You are on page 1of 55

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل والصالة والسالم' على أشرف اخللق واملرسلني‪ ،‬وبعد‪ :‬فهذا تلخيص وتعليق على كتاب‪:‬‬

‫" النصرانيّة"‬

‫لـ أ‪.‬د‪ .‬عرفان عبد الحميد ‪-‬رحمه اهلل‬

‫تلخيص وقراءة وتعليق‪:‬‬

‫سوسن العتييب‬

‫غفر اهلل هلا ورمحها وكان هلا وبلّغها مقاصدها‬

‫الغرض من التعريف بالكتاب‬

‫إ ّن الغ''رض من التعري''ف هبذا الكت''اب ه''و تب''يني اخلط اجلدي''د لدراس''ة النص''رانيّة من قِب''ل مس''لمني متخصص''ني‪،‬‬
‫ومن خالل اجلامعة اإلس'الميّة' العامليّ'ة مباليزي'ا‪ ،‬فق'د ب'رز أب'رز علمني لدراس'ة األدي'ان‪ ،‬ومها‪ :‬عرف'ان عب'د احلمي'د‪،‬‬
‫وإمساعيل راجي الفاروقي‪ ،‬وقد درس كل منهما النصرانيّة' يف كتابني بعنوان‪':‬‬

‫‪ -‬النصرانيّة' نشأهتا التارخييّة وأصول عقائدها‪ ،‬لعرفان عبد احلميد فتّاح‪ ،‬رمحه اهلل‪ .‬باللغة العربيّ''ة‪)٣٠٤( .‬‬
‫صفحة‪.‬‬
‫‪ -‬األخالق املسيحية‪ '،‬إلمساعيل راجي الفاروقي‪ ،‬رمحه اهلل‪ .‬باللغة اإلجنليزيّة‪ )٣٣٣( .‬صفحة‪.‬‬
‫العام ''ة للكت ''اب‪ ،‬وتثيّن‬
‫األول لعرف ''ان عب ''د احلمي ''د رمحه اهلل‪ ،‬تب ''دأ برؤيته ''ا ّ‬
‫'ص للكت ''اب ّ‬
‫وه ''ذا املل ''ف خمص ' ّ‬
‫املضمنة فيه‪.‬‬
‫بتلخيصها للكتاب مع بعض التعليقات ّ‬
‫عنوان الكتاب‪" :‬النصرانيّة‪ ':‬نشأهتا التارخيية وأصول عقائدها"‬

‫من خالل العنوان يتضح نطاق أو ح ّد الكت''اب؛ فالدراس''ة ال ِّ‬


‫تركز على تفاص''يل وتش''عبات النص''رانيّة‪ '،‬ب''ل على‬
‫حموري النشأة التارخيية‪ ،‬واألصول العقديّة‪ .‬ويقع الكتاب يف ‪ ٣٠٤‬صفحة‪.‬‬
‫ّ‬

‫قسم الكتابـ إلى عشرة فصول‪ ،‬هي‪:‬‬


‫أما محتويات الكتاب فقد ّ‬

‫األول‪ :‬مق ّدمة عامة يف مناهج دراسة مقارنة األديان‪.‬‬


‫الفصل ّ‬

‫ه ''ذا ه ''و الفص ''ل األهم؛ إذ س ''تتبنّي من خالل ''ه أس ''س رؤي ''ة عرف ''ان عب ''د احلمي ''د للمنهجي ''ات الدارس ''ة لألدي ''ان‪،‬‬
‫اعتض''اداً' خبلفيّت''ه العلميّ''ة ال''يت تلقاه''ا يف الغ''رب وج''اء هبا إىل الع''امل اإلس''المي‪ ،‬وخصوص'اً إىل اجلامع''ة اإلس''الميّة'‬
‫درس فيه'ا منهج مقارن'ة األدي'ان‪ ،‬وت'أثّر ب'ه قس'م أص'ول ال'دين ومقارن'ة األدي'ان خصوص'اً‪.‬‬
‫العامليّة مباليزي'ا‪ ،‬وال'يت ّ‬
‫وهو فصل مهم لكل الدارسني‪.‬‬

‫الفصل الثاين حىت الفصل العاشر‪ :‬يتحدث فيه عن املسيحية منذ املسيح عيسى عليه الس'الم ح'ىت العص'ر احلايل‪،‬‬
‫بعرض موجز‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬منهج المؤلّف‬

‫علمي محايد‪ ،‬يســتنطق‬


‫يص ''ف املؤل ''ف منهج ''ه بالت ''ايل‪" :‬يحــاول هــذا الكتــاب تقــديمـ النصــرانيّةـ من منظــور ّ‬
‫ـرراً‬
‫أكابر فالسفة النصرانيّةـ ومؤرخيها‪ ،‬باالعتماد على منهج يتسم بالموضــوعيّة والوصــفيّة المحايــدة‪ ،‬محـ ّ‬
‫من ال ــدعاوى القيميّ ــة‪ ،‬والذاتيّ ــة‪،‬ـ ومجانب ـاً من ــاهج الق ــدماء الجدليّ ــة‪-‬ـالص ــوريّة‪ ،‬المعروف ــة بمنهج ال ــدحض‬

‫والتثبيت‪ "...‬املؤلّف ّ‬
‫بتصرف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫علمي" يس''توجب الس''ؤال‪ :‬أي منظ''ور علمي بالتحدي''د؟ أه''و املنطل''ق من رؤي''ة علم مقارن''ة‬
‫قول''ه‪" :‬من منظــور ّ‬
‫األديان وفق الرؤية الغربيّة؟ وأي رؤي'ة غربيّ'ة بالتحدي'د؟ ه'ذا س'ؤال مهم‪ ،‬ألن املنهجي'ات متع'ددة حبس'ب تع'دد‬
‫املنطلقات‪ ،‬ومتعددة أيضاً حبسب املعايري احملددة لعلميّة علم ما‪.‬‬

‫قوله‪" :‬محايد"‪ ،‬هذه كلمة حُت ُ‬


‫مد له يف زمنه‪ ،‬لكن يف زمننا ظهر ما يشكك يف مدى ّقوهتا‪ ،‬وأن اعتمادها وفق‬
‫التقالي''د األكادميي''ة إمنا ه''و اعتم''اد ملوروث ق''دمي يعتق''د بـ"احلي''دة" حق 'اً‪ ،‬وانع''دام التحيّ''ز‪ .‬ولكن احلقيق''ة التحيّ''ز‬
‫موج ''ود‪ ،‬والتحيّ ''ز من ص ''لب الذاتيّ 'ة' وال ''يت ال تنفص ''ل عن عني ال ''دارس أب ''داً‪ ،‬ولكن ميكن تط ''وير ط ''رق معرف ''ة‬
‫النفس ومعايريها اليت حتكمها حىت حياكم اإلنسان' نفسه قبل حماكم'ة موض''وعه‪ .‬وق'د نش'ر املعه''د الع'املي' للفك''ر‬
‫'المي مش ''روعاً علمي 'اً يشــككـ في مــدى صــالبة ثنائيّــة "الــذات والموضــوع" وه ''و مش ''روع‪" :‬إش ''كاليّة'‬
‫اإلس ' ّ‬
‫التحيّ ''ز" يف قراب ''ة ‪ ٥‬أج ''زاء‪ .‬كم ''ا أ ّن لف ''ظ احلي ''دة ين ''اقض ق ''ول املؤلّ ''ف نفس ''ه عن ''دما ق ''ال ب ''أ ّن مرتك ''زه "إمياينّ‬
‫األول من كتاب''ه؛ وتص''رحيه بإميان''ه حيم'د علي'ه‪ ،‬وه''و ال'ذي أثّ''ر بالفع'ل يف كتاب''ه؛‬ ‫خالص" كما س''يأيت يف الفص'ل ّ‬
‫ألنّه صنّف النصرانيّة إىل صنفني‪:‬‬

‫‪ -‬النصرانيّة' العيسويّة‪.‬‬
‫احملرفة‪ ،‬أو ما يعرف بالبوليسيّة‪'.‬‬
‫‪ -‬النصرانيّة' ّ‬
‫ف''القول ب ''التحريف مس''تنده إمياين ق''رآينّ‪ ،‬كم ''ا أ ّن نق ''ده لنظري ''ة اقتب ''اس الق ''رآن من الكتب الس ''ابقة‪ ،‬يرتك''ز‬
‫اإلهلي"؛' وهذا معيار إمياينّ متعلّق بذات الدارس‪ ،‬فال حي'دة يف املوض'وع‪ ،‬ب'ل‬
‫على إميانه بوحدة املصدر "الوحي ّ‬
‫ه ''و انتص ''ار للح ' ِ'ق ال ''ذي ي ''راهُ ب ' ِ‬
‫'احلق ال ''ذي يعتق ''دهُ‪ .‬وحيم ''د أيض' 'اً إلمساعيل راجي الف ''اروقي أن ص ' ّ'رح ب ''ذات‬
‫التصريح‪ ،‬وأ ّن مستنده الدراسي مستند إمياين‪.‬‬

‫كنت دارساً ألمر ميس االعتقاد‪ ،‬فال ب' ّد أن تق' ّدم أدوات االعتق''اد تق'دمياً م'دلال‪ ،‬إن ك'ان‬
‫وهنا لفتة‪ :‬إن َ‬
‫مفهوم العلم الذي نق ّ'ره ه'و ال'دليل الص'حيح الص'ادق؛ وه'ذا ي'وجب أن نق' ّدم رؤيتن'ا املدلّل'ة على ال'رؤى ال'يت ال‬
‫نعتق''دها‪ ،‬ب''ل ونق ' ّدمها على م''ا اختذ ّقوت''ه االس''تداللية ملرتب''ة االع''رتاف ب''ه‪ ،‬كاألدل''ة املس' ّ'ماة بالعلميّ''ة الع''رتاف‬
‫‪2‬‬
‫جمامع اجلامع' ''ات هبا؛ فينبغي أن نق ' ' ّدم م' ''ا ن' ''ؤمن ب' ''ه ص' ''راحة بدليل' ''ه الق' ' ّ'وي وحناجج ب' ''ه‪ ،‬ونرفع ''ه ف ''وق احلجج‬
‫األخرى‪.‬‬

‫ومؤرخيها"‪ ،‬ميكن أن نتخ' ' ''ذه مص' ' ''دراً؛ وهي الدراس ' ''ات ال ' ''يت‬
‫قول ' ''ه‪" :‬يس ـ ــتنطق أك ـ ــابر فالس ـ ــفة النص ـ ــرانيّة ّ‬
‫استعرضها وانتقدها واستفاد منها‪.‬‬

‫قوله‪" :‬باالعتماد على منهج يتسم بالموضوعيّة والوصفيّة المحايدة"‪ ،‬نفس القول الذي قي''ل عن احلي''اد يع''اد‬
‫هن'ا عن'د احلديث عن املوض''وعيّة‪ '،‬إذ املوض''وعيّة' تعت'رب مسة احلي'اد‪ ،‬والق''ول باملوض'وعيّة' ي'وجب الق'ول باالنفص'ال‬
‫بني ال ''ذات واملوض ''وع؛' أل ّن أص ''ل ه ''ذه الثنائي 'ة' غربيّ ''ة تفل ''ق ح ' ّدا بني االث ''نني‪ ،‬بني م ''ا يوض ''ع أم ''ام العني ف ''رتاه‬
‫وحتجمه وجتوهره وتلبسه لباس إدراك احملسوس‪ ،‬وبني ما يكون يف ذات اإلنس''ان' مما ال موض''وع ل''ه يف اخلارج‪،‬‬
‫ّ‬
‫وهذه قدمية قدم فلسفة اليونان‪ '،‬وأصوهلا يونانيّة' فلسفيّة ميتافيزيقيّة' حبسب رؤية اليونان للكون‪.‬‬

‫قوله‪" :‬محرراً من الدعاوى القيميّة‪ ،‬والذاتيّة"‪ ،‬أي حمرراً من احلكم‪ ،‬وقول''ه ه''ذا ين''اقض مرتك''زهُ ال''ذي ص' ّ'رح‬
‫ب''ه "مرتك''ز إمياين"‪ ،‬إذ اإلميان قيم''ة القيم‪ ،‬وه''ذه القيم تل''زم ب''احلكم على ك''ل م''ا خيالف اإلميان‪ ،‬أو يناقض''ه‪ ،‬أو‬
‫يقل' ' ''ل من' ' ''ه‪ ،‬فال إميان بال حكم‪ ،‬وإال ال قيم' ' ' ''ة لإلميان‪ .‬كم' ' ' ''ا أ ّن ال' ' ' ''ذات ال ميكن أن تنفص' ' ' ''ل عن الدراس' ' ''ة‪،‬‬
‫وخصوص 'اً م ''ا تعلّ ''ق بالدراس ''ات اإلنس ''انيّة' ‪-‬املص ''نّفة' غربيّ ''ا واملعلوم ''ة عاملي ''ا ح ''ىت يف ال ''دول اإلس ''الميّة‪ -‬وال ''يت‬
‫تص''نّف الدراس''ات الديني'ة' ض''منها حين'اً‪ ،‬أو جماورة هلا يف نفس احلق''ل حين'اً‪ ،‬وإال لك''انت نت''ائج ك''ل الدراس''ات‬
‫يف كل البقاع متطابقة‪.‬‬

‫قوله‪" :‬مجانباً مناهج القدماء الجدلية‪-‬الصوريّة"‪ ،‬يف اعتقادي أ ّن اجلدل مل ينته‪ ،‬بل جتدد شكله وبقي أص''له‪،‬‬
‫ذل''ك أ ّن الدراس''ات األكادميي''ة تتطلب عرض''ا للدراس''ات واآلراء‪ ،‬مث اس''تنطاق الب''احث لي''بنّي رأي''ه بني ال''دحض‬
‫والتأييد‪ '،‬وهذا أصل الطريقة التقليدية اجلدليّة‪ ،‬إال أ ّن طريقة الع''رض اختلفت؛ فب'دالً من اللغ''ة القويّ''ة وال'يت فيه''ا‬
‫أحكام بالكذب‪ ،‬والزي'ف‪ ،‬والب'دع‪ ،‬والكف'ر‪ ،‬ص'ارت يف الطريق'ة األكادميي'ة‪ ،‬وي'رى املؤل'ف الفالين‪ ،‬بينم'ا ي'رى‬

‫‪3‬‬
‫املؤلّف الفالين‪ ،‬ورأي الباحث ه'و‪ ...‬إخل‪ .‬وه''ذه لطاف''ة أس'لوب‪ ،‬م''ع بق'اء طريق''ة الع''رض واالع''رتاض' مث احلكم‬
‫يف هناية االستخالص‪.‬‬

‫األول بـ‪ :‬مق ّدم''ة عام''ة يف من''اهج دراس''ة مقارن''ة األدي''ان‪ ،‬مبيّن''ا منهج''ه أيض'اً يف‬
‫مث يق' ّدم املؤلّ''ف الفص''ل ّ‬
‫كتاب''ه باحلي''دة واملوض''وعيّة‪...‬إخل‪ '،‬وق''د س''بق تب''يني رأي القارئ''ة‪ .‬مث ي''ردف وص''فه ملنهج''ه بقاع''دة ومس'لّمة‪" :‬أ ّن‬
‫خيل بوص ''فه ملنهج ''ه بالبع ''د عن إص ''دار األحك ''ام القيمي ''ة‪ .‬ف ''املرتكز‬
‫مرتك ''زه إمياين خ ''الص"‪ ،‬وه ''ذا كم ''ا تق' ' ّدم ّ‬
‫اإلمياين يلزمه بدحض ما يع'ارض إميان'ه‪ ،‬ول'و بقواع'د أساس'يّة تش' ّكل أس'س رؤيت'ه ال'يت من خالهلا ي'رى اخلط'وط‬
‫الك''ربى‪ ،‬فاإلميان يس''تلزم احلكم‪ ،‬وإال ك''ان كال إميان‪ .‬وربما يكون اإلنســان مسـلماً ولكن عقلـه غــير مسـلم‬
‫الحتكامــه لمرجعيّـة إدراكيّـة تعـارض المرجعيّـة اإلدراكيّـةـ في دينـه‪ .‬وأم''ا مس'لّمته فمن خالهلا ي''بنّي أ ّن ال''دين‬
‫وضع إهلي معصوم باألصالة‪ ،‬وأن التبديل حلقه من جهة املؤمنني به وأتباعه‪ ،‬واملثال التط'بيقي على ه''ذه املس'لّمة‬
‫هو‪ :‬دراسته النصرانيّة يف هذا الكتاب‪.‬‬

‫استشكال‪:‬‬

‫قال املؤلّف إ ّن منهجه منهج مقارنة األديان‪ .‬وما جيب أن يطرح هو‪ :‬ما هو منهج مقارن'ة األدي'ان؟ وم'ىت نش'أ؟‬
‫وكيف؟ وما هي مسلّماته؟ وهل جمرد القول بأن اإلسالم أقر بوجود األديان ٍ‬
‫كاف للقول بقبوله؟‬ ‫ّ‬
‫إ ّن ال''دارس ملن''اهج مقارن''ة األدي''ان رمبا جيد أ ّن ه''ذا العلم نش''أ م''ع انفالق' الثنائي''ة بني‪ :‬ال''دين والعلم‪ ،‬أو‬
‫ال ''دين والوض' ''عيّة‪ ،‬ومن مثّ مجع ك' ''ل م' ''ا ليس بعلم يف املس' ' ّ'مى املتس' ''ع "ال' ''دين"‪ ،‬لت' ''دخل في' ''ه األدي ''ان حقيق ''ة‪،‬‬
‫والثقاف''ات‪ ،‬والع''ادات‪ ،‬واملمارس''ات‪ ،‬ب''ل ح''ىت احلرك''ات واألي''ديولوجيات كاملاركس''يّة عن''د البعض!' فلم يع''د‬
‫ـربي"‪ ،‬أي ك' ''ل م ''ا مل يتّص ''ف‬
‫ـعي غ ـ ّ‬
‫أي معي' ''ار أو حمدد‪ ،‬ب' ''ل معي' ''اره ه' ''و "م ــا ليس بعلم وض ـ ّ‬
‫لتعري ''ف ال' ''دين ّ‬
‫بـ"العلميّ ''ة" أو "الوض ''عيّة" فه ''و‪ :‬دين ل ''دى بعض التص ''نيفات' املتو ّس' 'عة‪ ،‬أو ه ''و دين وفلس ''فة‪ .‬وحبس ''ب دراس ''ة‬
‫املؤلّف خبلفيّته الغربيّة‪ ،‬فإن الق'ول مبنهج مقارن'ة األدي'ان ي'وجب حتري'ر أهم املس'ائل املتعلّق'ة باملقارن'ة بني األدي'ان‬
‫يف اإلسالم‪ '،‬ولعل أمهها‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪ -‬قصة اإلنسان‪ ،‬فاإلنسان يف أص'ل النش'أة والتك'وين' خمل'وق‪ ،‬وه'و حبس'ب العل'وم الغربيّ'ة ناش'ئ متط ّ'ور ال‬
‫خملوق‪.‬‬
‫‪ -‬اإلنس''ان' يف أص''ل خلقت''ه ن''زل عاملاً بع''امل الغيب‪ ،‬بينم''ا يف العل''وم الغربيّ''ة ه''و بُ''دائي مهجي‪ ،‬تعلّم الكالم‬
‫بع''د أن تط' ّ'ورت س''بل عيش''ه‪ ،‬مث ص''ار ال''دين حقب''ة دالّ''ة على تط''ور إنس''اينّ‪ .‬بينم''ا آدم ق''د عُلم األمساء‬
‫كلّها‪ ،‬فعلمه اللغوي وعلمه بالكالم أسبق من علمه بطريقة معاشه يف الدنيا بعد اهلبوط‪.‬‬
‫‪ -‬أص''ل دراس''ة األدي''ان يف اإلس''الم‪ ،‬أو معرفته''ا ه''و‪ :‬الش''هادة لألنبي''اء وتص''ديقهم‪ ،‬ودع''وة الن''اس إىل دين‬
‫'يب اهلل عيس'ى' علي'ه الس'الم‪ ،‬وتزكي'ة ص'ورته بع'د‬ ‫اهلل؛ فدراسة النصرانية' أو اليهوديّة هي دراسة ملناصرة ن ّ‬
‫لنيب اهلل موسى عليه السالم وتزكية لصورته بعد أن دنّست‪ .‬وهذا هو الدأب‬ ‫أن دنّست‪ ،‬وكذا شهادة ّ‬
‫مع مجيع األنبياء عليهم السالم‪.‬‬
‫ولك أن تتأمل يف كتاب اهلل‪ ،‬إذ أنعم اهلل على املسلمني مبعرف''ة حقيق'ة عيس'ى علي''ه الس''الم دون‬
‫خص اهلل هبا أتب''اع نبين''ا ص''لى اهلل علي''ه‬
‫الع''املني؛ إذ ظه''ر لك''ل من حول''ه أنّ''ه ق''د قت''ل‪ ،‬بينم''ا احلقيق''ة ال''يت ّ‬
‫وس ''لم أنّ ''ه ق ''د رف ''ع‪ ،‬فواجبن ''ا أن نبلّ ''غ ه ''ذه الش ''هادة للع ''امل أمجع‪ ،‬وه ''ذا تكلي ''ف إهلي ي ''وجب االهتم ''ام‬
‫بدراس''ة األدي''ان املعاص''رة هلا‪ ،‬والس''ابقة ملناص''رة أنبي''اء اهلل‪ ،‬وتص''حيح الص''ور‪ ،‬وتب''يني م''ا بيّن''ه نبين''ا ص'لى‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وميكن إمجال أهم أغراض دراسة األديان يف اإلسالم‪':‬‬
‫‪ -‬تصديق األنبياء' والشهادة هلم‪ ،‬والشهادة ألتباعهم والشهادة عليهم يف آن‪ .‬واالنتص''ار لألنبي'اء بتص''حيح‬
‫حنوهلا لعمل حبثي حقيقي؟‬ ‫صورهم؛ وإال ما فائدة اإلميان بالرسل يف اعتقادنا إن مل ّ‬
‫‪ -‬تبيني أصل اإلنسان يف خلقته ويف حتوالته التارخيية‪.‬‬
‫حتوالت عن األصول‪.‬‬ ‫‪ -‬تبيني أصل كثري من العقائد وأهّن ا ّ‬
‫‪ -‬نبذ النظري'ات املخالف'ة ألص'ول األدي'ان كـ‪ :‬نظري'ة التط'ور‪ ،‬نظري'ة اإلنس'ان البُ'دائي‪ ،‬نظري'ة االقتب'اس بني‬
‫الكتب السماويّة‪.‬‬
‫ولق''د ق''ام إمساعيل راجي الف''اروقي رمحه اهلل بدراس''ة اليهوديّ''ة‪ ،‬وبني فض''ل بعث''ة الن''يب ص''لى اهلل علي''ه وس''لم‬
‫على اليهوديّة‪ ،‬إذ من خالل اإلسالم' مت االعرتاف بصدق بعض الوثائق اليهوديّ''ة يف ال''دوائر الغربيّ''ة‪ ،‬أل ّن الق''رآن‬
‫وثيقة صادقة صحيحة مقبولة' ال خلل فيها‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫مث أشار املؤلف بإش'ارة م'وجزة إىل علم مقارن'ة األدي'ان‪ ،‬وق'د أحس'ن إذ بنّي أ ّن أص'وله مبنيّ'ة على مس'لّمات‬
‫غربيّة‪ ،‬يتخذ الدين فيها موضوعاً حبسب فلسفاهتا‪ ،‬وقد بنّي دراسة الدين وف'ق املنهج الوض'عي' التط ّ'وري‪ ،‬وال''يت‬
‫اختذ ال''دين فيه''ا موض''ع "الظ''اهرة التارخييّ''ة"‪ ،‬وه''ذا يع''ين الت''ايل‪ :‬اس''تبعاد قص''ة اخلل''ق‪ ،‬ال''دين مظه''ر ت''ارخيي دال‬
‫التطوريّ''ة وبق''اء من ي''ؤمن ب''ه‪ ،‬واإلق''رار مبب''دأ االس''تعارة'‬
‫على التط' ّ'ور البش''ري‪ ،‬ال''دين رجعي بع''د جتاوز مرحلت''ه ّ‬
‫الذي يدل على أ ّن كل دين هو استعارة' من الدين الذي قبله‪.‬‬

‫ه''ذه املنهجيّ''ة الغربي''ة الش''ائعة واملس' ّ'ماة بـ"علم مقارن''ة األدي''ان" اختزالي''ة س''طحيّة يف كث''ري من األحي''ان؛ إذ‬
‫تس ' ّ'وي بني األدي ''ان وف ''ق التش ''اهبات ال ''يت حتاف ''ظ على خ ''ط التط ' ّ'ور‪ ،‬وت ''دفن ك ''ل األس ''س والن ''واقض الداحض ''ة‬
‫التطور‪ ،‬وإال كيف ميكن مقارن'ة دين ي''ؤمن بإل'ه واح'د يتط' ّ'ور ل'دين ي''ؤمن بإل'ه من ثالث'ة أق''انيم‪ ،‬إىل دين‬
‫لنظرية ّ‬
‫يعي''د اإلميان بإل''ه واح''د؟ باإلض''افة ل''وهن االعت''داد بالرؤي''ة القدمية لإلنس''ان البُ''دائي‪ '.‬باإلض''افة ل''رفض اإلق''رار أو‬
‫شوهت' األديان السماويّة‪ ،‬بل غرّي ت الدين املسيحي متاماً‪.‬‬
‫ضعف اإلقرار بأثر احلضارة اهليلنستية' اليت ّ‬
‫يعاب على املؤلّف أنّه ق ّدم الرؤى الغربيّ'ة‪ ،‬لكن'ه مل يق' ّدم رؤي'ة منطلق'ة من اإلس'الم تنظ'ر لألدي'ان‪ ،‬ومل يق' ّدم‬
‫رؤي ' ''ة اإلس ' ''الم لإلنس ' ''ان ويق ' ' ّدمها على املنهجي ' ''ات األخ ' ''رى‪ ،‬مث يب ' ''دأ باملقارن ' ''ة‪ .‬من املألوف اعت ' ''داد الغ ' ''ريب‬
‫باملنهجيات الغربيّة‪ ،‬حىت الدينية منها وتقدميها‪ ،‬لكن من غري املقب'ول أن يعي'د املس'لم تنظيمه'ا وترتيبه'ا ونق'د م'ا‬
‫يل'زم دون تب''يني رؤي''ة ومنهج دين''ه يف النظ''ر لألدي''ان‪ ،‬أع''ين املالمح العام''ة‪ ،‬والقواع''د األساس''يّة‪ '.‬والكت''اب' باللغ''ة‬
‫وموجه ملسلمني‪ ،‬فال بد من تقدمي املرجعيّة األوىل يف تبيني النشأة التارخيية واألصول‪.‬‬
‫العربيّة ّ‬

‫ومما حيم''د للمؤلّ''ف أن بني أص''ول ال''دعوة ملا يع''رف حالي 'اً بـ "احلوار بني األدي''ان"؛ إذ نش''أته غربيّ''ة أص''لها‬
‫احلرب بني اليهود والنصارى‪ ،‬وال'دعوة' للمص'احلة بينهم حتت م'ا مسّي بعدئ''ذ بـ "ال''ديانات اإلبراهيّميّ''ة"‪ '،‬بع''د أن‬
‫صارت األديان يف خندق واحد ضد العلمانيّة الغربيّة‪ ،‬وعلى إثرها نتجت أيضاً مباحث "التعدديّة الدينيّة"‪'.‬‬

‫ويف بقيّة الفصول يعرض املؤلف النصرانيّة من خالل املصادر اليت ّأرخت هلا‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -‬اليهود‪.‬‬
‫‪ -‬النصارى‪.‬‬
‫‪ -‬فالسفة التنوير‪.‬‬
‫‪ -‬الدراسات الغربيّة املعاصرة‪ ،‬وفق مدرسيت هيجل وكانط‪.‬‬
‫ومن اجلدير بال''ذكر أ ّن أهم حلظ''ة تارخييّ''ة ش ' ّكلت النص''رانية' هي "م''وت عيس''ى علي''ه الس''الم" ب''زعمهم‪ ،‬بينم''ا‬
‫رفع''ه إميان 'اً ويقين 'اً ب''اخلرب اإلهلي الق''رآينّ؛ ل''ذلك ال ب''د من تق''دمي ه''ذه اللحظ''ة املفص''ليّة باألدل''ة القرآنيّ''ة أوالً‪ ،‬مث‬
‫ع ''رض األدلّ ''ة ح ''ول التوثي ''ق هلذه اللحظ ''ة عن ''د املعاص ''رين ل ''ه من روم ''ان أو يه ''ود‪ ،‬أو الالحقني من الدارس ''ني‬
‫الغربيني للدين باعتباره ظاهرة تارخييّة‪.‬‬

‫لنخلص يف النهاي ''ة إىل أن ال ''دين النص ''رانية' حبس ''ب اليهوديّ ''ة "احنراف"‪ ،‬وحبس ''ب النص ''رانيّة' "حقيق ''ة"؛‬
‫ولكن املشكل عندهم‪ :‬تعدد األناجيل واختالف الروايات‪ ،‬وحبسب فالسفة التنوير واملتأثرين هبم والباحثني يف‬
‫العص''ر احلايل فال''دين "ظ''اهرة تارخييّ''ة"؛ في''درس حبس''ب ه''ذا االعتب''ار‪ ،‬أي يعت''رب من خالل واق''ع املؤم''نني ب''ه‪ ،‬إذ‬
‫هبم ينعكس مستوى الوعي اإلنساين‪.‬‬

‫هذا منهج املؤلّف بشكل عام‪ ،‬وأما العرض فهو ما يف الصفحات التالية‪'.‬‬

‫‪7‬‬
‫النصران ّية‬
‫نشأتها التاريخية وأصول عقائدها‬
‫ومؤرخيهــا‬
‫"يحاول هذا الكتـاب تقـديم النصــرانية من منظـور علمي محايــد يسـتنطق أكــابر فالسـفة النصـرانيّة ّ‬
‫باالعتماد على منهج يتسم بالموضوعيّة والوصفيّة المحايدة محرراً من الدعاوى القيمية‪ ،‬والذاتيّــة‪ ،‬ومجانبـاً‬
‫مناهج القدماء الجدلية‪ -‬الصوريّة "المعروفةـ بمنهج الدحض والتثبيت"‪"...‬‬

‫بتصرف‬
‫المؤلّف‪ّ -‬‬ ‫‪8‬‬
‫التعريف العام بالكتاب‬
‫النصر ّانية‬
‫ّ‬
‫نشأهتا التارخيية' وأصول عقائدها‬
‫تأليف‪ :‬عرفان عبد‬
‫محتويات الكتاب‬
‫الحميد فتّاح‬

‫كوااللمبور‪ :‬التجديد‬ ‫مق ّدمةـ عامة في مناهج دراسة مقارنةـ األديان‬ ‫األولـ‬
‫الفصل ّ‬
‫الســيّد المســيح عليــه الســالم‪ :‬والدتــه‪ ،‬نشــأته‪،‬ـ ونهايتــه‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الطبعة ‪2‬‬
‫المفجعة‬
‫‪.‬هـ ‪2005 -‬م‪1426‬‬ ‫كتاب المسيحية المق ّدس‬ ‫الفصل الثالث‬
‫صــفحة ‪304‬‬ ‫السيّد المسيح عليه السالم ويهوديّة عصره‬ ‫الفصل الرابعـ‬
‫الفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الفترات الرئيسيةـ في التاريخ العام للمسيحيّة‬
‫الخامس‬
‫الفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل المجامع الدينيّةـ‬
‫السادسـ‬
‫الفصل السابع نظم الرهبانيّةـ‬
‫األسرار السبعة في النصرانيّة‬ ‫الفصل الثامنـ‬
‫الحركات اإلصالحيّة (‪1648-1513‬م)‬ ‫الفصل التاسع‬
‫المسـ ــيحيّة من عصـ ــر اإلصـ ــالح البروتسـ ــتانتيـ وحـ ــتى‬ ‫الفصل العاشر‬
‫اليوم‬

‫‪9‬‬
1
‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫عامة في مناهج دراسة مقارنة األديان‬
‫مق ّدمة َّ‬

‫منهج الكتاب‪:‬ـ‬

‫يص ''ف املؤلّ ''ف منهج ''ه بـ "احلي ''دة واملوض ''وعيّة' والبع ''د عن إص ''دار األحك ''ام القيمي ''ة‪ '...‬وجتاوزت ق ''در‬
‫املمكن واملستطاع' مناهج (الدحض والتثبيت)‪ '،‬أو (الدفاع والتربير) ‪"...‬‬

‫ثم يردف وصفه لمنهجه بقاعدة ومسلّمة‪:‬‬

‫القاعدة‪َّ :‬‬
‫أن مرتكزه إمياينّ خالص‪.‬‬

‫المسلّمة ‪ :‬يرى أن الدين وضع إهلي معصوم باألصالة‪ ،‬وأن التحريف والتبديل حلق به مما أضفاه عليه املؤمنون‪،‬‬
‫وشوهوا' نقاءه األصلي‪.‬‬
‫فحجبوا جوهره األصلي‪ّ ،‬‬
‫المثال التطبيقي للبرهنة‪ :‬هذا الكتاب الذي يدرس من خالله النصرانية' بعد حتريفها وتبديلها‪.‬‬

‫المنهج الدراسيـ التخصصي‪ :‬منهج مقارنة األديان‬

‫إشارة موجزة إلىـ علم مقارنةـ األديان‬

‫موقعه بين العلوم‪ :‬فرع من ف'روع املعرف'ة التارخيي'ة‪ ،‬ال'يت عُ'رفت يف الت'اريخ اإلس'المي؛ وذل'ك ألن الق'رآن ج'اء‬
‫املدعوة حملاورهتم‪.‬‬
‫بالتصديق لألديان واهليمنة عليها وختمها‪ ،‬وضرورة معرفة أديان األمم ّ‬
‫الفائ ــدةـ األخص لدراســةـ األدي ــان العالميّــةـ الي ــوم‪ :‬أ ّن من ''اهج دراس ''ة األدي ''ان احلديث ''ة نش ''أت وف ''ق فلس ''فات‬
‫التطوريّة‪:‬‬
‫ومسلّمات غربيّة‪ ،‬وأمهها موضع الدين‪ ،‬ومنها املنهج الوضعي بفلسفته ّ‬

‫‪1‬‬
‫التطوري‪ :‬أساسها استجالب رؤي''ة داروين ّ‬
‫التطوري''ة إىل‬ ‫دراسة مقارنة األديان وفق المنهج الوضعي ّ‬
‫روادهم‪:‬‬
‫جماالت العل'وم اإلنس''انيّة‪ ،‬وق'د ت''أثر هبا من درس مقارن'ة األدي'ان وتارخيه''ا‪ ،‬فأخ'ذ هبا كث'ري من ّ‬
‫عم'ق منهجهم الوض'عي‪ ،‬مث''ل‪:‬‬
‫ماكس مويل‪ ،‬وتيله‪ ،‬ومتزاين‪ ،‬وإدوارد ك'ريي‪ .‬وق''د ت'أثر هبم بعدئ'ذ من ّ'‬
‫بيرتس‪ ،‬وجوردان‪ ،‬وكارن آرمسرتونج‪ ،‬وهانز كونك‪ ،‬ومريسيه إليادة‪.‬‬
‫موضع الدين من خالل هذا التيّار‪:‬‬
‫قص ة اخللق‪ ،‬وبالطبع استبعاد اخلالق‪ ،‬ومقتضيات ذلك من نفي إحكام الكون‪'.‬‬
‫‪ ‬استبعاد ّ‬
‫‪ ‬احلقيقة نسبيّة وحمايثة ال متعالية‪.‬‬
‫‪ ‬ال ''دين مظه ''ر من مظ ''اهر التط ' ّ'ور ال أن ''ه ه ''و املط ' ِّ'ور‪ ،‬وب ''التبع ك ''ل كتب ال ''دين تعام ' ُ'ل معامل' 'ةَ الوث ''ائق‬
‫التارخيية!‬
‫حتوالت تارخيي''ة‬
‫‪ ‬ال''دين ظ''اهرة تارخيي''ة وينبغي أن يف ّس'ر على ذل''ك؛ وأ ّن ال''وحي م''ا ه''و إال تعب''ريات' عن ّ‬
‫إنسانيّة ال أنه حقيقة متعالية‪.‬‬
‫‪ ‬التس''وية بني مجي''ع األدي''ان ومقابلته''ا بالعقلي''ة الوض''عية‪ ،‬وف''ق معي''ار العقليّ''ة الوض''عيّة لفت''ق ثنائي''ة بني م''ا‬
‫ليس مبعق''ول كال''دين واألس''طورة واخلراف''ة‪ ،‬والعق''ل الوض''عي‪ ،‬لتن''درج ك''ل األدي''ان حتت قائم''ة املقاب''ل‬
‫بالرغم من التفاوت الكبري بينها! بل وإدخاهلا يف نوع جيمعها باألسطورة واخلرافة!‬
‫قيمة الدين اآلن‪ :‬أنه الكاشف عن البنية' العلويّة اليت ش ّكلت البىن االجتماعية احلالية (السفلى)!‬ ‫‪‬‬
‫لتطور الدين من البدائية الوثنيّة' إىل التوحيدية!‬
‫رسم اخلط التارخيي ّ‬ ‫‪‬‬
‫مقتضيات هذه النتائج‪:‬‬
‫م''ا دام ال ''دين س ''ريورة تارخيي ''ة؛ فإن ''ه ق''د اس ''تعار من ال ''دين ال''ذي س ''بقه‪ ،‬وعلى ذل''ك س ''ارت دراس ''تهم‬
‫املقارنة بني األديان يف تبيني العالقة بني األديان املتشاهبة بأهنا عالقة أخ''ذ واقتب''اس! أو اعتم''اد واس''تعارة‬
‫"‪."Dependence or borrowing‬‬

‫‪1‬‬
‫واألهم يف موضوع "األديان السماويّة" أن األديان الثالثة‪ ':‬اليهودية‪ ،‬املس'يحية‪ ،‬اإلس'الم؛ م'ا دامت هبذا‬
‫'دل على وح''دة‬
‫التش''ابه فه''ذا دلي''ل على أهنا إمنا اقتبس 'ت' من بعض''ها! ومل يق''رروا ب''أ ّن تش''ابه األدي''ان ي' ّ‬
‫املصدر‪ ،‬والذي يوجب أن يؤمنوا مبصدر ٍ‬
‫متعال مي ّد هذه األديان‪.‬‬
‫األديــان اإلبراهيميــة‪ ،‬أو أديــان أبنــاء إبــراهيم‪ :‬هي دع ''وة ظه ''رت من ''ذ الس ''تينات من الق ''رن العش ''رين‬
‫تدعو إىل دع'وى "أن اليهودي''ة واملس'يحية واإلس''الم دين واح'د يف ص''ورة ثالث''ة أدي''ان"‪ ،‬وق''د وض'عوا هلا‬
‫مص ''طلح‪" :‬اجملم ''ع اإلب ''راهيمي‪ "Abrahamic Ecumen-‬أو "أبن ''اء إب ''راهيم‪Children of-‬‬
‫‪ "Abraham‬وأحياناً "اإلرث اإلبراهيمي' املشرتك‪."Abraham Stock-‬‬
‫أصل الدعوى‪ :‬أهنا تصنيف لدعوى أعلى منها جتمع األديان دون ممايزة إال بالتص''نيف للتعري''ف‪ ،‬وهي‬
‫"الوح' ' ''دة املتعالي' ' 'ة' لألدي' ' ''ان ‪ "-The Transcendent Unity of Religions‬ول' ''ذلك‬
‫تسمى هذه ال''دعوى األعم بـ‪":‬التعددي''ة الديني''ة‪Religious-‬‬
‫فاألديان اإلبراهيمية' فرع منها! وأحياناً ّ‬
‫‪ "Pluralism‬أو "روحانيّة املقاصد‪."Spiritual Humanity-‬‬

‫‪1‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫السيد المسيح عليه السالم‪ :‬والدته‪ ،‬نشأته‪ ،‬ونهايته المفجعة‬

‫ّأوالً‪ :‬والدته ونشأته‬

‫املسيحية تُنسب إىل املسيح عيس'ى علي'ه الس'الم‪ ،‬وامسه األص'لي "‪ "Emanuel‬ومعن'اه‪ :‬اهلل معن'ا‪ ،‬أو‬
‫اهلل خيلّصنا‪.‬‬

‫التعريف باملصطلحات‪:‬‬

‫المسيح‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫هو لقب واسم يف آن "‪"A title and a proper name‬‬

‫أصــله اللغــوي‪" :‬مش''تق من الكلم''ة العربيَّة "‪ "Massiah‬وتع''ين يف العربي''ة واآلرميّ''ة "املنق''ذ املوع''ود"‪ ،‬وأص''لها‬
‫سرته بدهن ال'َّ'زيت املق' ّدس "‪ ،"Yehoshua‬بدالل''ة‪ :‬يه''وه املنق''ذ‬
‫العربي "‪"ha-mashiah‬؛ أي املمسوحة َّ‬
‫"‪"Yahwa saves‬؛ مث اختصرت فاختذت صورة‪ "Yeshua" :‬أو "‪-Yeshu‬يس'وع"؛ بدالل''ة املمس'وحة‬
‫سرته واملختار من اهلل تعاىل‪."The anointed and chosen one by God" :‬‬
‫ّ‬
‫وق ' ''د تُ ' ''رمجت الكلم ' ''ة إىل اليونانيّ' ' 'ة' بص ' ''يغة‪ -Khristos :‬خريس ' ''توس املش ' ''تقَّة من‪ Khriein :‬أي‬
‫'تق االس''م الت''ارخيي للدَّيان''ة‪"Christianity" :‬؛ وخريس''توس تع''ين أيض 'اً‪:‬‬
‫املس''ح‪ ،to anoint -‬ومنه''ا اش' َّ‬
‫الزيت املقدَّس؛ عمالً بالتقاليد املوروثة عند اليهود مع الطفل املولود‪ ،‬أو مع امللوك‪.‬‬
‫سرته بدهن َّ‬
‫املمسوحة َّ‬
‫أما اسم ‪ٍ Jesus‬‬
‫فآت من اليونانيَّة' ‪ Le Sous‬اليت هي بدورها ترمجة للكلمة العربيَّة' ‪."Yeshu‬‬

‫‪1‬‬
‫التأويل اإلسالمي‪ :‬انش''غلوا ب' ّ‬
‫'رد كلم''ة املس''يح إىل األص''ول اللغويّ''ة العربي''ة‪ ،‬إال أن اإلم''ام الط''ربي ش''عر بأص''لها‬
‫غري العريب‪ ،‬وأهنا سريانية‪ ،‬فقال‪" :‬مشيحاً فعُِّربت"‪.‬‬

‫النصرانيّة‪:‬ـ‬ ‫(‪)2‬‬
‫األول‪:‬ـ نس' ''بة إىل مدين' ''ة الناص' ''رة مس' ''قط رأس الس' ''يد املس' ''يح علي' ''ه الس' ''الم؛ حبس ''ب املص ''ادر‬
‫‪ ‬الق ــول ّ‬
‫اليهودية اليت تنفي أن يكون قد ولد يف "بيت حلم"؛ لنفي صفة املسيحانيّة' املنتظ'رة وال''يت خيرج ص'احبها‬
‫ص' 'غرى م ''دن اليه ''ود‪ ،‬من ''ك‬
‫من "بيت حلم"‪ ،‬واعتق ''ادهم أن ''ه من آل داود؛ "لكن ي ''ا بيت حلم أفرات ''ه‪ُ ،‬‬
‫س''يخرج يل س 'يِّ ٌد على ب''ين إس''رائيل‪ ،‬يك''ون' من''ذ الق''دمي‪ ،‬من''ذ أي''ام األزل" [العه''د الق''دمي‪ :‬س''فر ميخ''ا‪:‬‬
‫‪ .]5:3‬ونبذ املسيح ونسبته للناصرة خصوصاً لوصفهم إياها بـ "أ َِم َن النَّاصرة خيرج شيءٌ صاحل؟"‪.‬‬
‫القول الثاني‪:‬ـ من املؤرخني من يرى أن الناصرة حتريف لكلمة "الناظر" وهي أقدم تسمية أطلقت على‬ ‫‪‬‬
‫الصابئة املن''دائيني أو املغتس''لة؛ ولع'ل ه'ذا اخلل''ط ألن يوحن''ا املعم''دان‪ ،‬واملس'يحيون من بع''ده ق'د مارس''وا‬
‫ع ''ادة التغطيس' يف املاء‪ ،‬مث أص ''بحت س ''راً من األس ''رار الس ''بعة يف املس ''يحية‪ ،‬وهي ع ''ادة يتبعه ''ا اليه ''ود‬
‫"الرب يرمحنا ويغف''ر‬
‫ُّ‬ ‫عامة حىت يومنا هذا وتدعى بـ "التشليخ ‪ "Tashlikh‬ميارسوهنا يف عيد الغفران‪'،‬‬
‫لنا ذنوبنا‪ ،‬ويف أعماق البحر يطرح خطايانا" [العهد القدمي‪ :‬سفر ميخا‪.]20-18 :7 :‬‬
‫‪ ‬القـــول الثـــالث‪ :‬حبس' ''ب ال' ''ورود‪ ،‬أول ورود ملص' ''طلح "النص' ''رانية" ك' ''ان يف إجني' ''ل م' ''ارك يف "أعم' ''ال‬
‫"زايتلن" إىل أ ّن ورود اللف ''ظ "الناص ''رة" يف‬
‫الرس ''ل"‪ ،‬أثن ''اء حماكم ''ة ج ''رت للق ''ديس بط ''رس‪ .‬وي ''ذهب ْ‬
‫إجنيلي "مىّت " و"لوقا" ال ينبغي أن حيم'ل على قص'د "مدين'ة الناص'رة"؛ ألن النص'وص' القدمية تف ّ'رق بني "‬
‫‪ "Nazarene‬و"‪ :"Nazareth‬ال''يت تع''ين امساً جلماع''ة ديني''ة‪ ،‬ك''ان من متق ' ّدميهم الق''ديس يعق''وب‬
‫أخ الس ''يد املس ''يح ال ''ذي مسّي بعيس 'ى' الناص ''ري –حبس ''ب ق ''وهلم‪ ،-‬ممن س ''لكوا حي ''اة التعبّ ''د والزه ''د يف‬
‫املعبد اليهودي‪.‬‬

‫مصادر األرخنةـ لحياة عيسى عليه السالم‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫المصادر المســيحية ‪ -‬الغربيّــة‪:‬ـ مل ي''رتك عيس''ى علي''ه الس''الم حرف'اً واح''داً بع''ده‪ ،‬وحيات''ه غامض''ة‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫والسبيل الوحيد ملعرفته هو‪ :‬األناجيل األربع''ة‪[ .‬تعلي'ق القارئ'ة‪ :‬معل''وم أ ّن األناجي'ل أك'ثر من أربع''ة‪،‬‬
‫وإمنا األربع ''ة هي ص ''يغة املس ''يحية الغربيّ ''ة ال ''يت انتش ''رت وش ''اعت يف الق ''رون املت ''أخرة‪ '،‬ولكن عن ''د‬
‫ظهور اإلسالم' فقد كانت هناك ع ّدة مسيحيات م'ع ع' ّدة كتب هلم‪ ،‬وس'يأيت يف الورق'ة ذك'ر ت'اريخ‬
‫األناجيل‪ ،‬وإمنا ثبتت املصادر األربعة فقط ألهّن ا هي الباقية ال ألهنا هي الوحيدة]‪'.‬‬
‫المصــادر الوثنيّــة‪ّ :‬أرخت بنت''ف وإش''ارات إىل حادث''ة الص''لب (لش''بيه عيس''ى علي''ه الس''الم عن''دنا‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وللمس ''يح بوص ''ف مش ''ني عن ''دهم)‪ ،‬يف مؤلّف ''ات م ''ؤرخني وثن ''يني‪ ،‬مث ''ل‪ Tacitus:‬يف حوليّات ''ه "‬
‫واملؤرخ الروم ' ''اين‬
‫‪ "Annals‬ع ' ''ام ‪110‬م‪ ،‬ال ' ''ذي وس ' ''م دع ' ''وة عيس ' ''ى علي ' ''ه الس ' ''الم باخلراف ' ''ة! ّ‬
‫‪ Suetonius‬أش ''ار إلي ''ه يف كتاب ''ه عن حي ''اة اإلم ''رباطور كلودي ''وس بعن ''وان' " ‪"Vita claudii‬‬
‫مشرياً إىل طرد اإلمرباطور ملثريي الفتنة' من اليهود!‬
‫المصادر اليهوديّة‪:‬ـ مثل املؤرخ اليهودي ‪ Josephus‬املعاصر للسيد املسيح عليه الس''الم‪ ،‬واص''فاً‬ ‫‪-3‬‬
‫احلرب بني اليهود والرومان‪ ،‬وقص''ة ص''لب الق''ديس جيمس أخ املس''يح ع''ام ‪62‬م ‪-‬ب'زعمهم‪ .-‬أم''ا‬
‫التلمود فكان ذكره فيه ذكر املدافع'ة عن اليهوديّ'ة ض'د املس'يحية‪ ،‬وم'وجز وص'فهم ل'ه في'ه –حاش'اه‬
‫وأمه الصديقة عليها السالم‪ :-‬مولود غري ش'رعي‪ ،‬ابن رج'ل ي'دعى ‪ panther‬ل'ذلك‬
‫عليه السالم ّ‬
‫مسّوه بـ ‪ ،bin panter‬اح' ''رتف الس' ''حر واس' ''تخف بالن' ''اس وأث' ''ار الغوغ' ''اء!‪ ،‬مجع حول' ''ه مخس ''ة‬
‫حواريني ومات مصلوباً عشيّة عيد العبور اليهودي‪.‬‬
‫كتاب "‪ "Toledot Yeshu‬مجع اليهود مادته وتداولوه طوال العصور الوسطى؛ مما يف ّس'ر‬
‫احلرق العلين للتلمود مرات من قِبل النصارى‪.‬‬

‫الدراسات الحديثة لعيسىـ عليه السالم‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫دعــوى فلســفة األنــوار‪ :‬التش ''كيك يف حقيق ''ة ظه ''ور املس ''يح يف الق ''رن الث ''امن عش ''ر ح ''ىت ب ''دايات الق ''رن‬
‫املؤدية إلنكار حقيقة املسيح عليه السالم‪.‬‬
‫العشرين حتت تأثري الفلسفة التارخيية اهليجليّة ّ‬

‫متضادين‪:‬‬
‫ّ‬ ‫دراسة المسيحية في القرن التاسع عشر‪ :‬جرت دراستها حتت تأثري منظورين فلسفيني‬

‫فلسـفة هيجـل الجدليّـة‪:‬ـ ّ‬


‫املؤدي''ة لعيس''ى علي''ه الس''الم باعتب''اره حال''ة من سلس''لة التمظه''رات لل''روح‬ ‫‪-1‬‬
‫املطلقة‪ ،‬وأنّه أسطورة صيغت يف حلظة من حلظات هذه السريورة!‬
‫الكانتيّـةـ المحدثــة‪ :‬ال''يت تتناوهلا باعتباره 'ا' من ع''امل املظ''اهر التارخيي''ة‪ ،‬ومن أش''هر الدراس''ات حتته''ا‬ ‫‪-2‬‬
‫دراس ' ' ' ''ة "أدول ' ' ' ''ف ف ' ' ' ''ون هارن ' ' ' ''اك" عن ج ' ' ' ''وهر املس ' ' ' ''يحية' بعن ' ' ' ''وان‪The essence of" :‬‬
‫‪."Christianity‬‬

‫وجهـ ــة نظـ ــر الكنيسـ ــة في هـ ــذه الدراسـ ــات‪:‬ـ "أن ه' ''ذه الدراس' ''ات ومثيالهتا‪ :‬ق ' ''ام هبا عقالني' ''ون' غالة "‬
‫املتطرف''ة "‪ ،"Humanitarians‬أو‬
‫‪ ،"Unorthodox rationalists‬أو أتب''اع النزع''ات اإلنس''انية' ّ‬
‫أنصار الالهوت' املتحرر "‪"Liberal Christians‬؛ الذي أرسى أسسه فردريك ش''الير م''اخر‪ ،‬واجلامع‬
‫بينهم‪ :‬رفض املعج ''زات ورفض اإلق ''رار بألوهي 'ة' عيس ''ى علي ''ه الس ''الم –عب ''د اهلل عن ''دنا‪ ،-‬وأ ّك''دوا أخالقي ''ة‬
‫تعامليه وأبرزوها"‪.‬‬

‫مناهج دراسةـ المسيح ونشأة المسيحية في الغرب‬

‫التطوريــة لدراســة األناجي ـلـ األربعــة‪ :‬نظ ''راً الحنص ''ار املواد املتاح ''ة يف األناجي ''ل األربع ''ة‪،‬‬
‫نظريّــة المراحــل ّ‬
‫ونظ''راً ألهنا كتبت بلغ''ة ال تواف''ق الوص''ف الت''ارخيي للدراس''ات التارخيي''ة فق''د أص''بح حتري''ر املص''در ّأوالً أهم‬
‫املادة التارخيي'ة م ّ'رت عن'د النق'اد بثالث‬
‫من األخذ منه عند من درس النصرانية من هذه األناجي'ل‪ ،‬ل'ذا فه'ذه ّ‬
‫تطورية‪ ،‬كالتايل‪:‬‬
‫مراحل ّ‬

‫‪1‬‬
‫رواي ''ات مرحل ''ة إعالن' املس ''يح علي ''ه الس ''الم عن بش ''ارته‪ ،‬ونت ''ف من أخب ''ار تتص ''ل هبذه املرحل ''ة (وهي‬ ‫أ‪.‬‬
‫مرحلة قصرية)‪.‬‬
‫مدون'ة (من الثالثين'ات ح'ىت الس'تينات' من‬
‫مرحلة ال'دعوة إىل بش'ارته‪ ،‬بتقالي'د متوارث'ة متنوع'ة ش'فوية أم ّ‬ ‫ب‪.‬‬
‫األول)‪ .‬ودراس''ة "رودول''ف بولتم''ان" النق''د‪-‬ص''وريّة تتعل''ق مبا ت''راكم من رواي''ات عن‬
‫الق''رن املس''يحي' ّ‬
‫هذه املرحلة‪.‬‬
‫مرحل''ة االختي''ار والص''ياغة' والتع''ديل والته''ذيب' للرواي''ات املتداول''ة‪ ،‬من قِب''ل كت''اب األناجي''ل األربع''ة‪.‬‬ ‫ت‪.‬‬
‫وق ' ''د درس ' ''ها من اهتم بأس ' ''لوب النق ' ''د املط ' ' ّ'ور بع ' ''د احلرب العاملي ' 'ة' الثاني ' ''ة "‪Reduction and‬‬
‫‪-composition criticism‬التهذيب والرتكيب"‪.‬‬

‫إشكالية نظرية التحقيب التاريخي للمادة التاريخية‪ :‬هل تُبىن سرية املسيح عليه الس''الم من املرحل''ة الثالث''ة‬
‫وصوالً إىل املرحلة األوىل لتوثيق حياة املسيح بالرغم من أ ّن أصل التوثيق عبارة عن شهادات إمياني''ة مس''بقة‬
‫'ادة‬ ‫ِ‬
‫من قب''ل الكتّ''اب لألناجي''ل " ‪ "Committed Testimonies of Faith‬وليس''ت الس''تنباط م' ّ‬
‫تارخيية موثّقة‪.‬‬

‫نظريّة التميـيز بين "عيسـى التـاريخ‪ "Jesus of History‬و"عيســى اإليمـان‪Jesus of Faith‬‬


‫"‪:‬‬

‫بع ''د التش ''كيك' يف نوعيّ ''ة التص ''رحيات اإلجنيلي ''ة‪ ،‬فق ''د ف ' ّ'رق الش ''كاك' أو ت ''أثّراً باجلدليّ ''ة اهليجليّ ''ة يف مقابالهتا‬
‫'ارة بني دين عيس ''ى وإميان دي ''ين بعيس ''ى‪ ،‬وت ''ارة يف املقابل ''ة بني بس ''اطة بش ''ارة عيس ''ى والق ''ول‬
‫'ادة‪ ':‬ت ' ّ‬
‫املتض ' ّ‬
‫بألوهيّته‪ '،‬وبني عيسى السامي املتح ّدث باآلرمية والداعي للتوحيد‪ ،‬وبولص األبع''د عن التوحيدي''ة واألق''رب‬
‫للفلس''فة اهللينس''تية‪ .‬واملقابل''ة بني عيس''ى علي''ه الس''الم وب''ولص أنتج دراس''ات ف' ّ'رقت بني دين املس''يح وبني‬
‫املسيحية التارخيية من أشهرها دراسة ‪ ،Gotthold Ephraim Lessing‬وكذلك مارتن بوبر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الخالصة من الدراسات‪:‬ـ بالرغم من شح املوارد‪ ،‬إال أ ّن جمموع الدراسات اليهودية والنص'رانيّة عن الس''يد‬
‫املسيح عليه السالم وحياته‪ ،‬جتمع على‪:‬‬

‫النج'ار‪ ،‬ونش''أ يف عائل''ة ض''مت‬


‫‪ ‬أنّ''ه قَ''دم الناص''رة من اجللي''ل‪ ،‬وأن''ه ابن لس''يدة امسها م''رمي زوج''ة لي''وس ّ'‬
‫ذكوراً وإناثا‪ ،‬ومن إخوته‪ :‬يعقوب (جيمس)‪ ،‬ويوسف‪ ،‬ويهوذا‪ ،‬ومسعان (ساميون)‪.‬‬
‫‪ ‬أنه عُ ِّمد على يد يوحنا املعمدان‪ ،‬وامتهن التجارة أو البناء‪.‬‬
‫األميني‪ ،‬ولقل''ة فهمهم‬
‫‪ ‬ق''ام بالتبش''ري برس''الته بني اخلُط''اة واملذنبني والع َّش 'ارين واملنب''وذين والص''يادين من ِّ‬
‫فكان خياطبهم باألمثال‪.‬‬
‫جرت على يده العديد من املعجزات‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬كان من أشد ن ّقاد العبادة الشكلية أو الظاهري''ة ملعلّمي الش''ريعة‪ ،‬ورغب يف تص''حيح اليهوديّ''ة املوروث''ة‪،‬‬
‫وهو يهودي غيور على يهوديّته‪ ،‬وعقيدة التوحيد‪.‬‬
‫‪ ‬احتف''ل م''ع حواريي''ه بالعش''اء األخ''ري يف ليل''ة خيان''ة األس''خريوطي ل''ه‪ ،‬وحكم علي''ه ب''املوت ص''لباً لتم' ّ'رده‬
‫السياسي‪ ،‬مث بعث من قربه ورآءه بطرس (سيفاس) وحوارييه‪ ،‬ومجع غف'ري‪ ،‬والق'ديس ب'ولص ال'ذي رآه‬
‫بعد بعثه ال قبل موته!‬

‫معالمـ سيرة المسيح عيسى عليه السالم من األناجيلـ األربعةـ‬

‫مسـ ــقط رأسـ ــه وسـ ــنة والدتـ ــه‪ :‬اختلفت األناجي ' ''ل يف تع ' ''يني مس ' ''قط رأس ' ''ه بني "الناص ' ''رة" و"بيت حلم"‪،‬‬
‫وكذلك يف تعيني سنة الوالدة بني ‪ 4‬ق‪.‬م و ‪ 5‬ق‪.‬م (إجنيل مىّت )‪ ،‬وبني ‪ 6‬ق‪.‬م و‪ 7‬ق‪.‬م (إجنيل لوقا)‪،‬‬

‫تحديد التاريخ الميالدي‪ :‬مت اعتم'اد الت'أريخ مبيالد املس'يح علي'ه الس'الم يف الق'رن الس'ادس امليالدي؛ وعلي'ه‬
‫ف''اختلفت الكنيس 'ة' الكاثوليكي 'ة' عن الكن''ائس' األرمنيّ''ة يف االحتف''ال بعي''د ميالد املس''يح‪ ،‬فه ''و ‪ 25‬ديس''مرب‬
‫للكاثوليك‪ '،‬و‪ 6‬كانون الثاين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫والدة المسيح عليــه السـالم‪ :‬الق''ول ب''أن ل''ه أخ''وة وأخ''وات ووال''د مش''كل‪ ،‬لكن وج''دت الكنيس'ة' خمرج'اً‬
‫النجار زوج والدته!‬
‫بنسبة األبناء خلالته أو ليوسف ّ‬

‫ألقابـ عيسى عليه السالم‪:‬‬

‫‪ ‬المس ــيح‪ :‬أطلق ''ه علي ''ه أتباع' 'ه' أل ّن أغلبهم من اليه ''ود املتن ّ‬
‫ص' 'رين‪ ،‬وليس يف األناجي ''ل م ''ا ي ''دل على‬
‫استخدامه هلذا اللقب‪.‬‬
‫‪ ‬ك''ان املس''يح يس' ّ'مي نفس''ه بـ "ابن اإلنس''ان"' املس''تعار من العه''د الق''دمي للتبش''ري ب''ه‪ ،‬وعُ''رف بالس''يّد‬
‫واملعلّم‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬المسؤول عن اتهامه ومحاكمته وصلبه –كما شبّه لهم‪:-‬‬

‫اختلفت اآلراء في تحديد من أراد صلْبه إلى‪:‬‬

‫س ـ ْنهدريون "‪ "Supreme Jewish tribunal‬بزعام ''ة قياف ''ا "‪ ،"Caiaphas‬مجاع ''ة من‬
‫ال َّ‬ ‫‪-1‬‬
‫اليهود هم رجال املعبد وأعضاء اجمللس اليهودي األعلى‪ ،‬والسبب‪:‬‬
‫فضحوا باملسيح فداء لليهود‪.‬‬
‫أل ّن دعوة املسيح شاعت فخافوا على أن يستبد الرومان هبم ّ‬ ‫أ‪.‬‬
‫ألن املسيح عليه السالم انتقدهم وكشف زيفهم وتعاطيهم الرىب والتظاهر بالشريعة‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬
‫الصدوقيون‪ :‬أصحاب السلطة الدينية والوض'ع االس'تقراطي' اخلادم للس'لطة الروماني'ة؛ وذل'ك خوف'اً‬ ‫‪-2‬‬
‫حمرض'اً‬
‫على مكاسبهم فهم عمالة للرومان‪ ،‬واعتربوا' املسيح علي'ه الس'الم ث'ائراً اجتماعي'اً مث'رياً للفنت ّ‬
‫على منع دفع اجلزية للقيصر‪.‬‬
‫السلطة الرومانية‪ ،‬وعلى رأسها بالطس‪'.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪2‬‬
‫الروايات اإلنجيلية‪ :‬تذهب رواية إجني''ل يوحنّ''ا إىل أن ّ‬
‫احملرض على ذل''ك هم اليه''ود‪ ،‬ولكن ألن اإلجني''ل كتب‬
‫متأخراً يف وقت تأزم العالقة بني اليهود والنصارى فقد كان اهلجوم على اليهود فيه كبري‪ ،‬واهتموهم مبحاكمته‬
‫وقتله صلباً‪.‬‬

‫املؤرخ ''ون ه''ذه الرواي''ة‪ ،‬ال ''يت تعت ''رب اليه''ود "قتل''ة ال ''رب" خصوص''ا دع ''اة "املص''احلة' التارخيي ''ة" بني‬
‫انتق''د ّ‬
‫لخص''ة أهنا‬
‫وردوا الرواي''ة‪ ،‬ومحّلوه''ا جري''رة الص''راع بني اليه''ود والنص''ارى‪– .‬وه''ذه تظن املُ ّ‬
‫اليه''ود والنص''ارى‪ّ ،‬‬
‫حتوير للتاريخ ال أهنا حتقق من الرواية التارخيية!‪ .-‬والبعض' قال بأن' تلك األحداث والقتل ما هي إال أس''طورة‪،‬‬
‫مثل "رودولف بولتمان"‪ .‬والتعليل‪ :‬أن القتل صلباً ليس من شريعة موسى عليه السالم‪.‬‬

‫موت المسيح عيسى عليه السالم –بزعمهم‪ -‬الركن األهم في العقيدة النصرانيّة‬

‫مراحل قتل المسيح عليه السالم –بزعمهم‪:-‬‬

‫أوالً‪ :‬تعذيبه والتشهري به‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬صلبه‬

‫ثالث ـاً‪ :‬قومت ''ه بع ''د ص ''لبه وموت ''ه وخل ' ّ'و ق ''ربه من جس ''ده بع ''د زل ''زال دح ''رج احلج ''ر عن ق ''ربه (وه ''ذه احلادث ''ة مل‬
‫يشهدها البشر‪ ،‬ومل يرد يف األناجيل ما يؤكدها)‪.‬‬

‫مفاهيم محوريّة في ركن "آخر حياة المسيح"‪:‬‬

‫الصلب ‪ ،Crucifixion‬التثليث‪ '،‬القيامة ‪ِ ،Resurrection‬‬


‫الفداء ‪ ،Redemption‬املصاحلة‪.‬‬

‫بعد إمياهنم –أي حوارييه‪ -‬بصلب عيسى علي''ه الس''الم‪ ،‬وحال''ة احلزن ال''يت أص''ابتهم والن''دم على ض''عف‬
‫مناص ''رته‪ ،‬وبع ''د خروج ''ه وقيام ''ه من ق ''ربه‪ ،‬أص ''بحت قيام ''ة املس ''يح علي ''ه الس ''الم من أهم األرك ''ان الفارق ''ة بني‬

‫‪2‬‬
‫اليهودي''ة والنص''رانيّة‪ '،‬فص''ار اإلميان ب''ه خملّص'اً ومبعوث'اً' بع''د موت''ه ه''و التح' ّ'ول الت''ارخيي املنش'ئ' للهويّ''ة املس''يحية‪،‬‬
‫فانتقلت من اجملال اليهودي إىل مسيحية هلينستية' أضفى عليها بولص هذا الطابع اهللينستيين‪.‬‬

‫'رده للش'عور النفس'ي ألتب'اع املس'يح بع'د‬


‫املؤرخ'ون والفالس'فة' تأوي'ل ه'ذا التح ّ'ول الت'ارخيي ب ّ‬
‫وقد حاول ّ‬
‫موت''ه بع ' ّدة ت''أويالت' نفس''يّة بني ن''دم وح''زن جيلى بالتوب''ة وبرهاهنا لق''اء املس''يح‪ ،‬أم ه''و أم''ل وبش''ارة بلق''اءه ملن‬
‫التصورات املسيحية‪ :‬الصلب‪ ،‬الفداء‪ ،‬القيامة‪ ،‬اخلطيئ''ة األص''ليّة‪ ...‬كله''ا‬
‫آمن به وتاب‪...‬إخل التأويالت‪ '.‬وتعترب ّ‬
‫من وضع بولس الذي حرف املسيحية عن التوحيد إىل الوثنية' تأثراً باهللينستية‪.‬‬

‫أثر اإليمان بقيامة السيد المسيح عليه السالم‪:‬‬

‫ترتب على اإلميان بذلك احتفال سنوي يف عيد الفصح املسيحي‪ ،Easter‬وكذلك أمران خطريان‪:‬‬

‫أن قيامة املسيح باتت رمزاً لنسخ اليهوديّة‪'.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫اإلميان بقيام' ''ة املس' ''يح ه' ''و األس' ''اس يف الع' ''داء بني اليهودي' ''ة والنص' ''رانية؛ لتك' ''ريس رمزي' ''ة انتص' ''ار‬ ‫‪-2‬‬
‫النصرانية' باالنتصار على اليهود – خصوصاً لدى األوساط اليهوديّة‪'.‬‬

‫نتجت عن قيامة املسيح أيضاً عقيدة احللول اليت ترى أ ّن "روح الق''دس" ح''ل يف احلواريني‪ ،‬وه''و م''ا يس' ّ'مى‬
‫بـ "العنص ''رة"‪ ،‬ويف ك ''ل من ي ''ؤمن ب ''ه‪ ،‬واحنراف املس ''يحية عن التوحي ''د إىل الوثني ''ة ال ''يت تتق ' ّ'ول على عيس ''ى أن ''ه‬
‫وص''ف نفس''ه إهلاً مبا ال دلي''ل علي''ه يف األناجي''ل الثالث''ة وال الرس''ائل األوىل من أعم''ال الرس''ل كم''ا يؤك''د ذل''ك‬
‫‪.Lane A- Dermot‬‬

‫حقبة المسيحية التاريخية‪:‬‬

‫بعد تبلور التغرّي ات' اليت أدخلها بولص على املسيحية‪ ،‬فقد مسّيت لدى الدارس''ني بـ "املس''يحية التارخيي''ة"‬
‫أو "املسيحية البوليسية"؛' النقطاعه'ا عن عقي''دة التوحي'د اإلبراهيمي''ة وخروجه''ا عن "العيس'ويّة"‪ '،‬وإق'رار التثليث'‬
‫يف جممع نيقة ‪325‬م‪ ،‬وجممع إفسوس ‪431‬م‪ ،‬وجممع ‪451‬م‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫عقيــدة الفــداء‪:‬ـ ظه''رت ُمبل''ورة يف ه''ذه احلقب''ة وذل''ك يف تص' ّ'ورات ح''اولت التوفي''ق بني الع''دل اإلهلي والرمحة‬
‫ذريت''ه‪ ،‬وألن‬
‫اإلهلي''ة عن''د مناقش''ة مش''كلة "اخلطيئ''ة األص''ليّة" ال''يت ق''ام هبا آدم علي''ه الس''الم‪ ،‬وال''يت ب''زعمهم ترثه''ا ّ‬
‫الق ''ائم هبا آدم‪ ،‬وذريّت ''ه ال ذنب هلا فيه ''ا‪ ،‬فللتوفي ''ق بني الع ''دل اإلهلي والرمحة اإلهلي ''ة فق ''د أص ''بح ال ''رب إنس ''اناً‬
‫جت ّس'د يف املس''يح ال''ذي أرس''له ابن'اً ليفت''دي البش''ر فيتحق''ق الوف''اق بني ص''فات ال''رب "الع''دل" و"الرمحة"‪ ،‬وه''ذا‬
‫مدونت' ' ''ه املعتم' ' ''دة عن' ' ''د الكن' ' ''ائس عام' ' ''ة وهي "‪why God‬‬
‫احلل ق ّدم ' ''ه الق' ' ''ديس انس' ' ''لم ت‪1109‬م‪ ،‬يف ّ‬
‫‪."become man‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬كتاب المسيحيَّة َّ‬


‫المقدس‬

‫اإلنجيل لغة‪ Evangel:‬األصل كلمة يونانيّة' مر ّكب''ة من مقطعني‪ Ev :‬أي ال ّس'ار واملف''رح‪ ،‬و‪Angelion‬‬
‫السار‪ ،‬والبشرى‪.‬‬
‫‪ ،‬أي‪ :‬اخلرب؛ فاإلجنيل هو‪ :‬اخلرب َّ‬

‫"بايب ـ ـ ـلـ ‪" :"Bible‬مش' ' ' ''ت ّقة من الكلم' ' ' ''ة اليونانيّ' ' ' ''ة ‪ ،Biblia‬أي‪ :‬الكتب ‪ ،books‬وهي ص' ' ''يغة اجلم' ' ''ع لـ‬
‫‪ Bibilion‬أي الكتاب‪ ،‬والكلمة أصالً صيغة تصغري من‪ ،Le biblos‬وتعين‪Papyras :‬؛ اسم الصحائف‬
‫الورقيَّة املصنوعة' من عجينة أوراق الربدي"‪.‬‬

‫اإلنجيل تسمية‪ :‬اإلجنيل‪ Christian Bible-the Gospel-‬هو اسم للكتاب املقدس عن''د النص''ارى‪،‬‬
‫ويس ' ّ'مى ك' ''ذلك بـ "العه' ''د اجلديد ‪" The new Testament/ the new covenant‬؛ وه ''ذه‬
‫التس ''مية م ''أخوذة عن الالتيني 'ة' "‪ "Novum Testamentum‬املرتمجة للعب ''ارة اليوناني 'ة' "‪Kaina dia‬‬
‫‪1‬‬
‫الع ْ'ه'د‪ ،‬ال َّش 'هادة اجلدي''دة‪ -‬وهي تس''مية قص ''د هبا النص ''ارى للدالل''ة على أن‬
‫َ‬ ‫احلكم‪،‬‬ ‫'ىن‪:‬‬‫'‬ ‫ع‬‫مب‬ ‫؛‬ ‫‪"theke‬‬

‫‪1‬‬ ‫ّ‬
‫الملخ صة‪ ،‬لذا فال بد من مراجعة الكتاب أو البحث عن أصل العبارة للتثبت‬ ‫‪.‬األحرف الالتينية التي كتبت بها العبارة اليونانية غير متوفرة من ّقطة لدى‬ ‫‪2‬‬
‫اإلجنيل ناسخ لليهودية‪ ،‬لذا فإن دعاة املصاحلة عدلوا عن تسمية "العهد القدمي" إىل "‪ "Hebrew Bible‬أو‬
‫"‪."Hebrew Scripture‬‬

‫األناجيلـ المعتبرة ‪ Diatessaron- Canonical Gospels‬عند النصارى‪:‬‬

‫إجنيل مرقص‪-‬مارك ‪Mark‬‬ ‫‪-1‬‬


‫إجنيل مىَّت ‪Mathew‬‬ ‫‪-2‬‬
‫إجنيل لوقا ‪Luke‬‬ ‫‪-3‬‬
‫إجنيل يوحنّا ‪John‬‬ ‫‪-4‬‬

‫وتس ' ّ'مى الثالث األول بـ "املتماثل ''ة ‪ "Synoptic‬الختالفه ''ا عن يوحنّ ''ا‪ ،‬إلمجاع النق ''اد يف الق ''رن الث ''امن‬
‫عشر على ذلك‪.‬‬

‫يسمى بـ "‪:"Synoptic problem‬‬


‫مشكلة األناجيل‪ ،‬ما ّ‬

‫الزمنيّة‪ :‬أث' ''ريت مش' ''كلة االختالف بني األناجي ''ل فتخ ' ّ'رص الن ّق ''اد ال ''رتتيب' الزم ''ين هلا‪ ،‬فجعل' ''وا أس ''بقها إجني ''ل‬
‫مرقص‪ ،‬وأنّه املصدر املباشر إلجنيلي مىّت ولوقا‪.‬‬

‫المضــمون‪ :‬مض''مون اإلجني''ل نق''ل ش''هادات عن عيس''ى علي''ه الس''الم ال أهنا كلم''ات ل''ه‪ ،‬ل''ذلك ي''رى الن ّق''اد أن‬
‫التص ''رحيات املنس ''وبة لعيس ''ى علي ''ه الس ''الم حتم ''ل بص ''مات كنس ''يّة مت ''أخرة‪ ،‬أو حماول ''ة إع ''ادة املس ''يحية ألص ''لها‬
‫اليهودي‪.‬‬

‫أساس مشكلة التماثل‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫املؤرخ الاله''ويت اإليط''ايل "ه''نري أون" ‪1764‬م‪ ،‬يف كتاب''ه "مالحظ''ات ح''ول األناجي''ل األربعة‬
‫أثاره''ا ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ،" Observation on the four Gospels‬وأق' ّ'ره على ذل''ك ‪ John Griesbach‬ع''ام‬
‫املؤرخني بنظريّة "ثنائية املصدر" أو فرضيّة "الوثيقة املزدوجة"‪.‬‬
‫‪1783‬م‪ ،‬وصارت تعرف عند ّ‬
‫‪ -‬حل مشكلةـ التماثل‪:‬‬
‫الق''ول بوح''دة املرج''ع املش''رتك' لألناجي''ل الثالث''ة ‪ Common source‬أو م''ا مُسِّي بـ ‪Ur-‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪.Gospel‬‬
‫القول باعتمادر حمرروها على بعضهم البعض‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫إال أ ّن كال الق''ولني عورض''ا وانتق''دا‪ ،‬وق''د ك''انت الغلب''ة للق''ول األول مث انتق''د ح''ىت تُ''رك لص''احل‬
‫القول الثاين‪.‬‬

‫األول أو‬
‫وقد أفرز اعتماد القول الثاين إشكالية تدرس أساليب اإلجنيل ومضامينه لتثبت' اإلجنيل ّ‬
‫املص ''در للبقيّ ''ة‪ ،‬فنتج منهج النق ''د املس ' ّ'مى بـ ‪ Form gechichte‬أي‪ :‬ت ''اريخ أس ''اليب اخلط ''اب يف‬
‫دون ك''ل ك''اتب‬
‫األناجيل‪ .‬وأما تفسري االختالف بني األناجيل فقد أرجع''وه إىل اجلماع''ة املس''يحية ال''يت ّ‬
‫فيه إجنيله‪.‬‬

‫مشكلة اختالف األناجيل‪:‬‬

‫ص' 'ل جمموع ''ة من اليه ''ود‬


‫أنتجت الرغب ''ة يف تق ''نني األناجي ''ل وحفظه ''ا من اإلض ''افة واحلذف فتو ّ‬
‫املتنصرين إىل انعقاد الكنائس' الشرقية األرثوذكسية والغربية الكاثوليكية' على األناجي''ل املقنن''ة واملعت''ربة‪،‬‬
‫وأمهلت بقيّ' ''ة األناجي' ''ل‪ ،‬مث' ''ل‪ :‬إجني' ''ل مرقي' ''ون ‪160‬م‪ ،‬وإجني' ''ل توم' ''اس‪ ،‬وإجني' ''ل طائف' ''ة األبون' ''ايتس؛‬
‫واعتربت باطلة وهرطقة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫السيّد المسيح عليه السالم ويهوديّة عصره‬

‫العالقة بين اليهوديّة والمسيحية في الدراسات المقارنة‪:‬ـ‬

‫هن ''اك من يقيم التواص ''ل بينهم ''ا باعتبارمها نوع ''ان ل ''دين واح ''د بعين ''ه‪ ،‬وكم ''ا ق ''ال الق ''ديس أم ''ربوز‬ ‫‪-1‬‬
‫"حلق''ة داخ''ل حلق''ة"؛ ومن ه''ذا املنظ''ور حت ّدث "لينس''ك" عن احللق''ات الثالث ال''يت متثّ''ل‪ :‬اليهودي''ة‬
‫واملسيحية واإلسالم‪ ،‬من جهة التماثل املظهري‪ ،‬وأن األصالة لليهوديّة‪.‬‬
‫هن' ''اك من يقيم القطيع' ''ة بني اليهودي' ''ة واملس' ''يحية ال' ''يت ص' ''اغها ب' ''ولص‪ ،‬وأ ّن املس' ''يحية احنراف عن‬ ‫‪-2‬‬
‫السرية والفلسفة اهللينستية الوثنيّة‪'.‬‬
‫التوحيد اليهودي‪ ،‬تأثراً بالعقائد ّ‬
‫المسيحية في أعين المسيحيين‪ :‬املسيحية ناسخة لليهودية‪ ،‬وذلك يف عدة نشاطات‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫نشاط دعوي أو معـرفيـ‪ :‬بع''د امت''داد الص''راع بني اليهوديّ''ة واملس''يحية فق''د تبل''ورت املس''يحية على‬ ‫‪-1‬‬
‫مب ''ادئ جتع ''ل بينه ''ا وبني اليهودي ''ة ح ' ّداً‪ ،‬جاعل ''ة عه ''د املس ''يح ه ''و عه ''د رب ''اين جدي ''د ناس ''خ للعه ''د‬
‫الرب''اين ملوس 'ى' علي''ه الس''الم‪ ،‬من''ذ الق''رن الث''اين امليالدي‪ ،‬وق''د ك''انت أول مب''ادرة لقط''ع الص''لة بني‬
‫ال ''ديانتني من قِب ''ل "مرقي ''ون" ع ''ام ‪160‬م تقريب 'اً؛ وذل ''ك بإقدام ''ه حتري ''ر إجني ''ل ع ''رف بامسه‪ ،‬أس ''قط‬
‫إص'حاحات العه''د الق''دمي من''ه‪...‬ح''ىت تط' ّ'ورت ه''ذه ال''دعوى م''ع الالهوت''يني املتح''ررين مث''ل "ش''الير‬
‫م ' ''اخر" ت‪1933‬م‪ ،‬وأدول ' ''ف ف ' ''ون هارن ' ''اك‪ ،‬باإلص ' ''رار على ح ' ''ذف العه ' ''د الق ' ''دمي من طبع' ''ات‬
‫األناجيل املعتربة‪.‬‬
‫نشاط رمـزي‪ :‬جتس''دت دع''وى الفص''ل أيض'اً يف منحوت''ات زيّنت الكات''درائيّات' الك''ربى يف الغ''رب‬ ‫‪-2‬‬
‫األوريب تظهر إلقاء العهد القدمي ورفع العهد اجلديد‪.‬‬
‫الصــورة التنميطيــة عن اليهــود‪ :‬تص ''ويرهم اجتماعي 'اً ب ''أهنم رم ''ز للش ''ر الش ''يطاين‪ ،‬وأه ''ل العب ''ادات‬ ‫‪-3‬‬
‫الظاهرية والرىب واخلبث‪ ،‬والدعوة لطردهم من العامل املسيحي اجلغرايف‪.‬‬

‫المحرقة النازيّة‪:‬ـ بع''د دخ''ول ج''زء من اليه''ود يف احملرق''ة النازي''ة ال''يت أب''اد فيه''ا هتل''ر من اليه''ود وغ''ريهم أع''داداً‬
‫هائل''ة‪ ،‬وبع''د احلرب العامليّ''ة الثاني''ة‪ ،‬اس''تثمر اليه''ود أح''داث احملرق''ة لتعزي''ز حض''ورهم يف الغ''رب‪ ،‬وخصوص'اً م''ع‬
‫ضعف املسيحية يف تلك الفرتة‪ ،‬فانتشرت األحباث وتكاثرت حول إعادة اعتبار اليهود‪ ،‬وتأكي'د يهودي'ة عيس'ى'‬
‫عليه السالم وحوارييه‪ ،‬والوصل بني املسيحية واليهوديّة‪ ،‬بل وبنفي' العيوب ال''يت أحلقت بب''ولص' من قِب''ل اليه''ود‬
‫ليص''بح ه''و الواص''ل بني اليهودي 'ة' والنص''رانية‪ ،‬مجع بني ش''ريعة موس''ى وأن عيس''ى ه''و املس''يح املنتظ''ر –عليهم''ا‬
‫السالم‪.-‬‬

‫من نتائج هذه الحقبة‪:‬‬

‫املهم'ة مث'ل "‪ "Interfaith institutes‬املؤ ّك'دة للخلفي''ة‬


‫‪ ‬تكثفت' األحباث وظه''رت مراك'ز األحباث ّ‬
‫اليهودية للمسيحة وللسيد املسيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ ‬ق ّدم هانز كونك كتاباً علميّاً يؤكد التواصل بني اليهودية والنصرانيّة‪'.‬‬
‫‪ ‬ه''ذا املوق''ف التص''احلي ه''و املؤ ّ'ك'د من قِب''ل دع''اة احلوار بني األدي''ان عام''ة ‪Interfaith dialogue‬‬
‫وبني اليهودية والنصرانية' خصوصاً‪.‬‬
‫‪ ‬احلاج''ة لدراس''ة احلال''ة الديني''ة لليه''ود يف زمن عيس''ى علي''ه الس''الم‪ ،‬والظ''روف الس''ابقة هلم واجملتمع''ات‬
‫احمليطة هبم‪ ،‬والتبل'ور الت''ارخيي ال'ذي تبل''ورت اليهودي'ة من خالل''ه ح'ىت وص'لت لص'ورهتا يف عه''د عيس'ى'‬
‫عليه السالم‪.‬‬
‫ترسخ نظرية التواصل والتماثل بني اليهوديّة والنصرانية‪ '،‬والذي أنتج منهجيّة حديثة لدراسة العالقة بني‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫عامة‪.‬‬
‫الديانتني والعالقة' بني األديان ّ‬

‫نظرية التواصل والتماثل بين اليهودية والنصرانية‪:‬ـ‬

‫األوليـ لهذه النظريّة‪:‬ـ ما أ ّكده أبراهام كاجير ت‪1874‬م‪ ،‬يف كتابه "اليهودي''ة وتارخيه''ا" ب''أن اإلحاط''ة‬
‫الشرط ّ‬
‫بت''اريخ اليه''ود زمن عيس''ى علي''ه الس''الم ش''رط ّأويل لفهم املس''يحيّة‪[ .‬أي أن املس''يحية لن تفهم مبج''رد م''ا بع''د‬
‫املسيح أو ما كتب يف األناجيل بعزهلا عن اليهوديّة]‪ .‬وهو شرط أ ّكده مناصروا النظريّة ودعاة حوار األديان‪.‬‬

‫من أمث ' ''اهلم‪ "Young, Brad H" :‬وكتاب ' ' ''ه "عيس ' ' ''ى الاله ' ' ''ويت اليه ' ' ''ودي ‪Jesus the Jewish‬‬
‫‪ ،"theologian‬و"‪ "Falk. H‬وكتابه "عيسى الفريسي ‪."Jesus the Farisse‬‬

‫يهود عصر المسيح عليه السالم‪:‬‬

‫الفريسيون ‪Pharisees‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫أصل التسمية‪ :‬مشتق اسم هذه الفرقة من الكلمة العربيّة‪ ،‬اليت تفي''د املدح والثن''اء‪ ،‬للدالل'ة على من‬
‫اع ''تزلوا ممن مل يص ''لوا إىل مس ''توى ال ''تزامهم بأحك ''ام ش ''ريعة موس ''ى وأخالقيّاهتا‪ .‬أو هي لل ''ذم من‬
‫جهة عزل غريهم هلم وطردهم إياهم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫اعتبـــارهم‪ :‬يعت' ''ربون أك' ''ثر اجلماع' ''ات اليهودي' ''ة التزام ' 'اً ب' ''التوراة‪ ،‬وأك' ''ثر املف ّس ' 'رين هلا‪ ،‬مف' ''اخرين‬
‫خصومهم باعتبارهم السلف الصاحل آلباء املوسويّة‪'.‬‬
‫نمطهم االجتمـــاعي‪ :‬من الطبق' ''ة االجتماعي' ''ة الش' ''عبية' الوس' ''طى‪ ،‬عُ' ''رف ع' ''امتهم بالزه' ''د‪ ،‬واتب' ''اع'‬
‫الس' ''لوك وف' ''ق تفاس' ''ري ع' ''زرا وحنمي' ''ا لألس' ''فار اخلمس' ''ة‪ ،‬مت' ''أثرين باألس' ''ر الب' ''ابلي يف فهمهم‪ .‬وهلم‬
‫تس ''ميات منه ''ا "اجملددون األح ''رار" يف فهم الت ''وراة' وتفس ''ريها‪ ،‬وأهنم "محل ''ة تقالي ''د اآلب ''اء املأثورة"‬
‫كما يف العهد اجلديد‪.‬‬
‫محنتهم‪ :‬ك''انت عالقتهم بالص''دوقيني مت''وترة‪ ،‬من ذل''ك‪ :‬اهتامهم هلم ومس''اندة الس''لطة الثيوقراطي''ة‬
‫للملك الكاهن إلمخاد ثورة الفريسيني وقتل منهم مثامنائة شخص صلباً‪.‬‬
‫منصب على اإللتزام الديين مبا يف‬
‫ّ‬ ‫التشكيل االجتماعي‪ :‬أكثر علماء اليهود منهم‪ ،‬وكان اهتمامهم‬
‫الت ''وراتني ت ''دويناً ومش ''افهة‪ ،‬ومل يهتم ''وا ال بالسياس ''ة وال ش ''ؤون احلكم وال تش ''كيل طائف ''ة ديني ''ة‪،‬‬
‫'ذم‬
‫واهتم''وا' بالطه''ارة الداخليّ''ة وتق''دمي النيّ''ة على االل''تزام الظ''اهري‪ .‬ولق''د ذك''روا يف العه''د اجلدي''د ب' ّ‬
‫هلم يص ''فهم ب ''املراءة وإطال ''ة الص ''الة م ''ع أك ''ل األم ''وال والنف ''اق‪ '،‬ل ''ذلك اختذ اس ''م "الفريس ''ي" مسة‬
‫السلبية والقدح للداللة على النفاق‪'.‬‬
‫عالقــة المســيح عليــه الســالم بهم‪ :‬ش ''دد كث ''ري من املؤرخني اليه ''ود على أن املس ''يح منهم‪ ،‬مث ''ل‪:‬‬
‫أبراه ' ' ''ام ك ' ' ''اجير‪ ،‬وب ' ' ''ول ون ' ' ''رت‪ .‬ويعل ' ' ''ل ‪ Falk‬أن املس ' ' ''يح إمنا وج ' ' ''ه نق ' ' ''ده للفريس ' ''يني أتب ' ''اع "‬
‫‪ "Shammai‬بينما املسيح من أتباع هلّيل املعتدل‪.‬‬
‫الفريســيون عنــد اليهــود‪ :‬ي''روهنم اآلب''اء الروح''انيني احملافظني على وج''ود اليه''ود املعن''وي وت''راثهم‬
‫ال ' ''ديين ع' ' ''رب الت' ' ''اريخ بتجدي ' ''د االجته' ' ''اد يف ش' ' ''ريعة موس' ' ''ى واالس ' ''تنباط منه ' ''ا‪ .‬على حني ي' ''راهم‬
‫الص''دوقيون أهنم مبتدع''ة‪ ،‬ويتميّ''زون عن الص''دوقيني بإثب''ات البعث' اجلس''ماين وب''اخللود وباملالئك''ة‪،‬‬
‫والق''ول ب''أن القض''اء والق''در م''ع حري''ة اإلنس''ان يف خل''ق أفعال''ه وإثب''ات العناي''ة اإلهلي 'ة' املطلق''ة‪ .‬وق''د‬
‫استمر الفريسيون حىت بعد تدمري القدس‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الصدوقيُّون ‪Tzedukim Sadducees‬‬
‫َّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫النسبة‪ :‬ينسب الصدوقيون أنفسهم إىل الكاهن األكرب "‪ "Zadok- Tsedukim‬الذي تس'لّم‬
‫أخالفه من بعده منصب' "احلرب األعظم" فصار حكراً عليهم‪.‬‬
‫نمطهم االجتماعي‪:‬ـ ميثّلون الطبقات األرستقراطية‪ ،‬فهم "ذرائعيون سياسياً‪ ،‬حمافظون ديني'اً‪ ،‬ميثل''ون‬
‫أصحاب النفوذ الديين واملايل بني اليهود" كما يصفهم القريقيساين يف "األن'وار' واملراقب"‪ .‬ومل يكن‬
‫العامة‪ ،‬فاحنصرت تعاليمهم يف القلة والنخبة الثريّة‪.‬‬ ‫هلم أتباع يف صفوف ّ‬
‫محـــدداتـ الهويّـــة‪ :‬ملا ك' ''انت دع' ''وهتم يف خنب' ''ة قليل' ''ة فإهنا ادعت خصوص' ''ية ديني' ''ة متيّزه' ''ا‪ ،‬بينم' ''ا‬
‫الص ''دوقيون' مل يتخ ''ذوا تل ''ك احملددات إذ ك ''ان اهلم الطه ''ارة الداخلي ''ة والتق ''وى واإلل ''تزام‪ .‬ل ''ذلك‬
‫أرجع البعض أن الصراع بني الفرقتني صراع طبقي بغطاء ديين‪.‬‬
‫جملة معتقدات الصدوقيين‪:‬‬
‫إنكارهم للبعث اجلسماين‪ ،‬وإنكار وجود املالئكة وخلود األرواح‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫رفض العم''ل ب''التلمود؛ لع''دم وج''ود نص علي''ه يف النص''وص' التوراتي''ة‪ '،‬فال يل''تزمون إال ب''التوراة‬ ‫ب‪.‬‬
‫حرفيّا‬
‫رفض ومناهضة كل أمر مل يثبت بنص كتايب‪ ،‬واعتباره بدعة‪.‬‬ ‫ت‪.‬‬
‫دف ''ع إنك ''ار البعث' والقيام ''ة أف ''راداً منهم لالنغم ''اس يف ال ''رتف والله ''و واإلباحي ''ة‪ ،‬ول ''ذلك أطل ''ق‬ ‫ث‪.‬‬
‫عليهم علماء التلمود "األبيقوريون"‪.‬‬
‫ج‪ .‬تص''ورهم الق''ومي' لأللوهي''ة‪ ،‬باعتب''اره' إهلاً إلس''رائيل حص''راً‪ ،‬واختي''اره هلم وتش''دده م''ع غ''ريهم!‬
‫لذلك وصفهم الفريسيون بأهنم أبعد الناس عن الرمحة واإلحسان‪.‬‬
‫مالوا إىل القول حبرية اإلنسان املطلقة وخلقه ألفعاله ومسؤوليته' الكاملة عنها‪.‬‬ ‫ح‪.‬‬
‫رفض قبول الدية عن املقتول‪ ،‬وحترمي الزواج من بنت األخت‪.‬‬ ‫خ‪.‬‬
‫ونسب القريقيساوي إليهم منعهم الطالق‪ ،‬وأن النصارى أخذوا هذا املنع نقالً منهم‪.‬‬ ‫د‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫بقاءهم‪ :‬انتهى' وجودهم بعد حوايل عشر سنوات من التدمري الثاين للهيكل‪.‬‬

‫األسينيُّون ‪Essenes‬‬ ‫(‪)3‬‬


‫التس ـ ــمية‪ :‬ينس ' ' ''بون' إىل مهن ' ' ''ة التط ' ' ''بيب' املش ' ' ''تقة من كلم ' ' ''ة "‪ "Asayya‬ال ' ' ''يت تع ' ''ين‪ :‬املع ' ''اجلون'‬
‫الروح ''انيون‪ ،‬أو من الكلم ''ة العربي' 'ة' "‪ "Ha-s shaim‬ال ''يت تع ''ين الص ''مت‪ .‬ومل ''ا عرف ''وا ب ''الطب‬
‫ّ‬
‫والطب الروحاينّ‪ ،‬وهلذا مسّوا هبذا االسم‪.‬‬
‫نمطهم االجتمــاعي‪ :‬مل يكون''وا طائف''ة أو حزب 'اً ب''ل ك''انو ظ''اهرة ديني''ة اجتماعي''ة تش''به يف تنظيمه''ا‬
‫وسلوكها الرهبنة املسيحية‪ ،‬فاعتادوا العيش يف الكهوف‪.‬‬
‫سبب عيشهم يف الكهوف‪:‬‬
‫القـ ــول األول‪ :‬بس ' ''بب ت ' ''رهبهم‪ ،‬ول ' ''ذلك مسّوا أيض' ' 'اً بـ "املغاري ' ''ة"‪ ،‬ومسّاهم الشهرس' ''تاين خط' ''أ بـ‬
‫"املغاربة"‪ .‬وذلك لشعارهم‪" :‬العودة إىل القفار الستعادة نقاوة اإلميان"‪.‬‬
‫لكن الــداحض‪:‬ـ أن ع''ددهم ق ' ّدر بـ أربع''ة آالف نس''مة‪ ،‬والنتش''ارهم الواس''ع ف''إن يف ذل''ك دحض‬
‫للقول باعتزاهلم يف الكهوف املشرفة على البحر امليت!'‬
‫القول الثاني‪:‬ـ أهنم "اختلوا بعد اختالفهم مع زعماء الثورة املكابية' وإدانتهم لسياستهم الثوريّة"‪.‬‬
‫معالم حياتهم‪:‬‬
‫‪ ‬عرفوا بك'راهيتهم للم'ال واألغني'اء‪ ،‬وك'انت حي'اهتم قائم'ة على املش'اركة املالي'ة بينهم مجيع'اً‬
‫فال يتمايز بينهم غين وال فقري‪.‬‬
‫ال يستعينون باألغيار إلعانتهم يف الزراعة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬ال حيبّذون الزواج ومل مينعوه‪ ،‬وال تقيم النساء بينهم‪.‬‬
‫الزهد والعزوبية والتقلل من املآكل واملشارب مع الصدق واالمتناع عن احللف والقسم‬ ‫‪‬‬
‫االغتسال قبل كل وجبة طعام وعقب االتصال باألغيال‬ ‫‪‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ ‬اعتقاد خلود النفس' وامليل' للتنبؤ باملستقبل' واإلميان بصرامة القدر‬
‫‪ ‬ينك ' ''رون' نظ ' ''ام العبوديّ ' ''ة‪ ،‬ولكن يق ' ''ف على رأس جمتمعهم كب ' ''ارهم ممن يل' ''زمهم ط' ''اعتهم‬
‫بإطالق وبال شرط‪.‬‬

‫حـديث مصـادر معـرفتهم‪:‬ـ زادت معرف''ة ّ‬


‫املؤرخني هبم بع''د اكتش''اف م''ا يع''رف مبخطوط''ات البح''ر‬
‫امليّت أو ألواح البحر امليت عام ‪1948‬م يف خريبة ُمران‪.‬‬
‫الغيوريُّون‬ ‫(‪)4‬‬
‫هي طائف ''ة من الفريس ''يني خ''الفتهم يف الس ''لميّة‪ ،‬ودعت إىل الث ''ورة' ض''د الس ''لطة الرومانيّ ''ة ال ''يت‬
‫فرض' ''ت عليهم الض' ''رائب العتق' ''ادهم أن ال عبوديّ' ''ة إال هلل‪ ،‬وهم أتب' ''اع "يه' ''ودا اجلليلي"‪ ،‬وب' ''ذلك‬
‫ق''امت ح''رب أهليّ''ة بينهم وبني اليه''ود املع''اونني للس''لطة الرومانيّ''ة‪ ،‬ح''املني ش''عار "إن اهلل ال ي''دافع‬
‫عن الذين ال يدافعون عن أنفسهم"‪.‬‬
‫عالقــة المســيح بهم‪ :‬ي ''رى البعض أن تع ''اطف املس ''يح علي ''ه الس ''الم م ''ع ث ''ورهتم ه ''و الس ''بب' وراء‬
‫احلكم بصلبه‪.‬‬
‫نهايتهم‪:‬ـ تصفية عرقي'ة لليه''ود وت''دمري للهيك'ل وتس'وية الق''دس أرض'ا‪ ،‬وبداي''ة عص'ر الش''تات األك'رب‬
‫لليهود من قِبل طيطس‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫الرئيسيَّةـ في التاريخ العام للمسيحيَّة‬


‫الفترات َّ‬
‫عصر النشأة األولى‬ ‫(أ)‬
‫المؤســس األول‪:‬ـ ترتب''ط نش''أة املس''يحية بعيس''ى علي''ه الس''الم‪ ،‬املبع''وث' يف ب''ين إس''رائيل (اليه''ود)‪،‬‬
‫واجملدد لليهوديّ''ة واملص''حح هلا‪ ،‬واملرس''ل من اهلل‪ ،‬وه''ذا رأي اليه''ود واملس''لمني ومجاع''ة حديث''ة من‬
‫بنبوة عيسى عليه السالم وبشريّته‪.‬‬
‫تقر ّ‬ ‫املسيحية ّ‬
‫المؤس ــس الث ــاني‪:‬ـ الق ''ديس ب ''ولص‪ ،‬اختلفت اآلراء في ''ه‪ ،‬فه ''و يه ''ودي الديان ''ة‪ ،‬روم ''اين الوطنيّ ''ة‪'،‬‬
‫حتول للمسيحية‪ ،‬وقد قتل م''ع مجاع''ة نص''ارى من قِب''ل ن''ريون ‪63‬م‪،‬‬
‫حمارب للمسيحية يف بداياته مث ّ‬
‫وامسه شاؤول‪ -‬طالوت‪.‬‬
‫ومل ''ا ك' ''انت دع' ''وة عيس ' 'ى' علي' ''ه الس' ''الم يف اجللي' ''ل بني اليه' ''ود‪ ،‬وأراد ب' ''ولص تعميمه ''ا للن ''اس‬
‫ّ‬
‫وغري من أحكام احلالل واحلرام اليهودية اليت كانت العيسويّة تلتزم‬ ‫وإدخال الوثنيني فقد ب ّدل فيها‪ّ ،‬‬
‫هبا‪ ،‬وح ' ّ'رف االعتق ''ادات' الرئيس ''يّة التوحيدي' ''ة وم ''ال إىل الفلس ''فة اهليلنس ''تينية‪ '،‬وق ''د ك ''ان التبش ''ري‬
‫املسيحي لديه نقطة فارقة بني اليهودية واملسيحية جلملة التغيريات' ال'يت أدخله'ا لنس'خ ش'ريعة موس'ى‬
‫عليه السالم! [وميكن القول أنه ب ّدل حىت املسيحية]‪.‬‬
‫وميكن الق''ول ب''أن املس''يحية البولص''يّة ق''د أع''ادت ص''ياغة املس''يحية العيس''ويّة بت''أثر من اليهودي''ة‬
‫واملوروث اليوناين‪ ،‬لتصبح أهم تغرّي اهتا‪:‬‬
‫إبط''ال س''نة االختت''ان' اإلبراهيمي''ة‪ ،‬وذل''ك ألن من ي''دخل إىل املس''يحية س''يختنت وق''د يص' ّده‬ ‫‪-1‬‬
‫ذلك عن االختتان‪ '،‬فكان اإلبطال لتسهيل الدخول للمسيحية‪.‬‬
‫احملرمات على اليهود‪ ،‬وأجاز األكل دون غسل اليد‪.‬‬
‫أجاز أكل بعض ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫‪3‬‬
‫القول بالتثليت' واحللول والصلب والفداء واخلالص‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫التأكي' ''د على ثنائي ' 'ة' ال' ''روح واجلس' ''د‪ ،‬وأن اجلس' ''د ش' ''ر حمض' ''ر‪ ،‬مس' ''تمداً عناص ''ر ذل ''ك من‬ ‫‪-4‬‬
‫األورفية واألفالطونية واألفالطونية احملدثة‪.‬‬

‫أسباب العداءـ بين المسيحية واليهوديّة‪:‬ـ يؤ ّكد ّ‬


‫املؤرخ "‪ "Heinrich, Graetz‬أن أهم األسباب هي‪:‬‬

‫انقطاع املسيحية عن تعاليم العهد القدمي‪ ،‬وأصوهلا العربية‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫انقطاع احلوار بني الكنيس' اليهودي والكنيسية املسيحية واستبداله' بالعنف والتهم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫التأكيد على اهتام اليهود بتدبري حماكمة املسيح وصلبه‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫فترة االضطهاد واالستشهاد‬ ‫(ب)‬
‫نتيج''ة امتن''اع' املس''يحيني عن عب''ادة القيص''ر فق''د اض''طهدت اإلمرباطواري 'ة' الروماني''ة املس''يحية‪،‬‬
‫والحقت النصارى وعذبتهم وقتلتهم‪ ،‬مما أنتج‪:‬‬
‫هجرة أعداد كبرية منهم وبالتايل نشر املسيحية‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تقوي' ' ''ة الرابط' ' ''ة اإلمياني' ' ''ة العقدي' ' ''ة‪ ،‬مما أظه' ' ''ر مجعي' ' ''ات س' ' ''ريّة تعني املض' ' ''طهدين واملبع ' ''دين‬ ‫‪-2‬‬
‫واملأسورين‪.‬‬
‫تطوير شبكات تواصل سرية وواسعة' لنقل األخبار بني النصارى وإخوهتم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫حتول بعض املسيحني للوثنية' ظاهريّ'ا‪ ،‬مما أنتج انش''قاقا يف الكنيس'ة' جتاه قب''ول ع'ودة من ع'اد‬
‫ّ‬ ‫‪-4‬‬
‫منهم‪ ،‬وخصوص' ' 'اً من قب ' ''ل كنيس ' ''ة مشال أفريقي ' ''ا ال ' ''يت عارض ' ''تهم بش' ' ' ّدة‪ ،‬وظه' ''رت فرق' ''ة‬
‫الدوناتيني؛ املعارضني لقبوهلم حىت الفتح اإلسالمي' لشمال أفريقيا‪.‬‬

‫واس''تمرت ه''ذه احلقب''ة ح''ىت ع''ام ‪ 313‬ت''اريخ مرس''وم ميالن' ال''ذي أص''دره قس''طنطني األك''رب‬
‫ال' ''ذي حكم بإهناء كاف' ''ة أش' ''كال االض' ''طهاد واملالحق' ''ة‪ '،‬ومنح النص' ''ارى وغ' ''ريهم حري ''ة االنتم ''اء‬
‫الديين‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫تحول النصرانية إلى دين رسمي لإلمبراطوريّة‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫(‪)3‬‬
‫وذل'ك ب'االعرتاف' أوالً باملس'يحية دين'اً مش'روعاً ع'ام ‪303‬م‪ ،‬مث اعتن'اق اإلم'رباطور ل'ه‪ ،‬مث جع'ل‬
‫القدس عاصمة للمسيحية‪ ،‬مث جعل املسيحية ديناً رمسيّاً لإلمرباطوريّة‪ '.‬وتقليص عدد اليهود باتس''اع‬
‫مهم'ة يف الدول''ة‪،‬‬
‫التبش''ري‪ ،‬وتكث''ري ع''دد الكن''ائس وم' ّدها باملعون''ات املاليّ''ة‪ ،‬وش''غل النص''ارى مناص''باً ّ'‬
‫ووك''ل إليهم تربي''ة أبن''اءه‪ '،‬وإص''دار أحك''ام تع''رتف بالوراث 'ة' واحملاكم األس''قفية‪ ،‬وجع''ل ي''وم األح''د‬
‫عطل ''ة رمسيّة إلزاميّ ''ة‪ ،‬ونقش الرم ''وز املس ''يحية على النق ''ود‪ ،‬وتنظيم اإلدارة الكنس ''ية' تنظيم 'اً إداري 'اً‬
‫مدنيّاً بتقسيم املقاطعات' إىل إدارات عرفت باسم "األبرشيات" أو"األسقفيات"‪'.‬‬
‫وألن اإلمرباطور أعلى سلطة يف الدولة فقد صرّي حاكماً أعلى للسلطة الديني'ة' والكنس'ية' الرمسية‬
‫لإلمرباطوريّة‪ '،‬ومسؤوالً عن رعايتها حىت ظهر ما يعرف بـ "الالهوت' املسيحي"‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬مت إغالق مجيع املعابد الوثنيّة‪ ،‬مث منع كافة املناشط الوثنيّة‪ '،‬حىت حكم اإلم''رباطور املرت''د‬
‫جولي''ان‪ ،‬ال''ذي انقلب على املس''يحية لص''احل الوثنيّ''ة‪ .‬ومنى اض''طهاد اليه''ود والتش''نيع عليهم وم' ّ'رت‬
‫العقيدة املسيحية بتبلورات مستندة على قوة سلطة اإلمرباطوريّة‪'.‬‬
‫أبرز معالم اإلمبراطورية المسيحية‪ :‬ظهور الشخص''ية املهم''ة "الق'ديس أوغس'طينوس‪ '،‬ت‪430‬م"‪،‬‬
‫وكتاب ''ه "مدين ''ة اهلل" ال ''ذي ح ''اول في ''ه التوفي ''ق بني املس ''يحية وأق ''وال احلكم ''اء لل ''رد على الوثن ''يني‬
‫الداعني إىل عودة جمد روما بنبذ املسيحية‪.‬‬

‫بل ــورة العالق ــة بين شخص ــيات التثليت‪ :‬األب‪ ،‬االبن‪ ،‬روح الق ''دس‪ .‬وذل ''ك ّ‬
‫لتعم''ق االنش ''قاقات‬
‫واالختالفات داخل اإلمرباطوريّة حول عقيدة التثليث بني التوحيد والوثنيّة‪.‬‬
‫المسيح بين البشريةـ واإللوهيّة‪:‬‬
‫االجتاه العام يف القرنني الثاين والثالث‪ ':‬تأكيد إنسانيّته'‬ ‫‪-1‬‬
‫االجتاه الع' ' ' ''ام يف الق' ' ' ''رن الراب' ' ' ''ع‪ :‬تأكي' ' ' ''د ألوهيّت' ' ' ''ه‪ '،‬وال' ' ' ''رد على املنك' ' ' ''رين مث' ' ''ل أري' ' ''وس‬ ‫‪-2‬‬
‫ونسطوريوس‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ص' ' 'رة‪ '،‬وع' ''رب اجملامع‬
‫االجتاه يف الق ' ''رن اخلامس والس ' ''ادس حتت ت ' ''أثري الس ' ''لطة الروماني ' ''ة املتن ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫الثالثة‪ :‬اجلمع بني ألوهيّته وإنسانيّته‪ '،‬حتت عقيدة التثليث‪'.‬‬

‫الكنيستان‪ :‬الغربيةـ والشرقيّة‬

‫أشكالـ السلط الكنسيّة‪:‬ـ‬

‫الشكل الهرمي المركزي لكنيسة رومــا "الكاثوليكيـةـ الغربيّـةـ الالتينيــة"‪" :‬م''ع م''رور ال''زمن تر ّس'خت‬ ‫‪‬‬
‫أمهيّ''ة روم''ا باعتباره''ا حاض''رة رس ''وليّة‪...‬مث أخ''ذت اهليئ 'ة' الكهنوتيّ ''ة ص ''ورة نظ''ام إدراة هرميّ''ة وس''لطة‬
‫كليّ' ''ة على رأس' ''ها روم' ''ا‪ ،‬واس' ''تمر األم' ''ر هك' ''ذا طيل' ''ة العص' ''ور الوس' ''طى ح' ''ىت حرك' ''ات االحتج' ''اج‬
‫واملنشقني"‪.‬‬
‫‪ ‬الش ــراكة الس ــلطوية للكنيس ــة اإلغريقي ـةـ الش ــرقيّة "األرثوذكس ــيّة"‪ :‬حيث ك ''انت ش ''راكة بني كب ''ار‬
‫األساقفة يف هيئة جممع األقران‪.‬‬

‫الالهوت السياسي‪-‬ـ ‪Political Theology‬‬

‫بعد أن أص'بحت املس''يحية ال'دين الرمسي لإلمرباطوري'ة' اليوناني''ة‪ ،‬وجبم'ع اإلم''رباطور' قس'طنطني وخلف'اؤه‬
‫بني الشرعية الوراثية' لإلمرباطوريّة‪ '،‬والوراثة الروحية للسلطة املسيحية باعتبارهم مسيحني‪ ،‬فقد مسّوا أنفس''هم بـ‬
‫املؤرخ''ون على األب''اطرة املتنص''رين مص''طلح "القيص''ر الباب''ا‪-‬‬
‫"رس''ل عيس''ى"' وأخض''عوا أورب''ا هلم‪ .‬وق''د أطل''ق ّ‬
‫‪ ."Caesaropapism‬وهو ما ش ّكل ظاهرة "الالهوت السياسي"‪'.‬‬

‫ويف املقاب ''ل ك ''انت املعارض ''ة من قِب ''ل الكنيس ''ة الش ''رقيّة ألش ''كال التس 'لّط اإلم ''رباطوري على الكنيس ''ة‪'،‬‬
‫املؤرخ'ون' على تس'مية م'ا ك''ان‬
‫وتقرير األحكام حبسب س'لطة اإلم''رباطور عن''د اخلالف‪ ،‬فعارض''وهم‪ ،‬واص''طلح ّ‬
‫يف ت''اريخ الكنيس'ة' الش''رقية بـ "االس''تقالل اإلداري"؛ وال''ذي ع' ّده نص''ارى الش''رق س''المة لعقي''دهتم لبع''دهم عن‬
‫التسلط واإللزام باسم الدين‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وم''ع ال''زمن جت ّذرت االختالف''ات بني الكنيس''تني‪ ،‬وألن القبائ''ل اجلرماني''ة مل تت''وىّل الكنيس''ة الغربيّ''ة فق''د‬
‫مهّش''ت‪ ،‬بينم''ا القبائ''ل اإلفرجني''ة ق''د والته''ا فهي''أت لنفس''ها الفرص''ة للتحكم يف مس''رية األح''داث يف الغ''رب يف‬
‫العص''ور الوس''طى‪ ،‬وال''يت أف''رزت تنص''يب ش''ارملان ملك 'اً بابويّ''ا ف''رض املس''يحية أو القت''ل بالس''يف ع''ام ‪800‬م؛‬
‫املؤرخون األكثر فصالً بني الكنيستني فال إلتقاء بينهما بعدئذ‪.‬‬
‫وهو احلدث الذي ع ّده ّ‬

‫‪3‬‬
‫الفصل السادس‬

‫المجامع الدينية ‪Christian Councils‬‬

‫اعت''اد الق''ادة الروح''انيّون (قساوس''ة‪ ،‬أس''اقفة‪ ،‬بطارق''ة‪ ،‬كرادل''ة) االجتم''اع من حني حلني لتقري''ر قواع''د‬
‫اإلميان‪ ،‬والفصل يف االختالفات التأويلية' حول العقائد القدمية أو املس''تحدثة‪ ،‬يف اجتماع''ات ديني''ة عُ''رفت باس''م‬
‫"الس' ''ينودس" املش' ''تقة من اليوناني' ''ة "‪ "Sunodo‬مبع' ''ىن االجتم' ''اع من أج' ''ل مناقش' ''ة قض' ''ايا الاله' ''وت‪ .‬وق' ''د‬
‫استعملت كلم''ة "‪ "Syndo‬للدالل'ة على ملتقي''ات ض'يّقة لطائف''ة معيّن'ة أو كنيس'ة واح'دة‪ ،‬لكنه'ا و ّس'عت' فيم''ا‬
‫بعد‪.‬‬

‫وأما مصطلح "اجملمع ‪" Council‬؛ فقد صار اس''تعماله لالجتماع'ات املس''كونيّة الكب''رية ذات الص''بغة‬
‫العاملي ''ة ال ''يت يش ''ارك فيه ''ا ممثل ''ون ملختل ''ف الطوائ ''ف والكن ''ائس‪ '،‬وال تس ''تمد ص ''فتها العاملي 'ة' إال إذا أق ''رت ك ''ل‬
‫الطوائ''ف املش''اركة فيه''ا واملص''ادقة على قراراهتا؛ وأحص''ي يف ت''اريخ الكنيس''ة س''بعة جمامع مس''كونية عق''دت يف‬
‫مدن آسيا الصغرى بني القرن الرابع والثامن‪ ،‬باعتبارها جمامع عامة "‪"Ecumenical‬؛ مشتقة من اليوناني''ة "‬
‫‪ "Oikoumen‬أي العامل املعمور‪.‬‬

‫أهم المجامع المسكونيّة المؤثّرة في تاريخ الكنيسةـ المسيحية‪:‬‬

‫مجمع نيقية ‪325‬م‪:Nicaea -‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫موقع نيقية‪ :‬تقع مشال غ'رب آس'يا الص'غرى‪ ،‬وتع'رف الي'وم بـ إزن'ك الرتكيّ'ة؛ وق'د ك'انت قريب'ة من‬
‫قصر اإلمرباطور قسطنطني األكرب‪.‬‬
‫اجتماعاته‪ :‬لق''د ج''اءت الطوائ''ف ب''دعوة من اإلم''رباطور‪ '،‬يف ص''يف ‪325‬م‪ ،‬وت''والت االجتماع''ات‬
‫ألك''ثر من ش''هرين‪ ،‬للنظ''ر يف إش''كالية' التوحي''د اليه''ودي مقاب''ل التثليت' املس''يحي‪ '،‬وم''ا مسّي إذّاك [ـ‬
‫"بدع''ة أري''وس"؛ وال''يت دع''ا فيه''ا آري''وس إىل الع''ودة للتوحي''د اليه''ودي‪ ،‬وإنك''ار ألوهي''ة عيس''ى‪ ،‬وأن‬
‫‪3‬‬
‫ما عدى اهلل فهو خملوق‪ ،‬واهلل هو اخلالق وحده –س'بحانه‪-‬؛ إذ ق'د تر ّس'خ وتأس'س ال'دين املس'يحي‬
‫مع بولص على ألوهية املسيح‪ ،‬وكذلك ألوهية روح القدس‪ ،‬والذي أثار إشكالية التعددية اإلهلية!‬
‫صدِّق‪ :‬اإلق'رار بعقي'دة التثليث‪ '،‬ف'الرب ج'وهر واح'د وثالث'ة' أق'انيم‪ ،‬وهي الص'يغة ال'يت‬
‫القرار الذي ُ‬
‫دافع عنها أثناسيوس' اإلسكندري‪ .‬وتبعاً هلا مت نفي آريوس ومناصريه‪.‬‬
‫ردود الفعل‪:‬ـ‬
‫اعتربهتا الكنيسة الشرقية بدعة غ''ري مقبول''ة‪ '،‬واس''تمرت اخلص''ومات بينهم''ا ح''ىت بع''د مخس'ني‬ ‫‪‬‬
‫س ''نة من انعق ''اده‪ ،‬وختل ''ل ذل ''ك عق ''د جمامع‪ ،‬لكن األش ''هر ك ''ان الث ''اين "جمم ''ع القس ''طنطنية'‬
‫األول" الذي أعاد اإلقرار بألوهية عيسى عليه السالم مع زيادة اهتام املخالفني ب''أهنم "أع''داء‬
‫الروح القدس"؛ فأقرت الكاثوليكية والربوتستانتية' وخالفت األرثوذكسية‪.‬‬
‫‪ ‬بع''د ثالث''ة أع''وام من انعق''اد اجمللس تراج''ع اإلم''رباطور' عن الق''رار‪ ،‬وأع''اد آري''وس ومناص''ريه‬
‫إىل مناصبهم‪ ،‬وأيّدهم‪ ،‬مث انقسم أتباع آريوس بعد وفاته إىل قسمني‪:‬‬
‫قس ''م رفض تش ''بيه عيس ''ى باإلل ''ه أب ''داً‪ ،‬وعرف ''وا بنف ''اة' التش ''بيه' اش ''تقاقاً من الكلم ''ة‬ ‫‪-1‬‬
‫اليونانية' "أنوميوس‪."Anomois‬‬
‫قس ''م أبقى على االع ''رتاف ب ''أن املس ''يح كلم ''ة اهلل‪ ،‬وأثبت ''وا التش ''ابه بين ''ه وبني اهلل يف‬ ‫‪-2‬‬
‫ال' ' ' ' ' ''ذات واجلوهر فب' ' ' ' ' ' ' ّدلوا اللف ' ' ' ' ' ''ظ " أنومي' ' ' ' ' ''وس'‪ " Anomois‬إىل "هومي ' ' ' ''وس'‬
‫‪." Homiousia‬‬
‫مجمع أفسوس ونشأة النَّسطوريَّة ‪431‬م ‪:Council of Ephesus‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫إشكالية المجمع‪ :‬االختالف حول املظهر الناسويت للمسيح أهو مظهر إهلي خالص ح''ل يف مظه''ر‬
‫إنس ''ي دون تغرّي كم ''ا ذهب إىل ذل ''ك رأس كنيس ''ة اإلس ''كندرية' ك ''ريلس ‪Cyril‬؟ أم ه ''و طبيع' 'ة'‬
‫الهوتي 'ة' حلت يف طبيع 'ة' ناس''وتية' على س''بيل االم''تزاج كم''ا ذهب إىل ذل''ك نس''طوريوس بطري''ارك‬
‫القسطنطينية؟‬
‫‪3‬‬
‫وجه اإلشكال‪:‬‬
‫‪ ‬حتت تأثري األفالطونية' احملدثة كان لكريلس رأي بأن عيسى كلمة إهليّة أزليّ'ة‪ ،‬حتت ظ'روف‬
‫حتوالته وتارخيه يدل على أنه كلمة إهلية أزليّة‪.‬‬
‫بشرية‪ ،‬فكل ّ‬
‫‪ ‬أم ''ا املع ''ارض األنط ''اكي نس ''طوريوس فعيس ''ى عن ''ده احتاد بني الكلم ''ة اإلهلي ''ة األزلي ''ة وبني‬
‫عيسى الشخص املعنّي ‪ ،‬فلعيسى طبيعتني إهلية وإنسانيّة‪ '،‬مستنداً على التأويل اإلجنيلي‪.‬‬
‫قرار المجمع‪ :‬إدانة نسطوريوس‪ ،‬ونفيه إىل البرتاء مث إىل صحراء مصر حىت تويف (ويع ّد قربه مزاراً‬
‫ألتباعه النساطرة)‪ ،‬فنفوا أتباعه حىت انعقاد جممع خلقيدونية ‪451‬م‪.‬‬
‫أث ــر التض ــييق على النس ــاطرة‪ :‬أثّ ''ر هتج ''ريهم يف انتش ''ار دع ''وهتم‪ ،‬وم ''ع الفتح اإلس ''المي زال عنهم‬
‫الض''يق وانتش''روا يف األراض''ي اإلس''المية ح''ىت أوص''لوا دع''وهتم إىل اهلن''د ووس''ط آس''يا ح''ىت ح''دود‬
‫الص''ني‪ ،‬واش''تهروا' بالرتمجة من اليوناني''ة للس''ريانية‪ ،‬ومن اليوناني''ة إىل العربي''ة‪ ،‬وك''ان هلم حض''ور يف‬
‫عص''ر الرتمجة العربي''ة‪ .‬وق''د انتق''ل مرك''زهم وثقلهم إىل الع''راق ح'ىت اآلن‪ ،‬ولكن يف األزمن''ة املت''أخرة‬
‫مترد أخفقت مثل "احلركة اآلشوريّة"' ع''ام ‪1933‬م‪ ،‬بقي''ادة‬
‫حاولوا االستقالل' عن العراق حبركات ّ‬
‫مار مشعون؛ وانتهت' هبجرهتم ألرض املهجر‪.‬‬
‫التجسد والتأنس‪:‬‬
‫ّ‬ ‫تعاليم نسطوريوس حول سر‬
‫ص'ه‪ ،‬واالحتاد‬
‫املسيح ال يقوم بأقنوم واحد بل بأقنومني (إله وإنسان) حيتف'ظ ك'ل منهم'ا خبوا ّ‬ ‫‪‬‬
‫بينهما معنوي ونسيب‪ ،‬والطبيعة' البش'رية يف املس'يح مس'تقلّة قائم'ة ب'ذاهتا؛ مما يقتض'ي إنس'انية‬
‫املس''يح‪ ،‬وأن''ه ليس بإل''ه ال حق''ا وال طبع'اً‪ ،‬وإمنا اش''رتاك يف التس''مية فق''ط م''ع الكلم''ة اإلهلي''ة‬
‫األزليّة‪.‬‬
‫كما أنكر أن مرمي عليها السالم محلت من إله‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫النتيجة‪ :‬إبطال نظرية الفداء‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫أث ــر ق ــرار المجم ــع‪ :‬انش' ''قاق جدي' ''د عن الكنيس' ''ة من الق' ''ائلني بإحتاد الطبيع' ''ة اإلهلي ''ة باإلنس ''انية‪'،‬‬
‫وع ''رف دعاهتا بـ "املونوفيس ''ايت ‪"Monophsite‬؛ وعنهم نش ''أت الكن ''ائس القبطيّ ''ة واحلبش ''ية‬
‫وكنيسة اليعاقبة يف سوريا‪.‬‬
‫مجمع خلقدونيَّة‪-‬ـ ‪Chalcedony Council 451‬م‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وهو امتداد إلشكالية ثنائية الطبيعية' اإلهلية واإلنس'ية للس'يد املس'يح‪ ،‬لكن من جه'ة أيهم'ا أك'ثر غلب'ة‬
‫الطبيعة اإلهلية أم الطبيعة' اإلنسيّة؟‬
‫القرار‪ :‬للسيد املسيح طبيعتني كاملتني‪.‬‬
‫مجلس الفاتيكانـ الثاني‬ ‫(‪)4‬‬
‫مل تكن إش'كاليّته عقديّ'ة بق'در م'ا هي إش'كالية عالق'ات مس'يحية بني الكن'ائس حملاول'ة الت'أليف بينه'ا‬
‫بع ''د االنش ''قاقات والص ''راعات' بينه ''ا‪ ،‬وق ''د عق ''دت جلس ''اته يف الق ''رن الث ''امن عش ''ر من ‪-1962‬‬
‫‪1965‬م‪ ،‬بدعوة من الكنيسة الكاثولكية' بزعامة البابا يوحنَّا الثالث والعشرين‪.‬‬
‫أهم قضاياه‪:‬‬
‫التقارب بني الكنائس‪ '،‬والعمل املشرتك اإلغاثي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫املوجه ''ة إليهم‪،‬‬
‫‪ ‬مناهض ''ة الالس ''اميّة' مما يع ''ين التص ' ّدي ملع ''اداة اليه ''ود وت ''ربئتهم من التهم ّ‬
‫والدعوة لألصل اإلبراهيمي' املشرتك بينهم وبني املسيحية‪.‬‬
‫الدعوة لالعرتاف باألديان اإلبراهيمية‪ ،‬ومنه''ا اإلس''الم والتخلّص من ذاك''رة الص''راعات‬ ‫‪‬‬
‫التارخيية بينهم!‬

‫‪4‬‬
‫الفصل السابع‬

‫الرهبانيَّة – ‪Monasticism‬‬
‫نُظُ ُم َّ‬
‫المصطلح‪ :‬ورد "‪ "Monachos‬يف إجنيل توم'ا ب'دالالت عام'ة غ'ري حمددة تع'ين االع'تزال‪ ،‬واإلنس'ان املتف ّ'رد‪،‬‬
‫والع ''ازب‪ .‬مث قيّ ''د فيم ''ا بع ''د للدالل ''ة على املنتظم يف مجاع ''ة زهديّ ''ة وذل ''ك يف مص ''ر ع ''ام ‪320‬م تقريب' 'اً‪ ،‬مث يف‬
‫النص ''ف الث' ''اين من الق' ''رن الراب' ''ع حتدد بش' ''كل أدق للدالل' ''ة على حي' ''اة الزه' ''د م' ''ع زعيم مدرس ''ة اإلس ''كندرية‬
‫الزهاد‪.‬‬
‫أثناسيوس ت‪373‬م‪ ،‬تأثراً حبياته لنفيه‪ ،‬ولكتابته' عن الرهبان ّ‬

‫البدايات‪ :‬ك''انت ب''دايات الرهبن''ة نزاع''ات فردي''ة لع''دد من املس''يحيني‪ ،‬وق''د ب''دأت من داخ''ل املس''يحية باملغ''االة'‬
‫يف األخ ''ذ بالنص ''وص' الداعي ''ة للزه ''د إن من األناجي ''ل أو تع ''اليم ب ''ولص‪ ،‬ب ''الرغم من أ ّن البعض' أرجعه ''ا جلذور‬
‫يهودي ''ة أو هيلنس' ''تية‪ ،‬وم' ''ع تق ' ' ّدم ال' ''زمن تط' ' ّ'ورت لتص' ''بح تنظيم' ''ات مث نظم اختلفت بني الكنيس ''تني الش ''رقيّة‬
‫والغربيّة بعدة تعاليم‪.‬‬

‫[وتضيف امللخصة إشارة إىل ما جاء عن حياة ك''ل من‪ :‬م'رمي عليه''ا الس''الم‪ ،‬وعيس''ى علي''ه الس'الم‪ ،‬وحيىي علي''ه‬
‫ُ‬
‫'تزوجوا‪ ...‬فرمبا ك''انت إش'ارة لش'يوع التبتّ'ل' يف ذل'ك ال''زمن واالنقط''اع للعب'ادة عن ال'زواج‬
‫الس'الم‪ ،‬فكلهم مل ي ّ‬
‫باعتباره اختيارا شخصيا ال إلزامي‪ ،‬واهلل أعلم]‬

‫التحول من حركاتـ زهديّة إلى نظام مؤسسة رهبانيّة‪:‬‬


‫ّ‬

‫مل يتم بدقة حتديد حلظة االنتقال‪ ،‬ولكن كانت يف الفرتة اليت س''بقت' عص''ر أوغس''طينس‪ ،‬وتق' ّدر حبرك''ة‬
‫زهدي ''ة عُ ''رفت باس ''م "‪ "Remnouth‬يف القبطي ''ة‪ ،‬و"‪ "Ihadaya‬يف الس ''ريانية‪ ،‬و"‪ "Apotaktitai‬يف‬
‫اليونانية‪ '،‬و"‪ "Sarabitai‬يف الالتينية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وانتش''رت اجلماع''ات الزهدي''ة يف األوس''اط الغنوص''ية‪ ،‬ممن مل يعتق''د مبعتق''د واح''د اعتق''اداً ص''ارماً ح''ىت‬
‫اختلطت املس ' ''يحية بغريه ' ''ا من املوروث ' ''ات العقدي ' ''ة كاألفالطوني ' ''ة احملدث ' ''ة‪ ،‬وأش ' ''هر اجلامعني بينهم ' ''ا أورجيون‬
‫اإلس ''كندري ت‪254‬م؛ ال ''ذي ك ''ان ل ''ه دور تأسيس ''ي حاس ''م يف قواع ''د الس ''لوك حلي ''اة الرهب ''ان‪ ،‬ح ''ىت ل ّقب بـ‬
‫"األب الالهويت للرهبنة"‪.‬‬

‫النمــط الرهبــانيـ المصــري المؤســس‪ :‬وق ''د أص ''بحت ه ''ذه اجلماع ''ات يف عالقته ''ا ب ''اجملتمع بني مجاع ''ة تع ''تزل‬
‫اجملتمع ''ات وختتلي ومسّوا بـ "االختالئ ''يني ‪ ،"Auchorites‬ومجاع ''ة ناش ''طة ت ''دعو للزه ''د يف احلواض ''ر املدنيّ ''ة‪،‬‬

‫ومسّوا بـ "‪"Cenobites‬؛ وذل''ك يف الرب''ع األول من الق''رن الراب''ع امليالدي‪ .‬ولكن ه''ذه الثنائي''ة ك''انت ابت''داءً‬
‫اختالئيّ''ة مث دع''وة مدنيّ''ة؛ ذل''ك أ ّن أش''هر الن ّس'اك االختالئ''يني‪ :‬الناس''ك املص''ري أنط''وين ت ‪356‬م ال''ذي اختلى‬
‫تكشف األسرار اإلهليّة له‪ ،‬وق'د ت'أثر بطريقت'ه من س'لك‬
‫ملدة عشرين سنة مث عاد بعدها لدعوة الناس للزهد بعد ّ‬
‫مس''لكه ح''ىت انتش''رت على ختوم الني''ل‪ ،‬وظه''رت حرك''ة رهب''ان املدن واحلواض''ر‪ ،‬على رأس''ها "ب''اخوميوس" ت‬
‫‪346‬م‪ ،‬وب' ''ىن رهباني' ''ة ملن التح' ''ق ب' ''ه‪ ،‬وأنش' ''أت ش' ''قيقته' م' ''اري رهباني' 'ة' للنس' ''اء‪ ،‬وق' ''د وض' ''ع بنفس' ''ه "آداب‬
‫املسرتشدين" املؤسسة على مبدأ "احلب املسيحي"‪.‬‬

‫النمط الرهبانيـ السوري‪ :‬متيّزت مبغاالهتا ّ‬


‫وتطرفها حد البعد عن النمط املصري‪.‬‬

‫النمــط الرهبــانيـ األناضــولي‪:‬ـ ش''ابه النم''ط املص''ري لكن بش''كل تنظيمي أوس''ع‪ ،‬وأدبي''ات أك''ثر أص''بحت فيم''ا‬
‫بعد بعد تنقيحها العمدة واألساس للرهبانيّات' الشرقية عامة‪ ،‬وهي ذات طابع حضري يدعو ملساعدة احملت''اجني‬
‫باعتبارها قاعدة ملزمة‪ .‬وارتب'ط ه''ذا النم''ط باس''م واض'عه "ب'ازل القيص'ري"‪ ،‬وأص''بح ش'قيقه' األص''غر جرجيوري‬
‫دوهنا‪.‬‬
‫رواد الرهبانية الالهوتية الشرقية لسلسلة الرسائل اليت ّ‬
‫النيسي ت‪395‬م‪ ،‬من أكرب ّ‬
‫وق'د نف''ذت ه'ذه التع'اليم الرهباني''ة إىل األق'اليم الالتيني''ة والروماني''ة خصوص'اً‪ ،‬وق''د لعب الق''ديس ج''ريوم ت‬
‫‪420‬م‪ ،‬دوراً ب ''ارزاً يف تأس ''يس' مجاع ''ات تن ّس 'ك من طبق ''ة النبالء واالرس ''تقراطيني يف روم ''ا يف مثانين ''ات الق ''رن‬

‫‪4‬‬
‫الراب ''ع امليالدي‪ ،‬وه ''و ال ''ذي ق ''ام برتمجة العه ''د الق ''دمي والعه ''د اجلدي ''د إىل الالتيني 'ة' بلغ ''ة العام ''ة ومجه ''ور الن ''اس‪.‬‬
‫وبذلك انتشرت الرهبانيات' وشاعات يف أوربا ومشال أفريقيا‪ ،‬ومتيّزت الرهبانيات الغربية عن الشرقية بأمور‪:‬‬

‫أهنا ظاهرة حضرية اجتماعية يف مراكز املدن أو على مشارفها‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫فسخروا ثرواهتم هلا‪.‬‬
‫قوة جذب ألبناء الطبقات العليا؛ ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫ارتبطت بعالق''ات قويّ''ة بالكنيس''ة؛' إذ ك ''ان الق ''ائمون على الرهباني''ات من رج''ال الاله''وت وكب ''ار‬ ‫‪-3‬‬
‫األساقفة‪ .‬مثل القديس أوغسطينوس؛ الذي مثّلت حياته فيما بعد النموذج األمثل للرهبنة' الغربية‪.‬‬

‫واس''تمرت حرك''ة الرهبن''ة ح''ىت فش''ى الفس''اد يف رؤوس''ها وتف''اقمت االحنراف''ات ح''ىت ش' ّ'ن م''ارتن ل''وثر على‬
‫الرهب''ان والراهب ''ات محلت''ه‪ ،‬وتبع ''ه زعم''اء حرك ''ة اإلص''الح‪ ،‬ح''ىت آل األم''ر لتص ' ّدر دع''اة العلماني''ة فاض''طهدوا‬
‫الرهب''ان وص''ادروا ممتلك''اهتم‪ ،‬ح''ىت ع ' ّدت الرهباني''ات' ‪ 40‬رهباني''ة بع''د أن ك''انت ‪ 1000‬رهباني''ة قب''ل الث''ورة‬
‫الفرنس ''ية‪ .‬وق ''د ع ''ادت الرهباني 'ة' يف الق ''رن التاس ''ع عش ''ر وانتش ''رت انتش ''اراً واس ''عاً‪ ،‬ودعى الفاتيك ''ان' يف الق ''رن‬
‫العشرين إلعادة إصالح نظام الرهبنة‪'.‬‬

‫مدونة لالنتظام‪ ،‬واالعتزال والسياحة يف األرض‪ ،‬ولب''اس‬


‫وقد كان النظام العام للرهبنة يقضي بإلتزام قواعد ّ‬
‫معنّي ‪ ،‬ونظ''ام ي''ومي مقنن‪ ،‬والص''لوات واالجته''اد لتحقي''ق الس''مو ال''داخلي‪ ،‬واالمتث''ال لألب األك''رب املش''رف‪،‬‬
‫املتطرفني‪ ،‬والتبشري باملسيحية‪.‬‬
‫واستعمال املسبحة‪ ،‬وممارسة اإلخصاء عند ّ‬

‫‪4‬‬
‫الفصل الثامن‬

‫األسرارـ السبعة في المسيحية‬

‫‪The seven Christian Sacraments‬‬

‫مصطلح (‪)Sacraments‬‬

‫في الالتينية واليونانيّة‪:‬‬

‫"ق''د يطل''ق املص''طلح على األش''ياء املق ّدس''ة‪ ،‬وق''د يطل''ق على األم''اكن املق ّدس''ة‪ ،‬وق''د يطل''ق على األزمن''ة‬
‫مكرس''ة خلدم'ة اإلل'ه أو اآلهلة‪ ،‬كرم''وز‬
‫املق ّدسة‪ ،‬ويرجع إىل الكلمة الالتينية "‪ "Sacrare‬ال ّدال''ة على أفع'ال ّ‬
‫على الطاع''ة‪ .‬ويف ال'رتاث اليون''اين وبص''يغة "‪ "Sacramentum‬ك''انت عنوان'اً' ل َق َس'م الطَّاع'ة "‪،"Oath‬‬
‫'ؤدى ع''ادة يف‬
‫والتعبري عن الوالء "‪ "Pledge‬الذي يبديه اجلندي آلمريه عند الشروع يف احلرب‪ ،‬وال''ذي ي' ّ‬
‫الرومانية ترجع إىل ما ت' ّدل علي'ه الكلم'ة اليونانيّ'ة‬ ‫ٍ‬
‫مكان له قدسيّته وبألفاظ مبعان دينية‪ ،‬والكلمة يف صيغتها ّ‬
‫"‪ "Mesterion‬ال ''يت حتم ''ل مع ''ىن‪ :‬معرف ''ة خفيّ ''ة ومق ّدس ''ة تتكش ''ف لبعض الص ''فوة عن طري ''ق الكش ''ف‬
‫التصوف "‪ "Mysticism‬يف األديان عامة هبذا املعىن"‪.‬‬
‫واإلهلام اإلهلي‪ ،‬ومن هنا ربط مصطلح ّ‬
‫الداللةـ المسيحية‪:‬‬

‫وجتسد نعمة إهليّ''ة خفيّ''ة"‪ ،‬فليس''ت‬


‫عرفه أوغسطينوس ت‪449‬م‪ ،‬بـ "املظاهر اخلارجيّة ألفعال خمصوصة ّ‬
‫ّ‬
‫جمرد طقوس دينية‪ ،‬بل هي أسرار دينية مق ّدسة‪ ،‬وهي سبعة أسرار لدى الكنيستني (الشرقية‪ ،‬الغربيّة)‪:‬‬
‫ّ‬
‫التّعميد (المعموديّة) – ‪:Baptism‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪4‬‬
‫ه ''و عالم ''ة ال ''دخول يف املس ''يحية اس ''تبداالً' لس ''نة االختت ''ان' اليهوديّ ''ة‪ '،‬وك ''ذلك الغطس يف املاء؛‬
‫وهي عادة موروثة عن اليهود والصابئة‪ '.‬واخلالف بني الطوائف املسيحية كان‪:‬‬
‫حول تعميد الطفل بعد والدته أم حىت ي''درك مع'ىن التعمي''د وداللت''ه؟ وق'د أنك'ر ترتولي'ان' وعام''ة‬ ‫‪o‬‬
‫الكن''ائس اإلص''الحية الربوتس''تانتية' يف العص''ور احلديث''ة تعمي''د األطف''ال؛ إذ ال نص من الكت''اب‬
‫عليه‪.‬‬
‫وحول التغطيس' ألكامل اجلسد كما عند األرثوذكس أم بضع قطرات كما عند الكاثوليك؟‬ ‫‪o‬‬
‫الرب – ‪:Eucharist‬‬
‫عشاء ّ‬ ‫‪-2‬‬

‫"اسم هذا السر مشتق من الكلمة اليونانية' " ‪ " Eucharist‬واليت تفيد القيام بأدر‪ ،‬ويعرف هذا السر‬
‫عند الكنائس' بأمساء‪ ،‬منها‪ :‬الق ّداس‪ ،‬الصالة اجلامعة‪".‬‬

‫جذور هذا السر‪:‬ـ‬

‫املؤرخني يهوديّ' ''ة قدمية‪ ،‬فيم' ''ا يقيمون' ''ه من "مائ' ''دة النعم ''ة" يف عي ''د‬
‫ج' ''ذور ه' ''ذا الس' ''ر عن' ''د بعض ّ‬ ‫‪‬‬
‫الفص''ح‪ :‬فكال املائ''دتني جتمع''ان طاع''ة لل'رب‪ ،‬وتنفي''ذا للوص''ايا‪ ،‬وختلي''داً ل''ذكرى ماض''ية‪ ،‬وم''ا يراف''ق‬
‫ذلك من أدعية وصلوات‪.‬‬
‫يبدو مما جاء يف أعمال الرسل أن العشاء الرباين كان يقام يف ج'و من اجلش'ع والنهم والعرب'دة ت'أثراً‬ ‫‪‬‬
‫بعادات آهلة اإلغريق‪.‬‬

‫ومل حيدث تغرّي على ه ''ذا الس ''ر إال يف ب ''دايات العص ''ور الوس ''طى عن ''د إث ''ارة حض ''ور املس ''يح يف العش ''اء‬
‫الرباين‪ ،‬أهو حقيقي أم معنوي‪ ،‬وكذلك صفتا املاء واخلبز‪ ،‬أمها دم املس'يح وجس'ده على احلقيق'ة' أم رمزيّ'ة؟‬
‫وقد انتهى هذا اخلالف يف الكن''ائس الغربيّ''ة ب'القول ب'التجوهر وحقيق''ة ه''ذا احلض''ور وه''ذه الرمزيّ''ات‪ ،‬ت'أثراً‬
‫بلفسفة األكوينية األرسطيّة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫تكريس التعميد (تثبيت المعموديّة)‪-‬ـ ‪Confirmation –Chrismation‬‬ ‫‪-3‬‬
‫يتم ه ''ذا الس ''ر بوض ''ع األي ''دي على املس ''يحي لين ''الوا روح ال ُق' ُ'دس‪ .‬وق ''د ك ''ان ه ''ذا الس ''ر بع ''د‬
‫التعميد‪ ،‬لكن فيما بع''د أص''بح يف الق''رن الس''ادس عش'ر منفص'الً' يف الكن''ائس الكاثولكي'ة' وذل'ك بع''د‬
‫بل ''وغ املس ''يحي س ''ن الرش ''د‪ ،‬حيث يوض ''ع ال ''دهن املق ' ّدس "م ''ريون" على جبه ''ة من جيرى ل ''ه س ''ر‬
‫التثبيت‪.‬‬
‫التوبة وطلب الغفران‪-‬ـ ‪Repentance‬‬ ‫‪-4‬‬
‫'ورث من ل ''دن املس ''يح علي ''ه الس ''الم إىل تالمذت ''ه إىل‬
‫يف اعتق ''اد املس ''يحني أن الس ''لطة الروحيّ ''ة ت ' ّ‬
‫القديس ''ني يف ك ''ل زم ''ان‪ ،‬وأهّن م أه ''ل قب ''ول الغف ''ران بع ''د االع ''رتاف' فيم ''ا بع ''د‪ .‬ومل يكن االع ''رتاف'‬
‫باخلطاي ''ا بش ''كل شخص ''ي داخلي‪ ،‬ب ''ل ك ''ان يف العلن ويعقب ''ه بعض الطق ''وس ك ''النوم على الرم ''اد‪،‬‬
‫ولبس اخلش ''ن من الثي ''اب‪ ،‬مث آل األم ''ر إىل أن يب ''وح املخطئ للق ''ديس بذنب ''ه‪ ،‬فيعلن ل ''ه تكف ''ري ذنب ''ه‬
‫مقاب ''ل غرام ''ات ماليّ ''ة‪ .‬وق ''د اختذ ص ''ورة إلزاميّ ''ة م ''رة يف احلي ''اة على األق ''ل أو ب ''احلج إىل األراض ''ي‬
‫املق ّدس''ة تزامن''ا م''ع احلمالت الص''ليبية‪ '.‬وق''د أص''بح بي''ع ص''كوك الغف''ران' جتارة الكنيس 'ة' الكاثولكي 'ة'‬
‫ومنح الفضائل كذلك‪ ،‬والذي ّأدى لثورة مارتن لوثر‪.‬‬
‫رسامة الكهنوت المق ّدس‪-‬ـ‪Holy Orders‬‬ ‫‪-5‬‬
‫وذل''ك بوض'ع الي''د على املؤه'ل للتبش'ري باإلجني''ل والقي''ام بطق''وس األس''رار الس'بعة' باس'م الكنيس''ة‬
‫(ال''يت هي جس''د املس''يح!)‪ ،‬ويتم ذل''ك بوض''ع كب''ار األس''اقفة' ألي''ديهم على روح املؤه'ل' لني''ل روح‬
‫القدس للتأهيل ملهمة روحية خُم لِّصة‪.‬‬
‫نظام الزواج المق ّدس‪Holy Marriage -‬‬ ‫‪-6‬‬
‫يعترب الطالق يف املسيحية من أضيق األمور أو من املمنوعات‪ ،‬ذلك أن ال''زواج رب''اط مق' ّدس ال‬
‫حيل فس ''خه إال ب' ''اقرتاف أح' ''د ال' ''زوجني الزن' ''ا‪ ،‬أو وثنيّ ' 'ة' أح' ''د ال' ''زوجني مما ال ميكن مع ''ه اس ''تمرار‬
‫الزوجيّة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫المسح بـدهنـ الـزيت المقـ ّدسـ على المــريض المشـرف على المـوت‪Anointing the -‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪Sick‬‬
‫أصل هذه العادة يهوديّة‪ ،‬وهي عند املسيحية عادة تُرجع للمسيح ومس'حه على املرض'ى‪ ،‬فك'ان‬
‫املسح طلباً لالء‪ ،‬وتارة يتخذه النصارى حلصول القدسية للممسوح عليه‪.‬‬
‫طقوس السر‪:‬‬
‫ويف الكنائس' الغربية يقوم باملسح أساقفة األبرشيَّات‪ ،‬ويف الشرقية البطارقة حصراً‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫جيري املسح ي'وم اخلميس املع'روف خبميس الغس'ل أو مخيس العه'د‪ ،‬أو يف أح'د ال َّس'عف‪ ،‬مث‬ ‫‪‬‬
‫بع ''د مرمتر تولي ''دو ‪400‬م أج ''يز إج ''راءه يف أي وقت‪ .‬ول ''ه أن ''واع‪ '،‬منه ''ا‪" :‬ال ''دهن املق ' ّدس"‬
‫ميسح به الطفل الوثين على صدره وما بني كتفيه إعالناً لدخوله املسيحية‪'.‬‬

‫أما البروتستانتيّةـ فيحصر عامتهم األسرارـ في اثنين‪:‬‬

‫التعميد‬ ‫‪-1‬‬
‫العشاء الربّاين‬ ‫‪-2‬‬

‫وينكرون ما سواها‪ ،‬إذ ال نص يثبتها‪.‬‬

‫جممعي فل' ''ورنس ‪1239‬م‬


‫وق' ''د اختذت ه' ''ذه األس' ''رار ص' ''ورهتا املقنّن ' 'ة' يف الق' ''رن الراب' ''ع امليالدي‪ ،‬بع' ''د ّ‬
‫وترنت عام ‪1545‬م؛ باعتبارها الشعائر الدينية املق ّدسة امللزمة باستنادها للمشرع السيّد املسيح‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الفصل التاسع‬

‫الحركات اإلصالحيّةـ (‪1648-1513‬م)‬

‫‪Reformatio Movements‬‬
‫لق' ''د ك' ''ان حلرك' ''ة االس' ''تعمار بقي' ''ادة إس' ''بانيا والربتغ' ''ال أث' ''ر يف توس' ''يع جمال املس' ''يحية ح' ''ىت وص' ''لت‬
‫لألمريكيتني وجلنوب وشرق آسيا‪ ،‬كما أن حلركة اإلصالحات الدينية يف أوربا أثر بالغ يف تقسيم الطوائف يف‬
‫أوربا بني كاثوليك وبروتستانت‪.‬‬

‫الحركة اإلصالحيّة‬

‫علمها‪ :‬م''ارتن ل''وثر ت‪1546‬م‪ .‬ب''دأ حيات''ه بس''يطاً ابن 'اً لعام''ل منجم‪ ،‬ودرس الق''انون‪ '،‬ح''ىت حص''لت عاص''فة‬
‫بالرتهب' وتطهري نفس'ه‪ ،‬ح'ىت ر ّس'م كاهن'اً ع'ام ‪1507‬م‪ ،‬مث عنّي حماض'راً جبامع'ة‬
‫أرعبته ليقطع على نفسه عهداً ّ‬
‫ويتنربغ بعد حصوله على الدكتوراه‪ ،‬ورحل إىل روما متطلّعاً للروحاني''ة اخلالص''ة؛ إال أن خيب''ة أمل''ه من حي'اهتم‬
‫املاديّ ''ة املرذول ''ة‪ ،‬فع ''اد ف ''ألقى حماض ''رة ش ''ديدة اللهج ''ة ض ''د أرس ''طو وفلس ''فته‪ ،‬واص ''فاً إي ''اه بـ "الوث ''ين املك ''ابر‬
‫واملخادع امللعون"‪ .‬وشن محلته ضد البابويّة والرهبانية‪ '،‬وقد اقتنتع بقناعتني بعد عودته من روما‪:‬‬

‫استشراء الفساد يف البابوية'‬ ‫‪)1‬‬


‫وج ''وب الع ''ودة الن ''اجزة باملس ''يحية إىل طهره ''ا األول‪ :‬منتق ''داً الطق ''وس الكاثولكي ''ة املبتدع ''ة‪ '،‬مق ''رراً أن‬ ‫‪)2‬‬
‫اخلالص بالنية واإلميان اخلالص‪ ،‬وشن محلة ضد صكوك الغفران وشهادات املشاركة يف الفضائل!‬

‫أهم ما قام به بعد عودته‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫ترجم اإلجنيل إىل األملانية' لتس'هيله على الن'اس ب'دالً من الالتيني'ة املستعص'ية' على األفه'ام‪ .‬وق'د ك'ان هلذه‬ ‫‪)1‬‬
‫الدعوة نصرة هلا من قِبل األمراء وحكام السلطة الزمنية إذ فيها حترر من السلطة البابويّة‪'.‬‬
‫كانت دعوته لإلصالح ال لالنشقاق عن الكنيسة' لوال الفعل البابويّة جتاه حركته‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫قد سبقت' دعوة لوثر بانتقادات يف أملاني''ا للكنيس'ة واحلاج''ة للع''ودة إىل نق'اء املس'يحية األول وبس'اطتها‪،‬‬
‫والبعد عن تعقيد القضايا' الالهوتي'ة‪ '،‬وك'ان أص'حاب النزع'ة اإلنس'انية من أش'د الناق'دين لاله'وت املدرس'ي‪،‬‬
‫ولت''داخل املص''احل السياس''ية م''ع حرك''ة اإلص''الح العقدي''ة اللوثري''ة فق''د ك''ان حل ّك''ام األق''اليم مص''لحتهم يف‬
‫االنشقاق عن الكنيسة' وإدراة شؤوهنم وتطلّعاهتم املتنامية‪ ،‬على ال'رغم من أن الكنيس'ة' ك'انت مرن'ة وحيوي'ة‬
‫يف تلك احلقبة ال كما يقال عنها بسلبية غامرة وأن دعوة لوثر إصالحية ال انشقاقيّة‪ '.‬لذا فما يق''ال عن''ه من‬
‫أن حركة اإلصالح هي إنفجار ليس بدقيق‪ ،‬م'ع اإلق''رار بوج''ود ت''وترات لكنه''ا ال تص'ل حلد االحتق''ان ح'د‬
‫اإلنفجار‪.‬‬

‫'جة ّعام ''ة‬


‫ك ''انت قض ''يّة "ص ''كوك الغف ''ران" أهم القض ''ايا ال ''يت ص ''ادم ل ''وثر هبا الكنيس ''ة‪ '،‬وأح ''دثت ض ' ّ‬
‫اس''تقطابيّة' بني اجلم''اهري‪ ،‬وك''ان لألح''داث بني ‪ 1517‬ح''ىت ‪ 1521‬أث''ر كب''ري يف تس''ارع ح' ّدة الت''وتراات‪'،‬‬
‫خصوص ''ا م ''ع الق ''رارات الص ''ادرة ض ''د ل ''وثر من قب ''ل الكنيس' 'ة' كاحلرم ''ان‪ ،‬وأن ''ه ث ''ائر سياس' 'ي' خ ''ارج عن‬
‫القانون‪.‬‬

‫وق ''د ك ''ان الختف ''اء ل ''وثر ع ''ام ‪1521‬م أث ''ر كب ''ري من قب ''ل العام ''ة ومناص ''ريه ملناقش ''ة قض ''ايا عدي ''دة من‬
‫أمهها‪ ،‬بدعة العزوبيّة على الرهبان والراهبات‪ ،‬وإبطال اإللتزام' املظه''ري باملس''يحية‪ ،‬وال''دعوة العتم''اد النص‬
‫وزع‬
‫اإلجنيلي مرجعاً هنائيّا‪ .‬ومع انتشار اإلجني'ل باللغ''ة القوميّ'ة' األملاني''ة‪ ،‬والرس'ائل اإلص'الحية‪ ،‬ح'ىت بل'غ م'ا ّ‬
‫يف العق ''د األول من كتيب ''ات يف أملاني ''ا ملي ''ون نس ''خة ل‪ 10‬ماليني أملاين! وق ''د مشلت املناقش ''ات والقض ''ايا'‬
‫االجتماعية أيضاً‪ .‬لذا‪ ،‬فقد انتشرت الدعوة‪ ،‬ومبناصرة حكام األقاليم‪ ،‬إىل أوربا الشماليّة‪ ،‬وبلغ العداء ضد‬
‫ومستقره"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الدجال‬
‫البابويّة أن قيل يف حقها "عش املسيح ّ‬
‫‪5‬‬
‫وق ''د أنتجت ه ''ذه النقاش ''ات الرب ''ط بني ال ''دين والش ''أن' االجتم ''اعي‪ ،‬بإص ''الح اجملتم ''ع مبقاص ''د ال ''دين‪،‬‬
‫وك'ذلك الس''عي للمص''احلة بني الطوائ'ف ان اخلالف بينه''ا خالف ف'روع؛ إال أن تعنت الكنيس''ة الكاثولكي'ة'‬
‫وحماول ''ة إمخاد اإلص ''الح ب ''القوة العس ''كرية ق ''اد لالنفص ''ال ال ''ذي أعلن االع ''رتاف' بالربوتس ''تانتية' ديان ''ة رمسيّة‬
‫اختيارية حل ّكام األقاليم وذلك يف معاهدة "سلم أوكسبورغ" عام ‪1530‬م‪ ،‬بعد وفاة لوثر بتسع سنوات‪.‬‬

‫اإلصالحية بعد لوثر‪:‬‬

‫مل 'ا ك''ان اجلامع بينهم ه''و "معارض''ة الكنيس''ة" ال مب''ادئ حمررة متف''ق عليه''ا‪ ،‬فإهنا بع''د االع''رتاف مثّلت‬
‫ّ‬
‫طوائ'ف' توال''د انش''قاقها بس''بب' اختالف االجتاه''ات بينه''ا‪ ،‬فص''ارت اإلص''الحية تض''م أربع''ة طوائ''ف ك''ربى‬
‫متم' ''ايزة‪ ،‬هي‪ :‬اللوثري' ''ة‪ ،‬اإلنكليكانيّ' ''ة وعنه' ''ا تف' ' ّ'رعت املنهجيّ' ''ة‪ '،‬واملش' ''يخانية ال' ''يت تف' ''رعت عن الكنيس' ''ة‬
‫اإلنكليكانيّة‪.‬‬

‫وق''د ّأدت النزاع''ات واالنش''قاقات يف اإلص''الحية اللوثري''ة النقس''امات ع ' ّدة ومناقش''ات ملس''ائل بعينه''ا‬
‫تؤدي لتش ّكل طائفة حوهلا!‪ ،‬ولعل من أمهها ظهور طائف'ة' تنك''ر التثليث' وتق'ول بالتوحيّ'د‪ ،‬وال'يت ك''انت رد‬
‫واملؤرخ' ''ون‬
‫فع' ''ل على الكالفني' 'ة' وعلى عقي' ''دة التثليث؛ وق' ''د ت' ''أثر هبا وانتص' ''ر هلا رج' ''ال حرك' ''ة التن' ''وير‪ّ ،‬‬
‫احملدثون يف القرن الرابع عشر‪ ،‬ومن أشهرهم "شالير ماخر"‪.‬‬

‫الكالفنيّة‪:‬‬

‫ك ''الفن احملامي' الفرنس ''ي املت ''أثر بالنزع ''ة اإلنس ''انية ت‪1564‬م‪ ،‬واملناص ''ر ل ''دعوة س ''رفيتوس ت‪،1553‬‬
‫القائل''ة ب''رفض التثليث‪ '،‬وه''و املؤل''ف لكت''اب في''ه القواع''د العام''ة لإلص''الح املنش''ود‪ ،‬فك''ان بغي''ة املتمنهج يف‬
‫ظل النزاعات واخلصومات‪ ،‬وقد انتشرت دعوته حىت فرنسا واسكتلندا‪'.‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل العاشر‬

‫المسيحية من عصر اإلصالح البروتستانتي وحتى اليومـ‬


‫مع عصور االستعمار‪ ،‬وحتديث أوربا وهنضتها‪ ،‬وكثرة االنقسامات لكثرة األطماع‪ ،‬تعرض'ت الكنيس'ة‬
‫هلزتني على مس ' ''توى الس ' ''لطة الديني ' ''ة وعلى مس ' ''توى الس ' ''لطة االجتماعيّ ' ''ة‪ ،‬مما جعله ' ''ا تتناس' ''ى اخلالف' ''ات‬
‫'ردة عن ال ' ''دين‪ ،‬والتط ' ''رف العقالين‬
‫الداخليّ ' ''ة بني الطوائ ' ''ف املس ' ''يحية ملواجه ' ''ة التش ' ''كيك واإلحلاد‪ ،‬وال ' ' ّ‬
‫التجرييب‪.‬‬

‫على مســتوى االعتقــاد والمعرفــة‪ :‬أدت احلرك ''ة اإلص ''الحية الربوتس ''تانتية لفتح ب ''اب انتق ''اد الاله ''وت‬
‫املس''يحي‪ ،‬وال''ذي تر ّس'خ في''ه م''ع ال''زمن التنظ''ري األرس''طي املر ّس'خ م''ع توم''ا األكوي''ين‪ ،‬فلم''ا ش' ّ'ن ل''وثر محلت''ه‬
‫ُ‬
‫على أرس''طو ظه''رت احلرك''ات املناهض''ة ألرس''طو‪ ،‬ومن مث حماول''ة إس''قاط س''لطته املعرفي''ة‪ ،‬وال''يت س''قطت‬
‫بالفع ''ل من جه ''ة التنظ ''ري املع ''ريف املص ''احب لالكتش ''افات العلمي ''ة واالخرتاع ''ات التجريبي ''ة‪ ،‬فم ''ع ديك ''ارت‬
‫ونظريت''ه يف األفك''ار املس''بقة‪ ،‬واملقاب''ل هلا األفك''ار البعديّ''ة املكتس''بة' م''ع التجريب''يني ك وهي''وم باخلص''وص‪ ،‬مث‬
‫مهمش ''ة‪ ،‬وك ''ذلك م ''ع‬
‫اجلم ''ع بني القبلي ''ة والبعدي' 'ة' يف فلس ''فة نقدي ''ة م ''ع كان ''ط‪ ،‬أص ''بحت أفك ''ار أرس ''طو ّ‬
‫اكتش'افات املدارات الفلكي'ة' والث'ورة الكوبرنكيّ'ة‪ '،‬س'قطت رؤي'ة أرس'طو للع'امل مما يس''قط نظري'ة املباين'ة' بني‬
‫اجلوهر الس''ماوي واجلوهر األرض''ي‪ ،‬واالحنص''ار يف العق''ل التجري''يب املض''يّق‪ ،‬وب''ذا س''قطت س''لطة أرس''طو‪،‬‬
‫وهتيأ اجلو لإلحلاد‪.‬‬

‫وزاد األم ''ر ح' ' ّدة بإزال ''ة التق ''ديس عن اإلنس ''ان م ''ع نظري ''ة تش ''ارلز داروين ال ''يت تق ''ول بنظري ''ة النش ''وء‬
‫واالرتق''اء‪ ،‬واملعارض ''ة خلل''ق اهلل لإلنس''ان‪ '،‬وال ''روح ال''يت ش' ّ'رف هبا‪ .‬وال''يت دخلت يف جمال العل ''وم اإلنس''انية'‬
‫والتارخيية لتصف ال'دين باعتب'اره مظ'اهر ثقافي'ة مرتاكب'ة مرتاكم'ة‪ .‬وال'يت تأسس'ت عليه'ا مدرس'ة املقارن'ة بني‬

‫‪5‬‬
‫األديان يف أصوهلا التارخيية املقارنة‪ ،‬لتص''بح الكتب' املق ّدس''ة جمرد وث''ائق دال''ة على التح''والت البش''رية ال أهنا‬
‫من مصدر مق ّدس ٍ‬
‫متعال‪.‬‬

‫ويف الق''رن التاس'ع عش'ر ظه'رت فك'رة هيج''ل وجدليت''ه التارخيي''ة ال'يت ميث'ل ال''دين فيه'ا مظه'راً من مظ''اهر‬
‫جتلي ال'روح املطل'ق‪ ،‬وأن ال''دين جمرد انطباع'ات مرحلي''ة للن'اس يف أح'د أط'وار' تل''ك التجلّي'ات‪ ،‬وق''د وص'ف‬
‫التاريخ املسيحي باعتباره' تطبيقا هلذه اجللدلية التارخيي'ة‪ ،‬يف ص'راع بني "القض'ية‪'-‬عيس'ى"' ونقيض'ها' "ب''ولص"‬
‫وال''يت آلت إىل املر ّكب منهم''ا "الكاثولكي''ة"‪ '،‬وب''ذا ذهب أنص''ار اليس''ار من أتباع 'ه' إلنك''ار شخص''ية عيس''ى‬
‫التارخيية!‬

‫أما على مستوى المجتمع‪ ،‬فقد ّأدى التنازع السياسي' والتسلط البابوي إىل نشوء حرك''ات اجتماعيّ''ة‬
‫تن ''ادي حبريّ ''ة اإلنس ''ان' وحريّ ''ة إرادت ''ه‪ ،‬وجتلت يف أك ''ثر أش ''كاهلا ظه ''ورا يف حرك ''ات التن ''وير ال ''يت س ''عت‬
‫توج'ه‬
‫باالستقطابات وبالتنظري احلركي للتحرر من سلطة الكنيسة ومنحها للشعب مبختلف التوجهات اليت ّ'‬
‫املتفقني حول فكرة احلريّة‪ ،‬مما أدى لتهيئة' جو العلمانيّة‪.‬‬

‫وبذا اختذ الدين موضع الظاهرة التارخيية‪ ،‬واليت هي مرحلة مت ختطيها مع ثالثية' أوغست كونت‪ ،‬ال''ذي‬
‫وض''ع ال''دين بني املرحل''ة البدائي'ة' الوثني''ة امليتافيزيقي'ة' مث ال''دين التوحي''دي مث املرحل''ة الوض''عيّة‪ ،‬وك''ذلك بت''أثري‬
‫من اجلدلي ''ة التارخيي ''ة يف احلق ''ل االجتم ''اعي ظه ''رت نظري ''ة م ''اركس ال ''يت انتش ''رت بش ''كل كب ''ري وجنّ ''دت‬
‫الشعوب وعبأهتا وأس''قطت س'لطة الكنيس''ة‪ ،‬ب''ل وجعلت ال'دين جمرد مظه'ر من مظ''اهر ختدير الش''عوب عن‬
‫املنطق التارخيي!‬

‫ومع التقدم الصناعي' وإنشاء املدن الضخمة فقد انشغل الناس باملع''اش وب'التطورات املتس'ارعة' املتالحق'ة'‬
‫فضعف اإلميان‪ ،‬وضعفت األسئلة الوجودية‪ ،‬وصار الشغل الشاغل هو احلياة االجتماعية الوظيفية' وما تولّد‬
‫عنها من املشكالت' النفسية للمجتمعات احلضرية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫واملتفج'رة ق''د أف''رزت طائف 'ة' استس''لمت هلا وح''اولت معه''ا تك''ييف م''ا‬
‫ّ'‬ ‫ك''ل ه''ذه األح''داث املتس''ارعة'‬
‫ميكن تكييفه من الدين‪ ،‬وهم ما يطلق عليهم بـ "أنص'ار الاله'وت احلر"‪ ،‬مث''ل ش'الير م'اخر‪ ،‬وإرج''اع ال'دين‬
‫للحاجة واحملدودية للعناية اإلهليّة‪ ،‬بتذبذب بني الفتوحات العلمية وبني البشارة املسيحية ونفعها للحي''اة! مما‬
‫أنتج حماوالت للتوفي ''ق بني النص ''وص املقدس ''ة والكش ''وفات العلميّ ''ة إلع ''ادة املص ''داقية هلا‪ .‬وطائف ''ة رفض ''ت‬
‫نت''ائج نق''د النص''وص' وتش''بثت' ب''الكتب' املقدس''ة‪ ،‬وغ''الت يف ذل''ك‪ ،‬وعرف''وا بـ "اإليفاجنيلي''ة"‪ ،‬ومنهم مرش''ح‬
‫الرئاس''ة األمريكي 'ة' "ب''ات ريبورتس''ن"‪ .‬وطائف''ة بقت على م''ا ك''انت علي''ه البابوي''ة م''ع حماول''ة اإلص''الح ومل‬
‫مشل الطوائ' ' ''ف واملواجه' ' ''ة باإلميان لك' ' ''ل موج' ' ''ات اإلحلاد‪ ،‬وتأس' ' ''يس' ح' ' ''وارات بني األدي' ' ''ان الس ' ''ماوية و‬
‫املش''كالت' االجتماعي''ة لإلنس''انية يف ال''وقت احلاض''ر‪ ،‬كم''ا دع''ا ل''ذلك م''ؤمتر الفاتيك''ان يف س''بعينيات' الق''رن‬
‫العشرين‪.‬‬

‫أ‪.‬هـ بحمد اهلل الملخص ألبرز المحاور‪ ،‬وال غنى عن الكتاب بالملخص‪.‬‬

‫‪5‬‬

You might also like