا‬
‫اط‬‫وب َو ْاأل َ ْسبَ ِ‬ ‫يل َو ِإ ْس َحاقَ َويَ ْعق َ‬ ‫ِيم َو ِإ ْس َما ِع َ‬ ‫اَّلل َو َما أ ْن ِز َل ِإلَ ْينَا َو َما أ ْن ِز َل ِإلَى ِإب َْراه َ‬
‫ِب َّ ِ‬
‫ي النَّبِيُّونَ ِم ْن َر ِبِّ ِه ْم َال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم َونَحْن‬ ‫سى َو َما أوتِ َ‬ ‫سى َو ِعي َ‬ ‫ي مو َ‬ ‫َو َما أوتِ َ‬
‫لَه م ْس ِلمونَ )( البقرة ‪ ) 131‬وهو تكرار يكاد تتطابق فيه الكلمات ‪ ،‬وهذا التكرار‬
‫ليس مجرد التاكيد فقط ‪ ،‬ولكن فيه ردا مسبقا على من سيأتى فيما بعد ليرفع دمحما‬
‫نفسه فوق األنبياء والرسل ‪ ،‬وهو تأكيد مسبق بأنه اذا كان النبى دمحما مأمورا بهذا‬
‫فانه يكون عدوا لكل من يخالف هذا األمر ‪.‬‬
‫ويالحظ أيضا تكرار قوله تعالى ( َال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم َونَحْن لَه م ْس ِلمونَ ) للتأكيد‬
‫على أن االسالم من مستلزماته عدم التفريق بين الرسل ‪.‬‬
‫ولمزيد من التأكيد على أن عقيدة االسالم تأبى التفريق بين الرسل‪ ،‬وأن من يفرق‬
‫بين الرسل ال يمكن أن يكون عند هللا تعالى مسلما قالت اآلية التالية ‪َ ( :‬و َم ْن يَ ْبت َِغ‬
‫اإلس َْال ِم دِينًا فَلَ ْن ي ْق َب َل ِم ْنه َوه َو ِفي ْاآل ِخ َر ِة ِمنَ ْالخَا ِس ِرينَ ) (آل عمران ‪: 28‬‬ ‫َغي َْر ْ ِ‬
‫‪ ) 22‬ألن المسلم الحق عند هللا تعالى هو الذى ال يفرق بين هللا تعالى ورسله ‪ .‬لماذا‬
‫؟‬
‫فااليمان بجميع الرسل واألنبياء بال استثناء وعدم تفضيل بعضهم على بعض هو‬
‫جوهر االسالم‪ .‬ألن االسالم هو أن تسلم وجهك وقلبك هلل تعالى وحده بدون شريك‪،‬‬
‫فاذا جعلت رسوال مميزا فوق بقية الرسل واألنبياء فال بد أن تأخذ مساحة من‬
‫التقديس القلبى الواجب هلل تعالى وحده وتعطيه للنبى المفضل لديك ‪ ،‬أى تجعل‬
‫التقديس شركة بينه وبين هللا تعالى ‪ ،‬وهذا هو الشرك‪ .‬ثم ال تلبث ان تعطيه فى‬
‫قلبك وعقيدتك شيئا من قدرة هللا تعالى ‪ ،‬فتجعله حيا بعد موته فى الدنيا و شفيعا فى‬
‫اآلخرة ‪ ،‬ومن ثم تلوذ به وتتمسح بالجاه المزعزم الذى أضفته اليه‪ ،‬وهذا ما تدور‬
‫ى فى قبره " تعرض عليه‬ ‫عليه حياتنا الدينية ‪ ،‬نعتقد فى " جاه النبى" وأنه "ح ِّ‬
‫أعمالنا ليراجعها ويتشفع فيها مقدما ‪ ،‬ثم له الشفاعة يوم القيامة حيث يكون هو‬
‫مالك يوم الدين ‪ ،‬اذا أمر هللا تعالى بدخول احدهم الى النار فان شفاعته تردِّ أمر هللا‬
‫تعالى كما لوكان رب العزة يبدل القول ويتراجع فيه !! ولذلك ال بد أن تصلى للنبى‬
‫دمحم وأن تحج الى قبره حتى تضمن شفاعته ألنه شريك هلل تعالى فى الملك‪ ،‬بل اننا‬
‫حين نقول كلمة " النبى " فال تعنى عندنا اال دمحما فقط ‪ ،‬وبقية األنبياء ال وجود لهم‬
‫فى بؤرة الشعور لدينا‪ .‬بهذا يضيع االسالم ‪ ،‬اى اسالم االنسان قلبه وعقله‬
‫وجوارحه ووجهه هلل تعالى وحده ‪ ،‬وهذا ما يؤكده واقع الحياة الدينية لمعظم‬
‫المسلمين الذين أسلموا عقولهم وقلوبهم الى دمحم وليس هلل تعالى‪ ،‬ويتوسلون (بجاه‬
‫النبى) وليس فى بؤرة الشعور عندهم فى معنى النبى و الرسول سوى دمحم ‪ ،‬لذلك‬
‫فقد صدق الغرب حين سماهم ( دمحميون )‪.‬‬
‫العادة فى الشرك أن يتكاثر ؛يبدأ بتأليه النبى ‪ ،‬ثم يمتد الى أهله ‪ ،‬واصحابه ‪ ،‬وهنا‬
‫يقع االختالف بين من نؤثره من األهل واألصحاب واألصدقاء‪ ،‬وهنا يختلفون كما‬
‫فعل السِّنة والشيعة ‪ ،‬ويبرز فى كل طاافة علماء وكهنة وأحبار يدعمون الخالفات‬
‫بأحاديث كاذبة وافتراءات منسوبة هلل تعالى ورسوله عليه السالم ‪ ،‬وتقوم كل طاافة‬
‫بتقديس أحبارها ورهبانه وأامتها وشيوخها الى درجة أن يرفعوهم فوق رب العزة‬
‫جل وعال ‪ ،‬ويصبح كالمهم متحكما فى كالم هللا تعالى فى القرآن الكريم ‪،‬وعلى‬
‫سبيل المثال فاننا حين نناقش أحاديث البخارى التى تؤله النبى دمحما وحتى تلك التى‬
‫تطعن فيه تجد األغلبية تدافع عن البخارى بالسليقة مع وضوح الطعن فى االسالم‬
‫ونبى االسالم عليه السالم‪ ،‬أى تتكاثر اآللهة‪ ،‬فال يصبح من تقديس باق هلل تعالى اال‬
‫اقل القليل‬
‫إن التقديس كله يجب أن يكون هلل تعالى وحده فى كل قلب مؤمن مسلم ‪ ،‬فاذا أخذت‬
‫جزءا من هذا التقديس وجعلته لبشر فأنت لم تقدر هللا جل وعال حق قدره ‪ ،‬بل‬
‫جعلت ذلك البشر شريكا مع هللا تعالى فى التقديس والعبادة‪ ،‬وال يستطيع كل البشر‬
‫ب َمثَ ٌل‬ ‫المقدسين أن يخلقوا ذبابة واحدة ‪ ،‬ولو اجتمعوا لذلك (يَا أَيُّ َها النَّاس ض ِر َ‬
‫َّللا لَن يَ ْخلقوا ذبَابًا َولَ ِو اجْ تَ َمعوا لَه َوإِن‬ ‫ون َّ ِ‬ ‫فَا ْست َِمعوا لَه إِ َّن الَّذِينَ تَدْعونَ ِمن د ِ‬
‫َّللا َح َّق‬‫طلوب َما قَدَروا َّ َ‬ ‫الطا ِلب َو ْال َم ْ‬
‫ف َّ‬ ‫ضع َ‬ ‫ش ْيئًا ِّال يَ ْستَن ِقذوه ِم ْنه َ‬ ‫َيسْلبْهم الذُّ َباب َ‬
‫يز ) ( الحج ‪.) 28‬‬ ‫ي َع ِز ٌ‬ ‫َّللا لَقَ ِو ٌّ‬
‫قَد ِْر ِه ِإ َّن َّ َ‬
‫وكل التفصيالت السابقة أوجزها رب العزة فى اآليات التالية من سورة النساء ‪.‬‬
‫اَّلل َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أَ ْن‬ ‫رابعا ‪ :‬تكفير من يفرق بين الرسل ‪(:‬إِ َّن الَّذِينَ يَ ْكفرونَ بِ َّ ِ‬
‫ض َوي ِريدونَ أَ ْن َيت َّ ِخذوا َبيْنَ‬ ‫ض َونَ ْكفر ِب َب ْع ٍ‬ ‫َّللا َورس ِل ِه َو َيقولونَ نؤْ ِمن ِب َب ْع ٍ‬ ‫يفَ ِ ِّرقوا َبيْنَ َّ ِ‬
‫يال أولَئِ َك هم ْال َكافِرونَ َحقًّا َوأَ ْعتَدْنَا ِل ْل َكافِ ِرينَ َعذَابًا م ِهينًا َوالَّذِينَ آ َمنوا ِب َّ ِ‬
‫اَّلل‬ ‫س ِب ً‬
‫ذَ ِل َك َ‬
‫ورا‬
‫َّللا غَف ً‬ ‫وره ْم َو َكانَ َّ‬ ‫ف يؤْ تِي ِه ْم أج َ‬ ‫س ْو َ‬ ‫َورس ِل ِه َولَ ْم يفَ ِ ِّرقوا بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم أولَئِ َك َ‬
‫َر ِحي ًما ) النساء ‪:) 122 : 121‬‬
‫بالتدبر فى اآليات الكريمة يتضح اآلتى ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ هنا قسمة قاطعة بين االيمان والكفر فى موضوع التفريق بين الرسل‬
‫ف‬ ‫س ْو َ‬‫اَّلل َورس ِل ِه َولَ ْم يفَ ِ ِّرقوا بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم أولَئِ َك َ‬ ‫‪.‬فالمؤمنون هم ( َوالَّذِينَ آ َمنوا ِب َّ ِ‬
‫ورا َر ِحي ًما ) ويقابلهم الكافرون وهم (إِ َّن الَّذِينَ يَ ْكفرونَ‬ ‫وره ْم َو َكانَ َّ‬
‫َّللا غَف ً‬ ‫يؤْ تِي ِه ْم أج َ‬
‫ض َونَ ْكفر‬ ‫َّللا َورس ِل ِه َو َيقولونَ نؤْ ِمن ِب َب ْع ٍ‬ ‫َ‬
‫اَّلل َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أ ْن يفَ ِ ِّرقوا َبيْنَ َّ ِ‬ ‫ِب َّ ِ‬
‫يال أولَئِ َك هم ْال َكافِرونَ َحقًّا َوأَ ْعتَدْنَا‬ ‫س ِب ً‬ ‫ض َوي ِريدونَ أَ ْن يَت َّ ِخذوا بَيْنَ ذَ ِل َك َ‬ ‫ِببَ ْع ٍ‬
‫ِل ْل َكافِ ِرينَ َعذَابًا م ِهينًا )‬
‫‪ 2‬ـ أى أن التفريق بين الرسل يعنى التفريق بين هللا ورسله ‪ ،‬ولهذا جاء وصف‬
‫المؤمنين بأنهم ( َولَ ْم يفَ ِ ِّرقوا بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم ) يعنى عكس ما يرتكبه (الَّذِينَ يَ ْكفرونَ‬
‫َّللا َورس ِل ِه)‪.‬‬ ‫اَّلل َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أَ ْن يفَ ِ ِّرقوا بَيْنَ َّ ِ‬ ‫بِ َّ ِ‬
‫وسبق أن قلنا ( االيمان باهلل تعالى وحده االها نزلت به المالاكة فى الوحى الذى‬
‫جاء كتابا سماويا على كل الرسل ‪ ،‬ولذلك جاء التعبير ينسب المالاكة والكتب‬
‫السماوية والرسل هلل تعالى كأدوات له جل وعال فى توصيل الرسالة للبشر‪ ،‬فيقول‬
‫اَّلل َو َم َالاِ َكتِ ِه َوكتبِ ِه َورس ِل ِه ) فالمالاكة والكتب والرسل جاءت‬ ‫جل وعال (ك ٌّل آ َمنَ بِ َّ ِ‬
‫مضافة الى ضمير يرجع الى رب العزة باعتبار أنه جل وعال يملكهم جميعا فى‬
‫أنهم أدواته فى تبليغ رسالة (ال اله إال هللا ) للبشر‪.‬‬
‫وحتى ال يقع أحد فى تفضيل أداة على أخرى وبالتالى رفعها الى مستوى هللا تعالى‬
‫المالك لكل هذه األدوات قال تعالى أن من ضرورات االيمان قول الرسول‬
‫والمؤمنين معه‪َ (:‬ال نفَ ِ ِّرق َبيْنَ أَ َح ٍد ِم ْن رس ِل ِه ) وكلمة رسله بالعموم وبرجوع‬
‫الضمير (رسله ) الى هللا تعالى مما يؤكد تحريم التفريق بينهم ‪ ،‬فكلهم داخل فى‬
‫كلمة (رسله ) دون تمييز ألحد منهم باالسم أو الشخص )‬
‫‪ 3‬ـ وقد تكرر من قبل وصف المؤمنين المسلمين الحقيقيين (‪َ .......‬ال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ‬
‫ط ْعنَا)( البقرة ‪ ) 222‬أى أمرهم هللا تعالى بعدم‬ ‫س ِم ْعنَا َوأَ َ‬‫أَ َح ٍد ِم ْن رس ِل ِه َوقَالوا َ‬
‫ط ْعنَا) تعنى التسليم والطاعة أى‬ ‫س ِم ْعنَا َوأَ َ‬ ‫ط ْعنَا)‪ .‬و( َ‬ ‫س ِم ْعنَا َوأَ َ‬
‫التفريق فقالوا ( َ‬
‫االسالم هلل تعالى وحده دليال على عدم التفريق بين الرسل لذا قالوا فى اآلية‬
‫ط ْعنَا) ‪ ،‬كما جاء فى ( َال نفَ ِ ِّرق‬ ‫س ِم ْعنَا َوأ َ َ‬
‫األخرى ( َونَحْن لَه م ْس ِلمونَ ) لتساوى ( َ‬
‫َبيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم َونَحْن لَه م ْس ِلمونَ ) ( البقرة ‪ ) 131‬و‪َ ( :‬ال نفَ ِ ِّرق َبيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم َونَحْن‬
‫لَه م ْس ِلمونَ ) ( آل عمران ‪.) 28‬‬
‫وعليه فان عدم التفريق بين الرسل هو االسالم ‪ ،‬وعكسه التفريق بينهم الذى يكون‬
‫اَّلل َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أَ ْن‬ ‫كفرا ‪ ،‬كما جاء فى سورة النساء (إِ َّن الَّذِينَ يَ ْكفرونَ بِ َّ ِ‬
‫اَّلل َورس ِل ِه َولَ ْم يفَ ِ ِّرقوا َبيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم )‬ ‫َّللا َورس ِل ِه)( َوالَّذِينَ آ َمنوا ِب َّ ِ‬ ‫يفَ ِ ِّرقوا َبيْنَ َّ ِ‬
‫‪ 8‬ـ بل إن الكافرين هنا هم كافرون حقا ‪ ،‬وهذا وصف هللا تعالى لهم (أولَئِ َك هم‬
‫ْال َكافِرونَ َحقًّا) وينتظرهم عذاب هاال يوم القيامة ( َوأَ ْعتَدْنَا ِل ْل َكافِ ِرينَ َعذَابًا م ِهينًا )‪.‬‬
‫ويالحظ أنها المرة الوحيدة فى القرآن الكريم كله أن يوصف ملمح من مالمح الكفر‬
‫بأن أصحابه من الكافرين حقا (أولَ ِئ َك هم ْال َكا ِفرونَ َحقًّا ) ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ من معانى التفريق بين الرسل ‪ :‬الكفر باهلل ورسله‪،‬والقول بااليمان ببعض‬
‫الرسل والكفر ببعض ‪ ،‬والبحث عن تأويل فاسد يحقق لهم مرادهم ‪ ،‬وهذا ما جاء‬
‫َّللا َورس ِل ِه‬ ‫اَّلل َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أَ ْن يفَ ِ ِّرقوا بَيْنَ َّ ِ‬ ‫فى قوله تعالى ‪(:‬إِ َّن الَّذِينَ يَ ْكفرونَ بِ َّ ِ‬
‫يال)‬ ‫ض َوي ِريدونَ أَ ْن َيت َّ ِخذوا َبيْنَ ذَ ِل َك َ‬
‫س ِب ً‬ ‫ض َونَ ْكفر ِب َب ْع ٍ‬ ‫َو َيقولونَ نؤْ ِمن ِب َب ْع ٍ‬
‫‪.‬والخطاب هنا للمستقبل ‪،‬اى بعد نزول القرآن الكريم الى قيام الساعة ‪ ،‬وهو‬
‫مختلف عن الخطاب فى اآليات السابقة التى جاء الخطاب فيها بالماضى فى آية‬
‫(‪ ) 222‬فى البقرة إخبارا عن ايمان الرسول و المؤمنين وقولهم بعدم التفريق بين‬
‫الرسل وأنهم سمعوا وأطاعوا ‪ ،‬وهو أيضا مختلف عن أيتى سورة البقرة (‪) 131‬‬
‫وآل عمران ( ‪ ) 28‬حيث أمر هللا تعالى الرسول و المؤمنين بأن يقولوا ألهل‬
‫الكتاب ( َال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم َونَحْن لَه م ْس ِلمونَ ) ‪.‬‬
‫جاءت آيات سورة النساء ( ‪ ) 122 : 121‬لتتكلم بالمضارع توجه الخطاب لمن‬
‫سيأتى بعد نزول القرآن الكريم ‪،‬فال تقول (الذين كفروا ) عن الماضين والسابقين‬
‫اَّلل َورس ِل ِه ) أى تجعلها حكما عاما مؤكدا ( بإن )وساريا‬ ‫بل ( ِإ َّن الَّذِينَ َي ْكفرونَ ِب َّ ِ‬
‫فوق ما سيأتى من الزمان على كل من (يكفر )‪ .‬بل أكثر من هذا تجعل من االرادة‬
‫القلبية جريمة ‪ ،‬وهى جريمة عند هللا تعالى ألنها تتعلق بالشرك العقيدى و الكفر‬
‫العقيدى ‪ ،‬فاآلية الكريمة تجعل من الجراام العقيدية أنهم ( َوي ِريدونَ أَ ْن يفَ ِ ِّرقوا َبيْنَ‬
‫َّللا َورس ِل ِه ) فهنا عقاب على مجرد (االرادة) ‪ ،‬ألن تلك االرادة هى التى تحرك‬ ‫َّ ِ‬
‫صاحبها ألن يقول وألن يفعل ‪ ،‬أى ألن يقول صراحة أو ضمنا ( َويَقولونَ نؤْ ِمن‬
‫ض ) ويفعل أى يقوم بتأويل اآليات ليتخذ منها سبيال القناع الناس‬ ‫ض َونَ ْكفر بِبَ ْع ٍ‬ ‫بِبَ ْع ٍ‬
‫يال)‪.‬‬ ‫بأن فالنا من الرسل أفضل من غيره‪َ (.‬وي ِريدونَ أَ ْن َيت َّ ِخذوا َبيْنَ ذَ ِل َك َ‬
‫س ِب ً‬
‫الرسول ِب َما أ ْن ِز َل ِإلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه‬ ‫إن االيمان الحق هو كما قال رب العزة (آ َمنَ َّ‬
‫اَّللِ َو َم َالاِ َكتِ ِه َوكت ِب ِه َورس ِل ِه َال نفَ ِ ِّرق بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْن رس ِل ِه)‬ ‫َو ْالمؤْ ِمنونَ ك ٌّل آ َمنَ ِب َّ‬
‫فااليمان باهلل تعالى هو األصل وهو الذى يتبعه ويدخل فيه االيمان بمالاكته وكتبه‬
‫ورسله بدون تفريق بين الرسل‪ .‬حين يحدث التفريق بين الرسل يتبدل الوضع ‪،‬‬
‫فالتقديس الذى يجب أن يكون هلل تعالى وحده يتم إقتطاع جزء منه ليضاف للرسول‬
‫المميز ‪ ،‬ويصبح االيمان بذلك الرسول المميز إيمان تأليه وتقديس ومختلفا عن‬
‫االيمان العادى ببقية الرسل ‪ ،‬أى يتحول الى كفر باهلل جل وعال حيث جعل ذلك‬
‫الرسول شريكا مع هللا فى التقديس ‪ ،‬بينما يحرم بقية الرسل من تلك الميزة ‪،‬‬
‫وبالتالى فانه ال يكفر فقط باهلل ‪ ،‬ولكن يؤمن باألوهية رسول ويكفر بالوهية الرسل‬
‫اآلخرين ‪ ،‬وفى كل األحوال يقوم بالتفريق بين هللا ورسله ‪ ،‬فبعد أن كانوا جميعا‬
‫رسال هلل بدون تمييز ألحدهم على اآلخر أصبح أحدهم مذكورا باالسم الى جانب‬
‫هللا جل وعال‪ .‬وألنهم سيفعلون هذا بعد انتهاء القرآن الكريم نزوال فال بد أن يقوموا‬
‫بتأويل اآليات واختراع األكاذيب ليؤسسوا سندا لمزاعمهم التى تخالف القرآن‬
‫الكريم ‪ .‬وألنه ال حجة لهم وال عذر بعد وضوح القرآن الكريم فان هللا جل وعال‬
‫اعتبرهم كفرة حقا واعدِّ لهم عذابا عظيما ‪ .‬كل هذا أوجزه رب العزة فقال (إِ َّن‬
‫َّللا َورس ِل ِه َو َيقولونَ نؤْ ِمن‬ ‫اَّلل َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أَ ْن يفَ ِ ِّرقوا َبيْنَ َّ ِ‬ ‫الَّذِينَ َي ْكفرونَ ِب َّ ِ‬
‫يال أولَئِ َك هم ْال َكافِرونَ َحقًّا‬ ‫س ِب ً‬ ‫ض َوي ِريدونَ أَ ْن يَت َّ ِخذوا بَيْنَ ذَ ِل َك َ‬ ‫ض َونَ ْكفر بِبَ ْع ٍ‬ ‫ِببَ ْع ٍ‬
‫َوأَ ْعتَدْنَا ِل ْل َكافِ ِرينَ َعذَابًا م ِهينًا )‪ .‬ثم جاء االلتفات الى المؤمنين (حقا ) فقال تعالى‬
‫اَّلل َورس ِل ِه َولَ ْم‬ ‫فيهم بصيغة المضارع ايضا يخاطبهم فوق الزمان ( َوالَّذِينَ آ َمنوا بِ َّ ِ‬
‫ورا َر ِحي ًما ) ‪.‬‬ ‫َّللا غَف ً‬ ‫وره ْم َو َكانَ َّ‬ ‫ف يؤْ ِتي ِه ْم أج َ‬ ‫س ْو َ‬ ‫يفَ ِ ِّرقوا َبيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم أولَ ِئ َك َ‬
‫إنها آية من آيات القرآن الكريم وإحدى إعجازاته حين ينبىء بما سيحدث مقدما‬
‫ويحذر منه ‪.‬‬
‫ومع ذلك فسيظل بعضهم متمسكا بما وجد عليه آباءه راضيا بأن ينطبق عليه قوله‬
‫تعالى (أولَئِ َك هم ْال َكافِرونَ َحقًّا)‬
‫أخيرا ‪:‬‬
‫ويبقى أن نتساءل ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إن تصحيح عقاادنا ممكن لو أردنا الهداية بصدق ‪ .‬وتصحيح عقاادنا يدخل فى‬
‫داارة االستطاعة فلماذا ال نفعل ما هو ممكن ‪ ،‬وقبل فوات األوان ؟‬
‫‪ 2‬ـ هب إننى أتعسف القول وأبالغ ‪ ..‬فلماذا ال تتدبر اآليات وتخلو بنفسك متفكرا‬
‫طالبا الهداية ؟‬
‫‪ 3‬ـ فى النهاية فهذا أمر يخص اآلخرة ‪ ,‬وال شأن له بمطامع الدنيا وصراعاتها‬
‫‪..‬ومعظم المسلمين ضحايا لالستبداد واالستعباد و الفساد ‪ ،‬وقد خسروا الدنيا ‪ ،‬فهل‬
‫يخسرون اآلخرة أيضا ؟‬
‫‪ 8‬ـ إذا كان النضال فى سبيل اصالح هذه الحياة الدنيا تحول دونه جيوش‬
‫المستبدين مما يجعل االصالح مستحيال فى المدى المنظور ‪ ،‬اليس من األفضل أن‬
‫نصلح عقاادنا وهو فى إطار الممكن ؟ أم أنه مكتوب على المسلمين منذ قرون أن‬
‫يخسروا الدنيا واآلخرة معا؟‬
‫‪ 2‬ـ على األقل فان دخول الجنة أقل تكلفة من دخول النار ‪..‬‬
‫أليس كذلك ؟ أم هو كذلك ؟‬

‫ضه ْم َعلَى َب ْع ٍ‬
‫ض)‬ ‫الرسل فَض َّْلنَا َب ْع َ‬
‫المقال القادم (تِ ْل َك ُّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المقال الثاني‪:‬‬
‫فى التفريق والتفضيل بين األنبياء وشهادة االسالم‬
‫(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض )‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ هذا البحث كان من قبل خطبة جمعة ألقيتها فى مساجد جماعة دعوة الحق التى‬
‫كنت مشرفا عليه وقت غياب صاحبها (د‪ .‬سيدرزق الطويل) فى السعودية‪ ،‬وثار‬
‫ى وقتها شيوخ األزهر فى كلية أصول الدين فى طنطا حيث كنت أذهب الى‬ ‫عل ِّ‬
‫هناك مرة فى الشهر أللقى خطبة الجمعة ‪ ،‬وتحديا لهم نشرت البحث فى مجلة‬
‫الجمعية ( الهدى النبوى )‪ ،‬فتعاظمت ثورتهم وأهدروا دمى لو ذهبت الى طنطا ‪،‬‬
‫فتحديتهم وصممت على أن أكون منتدبا للتدريس يوما اسبوعيا فى كلية أصول‬
‫الدين فى طنطا عقر دارهم ألدرس للطلبة ما ينكره أولئك الشيوخ ‪ ،‬ولم أنقطع عن‬
‫خطبتى أول كل شهر فى مسجد دعوة الحق فى طنطا ‪ ،‬وخطبت فى إنكار الشفاعة‬
‫وعصمة األنبياء والتناقض بين البخارى و القرآن ‪.‬‬
‫دبروا مؤامرة لقتلى فى مشاجرة ـ حتى يضيع دمى بين القباال ـ‪ ،‬فطلبوا مناظرتى‬
‫‪ ،‬وقبلت ‪ ،‬وتحدد موعدها ومكانها فى مسجد دعوة الحق يوم شم النسيم عام ‪1028‬‬
‫ـ أى منذ ربع قرن ـ سافرت كالعادة من القاهرة الى طنطا وحدى‪.‬دخلت المسجد‬
‫فوجدتهم قد تجمعوا فيه ‪ ،‬تكلمت بالقرآن ‪ ،‬ثم بدأت كالمى عن البخارى بقولى ‪( :‬‬
‫البخارى بشر غير معصوم ‪ ،‬ومن اعتقد العصمة فى البخارى فقد كفر بما أنزل‬
‫على دمحم )‪ .‬عندها وقف شيوخ كلية أصول الدين وغادروا المكان ‪ ،‬وكأنها إشارة‬
‫ى كثيرون يريدون الفتك بى ‪ ،‬فأحاطنى أهل المسجد يحموننى‬ ‫البدء إذ هجم عل ِّ‬
‫وحملونى الى غرفة داخلية‪ ،‬وطردوا البغاة‪ .‬صمم أهل المسجد على أن أتم‬
‫محاضرتى ‪ ،‬وعادت أجهزة التسجيل ‪ ،‬وانطلق صوتى بالميكروفون أكمل كالمى‬
‫‪ ،‬وبدأ الذين تركوا المسجد ـ ومنهم المهاجمون الغاضبون ـ يعودون شيئا فشيئا‪،‬‬
‫وبهدوء الى ان تكامل العدد كما كان ‪،‬واستمعوا لى بهدوء وتأثر وأنا أقرأ لهم من‬
‫كتاب البخارى وأسألهم هل يرضون بهذا الطعن فى هللا تعالى ورسوله ‪ ،‬وأحيانا‬
‫كانت تغلبنى دموعى مؤكدا لهم أنه ليست لى مصلحة شخصية سوى الدفاع عن‬
‫دين هللا جل وعال ‪،‬وفى سبيله أتحمل األذى منهم ومن اآلخرين ‪.‬‬
‫كانت هزيمة قاصمة لشيوخ األزهر فى فرع طنطا التابع لجامعة األزهر ‪ ،‬فطلبوا‬
‫من الجامعة ومن أمن الدولة عدم السماح لى بالتدريس منتدبا فى كلية أصول الدين‬
‫فرع طنطا ‪ ،‬وتم لهم ما أرادوا ‪.‬‬
‫وردا عليهم جميعا أدخلت البحث وأبحاثا أخرى فى كتبى التى قررتها على الطلبة‬
‫فى جامعة األزهر عام ‪ ،1022‬وخصوصا كتاب (األنبياء فى القرآن الكريم‪:‬‬
‫دراسة تحليلية)‪.‬‬
‫وتحركت السفارة السعودية فى القاهرة بنفوذها ورياالتها ‪ ،‬وفى الخامس من شهر‬
‫مايو عام ‪ 1022‬تمت إحالتى الى التحقيق داخل جامعة األزهر متهما بأننى فى‬
‫كتاب ( األنبياء فى القرآن الكريم ) وفى اربعة كتب أخرى أنكرت عصمة األنبياء‬
‫( المطلقة ) و شفاعة النبى ‪ ،‬وأننى رفضت تفضيل النبى دمحم على األنبياء السابقين‬
‫‪ .‬والقصة معروفة وانتهت بتركى جامعة األزهر عام ‪ ، 1022‬ودخول السجن فى‬
‫نفس العام ‪،‬وتحقق أكبر نصر للنفوذ السعودى و الريال السعودى‪.‬‬
‫ويوم اعالن القبض علينا قام السنيون بتعليق الفتات على مساجدهم فى طنطا تقول‬
‫( الحمد هلل قبضوا على منكر السنة )‪.‬‬
‫أى إن بحث ( التفضيل بين األنبياء ) يحتل موقعا هاما فى سيرة حياتى و تاريخ‬
‫األزهر‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ وفى هذا البحث تعرضت إجماال للعناصر الثالثة‪ :‬التفريق بين الرسل وتحليل‬
‫لموضوع التفضيل بين الرسل وتناقض تفضيل النبى دمحم على األنبياء السابقين مع‬
‫االسالم ‪.‬‬
‫وسبق نشر موضوع النهى عن التفريق بين الرسل ‪ ،‬ونتوقف االن مع الموضوع‬
‫التالى وهو تحليل التفضيل بين الرسل فى رؤية قرآنية ‪.‬‬
‫ض)‬ ‫ضه ْم َعلَى َب ْع ٍ‬ ‫الرسل فَض َّْلنَا َب ْع َ‬ ‫أوال ‪ ( :‬تِ ْل َك ُّ‬
‫‪1‬ـ العادة انك لو قلت ألحدهم إنه ال يصح تفضيل النبى دمحم على من سبقه من‬
‫ض )‪.‬‬ ‫ضه ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬ ‫الرسل فَض َّْلنَا بَ ْع َ‬ ‫األنبياء فإنه يرد كالببغاء قوله تعالى (تِ ْل َك ُّ‬
‫نقول( كالببغاء ) وال نعتذر عن هذا التشبيه ألنه حقيقى ‪ ،‬فصاحبنا الببغاء هذا يردد‬
‫ـ دون أن يعقل ـ ما اعتاده السابقون قوله دون عقل ‪ ،‬إنه مجرد اقتطاع جزء من‬
‫آية قرآنية من سياقها واالستشهاد بها خالف ما تدل عليه ‪.‬ولو تدبر فى اآلية‬
‫الكريمة ما فعل ‪.‬‬
‫ض ) وتبدأ بكلمة‬ ‫ضه ْم َعلَى َب ْع ٍ‬ ‫الرسل فَض َّْلنَا َب ْع َ‬ ‫‪ 2‬ـ االية الكريمة تقول ‪ِ ( :‬ت ْل َك ُّ‬
‫(تِ ْل َك ) وهى إشارة الى رسل سابقين ورد ذكرهم قبل تلك اآلية الكريمة‪ ،‬منهم داود‬
‫وت َوآتَاه‬ ‫َّللا َوقَت ََل دَاود َجال َ‬ ‫الذى ورد ذكره فى قوله جل وعال ‪َ (:‬ف َهزَ موهم ِبإِذْ ِن َّ ِ‬
‫ت‬
‫سدَ ِ‬ ‫ض لَّفَ َ‬ ‫ضه ْم بِبَ ْع ٍ‬ ‫اس بَ ْع َ‬ ‫َّللا ْالم ْل َك َو ْال ِح ْك َمةَ َو َعلَّ َمه ِم َّما يَشَاء َولَ ْوالَ دَ ْفع َّ ِ‬
‫َّللا النَّ َ‬ ‫َّ‬
‫ق َو ِإنَّ َك‬ ‫َّللا نَتْلوهَا َعلَي َْك ِب ْال َح ِّ ِ‬ ‫َّللا ذو فَض ٍْل َعلَى ْال َعالَ ِمينَ ِت ْل َك آ َيات َّ ِ‬ ‫األ َ ْرض َولَ ِك َّن َّ َ‬
‫الرسل فَض َّْلنَا‬ ‫سلِينَ ) ( البقرة ‪ ) 222 : 221‬بعدها قال تعالى ‪ ( :‬تِ ْل َك ُّ‬ ‫لَ ِمنَ ْالم ْر َ‬
‫ض)‪ .‬أى يشير رب العزة الى أنبياء محددين هم داود والنبى اآلخر‬ ‫ضه ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬ ‫بَ ْع َ‬
‫الذى أشار على بنى اسراايل بأن طالوت قد بعثه هللا تعالى عليهم ملكا ‪ ،‬بعد موت‬
‫موسى عليهم جميعا السالم فى قصة سبقت موضوع التفضيل ( البقرة ‪222 : 281‬‬
‫) وبالتحديد فاالشارة الى ثالثة من رسل هللا هم موسى و ذلك النبى الذى لم يذكر‬
‫هللا تعالى اسمه ( اسمه فى التوراة صموايل )‪ ،‬وداود ‪ ،‬عليهم السالم‪.‬‬
‫ض)‬ ‫ضه ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬ ‫الرسل فَض َّْلنَا بَ ْع َ‬ ‫‪ 3‬ـ ثم تأتى اآلية الكريمة تقول عنهم (تِ ْل َك ُّ‬
‫ضه ْم‬ ‫َّللا َو َرفَ َع َب ْع َ‬ ‫ويأتى التفصيل فى نفس اآلية ‪ ،‬فيقول رب العزة ‪ِّ ِ ( :‬م ْنهم َّمن َكلَّ َم َّ‬
‫ت ) وواضح هنا أن الكالم عن تفضيل موسى عليه السالم بالتحديد ‪ ،‬أى إن‬ ‫دَ َر َجا ٍ‬
‫هللا جل وعال رفعه درجات ‪ .‬ويقول رب العزة عن عيسى عليه السالم فى سياق‬
‫وح ْالقد ِس ) ثم يقول‬ ‫ت َوأَيَّدْنَاه بِر ِ‬ ‫سى ابْنَ َم ْريَ َم ْالبَ ِيِّنَا ِ‬ ‫التفضيل و التميز ‪َ ( :‬وآتَ ْينَا ِعي َ‬
‫َّللا َما ا ْقتَت ََل الَّذِينَ ِمن َب ْع ِدهِم ِ ِّمن َب ْع ِد‬ ‫جل وعال عن أتباعهم واختالفاتهم ‪َ ( :‬ولَ ْو شَاء َّ‬
‫َّللا َما‬ ‫آمنَ َو ِم ْنهم َّمن َكفَ َر َولَ ْو شَاء َّ‬ ‫اختَلَفواْ فَ ِم ْنهم َّم ْن َ‬ ‫َما َجا َءتْهم ْالبَ ِيِّنَات َولَ ِك ِن ْ‬
‫َّللا يَ ْفعَل َما ي ِريد ) ( البقرة ‪ .) 223 : 221‬أى ال توجد أدنى إشارة‬ ‫ا ْقتَتَلواْ َولَ ِك َّن َّ َ‬
‫لمحمد خاتم النبيين هنا على االطالق ألن الحديث عن جماعة من رسل هللا تعالى‬
‫لبنى اسراايل تعقيبا على قصة من قصصهم فى القرآن الكريم‪.‬‬
‫ضه ْم َعلَى‬ ‫الرسل فَض َّْلنَا بَ ْع َ‬ ‫‪ 3‬ـ األهم من هذا هو قوله تعالى (فَض َّْلنَا) فى (تِ ْل َك ُّ‬
‫ض ) وهى واضحة لكل من يبصر فى أن التفضيل حق االهى هلل تعالى وحده ‪،‬‬ ‫بَ ْع ٍ‬
‫فاهلل وحده هو الذى يملك حق التفضيل‪ ،‬وهو وحده الذى يملك رفع بعضهم فوق‬
‫َّللا َو َرفَ َع‬ ‫ض ِ ِّم ْنهم َّمن َكلَّ َم َّ‬ ‫ضه ْم َعلَى َب ْع ٍ‬ ‫الرسل فَض َّْلنَا َب ْع َ‬ ‫بعضهم درجات‪ِ (:‬ت ْل َك ُّ‬
‫ت) وهو وحده جل وعال الذى آتى عيسى عليه السالم البينات وأيده‬ ‫ضه ْم دَ َر َجا ٍ‬ ‫بَ ْع َ‬
‫وح ْالقد ِس ) وهو وحده‬ ‫ت َوأَيَّدْنَاه بِر ِ‬ ‫سى ابْنَ َم ْريَ َم ْالبَ ِيِّنَا ِ‬ ‫بروح القدس‪َ ( :‬وآتَ ْينَا ِعي َ‬
‫َّللا يَ ْفعَل َما ي ِريد )‪.‬‬ ‫جل وعال الذى يفعل ما يريد ( َولَ ِك َّن َّ َ‬
‫هللا جل وعال وحده هو األعلم بمن خلق ‪ ،‬هو أعلم بنا من أنفسنا‪َّ ( :‬ربُّك ْم أَ ْعلَم ِبك ْم‬
‫َاك َعلَ ْي ِه ْم َو ِكيالً )‪ ،‬وهو‬ ‫س ْلن َ‬ ‫َّربُّك ْم أَ ْعلَم ِبك ْم ِإن يَشَأ ْ يَ ْر َح ْمك ْم أَ ْو ِإن يَشَأ ْ ي َع ِذِّبْك ْم َو َما أَ ْر َ‬
‫األعلم وحده بحياة كل نبى وسريرته ومدى طاعته وجهاده‪ ،‬وعلى أساس علمه بهم‬
‫يأتى تفضيله لبعضهم على بعض‪ ،‬ولهذا تقول اآلية التالية‪َ ( :‬و َرب َُّك أَ ْعلَم ِب َمن ِفي‬
‫ورا)‬ ‫ض َوآتَيْنَا دَاوودَ زَ ب ً‬ ‫ض النَّ ِب ِيِّينَ َعلَى َب ْع ٍ‬ ‫ض َولَقَدْ فَض َّْلنَا َب ْع َ‬ ‫ت َواأل َ ْر ِ‬
‫س َم َاوا ِ‬ ‫ال َّ‬
‫(االسراء ‪.)22 :28‬‬
‫أما نحن البشر فليس فى علمنا هذا ‪ ،‬لم نر نبيا من األنبياء ‪ ،‬وال نعرف عددهم‬
‫الحقيقى ‪ ،‬بل حتى ال يعرف ذلك خاتم النبيين دمحم عليه وعليهم السالم ‪َ ( :‬ورسالً قَدْ‬
‫سى تَ ْك ِلي ًما) (‬ ‫َّللا مو َ‬ ‫صه ْم َع َلي َْك َو َكلَّ َم َّ‬ ‫صنَاه ْم َعلَي َْك ِمن قَبْل َورسالً لَّ ْم نَ ْقص ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫قَ َ‬
‫النساء ‪ )118‬وبالتالى فإن من يفاضل بين األنبياء إنما يضع نفسه فى موضع رب‬
‫العزة جل وعال ‪ ،‬وليس هذا مجرد استنتاج من القرآن الكريم ‪ ،‬ولكنه استنتاج‬
‫عقلى أيضا فالمدرس هو الذى من حقه أن يفاضل بين تالميذه حسب اجتهادهم‬
‫الذى يراه ويحكم عليه ‪ ،‬وهو له منزلة تتيح له هذا وترفعه فوق مستوى‬
‫تالميذه‪.‬وذلك الذى يقوم بالتفضيل بين األنبياء إنما يتربع فوق كرسى وينظر من‬
‫أعلى لألنبياء ليقرر من هو األفضل ‪ ،‬اى يرفع نفسه فوقهم ‪ ،‬وبالتالى يزعم لنفسه‬
‫ـ دون أن يدرى ـ األلوهية ‪.‬‬
‫أما المؤمن الحق فال يعطى نفسه هذا ‪ ،‬يكتفى بتدبر القرآن الكريم وااللتزام بما‬
‫جاء فيه من عدم التفريق بين الرسل ووجوب االيمان بهم جميعا دون تفرقة بين‬
‫هذا أو ذاك ‪ ( :‬البقرة ‪ () 222 ، 132 : 132‬آل عمران ‪ ،) 22 : 23‬وان من‬
‫يفرق بين الرسل فهو عند هللا تعالى كافر ( النساء ‪ ) 122 : 121‬وأن االيمان ليس‬
‫اَّلل َو َرسو ِل ِه‬ ‫بشخص النبى وإنما بالرسالة والكتاب ‪(:‬يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنواْ ِآمنواْ ِب َّ ِ‬
‫ِي أَنزَ َل ِمن قَبْل َو َمن يَ ْكف ْر ِب َّ ِ‬
‫اَّلل‬ ‫ب الَّذ َ‬ ‫ب الَّذِي ن ََّز َل َعلَى َرسو ِل ِه َو ْال ِكتَا ِ‬ ‫َو ْال ِكتَا ِ‬
‫ضالالً بَ ِعيدًا ) ( النساء ‪.) 113‬‬ ‫ض َّل َ‬ ‫اآلخ ِر فَقَدْ َ‬ ‫َو َمالاِ َكتِ ِه َوكتبِ ِه َورس ِل ِه َو ْاليَ ْو ِم ِ‬
‫ثانيا ‪ :‬مالمح قرآنية فى مدح بعض األنبياء والرسل السابقين بعد موتهم‪:‬‬
‫نحن هنا ال نحكم بتفضيل نبى على آخر ‪ ،‬ولكن نتدبر ما قاله رب العزة فى مدح‬
‫بعض رسله ‪ ،‬وهو جل وعال وحده صاحب الحق فى التفضيل بين عباده من‬
‫األنبياء‪.‬‬
‫مدح ابراهيم عليه السالم‬
‫‪ 1‬ـ ابراهيم عليه السالم هو النبى الوحيد ـ فى القرآن الكريم ـ الذى تتابعت فيه‬
‫َّلل َحنِيفًا َولَ ْم يَك ِمنَ ْالم ْش ِركِينَ‬ ‫ِيم َكانَ أ َّمةً قَانِتًا ِ َّ ِ‬ ‫صفات المدح اآلتية ‪ِ ( :‬إ َّن ِإ ْب َراه َ‬
‫سنَةً َوإِنَّه فِي‬ ‫ص َراطٍ ُّم ْستَ ِق ٍيم َوآتَ ْينَاه فِي الدُّ ْنيَا َح َ‬ ‫شَا ِك ًرا ِِّأل َ ْنع ِم ِه اجْ تَبَاه َو َهدَاه إِلَى ِ‬
‫ِيم َح ِنيفًا َو َما َكانَ ِمنَ‬ ‫صا ِل ِحينَ ث َّم أَ ْو َح ْينَا ِإلَي َْك أَ ِن ات َّ ِب ْع ِملَّةَ ِإب َْراه َ‬
‫اآلخ َر ِة لَ ِمنَ ال َّ‬
‫ِ‬
‫ْالم ْش ِركِينَ ) (النحل ‪ .)123 :121‬مدحه هللا جل وعال بأنه كان (أمة ) من األخالق‬
‫الحميدة ‪ ،‬قانتا عابدا هلل تعالى ‪ ،‬لم يقع فى الشرك ‪ ،‬وشاكرا ألنعم ربه ‪ ،‬وقد إجتباه‬
‫ربه وهداه للصراط المستقيم ‪ ،‬وأنعم عليه فى الدنيا بحسنة ‪ ،‬وأعد له درجة‬
‫ى يرزق ـ بأن‬ ‫الصالح فى االخرة ‪ ،‬ثم فى النهاية يأتى األمر للنبى دمحم ـ وهو ح ِّ‬
‫يتبع ملة ابراهيم ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ابراهيم عليه السالم هو النبى الوحيد ـ فى القرآن الكريم ـ الذى جعله هللا تعالى‬
‫إماما للناس ‪ ،‬بسبب نجاحه فى االختبارات التى أدخله هللا تعالى فيها ‪ ،‬ونجح فى‬
‫ِيم َربُّه‬ ‫تنفيذ األوامر بالتمام والكمال ‪ ،‬فقال عنه ربه جل وعال ‪َ ( :‬و ِإ ِذ ا ْبتَلَى ِإب َْراه َ‬
‫ت فَأَتَ َّمه َّن) ( البقرة ‪ ) 128‬أو بالتعبير القرآنى (وفِّى ) أى قام بما عليه‬ ‫ِب َك ِل َما ٍ‬
‫ِيم الَّذِي َوفَّى ) ( النجم ‪.) 32‬‬ ‫بالتوفية الحقة ‪َ ( :‬وإِب َْراه َ‬
‫‪ 3‬ـ وهو النبى الوحيد الذى عندما أنِّبه هللا تعالى مدحه ‪،‬اى مدحه فى معرض اللوم‬
‫سال ٌم فَ َما‬ ‫ال َ‬ ‫سال ًما قَ َ‬ ‫ِيم ِب ْالب ْش َرى قَالواْ َ‬ ‫ت رسلنَا ِإب َْراه َ‬ ‫‪ ،‬إقرأ قوله تعالى ‪َ ( :‬ولَقَدْ َجا َء ْ‬
‫س ِم ْنه ْم ِخيفَةً‬ ‫َصل ِإلَ ْي ِه نَ ِك َره ْم َوأَ ْو َج َ‬ ‫ث أَن َجا َء ِبعِجْ ٍل َحنِي ٍذ فَلَ َّما َرأَى أَ ْي ِديَه ْم الَ ت ِ‬ ‫لَ ِب َ‬
‫ش ْرنَاهَا بِإ ِ ْس َحاقَ‬ ‫ت فَبَ َّ‬‫ض ِح َك ْ‬ ‫َف إِنَّا أ ْر ِس ْلنَا إِلَى قَ ْو ِم لوطٍ َو ْام َرأَته قَااِ َمةٌ فَ َ‬ ‫قَالواْ الَ تَخ ْ‬
‫ش ْي ًخا ِإ َّن َهذَا‬ ‫وز َو َهذَا َب ْع ِلي َ‬ ‫ت َيا َو ْيلَت َى أَأَ ِلد َوأَنَا ْ َعج ٌ‬ ‫وب قَالَ ْ‬‫َو ِمن َو َراء ِإ ْس َحاقَ َي ْعق َ‬
‫ت ِإنَّه‬ ‫َّللا َو َب َر َكاته َعلَيْك ْم أَ ْه َل ْال َب ْي ِ‬ ‫َّللا َرحْ َمت َّ ِ‬ ‫يب قَالواْ أَتَ ْع َج ِبينَ ِم ْن أَ ْم ِر َّ ِ‬ ‫ي ٌء َع ِج ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫لَ َ‬
‫الر ْوع َو َجا َءتْه ْالب ْش َرى ي َجادِلنَا فِي قَ ْو ِم لوطٍ َّ‬
‫إن‬ ‫ِيم َّ‬‫َب َع ْن ِإب َْراه َ‬ ‫َح ِميدٌ َّم ِجيدٌ فَلَ َّما ذَه َ‬
‫ض َع ْن َهذَا إِنَّه قَدْ َجا َء أَ ْمر َر ِبِّ َك َوإِنَّه ْم‬ ‫يب يَا إِب َْراهِيم أَع ِْر ْ‬ ‫ِيم لَ َح ِلي ٌم أَ َّواهٌ ُّمنِ ٌ‬ ‫إِب َْراه َ‬
‫اب َغيْر َم ْردو ٍد )( هود ‪) 21 : 10‬‬ ‫آ ِتي ِه ْم َعذَ ٌ‬
‫أخطأ ابراهيم هنا حين أخذ يجادل المالاكة فى رفع العذاب عن قوم لوط ‪ ،‬وجاءه‬
‫ض َع ْن‬ ‫يب يَا ِإب َْراهِيم أَع ِْر ْ‬ ‫ِيم لَ َح ِلي ٌم أَ َّواهٌ ُّمنِ ٌ‬ ‫اللوم هينا رفيقا ومقترنا بالمدح ( ِإ َّن ِإب َْراه َ‬
‫اب َغيْر َم ْردو ٍد )‪.‬‬ ‫َهذَا إِنَّه قَدْ َجا َء أَ ْمر َر ِبِّ َك َوإِنَّه ْم آتِي ِه ْم َعذَ ٌ‬
‫جدير بالذكر أن هللا تعالى حين كان يعاتب خاتم األنبياء فلم تكن فيها هذه النغمة‬
‫الحانية بل كان العتاب قاسيا كقوله تعالى فى خطاب مباشر ( َو ِإذْ تَقول ِللَّذِي أَ ْن َع َم‬
‫َّللا م ْبدِي ِه‬ ‫ِك َما َّ‬ ‫َّللا َوت ْخ ِفي فِي نَ ْفس َ‬ ‫ق َّ َ‬ ‫ِك َعلَي َْك زَ ْو َج َك َوات َّ ِ‬ ‫ت َعلَ ْي ِه أَ ْمس ْ‬ ‫َّللا َعلَ ْي ِه َوأَ ْن َع ْم َ‬
‫َّ‬
‫َّللا أَ َح ُّق أَن تَ ْخشَاه ) ( األحزاب ‪ .) 32‬التأنيب هنا شديد فى قوله‬ ‫اس َو َّ‬ ‫َوتَ ْخشَى النَّ َ‬
‫َّللا أَ َح ُّق أَن ت َْخشَاه ) أو كقوله تعالى له فى خطاب مباشر‬ ‫اس َو َّ‬ ‫تعالى له ( َوت َْخشَى النَّ َ‬
‫اج َك ) ( التحريم ‪) 1‬‬ ‫ات أَ ْز َو ِ‬‫ض َ‬ ‫َّللا لَ َك تَ ْبتَ ِغي َم ْر َ‬ ‫ي ِل َم ت َح ِ ِّرم َما أَ َح َّل َّ‬ ‫أيضا(يَا أَيُّ َها النَّ ِب ُّ‬
‫اج َك )‪.‬‬ ‫ات أَ ْز َو ِ‬ ‫ض َ‬ ‫التأنيب هنا قاس فى قوله تعالى له (تَ ْبتَ ِغي َم ْر َ‬
‫‪ 8‬ـ وابراهيم عليه السالم هو النبى الوحيد المذكور باالسم الذى امر هللا تعالى‬
‫ص َراطٍ‬ ‫رسوله دمحما خاتم النبيين بأن يعلن أنه متبع لملته ‪( :‬ق ْل ِإنَّ ِني َهدَا ِني َر ِبِّي ِإلَى ِ‬
‫ِيم َحنِيفًا َو َما َكانَ ِمنَ ْالم ْش ِركِينَ ) ( األنعام ‪.) 111‬‬ ‫ُّم ْستَ ِق ٍيم دِينًا قِيَ ًما ِ ِّملَّةَ ِإب َْراه َ‬
‫‪ 2‬ـ وملة ابراهيم هى المقياس الصحيح للفالح ‪ ،‬ومن يرغب عنها ويعرض عنها‬
‫س ِفهَ‬‫ِيم إِالَّ َمن َ‬ ‫فهو السفيه الغافل ‪ ،‬يقول جل وعال ‪َ ( :‬و َمن يَ ْرغَب َعن ِ ِّملَّ ِة إِب َْراه َ‬
‫صا ِل ِحينَ ) ( البقرة ‪.) 131‬‬ ‫اآلخ َر ِة لَمِنَ ال َّ‬ ‫طفَ ْينَاه ِفي الدُّ ْن َيا َو ِإنَّه ِفي ِ‬ ‫ص َ‬ ‫سه َولَقَ ِد ا ْ‬ ‫نَ ْف َ‬
‫ويالحظ هنا أن اآلية الكريمة قسمان ‪ ،‬تحدث القسم األول عن تسفيه من يعرض‬
‫عن ملة ابراهيم‪ ،‬ومدح القسم الثانى ابراهيم هليه السالم بان هللا تعالى اصطفاه فى‬
‫الدنيا ‪ ،‬وأنه فى االخرة سيكون من الصالحين‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ جدير بالذكر أيضا أن المقياس االلهى الذى تركز حول ابراهيم وملته قد فضح‬
‫الظالمين من ذرية ابراهيم الذين جاءوا بعده ‪ ،‬من العرب وبنى اسراايل ‪.‬‬
‫ونتذكر هنا حرص ابراهيم على هذه الذرية وخوفه المستقبلى عليهم حين كان‬
‫صال ِة َو ِمن ذ ِ ِّريَّ ِتي َربَّنَا َوتَقَب َّْل د َعاء ) ( ابراهيم ‪81‬‬ ‫يم ال َّ‬ ‫يدعو ربه ( َربِّ ِ اجْ َع ْلنِي م ِق َ‬
‫) ‪،‬بل أنه عندما كافأه ربه بأن جعله إماما للناس الصالحين فى كل زمان ومكان‬
‫تمنى أن يكونوا ذريته فجاء الرد من هللا تعالى بما يشير الى إن من ذريته من‬
‫ال إِ ِنِّي‬ ‫ت فَأَتَ َّمه َّن قَ َ‬ ‫سيكون ظالما ال يصلح لهذا الشرف‪َ (:‬وإِ ِذ ا ْبتَلَى إِب َْراه َ‬
‫ِيم َربُّه بِ َك ِل َما ٍ‬
‫الظا ِل ِمينَ )(البقرة ‪.)128‬‬ ‫ال الَ يَنَال َع ْهدِي َّ‬ ‫ال َو ِمن ذ ِ ِّريَّ ِتي قَ َ‬ ‫اس ِإ َما ًما قَ َ‬ ‫َجا ِعل َك ِللنَّ ِ‬
‫من هذه الذرية من رغب عن ملة ابراهيم ‪ ،‬ومنهم من جعلها تجارة ‪ ،‬ومنهم من‬
‫كفر وقام بتحرف الملة االبراهيمية ‪ ،‬وعندما نزل القرآن الكريم بالحق كان أولئك‬
‫يباشرون نشاطهم فى تحريف ملة ابراهيم ‪ ،‬فثار جدل ونقاش تردد صداه فى‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬ورد هللا تعالى عليهم يدعوهم الى ملة ابراهيم التى تركوها مع‬
‫ارى‬ ‫ص َ‬ ‫انتحالهم اسم ابراهيم وجعله يهوديا أو نصرانيا ‪َ (:‬وقَالواْ كونواْ هودًا أَ ْو نَ َ‬
‫ِيم َحنِيفًا َو َما َكانَ ِمنَ ْالم ْش ِركِينَ ) (أَ ْم تَقولونَ ِإ َّن ِإب َْراه َ‬
‫ِيم‬ ‫تَ ْهتَدواْ ق ْل بَ ْل ِملَّةَ ِإب َْراه َ‬
‫َّللا )‬‫ارى ق ْل أَأَنت ْم أَ ْع َلم أَ ِم َّ‬ ‫ص َ‬ ‫ط َكانواْ هودًا أَ ْو نَ َ‬ ‫وب َواأل َ ْسبَا َ‬ ‫س َحاقَ َويَ ْعق َ‬ ‫يل َوإِ ْ‬‫َوإِ ْس َما ِع َ‬
‫(البقرة ‪ ) 181 ، 132‬ويؤكد رب العزة أن أولى الناس بابراهيم هم النبى دمحم عليه‬
‫السالم ومن يتبع القرآن الكريم الذى أبان ملة ابراهيم على حقيقتها ‪َ ( :‬يا أَ ْه َل‬
‫نجيل ِإالَّ ِمن بَ ْع ِد ِه أَفَالَ تَ ْع ِقلونَ‬ ‫ت الت َّ ْو َراة َو ِ‬
‫اإل ِ‬ ‫نزلَ ِ‬ ‫ِيم َو َما أ ِ‬‫ب ِل َم ت َحاجُّونَ فِي ِإب َْراه َ‬ ‫ْال ِكتَا ِ‬
‫ْس لَكم بِ ِه ِع ْل ٌم َو َّ‬
‫َّللا يَ ْعلَم‬ ‫هَاأَنت ْم هَؤالء َحا َججْت ْم فِي َما لَكم بِ ِه ِع ْل ٌم فَ ِل َم ت َحاجُّونَ فِي َما لَي َ‬
‫ص َرا ِنيًّا َولَ ِكن َكانَ َح ِنيفًا ُّم ْس ِل ًما َو َما‬ ‫َوأَنت ْم الَ تَ ْعلَمونَ َما َكانَ ِإب َْراهِيم َيهو ِديًّا َوالَ نَ ْ‬
‫ي َوالَّذِينَ آ َمنواْ‬ ‫ِيم لَلَّذِينَ اتَّبَعوه َو َهذَا النَّ ِب ُّ‬
‫اس ِبإِب َْراه َ‬ ‫َكانَ ِمنَ ْالم ْش ِركِينَ ِإ َّن أَ ْولَى النَّ ِ‬
‫ي ْالمؤْ ِمنِينَ ) ( آل عمران ‪. ) 12 : 12‬‬ ‫َو َّ‬
‫َّللا َو ِل ُّ‬
‫وبعد موت النبى دمحم عليه السالم دخل فى الفتوحات العربية ـ المناقضة لتشريع‬
‫االسالم ـ كثيرون من أهل الكتاب ‪ ،‬ودخل معظمهم فى االسالم ‪،‬فأرجعوا نفس‬
‫التحريف القديم فى ملة ابراهيم فى صورة أحاديث ‪ .‬وسبقت االشارة الى أن هللا‬
‫تعالى جعل ابراهيم وملته مقياسا ‪ ،‬ومن يرغب عن ملته فقد سفه نفسه‪ .‬وبهذا‬
‫المقياس فضح هللا تعالى كثيرين من أهل الكتاب ورد عليهم ‪ .‬وبعد نزول القرآن‬
‫الكريم وموت النبى دمحم تردد نفس التزوير فى أحاديث زورها مبتدعو الديانة‬
‫السنية ‪ ،‬وانصب بعض هذا التزوير على سيرة ابراهيم العطرة ‪ .‬أى أن ذلك‬
‫المقياس المشار اليه القرآن الكريم يحكم علي من يرغب عن ملة ابراهيم حتى فى‬
‫المستقبل ‪ ،‬فى صورة من صور االعجاز فى القرآن الكريم ‪.‬‬
‫وللتدليل على ذلك نتذكر مدح هللا جل وعال للخليل ابراهيم بأنه كان صديقا‬
‫صدِِّيقًا نَّ ِبيًّا) ( مريم ‪ . ) 81‬أى لم يكن فقط‬ ‫ِيم ِإنَّه َكانَ ِ‬ ‫ب ِإب َْراه َ‬‫نبيا( َواذْك ْر فِي ْال ِكتَا ِ‬
‫(صادقا ) بل (صديقا ) وهى صيغة مبالغة من الصدق تعنى أنه لم يكذب أبدا ‪،‬‬
‫حتى لقد تعرض للتحريق بالنار دون أن يتراجع أو يمالىء ‪ .‬ثم جاء وصفه‬
‫بالصديق قبل وصفه بالنبوة ‪ ،‬فلم يقل تعالى ‪ :‬كان نبيا صديقا ‪ ،‬أى تعلم الصدق بعد‬
‫أن صار نبيا ‪ ،‬ولكن جعل صفة المبالغة فى الصدق سابقة لنبوته ‪،‬أى التزم الصدق‬
‫مذ كان صبيا ‪ ،‬أى إن الصدق صفة أساس فيه من بدايته الى نهايته ‪ ،‬ولكن حديث‬
‫أبى هريرة فى البخارى يبالغ فى وصف ابراهيم بالكذب فزعم أن ابراهيم كذب‬
‫ثالث كذبات‪.‬‬
‫هنا يصدق عليهم المقياس االلهى ‪ ،‬فهم قد حرفوا سيرة ابراهيم ‪ ،‬وإذا كان رب‬
‫العزة قد جعله صديقا نبيا فقد جعلوه كذابا ‪.‬‬
‫وقد يتساءل بعضهم ‪ :‬وما صلة هذا بموضوع التفضيل ؟ وأقول إن هذا االفتراء‬
‫هو تدليل زااف لجعلهم دمحما أفضل األنبياء ‪،‬أى أفضل من أبيه ابراهيم ‪ ،‬ويستدلون‬
‫بأن ابراهيم كان كذابا ‪ ،‬وبالتالى فمحمد الصادق األمين أفضل منه‪.‬‬
‫مدح موسى عليه السالم ‪:‬‬
‫صا َو َكانَ َرسوال نَّبِيًّا‬ ‫سى إِنَّه َكانَ م ْخلَ ً‬ ‫ب مو َ‬ ‫‪ 1‬ـ يقول تعالى ‪َ (:‬واذْك ْر فِي ْال ِكتَا ِ‬
‫ور األ َ ْي َم ِن َوقَ َّر ْبنَاه ن َِجيًّا َو َو َه ْبنَا لَه ِمن َّرحْ َم ِتنَا أَخَاه هَارونَ‬ ‫الط ِ‬‫ب ُّ‬ ‫َونَادَ ْينَاه ِمن َجا ِن ِ‬
‫ص ا) ـ‬ ‫نَ ِبيًّا) (مريم‪ )23 :21‬هنا يمدح هللا تعالى موسى عليه السالم بأنه كان (م ْخلَ ً‬
‫بفتح الالم ـ أى خالصة الخير ‪ ،‬وأن ربه جل وعال هو الذى ناداه وكلمه ‪ ،‬بل أكثر‬
‫قربه اليه يناجيه ( َوقَ َّر ْبنَاه ن َِجيًّا)‪ ،‬وهو تعبير هاال فى مدح موسى ‪ ،‬ثم من‬ ‫من ذلك ِّ‬
‫أجله جعل هارون أخاه وزيرا ونبيا معه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وورد أول حديث هلل تعالى مع موسى فى سورة (طه ) حين جاءه التكليف‬
‫بالرسالة ‪ ،‬خاف موسى من فرعون وطغيانه وطلب أن يكون معه أخوه هارون ‪،‬‬
‫ولم يرد هللا تعالى عليه بالتأنيب ولكن ذ ِّكره بالنعم التى احاطه بها‪ ،‬ومنها‪َ (:‬وأَ ْلقَيْت‬
‫طنَ ْعت َك ِلنَ ْفسِي )(طه ‪ ) 81 : 0‬وال‬ ‫ص َ‬ ‫صنَ َع َعلَى َع ْينِي )‪َ (،‬وا ْ‬ ‫َعلَي َْك َم َحبَّةً ِ ِّم ِنِّي َو ِلت ْ‬
‫يستطيع القلم وصف ما فى اآليتين من مدح لموسى عليه السالم‪.‬‬
‫مدح داود عليه السالم ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يقول جل وعال عن داود عليه السالم فى معرض مدحه لداود عليه السالم‬
‫ص ِب ْر َعلَى َما َيقولونَ َواذْك ْر َع ْبدَنَا دَاوودَ ذَا‬ ‫يخاطب خاتم األنبياء عليهم السالم‪( :‬ا ْ‬
‫ورة ً‬ ‫الطي َْر َمحْش َ‬ ‫ق َو َّ‬ ‫اإل ْش َرا ِ‬
‫ي ِ َو ِ‬ ‫سبِِّحْنَ ِب ْال َع ِش ِّ‬ ‫ال َم َعه ي َ‬ ‫س َّخ ْرنَا ْال ِجبَ َ‬ ‫األ َ ْي ِد ِإنَّه أَ َّو ٌ‬
‫اب ِإنَّا َ‬
‫ب )‪ .‬وهذه النعم لم يزدد بها‬ ‫طا ِ‬ ‫ص َل ْال ِخ َ‬ ‫شدَدْنَا م ْل َكه َوآتَ ْينَاه ْال ِح ْك َمةَ َوفَ ْ‬ ‫اب َو َ‬‫ك ٌّل لَّه أَ َّو ٌ‬
‫داود عليه السالم إال ورعا وخشوعا هلل تعالى ‪.‬واالبتالء بالنعمة أعظم من االبتالء‬
‫بالمحنة ‪.‬‬
‫وفى سياق المدح وللتدليل على خشوع داود لربه عز وجل يقص هللا تعالى قصة‬
‫الخصوم الذين تسوروا المحراب على داود وهو يصلى ففزع منهم وظن أنها فتنة‬
‫من هللا ‪ ،‬وعندما تبين له األمر وأنهم خصوم عاديون بادر باالستغفار والتوبة من‬
‫اب ِإذْ دَخَلوا َعلَى دَاوودَ‬ ‫س َّوروا ْال ِمحْ َر َ‬ ‫ص ِم ِإذْ تَ َ‬ ‫َاك نَ َبأ ْال َخ ْ‬
‫الظن الذى أل ِّم به ‪َ ( :‬وه َْل أَت َ‬
‫ق َوال‬ ‫ض فَاحْكم بَ ْينَنَا ِب ْال َح ِّ ِ‬ ‫ان بَغَى بَ ْعضنَا َعلَى بَ ْع ٍ‬ ‫ص َم ِ‬ ‫َف َخ ْ‬ ‫ع ِم ْنه ْم قَالوا ال تَخ ْ‬ ‫فَفَ ِز َ‬
‫ي نَ ْع َجةٌ‬ ‫اط إِ َّن َهذَا أَ ِخي لَه تِ ْس ٌع َوتِسْعونَ نَ ْع َجةً َو ِل َ‬ ‫ص َر ِ‬‫س َو ِاء ال ِ ِّ‬ ‫ط َوا ْه ِدنَا إِلَى َ‬ ‫ت ْش ِط ْ‬
‫اج ِه‬‫ال نَ ْع َجتِ َك إِلَى نِعَ ِ‬ ‫ظلَ َم َك بِس َؤ ِ‬‫ال لَقَدْ َ‬ ‫ب قَ َ‬ ‫طا ِ‬ ‫ال أَ ْك ِف ْلنِي َها َو َع َّزنِي فِي ْال ِخ َ‬ ‫احدَة ٌ فَقَ َ‬ ‫َو ِ‬
‫ت‬
‫صا ِل َحا ِ‬ ‫ض ِإالَّ الذِينَ آ َمنوا َو َع ِملوا ال َّ‬ ‫َّ‬ ‫طاء لَ َي ْب ِغي َب ْعضه ْم َعلَى َب ْع ٍ‬ ‫ْ‬
‫يرا ِ ِّم ْن الخلَ َ‬ ‫َو ِإ َّن َكثِ ً‬
‫َاب )( ص ‪: 12‬‬ ‫ظ َّن دَاوود أَنَّ َما فَتَنَّاه فَا ْستَ ْغفَ َر َربَّه َوخ ََّر َرا ِكعًا َوأَن َ‬ ‫َوقَ ِلي ٌل َّما ه ْم َو َ‬
‫‪.) 28‬‬
‫‪ 2‬ـ على خالف ذلك تقرأ فى تراث الدين السِّنى روايات تطعن النبى داود عليه‬
‫السالم ‪ ،‬وننقل عن القرطبى فى ( تفسيره ) قوله (قال سفيان الثوري وغيره‪.‬‬
‫وسبب ذلك ما حكاه ابن عباس أن داود عليه السالم حدث نفسه إن ابتلي أن‬
‫يعتصم‪ .‬فقيل له‪ :‬انك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك‪ .‬فأخذ الزبور‬
‫ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه‪ ،‬فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء طاار كأحسن‬
‫ما يكون من الطير‪ ،‬فجعل يدرج بين يديه‪ .‬فهم أن يتناوله بيده‪ ،‬فاستدرج حتى وقع‬
‫في كوة المحراب‪ ،‬فدنا منه ليأخذه فطار‪ ،‬فاطلع ليبصره فأشرف على امرأة‬
‫تغتسل‪ ،‬فلما رأته غطت جسدها بشعرها‪ .‬قال السدي‪ :‬فوقعت في قلبه‪ .‬قال ابن‬
‫عباس‪ :‬وكان زوجها غازيا في سبيل هللا وهو أوريا بن حنان‪ ،‬فكتب داود إلى أمير‬
‫الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت‪ ،‬وكان حملة التابوت إما أن يفتح هللا‬
‫عليهم أو يقتلوا‪ ،‬فقدمه فيهم فقتل‪ ،‬فلما انقضت عدتها خطبها داود‪ ،‬واشترطت عليه‬
‫إن ولدت غالما أن يكون الخليفة بعده‪ ،‬وكتبت عليه بذلك كتابا‪ ،‬وأشهدت عليه‬
‫خمسين رجال من بني إسراايل‪ ،‬فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان وشب‪ ،‬وتسور‬
‫الملكان وكان من شأنهما ما قص هللا في كتابه‪ .‬ذكره الماوردي وغيره‪ .‬وال يصح‪.‬‬
‫قال ابن لعربي‪ :‬وهو أمثل ما روي في ذلك‪ .‬قلت‪ :‬ورواه مرفوعا بمعناه الترمذي‬
‫الحكيم في نوادر األصول عن يزيد الرقاشي‪ ،‬سمع أنس بن مالك يقول‪ :‬سمعت‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪( :‬إن داود النبي عليه السالم حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع‬
‫على بني إسراايل بعثا وأوصى صاحب البعث فقال‪ :‬إذا حضر العدو قرب فالنا‬
‫وسماه‪ ،‬قال فقربه بين يدي التابوت ‪ -‬قال ‪ -‬وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان‬
‫يستنصر به فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش‬
‫الذي يقاتله فقدم فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة )‬
‫وبهذه الروايات تم تشويه سيرة ذلك النبى العظيم الذى قال عنه رب العزة فى‬
‫َّللا ْالم ْل َك َو ْال ِح ْك َمةَ َو َعلَّ َمه ِم َّما يَشَاء ) ( البقرة ‪ )221‬وأفرده‬ ‫سياق التفضيل ( َوآتَاه َّ‬
‫بالذكر من بين جميع األنبياء فى موضوع الوحى فقال تعالى (إِنَّا أَ ْو َح ْينَا إِلَي َْك َك َما‬
‫وب‬
‫س َحاقَ َويَ ْعق َ‬ ‫يل َوإِ ْ‬ ‫وح َوالنَّبِ ِيِّينَ ِمن بَ ْع ِد ِه َوأَ ْو َح ْينَا إِلَى إِب َْراه َ‬
‫ِيم َوإِ ْس َما ِع َ‬ ‫أَ ْو َح ْينَا إِلَى ن ٍ‬
‫ورا) (‬ ‫س َوهَارونَ َوسلَيْ َمانَ َوآتَ ْينَا دَاوودَ زَ ب ً‬ ‫ُّوب َويون َ‬ ‫سى َوأَي َ‬ ‫َواأل َ ْسبَ ِ‬
‫اط َو ِعي َ‬
‫ت‬
‫س َم َاوا ِ‬ ‫النساء‪ ) 113‬وأفرده من بينهم فى معرض التفضيل ( َو َرب َُّك أَ ْعلَم ِب َمن فِي ال َّ‬
‫ورا)( االسراء ‪) 22‬‬ ‫ض َوآتَ ْينَا دَاوودَ زَ ب ً‬ ‫ض النَّ ِب ِيِّينَ َعلَى بَ ْع ٍ‬ ‫ض َولَقَدْ فَض َّْلنَا بَ ْع َ‬ ‫َواأل َ ْر ِ‬
‫اولو العزم من الرسل ‪:‬‬
‫وقد أمر هللا تعالى خاتم األنبياء بأن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫الرس ِل ) ( األحقاف ‪ ،)23‬أى هناك من الرسل‬ ‫صبَ َر أ ْولوا ْال َع ْز ِم ِمنَ ُّ‬ ‫(فَا ْ‬
‫ص ِب ْر َك َما َ‬
‫من تفوق فى التحمل والصبر ‪ ،‬وقد أشار هللا تعالى بعضهم فقال فى معرض مدح‬
‫ابراهيم واسحاق ويعقوب مخاطبا خاتم األنبياء بأن يذكرهم ‪َ ( :‬واذْك ْر ِعبَادَنَا‬
‫ص ٍة ِذ ْك َرى‬ ‫صنَاهم ِبخَا ِل َ‬ ‫ار ِإنَّا أَ ْخلَ ْ‬
‫ص ِ‬‫وب أو ِلي األ َ ْيدِي َواأل َ ْب َ‬ ‫ِيم َو ِإ ْس َحاقَ َو َي ْعق َ‬ ‫ِإب َْراه َ‬
‫ار )( ص ‪ . ) 82 : 82‬أى مدحهم هللا‬ ‫ط َفيْنَ األ َ ْخ َي ِ‬ ‫الد َِّار َو ِإنَّه ْم ِعندَنَا َل ِمنَ ْالم ْ‬
‫ص َ‬
‫تعالى بأنهم كانوا يتذكرون اآلخرة دااما ‪ ،‬وأنهم ممن اصطفاهم هللا تعالى وكانوا‬
‫أخيارا ‪ .‬الشاهد هنا هو قوله تعالى عنهم (أو ِلي األ َ ْيدِي) أى أولى العزم ‪ .‬ويضاف‬
‫ار) أى أولو البصيرة الصادقة ‪.‬‬ ‫ص ِ‬‫اليه ( َواأل َ ْب َ‬
‫وفى التراث السنى يزعمون أن أولى العزم من الرسل هم دمحم ونوح وابراهيم‬
‫وموسى وابراهيم وعيسى ‪ ..‬أى يتدخلون فى علم هللا تعالى وغيبه ويهرفون بما ال‬
‫يعرفون‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬موقف النبى دمحم من األنبياء السابقين ‪:‬‬


‫مر فيما سبق أن هللا تعالى أمر خاتم النبيين أن يتبع ملة ابراهيم بالتحديد ‪ ،‬أى‬ ‫‪ 1‬ـ ِّ‬
‫اتباع للدين الحق الذى جاءت به ملة ابراهيم ‪ ،‬ونزل القرآن لتجديدها بعد أن‬
‫أفسدها العرب واهل الكتاب ‪ .‬ومن هنا نفهم ان دمحما عليه السالم لم يأت بدين جديد‬
‫بل هو متبع للدين االلهى الحق الذى جاء به كل أنبياء هللا ‪ ،‬وكان جده األعلى‬
‫ابراهيم هو صاحب هذه الملة ‪ ،‬ومنها تعلم العرب وأهل الكتاب من ذرية ابراهيم‬
‫الصالة والزكاة والحج وصيام رمضان مع اخالص الدين هلل تعالى رب العالمين‪.‬‬
‫وبالتالى فليس دمحم مبتدعا لشىء جديد أو ليس ( بدعا من الرسل ) ‪ ،‬وبهذا أمره‬
‫ربه جل وعال فى آية واحدة أن يعلن أربعة أشياء ‪ :‬أنه ليس متميزا عن الرسل أو‬
‫ليس بدعا من الرسل ‪ ،‬وأنه ال يعلم الغيب وال يدرى ماذا سيحدث له أو لآلخرين ‪،‬‬
‫وأنه متبع فقط للوحى ‪ ،‬وأنه فقط نذير مبين ‪ ،‬جاء هذا فى قوله جل وعال ‪( :‬ق ْل َما‬
‫ي َو َما‬ ‫الرس ِل َو َما أَد ِْري َما ي ْف َعل ِبي َوال بِك ْم ِإ ْن أَت َّ ِبع ِإالَّ َما يو َحى ِإلَ َّ‬ ‫عا ِ ِّم ْن ُّ‬ ‫كنت ِبدْ ً‬
‫ين ) ( األحقاف ‪.) 0‬‬ ‫أَنَا ِإالَّ نَذ ٌ‬
‫ِير ُّم ِب ٌ‬
‫وألنه آخر األنبياء فهو مأمور من هللا تعالى بأن يتبع الهدى الذى جاءوا به ‪ ،‬وقد‬
‫َّللا فَبِهدَاهم ا ْقتَ ِد ْه)(األنعام‬ ‫قال هللا تعالى عن األنبياء السابقين (أ ْولَئِ َك الَّذِينَ َهدَى َّ‬
‫‪ ،)20‬أى أمره ربه باالقتداء ليس باألنبياء السابقين أى ليس بأشخاصهم ولكن‬
‫بالهدى الذى نزل عليهم‪ ،‬أى بالكتاب السماوى‪ ،‬والذى جاء توثيقه وحفظه فى‬
‫القرآن الكريم خاتم الرساالت السماوية‪.‬‬
‫وهو أيضا مأمور بأن يتعلم من مواقفهم االيجابية ‪ ،‬وحين وقع النبى دمحم وأصحابه‬
‫فى خطأ االستغفار ألهلهم المشركين فجاء التعليم من هللا تعالى له ولهم بأن يقتدوا‬
‫ي ِ َوالَّذِينَ آ َمنواْ أَن‬ ‫بابراهيم عليه السالم حين تبرأ من أبيه المشرك ‪َ ( :‬ما َكانَ ِللنَّ ِب ِّ‬
‫ص َحاب ْال َج ِح ِيم‬ ‫يَ ْستَ ْغ ِفرواْ ِل ْلم ْش ِركِينَ َولَ ْو َكانواْ أو ِلي ق ْربَى ِمن بَ ْع ِد َما تَبَيَّنَ لَه ْم أَنَّه ْم أَ ْ‬
‫ِيم ِألَبِي ِه إِالَّ َعن َّم ْو ِعدَةٍ َو َعدَهَا إِيَّاه فَلَ َّما تَبَيَّنَ لَه أَنَّه َعد ٌّو ِ ََّّللِ‬
‫َو َما َكانَ ا ْستِ ْغفَار إِب َْراه َ‬
‫ِيم َأل َ َّواهٌ َح ِلي ٌم ) ( التوبة ‪ ) 118 : 113‬ونفس الحال أمر هللا تعالى‬ ‫تَ َب َّرأَ ِم ْنه ِإ َّن ِإب َْراه َ‬
‫المهاجرين باالقتداء بابراهيم والمؤمنين معه حين تبرءوا من قومهم السابقين ‪ ،‬أى‬
‫ِيم َوالَّذِينَ َمعَه إِذْ‬ ‫سنَةٌ فِي إِب َْراه َ‬ ‫َت لَك ْم أس َْوة ٌ َح َ‬ ‫هنا إقتداء بالموقف المحدد‪(:‬قَ ْد َكان ْ‬
‫َّللا َكفَ ْرنَا بِك ْم َوبَدَا بَ ْينَنَا َوبَ ْينَكم‬
‫ون َّ ِ‬ ‫قَالوا ِلقَ ْو ِم ِه ْم إِنَّا ب َراء ِمنك ْم َو ِم َّما تَ ْعبدونَ ِمن د ِ‬
‫ِيم ِأل َ ِبي ِه َأل َ ْستَ ْغ ِف َر َّن لَ َك‬ ‫ضاء أَ َبدًا َحتَّى تؤْ ِمنوا ِب َّ ِ‬
‫اَّلل َوحْ دَه ِإالَّ قَ ْو َل ِإب َْراه َ‬ ‫ْال َعدَ َاوة َو ْال َب ْغ َ‬
‫صير َربَّنَا ال‬ ‫يءٍ َّربَّنَا َعلَي َْك ت ََو َّك ْلنَا َو ِإلَي َْك أَنَ ْبنَا َو ِإلَي َْك ْال َم ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َو َما أَ ْم ِلك لَ َك ِمنَ َّ ِ‬
‫َّللا ِمن َ‬
‫نت ْال َع ِزيز ْال َح ِكيم ) ( لَقَدْ َكانَ لَك ْم فِي ِه ْم‬ ‫تَجْ َع ْلنَا فِتْنَةً ِلِّلَّذِينَ َكفَروا َوا ْغ ِف ْر لَنَا َربَّنَا ِإنَّ َك أَ َ‬
‫ي ْال َح ِميد )‬ ‫َّللا ه َو ْالغَنِ ُّ‬
‫اآلخ َر َو َمن يَت ََو َّل فَإِ َّن َّ َ‬ ‫َّللا َو ْاليَ ْو َم ِ‬‫سنَةٌ ِل َمن َكانَ يَ ْرجو َّ َ‬ ‫أس َْوة ٌ َح َ‬
‫( الممتحنة ‪) 1 : 8‬‬
‫‪ 2‬ـ وفى نفس الوقت فخاتم األنبياء منهى عن الوقوع فى األخطاء التى وقع فيه‬
‫بعض األنبياء من قبل ‪ ،‬فقد أمره هللا تعالى أن يصبر كما صبر أولو العزم من‬
‫الرس ِل )(األحقاف ‪ ،)23‬وأمره أيضا‬ ‫صبَ َر أ ْولوا ْالعَ ْز ِم ِمنَ ُّ‬ ‫صبِ ْر َك َما َ‬ ‫الرسل (فَا ْ‬
‫بالصبر ونهاه أن يكون مثل النبى يونس الذى لم يستطع الصبر على قومه فعوقب‬
‫ت‬‫ب ْالحو ِ‬ ‫اح ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ص ِب ْر ِلح ْك ِم َر ِبِّ َك َوال تَكن َك َ‬ ‫بالتهام الحوت له ‪ ،‬ثم عفا عنه ربه ‪( :‬فَا ْ‬
‫ار َكه نِ ْع َمةٌ ِ ِّمن َّر ِبِّ ِه لَن ِبذَ ِب ْال َع َراء َوه َو َمذْمو ٌم فَاجْ تَبَاه‬ ‫ِإذْ نَادَى َوه َو َم ْكظو ٌم لَ ْوال أَن تَدَ َ‬
‫صا ِل ِحينَ ) ( القلم ‪ ) 21 : 82‬و ( الصافات ‪.) 182 : 130‬‬ ‫َربُّه فَ َجعَلَه ِمنَ ال َّ‬
‫أى أمره ربه بأن يتعلم من ايجابيات األنبياء السابقين وأال يقع فيما وقع فيه بعضهم‬
‫من أخطاء‪.‬‬
‫أخيرا ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ وهللا تعالى حين كان ينزل القرآن على خاتم النبيين متحدثا عن األنبياء السابقين‬
‫فانما كان يتحدث عن أنبياء ماتوا وتحددت درجة كل منهم ‪ ،‬فى وقت كان فيه خاتم‬
‫النبيين حيا يرزق يناضل ويجاهد ويتعلم ويخطىء ويصيب ‪ ،‬ويأتيه الوحى‬
‫بالتوجيه ‪ ،‬يمدحه أحيانا ويلومه أحيانا‪.‬‬
‫ثم تم القرآن الكريم نزوال ومات النبى دمحم عليه السالم ‪ ،‬وتحددت درجته بين‬
‫ا ألنبياء ‪ ،‬ولم يعد هناك وحى ‪ ،‬وبالتالى ال نعرف درجة النبى دمحم بين من سبقه من‬
‫األنبياء ‪ ،‬هل تفوق على كثيرين أم تفوق عليه كثيرون‪ .‬علم ذلك عند هللا تعالى‬
‫وحده ‪،‬وليس لنا أن نعتدى على غيب هللا تعالى ونهرف بما ال نعرف‪ ،‬ونكذب على‬
‫هللا تعالى ورسوله‪.‬علينا أن نتمسك بعدم التفرقة بين رسل هللا ‪ ،‬وأن نتمسك‬
‫بااليمان بالكتاب السماوى الذى نزل عليهم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وااليمان بالقرآن يحتم علينا أن ننكر تلك األحاديث الكاذبة التى تفضل خاتم‬
‫النبيين على من سبقه من رسل هللا مثل حديث (أنا خير ولد آدم وال فخر ) وحديث‬
‫( فضلت على األنبياء بسبع ‪، )...‬وتلك الخرافات التى تقول ( كنت نبيا وآدم بين‬
‫الماء و الطين ‪ ،‬وكنت نبيا وآدم ال ماء وال طين ) (أول من خلق هللا نور نبيك يا‬
‫جابر ) ‪.‬‬
‫ويجب أن نتوقف عن قولنا ( اشرف المرسلين ) فكل األنبياء والمرسلين أشراف‪،‬‬
‫وأن نتوقف عن قول (سيد المرسلين) ألن سيد المرسلين هو رب العالمين وحده ال‬
‫شريك له‪.‬‬
‫كما يجب أن نتوقف عن كل مالمح تفضيل النبى دمحم على من سبقه من األنبياء بأن‬
‫نجعله ـ دون األنبياء كلهم ـ قرينا هلل جل وعال فى موضوع الصالة واألذان والحج‬
‫و(الفاتحة للنبى ) وفى جعل شهادة االسالم قسمة بينه وبين هللا جل وعال ‪ ..‬ثم‬
‫نناقض أنفسنا ‪ ،‬ونقول ( هللا أكبر) فكيف يكون (هللا أكبر ) فى عقيدتنا وصالتنا‬
‫ونحن نجعل واحدا من البشر قرينا هلل وشريكا له ؟‬
‫وفى الحلقة القادمة نتوقف مع (شهادة االسالم‪ ..‬واحدة (ال اله إال هللا) وليست‬
‫مثناة)‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المقال الثالث‪:‬‬
‫فى التفريق والتفضيل بين الرسل‬
‫شهادة االسالم هى ( ال إله إال هللا ) فقط!!‬

‫مقدمة‬
‫‪ 1‬ـ سبق التأكيد على نهى هللا جل وعال عن التفريق بين الرسل ‪ ،‬وأن من يصمم‬
‫على هذا ويموت عليه هذا يلقى هللا تعالى كافرا طبقا لما جاء فى القرآن الكريم‪:‬‬
‫َّللا َورس ِل ِه َويَقولونَ نؤْ ِمن‬ ‫اَّللِ َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أَ ْن يفَ ِ ِّرقوا بَيْنَ َّ ِ‬ ‫(إِ َّن الَّذِينَ يَ ْكفرونَ بِ َّ‬
‫يال أولَ ِئ َك هم ْال َكا ِفرونَ َحقًّا‬ ‫ض َوي ِريدونَ أَ ْن َيت َّ ِخذوا َبيْنَ ذَ ِل َك َ‬
‫س ِب ً‬ ‫ض َونَ ْكفر بِ َب ْع ٍ‬ ‫ِب َب ْع ٍ‬
‫َوأَ ْعتَدْنَا ِل ْل َكافِ ِرينَ َعذَابًا م ِهينًا )‪ ،‬أما المؤمنون حقا فقد قال تعالى عنهم ‪َ (:‬والَّذِينَ‬
‫وره ْم َو َكانَ َّ‬
‫َّللا‬ ‫ف يؤْ تِي ِه ْم أج َ‬ ‫س ْو َ‬‫اَّلل َورس ِل ِه َولَ ْم يفَ ِ ِّرقوا بَيْنَ أَ َح ٍد ِم ْنه ْم أولَئِ َك َ‬
‫آ َمنوا ِب َّ ِ‬
‫ورا َر ِحي ًما )( النساء ‪ ) 122 : 121‬أى هى قضية (فارقة ) بين المؤمن حقا‬ ‫غَف ً‬
‫والكافر فعال عند هللا جل وعال حسبما جاء فى القرآن الكريم‪ .‬وقلنا إن التفريق بين‬
‫الرسل يعنى تفضل رسول على آخر بما يمهد لرفعه الى مستوى االلوهية مع هللا‬
‫جل وعال ‪ ،‬وهذا ما يقع فيه معظم المسلمين من أصحاب الديانات األرضية حين‬
‫يجعلون دمحما عليه السالم قرينا هلل تعالى فى الذكر والتسبيح واألذان والصالة و‬
‫التشهد و الحج ‪ ..‬وفى شهادة االسالم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ شهادة االسالم هى أصال شهادة توحيد أى شهادة واحدة ‪ ،‬ولكنهم يجعلوها‬
‫شهادتين ‪ ،‬يقسمونها بالتساوى بين ذكر هللا تعالى وذكر دمحم ‪ ،‬وال يخلو ذكر هلل‬
‫تعالى من وجود دمحم معه كأنما يستكثرون ذكر اسم هللا تعالى وحده ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ والغريب أنهم يهتفون دااما ( هللا أكبر ) ويفتتحون الصالة ب ( هللا أكبر ) أى‬
‫(أكبر) مطلقا من أن يكون الى جانبه مخلوق آخر ‪،‬أو (أكبر) من أن (نذكر) معه‬
‫شيئا آخر‪ ،‬ثم يناقضون مفهوم (هللا أكبر ) حين يضيفون لألكبر جل وعال واحدا‬
‫من مخلوقاته‪،‬وهم بذلك ما قدروا هللا تعالى حق قدره ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ تمييزهم (دمحما ) وحده بذكر اسمه مع هللا تعالى فى شهادة االسالم يتجلى فيه‬
‫التفريق بين الرسل ‪ ،‬فلماذا نذكر دمحما دون عيسى أو موسى أو لوط أو ابراهيم‬
‫أواسحق أو يونس ‪..‬الخ ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وتميز (دمحم) بذكره وحده الى جانب هللا تعالى فى شهادة االسالم فيه تفضيل‬
‫صريح لمحمد على من سبقه من األنبياء و المرسلين ‪،‬وليس من حق أى مخلوق‬
‫أن يفاضل بين األنبياء ‪ ،‬ومن يفعل ذلك ال يكون فقط كافرا باهلل تعالى ورسوله‬
‫ولكن يكون أيضا مدعيا لاللوهية دون أن يعلم‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ وتميز (دمحم) بذكره الى جانب هللا تعالى فى شهادة االسالم يجعل االسالم دين‬
‫دمحم وحده دون بقية األنبياء ‪ ،‬وهذا تناقض مع القرآن الكريم الذى يؤكد أن االسالم‬
‫هو دين هللا تعالى الذى نزلت به كل الرساالت السماوية ‪ ،‬كل منها ينطق بلسان‬
‫القوم الذين جاء منهم واليهم النبى أو الرسول ‪،‬الى أن نزل القرآن الكريم خاتما‬
‫للرساالت السماوية بلسان عربى مبين ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وتقديس اى نبى هو البداية التى تفتح المجال لتقديس البشر ممن يطلق عليهم‬
‫الصالحين واألولياء و( القديسين )ثم ينفتح الباب على مصراعية لتقديس العصاة‬
‫والمجرمين والحكام المستبدين والمتالعبين بالسياسة و الدين‪.‬‬
‫ومثال فإن تقديس شخص دمحم وإسمه وإدخال إسمه فى الصالة و األذان والحج الى‬
‫الوثن المسمى بقبر النبى فى المدينة كان مقدمة لتقديس أضرحة األولياء والحج‬
‫اليهم واعتقاد الشفاعة فيهم أسوة بالشفاعة المزعومة للنبى دمحم ‪،‬بل وإضافة أسماء‬
‫األولياء فى األذان للصالة بتمجيد أسمااهم على المآذن كما كان شااعا فى العصر‬
‫المملوكى‪.‬‬
‫والبداية هى إدخال اسم دمحم فى شهادة االسالم وجعلها ثنااية بعد أن كانت واحدة‬
‫وحدانية ‪ ،‬وجعلها قسمة بين هللا تعالى و أحد مخلوقاته وهو دمحم ‪.‬‬
‫ارتكب الدين السِّنى هذا االفك ‪ ،‬وعليه سار العصر العباسى ‪ ،‬ثم تسيد التصوف‬
‫فرفع مكانة األولياء الى جانب دمحم ‪ ،‬وقام الشيعة برفع أسماء على وبنيه الى جانب‬
‫النبى دمحم ‪ ،‬و تكاثر (الشركاء ) هلل تعالى فى ملكه ودينه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ونعطى مثاال عمليا عن التحوير العملى فى شهادة االسالم فى العصر‬
‫المملوكى بحيث أصبحت ثالثية و ليس فقط ثنااية ‪.‬‬
‫ففي العصر المملوكي حيث أصبح التصوف التدين الفعلي للدولة ‪ ،‬صار االعتقاد‬
‫في األولياء هو الشهادة الرسمية للدخول في اإلسالم ‪ ،‬حيث أضحى اإلسالم مجرد‬
‫رسم وشكل مظهري تمارس من خالله شعاار التصوف ومعتقداته المضادة‬
‫لإلسالم ‪ ..‬فعندما أسلم أحمد بن هوالكو بعث برسالة رسمية إلى المنصور قالوون‬
‫يشهد فيها ( بوحدانية هللا والشهادة بمحمد عليه أفضل الصلوات والسالم‪ ،‬بصدق‬
‫نبوته ‪ ،‬وحسن االعتقاد في أوليااه الصالحين) ‪ (.‬سيرة المنصور ‪ .‬تاريخ مخطوط‬
‫‪ /‬مجلد ‪ / 1‬لوحة ‪ )11‬ولم يعرف المسكين – الذي دخل اإلسالم زورا ً – أن‬
‫االعتقاد في األولياء الصالحين بزعمه ينفي إخالص الدين هلل تعالى ‪ ،‬ولكنه الدين‬
‫األرضى الذى تسيد العصر المملوكى بعد أفول سيطرة الدين السنى فى العصر‬
‫العباسى ‪ ،‬وسار على ذلك الناس ‪ ،‬و(أسلم ) ابن هوالكو على أيديهم‪ ..‬أى دخل فى‬
‫دين التصوف األرضى الذى اختطف اسم االسالم فى العصر المملوكى ‪.‬‬
‫وترتب على اإليمان باألولياء الصوفية اإليمان ببركاتهم و(تصريفهم ) أى‬
‫كراماتهم ومعجزاتهم حتى لم تخل تحية اإلسالم (السالم عليكم ورحمة هللا‬
‫وبركاته) من تأثير الدين األرضى الصوفى ‪ ،‬فأدخل فيها األولياء مع هللا‪ ،‬وسجل‬
‫ذلك كتاب رسمي بعثه النجاشي للسلطان جقمق سنة ‪ 282‬فقال فيه (ورحمته‬
‫وبركاته عليكم أجمعين وبركات األولياء الصالحين) ‪ (.‬السخاوى ‪ :‬تاريخ التبر‬
‫المسبوك ص ‪) . 12‬‬
‫‪ 2‬ـ وانتهى العصرين المملوكى و العثمانى ‪ ،‬وخفت تأثير الدين الصوفى األرضى‬
‫ولكن عادت بالوهابية سيطرة الدين السِّنى األرضى فعادت شهادة االسالم إثنين‬
‫باالبقاء على اسم دمحم فقط الى جانب اسم هللا جل وعال‪ .‬وسيطر ذلك على أفئدة‬
‫الكثيرين ‪ ،‬فليس صعبا التخلى عن تقديس األولياء الصوفية ‪ ،‬ولكن الصعب هو‬
‫التخلى عن تقديس دمحم‪.‬‬
‫كانت شهادة االسالم واحدة فى العصر الحقيقى لالسالم ‪ ،‬ثم جعلوها مثناة ‪ ،‬ثم‬
‫ثالثية ‪ ،‬وعادت مثناة اآلن ‪ ،‬ونتمنى أن تعودة الشهادة الحقيقية للوحدانية ‪ ،‬ولهذا‬
‫نناقش هنا التاكيد على أن شهادة االسالم هى ( ال إله إال هللا ) فقط ‪!!.‬‬
‫أوال ‪:‬‬
‫شهادة االسالم ليس فيها إسم مخلوق بجانب الخالق جل وعال ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ الشهادة فى العقيدة فرع عن االيمان العقيدى ‪،‬أى تعلن شهادتك بما تؤمن به ‪،‬‬
‫فالذى يؤمن بمحمد أفضل من األنبياء وشريكا هلل تعالى فى دينه وفى ملكه وملكوته‬
‫يتجلى هذا فى شهادته بأن يجعلها مثناة ‪ ،‬والذى يضيف الى دمحم أهل بيته أو‬
‫األولياء وكراماتهم يجعل شهادته ثالثية ‪.‬‬
‫ولو كنت مؤمنا صحيح االيمان فلن يكون أى مخلوق محال إليمانك ‪ ،‬فااليمان فى‬
‫االسالم ليس بشخص النبى أو شخص الرسول ‪ ،‬ولكن بما نزل على ذلك النبى‬
‫الرسول بِ َما أ ْن ِز َل ِإلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه َو ْالمؤْ ِمنونَ )(‬ ‫وذلك الرسول ‪ ،‬يقول جال وعال ‪(:‬آ َمنَ َّ‬
‫البقرة ‪ 222‬ـ )‪ .‬أى أن الرسول نفسه آمن ـ ليس بشخصه ونفسه ولكن ـ بما أنزله‬
‫هللا تعالى عليه فى الكتاب السماوى‪ .‬وبنفس االيمان ونوعيته آمن المؤمنون‬
‫‪َ (:‬و ْالمؤْ ِمنونَ ) أى آمن المؤمنون بما أنزله هللا تعالى على الرسول ‪ ،‬وليس ايمانهم‬
‫متعلقا بشخص الرسول واسمه وتاريخه ولكن بما أنزله هللا جل وعال عليه ‪.‬‬
‫وألنها قضية ايمان وكفر فقد جاءت فى مفتتح سورة (دمحم ) ‪( :‬الَّذِينَ َكفَروا َو َ‬
‫صدُّوا‬
‫ت َوآ َمنوا بِ َما ن ِ ِّز َل َعلَى‬ ‫صا ِل َحا ِ‬ ‫ض َّل أَ ْع َمالَه ْم َوالَّذِينَ آ َمنوا َو َع ِملوا ال َّ‬ ‫َّللا أَ َ‬
‫يل َّ ِ‬
‫سبِ ِ‬
‫َعن َ‬
‫صلَ َح َبالَه ْم ) فلم يقل ( آمنوا بمحمد‬ ‫س ِيِّئَا ِت ِه ْم َوأ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫م َح َّم ٍد َوه َو ال َح ُّق ِمن َّر ِبِّ ِه ْم َكفَّ َر َع ْنه ْم َ‬
‫) ولكن قال ( َوآ َمنوا ِب َما ن ِ ِّز َل َعلَى م َح َّم ٍد )‪ .‬وبالتالى فالشهادة هنا ممنوع أن يوجد‬
‫فيها غير هللا جل وعال وما أنزله على رسوله ‪،‬أى ممنوع أن يوجد فيها اسم‬
‫مخلوق من البشر أو من المالاكة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ومن المضحك أن نتصور النبى دمحما ينطق شهادة االسالم فيقول ( أشهد أنه ال‬
‫الرسول‬ ‫اله إال هللا وأننى دمحم رسول هللا )‪ ،‬ولكن عليه أن يلتزم بقوله تعالى (آ َمنَ َّ‬
‫بِ َما أ ْن ِز َل إِلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه ) أى عليه أن يشهد بالشهادة االسالمية الصحيحة التى شهد‬
‫بها هللا جل وعال ‪ ،‬وشهد بها معه المالاكة وأولو العلم قياما بالقسط والعدل ‪.‬‬
‫ومن المضحك ايضا أن يقول النبى فى حياته ( ما بين قبرى ومنبرى روضة من‬
‫رياض الجنة ) فلم يكن يعرف اين قبره وال بأى أرض يموت ‪ ،‬أو أن يقول ( من‬
‫حج ولم يزرنى فقد جفانى ) أو يقوم هو بتشريع الحج الى قبره وهو حى يرزق‬
‫‪..‬أو أن يقول فى التشهد ( اللهم صلى على حضرتنا وعلى آل حضرتنا ‪..‬الخ ) كل‬
‫ذلك االفك كالم مضحك يبعث على الرثاء ‪ ،‬وطقوس مضحكة تبعث على البكاء‪.‬‬
‫وكل هذه المبكيات المضحكات نبعت من جعل شهادة االسالم مثناة بعد ان كانت‬
‫واحدة تعبر عن الوحدانية ‪.‬‬
‫ش ِهدَ َّ‬
‫َّللا‬ ‫‪ 3‬ـ إن شهادة االسالم جاءت فى صيغتها الصحيحة فى قوله جل وعال ‪َ ( :‬‬
‫ْط الَ ِإلَهَ ِإالَّ ه َو ْال َع ِزيز ا ْل َح ِكيم ِإ َّن‬
‫أَنَّه الَ ِإلَهَ ِإالَّ ه َو َو ْال َمالاِ َكة َوأ ْولواْ ْال ِع ْل ِم قَااِ ًما ِب ْال ِقس ِ‬
‫اإلسْالم )( آل عمران ‪.) 10 : 12‬‬ ‫الدِِّينَ ِعندَ َّ ِ‬
‫َّللا ِ‬
‫هنا تأتى شهادة أنه ال اله إال هللا مؤكدة من رب العزة ‪ ،‬ومن المالاكة ومن أولى‬
‫العلم ‪ ،‬وفى نفس اآلية تتكرر شهادة أنه ال اله اال هللا مرتين مع وصفه جل وعال‬
‫بالعزيز الحكيم ‪ ،‬وتقرير أن الدين عند هللا هو االسالم ‪،‬أى إن هذه هى شهادة‬
‫االسالم الذى نزلت به كل رساالت السماء و قال به كل األنبياء ‪ .‬وكما نرى ليس‬
‫فى هذه الشهادة باالسالم سوى (ال اله إال هللا ) ‪ ،‬وليس فيها دمحم أو غيره‪ .‬وقوله‬
‫ْط ) إشارة الى أن العبث بهذه الشهادة‬ ‫جل وعال فى سياق هذه الشهادة (قَا ِا ًما ِب ْال ِقس ِ‬
‫االلهية لالسالم هو نقيض القسط ‪،‬اى هو ظلم للخالق جل وعال حين نضع الى‬
‫جانب إسمه العظيم أسما لمخلوق من مخلوقاته ‪.‬‬
‫إن شهادة االسالم ( ال اله اال هللا ) شهادة واحدة هو"التشهد" وهو جزء أساس فى‬
‫َّللا أَنَّه َال ِإلَ َه ِإ َّال ه َو‬
‫ش ِهدَ َّ‬
‫الصالة اليومية يقوله رب العزة والمالاكة وأولو العلم ‪َ ( :‬‬
‫ْط َال ِإلَهَ ِإ َّال ه َو ْال َع ِزيز ْال َح ِكيم ) ىل عمران ‪) 12‬‬ ‫َو ْال َم َالاِ َكة َوأولو ْال ِع ْل ِم قَااِ ًما ِب ْال ِقس ِ‬
‫ومن اسف اننا تناسينا هذا التشهد وابدلناه بصيغة متهافتة منتحلة مختلفة الصياغات‬
‫أسميناها " التحيات " حتى نجعل السم دمحم ذكرا وتعظيما فى صالتنا وهى ـ أى‬
‫صالتنا ـ المفترض فيها أن تكون لذكر هللا تعالى وحده وتعظيمه وحده‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ولو قال رب العزة ( شهد هللا أنه ال اله إال هللا وأن دمحما رسول هللا ‪ )...‬ألصبح‬
‫ذلك تناقضا فى القرآن الكريم ‪ ،‬فكيف ينهى هللا تعالى عن التفريق بين األنبياء ثم‬
‫يقوم هو جل وعال بوضع هذا التفريق فى شهادة االسالم‪ .‬ليس فى االسالم عوج أو‬
‫تناقض ‪ ،‬ولكن المسلمين بأهوااهم ودياناتهم األرضية هم الذين أوقعوا أنفسهم فى‬
‫تناقض مع القرآن الكريم ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وفى التأكيد على أن شهادة االسالم شهادة واحدة فقط تقصر األلوهية على هللا‬
‫تعالى وحده ‪ ،‬دون ذكر اسم بشر معه من الرسل واألنبياء ‪ ،‬يكفيك قوله تعالى ‪:‬‬
‫ون )‪ .‬و اقرأ ما بعد‬ ‫ارهَب ِ‬‫َّاي فَ ْ‬ ‫َّللا َال تَت َّ ِخذوا ِإلَ َهي ِْن اثْنَي ِْن ِإنَّ َما ه َو ِإلَهٌ َو ِ‬
‫احدٌ فَإِي َ‬ ‫( َوقَ َ‬
‫ال َّ‬
‫اصبًا أَفَغَي َْر َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫ض َولَه الدِِّين َو ِ‬ ‫ت َواأل َ ْر ِ‬ ‫س َم َاوا ِ‬ ‫هذه اآلية الكريمة‪َ ( :‬ولَه َما فِي ال َّ‬
‫َّللا ث َّم إِذَا َمسَّكم الض ُُّّر فَإِلَ ْي ِه تَجْأَرونَ ) (النحل ‪ 21‬ـ‬ ‫تَتَّقونَ َو َما بِكم ِ ِّمن ِنِّ ْع َم ٍة فَ ِمنَ َّ ِ‬
‫‪ .)23‬تجد هنا معنى أن تقتصر شهادة االسالم على أنه ال اله اال هللا فقط دون رفع‬
‫بشر الى مرتبة االقتران باهلل جل وعال ‪ ،‬فهو وحده مالك السماوات واألرض ‪،‬‬
‫وهو وحده الذى يملك الدين ‪ ،‬وهو وحده الذى يجب أن نتقيه ونخشاه ‪ ،‬وهو وحده‬
‫الذى يملك النفع والضرر‪ ،‬وليس دمحم أو أى مخلوق آخر شريكا هلل جل وعال فى‬
‫أى شىء مما سبق ‪ ،‬فكيف تقرنه برب العزة ؟‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬للقرآن الكريم صفات رب العالمين ‪:‬‬
‫وألن القرآن الكريم هو كالم رب العالمين ـ وكالم هللا جل وعال صفة من صفاته‬
‫وإسم من أسمااه الحسنى ـ فإن هللا تعالى وصف القرآن الكريم بما وصف به ذاته‬
‫العلية ‪ ،‬وننقل هنا بايجاز ما شرحناه فى كتابينا ( القرآن وكفى ‪: )..‬‬
‫‪ -1‬فكما أنه ال إله إال هللا فانه ال كتاب للمسلم إال القرآن كتاب هللا‪..‬يقول هللا تعالى‬
‫ي‬ ‫ي ٍ َوال ي ْش ِرك فِي ح ْك ِم ِه أَ َحدًا َواتْل َما أ ِ‬
‫وح َ‬ ‫فى ذاته العلية ( َما لَهم ِ ِّمن دونِ ِه ِمن َو ِل ِّ‬
‫ب َر ِبِّ َك ال مبَد َِِّل ِل َك ِل َماتِ ِه َولَن ت َِجدَ ِمن دونِ ِه م ْلتَ َحدًا ) (الكهف ‪)21:22‬‬ ‫ِإلَي َْك ِمن ِكتَا ِ‬
‫فاهلل وحده هو الولى الذى ال يشرك فى حكمه أحدا‪ .‬والقرآن هو وحده الكتاب الذى‬
‫أوحى للنبى وال مبدل لكلماته ‪ ،‬ولن يجد النبى غير القرآن كتابا ً يلجأ إليه‪ .‬والنبى ال‬
‫َّللا أَ َحدٌ َولَ ْن أَ ِجدَ ِمن دونِ ِه‬ ‫يلجأ إال هلل تعالى ربا ً وإلها ً (ق ْل ِإ ِنِّي لَن ي ِج َ‬
‫يرنِي ِمنَ َّ ِ‬
‫م ْلتَ َحدًا ); (الجن ‪.)22‬والنبى أيضا ً ليس لديه إال القرآن ملتحدا ً وملجأ ( َواتْل َما‬
‫ب َر ِبِّ َك ال مبَد َِِّل ِل َك ِل َماتِ ِه َولَن ت َِجدَ ِمن دونِ ِه م ْلتَ َحدًا); هذا بالنسبة‬
‫ي إِلَي َْك ِمن ِكتَا ِ‬
‫وح َ‬
‫أ ِ‬
‫للنبى عليه السالم‪ ..‬فكيف بنا نحن؟‪.‬‬

‫‪ - 2‬المؤمن يكتفى باهلل تعالى ربا ً ويكتفى بالقرآن كتابا ً ‪ :‬عن اكتفاء المؤمن باهلل‬
‫َّللا بِ َكافٍ َع ْبدَه ) ; (الزمر ‪.)31‬والمؤمن طالما يكتفى‬
‫ْس َّ‬ ‫تعالى ربا ً يقول تعالى (أَلَي َ‬
‫باهلل تعالى ربا ً فهو أيضا ً يكتفى بكتاب هللا فى الهداية والتشريع يقول تعالى (أَ َولَ ْم‬
‫يَ ْك ِف ِه ْم أَنَّا أَنزَ ْلنَا َعلَي َْك ْال ِكت َ‬
‫َاب يتْلَى َعلَ ْي ِه ْم ) (العنكبوت ‪ .)21‬ويالحظ أن اآليات‬
‫الكريمة التى تحض على االكتفاء باهلل ربا ً وعلى االكتفاء بالقرآن كتابا ً جاءت كلها‬
‫بأسلوب االستفهام اإلنكارى‪ ..‬أى اإلنكار على من يتخذون أولياء وأربابا ً مع هللا‬
‫والذين يتخذون كتبا ً أخرى مع كتاب هللا‪.‬‬

‫‪ -3‬القرآن هو الحق الذى ال ريب فيه‪ ،‬ويلفت النظر أن هللا تعالى وصف ذاته العلية‬
‫بأنه الحق‪ ،‬ووصف إنزال القرآن بأنه أنزله بالحق‪ ،‬ووصف القرآن نفسه بأنه‬
‫َّللا َربُّكم ْال َح ُّق فَ َماذَا‬
‫الحق‪ ..‬عن وصف هللا تعالى بالحق يقول الحق تعالى (فَذَ ِلكم َّ‬
‫َّللا ه َو ْال َح ُّق َوأَ َّن‬
‫ص َرفونَ ) (يونس ‪ ( ،)32‬ذَ ِل َك ِبأ َ َّن َّ َ‬ ‫ق ِإالَّ الضَّالل فَأَنَّى ت ْ‬ ‫بَ ْعدَ ْال َح ِّ ِ‬
‫اطل ) (لقمان ‪.)31‬‬ ‫َما يَدْعونَ ِمن دونِ ِه ْالبَ ِ‬
‫ق نَزَ َل )(اإلسراء‬ ‫ق أَنزَ ْلنَاه َوبِ ْال َح ِّ ِ‬
‫وعن إنزال القرآن بالحق يقول تعالى ( َوبِ ْال َح ِّ ِ‬
‫‪.)112‬‬
‫ب ه َو ْال َح ُّق‬ ‫وعن وصف القرآن بأنه الحق يقول تعالى ( َوالَّذِي أَ ْو َح ْينَا ِإلَي َْك ِمنَ ْال ِكتَا ِ‬
‫صص ْال َح ُّق ) (آل عمران ‪.)12‬‬ ‫) (فاطر ‪ .)31‬ويقول ‪( :‬إِ َّن َهذَا لَه َو ْالقَ َ‬
‫بل إن هللا تعالى يصف الحق القرآنى بأنه الحق اليقينى المطلق‪ ،‬يقول تعالى (إِ َّن‬
‫ين ); (الحاقة ‪.)21‬‬ ‫ين ) (الواقعة ‪َ ( )02‬و ِإنَّه لَ َح ُّق ْاليَ ِق ِ‬ ‫َهذَا لَه َو َح ُّق ْال َي ِق ِ‬
‫‪ -8‬القرآن هو الحديث الوحيد الذى ينبغى اإليمان به ‪ :‬إذ أكد رب العزة أن اإليمان‬
‫ث بَ ْعدَه يؤْ ِمنونَ )‬ ‫ي ِ َحدِي ٍ‬ ‫ال يكون إال بحديثه تعالى فى القرآن الكريم فقال (فَبِأ َ ِّ‬
‫(المرسالت ‪(.)21‬األعراف ‪)122‬‬
‫بل إن هللا تعالى يجعل من اإليمان بحديث القرآن وحده مقترنا ً باإليمان به تعالى‬
‫وحده‪ ،‬فكما ال إيمان إال بحديث القرآن وحده فكذلك ال إيمان إال باهلل وحده إلها ً‪.‬‬
‫وكما أن المؤمن يكتفى باهلل وحده إلها ً فهو أيضا ً يكتفى بحديث القرآن وحده حديثا ً‪..‬‬
‫ث‬ ‫َّللا نَتْلوهَا َعلَي َْك ِب ْال َح ِّ ِ‬
‫ق فَ ِبأ َ ِّ‬
‫ي ِ َحدِي ٍ‬ ‫وجاءت تلك المعانى فى قوله تعالى ( ِت ْل َك آ َيات َّ ِ‬
‫ص ُّر‬ ‫َّللا تتْلَى َعلَ ْي ِه ث َّم ي ِ‬‫ت َّ ِ‬ ‫َّللا َوآ َياتِ ِه يؤْ ِمنونَ َو ْي ٌل ِلِّك ِِّل أَفَّاكٍ أَثِ ٍيم َي ْس َمع آ َيا ِ‬
‫َب ْعدَ َّ ِ‬
‫ب أَ ِل ٍيم ) (الجاثية ‪.)2 :1‬‬ ‫ش ِْره ِب َعذَا ٍ‬ ‫م ْستَ ْك ِب ًرا َكأَن لَّ ْم يَ ْس َم ْع َها فَبَ ِّ‬

‫‪ 2‬ـ ال مثيل للقرآن كما أنه ال مثيل هلل تعالى ‪ :‬يقول تعالى عن ذاته العلية (لَي َ‬
‫ْس‬
‫ي ٌء ) (الشورى ‪ .)11‬ويقول تعالى عن كتابه الحكيم (قل لَّئِ ِن اجْ تَ َم َع ِ‬
‫ت‬ ‫َك ِمثْ ِل ِه َ‬
‫ش ْ‬
‫آن الَ يَأْتونَ ِب ِمثْ ِل ِه ) (اإلسراء ‪ ..)22‬إذن‬ ‫اإلنس َو ْال ِج ُّن َعلَى أَن يَأْتواْ ِب ِمثْ ِل َهذَا ْالق ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ال مثيل للقرآن كما أنه ال مثيل هلل ‪ ،‬فليس هناك مثيل هلل جل وعال وليس هناك مثيل‬
‫للقرآن‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬شهادة هللا جل وعال للقرآن الكريم هى ايضا تاكيد للشهادة بأنه ال اله إال هللا ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ وألن القرآن الكريم هو كالم رب العالمين ـ وكالم هللا جل وعال صفة من‬
‫صفاته وإسم من أسمااه الحسنى ـ فإن هللا تعالى يشهد ايضا شهادة مماثلة بأن‬
‫القرآن الكريم منزل من عند هللا ‪ ،‬ويشهد بذلك أيضا المالاكة ‪ ،‬وكفى باهلل جل‬
‫وعال شهيدا ‪،‬إقرأ فى ذلك قوله جل وعال فى شهادته عن القرآن الكريم ‪(:‬لَّ ِك ِن َّ‬
‫َّللا‬
‫ش ِهيدًا)(النساء ‪111‬‬ ‫يَ ْش َهد ِب َما أَنزَ َل ِإلَي َْك أَنزَ لَه ِب ِع ْل ِم ِه َو ْال َمالاِ َكة يَ ْش َهدونَ َو َكفَى ِب َّ ِ‬
‫اَّلل َ‬
‫)‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ وحين تقول ‪" :‬اشهد ان ال اله اال هللا" تكون قد نطقت بصحيح االيمان المذكور‬
‫الرسول بِ َما أ ْن ِز َل إِلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبِّ ِه َو ْالمؤْ ِمنونَ )( البقرة‬ ‫فى قوله جل وعال ‪( :‬آ َمنَ َّ‬
‫‪.)222‬‬
‫وتكون أيضا قد آمنت بكل كتاب سماوى جاء به األنبياء جميعا‪ ،‬وتكون قد آمنت‬
‫بهم جميعا ألن كل واحد منهم جاء مبعوثا بهذه الحقيقة السامية‪ ،‬وهذا ما قاله رب‬
‫وحي ِإلَ ْي ِه أَنَّه َال‬ ‫س ْلنَا ِم ْن قَ ْب ِل َك ِم ْن َرس ٍ‬
‫ول ِإ َّال ن ِ‬ ‫العزة لخاتم رسل هللا تعالى ‪َ ( :‬و َما أَ ْر َ‬
‫ون ) األنبياء ‪ ) 22‬وقال له أيضا نفس التحذير من الوقوع فى‬ ‫إِلَهَ إِ َّال أَنَا فَاعْبد ِ‬
‫ي ِإلَي َْك‬ ‫وح َ‬ ‫الشرك ‪ ،‬وهو نفس التحذير الذى قيل من قبل لألنبياء السابقين ‪َ ( :‬ولَقَدْ أ ِ‬
‫ط َّن َع َمل َك َولَتَكون ََّن ِمنَ ْالخَا ِس ِرينَ ‪ .‬بَ ِل َّ َ‬
‫َّللا‬ ‫ت لَيَحْ بَ َ‬‫َو ِإلَى الَّذِينَ ِم ْن قَ ْب ِل َك لَئِ ْن أَ ْش َر ْك َ‬
‫شا ِك ِرينَ ) الزمر ‪. ) 11 : 12‬‬ ‫فَاعْبدْ َوك ْن ِمنَ ال َّ‬
‫وحتى ال يظن نفسه مميزا على األنبياء السابقين قال هللا تعالى لخام النبيين ‪( :‬ق ْل َما‬
‫ي َو َما‬ ‫الرس ِل َو َما أَد ِْري َما ي ْف َعل ِبي َو َال بِك ْم ِإ ْن أَت َّ ِبع ِإ َّال َما يو َحى ِإلَ َّ‬ ‫عا ِمنَ ُّ‬ ‫ك ْنت ِبدْ ً‬
‫ين ) األحقاف ‪ ) 0‬أى أمره رب العزة ان يقول ويعلن أنه ليس مميزا‬ ‫ير م ِب ٌ‬‫أَنَا ِإ َّال نَ ِذ ٌ‬
‫بين الرسل ‪ ،‬وانه ال يعلم الغيب وال يدرى ما سيحدث له أو لغيره ‪ ،‬وأنه مجرد‬
‫رسول منذر لقومه متبع للقرآن الكريم‪.‬‬
‫وحين تؤمن بالقرآن الكريم وتردد شهادة هللا جل وعال بأن القرآن نزل من عند هللا‬
‫جل وعال وأنزله بعلمه فإنك تشهد بنبوة دمحم ونبوة كل من سبقه من األنبياء ـ بال‬
‫تفريق وبال تفضيل حسبما جاء فى القران الكريم ‪.‬‬
‫وفى نفس الوقت فإن من يكفر برسالة نبى إنما يكفر بكل الرساالت ألن كل‬
‫الرساالت السماوية تقول شيئا واحدا ‪ ،‬وعلى سبيل المثال فان قوم نوح حين كذبوا‬
‫برسالة نوح فقد كذبوا بكل الرساالت السماوية التى لم يكونوا يعلمون عنها شيئا‬
‫وح لَّ َّما‬
‫ألنها نزلت بعد موتهم وغرقهم وهالكهم ‪ ،‬يقول جل وعال عنهم ‪َ (:‬وقَ ْو َم ن ٍ‬
‫س ِلينَ )( الشعراء‬ ‫وح ْالم ْر َ‬ ‫الرس َل أَ ْغ َر ْقنَاه ْم ) ( الفرقان ‪َ ( ) 32‬كذَّبَ ْ‬
‫ت قَ ْوم ن ٍ‬ ‫َكذَّبوا ُّ‬
‫‪) 112‬أى كذبوا برساالت لم يعرفوها ألنهم كذبوا برسالة نوح وما جاء فى رسالة‬
‫نوح جاءت به كل الرساالت الالحقة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ باختصار ‪ :‬حين تشهد بأن القرآن الكريم منزل من عند هللا جل وعال فانك‬
‫تؤكد شهادة أن (ال اله إالا هللا )‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬خاتم األنبياء مأمور بقول شهادة واحدة‬

‫‪ 1‬ـ ولذا تأتى شهادة هللا جل وعال للقرآن الكريم مقترنة بالشهادة بأنه جل وعال ال‬
‫اله إال هو ‪ ،‬وأتى ذلك فى أوامر تكرررت للرسول دمحم عليه السالم بكلمة ‪(:‬قل )‬
‫ش ِهيدٌ‬ ‫ش َهادَة ً ق ِل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫يءٍ أَ ْكبَر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫أى أن يقول هذا فى الرد على المشركين ‪( :‬ق ْل أَ ُّ‬
‫ي َ‬
‫ي َهذَا ْالق ْرآن ألنذ َِركم ِب ِه َو َمن بَلَ َغ أَاِنَّك ْم لَتَ ْش َهدونَ أَ َّن َم َع َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫ي ِإلَ َّ‬
‫وح َ‬
‫بَ ْينِي َوبَ ْينَك ْم َوأ ِ‬
‫ش ِركونَ ) ( األنعام‬ ‫آ ِل َهةً أ ْخ َرى قل الَّ أَ ْش َهد ق ْل إِنَّ َما ه َو إِلَهٌ َو ِ‬
‫احدٌ َوإِنَّنِي بَ ِري ٌء ِ ِّم َّما ت ْ‬
‫‪ .) 10‬أى إن شهادة هللا أكبر شهادة ‪ ،‬والشهادة االلهية هنا بأن الوحى القرآنى قد‬
‫نزل إنذارا لهم ‪ ،‬وإذا كانوا يشهدون أن مع هللا تعالى آلهة أخرة فالرسول مأمور أن‬
‫يرفض هذه الشهادة الشركية ‪ ،‬ومأمور أن يشهد أنه ال اله اال هللا‪.‬‬
‫والمستفاد من اآلية الكريمة أن الشهادة واحدة بألوهية هللا تعالى وحده ‪ ،‬ويؤكدها‬
‫أن القرآن منزل من عند هللا جل وعال ‪ ،‬وأن دمحما هو أول المأمورين فى القرآن‬
‫بقول هذه الشهادة ‪ ،‬وأنه مأمور أيضا برفض أى شهادة تخالف ال اله اال هللا‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ ويؤكد هذا قوله تعالى لخاتم األنبياء ‪( :‬فَا ْعلَ ْم أَنَّه ال إِلَهَ إِالَّ َّ‬
‫َّللا) ( دمحم ‪) 10‬‬
‫والعلم هنا هو شهادة قلبية قبل أن تكون شهادة لسانية ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬الحب الحقيقى للنبى دمحم هو اتباع القرآن ‪ ،‬ومنه أن تكون شهادة االسالم‬
‫واحدة فقط‬
‫‪ 1‬ـ الحب الحقيقى للنبى دمحم عليه السالم هوأن نستمسك بما كان يستمسك به دمحم‬
‫ص َراطٍ‬ ‫ي ِإلَي َْك ِإنَّ َك َعلَى ِ‬ ‫وح َ‬ ‫ِك ِبالَّذِي أ ِ‬‫عليه السالم وهو القرآن الكريم (فَا ْست َْمس ْ‬
‫ُّم ْستَ ِق ٍيم ) ( الزخرف ‪ ) 83‬هو أن تتبع القرآن الكريم وهوالمنهج االلهى الذى جاهد‬
‫فى سبيله‪.‬‬
‫َّللا فَات َّ ِبعونِي يحْ ِببْكم‬ ‫الحب هو االتباع والطاعة للقرآن الكريم ‪( :‬ق ْل ِإ ْن ك ْنت ْم ت ِحبُّونَ َّ َ‬
‫ول فَإِ ْن ت ََولَّ ْوا فَإِ َّن َّ َ‬
‫َّللا‬ ‫الرس َ‬ ‫ور َر ِحي ٌم ‪ .‬ق ْل أَ ِطيعوا َّ َ‬
‫َّللا َو َّ‬ ‫َّللا َويَ ْغ ِف ْر لَك ْم ذنوبَك ْم َو َّ‬
‫َّللا غَف ٌ‬ ‫َّ‬
‫َال ي ِحبُّ ْال َكافِ ِرينَ ) آل عمران ‪.) 32 : 31‬‬
‫ولقد كان عليه السالم مأمورا بإتباع القرآن وحده ( األعراف ‪ ( ) 213‬األنعام ‪:‬‬
‫‪ ( ) 111 ، 21‬األحقاف ‪ ( ) 0‬يونس ‪ ( ) 12‬األحزاب ‪ () 1‬الجاثية ‪ ( ) 12‬القيامة‬
‫‪ ،) 12‬وأمره هللا تعالى باتباع ملة ابراهيم ‪ ،‬وهى محفوظة فى القرآن الكريم‬
‫(النحل ‪() 123‬األنعام ‪ () 111‬النجم‪ 32‬ـ )(األعلى ـ ‪.) 10‬‬
‫وأمرنا هللا جل وعال باتباع القرآن الكريم ـ شأن النبى دمحم ( األعراف ‪( ) 122 ، 3‬‬
‫األنعام ‪ ) 123‬وأمرنا باتباع ملة ابراهيم ( آل عمران ‪ ( ) 02‬النساء ‪( ) 122‬‬
‫الحج ‪.) 22‬‬

‫‪ 2‬ـ بكيد الشيطان نصبح أعداء هلل تعالى ورسله دون أن ندرى‪ ،‬فالشيطان يجعلنا‬
‫نتطرف فى حب النبى ليتحول حبنا له الى تأليه وتقديس نتناسى معه جوهر العقيدة‬
‫االسالمية التى ناضل وأوذى دمحم عليه السالم نفسه فى سبيلها‪ .‬وأفظع مثل لهذا‬
‫التأليه أن يكون دمحم جزءا تاليا لشهادة التوحيد ‪ ،‬والتى من من المفروض ـ كشهادة‬
‫توحيد أن تكون شهادة واحدة ولكنهم يجعلونها شهادة ثنااية‪ ،‬ثم يشركون دمحما مع‬
‫هللا تعالى فى األذان والصالة ( صالة الفرض وصالة السنة ‪ ،‬والتحيات )‪ ،‬بل حتى‬
‫فى كل مسجد تقريبا يوضع اسم هللا تعالى فى جهة واسم دمحم فى الجهة المقابلة ‪،‬‬
‫وفى الحج هناك حج لقبره المزعوم ‪ ،‬وهناك صلوات له بزعم الصالة عليه‬
‫تضاهىء الصالة هلل تعالى والتسبيح هلل تعالى ‪ ،‬بل تزيد ‪ .‬األساس هنا أنهم قاموا‬
‫بتقسيم االسالم بين هللا تعالى ودمحم ‪ ،‬وجعلوا شهادة االسالم ثنااية وليست وحدانية‪.‬‬
‫ومن العادات المضحكة للتدين الفاسد فى مصر ان يقال عند الوداع " أشهد ان ال‬
‫اله اال هللا " فيرد الطرف اآلخر " واشهد أن سيدنا دمحما رسول هللا "‪ .‬والغريب انهم‬
‫يحسبون انهم يحسنون صنعا‪ .‬ولو أنصفوا لرددوا شهادة واحدة هى " ال اله اال هللا‬
‫" وعملوا بها فعال ‪ ،‬واذن لن يكونوا أعداء لمحمد وربه جل وعال‪.‬‬
‫األنبياء جميعا أرسلهم هللا تعالى ليؤكدوا تلك الحقيقة‪ ،‬وقد عانوا وجاهدوا فى سبيل‬
‫ليحول حبنا‬ ‫نشرها وكانوا أول الناس ايمانا بها وتفانيا فى نشرها‪ ،‬ثم جاء الشيطان ِّ‬
‫لهم الى تطرف يجعلهم آلهة مع هللا ‪ ،‬وبذلك ينسف أساس دعوتهم ‪ ،‬ويجعلهم فى‬
‫موقف حرج مع هللا تعالى يوم القيامة حين يساالهم رب العزة عن أولئك الذين‬
‫ضلَ ْلت ْم ِعبَادِي‬
‫َّللا فَيَقول أَأَ ْنت ْم أَ ْ‬ ‫عبدوهم ‪َ ( :‬ويَ ْو َم يَحْ شره ْم َو َما يَ ْعبدونَ ِم ْن د ِ‬
‫ون َّ ِ‬
‫يل ؟ قَالوا سبْ َحان ََك َما َكانَ يَ ْنبَ ِغي لَنَا أَ ْن نَت َّ ِخذَ ِم ْن دونِ َك ِم ْن‬ ‫ضلُّوا ال َّ‬
‫سبِ َ‬ ‫هَؤ َال ِء أَ ْم ه ْم َ‬
‫أَ ْو ِل َيا َء َولَ ِك ْن َمت َّ ْعتَه ْم َوآ َبا َءه ْم َحتَّى نَسوا ال ِذِّ ْك َر َو َكانوا قَ ْو ًما ب ً‬
‫ورا ) الفرقان ‪12: 12‬‬
‫)‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬شهادة (ال اله إال هللا ) وكون الرسول رحمة للعالمين ‪:‬‬
‫من خالل القرآن الكريم نتعرف على الحقااق اآلتية خاصة بالنبى دمحم وبالرسول ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ دمحم خاتم النبيين والرسول رحمة للعالمين ‪:‬‬
‫ول َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫عن شخص دمحم يقول تعالى‪َّ ( :‬ما َكانَ م َح َّمدٌ أَبَا أَ َح ٍد ِ ِّمن ِ ِّر َجا ِلك ْم َولَ ِكن َّرس َ‬
‫َوخَات ََم النَّ ِب ِيِّينَ )(األحزاب ‪ ،) 81‬وفعال فلم ينجب دمحم عليه السالم ولدا عاش حتى‬
‫بلغ مبلغ الرجال ‪ ،‬أى لم يكن دمحم أبا ألحد من رجال المسلمين بعده‪ ،‬وتخيلوا لو‬
‫حدث فسيكون هذا االبن مقدسا غاية فى التقديس ‪ ،‬تخيلوا التقديس الذى يحظى به‬
‫الحسين والسيدة زينب وغيرهم وهم مجرد أحفاد من إبنته فاطمة ؟‪ .‬دمحم عليه‬
‫السالم ليس أبا ألحد من الرجال البالغين ‪ ،‬وهو خاتم األنبياء ‪ .‬هذه هى صفته‬
‫باعتباره نبيا ‪ ،‬وقد سبق فى كتابنا (القرآن وكفى ) ـ وهو منشور هنا ـ أن فصلنا‬
‫فى الفرق بين مدلول النبى ومدلول الرسول ‪ ،‬فقلنا إن مصطلح النبى هو شخص‬
‫دمحم فى حياته وتعامالته مع عصره و المحيطين به ‪،‬أما مفهوم الرسول فهو النبى‬
‫حين يقرأ القرآن أو الرسالة االلهية ‪ ،‬وبعد موته فالقرآن أو الرسالة هو الرسول ‪.‬‬
‫ومن هنا فان دمحما كشخص ليس رحمة للعالمين ‪ ،‬ولكن الرسول هو الذى يظل‬
‫رحمة للعالمين ‪ ،‬ألن دمحما النبى قد مات ‪،‬أما الرسول وهو القرآن بعد وفاة النبى‬
‫فهو مستمر رحمة للعالمين طالما استمر القرآن الكريم بيننا‪.‬‬
‫ار َك الَّذِي ن ََّز َل ْالف ْرقَانَ َعلَى َع ْب ِد ِه ِل َيكونَ ِلل َعالَ ِمينَ نَذ ً‬
‫ِيرا‬ ‫ْ‬ ‫وهنا نتأمل قوله تعالى ‪ ( :‬تَ َب َ‬
‫)( الفرقان ‪ ،) 1‬فالقرآن الكريم أنزله هللا جل وعال على عبده (النبى دمحم ) ليكون‬
‫القرآن الكريم إنذارا للعالمين جميعا من عهد النبى الى قيام الساعة ‪ ،‬فالفرقان هنا ـ‬
‫أى القرآن ـ هو رسالة إنذار وتحذير وتوعية للعالمين ‪ ،‬ولو استوعبوا هذا اإلنذار‬
‫وتلك التوعية وعملوا بمقتضاها الستحقوا رحمة هللا تعالى يوم القيامة ‪ ،‬وفى هذا‬
‫َاك ِإالَّ َرحْ َمةً ِلِّ ْل َعالَ ِمينَ )(األنبياء ‪،) 112 :‬أى أرسله‬ ‫س ْلن َ‬‫المعنى يقول تعالى ‪َ ( :‬و َما أَ ْر َ‬
‫هللا تعالى بالقرآن ليكون القرآن أو الرسالة رحمة للعالمين ‪.‬‬
‫وليس معقوال أن يكون دمحما البشرـ الذى مات ـ رحمة للعالمين ‪ ،‬المعقول أن يكون‬
‫القرآن أو الرسالة المحفوظة من لدن هللا تعالى ـ والتى ال تزال بيننا ـ هى الرحمة‬
‫الباقية و المستمرة ‪ .‬وهذه الرحمة ليست منحة مجانية لكل من هبِّ ودبِّ ‪ ،‬بل هى‬
‫رحمة لمن يؤمن بها ‪ ،‬ويلتزم بها فى سلوكه ‪ ،‬ويموت على ذلك ‪ ،‬وبها تشمله‬
‫رحمة هللا تعالى يوم القيامة فينجو من عذاب النار‪.‬‬
‫أهمية هذا هنا فى التركيز على الرسالة وهى القرآن الكريم ‪ ،‬فالقرآن هو الذى جاء‬
‫مصدقا لكل الكتب السماوية السابقة ومهيمنا عليها ‪ ،‬وهو الذى نزلت بشأنه آيتان‬
‫فى أن هللا تعالى يشهد بنزوله من لدنه جل وعال ‪ ،‬وهو الذى ينهى عن التفريق بين‬
‫الرسل وأن االيمان يجب أن يكون بالرسل جميعا بال تفرقة‪.‬‬
‫األهمية أيضا هنا هى فى الرد على من يجعل شخص دمحم ( رحمة للعالمين ) ليتخذ‬
‫منها مسوغا لرفع دمحم فوق بقية األنبياء ووضعه الى جانب الخالق جل وعال‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ النبى والرسول بين البشرية و الوحى ‪:‬‬
‫يؤكد هذا أن النبى دمحما موصوف بالبشرية مثل بقية البشر ‪ ،‬وأن الوحى االلهى ال‬
‫يرتفع به فوق البشرية التى يتماثل فيها مع كل الناس ‪ ،‬بل إنه مأمور بأن يعلن أنه‬
‫ي أَنَّ َما ِإلَهك ْم‬‫بشر مثلنا يوحى اليه أنه ال اله إال هللا ‪( :‬ق ْل ِإنَّ َما أَنَا بَش ٌَر ِ ِّمثْلك ْم يو َحى ِإلَ َّ‬
‫احدٌ )( الكهف ‪ .) 111‬ويأتى التاكيد على كونه عليه السالم رجال من العرب‬ ‫إِلَهٌ َو ِ‬
‫اس َع َجبًا أَ ْن أَ ْو َح ْينَا ِإلَى َرج ٍل ِ ِّم ْنه ْم) (‬ ‫األميين ينذرهم بالوحى االلهى ‪( :‬أَ َكانَ ِللنَّ ِ‬
‫يونس ‪ .) 2‬وقد مات ذلك الرجل ـ ذلك البشر ـ وبقى معنا القرآن الكريم محفوظا‬
‫بيد العلى القدير ‪ .‬وبالتالى فال يصح أن يكون هذا البشر ـأو الرجل العربى ـ شريكا‬
‫هلل جل وعال فى شهادة االسالم ‪،‬أو فى أى ملمح من مالمح األلوهية ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬موضوع ومنطوق الشهادة فى االسالم واحد فقط ال يتعدد ‪:‬قد يتعدد الشهود‬
‫ولكن يكون موضوع الشهادة واحدا ال يتعدد ‪:‬‬
‫هناك شاهد ينطق بالشهادة ‪ ،‬وهناك صيغة الشهادة أو موضوعها التى ينطق بها‬
‫الشاهد ‪ .‬وهناك شهادات مختلفة متنوعة يشهد فيها أو بها المؤمن أو المؤمنون فى‬
‫العقيدة و الشريعة ‪ ،‬ولكن موضوع الشهادة نفسه المنطوق على اللسان يكون واحدا‬
‫ال يتعدد ‪ .‬ونعطى أمثلة للتوضيح ‪:‬‬
‫فى العقيدة ‪:‬‬
‫ْط‬‫َّللا أَنَّه الَ إِلَهَ إِالَّ ه َو َو ْال َمالاِ َكة َوأ ْولواْ ْال ِع ْل ِم قَااِ ًما بِ ْال ِقس ِ‬ ‫ش ِهدَ َّ‬ ‫‪ 1‬ـ يقول جل وعال ‪َ (:‬‬
‫اإلسْالم ) ( آل عمران ‪.) 10 : 12‬‬ ‫الَ ِإلَ َه ِإالَّ ه َو ْال َع ِزيز ْال َح ِكيم ِإ َّن الدِِّينَ ِعندَ َّ ِ‬
‫َّللا ِ‬
‫موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو ( ال اله إال هللا )‪.‬‬
‫َّللا يَ ْش َهد ِب َما أَنزَ َل ِإلَ ْي َك أَنزَ لَه ِب ِع ْل ِم ِه َو ْال َمالاِ َكة يَ ْش َهدونَ‬ ‫‪ 2‬ـ يقول جل وعال( لَّ ِك ِن َّ‬
‫ش ِهيدًا ) ( النساء ‪ . ) 111‬موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو أن القرآن‬ ‫َو َكفَى بِ َّ ِ‬
‫اَّلل َ‬
‫الكريم نزل بعلم هللا جل وعال‪.‬‬
‫ي ِإلَ َّ‬
‫ي‬ ‫وح َ‬ ‫ش ِهيدٌ بَ ْينِي َوبَ ْينَك ْم َوأ ِ‬ ‫ش َهادَة ً ق ِل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫يءٍ أَ ْكبَر َ‬ ‫ش ْ‬
‫ي َ‬ ‫‪ 3‬ـ يقول جل وعال ( ق ْل أَ ُّ‬
‫َّللا آ ِل َهةً أ ْخ َرى قل الَّ أَ ْش َهد‬ ‫َهذَا ْالق ْرآن ألنذ َِركم بِ ِه َو َمن بَلَ َغ أَاِنَّك ْم لَتَ ْش َهدونَ أَ َّن َم َع َّ ِ‬
‫ش ِركونَ ) ( االنعام ‪ . )10‬هنا شهادتان لكل‬ ‫احدٌ َوإِنَّنِي بَ ِري ٌء ِ ِّم َّما ت ْ‬ ‫ق ْل إِنَّ َما ه َو إِلَهٌ َو ِ‬
‫منهما موضوعه ‪ ،‬فموضوع الشهادة هنا واحد فقط ‪ ،‬هو فى األولى أن هللا تعالى‬
‫أوحى للنبى دمحم بالقرآن لينذرهم به ‪ ،‬وفى الثانية أنه ال اله إال هللا ‪.‬‬
‫يل‬ ‫ِيم َو ِإ ْس َما ِع َ‬ ‫نز َل َعلَى ِإب َْراه َ‬ ‫نز َل َعلَ ْينَا َو َما أ ِ‬ ‫اَّلل َو َما أ ِ‬ ‫‪ 8‬ـ يقول جل وعال ( ق ْل آ َمنَّا ِب َّ ِ‬
‫سى َوالنَّبِيُّونَ ِمن َّر ِبِّ ِه ْم الَ نفَ ِ ِّرق‬ ‫سى َو ِعي َ‬ ‫ي مو َ‬ ‫اط َو َما أوتِ َ‬ ‫وب َواأل َ ْسبَ ِ‬
‫َوإِ ْس َحاقَ َويَ ْعق َ‬
‫ْالم دِينًا فَلَن ي ْق َب َل ِم ْنه َوه َو ِفي‬ ‫اإلس ِ‬ ‫َبيْنَ أَ َح ٍد ِ ِّم ْنه ْم َونَحْن لَه م ْس ِلمونَ َو َمن َي ْبت َِغ َغي َْر ِ‬
‫ول‬
‫الرس َ‬ ‫ش ِهدواْ أَ َّن َّ‬ ‫َّللا قَ ْو ًما َكفَرواْ بَ ْعدَ ِإي َمانِ ِه ْم َو َ‬ ‫ْف يَ ْهدِي َّ‬ ‫اآلخ َرةِ ِمنَ ْالخَا ِس ِرينَ َكي َ‬ ‫ِ‬
‫الظا ِل ِمينَ ) ( آل عمران ‪) 21 : 28‬‬ ‫َّللا الَ يَ ْهدِي ْالقَ ْو َم َّ‬ ‫َح ٌّق َو َجا َءهم ْالبَ ِيِّنَات َو َّ‬
‫موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو أن ( الرسول حق ) ‪ .‬والرسول يعنى هنا‬
‫الرسالة ألن الخطاب عام لكل زمان ومكان بأن من يبتغى غير االسالم دينا فلن‬
‫يقبله هللا جل وعال ‪ ،‬فاالسالم هو الدين الذى نزلت به كل الرساالت السماوية ‪،‬‬
‫وأن أولئك الذين شهدوا بأن الرسول حق قد جاءتهم البينات من ربهم ‪ ،‬أى القرآن‬
‫ول َح ٌّق ) ال يطلق‬ ‫الرس َ‬ ‫ش ِهدواْ أَ َّن َّ‬ ‫أى الرسالة‪ .‬ويالحظ ان وصف ( الحق ) فى ( َو َ‬
‫على شخص ‪ ،‬وإنما هو وصف للقرآن الكريم أو لرب العالمين أو يأتى بمعنى‬
‫العدل ‪ ،‬وبالتالى فالشهادة هنا ليست لشخص دمحم وإنما لما نزل عليه من البينات‪ ،‬أو‬
‫الرسالة ‪.‬‬
‫ال‬‫َّللا قَ َ‬ ‫اري إِلَى َّ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ال َم ْن أَن َ‬ ‫سى ِم ْنهم ْالك ْف َر قَ َ‬ ‫س ِعي َ‬ ‫‪ 2‬ـ يقول جل وعال ( فَلَ َّما أَ َح َّ‬
‫ت َوات َّ َب ْعنَا‬ ‫اَّلل َوا ْش َهدْ ِبأَنَّا م ْس ِلمونَ َربَّنَا آ َمنَّا ِب َما أَنزَ ْل ْ‬ ‫َّللاِ آ َمنَّا ِب َّ ِ‬
‫صار َّ‬ ‫ْال َح َو ِاريُّونَ نَحْن أَن َ‬
‫شا ِهدِينَ ) ( آل عمران ‪ ) 23 : 22‬موضوع الشهادة هنا واحد‬ ‫ول فَا ْكت ْبنَا َم َع ال َّ‬ ‫الرس َ‬ ‫َّ‬
‫فقط هو قولهم ‪َ ( :‬وا ْش َهدْ ِبأَنَّا م ْس ِلمونَ )‪ .‬ثم جاء بعدها دعاؤهم هلل جل وعال ( َربَّنَا‬
‫شا ِهدِينَ )‬ ‫ول فَا ْكت ْبنَا َم َع ال َّ‬‫الرس َ‬ ‫ت َواتَّبَ ْعنَا َّ‬ ‫آ َمنَّا بِ َما أَنزَ ْل ْ‬
‫س َواء َب ْينَنَا َوبَ ْينَك ْم أَالَّ نَ ْعبدَ‬ ‫ب تَ َعالَ ْوا ِإلَى َك ِل َم ٍة َ‬ ‫‪ 1‬ـ يقول جل وعال ( ق ْل َيا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬
‫َّللا فَإِن ت ََولَّ ْوا‬
‫ون َّ ِ‬‫ضا أَ ْر َبابًا ِ ِّمن د ِ‬ ‫ش ْيئًا َوالَ َيت َّ ِخذَ َب ْعضنَا َب ْع ً‬ ‫َّللا َوالَ ن ْش ِر َك ِب ِه َ‬ ‫ِإالَّ َّ َ‬
‫فَقولواْ ا ْش َهدواْ ِبأَنَّا م ْس ِلمونَ ) ( آل عمران ‪ ) 18‬وهنا أمر بهذه الشهادة الواحدة‪:‬‬
‫(فَقولوا) أى هم مأمورون بأن يجعلوا موضوع الشهادة واحدا فقط هو‪( :‬ا ْش َهدواْ‬
‫ِبأَنَّا م ْس ِلمونَ )‪.‬‬
‫فى اآلخرة ‪:‬‬
‫الرس َل فَيَقول َماذَا أ ِجبْت ْم قَالواْ الَ ِع ْل َم لَنَا ِإنَّ َك‬ ‫‪ 1‬ـ يقول جل وعال ( يَ ْو َم يَجْ َمع َّ‬
‫َّللا ُّ‬
‫ب) (الماادة ‪ ) 110‬موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو(الَ ِع ْل َم لَنَا‬ ‫نت َعالَّم ْالغيو ِ‬ ‫أَ َ‬
‫ب) أى يطلب هللا جل وعال شهادة الرسل عن مدى إستجابة‬ ‫نت َعالَّم ْالغيو ِ‬ ‫ِإنَّ َك أَ َ‬
‫أقوامهم لهم ‪ ،‬وتأتى شهادتهم واحدة فقط ‪،‬أنهم ال يعلمون ‪ ،‬ألن هللا تعالى وحده هو‬
‫عالم الغيوب ‪.‬‬
‫صونَ َعلَيْك ْم‬ ‫ْ‬
‫نس أَلَ ْم يَأتِك ْم رس ٌل ِ ِّمنك ْم يَق ُّ‬ ‫اإل ِ‬‫‪ 2‬ـ يقول جل وعال ( يَا َم ْعش ََر ْال ِج ِِّن َو ِ‬
‫ش ِهدْنَا َعلَى أَنف ِسنَا َوغ ََّرتْهم ْال َح َياة الدُّ ْن َيا‬ ‫آ َيا ِتي َوينذِرونَك ْم ِلقَاء َي ْو ِمك ْم َهذَا قَالواْ َ‬
‫ش ِهدواْ َعلَى أَنف ِس ِه ْم أَنَّه ْم َكانواْ َكافِ ِرينَ ) ( االنعام ‪ ) 131‬موضوع الشهادة هنا‬ ‫َو َ‬
‫واحد فقط هو شهادتهم على أنفسهم بالكفر‪.‬‬
‫ب بِآيَاتِ ِه أ ْولَئِ َك‬ ‫َّللا َك ِذبًا أَ ْو َكذَّ َ‬
‫ظلَم ِم َّم ِن ا ْفت ََرى َعلَى َّ ِ‬ ‫‪ 3‬ـ يقول جل وعال ( فَ َم ْن أَ ْ‬
‫ب َحتَّى ِإذَا َجا َءتْه ْم رسلنَا َيت ََوفَّ ْونَه ْم قَالواْ أَيْنَ َما كنت ْم تَدْعونَ‬ ‫َصيبهم ِ ِّمنَ ْال ِكتَا ِ‬ ‫َينَاله ْم ن ِ‬
‫ش ِهدواْ َعلَى أَنف ِس ِه ْم أَنَّه ْم َكانواْ َكافِ ِرينَ ) ( االعراف‬ ‫ضلُّواْ َعنَّا َو َ‬ ‫َّللا قَالواْ َ‬
‫ون َّ ِ‬ ‫ِمن د ِ‬
‫‪ ) 32‬موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو شهادتهم على أنفسهم بالكفر‪.‬‬
‫ارا َوك ْف ًرا َوتَ ْف ِريقًا بَيْنَ ْالمؤْ ِمنِينَ‬ ‫ض َر ً‬ ‫‪ 8‬ـ يقول جل وعال ( َوالَّذِينَ اتَّخَذواْ َمس ِْجدًا ِ‬
‫َّللا َي ْش َهد‬ ‫َّللا َو َرسولَه ِمن قَبْل َولَ َيحْ ِلف َّن ِإ ْن أَ َردْنَا ِإالَّ ْالح ْسنَى َو َّ‬ ‫ب َّ َ‬ ‫ار َ‬‫صادًا ِلِّ َم ْن َح َ‬ ‫َو ِإ ْر َ‬
‫َّللا يَ ْش َهد ِإنَّه ْم‬ ‫ِإنَّه ْم لَ َكاذِبونَ )(التوبة ‪ ) 112‬موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو‪َ ( :‬و َّ‬
‫لَ َكاذِبونَ )‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يقول جل وعال ( أَلَ ْم تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقوا يَقولونَ ِإل ْخ َوانِ ِهم الَّذِينَ َكفَروا ِم ْن أَ ْه ِل‬
‫ب لَئِ ْن أ ْخ ِرجْ ت ْم لَن َْخر َج َّن َم َعك ْم َوال ن ِطيع فِيك ْم أَ َحدًا أَ َبدًا َو ِإن قوتِ ْلت ْم لَنَنص َرنَّك ْم‬ ‫ْال ِكتَا ِ‬
‫َّللا َي ْش َهد ِإنَّه ْم لَ َكاذِبونَ ) ( الحشر ‪ )11‬موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو ( َو َّ‬
‫َّللا‬ ‫َو َّ‬
‫يَ ْش َهد ِإنَّه ْم لَ َكاذِبونَ )‪.‬‬
‫َّللا يَ ْعلَم إِنَّ َك‬ ‫‪ 1‬ـ يقول جل وعال ( إِذَا َجا َء َك ْالمنَافِقونَ قَالوا َن ْش َهد إِنَّ َك لَ َرسول َّ ِ‬
‫َّللا َو َّ‬
‫َّللا َي ْش َهد ِإ َّن ْالمنَا ِفقِينَ لَ َكاذِبونَ ) (المنافقون ‪ ) 1‬موضوع الشهادة التى‬ ‫لَ َرسوله َو َّ‬
‫َّللا )‪ ،‬وشهادة هللا جل وعال‬ ‫قالها المنافقون واحد فقط هو قولهم (نَ ْش َهد ِإنَّ َك لَ َرسول َّ ِ‬
‫َّللا يَ ْش َهد ِإ َّن ْالمنَافِقِينَ َل َكاذِبونَ )‬ ‫عليهم هى واحدة فقط ‪َ ( :‬و َّ‬
‫وحتى فى الشريعة والمعامالت ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ فى تحريم ما أح ِّل هللا تعالى بهتانا وزورا ‪ ،‬يقول جل وعال ( ق ْل هَل َّم ش َهدَا َءكم‬
‫ش ِهدواْ َفالَ تَ ْش َهدْ َم َعه ْم َوالَ تَت َّ ِب ْع أَ ْه َواء الَّذِينَ‬ ‫َّللا َح َّر َم َهذَا فَإِن َ‬ ‫الَّذِينَ َي ْش َهدونَ أَ َّن َّ َ‬
‫اآلخ َرةِ َوهم ِب َر ِبِّ ِه ْم يَ ْعدِلونَ ) ( االنعام ‪)121‬‬ ‫َكذَّبواْ ِبآيَاتِنَا َوالَّذِينَ الَ يؤْ ِمنونَ ِب ِ‬
‫َّللا َح َّر َم َهذَا )‬ ‫موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو‪(:‬أَ َّن َّ َ‬
‫‪ 2‬ـ فى العقوبة السلبية للمشهورات بالفاحشة دون وجود دليل مادى ‪ ،‬يقول جل‬
‫ش ِهدواْ‬ ‫سااِك ْم فَا ْستَ ْش ِهدواْ َعلَ ْي ِه َّن أَ ْر َب َعةً ِ ِّمنك ْم فَإِن َ‬ ‫شةَ ِمن ِنِّ َ‬ ‫اح َ‬ ‫وعال ( َوالَّالتِي َيأْتِينَ ْالفَ ِ‬
‫س ِبيالً ) ( النساء ‪12‬‬ ‫َّللا لَه َّن َ‬ ‫ى يَت ََوفَّاه َّن ْال َم ْوت أَ ْو يَجْ َع َل َّ‬ ‫ت َحت َّ َ‬ ‫فَأ َ ْمسِكوه َّن فِي ْالبيو ِ‬
‫) موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو إن أولئك النسوة يأتين الفاحشة ‪ ،‬يقول هذه‬
‫الصيغة الواحدة أربعة من الشهود‪.‬‬
‫ى عليه بعد أن يبلغ مبلغ الرجال يقول جل وعال‬ ‫‪ 3‬ـ فى أخذ اليتيم أمواله من الوص ِّ‬
‫ى ِإذَا بَلَغواْ ال ِنِّ َكا َح فَإِ ْن آنَسْتم ِ ِّم ْنه ْم ر ْشدًا فَادْفَعواْ ِإلَي ِْه ْم أَ ْم َوالَه ْم‬ ‫( َوا ْبتَلواْ ْاليَتَا َمى َحت َّ َ‬
‫يرا‬‫ف َو َمن َكانَ فَ ِق ً‬ ‫ارا أَن يَ ْكبَرواْ َو َمن َكانَ َغنِيًّا فَ ْليَ ْستَ ْع ِف ْ‬ ‫َوالَ تَأْكلوهَا إِس َْرافًا َوبِدَ ً‬
‫اَّلل َحسِيبًا) (‬ ‫وف فَإِذَا دَفَ ْعت ْم ِإلَ ْي ِه ْم أَ ْم َوالَه ْم فَأ َ ْش ِهدواْ َعلَ ْي ِه ْم َو َكفَى ِب َّ ِ‬ ‫فَ ْل َيأْك ْل ِب ْال َم ْعر ِ‬
‫النساء ‪ )1‬موضوع الشهادة هنا واحد فقط هواالشهاد عليهم باستالمهم أموالهم‬
‫المدفوعة لهم‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ عندما يوصى الرجل عند الموت وهو بعيد عن أهله فى سفر أو غربة فال بد‬
‫من وجود شاهدين يسمعان منه وصيته ‪ ،‬ويبلغان الشهادة لألهل وصاحب السلطة‬
‫فى المجتمع ‪ ،‬فلو ظهر أنهما كاذبان فيقوم إثنان غيرهما ‪ ،‬يقول جل وعال ( يَا أَيُّ َها‬
‫َان ذَ َوا َعد ٍْل ِ ِّمنك ْم‬ ‫صيَّ ِة اثْن ِ‬ ‫ض َر أَ َحدَكم ْال َم ْوت ِحينَ ْال َو ِ‬ ‫ش َهادَة بَ ْينِك ْم إِذَا َح َ‬ ‫الَّذِينَ آ َمنواْ َ‬
‫صيبَة ْال َم ْو ِ‬
‫ت‬ ‫صابَتْكم ُّم ِ‬ ‫ض فَأ َ َ‬ ‫ض َربْت ْم فِي األ َ ْر ِ‬ ‫ان ِم ْن َغي ِْرك ْم إِ ْن أَنت ْم َ‬ ‫أَ ْو آخ ََر ِ‬
‫ارتَبْت ْم الَ نَ ْشت َِري ِب ِه ثَ َمنًا َولَ ْو َكانَ ذَا‬ ‫ان ِب َّ ِ‬
‫اَّلل ِإ ِن ْ‬ ‫صال ِة فَي ْق ِس َم ِ‬ ‫تَحْ بِسونَه َما ِمن َب ْع ِد ال َّ‬
‫َّللا ِإنَّا ِإذًا لَّ ِمنَ اآلثِ ِمينَ فَإِ ْن عثِ َر َعلَى أَنَّه َما ا ْستَ َحقَّا ِإثْ ًما‬ ‫ش َهادَةَ َّ ِ‬ ‫ق ْربَى َوالَ نَ ْكتم َ‬
‫ش َهادَتنَا‬ ‫اَّلل لَ َ‬
‫ان ِب َّ ِ‬ ‫ان فَي ْق ِس َم ِ‬ ‫ان َمقَا َمه َما ِمنَ الَّذِينَ ا ْستَ َح َّق َعلَ ْي ِهم األ َ ْولَيَ ِ‬ ‫ان يَقو َم ِ‬ ‫فَآخ ََر ِ‬
‫ش َهادَةِ َعلَى‬ ‫ْ‬
‫الظا ِل ِمينَ ذَ ِل َك أَدْنَى أَن يَأتواْ بِال َّ‬ ‫ش َهادَتِ ِه َما َو َما ا ْعتَدَ ْينَا إِنَّا إِذًا لَّ ِمنَ َّ‬ ‫أَ َح ُّق ِمن َ‬
‫َّللا الَ َي ْهدِي ْالقَ ْو َم‬ ‫َّللا َوا ْس َمعواْ َو َّ‬ ‫ان َب ْعدَ أَ ْي َما ِن ِه ْم َواتَّقوا َّ َ‬ ‫َوجْ ِه َها أَ ْو َيخَافواْ أَن ت َردَّ أَ ْي َم ٌ‬
‫ْالفَا ِسقِينَ ) (الماادة ‪ )112 : 111‬موضوع الشهادة األولى واحد فقط هو‪( :‬الَ‬
‫َّللا إِنَّا إِذًا لَّ ِمنَ اآلثِ ِمينَ ) فإن كذبا‬ ‫ش َهادَةَ َّ ِ‬ ‫نَ ْشت َِري بِ ِه ثَ َمنًا َولَ ْو َكانَ ذَا ق ْربَى َوالَ نَ ْكتم َ‬
‫ش َهادَتِ ِه َما َو َما‬ ‫ش َهادَتنَا أَ َح ُّق ِمن َ‬ ‫فيشهد ويقسم إثنان آخران بقول محدد ‪ ،‬وهو ‪َ ( :‬ل َ‬
‫الظا ِل ِمينَ )‬ ‫ا ْعتَدَ ْينَا ِإنَّا ِإذًا لَّ ِمنَ َّ‬
‫ش ِهدَ شَا ِهدٌ ِ ِّم ْن أَ ْه ِل َها ِإن َكانَ‬ ‫ِي َر َاودَتْنِي َعن نَّ ْفسِي َو َ‬ ‫ال ه َ‬ ‫‪ 2‬ـ يقول جل وعال (قَ َ‬
‫ت‬‫ت َوه َو ِمنَ ْال َكا ِذ ِبينَ َو ِإ ْن َكانَ قَ ِميصه قدَّ ِمن دب ٍر فَ َكذَبَ ْ‬ ‫صدَقَ ْ‬ ‫قَ ِميصه قدَّ ِمن قب ٍل فَ َ‬
‫صا ِدقِينَ ) يوسف ‪ )22: 21‬موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو ‪ ( :‬إِن‬ ‫َوه َو ِمن ال َّ‬
‫ت َوه َو ِمنَ ْال َكا ِذ ِبينَ َو ِإ ْن َكانَ قَ ِميصه قدَّ ِمن دب ٍر‬ ‫صدَقَ ْ‬ ‫َكانَ قَ ِميصه قدَّ ِمن قب ٍل َف َ‬
‫صا ِدقِينَ )‬ ‫ت َوه َو ِمن ال َّ‬ ‫فَ َكذَ َب ْ‬
‫‪ 1‬ـ عندما يالعن الزوج زوجته متهما إياها بالزنا ـ دون تقديم شهود ثالثة معه ‪،‬‬
‫ش َهادَة‬ ‫يقول جل وعال ‪َ ( :‬والَّذِينَ يَ ْرمونَ أَ ْز َوا َجه ْم َولَ ْم يَكن لَّه ْم ش َهدَاء إِالَّ أَنفسه ْم فَ َ‬
‫َّللا َعلَ ْي ِه ِإن َكانَ‬ ‫َت َّ ِ‬ ‫سة أَ َّن لَ ْعن َ‬ ‫ام َ‬ ‫صا ِدقِينَ َو ْالخَ ِ‬ ‫اَّلل ِإنَّه لَ ِمنَ ال َّ‬‫ت ِب َّ ِ‬ ‫أَ َح ِد ِه ْم أَ ْر َبع َ‬
‫ش َهادَا ٍ‬
‫اَّلل ِإنَّه لَ ِمنَ ْال َكا ِذ ِبينَ‬
‫ت ِب َّ ِ‬‫ش َهادَا ٍ‬ ‫ِمنَ ْال َكا ِذ ِبينَ َو َيد َْرأ َع ْن َها ْال َعذَ َ‬
‫اب أَ ْن تَ ْش َهدَ أَ ْر َب َع َ‬
‫صا ِدقِينَ )(النور ‪ ) 0 : 1‬موضوع‬ ‫َّللا َعلَ ْي َها ِإن َكانَ ِمنَ ال َّ‬ ‫ب َّ ِ‬ ‫ض َ‬‫سةَ أَ َّن َغ َ‬ ‫َو ْالخ ِ‬
‫َام َ‬
‫الشهادة هنا واحد فقط هو إتهام الزوجة بالزنا فى أربع مرات ‪ ،‬وفى الشهادة‬
‫الخامسة يشهد بأن لعنة هللا جل وعال عليه إن كان كاذبا‪ .‬ونفس الحال مع الزوجة‬
‫المتهمة ‪ ،‬تشهد أربع شهادات بصيغة واحدة أن زوجها كاذب فى اتهامه لها ‪ ،‬وفى‬
‫الشهادة الخامسة تشهد بأن غضب هللا جل وعال عليها إن كان زوجها صادقا فى‬
‫اتهامه لها‪ .‬الموضوع هنا واحد ومحدد‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ عن االنفصال النهااى بعد مرحلة الطالق ‪ ،‬يقول جل وعال ( فَإِذَا َبلَ ْغنَ أَ َجلَه َّن‬
‫ي َعد ٍْل ِ ِّمنك ْم َوأَقِيموا‬ ‫ارقوه َّن ِب َم ْعروفٍ َوأَ ْش ِهدوا ذَ َو ْ‬ ‫فَأ َ ْمسِكوه َّن ِب َم ْعروفٍ أَ ْو فَ ِ‬
‫َّللا يَجْ َعل لَّه‬ ‫ق َّ َ‬ ‫اآلخ ِر َو َمن يَت َّ ِ‬ ‫اَّلل َو ْاليَ ْو ِم ِ‬ ‫َّلل ذَ ِلك ْم يو َعظ ِب ِه َمن َكانَ يؤْ ِمن ِب َّ ِ‬ ‫ش َهادَةَ ِ َّ ِ‬ ‫ال َّ‬
‫َم ْخ َر ًجا ) ( الطالق ‪ ) 2‬موضوع الشهادة هنا واحد فقط هو أن يشهد إثنان من‬
‫الشهود العدول بأن الزوجة المطلقة بعد بلوغ عدتها وهى فى بيت الزوجية قد‬
‫أمسك بها زوجها أى تمسك بها بالمعروف ولم يرد االنفصال عنها ‪،‬أو أنه فارقها‬
‫وانفصل عنها أيضا بالمعروف ‪.‬‬
‫يتضح مما سبق أن منطوق الشهادة ومضمونها واحد ‪ ،‬حتى لو تعددت الشهادات و‬
‫تعدد الشهود ‪ ،‬وبالتالى فال يصح أن يتعدد منطوق الشهادة ومضمونها كأن تقول ‪:‬‬
‫( أشهد أن ال اله إال هللا وأن فالنا رسول هللا )‬
‫خامسا ـ هل كان عليه السالم يدعو لاليمان به أم الى االيمان بالقرآن ؟‬
‫‪ 1‬ـ كان عليه السالم يجاهد المشركين سلميا بالقرآن الكريم ( فَال ت ِط ِع ْال َكافِ ِرينَ‬
‫يرا ) ( الفرقان ‪ ،) 22‬وبه كان ينذرهم ( َوأَنذ ِْر ِب ِه الَّذِينَ‬ ‫َو َجا ِهدْهم ِب ِه ِج َهادًا َك ِب ً‬
‫ش ِفي ٌع لَّ َعلَّه ْم يَتَّقونَ ) (‬ ‫ي َوالَ َ‬ ‫ْس لَهم ِ ِّمن دونِ ِه َو ِل ٌّ‬ ‫يَخَافونَ أَن يحْ شَرواْ ِإلَى َر ِبِّ ِه ْم لَي َ‬
‫األنعام ‪َ ( ) 21‬و َكذَ ِل َك أَ ْو َح ْينَا ِإلَي َْك ق ْرآنًا َع َر ِبيًّا ِلِّتنذ َِر أ َّم ْالق َرى َو َم ْن َح ْولَ َها َوتنذ َِر‬
‫ير )( الشورى ‪ ) 2‬وبالقرآن‬ ‫س ِع ِ‬ ‫يق فِي ال َّ‬ ‫يق فِي ْال َجنَّ ِة َوفَ ِر ٌ‬ ‫ْب فِي ِه فَ ِر ٌ‬ ‫يَ ْو َم ْال َج ْم ِع ال َري َ‬
‫آن َمن َيخَاف َو ِعي ِد )‬ ‫الكريم كان عليه السالم يعظ المؤمنين ويذ ِّكرهم ‪( :‬فَذَ ِ ِّك ْر ِب ْالق ْر ِ‬
‫( ق ‪) 82‬‬
‫‪ 2‬ـ فى دعوته المشركين لم يكن عليه السالم يدعوهم الى االيمان به ولكن الى‬
‫االيمان بالقرآن الكريم ‪ ،‬لم يكن يقدم لهم نفسه ولكن يقرأ عليهم القرآن الكريم داعيا‬
‫أن يؤمنوا بهذا القرآن ‪ ،‬وقد تكرر هذا فى القرآن الكريم ‪ ،‬ومنه نعرف كيف كانت‬
‫تختلف مواقفهم حين االستماع الى القرآن الكريم ‪:‬‬
‫* منهم من كان يجادل بالباطل متهما القرآن بأنه أساطير ‪ ،‬ويقوم بحملة دعااية‬
‫ضد القرآن ناهيا عن االستماع له وآمرا باالبتعاد عنه ‪ ،‬وجاء وصفهم فى قوله‬
‫تعالى ‪َ ( :‬و ِم ْنهم َّمن َي ْست َِمع ِإلَ ْي َك َو َج َع ْلنَا َعلَى قلو ِب ِه ْم أَ ِكنَّةً أَن َي ْفقَهوه َوفِي آذَانِ ِه ْم‬
‫وك ي َجادِلون ََك يَقول الَّذِينَ َكفَرواْ‬ ‫َو ْق ًرا َو ِإن يَ َر ْوا ك َّل آيَ ٍة الَّ يؤْ ِمنواْ ِب َها َحتَّى ِإذَا َجاؤ َ‬
‫سه ْم َو َما‬ ‫اطير األ َ َّولِينَ َوه ْم يَ ْن َه ْونَ َع ْنه َويَنْأ َ ْونَ َع ْنه َوإِن ي ْه ِلكونَ إِالَّ أَنف َ‬ ‫س ِ‬‫إِ ْن َهذَا إِالَّ أَ َ‬
‫َي ْشعرونَ ) ( األنعام ‪.) 21 : 22‬‬
‫* وبعضهم فى النهى عن االستماع للقرآن الكريم كان أيضا يأمر بالتشويش على‬
‫آن َو ْالغ َْوا فِي ِه‬ ‫ال الَّذِينَ َكفَروا ال تَ ْس َمعوا ِل َهذَا ْالق ْر ِ‬ ‫القارىء باللغو فى الكالم ‪َ ( :‬وقَ َ‬
‫لَعَلَّك ْم تَ ْغ ِلبونَ ) ( فصلت ‪) 21‬‬
‫* وكان بعضهم يرفض االستماع للقرآن متبجحا بأنه قد سمع بما فيه الكفاية ‪ ،‬وأنه‬
‫يستطيع االتيان بمثله ‪،‬متهما القرآن بأنه أساطير األولين ‪ ،‬بل كان يرفع يديه الى‬
‫السماء داعيا هللا تعالى أن ينزل عليه الهالك إن كان هذا القرآن من عند هللا تعالى ‪:‬‬
‫اطير‬ ‫س ِ‬‫س ِم ْعنَا لَ ْو نَشَاء لَق ْلنَا ِمثْ َل َهذَا إِ ْن َهذَا إِالَّ أَ َ‬ ‫( َوإِذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه ْم آيَاتنَا قَالواْ قَدْ َ‬
‫ارة ً ِ ِّمنَ‬‫ِك فَأ َ ْم ِط ْر َعلَ ْينَا ِح َج َ‬ ‫األ َ َّولِينَ َو ِإذْ قَالواْ اللَّه َّم ِإن َكانَ َهذَا ه َو ْال َح َّق ِم ْن ِعند َ‬
‫ب أَ ِل ٍيم ) ( األنفال ‪) 32 : 31‬‬ ‫س َماء أَ ِو ااْتِنَا ِب َعذَا ٍ‬ ‫ال َّ‬
‫* وبعضهم كان يقولها بصراحة ؛ إنه ال يعجبه هذا القرآن ويطلب من النبى ان‬
‫ت قَ َ‬
‫ال‬ ‫يبدله ويخترع قرآنا آخر على هوى المستمعين ‪َ ( :‬وإِذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه ْم آيَاتنَا بَ ِيِّنَا ٍ‬
‫آن َغي ِْر َهذَا أَ ْو َبد ِِّْله) ويأتى الرد ( ق ْل َما َيكون ِلي‬ ‫ت ِبق ْر ٍ‬ ‫الَّذِينَ الَ َي ْرجونَ ِلقَا َءنَا ااْ ِ‬
‫اب‬‫صيْت َر ِبِّي َعذَ َ‬ ‫ي ِإ ِنِّي أَخَاف ِإ ْن َع َ‬ ‫أَ ْن أبَ ِدِّلَه ِمن تِ ْلقَاء نَ ْفسِي ِإ ْن أَت َّ ِبع ِإالَّ َما يو َحى ِإلَ َّ‬
‫َّللا َما تَلَ ْوته َعلَيْك ْم َوالَ أَد َْراكم ِب ِه فَقَدْ لَ ِبثْت فِيك ْم عم ًرا ِ ِّمن قَ ْب ِل ِه‬ ‫يَ ْو ٍم َع ِظ ٍيم قل لَّ ْو شَاء َّ‬
‫ب بِآيَاتِ ِه إِنَّه الَ ي ْف ِلح‬ ‫َّللا َك ِذبًا أَ ْو َكذَّ َ‬
‫ظلَم ِم َّم ِن ا ْفت ََرى َعلَى َّ ِ‬ ‫أَفَالَ تَ ْع ِقلونَ فَ َم ْن أَ ْ‬
‫ْالمجْ ِرمونَ ) ( يونس ‪) 12 : 12‬‬
‫* وبعضهم كانت عيناه تنطق بالغضب حين يسمع القرآن ‪ ،‬وينظر شذرا للنبى دمحم‬
‫عليه السالم وهو يقرأ عليه آيات القرآن متهما النبى عليه السالم بالجنون ‪َ ( :‬وإِن‬
‫ون )‬ ‫س ِمعوا ال ِذِّ ْك َر َويَقولونَ إِنَّه لَ َمجْ ن ٌ‬ ‫ار ِه ْم لَ َّما َ‬
‫ص ِ‬ ‫يَ َكاد الَّذِينَ َكفَروا لَي ْز ِلقون ََك بِأ َ ْب َ‬
‫(القلم ‪) 21‬‬
‫* وبعضهم ـ حين كان يتلى عليهم القرآن ـ كانوا يكادون يفتكون بالقارىء ‪َ (:‬و ِإذَا‬
‫ت تَعْ ِرف فِي وجو ِه الَّذِينَ َك َفروا ْالمن َك َر يَ َكادونَ يَسْطونَ ِبالَّذِينَ‬ ‫تتْلَى َعلَ ْي ِه ْم آيَاتنَا بَ ِيِّنَا ٍ‬
‫يَتْلونَ َعلَ ْي ِه ْم آيَاتِنَا) ( الحج ‪ ) 22‬وهنا إشارة الى أن بعض أواال الصحابة كان‬
‫يشارك فى الدعوة الى االسالم بقراءة القرآن متابعا لطريقة النبى فى الدعوة‬
‫بالقرآن ‪.‬‬
‫* وبعضهم كان يعرض عن االستماع للقرآن ويستهزىء به ‪َ (:‬و ْي ٌل ِلِّك ِِّل أَفَّاكٍ‬
‫ب أَ ِل ٍيم‬ ‫ش ِْره بِعَذَا ٍ‬ ‫ستَ ْكبِ ًرا َكأَن لَّ ْم يَ ْس َم ْع َها فَبَ ِّ‬ ‫ص ُّر م ْ‬ ‫َّللا تتْلَى َعلَ ْي ِه ث َّم ي ِ‬ ‫ت َّ ِ‬ ‫أَثِ ٍيم َ ْس َمع آيَا ِ‬
‫ين ) ( الجاثية ‪ 2‬ـ ) أو‬ ‫اب ُّم ِه ٌ‬ ‫ش ْيئًا ات َّ َخذَهَا هز ًوا أ ْولَئِ َك لَه ْم َعذَ ٌ‬ ‫َو ِإذَا َع ِل َم ِم ْن آ َياتِنَا َ‬
‫يشترى لهو الحديث و األساطير يحكيها للناس ليلهيهم عن االستماع للقرآن الكريم‬
‫َّللا ِبغَي ِْر ِع ْل ٍم َويَت َّ ِخذَهَا هز ًوا‬ ‫يل َّ ِ‬‫س ِب ِ‬‫ض َّل َعن َ‬ ‫ث ِلي ِ‬ ‫اس َمن يَ ْشت َِري لَ ْه َو ْال َحدِي ِ‬ ‫( َو ِمنَ النَّ ِ‬
‫ين َوإِذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه آيَاتنَا َولَّى م ْستَ ْكبِ ًرا َكأَن لَّ ْم يَ ْس َم ْع َها َكأ َ َّن فِي‬ ‫اب ُّم ِه ٌ‬ ‫أ ْولَئِ َك لَه ْم َعذَ ٌ‬
‫ب أَ ِل ٍيم ) ( لقمان ‪.) 2 : 1‬‬ ‫ش ِْره ِب َعذَا ٍ‬ ‫أذنَ ْي ِه َو ْق ًرا فَ َب ِّ‬
‫أى إنه عليه السالم لم يكن يطلب من الناس االيمان به بل كان يطلب منهم االيمان‬
‫بالقرآن الذى أنزله هللا تعالى عليه ‪ ،‬ولذلك كان يتلوه عليهم وهم لما يسمعون‬
‫رافضون ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ومن خالل معاناتنا فى الدعوة الى الرجوع الى القرآن الكريم فان أصحاب‬
‫الديانات األرضية ـ خصوصا السنيين ـ يتصرفون نفس التصرف حين نستشهد لهم‬
‫بالقرآن الكريم ‪ ،‬لذا فإن من إعجاز القرآن الكريم وآياته أنه ال يجعل كالمه خاصا‬
‫باهل مكة أو المشركين فى عهد النبى ‪ ،‬وإنما يجعلها حالة عامة تتكرر فى كل‬
‫زمان فى التعامل مع هدى القرآن ‪ ،‬وهى فعال تتكرر فى عصرنا وفيمن نعرفه من‬
‫َّللا تتْلَى َعلَ ْي ِه ث َّم‬
‫ت َّ ِ‬ ‫الناس ‪ .‬لذلك يقول تعالى مثال ‪َ (:‬و ْي ٌل ِلِّك ِِّل أَفَّاكٍ أَثِ ٍيم َ ْس َمع آ َيا ِ‬
‫ش ْيئًا ات َّ َخذَهَا‬ ‫ب أَ ِل ٍيم َو ِإذَا َع ِل َم ِم ْن آيَاتِنَا َ‬‫ش ِْره ِب َعذَا ٍ‬ ‫ص ُّر م ْستَ ْك ِب ًرا َكأ َن لَّ ْم يَ ْس َم ْع َها فَبَ ِّ‬ ‫ي ِ‬
‫ين ) ( الجاثية ‪ 2‬ـ )‪ ،‬ولو تمعنت فى االيات الكريمة‬ ‫اب ُّم ِه ٌ‬ ‫هز ًوا أ ْولَئِ َك لَه ْم َعذَ ٌ‬
‫وجدتها تشير الى عصرنا كما لوكانت نزلت فى عصرنا ‪ ،‬وكذلك كل االيات‬
‫ض َّل‬ ‫ث ِلي ِ‬ ‫اس َمن َي ْشت َِري لَ ْه َو ْال َحدِي ِ‬ ‫السابقة ‪ ،‬إقرأ مثال قوله جل وعال ‪َ ( :‬و ِمنَ النَّ ِ‬
‫ين َو ِإذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه آيَاتنَا‬ ‫َّللا ِبغَي ِْر ِع ْل ٍم َويَت َّ ِخذَهَا هز ًوا أ ْولَئِ َك لَه ْم َعذَ ٌ‬
‫اب ُّم ِه ٌ‬ ‫يل َّ ِ‬‫س ِب ِ‬ ‫َعن َ‬
‫ب أَ ِل ٍيم ) ( لقمان ‪2 : 1‬‬ ‫ش ِْره بِعَذَا ٍ‬ ‫َولَّى م ْستَ ْكبِ ًرا َكأَن لَّ ْم يَ ْس َم ْع َها َكأ َ َّن فِي أذنَ ْي ِه َو ْق ًرا فَبَ ِّ‬
‫) أى طالما يوجد (ناس ) فمن الناس من يفعل هذا ‪ .‬وهكذا يفعل ( الناس ) فى‬
‫عصرنا هذا ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬السجود إيمانا بالقرآن كان شهادة االسالم العملية فى عهد النبى دمحم عليه‬
‫السالم ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ فى مقابل التكذيب من المشركين كان المؤمنون من أهل الكتاب يسارعون‬
‫باعالن ايمانهم بالقرآن حين كان عليه السالم يتلو عليهم آياته ‪َ (:‬وق ْرآنا ً فَ َر ْقنَاه‬
‫َنزيالً ق ْل ِآمنواْ بِ ِه أَ ْو الَ تؤْ ِمنواْ إِ َّن الَّذِينَ أوتواْ‬ ‫ث َون ََّز ْلنَاه ت ِ‬ ‫اس َعلَى م ْك ٍ‬ ‫ِلتَ ْق َرأَه َعلَى النَّ ِ‬
‫ان س َّجدًا َويَقولونَ س ْب َحانَ َر ِبِّنَا إِن َكانَ‬ ‫ْال ِع ْل َم ِمن قَ ْب ِل ِه إِذَا يتْلَى َعلَ ْي ِه ْم يَ ِخ ُّرونَ ِلألَذْقَ ِ‬
‫َوعْد َر ِبِّنَا لَ َم ْفعوالً )(االسراء ‪ 112‬ـ )‪.‬‬
‫نالحظ هنا أنهم سجدوا معلنين ايمانهم بما سمعوا ‪ ،‬حيث تذكروا وعد هللا تعالى‬
‫ألسالفهم فى عهد موسى عليه السالم حين رفع فوقهم جبل الطور واخذ عليهم‬
‫الميثاق ‪ ،‬فسجد األسالف على أذقانهم وهم ينظرون الى جبل الطور المرفوع‬
‫ظنُّواْ أَنَّه َوا ِق ٌع ِب ِه ْم‬ ‫فوقهم يظنون أنه واقع بهم ( َو ِإذ نَتَ ْقنَا ْال َج َب َل فَ ْوقَه ْم َكأَنَّه ظلَّةٌ َو َ‬
‫خذواْ َما آتَ ْينَاكم ِبق َّوةٍ َواذْكرواْ َما فِي ِه لَ َعلَّك ْم تَتَّقونَ )(األعراف ‪ .) 121‬وأعتادوا من‬
‫وقتها السجود على األذقان إعالنا لاليمان ‪ ،‬فلما قرىء عليهم القرآن الكريم ـ وهم‬
‫أصحاب العلم القديم ـ بادروا باعالن شهادتهم بالسجود على األذقان وفق ما‬
‫اعتادوا‪.‬‬
‫وقد قال جل وعال عن موقف الصالحين من أهل الكتاب حين تتلى عليهم آيات‬
‫الرحْ َمن خ َُّروا س َّجدًا َوب ِكيًّا ) ( مريم ‪، ) 22‬أى انه‬ ‫الرحمن ‪ِ ( :‬إذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه ْم آيَات َّ‬
‫ليس فقط أن تسجد حين تدخل فى االسالم إيمانا بما أنزل هللا تعالى من كتاب ‪،‬‬
‫ولكن تسجد أيضا كلما تليت عليك آيات الرحمن ‪ ،‬فالسجود إعالن بالدخول فى‬
‫االسالم وإعالن باستمرار االنتماء الى االسالم ‪ ،‬ويتكرر هذا كلما وعظك أحد‬
‫بالقرآن الكريم ‪ ،‬يقول جل وعال عن المؤمنين الحقيقيين ‪ِ ( :‬إنَّ َما يؤْ ِمن ِبآيَاتِنَا الَّذِينَ‬
‫سبَّحوا بِ َح ْم ِد َر ِبِّ ِه ْم َوه ْم ال يَ ْستَ ْكبِرونَ ) ( السجدة ‪.) 12‬‬ ‫إِذَا ذ ِ ِّكروا بِ َها خ َُّروا س َّجدًا َو َ‬
‫بل إن سحرة فرعون الذين لم تكن لهم خلفية دينية صحيحة والذين أتوا لمنافسة‬
‫موسى خدمة لفرعون ـ عندما فوجئوا بآية موسى أعلنوا ايمانهم برب موسى‬
‫اجدِينَ قَالواْ آ َمنَّا ِب َربِّ ِ‬ ‫س ِ‬
‫س َح َرة َ‬‫ي ال َّ‬‫وهارون بأن سجدوا فورا هلل جل وعال ‪َ ( :‬وأ ْل ِق َ‬
‫ْالعَالَ ِمينَ )( األعراف ‪ 121‬ـ )‬
‫‪ 2‬ـ فالسجود عند تالوة القرآن الكريم كان هو الشهادة المعلنة للدخول فى االسالم‪،‬‬
‫لذلك نرى العكس فى موقف المشركين ‪ ،‬يقول تعالى عنهم‪ ( :‬فَ َما لَه ْم ال يؤْ ِمنونَ‬
‫ئ َعلَ ْي ِهم ْالق ْرآن ال يَسْجدونَ بَ ِل الَّذِينَ َكفَرواْ ي َكذِِّبونَ )(االنشقاق ‪ 21‬ـ ) ‪،‬أى‬ ‫َو ِإذَا ق ِر َ‬
‫بدال من أن يؤمنوا حين يستمعون لقراءة القرآن وبدال من السجود إيمانا به كانوا‬
‫يعلنون تكذيبهم للقرآن الكريم برفض السجود ‪.‬‬
‫ولقد ارتبط الكتاب االلهى باسم الرحمن قبل نزول القرآن الكريم ‪ ،‬ونلمح هذا من‬
‫قوله تعالى عن الصالحين من أهل الكتاب من ذرية األنبياء السابقين ‪ِ ( :‬إذَا تتْلَى‬
‫الرحْ َمن خ َُّروا س َّجدًا َوب ِكيًّا ) ( مريم ‪ .) 22‬ونزل القرآن الكريم مرتبطا‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم آيَات َّ‬
‫الرحْ َمن َعلَّ َم ْالق ْرآنَ ) ( الرحمن ‪2 : 1‬‬ ‫أيضا باسم الرحمن الذى علِّم القرآن ‪َّ ( :‬‬
‫)‪،‬ولذلك ارتبط أيضا تكذيب المشركين بنفورهم من اسم (الرحمن ) ‪ ،‬ورفضهم‬
‫لرحْ َم ِن قَالوا َو َما‬ ‫يل لَهم اسْجدوا ِل َّ‬ ‫السجود للرحمن حين يتلى عليهم القرآن ‪َ ( :‬و ِإذَا ِق َ‬
‫ورا )( الفرقان ‪.) 11‬‬ ‫الرحْ َمن أَنَسْجد ِل َما تَأْمرنَا َوزَ ادَه ْم نف ً‬ ‫َّ‬
‫ونعطى مثال لرفضهم السجود للرحمن وتكذيبهم للقرآن باستعراض بعض آيات‬
‫سورتى القلم و النجم ‪ ،‬وهما من أواال ما نزل من القرآن الكريم‪.‬‬
‫تبدأ سورة (القلم ) بالقسم بالقلم وما يسطره القلم بأن النبى دمحما ليس مجنونا حينما‬
‫نزلت عليه نعمة ربه وهى القرآن الكريم (ن َو ْال َقلَ ِم َو َما يَسْطرونَ َما أَ َ‬
‫نت بِنِ ْع َم ِة‬
‫ون )‪ ،‬وهذا جاء ردا على اتهامهم للنبى دمحم عليه السالم بالجنون ‪ .‬ثم‬ ‫َر ِبِّ َك ِب َمجْ ن ٍ‬
‫بعدها يشير رب الى محاولة المكذبين بالقرآن التاثير على النبى فيأمره ربه جل‬
‫وعال أالِّ يطيع المكذبين للقرآن الكريم ‪ ،‬سواء من كان منهم مداهنا كاألفعى أو كان‬
‫فظا غليظ القلب ‪( :‬فَال ت ِط ِع ْالم َك ِذِّبِينَ َودُّوا لَ ْو تدْهِن فَيدْهِنونَ َوال ت ِط ْع ك َّل َحالَّفٍ‬
‫اطير األ َ َّولِينَ )‪ .‬وهم جميعا كانوا يرفضون‬ ‫س ِ‬‫ال أَ َ‬
‫ين )‪ِ ( ....‬إذَا تتْلَى َعلَ ْي ِه آ َياتنَا قَ َ‬ ‫َّم ِه ٍ‬
‫السجود للقرآن الكريم مع استمرار دعوتهم للسجود إيمانا بالكتاب الكريم ‪ ،‬ولذا‬
‫سيكون من عقابهم يوم القيامة أنهم سيحاولون السجود ندما ـ بعد فوات األوان ـ فال‬
‫ق َويدْ َع ْونَ إِلَى السُّجو ِد فَال يَ ْست َِطيعونَ خَا ِشعَةً‬ ‫يستطيعون ‪(:‬يَ ْو َم ي ْكشَف َعن َ‬
‫سا ٍ‬
‫سا ِلمونَ ) والسبب فى هذه‬ ‫صاره ْم ت َْرهَقه ْم ذِلَّةٌ َوقَدْ َكانوا يدْ َع ْونَ ِإلَى السُّجو ِد َوه ْم َ‬ ‫أَ ْب َ‬
‫المهانة أنهم كانوا يكذبون بالقرآن الكريم ‪ ،‬لذا يقول جل وعال للنبى دمحم ‪ ( :‬فَذَ ْرنِي‬
‫سنَ ْستَد ِْرجهم ِ ِّم ْن َحيْث ال يَ ْعلَمونَ )‪ .‬ثم تنتهى السورة برسم‬ ‫ث َ‬ ‫َو َمن ي َكذِِّب ِب َهذَا ْال َحدِي ِ‬
‫ى نابض لمشاعرهم حين كان يتلو عليهم النبى دمحم عليه السالم آيات القرآن ‪،‬‬ ‫ح ِّ‬
‫كانوا ينظرون له شذرا فى كراهية ويتهمونه بالجنون مع أن هللا تعالى أنزل هذا‬
‫ار ِه ْم لَ َّما‬
‫ص ِ‬‫القرآن الكريم ذكرا للعالمين ‪َ (:‬و ِإن َي َكاد الَّذِينَ َك َفروا لَي ْز ِلقون ََك ِبأ َ ْب َ‬
‫ون َو َما ه َو ِإالَّ ِذ ْك ٌر ِلِّ ْل َعالَ ِمينَ ) (القلم ‪11 :2 ، 2 : 1‬‬ ‫س ِمعوا ال ِذِّ ْك َر َويَقولونَ ِإنَّه لَ َمجْ ن ٌ‬ ‫َ‬
‫‪ .) 22 : 21 ، 88 : 82 ، 12 ،‬يهمنا فيما سبق التأكيد على دعوتهم للدخول فى‬
‫االسالم بالسجوك للقرآن ‪ ،‬وأنهم كانوا يرفضون ‪.‬‬
‫وبنفس الطريقة تبدأ سورة النجم بالقسم بالنجم بأن صاحبهم دمحما ـ الذى صاحب‬
‫المشركين وعرفوا صدقه وأمانته ـ لم يقع فى الضالل والغواية عندما نزل عليه‬
‫الوحى القرآنى ونطق به وأخذ يتلوه داعيا قومه للسجود للرحمن إعالنا عن إيمانهم‬
‫نطق َع ِن‬ ‫احبك ْم َو َما غ ََوى َو َما َي ِ‬ ‫ص ِ‬‫ض َّل َ‬ ‫جْم ِإذَا ه ََوى َما َ‬ ‫بهذا الوحى االلهى‪َ (:‬والنَّ ِ‬
‫شدِيد ْالق َوى)(النجم ‪ 1‬ـ ) وتنتهى السورة‬ ‫ي يو َحى َعلَّ َمه َ‬ ‫ْال َه َوى ِإ ْن ه َو ِإالَّ َوحْ ٌ‬
‫باالشارة الى موقف المشركين من القرآن الكريم‪ ،‬وتدعوهم الى اعالن االيمان به‬
‫ض َحكونَ َوال تَبْكونَ َوأَنت ْم‬ ‫ث تَ ْع َجبونَ َوتَ ْ‬ ‫سجودا هلل جل وعال ‪( :‬أَفَ ِم ْن َهذَا ْال َحدِي ِ‬
‫َّلل َواعْبدوا) ( النجم ‪)12 : 20‬‬ ‫امدونَ فَاسْجدوا ِ َّ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫‪ 3‬ـ وفى كل األحوال فان القرآن هو األساس فى الرفض أو القبول ‪ ،‬فالمؤمن‬
‫ينشرح صدره إذا سمع القرآن ويزداد به ايمانا ‪ ،‬والمشرك يضيق صدره بما‬
‫يسمع‪ ،‬بل يزداد طغيانا وكفرا ‪ ،‬وليس هذا مقصورا على عهد النبى دمحم عليه‬
‫السالم ‪ ،‬بل هو حكم عام يسرى فى كل زمان ومكان ‪ ،‬ونعانى منه فى وقتنا هذا‬
‫وفى مجتمعات تنتمى الى االسالم باالسم وهى تكرر أفعال مشركى العرب فى‬
‫عهد النبوة‪.‬‬
‫َّللا أَن‬ ‫وللتدليل على صحة ما نقول نستشهد بااليات الكريمة التالية ‪(:‬فَ َمن ي ِر ِد َّ‬
‫ض ِيِّقًا َح َر ًجا َكأَنَّ َما‬‫صد َْره َ‬ ‫ضلَّه َيجْ َع ْل َ‬ ‫ْالم َو َمن ي ِردْ أَن ي ِ‬ ‫إلس ِ‬ ‫صد َْره ِل ِ‬ ‫َي ْه ِد َيه َي ْش َرحْ َ‬
‫ص َراط َر ِبِّ َك‬ ‫س َعلَى الَّذِينَ الَ يؤْ ِمنونَ َو َهذَا ِ‬ ‫الرجْ َ‬ ‫س َماء َكذَ ِل َك يَجْ َعل َّ‬
‫َّللا ِ ِّ‬ ‫صعَّد فِي ال َّ‬ ‫يَ َّ‬
‫ت ِلقَ ْو ٍم يَذَّ َّكرونَ ) ( األنعام ‪( ) 121 : 122‬إِنَّ َما ْالمؤْ ِمنونَ‬ ‫ص ْلنَا اآليَا ِ‬ ‫م ْستَ ِقي ًما قَدْ فَ َّ‬
‫ت َعلَي ِْه ْم آيَاته زَ ادَتْه ْم إِي َمانًا َو َعلَى َر ِبِّ ِه ْم‬ ‫ت قلوبه ْم َوإِذَا ت ِليَ ْ‬ ‫الَّذِينَ إِذَا ذ ِك َر َّ‬
‫َّللا َو ِجلَ ْ‬
‫نز َل ِإلَي َْك ِمن َّر ِبِّ َك ط ْغ َيانًا َوك ْف ًرا‬ ‫يرا ِ ِّم ْنهم َّما أ ِ‬ ‫َيت ََو َّكلونَ ) ( األنفال ‪َ ( ) 2‬ولَ َي ِزيدَ َّن َك ِث ً‬
‫ورة ٌ فَ ِم ْنهم َّمن يَقول أَيُّك ْم زَ ادَتْه َه ِذ ِه ِإي َمانًا‬ ‫تس َ‬ ‫نزلَ ْ‬ ‫) ( الماادة ‪َ () 12 ، 18‬و ِإذَا َما أ ِ‬
‫ض‬ ‫فَأ َ َّما الَّذِينَ آ َمنواْ فَزَ ادَتْه ْم ِإي َمانًا َوه ْم يَ ْستَ ْبشِرونَ َوأ َ َّما الَّذِينَ فِي قلو ِب ِهم َّم َر ٌ‬
‫سا إِلَى ِرجْ ِس ِه ْم َو َماتواْ َوه ْم َكافِرونَ ) ( التوبة ‪.) 121 : 122‬‬ ‫فَزَ ادَتْه ْم ِرجْ ً‬
‫‪ 8‬ـ وليس شرطا أن يكون هذا السجود هلل تعالى فى حضور النبى دمحم عليه السالم‬
‫ألنه ليس فى االسالم كهنوت ‪،‬بل هو عالقة خاصة ومباشرة بين المخلوق وخالقه‬
‫جل وعال ‪ ،‬ويتم بها االنقياد بالعقيدة و السلوك هلل تعالى وحده ‪،‬وليس إنقيادا لمحمد‬
‫أو غيره من المخلوقات ‪ .‬لذلك فقد تحدث رب العزة عن مؤمنين آمنوا فى مكة بعد‬
‫الهجرة و لم يعرفهم النبى دمحم حيث كان فى المدينة بعيدا عنهم ‪ .‬وأولئك المؤمنون‬
‫أعلنوا هلل جل وعال إيمانهم وسجدوا له أيمانا بالقرآن الكريم ‪ ،‬وبلغ من إهتمام رب‬
‫العزة بسالمتهم أن منع المسلمين من الهجوم على مكة ردا على إعتداء مشركى‬
‫مكة ‪ ،‬خوفا من أن تؤدى الحرب الى قتل أولئك المؤمنين فى مكة والذين ال يعلم‬
‫صدُّوك ْم َع ِن‬ ‫النبى والمؤمنون عنهم شيئا ‪ ،‬يقول جل وعال ‪ ( :‬هم الَّذِينَ َكفَروا َو َ‬
‫ساء ُّمؤْ ِمنَاتٌ‬ ‫ْي َم ْعكوفًا أَن َيبْل َغ َم ِحلَّه َولَ ْوال ِر َجا ٌل ُّمؤْ ِمنونَ َونِ َ‬ ‫ْال َمس ِْج ِد ْال َح َر ِام َو ْال َهد َ‬
‫صيبَكم ِ ِّم ْنهم َّم َع َّرة ٌ ِبغَي ِْر ِع ْل ٍم ) ( الفتح ‪.) 22‬‬ ‫طؤوه ْم فَت ِ‬ ‫لَّ ْم تَ ْعلَموه ْم أَن تَ َ‬
‫ونفس الحال حين أدرك العرب فى النهاية عبث عبادة األصنام والقبور ‪ ،‬بعد أن‬
‫ذاع بينهم القرآن فآمنوا ودخلوا فى دين هللا باآلالف دون أن يكون دمحم النبى شاهدا‬
‫على اسالمهم وعلى قولهم ونطقهم الشهادة‪ .‬ثم قابلهم عليه السالم بعدها ورآهم فى‬
‫ْت النَّ َ‬
‫اس‬ ‫َّللا َو ْالفَتْح َو َرأَي َ‬
‫صر َّ ِ‬ ‫حجة الوداع أفواجا يقول جل وعال له‪ِ (:‬إذَا َجا َء نَ ْ‬
‫َّللا أَ ْف َوا ًجا ) (النصر ‪.)2 : 1‬‬ ‫ِين َّ ِ‬
‫يَدْخلونَ فِي د ِ‬
‫إن الدخول فى ( دولة االسالم )هو الذى يستلزم الدخول فى العهد والعقد‪ .‬وهنا‬ ‫‪ 2‬ـ ِّ‬
‫يتجلى الفارق بين االسالم ودولة االسالم ‪.‬‬
‫االسالم عالقة خاصة بين المخلوق وخالقه جل وعال ‪ ،‬ال تستلزم واسطة أو شهادة‬
‫رسمية أو حضورا بشريا من أحد ‪ .‬وهنا يختلف االسالم دين هللا جل وعال عن‬
‫أديان البشر األرضية حيث الكهنوت والمؤسسات الدينية و( رجال الدين )‬
‫بمالبسهم الخاصة بألوانها الخاصة وتصميماتها الخاصة ‪ ،‬ودرجاتها ورموزها‬
‫وطقوسها و طرقها العبقرية فى استجالب و استحالب أموال الناس‪.‬‬
‫ومع أن دين االسالم ال يستلزم هذا اإلشهار فى دخول االسالم أو االشهار فى‬
‫اعالن شهادة االسالم فإن األمر يختلف بالنسبة لدخول دولة االسالم ‪ .‬ألن الدولة‬
‫فى االسالم هى تعاقد بين الناس تتم على أساسه قيام سلطة مهمتها إقرار العدل‬
‫وحرية الفكر والمعتقد طبقا لقاعدة‪(:‬ال إكراه فى الدين)‪ .‬وفى هذا العقد يدخل‬
‫األفراد جميعا من رجال ونساء ‪( :‬الماادة ‪ ( ) 2‬الممتحنة ‪ ، ) 12‬ثم هناك عهد آخر‬
‫بالدفاع عن الدولة عند الخطر‪ (:‬األحزاب ‪ () 28 :22 ، 12‬الفتح ‪ .) 11 ،12‬وقد‬
‫صلنا هذا فى مقاالت سبقت‪.‬‬ ‫ف ِّ‬
‫أخيرا ‪ :‬المنافقون هم الذين كانوا يأتون للنبى يشهدون له أنه رسول هللا ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ المشركون يتركز اهتمامهم على شخص النبى فيرفضون الكتاب السماوى‬
‫حسدا منهم لشخص النبى ( َو َكذَ ِل َك َج َع ْلنَا ِفي ك ِِّل قَ ْر َي ٍة أَ َكا ِب َر مج ِْر ِمي َها ِل َي ْمكرواْ ِفي َها‬
‫َو َما يَ ْمكرونَ ِإالَّ ِبأَنف ِس ِه ْم َو َما يَ ْشعرونَ َو ِإذَا َجا َءتْه ْم آيَةٌ قَالواْ لَن نُّؤْ ِمنَ َحتَّى نؤْ ت َى‬
‫َّللا أَ ْعلَم َحيْث يَجْ َعل ِر َ‬
‫سالَتَه‬ ‫َّللا) ويرد عليهم رب العزة ‪َّ ( :‬‬ ‫ي رسل َّ ِ‬ ‫ِمثْ َل َما أوتِ َ‬
‫شدِيدٌ بِ َما َكانواْ يَ ْمكرونَ فَ َمن ي ِر ِد َّ‬
‫َّللا‬ ‫اب َ‬ ‫َّللا َو َعذَ ٌ‬
‫َار ِعندَ َّ ِ‬ ‫صغ ٌ‬ ‫صيب الَّذِينَ أَجْ َرمواْ َ‬ ‫سي ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ض ِيِّقًا َح َر ًجا َكأنَّ َما‬‫صد َْره َ‬ ‫ضله َيجْ َع ْل َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ْالم َو َمن ي ِردْ أن ي ِ‬ ‫إلس ِ‬ ‫صد َْره ِل ِ‬‫أَن َي ْه ِد َيه َي ْش َرحْ َ‬
‫س َعلَى الَّذِينَ الَ يؤْ ِمنونَ ) (األنعام ‪: 123‬‬ ‫الرجْ َ‬ ‫س َماء َكذَ ِل َك يَجْ َعل َّ‬
‫َّللا ِ ِّ‬ ‫صعَّد فِي ال َّ‬ ‫يَ َّ‬
‫‪.) 122‬‬
‫‪ 2‬ـ والمشركون الذين كانوا يدخلون فى االسالم خداعا ونفاقا كانوا يحرصون على‬
‫إعالن إيمانهم على مشهد من المؤمنين ومأل من المسلمين ‪ ،‬وكان ينزل الوحى‬
‫القرآنى يفضحهم ‪ ،‬يقول جل وعال ‪َ ( :‬و ِإذَا َجاؤوك ْم قَالواْ آ َمنَّا َوقَد دَّخَلواْ ِب ْالك ْف ِر َوه ْم‬
‫َّللا أَ ْعلَم ِب َما َكانواْ يَ ْكتمونَ ) ( الماادة ‪ .) 11‬والسخرية هاالة من‬ ‫قَدْ خ ََرجواْ ِب ِه َو َّ‬
‫أولئك الذين يدخلون بالكفر ويخرجون به مع إعالنهم االيمان ‪.‬‬
‫وبعضهم كان يحلو له خداع المؤمنين بهذا االعالن عن االيمان ‪ ،‬ثم بعد ان يخلو‬
‫بعضهم ببعض يتندرون على المؤمنين وخداعهم للمؤمنين ‪ ،‬وهم فى الحقيقة‬
‫اآلخ ِر َو َما‬ ‫اَّلل َو ِب ْاليَ ْو ِم ِ‬
‫اس َمن يَقول آ َمنَّا ِب َّ ِ‬ ‫يخدعون أنفسهم مما يشعرون ‪َ ( :‬و ِمنَ النَّ ِ‬
‫سهم َو َما يَ ْشعرونَ )‪..‬‬ ‫َّللاَ َوالَّذِينَ آ َمنوا َو َما يَ ْخدَعونَ إِالَّ أَنف َ‬ ‫هم بِمؤْ ِمنِينَ يخَادِعونَ َّ‬
‫اطي ِن ِه ْم قَالواْ ِإنَّا َم َعك ْم ِإنَّ َما نَحْن‬ ‫( َو ِإذَا لَقواْ الَّذِينَ آ َمنواْ قَالواْ آ َمنَّا َو ِإذَا َخلَ ْوا ِإلَى َ‬
‫ش َي ِ‬
‫م ْستَ ْه ِزؤونَ )(البقرة ‪) 18 ، 0 :2‬‬
‫وبعضهم كان يؤكد ايمانه و اسالمه بأن يقسم باهلل أغلظ االيمان ‪،‬وسرعان ما‬
‫تفضحهم أعمالهم ‪ ،‬أو كفرهم السلوكى فيراهم المؤمنون على حقيقتهم أشد الناس‬
‫سمواْ ِب َّ ِ‬
‫اَّلل َج ْهدَ‬ ‫كفرا ‪ ،‬يقول جل وعال عنهم ‪َ ( :‬و َيقول الَّذِينَ آ َمنواْ أَهَؤالء الَّذِينَ أَ ْق َ‬
‫ص َبحواْ خَا ِس ِرينَ ) ( الماادة ‪) 23‬‬ ‫ت أَ ْع َماله ْم فَأ َ ْ‬‫ط ْ‬ ‫أَ ْي َمانِ ِه ْم ِإنَّه ْم لَ َم َعك ْم َح ِب َ‬
‫وبعضهم كان يذهب للنبى دمحم يؤكد اسالمه وطاعته ‪ ،‬ثم يخرج من عنده يتآمر‬
‫عليه ويكذب عليه ؛ ينسب له أقواال لم يقلها ‪ ،‬وينزل القرآن يفضحهم ويأمر النبى‬
‫َّت‬
‫ِك َبي َ‬ ‫طا َعةٌ فَإِذَا َب َرزواْ ِم ْن ِعند َ‬ ‫دمحما عليه السالم باالعراض عنهم ‪َ ( :‬و َيقولونَ َ‬
‫ض َع ْنه ْم َوت ََو َّك ْل َعلَى َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫َّللا َي ْكتب َما ي َبيِِّتونَ فَأَع ِْر ْ‬‫طااِفَةٌ ِ ِّم ْنه ْم َغي َْر الَّذِي تَقول َو َّ‬ ‫َ‬
‫اَّلل َو ِكيالً ) ثم يوجِّه هللا تعالى لهم نصيحة بصيغة استنكارية تقول ‪( :‬أَفَالَ‬ ‫َو َكفَى ِب َّ ِ‬
‫يَتَدَبَّرونَ ْالق ْرآنَ ) ( النساء ‪ ،) 22 : 21‬ألنهم لو تدبروا القرآن الكريم بقلب مفتوح‬
‫ألمنوا حق االيمان وما احتاجوا لهذا الخداع ‪.‬‬
‫وتكرر مرة أخرى قوله تعالى (أَفَال يَتَدَبَّرونَ ْالق ْرآنَ ) تعليقا على موقف مماال‬
‫يتحدث عن أولئك المنافقين الذين كانوا يكرهون ما أنزل هللا ‪ ،‬وكانوا يدخلون على‬
‫النبى يؤكدون إيمانهم ثم إذا خرجوا من عنده استهزءوا باالسالم ‪ ( :‬دمحم‪ :‬ـ ‪: 11‬‬
‫‪) 28‬‬
‫ومما سبق نفهم قوله جل وعال عن المنافقين ‪ِ ( :‬إذَا َجا َء َك ْالمنَافِقونَ قَالوا نَ ْش َهد ِإنَّ َك‬
‫َّللا يَ ْش َهد إِ َّن ْالمنَافِقِينَ لَ َكاذِبونَ اتَّخَذوا أَ ْي َمانَه ْم‬‫َّللا يَ ْعلَم إِنَّ َك لَ َرسوله َو َّ‬ ‫لَ َرسول َّ ِ‬
‫َّللا َو َّ‬
‫ساء َما َكانوا يَ ْع َملونَ ) ( المنافقون ‪ .) 2 :1‬فقد‬ ‫َّللا إِنَّه ْم َ‬
‫يل َّ ِ‬ ‫سبِ ِ‬
‫صدُّوا َعن َ‬ ‫جنَّةً فَ َ‬
‫حرص المنافقون على المجىء للنبى ليشهدوا أمامه ـ كذبا وخداعا ـ قاالين له (إنك‬
‫لرسول هللا ) ويأتى الرد بأن هللا تعالى يعلم بأنه رسول هللا ‪ ،‬ولكن يشهد هللا جل‬
‫وعال بأن المنافقين كاذبين فى شهادتهم ألنها ال تعبر عن حقيقة ما فى قلوبهم من‬
‫تكذيب للرسول وكفر بالقرآن الكريم وعداء لالسالم‪.‬‬
‫المنافق هو الذى يحتاج الى إشهار إيمانه رهبة أو رغبة ‪ ،‬وهكذا كان يفعلون فى‬
‫حياة النبى دمحم يشهدون له بأنه رسول هللا ‪ ،‬وكان القرآن الكريم ينزل يخبر بما فى‬
‫قلوبهم ‪ ،‬داعيا أحيانا الى أن يتدبروا القرآن الكريم ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وانتهى القرآن الكريم نزوال ‪ ،‬ومات خاتم األنبياء عليهم جميعا السالم‪ ،‬ومالبث‬
‫أن عادت عقااد الشرك تغزو قلوب المسلمين فاخترعوا لها باالفتراء أديانا أرضية‬
‫‪ ،‬تبدأ عقيدة الشرك فيها بإضافة اسم دمحم الى شهادة االسالم توطئة لتقديس‬
‫مخلوقات أخرى الى جانبه ‪.‬‬
‫وبسبب تعمق هذا الزيف فى قلوب األغلبية الساحقة من المسلمين فإن القارىء لهذا‬
‫المقال يستغربه ‪ ،‬وقد يستهجنه ‪ ،‬وألنه ال يستطيع إنكار االيات القرآنية التى يقوم‬
‫عليها وال يستطيع الهجوم على القرآن الكريم فال يتبقى له إال الهجوم على كاتب‬
‫المقال‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ بسيطة ‪..‬‬
‫غفر هللا تعالى لنا ولكم ‪ ،‬وهدانا وإياكم قبل أن يأتى أحدنا الموت ‪..‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المقال الرابع‪:‬‬
‫إنه هللا جل وعال‪ ..‬يا أيها الناس‪!!..‬‬

‫مقدمة ‪-:‬‬

‫دار جدال داخل موقع أهل القرآن حول موضوع شهادة اإلسالم حين كتبت أنها‬
‫شهادة واحدة هى ( ال إله إال هللا )‪ ،‬وأن إضافة إسم دمحم وجعلها شهادة مثناة فيه‬
‫تفريق بين الرسل وتفضيل للنبى دمحم على من سبقه من األنبياء وهذا منهى عنه ‪،‬‬
‫ثم أنه النواة األولى للوقوع فى الشرك يترتب عليها ماهو واقع اليوم من تحول‬
‫معظم المسلمين إلى (دمحمين) يجعلون دمحما شريكا هلل تعالى فى الصالة واآلذان‬
‫والتشهد والحج ‪ ،‬أى شريكا هلل تعالى فى الدعاء والعبادة ‪ ،‬يستغيثون به ويعبدونه‬
‫مع هللا تعالى ويجعلونه بالشفاعة المزعومة مالكا ليوم الدين ‪.‬‬
‫بعض األحبة إعترض قااال إن إضافة دمحم للشهادة ليس من الشرك فى‬
‫شىء‪،‬فوعدت أن أكتب مقاال ختاميا فى سلسلة التفريق والتفضيل وشهادة اإلسالم‬
‫‪.‬وهذا هو المقال ‪.‬‬

‫أوال‪ - :‬ما قدروا هللا حق قدره‬

‫‪ 1‬ـــ أخترت أن يكون العنوان " إنه هللا ‪..‬يا أيها الناس " للتذكير بعظمة هللا عز‬
‫وجل التى عادة ما ينساها اإلنسان فيكون من الذين ما قدروا هللا حق قدره ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـــ المشكلة هنا أن هللا عز وجل هو غيب بالنسبة لنا ‪ ،‬ال نراه ‪ .‬ولكن نرى بعض‬
‫آالء صنعه فينا وفيما حولنا (الذاريات ‪ .) 21: 21‬فى السموات آيات تلقى من‬
‫اإلنسان عدم إكتراث ( يوسف ‪ ،.) 111-112‬بحيث ال يسأل اإلنسان نفسه هل‬
‫الذى خلق كل هذا الكون وحده يحتاج إلى شريك ؟! أو يستحق أن يذكر إلى جانبه‬
‫بشر من المخلوقات‬

‫‪ 3‬ـــ إن التفكير العقلى الموضوعى فى خلق السماوات واألرض فريضة إيمانية‬


‫على أولى األلباب تنتهى بهم إلى أنه ال إله إال هللا (آل عمران ‪ .) 101 : 101‬ولقد‬
‫تهيأ لنا فى عصر العلم أن نرى عجااب الخلق فى أعماق المحيطات وأعماق‬
‫الفضاء وأعماق الخلية وهندستها الوراثية وأعماق الذرة والنواة ‪ ،‬هذه العظمة فى‬
‫الخلق هى بعض دالال العظمة فى الخالق جل وعال‪ .‬مع أننا لم نكتشف سوى‬
‫الساحل ‪ ،‬وألن ما يمكن أن نصل إليه ونراه – من عوالم الغيب – أعظم ‪ ،‬وحين‬
‫نرى بعضه فى لحظة الموت ‪ ،‬وفى األخرة سيتحول لدينا العلم البسيط إلى (علم‬
‫اليقين)والحق البسيط إلى(حق اليقين) ‪ ،‬والرؤية الظاهرية الى (عين اليقين) ‪.‬‬
‫رؤيتنا البسيطة للكون تبهرنا‪ .‬هذا الكون مجرد عبارة (ما بينهما ) فى قوله تعالى ‪:‬‬
‫(‬
‫ض َو َما بَ ْينَه َما فِي ِست َّ ِة أَي ٍَّام ‪ :‬السجدة ‪ ) 8‬هذا الكون‬
‫ت َواأل َ ْر َ‬ ‫َّللا الَّذِي َخلَقَ ال َّ‬
‫س َم َاوا ِ‬ ‫َّ‬
‫بنجومه ومجراته وفراغاته هو مجرد فناء خلفى للسموات الدنيا ‪ ،‬كلها تظهر‬
‫ألعيننا مجرد نقط المعة فى سواد الليل‪ ،‬وصفها هللا جل وعال بما يناسب عقلنا‬
‫بأنها مصابيح للسماء الدنيا التى ال ندرى عنها شيئا ( الصافات ‪.) 1-2‬‬
‫يبهرنا أن نتعرف على باليين السنوات الضواية داخل هذا الكون ‪ ،‬ويبهرنا ما‬
‫نتعرف عليه عن الثقوب السوداء والثقوب البيضاء وأحجامها التى تبتلع النجوم‬
‫والمجرات ‪ ،‬ويبهرنا أننا الزلنا نلهو على شاطىء التعرف على هذا الفناء الخلفى‬
‫للسماء الدنيا وهو الكون‪ ،‬ويبهرنا أن عقلنا يتوه فى التفكر فى هذا الكون وباليين‬
‫سنينه الضواية ‪..‬‬
‫ويبهرنا أن هللا تعالى أقسم بمواقع النجوم (الواقعة ‪ ، ) 22 -22‬ليس القسم بالنجوم‬
‫هنا ولكن بمواقعها ألن ما نراه اآلن ليس النجوم الحاليه ‪ ،‬ولكن ما يصل إلينا من‬
‫ضواها من ماليين السنين ‪ ،‬أما هى فربما إنفجرت وتحولت إلى ثقب أسود غير‬
‫مراى لنا أو ال تزال باقية ولكن تغير موقعها ‪.‬‬
‫مع كل هذا اإلنبهار ببعض ما نكتشفه من آالء هللا عز وجل فى أنفسنا وفى األرض‬
‫وفى الكون فإن هذا اإلنبهار ال نترجمه إيمانا يقدر هللا عز وجل حق قدره ‪ ،‬بدليل‬
‫أن بعض أهل القرآن ال يزل يتسامح فى أن يجعل أحد البشر قرينا هلل تعالى جل‬
‫وعال فى شهادة اإلسالم التى تعبر عن الوحدانية ‪ ،‬مع أن دمحما قد مات مثلما يموت‬
‫كل البشر ‪ ،‬أى تعفن جسده ‪ ،‬وتحول إلى سوأه ‪ ،‬ثم أنتهى إلى تراب‪ .‬يأخذون من‬
‫التقديس المفروض أن يكون خالصا هلل عز وجل وحده ‪ ،‬ويعطونه إلى عبد من‬
‫عباد هللا تعالى ‪ ،‬لذا نقول لهم ‪ :‬آن لنا أن نقدر هللا سبحانه وتعالى حق قدره‪.!!.‬‬

‫ثانيا ‪ -:‬إخالص الدين هلل تعالى وحده يمنع أن نضيف اسم مخلوق شريكا مع هللا‬
‫جل وعال‪.‬‬
‫‪ 1‬ـــ سبق أن أكدنا أن عمل الصالحات وحده ال يكفى فالبد أن يصدر عن عقيدة ال‬
‫مجال فيها لتقديس المخلوقات ‪ ،‬أى ال تقديس وال عبادة وال دعاء إال هلل تعالى وحده‬
‫‪ ،‬وسبق التأكيد على أن مصير المشرك أن يحبط هللا عمله الطيب فيكون مصيره‬
‫الخلود فى النار ( النساء ‪(،) 111، 82‬الماادة ‪.) 22‬‬

‫‪ 2‬ـــ إخالص الدين هلل تعالى هو محور اإلسالم‪،‬هللف تعالى وحده الدين الخالص‪(:‬‬
‫الزمر ‪(،) 3‬البينة ‪ ، ) 2‬والدين له شقان ‪ :‬العبادة ‪ ،‬ويجب أن تكون العبادة خالصة‬
‫هلل تعالى (الزمر ‪ ، ) 11،18، 2‬والعقيدة أى اإلستغاثة والدعاء وطلب العون فال‬
‫يكون إلى باهلل تعالى ومن هللا تعالى ( األعراف ‪ ( ، ) 20‬غافر ‪. ) 12 ، 18‬‬
‫وفى سورة الفاتحة يؤكد المسلم أن هللا تعالى وحده هو الذى نعبده‪،‬وهو وحده الذى‬
‫ندعوه ونستعين به ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ‪ ،‬وهو إيجاز رااع لمعنى اإلخالص‬
‫‪.‬‬

‫‪ 3‬ـــ باإلخالص هلل تعالى ينجو المؤمن من مكر إبليس‪(:‬الحجر‪()81-30:‬ص‪22 :‬‬


‫ـ)‪ ،‬وينجو من الوقوع فى المعصية‪(:‬يوسف ‪،)28‬وفى قصص األنبياء السابقين نجا‬
‫من الهالك من أخلص دينه هلل عز وجل‪،‬والمخلصون هم فى النهاية أصحاب الجنة‬
‫‪ (:‬الصافات‪.) 83- 32 ، 122-122، 28-21 :‬‬

‫‪ 8‬ـــ وإخالص الدين والعقيدة والعبادة هو حالة داامة مستمرة عند المؤمن صحيح‬
‫الدين ألنه ينظف قلبه دااما بذكر هللا تعالى وحده وبتالوة القرآن الكريم وتدبره‪.‬‬
‫ويعرف المشركون االخالص هلل تعالى عند المصااب فقط‪،‬عند الغرق مثال‬
‫يفزعون ويدعون هللا تعالى مخلصين له الدين ( يونس ‪() 22‬العنكبوت ‪() 12‬‬
‫لقمان ‪ ،) 32‬حتى فرعون نفسه مر بهذه التجربة فى الوقت الضااع( يونس ‪ 01‬ـ‬
‫)‪.‬‬
‫وليتذكر اإلنسان منا نفسه وهو فى موقف عصيب يدعو هللا تعالى راجيا باكيا تاابا‬
‫عندما يشرف على الهالك من مرض أو غرق أو مصيبة هاالة قاهرة ‪ ،‬عندها‬
‫يعرف معنى اإلخالص ‪ ،‬هذا هو اإلخالص المؤقت الذى سرعان ما ينساه‬
‫المشرك بعد زوال المحنة ‪ ،‬والمطلوب أن يتحول إلى إخالص داام ومستمر حتى‬
‫يلقى ربه بقلب سليم ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـــ ومن التعبيرات القرآنية عن إخالص الدين هلل تعالى أن يتوجه وجهك هلل‬
‫تعالى وحده ‪ ،‬أو أن تسلم وجهك هلل تعالى‪ ،‬وبالتالى فال يكون هنا شريك فى‬
‫عقيدتك مع هللا تعالى ‪(:‬األنعام ‪( ، ) 20‬األعراف ‪(،) 20‬آل عمران ‪.) 21‬وبذلك‬
‫يلقى المؤمن ربه يوم القيامة بقلب سليم (الشعراء ‪. ) 20-22‬‬
‫‪ 1‬ـــ اإلخالص يعنى أن يكون التقديس هلل تعالى ‪ ، % 111‬وبالتالى فإن أى ذرة‬
‫شرك تحول هذا اإلخالص الى شرك وكفر‪ ،‬وال يكون القلب سليما عند لقاء هللا جل‬
‫وعال‪.‬‬
‫إن الناس تعتقد أنه يكفى أن يعبدوا هللا ويكفى أن يؤمنوا به ‪ ،‬وأن يعترفوا بوجوده‪.‬‬
‫هذا ماكان عليه العرب فى الجاهلية‪،‬وهو ما عليه المحمديون اليوم على إختالف‬
‫أديانهم األرضية‪.‬‬
‫ينسون أن المطلوب أن يؤمنوا باهلل تعالى وحده إالها وأن يعبدوه وحده وأن يقدسوه‬
‫وحده ‪ ،‬وهذا هو معنى اإلخالص ‪ ،‬وبالتالى فال مجال للتسامح مع أى ذرة شك ‪،‬‬
‫ألنه ال شريك له جل وعال حين خلق هذا الكون وحين خلق األنسان ‪ ،‬وألن من‬
‫الظلم لرب العزة أن تشرك به أو أن تضيف لمقامه المقدس مخلوقات من خلقه ‪.‬‬
‫لذا فإن التعبير القرآن عن الشرك يجعل أقل من ‪ %111‬يكون شركا وكفرا ‪،‬بمعنى‬
‫أنه لو أشركت باهلل جل وعال ذرة شرك واحده وحيدة وحافظت عليها حتى الموت‬
‫فقد حبط عملك وتحتم خلودك فى النار‪.‬‬
‫ش ِركواْ ِب ِه َ‬
‫ش ْيئًا)(النساء ‪.) 31‬‬ ‫‪ 2‬ـ وقد قالها رب العزة‪َ ( :‬واعْبدواْ َّ َ‬
‫َّللا َوالَ ت ْ‬
‫ش ْيئًا)‪ ،‬والمعنى أن هللا تعالى‬‫ش ِركواْ بِ ِه َ‬
‫َّللا) يؤكده النهى ( َوالَ ت ْ‬ ‫فاألمر هنا ( َواعْبدواْ َّ َ‬
‫هو الذى شيأ األشياء أو خلق األشياء ‪ ،‬ومن جعل أى نسبة من تلك األشياء‬
‫المخلوقة شريكا هلل تعالى فقد وقع فى الشرك ‪ ،‬يستوى إن كان هذا الشىء ملكا من‬
‫المالاكة أو نبيا من األنبياء أو مجرما من أرباب السوابق ‪.‬‬
‫ولذلك ال مجال للتوسط هنا بين اإلسالم والكفر ‪ ،‬فإما إخالص (‪ ) %111‬هلل تعالى‬
‫وحده وإما كفر وشرك وشراكة مع هللا تعالى ولو بنسبة واحد فى المااة ‪.‬بمعنى‬
‫آخر فأى شاابة إعتقاد فى شىء مع هللا ‪،‬أو أن يقل االخالص عن درجة (‪)%111‬‬
‫فهو شرك وكفر‪ .‬بمعنى آخر ‪:‬إما حق وإما باطل ‪ ،‬وال وسطية بينهما (يونس ‪) 32‬‬
‫‪ ،‬فال مجال للشركة أو للقسمة على إثنين(النحل ‪ ) 22-21‬حتى لو كان ألحدهما‬
‫نسبة ‪ %1.1‬فقط ‪.‬لذلك يأتى التحذير للمؤمنين فى حياتهم بتصحيح إيمانهم حتى ال‬
‫يعيشون مؤمنين حسب الظاهر ‪ ،‬بينما يلقون هللا تعالى كافرين خالدين فى النار(‬
‫النساء ‪.) 131‬‬
‫أى ال بد أن يفهمواأن اإلخالص يعنى إحتكار اإليمان كله باهلل تعالى وحده إلها‬
‫‪.،‬والكفر أو الشرك يحوى إيمانا باهلل تعالى وبغيره‪.‬هذا اإليمان المختلط المغشوش‬
‫الخالى من اإلخالص ال يقبله هللا تعالى ويلعن أصحابه( النساء ‪،22،81‬‬
‫‪()122‬البقرة ‪() 22‬الحاقة ‪ ،) 81‬ومصير صاحبه إلى النار(السجدة ‪. ) 20‬‬
‫‪ 2‬ـــ وليس إخالص الدين هلل تعالى مشكلة عسيرة‪،‬ألنها إختيار قلبى‪ ،‬فالذى يريد‬
‫الهداية بإخالص يجدها فى المتناول‪،‬أما الذى يصمم على عقيدته ويتلمس لها األدلة‬
‫ويتعسف لها الحجج فتراه يستسهل الوقوع فى الشرك وال يعتبر ما يعتقده شركا‬
‫طالما – فى نظره – يؤمن باهلل تعالى ‪...‬‬
‫وعلى العكس ‪ ،‬فال مجال للتساهل فى عقيدة ( ال إله إال هللا ) بينما يتساهل فيها‬
‫المحمديون والمشركون‪ ،‬بل يالحظ أن هللا تعالى أباح األعذار فى العبادات ‪ ،‬فهناك‬
‫القصر فى الصالة وأعذار فى الصوم وفى الحج الواجب على المستطيع فقط‬
‫وأعذار فى الصدقة لمن ال يستطيع وأعذار فى الجهاد‪ ،‬ولكن ال عذر مطلقا لمن‬
‫يقع فى الشرك والكفر ويظل به دون توبة إلى أن يموت ‪.‬‬
‫نتكلم هنا عن اإلرادة القلبية أى القلب المخلص هلل تعالى مقابل الذى شرح بالكفر‬
‫صدره ‪ ،‬فلو إمتأل قلبك إخالصا هلل تعالى فال عليك إن إضطررت تحت اإلكراه أن‬
‫ينطق لسانك بما يخالف قلبك‪ .‬هذا مسموح لك (النحل ‪،)111‬‬
‫‪ 0‬ـ ال مجال فى عقيدة اإلخالص ألى اعذار وال مجال فيها لعذر النية الطيبة ‪.‬‬
‫النية مجالها فى العمل للمؤمن صحيح العقيدة فقط ‪...‬فاهلل تعالى يغفر لمن يخطىء‬
‫ناسيا ولمن ال يقع فى التعمد ‪ ،‬مثل القسم باهلل تعالى(الماادة ‪ ،)20‬وساار األعمال‬
‫‪(:‬األحزاب ‪() 2‬النساء ‪() 03‬الماادة ‪.) 02‬‬
‫هذا كله يخص عمل المؤمنين صحيحى العقيدة ‪.‬أما المشرك فقد إنتهى أمره من‬
‫قبل ‪،‬إذ أحبط هللا تعالى كل أعماله الصالحة ‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ وفى النهاية فاإلخالص القلبى أوالشرك القلبى هو إختيار ممكن وسهل لكل‬
‫من أراد ‪ ،‬ولهذا يستسهل الناس إتباع ما وجدوا عليه آباءهم ‪ ،‬كما يسهل على من‬
‫يريد الهوى أن يهتدى‪.‬أى من السهل عليك أن تخلص هلل تعالى قلبك ‪ ،‬ومن السهل‬
‫أيضا أن تجعل دمحما شريكا له فى الشهادة وفى الحج وفى الشفاعة والصالة ‪...‬الخ ‪،‬‬
‫هى عقااد تراود عقل اإلنسان وقلبه ‪ ،‬وله حريته فى االختيار‪ ،‬ولكن هذا اإلختيار‬
‫السهل يترتب عليه الخلود فى الجنة أو النار ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تحذير من بذرة الشرك التى تبدأ بتمييز نبى عن غيره من األنبياء ‪-:‬‬

‫‪ 1‬ــــ قد يقال انه ليس معنى أن نشهد بأن دمحما رسول هللا أننا نقع فى الشرك ‪ ،‬ألننا‬
‫لسنا مثل اآلخرين فال نقول مثلهم شفاعة النبى وال نقول مثلهم أشرف المرسلين ‪،‬‬
‫أو سيد المرسلين وال نحج إلى قبره ‪ ....‬الخ ‪.‬‬
‫وفى الرد نقول ‪:‬‬
‫هنا بذرة الشرك وبدايته‪،‬وسبق التأكيد على أن ‪ %1‬نقص فى اإلخالص يعنى‬
‫الشرك ‪.‬‬
‫وبذرة الشرك تبدأ بإبتداع شىء فى الدين ليس فى كتاب هللا ويخالف كتاب هللا ‪ .‬فلم‬
‫يقل رب العزة فى شهادة اإلسالم ( شهادة هللا أنه ال إله إال هو وأن دمحما رسول هللا‬
‫) بل أن لفظ دمحم فى القرآن الكريم جاء فى ‪ 8‬مرات كال منها يؤكد على بشريته ‪،‬‬
‫منها أنه مجرد رسول هللا ‪ ،‬قد خلت من قبله الرسل (آل عمران ‪ ) 188‬وأنه رسول‬
‫هللا وخاتم النبيين ولن يبلغ أحد أبنااه مبلغ الرجال(األحزاب ‪ ،) 81‬واإليمان بما‬
‫نزل على دمحم ( دمحم ‪) 2‬أى ليس بمحمد نفسه‪،‬وجاءت آية أخرى بالصفات الظاهرية‬
‫للصحابة الذين حوله‪ ،‬وأن منهم من سيدخل الجنة (الفتح ‪،) 20‬أى بعضهم وليس‬
‫كلهم ‪...‬‬
‫األخطر هنا أن تميزه بذكره فى الشهادة مع هللا هو تفريق واضح بين الرسل‬
‫وتفضيل له عليهم ‪ ،‬وهذا منهى عنه‪،‬أى أنه ليس فقط إبتداعا فى الدين بل هو‬
‫عصيان صريح ألمر هللا جل وعال ‪.‬‬
‫ومع انه سبق التوضيح فى مقال ( ال نفرق بين أحد من رسله ) أن التفريق‬
‫موصوف بالكفر الحقيقى فى القرآن الكريم ‪ ،‬إال أننا هنا نعيد التأكيد على اآلتى ‪-:‬‬
‫الضمان الوحيد لعدم التفريق بين الرسل هو – كما أكد رب العزة – أن يكون‬
‫اإليمان بما أنزل هللا تعالى عليهم ‪ ،‬وليس اإليمان بأشخاصهم ‪.‬‬
‫ألن التفريق بين الرسل قضية عقيدية حساسة ال مجال فيها للتوسط ‪ ،‬أى أن‬
‫‪ %1‬فيها وقوع فى الشرك ‪ ،‬أى ال مجال للمناورة والتالعب باآليات الكريمة ‪،‬‬
‫ألن ذلك يتعدى مرحلة الضالل إلى مرحلة أحط وهى اإلضالل ‪.‬‬
‫ألن التفريق بين الرسل قضية عقيدية فاألمر فيها بالسمع والطاعة‪،‬وإالِّ فهو‬
‫عصيان للرحمن ‪.‬‬
‫ألنها قضية عقيدية مرتبطة بإخالص الدين هلل تعالى وحده فال مجال ألى منفذ‬
‫يفتح الباب أمام شخصنة اإلسالم بتقديس شخص دمحم ‪،‬وهى اللبنة األولى التى يتمدد‬
‫ويتعمق على أساسهاالشرك كما يحدث األن عند المحمديين من سنة وشيعة‬
‫وصوفية ‪.‬‬
‫وألنها قضية إخالص فى العقيدة فال مجال لشخص النبى – أى نبى – فيها ‪،‬‬
‫حيث أن حساسية وضع النبى بالذات تكون قاتلة إلخالص العقيدة هلل تعالى إذا تم‬
‫تمييز نبى من األنبياء على غيره بالمخالفة ألوامر هللا تعالى ‪ ،‬فذلك هو السبيل‬
‫لتأليه النبى مع هللا جل وعال ‪.‬‬
‫القول بأننا نقول الشهادتين فقط دون الوقوع فى بقية معالم الشرك – يعنى أن‬
‫القاال بهذا قد تخلص من أغلب ما توارثه من عقااد الشرك ‪ ،‬ولكن ال يزال محتفظا‬
‫بقاعدة الشرك األساسى‪،‬وهى جعل دمحم شريكا هلل تعالى فى شهادة اإلسالم‪،‬أى‬
‫اليزال أمامه وقت ليصل إلى االخالص التام فى العقيدة‪.‬نرجو هللا تعالى له ولنا‬
‫الهداية ‪..‬‬
‫ونعيد التأكيد على أنه فى عدم التفريق بين الرسل يأتى اإليمان باهلل تعالى‬
‫مقترنا باإليمان بما نزل على الرسول‪،‬وتأتى إضافة المالاكة والكتب والرسل‬
‫بضمير يعود على هللا‪ ،‬كأدوات هلل جل وعال فى تبليغ الرسالة ‪ ،‬وليس ككيانات‬
‫مستقلة ينبغى اإليمان بها إيمانا مستقال‪،‬ألنها لو كانت كيانات مستقله ألصبحت آلهه‬
‫مع هللا‪ .‬مع التأكيد على أن النبى دمحم هو أول المأمورين بهذا اإليمان ‪ ،‬ولنقرأ‬
‫نز َل إِلَ ْي ِه ِمن َّر ِبِّ ِه َو ْالمؤْ ِمنونَ ك ٌّل آ َمنَ بِ َّ ِ‬
‫اَّلل‬ ‫الرسول بِ َما أ ِ‬ ‫آمنَ َّ‬ ‫بتمعن قوله جل وعال‪َ ( :‬‬
‫ط ْعنَا غ ْف َران ََك‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو َمال ِا َك ِت ِه َوكت ِب ِه َورس ِل ِه الَ نفَ ِ ِّرق َبيْنَ أ َح ٍد ِ ِّمن ُّرس ِل ِه َوقَالواْ َ‬
‫س ِم ْعنَا َوأ َ‬
‫صير‪ :‬البقرة ‪، ) 222‬‬ ‫َربَّنَا َو ِإلَي َْك ْال َم ِ‬
‫وبسبب عدم التوسط فالقضية هنا هى إما إيمان حقيقى وإما كفر حقيقى بال‬
‫ط ْعنَا) يقابلهم الكافرون الذين يتمسكون ـ‬ ‫س ِم ْعنَا َوأَ َ‬‫توسط بينهما‪ ،‬فالمؤمنون يقولون( َ‬
‫حتى الموت ـ بالتفريق بين الرسل‪ .‬والموقفان المتناقضان للفريقين كال منهما‬
‫يشرح األخر بمنهج المخالفة‪،‬أى مخالفة كال منهما لالخر بوجود كل منهما فى‬
‫معسكر يناقض األخر‪،‬أى تلمح فى معسكر اإليمان أنه ضد التفريق بين الرسل ‪،‬‬
‫ويأتى شرح التفريق بين الرسل فى توضيح صفات الكفار مع وصفهم بالكفر‬
‫الحقيقى‪ .‬ونسترجع اآلية الكريمة ‪...‬‬
‫معسكر اإليمان الحقيقى وصفاته يحملون لواء (الَ نفَ ِ ِّرق َبيْنَ أَ َح ٍد ِ ِّمن ُّرس ِل ِه)‬
‫الذى أ ِّكده رب العزة أكثر من مرة فى القرآن الكريم (البقرة ‪ (،) 222، 131‬آل‬
‫عمران ‪( ،) 28‬النساء ‪ .) 122‬يقابل هذا معسكر الكفر الحقيقى الذى وصفه هللا‬
‫تعالى (النساء ‪.) 121-121‬ومنه نعرف أن التفريق بين الرسل هو كفر باهلل ألنه‬
‫إرتفع بشخص أحد الرسل فوق مستوى الرسل األخرين ‪ ،‬أى رفعه إى مستوى‬
‫الشريك مع هللا تعالى ولو بنسبة ‪. %1‬‬
‫والتفريق بين الرسل هو كفر بالرسل ‪ ،‬أى كفر بكل الرساالت السماوية التى‬
‫نزلت فى تأكيد أنه ال إله إال هللا ‪.‬‬
‫وهو تفريق بين هللا ورسله إذ يحدث إضطرابا فى قضية اإليمان ‪ ،‬ففى اإليمان‬
‫الحق يتحدد اإليمان باهلل تعالى إلها ال إله غيره وال إله معه ‪ ،‬ويتحدد باإليمان بما‬
‫أنزل على الرسل مؤكدا أنه ال له إال هللا ‪ .‬ولكن عند تمييز رسول معين والتفريق‬
‫بينه وبين الرسل يرتبك الوضع اإليمانى هنا ‪ ،‬إذا زاد اإليمان برسول على بقية‬
‫الرسل ‪ ،‬ودخلت شخصية الرسول البشرية عنصرا فى اإليمان ‪ ،‬وتميز بهذا عن‬
‫بقية الرسل مما يعد كفرا بالرساالت التى جاءوا بها‪،‬وفى نفس الوقت فإن هذا‬
‫اإليمان الزااد بأحد الرسل قد تم إقتطاعه من اإليمان باهلل تعالى ‪ ،‬وأعطوا ذلك‬
‫الرسول تقديسا من التقديس المفروض فيه أن يكون هلل تعالى وحده‪ ،‬وبذلك يتناقص‬
‫األيمان باهلل تعالى من ‪، %111‬والجزء المقتطع منه يضاف لشخص الرسول مما‬
‫يعد كفرا باهلل ‪ ،‬وهنا يحدث اإلرتباك فى قضية اإليمان ‪ ،‬فيتحول إلى كفر ‪ ،‬أو‬
‫اَّلل َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أَن يفَ ِ ِّرقواْ بَيْنَ َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫على حد قوله تعالى‪( :‬إِ َّن الَّذِينَ يَ ْكفرونَ بِ َّ ِ‬
‫س ِبيالً)(‬ ‫ض َوي ِريدونَ أَن َيت َّ ِخذواْ َبيْنَ ذَ ِل َك َ‬ ‫ض َونَ ْكفر ِب َب ْع ٍ‬ ‫َورس ِل ِه َو َيقولونَ نؤْ ِمن ِب َب ْع ٍ‬
‫النساء ‪ . ) 121‬ولذلك حكم هللا تعالى بأن ذلك هو الكفر الحقيقى ‪ ،‬ومصير من‬
‫يموت عليه هو العذاب المهين (أ ْولَئِ َك هم ْال َكافِرونَ َحقًّا َوأَ ْعتَدْنَا ِل ْل َكافِ ِرينَ َعذَابًا‬
‫ُّم ِهينًا)(النساء ‪) 121‬‬
‫اَّلل َورس ِل ِه َوي ِريدونَ أَن يفَ ِ ِّرقواْ َبيْنَ َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫ولنتأمل قوله تعالى ( ِإ َّن الَّذِينَ َي ْكفرونَ ِب َّ ِ‬
‫س ِبيالً)‬ ‫ض َوي ِريدونَ أَن يَت َّ ِخذواْ بَيْنَ ذَ ِل َك َ‬ ‫ض َونَ ْكفر ِببَعْ ٍ‬ ‫َورس ِل ِه َويَقولونَ نؤْ ِمن ِببَ ْع ٍ‬
‫(النساء ‪ ) 121‬أى أنهم يتخذون ذلك سبيال إلى توسيع وتعميق قاعدة الشرك‪،‬يبدأ‬
‫التفريق بالتأليه لشخص الرسول ثم تعميق صفاته اإللهية ‪ ،‬ثم إضافة آلهة أخرى‬
‫معه‪ ،‬أى يبدأ قاعدة الشرك بــ ‪ %1‬شركا تستقطعه من اإلخالص الواجب هلل تعالى‬
‫ن فيكون اإليمان شركة بين هللا والنبى ‪ ،‬يجعلون هلل ‪ %00‬وللنبى ‪ ، %1‬ثم ال‬
‫يلبث أن يتعمق الشرك كما هو حادث األن إلى ‪ %00‬للنبى واألامة واألولياء‬
‫والشيوخ وآل البيت والصحابة والتابعين ‪ ...‬وأقل من ‪ %1‬هلل تعالى ‪ ،‬وكل ذلك‬
‫ينبع من القاعدة الضئيلة (‪ ، )%1‬أى جعل شهادة اإلسالم الواحدة شهادتين‬
‫والتفريق بين الرسل وتفضيل دمحم عليهم ‪.‬‬
‫وهم يتخذون إلى ذلك سبيال أيضا بإختالق األدلة بالتالعب بآيات القرآن الكريم‬
‫ومصطلحاته وبإختراع األحاديث ونسبتها إلى خاتم المرسلين‪،‬وإضافة شهادة ثانية‬
‫إلى شهادة اإلسالم يحتلها دمحم إلى جانب رب العزة ‪ ،‬مع أنه لم تأت شهادة فى‬
‫عقااد اإلسالم فى القرآن الكريم إال فيما يخص رب العزة والقرآن الكريم ‪.‬‬
‫وهو يتخذون إلى ذلك سبيال بإتهام من يقول الحق بأنه يعادى خاتم المرسلين‬
‫دمحما عليه السالم ‪،‬مع أننا أكثر الناس حبا له ألننا نبراه من تلك األكاذيب وألننا‬
‫نتمسل بما كان يتمسك به عليه السالم ونقتدى به فى جهاده فى سبيل ‪ (:‬ال إله إال‬
‫هللا وحده ال شريك له )‪.‬‬

‫رابعا ‪ -:‬ويحسبون أنهم مهتدون ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـــ إذا تحكم الشيطان فى قلب اإلنسان فإنه يجعله يرى الحق باطال والباطل‬
‫حقا‪،‬ويجعله يحسب أنه على الهدى‪(:‬األعراف ‪()31‬النحل ‪()13‬األنعام ‪) 122‬‬
‫(فاطر ‪ ) 2‬ووظيفته أن يزين للمشرك سوء عمله ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـــ وأبناء إبليس وذريته يقترن كل واحد منهم بكل فرد مشرك يزيده ضالال ‪،‬‬
‫ويزين له سوء عمله حتى يحسب أنه على الهدى (الزخرف ‪( ،) 32‬فصلت ‪22‬‬
‫)‪.‬ويصيبه بالعمى العقلى عن ذكر هللا تعالى ‪ .‬يخدعه القرين األبليسى بأن ال شىء‬
‫عليه إذا ذكر األولياء المقدسين واألنبياء مع هللا تعالى‪ ،‬ويتحكم فيه فيجعله يرفض‬
‫ذكر هللا وحده وتعظيمه وحده(الزمر‪() 82‬اإلسراء ‪،) 81‬ويوم القيامة سيتبرأ منه‬
‫ذلك القرين ويتبرأ هو من ذلك القرين (ق ‪ . ) 22-23‬والنجاة من هذا القرين‬
‫الشيطانى هى قراءة وسماع وتدبرالقرآن الكريم وفيه ذكر هللا تعالى‪.‬‬

‫‪ 3‬ـــ وترى مظاهر هذا الخداع من مظاهر الشرك فى الدنيا ‪....‬‬


‫فالمشرك العابد لألولياء وقبورهم المقدسة يعتقد أنهم واسطة تقربهم من هللا تعالى‬
‫وأنه ال بأس بهذا ‪ ،‬دون أن يعلم أنه أضاع إخالصه لربه بما يفعل ( الزمر ‪،) 8-1‬‬
‫وهذا العابد للقبور المقدسة يحسب أنه على الهدى وأنه يحسن صنعا ‪(،‬الكهف‬
‫‪ )118-112‬وهو يعتقد أن شفاعة البشر ستنجيه مهما فعل من معاصى وآثام ‪،‬‬
‫ولذلك ستكون مفاجأة قاسية له يوم القيامة حين يرى من هللا تعالى ما لم يكن‬
‫يحتسب (الزمر ‪.) 82-82‬‬

‫‪ 8‬ــــ ويبدو تعمق هذا الخداع‪ ،‬حين تعرف من القرآن الكريم أن المشرك يموت‬
‫معتقدا أنه على الحق ويظل منخدعا بهذا حتى يوم الحساب ‪،‬إذ يحاور رب العزة‬
‫مصمما أنه لم يكن مشركا (األنعام ‪ ) 28-21‬ويزول عنهم الخداع حين يرون‬
‫أنفسهم على وشك اإللقاء فى النار ‪ ،‬عندها يتمنون فرصةأخرى بال جدوى (األنعام‬
‫‪.) 31- 22‬‬
‫فهل ننتظر هذا المصير ؟!! أم نبادر قبل الموت بتصحيح عقاادنا وعدم اإلصرار‬
‫على الباطل ؟‪.‬‬
‫ختاما ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ نحن نحترم حق كل إنسان فيما يختاره من عقيده ويصمم عليها ‪ ،‬وطالما يصمم‬
‫على عقيدته فال شأن له بهذا المقال ‪ ،‬هذا المقال موجه لمن يريد معرفة الحق ‪،‬‬
‫ولمن أفلح فى تطهير جزء كبير من عقيدته‪ ،‬نقول له بدافع الحب له والحرص على‬
‫مستقبله يوم القيامه أن يعيد التفكير طالبا من هللا تعالى الهداية بإخالص ‪ ،‬ألن‬
‫مشكلة الشرك الكبرى تكمن فى خداع الناس اى يظل صاحب الضالل المؤقت‬
‫مقتنعا أنه على حق ‪ ،‬ويحسب أنه يحسن صنعا ويحسب أنه مهتدى ‪ ،‬ويظل هكذا‬
‫يخدع نفسه دون أن يشعر إلى وقت اإلحتضار حيث ال تجدى التوبة ‪...‬‬

‫اس َمن يَقول آ َمنَّا‬ ‫‪ 2‬ـ ندعو هللا تعالى أال نكون ممن قال فيهم رب العزة ( َو ِمنَ النَّ ِ‬
‫َّللاَ َوالَّذِينَ آ َمنوا َو َما يَ ْخدَعونَ إِالَّ‬ ‫اَّلل َوبِ ْاليَ ْو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر َو َما هم بِمؤْ ِمنِينَ يخَادِعونَ َّ‬ ‫بِ َّ ِ‬
‫سهم َو َما َي ْشعرونَ البقرة ‪. ) 0-2‬‬ ‫أَنف َ‬
‫ندعو هللا تعالى أال نكون ممن إذا قيل لهم (إنه هللا) فيردون (إنه دمحم)‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المقال الخامس‪:‬‬
‫لم يفهم‪ ،‬ولن يفهم‪ ..‬لماذا؟‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أختم بهذا المقال سلسلة مقاالت (التفريق بين الرسل والتفضيل بينهم ‪ ،‬وشهادة‬
‫االسالم الواحدة)‪ .‬وكنت أريد أن يقول المقال السابق (إنه هللا جل وعال ‪..‬ايها‬
‫الناس) هو خاتم المقاالت ‪ ،‬ولكن تعليقا إستفزنى فكتبت هذا المقال للرد النهااى‬
‫عليه وعلى صاحبه ‪،‬أو من كتبه لصاحبه ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ أنقل التعليق بأكمله ثم أرد عليه ‪:‬‬

‫أوال ‪:‬‬
‫يقول التعليق ‪:‬‬
‫ما هو تفسيركم لآلية التالية‪:‬ولو كانوا يؤمنون باهلل والنبي وما انزل اليه ما‬
‫اتخذوهم اولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ‪ .‬الماادة ‪ 21‬الحظ الكالم كان موجها‬
‫لليهود في عصر النبي‪ .‬اآلية تطالبهم باأليمان باهلل و"النبي" وما أنزل اليه أي‬
‫"الرسالة"‪.‬آية واضحة تعني ان تؤمن باهلل تعالى الها واحد‪ ,‬وبالنبي دمحم رسوال هلل‪,‬‬
‫وبما أنزل اليه أي القرآن ‪.‬ولآلية التالية‪:‬انما المؤمنون الذين امنوا باهلل ورسوله‬
‫واذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستاذنوه ان الذين يستاذنونك اولئك‬
‫الذين يؤمنون باهلل ورسوله فاذا استاذنوك لبعض شانهم فاذن لمن شئت منهم‬
‫واستغفر لهم هللا ان هللا غفور رحيم من الواضح أن "ورسوله" هنا معناها النبي‬
‫دمحم‪ ,‬ودليل ذلك هو سياق األستئذان الذي حصل زمن النبي‪.‬الحظ "أنما" وهي أداة‬
‫قصر‪.‬ولآلية التالية‪ :‬قل يا ايها الناس اني رسول هللا اليكم جميعا الذي له ملك‬
‫السماوات واالرض ال اله اال هو يحيي ويميت فامنوا باهلل ورسوله النبي االمي‬
‫الذي يؤمن باهلل وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون اآلية صريحة في أننا علينا أن نؤمن‬
‫باهلل وأن نؤمن برسوله النبي األمي‪ ,‬وأننا علينا أن نتبع الرسول أي النبي‬
‫األمي‪.‬ولآلية التالية‪:‬كيف يهدي هللا قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق‬
‫وجاءهم البينات وهللا ال يهدي القوم الظالمين الحظ "وشهدوا أن الرسول حق"‪.‬‬
‫ومن الواضح ان الرسول هنا هو ليس "القرآن" وأنما الرسول شخصيا‪ .‬أي شهدوا‬
‫بأنه رسول من هللا عز وجل مبلغا لرسالنه اليهم‪ ,‬هذا هو المقصود على حد علمي‬
‫البسيط‪.‬‬
‫َّللا يَ ْعلَم إِنَّ َك‬ ‫كيف تفسر اآلية التالية‪ِ:‬ذَا َجا َء َك ْالمنَافِقونَ قَالوا َن ْش َهد إِنَّ َك لَ َرسول َّ ِ‬
‫َّللا َو َّ‬
‫يل‬
‫س ِب ِ‬‫صدُّوا َعن َ‬ ‫َّللا َي ْش َهد ِإ َّن ْالمنَا ِفقِينَ لَ َكاذِبونَ (‪ )1‬اتَّخَذوا أَ ْي َمانَه ْم جنَّةً فَ َ‬
‫لَ َرسوله َو َّ‬
‫ساء َما َكانوا يَ ْع َملونَ (‪)2‬الحظ التعقيب "أتخدوا أيمانهم جنه"‪.‬هذا اآلية‬ ‫َّللا ِإنَّه ْم َ‬
‫َّ ِ‬
‫تدل بصورة صريحة على أن المسلمين كانوا على زمن الرسول يشهدون‬
‫بالشهادتين‪ ,‬واال فما الذي دفع المنافقين ألن يشهدوا لمحمد بالرسالة اذا كان ذلك‬
‫ليس ضروريا لدخول األسالم آنذاك‪ ,‬وأذا لم تكن هناك شهادتين فكيف تفسر‬
‫"أتخذوا أيمانهم جنة" ‪ ,‬اآلية بالنسبة لعلمي البسيط واضح فهم قد أسدلوا الستار‬
‫على أيمانهم الحقيقي باألشراك بأن أضهروا ماكان يعتبر مضهرا لأليمان آنذاك‪,‬‬
‫وهو الشهادة للرسول بالرسالة‪.‬‬

‫الفكرة األساسية من مقالكم هي فكرة عظيمة‪ ,‬لكن اللهجة التتفق مع لهجة القرآن‪.‬‬
‫لو فرضنا صحة التشدد الموجود في مقالكم‪ ,‬لما قال هللا هذه اآليات اعاله‪ ,‬بل‬
‫ألتهمنا القرآن بأضالل المسلمين وبتوجيههم بأتجاه آخر تماما يؤدي بهم الى الخلود‬
‫في النار‪.‬باألضافة هناك أساليب غير صحيح في المقالة‪.‬الحظ قولكم‪ :‬ـــ سبق أن‬
‫أكدنا أن عمل الصالحات وحده ال يكفى فالبد أن يصدر عن عقيدة ال مجال فيها‬
‫لتقديس المخلوقات ‪ ،‬أى ال تقديس وال عبادة وال دعاء إال هلل تعالى وحده ‪ ،‬وسبق‬
‫التأكيد على أن مصير المشرك أن يحبط هللا عمله الطيب فيكون مصيره الخلود فى‬
‫النار ( النساء ‪(،) 111، 82‬الماادة ‪ .) 22‬ماذا تقصد ب"أكدنا"‪ ,‬هذا األسلوب‬
‫خاطي‪ ,‬ألنه يعطي أنطباع بأنكم تعرف بالضبط ما سيحصل يوم القيامة‪ ,‬وحتى‬
‫لوفرضنا ذلك اليجوز أن تقول "أكدنا" ‪ ,‬لك أن تقول بأن هناك آيات في القرآن‬
‫تشدد على كذا وكذا‪ ,‬ولكن ليس لك أن تقول "أكدنا" وكأنك أنت من يقرر مصير‬
‫هؤالء وليس رب العزة‪.‬‬
‫لهجة المقال متطرفة وشديدة وال تتناسب مع لهجة القرآن الرحيمة الرؤوفة‬
‫بالناس‪.‬ثم ماذا تقصد بنسبة األشراك‪ ,‬وغيرها من المصطلحات وكأن هناك "شرك‬
‫خفي" أو شرك في الالوعي‪ .‬األشراك دااما شيء واضح‪ ,‬والمشرك يعلم قطعا بأنه‬
‫مشرك‪ ,‬اليوجد أشراك خفي أو نسبة أشراك واحد بالمااة ومن هذا القبيل‪ .‬أن هللا‬
‫اليحاسب على شيء اليعلمة األنسان‪ .‬أنت تتكلم عن شيء مثل الشرك خطئا‪ ,‬وأل‬
‫أدري ان كان هناك شيء من هذا القبيل عند هللا‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ فى نهاية مقالى السابق ( إنه هللا جل وعال ‪..‬ايها الناس ) قلت ‪ ( :‬ختاما ‪.‬‬
‫نحن نحترم حق كل إنسان فيما يختاره من عقيده ويصمم عليها ‪ ،‬وطالما يصمم‬
‫على عقيدته فال شأن له بهذا المقال ‪ ،‬هذا المقال موجه لمن يريد معرفة الحق ‪،‬‬
‫ولمن أفلح فى تطهير جزء كبير من عقيدته‪ ،‬نقول له بدافع الحب له والحرص على‬
‫مستقبله يوم القيامه أن يعيد التفكير طالبا من هللا تعالى الهداية بإخالص ‪ ،‬ألن‬
‫مشكلة الشرك الكبرى تكمن فى خداع الناس اى يظل صاحب الضالل المؤقت‬
‫مقتنعا أنه على حق ‪ ،‬ويحسب أنه يحسن صنعا ويحسب أنه مهتدى ‪ ،‬ويظل هكذا‬
‫يخدع نفسه دون أن يشعر إلى وقت اإلحتضار حيث ال تجدى التوبة ‪) ...‬‬

‫إى إن صاحب التعليق طالما يصمم على عقيدته فنحن نحترم حريته العقيدية ‪،‬‬
‫وليس مدعوا للتعليق هنا ألن المقال ال يخاطبه والشأن له به ‪ .‬ولكن صاحبنا أقحم‬
‫نفسه فيما الشأن له به ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ االعتراضات التى جاء بها سبق التعرض لها بما يؤكد انه لم يقرأ ما كتبته ‪،‬أو‬
‫إنه قرأ ولم يفهم ‪ ،‬أو لم يرد أن يفهم ‪.‬وعلى سبيل المثال ‪:‬‬

‫كتبت اكثر من مرة أنه ليس فى االسالم إيمان بشخص ‪ ،‬ولكن االيمان بالوحى‬
‫الذى يصير به هذا الشخص رسوال ‪ ،‬وكتبت مئات المرات أصف دمحما بانه خاتم‬
‫المرسلين وخاتم األنبياء ‪ .‬والمعنى إن االيمان هو بالوحى الذى صار به دمحم نبيا‬
‫ورسوال ‪ ،‬وليس بشخص دمحم ‪.‬‬
‫وأرجو من بعض أهل القرآن أن يحسب كم مرة كررت هذا ‪.‬‬
‫وبالتالى فكالمه هنا عن االيمان باألنبياء يقطع بأنه إما لم يقرأ وإما لم يفهم ‪ .‬وأعيد‬
‫وأكرروأؤكد هنا للمرة األلف إنه ليس فى االسالم مطلقا االيمان بشخص ‪،‬ألن‬
‫االيمان بشخص هو تاليه لهذا الشخص ‪ ،‬ولهذا صار المسلمون (دمحميين ) ألنهم‬
‫آمنوا بشخص دمحم وسيرة دمحم وشفاعة دمحم و معجزات دمحم وكل الخرافات الى‬
‫صنعوها حول دمحم ‪.‬‬
‫ثم بعدها إفترقوا الى عدة أديان أرضية ‪ ،‬منهم سنييون يقدسون ويؤلهون أشخاصا‬
‫آخرين بجانب دمحم مثل الخلفاء الراشدين األربعة وأامة المذاهب الفقهية األربعة‬
‫والبخارى ومسلم وابن تيمية وابن عبد الوهاب وابن فالن وابن فالن ‪ ..‬بينما‬
‫أصحاب الدين الشيعى األرضى فيؤلهون عليا بن أبى طالب و الحسن والحسين‬
‫وعلى زين العابدين وجعفر الصادق وعلى الرضا ‪،‬والسيدة فاطمة و السيدة زينب‬
‫‪..‬ووو ‪ .‬ثم أهل الدين الصوفى فباالضافة الى اآللهة السابقين فلديهم آلهتهم الخاصة‬
‫من أشخاص أمثال الجيالنى والرفاعى و البدوى و الشاذلى و المرسى و الدسوقى‬
‫و الجنيد و الغزالى و ووو‪.‬‬
‫أى بدأ التقديس بشخص واحد ثم إتسع وتعمق ‪.‬‬
‫وهذا هو الفارق بين االسالم والمحمديين على اختالف أديانهم األرضية ‪.‬‬
‫ليس فى االسالم إيمان بشخص وإنما بالوحى الذى صار به هذا الشخص نبيا‬
‫ورسوال‪ .‬أيمان بالنبى والرسول وليس بالشخص نفسه‪.‬‬
‫لو كررت هذا الكالم ألف مرة أخرى فلن يفهم صاحبنا‪.‬‬

‫* ومن المضحك أن استدللت بآيات ( سورة المنافقون ) من قبل فى مقالة ( شهادة‬


‫االسالم واحدة فقط هى ال اله إال هللا ) ‪ ،‬وقلت فى المقال بعد شرح سابق ‪( :‬ومما‬
‫سبق نفهم قوله جل وعال عن المنافقين ‪ِ ( :‬إذَا َجا َء َك ْالمنَا ِفقونَ قَالوا نَ ْش َهد ِإنَّ َك‬
‫َّللا يَ ْش َهد ِإ َّن ْالمنَافِقِينَ لَ َكاذِبونَ اتَّخَذوا أَ ْي َمانَه ْم‬
‫َّللا يَ ْعلَم ِإنَّ َك لَ َرسوله َو َّ‬ ‫لَ َرسول َّ ِ‬
‫َّللا َو َّ‬
‫ساء َما َكانوا يَ ْع َملونَ ) ( المنافقون ‪ .) 2 :1‬فقد‬ ‫َّللا ِإنَّه ْم َ‬
‫يل َّ ِ‬
‫س ِب ِ‬‫صدُّوا َعن َ‬ ‫جنَّةً فَ َ‬
‫حرص المنافقون على المجىء للنبى ليشهدوا أمامه ـ كذبا وخداعا ـ قاالين له (إنك‬
‫لرسول هللا ) ويأتى الرد بأن هللا تعالى يعلم بأنه رسول هللا ‪ ،‬ولكن يشهد هللا جل‬
‫وعال بأن المنافقين كاذبين فى شهادتهم ألنها ال تعبر عن حقيقة ما فى قلوبهم من‬
‫تكذيب للرسول وكفر بالقرآن الكريم وعداء لالسالم‪.‬‬
‫المنافق هو الذى يحتاج الى إشهار إيمانه رهبة أو رغبة ‪ ،‬وهكذا كان يفعلون فى‬
‫حياة النبى دمحم يشهدون له بأنه رسول هللا ‪ ،‬وكان القرآن الكريم ينزل يخبر بما فى‬
‫قلوبهم ‪ ،‬داعيا أحيانا الى أن يتدبروا القرآن الكريم ‪) .‬‬
‫صاحبنا لم يقرأ ‪،‬أو لم يفهم ‪ ،‬ولو كررت هذا الكالم ألف مرة فلن يفهم صاحبنا ‪.‬‬

‫* ومنهج الكتابة فى الدعوة يسمح باالعادة و التكرار و التأكيد ‪ ،‬ليس فقط ألن‬
‫الدعوة تحتاج الى هذا ولكن أيضا ألن الباحث يضطر الى التذكير بقضية جرى‬
‫التعرض لها بالتفصيل من قبل ولكن يحتاج الى االشارة اليها فى مقال آخر فى‬
‫نفس السلسلة ‪ ،‬لذا يعيد التذكير و التاكيد على ما قاله من قبل ليبنى عليه المقال‬
‫الجديد ‪ .‬هذه ضرورة علمية منهجية فى الكتابة البحثية الدعوية ‪.‬‬
‫وهى أيضا ضرورة عقدية إيمانية للباحث المؤمن بما يقول ‪ .‬فإذا كان رب العزة‬
‫يؤكد فى القرآن الكريم أن المشركين هم أصحاب النار وأن الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات هم اصحاب الجنة فإن المؤمن بالقرآن الكريم ال بد أن يؤكد هذه الحقيقة‬
‫ألنه يؤمن بها ‪ .‬وليس تاكيده هنا تدخال فى علم هللا جل وعال ‪ ،‬ألنه ـأى الباحث ـ‬
‫ال يتكلم عن شخص بذاته ولكن عن صفات من االيمان والكفر و عمل الصالحات‬
‫وعمل السيئات ‪ ،‬وهو يكرر وينقل ما قاله رب العزة ‪.‬‬
‫وسبق ان قلنا مرات كثيرة إننا الشأن لنا باألشخاص ولكن بالصفات التى ذكرها‬
‫القرآن الكريم ‪.‬‬
‫ومع أنها قضية معروفة ومفهومة ‪ ،‬فإن صاحبنا يلوم علينا ذلك التاكيد‪.‬‬
‫صاحبنا لم يقرأ ‪،‬أو لم يفهم ‪ ،‬ولو كررت هذا الكالم ألف مرة فلن يفهم صاحبنا ‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬‬
‫ولكن لماذا لم يفهم ولن يفهم صاحبنا ؟‬
‫االجابة فى القصة التالية ‪:‬‬
‫عندما نشرت كتابى األول ( السيد البدوى بين الحقية والخرافة ) عام ‪ 1022‬أحدث‬
‫دويا هااال بين الدواار الصوفية التى تقدس السيد البدوى منذ موته من اكثر من‬
‫ِّ‬
‫أثبت باألدلة‬ ‫سبعة قرون ‪ ،‬وتقيم له مولدا حافال رسميا وشعبيا كل عام ‪ .‬فى كتابى‬
‫أن السيد البدوى كان متآمرا شيعيا تخفى بالتصوف وتزعم حركة لقلب نظام الحكم‬
‫األيوبى فى مصر وإعادة الدولة الفاطمية الشيعية ‪ ،‬فلما فشل اضطر النتحال‬
‫التصوف الى النهاية لينقذ حياته من عتاة الدولة المملوكية الجديدة التى قامت على‬
‫أنقاض الدولة األيوبية ‪.‬‬
‫وسننشر هذا الكتاب فى موقعنا بعونه جل وعال‪.‬‬
‫لم يجد الصوفية وقت ظهور الكتاب وسيلة للرد عليه سوى االشاعات ‪ .‬أشاعوا أن‬
‫السيد البدوى انتقم منى بكراماته فأعمى عينى ‪.‬‬
‫جاء بعضهم يؤكد لى أن السيد البدوى قد أعمى عينى ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬ربما أكون‬
‫الباحث الوحيد الذى ال يرتدى نظارة طبية ( وال أزال بحمده جل وعال ) أالترى‬
‫حمق هذه االشاعة ؟‬
‫كرر نفس المقولة أن السيد البدوى قد أعمانى‪.‬‬ ‫فكان رد صاحبنا أن ِّ‬
‫قلت له ‪ :‬لم يحدث وأنظر لى ‪ !!.‬فكرر نفس الكالم ‪.‬‬
‫عندها تذكرت قوله جل وعال عن المشركين الذين يسيطر الشيطان على قلوبهم‬
‫( َوإِن تَدْعوه ْم إِلَى ْالهدَى الَ يَ ْس َمعواْ َوت ََراه ْم يَنظرونَ إِلَي َْك َوه ْم الَ يب ِ‬
‫ْصرونَ )(‬
‫األعراف ‪. )102‬‬
‫هى نفس حالة صاحبنا ‪ ،‬نرجو له الشفاء ‪.‬‬

‫أخيرا ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أما وصفه المقال بأنه متطرف فهذا يحتاج الى رد منفصل ‪ .‬ليس ردا عليه‬
‫ولكن الثبات حقيقة هى أن عقيدة االسالم ( ال اله إال هللا ) متطرفة فعال ‪ ،‬ولكنه‬
‫تطرف محمود معقول ميسور‪ .‬وأن عقيدة الشرك فعال معتدلة ولكنه إعتدال مذموم‬
‫ِّ‬
‫ومنحط وعسير ‪.‬‬ ‫ووضيع‬

‫‪ 2‬ـ انتظرونا فى المقال القادم بعونه جل وعال‪.‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المقال السادس‪:‬‬
‫التطرف المحمود فى العقيدة االسالمية‬
‫واالعتدال المذموم فى األديان المحمدية‪:‬‬

‫مقدمة عن مفهوم التطرف‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ التطرف مصطلح جديد لم يرد فى القرآن الكريم ‪ ،‬وجىء به حديثا ليدل على‬
‫الوهابية السنية التى استرجعت ثقافة العصور الوسطى الدينية التى كان يتبعها‬
‫المسلمون خصوصا أتباع الدين السنى األرضى منهم‪.‬‬
‫الدولة السعودية بدينها الوهابى هى التى نشرت ( التعصب ) و( التزمت ) و (‬
‫التطرف ) باسم االسالم ‪ ،‬وسرعان ما يتحول التطرف الى ارهاب ‪ ،‬واالرهاب هو‬
‫االخر مصطلح جديد ‪ ،‬يدل على تلك االعتداءات الدنيئة على المدنيين ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يمكن أن نضع مفهوما لغويا للتطرف ماخوذ من أصله اللغوى ‪،‬أى الوصول‬
‫الى نهاية طرف الشىء ‪ .‬أى الى ‪ % 111‬منه ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تطبيق ذلك على االخالق أمر شنيع ألن الشااع أن األخالق الفاضلة تقع فى‬
‫الوسط بين شيئين متناقضين ‪ ،‬كالهما متطرف ‪ ،‬فالكرم وسط بين البخل‬
‫واالسراف ‪ ،‬و الشجاعة وسط بين الجبن و التهور ‪ .‬أى إن التطرف فى مجال‬
‫السلوك يخالف األخالق الحميدة ألن االعتدال هو معيار الفضاال‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ هذا صحيح اسالميا فيما يخص األخالق والعبادات فقط ‪.‬‬
‫فالتوسط أساس فى االنفاق فى سبيل هللا ‪ ،‬وفى االنفاق عموما ( َوالَّذِينَ ِإذَا أَنفَقوا لَ ْم‬
‫يس ِْرفوا َولَ ْم يَ ْقتروا َو َكانَ بَيْنَ ذَ ِل َك قَ َوا ًما ) (الفرقان ‪.) 12‬‬
‫واالسراف مذموم ومنهى عنه فى التعامل مع المال فى الصدقات وفى االنفاق‬
‫ِيرا ِإ َّن ْالمبَذِّ ِِرينَ‬
‫يل َوالَ تبَذ ِّ ِْر تَ ْبذ ً‬
‫سبِ ِ‬‫ت ذَا ْالق ْربَى َحقَّه َو ْال ِم ْسكِينَ َوابْنَ ال َّ‬ ‫العادى ( َوآ ِ‬
‫ورا )( َوالَ تَجْ عَ ْل يَدَ َك َم ْغلولَةً إِلَى‬ ‫ش ْي َ‬
‫طان ِل َربِِّ ِه َكف ً‬ ‫ين َو َكانَ ال َّ‬
‫اط ِ‬‫شيَ ِ‬ ‫َكانواْ إِ ْخ َوانَ ال َّ‬
‫ورا) ( االسراء ‪.) 20 ، 22 : 21‬‬ ‫ْط فَتَ ْقعدَ َملو ًما َّمحْس ً‬ ‫ط َها ك َّل ْالبَس ِ‬ ‫عن ِق َك َوالَ تَبْس ْ‬
‫واالسراف مذموم فى كل األحوال ( َيا َبنِي آدَ َم خذواْ ِزينَتَك ْم ِعندَ ك ِِّل َمس ِْج ٍد َوكلواْ‬
‫َوا ْش َربواْ َوالَ تس ِْرفواْ ِإنَّه الَ ي ِحبُّ ْالمس ِْرفِينَ )( األعراف ‪. ) 31‬‬
‫وسبق التعرض للبخل كأحد مظاهر الكفر السلوكى ‪ .‬فاالسراف والبخل من مظاهر‬
‫الكفر ‪،‬أما االسالم فهو التوسط واالعتدال بينهما ‪.‬‬
‫ولهذا فاالسالم يجعل المسلمين أمة وسطا ( البقرة ‪ ) 183‬فى تعاملهم مع الناس ‪،‬‬
‫وفى المقابل تأتى صفتا االسراف والبخل من مالمح الكفر السلوكى ‪،‬أى تاتى‬
‫كلتاهما مرادفا لمصطلح التطرف فى عصرنا ‪.‬‬
‫ولهذا ايضا يقوم دين االسالم على اليسر والتخفيف ورفع الحرج فيما يخص‬
‫العبادات وفى التعامل مع البشر ‪ ،‬كما ال يؤاخذ هللا تعالى المؤمن عند الخطأ و‬
‫النسيان واالكراه وعدم التعمد‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ولكن كل ذلك الشأن له بعقيدة االسالم (ال اله إال هللا )‬
‫هنا ال مجال لالعتدال ‪ ،‬بل بتعبيرعصرنا ‪ :‬تقوم عقيدة االسالم ( ال اله إال هللا )‬
‫على التطرف‪،‬ولكن فى هذا التطرف ينبع احترام العقل وسموالخلق والتيسير فى‬
‫الدين ‪ ،‬بينما يعنى االعتدال في العقيدة الوقوع فى الشرك ‪ ،‬ويتأسس عليه انحطاط‬
‫عقلى وخلقى ومشقة وتعسير فى الدين ‪.‬‬
‫هذا يستلزم شرحا ‪..‬‬
‫أهال بكم معنا ‪..‬‬
‫أوال ـ (التطرف) فى عقيدة (ال اله إال هللا ) و(االعتدال) فى عقيدة (الشرك )‬

‫‪ 1‬ـ قلنا أن التطرف هو الوصول الى أقصى الطرف ‪ ،‬أى الوصول الى ‪% 111‬‬
‫منه بحيث ال يوجد شىء الى جانبه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وهذا بالضبط معنى االخالص فى العقيدة على نحو ما سبق شرحه فى المقال‬
‫السابق ( إنه هللا عز وجل ‪..‬ايها الناس ) فاالخالص فى العقيدة هلل تعالى رب‬
‫العالمين يعنى أن تكون األلوهية قصرا على رب العزة بدرجة ‪. %111‬‬
‫وهذا ما يأتى التعبير عنه بأسلوب القصر فيما يخص عقيدة ( ال اله إال هللا ) وفيما‬
‫يخص تحديد دور النبى‪ /‬الرسول ‪ ،‬وبشريته بما ال يتخطى حدوده البشرية و تبليغه‬
‫الرسالة ‪ .‬وسبق التوسع فى هذه النقطة فى المقال الثانى من سلسلة (إن ربك هو‬
‫أعلم من يضل عن سبيله )‬
‫فى هذا (التطرف العقيدى ) فى ( ال إله إال هللا ) يكمن السمو العقلى والعقلى‬
‫والتيسير‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ االعتدال فى العقيدة يعنى السماح باالعتقاد فى شركاء مع هللا تعالى فال تكون‬
‫االلوهية والتقديس قصرا عليه وحده بنسبة مااة فى المااة بل بنسبة أقل ‪ ،‬بحيث‬
‫يسمح ويتسع المجال العقيدى (المعتدل) الضافة تقديس المخلوقات الى جانب‬
‫الخالق ‪ ،‬وبذلك تشتهر األديان األرضية بتقديس األنبياء وأصحابهم وحوارييهم‬
‫واألامة واألولياء والشيوخ والقديسيين واألحبار والرهبان ‪..‬الخ ‪..‬‬
‫‪ 8‬ـ فى هذا االعتدال ( العقيدى ) يكمن كل ما يحط باالنسان ويصل به الى أقل‬
‫درجة من الحيوان ‪ ( :‬األعراف ‪ ( )122 : 122‬الفرقان ‪.) 88 : 83‬‬

‫ثانيا ‪ :‬السمو العقلى فى قصر االلوهية على هللا تعالى وحده ‪:‬‬
‫بالعقل المجرد البسيط فال يوجد لنا من خالق إال هللا ‪،‬إذن ليس لنا من اله إال هللا جل‬
‫وعال ‪ .‬التسليم بهذا احترام للعقل ‪ ،‬وعدم التسليم به انحطاط بالعقل ‪.‬‬
‫ونسترجع بعض المالمح القرآنية فى االحتجاج العقلى بموضوع الخلق دليال على‬
‫أنه ال يستحق أن يكون االها للمخلوقا سوى هللا الخالق جل وعال‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ يأتى الموضوع باسلوب القصر ‪ ،‬فكما إنه ال خالق إال هللا إذن فال إله إال هللا ‪،‬‬
‫يقول جل وعال ‪:‬‬
‫ض ال إِلَهَ إِالَّ ه َو ) ( فاطر ‪) 3‬‬ ‫س َماء َواأل َ ْر ِ‬‫َّللا يَ ْرزقكم ِ ِّمنَ ال َّ‬ ‫ق َغيْر َّ ِ‬ ‫(ه َْل ِم ْن خَا ِل ٍ‬
‫‪ 2‬ـ التاكيد على أن تلك اآللهة المزعومة مخلوقة مثل من يعبدها من حمقى البشر ‪،‬‬
‫َّللا الَ‬
‫ون َّ ِ‬‫بل ميتة ال تشعر بموعد بعثها ‪ ،‬كقوله تعالى ( َوالَّذِينَ َيدْعونَ ِمن د ِ‬
‫ش ْيئًا َوه ْم ي ْخلَقونَ أَ ْم َواتٌ َغيْر أَحْ يَاء َو َما يَ ْشعرونَ أَيَّانَ ي ْب َعثونَ ) (النحل‬ ‫يَ ْخلقونَ َ‬
‫‪) 21 : 21‬‬
‫‪ 3‬ـ تحدى الحمقى من البشر الذين يعبدون ويقدسون تلك المخلوقات أن تستطيع‬
‫آلهتهم المزعومة المخلوقة أن تخلق شيئا ‪( :‬ق ْل أَ َرأَيْت ْم ش َر َكا َءكم الَّذِينَ تَدْعونَ ِمن‬
‫ت ) ( فاطر ‪.)81‬‬ ‫س َم َاوا ِ‬‫ض أَ ْم لَه ْم ِش ْركٌ فِي ال َّ‬ ‫َّللا أَرونِي َماذَا َخلَقوا ِمنَ األ َ ْر ِ‬ ‫ون َّ ِ‬‫د ِ‬
‫ض أَ ْم لَه ْم ِش ْركٌ فِي‬ ‫َّللا أَرونِي َماذَا َخلَقوا ِمنَ األ َ ْر ِ‬ ‫(ق ْل أَ َرأَيْتم َّما تَدْعونَ ِمن د ِ‬
‫ون َّ ِ‬
‫ت ) ( االحقاف ‪) 8‬‬ ‫س َم َاوا ِ‬‫ال َّ‬
‫والتأكيد على عجزهم عن خلق ذبابة حتى لو اجتمعوا على ذلك ‪،‬بل لو سلبتهم‬
‫ب َمثَ ٌل فَا ْستَ ِمعوا لَه ِإ َّن‬ ‫الذبابة شيئا فلن يستطيعوا إنقاذه منها (يَا أَيُّ َها النَّاس ض ِر َ‬
‫ش ْيئًا ِّال‬ ‫َّللا لَن يَ ْخلقوا ذبَابًا َولَ ِو اجْ ت َ َمعوا لَه َوإِن يَسْلبْهم الذُّبَاب َ‬ ‫ون َّ ِ‬ ‫الَّذِينَ تَدْعونَ ِمن د ِ‬
‫يز‬ ‫ي َع ِز ٌ‬ ‫َّللا لَقَ ِو ٌّ‬
‫َّللا َح َّق قَد ِْر ِه ِإ َّن َّ َ‬
‫طلوب َما َقدَروا َّ َ‬ ‫الطا ِلب َو ْال َم ْ‬‫ف َّ‬ ‫ضع َ‬ ‫َي ْستَن ِقذوه ِم ْنه َ‬
‫) ( الحج ‪) 28 : 23‬‬
‫‪ 8‬ـ المقارنة بين الخالق جل وعال وتلك اآللهة المزعومة المخلوقة ‪( :‬أَفَ َمن يَ ْخلق‬
‫َك َمن الَّ يَ ْخلق أَفَال تَذَ َّكرونَ ) ( النحل ‪) 12‬‬
‫‪ 2‬ـ ولنترك للقارىء العزيز أن يضع عنوانا لقوله جل وعال ‪(:‬أَ ْم خ ِلقوا ِم ْن َغي ِْر‬
‫ض بَل ِّال يوقِنونَ ) (الطور ‪: 32‬‬ ‫ت َواأل َ ْر َ‬‫س َم َاوا ِ‬ ‫يءٍ أَ ْم هم ْالخَا ِلقونَ أَ ْم َخلَقوا ال َّ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫يءٍ‬‫ش ْ‬ ‫َّللا خَا ِلق ك ِِّل َ‬ ‫َّلل ش َر َكاء َخلَقواْ َكخ َْل ِق ِه فَتَشَابَهَ ْالخ َْلق َعلَ ْي ِه ْم ق ِل َّ‬ ‫‪( ) 31‬أَ ْم َج َعلواْ ِ َّ ِ‬
‫احد ْالقَ َّهار) (الرعد ‪) 11‬‬ ‫َوه َو ْال َو ِ‬
‫‪ 1‬ـ هى اسئلة بسيطة ومباشرة تخاطب العقل ‪ ،‬وتسمو به فى نفس الوقت ‪ ،‬وحين‬
‫يكون الذى يوجِّه هذه األسئلة للعقل البشرى هو هللا جال وعال ففى هذا احترام‬
‫للعقل البشرى وتقدير له يأتى من خالقه جل وعال‪.‬‬
‫وهى فى نفس الوقت أسئلة صعبة وعسيرة على من أهمل عقله وانحط به الى‬
‫مستوى الالعقل ‪ ،‬بدليل أن أكثرية البشر يقدسون البشر والحجر ‪ ،‬وبدليل أن أامة‬
‫المحمديين وقادتهم فى الدنيا والدين (األرضى ) يقدسون البشر من ( دمحم ) الى‬
‫غيره ‪،‬ويتبركون بأحجار القبورواألوثان ‪ ،‬ومنها ذلك القبر الوثن المنسوب لمحمد‬
‫الى أى قبر فى قرية نااية فى بالد ( المسلمين ) ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬االنحطاط العقلى فى االعتدال العقيدى للمشركين الكافرين ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ فى عبادة غير هللا واالستغاثة بغير هللا يتجلى االنحطاط العقلى بكل سوءاته‬
‫وسيئاته ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ لنفترض أن ذلك المخلوق المعبود ال يزال حيا يسعى ‪ ،‬كما يقدس الصوفية‬
‫أولياءهم ‪ ،‬وكما يقدس الشيعة فالنا الذى هو بزعمهم ( آية هللا روح هللا )‪،‬أو كما‬
‫يقدس السنيون أامتهم من الشعراوى سابقا الى القرضاوى حاليا ‪.‬‬
‫هذا المخلوق الحى ( المقدس ) عند أتباعه ال شك أن له جسدا ‪ ،‬وهذا الجسد يحتاج‬
‫الى طعام ‪ ،‬وهذا الطعام يحتاج الى سعى للحصول عليه ‪ ،‬ويحتاج الى هضم ثم‬
‫أمس االفتقار الى هللا جل وعال خالقه ‪.‬‬ ‫الى إخراج ‪ .‬وهو فى كل تلك الحاالت فى ِّ‬
‫(الطعام ) فارق أساس بين الخالق جل وعال وحده والمخلوق ‪ .‬فاهلل جل وعال هو‬
‫الذى (يطعم المخلوقات ) وهو جل وعال ال يطعمه أحد‪ ،‬يقول جل وعال ‪( :‬ق ْل‬
‫طعَم ) ( األنعام ‪18‬‬ ‫ط ِعم َوالَ ي ْ‬ ‫ض َوه َو ي ْ‬ ‫ت َواأل َ ْر ِ‬‫س َم َاوا ِ‬ ‫اط ِر ال َّ‬‫َّللا أَت َّ ِخذ َو ِليًّا فَ ِ‬
‫أَ َغي َْر َّ ِ‬
‫)‪ .‬لذا فكل المخلوقات مفتقرة له وهو الغنى عن العالمين ‪ ،‬ألنه جل وعال هو وحده‬
‫( الصمد )‪.‬‬
‫وألن التقديس فى الشرك والكفر يبدأ بتقديس النبى فقد جاء التأكيد على أن أنبياء‬
‫هللا ورسله هم رجال مثل بقية البشر ‪ ،‬وأنهم ليسوا خالدين ‪ ،‬وأنهم يأكلون الطعام‬
‫وما يعنيه أكل الطعام من نقص بشرى واحتياج للخالق جل وعال ‪ ،‬يقول تعالى عن‬
‫وحي ِإلَ ْي ِه ْم فَاسْأَلواْ أَ ْه َل ال ِذِّ ْك ِر ِإن‬ ‫س ْلنَا قَ ْبلَ َك ِإالَّ ِر َجاالً نُّ ِ‬
‫األنبياء والرسل ‪َ (:‬و َما أَ ْر َ‬
‫ام َو َما َكانوا خَا ِلدِينَ ) ( األنبياء‬ ‫سدًا ِّال يَأْكلونَ َّ‬
‫الط َع َ‬ ‫كنت ْم الَ تَ ْعلَمونَ َو َما َج َع ْلنَاه ْم َج َ‬
‫‪ .) 2 : 2‬وابراهيم عليه السالم خاطب ربه جل وعال فقال (الَّذِي َخلَقَنِي فَه َو يَ ْهد ِ‬
‫ِين‬
‫ط ِعم ِني َو َي ْس ِقي ِن) ( الشعراء ‪ .) 20 : 22‬وفى الرد على من يعبد‬ ‫َوالَّذِي ه َو ي ْ‬
‫المسيح وأمه عليهما السالم قال جل وعال يذ ِّكر ببشريتهما واحتياجهما للطعام حين‬
‫صدِِّيقَةٌ‬ ‫الرسل َوأ ُّمه ِ‬ ‫ت ِمن قَ ْب ِل ِه ُّ‬ ‫كانا احياء‪َّ (:‬ما ْال َمسِيح ابْن َم ْريَ َم إِالَّ َرسو ٌل قَدْ َخلَ ْ‬
‫ت ث َّم انظ ْر أَنَّى يؤْ فَكونَ ) ( الماادة ‪22‬‬ ‫ْف نبَ ِيِّن لَهم اآليَا ِ‬ ‫ام انظ ْر َكي َ‬ ‫طعَ َ‬ ‫الن ال َّ‬‫َكانَا يَأْك ِ‬
‫)‬
‫وألن عالم الغيب و الشهادة جل وعال كان يعرف مقدما أنه سيأتى وقت يقدِّس فيه‬
‫المحمديون دمحما بمثل ما يقدس به المسيحيون المسيح فقد جاء التاكيد فى سورة‬
‫مكية على احتياج دمحم خاتم المرسلين للطعام وسعيه للحصول عليه شأن األنبياء‬
‫السابقين‪ ،‬إذ كان خاتم المرسلين يأكل الطعام ويمشى فى األسواق فتندر عليه‬
‫ق) وجاء الرد‬ ‫ام َويَ ْمشِي فِي األَس َْوا ِ‬ ‫ول يَأْكل َّ‬
‫الط َع َ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ال َهذَا َّ‬ ‫المشركون ‪َ ( :‬وقَالوا َم ِ‬
‫سلِينَ إِالَّ إِنَّه ْم‬‫س ْلنَا قَ ْبلَ َك ِمنَ ْالم ْر َ‬ ‫من هللا جل وعال ‪ ،‬ومنه قول الرحمن ‪َ (:‬و َما أَ ْر َ‬
‫ق)(الفرقان‪.) 21 ، 2‬‬ ‫ام َويَ ْمشونَ فِي األَس َْوا ِ‬ ‫لَيَأْكلونَ َّ‬
‫الطعَ َ‬
‫االن تخيل جسد النبى البشرى مثل جسدك بأجهزته التناسلية والحيوية من إخراج‬
‫بول وبراز ‪ ،‬وتخيل العمليات الحيوية التى يقوم بها هذا الجسد للنبى ولك ‪ ،‬ومنها‬
‫العملية الجنسية ‪ ،‬فاألنبياء مثلى ومثلك كانوا يتزوجون ويتناسلون ‪ ،‬وينامون مع‬
‫نسااهم كما تفعل سيادتك ‪ ،‬وهللا جل وعال يقول عنهم فى هذه النقطة بالذات‪َ (:‬ولَقَدْ‬
‫س ْلنَا رسالً ِ ِّمن قَ ْب ِل َك َو َج َع ْلنَا لَه ْم أَ ْز َوا ًجا َوذ ِ ِّريَّةً )(الرعد ‪ ) 32‬أى كان لهم‬
‫أَ ْر َ‬
‫زوجات ‪ ،‬وأنجبوا منهن ذرية ‪ ،‬وتلك حقااق عقلية بسيطة ومباشرة ‪ ،‬ويمكن أن‬
‫تتخيل كيف ينجب النبى من زوجته بنفس اللقاء الجنسى ( الحيوانى ) الذى تنجب‬
‫به أنت وينجب به كبار المجرمين وعتاة الظالمين ‪ .‬هو نفس الجسد‪،‬وهى نفس‬
‫الشهوة العاصفة الجسدية الحسية التى ينسى فيها ابن آدم عقله واحترامه لنفسه ‪،‬‬
‫وكلنا نفس البشر ‪ ،‬فكيف يكون هناك تقديس لهذا الجسد وتأليه له على األجساد‬
‫األخرى وهى من نفس الطينة ؟‬
‫ثم األمراض التى تصيب ذلك الجسد البشرى للنبى أو لغيره ‪ ،‬منها ما يخص‬
‫الطعام والشراب كالمغص واالسهال و االمساك ‪،‬و منها ما يأتى بعوامل أخرى‬
‫بنفس ما يحدث لى ولك وله ولها‪ .‬تخيل النبى وهو يعانى من االسهال أو االمساك‬
‫أو وهو يخرج الريح بصوت أو بدون صوت ‪،‬أو وهو يذهب للتبول و التبرز‪ .‬ال بد‬
‫أن تتخيل كل هذا للنبى لتتأكد من بشريته وأنه مخلوق له جسد ينتمى لالرض مثلك‬
‫‪ ،‬وأنه ال يمكن أن يكون مقدسا بأى حال ‪.‬‬
‫ثم فى النهاية يموت جسد النبى ‪،‬ويتحول الجسد الميت نفسه الى ( طعام )‬
‫لألالرض التى جاء منها ( طه ‪ .)22‬تعتري جسد النبى ما تعترى أجساد البشر‬
‫حين تتحول بالموت الى (سوأة ) تسىء الناظرين‪،‬وال بد من إخفااها عن أعين‬
‫الناظرين وأنوفهم إكراما لصاحبها الذى عادت نفسه للبرزخ‪ ،‬يستوى إن كان نبيا‬
‫من المرسلين أو من عتاة المجرمين‪ .‬تخيل ما حدث لجسد النبى بعد الموت وهو‬
‫مدفون فى التراب ‪ ،‬حين يتصلب الجسد ثم ينفجر ‪ ،‬ثم ترتع فيه الديدان ‪ ،‬ثم تأكله‬
‫الى أن تنتهى األنسجة ‪ ،‬وتبقى العظام ‪ ،‬وتتحول فى النهاية الى تراب‪ .‬نفس الموت‬
‫الذى حل ويحل بالجميع ‪ .‬حين تتخيل ذلك كله بهدى القرآن الكريم تعرف الى أى‬
‫حد ينحط المشركون بهجر العقل حين يركع أحدهم أو يسجد أو يقف قانتا أمام قبر‬
‫مقدس منسوب لنبى أو ولى ‪..‬‬
‫‪ 3‬ـ ثم ‪ :‬ماذا يقدسون وماذا يخاطبون ‪ ،‬وبمن يستغيثون ؟ هل بالجثة المدفونة و‬
‫الجسد الرميم ؟‬
‫سيقال ‪ :‬إنهم يعتقدون حياته فى قبره‪ .‬أى يحكمون عليه بالسجن فى زنزانة ضيقة‬
‫تحت األرض الى أن تقوم الساعة ‪ ،‬ثم تكون أقدامهم فوقه وهو تحت أقدامهم فى‬
‫األرض ‪.‬أهذا تقديس أم تجريس ؟ إهذا إحترام وإكبار أم استهزاء و احتقار ؟ ‪ ..‬ال‬
‫يوجد عقل هنا ‪،‬بل انحطاط فى العقل‪.‬‬
‫ثم تخيل وهم يستغيثون به يطلبون منه المدد معتقدين حياته البرزخية وقدراته (‬
‫الجهنمية ) ثم فجأة يخرج عليهم من القبر فاتحا ذراعيه ؟ هل سيبقون فى مكانهم‬
‫يستقبلونه أم يولون األدبار ؟ ‪ ..‬هل بعد هذا انحطاط فى العقل ‪.‬‬
‫اين العقل فى وجود كثير من األضرحة المقدسة للحسين فى مصر والعراق و‬
‫الشام؟ ويشترك فى تقديسها الشيعة و الصوفية وعوام السنة ‪..‬المضحك أن كل‬
‫ِّ‬
‫انحط‬ ‫مشهد للحسين يزعم أن بداخله (رأس الحسين )؟ ونتساءل لندرك الهوة التى‬
‫اليها عقل المحمديين ‪ :‬كم عدد الرءوس التى كانت للحسين ؟ أشهر قبر مقدس‬
‫للحسين هو الذى أقامته الدولة الفاطمية فى القاهرة قبيل أن تسقط تلك الدولة ‪ ،‬لم‬
‫تفكر فى رأس الحسين وهى تبنى القاهرة عاصمة لها ‪ ،‬او حين بنت األزهر‬
‫جامعة لها ‪ ،‬ولكن اضطرت لهذه الخدعة وهى تلفظ أنفاسها وحين انحسرت‬
‫الدعوة الشيعية فى مصر فقام الوزير األفضل بانشاء هذا الوثن ليعيد بعض النفوذ‬
‫لخالفة شيعية تحتضر‪ .‬وسقطت الدولة الفاطمية وتحولت الى متحف التاريخ ‪،‬‬
‫ولكن ظل ضريح الحسين شاهدا وعنوانا على انحطاط العقل لدى المسلمين‬
‫المحمديين فى مصر(المعتدلين فى عقيدتهم )‬
‫ال توجد رأس للحسين فى أى مشهد من تلك المشاهد المقامة على رأسه‬
‫‪،‬أو(رءوسه) ‪ .‬ولكن تخيل أن رأسه بالفعل مدفونة فى ذلك المشهد أو ذاك ؟ ماذا‬
‫بقى من تلك الرأس ؟ مجرد جمجمة أم رأس كاملة ؟ وهل يمكن أن تظل حية بدون‬
‫جسد بعد مفارقة جسدها فى كربالء ؟ لنقل أنها رأس حية بدون جسد وتتكلم‬
‫وتمشى ( ال أعرف كيف ) ولكن دعنا نتخيل هذا الهراء فى وجود رأس حية بال‬
‫جسد ‪ .‬هل لو خرجت تلك الرأس لنا ورأيناها هل سنستقبلها باالحضان ؟ وكيف‬
‫تحتضن رأسا بالجسد ؟ ام هل نفر منها فرارا ‪ ،‬فنجعلها تبكى ؟ وكيف حينئذ‬
‫ستبكى ؟‪ .‬لنتخيل تلك الرأس الحية تحت الرماد ولها كرامات ‪ ،‬فأين كانت كراماتها‬
‫حين قطعها سيف األمويين فى كربالء ؟ لو كانت مقدسة الستعصت على القطع‬
‫والذبح ‪ ،‬ولكن قطعها سيف حديدى وبالتالى فاألولى منها بالتقديس هو ذلك السيف‬
‫الذى انتصر عليها ‪.‬‬
‫ثم لنفترض أن الحسين بكامل جسده يعيش بيننا حيا فما الذى يستطيع أن يفعله لنا ‪،‬‬
‫وهو الذى لم يستطع أن ينجح فى ثورته ‪ ،‬وهو الذى خدعه أنصاره واستقدموه من‬
‫مأمنه الى مقتله ؟ وهل يكون للحسين شىء فى تصريف ملك هللا جل وعال ‪ ،‬فى‬
‫ي ٌء ) ( آل‬ ‫ْس لَ َك ِمنَ األ َ ْم ِر َ‬
‫ش ْ‬ ‫الوقت الذى ليس فيه لجده دمحم عليه السالم ‪( :‬لَي َ‬
‫عمران ‪.)122‬‬
‫‪ 8‬ـ أى هى فى النهاية عبادة ليست لرماد ميت أو لرأس ال وجود لها ‪ ،‬هى فى‬
‫الواقع عبادة ألحجار الضريح وما يضاف اليها من زجاج وأسالك واقمشة ملونة‪،‬‬
‫وكل ما يتبرك بلمسه العابدون للمشهد او الضريح او القبر المقدس‪ .‬بايجاز هى‬
‫عبادة لألوثان ‪.‬‬
‫ماذا يعنى هذا عقال ‪:‬إن هللا جل وعال قد سخر لنا مواد الطبيعة التى نسير عليها‬
‫باقدامنا ‪ ،‬ونتبول فوقها ونتبرز ‪ ،‬وتتحول الى قاذورات ‪ ،‬مهما اختلفت أنواعها من‬
‫تراب وصخور وأخشاب ونبات ‪..‬الخ ‪ ..‬ثم بدال من أن نمشى عليها بارجلنا نصنع‬
‫منها آلهة مقدسة فى شكل قبر مقدس ‪ ،‬ونزعم أن تحت القبر رأس فالن أو جثة‬
‫عالن ‪ ،‬وكل التبرك والتقديس يذهب لالحجار ‪ ،‬وكل القرابين والنذور واألموال‬
‫تذهب الى جيوب سدنة المعبد واهل االحتيال‪.‬‬
‫باختصار يعبد المحمديون ما ينحتون ‪ ،‬ونقول لهم ما قاله ابراهيم عليه السالم‬
‫َّللا أَ ْوثَانًا َوت َْخلقونَ ِإ ْف ًكا ) (‬
‫ون َّ ِ‬‫لقومه منذ عشرات القرون ‪ِ (:‬إنَّ َما تَ ْعبدونَ ِمن د ِ‬
‫َّللا َخلَقَك ْم َو َما تَ ْع َملونَ ) ( الصافات ‪: 02‬‬ ‫ال أَتَ ْعبدونَ َما تَنْ ِحتونَ َو َّ‬
‫العنكبوت ‪() 12‬قَ َ‬
‫‪.) 01‬‬
‫‪ 2‬ـ ثم هذه القرابين وتلك النذور على تلك األوثان إنحطاط عقلى آخر فى ذلك‬
‫االعتدال العقيدى لدى المحمديين ‪ .‬هذا ( المحمدى ) تراه يقظا واعيا فى كل ما‬
‫يخص دنياه من عمل وعالقات وبيع وشراء وشئون مالية واقتصالدية ‪ ،‬هنا يكون‬
‫من الصعب خداعه ‪ .‬ولكنه فى مجال العقااد ينحط ويرضى بأن يكون مخدوعا ‪.‬‬
‫لو ذهب لشراء سلعة تجده يبحث عن األجود واألرخص سعرا ‪ ،‬ثم يساوم الى أن‬
‫يفوز بما يريد أو بعض ما يريد ‪ .‬لكنه أمام الوثن المقدس يعطى األموال نذرا‬
‫وقربانا دون أن يسأل نفسه ‪ :‬هل تلك األموال تذهب فعال الى االله المقدس المدفون‬
‫أم يلتهمها سدنة المعبد وهم يتندرون عليه؟‬
‫حقيقة األمر أن الذى يدفع األموال للوثن ووللولى المدفون ال علم له بحقيقة ذلك‬
‫الوثن وصاحب ذلك الوثن ‪ ،‬واسمه وحياته وتاريخه ‪ .‬الذى يدفع النذور لقبر السيد‬
‫البدوى فى طنطا ال يعرف االسم الحقيقى للسيد البدوى ‪ ،‬وأنه أحمد بن على بن‬
‫ابراهيم ‪ ،‬وال يعرف أن السيد البدوى و شيخ العرب وغيرها من ألقاب قد تم‬
‫إطالقها عليه بعد موته‪،‬أى أنه مات دون أن يدرى عنها شيئا‪.‬الذين يعبدون قبر أبى‬
‫الحسن الشاذلى فى ( حميثرا ) على البحر األحمر ال يعرفون شيئا عن حقيقة أبى‬
‫الحسن الشاذلى سوى الخرافات المكتوبة عنه ‪ ،‬حتى حين يستغيثون به ال يعرفون‬
‫أن إسمه الحقيقى هو ( على بن عبد الجبار)‪ .‬والذين يطوفون حول وثن الحسين فى‬
‫المشهد الحسنى بالقاهرة ال يعلمون أنه ال يوجد شىء فى القبر ‪ ،‬وأنها كذبة كبرى‬
‫استمرت تخدع المصرين وال تزال شاهدة على انحطاط عقلى أريد له االستمرار‬
‫ألغراض سياسية و مالية ‪.‬كل ذلك يعبر عنه رب العزة فى إيجاز واعجاز فى قوله‬
‫َاَّلل لَتسْأَل َّن َع َّما كنت ْم‬
‫َصيبًا ِ ِّم َّما َرزَ ْقنَاه ْم ت َّ ِ‬‫جل وعال ‪َ ( :‬ويَجْ عَلونَ ِل َما الَ يَ ْعلَمونَ ن ِ‬
‫تَ ْفتَرونَ ) ( النحل ‪ .) 21‬أرجوكم التدبر فى هذه االية الكريمة‪.‬‬
‫ذلك مجرد ملمح من مالمح الخبل العقلى لدى االعتدال فى العقيدة الكافرة المشركة‬
‫رابعا ‪ :‬السمو الخلقى فى العقيدة االسالمية وعكسه فى عقااد المحمديين ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ايهما األكرم لك ‪ :‬أن تكون عبدا هلل جل وعال وحده ‪ ،‬وهو خالقك وهو الذى‬
‫سيحاسبك يوم الدين أم تكون عبدا لمخلوق مثلك ؟ أيهما األكرم لك ‪ :‬أن تسجد‬
‫وتركع هلل جل وعال وحده ألنه خالقك وحده أم أن تخشع وتسجد وتركع لمواد بناء‬
‫من طوب ورمل و اسمنت واحجار وزجاج وأخشاب وأقمشة ملونة مزركشة ‪،‬‬
‫صنعها إنسان مثلك ليخدعك و يستخف بعقلك ؟‬
‫أيها األكرم لك ‪ :‬أن يكون لك اله واحد الشريك معه ‪ ،‬وهو الخالق لك ولغيرك ‪،‬أم‬
‫أن تتعدد وتتكاثر آلهتك فبدال من أألن تكون (عبد هللا ) تكون عبد النبى وعبد‬
‫الرسول وعبد الحسين وعبد على وعبد الصالحين وعبد المسيح ‪..‬الخ ؟‬
‫كيف تكون لك كرامة إذا إخترت بكامل حريتك مخلوقا مثلك ليكون االها لك ؟‬
‫وهو مثلك ال يملك لنفسه نفعا وال ضرا وال موتا وال حياة وال نشورا ؟‪ .‬أراد هللا‬
‫جل وعال لك العزة والكرامة وأردت لنفسك المهانة و الحقارة ‪ .‬وصدق هللا العلى‬
‫َّلل ْال ِع َّزة َو ِل َرسو ِل ِه َو ِل ْلمؤْ ِمنِينَ َولَ ِك َّن ْالمنَافِقِينَ ال يَ ْعلَمونَ ) (المنافقون ‪) 2‬‬ ‫العظيم‪َ (:‬و ِ َّ ِ‬
‫كرم هللا جل وعال بنى آدم ( َولَقَدْ َك َّر ْمنَا َب ِني آدَ َم َو َح َم ْلنَاه ْم ِفي ْال َب ِ ِّر‬ ‫وتأمل كيف ِّ‬
‫ضيالً ) ( االسراء‬ ‫ت َوفَض َّْلنَاه ْم َعلَى َكثِ ٍ‬
‫ير ِ ِّم َّم ْن َخلَ ْقنَا تَ ْف ِ‬ ‫َو ْال َبحْ ِر َو َرزَ ْقنَاهم ِ ِّمنَ َّ‬
‫الط ِيِّ َبا ِ‬
‫‪ )21‬ثم كيف أوقع أبناء آدم بأنفسهم االسترقاق الطوعى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ لذا ترتبط سيادة الدين االرضى على شعب ما بأن يكون هذا الشعب خانعا‬
‫لسلطة سياسية مستبدة طاغية ‪ ،‬تحكم مباشرة بالدين األرضى ( مثل والية الفقيه )‬
‫أو تستخدم الدين االرضى فى تثبيت طغيانها كما تفعل نظم الحكم االستبدادية فى‬
‫بالد ( المحمديين )‪ .‬فطالما رضى الناس بخنوعهم أمام شباك ضريح ‪ ،‬وطالما‬
‫ركعوا وسجدوا أمام أعتاب القبور المقدسة ‪ ،‬وطالما شاع فيهم المثل الشعبى فى‬
‫العصر المملوكى ( من زار األعتاب ما خاب ) فمن السهل عليهم الخنوع و‬
‫الخضوع لحاكم مستبد يذيقهم النكال ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وال يقتصر األمر على ذلك ‪ ،‬فهناك األفظع فى التردى الخلقى ‪ ،‬وهو تشريع‬
‫العدوان فى الدين السنى و تشريع االنحالل فى الدين الصوفى ‪ ،‬ولست متخصصا‬
‫فى الدين الشيعى ألعطى مثال منه‪ ،‬وأطلب من المتخصصين تعليمنا بأمثلة منه ‪.‬‬
‫يل َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫س ِب ِ‬ ‫فى االسالم ‪ :‬يقول جل وعال فى تشريع القتال فى االسالم ‪َ ( :‬وقَاتِلواْ فِي َ‬
‫َّللا الَ ي ِحبُّ ْالم ْعتَدِينَ ) (البقرة ‪ .) 101‬القتال هنا مقيد‬ ‫الَّذِينَ يقَاتِلونَك ْم َوالَ تَ ْعتَدواْ ِإ َّن َّ َ‬
‫بكونه فى الدفاع فقط وعدم االعتداء ‪.‬‬
‫فى الدين السِّنى األرضى ‪ ،‬ينسبون للنبى دمحم عليه السالم قوله‪ ( :‬أمرت أن أقاتل‬
‫الناس حتى يقولوا ال اله إال هللا وأننى رسول هللا )‪ .‬هنا أمر بالقتال الكراه الناس‬
‫على الدخول فى الدين المحمدى ‪ .‬هذا إعتداء على الغير ‪ ،‬وهللا جل وعال ال يحب‬
‫المعتدين‪ .‬والسنيون أبرز المعتدين ‪.‬‬
‫فى الدين األرضى الصوفى ‪ ،‬يتحول الجهاد المعتدى العنيف فى الدين السِّنى الى‬
‫جهاد وديع مسالم تحت عنوان ( جهاد النفس ) ‪ .‬وممارسة جهاد النفس عمليا كان‬
‫يعنى فى العصر المملوكى أن يعيش الصوفية داخل الخوانق واألربطة والزوايا و‬
‫القباب و المساجد بال عمل سوى ممارسة (الذكر ) أى الرقص ‪ ،‬والوجد (أى‬
‫الغناء ) و القول بالشاهد على جمال هللا (أى ممارسة الشذوذ الجنسى فرديا أو‬
‫جماعيا ) وتسهيل الدعارة بكل أنواعها داخل وخارج المؤسسة الصوفية ( أى‬
‫القيادة ) وتدخين الحشيش (أى السطلة والسِّكر ) ‪ ،‬ثم يزعمون أنهم قد اتحدوا باهلل‬
‫جل وعال وصاروا جزءا منه وفق عقااد الحلول واالتحاد الصوفية ‪.‬‬
‫هذا هو جهاد النفس عندهم ‪ ،‬وتفصيله سيأتى فى الجزء الثالث من موسوعة‬
‫التصوف ‪ ،‬والتى سننشرها متاحة على موقعنا بعونه تعالى ‪ .‬ونضطر ـ آسفين ـ‬
‫لنقل ما قاله المقريزى كشاهد عيان على جهاد الصوفية فى عصره‪ .‬ونعتذر مجددا‬
‫على األلفاظ الصريحة فى النص ولكن ال بد من إثباتها للتعرف على إنحطاط‬
‫العصر المملوكى خلقيا ‪ :‬يقول المقريزى فى (الخطط المقريزية ‪ ،‬الجزء الثالث ) ‪:‬‬
‫(قال مؤلفه‪ :‬ذهب وهللا ما هنالك ‪ ،‬وصارت الصوفية كما قال الشيخ فتح الدين دمحم‬
‫بن دمحم بن سيد الناس اليعمري‪:‬‬
‫بغير زيادَ ْه‪.‬‬ ‫ما شروط الصوفي في عصرنا اليو َم سوى ستة ِ‬
‫والرقص والغنا والقياد ْه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كر والسطل ِة‬ ‫وهي نيك العلوق والس ِ‬
‫ً‬
‫وحلوال من جه ِل ِه أو أعاد ْه‪.‬‬ ‫واذا ما هذى وابدى اتحادًا‬
‫عا فهو شيخ الشيوخ ذو السجَّادَ ْه‪.‬‬ ‫عقال وشر ً‬‫ت ً‬ ‫واتى المنكرا ِ‬
‫ثم تالشى اآلن حال الصوفية ومشايخها ‪ ،‬حتى صاروا من سقط المتاع‪ ،‬ال ينسبون‬
‫الى علم وال ديانة‪ ..‬والى هللا المشتكى‪.) !!.‬‬
‫هنا لدينا أنواع ثالثة من تشريع الجهاد والقتال ‪ :‬تشريع االهى واضح بالقتال‬
‫الدفاعى فقط وتحريم االعتداء ‪ ،‬وهذا فى االسالم‪ .‬وتشريع ارضى سنى باالعتداء‬
‫على الغير الرغامهم على الدخول فى الدين األرضى وقول ( الشهادتين ) ‪ ،‬ثم‬
‫تشريع الجهاد الظريف الممتع للصوفية ‪ ،‬حين يتخذ شيخ الشيوخ ذو السجادة من‬
‫سجادته فراشا ليس للصالة بل لممارسة الشذوذ الفردى والجماعى ‪..‬‬
‫هذا ملمح من الفوارق الخلقية بين التطرف المحمود فى العقيدة االسالمية و‬
‫االعتدال المرذول فى عقااد المحمديين ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬التيسير والتعسير بين تطرف العقيدة االسالمية واعتدال العقااد المحمدية‬
‫‪ 1‬ـ لنفترض وجود عبد مملوك لثالثة من الشركاء كل منهم يملك فيه جزءا‪ ،‬وهم‬
‫شركاء متنازعون متشاكسون ‪ .‬كيف سيكون حال هذا العبد المملوك المسكين ؟‬
‫سيكون فى أسوأ حال ‪ .‬سيقول له سيده رقم ‪ 1‬افعل كذا ويهدده بالعقاب ‪ ،‬وردا‬
‫عليه سقول له سيده رقم ‪ 2‬ال تفعل هذا ‪ ،‬ويهدده بالعقاب ‪ ،‬ويأتى سيده رقم ‪ 3‬برأى‬
‫مخالف ويهدد العبد المسكين إن لم يفعله ‪ .‬هذا العبد المملوك هنا يعانى تعاسة ال‬
‫مثيل لها ‪ .‬وتخيل وجود عبد مملوك لشخص واحد ‪ ،‬يقول رأيا واحدا ‪ ،‬وطريقته‬
‫معروفة ومفهومة ‪ ..‬هذا العبد هنا يعيش فى يسر وسهولة ‪ .‬هذا هو معنى قوله جل‬
‫سلَ ًما ِلِّ َرج ٍل ه َْل‬
‫َّللا َمثَالً َّرجالً فِي ِه ش َر َكاء متَشَا ِكسونَ َو َرجالً َ‬
‫ب َّ‬‫ض َر َ‬
‫وعال ‪َ ( :‬‬
‫ان َمثَالً) (الزمر ‪.) 20‬‬‫يَ ْستَ ِويَ ِ‬
‫من فضل هللا جل وعال أن جعل لنا كتابا محددا ‪ ،‬له بداية وله نهاية ‪ ،‬ويتكون من‬
‫سور معلومة ‪ ،‬وكل سورة تتكون من آيات مرقمة ‪ .‬ثم إن كل االيات ميسرة للذكر‬
‫لمن أراد الهداية ‪ ،‬وفى كلها مجال لمن أراد التوسع المعرفى ‪ .‬هذا هو التيسير فى‬
‫التطرف العقيدى االسلالمى ‪ ،‬حيث يوجد كتاب واحد وحيد جعله هللا جل وعال‬
‫ميسرا للذكر‪.‬‬
‫المحمديون فى الجانب المقابل ( المعتدل )‪ ،‬لهم كتبهم المقدسة فى العقااد و‬
‫الشرااع ‪ ،‬هى كتب لها أول ولكن ليس لها آخر ‪ .‬ال يمكن للمحمدى أن يتعرف‬
‫على كل تلك الكتب المقدسة‪ .‬كلها تتناقض مع بعضها تبعا للدين األرضى ( سنة ‪،‬‬
‫شيعة ‪ ،‬تصوف ) وفى داخل كل دين منها تختلف حسب كل مذهب أوطاافة‬
‫أوطريقة ‪ ،‬بل فى داخل الكتاب الواحد تجد اختالفا فى الروايات وتناقضا فى‬
‫اآلراء‪ .‬أيها األسهل ‪ :‬الرجوع الى كتاب واحد هو القرآن الكريم ؟ أم االتجاه الى‬
‫كتب التراث لتتوه بينها الى ما ال نهاية‪!!.‬‬
‫أخيرا ‪ ..‬كما قال المقريزى‪( ..‬الى هللا المشتكى‪.)!!.‬‬

You might also like