Professional Documents
Culture Documents
احلمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل وعلى آله وصحبه ومن وااله ..وبعد
فهذه جمموعة من الفوائد الرتبوية اللطيفة واإلشارات املتنوعة الفريدة ,خطها يراع أبو إسحاق
وسفره املفيد "املوافقات" ,الذي حوى مجلة من مقاصد الشريعة وكليات يف كتابه الفريد ِ
اإلسالم العظيمة ,مجعها من شتات املسائل ومتناثر اجلزئيات ,حىت عقدها يف سلك
واحد منظوم ,فكان مفرتع هذا العلم ,أبرزه وهلج به وأوسعه حبثا وحتليال وحتقيقا .
وقد أشار رمحه اهلل يف مقدمة الكتاب أنه سيكون مقصد كل قارئ باختالف مرتبته و وتنوع
حق املقلد واجملتهد
اختصاصه ,فقال يف سياق حديثه عن الكتاب (:ويويف ّ
والسالك والمربي والتلميذ واألستاذ ,على مقاديرهم في الغباوة والذكاء والتواني
حل ,ويُبصره في مقامه
واالجتهاد والقصور والنفاذ ,وينزل كال منهم منزلته حيث ّ
وجل ) .
الخاص به بما د ّق ّ
وقد وقفت أثناء قراءيت للكتاب على لطائف وحتقيقات يف الرتبية والسلوك ,فعزمت على
تقييدها ومجعها ,وضم النظري إىل نظريه ,والشبيه إىل شبيهه ,وقد اعتمدت على النسخة
اليت حققها الشيخ مشهور حسن آل سلمان ,من إصدارات دار ابن القيم ودار ابن عفان ,
الطبعة الرابعة 1434هـ ـ ,فأسأل اهلل أن يكتب فيها النفع وأن يرحم هذا اإلمام الف ّذ وجنم
املغرب الالمع مؤلف غرناطة إبراهيم بن موسى بن حممد الشاطيب .
" -3وكم من لذة وفائدة يعدها اإلنسان كذلك وليست في أحكام الشرع إال على
الضد ؛ كالزىن وشرب اخلمر ,وسائر وجوه الفسق واملعاصي ,اليت يتعلّق هبا غرض عاجل
,فإذاً قطع الزمان فيما ال يجني ثمرة في الدراين ,مع تعطيل ما يُجني الثمرة من فعل
ما ال ينبغي "1/53
"-4عامة املشتغلني بالعلوم اليت ال تتعلق هبا مثرة تكليفية ,تدخل عليهم فيها الفتنة واخلروج
عن الصراط املستقيم ,ويثور بينهم اخلالف والنزاع املؤدي إىل التقاطع والتدابر والتعصب,
حىت تفرقوا شيعا ,وإذا فعلوا ذلك خرجوا عن السنة ,ومل يكن أصل التفرق إال هبذا السبب
,حيث تركوا االقتصار من العلم على ما يعني ,وخرجوا إلى ما ال يعني؛ فذلك فتنة
على المتعلم والعالم " 1/53
" -5كل علم شرعي فطلب الشارع له إمنا يكون من حيث هو وسيلة إلى التعبد به هلل
تعالى ,ال من جهة أخرى ,فإن ظهر فيه اعتبار جهة أخرى ؛ فبالتبع والقصد الثاين ,ال
بالقصد األول " 1/73
" -6روح العلم هو العمل ,وإال فالعلم عارية وغري منتفع به " 1/75 .
" -7العلم وسيلة من الوسائل ,ليس مقصودا لنفسه من حيث النظر الشرعي ,وإمنا هو
وسيلة إىل العمل ,وكل ما ورد في فضل العلم ,فإنما هو ثاتب للعلم من جهة ما هو
مكلّف بالعمل به "1/83 .
" -8قد يكون العلم فضيلة ,وإن مل يقع العمل به على اجلملة ,كالعلم بفروع الشريعة
والعوارض الطارئة يف التكليف ,إذا فرض أهنا مل تقع يف اخلارج ؛ فإن العلم هبا حسن
,وصاحب العلم مثاب عليه وبالغ مبالغ العلماء ,لكن من جهة ما هو مظنة االنتفاع
عند وجود حمله " 1/84
" -9في العلم باألشياء لذة ال توازيها لذة ؛ إذ هو نوع من االستيالء على املعلوم واحلوز
له ,وحمبة االستيالء قد جبلت عليها النفوس وميلت إليها القلوب ,وهو مطلب خاص,
برهانه التجربة التامة واالستقراء العام؛ فقد يطلب العلم للتفكه به ,والتلذذ بمحادثته ,وال
سيما العلوم التي للعقول فيها مجال ,وللنظر في أطرافها متسع ,والستنباط المجهول
من المعلوم فيها طريق متبع "1/86 .
-10العلم الذي هو العلم املعترب شرعا -أعين الذي مدح اهلل ورسوله صلى اهلل عليه
وسلم أهله على اإلطالق -هو العلم الباعث على العمل ,الذي ال يخلي صاحبه جاريا
مع هواه كيفما كان ,بل هو المقيد لصاحبه بمقتضاه ,احلامل له على قوانينه طوعا أو
كرها " 1/89
" -11وعلى مقدار شدة التصديق يخف ثقل التكليف " 1/89 .
" -12املثابرة على طلب العلم ,والتفقه فيه ,وعدم االجتزاء باليسري منه ؛ يجر إلى
العمل به ويلجئ إليه ,كما تقدم بيانه ,وهو معىن قول احلسن ( :كنا نطلب العلم للدنيا؛
فجرنا إىل اآلخرة ) "1/103 .
" -13من العلم ما هو من صلب العلم ,ومنه ما هو ملح العلم ال من صلبه ,ومنه ما
ليس من صلبه وال ملحه " 1/107
-14قال رمحه اهلل بعد أن ساق مجلة من ُملح العلم " ...فهذه أمثلة ترشد الناظر إىل ما
وراءها ,حىت يكون على بينة فيما يأيت من العلوم ويذر ؛ فإن كثيرا منها يستفز الناظر
استحسانها ببادئ الرأي ,فيقطع فيها عمره ,وليس وراءها ما يتخذه معتمدا في عمل
وال اعتقاد ,فيخيب في طلب العلم سعيه ,واهلل الواقي "1/120 .
" -15ذكر املسائل العلمية ملن ليس من أهلها ,أو ذكر كبار املسائل ملن ال حيتمل عقله إال
صغارها ,على ضد التربية المشروعة ,فمثل هذا يوقع يف مصائب " 1/123
" -16فال يصح للعامل يف الرتبية العلمية إال احملافظة على هذه املعاين ,وإال لم يكن مربيا,
واحتاج هو إلى عالم يربيه " 1/124
" -17من أنفع طرق العلم املوصلة إىل غاية التحقق به ,أخذه عن أهله المتحققين به
على الكمال والتمام " 1/139 .
" -18وقد قالوا ( :إن العلم كان يف صدور الرجال ,مث انتقل إىل الكتب ,وصارت مفاحته
بأيدي الرجال ) ,وهذا الكالم يقضي بأن ال بد يف حتصيله من الرجال؛ إذ ليس وراء هاتني
املرتبتني مرمى عندهم ,وأصل هذا يف الصحيح" :إن اهلل ال يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من
الناس ,ولكن يقبضه بقبض العلماء" احلديث ,فإذا كان كذلك؛ فالرجال هم مفاتحه بال
شك " 1/140
" -19والكتب وحدها ال تفيد الطالب منها شيئا ,دون فتح العلماء ,وهو مشاهد
معتاد " 1/148
" -20وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك ال تجد عالما اشتهر في الناس األخذ عنه
إال وله قدوة واشتهر في قرنه بمثل ذلك ,وقلما وجدت فرقة زائغة ,وال أحد خمالف للسنة
إال وهو مفارق هلذا الوصف ,وهبذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري ,وأنه مل يالزم
األخذ عن الشيوخ ,وال تأدب بآداهبم ,وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كاألئمة األربعة
وأشباههم "1/144 .
" -21فكم من مسألة يقرؤها املتعلم يف كتاب ,وحيفظها ويرددها على قلبه فال
يفهمها ,فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة ,وحصل له العلم بها بالحضرة ,وهذا الفهم
حيصل إما بأمر عادي من قرائن أحوال ,وإيضاح موضع إشكال مل خيطر للمتعلم ببال ,وقد
حيصل بأمر غري معتاد ,ولكن بأمر يهبه اهلل للمتعلم عند مثوله بني يدي املعلم ,ظاهر الفقر
بادي احلاجة إىل ما يلقى إليه " 1/145
" -22وهي من فوائد جمالسة العلماء؛ إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم ما ال يفتح له
دونهم ,ويبقى ذلك النور لهم بمقدار ما بقوا في متابعة معلمهم ,وتأدبهم معه,
واقتدائهم به؛ فهذا الطريق نافع على كل تقدير " 1/146
" -23كتب املتقدمني وكالمهم وسريهم ؛ أنفع ملن أراد األخذ باالحتياط يف العلم ,على
أي نوع كان ,وخصوصا علم الشريعة " 1/153
" -24وال كالم يف أن الورع شديد يف نفسه ,كما أنه ال إشكال يف أن التزام التقوى
شديد؛ إال أن شدته ليست من جهة إيقاع ذلك بالفعل؛ ألن اهلل مل جيعل علينا يف الدين
من حرج ,بل من جهة قطع مألوفات النفس وصدها عن هواها خاصة " 1/165
" -27من تأمل سائر املقامات السنّية وجدها يف ترك االلتفات إلى المسببات ,ورمبا
كان هذا أعظم نفع الكرامات واخلوارق " 1/348
" -28فإذا نظر العامل فيما يتسبب عن عمله من اخلريات أو الشرور؛ اجتهد في اجتناب
المنهيات وامتثال المأمورات ,رجاء في اهلل وخوفا منه ,وهلذا جاء اإلخبار يف الشريعة
جبزاء األعمال ,ومبسببات األسباب ,واهلل أعلم مبصاحل عباده " 1/371
" -29ومن هنا ُجعلت األعمال الظاهرة في الشرع دليال على ما في الباطن ,فإن كان
الظاهر منخرما؛ حكم على الباطن بذلك ,أو مستقيما؛ حكم على الباطن بذلك أيضا,
وهو أصل عام يف الفقه وسائر األحكام العاديات والتجريبيات " 1/367
" -30املقصود يف التشريع إمنا هو جار على توسط جماري العادات ,وكونه شاقا على
بعض الناس أو في بعض األحوال مما هو على غير المعتاد ال يخرجه عن أن يكون
مقصودا له؛ ألن األمور اجلزئية ال خترم األصول الكلية ,وإمنا تستثىن حيث تستثىن نظرا إىل
أصل احلاجيات حبسب االجتهاد "505/1 .
" -31الرتخص إذا أخذ به يف موارده على اإلطالق؛ كان ذريعة إىل احنالل عزائم املكلفني
يف التعبد على اإلطالق ,فإذا أخذ بالعزمية؛ كان حريا بالثبات يف التعبد واألخذ باحلزم فيه.
بيان األول أن ( اخلري عادة ,والشر جلاجة ) ,وهذا مشاهد حمسوس ,ال حيتاج إىل إقامة
دليل ,والمتعود ألمر يسهل عليه ذلك األمر ما ال يسهل على غيره؛ كان خفيفا في
نفسه أو شديدا ,فإذا اعتاد الترخص؛ صارت كل عزيمة في يده كالشاقة الحرجة ,وإذا
صارت كذلك؛ مل يقم هبا حق قيامها ,وطلب الطريق إىل اخلروج منها ,وهذا ظاهر "
1/508
" -32مجلة األحوال العارضة للقوم ,واألحوال من حيث هي أحوال ال تطلب بالقصد ,وال
تعد من املقامات ,وال هي معدودة يف النهايات ,وال هي دليل على أن صاحبها بالغ مبلغ
التربية والهداية ,واالنتصاب لإلفادة ,كما أن املغامن يف اجلهاد ال تعد من مقاصد اجلهاد
األصلية ,وال هي دليل على بلوغ النهاية ,واهلل أعلم "1/550 .
" -33الصالة مثال إذا تقدمتها الطهارة أشعرت بتأهب ألمر عظيم ,فإذا استقبل القبلة
أشعر التوجه حبضور املتوجه إليه ,فإذا أحضر نية التعبد ,أمثر اخلضوع والسكون ,مث يدخل
فيه على نسقها بزيادة السورة خدمة لفرض أم القرآن؛ ألن اجلميع كالم الرب املتوجه إليه,
وإذا كرب وسبح وتشهد ,فذلك كله تنبيه للقلب ,وإيقاظ له أن يغفل عما هو فيه من مناجاة
ربه والوقوف بني يديه ,وهكذا إىل آخرها ,فلو قدم قبلها نافلة ,كان ذلك تدرجيا للمصلي
واستدعاء للحضور ,ولو أتبعها نافلة أيضا ,لكان خليقا باستصحاب احلضور يف الفريضة" .
2/42
" -34املفاسد الدنيوية ليست مبفاسد حمضة من حيث مواقع الوجود ,إذ ما من مفسدة
تفرض يف العادة اجلارية إال ويقرتن هبا أو يسبقها أو يتبعها من الرفق واللطف ونيل اللذات
كثري ,ويدلك على ذلك ما هو األصل ,وذلك أن هذه الدار وضعت على االمتزاج بني
الطرفني واالختالط بني القبيلني ,فمن رام استخالص جهة فيها مل يقدر على ذلك ,وبرهانه
التجربة التامة من مجيع اخلالئق ,وأصل ذلك اإلخبار بوضعها على االبتالء واالختبار
والتمحيص " 2/44
" -35املراتب -وإن تفاوتت -ال يلزم من تفاوهتا نقيض وال ضد ,ومعىن هذا أنك إذا
قلت" :فالن عامل" ,فقد وصفته بالعلم ,وأطلقت ذلك عليه إطالقا حبيث ال يسرتاب يف
حصول ذلك الوصف له على كماله ,فإذا قلت" :وفالن فوقه يف العلم" ,فهذا الكالم
يقتضي أن الثاين حاز رتبة يف العلم فوق رتبة األول ,وال يقتضي أن األول متصف باجلهل
ولو على وجه ما ,فكذلك إذا قلت" :مرتبة األنبياء يف اجلنة فوق مرتبة العلماء" ,فال يقتضي
ذلك للعلماء نقصا من النعيم وال غضا من املرتبة حبيث يداخله ضده ,بل العلماء منعمون
نعيما ال نقص فيه ,واألنبياء عليهم الصالة والسالم فوق ذلك يف النعيم الذي ال نقص فيه,
وكذلك القول يف العذاب بالنسبة إىل املنافقني وغريهم .كل يف العذاب ال يداخله راحة,
ولكن بعضهم أشد عذابا من بعض ...وحاصل هذا أن ترتيب أشخاص النوع الواحد
بالنسبة إىل حقيقة النوع ال ميكن ,وإمنا يكون بالنسبة إىل ما ميتاز به بعض األشخاص من
اخلواص واألوصاف اخلارجة عن حقيقة ذلك النوع ,وهذا معنى حسن جدا ,من تحققه
هانت عليه معضالت ومشكالت في فهم الشريعة ,كالتفضيل بني األنبياء عليهم الصالة
والسالم ,وزيادة اإلميان ونقصانه ,وغري ذلك من الفروع الفقهية واملعاين الشرعية ,اليت زلت
بسبب اجلهل هبا أقدام كثري من الناس ,وباهلل التوفيق " 2/61 2/58
" -36فالعادة حتيل استقالل العقول يف الدنيا بإدراك مصاحلها ومفاسدها على التفصيل "
2/78
" -37ويف احلديث ( :اخلري عادة ) وإذا اعتادت النفس فعال من أفعال الخير حصل له
به نور في قلبه ,وانشرح به صدره ,فال يأتي فعل ثان إال وفي النفس له القبول؛ هذا يف
عادة اهلل يف أهل الطاعة ,وعادة أخرى جارية يف الناس أن النفس أقرب انقيادا إىل فعل
يكون عندها فعل آخر من نوعه ,ومن هنا كان عليه الصالة والسالم يكره أضداد هذا وحيب
ما يالئمه ,فكان حيب الرفق ويكره العنف ,وينهى عن التعمق والتكلف والدخول حتت ما ال
يطاق محله؛ ألن هذا كله أقرب إىل االنقياد ,وأسهل يف التشريع للجمهور " 2/150 .
" -38ينبغي ملن كان عاملا بعاقبة أمر -بوجه من وجوه العلم الذي هو خارج عن معتاد
اجلمهور -أن حيكم فيه عند العبارة عنه حبكم غري العامل ,دخوال يف غمار العامة ,وإن بان
عنهم خباصية ميتاز هبا وهو من التنزالت الفائقة الحسن في محاسن العادات ,وقد كان
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يعلم بأخبار كثري من املنافقني ويطلعه ربه على أسرار كثري
منهم ولكنه كان يعاملهم يف الظاهر معاملة يشرتك معهم فيها املؤمنون ؛ الجتماعهم يف
عدم اخنرام الظاهر " 2/168
" -39فليس كل ما اطلع عليه الولي من الغيوب يسوغ له شرعا أن يعمل عليه ,بل هو
على ضربني:
أحدمها:
ما خالف العمل به ظواهر الشريعة من غري أن يصح رده إليها ,فهذا ال يصح العمل عليه
البتة.
والثاين:
ما مل خيالف العمل به شيئا من الظواهر ,أو إن ظهر منه خالف ,فريجع بالنظر الصحيح
إليها ,فهذا يسوغ العمل عليه ,وقد تقدم بيانه ,فإذا تقرر هذا الطريق ,فهو الصواب ,وعليه
يربي المربي ,وبه يعلق همم السالكين تأسيا بسيد املتبوعني رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ,وهو أقرب إىل اخلروج عن مقتضى احلظوظ ,وأوىل برسوخ القدم ,وأحرى بأن يتابع
عليه صاحبه ويقتدى به فيه ,واهلل أعلم " 2/508
" -40األوصاف اليت طبع عليها اإلنسان كالشهوة إىل الطعام والشراب ال يطلب برفعها,
وال بإزالة ما غرز يف اجلبلة منها ,فإنه من تكليف ما ال يطاق ,كما ال يطلب بتحسني ما
قبح من خلقة جسمه ,وال تكميل ما نقص منها فإن ذلك غري مقدور لإلنسان ,ومثل هذا
ال يقصد الشارع طلبا له وال هنيا عنه ,ولكن يطلب قهر النفس عن الجنوح إال ما ال
يحل ,وإرسالها بمقدار االعتدال فيما يحل ,وذلك راجع إىل ما ينشأ من األفعال من
جهة تلك األوصاف مما هو داخل حتت االكتساب " 2/175
" -41املشقة ليس للمكلف أن يقصدها يف التكليف نظرا إىل عظم أجرها ,وله أن يقصد
العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل "2/222 .
" -42املكلف مطلوب بأعمال ووظائف شرعية ال بد له منها ,وال حميص له عنها ,يقوم
فيها حبق ربه تعاىل ,فإذا أوغل يف عمل شاق ,فرمبا قطعه عن غريه ,وال سيما حقوق الغري
اليت تتعلق به ,فيكون عبادته أو عمله الداخل فيه قاطعا عما كلفه اهلل به ,فيقصر فيه,
فيكون بذلك ملوما غري معذور؛ إذ املراد منه القيام جبميعها على وجه ال خيل بواحدة منها,
وال حبال من أحواله فيها "2/247 .
" -44املقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه ,حتى يكون
عبدا هلل اختيارا ,كما هو عبد هلل اضطرارا "2/289 .
" -45إذا نظرت يف كلية شرعية فتأملها جتدها حاملة على التوسط ,فإن رأيت ميال إىل
جهة طرف من األطراف ,فذلك يف مقابلة واقع أو متوقع يف الطرف اآلخر.
فطرف التشديد -وعامة ما يكون يف التخويف والرتهيب والزجر -يؤتى به يف مقابلة من
غلب عليه االحنالل يف الدين.
وطرف التخفيف -وعامة ما يكون يف الرتجية والرتغيب والرتخيص -يؤتى به يف مقابلة من
غلب عليه احلرج يف التشديد ,فإذا مل يكن هذا وال ذاك رأيت التوسط الئحا ,ومسلك
االعتدال واضحا ,وهو األصل الذي يرجع إليه واملعقل الذي يلجأ إليه.
وعلى هذا إذا رأيت في النقل من المعتبرين في الدين من مال عن التوسط ,فاعلم أن
ذلك مراعاة منه لطرف واقع أو متوقع في الجهة األخرى ,وعليه جيري النظر يف الورع
والزهد وأشباههما ,وما قابلها.
والتوسط يعرف بالشرع ,وقد يعرف بالعوائد ,وما يشهد به معظم العقالء كما يف اإلسراف
واإلقتار يف النفقات "2/286 .
" -46وتأمل ,فكل موضع ذكر اهلل تعالى فيه الهوى ,فإنما جاء به في معرض الذم له
ولمتبعيه "2/291 .
" -48فكم من صاحب هوى يود لو كان المباح الفالني ممنوعا ,حتى إنه لو وكل إليه
مثال تشريعه لحرمه "2/293 .
" -49وعالمة الفرق بني القسمني حتري قصد الشارع وعدم ذلك ,فكل عمل شارك
العامل فيه هواه ,فانظر؛ فإن كف هواه ومقتضى شهوته عند نهي الشارع ,4فالغالب
والسابق لمثل هذا أمر الشارع ,وهواه تبع ,وإن لم يكف عند ورود النهي عليه,
فالغالب والسابق له الهوى والشهوة ,وإذن الشارع تبع ال حكم له عنده ,فواطئ زوجته
وهي طاهر حمتمل أن يكون فيه تابعا هلواه ,أو إلذن الشارع ,فإن حاضت فانكف ,دل عل
أن هواه تبع ,وإال؛ دل على أنه السابق ".
" -50اتباع الهوى طريق إلى المذموم وإن جاء في ضمن المحمود ...فإن العامل
مبقتضى االمتثال من نتائج عمله االلتذاذ مبا هو فيه ,والنعيم مبا جيتنيه من مثرات الفهوم,
وانفتاح مغاليق العلوم ,ورمبا أكرم ببعض الكرامات ,أو وضع له القبول يف األرض ,فاحناش
الناس إليه ,وحلقوا عليه ,وانتفعوا به ,وأموه ألغراضهم املتعلقة بدنياهم وأخراهم ,إىل غري
ذلك مما يدخل على السالكني طرق األعمال الصاحلة ,من الصالة ,والصوم ,وطلب العلم,
واخللوة للعبادة ,وسائر املالزمني لطرق اخلري ,فإذا دخل عليه ذلك ,كان للنفس به هبجة
وأنس ,وغىن ولذة ,ونعيم حبيث تصغر الدنيا وما فيها بالنسبة إىل حلظة من ذلك ,كما قال
بعضهم ( :لو علم امللوك ما حنن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف ) ,أو كما قال ,وإذا كان
كذلك,فلعل النفس تنزع إلى مقدمات تلك النتائج ,فتكون سابقة لألعمال ,وهو باب
السقوط عن تلك الرتبة والعياذ باهلل ,هذا وإن كان اهلوى يف احملمود ليس مبذموم على
اجلملة ,فقد يصري إىل املذموم على اإلطالق ,ودليل هذا املعىن مأخوذ من استقراء أحوال
السالكني وأخبار الفضالء والصاحلني ,فال حاجة إىل تقريره ههنا "2/298 .
" -51اإلنسان قد يترك حظه في أمر إلى حظ هو أعلى منه ,كما ترى الناس يبذلون
املال يف طلب اجلاه ألن حظ النفس يف اجلاه أعلى ,ويبذلون النفوس يف طلب الرياسة حىت
ميوتوا يف طريق ذلك ,وهكذا الرهبان قد يرتكون لذات الدنيا للذة الرياسة والتعظيم ,فإهنا
أعلى ,وحظ الذكر والتعظيم والرياسة واالحرتام والجاه القائم في الناس من أعظم الحظوظ
التي يستحقر متاع الدنيا في جنبها "2/333 .
" -52ما يكون متبدال يف العادة من حسن إىل قبح ,وبالعكس ,مثل كشف الرأس ,فإنه
خيتلف حبسب البقاع يف الواقع ,فهو لذوي المروءات قبيح في البالد المشرقية ,وغير
قبيح في البالد المغربية ,فاحلكم الشرعي خيتلف باختالف ذلك ,فيكون عند أهل املشرق
قادحا يف العدالة ,وعند أهل املغرب غري قادح "2/489 .
" -53المفهوم من وضع الشارع أن الطاعة أو المعصية تعظم بحسب عظم المصلحة
أو المفسدة الناشئة عنها ,وقد علم من الشريعة أن أعظم املصاحل جريان األمور الضرورية
اخلمسة املعتربة يف كل ملة ,وأن أعظم املفاسد ما يكر باإلخالل عليها "2/511 .
" -54المنن يأباها أرباب العقول اآلخذون بمحاسن العادات " 3/90
" -55التكاليف إذا علم قصد املصحلة فيها؛ فللمكلف يف الدخول حتتها ثالثة أحوال:
أحدها:
أن يقصد هبا ما فهم من مقصد الشارع يف شرعها؛ فهذا ال إشكال فيه ,ولكن ينبغي أن ال
خيليه من قصد التعبد؛ ألن مصاحل العباد إمنا جاءت من طريق التعبد؛ إذ ليست بعقلية,
حسبما تقرر يف موضعه ,وإمنا هي تابعة ملقصود التعبد ,فإذا اعترب صار أمكن يف التحقق
بالعبودية ,وأبعد عن أخذ العاديات للمكلف؛ فكم ممن فهم املصلحة فلم يلو على غريها؛
فغاب عن أمر اآلمر هبا؟ وهي غفلة تفوت خيرات كثيرة ,بخالف ما إذا لم يهمل التعبد
" 3/98
" -56اعتياد االستدالل لمذهب واحد ربما يكسب الطالب نفورا وإنكارا لمذهب
غير مذهبه ,من غير إطالع على مأخذه؛ فيورث ذلك حزازة يف االعتقاد يف األئمة ,الذين
أمجع الناس على فضلهم وتقدمهم يف الدين ,واضطالعهم مبقاصد الشارع وفهم أغراضه,
وقد وجد هذا كثريا " 3/132
" -57االعتناء بطلب جتريد النفس واالطالع على العوايل اليت وراء احلس إمنا نقل عن
احلكماء املتقدمني والفالسفة املتعمقني يف فنون البحث ,من املتأهلني منهم ومن غريهم,
ولذلك جتدهم يقررون لطلب هذا املعىن رياضة خاصة مل تأت هبا الشريعة احملمدية ,من
اشرتاط التغذي بالنبات دون احليوان ,أو ما خيرج من احليوان ,إىل غري ذلك من شروطهم
اليت مل تنقل يف الشريعة ,وال وجد منها يف السلف الصاحل عني وال أثر ,كما أن ذكر التجريد
والعوامل الروحانية وما يتصل بذلك مل ينقل عن أحد منهم ,وكفى بذلك حجة يف أنه غري
مطلوب " 3/152
" -58يوشك أن يعتقد الجاهل بالفعل إذا رأى العالم مداوما عليه أنه واجب
" 3/263
" -59جيب على كل ناظر يف الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه األولون ,وما كانوا عليه يف
العمل به؛ فهو أحرى بالصواب ,وأقوم يف العلم والعمل "3/289 .
" -60وقوله{ :فبهداهم اقتده} يقتضي بظاهره دخول حماسن العادات؛ من الصرب على
األذى ,والدفع باليت هي أحسن ,وغري ذلك " 3/366
" -61فإن املباحات إمنا وضعها الشارع لالنتفاع هبا على وفق املصاحل على
اإلطالق ,بحيث ال تقدح في دنيا وال في دين ,وهو االقتصاد فيها ,ومن هذه اجلهة
جعلت نعما ,وعدت مننا ,ومسيت خريا وفضال.
فإذا خرج المكلف بها عن ذلك الحد إلى أن تكون ضرارا عليه في الدنيا أو في
الدين؛ كانت من هذه الجهة مذمومة ألهنا صدت عن مراعاة وجوه احلقوق السابقة
والالحقة واملقارنة أو عن بعضها؛ فدخلت املفاسد بدال عن املصاحل يف الدنيا ويف الدين,
وإمنا سبب ذلك حتمل املكلف منها ما ال حيتمله؛ فإنه إذا كان يكتفي منها بوجه ما ,أو
بنوع ما ,أو بقدر ما ,وكانت مصاحله جترى على ذلك ,مث زاد على نفسه منها فوق ما يطيقه
تدبريه وقوته البدنية والقلبية؛ كان مسرفا ,وضعفت قوته عن محل اجلميع؛ فوقع االختالل
وظهر الفساد؛ كالرجل يكفيه لغذائه مثال رغيف ,وكسبه املستقيم إمنا حيمل ذلك املقدار ألن
هتيئته ال تقوى على غريه؛ فزاد على الرغيف مثله؛ فذلك إسراف منه يف جهة اكتسابه أوال
من حيث كان يتكلف كلفة ما يكفيه مع التقوى ,فصار يتكلف كلفة اثنني وهو مما ال يسعه
ذلك إال مع املخالفة ,ويف جهة تناوله؛ فإنه حيمل نفسه من الغذاء فوق ما تقوى عليه
الطباع فصار ذلك شاقا عليه ورمبا ضاق نفسه واشتد كربه ,وشغله عن التفرغ للعبادة
املطلوب فيها احلضور مع اهلل تعاىل ".
"-62فمن اشتغل بتقوى اهلل تعالى؛ فاهلل كافيه ,واآليات يف هذا املعىن كثرية "3/552 .
" -63العامل إذا أخرب عن إجياب العبادة الفالنية أو الفعل الفالين ,مث فعله هو ومل خيل به
يف مقتضى ما قال فيه؛ قوي اعتقاد إجيابه ,وانتهض العمل به عند كل من مسعه خيرب عنه
ورآه يفعله ,وإذا أخرب عن حترميه مثال ,مث تركه فلم ير فاعال له وال دائرا حواليه؛ قوي عند
متبعه ما أخرب به عنه ,خبالف ما إذا أخرب عن إجيابه مث قعد عن فعله ,أو أخرب عن حترميه مث
فعله؛ فإن نفوس األتباع ال تطمئن إلى ذلك القول منه طمأنينتها إذا ائتمر وانتهى ,بل
يعود من الفعل إىل القول ما يقدح فيه على اجلملة؛ إما من تطريق 4احتمال إىل القول ,وإما
من تطريق 4تكذيب إىل القائل ,أو اسرتابة يف بعض مآخذ القول ,مع أن التأسي في
األفعال والتروك بالنسبة إلى من يعظم في دين أو دنيا كالمغروز في الجبلة ,كما هو
معلوم بالعيان؛ فيصري القول بالنسبة إىل القائل كالتبع للفعل؛ فعلى حسب ما يكون القائل
في موافقة فعله لقوله يكون اتباعه والتأسي به ,أو عدم ذلك "4/85 .
" -64فاحلاصل أن األفعال أقوى يف التأسي والبيان إذا جامعت األقوال من انفراد األقوال,
فاعتبارها يف نفسها ملن قام يف مقام االقتداء أكيد الزم ,بل يقال :إذا اعتبر هذا المعنى في
كل من هو في مظنة االقتداء ومنزلة التبيين؛ ففرض عليه تفقد جميع أقواله وأعماله ".
4/91
" -65ال ينبغي ملن التزم عبادة من العبادات البدنية الندبية أن يواظب عليها مواظبة يفهم
اجلاهل منها الوجوب ,إذا كان منظورا إليه مرموقا ,أو مظنة لذلك ,بل الذي ينبغي له أن
يدعها في بعض األوقات حتى يعلم أنها غير واجبة؛ ألن خاصية الواجب املكرر االلتزام
والدوام عليه يف أوقاته ,حبيث ال يتخلف عنه ,كما أن خاصية املندوب عدم االلتزام ,فإذا
التزمه فهم الناظر منه نفس اخلاصية اليت للواجب؛ فحمله على الوجوب ,مث استمر على
ذلك؛ فضل.
وكذلك إذا كانت العبادة تتأتى على كيفيات يفهم من بعضها يف تلك العبادة ما ال يفهم
منها على الكيفية األخرى ,أو ضمت عبادة أو غري عبادة إىل العبادة قد يفهم بسبب
االقرتان ما ال يفهم دونه ,أو كان المباح يتأتى فعله على وجوه؛ فيثابر فيه على وجه
واحد تحريا له ويترك ما سواه ,أو يترك بعض المباحات جملة من غير سبب ظاهر,
بحيث يفهم منه في الترك أنه مشروع " 4/118
" -66تستعظم شرعا زلة العامل ,وتصري صغريته كبرية ,من حيث كانت أقواله وأفعاله جارية
يف العادة على جمرى االقتداء ,فإذا زل؛ محلت زلته عنه قوال كانت أو فعال ألنه موضوع منارا
يهتدى به ,فإن علم كون زلته زلة؛ صغرت في أعين الناس وجسر عليها الناس تأسيا به,
وتوهموا فيها رخصة علم بها ولم يعلموها هم تحسينا للظن به ,وإن جهل كوهنا زلة ,
فأحرى أن حتمل عنه حممل املشروع ,وذلك كله راجع عليه "4/88 .
" -67وعلى اجلملة؛ فكل من زاغ ومال عن الصراط المستقيم؛ فبمقدار ما فاته من
باطن القرآن فهما وعلما ,وكل من أصاب احلق وصادف الصواب؛ فعلى مقدار ما حصل
له من فهم باطنه "4/223 .
" -68الرفيع املنصب مطالب مبا يقتضي منصبه ,حبيث يعد خالفه منهيا عنه وغري الئق
به ,وإن مل يكن كذلك يف حقيقة األمر ,حسبما جرت به العبارة عندهم يف قوهلم( :
حسنات األبرار سيئات املقربني ) ,إمنا يريدون يف اعتبارهم ال يف حقيقة اخلطاب الشرعي
...والمناصب تقتضي في االعتبار الكمالي العتب على ما دون الالئق بها "4/431 .
" -69وعلى اجلملة ,فتحقيق املناط اخلاص نظر يف كل مكلف بالنسبة إىل ما وقع عليه
من الدالئل التكليفية ,بحيث يتعرف منه مداخل الشيطان ,ومداخل الهوى والحظوظ
العاجلة ,حتى يلقيها هذا المجتهد على ذلك المكلف مقيدة بقيود التحرز من تلك
المداخل ,هذا بالنسبة إىل التكليف املنحتم وغريه.
وخيتص غري املنحتم بوجه آخر وهو النظر فيما يصلح بكل مكلف يف نفسه ,حبسب وقت
دون وقت ,وحال دون حال ,وشخص دون شخص ,إذ النفوس ليست في قبول
األعمال الخاصة على وزان واحد ,كما أنها في العلوم والصنائع كذلك ,فرب عمل
صالح يدخل بسببه على رجل ضرر أو فترة ,وال يكون كذلك بالنسبة إلى آخر ,ورب
عمل يكون حظ النفس والشيطان فيه بالنسبة إلى العامل أقوى منه في عمل آخر,
ويكون بريئا من ذلك في بعض األعمال دون بعض ,فصاحب هذا التحقيق اخلاص هو
الذي رزق نورا يعرف به النفوس ومراميها وتفاوت إدراكها ,وقوة حتملها للتكاليف ,وصربها
على محل أعبائها أو ضعفها ,ويعرف التفاهتا إىل احلظوظ العاجلة أو عدم التفاهتا ,فهو
يحمل على كل نفس من أحكام النصوص ما يليق بها ,بناء على أن ذلك هو المقصود
الشرعي في تلقي التكاليف ,فكأنه يخص عموم المكلفين والتكاليف بهذا التحقيق,
لكن مما ثبت عمومه يف التحقيق األول العام ,ويقيد به ما ثبت إطالقه يف األول ,أو يضم
قيدا أو قيودا ملا ثبت له يف األول بعض القيود " 5/24
" -70احلذر من زلة العامل ,وأكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشارع في
ذلك المعنى الذى اجتهد فيه ,والوقوف دون أقصى املبالغة يف البحث عن النصوص فيها,
وهو وإن كان على غري قصد وال تعمد وصاحبه معذور ومأجور ,لكن مما ينبين عليه يف
االتباع لقوله فيه خطر عظيم "5/135 .
" -71اإلسالم يدعو إىل األلفة والتحاب والرتاحم والتعاطف ,فكل رأي أدى إىل خالف
ذلك ,فخارج عن الدين "5/164 .
" -72ومن هذا يعلم أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره وإن كان من علم
الشريعة ومما يفيد علما باألحكام ,بل ذلك ينقسم ,فمنه ما هو مطلوب النشر ,وهو
غالب علم الشريعة ,ومنه ما ال يطلب نشره بإطالق ,أو ال يطلب نشره بالنسبة إىل حال أو
وقت أو شخص "5/167 .
" -73ال يذكر للمبتدئ من العلم ما هو حظ المنتهي ,بل يربي بصغار العلم قبل
كباره "5/170 .
" -74وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة ,فإن صحت يف ميزاهنا ,فانظر يف مآهلا
بالنسبة إىل حال الزمان وأهله ,فإن مل يؤد ذكرها إىل مفسدة ,فاعرضها يف ذهنك على
العقول ,فإن قبلتها ,فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على
العموم ,وإما على اخلصوص إن كانت غري الئقة بالعموم ,وإن مل يكن ملسألتك هذا املساغ,
فالسكوت عنها هو اجلاري على وفق املصلحة الشرعية والعقلية "5/172 .
" -75ومن هنا يظهر وجه املواالة والتحاب والتعاطف فيما بني املختلفني يف مسائل
االجتهاد ,حىت مل يصريوا شيعا وال تفرقوا فرقا؛ ألهنم جمتمعون على طلب قصد
الشارع ,فاختالف الطرق غير مؤثر ,كما ال اختالف بين المتعبدين هلل بالعبادات
المختلفة ,كرجل تقربه الصالة ,وآخر تقربه الصيام ,وآخر تقربه الصدقة إلى غير ذلك
من العبادات ,فهم متفقون في أصل التوجه هلل المعبود وإن اختلفوا في أصناف التوجه,
فكذلك المجتهدون لما كان قصدهم إصابة مقصد الشارع صارت كلمتهم واحدة
وقولهم واحدا " 5/220
" -76الخالف -الذي هو في الحقيقة خالف -ناشئ عن الهوى المضل ,ال عن
تحري قصد الشارع باتباع األدلة على الجملة والتفصيل ,وهو الصادر عن أهل
األهواء ,وإذا دخل الهوى أدى إلى اتباع المتشابه حرصا على الغلبة والظهور بإقامة
العذر في الخالف ,وأدى إىل الفرقة والتقاطع والعداوة والبغضاء ,الختالف األهواء وعدم
اتفاقها ,وإمنا جاء الشرع حبسم مادة اهلوى بإطالق ,وإذا صار الهوى بعض مقدمات
الدليل لم ينتج إال ما فيه اتباع الهوى ,وذلك خمالفة الشرع ,وخمالفة الشرع ليست من
الشرع يف شيء ,فاتباع اهلوى من حيث يظن أنه اتباع للشرع ,ضالل يف الشرع ولذلك
مسيت البدع ضالالت ,وجاء" :إن كل بدعة ضاللة" ؛ ألن صاحبها خمطئ من حيث توهم
أنه مصيب,ودخول األهواء في األعمال خفي ,فأقوال أهل األهواء غري معتد هبا يف
اخلالف املقرر يف الشرع "5/221 .
" -77ويسمى صاحب هذه املرتبة :الرباين ,واحلكيم ,والراسخ يف العلم والعامل ,والفقيه,
والعاقل؛ ألنه يرىب بصغار العلم قبل كباره ,ويويف كل أحد حقه حسبما يليق به ,وقد حتقق
بالعلم وصار له كالوصف اجملبول عليه ,وفهم عن اهلل مراده كم شريعته .
ومن خاصيته أمران:
أحدمها :أنه جييب السائل على ما يليق به يف حالته على اخلصوص إن كان له يف املسألة
حكم خاص ,خبالف صاحب الرتبة الثانية ,فإنه إمنا جييب من رأس الكلية من غري اعتبار
خباص.
والثاين :أنه ناظر يف املآالت قبل اجلواب عن السؤاالت ,وصاحب الثانية ال ينظر يف ذلك,
وال يبايل باملآل إذا ورد عليه أمر أو هني أو غريمها ,وكان يف مساقه كليا "5/233 .
" -78ولم تزل األصول يندرس العمل بمقتضاها لكثرة االشتغال بالدنيا والتفريع فيها؛
حتى صارت كالنسي المنسي ,وصار طالب العمل بها كالغريب المقصى عن أهله ,وهو
داخل حتت معىن قوله عليه الصالة والسالم ( :بدأ هذا الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ؛
فطوىب للغرباء ) "5/240 .
" -79التأسي باألفعال -بالنسبة إلى من يعظم في الناس -سر مبثوث في طباع
البشر ,ال يقدرون على االنفكاك عنه بوجه وال بحال ,ال سيما عند االعتياد والتكرار,
وإذا صادف محبة وميال إلى المتأسى به ,ومىت وجدت التأسي مبن هذا شأنه مفقودا يف
بعض الناس؛ فاعلم أنه إمنا ترك لتأس آخر ,وقد ظهر ذلك يف زمان رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم يف حملني:
أحدمها :حني دعاهم عليه الصالة والسالم إىل اخلروج من الكفر إىل اإلميان ,ومن عبادة
األصنام إىل عبادة اهلل؛ فكان من آكد متمسكاهتم التأسي باآلباء كقوله{ :وإذا قيل هلم
اتبعوا ما أنزل اهلل قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}
وما أشبهه من اآليات.
وقالوا{ :أجعل اآلهلة إهلا واحدا إن هذا لشيء عجاب} .
مث كرر عليهم التحذير من ذلك؛ فكانوا عاكفني على ما عليه آباؤهم ,إىل أن نوصبوا
باحلرب وهم راضون بذلك؛ حىت كان من مجلة ما دعوا به التأسي بأبيهم إبراهيم ,وأضيفت
امللة احملمدية إليه؛ فقال تعاىل{ :ملة أبيكم إبراهيم} ؛ فكان ذلك بابا للدعاء إلى التأسي
بأكبر آبائهم عندهم ,وبين لهم مع ذلك ما في اإلسالم من مكارم األخالق ومحاسن
الشيم التي كانت آباؤهم تستحسنها وتعمل بكثير منها؛ فكان التأسي داعيا إلى
الخروج عن التأسي ,وهو من أبلغ ما دعوا به من جهة التلطف بالرفق ومقتضى
الحكمة ,وبذلك جاء يف القرآن بعد قوله{ :مث أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا} .
وقوله { :ادع إىل سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة }
فكان هذا الوجه من التلطف في الدعاء إلى اهلل نوعا من الحكمة التي كان عليه
الصالة والسالم يدعو بها.
وأيضا؛ فإن ما ذكر يف القرآن من مكارم األخالق كان خلق رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ,فصدق الفعل القول بالنسبة إليهم ,فكان ذلك مما دعا إىل اتباعه والتأسي به ؛
فانقادوا ورجعوا إىل احلق ...فحق على المفتي أن ينتصب للفتوى بفعله وقوله ,بمعنى
أنه ال بد له من المحافظة على أفعاله حتى تجري على قانون الشرع؛ ليتخذ فيها أسوة
"5/262 .
" -80ما تقدم يف موضعه من أن من هذا حاله؛ فوعظه أبلغ ,وقوله أنفع ,وفتواه أوقع يف
القلوب ممن ليس كذلك؛ ألنه الذي ظهرت ينابيع العلم عليه ,واستنارت كليته به ,وصار
كالمه خارجا من صميم القلب ,والكالم إذا خرج من القلب وقع في القلب ,ومن كان
هبذه الصفة؛ فهو من الذين قال اهلل فيهم{ :إمنا خيشى اهلل من عباده العلماء} ,خبالف من
مل يكن كذلك؛ فإنه وإن كان عدال وصادقا وفاضال ال يبلغ كالمه من القلوب هذه املبالغ,
حسبما حققته التجربة العادية "5/299 .
" -81املطابقة الفعل القول شاهد لصدق ذلك القول ,كما تقدم بيانه أيضا؛ فمن طابق
فعله قوله صدقته القلوب ,وانقادت له بالطواعية النفوس ,بخالف من لم يبلغ ذلك
المقام وإن كان فضله ودينه معلوما ,ولكن التفاوت احلاصل يف هذه املراتب مفيد زيادة؛
الفائدة أو عدم زيادهتا فمن زهد الناس يف الفضول اليت ال تقدح يف العدالة وهو زاهد فيها
وتارك لطلبها؛ فتزهيده أنفع من تزهيد من زهد فيها وليس بتارك هلا ,فإن ذلك خمالفة وإن
كانت جائزة ,ويف خمالفة القول الفعل هنا ما مينع من بلوغ مرتبة من طابق قوله فعله.
"5/299 .
" -82إذا وقف املقتدى به وقفة ,أو تناول ثوبه على وجه ,أو قبض على حليته يف وقت
ما ,أو ما أشبه ذلك؛ فأخذ هذا املقتدي يفعل مثل فعله بناء على أنه قصد به العبادة مع
احتمال أن يفعل ذلك ملعىن دنيوي أو غافال؛ كان هذا المقتدي معدودا من الحمقى
والمغفلين "5/309 .
" -83املفيت البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق
بالجمهور؛ فال يذهب بهم مذهب الشدة ,وال يميل بهم إلى طرف االنحالل
"5/276 .
" -84قد يسوغ للمجتهد أن حيمل نفسه من التكليف ما هو فوق الوسط؛ بناء على ما
تقدم يف أحكام الرخص ,ولما كان مفتيا بقوله وفعله كان له أن يخفي ما لعله يقتدى به
فيه فربما اقتدى به فيه من ال طاقة له بذلك العمل فينقطع ,وإن اتفق ظهوره للناس نبه
عليه ,كما كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يفعل؛ إذ كان قد فاق الناس عبادة وخلقا,
وكان عليه الصالة والسالم قدوة؛ فرمبا اتبع لظهور عمله؛ فكان ينهى عنه يف مواضع ".
5/279
" -85كثريا من الناس جتاوزوا الرتجيح بالوجوه اخلالصة إىل الرتجيح ببعض الطعن على
املذاهب املرجوحة عندهم ,أو على أهلها القائلني هبا ,مع أهنم يثبتون مذاهبهم ويعتدون هبا
ويراعوهنا ,ويفتون بصحة االستناد إليهم يف الفتوى ,وهو غري الئق مبناصب املرجحني ,وأكثر
ما وقع ذلك يف الرتجيح بني املذاهب األربعة وما يليها من مذهب داود وحنوه"5/286 .
" -86اخلروج يف ترجيح بعض املذاهب على بعض إىل القدح يف أصل الوصف بالنسبة إىل
أحد املتصفني خروج عن منط 5إىل منط آخر خمالف له ,وهذا ليس من شأن العلماء ,وإمنا
الذي يليق بذلك الطعن والقدح يف حصول ذلك الوصف ملن تعاطاه وليس من أهله,
واألئمة املذكورون برآء من ذلك؛ فهذا النمط ال يليق هبم "5/286 .
" -87الطعن يف مساق الرتجيح يبني العناد من أهل املذهب املطعون عليه ,ويزيد يف
دواعي التمادي واإلصرار على ما هم عليه؛ ألن الذي غض من جانبه مع اعتقاده خالف
ذلك حقيق بأن يتعصب ملا هو عليه ويظهر حماسنه؛ فال يكون للرتجيح املسوق هذا املساق
فائدة زائدة على اإلغراء بالتزام املذهب ,وإن كان مرجوحا؛ فكأن الرتجيح مل حيصل ".
5/287
" -88النفوس مجبولة على االنتصار ألنفسها ومذاهبها وسائر ما يتعلق بها؛ فمن
غض من جانب صاحبه غض صاحبه من جانبه؛ فكأن املرجح ملذهبه على هذا الوجه
غاض من جانب مذهبه "5/287 .
" -89الرتجيح مبا يؤدي إىل افرتاق الكلمة وحدوث العداوة والبغضاء ممنوع "5/288 .
" -90ورمبا انتهت الغفلة أو التغافل بقوم ممن يشار إليهم يف أهل العلم أن صريوا الرتجيح
بالتنقيص تصرحيا أو تعريضا دأهبم ,وعمروا بذلك دواوينهم ,وسودوا به قراطيسهم؛ حىت
صار هذا النوع ترمجة من تراجم الكتب املصنفة يف أصول الفقه أو كالرتمجة ,وفيه ما فيه مما
أشري إىل بعضه ,بل تطرق األمر إىل السلف الصاحل من الصحابة فمن دوهنم؛ فرأيت بعض
التآليف املؤلفة يف تفضيل بعض الصحابة على بعض على منحى التنقيص مبن جعله مرجوحا
وتنزيه الراجح عنده مما نسب إىل املرجوح عنده ,بل أتى الوادي فطم على القرى؛ فصار هذا
النحو مستعمال فيما بني األنبياء ,وتطرق ذلك إىل شرذمة من اجلهال؛ فنظموا فيه ونثروا,
وأخذوا يف ترفيع حممد عليه الصالة والسالم وتعظيم شأنه بالتخفيض من شأن سائر األنبياء,
ولكن مستندين إىل منقوالت أخذوها على غري وجهها ,وهو خروج عن احلق ,وقد علمت
السبب يف قوله عليه الصالة والسالم ( :تفضلوا بني األنبياء ) ,وما قال الناس فيه؛ فإياك
والدخول يف هذه املضايق؛ ففيها اخلروج عن الصراط املستقيم " 5/298
" -91ليس الفقر أفضل من الغنى بإطالق ,وال الغنى أفضل بإطالق ,بل األمر يف ذلك
يتفصل؛ فإن الغىن إذا أمال إىل إيثار العاجلة كان بالنسبة إىل صاحبه مذموما ,وكان الفقر
أفضل منه ,وإن أمال إىل إيثار اآلجلة؛ فإنفاقه يف وجهه ,واالستعانة به على التزود للمعاد؛
فهو أفضل من الفقر "5/366 .
" -92اإلكثار من األسئلة مذموم ,والدليل عليه النقل املستفيض من الكتاب والسنة وكالم
السلف الصاحل ...ويتبني من هذا أن لكراهية السؤال مواضع ,نذكر منها عشرة مواضع ..
أنظر " 5/387
" -93ترك االعرتاض على الكرباء حممود ,كان املعرتض فيه مما يفهم أوال يفهم.
والدليل على ذلك أمور ... :أنظر ." 5/393
" -94عهد بالتجربة من أن االعتراض على الكبراء قاض بامتناع الفائدة مبعد بين
الشيخ والتلميذ " 5/399
" -95العامل املعلوم باألمانة والصدق واجلري على سنن أهل الفضل والدين والورع إذا سئل
عن نازلة فأجاب ,أو عرضت له حالة يبعد العهد مبثلها ,أو ال تقع من فهم السامع موقعها
أن ال يواجه باالعرتاض والنقد ,فإن عرض إشكال فالتوقف أوىل بالنجاح ,وأحرى بإدراك
البغية إن شاء اهلل تعاىل "5/400 .
متت
كتبه :عبيد بن أمحد الظاهري
تويرت @obaidDH :
انستجرام: obaid39