You are on page 1of 96

‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪:‬‬

‫(ولعبدي ما سأل)‬

‫الكنز املهجور يف سورة الفاحتة‬

‫تأليف‬
‫الدكتور ‪ /‬حممد بن أمحد بن حممد اجلحالن‬

‫الطبعة األوىل‬
‫‪ 1441‬هـ ‪2020 /‬م‬
‫حممد بن أمحد بن حممد اجلحالن‪ 1435 ،‬هـ‬ ‫ح‬
‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النشر‬
‫اجلحالن‪ ،‬حممد بن أمحد بن حممد‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل‬
‫(الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫حممد بن أمحد بن حممد اجلحالن‪ - .‬الرياض‪ 1435 ،‬هـ‬
‫ط ‪ - 1‬الرياض‪ 1435 ،‬هـ‬
‫ص‪96‬؛ ‪ 24 × 17‬سم‬
‫ردمك‪978-603-01-4494-5 :‬‬
‫‪ -1‬القرآن ‪ -‬التفسري احلديث‬
‫أ‪ .‬العنوان‬ ‫‪ -2‬القرآن ‪ -‬سورة الفاحتة ‪ -‬تفسري‬
‫‪1435/ 2525‬‬ ‫ ‬
‫ديوي ‪227.6‬‬

‫رقم اإليداع‪1435/2525 :‬‬


‫ردمك‪978-603-01-4494-5 :‬‬

‫الطبعة الثانية‬
‫‪ 1441‬هـ ‪2020 -‬م‬

‫حقوق الطبع متاحة للجميع وللتوزيع اخلريي‬


‫شريطة عدم احلذف أو اإلضافة أو التغيري‬
‫‪5‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور‬


‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدً ا عبده ورسوله صلى‬
‫كثيرا‪ ،‬أ ّما بعد‪:‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫اهلل عليه وعلى آله وسلم‬
‫نحن نقرأ سورة الفاتحة يف اليوم والليلة سبع عشرة مرة يف الصلوات الخمس‪،‬‬
‫ألن من لم يقرأ سورة الفاتحة يف صالته‪ ،‬فصالته غير تمام‪ .‬كما جاء يف الحديث‬
‫الذي رواه أبو ُه َر ْي َر َة ‪َ ‬ع ِن النَّبِ ِّي ‪َ ‬ق َال‪َ « :‬م ْن َص َّلى َص اَل ًة َل ْم َي ْق َر ْأ‬
‫ون َوراء إْ ِ‬ ‫ِ لأِ‬ ‫ِف َيها بِ ُأ ِّم ا ْل ُق ْر ِ‬
‫ال َما ِم؟‬ ‫اج» َثلاَ ًثا َغ ْي ُر َت َما ٍم‪َ ،‬فق َيل َبِي ُه َر ْي َرةَ‪ :‬إِنَّا َن ُك ُ َ َ‬ ‫آن َف ِه َي ِخ َد ٌ‬
‫ال الل ُه‬ ‫ول‪َ « :‬ق َ‬ ‫ول اهللِ ‪َ ‬ي ُق ُ‬ ‫َف َق َال‪ :‬ا ْق َر ْأ بِ َها فِي َن ْف ِس َك؛ فإنِّي َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ال ا ْل َع ْبدُ ‪:‬‬ ‫الص اَل َة َب ْينِي َو َب ْي َن َع ْب ِدي نِ ْص َف ْي ِن‪َ ،‬ولِ َع ْب ِدي َما َس َأ َل‪َ ،‬فإِ َذا َق َ‬
‫َت َع َالى‪َ :‬ق َس ْم ُت َّ‬
‫ال الل ُه َت َع َالى‪َ :‬ح ِم َدنِي َع ْب ِدي‪َ .‬وإِ َذا َق َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾((( َق َ‬
‫﴿ﭛ ﭜ ﭝ ﴾((( َق َال الل ُه َت َع َالى‪َ :‬أ ْثنَى َع َل َّي َع ْب ِدي‪َ .‬وإِ َذا َق َال‪﴿ :‬ﭞ‬
‫ض إِ َل َّي َع ْب ِدي‪َ .‬فإِ َذا َق َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ﭟ ﭠ ﭡ ﴾((( َق َ‬
‫ال‪َ :‬م َّج َدنِي َع ْب ِدي» َو َق َال َم َّرةً‪َ « :‬ف َّو َ‬

‫(( ( [الفاتحة‪.]2 :‬‬


‫(( ( [الفاتحة‪.]3 :‬‬
‫(( ( [الفاتحة‪.]4 :‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪6‬‬
‫َق َ‬
‫ال‪ :‬هَ َذا َب ْينِي َو َب ْي َن َع ْب ِدي‪َ ،‬ولِ َع ْب ِدي َما‬
‫﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﴾‬ ‫(((‬

‫َس َأ َل‪َ .‬فإِ َذا َق َال‪﴿ :‬ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬


‫ال‪ :‬هَ َذا لِ َع ْب ِدي َولِ َع ْب ِدي َما َس َأ َل»(((‪.‬‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﴾((( َق َ‬

‫وقد سمى اهلل ‪ ‬سورة الفاتحة بـ«الصالة» ألهنا ال تتم إال هبا‪.‬‬
‫فهل نحن عندما نقرأ سورة الفاتحة ممن قال اهلل لهم‪« :‬ولعبدي ما سأل»؟‬
‫ألن ربنا ‪ ‬لن يقول‪« :‬ولعبدي ما سأل» إال إذا استحضرنا ما سألناه‪.‬‬
‫فنحن قد سألنا الرب ‪ -‬سبحانه ‪ -‬العون والهداية بعد أن قدمنا له ما يستحقه‬
‫من الحمد والثناء والتمجيد والتوحيد‪.‬‬
‫ولذلك يجب علينا أن نستفيد مما يف هذه السورة العظيمة مما علمنا ربنا‬
‫‪ ‬فال نختم السورة ونقول‪« :‬آمين» إال وقد حصلنا على ما أعطانا اهلل‬
‫عندما يقول سبحانه‪« :‬ولعبدي ما سأل»‪.‬‬
‫ولكي يقول لنا ربنا سبحانه‪« :‬ولعبدي ما سأل» فال بد أن نتدبر ونستحضر يف‬
‫قلوبنا ما سألناه من العون والهداية‪.‬‬
‫فنسأله العون على عبادة اهلل العبادة الصحيحة‪ ،‬والعون على كل أمر من أمور‬
‫الدنيا‪ ،‬بحيث ال يكلنا ربنا إلى أنفسنا طرفة عين‪ ،‬وذلك عندما نقرأ‪﴿ :‬ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﴾‪.‬‬
‫ونسأله الهداية إلى الصراط المستقيم يف كل حركة نقوم هبا يف أمور ديننا وأمور‬

‫(( ( [الفاتحة‪.]5 :‬‬


‫(( ( [الفاتحة‪.]7-6 :‬‬
‫((( مسلم‪ ،)878( :‬اإلمام أحمد يف المسند‪ ،)7291( :‬أبو داود‪ ،)821( :‬الرتمذي‪ ،)3184( :‬ابن ماجه‪:‬‬
‫( ‪ ،) 838‬وهذا لفظ مسلم‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫دنيانا‪ ،‬منذ أن نستيقظ حتى وقت النوم‪ ،‬نسأله سبحانه الهداية يف كل عمل نعمله‬
‫كبيرا‪ ،‬فنكون بذلك ممن يمشي على الطريق الذي ُيرضي ربنا ‪ -‬سبحانه‬
‫صغيرا أو ً‬
‫ً‬
‫‪ -‬وهو طريق الذين أنعم اهلل عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‪،‬‬
‫ال طريق المغضوب عليهم الذين يعرفون الحق ويجحدونه‪ ،‬وال طريق الضالين‬
‫الذين ال يعرفون الحق ولم يحاولوا البحث عنه‪ ،‬كل ذلك نستحضره عندما نقرأ‪:‬‬
‫﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﴾‪.‬‬
‫وقبل ذلك البد أن نتدبر ونستحضر الحمد والثناء والتمجيد الذي يرضاه منا‬
‫ربنا ‪ -‬سبحانه ‪ -‬حتى يقول لنا ربنا ‪« :‬حمدني عبدي» ويقول‪« :‬أثنى علي عبدي»‬
‫ويقول‪« :‬مجدني عبدي» وذلك عندما نقرأ‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾‪.‬‬
‫من هذا نفهم أن سورة الفاتحة أمرها عظيم‪ ،‬وقد أخربنا بذلك نبينا محمد‬
‫الم َع َّلى‪،‬‬‫‪ ‬يف الحديث الذي رواه البخاري من حديث َأبي سعيد بن ُ‬
‫أج ْبه‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬ ‫قال‪ :‬كنت ُأ َص ِّلي يف المسجد‪ ،‬فدعاين رسول اهلل ‪ ‬فلم ِ‬
‫«أ َل ْم َي ُقلِ ال َّل ُه»‪ ﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬إين كنت أصلي‪ .‬فقال‪َ :‬‬
‫الس َو ِر ِفي ال ُق ْرآ ِن َق ْب َل َأنْ‬ ‫َ‬ ‫ﯣ ﯤ ﴾(((! ُثم قال لي‪ :‬أَ ُ‬
‫ور ًة ِه َي أ ْع َظ ُم ُّ‬
‫«ل َع ِّل َم َّن َك ُس َ‬ ‫َّ‬
‫تقل ألعلمنك‬ ‫قلت له‪ :‬ألم ْ‬ ‫فلما أراد أن يخرج ُ‬ ‫الم ْس ِج ِد» ثم أخذ بيدي‪ّ ،‬‬ ‫َت ْخ ُر َج ِم َن َ‬
‫سورة هي أعظم سورة يف القرآن! َق َال‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾((( ِ‬
‫«ه َي‬
‫الع ِظ ُيم ا َّل ِذي ُأوتِي ُت ُه»(((‪.‬‬
‫الم َثانِي‪َ ،‬وال ُق ْرآنُ َ‬
‫الس ْب ُع َ‬
‫َّ‬

‫((( [األنفال‪.]24 :‬‬


‫(( ( [الفاتحة‪.]2 :‬‬
‫(( ( البخاري‪ ،)4474( ،)5006( :‬اإلمام أحمد‪.)17851( :‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪8‬‬
‫نبي قبله‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ‬
‫وسورة الفاتحة نور أ ْعط َيه نب ُّينا محمد ‪ ‬لم ُي ْعطه ٌّ‬
‫نقيضا من‬ ‫عن ابن ع َّباس َقال‪ :‬بينما جربيل قاعد عند النبي ‪ ‬سمع ً‬
‫اء ُفتِ َح ا ْل َي ْو َم‪َ ،‬ل ْم ُي ْفت َْح َق ُّط إِ اَّل ا ْل َي ْو َم‪،‬‬ ‫فوقه‪ ،‬فرفع رأسه‪ ،‬فقال‪« :‬هَ َذا َب ٌ‬ ‫ِ‬
‫اب ِم َن َّ‬
‫الس َم ِ‬
‫ض‪َ ،‬ل ْم َي ْن ِز ْل َق ُّط إِ اَّل ا ْل َي ْو َم‪َ .‬ف َس َّل َم‬ ‫ال‪ :‬هَ َذا َم َل ٌك َنزَ َل إِ َلى أْ َ‬
‫ال ْر ِ‬ ‫َفنَزَ َل ِم ْن ُه َم َل ٌك‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ور ِة‬
‫يم ُس َ‬ ‫َاب‪َ ،‬و َخ َواتِ ُ‬ ‫ال‪َ :‬أ ْب ِش ْر بِن َ‬
‫ُور ْي ِن ُأوتِيت َُه َما َل ْم ُيؤْ َت ُه َما َنبِ ٌّي َق ْب َل َك‪َ :‬فاتِ َح ُة ا ْل ِكت ِ‬ ‫َو َق َ‬
‫ا ْل َب َق َر ِة‪َ ،‬ل ْن َت ْق َر َأ بِ َح ْر ٍ‬
‫ف ِم ْن ُه َما إِ اَّل ُأ ْع ِطي َت ُه»(((‪.‬‬
‫وهذا الحديث يدل على ِعظم البشارة التي فـُـتح لها باب من السماء لم ُيفتح‬
‫قط إال ذاك اليوم‪ ،‬ونزل هبا ملك لم ينزل لألرض إال ذاك اليوم‪ ،‬حيث ّ‬
‫بشر الرسول‬
‫‪ ‬بنورين ُأوتِ َيهما لم ُيؤ َت ُهما نبي قبله‪ ،‬وسورة الفاتحة هي أحد هذين‬
‫النورين‪ ،‬وهي كلها عطاء من اهلل لمن يقرؤها بتدبر‪ ،‬وكلها عطاء لمن استحضر‬
‫عطا ًء يريده من اهلل عندما يقرؤها بفهم وتدبر‪ ،‬فقد قال البشير‪« :‬لن تقرأ بحرف‬
‫منهما إال ُأ ْع ِطيتَه»‪.‬‬
‫ولهذا فال عجب أن تكون سورة الفاتحة رقية وفيها شفاء للناس‪ .‬وقد فتح اهلل‬
‫على أبي سعيد الخدري وعرف ذلك‪ ،‬وأيده الرسول ‪.‬‬
‫كما روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد ‪ ‬قال‪ :‬انطلق نفر من‬
‫أصحاب النبي ‪ ‬يف سفرة سافروها‪ ،‬حتى نزلوا على حي من أحياء‬
‫العرب‪ ،‬فاستضافوهم‪ ،‬فأ َبوا أن يض ِّيفوهم‪ ،‬ف ُلدغ سيد ذلك الحي‪ ،‬فس َعوا له بكل‬
‫شيء‪ ،‬ال ينفعه شيء‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬لو أتيتم هؤالء الرهط الذين نزلوا‪ ،‬لعله أن‬
‫يكون عند بعضهم شيء! فأ َتوهم فقالوا‪ :‬يا أيها الرهط إن سيدنا ُلدغ‪ ،‬وس َعينا له‬
‫بكل شيء ال ينفعه‪ ،‬فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم‪ :‬نعم‪ ،‬واهلل إين‬

‫((( مسلم‪.)1877( :‬‬


‫‪9‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫ألرقِي‪ ،‬ولكن واهلل لقد استضفناكم فلم تضيفونا‪ ،‬فما أنا بِر ٍ‬
‫اق لكم حتى تجعلوا‬ ‫َ‬
‫لنا ُج ْعلاً ! فصالحوهم على قطيع من الغنم‪ ،‬فانطلق يت ُفل عليه ويقرأ‪﴿ :‬ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﴾ فكأنما نشط من عقال‪ ،‬فانطلق يمشي وما به َق َلبة‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأو َفوهم ُج ْع َلهم الذي صالحوهم عليه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬اقسموا‪ .‬فقال الذي رقى‪:‬‬
‫ال تفعلوا حتى نأيت النبي ‪ ‬فنذكر له الذي كان‪ ،‬فننظر ما يأمرنا‪ .‬فقدموا‬
‫يك َأ َّن َها ُر ْق َي ٌة؟ َأ َص ْبت ُْم‪،‬‬
‫«و َما ُيدْ ِر َ‬
‫على رسول اهلل ‪ ‬فذكروا له‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫اض ِر ُبوا لِي َم َع ُك ْم بِ َس ْه ٍم»(((‪ .‬وهذا لفظ البخاري‪ .‬ويف فتح الباري بشرح‬ ‫ا ْق ِس ُموا َو ْ‬
‫صحيح البخاري‪َ « :‬ما بِ ِه َق َل َب ٌة» بفتح الالم بعدها موحدة‪ .‬أي ما به ألم ُي ْق َلب ألجله‬
‫على الفراش(((‪.‬‬
‫وإذا علمنا عظم وفضل سورة الفاتحة التي سماها اهلل ‪ ‬بالصالة‬
‫وال تتم الصالة بدوهنا‪ ،‬علمنا عظم إقامة الصالة عند اهلل ‪ .‬الصالة‬
‫التي عرف قيمتها الرسول ‪ ‬فكان ُيكثر من الصالة حتى تفطرت‬
‫حزبه أمر فزع إليها يصلي مطب ًقا قول اهلل‬
‫قدماه‪ ،‬وكانت قرة عينه يف الصالة‪ ،‬وإذا َ‬
‫وقوله‬ ‫(((‬
‫‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﴾‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﴾(((‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وإن تدبر القرآن والبحث عن الحق واجب على كل مسلم‪ٌّ ،‬‬
‫كل حسب‬
‫استطاعته‪ ،‬حتى ال يكون من الضالين الذين لم يبحثوا عن الحق مع علمهم‬
‫بجهلهم به‪.‬‬

‫(( ( البخاري‪ ،)5749( :‬مسلم‪.)2201( :‬‬


‫(( ( فتح الباري (‪.)210/10‬‬
‫(( ( (البقرة‪.)45:‬‬
‫(( ( (البقرة‪.)153:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪10‬‬
‫وبعد معرفته للحق يأيت اإليمان به واتباعه وتطبيقه‪ ،‬ليكون من الذين أنعم اهلل‬
‫عليهم‪ ،‬متجن ًبا طريق المغضوب عليهم الذين يعرفون الحق ويجحدونه‪.‬‬
‫و يف هذه القراءة سوف نحاول أن نتدبر ونفهم هذه اآليات من سورة الفاتحة‬
‫حتى نحصل على الفائدة المرجوة منها‪ ،‬الفائدة التي ال تتحقق إال عندما يقول‬
‫علي عبدي» ويقول‪« :‬مجدني‬
‫اهلل ‪« :‬حمدني عبدي» ويقول‪« :‬أثنى ّ‬
‫عبدي» ويقول‪« :‬هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل» ويقول بعد آخر آية‪« :‬هذا‬
‫لعبدي ولعبدي ما سأل»‪.‬‬

‫***‬
‫‪11‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫‪ J‬االستعاذة ‪L‬‬
‫إن أمر االستعاذة باهلل عظيم وال يعرف معناها إال العارف باهلل ‪.‬‬
‫لذلك نرى أن الرسول ‪ ‬عندما استعاذت منه المرأة‪ ،‬أقر لها هذه‬
‫ِ‬
‫عذت بعظيم» وطلقها‪.‬‬ ‫االستعاذة فقال لها‪« :‬لقدْ‬
‫الج ْو ِن لما ُأ ْد ِخ َلت‬
‫فقد روى البخاري يف صحيحة عن عائشة ‪ ‬أن ابنة َ‬
‫على رسول اهلل ‪ ‬ودنا منها قالت‪ :‬أعوذ باهلل منك! فقال لها‪َ :‬‬
‫«ل َقدْ‬
‫اذ»((( أي بالذي‬ ‫ت بِ َم َع ٍ‬ ‫الح ِقي بِ َأ ْه ِل ِ‬
‫ك»((( ويف رواية قال‪َ « :‬قدْ ُع ْذ ِ‬ ‫ت بِ َع ِظ ٍ‬
‫يم‪َ ،‬‬ ‫ُع ْذ ِ‬
‫ُيستعاذ به و ُيستجار‪ .‬فالرسول ‪ ‬يعرف بمن استعاذت‪ ،‬ويعرف عظم‬
‫هذه االستعاذة باهلل‪ .‬وقد روى أبو داود يف سننه‪ ،‬وصححه األلباين‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫يذو ُه‪َ ،‬و َم ْن َس َأ َل ُك ْم بِال َّل ِه‬
‫است ََعا َذ ُك ْم بِال َّل ِه َف َأ ِع ُ‬
‫أن الرسول ‪ ‬قال‪َ « :‬م ِن ْ‬
‫َف َأ ْع ُطو ُه»(((‪.‬‬
‫بشرا سو ًّيا‪ ،‬وهي ال تعرفه‪ ،‬استعاذت‬
‫ومريم ‪ ‬عندما تمثل لها جربيل ً‬
‫منه‪ ،‬وتوقعت منه أن يمتثل الستعاذهتا؛ ألهنا رأت فيه عالمات التقوى‪ ،‬وهي تعلم‬
‫أن التقي يعرف معنى االستعاذة‪ ،‬وقد اختارت الستعاذهتا صيغة تحميها وال تؤثر‬
‫على الذي ترى أنه تقي‪ ،‬كما أخربنا اهلل ‪ ‬يف قوله‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫اسما من أسماء اهلل الحسنى وهو «الرحمن»‪.‬‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﴾ فاختارت ً‬
‫(((‬

‫(( ( البخاري‪.)5254( :‬‬


‫((( أخرجها البخاري (‪ )5255‬من حديث أبي أسيد‪.‬‬
‫(( ( أبو داود‪ ،)5109( ،)1672( :‬اإلمام أحمد‪ ،)5365( :‬النسائي‪.)2568( :‬‬
‫((( (مريم‪.)18:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪12‬‬
‫التجأت إلى الرحمن ليسبغ عليها من رحمته دون أن يحول بينها وبين ما‬
‫جاء به هذا الذي تراه أمامها من خرب‪ ،‬ولعله يكون جاء لها بخير‪ ،‬وهذا من عظيم‬
‫أيضا بأسماء اهلل الحسنى حيث اختارت‬
‫حكمتها وعدم استعجالها‪ ،‬ومن فقهها ً‬
‫هذا االسم يف االستعاذة‪ ،‬ولعلها لو قالت‪( :‬أعوذ باهلل منك) لذهب عنها وتركها‪،‬‬
‫ولكنها استعاذت بالرحمن‪ ،‬وقد حقق اهلل لها ذلك‪ ،‬ووهب لها رحمة منه سبحانه‬
‫عندما بشرها بالغالم الذي قال عنه‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﴾((( فقال‪ ﴿ :‬ﯕ ﯖ ﴾ فهو رحمة‬
‫من الرحمن ‪ ‬يف كل أحواله ‪ ‬ألن اهلل هو الذي أخرب بأنه كذلك‪.‬‬

‫ معنى االستعاذة‪:‬‬
‫جاء يف لسان العرب‪ :‬عاذ به يعوذ َعو ًذا ِ‬
‫وع َيا ًذا و َم َعا ًذا‪ :‬الذ به ولجأ إليه‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫واعتصم‪ .‬و َم َعاذ اهلل؛ أي ِع َيا ًذا باهلل‪ ،‬قال اهلل ‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭙﭚ﴾ أي‪ :‬نعوذ باهلل َم َعا ًذا أن نأخذ غير الجاين بجنايته‪َ .‬‬
‫والم َعاذ‪:‬‬ ‫(((‬

‫بمالذ‪ .‬واهلل ‪َ ‬معاذ من‬


‫بمعاذ؛ أي لجأ إلى ملجإ والذ َ‬
‫الذي ُيعاذ به‪ .‬وعاذ َ‬
‫المعاذ؛ وهو عياذي؛ أي ملجئي‪ .‬و ُعذت‬ ‫والمالذ مثل َ‬
‫عاذ به وملجأ من لجأ إليه‪َ .‬‬
‫بفالن واستعذت به؛ أي لجأت إليه‪ .‬وقولهم‪َ :‬معاذ اهلل؛ أي أعوذ باهلل معا ًذا(((‪ .‬اهـ‬

‫ صيغ االستعاذة‪:‬‬
‫االستعاذة نوع من الدعاء يلتجئ ويلوذ به العبد بربه ‪ .‬وقد بين‬
‫لنا ربنا ‪ ‬وبين لنا الرسول ‪ ‬صيغ االستعاذة بأسماء اهلل‬

‫((( (مريم‪.)21:‬‬
‫((( (يوسف‪.)79:‬‬
‫(( ( لسان العرب (باب‪ :‬ع و ذ)‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫الحسنى (أعوذ باهلل‪ ،‬أعوذ بالرحمن‪ ،‬أعوذ بك ربي) وكذلك االستعاذة بصفاته‬
‫اك ِم ْن َس َخ ِط َك‪،‬‬ ‫(الله َّم َأ ُع ُ‬
‫وذ بِ ِر َض َ‬ ‫ُ‬ ‫ات اهللِ ال َّتا َّم ِ‬
‫ات)‬ ‫وذ بِ َك ِل َم ِ‬
‫(أ ُع ُ‬‫‪َ :‬‬
‫وذ بِ َك ِم ْن َك) وجاءت بعض هذه الصيغ مرة مطلقة‬ ‫َوبِ ُم َعا َفاتِ َك ِم ْن ُع ُقو َبتِ َك‪َ ،‬و َأ ُع ُ‬
‫بدون ذكر المستعاذ منه‪ ،‬ومرة مقيدة بذكر المستعاذ منه‪ ،‬وكل صيغة لها مناسبتها‬
‫الخاصة هبا‪ ،‬وتأثيرها الخاص‪ ،‬كما جاء يف القرآن والسنة‪.‬‬
‫وسوف نذكر صيغة االستعاذة باهلل من الشيطان الرجيم‪ ،‬أما الصيغ األخرى‬
‫فسوف نذكرها عندما نصل لتلك اآليات من القرآن بإذن اهلل تعالى‪.‬‬

‫ االستعاذة باسم (اهلل)‪:‬‬


‫جاءت مقيدة بذكر المستعاذ منه‪ ،‬وجاءت مطلقة بدون ذكر المستعاذ منه‪.‬‬
‫فمن الصيغ المقيدة‪:‬‬

‫ (أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم)‪:‬‬


‫استعاذة باسم (اهلل) مقيدة بذكر المستعاذ منه‪ ،‬وهو الشيطان الرجيم‪ ،‬وهي‬
‫والمالذ باالسم الجامع لجميع األسماء الحسنى والصفات ال ُعال وهو‬
‫تعني اللجوء َ‬
‫(اهلل)‪ ،‬قال ابن القيم ‪ :‬اسم اهلل ‪ ‬هو الجامع‪ ،‬ولهذا تضاف األسماء‬
‫الحسنى كلها إليه‪ ،‬فيقال‪ :‬الرحمن الرحيم العزيز الغفار القهار‪ ،‬من أسماء اهلل‪ ،‬وال‬
‫يقال‪ :‬اهلل من أسماء الرحمن‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﴾(((‪ ((( .‬اهـ‪.‬‬
‫وجاء يف كتاب تفسير أسماء اهلل الحسنى للسعدي‪ :‬واسم «اهلل» هو الجامع‬
‫لجميع األسماء الحسنى‪ ،‬والصفات العال‪ .‬واهلل أعلم‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫(( ( (األعراف‪.)180 :‬‬


‫((( طريق الهجرتين (‪.)93/1‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪14‬‬
‫فتكون االستعاذة باسم الجاللة (اهلل) هي االلتجاء إلى اهلل واالعتصام به ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ّ -‬‬
‫بكل أسمائه‪ ،‬فيكون باسمه (السميع) الذي يسمع استعاذتنا به‪ ،‬ويسمع‬
‫وسوسة الشيطان‪ ،‬وال نسمعها نحن‪ ،‬بل نشعر هبا‪ .‬وااللتجاء باسمه (العليم)‬
‫الذي يعلم مدى إخالصنا واستحضارنا لمعنى االستعاذة‪ ،‬وهو سبحانه يعلم‬
‫طرق ومداخل الشيطان‪ ،‬ويعلم كيف يصده عنا‪ .‬وباسمه (البصير والقادر والعزيز‬
‫والقوي والجبار والرحمن الرحيم والملك) الذي يملك كل مصادر الشيطان‬
‫وأسبابه يف الوسوسة‪ .‬نعوذ به سبحانه بكل أسمائه التي نعلمها والتي ال نعلمها‬
‫ليحفظنا حف ًظا عا ًّما تا ًّما عندما تكون االستعاذة باسم (اهلل) ولذلك البد عند‬
‫االستعاذة باهلل من استحضار كل تلك المعاين حتى تحصل الفائدة منها‪.‬‬
‫يقول ابن القيم يف «الجواب الكايف» ‪ :‬إن األدعية والتعوذات بمنزلة السالح‪،‬‬
‫سالحا تا ًّما ال آفة به‪ ،‬والساعد‬
‫ً‬ ‫والسالح بضاربه ال بحده فقط‪ ،‬فمتى كان السالح‬
‫ساعد قوي‪ ،‬والمانع مفقود‪ ،‬حصلت به النكاية يف العدو‪ ،‬ومتى تخلف واحد‬
‫من هذه الثالثة تخلف التأثير‪ ،‬فإن كان الدعاء يف نفسه غير صالح‪ ،‬أو الداعي لم‬
‫يجمع بين قلبه ولسانه يف الدعاء‪ ،‬أو كان َث َّم ٌ‬
‫مانع من اإلجابة‪ ،‬لم يحصل األثر(((‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ثم إن ربنا ‪ ‬ب َّين لنا يف هذا القرآن الصيغ َة الصحيحة لالستعاذة من‬
‫هذا العدو المبين‪ ،‬عندما قال لنا‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﴾((( فهذه صيغة االستعاذة عندما نقرأ القرآن‪ ،‬وجاءت بنفس اللفظ من غير‬
‫زيادة وال نقصان‪( :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم)‪.‬‬

‫(( ( الجواب الكايف (‪.)26/1‬‬


‫(( ( (النحل‪.)98:‬‬
‫‪15‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫يقول القرطبي يف مقدمة تفسيره‪ :‬أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن‬
‫وال آية منه‪ ،‬وهو قول القارئ‪( :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم)‪ .‬وهذا اللفظ هو‬
‫الذي عليه الجمهور من العلماء يف التعوذ ألنه لفظ كتاب اهلل تعالى‪ .‬وروي عن‬
‫يم‪َ ،‬ف َق َال ل ِ َي‬ ‫الر ِج ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم مِ َن َّ‬‫الس ِمي ِع ا ْل َعلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ْي َطان َّ‬ ‫ابن مسعود أنه قال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬أ ُعو ُذ بِاهَّلل َّ‬
‫يم‪ ،‬هَ َك َذا َأ ْق َر َأنِي‬ ‫الر ِج ِ‬ ‫الش ْي َط ِ‬
‫ان َّ‬ ‫وذ بِال َّل ِه ِم َن َّ‬‫النَّبِي ‪َ «:‬يا ا ْب َن ُأ ِّم َع ْب ٍد‪َ ،‬أ ُع ُ‬
‫ُّ‬
‫ْ َ َ (((‬ ‫يل َع ِن ال َّل ْو ِح ا ْل َم ْح ُف ِ‬
‫ِج ْب ِر ُ‬
‫وظ َع ِن القل ِم» ) انتهى كالمه ‪. ‬‬
‫(((‬

‫و قد ورد النص بذلك عن النبي ‪ ‬يف «الصحيحين» عن سليمان‬


‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫وس‪،‬‬‫َب َر ُجالَن عنْدَ النَّبِ ِّي ‪َ ‬ون َْح ُن عنْدَ ُه ُج ُل ٌ‬ ‫است َّ‬
‫ابن ُص َرد قال‪ْ :‬‬
‫اح َم َّر َو ْج ُه ُه‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َصاح َب ُه‪ُ ،‬م ْغ َض ًبا َقد ْ‬ ‫َو َأ َحدُ ُه َما َي ُس ُّ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫ان‬ ‫وذ بِال َّل ِه ِم َن َّ‬ ‫«إِ ِّني أَ َل ْع َل ُم َك ِل َم ًة َل ْو َق َال َها َل َذهَ َب َع ْن ُه َما َي ِجدُ ‪َ ،‬ل ْو َق َ‬
‫ال‪َ :‬أ ُع ُ‬
‫ول النَّبِ ُّي ‪‬؟ َق َال‪ :‬إِنِّي َل ْس ُت‬ ‫يم» َف َقا ُلوا ل ِ َّلر ُجلِ‪َ :‬أ َ‬
‫ال َت ْس َم ُع َما َي ُق ُ‬ ‫الر ِج ِ‬‫َّ‬
‫ُون»(((‪.‬‬ ‫بِمجن ٍ‬
‫َ ْ‬
‫وهذه األدلة تبين حضور الشيطان عند قراءة القرآن‪ ،‬وحضوره عند الغضب‪.‬‬
‫وكذلك تبين أن النص الصحيح لالستعاذة من الشيطان يف هذه األوقات هو قولنا‪:‬‬
‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪.‬‬
‫فربنا ‪ ‬وهو السميع العليم‪ ،‬يعلم بحضور الشيطان الرجيم عند‬
‫قراءة القرآن ويسمع وسوسته‪ ،‬ولذلك بين لنا هذه الصيغة من االستعاذة لكي‬
‫يحمينا منه‪ .‬فالحمد هلل رب العالمين على ذلك‪.‬‬

‫(( ( أخرجه الثعلبي يف «تفسيره» (‪ )124 - 122/16‬وضعفه األلباين يف «السلسلة الضعيفة» (‪.)3903‬‬
‫(( ( تفسير القرطبي (‪.)87 - 86/1‬‬
‫(( ( البخاري‪ ،)3282( :‬مسلم‪ )6646( :‬وهذا لفظ البخاري‪.‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪16‬‬
‫والرسول ‪ ‬الذي ال ينطق عن الهوى يعلم أن المسبب لغضب‬
‫اإلنسان هو الشيطان الرجيم‪ ،‬ولذا أخربنا عن أفضل طريقة وأفضل صيغة لطرد‬
‫هذا الشيطان‪.‬‬
‫وكذلك بين لنا ربنا سبحانه حضور الشيطان يف بداية أي حوار بين طرفين‪،‬‬
‫والذي يحرص فيه هذا الشيطان على أن يجعل الطرفين ال يسمعان إال المعنى‬
‫بعضا‪ ،‬فهو ينتظر من أحد الطرفين أي لفظة لها احتمال‬
‫السيئ من كالم بعضهما ً‬
‫تأوي ٍل سيئ فيقذف هذا التأويل السيئ يف قلب الطرف اآلخر فينزغ بينهما‪ ،‬وهكذا‬
‫يتنقل بين الطرفين حتى يصال إلى مرحلة الغضب واحمرار الوجه‪ ،‬وفيها يفقد كل‬
‫منهما صوابه‪ ،‬وتكون النتيجة ما ال يحمد عقباه‪.‬‬
‫وقد حذرنا ربنا سبحانه من هذه البداية السيئة‪ ،‬وأخربنا أن ننتقي أحسن القول‬
‫حتى ال نجعل للشيطان با ًبا لتأويل الكالم إلى معنى سيئ‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﴾((( فأمرنا‬
‫ندع فوق هذا األحسن أحسن منه‪ ،‬حتى‬
‫‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن نختار من القول أحسنه‪ ،‬وال َ‬
‫نقطع الطريق على الشيطان‪ .‬أما إذا نسي اإلنسان وتكلم بكلمة أقل مما هو أحسن‪،‬‬
‫أيضا لم يرتكنا ربنا‬
‫فاستغلها الشيطان لينزغ بينه وبين من يحاوره‪ ،‬ففي هذه الحالة ً‬
‫أيضا الطريقة لقطع السبيل على الشيطان‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﭽ‬
‫للشيطان‪ ،‬بل بين لنا ً‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾((( فنقول‪ :‬أعوذ باهلل من‬
‫الشيطان الرجيم‪ .‬وهو ما أخرب به الرسول ‪ ‬عندما رأى الرجل المغضب‬
‫وقد احمر وجهه‪ ،‬حيث قال‪« :‬إني ألعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد‪ ،‬لو قال‪:‬‬

‫((( (اإلسراء‪.)53:‬‬
‫(( ( (األعراف‪.)200:‬‬
‫‪17‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»‪ .‬فاالستعاذة ضمان من اهلل ومن رسوله ‪‬‬
‫لذهاب ما يجد المغضب يف نفسه‪.‬‬

‫ فوائد االستعاذة باهلل‪:‬‬

‫عندما يقول المستعيذ‪( :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم) فإنه البد أن يستحضر‬
‫يف قلبه أنه يدعو اهلل دعاء عبادة‪ ،‬ودعاء مسألة‪.‬‬

‫فدعاء العبادة‪ :‬أن يتعبد المؤمن اهلل هبذا الدعاء‪ ،‬ويتشرف بأنه استعاذ‬
‫بمعاذ واستعاذ بعظيم كما قال الرسول ‪ ،‬وأنه تخلى عن االستعاذة‬
‫َ‬
‫بالمخلوق الضعيف الذي ال يستطيع أن ينفع نفسه فكيف ينفع غيره؛ ألنه يعلم أن‬
‫هذا المخلوق المستعاذ به قد يضر المستعيذ به كما أخرب اهلل ‪ ‬عن الذين‬
‫يستعيذون بالجن كيف زادوهم رع ًبا وخو ًفا ً‬
‫عوضا عن الطمأنينة واألمان‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﴾((( فالمؤمن هبذا‬
‫وحد اهلل توحيد األلوهية وهو توحيد العبادة المتضمن توحيد‬
‫الدعاء يكون قد ّ‬
‫الربوبية وتوحيد األسماء والصفات‪.‬‬

‫واإلخالص يف دعاء العبادة شرط يف تحقيق اهلل ‪ ‬لدعاء المسألة‬


‫واالستجابة للداعي‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﴾((( وقال تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬

‫(( ( (الجن‪.)6:‬‬
‫((( (يونس‪.)22:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪18‬‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾((( ومن ُيخلِص يف دعاء االستعاذة من‬
‫الشيطان الرجيم فإن اهلل يجيب دعاءه إلخالصه‪.‬‬
‫وقد أقر إبليس بذلك وعرف أن المخلصين ليس له سلطان عليهم‪ ،‬ألن‬
‫اهلل قد أعاذهم منه‪ ،‬وقد ذكر إبليس ذلك حتى ال يظهر بصورة الكاذب يف دعواه‬
‫عندما يتضح عدم قدرته على عباد اهلل المخلصين‪ ،‬فاستثناهم من غوايته للناس‬
‫أجمعين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﴾(((‪.‬‬
‫وقراءة (المخ َلصين) بفتح الالم معناها‪ :‬الذين أخلصهم اهلل بالهداية واإليمان‬
‫والتوفيق والعصمة‪ ،‬وهذه القراءة تدل على أن اإلخالص واإليمان ليس إال من اهلل‬
‫تعالى‪ .‬وقراءة (المخلِ ِصين) بكسر الالم معناها‪ :‬الذين أخ َلصوا دينهم وعبادهتم‬
‫عن كل شائب يناقض اإليمان والتوحيد‪.‬‬
‫أما دعاء المسألة فإن القارئ للقرآن‪ ،‬المستعيذ باهلل من الشيطان الرجيم‪،‬‬
‫المعاذ والملجأ من الشيطان الرجيم‪ ،‬ليحفظه اهلل من أمور‬
‫يسأل اهلل ويطلب منه َ‬
‫كثيرة‪ .‬من هذه األمور أمران ‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬الوقاية من غواية الشيطان‪ ،‬ألنه أقسم بعزة اهلل َل ُي ْغ ِو َي َّن بني آدم‬
‫أجمعين إال عباد اهلل منهم المخلصين‪ ،‬وقد أخربنا اهلل بذلك يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﰖ‬
‫ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝﰞﰟ ﴾((( وهذه الغواية يجري‬
‫هبا الشيطان من ابن آدم مجرى الدم‪ .‬ومن غواية الشيطان أن يجعل القارئ يتبع‬

‫(( ( (العنكبوت‪.)65:‬‬
‫(( ( (الحجر‪.)40-39:‬‬
‫((( (ص‪.)83-82:‬‬
‫‪19‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫ما تشابه من القرآن ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل الباطل‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﴾(((‪.‬‬
‫وصور هؤالء الذين يف قلوهبم زيغ ويتبعون ما تشابه منه نراها يف مذاهب‬
‫ؤولون القرآن تب ًعا ألهوائهم‪ ،‬فيشرتون به‬
‫وفرق أهل البدع والضالل الذين ُي ِّ‬
‫ثمنًا قليلاً ‪ ،‬وقد زين لهم الشيطان سوء أعمالهم؛ وذلك ألهنم ما عرفوا عدوهم‬
‫العدو المبين وال استعاذوا منه‪ ،‬حتى لو نطقوا باالستعاذة ود َعوا دعاء المسألة‬
‫فإن اهلل ال يقبل منهم‪ ،‬ألهنم ما حققوا شرط دعاء العبادة بسبب إلحادهم بأسماء‬
‫طلها ومنهم من يم ِّثلها‪ ،‬واهلل ‪‬‬
‫اهلل وتأويلها تأويلاً باطلاً ‪ ،‬فمنهم من يع ِّ‬
‫ليس كمثله شيء‪.‬‬
‫وقد اشرتط اهلل للدعاء بأسمائه الحسنى أال ي ْل ِ‬
‫حدوا هبا‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﭳﭴ‬ ‫ُ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﴾(((‪.‬‬
‫يقول القرطبي يف تفسيره‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭶ ﭷ ﴾ أي‪ :‬اطلبوا منه بأسمائه‪،‬‬
‫ف ُيط َلب بكل اسم ما يليق به‪ ،‬تقول‪ :‬يا رحيم ارحمني‪ ،‬يا حكيم احكم لي‪ ،‬يا رزاق‬
‫ارزقني‪ ،‬يا هادي اهدين‪ ،‬يا فتاح افتح لي‪ ،‬يا تواب ُتب علي‪ ،‬وهكذا‪ .‬فإن دعوت‬
‫باسم عام قلت‪ :‬يا مالك ارحمني‪ ،‬يا عزيز احكم لي‪ ،‬يا لطيف ارزقني‪ .‬وإن دعوت‬
‫باألعم األعظم فقلت‪ :‬يا اهلل‪ ،‬فهو متضمن لكل اسم(((‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫(( ( (آل عمرن‪.)7:‬‬


‫(( ( (األعراف‪.)180:‬‬
‫(( ( تفسير القرطبي (‪.)327/7‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪20‬‬
‫والجور‬
‫ُ‬ ‫ويقول الطربي‪ :‬وأصل اإللحاد يف كالم العرب‪ :‬العدول عن القصد‬
‫معو ّج غير مستقيم(((‪.‬اهـ‪.‬‬
‫عنه واإلعراض‪ ،‬ثم يستعمل يف كل َ‬
‫قال القرطبي يف تفسير ﴿ ﭺﭻ﴾‪ :‬يلحدون بالزيادة فيها أو بالنقصان‬
‫منها‪ .‬وقال‪ :‬معنى الزيادة يف األسماء التشبيه‪ ،‬والنقصان التعطيل‪ ،‬فإن المشبه َة‬
‫وصفوه بما لم يأذن فيه‪ ،‬والمعطل َة سلبوه ما اتصف به‪ ،‬ولذلك قال أهل الحق إن‬
‫ديننا طريق بين طريقين‪ ،‬ال بتشبيه وال بتعطيل(((‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫هذا هو األمر األول‪ ،‬وهو االلتجاء إلى اهلل واالعتصام به‪ ،‬باالستعاذة باهلل‬
‫من غواية الشيطان حتى ال نقع يف التأويل الباطل واإللحاد يف أسماء اهلل ونحن‬
‫نقرأ القرآن‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬أننا نستعيذ باهلل من الشيطان لكي ال يصرفنا عن تدبر القرآن‬
‫أثناء القراءة؛ ألن األصل يف قراءة القرآن هو التدبر ومعرفة سياق اآلية حتى نأخذ‬
‫بفوائدها ونطبقها‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﴾(((‪.‬‬
‫فالشيطان إذا عجز عن أن يصرف بني آدم عن القرآن كلية‪ ،‬وعجز أن يجعله‬
‫يؤول القرآن التأويل الباطل‪ ،‬فإنه يحرص على أن يوسوس له أثناء القراءة ويل ِّبس‬
‫ّ‬
‫عليه حتى ال يتدبر معاين القرآن‪ ،‬فتجد المصلي يقرأ سورة الفاتحة وينتهي منها‬
‫وهو لم يستحضر معانيها‪ ،‬ويقول عندما ينتهي من قراءهتا (آمين) وهو ال يعلم‬
‫على ماذا أ َّمن‪ ،‬بل إنه قد يختم القرآن قراء ًة وهو لم يتدبره التدبر الذي يجعله يفهم‬

‫(( ( تفسير الطربي (‪.)598/10‬‬


‫(( ( تفسير القرطبي (‪.)328/7‬‬
‫((( (ص‪.)29:‬‬
‫‪21‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫ٍ‬
‫ونواه‪ .‬فالشيطان حريص على أال نفهم من هذا الكتاب‬ ‫مافيه من أحكام وأوامر‬
‫العظيم شي ًئا‪ ،‬وأول شيء نفهمه من هذا الكتاب بعد التوحيد هو ما ب َّينه لنا ربنا من‬
‫أن الشيطان لإلنسان عدو مبين واضح وليس يف عداوته شك‪ ،‬بل قد اعرتف هو‬
‫بذلك‪ ،‬وقد بين لنا ربنا عداوته يف مواضع كثيرة يف القرآن‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﴾(((‪.‬‬
‫يقول القرطبي يف تفسير قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﴾‪ :‬أخرب تعالى بأن‬
‫الشيطان عدو‪ ،‬وخربه حق وصدق‪ ،‬فالواجب على العاقل أن يأخذ حذره من هذا‬
‫العدو الذي قد أبان عداوته من زمن آدم‪ ،‬وبذل نفسه وعمره يف إفساد أحوال بني‬
‫آدم‪ ،‬وقد أمر اهلل تعالى بالحذر منه‪ ،‬فقال جل من قائل‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﴾(((‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫فالمستعيذ يطلب اللجوء إلى اهلل لحمايته من غواية الشيطان وضالله‪،‬‬
‫ويعتصم باهلل من وسوسة الشيطان وتل ِّبيسه حتى ال يصرفه عن تدبر القرآن‪ ،‬لهذا‬
‫البد أن نستحضر كل هذه المعاين عندما نقول‪( :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم)‬
‫لكي يتحقق ما نرجوه من دعاء العبادة ودعاء المسألة يف هذا الدعاء الذي اختاره‬
‫اهلل لنا‪ ،‬واختار لنا الصيغة المناسبة لنتسلح به ضد هذا العدو المبين‪.‬‬

‫ االستعاذة من الشيطان ِخ ْن َزب‪:‬‬


‫اشتكى عثمان بن أبي العاص ‪ ‬للرسول ‪ ‬من الشيطان‬
‫يحول بينه وبين صالته وقراءته يل ِّبسها عليه‪ ،‬فبين له الرسول ‪ ‬كيف‬
‫يتعوذ منه‪.‬‬

‫(( ( (البقرة‪ .168:‬البقرة‪ .208:‬األنعام ‪.)142‬‬


‫(( ( تفسير القرطبي (‪.)209/2‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪22‬‬
‫روى مسلم يف «صحيحه» عن أبي العالء‪ ،‬أن عثمان بن أبي العاص أتى‬
‫ان َقدْ َح َال َب ْينِي َو َب ْي َن َصلاَ تِي‬ ‫ول اهللِ‪ ،‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫النبي ‪ ‬فقال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫اك َش ْي َطانٌ ُي َق ُ‬
‫ال َل ُه‬ ‫َوقِ َرا َءتِي؛ َي ْلبِ ُس َها َع َلي! فقال رسول اهلل ‪َ « :‬ذ َ‬
‫َّ‬
‫(خنْزَ ٌب) َفإِ َذا َأ ْح َس ْس َت ُه َفت ََع َّو ْذ بِ ِ‬
‫الله ِم ْن ُه‪َ ،‬وات ِْف ْل َع َلى َي َسا ِر َك َث اَل ًثا» قال‪َ :‬ف َف َع ْل ُت‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫اهلل َعنِّي(((‪.‬‬ ‫َذل َك َف َأ ْذ َه َب ُه ُ‬
‫يحول بين المرء وصالته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وخن َْزب لقب لهذا النوع من الشياطين‪ ،‬وهو الذي ُ‬
‫جاء يف «هناية» ابن األثير يف معنى خنزب‪ :‬قال أبو عمرو‪ :‬وهو لقب له‪.‬‬
‫والخنزب‪ :‬قطعة لحم منتنة‪ ،‬ويروى بالكسر والضم(((‪.‬اهـ‬
‫ويف هذا الحديث الصحيح نرى كيف أن عثمان بن أبي العاص عرف وأحس‬
‫بعدوه الشيطان‪ ،‬وعرف أن الشيطان يحول بينه وبين صالته‪ ،‬ألن ُج َّل هدف‬
‫عثمان ‪ ‬هو أن يخشع يف صالته‪ ،‬فلما وجد حائلاً بينه وبين الخشوع عرف‬
‫المسبب لهذا الحائل‪ .‬وعثمان ‪ ‬عرف الداء لكنه لم يعرف الدواء‪ ،‬لذلك‬
‫طلبه من الرسول ‪ ‬فأخربه بالتشخيص الدقيق لهذا الداء‪ ،‬وبالطريقة‬
‫الصحيحة لعالجه‪.‬‬
‫حال كثير من‬ ‫لكن المصيبة تكمن فيمن ال يعرف أنه مصاب هبذا الداء‪ ،‬وهو ُ‬
‫الناس‪ ،‬ومن كانت هذه حاله فإنه قد ال يطلب العالج‪ ،‬فيستمر الشيطان ِخن َْزب يف‬
‫الحيلولة بينه وبين صالته‪ ،‬حتى ال يفقه من صالته شيئا‪ ،‬وال يستفيد منها الفائدة‬
‫العظيمة التي أخربنا عنها ربنا ‪ ‬حيث يقول‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯕ‬
‫ﯖﯗﯘﯙﯚ﴾((( فالعون الذي يحصل للمصلي ال يحصل إال للخاشع‪،‬‬

‫((( مسلم‪ ،)5738 ( :‬أحمد‪.)17897 ( :‬‬


‫((( النهاية يف غريب الحديث (‪.)83/2‬‬
‫(( ( (البقرة‪.)45:‬‬
‫‪23‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫فيعينه اهلل على كل أمر من األمور‪ ،‬ويتحقق له ما سأل عندما يقرأ يف صالته وهو‬
‫خاشع‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﴾ ويقول اهلل ‪( :‬ولعبدي ما‬
‫سأل)‪.‬‬
‫والخشوع هو معرفة العبد قدر نفسه القدر الحقيقي‪ ،‬ذليلاً أمام اهلل‪ ،‬ومعرفة قدر‬
‫اهلل حسب تعظيمه هلل‪ ،‬ثم يوظف هذه المعرفة ليصل إلى مرحلة الخوف والرجاء‬
‫التي تتفاوت من شخص آلخر حسب معرفته وعلمه‪ ،‬ومن ثم تطبيقه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﴾((( وللوصول إلى الخشوع البد للعبد‬
‫أن يعي ويستحضر كل ما يقوله ويفعله يف صالته‪ ،‬من قراءة وركوع وسجود‪ ،‬وال‬
‫ُيشتت إنتباهه إلى غير ذلك‪ ،‬ويستحضر عظمة اهلل أمامه‪ ،‬ليكون خاش ًعا ذليلاً أمام‬
‫ربه ‪.‬‬
‫والشيطان خنزب يعرف هذا كله‪ ،‬لذلك يحرص كل الحرص على أن‬
‫يصرف المصلي عن الخشوع يف صالته‪ ،‬وقد ذكر الرسول ‪ ‬الشيطان‬
‫خنزب باالسم‪ ،‬ثم أمر عثمان ‪ ‬بأن يتعوذ باهلل منه‪ ،‬أي من خنزب‪ ،‬فتكون‬
‫االستعاذة باهلل يف هذا الموضع مقيدة على الشيطان خنزب‪ ،‬وبذلك تكون صيغة‬
‫االستعاذة منه بقولنا‪ :‬أعوذ باهلل من الشيطان خنزب‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫***‬

‫((( (الزمر‪.)67:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪24‬‬

‫‪ J‬ﭑﭒﭓﭔﭕ ‪L‬‬
‫ ( ﭑ ﭒ )‬

‫يضر مع اسمه شيء يف األرض وال يف السماء وهو السميع‬


‫بسم اهلل الذي ال ّ‬
‫العليم‪ ،‬فال يوجد شيء يف األرض وال يف السماء له القدرة على أن يضر مع اسم‬
‫اهلل ‪.‬‬

‫روى أحمد يف مسنده عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫ال‪ :‬بِس ِم ال َّل ِه ا َّل ِذي اَل َي ُضر َم َع اس ِم ِه َشي ٌء ِفي أْ َ‬
‫ض َوال ِفي‬
‫ال ْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫‪َ « :‬م ْن َق َ ْ‬
‫يم‪َ .‬ل ْم َي ُض َّر ُه َش ْي ٌء»(((‪.‬‬
‫يع ا ْل َع ِل ُ‬
‫الس ِم ُ‬ ‫الس َم ِ‬
‫اء‪َ ،‬و ُه َو َّ‬ ‫َّ‬
‫والزيادة التي وردت يف لفظ أبي داود تشرح لنا هذا الحديث الشريف‪ ،‬فقد‬
‫روى أبو داود يف سننه عن أبان بن عثمان يقول‪ :‬سمعت عثمان ‪ -‬يعني ابن عفان ‪-‬‬
‫ال‪ :‬بِ ْس ِم ال َّل ِه ا َّل ِذي اَل َي ُض ُّر‬ ‫يقول‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪َ « :‬م ْن َق َ‬
‫َم َع اس ِم ِه َشي ٌء‪ِ ،‬في أْ َ‬
‫ات‪َ ،‬ل ْم‬ ‫يم‪َ .‬ث اَل َث َم َّر ٍ‬‫يع ا ْل َع ِل ُ‬
‫الس ِم ُ‬
‫اء‪َ ،‬و ُه َو َّ‬ ‫ض َو اَل ِفي َّ‬
‫الس َم ِ‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ات‪َ ،‬ل ْم ُت ِص ْب ُه َف ْج َأ ُة‬
‫ين ُي ْصبِ ُح َث اَل ُث َم َّر ٍ‬ ‫ُت ِص ْب ُه َف ْج َأ ُة َب اَل ٍء َح َّتى ُي ْصبِ َح‪َ ،‬و َم ْن َق َال َها ِح َ‬
‫الفالج‪ ،‬فجعل الرجل الذي سمع‬ ‫ُ‬ ‫أبان بن عثمان‬ ‫َب اَل ٍء َح َّتى ُي ْم ِس َي» وقال‪ :‬فأصاب َ‬
‫كذبت على عثمان وال‬
‫ُ‬ ‫إلي! فواهلل ما‬
‫منه الحديث ينظر إليه‪ ،‬فقال له‪« :‬ما لك تنظر َّ‬
‫كذب عثمان على النبي ‪ ‬ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني‬
‫فنسيت أن أقولها(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫غضبت‬
‫ُ‬

‫(( ( أحمد‪ )234/1( :‬وقال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬


‫(( ( أبو داود‪ ،)5088( :‬الرتمذي‪ ،)3685( :‬ابن ماجه‪ )3869( :‬وهو حديث حسن‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫وهذا كرم من الكريم‪ ،‬ورحمة من أرحم الراحمين ‪ -‬سبحانه ‪ -‬فربحمته‬


‫بين لنا أن يكون كل شيء باسمه‪ ،‬ألنه ال يضر مع اسمه شيء يف األرض وال يف‬
‫ُسم َي كل أمر نبدأ به باسمه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬فبالتسمية‬
‫السماء‪ ،‬بل هو شرف لنا أن ن ِّ‬
‫يتحقق لنا شرف عبادته عندما نقول‪( :‬بسم اهلل) نقولها تعبدً ا له وحده ال شريك‬
‫له‪ ،‬ونقولها دعا ًء هلل أن يبارك لنا فيما سمينا عليه باسمه‪.‬‬
‫ولقد رأينا رحمة اهلل ‪ ‬وبركة كل أسمائه الحسنى التي يتضمنها‬
‫االسم األعظم (اهلل) يف (بسم اهلل) تتجلى عندما ركب نوح السفينة هو ومن معه‪،‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﴾((( فلقد‬
‫جرت السفينة الجريان المبارك وحفظها اهلل بين أمواج كالجبال باسمه ‪‬‬
‫نجاهم اهلل وأغرق كل من على وجه األرض‪ ،‬ولم يذر‬
‫﴿ ﮑ ﮒ ﮓ ﴾ حيث ّ‬
‫ارا‪ ،‬فلم يكن هناك عاصم من أمر اهلل إال من ‪‬‬
‫على األرض من الكافرين د َّي ً‬
‫من الذين يعرفون معنى (بسم اهلل) ويف هناية األمر قيل‪ ﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﴾ وذلك هتيئة لكي ترسو السفينة‪ ،‬ويرسو معها كل من فيها باسم اهلل وبحفظ‬
‫اهلل‪.‬‬
‫وقد كان هناك ضرر حقيقي واضح للجميع‪ ،‬ومع ذلك فقد انصاع الموج‬
‫الذي هو كالجبال فلم يضرهم؛ ألن السفينة تجري باسم اهلل‪ ،‬وانصاعت األرض‬
‫ألمر اهلل فبلعت الماء‪ ،‬وانصاعت السماء فأقلعت عن المطر‪ ،‬ألن السفينة سوف‬
‫ترسو باسم اهلل الذي ال يضر مع اسمه شيء يف األرض وال يف السماء‪.‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬

‫(( ( (هود‪.)41:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪26‬‬
‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﴾(((‪.‬‬
‫وتدبرنا لهذه اآلية‪ ،‬كما أمرنا اهلل أن نتدبر‪ ،‬يدلنا على أن اإلنسان ال ينبغي أن‬
‫ذاكرا اسم اهلل تعالى حتى‬
‫يشرع يف أمر من األمور إال ويكون يف وقت الشروع فيه ً‬
‫تكون بركة ذلك الذكر سب ًبا لتمام ذلك المقصود‪.‬‬
‫وقراءة القرآن من أعظم األمور التي نذكر اسم اهلل فيها حتى نحصل بربكة اسم‬
‫اهلل على ما يف القرآن من منافع‪ ،‬ومن هذه المنافع أن يعيننا اهلل على فهم القرآن‬
‫وتدبره‪ ،‬وعلى الشفاء بالقرآن‪ ،‬ونحصل على الهداية التي يف القرآن‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾((( وفوائد أخرى كثيرة ال تعد‬
‫(((‬
‫وال تحصى‪ ،‬ألن اهلل وصف هذا القرآن بأنه قرآن كريم‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾‬
‫فكل من طلب من هذا القرآن شي ًئا أعطاه‪.‬‬
‫وعندما نبدأ قراءتنا باسم اهلل فإننا ندعو اهلل أن يفتح علينا مما يف هذا القرآن من‬
‫الهدى‪ ،‬وينفعنا به‪ ،‬ويجعله ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجالء حزننا وذهاب همنا‪،‬‬
‫أمرا من اهلل للرسول ‪ ‬بأن‬
‫ولذلك فإن أول آية نزلت يف القرآن كانت ً‬
‫يقرأ باسم ربه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾((( وربنا سبحانه ال يأمر إال‬
‫بالخير‪ .‬نسأله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬الخير كله عاجله وآجله‪ ،‬ما علمنا وما لم نعلم‪.‬‬

‫(( ( (هود‪.)44-42:‬‬
‫(( ( (البقرة‪.)2:‬‬
‫((( (الواقعة‪.)77:‬‬
‫((( (العلق‪.)1:‬‬
‫‪27‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫ ( ﭒ )‬

‫عندما نذكر (اهلل) فإننا نعني خالقنا وخالق الكون وخالق كل شيء‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾((( فمشركو قريش يعلمون أن (اهلل) هو اسم لخالق السموات‬
‫واألرض‪ ،‬والكل يعرف أن اسم (اهلل) يراد به هذا المسمى‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮭ‬
‫(((‬
‫ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ﴾‬
‫وال يوجد أحد ا َّدعى هذا االسم له‪ ،‬وإنما هو َع َلم على ذات اهلل سبحانه الذي‬
‫ال إله إال هو‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬
‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﴾(((‪.‬‬
‫فكل مخلوق يف السموات‪ ،‬من مالئكة وأفالك ونجوم وكواكب‪ ،‬وكل ما يف‬
‫األرض‪ ،‬من جبال وأشجار ورمال وبحار‪ ،‬وكل ما على األرض من مخلوقات‪،‬‬
‫نراها أو ال نراها‪ ،‬الكل يعرف اهلل ويسبح هلل لكننا ال نفقه تسبيحهم‪ ،‬لذلك عندما‬
‫نقول (اهلل) فإننا نعني به رب العالمين أجمعين‪ ،‬قال تعالى ‪ ﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﴾(((‪.‬‬
‫والكافر يعرف أنه ال يوجد إله آخر يدعي أنه خلق هذا الوجود‪ ،‬وال يوجد‬
‫إله ينافس اهلل سبحانه يف التفرد هبذا الوجود‪ ،‬وإال ل َعلاَ بعضهم على بعض‪ ،‬قال‬

‫((( (الرعد‪.)16 :‬‬


‫(( ( (العنكبوت‪.)61 :‬‬
‫((( (الحشر‪.)24-22:‬‬
‫((( (الفاتحة‪.)2:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪28‬‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﴾(((‪.‬‬
‫فالكافر عندما يصاب بمصيبة ال يلجأ ألحد إال هلل‪ ،‬بل إنه قد يخلص هلل‬
‫إخالصا أشد من إخالص بعض المسلمين‪ ،‬ويستجيب اهلل له هبذا اإلخالص‪،‬‬
‫ً‬
‫مر بلحظات‬
‫والشواهد كثيرة على ذلك‪ ،‬وما من أحد على وجه األرض إال وقد ّ‬
‫عرفه ر ُبه بوجود اهلل ‪ ‬ويكون هذا التعريف باهلل هو أعلى درجات‬ ‫ّ‬
‫المعرفة يف تلك اللحظات‪ ،‬ليأيت معها أعلى درجات اإلخالص‪ ،‬فمنهم من يستمر‬
‫على معرفته باهلل وإخالصه هلل‪ ،‬ومنهم من يجحد‪ ،‬قال تعالى ﴿ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﴾((( فالكل يف الكروب يعرفون اهلل وال يلجأون إال هلل وحده‪،‬‬
‫يدعونه مخلصين له الدين‪.‬‬
‫واسم «اهلل» ‪ ‬هو الجامع المتضمن لكل األسماء الحسنى‪ ،‬ولهذا‬
‫تضاف األسماء الحسنى كلها إليه‪ ،‬فيقال‪ :‬الرحمن الرحيم العزيز الغفار القهار‬
‫من أسماء اهلل‪ ،‬وال يقال ‪ :‬اهلل من أسماء الرحمن‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﴾((( فعندما نذكر «اهلل» فإننا نذكر اسم اهلل المتضمن جميع أسماء اهلل‬
‫الحسنى وصفاته العليا‪.‬‬
‫وعندما يأيت نص دعاء يف القرآن أو يف السنة‪ ،‬فيجب أن نتدبر ذكر اسم اهلل‬
‫الذي ُذكر يف هذا الدعاء‪ ،‬فبعضها يكون باسم (اهلل) ‪ ‬وبعضها باسم (الرب)‬

‫((( (المؤمنون‪.)91:‬‬
‫((( (لقمان‪.)32:‬‬
‫(( ( (األعراف‪.)180:‬‬
‫‪29‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫سبحانه‪ ،‬وبعضها باسم (الرحمن الرحيم) وقد يأيت الدعاء بذكر صفة من صفات‬
‫اهلل ‪ ‬مثل‪( :‬أعوذ برضاك من سخطك) ولذلك يجب علينا عندما ندعو‬
‫اهلل أن نلتزم بنفس النص حتى نحصل على بركة الدعاء؛ ألننا ال نحصي ثنا ًء على‬
‫اهلل‪ ،‬فهو سبحانه كما أثنى على نفسه‪ ،‬فنلتزم بما أخربنا اهلل من الثناء على نفسه‬
‫هبذه األدعية‪ ،‬ومن هذه األدعية‪( :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم) الذي ذكر فيها أسما َءه‬
‫الحسنى‪( :‬اهلل‪ ،‬الرحمن‪ ،‬الرحيم)‪.‬‬

‫ ( ﭓ ﭔ )‬

‫ّ‬
‫إن من رحمة الرحمن الرحيم ‪ ‬أن بين لنا كيف نذكره قبل القيام‬
‫ذكرا يبارك لنا فيه‪ ،‬فنقول‪ :‬بسم اهلل‪.‬‬
‫بأي عمل‪ً ،‬‬
‫فهو ‪ ‬الرحمن الرحيم الذي ينشر علينا رحمته عندما نقول‪ :‬بسم‬
‫اهلل‪ .‬ونبي اهلل نوح ‪ ‬علم ذلك من ربه عندما قال لقومه‪ :‬اركبوا فيها بسم‬
‫اهلل‪ ،‬حيث قال بعد ذلك‪ :‬إن ربي لغفور رحيم‪ ،‬كما أخربنا اهلل عنه يف قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﴾(((‪.‬‬

‫فمن رحمته – سبحانه ‪ -‬أن ع ّلم أنبياءه األدعية النافعة‪ ،‬وطبق األنبياء هذه‬
‫األدعية يف وقتها ومكاهنا ومناسبتها‪ ،‬تعبدً ا هلل وسؤالاً له ‪ ‬ورأينا هذا‬
‫قصها علينا ربنا الرحيم ‪ ‬يف القرآن كي‬
‫التطبيق وثماره يف مواقف كثيرة ّ‬
‫نقتدي برسله ونتبع سبيلهم لنحصل على ثمرة الدعاء الذي يريده اهلل منا من غير‬
‫زيادة وال نقصان‪ .‬ألنه هو أعلم بما يحبه ويرضاه لنفسه ‪.‬‬

‫(( ( (هود‪.)41:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪30‬‬
‫ ( ﭓ )‬
‫ٌّ‬
‫دال على الصفة القائمة به سبحانه‪ ،‬وهي أن الرحمة صفته‪ ،‬فكل رحمة نراها‬
‫يف الكون والتي تشمل اإلنسان والحيوان هي من الرحمن‪ .‬ورحمة (الرحمن) ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬هي رحمة عامة منه لكل المخلوقات‪ ،‬ولكل الناس‪ ،‬المؤمن منهم وغير‬
‫المؤمن‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ﴾((( ﴿ﮉﮊﮋﮌﮍ﴾((( والعرش‬
‫أعلى وأوسع مخلوق‪ ،‬وكل مخلوق غيره فهو تحته وأصغر منه‪ ،‬وربنا سبحانه‬
‫العلي‪ ،‬ال أحد فوقه‪ ،‬وهو الكبير المتعالي‪.‬‬
‫وقد اختار سبحانه يف هذه اآلية من كل أسمائه الحسنى اسم الرحمن‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫﴿ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﴾ فكل ما تحت هذا العرش ومعهم العرش داخل يف‬
‫رحمة اهلل‪ ،‬رحمة عامة شاملة لكل المخلوقات‪ ،‬فلم يقل‪ :‬الجبار على العرش‬
‫استوى‪ ،‬ولم يقل‪ :‬القهار أو القاهر على العرش استوى‪ ،‬بل اختار ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬
‫اسم (الرحمن) طمأن ًة للقلوب عن هيبة المتعالي وهيبة الكبير وهيبة الجبار‬
‫وإشعارا بأن رحمته سبقت غضبه‪ ،‬وليبين أن الكل يف الحياة الدنيا‬
‫ً‬ ‫‪‬‬
‫تشمله رحمة الرحمن سبحانه‪.‬‬
‫فربحمته يغفر للناس وال يؤاخذهم بكل ما كسبوا‪ ،‬ولكن يؤاخذهم ببعض ما‬
‫كسبوا ليرجعوا إليه؛ ألنه هو ﴿ﮬ ﮭ ﮮ ﴾((( ولو يؤاخذهم بكل ما كسبوا‬
‫لعجل لهم العذاب‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ّ‬

‫((( (الفرقان‪.)59 :‬‬


‫((( (طه‪.)5:‬‬
‫((( (الكهف‪.)58:‬‬
‫‪31‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﴾((( وقال تعالى‪﴿ :‬ﭑ‬


‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﴾(((‪.‬‬
‫وقد وسعت رحمته كل شيء‪ ،‬قال تعالى ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬
‫(((‬
‫ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ﴾‬
‫فال يوجد مخلوق من مخلوقات اهلل إال وقد وسعته رحمة اهلل‪ ،‬وهذه الرحمة‬
‫التي وسعت كل مخلوقاته؛ المؤمن والكافر والحيوان والجماد‪ ،‬قد كتبها اهلل‬
‫كلها للمتقين‪ ،‬الذين من صفاهتم أهنم يؤتون الزكاة فال يبخلون بما أعطاهم اهلل‪،‬‬
‫والذين يؤمنون بآيات اهلل‪.‬‬
‫واإليمان بآيات اهلل يتضمن اإليمان به ‪ ‬واإليمان به يتضمن اإليمان‬
‫بأسمائه وصفاته التي منها اسم (الرحمن)‪ .‬واإلنسان لن يطلب الرحمة إال ممن‬
‫اتصف بصفة الرحمن‪ ،‬وهذا اإلنسان لن يطلب الرحمة من اهلل إال إذا آمن بأنه‬
‫أرحم الراحمين؛ ألن غير المؤمن إذا جهل الرحمن فإنه لن يطلب الرحمة منه‪،‬‬
‫وقد يطلبها ممن ليس أهلاً لكمال الرحمة‪ ،‬وهو كل من سوى اهلل‪.‬‬

‫ ( ﭔ )‬

‫اسم من أسماء اهلل الحسنى ٌّ‬


‫دال على تعلقها بالمرحوم‪ ،‬ويدل على أن اهلل‬
‫يرحم خلقه برحمته‪ ،‬وهي رحمة خاصة بالمؤمنين المتقين يف الدنيا ويف اآلخرة‪،‬‬

‫((( (الكهف‪.)58:‬‬
‫((( (فاطر‪.)45 :‬‬
‫(( ( (األعراف‪.)156 :‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪32‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ ﴾((( فصالة اهللِ ومالئكتِه على المؤمنين سبب يف إخراجهم‬
‫من الظلمات إلى النور‪ ،‬وذلك رحمة من الرحيم خاصة بالمؤمنين‪ ،‬ومن أراد أن‬
‫تشمله رحمة الرحيم ‪ ‬فليكثر من الصالة على رسول اهلل ‪‬‬
‫ليصلي عليه اهلل بكل صالة عشر صلوات ويخرجه من الظلمات إلى النور‪ ،‬فيمشي‬
‫بنور اهلل ورحمته يف كل أمور حياته‪ ،‬ومن يمشي بنور اهلل ورحمته فلن يتيه ولن‬
‫همه ويغفر له ذنبه‪.‬‬
‫يضل أبدً ا‪ ،‬وسوف يكفيه اهلل َّ‬
‫ِ‬ ‫روى الرتمذي عن ُأبي بن كعب قال‪ُ :‬ق ْلت‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل‪ ،‬إِنِّي ُأكْث ُر َّ‬
‫الصالَ َة‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫َ ٌّ‬
‫الر ُب َع؟ َق َال‪َ « :‬ما‬ ‫َع َل ْي َك‪َ ،‬ف َك ْم َأ ْج َع ُل َل َك مِ ْن َصالَتِي؟ َف َق َال‪َ « :‬ما ِشئ َ‬
‫ْت» َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪ُّ :‬‬
‫ف؟ َق َال‪َ « :‬ما ِشئ َ‬
‫ْت‪َ ،‬فإِنْ ِز ْد َت َف ُه َو َخ ْي ٌر‬ ‫ْت‪َ ،‬فإِنْ ِز ْد َت َف ُه َو َخ ْي ٌر َل َك» ُق ْل ُت‪ :‬الن ِّْص َ‬‫ِشئ َ‬
‫ْت‪َ ،‬فإِنْ ِز ْد َت َف ُه َو َخ ْي ٌر َل َك» ُق ْل ُت‪َ :‬أ ْج َع ُل‬ ‫َل َك» َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬فال ُّث ُل َث ْي ِن؟ َق َال‪َ « :‬ما ِشئ َ‬
‫َل َك َصالَتِي ُك َّل َها؟ َق َال‪« :‬إِ ًذا ُت ْك َفى هَ َّم َك‪َ ،‬و ُيغْ َف َر َل َك َذ ْن ُب َك»(((‪.‬‬
‫(((‬
‫وقد سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية فيما نقله ابن القيم يف «جالء األفهام»‬
‫بي بن كعب دعا ٌء يدعو به لنفسه‪ ،‬قال للنبي‬ ‫ُ‬
‫عن تفسير هذا الحديث فقال‪ :‬كان أل ّ‬
‫خير لك)‬ ‫‪ ‬هل يجعل له منه رب َعه صال ًة عليه‪ ،‬فقال‪( :‬إنْ ِز ْد َت فهو ٌ‬
‫زدت فهو خير لك) إلى أن قال‪ :‬أجعل لك صاليت ك َّلها‪،‬‬ ‫النصف؟ فقال‪( :‬إن َ‬ ‫َ‬ ‫فقال‪:‬‬
‫أجعل دعائي ك َّله صال ًة عليك‪ ،‬قال‪( :‬إ ًذا ُتك َفى َّ‬
‫همك‪ ،‬و ُيغ َف َر لك ذن ُبك) ألن‬ ‫ُ‬ ‫أي‪:‬‬
‫عشرا‪ ،‬ومن ص َّلى اهلل‬
‫النبي ‪ ‬صال ًة ص َّلى اهلل عليه هبا ً‬ ‫َّ‬
‫َمن صلى على ِّ‬

‫(( ( (األحزاب‪.)43 :‬‬


‫((( الرتمذي‪ ،)2625( :‬وقال الرتمذي‪َ :‬ه َذا َح ِد ٌ‬
‫يث َح َس ٌن‪ .،‬أحمد‪ .)21241( :‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫((( «جالء األفهام» ص ‪.79‬‬
‫‪33‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫همه وغفر له ذنبه‪ .‬انتهى كالمه ‪ ‬ال حرمنا اهلل وإياكم صالة اهلل‬
‫عليه كفاه َّ‬
‫علينا ورحمته بنا‪.‬‬
‫وبرحمة اهلل ينال المؤمن أعظم فوز يف اآلخرة‪ ،‬وهو الفوز بالجنة‪ ،‬إذ ال أحد‬
‫يدخل الجنة إال برحمة اهلل‪ ،‬فهي الزمة يف اآلخرة لدخول الجنة‪.‬‬
‫روى البخاري يف صحيحه عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫«و َال َأ َنا‪ ،‬إِ اَّل‬ ‫ال َأنْت يا رس َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول اهَّلل؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫«ل ْن ُين َِّج َي أ َحدً ا ِم ْن ُك ْم َع َم ُل ُه» َقا ُلوا‪َ :‬و َ َ َ َ ُ‬
‫َأنْ َيت ََغ َّم َدنِي ال َّل ُه بِ َر ْح َم ٍة‪َ ،‬س ِّد ُدوا َو َقا ِر ُبوا‪َ ،‬و ْاغدُ وا َو ُر ُ‬
‫وحوا‪َ ،‬و َش ْي ٌء ِم َن الدُّ ْل َج ِة‪،‬‬
‫َوال َق ْص َد ال َق ْص َد َت ْب ُل ُغوا»(((‪.‬‬
‫وال ينال هذه الرحمة إال المؤمنون‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾((( وقال تعالى‪﴿ :‬ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﴾((( ورحمة اهلل هنا هي الجنة‪.‬‬
‫واآليات يف ذلك كثيرة‪.‬‬
‫و بما أن هذه الرحمة هي أغلى ما يتمناه كل إنسان يف اآلخرة‪ ،‬يوم ال‬
‫ينفع مال وال بنون إال من أتى اهلل بقلب سليم‪ ،‬فينالها المؤمن ويفوز بالجنة‬
‫أيضا ينال رحمة ربه يف الدنيا‪ ،‬هذه الدنيا‬
‫وبرؤية اهلل ‪ ‬فإن المؤمن ً‬
‫التي ال تساوي عند اهلل جناح بعوضة‪ ،‬فكما أن اهلل برحمته أعطاه جنة عرضها‬
‫أيضا يرحمه يف الدنيا رحمة واسعة تجعله غير محتاج‬
‫السماوات واألرض‪ ،‬فإنه ً‬
‫ألحد إال هلل‪.‬‬

‫(( ( البخاري‪ ،)6463( :‬مسلم‪ ،)7111( :‬أحمد‪.)10677( :‬‬


‫((( (الجاثية‪.)30:‬‬
‫((( (آل عمران ‪.)107‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪34‬‬
‫دال على استمرارية‬ ‫(((‬
‫وقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﴾‬
‫رحمته سبحانه للمؤمنين يف الدنيا واآلخرة‪ .‬فاإلله الذي له هذه األسماء الحسنى‪،‬‬
‫والصفات العليا‪ ،‬هو اإلله المستحق للحمد المطلق كله‪ .‬فالحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫***‬

‫(( ( (األحزاب‪.)43 :‬‬


‫‪35‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫‪ J‬ﭖﭗﭘﭙﭚ ‪L‬‬
‫إذا قال العبد ‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﴾ قال اهلل تعالى ‪( :‬حمدين‬
‫عبدي) وإذا قال اهلل ‪( ‬حمدين عبدي) فهذا يعني أن العبد قد حقق‬
‫(ح َم َدنِي َع ْب ِدي)‪.‬‬
‫الحمد الذي يرضاه منه سبحانه‪ ،‬وشهد له سبحانه بذلك فقال‪َ :‬‬
‫وربنا حق‪ ،‬وال يقول إال الحق‪ ،‬فهني ًئا لمن شهد له اهلل بأنه حقق الحمد الذي‬
‫يرضاه عنه‪ ،‬والحمد هلل على هذه الشهادة؛ ألنه ال أحد يستطيع أن يحمد اهلل الحمد‬
‫الكامل إال اهلل سبحانه‪ ،‬فنحن ال نستطيع أن نحصي نعم اهلل علينا‪ ،‬وال نستطيع أن‬
‫نحمده الحمد الكامل على نعمه كلها‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾(((‪.‬‬

‫لكن اهلل الغفور الرحيم بنا د َّلنا على الصيغة المناسبة لحمده‪ ،‬عندما أمرنا‬
‫أن نقول‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﴾ الصيغة التي يستطيع قولها كل من‬
‫يستطيع الكالم‪ ،‬يستوي يف ذلك المتعلم وغير المتعلم‪ ،‬الكبير والصغير‪ ،‬فالحمد‬
‫هلل سبحانه على ذلك كله‪ ،‬ولو حاولنا أن نجد صيغة نحمد اهلل هبا فلن نجد أفضل‬
‫من هذه الصيغة العامة المختصرة التي علمنا إياها ربنا سبحانه ورضيها مِنَّا‪.‬‬

‫ن‏أنس بن مالك‏‏قال‪:‬‏ قال رسول اهلل‬ ‫وقد جاء يف الحديث الذي رواه مسلم ع ‏‬
‫‏ ‏‪« :‬إِنَّ الل َه َلير َضى َع ِن ا ْل َعب ِد َأنْ َي ْأ ُك َل أْ َ‬
‫ال ْك َل َة َف َي ْح َم َد ُه َع َل ْي َها‪َ ،‬أ ْو َي ْش َر َب‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫الش ْر َب َة َف َي ْح َم َد ُه َع َل ْي َها»((( فالحمد هلل على رضاه عنا‪ ،‬ولكي نحصل على الرضا‬
‫َّ‬

‫(( ( (النحل‪.)18:‬‬
‫((( مسلم‪ ،)6932( :‬أحمد‪.)12168( :‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪36‬‬
‫الكامل من اهلل وعلى الربكة الكاملة لهذا الحمد‪ ،‬البد أن نتدبر معنى هذا الحمد‪،‬‬
‫ونستحضره عندما نقوله‪.‬‬

‫﴿ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﴾ تعني‪:‬‬
‫﴿ﭖ ﭗ ﴾ أنه سبحانه محمود لذاته‪ ،‬فالحمد المطلق كله كائن ﴿ ﭗ ﴾‪.‬‬
‫قال القرطبي‪ :‬الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان‪،‬‬
‫والشكر ثناء على المشكور بما َأ ْو َلى من اإلحسان‪ ،‬وعلى هذا الحد قال علماؤنا‪:‬‬
‫الحمد أعم من الشكر(((‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬الحمد يتضمن المدح والثناء على المحمود‬
‫بذكر محاسنه‪ ،‬سواء كان اإلحسان إلى الحامد أم لم يكن‪ .‬والشكر ال يكون إال‬
‫على إحسان المشكور إلى الشاكر‪ ،‬فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر؛ ألنه‬
‫يكون على المحاسن واإلحسان‪ ،‬فإن اهلل تعالى ُيحمد على ما له من األسماء‬
‫الحسنى والمثل العال وما خلقه يف اآلخرة واألولى(((‪ .‬اهـ‬
‫﴿ﭖ ﭗ ﴾‬
‫ُتقرأ برفع (الحمدُ ) على أهنا جملة اسمية‪ ،‬وهذا هو المشهور يف قراءهتا‪،‬‬
‫وقراءة الرفع أولى من قراءة (الحمدَ ) بالنصب‪ ،‬على أهنا جملة فعلية‪.‬‬
‫جاء يف (الكشاف)‪ :‬والعدل هبا عن النصب إلى الرفع على االبتداء للداللة‬
‫على ثبات المعنى واستقراره‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﴾((( رفع‬

‫(( ( تفسير القرطبي (‪.)134/1‬‬


‫((( الفتاوى الكربى ‪.)379 - 378/2‬‬
‫(( ( [الذاريات‪.]25 :‬‬
‫‪37‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫ٍ‬
‫بتحية أحسن من تحيتهم‪،‬‬ ‫اه ْم‬
‫السالم الثاين للداللة على أن إبراهيم ‪َ ‬ح َّي ُ‬
‫ألن الرفع ٌّ‬
‫دال على معنى ثبات السالم لهم دون تجدده وحدوثه(((‪ .‬انتهى كالمه‪.‬‬
‫وجاء يف (البحر المحيط)‪ :‬وقراءة الرفع أمكن يف المعنى‪ ،‬ولهذا أجمع عليها‬
‫السبعةُ؛ ألهنا تدل على ثبوت الحمد واستقراره هلل تعالى‪ ،‬فيكون قد أخرب بأن‬
‫مستقر هلل تعالى‪ .‬و َم ْن نصب فال بد من عامل تقديره‪ :‬أحمد اهلل‪ ،‬أو حمدت‬
‫ٌّ‬ ‫الحمدَ‬
‫ِ‬
‫فاعله‪ ،‬وأش َعر بالتجدد والحدوث(((‪ .‬اهـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بتخصيص‬ ‫ص الحمدُ‬ ‫فيتخص ُ‬
‫َّ‬ ‫اهلل‪،‬‬
‫فالجملة االسمية أقوى وأثبت من الفعلية؛ ألن الجملة الفعلية مرتبطة بالفاعل‬
‫وبزمن الفعل‪ ،‬أما الجملة االسمية فتدل على أن اهلل محمود يف القدم ويف األزل‪،‬‬
‫قبل حمد الحامدين وبعد حمدهم‪ ،‬وهي دال ٌة على ثبوت الحمد واالستقرار هلل‬
‫دائما وأبدً ا‪.‬‬
‫ً‬
‫﴿ ﭖ ﭗ ﴾‬
‫إن الحمد الذي يرضاه منا ربنا سبحانه نراه مقرتنًا بلفظ الجاللة‪( :‬اهلل)‬
‫المتضمن لكل أسمائه الحسنى‪ ،‬وهبذا نكون حمدنا اهلل سبحانه على جميع أسمائه‬
‫الحسنى وصفاته العليا‪ ،‬ألننا لو قلنا ‪( :‬الحمد للحي) القتصر الحمد على حياته‪،‬‬
‫ولو قلنا (الحمد للسميع العليم) فكأننا حمدناه على سمعه وعلمه‪ ،‬ال على قدرته‬
‫ورحمته ومغفرته وكرمه ورزقه‪ ،‬لكن عندما نقول‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﴾ فإننا نقول‪:‬‬
‫الحمد هلل الحي‪ ،‬والحمد هلل القيوم‪ ،‬والحمد هلل الرحمن الرحيم القوي العزيز‬
‫اللطيف الخبير العليم الملك القدوس السالم‪ ،‬وكل أسمائه التي نحصيها‪ ،‬بل‬
‫حتى أسمائه التي استأثر هبا يف علم الغيب عنده التي يتضمنها كلها اسمه (اهلل)‪.‬‬

‫((( الكشاف (‪.)9/1‬‬


‫((( البحر المحيط (‪.)34/1‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪38‬‬
‫فنحن نحمده على اسمه القوي الذي بقوته نتقوى‪ ،‬ونحمده على اسمه‬
‫الرحيم الذي برحمته يرحمنا سبحانه‪ ،‬ونحمده على اسمه الكريم الذي بكرمه‬
‫أكرمنا‪ ،‬ونحمده على اسمه الرزاق على ما هيأ لنا من رزق‪ ،‬منذ أن كنا يف بطون‬
‫أمهاتنا ال نقوى على شيء حتى الممات‪ ،‬ونحمده على اسمه العليم الذي َيعلم ما‬
‫ينفعنا فيدلنا إليه‪ ،‬و َيعلم ما يضرنا فيبعدنا عنه‪ ،‬ع ّلم اإلنسان ما لم يعلم‪ ،‬ونحمده‬
‫على اسمه الشايف الذي يشفينا إذا اشتكينا من أي مرض‪ ،‬وهكذا يف كل أسمائه‬
‫وصفاته ‪ ‬التي نعلمها والتي ال نعلمها‪.‬‬
‫فهو سبحانه من رحمته بنا دلنا على صيغة الحمد التي نحمده هبا على كل‬
‫أسمائه يف قولنا‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﴾ واآلية التي بعدها هي قوله تعالى ‪﴿ :‬ﭛ‬
‫ﭜ ﴾ فمن بين أسمائه جعلنا نقرأ هذين االسمين يف هذه اآلية‪ ،‬والتي تبين لنا‬
‫أن اهلل الرحمن الرحيم دلنا برحمته على كيفية حمده وكيفية ثنائه وكيفية تمجيده‪،‬‬
‫فالحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫وكما أن األلف والالم يف ﴿ﭖ ﴾ تفيدان االستغراق واالستحقاق‪،‬‬
‫فكذلك لفظ الجاللة يفيد االستحقاق واالستغراق‪ ،‬فهو سبحانه (اهلل) المحمود‬
‫لذاته‪ ،‬والذي له الحمد المطلق على كل أسمائه‪ ،‬فتبين هبذا أن ﴿ﭖ ﭗ ﴾ هي‬
‫الصيغة المستغرقة للحمد كله‪.‬‬

‫﴿ﭖ ﭗ ﴾‬
‫﴿ﭖ ﭗ ﴾ أهي خرب أم إنشاء؟‬
‫ذهب بعضهم إلى أهنا خربٌ يدل على اإلخبار بأن الحمد ثابت ومستحق هلل‪.‬‬
‫وقال بعضهم إهنا إنشاء يفيد المدح والتعظيم هلل‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫و ذهب األلوسي يف تفسيره (روح المعاين) إلى أهنا خربٌ يتضمن إنشا ًء‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪ :‬إن الحمد إخبار عن محاسن الغير مع المحبة واإلجالل‪ ،‬والمدح إخبار‬
‫محضا(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫إخبارا يتضمن إنشاء‪ ،‬والمدح خربًا‬
‫ً‬ ‫عن المحاسن‪ ،‬ولذا كان الحمد‬
‫انتهى كالمه‪.‬‬

‫﴿ﭖ ﭗ ﴾‬
‫أول كلمة افتتح البشر فيها كالمهم من بين كل المفردات اللغوية هي‬
‫﴿ﭖ ﭗ ﴾ وقد قالها أبونا آدم ‪ ‬لما نفخ اهلل فيه الروح وعطس‪.‬‬
‫«ل َّما َخ َل َق‬ ‫روى الرتمذي عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ :‬‬
‫الح ْمدُ لِ َّل ِه‪َ .‬ف َح ِم َد ال َّل َه بِإِ ْذنِ ِه‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ال َل ُه َر ُّب ُه‪:‬‬ ‫س‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫وح‪َ ،‬ع َط َ‬
‫الر َ‬ ‫ال َّل ُه آ َد َم َو َن َف َخ ِف ِ‬
‫يه ُّ‬
‫َر ِح َم َك ال َّل ُه َيا آ َد ُم‪ »...‬الحديث»(((‪.‬‬
‫وهي آخر دعوى المؤمنين يوم يدخلون الجنة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾((( فكلنا نحيا بين هذين القولين‪ ،‬ولذلك وجب‬
‫علينا أن نحيا هبما يف كل لحظة مستحضرين هذا الحمد المستحق هلل ‪‬‬
‫ونسعى لرضاه‪ ،‬حتى يرضى عنا سبحانه ويقول‪( :‬حمدين عبدي)‪.‬‬

‫﴿ ﭘ ﭙ ﴾‬
‫عندما قال اهلل ‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﴾ بين سبحانه أن (اهلل) هو ﴿ ﮆ‬
‫ﮇ ﴾ ورب العالمين هو رب كل شيء‪ ،‬من أصغر ذرة ال ُترى إلى أعظم‬

‫(( ( روح المعاين (‪.)73/1‬‬


‫(( ( رواه الرتمذي (‪ )3368‬وقال‪ :‬حديث حسن‪ .‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫((( (يونس‪.)10 :‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪40‬‬
‫مخلوق وهو العرش العظيم‪.‬‬
‫والتعرف على اهلل أو أي اسم من أسمائه الحسنى يكون إما بالتعريف الكامل‬
‫ّ‬
‫لهذا االسم من األسماء الحسنى‪ ،‬أو بالتعرف عليه بأثر ذلك االسم‪.‬‬
‫أما التعريف الكامل التام فال يحيط به إال اهلل‪ ،‬وال يمكن أن يحيط به أي‬
‫مخلوق‪ ،‬حتى األنبياء‪ ،‬فال يتأتى تعريف أي اسم من أسماء اهلل الحسنى تعري ًفا‬
‫كاملاً إال بتعريف هذا االسم باسم آخر من أسماء اهلل الحسنى‪.‬‬
‫فربنا ‪ ‬قال‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﴾‪.‬‬
‫فمن هو اهلل؟‬
‫اهلل هو ﴿ ﮆ ﮇ ﴾‪.‬‬
‫ومن هو رب العالمين؟‬

‫رب العالمين هو ﴿ﭛ ﭜ ﴾ وهو ﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﴾ وهكذا يف‬


‫كل أسمائه الحسنى؛ ألن كل اسم من أسمائه متضمن لكل أسماء اهلل الحسنى‪.‬‬

‫عرف اهلل نفسه بأسمائه الحسنى يف قوله تعالى‪:‬‬


‫ويف أواخر سورة الحشر ّ‬
‫﴿ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ‬
‫ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﴾((( فسبحان من له هذه األسماء‬
‫الحسنى والصفات العال! سبحانه عما يشركون!‬

‫((( (الحشر‪.)24-22 :‬‬


‫‪41‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫دائما ما يذكرها‬
‫أما التعريف باهلل بأثر أفعاله فنراه جل ًّيا يف آيات اهلل الكونية التي ً‬
‫اهلل يف القرآن ويحثنا على تدبرها‪ ،‬ونرى ذلك يف سورة الشعراء حيث يتضح لنا‬
‫عرفه الرسل ‪ -‬صلوات اهلل‬
‫التعريف بالرب ‪ ‬وذلك بذكر أثر أفعاله كما ّ‬
‫وسالمه عليهم ‪ -‬لقومهم‪ ،‬ومن هذا التعريف نتع ّلم كيف نطبق اإليمان هبذا االسم‬
‫من أسماء اهلل الحسنى‪ ،‬وكيف نعبد اهلل هبذا االسم كما طبقه الرسل صلوات اهلل‬
‫وسالمه عليهم‪.‬‬
‫وقد جاء التعريف برب العالمين ‪ ‬يف سياق الحوار الذي دار بين‬
‫الرسل وقومهم يف سورة الشعراء‪ ،‬وأول حوار ذكره اهلل يف هذه السورة حوار‬
‫موسى ‪ ‬مع فرعون‪ ،‬الذي فيه يب ّين اهلل لنا اإلجابة على األسئلة التي قد‬
‫يطرحها كل جاحد باهلل رب العالمين‪.‬‬
‫وعندما سأل‬ ‫(((‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﴾‬
‫فرعون عن المقصود برب العالمين‪ ،‬كما ذكر لنا اهلل يف القرآن‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﴾((( أجابه موسى كما بين القرآن‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾(((‪.‬‬
‫يقول ابن كثير‪ :‬أي‪ :‬خالق جميع ذلك ومالكه والمتصرف فيه وإلهه‪ ،‬ال‬
‫شريك له‪ ،‬هو اهلل الذي خلق األشياء كلها‪ ،‬العالم العلوي وما فيه من الكواكب‬
‫الثوابت والسيارات النيرات‪ ،‬والعالم السفلي وما فيه من بحار وقفار وجبال‬
‫وأشجار وحيوان ونبات وثمار‪ ،‬وما بين ذلك من الهواء والطيور‪ ،‬وما يحتوي‬

‫((( (الشعراء‪.)16:‬‬
‫((( (الشعراء‪.)23:‬‬
‫((( (الشعراء‪.)24:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪42‬‬
‫عليه الجو‪ ،‬الجميع عبيد له خاضعون ذليلون ﴿ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ أي‪ :‬إن كانت لكم‬
‫قلوب موقنة‪ ،‬وأبصار نافذة(((‪ .‬انتهى كالمه‪.‬‬
‫هذا هو التعريف األول برب العالمين يف هذا الحوار‪ .‬فربنا – سبحانه ‪ -‬لم‬
‫يجعل التعرف عليه صع ًبا‪ ،‬فهو رب السماوات واألرض وما بينهما‪ ،‬رب هذا‬
‫الكون العظيم الواسع أمامنا‪ ،‬ومع عظم ما نراه أمامنا من هذا الكون الواسع‬
‫إال أننا ال نرى منه وال نعرف عنه إال القليل‪َ ،‬فر ُّب هذا الكون العظيم وخالقه‬
‫أيضا ربنا وخالقنا ومصلح جميع شؤوننا ﴿ ﭰ ﭱ ﴾ كما قال‬
‫ومصلحه هو ً‬
‫موسى لفرعون فيما أخربنا به اهلل‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﴾((( والذي يوقن بعظمة واتساع هذا الكون من السماوات واألرض وما‬
‫بينهما ال بد أن يستحضر عظمة رب وخالق السماوات واألرض وما بينهما‪،‬‬
‫فالموقن يعرف عظم المؤثر بعظم األثر‪.‬‬
‫وألن فرعون لم يكن من الموقنين فقد استغرب من هذا التعريف لرب‬
‫العالمين‪ ،‬وكأنه كان يريد التعريف الكامل لماهية رب العالمين الذي لن يستطيع‬
‫أحد من المخلوقين استيعابه أو اإلحاطة به‪ ،‬ونسي أو تناسى عظم أثر الخالق‬
‫‪ ‬يف خلقه السماوات واألرض وما بينهما‪.‬‬
‫وقد نظر فرعون إلى من حوله وتمتم بطريقة االستخفاف كما أخرب تعالى يف‬
‫قوله‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﴾((( فرد عليه موسى الرد المقنع كما أخربنا‬
‫– سبحانه ‪ -‬يف قوله‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﴾(((‪.‬‬

‫((( تفسير ابن كثير (‪.)138/6‬‬


‫((( (الشعراء‪.)24:‬‬
‫((( (الشعراء‪.)25:‬‬
‫((( (الشعراء‪.)26:‬‬
‫‪43‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫وهذا هو التعريف الثاين برب العالمين‪ ،‬بذكر أفعاله‪ ،‬فقد ذكّرهم بأنفسهم‬
‫وببداية خلقهم هم وآبائهم األولين‪ ،‬فإن كانوا قد تجاهلوا خلق السموات‬
‫واألرض وما بينهما فلينظروا إلى خلق أنفسهم يف جميع حركاهتم وسكناهتم‪،‬‬
‫كما قال تعالى يف آية أخرى‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﴾(((‪.‬‬
‫خصهم وخص آباءهم‬
‫فبعد أن ذكر أنه رب السموات واألرض وما بينهما‪ّ ،‬‬
‫بالذكر‪ ،‬وهذا منتهى العدل والحجة‪ ،‬فموسى لم يطلب منهم مطل ًبا صع ًبا‪،‬‬
‫وإنما طلب منهم أن يرجعوا للفطرة‪ ،‬فال يعبدوا إال من أوجدهم وأوجد آباءهم‬
‫األولين‪ ،‬اإلله الذي رباهم وأصلح لهم جميع أمورهم‪ ،‬بد ًءا بأنفسهم وما تحتويه‬
‫من أعضاء وخاليا وسوائل وعناصر‪ ،‬رتبها خالقها وأصلحها يف أحسن تقويم‪،‬‬
‫ونظم أكلها وشرهبا وتنفسها ونموها ونومها واستيقاظها‪ ،‬وانتها ًء بما حولهم من‬
‫َّ‬
‫مسخ ًرا لهم‬ ‫هذا الكون الواسع من السموات واألرض وما بينهما‪ ،‬الذي يسير‬
‫بشكل دقيق ال يحيد عن مساره‪.‬‬
‫وال يمكن أن يكون فرعون هو رهبم ألنه لم يخلقهم‪ ،‬فبعض الحاضرين‬
‫لهذا الحوار جاء إلى هذه الدنيا قبل أن يولد فرعون‪ ،‬فكيف يكون الرب جاء بعد‬
‫المخلوق! لذلك ذكَّرهم موسى بأن رب العالمين هو رهبم ورب آبائهم األولين‪،‬‬
‫ورب العالمين هو الذي خلق فرعون و َمن قبله من الفراعنة الذين ا َّد َعوا أهنم آلهة‬
‫كما يدعي فرعون اآلن‪ ،‬ومع ادعائهم بأهنم آلهة إال أهنم رحلوا وماتوا ولم ينفعوا‬
‫أنفسهم لينفعوا غيرهم‪.‬‬
‫بعد هذا التعريف الثاين انقطع ما عند فرعون من الحجة‪ ،‬وتب ّين أنه ال يود أن‬
‫يسأل موسى أكثر من ذلك حتى ال ُتفتّح عقول من حوله وأبصارهم على أشياء‬

‫((( (الذاريات‪.)21:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪44‬‬
‫مقنع لير َّد به على ما قاله‬
‫ٌ‬ ‫كانوا عنها غافلين‪ ،‬فلم يجد فرعون جوا ًبا يعتقد أنه‬
‫موسى إال أن يتهمه بالجنون‪.‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾((( يريد بذلك أال‬
‫يلتفتوا إلى ما يقوله موسى ‪ .‬فحاول تشويه المعلومات وتشويه سمعة‬
‫صاحب تلك المعلومات‪ ،‬ومع هذا التشويه فقد أضاف إليهم صفة موسى‬
‫باعتباره رسولاً يف قوله‪﴿ :‬ﮌ ﴾ وأكدها يف قوله‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﴾ حتى يشعروا‬
‫لص ُق هبم لو اعرتفوا به وبرسالته إليهم‪ ،‬ولكن موسى‬
‫بنفس التشويه الذي سوف ُي َ‬
‫‪ ‬تن ّبه لذلك‪.‬‬
‫فجاء بالتعريف الثالث لرب العالمين‪ ،‬مخاط ًبا العقول‪ ،‬ليقول لهم كما‬
‫أخربنا القرآن ‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﴾((( فخاطب‬
‫موسى العقول ‪ -‬عندما قال ‪ :‬إن كنتم تعقلون – وقال‪ :‬إن (رب العالمين) هو رب‬
‫المشرق والمغرب وما بينهما من البالد‪ ،‬مما تشرق عليه الشمس وتغرب‪ ،‬وهو‬
‫المسيطر عليها والمتحكم هبا‪ ،‬وليس فقط رب هذه الطائفة أو القبيلة أو رب هذه‬
‫رب واحد‪ ،‬وهو رب العالمين‪ ،‬وإذا كان‬
‫األرض التي أنتم هبا‪ ،‬فرب الجميع هو ٌّ‬
‫فرعون هو رب هذه البالد التي أنتم هبا‪ ،‬فمن يكون رب تلك البالد البعيدة التي‬
‫تعرفوهنا وتعرفون أن فرعون ليس له سيطرة عليها مثل دولة الرومان والبابليين؟‬
‫هذا هو التعريف بـ (الرب) سبحانه‪ ،‬كما بينه موسى ‪ ‬لفرعون‪ ،‬بأن‬
‫الرب هو رب العالمين‪ ،‬ورب السموات واألرض وما بينهما‪ ،‬ورب الناس ورب‬
‫آبائهم‪ ،‬وهو سبحانه رب المشرق والمغرب وما بينهما‪ ،‬رب كل شيء والمتصرف‬

‫((( (الشعراء‪.)27:‬‬
‫((( (الشعراء‪.)28:‬‬
‫‪45‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫بكل شيء ‪.‬‬


‫هو الرب الذي لجأ إليه السحرة عندما هددهم فرعون بالقتل‪ ،‬وقالوا‪﴿ :‬ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﴾((( فثبتهم اهلل وجعل القتل بالنسبة لهم أهون من أي‬
‫شيء يف هذه الدنيا‪ ،‬فقتلهم فرعون الواحد تلو اآلخر‪ ،‬ينظر بعضهم مقتل البعض‬
‫اآلخر وال يرجعون عن هذا اإليمان الذي رسخه اهلل يف قلوهبم‪.‬‬
‫وهو الرب الذي لجأ إليه موسى ‪ ‬عندما خاف أصحاب موسى يوم‬
‫أن لحق هبم فرعون وقالوا‪ :‬إنا لمدركون ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﴾((( فذكّرهم موسى ‪ ‬بالرب سبحانه‪ ،‬وأنه معه وسيهديه‬
‫وينقذه من فرعون وجنوده‪ ،‬فقال لهم‪( :‬كَلاَّ ) ناف ًيا أن يدركهم فرعون‪ ،‬كما أخربنا‬
‫القرآن‪﴿ :‬ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ﴾((( وهذا حال كل من يعرف رب العالمين‬
‫‪ ‬ويؤمن به إيمانًا كاملاً ‪ ،‬سوف يكون مطمئنًّا يف كل حاالته‪.‬‬
‫و نجد أن اهلل ‪ ‬يف آخر الخرب عن فرعون وقومه يخرب رسوله محمدً ا‬
‫‪ ‬بقوله‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﴾((( يخربه عن نفسه سبحانه‬
‫باسم الرب‪ ،‬وقد أضاف ضمير المخاطب الذي يعود للرسول ‪ ‬إلى‬
‫وتذكيرا له بأنه سبحانه‬
‫ً‬ ‫لفظ الرب سبحانه إضافة تشريف للرسول ‪‬‬
‫معه‪ ،‬مخربًا الرسول ‪ ‬بأنه سبحانه هو العزيز الذي غلب من ادعى‬
‫العزة عندما قال السحرة‪﴿ :‬ﭹﭺ﴾((( وأغرق فرعون وجنوده‪ .‬ويخربه أن‬

‫(الشعراء‪.)50:‬‬ ‫((( ‬
‫(الشعراء‪.)61:‬‬ ‫((( ‬
‫(الشعراء‪.)62:‬‬ ‫((( ‬
‫(الشعراء‪.)68:‬‬ ‫((( ‬
‫(الشعراء‪.)44:‬‬ ‫((( ‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪46‬‬
‫ربه سبحانه هو الرحيم‪ ،‬عندما رحم موسى ومن معه فأنجاهم أجمعين‪ ،‬فعزة‬
‫الرب سبحانه على الكافرين رحمة للمؤمنين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﴾(((‪.‬‬
‫عرف اهلل عن نفسه يف سورة الشعراء يف كل قصة من قصص األنبياء‬
‫هكذا ّ‬
‫عرف عن الرب بأثر أفعاله يف اآليات التي نراها من‬
‫بأنه هو الرب الحقيقي‪ ،‬فقد ّ‬
‫ف‬
‫حولنا‪ ،‬ثم قال سبحانه‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾((( و َع ّر َ‬
‫عن الرب التعريف الكامل بأسمائه الحسنى‪ ،‬حيث اختتم ‪ ‬كل قصة‬
‫من قصص األنبياء يف سورة الشعراء هبذا التعريف‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﴾((( مسم ًيا نفسه ‪ ‬بالرب ﴿ﮉ ﮊ ﴾ يا محمد ﴿ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﴾ فما أسعدنا برب عزيز رحيم‪.‬‬
‫إلها ليس‬
‫ويف حوار إبراهيم مع قومه‪ ،‬استغرب إبراهيم كيف أهنم يعبدون ً‬
‫ٍ‬
‫برب للعالمين‪ ،‬كما بين لنا ربنا يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ‬
‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﴾((( فهم‬
‫يعبدون من ال يسمعوهنم إذا د َعوهم وال ينفعوهنم وال يضروهنم‪.‬‬

‫(الشعراء‪.)68-65:‬‬ ‫((( ‬
‫(الشعراء‪.)67:‬‬ ‫((( ‬
‫(الشعراء‪.)68:‬‬ ‫((( ‬
‫(الشعراء‪.)80-69:‬‬ ‫((( ‬
‫‪47‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫واستغرابه هذا جاء بعد أن استخدم عقله‪ ،‬وتدبر وقارن بين ما يعبدون من‬
‫أصنام هذا شأهنا وبين رب العالمين‪ ،‬فأخربهم بقراره‪ ،‬ومن َث َّم بين لهم سبب‬
‫اتخاذه لهذا القرار‪ ،‬فذكر لهم أن رب العالمين هو الذي يخلق ويهدي‪ ،‬والرب‬
‫سبحانه هو الذي يطعم ويسقي‪ ،‬وإذا فرطنا يف زيادة األكل والشرب ِ‬
‫فمرضنا فهو‬
‫سبحانه الذي يشفي‪.‬‬

‫وقد نسب إبراهيم ‪ ‬المرض إلى نفسه‪ ،‬ونسب الشفاء لرب العالمين‪،‬‬
‫تأد ًبا منه مع ربه الذي ال يأيت منه إال الخير‪ ،‬أما الشر فيأيت عندما نرتك الخير فيحل‬
‫محله الشر‪ ،‬مثل النور عندما يختفي‪ ،‬فإننا نسمي حالة اختفائه ظال ًما‪ ،‬وكذلك‬
‫شرا‪ .‬وقد ذكر إبراهيم هذه الحالة ليبين أن‬
‫الخير‪ ،‬فحالة اختفاء الخير يعترب ًّ‬
‫اإلنسان هو الذي يجلب الشر لنفسه بابتعاده عن طريق الخير‪ ،‬ومع ذلك فإن رب‬
‫العالمين هو الذي يحميه من ضرر هذه الشرور كلما أصاهبا وأصابته‪.‬‬

‫ويكمل إبراهيم ‪ ‬التعريف بالرب‪ ،‬فيبين لهم أن الرب هو الذي‬


‫يميت ثم يحيي يوم القيامة‪ ،‬وألن اإلنسان غير معصوم من الخطأ‪ ،‬فربنا سبحانه‬
‫هو الذي يغفر لنا خطايانا يوم الدين‪ ،‬يوم أن نلقاه وذلك برحمة الرب الرحيم‪.‬‬
‫كل ذلك من بركة اسم اهلل (الرب) ذكرها إبراهيم ‪ ‬لمن ال يعرف رب‬
‫العالمين‪.‬‬

‫فالحمد هلل ألن ربنا وإلهنا هو ﴿ﭘ ﭙ ﴾ ال رب سواه سبحانه‪،‬‬


‫الم َس َّخ ُر لنا بأمره ‪.‬‬
‫المسيطر على هذا الكون ُ‬
‫وإيماننا برب العالمين يحقق معنى توحيد الربوبية بعد تحقيقنا لتوحيد‬
‫األلوهية يف قولنا‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﴾‪.‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪48‬‬
‫يقول القرطبي يف تفسيره معنى (الرب)‪ :‬فربنا جل ثناؤه هو السيد الذي ال‬
‫والـمصلِح أمر خلقه بـما أسبغ علـيهم من نعمه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِش ْب َه له‪ ،‬وال مِ ْث َل فـي ُس ْؤ ُدده‪،‬‬
‫والـمالك الذي له الـخلق واألمر‪ .‬انتهى كالمه بتصرف‪.‬‬
‫«الرب» يف اللغة على المالك والسيد‬
‫ّ‬ ‫ويقول ابن األثير يف كتابه النهاية‪ :‬يطلق‬
‫والمدبر والمربي والقيم والمنعم‪ ،‬وال يطلق غير مضاف إال على اهلل تعالى‪ ،‬وإذا‬
‫رب كذا‪ ،‬وقد جاء يف الشعر مطل ًقا على غير اهلل‪،‬‬
‫أطلق على غيره أضيف‪ ،‬فيقال‪ّ :‬‬
‫وليس بالكثير(((‪ .‬انتهى كالمه‪.‬‬
‫فالحمد هلل على اسمه (الرب) الذي به نحصل منه سبحانه على الرتبية‬
‫واإلصالح‪ ،‬فهو يرعانا حالاً فحالاً إلى حد التمام‪ ،‬ويصلح أمورنا كلها ويتوالنا‬
‫سبحانه مهي ًئا لنا كل ما يلزم لبقائنا على قيد الحياة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﴾((( فهو سبحانه أكمل لكل‬
‫شيء خلقه ثم هداه هداية الفطرة السليمة‪ ،‬فصار هذا الكون من أصغر شيء فيه‬
‫إلى أعظم شيء يمشي هبذه الهداية بدقة متناهية‪ ،‬وذلك بتدبير رب العالمين الذي‬
‫أعطى كل شيء خلقه ثم هدى‪.‬‬
‫المصلح ألمر خلقه قد خلق يف أجسامنا العناصر الكيميائية واألمالح‬
‫فربنا ُ‬
‫والهرمونات والغدد وكريات الدم والصفائح وأعضاء الجسم‪ ،‬مثل القلب‬
‫والرئتين والكبد والكليتين والمخ‪ ،‬وكل خلية يف الجسم‪ ،‬ثم هدى هذه األشياء‬
‫كلها يف كل إنسان للطريق الصحيح الذي يخدم هذا اإلنسان‪ ،‬وقِ ْس على ذلك‬
‫كل شيء خلقه اهلل‪ ،‬من أشجار وحيوانات وبحار وسحب‪ ،‬وكل ما يف األرض‪،‬‬

‫((( النهاية يف غريب الحديث (‪.)179/2‬‬


‫((( (طه‪.)50-49:‬‬
‫‪49‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫وكذلك الكواكب والنجوم وكل المجرات التي ال نستطيع أن نحصيها‪ ،‬خلقها‬


‫سبحانه ثم هدى ﴿ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﴾‪.‬‬
‫فالذي ينير لنا الطريق ويهدينا الصراط المستقيم هو ربنا سبحانه‪ ،‬عندما نؤمن‬
‫به ونؤمن بأنه هو الذي يربينا ويصلحنا‪ ،‬وال نطلب الهداية إال منه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(((‬
‫﴿ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾‬
‫فاإليمان بالرب سبحانه ﴿ﯚ ﯛ ﴾ كان سب ًبا لزيادة الهدى وتثبيته يف قلوب‬
‫هدى من ربه فقد أفلح‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫المؤمنين‪ ،‬ومن أصبح على ّ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾((( فالهدى جاء من اهلل باسم الرب ‪‬‬
‫﴿ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﴾‪.‬‬
‫و لو تدبرنا تلك اآليات التي ذكرناها لوجدنا أن اهلل ‪ ‬جاء ذكره‬
‫باسم (الرب) يف العطاء والهداية ﴿ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﴾‬
‫واإليمان بالرب سبب لزيادة الهدى ﴿ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ وقال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾‪.‬‬
‫لذلك عندما نقول‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﴾ فيجب علينا أن نستحضر‬
‫يف قلوبنا الحمد المطلق لذات اهلل سبحانه على كل اسم من أسمائه‪ ،‬مؤمنين‬
‫بتوحيد األلوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد األسماء والصفات‪ ،‬ونستحضر ما‬
‫سخر لنا ربنا رب العالمين مما نراه يف هذا الكون من النعم‪ ،‬بد ًءا يف أجسامنا وما‬
‫حولنا‪ ،‬وكل شيء علمناه أو لم نعلمه‪ ،‬من قريب أو بعيد‪ ،‬يف هذا الكون العظيم‪.‬‬
‫و ذلك حتى يقول عنا اهلل ‪( :‬حمدين عبدي)‪.‬‬

‫((( (الكهف‪.)13:‬‬
‫(( ( (البقرة‪.)5:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪50‬‬

‫‪ J‬ﭛﭜﭝ ‪L‬‬
‫علي عبدي) وإذا قال‬
‫إذا قال العبد‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﴾ قال اهلل تعالى‪( :‬أثنى ّ‬
‫علي عبدي) فهذا يعني أن العبد قد حقق الثناء الذي يرضاه‬
‫اهلل ‪( ‬أثنى ّ‬
‫منه سبحانه‪ ،‬وشهد له سبحانه بذلك فقال‪( :‬أثنى علي عبدي)‪.‬‬
‫وربنا سبحانه حق وال يقول إال الحق‪ ،‬فهني ًئا لمن شهد له سبحانه بأنه حقق‬
‫علي عبدي)‪.‬‬
‫الثناء الذي يرضاه عنه ‪ ‬عندما يقول‪( :‬أثنى ّ‬
‫فنحمده سبحانه على هذه الشهادة‪ ،‬ألنه ال أحد يستطيع أن يثني على اهلل الثناء‬
‫الكامل إال اهلل سبحانه‪ ،‬كما جاء يف الحديث الذي رواه مسلم يف صحيحه ‏عن‬
‫ول اهللِ ‪َ ‬ل ْي َل ًة مِ َن ا ْل ِف َر ِ‬
‫اش‪َ ،‬فا ْلت ََم ْس ُت ُه‪َ ،‬ف َو َق َع ْت‬ ‫عائشة‏‏قالت‪َ :‬ف َقدْ ُت َر ُس َ‬
‫ج ِد‪ ،‬و ُهما منْصوبت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«الله َّم‬
‫ُ‬ ‫ول‪:‬‬‫َان‪َ ،‬و ُه َو َي ُق ُ‬ ‫َيدي َع َلى َب ْط ِن َقدَ َم ْيه‪َ ،‬و ُه َو في ا ْل َم ْس ِ َ َ َ ُ َ‬
‫وذ بِ َك ِم ْن َك‪ ،‬اَل ُأ ْح ِصي‬ ‫اك ِم ْن َس َخ ِط َك‪َ ،‬وبِ ُم َعا َفاتِ َك ِم ْن ُع ُقو َبتِ َك‪َ ،‬و َأ ُع ُ‬ ‫وذ بِ ِر َض َ‬‫َأ ُع ُ‬
‫َاء َع َل ْي َك‪َ ،‬أن َْت َك َما َأ ْثن َْي َت َع َلى َن ْف ِس َك»(((‪.‬‬
‫َثن ً‬
‫ولكنه سبحانه الرحمن الرحيم بنا ع َّلمنا الصيغة المناسبة للثناء عليه‪ ،‬عندما‬
‫أخربنا أن نقول‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﴾ والتي يستطيع قولها كل من يستطيع الكالم‪،‬‬
‫فيستوي بذلك المتعلم وغير المتعلم‪ ،‬الكبير والصغير‪ ،‬فالحمد هلل رب العالمين‬
‫الرحمن الرحيم على ما علمنا إياه من صيغة الحمد وصيغة الثناء الذي يرضاه اهلل‬
‫عنا سبحانه‪ ،‬ولو حاولنا أن نجد صيغة نثني هبا على اهلل فلن نجد أفضل من هذه‬
‫الصيغة ‪.‬‬

‫((( مسلم‪.)1090( :‬‬


‫‪51‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫وربنا سبحانه رضي منا هذا الحمد وهذا الثناء وشهد لنا به حين قال سبحانه‪:‬‬
‫(حمدين عبدي) وقال‪( :‬أثنى علي عبدي) ألن صيغة هذا الحمد وهذا الثناء جاءت‬
‫من عند اهلل‪ ،‬فال أحد يعلم كيفية حمد اهلل وال كيفية الثناء على اهلل إال اهلل سبحانه‪،‬‬
‫إ ْذ كيف نحمد اهلل ونثني عليه والعقل عاجز أن يدرك قدرته أو يحصى نعمه أو‬
‫يحيط برحمته! وصورة عجز المخلوق على هذا جاءت يف قول أشرف الخلق‬
‫‪ ‬عندما قال‪« :‬ال أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»‬
‫فالحمد هلل رب العالمين الرحمن الرحيم على أن علمنا ما يرضاه منا من حمد‬
‫ٍ‬
‫وثناء حمدً ا وثنا ًء يليقان بجالله‪.‬‬

‫﴿ﭛ ﭜ ﴾‬
‫عندما قال اهلل‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬أخربنا بأن اهلل هو ﴿ﭘ ﭙ ﴾ ورب‬
‫العالمين هو رب السموات واألرض ومن فيهن‪ ،‬مما يعني أنه ال إله غيره ألنه هو‬
‫إلها غيره‬
‫فح َمدْ نا اهلل على أن من نعبده يستحق العبادة‪ ،‬فال نعبد ً‬
‫رب كل شيء‪َ ،‬‬
‫يف هذا العالم‪.‬‬
‫أيضا‬
‫ومع أن الرب هو رب العالمين المسيطر على كل شيء‪ ،‬إال أنه هو ً‬
‫الرحمن الرحيم‪ ،‬وإيماننا الكامل بأنه هو الرحمن الرحيم يبعث فينا الطمأنينة‬
‫ونحن نستحضر رحمات من وسعت رحمته كل شيء التي تتجلى على هذا‬
‫الكون كله‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﴾((( فقد أخربنا عن استوائه‬
‫على العرش باسمه الرحمن‪ ،‬رحمة بكل الخالئق‪ ،‬من أكرب مخلوق‪ ،‬وهو العرش‪،‬‬
‫إلى كل ما تحت العرش من الخلق‪ ،‬ليطمئننا ‪ ‬فنحن نحمده على أنه هو‬
‫﴿ﭘ ﭙ ﴾ وعلى أنه هو ﴿ﭛ ﭜ ﴾‪.‬‬

‫((( (طه‪.)5:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪52‬‬
‫وإيماننا بأن اهلل هو ﴿ﭛ ﭜ ﴾ وشعورنا بالطمأنينة‪ ،‬وحمدنا له على‬
‫ذلك‪ ،‬إنما هو ثناء عليه سبحانه المستحق لكامل الثناء‪ ،‬فكأن الثناء عليه َ‬
‫هبذين‬
‫االسمين من األسماء الحسنى يتأتى بعد حمدنا له على كونه ﴿ﭛ ﭜ ﴾‬
‫بقولنا‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﴾‪.‬‬

‫وإذا أردنا أن نستشعر رحمة الرحمن فلنتأمل كيف ّقرب لنا الرسول‬
‫‪ ‬معنى رحمة اهلل بعبادة‪ ،‬مقارنة بأقوى رحمة يستطيع اإلنسان‬
‫أن يراها بين الخلق وأنفسهم‪ ،‬وذلك فيما رواه البخاري ومسلم عن عمر بن‬
‫الخطاب أنه قال‪ :‬قدم على رسول اهلل ‪ ‬بسبي‪ ،‬فإذا امرأة من السبي‬
‫تبتغي‪ ،‬إذا وجدت صب ًّيا يف السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته‪ ،‬فقال لنا رسول‬
‫«أ ُت َر ْونَ هَ ِذ ِه ا ْل َم ْر َأ َة َطا ِر َح ًة َو َل َدهَ ا ِفي ال َّنا ِر؟» قلنا‪ :‬ال‪ ،‬واهلل وهي‬
‫اهلل ‪َ :‬‬
‫«ل َّل ُه َأ ْر َح ُم بِ ِع َب ِ‬
‫اد ِه ِم ْن هَ ِذ ِه‬ ‫تقدر على أال تطرحه‪ .‬فقال رسول اهلل ‪َ :‬‬
‫(((‬
‫بِ َو َل ِدهَ ا»‬

‫اهلل أكرب على هذه النعمة العظيمة التي قد تغيب عن كثير من الناس‪ ،‬فكلما‬
‫رأينا مشاعر رحمة أ ٍّم بولدها‪ ،‬أو استشعرنا نحن مشاعر الرحمة تجاه أبنائنا أو‬
‫آبائنا‪ ،‬فإننا نفرح بوجود هذه الرحمة فينا‪ ،‬ونفرح أكثر كلما ازدادت تلك المشاعر‬
‫عندنا‪ ،‬ألننا نعلم علم اليقين أن اهلل أرحم بنا من األم بولدها‪ ،‬فتكون هذه الرحمة‬
‫التي نراها بين الخلق الشيء مقارنة برحمة الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫ورحمة األم مهما بلغت فإهنا مقيدة؛ ألهنا إذا نامت األم انقطعت هذه الرحمة‬
‫حتى تستيقظ‪ ،‬أما ﴿ﭛ ﭜ ﴾ فإن رحمته ال تنقطع‪ ،‬ألنه ال تأخذه سنة‬

‫(( ( البخاري‪ ،)5999( :‬مسلم‪ )6978( :‬واللفظ لمسلم‪.‬‬


‫‪53‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫وال نوم‪ .‬وقد تنقطع رحمة األم انقطاع تام بموهتا‪ ،‬أما ﴿ﭛ ﭜ ﴾ فرحمته‬
‫حي ال يموت‪ .‬واألم مع أهنا ترحم ابنها لكنها قد ال تقدر على تحقيق‬
‫دائمة ألنه ٌّ‬
‫ما يحتاجه؛ ألن قدرهتا محدودة‪ ،‬أما اهلل فإنه ﴿ﭛ ﭜ ﴾ مع القدرة ألنه‬
‫هو القادر‪ .‬واألم ال تعلم ما ينفع‪ ،‬أما اهلل فإنه يرحم بعلم؛ ألنه هو العليم‪ ،‬يعلم ما‬
‫ينفع اإلنسان ويعطيه رحمة به‪ ،‬ويعلم ما يضره فيمنع عنه الشيء رحمة به‪ .‬واألم‬
‫ترحم ابنها المريض وتبكي رحمة عليه‪ ،‬لكنها ال تستطيع أن تشفيه‪ ،‬أما اهلل فإنه‬
‫يرحم ويشفي؛ ألنه هو الشايف‪ ،‬ورحمته تكون بحكمة ألنه الحكيم‪ ،‬فقد يعجل‬
‫الشفاء وقد يؤخره لحكمة يراها رحمة بالمريض‪ .‬واألم رحمتها مقيدة بما تملكه‪،‬‬
‫ورحمة اهلل ليست مقيدة بشيء؛ ألنه هو رب العالمين‪ ،‬الملك والمالك لكل شيء‬
‫والمسيطر عليه‪ ،‬ورحمته وسعت كل شيء‪ .‬فـ﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﴾‪.‬‬
‫وأغلب الناس ال يشعر وال يف ّكر بتلك الرحمات إال عندما يتذكّر حاجته إليها‪،‬‬
‫وينسى أنه يف الحقيقة يحتاجها‪ ،‬بل ويعيشها يف كل لحظة من لحظاته‪ ،‬فمثلاً قلب‬
‫اإلنسان ينبض يف الدقيقة ما يقارب الثمانين مرة‪ ،‬فيزيدها اهلل وينقصها حسب‬
‫نائما أو مستيق ًظا‪ ،‬وهذه رحمة‬
‫حاجة الجسم‪ ،‬وذلك مدة حياة اإلنسان‪ ،‬سواء كان ً‬
‫من اهلل بخلقه كلهم‪ ،‬المؤمن وغير المؤمن‪ ،‬اإلنسان والحيوان‪.‬‬
‫وقِ ْس على ذلك التنفس والهضم‪ ،‬وكل وظائف الجسم الداخلية والخارجية‬
‫التي تعمل بكل دقة برحمة ممن خلقها يف أحسن تقويم‪ ،‬رحمة بكل الخلق‬
‫مسلمهم وكافرهم‪ ،‬والسعيد هو من يستشعر هذه الرحمات ويطلبها ويطلب‬
‫دوامها من الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء‪ ،‬وال ينساها وال يطلبها‬
‫من مخلوق هو نفسه بحاجة لرحمة الرحمن‪.‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪54‬‬
‫وأكثر من يعرف رحمة الرحمن هم األنبياء‪ ،‬ولذلك نرى أن الرسول‬
‫‪ ‬يخاف من فقدان هذه الرحمة طرفة عين‪ ،‬لذلك فهو يطلبها من اهلل‬
‫كل يوم صباحا ومسا ًء‪.‬‬
‫ول اهَّللِ ‪ ‬فِي‬ ‫يه َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫عن َعب ِد الرحم ِن ب ِن َأبِي ب ْكرةَ‪َ ،‬عن َأبِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َّ ْ َ ْ‬
‫اء ا ْل ُم ْض َط ِّر‪« :‬ال َّل ُه َّم َر ْح َمت ََك َأ ْر ُجو‪َ ،‬ف اَل َت ِك ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي َط ْر َف َة َع ْي ٍن‪َ ،‬و َأ ْص ِل ْح‬ ‫د َع ِ‬
‫ُ‬
‫لِي َش ْأنِي ُك َّل ُه‪ ،‬اَل إِ َل َه إِ اَّل َأن َْت»(((‪.‬‬
‫فما أحوجنا إلى أن نستشعر معاين رحمة الرحمن الرحيم يف كل وقت‪ ،‬والتي‬
‫ال نستطيع أن نحيا بدوهنا يف الدنيا ولو طرفة عين‪ ،‬ولن ندخل الجنة يف اآلخرة‬
‫بدوهنا‪ .‬وما أحوجنا إلى أن نستشعر حمدنا هلل رب العالمين على هذه الرحمة من‬
‫الرحمن الرحيم حتى يقول عنا ربنا‪( :‬أثنى علي عبدي)‪.‬‬

‫***‬

‫(( ( أبو داود بسند حسن‪.)5090( :‬‬


‫‪55‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫‪ J‬ﭞﭟﭠﭡ ‪L‬‬
‫(مجدين عبدي) وقال مرة‪:‬‬
‫إذا قال العبد‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﴾ قال اهلل تعالى‪َّ :‬‬
‫إلي عبدي)‬
‫وفوض ّ‬
‫إلي عبدي) وإذا قال اهلل ‪( :‬مجدين عبدي‪ّ ،‬‬
‫(فوض ّ‬
‫فهذا يعني أن العبد قد حقق التمجيد والتفويض الذي يرضاه منه اهلل وشهد له‬
‫بذلك فقال‪( :‬مجدين عبدي)‪.‬‬
‫وربنا حق‪ ،‬وال يقول إال الحق‪ ،‬فهني ًئا لمن شهد له اهلل أنه حقق التمجيد الذي‬
‫وفوض إلى عبدي) والحمد هلل على هذه‬
‫يرضاه منه‪ ،‬عندما يقول‪( :‬مجدين عبدي‪ّ ،‬‬
‫الشهادة‪ ،‬ألنه ال أحد يستطيع أن يمجد اهلل التمجيد الكامل إال اهلل ‪.‬‬
‫والحمد هلل الذي ب ّين لنا الصيغة المناسبة لحمده والثناء عليه وتمجيده‪ ،‬عندما‬
‫أخربنا أن نقول‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﴾‪.‬‬
‫وكما أخربنا ربنا – سبحانه ‪ -‬بأن نحمده ألنه ليس له شريك يف الملك يف‬
‫الدنيا ﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫أيضا بأن نحمده على أنه هو مالك يوم الدين يف اآلخرة‪،‬‬
‫ﯙﯚ ﴾((( فقد أخربنا ً‬
‫وليس أحدً ا غيره‪ ،‬واعترب إيماننا بكونه مالك يوم الدين وحمدنا له على ذلك إنما‬
‫هو تمجيدٌ له وتفويض األمر إليه‪.‬‬

‫وهذه شهادة من الملك سبحانه لهذا العبد المؤمن الذي رد األمر كله هلل‬
‫سبحانه‪ ،‬فأظهر اإليمان باهلل (الملك) وأظهر اإليمان باليوم اآلخر ﴿ﭟﭠ ﴾‬

‫((( (اإلسراء‪.)111:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪56‬‬
‫الذي يتضمن اإليمان بالقرآن الذي يقرأه‪ ،‬واإليمان بمحمد ‪ ‬الذي‬
‫ب ّلغ هذا القرآن الكريم‪ ،‬واإليمان بجربيل الذي أوصل هذا القرآن إلى الرسول‬
‫‪ ‬واإليمان بالقدر خيره وشره؛ ألنه فوض األمر كله هلل‪ ،‬فإن أصابته‬
‫ضرا ُء صرب فكان‬
‫خيرا له يف الدنيا ويف يوم الدين‪ ،‬أو أصابته َّ‬
‫سرا ُء شكر فكان ً‬
‫َّ‬
‫خيرا له يف الدنيا ويف يوم الدين‪ ،‬فوصل العبد بذلك إلى تطبيق أركان اإليمان‬
‫ً‬
‫كلها بآية واحدة‪ ،‬وهي اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله وباليوم اآلخر‬
‫والقدر خيره وشره‪.‬‬

‫ولكي نمجد اهلل ونفوض األمر إليه ‪ ‬فال بد أن نستحضر عظمة‬


‫﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﴾ ‪ ‬من استحضارنا لعظمة ﴿ﭟ ﭠ ﴾ وإيماننا‬
‫بذلك يف كل حركة من حركاتنا وسكناتنا كلما قرأنا هذه اآلية‪ ،‬حتى يقول عنا ربنا‪:‬‬
‫إلي عبدي)‪.‬‬
‫(مجدين عبدي) أو (فوض ّ‬
‫فرب العالمين‪ ،‬ومالك كل شيء‪ ،‬والمسيطر على كل هذا الكون‪ ،‬الذي يسير‬
‫ٍ‬
‫وسنن تتجلى فيها رحمة الرحمن يف كل حركة من حركات موجوداته‪،‬‬ ‫بقوانين‬
‫بحيث ال نرى أي خلل يف تلك القوانين والسنن‪ ،‬قد كلف اإلنسان واستخلفه يف‬
‫األرض‪ ،‬وأخربه أن كل حركاته محسوبة‪ ،‬وسوف ُتجزى كل نفس بما كسبت‪،‬‬
‫ك مل ِ ٍ‬
‫ِ‬
‫ك‪ ،‬وال يبقى إال‬ ‫وذلك يف يوم الحساب‪ ،‬وهو يوم الدين‪ ،‬يوم يزول كل ُم ْل َ‬
‫ُم ْلك مالك يوم الدين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﴾(((‪.‬‬

‫((( (غافر‪.)17-16:‬‬
‫‪57‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫ففي هذا اليوم بالذات ال يوجد أي نوع من أنواع الظلم‪ ،‬فربنا ‪‬‬
‫قد حرم الظلم على نفسه‪ ،‬والظلم بين الخلق وأنفسهم قد اختفى‪ ،‬ألنه ليس ألي‬
‫مخلوق يف ذلك اليوم أدنى نوع من أنواع الملك لكي يظلم‪ ،‬والكل وهم بارزون‬
‫يبق منهم أحد يعلمون أن الملك اليوم هلل الواحد القهار‪ ،‬فالكل سمع السؤال‬
‫لم َ‬
‫ولم يتجرأ أحدٌ أن يجيب أو يقول غير ذلك‪ ،‬حتى إن أيسر أنواع الملك وهو‬
‫امتالك القدرة على الكالم نراه قد ُسلب من الجميع‪ ،‬فالمؤمنون ال يستطيعون‬
‫الكالم إال بإذن اهلل ﴿ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﴾((( والمجرمون قد ختم‬
‫اهلل على أفواههم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾(((‪.‬‬
‫وقد أخرب اهلل ‪ ‬المؤمنين المصدقين بيوم الدين أنه هو مالك يوم‬
‫الدين‪ ،‬بعد أن ذكر أنه هو ﴿ﭛ ﭜ﴾ وذلك رحمة هبم وطمأنة لهم‬
‫بإرجاع حقوقهم لهم وإلدخالهم الجنة‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﴾(((‪.‬‬
‫الملك يف يوم الدين هلل باسم‬
‫وخاطب المجرمين المكذبين بيوم الدين بأن ُ‬
‫قهرا وإذاللاً لهم وانتقا ًما منهم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫﴿ﯽ ﯾ ﯿ﴾ ً‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾(((‪.‬‬
‫ونتيجة التكذيب والتصديق بيوم الدين يتحملها كل فريق‪ ،‬فالمجرمون الذين‬

‫(( ( (البقرة‪.)255:‬‬
‫(( ( (يس‪.)65 :‬‬
‫((( (الفاتحة‪.)3-2:‬‬
‫((( (غافر‪.)16:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪58‬‬
‫كل ٍ‬
‫معتد أثيم‪،‬‬ ‫يكذبون بيوم الدين قد أخربنا ربنا عنهم بأنه ال يكذب هبذا اليوم إال ّ‬
‫ومن اعتدائهم األثيم أهنم يرون أن كل آية ُتتلى عليهم إنما هي تخ ُّلف وبق ّية من‬
‫قصص األولين‪ ،‬وهذا رأيهم دائما ّ‬
‫بكل آية تأتيهم‪ ،‬أو بكل تطبيق آليات القرآن‬
‫على أرض الواقع‪.‬‬
‫الر ْي ُن‬
‫وبسبب هذا االعتداء وما كسبوه من الظلم والتكذيب لبس قلو َب ُهم َّ‬
‫فحجب عنها اإليمان ورؤية الحق‪ ،‬وهذا الحجب يف الدنيا تسبب بحجبهم عن‬
‫رؤية اهلل يف اآلخرة‪ ،‬وتسبب بدخولهم النار وتوبيخهم بتذكيرهم بما كانوا به‬
‫ُي ّ‬
‫كذبون‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﴾(((‪.‬‬
‫فهذه هي هنايتهم‪ ،‬والحسرة تبدو يف جواهبم أمام أسئلة المصدِّ قين بيوم الدين‬
‫الذين هم ﴿ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﴾ قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ‬
‫ﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣﰤﰥﰦﰧ‬
‫ﰨ ﰩ ﰪ ﰫ ﰬ ﰭ ﰮ ﰯ ﰰ ﰱ ﰲ ﰳ ﴾(((‪.‬‬
‫تحسرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫فالمكذب بيوم الدين هذه هي صفاته يف الحياة الدنيا‪ ،‬وقد اعرتف هبا‬
‫وكان ال يرى أحدً ا يخوض بظلم إال خاض معه‪ ،‬إما بالعمل أو بالتأييد‪ ،‬وذلك‬
‫ٍ‬
‫معتد بعدم التصديق بالبعث ويوم القيامة الذي هو يوم الدين‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫معتد أثيم؛‬ ‫ألنه‬
‫ومن ثم عدم إيمانه بأنه سيحاسب على كل عمل يعمله‪ ،‬وهذا االعتداء جعله‬

‫((( (المطففين‪.)17-10 :‬‬


‫((( (المدثر‪.)47-38 :‬‬
‫‪59‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫أثيما جري ًئا يف الخوض يف كل ما يغضب اهلل من األعمال المحرمة‪،‬‬


‫أيضا معتد ًيا ً‬
‫ً‬
‫حتى أتاه اليقين‪ ،‬وهو الموت‪ ،‬وهو على هذه الحال‪.‬‬

‫منغمسا يف المعاصي فاعلم أنه مكذب بيوم الدين‪،‬‬ ‫فإذا رأيت أي ٍ‬


‫معتد أثيم‬
‫ً‬
‫مكذب بيوم القيامة والحساب‪ ،‬وهو يعمل لدنياه ولنفسه فقط محاولاً األخذ مما‬
‫ٍ‬
‫باعتداء أثيم‪ ،‬ويكون مقياسه يف كل عمل يعمله هو مدى الكسب الذي‬ ‫يستطيعه‬
‫سوف يكسبه لنفسه يف هذا العمل يف هذه الحياة الدنيا‪ ،‬غير آبِ ٍه باآلخرين‪ ،‬ومِن َث َّم‬
‫غير ملتفت ألي كسب يف اليوم اآلخر؛ ألنه ال يؤمن به‪ ،‬أو عنده شك فيه‪.‬‬
‫ومن االعتداء األثيم بعد شكه يف قيام الساعة ظنه أنه لو كان هناك ٌ‬
‫بعث فإن‬
‫منزلته يوم القيامة ستكون مثل منزلته يف الحياة الدنيا‪ ،‬كما أخرب اهلل عن الظالم‬
‫لنفسه يف قوله‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﴾(((‪.‬‬

‫أما المؤمنون المصدقون بيوم الدين‪ ،‬المصدقون بأن اهلل هو المالك لهذا‬
‫ِ‬
‫سيحاسب كل نفس بما كسبت‪ ،‬فإن اهلل يبعث الطمأنينة يف قلوهبم؛‬ ‫اليوم‪ ،‬والذي‬
‫ألهنم فوضوا أمرهم إلى اهلل الذي ال يضيع لهم عنده حق‪ ،‬فيأخذ لهم حقهم ممن‬
‫ظلمهم‪ ،‬يف يوم يتمنى فيه اإلنسان أن جميع حقوقه من الناس ادخرت له يف هذا‬
‫اليوم‪ ،‬وحقهم على اهلل أن يدخلهم الجنة برحمته‪.‬‬

‫وقد أخربنا اهلل عن صفات هؤالء المصدقين بيوم الدين يف قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ‬

‫((( (الكهف‪.)36-35 :‬‬


‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪60‬‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ‬
‫ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬
‫ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﴾(((‪.‬‬
‫هذه صفات المصدقين بيوم الدين الذين هم من عذاب رهبم مشفقون‪،‬‬
‫فنرى صفاهتم ليس فيها اعتداء على اهلل وال على خلق اهلل‪ ،‬وميزاهنم ألعمالهم‬
‫أجر يبعدهم عن عذاب‬‫هو حرصهم على ما سوف يكسبونه يف يوم القيامة من ٍ‬
‫اهلل ويدخلهم الجنة‪ ،‬وقد أخربنا ربنا عن ثمرة هذا التصديق؛ ففي الدنيا نفى اهلل‬
‫عنهم الهلع‪ ،‬وهو الجزع عند الفقر‪ ،‬والمنع والبخل الشديد يف الغنى‪ ،‬ويف اآلخرة‬
‫يف جنات مكرمون‪.‬‬
‫ولهذا فالذي يقرأ سورة الفاتحة عن يقين وتدبر لقوله تعالى‪﴿ :‬ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﴾ فإنه يدخل فيمن يقول عنه اهلل سبحانه‪( :‬مجدين عبدي) وهذه شهادة‬
‫من الملك سبحانه لهذا العبد المؤمن الذي رد األمر كله هلل سبحانه‪ ،‬وقد نفى اهلل‬
‫أثيما‪.‬‬
‫عنه بأن يكون معتد ًيا ً‬
‫فـ﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﴾‪.‬‬

‫***‬

‫(( ( (المعارج‪.)35-19 :‬‬


‫‪61‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫‪ J‬ﭢﭣﭤﭥﭦ ‪L‬‬
‫إذا قال العبد‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ قال اهلل ‪( :‬هذا بيني وبين‬
‫عبدي ولعبدي ما سأل)‪ .‬فالذي هلل هو توحيد اهلل يف كل العبادات‪ ،‬يف قوله‪﴿ :‬ﭢ‬
‫ﭣ﴾ وتوحيد اهلل يف كل توسل وكل طلب للعون يف قوله‪﴿ :‬ﭤ ﭥ﴾‬
‫تشرف العبد بعبادة اهلل‪ ،‬وثانيها معرفة‬
‫والذي للعبد هو نتيجة هذا التوحيد‪ ،‬أولها ّ‬
‫العبد أن له معينًا قد تك ّفل له بكل أمور الدنيا‪ ،‬وطمأنته بأنه سوف يحققها له عندما‬
‫يقول‪﴿ :‬ﭤ ﭥ﴾ ألنه ‪ ‬قد وعد بذلك يف الحديث القدسي‬
‫يف قوله‪« :‬ولعبدي ما سأل» فهنيئا لمن قال له اهلل‪( :‬ولعبدي ما سأل)‪ .‬ألن اهلل حق‬
‫وقوله حق‪.‬‬

‫ولذلك يجب أن نستحضر العون والسؤال الذي نطلبه من اهلل‪ ،‬عو ًنا يف‬
‫العبادات والمعامالت حتى يحقق لنا اهلل كل ما نطلبه‪ ،‬وأول عون نطلبه هو العون‬
‫على تحقيق ﴿ﭢ ﭣ﴾ فنسأله العون على عبادته العبادة الصحيحة‪ ،‬وأن‬
‫يجعل كل حركاتنا وسكناتنا عبادة هلل‪ ،‬حتى تكون كل معامالتنا عبادة‪ .‬ونسأله‬
‫العون على أال نستعين إال به‪ ،‬وال نتوسل إال إليه‪ ،‬من غير شرك أو بدعة‪ .‬والعون‬
‫على االستمرار والثبات على ذلك يف كل العبادات‪ .‬وكذلك نسأله أن يعيننا‬
‫على كل أمر من أمور الدنيا‪ ،‬من رزق وذرية صالحة وتوفيق ّ‬
‫لكل أمر‪ ،‬وشفاء‬
‫كل مرض‪ ،‬وكشف ّ‬
‫لكل سوء‪ ،‬فنستحضر هذا األمر عندما نقول‪﴿ :‬ﭤ‬ ‫من ّ‬
‫ﭥ﴾‪.‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪62‬‬
‫﴿ﭢ ﭣ ﴾‬
‫من عدل اهلل ‪ ‬أنه لم يجعل لنا مجالاً لالجتهاد يف معرفة سبب‬
‫وجودنا يف هذه الحياة الدنيا‪ ،‬فالسبب هو عبادته وحده ال شريك له‪ ،‬وقد ب ّين‬
‫لنا ذلك بشكل واضح وصريح‪ ،‬وألغى أي سبب آخر قد يفكر فيه من ّ‬
‫ضل عن‬
‫السبيل‪ ،‬وأهم سبب قد يفكر فيه هؤالء هو األكل والشرب‪ ،‬فبين اهلل ‪‬‬
‫أنه قد تك ّفل بالرزق‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﴾(((‪.‬‬
‫وبين ‪ ‬لنا الطريق الصحيح لعبادته‪ ،‬بل وتكفل بأن يعيننا ويهدينا‬
‫لذلك‪ ،‬فبدون العون والهدى من اهلل ال أحد يستطيع أن يؤدي العبادة التي يرضاها‬
‫اهلل منه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﴾((( وطلب منا أن نسأله ذلك عندما نقرأ قوله‪﴿ :‬ﭢ‬
‫ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﴾(((‪.‬‬
‫والذي يقرأ الفاتحة بتدبر ويقين يكون قد حمد اهلل رب العالمين‪ ،‬خالق‬
‫كل شي والمسيطر عليه‪ ،‬وأثنى على الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته ّ‬
‫كل‬
‫العالمين‪ّ ،‬‬
‫فكل شيء فينا إنما يسير برحمة الرحمن الرحيم‪ .‬والذي يقرأ سورة‬
‫وفوض إليه ّ‬
‫كل أموره‪ ،‬الملك الذي سوف‬ ‫مجد مالك يوم الدين‪ّ ،‬‬
‫الفاتحة يكون ّ‬
‫يحاسب كل نفس بما كسبت‪.‬‬

‫((( (الذاريات‪.)58-56:‬‬
‫(( ( (األنعام‪.)161 :‬‬
‫((( (الفاتحة‪.)7-5:‬‬
‫‪63‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫وهبذا الحمد والثناء والتمجيد والتفويض يكون العبد المؤمن قد ه ّيأ نفسه‬
‫لعبادة اهلل‪ ،‬ف ُيشهد اهلل رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين أن كل حركاته‬
‫وسكناته‪ ،‬حتى نومه‪ ،‬عبادة خالصة هلل وحده ال شريك له‪ ،‬فصالته وصيامه وحجه‬
‫وزكاته عبادة‪ ،‬وعمله عبادة‪ ،‬وأكله وشربه عبادة‪ ،‬واستيقاظه ونومه عبادة‪ ،‬ومشيه‬
‫وجلوسه عبادة‪ ،‬وبيعه وشراؤه عبادة‪ ،‬وزياراته عبادة‪ ،‬ورحالته عبادة‪ ،‬وكل عمل‬
‫يقوم به إنما يقوم به تعبدً ا هلل‪ .‬فإذا ابتسم ابتسم تعبدً ا هلل‪ ،‬وإذا تك ّلم ت ّكلم هلل‪ ،‬وإذا‬
‫سكت سكت هلل‪ ،‬وإذا قضى حاجة أهله وأبنائه فهو يحتسبها صدقة هلل‪ ،‬حتى عمله‬
‫أجرا فإنه يحتسبه ويخلص فيه هلل‪ ،‬وهكذا العبد يكون يف كل‬ ‫الذي يأخذ عليه ً‬
‫أموره محتس ًبا عمله هلل‪ ،‬مطب ًقا قوله‪﴿ :‬ﭢ ﭣ﴾‪.‬‬
‫وقد أمر اهلل نبيه محمدً ا ‪ ‬بتبليغ ذلك ﴿ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾((( فكل‬
‫َ‬
‫الرسول‬ ‫اهلل‬
‫أموره ‪ ‬هي هلل رب العالمين ال شريك له‪ ،‬وبذلك أمر ُ‬
‫‪ ‬كما أمره أن يعلن ويقول بأنه أول المسلمين الذين يطبقون إسالمهم‬
‫كل أحوالهم‪ ،‬حتى وصل ألن يكون ُخ ُلقه القرآن‪ ،‬وشهد اهلل له بذلك ﴿ﮛ‬
‫يف ِّ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾(((‪.‬‬
‫ويف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭢ ﭣ﴾ قدم ﴿ﭢ﴾ على الفعل ليدل على الحصر‪،‬‬
‫وهو حصر العبادة هلل وحده‪ .‬وتقديم ﴿ﭢ﴾ على الفعل ﴿ ﭣ﴾ يجعل من غير‬
‫الممكن أن ُيعطف مع ﴿ﭢ﴾ أحدٌ ‪ ،‬وهبذا تكون هذه الصيغة هي أفضل صيغة‬
‫لإلقرار بتوحيد اهلل بالعبادة‪ ،‬لتكون عباداتنا كلها خالصة له وحده‪ ،‬وال نشرك معه‬
‫أحدً ا يف أي عمل‪.‬‬

‫(( ( (األنعام‪.)163-162 :‬‬


‫((( (القلم‪.)4:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪64‬‬
‫واإلقرار بالعبادة هلل يف كل عمل يعمله العبد جاء بضمير المخاطب العائد‬
‫على اهلل ‪ ‬وكأن العبد يرى اهلل أمامه يف كل حركاته وسكناته متع ّبدً ا اهلل‬
‫هبا وهو يخاطبه‪ ،‬يف قوله‪﴿ :‬ﭢ ﭣ﴾ وليس بصيغة الغائب‪ ،‬وذلك حتى يصل‬
‫عرفه‬
‫العبد ألعلى المراتب‪ ،‬وهي مرتبة اإلحسان‪ ،‬ف ُيكتب من المحسنين‪ ،‬والذي ّ‬
‫جربيل ‪ ‬للنبي ‪ ‬والصحابة عندما جاء يعلمهم أمر دينهم يف‬
‫إل ْح َسانُ ؟ َق َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫قوله يف الحديث الطويل الذي رواه البخاري ومسلم‪َ « :‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬ما ا ِ‬
‫«أنْ َت ْع ُب َد ال َّل َه َك َأ َّن َك َت َرا ُه‪َ ،‬فإِنْ َل ْم َت ُك ْن َت َرا ُه َفإِ َّن ُه َي َر َ‬
‫اك»(((‪.‬‬ ‫َ‬

‫وإذا وصل العبد لمرتبة المحسنين‪ ،‬فليبشر ببشارة اهلل له ﴿ﯹﯺ‬


‫(((‬
‫ومن نتائج هذه البشارة محبة اهلل له ﴿ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﴾‬ ‫(((‬
‫ﯻ﴾‬
‫والذرية الصالحة والهداية له ولهم ﴿ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ‬
‫وليبشر بالهداية إلى الطريق المستقيم يف كل‬ ‫(((‬
‫ﮄﮅﮆﮇ﴾‬
‫أموره‪ ،‬يف العبادات ويف المعامالت‪ ،‬ومع ّية مع اهلل ‪ .‬ومن كان اهلل معه‬
‫يف كل حال فإنه لن يضيع ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﴾((( وليبشر بالحكمة والعلم النافع ﴿ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﴾(((‪.‬‬

‫(( ( البخاري‪ ،)4777( ،)50( :‬مسلم‪ ،)97( :‬أحمد‪ ،)9501( :‬وهذا لفظ البخاري‪.‬‬
‫((( (الحج‪.)37:‬‬
‫(( ( (البقرة‪.)195:‬‬
‫(( ( (األنعام‪.)84:‬‬
‫(( ( (العنكبوت‪.)69 :‬‬
‫((( (يوسف‪.)22:‬‬
‫‪65‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫والمحسنون أهل ﴿ﭢ ﭣ﴾ عندما يصلون إلى درجة اإلحسان فإن‬


‫كفارا‪ ،‬فرتى‬
‫إحساهنم ال يخفى على الناس‪ ،‬أ ًّيا كان هؤالء الناس‪ ،‬مؤمنين أو ً‬
‫الناس يطلبون النصح منهم لمعرفتهم بإحساهنم‪ ،‬وكأهنم يعلمون أن المحسن‬
‫وعلما‪ ،‬فقد توسم إخوة يوسف اإلحسان يف يوسف قبل أن‬
‫ً‬ ‫قد آتاه اهلل حكمة‬
‫يعرفوه ﴿ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ِ‬
‫صاح َبا السجن مع يوسف حيث توسموا‬ ‫ﰈ ﰉ ﴾((( وقبل ذلك فعل‬
‫أيضا فيه العلم بتأويل األحاديث ﴿ﯕ ﯖ‬
‫فيه اإلحسان‪ ،‬ومن إحسانه توسموا ً‬
‫ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﴾(((‪.‬‬

‫قريب من المحسنين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯝﯞ‬


‫ٌ‬ ‫ومن ثمار اإلحسان أن رحمة اهلل‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾((( ومن كانت رحمة اهلل قريبة منه فقد أفلح‪.‬‬

‫ومن رحمته بالمحسنين هتيئة أسباب تمكينهم يف األرض‪ ،‬وذلك ألن اهلل‬
‫وعد أنه ال يضيع أجر أي محسن ﴿ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾((( فقد أصاب اهلل برحمته‬
‫أجر اآلخرة‬ ‫وخير من ِ‬
‫أجر الدنيا ُ‬ ‫ٌ‬ ‫يوسف وم ّكنه يف األرض‪ ،‬فأصبح هو َ‬
‫عزيز مصر‪،‬‬
‫﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﴾(((‪.‬‬

‫((( (يوسف‪.)78:‬‬
‫((( (يوسف‪.)36:‬‬
‫(( ( (األعراف‪.)56:‬‬
‫((( (يوسف‪.)56:‬‬
‫((( (يوسف‪.)57 :‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪66‬‬
‫أيضا بالمحسنين أنه يعينهم على الثبات والصدق عند البالء‪،‬‬
‫ومن رحمته ً‬
‫كما حدث إلبراهيم ‪ ‬يف البالء الذي سماه اهلل بالبالء المبين‪ ،‬أي االمتحان‬
‫الحقيقي الواضح‪.‬‬
‫قال تعالى يمدح المحسن إبراهيم ‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬
‫ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬
‫ابراهيم‬
‫ُ‬ ‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﴾((( فقد صدّ ق‬
‫ر ّبه بتصديقه للرؤيا وتطبيقه ألمر اهلل‪ ،‬فأعانه اهلل على تخطي البالء بصدق وثبات‪،‬‬
‫وذلك جزا ًء من اهلل إلحسانه ﴿ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﴾(((‪.‬‬
‫وكان من نتائج هذا التصديق والثبات أن فدى اهلل إسماعيل ‪ ‬بذبح‬
‫عظيم‪ ،‬وب ّلغ إبراهيم السالم يف قوله‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﴾((( وكرر اهلل قوله‪:‬‬
‫﴿ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾((( مرتين إلبراهيم‪ ،‬لكثرة إحسانه ‪ .‬وبشره‬
‫اهلل بمولود آخر جزا ًء إلحسانه‪ ،‬فبعد أن كان ينتظر َف ْقدَ ابنه‪ ،‬فدى اهلل ابنه وبشره‬
‫بمولود آخر ليس كأي مولود‪ ،‬وإنما كان نب ًّيا من الصالحين‪ .‬كذلك يجزي اهلل‬
‫المحسنين‪ ،‬أي أن هذه هي سنة اهلل يف جزائه للمحسنين على الدوام‪ ،‬فمن يصل‬
‫لمرتبة المحسنين فليبشر بجزاء كجزاء المحسنين‪.‬‬
‫هذا جزاء المحسنين يف الدنيا‪.‬‬

‫(( ( (الصافات‪.)112 – 104 :‬‬


‫(( ( (الصافات‪.)105 :‬‬
‫(( ( (الصافات‪.)109 :‬‬
‫(( ( (الصافات‪.)110 :‬‬
‫‪67‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫أما يف اآلخرة‪ ،‬فلهم حسن ثواب اآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬


‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾((( فحسن ثواب اآلخرة هي الجنة‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﴾(((‪،‬‬

‫وأعظم من هذا الجزاء وعد اهلل للمحسنين بالزيادة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﴾((( فكل عطاء يعطيهم اهلل إياه يف الدنيا أو يف اآلخرة سوف يكون‬
‫فوقه زيادة‪ ،‬حتى يصلوا إلى عطاء من اهلل ليس فوقه زيادة بذاته‪ ،‬وإنما زيادة بتكرار‬
‫المع َطى‪ ،‬وهذا العطاء هو أوسع عطاء وأغلى‬
‫هذا العطاء‪ ،‬وزيادة بأثر العطاء على ُ‬
‫عطاء وأجمل وأكرم وألذ عطاء‪ ،‬وهو النظر إلى رب العالمين‪.‬‬

‫وألن الجزاء من جنس العمل‪ ،‬فإن هذه الزيادة ُتعدّ أعظم جزاء لمن كان يطبق‬
‫﴿ﭢ ﭣ ﴾ يف كل أموره‪ ،‬فيعبد اهلل ويتقيه يف الدنيا كأنه يرى اهلل يف كل حركاته‬
‫وسكناته‪ ،‬فيكون جزاؤه يف الجنة الزيادة العظمى‪ ،‬وهي رؤية اهلل ‪‬‬
‫الرؤية الحقيقية‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾((( وقال تعالى‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﴾(((‪.‬‬
‫ب‪َ ،‬ع ِن النَّبِي ‪َ ‬ق َال‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َأ ْه ُل ا ْل َج َّن ِة ا ْل َج َّن َة‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫و َع ْن ُص َه ْي ٍ‬
‫ِّ‬

‫((( (آل عمران‪.)148 :‬‬


‫(( ( (المائدة‪.)85:‬‬
‫(( ( (البقرة‪.)58:‬‬
‫((( (يونس‪.)26 :‬‬
‫((( (القيامة‪.)23-22 :‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪68‬‬
‫ض ُو ُجوهَ نَا!‬ ‫ار َك َو َت َع َالى‪ُ :‬ترِيدُ ونَ َش ْيئًا؟ َأ ِزيدُ ُك ْم؟ َف َي ُقو ُلونَ ‪َ :‬أ َل ْم ُت َب ِّي ْ‬ ‫ول الل ُه َت َب َ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫اب‪َ ،‬ف َما ُأ ْع ُطوا َش ْيئًا َأ َح َّب‬ ‫ال‪َ :‬ف َي ْك ِش ُف ا ْل ِح َج َ‬ ‫َأ َل ْم ُتدْ ِخ ْلنَا ا ْل َج َّن َة َو ُتن َِّجنَا ِم َن ال َّنا ِر! َق َ‬
‫إِ َل ْي ِه ْم ِم َن ال َّن َظ ِر إِ َلى َر ِّب ِه ْم ‪.(((»‬‬
‫بعكس من كان يف الدنيا يرتكب المعاصي غير م َب ٍ‬
‫ال برؤية اهلل له‪ ،‬ولم يستحضر‬ ‫ُ‬
‫عظمة اهلل ولم َي َخ ْف ُه بالغيب‪ ،‬وكان ّ‬
‫يكذب بيوم الدين‪ ،‬فإنه محجوب عن رؤية اهلل‪،‬‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﴾(((‪.‬‬

‫فمن يطمح لرؤية رب العالمين الرؤية الحقيقية يف الجنة فليطبق قوله‪﴿ :‬ﭢ‬
‫ﭣ ﴾ التطبيق الحقيقي يف كل حركاته وسكناته‪ ،‬حتى يصل إلى درجة اإلحسان‪،‬‬
‫وهو أن تعبد اهلل كأنك تراه‪ ،‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك‪ .‬نسأله سبحانه أن يعيننا على‬
‫ذلك‪.‬‬

‫﴿ﭤ ﭥ ﴾‬

‫ال بد أن نعلم أنه ليس لنا أي قدرة على فعل الطاعات وترك المعاصي‪،‬‬
‫وبالتالي االستمرار يف هذه الحياة فيما يرضي اهلل‪ ،‬إال بعون من اهلل‪ ،‬ومن دون‬
‫هذا العون فإن النفس بغرائزها المختلفة تسيطر على جميع تصرفات اإلنسان‬
‫فيما ُيسمى بـ(الهوى) وقد تطغى إحدى الغرائز على بعض فتكون عنوانًا لهذا‬
‫اإلنسان‪ ،‬ولذلك فإن ربنا المصلح ألحوالنا‪ ،‬الرحمن الرحيم بنا‪ ،‬قد ب ّين لنا كيف‬

‫((( مسلم‪.)449( :‬‬


‫((( (المطففين‪.)17-10 :‬‬
‫‪69‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫نستعين به االستعانة التي يرضاها منا ليقول‪( :‬ولعبدي ما سأل) وذلك يف قوله‪:‬‬
‫﴿ ﭤ ﭥ ﴾‪.‬‬
‫وجاء تقديم ﴿ﭢ﴾ على ﴿ﭥ ﴾ ليفيد الحصر‪ ،‬فال نستعين بأحد‬
‫إال به وحده ال شريك له‪ ،‬وكذلك جاء طلب العون بصيغة المخاطب الذي يعود‬
‫مستحضرا عظمة اهلل رب العالمين‬
‫ً‬ ‫إلى اهلل ‪ ‬والعبد واقف بين يديه‪،‬‬
‫ورحمته‪ ،‬الرحمن الرحيم‪ ،‬فال يكون هناك وسيط بين العبد وربه‪.‬‬
‫ولذلك كانت وصية الرسول ‪ ‬لمن يحبه ويقسم على أنه يحبه أن‬
‫يسأل اهلل العون على ذكر اهلل وشكره وحسن عبادته‪.‬‬
‫عن معاذ بن جبل أن رسول اهلل ‪ ‬أخذ بيده وقال‪َ « :‬يا ُم َع ُاذ‪َ ،‬وال َّل ِه‬
‫يك َيا ُم َع ُاذ اَل َت َد َع َّن ِفي ُد ُب ِر ُك ِّل َص اَل ٍة‬
‫وص َ‬ ‫إِ ِّني أَ ُل ِحب َك‪َ ،‬وال َّل ِه إِ ِّني أَ ُل ِحب َك» َف َق َال‪ُ :‬‬
‫«أ ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم َأ ِعنِّي َع َلى ِذ ْك ِر َك َو ُش ْك ِر َك َو ُح ْس ِن ِع َبا َدتِ َك»(((‪.‬‬
‫َت ُق ُ‬

‫وقد عرف األنبياء ذلك فسألوا اهلل العون على كل عبادة‪ ،‬وأهم عبادة هي‬
‫الصالة‪ ،‬قال تعالى مخبِ ًرا عن إبراهيم ‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﴾((( وقال تعالى مخبِ ًرا عن موسى ‪:‬‬
‫﴿ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﴾(((‪.‬‬
‫وعندما يخاطب العبد ربه ويسأله العون يف قوله‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﴾ فال بد‬
‫أن يستحضر ذلك العون الذي يريده من اهلل حتى يتحقق ما سأله‪ ،‬ويقول له اهلل‪:‬‬

‫(( ( أبو داود‪ ،)1522( :‬النسائي‪ ،)1304( :‬أحمد‪ )22119( :‬وإسناده صحيح‪ ،‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫(( ( (إبراهيم‪.)40 :‬‬
‫(( ( (األعراف‪.)128:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪70‬‬
‫(ولعبدي ما سأل)‪ .‬وهذا ال يتحقق لمن يقرأ الفاتحة من غير تدبر‪ ،‬ويختمها بقوله‪:‬‬
‫ومجد اهلل‬
‫آمين‪ ،‬وهو ال يعي ما يقرأ‪ ،‬فالبعض قد ال يعي أنه حمد اهلل وأثنى عليه ّ‬
‫وسأله‪ ،‬وهبذا يحرم نفسه من خير كثير؛ ألنه يحرم نفسه من عون اهلل يف كل شيء‪،‬‬
‫إلهه هواه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫فتسيطر عليه غرائزه وأهواؤه ويكون ُ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﴾(((‪.‬‬
‫وللعبد عندما يقرأ‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﴾ أن يستحضر يف قلبه عونًا عا ًّما من‬
‫اهلل يف كل أموره من دون تخصيص‪ ،‬ليعينه اهلل يف كل عم ٍل يعمله من العبادات‬
‫خاصا‪ ،‬كالعون على كثرة السجود‪،‬‬‫ًّ‬ ‫والمعامالت‪ ،‬أو يستحضر يف قلبه عونًا‬
‫والعون على ذكر اهلل وشكره وحسن عبادته‪ ،‬أو عون على صالح الذرية‪ ،‬أو عون‬
‫على الزيادة يف العلم‪ ،‬أو عون على الرزق‪ ،‬أو العون على كشف السوء وإزالة ٍ‬
‫ظلم‬
‫حل به‪ ،‬أو العون على الشفاء من مرض طرأ له‪ ،‬وهكذا‪ ،‬حتى يستفيد مِن استجابة‬
‫ّ‬
‫اهلل لطلبه عندما يقول اهلل‪( :‬ولعبدي ما سأل) ويتحقق ما سأله العبد‪ .‬فربنا حق وال‬
‫يقول إال الحق‪.‬‬
‫وإذا قال‪( :‬ولعبدي ما سأل) فإن للعبد ما سأل من دون أدنى شك‪ ،‬وذلك‬
‫بالطريقة التي يرى اهلل أهنا هي األصلح له‪ ،‬فال يستعجل‪ ،‬ولذلك جاء الحث على‬
‫االستعانة بالصرب والصالة م ًعا‪ ،‬الصرب بأنواعه الثالثة‪ :‬صرب على االستمرار يف‬
‫الطاعات‪ ،‬وصرب على االبتعاد عن المعاصي‪ ،‬وصرب على البالء‪.‬‬
‫وأفضل تحقيق لهذا العون يف ﴿ﭤ ﭥ ﴾ يكون عندما نقرأ الفاتحة‬
‫يف الصالة؛ ألن اهلل جعل الصالة وسيلة لالستعانة به ‪ .‬الصالة التي نقرأ‬
‫هبا الفاتحة يف كل ركعة‪ ،‬وال تتم إال هبا‪.‬‬

‫((( (الفرقان‪.)43 :‬‬


‫‪71‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫وقد أوصانا اهلل باالستعانة بالصرب والصالة يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮰ ﮱ‬


‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ‬
‫ﯣ ﴾((( وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﴾((( فهذا أمر من اهلل للمؤمنين‬
‫بأن يستعينوا بالصرب والصالة‪ ،‬وقد جاء هذا األمر بعد أن أمر اهلل عباده أن يذكروه‬
‫ليذك َُرهم وأن يشكروه وال يكفروه‪.‬‬

‫ والذكر نوعان‪:‬‬
‫ذكر هلل بعمل الطاعات‪ ،‬والتي منها الصالة‪ ،‬وترديد األذكار‬ ‫ *األول‪ٌ :‬‬
‫الواردة من القرآن والسنة‪ ،‬وتدبر معانيها‪ ،‬بالصالة وخارج الصالة‪ ،‬وكذا‬
‫يف كل عبادة‪.‬‬
‫ *والثاين‪ِ :‬ذك ٌْر هلل يف قلب العبد قبل كل حركة وعمل يعمله‪ ،‬بحيث يتذكر‬
‫العبدُ ر ّبه ويسأل نفسه؛ هل هذا العمل يرضي اهلل أم ال؟ وهل هذا الحديث‬
‫دائما‪ ،‬وهبذا‬
‫يرضي اهلل أم ال؟ فيجعل الخوف من اهلل وتقوى اهلل أمامه ً‬
‫حاضرا يف كل حركاته وسكناته‪ ،‬ويكون تذك ُُّره هلل أكرب‬ ‫يكون تذكُّره هللِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫وأكثر من كل تذكُّر يتذكَّر فيه أحدً ا‪.‬‬
‫وإذا تذكرنا اهلل هبذه الطريقة فإن اهلل سوف يذكرنا‪ِ ،‬‬
‫وذكر اهلل لنا يعني حفظه‬
‫بعضا‪ ،‬وهو سبحانه يعلم‬
‫ورحمته لنا‪ ،‬وهو أكرب من تذكر المخلوقين بعضهم ً‬
‫ما نصنع إن كان مما يرضيه أم ال‪ ،‬ويعلم إن كنا قد تذكرناه قبل أي عمل أم ال‪،‬‬

‫(( ( (البقرة‪.)46-45 :‬‬


‫(( ( (البقرة‪.)153-152 :‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪72‬‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﴾(((‪.‬‬
‫هكذا تكون االستعانة الحقيقية بالصالة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر‪،‬‬
‫عندما نتدبر ما نقوله يف الصالة‪ ،‬ونحن نذكره بالحمد والثناء والتمجيد والتوحيد‪،‬‬
‫ونسأله العون على كل شيء‪ ،‬وأول عون نطلبه هو العون على عمل الطاعات‬
‫واجتناب المعاصي‪ ،‬لنفوز ونسعد يف الدنيا واآلخرة يف كل مرة يقول لنا ربنا فيها‪:‬‬
‫(ولعبدي ما سأل)‪ .‬ومن ال تنهاه صالته عن الفحشاء والمنكر فليتّهم خشوعه‬
‫وتركيزه يف الصالة‪ ،‬فالصالة أمرها كبير‪ ،‬كما قال ربنا‪﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﴾((( ومن كانت الصالة كبيرة عليه فليعلم أنه ما فاز بقول اهلل‪( :‬ولعبدي ما‬
‫سأل)‪.‬‬

‫***‬

‫(( ( (العنكبوت‪.)45 :‬‬


‫(( ( (البقرة‪.)45:‬‬
‫‪73‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫‪J‬ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ‪L‬‬
‫أي نقطة بداية والهدف المنشود هو الخط المستقيم‪ ،‬فإذا‬
‫إن أقصر طريق بين ّ‬
‫متأخرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫خرج اإلنسان عن مسار هذا الخط المستقيم فإن المسافة تطول ليصل‬
‫أو قد ينحرف بشكل ال يصل فيه للهدف السامي البتة‪ ،‬فتكون هنايته الضياع‬
‫والخسارة‪.‬‬

‫مستقيما‪ ،‬وأمرنا أن نطلب‬


‫ً‬ ‫ومن رحمة اهلل بنا أن أخربنا أن هناك طري ًقا‬
‫العون منه وندعوه أن يهدينا هذا الطريق المستقيم لنصل للهدف الذي يريده‬
‫منا اهلل بأفضل وأسرع وسيلة‪ .‬ومن فضله وكرمه الواسع فقد حدد لنا نوع هذا‬
‫تنظيرا‪ ،‬حتى ال يكون هناك‬
‫ً‬ ‫الطريق المستقيم‪ ،‬وب ّينه لنا بشكل دقيق وعملي وليس‬
‫ٍ‬
‫أناس أنعم اهلل عليهم فسلكوه‪،‬‬ ‫مجال لالجتهاد‪ ،‬فب ّين لنا أن هذا الطريق هو طريق‬
‫وهم النبيون والصديقون والشهداء‬ ‫(((‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾‬
‫والصالحون‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﴾(((‪.‬‬

‫فهؤالء قد شهد اهلل لهم بأن نعمته قد شملتهم‪ ،‬بفض ٍل منه‪ ،‬أي أهنم قد وصلوا‬
‫للهدف السامي‪ ،‬وهو إنعام اهلل عليهم يف الدنيا باتباعهم الصراط المستقيم‪ ،‬ويف‬
‫اآلخرة حيث يجازيهم بالجنة على هذا االتباع للصراط المستقيم‪.‬‬

‫((( (الفاتحة‪.)7 :‬‬


‫(( ( (النساء‪.)70-69 :‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪74‬‬
‫وب ّين ربنا ‪ ‬أن الصراط المستقيم هو االستمساك بما أوحي‬
‫للرسول ‪ ‬من القرآن‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﴾((( وهو الدين المعتدل الذي مشى عليه أبو األنبياء إبراهيم‬
‫الحنيف‪ ،‬ولم يكن من المشركين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﴾(((‪.‬‬

‫ واهلداية نوعان‪:‬‬
‫ *هداية داللة وهداية توفيق‪ ،‬فأما هداية الداللة فهي ما جاء به الرسل ليبينوا‬
‫للناس ويدلوهم الطريق الصحيح‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫(((‬
‫وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾‬ ‫(((‬
‫ﰄﰅ﴾‬
‫وأصل دعوهتم وبياهنم هو عبادة اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﴾((( فمن اهتم هبذه الداللة وحرص‬
‫على معرفة الحق‪ ،‬وتخلص من حكم الهوى – الذي هنى اهلل عن اتباعه‬
‫﴿ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ﴾((( ‪ -‬فإن اهلل بإذنه يهديه هداية التوفيق‬
‫للصراط المستقيم‪ ،‬فيكون مع الذين أنعم اهلل عليهم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﴾(((‪.‬‬

‫((( (الزخرف‪.)43:‬‬
‫(( ( (األنعام‪.)161:‬‬
‫((( (المؤمنون‪.)73:‬‬
‫(( ( (الشورى‪.)52:‬‬
‫(( ( (يس‪.)61:‬‬
‫((( (ص‪.)26:‬‬
‫((( (الحج‪.)54:‬‬
‫‪75‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫ *وهداية التوفيق ال تكون إال بمشيئة اهلل ‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬


‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾((( وتتحقق هذه الهداية بوعد من اهلل عندما نقرأ‬
‫بتد ّبر يف سورة الفاتحة‪﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﴾((( ليقول لنا اهلل‪( :‬ولعبدي‬
‫ما سأل)‪ .‬فهني ًئا لمن قال له اهلل‪ :‬ولعبدي ما سأل‪ ،‬ألن اهلل حق وقوله حق‪.‬‬
‫والبد أن يستحضر العبد الهداية التي يطلبها من اهلل‪ ،‬وهي الهداية للطريق‬
‫المستقيم يف كل أحواله‪ ،‬وأول هداية يطلبها هي الهداية لتوحيد اهلل واالبتعاد عن‬
‫الشرك‪ ،‬وعبادة اهلل العبادة الصحيحة التي يرضاها عنه اهلل عبادة بعيدة عن البدع‪،‬‬
‫ثم الثبات عليها هداية يف كل العبادات والمعامالت حتى يمشي سو ًّيا على‬
‫ومن ّ‬
‫صراط مستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعم اهلل عليهم‪ ،‬وال يحيد عنه‪.‬‬
‫فتكون كل حركاته وسكناته‪ ،‬أقواله وأفعاله‪ ،‬عبادة هلل وحده ال شريك له‪،‬‬
‫منذ أن يستيقظ العبد إلى أن يأوي إلى فراشه‪ ،‬فيسأل اهلل الهداية العامة يف كل أمور‬
‫الدنيا من غير تخصيص‪ ،‬وهبذه الدعوة تتحقق له الهداية لالمتثال لكل ما أمر اهلل‬
‫ورسوله‪ ،‬واجتناب كل ما هنى عنه اهلل ورسوله‪ ،‬وهداية للثبات على ذلك‪.‬‬
‫وكذلك تتحقق له الهداية للتعامل مع الناس التعامل الذي يرضي اهلل‪ ،‬بد ًءا‬
‫باألهل والجار واألصدقاء‪ ،‬القريب والبعيد‪ ،‬المسلم وغير المسلم‪ ،‬وتتحقق له‬
‫حاكما‬
‫ً‬ ‫الهداية ألفضل طريق وهو الطريق المستقيم يف كل عمل يعمله‪ ،‬فإن كان‬
‫وفقه اهلل وهداه التخاذ القرارات النافعة والخطط الناجحة‪ ،‬وهداه اهلل للتعامل‬
‫المقبول من جميع فئات الناس‪ ،‬فيحبه الجميع‪ ،‬ويطمئن إليه الغريب والقريب‪.‬‬

‫(( ( (البقرة‪.)213:‬‬
‫((( (الفاتحة‪.)7-6 :‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪76‬‬
‫وإن كان طبي ًبا هداه اهلل إلى التشخيص الصحيح‪ ،‬ومن ثم العالج المناسب وبارك‬
‫اهلل يف عالجه‪.‬‬
‫علما شرع ًّيا أو‬
‫وكذلك طالب العلم‪ ،‬فإن اهلل يهديه للعلم النافع‪ ،‬سواء كان ً‬
‫علما دنيو ًّيا‪ ،‬فيمشي بنور اهلل‪ ،‬ويفتح عليه من العلم ما ينفع به الناس ويجعل فيه‬
‫ً‬
‫القبول‪ .‬وهكذا يف كل عمل؛ المهندس يف هندسته‪ ،‬والتاجر يف تجارته‪ ،‬والفالح‬
‫يف زراعته‪ ،‬والصانع يف صناعته‪ ،‬والعامل يف عمله‪.‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫فيكون َهدْ ُيه يف ذلك هو َهدْ ي الرسول‬ ‫(((‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ﴾‬
‫‪ ‬الذي يتّبعه الصديقون والشهداء والصالحون‪ ،‬وإذا تحقق ذلك‬
‫فإن اهلل سوف يهديه ويوفقه التخاذ القرارات المناسبة يف كل ما يطرأ له من أمور‬
‫وحوادث‪ ،‬فيتخ ّطاها بعون اهلل وهدايته‪ ،‬وتكون أخالقه وتصرفاته داخلة يف إطار‬
‫أخالق وتصرفات الذين أنعم اهلل عليهم‪.‬‬
‫خروجا‬ ‫مخالف للذين أنعم اهلل عليهم‪ ،‬فهذا يعني‬
‫ٌ‬ ‫تصرف‬
‫ٌ‬ ‫وإذا بدر من ٍ‬
‫أحد‬
‫ً‬
‫وانحرا ًفا عن مسار الصراط المستقيم‪ ،‬والنزول لدرجة ّ‬
‫أقل من درجة الصالحين‪،‬‬
‫والدخول يف مسار المغضوب عليهم أو مسار الضالين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾(((‪.‬‬

‫***‬

‫(( ( (األنعام‪.)163-162:‬‬
‫(( ( (الملك‪.)22:‬‬
‫‪77‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫‪ J‬ﭯﭰﭱﭲﭳ ‪L‬‬
‫لقد حدد اهلل ‪ ‬نوع الصراط المستقيم بصراط (ﭿﮀﮁﮂﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ) وهنى عن اتباع صراط المغضوب عليهم‬
‫الذين يعرفون الحق ويجحدونه‪ ،‬والضالين الذين ال يعرفون الحق وتوقفوا عن‬
‫البحث عنه‪.‬‬
‫قال تعالى يف وصف المغضوب عليهم‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﴾(((‪ .‬هذا وصف لفئة من المغضوب عليهم من‬
‫فحق عليهم غضب اهلل‪.‬‬
‫مشركي قريش‪ ،‬وقد عرفوا الحق ثم جحدوه‪ ،‬وكفروا به‪ّ ،‬‬
‫وهؤالء عملوا عمل ع ّباد العجل من قوم موسى ‪ ‬الذين عرفوا الحق‬
‫غضب من اهلل وذلة يف الحياة الدنيا‪ ،‬وهو مصير‬
‫ٌ‬ ‫ثم جحدوه وعبدوا العجل فنالهم‬
‫كل من يعرف الحق فيجحده‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﴾(((‪.‬‬
‫وقد توعد اهلل سبحانه وتعالى من اتبعوا صراط المغضوب عليهم فصاروا‬
‫مشرتكين يف نفس الجزاء‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن المنافقين الذين اتبعوا صراط‬
‫المغضوب عليهم من اليهود الذين عاصروا الرسول ‪ ‬وعرفوا الحق‬
‫فجحدوه‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬

‫(( ( (النحل‪.)106 :‬‬


‫(( ( (األعراف‪.)152 :‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪78‬‬
‫ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾(((‪.‬‬
‫هذا وصف لكل مغضوب عليه من اهلل عرف الحق وجحده‪ ،‬أ ًّيا كان دينه أو‬
‫مذهبه الذي يدّ عيه‪ .‬ووعيد لكل من اتبع صراط المغضوب عليهم‪.‬‬
‫وقد حذر اهلل المؤمنين من أن يتبعوا صراط المغضوب عليهم من اليهود‪،‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﴾(((‪.‬‬
‫ولهذا عندما نقرأ سورة الفاتحة فالبد أن نستحضر الهداية التي نطلبها من اهلل‪،‬‬
‫بأن يهدينا الصراط المستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعم اهلل عليهم‪ ،‬وأن يجنبنا صراط‬
‫المغضوب عليهم‪.‬‬
‫أ ّما المراد بالضالين فقد بينه إبراهيم ‪ ‬يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫(((‬
‫ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ﴾‬
‫فالضالون هم الذين ال يعرفون طريق الحق‪ ،‬وتوقفوا عن البحث عنه‪ ،‬ولذلك ب ّين‬
‫إبراهيم يف حواره لقومه أنه يجب عليهم أال يتوقفوا عن البحث عن الحق‪ ،‬وأن‬
‫يسألوا رهبم وخالقهم الهداية‪ ،‬فقد تكفل هبم وهبدايتهم إن هم سألوه ذلك ﴿ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾((( فإبراهيم لم يتوقف عن البحث‬
‫عن الحق‪ ،‬وسأل ربه الهداية‪ ،‬وب ّين لقومه أنه وصل إليه‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾(((‪.‬‬

‫(المجادلة‪.)17-14 :‬‬ ‫((( ‬


‫(الممتحنة‪.)13 :‬‬ ‫((( ‬
‫(األنعام‪.)77:‬‬ ‫(( (‬
‫(األنعام‪.)77:‬‬ ‫(( (‬
‫(األنعام‪.)79:‬‬ ‫(( (‬
‫‪79‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫وقد ضمن اهلل لكل مؤمن لم ُي ْلبِس إيمانه بشرك أن يجعله آمنًا مطمئنًّا ويهديه‬
‫لصراطه المستقيم‪ ،‬ولذلك شهد اهلل إلبراهيم ولذريته وإلخوانه من األنبياء أهنم‬
‫كلهم قد هداهم اهلل للصراط المستقيم‪.‬‬

‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬


‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬
‫ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ‬
‫ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ‬
‫ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬
‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ‬
‫ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ‬
‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﴾(((‪.‬‬
‫واعلم أن اتباع طريق هؤالء الذين أنعم اهلل عليهم إنما هو عبادة‪ ،‬وقد أمرنا اهلل‬
‫أن ندعوه ليهدينا صراطهم مثلما أمر الرسول ‪ ‬أن يقتدي هبدايتهم‪ ،‬قال‬
‫تعالى يف تكملة اآلية‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾((( وألن اهلل أمرنا فقد تكفل لمن دعاه الدعوة‬
‫الصادقة أن يبين له طريقهم‪ ،‬ف ُيب ّين اهلل له صراط النبيين ببيان سنّة الرسول ‪‬‬
‫الصحيحة الذي استمسك بما أوحي إليه من القرآن‪ ،‬ويجنبه البدع ما ظهر منها وما‬
‫بطن‪ .‬وكذلك يجعله يعرف من هم الصديقون ومن هم الشهداء والصالحون المعرفة‬

‫(( ( (األنعام‪.)89-82:‬‬
‫(( ( (األنعام‪.)90:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪80‬‬
‫أيضا سوف يعرف من هم المغضوب عليهم‪ ،‬ومن هم‬
‫الحقيقية فيتبع طريقهم‪ ،‬وهبذا ً‬
‫الضالون‪ ،‬فال يتبع صراطهم المنحرف عن الصراط المستقيم‪.‬‬
‫والرفقة التي يجب أن نكون من ضمنها هي رفقة هؤالء األربعة؛ النبيين‬
‫والصديقين والشهداء والصالحين‪ ،‬رفقة امتدحها اهلل وقال عنها‪﴿ :‬ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﴾((( وإذا قال اهلل عنها ذلك فاعلم أهنا أحسن رفقة‪ ،‬وال يرضى منا‬
‫أقل من درجة الصالحين‪ ،‬إن لم نصل إلى درجة الصديقين‪،‬‬‫‪ ‬أن نكون ّ‬
‫فأي منزلة أعظم من هذه الرفقة! ومن يخرج عن مسار هؤالء الذين أنعم اهلل عليهم‬
‫أقل من مرتبة الصالحين‪.‬‬ ‫فقد خرج عن مسار الطريق المستقيم‪ ،‬وصار يف مرتبة ّ‬
‫ِ‬
‫وع َظ ُ‬
‫ـم هذه المنزلة تتضح يف آثارها‪ ،‬ومن آثارها أن اهلل أمرنا أن نقتدي‬
‫هبؤالء الرفقة ألهنا أحسن رفقة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ واتباع الصراط المستقيم درجات بحسب درجات اإليمان‪،‬‬
‫أعالها األنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون‪ ،‬ول ِ ُع ُل ِّو هذه المنزلة فقد‬
‫أمرنا اهلل أن ندعوه ليهدينا صراطهم‪.‬‬
‫وهبذه الهداية يمشي هؤالء بنور اهلل يف كل أمورهم‪ ،‬ويصاحبهم التوفيق من‬
‫اهلل يف كل قراراهتم بإذن اهلل‪ ،‬وال عجب أن يكون ذلك لمن هم يف أعلى منزلة بعد‬
‫األنبياء من اتباع الطريق المستقيم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾(((‪.‬‬
‫فالمؤمنون يمشون بنور اهلل يف كل حركة من حركاهتم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮅ‬
‫ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ‬

‫(( ( (النساء‪.)69 :‬‬


‫(( ( (الملك‪.)22:‬‬
‫‪81‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫فيخرجهم اهلل من ظلمات كل طريق‬ ‫(((‬


‫ﮓﮔﮕﮖﮗ﴾‬
‫يسلكونه وينير لهم الطريق الصحيح يف كل أمورهم‪ ،‬يف العبادات والمعامالت‪،‬‬
‫فيهديهم اهلل لعبادته العبادة الصحيحة الخالصة‪ ،‬ويهديهم ليتعاملوا مع الناس‬
‫المعاملة العادلة النافعة لهم وللناس‪ ،‬ليصلوا بذلك إلى كمال العبادات وكمال‬
‫المعامالت‪ ،‬ويكون لدى هؤالء فراسة ليست عند غيرهم ُتسمى بـ(فراسة المؤمن)‬
‫وهو نور يقذفه اهلل يف قلب المؤمن‪ٌّ ،‬‬
‫كل حسب درجة إيمانه‪ ،‬فالمؤمن القوي أقوى‬
‫نورا وهداية ّ‬
‫لكل ما يدور حوله‪.‬‬ ‫وأتم ً‬
‫فراسة ُّ‬
‫ونستطيع أن نم ّثل لدرجات اإليمان‪ ،‬ومن َث ّم درجات الهداية‪ ،‬بمن يطلب‬
‫ٍ‬
‫مرشد ليد ّله الطريق إلى مكان ما‪ ،‬فاألقل إيمانًا سوف يصف له المرشد‬ ‫العون من‬
‫الطريق وص ًفا شفو ًّيا‪ ،‬أما األكثر منه إيمانًا فسوف يعطيه المرشد خريطة يبين له‬
‫فيها المكان الذي هو فيه اآلن والمكان الذي يريد الذهاب إليه‪ ،‬ويطلب منه اتباع‬
‫الخريطة‪ ،‬واألكثر منهما إيمانًا سوف يعطيه المرشد الخريطة ويشرح له أفضل‬
‫الطرق والمنعطفات على الخريطة من البداية وحتى النهاية‪ ،‬أما كامل اإليمان‬
‫فهذا وضعه مختلف عنهم جمي ًعا‪ ،‬ألن المرشد سوف يأخذه بيده ويوصله‬
‫عرفه على‬
‫بنفسه‪ ،‬ويختار له أقصر وأسرع وأسهل الطرق حتى يصل للمكان و ُي ِّ‬
‫المكان الجديد ويطمئنه‪ .‬وكاملو اإليمان هؤالء هم المحسنون الذين شهد اهلل‬
‫أنه معهم‪ِ ،‬‬
‫فأكر ْم هبا من معية‪ ،‬معية اهلل التي يهديهم هبا اهلل لكل طريق يسلكونه‬
‫على أفضل ما تكون الهداية‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﴾(((‪.‬‬

‫(( ( (المائدة‪.)16:‬‬
‫(( ( (العنكبوت‪.)69:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪82‬‬
‫فهذه هي درجات الهداية‪ْ ،‬‬
‫فلنخت َْر ألنفسنا أن نكون من المحسنين لنكون يف‬
‫معية اهلل يف كل طريق نسلكه‪ ،‬فنأمن الطريق من البداية حتى النهاية‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫إيمان‬ ‫(((‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾‬
‫كامل ليس معه أي ظلم‪ ،‬ال ظلم بالشرك‪ ،‬وال ظلم للنفس يف التقصير يف اتباع ما‬
‫أمر اهلل به واالبتعاد عما هنى عنه‪ ،‬وال ظلم للناس يف المعامالت‪.‬‬
‫فهذا اإليمان الكامل الخالي من الظلم يصاحبه األمن والهداية الكاملة‪،‬‬
‫ولذلك نرى أن كاملي اإليمان فراستهم تتم بلحظة؛ ألن هدايتهم كاملة‪ ،‬واألقل‬
‫منهم إيمانًا قد تأخذ منهم بعض الوقت ليتزود بعالمة تعينه‪ ،‬وبعضهم تكون‬
‫كل حسب درجة إيمانه‪.‬‬‫فراسته أطول من ذلك ويحتاج ألكثر من عالمة‪ٌّ ،‬‬
‫ومثل هؤالء كاملو اإليمان هم الذين نقتدي هبم ونطلب منهم االستشارة‬
‫فيما يطرأ من قضايا وأحداث‪ ،‬ألهنم على نور من رهبم الذي يهديهم إلى الطريق‬
‫الصحيح‪ ،‬وهذا ما فعله الذين لم َي ْط َعموا المعاصي من قوم طالوت‪ ،‬حينما طلب‬
‫منهم إخواهنم العون عندما واجهوا عدوهم جالوت وجنوده‪ ،‬فبينوا لهم أن النصر‬
‫ليس بالكثرة‪ ،‬وإنما باإليمان والصرب بإذن اهلل‪ ،‬وألن هذه النصيحة جاءت من‬
‫مؤمنين هداهم اهلل إلى صراطه المستقيم‪ ،‬وبينوا هذه الهداية باإليمان الصادق‬
‫والثبات والصرب واإلخالص هلل‪ ،‬فقد ذكر اهلل نصيحتهم هذه يف آيات تتلى إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وجعل قـَصصهم من ضمن أحسن القصص الذي اختاره اهلل لنا‪ ،‬فذكره يف‬
‫كتابه الكريم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾(((‪.‬‬

‫(( ( (األنعام‪.)82:‬‬
‫(( ( (البقرة‪.)249:‬‬
‫‪83‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫بعكس المكذبين الذين نجد أن قراراهتم فيها تخبط وارتباك‪ ،‬ألنه ليس لديهم‬
‫هداية ونور من اهلل‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﴾((( هم ُص ٌّم ال يستمعون لمن‬
‫يكلمهم يف الحق‪ ،‬فال يرون إال رأيهم‪ ،‬وال يبحثون عن الرأي الحق‪ ،‬وهم ُب ْك ٌم‬
‫ال يستطيعون إقناع غيرهم بما يقولون‪ ،‬ألهنم يفقدون الحجة‪ ،‬وهم يف ظلمات ال‬
‫يرون الرؤية الحقيقية لما يدور حولهم‪ ،‬فال يحسنون تحليل القضايا والحوادث‬
‫والتصرف على ضوئها‪.‬‬

‫***‬

‫(( ( (األنعام‪.)39:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪84‬‬

‫‪ J‬مثار اهلداية لصراط الذين أنعم اهلل عليهم ‪L‬‬


‫إن من عدل اهلل ورحمته ‪ ‬أن دلنا على معرفة الذين أنعم اهلل عليهم‬
‫بصفاهتم كي نقتدي هبم وهنتدي هبدايتهم‪ ،‬ونطلب منهم المشورة‪ ،‬ألن اهلل‬
‫التعرف‬
‫‪ ‬لن يطلب منّا أن ندعوه ونعبده باتباع هدى أناس ال نستطيع ّ‬
‫عليهم‪ ،‬فسمات وثمار الهداية للصراط المستقيم تكون واضحة على من هداه اهلل‬
‫وأنعم عليه‪.‬‬
‫ولقد رأينا كيف عرف صاحبا السجن المشركان أن يوسف ‪ ‬من‬
‫كل من يف السجن وجاءا إلى يوسف ‪‬‬ ‫المحسنين‪ ،‬ورأينا كيف تركا ّ‬
‫بكل ٍ‬
‫ثقة وبصوت مسموع أهنما يريانه أنه‬ ‫يطلبون منه العون‪ ،‬ويعلنان ويشهدان له ّ‬
‫من المحسنين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﴾(((‪.‬‬
‫وألن يوسف يمشي بنور اهلل‪ ،‬فقد نبأهم بتأويل ذلك‪ ،‬وتحقق تأويله بأمر اهلل‪،‬‬
‫وقبل أن ينبئهم فقد دعاهم إلى التوحيد‪ ،‬إلى صراط اهلل المستقيم‪ ،‬وأن يرتكوا ما‬
‫يعبدون من دون اهلل‪ .‬وهذا يعطينا داللة أن الدعوة هلل واألمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر مما يقوي اإليمان لدى المؤمن‪ ،‬وبالتالي يقوي نوره وهدايته‪ ،‬ألن الجزاء‬
‫من جنس العمل‪ ،‬فمن يهدي الناس هداية داللة ويدلهم الصراط المستقيم راج ًيا‬
‫هبا وجه اهلل‪ ،‬فإن اهلل يهديه هداية توفيق‪ ،‬ليكون مع الذين أنعم اهلل عليهم‪ ،‬قال‬
‫تعالى مخربًا عن يوسف قبل أن ينبئهم بتأويل الرؤيا‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ‬

‫((( (يوسف‪.)36:‬‬
‫‪85‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾(((‪.‬‬
‫وكما أن الكافر يعرف ويتوسم المحسنين‪ ،‬كذلك فإن المسلم ال يجد صعوبة‬
‫يف معرفتهم‪ ،‬فقد رأى إخوة يوسف أن يوسف من المحسنين‪ ،‬مع أهنم لم يعرفوه‬
‫ولم يخالطوه إال مدة قصيرة‪ ،‬واستخدموا هذه المعرفة الستعطاف يوسف‬
‫وتذكيره بأنه من المحسنين كي يرد إليهم أخاه الذي أخذه عنده‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ ﴾((( وقد تحقق ما رأوه من يوسف‪ ،‬فقد أحسن إلى أخيه وأحسن إلى والديه‬
‫وإخوته بإحسان اهلل إليهم‪.‬‬
‫وهذه المعرفة التي يعرفها الناس عن الذين أنعم اهلل عليهم تجعل من‬
‫يريد الحق ال غيره‪ ،‬من المسلمين وغير المسلمين‪ ،‬يلجأ إليهم ال إلى غيرهم‪،‬‬
‫ولوضوح هذه المعرفة فإننا رأينا كيف أن الملك كان واث ًقا عندما وافق على جعل‬
‫يوسف على خزائن األرض‪ ،‬ألنه رأى فيه صفات المحسنين كما رأى ذلك غيره‪،‬‬
‫والنعمة التي أنعمها اهلل على يوسف من التمكين يف األرض هي من ثمار اتباعه‬
‫الصراط المستقيم يف كل أحواله‪ ،‬حتى صار من المحسنين‪ ،‬فجازاه اهلل كما يجازي‬
‫المحسنين‪ ،‬ألن اهلل ال يضيع أجر المحسنين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾(((‪.‬‬

‫((( (يوسف‪.)40-39:‬‬
‫((( (يوسف‪.)78:‬‬
‫((( (يوسف‪.)56:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪86‬‬
‫وإذا أردنا أن نضرب أمثلة تطبيقية على الهداية لصراط الذين أنعم اهلل عليهم‬
‫من الصديقين‪ ،‬فال أفضل بعد األنبياء من أبي بكر الصديق‪ ،‬الذي نرى فيه أن‬
‫اهلل قد هداه إلى صراط الذين أنعم اهلل عليهم من النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين‪ ،‬فاهتدى هبدي الرسول ‪.‬‬

‫ومن ذلك هداية اهلل له يف تصديق خرب اإلسراء والمعراج‪ ،‬حينما جاءه‬
‫مشركو قريش يخربونه أن محمدً ا يقول إنه ذهب إلى بيت المقدس و ُعرج به‬
‫للسماء ورجع يف الليلة نفسها‪ ،‬فقال قولته المشهورة‪ :‬إِ ْن ك َ‬
‫َان َقا َل ُه َف َل َقدْ َصدَ َق(((‪.‬‬
‫فلم تكن مشكلته يف تصديق ماقاله الرسول ‪ ‬بل كانت مشكلته يف‬
‫تصديق من جاءه بالخرب من المشركين؛ هل قال الرسول ‪ ‬ذلك أم لم‬
‫يقله؟ فكانت إهانة لهم‪ ،‬بمعنى أنه قد ال يصدقهم يف إيصالهم لمعلومة يأتون هبا‬
‫من مسافة قصيرة ال تتعدى بضع أمتار‪ ،‬ويصدق الرسول ‪ ‬يف إيصاله‬
‫لمعلومة تأيت من مسافة مليارات الكيلوات من األمتار‪ ،‬من السماء إلى األرض‪.‬‬

‫وقد هدى اهلل أبا بكر لصراط النبيين عندما اعرتض الجميع على قرار الرسول‬
‫‪ ‬بالرجوع يف صلح الحديبية من دون عمرة‪ ،‬فلم يعرتض ولم يجزع‪،‬‬
‫وكان ر ّده على سؤال عمر له هو نفس ر ّد الرسول ‪ ‬حيث قال أبو بكر‬
‫الز ْه ِر ُّي‪َ :‬ق َال ُع َم ُر‪َ :‬ف َع ِم ْل ُت ل ِ َذل ِ َك َأ ْع َمال(((‪.‬‬
‫ف بِ ِه‪َ .‬ق َال ُّ‬ ‫لعمر‪َ :‬فإِن ََّك آتِ ِ‬
‫يه َو ُم َّط ِّو ٌ‬
‫فأبو بكر لم يحزن ولم يتضجر ولم يناقش الرسول ‪ ‬يف ذلك‪ ،‬ألنه‬
‫وصل إلى اليقين بأن كل ما يحدث له إنما هو خير من اهلل ولو لم َير هذا الخير‬

‫((( أخرجه البيهقي يف «دالئل النبوة» (‪ )360 - 359/2‬وصححه األلباين لشواهده يف «السلسلة الصحيحة»‬
‫(رقم ‪.)306‬‬
‫(( ( البخاري‪ ،)2732( ،)2731( :‬مسلم‪.)4834( :‬‬
‫‪87‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫اآلن‪ ،‬لكنه واثق ومتيقن منه‪ ،‬فهو الصدّ يق الذي يصدق كل ما يقوله اهلل ورسوله‪،‬‬
‫وهذا هو كمال الهدى‪.‬‬
‫ومن صور الهداية للصراط المستقيم وتصديقه ‪ ‬إصراره على‬
‫إرسال جيش أسامة بن زيد بعد وفاة الرسول ‪ ‬وكان أغلب الصحابة‬
‫معارضين لذلك‪ ،‬فأصر على إنفاذ جيش أسامة‪ ،‬ألن الذي أمر به هو الرسول‬
‫‪ ‬وهو يعلم أن الرسول ‪ ‬يمشي على الصراط المستقيم‪،‬‬
‫صراط الذين أنعم اهلل عليهم من النبيين‪ ،‬وهو بذلك يتبع هذا الصراط كما أمر اهلل‬
‫الخير يف أمر الرسول‬
‫َ‬ ‫أن يتبعه‪ ،‬فيطبق ما يأمر به الرسول ‪ ‬ألنه يرى‬
‫غانما‪.‬‬
‫سالما ً‬
‫ً‬ ‫‪ .‬وقد كان ذلك‪ ،‬حيث ذهب الجيش ثم رجع‬
‫وقد قال قولته كما جاء يف «البداية والنهاية» البن كثير‪ :‬واهلل ال أحل عقدة‬
‫عقدها رسول اهلل‪ ،‬ولو أن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة‪ ،‬ولو أن الكالب‬
‫جرت بأرجل أمهات المؤمنين ألجهزن جيش أسامة‪ ،‬وآمر الحرس يكونون حول‬
‫المدينة‪ .‬فكان خروج أسامة يف ذلك الوقت من أكرب المصالح والحالة تلك‪،‬‬
‫فساروا ال يمرون بحي من أحياء العرب إال ُأرعبوا منهم وقالوا‪ :‬ما خرج هؤالء‬
‫من قوم إال وهبم منعة شديدة! فقاموا أربعين يو ًما ‪ -‬ويقال‪ :‬سبعين يو ًما ‪ -‬ثم أ َتوا‬
‫سالمين غانمين‪ ،‬ثم رجعوا‪ ،‬فجهزهم حينئذ مع األحياء الذين أخرجهم لقتال‬
‫المرتدة ومانعي الزكاة(((‪ .‬انتهى كالمه‪.‬‬
‫ومن هداية اهلل له للصراط المستقيم أن اهلل هداه التخاذ قرار صعب اعرتض‬
‫عليه جميع الصحابة وأرسلوا عمر ‪ ‬ليراجعه يف ذلك‪ ،‬عندما قرر أن‬
‫يحارب المرتدين‪.‬‬

‫(( ( البداية والنهاية (‪.)422 - 421/9‬‬


‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪88‬‬
‫ف َأ ُبو َب ْك ٍر‬ ‫ُخلِ َ‬ ‫است ْ‬ ‫عن َأبِي هرير َة َق َال‪َ :‬لما ُتو ِّفي رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ‪َ ‬و ْ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫َّاس َو َقدْ َق َال‬ ‫ب‪َ ،‬ق َال ُعمر لأِ َبِي ب ْك ٍر‪َ :‬كي َ ِ‬ ‫َب ْعدَ ُه‪َ ،‬و َك َف َر َم ْن َك َف َر مِ َن ال َع َر ِ‬
‫ف ُت َقات ُل الن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫اس َح َّتى َي ُقو ُلوا‪َ :‬ال إِ َل َه إِ اَّل ال َّل ُه‪َ .‬ف َم ْن‬ ‫ول اهَّللِ ‪ُ :‬‬
‫«أ ِم ْر ُت َأنْ ُأ َقاتِ َل ال َّن َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ال‪َ :‬ال إِ َل َه إِ اَّل ال َّل ُه َع َص َم ِمنِّي َم َال ُه َو َن ْف َس ُه‪ ،‬إِ اَّل بِ َح ِّق ِه َو ِح َسا ُب ُه َع َلى ال َّل ِه»؟ َف َق َال‪:‬‬ ‫َق َ‬
‫ال‪َ ،‬وال َّل ِه َل ْو َمنَ ُعونِي‬ ‫الزكَا َة َح ُّق الم ِ‬
‫َ‬
‫الزك ِ‬
‫َاة‪َ ،‬فإِ َّن َّ‬ ‫الصالَ ِة َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوال َّله لأَ ُ َقات َل َّن َم ْن َف َّر َق َب ْي َن َّ‬
‫ول ال َّل ِه ‪َ ‬ل َقا َت ْلت ُُه ْم َع َلى َمن ِْع ِه‪َ .‬ف َق َال ُع َم ُر‪:‬‬ ‫ِع َقالاً كَانُوا ُي َؤ ُّدو َن ُه إِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫الح ُّق(((‪.‬‬‫َال‪َ ،‬ف َع َر ْفت َأ َّن ُه َ‬ ‫َف َوال َّل ِه ما ُه َو إِلاَّ َأ ْن ر َأ ْيت ال َّل َه َقدْ َشر َح َصدْ ر َأبِي َب ْك ٍر ل ِ ْل ِقت ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ولعلنا نالحظ هنا ما قاله عمر بن الخطاب يف هناية الحديث‪ ،‬فلقد عرف‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ‬درجة هداية الصديقين‪ ،‬فأقسم على أن صراط أبي‬
‫ِ‬
‫بكر الصديق هو الحق‪ ،‬عندما قال‪َ « :‬ف َواهَّلل َما ُه َو إِلاَّ َأ ْن َر َأ ْيت َ‬
‫اهَّلل َقدْ َش َر َح َصدْ َر‬
‫الح ُّق» فقد هدى اهلل أبا بكر الصديق إلى الصراط‬ ‫َأبِي َب ْك ٍر ل ِ ْل ِقت ِ‬
‫َال‪َ ،‬ف َع َر ْفت َأ َّن ُه َ‬
‫قرار كان قد عارضه جميع الصحابة عليه ‪ ‬أجمعين‪ ،‬وعرف‬ ‫المستقيم يف ٍ‬
‫عمر ذلك فاتبع صراط الصديق أبي بكر تع ّبدً ا هلل‪.‬‬
‫فهذه الصور وغيرها من صور الهداية للطريق المستقيم قد انفرد هبا الصديق‬
‫حريصا كل الحرص على اتباع صراط‬
‫ً‬ ‫دائما‬
‫عن غيره من الصحابة؛ ألنه كان ً‬
‫الذين أنعم اهلل عليهم من النبيين‪ ،‬حتى ارتقى ووصل إلى منزلة الصديقين الذين‬
‫أنعم اهلل عليهم‪ ،‬ممن َي َّتبِع صرا َطهم المؤمنون‪ ،‬ويتعبدون اهلل يف اتباع صراط أبي‬
‫بكر الصديق‪.‬‬

‫***‬
‫(( ( البخاري‪ ،)1399( ،)6925( :‬مسلم‪.)124( :‬‬
‫‪89‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫‪ J‬آمني ‪L‬‬
‫ول اهَّللِ ‪َ ‬ق َال‪« :‬إِ َذا َق َال ا ِإل َم ُام‪﴿ :‬ﭯ‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة َأ َّن َر ُس َ‬
‫الئِ َك ِة‬ ‫ين‪َ .‬فإِ َّن ُه َم ْن َوا َف َق َق ْو ُل ُه َق ْو َل َ‬
‫الم َ‬ ‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾((( َف ُقو ُلوا‪ِ :‬‬
‫آم َ‬
‫ُغ ِف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم ِم ْن َذ ْنبِ ِه»(((‪.‬‬
‫وإذا أ ّمنت المالئكة وأ ّمن المأمومون على دعاء اإلمام يف سورة الفاتحة‪،‬‬
‫فكأنما د َعوا بنفس الدعاء‪ ،‬وهبذا يكون عدد الموقنين باإلجابة أكرب‪ ،‬السيما أن‬
‫المالئكة مستجابو الدعوة‪ ،‬وكذلك بعض من حضر الصالة قد يكون مستجاب‬
‫أيضا‪ ،‬فيستجيب اهلل لدعائهم ليشمل الجميع‪.‬‬
‫الدعوة ً‬
‫ولقد دعا موسى ‪ ‬وأ َّمن من خلفه هارون‪ ،‬فاستجاب اهلل لهما ﴿ﭑ‬
‫يدع‪ ،‬وإنما أ َّمن على دعاء موسى‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﴾((( مع أن هارون لم ُ‬
‫فقط‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ‬
‫ﰄﰅﰆﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ‬
‫ٍ‬
‫دعاء فهو مثل من دعا‬ ‫ﭜ ﴾(((وهذه اآلية فيها داللة على أن من يؤ ِّمن على‬
‫الدعاء نفسه‪.‬‬
‫ولهذا فإن دعوة المسلم ألخيه المسلم يف ظهر الغيب مستجابة‪ ،‬ألنه عندما‬

‫(( ( [الفاتحة‪.]7 :‬‬


‫(( ( البخاري‪.)4475( ،)782( :‬‬
‫((( (يونس‪.)89 :‬‬
‫((( (يونس‪.)89-88:‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪90‬‬
‫يدعو له يف ظهر الغيب يؤمن على دعوته َم َل ٌك ويقول‪ :‬ولك بمثل‪ ،‬والملك دعوته‬
‫مستجابه‪.‬‬
‫ان‪َ ،‬وكَان َْت َت ْح َت ُه الدَّ ْر َدا ُء ‪َ -‬ق َال‪:‬‬ ‫ان ‪َ -‬و ُه َو ا ْب ُن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن َص ْف َو َ‬ ‫َع ْن َص ْف َو َ‬
‫الشا َم‪َ ،‬ف َأ َت ْي ُت َأ َبا الدَّ ْر َد ِاء فِي َمن ِْزل ِ ِه‪َ ،‬ف َل ْم َأ ِجدْ ُه َو َو َجدْ ُت ُأ َّم الدَّ ْر َد ِاء‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪:‬‬
‫َق ِد ْم ُت َّ‬
‫خ ْي ٍر‪َ ،‬فإِ َّن النَّبِ َّي ‪‬‬ ‫َأ ُت ِريدُ ا ْل َح َّج ا ْل َعا َم؟ َف ُق ْل ُت‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬قا َل ْت‪َ :‬فا ْد ُع َ‬
‫اهلل َلنَا بِ َ‬
‫ب ُم ْست ََجا َب ٌة‪ِ ،‬ع ْن َد َر ْأ ِس ِه َم َل ٌك‬ ‫ول‪َ « :‬د ْع َو ُة ا ْل َم ْر ِء ا ْل ُم ْس ِل ِم أِ َل ِخ ِ‬
‫يه بِ َظ ْه ِر ا ْل َغ ْي ِ‬ ‫َان َي ُق ُ‬
‫ك َ‬
‫ين‪َ ،‬و َل َك بِ ِمثْلٍ »(((‪.‬‬ ‫يه بِ َخ ْي ٍر‪َ ،‬ق َ‬
‫ال ا ْل َم َل ُك ا ْل ُم َو َّك ُل بِ ِه‪ِ :‬‬
‫آم َ‬ ‫ُم َو َّك ٌل ُك َّل َما َد َعا أِ َل ِخ ِ‬

‫ولقد س ّن لنا الرسول ‪ ‬أن نقول (آمين) بعدما ننتهي من قراءة‬


‫سورة الفاتحة‪ ،‬وتعني‪ :‬اللهم استجب‪ .‬وهي ليست من القرآن‪ ،‬وإنما ع ّلمها‬
‫جربيل للرسول ‪ ‬وعلمنا إياها الرسول ‪.‬‬

‫وهذه السنة يف قولنا‪( :‬آمين) نعمة وكرم من اهلل علينا‪ ،‬فعندما يؤ ِّمن اإلمام‬
‫ويؤ ِّمن المأمومون من خلفه على هذا الدعاء‪ ،‬ثم تؤ ّمن المالئكة‪ ،‬فقد أمـَّنوا لدعاء‬
‫يشمل الجميع‪ ،‬ألن الدعاء جاء بصيغة الجمع ﴿ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﴾ فيستجيب اهلل دعا ًء يشمل به كل من حضر الصالة مع‬
‫اإلمام‪ .‬وهذه فائدة عظيمة من فوائد الصالة مع الجماعة‪.‬‬

‫ولذلك عندما نقول‪( :‬آمين) بعد قراءة الفاتحة ال بد أن نستحضر الدعاء الذي‬
‫أ َّمنَّا عليه‪ ،‬فقد دعونا اهلل بضمير الجمع لنا وللمسلمين أن يعيننا على كل أمورنا يف‬
‫العبادات والمعامالت‪ ،‬وكذلك دعونا ربنا بضمير الجمع لنا وللمسلمين أن يهدينا‬
‫الصراط المستقيم يف جميع أمورنا الدينية والدنيوية‪ ،‬صراط الذين أنعم اهلل عليهم‬

‫((( مسلم‪.)2733( :‬‬


‫‪91‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‪ ،‬وأن يجنبنا صراط المغضوب‬


‫عليهم وصراط الضالين‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نستفيد مما يف هذه السورة العظيمة مما علمنا ربنا ‪‬‬
‫فال نختم السورة ونقول‪( :‬آمين) إال وقد حصلنا على ما أعطانا اهلل عندما يقول‬
‫سبحانه‪( :‬ولعبدي ما سأل)‪.‬‬

‫***‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪92‬‬

‫‪ J‬اخلامتة ‪L‬‬
‫من قرأ سورة الفاتحة قراءة يرضاها اهلل عنه فقد حقق كمال اإليمان بأركانه‬
‫الستة‪ .‬اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وبالقدر خيره وشره‪،‬‬
‫وحقق كمال العبادة بعون من اهلل وهداية منه سبحانه للصراط المستقيم‪ ،‬صراط‬
‫الذين أنعم اهلل عليهم‪ ،‬ولهذا سميت الفاتحة بـ(أم الكتاب) ألهنا تشمل الدين كله‪.‬‬
‫فاإليمان باهلل يتحقق بتوحيد العبودية هلل وتوحيد الربوبية وتوحيد األسماء‬
‫والصفات‪ ،‬وقد تحقق توحيد العبودية يف سورة الفاتحة باعرتافنا بأن الحمد كله‬
‫كائن هلل وبقولنا‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﴾‬
‫فالعبادة كلها كائنة هلل وحده ال شريك له‪ ،‬ومنها االستعانة باهلل والدعاء‪ ،‬فال نستعين‬
‫إال به وال ندعو إال إياه‪.‬‬
‫يتح َّقق باعرتافنا أن اهلل هو رب العالمين‪ ،‬خالق كل شيء‪،‬‬
‫وتوحيد الربوبية َ‬
‫المتصرف والمدبر لكل شيء‪ ،‬وهو مالك الدنيا ومالك يوم الدين‪ ،‬وهو رب الذين‬
‫أنعم اهلل عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‪ ،‬ورب المغضوب‬
‫عليهم ورب الضالين‪.‬‬
‫وتوحيد األسماء والصفات يتحقق باعرتافنا أن اهلل هو اإلله المحمود المعبود‪،‬‬
‫وهو رب العالمين‪ ،‬وهو الرحمن الرحيم‪ ،‬مالك يوم الدين‪ ،‬وهو سبحانه المعين‬
‫الهادي للصراط المستقيم‪.‬‬
‫والتصديق بما جاء يف هذه السورة العظيمة يتضمن اإليمان بقائل هذه‬
‫السورة‪ ،‬وهو اهلل‪ ،‬ويتضمن اإليمان بكتب اهلل‪ ،‬ومنها القرآن الذي يحتوي على‬
‫‪93‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫هذه السورة‪ ،‬ويتضمن اإليمان بالمالئكة‪ ،‬ومنهم جربيل الذي نزل هبذه السورة‬
‫على قلب محمد ‪ ‬ويتضمن اإليمان بالذين أنعم اهلل عليهم من النبيين‬
‫ومنهم الرسول ‪ ‬الذي نزلت عليه هذه السورة وب ّلغنا إياها‪ ،‬ويتضمن‬
‫اإليمان بيوم الدين‪ ،‬ومن يؤمن بيوم الدين ومالك يوم الدين فقد آمن بالقدر خيره‬
‫وشره‪ ،‬وهبذا يتحقق كمال اإليمان بأركانه الستة‪.‬‬
‫وأما تحقيق كمال العبادة هلل فيكون َّأولاً باالعرتاف بذلك بقولنا‪﴿ :‬ﭢﭣ﴾‬
‫وبعد ذلك بعون اهلل لنا لتحقيق هذه العبادة يف كل حركاتنا وسكناتنا عندما نسأله‬
‫العون يف قراءتنا‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﴾ ويكون هذا العون لهذه العبادة على هدى‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعم اهلل عليهم من النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين‪ ،‬غير المغضوب عليهم الذين يعرفون الحق ويجحدونه‪ ،‬وال الضالين‬
‫الذين ال يعرفون الحق ولم يجاهدوا أنفسهم بالبحث عنه‪.‬‬
‫وهبذا يكون العبد قد حقق كمال اإليمان وكمال العبادة هلل‪ ،‬بعون وهدى من‬
‫اهلل يف كل حركاته وسكناته منذ أن يستيقظ من نومه حتى يأوي إلى فراشه‪ ،‬فتكون‬
‫يسر اهلل له‬
‫كل أعماله عبادة؛ ألنه أخلصها هلل‪ ،‬يمشي هبا بنور وهدى من اهلل‪ ،‬وقد ّ‬
‫كل طريق ووفقه يف كل عمل‪ ،‬وهداه ّ‬
‫لكل خير‪ ،‬وأبعد عنه كل شر‪ ،‬من حيث ال‬
‫يحتسب‪.‬‬
‫فـ (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) الذي‬
‫أعطانا هذا النور العظيم يف سورة الفاتحة‪ ،‬والذي فـُتح له باب لم ُيـفتح قط إال‬
‫يوم أن نزل هذا النور‪ ،‬ونزل به ملك لم ينزل قط إال يف هذا اليوم‪ ،‬وال يقرأ أحدٌ‬
‫بحرف منها إال ُأ ْعطِ َيه‪.‬‬
‫نحمده سبحانه على عظيم كرمه ورحمته بنا يف هذا العطاء الواسع‪.‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪94‬‬
‫لذلك وجب علينا أن نحرص على أن نغتنم هذا العطاء من اهلل ‪ ‬يف‬
‫كل حرف من هذه السورة‪ ،‬فنقرأها بتدبر مستحضرين الحمد هلل والثناء على اهلل‬
‫وتمجيده ‪ ‬ومستحضرين توحيده سبحانه بالعبادة‪ ،‬وطالبين منه العون‬
‫والهداية ألفضل الطرق‪ ،‬وهو طريق النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‪،‬‬
‫ونبتعد كل البعد عن طريق المغضوب عليهم وعن طريق الضالين‪.‬‬

‫نسأل اهلل أن نكون من ضمن هذه الرفقة‪ ،‬رفقة الذين أنعم اهلل عليهم‪ ،‬وأال‬
‫نخرج عنها وال عن صراطهم المستقيم‪ ،‬حتى نمشي على األرض بنور وهداية‬
‫من اهلل يف كل خطوة نخطوها‪ ،‬وتكون كل أعمالنا وقراراتنا وخططنا مستمدّ ة من‬
‫هذا النور‪ ،‬فنكون مع الذين قال اهلل عنهم‪﴿ :‬ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﴾((( ونكون‬
‫أسعد من يمشي على هذه األرض‪ ،‬بإذن اهلل‪.‬‬

‫***‬

‫(( ( (المائدة‪.)119 :‬‬


‫‪95‬‬ ‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬

‫‪ J‬الفهرس ‪L‬‬
‫™ ™املقدمة‪5.....................................................................................................................................‬‬
‫™ ™االستعاذة ‪11................................................................................................................................‬‬
‫معىن االستعاذة‪12........................................................................................................................‬‬
‫صيغ االستعاذة ‪12.......................................................................................................................‬‬
‫االستعاذة باسم (اهلل)‪13.............................................................................................................‬‬
‫(أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم) ‪13.........................................................................................‬‬
‫فوائد االستعاذة باهلل ‪17.............................................................................................................‬‬
‫االستعاذة من الشيطان خِنْزَب ‪21..............................................................................................‬‬
‫™ ™( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ )‪24..............................................................................................‬‬
‫( ﭑ ﭒ ) ‪24...........................................................................................................................‬‬
‫( ﭒ )‪27....................................................................................................................................‬‬
‫( ﭓ ﭔ ) ‪29.................................................................................................................‬‬
‫( ﭓ ) ‪30...........................................................................................................................‬‬
‫( ﭔ ) ‪31..........................................................................................................................‬‬
‫™ ™﴿ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾ ‪35...............................................................................‬‬
‫﴿ ﭖ ﭗ ﴾ ‪37.................................................................................................................‬‬
‫﴿ ﭘ ﭙ ﴾ ‪39....................................................................................................‬‬
‫™ ™﴿ﭛ ﭜ ﭝ ﴾ ‪50....................................................................................................‬‬
‫™ ™﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﴾ ‪55................................................................................................‬‬
‫ماذا سألنا اهلل ليقول لنا‪ :‬ولعبدي ما سأل (الكنـز املهجور يف سورة الفاحتة)‬
‫‪96‬‬

‫™ ™﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﴾ ‪61.................................................................................‬‬
‫﴿ﭢ ﭣ ﴾‪62.....................................................................................................................‬‬
‫﴿ﭤ ﭥ ﴾‪68...........................................................................................................‬‬
‫الذكر نوعان‪71........................................................................................................................... :‬‬
‫™ ™﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ ‪73...........................................‬‬
‫اهلداية نوعان ‪74.........................................................................................................................‬‬
‫™ ™﴿ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾ ‪77.............................................................................‬‬
‫™ ™مثار اهلداية لصراط الذين أنعم اهلل عليهم ‪84......................................................................‬‬
‫™ ™آمني‪89..........................................................................................................................................‬‬
‫™ ™اخلامتة ‪92..................................................................................................................................‬‬
‫™ ™الفهرس ‪95...................................................................................................................................‬‬

‫***‬

You might also like