You are on page 1of 364

‫لن أسري وحدي‬

‫لن أسير وحدي!‬

‫ومواقف حياتيّة ٍ واقعيّة ٍ‬


‫ُ‬ ‫قصص‬
‫ٌ‬

‫الشباب والمراهقة ِ‬
‫ِ‬ ‫ق وأوضح َ لمرحلة ِ‬
‫لفهمٍ أعم َ‬

‫س البشر ي ّة‬
‫والنف ِ‬

‫تأليف‪ :‬أمل طعمة‬

‫‪1‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪2‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫بسمِ اهللِ الرّمحنِ الرّحيم‬

‫ﭽ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ‬
‫الشعراء‪٢2 :‬‬

‫ﭽﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﭼ‬

‫سورة القيامة‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬

‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡ ﭼ‬

‫سورة العصر‬

‫عرف رب ّه"‬
‫َ‬ ‫عرف نفسه ُ فقد‬
‫َ‬ ‫ق ِيل ‪" :‬م َن‬

‫‪3‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حب ووفاء‬
‫ٌ‬

‫حب فاتّ جه قلبي إليه‪.‬‬


‫بساط ال ِّ‬
‫َ‬ ‫ل أن أعرفه‪ ،‬وم ّد إليّ‬
‫إلى الذي دل ّني عليه قب َ‬

‫والمؤنس الخالد‪ ،‬إلى سي ّدي‬


‫ِ‬ ‫حبيب الباقي‪،‬‬
‫ل‪ ،‬إلى ال ِ‬
‫صاحب الأمر ِ والفض ِ‬
‫ِ‬ ‫إلى‬

‫ومولايَ وخالق َي الذي إليه ِ مآلي ومصيري‪.‬‬

‫حب‬ ‫صاحب اليدِ البيضاء ِ في معرفة ِ ِّ‬


‫رب العبادِ‪ ،‬إلى الذي علّم َنا معاني َ ال ِّ‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬

‫س ومداخل َها‪،‬‬
‫حق والخ ير‪ ،‬وألهم َنا طرقَ معرفة ِ النف ِ‬ ‫والوفاء ِ‪ ،‬ودل ّنا على طر ي ِ‬
‫ق ال ّ ِ‬

‫ل طاقاتِها‪ ...‬إليك سيدي رسول الل ّه ‪. ‬‬


‫وقيادتَها وتفعي َ‬

‫ق ومصابيح َها‬
‫علامات الطر ي ِ‬
‫ِ‬ ‫حب الل ّه ِ ومعرفت َه ُ‪ ،‬ووض َع‬
‫ّ‬ ‫ل في ّ‬
‫ل م َن أشع َ‬
‫إلى ك ّ ِ‬
‫ل الواقع‪.‬‬
‫غياهب الظلا ِم وثق ِ‬
‫ِ‬ ‫وسط‬
‫َ‬

‫كلمات العطاء ِ والوفاء‪.‬‬


‫ِ‬ ‫طرتُ‬
‫إلى م َن كانا سببا ًلوجودي‪ ،‬وبصبر ِهما وعطائِهما س ّ‬

‫وأخص رفيقة َ دربي‪ ،‬والسند َ المتينَ في مسيرة ِ حياتي‪ ،‬ودفعي في طر يق الحق‬


‫ّ‬

‫والخ ير‪ ،‬إلى من كانت لمساتُها الحانية ُ معينا ً ومؤازرا ً في ظهور هذا الكتاب‪،‬‬

‫وكانت كلماتُها العطرة ُ مسلّيا ً وأنيسا ً‪ ...‬إليك أمي‪.‬‬

‫ي أو روحيّ‪ ،‬وكانَ لعب َر َاته ِ دفء ٌ ودف ٌع‪،‬‬


‫ل عليّ‪ ،‬في مددٍ مادّ ّ ٍ‬
‫ل م َن له َ فض ٌ‬
‫إلى ك ّ ِ‬
‫ولدعائ ِه ِ أثر ٌ وفعل‪.‬‬

‫سه ِ‪ ،‬ليقود َها نحو َ معال ِم الع ُلا والسعادة‪.‬‬


‫ل حائر ٍ يريد ُ أن يسبر َ أغوار َ نف ِ‬
‫إلى ك ّ ِ‬
‫إليكم جميعا ً أهدي ‪...‬‬

‫‪4‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫بس ِم الل ّه ِ الر ّحم ِ‬


‫ن الر ّحيم‬

‫لماذا " لن أسير َ وحدي " !‬

‫في ليلة ٍ شديدة ٍ البرودة ِ‪ ،‬اكتسَت حل ّت ُها لونا ً رمادي ّا ً حت ّى قاربَ‬

‫مؤنس‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ق‪ ،‬ولا‬
‫السواد َ‪ ،‬بلا رفي ٍ‬

‫ل الدفء ُ عبر َ مساراته ِ‬


‫خافت‪ ،‬يتسل ّ ُ‬
‫ٌ‬ ‫ح من بعيدٍ ضوء ٌ‬
‫يلو ُ‬

‫ل‪ ،‬م ُعيدا ً القو ّة َ‬


‫ل والتفاؤ ِ‬
‫المضيئة ِ‪ ،‬حاملا ً عبر َ ذرّاته ِ غبار َ الأم ِ‬
‫القلب‪ ،‬ونور َ المعرفة ِ في‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫في جسدِ الحياة ِ‪ ،‬والحنانَ إلى مداخ ِ‬
‫خلايا العقل‪.‬‬

‫ل وحدة ُ‬
‫وات واضحة ِ المعال ِم‪ ،‬وتتب ّد ُ‬
‫ح‪ ،‬وتسير ُ بخط ٍ‬
‫فتنشط الجوار ُ‬
‫ُ‬

‫ق ليزدحم َ أفرادا ً وجماعات‪.‬‬


‫الطر ي ِ‬

‫‪5‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ح الجديدة ُ‬
‫ّرت الرو ُ‬
‫ل‪ ،‬وغي ِ‬
‫فقد ب ّدد َ النور ُ والمعرفة ُ ظلام َ اللي ِ‬
‫رب!‬
‫درب‪ ،‬قائدا ً للس ِ‬
‫ٍ‬ ‫ق‬
‫ق الوحشة‪ ،‬وغدا الباحثُ عن رفي ِ‬
‫طر ي َ‬

‫خوف‪ ،‬قو يا ً يلوذ ُ به ِ الرفاقُ والأغرابُ ‪.‬‬


‫ن ال ِ‬
‫وأمسى المذعور ُ م َ‬

‫ل‪.‬‬
‫ت الأفعا ُ‬
‫ت الهيئة ُ‪ ،‬وتغي ّر ِ‬
‫لقد تب ّدل ِ‬

‫النفس غير ُ التي كانت‪ ،‬والجسد ُ لم يمُي ّز شكل َه ُ ورسم َه ُ!‬


‫ُ‬ ‫وإذا‬

‫ل ذلك!‬
‫لك ّ‬
‫كيف تب ّد َ‬
‫َ‬

‫هذا الكتابُ يجيب ُك!‬

‫شمس المعرفة ِ بعد َ ظلا ِم الجهل!‬


‫ُ‬ ‫ل أن تشرقَ‬
‫فما أجم َ‬

‫ق‬
‫وما أروعَ أن يُدرك َ الإنسانُ نفسَه‪ ،‬ويسير َ في الحياة ِ‪ ،‬واث َ‬

‫العقبات‪ ،‬في ُجان ِب ُها ويتجاوز ُها بثقة ِ‬


‫ِ‬ ‫ق ويتوق ّ ُع‬
‫يعرف الطر ي َ‬
‫ُ‬ ‫الخ ُطا‪،‬‬

‫العارف العالم!‬
‫ِ‬

‫‪٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك‪ ،‬تُس ِ ّر ُ‬
‫ما أحلى الحياة َ لو وجد َت يدا ً ممت ّدة ً إليك‪ ،‬تكونُ مع َ‬

‫ك النصائح َ‪ ،‬وتجيبُ عن تساؤلات ِك‪ ،‬ولا تستغربُ م ِن‬


‫إلي َ‬

‫غراب َت ِها!‬

‫ن‬
‫طر َ كتابا ً عندما أغدو في س ّ ِ‬
‫كنتُ قد وعدتُ نفسي َ أن أس ّ‬

‫اذف قلبي‬ ‫ِ‬


‫جميع الأسئلة ِ التي كان َت تتق ُ‬ ‫النضج‪ ،‬وأجيبَ عن‬
‫ِ‬
‫ل رحلة ِ شبابي في هذه ِ الحياة!‬
‫وعقلي خلا َ‬

‫الكتاب؛ وقد آنَ لي أن أفي َ‬


‫ِ‬ ‫هذا هو الداف ُع الحقيقيّ وراء َ هذا‬

‫بوعدي‪.‬‬

‫ل من‬
‫الشباب أو ما ت ُسمّى "المراهقة"‪ ،‬هي فترة ُ الانتقا ِ‬
‫ِ‬ ‫فمرحلة ُ‬

‫الطفولة ِ إلى الشباب‪ ،‬ولهذه ِ المرحلة ِ أسرار ُها وتساؤ ُلاتُها‬

‫الشاب أو الفتاة ُ المرور َ منها بسلام‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ن استطاعَ‬
‫ومشاكل ُها‪ ،‬فإ ِ‬

‫ن والحياة‪ ،‬ومعالم َ‬
‫ن من رس ِم صورة ٍ واضحة ِ المعال ِم لل كو ِ‬
‫ك َ‬
‫وتم ّ‬

‫وعرف نفسَه‪ ،‬عندئذٍ‬


‫َ‬ ‫لنفسه ِ وشخصي ّته‪ ،‬وتعر َ‬
‫ّف على قوانين ِها‬

‫‪7‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ِ‬
‫النجاح في الدنيا والفوزِ‬ ‫خطوات‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫يكونُ قد وض َع قدم َه ُ على أ ّو ِ‬

‫بالآخرة‪.‬‬

‫الكتاب هو أن ّي لم أجد في المكتبة ِ‬


‫ِ‬ ‫أمّا السببُ الثاني لهذا‬

‫الإسلامي ّة ِ م َن يخاطبُ هذه ِ الفئة َ‪ ،‬فال كتبُ الموجودة ُ إمّا‬

‫ن هذه ِ المرحلة َ الهامّة َ‬


‫ل أو الأكبر َ منه ُ سن ّا ً ‪ ،‬وكأ ّ‬
‫تخاطبُ الأق ّ‬

‫ت ال كتبُ‬
‫ح ِ‬
‫قد أجدب َت مم ّن يكتبُ عنها رغم َ أهم ّي ّت ِها‪ ،‬فإن أفل َ‬

‫ي تخاطبُ الأمّ أو المرب ّي أو الطالبَ الجامعيّ‬


‫ث عنها‪ ،‬فه َ‬
‫بالتح ّد ِ‬

‫يكتشف مشكلاتِها‬
‫َ‬ ‫ّف طبيعت َها و‬
‫س‪ ،‬ليتعر َ‬
‫في كل ّي ّة ِ علم ِ النف ِ‬
‫و يساهم َ في حل ّها‪ ،‬وهذا جي ّدٌ وضروريّ ‪ ،‬ل كن ّنا بحاجة ٍ إلى أن‬
‫ِ‬
‫لصحيح الذي‬‫لا‬
‫ننصتَ إليهم ويسمع ُوا من ّا لتتم ّ عملي ّة ُ التواص ِ‬
‫خطوات عرجاء َ قد‬
‫ٍ‬ ‫ل ويبعد ُهم عن بدء ِ حياتِهم ب‬
‫يجن ّب ُهم الزل َ‬

‫كوا‬
‫حظ وأدر ُ‬
‫ل! فإ ّنهم إن حالف َهم ُ ال ّ‬
‫ب فش ٍ‬
‫توصل ُهم لتجارِ ِ‬

‫حوا‪ ،‬وإن‬
‫ح التغيير ِ وفه ِم ذاتِهم وقوانينَ الحياة ِ نج َوا‪ ،‬وأفل ُ‬
‫مفاتي َ‬

‫ل إلى آخر فقد يق َعونَ فريسة َ‬


‫تلعثم َت خطواتُهم من فش ٍ‬
‫‪8‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫س ورب ّما يكونُ مآلُهم إلى مهاوٍ لا ت ُحم َد ُ ع ُقباها‪.‬‬


‫الإحباطِ واليأ ِ‬

‫الشاب أو الفتاة َ يدا ً بيد‪ ،‬وفكرا ً بفكر‪،‬‬


‫ّ‬ ‫إ ّنها محاولة ٌ لأساعد َ‬

‫ق‪ ،‬برؤ ية ٍ واضحة ٍ‪ ،‬ونظرٍ‬


‫وخطوة ً بخطوة‪ ،‬لنسير َ معا ً على الطر ي ِ‬

‫يعرف قدر َ‬
‫ُ‬ ‫عارف بمفاوزِ الحياة ِ‪ ،‬سابر ٍ لأغوارِها وقوانين ِها‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ثاقب‬
‫ٍ‬

‫سه ِ وي ُدرِك ُ قدرات ِه ِ التي وهب َها الل ّه ُ له‪ ،‬فيضع ُها في محال ّ ِها‬
‫نف ِ‬

‫المناسبة ِ‪ ،‬ويسير ُ بها نحو رفعة ِ مجتمع ِه ِ ونهضت ِه ِ‪ ،‬يجم ُع بينَ العلم ِ‬

‫ك‬ ‫ِ‬
‫النجاح في الدنيا لأن ّه ُ يمل ُ‬ ‫ج بينَ‬
‫العظيم‪ ،‬يزاو ُ‬ ‫ن‬
‫الحديثِ والقرآ ِ‬
‫ِ‬
‫بنعيم الآخرة ِ وسعادتِها‬ ‫ِ‬
‫النجاح فيها‪ ،‬وبينَ الفوزِ‬ ‫ومهارات‬
‫ِ‬ ‫علوم َها‬
‫ِ‬
‫ض عالما ً‬ ‫برب السماء ِ والأر ِ‬
‫ض؛ فيسير ُ في الأر ِ‬ ‫ل ِّ‬‫لأن ّه ُ موصو ٌ‬

‫عارف بقوانين ِه ِ‬
‫ٌ‬ ‫الأسباب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫رب‬
‫ِّ‬ ‫بأسبابِها‪ ،‬وقلب ُه ُ متطل ّ ٌع إلى‬

‫وشرع ِه ِ الحقّ ِ الم ُبين‪.‬‬

‫الشاب والفتاة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هذا الكتابُ حت ّى لا تسير َ وحد َك َ أ ّيها‬

‫ح‬
‫الكتاب أغلبَ الأسئلة ِ التي كانت تل ّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ض في‬
‫حاولتُ أن أعر ِ َ‬

‫‪9‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫عليّ عندما كنتُ في هذا العمر‪ ،‬وكنتُ أتمن ّى لو أجد ُ من يجيبُ‬

‫خوف م ِن سخر ية ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ح له مشاعري وخواطري دونَ‬
‫عنها أو أشر ُ‬

‫التعليم لهذه ِ المرحلة ِ‬


‫ِ‬ ‫ل خبرتي في‬
‫ك م ِن خلا ِ‬
‫استغراب‪ ،‬وكذل َ‬
‫ٍ‬ ‫أو‬

‫والنقاشات التي كانت تحدثُ بيني وبينَ طالباتي‪،‬‬


‫ِ‬ ‫ن الأسئلة ِ‬
‫وم َ‬

‫حت لي الفرصة ُ لأق ّدم َها ل كم‪ ،‬عسى‬


‫فسج ّلت ُها في ذاكرتي حت ّى سن َ‬

‫والتعب‪ ،‬فأض َع بينَ أيديكم زبدة َ‬


‫ِ‬ ‫الوقت‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫أن أوف ّر َ عنكم بعضا ً م ِ َ‬

‫الخ برة ِ النفسي ّة ِ والعملي ّة ِ والديني ّة‪.‬‬

‫ل الل ّه َ أن يكونَ قد وف ّق َني لذلك‪ ،‬وأخذتُ بيدِكم حت ّى لا‬


‫أسأ ُ‬

‫ق كي تمش ُوا على بصيرة ٍ‪،‬‬


‫تسيروا وحد َكم‪ ،‬وكشفتُ ل كم الطر ي َ‬

‫وتح ّققوا أهداف َكم وغايت َكم في الحياة ِ‪.‬‬

‫ن‬
‫الكتاب طر يقة ً حوار ي ّة ً قصصي ّة ً لمجموعة ٍ م ِ َ‬
‫ِ‬ ‫وقد سل كتُ في‬

‫بيت‪ ،‬ومن‬
‫المواقف المنفصلة ِ‪ ،‬تحدثُ لفتاة ٍ في المدرسة ِ وال ِ‬
‫ِ‬

‫ن وقوانينِ الحياة ِ والتغيير‪،‬‬


‫ل إلى فه ِم ذاتِها وال كو ِ‬
‫خلال ِها تص ُ‬

‫‪11‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن العلم ِ الحديثِ‬
‫س البشر ي ّة ِ مستمِ ّدة ً ذلك م ِ َ‬
‫ك لطبيعة ِ النف ِ‬
‫وإدرا ٍ‬

‫ن ال كري ِم وعلم ِ‬
‫ن القرآ ِ‬
‫س والشخصي ّة ِ ومقاييس ِها‪ ،‬وم ِ َ‬
‫في علم ِ النف ِ‬
‫هارات التفكير ِ‬
‫ِ‬ ‫ن العلو ِم الحديثة ِ في تنمية ِ م‬
‫س الإسلاميّ‪ ،‬وم ِ َ‬
‫النف ِ‬
‫ل المشكلات‪.‬‬
‫واتخاذِ القرارِ وح ّ ِ‬

‫مشكلات يومي ّة ً حياتي ّة ً‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫المواقف‬
‫ِ‬ ‫ك‬
‫ل تل َ‬
‫وقد عرضتُ خلا َ‬

‫ح‬
‫ص م ِن خلال ِها المعرفة ُ والخ برة ُ‪ ،‬وتفت ُ‬
‫مدرسي ّة ً ومنزلي ّة‪ ،‬ي ُستخل َ ُ‬

‫آفاقَ الأسئلة ِ والعلم ِ‪.‬‬

‫ن الأسئلة ِ‬
‫ن كثيرا ً م ِ َ‬
‫الكتاب فتاة ٌ‪ ،‬إلا أ ّ‬
‫ِ‬ ‫ن بطلة َ‬
‫و رغم َ أ ّ‬

‫ض‬
‫ن في بع ِ‬
‫الشاب أيضا ً‪ ،‬وقد يختلفا ِ‬
‫ِّ‬ ‫والمواقف تتشابه ُ مع‬
‫ِ‬

‫ن‬
‫ل إلى التفكير ِ العاطفيّ م ِ َ‬
‫والسمات؛ فالفتاة ُ أمي َ ُ‬
‫ِ‬ ‫الاهتمامات‬
‫ِ‬

‫ن نوعا ً ما في مستوى‬
‫الشاب‪ ،‬ل كنّهما في هذه ِ المرحلة ِ متقاربا ِ‬
‫ِّ‬

‫الشاب أكثر َ‬
‫ِّ‬ ‫ن‬
‫النضج الفكريّ والانفعاليّ‪ ،‬فبالرغ ِم م ِن كو ِ‬
‫ِ‬
‫س البشر ي ّة ِ‬
‫ن في طبيعة ِ النف ِ‬
‫جرأة ً واستقلالا ً‪ ،‬ل كنّهما يلتقيا ِ‬

‫‪11‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن وقوانينِ الحياة؛‬
‫ق تغيير ِها وإصلاحِها‪ ،‬وفي أسئلة ِ ال كو ِ‬
‫وطر ِ‬

‫ن الطفولة ِ‬
‫ن مِ َ‬
‫سمات هذه ِ المرحلة ِ ذاتها‪ ،‬فكلاه ُما ينتقلا ِ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫كما أ ّ‬

‫س وأسئلت ِها‬
‫ن لمفاوزِ النف ِ‬
‫الشباب والمسؤولي ّة ِ‪ ،‬و يتعر ّضا ِ‬
‫ِ‬ ‫إلى‬

‫واكتشاف‬
‫ِ‬ ‫الحائرة ِ في فه ِم ذاتِها ومعرفة ِ نقاطِ ضعف ِها وقو ّتِها‪،‬‬
‫ِ‬
‫النجاح في الحياة ِ‪.‬‬ ‫ق‬
‫طر ِ‬

‫ل والنف َع منه ُ‪ ،‬وأن يجعل َه ُ عملا ً صالحا ً‬


‫ق والقبو َ‬
‫ل الل ّه َ التوفي َ‬
‫نسأ ُ‬
‫ن‪ .‬إن ّه هو ال كريم ُ الرحيم ُ‪ ،‬وعلى الل ّه ِ‬
‫متقب ّلا ً عند َه ثقيلا ً في الميزا ِ‬

‫ل‪.‬‬
‫قصد ُ السبي ِ‬

‫أمل طعمة‬
‫‪ 2113/11/12‬الموافق ‪ / 5‬محرم ‪1435/‬‬

‫‪12‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 1-‬‬

‫نحو الرشدُ‬
‫(معرفةُ طبيعةُ النفسُ البشريُةُ والتدربُ على قيادتُها ُ‬
‫هما مفتاحُ النجاحُ في املرحلةُ التي تسمُى "املراهقة") ُ‬

‫لباس النو ِم ملق ًى على سريري‪،‬‬


‫ُ‬ ‫يوم ٌ عاديّ م ِن أي ّا ِم حياتي‪،‬‬

‫المكتب والطاولة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كتبي مبعثرة ٌ على‬

‫خرة ً عن موعدِ‬
‫لقد استيقظتُ كالعادة ِ متكاسلة ً‪ ،‬متململة ً‪ ،‬ومتأ ّ‬

‫ق‪ ،‬ألقيتُ التحي ّة َ على أهلي‪،‬‬


‫مدرستي؛ لبستُ بسرعة ِ البر ِ‬

‫البيت والآخر ُ تمتمتُ به ِ‬


‫ِ‬ ‫ل‬
‫فانقسم َت شطر ين‪ ،‬شطر ٌ سمع َه ُ أه ُ‬

‫‪13‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل حينا ً وأمشي مشيا ً سر يعا ً حينا ً‬


‫ل‪ ...‬أخذتُ أهرو ُ‬
‫ج المنز ِ‬
‫خار َ‬

‫ل إليها أن‬
‫ن عقاربَ الساعة ِ وأنا أتوسّ ُ‬
‫آخر َ وعيناي لا تفارقا ِ‬

‫تقف قليلا ً أو تتراج َع ول كن دونَ جدوى‪.‬‬


‫َ‬

‫س‪ ،‬تسلل ّتُ سر يعا ً إلى‬


‫وصلتُ أخيرا ً إلى المدرسة ِ مع رن ّة ِ الجر ِ‬

‫ألقت المدرّسة ُ علينا‬


‫ِ‬ ‫ن حت ّى‬
‫ص ّفي ومقعدي‪ ،‬وما هي إلا ثوا ٍ‬

‫تحي ّت َها المعتادة َ بابتسامة ٍ خفيفة ٍ ولهجة ٍ شابَها الج ِ ّد والحنو ّ معاً‪.‬‬

‫ل‬
‫ي المفقود‪ ،‬وأثار َ السؤا َ‬
‫بعض نشاط َ‬
‫َ‬ ‫كانَ درسا ً ممتعا ً أعاد َ لي‬

‫ل يتردّد ُ في خاطري‪ :‬من أنا؟ وماذا أريد ُ؟ وإلى‬


‫الذي لا يزا ُ‬

‫ل في هذه الحياة؟‬
‫ن سأص ُ‬
‫أي َ‬

‫ديرات ماثلة ً‬
‫ِ‬ ‫سات الق‬
‫ات المتمث ّلة ِ بالمدرّ ِ‬
‫ج الشخصي ّ ِ‬
‫كان َت نماذ ُ‬

‫ج في عقلي وقلبي معاً‪ ،‬كانت‬


‫المقارنات تمو ُ‬
‫ِ‬ ‫وآلاف‬
‫ُ‬ ‫أمام َ عينيّ‪،‬‬

‫ات تثير ُ إعجابي وتقديري‪ ،‬وشخصي ّا ٌ‬


‫ت يشتاقُ قلبي‬ ‫هناك َ شخصي ّ ٌ‬

‫ات‬
‫لبسمة ٍ ترتسم ُ على وجوه ِها‪ ،‬وأخرى أثارت فيّ تساؤل ٍ‬

‫وأفكار‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫هذا جزء ٌ يسير ٌ م ِن أفكاريَ المختلفة ِ والمضطربة ِ‪ ،‬وكأ ّنها تبحثُ‬


‫ليس كنزا ً مدفونا ًفي ِ‬
‫قاع البحارِ ينتظر ُ محقّقا ً‬ ‫عن شيء ٍ ثمينٍ؛ إن ّه ُ َ‬

‫ن في داخلي ول كن دونَ أن‬


‫أو كشّافا ً ليكتشف َه ُ‪ ،‬إن ّه ُ مدفو ٌ‬

‫أدري‪.‬‬

‫أي ّام ٌ كثيرة ٌ تمضي متشابهة ً في سَمت ِها وأحداثِها‪ ،‬ل كنّ الأفكار َ‬

‫ظل ّت حبيسة ً في داخلي تنتظر ُ ر ُب ّانا ً ماهرا ً كي يدل ّها على كنز ِها‪،‬‬

‫وكنتُ في المدرسة ِ أبحثُ عن ذاك َ الر ب ّان‪.‬‬

‫ل عنها‬
‫أمر بها‪ ،‬ي ُقا ُ‬
‫قرأتُ كثيرا ً عن طبيعة ِ المرحلة ِ العمر ي ّة ِ التي ّ‬
‫ل‬
‫س (فترة ُ المراهقة ِ)‪ .‬وأي ّا ً كانَ اسم ُها فهي تحم ُ‬
‫في علم ِ النف ِ‬
‫ن ويتجاوز ُها إمّا بسلا ٍم أو قد‬
‫ل إنسا ٍ‬
‫صفات معي ّنة ً يمر ّ بها ك ّ‬
‫ٍ‬

‫ل قابعة ً في شخصي ّته ِ‪.‬‬


‫كدورات أو الآثارِ التي تظ ّ‬
‫ِ‬ ‫بعض ال‬
‫ت ُصيب ُه ُ ُ‬

‫ل عن هذه ِ‬
‫ل ما قي َ‬
‫استكشاف ك ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫لقد استحوذ َ على فكريَ‬
‫ِ‬
‫الضياع (إن جاز َ لي َ‬ ‫ض‬
‫أحس فيها ببع ِ‬
‫ّ‬ ‫المرحلة ِ‪ ،‬رب ّما لأن ّي‬

‫ل‪( :‬ما شاء َ الل ّه)‬


‫ن م َن يراني يقو ُ‬
‫التعبير ُ بهذه ِ الكلمة ِ)‪ ،‬رغم َ أ ّ‬

‫‪15‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن الأفكارِ‬
‫بأمواج م ِ َ‬
‫ٍ‬ ‫أحس‬
‫ّ‬ ‫ثناء ً على ات ّزاني وتع ّقلي‪ ،‬إلا أن ّي‬

‫ل في داخلي‪ ،‬تُشعرني أن ّي‬


‫وعشرات المشاعر ِ تعتم ُ‬
‫ِ‬ ‫تتصارع ُ‪،‬‬

‫غريبة ٌ في هذه ِ الدنيا‪ ،‬وأخرى أشعر ُ أن ّي لا أجيد ُ فهم َها أو فهم َ‬

‫ل‬
‫ك يدفع ُني إلى محاولة ِ تحلي ِ‬
‫ل ذل َ‬
‫س م ِن حولي‪ .‬ك ّ‬
‫النا ِ‬

‫أمر بها‪ ،‬عل ّني أفهم ُ أو أجد ُ‬


‫ّ‬ ‫والأحداث التي‬
‫ِ‬ ‫ات‬
‫الشخصي ّ ِ‬

‫الإجابات التي أبحثُ عنها‪.‬‬


‫ِ‬

‫انتبهن ‪...‬‬ ‫‪-‬‬

‫سات وهي‬
‫صوت إحدى المدرّ ِ‬
‫ِ‬ ‫لم أفق م ِن هذه ِ الخواطرِ إلا على‬

‫تمر ّ بجانبي وقد لاحظَت شرودي‪ ،‬فحاول َت إخراجي م ِن‬

‫ن‪ :‬انتبهن‪.‬‬
‫وصوت حا ٍ‬
‫ٍ‬ ‫أفكاري بنقرة ٍ خفيفة ٍ على مقعدي‬

‫بادلت ُها بابتسامة ٍ صغيرة ٍ‪ ،‬واحمر ّ وجهي خجلاً‪ ،‬ثم ّ رك ّزتُ نظري‬

‫الدرس بانتباه ٍ وبمشاركة ٍ إ يجابي ّة ٍ‪ ،‬محاو َلة ً‬


‫َ‬ ‫على السب ّورة ِ وتابعتُ‬

‫س‪.‬‬
‫ل الد ّر ِ‬
‫ت خلا َ‬
‫من ّي للاعتذارِ عم ّا بدر َ من ّي م ِن تشت ّ ٍ‬
‫ِ‬
‫جميع‬ ‫س المحب ّبة ُ لدى‬
‫ي‪ ،‬وكان َت رن ّة ُ الجر ِ‬
‫انتهى الد ّوام ُ المدرس ّ‬

‫‪1٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الرفيقات وانقضاء ِ يو ٍم م ِ َ‬
‫ن الدراسة ِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ق‬
‫ن لحظة َ فرا ِ‬
‫الطالبات تعل ُ‬
‫ِ‬

‫ل واحدة ٍ‬
‫ن الأطعمة ِ التي تحلم ُ ك ّ‬
‫ل بينَ طي ّاته ِ أطيافا ً م ِ َ‬
‫كما يحم ُ‬

‫من ّا بتناول ِها عند َ عودتِها إلى منزل ِها‪.‬‬


‫ِ‬
‫المطبخ‪ ،‬فقد شممتُ‬ ‫ألقيتُ التحي ّة َ على أم ّي‪ ،‬وأسرعتُ إلى‬

‫رائحة ً أمي ّز ُها تماماً‪ ،‬هي م ِن طعامي َ المفضّ ل‪ .‬أسرعتُ نحو أم ّي‬

‫جت متلعثمة ً وأنا‬


‫أقب ّل ُها وألث ِم ُ يد َها الحبيبة َ‪ ،‬وكلماتُ الشكر ِ خر َ‬

‫ل غرفتي وأجهّز ُ نفسي للغداء ِ‪.‬‬


‫أدخ ُ‬

‫الل ّه!!! ما أطيبَ طعام َ أم ّي ‪ ...‬قلت ُها وأنا أستع ّد للاستلقاء ِ قليلا ً‬

‫ن النوم؛‬ ‫ن أفكاري منعتني م ِ َ‬ ‫ل الغداء ِ‪ .‬إلا أ ّ‬ ‫في سريري بعد َ تناو ِ‬

‫ل وأخذ َت يدايَ تتلاعبُ به‪ ،‬باحثة ً‬


‫تناولتُ حاسوبي َ المحمو َ‬
‫ٍ‬
‫موقع‬ ‫ن المراهقة ِ وسماتِها‪ .‬توق ّفتُ عند َ‬
‫ع َن مواضي َع تتح ّدثُ ع َ ِ‬
‫ال كترون ٍيّ يتح ّدثُ عن معنى المراهقة‪:‬‬

‫ق أي اقتربَ ‪ ،‬فيكونُ معناها‬


‫(المراهقة ُ لغو ي ّا ً مشت ّقة ٌ م ِن ر َه َ َ‬

‫س فتعني‬
‫النضج والر ّشدِ‪ ،‬أمّا في علم ِ النف ِ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫الاقترابُ م ِ َ‬

‫‪17‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ي والاجتماعيّ‪.‬‬
‫ي والعقليّ والنفس ّ‬
‫النضج الجسم ّ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫الاقترابَ م ِ َ‬

‫ي‪،‬‬‫جسدي وتغي ّرٍ نفس ّ‬


‫ِّ‬ ‫قفزات في النموِ ّ ال‬
‫ٍ‬ ‫حدوث‬
‫ِ‬ ‫ل على‬ ‫وهذا يد ّ‬

‫رات‬
‫ن التغي ّ ِ‬ ‫الناتج ع ِ‬ ‫ِ‬
‫الصراع‬ ‫ن‬ ‫ق نوعٌ م َ‬
‫فينشأ عند َ المراه ِ‬
‫ِ‬
‫الفيز يولوجي ّة ِ والنفسي ّة ِ التي طرأت عليه ِ‪ ،‬بالإضافة ِ إلى تأث ّر ِه ِ‬

‫مر بها في مرحلة ِ الطفولة ِ‪.‬‬


‫برات السابقة ِ التي ّ‬
‫ِ‬ ‫بالخ‬

‫ل عا ٍم‬
‫ن النظ ُم َ الاجتماعي ّة َ والمجتم َع بشك ٍ‬
‫ل التجارِبُ على أ ّ‬
‫وتد ّ‬

‫ل المراهقة ِ‬
‫ق‪ ،‬فمشاك ُ‬
‫أزمات للمراه ِ‬
‫ٍ‬ ‫ل عم ّا يحدثُ م ِن‬
‫هو المسؤو ُ‬

‫جتمعات‬
‫ِ‬ ‫جتمعات الغربي ّة ِ أكثر ُ بكثيرٍ م ِن نظيراتِها في الم‬
‫ِ‬ ‫في الم‬

‫ل م ِن هذه ِ‬
‫ن أن تجع َ‬
‫العربي ّة ِ والإسلامي ّة ِ؛ فالمجتمعاتُ يمك ُ‬

‫المرحلة ِ مرحلة ً انتقالي ّة ً بسيطة ً أو تجعل َها قاسية ً)‪.‬‬

‫جتمعات العربي ّة ِ والإسلاميّة ِ‬


‫ِ‬ ‫قلتُ في نفسي‪ :‬ت ُرى لماذا في الم‬

‫ل؟ أهي طبيعة ُ الأفكارِ السائدة ِ؟ أم تأث ّر ُ‬


‫ل المراهقة ِ أق ّ‬
‫مشاك ُ‬

‫ن؟ ‪ ....‬ثم ّ قررتُ متابعة َ‬


‫التربية ِ العربي ّة ِ بأفكارِ الإسلا ِم والقرآ ِ‬

‫القراءة ِ‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ق نتيجة َ الشعورِ‬
‫(وقد تكونُ الصراعاتُ التي يعاني منها المراه ُ‬

‫ق‬
‫ن الأسرة ِ أو الاعتمادِ عليها‪ ،‬فالمراه ُ‬
‫لع ِ‬
‫بالحاجة ِ إلى الاستقلا ِ‬

‫سه ِ‬
‫الوقت نف ِ‬
‫ِ‬ ‫ل وفي‬
‫يريد ُ أن يشعر َ بذات ِه ِ وبقدرت ِه ِ على الاستقلا ِ‬

‫ك لا نفسي ّا ً ولا اجتماعي ّا ً ولا اقتصادي ّاً؛ فإذا‬


‫هو غير ُ مستع ٍّد لذل َ‬

‫ن المسؤولي ّة ِ والالتزا ِم‬


‫ن نوعا ً م ِ َ‬
‫كانتِ الأسرة ُ والمجتم ُع يعطيا ِ‬

‫ق بالر ّعاية ِ والاهتما ِم فلن‬


‫ن حدودٍ مع إحاطة ِ المراه ِ‬
‫والحر ي ّة ِ ضم َ‬
‫ِ‬
‫الصراع‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫النوع م ِ َ‬ ‫يشعر َ بهذا‬

‫ك‬
‫فات الطفولة ِ م ِن سلو ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بصراع بين مخل ّ ِ‬ ‫ق‬
‫ك قد يشعر ُ المراه ُ‬
‫كذل َ‬

‫بات الرجولة ِ أو الأنوثة ِ؛ وكل ّما كانَ هناك َ‬


‫ومشاعرَ وبينَ متطل ّ ِ‬

‫ل مع احترام ِه ِ‬
‫ل الكام ِ‬
‫ق وعد ِم معاملته ِكالرج ِ‬
‫ك المراه ِ‬
‫تفهّمٌ لسلو ِ‬
‫ِ‬
‫الصراع سهلا ً وممكناً‪.‬‬ ‫ل كانَ تجاوز ُ هذا‬
‫ل المستقب ِ‬
‫كرج ِ‬
‫ق يعاني صراعا ً بين شهوات ِه ِ الداخلي ّة ِ والتقاليدِ‬
‫ن المراه َ‬
‫كما أ ّ‬

‫ن أن يتلاشى تدر يجي ّا ً إذا كانَ‬


‫الاجتماعي ّة ِ؛ هذا الصراع ُ يمك ُ‬

‫الشاب أو الشاب ّة ُ قد نشأا في بيئة ٍ تبني القيم َ الأخلاقي ّة َ الع ُليا‬


‫ّ‬

‫‪19‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل وقتَ فراغه ِ بما هو‬


‫والشهوات‪ ،‬وتشغ ُ‬
‫ِ‬ ‫وتصع ّ ِد ُ وترتقي بالمشاعر ِ‬

‫ل إنساني ّة ٍ‬
‫مفيدٌ وراقٍ‪ ،‬وتفر ّغ ُ قدرات ِه ِ في الر ياضة ِ والقيا ِم بأعما ٍ‬
‫ِ‬
‫للمجتمع‪).‬‬ ‫ت ُشعر ُه ُ بأهم ّي ّته ِ وأهم ّي ّة ِ ما يقوم ُ به ِ‬

‫قلت في نفسي‪ :‬الآنَ فهمت‪ ..‬ح ّقا ً الأسرة ُ في مجتمع ِنا تواكبُ‬

‫ابن َها حت ّى ينهي َ مسيرت َه ُ العلمي ّة َ ويبدأ مشوراه ُ المهنيّ‪ ،‬أمّا عند َ‬

‫ل إمّا عادة ً‬
‫ك المنز ِ‬
‫يج ب َر َ على تر ِ‬
‫الغرب فلا يبل ُغ الثامنة َ عشر َ حت ّى ُ‬
‫ِ‬

‫ن مؤونت َه ُ المالي ّة َ‬
‫ن والديه يستثقلا ِ‬ ‫عادات الم ِ‬
‫جتمع أو أ ّ‬ ‫ِ‬ ‫م ِن‬

‫الجامعي ّة َ‪.‬‬

‫تنه ّدتُ قليلا ً‪ ،‬و زاد َ إصراري على متابعة ِ القراءة ِ‪ ،‬ولسانُ حالي‬

‫يحمد ُ الل ّه َ أن ّي و ُلدتُ في مجتم ٍع وأسرة ٍ إسلامي ّة ٍ لا تستثق ُ‬


‫ل حملي‪.‬‬

‫وتابعت‪:‬‬

‫ق يشكو‬
‫الاغتراب والتمر ّدِ‪ ،‬فالمراه ُ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫ق مِ َ‬
‫(كما قد يشكو المراه ُ‬

‫ل‪ ،‬وبالتالي‬
‫ن والديه لايفهمان ِه‪ ،‬فيلجأ إلى معارضة ِ الأه ِ‬
‫م ِن أ ّ‬

‫ل قد يكونُ يسيرا ً في‬


‫ض آرائِهم وسلطت ِهم‪ ،‬والح ّ‬
‫التمر ّدِ على بع ِ‬

‫‪21‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ش أساسا ً‬
‫ن الحوارِ والنقا ِ‬
‫ل مِ َ‬
‫ل أسرة ٍ متفهّمة ٍ منفتحة ٍ‪ ،‬تجع ُ‬
‫ظ ِّ‬
‫لبناء ِ شخصي ّة ِ ابن ِهم أو ابنت ِهم‪ ،‬مم ّا يجعل ُه يبتعد ُ عن سلوكي ّ ِ‬
‫ات التمر ّدِ‬

‫أو العنادِ أو العدواني ّة‪.‬‬


‫ل والانطواء ِ‬
‫ق بالخج ِ‬
‫وهناك َ مظهر ٌ مضادّ للتمر ّدِ‪ ،‬فقد يشعر ُ المراه ُ‬

‫ضعف أو‬
‫ٍ‬ ‫ك طبقا ً لطبيعة ِ شخصي ّة ِ المراه ِ‬
‫ق م ِن‬ ‫ل التمر ّدِ‪ ،‬وذل َ‬
‫بد َ‬

‫قو ّة ٍ‪.‬‬
‫ِ‬
‫الطبع‪ ،‬نتيجة ً لما يريد ُ تحقيق َه ُ‬ ‫ق العصبي ّة َ وح ّدة ً‬
‫وقد يُظه ِر ُ المراه ُ‬

‫ل إزعاجا ً كبيرا ً للآخرين والوالد َين‪.‬‬


‫ك ُ‬
‫العنف‪ ،‬مم ّا ي ُش ّ‬
‫ِ‬ ‫بالقو ّة ِ أو‬

‫لهرمونات‬
‫ِ‬ ‫ت ُشير ُ الدراساتُ إلى وجودِ علاقة ٍ قو ية ٍ بينَ وظيفة ِ ا‬

‫ل العاطفيّ ِ عند َ المراهقين؛‬


‫التي تزداد ُ في هذه ِ المرحلة ِ والتفاع ِ‬
‫ت مزاجي ّة ٍ‬
‫فالمستو ياتُ الهرموني ّة ُ المرتفعة ُ تؤدّي إلى تفاعلا ٍ‬
‫ٍ‬
‫طبع عند َ الذكورِ غالبا ً‬ ‫غضب وح ّدة ِ‬
‫ٍ‬ ‫ل‬
‫كبيرة ٍ تأخذ ُ شك َ‬

‫الإناث‪ ،‬مم ّا يجعل ُه ُ أحيانا ً يغرقُ في‬


‫ِ‬ ‫واكتئاب عند َ‬
‫ٍ‬ ‫وغضب‬
‫ٍ‬

‫العنف والإجرا ِم‪،‬‬


‫ِ‬ ‫ص‬
‫الروايات البوليسي ّة ِ أو قص ِ‬
‫ِ‬ ‫خيالات أو‬
‫ِ‬ ‫ال‬

‫‪21‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫وارتكاب الأخطاء ِ وتقليدِ‬


‫ِ‬ ‫المغامرات‬
‫ِ‬ ‫حب‬
‫ل ل ِّ‬
‫فهو يمي ُ‬

‫الآخرين)‪.‬‬

‫تنهيدة ٌ أخرى أطلقت ُها‪ ،‬وقلتُ في نفسي‪:‬‬

‫الآنَ عرفتُ سببَ انفعالاتي السر يعة ِ أحيانا ً مع أم ّي أو أبي‬

‫حدوث المشكلة ِ أجد ُه ُ غير َ‬


‫ِ‬ ‫رغم َ أن ّي عندما أنظر ُ إلى الأمر ِ بعد َ‬

‫ل شديد‪ ...‬آه ‪ ...‬شكرا ً يا أمّي وأبي‬


‫ن انفعا ٍ‬
‫جدير ٍ بما فعلت ُه ُ م ِ َ‬

‫ليس بعذرٍ‪ ،‬بل‬


‫ك َ‬ ‫ن ذل َ‬
‫وأخوتي كم تحم ّلتم! ل كن ّي أعلم ُ أيضا ً أ ّ‬

‫عليّ أن أدرّبَ نفسي على ضبطِ مشاعر ِها‪ ،‬كما قالت أم ّي‪ :‬إن ّما‬

‫الحلم بالتحل ّم‪.‬‬

‫توضح ُ‬
‫هذه ِ المعلوماتُ تشحذ ُ هم ّتي في متابعة ِ القراءة ِ لأ ّنها بات َت ّ‬

‫ن‬
‫لي َ ال كثير َ م ِن تصرّفات ِي َ التي أحيانا ً لا أفهم ُها‪ ،‬أو أظنّ أ ّ‬

‫ل في نفسي لماذا فعلتُ‬


‫ن لا يشعرونَ بي‪ ،‬أو أحيانا ً أقو ُ‬
‫الآخري َ‬

‫كذا؟‬

‫ل هذه ِ الخواطرِ كان َت تجعل ُني أحرّك ُ عينيّ بينَ أسطرِ المقالة ِ‬
‫ك ّ‬

‫‪22‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل إلى نهايت ِها‪:‬‬


‫بسرعة ٍ عجيبة ٍ‪ ،‬وكأن ّي لا أصبر ُ حت ّى أص َ‬

‫إثبات‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الاندفاع ومحاولة ِ‬ ‫ل سلوكي ّاتُ الفتاة ِ المراهقة ِ إلى‬
‫(فقد تمي ُ‬

‫ح‬
‫ل لها‪ ،‬وتجن ُ‬
‫رات الجسدي ّة ِ التي تحصِ ُ‬
‫ن التغي ّ ِ‬
‫ل مِ َ‬
‫الذات والخج ِ‬
‫ِ‬

‫لتقليدِ أمّها أو رفيقاتِها‪ ،‬وتتذبذبُ عواطف ُها‪ ،‬فتغضبُ بسرعة ٍ‪،‬‬

‫وتصفو بسرعة ٍ)‪.‬‬

‫تمتمتُ ‪ ......‬امممم ‪ .....‬نعم صحيح ‪ ....‬عذرا ً يا والديّ ‪.‬‬

‫ثم ّ أكملتُ القراءة َ‪:‬‬

‫ك‬
‫حرافات التي قد تظهر ُ في سلو ِ‬
‫ِ‬ ‫ن الان‬
‫(وتشير ُ الدراساتُ إلى أ ّ‬

‫ل‬
‫ق في المنز ِ‬
‫ن المراه ِ‬
‫والمراهقات تحدثُ نتيجة َ حرما ِ‬
‫ِ‬ ‫المراهقينَ‬

‫ك‬
‫والإشراف وكذل َ‬
‫ِ‬ ‫ن والرعاية ِ‬
‫العطف والحنا ِ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫والمدرسة ِ م ِ َ‬

‫لضعف التوجيه ِ الدين ّي‪.‬‬


‫ِ‬

‫الهدف‬
‫ِ‬ ‫ق‪ :‬فقدانُ الهو ي ّة ِ وافتقاد ُ‬
‫وأبرز ُ المخاطرِ التي يعيش ُها المراه ُ‬

‫القيم التي يعيش ُها‪ ،‬فضلا ً عن مشكلة ِ‬


‫ِ‬ ‫وتناقض‬
‫ُ‬ ‫الذي يسعى إليه ِ‪،‬‬

‫الفراغ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك‬
‫س والتربية ِ على أهمي ّة ِ إشرا ِ‬ ‫ِ‬
‫الاجتماع وعلماء ُ النف ِ‬ ‫ق خبراء ُ‬
‫وات ّف َ‬

‫ج‬
‫ظمة ِ التي تتناولُ علا َ‬
‫المناقشات العلمي ّة ِ المن ّ‬
‫ِ‬ ‫ق في‬
‫المراه ِ‬
‫ِ‬
‫طرح مشكلات ِه ِ‪ ،‬ومناقشت ِها مع الكبارِ في‬ ‫مشكلات ِه ِ‪ ،‬وتعويد َه ُ على‬

‫ن أكثر َ من ‪%81‬‬
‫ت الدراساتُ العلمي ّة ُ أ ّ‬
‫ثقة ٍ وصراحة ٍ؛ وأكدّ ِ‬

‫مشكلات المراهقينَ في عالم ِنا العربيّ هي نتيجة ٌ مباشرة ٌ‬


‫ِ‬ ‫من‬

‫بموجب آرائِهم وعاداتِهم‬


‫ِ‬ ‫لمحاولة ِ أولياء ِ الأمورِ تسيير َ أولادِهم‬

‫ن الحوارِ م َع أهل ِهم‬


‫جم ُ الأبناء ُ‪ ،‬ع ِ‬
‫يح ِ‬
‫وتقاليدِ مجتمعاتِهم‪ ،‬وم ِن ثم ّ ُ‬

‫ن الآباء َ إمّا لا يهمّهم أن يعرف ُوا مشكلاتِهم‪،‬‬


‫لأ ّنهم يعتقدون أ ّ‬

‫أو لا يستطيعون فهم َها أو حل ّها)‪.‬‬

‫ك منحت َني‬
‫رب لأن ّ َ‬ ‫ٍ‬
‫مرتفع‪ :‬الحمد ُ لل ّه ِ‪ ،‬أشكرك َ يا ّ‬ ‫بصوت‬
‫ٍ‬ ‫قلتُ‬

‫أمر بها و يجيدان التربية َ‬


‫ن متفهّم َينِ لطبيعة ِ المرحلة ِ التي ّ‬
‫والد َي ِ‬

‫ك أبي‪...‬‬
‫رب ‪ ..‬كم أحب ّكِ أم ّي‪ ،‬كم أحب ّ َ‬
‫السليمة َ ‪ ..‬أحمد ُك َ يا ّ‬

‫ل‬
‫ل أيديه ِما ‪ ....‬ل كنّ داف َع الفضو ِ‬
‫أشعر ُ برغبة ٍ قو ي ّة ٍ في تقبي ِ‬
‫يسوق ُني لمتابعة ِ القراءة ِ‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن‬
‫سأ ّ‬
‫طب النف ِ‬
‫(وقد أجمع َت الاتجاهاتُ الحديثة ُ في دراسة ِ ِّ‬

‫ن إ يجاد َ‬
‫ل لمشكلاتِها‪ .‬كما أ ّ‬
‫السن هي الح ّ‬
‫ِّ‬ ‫ك‬
‫الأذنَ المصغية َ في تل َ‬

‫ل المسؤولي ّة ِ والرعاية ِ‬
‫س وتحم ّ ِ‬
‫ن بينَ الاعتمادِ على النف ِ‬
‫التواز ِ‬

‫ل صداقة ٍ حميمة ٍ (كما عل ّم َنا‬


‫ن في شك ِ‬
‫ل الوالدي ِ‬
‫والحنوِ ّ م ِن ق ِب َ ِ‬
‫رات وبناء ِ‬
‫ل الخ ب ِ‬ ‫ل الل ّه ِ ‪ ) ‬يمك ُ‬
‫ن أن تبني َ جسرا ً متينا ًلنق ِ‬ ‫رسو ُ‬

‫أزمات‪).‬‬
‫ٍ‬ ‫صراعات أو‬
‫ٍ‬ ‫شخصي ّة ِ المراه ِ‬
‫ق المت ّزنة ِ دونَ‬

‫أغلقتُ الحاسوبَ ‪ ،‬وألقيتُ رأسي خلف َاً‪ ،‬أتفك ّر ُ فيما قرأتُ من‬

‫ت التي أجد ُها‬


‫ن السلوكي ّا ِ‬
‫أفكارٍ كثيرة ٍ‪ ،‬بعض ُها ف َسّر َ لي كثيرا ً م ِ َ‬

‫حولي أو أقوم ُ بها أحيانا ً ‪ ...‬وصورة ُ أم ّي ببسمت ِها الحانية ِ لا‬

‫ضت عليّ م ِن حنانِها الشيء َ ال كثير َ ورغم َ‬


‫تفارقُ خيالي‪ ،‬لقد أفا َ‬
‫ل الآراء ِ‬
‫ن الحر ّي ّة ِ والمناقشة ِ وتباد ِ‬
‫كت لي بحبوحة ً م ِ َ‬
‫ك فقد تر َ‬
‫ذل َ‬
‫ل ا لم ِ‬
‫جتمع‬ ‫وقيم صحيحة ٍ حو َ‬ ‫مم ّا ساعد َني كثيرا ً في بناء ِ آراء ٍ‬
‫ٍ‬
‫ق‬
‫ت الآنَ أشعر ُ برغبة ٍ في فهمِه ِ والتعمّ ِ‬
‫ن‪ ،‬والذي ب ِ ّ‬
‫وال كو ِ‬

‫ك قوانين ِه ِ‪.‬‬
‫بإدرا ِ‬

‫‪25‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن أشعر ُ بعد ِم انسجا ٍم م َع الم ِ‬


‫جتمع‪،‬‬ ‫ن الأحيا ِ‬
‫ح أن ّي في كثيرٍ م ِ َ‬
‫صحي ٌ‬

‫أحب تقاليد َه ُ أو بعضا ً م ِن قيمِه ِ‪ ..‬لا أقصد ُ القيم َ‬


‫ّ‬ ‫وأن ّي لا‬

‫ن‬
‫ل صح ّت ِها لأ ّنها مستم ّدة ٌ م ِ َ‬
‫خلاف حو َ‬
‫ل لل ِ‬
‫الأصيلة َ التي لامجا َ‬

‫ن والأحداث‪.‬‬
‫ل مع الآخري َ‬
‫ن‪ ،‬بل أقصِ د ُ ق ِي َم َه ُ في التعام ِ‬
‫الدي ِ‬

‫كان َتِ التساؤلاتُ كثيرة ً عندي‪ :‬وأبرز ُها يتمحور ُ في تحديدِ ما‬

‫ن اللو ِم‪ :‬يجبُ ألا تفعلي كذا‪..‬‬


‫هو الصوابُ ؟ أسم ُع كثيرا ً م ِ َ‬

‫الناس نظرة ً لا احترام َ‬


‫ُ‬ ‫ك‪ ..‬سينظر ُ إليكِ‬
‫ك أن تقو ِمي بذل َ‬
‫إ ي ّا ِ‬

‫ن الأمثلة ِ والأوامر ِ التي لا أقتن ُع بها‬


‫فيها‪ ...‬وال كثير ُ ال كثير ُ م ِ َ‬

‫أحياناً!‬

‫تضارب وتكاثر ِ الأفكارِ في رأسي‬


‫ِ‬ ‫أسدلتُ جفوني هروبا ً م ِن‬

‫ك الأسئلة ِ التي حام َت‬


‫ح قليلا ً أو انتظارا ً للأجوبة ِ ع َن تل َ‬
‫لأرتا َ‬

‫مرت في حياتي‬
‫لمواقف شت ّى ّ‬
‫َ‬ ‫ن الصور َ المتع ّددة َ‬
‫في عقل ِي‪ ،‬إلا أ ّ‬

‫ألح ّت عليّ فأخذتُ أحل ّل ُها م ِن جديد‪.‬‬

‫ن المدرسة ِ وأنا غاضبة ٌ‬


‫الموقف أتذك ّره ُ تماما ً‪ ،‬عدتُ م ِ َ‬
‫ُ‬ ‫نعم هذا‬

‫‪2٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫رغم َ أن ّه ُ لم يحدث مايثير ُ غضبي‪ ،‬حت ّى استغربتُ أنا نفسي م ِن‬

‫كلمات‬
‫ٍ‬ ‫فليس هناك َ م ِن ٍ‬
‫داع لأنفجر َ بالبكاء بعد َ‬ ‫َ‬ ‫تصرّفي هذا‪،‬‬

‫بسيطة ٍ واستفسارٍ م ِن أم ّي ع َن حالي‪ ،‬لقد صرختُ بأعلى صوتي‬

‫بكلمات لم يتبي ّن لأم ّي معناها‪ ،‬ثم ّ دخلتُ غرفتي‪ ،‬وانفجرتُ‬


‫ٍ‬

‫بالبكاء ِ كالطفلة ِ‪.‬‬

‫وهذه ِ صورة ٌ أخرى أعرف ُها وكأ ّنها حدث َت معي َ البارحة؛ طلبتُ‬

‫خر َ في تلبية ِ طلبي‪ ،‬عاملت ُه ُ يومَها بفظاظة ٍ‬


‫م ِن أخي مساعدة ً‪ ،‬فتأ ّ‬

‫غريبة ٍ لا تتناسبُ م َع معاني الأخو ّة ِ والمحب ّة‪.‬‬

‫الأمثلة ُ عديدة ٌ ‪ ...‬جميع ُها كنتُ أندم ُ بعدها أش ّد الند ِم‬

‫ل‬
‫ن بينَ الفع ِ‬
‫على ما بدر َ من ّي س ّيما ش ّدة َ انفعالي وعدم َ التواز ِ‬

‫وردّة ِ الفعل‪.‬‬

‫الآن بدأتُ أفهم ُ ‪ ...‬إذن هي مشكلة ٌ طبيعي ّة ٌ في مرحلتي هذه ِ‪،‬‬

‫ن بينَ انفعالاتي ومشاعري‬


‫ل إلى التواز ِ‬
‫ص َ‬
‫عليّ معالجت ُها لأ ِ‬

‫ل والقيم‪ ،‬وإبعادِ أهوائ ِي ونفسي تتحكّم ُ بسلوكي‪ ،‬عليّ أن‬


‫والعق ِ‬

‫‪27‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫س‬
‫العلاقات بينَ النا ِ‬
‫ِ‬ ‫ق أكثر َ في فه ِم ذاتي‪ ،‬وفه ِم‬
‫أتعمّ َ‬
‫لص ٍ‬
‫حيح‪.‬‬ ‫ل معهم بشك ٍ‬
‫والتواص ِ‬
‫ت ُرى أيّ المصادرِ الموثوقة ِ أعتمد ُ في هذا الفه ِم؟‬

‫ل لم أجب عنه ُ فقد قطع َه ُ صوتُ أخي الصغير ِ وهو يناديني‪:‬‬


‫سؤا ٌ‬

‫ن به ِ خللا ً‬
‫ل هذا الجهاز ُ؟ أشعر ُ أ ّ‬
‫كيف يعم ُ‬
‫َ‬ ‫أعرف‬
‫ُ‬ ‫أختي لا‬

‫ل كما يجبُ ‪.‬‬


‫فهو لا يعم ُ‬

‫أجبت ُه ُ قائلة ً ‪ :‬كيف؟ أرني‪.‬‬

‫عليمات‬
‫ٍ‬ ‫ل ت‬
‫وبعد ملاحظتي للجهازِ سألت ُه ُ‪ :‬هل للجهازِ م ِن دلي ِ‬
‫ق معه ُ في علبت ِه ِ‪ ..‬ابحث‬
‫ل م ُرف َ ٍ‬
‫(كاتلوج)؟ أظنّ أن ّه ُ لاب ّد م ِن دلي ٍ‬
‫عنه‪.‬‬

‫ل‪ :‬وهل‬
‫بحثَ أخي حت ّى وجد َه ُ‪ ،‬فجاء َني به ِ‪ ،‬ثم ّ ابتدر َني بالسؤا ِ‬

‫سبب الخلل؟ أو عد ِم‬


‫ِ‬ ‫تظن ّينَ أن ّنا سنجد ُ الجوابَ الشافي لمعرفة ِ‬

‫قيام ِه ِ بعمل ِه ِكما يجب؟‬

‫ل الجهازِ‪،‬‬
‫ن في دلي ِ‬
‫ك‪ ،‬وعينايَ تبحثا ِ‬
‫هززتُ رأسي مؤكّدة ً ذل َ‬

‫‪28‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫وبعد َ فترة ٍ ليست بقصيرة ٍ وجدتُ ضال ّتي‪ ،‬وبدأتُ أت ّب ُع‬

‫ق أخي‬
‫ل‪ ،‬حت ّى أطل َ‬
‫ب الدلي ِ‬
‫كتي ّ ِ‬
‫التعليمات التي ورد َت في ُ‬
‫ِ‬

‫أكب عليّ يعانق ُني وكلماتُ الشكر ِ انهال َت عليّ‬


‫ّ‬ ‫صيحة َ ٍ‬
‫فرح‪ ،‬ثم ّ‬

‫ل‪ .‬قبّلت ُه ُ وسألت ُه ُ ع َن‬


‫كالقذائف فرحا ً بعودة ِ جهازِه ِ إلى العم ِ‬
‫ِ‬

‫واجبات ِه ِ وهل أنهاها فاطمأننتُ عليه‪ ،‬ثم ّ ع ُدتُ إلى مكاني في‬

‫غرفتي فعاد َت إليّ أفكاري م ِن جديد‪.‬‬

‫ثم ّ لمع َت فكرة ٌ‪ ..‬إ ّنها ليست جديدة ً أو غريبة ً عليّ! بل إن ّي للتوِ ّ‬

‫أكّدتُها لأخي !‬

‫تعليمات‬
‫ٍ‬ ‫ن‬
‫ل الجهازِ الذي صنع َته ُ الشركة ُ هو بالتأكيدِ يتضمّ ُ‬
‫دلي ُ‬

‫ل عمل ِه ِ‬
‫أي استفسارٍ حو َ‬ ‫ٍ‬
‫ل الجهازِ بنجاح‪ ،‬وتجيبُ ع َن ّ ِ‬
‫ن عم َ‬
‫تضم َ ُ‬

‫ض لها وكيفي ّة ِ‬ ‫ض الأخطاء ِ والأعطا ِ‬


‫ل التي قد يتعر ّ ُ‬ ‫أو بع ِ‬

‫حها‪.‬‬
‫إصلا ِ‬

‫ق الإنسانَ وأعطاه ُ دليلا ً مرفقاً‪ ،‬كي‬


‫ل خل َ‬
‫عز وج ّ‬
‫نعم !! والل ّه ُ ّ‬
‫لص ٍ‬
‫حيح‪.‬‬ ‫ل الإنسانُ و يؤدّيَ دور َه ُ بشك ٍ‬
‫يعم َ‬

‫‪29‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫كيف فاتتني هذه ِ الفكرة ُ!‬


‫َ‬

‫ل سيرِ‬
‫ن ال كري ِم‪ ،‬دلي ُ‬
‫أجل‪ ،‬لن يجيب َني ع َن تساؤلاتي سوى القرآ ِ‬

‫ل علاجا ً‬ ‫ن بن ٍ‬
‫جاح في هذه ِ الحياة ِ‪ ،‬ولاب ّد أن ّه ُ سيحم ُ‬ ‫الإنسا ِ‬

‫تعترض الإنسانَ في هذه ِ الحياة ِ؛ يا لها‬


‫ُ‬ ‫والعقبات التي‬
‫ِ‬ ‫للأخطاء ِ‬

‫من فكرة ٍ واضحة ٍ جلي ّة ٍ ل كنّها كان َت غائبة ً عن ّي‪.‬‬

‫ومرة ً أخرى أخذ َت أصابعي‬


‫أسرعتُ إلى حاسوبي م ِن جديدٍ‪ّ .‬‬
‫ن‬
‫ل القرآ ِ‬
‫كتب حو َ‬
‫ٍ‬ ‫تتحر ّك ُ بحثا ً في الشابكة ِ (الانترنيت) عن‬

‫س البشر ي ّة ِ‪.‬‬
‫وعلاج النف ِ‬
‫ِ‬ ‫ال كري ِم‬

‫ظمٍ‪ .‬الإعجاز ُ القرآنيّ‪ .‬وهناك َ‬


‫ل ومن ّ‬ ‫ٍ‬
‫موقع جمي ٍ‬ ‫يا الل ّه‪ .‬ياله ُ م ِن‬

‫ن ال كري ِم) للدكتور عبد‬


‫ي في القرآ ِ‬
‫كتابُ ‪( :‬روائ ُع الإعجازِ النفس ِ ّ‬

‫الدائم كحيل‪...‬جزاه ُ الل ّه ُ خيراً‪ .‬أستطي ُع تنز يل َه ُ مباشرة ً وقراءَتَه‪.‬‬

‫ح لديّ الكتابُ بنسخت ِه ِ الال كتروني ّة ِ‪.‬‬


‫الحمد لل ّه‪ ،‬لقد أصب َ‬

‫سأفتح ُه‪.‬‬

‫الانفعالات "‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ن "التحكّم ِ ب‬
‫ل في مق ّدمة ِكتاب ِه ِ وتحتَ عنوا ِ‬
‫إن ّه ُ يقو ُ‬

‫‪31‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ف قام َ به ِ؟ وم َن‬
‫(م َن من ّا لم يندم يوما ً على كلمة ٍ قال َها أو تصرّ ٍ‬

‫من ّا لم يفك ّر يوما ً بضبطِ انفعالات ِه ِ ومشاعر ِه؟ وم َن من ّا لا يتمن ّى‬

‫أن يتحكّم َ بعواطف ِه ِ وتصرّفات ِه تجاه َ الآخرين؟ هذه ِ أسئلة ٌ أحببتُ‬

‫ن‬
‫ي م ِن خلال ِها فكرة ً عن مضمو ِ‬
‫أن أبدأ بها هذا البحثَ لأعط َ‬

‫أحب أن ألفتَ انتباه َ‬


‫ّ‬ ‫ك‬
‫ل ذل َ‬
‫ف عليه اليو ِم‪ .‬ول كن قب َ‬
‫ما سنتعر ّ ُ‬

‫ئ لشيء ٍ قد لفتَ انتباهي وهو أ ّ‬


‫ن ال كتبَ التي تتناولُ‬ ‫القار ِ‬

‫المبيعات الأكثر َ على‬


‫ِ‬ ‫ق‬
‫التساؤلات تح ّق ُ‬
‫ِ‬ ‫ل هذه ِ‬
‫الإجابة َ عن مث ِ‬
‫مستوى العال ِم!)‬

‫ل‪:‬‬
‫ثم ّ ي ُكمل ُ الكاتبُ شرح َه ُ فيقو ُ‬

‫يس‬
‫والعواطف والأحاس َ‬
‫َ‬ ‫الانفعالات‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫اكتشف العلماء ُ أ ّ‬
‫َ‬ ‫(لقد‬

‫ل عشوائ ِ ٍيّ كما كانَ يُظنّ في الماضي‪،‬‬


‫ن لا تسير ُ بشك ٍ‬
‫عند َ الإنسا ِ‬

‫ك برنامج ٌ دقي ٌ‬
‫ق يتحكّم ُ فيها)‪.‬‬ ‫بل هنال َ‬

‫ك؟ " ‪:‬‬


‫كيف تتحكّم ُ بعواطف ِ َ‬
‫َ‬ ‫ثم ّ يمضي بعنوان "‬

‫ن بسيطٍ‬
‫ج فقط لمعرفة ِ قانو ٍ‬
‫(إ ّنها عملية ٌ بغاية ِ البساطة ِ وتحتا ُ‬

‫‪31‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك عقلا ً باطنا ً‬
‫ن هنال َ‬
‫وممارسة ِ هذا القانون‪ .‬يخ بر ُنا العلماء ُ اليوم َ بأ ّ‬

‫ن وانفعالات ِه ِ ومشاعر ِه ِ بل‬


‫بعواطف الإنسا ِ‬
‫ِ‬ ‫هو الذي يتحكّم ُ‬

‫ن‪.‬‬
‫ل باط ٌ‬
‫ل مباشرة ً لأن ّه ُ عق ٌ‬
‫وتصرّفات ِه ِ! ول كن ّنا لا ندرك ُ هذا العق َ‬

‫أي خفيّ ‪.‬‬

‫ل الواعي‬
‫ن العق َ‬
‫ول كنّ التجارِبَ أثبت َت حقيقة ً علمي ّة ً وهي أ ّ‬

‫بقنوات‬
‫ٍ‬ ‫ن‬
‫ل الباط ِ‬
‫ل مع العق ِ‬
‫ل معه ُ يت ّص ُ‬
‫والذي نفك ّر ُ فيه ِ ونتعام ُ‬

‫ك‬
‫ن بأن ّ َ‬
‫ك الباط ِ‬
‫ي إ يحاء ً لعقل ِ َ‬
‫ضي ّقة ٍ؛ فأنتَ مثلا ً تستطي ُع أن تعط َ‬

‫ل‬ ‫ل شيئا ً ما‪ ،‬وم َع تكرارِ هذا الإ يحاء ِ فإ ّ‬


‫ن العق َ‬ ‫يجبُ أن تفع َ‬

‫ن يستجيبُ ‪ ،‬ويبدأ فعلا ً بالتغيير‪.‬‬


‫الباط َ‬

‫ل‬
‫ينشط فيها الات ّصال بينَ العق ِ‬
‫ُ‬ ‫ن الفترة َ التي‬
‫لقد وجد َ العلماء ُ بأ ّ‬

‫ق‪ ،‬وفترة ُ ما‬


‫ل النو ِم بدقائ َ‬
‫ن هي فترة ُ ما قب َ‬
‫ل الباط ِ‬
‫الواعي والعق ِ‬
‫ق أيضاً‪ .‬فهذا هو الدكتور‬
‫ن النو ِم بدقائ َ‬
‫بعد َ الاستيقاظِ م ِ َ‬

‫التجارب في كتابه ِ‬
‫ِ‬ ‫آلاف‬
‫ِ‬ ‫ج بنتيجة ٍ بعد َ‬
‫(جوز يف ميرفي) يخر ُ‬

‫ن"‪ ،‬والذي بي َع منه ُ أكثر ُ م ِن مليون نسخة!‬


‫ك الباط ِ‬
‫"قو ّة ُ عقل َ‬

‫‪32‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫عالات‬
‫ِ‬ ‫ل طر يقة ٍ للتحكّم ِ في الانف‬
‫ن أفض َ‬
‫هذه ِ النتيجة ُ هي أ ّ‬

‫ل النو ِم وبعد َ الاستيقاظِ‬


‫ل يو ٍم قب َ‬
‫والغضب هي َ أن تردِّد َ ك ّ‬
‫ِ‬

‫ح م ِن هذه ِ اللحظة ِ إنسانا ً هادئا ً ومت ّزنا ً‬


‫"سوف أصب ُ‬
‫َ‬ ‫ل‪:‬‬
‫عبارات مث َ‬
‫ٍ‬

‫وسوف تظهر ُ هذه ِ النتيجة ُ في سلوكي‬


‫َ‬ ‫الانفعالات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وبعيدا ً عن‬

‫غداً‪".‬‬

‫ل النو ِم وما بعد َ‬


‫فترات ما قب َ‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫ل باستغلا ِ‬
‫عز وج ّ‬
‫لقد أمرَنا الل ّه ُ ّ‬
‫ل هاتينِ الفترتينِ بالدعاء ِ‪( :‬الله ّم إن ّي‬
‫الاستيقاظِ ‪ ،‬وأمرَنا باستغلا ِ‬

‫ك‪ ،‬وألجأتُ ظهري‬


‫ك‪ ،‬وفو ّضتُ أمري إلي َ‬
‫أسلمتُ وجهي إلي َ‬

‫ك‪،‬‬
‫ك إلا إلي َ‬
‫ك‪ ،‬لا ملجأ ولا منجى من َ‬
‫ك رغبة ً ورهبة ً إلي َ‬
‫إلي َ‬

‫ك الذي أرسلتَ ) صدقَ‬


‫ك الذي أنزلتَ وبنبي ّ َ‬
‫آمنتُ بكتاب ِ َ‬
‫تأمل معي كم تحوي هذه ِ الكلماتُ م ِن تفر ٍ‬
‫يغ‬ ‫رسو ُل الل ّه ِ ‪‬‬
‫ل اجتماعي ّة ٍ تراكم َت طيلة َ اليو ِم! وكم‬ ‫لهمو ٍم وش ٍ‬
‫حنات ومشاك َ‬

‫ل أن ينام َ‪.‬‬
‫ي لم َن يقول ُها قب َ‬
‫ن واستقرارٍ نفس ٍ ّ‬
‫تحوي م ِن اطمئنا ٍ‬

‫ل ‪ ...‬يا آلل ّه ‪ ...‬لقد وجدتُها‪ .‬وجدتُ‬


‫بصوت عا ٍ‬
‫ٍ‬ ‫صرختُ‬

‫‪33‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن ع َن تساؤلاتي‪.‬‬ ‫ضال ّتي‪ .‬الحمد ُ لل ّه ِ إ ّ‬


‫ن القرآنَ والسن ّة َ سيجيبا ِ‬

‫ل الل ّه ِ ‪ " :‬تفك ّر ُ ساعة ٍ‬


‫لقد أدركتُ الآنَ سرّ حديثِ رسو ِ‬

‫طاب‬
‫ن التفك ّر َ هو الوسيلة ُ لخ ِ‬
‫ك لأ ّ‬
‫خير ٌ م ِن عبادة ِ سنة ٍ"‪ ،‬ذل َ‬

‫ل‪ ،‬وبالتالي تغيير ِ الأفكارِ والتي بدورِها ستغي ّر ُ المشاعرَ‬


‫العق ِ‬
‫والسلوك َ معاً‪.‬‬

‫ل معها‬
‫الفكري ونتعام ُ‬
‫ِّ‬ ‫ن مجموعَ الأفكارِ التي نضع ُها في مخزون ِنا‬
‫إ ّ‬

‫ل المبادئ َ والمشاعرَ‪ ،‬وم ِن ثم ّ‬


‫ك ُ‬
‫ي تش ّ‬
‫كحقيقة ٍ خط ِرة ٌ ج ّدا ً فه َ‬

‫ك علينا أن نهتم ّ‬
‫ل الشخصي ّة َ؛ لذل َ‬
‫ك ُ‬
‫السلوك َ والعادة َ‪ ،‬وأخيرا ً تش ّ‬

‫كثيرا ً بما نخاطبُ به ِ أنفسَنا‪ ،‬وما نزرع ُه ُ في عقول ِنا م ِن أفكارٍ‪.‬‬

‫ن الل ّه َ لا يغي ّر ُ ما بقو ٍم حت ّى يغي ّر ُوا ما‬


‫ح ّقا ً صدقَ الل ّه ُ العظيم‪ " :‬إ ّ‬

‫بأنفس ِهم"‪.‬‬

‫ن‪ ،‬وهذا ما أثبت َه ُ العلم ُ‬


‫ح التغيير ِ في يدِ الإنسا ِ‬
‫ل الل ّه ُ مفاتي َ‬
‫لقد جع َ‬

‫والعبارات التي نخاطبُ بها‬


‫ِ‬ ‫الحديثُ ؛ البداية ُ أن نهتم ّ بالأفكارِ‬

‫ن‬
‫سنا وال كو ِ‬
‫ل أنف ِ‬
‫أنفسَنا‪ ،‬ونصوغَ بها جملة َ معتقدات ِنا حو َ‬

‫‪34‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫والأحداث‪.‬‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫والنا ِ‬

‫ف‬
‫هذه ِ الأفكار ُ بد َت وكأ ّنها تقش ُع الغمام َ أمام َ عقلي وتكش ُ‬

‫ن أن أغي ّر َها‬
‫وكيف يمك ُ‬
‫َ‬ ‫ق لنفسي‪،‬‬
‫ل وفه ٍم أعم َ‬
‫عن رؤ يا أشم َ‬

‫وأصوغ َها كما أرغبُ ‪.‬‬

‫ج ع َن نقدِ الآخرين‪ ،‬والتي‬


‫ن اكتئابي َ الذي نت َ‬
‫جني م ِ َ‬
‫إ ّنها تخر ُ‬

‫ل‬
‫ضات حو َ‬
‫ِ‬ ‫ت ُشعر ُني بضجرٍ كبيرٍ أمام َ إحساسي بكثرة ِ الاعترا‬

‫تصرّفاتي‪ .‬هذا الشعور ُ تشاطر ُني إ ي ّاه ُ أغلبُ رفيقاتي‪ ،‬وهو محور ُ‬

‫حديث ِنا وتأف ّف ِنا م ِن آراء ِ الكبارِ وتوجيهاتِهم‪ ،‬وشعورِنا بأن ّنا لا‬

‫ح لشيء ٍ ثم ّ استسلام ُ بعضِ نا لهذه ِ الفكرة ِ ومقابلة ُ بعضنا‬


‫نصل ُ‬

‫ل هو حال ُنا!‬
‫ك بالتمر ّدِ على الكبارِ ونصائح ِهم‪ .‬هذا بالفع ِ‬
‫الآخر ِ ذل َ‬

‫لقد عرفتُ الآنَ خطئ ِي وخطأ هذا التفكير ِ‪ .‬فما نشعر ُ فيه أنا‬

‫ج‬
‫ل هذه ِ المرحلة ِ‪ ،‬لأن ّنا نل ُ‬
‫ل عمري طبيعيّ لم َن في مث ِ‬
‫وم َن في مث ِ‬
‫ل إلى مرحلة ٍ أقربَ إلى عال ِم الكبارِ‪،‬‬
‫ف عليه ِ‪ ،‬إن ّنا ننتق ُ‬
‫العالم َ ونتعر ّ ُ‬

‫لذا فهم يحرِصون على تنبيه ِنا للأخطاء ِ‪ ،‬لأن ّنا بك ّ ِ‬


‫ل بساطة ٍ ص ِرنا‬

‫‪35‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ح‬
‫ل النص َ‬
‫كالكبارِ بأشكال ِنا وأجسام ِنا‪ .‬فعلا ً يجبُ ألا أقاب َ‬

‫ن فهم َ آلي ّة ِ‬
‫س والإحباطِ ‪ .‬وإ ّ‬
‫ض أو اليأ ِ‬
‫والإرشاد َ بالإعرا ِ‬

‫ل‬
‫ل بك ّ ِ‬
‫ل والأم ِ‬
‫ل الأمرَ ويدعونا للتفاؤ ِ‬
‫س يسهّ ُ‬
‫التغيير ِ في النفو ِ‬

‫ل‪.‬‬
‫خيرٍ لما هو مقب ٌ‬

‫ل م َع‬
‫وكيف أتعام ُ‬
‫َ‬ ‫ل نفسي‬
‫عليّ أن أعيد َ النظر َ في أفكاري حو َ‬

‫الآخرين‪.‬‬

‫ن والسن ّة)؟‬
‫التعليمات الربانيّ (القرآ ِ‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫هل هي ح ّقا ً حسبَ دلي ِ‬
‫ن (التلفاز َ والأنترنيت) والأصحابَ صاغوا أفكاري دونَ‬
‫أم إ ّ‬

‫أن أدري؟‬

‫ج لعقلي‪ ،‬وأبرمج ُ بها‬


‫كانَ لاب ّد أن أص ّف َي (أفلتر) الأفكار َ التي تل ُ‬

‫نفسي‪.‬‬

‫ل الم َهمّة ِ التي‬


‫سه ِ أشعر ُ بثق ِ‬
‫الوقت نف ِ‬
‫ِ‬ ‫أشعر ُ بسعادة ٍ كبيرة ٍ‪ ،‬وفي‬

‫يجبُ أن أبدأ بها‪.‬‬

‫صوت أم ّي تسأل ُني إن كنتُ أقوم ُ‬


‫ِ‬ ‫أفقتُ م ِن هذه ِ الأفكارِ على‬

‫‪3٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫بواجباتي َ المدرسي ّة ِ‪ ،‬فأسرعتُ نحوها مطمئنة ً إ ي ّاها أن ّي سأبدأ‬

‫رحيم)‬
‫ِ‬ ‫الآنَ‪ .‬ثم ّ بدأتُ بهمّة ٍ ونشاطٍ وب (بس ِم الل ّه ِ الرحم ِ‬
‫ن ال‬

‫فتحتُ كتبي ودفاتري‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪-2-‬‬

‫( الغيرةُ غشاءُ يمنعُ رؤيةُ الحقُ ) ُ‬

‫أحب سماح ‪ ..‬ولا أرغبُ بأن أسم َع‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬لقد قلتُ ل كم إن ّي لا‬

‫أيّ شيء ٍ عنها‪.‬‬

‫ت الغرابة ُ على وجوه ِ زميلاتي!‬


‫لم أنه ِكلماتي حت ّى بد َ ِ‬

‫غرابت ُهنّ جعلتني أنتبه ُ إلى ما تل ّفظتُ به ِ‪ ،‬وأراج ُع نفسي‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ظ به!!!‬
‫لماذا قلتُ هذا الكلام َ؟! الأمرُ لم يكن يستحقّ أن أتل ّف َ‬

‫ن انتهاء َ الدوا ِم‬


‫جرس المدرسة ِكانَ قد أعل َ‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫لم يردّ عليّ أحدٌ إذ إ ّ‬

‫بترتيب حقائب ِهنّ استعدادا ً‬


‫ِ‬ ‫ن‬
‫ي‪ ،‬وجميع ُهنّ انشغل َ‬
‫المدرس ّ‬

‫للانصراف‪.‬‬
‫ِ‬

‫ل طر يقي إلى بيتي‪.‬‬


‫ل كن وجوه َهنّ كان َت لا تفارقُ مخيّلتي طوا َ‬

‫الكلمات بحقّ ِ سماح؟!‬


‫ِ‬ ‫فعلا ً ل ِم َ تل ّفظتُ بهذه ِ‬

‫هل ح ّقا ً أنا لا أحبّها؟ ماذا فعل َت حت ّى أجد ُني مستاء َة ً لهذا‬

‫الح ّد!‬

‫وصلتُ البيتَ ‪ ،‬وساعدتُ أم ّي ثم ّ اتّ جهتُ إلى غرفتي وأنا شاردة ُ‬

‫ن‪.‬‬
‫الذه ِ‬

‫ن هذا ما استغرب َته ُ‬


‫ما أزعجني أو ما صدم َني هو تصرّفي! وأجزم ُ أ ّ‬

‫الكلمات اتّ جاه َ‬


‫ِ‬ ‫ل هذه ِ‬
‫زميلاتي‪ ،‬فهنّ لم يعتدنَ من ّي سماعَ مث ِ‬

‫‪39‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الآخرين‪.‬‬

‫ك أرّقني‪ ...‬كل ّما‬


‫لم أستطع أن أجد َ مبر ّرا ً لما فعلتُ ‪ .‬ل كنّ ذل َ‬

‫أدرس‪ ،‬تعود ُ وجوه ُ رفيقاتي أمام َ ناظريّ ‪...‬‬


‫ُ‬ ‫حاولتُ إبعاد َه ُ وأنا‬

‫ن‬
‫دافعتُ هذه الخواطر َ كثيرا ً ل كنّها أصرّت على إشغالي ع ِ‬
‫الدراسة ِ‪.‬‬

‫فلم أجد ب ُدّا ً م ِن أن أض َع الأمرَ بينَ يدي أم ّي‪ ،‬عل ّها ت ُفهم ُني‬

‫السببَ فيما وقعتُ فيه‪.‬‬

‫الموقف‪ .‬وانتظرتُ منها الجوابَ ‪.‬‬


‫َ‬ ‫شرحتُ لأم ّي َ‬

‫ل‪:‬‬
‫فابتدرتني بالسؤا ِ‬

‫ن بالغيرة ِ منها؟‬
‫‪-‬هل تشعري َ‬

‫‪ -‬أنا !!!!!! ولماذا أغار ُ منها هي !!!!!!‬

‫‪41‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫نظر َت أم ّي بابتسامة ٍ‪ ..‬ثم ّ قالت‪:‬‬

‫‪-‬وكيف علاقت ُها م َع مدرّست ِكِ المفضّ لة ِ؟ أعني هل تحبّها أيضاً؟‬

‫لم أرِد في البداية ِ أن أجيبَ أم ّي‪ ،‬فطأطأتُ رأسي وحاولتُ أن‬

‫ل‪:‬‬
‫ألتف على السؤا ِ‬
‫ّ‬

‫ن المدرّسة َ تحبّها‪.‬‬
‫‪-‬لا أظنّ أ ّ‬

‫ك يا علا ع َن محب ّة ِ المدرّسة ِ لها! بل سألت ُكِ عنها‬


‫‪-‬ل كن ّي لم أسأل ِ‬
‫ح؟‬
‫حب المدرّسة َ‪ .‬هل هذا صحي ٌ‬
‫هي َ إن كانت ت ّ‬

‫ك‪ ،‬بل‬
‫ص على إظهارِ ذل َ‬
‫‪ -‬نعم ‪ ...‬نعم تحبّها كثيراً‪ ،‬وتحرِ ُ‬

‫س حت ّى تنتبه َ‬
‫ل ملفتة ٍ للنظرِ في الدر ِ‬
‫وتتعمّد ُ أن تقوم َ بأعما ٍ‬

‫ك بما قلت ُه ُ أنا؟!‬


‫المدرّسة ُ لها‪ .‬ول كن ما علاقة ُ ذل َ‬

‫سم َت أم ّي وقال َت‪ :‬أنتِ قولي لي ما العلاقة ُ؟‬


‫تب ّ‬

‫‪41‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪ -‬لا توجد ُ علاقة ٌ يا أم ّي‪.‬‬

‫‪ -‬أمتأكّدة ٌ أنتِ يا علا؟ لا علاقة؟‬

‫‪ -‬أم ّي ‪ ...‬قلتُ لا علاقة ‪......‬‬

‫ٍ‬
‫مرتفع‪ ،‬وأشحتُ بوجهي بعيداً‪ ،‬وكأن ّي أهربُ م ِن‬ ‫بصوت‬
‫ٍ‬ ‫قلت ُها‬

‫ل‪.‬‬
‫صمت طو ي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫شيء ٍ‪ .‬وساد َ الغرفة َ‬

‫حت ّى هدأتُ قليلاً‪ ،‬فقلتُ لأم ّي‪:‬‬

‫‪-‬أنتِ ما رأيكِ ؟‬

‫مازلت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لسماع ما أريد ُ قول َه ُ؟ أم‬ ‫أنت مستع ّدة ً ح ّقا ً‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬هل‬

‫منزعجة ً؟‬

‫س‬ ‫ِ‬
‫الموضوع‪ ،‬وبنف ِ‬ ‫أحب أن أتكل ّم َ في هذا‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬لا أدري‪ ..‬لا‬

‫ل في معرفة ِ رأيكِ ‪ ،‬ل كن ّي صراحة ً‬


‫الوقت أشعر ُ برغبة ٍ وفضو ٍ‬
‫ِ‬

‫‪42‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أخاف ألا يعجب َني‪.‬‬


‫ُ‬

‫ِ‬
‫سماع‬ ‫كنت خائفة ً وترغبينَ في‬
‫ِ‬ ‫‪-‬اممم ‪ ..‬لا داعي إذا ً للكلا ِم إن‬

‫ن سماع َه ُ!‬
‫ما يرضيكِ فقط‪ ،‬فإن لم يعجبكِ فلا تودّي َ‬

‫‪-‬لا يا أم ّي‪ ...‬ول كن‪.‬‬

‫‪-‬هذه ِ هي الحقيقة ُ يا علا‪ .‬على عينيكِ غشاوة ٌ لا تر يدين أن‬

‫تبصري إلا ماترين َه! فعلام َ الكلام ُ! لن يعجب َك ما سأقول ُه‪.‬‬

‫‪-‬أم ّي‪ .‬الأمرُ ليس سهلا ً كما تتصو ّرين‪.‬‬

‫ِ‬
‫سماع الحقّ ِ‪.‬‬ ‫ك تماما ً يا علا‪ .‬نفس ُك لا ترغبُ في‬
‫‪-‬أعلم ُ ذل َ‬

‫‪-‬أم ّي ‪ ...‬ماذا تقصدين؟‬

‫‪-‬ما أقصد ُ قول ُه ُ هو أن ّني لن أتح ّدثَ حت ّى يذهبَ عنكِ شيطان ُكِ ‪،‬‬

‫أو تهدأ نفس ُكِ ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أسرعتُ إلى غرفتي‪ ،‬وكأن ّي لا أريد ُ سماعَ المزيدِ‪.‬‬

‫جواب! حاولتُ‬
‫لا أدري‪ ..‬لقد تصرّفتُ وكأن ّي أهربُ من ال ِ‬
‫ِ‬
‫بالموضوع‪ ..‬ول كن عبثاً‪.‬‬ ‫ألّا أفك ّر َ‬

‫ق‪ ،‬فتذك ّرتُ دعاء ً‬


‫قمتُ إلى صلاتي متكاسلة ً‪ ،‬ولازلتُ أشعر ُ بضي ٍ‬

‫علّمتنا إياه ُ م ُدرّسة ُ التربية ِ الدينية ِ‪ ،‬فرفعتُ يديّ أدعو به ِ‪:‬‬

‫ل باطلا ً‬
‫الله ّم أرِني الحقّ ح ّقا ً وارزقني ات ّباع َه ُ وأرِني الباط َ‬

‫وارزقني اجتناب َه‪ ،‬وأعن ّي على نفس ِي فإن ّه ُ لا يعينُ على الحقّ ِ‬

‫ك ولا‬
‫غير ُك‪ ،‬ولا تكلن ِي لنفسي طرفة َ عينِ ولا أصغر َ م ِن ذل َ‬

‫ل الله ّم على سي ّدِنا محم ّدٍ وعلى آله ِ وصحب ِه ِ وسل ّم‪.‬‬
‫أكبر َ‪ ،‬وص ّ‬

‫ِ‬
‫وسماع‬ ‫جواب أم ّي‬
‫ِ‬ ‫أحسستُ بعد َ الدعاء ِ بأن ّني أقوى على معرفة ِ‬

‫نصيحت ِها التي توق ّعتُ أ ّنها لن تعجب َني‪.‬‬

‫ثم ّ ذهبتُ إلى أم ّي‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪ -‬أعتذر ُ يا أم ّي على ما بدر َ من ّي‪ ،‬لقد صل ّيتُ ‪ ،‬فأنا الآنَ‬


‫ِ‬
‫سماع رأي ِكِ ؛ سامحيني يا حبيبتي‪.‬‬ ‫ن نفسَا ً‪ ،‬وأقدر ُ على‬
‫أسكَ ُ‬

‫هل ستجيبين ع َن سؤالي؟‬

‫ل‬
‫ك‪ ،‬المه ّم أن ي ُدرك َ الإنسانُ خطأه ُ‪ ،‬و يعم َ‬
‫غفر َ الل ّه ُ ل ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ل عدم َ تكرارِه‪ .‬أمّا عن رأيي‬


‫حه ِ‪ ،‬و يحاو َ‬
‫على إصلا ِ‬

‫ك يا علا‪.‬‬
‫أردت ذل َ‬
‫ِ‬ ‫فسأجيب ُكِ إن‬

‫ل جهدي يا أم ّي‪ .‬نعم أريد ُ سماع َ رأيكِ م ِن فضل ِكِ ‪.‬‬


‫سأبذ ُ‬ ‫‪-‬‬

‫ن أن يشعر َ‬
‫ت به ِ يا حبيبتي هو شعور ٌ طبيعيّ يمك ُ‬
‫ما شعر ِ‬ ‫‪-‬‬

‫رت م ِن زميلت ِكِ‬ ‫به ِ أيّ شخ ٍ‬


‫ص‪ .‬إ ّنها الغيرة ُ‪ .‬لقد غِ ِ‬

‫ت أن‬
‫لمحاولاتِها التقر ّبَ م ِن مدرّست ِكِ المفضّ لة ِ‪ ،‬وخشي ِ‬

‫ح؟‬
‫جاب واهتما ِم المدرّسة ِ لها أكثر َ منكِ ‪ .‬صحي ٌ‬
‫تحوز َ على إع ِ‬

‫ن أن نتجاوز َ هذه ِ النقطة َ؟‬


‫أم ّي ألا يمك ُ‬ ‫‪-‬‬

‫‪45‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫سبب المشكلة ِ هو الذي‬


‫ِ‬ ‫ن تحديد َ‬
‫ن‪ .‬لأ ّ‬
‫لا‪ ..‬لا يمك ُ‬ ‫‪-‬‬

‫سيحل ّها‪.‬‬

‫امممم ‪ ......‬نعم‪ ،‬رب ّما ‪ ...‬رب ّما هذه ِ الحقيقة ُ التي‬ ‫‪-‬‬

‫كنتُ أهربُ منها‪.‬‬

‫يء ٌ‬
‫الغيرة ُ يا بنتي نوعان‪ ،‬منها ماهو محمود ٌ‪ ،‬ومنها ما هو س ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ك‪ ،‬فيملأ قلب َه ُ غلا ً أو شرّا ً‪،‬‬


‫ي ُردي صاحب َه ُ إلى المهال ِ‬
‫ل قبيحة ٍ‪ .‬ألا تذكرين قصّ ة َ أولادِ النبيّ‬
‫وقد يدفع ُه ُ لأعما ٍ‬

‫يوسف عليه ِ السلام؟‬


‫َ‬ ‫يعقوبَ م َع أخيهم سي ّدِنا‬

‫نعم يا أم ّي أذكر ُها جي ّداً‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫يوسف منه‪ ،‬لحظوته ِ عند َ أبيهم‪ ،‬فكاد ُوا‬


‫َ‬ ‫لقد غار َ إخوة ُ‬ ‫‪-‬‬

‫له حت ّى فك ّروا في قتل ِه ِ‪.‬‬

‫ل شائنة ٍ أو غبي ّة ٍ‪،‬‬


‫ل المرء َ يقوم ُ بأعما ٍ‬
‫صحيح‪ .‬الغيرة ُ تجع ُ‬ ‫‪-‬‬

‫‪4٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫كما فعلتُ أنا‪.‬‬

‫الربط بينَ الحادثت َين‪،‬‬


‫َ‬ ‫سم َت أم ّي لأن ّي قد وف ّرتُ عليها‬
‫تب ّ‬

‫ق نحو الحقّ ِ‪.‬‬


‫نصف الطر ي ِ‬
‫ُ‬ ‫واعتراف ِي بخطئ ِي‪ .‬وكانَ هذا‬

‫ت بخطئ ِكِ ‪.‬‬


‫ت يا علا‪ ..‬أنا فخورة ٌ بكِ لأن ّكِ اعترف ِ‬
‫‪-‬أحسن ِ‬

‫‪-‬هذه ِ هي الغيرة ُ السي ّئة ُ‪ ،‬وماهي الغيرة ُ المحمودة ُ؟‬

‫ٍ‬
‫صالح‪ ،‬فتحمل ُكِ غيرت ُكِ‬ ‫ل‬
‫‪-‬هي أن تغاري مم ّن يقوم ُ بعم ٍ‬
‫ت‬
‫على القيا ِم به ِ أيضاً‪ .‬مثلا ً رفيقات ُكِ بالدراسة ِ اجتهدنَ فغر ِ‬

‫ظ‬
‫علامات أكثر َ‪ .‬حف ُ‬
‫ٍ‬ ‫ت أكثر َ كي تنالي‬
‫منهنّ واجتهد ِ‬

‫ن‪ ...‬مساعدة ُ الفقراءِ‪ .‬الأمثلة ُكثيرة ٌ‪.‬‬


‫القرآ ِ‬

‫الكلمات التي‬
‫ِ‬ ‫ك‬
‫‪-‬آه‪ ...‬فهمتُ ‪ .‬ما أغباني إذ تل ّفظتُ بتل َ‬

‫ل يا أم ّي حت ّى لا يعاود ُني‬
‫جت نتيجة َ غيرتي؛ ماذا أفع ُ‬
‫خر َ‬

‫هذا الشعور؟‬

‫‪47‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬يا علا ‪ ..‬أنتِ تحب ّين هذه ِ المدرّسة َ لل ّه‪ ،‬لأ ّنها علّمتكِ أشياء َ‬
‫كثيرة ً نافعة ً‪ ،‬ول كثرة ِ خصال ِها الجميلة ِ التي أعجب َتك‪ ،‬هل هذا‬

‫ح؟‬
‫صحي ٌ‬

‫‪-‬نعم صحيح‪.‬‬

‫ك‪ ،‬فما تطلبين َه ُ م ِن أن تكوني أنتِ‬


‫‪-‬إذا ً عليكِ أن تذكري ذل َ‬

‫ك‪،‬‬
‫ل إلى غير ِ ِ‬
‫فقط المفضّ لة ُ أناني ّة ٌ منكِ ‪ ،‬وحظر ٌ للخير ِ أن يص َ‬
‫س وطلباتِها‪ .‬و قد أمرنا الله بعد ِم ات ّ ِ‬
‫باع‬ ‫وهو م ِن أهواء ِ النف ِ‬
‫َ ّ ُ‬
‫الهوى حت ّى لا يهوي بنا‪ ..‬مت ّفقة ٌ معي على ذلك؟‬

‫شاق على نفسي‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ك‬
‫‪-‬نعم يا أم ّي‪ .‬ل كنّ ذل َ‬

‫ل الل ّه ُ ثواب َه ُ الجن ّة‪.‬‬


‫ك جع َ‬
‫ل ذل َ‬
‫‪ -‬صحيح‪ .‬وم ِن أج ِ‬

‫س‪.‬‬
‫ل هذا الكلام َ‪ ،‬وما أصعب َه ُ على النف ِ‬
‫‪-‬آه يا أم ّي ‪ ..‬ما أسه َ‬

‫الناس في منازل ِهم‬


‫ُ‬ ‫ل‬
‫‪-‬كلام ُكِ حقّ يا علا‪ ،‬وبهذا يتفاض ُ‬
‫‪48‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن الل ّه ِ‬
‫عند َ ر ّبهم؛ هذا هو الاختبار ُ‪ ،‬ليس الامتحانُ م ِ َ‬

‫ل حالت ِكِ هذه ِ‪،‬‬


‫مصيبة ً أو ش ّدة ً فقط‪ ،‬قد يكونُ مث َ‬

‫سكِ أم‬
‫وامتحان ُكِ هل ستت ّقينَ الل ّه َ وتنصفين َها من نف ِ‬

‫ت الآنَ بلسان ِكِ ؟‬


‫ن الأذى كما فعل ِ‬
‫ك‪ ،‬وينالُها م ِ َ‬
‫ستت ّبعينَ هوا ِ‬

‫ل‬
‫ق الل ّه َ قد يغر يه ِ الشيطانُ كما قت َ‬
‫فإذا لم ينتبه ِ المسلم ُ‪ ،‬ويت ّ ِ‬

‫يوسف‪.‬‬
‫َ‬ ‫ل إخوة ُ‬
‫ل‪ ،‬و كما فع َ‬
‫ل هابي َ‬
‫قابي ُ‬

‫ج‪.‬‬
‫بدا عليّ الانزعا ُ‬

‫كيف‬
‫الموقف هو خبرة ٌ لتتعل ّمي منه ُ َ‬
‫ُ‬ ‫لا تنزعجي يا علا‪ .‬هذا‬ ‫‪-‬‬

‫ت‬
‫ك‪ ،‬إن أحسن ِ‬
‫ن نفسَكِ ‪ ،‬ولا تسترسلينَ مع هوا ِ‬
‫تجاهدي َ‬

‫ن الل ّه ِ لأن ّه ُ‬
‫ك‪ ،‬وتربية ٌ م ِ َ‬
‫بل ِ‬
‫الموقف هو كس ٌ‬
‫ُ‬ ‫التعلّم َ فهذا‬

‫ك‪.‬‬
‫يحب ّكِ ‪ ،‬و يريد ُ أن يطهّر َ ِ‬

‫ن الل ّه َ يحب ّني لأن ّه‬


‫الكلمات الرائعة ِ‪ .‬ح ّقا ً إ ّ‬
‫ِ‬ ‫أشرق َت نفسي بهذه ِ‬

‫س وأهوائِها‪.‬‬
‫المواقف حت ّى أصفو َ م ِن أكدارِ النف ِ‬
‫ِ‬ ‫يربيني بهذه ِ‬

‫‪49‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫رب‪.‬‬
‫ك يا ّ‬
‫شكرا ً ل َ‬

‫ح كلام ُكِ‬ ‫‪-‬الحمد ُ لل ّه ِ‪ ...‬الحمد ُ لل ّه ِ ‪ ...‬أشكر ُ ِ‬


‫ك يا أم ّي‪ .‬لقد مس َ‬

‫أعرف سبب َه ُ؛ أمّا الآنَ‬


‫َ‬ ‫ع َن قلبي ثقلا ً كبيرا ً‪ ،‬لم أستطع أن‬

‫ت الصورة ُ واضحة ً جلي ّة ً بعد َ أن كان َت‬


‫فبكلمات ِكِ المضيئة ِ بد َ ِ‬

‫ك‬ ‫ٍ‬
‫سماح وانزعاجي منها‪ .‬أشكر ُ ِ‬ ‫ل‬
‫ضبابي ّة ً لا أرى منها إلا أفعا َ‬

‫ل قلبي‪.‬‬
‫م ِن ك ّ ِ‬

‫ق أمام َ‬ ‫ٍ‬
‫سماح‪ ،‬وتقولي كلمة َ ح ّ ٍ‬ ‫‪ -‬لا تنس َي أن ت ُثني على‬

‫ل‬
‫ك‪ ،‬حت ّى تكتم َ‬
‫ت أمام َهنّ بقول ِ ِ‬
‫زميلات ِكِ الل ّاتي أسأ ِ‬

‫خص العباد َ ليس فقط‬


‫ح التوبة ِ التي ت ّ‬
‫توبت ُكِ ؛ فإصلا ُ‬

‫حه ِ م َع العبدِ‪.‬‬
‫بالاستغفارِ بل لاب ّد م ِن إصلا ِ‬

‫ك كثيراً‪.‬‬
‫ت يا أم ّي‪ .‬أشكر ُ ِ‬
‫‪-‬صدق ِ‬

‫بالذهاب إلى غرفتي‪.‬‬


‫ِ‬ ‫رأس أم ّي‪ ،‬ثم ّ استأذنت ُها‬
‫َ‬ ‫قبّلتُ‬

‫‪51‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أحببتُ أن أرك َع بينَ يدي الل ّه ِ ركعتين أعل ُ‬


‫ن فيهما توبتي‬

‫وامتناني أن هداني‪ ،‬وأعان َني على نفسي‪ ،‬وأراني الحقّ ‪،‬‬

‫وساعدني في ألّا تأخذ َني العز ّة ُ بالإث ِم‪.‬‬

‫ك‬
‫ل وجه ِ َ‬
‫ك الحمد ُ حمدا ً طي ّبا ً مباركا ً كما ينبغي لجلا ِ‬
‫الله ّم ل َ‬

‫ك‪.‬‬
‫وعظيم سلطان ِ َ‬
‫ِ‬

‫الركعات التي سجدتُها في‬


‫ِ‬ ‫ن م ِن أحلى‬
‫ن الركعتا ِ‬
‫لقد كان َت هاتا ِ‬

‫والقرب لأن ّي جاهدتُ‬


‫ِ‬ ‫حياتي‪ ...‬رب ّما أكرم َني بمشاعر ِ الودِّ‬

‫هوايَ وانتصفتُ م ِن نفسي‪.‬‬

‫ك‬
‫ل جلال ُ َ‬
‫ن لتثبيت ِه ِ على الحقّ ِ‪ .‬ج ّ‬
‫عطاءات إلهي ّة ٌ للمؤم ِ‬
‫ٌ‬ ‫ح ّقا ً هناك َ‬

‫الرب الحبيبُ القريبُ ‪ ،‬تعلم ُ السر ّ‬


‫ّ‬ ‫ك‪ ،‬أنتَ‬
‫ك وأعظم َ َ‬
‫ما أكرم َ َ‬

‫ك‪.‬‬
‫وأخفى‪ .‬سبحان َ َ‬

‫ك لا‬ ‫ن الثناء ِ علي َ‬


‫ك‪ .‬سبحان َ َ‬ ‫يعجز ُ لساني ع َن شكرك َ‪ ،‬وكلماتي ع َ ِ‬
‫ك رب ّي‪.‬‬
‫ك‪ .‬أحب ّ َ‬
‫س َ‬
‫ك أنتَ كما أثنيتَ على نف ِ‬
‫نحصي ثناء ً علي َ‬
‫‪51‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪–3-‬‬

‫أغوارها يحتاجُ إلى بح ُار بارعُ ليقودُها‬


‫وسبر ُ‬‫(معرفةُ مداخلُ النفسُ ُ‬
‫نحو شاطئُ األمان) ُ‬
‫ُ‬

‫الهاتف يرنُ ‪ ....‬آلو ‪ ....‬نعم إ ّنها ه ُنا‪ ..‬دقيقة ٌ م ِن‬


‫ِ‬ ‫جرس‬
‫ُ‬

‫فضلك‪.‬‬

‫الهاتف‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬علا ‪ ..‬علا ‪ ...‬ردّي على‬

‫كيف حال ُك؟‬


‫َ‬ ‫‪ -‬حاضر يا أم ّي ‪ ..‬ألو ‪ ...‬أهلا ً حنان‪..‬‬

‫ك ‪ ...‬ما أخبار ُك؟ ل ِم َ صوت ُكِ حزي ٌن؟ ماذا‬


‫اشتقتُ ل ِ‬
‫ل؟‬
‫حص َ‬
‫‪52‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪ -‬لا شيء َ يا علا‪.‬‬

‫‪ -‬إن ّي أعرف ُكِ جي ّدا ً يا حنانُ‪ .‬صوت ُكِ حزينٌ‪ .‬ما الأمرُ؟‬

‫‪ -‬رفيقتي سمر‪ .‬تعلمين كم أضم ِر ُ لها م ِن أخو ّة ٍ ومحبّة ٍ‪ .‬هناك َ م َن‬

‫أخبر َها أن ّي انتقدتُ تصرّفاتِها في المدرسة ِ‪ ،‬فانزعج َت كثيرا ً‬


‫ل؛‬
‫ترفض التح ّدثَ معي أو حت ّى تبرير َ ما حص َ‬
‫ُ‬ ‫وهي الآنَ‬

‫ن التي أخبرتها‪.‬‬
‫آه لو أعلم ُ م َ ِ‬
‫ك ح ّقا ً يا حنان؟‬
‫فعلت ذل َ‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬وهل‬

‫ن‬
‫أعرف م َ ِ‬
‫َ‬ ‫ك‪ ،‬ول كن حاولتُ أن‬
‫‪ -‬في الحقيقة ِ‪ .‬فعلتُ ذل َ‬

‫التي أخبرتها كي أخاصم َها‪ ،‬وأبتعد َ عنها‪.‬‬

‫قاطعت ُها قائلةً‪:‬‬

‫أليس كذلك؟‬
‫َ‬ ‫‪ -‬ليس هذا هو المه ّم يا حنان‪،‬‬

‫‪ -‬لا‪ .‬هذا هامّ ج ّدا ً يا علا‪ ،‬فلولاها ما خاصم َتني سمر‪.‬‬

‫قمت‬
‫‪ -‬حنانُ‪ .‬المشكلة ُ ليسَت فيمن أخبر َها‪ .‬المشكلة ُ هو ما ِ‬

‫‪53‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أنتِ به ِ‪ .‬هل هذا صحيح؟‬

‫ل ما حصلَ‪ .‬ثم ّ إن ّي لم‬


‫‪ -‬ل كن لو لم يخ برها أحدٌ لما حص َ‬

‫أقصدِ الإساءة َ لها‪.‬‬

‫ل المشكلة‪،‬‬
‫‪ -‬رب ّما يا حنانُ لم تقصدي‪ ،‬ل كن لا تلت ّفي حو َ‬

‫ك الصديقة ُ حت ّى تتوع ّديها‪،‬‬


‫فليس المه ّم أن تعرفي م َن تل َ‬
‫َ‬

‫ن‬
‫ن المؤم َ‬
‫إ ّ‬ ‫نسيت قو َل رسو ِل الل ّه ِ ‪‬‬
‫ِ‬ ‫ن المشكلة ُ أن ّكِ‬
‫ول ك ِ‬
‫أليس كذلك؟‬
‫َ‬ ‫قمت به هو غيبة ٌ‪،‬‬
‫ح‪ ،‬وما ِ‬
‫ح ولا يفض ُ‬
‫ينص ُ‬

‫‪ -‬ل كن ّي لم أقصدِ الإساءة َ‪.‬‬

‫ك لا ينفي أن ّكِ اغتبت ِها؟ هل هذا صحيح؟‬


‫ن ذل َ‬
‫‪ -‬أعلم‪ .‬إلا أ ّ‬

‫أعرف ُكِ يا حنانُ محبة ً للحقّ ِ وصادقة ً مع نفسكِ ‪.‬‬

‫س أن‬
‫ل النف ُ‬
‫كيف تحاو ُ‬
‫َ‬ ‫‪ -‬صحيح‪ .‬شكرا ً لكِ‪ .‬سبحانَ الل ّه‬

‫ك الل ّه ُ‬
‫ن حت ّى لا تض َع اللوم َ عليها‪ .‬جزا ِ‬
‫تلتف على الإنسا ِ‬
‫ّ‬

‫ح عندما أتح ّدثُ‬


‫أعرف تماما ً أن ّي سأرتا ُ‬
‫ُ‬ ‫خيرا ً يا علا‪.‬‬

‫معكِ ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫سمعت الحقّ رغم َ قسوت ِه ِ‬


‫ِ‬ ‫ك يا حنانُ لأن ّكِ‬
‫‪ -‬بل أنا التي أشكر ِ‬

‫س بل غلظت ِه ِ‪ ،‬فلم تنتصري لنفسِكِ ‪ .‬حقّا ً‬


‫أحيانا ً على النف ِ‬
‫إن ّكِ صديقة ٌ ممتازة ٌ‪.‬‬

‫ل الآنَ؟‬
‫‪ -‬ماذا أفع ُ‬

‫للعلاج عندما‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫ق الموص ِ‬
‫نصف الطر ي ِ‬
‫ِ‬ ‫وصلت إلى‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬إن ّكِ‬

‫سكِ ‪ ،‬ولم تنتصري لها‪ ،‬أمّا تتم ّت ُه فعليكِ أن‬


‫ت مع نف ِ‬
‫صدق ِ‬

‫تتوبي أ ّولا ً‪ ،‬ثم ّ تذك ُريها بالخ ير ِ أمام َ من استغبت ِها عند َهنّ ‪،‬‬

‫لموقف‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وشرح ا‬ ‫ث مع سمر‬
‫ك غدا ً في التح ّد ِ‬
‫وسأساعد ُ ِ‬
‫ِ‬
‫شرح صدرِها لتفهم َ الأمرَ‪.‬‬ ‫ن الل ّه ِ سيعين ُنا في‬
‫وبإذ ِ‬

‫ك‬
‫ل قلبي‪ .‬جزا ِ‬
‫ك م ِن ك ّ ِ‬
‫ح فؤادي يا علا‪ .‬أشكر ُ ِ‬
‫‪ -‬لقد انشر َ‬

‫ن الدعاء ِ‪.‬‬
‫الل ّه خيراً‪ .‬لا تنسَيني م ِ َ‬

‫‪ -‬أهلا ً وسهلا ً بكِ يا حنان‪ .‬مع السلامة‪ .‬وأنتِ أيضا ً‬

‫دعوات ِك‪.‬‬

‫أغلقتُ السماعة َ‪ ،‬وقد سرّني صدقُ حنانَ وسرعة ُ استجابت ِها للحقّ ِ‬
‫‪55‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ديقات‬
‫ٍ‬ ‫مواقف كثيرة ٍ لص‬
‫َ‬ ‫مرت في ذهني صور ُ‬
‫وإذعانِها له‪ ،‬ثم ّ ّ‬
‫ن‬
‫ل الكلا ِم ونشر ِه ِ مع كثيرٍ م ِ َ‬
‫ن بالغيبة ِ والنميمة ِ ونق ِ‬
‫لي خض َ‬

‫ل والبهارِ‪ .‬حت ّى أنا أجدني أق ُع فيها أحيانا ً دونَ أن أشعرَ!‬


‫التعدي ِ‬
‫ن الإنسانَ يستطي ُع أن يرى عيبَ غير ِه ِ‬
‫كيف أ ّ‬
‫َ‬ ‫غريبٌ !‬

‫مواقف أخرى!‬
‫َ‬ ‫ح في‬
‫ج هو نفس ُه ُ النص َ‬
‫و ينصح َه ُ‪ ،‬بينما يحتا ُ‬

‫ل‬
‫ن‪ ،‬كما قا َ‬
‫ن للإنسا ِ‬
‫ك كانَ التناصح ُ هو صم ّام ُ أما ٍ‬
‫ل ذل َ‬
‫ر ب ّما لأج ِ‬
‫الل ّه ُ تعالى في سورة ِ العصر ِ‪.‬‬

‫ك صوتُ أم ّي وسؤال ُها‪:‬‬


‫قط َع أفكاري تل َ‬

‫‪-‬ما بكِ يا علا؟‬

‫موقف حنانَ وسرعة ُ اعتراف ِها‬


‫ُ‬ ‫‪-‬لا شيء َ يا أم ّي‪ ،‬لقد أعجبني‬

‫بالخطأ ِ الذي يق ُع به ِ أكثر ُنا دونَ أن نشعر َ‪.‬‬

‫‪-‬ما هو يا بنتي ؟‬

‫‪5٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن الغيبة َ فعلا ً ظاهرة ٌ منتشرة ٌ في الم ِ‬


‫جتمع س ّيما‬ ‫‪-‬الغيبة ُ يا أم ّي‪ .‬إ ّ‬

‫ل الحقّ ِ‬ ‫عند َ النساء ِ‪ ،‬فالغيبة ُ والنميمة ُ والغيرة ُ والالتفا ُ‬


‫ف حو َ‬

‫أمراض منتشرة ٌ إلا م َن‬


‫ٌ‬ ‫الذات‪ .‬كل ّها‬
‫ِ‬ ‫ق مع‬
‫وعدم ُ الصد ِ‬

‫ل يعود ُ سبب ُها إلى هذه ِ‬


‫ن أغلبَ المشاك ِ‬
‫رحم َ رب ّي‪ .‬وإ ّ‬

‫ِض بنيانه ُ‪.‬‬ ‫ك بالم ِ‬


‫جتمع‪ ،‬وتقو ّ ُ‬ ‫ض التي تفت ِ ُ‬
‫الأمرا ِ‬

‫‪-‬أنتِ مح ّقة ٌ يا علا‪ ..‬لا غرو َ أن شبه َها الل ّه تعالى بهذا التشبيه‬

‫المقز ّزِ ‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ‬

‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ‬

‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ‪. 1‬‬

‫موقف حنانَ الصادقَ مع نفس ِها وسرعة َ‬


‫َ‬ ‫‪-‬لقد أكبرتُ ح ّقا ً‬

‫‪57‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حها‪.‬‬
‫ل ح ّقا ً على صلا ِ‬
‫انقيادِها للحقّ ِ مم ّا يد ّ‬

‫يضعف أحيانا ً ل كن ّه ُ يؤوبُ إلى‬


‫ُ‬ ‫ن‪ ،‬قد‬
‫ل المؤم ِ‬
‫‪-‬هذا هو حا ُ‬

‫ح ما أفسد َ‪ ،‬مم ّا يرف ُع منزلت َه ُ‬


‫رب ّه ِ سر يعا ً‪ ،‬فيتوبُ إليه ِ و ي ُصل ِ ُ‬

‫ن الأخطاء ِ فيزداد ُ كمالاً‪.‬‬


‫عند َ رب ّه ِ‪ ،‬ويساعد ُه للتعل ّم ُ م ِ َ‬

‫‪58‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪-4-‬‬

‫ً‬
‫فتبصر خطأُكُ‪ُ ،‬ويتُسعُ‬
‫ُ‬ ‫أل خططئُ‪ ،‬ولكنُ أنُ خكونُ صادقا‬
‫(ليستُ البطولةُ في ُ‬
‫ً‬
‫صدركُ لنصيحةُ اآلخرين‪ ،‬ثمُ خمتلكُ الجرأةُ والصدقُ معا لتصحُحُ ما أفسدُت) ُ‬
‫ُ‬

‫جرس الباحة ِ ‪...‬‬


‫ُ‬ ‫رن ‪ ...‬رن ‪...‬‬

‫لأقف على أخبارِ حنانَ وصديقت ِها سمر‪.‬‬


‫َ‬ ‫أسرعتُ إلى الباحة ِ‬

‫ل؟‬
‫طمئنيني يا حنانُ‪ .‬ماذا حص َ‬ ‫‪-‬‬

‫شكرا ً لنصيحت ِك الغالية ِ يا علا‪ .‬ح ّقا ً لقد تعل ّمتُ درسا ً لن‬ ‫‪-‬‬

‫‪59‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫خبرات في حيات ِنا‬


‫ٍ‬ ‫ن الل ّهِ‪ .‬الحمد ُ لل ّه ِ‪ ،‬ما نمر ّ به ِ م ِن‬
‫أنساه ُ بإذ ِ‬

‫تساعد ُنا في بناء ِ قي َمِنا وشخصي ّت ِنا‪ ،‬فالإنسانُ العاق ُ‬


‫ل هو الذي‬

‫ل‬
‫اليأس يدخ ُ‬
‫َ‬ ‫يتعل ّم ُ م ِن أخطائ ِه ِ وأخطاء ِ غير ِه ِ‪ ،‬ولايدع ُ‬

‫ق قلبي يا علا‪.‬‬
‫ك م ِن أعما ِ‬
‫قلب َه ُ‪ .‬أشكر ِ‬

‫لابأس عليكِ ‪ ..‬فهذا واجبُ الأخو ّة ِ‪ ..‬التناصح ُ‪.‬‬


‫َ‬ ‫‪-‬‬

‫ل‬
‫ك‪ ،‬لقد تعل ّمتُ منكِ الامتثا َ‬
‫‪ -‬بل أنا التي ينبغي أن تشكر َ ِ‬

‫س‪ .‬ح ّقا ً صدقَ الل ّه ُ العظيم‪:‬‬


‫للحقّ ِ مهما كانَ صعبا ً على النف ِ‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟ‬

‫‪1‬‬ ‫ﭠ ﭡﭼ‬

‫ل النص ِ‬
‫ح‪ ،‬وقل ّة ٌ م ِن‬ ‫لقد ضربتِ مثلا ً رائعا ً يا حنانُ في قبو ِ‬

‫ن النقد َ‪ ،‬ولو كانَ‬


‫ك‪ ،‬أو يتقب ّل َ‬
‫ن ذل َ‬
‫رفيقات ِنا م َن يقبل َ‬

‫‪٢1‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ق‬
‫سكِ بالأخلا ِ‬
‫سه ِ والتم ّ‬
‫الإنسانُ صادقا ً في هدف ِه ِ للرق ِيّ بنف ِ‬

‫ق‬
‫ل‪ ،‬و يح ّق َ‬
‫الرفيعة ِ ومعرفة ِ عيوبه ِ لارتقى حت ّى يقاربَ ال كما َ‬

‫أهداف َه ُ‪.‬‬

‫ت يا علا‪.‬‬
‫صدق ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ل‬
‫س معل ِنا ً انتهاء َ الباحة ِ‪ ،‬فأسرع َت ك ّ‬
‫قط َع كلام َنا صوتُ الجر ِ‬

‫من ّا إلى ص ّف ِها‪.‬‬

‫ي عدتُ إلى منزلي‪ ،‬وصورة ُ حنانَ‬


‫وعند َ نهاية ِ الدوا ِم المدرس ّ‬

‫ك جعل َني أكثر َ اعتزازا ً‬


‫ل ذل َ‬
‫ن خيالي‪ ،‬وك ّ‬
‫وموقف ُها لا يفارقا ِ‬

‫وحرصا ً على صحبت ِها‪.‬‬

‫ل‪ ،‬وألقيتُ التحي ّة َ‪ ،‬وأسرعتُ لمساعدة ِ أم ّي َ التي‬


‫دخلتُ إلى المنز ِ‬

‫بد َت أ ّنها في حاجة ٍ إلى م َن يعين ُها‪.‬‬

‫ل الطعام َ‪،‬‬
‫خ مسرعا ً فارتطم َ بي وأنا أحم ُ‬
‫ل أخي الصغير ُ المطب َ‬
‫دخ َ‬

‫‪٢1‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫فصرختُ في وجهه ِ‪ ،‬ووبّ خت ُه ُ بش ّدة ٍ‪ ،‬فانفجر َ بالبكاء ِ؛ نظر َت أم ّي‬

‫وعتاب‪ ،‬فما كانَ من ّي إلا أن صحتُ ‪ :‬لا تلوميني‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫إليّ نظرة َ لو ٍم‬

‫ض‪.‬‬
‫كاد َ أن يوق َع الطعام َ م ِن يدي وينسكبَ على الأر ِ‬

‫بعنف‪ ،‬ثم ّ‬
‫ٍ‬ ‫ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي‪ ،‬وأغلقتُ البابَ ورائي‬

‫انفجرتُ بالبكاء ِ‪.‬‬

‫بسبب بكائي‪ ،‬ولم يخطر‬


‫ِ‬ ‫ظللتُ أبكي لفترة ٍ طو يلة ٍ دونَ أن أفك ّر َ‬

‫في بالي أبدا ً أن ألوم َ نفسي‪ ،‬ثم ّ استسلمتُ للنو ِم بعد َ أن أخبرتُهم‬

‫بعد ِم رغبتي في الطعا ِم‪.‬‬

‫صوت أم ّي توقظني للصلاة ِ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫أفقتُ على‬

‫أسرعتُ وتوضأتُ ثم ّ صليتُ ‪ ،‬وتذك ّرتُ ما حدثَ ‪ ،‬كنتُ في‬

‫أعترف بخطئي أو أعتذر َ لأخي‪.‬‬


‫َ‬ ‫أرفض أن‬
‫ُ‬ ‫ق نفسي‬
‫أعما ِ‬

‫ك‪.‬‬
‫هاتف ل ِ‬
‫ٌ‬ ‫نادتني أم ّي‪ :‬علا ‪....‬‬

‫‪٢2‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أهلا ً حنان ‪...‬‬ ‫‪-‬‬

‫ن‬
‫ما إن تل ّفظتُ باسم ِها حت ّى تذك ّرتُ موقف َها وإعجابي بما فعلته ُ م ِ َ‬

‫حه ِ ‪ ...‬ثم ّ أخذتُ أقارنُ بينَ ما قمتُ‬


‫اعتراف بخطئ ِها ثم ّ إصلا ِ‬
‫ٍ‬

‫ل‬
‫ك المقارنة ِ طوا َ‬
‫وموقف حنان! كنتُ مشغولة ً بتل َ‬
‫ِ‬ ‫به ِ اليوم َ‬

‫محادثتي لها حت ّى بدا عليّ الشرود ُ رغم َ محاولتي بعد ِم إظهارِ‬

‫شيء ٍ‪ ،‬فسارعتُ في إنهاء ِ المحادثة ِ‪ ،‬ثم ّ عدتُ إلى غرفتي‪ .‬أخذتُ‬

‫ل إلى قلبي؛ لقد‬


‫أفك ّر ُ فيما حدثَ و ردّة ِ فعلي‪ ،‬فبدأ الندم ُ يتسل ّ ُ‬

‫ن ردّة َ فعلي لا تتناسبُ مع ما بدر َ‬


‫ارتكبتُ أخطاء ً ع ّدة‪ ،‬أول ُها أ ّ‬

‫م ِن أخي الصغير ِ الذي أخطأ سهواً‪ ،‬ثانيها وهي الأخطر ُ عدم ُ‬

‫ن الطعا ِم‬
‫ك إضرابي ع َ ِ‬
‫اعترافي بالخطأ ِ وهروبي منه ُ‪ ،‬ثم ّ بعد َ ذل َ‬

‫ل‬
‫ي الأسريّ عند َ تناو ِ‬
‫الذي صنعته ُ والدتي وتكديريَ الجو ّ الحميم ّ‬

‫لسبب تافه ٍ‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫الطعا ِم معا ً و‬

‫ل حنانَ‪ ،‬ثم ّ‬
‫ف كنتُ البارحة َ أكب ِر ُ عم َ‬
‫تعجّ بتُ م ِن نفسي كي َ‬

‫‪٢3‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫سه ِ الآنَ!‬
‫أقوم ُ بعك ِ‬

‫بكيتُ كثيرا ً‪..‬‬

‫كيف لم أستطع أن ألتزم َ بالقيمة ِ‬


‫َ‬ ‫بكيتُ لأن ّي تفاجأتُ بنفسي‪،‬‬

‫التي أعجبتُ بها أمس‪ ،‬وقمتُ بعكس ِها؟!‬

‫حها‪ ،‬وتر ب ّتُ على كتفي‪.‬‬


‫لم يوقف دموعي إلا يد َ أم ّي َ وهي تمس ُ‬

‫ن‪.‬‬
‫بصوت حنو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬ه ّدئي م ِن روع ِكِ ‪ ..‬قالتها أم ّي‬

‫نظرتُ إليها‪ ،‬ثم ّ ارتميتُ في أحضانِها‪ ،‬وانفجرتُ في البكاء ِ‪.‬‬

‫ن فؤادِي‪،‬‬
‫حب ما أسك َ‬
‫ن ال ِّ‬
‫ئ فيه م ِ َ‬
‫عذب هاد ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بصوت‬
‫ٍ‬ ‫قالت لي‬

‫و طي ّبَ خاطري‪:‬‬

‫ت؟‬
‫‪-‬هو ّني عليك يا بنتي ‪ ..‬هل أنتِ نادمة ٌ على ما فعل ِ‬

‫‪ -‬نعم‪ ..‬كثيرا ً يا أم ّي ‪ ..‬لم أكن أظنّ أن ّني ‪ ....‬وانفجرتُ‬

‫‪٢4‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫بالبكاء ِ ثانية ً‪.‬‬

‫ن قيمة َ‬
‫تأ ّ‬
‫‪ -‬علا ‪ ..‬مابكِ ؟ هل خابَ ظن ّكِ بنفسكِ ؟ حسب ِ‬

‫ت‬
‫الاعتراف بالخطأ ِ قيمة ً ثابتة ً‪ ،‬أصيلة ً في نفسكِ ثم ّ تفاجأ ِ‬
‫ِ‬

‫ك؟‬
‫س ذل َ‬
‫ل على عك ِ‬
‫بتصر ّف ِكِ الدا ّ ِ‬

‫ك الملاك َ‬
‫‪ -‬تماما ً يا أم ّي ‪ ..‬لقد كرهتُ نفسي‪ ،‬البارحة ُكنتُ ذل َ‬

‫ح حنانَ‪ ،‬واليوم َ انظري ماذا فعلتُ !‬


‫خ الذي ينص ُ‬
‫أو الشي َ‬

‫‪ -‬لا تجزعي يا بني ّة ‪ ..‬هذا شيء ٌ طبيعيّ‪.‬‬

‫باستغراب‪ :‬طبيعيّ!‬
‫ٍ‬ ‫مسحتُ دموعي‪ ،‬و قلتُ‬

‫‪ -‬نعم يا علا فمعرفت ُنا بالقيمة ِ وإعجاب ُنا بها لايعني أن ّنا قادرون على‬

‫الالتزا ِم بتطبيق ِها دوما ً‪.‬‬

‫كيف يا أم ّي؟ لم أفهم!‬


‫َ‬ ‫‪-‬‬

‫ن شخصي ّت ِنا‬
‫ح جزءا ً م ِن تكوي ِ‬
‫ن المبدأ حت ّى يصب َ‬
‫يا علا إ ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪٢5‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل حت ّى يغدو َ تمث ُل ّا ً ‪.‬‬


‫وسلوك ِنا يمر ّ بمراح َ‬

‫فالإنسانُ قد يرى تصرّفا ً‪ ،‬أو يسم ُع خطابا ً أو محاضرة ً‬

‫ك لا يعني أن ّه ُ قادر ٌ‬
‫ن ذل َ‬
‫فتعجب ُه القيمة ُ أو المبدأ‪ ،‬إلا أ ّ‬

‫الظروف؛ فلا ب ّد أ ّولا ً‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جميع‬ ‫مباشرة ً على الالتزا ِم به ِ في‬

‫م ِن معرفة ِ القيمة ِ والمبدأ ِ‪ ،‬ثم ّ الإع ِ‬


‫جاب به ِ والتفكير ِ‬
‫بأهم ّي ّت ِه ِ وفوائدِه ِ ونتائج ِه ِ الإ يجابي ّة ِ في الحياة ِ والم ِ‬
‫جتمع ثم ّ‬

‫س على تطبيق ِه ِ‬
‫ل النف ِ‬
‫مرة ٍ‪ ،‬وحم ِ‬
‫مرة ً بعد َ ّ‬
‫محاولة ِ تطبيق ِه ِ ّ‬
‫ك المر ّة ُ تلو َ الأخرى‪ ،‬وقد تنجحينَ مرة ً‬
‫ومجاهدتِها على ذل َ‬

‫ك على‬
‫ن متابعت ِكِ وإصرارِ ِ‬
‫وتفشلينَ أخرى‪ ،‬إلا أ ّ‬

‫القلب‬
‫ِ‬ ‫تنفيذِها هو الذي يحو ّل ُها إلى عقيدة ٍ تتعقد ُ في‬

‫سكِ ‪ ،‬حت ّى‬


‫ح بها فتغدو قيمة ً أصيلة ً في نف ِ‬
‫فتلتزم ُ الجوار ُ‬

‫الناس فيكِ كخصلة ٍ م ِن شخصي ّت ِكِ ؛ فيقا ُ‬


‫ل مثلا ً‬ ‫ُ‬ ‫يعرف ُها‬
‫ِ‬
‫جميع‬ ‫ن الصدقَ عند َه ُ قيمة ٌ ين ّفذ ُها في‬
‫ن صادقٌ لأ ّ‬
‫فلا ٌ‬

‫تضحيات‪ ،‬فما عند َ الل ّه ِ خير ٌ‬


‫ٍ‬ ‫الظروف‪ ،‬ومهما كل ّفته ُ م ِن‬
‫ِ‬
‫‪٢٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن الدنيا ومافيها‪.‬‬
‫وأبقى م ِ َ‬

‫اكتساب المبدأ ِ يا علا‪..‬‬


‫ِ‬ ‫ل الاستجابة ِ أو‬
‫هذه ِ هي مراح ُ‬

‫ك عليكِ أن تجاهدي نفسَكِ وتحاسبيها على تنفيذِ‬


‫لذل َ‬

‫ق بل ج ّددي الهمّة َ‪.‬‬


‫القيمة ِ‪ ،‬ولا تيئ َسي عند َ الإخفا ِ‬

‫فالمه ّم هو الثباتُ على المبدأ ِ والاستقامة ُ عليه ِ حت ّى‬

‫ك وعقدة ً في قلبكِ ‪،‬‬


‫ح جزءا ً م ِن تركيبة ِ عقلكِ وفكر ِ ِ‬
‫يصب َ‬

‫عندئذٍ يظهر ُ على سلوك ِكِ ‪.‬‬

‫ت عن ّي الهمّ‪ ،‬وفهمتُ ح ّقا ً‬


‫ك يا أم ّي‪ .‬لقد أزح ِ‬
‫أشكر ُ ِ‬

‫الفرقَ بينَ معرفة ِ المبدأ ِ وتطبيق ِه ِ والالتزا ِم به؛ ل كنّ‬

‫ليس سهلا ً أبداً‪.‬‬


‫الأمرَ َ‬

‫القيم والأفكارِ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫ن هناك َ جبالا ً م ِ َ‬
‫أم ّي أشعر ُ أحيانا ً أ ّ‬

‫أحس‬
‫عليّ تغيير ُها‪ ،‬حت ّى أن ّي أيئس م ِن نفسي‪ ،‬وأحيانا ً ّ‬

‫قض؟!‬
‫ق الرفيعة ِ‪ .‬ما هذا التنا ُ‬
‫أن ّي في قم ّة ِ القو ّة ِ والأخلا ِ‬

‫‪٢7‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫ق شديدٍ عندما أرتكبُ خطأ ً ما‪ ،‬وكأ ّ‬


‫نك ّ‬ ‫أشعر ُ بضي ٍ‬

‫س‬
‫ل لدرجة ِ الإحسا ِ‬
‫أخطائي أمام َ ناظريّ ‪ ،‬وأتضاء ُ‬
‫ِ‬
‫الصراع‬ ‫الأرض حت ّى أنتهي َ م ِن هذا‬
‫ُ‬ ‫بالتمن ّي أن تبتلعني َ‬

‫الداخليّ!‬

‫أعلم ُ يا بنتي ما تشعري َن به ِ‪ ،‬لا تستغربي‪ ..‬فكل ّنا في هذه ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ك‪.‬‬
‫المرحلة ِكانَ يشعر ُ بذل َ‬

‫ق ذ َرعا ً م ِن هذه ِ المرحلة ِ التي لن‬


‫أم ّي أكاد ُ أضي ُ‬ ‫‪-‬‬

‫تصويب!‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إصلاح و‬ ‫ل شيء ٍ فيها يحتا ُ‬
‫ج إلى‬ ‫تنتهي‪ ...‬ك ّ‬

‫ما بكِ يا علا؟ لماذا أنتِ يائسة ٌ لهذه ِ الدرجة ِ! الأمرُ لا‬ ‫‪-‬‬

‫ك‪.‬‬
‫ل ذل َ‬
‫يستحقّ ك ّ‬

‫كل ّنا نخطئ ُ‪ ،‬وهذه ِ هي َ طبيعة ُ البشر ِ‪ .‬وقد تكونُ‬

‫أخطاؤك الآنَ أكثر َ أو تلاحظين َها وتدركينَ حجم َها‬

‫ن‪ ،‬وتتعرفينَ على الحياة ِ‬


‫ق لأن ّكِ تكبري َ‬
‫أدق وأعم َ‬
‫ل ّ‬ ‫بشك ٍ‬
‫س البشر ي ّة ِ ونقاطِ قو ّتِها‬
‫ومعناها‪ ،‬وعلى طبيعة ِ النف ِ‬
‫‪٢8‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك في مجاهدة ِ‬
‫ن على صبر ِ ِ‬
‫وضعف ِها؛ تذك ّري أن ّكِ تؤجَر ِي َ‬

‫س له أجر ٌ كبير ٌ؛‬


‫ك على أذى النا ِ‬
‫ك صبر ُ ِ‬
‫سكِ ‪ ،‬وكذل َ‬
‫نف ِ‬

‫ي هناك‪،‬‬
‫هذه هي الحياة ُ الدنيا‪ ،‬أمّا الحياة ُ الحقيقية ُ فه َ‬

‫إ ّنها الحياة ُ الآخرة ُ‪ ،‬حيثُ الخلود ُ الدائم ُ والسعادة ُ‬

‫لاتعرف الحزنَ والشقاء َ‪ ،‬ل كن ّنا لن نتمت َع‬


‫ُ‬ ‫المطلقة ُ التي‬

‫بهذه ِ السعادة ِ الح ّقة ِ إلا بعد َ دفع ِنا لثمن ِها هنا في الدنيا‪،‬‬
‫ِ‬
‫الإصلاح‪.‬‬ ‫ل على‬
‫س و العم ُ‬
‫حيثُ مجاهدة ُ النف ِ‬
‫س‪.‬‬
‫شاق على النف ِ‬
‫ّ‬ ‫صعب يا أم ّي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الأمرُ‬ ‫‪-‬‬

‫ن الأجر َ عظيم ٌ‪.‬‬


‫ك لأ ّ‬
‫ح ‪ ،‬ذل َ‬
‫كلام ُكِ صحي ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫ادعي الل ّه َ لي يا أم ّي أن يعين َني‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ح ما أفسدتُ ‪ ..‬عليّ أن أطلبَ‬


‫و الآنَ ‪ ..‬يجبُ أن أصل َ‬

‫ح م ِن أخي الصغير ِ‪ ،‬وأطي ّبَ خاطر َه ُ‪.‬‬


‫السما َ‬

‫ت يا علا ‪ ..‬جمّل َكِ الل ّه ُ بالحلم ِ والرحمة ِ والحكمة ِ‬


‫أحسن ِ‬ ‫‪-‬‬

‫سك‪.‬‬
‫ق‪ ،‬وأعان َكِ على إصلاح نف ِ‬
‫والصد ِ‬

‫‪٢9‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫مرة ً أخرى‬
‫أشكر ُك ُ يا أم ّي ‪ ..‬لاحرم َني الل ّه ُ منكِ ‪ .‬أعتذر ُ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫يا حبيبتي‪.‬‬

‫ل صبرٍ أجر ُه‪.‬‬


‫لا عليكِ يا بنتي‪ .‬فلك ّ ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ح ما‬
‫الابتسامات وأسرعتُ إلى أخي كي أصل َ‬
‫ِ‬ ‫تبادلنا‬

‫أفسدت ُه‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 5-‬‬

‫ُ‬

‫ُ‬

‫ُ‬

‫(مفتاحُ حلُ أيُ مشكلةُ يكمنُ في معرفةُ أصلُ املشكلةُ وخحديدُ سببُها‪ ،‬وليسُ في‬
‫آلثارها ونتائجُها! ) ُ‬
‫البحثُ عنُ حلُ ُ‬

‫ُ‬

‫حه ِ ونصر ِه ِ‬
‫ك م ِن خير ِ هذا اليو ِم‪ ،‬فت ِ‬
‫يوم ٌ جديد ٌ " الله ّم إن ّي أسأل ُ َ‬

‫ك م ِن شرِّ ما فيه ِ وشرِّ ما‬


‫ونورِه ِ وبركت ِه ِ وهدايت ِه ِ وأعوذ ُ ب َ‬
‫‪1‬‬
‫بعد َه ُ"‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل منطلقة ً إلى المدرسة ِ‪.‬‬ ‫تمتمتُ بهذا الدعاء ِ وأنا أغل ُ‬


‫ق بابَ المنز ِ‬

‫ن التقيتُ بهنّ م ِن‬


‫ل مَ ِ‬
‫الصف بابتسامة ٍ وزّعت ُها على ك ّ ِ‬
‫ّ‬ ‫دخلتُ‬

‫زميلاتي فبادلن َن ِي مثل َها‪.‬‬

‫ت الباحة ُ‪...‬‬
‫ب وجاء َ ِ‬
‫حصص الدرسي ّة ُ على نحوٍ طي ّ ٍ‬
‫ت ال ُ‬
‫ض ِ‬
‫م َ‬

‫كانتِ الضحكاتُ تتعالى ه ُنا وه ُناك‪ ،‬فقد كان َت رفيقة ٌ لنا تجيد ُ‬

‫ق‬ ‫ٍ‬
‫رائع‪ ،‬تجعلكِ تضحكينَ م ِن أعما ِ‬ ‫النكت وتمثيل َها بأداء ٍ‬
‫ِ‬ ‫إلقاء َ‬
‫جرس بدء َ الحصّ ة ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫الوقت حيثُ أعل َ‬
‫ِ‬ ‫قلب ِكِ ‪ ،‬فلم نشعر بمرور‬

‫الصف فإذا بالمدرّسة ِ تنظر ُ إلينا‬


‫ِّ‬ ‫ثلاث دقائقَ‪ ،‬سارعنا إلى‬
‫ِ‬ ‫منذ ُ‬

‫الصف‪ ،‬وبدا الاعتذار ُ‬


‫ّ‬ ‫بوجه ٍ يعلوه ُ الغضبُ ‪ ..‬ساد الصمتُ‬

‫عتب ثم ّ قالت‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫سما ً فيه‬
‫ت المدرّسة ُ تب ّ‬
‫باديا ً على وجوه ِنا‪ ،‬فابتسم َ ِ‬

‫ك سن ّكنّ ‪ ،‬انتبهن في المرة ِ القادمة ِ كي لا‬


‫أفرحكُنّ الل ّه ُ و أضح َ‬

‫‪72‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫يسرقكنّ الوقتُ ‪.‬‬

‫ل واحدة ٍ من ّا الامتنانُ‬
‫ثم ّ بدأت درس َها الممت َع‪ ،‬وفي خاطرِ ك ّ ِ‬
‫ل أدب َنا‬
‫والإعجابُ لتجاوزِها ع َن هفوت ِنا برحمة ٍ وحز ٍم؛ ولع ّ‬

‫سنا بالذنبِ والند ِم على ما قمنا به ِ هو الذي دفع َها لتجاوزِ‬


‫وإحسا َ‬

‫خطئ ِنا‪.‬‬

‫حظات الأخيرة َ منها فقد حدثَ ما‬


‫ِ‬ ‫ت الحصّ ة ُ بسرورٍ إلا الل‬
‫ض ِ‬
‫م َ‬

‫جت من إحدى رفيقات ِنا‬


‫ن‪ .‬سمعنا ضحكة ً خر َ‬
‫لم يكن في الحسبا ِ‬

‫جنا م ِن صمت ِنا إلى‬


‫كت ِبَ على السب ّورة ِ‪ ،‬مم ّا أخر َ‬
‫ل ما ُ‬
‫ونحن نسج ّ ُ‬

‫ن المدرّسة ِ لرفيقت ِنا ومعاقبت ِها عقابا ً شديد َ اللهجة ِ‪.‬‬


‫عتاب شديدٍ م ِ َ‬
‫ٍ‬

‫انفجر َت زميلت ُنا بالبكاء ِ الذي شقّه ُ صوتُ الجر ِ‬


‫س م ُعلنا ً نهاية َ‬

‫الحصّ ة ِ‪.‬‬

‫ك عن‬
‫ت المدرّسة ُ وقد غاب َت عنها ابتسامت ُها المعهودة ُ وكذل َ‬
‫ج ِ‬
‫خر َ‬

‫وجوه ِنا؛ أسرعنا إلى زميلت ِنا نستخبر ُ منها ماحدثَ ‪ ..‬لم نفهم‬

‫شيئا ً م ِن ش ّدة ِ البكاء ِ‪ ،‬وسرعانَ ما عدنا إلى مقاعدِنا عند بداية ِ‬


‫‪73‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الحصّ ة الدرسي ّة ِ‪.‬‬

‫ل عقاربَ الساعة ِ حت ّى تنتهي َ الحصّ ة ُ لنسرعَ إلى‬


‫كن ّا نستعج ُ‬

‫زميلت ِنا ونستفهم َ ما حدثَ ‪.‬‬

‫كانَ الجمي ُع يواسونَها‪ ،‬و يضعونَ اللوم َ على المدرّسة ِ في عتابِها على‬

‫ضَ حكة ٍ غير ِ مقصودة ٍ‪ ..‬كانَ هذا رأيُهنّ ‪.‬‬

‫لانصراف‬
‫ِ‬ ‫لم أستطع أن أتح ّدثَ م َع صديقت ِي بما أريد ُه ُ‪ ،‬وعند َ ا‬

‫ل ‪ :‬ما‬
‫كان َت رفيقت ِي تبحثُ عن ّي‪ ،‬وسرعانَ ما بادرتني بالسؤا ِ‬

‫رأي ُكِ فيما حدثَ ؟‬

‫ردّدتُ فورا ً ‪ :‬إن ّي أرغبُ أن أسم َع منكِ ‪ ،‬ما رأيكِ أنتِ ؟‬

‫قال َت ‪ :‬أعلم ُ أن ّي مخطئ َة ٌ ول كن لم أكن أقصد ُ‪ ،‬وفي الحقيقة ِ لقدِ‬

‫ل خبر ِ ما‬
‫انزعجتُ كثيرا ً م ِن عتابِها‪ ،‬ومم ّا زاد َ في انزعاجي وصو ُ‬
‫ِ‬
‫أسماع مدرّسة ِ اللغة ِ العربي ّة ِ التي تعلمينَ كم أكنّ لها‬ ‫حدثَ إلى‬

‫‪74‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حب‪ ،‬فعاتبتني كثيراً‪.‬‬


‫ن الاحترا ِم وال ِّ‬
‫مِ َ‬

‫ل خبر ُه ُ إليها؛ إن ّي‬


‫ل وص َ‬
‫لقد سئمتُ يا علا‪ ..‬إن ّني كل ّما قمتُ بعم ٍ‬
‫ن المدرسة ِ‪.‬‬
‫ل مِ َ‬
‫أفك ّر ُ ج ّدي ّا ً في الانتقا ِ‬

‫صعقني َ الخ بر ُ‪ ..‬فلم أنبس بكلمة ٍ وكان َت علائم ُ وجهي يسود ُها‬

‫الاستغرابُ الشديد ُ‪.‬‬

‫سألتني رفيقت ِي ‪ :‬ما رأي ُكِ ؟‬

‫‪ -‬قلتُ لها ‪ :‬في ماذا ؟‬

‫ن المدرسة ِ‪.‬‬
‫ل مِ َ‬
‫‪ -‬في الانتقا ِ‬

‫ك فعلا ً!‬
‫‪ -‬هل تقصدين ذل َ‬

‫جاب‪.‬‬
‫هز ّت رأس َها بالإ ي ِ‬

‫ل الخ بر ِ إلى‬
‫قلتُ لها ‪ :‬هل المشكلة ُ في المدرسة ِ هو وصو ُ‬

‫المدرّسة ِ التي تحبينها؟ هل هذا هو جوهر المشكلة وسبب ُها‬

‫‪75‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫برأيك؟‬

‫صمت َت كثيرا ً وأطرق َت‪.‬‬

‫ثم ّ أضفتُ قائلة ً ‪:‬‬

‫‪-‬تعلمينَ يا هبة ُ أن ّي أحب ّكِ ‪ ،‬وأنا أعلم ُ أن ّكِ تحب ّينَ الصراحة َ‬

‫ن رأيي ح ّقا ًمهما كانَ؟‬


‫والحقّ ‪ .‬هل هذا صحيح؟ وهل تريدي َ‬

‫حكِ لي‪.‬‬
‫ق نص ِ‬
‫ق في رأيكِ وصد ِ‬
‫‪ -‬بالتأكيدِ نعم‪ ،‬فأنا أث ُ‬

‫ن بما حدثَ ‪ ،‬يجبُ أن‬


‫ليست المشكلة ُ في معرفة ِ فلا ٍ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬يا هبة ُ‬

‫الالتفاف حول َها أو‬


‫َ‬ ‫ل‬
‫ننظر َ إلى جوهرِ المشكلة ِ‪ ،‬ولا نحاو َ‬

‫ن المشكلة َ ستعود ُ للظهورِ في‬


‫الهروبَ منها‪ ،‬لاشكّ أ ّ‬

‫مت به ِ‪،‬‬
‫ك الذي ق ِ‬
‫ن المشكلة َ في السلو ِ‬
‫المدرسة ِ الأخرى‪ ،‬لأ ّ‬

‫ن؟!‬
‫ل تغيير ُ المكا ِ‬
‫فكيف يكونُ الح ّ‬
‫َ‬ ‫ن!‬
‫ليس في المكا ِ‬
‫و َ‬

‫ن في تغيير ِ المدرسة ِ‪ ،‬بل يجبُ أن‬


‫ل يكم ُ‬
‫ن الح ّ‬
‫لا أظنّ أ ّ‬

‫‪7٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ونصحح َه ُ‪ .‬هذا رأيي‪ ،‬هل توافقين َني‬


‫ِّ‬ ‫ك‬
‫ننتبه َ أكثر َ إلى السلو ِ‬

‫عليه؟‬

‫لم تخي ّب هبة ُ ظن ّي بها‪ ،‬فقد هز ّت رأس َها وقال َت ‪:‬‬

‫ك أي ّت ُها‬
‫ك‪ ،‬لقد أريت ِني مالم أر َه ُ‪ ..‬شكرا ً ل ِ‬
‫ت‪ ،‬وشكرا ً ل ِ‬
‫‪-‬صدق ِ‬

‫الصديقة ُ الصدوقة ُ‪.‬‬

‫ق‬
‫ف لنفترقَ في الطر ي ِ‬
‫و لم ننه ِ الحديثَ إلا أن ّه ُكانَ علينا أن نتوق ّ َ‬

‫ل من ّا إلى منزل ِها‪.‬‬


‫حت ّى تعود َ ك ّ‬

‫كنتُ أسير ُ ببطء ٍ وأنا أفك ّر ُ فيما حدثَ ‪ ،‬وأقو ُ‬


‫ل في نفسي‪ :‬ح ّقا ً‬
‫لص ٍ‬
‫حيح إلا إذا استفاد َ م ِن‬ ‫ن الإنسانَ أحيانا ً لا يرى بشك ٍ‬
‫إ ّ‬

‫للموقف م ِن بعيدٍ أو م ِن زاو ية ٍ أخرى‪،‬‬


‫ِ‬ ‫آراء ِ أنا ٍ‬
‫س ينظرون‬

‫الموقف أكثر َ وضوحا ً واكتمالاً‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ل صورة َ‬
‫ك يجع ُ‬
‫ن ذل َ‬
‫لأ ّ‬

‫موقف هبة َ لاهتمام ِها بمعرفة ِ رؤ ية ِ م َن يرى‬


‫َ‬ ‫ح ّقا ً لقد أكبرتُ‬

‫‪77‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ح‪ ..‬إ ّنها ح ّقا ً تريد ُ الحقّ ولا شيء َ‬


‫م ِن بعيدٍ‪ ،‬و يصدق ُها النص َ‬
‫ِ‬
‫إصلاح نفس ِها على الرغ ِم م ِن‬ ‫سواه ُ‪ .‬إ ّنها مخلصة ٌ وصادقة ٌ في‬

‫ن الحقيقة ِ وعن رؤ ية ِ‬
‫أ ّنها في لحظة ٍ ما كادت أن تبتعد َ ع ِ‬
‫ل المشكلة ِ وجوهرِها‪.‬‬
‫أص ِ‬

‫بيت وقد بدا على وجهي التفكير ُ‪ ،‬فسألتني أم ّي‪:‬‬


‫وصلتُ إلى ال ِ‬

‫ما الخ بر ُ يا علا؟ بم َ تفك ّرين؟‬

‫‪-‬لا شيء َ يا أم ّي ‪ ..‬ثم ّ أخبرتُها القصّ ة َ‪.‬‬

‫فابتسم َت ورب ّت َت على كتفي وقالت ‪:‬‬

‫ح لصديقت ِكِ ‪ ،‬وأعنت ِها‬


‫ت النص َ‬
‫أحسنت يا علا‪ .‬لقد أخلص ِ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ل على‬
‫سبب المشكلة ِ وبالتالي العم ِ‬
‫ِ‬ ‫على رؤ ية ِ الحقّ ِ وتتب ّ ِع‬

‫حل ِها‪.‬‬

‫س‬
‫ك لأن ّه ُ يح ّ‬
‫ن " صاحبَ المشكلة ِ أعمى"‪ ،‬ذل َ‬
‫لإ ّ‬
‫وقد قي َ‬

‫قف‪،‬‬
‫ل المو ِ‬
‫فقط بألم ِه ِ‪ ،‬هذا الشعور ُ يبعد ُه ُ عن رؤ ية ِ كام ِ‬
‫‪78‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫فلا ينظر ُ إلا م ِن وجهة ِ نظرِه ِ‪ .‬قاطعتُ أم ّي قائلة َ‪:‬‬

‫ليس الذي‬
‫ل" َ‬‫ل يقو ُ‬
‫أليس هناك َ مث َ ٌ‬
‫َ‬ ‫ح يا أم ّي ل كن‬
‫‪ -‬صحي ٌ‬

‫ي كم َن يع ّدها"؟ كيف نجم ُع بينَ المثل َين يا أم ّي؟‬


‫ل العص ّ‬
‫يأك ُ‬

‫ت يا ب ُني ّتي‪ ،‬ل كنّ الجم َع بينَ هذين المثل َين هو الذي‬
‫‪ -‬صدق ِ‬

‫ل‬
‫يوضح ُها على نحو عاد ٍ‬
‫ي ُضفِي على الصورة ِ شفافية ً‪ ،‬و ّ‬

‫ن بالأل ِم يجعل ُه لا يرى إلا ألم َه ُ‪،‬‬


‫ل‪ ،‬فشعور ُ الإنسا ِ‬
‫وكام ٍ‬
‫ضنا‬
‫ل لن يشعر َ أحدٌ بألم ِه ِ‪ ،‬وهذه ِ رسالة ٌكي يعذر َ بع ُ‬
‫وبالمقاب ِ‬
‫ص المتأل ّ ِم فنرحم َه‪،‬‬
‫بعضا ً‪ ،‬ونض َع أنفسَنا مكانَ هذا الشخ ِ‬

‫ل فهم َ موقف ِه ِ أيضا ً‪ ،‬عندئذٍ يمكن ُنا أن ن ُسديَ له‬


‫ونحاو َ‬

‫ل‪ ،‬دونَ تحميله ِ وزر َا ً لم يرتكبه ُ‪ ،‬وهذا‬


‫ح برحمة ٍ واعتدا ٍ‬
‫النص َ‬

‫عرفت السرّ يابنتي؟‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للنصح‪ .‬هل‬ ‫ما يجعل ُه ُ أكثر َ تقب ّلا ً‬

‫ق في عينيّ‪ ،‬لقد فهمتُ‬


‫‪ -‬هززتُ رأسي َ بابتسامة ٍكبيرة ٍ وبر ي ٍ‬

‫ح ليكونَ وسيلة َ مساعدة ٍ للآخرين‪،‬‬


‫كيف أق ّدم ُ النص َ‬
‫َ‬

‫ل رأيَ الآخرين فيّ‪ ،‬بل‬


‫ف وأتقب ّ َ‬
‫وكيف عليّ أن أتصرّ َ‬
‫َ‬

‫‪79‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الموقف على حقيقت ِه ِ ح ّقاً‪.‬‬


‫ُ‬ ‫وأسعى لمعرفت ِها حت ّى يظهر َ‬

‫ل ثيابي‪ ،‬ثم ّ مساعدتِها في‬


‫رأس أم ّي‪ ،‬وأسرعتُ لتبدي ِ‬
‫َ‬ ‫قبّلتُ‬

‫إعدادِ الطعا ِم‪.‬‬

‫وعند َ المساء ِ سج ّلتُ في دفتر ِ ذكر ياتي ‪:‬‬

‫والمواقف م ِن جم ِ‬
‫يع‬ ‫ِ‬ ‫لقد تعل ّمتُ اليوم َ أن أنظر َ إلى الأمورِ‬

‫ل رأيَ الآخرين لأ ّنهم يرونَ الصورة َ‬


‫الجوانبِ ‪ ،‬وأحترم َ وأتقب ّ َ‬

‫ل الصورة ُ‪،‬‬
‫م ِن زاو ية ٍ ثانية ٍ لا أراها أنا‪ ،‬وعندئذٍ فقط تكتم ُ‬

‫ل جلاله ُ سبحان َه وتعالى‪.‬‬


‫وتغدو واضحة ًكما يراها الل ّه ُ ج ّ‬

‫‪81‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- ٢-‬‬

‫أو خنشطُ إل‬


‫أسرار هللا‪ ،‬لها موطن عندُ خالقُها‪ ،‬فال تستأنس ُ‬
‫ُ‬ ‫سر منُ‬
‫(الروحُ ُ‬
‫وسر وجوده) ُ‬
‫قوةُ اإلنسانُ ُ‬
‫بالخُصالُ به‪ ،‬وهي مكمنُ ُ‬

‫عدتُ إلى منزلي متعبة ً مرهقة ً‪ ،‬لا أدري السببَ ‪ ،‬فدخلتُ ولم‬

‫أسل ّم على أحدٍ وأسرعتُ إلى غرفتي‪.‬‬

‫ك م ِن عادتي‪ ،‬غير َ‬
‫باستغراب‪ ،‬فلم يكن ذل َ‬
‫ٍ‬ ‫كانَ الجمي ُع ينظر ُ إليّ‬

‫ن أحدا ً منهم لم ينب ِس بكلمة ٍ‪.‬‬


‫أ ّ‬

‫بدّلتُ ثيابي واستلقيتُ على سريري دونَ أن أفك ّر َ بشيء ٍ معي ّنٍ‪..‬‬

‫ل شيء ٍ؛‬
‫ل‪ ..‬لم أرغب في عم ِ‬
‫بد َت لي نفسي شاردة ً‪ ،‬تعاني المل َ‬

‫ل الغداء ِ‪ ،‬فقمتُ متكاسلة ً وكأن ّي‬


‫ل بيتي َ لتناو ِ‬
‫سمعتُ نداء َ أه ِ‬

‫‪81‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أجرّ أثقالا ً خلفي‪ ،‬ألقيتُ السلام َ‪ ،‬ثم ّ جلستُ في مكاني َ المعتاد‪.‬‬

‫ك يا علا؟‬
‫ل‪ :‬كيف حال ِ‬
‫بادر َني أخي الصغير ُ بسؤا ٍ‬

‫حاولتُ رسم َ الابتسامة ِ على وجهي أمام َ وجهه ِ الملائك ِيّ‬

‫ّب‪ ،‬وقلتُ له ُ ‪ :‬الحمد ُ لل ّه ِ‪ .‬ثم ّ تابعتُ تناو َ‬


‫ل طعامي‪ ..‬ساعدتُ‬ ‫الطي ِ‬
‫ِ‬
‫المطبخ دونَ أن أتكل ّم َ‪ ،‬ثم ّ‬ ‫وترتيب‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫ل الصحو ِ‬
‫أم ّي في غس ِ‬
‫عدتُ بهدوء ٍ إلى غرفت ِي‪.‬‬

‫لا أدري ما سببُ الكآبة ِ التي جعلتني هادئة ً غير َ راغبة ٍ في‬

‫أي شيء ٍ‪.‬‬


‫ل ِّ‬
‫الكلا ِم أو عم ِ‬

‫حاسوب على‬
‫ِ‬ ‫أمضيتُ أكثر َ م ِن ساعة ٍ وأنا بينَ النافذة ِ وال‬

‫البحث عن شيء ٍ معي ّنٍ؛ حت ّى‬


‫ِ‬ ‫(الفيس بوك)‪ ،‬ول كن دونَ‬

‫لصديقات لم أشعر بمتعة ٍ فيه‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ل على الفيس مع ا‬
‫التواص ُ‬

‫النكت التي بد َت لا نكهة َ لها‪ ،‬ولم تستطع أن‬


‫ِ‬ ‫ومثلُه منشوراتُ‬

‫ق شديدٍ دونما‬
‫ي ابتسامة ً واحدة ً‪ ..‬أشعر ُ بضي ٍ‬
‫ترسم َ على وجه َ‬
‫‪82‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫سبب‪.‬‬
‫ٍ‬

‫درج خزانتِي‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ن ال (شكولا) في‬ ‫ن لديّ قالبا ً م ِ َ‬
‫تذك ّرتُ أ ّ‬

‫أسرعتُ وقطعتُ منه قطعة ً بدأتُ أذيب ُها ببطء ٍ شديدٍ‪ ،‬حت ّى‬

‫جرا ً! لم يجعلني آكل ُه ُ بشهي ّة ٍكما هو المعتاد ُ‪.‬‬


‫طعم ُها بدا م ُض ِ‬

‫تعجّ بتُ م ِن نفسي كثيراً‪ ،‬ولم أعرف ما بي! وأخيرا ً قررتُ أن‬

‫أذهبَ إلى أم ّي لأستشير َها‪.‬‬

‫س حيثُ كان َت تشربُ الشايَ مع‬


‫ذهبتُ إلى غرفة ِ الجلو ِ‬

‫ل‪:‬‬
‫والدي‪ ،‬ألقيتُ التحي ّة َ وجلستُ قليلاً‪ ،‬بادرتني أم ّي بالسؤا ِ‬

‫ن الشاي؟ قلتُ لها ‪ :‬لا‪ ،‬و أنا أغادر ُ‬


‫ن مِ َ‬
‫هل ترغبينَ بفنجا ٍ‬

‫الغرفة َ مت ّجهة ً إلى غرفت ِي‪.‬‬

‫أغلقتُ البابَ خلفي و تنه ّدتُ ‪ ،‬ثم ّ ألقيتُ نفسي على السرير ِ‪،‬‬

‫باب‬
‫ويبدو أن ّي قد غفوتُ قليلاً‪ ،‬لم أستفق إلا على صرير ِ ِ‬

‫ت‬
‫ل أم ّي ففرحتُ ‪ ،‬ل كنّها سرعانَ ما أغلق َ ِ‬
‫غرفتي‪ ،‬لمحتُ خيا َ‬
‫‪83‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫البابَ عندما رأتني نائمة ً‪ ،‬فناديتُ ‪ :‬أم ّي‪ ،‬لستُ نائمة ً‪ ..‬فعاد َت‬

‫ن مختلفة ً هذا اليوم؟‬


‫إلى غرفت ِي وسألتن ِي ‪ :‬ما بكِ يا عزيزتي؟ تبدي َ‬

‫ل في المدرسة ِ؟‬
‫خطب جديدٍ حص َ‬
‫ٍ‬ ‫هل م ِن‬

‫أجبت ُها‪ :‬لا ‪ ..‬ثم ّ تابعتُ ‪:‬‬

‫ل شيء ٍ‪..‬‬
‫اكتئاب‪ ،‬لا أرغبُ في عم ِ‬
‫ٍ‬ ‫ل‪ ،‬ضجرٍ‪،‬‬
‫ول كن ّي أشعر ُ بمل ٍ‬
‫ل شيء ٍ روتينيّ‪ ...‬حت ّى الأشياء ُ التي أحبّها فقد َت طعم َها‪..‬‬
‫ك ّ‬

‫ن‬
‫ل هذا م ِن دو ِ‬
‫حت ّى الشكولا يا أم ّي لم تعد تسعد ُني‪ ....‬ك ّ‬

‫موقف ليكونَ سببا ً لما أشعر ُ به ِ!‬


‫ٍ‬ ‫سبب ‪ ..‬لم يحصل أيّ‬
‫ٍ‬

‫ت؟‬
‫سم َت أم ّي قائلة ً ‪ :‬هل صلي ِ‬
‫تب ّ‬

‫قلتُ ‪ :‬نعم‪ .‬و لم يتغي ّر شيء ٌ‪.‬‬

‫ن روح َكِ‬
‫رب ّت َت على كتفي قائلة ً‪ :‬لا تجزعي يا بنتي ‪ ...‬يبدو أ ّ‬

‫بعض الغذاء ِ‪.‬‬


‫ج َ‬ ‫تحتا ُ‬

‫‪84‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ج إلى غذاء ٍ؟‬


‫باستغراب ‪ :‬روحي تحتا ُ‬
‫ٍ‬ ‫نظرتُ إليها‬

‫ن المدرسة ِ‪،‬‬
‫قالت أم ّي‪ :‬نعم ‪ ..‬ألم تتناولي طعام َكِ بعد َ عودت ِكِ م ِ َ‬

‫بعض العافية ِ والقو ّة ِ؟‬


‫دت َ‬‫كنت منهكة ً فاسترد َ ِ‬
‫ِ‬ ‫و‬

‫جاب‪.‬‬
‫هززتُ رأسي َ بالإ ي ِ‬

‫ج إلى طعا ٍم‪.‬‬


‫ك روح ُكِ تحتا ُ‬
‫قالت ‪ :‬كذل َ‬

‫قلتُ ‪ :‬و ل كن ّي صل ّيتُ ‪.‬‬

‫ن؟‬
‫ت؟ و أنتِ شاردة ُ الذه ِ‬
‫كيف صل ّي ِ‬
‫َ‬ ‫فقالت‪:‬‬

‫مرة ً أخرى‪ :‬نعم ‪.‬‬


‫هززتُ رأسي َ ّ‬

‫ن هذه ِ‬
‫ج إلى طعا ٍم‪ ،‬وهو الصلة ُ بخالق ِها‪ ،‬و بدو ِ‬
‫ح تحتا ُ‬
‫‪-‬الرو ُ‬

‫ل أو‬
‫ن بالمل ِ‬
‫ك عندما تشعري َ‬
‫ل ‪ ،‬كالجسدِ تماماً‪ ..‬لذل َ‬
‫الصلة ِ تعت ّ‬

‫حكِ للطعا ِم الروح ِيّ وليس لطعا ِم‬


‫الضجرِ فهو مؤش ّر ٌ لحاجة ِ رو ِ‬

‫‪85‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الجسدِ‪ .‬لذا لن تسعدي بالشكولا التي تحبين َها‪ ..‬أو رب ّما قد‬

‫حظات قليلة ٍ‪.‬‬


‫ن ول كن لل ٍ‬
‫تسعدي َ‬

‫ك دونَ قلب ِك‪.‬‬


‫ت بجسدِ ِ‬
‫أمّا صلات ُكِ فقد صل ّي ِ‬

‫قلب ُكِ هو مستودع ُ السعادة ِ‪ ،‬وهو مكانُ نظرِ الل ّه ِ إليكِ ‪ .‬وهو‬

‫ن به ِ حلاوة َ الصلة ِ بالل ّه ِ؛ فإن صل ّ ِ‬


‫يت وقلب ُكِ‬ ‫الذي تستشعري َ‬

‫ن الل ّه ِ بأشياء َ أخرى لن تذوقي شيئا ً م ِن هذه ِ المعاني‪،‬‬


‫لع ِ‬
‫مشغو ٌ‬

‫ل المطعم َ فنظر َ إلى الأطعمة ِ الشهي ّة ِ ثم ّ غادر َ‬


‫فتكونينَ كم َن دخ َ‬

‫ل منها شيئاَ!‬
‫دونَ أن يتناو َ‬

‫ق هو‬
‫ن سببَ ما أشعر ُ به م ِن الضي ِ‬
‫ن يا أم ّي أ ّ‬
‫تقصدي َ‬ ‫‪-‬‬

‫نقص في غذائي َ الروحيّ؟‬


‫ٌ‬

‫هز ّت أم ّي رأس َها موافقة ً‪.‬‬

‫ول كن ّي لا أشعر ُ بالرغبة ِ حت ّى في الصّ لاة ِ أو قراءة ِ‬ ‫‪-‬‬

‫‪8٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن‪.‬‬
‫القرآ ِ‬

‫سم َت أم ّي‪ ،‬وقال َت‪:‬‬


‫تب ّ‬

‫مرضت منذ ُ فترة ٍ‪ ،‬فلم تشتهي الطعام َ‬


‫ِ‬ ‫ن عندما‬
‫‪-‬هل تذكري َ‬

‫ل رفضت ِه ِ! هل تذكرين؟‬
‫ضكِ ! حت ّى طعام ُكِ المفضّ ُ‬
‫ل مر ِ‬
‫خلا َ‬

‫ك بما نتح ّدثُ‬


‫ح يا أم ّي‪ ،‬ول كن ما علاقة ُ ذل َ‬
‫‪-‬نعم‪ ،‬هذا صحي ٌ‬

‫به؟‬

‫ح عندما‬
‫ك الرو ُ‬
‫يعاف الطعام َ‪ ،‬وكذل َ‬
‫ُ‬ ‫يمرض‬
‫ُ‬ ‫‪-‬الجسد ُ عندما‬

‫تمرض لا تستس ُغ الطعام َ الروحيّ‪.‬‬


‫ُ‬

‫باستغراب‪ ،‬فقد كانَ التشبيه ُ بليغا ً بالنسبة ِ لي‪ ،‬لم‬


‫ٍ‬ ‫فتحتُ فمي‬

‫يخطر في بالي مطلقاً!‬

‫فتابع َت أم ّي ‪:‬‬

‫‪87‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك علينا أن نجاهد َ أنفسَنا ل كي نطعم َها ما‬


‫ل ذل َ‬
‫‪-‬م ِن أج ِ‬
‫ل‬
‫تحتاج ُه ُ وإلا اعتل ّت‪ ،‬وعلى هذا نؤجر ُ أيضاً؛ ألم تسمعي قو َ‬

‫ن الل ّه َ لم َع‬
‫سب ُل َنا وإ ّ‬ ‫الل ّه ِ تعالى‪( :‬و الذي َ‬
‫ن جاهد ُوا فينا لنهدينّهم ُ‬

‫المحسنين)‬

‫ّف على نفسي‪ ،‬وما‬


‫صني ال كثير ُ لأتعر َ‬
‫‪ -‬آه يا أم ّي كم ينق ُ‬

‫حها‪ ،‬و يجعل ُها صحيحة ً سليمة ً‪.‬‬


‫يصل ُ‬

‫أحب‬
‫ّ‬ ‫المغرب معاً‪ ،‬فأنا‬
‫ِ‬ ‫أم ّي هلا ّ ساعدت ِني وصل ّينا صلاة َ‬

‫ك يساعد ُني أكثر َ‬


‫ل ذل َ‬
‫ن ال كري ِم‪ ،‬لع ّ‬
‫صوت َكِ مترن ّمة ً بالقرآ ِ‬

‫في قيادتي نفسي؟‬

‫‪ -‬حسنا ً ‪ ...‬استع ّدي للصلاة ِ‪.‬‬

‫‪ -‬شكرا ً يا أم ّي ‪.‬‬

‫ن شيئا ً م ِن روحي قد ارت ّد‪ ،‬ثم ّ أسرعتُ‬


‫قب ّلتُ يديها‪ ،‬وكأ ّ‬

‫للوضوء ِ‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫جم ُ‬
‫تح ِ‬
‫ج م َن يعين ُه ُ على الطاعة ِ عندما ُ‬
‫فعلا ً الإنسانُ أحيانا ً يحتا ُ‬

‫النفس و تتمر ّد ُ‪ ..‬الحمد ُ لل ّه ِ أن أكرم َني بوالد َي ِ‬


‫ن صالح َينِ يعيناني‬ ‫ُ‬

‫على طاعت ِه‪.‬‬

‫الهاتف‪ ،‬وسمعتُ صوتَ أم ّي تناديني‪ :‬علا ‪ ،‬ارفعي‬


‫ِ‬ ‫جرس‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫ثم ّ ر ُ ّ‬

‫السمّاعة َ‪ ..‬إ ّنها رفيقت ُك‪.‬‬

‫كيف حال ُك؟ أنا بخ يرٍ ولل ّه ِ الحمد ُ ‪...‬‬


‫َ‬ ‫أهلا ً سمر‬ ‫‪-‬‬

‫ك‪.‬‬
‫ل أم ّي و أخبر ُ ِ‬
‫اممم ‪ .........‬سأسأ ُ‬

‫ن‬
‫رفيقات يحفظ َ‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬أم ّي ما رأيكِ أن أذهبَ مع سمر‪ ،‬لديها‬

‫القرآنَ و يتعل ّمن الدين؟‬

‫ن‬
‫س ِ‬
‫ض التح ّ‬
‫ن ببع ِ‬
‫‪-‬موافقة ٌ طبعا ً يا بنتي‪ .‬و أظن ّك ستشعري َ‬

‫ن م ِن صحبة ٍ‬
‫ن عافيت َكِ الروحي ّة َ؛ فلا ب ّد للإنسا ِ‬
‫وتستردّي َ‬

‫خري‪.‬‬
‫صالحة ٍ‪ .‬وف ّقكِ الل ّه ُ يا بنتي ول كن لا تتأ ّ‬

‫‪89‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن الل ّه ِ‪.‬‬
‫خر بإذ ِ‬
‫‪ -‬شكرا ً يا أم ّي‪ ،‬لن أتأ ّ‬

‫‪91‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪-7-‬‬

‫(مُنُ ابتعدُ عنُ الفطرةُ ضل‪ ،‬ومُنُ حادُ عنُ الطريقُ شرد‪ ،‬ومُنُ حامُ حولُ‬
‫الشبهاتُ والشهواتُ سقط) ُ‬

‫ت اليوم َ طالبة ٌ جديدة ٌ إلى ص ّف ِنا‪ ،‬كان َت غريبة َ الأطوارِ‬


‫انضمّ ِ‬

‫ل‬ ‫بعض الشيء ِ‪ ،‬على يدِها وشوم ٌ بلو ٍ‬


‫ن أسود َ كالعينِ وأشكا ٌ‬ ‫َ‬

‫هندسي ّة ٌ غريبة ٌ‪.‬‬

‫لا أدري ‪ ...‬لم أجدها قريبة ً إلى قلبي‪ ،‬شيء ٌ غريبٌ يبعد ُني‬

‫عنها‪ ،‬رغم َ أن ّي لم أر َ منها شيئا ً سي ِّئاً!‬

‫‪91‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫سات اللواتي بدا على‬


‫بعض المدرّ ِ‬
‫ك ُ‬ ‫الجمي ُع كانَ حذِرا ً منها‪ ،‬وكذل َ‬

‫ظماً‪،‬‬
‫ن شعر َها لم يكن من ّ‬ ‫ِ‬
‫الارتياح لهيئ َتها‪ ،‬إذ إ ّ‬ ‫وجههنّ عدم ُ‬

‫ك الوشوم ُ الغريبة ُ زادت نظرة َ الريبة ِ إليها‪.‬‬


‫وتل َ‬

‫باستثناء مدرّستي التي أفضّ ل ُها عن غير ِها لما تمتاز ُ به ِ م ِن حكمة ٍ‬

‫ل شيء ٍ ع ِ‬
‫ن‬ ‫تعرف ك ّ‬
‫ُ‬ ‫وصبرٍ وبصيرة ٍ نافذة ٍ‪ ،‬أشعر ُ وك أ ّنها‬

‫ل شيء‪....‬‬
‫س‪ ،‬ك ّ‬
‫ن والنا ِ‬
‫ال كو ِ‬

‫حها‪ ،‬ل كنّها‬


‫ح ّقا ً إ ّنها رائعة ٌ‪ ..‬رب ّما لأن ّي أحبّها استفضتُ في مد ِ‬

‫ل معنى الكلمة ِ‪ ،‬تح ترم ُ الجمي َع‪ .‬لم أتوق ّع أن‬


‫ح ّقا ً مدرّسة ٌ قديرة ٌ بك ّ ِ‬
‫تعامل َها باحترا ٍم‪ ،‬بل و تتودّد َ إليها بابتسامت ِها الهادئة ِ الرزينة ِ‪ ،‬رب ّما‬

‫كثيرات من ّا‪ ،‬حت ّى أنا‬


‫ِ‬ ‫ل أو الاستغرابَ عند َ ال‬
‫ك التساؤ َ‬
‫أثار َ ذل َ‬

‫ئ الأمر ِ‪ ،‬إلا أن ّي تذك ّرتُ مواقف َها الحكيمة َ‬


‫استغربتُ في باد ِ‬

‫وكيفي ّة َ استيعابِها لمشكلات ِنا وردودِ أفعال ِنا العنيفة ِ أحيانا ً أو‬

‫ل المذنبَ من ّا يستشعر ُ‬
‫ن‪ ،‬تجع ُ‬
‫المألوف بحنكة ٍ و حنا ٍ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫الخارجة ِ ع ِ‬

‫‪92‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫سه ِ‪ :‬ما أغباني‪ ،‬إذ أزعجتُ‬


‫ل في نف ِ‬
‫كم هو مخطئ ٌ في ح ّق ِها‪ ،‬و يقو ُ‬

‫هذه الإنسانة َ الرائعة َ‪.‬‬

‫صوت زميلتي‪:‬‬
‫ِ‬ ‫استفقتُ م ِن أفكاري على‬

‫‪-‬ما رأيكِ بــ ؟!!‪ ...‬وغمزتني في اتّ جاه ِ هذه ِ الطالبة ِ الجديدة ِ‪.‬‬

‫بعض الشيء ِ‪ ،‬لأن ّي ح ّقا ً‬


‫نظرات رب ّما بد َت غريبة ً َ‬
‫ٍ‬ ‫نظرتُ إليها‬

‫ل مدرّستي المفضّ لة ِ‬
‫لم أملكِ الجوابَ ‪ ،‬كانَ يشغل ُني أسلوبُ تعام ِ‬
‫ِ‬
‫ارتياح؟‬ ‫معها‪ ،‬لم َ كان َت ودودة ً رغم َ شعورِنا جميعا ً بعد ِم ال‬

‫ل‬
‫وأعرف السرّ‪ ..‬ل كن ّه ُ ظ ّ‬
‫َ‬ ‫تمن ّيتُ لو أستطي ُع أن أسأل َها لأتعل ّم َ‬

‫ك‪.‬‬
‫ل ذل َ‬
‫كن أجرؤ ُ على فع ِ‬
‫حبيسا ً في أفكاري‪ ،‬فلم أ ُ‬

‫ل ذهني َ هذه ِ‬
‫س تشغ ُ‬
‫ع ُدتُ إلى منزلي وأنا صامتة ٌ مطرقة ُ الرأ ِ‬

‫الأفكار‪.‬‬

‫وصلتُ البيتَ ‪ ،‬وسل ّمتُ على أم ّي‪ ،‬وقبّلتُ يد َها‪ ،‬ثم ّ خطر َ لي أن‬

‫‪93‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أسأل َها‪ ،‬عل ّي أجد ُ الجوابَ الشافي‪.‬‬

‫الطالبات‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫صصتُ عليها ما رأيتُ وخواطري وردود َ أفعا ِ‬
‫ق َ‬

‫ّسات‪ .‬وأم ّي تستمت ُع بانتباه ٍ شديدٍ؛ وعندما انتهيتُ سألت ُها‪:‬‬


‫والمدر ِ‬

‫ما رأي ُك؟!‬

‫ل أن ت ُدلي َ‬
‫تعرف رأيي قب َ‬
‫َ‬ ‫ل ذات ِه ِ‪ .‬وأصرّت أن‬
‫فبادر َتي بالسؤا ِ‬

‫برأيِها‪ .‬فقلتُ لها‪:‬‬

‫شارات والرموزِ التي تضع ُها‪ ،‬ل كن ّي‬


‫ِ‬ ‫أعرف معنى هذه الإ‬
‫ُ‬ ‫أنا لا‬

‫ل الابتعاد َ عنها‪ ،‬وكنتُ أظنّ‬


‫لم أشعر بالراحة ِ لها‪ ،‬وجميع ُنا فضّ َ‬

‫ن احتواء َ مدرّستي لها وتودّدها‬


‫ن ما فعلناه ُ هو الصائبُ ‪ ،‬غير َ أ ّ‬
‫أ ّ‬

‫لها جعل َني أستغربُ و أعيد ُ النظر َ في تصرّفاتي‪ .‬فهل أنا على‬

‫صواب ٍ يا أم ّي؟‬

‫صواب في الحذرِ‪ ،‬ر يثما تعلمين‬


‫ٍ‬ ‫أنت على‬
‫‪-‬نعم ‪ ..‬نعم يا بنتي ‪ِ ...‬‬

‫صواب‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫هو ي ّة َ معتقداتِها‪ ..‬و أيضا ً المدرّسة ُ على‬
‫‪94‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن معا ً على صواب؟؟‬


‫ن الاثنتا ِ‬
‫باستغراب‪ :‬كيف!!!! نح ُ‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬رددتُ‬

‫‪ -‬همهم َت و قالت ‪ :‬اممم ‪ ...‬نعم ‪...‬‬

‫ض!!‬
‫كيف؟ كلانا على طرف َي نقي ٍ‬
‫َ‬ ‫‪ -‬ول كن‬

‫امات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪-‬ما رأي ُكِ أن نبحثَ معا ً على (النت) عن معنى ً لهذه ِ العل‬

‫جماعات الشبابي ّة ِ التي بدأت‬


‫ِ‬ ‫أذكر ُ أن ّي قرأتُ شيئا ً عن إحدى ال‬

‫خرا ً ‪ ،‬ولها وشوم ٌ تشبه ُ ما ذكرت ِه ِ‪..‬‬


‫تنتشر ُ مؤ ّ‬

‫‪-‬حسناً‪ .........‬و ركضتُ إلى غرفت ِي لأحضر َ حاسوبي‪.‬‬

‫البحث وجدنا مقالا ً يشير ُ إلى جماعة ٍ ت ُدعى‬


‫ِ‬ ‫ن‬ ‫بعد َ ِ‬
‫ربع ساعة ٍ م ِ َ‬

‫" ‪ " Emo‬و هي مختصر ٌ للجملة ِ الآتية ِ‪:‬‬

‫‪ Emotive Driven Hardcor Punk‬أي متمر ّدونَ ذوو نفسية ٍ‬

‫ساسة‪.‬‬
‫ح ّ‬

‫ن الموسيقا التي تبدأ هادئة ً‬ ‫و هي جماعة ٌ سم ّوها بالبداية ِ على ٍ‬


‫نوع م ِ َ‬
‫‪95‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫س وموسيقا معي ّنين‬


‫ثم ّ تشت ّد‪ ،‬وس ُم ّي َت لجماعة ٍ تتب ُع نظام َ لب ٍ‬
‫وتسر يحة ِ شعرٍ خاصّ ة ٍ بهم‪ ،‬هذه ِ الظاهرة ُ منتشرة ٌ في شر يحة ِ‬

‫المراهقين بينَ ((عمر َي‪ ))17-12،‬وم َن يتع ّدى سنّ ال‬

‫(‪ )17‬سيتخل ّى عن هذه ِ الجماعة ِ‪ !!..‬انتشر َت في أوربا وأمريكا‬

‫الصاخبة‪.‬‬ ‫في ‪ ،1984‬أفراد ُها يستمعونَ إلى موسيقا الهاردروك‬

‫ل‬
‫وصار َت م ِن أكثر ِ الظواهرِ انتشارا ً بينَ المراهقينَ‪ ،‬في الدو ِ‬

‫ل كبيرٍ‪.‬‬
‫ن العربي ّة ِ بشك ٍ‬
‫ل الشرقي ّة ِ وفي البلدا ِ‬
‫ض الدو ِ‬
‫الغربي ّة ِ وبع ِ‬

‫ِ‬
‫أنواع الموسيقا ينتمي إلى الروك‬ ‫و موسيقى الإيمو نوعٌ م ِن‬

‫ن‬
‫ن‪ ،‬هذه ِ الموسيقا تفتقر ُ إلى اللح ِ‬
‫ن الأل ِم والحز ِ‬
‫والميتال‪ ..‬تحكي ع َ ِ‬
‫الغنائ ِيّ‪ ،‬وتكونُ الموسيقا مزعجة ً ج ّدا ً‪.‬‬

‫تع ّد الإيمو المرحلة َ الأولى في إفسادِ المراهقينَ الناشئين‪ ،‬وهي‬

‫ن شعورٍ إلى المرحلة ِ الثانية ِ م ِن‬


‫ل لجعل ِهم ينتقلونَ بدو ِ‬
‫الأفض ُ‬

‫ل عامّ ‪.‬‬
‫والعرب بشك ٍ‬
‫ِ‬ ‫الشباب المسلمينَ خاصّ ة ً‬
‫ِ‬ ‫طة ِ إفسادِ‬
‫خ ّ‬

‫‪9٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫والمرحلة ُ الثانية ُ هي‪ :‬الميتال‪:‬‬

‫الصاخب جزء ٌ م ِن‬


‫ِ‬ ‫ن‬
‫صوت الموسيقا الرن ّا ِ‬
‫ِ‬ ‫ح يعب ّر ُ ع َن‬
‫‪ -‬مصطل ٌ‬
‫موسيقا الروك الصاخبة ِ ل كن بإ ٍ‬
‫يقاع أسرعَ وسوداو ي ّة ٍ أكثر َ‪.‬‬

‫حروب‬
‫الموت والفنتاز يا وال ِ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫‪ -‬مضمونُ هذه ِ الموسيقا يحكي ع ِ‬
‫ن والشيطاني ّة ِ والوثني ّة ِ‬
‫والحز ِ‬

‫‪ -‬يتمي ّز ُ معظم ُ مستمعي الميتال بتصر ّفاتِهم ُ الغريبة ِ‪ ،‬غير ِ المت ّزنة ِ‬

‫عقلي ّا ً‪ ،‬شخصيّتُهم انعزالي ّة ٌ‪ ،‬وسوداو ي ّة ٌ‪ ،‬ومريضة ٌ‪ ،‬ومع ّقدة ٌ‪ ..‬طبعا ً‬

‫إلا ما رحم َ رب ّي‪.‬‬

‫ماعات مراهقينَ‬
‫ِ‬ ‫جهم م ِن ج‬
‫الشباب باستدرا ِ‬
‫ِ‬ ‫وبالتالي يتم ّ تدمير ُ‬

‫جماعات (الميتال) التي ت ُعتبر ُ أقربَ‬


‫ِ‬ ‫معجبينَ بموسيقا معي ّنة ٍ ل‬

‫ناتج‬
‫ل اجتماع ٍيّ ٍ‬
‫ك إلى خل ٍ‬
‫ن‪ ،‬و يؤدّي ذل َ‬
‫جماعات لعبدة ِ الشيطا ِ‬
‫ِ‬ ‫ال‬

‫حراف‪.‬‬
‫قيم الرذيلة ِ والان ِ‬
‫ئ الفاضلة ِ واتباع ِ‬
‫القيم والمباد ِ‬
‫ِ‬ ‫ك‬
‫ع َن تر ِ‬

‫ن القراءة ِ ‪ ...‬ولم أعد أرغبُ بأن أكمل َ‪.‬‬


‫توق ّفتُ ع َ ِ‬

‫‪97‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن الفسادِ‬
‫ل مِ َ‬
‫أناس بهذا الشك ِ‬
‫أم ّي‪ ..‬ألهذا الح ّدِ هناك َ ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫والإفسادِ؟!!‬

‫سم َت أم ّي وقال َت‪:‬‬


‫تب ّ‬

‫ل زمان ومكان‪.‬‬
‫الخ ير ُ والشرّ يا بنتي موجودان‪ ،‬في ك ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ق اختياراتِهم تكونُ عاقبت ُهم‬


‫هذا هو امتحانُ البشر ِ‪ ،‬ووف َ‬

‫التكليف في‬
‫ُ‬ ‫إمّا الجن ّة ُ أو النار ُ والعياذ ُ بالل ّه‪ ،‬ولولا هذا‬

‫بب في‬
‫ن الشرّ لما كانَ هناك َ س ٌ‬ ‫تتب ّ ِع الخ ير ِ والابتعادِ ع َ ِ‬
‫العقاب أو المثوبة ِ‪.‬‬
‫ِ‬

‫ن‬
‫ل المزيد َ م ِ َ‬
‫ن الدنيا تدور ُ بي‪ ،‬ولا أحتم ُ‬
‫أحسستُ أ ّ‬

‫الأفكارِ‪ ،‬شعرتُ بأن ّي أريد ُ أن أهربَ م ِن هذه ِ الأفكارِ‪،‬‬


‫لا أريد ُ أن أواجه َ نفسي بحقيقة ِ الدنيا والم ِ‬
‫جتمع‪ ...‬ففضّ لتُ‬

‫ن النو ِم‪.‬‬
‫أن أستأذنَ أم ّي في أخذِ قسطٍ م ِ َ‬

‫ن‬
‫جاب على ما طلبتُ ‪ ،‬ل كنّها قال َت‪ :‬ألا تريدي َ‬
‫أشار َت أم ّي بالإ ي ِ‬
‫‪98‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ف مدرّست ِكِ ‪...‬‬


‫رأيي في تصر ّف ِكِ وتصر ّ ِ‬

‫أستيقظ إن شاء َ الل ّه ُ‪.‬‬


‫ُ‬ ‫هززتُ برأسي وقلتُ لها‪ :‬عندما‬

‫بأي شيء ٍ‪،‬‬


‫ل على وسادتي‪ ،‬لم أشأ أن أفك ّر َ ّ ِ‬
‫ألقيتُ برأسي َ المثق ِ‬
‫ورغم َ عد ِم سهولة ِ استسلامي للنو ِم ل كثرة ِ الأفكارِ التي أخذ َت‬

‫ل في ذهني‪ ،‬إلا أن ّي نمتُ بعدها قُرابة َ ساعة‪.‬‬


‫تجو ُ‬

‫استيقظتُ ‪ -‬ولل ّه ِ الحمد ُ ‪ -‬وشعرتُ ببع ِ‬


‫ض النشاطِ العقليّ‬

‫شرب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المطبخ ل‬ ‫والجسديّ ‪ ..‬خرجتُ م ِن غرفت ِي‪ ،‬واتّ جهتُ إلى‬

‫ن القهوة ِ‪.‬‬
‫ن مِ َ‬
‫عصيرٍ أو فنجا ٍ‬

‫غمرتُ نفسي َ بالدراسة ِ حت ّى انتهيتُ ‪ ،‬وعندها أطلقتُ تنهيدة ً‬

‫ل في (النت) و أرى صفحت ِي‬


‫طو يلة ً‪ ،‬ثم ّ تناولتُ حاسوبي لأتجو ّ َ‬

‫في "الفيس بوك"‪.‬‬

‫ق و أنا أغالبُ نفسي في ألّا أفك ّر برفيقت ِنا غريبة ِ‬


‫مرت دقائ ُ‬
‫ّ‬

‫‪99‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الأطوارِ التي انضمّت إلينا‪ ،‬ل كن عبثا ً حاولتُ ‪ .‬وجدتُ نفسي‬

‫ن المدرسة ِ ووصولا ًلكلا ِم‬


‫الأحداث بدءا ً م ِ َ‬
‫ِ‬ ‫يط‬
‫أفك ّر ُ‪ ،‬وأعيد ُ شر َ‬

‫أم ّي‪ ،‬و ما قرأناه ُ‪.‬‬

‫ف مدرّستي‬
‫ن تصرّفي وتصرّ َ‬
‫ل أم ّي" إ ّ‬
‫لم أصل لنتيجة ٍ في تفسير ِ قو ِ‬

‫صحيحان "‪.‬‬

‫غادرتُ غرفتي باحثة ً ع َن أم ّي‪ ،‬وأنا أتمن ّى أن أجد َها غير َ‬

‫منشغلة ٍ‪.‬‬

‫الحمد ُ لل ّه ِ تح ّق َ‬
‫ق ما تمنيتُ ‪ ..‬ألقيتُ عليها التحي ّة َ‪.‬‬

‫فسألتني‪:‬‬

‫ت دراست ِكِ ؟‬
‫حت‪ ،‬و أنهي ِ‬
‫‪ -‬هل ارت ِ‬

‫‪-‬نعم يا أم ّي و لل ّه ِ الحمد‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل الموضوع ُ الذي تح ّدثنا عنه ُ يشغلُ‬


‫سم َت وقال َت‪ :‬وهل مازا َ‬
‫تب ّ‬

‫بال َك؟‬

‫ِ‬
‫الواقع! كنتُ أظن ّه‬ ‫صدمتُ ب‬
‫كثيراً‪ ..‬في الحقيقة ِ كأن ّي ُ‬ ‫‪-‬‬

‫ل م ِن ذلك!‬
‫أجم َ‬

‫ل‪:‬‬
‫سم َت أم ّي بهدوئِها المعتادِ الجمي ِ‬
‫تب ّ‬

‫عاف‬
‫أناس ض ُ‬
‫ك هذه ِ هي الحياة ُ‪ ،‬هناك َ ٌ‬
‫يا علا‪ ،‬كما قلتُ ل ِ‬ ‫‪-‬‬
‫ن ات ّ ِ‬
‫باع‬ ‫س يغلب ُهم ُ الشيطانُ والشهواتُ والأهواء ُ ع ِ‬
‫النفو ِ‬

‫أناس يضحّ ونَ بحياتِهم‬


‫ٌ‬ ‫والقيم الرفيعة ِ‪ ،‬وهناك َ‬
‫ِ‬ ‫الفضيلة ِ‬

‫القيم الرفيعة ِ؛ هذه ِ هي الحياة ُ الواقعي ّة ُ‪،‬‬‫ِ‬ ‫ل هذه ِ‬ ‫م ِن أج ِ‬


‫باع الحقّ ِ والفضيلة ِ أو‬‫ن ات ّ ِ‬
‫والإنسانُ مخ يّر ٌ فيما يختار ُه ُ م ِ َ‬

‫التكليف والاختبار ُ‬
‫ُ‬ ‫ن؛ وهذا هو‬ ‫ات ّ ِ‬
‫باع الهوى والشيطا ِ‬

‫ف الإيمانُ‬
‫الذي سن ُثابُ عليه ِ أو ن ُعاق َبُ ؛ و أحيانا ً يضع ُ ُ‬

‫ن الحقّ ِ ونرتكبُ الأخطاء َ‪ ،‬وأخرى نغلبُ‬


‫لع ِ‬
‫فينا فنمي ُ‬

‫‪111‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حرب‬
‫س وننتصر ُ للحقّ ِ والخ ير ِ؛ وال ِ‬
‫الشيطانَ و هوى النف ِ‬
‫س البشر ي ّة ِ سجالٌ‪ ،‬لا تهدأ ولا تسك ُ‬
‫ن‪ ،‬وكل ّما زاد َ‬ ‫في النف ِ‬
‫ن‪،‬‬
‫س والشيطا ِ‬
‫ل الانتصار ُ على هوى النف ِ‬
‫الإيمانُ سه َ‬

‫وبالعكس‪.‬‬

‫‪ -‬وما الذي يساعد ُني في تقو ية ِ إيماني يا أم ّي كي يحالف َني‬

‫ح والانتصار ُ على نفسي وشيطاني؟‬


‫النجا ُ‬

‫وينقص‪ ،‬تزيد ُه ُ الطاعاتُ والعباداتُ‬


‫ُ‬ ‫‪ -‬الإيمانُ يزيد ُ‬

‫بآيات الل ّه ِ ونعمه ِ وفضله ِ‪ ،‬مم ّا يزيد ُ‬


‫ِ‬ ‫والمعرفة ُ بالل ّه ِ والتفك ّر ُ‬

‫محب ّت َه ُ في قلب ِك‪ ،‬و يجعل ُكِ تخجلينَ أو تخشينَ القيام َ بما‬

‫الأنس به ِ والتي يضفيها‬


‫ِ‬ ‫حظات‬
‫ِ‬ ‫ك عن ل‬
‫لايرضيه‪ ،‬أو يبعد ُ ِ‬

‫صكِ على رضاه‪.‬‬


‫عليكِ نتيجة َ استقامت ِكِ على أمر ِه ِ‪ ،‬وحر ِ‬

‫يس‬
‫أخاف م ِن نفسي َ ح ّقا ً! الأمرُ ل َ‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬أم ّي كلام ُك يجعل ُني‬

‫سهلا ً على الإطلاق‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل على الجن ّة ِ لا يتطل ّبُ منكِ‬


‫ن الحصو َ‬
‫كإ ّ‬
‫لل ِ‬
‫‪ -‬وم َن قا َ‬

‫ن على محب ّت ِكِ لل ّه ِ وإيثارِ ِ‬


‫ك لطاعت ِه؟‬ ‫تقديم َ البرها ِ‬

‫ح‪ ،‬ول كن ّي خائفة ٌ ح ّقاً‪.‬‬


‫‪ -‬كلام ُكِ صحي ٌ‬

‫ق‬
‫ل على صد ِ‬
‫سكِ ‪ ،‬فهي الدلي ُ‬
‫‪ -‬يا بنتي‪ ،‬عليكِ بمجاهدة ِ نف ِ‬

‫حب‬ ‫طلب ِكِ لل ّه ِ ومحب ّت ِكِ له‪ ،‬وإلا فأيّ إنسا ٍ‬


‫ن سيدّعي أن ّه ُ ي ّ‬

‫ل!‬
‫ن ودلي ٍ‬
‫ك دونَ برها ٍ‬
‫ل ذل َ‬
‫س يفع ُ‬
‫ن النا ِ‬
‫الل ّه َ‪ ،‬وكثير ٌ م ِ َ‬

‫يرفض الأوامرَ الإلهي ّة َ فلا يريد ُ أن يصل ّي َ‪ ،‬ولا ت ُريد ُ‬


‫ُ‬ ‫فتراه ُ‬

‫ل إ ّنها‬
‫أن تتحجّ بَ ‪ ،‬أو تلتزم َ بالأوامر ِ الإلهي ّة ِ‪ ...‬ثم ّ تقو ُ‬

‫حب الل ّه َ!‬


‫ت ّ‬

‫ك كثيراً‪.‬‬
‫ح يا أم ّي‪ .‬إن ّي أسم ُع ذل َ‬
‫‪ -‬صحي ٌ‬

‫‪ -‬هل إذا طلبتُ منكِ عملا ً ما‪ ،‬أو نهيت ُك عن شيء ٍ‪ ،‬ثم ّ‬

‫ك‪ ،‬وأتيت ِني تقسمينَ بالل ّه ِ إن ّكِ‬


‫ل ذل َ‬
‫ت أنتِ ك ّ‬
‫رفض ِ‬

‫مت لي دليلا ً‬
‫ن أن أص ّدق َكِ ؟ أو هل ق ّد ِ‬
‫تحبينني! هل يمك ُ‬
‫‪113‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫على محب ّت ِك تجعل ُني أص ّدِق ُكِ ؟‬

‫ك ستجعلني أسرع ُ في تلبية ِ ما‬


‫‪ -‬لا طبعا ً يا أم ّي! محب ّتي ل ِ‬
‫ن ما تطلبين َه من ّي‬
‫تطلبين َه خصوصا ً أن ّي أعلم ُ تماما ً أ ّ‬

‫لمصلحت ِي‪.‬‬

‫ك م َع الل ّه ِ يجبُ‬ ‫‪ -‬تماما ً يا بنتي‪ ..‬ولل ّه ِ المث ُ‬


‫ل الأعلى‪ ،‬فكذل َ‬

‫أن تق ّدمي برهانا ً لمحب ّت ِكِ م ِن صلاة ٍ وعبادة ٍ وطاعة ٍ في‬


‫ِ‬
‫جميع ما أمرَه ُ‪.‬‬

‫‪ -‬امم ‪ ..‬كثيرا ً يا أم ّي ما وقفتُ عاجزة ً عن إعطاء ِ هذه ِ‬

‫حب الل ّه َ ثم ّ يصرّ ألا يصل ّي َ أو يقوم َ‬


‫الحجُ ّة ِ لم َن ي ّدعي أن ّه ُ ي ّ‬

‫ن المحب ّة َ في قلب ِه ِ والل ّه ُ أعلم ُ بها‪.‬‬


‫بما أمرَه ُ الل ّه ُ‪ ..‬بحج ّة ِ أ ّ‬

‫التكليف‪ ،‬وفي‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫للهروب م ِ َ‬
‫ِ‬ ‫س البشر ي ّة ِ‬
‫‪ -‬إ ّنها مراوغة ُ النف ِ‬
‫تعترف بخطئ ِها أو ضعف ِها في تنفيذِ‬
‫َ‬ ‫الوقت ذات ِه ِ لا تريد ُ أن‬
‫ِ‬

‫ن البشر َ لا يقبلونَ في‬ ‫أمر ِ الل ّه ِ‪ ،‬وتقدي ِم دلي ِ‬


‫ل المحب ّة ِ‪ ،‬م َع أ ّ‬
‫‪114‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن الأبناء ِ‪،‬‬
‫ل‪ ..‬الأمّ تطلب ُه ُ م ِ َ‬
‫إثبات محب ّت ِهم لبعض ِهم إلا بدلي ٍ‬
‫ِ‬

‫ن وتحايل ُه ِ!‬
‫جيب أمرُ الإنسا ِ‬
‫ج والزوجة ُ‪ ...‬ع ٌ‬
‫الزو ُ‬

‫سنا‪ .‬ول كن ّكِ‬


‫ت‪ .‬أعان َنا الل ّه ُ على أنف ِ‬
‫ح يا أم ّي‪ ..‬صدق ِ‬
‫‪ -‬صحي ٌ‬

‫ن كلينا أصابَ في تصرّف ِه ِ وشعورِه ِ‬


‫كيف أ ّ‬
‫َ‬ ‫لم تخ بريني‬

‫ك الفتاة ِ ؟!‬
‫م َع تل َ‬

‫لمعلومات التي‬
‫ِ‬ ‫تعرف هذه ِ ا‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬لا تستغربي يا بنتي‪ .‬مدرّست ُكِ‬

‫جهة ٌ‪،‬‬
‫ن (النت) على ما يبدو‪ ،‬وهي مربّية ٌ ومو ّ‬
‫عرفناها م َ‬

‫هذه ِ هي رسالت ُها في الحياة ِ‪ ،‬إن تصرّف َت بغير ِ ودٍّ تِ جاه َها‬

‫ل هذه ِ‬
‫حها فيما بعد ُ‪ ،‬فلع ّ‬
‫فلن تستطي َع الاقترابَ منها لنص ِ‬

‫ل الأفكار َ الخاطئة َ‬
‫الطالبة َ تقلّد ُ أحدا ً فقط‪ ،‬أي رب ّما لاتحم ُ‬

‫س‪ ،‬وقلّد َت تقليدا ً أعمى‪ ،‬مجر ّد َ‬


‫ن النا ِ‬
‫لهذه ِ المجموعة ِ م ِ َ‬

‫ت‪.‬‬
‫"موضة" أو سم ّيها "صرعة" أو "تقليعة"‪ ..‬سم ّيها ما شئ ِ‬

‫ن التنك ّر ِ والابتعادِ عنها أو‬ ‫ِ‬


‫الإصلاح لا يأتي م ِ َ‬ ‫ل‬
‫فسبي ُ‬

‫‪115‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫استغراب‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بنظرات احتقارٍ أو‬
‫ِ‬ ‫رمي ِها‬

‫ت‬
‫المعلومات‪ ،‬واستشعر ِ‬
‫ِ‬ ‫أمّا أنتِ ‪ ،‬فلا تعلمينَ هذه ِ‬

‫دت ريثما‬
‫ن الأمرَ فيه ِ رِ يبة ٌ‪ ،‬فابتع ِ‬
‫بفطرت ِكِ السليمة ِ أ ّ‬

‫الموقف المناسبَ ‪،‬‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫الموضوع لتت ّخذي‬ ‫ن‬‫تعلمينَ أكثر َ ع َ ِ‬
‫صواب في موقف ِكِ هذا‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فأنتِ على‬

‫ت ابتسامة ُ ٍ‬
‫فرح كبيرة ٍ على وجهي‪ ،‬وألقيتُ بنفسي‬ ‫ارتسم َ ِ‬

‫على يدِ أم ّي أقب ّل ُها‪:‬‬

‫ت الصورة ُ واضحة ً ج ّداً‪ .‬ول كن‪..‬‬


‫ك يا أم ّي‪ ..‬لقد بد َ ِ‬
‫‪-‬أشكر ُ ِ‬

‫ف الآنَ معها بعد َما علمتُ خطأ‬


‫كيف أتصرّ ُ‬
‫لو َ‬‫ماذا أفع ُ‬

‫فات والأفكارِ التي رب ّما تنتمي إليها هذه ِ الطالبة ُ؟‬


‫هذه ِ التصر ّ ِ‬

‫‪-‬هل لديكِ القدرة ُ على مساعدتِها في إظهارِ خطأ ِ هذه ِ‬

‫المعتقدات وتوضيحِها لها؟‬


‫ِ‬

‫ستشف من ّي‬
‫ّ‬ ‫ك وهي َ تنظر ُ إلى عينيّ بدق ّة ٍ لت‬
‫سألتني أم ّي ذل َ‬
‫‪11٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ما يدور ُ في ذهن ِي‪.‬‬

‫وبالقيم‬
‫ِ‬ ‫ن قويّ بالل ّه ِ سبحان َه ُ‬
‫‪-‬أظنّ أن ّي أستطي ُع‪ ..‬فلديّ إيما ٌ‬

‫الفاضلة ِ‪.‬‬

‫ل إ يجاب ٍيّ فيجبُ ألّا‬


‫كنت تستطيعينَ التأثير َ بها بشك ٍ‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬إذا‬

‫ق بكِ ‪ ،‬دونَ‬
‫تبادرِ يها الجفاء َ‪ ،‬بل عليكِ التوددّ إليها حت ّى تث َ‬

‫ت‬ ‫ِ‬
‫مستنقع الأفكارِ الخاطئة ِ‪ ،‬وإن شعر ِ‬ ‫ك هي إلى‬
‫أن تجر ّ ِ‬

‫ت‬
‫لطف‪ ،‬أمّا إذا قد َر ِ‬
‫بدأت تتأث ّرين ابتعدِي بسرعة ٍ و ٍ‬
‫ِ‬ ‫أن ّكِ‬

‫على نقل ِها إلى أجواء ٍ نقي ّة ٍ فحاولي استنتا َ‬


‫ج رأيِها بهذه ِ الأفكارِ‬

‫عف‬
‫ن حج ّت َكِ أض ُ‬
‫والوشو ِم‪ ،‬ثم ّ حاولي إقناع َها‪ ،‬وإذا رأيتِ أ ّ‬

‫م ِن حُ ج ّتها وستؤث ّر ُ عليكِ سلبا ً ابتعدي بهدوء ٍ ولا تخوضي‬

‫ظة ً‪ ،‬ولا تجعليها‬


‫معها‪ ،‬والزمي الحياد َ‪ ،‬فلا تكوني ف ّ‬

‫ك‪.‬‬
‫ش لأساعد َ ِ‬
‫ل معكِ م ِن نقا ٍ‬
‫صديقت َكِ ‪ ،‬وأخبريني ما يحص ُ‬

‫ك‬
‫ف السليم ُ‪ .‬شكرا ً ل ِ‬
‫ح يا أم ّي‪ .‬هذا هو التصرّ ُ‬
‫‪ -‬صحي ٌ‬

‫‪117‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ياحبيبتي‪ ،‬لا حرمني الل ّه ُ منكِ وم ِن توجهيات ِكِ ‪ ،‬وسأطلع ُكِ‬

‫على ما يحدثُ معي أ ّولا ً بأ ّول‪.‬‬

‫رأس أم ّي وسارعتُ للوضوء ِ والصلاة ِ ثم ّ إلى النو ِم‪.‬‬


‫َ‬ ‫قبّلتُ‬

‫‪118‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 8 -‬‬

‫ُ‬

‫ُ‬

‫ُ‬
‫ً‬
‫مشاعر خُبتذل‪ ،‬هو خضحيةُ وعطاء‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كلمة خقال‪ ،‬أو‬
‫(الحبُ ليسُ ُ‬
‫وبذلُ وعمل) ُ‬

‫ل‬
‫‪-‬أم ّي ‪ ....‬أم ّي ‪ ...‬أحب ّكِ يا أم ّي‪ .‬دخلتُ مسرعة ً إلى المنز ِ‬

‫وبهذه ِ العاطفة ِ الجي ّاشة ِ قبّلتُ يديها‪...‬‬

‫أحب‪ ،‬وأنا يا بنتي!! خيرا ً !!ما بك؟‬


‫ّ‬ ‫َت ابتسامت َها التي‬
‫سم ِ‬
‫‪ -‬تب ّ‬

‫‪-‬لا شيء َ يا حبيبتي‪ .‬ل كنّ الإنسانَ أحيانا ً م ِن كثرة ِ تعوّدِه ِ‬

‫‪119‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫على النعمة ِ لا يراها‪ .‬لا تستغربي يا أم ّي ‪ ...‬اليوم َ قصّ ت عليّ‬

‫ن أمّها مشغولة ٌ عنها‪ ،‬ولا تجد ُ أحدا ً عندما‬


‫كيف أ ّ‬
‫َ‬ ‫صديقتي‬

‫ل‪ ،‬وحت ّى بعد َ عودة ِ أمّ ِها فهي مشغولة ٌ عنها ولا‬
‫تعود ُ إلى المنز ِ‬
‫ٍ‬
‫موضوع مهما كانَ‬ ‫بأي‬
‫ِّ‬ ‫تكاد ُ تستطي ُع أن تتح ّدثَ معها‬

‫ل‬
‫يشغل ُها‪ ،‬فأحسستُ بالنعمة ِ ال كبرى التي لم أحمده ُ عليها ج ّ‬

‫ك عليها‪ ،‬فخشيتُ أن يسلب َها من ّي‪ .‬لهذا‬


‫جلال ُه ُ‪ ،‬ورب ّما لم أشكر ِ‬

‫ل‬
‫ك يا غاليتي؛ هذه ِ هي ك ّ‬
‫أسرعتُ إليكِ أشكر ُ رب ّي‪ ،‬وأشكر ُ ِ‬

‫القصّ ة ِ‪.‬‬

‫سم َت أم ّي بحنانِها المعتادِ الساحر ِ‪ ،‬فارتميتُ في أحضانِها‬


‫تب ّ‬

‫ل بهذه ِ النعمة ِ التي أتمن ّى ألا يحرم َني الل ّه ُ منها أبداً‪.‬‬
‫الدافئة ِ أستظ ّ‬

‫‪ -‬مسكينة ٌ وفاء ُ يا أم ّي‪ ..‬تشعر ُ بالوحدة ِ ولا تجد ُ م َن يجيب ُها‬

‫حس‬
‫العطف والحنانَ‪ ،‬وت ّ‬
‫َ‬ ‫عن تساؤلاتِها‪ ،‬وتفتقد ُ‬

‫ض لدرجة ِ أ ّنها تشعر ُ بعد ِم محب ّت ِها لأمّ ِها!‬


‫بالامتعا ِ‬

‫‪111‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك مشاعرَها عند َما تتح ّدثُ‬


‫أصف ل ِ‬
‫ُ‬ ‫كيف‬
‫َ‬ ‫لا أدري يا أ ِم ّي‬

‫ن‬
‫كيف يمك ُ‬
‫َ‬ ‫عنها‪ ..‬ح ّقا ً أشعر ُ بالأسى لحال ِها‪ ،‬ولا أدري‬

‫أن أساعد َها‪.‬‬

‫ض رحمت ِه ِ‪ ،‬ويهديَها‬‫ل الل ّه َ أن ي ُسب َغ عليها م ِن في ِ‬


‫‪ -‬نعم نسأ ُ‬

‫ل الل ّه ِ ‪ ‬وهو يتيم ٌ‬


‫ل بمحب ّت ِه ِ‪ .‬لقد ترب ّى رسو ُ‬
‫لدرب ِه ِكي تستظ ّ‬

‫يا علا‪ ،‬هل هذا صحيح؟‬

‫‪ -‬نعم‪...‬صحيح‪.‬‬

‫ل العناية ِ الإلهي ّة ِ وإقبال ِه ِ على محامدِ الأمورِ لا‬


‫‪ -‬وبفض ِ‬
‫ن والرحمة ِ‪ ،‬ولم يجعله ُ‬
‫ن الحنا ِ‬
‫سفاسف ِها أسب َغ الل ّه ُ عليه ِ م ِ َ‬
‫يتيما ً ساخطا ً على القدرِ أو الم ِ‬
‫جتمع‪ .‬فالإيمانُ بالل ّه ِ ومحب ّت ِه ِ‬

‫ل على الل ّه ِ‪ ،‬فهو‬


‫ن المحنة ِ التي يعيش ُها فرصة ً للإقبا ِ‬
‫ل مِ َ‬
‫يجع ُ‬

‫ل‬
‫الرحيم ُ القريبُ الودود ُ الذي هو أقربُ إلينا م ِن حب ِ‬
‫ح هذه الحالة ُ التي تشفقين عليها‬
‫الوريدِ؛ فعندئذٍ يا بنتي تصب ُ‬

‫‪111‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫فيها هي التي تقود ُها إلى سعادة ِ الدنيا والآخرة ِ‪.‬‬

‫ن الل ّهِ‪ .‬ول كنّها ليست‬


‫ح يا أم ّي‪ .‬ما أعذبَ كلام َكِ ع ِ‬
‫‪ -‬صحي ٌ‬

‫ج إلى م َن يأخذ ُ بيدِها ويدل ّها‬


‫ناضجة ً لهذه ِ الدرجة ِ‪ ،‬إ ّنها تحتا ُ‬

‫يس‬ ‫ِ‬
‫الصحيح‪ ،‬لتتذوّقَ هذه المعاني‪ ،‬والأمرُ ل َ‬ ‫ق‬
‫على الطر ي ِ‬

‫سهلاً‪.‬‬

‫مرب يعين ُه ُ وصحبة ٍ صالحة ٍ‬


‫ٍّ‬ ‫ج الإنسانُ إلى‬
‫ل يا بنتي يحتا ُ‬
‫‪ -‬بالفع ِ‬
‫ن فهناك َ ستجد ُ‬
‫س القرآ ِ‬
‫تأخذ ُ بيدِه ِ؛ خذيها معكِ إلى در ِ‬

‫م َن يجيب ُها ع َن أسئلت ِها؛ وستكونينَ أنتِ ورفيقاتكِ ن ِعم َ‬

‫الصحبة ُ الصالحة ُ لها‪ ،‬ويمكن ُكِ أن تستضيفيها عندنا في أحدِ‬

‫الأيا ِم على أن تخ بريني كي أع ّد ل كما طعاما ً ممي ّزا ً؛ ما رأيك؟‬

‫ك‬
‫أنت يا أم ّي ‪ ....‬ما أجمل َكِ وما أرق ّكِ ‪ .‬الله ّم ل َ‬
‫‪ -‬رائعة ٌ ِ‬

‫الحمد ُ حمدا ً كثيرا ً على أن وهبتني أمّا ً رائعة ً مثل َك‪.‬‬

‫‪ -‬حسنا ً يا بطلة‪ ...‬قومي وساعديني في إعدادِ الطعام‪...‬‬


‫‪112‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪ -‬لا ‪........‬‬

‫نظرت إليّ أمي مبتسمة ً‪.‬‬

‫س‬
‫ح فقط ‪ ...‬طبعا ً على العينِ والرأ ِ‬
‫‪ -‬هههه‪ ..‬كنتُ أمز ُ‬

‫ك أقبّلها‪.‬‬
‫ك‪ .‬هاتي يد ِ‬
‫ل ثيابي وأساعد ُ ِ‬
‫يا أحلى أمّ‪ ،‬سأب ّد ُ‬

‫الهاتف فإذا هي صديقتي حنانُ‪ ،‬تح ّدثتُ معها‪ ،‬ثم ّ‬


‫ِ‬ ‫جرس‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫ر ّ‬

‫الوقت مضى‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫الهاتف جانباً‪ ،‬لا أدري كم م ِ َ‬
‫ِ‬ ‫وضعتُ سم ّاعة َ‬

‫صوت أم ّي تناديني كي‬


‫ِ‬ ‫ن‪ ،‬لم أستفق إلا على‬
‫وأنا شاردة ُ الذه ِ‬
‫أساعد َها‪ ،‬حاولتُ المماطلة َ إلا أن ّي شعرتُ بصوتِها في المر ّة ِ‬

‫الرابعة ِ انزعاجا ً لعد ِم تلبية ِ النداء ِ‪ ،‬فذهبتُ مسرعة ً‪.‬‬

‫كنت؟ ولماذا لم تلبيني فوراً؟‬


‫ِ‬ ‫ن‬
‫‪-‬أي َ‬

‫ن‪.‬‬
‫‪-‬عذرا ً يا أم ّي ‪ ..‬كنتُ شاردة َ الذه ِ‬

‫‪ -‬تعال َي وأكملي عن ّي فإن ّي أشعر ُ بدوار‪.‬‬


‫‪113‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫خري عنها‪ .‬ما أغباني‪.‬‬


‫أحسستُ كم أنا مذنبة ٌ لتأ ّ‬

‫‪-‬أم ّي ما بك؟ أم ّي ‪ ....‬أم ّي ‪ ......‬صرختُ أنادي أبي‪...‬‬

‫أبي ‪ ...‬أبي‪.‬‬

‫ل أم ّي إلى سرير ِها؛ كان َت حرارتُها‬


‫جاء َ أبي وتساعدنا في حم ِ‬
‫ادات‬
‫بعض ال كم ّ ِ‬
‫َ‬ ‫بالطبيب‪ ،‬ووضعنا‬
‫ِ‬ ‫ل أبي‬
‫مرتفعة ً جدّاً‪ .‬ات ّص َ‬

‫ق واضحا ً على وجه ِ أبي‪.‬‬


‫الباردة ِ؛ بدا القل ُ‬

‫الفحوصات اللازمة َ‪ ،‬وأنا أتابع ُه ُ بنظري‬


‫ِ‬ ‫جاء َ الطبيبُ وأجرى‬

‫كيف لم أستجب لأم ّي‬


‫َ‬ ‫مدهوش‪ ،‬وضميري يؤن ّب ُني‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫وعقلي‬

‫ل‪ ،‬ول كنّها‬


‫مرات عديدة ً م ِن قب ُ‬
‫ٍ‬ ‫بسرعة ٍ؟! لقد قمتُ بالخطأ ِ ذات ِه ِ‬

‫الآنَ كان َت بحاجة ٍ إليّ‪.‬‬

‫حب ثم ّ أتكاسل!‬
‫ل هذا ال ِّ‬
‫كيف أحبّها ك ّ‬

‫أحب أم ّي فقط لأ ّنها تعطيني الحنان؟ كم أنا أناني ّة ٌ! عندما‬


‫ّ‬ ‫أ‬

‫‪114‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ت الصور ُ القديمة ُ‬
‫ن إشارتِها‪ ...‬ثم ّ أخذ َ ِ‬
‫احتاجتني لم تجدني ره َ‬

‫ل أمام َ سريري‬
‫كيف سهر َت ليا ٍ‬
‫َ‬ ‫ل في خاطري‪ ،‬صورتُها‬
‫تجو ُ‬

‫حت ّى تعافيتُ ‪ ،‬يد ُها الحنونُ ته ّدئ ُ من روعي وأنا محمومة ٌ‪ ،‬وهنا‬

‫أجد ُها أمام َ ناظريّ فورا ً بعد َ أن فتحتُ عينيّ‪ ،‬ولم أحتج إلى‬

‫أن أناديَها‪.‬‬

‫الطبيب يتح ّدثُ مع والدي‬


‫ِ‬ ‫ل هذه ِ الخواطرِ وأنا أسم ُع صوتَ‬
‫ك ّ‬

‫ج‪ .‬أسرعتُ إلى أم ّي أتأمّل ُها‬


‫ض‪ ،‬وها هو يخر ُ‬
‫بصوت منخف ٍ‬
‫ٍ‬

‫ن‪.‬‬
‫بحنا ٍ‬

‫كيف أم ّي يا أبي؟‬
‫َ‬ ‫ثم ّ أسرعتُ إلى أبي‪:‬‬

‫ن الل ّه ِ‪ ،‬يتوق ّ ُع الطبيبُ أن ّه ُ فيروس‪ ،‬ول كن ّه ُ شديدٌ‬


‫بأس بإذ ِ‬
‫‪-‬لا َ‬

‫بعض الشيء ِ‪ .‬سأذهبُ لأحضر َ الدواء َ‪ ،‬كوني عند َ أمّكِ ولا‬ ‫َ‬

‫تغادريها‪.‬‬

‫‪ -‬طبعا ً يا أبي‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ب‪ ،‬وأضعُ‬
‫ق المتصب ّ ِ‬
‫قطرات العر ِ‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫عدتُ إلى أم ّي الحبيبة ِ أمس ُ‬

‫ل وجه َها الجميل‪ .‬لاحرم َني َ الل ّه ُ منكِ‬


‫مادات الباردة َ‪ ،‬وأتأمّ ُ‬
‫ِ‬ ‫لها ال ك‬

‫يا أم ّي‪ .‬سامحيني‪ ..‬لقد أخطأتُ في ح ّقكِ ‪ .‬أخطأتُ في حقّ ِ‬

‫حب الذي بيننا‪ ..‬يا أغلى ما عندي‪ .‬سامحيني يا حبيبتي‪ .‬كنتُ‬


‫ال ِّ‬

‫أحدّثُ نفسي ودموعي تنهمر ُ‪.‬‬

‫حت أم ّي عين َيها بابتسامة ٍ خفيفة ٍ‪ ...‬طار َ عقلي‪..‬‬


‫فت َ‬

‫أم ّي ‪ ...‬حبيبتي ‪ ...‬قب ّلت ُها و قب ّلتُ يديها‪.‬‬

‫‪-‬حمدا ً لل ّه ِ على سلامت ِكِ يا حبيبتي‪.‬‬

‫سم َت ولسانُها يرسم ُ كلمة َ الحمدِ دونَ أن أسمع َها‪ ،‬ثم ّ عاد َت‬
‫تب ّ‬

‫إلى غفوتِها الرقيقة ِ والابتسامة ُ ملء ُ محي ّاها‪.‬‬

‫ثم ّ عاد َت لي خواطري السابقة َ وتذك ّرتُ خطئ ِي‪ ،‬وكنتُ‬

‫حب ثم ّ أتراخى في‬


‫كيف أحبّها هذا ال ّ‬
‫َ‬ ‫مستغربة ً م ِن نفسي‬

‫‪11٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الاستجابة ِ لها!!!‬

‫ل وسلوك ٌ هذا ما عل ّم َتني إ ي ّاه ُ أمّي واقعا ً‬


‫حب تضحية ٌ وعم ٌ‬
‫ال ّ‬

‫كلمات رقيقة ً!‬


‫ٍ‬ ‫ل أن ت ُسمع َني إ ي ّاه‬
‫ملموسا ً قب َ‬

‫النفس الأمّارة ُ بالسوء ِ‪ ،‬نعم أظنّ هذا ما كانت ستقول ُه ُ لي‬


‫ُ‬ ‫إ ّنها‬

‫أم ّي‪ .‬وهذا حقّ ‪.‬‬

‫ق وغلب َت حب ّي‪ ،‬يجبُ أن أجاهد َها‬


‫لقد انتصر َت نفسي لدقائ َ‬
‫ِ‬
‫الواقع‪،‬‬ ‫سد ُ ف ي‬
‫ل تتج ّ‬
‫كلمات تُقالُ‪ ،‬بل هو أفعا ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ليس‬
‫حب َ‬‫فال ّ‬

‫وسلوك ٌ يظهر ُ في الحياة ِ‪.‬‬

‫ل أمام َ أم ّي‪ ،‬فنمتُ على أر يكة ٍ بقر بِها‪ ،‬كما‬


‫ل اللي ِ‬
‫ظل َلتُ طوا َ‬

‫ك معي‪.‬‬
‫ل ذل َ‬
‫كان َت تفع ُ‬

‫حبيب‪ ،‬وتنس ّ ِم رائحت ِها العطرة ِ‪.‬‬


‫استمتعتُ بالنظرِ لوجه ِها ال ِ‬

‫ك يا حبيبة ُ‪.‬‬
‫‪-‬ما أبها ِ‬
‫‪117‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ضت‬
‫حت عينيها‪ ،‬وكانتِ الحرارة ُ قد انخف َ‬
‫وبعد َ صلاة ِ الفجرِ فت َ‬
‫وعاد َ لوجه ِها لون ُه ُ الطبيعيّ‪ .‬أشار َت إليّ كي أساعد َها في الوضوء ِ‬

‫لتصلي َ الفجر َ‪.‬‬

‫ما أروع َكِ يا أم ّي‪.‬‬

‫استيقظ على غير ِ‬


‫َ‬ ‫صل ّيتُ أنا وأم ّي ووالدي وأخي الصغير ُ الذي‬

‫عادت ِه ِ‪ ،‬كي يطمئ ّن على أم ّي‪.‬‬

‫س‪ ،‬ثم ّ‬
‫ق الشم ِ‬
‫ثم ّ عاد َت إلى السرير ِ‪ ،‬وظللتُ بقر بِها حت ّى شرو ِ‬

‫ساعات؛ ولم أذهب يوم َها إلى المدرسة ِ‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫غفوتُ بض َع‬

‫ل النهارِ كان َت أم ّي تستردّ عافيت َها ‪ -‬ولل ّه ِ الحمد ُ‪ -‬بسرعة ٍ‪.‬‬


‫وخلا َ‬

‫مرة ٍ كانت تبتسم ُ دونَ أن تردّ‬


‫ل ّ‬‫اعتذرتُ منها مراراً‪ ،‬وفي ك ّ ِ‬
‫جاب‪.‬‬
‫عليّ‪ ،‬كانت تكتفي بأن تهز ّ رأس َها بالإ ي ِ‬

‫ِ‬
‫سماع ضحكات ِنا جميعا ً‬ ‫البيت إلى عهدِه ِ بعد َ‬
‫ِ‬ ‫وفي المساء ِ عاد َ جما ُ‬
‫ل‬

‫‪118‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫مع أم ّي الحبيبة ِ‪ ،‬وقد تعل ّمتُ البارحة َ درسا ً لن أنساه‪ .‬وهو أن‬

‫ل‪.‬‬
‫حب الأصي ُ‬
‫ل‪ ،‬فهذا هو ال ّ‬
‫أترجم َ حب ّي إلى عم ٍ‬

‫‪119‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪-9-‬‬

‫(التقنيّةّ ٌ‬
‫سالح ذو حدين‪ ،‬واإلنسانّ هو املقودّ الّذي يوجّهّهّ إما‬
‫لسعادتّهّ أو شقائّهّ) ّ‬

‫اقترب َت من ّي ببطء ٍ شديدٍ وأماراتُ الخج ِ‬


‫ل بادية ٌ على وجه ِها‪ .‬لم‬

‫ل تلقي عليّ السلام َ إلا نادراً‪ ،‬ل كن ّي كنتُ أرى‬


‫تكن م ِن قب ُ‬

‫الصف أو‬
‫ِّ‬ ‫نظرات الاحترا ِم ترمق ُني بها كل ّما مررتُ بقر بِها في‬
‫ِ‬

‫الفسحة ِ‪.‬‬

‫اقترب َت كثيرا ً ووجهّت نظر َها إليّ وكأ ّنها تداف ُع الدم َع م ِن‬

‫‪121‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫عينيها‪ ...‬استغربتُ كثيراً‪ ،‬فبادرتُها السلام َ م َع ابتسامة ٍ خفيفة ٍ‬

‫والاضطراب الل ّذ َين كانا بادي َين على‬


‫ِ‬ ‫ق‬
‫ل مظاهر َ القل ِ‬
‫لأز ي َ‬

‫ن السكينة ِ‬
‫ل م َ‬
‫ت ابتسامة ٌ رقيقة ٌ مع قلي ٍ‬
‫وجه ِها‪ ،‬فارتسم َ ِ‬

‫والطمأنينة ِ‪.‬‬

‫‪-‬مرحبا ً ‪ ...‬هل أستطي ُع التحدّثَ إليكِ ؟‬

‫ك يا مها؟‬
‫كيف حال ُ ِ‬
‫َ‬ ‫سعة ِ‪،‬‬
‫الرحب وال ّ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬طبعا ً على‬

‫‪-‬الحمد ُ لل ّه ِ ‪ ......‬في الحقيقة ِ قد تستغربينَ اقتحامي وطلبي‬

‫التح ّدثَ معكِ ‪ ،‬رغم َ عد ِم وجودِ علاقة ٍ وطيدة ٍ بيننا‪.‬‬

‫س‪ ،‬لقد أسعدت ِني ‪..‬تفضّ لي و تح ّدثي بما تشائين‪.‬‬


‫‪ -‬لا على العك ِ‬

‫ك كثيراً‪ ،‬لطالما كنتُ أنظر ُ إليكِ باحترا ٍم وتقدير ٍ‪ ،‬فما‬


‫‪ -‬أشكر ُ ِ‬

‫ن من أحدٍ‪ ..‬ص ّدقيني ‪..‬‬


‫مرة ُ تغتابين أحداً‪ ،‬ولا تسخري َ‬
‫سمعت ُكِ ّ‬
‫رب ّما لم أتح ّدث إليكِ أو حت ّى ألق َي السلام َ عليكِ كثيراً‪ ،‬ل كن ّكِ‬

‫‪121‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل الطالبة ِ المه ّذبة ِ الخلوقة ِ‬


‫كنت قدوة ً لي‪ ..‬مثا َ‬
‫ِ‬ ‫في قرارة ِ نفسي‬

‫المجتهدة ِ‪.‬‬

‫ل أن أكونَ‬
‫ك كثيراً‪ ،‬لستُ أهلا ًلما تقولين َه‪ ،‬ل كن ّي أحاو ُ‬
‫‪ -‬أشكر ُ ِ‬

‫ك‪ ..‬شكرا ً‬ ‫ل لذل َ‬


‫ل‪ ،‬وأتمن ّى أن أص َ‬ ‫عز وج ّ‬‫حب ر ب ّنا ّ‬
‫خلوقة ًكما ي ّ‬
‫ِ‬
‫المديح الذي لا أستح ّقه ُ‪..‬‬ ‫ل هذا‬‫ك‪ ،‬بعد َ ك ّ ِ‬
‫هات ماعند َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ك‪..‬‬
‫ل ِ‬

‫ابتسم َت قائلة ً ‪:‬‬

‫‪-‬لا أنتِ تستح ّقين َه‪...‬‬

‫حت هذه ِ الابتساماتُ ال كثير َ من‬


‫الابتسامات وقد أزا َ‬
‫ِ‬ ‫تبادلنا‬

‫والاضطراب عن وجه ِها‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ق‬
‫القل ِ‬

‫حاسوب‬
‫ِ‬ ‫ن مدرّسة َ مادّة ِ ال‬
‫كيف أبدأ‪ ...‬تذكري َ‬
‫َ‬ ‫أعرف‬
‫ُ‬ ‫‪-‬لا‬

‫ل الفيس بوك‬
‫ل الاجتماع ِيّ مث َ‬ ‫ِ‬
‫مواقع التواص ِ‬ ‫عندما نبّهتنا على‬

‫ث مع‬
‫ل التحاد ِ‬
‫والتو يتر‪ ،‬وتحدّث َت عن أهمي ّة ِ الانتباه ِ خلا َ‬

‫‪122‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن هذه ِ التقني ّة َ قد تكونُ نعمة ً إن أحسن ّا‬ ‫أشخا ٍ‬


‫ص نجهل ُهم‪ ...‬وأ ّ‬

‫استخدام َها‪ ،‬وقد تكونُ نقمة ً إن أسأنا أو دخلنا مواق َع مشبوهة ً‪،‬‬

‫هل تذكرين؟‬

‫ك‬
‫كنت لا تؤي ّدين َها كثيرا ً وكذل َ‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬نعم أذكر ُ تماما ً‪ ...‬وأذكر ُ أن ّكِ‬

‫بعض زميلات ِك‪.‬‬


‫ُ‬

‫ت اعتراضاتي وأحيانا ً سخريتي بأخلا ٍ‬


‫ق‬ ‫‪ -‬صحيح ‪ ...‬وقد قابل َ ِ‬

‫راقية‪ .‬ل كن ّي كنتُ غافلة ً ولم أتنبه ‪ ..‬و يا ليتني فعلت!‬

‫تغي ّر َ وجهي و وجه ُها‪ .‬ولمحتُ دمعة ً في عينيها‪ ،‬وشعرتُ أ ّنها‬

‫ل لي كارثة ً!‬
‫ستقو ُ‬

‫‪-‬كانَ كلام ُ المدرّسة ِ صائبا ً تماماً‪ ،‬ل كن ّي لم أستمع للنصيحة ِ‬

‫فوقعتُ في شرِّ أعمالي‪.‬‬

‫وكيف؟‬
‫َ‬ ‫ق بادية ً على وجهي‪ ،‬سألت ُها‪:‬‬
‫ظهر َت ملامح ُ القل ِ‬

‫‪123‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫ِ‬
‫موقع التواص ِ‬ ‫ل م ِن مجموعة ٍ لأخرى على‬
‫‪-‬لقد كنتُ أتن ّق ُ‬

‫ل عا ٍمّ م َع‬
‫الاجتماعيّ الفيس بوك‪ ،‬ويسعد ُني التخاطبُ بشك ٍ‬
‫ل الاجتماعيّ؛ قد يضعون‬
‫الصداقات والتواص َ‬
‫ِ‬ ‫أحب‬
‫ّ‬ ‫ال ِ‬
‫جميع فأنا‬

‫حكات خفيفة ٌ لا‬


‫تعليقات بريئة ٌ وض ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ق وهكذا‪...‬‬
‫النكات ونعل ّ ُ‬
‫ِ‬

‫ل‬
‫ل معاني َ سوى التسلية ِ‪ ...‬إلى أن ازداد َ الاهتمام ُ م ِن ق ِب ِ‬
‫تحم ُ‬

‫حها بش ّدة ٍ مبديا ً‬


‫ق عليها ويمد ُ‬ ‫أحدِ الأشخا ِ‬
‫ص بتعليقاتي وصار َ يعل ّ ُ‬

‫ق‪.‬‬
‫إعجابه ُ بكاتبة ِ هذا المنشورِ أو التعلي ِ‬

‫‪ -‬امم ‪ .....‬ثم ّ ماذا؟‬

‫ل الخاصّ ة ِ في الفيس بوك‪..‬‬


‫‪-‬ثم ّ تحادثنا بواسطة ِ الرسائ ِ‬

‫ق قلبي به!‬
‫ثم ّ تعل ّ َ‬

‫ل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تستطع الإكما َ‬ ‫وانفجر َت بالبكاء ِ ‪ ..‬ولم‬

‫ل؛ ثم ّ تمال كَت‬


‫حاولتُ أن أه ّدِئ َ م ِن روع ِها‪ ،‬ول كن عبثا ً أحاو ُ‬

‫‪124‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫نفس َها بعد َ فترة ٍ ليست بالقليلة ِ‪.‬‬

‫ك‬
‫‪-‬أنا أعلم ُ أن ّكِ أمينة ٌ ولن تخ بري أحدا ً بما قلت ُه أو سأقول ُه ُ‪ ،‬لذل َ‬
‫ِ‬
‫الراجح ودينكِ ‪ .‬ماذا‬ ‫ق بعقلكِ‬
‫لجأتُ إلى مشورت ِكِ ‪ ،‬لأن ّي أث ُ‬

‫ل؟ أخبريني‪.‬‬
‫أفع ُ‬

‫ك‬
‫لقد استمر ّ التحادثُ بيننا أشهرا ً عديدة ً‪ ،‬وكنتُ أظنّ أن ّي أمل ُ‬

‫ف أشعر ُ‬
‫ف بأية ِ لحظة ٍ‪ ،‬ل كن ّي للأس ِ‬
‫قلبي‪ ،‬وأستطي ُع أن أتوق ّ َ‬

‫بعد ِم قدرتي على ذلك‪.‬‬

‫ص مم ّا أنا فيه ِ‪ ..‬أنا متعل ّقة ٌ به ِ وكل ّما وعدتُ نفسي ألا‬
‫أريد ُ التخل ّ َ‬

‫ساعات‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫ح الفيس بوك‪ ،‬أجد ُني أنكثُ عهدي بعد َ‬
‫أفت َ‬

‫تلاحظ شرودي‬
‫ُ‬ ‫لم أخبر أحداً‪ .‬حت ّى أم ّي لا تعلم ُ‪ ،‬ل كنّها‬

‫ل عن سببه ِ‪ .‬ماذا أفعل؟‬


‫وتتساء ُ‬

‫أعرف ماذا‬
‫ُ‬ ‫كانَ سؤال ُها غريبا ً أو غير َ متوق ّ ٍع‪ ،‬أو رب ّما لأن ّي لا‬

‫‪125‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫كستُ رأسي‪ ،‬وصو ّبتُ‬


‫أجيب ُها‪ ....‬أحسستُ بالعجزِ تماما ً‪ ،‬فن ّ‬

‫ض‪ ،‬و لم أنب ِس بكلمة ٍ‪ ..‬أمّا هي فكانت ترم ُق ُني‬


‫عينيّ نحو الأر ِ‬

‫الفانوس السحريّ الذي‬


‫ُ‬ ‫ل وكأن ّي َ‬
‫ن الح ّ ِ‬
‫بنظراتِها التي تبحثُ ع ِ‬
‫ل بسهولة ٍ‪.‬‬
‫سيجد ُ لها الح ّ‬

‫ق‪:‬‬
‫ل إلى قل ٍ‬
‫ل صمتي‪ ،‬فبدا التعجّ بُ على وجه ِها ثم ّ تحو ّ َ‬
‫طا َ‬

‫س أو الريبة ِ‬
‫ج ِ‬
‫ل معاني َ التو ّ‬
‫ن إليّ الآنَ نظرة ً تحم ُ‬
‫‪-‬لعل ّكِ تنظري َ‬

‫ك‪ ،‬وما أبعد َني‬


‫كيف تجر ّأتُ على ذل َ‬
‫َ‬ ‫من ّي‪ ،‬وتقولينَ في نفسكِ ‪:‬‬

‫بنت لا تستحقّ‬
‫ٌ‬ ‫غاضب من ّي‪ ،‬أو أن ّي‬
‫ٌ‬ ‫ن الل ّه ِ‪ ...‬وأ ّ‬
‫ن الل ّه َ‬ ‫ع ِ‬
‫الاحترام َ‪.‬‬

‫‪ -‬كلا ‪ ...‬كلا‪ ...‬سامحكِ الل ّه ُ‪ ...‬لا والل ّه ِ ما خطر َ لي ذل َ‬


‫ك‪.‬‬

‫ط في يدي أو أشعر ُ‬
‫ل كن ّي لم أعرف بماذا أجيبكِ ؟ كأن ّه أسق ِ َ‬

‫طاء ٌ‬
‫ن آدم َ خ ّ‬ ‫ل اب ِ‬
‫ل؟‪ .‬ك ّ‬ ‫ل أو أقو ُ‬
‫بِ ح َيرة ِ ولا أدري ماذا أفع ُ‬

‫ل الل ّه ِ ‪. ‬‬
‫طائينَ الت ّوابون ‪ ...‬هذا ما علّم َنا إ ي ّاه ُ رسو ُ‬
‫وخير ُ الخ ّ‬

‫‪12٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫كل ّنا قد يخطئ ُ ‪ ..‬المهم ُ أن نؤوبَ إلى الل ّه ِ ونصل َ‬


‫ح ما أفسدنا‬

‫فيتوبَ الل ّه ُ علينا ونعود َ كمن لا ذنبَ له‪.‬‬

‫ح على وجه ِها‪:‬‬


‫بدا الارتيا ُ‬

‫ق‪.‬‬
‫خروج من هذا المأز ِ‬
‫ك كمعينة ٍ لي لل ِ‬
‫‪ -‬لم أسئ في اختياري ل ِ‬
‫و ل كن ّي ‪..................‬‬

‫ات لأن ّنا‬


‫ل الجملة ِ فقد ناد َت علينا إحدى المدرّس ِ‬
‫لم تستطع إكما َ‬

‫ن‬
‫س الفسحة ِ الذي أعل َ‬
‫ن نتحادثُ ‪ ،‬ولم ننتب ِه لجر ِ‬
‫نسينا أنفسَنا ونح ُ‬

‫بدء َ الحصّ ة ِ الدرسي ّة ِ‪.‬‬

‫بعد َ انتهاء ِ الحصّ ة ِ والدوا ِم تل ّف ّ‬


‫ت لأبحثَ عن مها‪ ،‬ل كن ّي لم‬

‫البيت وأنا أفك ّر ُ في قصّ ت ِها‪ ،‬حائرة ً‬


‫ِ‬ ‫أجدها‪ ،‬فعدتُ أدراجي نحو َ‬

‫حها‪.‬‬
‫بماذا أنص ُ‬

‫ن‪ ،‬لدرجة ِ أن ّي نسيتُ أن ألق َي‬


‫ل وأنا شاردة ُ الذه ِ‬
‫وصلتُ المنز َ‬

‫‪127‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫جهتُ لغرفتي فورا ً؛ ألقيتُ نفسي على‬


‫السلام َ على أم ّي‪ ،‬وتو ّ‬

‫لسقف غرفتي طو يلا ً‬


‫ِ‬ ‫خلف رأسي‪ ،‬ونظرتُ‬
‫َ‬ ‫السرير ِ و يداي‬

‫إلى أن غفوتُ ‪ ،‬فما أحسستُ إلا بلمسة ِ يدِ أم ّي َ الحانية ِ تنبّهني‬

‫ل ثيابي وأتوجّه َ لغرفة ِ الطعا ِم‪.‬‬


‫كي أب ّد َ‬

‫ل طعامي‪.‬‬
‫ي الشرود ُ حت ّى وأنا أتناو ُ‬
‫بدا على وجه َ‬

‫ك اليوم َ على غير ِ عادتكِ ! حت ّى أن ّكِ‬


‫‪-‬ماذا بكِ يا علا؟ أرا ِ‬

‫البيت؟ هل من‬
‫ِ‬ ‫ت إلى‬
‫ت إلقاء َ السلا ِم عندما دخل ِ‬
‫نسي ِ‬

‫خطب؟‬

‫‪-‬لا يا أم ّي ‪ ...‬عفوا ً ‪ ..‬أعتذر ُ بش ّدة ٍ‪ ،‬لم أنتبه‪ ..‬لا شيء َ‬


‫يا حبيبتي‪ ،‬ول كن ّي مشغولة ٌ بقصّ ة ٍ لإحدى زميلاتي في‬

‫ت تستطيعين؟‬
‫المدرسة ِ‪ ،‬رب ّما بعد َ الطعا ِم أحادث ُكِ إن كن ِ‬

‫أحب الاستماعَ لقصصِ كِ ‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪-‬هذا يسعد ُني كثيراً‪ ...‬فأنا‬

‫‪128‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل في خاطري‪ ،‬يا أحلى‬


‫ل ما يجو ُ‬
‫ك بك ّ ِ‬
‫أحب أن أخبر َ ِ‬
‫ّ‬ ‫‪-‬وأنا‬

‫أمّ‪.‬‬

‫جلستُ مع أم ّي بعد َ تناول ِنا للطعا ِم‪ ،‬وحظيتُ مع َها بجلسة ِ‬

‫صفاء ٍ في غرفة ِ الجلو ِ‬


‫س‪ ،‬فأخبرتُها بما قالته ُ لي مها‪ ،‬ثم ّ سألت ُها‬

‫عن رأيِها‪ ،‬فقالَت‪:‬‬

‫ِ‬
‫تصحيح الخطأ ِ أن تدرك َ أنّها مخطئ َة‪ ،‬وتقر ّر َ الامتناع َ‬ ‫‪-‬بداية ُ‬

‫ك‪ ،‬فهي قد تعل ّقت بوه ٍم كاذب‪،‬‬


‫عن الاستمرارِ في ذل َ‬

‫ل ليوقع َها في شباكه ِ‪ ،‬عليها أن تفهم َ‬


‫أحب ّت كلام َه ُ المعسو َ‬

‫ل‬
‫ن إنشاء َ الأسرة ِ غاية ٌ نبيلة ٌ م ِن أج ِ‬
‫هذه ِ الحقيقة َ‪ ،‬وتدرك َ أ ّ‬

‫ل نتيجة َ‬ ‫نفع الم ِ‬


‫جتمع‪ ،‬ولن يكونَ هذا الجي ُ‬ ‫ل قادرٍ على ِ‬
‫جي ٍ‬
‫ك وض َع الل ّه ُقوانينَ‬
‫ل ذل َ‬
‫علاقات خاطئة ٍ أو مشبوهة ٍ‪ .‬م ِن أج ِ‬
‫ٍ‬

‫المغامرات التي قد تُشقيها‪،‬‬


‫ِ‬ ‫ن‬
‫حفظ كرامة َ المرأة ِ‪ ،‬وتحميها م ِ َ‬
‫ت ُ‬

‫للعب‬
‫طمة ً نتيجة َ ا ِ‬
‫أو تملأ قلب َها حزنا ً وتجعل ُها إنسانة ً مح ّ‬

‫‪129‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫فالشخص الذي يستح ّقها لن يكونَ هو ذاك َ‬


‫ُ‬ ‫بمشاعر ِها‪،‬‬

‫ل الذي لايعي أهمي ّة َ هذه ِ العلاقة ِ‬


‫الإنسانُ غير ُ المسؤو ِ‬

‫ك سنّ‬ ‫ل نواة َ الم ِ‬


‫جتمع؛ لذل َ‬ ‫ك ُ‬
‫الزوجي ّة ِ والأسرة َ التي تش ّ‬

‫العلاقات الاجتماعي ّة ِ التي تُقيم ُ الأسرة َ‬


‫ِ‬ ‫أسس‬
‫َ‬ ‫الإسلام ُ‬

‫س غارقا ً‬
‫ل‪ ،‬ولي َ‬
‫ومنتج وفاع ٍ‬ ‫لم ٍ‬
‫جتمع سعيدٍ‬ ‫السعيدة َ‪ ،‬م ِن أج ِ‬
‫ٍ‬
‫بالقلب يابنتي كم َن‬
‫ِ‬ ‫وسفاسف الأمورِ؛ فاللعبُ‬
‫ِ‬ ‫المغامرات‬
‫ِ‬ ‫في‬

‫ك أن تغتر ّي‬
‫ك شرر َها‪ .‬فإ ي ّا ِ‬
‫يلعبُ بالنارِ‪ ،‬لاب ّد أن يصيب َ َ‬

‫ل عليه ِ‬
‫سك وتظن ّي أن ّكِ صالحة ٌ‪ ،‬قو ية ُ الإرادة ِ‪ ...‬فقد قا َ‬
‫بنف ِ‬

‫مات‬
‫ل المحر ّ ِ‬
‫الصلاة ُ والسلام ُ مشبّ ِها ً م َن يتلاعبُ حو َ‬

‫فترس‬
‫ك الذئبُ أن ي َ‬
‫ل السورِ فيوش َ‬
‫كالراعي يرعى غنم َه ُ حو َ‬

‫إحدى غنمات ِه ِ‪.‬‬

‫هات‬
‫ل بيِّنٌ‪ ،‬والحرام ُ بيِّنٌ‪ ،‬وبين َهما مُشَبّ ٌ‬
‫‪ ":‬الحلا ُ‬ ‫يقو ُل ‪‬‬
‫هات استبر َأ لدينِه‬
‫ن ات ّقى المُشَبّ ِ‬
‫لايعلم ُها كثير ٌ من الناسِ‪ ،‬فم َ ِ‬
‫ك ٍ‬
‫َراع‬ ‫هات‬
‫شب ُ ِ‬
‫ال ّ‬ ‫في‬ ‫وقَع‬ ‫وم َن‬ ‫وعِرضِه‪،‬‬

‫‪131‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬
‫ن لك ّ ِ‬
‫ك أن يواق ِع َه‪ ،‬ألا وإ ّ‬
‫ش ُ‬
‫ل الحِمى يو ِ‬
‫يرعى حو َ‬

‫ن في‬ ‫ملكٍ حِمى‪ ،‬ألا وإن حِمى الل ّه ِ في أرضِه َ‬


‫محارِم ُه‪ ،‬ألا وإ ّ‬

‫الجسدِ م ُضغ َة ً ‪ :‬إذا صلَحَت صلَح الجسد ُ كل ّه‪ ،‬وإذا فسَد َت‬

‫فسَد الجسد ُ كل ّه‪ ،‬ألا وهي القلبُ " ‪.1‬‬

‫والثبات‬
‫ِ‬ ‫ك المعاني وأهمي ّت ِها يعين ُها في اتّ خاذِ القرارِ‬
‫كها لتل َ‬
‫إدرا ُ‬

‫ل المفيدِ وتبتعد َ عن‬


‫ل نفس َها بالعم ِ‬
‫عليه ِ‪ ،‬ثم ّ عليها أن تشغ َ‬

‫ن قراءة ً وتدب ّراً‪،‬‬


‫ل على القرآ ِ‬
‫النت نهائي ّا ً لفترة مؤق ّتة ٍ‪ ،‬وتُقب َ‬

‫اهرات‬
‫ٍ‬ ‫ن الل ّه ِ المعونة َ‪ .‬ولتنظر َ إلى صو ي ٍ‬
‫حبات ط‬ ‫وتطلبَ م ِ َ‬

‫النفس في‬
‫َ‬ ‫حات يُعِنّها على نفس ِها؛ فالبيئة ُ الصالحة ُ تساعد ُ‬
‫صال ٍ‬

‫ل معينٍ‬
‫المستقيم‪ ،‬ولتكوني معها أفض َ‬
‫ِ‬ ‫الاستقامة ِ على الصراطِ‬

‫وخير َ دليل‪.‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫‪131‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫طبعا ً ستتأل ّم ُ‪ ،‬وستعاني في البداية ِ‪ ،‬ل كنّ ألم َها الآنَ أفض ُ‬
‫ل‬

‫أحداث أش ّد ألما ً قد‬


‫ٍ‬ ‫ن استمرارِها في الخطأ ِ ثم ّ ت ُعاني م ِن‬
‫مِ َ‬

‫ل منها إنسانة ً شقي ّة ً‪.‬‬


‫تؤث ّر ُ على حياتِها كل ّ ِها‪ ،‬وتجع َ‬

‫ف عن هذا الخطأ ِ سيساعد ُها كثيراً‪.‬‬


‫ن صدق َها في التوق ّ ِ‬
‫إ ّ‬

‫ل‬
‫ول كن لتحاول أن تشغل نفس َها بما تحب ّه‪ ،‬وتجتهد َ بالأعما ِ‬

‫ل الحركي ّة ِ حت ّى لاتفك ّر َ‬
‫ن الأعما ِ‬
‫المنزلي ّة ِ والر ياضة ِ وغير ِها م ِ َ‬

‫بشيء ٍ قب َ‬
‫ل النو ِم‪ ،‬وحاولي يابنتي أن تتح ّدثي إليها وتذك ّريها بنع ِم‬

‫الل ّه ِ ورعايت ِه ِ لنا جميعا ً ورحمت ِه ِ وكرم ِه ِ وجودِه ِ‪ ،‬فهذا يساعد ُها‬

‫في محب ّة ِ الل ّه ِ والتودّدِ إليه ِ والاستعانة ِ به‪.‬‬

‫ل الإنسانُ أن‬
‫ك ألا يحاو َ‬
‫ك يا بنتي كنتُ أخبر ُ ِ‬
‫ل ذل َ‬
‫من أج ِ‬
‫ن الأشياء ِ الموصلة ِ للخطأ ِ‪ ،‬أو يغتر ّ بنفسه ِ و يظنّ أن ّه‬
‫يقربَ م ِ َ‬

‫ل عندما‬
‫عز وج ّ‬
‫ن الل ّه َ ّ‬
‫سه‪ ،‬لأ ّ‬
‫قويّ وقادر ٌ على ضبطِ نف ِ‬

‫الشبهات يعلم ُ تماما ً طبيعة َ‬


‫ِ‬ ‫ل‬
‫طلبَ من ّا الابتعاد َ أو الحوم َ حو َ‬

‫‪132‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫التعليمات‬
‫ِ‬ ‫ك سنّ لنا القوانينَ و‬
‫والقلب‪ ،‬لذل َ‬
‫ِ‬ ‫س البشر ي ّة ِ‬
‫النف ِ‬
‫التعليمات‪ ،‬وعلينا الالتزام ُ به كي‬
‫ِ‬ ‫في كتابه ِ الذي هو دفتر ُ‬

‫نسعد َ ولا نق َع فيما نكره ُه‪.‬‬

‫ن الل ّه ِ ما في وسعي م ِن أج ِ‬
‫ل‬ ‫ل بإذ ِ‬
‫ت يا أم ّي‪ .‬وسأفع ُ‬
‫‪-‬صدق ِ‬

‫ن توبت ُها‪.‬‬
‫أن تبدأ بداية ً جديدة ً وتحس ُ َ‬

‫‪133‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 11 -‬‬

‫تسيير أمورُ عبادُهُ‪ ،‬هي جبالُ الثقةُ باهلل في‬


‫ُ‬ ‫(معرفةُ قوانينُ هللاُ في‬
‫القلبُ وشراعُ العقلُ في سفينةُ الحياة) ُ‬

‫أتممتُ واجباتي ودراستي‪ ،‬أسرعتُ إلى أم ّي كي أطمئ ّن عليها‬

‫الوقت معها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بعض‬
‫وأمضي َ‬

‫كيف المدرسة ُ؟‬


‫َ‬ ‫سألتني‪:‬‬

‫الحمد ُ لل ّه ِ تمام‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ك يا ع ُلا؟ أرى في وجه ِكِ أسئلة ً‪.‬‬


‫مال ِ‬ ‫‪-‬‬
‫‪134‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫وقت‬
‫ٍ‬ ‫لا شيء َ يا أم ّي‪ ،‬ل كن ّي أحيانا ًأشعر ُ أن ّي بحاجة ٍ إلى‬ ‫‪-‬‬

‫أحس أن ّي‬
‫ّ‬ ‫ل كي أفهم َ هذا الواق َع الذي أعيش ُه ُ‪،‬‬
‫طو ي ٍ‬
‫غير َ متوافقة ٍ معه! هل أنا طبيعي ّة؟‬

‫سم َت أم ّي قائلة ً‪ :‬اطمئن ّي‪ ،‬هذا شيء ٌ طبيعيّ‪.‬‬


‫تب ّ‬

‫‪-‬طبيعيّ يا أم ّي! هذا الشعور ُ بعد ِم الانسجا ِم م َع الم ِ‬


‫جتمع!‬

‫ك‪ ،‬طبيعيّ‪.‬‬
‫ل عمر ِ‬
‫‪-‬نعم‪ ،‬لم َن في مث ِ‬

‫‪-‬كيف!‬

‫‪-‬أنتِ الآن تكبرين وقدرات ُكِ الفكر ي ّة ِ والمنطقي ّة ِ اكتملت‬

‫عادات‬
‫ِ‬ ‫والمواقف وال‬
‫َ‬ ‫فصرت تحل ّلينَ الأحداثَ‬
‫ِ‬ ‫تقريبا ً‪،‬‬

‫كنت صغيرة ً لم‬


‫ِ‬ ‫والتقاليد َ وسلوك َ الآخرين‪ ...‬أمّا عندما‬

‫ل أمام َكِ‬
‫ك مازا َ‬
‫اللعب والمتعة ِ‪ .‬لذل َ‬
‫ِ‬ ‫يكن يهمّكِ سوى‬

‫ك وتمي ّزي‬
‫ال كثير ُ كي تتعل ّميه ِ لتشعري بفه ٍم أكثر َ لم َن حول ِ‬

‫‪135‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫العادات التي هي م ِن‬


‫ِ‬ ‫الصوابَ والخطأ‪ ،‬عندها ستقبلينَ‬

‫ليس منه‪.‬‬
‫ن عم ّا َ‬
‫دين ِنا وتبتعدي َ‬

‫صواب يا أم ّي‪ ،‬أشعر ُ أن ّي بحاجة ٍ إلى بناء ِ‬


‫ٌ‬ ‫ل ما قلت ِه ِ‬
‫‪-‬نعم ك ّ‬

‫ن الخطأ ِ‪ ،‬حت ّى‬


‫س ومعايير َ لحياتي‪ ،‬كي أمي ّز َ الصوابَ م ِ َ‬
‫أس ٍ‬
‫أعيش بسعادة ٍ‪.‬‬
‫َ‬

‫أعرف أن ّكِ أنشأت ِنا على‬


‫ُ‬ ‫ك يا أم ّي؟‬
‫ل على ذل َ‬
‫كيف أحص ُ‬
‫َ‬

‫ل المفاهيم ُ جميع ُها‬


‫س صحيحة ٍ‪ ،‬ول كن أتمن ّى لو تكتم ُ‬
‫أس ٍ‬
‫ك‬
‫ن ذل َ‬
‫لديّ ‪ ،‬فتكونُ عندي قوانين ُ مرق ّمة ٌ ‪ ..3 ،2 ،1‬فإ ّ‬

‫ي ُشعرني بفه ٍم أوس َع للحياة ِ‪.‬‬

‫ق‬
‫التعليمات م ِن خال ِ‬
‫ِ‬ ‫ن ال كري ِم فهو كتابُ‬
‫‪-‬عليكِ بالقرآ ِ‬

‫ن؛ اقرئيه بفه ٍم و تدب ّر ٍ‪.‬‬


‫الإنسا ِ‬

‫‪-‬نعم ‪ ...‬نعم ‪ ...‬عليّ أن أبحثَ ‪..‬شكرا ً يا أمي‪.‬‬

‫قمت مسرعة ً؟‬


‫ن ِ‬ ‫‪ -‬إلى أي َ‬
‫‪13٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك يا حبيبتي‪.‬‬
‫‪-‬إلى البحث يا أم ّي‪ ...‬قبلة ٌكبيرة ٌ ل ِ‬

‫ن أنتَ يا حاسوبي ؟‬
‫سأبحثُ في النت‪ ..‬أي َ‬

‫ن‪ ،‬لننظر َ ماذا ستكونُ‬


‫البحث ‪ :‬قوانينُ القرآ ِ‬
‫ِ‬ ‫ك‬
‫سأكتبُ في محر ّ ِ‬

‫النتيجة ُ! ‪...‬كل هذا!!‬

‫لا‪ ..‬أريد ُ شيئا ً تخصّ صي ّا ً أكثر َ‪ .‬نعم هذا ما كنتُ أبحثُ عنه ُ‪:‬‬

‫س والحياة ِ‪.‬‬
‫قواعد ُ قرآني ّة ٌ في النف ِ‬

‫ن هذا الذي أبحثُ عنه‪.‬‬


‫البداية ُ جميلة ٌ ج ّدا ً وجذّابة ٌ‪ .‬يبدو أ ّ‬

‫ن ال كريم‪ .‬وهذا‬ ‫مقالات أخرى عن قوانينِ الل ّه ِ م ِ َ‬


‫ن القرآ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وهذه ِ‬
‫ِ‬
‫للموضوع ذاتِه ِ‪ .‬قوانينُ الل ّه ِ في الأم ِم والأفرادِ‬ ‫كتاب ال كترونيّ‬
‫ٌ‬

‫ن ال كري ِم‪ .‬عظيم ٌ ‪ ....‬سأحمّله ُكي أقرأه ُ بهدوء ٍ وتر ٍّو‪.‬‬


‫ن القرآ ِ‬
‫مِ َ‬

‫ومقالات مفيدة ٌ‪ .‬لأبدأ ‪ ...‬م ِن‬


‫ٌ‬ ‫كتاب‬
‫ٌ‬ ‫الحمد ُ لل ّه ِ ‪ ...‬أصب َ‬
‫ح لديّ‬

‫ن أبدأ يا ت ُرى؟؟؟؟؟‬
‫أي َ‬
‫‪137‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل عصر ٌ ذهبيّ للمعرفة ِ‪ ،‬ول كن ّه ُ‬


‫المعلومات!! بالفع ِ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫ل مِ َ‬
‫كم ّ هائ ٌ‬

‫ل هذه ِ‬
‫القدرات العقلي ّة ِ التنظيمي ّة ِ‪ ،‬ولع ّ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫ج إلى ال كثير ِ م ِ َ‬
‫يحتا ُ‬

‫شاب وشاب ّة ٍكما أخبرتنا مدرّستي‬


‫ٍّ‬ ‫ل‬
‫ات العصر ِ لك ّ ِ‬
‫إحدى ضرور ي ّ ِ‬

‫المفضّ لة‪.‬‬

‫ك ‪ ...‬ثم ّ أسرعتُ وأحضرتُ ورقا ً كبيرا ً وقلما ً‪ .‬لقد‬


‫تمتمتُ بذل َ‬

‫ن أ ّولاً‪.‬‬
‫تصنيف هذه ِ العناوي ِ‬
‫ِ‬ ‫ل أن أبدأ محاولة َ‬
‫قر ّرتُ قب َ‬

‫س م ِن‬
‫ق بالنف ِ‬
‫ف؟! لأحاول أن أصن َّف ما يتعل ّ ُ‬
‫كيف سأصن ّ ُ‬
‫َ‬

‫ومعتقدات اتجاه ٍ ذات ٍيّ أوّلاً‪.‬‬


‫ِ‬ ‫أفكارٍ‬

‫ق بكيفيّة ِ تصرّفي مع‬


‫ل‪ ...‬ثم ّ سأض ُع منها ما يتعل ّ ُ‬
‫نعم هذا أفض ُ‬

‫ترتيب‬
‫ِ‬ ‫ن هذا منطقيّ وسيساعدني في‬
‫الآخرين‪ ...‬أظنّ أ ّ‬

‫ل صدق َت مدرّستي المفضّ لة ُ جزاها‬


‫ل القراءة ِ‪ .‬بالفع ِ‬
‫أفكاري خلا َ‬

‫المعلومات وتنظيمِها‪ ،‬لقد‬


‫ِ‬ ‫تصنيف‬
‫ِ‬ ‫الل ّه ُ خيرا ً‪ ،‬فقد درّب َتنا على‬

‫خص التفكير َ المنطقيّ وتنظيم َ‬


‫تعلّمتُ منها الشيء َ ال كثير َ مم ّا ي ّ‬

‫‪138‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أسباب محب ّتي لها واحترامي وتقديري‬


‫ِ‬ ‫ن هذا أحد ُ‬
‫الفكر ِ‪ ...‬أظنّ أ ّ‬

‫لشخص ِها‪.‬‬

‫ل‬
‫س بشك ٍ‬ ‫لنر َ الآنَ‪ .‬سأسج ّ ُ‬
‫ل الأفكار َ والمبادئ َ المتعل ّقة َ بالنف ِ‬
‫ل‪:‬‬
‫متسلس ٍ‬

‫سه ِ بصيرة‪.‬‬
‫ل الإنسانُ على نف ِ‬
‫‪ )1‬ب ِ‬
‫‪ )2‬ولقد كر ّمنا بني آدم َ‪.‬‬
‫‪ )3‬ألم نخل ُقك ُم م ِن ماء ٍ م َهين!‬
‫ق الإنسانُ م ِن عجل‪.‬‬
‫‪ )4‬خ ُل ِ َ‬
‫ق الإنسانُ ضعيفاً‪.‬‬
‫‪ )5‬وخ ُل ِ َ‬
‫سه‪.‬‬ ‫‪ )٢‬و م َن يوقَ ُ‬
‫شح ّ نف ِ‬
‫ن الل ّه ُ فما له ُ م ِن م ُكر ِم‪.‬‬
‫‪ )7‬و م َن يُه ِ‬
‫ل ذرّة ٍ خيرا ً يره‪.‬‬ ‫‪ )8‬فم َن يعمل مثقا َ‬
‫ن‬
‫ك مِ َ‬
‫تنس نصيب َ َ‬ ‫ِ‬
‫وابتغ فيما آتاك َ الل ّه ُ الدار َ الآخرة َ ولا َ‬ ‫‪)9‬‬
‫ن الل ّه ُ إليك‪.‬‬
‫الدنيا وأحسن كما أحس َ‬
‫‪ )11‬ما أصابك ُم م ِن مصيبة ٍ فبما كسب َت أيديك ُم‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ق المكر ُ السي ّئ إلا بأهله ِ‪.‬‬


‫‪ )11‬ولا يحي ُ‬
‫ن افترى‪.‬‬
‫‪ )12‬و قد خابَ م َ ِ‬
‫‪ )13‬قل لا يستوي الخبيثُ من الطيب‪.‬‬
‫‪ )14‬والعاقبة ُ للمتقين‪.‬‬
‫ن آمنوا ات ّقوا الل ّه َ وكونوا م َع الصادقين‪.‬‬
‫‪ )15‬يا أ ّيها الذي َ‬
‫ن جاهد ُوا فينا لنهدينّهم سب ُلنا‪.‬‬
‫‪ )1٢‬والذي َ‬
‫‪ )17‬وم َن يتوكّل على الل ّه ِ فهو حسب ُه‪.‬‬
‫‪ )18‬فاستقم كما أم ِرتَ ‪.‬‬
‫ل فخذوه‪.‬‬
‫‪ )19‬وما أتاكم ُ الرسو ُ‬
‫ك فاعلم أن ّما يت ّبعونَ أهواء َهم‪.‬‬
‫‪ )21‬فإن لم يستجيب ُوا ل َ‬
‫‪ )21‬فإذا فرغتَ فانصب‪.‬‬
‫‪ )22‬وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو خير ٌ ل كم وعسى أن تحب ّوا‬
‫شيئا ً وهو شرّ ل كم والل ّه ُ يعلم ُ وأنتم لاتعلمون‪.‬‬
‫ن الل ّه ُ م َن ينصر ُه‪.‬‬
‫‪ )23‬و ل َي َنص ُر َ ّ‬

‫الآياتُ كثيرة ٌ ول كن ّي أظنّ أني قد سج ّلتها بشك ٍ‬


‫ل يفيدني في‬

‫‪141‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل تتح ّدثُ عن‬


‫ن الست ّة َ الأوائ َ‬
‫ل الآنَ‪ .‬كأ ّ‬
‫ترتيب بحثي‪ .‬لأتأمّ ِ‬
‫ِ‬

‫ن برب ّه ِ‪،‬‬
‫س البشر ي ّة ِ‪ ،‬والبقي ّة ُ تتح ّدثُ عن صلة ِ الإنسا ِ‬
‫طبيعة ِ النف ِ‬
‫رط‬
‫يات الأقدارِ م ِن عسرٍ ويسرٍ ش َ‬
‫وعلاقت ِه ِ م َع الآخرين و مجر ِ‬

‫كيف‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ن الل ّه ِ‪ .‬إ ّنها قوانينُ هامّة ٌ ل كي يفهم َ ك ّ‬
‫ل إنسا ٍ‬ ‫النصرة ِ م ِ َ‬
‫ِ‬
‫بالنجاح في الدنيا والآخرة‪.‬‬ ‫يفوز ُ‬

‫كتاب آخر ُ عنوان ُه ُ ‪" :‬السنن ُ‬ ‫ِ‬


‫الموقع‪ ...‬إن ّه ُ ٌ‬ ‫لأبحث أيضا ً في هذا‬

‫جماعات والأفرادِ في الشر يعة ِ الإسلامي ّة ِ"‬


‫ِ‬ ‫الإلهي ّة ُ في الأم ِم وال‬

‫ن مختلفة ً‪ ،‬إلا أ ّنها‬


‫للدكتور عبدِ ال كريم زيدان‪ ..‬إن ّه يض ُع عناوي َ‬

‫أكثر ُ تنظيماً‪ ،‬وإن كنتُ أظنّ أ ّنها تتشابه ُ مع سابقت ِها ‪:‬‬

‫بات ( السببي ّة ) ‪.‬‬


‫الأسباب والمسب ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫‪ -1‬قانونُ‬
‫ض عنه‪.‬‬ ‫باع هدى الل ّه ِ والإعرا ِ‬ ‫‪ -2‬قانونُ ات ّ ِ‬

‫ل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التدافع بينَ الحقّ ِ و الباط ِ‬ ‫‪ -3‬قانونُ‬
‫‪ -4‬قانونُ الفتنة ِ و الابتلاء ِ‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -5‬قانونُ الظلم ِ والعد ِ‬
‫‪141‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن والطغاة ِ‪.‬‬
‫‪ -٢‬قانونُ الطغيا ِ‬
‫ل والأضداد)‬ ‫‪ -7‬قانونُ الل ّه ِ في المتساوي َ‬
‫ن والمختلفين ( التماث ُ‬
‫الاختلاف والمختلفين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -8‬قانونُ‬
‫والسيئات‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الذنوب‬
‫ِ‬ ‫‪ -9‬قانونُ‬
‫ل الصالح‪.‬‬
‫ن والعم ِ‬
‫‪ -11‬قانونُ التقوى والإيما ِ‬
‫الاستدراج‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -11‬قانونُ‬
‫‪ -12‬قانونُ المكر ِ والماكرين‪.‬‬
‫طلب الدنيا والآخرة ِ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -13‬قانون‬
‫‪ -14‬قانونُ الرزق‪.‬‬
‫‪ -15‬قانون الفظاظة ِ والغلاظة ِ والرفق‪.‬‬
‫الترف والمترفين ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -1٢‬قانونُ‬
‫‪ - 17‬قانونُ بطرِ النعمة ِ وتغييرها‪.‬‬

‫‪ -‬علا ‪ ...‬علا‪ ...‬تح ّدثي على الهاتف‪.‬‬

‫كيف الحال؟ ‪...‬الحمد ُ لل ّه‪ ..‬ماذا أفعل؟ أقرأ‬


‫َ‬ ‫‪ -‬أهلا ً سلوى‪...‬‬

‫‪142‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أحب‬
‫ّ‬ ‫كتب وأصن ُّف أفكار َها‪ ...‬نعم‪...‬‬
‫ِ‬ ‫ض ال‬
‫في بع ِ‬

‫أعيش فيه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ال كتبَ لأ ّنها تشب ُع رغبتي في معرفة ِ العال ِم الذي‬

‫اممم ‪ .....‬نعم‪ .‬نعم ‪ ..‬أعلم ُ أن ّكِ لا تحب ّينَ القراءة َكثيراً‪..‬‬

‫ل كن صدقيني إنّها تساعد ُك في فه ِم الحياة‪.‬‬

‫ن الآخرين وعلاقات ِه ُ‬
‫ن الإنسانَ يتعل ّم ُ م َ‬
‫ح ما تقولين َه إ ّ‬
‫صحي ٌ‬

‫ن يشعر ُ أن ّه ُ بحاجة ٍ إلى مبادئ َ‬


‫بهم‪ ..‬و ل كن في أكثر ِ الأحيا ِ‬

‫ق منها في تعامله ِ‪ ..‬ألا توافقيني الرأي؟‬


‫قيم أو أفكارٍ ينطل ُ‬
‫أو ٍ‬

‫ك ما الذي دعاني إلى القراءة ِ‪ ..‬إن ّني أشعر ُ‬


‫حل ِ‬
‫حسنا ً سأشر ُ‬

‫أحس‬
‫ّ‬ ‫بعدم قدرتي على الإحاطة ِ بصورة ِ الحياة ِكاملة ً‪ ،‬فلا‬

‫أن ّني محيطة ٌ بتفاصيل ِها أو قيمِها الأصيلة ِ التي يجبُ أن‬

‫ن وفق َها‪،‬‬
‫ل م َع الآخري َ‬
‫ص عليها‪ ،‬والتي يمكنني أن أتعام َ‬
‫أحر ِ َ‬

‫أحس برغبة ٍ شديدة ٍ‬


‫ّ‬ ‫فلا أصابُ بالأذى ولا أؤذي أحدا ً‪.‬‬
‫س التي أبني عليها حياتي بنج ٍ‬
‫اح‪.‬‬ ‫في فه ِم هذه ِ الأس ِ‬
‫‪143‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك لا تضحكي أو تسخري من ّي‪..‬‬


‫‪ -‬أرجو ِ‬

‫ن ميولَنا مختلفة ٌ بعض الشيء‪ ،‬ل كن ّني متأكّدة ٌ م ِن أن‬


‫حأ ّ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫عملي صواب‪....‬‬

‫مازلت مصرّة ً على الضّ حك!!‬


‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ت‬
‫‪-‬لقد ح ّدثت ُكِ بشفافية ٍ وأجبت ُكِ عم ّا يدور ُ في ذهني‪ ،‬فإن كن ِ‬
‫ِ‬
‫سماع ذلك‪ ،‬سأعتذر ُ منكِ وأنهي المحادثة‪.‬‬ ‫غير َ راغبة ٍ في‬

‫ت السمّاعة َ في وجهي!!!‬
‫أغلق َ ِ‬

‫انزعجتُ كثيراً‪.‬‬

‫باستغراب‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الهاتف‬
‫ِ‬ ‫دخل َت أم ّي ورأتني أنظر ُ إلى سم ّاعة ِ‬

‫فابتسم َت وقال َت‪:‬‬

‫الغضب بادية ٌ على‬


‫ِ‬ ‫‪ -‬ما بكِ يا علا؟ لم َ الاستغرابُ وملامح ُ‬

‫‪144‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫وجه ِك؟‬

‫ل فسخر َت من ّي‬
‫‪ -‬تصو ّري يا أم ّي أخبرتُ رفيقتي ماذا أفع ُ‬

‫ن‬
‫ك وأن ّي سأنهي المكالمة إ ِ‬
‫ل ذل َ‬
‫وعندما طلبتُ منها ألا تفع َ‬

‫الهاتف بوجهي!‬
‫َ‬ ‫أغلقت‬
‫ِ‬ ‫استمر ّت بسخريت ِها‬

‫س لا يحسنونَ‬
‫ن النا ِ‬
‫‪ -‬لا عليكِ يابنتي‪ ،‬لا تنزعجي‪ ..‬كثير ٌ م َ‬

‫ف‪ ،‬أو رب ّما لم تتوقع منكِ هذا الكلام‪.‬‬


‫التصر ّ َ‬

‫‪ -‬أم ّي لا تبر ّري لها‪ ..‬لقد كان َت مخطئة ً‪.‬‬

‫ل أن أعطي َكِ احتمالا ً وتفسيرا ً لما حصل‪.‬‬


‫‪ -‬أنا أحاو ُ‬

‫أغلقت السمّاعة َ وسخر َت منكِ ؟‬


‫ِ‬ ‫لم َ أنتِ منزعجة ٌ الآن ؟ ألأ ّنها‬

‫ك على ماتقومينَ به ِ؟ وهل سخريت ُها في محل ّها؟‬


‫هل سيؤث ّر ُ ذل َ‬

‫ف‪ ،‬وسخريت ُها‬


‫‪ -‬لا طبعاً‪ ،‬لن يؤث ّر ذلك على قناعت ِي بما أتصرّ ُ‬

‫ليست صحيحة ً‪ ..‬بل أنا مؤمنة ٌ بما أقوم ُ به ِ‪..‬‬


‫‪145‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪ -‬انتهى الموضوع ُ إذاً‪ ..‬أنتِ التي تختارين إذا كان َت أفعال‬

‫ك‪ ،‬أو ترمينَ ما يقولونَ وراء َ‬


‫الآخرين ستزعج ُكِ وتعك ّر ُ صفو َ ِ‬

‫دمت على صواب‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ك وتتابعين بإصرارٍ ما‬
‫ظهرِ ِ‬

‫ل‬
‫صعب يا أم ّي ‪ ..‬أعني ألا يتأث ّر َ الإنسانُ بأفعا ِ‬
‫ٌ‬ ‫ك‬
‫‪ -‬ل كنّ ذل َ‬

‫الآخرين ‪ ..‬صح؟‬

‫يف يقود ُ‬
‫ن أن يتعل ّم َ ك َ‬
‫ح يا بنتي‪ ،‬ول كن على الإنسا ِ‬
‫‪ -‬صحي ٌ‬

‫ح لأحدٍ أن يؤثــّر َ‬ ‫ِ‬


‫النجاح و يمشي قد ُما ً‪ ،‬ولا يسم ُ‬ ‫نفسه ُ إلى‬

‫ل فكرت ِه ِ أو هدفه ِ‪ ،‬فنحن‬


‫سه ُ في سبي ِ‬
‫عليه سلباً‪ ،‬أو يفقد َه ُ حما َ‬

‫ك التحكّم َ‬
‫ك أن ن ُغي ّر َ الآخرين وتصرفاتِهم‪ ،‬ول كن ّنا نمل ُ‬
‫لا نمل ُ‬

‫في سلوك ِنا وردودِ أفعال ِنا‪.‬‬

‫ك‬
‫ك دف َع الضر ِّ إن أصاب َنا أحدٌ ما بذلك‪ ،‬ل كن ّنا نمل ُ‬
‫قد لا نمل ُ‬

‫ل الضرّ‬
‫ردّة َ فعل ِنا؛ هل ستجعل ُنا أشقياء َ تعساء‪ ،‬أم نقاب ُ‬

‫ل هذا وسيلة ً لتقو ية ِ‬


‫ق‪ ،‬فنصبر ُ ونجع ُ‬
‫بالحكمة ِ و رق ِيّ الأخلا ِ‬

‫‪14٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫إيمان ِنا وصبر ِنا وشخصي ّت ِنا‪.‬‬

‫ن م َن نقر ّر ُ ماذا‬
‫ك أن نغي ّر َ حد َثا ً ما‪ ،‬ل كن ّنا نح ُ‬
‫قد لا نمتل ُ‬

‫حدث‪ ،‬هل سيحب ُطنا ونتراجعُ أم سنزداد ُ‬


‫ل اتجاه َ ال ِ‬
‫نفع ُ‬

‫ل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الناجح والفاش ِ‬ ‫ن‬
‫إصراراً؟ هذا هو الفرقُ بينَ الإنسا ِ‬

‫أليس كذلك يا أم ّي؟‬


‫َ‬ ‫‪ -‬كلام ٌ رائ ٌع رغم َ صعوبت ِه ِ‪.‬‬

‫ل على الل ّه ِ فهو‬


‫ن استعانَ بالل ّه ِ (وم َن يتوكّ ُ‬
‫‪ -‬طبعاً‪ ،‬إلا م َ ِ‬
‫حسب ُه ُ) أي "كافيه ِ " يا علا‪.‬‬

‫‪ -‬أحب ّكِ كثيرا ً يا أم ّي‪ .‬تعطيني زبدة َ الكلا ِم وما أحتاج ُه ُ‬

‫ح ّقاً‪.‬‬

‫قبّلتُ أم ّي وأسرعتُ إلى غرفتي بهمّة ٍ ونشاطٍ لأتاب َع عملي‪.‬‬

‫س‪:‬‬
‫ن النف ِ‬
‫لأبدأ بالقاعدة ِ الأولى التي تتح ّدثُ ع ِ‬

‫( بل الإنسانُ على نفسه ِ بصيرة ولو ألقى معاذيره)‬


‫‪147‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ق أن تُقر ّ لل ّه ِ‬
‫السلف‪ :‬أنف ُع الصد ِ‬
‫ِ‬ ‫لفتَ نظري مقولة ٌ لأحدِ‬

‫بعيوب نفسكِ ‪.‬‬


‫ِ‬

‫فلا يجبُ أن يغتر ّ الإنسانُ بما يمتدح ُه ُ الآخرون‪ ،‬بل يستفيد ُ من‬

‫سه ِ وإصلاحِها‪.‬‬
‫ل نف ِ‬
‫حهم له لتكمي ِ‬
‫نص ِ‬

‫تمتمتُ قائلةً‪:‬‬

‫ح‬
‫حب النص َ‬
‫ق‪ .‬فأغلب ُنا لا ي ّ‬
‫قاعدة ٌ عظيمة ٌ‪ ،‬ل كنّها صعبة ُ التطبي ِ‬

‫ح وإن كان ليس فينا !‬


‫حب المد َ‬
‫وإن كانَ ح ّقاً‪ .‬و ي ّ‬

‫س البشر ي ّة ِ!!! ح ّقا ً طبائع ُها ذاتُها منذ آدم َ إلى يو ِم‬
‫عجبا ً للنف ِ‬
‫القيامة ِ‪.‬‬

‫ح‬
‫ل أجد ُ صعوبة ً في مجابهة ِ نفسي بحقيقت ِها‪ ،‬أحيانا ً أنج ُ‬
‫بالفع ِ‬
‫ل‪ .‬الله ّم أعن ّي على معرفة ِ نفسي وتزكيت ِها‪.‬‬
‫والأغلبُ أن ّي أفش ُ‬

‫لأنتقل إلى القاعدت َينِ المتضادّتين ‪:‬‬


‫‪148‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫(ولقد كر ّمنا بني آدم َ ) و ( ألم نخلقكم من ماء ٍ م َهين)‬

‫عجيبة ٌ هي الصور ُ التي توالت في مخي ّلتي! صور ُ التكري ِم وسجودِ‬

‫ل‬
‫الملائكة ِ‪ ،‬وصورة ٍ مغايرة ٍ تماما ًفي استخدا ِم اللفظِ والتذكير ِ بأص ِ‬

‫النشأة ِ! هكذا بكلمتين ‪ ( :‬ماء ٍ م َهين ) !‬

‫ن الجم ُع بين َهما! فالقرآنُ ذكر َهما معاً‪ ،‬فلاب ّد أن ّه ُ‬


‫كيف يمك ُ‬
‫َ‬ ‫يا ت ُرى‬

‫يريد ُ من ّا أن نجم َع بينَ هاتينِ الحقيقتين!‬

‫ن تعطيه ِ م ِن معاني القو ّة ِ والتكري ِم‬


‫نعم إ ّنها صورة ٌ متكاملة ٌ للإنسا ِ‬

‫ما يحمل ُه ُ على الوفاء ِ بالوعدِ‪ ،‬وأن يكونَ على قدرِ هذه ِ المسؤولي ّة ِ‬

‫والأمانة ِ‪ ،‬فيسخّ ر َ إمكاناته ِ التي وهب َها الل ّه ُ له ليقيم َ شرع َه ُ وخلافت َه ُ‬

‫ق سننِ الل ّه ِ و قوانين ِه ِ‪ ،‬أمّا إذا اغتر ّ بمواهب ِه ِ ذك ّره ُ الل ّه ُ أن ّه ُ إن ّما‬
‫وف َ‬

‫‪149‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ق م ِن ماء ٍ م َهين‪ ..‬فعلى ماذا تغتر ّ وتتبغدد ُ‪ 1‬بنفس َ‬


‫ك أ ّيها‬ ‫خ ُل َ‬

‫الإنسانُ!‬

‫نعم هذا هو المعنى‪ .‬هذا الذي يريد ُنا الل ّه ُ أن نفهم َه عن ذوات ِنا‪.‬‬

‫ل بر ب ّ ِنا‪ ،‬فلسنا بحاجة ٍ إلى‬


‫القدرات الهائلة ِ عندما نت ّص ُ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫لدينا م ِ َ‬

‫س‬
‫ل إ يجابي ّة ٍ أكثر َ م ِن هذا المعنى‪ ،‬فمهما أوتي َ علماء ُ النف ِ‬
‫رسائ َ‬

‫الشباب لن يبلغوا‬
‫ِ‬ ‫ل إ يقاظِ همّة ِ‬
‫ن العبارة ِ م ِن أج ِ‬
‫م ِن فه ٍم وحس ِ‬

‫ن القراءة َ والتدب ّر َ؛ ثم ّ‬
‫ن المسلم ِ إن أحس َ‬
‫كما تبل ُغ هذه الآياتُ م ِ َ‬

‫ل الافتقارِ إليه ِ‬
‫يريد ُ الل ّه ُ من ّا أن نرف َع أك ّفنا إليه ِ ونجم َع بينَ ذ ّ ِ‬

‫ن الل ّه ِ‬
‫ن ما بنا من نعمة ٍ فم َ‬
‫نأ ّ‬
‫ل‪ ،‬مستشعر ي َ‬ ‫ورجاء ِ قبو ِ‬
‫ل العم ِ‬

‫منصب فم ِن فضله ِ‬
‫ٍ‬ ‫ل أو‬
‫وحد َه ُ‪ ،‬وما حصّ لنا عليه ِ م ِن مرتبة ٍ أو ما ٍ‬

‫‪151‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ض‪ ،‬فلا‬
‫ن على الأر ِ‬
‫سبحانه ُ؛ عندها فقط تستقيم ُ حركة ُ الإنسا ِ‬

‫س فيقعد‪ ،‬ولايغتر ّ فيبطش‪.‬‬


‫ييئ َ ُ‬

‫ٍ‬
‫بارتياح وقو ّة ٍ ونشاطٍ ‪.‬‬ ‫ما أعظم َ هذه ِ المعاني! ‪ ...‬يا الل ّه‪ !...‬أشعر ُ‬

‫ك الحمد ُ‪.‬‬
‫الله ّم ل َ‬

‫ك في دفتر ِ ذكر ياتي‪:‬‬ ‫سأسج ّ ُ‬


‫ل ذل َ‬

‫اليوم َ عرفتُ نفسي أو جانبا ً كبيرا ً منها!‬

‫ن معرفة َ‬
‫ن ما تعل ّمت ُه اليوم‪ .‬ح ّقا ً إ ّ‬ ‫تمن ّيتُ ل ِ‬
‫جميع رفيقاتي أن يعلم َ‬

‫ِ‬
‫النجاح‪.‬‬ ‫ق إلى‬
‫نصف الطر ي ِ‬
‫ُ‬ ‫س‬
‫النف ِ‬

‫‪151‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪– 11 -‬‬

‫(من عرف نفس ــه عرف ربــه) ُ‬

‫ل أن‬
‫ل قب َ‬
‫وقت طو ي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ل لديّ‬
‫اليوم َ أنهيتُ واجباتي باكراً‪ ،‬ولازا َ‬

‫أخلد َ إلى النوم‪.‬‬

‫ل (المطبخ) هو‬
‫ل‪ ،‬وطبعا ً كانَ المكانُ المفضّ ُ‬
‫ل في المنز ِ‬
‫قمتُ أتجو ّ ُ‬

‫ل و لاس ّيما (الثلاجة)‪ ،‬أدخلتُ رأسي َ فيها ولم أخرجه ُ إلا‬


‫الأمث ُ‬

‫عندما سمعتُ نقرا ً على ساعدي‪ ...‬آه‪ ..‬إن ّه ُ أخي الصغير‪.‬‬

‫قلتُ له‪ :‬ماذا تريد؟ فتبس ّم َ بسمة ً طفولي ّة ً رائعة ً‪ ،‬فقب ّلت ُه وأعطيته ُ‬

‫‪152‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حلوى كان َت في الثلاجة ِ‪ ،‬ثم ّ عدتُ أدراجي إلى غرفتي‪ ،‬فتحتُ‬

‫السيارات والأشخا ِ‬
‫ص تسير ُ هنا وهناك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫النافذة َ ونظرتُ إلى‬

‫كانَ الجو ّ رائعا ً‪.‬‬

‫ذهبتُ إلى أخي الصغير ِ‪ :‬هل تريد ُ أن نلعبَ سو ي ّا ً ؟‬

‫قفز َ أخي م ِن على سرير ِه ِ وابتسامت ُه ُ قد ارتسمت على وجهه ِ حتى‬

‫أعرف اسم َها‪ ،‬علّم َني‬


‫ُ‬ ‫وصلت إلى أذنيه‪ .‬ثم أحضر َ لعبة ً لا‬

‫اللعب فيها‪ ..‬ولم أتركها حت ّى‬


‫ِ‬ ‫ن اندمجتُ في‬
‫قواعد َها‪ ،‬وما لبثتُ أ ِ‬

‫سمعتُ نداء َ أم ّي تذك ّر ُنا بالصلاة ِ‪.‬‬

‫ل‪:‬‬
‫صل ّيتُ مع والدتي فلم ّا انتهت بادرتُها بالسؤا ِ‬

‫‪-‬أم ّي ‪ ..‬م َن أنا؟‬

‫الاستغراب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فظهر َت على وجهها أماراتُ‬

‫‪ -‬ماذا تقصدين؟‬
‫‪153‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫بادلت ُها الابتسامة َ قائلة ً‪:‬‬

‫‪-‬أعلم يا أمي م َن أنا ‪ ..‬و أنتِ أم ّي ‪...‬‬

‫وضحكنا معاً‪.‬‬

‫ل عامّ‪.‬‬
‫‪-‬أقصد ُ الإنسانَ بشك ٍ‬

‫لبحث عن ذاتكِ ‪ ..‬اقرئي‬


‫ِ‬ ‫نا‬
‫‪ -‬امممم ‪ ...‬رب ّما تحتاجينَ لمزيدٍ م ِ َ‬

‫وسوف أعطيكِ كتابا ً يجيب ُكِ عن أسئلت ِك‪.‬‬


‫َ‬ ‫القرآنَ بتدب ّر ٍ‬

‫ك يا أم ّي‪.‬‬
‫‪ -‬شكرا ً ل ِ‬

‫أحضر َت أم ّي َ الكتابَ ثم ّ أردف َت قائلة ً‪:‬‬

‫بعض المساعدة ِ‪ .‬وأنا‬


‫ق‪ ،‬وقد تحتاجينَ َ‬
‫ي ودقي ٌ‬
‫كتاب علم ّ‬
‫‪-‬أعلم ُ أن ّه ُ ٌ‬

‫على استعدادٍ لتقديم ِها كالعادة ِ؛ ل كن ّه ُ قد يعر ّف ُكِ على ذات ِكِ‬

‫ل أكبر‪.‬‬
‫بشك ٍ‬

‫‪154‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ملفت للنظرِ (أنا تتح ّدثُ عن‬


‫ٌ‬ ‫الكتاب‬
‫ِ‬ ‫‪-‬شكرا ً يا أم ّي‪ ..‬عنوانُ‬

‫ل كبيرٍ‬
‫نفس ِها) لقد جذب َني العنوانُ كثيرا ً‪ .‬أشعر ُ الآنَ بفضو ٍ‬

‫ك أم ّي‪...‬‬
‫لقراءت ِه ِ‪ ..‬شكرا ً ل ِ‬

‫قب ّلت ُها ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي مسرورة ًكمن وجد َ ما كانَ يبحثُ‬

‫عنه ُ‪.‬‬

‫ف رب ّه)‬
‫َرف نفسَه عر َ‬
‫عبارة ٌ رائعة ٌ (م َن ع َ‬

‫يعرف رب ّه ُ؟‬
‫َ‬ ‫ف ذاته ُ يستطي ُع أن‬
‫ن م َن يعرِ ُ‬
‫يا ترى هل معناه ُ أ ّ‬

‫ول كن كيف؟‬

‫لأكشف وأسبر َ أغوارها‪.‬‬


‫َ‬ ‫عبارة ٌ عميقة ُ المعنى‪ ،‬أثار َت فضولي‬

‫ن الل ّه َ قد أعطانا شيئا ً‬


‫ل يأخذ بل ّبي في أن أستشعر َ أ ّ‬
‫شعور ٌ جمي ٌ‬

‫حب‪ ،‬والنسبة ِ‬
‫ل‪ ،‬وال ِّ‬
‫م ِن صفاته ِ‪ ..‬إن ّه ُ شعور ُ التكري ِم‪ ،‬والدلا ِ‬

‫ل هذه ِ المشاعر ِ مختلطة ً جال َت في قلبي وأنا أقرأ معاني‬


‫إليه‪ ...‬ك ّ‬

‫‪155‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫س وبينَ‬
‫ن النا ِ‬
‫ل مِ َ‬
‫ك العبارة ِ رغم َ أن ّه ُ شت ّانَ بينَ م َن بل َغ ال كما َ‬
‫تل َ‬

‫صفات رب ّي‪.‬‬
‫ِ‬

‫ك اللفتة ُ‪ ،‬أن ّنا لا ندرك ُ معاني َ أسماء ِ الل ّه ِ وصفات ِه ِ‬


‫ثم ّ أعجبتني تل َ‬

‫فكيف ندرك ُ‬
‫َ‬ ‫والصفات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫إلا إذا مارسنا وتذ ّوقنا هذه ِ الأسماء َ‬
‫معنى اس ِم " الحليم" مالم نكن قد مارسنا "الحلم"؟ كما أن ّنا لن نفهم َ‬

‫يف‬
‫فنعرف ك َ‬
‫َ‬ ‫حب‪،‬‬
‫حب الل ّه َ حت ّى نتذ ّوقَ معاني َ ال ِّ‬
‫معنى أن ن ّ‬

‫ل أن يرضى محبوب ُه‪ ،‬وكل ّما‬


‫س م ِن أج ِ‬
‫ل ونفي ٍ‬
‫ل غا ٍ‬
‫حب ك ّ‬
‫يبذلُ الم ّ‬

‫حب هو‬
‫ح هوى الم ِّ‬
‫س أصب َ‬
‫طلبات النف ِ‬
‫ِ‬ ‫حب خالصا ً م ِن‬
‫كانَ ال ّ‬

‫س والهوى‪.‬‬
‫رغبات النف ِ‬
‫ِ‬ ‫مايحب ّه ُ محبوبه ُ‪ ،‬وليس ما يطلب ُه هو م ِن‬

‫كيف نق ّدم ُها تقر ّبا ً لل ّه ِ ّ‬


‫عز‬ ‫َ‬ ‫نعرف‬
‫َ‬ ‫ن عظيمة ٌ إذا لم نعشها فلن‬
‫معا ٍ‬

‫ل‪.‬‬
‫وج ّ‬

‫ح ّقا ً إ ّنها فكرة ٌ رائعة ٌ‪.‬‬

‫ن الأمور َ‬
‫حها الكاتبُ ‪ ،‬فهي أ ّ‬
‫أمّا الفكرة ُ الجميلة ُ الأخرى التي طر َ‬
‫‪15٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ضعف نفسه ِ استشعر َ قو ّة َ خالقه ِ‪،‬‬


‫َ‬ ‫عرف‬
‫َ‬ ‫عرف بأضدادها‪ ،‬فم َن‬
‫تُ ُ‬

‫عرف رب ّه ُ بغناه ُ‪ ،‬فإذا عرفنا محدودي ّة َ‬


‫َ‬ ‫سه ِ‬
‫عرف فقر َ نف ِ‬
‫َ‬ ‫وم َن‬

‫صفات ر ب ّ ِنا وع ِظم َ قدرِه‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ل‬
‫إمكاني ّات ِنا ونقائص َها عرفنا كما َ‬

‫اممم ‪ ...‬رائع‪.‬‬

‫الكتاب‬
‫ِ‬ ‫ل يلحّ عليّ‪ .‬رب ّما لن أصبر َ بأن أسير َ في‬
‫ل كنّ سؤالي لا يزا ُ‬

‫صفحة ً صفحة‬

‫س‪.‬‬
‫ن الفهر ِ‬
‫‪ ...‬سأبحثُ عم ّا أريد ُ ضم َ‬

‫اممم ‪ ............‬وجدتُها‪.‬‬

‫ح‪،‬‬
‫ل‪ ،‬القلبُ ‪ ،‬الرو ُ‬
‫هذا عنوان ‪ :‬الذاتُ الإنساني ّة ُ‪ :‬الجسد ُ‪ ،‬العق ُ‬

‫النفس‪.‬‬
‫ُ‬

‫ن آخر ُ ‪ :‬م َن أنا؟‬


‫و عنوا ٌ‬

‫‪157‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ج‬
‫ن هذا الكلام َ صعبُ الفه ِم قليلا ً بالنسبة ِ لي‪ ،‬رب ّما أحتا ُ‬
‫كأ ّ‬

‫ل‬
‫إلى مساعدة؛ لأبحث في (النت) أ ّولا ً رب ّما أجد ُ شيئا ً أسه َ‬

‫ن‬
‫س البشر ي ّة ِ م ِ َ‬
‫منه‪ ،‬أستطي ُع استيعابه ُ بسهولة ٍ‪ ....‬صفاتُ النف ِ‬
‫ن ال كري ِم‪ ..‬آه ‪ ..‬هذا ما أبحثُ عنه ُ‪ ،‬وسأبدأ به ِ‪ .‬بس ِم الل ّه ِ‪:‬‬
‫القرآ ِ‬

‫الصفة ُ الأولى‪ :‬الشحّ‬

‫ك هُم ُ الم ُفلِحُونَ} [الحشر‪]9 :‬‬


‫سه ِ ف َأولَئ ِ َ‬ ‫{وَم َن يُوقَ ُ‬
‫شح ّ نَف ِ‬

‫ل فيه المن ُع‪ ،‬ثم ّ يكونُ‬


‫ل مادت ِه ِ اللغو ية "الأص ُ‬
‫في أص ِ‬ ‫الشحّ‬

‫ل م َع حِرص‪.‬‬
‫ص‪ ،‬ومن ذلك الش ُحّ ‪ ،‬وهو البُخ ُ‬
‫منعا ً م َ َع حِر ٍ‬

‫سه}‪:‬‬
‫ن في قوله ِ تعالى‪{ :‬وم َن يوقَ شح ّ نف ِ‬
‫ن المفس ّري َ‬
‫قال جم ٌع م َ‬

‫هو ألّا يأخذ َ شيئا ً مم ّا نهاه ُ الل ّه ُ عنه ُ‪ ،‬ولا يمن ُع شيئا ً أمره ُ الل ّه ُ‬
‫ن تيمي ّة َ رحمه ُ الل ّه ُ‪:‬‬
‫ل اب ُ‬
‫بأدائه ِ‪ ،‬و يقو ُ‬

‫لب ِ‬
‫منع ما‬ ‫جبُ البخ َ‬
‫س يو ِ‬
‫ص النف ِ‬
‫"فالشحّ الذي هو ش ّدة ُ حر ِ‬
‫‪158‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫جبُ قطيعة َ الرح ِم‪،‬‬


‫ل الغير ِ‪ ،‬و يو ِ‬
‫هو عليه ِ؛ والظلم َ بأخذِ ما ِ‬

‫و يوجبُ الحسد َ‪.‬‬

‫لنفوس‬
‫ُ‬ ‫جبلت ا‬
‫الأنفس الش ُحّ } أي‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫وقول ُه تعالى‪{ :‬وأحضر َ ِ‬

‫حرص‬
‫ن‪ ،‬وال ُ‬ ‫على الشحِّ ‪ ،‬وهو‪ :‬عدم ُ الرغبة ِ في بذ ِ‬
‫ل ما على الإنسا ِ‬

‫ك بطبيعت ِها‪ ،‬والمعنى‪:‬‬


‫فالنفوس مجبولة ٌ على ذل َ‬
‫ُ‬ ‫على الحقّ ِ الذي له ُ‪،‬‬

‫ق الدنيء ِ م ِن‬ ‫صوا على ِ‬


‫قلع هذا الخل ِ‬ ‫إن ّه ُ ينبغي ل كم أن تحر ُ‬

‫ك‬
‫ل الحقّ ِ الذي علي َ‬
‫سكم‪ ،‬وتستبدل ُوا به ِ السماحة ِ‪ ،‬وهو بذ ُ‬
‫نفو ِ‬

‫ض الحقّ ِ الذي لك‪.‬‬


‫والاقتناع ُ ببع ِ‬

‫ل في‬
‫ل؟ وهل يدخ ُ‬
‫‪-‬ت ُرى ما معنى هذا الكلا ِم؟ هل هو البخ ُ‬

‫ضه ُ أحيانا ً م ِن إعطاء ِ أخي نصيب َه ُ م ِن طعا ٍم‪،‬‬


‫ك ما أرف ُ‬
‫ذل َ‬

‫ل ما أشتهيه ِكل ّه ِ أو أغلب ِه ِ؟‬


‫وأناني ّتي في أك ِ‬

‫المواقف تتزاحم ُ في مُخي ّلتي‪ ...‬نعم أيضا ً‬


‫ِ‬ ‫يا و يلتاه ‪ ....‬عشراتُ‬

‫ن معي ّنٍ في‬


‫س بمكا ٍ‬
‫بسبب حرصي في الجلو ِ‬
‫ِ‬ ‫رفيقتي هند‪ ..‬أزعجت ُها‬

‫‪159‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ب‬
‫كاف ‪ ...‬عجي ٌ‬
‫ٍ‬ ‫الصف ‪ ..‬نعم ‪..‬لم تكن نفسي سمحة ً بقدرٍ‬
‫ِّ‬

‫حرص على أن يستحوذ َ‬


‫حب نفسَه ُ و ي ُ‬
‫كيف ي ّ‬
‫َ‬ ‫ن ح ّقا ً!‬
‫أمرُ الإنسا ِ‬

‫س‬ ‫ل شيء ٍ‪ ،‬خصلة ٌ سي ّئة ٌ ح ّقاً‪ .‬هي موجودة ٌ في ك ّ ِ‬


‫ل نف ٍ‬ ‫على ك ّ ِ‬
‫بشر ي ّة ٍ إلى أن يتطهر َ الإنسانُ منها‪ ،‬و يجاهد َ نفسه ُ‪.‬‬

‫ِ‬
‫المطبخ وأحضرتُ لأخي حلوى كنتُ قد خب ّأتُها‬ ‫أسرعتُ إلى‬

‫لأستأثر َ بها لنفسي‪ ،‬وقدّمتُها له‪.‬‬

‫ح فم َه ُ متعجّ با ً م ِن فعلي‪ .‬ثم ّ قب ّل َني وشكرَني‪.‬‬


‫لقد فت َ‬

‫ح ّقا ً هذه ِ السعادة ُ والقبلة ُ م ِن أخي تساوي أكثر َ بكثيرٍ م ِن طع ِم‬

‫الحلوى في فمي‪.‬‬

‫ن لنفسه ِ‪ ..‬آه‪..‬‬
‫ن استئثارِ الإنسا ِ‬
‫ل و أعلى م ِ َ‬
‫ح ّقا ً هناك َ أمور ٌ أج ّ‬

‫إن ّه ُ شعور ٌ رائ ٌع ذاك َ الذي ينتابُ الإنسانَ عندما ينتصر ُ على‬

‫موقف معي ّنٍ‪ .‬سبحانَ الل ّه!‬


‫ٍ‬ ‫نفسه ِ في‬

‫‪1٢1‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل‪.‬‬
‫ك الحمد ُ والشكر ُ على ما أنعمتَ عليّ م ِن فه ٍم وعم ٍ‬
‫الل ّه ّم ل َ‬

‫ل لها سعادتي في انتصاري على نفسي‬


‫أسرعتُ إلى أم ّي كي أنق َ‬

‫ّف عليها‪.‬‬
‫وخطوات التعر ِ‬
‫ِ‬

‫ك سعيدة ً‪.‬‬
‫ايه ‪ ..‬ما القصّ ة ؟ أرا ِ‬ ‫‪-‬‬

‫نعم يا أم ّي ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫خيرا ً إن شاء َ الل ّه ُ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أم ّي لقد أعطيتُ أخي حلوى كنتُ قد خب ّأتُها حت ّى‬ ‫‪-‬‬

‫آكل َها وحدي‪ ..‬ثم ّ ‪....‬‬

‫أكملي ‪ ..‬ثم ّ ماذا؟‬ ‫‪-‬‬

‫ن أن تقولي شيئا ً لي؟‬


‫فقط ‪ ...‬ألا تريدي َ‬ ‫‪-‬‬

‫سم َت أم ّي قائلة ً ‪:‬‬


‫تب ّ‬

‫‪1٢1‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫القلب وتحب ّين أخاك‪ ،‬وستؤثرين َه على‬


‫ِ‬ ‫أنا أعلم ُ أن ّكِ طيبة ُ‬ ‫‪-‬‬

‫ج الأمرُ‪ ..‬فلا أعلم ُكِ بخيلة ً‪.‬‬


‫ن احتا َ‬
‫نفسكِ إ ِ‬

‫ل كن ّي ح ّقا ً يا أم ّي كنتُ أنوي أن آكل َها وحدي‪ ،‬إلا‬ ‫‪-‬‬

‫س البشر ي ّة ِ‪ ،‬فقرأتُ‬
‫أن ّي كنتُ أبحثُ عن طبيعة ِ النف ِ‬
‫مقالات تتح ّدثُ عن‬
‫ٍ‬ ‫مقالة ً أو هي َ عبارة ٌ عن سلسلة ِ‬

‫ن ال كري ِم‪.‬‬
‫ن القرآ ِ‬
‫س البشر ي ّة ِ م ِ َ‬
‫طبيعة ِ النف ِ‬

‫ت؟‬
‫حث رائ ٌع ‪ ..‬وماذا وجد ِ‬
‫جي ّد ‪ ..‬ب ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫ِ‬
‫جميع‬ ‫قرأتُ عن صفة ِ ( الشحّ ) إ ّنها موجودة ٌ عند َ‬ ‫‪-‬‬

‫س‪ ،‬وعلينا أن نجاهد َ أنفسَنا لتشذيب ِها‪.‬‬


‫النا ِ‬

‫ح يا بنتي‪ .‬بارك َ الل ّه ُ بكِ ‪ ..‬لقد فهمتُ الآنَ مدى‬


‫صحي ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫أحسنت‬
‫ِ‬ ‫ت به ِ‪ ...‬بارك َ الل ّه ُ بكِ ياحبيبتي؛‬
‫حكِ بما قم ِ‬
‫فر ِ‬

‫صنعاً‪.‬‬
‫فهم َا ً و ُ‬

‫‪1٢2‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن شيئا ً من ّي يا أم ّي؟ ‪ ..‬سأذهبُ لأتاب َع‬


‫هل تريدي َ‬ ‫‪-‬‬

‫القراءة َ‪.‬‬

‫ك‪.‬‬
‫لا ‪ ...‬وف ّقك الل ّه‪ ،‬وس ّدد َ خطا ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ن‬ ‫أسرعتُ إلى حاسبي وإلى ذاك َ الموق ِع بفضو ِ‬


‫ل ل كي أقرأ ع ِ‬
‫س البشر ي ّة ِ‪:‬‬
‫الصفة ِ الثانية ِ للنف ِ‬

‫ل ف َأبَينَ‬
‫ض و َالج ِبَا ِ‬
‫َات و َالأر ِ‬
‫سم َاو ِ‬
‫( ِإن ّا ع َرَضنَا الأم َانَة َ عَلَى ال ّ‬

‫جه ُول ًا‬


‫ن م ِنهَا وَحَمَلَه َا ال ِإنس َانُ ِإن ّه ُك َانَ ظَلُوم ًا َ‬
‫أن ي َحم ِلنَهَا و َأشف َق َ‬

‫( ‪)) 72‬‬

‫ل القراءة َ ‪:‬‬
‫ل )‪ ..‬اممم‪ ..‬لأكم ِ‬
‫‪-‬صفة ُ ( الظلم ِ ) و ( الجه ِ‬

‫س الإنساني ّة ِ أ ّنها تظلم ُ نفس َها وتظلم ُ غير َها؛‬


‫صفات النف ِ‬
‫ِ‬ ‫ن من‬
‫إ ّ‬

‫س البشر ي ّة ِ إن‬
‫ن الظلم ِ ونبّهنا إلى طبيعة ِ النف ِ‬
‫ك ح ّذرنا الل ّه ُ م َ‬
‫لذل َ‬

‫المستقيم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫لم نأخذ بقيادِها إلى الطر ي ِ‬

‫‪1٢3‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫فالنفس‬
‫ُ‬ ‫والظلم ُ ه ُنا معناه ُ الشرك ُ كما فس ّره ُ النبيّ في الحديثِ ‪،‬‬

‫الإنساني ّة ُ عندما تظلم ُ نفس َها بشركِها وكفرِها بالل ّه ِ‪ ،‬لو استطاع َت‬

‫ن النارِ لما بخلت على نفس ِها‪ ،‬ول كنّها‬


‫ل وال كنوزِ م ِ َ‬
‫أن تفتديَ بالما ِ‬

‫عندما ترى النار َ تندم ُ على ما فعلت م ِن ظلم ٍ‪.‬‬

‫ظن‬
‫القلب و ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ل و‬
‫ن والفع ِ‬
‫والنفس الإنساني ّة ُ تظلم ُ غير َها‪ :‬باللسا ِ‬
‫ُ‬

‫والقذف والشتيمة ُ وتحقير ُ‬


‫ُ‬ ‫السوء ِ‪ ...‬فالغيبة ُ والنميمة ُ والحسد ُ‬

‫ل بينَ‬
‫ن والسخر ية ُ منهم والسرقة ُ والضربُ وعدم ُ العد ِ‬
‫الآخري َ‬

‫الأولادِ وفي المؤسّ سات بينَ الموظفين‪ ....‬الأمثلة ُكثيرة ُ لاتع ّد‬

‫س‪.‬‬
‫ل بينَ النا ِ‬
‫تحصى م ِن أمثلة ِ الج َورِ وعد ِم العد ِ‬
‫ولا ُ‬

‫ِ ِ‬
‫ن آم َنُوا كُونُوا قَو ّام ِينَ للّه شُهَد َاء َ‬
‫ل الل ّه ُ تعالى‪ ( :‬يَا أ ّيهَا ال ّذِي َ‬
‫يقو ُ‬

‫ب ِالق ِسطِ و َلا َيَجرِم َن ّك ُم شَن َآنُ قَو ٍم عَلَى ألّا تَعدِلُوا اعدِل ُوا ه ُو َ أقر َبُ‬

‫(‪ )8‬سورة المائدة‪.‬‬ ‫ن اللّه َ خَب ِير ٌ بِمَا تَعم َلُونَ)))‬


‫لِلتقو َى و َات ّق ُوا اللّه َ ِإ ّ‬

‫بغض قو ٍم على أن تجوروا عليهم وتتجاوزوا الح ّد‬


‫المعنى لا يحملن ّكم ُ‬

‫‪1٢4‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل اعدلوا فيهم وإن أساؤوا إليكم‪ ،‬وأحسنوا إليهم‪ ،‬وإن‬


‫فيهم‪ ،‬ب ِ‬
‫بالغوا في الإساءة إليكم‪.‬‬

‫خطاب عامّ‪ ،‬ومعناه‪ :‬أمرُ الل ّه ِ تعالى جمي َع الخل ِ‬


‫ق بألّا‬ ‫ٌ‬ ‫فهذا‬

‫ل‬
‫ك المي ِ‬
‫والإنصاف‪ ،‬وتر ِ‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫ل العد ِ‬
‫يعاملوا أحدا ً إلّا على سبي ِ‬
‫والاعتساف‪.‬‬
‫ِ‬ ‫والظلم ِ‬

‫ن وراء َ‬
‫استرخيتُ قليلا ً وأنا أتذك ّر ُ صورا ً للظلم ِ في التلفازِ‪ ..‬ح ّقا ًإ ّ‬

‫قبح و فسادِ ظلم ٌ ومن ٌع للحقوق‪..‬‬ ‫ل ٍ‬‫ك ِّ‬

‫و تذك ّرتُ موقفا ً حدثَ لرفيقتي سمر ‪ ..‬وفجأة ً أسرعتُ إلى أم ّي‬

‫ل حاسوبي‪:‬‬
‫و أنا أحم ُ‬

‫ن سمر؟‬
‫أم ّي ‪ ..‬أم ّي ‪ ..‬هل تذكري َ‬ ‫‪-‬‬

‫نعم ‪ ..‬ما بها؟‬ ‫‪-‬‬

‫ستي‬
‫الموقف الذي ظلمتني به ِ أمام َ م ّدرِ َ‬
‫َ‬ ‫ن ذاك َ‬
‫أتذكري َ‬ ‫‪-‬‬
‫‪1٢5‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫المفضّ لة؟‬

‫ل؟ هل‬
‫ك‪ ..‬مابكِ ؟ ماذا حص َ‬
‫نعم يا علا ‪ ..‬أذكر ُ ذل َ‬ ‫‪-‬‬

‫ات ّصل َت بكِ ؟‬

‫ن‪،‬‬
‫لا يا أم ّي ‪ ..‬كنتُ أقرأ عن صفة ِ الظلم ِ عند َ الإنسا ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ض وقت َها‪ ،‬لأ ّنها‬


‫وفجأة ً تذك ّرتُ أن ّي أحسستُ بشعورٍ بغي ٍ‬

‫تكل ّم َت عن ّي أمام َ م ّدرِستي بسوء ٍ لتقل ّ َ‬


‫ل م ِن مكانتي‬

‫عند َها‪ ،‬ل كنّ ما حدثَ اليوم جعلني أعيد ُ النظر َ في‬
‫ِ‬
‫الصاع صاع َين‪ ،‬فقد لمّحتُ‬ ‫ردّة ِ فعلي‪ ،‬إن ّي رد َدت لها‬

‫ن المدرّسات‪،‬‬
‫حب م ِ َ‬
‫ض مواقف ِها السي ّئة ِ عند َ م َن ت ّ‬
‫لبع ِ‬

‫وقد شعرتُ بالسعادة ِ وقت َها‪ ،‬ولم يراود ضميري أيّ‬

‫ن الظلم ِ‪ .‬أم ّي هل ظلمت ُها؟‬


‫تأنيب! إلى أن قرأتُ الآنَ ع ِ‬
‫ٍ‬

‫أليس كذلك؟‬
‫َ‬ ‫ت لها الصاع َ صاعين‪.‬‬
‫ت رد َد ِ‬
‫أنتِ قل ِ‬ ‫‪-‬‬

‫نعم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪1٢٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ت أنتِ الظالمة‪.‬‬
‫إذا ً أصبح ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ن ردّي عليها‬
‫ول كن يا أم ّي هي التي بدأت؛ وأحسبُ أ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫ل أن تفك ّر َ القيام َ‬
‫حساب قب َ‬
‫ٍ‬ ‫ألف‬
‫سيجعل ُها تحسبَ لي َ‬

‫مرة ً أخرى‪.‬‬
‫ك ّ‬‫بذل َ‬

‫هل أنتِ مقتنعة ٌ بكلامك تماماً؟‬ ‫‪-‬‬

‫ل ‪ ...‬هناك َ منادٍ في نفسي‬


‫قليلاً‪ .‬ههههه‪ .‬أصد ُقكِ القو َ‬ ‫‪-‬‬

‫ل لا‪.‬‬
‫ل و يقو ُ‬
‫يقول نعم وآخر يمقتُ الفع َ‬

‫ل‬
‫أحسنت ياعلا ‪ ...‬هناك صوتُ الحقّ ِ والضمير ِ يقو ُ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ن الظلم ِ‪ .‬وهناك َ‬
‫الكلمات ع ِ‬
‫ِ‬ ‫سمعت تلك‬
‫ِ‬ ‫لا‪ ،‬س ّيما بعدما‬

‫سكِ الأمّارة ُ بالسوء ِ تقو ُ‬


‫ل نعم‪.‬‬ ‫صوتُ نف ِ‬

‫ولأي منهما أستم ُع يا أم ّي؟‬


‫ٍّ‬ ‫‪-‬‬

‫حسب هدفكِ في الحياة ِ‪..‬‬


‫ِ‬ ‫ك على‬
‫ك أنتِ ؟ ذل َ‬
‫ما رأي ُ‬ ‫‪-‬‬
‫‪1٢7‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫هل تفك ّرين فقط بأن تحصلي على ماترغبين َه ُ في الدنيا‬


‫ِ‬
‫برفع مرتبت ِكِ عند َ‬ ‫ولايهمّكِ أمرُ آخرت ِكِ ؟ أم ترغبينَ‬

‫الل ّه ِ‪ ،‬و تحرصينَ على رضاه ُ عنك؟‬

‫ت‬
‫هذه ِ الأسئلة ُ يجبُ أن تجيبي عنها بمفردِك‪ ..‬فإن كن ِ‬

‫ن الدنيا‬
‫ن ما يحب ّه ُ الل ّه ُ ورسول ُه‪ ،‬وترغبينَ بالآخرة ِ ع ِ‬
‫تؤثري َ‬

‫كنت لا‬
‫ِ‬ ‫ك‪ ،‬وإن‬
‫صوت ضمير ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫الفانية ِ فستستمعينَ إلى‬

‫ك جنة ٌ أم نار ٌ فيمكن ُكِ‬


‫تبالينَ بآخرت ِكِ ولا إلى مصير ِ ِ‬

‫سكِ ‪ ،‬وتنساقي وراء َ ظلم ِكِ ‪.‬‬


‫أن تستمعي لهوى نف ِ‬

‫أحب أن أكونَ تلكَ‬


‫ّ‬ ‫‪-‬أم ّي لقد صع ّبت ِها عليّ كثيرا ً ‪ ..‬أنا‬

‫الفتاة َ الخلوقة َ البارّة َ القريبة َ من ر ّبِها‪ ..‬هذه ِ صورتي‬

‫ك‬
‫أحب أن أرسم َها في مخي ّلتي‪ .‬ل كنّ ذل َ‬
‫ّ‬ ‫ال ّتي أتمن ّى أو‬

‫صعب عليّ‪.‬‬
‫ٌ‬

‫س البشر ي ّة ِ ‪ ..‬وهذا هو سببُ‬


‫صعب على النف ِ‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬طبعا ً‬

‫‪1٢8‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫س ت ّتجه ُ نحو َ‬
‫ن طبيعة َ النف ِ‬
‫نأ ّ‬
‫التكليف‪ ..‬فعندما تجدي َ‬
‫ِ‬

‫ل‬
‫سه‪ ،‬فهنا يحص ُ‬
‫ي يأمرُها بعك ِ‬
‫أمر ٍ معي ّنٍ‪ ،‬والأمرُ الإله ّ‬

‫الامتحانُ الذي إمّا أن يسوق َكِ إلى جن ّة ٍ أو نارٍ والعياذ ُ‬

‫بالل ّه‪.‬‬

‫تكليف الل ّه ِ وأوامر ِه‪ ..‬فلو كانَ العد ُ‬


‫ل سهلا ً‬ ‫ِ‬ ‫وهذا سرّ‬

‫ن‪ ،‬لأن ّه ُ م ِن طبيعت ِه ِ‪ ،‬و لم‬


‫ل إنسا ٍ‬
‫س لقام َ به ِك ّ‬
‫على النفو ِ‬

‫ن صدقَ محب ّته ِ لل ّه ِ والالتزا ِم بأوامر ِه ِ‪.‬‬


‫يجاهد نفسَه ُ ليبره َ‬

‫ل‬
‫س وحبّ ِها لذاتِها م ِن أج ِ‬
‫جبل َنا الل ّه ُ على استئثارِ النف ِ‬
‫َ‬

‫الحفاظِ عليها‪ ،‬ل كنّها إن لم تعرف حدود َها هذه ِ‪ ،‬وتجتهد‬

‫في تشذيبِ نفس ِها أخذ َت أكثر َ من ح ّق ِها‪ ،‬فعاث َت‬

‫ل‬
‫ل الل ّه ُ غاية َ إرساله ِ للرس ِ‬
‫ض؛ ولقد جع َ‬
‫فسادا ً في الأر ِ‬

‫ل الل ّه ُ تعالى في سورة ِ الحديد‪:‬‬


‫ل‪ ،‬قا َ‬
‫إقامة َ العد ِ‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫‪1٢9‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ‬

‫ﭞﭟ ﭠﭡ ﭢﭣﭤﭥﭦ‬

‫ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ‬
‫الحديد‪،‬‬

‫أساس‬
‫ُ‬ ‫أساس الملكِ ‪ ،‬لأن ّه ُ‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫ن العد َ‬
‫وكما قيل‪ ،‬فإ ّ‬
‫ِ‬
‫الصلاح والخ ير ِ في الفردِ والأسرة ِ والم ِ‬
‫جتمع‪ ،‬فإذا كانت‬

‫هذه ِ القيمة ُ هي القيمة ُ الأساسي ّة ُ ال ّتي ي ُرب ّى عليها الفرد ُ‪،‬‬

‫ل والدولة ِ‬ ‫العلاقات في الم ِ‬


‫جتمع والعم ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتُبنى على‬

‫الناس بسلا ٍم‬


‫ُ‬ ‫وعاش‬
‫َ‬ ‫جالات الحياة ِ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ازدهرت جمي ُع م‬
‫ن وخيرٍ عميم‪.‬‬
‫وأما ٍ‬

‫فعلينا يا بنتي أن نراعي َ هذه القيمة َ الهامّة َ‪ ،‬ونجعل َها‬

‫ح‬ ‫الأساس في بناء ِ الفردِ والم ِ‬


‫جتمع‪ ،‬ونولي َها ح ّقها لتصب َ‬ ‫َ‬
‫جزءا ً لا يتجز ّأ من منظومة ِ قيم وثقافة ِ الم ِ‬
‫جتمع‪ ،‬عندها‬ ‫ِ‬
‫ل فردٍ‪،‬‬
‫قلب ك ّ ِ‬
‫فقط نكونُ قد بنينا دولة َ الإسلا ِم في ِ‬

‫‪171‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل فردِ‬
‫ض لينعم َ ك ّ‬
‫و بها فقط تُبنى دولة ُ العدالة ِ في الأر ِ‬

‫ن‪.‬‬
‫فيها بالخ ير ِ والأما ِ‬

‫ل الل ّه َ أن‬
‫صعب‪ .‬أسأ ُ‬
‫ٌ‬ ‫ح ما تقولين َه ُ يا أم ّي ل كن ّه ُ‬
‫صحي ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫يعين َني على نفسي‪.‬‬

‫أم ّي هل تسمحينَ لي أن أكمل َ القراءة َ معكِ حت ّى‬

‫ل عليّ؟‬
‫تشرحي لي ما استشك َ‬

‫سعة ِ يا بنتي ‪ ..‬هات ِي ما عند َك‪.‬‬


‫الرحب و ال ّ‬
‫ِ‬ ‫على‬ ‫‪-‬‬

‫شكرا ً يا حبيبتي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ن‬
‫ن التي ورد َت في القرآ ِ‬
‫للصفات الأخرى للإنسا ِ‬
‫ِ‬ ‫نأتي‬ ‫‪-‬‬

‫بصوت عالٍ‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ال كري ِم‪ ،‬سأقرأ‬

‫ﭧﭨ‬

‫‪171‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ﭽ ﭻﭼ ﭽﭾ ﭿﮀﮁﮂ ﮃ ﮄﮅ‬

‫المعارج‪22 - 19 :‬‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﭼ‬


‫الهلع ‪ :‬الضجر ‪ ،‬الجزع ‪ :‬الخوف‬

‫ن‬
‫ن والأما ِ‬ ‫فشعور ُ المرء ِ (بالجزع) يجعل ُه ُ يبحثُ ع ِ‬
‫ن المأم ِ‬
‫رؤوف‬
‫ِ‬ ‫العليم‪ ،‬ال‬
‫ِ‬ ‫حكيم‬
‫والتي لن يجد َها إلا عند َ القادرِ ال ِ‬
‫صلات ُه هي ال كفيلة ُ بأن تعطي َه ُ هذا الأمانَ الذي‬
‫الرحيمِ‪ ،‬و َ‬

‫يبحثُ عنه إن أحسن َها وأتقن َها‪.‬‬

‫س البشر ي ّة ِ لا يعني أن ّنا‬


‫بصفات النف ِ‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وإقرار ُ الل ّه ِ ّ‬
‫عز وج ّ‬

‫ل جلال ُه‬
‫ص منها‪ ،‬بل تعني أن ّه ُ ينبّ ِه ُنا ج ّ‬
‫لا نستطي ُع أن نتخل ّ َ‬

‫سنا‬
‫ن هذه الصفة َ موجودة ٌ‪ ،‬فإن لم نس َع لتزكية ِ أنف ِ‬
‫إلى أ ّ‬

‫س‪،‬‬
‫وتشذيب ِها فسيظهر ُ أثر ُها السلب ِيّ و ي َعظم ُ حجم ُها في النف ِ‬
‫فنعاني من آلام ِها ونتائج ِها السلبي ّة ِ في حياتنِا وشخصي ّت ِنا‪.‬‬

‫ل‪( :‬إلا‬
‫ل وعلا قا َ‬
‫وطر يقة ُ التشذيبِ تكونُ بالصلاة ِ‪ ،‬لأن ّه ُ ج ّ‬
‫‪172‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫المصل ّين)‪.‬‬

‫خاف‬
‫النفس فلا تجزع ُ ولا ت ُ‬
‫َ‬ ‫‪-‬أم ّي ‪ ...‬كيف تصوغ ُ الصلاة ُ‬

‫ولا تمن ُع الخ ير َ؟‬

‫تصف المصل ّين؟‬


‫ُ‬ ‫الآيات التي‬
‫ِ‬ ‫ت قراءة َ بقي ّة ِ‬
‫‪-‬هلا ّ أكمل ِ‬

‫يصف المصل ّين ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫‪-‬اممم ‪ ..‬صحيح‪ .‬إ ّ‬

‫ﭧﭨﭽ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬

‫ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ‬

‫ﮞ ﮟ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ‬

‫ﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯﮰ ﮱﯓﯔﯕ‬

‫ﯖ ﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜ ﯝﯞﯟﯠ ﯡ‬

‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬

‫‪173‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬

‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﭼ‬

‫ات‬
‫ن السلوكي ّ ِ‬
‫ن الصلاة َ يا بنتي ت ُملي عليه ِ مجموعة ً م ِ َ‬
‫‪-‬إ ّ‬

‫لاحظت ذلك؟‬
‫ِ‬ ‫والمعتقدات؛ هل‬
‫ِ‬

‫‪-‬نعم يا أم ّي واستغربتُ ‪ .‬الصفة ُ الأولى وهي الاستمرار ُ على‬

‫ل‬
‫حرص عليها أفهم ُها‪ ،‬ول كن ّه ُ ج ّ‬
‫المحافظة ِ على الصلاة ِ وال ُ‬

‫ن‬
‫ن الزكاة ِ ثم ّ عقيدة ِ الإيما ِ‬
‫ك إلى الحديثِ ع ِ‬
‫وعلا يتجاوز ُ ذل َ‬

‫الزواج‪،‬‬
‫ِ‬ ‫عذاب الل ّه ِ‪ ،‬ثم ّ العفة ِ في‬
‫ِ‬ ‫خوف م ِن‬
‫باليو ِم الآخر ِ وال ِ‬

‫ك‬
‫ل والأمانة ِ في الكلمة ِ وذل َ‬
‫ل أو الأمانة ِ في الما ِ‬
‫والعفة ِ في الما ِ‬

‫ل جلال ُه ُ ويرك ّز ُ على فكرة ِ‬


‫بالشهادة ِ الصادقة ِ‪ ،‬ثم ّ يعود ُ ج ّ‬

‫المحافظة ِ على الصلاة ِ‪.‬‬

‫الصفات نبّه َنا إلى المداومة ِ على الصلاة ِ‪ ،‬وهنا يرك ّز ُ‬


‫ِ‬ ‫في بداية ِ‬

‫ل وعلا على المحافظة ِ عليها‪ ..‬ما الفرقُ يا أم ّي؟‬


‫ج ّ‬
‫‪174‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن المحافظة ِ؛ فدوام ُهم‬


‫ختلف ع ِ‬
‫أحسنت يا علا‪ ،‬الدوام ُ ي ُ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫عليها أن يحافظوا على أدائِها لا يخل ّونَ بها ولا يشتغلون عنها‬

‫ل‪ ،‬ومحافظت ُهم عليها أن يراع ُوا إسباغَ‬ ‫بشيء ٍ م َ‬


‫ن الشواغ ِ‬
‫الوضوء ِ لها ومواقيت َها‪ ،‬و يقيموا أركانَها‪ ،‬و يكملوها بسنن ِها‬

‫باقتراب المأث ِم؛‬


‫ِ‬ ‫ن الإحباطِ‬
‫وآدابِها وخشوعِها‪ ،‬و يحفظوها م ِ َ‬

‫الصلوات نفس ِها‪ ،‬والمحافظة ُ إلى أحوال ِها‪.‬‬


‫ِ‬ ‫فالدوام ُ يرج ُع إلى‬

‫عندما تصل ّين يا بنتي خاشعة ً‪ ،‬مدركة ً أن ّكِ بينَ يدي الجب ّارِ‬

‫ل شيء ٍ لن تخافي مم ّن أق ّ‬
‫ل منه مهما علا شأنه ُ‬ ‫القادرِ على ك ّ ِ‬
‫فهو مجر ّد ُ عبدٍ عند َ م َن تقفينَ بينَ يديه‪ ،‬عندما تصل ّينَ وأنتِ‬

‫ن هذه ِ‬
‫ن‪ ،‬و أ ّ‬
‫مدركة ٌ أن ّكِ تقفينَ مع أعلى سلطة ٍ في ال كو ِ‬

‫ل ما‬
‫طلعة ً وعليمة ً بك ّ ِ‬
‫سكِ ‪ ،‬م ّ‬
‫سلطة َ عادلة ٌ‪ ،‬تعلم ُ مافي نف ِ‬
‫ال ّ‬

‫يجري‪ ،‬ولا يخفى عليها شيء ٌ م ِن أمورِ العبادِ‪ ،‬تعلم ُ السر ّ‬

‫فكيف تخافين!‬
‫َ‬ ‫وأخفى‪،‬‬

‫‪175‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫بلطف الل ّه ِ وحكمت ِه ِ في تصر ِ‬


‫يف الأقدارِ‬ ‫ِ‬ ‫وعندما تثقينَ‬

‫فكيف لا تطمئن ّين! وعندما تتذك ّرين‬


‫َ‬ ‫ومحب ّت ِه ِ للمؤمنينَ به‪،‬‬

‫ن حقوقَ‬
‫فكيف لا تؤدّي َ‬
‫َ‬ ‫حساب وتخافينَ عذابَ الل ّه ِ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫يوم َ ال‬

‫الوقت ذات ِه ِ ستعلمينَ‬


‫ِ‬ ‫العبادِ وتعدلينَ فيما مل كَت يداكِ؟ وفي‬

‫صه ُ في اليو ِم‬


‫ل العبادِ سيأتيكِ ق َصا ُ‬
‫ن أيّ ظلم ٍ م ِن ق ِب َ ِ‬
‫أ ّ‬

‫ل في قلبكِ الاطمئنانَ والسكينة َ‪،‬‬


‫الآخر ِ‪ ..‬وهذا سي ُدخ ُ‬

‫ل الل ّه ِ‪.‬‬
‫والثقة َ بعد ِ‬

‫هذه ِ هي صفة ُ الصلاة ِ التي يجبُ أن توصل َكِ إلى تلك‬

‫ن والأمانَ والسكينة َ‬
‫المعاني‪ ،‬والتي تسكبُ في قلب ِكِ الأم َ‬

‫والاطمئنانَ‪.‬‬

‫‪-‬ما أعذبَ كلام َكِ يا أم ّي‪ ...‬ما أعظم َ هذه ِ المعاني!‬

‫مرتين أحسستُ‬
‫مرة ً أو ّ‬
‫هذه ِ الصلاة ُ لم أصل ّها كثيراً‪ ،‬رب ّما ّ‬
‫بمشاعر ِ الحضورِ أو ال ِ‬
‫خشوع ل كنّها لا تتجاوز ُ ر ُكيعات‪.‬‬

‫‪17٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫داومت على صلات ِكِ بخشوعِها وحضورِها مع الل ّه ِ‬


‫ِ‬ ‫‪-‬لو‬

‫ت عليها م ِن‬
‫جبل ِ‬
‫لصاغ َت نفسَكِ ‪ ،‬وحمتكِ م ِن صفاتِها التي ُ‬
‫ٍ‬
‫ومنع للخير ِ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وهلع‬ ‫خوف‬
‫ٍ‬

‫س‬
‫ح طبيعة َ النف ِ‬
‫‪-‬فعلا ً يا أم ّي هذا القرآنُ عظيم ٌ ‪ ...‬يشر ُ‬

‫ل عنه! وفيه‬
‫كيف نغف ُ‬
‫َ‬ ‫ن واحدٍ‪،‬‬
‫ج بآ ٍ‬
‫البشر ي ّة ِ و يعطينا العلا َ‬

‫ح سعادت ِنا ؟!‬


‫مفاتي ُ‬

‫ح ّقا ً ما أغبانا عندما نقرؤ ُه ُ دونَ أن نتفك ّر َ ونتدب ّر َ!‪ ..‬إن ّنا‬

‫ك‬
‫ن السعادة ِ‪ .‬أشكر ُ ِ‬
‫نخسر ُ ال كنوز َ التي فيه ِ‪ ،‬ونبتعد ُ ع َن مكام ِ‬
‫ق قلبي‪..‬‬
‫يا أم ّي م ِن أعما ِ‬

‫سكِ‬
‫‪ -‬إن ّي سعيدة ٌ يا بنتي لهمّت ِكِ وسعي ِكِ في تشذيبِ نف ِ‬

‫حب ر ب ّنا‪ ..‬أكملي يا بنتي القراءة َ‪.‬‬


‫ل على صوغ ِها كما ي ّ‬
‫والعم ِ‬

‫ك الحمد ُ أن أكرمت َني بأ ٍمّ حنونة ٍ‪،‬‬


‫مل َ‬
‫ك يا حبيبتي‪ ..‬الله ّ‬
‫‪-‬أشكر ُ ِ‬

‫ك‪ .‬سأكمل ُ يا غالية‪:‬‬


‫ك وتحب ّ َ‬
‫تعرف ُ َ‬

‫‪177‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬
‫س البشر ي ّة ِ ‪ :‬الع َج َ ُ‬
‫صفة ُ النف ِ‬

‫ﭧ ﭨ ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬

‫سورة الأنبياء ( ‪) 37‬‬ ‫ﭫﭬﭼ‬

‫ﭧ ﭨ ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ‬

‫الإسراء ( ‪. )11‬‬ ‫ﮁ ﮂﮃ ﭼ‬

‫ل كثيرا ً من أمنيات ِه ِ‬
‫طب َع الإنسانُ على العجلة ِ‪ ،‬فيستعج ُ‬
‫أي ُ‬

‫وطلبات نفسه ِ‪ ،‬وإن كان َت مضرّة ً أو فيها هلاك ُه ُ وهو لايعلم!‬


‫ِ‬

‫هدف‬
‫ٍ‬ ‫ن محر ّكا ًيحر ّكه ُ نحو‬
‫ل في الإنسا ِ‬
‫ن هذه ِ الع َجَلَة َ تمث ّ ُ‬
‫كما أ ّ‬

‫الأهداف أمام َه ُ مرسومة ٌ‪ ،‬وليس عنده ُ داف ٌع‬


‫َ‬ ‫ن‬
‫ما‪ ،‬فلو أ ّ‬

‫كبَ في‬‫يدفع ُه ُ نحوها‪ ،‬لبق َي في مكانه ِ ساك نا ً‪ .‬لذلك ر ُ ِّ‬

‫ق م ِن‬
‫ن الإنسانَ عَجول‪ .‬خ ُل َ‬
‫ن ما وصف َه القرآنُ بأ ّ‬
‫الإنسا ِ‬

‫‪178‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫عَجَل‪.‬‬

‫ن دوافعُ‬
‫ق في الإنسا ِ‬
‫هذه الع َجَلَة ُ بمعنى السرعة‪ ،‬أي خ ُل ِ َ‬

‫قو ية ٌ تدفع ُه ُ إلى أهدافه ِ‪.‬‬

‫ل‪ ،‬وتستله ِم‬ ‫هذه ِ القو ّة ُ المحر ّكة ُ إن لم تهتدِ به َدي الل ّه ِ ّ‬
‫عز وج ّ‬

‫ن‪ ،‬وتلتزم أمرَ الل ّه ِ ونهي َه ِ تصب ُ‬


‫ح قو ّة ً مدم ِّرة ً‪،‬‬ ‫ق ال كو ِ‬
‫م ِن خال ِ‬

‫كب َت فينا إلى هلاكِ نا‪ ،‬فالخطأ‬‫أيّ تفضي العجلة ُ التي ر ُ ِّ‬

‫كت‬
‫ن هذه ِ العجلة َ تحر ّ َ‬
‫ليس في العجلة ِ‪ ،‬ول كنّ الخطأ في أ ّ‬
‫ٍ‬
‫شرع يهتدي به ِ الإنسانُ إلى سواء ِ‬ ‫ن‬
‫ن م ِقو َد‪ ،‬م ِن دو ِ‬
‫م ِن دو ِ‬

‫ل‪.‬‬
‫السبي ِ‬

‫أم ّي‪ ..‬لم أفهم بدق ّة ٍ‪ ...‬العجلة ُ هي جزء ٌ م ِن تركيب ِنا‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫بشرع الل ّه ِ‪.‬‬ ‫ح مضرّة ً إن لم نلتزم‬
‫ل كنّها تصب ُ‬
‫ن اندفاعي نحو َ شيء ٍ‬
‫كيف أعلم ُ أ ّ‬
‫َ‬ ‫ول كن كيف؟ أقصد ُ‬

‫ل في‬
‫استحوذ َ على فكري هو عجلة ٌ مفرطة ٌ؟ ولا أتساه ُ‬

‫‪179‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل شيء ٍ وأتكاس ُ‬
‫ل عنه بحج ّة ِ أن ّي لا أريد ُ أن أكونَ‬ ‫عم ِ‬
‫كيف أوازنُ يا أم ّي بينَ المفهومين؟‬
‫َ‬ ‫عجولة ً؟‬

‫أناس يتكاسلونَ أو يتماهلونَ‬


‫أدركتُ ما تقصدين‪ .‬هناك َ ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫ل ويستدل ّونَ‬
‫في أعمال ِهم بحج ّة ِ أن ّنا يجبُ ألا نستعج َ‬

‫بالآية‪.‬‬

‫ل شيء ٍ و يقولونَ توكّلنا‬


‫ح يا أم ّي ‪ ..‬لا يريدونَ فع َ‬
‫صحي ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫على الل ّه ِ ‪ ..‬لو أراد َ الل ّه ُ الأمرَ لحدث!‬

‫ن وعد ِم الحركة ِ أي‬


‫ق بينَ الركو ِ‬
‫هناك َ فرقٌ دقي ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫ل على الل ّه ِ وعد ِم‬


‫ل‪ ،‬وبينَ الحركة ِ م َع التوكّ ِ‬
‫التواك ِ‬
‫ل الأمر ِ؛ فالل ّه ُ أم َرَنا بالحركة ِ‪ ،‬وركّ بَ فينا هذا‬
‫استعجا ِ‬
‫ِ‬
‫ودفع عجلة ِ الحياة ِ‪ ،‬ول كن‬ ‫ل‬
‫المحرّك َ الذي يدفع ُنا لتعجي ِ‬
‫ن وهو يتحر ّك ُ وي ّتخذ ُ‬
‫ق وحكمة ٍ بليغة ٍ‪ ،‬فالمؤم ُ‬
‫ن دقي ٍ‬
‫بتواز ٍ‬
‫ل شيء ٍ يسير ُ بقدرِ الل ّه ِ‬
‫ن ك ّ‬
‫الأسباب يعلم ُ أ ّ‬
‫ِ‬ ‫جمي َع‬

‫‪181‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل والحركة ِ‪،‬‬
‫وحكمت ِه ِ‪ ..‬يدرك ُ أن ّه ُ مجر ّد ُ وسيلة ٍ للعم ِ‬
‫ِ‬
‫الصحيح الذي‬ ‫ول كنّ حركت َه ُ هذه ِ قد لا تكونُ بالاتجاه ِ‬

‫الموقف كل ّه ُ‪ ،‬و يقصر ُ نظر َه ُ عن‬


‫َ‬ ‫يسعد ُه‪ ،‬لأنه ُ لا ي ُدرك ُ‬

‫ق‬
‫س توفي َ‬ ‫ك يتلم ّ ُ‬ ‫الغيب وما يدور ُ وراء َه‪ ...‬لذل َ‬ ‫ِ‬ ‫معرفة ِ‬

‫ق حركت ُه قدر َ الل ّه ِ الخ ي ّر َ‪ ،‬فلا‬


‫الل ّه ِ في حركت ِه ِ‪ ،‬حت ّى تواف َ‬

‫ل فترة ِ الانتظارِ‬
‫ل م ِن طو ِ‬
‫ل النتائج َ ولا يم ّ‬
‫يستعج ُ‬

‫ق بيدِ الل ّه ِ التي لا‬


‫ل‪ ..‬إن ّه ُ يث ُ‬
‫ج أو نتيجة ِ عم ٍ‬
‫ب لف َر َ ٍ‬
‫والترق ّ ِ‬

‫ل‪ ،‬و يدعو‬


‫ل دونَ استعجا ٍ‬
‫تقود ُه إلا إلى خيرٍ‪ ..‬فيعم ُ‬

‫بوقت معي ّنٍ‪..‬‬


‫ٍ‬ ‫ل‬
‫طلب للحصو ِ‬
‫ٍ‬ ‫ل أو‬
‫ل دونَ مل ٍ‬
‫عز وج ّ‬
‫الل ّه َ ّ‬
‫ن‬ ‫مس نور َ الل ّه ِ وهدي َه ِ في ك ّ ِ‬
‫ل أمورِه ِ‪ .‬هذا هو المؤم ُ‬ ‫إن ّه ُ يتل ّ ُ‬

‫ن‬
‫س‪ ،‬يعلم ُ أ ّ‬
‫يابنتي‪ ..‬يسير ُ على نورٍ م ِن رب ّه ِ‪ ،‬هادئ َ النف ِ‬
‫بوقت معي ّنٍ‪ ..‬وما عليه ِ‬
‫ٍ‬ ‫ل شيء ٍ خ ُل ِ َ‬
‫ق بقد ٍر محكمٍ و‬ ‫ك ّ‬

‫ل على الل ّه ِ‪ ،‬ويسلّم َ أمرَه ُ للحكيمِ‬‫ل ويتوكّ َ‬


‫إلا أن يعم َ‬

‫ن‬
‫ل؛ لذا فالمؤم ُ‬ ‫الأسباب للعم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جميع‬ ‫الخبير ِ بعد َ استنفاد‬

‫‪181‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫خاف من أحدٍ‪ ،‬ولا‬


‫يجزع ُه ُ شيء ٌ‪ ،‬ولا ي ُ‬
‫ل لا ُ‬
‫مطمئ ّن البا ِ‬

‫ل الل ّه ِ ‪:‬‬
‫ل‪ .‬وهناك َ دعاء ٌ علّم َنا إ ي ّاه ُ رسو ُ‬
‫يقلق ُه ُ المستقب ُ‬

‫ك وبارك لي فيما ق ُ ّدر َ لي‪ ،‬حت ّى‬


‫( الله ّم رضّ ني بقضائ ِ َ‬

‫ل ما أخّرتَ ‪ ،‬ولا تأخير َ ما عجّلتَ )‬


‫أحب تعجي َ‬
‫ّ‬ ‫لا‬

‫ل القلبَ ‪ ..‬هذه ِ هي‬


‫‪ -‬يا الل ّه ُ ما أحلى الإيمانَ عندما ي ُداخ ُ‬

‫السعادة ُ ح ّقاً‪ .‬رائ ٌع كلام ُكِ يا أم ّي ‪ ..‬رائع ‪..‬‬

‫ن هذا القلبَ العامرَ‬


‫أقبلتُ على يدِ أم ّي أقب ّل ُها وأحتض ُ‬

‫ن‪...‬‬
‫بالإيما ِ‬

‫ن‬
‫الكلمات لاتكفي و لا تعب ّر ُ ع ِ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬شكرا ً يا أم ّي ‪ ..‬جمي ُع‬

‫ل أن وهبني أمّا ً‬ ‫ك‪ ،‬وحمدي لل ّه ِ ّ‬


‫عز وج ّ‬ ‫امتناني وشكري ل ِ‬
‫ك‬
‫ل وجه َ‬
‫ك الحمد ُ حمدا ً كثيرا ً كما ينبغي لجلا ِ‬
‫مثل َكِ ‪ ..‬الله ّم ل َ‬

‫ك‪.‬‬
‫وعظيم سلطان ِ َ‬
‫ِ‬
‫ل‬
‫كنت تطلبينَ من ّي عدم َ استعجا ِ‬
‫ِ‬ ‫أتذك ّر ُ كلمات ِكِ عندما‬

‫‪182‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ق ‪ ....‬كنتُ أستم ُع إليكِ‬


‫ب والقل ِ‬ ‫الدعاء ِ أو المل ِ‬
‫ل في الترق ّ ِ‬

‫وأهز ّ رأسي ل كن ّي لم أستوعب ح ّقا ً هذه ِ المعاني‪ ،‬كنتُ‬

‫ل وتطلبُ من ّي‬
‫كيف لا أستعج ُ‬
‫َ‬ ‫ل في نفسي‬
‫أنظر ُ إليكِ وأقو ُ‬

‫ق!! لقد بذلتُ مافي وسعي‬


‫أم ّي أن أكونَ صبورة ً ولا أقل ُ‬

‫ل على ماسعيتُ إليه ِ‪.‬‬


‫وأريد ُ أن أحص َ‬

‫كيف يسم ُع الكلام َ أحيانا ً‬


‫َ‬ ‫غريبٌ يا أم ّي هذا الإنسانُ‬

‫ل كن ّه ُ لا يعي! يسم ُع بأذنيه ِ لا بعقل ِه ِ وقلب ِه ِ!! أعتذر ُ ياأم ّي عم ّا‬

‫ل‪ .‬ح ّقا ً لم أفهم وقتذاك َ ماذا‬


‫ف وتملم ٍ‬
‫بدر َ من ّي سابقا ً م ِن تأف ّ ٍ‬

‫للأسف لو وعيتُ ما تقولينَ لوف ّرتُ على نفسي‬


‫ِ‬ ‫تقصدين‪،‬‬

‫عناء ً كثيراً‪.‬‬

‫‪-‬لا عليكِ يابنتي‪ ،‬إ ّنها طبيعة ُ البشر‪ ،‬كل ّما اقتربوا من ر ّبهم‬

‫رق ّت قلو بُهم ووع َت عقول ُهم‪ ،‬وكل ّما غف ِلوا وانشغل ُوا بالدنيا‬

‫القلب‬
‫ِ‬ ‫ن الهدى‪ ،‬واستما ِع‬
‫ات كانوا أبعد َ ع ِ‬
‫وأسرف ُوا في الملذ ّ ِ‬

‫ك أطلبُ منكِ دائما ً أن تكوني‬ ‫ِ‬


‫للنصح والحقّ ِ‪ .‬لذل َ‬ ‫ل‬
‫والعق ِ‬
‫‪183‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ات‬
‫طلب الدنيا والآخرة ِ‪ ،‬بينَ الطاعة ِ والملذ ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫متوازنة ً في‬

‫جبُ عقل ُكِ‬


‫يح َ‬
‫ل‪ ،‬فلا ت ُسرفي وتتماد َي فيقسو قلب ُكِ و ُ‬
‫الحلا ِ‬
‫ِ‬
‫سماع الحقّ ِ‪.‬‬ ‫عن‬

‫ح يابنتي هي التي ت ُشع ِر ُ الإنسانَ بالسعادة ِ‪ ،‬وسعادتُها‬


‫ن الرو َ‬
‫إ ّ‬

‫ليست في الأشياء ِ المادي ّة ِ‪ ،‬لأ ّنها رو ٌ‬


‫ح وليسَت مادّة ً‪..‬‬

‫ل تعالى‪( :‬ونفختُ فيه ِ م ِن‬


‫سعادتُها في ات ّصال ِها بأصل ِها‪ ..‬قا َ‬

‫حنا‬
‫ن رو َ‬ ‫ِ‬
‫روح الل ّه ِ ‪ ..‬إ ّ‬ ‫ت هذا المعنى؟ م ِن‬
‫روحي) هل وعي ِ‬

‫وتأنس بذكر ِه ِ‬
‫ُ‬ ‫ل به ِ‬
‫تنتمي إلى هناك‪ ..‬لذا فهي تتطل ّ ُع للات ّصا ِ‬

‫وتسعد ُ بقرب ِه ِ‪ ..‬وهذه ِ هي السعادة ُ‪ .‬أمّا الجسد ُ فطعام ُه ُ‬

‫ل والشربُ والمت ُع الحسي ّة ُ م ِن مناظر َ طبيعي ّة ٍ وروائح َ‬


‫الأك ُ‬

‫ل فغذاؤه ُ العلم ُ والمعرفة ُ‪ ...‬والإنسانُ‬


‫جميلة ٍ‪ ....‬وأمّا العق ُ‬

‫المت ّز ِنُ والسعيد ُ هو الذي يوازنُ بينَ مكوناته ِ جميعا ً‪ ،‬و يعطي‬

‫ت فهي روح ُكِ‬


‫حق ح ّقه ُ م ِن طعام ِه ِ‪ ،‬فإذا ملل ِ‬
‫ل ذي ّ ٍ‬
‫ك ّ‬

‫ك‪ ..‬وغذاؤها‬
‫التي قد مل ّت وتطلبُ غذاء َها‪ ،‬وليس جسد ُ ِ‬

‫‪184‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل بخالق ِها‪ .‬و أحيانا ً عندما تقرئين علوما ً‬


‫العبادة ُ والات ّصا ُ‬

‫ل‬ ‫ن الل ّه ِ وتخاطبُ روح َكِ فهي تساعد ُ ِ‬


‫ك على تناو ِ‬ ‫تقر ّب ُك م ِ َ‬

‫ح شهي ّت َكِ‬
‫بالفيتامينات التي تفت ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الروح‪ ،‬إ ّنها أشبه ُ‬ ‫غذاء ِ‬

‫ك ما كتبت ُه ُ‬
‫ل؟ سأقرأ ل ِ‬
‫وعيت ما أقو ُ‬
‫ِ‬ ‫عرفت و‬
‫ِ‬ ‫للعبادة ِ‪ ..‬هل‬

‫ل الاجتماعيّ (الفيس بوك)‬ ‫ِ‬


‫موقع التواص ِ‬ ‫قبل فترة ٍ في‬
‫ِ‬
‫الموضوع ‪:‬‬ ‫ل هذا‬
‫حو َ‬

‫سك‪ ..‬فاعلم‬
‫شتات في نف ِ‬
‫ٍ‬ ‫ك أو‬
‫ض في قلب َ‬
‫إذا أحسستَ بقب ٍ‬

‫لركب‬
‫ِ‬ ‫ك كي تلتفتَ إلى ا‬ ‫خ روح َ َ‬ ‫أن ّه ُ نداء ٌ علويّ يستصر ُ‬

‫السائر ِ إلى الل ّه ِ‪ ،‬فتوحّد َ القبلة َ و تذر َ ما أنتَ غارقٌ فيه ِ م ِ َ‬


‫ن‬

‫ل‬ ‫ص والأشياء ِ‪ ..‬وت ّتجه َ بكل ّي ّت َ‬


‫ك إلى أص ِ‬ ‫ق بالأشخا ِ‬
‫العلائ ِ‬
‫ِ‬
‫منبع سمو ّك َ‪..‬‬ ‫وجودِك َ و‬

‫ك تستجيبُ لنداء ِ ( و نفختُ فيه ِ من روحي)‬


‫ن روح َ‬
‫إ ّ‬

‫فأيّ ( ياء ٍ ) أعظم ُ من هذه !!!!!‬

‫‪185‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك نائم ٌ!!!‬ ‫ِ‬


‫سماع النداء ِ فاعلم أن ّ َ‬ ‫ّت الآذانُ عن‬
‫فإذا صُم ِ‬

‫ل‪ ،‬ل كنّ‬


‫‪-‬اممم ‪ ....‬نعم يا أم ّي ‪ ..‬لقد أخبرت ِني م ِن قب ُ‬

‫ل‬
‫ل معه ُ‪ ،‬وكأن ّي أو ُ‬
‫ل عقلي وقلبي ويتفاع ُ‬
‫كلام َكِ الآنَ يدخ ُ‬

‫مرة ٍ أسمع ُه!‬


‫ّ‬
‫ل غريبٌ هذا‬
‫مرة ٍ أعيه ِ ح ّقاً‪ .‬بالفع ِ‬
‫ل ّ‬‫نعم ‪ ..‬بل أ ّو ُ‬

‫الإنسانُ!!! غريبٌ ح ّقا ً!‬

‫ن‬
‫ف اليوم َ وأتاب ُع غدا ً بإذ ِ‬
‫ق‪ ..‬أظنّ أن ّي سأتوق ّ ُ‬
‫أشعر ُ بالإرها ِ‬

‫الل ّه‪ ،‬فأنا الآنَ جاهزة ٌ للنوم‪.‬‬

‫سمت أم ّي وهز ّت رأس َها قائلةً‪:‬‬


‫تب ّ‬

‫ف عن‬
‫ن رأسك يؤلم ُك‪ ،‬ونفسَكِ تطلبُ منكِ التوق َ‬
‫‪-‬لاب ّد أ ّ‬

‫أليس كذلك؟‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الاستماع‪ ،‬فقد أسمعت ُها مايُؤلم ُها‪.‬‬

‫‪-‬ههههه ‪ ..‬صحيح ‪ ..‬لقد سمع َت كلاما ً قاسيا ً عليها‪ ،‬أعان َني‬

‫‪18٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الل ّه ُ على نفسي َ الأمّارة ِ بالسوء ِ‪ ....‬تصبحينَ على خيرٍ أم ّي‪.‬‬

‫ض الأذكارِ‬
‫‪-‬وأنتِ بخ يرٍ يا علا‪ ..‬لا تنس َي أن تقومي ببع ِ‬

‫ل النوم‪.‬‬
‫قب َ‬

‫ن الل ّه ِ يا أم ّي‪.‬‬
‫ل بإذ ِ‬
‫‪-‬سأفع ُ‬

‫ثم ّ قبّلتُ رأس َها ويد َها‪ ،‬وقلبي يدعو لها ويحمد ُ الل ّه َ على أن‬

‫ن مثلها‪.‬‬
‫منّ عليّ بأ ٍمّ حنو ٍ‬

‫‪187‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪– 12-‬‬

‫ّ‬

‫ّ‬

‫ّ‬

‫ّ‬

‫ّ‬

‫(إذا انشغل هذا الطائر باملأكولت وامللهيات في قفصه‬


‫الجميل‪ ،‬وظن أن هذا هو كونه وفضاؤهُ‪ ،‬ظل بقية عمره‬
‫حبيس قفصهُ‪ ،‬ولن يذوق حالوة الحرية خارج قفصه‪ .‬مع أن‬
‫السماء هي بيته الحقيقي وليس القفص) ُ‬

‫ك شاردة ً يا علا؟‬
‫‪-‬مالي أرا ِ‬

‫‪-‬لا شيء َ يا أم ّي كنتُ أفك ّر ُ فقط‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل‪ .‬خيرا ً‬
‫ن المدرسة ِ وأنتِ مشغولة ُ البا َ‬
‫ت مِ َ‬
‫‪-‬بماذا؟ منذ ُ أن جئ ِ‬

‫إن شاء َ الل ّه ُ؟‬

‫قفزتُ إلى أم ّي وقبّلتُ وجنتيها الدافئتينِ وقلتُ ‪:‬‬

‫ح‪ ،‬أن ّكِ تعرفينني أكثر َ م ِن نفسي‪ ..‬أحب ّكِ ياأم ّي‪.‬‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫أعرف ‪ ...‬هههههه ‪ ...‬ماذا بعد َ ذلك؟‬


‫ُ‬ ‫‪-‬‬

‫ن أن تعرفي بماذا أفك ّر؟‬


‫ك يا أم ّي‪ ...‬تريدي َ‬
‫‪-‬امممم ‪ ...‬ما أحلا ِ‬

‫ت البارحة َ‪ ،‬وقد أحضر َت صور َ حفلت ِها‬


‫خطب َ ِ‬
‫رفيقتي مها ُ‬

‫وشاهدناها جميعاً‪.‬‬

‫ك الزينة ُ م ِن‬
‫ل ج ّداً‪ ،‬وكذل َ‬
‫تبدو حفلة ً رائعة ً‪ ،‬ثو بُها جمي ٌ‬

‫أساور َ و قلائد‪ ...‬كان َت تبدو سعيدة ً ج ّداً‪.‬‬

‫ك‪.‬‬
‫ك زوجا ً صالحا ً يسعد ُ ِ‬
‫ل الل ّه َ ل ِ‬
‫‪-‬مبارك ٌ لها‪ ..‬أسأ ُ‬

‫لابأس به ِ‪ ،‬أيقظتني تنهيدة ُ أم ّي‬


‫َ‬ ‫كلمات أم ّي وقتا ً‬
‫ِ‬ ‫شردتُ في‬
‫‪189‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫وسؤال ُها‪:‬‬

‫ن هناك َ‬
‫ل ذلك؟!!! لاب ّد أ ّ‬
‫‪-‬ثم ّ ماذا يا علا؟ أحفلة ٌ تشغل ُكِ ك ّ‬

‫شيئا ً آخر َ‪.‬‬

‫احمر ّ وجهي خجلا ً‪ ،‬وبدوتُ كأن ّي أراوغ ُ ولا أريد ُ الحديثَ ‪ ،‬أو‬

‫كيف أسرد ُ خواطري‪.‬‬


‫َ‬ ‫ل أو‬
‫لعل ّي لم أعرف ماذا أقو ُ‬

‫الزواج‪ ،‬ولماذا‬
‫ِ‬ ‫ن وحقيقة ِ فكرة ِ‬
‫ل يا أم ّي عن دورِ الإنسا ِ‬
‫‪-‬أتساء ُ‬

‫ومانسيات‬
‫ٍ‬ ‫نر‬
‫الفتيات يصبح َ‬
‫ِ‬ ‫عندما ترد ُ هذه ِ الفكرة ُ أغلبُ‬

‫رحب؟‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واسع‬ ‫ل‬
‫ن في خيا ٍ‬
‫ن بفتى أحلام ِهنّ ‪ ،‬و يحل ّق َ‬
‫و يحلم َ‬

‫ن؟‬
‫أهي م ِن طبيعة ِ الفتاة ِ والإنسا ِ‬

‫ابتسم َت أم ّي قائلةً‪:‬‬

‫ن‪ ،‬وهو جزء ٌ م ِن طبيعة ِ‬


‫ج دور ٌ طبيعيّ في حياة ِ الإنسا ِ‬
‫‪ -‬الزوا ُ‬

‫الشهوات‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫ن الل ّه َ خل َ‬
‫س البشر ي ّة ِ‪ ،‬تطلب ُه ُ وترغبُ به ِ‪ ،‬لأ ّ‬
‫النف ِ‬

‫‪191‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الشاب والفتاة ُ في هذا الدور‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ن حت ّى يرغبَ‬
‫عند َ الإنسا ِ‬

‫ليس دورا ً سهلاً‪ ،‬فهم بهذا الارتباطِ ينشئونَ أسرة ً‪،‬‬


‫إن ّه َ‬

‫ل ما في‬
‫إنتاج أفض ِ‬
‫ِ‬ ‫والتي بدورِها ستكونُ مسؤولة ً عن‬

‫ق‪..‬‬
‫الوجودِ م ِن خل ٍ‬

‫ك لاب ّد أن‬
‫ل ذل َ‬ ‫إن ّه الإنسانُ خليفة ُ الل ّه ِ في أر ِ‬
‫ضه ِ‪ ..‬من أج ِ‬
‫التضحيات لأسرت ِه ِ‪ ،‬وترغبَ‬
‫ِ‬ ‫ج بتقدي ِم هذه ِ‬
‫يرغبَ الزو ُ‬
‫ل إعمارِ هذه ِ الأسرة ِ و بناء ِ‬
‫الزوجة ُ بتقديم ِها هي أيضا ً من أج ِ‬
‫ن اللازم َينِ لاحتواء ِ المولودِ الجديد‪.‬‬
‫ن الدفء ِ والحنا ِ‬
‫جوٍ ّ م ِ َ‬

‫ل الل ّه ُ في تركيبت ِهما حب ّا ً‬


‫التعب جع َ‬
‫ِ‬ ‫خف عناء ُ هذا‬
‫فل ِكي ي ّ‬

‫تعب الدنيا‬
‫ِ‬ ‫خفيف ح ّدة ِ‬
‫ل ت ِ‬‫وشهوة ً تجم ُع بينهما من أج ِ‬
‫ل القصّ ة ِ‪.‬‬
‫ومسؤوليات الأولادِ والأسرة ِ؛ هذه ِ هي ك ّ‬
‫ِ‬

‫ض‪.‬‬
‫ن الانقرا ِ‬ ‫ِ‬
‫النوع البشريّ م ِ َ‬ ‫حفظ‬
‫ُ‬ ‫الزواج‬ ‫ن‬
‫فالغاية ُ م ِ َ‬
‫ِ‬

‫سمتُ قائلة ً‪:‬‬


‫تب ّ‬

‫‪191‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫سطينَ الأمور َ والأحداثَ‬


‫‪-‬ما أبهى حديث َكِ يا أم ّي وأنتِ تب ّ‬

‫ن واحد‪.‬‬
‫حولي‪ ،‬وتجعلين َها سهلة َ الفه ِم وعميقة َ المعنى بآ ٍ‬

‫الأحداث‬
‫ِ‬ ‫التفصيلات و‬
‫ِ‬ ‫ن في‬
‫الفتيات يغرق َ‬
‫ِ‬ ‫بعض‬
‫َ‬ ‫ول كنّ‬

‫الجانبي ّة ِ‪ ،‬فينسَينَ هذا المعنى الراقي‪.‬‬

‫ك يابنتي أوضح َ القرآنُ ال كريم ُ هذا المفهوم َ ل كي‬


‫ل ذل َ‬
‫‪-‬من أج ِ‬
‫ن الخاسرين‪.‬‬
‫ك نكن م ِ َ‬
‫نشتط‪ ،‬فإن ّنا إن فعلنا ذل َ‬
‫ّ‬ ‫لا‬

‫ﭧﭨﭽ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬

‫ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬

‫ﮊ ﮋ ﭼ سورة الحجرات‪.‬‬

‫ن هي خلافة ُ الل ّه ِ في‬


‫ن الغاية َ م ِن وجودِ الإنسا ِ‬
‫وأوضح َ أ ّ‬

‫أرضه ِ‪:‬‬

‫‪192‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ﭧﭨﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬

‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬

‫البقرة‪31 :‬‬ ‫ﭭﭮ ﭯﭼ‬

‫لهذا لاب ّد م ِن وض ِع الحدودِ والضوابطِ في هذه ِ العلاقة ِ ضم َ‬


‫ن‬

‫ل م ِن هذه ِ الشهوة ِ أو الغريزة ِ‬


‫حفظ هذه ِ الغاية َ‪ ،‬ولا تجع ُ‬
‫أطرٍ ت ُ‬

‫خلوقات الحيواني ّة ِ أو تهدم ُ‬


‫ِ‬ ‫مدارج الم‬
‫ِ‬ ‫تهبط به ِ إلى‬
‫ُ‬ ‫أداة ً‬

‫المجتم َع‪.‬‬

‫ﭧﭨﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ النساء‬

‫ن الحدودِ‬
‫ن أن يض َع شهوت َه ُ ضم َ‬
‫لقد أراد َ الل ّه ُ م ِن هذا الإنسا ِ‬

‫شهوات جسدِه ِ‬
‫ِ‬ ‫التي تجعل ُه ُ يبني مجتمعا ً صالحا ً‪ ،‬و يتوازنُ بينَ‬
‫‪193‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ومتطلبات روحه ِ التي تسمو‬


‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ونكاح‪،‬‬ ‫وشراب‬
‫ٍ‬ ‫ل‬
‫م ِن أك ٍ‬
‫بقيمِه ِ وأفكارِه‪ ،‬فتصن ُع منه ُ ذاك َ الإنسانَ الراقي الذي ي ُسعد ُ‬

‫ك‬
‫الشطط في ذل َ‬
‫ُ‬ ‫مجتمع َه ُ ويبنيه ِ‪ ،‬في َسع َد ُ ويُسع ِد ُ غير َه‪ .‬أمّا‬

‫الغرب أو حت ّى في واقع ِنا العرب ِيّ‬


‫ِ‬ ‫ن في‬
‫فإن ّه ُ يابني ّتي كما تري َ‬

‫للأسف لم يجلب لنا إلا الدمار َ والفساد َ‪ .‬فسبحانَ الل ّه ِ الخال ِ‬


‫ق‬ ‫ِ‬

‫ق إلى سعادت ِه ِ‬
‫ل والطر ِ‬
‫ل الإنسانَ على أيسر ِ السب ِ‬
‫الذي د ّ‬

‫ليجن ّبه ُ الشقاء َ والخرابَ ‪.‬‬

‫باب‬
‫ن ما قام َت به ِ صديقتي اليوم َ هو م ِن ِ‬
‫ت يا أم ّي‪ ..‬إ ّ‬
‫‪-‬صدق ِ‬

‫الشططِ ‪ ،‬لقد جعلتنا بهذه ِ الصورِ نذهبُ بخيال ِنا بعيداً‪ ...‬إلى‬

‫حيثُ لا معنى ً ولا سمو ّ‪.‬‬

‫حظات‪ ،‬ل كن ّه ُ على‬


‫ل أحيانا ً قد يُسعد لل ٍ‬
‫ن هذا الخيا َ‬
‫حأ ّ‬
‫صحي ٌ‬

‫الشخص حزينا ً بائسا ً‪ ،‬وعلينا أن‬


‫ّ‬ ‫ل هذا‬
‫المدى البعيدِ يجع ُ‬

‫سنا بابا ً يصعبُ إغلاقُه ُ‪ ،‬أو لسنا‬


‫ح على أنف ِ‬
‫ننتبه َ جي ّدا ً فلا نفت َ‬

‫ق أو لا‪،‬‬
‫بحاجة ٍ إليه ِ الآنَ‪ ..‬فنكونُ كم َن يحلم ُ بأشياء َ قد تتحق ُ‬
‫‪194‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫لأبواب لا نملك مفاتيح ُها‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫ح العنانَ‬
‫فنفت ُ‬

‫ق‬
‫ت لي حقائ َ‬
‫ق قلبي يا أم ّي ‪ ..‬لقد كشف ِ‬
‫ك م ِن أعما ِ‬
‫أشكر ُ ِ‬

‫كان َت غائمة ً وضبابي ّة ً‪ ،‬فغد َت جلي ّة ً بي ّنة ً‪..‬‬

‫هبط به ِ إلى‬
‫ن ‪ ..‬الجسد ُ قد ي ُ‬
‫المشكلة ُ فعلا ً في طبيعة ِ الإنسا ِ‬

‫ح عكس ُه ُ تماما ً‪..‬‬


‫ن أن يتخي ّل َه ُ المرء ُ‪ ...‬والرو ُ‬
‫أدنى مستوىً يمك ُ‬

‫ص يريد ُ أن يغادر َه ُ إلى حيثُ‬


‫س في قف ٍ‬
‫إ ّنها كالطائر ِ المحبو ِ‬

‫الفضاء ُ الرحبُ ‪.‬‬

‫ن تماما ً‪.‬‬
‫ل الإنسا ِ‬
‫ق ما يحدثُ داخ َ‬
‫ن هذا التشبيه َ يواف ُ‬
‫أشعر ُ أ ّ‬

‫ات‬
‫ل هذا الطائر ُ بالمأكول ِ‬
‫ح يابنتي‪ ...‬فإذا انشغ َ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ن هذا هو كون ُه ُ وفضاؤه ُ‬


‫ل‪ ،‬وظنّ أ ّ‬
‫والملهيات في قفصه ِ الجمي ِ‬
‫ِ‬

‫حبيس قفصِ ه ِ ولن يذوقَ حلاوة َ الحر ّي ّة ِ‬


‫َ‬ ‫ل بقي ّة َ عمره ِ‬
‫ظ ّ‬

‫ن السماء َ هي بيت ُه ُ الحقيقيّ وليس‬


‫ج قفصِ ه ِ‪ ،‬مع أ ّ‬
‫خار َ‬

‫ق‬
‫زائف‪ ،‬مهما كانَ جميلا ً فهو ضي ّ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫بيت‬
‫القفص ٌ‬
‫ُ‬ ‫القفص‪...‬‬
‫ُ‬

‫وليس حقيقي ّا ً‪.‬‬


‫‪195‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪ -‬ما أروعَ تشبيه َكِ يا أم ّي‪.‬‬

‫يعرف طبيعت َه ُ تماما ً‪،‬‬


‫َ‬ ‫‪-‬لاب ّد يا بني ّتي أن يتوازنَ الإنسانُ‪ ،‬و‬

‫ن‬
‫سه ِ حقّها م ِن دو ِ‬
‫نات نف ِ‬
‫ن م ِن مكو ّ ِ‬
‫ل مكو ّ ٍ‬
‫و يعطي ك ّ‬

‫إسراف‪.‬‬
‫ٍ‬

‫ج الصالح ُ في مجتمع ِه ِ والسعيد ُ‬


‫ل المنت ُ‬
‫هذا هو الإنسانُ الفع ّا ُ‬

‫ل‬ ‫ِ‬
‫والروح والعق ِ‬ ‫بات الجسدِ‬
‫ن بينَ متطل ّ ِ‬
‫في حيات ِه ِ‪ ،‬تواز ٌ‬

‫والقلب معاً‪.‬‬
‫ِ‬

‫ن‬
‫ن مداركي قد ات ّسع َت‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن روحي قد أشرق َت‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪-‬أشعر ُ بأ ّ‬

‫ل‬ ‫ٍ‬
‫ووضوح‪ .‬ح ّقا ً ك ّ‬ ‫ن حولي بدأت ترتسم ُ بدق ّة ٍ‬
‫معالم َ ال كو ِ‬

‫من ّا بحاجة ٍ إلى أن يفهم َ نفسَه ُ وال كونَ حول َه ُكما يريد ُ خالق ُنا‬

‫أن نفهم َه ُ‪ ،‬عندئذٍ تكونُ رؤيت ُنا شاملة ً وصحيحة ً‪.‬‬

‫ن‬
‫ك لأن ّكِ قريبة ٌ من ّي تشعري َ‬
‫ك الل ّه ُ خيرا ً يا أم ّي‪ ...‬أشكر ُ ِ‬
‫جزا ِ‬

‫بما أحتاج ُه ُ و يخطر ُ في بالي دونَ أن أقول َه ُ‪ ..‬أكرم َكِ الل ّه ُ‬


‫‪19٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ياحبيبتي‪.‬‬

‫ك ويرضيه ِ عنكِ ‪.‬‬


‫‪-‬بارك َ الل ّه ُ بكِ ‪ ،‬و أقر ّ عيني بما يسعد ُ ِ‬

‫حب‪.‬‬
‫حضن ِها الداف ِئ أستم ّد منه ُ النور َ وال ّ‬
‫قب ّلت ُها وقب ّلتني وارتميتُ في ِ‬

‫جهتُ إلى غرفتي استعدادا ً للنوم‪.‬‬


‫ثم ّ تو ّ‬

‫مض‬
‫كانت كلماتُ أم ّي تتردّد ُ في أذنيّ‪ ،‬كل ّما حاولتُ أن أغ َ‬

‫عينيّ أسمع ُها كأنّها تقول ُها الآن‪:‬‬

‫فإذا انشغل هذا الطائر بالمأكولات والملهيات في قفصه الجميل‬

‫وظن أن هذا هو كونه وفضاؤه‪ ،‬ظل بقية عمره حبيس قفصه‬

‫ولن يذوق حلاوة الحر ية خارج قفصه‪ ..‬مع أن السماء هي‬

‫بيته الحقيقي وليس القفص‪..‬‬

‫ق وليس‬
‫زائف‪ ..‬مهما كان جميلا ً فهو ضي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫بيت‬
‫ٌ‬ ‫القفص‬

‫حقيقياً‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حاولتُ مرارا ً أن أرغم َ نفسي على النو ِم‪ ،‬ل كن هيهات‪..‬‬

‫أحسستُ برغبة ٍ قو ي ّة ٍ في أن أتوضّ أ وأصل ّي َ ركعتينِ‪ ،‬أشعر ُ برغبة ٍ‬

‫ق روحي نحو بيت ِها الحقيقيّ ‪ ...‬هناك َ حيثُ‬


‫ل لتنطل َ‬
‫في أن أحاو َ‬

‫تسعد ُ وتسمو‪.‬‬

‫قفزتُ م ِن سريري‪ ...‬توضّ أتُ وصل ّيتُ ‪.‬‬

‫أقف وأناجي‬
‫َ‬ ‫هاجس واحدٌ‪ ..‬أن‬
‫ٌ‬ ‫صل ّيتُ وأنا لا يشغل ُني إلا‬

‫ح روحي في فضائ ِه ِ‪ ،‬عل ّها‬


‫ل بأنوارِه ِ العلو ي ّة ِ وتسب َ‬
‫خالقي لأت ّص َ‬

‫تنعم ُ هناك َ بموطن ِها الأصليّ‪..‬‬

‫الوقت وأنا مستغرقة ٌ في هذه ِ الأفكارِ!! لا‬


‫ِ‬ ‫ن‬
‫مر م َ‬
‫لا أعلم ُ كم ّ‬
‫ك الشعورِ أن ّي أصل ّي وكأن ّي أراه ‪...‬‬
‫ل أن ّي وصلتُ إلى ذل َ‬
‫أقو ُ‬

‫صلة َ قلبي بدأت تتح ّدد ُ وجهت ُها بدق ّة ٍ‪،‬‬


‫ن بو ِ‬
‫ل كن ّي أشعر ُ أ ّ‬
‫تصاغرت أمامي َ أشياء كثيرة ٌ كنتُ أحسب ُها م ِن أه ِ ّم الأشياء ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الاستمتاع مع رفيقاتي باللهوِ والضحكِ ‪ ،‬التلفاز‪،‬‬ ‫ل‬
‫لديّ مث ُ‬

‫‪198‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن الال كترونيات‪..‬‬
‫النت‪ ..‬الجو ّال ‪ ...‬الموضة‪ ..‬اقتناء ُ الجديدِ م َ‬

‫أشياء ُ كثيرة ٌ بد َت باهتة ً؛ شعور ٌ غريبٌ ح ّقا ً لم أعهده ُ م ِن‬

‫ل شيء ٍ‪ ..‬أحسستُ أن ّي كنتُ أسير ُ في‬ ‫نفسي‪ .‬استصغرتُ ك ّ‬

‫ل‬
‫ق ملتوٍ‪ ،‬أو يدخ ُ‬ ‫ِ‬
‫الصحيح‪ ..‬كم َن يمشي في طر ي ٍ‬ ‫الاتجاه ِ غير ِ‬
‫ِ‬
‫الفروع‪ ،‬لا أدري‬ ‫ب‪ ،‬متع ّددة ِ‬
‫ن طرقٍ فرعي ّة ٍ‪ ،‬كثيرة ِ التشع ّ ِ‬
‫ضم َ‬

‫ل بي إلى وجهتي ل كثرة ِ تشع ّب ِها!‬


‫لعل ّها لا تص ُ‬

‫ج أكثر َ‪ ،‬وأحسستُ أن ّي أصبحتُ أكثر َ‬


‫بدأت أفكاري تنض ُ‬

‫فهما ً لنفسي وهدف ِها‪.‬‬

‫ن‬
‫حب الدي ِ‬
‫ّ‬ ‫ل‪ ،‬رغم َ أن ّي نشأتُ في بيئة ٍ زرع َت فينا‬
‫بالفع ِ‬
‫لأحداث‬
‫ِ‬ ‫ق السامية ِ‪ ،‬ل كن ّي كنتُ منشغلة ً برفيقاتي وا‬
‫والأخلا ِ‬

‫ت‬ ‫ٍ‬
‫وأفراح‪ ،‬ضحكا ٍ‬ ‫ل‬
‫التي تمر ّ معنا في المدرسة ِ م ِن مشاك َ‬

‫وأن ّات‪ ..‬كل ّها أجد ُها اليوم َ لا طعم َ لها‪ ..‬انشغلتُ بها كثيرا ً‪،‬‬

‫ل كنّها بلا فائدة!‬

‫‪199‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫كيف أضعتُ هذه ِ الأوقات‪ .‬لم أفك ّر‬


‫َ‬ ‫أستغربُ من نفسي ح ّقا ً‬

‫هدف‬
‫ٍ‬ ‫ن أسير ُ؟ وهل هذه ِ الخطواتُ ستوصل ُني إلى‬
‫للحظة ٍ إلى أي َ‬

‫أعيش م ِن أجل ِه ِ؟؟‬


‫َ‬ ‫ق يستحقّ أن‬
‫را ٍ‬

‫ل هذه ِ الأفكارِ بد َت غريبة ً‪ ،‬وكأ ّنها تخطر ُ في بالي أو أفك ّر ُ بها‬


‫ك ّ‬

‫ل مرة ٍ! مع أ ّنها ليست جديدة ً !‬


‫لأ ّو ِ‬

‫ت‬
‫س م ِن نفسي‪ ،‬ل كثرة ِ لهوِها وتشت ّ ُ ِ‬
‫أشعر ُ أحيانا ً باليأ ِ‬

‫ن حديثَ أم ّي اليوم َ جعل َني أتنب ّه ُ إلى تقصيري‬


‫اهتماماتِها‪ ...‬إلا أ ّ‬

‫جهة ٌ‬ ‫في غذاء ِ روحي‪ .‬إن ّي نادرا ً ما أصل ّي وأنا حاضرة ُ الذه ِ‬
‫ن متو ّ‬

‫بكل ّي ّتي إلى الل ّه!‬

‫ل أه ّم شيء ٍ‬
‫لم أنتبه أن ّي مقص ّرة ٌ في حقّ (روحي) والتي تمث ّ ُ‬

‫وأثمن َه ُ فيّ!‬

‫ك المعاني‪ ،‬الل ّه ّم أعن ّي على نفسي‬


‫ك الحمد ُ أن وف ّقتني لتل َ‬
‫الله ّم ل َ‬

‫وخ ُذ بقيادِها إليك‪.‬‬


‫‪211‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 13-‬‬

‫للعلو والرخقاء) ُ‬
‫ُ‬ ‫(العترافُ بالخطأُ صمُامُ أمانُ‬

‫‪-‬لن أتكلّم َ مرة ً أخرى مع هبة‪.‬‬

‫ج م ِن عينيّ‪.‬‬
‫ك الجملة ِ والشرر ُ يخر ُ‬
‫تمتمتُ بتل َ‬

‫الغضب الذي صب َبت ُه على‬


‫ِ‬ ‫استغرب َتِ ال كثيراتُ مم ّن حولي حجم َ‬

‫ح ما بيننا‪.‬‬
‫رفيقة ِ هبة عندما تكل ّم َت عنها لتصل َ‬

‫لم أستطع أن أسم َع منها أيّ كلمة ٍ‪ ،‬صم َمتُ أذنيّ وابتعدتُ كلي ّا ً‬
‫‪211‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫عنهنّ ‪.‬‬

‫ل‬
‫بالاستغراب من نفسي‪ ،‬بدأ يتنامى بشك ٍ‬
‫ِ‬ ‫وفي داخلي شعور ٌ‬

‫كبيرٍ ساعة ً بعد َ ساعة ٍ‪.‬‬

‫طبة ُ الوجه ِ‪ ،‬ألقيتُ التحي ّة َ بجفاء ٍ ثم ّ‬


‫ل وأنا م ُق ّ‬
‫عدتُ إلى المنز ِ‬

‫غريب بدّلتُ ثيابي ثم ّ استلقيتُ‬


‫ٍ‬ ‫ل‬
‫أسرعتُ إلى غرفتي‪ ..‬وبتكاس ٍ‬
‫أحس أن ّي‬
‫ّ‬ ‫ل؛‬
‫بأي عم ٍ‬
‫على الأر يكة ِ لا أشعر ُ بالرغبة ِ في القيا ِم ّ ِ‬
‫مسلوبة ُ الهمّة ِ‪ ،‬منهكة ٌ‪ ،‬متعبة ٌ‪ .‬وأنا أستغربُ م ِن نفسي سببَ‬

‫ذلك‪.‬‬

‫سنوات‪ ،‬كان َت من صديقاتي‬


‫ٍ‬ ‫ثلاث‬
‫ِ‬ ‫فهبة ُ رفيقتي منذ ُ‬

‫حق‬
‫ك‪ ،‬كن ّا ب ّ ٍ‬
‫ات‪ ،‬كنتُ لا أخفي عنها سرّاً‪ ،‬وهي كذل َ‬
‫المقر ّب ِ‬

‫ن الأخرى بجانب ِها أو تتح ّدث معها؛‬


‫أينما و ُجد َت إحدانا تك ِ‬
‫ل معنى الكلمة‪ ،‬أخو ّة ٌ صادقة ٌ‪.‬‬
‫كان َت علاقة ً حميمة ً بك ّ ِ‬

‫ات‬
‫لا أدري منذ ُ ثلاثة ِ أشهرٍ تعر ّف َت هبة ُ على إحدى الطالب ِ‬
‫‪212‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الج ُددِ في المدرسة ِ‪ ،‬وصار َت رفيقت َها الدائمة‪ ،‬كل ّما طلبت ُها أجد ُها‬

‫بجوارِها!‬

‫ئ الأمر ِ اعتقدتُ أ ّنها مجرد ُ مشاعر ِ اللهفة ِ لطالبة ٍ جديدة ٍ‬


‫في باد ِ‬

‫لا تعلم ُ كثيرا ً م ِن أمورِ المدرسة ِ‪ ،‬وهي تساعد ُها ل كونِها جارة ً‬

‫ن‬
‫ت أتشاح ُ‬
‫بدأت الأمور ُ تتطو ّر ُ حت ّى ب ِ ّ‬
‫ِ‬ ‫جديدة ً لها في منزل ِها‪ ،‬ثم ّ‬

‫ت المشكلة ُ فالسببُ الجوهريّ هو‬


‫ل يو ٍم‪ ..‬ومهما اختلف َ ِ‬
‫مع هبة َك ّ‬

‫ل مشكلاتي‬
‫"ناديا" ؛ لقد غد َت ناديا عد ّويَ الل ّدود َ‪ ،‬فهي أص ُ‬

‫م َع هبة‪ ..‬ثم ّ تطو ّر َ الأمرُ حت ّى غد َت مشاعري اتّ جاه هبة َ باردة ً‪،‬‬

‫ل الفسحة ِ‪،‬ابتعدتُ عنها‬


‫البحث عنها خلا َ‬
‫ِ‬ ‫لم أعد أهتم ّ بلقائِها أو‬

‫بالعتاب الذي كانَ ينتهي‬


‫ِ‬ ‫تدر يجي ّا ً دونَ أن أشعر َ‪ ،‬ثم ّ بدأت‬

‫ل الأمدِ‪.‬‬
‫دوما ً بالمشادّة ِ أو الخصا ِم طو ي ِ‬

‫ل هذه ِ الأفكارِ كان َت تدور ُ في ذهني‪ ،‬فشغلتني حت ّى لم ألحظ‬


‫ك ّ‬

‫ل أم ّي لغرفتي‪.‬‬
‫دخو َ‬

‫‪213‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ضب َة ً‪ ..‬ما الأمرُ؟‬


‫ك اليوم َ م ُغ َ‬
‫‪-‬ما بك يا علا؟ أرا ِ‬

‫‪-‬هبة ُ يا أم ّي ‪..‬‬

‫‪-‬ما بها؟‬

‫خاصمات التي كان َت‬


‫ِ‬ ‫ن الم‬
‫ضا ً م َ‬
‫صصتُ على أم ّي مشاعري وبع َ‬
‫ق َ‬

‫تق ُع بيني وبينها‪ ،‬والتي ازداد َ عدد ُها حت ّى صار َت يومي ّة ً‪.‬‬

‫‪-‬لقد قر ّرتُ يا أم ّي أن أقط َع علاقتي م َع هبة َ‪.‬‬

‫استغرب َت أم ّي ورفع َت كتفيها وحاجب َيها ‪ ،‬ثم ّ قال َت لي ‪:‬‬

‫‪ -‬أتعلمين ما نوع ُ المشاعر ِ التي تجتاح ُكِ ؟‬

‫‪ -‬لا يا أم ّي؟‬

‫‪ -‬إ ّنها الغيرة ُ‪.‬‬

‫‪ -‬الغيرة ُ ! مم ّن ؟‬
‫‪214‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪ -‬الغيرة ُ يا بنتي فطرة ٌ أودع َها الل ّه ُ فينا كي تدفع َنا لمعالي الأمورِ‪،‬‬

‫جت عن هدف ِها ظلم َت نفس َها وغير َها‪.‬‬


‫طت وخر َ‬
‫فإذا اشت ّ‬

‫ن الغيرة ِ‪ .‬هل أنا‬


‫‪ -‬أم ّي هذه ِ المر ّة ُ الثانية ُ التي تتح ّدثين فيها ع ِ‬
‫غيورة ٌ إلى هذه ِ الدرجة ِ؟‬

‫ن الغيرة َ تدف ُع الإنسانَ إذا رأى إنسانا ً كثير َ‬


‫ك يا علا‪ ..‬إ ّ‬
‫‪ -‬أذك ّر ِ‬

‫ق‬
‫ك مسل ك َه ُ‪ ،‬أو إذا كانَ ذا خ ُل ٍ‬
‫العلم ِ أن يكونَ مثل َه‪ ،‬فيسل َ‬

‫ل الاقتداء َ به ِ‪ ..‬وهذه ِ غيرة ٌ حسنة ٌ‪.‬‬


‫كري ٍم أن يتعلّم َ منه ُ و يحاو َ‬

‫حب التمل ّكِ أو الأناني ّة ِ والأث َرة ِ‬


‫ختلط الغيرة ُ ب ِّ‬
‫أمّا عندما ت ُ‬

‫س؛ فمثلا ً عندما‬


‫ن النا ِ‬
‫عند َها تشت ّط وتظلم ُ نفس َها وغير َها م ِ َ‬

‫تغارين م ِن ناديا لأ ّنها غد َت أقربَ إلى رفيقت ِكِ هبة َ فكأن ّكِ‬

‫ك!‬ ‫تمتل كين حقّ ِ‬


‫منع هبة َ م ِن صداقة ِ غير ِ ِ‬

‫‪ -‬لا يا أم ّي ‪ ..‬ليس تمل ّكاً!!‬

‫حب أحيانا ً إلى ح ّدِ الشعورِ‬


‫ك يا بنتي ‪ ..‬فقد يبل ُغ ال ّ‬
‫‪ -‬إن ّه ُكذل َ‬
‫‪215‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ب‬
‫ل مركّ ٌ‬
‫ط‪ ،‬فالغيرة ُ انفعا ٌ‬
‫بتمل ّكِ الآخر ِ‪ ،‬وم ِن هنا كانَ الشط َ ُ‬

‫ت به ِ م ِن‬
‫والغضب‪ ،‬وهذا يفس ّر ُ ما قم ِ‬
‫ِ‬ ‫حب التمل ّك‬
‫ِّ‬ ‫يجم ُع بينَ‬

‫البيت!‬
‫ِ‬ ‫ت إلى‬
‫ك خاط ٍئ منذ ُ أن عد ِ‬
‫سلو ٍ‬

‫ن‬
‫وهذا ما يح دثُ أحيانا ً بينَ الأخوة ِ إذا شعر َ أحد ُهم أ ّ‬

‫حب أحد َ أخوته ِ أكثر َ منه‪ ،‬ودليله ُ ما‬


‫والديه ِ أو أحد ُهما ي ّ‬

‫ن هذه‬
‫يوسف عليه ِ السلام ُ‪ ،‬ألا تتذك ّري َ‬
‫َ‬ ‫حدثَ م َع إخوة ِ‬

‫ن ال كري ِم؟‬
‫القصّ ة َ في القرآ ِ‬

‫ِ‬
‫الموضوع ذات ِه ِ‪،‬‬ ‫ل‬
‫ك وقد تح ّدثنا عنها م ِن أج ِ‬
‫‪-‬نعم‪ ،‬أذكر ُ ذل َ‬

‫يوسف في ختمتي‬
‫َ‬ ‫قريب كنتُ أقرأ سورة َ‬
‫ٍ‬ ‫وقت‬
‫ٍ‬ ‫ومنذ ُ‬

‫ت النبو ّة ِ‪،‬‬
‫ل هذا وه ُم في بي ِ‬
‫كيف يحص ُ‬
‫َ‬ ‫اليومي ّة ِ‪ ،‬واستغربتُ‬

‫ص م ِن‬
‫ل غيرتُهم إلى التفكير ِ بالتخل ّ ِ‬
‫كيف تص ُ‬
‫َ‬ ‫فأبوهم نب ّي!‬

‫ن!‬
‫ل الغيرة ُ بالإنسا ِ‬
‫ن أن تص َ‬
‫يوسف! ألهذا الح ّدِ يمك ُ‬
‫َ‬ ‫سي ّدِنا‬

‫إلى ح ّدِ الإيذاء ِ أو التفكير ِ بالقت ِ‬


‫ل!‬

‫‪21٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫بغيض يشعر ُ به ِ الإنسانُ عادة ً‬


‫ٌ‬ ‫ل‬
‫‪ -‬الغيرة ُ المر َضي ّة ُ يا بنتي انفعا ٌ‬

‫ص المحب وبَ يوجّه ُ انتباه َه ُ إلى شخصٍ‬


‫ن الشخ َ‬
‫أحس أ ّ‬
‫ّ‬ ‫إذا‬

‫ب توجد ُ به ِ عناصر ُ‬
‫ل مركّ ٌ‬
‫ل الغيرة ِ انفعا ٌ‬
‫آخر َ غير ِه؛ وانفعا ُ‬

‫ك‬
‫ل ال كره ِ‪ ،‬ولذل َ‬
‫انفعالات أخرى‪ ،‬وخاصّ ة ً انفعا ُ‬
‫ٍ‬ ‫من ع ّدة ِ‬

‫فغالبا ً ما تكونُ الغيرة ُ مصحوبة ً بال كره ِ والحقدِ والرغبة ِ في‬

‫الهروب‬
‫ِ‬ ‫ص منه ُ أو‬ ‫إيذاء ِ الشخ ِ‬
‫ص الذي ي ُثير ُ الغيرة َ‪ ،‬أو التخل ِ‬

‫والابتعاد!‬

‫‪-‬ل كن ّي لستُ غيورة ً يا أم ّي‪ ..‬هذه المر ّة ُ الثانية ُ التي تقولينَ لي‬

‫ل!! لستُ غيورة ً يا أم ّي (وكانَ صوتي مرتفعاً)‪.‬‬


‫هذا القو َ‬

‫‪-‬وفي المر ّة ِ الأولى هل ح ّقا ً لم تكوني غيورة؟‬

‫ل‪،‬‬
‫ل أن أهربَ م ِن هذا السؤا ِ‬
‫طأطأتُ رأسي وكأن ّي أحاو ُ‬

‫فالتزمتُ الصمتَ ‪ ،‬وقمتُ م ُغضبة ً إلى غرفتي‪.‬‬

‫أناقش نفسي‪ ،‬ففتحتُ‬


‫َ‬ ‫ظللتُ عامّة َ يومي منزعجة ً‪ ،‬ولم أرغب أن‬
‫‪217‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫صفحات (الن ّت والفيس بوك)‪،‬‬


‫ِ‬ ‫ل بينَ‬
‫الحاسبَ وأخذتُ أتنق ُ‬

‫ن محب ّتي لأم ّي وإغضابي لها‬


‫وكأن ّي أهربُ م ِن نفسي‪ ،‬إلا أ ّ‬

‫الوقت ذات ِه ِ‬
‫ِ‬ ‫ح بها موقفي‪ ،‬ول كن ّي في‬
‫جعلاني أفك ّر ُ بطر يقة ٍ أصل ُ‬

‫الاعتراف بغيرتي! أو أن ّي على خطأ‪.‬‬


‫َ‬ ‫أشعر ُ أن ّي لا أريد ُ‬

‫ذهبتُ إلى أم ّي‪.‬‬

‫‪-‬أم ّي أنا آسفة‪.‬‬

‫ن‬
‫أضيف شيئاً‪ ،‬وكأ ّنها كان َت تنتظر ُ من ّي مزيدا ً م ِ َ‬
‫َ‬ ‫لم أستطع أن‬
‫ِ‬
‫الإيضاح‪ ،‬إلا أن ّي لم أفعل‪.‬‬

‫ي؛ إن ّي‬
‫ك لم يُع ِد لي هدوئي َ النفس ّ‬
‫عدتُ إلى غرفتي‪ ،‬ل كنّ ذل َ‬

‫ل‬
‫أحب أم ّي‪ ،‬ولا أستطي ُع أن أشعر َ أن ّي أغضبت ُها‪ .‬حاولتُ إشغا َ‬
‫ّ‬

‫نفسي ل كن ّي مازلتُ منزعجة ً ج ّداً‪ ..‬لا أستطي ُع أن أبعد َ فكري‬

‫عم ّا حدثَ ‪ ،‬ولا أستطي ُع أن أرك ّز َ في دراستي‪ ..‬يبدو أن ّه لاب ّد‬

‫من أن أواجه َ نفسي‪ ،‬لا مفر ّ‪.‬‬


‫‪218‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أنت سببُ تعاستي وأخطائي‪..‬‬


‫ت تشقين َني‪ِ ..‬‬
‫نفس مازل ِ‬
‫ُ‬ ‫آه ٍ يا‬
‫أف منك‪ ..‬أداف ُع عنكِ دونَ أن أشعر َ‪ ،‬فأزيد ُ خطئي خطأ ً‬
‫ٍّ‬

‫مرة ً أخرى‪ .‬هل أعجب َكِ ما زججتني به ِ‬


‫آخر َ! عليّ الآنَ أن أعتذر َ ّ‬
‫الآنَ من ظلم؟‬

‫أعترف بخطئ ِي ! آه ٍ منكِ ‪.‬‬


‫َ‬ ‫ك حت ّى لا‬
‫ل ذل َ‬
‫وك ّ‬

‫ك لا يعجب ُكِ ‪.‬‬


‫نعم أنا غرتُ ‪ .‬هذه ِ هي الحقيقة ُ وإن كانَ ذل َ‬

‫اج من‬
‫ليس جنوناً‪ .‬بل أشعر ُ بانزع ٍ‬
‫كنتُ أتح ّدثُ م َع نفسي‪َ .‬‬

‫نفسي ح ّقاً‪.‬‬

‫أعترف بخطئي وأن ّي‬


‫َ‬ ‫ل ألا‬
‫ل ما فعلت ُه م ِن أج ِ‬
‫غريبٌ أمري! ك ّ‬

‫ّف‬
‫ل تكلفة َ الل ّ ِ‬
‫ل الحقيقة َ وما أثق َ‬
‫غرتُ م ِن رفيقتي! ما أسه َ‬

‫س‪ .‬لو اعترفتُ ولم أتكب ّر لانتهى‬


‫ن وعد ِم مجابهة ِ النف ِ‬
‫والدورا ِ‬

‫ن صورة!‬
‫ل بساطة ٍ وعلى أحس ِ‬
‫النقاش م َع أم ّي بك ّ ِ‬
‫ُ‬

‫‪219‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ركضتُ إلى أم ّي ‪...‬‬

‫مرة ً عندما غرتُ م ِن‬


‫مرتين‪ّ .‬‬
‫‪-‬أم ّي أنا آسفة‪ ،‬لقد أخطأتُ ّ‬
‫الاعتراف بهذا الخطأ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ناديا والثانية ُ عندما رفضتُ‬

‫ت‬
‫ومرة ً ثالثة ً عندما ارتف َع صوت ُكِ ‪ ،‬وغادر ِ‬
‫سم َت أم ّي وقالَت‪ّ :‬‬
‫تب ّ‬

‫المكانَ غاضبة ً‪.‬‬

‫حتني بسمة ُ أم ّي‪:‬‬


‫احمر ّ وجهي خجلا ً وقد أرا َ‬

‫ات‪ .‬أنا آسفة‪.‬‬


‫مر ٍ‬
‫ح يا أم ّي‪ ..‬أخطأتُ ثلاثَ ّ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫‪-‬لا عليكِ يا بنتي‪ .‬المه ّم أن تؤوبي إلى الحقّ ِ بسرعة ٍ‪ ،‬أمّا الخطأ‬

‫حب الأوابين)‪ .‬والأه ّم‬


‫ن الل ّه َ ي ّ‬
‫ك‪ ( .‬إ ّ‬
‫ل ذل َ‬
‫فجميع ُنا يفع ُ‬

‫ل النصيحة ِ‪،‬‬
‫الاعتراف بالخطأ ِ‪ ،‬و تقب ّ َ‬
‫َ‬ ‫يابنتي أن تعتاد َ نفس ُكِ‬

‫جت‬
‫فهي صفة ُ الأمّة ِ التي اختار َها الل ّه ُ ‪( :‬كنتم خير َ أمّة ٍ أخر َ‬

‫ن المنكر ِ وتؤمنونَ بالل ّه ِ )‪.‬‬


‫بالمعروف وتنه َونَ ع ِ‬
‫ِ‬ ‫س تأمرونَ‬
‫للنا ِ‬

‫‪211‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن‬
‫حه ِ هو صم ّام ُ أما ٍ‬
‫الاعتراف بالخطأ ِ ورؤيت ِه ِ وتصحي ِ‬
‫ِ‬ ‫ن مبدأ‬
‫إ ّ‬

‫ك‬
‫ض ذل َ‬ ‫للفردِ والم ِ‬
‫جتمع‪ ،‬به ِ يتق ّدم ُ و يتطوّر ُ‪ ،‬أمّا عندما يرف ُ‬

‫ن الرفعة ِ والتطورِ؛‬
‫ويسقف نفسَه ُ بحدودٍ دنيا م ِ َ‬
‫ُ‬ ‫فإن ّه ُ يتقز ّم ُ‬

‫سكِ بهذه ِ القيمة ِ‪.‬‬


‫فاحرصي يا حبيبتي على التم ّ‬

‫رأس أم ّي‪ ،‬وارتميتُ في أحضانِها فر َحا ً بقول ِها‪ ،‬وبادل َتني‬


‫َ‬ ‫قبّلتُ‬

‫بضمّة ٍ ملؤ ُها الحنانُ والرحمة ُ‪:‬‬

‫ت يا أم ّي‪ ..‬الله ّم أعن ّي‪..‬‬


‫‪ -‬صدق ِ‬

‫ل مشكلتي مع ناديا وهبة؟‬


‫ل الآنَ م ِن أج ِ‬
‫‪ -‬أم ّي‪ ..‬ماذا أفع ُ‬

‫‪-‬ألا ينف ُع أن تكوني أنتِ و ناديا صديقت َينِ حميمت َينِ لهبة!‬

‫قط! لماذا أردتُ أن تكونَ‬


‫‪-‬اممم ‪ ..‬لم يخطر في بالي! لم أفك ّر ّ‬

‫هبة ُ لي وحدي!‬

‫ن!‬
‫س الإنسا ِ‬
‫آه ٍ يا أم ّي ما أقسى حقيقة َ نف ِ‬
‫‪211‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حب‬
‫أحب أن أكونَ أناني ّة ً‪ ،‬لا أ ّ‬
‫ّ‬ ‫صورة ٌ ليست بجميلة ٍ‪ ...‬لا‬

‫ك الآخر َ إذا أحببت ُه‪ ...‬لا أريد ُ هذه ِ الصورة َ البشعة َ!‬
‫أن أمتل َ‬

‫ب‬
‫برات والتجارِ ِ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬هو ّني عليكِ يا بنتي‪ ،‬يمر ّ الإنسانُ بهذه ِ الخ‬

‫س‬
‫ن وهوى النف ِ‬
‫سه ِ ووسوسة َ الشيطا ِ‬
‫ل نف ِ‬
‫كي يعلم َ مداخ َ‬

‫و يجاهد َهم فيفوز َ‪.‬‬

‫ل‬
‫ل القصّ ة ِ؛ فلا تضخّ مي الموضوعَ‪ ،‬الأمرُ أسه ُ‬
‫هذه ِ هي ك ّ‬

‫كيف تتعاملين‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫ت كثيراً‪ ،‬وتعلّم ِ‬
‫ك‪ ...‬لقد استفد ِ‬
‫م ِن ذل َ‬

‫كيف‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫ت مشاعرَ الغيرة ِ‪ ،‬والآنَ عرف ِ‬
‫سكِ ‪ ،‬وفهم ِ‬
‫م َع نف ِ‬

‫ن أو‬
‫كيف تعترفينَ بالخطأ ِ ولا تتكب ّري َ‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫تجتازين َها‪ ،‬وتعلّم ِ‬

‫ك العز ّة ُ بالإثم‪.‬‬
‫تأخذ ُ ِ‬

‫ل هذا؟‬
‫تك ّ‬
‫كيف عرف ِ‬
‫َ‬ ‫‪ -‬ح ّقا ً ‪ ..‬أنتِ رائعة ٌ يا أم ّي‪.‬‬

‫س‬ ‫ِ‬
‫المواضيع في علم ِ النف ِ‬ ‫‪ -‬الحياة ُ والخ برة ُ واطّ لاعي على هذه ِ‬

‫يعرف مداخل َها‪،‬‬


‫ُ‬ ‫النفس‪ ،‬و‬
‫َ‬ ‫الحديثِ والعلم ِ الذي يزك ّي‬
‫‪212‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫و يجاهد َها في ديننا الحنيف‪.‬‬

‫ك كثيرا ً يا أم ّي‪ ،‬أنتِ لا تعلمين مدى الراحة ِ التي أشعر ُ‬


‫‪ -‬أشكر ُ ِ‬

‫ن الل ّه ِ أنا وناديا صديقتَين مخلصتَين ِ‬


‫ح بإذ ِ‬
‫بها الآن‪ ،‬سأصب ُ‬

‫لهبة‪.‬‬

‫ل!‬
‫صفات حسنة ً لم أكن أراها من قب ُ‬
‫ٍ‬ ‫ك‬
‫ن ناديا تمتل ُ‬
‫حقا ً إ ّ‬

‫فات‬
‫ن! كنتُ لا أرى إ يجابي ّة ً واحدة ً في ص ِ‬
‫غريبٌ أمرُ الإنسا ِ‬

‫ناديا! وكأن ّي كنتُ لا أرى!‬

‫‪ -‬هذا الظلم ُ يا علا‪ ،‬عندما ينظر ُ الإنسانُ بعينِ هواه ُ لا يبصر ُ‬

‫ق هواه ُ وليست كما هي في الحقيقة ِ!‬


‫ح ّقاً‪ ،‬يرى صورة ً وف َ‬

‫ن‬
‫كيف يظلم ُ الإنسانُ نفسَه ُ بظلم ِه ِ لغيره ِ فيعاني م ِ َ‬
‫َ‬ ‫‪ -‬آه ٍ يا أم ّي‬

‫ك‪ ،‬فلو جاهدنا أنفسَنا‬ ‫الأل ِم الشديدِ‪ ،‬والأمرُ أبسطُ م ِن ذل َ‬

‫ي والذي هو‬ ‫بع الهوى لأرحناها م ِن عناء ِ الأل ِم النفس ّ‬


‫ولم نت ّ ِ‬

‫‪213‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫س‪.‬‬
‫أكثر ُ إيلاما ً م ِن أل ِم مجاهدة ِ النف ِ‬

‫الحمد ُ لل ّه ِ أن أكرم َني الل ّه ُ بكِ ‪ ،‬وأعانني فرأيتُ الحقّ قب َ‬


‫ل أن‬

‫أتمادى أكثر َ في ظلم ِ نفسي وظلم ِ الآخرين‪.‬‬

‫سنا وأهوائ ِنا‬


‫‪-‬بارك َ الل ّه ُ بكِ يا علا‪ ،‬وأعان َنا جميعا ً على أنف ِ‬

‫ك ياعلا‪ ،‬المه ّم أن تعو ّدي نفسَك‬


‫لل ِ‬
‫وشيطان ِنا‪ .‬أعود ُ وأقو ُ‬

‫الخضوعَ للحقّ ِ ولو كانَ ض ّد هواها‪ ،‬وأسرعي في الأوبة ِ إلى‬

‫ن‬
‫ل على م ِ‬
‫أمر ليس بيسيرٍ‪ ،‬ول كن ّه سه ٌ‬ ‫ِ‬
‫الل ّه‪ ،‬واعلمي أن ّه ُ ٌ‬
‫استعانَ بالل ّه ِ عليه ِ‪.‬‬

‫ل جهدي في قيادة ِ نفسي وإخضاعِها للحقّ ِ‬


‫ن الل ّه‪ ،‬سأبذ ُ‬
‫‪ -‬بإذ ِ‬

‫ل الل ّه َ العونَ والسداد‪.‬‬


‫مراً‪ .‬أسأ ُ‬
‫مهما كان ّ‬

‫‪214‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 14 -‬‬

‫خنتظر مُنُ ينقــبُ عنها ويكتشفُها) ُ‬


‫ُ‬ ‫(الكنوزُ التي أودعُها هللاُ فينا مُنُ قدرات ومواهب‬

‫ل البحثَ عنه ُ ل كن ّي كل ّما‬


‫‪ -‬أم ّي لقد ضقتُ ذرعا ً وأنا أحاو ُ‬

‫كتب التي لم تجبني‪.‬‬


‫ِ‬ ‫وسط ركا ِم ال‬
‫َ‬ ‫بحثتُ ضعتُ‬

‫‪ -‬وما الذي تبحثين عنه؟‬

‫س البشر ي ّة ِ‪.‬‬
‫ن الشخصي ّة ِ وعلم ِ النف ِ‬
‫‪ -‬إن ّي أبحثُ ع ِ‬

‫ك؟‬
‫س والشخصي ّة! ما الذي خطر َ ببال ِ‬
‫‪ -‬علم ُ النف ِ‬

‫‪215‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫لأعرف نفسي‪ ،‬شخصي ّتي‪ ،‬مواهبي‪،‬‬


‫َ‬ ‫‪ -‬أشعر ُ بحاجة ٍ شديدة ٍ‬

‫اختصاص الجامعة ِ فيما بعد ُ‪ ،‬ما الذي يناسب ُني‬


‫َ‬ ‫كيف أح ّدد ُ‬
‫َ‬

‫من مهنة ٍ أو دراسة ٍ؟‬

‫ت‬
‫كلمات كن ِ‬
‫ٍ‬ ‫ل هذه ِ الأسئلة ِ تلحّ عليّ بش ّدة ٍ‪ .‬وتذك ّرتُ‬
‫ك ّ‬

‫ن‬
‫س‪ ،‬فشعرتُ أ ّ‬
‫قد شرحت ِها لي في كيفي ّة ِ التغيير وعلم ِ النف ِ‬
‫ل به ِ بغيتي‪.‬‬
‫هذا العلم َ هو الذي سيجيبُ عن أسئلت ِي‪ ،‬وأنا ُ‬

‫ت على اتّ خاذِ قرارِ‬


‫‪ -‬معكِ حقّ يا بنتي‪ ،‬فأنتِ قد شارف ِ‬

‫ك واتجاه َكِ‬
‫ك أن تعرفي ميول َ ِ‬
‫ص الجامعيّ‪ ،‬ولاب ّد ل ِ‬
‫التخصّ ِ‬

‫وشخصي ّت َكِ ‪ ،‬وما يناسب ُكِ من دراسة ٍ جامعي ّة ٍ أو تخصّ صٍ‬

‫ك‪.‬‬
‫مهن ٍيّ؛ وهذا هو العلم ُ الذي سيساعد ُ ِ‬

‫ك ساعديني‪.‬‬
‫‪ -‬ول كن ّي تهتُ فيه ِ يا أم ّي ‪ ..‬أرجو ِ‬

‫ك ما تريدين‪.‬‬
‫‪-‬ل ِ‬

‫ن الأمورِ التي تعر ّفتُ عليها وفهمت ُها‪ ،‬وأشياء ُ‬


‫‪ -‬هناك َ ال كثير ُ م ِ َ‬
‫‪21٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫كثيرة ٌ لم أفهمها‪.‬‬

‫‪ -‬لنبدأ بما فهمت ِه‪.‬‬

‫ن‬
‫الذكاءات المتع ّددة ِ والتي فهمتُ منها أ ّ‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬قرأتُ عن نظر ي ّة ِ‬

‫الناس مختلفونَ ومتنو ّعونَ في ذكاءاتِهم ومستو ياتِها‪ ،‬وقد‬


‫َ‬

‫تصف شيئا ً م ِن شخصي ّة ِ‬


‫ُ‬ ‫الذكاءات‬
‫ِ‬ ‫ن هذه ِ‬
‫لاحظتُ أ ّ‬

‫ل والاتّ جاه ِ؛ وأنواعُ‬


‫ن‪ ،‬وتساعد ُ في تحديدِ الميو ِ‬
‫الإنسا ِ‬

‫الذكاءات هي‪:‬‬
‫ِ‬

‫‪-1‬الذكاء ُ اللغويُ ‪:‬‬

‫ك‬
‫الكلمات بفعالي ّة ٍ سواء ً كانَ ذل َ‬
‫ِ‬ ‫وهو القدرة ُ على استخدا ِم‬

‫خطاب‪ ،‬أو العمل السياسي)‬


‫ٍ‬ ‫ل‪ :‬رواية ٍ أو قصة ٍ‪ ،‬أو‬
‫شفو ي ّا ً (مث ُ‬

‫التأليف‪ ،‬والنثر ِ‪،‬‬


‫ِ‬ ‫شعرِ‪ ،‬و‬
‫ل ال ِّ‬
‫ل الكتابة ِ ( مث ُ‬
‫أو من خلا ِ‬

‫والصحافة ِ)‪.‬‬

‫تركيب وبناء ِ اللغة ِ‪ ،‬والتعر ّ َ‬


‫ف على‬ ‫ِ‬ ‫ن القدرة َ على‬
‫و يتضمّ ُ‬
‫‪217‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ات الخاصّ ة ِ باللغة ِ‪ ،‬وعلى معنى اللغة‪ ،‬والأبعادِ العملي ّة ِ‬


‫الصوتي ّ ِ‬
‫ِ‬
‫إقناع الآخرين‬ ‫ن استخدام َ اللغة ِ في‬
‫لاستخداماتِها‪ ،‬كما يتضمّ ُ‬

‫والتأثير ِ عليهم كي يتصرّفوا بطر يقة ٍ معي ّنة ٍ‪ ،‬واستخدام َ اللغة ِ في‬

‫لومات‪ ،‬وفي‬
‫ِ‬ ‫ل المع‬ ‫ِ‬
‫والشرح أو استخدام َها في نق ِ‬ ‫المعلومات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫تذك ّر ِ‬

‫ن اللغة ِ ذاتِها ودراست ِها‪.‬‬


‫الحديثِ ع ِ‬

‫ن الشعراء َ والكتّابَ والصحفي ّين والإعلامي ّين‬‫‪-‬أظنّ يا أم ّي أ ّ‬

‫يمتل كون نسبا ً عالية ً من هذا الذكاء ِ‪.‬‬

‫ت يا بنتي‪.‬‬
‫‪-‬صدق ِ‬

‫ي – المنطقيّ ‪:‬‬
‫‪-2‬الذكّاء ُ الر ياض ّ‬

‫ونعني به ِ القدرة َ على استخدا ِم الأعدادِ بكفاءة ٍ (مثلُ علماء ِ‬

‫ل الإحصاء ِ)‪ ،‬والتفكير َ‬


‫ات‪ ،‬والمحاسبين‪ ،‬والعاملينَ بمجا ِ‬
‫الر ياضي ّ ِ‬

‫ل العلماء ِ خاصة ً في مجا ِ‬


‫ل العلو ِم‪ ،‬مبرمجي‬ ‫بصورة ٍ جي ّدة ٍ (مث ُ‬

‫ن‬
‫ل المنطق)‪ .‬وهذا الذكاء ُ يتضمّ ُ‬
‫الكمبيوتر‪ ،‬أو العاملينَ في مجا ِ‬
‫‪218‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫والصياغات‬
‫ِ‬ ‫المنطقي ّة ِ‪،‬‬ ‫ت‬
‫والعلاقا ِ‬ ‫ل‬
‫الحساسية َ للأشكا ِ‬

‫وظائف‬
‫ِ‬ ‫ن‪ ،‬والسببُ والنتيجة ُ‪ -‬وال‬
‫ل‪ :‬إذا‪....‬؛فإ ّ‬
‫والعبارات ‪-‬مث ُ‬
‫ِ‬

‫جردات‪.‬‬
‫ِ‬ ‫والم‬

‫ات المستخدمة ِ في خدمة ِ الذكاء ِ الر ياض ِ ّ‬


‫ي المنطقيّ ِ‬ ‫ن أنواعَ العملي ّ ِ‬
‫إ ّ‬

‫ل‪ ،‬والتصميم َ‪،‬‬


‫التصنيف‪ ،‬والتجمي َع‪ ،‬والاستدلا َ‬
‫َ‬ ‫ن‪:‬‬
‫تتضمّ ُ‬

‫ض‪.‬‬
‫العمليات الحسابي ّة َ‪ ،‬واختبار َ الفرو ِ‬
‫ِ‬ ‫و‬

‫ن الذكاء ِ اللغويّ‬
‫بنسب مرتفعة ٍ م ِ َ‬
‫ٍ‬ ‫ن الل ّه َ قد حباني‬
‫‪-‬أشعر ُ يا أم ّي أ ّ‬

‫ي‪.‬‬
‫والر ياض ّ‬

‫ك‪ .‬نسألُ الل ّه َ أن يوف ّق َكِ في استخدام ِهما‬


‫‪ -‬نعم وأنا لاحظتُ ذل َ‬

‫فيما يحب ّه ُ ويرضيه‪.‬‬

‫‪-3‬الذكاء ُ المكانيّ ( البصريّ )‪:‬‬

‫ك العال ِم المكانيّ – المرئيّ بصورة ٍ دقيقة ٍ‬


‫ونعني به ِ القدرة َ على إدرا ِ‬

‫ل‪ :‬أدلا ّء ُ السياحة ِ‪ ،‬والقن ّاصون) والقيام َ‬


‫ل المثا ِ‬
‫(على سبي ِ‬
‫‪219‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل مهندسي‬
‫ك (مث ُ‬
‫خيلات معي ّنة ٍ نتيجة ً لهذا الإدرا ِ‬
‫ٍ‬ ‫بتمثيلات وت‬
‫ٍ‬

‫الديكور الداخليّ‪ ،‬والمهندسين المعمار يي ّن‪ ،‬والفن ّانين‪ ،‬أو‬

‫المبتكرين)‪.‬‬

‫ل‬
‫خط‪ ،‬والشك ِ‬
‫ن‪ ،‬وال ّ ِ‬
‫ن الحساسي ّة َ لل ّو ِ‬
‫ن هذا الذكاء َ يتضمّ ُ‬
‫إ ّ‬

‫والعلاقات الكائنة ِ بينَ هذه ِ العناصر ِ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ن والمساحة ِ‬
‫والتلوي ِ‬

‫ن يا أم ّي رفيقتي سما التي ذهبتُ معها إلى حفلة ِ‬


‫‪ -‬هل تذكري َ‬

‫إحدى صديقاتِنا؟‬

‫الطرقات بذكائِها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الضياع في‬ ‫ن‬
‫‪ -‬نعم‪ ...‬وأذكر ُ أ ّنها أنقذتكنّ م ِ َ‬

‫المكان ِيّ الحادّ‪.‬‬

‫ك ذكاء ً مكاني ّا ً أو بصر ي ّا ً رائعا ً‪.‬‬


‫‪ -‬نعم يا أم ّي‪ ...‬إ ّنها تمل ُ‬

‫ت‪ ...‬لنكمل‪.‬‬
‫‪ -‬أحسن ِ‬

‫‪-4‬الذكاء ُ الحركيّ – الجسمانيّ‪:‬‬


‫‪221‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل هذا الذكاء ُ في الأشخا ِ‬


‫ص المتخصّ صينَ في استخدا ِم الجس ِم‬ ‫ويتمث ّ ُ‬

‫حاب‬
‫ل الممث ّلين‪ ،‬وأص ِ‬
‫ن الأفكارِ والمشاعر ِ (مث ُ‬
‫ل للتعبير ِ ع ِ‬
‫كك ّ ٍ‬
‫الصامت‪ ،‬والراقصين) و يكون أيضا ً بسهولة ِ استخدا ِم‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫التمثي ِ‬
‫ل الفني ّة ِ‬ ‫ل الأشياء ِ (مث ُ‬
‫ل صانعي الأعما ِ‬ ‫إنتاج وتحو ي ِ‬
‫ِ‬ ‫الأيدي في‬

‫ن هذا‬
‫اليدو ي ّة ِ‪ ،‬والمث ّالين‪ ،‬والميكانيكي ّين‪ ،‬والجر ّاحين‪ )...‬إ ّ‬

‫ل الترابطِ ‪،‬‬
‫المهارات الحركي ّة َ الدقيقة َ مث َ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫الذكاء َ يتضمّ ُ‬

‫ن‪ ،‬والقو ّة ِ‪ ،‬والمرونة ِ والسرعة ِ‪.‬‬


‫والتواز ِ‬

‫المعلومات‪ ..‬أنا‬
‫ِ‬ ‫تعرف هذه ِ‬
‫ُ‬ ‫ن مدرّستي المفضّ لة َ‬
‫‪-‬أم ّي ‪ ...‬إ ّ‬

‫متأكّدة ً‪.‬‬

‫‪-‬كيف؟‬

‫الصف‬
‫ِّ‬ ‫‪ -‬إ ّنها يا أم ّي استطاع َت أن تستخدم َ ذكاء َ زميلة ٍ لنا في‬

‫ف بالحركة ِ ال كثيرة ِ الشيء ُ الذي يجعلها لا تثبتُ في‬


‫تت ّصِ ُ‬

‫لصف‬
‫الصف‪ ،‬فجعلتها مساعدة ً لها في إدارة ِ ا ّ ِ‬
‫ِّ‬ ‫مكانِها في‬

‫‪221‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫كيف‬
‫َ‬ ‫أستغربُ‬ ‫وتوفير ِ وسائل ِه ِ وإحضارِها‪ ،‬كنتُ‬

‫ن‬
‫استطاع َت أن تحتويَ بصبر ِها حركت َها الزائدة َ‪ ،‬رغم َ أ ّ‬

‫ات يفقدنَ‬
‫سات الأخر ي ِ‬
‫ن المدرّ ِ‬
‫ل العديد َ م َ‬
‫ك تجع ُ‬
‫طبيعتها تل َ‬

‫صبر َه ُنّ مع َها‪.‬‬

‫الفروقات الفردي ّة ِ بينَ‬


‫ِ‬ ‫ن معرفة َ‬
‫‪-‬رب ّما صد َقَ ظن ّكِ يا بنتي‪ ،‬إ ّ‬

‫ل‬ ‫س وتنو ِّع ذكاءاتِهم يساعد ُنا في فهمِهم وحس ِ‬


‫ن التعام ِ‬ ‫النا ِ‬

‫مع َهم‪.‬‬

‫‪-5‬الذكاء ُ الموسيقيّ ‪:‬‬

‫ل (مثلُ‬
‫ك الموسيقا‪ ،‬والتمييز ِ والتوصي ِ‬
‫ل في القدرة ِ على إدرا ِ‬
‫يتمث ّ ُ‬

‫ل‬
‫ف الموسيقيّ )‪ ،‬والتعبير ِ عن كاف ّة ِ الأشكا ِ‬
‫الناقدِ والمؤل ّ ِ‬

‫العازف)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫الموسيقي ّة ِ (مث ُ‬

‫صوت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للإيقاع‪ ،‬وطبقة ِ ال‬ ‫ن الحساسية َ‬
‫ن هذا الذكاء َ يتضمّ ُ‬
‫إ ّ‬

‫(اللحن) وغير ِ ذلك‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪-٢‬الذكاء ُ الاجتماعيّ ( الخارجيّ)‪:‬‬

‫ك وتمييز ِ الحالة ِ المزاجي ّة ِ‪ ،‬والنوايا‪،‬‬


‫ل في القدرة ِ على إدرا ِ‬
‫ويتمث ّ ُ‬

‫ل الحساسية َ‬ ‫ِ‬
‫والدوافع‪ ،‬والمشاعر ِ‪ ،‬لدى الآخرين‪ ،‬وهذا يشم ُ‬

‫والإشارات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الإيماءات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الصوت‪ ،‬و‬
‫ِ‬ ‫للتعبيرات الوجهي ّة ِ‪ ،‬و‬
‫ِ‬

‫ل الخاصّ ة ِ‬
‫ن الدلائ ِ‬ ‫ٍ‬
‫أنواع مختلفة ٍ م ِ َ‬ ‫والقدرة َ على التعبير ِ بينَ‬

‫ل بينَ الأفرادِ‪ ،‬والقدرة َ على الاستجابة ِ بكفاءة ٍ لهذه ِ‬


‫بالتفاع ِ‬
‫ن‬
‫ق واقعي ّة ٍ وهادفة ٍ فيؤث ّرونَ بسهولة ٍ في الآخري َ‬
‫ل بطر ٍ‬
‫الدلائ ِ‬
‫ولديهم قدرة ً في قيادتِهم؛ وهذا الذكاء ُ هامّ ج ّدا ً للدعاة ِ‬

‫والمدرّسينَ والقادة ِ‪.‬‬

‫ن نسبة َ الذكاء ِ الاجتماع ِيّ لديّ منخفضة ً َ‬


‫بعض‬ ‫‪-‬أظنّ يا أم ّي أ ّ‬

‫الشيء ِ‪.‬‬

‫ك ‪ ..‬لنتابع‪:‬‬
‫‪-‬لا عليكِ ‪ ..‬سنتح ّدثُ في ذل َ‬

‫‪223‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ي ( الداخليّ )‪:‬‬
‫‪-7‬الذكاء ُ الشخص ّ‬

‫س‬
‫ل على أسا ٍ‬
‫ّف في التعام ِ‬
‫الذات والتكي ِ‬
‫ِ‬ ‫وهو القدرة ُ على معرفة ِ‬

‫ن أن يكونَ لدى الفردِ‬


‫ن هذا الذكاء َ يتضمّ ُ‬
‫م ِن هذه ِ المعرفة ِ؛ إ ّ‬

‫بالمزاج‬
‫ِ‬ ‫سه ِ (نقاطِ قو ّته ِ وضعف ِه)‪ ،‬والمعرفة ِ‬
‫صورة ً دقيقة ً عن نف ِ‬

‫ل والتفكير ِ في كيفي ّة ِ‬
‫الداخليّ والقدرة ِ على التخطيطِ والتأمّ ِ‬
‫س ينتمونَ بش ّدة ٍ‬
‫ل والتفكير ِ‪ ...‬فالفلاسفة ُ وعلماء ُ النف ِ‬
‫ل العق ِ‬
‫عم ِ‬
‫لهذا الذكاء ِ‪.‬‬

‫ت هذه ِ النظر ي ّة َ تماماً‪..‬‬


‫ت وفهم ِ‬
‫ت وأفض ِ‬
‫ك قد أسهب ِ‬
‫‪-‬اممم ‪ ..‬أرا ِ‬

‫أليس‬
‫َ‬ ‫بعض الشيء ِ في معرفة ِ ميول ِك‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأظنّ أ ّنها قد ساعدتكِ‬

‫كذلك؟‬

‫‪-‬نعم ولل ّه ِ الحمد ُ‪ .‬هذه ِ النظر ي ّة ُ كان َت سهلة َ المنا ِ‬


‫ل وواضحة ً‪،‬‬

‫جالات التي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملامح شخصي ّتي أو الم‬ ‫وجعلتني أح ّدد ُ شيئا ً م ِن‬

‫ن‬
‫ل إنسا ٍ‬
‫نك ّ‬
‫ل‪ :‬إ ّ‬
‫أجيد ُها‪ ،‬وقد أحببتُ في هذه ِ النظر ي ّة ِ أ ّنها تقو ُ‬

‫‪224‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫عف التي يلمس ُها في شخصي ّت ِه ِ‬


‫بعض جوانبِ الضّ ِ‬
‫َ‬ ‫يستطي ُع أن يقو ّيَ‬

‫ك‪ ،‬وبدأتُ‬
‫ق التدريبِ ‪ ،‬وقد حاولتُ فعلا ً تجريبَ ذل َ‬
‫عن طر ي ِ‬

‫ألاحظ تطو ّري‪.‬‬


‫ُ‬

‫ك وتحاولين‬
‫‪-‬ماهي الجوانبُ التي تجدينها منخفضة َ النسبة ِ عند َ ِ‬

‫تطوير َها؟‬

‫ِ‬
‫‪-‬كانت نسبة ُ الذكاء الاجتماع ِيّ قليلة ً عندي‪ ،‬أمّا الذكاء ُ‬

‫الطبيع ِيّ والموسيقيّ فأظنّهما بمستوى الوسط‪ ،‬ل كنّ الذكاء َ‬


‫ن نسبت َها مرتفعة ٌ‪ ،‬والبص َريّ‬
‫اللغويّ والمنطقيّ والداخليّ فأظنّ أ ّ‬

‫لابأس به ِ‪ ،‬أظن ّه فوقَ الوسط‪.‬‬


‫َ‬

‫ض؟‬
‫فعلت لتطوير ِ المنخف ِ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬جي ّدٌ ج ّداً‪ ،‬وماذا‬

‫النشاطات الجماعي ّة ِ في المدرسة ِ‪،‬‬


‫ِ‬ ‫ل أن أشر ِك َ نفسي في‬
‫‪-‬أحاو ُ‬
‫ن رفيقت ِي الجديدة َ "سيما" لديها قدرة ٌ هائلة ٌ في الذكاء ِ‬
‫كما أ ّ‬

‫ل‬
‫ن هذه ِ أسه ُ‬
‫الاجتماعيّ‪ ،‬فأنا أتعل ّم ُ منها ال كثير َ‪ ،‬ويبدو أ ّ‬
‫‪225‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫طر يقة ٍ للتعل ّم ِ‪.‬‬

‫ِ‬
‫لنوع الشخصي ّة ِ‬ ‫ق التعلّم ِ ومناسبت ِها‬
‫ولقد قرأتُ أيضا ً عن طر ِ‬

‫أنماط التعلّم ِ"‪ ،‬فهناك الأش ُ‬


‫خاص السمعي ّون وهم‬ ‫َ‬ ‫و يسمّونَها "‬

‫ل‬
‫وليس القراءة‪ ،‬وبالفع ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫سماع المعلومة ِ‬ ‫ق‬
‫الذين يتعل ّمونَ ع َن طر ي ِ‬

‫ل ما تسمع ُه دونَ‬
‫حفظ مباشرة ًك ّ‬
‫الصف ت ُ‬
‫ِّ‬ ‫أعرف زميلة ً لي في‬
‫ُ‬

‫ص‬
‫الكتاب ‪-‬ما شاء َ الل ّه‪-‬؛ ومن خصائ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للرجوع إلى‬ ‫الحاجة ِ‬

‫جيهات الكتابي ّة ِ‪،‬‬


‫ِ‬ ‫المتعل ّم ِ السمعيّ‪ :‬أن ّه ُ يواجه ُ صعوبة ً في ات ّ ِ‬
‫باع التو‬

‫المعلومات التي يسمع ُها‪ ،‬و يتشت ّتُ انتباه ُه ُ‬


‫ِ‬ ‫ن‬
‫و يتذك ّر ُ نسبة ًكبيرة ً م ِ َ‬

‫ج‪ ،‬كما يصع ُبُ عليه ِ أن‬


‫المواقف التي يسود ُ فيها الإزعا ُ‬
‫ِ‬ ‫بسهولة ٍ في‬

‫ح‬
‫بالمناقشات الص ّفي ّة ِ‪ ،‬و يرتا ُ‬
‫ِ‬ ‫ل بهدوء ٍ لفترة ٍ طو يلة ٍ‪ ،‬و يستمت ُع‬
‫يعم َ‬

‫رات صوتي ّة ٌ‪ ،‬وهو مستم ٌع جي ّدٌ‪،‬‬


‫علومات التي ترافق ُها مؤث ّ ٌ‬
‫ِ‬ ‫للم‬

‫حب الكلام َ‪ ،‬و يستمت ُع بالموسيقا أو الأناشيد‪.‬‬


‫وي ّ‬

‫طات المفاهيمي ّة ِ‬
‫ط ِ‬ ‫أمّا الأش ُ‬
‫خاص البص َر ي ّونَ فيحب ّونَ الصور َ والمخ ّ‬

‫صات‪ ،‬و يجيدون التعلّم َ م ِن خلال ِها؛ فالمتعل ّم ُ البصريّ‬


‫ِ‬ ‫والملخّ‬
‫‪22٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ج إلى أن يرى الأشياء َ ليعرف َها‪ ،‬و يتذك ّر َ ما يقرؤ ُه ُ أو يكتب ُه‪،‬‬
‫يحتا ُ‬

‫ض البصر ي ّة ِ‪ ،‬و يواجه ُ صعوبة ً في‬


‫و يستمت ُع بالأنشطة ِ والعرو ِ‬

‫التوجيهات اللفظي ّة ِ فقط‪ ،‬لديه ِ‬


‫ِ‬ ‫للمحاضرات‪ ،‬و تتب ّ ِع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الاستماع‬

‫ن التعل ّم ِ‪،‬‬
‫ن‪ ،‬كما يستمت ُع بتز يينِ مكا ِ‬
‫قدرات فن ّي ّة ٌ و اهتمام ٌ بالألوا ِ‬
‫ٌ‬

‫ل إلى الهدوء ِ ولا يتكل ّم ُ كثيرا ً‪،‬‬


‫ظم ُ المواد َ التعلمي ّة َ‪ ،‬و يمي ُ‬
‫وين ّ‬

‫المواقف التي تتطل ّبُ الاستماعَ لفترة ٍ طو يلة ٍ‪،‬‬


‫ِ‬ ‫و يفقد ُ صبر َه ُ في‬

‫ل واس ٌع‪.‬‬
‫ولديه ِ خيا ٌ‬

‫خاص الحسي ّونَ الحركي ّونَ فهؤلاء ِ يحب ّونَ الحركة َ‬


‫وأمّا الأش ُ‬

‫ل الأنشطة ِ الحركي ّة ِ أكثر َ م ِن نمطَي‬


‫والنشاط‪ ،‬ويتعل ّمونَ م ِن خلا ِ‬
‫َ‬

‫ي الحركيّ يكونُ تعل ّم ُه في‬


‫السمعي ّينَ أو البصر ي ّين؛ فالمتعلّم ُ الحس ّ ّ‬

‫س‬
‫ل الأشياء َ بيديه‪ ،‬و يستمت ُع بالدرو ِ‬
‫ل صورة ٍ عندما يفع ُ‬
‫أفض ِ‬
‫س بهدوء ٍ‪،‬‬
‫ن أنشطة ً عملي ّة ً‪ ،‬كما يواجه ُ صعوبة ً في الجلو ِ‬
‫التي تتضمّ ُ‬

‫وقدرات جسمي ّة ٌ ور ياضي ّة ٌ جي ّدة ٌ‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫لديه ِ تآزر ٌ حركيّ جي ّدٌ‬

‫ك‪،‬‬ ‫و يستطي ُع تجمي َع الأشياء ِ وتركيب َها بشك ٍ‬


‫ل جي ّدٍ ويستمتعُ بذل َ‬
‫‪227‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫و يتمت ّ ُع بذاكرة ٍ حركي ّة ٍ جي ّدة ٍ (يتذك ّر ُ الأشياء َ التي فعل َها وجرّ بَها‬

‫ن اهتمام ِه ِ ودافعي ّت ِه ِ‪ ،‬فهو يتعل ّم ُ‬


‫عملي ّا ً في الماضي‪ ،‬و يعب ّر ُ حركي ّا ً ع ِ‬
‫ل وليس يديه ِ فقط‪،‬‬
‫ل عندما يستخدم ُ جسم َه كك ّ ٍ‬
‫ل أفض َ‬
‫بشك ٍ‬
‫الوقت‪ ،‬ولا يستمعُ‬
‫ِ‬ ‫ل شيء ٍ ما معظم َ‬
‫ل بعم ِ‬
‫ل إلى الانشغا ِ‬
‫يمي ُ‬

‫كاف ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ل‬
‫ض البصر ي ّة بشك ٍ‬
‫جي ّد َا ً‪ ،‬ولا ينتبه ُ للعرو ِ‬

‫ل!‬
‫المعلومات تعلّمت ِها! لم تخ بريني من قب ُ‬
‫ِ‬ ‫ل هذه ِ‬
‫‪-‬ماشاء َ الل ّه‪ ،‬ك ّ‬

‫‪ -‬أردتُ أن أفاجئ َكِ ‪ ،‬ول كن ّي تعثرتُ كما أخبرت ُكِ ‪.‬‬

‫ن‬
‫ك غير َ تائهة ٍ! فأي َ‬
‫أحسنت يا بنتي ‪ ..‬ل كن ّي حت ّى الآنَ أجد ِ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ت؟‬
‫ضع ِ‬
‫ِ‬

‫ات الشخصي ّة ِ واختباراتِها‪.‬‬


‫ضعتُ في نظر ي ّ ِ‬
‫‪ِ -‬‬

‫ختلف‬
‫يات كثيرة وهي ت ُ‬
‫‪-‬لا عليكِ يا بنتي‪ ،‬هذا العلم ُ فيه ِ نظر ٌ‬

‫وتقسيمات للشخصي ّة ِ‪ ،‬وواضعوها‬


‫ٍ‬ ‫مصطلحات‬
‫ٍ‬ ‫فيما بين َها م ِن‬

‫ات‪ ،‬ثم ّ‬
‫مختلفونَ فيما بين َهم‪ ،‬وجميع ُهم يجتهدونَ و يفترضونَ نظر ي ّ ٍ‬
‫‪228‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫وللأسف حت ّى الآنَ لا توجد ُ نظر ي ّة ٌ‬


‫ِ‬ ‫مقاييس لها؛‬
‫َ‬ ‫يضعونَ‬

‫س‪ ،‬فأغلبُ الباحثين المسلمين‬


‫إسلامي ّة ٌ واضحة ُ المعال ِم في علم ِ النف ِ‬
‫ِ‬
‫طرح‬ ‫الآن في مرحلة ِ الأخذِ ثم ّ النقدِ‪ ،‬ولم يبلغ ُوا بعد ُ مرحلة َ‬

‫خطوات‬
‫ٍ‬ ‫س‪ ،‬ل كنّهم بدؤوا يخط ُون‬
‫نظر ي ّة ٍ متكاملة ٍ في علم ِ النف ِ‬
‫س للنظر ي ّة ِ‬ ‫ِ‬
‫ووضع أس ٍ‬ ‫ات الغربي ّة ِ‬
‫لابأس بها في نقدِ النظر ي ّ ِ‬
‫َ‬

‫ل‬
‫الإسلامي ّة ِ؛ و لقد قرأتُ كتابا ً منذ ُ فترة ٍ ليست بالطو يلة ِ حو َ‬
‫ِ‬
‫وضع‬ ‫س‪ ،‬و كانَ مؤل ّف ُه ُ موف ّقا ً في‬
‫ل الإسلام ِيّ لعلم ِ النف ِ‬
‫التأصي ِ‬

‫س لبناء ِ نظر ي ّة ٍ في علم ِ النف ِ‬


‫س‪ ،‬وهي الخطوة ُ الأولى والتي‬ ‫الأس ِ‬
‫ن واحتياجات ِه ِ‬
‫ن للإنسا ِ‬
‫ن فهم َ القرآ ِ‬
‫ات‪ ،‬لأ ّ‬
‫يجبُ أن تتبع َها خطو ٌ‬

‫الغرب التي جعل َت‬


‫ِ‬ ‫ات‬
‫وطر يقة ِ السموِ ّ به ِ مغايرة ٌ تماما ً لنظر ي ّ ِ‬

‫ل العال ِم "فرويد" هي إشباع ُ‬


‫ن ‪-‬في بعض ِها‪ -‬مث ُ‬
‫اهتمام َ وغاية َ الإنسا ِ‬

‫ك‪ ،‬وهي نظر ية ٌ‬


‫ن في ذل َ‬
‫الغريزة ِ وكأن ّه ُ يض ُع الإنسانَ بمرتبة ِ الحيوا ِ‬

‫ن الغربَ أنفس َهم قد أثبتوا خطأها‪ ،‬و ل كن‬


‫رغم َ شهرتِها‪ ،‬إلا أ ّ‬

‫ات علم ِ‬
‫جامعات العربي ّة ِ في كلي ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫س في ال‬
‫للأسف مازالت تدرّ ُ‬
‫ِ‬

‫‪229‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫النفس!‬

‫س الإسلام ِيّ تستم ّد‬ ‫ِ‬


‫وضع نظر ي ّة ٍ في علم ِ النف ِ‬ ‫إن ّنا بحاجة ٍ ح ّقا ًإلى‬
‫ل الله ل ِ‬
‫جميع الباحثينَ‬ ‫ض‪ .‬نسأ ُ ّ َ‬
‫السموات والأر ِ‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫أصول َها م ِن خال ِ‬

‫ق‪.‬‬
‫المخلصينَ التوفي َ‬

‫ات نفسي ّة ٍ‪ ،‬فهذه ِ‬


‫متاهات نظر ي ّ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ل في‬
‫‪-‬لا أريد ُ يا أم ّي أن أدخ َ‬

‫ك منها حينَ حاولتُ البحثَ ‪.‬‬


‫التي شكوتُ ل ِ‬
‫ل فيما‬
‫رب ّما إذا وجدتُ نفسي أتّ جه ُ في الاهتما ِم في هذا المجا ِ‬

‫ص جامع ٍيّ أتوسّ ُع وأبحثُ وأذهبُ إلى أولي‬


‫بعد كتخصّ ٍ‬

‫ن‬
‫لأعرف مواط َ‬
‫َ‬ ‫ص‪ ،‬أمّا الآنَ فأريد ُ أن أفهم َ نفسي‬
‫الاختصا ِ‬

‫أعرف‬
‫ُ‬ ‫الضعيف منها‪ ،‬ثم ّ‬
‫ِ‬ ‫ل على تقو ية ِ‬
‫والضعف‪ ،‬فأعم َ‬
‫ِ‬ ‫القو ّة ِ‬

‫ل‪.‬‬
‫ح لها من أعما ٍ‬
‫ماهي ممي ّزاتُها وما يصل ُ‬

‫سمات‬
‫ِ‬ ‫ات التي اهتمّت بربطِ‬
‫‪ -‬حسنا ًأنتِ ترغبينَ بمعرفة ِ النظر ي ّ ِ‬

‫وسمات‬
‫ٍ‬ ‫قدرات‬
‫ٍ‬ ‫ن من‬
‫الشخصي ّة ِ وصفاتِها وبينَ ما تحتاج ُه ُ المه ُ‬

‫شخصي ّة؟‬
‫‪231‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪ -‬نعم يا أم ّي م ِن فضل ِكِ ‪.‬‬

‫ل‬
‫ات تعطيكِ فكرة ً حو َ‬
‫ل هناك َ نظر ي ّ ٌ‬
‫‪-‬حسنا ً يا بنتي‪ .‬بالفع ِ‬
‫قدرات‬
‫ٌ‬ ‫الشخص الذي لديه ِ‬
‫ُ‬ ‫اختيارِ تخصّ صكِ المستقبليّ‪ ،‬فمثلا ً‬

‫جالات الخدمي ّة ِ‬
‫ِ‬ ‫ن الذكاء ِ الاجتماعيّ أقدر ُ النا ِ‬
‫س في الم‬ ‫مرتفعة ٌ م َ‬

‫والتدريس والتدريبِ والقيادة ِ ‪ ...‬وهكذا‪.‬‬


‫ِ‬ ‫الطب‬
‫ّ‬ ‫والقيادي ّة ِك‬

‫‪ -‬جي ّد هذا ما أحتاج ُه ُ الآنَ بالضبطِ ‪ .‬فما هي هذه ِ النظر ي ّة ُ أو‬

‫النظر ي ّاتُ يا أم ّي؟‬

‫المعلومات عنها‬
‫ِ‬ ‫بعض‬
‫َ‬ ‫ح حاسبي فقد خزّنتُ‬
‫‪-‬دعيني أفت ُ‬

‫السمات وفق َها و يفس ّر ُ النتائج َ وهو‬


‫ِ‬ ‫يقيس‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بموقع جي ّدٍ‬ ‫واحتفظتُ‬

‫حتما ً سيفيد ُك‪.‬‬

‫ك حاسب َكِ فوراً‪.‬‬


‫‪-‬كم أنتِ رائعة ً يا أم ّي‪ ،‬سأحضر ُ ل ِ‬

‫‪-‬امم ‪ ...‬انظري إلى هذه ِ الأقوال‪:‬‬

‫‪231‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ادات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدوافع‪ ،‬والع‬ ‫ن‪:‬‬
‫مزيج م ِ َ‬ ‫كو ّنُ شخصي ّة ُ الإنسا ِ‬
‫ن من‬ ‫تت ّ‬
‫ٍ‬
‫العواطف‪ ،‬والآراء ِ والعقائدِ‪ ،‬والأفكارِ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ل‪ ،‬و‬‫ل‪ ،‬والعق ِ‬ ‫والميو ِ‬

‫س‪،‬‬
‫والأحاسي ِ‬ ‫والمشاعر ِ‪،‬‬ ‫القدرات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫الاستعدادات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫و‬

‫السمات‪.‬‬
‫ِ‬ ‫و‬

‫ج لتكوّنَ شخصي ّة َ الإنسا ِ‬


‫ن‬ ‫نات أو أغلب ُها تمتز ُ‬
‫ل هذه ِ المكو ّ ِ‬
‫ك ّ‬

‫الطبيعي ّة َ‪.‬‬

‫وهذه ِ هي المقالة ُ التي تحتاجين َها‪ ،‬إ ّنها نظر ي ّة ُ (جون هولاند) في‬

‫الاختيارِ المهنيّ‪.‬‬

‫هناك َ ست ّة ُ أنماطٍ للشخصي ّة ِ هي‪:‬‬

‫النمط الواقعيّ ‪Realistic Type‬‬


‫ُ‬ ‫‪-1‬‬

‫الأش ُ‬
‫خاص هنا يتعاملونَ مع البيئة ِ بطر يقة ٍ موضوعي ّة ٍ وملموسة ٍ أو‬

‫والأهداف التي تتطل ّبُ الذاتي ّة َ أو‬


‫َ‬ ‫محسوسة ٍ‪ .‬لا يحب ّونَ الأنشطة َ‬

‫‪232‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫قدرات‬
‫ِ‬ ‫المهارات الاجتماعي ّة ِ أو الذكاء ِ أو ال‬
‫ِ‬ ‫تتطل ّبُ استخدام َ‬

‫الفن ّي ّة ِ‪ ،‬ي ُوصفونَ بأ ّنهم غير ُ اجتماعي ّين‪ ،‬مستقر ّون انفعالي ّا ً‪،‬‬

‫ومادي ّون‪ ،‬يت ّسمونَ بأ ّنهم ذكور ي ّون أو مسترجلون‪ ،‬يفضّ لون‬

‫ن الزراعي ّة َ والتقني ّة َ والهندسي ّة َ والميكانيكي ّة َ وما شابه َها‪،‬‬


‫المه َ‬

‫مهارات حركي ّة ً أو استخدام َ‬


‫ٍ‬ ‫يحب ّون الأنشطة َ التي تتطل ّبُ‬
‫ل مع الأشياء ِ‬
‫والأدوات‪ ،‬والروتين‪ .‬والعم َ‬
‫ِ‬ ‫الآلات والأجهزة ِ‬
‫ِ‬

‫ن كالم ُزارعين‪ ،‬ومهندسي الميكانيك‪ ،‬والر ياضي ّين‬


‫والعددِ والمكائ ِ‬

‫ش‬
‫ل الور ِ‬
‫أيضا ً‪ ،‬ومثلهم عم ّال الحرف كالنج ّارين‪ ،‬وأعما ُ‬

‫وغيرها)‪ .‬هؤلاء ِ يرغبون بمها ٍمّ محسوسة ٍ ملموسة ٍ لا مجر ّد َة‪،‬‬

‫قوي‪ .‬أحيانا ً يعب ّر ُ عن هذا النمطِ أو‬


‫وتفاعل ُهم الاجتماعيّ غير ُ ّ ٍ‬
‫التوجّه ِ ب (الحركيّ ‪.)Motoric‬‬

‫ن هؤلاء ِ يعانونَ م ِن تد ٍّ‬


‫ن كبيرٍ في مستوى‬ ‫‪ -‬اممم‪ ..‬أظنّ أ ّ‬

‫أليس كذلك؟‬
‫َ‬ ‫الذكاء ِ الاجتماعيّ‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫لنمط الآخر‪:‬‬ ‫ِ‬


‫لنتابع ا َ‬ ‫ت تحل ّلين نفسي ّا ً‪ ...‬ههههه ‪..‬‬
‫‪ -‬آه ‪ ..‬أصبح ِ‬

‫‪-2‬النمط البحثيّ ‪Investigative Type‬‬

‫ق استخدا ِم الذكاء ِ‬
‫الأفراد ُ هنا يتفاعلون مع البيئة ِ ع َن طر ي ِ‬

‫والكلمات والرموز‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والتفكير ِ المجر ّدِ‪ ،‬واستخدا ِم الأفكارِ‬

‫لغات‬
‫ٍ‬ ‫يفضّ لون م ِهنا ً علمي ّة ً‪ ،‬ومهامّا ً نظر ي ّة ً‪ ،‬م ِن قراءة ٍ‪ ،‬أو جبرٍ‪ ،‬أو‬

‫الأدب والموسيقا وغير ِها من‬


‫ِ‬ ‫ل‬‫أجنبي ّة ٍ‪ ،‬وأشياء َ إبداعي ّة ٍ مث ُ‬

‫المواقف الاجتماعي ّة ِ‪ ،‬يرون‬


‫ِ‬ ‫الأشياء ِ المجر ّدة‪ ،‬يحاولون تجن ّبَ‬

‫أنفس َهم غير َ اجتماعي ّينَ وم ِن صفاتِهم أنّهم ذكور ي ّونَ أو‬

‫مسترجلونَ‪ ،‬ومثابرونَ أكاديمي ّونَ‪ ،‬منطوونَ يحب ّونَ العزلة َ‪.‬‬

‫الغالب لا‬
‫ِ‬ ‫جالات العلمي ّة ِ والأكاديمي ّة ِ وفي‬
‫ِ‬ ‫إنجاز ُهم يكونُ في الم‬

‫ل‬
‫ت مث َ‬
‫ل م َع المعلوما ِ‬
‫لوظائف القيادة ِ‪ ،‬يحب ّونَ العم َ‬
‫ِ‬ ‫يصلحونَ‬
‫ل علماء ِ ال كيمياء ِ والفيز ياء ِ‬
‫ات‪ .‬مث َ‬
‫الأفكارِ المجر ّدة ِ والنظر ي ّ ِ‬

‫ن العلو ِم‪ .‬أحيانا ً يعب ّر ُ ع َن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب‬


‫وغير ِها م ِ َ‬

‫‪234‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫(العقليّ ‪.)Intellectual‬‬

‫ق يا أم ّي ‪ ...‬هههه ‪ ..‬لنتابع ‪ ،‬ول كن أظنّ هؤلاء ِ‬


‫‪ -‬لن أعل ّ َ‬

‫أيضا ً عندهم المشكلة ُ ذاتُها ل كنّه ُم يمتل كونَ ذكاء ً ر ياضي ّا ً أو‬

‫منطقي ّا ً‪.‬‬

‫النمط الفن ّيّ ‪Artistic Type‬‬


‫‪ُ -3‬‬

‫ِ‬
‫الإبداع‬‫ق و‬
‫ق الخل ِ‬
‫الأفراد ُ ه ُنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ‬

‫الأدب ِيّ والفن ّ ِيّ‪ ،‬و يعتمدونَ على انطباعاتِهم وتخي ّلاتِهم ُ الذاتية ِ في‬

‫ن الموسيقي ّة َ‪،‬‬
‫ل‪ ،‬يفضّ لونَ المه َ‬
‫ل للمشاك ِ‬
‫البحث عن حلو ٍ‬
‫ِ‬

‫والأدبي ّة َ‪ ،‬والثقافة َ الدراماتي ّة‪ ،‬والأنشطة َ الشبيهة َ بها والتي‬

‫تتطل ّبُ إبداعا ً (رسام‪ ،‬كاتب‪ ،‬روائي‪ ،‬فن ّان)‪ .‬لا يحب ّونَ‬

‫ارات‬ ‫ِ‬
‫إصلاح السي ّ ِ‬ ‫ل‬
‫الأنشطة َ الرجولي ّة َ أو الأدوار َ الذكور ي ّة َ مث َ‬

‫الأدب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الفن و‬
‫أو الأنشطة ِ الر ياضي ّة ِ‪ ،‬يعب ّرونَ عن أنفسهم ب ّ ِ‬
‫يرونَ أنفس َهم غير َ اجتماعي ّين‪ ،‬وأنثو ي ّين‪ ،‬خاضع ِينَ أو مطيع ِينَ‪،‬‬

‫‪235‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ساسين‪ ،‬ومرنين‪ ،‬ومندفعينَ‪ ،‬ومستقل ّين‪،‬‬


‫واستبطاني ّينَ‪ ،‬وح ّ‬

‫ومنبسط ِين‪ ،‬وخيالي ّين؛ أحيانا ً يعب ّر ُ عن هذا النمط أو التوجه ب‬

‫(الجماليّ ‪.)Esthetic‬‬

‫‪-‬هؤلاء ِ أظنّ أ ّ‬
‫ن ذكاء َهم ُ الل ّغويّ مرتف ٌع‪ ،‬أو قد يكونُ الفنيّ أو‬

‫ك يا أم ّي؟‬
‫أليس كذل َ‬
‫َ‬ ‫الداخليّ‪..‬‬

‫ت و ‪-‬لل ّه ِ الحمد ُ‪-‬فهم َ وتطبي َ‬


‫ق‬ ‫ت‪ ،‬أرى أن ّكِ قد أجد ِ‬
‫‪ -‬نعم أحسن ِ‬

‫الذكاءات المتع ّددة ِ‪ .‬لنتابع يا حبيبتي‪:‬‬


‫ِ‬ ‫نظر ي ّة ِ‬

‫النمط الاجتماعيّ ‪Social Type‬‬


‫‪ُ -4‬‬

‫مهارات‬
‫ِ‬ ‫ق استخدا ِم‬
‫الأفراد ُ ه ُنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ‬

‫ل م َع الآخرين‪ ،‬وه ُم معروفونَ بمهاراتِهم ُ الاجتماعي ّة ِ‬


‫التعام ِ‬
‫الوظائف التربو ي ّة َ‬
‫َ‬ ‫ل م َع م َن حولَهم‪ ،‬يفضّ لونَ‬
‫وحاجت ِهم للتفاع ِ‬
‫خدمات الاجتماعي ّة َ‪ ،‬والموسيقا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والعلاجي ّة َ والديني ّة َ‪ ،‬وال‬

‫ن‬
‫ل الاجتماعي ّة ِ‪ ،‬يبتعدون ع ِ‬
‫والقراءة َ‪ ،.‬والاهتمام َ بالمشاك ِ‬
‫‪23٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل العقلي ّة ِ المع ّقدة ِ‪ ،‬يرونَ أنفس َهم‬


‫المهارات الجسمي ّة ِ أو المشاك ِ‬
‫ِ‬

‫اجتماعي ّينَ‪ ،‬ومرنينَ‪ ،‬ومرحينَ‪ ،‬ومحافظينَ‪ ،‬وهم مسؤولونَ‪،‬‬

‫ل التي تتضمّن‬
‫جزونَ‪ ،‬ومتقب ّلونَ لذواتِهم‪ ،‬يرغبونَ بالأعما ِ‬
‫م ُن ِ‬

‫ل أخصائي خدمة ٍ اجتماعي ّة ٍ‪ ،‬مرشدٍ‪،‬‬


‫مساعدة َ الآخرين مث َ‬

‫س‪ .‬أحيانا ً يعب ّ َر ُ عن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب (الم ُسَان ِد‬


‫م ُدرّ ٍ‬

‫‪.)Supportive‬‬

‫ات في‬
‫ن الذكاء ِ‬
‫نسب مختلفة ٍ م ِ َ‬
‫ٍ‬ ‫ن وجود َ‬
‫ل يا أم ّي أ ّ‬
‫‪-‬أرى بالفع ِ‬
‫ص الواحدِ تعطيه ِ طاب َعا ً م ُعي ّنا ً واتّ جاها ً في اختيارِ المهنة ِ‪،‬‬
‫الشخ ِ‬

‫ص فيعطيه ِ‬
‫ن هناك َ ذكاء ً أو أكثر َ يكونُ عاليا ً عند َ الشخ ِ‬
‫وأ ّ‬

‫التوجه َ العامّ أو السمة َ العامّة َ‪ ،‬أمّا الذكاءاتُ الأخرى التي‬

‫ل أكثر َ‪.‬‬
‫ل أخرى حيثُ تح ّدد ُ الميو َ‬
‫ل فتضفي تفاصي َ‬
‫بنسب أق ّ‬
‫ٍ‬

‫ك؟‬
‫أليس كذل َ‬
‫َ‬

‫الأنماط‬
‫َ‬ ‫ج رائ ٌع ج ّدا ً يا بنتي‪ .‬ل ِ‬
‫نتابع‬ ‫ح‪ ،‬ماشاء َ الل ّه‪ ،‬استنتا ٌ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫‪237‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الأخرى‪:‬‬

‫النمط المغامر ‪Enterprising Type‬‬


‫‪ُ -5‬‬

‫ح‬
‫ق ممارسة ِ أنشطة ٍ تسم ُ‬
‫الأفراد هنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ‬

‫س‪ ،‬والاندفاعي ّة ِ‬
‫ن المغامرة ِ‪ ،‬والسيطرة ِ‪ ،‬والحما ِ‬
‫لهم بالتعبير ِ ع ِ‬
‫ِ‬
‫الإقناع‪ ،‬لديهم‬ ‫صفونَ بأ ّنهم قادرونَ على‬
‫وقيادة ِ الآخرين‪ ،‬يو َ‬

‫قدرة ٌ لفظي ّة ٌ‪ ،‬انبساطي ّون‪ ،‬واثقونَ بأنفس ِهم‪ ،‬متقب ّلون لها‪،‬‬

‫ن التي فيها بي ٌع‪ ،‬أو‬


‫جريئون‪ ،‬واستعراضي ّون‪ .‬يفضّ لونَ المه َ‬

‫ل على‬
‫إشراف‪ ،‬أو قيادة ٌ تشب ُع حاجت َهم للسيطرة ِ والحصو ِ‬
‫ٌ‬

‫ل‬
‫صاحب أعما ٍ‬
‫ِ‬ ‫مبيعات‪ ،‬أو‬
‫ٍ‬ ‫ندوب‬
‫ِ‬ ‫الاعتراف وإظهارِ القو ّة ِ (كم‬
‫ِ‬

‫أو شركة ٍ)‪ .‬أحيانا ً يعب ّر ُ عن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب (الإقناعيّ‬

‫‪.) Persuasive‬‬

‫النمط التقليديّ ‪Conventional Type‬‬


‫‪ُ -٢‬‬

‫ق اختيارِ الأنشطة ِ التي‬


‫الأفراد ُ ه ُنا يتفاعلونَ م َع البيئة ِ عن طر ي ِ‬
‫‪238‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل م َع‬
‫ن الاجتماعيّ‪ ،‬طر يقت ُهم في التعام ِ‬
‫تؤدّي إلى الاستحسا ِ‬
‫‪1‬‬
‫‪ .‬يعطون‬ ‫ليس بها أصالة‬
‫المواقف روتيني ّة ٌ وتقليدي ّة ٌ وصحيحة ٌ َ‬
‫ِ‬

‫ظمين‪ ،‬وهم ُ اجتماعي ّون ومحافظون‪.‬‬


‫انطباعا ً حسنا ً بكونِهم من ّ‬

‫يفضّ لون الأنشطة َ السكرتار ي ّة َ والتنظيمي ّة َ التي تتطل ّبُ تنظيم َ‬

‫والبيانات‪ ،‬و يضعونَ قيمة ً عالية ً على الأمورِ‬


‫ِ‬ ‫المعلومات‬
‫ِ‬

‫الاقتصادي ّة ِ‪ ،‬يرونَ أنفس َهم أ ّنهم غير ُ مرنين‪ ،‬وهم مستقر ّونَ‪،‬‬

‫ي‪ ،‬يميلونَ‬
‫ن الاستعدادِ اللفظ ّ‬
‫ي أكثر َ م ِ َ‬
‫ولديهم ُ استعداد ٌ ر ياض ّ‬

‫والتعليمات‪ ،‬يعملونَ‬
‫ِ‬ ‫إلى الروتينِ وين ّفذونَ الأنظمة َ والقواعد َ‬

‫ف الواضحة َ‬
‫حاب السلطة ِ والنفوذِ‪ ،‬يفضّ لونَ المهامّ والوظائ َ‬
‫م َع أص ِ‬

‫غموض‪ ،‬أحيانا ي ُعب ّر ُ عن هذا النمطِ أو التوجّه ِ ب‬


‫ٌ‬ ‫ليس فيها‬
‫التي َ‬

‫ل ‪.)Conforming‬‬ ‫(الم ُ ِ‬
‫طيع أو الم ُمتث ِ‬

‫الأنماط الثلاث َة َ الأولى لم َن ذكاؤ ُه ُ الذاتيّ‬


‫َ‬ ‫ن‬
‫ل يا أم ّي أجد ُ أ ّ‬
‫‪-‬بالفع ِ‬

‫‪239‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الأنماط الثلاثة ُ الأخيرة ُ فلذوي‬


‫ُ‬ ‫ل ج ّداً‪ ،‬وأمّا‬
‫أو الداخليّ عا ٍ‬

‫الذكاء ِ الاجتماع ِيّ العالي‪ ،‬ثم ّ يتمايزونَ حسبَ الذكاءا ِ‬


‫ت‬

‫أليس‬
‫َ‬ ‫ي‪،‬‬
‫لغوي أو منطقيٍّ أو حرك ٍيّ وحس ّ‬
‫ٍّ‬ ‫الأخرى م ِن ذكاء ٍ‬

‫كذلك؟‬

‫ل رائ ٌع؛ أرى أن ّكِ تمل كينَ ذكاء ً‬


‫ح يا بنتي‪ ،‬ما شاء َ الل ّه تحلي ٌ‬ ‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫لنتابع المقا َ‬ ‫ر ياضي ّا ً عالياً‪.‬‬

‫ف تحتَ أحدِ تلكَ‬


‫ن أن ي ُصن ّ َ‬ ‫ن أيّ شخ ٍ‬
‫ص يمك ُ‬ ‫يرى هولاند أ ّ‬

‫الأنماطِ إمّا بواسطة ِ ميوله ِ التعليمي ّة ِ أو المهني ّة ِ أو بواسطة ِ‬

‫ل‬
‫س الميو ِ‬
‫ل عليها عند َ أخذِه ِ لأحدِ مقايي ِ‬
‫الدرجات التي يحص ُ‬
‫ِ‬

‫المهني ّة ِ‪.‬‬

‫بيئات مهني ّة ٍ‪:‬‬


‫ٍ‬ ‫ست‬
‫وهناك َ ّ‬

‫ل واحدة ٍ لها‬
‫بيئات مهني ّة ٍ ك ّ‬
‫ٍ‬ ‫ست‬
‫ّ‬ ‫الأنماط الست ّة َ‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫ل تل َ‬
‫يقاب ُ‬

‫خصائص تمي ّز ُ الأش َ‬


‫خاص الذين يعملونَ بها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫بات معي ّنة ٌ ولها‬
‫متطل ّ ٌ‬
‫‪241‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪-1‬البيئة ُ الواقعي ّة ُ ‪Realistic Environment‬‬

‫مهارات ميكانيكي ّة ٍ ومثابرة ٍ‬


‫ٍ‬ ‫الأنشطة ُ ه ُنا حسي ّة ٌ جسمي ّة ٌ تتطل ّبُ‬

‫ل‬
‫المهارات الاجتماعي ّة ِ‪ ،‬مث ُ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫وحركة ٍ جسمي ّة ٍ‪ ،‬وح ٍّد أدنى م ِ َ‬

‫ل حلاقة ٍ‪،‬‬
‫محطة ِ بنزين‪ ،‬ميكانيكا‪ ،‬مزرعة ٍ‪ ،‬شركة ِ بناء‪ ،‬مح ّ ِ‬
‫الآلات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ل مع‬
‫ن وآلات‪ ..‬الخ‪ .‬العم ُ‬
‫ل مكائ َ‬
‫سباكة ٍ‪ ،‬تشغي ُ‬

‫الطائرات‪ ،‬زراعة ٍ‪ ،‬وهندسة الخ‪...‬‬


‫ِ‬ ‫ارات‪ ،‬و‬
‫ارات‪ ،‬والسي ّ ِ‬
‫والجر ّ ِ‬

‫‪-2‬البيئة ُ البحثي ّة ُ ‪Investigative Environment‬‬

‫ن‬
‫القدرات المجر ّدة ِ والإبداعي ّة ِ بدلا ً م ِ َ‬
‫ِ‬ ‫تتطل ّبُ استخدام َ‬

‫دراكات الشخصي ّة ِ‪ ،‬والأداء ُ الم ُرضي يتطل ّبُ الذكاء َ‬


‫ِ‬ ‫الإ‬

‫ل‬
‫تح ّ‬
‫ئج؛ و ُ‬
‫ل‪ ،‬أمّا الإنجاز ُ فيتطل ّبُ وقتا ً طو يلا ً لرؤ ية ِ النتا ِ‬
‫والتخي ّ َ‬

‫ل‬
‫ل العقلي ّة ِ؛ و يكونُ العم ُ‬
‫القدرات والوسائ ِ‬
‫ِ‬ ‫ل باستخدا ِم‬
‫المشاك ُ‬

‫مع الأفكارِ والأشياء ِ وليس م َع النا ِ‬


‫س‪.‬‬

‫حوث‪ ،‬مكتبة ٌ‪ ،‬جماعة ُ‬


‫ل‪ :‬مختبر ٌ أو مركز ُ ب ٍ‬
‫ن العم ِ‬
‫أمثلة ٌ على أماك ِ‬
‫‪241‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حث‪ ،‬بيئة ُ العلماء ِ والفلاسفة ِ‪.‬‬


‫ب ِ‬

‫ح بالنسبة ِ لي‪ .‬ماهي البيئاتُ‬


‫‪-‬رائ ٌع يا أم ّي ‪ ..‬الأمرُ بدأ يت ّض ُ‬

‫الأخرى؟‬

‫‪-3‬البيئة ُ الفن ّي ّة ُ ‪Artistic Environment‬‬

‫ل الأدبي ّة ِ‪ ،‬واستخدام َ‬
‫تتطل ّبُ الاستخدام َ الإبداعيّ للأشكا ِ‬

‫س‪ ،‬والعاطفة ِ‪ ،‬والاعتماد َ على معايير َ ذاتي ّة ٍ‬


‫المعرفة ِ‪ ،‬والحد ِ‬

‫ل‬
‫ل يتطل ّبُ التزاما ًعميقا ًطو ي َ‬
‫المعلومات؛ العم ُ‬
‫ِ‬ ‫وشخصي ّة ٍ للحكم ِ على‬

‫ح‪ ،‬استديو فن ّيّ أو‬


‫ل‪ :‬مسر ٌ‬
‫ن العم ِ‬
‫المدى؛ أمّا أمثلة ُ أماك ِ‬
‫ن‪ ،‬قسم ُ الموسيقا‪ ،‬وهي بيئة ُ الفن ّانينَ‪،‬‬
‫موسيقيّ ‪ ،‬مركز ُ فنو ٍ‬

‫والموسيقي ّينَ والمنشدين‪ ،‬والممث ّلينَ‪ ،‬والرسّ امين‪.‬‬

‫‪-4‬البيئة ُ الاجتماعي ّة ُ ‪Social Environment‬‬

‫ك الإنسان ِيّ‪ ،‬ورغبة ً في‬


‫ل وتفسير ِ السلو ِ‬
‫تتطل ّبُ القدرة َ على تعدي ِ‬

‫‪242‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل م َع الآخرين؛‬
‫الاهتما ِم والتعام ِ‬
‫علاقات شخصي ّة ً متكر ّرة ً وطو يلة َ الأمدِ؛ ومخاطر ُ‬
‫ٍ‬ ‫ل‬
‫يتطل ّب العم ُ‬

‫ل الرئيسي ّة ُ مخاطر ٌ انفعالي ّة ٌ وعاطفي ّة ٌ كقاعة ٍ ص ّفيّة ٍ‪ ،‬وقاعة ِ‬


‫العم ِ‬
‫حاضرات في جامعة ٍ‪ ،‬ومكاتبِ إرشادٍ‪ ،‬ومستشفى للصح ّة ِ‬
‫ٍ‬ ‫م‬
‫النفسي ّة ِ‪ ،‬ومكاتبِ الدعوة ِ والإرشادِ الدين ّي‪ ،‬ومكاتبَ تعليمي ّة ٍ‬

‫س‪ ،‬والأخصائ ِيّ‬ ‫ِ‬


‫والترويح‪ :‬وهي بيئة ُ المدرّ ِ‬ ‫أو مراكز ِ الاستجما ِم‬

‫ي‪ ،‬والموجّه ِ المهن ِيّ‪ ..‬الخ‪.‬‬


‫الاجتماع ِيّ أو النفس ِ ّ‬

‫ِ‬
‫الإقناع ‪Enterprising Environment‬‬ ‫‪-5‬بيئة ُ المغامرة ِ أو‬

‫ِ‬
‫إقناع الآخرين؛ و يتطل ّبُ‬ ‫مهارات لفظي ّة ً لتوجيه ِ أو‬
‫ٍ‬ ‫تتطل ّبُ‬

‫خطيط الأنشطة ِ التي يقوم ُ بها الآخرونَ أو‬


‫ل توجيه َ أو ت َ‬
‫العم ُ‬

‫ل م َع الآخرين ول كن على مستوىً‬


‫التحكّم َ فيها رغبة ً في التعام ِ‬
‫ن‬
‫مكتب عقارٍ‪ ،‬ومكا ِ‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫ي مقارنة ً بالبيئة ِ الاجتماعي ّة ِ‪ ،‬مث ُ‬
‫سطح ٍ ّ‬

‫مبيعات‪ ،‬إدارة ِ‬
‫ٍ‬ ‫ن‪ ،‬وإدارة ِ‬
‫ارات‪ ،‬وشركة ِ دعاية ٍ وإعلا ٍ‬ ‫ِ‬
‫بيع سي ّ ٍ‬

‫‪243‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬ ‫ل الخ‪ .‬وهي بيئة ُ السياسي ّينَ ومدراء ِ الأعما ِ‬


‫ل ورجا ِ‬ ‫أعما ٍ‬

‫ن والمحاماة‪.‬‬
‫ل القانو ِ‬
‫المبيعات ورجا ِ‬
‫ِ‬

‫‪-٢‬البيئة ُ التقليدي ّة ُ ‪Conventional Environment‬‬

‫علومات اللفظي ّة ِ‬
‫ِ‬ ‫تتطل ّبُ تعاملا ً م ُنتظما ً وروتيني ّا ً ومحسوسا ً م َع الم‬
‫والر ياضي ّة ِ والأرقا ِم؛ مهامّها متكررّة ٌ وقصيرة ُ المدى وبات ّ ِ‬
‫باع‬

‫ن‬
‫مهارات اجتماعي ّة ً قليلة ً حيثُ إ ّ‬
‫ٍ‬ ‫إجراءات واضحة ٍ‪ ،‬تتطل ّبُ‬
‫ٍ‬

‫ل‪ :‬شركة ِ محاسبة ٍ‪،‬‬


‫المكتب‪ .‬مث ُ‬
‫ِ‬ ‫وأدوات‬
‫ِ‬ ‫جهيزات‬
‫ِ‬ ‫ل م َع ت‬
‫العم َ‬

‫ل‪ ،‬وسكرتار ية‪،‬‬


‫مكتب عم ٍ‬
‫ِ‬ ‫ات‪،‬‬
‫مكتب بريدٍ‪ ،‬وغرفة ِ مل ّف ٍ‬
‫ِ‬ ‫و‬

‫اف بنكٍ الخ‪ .‬بيئة ٌ يغلبُ عليها الاهتمام ُ‬


‫ل‪ ،‬وصرّ ِ‬
‫واستقبا ٍ‬

‫والتعليمات والروتين (محاسبة ٌ‪ ،‬واقتصاد ٌ‪ ،‬وسكرتار ية‪،‬‬


‫ِ‬ ‫بالقواعدِ‬

‫ل مكتبي ّة)‪.‬‬
‫وأعما ٌ‬

‫ق بها أفراد ٌ‬
‫البيئات السابقة ِ يلتح ُ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫ل بيئة ٍ م ِ َ‬
‫نك ّ‬
‫ح هولاند أ ّ‬
‫يقتر ُ‬

‫فترض أ ّنهم‬
‫ك البيئة ِ‪ ،‬و ي ُ ُ‬ ‫شخصي ّاتُهم شبيهة ٌ بشخصي ّ ِ‬
‫ات تل َ‬

‫‪244‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫سيسعدونَ وينتجونَ في بيئة ٍ مناسبة ٍ لنمطِ شخصي ّاتِهم‪ ،‬و يكونونَ‬

‫نمط شخصي ّاتِهم‪.‬‬


‫ن أو م ُنت ِجينَ في بيئة ٍ لا تناسبُ َ‬
‫غير َ سعيدي َ‬

‫ن رأي ّه ُكانَ صائبا ً يا أم ّي‪ ،‬بق َي عليّ أن أقوم َ باختبارِ‬


‫‪-‬أظنّ أ ّ‬

‫الذكاءات المتع ّددة ِ واختبارِ هولاند‪.‬‬


‫ِ‬

‫ارات‪ ،‬كما‬
‫س هذه ِ الاختب ِ‬
‫هل تعرفينَ المواق َع التي تقوم ُ بقيا ِ‬

‫أخبرتني؟‬

‫ك الموق َع‪ ،‬إن ّه موق ٌع موثوقٌ لمنتدى‬


‫‪-‬نعم يا بنتي‪ ،‬لقد فتحتُ ل ِ‬
‫س النفسي ّة ِ‪ ..‬ها هو‪.‬‬
‫المقايي ِ‬
‫و ل كن ألم تلاحظي شيئا ً آخر َ يمكن ُكِ أن تستنتجيه ِ مم ّا سبق؟‬

‫‪-‬لا ‪ ،‬ما هو يا أم ّي؟‬

‫ل‪ ،‬أي لا يوجد ُ‬


‫ات ليس للتفضي ِ‬ ‫ِ‬
‫أنواع الشخصي ّ ِ‬ ‫اختلاف‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫صنف ٍ‬
‫لنوع معي ّنٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬
‫حك ّ‬
‫ل من الآخر‪ ...‬وإنّما يصل ُ‬
‫صنف أفض ُ‬
‫ٌ‬

‫فاختلاف أنماطِ‬
‫ُ‬ ‫ن يكونُ فيها أكثر َ إنتاجا ً وإبداعا ً‪..‬‬
‫ن المه ِ‬
‫مِ َ‬
‫‪245‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل مهامّ ِنا‪ ،‬أي لنكونَ متكاملينَ في مهارات ِنا‪،‬‬ ‫شخصي ّاتنا و ُ ِ‬


‫جد َ لتكام ِ‬
‫ل‬
‫ق هو الذي يمُي ّز ُ المجا َ‬
‫ضنا بعضا ً؛ ل كنّ الإنسانَ الموف ّ َ‬
‫يش ّد بع ُ‬

‫ق قدرات ِه ِ التي أنعم َ الل ّه ُ بها عليه ِ‪،‬‬


‫الذي يجيد ُه ويبدع ُ فيه ِ وف َ‬

‫ل شخ ٍ‬
‫ص لميوله ِ‬ ‫والمجتم ُع الناجح ُ هو الذي يساعد ُ في معرفة ِ ك ّ ِ‬
‫المناسب في موضع ِه ِ‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫لوضع الإنسا ِ‬ ‫ومهنت ِه ِ‪ ،‬ثم ّ يوف ّر ُ ف ُرصا ً‬

‫ل فردٍ‬
‫ك ك ِّ‬
‫المسافات لإدرا ِ‬
‫ِ‬ ‫ل‪ ،‬فيختصر ُ‬
‫المناسب بأيسر ِ السب ُ ِ‬
‫ِ‬

‫ل المناسبة ِ‪ ،‬كما‬
‫فرص العم ِ‬
‫َ‬ ‫ل إبداع ِه ِ ومهارات ِه ِ‪ ،‬و يق ّدم ُ له ُ‬
‫مجا َ‬

‫ف ليكونَ‬
‫ل على تطوير ِ نقاطِ القو ّة ِ وتحسينِ نقاطِ الضع ِ‬
‫يعم ُ‬

‫أكثر َ إنتاجا ً‪.‬‬

‫بالقدرات أو‬
‫ِ‬ ‫ج‪ ( ..‬لا ت َباهي‬
‫‪-‬اممم ‪ ...‬هامّ ج ّدا ً هذا الاستنتا ُ‬

‫ق له)‪.‬‬
‫ل ميس ّر ٌ ل ِما خ ُل ِ َ‬
‫المناصب‪ ...‬ك ّ‬
‫ِ‬

‫‪-‬تماما ً يا بنتي‪ ..‬أرأيتِ ؟ نظرة ٌ صحيحة ٌ لإمكانات ِنا وعطاء ِ الل ّه ِ‬

‫اختلاف قدرات ِنا تجعلُنا متكاملينَ في العطاء ِ والعم ِ‬


‫ل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬
‫وغايت ِه ِ م ِ َ‬

‫‪24٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ض!‬
‫ل بع ٍ‬
‫ضنا عم َ‬
‫ن‪ ،‬ولا يحقر ُ بع ُ‬
‫لا متفاضلينَ‪ ،‬أو متكب ّري َ‬

‫صاحب صنعة ٍ أو‬


‫ِ‬ ‫س أو المعل ّم ِ أو‬
‫للطبيب على المهند ِ‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫فلا فض َ‬
‫ل نظافة ٍ‪ ،‬جميع ُنا لنا دور ٌ هامّ في الم ِ‬
‫جتمع‪ ،‬ونتفاضلُ بمدى‬ ‫عام ِ‬
‫ل‪ ..‬هذا المفهوم ُ‬
‫ل‪ ،‬لا في طبيعة ِ العم ِ‬
‫إتقانِنا وإخلاصِنا في العم ِ‬
‫يا بنتي هو سبيلُ الرق ِيّ والنهضة ِ بمجتمعات ِنا ورؤي ِتها الصحيحة ِ‬

‫خلص‬
‫ل من ّا دور َه ُ في الحياة ِ فيتقن َه ُ و ي َ‬
‫ل؛ لاب ّد أن يدرك َ ك ّ‬
‫للعم ِ‬
‫لل ّه ِ‪ ،‬فينا َ‬
‫ل رفعة َ الدنيا والآخرة ِ معاً‪.‬‬

‫ن ومجتمع ِه ِ‬
‫ل أن ينظر َ الإنسانُ إلى ال كو ِ‬
‫‪ -‬رائ ٌع يا أم ّي‪ ،‬ما أجم َ‬

‫ضه‬
‫ن م َع العلم ِ! يش ّد بع ُ‬
‫ل الدي ُ‬
‫ل أن يتكام َ‬
‫بعينٍ صحيحة ٍ‪ ،‬ما أجم َ‬

‫ك يا أمّاه على هذه ِ اللفتة ِ الرائعة ِ‪.‬‬


‫بعضاً‪ ...‬شكرا ً ل ِ‬
‫الصف وصديقات ِي ‪ ..‬فأنا‬
‫ِّ‬ ‫سأنشر ما تعل ّمت ُه ُ اليوم َ بينَ زميلاتي في‬

‫ل لغز َ الحياة ِ‪،‬‬


‫الآنَ أشعر ُ براحة ٍكبيرة ٍ‪ ،‬إذ إن ّي يوما ً بعد َ يو ٍم أح ّ‬
‫ِ‬
‫لمجتمع م ِن حولي‪ ،‬وهذا بالضبطِ ما يحتاج ُه ُ م َن‬‫وأزداد ُ فهما ً ل‬

‫‪247‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل عمري‪.‬‬
‫في مث ِ‬

‫ت فينا ق ِي َما ً جميلة ً منذ ُ الصغرِ‪،‬‬


‫ألاحظ يا أم ّي أن ّكِ قد بني ِ‬
‫ُ‬ ‫إن ّني‬

‫القيم‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫ول كن ّي أستغربُ م ِن نفسي أن ّني رغم َ ما ترب ّيتُ عليه ِ م ِ َ‬

‫ل أو يبحثُ عنها‪...‬‬
‫ن عقلي َ الآنَ بدأ يتساء ُ‬
‫لسنوات عديدة ٍ‪ ،‬إلا أ ّ‬
‫ٍ‬

‫قيم علمت ِني‬


‫إن ّي أستغربُ م ِن نفسي‪ ،‬فأنا الآنَ أتصارع ُ معها على ٍ‬
‫ق! أو هل عليّ‬
‫ل هل هي َ صالحة ٌ للتطبي ِ‬
‫إ ي ّاها منذ ُ الصغرِ‪ ،‬وأتساء ُ‬

‫ك غريبا ً يا أم ّي؟‬
‫أليس ذل َ‬
‫َ‬ ‫أن ألز ِم َ نفسي َ بها؟‬

‫ليس غريباً‪.‬‬
‫‪-‬لا َ‬

‫كيف وأنا قد ترب ّيتُ عليها!‬


‫َ‬ ‫‪-‬ح ّقاً؟‬

‫جكِ‬
‫ل قدرات ِكِ العقلي ّة ِ ونض ِ‬
‫‪-‬لأن ّكِ الآنَ يا بنتي في طورِ اكتما ِ‬

‫ن‬
‫ل عن أشياء َ تم ّ إدخال ُها إليه ِ بدو ِ‬
‫الفكري‪ ،‬لقد بدأ عقل ُكِ يتساء ُ‬
‫ِّ‬
‫ك أن‬ ‫وعي منه ُ! وهذا طبيعيّ في مرحلة ِ عمرِك‪ ..‬إذ لاب ّد ل ِ‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫اقتناع‪ ،‬وقيم َكِ عن م ُعتق َدٍ يعتمد ُ على فه ٍم‬ ‫ن‬
‫تختاري دين َكِ ع ِ‬
‫‪248‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫القيم في الحياة ِ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ك‬
‫ك حقيقيٍّ لأهمي ّة ِ تل َ‬
‫ودراية ٍ وإدرا ٍ‬

‫قيم حيات ِكِ التي ترغبينَ أن‬


‫في هذه ِ المرحلة ِ يا بنتي يتم ّ اختيار ُ ِ‬
‫تصوغي حيات َكِ وشخصي ّتكِ وفق َها؛ لذل َ‬
‫ك هذه ِ المرحلة ُ مُهمّة ٌ‪،‬‬

‫رت على‬‫ح وف ّ ِ‬
‫ق الصحي َ‬ ‫واخترت القيم َ والطر ي َ‬
‫ِ‬ ‫وإن وف ّقكِ الل ّه ُ‬
‫جازات رائعة ً‬
‫ٍ‬ ‫ت إن‬
‫ل‪ ،‬وح ّقق ِ‬ ‫سكِ عناء َ تصويبِ أخطاء ِ المستقب ِ‬ ‫نف ِ‬

‫ن أهمي ّة ُ هذه المرحلة ِ م ِن عمرِك‪ ،‬إ ّنها‬


‫أثناء َ حياتكِ ؛ وم ِن ه ُنا تكم ُ‬

‫ك إن ق ّدم َ المجتمعُ‬
‫والقيم‪ ،‬لذل َ‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫مرحلة ُ الاختيارِ‪ ..‬اختيارِ الطر ي ِ‬

‫ل الأسئلة ِ سي ُجن ّبُ الناشئة َ‬


‫ك أجوبة ً عن ك ّ ِ‬
‫ل عمرِ ِ‬
‫لم َن في مث ِ‬
‫ل‬
‫الصراعات الداخلي ّة ِ وسيضع ُهم على أ ّو ِ‬
‫ِ‬ ‫ال كثير َ م ِن عناء ِ‬
‫ِ‬
‫النجاح والفوزِ في الدنيا والآخرة ِ‪.‬‬ ‫خطوات‬
‫ِ‬

‫‪-‬كم أنا محاطة ٌ بنعمة ٍكبيرة ٍ يا أم ّي لم أكن أشعر ُ بعظمِها‪ .‬نعم أنا‬

‫ن والرحمة ِ والرعاية ِ الشيء َ‬


‫ن الحنا ِ‬
‫ت عليّ م ِ َ‬
‫أحب ّكِ لأن ّكِ أفض ِ‬

‫ال كثير َ ‪ ...‬ل كنّ النعمة َ الع ُظمى هي هذه ِ الحواراتُ التي تجيبني‬

‫ل‬
‫نك ّ‬
‫حرج؛ أتمن ّى لو أ ّ‬
‫ٍ‬ ‫ل ما يخطر ُ ببالي دونَ أدنى‬
‫فيها عن ك ّ ِ‬
‫‪249‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل خيرٍ ‪.‬‬
‫ك عن ّي ك ّ‬
‫أ ٍمّ مثل ُك‪ .‬أكرم َكِ الل ّه ُ وجزا ِ‬

‫الحمد ُ لل ّه ِ أن أكرم َني بك ‪ ..‬هات ِي يد َ ِ‬


‫ك أقب ّلها يا حبيبتي‪.‬‬

‫‪ -‬رضي َ الل ّه ُ عنك يا بنتي ووف ّق َكِ لما يحب ّه ُ و يرضاه ُ‪ ،‬وأسعدك‬

‫الذكاءات‬
‫ِ‬ ‫اختبارات الشخصي ّة ِ و‬
‫ِ‬ ‫في الدنيا والآخرة ِ‪ .‬هي ّا قو ِمي ب‬

‫ل‬
‫عف فنعم َ‬
‫ن القوة ِ لديكِ فننمي َها ونقاطِ الض ِ‬
‫ّف على مواط ِ‬
‫لنتعر َ‬

‫على تحسين ِها‪.‬‬

‫بالنتائج‪ ..‬أنا عظيمة ُ‬


‫ِ‬ ‫ك‬
‫الاختبارات وأخبر ُ ِ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬حسنا ً يا أم ّي سأقوم ُ ب‬

‫ق‪ ،‬ولأقارنَ بينَ ما‬


‫ل مح ّددٍ ودقي ٍ‬
‫لأعرف م ُيولي َ بشك ٍ‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫الشو ِ‬

‫ونتائج الاختبار َين‪.‬‬


‫ِ‬ ‫توق ّعت ُه‬

‫‪251‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪– 15 -‬‬

‫القرار يمكنُ اكتسابُها باملعرفةُ الصحيحةُ والتدربُ عليها) ُ‬


‫ُ‬ ‫(مهارةُ‬

‫الهاتف وأنا شاردة ُ الذهن‪.‬‬


‫ِ‬ ‫أغلقتُ سم ّاعة َ‬

‫‪-‬ما بكِ يا علا؟‬

‫‪-‬لا شيء َ يا أم ّي‪ ،‬رفيقتي هند ُ‪ ،‬أخت ُها تُجابه ُ قرارا ً صعبا ً‪ ،‬ك ن ّا‬

‫نتح ّدثُ بشأنه ِ‪ ،‬فقد تق ّدم َ لخطبت ِها ش ٌ‬


‫خص‪ ،‬وهي حائرة ٌ ولا‬

‫‪251‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬
‫ن عمر َها لا يق ّ‬
‫كيف عليها أن ت ّتخذ َ قرار َها‪ ،‬رغم َ أ ّ‬
‫َ‬ ‫تعرف‬
‫ُ‬

‫ن الثانية ِ والعشرين‪.‬‬
‫ع ِ‬

‫سم َت أم ّي قائلة ً‪:‬‬


‫تب ّ‬

‫ت صاحبت َه؟‬
‫‪ -‬و هل ساعدتِها باتّ خاذِ القرارِ أم كن ِ‬

‫سمتُ رغم َ شرودي‪:‬‬


‫تب ّ‬

‫كيف ي ُ ّتخذ ُ القرار ُ‬


‫َ‬ ‫ل عا ٍمّ‬
‫‪-‬لا يا أم ّي ‪ ..‬هند ُ كان َت تسأل ُني بشك ٍ‬
‫ك لعلم ِها أن ّي أطال ُع كثيرا ً م ِن هذه ِ العلو ِم‬
‫ح‪ ،‬وذل َ‬
‫الصحي ُ‬

‫الحديثة ِ‪.‬‬

‫‪-‬ما شاء َ الل ّه ‪ ...‬وهل أجبت ِها؟‬

‫ك أنا أفك ّر ُ‪ ،‬يا ت ُرى ماهي الخطواتُ الصحيحة‬


‫‪-‬لا يا أم ّي‪ ،‬لذل َ‬

‫قرارات مصير ي ّة ٌ‬
‫ٌ‬ ‫لاتّ خاذِ القرارِ؟ حت ّى لا يندم َ المرء ُ‪ ،‬فهناك َ‬

‫ل كبيرٍ‪.‬‬
‫ل هذا القرارِ الذي سيؤث ّر ُ على مستقبل ِها بشك ٍ‬
‫مث ُ‬
‫‪252‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫خطوات اتّ خاذِ القرار؟‬


‫ِ‬ ‫ح يا علا‪ .‬ألم تبحثي عن‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ك‪ .‬هل تساعدين َني؟‬


‫ل ذل َ‬
‫ليس بعد ُ‪ ،‬ل كن ّي أنوي فع َ‬
‫‪-‬لا يا أم ّي َ‬

‫ن لديكِ خبرة ً طو يلة ً في ممارست ِها أنتِ وأبي‪.‬‬


‫لاب ّد أ ّ‬

‫‪-‬دعيني أ ّولا ًأنصح ُكِ بخطأ ٍ يقوم ُ به ِ ال كثيرونَ دونَ أن يشعروا‬

‫وهي نقطة ٌ ج ّدا ً هامّة‪.‬‬

‫‪-‬ما هي يا أم ّي؟‬

‫ل‬
‫ل مؤث ّرة ٌ‪ ،‬سلبا ً أو إ يجابا ً‪ ،‬عوام ُ‬
‫ل قرارٍ أو مشكلة ٍ عوام ُ‬
‫‪-‬لك ّ ٍ‬
‫ذاتي ّة ٌ شخصي ّة ٌ أو أسر ي ّة ٌ اجتماعي ّة ٌ أو اقتصادي ّة ٌ‪ ،‬انفعالي ّة ٌ‬

‫عاطفي ّة ٌ أو جسمي ّة ٌ‪ ......‬هل هذا صحيح؟‬

‫ل القرار َ صعبا ً عندما تكثر ُ هذه ِ‬


‫‪ -‬نعم يا أم ّي‪ ،‬وهذا ما يجع ُ‬

‫ك وتتع ّقد ُ‪ ،‬فلا يستطي ُع المرء ُ أن يمي ّز َ بين َها أو‬


‫ل وتتشاب ُ‬
‫العوام ُ‬

‫ل فيما يهتم ّ به ِ و يعتبر ُه ُ عاملا ً مؤث ّ ِرا ً في قرارِه‪.‬‬


‫يفاض َ‬

‫‪253‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل دونَ‬
‫ن المشكلة ُ‪ ،‬لاس ّيما عندما يسيطر ُ عام ٌ‬
‫‪-‬نعم وه ُنا تكم ُ‬

‫ب بورقة ٍ‬
‫ل مكتو ٍ‬
‫ل عام ٍ‬
‫آخر َ على تفكير ِنا؛ فلنشب ّه مثلا ً ك ّ‬

‫ن غالبا ً ما نق ُع فيه ِما‪:‬‬


‫ن اللتا ِ‬
‫منفصلة ٍ عن غير ِه‪ ..‬فالمشكلتا ِ‬

‫ق والنظر ُ إلى ورقة ٍ واحدة ٍ فقط‪.‬‬


‫خلط الأورا ِ‬
‫ُ‬

‫ح أكثر؟‬
‫‪-‬لم أفهم يا أم ّي‪ ،‬عذرا ً هل يمكن ُكِ الإيضا ُ‬

‫ن‬
‫ل في ورقة ٍ منفصلة ٍ‪ ...‬وأنتِ تريدي َ‬
‫ل عام ٍ‬
‫‪-‬كما قلنا‪ ،‬تخي ّلي ك ّ‬

‫ل‬
‫معلومات حو َ‬
‫ٍ‬ ‫خطوات أن تجمعي‬
‫ِ‬ ‫ل ال‬
‫أن ت ّتخذي قرارا ً‪ ،‬فأ ّو ُ‬

‫ل في ورقة ٍ‬
‫ل عام ٍ‬
‫ل المؤث ّرة ِ فيه ِ‪ ،‬ثم ّ ضعي ك ّ‬
‫القرارِ والعوام ِ‬
‫ل‬
‫ك م ِن عام ٍ‬
‫ل عشوائ ٍيّ في تفكير ِ ِ‬
‫منفصلة ٍ‪ ،‬ولا تنتقلي بشك ٍ‬
‫س‬
‫تشويش أو إحسا ٍ‬
‫ٍ‬ ‫لآخر َ كي لا يحصل ما قلت ُه ُ سابقا ً م ِن‬

‫الموقف وعد ِم القدرة ِ على اتّ خاذِ القرارِ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫بتع ّقدِ‬

‫ل مؤث ّرة ً‪ ،‬وتسيطر ُ على الفكر ِ‬


‫ل تكونُ بالفع ِ‬
‫‪-‬ول كنّ هذه ِ العوام َ‬

‫ل الإنسانُ بتفكير ِه ِ إليها‪.‬‬


‫و بلا قصدٍ ينتق ُ‬

‫‪254‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫البعض عند َ اتّ خاذِ قرارٍ‬


‫ُ‬ ‫‪-‬وهذه ِ هي المشكلة ُ التي يعاني منها‬

‫ل‬
‫ل المؤث ّرة ُ و يعتاد ُ صاحب ُه أن يُغل ّبَ العام َ‬
‫تتكاثر ُ فيه ِ العوام ُ‬

‫الانفعاليّ أكثر َ م ِن غير ِه ِ‪.‬‬

‫‪-‬آه ‪ ...‬فهمتُ ما تقصدين‪ ..‬اممم ‪ ..‬صحيح ‪ ،‬ول كن يا أم ّي‬

‫ي أو الانفعاليّ يؤث ّر ُ بش ّدة ٍ‪.‬‬


‫ل النفس ّ‬
‫ل فالعام ُ‬
‫بالفع ِ‬

‫ي أو‬
‫ل النفس ّ‬
‫ن العام َ‬
‫ن أن يدرِّبَ نفسَه ُ‪ ،‬و يعلّم َها أ ّ‬
‫‪-‬على الإنسا ِ‬

‫ل كغير ِه ِ‪ ..‬فإذا نظرنا إليه ِ‬


‫ل مؤث ّ ِر ٌ ل كن ّه ُ عام ٌ‬
‫الانفعاليّ هو عام ٌ‬

‫جانب أو زاو ية ٍ واحدة ٍ‪ ،‬وغالبا ً‬


‫ٍ‬ ‫فقط نكونُ كم َن ينظر ُ م ِن‬

‫س‬
‫هذه ِ الزاو ية ُ ليست واضحة َ الرؤ يا لأ ّنها تتأث ّر ُ بهوى النف ِ‬
‫حب أو شهوة ٍ‪..‬‬
‫ٍّ‬ ‫م ِن أل ٍم أو‬

‫ن فهي‬
‫ل أو العاطفة ِ هامّ ج ّدا ً لدى الإنسا ِ‬
‫ن دور َ الانفعا ِ‬
‫إ ّ‬

‫ل لحركت ِه ِ‪ ،‬ول كن علينا أن نتذك ّر َ أنها الدافع‬


‫المحرّك ُ أو المشغ ّ ُ‬

‫ل‬
‫والو َقود للحركة ِ‪ ،‬أمّا المقود ُ فيجبُ أن يسيطر َ عليه ِ العق ُ‬

‫‪255‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الموقف م ِن ج ِ‬
‫ميع‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الصحيح‪ ،‬فيرى‬ ‫و يقود َه ُ في الاتّ جاه ِ‬

‫ارات الأخرى بالتساوي وإلا‬ ‫ِ‬


‫جميع السي ّ ِ‬ ‫الزوايا‪ ،‬وينظر ُ إلى‬

‫فقد يصطدم ُ بسي ّارة ٍ لم ي ُعرها اهتمام َه!‬

‫ل الحماسة َ وتعطي الو َقود‬


‫‪-‬تشبيه ٌ رائ ٌع يا أم ّي‪ ...‬العاطفة ُ تشع ُ‬

‫ل المؤث ّرة ِ‪،‬‬


‫ل يرى جمي َع العوام ِ‬
‫ن‪ ،‬بينما العق َ‬
‫لحركة ِ الإنسا ِ‬

‫و يعطي َها وزنَها الحقيقيّ بالتساوي وكما هي ح ّقاً‪ ...‬رائ ٌع ياأم ّي‪.‬‬

‫ل عامّ؟‬
‫ن أستم ّد المعايير َ بشك ٍ‬
‫ول كن م ِن أي َ‬

‫ن‬
‫ل عامّ أ ّولا ً تُستم ّد م ِ َ‬
‫ل جي ّدٌ يا علا‪ .‬المعايير ُ بشك ٍ‬
‫‪-‬سؤا ٌ‬

‫ص‪،‬‬
‫يات هذا الشخ ِ‬
‫ل الهامّة ِ المؤث ّرة ِ في القرارِ‪ ،‬و أولو ِ‬
‫العوام ِ‬
‫ل‬
‫ل المعاييرِ لم َن يحم ُ‬
‫ن ومصلحة ُ الآخرة ِ في أوائ ِ‬
‫فيأتي الدي ُ‬

‫لهدف‬
‫ِ‬ ‫الاتّ جاه َ الدين ّي‪ ،‬ثم ّ الأولو ياتُ أو الأكثر تحقيق َا ً‬

‫ل‪ ،‬ثم ّ‬
‫الاختيارات والبدائ ِ‬
‫ِ‬ ‫ل المؤث ّرة ُ في‬
‫ص‪ ،‬أو العوام ُ‬
‫الشخ ِ‬

‫ن هذه ِ المعايير ِ‪ ،‬أي‬


‫تكونُ الخطوة ُ التي بعدها وهي توزي ُ‬

‫‪25٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ق‬
‫ل المتاحة ِ وف َ‬
‫إعطاؤ ُها وزنَها بالنسبة ِ لأهمي ّة ِ البدائ ِ‬
‫ل أو المعاييرِ‬
‫علامات للعوام ِ‬
‫ٍ‬ ‫الأهداف‪ ،‬يمكنكِ مثلا ً وض ُع‬
‫ِ‬

‫ك لتقدير ِ أ ّيهما‬
‫ل‪ ،‬ثم ّ حسابُها‪ ،‬وذل َ‬
‫ل بدي ٍ‬
‫م ِن ( ‪ ) 11- 1‬لك ّ ِ‬
‫فهمت عليّ؟‬
‫ِ‬ ‫أكثر ُ تحقيقا ً للمعايير ِ ‪ .‬هل‬

‫فأدرس أ ّيهما‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫ن مثلا ً أن ّه ُ إذا كانَ هناك بديلا ِ‬
‫‪-‬هل تقصدي َ‬

‫ل‬
‫ك قد قي ّمتُ البدائ َ‬
‫أكثر ُ فائدة ً أو تحقيقا ًللمعايير ِ فأكونُ بذل َ‬

‫ق المعايير ِ ؟‬
‫وف َ‬

‫ت‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬أحسن ِ‬

‫ل واحدٍ‬
‫‪-‬اممم ‪ ...‬ل كنّ الحالة َ ه ُنا يا أم ّي لا يوجد ُ فيها غير ُ بدي ٍ‬
‫هو ذاك َ الخاطبُ ‪.‬‬

‫ل‬
‫ك مهارة َ اتّ خاذِ القرارِ بشك ّ ٍ‬
‫حل ِ‬
‫ح‪ ،‬لقد آثرتُ أن أشر َ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ل م ِن‬
‫أخت رفيقت ِكِ فهي دراسة ُ هذا البدي ِ‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫عا ٍمّ‪ ..‬أمّا سؤا ُ‬

‫ل المؤث ّرة ِ دونَ أن تدعَ عاملا ً يسيطر ُ على‬


‫ختلف العوام ِ‬
‫م ِ‬
‫‪257‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ت‬
‫ج منها أن تنظر َ إلى الإ يجابي ّا ِ‬
‫ك يحتا ُ‬
‫البقي ّة ِ‪ ،‬وذل َ‬

‫ل المؤث ّرة ِ سلبا ً وإيجابا ً‪،‬‬


‫فتقيس جمي َع العوام ِ‬
‫َ‬ ‫ات‪،‬‬
‫والسلبي ّ ِ‬

‫ات‪ ،‬فأ ّيهما رجح َ تكونُ‬


‫ات والإ يجابي ّ ِ‬
‫ل بينَ السلبي ّ ِ‬
‫وت ُفاض َ‬

‫ال ك ّفة ُ الغالبة ُ‪.‬‬

‫ل أه ّم م ِن غير ِها أو هي مختلفة ٌ‬


‫‪-‬ل كن يا أم ّي هناك َ عوام ُ‬

‫فكيف نساوي بين َهم؟‬


‫َ‬ ‫ل شخ ٍ‬
‫ص‪،‬‬ ‫حسبَ أهم ّي ّت ِها عند َ ك ّ ِ‬

‫ختلف أهم ّي ّت ُها عند َ‬


‫كرت يا علا‪ ،‬طبعا ً هناك َ أمور ٌ ت ُ‬
‫ح ما ذ ِ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ق أهم ّي ّت ِها عند َ‬


‫ل وف َ‬ ‫ل شخ ٍ‬
‫ص‪ ،‬و ترتيبُ هذه ِ العوام ِ‬ ‫ك ِّ‬
‫ل أهم ّي ّة ً‬
‫ات أي نرت ّبُ الأه ّم فالأق ّ‬
‫ص ندعوها بالأولو ي ّ ِ‬
‫الشخ ِ‬

‫ل‬
‫وهكذا‪ ...‬فعند َ اتخاذِنا للقرارِ يمكن ُنا أن نرت ّبَ العوام َ‬

‫ات مشتركة ٌ‪،‬‬


‫ات؛ وهناك َ أولو ي ّ ٌ‬
‫ق هذه ِ الأولو ي ّ ِ‬
‫(المعايير ) وف َ‬

‫و يض ُع أولو ي ّة َ‬ ‫فمثلا ً في هذه ِ الحالة ِ يرت ّبُ لنا رسو ُل الل ّه ِ ‪‬‬
‫ل التي يجبُ أن نأخذ َها بعين ِ‬
‫ن في أعلى سل ّم ِ العوام ِ‬
‫الدي ِ‬

‫‪258‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الزواج‪ ،‬وهناك َ طبعا ً معيار ُ (ال كفاءة ِ)‬


‫ِ‬ ‫الاعتبارِ عند َ قرارِ‬

‫أي أن يكونَ كفوا ً لها‪ ،‬وهذا المعيار ُ ذكره ُ الفقهاء ُ في شروطِ‬

‫ل‪.‬‬
‫القبو ِ‬

‫‪-‬لقد وضح َت لي الفكرة ُ‪ .‬لاب ّد أن أسارعَ الآنَ لأتح ّدثَ مع‬

‫رفيقتي وأعلّم َها ما عل ّمت ِني إ ي ّاه ُ‪ ،‬لعل ّها تساعد ُ أخت َها في اتّ خاذِ‬

‫ك يا أم ّي‪.‬‬
‫القرارِ‪ ....‬شكرا ً ل ِ‬

‫‪-‬الحمد ُ لل ّه ِ‪ ..‬هي ّا يا بنتي‪ ،‬و ل كن لاتنس َي أن تذك ّر يها بالقيا ِم‬

‫ض أمر ِها لل ّه ِ‪.‬‬


‫بصلاة ِ الاستخارة ِ وتفو ي ِ‬

‫‪-‬شكرا ً يا أم ّي‪ ...‬صلاة ُ الاستخارة ِ هامّة ٌ ج ّداً‪.‬‬

‫ل عقله ِ‬
‫‪ -‬الإنسانُ يا بنتي يجتهد ُ – كما أمره ُ رب ّه ‪ -‬بإعما ِ‬

‫ّض أمرَه ُ إلى الل ّه ِ‪ ،‬و يطلبُ منه ُ‬


‫واستشارة ِ الآخرين‪ ،‬ثم ّ يفو ُ‬

‫الغيب والشهادة ِ‪ ،‬الحكيم ُ الخبير ُ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫العونَ والمدد َ فهو عالم ُ‬

‫‪259‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 1٢ -‬‬

‫ّ‬

‫ّ‬

‫أفكاركُ يتغيُ ُر‬


‫واملشاعر وليدةُ األفكار‪ ،‬غي ُر ُ‬
‫ُ‬ ‫(السلوكُ نتيجةُ املشاعرُ‪،‬‬
‫ومشاعرك) ُ‬
‫ُ‬ ‫سلوكُكُ‬

‫أفقتُ على كلا ِم أخي‪:‬‬

‫‪-‬ما بكِ يا أختي؟ لم أزل أتح ّدثُ معكِ وأنتِ شاردة ً عن ّي! لقد‬

‫ت كثيرة َ الشرودِ‪ ،‬وقليلا ً ما تلعبينَ معي؟‬


‫أصبح ِ‬

‫ك بش ّدة ٍ‪.‬‬
‫ك حقّ ‪ ..‬أعتذر ُ من َ‬
‫‪-‬عفوا ً يا أحمد‪ ..‬مع َ‬

‫‪2٢1‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن أن تلعبي معي قليلاً‪.‬‬


‫ن الممك ِ‬
‫‪-‬حسنا ً ‪ ..‬هل م َ‬

‫‪-‬هي ّا ‪....‬‬

‫س وجلستُ‬
‫أنهيتُ اللعبَ م َع أخي ثم ّ ذهبتُ إلى غرفة ِ الجلو ِ‬

‫قليلا ً م َع أم ّي‪.‬‬

‫ت اللعبَ مع أخيكِ ؟‬
‫‪ -‬أنهي ِ‬

‫‪-‬نعم يا أم ّي‪.‬‬

‫ك كثيرة َ الشرودِ هذه ِ الأيام‪.‬‬


‫‪-‬كأن ّني أرا ِ‬

‫حديث بينَ صديقاتي‬


‫ٍ‬ ‫‪-‬لا شيء َ يا أم ّي‪ ،‬أتذك ّر ُ وأفك ّر ُ ما دار َ م ِن‬

‫ل الفسحة ِ‪.‬‬
‫خلا َ‬

‫ن؟‬
‫‪ -‬ع ّم كنت ّن تتحدث َ‬

‫ئات؛ فئة ٌ ترى‬


‫نقاش حادّ ج ّدا ً بينَ فئتين‪ ،‬بل ثلاثة ِ ف ٍ‬
‫‪-‬لقد دار َ ٌ‬

‫‪2٢1‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن الشبابُ في هذا العمرِ يحقّ لنا أن نشعر َ باستقلالي ّت ِنا‬


‫أن ّنا نح ُ‬

‫القرارات دونَ تدخّل ِهم‪ ،‬وهؤلاء ِ ينافحونَ بش ّدة ٍ‬


‫ِ‬ ‫عن أهل ِنا‪ ،‬ونتخذ َ‬

‫وبأصوات‪.‬‬
‫ٍ‬

‫العقيم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫آه‪ .‬لقد كانت مناقشة ً م ُزعجة ً بأصواتِها ونقاش ِها‬

‫ل منها؟‬
‫الفئات؟ وما حج ّة ُك ّ ٍ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬وما هي بقي ّة ُ‬

‫والنقاش‪ ،‬فما إن بدأ الحوار ُ‬


‫َ‬ ‫‪-‬المشكلة ُ يا أم ّي أن ّنا لا نجيد ُ الحوار َ‬

‫ن و يلمزنَ و يوجهن الشتائم َ‬


‫علت الأصواتُ ‪ ،‬وبدأنَ يغمز ِ‬
‫ِ‬ ‫حت ّى‬
‫ِ‬
‫لتدافع‬ ‫النقاش با‬
‫ُ‬ ‫والكلمات اللاذعة ِ لبعضهنّ ‪ ،‬حت ّى انتهى‬
‫ِ‬

‫لأي نتيجة ٍ‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫ل‬
‫والتشابكِ بالأيدي دونَ الوصو ِ‬

‫ن احترا ِم رأي‬
‫طبعا ً الفئة ُ الثانية ُ ض ّد ُ الفئة ِ الأولى‪ ،‬فلاب ّد م ِ َ‬

‫جهونه ُ‬ ‫ِ‬
‫بالأصلح‪ ،‬وجمي ُع ما يو ّ‬ ‫ن وعد ِم ممانعت ِهم لأ ّنهم أعلم ُ‬
‫الوالدي ِ‬

‫س حب ّا ً‬ ‫ٍ‬
‫منازع أكثر ُ النا ِ‬ ‫م ِن أوامرَ هو لمصلحة ِ أبنائهم‪ ،‬فهم بلا‬

‫لأولادِهم وحرصا ً على مصلحت ِهم‪.‬‬

‫‪2٢2‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬وم َن هي الفئة ُ الثالثة ُ؟‬

‫ت الصمتَ ‪ ،‬ثم ّ كانَ‬


‫‪-‬الفئة ُ الثالثة ُ بقي َت تستم ُع للفئتينِ والتزم َ ِ‬

‫ّات‪ .‬هههههه‬
‫ل بين القو ِ‬
‫لها دور ُ الحكم ِ و الفص ِ‬

‫‪ -‬أظن ّكِ منهنّ ؟‬

‫ت يا أم ّي‪.‬‬
‫ح ‪ ..‬حزر ِ‬
‫‪ -‬صحي ٌ‬

‫ق كما عهدت ُكِ ‪.‬‬


‫‪ -‬وما رأيُكِ أنتِ ؟ تكل ّمي بشفافي ّة ٍ وصد ٍ‬

‫‪ -‬الحقيقة ُ‪ .‬إن ّي أجد ُ في نفسي هذا الشعور َ بأن ّي قد كبرتُ وعلى‬

‫خاص‪ .‬وقد يكونُ‬


‫ن أن يشعر ُوا بي ككائ ٍن له ُ رأي ُه ُ ال ّ‬
‫الآخري َ‬

‫ل‬
‫رأيي خاطئاً‪ ،‬ل كن ّي لا أستسي ُغ أن يعامل َني الكبار ُ م ِن خلا ِ‬

‫أحب أن تكونَ المناقشة ُ‬


‫ّ‬ ‫الأوامر ِ فقط ودونَ مناقشة ٍ أو حوارٍ‪ ،‬و‬

‫س‬
‫فيها احترام ٌ لرأيي مهما كان‪ ،‬إلى أن أرى الحقّ ؛ و في نف ِ‬
‫مصيري فأشعر ُ تماما ً أن ّي‬
‫ٍّ‬ ‫ق بقرارٍ‬
‫الوقت إذا كانَ الأمرُ يتعل ّ ُ‬
‫ِ‬

‫‪2٢3‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أحب أن يتم ّ‬
‫ّ‬ ‫ج عن رأيِهما‪ ،‬ل كن ّي‬
‫بحاجة ٍ لوالديّ ولن أخر َ‬

‫ل هذا ماتفعلانه ِ أنتما‬


‫السن‪ .‬وبالفع ِ‬
‫ِّ‬ ‫أي شخ ٍ‬
‫ص كبير ِ‬ ‫ل ِّ‬
‫نقاشي مث ُ‬

‫– حفظَكما الل ّه ُ– معي‪.‬‬

‫ن على‬
‫ك لم أستطيع أن أكونَ إحدى الفئتين‪ ،‬فأنا أظنّ أ ّ‬
‫لذل َ‬

‫الوقت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لنصح والد ِيهم وعليهم الطاعة ُ‪ ،‬وفي‬ ‫الأبناء ِ أن يستمعوا‬

‫كيف تعاملون َنا باحترا ٍم‬


‫َ‬ ‫نفسه ِ أتمن ّى ل ِ‬
‫جميع رفيقاتي أن يروا‬

‫بسبب‬
‫ِ‬ ‫الموقف كما ترون َه ُ‪ ،‬لأن ّه ُ‬
‫َ‬ ‫وشفافية ٍ حت ّى نرى الحقّ ونبصر َ‬

‫ل‪.‬‬
‫خبرت ِكما في الحياة ِ والمعرفة ِ تكونُ نظرت ُكما أوس َع وأشم َ‬

‫كيف‬
‫َ‬ ‫أحسنت يا بنتي‪ ...‬هذا صحيحٌ‪ .‬لقد عل ّم َنا رسو ُل الل ّه ِ ‪‬‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ل م َع أولادِنا في هذا العمرِ‪ ،‬وهو أن نصاحب َهم‪ ..‬وعلّم َ‬


‫نتعام ُ‬

‫"ليس من ّا م َن لم يرحم صغير َنا‬


‫َ‬ ‫أولاد َنا أن يح ترم ُوا الكبار َ‪ ،‬فقالَ‪:‬‬

‫ل بين َنا وبين َكم‪.‬‬


‫و يح ترم كبير َنا"‪ .‬وهذا يرسم ُ لنا طبيعة َ التعام ِ‬
‫فعلينا أن نخاطب َكم كأصدقاء َ لتنمو َ مل َكة ُ التفكير ِ وتستفيدوا م ِن‬

‫‪2٢4‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ح ممر ّاتُ الحوارِ بيننا مفتوحة ً على‬


‫خبرت ِنا في الحياة ِ‪ ،‬عندئذٍ تصب ُ‬

‫ن الحياة ِ لاب ّد م ِن أن يكونَ‬


‫ل موازي ُ‬
‫أوسع ِها؛ وحت ّى لا تخت ّ‬

‫الاحترام ُ والطاعة ُ لأولي الأمر ِ‪ ،‬حت ّى يحم ُوا أولاد َهم م ِن أنفس ِهم‬

‫ل فترة ِ تكوين ِهم لآرائِهم وقي َمهم وفكر ِهم‪.‬‬


‫خلا َ‬

‫ن الفئة ِ الأولى‪ ،‬فأظنّ‬


‫ل صديقاتي م ِ َ‬
‫‪ -‬يا ليتكِ تتعر ّفينَ على أه ِ‬
‫أ ّنهم لو اقتنعوا بفكرت ِك لن تكونَ رفيقاتي بهذا العنادِ‪.‬‬

‫مهارات الفكر ي ّة ِ يبدأ‬


‫ِ‬ ‫ج ال‬
‫ن نض َ‬
‫‪-‬يا بنتي م ِن طبيعة ِ مرحلت ِكنّ أ ّ‬

‫سليم لاب ّد للكبارِ أن يلعبوا هذا الدور َ‬


‫ٍ‬ ‫ل‬
‫ج بشك ٍ‬
‫فيها‪ ،‬فحت ّى تنض َ‬

‫ش ليعل ّموهم طرقَ التفكير ِ السليمة ِ‪ ،‬ويبنونَ‬


‫في الحوارِ والنقا ِ‬

‫ق الحوارِ‬
‫الملَ َكة َ الفكر ي ّة َ لديهم‪ ،‬وهذا لا يتم ّ إلا عن طر ي ِ‬

‫ق‪ ،‬و بناء ِ المعاييرِ‬


‫مهارات التفكير ِ والمنط ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والإقناع وتعليمهم‬

‫مهارات التفكير ِ واتّ خاذِ القرارِ‪،‬‬


‫ِ‬ ‫الصحيحة ِ التي يستخدمونَ فيها‬

‫موقف يجابه ُهم‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫و يحكمونَ وفق َها في أيّ‬

‫‪2٢5‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل بقي ّة ِ زميلاتي‪.‬‬
‫ح يا أم ّي‪ .‬أنا محظوظة ٌ بكم‪ ،‬وحزينة ٌ م ِن أج ِ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ل الفئة الأولى؟‬
‫ل أه ِ‬
‫ل لو كنت ُم مث َ‬
‫ولا أدري ماذا كنتُ سأفع ُ‬

‫ف؟ هل سأكونُ مثل َهم؟‬


‫كيف كنتُ سأتصرّ ُ‬
‫َ‬ ‫يا ت ُرى‬
‫ض جدلا ً أن ّي استطعتُ أن أقن َع هؤلاء ِ‬
‫ل يا أم ّي ‪ ..‬لنفر ِ‬
‫بالفع ِ‬
‫كنّ‬
‫كيف سيتم ّ‬
‫َ‬ ‫ل لوالد ِيهم‪ ،‬أو‬
‫كيف أستطي ُع الوصو َ‬
‫َ‬ ‫بفكرت ِك‪،‬‬

‫ل هذه ِ الفكرة ِ لهم؟‬


‫م ِن إيصا ِ‬

‫ن أهل َهنّ‬
‫ك عليهنّ أن يناقش َ‬
‫ن بذل َ‬
‫ن اقتنع َ‬
‫ل رائ ٌع يا علا‪ ...‬إ ِ‬
‫‪-‬سؤا ٌ‬

‫ن الصوابَ وإن كان ض ّد هوى أنفس ِهنّ ‪ ،‬عندئذٍ‬


‫بأدب‪ ،‬و يلتزم َ‬
‫ٍ‬

‫وحب الاستقلالي ّة ِ‪،‬‬


‫ِّ‬ ‫يرى ذووهنّ أ ّنهنّ لا يعاندنَ لمجر ّدِ العنادِ‬

‫ل كيفي ّة ِ‬
‫بأدب حو َ‬
‫ٍ‬ ‫ن‬
‫ل يرغبنَ بالتعلّم ِ‪ ،‬وعليهنّ أن يتناقش َ‬
‫بل بالفع ِ‬
‫ن محب ّت َهنّ واستعداد َهنّ لتنفيذِ أوامر ِهم ولو كانَ‬
‫الحوارِ ويبدي َ‬

‫رأيُهنّ مخالفا ً لذلك‪ ،‬وأ ّنهنّ يريدنَ م ِن حوارِهنّ مع َهم أن يتعل ّموا‬

‫ن هذا‬
‫القيم ومعايير ِ الحياة ِ‪ .‬إ ّ‬
‫ِ‬ ‫ك‬
‫السليم وإدرا ِ‬
‫ِ‬ ‫كيفي ّة َ التفكير ِ‬

‫سيساعد ُ والديهم على فه ِم هذه ِ الحاجة ِ والطر يقة ِ التي توصل ُهنّ‬
‫‪2٢٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫والإضراب الأسريّ ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ن المعاندة ِ‬
‫إلى ما يريدنَ دونَ مزيدٍ م َ‬

‫ل محور ُ ٍ‬
‫نزاع‬ ‫ن هذه ِ القضي ّة َ بالفع ِ‬
‫ل يا أم ّي إقناع َهنّ ‪ ،‬لأ ّ‬
‫‪-‬سأحاو ُ‬

‫ن الطلبة ِ وذويهم‪.‬‬
‫عند َ كثيرٍ م َ‬

‫ِ‬
‫‪-‬الحر ّي ّة ُ يا بنتي لها حدود ٌ‪ ،‬فحر ّي ّة ُ الأبناء يجبُ ألا تتجاوز َ أوامرَ‬
‫س على أولادِهم ويتمن ّون لهم‬
‫أحرص النا ِ‬
‫ُ‬ ‫الوالد َين‪ ،‬لأ ّنهم‬

‫ن الخ برة ِ‬
‫لم َ‬
‫ك الأه ِ‬
‫السعادة َ الدائمة َ‪ ،‬و هذا بالإضافة ِ إلى امتلا ِ‬

‫ل أولاد َهم بحاجة ٍ إلى معرفت ِها ليختصروا على‬


‫والعلم ِ ما يجع ُ‬

‫ن الحر ّي ّة َ تنتهي عند َ حدودِ‬


‫سنوات من الخ برة ِ؛ كما أ ّ‬
‫ٍ‬ ‫أنفس ِهم‬

‫الآخرين‪ ،‬فلا ض َرر َ ولا ض ِرار‪ .‬هذا ما عل ّم َنا إ ي ّاه ُ الحبيبُ‬

‫المصطفى‪.‬‬

‫ات لي‬
‫ل هناك َ رفيق ٌ‬
‫‪-‬أنا أفهم ُ يا أم ّي هذا الكلام َ‪ ،‬ول كن بالفع ِ‬
‫ن والد ِيهم‬
‫لا يفهمن ذلكَ‪ .‬رب ّما – أعتذر ُ ول كن هذه ِ حقيقة ٌ‪-‬لأ ّ‬

‫ل الل ّه ِ‪،‬‬
‫ك الأسلوبَ الذي عل ّم َنا إ ي ّاه ُ رسو ُ‬
‫لا يستخدمونَ ذل َ‬

‫‪2٢7‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫وأحمد ُ الل ّه َ أن ّي أتمت ّ ُع به ِ‪.‬‬

‫وهؤلاء ِ نسبة ٌ ليسَت بالقليلة ‪ .‬وهو واق ٌع موجود ٌ‪ ،‬فك َ‬


‫يف أساعد ُ‬
‫ِ‬
‫بشرائع الإسلا ِم‪ ،‬ولا‬ ‫ملتزمات‬
‫ٍ‬ ‫رفيقاتي؟ وهنّ أصلا ً غير ُ‬

‫ن هذا الأمرَ ج ّد‬


‫غضب الوالد َين وعقوق ِهما‪ ،‬م َع أ ّ‬
‫ِ‬ ‫ن لمغب ّة ِ‬
‫يكترث َ‬

‫ل‬
‫ك رسو ُ‬
‫ل النار َ كما ذكر َ ذل َ‬
‫ل لن يدخ َ‬
‫فالعاق مهما فع َ‬
‫ّ‬ ‫خطير‪،‬‬

‫الل ّه ِ ‪ ‬؟‬

‫ت أن توصلي هذه ِ الفكرة َ وتعل ّميها لهنّ فإن ّكِ‬


‫‪-‬يا بنتي إذا استطع ِ‬

‫ك يسل ك ُه ُ الإنسانُ م ِن‬


‫ل سلو ٍ‬
‫بذلك تفيديهنّ مدى العمر؛ فك ّ‬

‫ك نتائج ُه‪ ،‬والناجح ُ‬


‫ل سلو ٍ‬
‫هدف يسعى له ُ‪ ،‬ولك ّ ِ‬
‫ٍ‬ ‫ل غاية ٍ أو‬
‫أج ِ‬
‫ل سلوك َه مح ّققا ًلأهداف ِه ِ‪ ،‬فإن كان َت‬
‫ق م َن يستطي ُع أن يجع َ‬
‫والموف ّ ُ‬

‫ن هذا السلوك َ خاطئ ٌ‪،‬‬


‫ق هدف َه ُ‪ ،‬فنحكم ُ أ ّ‬
‫نتائج ُ سلوكه ِ لا تح ّق ُ‬

‫ف‬
‫ل بساطة ٍ لم يوصله ُ إلى هدفه ِ؛ فما فائدة ُ أن أتصرّ َ‬
‫لأن ّه ُ بك ّ ِ‬
‫ح؟‬
‫تصرّفا ً لا يوصل ُني إلى ما أريد ُ! هل هذا صحي ٌ‬

‫‪2٢8‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ح ج ّدا ً ج ّدا ً ‪ ...‬تابعي يا أم ّي‪.‬‬


‫صحي ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫فما فائدة ُ أن أعاند َ أم ّي وأبي في أمر ٍ ما لأثبتَ أن ّي مستقل ّة ُ‬ ‫‪-‬‬

‫ل على ما أريد ُ!‬


‫الفكر ِ أو الرأي! ثم ّ لن أستطي َع أن أحص َ‬

‫فالأبناء ُ في هذا العمرِ يحتاجونَ للرعاية ِ الصحّ ي ّة ِ والمالي ّة ِ‬

‫ق في بيتي‪،‬‬
‫ل المنازعة َ والضي َ‬
‫و‪ ....‬فما الجدوى من أن أجع َ‬

‫ل على ما أريد ُ؟ بينما إذا كانَ موقفي ح ّقا ً‬


‫ولن أحص َ‬

‫ل‬
‫أعرض رأيي بشك ٍ‬
‫ُ‬ ‫ق عندما‬
‫فيمكنني إقناع ُهم بالمنط ِ‬

‫ات الأمر ِ وسلبي ّاته ِ‬


‫محايدٍ‪ ،‬أي عليّ أن أفك ّر َ في إ يجابي ّ ِ‬

‫ونتائج ِه‪ ،‬وأدرس َها وأعرض َها على أهلي‪.‬‬

‫ل منطقيٍّ‬
‫ل يا علا إذا رأوا أولاد َهم يفك ّرون بشك ٍ‬
‫ن الأه َ‬
‫إ ّ‬

‫سليم لن يتردّدوا في تلبية ِ ما يتمن ّون َه ُ إذا لم تكن رغباتُهم‬


‫ٍ‬
‫م ُضرّة ً بهم‪.‬‬

‫ن‬
‫كيف أوفي الل ّه َ ح ّقه ُ م َ‬
‫َ‬ ‫أعرف‬
‫ُ‬ ‫ك ج ّدا ً‪ ،‬ولا‬
‫أنا ممتن ّة ٌ ل ِ‬ ‫‪-‬‬

‫‪2٢9‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الشكر ِ وأوفيكم حقّكم‪ .‬شرح ُكِ رائ ٌع يا أم ّي‪ .‬أنتِ تعل ّميني‬

‫ل عليه‬
‫للأسف لا يحص ُ‬
‫ِ‬ ‫لص ٍ‬
‫حيح‪ ،‬وهذا‬ ‫كيف أفك ّر ُ بشك ٍ‬
‫َ‬

‫ل سن ّي‪ .‬كم أحب ّكِ يا أم ّي‪.‬‬


‫كثير ٌ مم ّن في مث ِ‬

‫ل الل ّه ِ علينا يا حبيبتي‪ ،‬ول كنّ هذه ِ النعمة َ‬


‫هذا م ِن فض ِ‬ ‫‪-‬‬

‫تضع ُك في دائرة ِ المسؤوليّة ِ‪ .‬فكما علّمت ُكِ عليكِ أن تعل ّمي‬

‫ل الل ّه َ ينف ُع بكِ فتكسبينَ الأجر َ‪،‬‬


‫زميلات ِكِ و تفيديهنّ ‪ ،‬لع ّ‬

‫ن حقّ الل ّه ِ عليكِ ‪ ،‬فهذه ِ زكاة ُ العلم ِ‪.‬‬


‫و تؤدّي َ‬

‫أو َ للعلم ِ زكاة؟‬ ‫‪-‬‬

‫الاعتراف بهذه ِ النعمة ِ‬


‫َ‬ ‫نعم يا بنتي‪ ..‬شكر ُ الل ّه ِ لا يعني‬ ‫‪-‬‬

‫يم نعمه ِ علينا‪،‬‬


‫القلب له لعظ ِ‬
‫ِ‬ ‫ن فقط‪ ،‬بل يعني انجذابَ‬
‫باللسا ِ‬

‫ن‬ ‫ثم ّ تسخير َ هذه ِ النعمة ِ في خدمة ِ العبادِ والم ِ‬


‫جتمع؛ فكما أ ّ‬

‫ك العلم ُ‬
‫ل‪ ،‬وكذل َ‬
‫ك الما َ‬
‫ج لم َن لا يمل ُ‬
‫تخر َ ُ‬
‫ل لها زكاة ٌ ُ‬
‫نعمة َ الما ِ‬

‫عليكِ أن تعل ّميه ِ ولا تبخلي به ِ لتؤدّي زكات َه ُ لم َن لا يعلم‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ح‬
‫النفس أحيانا ً تجن ُ‬
‫َ‬ ‫ما أروع َ هذه ِ المعاني يا أم ّي‪ .‬ل كنّ‬ ‫‪-‬‬

‫ق م ِن‬
‫ن وتسربل ُه بأناني ّت ِه ِ‪ ،‬وتجعل ُه ُ يظنّ أن ّه ُ إذا أنف َ‬
‫بالإنسا ِ‬

‫علم ِه ِ أو مال ِه ِ فسيخسر ُ‪ ،‬ويذهبُ جهد ُه ُ في التعل ّم ِ أو‬

‫ل منه ُ قدرا ً أو م َل َك َة ً‪.‬‬


‫ل لم َن هو أق ّ‬
‫اكتساب الما ِ‬
‫ِ‬

‫ن الآخرين سببه ُ اعتقاد ٌ خاطئ‪،‬‬


‫هذا الشعور ُ في العلو ِّ ع ِ‬ ‫‪-‬‬

‫وكسب‬
‫ِ‬ ‫ل أو علم ٍ بجهدِه ِ‬
‫يظنّ أن ّه جم َع هذه ِ النعم َ م ِن ما ٍ‬

‫ل‬
‫يمينه ِ‪ ..‬و ينسى أن ّه ُ مجر ّد ُ عبدٍ لل ّه‪ ،‬هو الذي أعطاه ُ العق َ‬

‫ل‪ ..‬فم َن صاحبُ‬


‫ج و يكتسبَ الما َ‬
‫ل فينت َ‬
‫ليفك ّر َ ويتعل ّم َ و يعم َ‬

‫الإنتاج والمواد َ الخام‪ ،‬ثم ّ‬


‫ِ‬ ‫أدوات‬
‫ِ‬ ‫ل ؟ هل الذي أعطاه‬
‫الما ِ‬

‫ك منها شيئاً؟‬
‫بعثَ له م َن يعلّم ُه ُ؟ أم هو الذي لا يمل ُ‬

‫آه ٍ يا أم ّي ‪ ..‬حقيقة ٌ واضحة ٌ لم َن يرى بنورِ الل ّه ِ‪ ..‬جعل َني‬ ‫‪-‬‬

‫ل‬
‫ل ما تعل ّمت ُه لك ّ ِ‬
‫ورفيقاتي منهم‪ .‬ولا حرم َني منك‪ ...‬سأبذ ُ‬

‫ل الل ّه َ أن يعطي َني القو ّة َ‬


‫م َن يريد ُ ولن أردّ سائلاً‪ ..‬أسأ ُ‬

‫‪271‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫والصبر َ والإرادة َ‪.‬‬

‫رأس أم ّي ويديها‪ ،‬ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي‪ ،‬فتحتُ‬


‫َ‬ ‫قبل ّتُ‬

‫ل الأفكارِ‬
‫دفتري الذي أكتبُ فيه ِ خواطري و بدأتُ بتسجي ِ‬
‫ن‬
‫الهامّة ِ التي علمتني إ ي ّاها أم ّي حت ّى لا أنساها‪ ،‬ثم ّ وضعتُ ضم َ‬

‫ل كبيرٍ العبارة َ الآتية‪:‬‬


‫مستطي ٍ‬

‫ق‬
‫ك نتائج ُه ُ‪ ،‬والموف ّ ُ‬ ‫هدف م ِن وراءِه‪ ،‬ولك ّ ِ‬
‫ل سلو ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ك‬
‫ل سلو ٍ‬
‫لك ّ ِ‬
‫والسعيد ُ م َن وافق َت نتائج ُه ُ أهداف َه‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪– 17-‬‬

‫والتدربُ عليها‬
‫ُ‬ ‫(التفكير السليمُ مجموعةُ مهاراتُ‪ ،‬يجبُ شحذُها‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫حتُى خصبحُ جزءا مُنُ عاداتُ العقل) ُ‬

‫أعيش طو يلا ً في هذه ِ الحياة‪.‬‬


‫َ‬ ‫‪-‬لا أتمن ّى أن‬

‫ِ‬
‫مسمع أم ّي كالصاعقة‪.‬‬ ‫وق َع كلامي على‬

‫‪-‬ماذا؟! لم أسمع!‬

‫ف‬
‫لأعرف كي َ‬
‫َ‬ ‫‪-‬أم ّي أشعر ُ أن ّي بحاجة ٍ أكبر َ لأفهم َ الحياة َ‪،‬‬

‫‪273‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫موقف‪ ..‬مع الآخرين‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫ل‬
‫ل في ك ّ ِ‬
‫أتعام ُ‬

‫أحس أن ّي عاجزة ٌ ع َن فهمِها أو معرفة ِ كيف‬


‫ّ‬ ‫أشياء ُ كثيرة ٌ‬

‫يجبُ عليّ أن أفك ّر َ!‬

‫ق به ِ صدري‪.‬‬
‫شعور ٌ مزع ج ٌ‪ ،‬يضي ُ‬

‫ناقش‬
‫كيف عليّ أن أفكر َ وأ َ‬
‫َ‬ ‫أم ّي ‪ ....‬هل يمكنكِ أن تعلميني‬
‫ٍ‬
‫موضوع؟‬ ‫موقف أو‬
‫ٍ‬ ‫أيّ‬

‫أعلم ُ أن ّنا تحدثنا كثيرا ً‪ ،‬ل كن ّي مازلتُ أشعر ُ بحاجة ٍكبيرة ٍ لأرت ّبَ‬

‫ن التفكير ِ كالكبارِ‬
‫نم َ‬
‫ك َ‬
‫ك كي أتم ّ‬
‫ج ذل َ‬
‫أفكاري‪ ،‬أشعر ُ أن ّي أحتا ُ‬

‫ك سيساعد ُني حتما ً في شعوريَ بالثقة ِ‪،‬‬


‫ن ذل َ‬
‫وأتجن ّبَ الخطأ‪ ..‬إ ّ‬

‫الزلات التي تضطر ّني للاعتذارِ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫المتاعب أو‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫وسيبعد ُني ع ِ‬
‫ل معاني الرحمة ِ‬
‫ارتسم َت على وجه ِ أم ّي ابتسامة ٌ ساحرة ٌ عذبة ٌ تحم ُ‬

‫حب‪ ،‬أحسستُ فيها بشيء ٍ م ِ َ‬


‫ن السكينة ِ‪.‬‬ ‫وال ِّ‬

‫ن به ِ طبيعيّ‪.‬‬
‫ل ما تشعري َ‬
‫‪-‬طبعا ً يا بنتي‪ ،‬ول كن هو ّني عليكِ ‪ ،‬ك ّ‬

‫‪274‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬طبيعيّ يا أم ّي إحساسي َ بالعجز!‬

‫‪-‬إن ّكِ تهو ّلينَ الأمرَ‪ ،‬وتجعلين َه ُ أعظم َ مم ّا ينبغي‪.‬‬

‫ت تنتقلينَ‬
‫ل بساطة ٍ معناه ُ أن ّكِ بدأ ِ‬
‫ن هذا و بك ّ ِ‬
‫نعم طبيعيّ‪ ،‬لأ ّ‬

‫النضج والوعي الفكريّ ‪ ،‬فعقل ُكِ يطالب ُكِ بالتعل ّم؛‬


‫ِ‬ ‫إلى مرحلة ِ‬

‫ل مافي الأمر ِ!‬


‫هذا ك ّ‬

‫‪-‬عقلي يطالب ُني بالتعل ّم! ما أروع َك يا أم ّي وما أعظم َ قدرت َكِ على‬

‫ل اليد‪ .‬اشرحي لي‬


‫تبسيطِ الأمورِ وجعل ِها سهلة ً في متناو ِ‬

‫ياحبيبتي‪ .‬لا حرم َني الل ّه ُ منكِ ‪.‬‬

‫ل نحو أخذِ‬
‫ن و تنتقلينَ في هذه ِ المرحلة ِ إلى الم َي ِ‬
‫‪-‬أنتِ تكبري َ‬

‫ن هناك َ قوانينَ لا تفهمين َها‪،‬‬


‫نأ ّ‬
‫ل الكبار ُ‪ ،‬فتشعري َ‬
‫الأمورِ كما يفع ُ‬

‫ن الآخرين بدؤوا ينظرون إليكِ نظرتَهم‬


‫صك؛ كما أ ّ‬
‫أو معرفة ً تنق ُ‬

‫أخطأت‪ ،‬و يتوق ّعون منكِ‬


‫ِ‬ ‫الناس ينبّهونكِ إن‬
‫ُ‬ ‫ح‬
‫للكبار‪ ،‬فأصب َ‬

‫الصواب‪ ،‬بينما في المرحلة ِ السابقة ِ م ِن عمرِك‪ ،‬كانوا‬


‫ِ‬ ‫ل‬
‫فع َ‬

‫‪275‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك‬
‫يتوق ّعونَ منكِ الخطأ فيعطون َكِ أعذارا ً أكثر َ‪ .‬وهذا طبعا ً يدفع ُ َ‬

‫ل أكبر َ‬
‫ل بشك ٍ‬
‫ل العق ِ‬
‫ك بحاجة ٍ إلى معرفة ٍ أكثر َ وإعما ِ‬
‫للشعورِ أن ّ َ‬

‫ن بالحاجة ِ إلى التعلّم ِ ز يادة ً على ماقد‬


‫ّف‪ .‬فتشعري َ‬
‫ل التصر ِ‬
‫قب َ‬

‫ن طر يقة َ‬
‫ن عقل َكِ قد أتق َ‬
‫ك لايعني أ ّ‬
‫تعلّمت ِه ِ سابقاً‪ ،‬ل كنّ ذل َ‬

‫ن‬
‫ك عندما تري َ‬
‫تدريب‪ ،‬لذل َ‬
‫ٍ‬ ‫ج إلى‬
‫التفكير ِ السليمة ِ‪ ،‬إن ّه ُ يحتا ُ‬

‫ت بشيء ٍ تظن ّينَ أن ّكِ تعرفين َه ُ تشعري َ‬


‫ن بالعجزِ‪.‬‬ ‫نفسَكِ قد أخفق ِ‬

‫أليس كذلك؟‬
‫َ‬

‫ح يا أم ّي‪ ...‬أصابُ بالإحباطِ عندما أرى نفسي لا‬


‫‪-‬هذا صحي ٌ‬
‫لص ٍ‬
‫حيح رغم َ تذك ّري لكلام ِك!‬ ‫ف بشك ٍ‬
‫أتصرّ ُ‬

‫سسا ً لكلامي أو تصرّفاتي معهنّ ‪..‬‬


‫كما رفيقاتي صرنَ أكثر َ تح ّ‬

‫ل أشعر ُ‬
‫ن السابقِ‪ .‬لا أدري!! بالفع ِ‬
‫ن أكثر َ م ِ َ‬
‫لقد بتنا نتشاح ُ‬

‫قلت يا أم ّي‪.‬‬
‫أن ّي بحاجة ٍ لأتعل ّم‪ .‬كما ِ‬

‫ك يا حبيبتي‬
‫أحب أن ألفتَ نظر َ ِ‬
‫ّ‬ ‫طلبت‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ل أن أتح ّدث عم ّا‬
‫‪-‬قب َ‬

‫‪27٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫مادمت لاتصرّ ين‬


‫ِ‬ ‫ك‪،‬‬
‫أخطأت فلا عيبَ في ذل َ‬
‫ِ‬ ‫أن ّه حت ّى لو‬
‫على الخطأ ِ عنادا ً وتكب ّرا ً‪ ،‬فالخطأ وارد ٌ لل ِ‬
‫جميع‪ ،‬بل إن ّه ُ سمة ٌ في‬

‫ن آدم َ خطّاء ٌ وخير ُ‬ ‫ل الل ّه ِ ‪ ( :‬ك ّ‬


‫ل اب ِ‬ ‫ن آدم َ كما أخبر َنا رسو ُ‬
‫اب ِ‬

‫ج إن‬
‫ك حر ٌ‬
‫ك لا يكن في صدرِ ِ‬
‫الخطائينَ التوابون) لذل َ‬

‫أخطأت‪ ،‬عليكِ بالتوبة ِ وإصطلاحه فورا ً‪..‬‬


‫ِ‬

‫ل جهد َه ُ في‬
‫ن أن يبذ َ‬
‫ن على الإنسا ِ‬
‫ح في أ ّ‬
‫ول كنّ كلام َكِ صحي ٌ‬

‫ل ذي همّة ٍ‬
‫هدف يطلب ُه ُك ّ‬
‫ٌ‬ ‫ك‬
‫ب الخطأ ِ ما استطاعَ ‪ ،‬فذل َ‬
‫تجن ّ ِ‬

‫وإرادة ٍ‪.‬‬

‫ِ‬
‫الصحيح‬ ‫ق التفكير ِ‬
‫طر ِ‬
‫‪-‬حسنا ً يا أم ّي‪ .‬ح ّدثيني م ِن فضل ِكِ عن ُ‬

‫ل الحكم ِ عليه‪.‬‬
‫موقف م ِن أج ِ‬
‫ٍ‬ ‫أي‬
‫عند َ دراسة ِ ّ ِ‬

‫ك بش ّدة ٍ‪ ...‬حسناً‪.‬‬
‫ن هذا الأمرَ يشغل ُ ِ‬
‫‪-‬يبدو أ ّ‬

‫موقف‪ ،‬عليكِ أن تنظري‬


‫ٍ‬ ‫ن الحكم َ على أمر ٍ ما أو‬
‫عندما تريدي َ‬

‫ك ولمَن‬ ‫ِ‬
‫جميع النواحي‪ :‬السلبي ّة ِ والإ يجابي ّة ِ وبالنسبة ِ ل ِ‬ ‫إليه ِ م ِن‬

‫‪277‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫والموقف أو حت ّى أحيانا ًالم ِ‬


‫جتمع‬ ‫ِ‬ ‫ك أو م َن لهم علاقة ٌ بالأمر ِ‬
‫حول َ ِ‬
‫ك بموضوعي ّة ٍ ودونَ تح ي ّزٍ ضعي‬
‫ل؛ ول كي تتمكّني م ِن ذل َ‬
‫كك ّ‬

‫كيف‬
‫َ‬ ‫ص‪،‬‬
‫ك الشخ ِ‬
‫كنت مكانَ ذل َ‬
‫ِ‬ ‫نفسَكِ مكانَهم‪ ،‬تخي ّلي لو‬

‫كيف ستكونُ ردّة ُ فعل ِك؟ عندئذٍ يابنتي‬


‫َ‬ ‫سيكونُ وقع ُه ُ عليكِ ؟‬

‫ن الأخطاء ِ التي نق ُع فيها نتيجة َ التفكير ِ‬


‫ستكتشفينَ ال كثير َ م ِ َ‬

‫ن فقط ‪ ،‬وتح يّز ِنا‬


‫الأحاديّ ‪ ،‬أي نتيجة َ التفكير ِ م ِن رؤيت ِنا نح ُ‬

‫فالنفس الإنساني ّة ُ تضخّ م ُ‬


‫ُ‬ ‫حدث؛‬
‫الموقف أو ال ِ‬
‫ِ‬ ‫سنا في فه ِم‬
‫لأنف ِ‬

‫الموقف أو الحد َثَ فتعطيه ِ أكثر َ م ِن حجمِه ِ‪ ،‬وكل ّما زاد َ‬


‫َ‬ ‫أحيانا ً‬

‫الموقف الذي ترين َه ُ أضعافا ً مضاعفة ً‬


‫ِ‬ ‫ي كبر َ حجم ُ‬
‫الألم ُ النفس ّ‬

‫وقت عندما‬
‫ٍ‬ ‫النفس بعد َ‬
‫َ‬ ‫ن هذه ِ‬
‫ع َن حجمِه ِ الأصليّ‪ ،‬والغريبُ أ ّ‬

‫الموقف مختلفا ً تماما ً‪،‬‬


‫َ‬ ‫الموقف وألم ُها ترى‬
‫ِ‬ ‫تهدأ أو يذهبُ أثر ُ هذا‬

‫كيف كانَ ينظر ُ إليه ِ بهذه ِ الضخامة ِ‬


‫سه ِ َ‬
‫ويستغربُ المرء ُ م ِن نف ِ‬
‫ِ‬
‫جميع جوانبِ حيات ِه ِ! ويزداد ُ هذا الأمرُ سوءا ً‬ ‫حت ّى سيطر َ على‬

‫سه ِ‪ ،‬أو مغرورا ً ومعجبا ً بها‪،‬‬


‫إذا كانَ المرء ُ م ُعتاد َ الانتصارِ لنف ِ‬

‫‪278‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫جّه َ أحدٌ إليها اللوم َ!‬


‫ن الخطأ ِ أو أسمى م ِن أن يو ِ‬
‫أو يراها أكبر َ م ِ َ‬

‫القلب يصيب ُه ُ نتيجة َ تضخّ ِم "الأنا"‬


‫ِ‬ ‫مرض في‬
‫ٌ‬ ‫وهذا طبعا ً كل ّه ُ‬

‫جاب بنفسه ِ‪ ،‬وهو‬


‫ض التكب ّر ِ والغرورِ والإع ِ‬
‫عند َه ُ ووجود ُ مر ِ‬

‫س كما عل ّم َنا خالق ُنا‪.‬‬


‫ن الرؤ ية ِ القرآني ّة ِ للنف ِ‬
‫نتيجة ُ البعدِ ع ِ‬

‫شاق‪ .‬ول كن ّه ُ صحيح‪ ،‬فأنا أتذك ّر ُ‬


‫ّ‬ ‫ل هذا !!!! الأمرُ‬
‫‪-‬يا و يلي! ك ّ‬

‫ك‪ ،‬كنتُ أتأل ّم ُ كثيرا ً‪ ،‬وتسيطر ُ‬


‫أن ّي مررتُ بتجارِبَ تشبه ُ ذل َ‬

‫والانزعاج‪ ،‬حت ّى أشعر َ أن ّي أكره ُ‬


‫ِ‬ ‫على نفسي معاني َ الإحباطِ‬

‫ل الأمرُ بي إلى‬
‫أعيش فيها‪ ،‬وأحيانا ً يص ُ‬
‫َ‬ ‫أحب أن‬
‫ّ‬ ‫الدنيا ولا‬

‫ل‬
‫س سي ّئة ُ التعامل! وأصد ُقكِ القو َ‬
‫ل النا ِ‬
‫ل‪ :‬ك ّ‬
‫أن أعم ّم َ فأقو َ‬

‫ن الحقّ كل ّه ُ معي!‬
‫ح وأ ّ‬
‫ن هذا صحي ٌ‬
‫كنتُ أجد ُ أ ّ‬

‫مرة ً أخرى‪ .‬هذا شيء ٌ طبيعيّ!‬


‫ك ّ‬‫لل ِ‬
‫‪-‬سأقو ُ‬

‫ل الحدثَ أكبر َ م ِن حجمِه! فأتأل ّم َ كثيرا ً‬


‫‪-‬طبيعيّ يا أم ّي أن أجع َ‬

‫ل هذا الوقت!‬
‫أقف عند َه ُك ّ‬
‫وهو لا يستحقّ أن َ‬

‫‪279‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫كيف تروّضينَ نفسَكِ وتعلميها‬


‫َ‬ ‫‪-‬طبيعيّ يا بنتي إذا لم تتعل ّمي‬
‫لص ٍ‬
‫حيح‪ .‬فلا يدفع ُها الألم ُ إلى الغلو ّ‪.‬‬ ‫كيف تفك ّر ُ بشك ٍ‬
‫َ‬

‫كتب الديني ّة ِ م ِن أهم ّي ّة ِ‬


‫ِ‬ ‫ن ما قرأت ُه ُ في ال‬
‫‪-‬كنتُ أظنّ يا أم ّي أ ّ‬

‫ل‬
‫حسنات والوصو ِ‬
‫ِ‬ ‫وكسب ال‬
‫ِ‬ ‫ّب إلى الل ّه ِ‬
‫س هو للتقر ِ‬
‫مجاهدة ِ النف ِ‬
‫ل الغشاوة َ عن كثيرٍ‬
‫إلى الجن ّة ِ فقط‪ ،‬ل كنّ حديث َكِ الآنَ أزا َ‬

‫ق‬
‫كيف تعاملتُ فيها م ِن منط ِ‬
‫َ‬ ‫ن الأمورِ التي أذكر ُها الآنَ تماما ً‬
‫مِ َ‬

‫لأي شخصٍ‬
‫ي اعتبارٍ ّ ِ‬
‫س والشعورِ بها وحد َها فقط‪ ،‬دونَ أ ّ ِ‬
‫النف ِ‬
‫س ليسَت‬
‫ن مجاهدة َ النف ِ‬
‫آخر َ غير ِ نفسي! وعرفتُ الآنَ أ ّ‬

‫ن الل ّه ِ‪ ،‬بل حت ّى أكونَ سعيدة ً‬


‫التقرب م ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ل على الجن ّة ِ أو‬
‫للحصو ِ‬

‫ح في علاقتي مع ذاتي والآخرين‬


‫كيف أنج ُ‬
‫َ‬ ‫وأعرف‬
‫َ‬ ‫في الدنيا‪،‬‬

‫ن‬
‫دونَ أن أخسر َ آخرتي؛ إن ّي أتذك ّر ُ الآنَ قانونا ً م ِن قوانينِ القرآ ِ‬

‫كنتُ قد قرأتُها منذ ُ فترة ٍ في قول ِه ِ تعالى ‪:‬‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫‪281‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬

‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬

‫المائدة‪.‬‬ ‫ﭩﭪﭫﭼ‬
‫ن العداوة َ والبغضاء لا تسود ُ في أسرة ٍ أو شركة ٍ أو م ٍ‬
‫جتمع‬ ‫أي إ ّ‬
‫َ‬
‫إلا نتيجة َ نسيانِهم لأمر ٍ م ِن أوامر ِ الل ّه ِ؛ فالقانونُ يقول‪ :‬م َن نسي َ‬

‫أمرَ الل ّه ِ تظهر ُ العداوة ُ فيم َن حول َه‪.‬‬

‫ف مداخل َها حت ّى لا‬


‫ن أن يجاهد َ نفسه ُ و يعرِ َ‬
‫ح ّقا ً على الإنسا ِ‬

‫قرارات‬
‫ٍ‬ ‫ف بأشياء َ يندم ُ عليها في حيات ِه‪ ،‬أو تؤث ّر ُ سلبا ً في‬
‫يتصرّ َ‬

‫مصير ي ّة ٍ قد تغي ّر ُ مجرى حيات َه ُ!‬

‫ن‪ ،‬وأستشعر ُ عظم َ نعمة ِ‬


‫كل ّما تحدثتُ معكِ يا أم ّي أشعر ُ بالأما ِ‬

‫الل ّه ِ عليّ أن أكرم َني بكِ لتعل ّميني وترشديني‪.‬‬

‫س‪ ،‬فأنتِ ما شاء َ‬ ‫راس مع النف ِ‬ ‫ن الم ِ َ‬


‫ميزت ُكِ يا أم ّي أن ّكِ تجيدي َ‬

‫ن‬ ‫س ومعرفة ٍ بقوانينِ الل ّه ِ م ِ َ‬


‫ن القرآ ِ‬ ‫الل ّه ُ على دراية ٍ بعلم ِ النف ِ‬
‫‪281‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن‬ ‫ال كري ِم وسن ّة ِ رسوله ِ ‪‬؛ وكثير ٌ من أم ِ‬


‫ّهات صديقاتي لا يتمت ّع َ‬

‫صفات‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بهذه ِ ال‬

‫‪-‬و هذا يحمّلك واجبَ تعلميهنّ مم ّا أنقله ُ لكِ‪ ،‬أقصد ُ مم ّا علّمنا‬

‫الل ّه‪.‬‬

‫ن الل ّه ِ يا أم ّي‪ .‬م ِن فضل ِكِ أكملي كلام َكِ ‪ ،‬فأنا‬


‫ل بإذ ِ‬
‫‪-‬سأفع ُ‬

‫ل قلبي وعقلي جعل َني أبصر ُ أمورا ً لم‬


‫ن نورا ً دخ َ‬
‫أشعر ُ الآنَ أ ّ‬

‫ل‪.‬‬
‫أعهدها م ِن نفسي م ِن قب ُ‬

‫ح الل ّه ُ عليكِ يا بنتي وزاد َك فهماً‪ ...‬سأكمل ُ‪.‬‬


‫‪-‬فت َ‬
‫ِ‬
‫جميع النواحي‪ :‬السلبي ّة ِ‬ ‫للموقف م ِن‬
‫ِ‬ ‫ن عليكِ أن تنظري‬ ‫قلنا إ ّ‬
‫والإ يجابي ّة ِ و م ِن حيثُ أثر ُه ِ و نتائج ِه ِ عليكِ وعلى الم ِ‬
‫جتمع وم ِن‬

‫جالات جميع ِها‪ ،‬النفسي ّة ِ والاجتماعي ّة ِ والمادي ّة ِ‬


‫ِ‬ ‫ل الم‬
‫خلا ِ‬

‫والفكر ي ّة ِ و‪ ........‬وعلى المدى القريبِ والبعيدِ‪.‬‬

‫‪-‬انتظري قليلاً‪ ،‬هذا كثير‪.‬‬


‫‪282‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬
‫الموقف م ِن خلا ِ‬
‫َ‬ ‫مهارات يا بنتي ‪ ...‬تعالج ينَ‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬إ ّنها ثلاثُ‬

‫سنوات‪ ،‬على أن‬


‫ٍ‬ ‫رؤ ية ِ نتائج ِه ِ القريبة ِ والبعيدة ِ على مدى‬

‫ختلف النواحي‪ ،‬أي‬


‫ات م ِن م ِ‬
‫ات والإ يجابي ّ ِ‬
‫تنظري إلى السلبي ّ ِ‬

‫ائج القريبة ِ‬
‫ات ومهارة ُ رؤ ية ِ النت ِ‬
‫ات والإ يجابي ّ ِ‬
‫مهارة ُ رؤ ية ِ السلبي ّ ِ‬

‫ل‬ ‫ِ‬
‫جميع العوام ِ‬ ‫ِ‬
‫للموضوع‪ ،‬على أن تنظري للأمر ِ م ِن‬ ‫والبعيدة ِ‬

‫مهارات‬
‫ِ‬ ‫برامج تنمية ِ‬
‫ض ِ‬ ‫المؤث ّرة ِ فيه ِ‪ .‬وهذه المهاراتُ تسمّى في بع ِ‬

‫التفكير ِ ب ‪ :‬مهارة ِ معالجة ِ الأفكارِ (السلبيّات والإيجابي ّات)‪،‬‬

‫النتائج‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬ومهارة ُ‬ ‫ِ‬


‫جميع العوام ِ‬ ‫ومهارة ُ اعتبارِ‬
‫ِ‬

‫ت الأفكار ُ في عقلي‪ .‬بق َي عليّ أن أدرّبَ‬


‫‪-‬رائ ٌع‪ .‬الآنَ انتظم َ ِ‬

‫ك‪.‬‬
‫عقلي لذل َ‬

‫ح يا بنتي‪ ،‬فلا تكفي معرفة ُ الطر يقة ِ الصحيحة ِ للتفكير ِ‪،‬‬


‫‪-‬صحي ٌ‬

‫مرة ٍ على استخدا ِم هذه ِ‬


‫ل ّ‬‫بل يجبُ أن تدرّ بي نفسَكِ ك ّ‬

‫ك‪ ،‬يقوم ُ بها‬


‫ح طر يقة ً معتادة ً في تفكير ِ ِ‬
‫المهارات حت ّى تصب َ‬
‫ِ‬

‫‪283‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫عقل ُكِ دونَ شعورٍ منكِ ‪.‬‬

‫ل أن‬
‫ك يا أم ّي ج ّدا ً ج ّدا ً ج ّدا ً‪ ..‬سأحاو ُ‬
‫‪ -‬رائ ٌع ج ّداً‪ ...‬أشكر ُ ِ‬

‫مر معي‪ ،‬وسأكتبُ على الورقة ِ دراستي له ُ حسبَ‬


‫أتذك ّر َ موقفا ً ّ‬
‫المهارات ثم ّ أعرض ُها عليكِ لتصو ّبي لي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫هذه ِ‬

‫ك‪.‬‬
‫أحسنت يا بنتي ‪ ..‬هي ّا أنا في انتظارِ ِ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫‪284‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 18 -‬‬

‫(وشاورهم في األمر‪ ،‬فإذا عزمُتُ فتوكُلُ على هللا) ُ‬

‫س‪ ،‬ل كن ّي لم أشأ أن أسأل َها فور َ‬


‫بد َت أم ّي حزينة ً‪ ،‬م ُطرقة َ الرأ ِ‬

‫للبيت‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وصولي‬

‫ن‬
‫انتهى الغداء ُ وكانَ الوجوم ُ باديا ً على والدي أيضاً‪ ،‬فعرفتُ أ ّ‬

‫ق بالأسرة ِ أو ما بين َهما‪.‬‬


‫الأمرَ يتعل ّ ُ‬

‫‪285‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أسرعتُ إلى غرفتي‪ ،‬لم أستطع أن أرك ّز َ في دراستي كالعادة ِ‪،‬‬

‫فح ُزنُ أم ّي أثـــّ ر َ فيّ كثيراً‪ ،‬لم أعتد عليها إلا وهي باسمة ُ الثغرِ‬

‫مشرقة ُ الوجه‪.‬‬

‫أستكشف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وصنع الشاي ل‬ ‫ِ‬
‫المطبخ‬ ‫بالذهاب إلى‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫حاولتُ التعل ّ َ‬

‫ل‬ ‫ِ‬
‫المطبخ أيضاً‪ ،‬يبدو أن ّه ُ يقوم ُ بالعم ِ‬ ‫الأخبار َ‪ ،‬فوجدتُ أخي في‬

‫ل الآخر َ‪ ،‬فبادرت ُه ممازحة ً‪:‬‬


‫ن كلانا يسأ ُ‬
‫ذاته ِ‪ ،‬التقت أنظار ُنا وكأ ّ‬

‫ن الحلوى؟‬
‫‪-‬هل جعتَ يا محم ّد؟ أم تراك َ تبحثُ ع ِ‬

‫‪-‬أبحثُ عن أم ّي‪.‬‬

‫ِ‬
‫لوقع جوابه ِ أثرا ً بليغاً‪ ،‬فتغي ّر َت ملامحي وبدا عليّ الحزنُ‪،‬‬ ‫كانَ‬

‫ن‬
‫خروج أخي م ِ َ‬
‫ِ‬ ‫وشردتُ مع أفكاري‪ ،‬حت ّى أن ّي لم أنتبه إلى‬

‫ق الماء ِ مد ّو ية ً تعل ُ‬
‫ن جاهز ي ّة َ‬ ‫ِ‬
‫المطبخ بعد َ أن سمعتُ ص ّفارة َ إبر ي ِ‬

‫كوب‬
‫ِ‬ ‫الماء ِ‪ ،‬كنتُ أتحر ّك ُ ببطء ٍ شديدٍ خلا َ‬
‫ل إعدادي ل‬

‫ل أم ّي عم ّا يحزنُها‬
‫كيف أستطي ُع أن أسأ َ‬
‫َ‬ ‫الشاي‪ ،‬لا أدري‬
‫ِ‬
‫‪28٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل إلى غرفت ِها‪ ،‬فإذا بي‬


‫وكيف أبدأ؟ كنتُ أفك ّر ُ بحيلة ٍ لأدخ َ‬
‫َ‬

‫أجد ُ أم ّي أمامي‪ .‬أفقتُ م ِن شرودي مدهوشة ً‪ ...‬حت ّى‬

‫علامات وجهي‪ ،‬بادرتني بالسؤال‪:‬‬


‫ِ‬ ‫استغرب َت أم ّي‬

‫‪-‬هل تصنعينَ الشايَ يا علا؟‬

‫بكوب؟‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬نعم يا أم ّي ؟ هل ترغبينَ‬

‫‪-‬طبعاً‪ ،‬ظننت ُك ستحضرين َه ُ لي !‬

‫ل يدي ل كي‬
‫أحسستُ بغبائي‪ ،‬فقد كانَ هناك َ عذر ٌ في متناو ِ‬

‫ل عليها في غرفت ِها‪.‬‬


‫أدخ َ‬

‫ك كوب َكِ يا أم ّي في غرفت ِكِ ‪ .‬هل ذهبَ والدي؟‬


‫‪-‬سأحضر ُ ل ِ‬

‫ل الغداء ِ مباشرة ً‪ ،‬أحضري كوبا ً‬


‫ك بعد َ تناو ِ‬
‫‪-‬نعم ذهبَ أبو ِ‬

‫ض الحلوى‪.‬‬
‫ن الشاي مع بع ِ‬
‫مِ َ‬

‫‪287‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أسرعتُ بتحضير ِ الشاي‪ ،‬وتبعتُها إلى غرفتِها ولم أتحم ّل الانتظار َ‬


‫ِ‬
‫بطرح سؤالي وأنا أق ّدم ُه لها‪.‬‬ ‫أكثر َ حيثُ قمتُ‬

‫‪-‬أم ّي أريد ُ أن أسألَكِ‪ .‬لماذا أنتِ حزينة ٌ؟‬

‫عدّل َت أم ّي م ِن جلست ِها‪ ،‬وتغي ّر َت ملامح ُ وجه ِها وقال َت‪:‬‬

‫‪-‬هل بدوتُ حزينة ً؟‬

‫ك أبي‪ .‬كانَ طيلة َ الغداء ِ يظهر ُ على وجهه ِ‬


‫‪-‬نعم يا أم ّي‪ .‬وكذل َ‬

‫الهدوء ُ الحذِر ُ أو الحزين‪.‬‬

‫ق العاصفة يا بنتي‪.‬‬
‫‪-‬لا تخافي ليس هدوءا ً يسب ُ‬

‫ن السكينة ِ‬
‫ل ابتسامة ً رائعة ً‪ ،‬فيها م ِ َ‬
‫ورسم َت على ثغرِها الجمي ِ‬
‫والوقارِ ما أحب ّه ُ‪.‬‬

‫‪-‬أم ّي هل تخفينَ عن ّي؟ وأنا ابنت ُك المفضّ لة‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الابتسامات‪ ،‬وقال َت‪:‬‬


‫ِ‬ ‫تبادلنا‬

‫راتب مغرٍ‬
‫ل في بلد ٍ أجنب ٍيّ و ب ٍ‬
‫‪-‬لقد جاء َت لأبيكِ فرصة ُ عم ٍ‬
‫ك فعلي ّا ً‪.‬‬
‫العرض‪ ،‬بل قر ّر َ ذل َ‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫ج ّداً‪ ،‬وهو يفك ّر ُ أن يقب َ‬

‫فتحتُ فمي‪ ،‬وأنا لا أص ّدقُ ما أسم ُع‪.‬‬

‫‪-‬هل تمزحينَ يا أم ّي؟ و لم َ لم تخ برونا؟‬

‫ك‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بارتياح لذل َ‬ ‫‪-‬لأن ّي حت ّى الآنَ متردّدة ٌ منقبضة ٌ‪ ،‬لا أشعر ُ‬

‫ك أم ّي دونَ‬
‫أحب وطني كثيرا ً ولا أرغبُ في تر ِ‬
‫ّ‬ ‫رب ّما لأن ّي‬

‫ك البلد ِ‬
‫العناية ِ بها‪ ،‬كما أن ّه لن يستطي َع أن يرت ّبَ إقامتَنا في ذل َ‬

‫إلا بعد َ سنة ٍ‪.‬‬

‫طبعا ً كما عل ّمت ُكِ لا ينبغي لمشاعر ِنا أن تسيطر َ على قرارِنا‪ ،‬ل كن ّي‬

‫ات كثيرة ٍ يقع‬


‫ضكم لتح ّدي ٍ‬
‫ن السفر َ إلى بلد ٍ أجنب ٍيّ قد يعر ّ ُ‬
‫أرى أ ّ‬

‫فيها م َن يستقر ّ في بلد ٍ غير ِ إسلاميّ‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ِ‬
‫جميع‬ ‫لأي أمر ٍ م ِن‬
‫ن علينا أن ننظر َ ّ ِ‬
‫‪-‬نعم لقد عل ّمت ِني يا أم ّي أ ّ‬

‫الجوانبِ ‪.‬‬

‫ض جوانبِ الأمر ِ‪،‬‬


‫ح‪ ..‬رغم َ اختلافي م َع أبيك في بع ِ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬
‫ل ما أستطيع ُه ُ لإن ِ‬
‫جاح ما يريد ُ‪.‬‬ ‫ل كن لاب ّد أن أدعم َه ُ بك ّ ِ‬

‫‪-‬أنتِ رائعة ٌ يا أم ّي‪.‬‬

‫‪-‬هذا واجبي يا بنتي‪ ،‬فمهما اختلفنا في الرأي يبقى القرار ُ الأخير ُ‬

‫لرب وقائدِ الأسرة ِ‪.‬‬


‫ِّ‬

‫‪-‬لفتة ٌكريمة ٌ رائعة ٌ منكِ يا أم ّي‪.‬‬

‫‪-‬يا بنتي هذا هو ما يجبُ القيام ُ به ِ إزاء َ قرارِ القائدِ وأتباع ِه ِ سواء ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ل أو العم ِ‬
‫في المنز ِ‬

‫وضح ينَ لي يا أم ّي؟‬


‫‪-‬هل ت ّ‬

‫‪291‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ح‬
‫صوا النص َ‬
‫يخل ُ‬
‫‪-‬يا بنتي للقائدِ أن يشاور َ م َن حول َه ُ‪ ،‬وعليهم أن ُ‬

‫ح الأمر ِ في غير ِ رأيِهم‪،‬‬


‫له ُ و يقولوا رأيَهم‪ ،‬ول كن ّه ُ إن رأى صلا َ‬

‫ل ما أوتوا‪ ،‬هذه ِ‬
‫ك بك ّ ِ‬
‫فعليهم أن يطيعوه‪ ،‬بل ويدعموه ُ بعد َ ذل َ‬

‫جالات جميع ِها؛‬


‫ِ‬ ‫القاعدة ُ الهامّة ُ ليست في الأسرة ِ فقط‪ ،‬بل في الم‬

‫ح القائد ُ للمرؤوسين‬
‫ن سرّ القيادة ِ الناجحة ِ أن يفس َ‬
‫ح أ ّ‬
‫فصحي ٌ‬

‫ن عليهم‬ ‫حر ي ّة َ إبداء ِ الرأي في ج ٍو ّ م ِ َ‬


‫ن الراحة ِ والشفافية‪ ،‬إلا أ ّ‬

‫ووقت‪ ،‬وإلا‬
‫ٍ‬ ‫ل ما أوتوا م ِن جهدٍ‬
‫حقّ الطاعة ِ ودعم َ قرارِه ِ بك ّ ِ‬
‫خاص‪،‬‬
‫س له رأيه ُ ال ّ‬
‫ل مرؤو ٍ‬
‫ل الجماعيّ؛ تخي ّلي لو ك ّ‬
‫ح العم ُ‬
‫لما نج َ‬

‫ح‬
‫فكيف يتم ّ الأمرُ وينج ُ‬
‫َ‬ ‫ل منهم يريد ُ أن يسود َ هذا الرأي‪،‬‬
‫وك ّ ٌ‬

‫ل؟‬
‫العم ُ‬

‫ات القيادة ِ الحديثة ِ مهما كانَ نوع ُها ومفهوم ُها‬


‫ن جمي َع نظر ي ّ ِ‬
‫إ ّ‬

‫ق‬
‫ن الطر ي ِ‬
‫بغض النظرِ ع ِ‬
‫ق على ضرورة ِ دع ِم قرارِ القائدِ‪ِ ّ ،‬‬
‫تت ّف ُ‬

‫الذي تم ّ اتّ خاذ ُ القرارِ فيه‪.‬‬

‫ك فأنتِ ستدعمينَ قرار َ أبي رغم َ‬


‫‪-‬فهمتُ الآنَ يا أم ّي‪ ..‬لذل َ‬
‫‪291‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫عد ِم قناعت ِكِ به ِكثيراً‪.‬‬

‫ك قد رأى أمورا ً لا أراها‪ ..‬فما دمنا قد تشاورنا‬


‫ن أبا ِ‬
‫‪-‬لاب ّد أ ّ‬

‫ل على الل ّه ِ ونسأل ُه ُ تعالى أن يختار َ الخ ير َ‪،‬‬


‫واستخرنا فإن ّنا نتوكّ ُ‬

‫ضينا فيه‪.‬‬
‫وييسر َه ُ لنا‪ ،‬و ي ُر ّ‬

‫‪-‬حقيقة ً يا أم ّي لقد أخاف َني الخ بر ُ وأقلق َني‪.‬‬

‫ل مازال أمرُ انتقال ِنا إلى‬


‫ل الأحوا ِ‬
‫‪-‬لا تقلقي يا بنتي‪ .‬في ك ّ ِ‬
‫ل الل ّه َ الرضا‪.‬‬
‫هناك َ بعيداً‪ .‬نسأ ُ‬

‫ح يا أم ّي‪ .‬يبدو أن ّكِ الآنَ أكثر َ ارتياحا ً م ِن قبل‪.‬‬


‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ك‪ ،‬رب ّما لأن ّي وأنا أتح ّدثُ معكِ ترت ّب َت‬
‫‪-‬نعم‪ ...‬أشعر ُ بذل َ‬

‫ت الصورة ُ أوضح َ أمامي‪ ،‬وذك ّرتُ نفسي‬


‫أفكاري أكثر َ‪ ،‬وبد َ ِ‬

‫لأسباب‬
‫ِ‬ ‫برب ا‬
‫ِّ‬ ‫ق‬
‫ن أن ي ّتخذ َ الأسبابَ ثم ّ يث َ‬
‫ن على المؤم ِ‬
‫بأ ّ‬

‫ك يا بنتي‪.‬‬
‫ل عليه‪ .‬شكرا ً ل ِ‬
‫ويتوكّ َ‬

‫‪292‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الصف‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬هل تعرفين يا أم ّي‪ ،‬لقد دار َ حديثٌ بينَ رفيقاتي في‬

‫ل ح ّقهنّ في حر ي ّة ِ إبداء ِ الرأي‪ ،‬فبعض ُهنّ كُنّ يردّدنَ أن ّه‬


‫حو َ‬

‫يحقّ لهنّ اتّ خاذ ُ قرارِهنّ بأنفسه ِنّ ‪ ،‬وعلى والديهم أن يح ترموا‬

‫اش‬
‫ل؛ وكانَ النق ُ‬
‫رغباتِهنّ و يوافقوا على قرارهنّ دونَ تدخ َ ٍ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫الشرع والدي ِ‬ ‫حامي الوطيس‪ ،‬لم أستطع أن أقنعهنّ بحجة ِ‬

‫ن‪ ،‬ولم‬
‫ملتزمات بالدي ِ‬
‫ٍ‬ ‫ن بذلك‪ ،‬فهنّ غير ُ‬
‫للأسف لا يعترف َ‬
‫ِ‬ ‫لأ ّنهنّ‬

‫ل الفكرة ِ لهنّ ‪ ..‬الآنَ فقط أستطيعُ‬


‫أجد لهنّ حج ّة ً منطقي ّة ً لإيصا ِ‬

‫أن أحاور َهنّ ‪ .‬ج ُزيتِ خيرا ً ياأم ّي‪ .‬سأذهبُ إلى غرفتي لأبدأ‬

‫الدراسة‪.‬‬

‫سمتُ و قبّلتُ يد َها ثم ّ أسرعتُ إلى غرفتي ‪.‬‬


‫تب ّ‬

‫‪293‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 19-‬‬

‫أسرار‬
‫ُ‬ ‫سر مُنُ‬
‫(خزكيةُ النفسُ وبناءُ عاداتُ عقليُةُ سليمةُ ُ‬
‫الرخقاءُ والنجاح) ُ‬

‫ن ما تقولين َه عن هندٍ صحيح‪ ،‬فهند ُ تحب ّكِ‬


‫‪ -‬لا أظنّ يا سلوى أ ّ‬

‫ك أبداً‪ ،‬هذا ما أعرف ُه ُ عنها‪ .‬صدقيني‪.‬‬


‫ولم تقصد أن تسيء َ ل ِ‬
‫الموقف وأحسني الظنّ بها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أعيدي النظر َ في‬

‫حسنا ً ‪ ..‬مع السلامة‪.‬‬

‫ل‪:‬‬
‫الهاتف وأنا مغضَبة ٌ‪ .‬بادرتني أم ّي بالسؤا ِ‬
‫ِ‬ ‫أغلقتُ سماعة َ‬

‫‪-‬مابكِ يا علا؟ لم َ أنتَ واجمة؟‬


‫‪294‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن الحياة َ ليست سهلة ً!‬


‫‪-‬لا أدري يا أم ّي؟ كأ ّ‬

‫سم َت أم ّي ابتسامتَها اللطيفة َ‪ ،‬وقال َت‪:‬‬


‫تب ّ‬

‫‪-‬خيرا ً يا علا؟ ماذا حصل؟ هل هناك َ مشكلة ٌ بينَ زميلات ِك؟‬

‫ل منهما لا تريد ُ أن‬


‫‪-‬نعم يا أم ّي‪ .‬أظنّ أن ّه ُ سوء ُ تفاه ٍم‪ ،‬ل كن ك ّ‬

‫تسم َع إلا ما تريد ُ سماع َه؛ لقد تكل ّمتُ مع َهما معاً‪ ،‬وشرحتُ‬

‫ل منهما‪ ،‬ل كنّهما لم تستمعا‪ ،‬وكأن ّي أتحدّثُ‬


‫لهما وجهة َ نظرِ ك ّ ٍ‬
‫في الهواء ِ‪ ،‬ما إن أنتهي م ِن كلامي حت ّى تتكل ّم َ ك ّ‬
‫ل واحدة ٍ‬

‫قط‪ ..‬تعيد لي كلامها هي ووجهة َ نظرِها!‬


‫منهما وكأ ّنها لم تسمعني ّ‬

‫جيب أمرُهما!‬
‫ع ٌ‬

‫للأسف إحدى أخطائنا‪ ..‬إن ّنا لم نعتد إلا‬


‫ِ‬ ‫ليس عجيبا ً ‪ ...‬هذه ِ‬
‫‪َ -‬‬

‫ل من ّا يجهّز ُ‬
‫جلسات الحوارِ يقب ُع ك ّ‬
‫ِ‬ ‫سماعَ صوت ِنا نحن؛ حت ّى في‬

‫وللأسف يقوم ُ‬
‫ِ‬ ‫الكلمات التي سيقول ُها دونَ أن يصغي َ للآخر!‬
‫ِ‬

‫‪295‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حنيف‬
‫ن دين َنا ال َ‬
‫تثبيت هذه الثقافة ِ الخاطئة ِ‪ ،‬مع أ ّ‬
‫ِ‬ ‫التلفاز ُ ببرامج ِه ِ ب‬

‫ل كانوا مهما اختلفوا يصغونَ و يعترفونَ بالآخر ِ‬


‫وعلماء َنا الأوائ َ‬

‫حرج‪ ،‬يفرحونَ لرؤ ية ِ الحقّ ِ أينما كانَ ولو م َع‬


‫ٍ‬ ‫أو بخطئ ِهم دون َما‬

‫نظير ِهم أو منافس ِهم‪.‬‬

‫‪-‬لماذا يا أم ّي ؟‬

‫س البشر ي ّة ِ أن تتحي ّز َ لرأيِها ورؤيت ِها‬


‫ن م ِن طبيعة ِ النف ِ‬
‫‪-‬يا بنتي إ ّ‬

‫س البشر ي ّة ِ م ِن‬
‫وذاتِها ونظرتِها‪ ..‬هذه ِ تركيبة ٌ موجودة ٌ في النف ِ‬
‫اعات ته ّدد ُ‬
‫ٌ‬ ‫س إن واجهتها صر‬
‫ل أن تستمر ّ في الحياة ِ ولا تيئ َ‬
‫أج ِ‬
‫ن الوقو ِع فريسة َ‬
‫ل بنسبة ٍ معي ّنة ٍ تحميها م ِ َ‬
‫وجود َها‪ ،‬على أن تظ ّ‬

‫س‬
‫س أو عد ِم الثقة ِ؛ هذه ِ هي الحكمة ُ م ِن وجودِها في النف ِ‬
‫اليأ ِ‬

‫لتحافظ‬
‫َ‬ ‫البشر ي ّة ِ‪ ،‬ل كنّها طبعا ًتكبر ُ وتنمو إذا لم يتم ّ وض ُع حدودٍ لها‬

‫على أداء ِ وظيفت ِها دونَ أن تص َ‬


‫ل للج َورِ أو ظلم ِ الآخرين والتع ّدي‬

‫ل‬
‫عز وج ّ‬
‫على فكر ِهم أو آرائِهم؛ هذه ِ الحدود ُ هي التي طالب َنا الل ّه ُ ّ‬

‫‪29٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫وطلب الحقّ ِ أينما كانَ ولو عكس‬


‫ِ‬ ‫سنا والارتقاء ِ بها‬
‫بتزكية ِ أنف ِ‬

‫ل‬
‫ن الزل ِ‬
‫ك‪ ،‬ونحمي أنفس َنا م ِ َ‬
‫ما نهوى؛ وم ِن ه ُنا نؤج َر ُ على ذل َ‬
‫ِ‬
‫والوقوع في مهاوي الظلم ِ‪.‬‬

‫ل‬
‫‪-‬اممم ‪ ...‬فهمٌ رائ ٌع يا أم ّي لم يخطر في بالي أبداً‪ .‬أحيانا ً مث ُ‬

‫المواقف ت ُشعر ُ الإنسانَ بالإحباطِ ‪ ،‬ل كنّ شرح َكِ الآنَ‬


‫ِ‬ ‫هذه ِ‬

‫ن هذا شيء ٌ طبيعيّ إذا لم يق ِم الإنسانُ بتزكية ِ نفسه ِ‬ ‫يُظه ِر ُ أ ّ‬

‫والارتقاء ِ بها‪.‬‬

‫ح يا بنتي‪ ...‬لا ت ُصابي بالإحباطِ إن رأيتِ إنسانا ً متدي ّنا ً‬


‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ل أقسى الكلا ِم‬


‫ن عنه‪ ،‬وانزا ِ‬
‫ك‪ ،‬أو تقومي بنفي الدي ِ‬
‫ل ذل َ‬
‫وهو يفع ُ‬

‫فيه‪ ..‬قد يكونُ مخطئا ً‪ ،‬لأن ّه ُ لم يفهم هذا الجانبَ ‪ ،‬أو ضعف َت‬

‫النقاش إلى ته ٍم‬


‫َ‬ ‫ّلت‬
‫الموقف‪ ،‬ل كن ّكِ إذا حو ِ‬
‫ِ‬ ‫نفس ُه ُ في هذا‬

‫ل إلى الفكرة ِ التي‬ ‫ل شخص ّ‬


‫ي‪ ،‬لن يستطي َع أبدا ً أن يص َ‬ ‫تقذفين َها بشك ٍ‬
‫ِ‬
‫المدافع عن‬ ‫ِ‬
‫المنافح و‬ ‫حها‪ ،‬لأن ّكِ ببساطة ٍ وضعته ِ بدورِ‬
‫ن طر َ‬
‫تودّي َ‬

‫‪297‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫لنحافظ على استمرار ي ّة ِ وجودِنا‬


‫َ‬ ‫نفسه ِ‪ ،‬وهي طبيعة ٌ خلق َنا الل ّه ُ بها‬

‫لموقف يه ّدد ُ وجود َنا‪ ،‬ل كن ّه ُ تعالى ترك َ لنا مهمّة َ‬


‫ٍ‬ ‫إن تعر ّضنا‬
‫ِ‬
‫الصحيح‪ ،‬بينَ ح ّدي احترا ِم‬ ‫ن‬
‫سنا بغية َ وضع ِها في المكا ِ‬
‫تزكية ِ أنف ِ‬

‫س‬
‫ل النقدِ والتصويبِ وبينَ عد ِم الإحباطِ واليأ ِ‬
‫الآخر ِ وقبو ِ‬

‫ل أحد ُهم تثبيط َنا أو زعزعة َ الثقة ِ بكيان ِنا و وجودِنا‪.‬‬


‫مهما حاو َ‬

‫ل‬
‫ن الوصو َ‬
‫س البشر ي ّة ِ وأ ّ‬
‫ج إلى فه ِم طبيعة ِ النف ِ‬
‫وهذا الأمرُ يحتا ُ‬

‫ق الل ّه ِ وعطاء ٍ منه ُ سبحانه ُ‪ ،‬فلا يغتر ّ أحد ُنا إن‬


‫للحقّ ِ هو م ِن توفي ِ‬

‫ن أن ي ُعطي َه ُ‬
‫ح والصوابُ ‪ ،‬بل يرى أن ّه ُ عطاء ٌ يمك ُ‬
‫حالف َه ُ النجا ُ‬

‫ج‬
‫س‪ ،‬فعليه ِ تتب ُع الحقّ ِ أينما كانَ‪ ،‬وهذا يحتا ُ‬
‫ن النا ِ‬
‫الل ّه ُ لغيره ِ م ِ َ‬

‫وعي وفه ٍم لهذه ِ الحقيقة ِ‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫س م َع‬
‫تدريب ومجاهدة ٍ للنف ِ‬
‫ٍ‬ ‫إلى‬

‫مرة ً‬ ‫ِ‬
‫ن أن ّه ُ يريد ُ أن يلتزم َ بشرع رب ّه ِ‪ ،‬ل كن ّه ُ ّ‬
‫ن أعل َ‬
‫ن إنسا ٌ‬
‫فالمتدي ّ ُ‬

‫ل فكرت َنا أو ندل ّه ُ على‬


‫ح‪ ..‬فحت ّى نستطي َع أن نوص َ‬
‫ق وأخرى ينج ُ‬
‫يخف ُ‬

‫ل الخطأ ِ يه ّدد ُ شخصي ّت َه ُ أو نجعل َها‬


‫خطئ ِه ِ‪ ،‬علينا أن نبتعد َ عن جع ِ‬
‫ِ‬
‫للدفاع‪ ،‬ونض ُع على عينيه ِ‬ ‫تبدو موقفا ً شخصي ّاً‪ ،‬لأنّنا بهذا سندفع ُه‬

‫‪298‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل ص ٍ‬
‫حيح دونَ التأث ّر ِ‬ ‫الموقف بشك ٍ‬
‫ِ‬ ‫ل رؤ ية َ‬
‫غشاء ً نفسي ّا ً يجع ُ‬

‫ل إلا م َن رحم َ رب ّي و وهبه ُ الصدقَ‬


‫ن المستحي ِ‬
‫بالذات ضربا ً م ِ َ‬
‫ِ‬

‫ح أو التربية َ‬
‫والإخلاص والتجرد َ للحقّ ِ؛ ل كنّ م َن يريد ُ الإصلا َ‬
‫َ‬

‫عز‬
‫ل الل ّه ُ ّ‬
‫ك قا َ‬
‫س لا تستطيع ُه ُ‪ ،‬ولذل َ‬
‫ن أغلبَ النا ِ‬
‫يجبُ أن يعلم َ أ ّ‬

‫وج ّل منبّ ِها ً رسول َه ُ ال كريم‪ :‬ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ‬

‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬

‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬

‫آل عمران‪.159 :‬‬ ‫ﭺﭻﭼ‬


‫ل الل ّه ِ ‪ ‬يقول ‪ :‬ما با ُ‬
‫ل أقوا ٍم يفعلون‬ ‫ِ‬
‫نصح رسو ِ‬ ‫و كانَ أغلبُ‬

‫ح بالاس ِم و يشير ُ أمام َ الملأ ِ‬


‫كذا ‪ ...‬و لم يكن عليه ِ السلام ُ يصرّ ُ‬

‫ل الخسائر ِ و أيسر ِ‬
‫ح بأق ّ ِ‬
‫ن المرب ّي يهمّه ُ أن يتم ّ الإصلا ُ‬
‫ك‪ ،‬لأ ّ‬
‫بذل َ‬

‫س بما لا يتنافى‬
‫ق؛ هذا هو جوهر ُ دين ِنا‪ ..‬التيسير ُ على النا ِ‬
‫الطر ِ‬

‫ل‬
‫ن ومقاصدِه‪ ،‬وهذا يقاربُ الفطرة َ وأيسر ُ لقبو ِ‬
‫ل الدي ِ‬
‫م َع أصو ِ‬

‫‪299‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫للأسف ظهر َت كثيرا ً في الآونة ِ‬


‫ِ‬ ‫ح؛ وهذه ِ مشكلة ٌ و‬
‫س النص َ‬
‫النف ِ‬
‫ن النص ِ‬
‫ح إلى‬ ‫ن ابتعادٍ ع ِ‬
‫جماعات م ِ َ‬
‫ِ‬ ‫الأخيرة ِ‪ ،‬بينَ الأفرادِ وال‬

‫وقذف الته ِم أو التكفير!‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدح‬

‫للأسف يا أم ّي‪ .‬الآنَ فهمتُ ما جرى بينَ رفيقاتي؛ وكأن ّكِ‬


‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫معنا يا أم ّي كلمة ً بكلمة‪.‬‬

‫سم َت أم ّي وقال ّت‪:‬‬


‫تب ّ‬

‫‪ -‬لأ ّنها طبيعة ُ البشر ِ أينما كانوا إلا إذا وع َوا ودرّ ب ُوا أنفس َهم‬

‫ل‬
‫لوقت‪ ،‬وأن يبدأ ك ّ‬
‫ٍ‬ ‫ج‬
‫وجاهد ُوها لتزكيت ِها؛ وكما قلتُ هذا يحتا ُ‬
‫ِ‬
‫النصح‬ ‫ج النبو ّة ِ في‬
‫ن بنفسه ِ و يكونَ قدوة ً أ ّولاً‪ ،‬ثم ّ يلتزم َ نه َ‬
‫إنسا ٍ‬

‫س‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والإصلاح بينَ النا ِ‬ ‫والإرشادِ‬

‫ل‬
‫ل يلحّ عليّ وقد فس ّرت ُه ُ قليلا ً في كلام ِكِ ‪ ،‬ول كن مازا َ‬
‫‪ -‬سؤا ٌ‬

‫س شيء ٌ‪.‬‬
‫في النف ِ‬
‫ن الحقّ واحدٌ؟ أحيانا ً حت ّى لو كانَ‬
‫ختلف بالرأي م َع أ ّ‬
‫لماذا ن ُ‬
‫‪311‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل الكلام َ إلى أمر ٍ شخص ٍ ّ‬


‫ي إلا‬ ‫يحو ّ ِ‬
‫الآخر ُ موضوعي ّا ً في كلامه ِ ولم ُ‬

‫ن الآخر َ يصعبُ عليه ِ رؤ ية ُ ما يقول ُه ُ أحياناً؟‬


‫أ ّ‬

‫حدث‬
‫ج رؤيت َه ُ لل ِ‬
‫ل يا بنتي يحكم ُ على الأمورِ أو يستنت ُ‬
‫‪ -‬العق ُ‬

‫القيم والعقائدِ والأفكارِ‬


‫ِ‬ ‫ن‬
‫ق مجموعة ٍ م ِ َ‬
‫والموقف و يفس ّر ُه ُ وف َ‬
‫ِ‬

‫ل عملي ّة ِ التفكير ِ‪.‬‬


‫ل التي تعو ّد َ أن يستخدم َها خلا َ‬
‫وعادات العق ِ‬
‫ِ‬

‫حت عادة ً عقلي ّة ً‬


‫وانتبهي ه ُنا‪" ،‬طر يقة ُ التفكير ِ التي اعتاد َها أصب َ‬

‫بموقف مشابه ٍ‪ ،‬فإن ّه ُ ي ّتخذ ُ الأسلوبَ نفسَه ُ في‬


‫ٍ‬ ‫مر‬
‫لديه"‪ .‬كل ّما ّ‬
‫مواجهت ِه ِ‪ ،‬فإن كانَ قد عوّد َ فكر َه ُ على رؤ ية ِ وجهة ِ نظره ِ فقط‪،‬‬

‫ليس لديه ِ هذه ِ‬


‫ل أن ينظر َ في النواحي الأخرى‪ ،‬أو َ‬
‫ولا يحاو ُ‬

‫يضيف لرأيه ِ رأيَ الآخرين كي تكونَ نظرت ُه ُ‬


‫َ‬ ‫القناعة ُ بأهمي ّة ِ أن‬

‫ل عندئذٍ سيت ّب ُع أسلوبَ الرأي الأوحد!‬


‫ق وأشم َ‬
‫أعم َ‬

‫ك المشاعرُ ‪ ...‬جمي ُع هذه ِ‬


‫النفس وهواها دور َها‪ ،‬وكذل َ‬
‫ُ‬ ‫كما تلعبُ‬

‫ص أو اتجاهه ِ وفكره ِ‪ ،‬فإذا‬ ‫ِ‬


‫صنع رأي الشخ ِ‬ ‫ل تتشارك ُ في‬
‫العوام ِ‬
‫قيم وأفكارٍ‬
‫ص وعي ٌ فيما ي ُدخل ُه ُ إلى عقله ِ م ِن ٍ‬
‫لم يكن للشخ ِ‬
‫‪311‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫العادات الصحيحة ِ‬
‫ِ‬ ‫ومعلومات‪ ،‬ولم يس َع إلى تدريبِ عقله ِ على‬
‫ٍ‬

‫لناس كثيرا ً‪.‬‬


‫ختلف ا ُ‬
‫ل هذه ِ الغشاوة ُ و ي ُ‬
‫في التفكير ِ عندئذٍ تحص ُ‬

‫س وعاداتُ تفكيرٍ‪.‬‬
‫ل منهم هوى نف ٍ‬
‫فلك ّ ٍ‬

‫مرعب ح ّقا ً يا أم ّي‪ .‬لم أتخي ّل أهمي ّة َ الوعي فيما أسم ُع أو‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬شيء ٌ‬
‫قط‬ ‫كلمات وآراء ٍ‪ ...‬وما أدخلُه ُ إلى عقلي‪ ...‬ولم ِ‬
‫أع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أقرأ م ِن‬

‫ل‪.‬‬
‫عادات التفكير ِ السليمة ِ‪ ...‬لم تذكريها لي يا أم ّي م ِن قب ُ‬
‫ِ‬ ‫فكرة َ‬

‫ك باسم ِها ل كن ّي يا عزيزتي أقوم ُ بتطبيق ِها‬


‫ح لم أذكرها ل ِ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ح عادة ً لديك‪.‬‬
‫طرقَ التفكير ِ السليمة َ حت ّى تصب َ‬
‫ك‪ ،‬وأعل ّم ُكِ ُ‬
‫أمام َ َ‬

‫ل‬
‫ل قلبي‪ ،‬أسأ ُ‬
‫ك يا حبيبتي م ِن ك ّ ِ‬
‫‪ -‬ما أروع َكِ م ِن أ ٍمّ ‪ ...‬أشكر ُ ِ‬

‫ق ما تنصحينني به‪ ،‬وتوجهيني م ِن خلاله‪،‬‬


‫الل ّه َ أن يعينني فأطب ّ َ‬

‫ل وعلا أن يوفق َني لأكونَ كما‬


‫فأنا في نعمة ٍ عظيمة ٍ‪ ،‬أسأل ُه ُ ج ّ‬

‫ل فيت ّبعون‬
‫ن الذين يستمعونَ القو َ‬
‫حب ويرضى‪ ،‬وأكونَ م ِ َ‬
‫ي ّ‬

‫أحسن َه‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن الل ّه ِ يا حبيبتي‪ ،‬هذا دعائي دائما ًلي ول كم؛ مادام َ الإنسانُ‬


‫‪ -‬بإذ ِ‬

‫طلب الحقّ ِ فلاب ّد أن يعين َه الل ّه ُ مهما أخطأ فإن ّه ُ سر يعُ‬


‫ِ‬ ‫صادقا ً في‬
‫ِ‬
‫الصحيح؛ هذه ِ هي أه ّم خاصيّة ٍ في‬ ‫ق‬
‫الأوبة ِ والعودة ِ للطر ي ِ‬

‫المؤمن‪ ،‬فاحرصي عليها‪.‬‬

‫ك الل ّه ُ خيرا ً يا حبيبتي وأعانني كي أقر ّ‬


‫ل إن شاء َ الل ّه ُ‪ .‬جزا ِ‬
‫‪ -‬أفع ُ‬

‫ك‪.‬‬
‫عين َكِ وأسعد َ ِ‬

‫قبّلتُ أم ّي وعدتُ إلى غرفت ِي وفتحتُ دفتر َ مذك ّراتي كي أسج ّ َ‬


‫ل‬

‫ما تعلّمت ُه ُ حت ّى لا أنساه‪ ،‬فما تعلّمته اليوم َ هامّ ج ّداً‪ ،‬عليّ أن أسعى‬

‫لتطبيق ِه ِ‪ ،‬وهي طر يقة ٌ علمتني إ ي ّاها أم ّي‪ ،‬وأجد ُها نافعة ً قد‬

‫ق‬
‫ق فبينَ السب ِ‬
‫ن الطر ي ِ‬
‫أعانتني كثيرا ً عندما أنسى وأبتعد ُ ع ِ‬
‫الهدف‪.‬‬
‫َ‬ ‫خر ِ تذّكر ُ‬
‫والتأ ّ‬

‫‪313‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪– 21-‬‬

‫السلوك‬
‫المشاعر‬
‫األفكار‬ ‫ّ‬
‫ّ‬

‫بقوم حتّى يّغيروا ما بأنفسّهم") ّ‬ ‫التغيير "إنّ هّ‬


‫للا ال يغي ّر ما ٍ‬ ‫ّ‬ ‫(معادلةّ‬

‫ك لل ّه ِ "‬
‫ح المل ُ ُ‬
‫"أصبحنا وأصب َ‬

‫تمتمتُ بها عندما أصبحتُ ‪ ،‬وأخذتُ أفك ّر ُ بمعانيها وأنا أستع ّد‬

‫للصلاة‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ت ُرى ما الحكمة ُ م ِن هذا الدعاء ِ وبهذه ِ العبارة ِ بالذات؟ وماهي‬

‫ل إلى عقلي؟ وماهي الفكرة ُ التي يريد ُ الل ّه ُ من ّي‬


‫الرسالة ُ التي ستص ُ‬

‫أن أبرمج َ عقلي َ وفق َها؟‬

‫ل شيء ٍ بيده ِ‪ ،‬ولا يخر ُ‬


‫ج عن مل كه ِ شيء ٌ سبحانه ُ‪.‬‬ ‫ك لل ّه ِ) ك ّ‬
‫(المل ُ‬

‫ك ورقة ُ شجرٍ أن تق َع إلا بعلمه ِ‪ ،‬ﭧ ﭨ ﭽ ﯬ‬


‫فلا تمل ُ‬

‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ‬

‫ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰂﰃﰄﰅ‬

‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭼ سورة الأنعام‪.‬‬

‫ل شيء ٍ يق ُع تحتَ سيطرته ِ وفي م ُل كه ِ ج ّ‬


‫ل جلاله ُ‪ ،‬فيجبُ أن‬ ‫ك ّ‬

‫ن‬
‫س فيها‪ ،‬إلا أ ّ‬
‫ك الحقيقة ِ التي لا لب َ‬
‫أبدأ يومي وأنا متذك ّرة ٌ لتل َ‬

‫ح واثقة ً‬
‫الاعتياد َ عليها قد يجعل ُها غائبة ً عن ّا‪ ،‬وعند َ تذك ّر ِها أصب ُ‬

‫ن مل كه ِ وهو الرحيم ُ الودود ُ‪،‬‬


‫ومتوكّلة ً ومطمئن ّة ً لوجوديَ ضم َ‬

‫‪315‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫العزيز ُ المقتدر ُ‪ ،‬فلا أخشى أحداً‪.‬‬

‫ح‬
‫خائف‪ ،‬و يفر َ‬
‫ن ال ُ‬
‫ح المتعبُ ‪ ،‬و يأم َ‬
‫ن حت ّى يرتا َ‬
‫إ ّنها رسالة ُ اطمئنا ٍ‬

‫ل‬
‫ل معها الأم َ‬ ‫ِ‬
‫الصباح لتحم َ‬ ‫ل وجهه ُ مع إشراقة ِ‬
‫المحزونُ‪ ،‬ويتهل ّ َ‬

‫ل‬
‫واب‪ ،‬وتبدي ِ‬
‫ق من الأب ِ‬ ‫ِ‬
‫وفتح المغل ِ‬ ‫ن الأمورِ‪،‬‬
‫في تيسير ِ المعس ّر ِ م ِ َ‬

‫ن منه‪.‬‬
‫ل بأحس َ‬
‫الحا ِ‬

‫ن‬
‫ل منها جزءا ً م ِن مخزو ِ‬
‫ل يو ٍم يجع ُ‬
‫هذه ِ الرسالة ُ وتكرار ُها ك ّ‬

‫القلب‪ ،‬فيصدر ُ عنه‬


‫ِ‬ ‫َقدي الذي ي ُعق َد ُ في‬
‫الفكري والع ّ ِ‬
‫ِّ‬ ‫ن‬
‫الإنسا ِ‬

‫ق والب ِشر‪.‬‬
‫السلوك ُ بالإشرا ِ‬

‫ن‬
‫س معاني َ العزة ِ والاطمئنا ِ‬
‫ن تكرار َها يومي ّا ً ل َيبعثُ في النف ِ‬
‫وإ ّ‬

‫النفس الإنساني ّة ُكي تبدأ‬


‫ُ‬ ‫والثقة ِ والسكينة ِ‪ ،‬وهذا ما تحتاج ُه ُ‬

‫ل إعمارِ ال كون‪.‬‬
‫جدّا ً في سبي ِ‬
‫حها سعيا ً و ِ‬
‫فتنشط جوار ُ‬
‫َ‬ ‫يوم َها به ِ‬

‫ن تكرارها دونَ تفك ّر ٍ يفقد ُها بر يق َها وأثر َها‪،‬‬


‫ن جميلة ٌ‪ .‬إلا أ ّ‬
‫معا ٍ‬

‫ن في‬
‫هدف الإنسا ِ‬
‫َ‬ ‫الهدف والغاية َ منها؛ كما أن‬
‫َ‬ ‫فنخسر ُ عندئذٍ‬
‫‪31٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ج‬
‫حب خالق ُه مطابقا ً لهداه ُ وشرع ِه ِ يحتا ُ‬
‫ق ما ي ّ‬
‫ن وف َ‬
‫إعمارِ ال كو ِ‬

‫الأحداث‪ .‬وم ِن ه ُنا‬


‫ِ‬ ‫دائما ً لم َن يذك ّر ُه ُ به ِ حت ّى لا يحجب َه غبار ُ‬

‫ل‬
‫وتعليمِه ِ لنا بتذك ّر ِ هدف ِنا ك ّ‬ ‫كان َت روعة ُ دعاء ِ رسو ِل الل ّه ِ ‪‬‬
‫ن حكماء َنا يقولون "‬
‫الهدف‪ .‬إذ إ ّ‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ٍ‬
‫صباح حت ّى تستقيم َ حيات ُه وف َ‬

‫لهدف‬
‫َ‬ ‫ن ا‬
‫الهدف"‪ ،‬إ ّنهم يدركون أ ّ‬
‫َ‬ ‫ق والتأخر ِ تذك ّر ُ‬
‫بينَ السب ِ‬
‫ي ُنسى أحيانا ً تحتَ وطأة ِ الحياة ِ ومشاغل ِها‪ ،‬و أن سرّ ن ِ‬
‫جاح م َن‬
‫ٍ‬
‫صباح‪.‬‬ ‫ل‬
‫ح ّققوا أهداف َهم هي أ ّنهم جعلوها نصبَ أعين ِهم ك ّ‬

‫ل في دين ِنا ولو‬


‫ل وفع ٍ‬
‫ل قو ٍ‬
‫ن الحك َم ِ والمعاني في ك ّ ِ‬
‫يا آلل ّه! كم م ِ َ‬

‫فقهناها لس ُدنا العالم َ أجم َع!‬

‫ح وأحمد ُ وأثني على الل ّه ِ كما‬


‫أنهيتُ صلاتي وتأمّلي و بدأتُ أسب ّ ُ‬

‫أمرَنا ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬

‫ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ الأحزاب‪.‬‬

‫للذهاب إلى المدرسة ِ‬


‫ِ‬ ‫ن دفعاني‬
‫فأحسستُ بنشاطٍ وطاقة ٍكبيري ِ‬
‫‪317‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫دونَ تأخيرٍ؛ رتّبتُ غرفتي و سريري‪ ،‬وخرجتُ أمشي مشية َ‬

‫ن وسرور‪ ،‬فيها من الهمّة ِ والنشاطِ ما لم أعهده ُ في نفسي‬


‫اطمئنا ٍ‬

‫ل‪ ،‬ثم ّ أخذتُ ألقي التحي ّة َ بابتسامة ٍ لطيفة ٍ على زميلاتي‬


‫م ِن قب ُ‬

‫ك اليوم َ‬
‫ل‪ :‬نرا ِ‬
‫اللواتي شعرنَ بنشاطي وحبوري فبادلنني السؤا َ‬

‫نشيطة ً سعيدة ً‪ ،‬خيرا ً إن شاء َ الل ّه ُ ؟ ‪ ..‬يوما ً مباركا ً ومشرقا ً‬

‫عبارات كثيرة ٌ لم أحفظها‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫ك الل ّه ُ بابتسامت ِك ‪...‬‬
‫ياعلا‪ ..‬هن ّأ ِ‬

‫ل كنّها زادتني هم ّة ً وقو ّة‪.‬‬

‫ي حت ّى الحصّ ة ُ الأخيرة ُ وأنا أشارك ُ في‬


‫مضى اليوم ُ الدراس ّ‬

‫البسمات في ص ّف َي والباحة ِ‪ .‬وفي الاستراحة ِ‬


‫ِ‬ ‫س وأنشر ُ‬
‫الدر ِ‬

‫سألتني رفيقتي المحظي ّة ُ عندي‪ :‬لاحظتُ أن ّكِ اليوم َ مبتهجة ٌ أكثر َ‬

‫أي يو ٍم مضى‪ ،‬فالحمد ُ لل ّه ِ ول كن أعلميني ما السرّ؟ ابتسمتُ‬


‫م ِن ّ ِ‬
‫ل في خاطري وما قرأت ُه ُ البارحة‪ ،‬فبرق َت عيناها‬
‫وقلتُ لها ما جا َ‬

‫ت انسجاما ً وات ّفاقا ً م َع أفكاري‪ ،‬فقد كان َت تهز ّ رأس َها‬


‫وأبد َ ِ‬

‫ت‪.‬‬
‫ل بينَ الفينة ِ والأخرى‪ :‬صدق ِ‬
‫وتقو ُ‬
‫‪318‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫كانَ يوما ً جميلا ً م ِن أيا ِم حياتي أحسستُ بأن ّي عثرتُ على كنزٍ‬
‫ٍ‬
‫مفتاح ثمينٍ كنتُ قد أضعت ُه‪.‬‬ ‫أو‬

‫البيت وبدا لي منزلي جميلا ً سعيداً‪ ،‬كل ما فيه ِ يشدو‬


‫ِ‬ ‫عدتُ إلى‬

‫ويبتسم‪.‬‬

‫‪ -‬خبريني ما الخ بر ؟ سأل َت أم ّي‪.‬‬

‫ل‪.‬‬
‫ن السؤا ِ‬
‫المستغرب م َ‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬لا شيء َ !‪ ...‬أجبت ُها م َع ابتسامة ِ‬

‫ن‬
‫ألاحظ أن ّكِ اليوم َ سعيدة ٌ‪ ،‬لاب ّد أ ّ‬
‫ُ‬ ‫بلطف ‪ :‬ل كن ّي‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬ردّت‬

‫ل السرور َ إلى قلب ِك‪.‬‬


‫هناك حد َثا ً ما أدخ َ‬

‫‪ -‬ص ّدقيني لا شيء َ‪ ،‬غير َ أن ّي أعيد ُ برمجة َ نفسي م ِن جديدٍ‪.‬‬

‫باستغراب‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫نظر َت إليّ‬

‫‪-‬ماذا تقصدين؟‬

‫ن نحو َ السماء ِ م ِن نافذة ِ‬


‫ن وعينايَ تنظرا ِ‬
‫بصوت حا ٍ‬
‫ٍ‬ ‫أجبت ُها‬
‫ِ‬
‫المطبخ‪:‬‬

‫‪319‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬لقد تفك ّرتُ يا أمّي في قوله ِ تعالى ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬

‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬

‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼالرعد‪.‬‬

‫ك وض َع وسيلة َ التغيير ِ‬
‫ل ورحيم ٌ لذل َ‬
‫ن الل ّه َ عاد ٌ‬
‫وعرفتُ أ ّ‬

‫تفت م ِن عزائم ِنا‪.‬‬


‫الظروف تحبط ُنا أو ّ‬
‫َ‬ ‫بأيدينا حت ّى لا ندعَ‬

‫ن أفكارا ً سلبي ّة ً كثيرة ً ن ّدخر ُها في عقول ِنا‪،‬‬


‫لقد اكتشفتُ أ ّ‬

‫جها دونَ أن‬


‫وبالتالي تؤث ّر ُ على طر يقة ِ تفكير ِنا وسلوكِ نا‪ ،‬ننته ُ‬

‫ندرك َ آثار َها السلبي ّة َ‪ ،‬علينا أن نستبدل َها بأفكارٍ صحيحة ٍ من‬

‫ن (القرآن)‪.‬‬
‫ل إلى الإنسا ِ‬
‫التعليمات الم ُنز َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫دلي ِ‬
‫لقد أحسستُ بالقو ّة ِ الهائلة ِ التي أودع َها الل ّه ُ فينا وأعطانا‬

‫ن م َن نح ّد م ِن طاقات ِنا وقو ّة ِ‬


‫إ ي ّاها في هذه ِ الآية ِ‪ ،‬ل كن ّنا نح ُ‬

‫التغيير ِ لدينا‪.‬‬

‫ل ماذا يا بنتي؟‬
‫‪-‬مث ُ‬

‫‪311‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن‬‫نعرف أ ّ‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫ك نا له شيء ٌ آخر‪ .‬فنح ُ‬
‫ن معرفت َنا شيء ٌ‪ ،‬وإدرا َ‬ ‫‪-‬إ ّ‬

‫ك ولو استشعرناه ُ‬ ‫ل شيء ٍ‪ ،‬ل كن ّنا لم نستشعر ذل َ‬ ‫الل ّه َ بيدِه ِ ك ّ‬

‫ن‬ ‫ح ّقا ً فما م ِن قو ّة ٍ ولا سطوة ٍ ولا ذكاء ِ شخ ٍ‬


‫ص أو مكر ِه ِ يمك ُ‬

‫ل؛ هذه الحقيقة يجبُ أن تنف َي‬


‫أن ي ُفزِع َنا‪ ،‬فالل ّه ُ أكبر ُ وأج ّ‬

‫ن‪،‬‬ ‫ق اتّ جاه َ أيّ شيء ٍ يواجه ُنا‪ ..‬فلا قل َ‬


‫ق للامتحا ِ‬ ‫مشاعرَ القل ِ‬

‫ل ‪...‬‬
‫ن المستقب ِ‬
‫خوف م ِ َ‬
‫َ‬ ‫ولا‬

‫ل م ِن شخصي ّة ِ الإنسا ِ‬
‫ن‬ ‫ق تجع ُ‬
‫خاوف والقل ِ‬
‫وجمي ُع هذه ِ الم ِ‬

‫شخصي ّة ً ضعيفة ً‪ ،‬غير َ مبادرة ٍ‪ ،‬سلبي ّة‪ ،‬وهذا مالا يريد ُه ُ الل ّه ُ‪،‬‬

‫ن الل ّه َ لا يغي ّر ُ ما بقو ٍم حت ّى‬


‫ك ز ّود َنا بالقو ّة ِ الهائلة ِ (إ ّ‬
‫لذل َ‬

‫ل جهدي‬
‫ك يا أم ّي قررتُ أن أبذ َ‬
‫يغي ّر ُوا ما بأنفس ِهم) لذل َ‬

‫ل‪ ،‬ولن أق َع‬


‫ق اتّ جاه َ المستقب ِ‬
‫خوف أو قل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ل عليه ِ دونَ‬
‫وأتوكّ َ‬

‫ن الل ّه ِ فريسة َ الإحباطِ بل سأشم ّر ُ عن ساعدِ الج ِدّ‪،‬‬


‫بإذ ِ‬

‫ل نصيحة ٍ أو نقدٍ بناء ٍ‪ ،‬ولن أدعَ حساسيتي‬ ‫وأستم ُع إلى ك ّ ِ‬


‫حاجزا ً يبعد ُني عن تطوير ِ نفسي وتنميت ِها‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أدوات‬
‫ِ‬ ‫لقد أنعم َ الل ّه ُ عليّ يا أم ّي بأن عل ّمت ِني َ ال كثير َ م ِن‬

‫ك الل ّه ُ خيراً‪ ،‬وعليّ الآنَ أن أتدرّبَ عليها‬‫التغيير ِ‪ ،‬فجزا ِ‬


‫ِ‬
‫موضع التنفيذِ لتثمر َ هذه ِ المعرفة َ‪ ،‬وإلا كانت‬ ‫وأضع َها في‬

‫حب‪،‬‬
‫حج ّة ً عليّ أمام َ رب ّي‪ ،‬فقد أهداني م َن يعلّم ُني بحنوٍ ّ و ٍّ‬

‫ل الل ّه َ‬
‫ق ماعلمتنيه ِ وأغي ّر َ نفسي‪ .‬أسأ ُ‬
‫وواجبي الآنَ أن أطب ّ َ‬

‫العونَ والسداد َ‪.‬‬

‫ّب‪ .‬بارك َ الل ّه ُ بكِ‬


‫ت يا بنتي‪ .‬نتائج ُ تفكيرٍ مثمرِ وطي ٍ‬
‫‪ -‬بورك ِ‬

‫ووف ّقكِ لما يحب ّه ُ ويرضاه‪.‬‬

‫قبّلتُ أم ّي وشكرتُها لاستماعِها واهتمام ِها وتفاعل ِها معي‪ ،‬ثم ّ‬

‫ل ثيابي‪.‬‬
‫أسرعتُ إلى غرفتي لتبدي ِ‬

‫‪312‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 21-‬‬

‫(التعميمُ الخاطئُ أحدُ األخطاءُ الفكريُةُ الشائعةُ التي يجبُ خجنُبُها) ُ‬

‫ل كلمة ٍ فيه‪ ،‬تكل ّم َت م ِن خلالِه ِ‬


‫كانَ حديثا ً شائقا ً استمتعتُ بك ّ ِ‬
‫ت الالتزام َ‬
‫صديقتي حنانُ ع َن تجرِ بت ِها الإيماني ّة ِ عند َما قرر َ ِ‬

‫جاب الإسلام ِيّ‪ ،‬و بدء َ مشوارِها إلى الل ّه‪.‬‬


‫بالح ِ‬

‫ك أسلوبا ً ممي ّزا ً في الكلا ِم‪ ،‬يش ّد الآخرين لسماع ِه ِ؛ ح ّقا ً‬


‫إ ّنها تمل ُ‬

‫إن ّي أحبّها في الل ّه ِ‪ ،‬فمنذ ُ اللحظة ِ التي رأيت ُها شعرتُ بأ ّنها قريبة ٌ من ّي‪،‬‬

‫ن‬
‫أحب هذه ِ الطبيعة َ المرِحة َ والجادّة َ بآ ٍ‬
‫ّ‬ ‫رب ّما شخصي ّت ُها‪ ،‬أو لأن ّي‬
‫‪313‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ق ما تريد ُ‪،‬‬
‫وكيف تح ّق ُ‬
‫َ‬ ‫ف ماذا تريد ُ‪،‬‬
‫واحدٍ‪ ،‬واضحة ُ الرؤ ية ِ تعرِ ُ‬

‫قو ي ّة ُ الإرادة ِ‪ ،‬صادقة ٌ في مشاعر ِها وأقوال ِها‪.‬‬

‫الصفات أعشق ُها وأحبّها‪ ،‬ولقد اجتمع َت في شخصي ّت ِها؛‬


‫ِ‬ ‫ل هذه ِ‬
‫ك ّ‬

‫ك‪ ،‬كلانا‬
‫الوقت وأنا حر يصة ٌ على صحبت ِها وهي كذل َ‬
‫ِ‬ ‫ك‬
‫ومنذ ُ ذل َ‬

‫حتني وكم‬ ‫ِ‬


‫والنصح لدين ِه ِ؛ فكم نص َ‬ ‫قد تعاهدنا على المحب ّة ِ في الل ّه ِ‬

‫نصحت ُها‪ ،‬وكم تعلّمتُ منها وتعل ّم َت من ّي‪.‬‬

‫ل هذه ِ الأفكارِ كان َت تدور ُ في خل َدي وأنا أستم ُع إلى حديث ِها‪،‬‬
‫ك ّ‬

‫ف عنها الخبثُ‬
‫الصف (هيا)‪ ،‬عُر ِ َ‬
‫ِّ‬ ‫إلى أن جاء َت زميلة ٌ لنا في‬

‫حت بنا‪:‬‬
‫والمكيدة ُ وال كذبُ ‪ ،‬جاء َت وصا َ‬

‫ن مدرّسة َ‬
‫واهمات بكلا ِم الآخرين‪ .‬هل تعرف َ‬
‫ٌ‬ ‫خدوعات و‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬أنتنَ م‬
‫ن الإسلا ِم‬ ‫ِ‬
‫التاريخ التي درّستنا السنة َ الماضية َ وكان َت تح ّدث ُنا ع ِ‬
‫الفتوحات ورفعة ِ الدين؟‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫كثيرا ً وع ِ‬
‫ن‬
‫ن عا ٍمّ م َع مجموعة ٍ م ِ َ‬
‫وترقص في مكا ٍ‬
‫ُ‬ ‫لقد رأيت ُها البارحة َ تلهو‬

‫‪314‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حاب‪ ،‬أمّا أخت ُها المحجّ بة ُ والملتزمة ُ فقد ظلمتني كثيرا ً‬


‫ق والأص ِ‬
‫الرفا ِ‬

‫في السنة ِ الماضية ِ‪ ،‬وكان َت تسعى إلى تحطيمي لأن ّي غير ُ ملتزمة ٍ‪،‬‬

‫ن‬
‫الاختبارات الشفهي ّة ِ كثيرا ً م ِن دو ِ‬
‫ِ‬ ‫صت علاماتي في‬
‫فأنق َ‬

‫ذنب‪.‬‬
‫ٍ‬

‫وق َع علينا الكلام ُ كالصاعقة ِ‪ ،‬لم تنطق أي ّة ُ واحدة ٍ من ّا بكلمة ٍ‪ ،‬إلّا‬

‫خت بأعلى صوتِها‪:‬‬


‫سارة ُ التي صر َ‬

‫ن فلا أرغبُ بالالتزا ِم به ِ‪.‬‬


‫إن كانَ هذا هو الدي ُ‬

‫جرس الفرصة ِ مؤذنا ً بانتهائِها‪ ،‬فعدنا لمقاعدِنا ل كن ّي ظللتُ‬


‫ُ‬ ‫ن‬
‫ر ّ‬
‫ِ‬
‫جميع م َن‬ ‫ك عند َ‬
‫عامّة َ يومي مشغولة ً بما حدثَ ‪ ،‬وأحسب ُه ُكذل َ‬

‫ن ما دار َ بين َنا‪.‬‬


‫سمع َ‬

‫ل حزينة ً مهمومة ً‪ .‬كنتُ أتشو ّقُ لرؤ ية ِ أمّي‬


‫عدتُ إلى المنز ِ‬

‫ل الذي حي ّر َني‪:‬‬
‫ح عليها هذا السؤا َ‬
‫لأطر َ‬

‫‪315‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل أن يتغي ّر َ الإنسانُ بهذه ِ السهولة ِ؟ أو هل هي‬


‫ن المعقو ِ‬
‫هل م ِ َ‬

‫ل الدين؟‬
‫تمث ّ ُ‬

‫لا أدري مئاتُ الأسئلة ِ دار َت في خاطري حت ّى أحسستُ‬

‫بالدوارِ ل كثرة ِ التخب ّطِ بين َها‪.‬‬

‫ل‪ ،‬أسرعتُ إلى غرفتي وتوضّ أتُ‬


‫ل كن ّي لم أجد أم ّي في المنز ِ‬

‫المطبخ كي أع ّد مائدة َ الغداء ِ‪ ،‬ل كنّ ذهني كانَ‬


‫ِ‬ ‫وتوجّهتُ إلى‬

‫بعض الأطعمة ِ‪ ،‬ولم أنتبه لها إلى أن جاء َ‬


‫ُ‬ ‫مشغولاً‪ ،‬فاحترق َت‬

‫أخي وأنقذ َها‪.‬‬

‫ص‬ ‫لاحظَت أم ّي على الغداء ِ شرودي‪ ،‬س ّيما أ ّ‬


‫ن أخي العزيز َ ق ّ‬

‫ق‬
‫سبب حر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المطبخ عندما سألتني عن‬ ‫ل في‬
‫عليها ما حص َ‬

‫الطعا ِم‪.‬‬

‫سألتني بعد َ الغداء ِ وأثناء َ شرب ِنا الشايَ ‪:‬‬

‫‪31٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن‬
‫‪ -‬ما بكِ يا علا؟ لقد احترقَ الطعام ُ على غير ِ عادت ِك! كما أ ّ‬

‫ن على وجه ِكِ ‪ .‬ما بكِ ؟‬


‫بوادر َ اله ِ ّم والشرودِ يبدوا ِ‬

‫قصصتُ عليها ما حدثَ ‪ ،‬ثم ّ توق ّفتُ فلم أعل ّق بشيء ٍ‪.‬‬

‫ك‬
‫ك لم تخ بريني بمشاعر ِ ِ‬
‫‪ -‬وأنتِ ما رأي ُكِ بما حدثَ يا علا؟ أرا ِ‬

‫ت؟‬
‫أو ماذا فعل ِ‬

‫ت‪.‬‬
‫‪-‬أنا ‪ ...‬أنا ‪ ........‬ثم ّ سك ّ‬

‫ق‪ .‬حت ّى قطع َه ُ صوتُ أم ّي‪:‬‬


‫ع ّم السكونُ دقائ َ‬

‫موقف‪ ،‬وتستعملي‬
‫ٍ‬ ‫كيف عليكِ أن تحل ّلي أيّ‬
‫َ‬ ‫‪-‬لقد عل ّمت ُكِ يا علا‬

‫أي شيء ٍ‪ ،‬ول كن يبدو أ ّ‬


‫ن المفاجأة َ‬ ‫مهارات التفكير ِ للحكم ِ على ّ ِ‬
‫ِ‬

‫ن استخدام ِها! هل هذا صحيح؟‬


‫أذهل َتكِ ع ِ‬

‫سقط في يدي‪ .‬لا أدري‬


‫ح يا أم ّي‪ .‬أشعر ُ أن ّي مذهولة ٌ‪ ،‬أ َ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ل أنا لا أستطي ُع التفكير َ بشيء ٍ‪.‬‬


‫ماذا أقولُ‪ .‬ول كن بالفع ِ‬
‫‪317‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك‬
‫ك‪ ،‬ويذهبَ عنكِ ذهول ُ ِ‬
‫ك لتستعيدي فكر َ ِ‬
‫‪-‬حسنا ً سأساعد ُ ِ‬

‫تذك ّري‪:‬‬

‫ح أم لا؟‬
‫‪-‬هناك َ ثلاثُ نقاطٍ أساسي ّة ً‪ :‬أولا ً هل حديثُ هيا صحي ٌ‬

‫ق بنبأ ٍ‬
‫ن آمنوا إن جاء َكم فاس ٌ‬
‫ن قول َه ُ تعالى (يا أ ّيها الذي َ‬
‫ألا تذكري َ‬

‫حوا على ما فعلتم نادمين)؟‬


‫فتبي ّنوا أن تصيب ُوا قوما ً بجهالة ٍ فتصب ُ‬

‫ن فنلتزم ُ به ِ أم لا‬
‫أمّا النقطة ُ الثانية ُ والأه ّم‪ :‬هل نحكم ُ على الدي ِ‬

‫ل‬
‫حه ِ أم من خلا ِ‬
‫ن وصلا ِ‬
‫وقيم هذا الدي ِ‬
‫ِ‬ ‫ل مبادئ َ‬
‫م ِن خلا ِ‬

‫ن‬
‫(بغض النظرِ إن كان ُوا يمث ّلونَ الملتزمينَ بالدي ِ‬
‫ّ ِ‬ ‫ك أشخا ٍ‬
‫ص‬ ‫سلو ِ‬

‫أم لا)؟‬

‫ن آدم َ‬ ‫ل الل ّه ِ (ك ّ‬
‫ل اب ِ‬ ‫أمّا النقطة ُ الثالثةُ‪ :‬تعرفينَ حديثَ رسو ِ‬

‫طاء ٌ وخير ُ الخطائينَ التو ّابون)؟‬


‫خ ّ‬

‫‪-‬نعم أعرف ُه ُ يا أم ّي‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫س‪ ،‬وتكل ّمنا كثيرا ً‬


‫ل النا ِ‬
‫ل م ِن ك ّ ٍ‬
‫ن الخطأ وارد ٌ ومحتم ٌ‬
‫‪-‬أي إ ّ‬

‫س البشر ي ّة ِ وضعف ِها؟ هل هذا صحيح؟‬


‫ع َن طبيعة ِ النف ِ‬

‫ح‬
‫ن المه ّم أن يتوبَ الإنسانُ و يصحّ َ‬
‫ح‪ ،‬وقلنا إ ّ‬
‫‪-‬نعم يا أم ّي صحي ٌ‬

‫خطأه ُ‪.‬‬

‫ن مهما بل َغ‬
‫ل إنسا ٍ‬
‫نك ّ‬
‫ن النقطة ِ الثالثة ِ‪ ،‬أ ّ‬
‫‪-‬ما أقصد ُه ُ يا بنتي م ِ َ‬

‫م ِن علو ٍّ في المرتبة ِ الاجتماعي ّة ِ أو الديني ّة ِ فرب ّما يخطئ ُ‪ ،‬فلا يجوز ُ‬

‫أن ننظر َ إليه ِ نظرة َ قداسة ٍ مطلقة ٍ وكأن ّه ُ نب ّي لا يخطئ ُ أبداً‪ ،‬وفي‬

‫ن لدينا‪ ،‬ثم ّ نعمّم ُ‬


‫مقاييس الدي ِ‬
‫ُ‬ ‫الوقت ذات ِه ِ إذا أخطأ تنهار ُ‬
‫ِ‬

‫ن أو‬
‫ن ومشايخ ُه ُ هكذا فلا أريد ُ ات ّباعَ الدي ِ‬
‫ل‪ :‬إذا كانَ الدي ُ‬
‫ونقو ُ‬

‫تعلّم َه ُ على أيدي المشايخ!‬

‫فهذا خطأ ٌ في التصو ّرِ وفي التفكير ِ‪.‬‬

‫خطأ ٌ في التصو ّرِ لأن ّنا ق ّدسنا المشايخ َ وأنزلناهم مرتبة َ الأنبياء ِ‪،‬‬

‫طاء ٌ)‬
‫ن آدم َ خ ّ‬
‫ل اب ِ‬
‫ل‪(‬ك ّ‬
‫ل الرسو ِ‬
‫ودين ُنا واضح ٌ صريح ٌ في قو ِ‬

‫‪319‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫فلا أعيبُ على أحدٍ خطأه ُ‪ ،‬و إن ك ن ّا م َن فعلناه ُ فالعيبُ أن‬

‫الاعتراف به ِ‪ ،‬و نظنّ أن ّنا فوق الخطأ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ن ُصرّ على عد ِم رؤيته ِ أو‬
‫ِ‬
‫المشايخ وأولي العلم ِ فيجبُ أن يكونَ ات ّباعا ً م ُبصراً‪،‬‬ ‫و أمّا ات ّباع ُ‬

‫للكتاب و السن ّة ِ‪ .‬هذا هو‬


‫ِ‬ ‫لا تقليدا ً أعمى‪ ،‬فأوافق ُه مادام َ موافقا ً‬

‫وصحابت ُه الميامين‪ ،‬فقد‬ ‫الطر ي ُق كما عل ّم َناه إ ي ّاه ُ رسو ُل الل ّه ِ ‪‬‬
‫ل سي ّد ُنا أبو بكر ٍ رضي َ الل ّه ُ عنه ُ عندما ولي َ الخلافة َ‪:‬‬
‫قا َ‬

‫( فإن ّي قد و ُل ّيتُ عليكم ولستُ بخ ير ِكم ‪ ،‬فإن أحسنتُ فأعينوني؛‬

‫وإن أسأتُ فقو ّموني) ‪.1‬‬

‫ق وفه ِم‬
‫ل الأقوم ُ لاختيارِ الطر ي ِ‬
‫هذه ِ الرؤ ية ُ المتوازنة ُ هي السبي ُ‬

‫بب ارتقائِها‬
‫س البشر ي ّة ِ‪ ،‬وس ِ‬
‫وضعف النف ِ‬
‫ِ‬ ‫يات الإيماني ّة ِ‬
‫المستو ِ‬

‫تارة ً وهبوطِها أخرى‪.‬‬

‫خ أو‬
‫و أما الخطأ في التفكير ِ فهو التعميم ُ‪ ،‬أي إذا أخطأ شي ٌ‬

‫‪″‬‬ ‫‪″‬‬

‫‪321‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫عالم ٌ‪ ،‬رفضتُ التعلّم َ م ِن مصادرِ العلم ِ و علمائِها ومشايخ ِها‪.‬‬

‫ن الخطأ وارد ٌ‪ ،‬فلا أجرّد ُه ُ‬


‫س وأ ّ‬
‫و الصوابُ أن أعي َ طبيعة َ النف ِ‬
‫ن المل ّة ِ لمجر ّدِ‬
‫خروج ع ِ‬
‫م ِن علم ِه ِ أو دينه ِ‪ ،‬أو أقذف ُه ُ بال كفرِ وال ِ‬
‫خطأ ٍ إلا إذا كانَ خطأ ً في عقيدة ِ التوحيدِ‪ ،‬بل عليّ أن أتاب َع‬

‫ووعي‪ ،‬و ميزاني هو كتابُ الل ّه ِ وسنة ُ نبي ّه ِ ‪‬‬


‫ٍ‬ ‫العلماء َ عن بصيرة ٍ‬

‫ن يا أم ّي ثلاثَ نقاطٍ هامّة ٍ‪:‬‬


‫‪ -‬أنتِ تثيري َ‬

‫الأولى‪ :‬عليّ التأكّد ُ من صح ّة ِ الخ بر ِ‪.‬‬

‫ل مبادئ ِه ِ وقيمه ِ‬
‫ن ونحكم ُ عليه ِ م ِن خلا ِ‬
‫الثانية‪ :‬هل نأخذ ُ الدي َ‬

‫ل الأشخا ِ‬
‫ص؟‬ ‫وأحكامه ِ أم م ِن خلا ِ‬

‫تقديس‬
‫ٍ‬ ‫س مهما عل َت مرتبت ُهم نظرة َ‬
‫والثالثة‪ :‬ألا أنظر َ إلى النا ِ‬

‫وجعله ِم بشرا ً لا يخطئون‪ ،‬فإذا ما أخطأ أحد ُهم قلبتُ‬

‫‪321‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫المِجنّ ‪ 1‬و عم ّمتُ ورفضتُ تعلّم َ الدي ِ‬


‫ن م ِن مصادرِه ِ و علمائ ِه ِ‪،‬‬

‫بل عليّ أن أتبع َهم ات ّباعا ً م ُبص ِرا ً لا تقليد َ الأعمى‪ ،‬معتمدة ً‬

‫كتاب الل ّه ِ وسن ّة ِ رسوله ِ ‪ . ‬هل هذا ما قصدت ِه؟‬


‫ِ‬ ‫على‬

‫‪-‬نعم يا علا‪ .‬النقطة ُ الثانية ُ هي جوابُ ما سألت ِه ِ‪ ،‬ول كن ّي أحببتُ‬

‫ل عامّ‪.‬‬
‫ختلف نواحيه ِ‪ ،‬وبشك ٍ‬
‫ك الموضوعَ م ِن م ِ‬
‫حل ِ‬
‫أن أشر َ‬

‫ن الإنسانَ يتأث ّر ُ بالآخرين وسلوكِهم‪ ،‬وأغلب ُنا‬


‫ح يا أم ّي‪ ،‬لأ ّ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ل الأشخا ِ‬
‫ص‪.‬‬ ‫ئ م ِن خلا ِ‬
‫ن أو المباد ِ‬
‫يحكم ُ على الدي ِ‬

‫ح وه ُنا الطامّة ُ ال كبرى‪.‬‬


‫‪ -‬صحي ٌ‬

‫ن أن توضحي أكثر َ يا أم ّي؟‬


‫‪ -‬طامّة! هل بالإمكا ِ‬

‫س‬
‫حزب أو دي ٍن لي َ‬
‫ٍ‬ ‫ن‪ :‬أيّ جماعة ٍ أو‬
‫ن ومكا ٍ‬
‫أي زما ٍ‬
‫‪-‬أعطني في ّ ِ‬
‫ل‬
‫س والإرادة ِ‪ ،‬دخ َ‬
‫ضعيف النف ِ‬
‫ُ‬ ‫في أنصارِه ِ ومت ّبعيه ِ م َن هو‬

‫‪322‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن تقية ً أو مصلحة ً أو ر ياءً؟‬


‫الدي َ‬

‫قصص أخطاء ِ‬
‫ُ‬ ‫ل الل ّهِ؟ ألم ترد‬
‫ألم يوجد منافقونَ في عهدِ رسو ِ‬

‫ض الصحابة ِ؟‬
‫بع ِ‬

‫ليس عيبا ًل كنّ المكابرة َ وعدم َ الأوبة ِ إلى الل ّه ِ هي المشكلة ُ‬


‫الخطأ َ‬

‫ن‬
‫ن الدي َ‬
‫ل؛ كما أ ّ‬
‫ال كبرى‪ ،‬أمّا الإنسانُ فلا يوجد ُ أحدٌ كام ٌ‬

‫س حر ي ّة ِ الاعتقادِ أو الالتزا ِم به ِ‪.‬‬


‫أعطى للنا ِ‬

‫‪ -‬ل كن يا أم ّي‪ .‬لا أدري‪.‬‬

‫ف‬
‫ل تصرّ ِ‬
‫ن م ِن خلا ِ‬
‫‪ -‬سؤالي‪ :‬هل يجوز ُ أن أحكم َ على الدي ِ‬

‫ض؟‬
‫البع ِ‬

‫‪ -‬لا‪.‬‬

‫حزب أو دي ٍن التزم َ جمي ُع أفرادِها بمبادئ ِه ِ‬


‫‪ -‬هل هناك َ جماعة ٌ ل ٍ‬

‫كاملة ً؟‬
‫‪323‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪-‬لا ‪.‬‬

‫النفس البشر ي ّة َ متفاوتة ٌ في صفاتِها وصدق ِها‬


‫َ‬ ‫ن‬
‫‪-‬طبعا ً لا‪ ،‬لأ ّ‬

‫ن‬ ‫ِ‬
‫جميع الأديا ِ‬ ‫وأهداف ِها وطبيعت ِها وقدرتِها على السموِ ّ والرق ِيّ؛ وفي‬

‫ل كانَ هناك َ م ِن أتباعِهم م َن أخطأ‬


‫وعندما بعثَ الل ّه ُ الرس َ‬

‫ق وخانَ رسول َه ُ‪.‬‬


‫وأساء َ‪ ،‬بل وناف َ‬

‫س‬ ‫ن م ِن صن ِع الل ّه ِ‪ ،‬والل ّه ُ كام ٌ‬


‫ل يدعو إلى خير ِ النا ِ‬ ‫الدي ُ‬

‫ل صفاتُهم الخُلقي ّة ُ ول كن ّه ُ يمتحن ُهم‬


‫الناس لا تكتم ُ‬
‫حهم‪ ،‬و ُ‬
‫وصلا ِ‬

‫والقيم والتزام ِهم بها‪ ،‬وعلى‬


‫ِ‬ ‫ئ‬
‫ليرى مدى تطبيق ِهم لهذه ِ المباد ِ‬

‫هذا يكونُ الحكم ُ عليهم يوم َ القيامة ِ إلى جن ّة ٍ أو نارٍ‪.‬‬

‫ق والعلم ِ‪ ،‬فإن ّنا عندما نقوم ُ‬


‫وم ِن جهة ٍ أخرى إذا أردنا رأيَ المنط ِ‬
‫ٍ‬
‫واضح هو‪ :‬التعميم ُ الخاطئ ُ‪،‬‬ ‫فكري‬
‫ٍّ‬ ‫ك نكونُ قد قمنا بخطأ ٍ‬
‫بذل َ‬

‫ل! وهو خل ّل‬


‫فأخذنا أمثلة ً وعم ّمنا النتيجة َ‪ ،‬وق ِسنا الجزء َ على الك ّ‬

‫ل ومفك ّر‪.‬‬
‫ل عاق ٍ‬
‫في التفكير ِ واضح ٌ يعلم ُ خطأه ُك ّ‬

‫‪324‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل‬
‫ن م ِن خلا ِ‬
‫ح‪ ،‬يجبُ ألّا نحكم َ على الدي ِ‬
‫‪-‬اممم ‪ ......‬صحي ٌ‬

‫ن م ِن عندِ الل ّه ِ‪.‬‬


‫ن الدي َ‬ ‫الأشخا ِ‬
‫ص‪ ،‬لأ ّ‬

‫ل الأشخا ِ‬
‫ص ع َن‬ ‫ن م ِن خلا ِ‬
‫ل يا أم ّي‪ :‬هل نحكم ُ على الدي ِ‬
‫سؤا ٌ‬

‫قصدٍ أم بغير ِ قصد؟‬

‫فكري وثقافة ٍ عامّة ٍ‬


‫ٍّ‬ ‫ك لأن ّنا نقوم ُ بخطأ ٍ‬
‫ل ذل َ‬
‫أقصد ُ هل نفع ُ‬

‫بسبب آخر َ؟‬


‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫للمجتمع أم‬

‫بسبب تأثير ِ التفكير ِ العاطفيّ ِ وعد ِم وجودِ‬


‫ِ‬ ‫ك‬
‫ضنا يقوم ُ بذل َ‬
‫‪-‬بع ُ‬

‫هارات التفكيرِ‬
‫ِ‬ ‫كم‬
‫بنى ً منطقي ّة ٍ فكر ي ّة ٍ صحيحة ٍ لديه‪ ،‬فلا يمتل ُ‬

‫ق معايير َ صحيحة ٍ‪،‬‬


‫ن الحكم ِ على الأمورِ وف َ‬
‫كن ُه ُ م ِ َ‬
‫الناقدِ التي تم ّ‬

‫س والعاطفة ِ في‬
‫فلا يستطي ُع أن يبتعد َ عن تحكّم ِ هوى النف ِ‬
‫والمواقف‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الحكم ِ على الأشياء ِ والأفكارِ‬

‫ك ع َن قصدٍ‪ ،‬بغية َ تشو يه ِ الأفكارِ والقيمِ‬


‫وبعض ُهم يقومون بذل َ‬

‫سكِ‬
‫ض دنيئة ٍ‪ ،‬حت ّى يبر ّروا لأنفس ِهم ولغير ِهم عدم َ التم ّ‬
‫لأغرا ٍ‬

‫‪325‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫بالدين‪.‬‬

‫الصنف الصادقُ بالتزامه ِ‬


‫ُ‬ ‫ن ذاك َ‬
‫ل في هذا الزما ِ‬
‫وللأسف ق ّ‬
‫ِ‬

‫ك‪ ،‬فازداد َت صور ُ‬


‫ن السلو ِ‬
‫نع ِ‬
‫ل الدي َ‬
‫في دينه ِ‪ ،‬وكثر ُ م َن فص َ‬

‫ل والحياة ِ‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫خداع في العم ِ‬ ‫ذب أو‬
‫الع ُب ّادِ مع ك ٍ‬

‫ن‬
‫ل الدي َ‬
‫ن م َن نمث ّ ُ‬
‫ك يجبُ أن يدفع َنا لأن نكونَ نح ُ‬
‫ن ذل َ‬
‫إلا أ ّ‬

‫نقذف مبادئ َ‬
‫َ‬ ‫ج حياة ٍ‪ ،‬لا أن‬
‫ح ّقاً‪ ،‬عبادة ً وسلوكا ًوفكرا ً ومنه َ‬

‫ُرض الإسلام ُ‬
‫حنيف و قيم َه ُ بالته ِم الباطلة ِ! ولو ع َ‬
‫الإسلا ِم ال ِ‬

‫ل دونَ تح يّزٍ أو‬


‫لب وعق ٍ‬
‫ل ذي ٍّ‬
‫بفكر ِه ِ وقيمه ِ ومبادئ ِه ِ على ك ّ ِ‬
‫ل لحياة ٍ ف ُضلى؛ وهذا ما عب ّر َ‬
‫ب لوجد َه ُ الأسلوبَ الأمث َ‬
‫تعصّ ٍ‬

‫الغرب المنصفين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عنه ُكثير ٌ م ِن علماء ِ‬

‫ن‬
‫ح يا أم ّي‪ .‬المشكلة ُ أن ّنا أسأنا للإسلا ِم بتصر ّفات ِنا‪ ،‬م َع أ ّ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ن‪.‬‬
‫ن ومكا ٍ‬
‫ل زما ٍ‬
‫ح لك ّ ِ‬
‫الإسلام َ دي ٌن رائ ٌع يصل ُ‬

‫ن‬
‫ن في الإنسا ِ‬
‫س والعاطفة َ يتحكّ ما ِ‬
‫ن هوى النف ِ‬
‫لأ ّ‬
‫لم أكن أتخي ّ ُ‬

‫‪32٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫لهذه ِ الدرجة ِ‪.‬‬

‫ن به ِ‪،‬‬
‫س حديثٌ خفيّ لا تشعري َ‬
‫ن حديثَ النف ِ‬
‫المشكلة ُ يا أم ّي أ ّ‬

‫الأوقات نوافق ُه ُ لأن ّنا نظنّ‬


‫ِ‬ ‫أغلب‬
‫ِ‬ ‫ل‪ ،‬وفي‬
‫ن الداخ ِ‬
‫فهو يخاطب ُنا م ِ َ‬

‫ن أن تنظري إلى‬
‫ن الممك ِ‬
‫ن ما يدور ُ في بالنا هو م ِن ذات ِنا! فم َ‬
‫أ ّ‬

‫حبب لنا‪ ،‬وهذه ِ‬


‫سم ٌ‬‫بارتياب‪ ،‬ل كنّ حديثَ النف ِ‬
‫ٍ‬ ‫وسوسة ِ شخ ٍ‬
‫ص‬

‫هي الطامّة ُ‪.‬‬

‫ك‪ ،‬فإن ّه ُ يساعد ُنا‬


‫صدقت يا بنتي‪ ،‬إن القرآن عندما ينبّهنا لذل َ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫مدارج ال كمال‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كي نرتق َي في‬

‫س والشيطان؟‬
‫كيف أمي ّز ُ بينَ حديثِ النف ِ‬
‫َ‬ ‫‪-‬ول كن‬

‫ذنب تقترفينه ُ‪ ،‬المه ّم‬


‫ٍ‬ ‫ن تتمي ّز ُ بأن ّه ُ لا يهمّه ُ أيّ‬
‫‪-‬وسوسة ُ الشيطا ِ‬

‫ك‬
‫حكِ ‪ ،‬و يبحثُ ل ِ‬
‫اليأس م ِن صلا ِ‬
‫َ‬ ‫يضيف إليه ِ‬
‫ُ‬ ‫أن تعصي الل ّه َ ثم ّ‬

‫ك أو صوتُ‬
‫يستيقظ ضمير ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ع َن شركاء َ في هذه ِ المعصية ِ حت ّى لا‬

‫أي وادٍ سحي ٍ‬


‫ق تهوين‪.‬‬ ‫ن و فطرت ُكِ في داخلكِ ‪ ،‬فلا يهمّه ُ في ّ ِ‬
‫الرحم ِ‬
‫‪327‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ذنب أو شهوة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫النفس الأمّارة ُ بالسوء ِ فتلحّ على فكرة ٍ أو‬
‫ُ‬ ‫أمّا‬

‫ك‬
‫بصفات ذكرناها سابقا ً فهي تأمرُ ِ‬
‫ٍ‬ ‫صف‬
‫معي ّنة ٍ‪ ،‬كما أ ّنها تت ّ ُ‬

‫س‪ ،‬وجحودِ النعمة ِ‪ ،‬والتكب ّر‬ ‫بالشحِّ ‪ ،‬والبخ ِ‬


‫ل‪ ،‬والقنوطِ ‪ ،‬واليأ ِ‬

‫والغلو ّ ‪ ....‬هذه الصفاتُ علينا أن نجاهد َ أنفس َنا في عد ِم ات ّباعِها‬

‫ل بها إلى الحدودِ التي يرضى بها ر ب ّنا ولا‬


‫أو على الأقل الوصو ُ‬

‫ل بمجاهدتِها‪ ،‬والأخذِ‬
‫عز وج ّ‬
‫ك أمرَنا الل ّه ُ ّ‬
‫تضرّ أحداً؛ لذل َ‬

‫ل السعادة َ في الدنيا والآخرة ِ‪.‬‬


‫ق الحقّ ِ لننا َ‬
‫بقيادِها إلى طر ي ِ‬

‫ن الل ّه َ لم َ َع المحسنين)‪.‬‬
‫سب ُل َنا وإ ّ‬
‫ن جاهد ُوا فينا لنهدي َنّهم ُ‬
‫(والذي َ‬

‫شاق يا أم ّي‪ ...‬آه ‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪-‬الأمرُ‬

‫السموات‬
‫ِ‬ ‫ض‬
‫ات عرض ُها كعر ِ‬
‫‪-‬معكِ حقّ ‪ ،‬ول كنّها جن ّ ٌ‬

‫ت يا بنتي بعينِ الفاحصة ِ‬


‫ل هذا لو نظر ِ‬
‫ل ك ِّ‬
‫ض‪ ،‬وقب َ‬
‫والأر ِ‬

‫ك وقوانينِ الل ّه ِ التي نبّهنا إليها في القرآ ِ‬


‫ن‬ ‫ل م َن حول َ ِ‬
‫والمحل ّلة ِ لأفعا ِ‬

‫ق‬
‫علوي أمرنا به ِ إلا وفيه ِ تحقي ٌ‬
‫ٍّ‬ ‫ت أن ّه ُ ما م ِن أمر ٍ‬
‫لوجد ِ‬

‫‪328‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل أن نأخذ َ أجر َه ُ في الآخرة؛ فعندما من َع‬


‫لسعادت ِنا في الدنيا قب َ‬

‫الميت وهو‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫المقيت في أك ِ‬
‫ِ‬ ‫الغيبة َ وحرّم َها وشبّهها بهذا التشبيه ِ‬

‫ل‬ ‫ك لأثر ِ الغيبة ِ المؤل ِم وال كبير ِ في المج ِ‬


‫تمع‪ ،‬فهو يعم ُ‬ ‫حيّ‪ ،‬إن ّما ذل َ‬

‫جاب‬
‫ت أمرَ الح ِ‬ ‫ِ‬
‫وزرع الأحقادِ وال كره ِ؛ و لو تأمّل ِ‬ ‫ككه ِ‬
‫على تف ّ‬

‫س الضعيفة ِ التي هوت إلى‬


‫ن النفو ِ‬
‫لرأيت أن ّه ُ يحميها م ِ َ‬
‫ِ‬ ‫للمرأة ِ‬

‫ض‪ ،‬فهو كما يرف ُع قدر َها‪،‬‬


‫ن وخلد َت إلى الأر ِ‬
‫مرتبة ِ الحيوا ِ‬

‫ل‪ ،‬فيطلبُ الشرع ُ منه ُ أن يرقى لينظر َ‬


‫و يداني منزلت َها لمنزلة ِ الرج ِ‬
‫ل‪ ،‬دونَ أن تكونَ‬
‫إلى المرأة ِ وهو يحاور ُها فكرا ً بفكر ٍ وقولا ً بقو ٍ‬

‫تهبط بمنزلة ِ المرأة ِ وتجعل ُها سلعة ً‬


‫ُ‬ ‫ض رخيصة ٍ‪،‬‬
‫مطمعا ً لأغرا ٍ‬

‫ل أن يكونَ قيدا ً‬
‫ومتاعا ً له‪ ..‬فهو تكريم ٌ للمرأة ِ ورف ٌع لشأنِها‪ ،‬قب َ‬

‫على جزء ٍ م ِن حرّ ي ّت ِها الشخصي ّة‪ ،‬فهو قد أعطاها أكثر َ مم ّا أخذ َ‬

‫منها‪ ،‬وحمى المجتم َع وارتقى به ِ م ِن تفكيرٍ حيوان ٍيّ شهوان ٍيّ إلى‬
‫ِ‬
‫لمجتمع أن‬‫إنسان ٍيّ ربانيّ‪ ،‬وما أعظم َ الفارقَ بين َهما! إن ّه يريد ُ ل‬

‫الشهوات‪ ،‬و يضع َها في موضع ِها الذي يجعلُ منه ُ‬


‫ِ‬ ‫ن‬
‫ل ع ِ‬
‫يمي َ‬

‫‪329‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫مجتمعا ً راقيا ً م ِن جميع النواحي‪.‬‬

‫ن مناقشت َكِ الفكر ي ّة َ والمنطقي ّة َ‬


‫‪-‬لقد ازددتُ اقتناعا ً يا أم ّي‪ ..‬إ ّ‬

‫ل‬
‫الغبش عن عينيّ وتُشعر ُني أن ّي أفهم ُ الإسلام َ بشك ٍ‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫ل َتز ي ُ‬

‫مطلب‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫والطمع في الجن ّة ِ وهو طبعا ً‬ ‫ل الآخرة ِ‬
‫ليس لأج ِ‬
‫ختلف َ‬
‫م ٍ‬

‫ق‬
‫عظيم ٌ‪ ،‬بل إن ّه ُ جاء َ ليسعد َنا في الدنيا‪ ،‬و يعطي َنا خارطة َ طر ي ٍ‬

‫نسير ُ وفق َها‪ ،‬لنسعد َ في الدنيا والآخرة‪ ،‬و أعجبتني فكرت ُك التي‬

‫ن م ِن صن ِع الل ّهِ‪ ،‬والل ّه ُ كام ٌ‬


‫ل يدعو إلى خير ِ‬ ‫ن الدي َ‬
‫طرحت ِها‪ ،‬أ ّ‬

‫ل صفاتُهم الخُلقي ّة ُ ول كن ّه ُ‬
‫والناس لا تكتم ُ‬
‫ُ‬ ‫س وصلاحِهم‪،‬‬
‫النا ِ‬

‫والقيم والتزامِهم‬
‫ِ‬ ‫ئ‬
‫يمتحنُهم ليرى مدى تطبيق ِهم لهذه ِ المباد ِ‬

‫بها‪ ،‬وانتبهتُ إلى فكرة ٍ هامة وهي أن الإنسانَ الملتزم َ بدينه ِ قد‬

‫أمر بديهيّ‪ ،‬فيجبُ ألّا أجرّد َه ُ م ِن‬


‫يخطئ ُ لأن ّه ُ بشر ٌ‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫طاء ٌ وخير ُ‬
‫ن آدم َ خ ّ‬
‫ل اب ِ‬
‫دين ِه ِ لمجر ّدِ هفوت ِه ِ أو ضعف ِه ِ‪ ،‬فك ّ‬

‫للأسف غالبا ً ما ننزع ُ عنه ُ صفة َ‬


‫ِ‬ ‫طائينَ التو ّابونَ‪ ،‬ول كن ّنا‬
‫الخ ّ‬

‫ن لمجر ّدِ وقوع ِه ِ في خطأ ٍ ما‪ .‬وتعل ّمتُ ألّا أعم ّم َ تعميما ً‬
‫الدي ِ‬
‫‪331‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ض‪ ،‬وأن‬
‫ف البع ِ‬
‫ل تصر ّ ِ‬
‫ل م ِن خلا ِ‬
‫خاطئاً‪ ،‬فلا أحكم ُ على الك ّ ِ‬
‫ل أن أنشر َه ُ أو أقبل َه ُ كحقيقة‪.‬‬
‫أي خبرٍ قب َ‬
‫أتث ّبتَ م ِن ّ ِ‬

‫أحسنت‪ ،‬وف ّق َكِ الل ّه ُ يا بنتي لما يحب ّه ُ ويرضاه‪،‬‬


‫ِ‬ ‫‪ -‬إ يجاز ٌ رائ ٌع‪،‬‬

‫ك الخ ير َ والهداية َ‪.‬‬


‫ل في يد ِ‬
‫ح العارفين‪ ،‬وجع َ‬
‫ح عليكِ فتو َ‬
‫وفت َ‬

‫ك يا أم ّي‪ ،‬أعانني الل ّه ِ على تطبي ِ‬


‫ق ما تعلّمت ُه‪.‬‬ ‫‪ -‬شكرا ً ل ِ‬

‫‪ -‬آمين‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 22 -‬‬

‫ه ه ً‬
‫للا ملّكا عليهّ ّ‬
‫ت ّ‬ ‫(رتب ه ّ‬
‫قلبك‪ ...‬إنّ جعلّ ّ‬
‫ً‬
‫عبادا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ت‪ ،‬فإنّ أحببّ ه ّ‬
‫ت‬ ‫وفز ه ّ‬
‫ت ّ‬ ‫ارتحّ ه ّ‬
‫ه‬
‫فـ (بهّ ولهّ وفيهّ) ّ‬

‫ل حنان؟‬
‫بالذهاب إلى منز ِ‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬أم ّي‪ .‬هل تسمحينَ لي‬

‫ن ز يارات ِك لها قد كث ُر َت؟ هل تحض ّران مشروعا ًمشتركا ً‬


‫‪-‬أرى أ ّ‬

‫بينكما؟‬

‫ك سببا ً مفيدا ً للاجتما ِع؟‬


‫أليس ذل َ‬
‫َ‬ ‫ندرس معاً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫‪-‬لا‪ ،‬نح ُ‬

‫‪332‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك وقت َكما؟ فأنا أعلم ُ أن ّكِ‬


‫ح الل ّه ُ عليكما‪ ،‬ول كن‪ ...‬ألا يضي ّ ُع ذل َ‬
‫‪-‬فت َ‬

‫ك‪ ،‬ما الذي تغي ّر؟‬


‫تحب ّينَ الدراسة َ بمفردِ ِ‬

‫أدرس وحدي‬
‫ُ‬ ‫ك‪ ،‬فأنا‬
‫أحب ذل َ‬
‫ّ‬ ‫ح‪ ،‬ما زلتُ‬
‫‪-‬كلام ُكِ صحي ٌ‬

‫نتناقش؛ حنانُ ذكاؤها اجتماعيّ‪ ،‬فهي تجيد ُ الدراسة َ‬


‫ُ‬ ‫أ ّولا ً ثم ّ‬

‫ل معرفتي‬
‫ك بفض ِ‬ ‫ل عليها عندما تكونُ م َع شخ ٍ‬
‫ص آخر َ‪ ،‬لذل َ‬ ‫وتسه ُ‬

‫الذكاءات المتع ّددة ِ وجدتُ طر يقة ً تفيد ُنا معا ً‪.‬‬


‫ِ‬ ‫بنظر ي ّة ِ‬

‫ت منها‬
‫الذكاءات‪ ،‬أرى أن ّكِ استفد ِ‬
‫ِ‬ ‫ق جي ّدٌ لنظر ي ّة ِ‬
‫‪-‬اممم‪ ..‬تطبي ٌ‬

‫كثيراً‪.‬‬

‫ل هذه ِ النظر ي ّة ِ أن أفهم َ‬


‫ح يا أم ّي لقدِ استطعتُ بفض ِ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫ل معهم‬
‫ل للتواص ِ‬
‫ن وأعذر َهم‪ ،‬ثم ّ أجد ُ طر يقة ً أفض َ‬
‫الآخري َ‬

‫حسبَ ذكاءاتِهم‪.‬‬

‫‪-‬رائ ٌع يا بنتي ‪ ..‬أنا فخورة ٌ بكِ ‪ ،‬ل كن ّي أقصد ُ شيئا ً آخر َ‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ن يا أم ّي؟‬
‫‪-‬ماذا تقصدي َ‬

‫ت متعل ّقة ً بحنانَ جدّا ً‪ ،‬تحب ّينَ صحبت َها كثيرا ً‬


‫‪-‬أشعر ُ أن ّكِ أصبح ِ‬

‫البيت‪ ،‬تزورين َها‬


‫ِ‬ ‫ن أغلبَ وقت ِكِ مع َها‪ ،‬في المدرسة ِ ثم ّ في‬
‫لدرجة ِ أ ّ‬

‫ت‬
‫الهاتف‪ ،‬أرى أن ّكِ قد أكثر ِ‬
‫ِ‬ ‫أو تزور ُك أو تتح ّدثينَ معها على‬

‫ك؟‬
‫ن ذل َ‬ ‫بعض الشيء ِ م ِ َ‬
‫ن التزاورِ والصحبة ِ؛ ألا تري َ‬ ‫َ‬

‫صفات كثيرة ً أحبّها‪ ،‬وقد‬


‫ٍ‬ ‫ك‬
‫‪-‬في الحقيقة ِ يا أم ّي‪ ،‬حنانُ تمل ُ‬

‫ل الوقتَ‬
‫ل‪ ،‬وهي طالبة ٌ مُج ّدة ٌ‪ ،‬ثم ّ إنّنا نستغ ّ‬
‫أخبرت ُكِ عنها م ِن قب ُ‬

‫بالهاتف‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بالدراسة ِ ولا نضي ّع ُه ُ حت ّى عند َ تح ّدث ِنا‬

‫صكِ‬ ‫تنظيم وقت ِكِ ‪ ،‬وأعلم ُ تماما ً حر َ‬


‫ِ‬ ‫ق بكِ وبقدرت ِكِ على‬‫‪-‬أنا أث ُ‬

‫ق بحنانَ‪ ،‬فقد رأيت ُها ن ِعم َ‬ ‫ك أث ُ‬ ‫ل ٍ‬


‫نافع‪ ،‬وكذل َ‬ ‫على استثمارِه بشك ٍ‬
‫الصاحبة ُ والأختُ الصادقة ُ‪.‬‬

‫ن المشكلة ُ إذا ً يا أم ّي؟‬


‫‪-‬أي َ‬

‫‪334‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫سم َت أم ّي وقال َت‪:‬‬


‫تب ّ‬

‫ل‬
‫‪-‬ليسَت هناك َ مشكلة ٌ‪ ،‬إلا أن ّه ُ لفتُ نظرٍ فقط‪ ،‬حت ّى لاتتحو ّ َ‬

‫ك توازن َكِ ‪،‬‬ ‫المحبة ُ في الل ّه ِ إلى تعل ّ ٍ‬


‫ق شديدٍ‪ ،‬يغلبُ عليكِ و يفقد ُ ِ‬

‫ت السيطرة َ عليها؛‬
‫لسبب ما‪ ،‬اهتز ّت نفس ُكِ وفقد ِ‬
‫ٍ‬ ‫فإذا فقدتِها‬

‫ك مفارق ُه‪.‬‬
‫ل‪ :‬أحب ِب م َن شئتَ فإن ّ َ‬
‫وكما قي َ‬

‫ك المرتبة ِ التي أشعر ُ‬


‫ن أن أدري ‪-‬لتل َ‬
‫‪-‬يبدو أن ّي وصلتُ ‪-‬م ِن دو ِ‬

‫أن ّي لا أستطي ُع فراق َها أبداً!‬

‫بصفات شخ ٍ‬
‫ص و يقر ّب َه ُ‬ ‫ِ‬ ‫جبَ الإنسانُ‬
‫ن الطبيعيّ يا علا أن ي ُع َ‬
‫‪-‬م ِ َ‬

‫ن الأخو ّة َ والمحبة َ في الل ّه ِ تساعد ُ على الطاعة ِ‬


‫منه ويتخذ َه ُ أخا ًله‪ ،‬لأ ّ‬

‫وخاصّة ً إن كانوا يتناصحون فيما بينهم‪ ،‬فيرق َونَ في تزكية ِ أنفس ِهم‬

‫وطر يق ِهم إلى الل ّه ِ‪ ،‬على ألّا تغلبَ هذه ِ المحب ّة ُ وتصب َ‬
‫ح هدفا ً بح ّدِ‬

‫مصاعب‬
‫ِ‬ ‫ب إلى الل ّه ِ وعو ٌ‬
‫ن على‬ ‫ذاتِها‪ ،‬بينما هي وسيلة ٌ للتقر ّ ِ‬

‫الحياة ِ ومزالق ِها‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حب في الله ِ تعل ّقا ً‪ ،‬يبدأ الإنسانُ ب ّ ِ‬


‫الترنح في‬ ‫ح ال ّ‬
‫عندما يصب ُ‬
‫ّ‬
‫س‬
‫ص هدفا ًبأصل ِه ِ للاستئنا ِ‬
‫ح لقاء ُ هذا الشخ ِ‬
‫ق‪ ،‬حت ّى يصب َ‬
‫الطر ي ِ‬

‫حرف المحب ّة ُ في الل ّه ِ وتصب ُ‬


‫ح تعل ّقا ً‪،‬‬ ‫بحديث ِه ِ و ‪ ...........‬عند َها تن ُ‬

‫ك‬ ‫بل قد تزيد ُ عن محب ّة ِ الل ّه ِ‪ ،‬فيصب ُ‬


‫ح هذا الشخص شاغلا ً تفكير َ ِ‬

‫ت‪.‬‬
‫ت وذهب ِ‬
‫ل نهار‪ ،‬حت ّى وأنتِ تقفين في الصلاة ِ‪ ،‬أينما حلل ِ‬
‫لي َ‬

‫للأسف أنتِ تصفينَ حالي‪ ،‬وكأن ّكِ نفسي!‬


‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ب الل ّه َ‪ ،‬لا‬
‫كيف نح ّ‬
‫َ‬ ‫‪ -‬المحب ّة ُ في الل ّه ِ يا علا م ِن أج ِ‬
‫ل أن تعلّم َنا‬

‫نستعيض بها عن محب ّته!‬


‫َ‬ ‫أن‬

‫كيف؟‬
‫َ‬ ‫‪ -‬لم أفهم‪.‬‬

‫ل الإنسانَ في‬ ‫‪-‬المحب ّة ُ في الل ّه ِ دوحة ٌ ر ب ّاني ّة ٌ دنيو ي ّة ٌ‪ ،‬فهي ت ُد ِ‬


‫خ ُ‬

‫يعرف الإنسانُ ما‬


‫ُ‬ ‫حب شعوراً‪ ،‬وفهما ً‪ ،‬وسلوكا ً؛ بها‬
‫ن ال ِّ‬
‫ميادي ِ‬

‫كهم‬
‫وكيف يكونُ شعور ُهم‪ ،‬وأقوال ُهم وسلو ُ‬
‫َ‬ ‫ل المحب ّين‪،‬‬
‫هو حا ُ‬

‫ل م ِن هذه ِ المعرفة ِ سبيلا ً إلى محب ّة ِ الل ّه ِ؛ فبعد َ معرفة ِ معاني‬


‫ليجع َ‬

‫‪33٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حب لن يدّعي أحدٌ محب ّته ُ لل ّه ِ إذا لم يشغله ُ الل ّه ُ شعورا ً وفكرا ً‬
‫ال ِّ‬

‫ق في التودّدِ مم ّن يحب ّون‪ ،‬وأحوالا ً‬


‫ن للمحب ّينَ طرائ َ‬
‫وعملاً‪ ...‬يعلم ُ أ ّ‬

‫ل‬
‫في محب ّت ِهم‪ ،‬وانشغالا ًبمحبو بهم عن ذاتِهم وطلباتِها‪ ،‬فهم في مقاب ِ‬
‫إرضاء ِ محبو بِهم يتنازلون عن كثيرٍ م ِن أهوائِهم وطلبا ِ‬
‫ت‬

‫ل شيء ٍ مقاب َ‬
‫ل‬ ‫ل فع ُ‬
‫أنفس ِهم‪ ،‬بل وكرامت ِهم‪ ،‬فلا يعظم ُ ولا يستحي ُ‬

‫إرضاء ِ هذا الم ِ‬


‫حبوب والتودّدِ إليه ِ‪.‬‬

‫ل الجميلة ِ الرائعة ِ التي‬


‫فإن لم ينتقلوا م ِن هذه ِ المشاعر ِ والأحوا ِ‬

‫ل الإنسانَ عظيم َ القدرة ِ‪ ،‬قويّ الإرادة ِ‪ ،‬يستسهلُ‬


‫تجع ُ‬

‫للمحبوب و وفاء ً له ُ‪ ،‬أمام َ‬


‫ِ‬ ‫ل ما لديه ِ عربونا ً‬
‫ل‪ ،‬و يق ّدم ُ ك ّ‬
‫المستحي َ‬

‫ك مفارق ُه ) ويرتحلونَ‬
‫الحقيقة ِ ال كبرى ‪ ( :‬أحب ِب م َن شئتَ فإن ّ َ‬

‫ن‬
‫ي الذي لايموتُ ‪ ،‬ويدركونَ أ ّ‬
‫ي الفاني إلى الح ِّ‬
‫ن الح ِّ‬
‫بمحب ّت ِهم م ِ َ‬

‫ن المعطاء ِ بلا مقاب ٍ‬


‫ل‬ ‫حب الوالدي ِ‬
‫ِّ‬ ‫مروا بها م ِن‬
‫حب التي ّ‬
‫مراتبَ ال ِّ‬

‫ل ينهلونَ ويرشفونَ منه ُكما‬


‫حب الأصي ِ‬
‫الذي تذ ّوقوا فيه ِ معاني َ ال ِّ‬

‫الزوج أو الأخو ّة ِ في‬


‫ِ‬ ‫حب‬
‫ِّ‬ ‫ل‪ ،‬ثم ّ إلى‬
‫يشاؤونَ دونَ أدنى مقاب ٍ‬
‫‪337‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حب الذي‬ ‫الل ّه ِ التي يتباد ُ‬


‫ل فيها المحب ّونَ الأخذ َ والعطاء َ‪ ،‬ثم ّ إلى ال ِّ‬

‫ك قد تذ ّوقوا جمي َع‬


‫ل‪ ،‬فيكونونَ بذل َ‬
‫يعطون َه ُ إلى أولادِهم بلا مقاب ٍ‬
‫حب م ِن أخذٍ بغير ِ أجر ٍ‪ ،‬وأخذٍ وعطاء ٍ‪ ،‬ثم ّ عطاء ٍ‬ ‫ِ‬
‫أنواع ال ِّ‬

‫ن سكينة َ قلو بِهم وثباتَ‬


‫ل‪ ...‬ليجدوا بعد َ هذه ِ الرحلة ِ أ ّ‬
‫كام ٍ‬
‫حبوب الحقيقيّ ِ فهو‬
‫جهوها إلى الم ِ‬ ‫أفئدتِهم لن ينالوها إلا إذا و ّ‬

‫حب‪ ،‬كي يتعر ّفوا هذه ِ المعاني‬ ‫ِ‬


‫أنواع ال ِّ‬ ‫ل‬
‫الذي أنعم َ عليهم بك ّ ِ‬
‫و يحب ّونه ُ حقّ المحب ّة ِ‪ ..‬حالا ً وقولا ً وسلوكا ً وحياة ً‪.‬‬

‫ل على‬
‫ك يد ّ‬
‫ل المحبّينَ يا أم ّي‪ ،‬قول ُ ِ‬
‫ق لأحوا ِ‬
‫‪-‬أذهلني وصف ُكِ الدقي ُ‬

‫ن!‬
‫ئ الأما ِ‬
‫ل إلى شاط ِ‬
‫خاض غمار َها ووص َ‬
‫َ‬ ‫م َن‬

‫ت يا بنتي ‪ ...‬اجعلي م ِن محب ّت ِكِ لحنانَ محبة ً في الل ّه ِ‪،‬‬


‫‪-‬صدق ِ‬

‫ل جلالُه‪ ،‬لا انشغالا ً عنه ُ بأشخا ٍ‬


‫ص تتعل ّقين‬ ‫ك حب ّا ً له ُ ج ّ‬
‫تزيد ُ ِ‬

‫سك‪..‬‬
‫بهم لدرجة ِ الاستحواذِ على نف ِ‬

‫ضع ِي الحدود َ المناسبة َ‪ ،‬ولا تنس َي هدف َكِ حت ّى لا تعاني فيما‬

‫‪338‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ق باللقاء ِ ثم ّ أل ِم الفرا ِ‬
‫ق‬ ‫تعب التعل ّ ِ‬
‫ل العاشقين م ِن ِ‬
‫بعد ُ م ِن أحوا ِ‬

‫أو الغيرة ِ القاتلة ِ؛ فالمشكلة ُ يابنتي أن ّنا أحيانا ً نبدأ صلت َنا‬

‫ق‬ ‫لص ٍ‬
‫حيح و لل ّه ِ‪ ،‬ول كنّ عدم َ فهمِنا لهذه ِ الحقائ ِ‬ ‫بالآخرين بشك ٍ‬
‫ك تجعل ُنا نهوي في متاعبَ كثيرة ٍ‪ ،‬و يختلطُ علينا‬
‫التي ذكرتُها ل ِ‬
‫ق‪ ،‬فقد نبدأ لل ّه ِ أو نظنّ ذلك‪ ،‬إلا أن ّنا نص ُ‬
‫ل لتيه ٍ قد لا‬ ‫الطر ي ُ‬

‫نعلم ُ سبب َه أحياناً‪.‬‬

‫ن هذا القلبُ أو‬ ‫حط نظرِ الل ّه ِ‪ ،‬و لن ير َ‬


‫ك َ‬ ‫ن القلبَ يا بنتي م ّ‬
‫إ ّ‬

‫ك منه ُ‪،‬‬ ‫حب الل ّهِ‪ .‬فإن صل َ‬


‫ح ذل َ‬ ‫ِّ‬ ‫ن إلا إذا ذاقَ معاني َ‬
‫يسك َ‬

‫ص في الل ّه ِ لا تتجاوز ُ قدر َها‪.‬‬


‫ح محب ّت ُه ُ للأشخا ِ‬
‫عندئذٍ تصب ُ‬

‫ن محب ّة َ الل ّه ِ يجبُ أن تكونَ لها المنزلة ُ الأولى في ا ِ‬


‫لقلب ثم ّ‬ ‫إ ّ‬

‫ت ما‬ ‫خاص في الل ّه ِ كمرتبة ٍ ثانية ٍ‪ .‬هل فهم ِ‬


‫ت ووع َي ِ‬ ‫تحب ّينَ الأش َ‬

‫ل؟‬
‫أقو ُ‬

‫‪-‬نعم‪ ...‬أريت ِني ما لم أكن أراه‪ ،‬وحميت ِني م ِن نفسي كي نكونَ‬

‫‪339‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حق (على س ُررٍ متقابلين) في محب ّة ِ الل ّه ِ‪ ،‬عندئذٍ‬


‫أنا وحنانُ ب ّ ٍ‬

‫ونتدارس ما يقر ّب ُنا إليه ِ‪.‬‬


‫ُ‬ ‫نجتم ُع في الل ّه ِ‪ ،‬نذكر ُه ُ سو ي ّاً‪،‬‬

‫ليس سهلاً‪ .‬ادعي الل ّه َ لي يا أم ّي‪ .‬وجزيتِ عن ّي خيراً‪.‬‬


‫الأمرُ َ‬

‫‪341‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 23-‬‬

‫أليس رائعا ً يا أم ّي؟‬


‫َ‬ ‫ل البحر َ!‬
‫‪ -‬ما أجم َ‬

‫ك‪ .‬أظن ّكِ تحب ّينَ البحر َ كما أحب ّه ُ‪.‬‬


‫‪-‬نعم‪ .‬إن ّه ُكذل َ‬

‫‪-‬كثيراً‪ .‬رب ّما أكثر ُ منكِ ‪ ...‬هههه‪.‬‬

‫‪-‬ما الذي تحبين َه ُ في البحرِ يا علا؟‬

‫‪341‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ق‪،‬‬
‫أحب مداه ُ الواس َع‪ ،‬أشعر ُ فيه ِ بالحر ّي ّة ِ‪ ،‬والانطلا ِ‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬

‫جني م ِن سج ِ‬
‫ن نفسي َ المحدودِ إلى‬ ‫حس أن ّه ُ يُخر ُ‬
‫واللامحدودِ‪ ،‬أ ّ‬

‫ل السماء ِ تماما ً؛ فاللونُ‬


‫غريب‪ ...‬مث َ‬
‫ٍ‬ ‫واسع‪ ،‬بصفاء ٍ‬
‫ٍ‬ ‫رحب‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ق‬
‫أف ٍ‬

‫ح والنقاء َ‪ ،‬إن ّه ُ ينقل ُني م ِن‬


‫س الارتيا َ‬
‫السماويّ يبعثُ في النف ِ‬
‫ل‬
‫خ ُ‬
‫ل‪ ،‬أمواجه ُ ت ُد ِ‬
‫ل والجما ُ‬
‫عالمي إلى عال ٍم آخر َ‪ ،‬يجتمعُ فيه ِ الجلا ُ‬

‫ق‬
‫ح بلونه ِ الأزر ِ‬
‫ل‪ ،‬ومداه ُ الفسي ُ‬
‫في نفسي َ الهيبة َ والوقار َ والجلا َ‬
‫ِ‬
‫البديع يسكبُ فيها السكينة َ والطمأنينة‪ .‬سماء ٌ و بحر ٌ‪،‬‬ ‫الصافي‬

‫ل هذا يجتم ُع في هذا المنظرِ‬


‫ق ولا محدود ٌ‪ .‬ك ّ‬
‫أبيض وأزرق‪ ،‬أف ٌ‬
‫ُ‬

‫ن الطبيعي ّة ِ الأثيرة ِ على قلبي‪.‬‬


‫أحب الأماك ِ‬
‫ِّ‬ ‫أمامي‪ ،‬إن ّه ُ أحد ُ‬

‫ن قصائد َ في البحرِ‬
‫الوصف وكأن ّي بكِ ستنثري َ‬
‫ِ‬ ‫أطنبت في‬
‫ِ‬ ‫‪-‬لقد‬

‫والسماء ِ! لم أكن أعلم ُ أن ّكِ تحب ّين َه ُ لهذه ِ الدرجة ِ! فاليوم ُ إذا ً م ِن‬

‫أسعدِ أي ّا ِم حيات ِكِ ؟‬

‫‪-‬نعم‪ .‬أحمد ُ الل ّه َ أن ألهم َك القدوم َ إلى البحرِ‪ ،‬فقد أمتعت ِني بهذا‬

‫‪342‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫المنظرِ الأخّاذ‪ ،‬إن ّه يذهبُ بلب ّي و يأس ِر ُ قلبي وعقلي‪.‬‬

‫‪-‬الحمد ُ لل ّه‪.‬‬

‫لترتيب أفكاري‪ ،‬و يوضح ُ كثيرا ً م ِن‬


‫ِ‬ ‫ن منظر َه ُ يا أم ّي يدفع ُني‬
‫‪-‬إ ّ‬

‫شر يطِ حياتي‪ ،‬كل ّما رأيتُ البحر َ أحسستُ أن ّه ُ يأخذني نحو َ‬

‫ل نفسي َ وال كون‪.‬‬ ‫صفاء ِ الرؤ ية ِ و يفت ُ‬


‫ح بابَ الأسئلة ِ حو َ‬

‫صرت شاعرة ً وفيلسوفة ً‪ .‬هههه‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ك‬
‫‪-‬احم‪ .‬احم ‪ ...‬أرا ِ‬

‫‪-‬أم ّي! هذه مشاعري‪ .‬لا تسخري منها‪.‬‬

‫‪-‬لا أسخر ُ يا حبيبتي ‪ ..‬إن ّما أداعب ُكِ فقط‪ ،‬بل يعجب ُني ما تقولين َه ُ‬

‫كثيراً‪ .‬هاتي أسئلت َكِ إذاً‪.‬‬

‫‪-‬أم ّي أجد ُني مختلفة ً عن معظ ِم رفيقاتي‪ .‬إ ّنهنّ ينشغلن باللهوِ‬

‫ك‪ ،‬وأنا‬
‫ل ذل َ‬
‫بالثياب وتسر يحة ِ الشعرِ‪ ...‬وك ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫والزينة ِ والتفاخر ِ‬

‫ل هذا الاهتما ِم؛ هل‬


‫ن هذه ِ الأمور َ ثانو ي ّة ٌ‪ ،‬لا تستحقّ ك ّ‬
‫أجد ُ أ ّ‬
‫‪343‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫أنا التي ترى الأمور َ على غير ِ هيئت ِها! أم هنّ ؟‬

‫ل؟‬
‫وكيف تحاولينَ الإجابة َ عن هذا السؤا ِ‬
‫َ‬ ‫‪-‬‬

‫ك سألت ُكِ ‪.‬‬


‫أعرف لذل َ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬لا‬

‫ق معايير َ صحيحة ٍ‪،‬‬


‫أي أمر ٍ وف َ‬
‫‪-‬لقد عل ّمت ُكِ يا علا أن تحكمي على ّ ِ‬
‫فبرأيكِ ماهو المعيار ُ الذي علينا الاحتكام ُ إليه؟‬

‫‪-‬لا أدري‪.‬‬

‫ن‪ ...‬هل هذا‬


‫ن القرآ ِ‬
‫للموقف م ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫‪-‬نحتكم ُ لرؤ ية ِ الل ّه ِ ّ‬
‫عز وج ّ‬

‫صحيح؟‬

‫ح يا أم ّي‪.‬‬
‫ح لنا‪ ...‬صحي ٌ‬
‫‪-‬نعم‪ .‬لأن ّه ُ خالق ُنا وهو أعلَم ُ بما يصل ُ‬

‫الآيات التي تشير ُ إلى تكري ِم‬


‫ِ‬ ‫ن‬
‫ن بعضا ً م ِ َ‬
‫‪-‬أنتِ تحفظينَ أو تتذك ّري َ‬

‫ن وأن ّه ُ خليفة ُ الل ّه ِ في الأر ِ‬


‫ض؟‬ ‫الل ّه ِ للإنسا ِ‬

‫‪344‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل جلال ُه ُ مخاطبا ً بني آدم َ جميعهم‪:‬‬


‫ل لنا ج ّ‬
‫‪-‬نعم يا أم ّي‪ ،‬فقد قا َ‬

‫ض)‬
‫(إن ّا جعلناك َ خليفة ً في الأر ِ‬

‫ل‬
‫لهدف نبي ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ن حيات َنا خُل ِق َت‬
‫ل وعلا أ ّ‬
‫أحسنت‪ ...‬فرؤيت ُه ُ ج ّ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫ن بعد َ‬
‫لمنصب أعلى سلطة ٍ في ال كو ِ‬
‫ِ‬ ‫ق بم َن ر ِ ُّشح َ‬ ‫ٍ‬
‫ورفيع‪ ،‬فهل يلي ُ‬
‫ل ِ‬
‫بمتع الدنيا حت ّى تلهي َه ُ عن‬ ‫الل ّه ِ‪ ،‬وممثّله ِ في الأر ِ‬
‫ض أن ينشغ َ‬

‫عمل ِه ِ الأصليّ؟‬

‫ن مل ِك َه ُ سيقل ُيه ُ‪ 1‬و يعزلُه‪.‬‬


‫ك لاب ّد أ ّ‬
‫ل ذل َ‬
‫‪-‬لا‪ .‬إن ّه ُ إن فع َ‬

‫ق الل ّه ُ لنا مت َع الدنيا لتؤنس َنا وتساعد َنا في‬


‫‪-‬تماما ً يا علا‪ ...‬لقد خل َ‬

‫ل مشوارِ الحياة ِ الطو يلة ِ‪ ،‬فهي ليست هدفا ً بح ّد ذاتِها‪ ،‬هي‬


‫إكما ِ‬

‫ق‪ ،‬فإن جعلناها هدفا ً وغاية ً‪،‬‬


‫ل الطر ي ِ‬
‫ل تسلية ٍ خلا َ‬
‫مجر ّد ُ وسائ ِ‬
‫ل ما أنعم َ عليه ِ مل ك ُه ُ م ِن عطاء ٍ‬
‫ص ِرنا كالوزير ِ الذي استخدم َ ك ّ‬

‫ل راحت ِه ِ ومتعت ِه ِ‪،‬‬


‫ل معينة ٍ لإنجازِ مهمّت ِه ِ في سبي ِ‬
‫ون ِع َ ٍم ووسائ َ‬

‫‪345‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫فأخلد َ إلى هذه ِ ِ‬


‫المتع‪ ،‬ونسي َ عملَه ُ‪ ،‬حت ّى إذا جاء َ يوم ُ المحاسبة ِ‪.‬‬

‫ل ما‬
‫ك الوزير ُ‪ ،‬وخسر َ ك ّ‬
‫ماذا فعلتَ ؟ ولماذا قص ّرتَ ؟ ‪ ...‬هل َ‬

‫ل بساطة ٍ كانَ سخيفا ً وساذجا ً في نظرته ِ‬


‫كانَ يتمت ُع به ِ لأن ّه ُ بك ّ ِ‬
‫ك رفع َه ُ‪ ،‬وهو أخلد َ ورت َع في‬ ‫وتقديره ِ للنع ِم والعطاءِ‪ .‬إ ّ‬
‫ن المل َ‬

‫ل واضح ٌ؟‬
‫سفاسف الأمورِ؛ هل المثا ُ‬
‫ِ‬

‫ل‪.‬‬
‫ن السؤا ِ‬
‫‪-‬واضح ٌ ج ّدا ً يا أم ّي‪ ،‬لقد أجبت ِني ع ِ‬

‫ن الزينة ِ والتمت ِّع الحلا ِ‬


‫ل في نع ِم الل ّه ِ‪ ،‬ول كن ليسَت‬ ‫‪-‬فلا ضير َ م ِ َ‬

‫ل وقت ِكِ في النظرِ للمرآة ِ والموضة ِ‬


‫هي غاية ُ حيات ِكِ ‪ ،‬تنفقينَ ج ُ ّ‬

‫ن‬
‫ت نفس َكِ م ِ َ‬
‫ك أنزل ِ‬
‫ت ذل َ‬
‫ل صيحة ٍ‪ ،‬إن ّكِ إن فعل ِ‬
‫وتتابعينَ ك ّ‬

‫ك الذي أكرم َكِ الل ّه ُ به ِ‪.‬‬


‫المنزلة ِ الرفيعة ِ إلى مرتبة ٍ دونَ قدرِ ِ‬

‫‪ -‬أرأيتِ يا أم ّي ما أحلى البحر‪.‬‬

‫ل‬
‫‪-‬ههههههه ‪ ....‬نعم إن ّه ُ يجعل ُكِ أكثر َ صفاء ً ونقاء ً في قبو ِ‬

‫والقيم‪ ...‬ههههههه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الأفكارِ‬
‫‪34٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك‪.‬‬
‫ت ذل َ‬
‫سآتي بكِ كل ّما احتج ِ‬

‫ك إلا في حضرة ِ‬
‫ن ح ّقا ً أن ّي لا أنصِ تُ ل ِ‬
‫‪-‬أم ّي ‪ ....‬هل تري َ‬

‫البحر؟‬

‫ن جليلة ٍ‪.‬‬
‫‪-‬اممم ‪ ..‬حضرة ُ البحرِ‪ ...‬تشبيه ٌ له معا ٍ‬

‫ن‬
‫قرب م ِ َ‬
‫ن في نفسي معاني َ ال ِ‬ ‫خلا ِ‬‫‪-‬البحر ُ والسماء ُ يا أم ّي ي ُد ِ‬

‫ل هو الذي يذك ّرني بالل ّه ِ عندما‬


‫ل والجما ِ‬‫ل اجتماعَ الجلا ِ‬ ‫الل ّهِ‪ .‬لع ّ‬

‫أرى البحر َ‪.‬‬

‫ل عيوبي‪ .‬فالبحر ُ له ُ‬
‫ك و أخبريني عن ك ّ ِ‬
‫تح ّدثي يا أم ّي ما بدا ل ِ‬
‫سحر ُه ُ على نفس ِي‪ ،‬ووقع ُه في قلبي وعقلي‪ .‬وأجد ُ ِ‬
‫ك مح ّقة ً في‬

‫وصف ِكِ لي أن ّي م َع البحرِ أكثر ُ صفاء ً وقبولا ً للنصيحة ِ‪.‬‬

‫‪-‬ههههه ‪ ...‬بارك َ الل ّه ُ بكِ يا علا وجعل َكِ م ِن سعداء ِ الداري ِ‬


‫ن‪،‬‬

‫ولا حرم َكِ البحر َ‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل آخر َ؟‬
‫ن ذلكَ‪ .‬هل لي بسؤا ٍ‬
‫ت تجدي َ‬
‫‪-‬حسنا ً ما دم ِ‬

‫‪-‬اسألي ما تحب ّين‪ .‬فأنتِ م َع البحرِ رائعة ٌ في المناقشة ِ والاستجابة ِ‪.‬‬

‫‪-‬أم ّي !!!!‬

‫‪-‬لا عليكِ يا حبيبتي ‪ ...‬فقط أمازح ُك‪.‬‬

‫ل مثلاً‪،‬‬
‫ن أو ممث ّ ٍ‬
‫ات بمغ ّ ٍ‬
‫بعض رفيقاتي في المدرسة ِ مفتون ٍ‬
‫‪-‬أجد ُ َ‬

‫ن‬
‫يمضينَ أوقاتا ً كثيرة ً في متابعة ِ أخبارهم‪ ،‬حت ّى إ ّنهنّ يحاول َ‬

‫ل هذا؟‬
‫ن لباس ِهم وشكل ِه ِ أو قصّ ة ِ شعرها؛ ما رأيكِ بك ّ ِ‬
‫تتب ّ َع لو ِ‬

‫ل؟!‬
‫ل قلي ٍ‬
‫‪-‬ألم يُج ِبك ما تح ّدثنا به ِ قب َ‬

‫حب تقليدِ‬
‫ّ‬ ‫‪-‬بلى‪ .‬ول كن‪ .‬ل ِم َ يغلبُ على م َن في مث ِ‬
‫ل أعمارِنا‬

‫ن لدرجة ٍ غير ِ عادي ّة ٍ؟‬


‫الآخري َ‬

‫‪-‬هذا طبيعيّ يا بنتي‪ ،‬فالطفلُ يقل ّد ُ أمّه ُ أو أباه ُ م ِن غير ِ أن يشعر َ‪،‬‬

‫‪348‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫حب والإعجابُ و الحاجة ُ إلى تقليدِ الأكبرِ‬


‫ك ال ّ‬
‫يدفع ُه ُ لذل َ‬

‫ليكتسبَ م ِن مهارات ِه ِ ما يجعل ُه ُ أهلا ً لاحترا ِم الآخرين أو مجاراة ً‬

‫س غريبا ً في‬
‫ل مثل َهم أو أن ّه ُ منهم و لي َ‬
‫للكبارِ حت ّى يشعر َ أن ّه ُ يفع ُ‬
‫تصرّفات ِه ِ‪ ،‬إن ّه ُ يسعى ليشعر َ أن ّه ُ م َع الم ِ‬
‫جموع‪ ،‬و هذا ما دفعكِ‬

‫وليس جميع َهنّ‬


‫َ‬ ‫ن رفيقات ِكِ أغلب َهنّ‬
‫شعرت أ ّ‬
‫ِ‬ ‫لتسأليني اليوم؛ لقد‬

‫سكِ هذه ِ الأسئلة ُ‪،‬‬


‫الاهتمامات‪ ،‬فثار َت في نف ِ‬
‫ِ‬ ‫ن عنكِ في‬
‫يختلف َ‬

‫سليم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ق وفكر ٍ‬
‫ك بمنط ٍ‬
‫ن الل ّه َ حبا ِ‬
‫لأ ّ‬

‫ح‬
‫ك‪ ،‬و هل هذا صحي ٌ‬
‫ل ذل َ‬
‫أمّا م َن يقلّد ُ دونَ أن يفك ّر َ لماذا يفع ُ‬

‫أم لا‪ ..‬فإن ّه ُ يقلّد ُ م َن يظنّ أن ّه ُ يستحقّ أن يكونَ قدوة ً‪ ،‬ومعيار ُه ُ‬

‫ص وتقديم ُ الصحافة ِ له ُ على‬


‫ك الشهرة ُ‪ ،‬شهرة ُ هذا الشخ ِ‬
‫في ذل َ‬

‫ل هذه ِ‬
‫للأسف ك ّ‬
‫ِ‬ ‫ل و ‪....‬‬
‫ل يحتذى به ِ أو بدعة ٌ من الجما ِ‬
‫أن ّه ُ مثا ٌ‬

‫ل‬
‫المعايير ِ غير ِ الصحيحة ِ يق ّدم ُها المجتم ُع والصحافة ُ أحياناً‪ ،‬مم ّا يجع ُ‬

‫أسباب‬
‫ِ‬ ‫سفاسف الأمورِ‪ ،‬وربّما هذا أحد ُ‬
‫ِ‬ ‫الشباب ت ّتجه ُ نحو‬
‫ِ‬ ‫هم َم َ‬

‫تنهض‬
‫َ‬ ‫ن أن‬
‫ل الإعلا ِم والصحافة ِ يمك ُ‬
‫ن وسائ َ‬
‫ضعف المسلمين؛ إ ّ‬
‫ِ‬

‫‪349‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل السافلين‪.‬‬
‫ن أن تردّها إلى أسف ِ‬
‫ن الممك ِ‬
‫بالأمّة ِ وم ِ َ‬

‫ن حوارات ِنا ونقاشاتِنا جعلتني أنظر ُ للأمورِ‬


‫ح يا أم ّي‪ .‬إ ّ‬
‫‪-‬صحي ٌ‬

‫كثيرات يفتقدنَ‬
‫ِ‬ ‫ل عمري‪ ،‬ل كنّ ال‬
‫ختلف عم ّن في مث ِ‬
‫لم ٍ‬ ‫بشك ٍ‬
‫ل وتر يه ِ مالم يرى‪ ،‬إ ّنها‬
‫ق العق ِ‬
‫ح أف َ‬
‫حوارات التي تفت ُ‬
‫ِ‬ ‫ل هذه ِ ال‬
‫مث َ‬

‫تعطيه ِ معنى الحياة ِ وت ُق ّدم ُها له ُ بصورتِها الصحيحة ِ‪.‬‬

‫ما أعظم َ النعمة َ التي أنا فيها‪ ،‬ج ُزيتِ خيرا ً يا أم ّي؛ ال كثيرون‬

‫ل سن ّي يفتقدونَ القدوة َ الصحيحة َ إ ّنهم يت ّبعون‬


‫يا أم ّي مم ّن في مث ِ‬
‫قدوات تنحصر ُ في موهبة ِ‬
‫ٌ‬ ‫ل صيحة ٍ و (موضة ٍ) وأشخاصٍ‪،‬‬
‫ك ّ‬

‫تضيف تلكَ القدوة ُ لحياتِهم قيمة ً راقية ً أو‬


‫ُ‬ ‫صوت أو جمالٍ‪ ،‬فلا‬
‫ٍ‬

‫مصاف‬
‫ِّ‬ ‫ينهض بالأمّة ِ‪ ،‬و يجعل ُنا في‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والنجاح الذي‬ ‫مثالا ً للفاعلي ّة ِ‬

‫ل المتق ّدمة ِ‪ ،‬فماذا يعني هذا التقليد ُ الذي يجعل ُني مسخا ً لا‬
‫الدو ِ‬

‫الثياب وهيئة ِ الشعرِ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫أفق َه ُ م ِن حياتي سوى‬

‫ل هذا؟ وهل حياتي سخيفة ٌ ل كي يكونَ هدف ُها‬


‫هل خ ُل ِقنا لمث ِ‬

‫‪351‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫التقليد ُ الأعمى؟؟‬

‫قلت يا علا‪ .‬المشكلة ُ ليست في التقليدِ‪ ،‬إن ّما التقليد ُ الأعمى‬


‫‪-‬كما ِ‬

‫ق معايير َ صحيحة ٍ‪ ،‬أمّا تقليد ُ‬


‫ل ولا يقلّد ُ وف َ‬
‫ّش العق َ‬
‫الذي يهم ُ‬
‫ن ٍ‬
‫ناجح في حيات ِه ِ ومجتمع ِه ِ ق ّدم َ الخ ير َ والنف َع وكانَ مثالا ً‬ ‫إنسا ٍ‬

‫والقيم الرفيعة ِ فلا ضير َ فيه ِ‪ ،‬بل يساعد ُ الإنسانَ‪،‬‬


‫ِ‬ ‫للنزاهة ِ‬
‫ِ‬
‫للنجاح؛ ولا يستطي ُع الإنسانُ أن‬ ‫و يشجّ ع ُه ُ‪ ،‬ويرسم ُ له ُ طر يقا ً‬

‫ل‪ ،‬ليق ّدم َ‬


‫ل هذا بعثَ الل ّه ُ الرس َ‬
‫قدوات‪ ،‬لأج ِ‬
‫ٍ‬ ‫يعيش دونَ‬
‫َ‬

‫ج‬
‫ل ويشربُ و يتز ّو ُ‬
‫للبشر ي ّة ِ مثالا ً صحيحا ً م ِن أنفس ِهم يأك ُ‬

‫ج القي ِم الرفيعة ِ‬
‫كيف يتم ّ مز ُ‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ل‪ ....‬إن ّه ُ يق ّدم ُ مثالا ًللنا ِ‬
‫و يعم ُ‬

‫في حياة ٍ طبيعي ّة ٍ فاعلة ٍ‪ ،‬روح ُه ُ مت ّصلة ٌ بالسماء ِ وجسد ُه ُ يبني‬

‫ض صروحا ً أرضي ّة ً ول كن في قي َ ٍم علو ي ّة ٍ سماو ية ٍ‪.‬‬


‫على الأر ِ‬

‫ل والفكر ِ‪ ،‬ونب ّه َ الإنسانَ‬


‫ل العق ِ‬
‫لقد دعا القرآنُ يا علا لإعما ِ‬

‫ل‬
‫ن أن يسأ َ‬
‫هدف‪ ،‬وعلى الإنسا ِ‬
‫ٌ‬ ‫ك وراء َه ُ‬
‫ل سلو ٍ‬
‫ن ك ّ‬
‫إلى أ ّ‬

‫‪351‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الهدف الذي‬
‫ُ‬ ‫نفسَه ُ ما هدفي م ِن عملي أو سلوكي هذا؟ وما هو‬

‫ل إن كان َت ني ّت ُنا‬
‫هدف نبي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ل إليه ِ‪ ...‬فحت ّى مت ُع الدنيا لها‬
‫سأص ُ‬

‫ل أو العبادة ِ بمفهوم ِها‬


‫ل متابعة ِ العم ِ‬
‫س من أج ِ‬
‫ن النف ِ‬ ‫ِ‬
‫للترويح ع ِ‬
‫ٍ‬
‫صالح تبتغينَ به ِ وجه َ الل ّهَ‪.‬‬ ‫ل‬
‫ل عم ٍ‬
‫العا ِمّ‪ ...‬فالعبادة ُ هي ك ّ‬

‫عبادات إن كانت‬
‫ٌ‬ ‫دراست ُكِ ‪ ،‬ومساعدت ُكِ للآخرين‪ ....‬كل ّها‬

‫لل ّه ِ‪.‬‬

‫‪-‬ما أعظم َ دين َنا يا أم ّي‪ .‬إن ّه ُ يصن ُع أفرادا ً يقودونَ أنفس َهم‪،‬‬

‫ويمل كونَ زمام َ قراراتِهم واختياراتِهم‪ ،‬ويتفاعلون م َع‬

‫لأي مصلحة ٍ ذاتيّة ٍ‪ ،‬إن ّه ُ‬


‫ليس ّ ِ‬
‫ل َ‬ ‫مجتمع ِهم على نحوٍ إ يجاب ٍيّ وفع ّا ٍ‬
‫ل جمي َع قدرات ِنا و يضع ُها في خدمة ِ الم ِ‬
‫جتمع ورفعت ِه ِ ونهضتِه ِ‪.‬‬ ‫ي ُفع ّ ِ ُ‬

‫حه ُ وغايات ِه‬


‫بتعاليم دين ِنا‪ ،‬وفقه ِنا رو ِ‬
‫ِ‬ ‫ت يا علا‪ ...‬لو التزمنا‬
‫‪-‬صدق ِ‬

‫ل‪.‬‬
‫ل وأفض َ‬
‫لكان َتِ الحياة ُ أجم َ‬

‫فترات ذهبي ّة ً قاد َ المسلمونَ فيها العالم َ إلى خير ِ‬


‫ٍ‬ ‫والتاريخ ُ يشهد ُ‬

‫‪352‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫الإنساني ّة ِ‪ ،‬وعندما ابتعد ُوا عن دين ِهم لم يخسروا هم فقط‪ ،‬بل‬

‫ن أجمع‪.‬‬
‫ن لل كو ِ‬
‫خسر َ العالم ُ قيادة َ الخ ير ِ والسلا ِم والأما ِ‬

‫ح التاريخ َ والحاضر َ‬
‫ل البحرَ! إن ّه ُ يثير ُ الشجونَ و يفت ُ‬
‫‪-‬أرأيتِ ما أجم َ‬

‫ل في رؤ ية ٍ لامحدودة ٍ للأخطاء ِ م ِن أج ِ‬
‫ل تصويب ِها‪،‬‬ ‫والمستقب َ‬

‫ل التخطيطِ له‪.‬‬
‫ل م ِن أج ِ‬
‫وللمستقب ِ‬

‫ك الأفكار َ في حيات ِكِ‬


‫‪-‬أنا فخورة ٌ بكِ يا علا‪ ...‬أتمن ّى أن تحو ّلي تل َ‬

‫ك علما ً ونورا ً‬
‫ك يا حبيبتي أن يزيد َ ِ‬
‫ل؛ سأدعو ل ِ‬
‫إلى سلوكٍ وعم ٍ‬
‫ل الصالح َ والحركة َ الراشدة َ الفاعلة َ المنتجة َ‬
‫وفهما ً‪ ،‬ويرزق َكِ العم َ‬

‫ينهض بالأمّة ِ‪ ...‬فأنتم أمل ُنا‪.‬‬


‫ُ‬ ‫حب ويرضى و بما‬
‫في أرضه ِكما ي ّ‬

‫ك الل ّه ُ خيرا ً يا أم ّي‪ ...‬أعلم ُ أن ّي ل كي أؤديَ شكر َ الل ّه ِ فيما‬


‫‪-‬جزا ِ‬

‫ك‪...‬‬
‫أنعمه ُ عليّ‪ ،‬يجبُ أن أنشر َه ُ وأعل ّمه ُ وأكونَ قدوة ً في ذل َ‬

‫سقف اهتماماتِهنّ إلى مستوىً‬


‫ِ‬ ‫لعل ّي أساعد ُ رفيقاتي في ِ‬
‫رفع‬

‫ق بتكري ِم الل ّه ِ لهنّ ‪.‬‬


‫يلي ُ‬

‫‪353‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك‪ .‬ما أحلى البحر َ‪.‬‬


‫‪-‬وف ّقكِ الل ّه ُ يا بنتي ورعا ِ‬

‫ك أقب ّلها‪.‬‬
‫‪-‬ههههههههههه‪ ..‬بل ما أجمل َكِ يا أم ّي‪ .‬هات ِي يد ِ‬

‫‪‬‬

‫‪354‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪- 24 -‬‬

‫صفحات دفتر ِ مذك ّراتي‪.‬‬


‫ِ‬ ‫قل ّبتُ‬

‫لمات‪ ،‬إلا‬
‫يات والك ِ‬
‫ك الذكر ِ‬
‫سنوات أو تزيد ُ مضت على تل َ‬
‫ٍ‬ ‫عشر ُ‬

‫مرة ً أخرى في شر يطِ حياتي‪،‬‬


‫أ ّنها ماثلة ٌ أمامي كأن ّي أشاهد ُها ّ‬
‫ومر ِها‪ ،‬بأفعال ِها الحميدة ِ وشقاوتِها المتعبة ِ‪.‬‬
‫بحلو ِها ّ‬

‫ص‬
‫ل‪ ،‬تنغ ّ ُ‬
‫مشكلات كان َت عندما تجابه ُني أحس ّها عظيمة ًكالجبا ِ‬
‫ٌ‬

‫عليّ حياتي أي ّاما ً ولرب ّما أسابي َع وأشهر! إن ّي أشعر ُ بها الآنَ أ ّنها ما‬

‫كانت تستحقّ من ّي هذا العناء َ أو الألم َ كل ّه ُ!‬


‫‪355‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ك حقّاً! ت ُرى لماذا كانَ لحظة َ وقوع ِه ِ عظيما ً‬


‫أستغربُ م ِن ذل َ‬

‫لت الألوان!‬
‫ّرت الحجوم ُ وتب ّد ِ‬
‫سنوات تغي ِ‬
‫ٍ‬ ‫وبعد َ‬

‫ن م ِن‬
‫أتذك ّر ُ أن ّي سمعتُ سرّ هذه ِ الأحجا ِم المتباينة ِ م َع مرورِ الزم ِ‬
‫أم ّي‪ ،‬هذه ِ المعل ّمة ُ المر ب ّية ُ الرائعة ُ التي لن أجد َ لها مثيلاً‪.‬‬

‫ن! بينَ آراء ِ‬


‫ك المفارقة ُ العجيبة ُ بينَ الأحجا ِم والألوا ِ‬
‫أعجبُ ح ّقا ً تل َ‬

‫جاهات اليو ِم والغدِ!‬


‫ِ‬ ‫البارحة ِ واتّ‬

‫ب‬‫ن الصع ِ‬ ‫أمور ٌ كثيرة ٌ تبدّلَت‪ ،‬أشياء ُ عديدة ٌ كنتُ أظنّ م ِ َ‬

‫وتوجيهات أم ّي غد َت واقعاً‪ ،‬أعيش ُه ُ‬


‫ِ‬ ‫ل الل ّه ِ‬
‫تغيير ُها‪ ،‬ل كن ّي بفض ِ‬
‫ل تجرِبتي لغيري‪.‬‬
‫وأعلّم ُه ُ من خلا ِ‬

‫فسبحانَ الل ّه ِ الذي يغي ّر ُ ولا يتغي ّر ُ‪ ،‬والحمد ُ لل ّه ِ الذي أعان َني‬

‫فصبرتُ ‪ ،‬وتعلّمتُ فعملتُ ‪ ،‬فجعلتُ في الحفرة ِ التي وقعتُ فيها‬

‫ترابا ً فسددتُها‪ ،‬وكتبتُ لافتة ً عليها مح ّذرة ً ومنبّهة ً حت ّى لا يق َع‬

‫غيري بمثل ِها‪ ،‬وبص ُرتُ طر يقا ً رائعا ً فوصفت ُه ُ لم َن حولي‪،‬‬


‫‪35٢‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ح لهم عقبات ِه ِ وطرق َه ُ المختصرة‪.‬‬


‫وطفقتُ أشر ُ‬

‫وليس عيباً‪،‬‬
‫َ‬ ‫ن الطبيعيّ أن نخطئ َ‬
‫هذه هي رحلة ُ الحياة ِ‪ ....‬م ِ َ‬

‫ن الحقيقيّ ِ ‪ ،‬فلا‬
‫ك حج ِم الإنسا ِ‬ ‫ل للتربية ِ ولإدرا ِ‬‫بل هو السبي ُ‬

‫ن استعز ّ بالل ّه ِ‪ ،‬وضي ٌع إن نسبَ الن ّعم َ‬‫غرور َ ولا مهانة َ‪ ،‬كريم ٌ إ ِ‬

‫جدِها وم ُنعمِها عليه‪.‬‬


‫إلى غير ِ م ُو ِ‬

‫ن‪،‬‬
‫عرف نفسَه ُ وموقع َه ُ في خر يطة ِ ال كو ِ‬
‫َ‬ ‫فما دام َ الإنسانُ قد‬

‫عندها تكونُ حركت ُه ُ راشدة ً حكيمة ً‪ ،‬تدرك ُ هدف َها ومبتغاها‪،‬‬

‫يزعزها شيء ٌ مهما عظ ُم َ‪ ،‬فالل ّه ُ أكبر ُ‬


‫ُ‬ ‫وترسم ُ مسار َها وسبيل َها‪ ،‬لا‬

‫طات م ِن أشخا ٍ‬
‫ص‬ ‫عقبات ومثب ّ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ل‪ ،‬ولايثنيها عن عزم ِها‬
‫وأج ّ‬

‫ن القو ّة ِ العظمى مم ّن له‬


‫مواقف‪ ،‬لأ ّنها استم ّدت عونَها م ِ َ‬
‫َ‬ ‫و‬

‫ق سيستب ّد‬
‫ل قلب َه ُ أو أيّ قل ٍ‬
‫السيادة ُ المطلقة ُ؛ فأيّ أل ٍم سيداخ ُ‬

‫ل لا‬
‫ص على مستقب ٍ‬
‫تعب الحياة ِ إلا م ِن حر ٍ‬
‫ِ‬ ‫بلب ِّه؟! وهل سببُ‬

‫خوف قد يحدثُ أو لا يحدثُ ‪ ،‬أو‬


‫ٍ‬ ‫ق م ِن‬
‫يعلم ُه ُ إلا الل ّه ُ‪ ،‬أو قل ٍ‬

‫‪357‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ائب منه ُ‬
‫لموقف قد حدثَ وانتهى شأنه ُ‪ ،‬فالإنسانُ بينَ ت ٍ‬
‫ٍ‬ ‫تأل ّ ٍم‬

‫ومتعلّم ٍ أو متأ ّوه ٍ متباكٍ‪ ،‬لا هو تعلّم َ فاستفاد َ‪ ،‬ولا تابَ فارتقى!‬

‫ل مستقبلا ً ولا‬
‫ل‪ ،‬فلا حصّ َ‬
‫ل صر ي َع التباكي على الأطلا ِ‬
‫فظ ّ‬

‫أعاد َ ماضياً!‬

‫وبعد َ هذه ِ السنين أجد ُ هذه ِ الحكمة َ واضحة َ المعال ِم والمعاني‪ ،‬سهلة َ‬

‫ك عندما أخبرتني بها أم ّي!‬


‫الفه ِم والإدراكِ‪ .‬ل كنّها لم تكن كذل َ‬

‫ل ما‬
‫ل للعق ِ‬
‫الدرس الصعبَ ‪ ،‬وتذل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫برات ل َتسهّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ن الأيام َ والخ‬
‫إ ّ‬

‫صادف عقلا ً واعياً‪ ،‬وأذنا ً للحقّ ِ م ُصغية؛‬


‫َ‬ ‫ل عليه ِ إذا‬
‫استشكِ َ‬

‫س‬
‫حصيف م َن تعلّم َ م ِن حكم ِ المجر ّبينَ ودرو ِ‬
‫ُ‬ ‫ق ال‬
‫والإنسانُ الموف ّ ُ‬

‫العقارب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫التجارب أو ِ‬
‫لدغ‬ ‫ِ‬ ‫ل أن يلتاعَ بِ ح َرِ ّ‬
‫الآخرين قب َ‬

‫ات‪ ،‬وأختم َ‬
‫الكلمات لأنهي َ بها دفتر َ الذكر ي ِ‬
‫ِ‬ ‫ولعل ّني سأسج ّ ُ‬
‫ل هذه ِ‬

‫والشباب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫النضج‬
‫ِ‬ ‫بها مرحلة َ انتقالي إلى‬

‫كلمات‪ :‬احف َظِ الل ّه َ يحف َظك‪ ،‬احف َظِ الل ّه َ‬


‫ٍ‬ ‫ك‬
‫‪ -‬يا غلام ُ‪ ،‬إن ّي أعل ِّم ُ َ‬
‫‪358‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ل الل ّهَ‪ ،‬وإذا استعنتَ فاستع ِن‬ ‫تج ِده تُجاه َك‪ ،‬إذا سألتَ فاسأ ِ‬

‫ن الأمة َ لو اجتمعت على أن ينفعوك َ بشيءٍ‪ ،‬لم‬ ‫بالل ّهِ‪ ،‬واعلم أ ّ‬

‫ن اجتمعوا على أن‬ ‫ينفعوك َ إلا بشيء ٍ قد كتب َه ُ الل ّه ُ لك‪ ،‬وإ ِ‬

‫يضُرّوك َ بشيء ٍ لم يضُرّوك َ إلا بشيء ٍ قد كتب َه ُ الل ّه ُ عليك‪( ،‬ر ُف ِع ِ‬


‫َت‬

‫ُف)‪.‬‬
‫ت الصّ ح َ‬
‫ج ّف ِ‬
‫الأقلام ُ و َ‬

‫حرص‬ ‫ن أن تكونَ في معي ّة ِ الل ّه ِ‪ ،‬ت ُ‬


‫حفظ محارم َه ُ وت ُ‬ ‫فصمّام ُ الأما ِ‬

‫ن‬
‫رحاب القرآ ِ‬
‫ِ‬ ‫على أوامر ِه ِ‪ ،‬وتبتعد ُ عن نواهيه‪ ،‬ثم ّ تبحر ُ في‬

‫ن م ِن خالقه ِ‪ ،‬فلا ريح َ تهابُها‪،‬‬


‫ال كري ِم مستم ّدا ً معاني قو ّة ِ الإنسا ِ‬

‫ك‪.‬‬
‫ك وهدف ِ َ‬
‫ك عن درب ِ َ‬
‫ق سيثنون َ َ‬
‫طاعَ طر ي ٍ‬
‫ولا ق ّ‬

‫س الخ ير َ‪ ،‬مبش ّرا ً‬


‫معلّم ِ النا ِ‬ ‫‪‬‬ ‫ل الله ّم على سي ّدِنا محمدٍ‬
‫و ص ِّ‬
‫ونذيراً‪ ،‬وداعيا ً إلى الل ّه ِ بإذنه ِ وسراجا ً منيراً‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫‪EMO‬‬

‫‪3٢1‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪3٢1‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫‪3٢2‬‬
‫لن أسري وحدي‬

‫ّ‬

‫‪3٢3‬‬

You might also like