You are on page 1of 1

‫يخرج ‪ ،‬و ال شيئا من خارجه أن يدخل" ويبرر موقفه بأن اللغة مبدؤها العقل و ممرها اللفظ و‬ ‫‪2021‬‬ ‫بكالوريا‬

21‬‬ ‫بكالوريا‬ ‫علي عمرون‬ ‫مقالة جدلية‬


‫قرارها الخط" ‪ ،‬و بعد ان تتوضح الفكرة في ذهن صاحبها فإنه يترجمها إلى صورة صوتية منطوقة و‬ ‫العالقة بين اللغة والفكر [االتجاه الثنائي‪ ،‬االتجاه الواحدي]‬
‫مسموعة‪.‬فهناك أسبقية زمنية ومنطقية ‪،‬كما نجد ديكارت يعقد مقارنة بين الفكر واللغة‬
‫ويوضح انهما من طبيعتين متناقضتين‪ ،‬فالفكر جوهر روحي خاصيته الوحيدة هي التفكير‪ ،‬بينما‬ ‫المقدمة‪[ :‬طرح المشكلة]‬
‫اللغة مظهرها مادي ( الصوت‪ ،‬الكتابة‪ )...‬كما نجد ممثال اخر لالتجاه الثنائي وهو الفيلسوف‬
‫والشاعر بول فاليري الذي كتب قائال ‪ ":‬إن أجمــــل األفكار هي تلك التي ال نستطيع‬ ‫االنسان حيوان ناطق ومدني بطبعه ‪،‬وهذا الذي يفسر حاجته الى التواصل لتحقيق كينونته ‪،‬من خالل قدرتي التفكير‬
‫التعبير عنها"ويعتقد أصحاب هذا الطرح ان اكتساب اللغة ليس شرطا حتميا لحدوث‬ ‫والتعبير ‪،‬من هنا كانت اللغة خاصية إنسانية ‪،‬وهي من بين أهم المفاهيم التي انشغلت بها الفلسفة المعاصرة‬
‫التفكير‪.‬ويدلل على هذا بأن الشخص األصم األبكم قادر على التفكير ألنه يشعر بما حوله ويتخذ‬ ‫واللسانيات وكذلك علم النفس اللغوي ‪.‬غير انه وقع جدل واختالف في اآلراء‪ ،‬بين أصحاب االتجاه الثنائي القائلين‬
‫قرارات وقد يغير رأيه‪ .‬وهو يقوم بهذا كله بالرغم من أنه ال يعرف كلمة واحدة من اللغة ‪ ،‬ولم‬ ‫ان القدرة على التفكير ال تتناسب مع القدرة على التعبير على اعتبار ان اللغة والفكر منفصالن والقائلين بعكس‬
‫يسمع لفظة واحدة منذ والدته‪ ،‬فضال عن النطق بها‪ .‬ويضرب فندلر مثال باألمريكية هيلين كيلر‬ ‫ذلك وهم أصحاب االتجاه الواحدي حيث اللغة والفكر عندهم متالزمان‪ .‬وهذه مفارقة فلسفية تدفعنا الى التساؤل من‬
‫‪ Helen Keller‬الصماء البكماء العمياء التي استطاعت بمساعدة مربيتها أن تتعلم القراءة‬ ‫خالل طرح المشكلة التالية ‪:‬‬
‫والكتابة وحصلت على البكالوريوس وعملت محاضرة وباحثة وكاتبة‪.‬ويعترف بعض المتصوفة بعجز‬ ‫هل نحن في حاجة إلى لغة لكي نستطيع أن نفكر أم يمكن ان نفكر في صمت؟‬
‫اللغة عن التعبير‪ e‬عما يعيشونه من حقائق والمتامل في نصوصهم يجد كالمهم مجرد شطحات تعارض‬ ‫وهل يمكن الحديث عن وجود فكر في غياب اللغة أم أنهما متالزمان؟‬
‫النصوص الشرعية‪ .‬فهذا الحالج كان يقول‪ ":‬ليس في الجبة إال ّ هللا‪ ."..‬و هذا البسطامي يقول ‪":‬‬
‫سبحاني ما أعظم شأني ‪"..‬‬ ‫التحليل[ محاولة حل المشكلة]‬
‫نقد‬
‫ولكن هل يمكن حقا للفكر أن يوجد بمعزل عن اللغة؟ اإلجابة في نظري ستكون بالنفي الن‬
‫الفكرة التي تدور في أذهاننا و ال نجد العبارات الالزمة أو المناسبة لها ليس دليال على أن‬ ‫األطروحة‬
‫الفكرة أوسع إنما يدل على فقرنا اللغوي ومنه كلما اتسعت الثروة اللغوية اتسع التعبير عن‬ ‫ترى هذه األطروحة (ان هناك ارتباط وثيق بين اللغة والفكر ) وهو موقف تتبناه أطروحة االتجاه الواحدي حيث‬
‫أفكارنا وكلما قلة عجزنا على ذلك ‪.‬ثم انه لوال اللغة لكان مصير الفكر اإلنساني الزوال ‪.‬‬ ‫ان االنسان في نظرهم يفكر داخل اللغة ومن ثمة وظيفتها إيجابية وفي هذا المعنى كتب هيغل قائال ‪":‬اننا نفكر‬
‫داخل اللغة‪ .‬وال يحصل لنا الوعي بأفكارنا المحددة الواقعية إال عندما نمنحها شكال‪ ‬موضوعيا ونفصلها‬
‫بذلك عن حياتنا الداخلية‪ ،‬ونضفي عليها شكال خارجيا‪ ، ،‬والشيء الذي ال يصبح واضحا إال بعد أن يجد‬
‫التركيب (الفصل في المشكلة)‬
‫الكلمة المناسبة [لإلفصاح عن نفسه]‪ .‬وبالتالي فإن الكلمة هي التي تمنح للفكرة وجودها الحقيقي‬
‫األكثر سموا" ومن حجج انصار هذا االتجاه ان التجربة تؤيد فرضية كون اللغة والتفكير شيئاً واحداً؛ وذلك أنها ُأخضعت‪e‬‬
‫اللغة والفكر متالزمان والعالقة بينهما اتصال و اتقان فن التفكير يؤدي بالضرورة الى‬
‫ث مخبري حيث ُوضع جها ٌز خاص لرصد عمليات التفكير عند بعض العينات المفكرة‪ ،‬فأمكن رصد نفس العمليات التي‬ ‫لبح ٍ‬
‫اتقان فن التعبير ان ترجيح أطروحة االتجاه الواحدي له ما يبرره‪ ،‬حيث اغلب الدراسات‬
‫يقوم بها العقل عند التفاعل اللغوي يقوم بها عند التفكير‪.‬ومن هنا جاءت مقولة ‪ :‬دوالكروا‪ ":‬إن الفكر تصنعه اللغة‬
‫ن اللغة لباس للفكر‬
‫الفلسفية كانت تميل الى الربط بين اللغة والفكر وقديما قال أرسطو أ ّ‬
‫"فإذا‪  ‬كان اللباس فضفاضا غاب المعنى و إذا كان اللباس ضيّقا حصل االلتباس‪ .‬ومن‬ ‫وهو يصنعها "وواقعيا اللغة والتفكير يرتبطان بنفس العمليات األساسية‪ ،‬كالتصور والتجريد‪،‬وحركة اللسان والحنجرة‬
‫قبله قال سقراط ‪ ":‬تكلم حتى اراك " وتاريخيا نالحظ ان عصر النهضة في االدب العربي‬ ‫والعين فنالحظ أن الذي يقوم بالتفكير ربما حرك شفتيه أو عينيه أو إحدى يديه‪ ،‬أو تحرك من مكانه‪ ،‬فهو يستعمل اللغة‬
‫عكس ذلك التفوق في مجال اللغة واالبداع الفكري عكس عصر االنحطاط مثال ويصدق هذا االمر‬ ‫الداخلية من خالل أغلب أدوات اللغة الخارجية‪ ،‬انه يفكر بكامل جسمه‪ ،‬من العين واللسان واألطراف‪ ،‬يقول‬
‫على النهضة االوربية أيضا ﻭ ﻳﺆﻳﺪ * ﻻﻓﺎﻝ * هذا الطرح و ﻳﻘﻮﻝ‪*":‬ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪ‬ ‫ميرلوبونتي‪":‬الفكر والكالم يتكونان في آن واحد‪ ،‬وهما عملية ذهنية واحدة تتم دفعة واحدة"ومن انصار‬
‫ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺛﻮﺏ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﻟﻜﻦ ﺟﺴﻤﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ "ﻛﺬﻟﻚ ﺍﺛﺒﺖ ﻋﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺑﺎﻥ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻓﻲ‬ ‫االتجاه ﻫﺎﻣﻠﺘﻮﻥ *ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺷﺘﻬﺮ ﺑﻤﻘﻮﻟﺘﻪ ‪ ":‬المعاني شبيهة بشرار النار ال تومض اال لتغيب واليمكن اظهارها‬
‫ﻣﺮﺍﺣﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻳﺠﻬﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﻠﻢ ﺍﻷﻟﻔﺎﻅ ﻭ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﻓﺘﺘﻜﻮﻥ ﻟﺪﻳﻪ‬ ‫اال باأللفاظ ان اﻷﻟﻔﺎﻅ ﺣﺼﻮﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ"‬
‫ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎ ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻳﻜﺘﺴﺐ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ ﺗﺼﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﺑﺪﻭﻥ‬
‫ﻟﻔﻆ ﻳﻜﻮﻧﻪ ‪ ،‬ويمكن االستئناس هنا بمقولة " هيدجر ‪ ":‬اللغة هي بيت الكينونة‪ ،‬في‬ ‫نقد‬
‫ن يتكفّلون بالسهر على هذا‬ ‫هذه االطروحة ليست فوق مستوى النقد شكال ومضمونا فاذا كان أصحاب االتجاه الواحدي ككل يدعوننا إلى‬
‫م ْ‬
‫حِماها يسكن اإلنسان‪ .‬والمفكرون والشعراء هم َ‬
‫وتكشفها في منجزات القول" وهذه‬ ‫ُّ‬ ‫المالذ‪ ،‬سعيًا منهم إلى استحضار الكينونة‬ ‫المطابقة بين اللغة والفكر‪ ،‬فإلى أي حد تصح هذه المطابقة؟ ثم كيف نطابق بينهما ولكل منا تجربة شخصية تعلمه أن‬
‫الشواهد وغيرها هي التي تدفعنا الى ترجيح أطروحة االتجاه الواحدي ‪.‬‬ ‫الفكرة أحيانا تحضر أوال ونتأخر أو نفشل في إيجاد التعبير المالئم عنها؟ إننا و إن سلمنا مع أنصار هذا االتجاه بالصلة‬
‫الوثيقة بين اللغة و الفكر فإننا نرفض المطابقة بينهما‪ .‬والتردد اثناء كتابة رسالة او تحرير مقالة شاهد على ذلك‪.‬‬
‫نقيض االطروحة‬
‫‪-/III‬الخاتمة(حل المشكلة)‬
‫يمكن القول في األخير أن مشكلة العالقة بين اللغة والفكر قد اختلفت فيها وجهات النظر بين‬ ‫ينطلق أصحاب االتجاه الثنائي من الموقف القائل (ان هناك انفصال بين اللغة والفكر) وهم يرون ان الفكر‬
‫أصحاب االتجاه الثنائي ودعاة االتجاه الواحدي لذلك منطق التحليل دفعنا الى تتبع الموقف‬ ‫سابق على اللغة ومستقل عنها و ان اللغة من حيث هي رموز واشارات تستخدم لالتصال والتواصل تعرقل الفكر‬
‫العام ومسلمات وحجج كل أطروحة تحليال ونقدا حيث اتضح لنا ان هناك من يسلم بأسبقية‬ ‫وهما بهذا المعنى مجالين منفصلين ومختلفين حيث ان اللغة مادية والفكر روحي وهذا مايتبناه أصحاب االتجاه‬
‫الفكر على اللغة وان الفكر اإلنساني اكثر اتساعا فالمعاني عندهم مبسوطة وممدودة وااللفاظ‬ ‫الثنائي ومنهم هنري برغسون صاحب مقولة ‪ ":‬اللغة عاجزة عن مسيايرة ديمومة الفكر " وحجته ان اللغة‬
‫محدودة لكن في الجهة المقابلة وجدنا أيضا من يسلم بالمساواة بينهما وان الفكر لغة صامتة‬ ‫قاصرة عن قول حقيقة حياتنا ال َن فسية أي حقيقة ما يحيا داخل وجداننا و فكرنا‪ ،‬و في قرارة أنفسنا من عواطف و أفكار‪،‬‬
‫واللغة فكر مسموع وان فن التعبير ال يمكن فصله عن اتقان فن التفكير وبالتدرج في محطات هذه‬ ‫السبب في ذلك أنَ حاالتنا النفسيَة ت َتسم بالخصوصيَة و األصالة و التف َرد و التغيّر المستم َر‪ ،‬و بالمقال فإنَ اللَغة‬ ‫و‬
‫َ‬
‫المقالة قدمنا مبررات لترجيح أطروحة االتجاه الواحدي‬ ‫مواضعة اجتماعيَة ت َتسم بالعموميَة و تسعى إلى تثبيت ما هو في األصل متح َرك متح َول باستمرار أو هو في "ديمومة"‬
‫ويوافقه الرأي أبو حيان التوحيدي الذي قال في كتابه اإلمتاع و المؤانسة ‪ »:‬على لسان السيرافي بقوله " إن‬
‫وعليه نصل لحل المشكلة ونقول‪:‬‬ ‫مركب اللفظ ال يحوز مبسوط العقل ‪ ،‬و المعاني معقولة لها اتصال شديد و بساطة تامة‪ ،‬و ليس في قوة‬
‫اللغة هي التي تف ِّكر‪ ،‬والفكر هو الذي يكتب فهما متالزمان‬ ‫اللفظ من أي لغة كان ان يملك ذلك المبسوط يحيط به و ينصب عليه سورا ‪ ،‬و ال يدع شيئا من داخله أن‬

You might also like