You are on page 1of 336

‫صهــ�ا‬ ‫م� ة‬

�‫سس‬ ‫ؤ‬
‫ب‬
2017 - �‫ال� نا� ي‬
‫و� ث‬ ‫ن‬
‫کا� ن‬

www.sahbabooks.com
info@sahbabooks.com
‫سماح� إال�مام ا خل� ن‬
‫ام� ئ� ي�‬ ‫ة‬
‫ف‬ ‫ُ‬
‫سلام� الحد ي� ث�‬
‫ح� ي� ال�كر إال� ي‬ ‫م ي‬
‫حمتويات الكتاب‬

‫‪9‬‬ ‫هذا الكتاب‬


‫‪11‬‬ ‫مقدمة التعريب‬
‫‪28‬‬ ‫مقدمة األستاذ املحارض‬
‫‪33‬‬ ‫اإليامن‬
‫‪35‬‬ ‫اجللسة األوىل‪ :‬اإليامن (‪)1‬‬
‫‪43‬‬ ‫اجللسة الثانية‪ :‬اإليامن (‪)2‬‬
‫‪53‬‬ ‫اجللسة الثالثة‪ :‬اإليامن الواعي‬
‫‪61‬‬ ‫اجللسة الرابعة‪ :‬اإليامن املعطاء‬
‫‪69‬‬ ‫اجللسة اخلامسة‪ :‬اإليامن وااللتزام باملسؤوليات‬
‫‪79‬‬ ‫اجللسة السادسة‪ :‬البشائر (‪)1‬‬
‫‪89‬‬ ‫اجللسة السابعة‪ :‬البشائر (‪)2‬‬
‫‪99‬‬ ‫التوحيد‬
‫‪101‬‬ ‫اجللسة الثامنة‪ :‬التوحيد يف التصور اإلسالمي‬
‫‪111‬‬ ‫اجللسة التاسعة‪ :‬التوحيد يف املنظومة العملية لإلسالم‬
‫‪121‬‬ ‫اجللسة العارشة‪ :‬العبادة والطاعة منحرصة باهلل‬
‫‪129‬‬ ‫اجللسة احلادية عرشة‪ :‬روح التوحيد رفض العبودية لغري اهلل‬
‫‪139‬‬ ‫اجللسة الثانية عرشة‪ :‬التوحيد ورفض التمييز الطبقي‬
‫‪147‬‬ ‫اجللسة الثالثة عرشة‪ :‬اآلثار النفسية للتوحيد‬
‫‪155‬‬ ‫النبوة‬
‫‪157‬‬ ‫اجللسة الرابعة عرشة‪ :‬حكمة النبوة‬
‫‪167‬‬ ‫اجللسة اخلامسة عرشة‪ :‬البعثة يف النبوة‬
‫‪177‬‬ ‫اجللسة السادسة عرشة‪ :‬الثورة االجتامعية يف النبوة‬
‫‪187‬‬ ‫اجللسة السابعة عرشة‪ :‬أهداف النبوة‬
‫‪197‬‬ ‫اجللسة الثامنة عرشة‪ :‬منطلق الدعوة‬
‫‪207‬‬ ‫اجللسة التاسعة عرشة‪ :‬اجلبهة املعارضة‬
‫‪217‬‬ ‫النبوة (‪)1‬‬
‫اجللسة العرشون‪ :‬انتصار ّ‬
‫‪229‬‬ ‫النبوة (‪)2‬‬
‫اجللسة احلادية والعرشون‪ :‬انتصار ّ‬
‫‪239‬‬ ‫اجللسة الثانية والعرشون‪ :‬االلتزام من مستلزمات اإليامن بالنبوة‬
‫‪249‬‬ ‫الوالية‬
‫‪251‬‬ ‫اجللسة الثالثة والعرشون‪ :‬الوالية‬
‫‪261‬‬ ‫اجللسة الرابعة والعرشون‪ :‬وشائج األمة اإلسالمية‬
‫‪271‬‬ ‫اجللسة اخلامسة والعرشون‪ :‬جنة الوالية‬
‫‪279‬‬ ‫اجللسة السادسة والعرشون‪ :‬حول الوالية (‪)1‬‬
‫‪287‬‬ ‫اجللسة السابعة والعرشون‪ :‬حول الوالية (‪)2‬‬
‫‪297‬‬ ‫اجللسة الثامنة والعرشون‪ :‬حول الوالية (‪( )3‬اهلجرة)‬
‫‪307‬‬ ‫فهرس اآليات‬
‫هذا الكتاب‬

‫ثامين وعرشون حمارضة ألقاها األستاذ سيد عيل احلسيني اخلامنئي يف شهر رمضان عام‬
‫أهم ما حتتاجه الساحة اإلسالمية من‬
‫‪1394‬هـ‪ ،‬أي قبل أكثر من أربعني عا ًما‪ ،‬تناول فيها ّ‬
‫أفكار ومفاهيم من منطلق قرآين‪.‬‬
‫كان األستاذ املحارض يلقي حمارضاته يف مسجد «اإلمام احلسن» بمدينة مشهد‪ .‬وبعد‬
‫القراء ما دارت حوله املحارضة من آيات‪ .‬مل يكن جيلس عىل منرب كام‬
‫املحارضة يتلو أحد ّ‬
‫هو املعتاد يف دروس املساجد‪ ،‬بل كان يقف أمام املجتمعني‪ .‬ومل تكن املحارضات جديدة‬
‫يف طريق إلقائها فحسب‪ ،‬بل كانت حتمل مفاهيم‪ ،‬وتتجه نحو مقاصد جديدة كل اجلدّ ة عن‬
‫الساحة اإليرانية آنذاك‪ .‬والذين حرضوا تلك املحارضات يتحدثون بإعجاب واستغراب‬
‫عن انشداد أهايل مدينة مشهد‪ ،‬وخاصة فئة الشباب‪ ،‬إىل مسجد اإلمام احلسن أثناء اإللقاء‪،‬‬
‫ويغص املرآب املوجود خلف املسجد بمستمعني من الرجال‬
‫ّ‬ ‫يغص هبم بل‬
‫فاملسجد ّ‬
‫والنساء ومن فصائل خمتلفة‪.‬‬
‫ويتحدث النارش (صهـبا) عن اجلهود املبذولة من أجل احلصول عىل أرشطة تسجيل تلك‬
‫‪ n10‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫املحارضات‪ ،‬وطباعتها يف كتاب حيمل عنوان‪« :‬مرشوع الفكر اإلسالمي يف القرآن»‪ ،‬وعن‬
‫مزايا الكتاب‪ ،‬وعن قدرة األستاذ املحارض عىل إلقاء مفاهيم القرآن احلضارية االستنهاضية‬
‫رش جالوزة نظام الشاه االستبدادي املعادي لكل وعي إسالمي‪.‬‬
‫بأسلوب ذكي يبعد عنه ّ‬
‫لكن النظام تف ّطن بعد ذلك‪ ،‬فألقى القبض عليه وساقه نحو أفظع مراكز التعذيب آنذاك‬
‫املسمى «اللجنة املشرتكة ضد التخريب»‪.‬‬
‫جدير بالذكر أن هذه املحارضات قد ترمجت بحذافريها مجلة بجملة يف بريوت‪ .‬وتوىل‬
‫الرتمجة األستاذ القدير عباس نور الدين ونرشت حتت عنوان «الفكر اإلسالمي عىل ضوء‬
‫القرآن الكريم» بواسطة دار املعارف احلكمية‪.‬‬
‫ألسباب عديدة وجدنا من الرضوري إعادة الرتمجة‪ ‌،‬مراعني فيها عدم التكرار الذي‬
‫أيضا َّ‬
‫أن خماطبنا عريب‪ ،‬وكذلك‬ ‫يصاحب عادة املحارضة االرجتالية العا ّمة‪ ،‬ومراعني فيها ً‬
‫الوضوح يف العبارة‪ ،‬وجمتنبني ــ فيام نظن ــ بعض اهلفوات يف الرتمجة السابقة‪ ،‬ويبقى‬
‫الفضل ملن سبق‪.‬‬
‫نرجو أن يلقي هذا التعريب الضوء عىل جانب من تاريخ الفكر النهضوي يف إيران‪ ،‬وأن‬
‫يكون إثراء ملرشوعنا املستقبيل يف بناء «احلضارة اإلسالمية احلديثة» وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬حممد عيل آذرشب‬


‫جامعة طهران‬
‫‪ 10‬صفر ‪1438‬هـ‪ 10 /‬ترشين الثاين ‪2016‬م‬
‫يوم ِ‬
‫العلم العاملي خلدمة السالم والتنمية‬
‫مقدمة التعريب‬

‫القراءة اإلحيائية للقرآن الكريم‬


‫َ َ‬
‫َ‬
‫ول ِإذا‬ ‫دعوةاهلل ورسوله إىل املؤمنني تدور حول اإلحياء‪َ ( :‬یا أ ُّی َها ّال ِذ َین َآم ُنوا ْاس َتج ُیبوا هلِل َو ِل َّلر ُ‬
‫س‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫اكم ِل َما ُی ْح ِییك ْم)‪ .‬وما جاء يف القرآن الكريم من تعبري اخلروج من الظلامت إىل النور إنام‬ ‫دع‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ات ِإلى ّالن ُو ِر)‪ .‬ومن أهم مظاهر احلياة هو احلركة‬ ‫يأيت يف سياق اإلحياء‪ُ ( :‬یخ ِر ُج ُهم ِّم َن الظل َم ِ‬
‫التكاملية‪ ،‬ومن نتائج احلركة التكاملية القائمة عىل أساس الدين‪« :‬احلضارة‪ ‬اإلسالمية»‪.‬‬
‫مر التاريخ إىل البناء احلضاري عىل مستوى‬‫اإلحيائيون اإلسالميون دعوا األمة عىل ّ‬
‫خاصة‬
‫متطلبات عرصهم‪ .‬وها هو صوت اإلمام السيد عيل اخلامنئي يرتفع يف العقد األخري ّ‬
‫للدعوة إىل بناء «احلضارة اإلسالمية احلديثة»‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه الدعوة قد ارتفعت اليوم عال ًيا عىل لسان هذا العبد الصالح‪ ،‬فإهنا كانت‬
‫ترافقه منذ بدايات تصديه للعمل اإلسالمي‪ ،‬فقد كان يف خطابه ومواقفه ينطلق من وعي‬
‫وحس تغيريي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حضاري‬
‫تبي منطلقاته وهو خياطب عامة الناس يف رمضان‬
‫هذه املحارضات التي نقدمها بالعرب ّية ّ‬
‫‪ n12‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫‪1394‬هـ (‪1974‬م)‪ .‬ونقف عند أهم املحاور اإلحيائية يف تلك املحارضات‪.‬‬

‫التنظري؛‬
‫املسلم الذي يواجه ما يموج به عاملنا املعارص من تيارات فكرية ويريد أن يعرف مكانته بينها‪،‬‬
‫وأن جييب عن األسئلة املطروحة عىل الساحة‪ ،‬حيتاج إىل تنظري يبلور املدرسة اإلسالمية يف‬
‫جماالهتا العقائدية واحلياتية‪ ،‬وهذا ما فعله اإلحيائيون يف العصور األخرية وقدموا أعامهلم‬
‫يف كتب مستقلة أو حمارضات نخبوية وعامة‪ .‬واألستاذ املحارض يشري إىل رضورة عملية‬
‫«بلورة املرشوع اإلسالمي بصورة مدرسة اجتامعية ذات مبادئ منسجمة ومتناسقة‪ ،‬وذات‬
‫رؤية للحياة االجتامعية البرشية»(املقدمة)‪.‬‬
‫وأيضا برؤية اجتامعية ال فردية‪ .‬ثم تقديم‬
‫فالرضورة تتطلب بلورة املرشوع اإلسالمي‪ً ،‬‬
‫ذلك يف منظومة فكرية وعملية واحدة‪ ،‬ولذلك يدعو إىل دراسة املسائل الفكرية يف اإلسالم‬
‫بصورة مرتابطة وبشكل أجزاء من منظومة واحدة» (املقدمة)‪.‬‬
‫ويرى أن أغلب الدراسات مل يعمد أصحاهبا إىل هذه البلورة يف منظومة عملية حياتية إذ ّ‬
‫إن‬
‫«ما قدّ موه ال يتجاوز أن يكون معرفة ذهنية‪ ،‬ألن أبحاثهم بصورة عامة تدور حول قضايا‬
‫هي بمعزل عن العطاء العميل وخاصة االجتامعي» (املقدمة)‪.‬‬
‫يف عملية التنظري البد أن يتجه العطاء إىل اخلروج من اإلطار الذهني والرتكيز عىل مقاصد‬
‫اإلسالم وأهدافه الفردية واالجتامعية‪ ،‬والسبيل إىل حتقيق هذه األهداف‪ .‬فاألولوية هي‪:‬‬
‫«اخلروج من اإلطار الذهني املحض‪ ،‬والتوجه إىل املنظومة اإلسالمية باعتبارها مدرسة‬
‫احتامعية يتعني فيها املسري العميل لألفراد‪ ،‬وخاصة يف حياهتم االجتامعية‪ ،‬والتأكيد يف‬
‫الدراسات النظرية عىل مرشوع اإلسالم حلياة البرش وعىل أهداف اإلنسان واملجتمع يف‬
‫احلياة‪ ،‬والطريق الذي حيقق هذه األهداف» (املقدمة)‪.‬‬

‫الفهم اإلحيائي للتوحيد؛‬


‫الشك أن التوحيد أول أصول الدين‪‌ ،‬لكنه بسبب غياب الذهنية اإلحيائية احلضارية‬
‫مقدمة التعريب ‪13n‬‬

‫دخلت فكرة التوحيد يف مباحث كالمية جا ّفة‪ ،‬أو منحرفة بدو ّية متخ ّلفة‪ .‬من هنا يتصدى‬
‫اإلحيائيون إىل تقديم هذا األصل الديني املهم عىل قاعدة عملية تغيريية تتناسب مع هذا‬
‫األصل القرآين اهلام يقول‪:‬‬
‫«كل تعبري يف القرآن الكريم عن صفات اهلل سبحانه يف سياق التوحيد يتضمن نفي هذه‬
‫املوحدون يف حياهتم‪ ،‬فقوله‬ ‫الصفات عن اآلهلة املزيفة‪ ،‬كام يتضمن ما ينبغي أن ّ‬
‫يتحل به ّ‬
‫ََ‬ ‫ٌ‬ ‫ََْ ُ‬
‫تعاىل‪( :‬لا تأ ُخذ ُه ِس َنة َولا ن ْو ٌم) يعني أن اآلهلة املزيفة يف غفلة عن أمرها‪ ،‬كام يعني ما جيب أن‬
‫ّ‬
‫يتحل به املوحدون من وعي وصحوة وبصرية» (املحارضة الثامنة)‪.‬‬
‫وبنظرة تغيريية قرآنية للتوحيد يقول‪« :‬لو كانت النظرة الكونية التوحيدية هي املهيمنة ملا كان‬
‫ّ‬
‫ويسخرون عباد اهلل لطاعتهم‪،‬‬ ‫طواغيت العامل واملتجربون يسيطرون عىل الثروات الطائلة‬
‫الناس يتسابقون لتقبيل أقدامهم‪ ،‬ويرون أهنم ُخلقوا ليكونوا سادة واآلخرين‬
‫َ‬ ‫و َيدَ عون‬
‫عبيدً ا‪ُ ،‬خلقوا ليكونوا سعداء‪ ،‬وغريهم خملوقون للبؤس والشقاء» (املحارضة الثامنة)‪.‬‬
‫ويرى أن التوحيد يف إطار الشعور باملسؤولية هو غري التوحيد يف األذهان اجلامدة اخلامدة‬
‫يقول‪« :‬أولئك الذين يعيشون عىل مستوى املسؤولية وااللتزام جيب أن يفهموا التوحيد‬
‫بصورة غري الصورة املرتسمة يف أذهان الذين يعيشون حياة البطر وعدم االلتزام‪ .‬قد ُييل‬
‫إلينا أن التوحيد مسألة تعيش يف األذهان دون أن يكون هلا أثر يف اخلارج‪ ،‬ودون أن تكون‬
‫عامل تأثري يف احلياة‪ .‬بينام التوحيد الذي يدعو إليه اإلسالم هو أسمى من أن يكون جوا ًبا‬
‫نظر ًيا عىل سؤال‪ .‬التوحيد اإلسالمي يعمل عىل صياغة نظام احلكم والعالقات االجتامعية‬
‫ويوجه حركة التاريخ‪ ،‬ويرسم اهلدف من هذه احلركة‪ ،‬ويقرر مسؤوليات الناس جتاه اهلل‬
‫ّ‬
‫وجتاه بعضهم اآلخر‪ ،‬وجتاه سائر مظاهر الطبيعة‪ .‬ليس التوحيد باألمر الذي تقول فيه إن‬
‫احلق هلل وحده يف أن يكون مهيمنًا عىل حياتنا‬
‫اهلل واحد وليس اثنني وكفى‪ ..‬إنه يعني أن ّ‬
‫الفردية واالجتامعية» (املحارضة التاسعة)‪.‬‬
‫ويقول‪« :‬حني يسود التوحيد هبذه النظرة يف جمتمع من املجتمعات فإنه يقيم ذلك املجتمع‬
‫يف ُبناه التحتية والفوقية وفق أصول وقيم حمددة‪ .‬وما أبعد هذا الفهم للتوحيد عن حرص‬
‫معنى التوحيد بعبارة إن اهلل واحد وليس اثنني!!» (املحارضة احلادية عرشة)‪.‬‬
‫‪ n14‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫اإليامن الواعي؛‬
‫الغزو الثقايف للعامل اإلسالمي يسعى فيام يسعى إىل زلزلة اإليامن الديني يف ساحة معينة‬
‫والتحجر يف ساحات أخرى‪ .‬آثار هذا الغزو‬
‫ّ‬ ‫التعصب‬
‫ّ‬ ‫من الشعوب املسلمة‪ ،‬أو إىل إثارة‬
‫مشهودة يف كال الساحتني ومن الطبيعي أن يتجه اإلحيائيون إىل التأكيد عىل رضورة اإليامن‬
‫وأيضا عىل أساس من العقالنية‬
‫الواعي القائم عىل أساس امتالء الوجدان وتطهري القلب‪ً ،‬‬
‫التحجر والعصبية العمياء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والتفكري والبعد عن‬
‫يقول األستاذ املحارض‪« :‬اإليامن ال معنى له إذا كان مثل ماء راكد ال حراك فيه‪ .‬اإليامن‬
‫هزة أو ن ََزق مراهقة أو غريها يمكن‬
‫املتزعزع‪ ..‬اإليامن الذي يتزلزل ويتناقص عىل أثر ّ‬
‫احلق ليس كذلك‪ ،‬إذ إن قلبه يتلقى الكلمة‬
‫أن ُيقتلع يف يوم من األيام‪ .‬املؤمن الصادق ّ‬
‫الصادقة‪ ،‬واملوعظة الصائبة بتفكّر وتد ّبر فيزداد إيامنًا» (املحارضة الثانية)‪.‬‬
‫ويقول‪« :‬البد من إيامن راسخ قائم عىل أساس وعي وشعور وإدراك كي يصمد أمام‬
‫اإلغراءات والشبهات»‪( .‬املحارضة الثالثة)‪.‬‬
‫ويقول عن القرآن إنه‪« :‬يرى أويل األلباب من خالل القيم الكربى التي مت ّيز اإلنسان‪ ،‬وهي‬
‫ون َ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ‬
‫ك ُر َ‬
‫اهلل ِق َی ًاما‬ ‫االرتباط باهلل سبحانه‪ .‬يف تعريف أويل األلباب يقول سبحانه‪( :‬ال ِذین یذ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َوق ُع ًودا َو َعلى ُج ُن ِوب ِه ْم)‪ ،‬وليس ذكر اهلل هنا عىل طريقة الدراويش‪ ،‬وليس االكتفاء بلقلقة‬
‫اللسان‪ ،‬بل هو الذكر الذي يستتبعه الشعور باملسؤولية يف احلياة‪ ،‬ويدفع إىل العمل هبذه‬
‫املسؤولية» (املحارضة الثالثة)‪.‬‬
‫ويقول‪« :‬ويف سياق اآليات التي تذكر اإليامن القائم عىل الوعي‪ ،‬ورفض ذلك اإليامن‬
‫املقرون بالتقليد والتعصب‪ ،‬يذم القرآن أولئك الذين يلغون قدرة تفكريهم ويرفضون ترك‬
‫َ َ َ َ‬
‫یل ل ُه ْم‬ ‫ما ألفوه من هنج حتى ولو كان ذلك النهج ال يقوم عىل علم وال عىل هدى‪( :‬و ِإذا ِق‬
‫َ‬
‫ان َآب ُاؤ ُه ْم َلا َی ْعل ُم َ‬ ‫َ َ َ ْ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ َّ ُ َ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ‬
‫ك َ‬
‫ون‬ ‫تعالوا ِإلى ما أنزل اهلل و ِإلى الرس ِ‬
‫ول قالوا حسبنا ما وجدنا علیهِ آباءنا أولو‬
‫واملتحجرون اجلامدون القابعون عىل ما ألفوه من‬ ‫ون)‪ .‬هؤالء هم الرجعيون‬ ‫َش ْی ًئا َو َلا َی ْه َت ُد َ‬
‫ّ‬
‫رب العاملني‪ .‬وهؤالء‬
‫عادات وتقاليد موروثة حتى لو كانت متعارضة مع العلم ومع هداية ّ‬
‫ال يمكن أن يكونوا يف زمرة املؤمنني» (املحارضة الثالثة)‬
‫مقدمة التعريب ‪15n‬‬

‫هو دين التعليم والتزكية وتنمية العقول‬ ‫(ص)‬


‫ويقول‪« :‬الدين الذي جاء به رسول اهلل‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ ْ َ ُ ََ ْ‬
‫ین ِإذ َب َعث ِف ِیه ْم َر ُسولا ِّم ْن أنف ِس ِه ْم َی ْتلو َعل ْی ِه ْم َآی ِاتهِ‬ ‫والنفوس‪( :‬لقد َم ّن اهلل على ال ُم ِ‬
‫ؤم ِن‬
‫ََُ ّ ْ ََُُُّ ُ ْ َ َ ْ ْ َ‬
‫اب َوال ِحك َمة) إنه الدين الذي يكافح ما كان َع َقب ًة أمام العقل‬ ‫ك ِیهم ویع ِلمهم ال ِكت‬
‫ویز ِ‬
‫والفهم والوعي‪ .‬هذا هو الدين‪ ..‬إنه الصحوة والوعي والفهم والتع ّقل ال كام قال بعضهم‪:‬‬
‫«الدين أفيون الشعوب»‪ .‬ختدير الناس وإبعادهم عن قواهم العقلية وعن وعيهم ليس من‬
‫الدين بيشء» (املحارضة الرابعة)‪.‬‬
‫ويقول‪« :‬خطاب األنبياء يتجه إىل فكر الناس وعقوهلم‪ ،‬وك ّلام كان فكر املخاطبني وعقلهم‬
‫ّ‬
‫أدق كان قبوهلم هلذا اخلطاب أكثر‪ .‬ومهمة األنبياء رفع املستوى الفكري والعقيل للناس‪،‬‬
‫وكل ما حيول دون أداء هذه املهمة فهو يتعارض مع الدين‪ .‬وأولئك الذين يريدون أن‬
‫يسريوا يف خط متعارض مع الدين يعمدون إىل جتهيل الناس وحتميقهم‪ ،‬وإبعادهم عن‬
‫مصادر معرفتهم ووعيهم» (املحارضة اخلامسة)‪.‬‬
‫ُّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ويقول‪« :‬ومعنى (اهلل َو ِل ُّی ال ِذ َین َآمنوا) أي إنه حليفهم ويف جبهتهم‪ُ ( .‬یخ ِر ُج ُهم ِّم َن الظل َم ِ‬
‫ات‬
‫َ ُ‬
‫املتجبة املعادية‬
‫ّ‬ ‫ِإلى ّالن ُور) أي ينقذهم من ظلامت اجلهل‪ ،‬واخلرافة‪ ،‬والغرور‪ ،‬واألنظمة‬
‫لإلنسان‪ ،‬ومن كل ما يعترب طامورة معتمة جلوهر وعي اإلنسان‪ .‬ويأخذهم إىل النور‪ ..‬نور‬
‫املعرفة والعلم والقيم اإلنسانية‪ ،‬وهذا االنتقال من الظلامت إىل النور خاص باملؤمنني وال‬
‫يشمل الكفار اجلاحدين وفاقدي اإليامن‪ .‬لذلك كان املرشك يف قلق دائم‪ ،‬ويف اضطراب‬
‫مستمر‪ ،‬ليس يف حياته نور‪ ،‬وال معرفة حقيقية» (املحارضة السادسة)‪.‬‬

‫االنفتاح عىل القرآن ولغة القرآن‬


‫كثريا من‬
‫االبتعاد عن القرآن الكريم ال يقترص عىل الذين أداروا ظهورهم للدين‪ ،‬بل يشمل ً‬
‫حيق‬
‫القطاعات الدينية التي ابتعدت عن القرآن ألسباب أمهها‪ :‬إشاعة فكرة أن اإلنسان ال ّ‬
‫له أن يفهم القرآن‪ ،‬بل إن هذا الفهم خاص باملعصوم‪ ،‬وهذا ما شاع يف إيران عىل األقل‪‌،‬‬
‫أيضا االنشغال يف دراسات‬
‫ومن هذه األسباب االبتعاد عن لغة القرآن‪ ،‬ومن هذه األسباب ً‬
‫دينية جا ّفة كالمية وفلسفية ال عالقة هلا بالواقع املعاش‪ .‬ومن هنا تأيت دعوة السيد املحارض‬
‫‪ n16‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫إىل االنفتاح عىل القرآن وعىل اللغة العربية‪.‬‬


‫يقول‪« :‬دعونا َن ُعدْ إىل القرآن الكريم‪ ،‬لنمأل قلوبنا بنداء التوحيد‪ ،‬ولقد ابتعدنا عن القرآن‬
‫الكريم وانشغلنا بأوهام واهية فارغة ال أساس هلا مقرونة بخرافات‪ ،‬ولذلك فإن هذا الفراغ‬
‫مل يقاوم أمام التيارات املادية‪ .‬ومن جانب آخر انشغلنا بأبحاث فلسفية جا ّفة ال روح فيها وال‬
‫تأثري وال مسؤولية يف حقل التوحيد‪ .‬املتك ّلمون خاضوا بحو ًثا كثرية يف التوحيد لكنها مل ُت ِد‬
‫نف ًعا يف إقامة جمتمع توحيدي‪‌.‬مئات السنني انشغلوا بدراسات جا ّفة هلا ظاهر ّ‬
‫جذاب دون أن‬
‫يكون هلا حمتوى وتأثري‪ ..‬بِمعزل عن الواقع اخلارجي» (املحارضة العارشة)‪.‬‬
‫مرارا‪،‬‬
‫ويقول‪« :‬قبل أن أدخل يف استعراض آيات يف التوحيد‪ ،‬أقف عند توصية ذكرهتا ً‬
‫وأرى رضورة تكرارها ألمهيتها ولشعوري باملسؤولية إن مل أعد ذكرها‪ ،‬وهي رضورة‬
‫أي النواحي أتيته‪ .‬اجلسوا عىل مائدة القرآن‪،‬‬
‫الرجوع إىل القرآن الكريم‪ .‬ذلك البحر من ّ‬
‫ففيه زاد التوعية والكامل كام يقول أمري املؤمنني يف عبارة هنج البالغة‪« :‬ما جالس أحد هذا‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫القرآن إالّ قام بزيادة أو نقصان‪ ،‬زيادة يف هدى أو نقصان يف ً‬
‫عمى»‪ .‬أمهية هذه التوصية هي‬
‫وجود مكائد إلبعاد الناس عن القرآن‪ .‬ومن تلك هذه التي تقول ال يمكن أن يفهم القرآن‬
‫إالّ األئمة املعصومون (عليهم السالم)‪ .‬هذه «كلمة ّ‬
‫حق ُيراد هبا باطل» كام قال اإلمام‬
‫سمو وارتفاع هو‬ ‫حق خوارج هنروان‪ .‬نعم إن املعصوم بام ّ‬
‫يتحل به من ّ‬ ‫امري املؤمنني(ع) يف ّ‬
‫حي يميش عىل األرض‪‌ .‬ولكن ذلك ال يعني‬
‫النموذج األسمى لفهم القرآن‪ ،‬بل إنه قرآن ّ‬
‫أنني أنا وأنت ال نفهم شي ًئا من القرآن‪ ،‬وأن نكون بعيدين عن كتاب اهلل العزيز‪ .‬أصحاب‬
‫هذه املقولة حمرومون من فهم القرآن‪ ،‬فلامذا يسعون إىل إبعاد الناس عن فهم القرآن؟! ملاذا‬
‫متنعون الناس أن ينهلوا من هذا النبع الف ّياض؟! اعلموا أهيا اإلخوة واألخوات نحن اليوم‬
‫أمس إىل القرآن‪ .‬كام قال رسول اهلل(ص)‪« :‬فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل‬
‫بحاجة ّ‬
‫املظلم فعليكم بالقرآن»‪ ،‬عليكم بالقرآن حني خت ّيم الفتن وتلقي بظالمها عىل املجتمع‪،‬‬
‫حينام نفتقد الرؤية ملعرفة اجلا ّدة الصحيحة‪ ..‬حينام ال ترى األعني ما تكيده لنا عصابات‬
‫النهب وقطاع الطرق‪ .‬يف هذه احلالة نحو أحوج ما نكون إىل مراجعة القرآن‪ .‬وذلك ال‬
‫يتحقق إالّ بفهمه» (املحارضة احلادية عرشة)‬
‫مقدمة التعريب ‪17n‬‬

‫ويقول‪« :‬تع ّلموا لغة القرآن‪ ..‬تعلموا اللغة العربية‪ ،‬وإن ّ‬


‫تعذر عليكم فهم العربية فتوسلوا‬
‫متر دون‬
‫برتمجة معاين القرآن‪ .‬كونوا بالقرآن مأنوسني ومعه أصدقاء مرافقني‪ .‬وكل ساعة ّ‬
‫أنس بالقرآن هي خسارة يف العمر وحرسة» (املحارضة احلادية عرشة)‪.‬‬

‫اإلسالم املحمدي‬
‫اإلحيائيون يواجهون نظرة سلبية عند فصائل من املجتمع جتاه اإلسالم‪ .‬وحني طغى‬
‫الفكر املادي بني شباب العامل اإلسالمي يف الستينات والسبعينات كانت التهمة املوجهة‬
‫يقر‬
‫إىل اإلسالم هي إنه أفيون الشعوب‪ ،‬وإنه غري قادر عىل أن يكون مرشو ًعا للحياة‪ ،‬وإنه ّ‬
‫ظلم الظاملني‪ ،‬وليس بإمكانه أن ينترص للمظلومني‪‌ .‬يف زمن إلقاء هذه املحارضات كان‬
‫ترسب حتى إىل بعض الفصائل اإلسالمية‪ ،‬فراج االلتقاط بني املاركسية‬
‫الفكر املادي قد ّ‬
‫واإلسالم‪ .‬ومن هنا راح األستاذ املحارض يدافع عن اإلسالم‪ ،‬ويبني وجهه املحمدي‬
‫الصحيح‪ ،‬وطبيعته املناهضة للظلم والداعية إىل العدالة ورفض التمييز‪.‬‬
‫يقول‪« :‬إن أنصار املدرسة املادية يف عرصنا خيالون أن املدرسة املادية أقدر عىل إدارة العامل‬
‫وإنقاذه من الظلم واجلشع والتمييز‪ .‬والدين ال يستطيع أن يفعل ذلك‪ .‬ملاذا يصدرون‬
‫حكم كهذا عىل الدين؟ ألهنم يفهمون الدين بمعناه التقليدي الشائع املوروث من عرص‬
‫ً‬
‫التخ ّلف‪ ،‬الدين الذي يكتفي بالعادات والتقاليد والطقوس وال ّ‬
‫حيرك ساكنًا يف املجتمع‪،‬‬
‫لذلك يقولون عنه إنه أفيون الشعوب‪ .‬واضح أننا حني نواجه هذا املنطق ليس لنا إال أن‬
‫يقر عىل ظلم الظاملني ويساند املستبدين‪ ،‬وال هيتم بأمر املظلومني وال‬
‫نقول‪ :‬لو رأيتم دينًا ّ‬
‫جيدي نف ًعا للـمسحوقني فارفضوه إنا معكم رافضون‪ .‬الدين اإلهلي له خصائص معينة‬
‫ومواصفات خاصة‪ ،‬إن توفرت نقبله وإن مل تتوفر نرفضه» (املحارضة التاسعة)‪.‬‬
‫ويقول‪« :‬إسالمنا هو الذي حيارب التمييز والطبقية‪ ،‬ويقسم الثروة بالعدل ‌‪ ،‬ويوفر الفرص‬
‫عز اإلنسان الذي كان يعيش يف ّ‬
‫الذل وكان‬ ‫واإلمكانات املتساوية أمام أفراد املجتمع‪ ،‬و ُي ّ‬
‫أعزه‬ ‫ُي ّ‬
‫سخر الرتكاب ألوان اجلرائم من أجل فتات موائد الطواغيت‪ .‬هذا اإلنسان املنحط ّ‬
‫اإلسالم وأكرمه‪ ،‬وأكسبه الفضائل األخالقية واإلنسانية‪ ،‬كل ذلك و ّفره يف ظل نظام عادل‬
‫‪ n18‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ومتقن» (املحارضة التاسعة)‪.‬‬


‫بموعظة الناس وبيان الصحيح وغري الصحيح من‬ ‫(ص)‬
‫ويقول‪« :‬مل يكتف رسول اهلل‬
‫األعامل‪ ،‬بل إنه أرسى قواعد نظام اجتامعي مستحكم وفق أصول معينة‪ ،‬ودفع بالناس‬
‫إىل احلركة يف ظل هذا النظام ويف هذا املسري‪ ،‬وهبذا جعل منهم أفرا ًدا صاحلني‪ .‬وإذا أخذت‬
‫بنظر االعتبار هذا اإلسالم ثم قلت أهيا املادي املعارص بأنه ال ينسجم مع ما نريد من حتقيق‬
‫الرقي والعدل واألمن وتأمني احتياجات البرش‪ ،‬فذلك ما ال نقبله منك‪ ! ...‬إذ هو خالف‬
‫اإلنصاف‪ ..‬خالف اإلنصاف» (املحارضة التاسعة)‪.‬‬

‫عطاء التوحيد‬
‫التوحيد أهم عنرص تكاميل للفرد واملجتمع‪ ،‬وهو الذي يؤ ّطر احلياة اإلنسانية بكل‬
‫مرافقها‪ ،‬لكن الذهنية الراكدة حولته إىل ما يتناسب مع حالة الركود واخلمود السائدة‪.‬‬
‫مرت بنا مقتطفات من أقوال األستاذ املحارض يف هذا الصدد‪ ،‬ويف املحارضات‬
‫وقد ّ‬
‫تفاصيل عن عطاء التوحيد ملعناه القرآين مثل مفهوم تساوي البرش باعتباره نتيجة طبيعية‬
‫لرفض تعدد اآلهلة يقول‪:‬‬
‫«وجاء االسالم لريفض تعدد اآلهلة‪ ،‬ويقرر أن البرش خملوقون من إله واحد‪ ..‬ومن طينة‬
‫واحدة‪ ،‬وهلم فطرة واحدة‪ ،‬واآليات الكريمة يف هذا الصدد كثرية نظري قوله تعاىل‪َ ( :‬یا‬
‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أ ُّی َها ّالن ُاس ْاع ُب ُدوا َر َّبك ُم ال ِذی َخلقك ْم َوال ِذ َین ِمن ق ْب ِلك ْم)‪ .‬فالبرش بأمجعهم من أصل واحد‪،‬‬
‫والسمو‪ ،‬ال فرق بينهم يف ذلك‪ ،‬اللهم إالّ املجموعة‬
‫ّ‬ ‫وحيملون كفاءات متكّنهم من التكامل‬
‫التي اصطفاها اهلل سبحانه هلداية البرشية كاألنبياء واألئمة‪ ،‬فهؤالء الصفوة خارجون من‬
‫بحثنا‪ ،‬وحديثنا عن عامة أفراد املجتمع» (املحارضة الثانية عرشة)‪.‬‬
‫وهكذا ما يفرزه التوحيد من رفض التمييز الطبقي‪ .‬يقول‪:‬‬
‫«فرص التكامل العلمي والعميل متاحة للجميع‪ .‬خال ًفا للمجتمعات غري التوحيدية‬
‫حيث الطريق مع ّبد لفئة وميلء باألشواك والعقبات لفئة أخرى‪ .‬وأقف عند عبارة «يا‬
‫أهيا الناس» فاخلطاب للبرشية مجعاء بمختلف ألسنتها وألواهنا وأقاليمها وانتامءاهتا‪،‬‬
‫مقدمة التعريب ‪19n‬‬

‫وأقف عند «إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم» ففيها رفض تام للطبقية‪ ،‬ليست كرامة اإلنسان‬
‫وح َسبِ ِه ومكانته يف جمتمعه‪ ،‬بل من تقواه‪ .‬بل ــ وهذه مالحظه دقيقة وهامة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن نَسبِه َ‬
‫ــ حتى املتقون ليست هلم امتيازات برشية خاصة‪ ،‬املتقي ال يتمتع ــ باعتباره متق ًيا‬
‫ــ بامتيازات مالية أو حقوقية خاصة‪ ،‬فهم مكرمون ومقربون عند اهلل سبحانه‪ .‬طب ًعا‬
‫أيضا‪ ،‬ومن هنا فإن بعض املسؤوليات ال يتوالها إال أصحاب‬
‫التقوى هلا آثار اجتامعية ً‬
‫التقوى» (املحارضة الثانية عرشة)‪.‬‬
‫وهكذا ما ينتج عن التوحيد من مكافحة الفقر وضيق النظر واالنشداد إىل الصغائر‪.‬‬
‫يقول‪ّ :‬‬
‫«إن التوحيد مرشوع عظيم وضخم يدخل حياة اإلنسان فيؤثر يف جماالته االقتصادية‬
‫بإزالة الفقر أو تعديل الثروة‪ ،‬ويدخل يف املجال االجتامعي‪ ،‬فينتج أخالقية خاصة يف‬
‫التعامل‪ ،‬ويدخل يف جمال النظرة إىل الكون واحلياة فيجعلها إهلية‪ ،‬ويدخل يف دائرة النفس‬
‫نفسا ذات خصائص سامية‪ ،‬مثل التخلص من ضيق النظر‪ ،‬ومن الشعور‬
‫فيخلق منها ً‬
‫بالضعف واهلزيمة‪ ،‬فال يرى صاحبها متطلباته حمدودة يف األمور املادية‪ ،‬وال ينشدّ إىل‬
‫الصغائر‪ ،‬وال يرى هذه الدنيا هي هناية احلياة‪ ،‬بل يؤمن بحياة أخرى خالدة‪ ،‬ومن هنا يرى‬
‫املوت بداية حلياة أخرى‪ ،‬وهذه الرؤية هلا األثر الكبري عىل حياة اإلنسان وسلوكه وتعامله»‬
‫(املحارضة الثالثة عرشة)‪.‬‬
‫وهكذا اقتالع جذور اخلوف‪ ،‬وهو من معطيات التوحيد‪ ،‬يقول‪« :‬ونقف عند إحدى‬
‫اخلصائص النفسية للتوحيد وهي اقتالع جذور اخلوف من غري اهلل سبحانه‪َ ( :‬ف َلا َت َخ ُاف ُ‬
‫وه ْم‬
‫ُ‬
‫ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫َ ُ‬
‫املوحد العارف بقدرة اهلل تعاىل ال يساوره خوف‪ .‬حني‬ ‫ین) فاملؤمن ّ‬ ‫َوخاف ِ‬
‫ون ِإن‬
‫أتأمل يف حياة البرشية قديمها وحديثها أرى أن اخلوف عامل ضياع دنيا الناس وآخرهتم‪.‬‬
‫شح النفس وعدم اإلنفاق‪ ،‬اخلوف من انتهاء أيام العمر‬
‫اخلوف من الفقر يؤدي إىل ّ‬
‫والطمع يف البقاء أليام أكثر قد يؤدي إىل فناء حياة كثريين‪ ،‬وإىل شقاء احلياة البرشية‪ .‬حني‬
‫نطالع املآيس واجلرائم يف حياة البرش‪ ،‬حني ندرس سبب قلة أنصار احلق‪ ،‬وإعراض الناس‬
‫احلق حتى بعد أن عرفوه‪ ،‬نرى أن جذور كل ذلك تكمن غال ًبا يف اخلوف» (املحارضة‬
‫عن ّ‬
‫الثالثة عرشة)‪.‬‬
‫‪ n20‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫األمل يف املستقبل‬
‫من ميزات اإلحيائيني إزالة روح اليأس واهلزيمة من نفوس املؤمنني‪ .‬احلاجة إىل األمل‬
‫باملستقبل والثقة باهلل حاجة الرساليني يف كل زمان ومكان‪ ،‬وهو مورد تأكيد القرآن الكريم‬
‫يف مواضع عديدة‪ .‬لكن احلاجة إليه ازدادت بشدّ ة يف ظروف الغزو االستعامري للعامل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وهزيمة املسلمني نفس ًيا وعسكر ًيا واقتصاد ًيا أمام الغزاة‪ .‬ومن هنا نجد األستاذ‬
‫املحارض يؤكد يف كل مناسبة عىل غرس روح األمل يف النفوس‪ .‬يقول‪« :‬هذا مبدأ إسالمي‬
‫يقيض أن يكون مصري البرشية إىل خري‪ ،‬ملاذا؟ ألن اهلل تعاىل خلق الساموات واألرض وفق‬
‫موازين احلق‪ ،‬وخلق اإلنسان لينشد احلق بفطرته‪ .‬واإلنسان بام عنده من إرادة جيب أن‬
‫يتحرك وفق ما تقتضيه فطرته ليصل إىل ذلك املقصد» (املحارضة العرشون)‪.‬‬
‫وال خيال ّن أحد أن األنبياء فشلوا يف أداء مهمتهم الرسالية‪ .‬إذ هذا الفهم ملصري األنبياء هو ما‬
‫يردده املتقاعسون لتربير تقاعسهم وقعودهم‪ .‬يذكر األستاذ املحارض آية ويعلق عليها يقول‪:‬‬
‫النبوات كان هلا دور وفاعلية يف سلسلة النبوات‪،‬‬
‫«القرآن الكريم يعلمنا أن كل واحدة من ّ‬
‫إضافة إىل أهنا دفعت بالبرشية خطوة إىل األمام‪ ،‬وهذا ما تؤيده وثائق التاريخ‪ .‬وهكذا‬
‫أتباع األنبياء يستطيعون أن حيققوا النجاحات بشكل مؤكد‪ ،‬ولكن برشطني وإذا حتقق‬
‫هذان الرشطان فالنرص حتمي‪ ،‬وليس من الرضوري أن يتحقق هذا االنتصار بمعجزة‪.‬‬
‫‌وما مها الرشطان؟ األول‪ :‬اإليامن‪ ،‬أي العقيدة الواعية‪ ،‬إيامن مقرون بالتزام‪ ،‬ومقرون‬
‫بالسعي واحلركة‪ .‬الثاين‪ :‬الصرب‪ ،‬ويعني املقاومة‪ ،‬والثبات يف الساحة‪ ،‬وعدم ترك امليدان يف‬
‫اللحظات احلساسة واخلطرة» (املحارضة العرشون)‪.‬‬
‫ثم يذكر ما حتمله ذاكرته من كالم يف تارخينا احلديث يقول‪:‬‬
‫«أذكر باملناسبة كالم شخص من تارخينا احلديث كان خياطب أتباعه يف احلركة الدستورية‬
‫أيضا‪ ،‬وإن أيقنتم بالفشل‬
‫اإليرانية ويقول هلم‪ :‬ناضلوا‪ ،‬وإن اشتدت عليكم األمور ناضلوا ً‬
‫احلتمي واصلوا النضال‪ ،‬عندئذ سوف ُيكتب لكم النرص‪ ،‬هذا كالم صحيح‪ .‬حني يبقى‬
‫دب اليأس فثمة الفشل‬
‫األمل بالنرص يف كل أحوال الشدّ ة فإن النرص عاقبة األمور‪ ،‬أما إذا ّ‬
‫واهلزيمة» (املحارضة العرشون)‪.‬‬
‫مقدمة التعريب ‪21n‬‬

‫وخيرج بنتيجة هلا عالقة بواقعنا الراهن يقول‪:‬‬


‫ّ‬
‫والذل مقرون هبم ومطبوع عليهم وال يمكن أن‬ ‫خيالن املسلمون أن التخ ّلف والفقر‬
‫َّ‬ ‫«ال‬
‫املتجبة يف العامل قد ُقدّ ر هلا أن تبقى مسيطرة عىل رقاب األمة متتص‬
‫ّ‬ ‫يفارقهم‪ ،‬وأن القوى‬
‫دماءهم وتستنزف ثرواهتم!! ال‪ ،‬لو أن املاليني من أبناء األمة اإلسالمية قد التزموا باإليامن‬
‫وحت ّلوا بالصرب لكانت الغلبة هلم‪ .‬هذه هي توصية القرآن الكريم للمسلمني يف كل زمان‬
‫ومكان»‪( .‬املحارضة العرشون)‪.‬‬

‫الفهم اإلحيائي للوالية‬


‫الوالية مفهوم إسالمي قرآين‪‌ ،‬فاهلل ويل الذين آمنوا‪ ،‬ورسله‪ ،‬وكذلك َم ْن هلم صفات‬
‫تؤهلهم لوالية أمر املسلمني‪ .‬وأتباع مدرسة أهل البيت يرون يف األئمة االثني عرش‬
‫النموذج األسمى للوالية‪ ،‬لكن هذا املفهوم اهلام الذي يرتبط بمصري املجتمع اإلسالمي‬
‫وبرسالية مسريته وتوجهه احلضاري قد ل ّفه الغموض بل التحريف‪ ،‬ولذلك يتصدّ ى السيد‬
‫املحارض لتوضيح أبعاد الوالية وعطائها يقول‪:‬‬
‫«إذن للوالية ُبعدان داخيل يرتبط باألمة اإلسالمية يف داخل جمتمعاهتا و ُبعد خارجي يرتبط‬
‫بعالقة األمة اإلسالمية باملجتمعات األخرى‪.‬‬
‫التفرق‪ .‬ولو حدث اختالف بني‬
‫رص الصفوف واحلذر من ّ‬
‫عىل الصعيد الداخيل البدّ من ّ‬
‫أرص أحد الفريقني يف‬
‫فريقني داخل األمة فالقرآن يأمر باإلرساع يف اإلصالح بينهام‪ .‬ولو ّ‬
‫احلق فعىل العامل اإلسالمي أن يعيد هذا الفريق إىل‬
‫جلاجته وتعنّته ورفض الرضوخ إىل كلمة ّ‬
‫بالقوة والقتال‪.‬‬
‫صوابه ولو ّ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ ََ‬
‫َ َ ْ‬ ‫يقول القرآن الكريم‪َ ( :‬و إن َط ِائ َف َتان ِم َن ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ین اق َت َتلوا فأ ْص ِل ُحوا َب ْی َن ُه َما ف ِإن َبغت ِإ ْح َد ُاه َما َعلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اهلل)‪ .‬هذا أمر اهلل سبحانه من أجل صيانة وحدة‬ ‫ْ‬
‫یء ِإلى أم ِر ِ‬ ‫ْال ُأ ْخ َرى َف َق ِات ُلوا ّالتی َت ْب ِغی حتى تف َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمة اإلسالمية‪ .‬أما يف بعد عالقات األمة اإلسالمية بغريها‪ ،‬فال بد من تنظيمها بصورة‬
‫حتافظ عىل استقالل األمة وصيانة شخصيتها وكرامتها وهويتها‪ّ .‬‬
‫وكل ارتباط خارجي‬
‫ييسء إىل هذه املحافظة فهو مرفوض» (املحارضة الرابعة والعرشون)‪.‬‬
‫‪ n22‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫والوالية التي يستحق صاحبها أن يكون من الفائزين يف الدنيا واآلخرة ليست االكتفاء بعقد‬
‫يرص عليه اجلاهلون واملغرضون‪،‬‬
‫جمالس إحياء ذكر أهل البيت وبيان فضائلهم‪ .‬فهذا ما ّ‬
‫وهذا ما يزري بمفهوم الوالية يقول‪:‬‬
‫«عقد جمالس إلحياء ذكر أهل البيت وبيان فضائلهم ال خيالفه عاقل‪ ،‬من الشيعة وال من‬
‫يقر بعظمتهم‪ ،‬فهم الرهط الكريم الذي‬
‫السنة بل وال من غري املسلمني‪ .‬كل من يعرفهم ّ‬
‫قدّ موا كل ما لدهيم حتى أرواحهم يف سبيل نرش العدل ومقارعة الظلم والدفاع عن دين‬
‫اهلل وكرامة اإلنسان‪ .‬لو ذهبتم إىل أوربا وب ّينتم هناك للناس شخصية اإلمام أمري املؤمنني‬
‫وحياته لرأيتم احرتام املخاطبني وإعجاهبم هبذه الشخصية و َل َوجدمتوهم ينحنون إجالالً‬
‫له‪ .‬إذن االكتفاء باحرتام أهل البيت ال يمكن أن يكون الوالية التي يستحق الشخص‬
‫بموجبها اجلنة‪ .‬من املؤسف أن ً‬
‫نفرا يطرحون عن غرض أو جهل موضوع الوالية بشكل‬
‫سطحي‪ ،‬وال يكتفون بذلك بل حياربون الذين يقدّ مون الفهم الصحيح للوالية‪ ،‬وللعاملني‬
‫عىل طريق الوالية‪ .‬حرص الوالية يف نطاق حمدود وض ّيق ال يليق هبذا املبدأ اإلسالمي اهلام»‬
‫(املحارضة اخلامسة والعرشون)‪.‬‬
‫وعن عطاء الوالية يرى أنه إحياء األمة‪ ،‬وتنمية كفاءاهتا اإلنسانية وإقامة املجتمع الصالح‬
‫واحلكم الصالح يقول‪:‬‬
‫«طيب‪ ،‬يبقى السؤال عن العطاء الذي يمكن أن تقدمه الوالية للمجتمع‪ .‬يف كلمة واحدة‬
‫نجيب‪ :‬إنه انتقال من املوت إىل احلياة‪ .‬تصوروا اجلسم امليت الذي فيه الدماغ والعني واجلهاز‬
‫اهلضمي والدورة الدموية ولكن كلها ال تعمل‪ ،‬ملاذا؟ ألن هذا اجلسم يفتقد الروح‪ .‬وهكذا‬
‫املجتمع الذي يفتقد الوالية‪ ،‬فيه كفاءات لكنها باطلة مهدورة‪ .‬له قوى مفكرة لكنها ت ّ‬
‫ُسخر‬
‫فكرها لإلفساد وللقتل وإلحراق احلرث والنسل‪ .‬الحظتم يف التاريخ اإلسالمي حينام‬
‫خبت شعلة الوالية ماذا حدث‪ .‬ولقد ّ‬
‫حذرت فاطمة الزهراء سالم اهلل عليها مما سينزل‬
‫باملجتمع إذا ابتعد عن الوالية‪ ،‬لكن آذان املجتمع مل تكن تستوعب هذا التحذير‪ ،‬وهذا‬
‫التحذير قائم إىل يومنا هذا‪ .‬املجتمع صاحب الوالية جمتمع تنمو فيه الكفاءات اإلنسانية‪،‬‬
‫والرقي‪ .‬ويسري املجتمع بتوجيه من الويل احلاكم عىل‬
‫ّ‬ ‫السمو والكامل‬
‫ّ‬ ‫وكل يشء فيه ينحو إىل‬
‫مقدمة التعريب ‪23n‬‬

‫تقسيم عادالً‪ ،‬وتتجه الطاقات فيه إىل االستزادة من املعروف‬


‫ً‬ ‫طريق اهلل‪ ،‬وتُقسم الثروة فيه‬
‫واستئصال املنكر وكل ما ييسء إىل املجتمع» (املحارضة السادسة والعرشون)‪.‬‬
‫جره االبتعاد عن املفهوم الصحيح للوالية من مآس يف تاريخ املسلمني وتاريخ‬
‫ثم يذكر ما ّ‬
‫احلضارة اإلسالمية يقول‪:‬‬
‫«الذي يركز عليه اإلسالم هو أن زمام أمور الناس جيب أن ال تقع بيد من يسوق الناس إىل‬
‫جهنم‪ .‬لقد شهد التاريخ اإلسالمي استيالء أفراد عىل السلطة أذاقوا الناس سوء العذاب‪،‬‬
‫جو من غياب القيم التي ّقررها اهلل سبحانه‬
‫وعاثوا يف األرض الفساد‪ .‬كل هذا حدث يف ٍّ‬
‫للحاكم يف املجتمع اإلسالمي‪ .‬رأينا يف التاريخ كم عبث بعض احلكام بأموال املسلمني‬
‫وأرواحهم! أنفقوا بيت املال عىل قصورهم وهلوهم وحفالت زواجهم» (املحارضة‬
‫السادسة والعرشون)‪.‬‬
‫وعن آثار االبتعاد عن الوالية عىل مسرية احلضارة يقول‪:‬‬
‫فجر طاقات األمة وأيقظ كفاءاهتا وقواها الفكرية فسجلت أروع‬
‫«تعرفون أن االسالم ّ‬
‫انتصارات يف حقل العلوم واملعارف‪ ،‬واقتبسوا علوم زماهنم وترمجوها‪ ،‬وذلك ما بعث‬
‫علامء الغرب أن يذكروا بإعجاب شديد ما حققه املسلمون من تقدم‪ ،‬من أمثال «غوستاف‬
‫لوبون» الفرنيس الذي درس احلضارة اإلسالمية يف قرون ازدهارها‪ ،‬ومثل «آدم متز» الذي‬
‫كتب عن احلضارة اإلسالمية يف القرن الرابع‪ ،‬ولكن الذي يبعث عىل األسى هو أن املجتمع‬
‫اإلسالمي يف عصور االزدهار احلضاري كان خاض ًعا خلالفة وراثية استبدادية بعيدة عن‬
‫القيم اإلسالمية‪ .‬ولذلك كان نصيب املجتمع اإلسالمي من هذا التطور العلمي ضعي ًفا‪،‬‬
‫أيضا‬
‫ونرى التاريخ ينقل لنا األعاجيب من التمييز الطبقي يف ذلك العرص‪ .‬وهلذا السبب ً‬
‫أفلت مسرية التقدم العلمي والفكري‪ ،‬وأوصلت العامل اإلسالمي إىل ما نشاهده اليوم‪ .‬لو‬
‫كانت والية األمة بيد الصاحلني‪ ،‬لو كان النموج ال َع َلوي هو السائد يف املجتمع‪ ،‬لو كانت‬
‫يعم املجتمع وينقذه من‬
‫والية األمر بيد أمثال اإلمام الصادق‪ ،‬لكان عطاء التطور العلمي ّ‬
‫عوامل التخ ّلف ك ّلها‪َ ،‬و َل ُكنّا ننعم حتى اليوم بذلك العطاء‪.‬‬
‫ثم هذه احلضارة الغربية املعارصة‪ ،‬قد حققت انتصارات يف حقل العلوم والصناعة والتطوير‬
‫‪ n24‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫لكنها كانت وال تزال يف ظل األنظمة احلاكمة التي ال تؤمن بقيم إنسانية وأخالقية‪ ،‬فقادت‬
‫الغرب بل والعامل إىل حروب ودماء ودموع‪ ،‬وإىل متييز عرقي وطبقي فظيع‪ ،‬ومل يستطع ذاك‬
‫التقدم العلمي أن ينعش احلياة اإلنسانية والفضائل اخللقية» (املحارضة الرابعة العرشون)‪.‬‬

‫تصحيح املفاهيم‬
‫بسبب انعزال اإلسالم عن احلياة لقرون‪ ،‬وفرض حالة التخلف عىل املسلمني عشعشت‬
‫يف ذهن املسلمني مفاهيم خاطئة‪ .‬وحتولت عنارص احلركة والدفع والتكامل يف اإلسالم إىل‬
‫عنارص ركود وتكاسل وارختاء‪ .‬من هذه املفاهيم‪:‬‬
‫الرمحة‪ :‬وهذا املفهوم له قيمته الكربى يف منظومة احلضارة اإلسالمية‪ ،‬لكنه تبدل يف الذهنية‬
‫الراكدة إىل انتظار هذه الرمحة لتهبط من السامء‪ ،‬إلنقاذ املسلمني مما يعانونه‪ .‬يرفض األستاذ‬
‫املحارض هذه النظرة‪ ،‬ويبني املعنى الواعي التغيريي للرمحة يقول‪:‬‬
‫َ َ َّ ُ‬
‫الر ُسول ل َعلك ْم ُت ْر َح ُم َ‬
‫اهلل َو َّ‬ ‫َ‬
‫(أ ِط ُیعوا َ‬
‫ون) رمحة اهلل ال تنزل عىل األمة إالّ حني تلتزم بالرسالة‪،‬‬
‫وتؤدي ما عليها من واجبات‪ .‬ماليني املسلمني يرون بأعينهم ما ّ‬
‫حيل ببلداهنم من تدمري‬
‫رب العاملني!! ال‪ ،‬مثل هذا االنتظار‬
‫وهنب وسيطرة وإذالل‪ ،‬ثم جيلسون منتظرين رمحة ّ‬
‫رب العاملني يف الكون» (املحارضة األوىل)‪.‬‬
‫للرمحة خمالف لسنة ّ‬
‫موها وكامهلا‪ ،‬وتكرس قيود أرسها‪ ،‬عندئذ تشملها‬
‫ويقول‪« :‬حني تسري األمة عىل طريق ُس ّ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َّ ُ‬ ‫اهلل َو َّ‬
‫الر ُسول ل َعلك ْم ت ْر َح ُم َ‬ ‫َ‬
‫رمحة رب العاملني‪( :‬أ ِط ُیعوا َ‬
‫ون)» (املحارضة األوىل)‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والترضع فقط‪ ،‬غري أن الذهنية‬
‫ّ‬ ‫ومنها الغفران‪ :‬الذهنية الراكدة تنتظر غفران اهلل بالدعاء‬
‫تأخ ٌر عن مسرية التكامل‪ ،‬والبدّ من ّ‬
‫حث اخلطى لتاليف هذا‬ ‫املتحركة ترى أن الذنب ّ‬
‫ّ‬
‫التأخر‪ ،‬إنه جرح البدّ من معاجلته باجلدّ واالجتهاد‪ .‬يقول‪« :‬إن الغفران يعني التئام جرح‬
‫وملء فراغ» (املحارضة األوىل)‪.‬‬
‫ويقول‪« :‬ما معنى الغفران؟ إنه يعني معاجلة هذا اجلرح وإزالة آثاره‪ .‬هذا هو الغفران‪.‬‬
‫السمو واالرتفاع»‬
‫ّ‬ ‫ويتم هذا بتاليف ما أنزله الذنب يف الروح من انتكاس‪ ،‬ودفعها نحو‬
‫(املحارضة األوىل)‪.‬‬
‫مقدمة التعريب ‪25n‬‬

‫ومنها اخلوف من اهلل‪ :‬اخلوف من اهلل ليس من نوع اخلائف من جرمه حني يقف أمام القضاء‪.‬‬
‫فهذا اخلوف ال ينتج كامالً بل إنه كام يقول األستاذ املحارض‪« :‬من نوع آخر‪ ،‬إنه خوف ناتج‬
‫عن معرفة‪‌.‬حني يقف اإلنسان أمام ذات عظيمة وحقيقة جليلة فإنه يصاب بالرهبة‪ ،‬طبيعة‬
‫اإلنسان تقتيض أن يقف مرهو ًبا أمام املوجود العظيم‪ .‬هنا الرهبة ليست خو ًفا‪ ،‬قد ال يعرتيه‬
‫أي خوف من ارتكاب ذنب‪ ،‬لكنها الرهبة الناجتة عن إحساس بالعظمة وشعور ِ‬
‫بالص َغر‬
‫أمام تلك العظمة» (املحارضة الثانية)‪.‬‬
‫تعليم لآلخرين! بل هو الرهبة واخلشوع يقول‪:‬‬
‫تظاهرا وال ً‬
‫ً‬ ‫وبكاء األولياء أمام اهلل ليس‬
‫«ليس األمر كام يقول بعض اجلاهلني‪ :‬إن بكاء هؤالء العظام وترضعهم إنّام هو من أجل أن‬
‫والترضع!! فهو ليس عند هؤالء اجلهلة بكاء حقيق ًيا‪ ،‬بل يتظاهرون بذلك‬
‫ّ‬ ‫يع ّلمونا البكاء‬
‫كي يع ّلمونا بذلك!! هذا خطأ وجهل‪ ،‬هؤالء العظام ارتفعوا يف معرفة اهلل حتى امتألت‬
‫قلوهبم بالرهبة واخلشوع واخلضوع» (املحارضة الثانية)‪.‬‬

‫ومنها التوكل‪ :‬التوكل يف الذهنية اجلامدة هو إيكال األمر إىل عامل غيبي‪ .‬وهذا هو التواكل‬
‫غري أن التوكل يف املفهوم القرآين له عطاؤه احلركي‪ .‬يقول‪:‬‬
‫«التوكل هو االعتامد عىل اهلل وعقد األمل عليه يف كل األحوال‪ .‬والتوكل هبذه الصورة يبعد‬
‫مفهو َمه عن حالة التخدير وجيعل منه عامل حركة واندفاع» (املحارضة الثانية)‪.‬‬
‫ويقول عن اإلنسان الذي يواجه طري ًقا مغل ًقا‪ ،‬فهو‪« :‬إما أن ينجرف مع ظروف الواقع‬
‫املفروض‪ ،‬وإما أن ينهي حياته باالنتحار‪ .‬لكن اإلنسان السائر عىل طريق اهلل ينفتح أمامه‪،‬‬
‫حني يواجه طري ًقا مغل ًقا‪ٌ ،‬‬
‫سبيل آخر‪ .‬ما هذا السبيل؟ إنه‪ :‬التوكل»‪( .‬املحارضة الثانية)‪.‬‬
‫ومنها الشفاعة‪ :‬الشفاعة يف الذهنية الراكدة هي دخول املذنب اجلنة بواسطة شفاعة األنبياء‬
‫واألولياء يوم القيامة‪‌،‬وهذا يتعارض مع مفهوم العمل‪ ،‬ويشجع عىل الكسل‪ .‬يقول‪:‬‬
‫«ثمة أفكار موهومة أشيعت يف أوساطنا‪ ،‬ولقيت ترحي ًبا من النفوس التي متيل إىل البطر‬
‫والراحة واالسرتخاء‪ ،‬وتتجه هذه األفكار إىل التبشري باجلنة دونام عمل وفق معادالت‬
‫خاطئة‪ .‬عىل سبيل املثال ثمة تفسري خاطئ ملعنى الشفاعة يغري اإلنسان بالكسل وترك‬
‫‪ n26‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫العمل‪ ،‬بينام أئمة أهل البيت (عليهم السالم) يؤكدون يف مواقف كثرية أن شفاعتنا ال تُنال‬
‫إال بالعمل» (املحارضة الرابعة)‪.‬‬

‫ومنها الطمأنينة والسكينة واألمن‪ :‬يمكن أن يكون هلا يف الذهنية الراكدة مفهوم ال ينسجم‬
‫مع املنظومة الفكريةلإلسالم‪ ،‬فيتصدى األستاذ املحارض لتصحيح املفاهيم بشأن هذه‬
‫املفردات يقول بعد أن يورد أمثلة عىل معنى االطمئنان‪« :‬أردت من هذه األمثلة أن أبني‬
‫لكم معنى االطمئنان ومعنى سكينة القلب والنفس‪ .‬إنه ال يعني اخللود إىل الراحة والبطر»‬
‫ويقول‪« :‬الطمأنينة هي ثبات روح اإلنسان وثبات قلبه» وعن السكينة يقول‪« :‬والسكينة‬
‫أيضا ال تعني السكون وعدم احلركة‪‌ ،‬بل تثبيت القلب ملواصلة الطريق» وعن األمن‬
‫ً‬
‫يقول‪« :‬األمن هنا يعني األمن الروحي ‌‪ ،‬يعني أن ال يساور اإلنسان تزلزل وقلق وخوف‬
‫واضطراب» (املحارضة السابعة)‪.‬‬

‫ومنها العقل والدين‪ّ :‬‬


‫اهتم اإلحيائيون بالرتكيز عىل عدم وجود انفصال بني العقل والدين‪.‬‬
‫وهذا االهتامم يأيت من فكرة قديمة جديدة بأن الناس اثنان‪ :‬ذو عقل بال دين وآخر عاقل ال‬
‫دين له!! ويف هذا املوضوع يقول األستاذ املحارض‪:‬‬
‫ً‬
‫وناسخا له‪ ،‬بل هلداية العقل وإعانته‪ ،‬حني‬ ‫«الدين إذن مل يأت ليكون ً‬
‫بديل عن العقل‪،‬‬
‫يكون إىل جانب العقل األهواء واألطامع واملخاوف واألغراض الشخصية ّ‬
‫فإن العقل ال‬
‫قادرا عىل الرؤية الصحيحة‪ّ .‬‬
‫احلث عىل‬ ‫يستطيع أن يؤدي دوره‪ .‬والدين يأيت ليجعل العقل ً‬
‫التعقل والتفكري كثري يف القرآن الكريم‪( :‬أفلا تعقلون) (أفلا تتفكرون) واإلشادة بأرباب‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫ْ َ َّ‬
‫الن َهار َ‬ ‫َ‬
‫َّ َ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ‬
‫لآی ٍات ِلأ ْو ِلی الأل َب ِاب)‬ ‫أيضا‪ِ( :‬إن فِی خل ِق السماو ِات والأر ِض واخ ِتلا ِف اللی ِل و ِ‬
‫العقول كثرية ً‬
‫الروايات مستفيضة بعبارة‪« :‬إن هلل عىل الناس ُح ّجتني» أي النبي والعقل‪ .‬فاإلنسان بدون‬
‫وحي ال يستطيع أن حيقق ما يصبو إليه من سعادة‪ .‬الوحي يعمل عىل تقوية العقل والفكر‪..‬‬
‫يزكيهام‪ّ ..‬‬
‫هيذهبام‪ ..‬يعاضدمها‪ .‬هذه هي وظيفة الوحي‪ ..‬وهذه هي احلكمة من النبوة‪ .‬هذا هو‬
‫عطاء يد الغيب‪ ،‬ال كام خيال املتقاعسون الذين يكلون ما جيب أن يقوم به الناس إىل الغيب‪..‬‬
‫مقدمة التعريب ‪27n‬‬

‫يكلون إىل الغيب مسؤولية إصالح األوضاع االقتصادية وإزالة الفقر من املجتمع‪ ،‬وينسبون‬
‫إىل الغيب ما يرونه من تر ّدي األوضاع االقتصادية‪ ،‬بينام كان من املفروض أن ينسبوها إىل‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ین ‪َ #‬ول ْم ن ُك ن ْط ِع ُم ال ِم ْس ِك َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫الذين (قالوا ل ْم ن ُك ِم َن ال ُم َص ِل َ‬
‫ین)»(املحارضة الرابعة عرشة)‪.‬‬

‫ّ‬
‫يتلخص يف‬ ‫تصورا خاط ًئا عن مهمة األنبياء‬
‫ً‬ ‫ومنها مهمة األنبياء‪ :‬فرتة الركود خلقت‬
‫إصالح َم ْن يمكن إصالحه‪ ،‬وحرص مهمتهم باألعامل الفردية‪ ،‬لتربير حالة التقاعس لدى‬
‫بعض من يدّ عون أهنم يسريون عىل طريق األنبياء‪ .‬وهذا ما يتناوله األستاذ املحارض يف‬
‫جلسات متعددة‪ .‬من ذلك قوله‪:‬‬
‫حكيم عا ًملا‬
‫ً‬ ‫«التصور السائد يف األذهان جتاه النبي هو أنه إنسان يأيت إىل املجتمع باعتباره‬
‫يقبع يف مكان لينهل الناس من فيض علمه وحكمته‪ .‬يتصورون أن إبراهيم خليل اهلل أو‬
‫موسى كليم اهلل حني مارس دوره يف جمتمعه فإنه اختذ بيتًا مناس ًبا‪ ،‬وخصص ساعات ملقابلة‬
‫الناس املؤمنني منهم وغري املؤمنني‪ .‬ويف هذه املقابالت يقدم إىل الناس استدالالت بوجود‬
‫اهلل وبرضورة اخلوف من اهلل‪ ،‬فيصلح َم ْن يصلح من الناس ثم يغادر الدنيا بعد أن أدى‬
‫مهمته!! ال‪ ،‬ليس النبي هبذه الصورة‪ ،‬حني ُيبعث إىل جمتمعه تثور روحه ويغيل صدره‪،‬‬
‫قائم عىل أساس مغلوط‪،‬‬
‫فيصبح إنسانًا آخر غري الذي كان عليه‪ ،‬ثم يتوجه إىل جمتمعه فرياه ً‬
‫ويرى تصميمه املعامري خمال ًفا لتصميم الفطرة اإلنسانية‪ ،‬ويرى رضورة تغيريه‪ .‬يرى أن‬
‫جمتمعه فيه التمييز الطبقي وفيه الظلم‪ ،‬وفيه التعسف‪ ،‬والبدّ أن يتغري إىل جمتمع توحيدي»‬
‫(املحارضة السادسة عرشة)‪.‬‬
‫ويقول‪« :‬هدف األنبياء يف املجتمعات التي ُبعثوا فيها هو تبديل املجتمع من حالته املنحرفة‪،‬‬
‫من حالته غري املتعادلة‪ ،‬من حالة الظلم واجلور إىل جمتمع متوازن متعادل عادل خال من‬
‫مظاهر القبح ومفعم بمظاهر اجلامل» (املحارضة السادسة عرشة)‪.‬‬
‫ويقول‪« :‬األنبياء والسائرون عىل طريقهم كان هلم جواب واحد يف كيفية هتذيب اإلنسان‬
‫اجلو االجتامعي املناسب واملالئم‬
‫وتزكيته وفق األسلوب اإلهلي الصحيح‪ .‬وهو‪ :‬إجياد ّ‬
‫للرتبية» (املحارضة السابعة عرشة)‪.‬‬
‫‪ n28‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ويقول‪« :‬العمل الفردي يف اإلصالح يؤدي إىل استقامة فرد أو فردين‪ ،‬والعمل االجتامعي‬
‫يؤدي إىل إصالح جمتمع بماليني أفراده وإىل إصالح أجيال متوالية» (املحارضة السابعة‬
‫عرشة)‪.‬‬
‫ويقول‪« :‬ما نفهمه من القرآن الكريم أن سرية األنبياء يف صناعة اإلنسان هي خلق املجتمع‬
‫َ‬
‫أفواجا‪ِ ( :‬إذا‬
‫ً‬ ‫اجلو املساعد عىل دخول الناس يف دين اهلل‬ ‫اإلهلي‪ ..‬املجتمع التوحيدي‪ ..‬خلق ّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َّ‬
‫الن َاس َی ْد ُخ ُل َ‬ ‫َ ُ‬
‫اهلل أ َفو ًاجا)» (املحارضة السابعة عرشة)‪.‬‬ ‫ین‬
‫ِ ِ ِ ِ‬‫د‬ ‫ی‬ ‫ف‬ ‫ون‬ ‫اهلل والفتح ‪ #‬ورأیت‬‫َجاء ن ْصر ِ‬
‫هذه بعض املحاور اإلحيائية يف حمارضات السيد األستاذ‪ ،‬أردنا هبا أن نس ّلط الضوء عىل‬
‫املقصد اإلحيائي احلضاري للمـحارضات‪ ،‬وأن نفتح أمام القارئ الكريم نافذة يطل من‬
‫خالهلا عىل سائر املحاور‪ .‬فهي إضافة إىل قيمتها التارخيية يف مسرية الفكر اإلسالمي بإيران‬
‫دروسا نحن بأمس احلاجة إليها اليوم‪.‬‬
‫ً‬ ‫تقدم‬
‫مقدمة األستاذ املحارض‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫احلمد هلل والصالة والسالم عىل رسول اهلل وعىل آله ومن اتبع هداه‪.‬‬
‫بلورة املرشوع اإلسالمي بصورة مدرسة اجتامعية ذات مبادئ منسجمة ومتناسقة‪ ،‬وذات‬
‫رؤية للحياة االجتامعية البرشية‪ ،‬من ّ‬
‫ألح رضورات الفكر الديني‪.‬‬
‫أغلب الدراسات اإلسالمية املطروحة عىل الساحة تفتقد إىل هاتني اخلاصيتني اهلامتني‪‌.‬من‬
‫هنا فإن الباحثني والدارسني الساعني إىل مقارنة اإلسالم باملدارس االجتامعية الراهنة مل‬
‫املرجوة‪ ،‬أي ّ‬
‫تعذر عليهم أن يقدّ موا اإلسالم باعتباره مرشو ًعا‬ ‫ّ‬ ‫يستطيعوا أن حيققوا النتيجة‬
‫منسجم ويقارنوه باملدارس القائمة‪.‬‬
‫ً‬ ‫متامسكًا‬
‫إضافة إىل ما سبق‪ ،‬فإن ما قدّ موه ال يتجاوز أن يكون معرفة ذهنية‪ ،‬ألن أبحاثهم بصورة‬
‫عامة تدور حول قضايا هي بمعزل عن العطاء العميل وخاصة االجتامعي‪ ،‬وبذلك مل ينتجوا‬
‫نظرية إسالمية واضحة بشأن احلياة االجتامعية‪ ،‬وخاصة ما يتعلق بصورة املجتمع املطلوب‪.‬‬
‫وثمة مالحظة هامة أخرى هي إن القرآن الكريم ــ وهو الوثيقة القطعية يف اإلسالم ــ‬
‫‪ n30‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫مل يكن له بني الدارسني سهم يف إنارة الطريق وتوضيح معاملة‪ ،‬بل اجتهوا غال ًبا إىل الغور‬
‫يف الروايات واملنقوالت الظنية ــ وأحيانًا الضعيفة‌ــ ليجعلوها منطل ًقا لفهمهم‪ ،‬وبذلك‬
‫التوجه املتغافل عن القرآن‬
‫ّ‬ ‫نشأت مجلة من التصورات البعيدة عن الفهم القرآين‪ .‬ولعل هذا‬
‫هو الذي جعل التد ّبر يف كتاب اهلل العزيز يرتك مكانه لتالوة سطحية ال أثر هلا يف معرتك‬
‫احلياة‪ ،‬وأصبح اهلدف من التالوة حمدو ًدا يف ّ‬
‫توخي الثواب األخروي‪ ،‬بل وأكثر من ذلك‬
‫أصبح القرآن الكريم ُيقدم بشكل سطحي وغوغائي‪.‬‬
‫هذا الوضع املوجود يفرض عىل املفكرين امللتزمني الواعني يف عرصنا أن يركزوا عىل ثالثة‬
‫حماور يف دراساهتم للفكر اإلسالمي وال جيوز إغفال أي واحد منها‪:‬‬
‫األول اخلروج من اإلطار الذهني املحض‪ ،‬والتوجه إىل املنظومة اإلسالمية باعتبارها‬
‫مدرسة اجتامعية يتعني فيها املسري العميل لألفراد‪ ،‬وخاصة يف حياهتم االجتامعية‪ ،‬والتأكيد‬
‫يف الدراسات النظرية عىل مرشوع اإلسالم حلياة البرش وعىل أهداف اإلنسان واملجتمع يف‬
‫احلياة‪ ،‬والطريق الذي حيقق هذه األهداف‪.‬‬
‫واألمر اآلخر دراسة املسائل الفكرية يف اإلسالم بصورة مرتابطة وبشكل أجزاء من منظومة‬
‫واحدة‪ ،‬أي إن كل عنرص فيها هو جزء من هذا الرتكيب‪ ،‬وغصن من هذه الدوحة‪ ،‬و َلبنة‬
‫يف هذا البناء الشامخ‪ ،‬ال ينفصل بعضها عن بعض‪ ،‬لكي يتبلور املرشوع الكامل الشامل‬
‫للدين‌‪‌ ،‬باعتباره مدرسة فكرية كاملة خالية من أي إهبام‪ ،‬وذات أبعاد متناسبة مع حياة‬
‫اإلنسان بمختلف جوانبها‪.‬‬
‫وثمة مسألة أخرى هي أن فهم اإلسالم ومبادئه البد أن يستند إىل النصوص األساس يف‬
‫الدين‪ ،‬ال أن ينطلق هذا الفهم من األذواق واآلراء الشخصية أو من اخللفيات الفكرية‬
‫والذهنية هلذا وذاك‪ ،‬كي نطمئن إىل أن نتيجة دراستنا «إسالمية» ح ًقا‪ ،‬ال شي ًئا آخر‪ ،‬وال‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫شك أن القرآن الكريم حيقق هذا اهلدف باعتباره أكمل وثيقة وأمهها‪( :‬لا َیأ ِتیهِ ال َب ِاط ُل ِمن‬
‫ً ّ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َب ْی ِن َی َد ْیهِ َولا ِم ْن َخل ِفهِ )‪ ،‬وهو ( ِت ْب َیانا ِلك ِ ّل ش ْی ٍء)‪ ،‬وطب ًعا يف إطار تد ّبر عميق أمرنا به القرآن‪.‬‬
‫تضمه هذه الرسالة حصيلة جهد لتحقيق هذه الرؤى بشكل تقرير عن املرشوع‬
‫ّ‬ ‫وما‬
‫اإلسالمي ُطرح ضمن سلسلة حمارضات‪.‬‬
‫مقدمة األستاذ املحارض ‪31n‬‬

‫يف هذه املحارضات جرى إلقاء الضوء عىل أهم أسس الفكر اإلسالمي يف أكثر أبعادها‬
‫فاعلية وحيوية من خالل آيات حمكامت واضحات‪ .‬ومع توضيح أسلوب التدبر يف القرآن‬
‫أيضا تبيني تلك األسس يف هذه اآليات‪.‬‬
‫والتعمق يف آياته جرى ً‬
‫تم االستناد يف املواضع الالزمة إىل املأثور الصحيح عن‬
‫وملزيد من التوضيح والتأكيد ّ‬
‫النبي(ص) وآل بيته(ع) لبلورة مبدأ من مبادئ اإلسالم برؤية عملية تبعث عىل االلتزام والشعور‬
‫باملسوؤلية‪ ،‬باعتبار أن ذلك املبدأ يمثل جان ًبا من النهج الفكري واأليدلوجي لإلسالم‪...‬‬
‫ّ‬
‫وملخصها يف أذهان املستمعني‪ ،‬وأن تكون منطلق‬ ‫ثم من أجل أن تبقى حصيلة املحارضة‬
‫لتوزع يوم ًيا عىل احلارضين‪.‬‬
‫تفكري وتد ّبر فقد جرى تدوين تلك احلصيلة يف ورقة َّ‬
‫هذا الذي بني يدي القارئ جمموع تلك املحارضات‪ ،‬جيري نرشه استجابة لطلب كثري من‬
‫مستمعي تلك املحارضات أو َم ْن سمع عنها‪ ..‬عىل أمل أن تكون مفيدة وملبية لطلب الطالبني‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َما ت َْوفيقي إِالَّ بِاهللِ َع َل ْيه ت ََو َّك ْل ُت َوإِ َل ْيه ُأن ُ‬
‫يب‪.‬‬

‫‪ 3‬آبان ‪1353‬‬ ‫ ‬
‫(‪ 25‬اكتوبر ‪)1974‬‬ ‫ ‬
‫القسم االول‬
‫اإلمیان‬
‫اجللسة األوىل‬
‫اإلميان (‪)1‬‬
‫اخلميس ‪ 2‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/6/28‬هجرية مشسية‬
‫َ‬
‫ون ‪َ #‬و َس ِار ُعوا ِإلى‬ ‫الر ُس َول َل َع َّل ُك ْم ُت ْر َح ُم َ‬ ‫( َو َأ ِط ُیعوا َ‬
‫اهلل َو َّ‬
‫َ ُ ُ َ‬ ‫َم ْغف َرةٍ ّمن َّر ّب ُك ْم َو َج َّنةٍ َع ْر ُض َها َّ‬
‫ات َو الأ ْرض أ ِع ّد ْت‬ ‫الس َم َاو ُ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الس َّر ِاء َو ّ‬
‫الض َّر ِاء َو الك ِاظ ِم َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ین ‪ #‬الذ َین ُینف ُق َ‬ ‫ِل ْل ُم َّت ِق َ‬
‫ین‬ ‫ون فی َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ ُ ُ ُّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َغ ْی َظ َو ال َع ِاف َین َعـ ِـن الـ َّـنـ ِـاس و اهلل یـ ِـحــب المح ِس ِنین)‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫(آل عمران‪)134 - 132 /‬‬

‫الرهبان املسيحيون توجهوا إىل الرهبانية كي ال متسهم لوثة الذنوب واآلثام‪ .‬جلأوا إىل‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َّ ً ْ َ َ ُ َ َ َ‬
‫ك َت ْب َن َاها َعل ْی ِه ْم)‪َ ،1‬أما‬ ‫املغارات والكهوف والقرآن يقول عنهم‪( :‬و رهب ِانیة ابتدعوها ما‬
‫العال املسلم فليس يف منهجه رهبانية‪ ،‬ليس فيه حالة انعزال أو فرار من الساحة االجتامعية‪.‬‬ ‫ِ‬

‫دائم إلنقاذ الغريق‪ .2‬املسلم الواعي إسالمه مقرون باملسؤولية‪..‬‬ ‫ِ‬


‫العال اإلسالمي سعيه ً‬
‫دائم ملدّ يد العون ملن حيتاج‪ ..‬للغريق‪..‬‬
‫وهذا االقرتان هو اقرتان الالزم بامللزوم‪ .‬يسعى ً‬
‫‌جيهز نفسه بالتقوى‪،‬‬ ‫للمريض‪ ،‬ملن ّ‬
‫ضل الطريق‪ ،‬وهذا ال ينسجم مع الفرار من الساحة‪ّ .‬‬
‫أي بالدرع الذي يقيه من إصابة سهام اآلثام‪ ،‬ويدخل الساحة بكل ما فيها من ذنوب‪ ،‬لينقذ‬
‫اآلثمني واملذنبني‪‌.‬هذه هي التقوى بإجياز‪.‬‬

‫‪1‬ـ احلديد‪27 /‬‬


‫‪2‬ـ إشارة إىل مقطع من أبيات سعدي الشريازي ما ترمجته‪:‬‬
‫رجل حيمل قل ًبا واع ًيا جاء من اخلانقاه (حمل الدراويش) إىل املدرسة‪ .‬وكرس بذلك عهد الصحبة مع أهل الطريقة (مع‬
‫الدراويش)‪‌.‬قلت ما الفرق بني ِ‬
‫العال والعابد حتى حدا بك أن ختتار بدل أولئك (الدراويش) هذا الفريق (من العلامء)‪.‬‬
‫قال‪ :‬ذاك جير بساطه من املوج (ينقذ نفسه)‪ ،‬وهذا جيهد أن يأخذ بيد الغريق‪..‬‬
‫‪ n38‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫هل هذا املفهوم من التقوى يستطيع أن يكون عامل نجاح وانتصار؟‬


‫نعم‪ ،‬بكل بساطة نستطيع أن نفهم أنه عامل انتصار‪ ،‬وعامل غلبة عىل العقبات‪ .‬من أراد أن‬
‫مرضا من األمراض يف منطقة ال يستطيع أن حيقق ما يريد إذا كان خائ ًفا من إصابته‬
‫يكافح ً‬
‫حيصن‬
‫بذاك املرض‪ ،‬اخلوف من اإلصابة يمنعه من دخول الساحة املوبوءة‪ .‬البدّ له أن ّ‬
‫نفسه‪ ،‬ثم يدخل تلك الساحة بثقة واطمئنان لينترص عىل املرض‪ ،‬ويفلح يف الوصول إىل‬
‫غايته‪ .‬هذه هي التقوى‪ ،‬وهذه هي نتيجتها‪ ..‬الفالح والنجاح‪ .‬ولنقف عند اآليات‪ :‬يقول‬
‫ْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫الن َار التی أ ِع ّد ْت ِللك ِافر َ‬
‫ون ‪َ #‬و اتقوا ّ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫اهلل ل َعلك ْم تفل ُح َ‬ ‫َّ ُ‬
‫سبحانه‪َ ( :‬و اتقوا َ‬
‫ین)‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫اهلل َو َّ‬
‫الر ُسول ل َعلك ْم ت ْر َح ُم َ‬ ‫َ َ َّ ُ‬
‫( َو أ ِط ُیعوا َ‬ ‫َ‬
‫ون) من الواضح أن إطاعة اهلل ال تنفصل عن إطاعة‬
‫الرسول‪ ‌،‬ملاذا إذن هذا التأكيد عىل إطاعة اهلل وإطاعة الرسول‪ ،‬أليس يف ذلك تكرار؟‬
‫ال‪ ،‬ألن األمر يف اآلية لو اقترص عىل إطاعة اهلل‪ ،‬واكتفت بالقول‪« :‬أطيعوا اهلل» ومل تذكر‬
‫إطاعة الرسول باعتبارها مصدا ًقا إلطاعة اهلل سبحانه‪ ،‬لظهر يف اجلبهة املعادية للرسالة‬
‫َمن يدعي أنه يطيع اهلل‪ .‬بمقدور أي شخص أن يدعي اإليامن والطاعة والتدين والتقوى‪.‬‬
‫َ َ‬
‫يف عرص الرسول(ص) كان رهبان املسيحية وأحبار اليهود يدّ عون أهنم أبناء اهلل!! ( َو قال ِت‬
‫اهلل)‪ 2‬كان رسول اهلل يعلن أنه عبدٌ هلل‪ ،‬وهؤالء يدّ عون أهنم‬ ‫ُ‬
‫اء‬ ‫الن َص َارى َن ْح ُن َأ ْب َ‬
‫ن‬
‫ْ َ ُ ُ َ َّ‬
‫الیهود و‬
‫ِ‬
‫«أبناء اهلل»! طب ًعا هؤالء حني خيلون إىل أنفسهم يعلمون أهنم يف ادعائهم هذا كاذبون‪،‬‬
‫لكنهم يريدون أن يتظاهروا أمام الناس بأهنم هلل مطيعون‪ .‬إذن البدّ من معيار يفصل‬
‫بني هؤالء املدّ عني‪ ،‬واملطيعني احلقيقيني‪ .‬هذا املعيار هو إطاعة الرسول‪ ،‬أي إطاعة املنهج‬
‫الذي جاء به الرسول من عند اهلل‪ ،‬وإطاعة تعاليم النبي‪ .‬ال يمكن أن يكون الشخص‬
‫مطي ًعا هلل سبحانه إذا مل يلتزم بلوازم هذه اإلطاعة وهي السري عىل منهج ما جاء به الرسول‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل َو َّالر ُسول)‪.‬‬
‫يف رسالته‪( :‬أ ِط ُیعوا َ‬
‫(ل َعلك ْم ت ْر َح ُم َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫ون) أي لعل رمحة اهلل تنالكم‪ .‬قارنوا بني املفهوم الشائع للرمحة وبني مفهومها‬
‫القرآين‪ .‬الشائع هو أننا إذا أذنبنا وأسأنا وعصينا اهلل‪ ،‬ومل نعمل بام علينا من واجب والتزام‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪132 - 130 /‬‬


‫‪2‬ـ املائدة‪18 /‬‬
‫اإلیامن (‪39n )1‬‬

‫وتكليف‪ ،‬وإذا مل نحذر من الدخول يف دائرة املمنوعات اإلهلية‪ ،‬فإننا نعقد األمل عىل يشء‬
‫واحد‪ ،‬وما هو؟ إنه رمحة اهلل!! أي إن املفهوم الشائع لرمحة اهلل هو حتققها يف حالة العصيان‬
‫وارتكاب الذنوب واملوبقات!!‪ ،‬ولذلك يردد بعضهم القول‪ :‬إن أيدينا خالية من العمل‬
‫الصالح‪ ،‬وال نرجو إالّ رمحة اهلل! أي إهنم يرون رمحة اهلل خمتصة بمن ابتعد عن العمل‬
‫َ َ َّ ُ‬ ‫َ‬
‫اهلل َو َّالر ُسول ل َعلك ْم ُت ْر َح ُم َون)‬
‫الصالح‪ ،‬بينام املنطق القرآين يرى عكس ذلك يقول‪(:‬أ ِط ُیعوا َ‬

‫رمحة اهلل ال تنزل عىل األمة إالّ حني تلتزم بالرسالة‪ ،‬وتؤدي ما عليها من واجبات‪.‬‬
‫ماليني املسلمني يرون بأعينهم ما ّ‬
‫حيل ببلداهنم من تدمري وهنب وسيطرة وإذالل‪ ،‬ثم‬
‫رب العاملني!!‬
‫جيلسون منتظرين رمحة ّ‬
‫رب العاملني يف الكون‪ ،‬اآلية تؤكد أن الرمحة البدّ‬
‫ال‪ ،‬مثل هذا االنتظار للرمحة خمالف لسنة ّ‬
‫ّ‬
‫تتجل يف املؤمنني الذين حيكّمون الرسالة يف‬ ‫أن يسبقها إطاعة اهلل والرسول‪ .‬واإلطاعة‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ون َحتَّى ُی َح ّك ُم َ‬
‫أمورهم‪َ ( :‬ف َلا َو َر ّب َك َلا ُی ْؤم ُن َ‬
‫وك ِف َیما ش َج َر َب ْی َن ُه ْم ث َّم لا َی ِج ُدوا فِی أنف ِس ِه ْم َح َر ًجا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِّم َّما ق َض ْی َت َو ُی َس ِل ُموا ت ْس ِل ًیما)‪ ..1‬هذا هو اإلنسان املؤمن املطيع هلل ورسوله‪ ،‬وهذه هي األمة‬
‫والعزة‪ .‬حني تسري األمة عىل‬
‫ّ‬ ‫املؤمنة املطيعة‪ .‌ .‬عندئذ تشملهم الرمحة‪ ،‬وحيظون بالسؤدد‬
‫طريق سموها وكامهلا‪ ،‬وتكرس قيود أرسها‪ ،‬عندئذ تشملها رمحة رب العاملني‪َ ( :‬أ ِط ُیعوا َ‬
‫اهلل‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫ون)‪.‬‬ ‫الر ُس َول َل َع َّلك ْم ت ْر َح ُم َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َو َّ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ َ َ ْ َ ّ َّ ّ ُ ْ َ َ َّ َ ْ ُ َ َّ َ َ ُ َ َ‬
‫ین)‪ 2‬إنه ميدان‬ ‫الأ ْر ُض أ ِع َّد ْت ِل ْل ُم َّت ِق َ‬ ‫(و س ِارعوا ِإلى مغ ِفرةٍ ِمن ر ِبكم و جنةٍ عرضها السماوات و‬
‫لعالمة من عالمات التقوى‪ :‬يسارعون‬ ‫ٍ‬ ‫سباق‪ ،‬واألمر فيه باملسارعة‪ .‬يف اآلية الكريمة ذكر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫الس َم َاو ُات َوالأ ْر ُض) وسيليها‬
‫لنتيجة من نتائج التقوى‪َ ( :‬ج ّنةٍ َع ْر ُض َها َّ‬ ‫يف ميدان املغفرة‪ ،‬وذكر‬
‫ذكر العالمات األخرى‪.‬‬
‫أهيا اإلنسان الذي تتهافت مرس ًعا عىل املال واملتاع‪ ،‬يا َمن حتاول جاهدً ا أن تسبق اآلخرين‬
‫حني يلوح لك بارق من حصول عىل قطعة أرض أو ثروة أو أسهم يف رشكة حتى ولو كان عىل‬
‫حساب ِق َيم الرشف والفضيلة‪‌..‬سارع إىل هدف أكرب‪ ..‬إىل جنة عرضها الساموات واألرض‪.‬‬

‫‪1‬ـ النساء‪65 /‬‬


‫‪2‬ـ آل عمران‪133 /‬‬
‫‪ n40‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫القرآن يأمرك أن تدخل حلبة السباق‪ ،‬لتتقدم عىل اآلخرين‪ ،‬ال يأمرك بالقعود واجللوس‪،‬‬
‫الدين ال يأمر بالتواين والتخ ّلف‪ ،‬ال يطلب منك أن تع ّطل طاقاتك يف َح َلبة السباق‪ .‬من‬
‫قال لك ذلك باسم الدين‪ ،‬فهو كاذب‪ .‬الدين يطلب منك أن تسارع‪ ..‬ولكن من أجل‬
‫أي هدف؟! من أجل هدف كبري وعظيم يتناسب مع عظمة اإلنسان‪ .‬اإلنسان أعظم من‬
‫كرمه‪‌،‬والبد أن يكون مقصده عىل قدر هذه‬
‫تافها‪ ،‬ألن اهلل ّ‬
‫صغريا ً‬
‫ً‬ ‫أن يكون مقصده ماد ًيا‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫الكرامة‪‌.‬فهو مطالب ألن يكون س ّبا ًقا (ِإلى َم ْغ ِف َرةٍ ِّمن ّر ِّبك ْم َو َج ّنةٍ )‪ ..‬إىل جنة تصغر أمامها‬
‫هتم باحلركة يف‬
‫الساموات واألرض‪ .‬انظروا إىل التعبري القرآين‪ ،‬يقول سبحانه إنك حني ّ‬
‫ميدان السباق فال هدف يتناسب مع كرامتك وعظمتك ّ‬
‫أقل من «مغفرة اهلل»‪.‬‬
‫وما هي «املغفرة»؟ مغفرة اهلل ليست من جنس ما يتداول بني الناس أن يغفر بعضهم لبعض‬
‫إساءاهتم‪ .‬املتداول هو أن إنسانا قد ييسء إىل إنسان‪ ،‬فيطلب منه العفو واملغفرة‪ .‬وذاك قد‬
‫يغفر له وقد ال يغفر‪ .‬وقد يرتكب شخص جريمة فيطلب العفو واملغفرة ممن أجرم بحقهم‪.‬‬
‫وقد تفرض احلكومة عىل شخص رضائب فيطلب ذلك الشخص أن ُيعفى منها أو من‬
‫بعضها‪ ،‬عايشنا هذا اللون من العفو واملغفرة فظننا أن مغفرة اهلل من هذا القبيل‪ ،‬يظلم‬
‫لترض ٍع أ ّداه أو قطرة دم ٍع‬
‫ّ‬ ‫أحدهم ويذنب ويفسد يف األرض‪ ،‬ثم يرى أن اهلل سيغفر له‬
‫َ‬
‫ذرفها‪ ،‬هل هذه مغفرة اهلل يف قوله سبحانه‪َ ( :‬و َس ِار ُعوا ِإلى َم ْغ ِف َرةٍ ) أم هي يشء آخر؟‬
‫إن الغفران يعني التئام جرح وملء فراغ‪ .‬قد تُصاب ذراعك بجرح عميق‪ ،‬عندئذ يعطوك‬
‫الشق الذي تركه يف اجلسم‪.‬‬
‫ضام ًدا وأدوية كي يلتئم اجلرح‪ ،‬لكي ينمو ما حول اجلُرح ويمأل ّ‬
‫هذا َم َثل رضبناه للتشبيه‪ ،‬إذ إن روحكم مثل جسم‪ ،‬ينزل هبا ُجرح مع كل ذنب‪ ،‬ذلك ألن‬
‫الروح من شأهنا أن تتسامى وتتكامل‪ .‬وكل ذنب يعيق الروح خطوة عن احلركة عىل طريق‬
‫السمو والكامل‪.‬‬
‫ّ‬
‫جرحا بالروح وتشكل عقبة يف مسري اإلنسان نحو «غاية‬
‫ً‬ ‫الذنوب كبريها وصغريها تُنزل‬
‫اآلمال»‪ .‬هذا الذنب حيتاج اآلن إىل غفران‪.‬‬
‫ما معنى الغفران؟ إنه يعني معاجلة هذا اجلرح وإزالة آثاره‪ .‬هذا هو الغفران‪ .‬ويتم هذا‬
‫السمو واالرتفاع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بتاليف ما أنزله الذنب يف الروح من انتكاس‪ ،‬ودفعها نحو‬
‫اإلیامن (‪41n )1‬‬

‫تصوروا أنكم ركبتم سيارة نحو مقصد معني‪ .‬ولو أنكم توقفتم أكثر من‬ ‫ولنرضب ً‬
‫مثل آخر‪ّ .‬‬
‫الالزم يف منتصف الطريق‪ ،‬فإنكم ستكونون قد تأخرتم عن الوصول‪ ،‬ماذا تفعلون لتاليف‬
‫هذا التأخري‪ ،‬ستزيدون من رسعتكم يف السري‪ ،‬وسوف متتنعون عن املزيد من االسرتاحة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتغذون السري دون توقف‪ ،‬لتتالفوا هذا التأخري‪ .‬وال حيصل هذا التاليف باجللوس يف مقهى‬
‫رب إين أخطأت وهتاونت‪ ..‬هذا ال ينفعكم شي ًئا‪ ،‬البد‬
‫عىل قارعة الطريق وترديد القول‪ّ :‬‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫من اإلرساع يف احلركة لتاليف ذلك التأخري‪ .‬ومثل ذلك طلب مغفرة ّ‬
‫ّ َ َّ‬
‫لرب العاملني فهو «الغ ّفار»‪َ ( :‬و ِإنِی ل َغف ٌار) ‪،1‬‬
‫هذا بالنسبة إىل املذنب واستغفاره‪‌،‬أما بالنسبة ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫اب َو َآم َن َو َع ِم َل َص ِال ًحا ث َّم ْاه َت َدى)‪..‬‬
‫ال ير ّد توبة التائبني‪ ،‬بل يقبل التوبة من عباده‪ِ ( :‬ل َمن ت َ‬

‫ويعمقون إيامهنم به‪ ،‬وهيتدون إىل طريق‬


‫ّ‬ ‫يضمد جرح املجروحني‪ ،‬حني يعودون إليه‪،‬‬
‫ّ‬
‫الكامل‪ ،‬ويتسابقون عىل هذا الطريق‪ ..‬هذا هو املفهوم السامي للمغفرة‪ .‬ال تأيت املغفرة من‬
‫اهلل سبحانه دونام سعي من أجل نيل هذا اللطف اإلهلي‪.‬‬
‫ك ّلنا نطمع أن يغفر لنا ر ّبنا ويدخلنا جنته‪ ،‬يف دعائنا نعرب عن هذا الطموح‪ ..‬بل أكثر من‬
‫عم‪ ..‬من احلور العني وحلم الطري إىل غري‬ ‫ِ‬
‫ذلك نذكر ما نأمل احلصول عليه يف اجلنة من ن َ‬
‫ذلك‪ .‬لكن اهلل سبحانه يقول إن هذه اجلنّة «أعدت للمتقني» إهنا هلذه املجموعة من البرشية‪.‬‬
‫الس ّر ِاء َو ّ‬
‫ون فی َّ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الض ّر ِاء)‪ ..2‬يف ال ُعرس وال ُيرس‪ .‬هذا من رشوط‬ ‫َ ُ‬
‫ومن هم املتقون؟ (ال ِذین ی ِنفق ِ‬
‫التقوى‪ .‬اإلنفاق هو بذل املال‪ ،‬ولكن أن يكون البذل يسدّ حاجة حقيقية‪.‬‬
‫فقد يبذل أحدهم املاليني‪ ،‬وقد يكون ظاهر هذا البذل يف سبيل اخلريات‪ ،‬لكنه ال يسدّ ثغرة‬
‫َُ ُ‬ ‫ُ‬
‫أعامل يف تعبري القرآن الكريم‪( :‬ق ْل َه ْل نن ِّب ُئك ْم‬ ‫وال يل ّبي حاجة‪ ،‬فيكون صاحبه من األخرسين ً‬
‫َ‬ ‫ین َأ ْع َم ًالا ‪َّ #‬الذ َین َض َّل َس ْع ُی ُه ْم فی ْال َح َیاةِ ُّالد ْن َیا َو ُه ْم َی ْح َس ُب َ‬
‫ون ُص ْن ًعا)‪.3‬‬ ‫ون أ َّن ُه ْم ُی ْحس ُن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ْال َأ ْخ َسر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ماسة للمجتمع‪ ،‬ورضورة كرضورة املاء واهلواء‪ ،‬فإذا أنفقت يف غري هذه‬
‫هناك حاجات ّ‬
‫احلاجات فقد أتلفت مالك‪ .‬إذن اإلنفاق ال يستطيع أن يقوم به إالّ األذكياء الواعون‪.‬‬

‫‪1‬ـ طه‪82 /‬‬


‫‪2‬ـ آل عمران‪136 - 134 /‬‬
‫‪3‬ـ الكهف‪104 - 103 /‬‬
‫‪ n42‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ین ال َغ ْیظ)‌ما معنى كظم الغيظ؟ إنه عدم االنسياق وراء األحاسيس‪ ،‬إنه حتكيم‬
‫( َو الك ِاظ ِم َ‬

‫يعب عن املؤمنني‬
‫العقل يف الظروف كلها‪ ،‬غري أن الغيظ أحيانًا يقرتن بالعقل‪ ،‬فالقرآن ّ‬
‫ْ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫بأهنم‪( :‬أ ِش ّد ُاء َعلى الكف ِار ُر َح َم ُاء َب ْی َن ُه ْم)‪ 1‬هنا الشدّ ة من مظاهر الغيظ‪ .‬حني يقول القرآن‬
‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ین ال َغ ْیظ) فإنه ال يدين غيظ األمة عىل من جيب أن تغتاظ منه‪ ،‬بل يطلب‬
‫الكريم‪َ ( :‬والك ِاظ ِم َ‬

‫أن ال تنطلق مواقف اإلنسان وأعامله من الغيظ‪‌ .‬وكظم الغيظ غري ترك الشدّ ة يف املواقف‬
‫الالزمة‪ .‬إنه السيطرة عىل األحاسيس كي يكون العمل مقرونًا بالعقل واإلدراك‪.‬‬
‫َ َ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عم صدر من الناس من زالّت‪ .‬وهذا العفو من التقوى‪ ‌..‬من‬
‫( َو الع ِافین ع ِن الن ِاس) العفو ّ‬
‫مظاهر اإلنسان الذي يستهدف أن يعيش يف الساحة االجتامعية إلنقاذ املذنبني‪‌ .‬رشط أن‬
‫يكون ما صدر عن اخلاطئ ال يعدو أن يكون ز ّلة‪ .‬أما ما كان عن عناد وجلاج فمن الصعب‬
‫أن يعفو اهلل عنه‪ ،‬فام بالك بعباد اهلل‪ ،‬غري أن العفو عن زالت الناس هو من اإلحسان‪َ ( :‬و‬
‫ْ‬
‫اهلل ُی ِح ُّب ال ُم ْح ِس ِنین)‪.‬‬
‫ُ‬
‫َ َّ َ َ َ َ ُ َ َ ً َ ْ َ َ ُ َ ْ ُ َ ُ ْ َ َ‬
‫اهلل َف ْاس َت ْغ َف ُر وا ِل ُذ ُن ِوب ِه ْم)‬
‫ك ُر وا َ‬ ‫احشة أو ظلموا أنفسهم ذ‬ ‫ومن عالئم املتقني‪( :‬و ال ِذین ِإذا فعلوا ف ِ‬
‫فالبقاء يف عامل الغفلة ال يطول‪ ،‬بل رسعان ما يتن ّبه املتقي وخيرج من وادي الغفلة‪ .‬ويف‬
‫ّ‬ ‫َ‬‫ََ َ‬ ‫َّ‬
‫َ َّ ُ َ‬ ‫َ‬‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َّ َ ْ َ‬ ‫َ َّ‬
‫ّ َ‬
‫ان تذك ُر وا) ُ‬
‫ذكر‬ ‫موضع آخر يقول سبحانه‪ِ( :‬إن ال ِذین اتقوا ِإذا مسه ْم ط ِائف ِمن الش ْیط ِ‬
‫‪2‬‬

‫اهلل حرب ٌة بيد املتقني يف مواجهة الشيطان‪ .‬إنه حبل نجاة نعتصم به لننجو من الورطة التي‬
‫يد ّبرها لنا أعداء وعينا‪ .‬ذكر اهلل له قيمته الكربى‪« .‬فاستغفروا لذنوهبم» سعوا ألن تلتئم‬
‫جراح روحهم جراء ذنوهبم‪ .‬وهذا ال يكون إالّ باللجوء إىل اهلل سبحانه‪َ ( :‬و َمن َی ْغ ِف ُر ُّالذ ُن َ‬
‫وب‬ ‫ّ‬
‫اهلل)‪ .‬السعي من العبد والقبول من اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫إ َّلا ُ‬
‫ِ‬
‫َ َ ْ ُ ُّ َ َ َ َ َ ُ‬
‫حيول الز ّلة إىل ذنب يصعب عالجه‪ .‬وهؤالء الذين‬ ‫(ولم ی ِصر وا على ما فعلوا) فاإلرصار ّ‬
‫ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يصوا عىل ما ارتكبوه من ذنب ويسعون للتخ ّلص من لوثتهم (أ ْول ِئ َك َج َز ُآؤ ُهم َّمغ ِف َرة‬ ‫مل ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّمن َّر ّبه ْم َو َج َّن ٌ‬
‫ین)‪ :‬أجر العاملني‪..‬‬ ‫ات َت ْجری ِمن َت ْح ِت َها الأ ْن َه ُار َخا ِل ِد َین ِف َیها َو ِن ْع َم أ ْج ُر ال َع ِام ِل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫‌فالعمل من املسائل اهلامة يف املفاهيم اإلسالمية‪.‬‬

‫‪1‬ـ الفتح‪29 /‬‬


‫‪2‬ـ األعراف‪201 /‬‬
‫اجللسة الثانية‬
‫اإلميان (‪)2‬‬
‫اجلمعة ‪ 3‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/6/29‬هجرية مشسية‬
‫َ‬ ‫َّ َ ْ ُ ْ ُ َ َّ َ َ ُ َ ُ َ ْ ُ ُ‬
‫اهلل َو ِجلت قل ُوب ُه ْم َو ِإذا‬ ‫كــر‬ ‫(ِإنما المؤ ِمنون ال ِذین ِإذا ذ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُتل َی ْت َع َل ْیه ْم َآی ُات ُه َز َاد ْت ُه ْم إ َ ً َ َ ّ َ َ ّ َ‬
‫َ‬
‫یمانا َوعلى ر ِب ِه ْم یت َوكلون ‪#‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الصل َاة َوم َّما َر َز ْق َن ُ‬
‫اه ْم ُینف ُق َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُ ُ َ َّ‬
‫ون ‪ #‬أ ْول ِئ َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِذین ی ِقیمون‬
‫َ َّ ْ ََْ ٌَ َ ٌْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ون َحقا ل ُه ْم َد َر َجـ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُه ُم ْال ُم ْؤم ُن َ‬
‫ـات ِعند ر ِب ِهم ومغ ِفرة و ِر زق‬ ‫ِ‬
‫(األنفال‪)4-2 /‬‬ ‫یم)‬ ‫َكر ٌ‬
‫ِ‬

‫َ َ‬ ‫َُ َ‬
‫( َی ْسألون َك َع ِن الأنف ِال)‪ 1‬األنفال هي الثروات التي تتعلق بعامة املسلمني‪ ،‬كالذي غنمه‬
‫املسلمون يف احلرب ‌‪ ،‬والغابات‪ ،‬والسهول واملراتع الكبرية واملناجم‪ ،‬وبعبارة أخرى هي‬
‫الثروة التي ال تتعلق بفرد خاص ومجاعة خاصة‪ ،‬بل هي ملك املسلمني مجيعهم‪.‬‬
‫يف غزوة بدر نال املسلمون غنائم‪ ،‬واختلفوا يف ملكية هذه الغنائم‪ ،‬وجاؤوا إىل الرسول(ص)‪،‬‬
‫َّ ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫فنزلت اآلية الكريمة‪( :‬ق ِل الأنفال هلِل َو الرس ِ‬
‫ول) ما معنى «هلل» يعني أهنا ليست ملكًا لواحد‬
‫من عباد اهلل‪ ،‬وما هو هلل يعني يف الواقع أن ُينفق عىل طريق األهداف اإلهلية‪ .‬وليس هلل‬
‫سبحانه حاجة يف هذه األموال‪ ،‬إنام هي يف احلقيقة أموال لعباد اهلل‪ ..‬جيب أن تنفق يف طريق‬
‫املصالح العامة التي عينها سبحانه‪ .‬وهذا هو معنى «هلل»‪.‬‬
‫وما معنى «والرسول»؟ هل الرسول(ص) قطب يف مقابل اهلل؟ طب ًعا ال‪ .‬ولكن ذلك يعني‬
‫تعيني مركزية قوية تكون ق ّيمة عىل أمور الناس‪ ،‬وإذا مل تتعني هذه املركزية فإن أية مجاعة‬
‫من املدّ عني مللكية هذه األنفال سيقولون ّ‬
‫إن هذه هي أموال اهلل‪ ،‬ونحن عباد اهلل‪ ،‬فهي‬

‫‪1‬ـ األنفال‪1 /‬‬


‫‪ n46‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫املهمة؟ هو‬
‫املخول هلذه ّ‬
‫ّ‬ ‫يعي كيفية توزيعها‪ .‬ومن هو‬ ‫أن ّ‬
‫يتول عن اهلل َم ْن ّ‬ ‫ملكنا‪ .‬إذن البدّ ْ‬
‫ً‬
‫رسول ونب ًيا‪ ،‬بل باعتباره يم ّثل احلكومة اإلهلية‪‌.‬وحني‬ ‫«الرسول»‪ .‬والرسول هنا ال باعتباره‬
‫يتوىف الرسول يتوىل ذلك اإلمام‪ ،‬أي احلاكم اإلهلي‪ ،‬ويف عرص عدم تويل اإلمام املعصوم‬
‫حكوم َة األمة‪ ،‬فإن الذي يدير أمور األنفال والثروات العامة هو اإلمام العادل الذي بيده‬
‫زمام احلكومة اإلسالمية‪.‬‬
‫ُ‬
‫ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َین)‬
‫َ‬ ‫ات َب ْین ُك ْم َو َأ ِط ُیعوا َ‬
‫اهلل َو َر ُسول ُه ِإن‬ ‫اهلل َو َأ ْصل ُحوا َذ َ‬
‫( َف َّات ُقوا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعد تعيني ملكية األنفال‪ ،‬يذكر سبحانه ثالثة واجبات للمؤمنني‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫ومر بنا ذكر معنى التقوى يف اجللسة األوىل‪.‬‬
‫األول‪ :‬تقوى اهلل‪( :‬فاتقوا اهلل)‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الثانية‪ :‬إصالح ذات البني‪َ ( :‬و أ ْص ِل ُحوا ذ َات ِب ْی ِنك ْم) جتاوزوا ما بينكم من اختالفات لصالح‬
‫يتفوهون بغري احلقيقة عليهم أن يك ّفوا عن مواقفهم‪ .‬اقضوا عىل‬
‫احلقيقة‪‌ ،‬أولئك الذين ّ‬
‫حجة ليثريوا الشقاق والنزاع‪ .‬إذا كنتم أهل حرب‬
‫االختالفات‪ .‬هناك من يبحثون عن أدنى ّ‬
‫العدو‪ ،‬ال أن تشتبكوا مع ذات بينكم‪ .‬مع إخوانكم‪ ..‬مع أصدقائكم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فحاربوا‬
‫التوصية الثالثة تتضمن القيام بكل عمل صالح وجتنّب كل عمل طالح‪َ (‌ :‬و َأ ِط ُیعوا َ‬
‫اهلل َو‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫َر ُسول ُه)‪.‬‬
‫ُ‬
‫ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ین)‪ .‬اإليامن ما وقر يف القلب من ارتباط فكري وعقدي ونفيس بمصدر‬ ‫( ِإن‬
‫معني‪ .‬واإليامن ليس هذا فحسب‪ ،‬فاإليامن ليس ما وقر يف القلب فقط‪ ،‬بل البدّ أن يصدّ قه‬
‫العمل‪ .‬فاإليامن احلقيقي البدّ أن يقرتن بام يفرضه اإليامن من التزام‪ .‬الذي يستطيع أن يقول‬
‫ِ‬
‫واجلاحد هلل تعاىل‪ .‬كيف‬ ‫أنا مؤمن باهلل هو من كانت حياته وترصفاته ختتلف عن الـم ِ‬
‫نكر‬ ‫ُ‬
‫يدّ عي اإليامن من ال خيتلف عن الـم ِ‬
‫نكر؟ كالمها ظاملان‪ ،‬كالمها غارقان إىل األذقان يف‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫املاديات‪ ،‬كالمها عىل استعداد ألن يسحقا كل فضيلة من أجل أن يظال يومني أكثر عىل قيد‬
‫احلياة‪ ،‬ومن أجل أن يأكال لقمتني أكثر ثم يمآلن اجلو بالرائحة العفنة‪ ،‬ومن أجل راحة‬
‫يومني‪ .‬مع فارق هو أن ِ‬
‫املنكر يقوهلا رصاحة إين ال أؤمن باهلل‪ ،‬وهذا يدعي اإليامن‪ .‬أي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل َو َر ُسول ُه) ليس‬
‫إيامن هذا؟!! اآلية الكريمة تقول برصاحة إن رشط اإليامن هو ( َو أ ِط ُیعوا َ‬

‫يف هذا البيان استدالل عقيل كي تعرتيه شبهة‪ .‬أطيعوا أوامر اهلل‪.‬‬
‫اإلیامن (‪47n )2‬‬

‫وما هي أوامر اهلل سبحانه؟ هي ما قرره اهلل سبحانه من التزامات ومسؤوليات وتكاليف‬
‫وواجبات بشأن عالقة اإلنسان بأخيه اإلنسان‪ ،‬وعالقة اإلنسان باهلل‪ ،‬وعالقة اإلنسان‬
‫باحليوان وبالنبات‪ ،‬إذا كنت مطي ًعا هلذه املنظومة من األوامر تستطيع أن تقول‪ :‬إين مؤمن‪،‬‬
‫البدّ أن جيد هذا اإليامن ما يصدّ قه من عمل يف اللسان واليد واجلوارح‪ ،‬وإالّ فال جدوى‬
‫هلذا اإليامن‪.‬‬
‫اآليات التالية تذكر صفات املؤمنني ورشوط اإليامن‪:‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ْ َ‬ ‫َّ َ ْ ُ ْ ُ َ َّ َ َ ُ َ ُ َ ْ ُ ُ‬
‫اهلل َو ِجلت قل ُوب ُه ْم َو ِإذا ت ِل َیت َعل ْی ِه ْم َآیات ُه َز َادت ُه ْم ِإ َیمانا َو َعلى‬ ‫( ِإنما المؤ ِمنون ال ِذین ِإذا ذ ِ‬
‫كر‬
‫َّ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ ُ َ َ ًّ‬ ‫َر ّبه ْم َی َت َوَّك ُل َ‬
‫ون ‪ #‬ال ِذین ی ِقیمون الصلاة و ِمما ر زقناهم ی ِنفقون ‪ #‬أول ِئك هم المؤ ِمنون حقا) مخس‬ ‫ِِ‬
‫صفات ُذكرت للمؤمنني‪ ،‬قد ال تتوفر هذه مجي ًعا فينا‪ ،‬لكننا جيب أن نسعى من أجل حت ّققها‬
‫يف وجودنا‪.‬‬
‫َ ُ َ ُ َ ْ ُُ‬
‫اهلل َو ِجلت قل ُوب ُه ْم) والوجل هو اخلوف‪ .‬وما معنى هذا اخلوف‪ ،‬هل هو‬ ‫األوىل‪ِ ( :‬إذا ذ ِ‬
‫كر‬
‫من نوع اخلوف الذي يعرتي املتهم حينام يقف أمام القايض؟ أم هو من نوع ألطف؟ إذا كان‬
‫من النوع األول‪‌،‬فقد يقول قائل‪ :‬أنا مل أرتكب ذن ًبا فال معنى أن أخاف من اهلل‪ .‬ألن اخلائف‬
‫أمام القايض هو من ارتكب ذن ًبا‪ ،‬وإذا كان بري ًئا فال داعي للخوف‪ ،‬غري أن اخلوف من اهلل‬
‫هو من نوع آخر‪ ،‬أنه خوف ناتج عن معرفة‪‌.‬حني يقف اإلنسان أمام ذات عظيمة وحقيقة‬
‫جليلة فإنه يصاب بالرهبة‪ .‬طبيعة اإلنسان تقتيض أن يقف مرهو ًبا أمام املوجود العظيم‪.‬‬
‫هنا الرهبة ليست خو ًفا‪ ،‬قد ال يعرتيه أي خوف من ارتكاب ذنب‪ ،‬لكنها الرهبة الناجتة عن‬
‫إحساس بالعظمة وشعور ِ‬
‫بالص َغر أمام تلك العظمة‪ .‬هذا الوجل من اهلل مطلوب ومفيد‪.‬‬
‫إنه يشعر أنه أمام اجل ّبار املهيمن‪ ،‬ويدفعه ذلك إىل االلتزام بام أمره اهلل وينتهي عام هنى عنه‪،‬‬
‫وهذا أكرب ضامن تنفيذي للحركة والسعي لدى اإلنسان املسلم واملجتمع املسلم‪.‬‬
‫قائم يبكي أمام اهلل بكاء احلزين‬ ‫هلذا نرى أمري املؤمنني علي ًا(ع) حني ينتصف الليل ّ‬
‫هيب ً‬
‫يضج يف بكائه أمام‬
‫ّ‬ ‫ويتململ متلمل السليم‪ ،‬وهلذا نرى اإلمام عيل بن احلسني السجاد‬
‫اهلل‪ ،‬وهلذا نرى رسول اهلل عىل عظمته وجالله يطلب يف العرشة األخرية من شهر رمضان‬
‫رب‬
‫أن ُيطوى فراش نومه‪ ،‬ألهنا ليست ليايل نوم بل ليايل عبادة وترضع وخضوع أمام ّ‬
‫‪ n48‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫لرب العاملني‪ .‬ال كام يقول بعض اجلاهلني‪ :‬إن بكاء‬


‫العاملني‪ .‬هذه أعامل تنطلق من معرفة ّ‬
‫والترضع!! فهو ليس عند‬
‫ّ‬ ‫هؤالء العظام وترضعهم إنّام هو من أجل أن يع ّلمونا البكاء‬
‫هؤالء اجلهلة بكاء حقيق ًيا‪ ،‬بل يتظاهرون بذلك كي يع ّلمونا بذلك!! هذا خطأ وجهل‪،‬‬
‫هؤالء العظام ارتفعوا يف معرفة اهلل حتى امتألت قلوهبم بالرهبة واخلشوع واخلضوع‪،‬‬
‫يف مثل هذه احلالة ليس اهلل سبحانه لقلقة عىل اللسان‪ ،‬وليس كلمة يطلقها الفرد دونام‬
‫املسمى‪ .‬اإلنسان العارف باهلل املستشعر لعظمته هو الذي متأل‬
‫ّ‬ ‫إحساس وشعور بعظمة‬
‫اهلل ويستويل عليه الشعور بالصغر أمام عظمة اخلالق‪( :‬إ َّن َما ْال ُم ْؤم ُن َ‬
‫ون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهليبة قلبه عند ذكر‬
‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّالذ َین إ َذا ُذك َر ُ‬
‫اهلل َو ِجلت قل ُوب ُه ْم)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫الثانية‪َ ( :‬و ِإذا ت ِل َی ْت َعل ْی ِه ْم َآیات ُه َز َادتـ ُـهـ ْـم ِإ َیمانا) اإليامن يف القلب ينمو‪ ‌،‬مثل بذرة تنمو‬
‫وتتحول إىل نبتة ثم شجرة ذات جذور ضاربة يف األرض‪ ،‬بحيث ال يمكن اقتالعها‪.‬‬
‫اإليامن ال معنى له إذا كان مثل ماء راكد ال حراك فيه‪ .‬اإليامن املتزعزع‪ ..‬اإليامن الذي‬
‫هزة أو ن ََزق مراهقة أو غريها يمكن أن ُيقتلع يف يوم من األيام‪.‬‬
‫يتزلزل ويتناقص عىل أثر ّ‬
‫احلق ليس كذلك‪ ،‬إذ إن قلبه يتلقى الكلمة الصادقة‪ ،‬واملوعظة الصائبة‬
‫املؤمن الصادق ّ‬
‫بتفكّر وتد ّبر فيزداد إيامنًا‪.‬‬
‫أيضا أن إيامن اإلنسان يزداد بتالوة القرآن الكريم‪ .‬وهذا‬
‫ومما تفيده هذه اآلية الكريمة ً‬
‫يدحض قول القائلني بأننا ال نستطيع أن نفهم القرآن‪ ،‬وأن عقولنا ال تبلغ هذا الفهم‪،‬‬
‫وبذلك يرفضون تفسريه وترمجة معانيه‪ .‬لو كان األمر كذلك فكيف تعمل التالوة عىل‬
‫زيادة اإليامن؟! يظهر من ذلك أن القرآن ليس جمموعة رموز وطالسم‪ .‬القرآن كتاب جتب‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ْ َ‬
‫قراءته من أجل فهمه‪ ،‬وفهمه هبدف تقوية اإليامن وزيادته‪َ ( :‬و ِإذا ت ِل َیت َعل ْی ِه ْم َآیات ُه َز َادت ُه ْم‬
‫ً‬
‫ِإ َیمانا)‪ .‬هذه هي الصفة الثانية‪.‬‬
‫ون) من خصال املؤمنني التوكل عىل اهلل سبحانه‪ ‌.‬ما هو التوكل؟‬ ‫الثالثة‪َ ( :‬و َع َلى َر ّبه ْم َی َت َوَّك ُل َ‬
‫ِِ‬
‫هل يعني الوقوف مكتويف األيدي‪ ،‬وإيكال األمر إىل رب العاملني؟ ال‪ ،‬ليس هذا معنى‬
‫التوكل‪ ،‬من ال ّ‬
‫يسخر طاقاته ألداء ما عليه من تكاليف والتزامات ومسؤوليات‪‌ ،‬وينتظر‬
‫املعجزة اإلهلية‪ ،‬فليس بمتوكل‪.‬‬
‫اإلیامن (‪49n )2‬‬

‫هذا النوع من التوكل رفضه القرآن حني حتدث عن بني إرسائيل بلغة التأنيب إذ قالوا‪:‬‬
‫َ‬
‫اه َنا قاع ُد َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫نت َو َر ُّب َك فقاتلا إنا َه ُ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ون)‪ .1‬جالسون يف زاوية ينتظرون الفتح ليأتوا بعد‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫(فاذهب أ‬
‫ذلك إىل الغنيمة مرسعني‪ .‬هذا الترصف مرفوض بعيد عن اإلنسانية‪ ،‬وال يليق باملؤمنني‪ .‬ما‬
‫يدور عىل األلسن أحيانًا من قول‪ :‬بأن اهلل سبحانه هو الذي جيب أن يصلح األمور‪ ،‬وليس‬
‫بمقدور عباد اهلل أن يفعلوا شي ًئا‪ ،‬فهو خطأ‪ .‬لو أن عباد اهلل ال يستطيعون أن يفعلوا شي ًئا ملا‬
‫أرسل األنبياء والرسل‪ ،‬وملا دعا الناس إىل اتّباعهم‪ .‬بعث اهلل سبحانه األنبياء برسالة ثقيلة‬
‫إىل ساحة املعركة يف هذا العامل ليقتلعوا جذور الفساد‪ ،‬وهم (عليهم السالم) من جنس‬
‫البرش‪ ،‬إذن اعلموا أن الفساد البرشي البد أن ُيقتلع بيد البرش‪.‬‬
‫فام معنى التوكل إذن؟ التوكل هو االعتامد عىل اهلل وعقد األمل عليه يف كل األحوال‪.‬‬
‫والتوكل هبذه الصورة يبعد مفهو َمه عن حالة التخدير وجيعل منه عامل حركة واندفاع‪.‬‬
‫أولئك الذين يواجهون أزمات ومواقف حرجة‪‌ ،‬ويتعرضون لعدوان‪ ،‬ويرون يف الوقت‬
‫نفسه أهنم عاجزون عن معاجلة األزمة بالوسائل االعتيادية يتخذون عدة مواقف‪:‬‬
‫العدو‪ ،‬يقولون‪ :‬ما دمنا عاجزين عن املواجهة‪ ،‬فالبد من االستسالم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إما أن يستسلموا أمام‬
‫العدو عىل الظاهر‪ ،‬ولكن‬
‫ّ‬ ‫وإما أن يستسلموا أمام الظروف القائمة‪ ،‬هؤالء مل ينبطحوا أمام‬
‫للعدو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫انجرافهم مع األوضاع القائمة إنام هو يف الواقع استسالم‬
‫وإما أن يقرروا إهناء مسرية حياهتم‪ ،‬فيلجأون إىل االنتحار‪.‬‬
‫ثم حني يرى الضغوط اهلائلة التي تفرضها عليه قوى‬ ‫ثمة من ّ‬
‫يتول أمور احلكم يف بلد معني ّ‬
‫مترد وشغب يف بالده هنا وهناك‪،‬‬
‫اهليمنة العاملية‪ ،‬وما تثريه هذه القوى كل يوم من أعامل ّ‬
‫حني يعجز عن اختاذ املوقف الذي خيرجه من الضائقة يلجأ إىل االنتحار‪.‬‬
‫هذه هي الطرق التي تواجه اإلنسان البعيد عن اهلل سبحانه حني يواجه طري ًقا مغل ًقا‪ ،‬إما أن‬
‫العدو‪ ،‬وإما أن ينجرف مع ظروف الواقع املفروض‪ ،‬وإما أن ينهي‬
‫ّ‬ ‫يرفع يد االستسالم أمام‬
‫حياته باالنتحار‪ .‬لكن اإلنسان السائر عىل طريق اهلل ينفتح أمامه‪ ،‬حني يواجه طري ًقا مغل ًقا‪،‬‬

‫‪1‬ـ املائدة‪24 /‬‬


‫‪ n50‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ٌ‬
‫سبيل آخر‪ .‬ما هذا السبيل؟ إنه‪ :‬التوكل‪ .‬يقول إين مؤمن بأن اهلل سبحانه سيجعل من بعد‬
‫رسا‪ ،‬وستنفتح أمامي سبل اجتياز الطريق املغلق‪ .‬فليس هناك لدى اهلل طريق مغلق‪،‬‬
‫ُعرس ُي ً‬
‫وتتيس السبل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فبقدرته تنفتح املغاليق‬
‫هل هناك طريق مغلق أكثر مما واجهه املسلمون يف غزوة « ُأ ُحد»؟ حني كان نفر من جيش‬
‫املسلمني منشغلني بجمع الغنائم‪ ،‬ش ّن عليهم جيش املرشكني هجو ًما من جانبني‪ .‬ذاك‬
‫العدو الغاضب‬
‫ّ‬ ‫العدو املرت ّبص‪ ،‬فواجه هجوم‬
‫ّ‬ ‫النفر ترك سالحه لينال الغنيمة ً‬
‫غافل عن‬
‫املسلح‪ .‬ويف هذه األثناء شاع خرب مقتل رسول اهلل(ص)‪ ،‬وهذا ما تفعله جبهة الشيطان عادة‬
‫لتثبيط عزيمة املؤمنني‪ ،‬يشيعون بأن األمر قد انتهى وال فائدة من املقاومة‪ ،‬لكن املتوكلني ال‬
‫جراء ما أصاب املسلمني من هزيمة‪ .‬يرون‬
‫يعبأون هبذه احلرب النفسية‪ ،‬بل وال يرتاجعون ّ‬
‫أن توكلهم عىل اهلل سبحانه سوف خيرجهم من املأزق‪ ،‬ويفتح هلم ما انسدّ من طريق‪ .‬ويف‬
‫أحد ّفر َمن ّفر‪ ،‬وثبت من ثبت وهم املتوكلون‪ .‬هذا هو التوكل‪.‬‬
‫ُ‬
‫يفسون معنى التوكل بأنه الوقوف دون حراك أمام املستقبل املجهول رافضني‬
‫أولئك الذين ّ‬
‫اإليامن بالطاقات الكامنة يف اإلنسان‪ ،‬ويفهمونه عىل أنه شطب إرادة اإلنسان وقدرته‪ ،‬هؤالء‬
‫معنى للرشف اإلنساين‪.‬‬ ‫َ‬
‫يعون ً‬ ‫إما أهنم مل يفهموا معنى التوكل‪ ،‬أو أهنم يفهمونه ولكنهم ال‬
‫يريدون حتريف معنى التوكل كي ينتزعوا من الناس أهم عامل من عوامل الصمود عىل‬
‫ادهلمت اخلطوب‪ :‬اإلنسان حي ّلق بجناحني قويني يف مساعي حياته‪ :‬األول‬
‫طريق احلق مهام ّ‬
‫العدو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الصرب‪ ،‬والثاين التوكل‪ .‬ومن يمتلك هذين اجلناحني ينجو من سهام‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الصل َاة) أرجو االنتباه إىل الفرق بني «يص ّلون»‬
‫َ ُ ُ َ َّ‬
‫الرابعة‪ :‬من صفات املؤمنني‪( :‬ال ِذین ی ِقیمون‬
‫َ‬
‫الصل َاة) لو كانت اآلية تقصد بإقامة الصالة أداء ما فيها من ركوع وسجود‪،‬‬
‫ُ ُ َ َّ‬
‫و (ی ِقیمون‬
‫َ‬
‫الصل َاة) والكتفت اآلية بتعبري «يص ّلون» فام معنى «إقامة الصالة»؟‬
‫ُ ُ َ َّ‬
‫ملا لزم تعبري (ی ِقیمون‬
‫هناك أكثر من احتامل ملعنى اآلية‪ ،‬وقد تكون كلها صحيحة‪.‬‬
‫األول‪ :‬أن تؤدي الصالة بصورهتا الشاملة الكاملة‪ .‬هذا أحد معاين اإلقامة‪ ،‬ومنه قوله‬
‫ً‬ ‫ََ‬
‫تعاىل‪(:‬فأ ِق ْم َو ْج َه َك ِل ّ ِلد ِین َح ِنیفا)‪ 1‬أي توجه للدين بشكل كامل وبجميع جوانبه‪ .‬ولو ُأديت‬

‫‪1‬ـ الروم‪30 /‬‬


‫اإلیامن (‪51n )2‬‬

‫حتم إىل الفالح والنجاح‪( .‬ولقد حتدثت يف ذلك‬


‫الصالة بكل معانيها وتعاليمها ألدى ذلك ً‬
‫املسجد‪ 1‬بالتفصيل قبل أسابيع عن عطاء الصالة)‪َ .‬م ْن أدى الصالة حق أدائها هتون عليه‬
‫املشاكل والصعاب‪.‬‬
‫ولقد سمعتم يف حياة أولياء الدين أهنم إذا واجهتهم شدّ ة يلجأون إىل الصالة‪ .‬سمعتم أن‬
‫رسول اهلل(ص) حني تتفاقم األزمات واملصاعب يقول‪« :‬أرحنا يا بالل»‪ .‬أو يقول‪ِ :‬‬
‫«أبرد‬
‫ِ‬
‫أبرد يا بالل»‪ 2‬ففي الصالة الراحة وفيها الربد والسالم‪ .‬ومن املؤكد أن املؤمنني ينالون ما‬
‫وعدهم اهلل سبحانه إن أقاموا الصالة هبذا املعنى‪.‬‬
‫االحتامل اآلخر من إقامة الصالة‪ ،‬هو أن املؤمنني يقيمون الصالة يف جمتمعاهتم‪ .‬بعض الناس‬
‫ينرصفون إىل إقامة صلواهتم ونوافلهم الفردية دون االهتامم باحلالة الدينية يف جمتمعاهتم‪.‬‬
‫يقولون نحن مك َّلفون بأن نؤدي واجبنا بأداء الصالة‪ ،‬فال شأن لنا باآلخرين‪ .‬مك ّلفون بأن‬
‫ننقذ أنفسنا من الغرق‪ ،‬وهذا أقىص ما نستطيع‪ ،‬فال يسعنا إنقاذ اآلخرين‪ .‬هذا اللون من‬
‫هم الدين عىل الصعيد االجتامعي‪.‬‬ ‫التفكري ليس من اإليامن يف يشء‪ .‬اإليامن يكتمل حني ُ‬
‫حتمل ّ‬
‫أرجو أن ال ينرصف ذهنكم إىل قوالب األلفاظ‪ ،‬وأن ال تفهموا من إقامة الصالة يف املجتمع‬
‫أن جتعل تاركًا للصالة مؤد ًيا هلا‪ ،‬بل افهموا إقامة الصالة أن جتعل املجتمع مرتب ًطا باهلل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اك ن ْع ُب ُد َو إ َّی َ‬
‫اك ن ْس َت ِع ُ‬ ‫وبطريق اهلل سبحانه‪ .‬أن جتعل املجتمع يعبد اهلل دون سواه‪( :‬إ َّی َ‬
‫ین) وأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يكون اعتامد املجتمع عىل اهلل دون سواه‪ ،‬وأن يتربأ من أئمة الفساد املغضوب عليهم ومن‬
‫أتباعهم الضالني‪ .‬هذه هي إقامة الصالة‪.‬‬
‫ولو اجته السعي نحو إقامة الصالة هبذا املعنى فذلك يعني السعي عىل طريق عبودية املطلق‬
‫احلق‪ ،‬والسعي القتالع جذور الفساد‪ ،‬والعمل عىل إزالة أصنام الذاتية ِل ِ‬
‫لق وحدة اجتامعية‬
‫وإنسانية بني املسلمني وبني أبناء البرشية مجيعهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫اخلامسة‪ :‬اإلنفاق (و ِمما ر زقناهم ی ِنفقون)‪ ،‬يف موضوع اإلنفاق حتدثت من قبل ً‬
‫كثريا‪ ،‬وهنا‬
‫أكتفي بالقول إن اإلنفاق ملء الفراغات وسدّ االحتياجات‪ .‬لو جئتم لطالء جدران مسجد‬

‫‪1‬ـ يف مسجد الكرامة بمدينة مشهد‪.‬‬


‫‪2‬ـ من ال حيرضه الفقيه‪ ،‬أبواب الصالة وحدودها‪‌،‬باب مواقيت الصالة‪ ،‬ح ‪.672‬‬
‫‪ n52‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫أساسا‪ ،‬فليس ذلك بإنفاق‪ ،‬ألن اجلدران ليست بحاجة هنا إىل طالء‪ ،‬فاإلنفاق ما‬
‫مطيل ً‬
‫هو ّ‬
‫يسدّ ثغرة ويل ّبي حاجة‪.‬‬
‫وما معنى «مما رزقناهم»؟ أي مما رزقهم اهلل سبحانه من مال‪ ،‬ومن ُعمر‪ ،‬ومن ولد‪ ،‬ومن‬
‫جاه‪ ،‬ومن إمكانيات بدنية وفكرية وبيانية‪ ،‬ينفقون من كل هذا الرزق وهذه من صفات‬
‫املؤمنني‪.‬‬
‫أهيا الساعي فيام تراه إنفا ًقا؟ هل ما متدّ ه من موائد غنية بألوان الطعام والرشاب‪ ،‬وتدعو‬
‫إليها املورسين هو من االنفاق؟! ويا أهيا اخلطيب الذي جتهد نفسك يف احلديث وتبذل‬
‫تتفوه به هو إنفاق‪ ،‬أم البدّ أن ُيبذل هذا اجلهد فيام حيتاجه‬
‫طاقتك يف اخلطاب‪ ،‬هل كل ما ّ‬
‫لتتوسط هلذا وذاك‪ ،‬هل فكرت يف‬
‫ّ‬ ‫املخاطبون؟ ويا َم ْن تنفق من ماء وجهك ومن مكانتك‬
‫رشط اإلنفاق؟ وأنت يا من تبذل املال باسم الدين‪ ،‬هل ذهب هذا املال ملعاجلة ٍ‬
‫حتد أو ملء‬
‫هدرا؟‬
‫فراغ‪ ،‬أم ذهب ً‬
‫َ َّ ْ ََْ ٌَ َ ٌْ َ‬
‫ك ِر ٌیم) وأرجو أن تتذكروا‬ ‫ات ِعند ر ِب ِهم ومغ ِفرة و ِر زق‬ ‫( ُأ ْو َلئ َك ُه ُم ْال ُم ْؤم ُن َ‬
‫ون َح ًّقا َّل ُه ْم َد َر َج ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ما قلت بأن املغفرة من اهلل سبحانه تتجه نحو التئام ما نزل بالروح من إصابات وجروح‪.‬‬
‫وهلؤالء املؤمنني مغفرة‪ ،‬وهلم رزق كريم رشيف‪ ،‬دونام ذلة واستجداء‪.‬‬
‫تفحصت حياته لرأيته قاب ًعا يف ذ ّلة وعار‬
‫قد ُيرى جمتمع أنه يعيش يف رفاه ورغد‪ ،‬لكنك لو ّ‬
‫ومسكنة‪ .‬املجتمع الذي يعيش برفعة ورشف و ُطهر يف حياته هو املجتمع املؤمن الذي يتمتع‬
‫برزق كريم‪ .‬كل الشعارات التي تطلقها املدارس األرضية بشأن كرامة الشعوب وبشأن‬
‫السالم واحلرية والرفاه تتحقق يف املجتمع املؤمن‪ ،‬ال بالرصاع وسفك الدماء بل باألخوة‬
‫والتكافل وبرفع املستوى الثقايف ألفراد ذلك املجتمع‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫اجللسة الثالثة‬
‫اإلميان الواعی‬
‫السبت ‪ 4‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/6/30‬هجرية مشسية‬
‫َّ ْ َ َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫(إ َّن فی َخ ْلق َّ‬
‫الن َه ِار‬ ‫اف اللی ِل و‬ ‫ات َوالأر ِض َواخ ِتل ِ‬ ‫الس َم َاو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اهلل ق َی ًاما َو ُق ُعوداً‬
‫ون َ‬ ‫ك ُر َ‬‫َّ َ َ ْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ّ ُْ‬
‫ِ‬ ‫اب ‪ #‬ال ِذین یذ‬ ‫ات ِلأو ِلی الألب ِ‬‫لآی ٍ‬
‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫ات والأر ِض‬ ‫َوعلى ُجن ِوب ِه ْم َو َیتفك ُر ون فِی خل ِق الـ ّـسـ َـمـ َـاو ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫َر َّبـ َـنــا َمــا َخل ْق َت َه ـذا َبـ ِـاطــلا ُس ْب َح َان َك َف ِق َنا َع ــذ َاب َّالن ِار)‬
‫(آل‌عمران‪)191-190 /‬‬

‫من آية سورة البقرة تتبني عدة حقائق أخرى يف دائرة اإليامن‪.‬‬
‫لرسل اهلل وأتباعهم هي اإليامن‪ ،‬هي االعتقاد برسالتهم‪ .‬وهنا‬
‫األوىل‪ ،‬أن اخلصلة البارزة ُ‬
‫الفرق الكبري بني القادة اإلهليني وسائر حكام العامل‪ .‬القائد اإلهلي يؤمن بأقواله وبمسريته‬
‫من أعامق وجوده‪ :‬بينام سائر ساسة العامل قد يطلقون الشعارات الرباقة بأساليب جذابة‪،‬‬
‫لكنهم بام يقولون ال يؤمنون‪ ،‬أو ال حيملون يف قرار أنفسهم مايلزم من إيامن‪.‬‬
‫فكرا إحلاد ًيا‬
‫يروى أن أحد زعامء أكرب بلدان الكتلة الرشقية ــ وهو من الطبيعي حيمل ً‬
‫ويرفض كل مدرسة غري املدرسة املادية ــ زار اهلند بعد إعالن استقالهلا‪ ،‬ليستقطب قلوب‬
‫حترروا حدي ًثا‪ .‬لقد أثار دهشة اهلنود حني رأوا أن هذا الزعيم‬
‫املاليني من اهلنود الذين ّ‬
‫الشيوعي حيمل عىل جبهته صورة «تيالك»‪ .‬وتيالك زعيم روحي هندويس يعترب من قادة‬
‫حركة حترير اهلند‪.‬‬
‫باملناسبة قادة حترير اهلند كانوا مجي ًعا‪ ،‬خالل تسعني عا ًما من حركة التحرير‪ ،‬رجال دين‪.‬‬
‫منهم املسلمون مثل موالنا شاه حممود دهلوي (وموالنا لقب يطلق عىل رجال الدين مثل‪:‬‬
‫‪ n56‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫سامحة الشيخ‪ ،‬وآية اهلل) وموالنا حممود احلسن‪ ،‬وموالنا أبو الكالم آزاد‪ ،‬وموالنا حممد‬
‫عيل‪ ،‬وموالنا شوكت عيل‪ .‬ومنهم غري املسلمني من رجال الدين مثل املهامتا غاندي‪ ،‬وهو‬
‫من أتباع مدرسة روحية هندية قديمة‪.‬‬
‫أعود إىل حديثي وأقول إن «تيالك» زعيم روحي هندي‪‌،‬تويف قبل حترير اهلند‪ ،‬لكنه ارتسم‬
‫يف أذهان اهلنود باعتباره قائدً ا روح ًيا لتحرير اهلند‪ .‬وبعد استقالل اهلند‪ ،‬يأيت هذا الزعيم‬
‫الشيوعي ليتظاهر أمام اهلنود بوالئه لتيالك!! مع كل ما حيمله هذا الشيوعي من فكر‬
‫يتناقض متا ًما مع روحانية تيالك‪.‬‬
‫هذا هو شأن الساسة الذين ال حيملون مسؤولية إيامنية جتاه مدرستهم‪ ،‬أما األنبياء فهم‬
‫مؤمنون برسالتهم بكل وجودهم‪ .‬يقفون يف الصف األمامي فيام يدعون إليه‪ .‬ال يدعون‬
‫الناس إىل هدف دون أن يكونوا يف طليعة الساعني إليه‪ ،‬ليسوا من النوع الذي يطلبون من‬
‫حق الناس‬
‫شعبهم أن يضحي ويبذل وهم يف رغد من العيش ماكثون دونام حراك‪‌ .‬من ّ‬
‫يف هذه احلالة أن يشككوا يف نوايا هؤ الء الزعامء‪ ،‬من حقهم أن يقولوا‪ :‬لو كنتم صادقني‬
‫أيضا إىل الساحة‪.‬‬
‫لنزلتم أنتم ً‬
‫القادة اإلهليون حيملون راية الدعوة يف مقدمة الصفوف‪ .‬إبراهيم اخلليل يؤكد أنه يف طليعة‬
‫ََ ْ َ ُ ْ‬
‫من استسلم لرب العاملني‪َ ( :‬و أنا أ َّول ال ُم ْس ِل ِم َ‬
‫ین)‪ .1‬رسول اهلل(ص) كان مع الصحابة خيوض‬
‫معارك اإلسالم مع الرشك‪ ،‬والقى ما القى يف سبيل الدعوة‪ ،‬وكان يف مقدمة الصحابة‬
‫حتم ًل لألذى واملشاق‪ .‬هذه هي من خصائص األنبياء والسائرين عىل طريقهم‪ .‬مؤمنون‬
‫ّ‬
‫الر ُس ُول ب َما ُأنز َل إ َل ْیهِ من َّر ّبــهِ َو ْال ُم ْؤم ُن َ‬
‫ون‬ ‫بكل وجودهم‪ ،‬وعاملون بام هم به مؤمنون‪َ (:‬آم َن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ‬
‫لآئك ِتهِ َوك ُت ِبهِ َو ُر ُس ِلهِ )‪ .2‬إهنا قافلة واحدة تسري عىل طريق واحد‪ ،‬وبقيادة‬ ‫ك ٌّل َآم َن ِب ِ‬
‫اهلل وم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫واحدة‪ ،‬وجتاه هدف واحد‪( :‬لا نف ّ ِرق َب ْی َن أ َح ٍد ِّمن ّر ُس ِلهِ )‪ ،‬وهذه العبارة األخرية هي عىل‬
‫لسان املؤمنني‪ .‬األنبياء حمرتمون بأمجعهم إبراهيم وعيسى وموسى ويعقوب وجرجيس‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫يبشون كلهم بمرشوع واحد‪( :‬لا نف ّ ِرق َب ْی َن أ َح ٍد ِّمن ّر ُس ِلهِ )‪.‬‬
‫ونوح و‪ّ ..‬‬

‫‪1‬ـ األنعام‪163 /‬‬


‫‪2‬ـ البقرة‪285 /‬‬
‫اإلیامن الواعی ‪57n‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬‫َ‬
‫( َوقالوا َس ِم ْع َنا َوأ َط ْع َنا) أي تلقينا رسالة األنبياء بوجودنا ك ّله‪ ،‬و«سمعنا» أي فتحنا منافذ‬
‫فهمنا ووعينا‪« ،‬وأطعنا» والسياق يعني أن هذه اإلطاعة متّت عن وعي وفهم‪ ،‬وليست‬
‫إطاعة عمياء‪ .‬وماذا يتوقع املؤمنون بعد أن استوعبوا رسالة األنبياء‪ ،‬وانخرطوا فيها عمل ًيا؟‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬
‫يتوقعون الغفران‪( :‬غف َران َك َر َّب َنا َو ِإل ْی َك ال َم ِص ُیر)‪ ،‬وسنتحدث عن هذا املصري يف بحثنا عن‬
‫املعاد يف هذه السلسلة من األحاديث بإذن اهلل‪.‬‬
‫مما تقدم فهمنا أن اإليامن من خصائص املنتمني إىل الدعوة اإلسالمية‪َ .‬م ْن كان إ ّمعة‪ ،‬من‬
‫يقول أنا مع الناس أينام ذهبوا فهو ليس من دائرة املؤمنني‪ .‬البد أن يكون لإلسالم والقرآن‬
‫مكانة خاصة يف قلوب املؤمنني وعقوهلم‪ ،‬البد أن تستويل العقيدة عىل شغاف قلوهبم وحتيي‬
‫أفئدهتم بنور اإلسالم‪ .‬هذا هو األمر األول‪.‬‬
‫واألمر الثاين‪ ،‬أن هناك من يرتبط بالدين عن تقليد وعصبية‪ ،‬هؤالء رأوا آباءهم عىل طريقة‬
‫وهم عىل آثارهم مقتدون‪ ،‬دونام برهان ودليل‪ .‬واملتعصبون يرتبطون بالدين دونام وعي‬
‫وإدراك‪ ،‬وتراهم خيالفون الدين أحيانًا ألهنم يرون ما ساور ذهنهم هو الدين‪ .‬ال يعبأون بام‬
‫والتعصب قد يطال من تتوقع منه أن‬
‫ّ‬ ‫يقوله اهلل ورسوله بل يتمسكون بام رسخ يف أذهاهنم‪.‬‬
‫يكون عىل مستوى أرقى من الفهم‪ .‬وهذا مشهود يف أوساطنا اليوم‪ .‬ومثل هؤالء منغلقون‬
‫عىل أنفسهم‪ ،‬ال ينفتحون عىل اآلخر‪ ،‬بل يرون ما يفعلونه هو الصواب‪ ،‬وما يفعله اآلخر‬
‫مرفوض عندهم‪ ،‬دونام دليل‪.‬‬
‫والبد من التأكيد عىل أن اإليامن يف اإلسالم ال يكون عن تقليد أو تعصب‪ ،‬فمثل هذا‬
‫اإليامن ال قيمة له يف ميزان الدين املبني‪ .‬وهو عرضة للزوال أو االنحراف‪ .‬األخطار التي‬
‫هتدد اإليامن اإلسالمي اليوم كثرية‪ ،‬والسهام املوجهة إىل معتقدات املسلمني هائلة‪ ،‬وال‬
‫يمكن لإليامن التقليدي أن يصمد أمامها‪ .‬البد من إيامن راسخ قائم عىل أساس وعي‬
‫وشعور وإدراك كي يصمد أمام اإلغراءات والشبهات‪ .‬كام ال يمكن حرص املجتمع خلف‬
‫العدو املرت ّبص‪ ،‬فالبدّ أن يكون إيامن األمة عن شعور وانتخاب‬
‫ّ‬ ‫جدران ال يصل إليها تأثري‬
‫ووعي كي يقاوم التحديات‪ .‬إذا أردنا احلفاظ عىل اإليامن عن طريق منع الفرد عن كل مؤثر‬
‫ً‬
‫راسخا‪،‬‬ ‫خارجي‪ ،‬فهو مستحيل اليوم‪ ،‬البد من إيامن قائم عىل انتخاب واع‪ ،‬عندئذ سيكون‬
‫‪ n58‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫وسيكون ملن حيمل هذا اإليامن مثل مواقف املسلمني األوائل كعامر بن يارس وخباب بن‬
‫األرت وأمثاهلام‪ ،‬ال يرتاجع مهام واجه من مصائب ومصاعب ومغريات‪.‬‬
‫توضح لنا اإليامن الواعي‪.‬‬
‫وهذه آيات من أواخر سورة آل عمران ّ‬
‫ْ‬
‫الأل َ‬ ‫ات ّ ِل ُأ ْ‬ ‫َّ ْ َ َّ‬
‫الن َهار َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َّ َ َ َ َ‬
‫الأ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َّ‬
‫اب)‪ 1‬آيات اهلل ال‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ی‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫لآی‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ی‬ ‫الل‬ ‫اف‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫اخ‬ ‫و‬ ‫ض‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫او‬ ‫م‬‫الس‬ ‫( ِإن فِی خ ِ‬
‫ق‬ ‫ل‬
‫يستوعبها إالّ ذوو األلباب‪ ،‬إالّ أصحاب العقول املنفتحة‪ .‬وذوو األلباب ليسوا جمموعة‬
‫خاصة من البرش‪ ،‬بل إن أبناء البرشية بأمجعهم قد خلقهم اهلل سبحانه ليكونوا ذوي‬
‫ألباب‪ .‬ولكن املشكلة هي أن ِم َن الناس من ال يستخدم عقله‪ ،‬فيظل راكدً ا‪ ،‬يرتاكم عليه‬
‫الصدأ ويفقد قدرته عىل النظر الصحيح‪ .‬إذا تركت سيارتك دون حركة ملدة طويلة‪،‬‬
‫مقرصا هنا‪ ،‬بل هو عدم‬
‫ً‬ ‫فإن حمركها يصدأ‪ ،‬أو ال يعمل بشكل صحيح‪ ،‬واملحرك ليس‬
‫التشغيل واالستخدام‪ .‬أولوا األلباب هم الذين يستثريون قواهم الفكرية والعقلية‪ ،‬وال‬
‫يرتكوهنا عاطلة‪.‬‬
‫ومن هم أولو األلباب؟ قد خيطر يف الذهن بادي الرأي أهنم األذكياء السباقون يف أعامهلم‬
‫االقتصادية واإلدارية والسياسية‪ ،‬وأهنم الذين يتفوقون عىل منافسيهم يف شتى املجاالت‪.‬‬
‫القرآن يرفض هذا اللون من فهم معنى اللب وأويل األلباب‪ ،‬ويرى أويل األلباب من خالل‬
‫القيم الكربى التي مت ّيز اإلنسان‪ ،‬وهي االرتباط باهلل سبحانه‪ .‬يف تعريف أويل األلباب يقول‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫اهلل ِق َی ًاما َوق ُع ًودا َو َعلى ُج ُن ِوب ِه ْم)‪ ،‬وليس ذكر اهلل هنا عىل طريقة‬
‫ون َ‬‫ك ُر َ‬ ‫سبحانه‪( :‬ال ِذین یذ‬
‫الدراويش‪ ،‬وليس االكتفاء بلقلقة اللسان‪ ،‬بل هو الذكر الذي يستتبعه الشعور باملسؤولية‬
‫يف احلياة‪ ،‬ويدفع إىل العمل هبذه املسؤولية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ََْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ات َوالأ ْر ِض َر ّب َنا َما خلقت َهذا َب ِاطلا‬ ‫وتوضح اآلية ذلك إذ تقول‪َ ( :‬و َی َت َف َّك ُر َ‬
‫ون فی َخ ْلق َّ‬
‫الس َم َاو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ َ َ ََ‬
‫أهم حمور يف املنظومة الفكرية للمدرسة اإلسالمية هو (ر ّبنا َما‬ ‫ُس ْبحانك ف ِقنا عذ َاب الن ِار) ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫باطل‪ ،‬بل‬ ‫َخل ْق َت َهذا َب ِاطلا) هذه قاعدة للحياة الفردية واالجتامعية‪ .‬هذا الكون مل ُيلق ً‬
‫ُخلق هلدف معني ‌‪ ،‬وفق نظام معني ‌جيعل اإلنسان أمام مسؤولية‪ ،‬وأمام سلوك خاص‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪193-190 /‬‬


‫اإلیامن الواعی ‪59n‬‬

‫ينسجم مع هذا النظام اهلادف‪ .‬وإذا سار خالف هذا النظام يتعرض إىل غضب اهلل وغضب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫املنظومة الكونية‪ُ ( :‬س ْب َحان َك ف ِق َنا َعذ َاب ّالن ِار)‪.‬‬
‫إذن من خصال اإليامن التفكري يف الكون واحلياة‪ ،‬واخلروج من هذا التفكري بنتيجة هي‬
‫خاصا‬
‫ً‬ ‫أن خلق الساموات واألرض كان وفق نظام وهدف يستوجب مسؤولية وسلوكًا‬
‫ينسجم مع هذا النظام‪ ،‬و َم ْن خرج عن هذا النظام فإنه مهزوم ال حمالة‪ ،‬إذ ال يوجد يف الكون‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫من حيميه وينرصه‪َ ( :‬ر َّب َنا إن َك َمن ت ْدخل ّ‬
‫الن َار فق ْد أ ْخ َز ْی َت ُه َو َما ِللظ ِال ِم َ‬
‫ین ِم ْن أ َ‬
‫نص ٍار)‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن خصال اإليامن األخرى أن املؤمنني يستجيبون لنداء الدعوة إىل اإليامن‪ ،‬سواء كان‬
‫صاحب الدعوة نب ًيا وهو الداعي الظاهر‪ ،‬أو كان التفكري والعقل وهو الداعي الباطن‪،‬‬
‫َ َ َّ‬
‫فهم يتجهون إىل اإليامن عن وعي وتعقل‪ ‌.‬وهذا هو اإليامن املطلوب يف اإلسالم‪ّ ( :‬ر ّب َنا ِإن َنا‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ان أ ْن ِآم ُنوا ِب َر ِّبك ْم ف َآم ّنا) فقد استجبنا لنداء التكوين‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َُ ً َُ‬
‫س ِمعنا من ِادیا ین ِادی ِل ِلإیم ِ‬
‫ويف سياق اآليات التي تذكر اإليامن القائم عىل الوعي‪ ،‬ورفض ذلك اإليامن املقرون بالتقليد‬
‫والتعصب‪ ،‬يذم القرآن أولئك الذين يلغون قدرة تفكريهم ويرفضون ترك ما ألفوه من هنج‬
‫یل َل ُه ْم َت َع َال ْو ْا إ َلى َما َأ َنز َل ُ‬
‫اهلل‬ ‫حتى لو كان ذلك النهج ال يقوم عىل علم وال عىل هدى‪َ ( :‬و إ َذا ِق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ ُ َ ‪1‬‬
‫َ َ َّ ُ َ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ ً َ َ‬
‫ول قالوا حسبنا ما وجدنا علیهِ آباءنا أولو كان آباؤهم لا یعلمون شیئا ولا یهتدون) ‪.‬‬ ‫و ِإلى الرس ِ‬
‫هؤالء هم الرجعيون واملتحجرون اجلامدون القابعون عىل ما ألفوه من عادات وتقاليد‬
‫رب العاملني‪ .‬وهؤالء ال يمكن أن‬
‫موروثة حتى لو كانت متعارضة مع العلم ومع هداية ّ‬
‫يكونوا يف زمرة املؤمنني‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬

‫‪1‬ـ املائده‪104 /‬‬


‫اجللسة الرابعة‬
‫اإلميان املعطاء‬
‫األحد ‪ 5‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/6/31‬هجرية مشسية‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اهلل َح ّق ِج َه ِادهِ ُه َو ْاج َت َباك ْم َو َما َج َع َل َعل ْیك ْم‬ ‫ُ‬
‫( َو َج ِاهدوا فِی ِ‬
‫اك ُم ْال ُم ْس ِل َ‬‫ْ َ َ ّ َّ َ َ ُ ْ ْ َ َ ُ َ َ َّ ُ‬ ‫ّ‬
‫مین‬ ‫الد ِین ِمن حر ٍج ِملة أ ِبیكم ِإبر ِاهیم هو سم‬ ‫فِی ِ‬
‫َ ْ ُ َ َ َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ ً َ ُ َ ُ ُ ُ‬
‫ید َعل ْیك ْم َوتكونوا ش َه َد َاء‬ ‫ِمن قبل وفِی ه اذ ِلیكون الرسول ش ِه ا‬
‫ك َاة َو ْاع َ‬‫َّ َ َ َ ُ َّ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َّ‬
‫اهلل ُه َو‬‫ِ ِ‬‫ب‬ ‫وا‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ص‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫الز‬ ‫وا‬ ‫آت‬‫و‬ ‫اة‬ ‫ل‬ ‫الص‬ ‫وا‬ ‫یم‬‫ُ‬ ‫ق‬‫ِ‬ ‫أ‬‫الن ِاس ف‬ ‫على‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َْ ُ َ‬
‫(احلج‪)78 /‬‬ ‫اك ْم ف ِن ْع َم ال َم ْولى َو ِن ْع َم ّالن ِص ُیر)‬ ‫مول‬

‫من املس َّلم به أن اإليامن يف رأي القرآن ليس ً‬


‫أمرا قلب ًيا فحسب‪ ،‬صحيح أن اإليامن اعتقاد‪،‬‬
‫املجرد‬
‫واالعتقاد يرتبط بالقلب‪ ،‬لكن القرآن ال يؤيد كل لون من اإليامن‪ ،‬ال يؤيد اإليامن ّ‬
‫الذي ال تظهر آثاره عىل جوارح املؤمن وأعضائه‪ .‬ال قيمة هلذا اإليامن يف املنظور اإلسالمي‪.‬‬
‫لو كان هلذا اإليامن قيمة لكان إبليس أول املؤمنني‪ .‬لقد كان إبليس قبل خلق آدم من‬
‫تعرضت عبادته المتحان عميل‪ .‬ولذلك اخرتنا حلديثنا عنوان‪:‬‬
‫العابدين‪ ،‬لكنه سقط حني ّ‬
‫اإليامن املعطاء‪ .‬اإليامن مثل نبع يفيض بالعمل‪ .‬اإليامن البد أن يقرتن بااللتزام وبالعمل‬
‫وبالشعور باملسؤولية‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬
‫الص ِال َح ِات)‪ .‬وبدون‬ ‫ذكر اإليامن يف القرآن مقرون بالعمل الصالح‪ِ( :‬إ ّن ال ِذ َین َآم ُنوا َو َع ِملوا‬
‫ُ‬
‫هذا االقرتان ال ينفع اإليامن شي ًئا ال يف الدنيا وال يف اآلخرة‪.‬‬
‫حتس يف وجودك بالتزام ّ‬
‫فشك يف إيامنك‪ .‬واملجتمع غري امللتزم بام ُيلزمه اإليامن فليس‬ ‫إذا مل ّ‬
‫بمجتمع مؤمن‪ .‬املجتمع املؤمن هو الذي يشعر باستعالء اإليامن ولذلك قال سبحانه‪َ ( :‬و‬
‫َ ‪1‬‬ ‫ُ‬
‫ك ُنتم ُّم ْ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ْ َُ َ َ ُُ َ‬
‫الأ ْع َل ْو َ‬
‫مسلم مل تتحقق فيه‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫ع‬
‫ً‬ ‫جمتم‬ ‫رأيت‬ ‫وإذا‬ ‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫ین‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ؤ‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫لا ت ِهنوا و لا تحزنوا و أنتم‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪139 /‬‬


‫‪ n64‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫مقولة «األع َلون»‪ ،‬بل هو يف ّ‬


‫أحط درجات الذلة واالنحطاط واخلضوع فاعلم أنه ّ‬
‫ختل عن‬
‫العلو يف عرص ظهور‬
‫ّ‬ ‫العمل وعن حتمل مسؤوليات اإليامن‪ .‬ال تقل إنّا موعودون بتحقق‬
‫اإلمام املهدي املنتظر (صلوات اهلل عليه)‪ ،‬فالوعد اإلهلي هذا يتحقق يف زمان املهدي ويف‬
‫كل زمان يقرتن فيه اإليامن بالعمل‪.‬‬
‫كاف ًيا يف اإليامن‪ ،‬لكان أبو هلب والوليد بن املغرية‬ ‫(ص)‬
‫لو كان اإلقرار بنبوة رسول اهلل‬
‫أقروا ّ‬
‫أن ما سمعوه من كالم النبي ليس بكالم برش‪،‬‬ ‫املخزومي من أول املؤمنني‪ .‬ذلك أهنم ّ‬
‫أقروا بذلك مذعنني‪ ،‬وأخربوا رهطهم بذلك‪ ،‬ولكننا ال نعتربهم مؤمنني‪ ،‬ألن مثل هذا‬
‫لقد ّ‬
‫اإليامن ال قيمة له بسبب عدم التزامهم بلوازم اإليامن‪.‬‬
‫لو كان القبول القلبي كاف ًيا يف اإليامن لكان عمرو بن العاص من أول املوالني ألمري املؤمنني‬
‫شعرا‪،1‬‬
‫عيل (عليه السالم)‪ .‬ألنه شهد الغدير أو سمع خربه ممن رآه‪ ،‬وأنشد يف أمري املؤمنني ً‬
‫وروي أنه شعر بام ارتكبه من جرائر لدن حرضته الوفاة فقال‪« :‬أصلحت ملعاوية دنياه‪،‬‬
‫عيل ُرشدي حتى حرضين أجيل»‪ .‬فابن‬
‫وأفسدت ديني‪ ،‬آثرت دنياي وتركت آخريت‪ُ ،‬ع ّمي ّ‬
‫احلق مع عيل (عليه السالم)‪ ،‬لكن هذا اإليامن مل يقرتن بالعمل‪ ،‬فكان‬
‫العاص كان مؤمنًا بأن ّ‬
‫مع معاوية يف حربه مع عيل (عليه السالم)‪.‬‬
‫نعود إىل أنفسنا ونقول‪ :‬نحن مؤمنون باإلسالم وبنبي اإلسالم وبـإمامة أمري املؤمنني‪ ،‬فهل‬
‫نحن ملتزمون بلوازم هذا اإليامن؟‬
‫إذا مل يكن إيامننا مقرونًا بااللتزامات العملية‪ ،‬فال يمكن أن نتوقع أن ينالنا عطاء اإليامن‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫يقول سبحانه‪( :‬الذ َین َآم ُنوا َو ل ْم َیلب ُسوا إ َیمان ُهم بظلم أ ْولئ َك ل ُه ُم الأ ْم ُن َو ُهم ُّم ْه َت ُد َ‬
‫ون)‪‌.2‬اإليامن‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫غري املقرون بااللتزام‪ ،‬والذي ال يدفع إىل نرصة املؤمنني‪ ،‬فليس عطاؤه مضمونًا‪ ،‬وليس من‬
‫طبيعة الكون أن ينرص صاحبه‪.‬‬
‫ثمة أفكار موهومة أشيعت يف أوساطنا‪ ،‬ولقيت ترحي ًبا من النفوس التي متيل إىل البطر‬
‫والراحة واالسرتخاء‪ ،‬وتتجه هذه األفكار إىل التبشري باجلنة دونام عمل وفق معادالت‬

‫‪1‬ـ أورد العالمة األميني يف كتابه «الغدير» قصيدة لعمرو بن العاص يرد فيها عىل معاوية‪.‬‬
‫‪2‬ـ األنعام‪82 /‬‬
‫اإلیامن املعطاء ‪65n‬‬

‫خاطئة‪ .‬عىل سبيل املثال ثمة تفسري خاطئ ملعنى الشفاعة يغري اإلنسان بالكسل وترك‬
‫العمل‪ ،‬بينام أئمة أهل البيت (عليهم السالم) يؤكدون يف مواقف كثرية أن شفاعتنا ال تُنال‬
‫إال بالعمل‪.‬‬
‫احلق واحلقيقة‬
‫اإلمام السجاد عيل بن احلسني (عليه السالم) كان يعمل بشكل دائب العتالء ّ‬
‫يف املجتمع‪ ،‬ثم يقف أمام اهلل خاش ًعا مترض ًعا باك ًيا يناجي ر ّبه بأعذب املناجاة‪ ،‬فيسأله أحدهم‪:‬‬
‫يوضح اإلمام أن ما‬
‫الترضع والبكاء؟! ّ‬
‫ّ‬ ‫إنك ابن رسول اهلل وابن بنت نبيه‪ ،‬فلامذا كل هذا‬
‫وترضع هو جلالء الروح‪ ،‬ولشحذ العزيمة‪ ،‬ولزيادة االرتباط بمصدر‬
‫ّ‬ ‫يصدر عنه من بكاء‬
‫والعزة أي اهلل سبحانه‪ .‬ثم يقول للسائل‪َ « :‬د ْع عنّي حديث أيب وأمي وجدّ ي‪ ..‬اجلنة‬
‫ّ‬ ‫القوة‬
‫للمطيعني»‪ .1‬هذه هي املعادلة الصحيحة لدخول اجلنة العمل وفق ما أراده اهلل سبحانه‪.‬‬
‫تأكيدنا عىل مسألة ارتباط اإليامن بالعمل سببه هو الذهنية التي سادت منذ قرون بشأن‬
‫رواجا يف‬
‫ً‬ ‫ترض معه معصية وانحراف وعدم التزام‪ ،‬والقت‬
‫ما قيل إن اإليامن أمر قلبي ال ّ‬
‫األوساط املرختية البطرة الالهثة وراء العافية‪ .‬ولعل بداية شيوع هذه الذهنية كانت عىل يد‬
‫معاوية بن أيب سفيان‪ .‬أوىص حني حرضته الوفاة أن توضع يف كفنه أشياء قال عنها إهنا من‬
‫أثر رسول اهلل(ص)‪ :‬لباسه وقالمة أظافره ويشء من شعره‪ ..‬هذا الذي ارتكب ما ارتكب يف‬
‫حياته من أعامل خالف فيها كتاب اهلل وسنّة رسوله وسار باملسلمني باإلثم والعدوان يتوقع‬
‫هبذه الطريقة أن ينال شفاعة الرسول!!‬
‫لسنني طويلة جرت حماوالت إشاعة فكرة اإلسالم بدون عمل‪ ،‬واإليامن بدون عمل‪،‬‬
‫وأن دليل اإليامن يكمن يف القلب ال بالعمل‪ ،‬بينام القرآن الكريم يكرر القول أن لطف اهلل‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫سبحانه ال يناله إال العاملون‪ ،‬وغري العاملني ليسوا بمؤمنني ( َو َما أ ْول ِئ َك بال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ین)‪.2‬‬ ‫ِ‬
‫نعود إىل آيات سورة احلج املذكورة يف بداية املحارضة‪.‬‬
‫( َیا َأ ُّی َها َّالذ َین َآم ُنوا ْار َك ُعوا َو ْاس ُج ُدوا َو ْاع ُب ُدوا َر َّب ُك ْم َو ْاف َع ُلوا ْال َخ ْی َر َل َع َّل ُك ْم ُت ْفل ُح َ‬
‫ون)‪ ،3‬ترى هل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪1‬ـ مناقب آل أيب طالب‪ ،‬باب إمامة عيل بن احلسني‪ ،‬فصل يف زهده‪.‬‬
‫‪2‬ـ النور‪47 /‬‬
‫‪3‬ـ احلج‪77 /‬‬
‫‪ n66‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫بمنطق هذه اآلية يتحقق الفالح دون ركوع وسجود وعبادة وفعل اخلريات؟!‬
‫َ‬
‫اهلل َح ّق ِج َه ِادهِ ) ولكلمة «حق جهاده» معنى كبري‪ ،‬إهنا تعني أن يكون العمل‬ ‫ُ‬
‫( َو َج ِاهدوا فِی ِ‬
‫يف سبيل اهلل عىل رأس قائمة أعاملنا واهتامماتنا‪ .‬أن ال نغرق يف األعامل اليومية واهلموم‬
‫رب‬
‫كبريا يتناسب مع عظمة ّ‬
‫رب العاملني‪ ،‬أن يكون عملنا ً‬
‫الصغرية وننسى مسؤوليتنا أمام ّ‬
‫العاملني‪ ،‬وأن تكون مهومنا كبرية تتناسب مع عظمة الرسالة اإلسالمية‪.‬‬
‫َُ ََْ ُ‬
‫اك ْم) هذا االجتباء أو االنتخاب ألمة اإلسالم يعني أهنا خمتارة حلمل أعباء‬ ‫(هو اجتب‬
‫الرسالة واجلهاد حق جهاده‪ .‬ليس هذا االجتباء من النوع الذي ذهب إليه اليهود معتقدين‬
‫أهنم شعب اهلل املختار‪ ،‬لقد ذ ّم القرآن أولئك الذين يعتقدون أهنم أحباء اهلل وأولياؤه بل‬
‫أبناؤه‪ ،‬فال تنال والية اهلل إال بالعمل‪ .‬لقد شاء اهلل سبحانه أن خيتار أمة اإلسالم ملهمة‬
‫كربى‪ ،‬كام اختار قبل اإلسالم بني إرسائيل هلذه املهمة الكربى‪.‬‬
‫نحن اليوم إذا أردنا أن نوكل مهمة كبرية لشخص فإننا نختار األقوى ُبنية واألكفأ ً‬
‫عمل‬
‫مهة‪ .‬فإذا استطاع أن ينهض هبذه املهمة فقد فاق األقران‪ .‬وإن مل يفعل فال فضل‬
‫واألكثر ّ‬
‫له عىل اآلخرين‪ .‬واجتباء أمة اإلسالم ومن قبلها بني إرسائيل هو من هذا القبيل‪ .‬بل إن‬
‫ْ‬
‫التخيل عن محل املهمة كام ختلت بنو إرسائيل يؤدي إىل ما قاله القرآن الكريم عنهم‪ُ ( :‬ض ِربَت‬
‫َ َ ْ ُ ّ َّ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َ‬
‫الذلة َو ال َم ْسكنة َو َبآؤ ْوا ِبغض ٍب ِّم َن ِ‬
‫اهلل)‪.1‬‬ ‫علی ِهم ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الد ِین ِم ْن َح َر ٍج) مهام عظمت املسؤولية فهي عىل مستوى ما منحه اهلل‬ ‫( َو َما َج َع َل عل ْیك ْم فِی ِ‬
‫لإلنسان من طاقات‪ ،‬فلم يك ّلفه فوق طاقته‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ‬
‫اك ُم ال ُم ْس ِل َ‬
‫مین ِمن ق ْب ُل) إشارة‬ ‫( ِّملة أبیك ْم إ ْب َر ِاه َ‬
‫یم) إنه دين إبراهيم (عليه السالم) (هو سم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ ً‬ ‫ُ‬
‫إىل دعاء إبراهيم‪َ ( :‬و ِمن ذ ّ ِر َّی ِت َنا أ َّمة ُّم ْس ِل َمة)‪ 2‬وهذه املسؤولية وضعناها عىل عاتقكم‪ ،‬ملاذا؟‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫(ص)‬
‫ون َّالر ُسول ش ِه ًیدا َعل ْیك ْم َو تكونوا ش َه َداء َعلى ّالن ِاس) فاملسؤول عنكم هو الرسول‬
‫(ل َیك َ‬
‫ِ‬
‫وأنتم حتملون مسؤولية البرشية مجعاء‪ .‬فاألمة املسلمة حتمل مسؤولية الشهادة عىل البرشية‬
‫كلها‪‌،‬مسؤولية قيادة الساحة اإلنسانية وإدارهتا‪ .‬أنتم قادة هذه القافلة‪ ،‬فال تغفلوا عنها‪.‬‬

‫‪1‬ـ البقرة‪61 /‬‬


‫‪2‬ـ البقرة‪128 /‬‬
‫اإلیامن املعطاء ‪67n‬‬

‫وإذ كانت هذه املسؤولية هبذا احلجم وهبذا الثقل فالبد أن تعدّ وا أنفسكم هلذه املهمة‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َُ َْ ُ‬ ‫ُ‬
‫الصل َاة َو آتوا َّ َ َ ْ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫اك ْم ف ِن ْع َم ال َم ْولى َو ِن ْع َم ّالن ِص ُیر)‪.‬‬ ‫الزكاة َو اعت ِص ُموا ِب ِ‬
‫اهلل هو مول‬ ‫(فأ ِق ُیموا‬
‫ارتبطوا باهلل عن طريق الصالة‪ ،‬وحاربوا ُش ّح نفسكم بإيتاء الزكاة‪ ،‬واعتصموا باهلل‬
‫واعتمدوا عليه وال ختشوا أحدً ا إال اهلل‪ .‬فهو موالكم وسيدكم وحارسكم (وسنتحدث يف‬
‫مناسبة أخرى عن معنى املوىل يف هذا املوضع من القرآن ومواضع أخرى)‪.‬‬
‫االلتزام بالصالة والزكاة واالعتصام بحبل اهلل من املستلزمات العملية لإليامن‪ ،‬ويف اآليات‬
‫األخرية من سورة األنفال يتكرر التأكيد عىل هذه االلتزامات‪.‬‬
‫وأما ما ذكرته اآلية ‪ 72‬من سورة األنفال‪:‬‬
‫َّ‬
‫(إ َّن ال ِذ َین َآم ُنوا َو َه َ‬
‫اج ُر وا) واهلجرة تعني االنقطاع عن ّ‬
‫كل االنشدادات الصغرية من أجل‬ ‫ِ‬
‫هدف كبري‪ ،‬من أجل االرتباط باملجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫املهاجرون األوائل انقطعوا عن ارتباطاهتم وانشداداهتم باملال واملتاع واألهل والعشرية‬
‫واجتهوا إىل املدينة‪ ،‬غري مبالني بام فعله املرشكون من هنب أمواهلم يف مكة‪ ،‬متحملني ألوان‬
‫احلرمان وأقسى املعاناة‪ ،‬غري أن املهمة كانت كبرية‪ ،‬مهمة إقامة املجتمع املسلم‪ ،‬وكل‬
‫مهاجر كان يشكل لبنة من هذا املجتمع اجلديد‪ .‬ولذلك ذكرهم القرآن هم والذين آووهم‬
‫َ‬
‫ونرصوهم من األنصار بأهنم أعضاء جبهة واحدة متحدة‪( :‬إ َّن ّال ِذ َین َآم ُنوا َو َه َ‬
‫اج ُر وا َو َج َاه ُدوا‬ ‫ِ‬
‫ََ ُ ُ َ َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل َو ال ِذ َین َآووا ّون َصر وا أ ْول ِئك َب ْعض ُه ْم أ ْو ِل َی ُاء َب ْع ٍض) فهم متآزرون‬
‫یل ِ‬ ‫ب‬ ‫بأ َمو ِاله ْم َو أ ُنف ِسه ْم فی َ‬
‫س‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعضا‪.‬‬
‫متنارصون مثلهم كمثل بنيان مرصوص يشدّ بعضه ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫( َوال ِذ َین َآم ُنوا َو ل ْم ُی َه ِاج ُر وا َما لكم ِّمن َول َای ِت ِهم ِّمن ش ْی ٍء َحتّى ُی َه ِاج ُر وا) هؤالء الذين مل يلتزموا‬
‫بام ُيلزمه اإليامن من معاناة وتضحية ليسوا منكم‪ ،‬وليست بينكم وبينهم والية حتى يلتزموا‬
‫بام يلزمهم اإليامن من مسؤوليات‪« ،‬حتى هياجروا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫‪1‬‬
‫صدق اإليامن يتبني من هذا االلتزام فاملهاجرون واملنارصون (أ ْول ِئ َك ُه ُم ال ُم ْؤ ِم ُن َون َح ّقا)‬
‫وغريهم يف ادعائهم اإليامن كاذبون‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫‪1‬ـاألنفال‪74 /‬‬
‫اجللسة اخلامسة‬
‫اإلميان وااللتزام ابملسؤوليات‬
‫االثنني ‪ 6‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/1‬هجرية مشسية‬
‫ُ‬ ‫َّ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ُ َ‬
‫اهلل َو َر ُسو ِلهِ ِل َی ْحك َم‬
‫ین ِإذا دعوا ِإلى ِ‬ ‫(ِإنما كان قول المؤ ِم ِن‬
‫ْ‬
‫ـك ُهـ ُـم ال ُم ْفل ُح َ‬
‫ون‬ ‫َب ْی َن ُه ْم َأن َی ُق ُولوا َسم ْع َنا َوأ َط ْع َنا َوأولــئـ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫اهلل َو َی ّتقهِ فأول ِئ َك ُه ُم‬ ‫اهلل َو َر ُسول ُه َو َیخش‬ ‫‪َ #‬و َمن ُیطع َ‬
‫ِِ‬
‫ون)‬‫ْال َفائ ُز َ‬
‫(النور‪)52-51 /‬‬ ‫ِ‬

‫بتغي هوى ذلك‬


‫ثمة مسألة هامة يف حقل اإليامن هي إن التزام الفرد املؤمن بإيامنه ثابت ال يتغري ّ‬
‫الفرد‪ ،‬أي أن ال يكون إيامنه مرتب ًطا بمصاحله الشخصية الضيقة‪ ،‬يلتزم باإليامن متى ما اقتضت‬
‫تلك املصلحة أن يكون مؤمنًا‪ ،‬ومتى ما تعارضت مصاحله مع اإليامن ّ‬
‫يتخل عن االلتزام‪.‬‬
‫وهنا نشري إىل أن املقصود باملصلحة الذاتية هي املصلحة العدوانية التي تدفع اإلنسان إىل أن‬
‫يضحي باملصالح العامة من أجل مصلحته‪ .‬والقرآن يرصح بأن مثل هؤالء ليسوا مؤمنني‪.‬‬
‫ّ‬
‫ذكرنا من قبل أن اإليامن جيب أن يكون مقرونًا بااللتزام‪ ،‬وإن مل يكن مقرونًا بااللتزام‬
‫منتجا ال عىل مستوى‬
‫العميل‪ ،‬أو بالعمل الصالح بالتعبري القرآين‪ ،‬فال يكون ذلك اإليامن ً‬
‫الفرد وال عىل مستوى املجتمع‪ .‬واحلقيقة األخرى أن هذا اإليامن البد أن يكون ثابتًا‬
‫ومستمرا ال أن يدور حول حمور املصالح الذاتية التي أسميناها العدوانية تفري ًقا بينها وبني‬
‫ً‬
‫املصلحة املرشوعة الطبيعية‪.‬‬
‫املؤمن من التزم بأحكام اهلل مجيعها وبصورة دائمة ومستمرة يف حياته‪ .‬واإليامن بالرسالة أن‬
‫يغي‬
‫يكون ملتز ًما بسرية رسول اهلل ‪ ،‬ال أن يظهر عليه محاس االلتزام يف ساعة الرخاء‪ ،‬ثم ّ‬
‫(ص)‬
‫‪ n72‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫عيل ويف احلروب نعامة»‪.‬‬


‫املسري يف ساعة املهام الصعبة‪ ،‬ال أن يكون «أسدٌ ّ‬
‫ُ َ‬ ‫ولقد ذم اهلل سبحانه وتعاىل اليهود الذين أخذ سبحانه ميثاقهم‪َ ( :‬لا َت ْسف ُك َ‬
‫ون ِد َم َاءك ْم َولا‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ُ َّ َ ُ ْ َ ُ َ ْ ُ ُ َ َ ُ َ ُ ْ َ ُ ْ ُ َ َ ً ّ ُ‬ ‫ُ ْ ُ َ َ ُ َ ُ ّ َ ُْ‬
‫لاء تقتلون أنفسكم و تخ ِرجون ف ِریقا ِمنكم‬ ‫تخ ِرجون أنفسكم ِمن ِدی ِاركم) ولكن (ثم أنتم هؤ ِ‬
‫دو ِان) هذا التناقض يف املواقف يذ ّمه القرآن ويقول‪:‬‬ ‫ون َع َل ْیهم بالإ ْث ِم َو ْال ُع َ‬ ‫ّمن د َیاره ْم َت َظ َ‬
‫اه ُر َ‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ون ِب َب ْع ٍض ف َما َج َز ُاء َمن َیف َع ُل ذ ِلك ِمنك ْم ِإلا ِخ ْز ٌی فِی ال َح َیاةِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ون ب َب ْعض الك َتاب َو َتك ُف ُر َ‬ ‫ََُ ْ ُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫(أفتؤ ِمن ِ ِ‬
‫ون)‪.1‬‬ ‫ون إ َلى َأ َش ّد ْال َع َذاب َو َما ُ‬
‫اهلل ب َغافل َع َّما َت ْع َم ُل َ‬ ‫ُّ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ُّ َ‬
‫ِ ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدنیا و یوم ال ِقیامةِ یرد ِ‬
‫ويف أحاديث أئمة أهل البيت كثري من مثل هذا التأكيد‪ ،‬وخاصة يف باب أحاديث األمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪.2‬‬
‫معاوية بن أيب سفيان كان يلجأ إىل املصحف متى ما اقتضت مصلحته ذلك‪ ،‬وكلكم‬
‫أيضا يستخدم فرائض الدين‬
‫تعرفون قضية رفع املصاحف عىل الرماح يف صفني‪ ،‬بل كان ً‬
‫مصلح ًيا ويؤم الناس يف الصالة!‪ ،‬وأكثر من ذلك كان ال يأبى مصلح ًيا أن يذكر فضائل‬
‫أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب(ع)‪‌ ،‬فيطلب الوافد عليه األمان فيام إذا ذكر هذه اخلصال‪،‬‬
‫فيعطيه األمان‪ ‌،‬ويبدأ الوافد بذكر فضائل اإلمام ومعاوية يؤيده!! يريد بذلك أن يستقطب‬
‫عواطف اجلامهري املوالية ألمري املؤمنني‪.‬‬
‫أما حني يرى أحكام الدين ال تتناسب مع مصاحله العدوانية‪ ،‬فإنه يضع كل قيم اإلسالم‬
‫من عدالة اجتامعية واقتصادية وسياسية وتنمية فكرية للمجتمع وراء ظهره ويعرض عنها‬
‫اإلعراض كله‪.‬‬
‫نقوم أنفسنا نحن هبذا املحك‪ ،‬ونعرف ما إذا كنا نحن‬
‫وأنا أرضب املثال بمعاوية لكي ّ‬
‫أيضا نقبل من الدين ما يتفق مع أهوائنا ونرفض ما خالف مصاحلنا الضيقة التي أسميناها‬
‫ً‬
‫املصالح العدوانية‪.‬‬
‫الدين الذي جاء به رسول اهلل(ص) هو دين التعليم والتزكية وتنمية العقول والنفوس‪:‬‬

‫‪1‬ـ البقرة‪85 - 84 /‬‬


‫‪2‬ـ انظر الكايف‪ ،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬باب األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬ح ‪ 1‬وكتاب الوايف‪ ،‬للفيض الكاشاين‪ ،‬كتاب األمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫اإلیامن وااللتزام باملسؤوليات ‪73n‬‬
‫ْ َ ُ ً ّ ْ َ ُ ْ َُْ ََْ ْ َ َ َُ ّ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ََ ْ َ ُ ََ ْ‬
‫ك ِیه ْم َو‬‫ین ِإذ َب َعث ِف ِیهم رسولا ِمن أنف ِس ِهم یتلو علی ِهم آی ِاتهِ و یز ِ‬ ‫(لقد َم ّن اهلل على ال ُم ِ‬
‫ؤم ِن‬
‫ْ ْ َ‬ ‫ُی َع ِ ّل ُم ُه ُم ْال ِك َت َ‬
‫اب َو ال ِحك َمة)‪ .1‬إنه الدين الذي يكافح ما كان َع َقب ًة أمام العقل والفهم‬
‫والوعي‪ .‬هذا هو الدين‪ ..‬إنه الصحوة والوعي والفهم والتع ّقل ال كام قال بعضهم‪:‬‬
‫«الدين أفيون الشعوب»‪ .‬ختدير الناس وإبعادهم عن قواهم العقلية وعن وعيهم ليس‬
‫من الدين بيشء‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أمرياملؤمنني عيل(ع) يقول يف حديثه عن هدف بعثة األنبياء(ع)‪« :‬ويثريوا هلم دفائن العقول»‬
‫أي تفجري الطاقات الفكرية‪ ،‬وإزالة ماران عليها من ركام العصبيات واألوهام وآثار‬
‫االضطهاد‪ .‬وكل ما كان عائ ًقا أمام هذا اهلدف فهو يتعارض مع هدف األنبياء‪.‬‬
‫خطاب األنبياء يتجه إىل فكر الناس وعقوهلم‪ ،‬وك ّلام كان فكر املخاطبني وعقلهم ّ‬
‫أدق‬
‫كان قبوهلم هلذا اخلطاب أكثر‪ .‬ومهمة األنبياء رفع املستوى الفكري والعقيل للناس‪ ،‬وكل‬
‫ما حيول دون أداء هذه املهمة فهو يتعارض مع الدين‪ .‬وأولئك الذين يريدون أن يسريوا‬
‫يف خط متعارض مع الدين يعمدون إىل جتهيل الناس وحتميقهم‪ ،‬وإبعادهم عن مصادر‬
‫معرفتهم ووعيهم‪.‬‬
‫ويف حوار بني ابن عباس ومعاوية بشأن هني معاوية عن التعامل مع القرآن‪ ،‬يقول ابن‬
‫عباس‪:‬‬
‫أتنهانا عن قراءة القرآن؟ معاوية‪ :‬ال‪ .‬ابن عباس‪ :‬أفتنهانا عن تأويله؟ معاوية‪ :‬نعم‪ .‬ويعود‬
‫مستنكرا‪ :‬نقرأه وال نسأل عام عنى اهلل به؟ جييبه معاوية بام يوحي ّ‬
‫بأن‬ ‫ً‬ ‫ابن عباس للسؤال‬
‫ابن عباس كان يقدّ م القرآن بام خيالف هوى معاوية وهدفه يف التخدير والتحميق‪ :‬سل عن‬
‫يتأوله عىل غري ما يتأوله أنت وأهل بيتك! جييبه ابن عباس‪ :‬إنام ُأنزل القرآن عىل‬
‫ذلك َم ْن ّ‬
‫أهل بيتي‪ .‬أنسأل عنه آل أيب سفيان‪3‬؟!!‬
‫ال يريد معاوية أن يرتفع الناس يف مستوى فكرهم وفهمهم‪ .‬ذلك لكي حيكم كيف شاء‪،‬‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪164 /‬‬


‫‪2‬ـ هنج البالغة‪‌،‬اخلطبة رقم ‪.1‬‬
‫‪3‬ـ كتاب سليم بن قيس اهلاليل‪ ،‬ح ‪.26‬‬
‫‪ n74‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ويفعل ما شاء‪ ،‬ولذلك نرى يف قائمة أعامله قتل الصاحلني من أمثال ُحجر بن عدي‪1‬و‬
‫اهلجري‪ ،2‬وتعامله الفظيع مع أمثال ميثم التامر‪ .3‬وكل ذلك من أجل أن حيول دون‬
‫ُرشيد َ‬
‫نمو هذا الوليد (اإلسالم) الذي مل يمض من عمره أكثر‬
‫تقدم املسرية اإلسالمية‪ ،‬ودون ّ‬
‫أن تتخ ّلف هذه املسرية‪ ..‬وحماولته لتخ ّلف‬
‫من عرشين سنة‪ .‬كان يريد إيقاف املسرية‪ ،‬بل ْ‬
‫املسرية كانت ّ‬
‫تتلخص يف مسخ أخالق الناس‪ ،‬وهو داء ما كان باإلمكان معاجلته بسهولة‪.‬‬
‫لقد حاول اخلليفة األموي عمر بن عبدالعزيز‪ 4‬بعد ثالثني سنة من ذلك أن يصلح‬
‫األمور‪ ،‬فلم يستطع‪ ،‬ومل يبقوه يف منصب اخلالفة أكثر من سنتني‪ ،‬إذ قتلوه مسمو ًما‪ .‬تروى‬
‫عم أصيبت به األمة عامة‪ ،‬وخاصة الشام التي كانت حتت سيطرة معاوية‬
‫األعاجيب ّ‬
‫مبارشة من جهل‪.‬‬
‫أذكر عىل سبيل املثال ــ وهو غيض من فيض ــ أن عبد امللك بن مروان أرسل احلجاج‬
‫حتصن يف البيت احلرام‪،‬‬
‫بن يوسف الثقفي ملحاربة عبداهلل بن الزبري‪ ،‬وكان عبداهلل قد ّ‬
‫واستطاع احلجاج أن يستويل عىل البيت احلرام وعىل جبل أبو ُقبيس املحاذي للحرم‪ ،‬فكتب‬
‫إىل اخلليفة‪ :‬أننا استعطنا بحمد اهلل أن نستويل عىل جبل أبو قبيس‪ .‬فنودي بالصالة جامعة‬
‫يف دمشق‪ ،‬واعتىل اخلطيب املنرب وأعلن أن احلجاج قائد اخلليفة قد استوىل عىل أبو قبيس‪.‬‬
‫فتعالت األصوات يف املسجد مشككة يف اخلرب وكلها تقول‪ :‬ال‪ ،‬ال نقبل هذا اخلرب إالّ أن‬
‫خمفورا‪ ،‬لنراه بأم أعيننا‪ .‬هؤالء تصوروا بأن أبو قبيس رجل‬
‫ً‬ ‫تأتونا بأبو قبيس الرافيض‬
‫رافيض يف مكة!! هكذا كان مستوى معلومات الناس وإدراكهم‪.‬‬
‫من هو املسؤول عن هذا اهلبوط يف مستوى وعي الناس؟! هل كان وعاظ السالطني من‬
‫‪1‬ـ حجر بن عدي‪ ،‬صحايب‪ ،‬زاهد ِ‬
‫ورع شجاع جماهر باحلق مقاوم للظلم‪ ،‬ومن أصحاب أمري املؤمنني عيل‪ُ ،‬قتل هو وأصحابه‬
‫يف الشام بمرج عذرا عىل يد معاوية‪.‬‬
‫‪2‬ـ رشيد اهلجري‪ ،‬صحايب ‌‪ ،‬ومن خواص أصحاب أمري املؤمنني واحلسن واحلسني‪ ،‬قتله عبيد اهلل بن زياد بالصورة التي أخربه‬
‫أمري املؤمنني‪ ،‬قطعوا يديه ورجليه وصلبوه ودفن يف العراق بني مدينتي الكوفة واحللة‪.‬‬
‫‪3‬ـ ميثم بن حييى التامر‪ ،‬من خواص صحابة أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب(ع)‪ ،‬استشهد بأمر من ابن زياد بعد قطع يديه ورجليه‬
‫ولسانه ليتربأ من عيل بن أيب طالب‪.‬‬
‫‪4‬ـ عمر بن عبدالعزيز‪ ،‬اخلليفة األموي يف عرص اإلمام السجاد‪ ،‬عرف بعدالته‪ ،‬وبمعرفته بمنزلة أهل البيت‪ .‬منع سب عيل عىل‬
‫املنابر وأعاد فدك إىل أهل البيت‪ ،‬وألغى منع كتابة احلديث‪.‬‬
‫اإلیامن وااللتزام باملسؤوليات ‪75n‬‬

‫أمثال رشيح القايض‪1‬؟! الواقع أن الذي استقطب هؤالء املأجورين ليتخذوا مواقف‬
‫معادية ملسرية القرآن هو معاوية‪ .‬فاملسؤولية بالتايل تقع عىل عاتق هؤالء من بني أمية وبني‬
‫العباس وغريهم من الذين يتظاهر ون أحيانًا بالدين!‬
‫وأعود فأقول إن القرآن ال يعترب أولئك الذين يتأرجحون بني اإليامن واإلعراض عن‬
‫اإليامن‪ ،‬ال يعتربهم مؤمنني‪‌ ،‬ويف حياتنا احلارضة أمثال هؤالء كثري‪ ،‬فاإليامن ما َو َقر يف‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬
‫الص ِال َح ِات‪ .)...‬كل ما وعده اهلل سبحانه‬ ‫القلب وصدّ قه العمل‪ِ ( :‬إ ّن ال ِذ َین َآم ُنوا َو َع ِملوا‬
‫وتعاىل للمؤمنني إنام هو للمؤمنني الذين يقرنون إيامهنم بالعمل الصالح بشكل متواصل‬
‫وبثبات عىل طريق املبدأ‪ ،‬وإذا مل نر يف إيامننا حتقي ًقا ملا وعده اهلل للمؤمنني‪ ،‬فإن ذلك يعود إىل‬
‫أن هذا اإليامن ليس من النوع الذي يتحقق فيه ما وعد اهلل املؤمنني‪.‬‬
‫أعود إىل ما أردنا الوقوف عنده من آيات‪:2‬‬
‫(لق ْد أ َنزل َنا َآی ُ ّ َ‬ ‫ََ َ ْ‬
‫ات ّم َب ِین ٍ‬
‫ات) والنص يؤكد أن آيات القرآن مبينات‪ ،‬وهذا ر ّد عىل أولئك الذين‬ ‫ٍ‬
‫َيرمون أنفسهم من فهم القرآن‪ ،‬فهم يصدّ ون عن هذا التبيني‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل َی ْه ِدی َمن َیش ُاء ِإلى ِص َر ٍاط ُّم ْس َت ِق ٍیم) وما معنى‪« :‬هيدي من يشاء إىل رصاط مستقيم»؟‬
‫( َو ُ‬

‫هل يعني أنه سبحانه يريد اهلداية لفرد وال يريدها لفرد آخر؟! هل تعني أن الفرد مسلوب‬
‫اإلرادة جتاه نيل اهلداية اإلهلية؟ كال‪ ..‬إرادة اهلل ومشيئته ــ يف األمور االعتيادية ــ ال تظهر‬
‫إالّ يف إطار العلل الطبيعية‪ .‬لو قررت أنت أن تسري عىل طريق اهلداية فإن اهلل سبحانه‬
‫تقاعست أنت عن املسري يف طريق اهلداية وأوصدت‬
‫َ‬ ‫شاء أن تسري عىل هذا الطريق‪ ،‬وإذا‬
‫أبواب الفهم واإلدراك عليك‪ ،‬فإن اهلل أراد أن ال تفهم وال تدرك‪ .‬إذا و ّفرت َ‬
‫أنت العلل‬
‫واملقدمات بإرادتك للحصول عىل املعلول ‌‪ ،‬فإن اهلل تعاىل شاء ذلك‪ .‬وإذا أنت مل تفعل‬
‫ذلك‪ ،‬فمن الواضح أن اهلل ال يريد ذلك‪ ،‬ال ّ‬
‫أن مشيئة اهلل اقتضت أن ال تريد ذلك‪ .‬أنت يف‬
‫إرادتك خمتار‪ ،‬ومعنى‪ :‬مل يشأ اهلل ذلك هو أن الع ّلة الالزمة غري متو ّفرة‪.‬‬

‫‪1‬ـ رشيح بن حارث‪ ،‬ويل قضاء الكوفة يف زمن اخلليفة الثاين‪ ،‬التحق بعبيد اهلل بن زياد بعد دخوله الكوفة‪ ،‬وأفتى هبدر دم‬
‫احلسني‪ ،‬ثم أصبح من بطانة احلجاج‪.‬‬
‫‪2‬ـ النور‪52 - 46 /‬‬
‫‪ n76‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫وملاذا نقول‪ :‬إن اهلل مل يرد ذلك حني تكون الع ّله غري حمققة‪ .‬ذلك ألن اهلل سبحانه هو موجد‬
‫العلل وهو خالق اخلواص يف العلل‪ ‌.‬إذا مددت يدك إىل نار مشتعلة‪ ،‬فإهنا حترتق‪ ،‬واهلل شاء‬
‫أن حترتق‪ .‬وإذا أبعدت يدك عن النار فإهنا ال حترتق‪ ،‬وشاء اهلل أن ال حترتق‪ .‬فاالحرتاق‬
‫حيدث حني تتوفر علته الطبيعية ‌‪ .‬وعدم االحرتاق حيدث حني مل تتوفر العلة الطبيعية‪ ،‬كأن‬
‫مل متدّ يدك إىل النار‪ ،‬أو كانت اليد مبتلة‪ ،‬أو كانت النار خافتة‪ .‬وملاذا ننسب الظواهر املرتبطة‬
‫بعلتها إىل اهلل ‌‪ .‬ذلك ألن اهلل سبحانه هو خالق العلل‪ .‬وهذا معنى «من يشاء» يف مواضع‬
‫القرآن كلها‪ .‬ولقد فصلنا القول يف ذلك يف مناسبات أخرى‪ ،‬ونكتفي هنا باإلشارة إليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ول َو أ َط ْع َنا ث َّم َی َت َولى ف ِر ٌیق ِّم ْن ُهم ِّمن َب ْع ِد ذ ِل َك) هؤالء يدّ عون اإليامن‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ ّ‬
‫( َو َیقولون َآمنا ِب ِ‬
‫اهلل َو ِبالرس ِ‬
‫باهلل وبالرسول‪ ،‬ويدّ عون الطاعة‪ ،‬لكن فري ًقا منهم يعرض عن ذلك‪ .‬وليس احلديث هنا‬
‫عن الكفار وال عن املرتدين الذين خيرجون فجأة من دائرة اإلسالم‪ ،‬ال‪ ،‬إنه حديث عن‬
‫هؤالء املؤمنني العاديني يف املجتمعات اإلسالمية‪ .‬ثم يقول سبحانه‪:‬‬
‫( َو َما أ ْول ِئ َك بال ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ین) بكل وضوح ورصاحة ليس هؤالء بمؤمنني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫( َو إ َذا ُد ُعوا إلى اهلل َو َر ُسولهِ ل َی ْحك َم َب ْی َن ُه ْم إ َذا َفر ٌیق ّم ْن ُهم ُّم ْعر ُض َ‬
‫ون) ظاهر اآلية ّ‬
‫يدل عىل حكم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القضاء‪ ،‬فهؤالء يأبون أن يذهبوا إىل الرسول ليقيض بينهم‪ .‬غري أن مضمون اآلية عام‪،‬‬
‫‌ال ينحرص األمر بحكم القضاء‪ ،‬ويشمل اإلعراض عن أوامر الرسول(ص) يف غري مواضع‬
‫أيضا‪.‬‬
‫القضاء ً‬
‫ْ‬
‫( َو إن َی ُكن َّل ُه ُم ْال َح ُّق َیأ ُتوا إ َل ْیهِ ُم ْذ ِع ِن َ‬
‫ین) أي ينصاعون إىل اهلل ورسوله حني يكون األمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصاحلهم‪ ،‬وحني حيتملون أن يكون احلكم برضرهم فإهنم يعرضون عن الدين‪ .‬والقرآن‬
‫الكريم يستجوب هؤالء‪ ،‬ملاذا يعرضون عن الدين حني يكون احلكم برضرهم؟ يعود ذلك‬
‫إىل ثالثة أسباب‪:‬‬
‫ُُ‬ ‫َ‬
‫(أفِی قل ِوب ِهم َّمـ َـر ٌض) هؤالء إما أن يكونوا مرىض القلوب‪ .‬ومصابني بمرض النفاق‪ ،‬أو‬
‫مرض األهواء‪ ،‬أو مرض اجلهل والغرور‪ .‬أو أن يكون األمر أكرب من ذلك؟!‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(أ ِم ْارت ُابوا) فهؤالء قد يكونون قد شكّوا يف الدين ً‬
‫أصل‪ .‬إذا مل يكونوا شاكني يف الدين‪،‬‬
‫فلامذا يأتون إىل الدين مذعنني حني يكون لصاحلهم‪ ،‬ويعرضون عنه حني ال يكون كذلك؟!‬
‫اإلیامن وااللتزام باملسؤوليات ‪77n‬‬
‫ُ‬
‫(أ ْم َی َخاف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اهلل َعل ْی ِه ْم َو َر ُسول ُه) لعل هؤالء خيافون أن يظلمهم اهلل ورسوله!!‬
‫ون أن َیحیف ُ‬
‫ِ‬
‫وهذا أفظع من الشك‪ .‬إنه عني الكفر‪ .‬هذا الذي يظن أنه سيتعرض إىل ظلم اهلل ورسوله‬
‫فإنه ال يعرف اهلل وال يعرف رسوله‪.‬‬
‫( َب ْل أ ْولئ َك ُه ُم الظال ُم َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ‬
‫ون) إن هؤالء الذين ينسبون الظلم إىل اهلل ورسوله هم الظاملون‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء يظلمون أنفسهم ويظلمون احلقيقة ويظلمون الناس‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ُ َ‬
‫اهلل َو َر ُسو ِلهِ ِل َی ْحك َم َب ْی َن ُه ْم أن َیقولوا َس ِم ْع َنا َو أ َط ْع َنا َو أ ْول ِئ َك‬
‫ین ِإذا دعوا ِإلى ِ‬ ‫(ِإنما كان قول المؤ ِم ِن‬
‫ون) وسمعنا تعني فهمنا وأدركنا‪ .‬ويف كثري من املواضع القرآنية السمع يعني‬ ‫ُه ُم ْال ُم ْفل ُح َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الفهم واالستيعاب مثل قوله تعاىل‪( :‬أ ْو أل َقى َّ‬
‫الس ْم َع َو ُه َو ش ِه ٌید)‪ 1‬وهؤالء هم املفلحون أي‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫اهلل َو َر ُسول ُه َو َیخش‬ ‫إهنم نالوا ما يطلبون‪ .‬والفالح يعني النجاح‪ ،‬ونيل املطلوب‪َ ( .‬و َمن ُیطع َ‬
‫ِِ‬
‫ون) والفوز يعني بلوغ املطلوب وهو الفالح‪.‬‬ ‫اهلل َو َی َّت ْقهِ َف ُأ ْو َلئ َك ُه ُم ْال َفائ ُز َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َّ‬
‫ات‬ ‫الص ِال َح ِ‬ ‫اهلل الـ ِـذیـ َـن َآمـ ُـنــوا ِمنك ْم َو َع ِملوا‬ ‫وبعد ذلك بآيتني نصل إىل قوله تعاىل‪َ ( :‬وع ــد‬
‫َْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ََ‬
‫العال‬ ‫ل َی ْس َت ْخ ِلف ّن ُهم فِی الأ ْرض)‪ 2‬هذا الوعد اإلهلي للمؤمنني امللتزمني‪ ،‬أنه سبحانه جيعل‬
‫جترعوه من عذاب وقهر‪.‬‬
‫يستظل بمدرستهم وفكرهم ويبدّ ل خوفهم إىل أمن بعدما ّ‬
‫يعبدونه سبحانه ويزيل من طريقهم اآلهلة الكاذبة‪.‬‬
‫هناك من يفهم اآلية بشكل يتناسب مع مجوده الفكري فيقول إن هذا اآلية ختتص بزمان‬
‫اإلمام املهدي املنتظر (عليه السالم)‪ .‬ال شك أن حتقق مصداق هذه اآلية بشكل كامل يكون‬
‫عىل عهد املهدي املنتظر‪ ،‬ولكن ما الداللة عىل أهنا خمتصة بعرص ظهور املهدي؟! وأية رواية‬
‫تدل عىل ذلك؟ أمل تتحقق هذه اآلية للمؤمنني يف صدر اإلسالم؟! هؤالء املؤمنون جاؤوا‬
‫املدينة وأقاموا تلك احلكومة‪ .‬وبالل الذي كان يتعرض ألقسى أنواع االضطهاد حني كان‬
‫ينطق بالتوحيد‪ ،‬ها هو اآلن يرفع صوته يف األذان بالتهليل والتكبري‪.‬‬
‫هؤالء الذين كانوا مضطرين أن يسجدوا ليل هنار ألصنام غري برشية وبرشية وألهواء‬
‫أنفسهم وشهواهتم‪ ،‬هؤالء الذين كان هلم هذا العدد الكبري من الرشكاء مع اهلل‪ ،‬هؤالء‬

‫‪1‬ـ ق‪37 /‬‬


‫‪2‬ـ النور‪55 /‬‬
‫‪ n78‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫جاؤوا إىل تلك األرض ليعيشوا يف أمن وسالم ووئام دون أن خيشوا أحدً ا‪ .‬هذه اآلية قد‬
‫َّ‬
‫حتققت مرة هناك ويمكن أن تتحقق آالف املرات األخرى برشط أن يتحقق وجود (ال ِذ َین‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫رأيت من يفس «يف األرض» بمعنى يف أرض اجلزيرة‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الص ِال َح ِات)‪ .‬ولقد‬ ‫َآم ُنوا َو َع ِملوا‬
‫املفس‪ ،‬هل إن اإلسالم جاء إلقليم معني‪ ،‬أليس‬
‫العربية‪ .‬وهو تفسري يثري الشك يف هدف ّ‬
‫هو رمحة للعاملني؟!‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫وقوله سبحانه‪( :‬ك َما ْاس َت ْخلف ال ِذ َین ِمن ق ْب ِل ِه ْم) يعني أن سنة اهلل يف الكون كانت نرصة‬
‫مر التاريخ‪ ،‬وليس كام يظن البعض أن الفئة املؤمنة كانت‬
‫املؤمنني ومتكينهم من األرض عىل ّ‬
‫مقهورة مظلومة مهزومة يف التاريخ‪ .‬ولقد ذكرت يف حمارضة سابقة أن الدين كان يف نجاح‬
‫مستمر منذ أن ظهر عىل ظهر األرض حتى يومنا هذا‪ .‬كانت ِق َي ُمه يف تقدم م ّطرد ومل تكن له‬
‫هزيمة عىل اإلطالق‪ .‬وهذا ما أثبتّه يف تلك املحارضة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫( َول ُی َم ِك َن َّن ل ُه ْم ِد َین ُه ُم ال ِذی ْارت َضى) هذا الدين الذي ارتضاه اهلل للمؤمنني‪ ،‬هذا الدين الذي‬
‫يشتمل عىل شؤون الدنيا واآلخرة ويلبي احتياجات اجلسم والروح سوف يكون متمكنًا‬
‫ومستقرا ومهيمنًا‪.‬‬
‫ً‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫( َول ُی َب ّ ِدل ّن ُهم ِّمــن َب ْع ِد َخ ْو ِف ِه ْم أ ْم ًنا) واألمن الذي يوفره اهلل هلم ليس للبطر واالنتجاع‬
‫واالرختاء‪ ،‬بل لتتوفر الفرصة من أجل قطع املزيد من اخلطوات عىل طريق الكامل اإلنساين‪..‬‬
‫عىل طريق عبودية اهلل‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون بِی ش ْی ًئا)‪ .‬هذا هو الذي يتحقق يف ظل األمن‪.‬‬
‫( َی ْع ُب ُدوننی لا ُیشرك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ثم تذكّر اآلية أن الذين يعودون إىل حظرية الرشك هم الفاسقون‪َ ( :‬و َمن كف َر َب ْع َد ذ ِلك‬
‫َف ُأ ْو َلئ َك ُه ُم ْال َفاس ُق َ‬
‫ون) أي اخلارجون عن دائرة اإليامن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫واحلمدُ هلل ّ‬
‫اجللسة السادسة‬
‫البشائر (‪)1‬‬
‫الثالاثء ‪ 7‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/2‬هجرية مشسية‬
‫َ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫الن ُاس َق ْد َج َاء ُكم ُب ْر َه ٌ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ‬
‫ان ِّمن ّر ِّبك ْم َوأ َنزل َنا ِإل ْیك ْم‬ ‫(یا أیها‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ُ ً ُ ً َ َ‬
‫اهلل َو ْاع َت َص ُموا ِبهِ ف َس ُی ْد ِخل ُه ْم‬ ‫ُ‬
‫نورا ّم ِبینا ‪ #‬فأ ّما ال ِذ َین َآمنوا ِب ِ‬
‫َ‬
‫فِی َر ْحـ َـمــةٍ ِّم ْن ُه َو َفـ ْـضـ ٍـل َو َی ْه ِد ِیه ْم ِإلـ ْـیــهِ ِصـ َـر ًاطــا ُّم ْس َت ِق ًیما)‬
‫(النساء‪)175-174 /‬‬

‫يف أحاديثنا السابقة عن اإليامن توخينا بيان قيمة اإليامن وكيفية اإليامن‪ ،‬ليكون مقدّ مة‬
‫لبحث جا ّد عن فهم الدين ومعرفة الدين‪.‬‬
‫املوضوعات التي ركزنا عليها يف أحاديث اإليامن هي إن اإليامن جيب أن يكون عن وعي‬
‫جمردة يف الذهن‪ ،‬وأن يكون‬
‫وفهم وإدراك‪ ،‬وأن يكون مقرونًا بالعمل‪ ،‬ال أن يكون فكرة ّ‬
‫ً‬
‫متواصل ال موقتًا ومصلح ًيا‪.‬‬
‫وقبل أن نتناول املعارف العقائدية يف اإلسالم‪ ،‬البد أن نتناول اليوم باختصار موضو ًعا‬
‫آخر‪ ،‬ونتابعه غدً ا بإذن اهلل تعاىل‪ ،‬وهو أن نعرف البشائر التي يز ّفها اهلل سبحانه للمؤمنني‪.‬‬
‫ما هو اجلزاء الذي أعدّ ه سبحانه ملن يلتزم باإليامن وبمستلزمات اإليامن؟ فاإلنسان عادة‬
‫حيب أن يرى ما يناله من ربح يف متاجرته‪ ،‬ولذلك يو ّد أن يعرف ما ضمنه اهلل سبحانه‬
‫ّ‬
‫للمؤمنني العاملني من أجر وبرشى‪ .‬وهذه البشائر هلا وقع لذيذ عىل القلب والعقل‪،‬‬
‫مجعت اآليات املرتبطة باإليامن وباملؤمن وكانت ما يقارب‬
‫ُ‬ ‫وتزيد من عزم املؤمن وثقته‪.‬‬
‫من سبعامئة آية ألرى ما يرتتب عىل اإليامن من عطاء (أقول ذلك ألبني لإلخوة واألخوات‬
‫‪ n82‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫املتعاملني مع القرآن كيفية البحث يف املوضوعات القرآنية)‪.‬‬


‫بحثت يف هذه اآليات ألرى بشائر اهلل سبحانه للمؤمنني العاملني‪ ،‬فوجدهتا تقرب من‬
‫أربعني برشى وامتياز‪ ،‬وكلها كبرية ومهمة إلسعاد اإلنسان‪ .‬واحدة منها النعيم األخروي‪:‬‬
‫ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫( َج ّن ُ‬
‫ات َع ْد ٍن ت ْج ِری ِمن ت ْح ِت ِه ُم الأن َه ُار)‪ 1‬أذكر اليوم بعضها وأترك الباقي لكم لتستخرجوها‬
‫بأنفسكم من القرآن الكريم‪.‬‬
‫امتيازا للمؤمن العامل ومجيعها حتقق سعادة اإلنسان‪ .‬انظروا يف هذه‬
‫ً‬ ‫سأذكر اليوم أحد عرش‬
‫االمتيازات‪ ،‬هل تتحقق سعادة اإلنسان إذا مل يتحقق واحد منها؟ ذكرها القرآن باعتبارها‬
‫بشائر للمؤمن امللتزم‪ .‬نستنتج من ذلك أن اإليامن املقرون بالعمل يطابق ــ كام يذكره‬
‫القرآن‪ ‬ــ مجيع رشوط حتقق سعادة اإلنسان وتلبية احتياجاته‪.‬‬
‫أيضا أن يرى يف هذه البشائر ما حيقق سعادته‪ .‬هذه االمتيازات التي‬
‫يمكن لغري املتد ّين ً‬
‫أيضا بأهنا من مستلزمات‬
‫يمنحها القرآن للمؤمن العامل يمكن أن يفهمها اإلنسان املادي ً‬
‫سعادة اإلنسان‪ ،‬غري أن القرآن الكريم يوجهها خاصة للمؤمنني العاملني‪.‬‬
‫ما هي احتياجات اإلنسان لتحقيق سعادته؟‬
‫‪1‬ـ أن يعرف اهلدف وساحل النجاة والسعادة‪ ،‬ويعرف إىل أين يتجه وألي هدف يسعى‬
‫وجيتهد‪ ،‬أن يعرف هناي َة طريقه منذ انطالقه‪َّ ،‬‬
‫وأي طريق يسكله ليصل بشكل أرسع إىل‬
‫هدفه‪ .‬أليس معرفة كل ذلك من العنارص األساسية يف سعادة اإلنسان؟ ليس هنا فرق بني‬
‫يقر بذلك ويشعر به‪.‬‬
‫أيضا ّ‬
‫اإلنسان اإلهلي واإلنسان املادي‪ .‬املادي ً‬
‫‪2‬ـ أن تزول من أمام عني اإلنسان وعقله ظلامت اجلهل والغرور واألوهام‪ ،‬وكل ما حيول‬
‫دون أن يعي اإلنسان ويفهم ويدرك احلقائق‪ ،‬ومجيع ما حتاول األنظمة اجلائرة أن تغطي به‬
‫عىل عقول الناس ومداركهم‪.‬‬
‫وح ُجب حتول دون نشاط العقول واألفهام‪ ،‬وجتعل اإلنسان سجينًا يف الظلامت‪.‬‬
‫ثمة عوائق ُ‬
‫وأحد أركان سعادة اإلنسان أن ينجو من هذه الظلامت‪ ،‬ومن كل ما خيلق هذه الظلامت‪،‬‬

‫‪1‬ـ الکهف‪31 /‬‬


‫البشائر (‪83n )1‬‬

‫وأن خيرج إىل نور احلقيقة‪ ،‬وجيعل قلبه ساط ًعا بنور الفهم والوعي‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يتخ ّلص يف مسريته الطويلة نحو السعادة من الوساوس الداخلية‪ ،‬وهي أفظع وأقوى‬
‫من الوساوس اخلارجية‪ .‬أحيانًا يواجه اإلنسان وساوس خارجية يف طريقه تقول له ‌‪ :‬أنت‬
‫ال تستطيع أن تقطع هذا الطريق‪ .‬جتارب التاريخ أثبتت أن مثل هذه املعوقات اخلارجية‬
‫إرصارا عىل املواصلة‪ ،‬وترفع من درجة شوقه ِلن يصل إىل مبتغاه‪ .‬أما‬ ‫ً‬ ‫تزيد اإلنسان‬
‫الوساوس الداخلية فهي املثبطات التي هتزم اإلنسان داخل ًيا‪ .‬ال تسدّ الطريق‪ ،‬بل هتدم يف‬
‫وجوده قوة السري واملواصلة‪ ،‬تسلب اإلنسان قدرة السعي وبذل اجلهد‪ .‬تقول له من داخله‪:‬‬
‫ملاذا تذهب؟ ما فائدة مسريك؟ لعلك ال تصل‪ .‬لعل قاطع طريق يواجهك‪ .‬لعلك تواجه من‬
‫يفرتسك‪ .‬من الذي سمح لك بالذهاب؟ ال‪ ،‬ال تذهب‪ .‬وهذه الوسوسة هي أسوأ بكثري‬
‫من الوساوس اخلارجية‪.‬‬
‫مر التاريخ‪ .‬كان قوم موسى‬
‫هذه املعوقات الداخلية واجهت أكثر قادة طريق السعادة عىل ّ‬
‫يواجهون نبيهم هبذه الوساوس‪ .‬ويرصحون له بأننا نخشى أن ال تتحقق ما وعدتنا به‪.‬‬
‫والقرآن الكريم يشري إىل أن ظروف الشدة واألزمات أدت ببعض اخلواص أن يقولوا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫( َمتى ن ْصر ِ‬
‫اهلل)‪1‬؟! حتى اخلواص تساورهم هذه الوساوس واملعوقات!‬
‫من رشوط نيل السعادة أن يتخ ّلص اإلنسان من هذا االضطراب الداخيل والقلق النفيس‪،‬‬
‫قادرا عىل أن يتغلب عىل هذه احلالة‪.‬‬
‫وأن يكون ً‬
‫مرارا ما يف «دعاء كميل»‪ 2‬من إحياءات تشدّ العزيمة وخت ّلص اإلنسان من هذا‬
‫لقد كررت ً‬
‫قو‬
‫رب‪ّ .‬‬
‫يارب‪ ،‬يا ِّ‬
‫ِّ‬ ‫«يارب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الضعف الذي يساور داخل اإلنسان‪ .‬جاء يف بعض مقاطعه‪:‬‬
‫عىل خدمتك جوارحي‪ .‬واشدد عىل العزيمة جوانحي»‪ .‬يطلب اإلنسان من ّ‬
‫رب العاملني أن‬
‫قوة التغلب عىل كل شك و تردد يعوق دون حركته‪.‬‬
‫يرزقه ّ‬
‫مثمرا‪ .‬أن حيدوه أمل بأن مساعيه ستبلغ الغاية التي يريد‪ .‬الذين يعانون‬
‫‪4‬ـ أن يكون سعيه ً‬
‫من اليأس ال يبلغون أهدافهم‪ ،‬وال حي ّققون ما يصبون إليه من سعادة‪ ،‬فالبدّ أن يثق الفرد بأن‬

‫‪1‬ـ البقرة‪214 /‬‬


‫‪2‬ـ دعاء رواه كميل بن زياد عن أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب‪ ،‬من أدعية كتاب مفاتيح اجلنان‪.‬‬
‫‪ n84‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫مثمرا‪ ،‬وأنه يقطع يف كل خطوة شو ًطا عىل طريق هدفه‪ .‬لو َ‬


‫كنت يف صحراء‬ ‫سعيه سيكون ً‬
‫قاحلة وكنت تعرف اجتاه الطريق إىل مقصدك‪ ،‬فإنك ستسري يف الطريق بعزم وثبات وسعي‬
‫حتى ولو ّ‬
‫تأخرت عن القافلة‪ ..‬حتى ولو كنت وحيدً ا‪ .‬أما إذا كنت قد ظللت الطريق‪ ،‬وال‬
‫تعرف اجتاه املسري‪ ،‬فإن ُخطاك ستكون رخوة ضعيفة‪ ،‬ذلك ألنك ال تعلم أن مسعاك مثمر‪.‬‬
‫حتتمل أنك يف خطواتك تبتعد عن اهلدف‪ .‬لذلك فإنك تتجه يمنة ويرسة‪ .‬إذن أحد رشوط‬
‫منتجا‪.‬‬
‫مثمرا ً‬
‫سعادة اإلنسان أن يؤمن اإلنسان بأن سعيه سيكون ً‬
‫‪5‬ـ أن تكون أخطاؤه وزالته قابلة للعفو والغفران واجلربان‪ .‬فاإلنسان يف مسريته يتعرض‬
‫ألخطاء وزالت‪ .‬وإذا كان يف كل خطأ وزلة قد أصيب بجرح ال يقبل التضميد‪ ،‬وأن تكون‬
‫أخطاؤه ال تقبل اجلربان فإنه يبقى يف قلق مستمر‪ ،‬يائس من ماضيه ومتشائم من مستقبله‪.‬‬
‫أما لو علم أن كل ما صدر عنه من خطأ وزلل قابل للجربان حني يعزم عىل أن جيرب خطأه‬
‫وأن يكون ناد ًما عىل ما صدر منه‪ ،‬فإنه يزداد نشا ًطا وشو ًقا ً‬
‫وأمل يف حتقيق ما يصبو إليه‪.‬‬
‫‪6‬ـ أن يكون لإلنسان سند مطمئن يف املسري‪ .‬أي أن يعلم بأنه يستطيع أن يطلب من ذلك‬
‫السند املساعدة يف الظروف كلها‪ .‬متا ًما مثل شخص يف حقيبته خارطة شاملة جامعة‪،‬‬
‫يسري يف الطريق بثقة واطمئنان‪ ،‬وإذا أخطأ يف املسري يستخرج اخلارطة فتد ّله عىل الطريق‬
‫ومستعصم يستفيد منه‪.‬‬
‫ً‬ ‫دائم بأن له مستمسكًا‬
‫الصحيح‪ ،‬يشعر ً‬
‫أيضا من رشوط حتقيق السعادة‬
‫العدو من اهلل نرص وإمداد‪ .‬وهذا ً‬
‫ّ‬ ‫‪7‬ـ أن يكون له يف مواجهة‬
‫والنجاح‪ .‬املادي طب ًعا ال يؤمن باهلل‪ ،‬ولذلك فإننا ال نذكر اسم اهلل سبحانه مع املادي‪ .‬لكننا‬
‫نستطيع أن نقول له‪ :‬لو أنك يف مسعاك املادي ويف نضالك االجتامعي قد علمت أن قو ًة ما‬
‫وسريحب بتلك القوة التي‬
‫ّ‬ ‫فرحا‪،‬‬
‫وراء قوة املادة والطبيعة ستساندك‪ ،‬فإنه ال شك سيطري ً‬
‫تسانده يف مواجهة العدوان‪ .‬املادي ال يؤمن باهلل طب ًعا‪ ،‬لكن اإلنسان اإلهلي يثق بوجود تلك‬
‫القدرة املسيطرة عىل كل يشء‪ .‬وهذا الشعور يزيد رسعة اإلنسان يف حركته نحو سعادته‪.‬‬
‫‪8‬ـ أن يرى اإلنسان بأنه متفوق عىل صفوف اجلبهة املقابلة‪ .‬ويرى أن العاقبة هي له يف‬
‫أيضا له التأثري الكبري عىل أن يطوي اإلنسان طريقه بسهولة‬
‫هذه املواجهة‪ .‬وهذا الشعور ً‬
‫ورسعة أكثر‪.‬‬
‫البشائر (‪85n )1‬‬

‫‪9‬ـ أن ينترص عىل أعداء مسريته والصادين له عن بلوغ هدفه‪ ..‬أن حيقق االنتصار يف هناية‬
‫أيضا من أهم عنارص سعادة اإلنسان‪.‬‬
‫املسري‪ .‬وهذا ً‬
‫‪10‬ـ أن يتجاوز العقبات والضغوط واملوانع ويبلغ اهلدف‪ .‬وحيقق الفوز والفالح‪.‬‬
‫‪11‬ـ ومما له دخل يف سعادة اإلنسان أن يكون له يف طريق وصوله إىل اهلدف‪ ،‬وعند اهلدف‬
‫نفسه‪ ،‬عامل مه ّيأ يستطيع أن يستثمر بركات أرضه وسامئه ومجيع خرياته من غابات ومناجم‬
‫وجبال و‪ ..‬وأكثر من ذلك أن تنفتح أمامه أبواب مصادر عقله وإدراكه وفهمه وكفاءاته‬
‫وطاقاته ليستفيد منها‪.‬‬
‫ثم بعد هذا االستثامر كله يف حياته تبدأ بعد وفاته مرحلة اسرتاحته ومرحلة نيل أجره‪.‬‬
‫اإلنسان املادي يتوقع احلصول عىل نتائج عمله يف حياته‪ ،‬وال يعقد ً‬
‫أمل عىل ما بعد وفاته‪.‬‬
‫ولو قيل له افرتض ــ وفرض املحال ليس ً‬
‫حمال ــ أن موتك بداية راحتك‪ .‬كيف سيتلقى‬
‫هذا االفرتاض؟! تالحظون أن هذا أكرب أركان السعادة‪ ..‬أن يرى أنه بعد انتهاء شوط احلياة‬
‫الدنيوية سينال جزاء مساعيه وينعم باجلنة والرضوان‪.‬‬
‫هذه هي بعض الرشوط الالزمة لتوفر السعادة لإلنسان‪ ،‬وهي يف املنطق القرآين مقرونة‬
‫باإليامن والعمل الصالح‪.‬‬
‫تزف هذه البشائر كلها وعرشات غريها للمؤمنني‪ .‬تبرش املؤمنني‬
‫لنبدأ باآليات القرآنية التي ّ‬
‫باهلداية‪ ،‬والنور‪ ،‬والسكينة‪ ،‬وحتقيق اهلدف‪ .‬ولو أمعنا النظر يف التاريخ لرأينا حتقق هذه‬
‫مر العصور‪.‬‬
‫السنة الكونية اإلهلية عىل ّ‬
‫ُ‬ ‫َ َّ‬
‫الص ِال َح ِات َی ْه ِد ِیه ْم َر ُّب ُه ْم ِب ِإ َیم ِان ِه ْم)‪ 1‬ونعيد التأكيد هنا أن العمل‬
‫َّ‬
‫( ِإ ّن ال ِذ َین َآم ُنوا َو َع ِملوا‬
‫الصالح هو أداء االلتزام الذي يوجبه اإليامن عىل اإلنسان‪ ،‬وهذا اإليامن يؤدي باملؤمنني أن‬
‫هيتدوا إىل الطريق‪ .‬بسبب إيامهنم هيتدون إىل الطريق‪ ،‬هيتدون إىل اهلدف وإىل السبيل الذي‬
‫يؤدي هبم إىل اهلدف‪.‬‬
‫تسمعون من يقول حني يرى اهلدف بعيدً ا واإلمكانيات ضعيفة‪ :‬هل يمكن أن نصل إىل‬

‫‪1‬ـ يونس‪9 /‬‬


‫‪ n86‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫اهلدف املطلوب؟ لو تفحصت يف هذا الكالم لرأيت عدم وجود اإليامن باخلطوة األوىل‪ ،‬أو‬
‫أن يكون ذلك اإليامن غري مقرون بالعمل‪ .‬لو آمن الشخص وعمل النفتحت أمامه اهلداية‬
‫إىل الطريق‪ ،‬وسيقطع اخلطوة الثانية‪« .‬الطريق نفسه يقول لك كيف تسري» كام يقول العطار‬
‫النيسابوري‪ .1‬حني يؤمن اإلنسان باهلدف ويتبع هذا اإليامن حركة نحو اهلدف‪ ،‬فإن الطريق‬
‫سوف ينفتح أمامه‪.‬‬
‫القادة والرواد وأتباعهم ال يعلمون وهم يف اخلطوة األوىل ما هي اخلطوة العارشة‪ .‬أحيانًا‬
‫أرضب لذلك ً‬
‫مثال وأقول هب أنك كنت وحيدً ا يف صحراء‪ ،‬ويف ليلة مظلمة ال ُيرى يف‬
‫سامئها قمر وال نجوم‪ ،‬وليس يف يدك سوى شمعة صغرية‪ ،‬وتريد هبذه الشمعة الصغرية أن‬
‫تقطع هذه الصحراء املمتدة‪‌.‬ستقول مع نفسك إن هذه الشمعة سوف ال تيضء ألكثر من‬
‫عدة أمتار من الطريق‪ ،‬وأنا أمامي عرشة كيلو مرتات‪ .‬هذا كالم َم ْن ليست له جتربة يف قطع‬
‫تيس لك‬ ‫ِ‬
‫‌س هذه األمتار التي تساعدك فيها إنارة الشمعة‪ .‬وإذا ّ‬
‫املجرب سيقول له‪ْ :‬‬
‫الطريق‪ّ .‬‬
‫بعدها سبيل للمواصلة فواصل‪ ،‬وإالّ فال تذهب‪ .‬اقطع ما استطعت من الطريق بام لديك‬
‫ُ‬
‫من إمكانات اإلضاءة‪ ،‬وسرتى أنك قادر بعدها أن تواصل الطريق إىل هنايته‪َ ( :‬ی ْه ِد ِیه ْم َر ّب ُه ْم‬
‫ِب ِإ َیم ِان ِه ْم)‪ .‬اهلل سبحانه سيهدهيم بواسطة إيامهنم‪‌.‬اإليامن سيدفع اإلنسان ألن جيد السبيل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ َُ ُ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ ْ‬
‫نزلت ُس َورة ف ِم ْن ُهم َّمن َیقول أ ّیك ْم َز َادت ُه َه ِذهِ ِإ َیمانا‬
‫ويف موضع آخر يقول سبحانه‪( :‬و ِإذا ما أ ِ‬
‫ون)‪ .2‬اإليامن نفسه يؤدي إىل اهلداية وإىل تعميق‬ ‫َف َأ َّما َّالذ َین َآم ُنوا َف َز َاد ْت ُه ْم إ َیم ًانا َو ُه ْم َی ْس َت ْبش ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليامن يف النفوس‪.‬‬
‫اهلل‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ان ّمن َّر ّب ُك ْم َو َأ َنز ْل َنا إ َل ْی ُك ْم ُن ًورا ُّمب ًینا ‪َ #‬ف َأ َّما َّالذ َین َآم ُ‬
‫ن‬
‫َ َ ُّ َ َّ‬
‫الن ُاس َق ْد َج َاء ُكم ُب ْر َه ٌ‬ ‫(یا أیها‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َو ْاع َت َص ُموا ِبهِ ف َس ُی ْد ِخل ُه ْم فِی َر ْح َمةٍ ِّم ْن ُه َو ف ْض ٍل َو َی ْه ِد ِیه ْم ِإل ْیهِ ِص َر ًاطا ُّم ْس َت ِق ًیما)‪ 3‬والربهان‬
‫والنور هنا بمعنى القرآن الكريم‪ .‬واملؤمنون برشط االعتصام به‪ ،‬أي االعتصام بدينه‬

‫‪1‬ـ العطار النيسابوري (ت ‪618‬هـ) من كبار رجل العرفان يف األدب الفاريس‪ ،‬صاحب منظومة منطق الطري‪ ،‬قتل يف هجوم‬
‫املغول‪ .‬مرقده يف نيسابور من أعامل خراسان‪.‬‬
‫‪2‬ـ التوبة‪124 /‬‬
‫‪3‬ـ النساء‪175 - 174 /‬‬
‫البشائر (‪87n )1‬‬

‫ورسالته‪ ،‬ستناهلم الرمحة واهلداية نحو الطريق املستقيم‪.‬‬


‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫( َوالذ َین َج َاه ُدوا ف َینا ل َن ْهد َی ّن ُه ْم ُس ُبل َنا َو إ ّن َ‬
‫اهلل ل َم َع ال ُم ْح ِس ِن َ‬
‫ین) وجاهدوا فينا‪ ،‬أي جاهدوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتحقيق األهداف اإلهلية‪ ،‬وما هي األهداف اإلهلية يف هذا العامل؟ هي العدل‪ ،‬واألمن‪،‬‬
‫ونمو اإلنسان وتكامله‪ ،‬وعامرة األرض‪ ،‬وعامرة قلب اإلنسان‪ ،‬وعامرة الدنيا‬
‫وعبودية اهلل‪ّ ،‬‬
‫واآلخرة‪ ،‬وسري املوجودات عىل طريق كامهلا‪ .‬هذا ما يريده اهلل سبحانه يف هذا العامل‪ .‬يريد‬
‫زوال الظن والرشك والكفر وانعدام األمن والتوحش والطغيان‪ .‬من جياهد إلقامة ما يريد‬
‫اهلل إقامته وإزالة ما يريد زواله فإن الطريق سيتضح أمامه وتزول كل حرية فيه‪.‬‬
‫وكذلك هو األمر يف املجاالت احلياتية مجيعها‪ ،‬يف فهم الدين‪ ،‬يف املسائل االجتامعية‪،‬‬
‫والشؤون العاملية و‪ ..‬كل من قطع خطوة عىل طريق اهلدف اإلهلي‪ ،‬وجاهد للوصول‬
‫إىل اهلدف فإن اخلطوة التالية ستتضح‪ .‬فاهلل تك ّفل هبداية هؤالء املجاهدين يف سبيله نحو‬
‫طريق الكامل‪.‬‬
‫قلنا إن النور مما حيقق سعادة اإلنسان باملعنى الذي ذكرناه للنور‪ .‬واهلل وعد املؤمنني بالنور‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ ُ ُ َّ ُ ُ ْ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫وت ُیخ ِر ُجون ُهم‬‫ور و ال ِذین كفر وا أو ِلیآؤهم الطاغ‬
‫ات ِإلى الن ِ‬ ‫(اهلل َولِ ُّی ال ِذ َین َآمنوا ُیخ ِر ُج ُهم ِّم َن الظل َم ِ‬
‫ّ َ ُّ َ ُّ ُ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ َّ‬
‫النار ُه ْم ف َیها َخال ُد َ‬
‫ون)‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات أول ِئك أصحاب ِ‬ ‫ور ِإلى الظلم ِ‬ ‫ِمن الن ِ‬
‫أرجح أن أفهم معناه بأنه (احلليف)‪ ،‬فهو أقرب عندي من املعنى الشائع‪ :‬النصري‬
‫(الويل) ّ‬
‫والراعي والصديق‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َّ‬
‫اهلل َولِ ُّی ال ِذ َین َآم ُنوا) أي إنه حليفهم ويف جبهتهم‪ُ ( .‬ی ْخ ِر ُج ُهم ِّم َن الظل َم ِات ِإلى ُّالن ِور)‬
‫ومعنى ( ُ‬

‫أي ينقذهم من ظلامت اجلهل‪ ،‬واخلرافة‪ ،‬والغرور‪ ،‬واألنظمة املتجربة املعادية لإلنسان‪،‬‬
‫ومن كل ما يعترب طامورة معتمة جلوهر وعي اإلنسان‪ .‬ويأخذهم إىل (النور)‪ ..‬نور املعرفة‬
‫والعلم والقيم اإلنسانية‪ ،‬وهذا االنتقال من النور إىل الظلامت خاص باملؤمنني وال يشمل‬
‫الكفار اجلاحدين وفاقدي اإليامن‪ .‬لذلك كان املرشك يف قلق دائم‪ ،‬ويف اضطراب مستمر‪،‬‬
‫ليس يف حياته نور‪ ،‬وال معرفة حقيقية‪.‬‬

‫‪1‬ـ بقره‪257 /‬‬


‫‪ n88‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫كف ُر وا) والكافر من جحد العقيدة الدينية‪ ،‬وأعرض بجفاء عن هذه اهلدية اإلهلية‬ ‫(وال ِذین‬
‫لإلنسان‪ ،‬وعن هذه النعمة الربانية‪ .‬والكافرون من غ ّطوا عىل نعمة اهلل‪ ،‬وجحدوها‪.‬‬
‫(أ ْول َی ُآؤ ُه ُم ّ‬
‫الطاغ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫وت) هؤالء أولياؤهم وحلفاؤهم الطواغيت واملعتدون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ ُ ُ ّ َ ّ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ور ِإلى الظل َم ِ‬
‫ات) يبعدوهنم عن نور املعرفة ويوقعوهنم يف زنزانات الظلمة‬ ‫(یخ ِرجونهم ِمن الن ِ‬
‫النار ُه ْم ف َیها َخال ُد َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ ْ َ ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ون)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(أول ِئك أصحاب ِ‬
‫ّ َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ ً َ ً‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫اهلل ِذك ًرا ك ِث ًیرا ‪َ #‬و َس ِّب ُح ُوه ُبك َرة َو أ ِصیلا ‪ُ #‬ه َو ال ِذی ُی َص ِلی َعل ْیك ْم‬ ‫( َیا أ ّی َها ال ِذ َین َآم ُنوا اذك ُر وا‬
‫َ ُ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫َ َُُ ْ ُ‬
‫ات ِإلى ّالن ِور)‪ 1‬هذه بشارة أخرى من القرآن الكريم‪ .‬وهذه‬ ‫َو َمل ِائكته ِل ُیخ ِر َجكم ِّم َن الظل َم ِ‬
‫البشائر كثرية يتطلب احلديث عنها أيا ًما عديدة‪ ،‬استعرضت بعضها اليوم‪ ،‬وسأستعرض‬
‫عد ًدا آخر منها يف اجللسة القادمة إن شاء اهلل‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬

‫‪1‬ـ األحزاب‪43 - 41 /‬‬


‫اجللسة السابعة‬
‫البشائر (‪)2‬‬
‫األربعاء ‪ 8‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/3‬هجرية مشسية‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َْ ُ ُُ‬ ‫َّ‬
‫اهلل ت ْط َم ِئ ّن‬ ‫(ال ِذ َین َآمنوا َوتط َم ِئ ّن قل ُوب ُهم ِب ِذك ِر ِ‬
‫اهلل ألا ِب ِذك ِر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ات ُطوبَى ل ُه ْم َو ُح ْس ُن‬
‫َّ‬
‫الص ِال َح ِ‬ ‫ْال ُق ُل ُ‬
‫وب ‪ #‬ال ِذ َین َآم ُنوا َو َع ِملوا‬
‫آب) ‬ ‫َ‬
‫(الرعد‪)29-28 /‬‬ ‫م ٍ‬

‫ذكرنا يف اجللسة السابقة بعض بشائر القرآن للمؤمنني‪ ..‬البشائر املفضية إىل السعادة‪ .‬وقفنا‬
‫أمس عند برشى اهلداية وبرشى النور‪ ،‬ونقف يف هذه اجللسة عند اثنتني أخريني‪ ،‬وأترك الباقي‬
‫لكم لكي تستعرضوها بالرتتيب الذي رسنا عليه‪ .‬من كان منكم يعرف العربية فليستخرجها‬
‫من نص القرآن‪ ،‬ومن ال يعرف العربية فليعتمد عىل ترمجة معاين القرآن الكريم‪.‬‬
‫اآليات يف هذا املجال كثرية وتزيد عىل ستة آالف آية‪ .‬عىل سبيل املثال يذكر القرآن اجلزاء‬
‫األخروي باعتباره من بشائر الذين آمنوا وعملوا الصاحلات‪ ،‬ويذكر يف مواضع عديدة‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫برشى انتصار املؤمنني عىل أعدائهم وغلبتهم عليهم كقوله سبحانه‪َ ( :‬ولا ت ِه ُنوا َو لا ت ْح َزنوا َو‬
‫َ َ َ ُ َ َ ْ َ َّ َ َ َ ُ ُ ‪َ َ ُ َّ 2‬‬ ‫ُ‬
‫ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ندنا‬ ‫ین)‪ ،1‬وقوله تعاىل‪( :‬كتب اهلل لأغ ِلبن أنا و رس ِلی) ‪ِ ( ،‬إن ج‬ ‫أ ُنت ُم الأ ْعل ْو َن ِإن‬
‫َ ‪3‬‬ ‫َُ َْ‬
‫مهكم إهناء‬ ‫له ُم الغ ِال ُبون) حاولوا أن تبحثوا عن مثل هذه البشائر يف القرآن‪ ،‬وال يكن ّ‬
‫رب العاملني بتدبر ودقة‪.‬‬
‫السورة أو اجلزء من كتاب اهلل‪ ،‬بل اسعوا لكي تفهموا كالم ّ‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪139 /‬‬


‫‪2‬ـ املجادلة‪21 /‬‬
‫‪3‬ـ الصافات‪173 /‬‬
‫‪ n92‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫أولئك الذين يتقنون العربية عليهم أن يزيدوا من استحكام ارتباطهم بالقرآن‪ ،‬والذين‬
‫ال يعرفون العربية‪ ،‬عليهم أن يسعوا لتعلمها‪ ،‬ويف الوقت نفسه أن يرجعوا إىل ترمجات‬
‫معاين القرآن وبعضها جيد‪ ،‬وأن يتدبروا فيام عرضه القرآن من بشائر لسعادة املؤمنني‪.‬‬
‫فالقرآن الكريم مصدر عزتنا وسعادتنا‪ ،‬وهو النبع الف ّياض الذي ال ينضب أبدً ا‪ .‬وحني‬
‫أركز عىل القرآن الكريم فال أعني إمهال النصوص الدينية األخرى كاملأثور الصحيح مما‬
‫روي عن رسول اهلل(ص) وأئمة أهل البيت‪ ،‬بل البد من الرجوع إليها وإىل مصادرنا الدينية‬
‫أمثال هنج البالغة‪.‬‬
‫من البشائر التي نقف عندها يف هذه اجللسة‪ :‬االطمئنان والسكون واألمن‪ .‬االطمئنان يعني‬
‫طمأنينة القلب والروح‪ .‬وال يعني هذا عدم حترك القلب والروح‪ ،‬بل يعني االطمئنان‬
‫والسكينة أمام االضطرابات واملهيجات‪ ،‬ودواعي القلق‪.‬‬
‫حض دروسه‬
‫خذوا عىل سبيل املثال طالبني يريدان أن يدخال قاعة االمتحان‪ ،‬أحدمها ّ‬
‫بشكل كامل‪ ،‬وأعدّ نفسه لالمتحان إعدا ًدا تا ًما‪ ،‬ودخل القاعة وهو واثق أنه قادر عىل‬
‫اإلجابة عن أي سؤال يطرح عليه‪ ،‬وآخر مل يطالع أو طالع بام ليس فيه كفاية‪ ،‬ودخل القاعة‬
‫وهو ليس واث ًقا من اإلجابة‪ ،‬وخيشى أن ختونه ذاكرته‪ .‬هل هذان الطالبان عىل مستوى واحد‬
‫من االطمئنان والسكينة؟! األول يرد القاعة بسكينة واطمئنان وثبات جنان أما الثاين ففي‬
‫مواج‪ ،‬يتحرك يمنة ويرسة‪ ،‬ومثل هاتني احلالتني‬
‫حالة تالطم مستمر‪ ،‬مثل زورق يف بحر ّ‬
‫يمكن مشاهدهتام يف الساحة القضائية أمام املحكمة ويف ساحة النضال االجتامعي‪.‬‬
‫يف الساحة احلربية يمكن مشاهدة هاتني احلالتني‪ ،‬حالة املقاتل املؤمن بقيادته وبقوة املقاتلني‬
‫أيضا مشاهدة‬
‫معه‪ ،‬والواثق من وصول املساندة من القوى املتواجدة خلف اجلبهة‪ ..‬ويمكن ً‬
‫مدججا‬
‫ً‬ ‫ضخم‬
‫ً‬ ‫صغريا‪ ،‬ويرى العدو‬
‫ً‬ ‫من مل يثق بام لدى فريقه من عدة وعتاد ويرى نفسه‬
‫بالسالح‪ ..‬هل يدخل هذا الشخصان ميدان احلرب بصورة واحدة؟!!‬
‫أردت من هذه األمثلة أن أبني لكم معنى االطمئنان ومعنى سكينة القلب والنفس‪ .‬إنه ال يعني‬
‫اخللود إىل الراحة والبطر‪ .‬ذاك اجلندي الواثق من نفسه ومن جهوزية جمموعته ال يرتك الساحة‬
‫وال خيلد إىل النوم‪ ،‬وال ينشغل باللهو وينرصف عن اليقظة واحلذر‪ ،‬ال‪ ،‬ليس األمر كذلك‪ ،‬بل‬
‫البشائر (‪93n )2‬‬

‫إنه يدخل ساحة احلرب بثقة واطمئنان‪ ،‬ال يساوره قلق وال اضطراب بشأن مستقبل املواجهة‪.‬‬
‫تشق عباب أمواج البحر بسكينة ودونام اهتزاز أو اضطراب‪.‬‬
‫مثل سفينة مملوءة بحمولة ثقيلة ّ‬
‫يقر له قرار‪.‬‬
‫أما غري الواثق فمثل زورق بني أمواج متالطمة‪ ،‬يضطرب وال ّ‬
‫أرضب لكم ً‬
‫مثال آخر لتقريب معنى الطمأنينة إىل أذهانكم‪ .‬هذا رجل يسلك طري ًقا يف اجتاه‬
‫مقصد معني‪ .‬عرشات اهلواجس قد تصدّ ه عن االجتاه نحو ذلك اهلدف‪ .‬منها «اخلوف»‪،‬‬
‫اخلوف الذي يصده عن مواصلة الطريق‪ .‬كأن خياف من نفاد الطعام والرشاب يف الطريق‪،‬‬
‫وأن خياف من ق ّطاع الطرق‪ ،‬ومن الذئاب املفرتسة يف الطريق‪ ،‬ومن التعب والسهر‪ ،‬ومن‬
‫عدم بلوغ املقصد‪‌.‬كل هذه املخاوف معوقات يف الطريق‪.‬‬
‫ومنها «الطمع» الطمع يف حياة مرحية‪ ،‬الطمع يف أن يبقى بمضجعه الدافئ‪ ،‬وبني أرسته ومع‬
‫زوجه‪ .‬فهو ليس عىل استعداد أن يرتك كل هذه التي يلتصق هبا اإلنسان الصغري‪ ،‬وتتمسك‬
‫هبا النفوس الضعيفة‪ .‬وقد يكون إىل جانب الطمع «التطميع»‪ :‬ال تذهب إىل هذا الطريق‪،‬‬
‫وال حتمل هذا اهلدف‪ ،‬ومقابل ذلك هنب لك األموال واملناصب واالمتيازات‪.‬‬
‫ولو ذهبنا إىل تفاصيل اخلوف والطمع لربزت فيها عرشات املعوقات كحب العافية‪،‬‬
‫واالنتهازية‪ ،‬واملصلح ّية‪.‬‬
‫هذه العقبات تقف أمام الشخص قبل أن يسلك الطريق‪ ،‬غري أنه لو سلكه فإن هذه‬
‫املعوقات تتابعه وال ترتكه‪ ،‬مثل أشواك تتعلق بثيابه وتنغرس يف قدمه‪ ،‬مثل قيود حتاول‬
‫جتره إىل اخللف‪ ،‬متا ًما مثل ذلك الزورق‬
‫تكبيل حركته‪ .‬اهلدف يدفع إىل األمام واملعوقات ّ‬
‫املضطرب وسط األمواج‪.‬‬
‫وهناك رجل آخر حيمل داف ًعا للوصول إىل اهلدف تصغر أمامه كل تلك املعوقات‪ ،‬اهلدف‬
‫جيذبه بقوة تفوق جذب املخاوف واألطامع‪ ..‬تفوق جذب األهل والولد واملال واملتاع‬
‫َ َ َّ ُ َ َّ ْ‬
‫النف ُس‬ ‫واملنصب وحب السالمة وطلب العافية‪ .‬مثل هذا اإلنسان هو «املطمئن»‪( :‬یا أیتها‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬
‫ال ُم ْط َم ِئ ّنة ‪ْ #‬ار ِج ِعی ِإلى َر ِّب ِك َر ِاض َیة َّم ْر ِض َّیة)‪ 1‬هذا املطمئن هو الذي يستطيع أن يقطع الطريق‬
‫بخطى ثابتة وعزيمة و ّثابة نحو اهلدف املنشود‪.‬‬

‫‪1‬ـ الفجر‪28 - 27 /‬‬


‫‪ n94‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫حينام يكون اإليامن باهلل يف نفس اإلنسان قوة جاذبة‪ ،‬فإهنا تدفعه نحو اهلدف دف ًعا تصغر معه‬
‫كل عوامل اجلذب األخرى‪ ،‬ولنا يف ذلك من صدر اإلسالم أمثلة كثرية‪ ،‬وتستطيعون أن‬
‫جتدوا أمثلة أخرى لذلك‪.‬‬
‫وأعود وأقول الطمأنينة هي ثبات روح اإلنسان وثبات قلبه‪ ،‬هي أن ال تتنازعه األهواء يمنة‬
‫ويرسة‪ ،‬فهو عىل أثر ثقل اإليامن يف نفسه يسري بوقار واطمئنان‪ ،‬ولكنه يميض بكل رسعة‬
‫وبخطى ثابتة نحو اهلدف املنشود‪.‬‬
‫واملفردة األخرى هي السكينة‪ُ ( :‬ث َّم َأ َن َزل ُ‬
‫اهلل َس ِك َین َت ُه َع َلى َر ُسو ِلهِ َو َع َلى ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ین)‪1‬ويف القرآن‬
‫مر عىل املسلمني يف‬
‫تتكرر كلمة السكينة لتنزل عىل املؤمنني يف اللحظات احلساسة‪ ،‬مثل ما ّ‬
‫غزوة حنني‪.‬‬
‫العدو‬
‫ّ‬ ‫يف هذه الغزوة أصاب جيش النبي(ص) الغرور‪ ،‬والغرور خطر يؤدي إىل الغفلة عن‬
‫وعن األخطار املحدقة‪ .‬ويف هنج البالغة يقول اإلمام أمري املؤمنني عيل(ع)‪« :‬واهلل ال أكون‬
‫كالض ُب ِع تنام عىل طول ال َّلد ِم»‪ 2‬والضبع تنام إذا تكرر عليها اللدم‪ ،‬واللدم نوع من التنويمة‬
‫َّ‬
‫يكررها من يريد أن يلقي القبض عىل الضبع‪ .‬فاإلمام ال يغفل هبذه التنويامت التي تواجهه‬
‫يف ساحة الكفاح‪.‬‬
‫ْ َْ َ َْ ُ ْ َ ْ ُ ُ‬
‫كث َرتك ْم)‪ 3‬وهذا الغرور هو‬ ‫أعود إىل ما أصاب جيش الرسول من غرور‪ِ ( :‬إذ أعجبتكم‬
‫ُ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫الذي أ ّدى بكم أن تغفلوا عن عدوكم‪( :‬فل ْم ت ْغ ِن َعنك ْم ش ْی ًئا)‪ ،‬وبذلك منيتم هبزيمة وو ّليتم‬
‫مدبرين‪ ‌،‬ولكن رسعان ما حتولت هذه اهلزيمة إىل انتصار بعد أن أنزل سبحانه السكينة عىل‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ َ‬
‫اهلل َس ِكین َت ُه َعلى َر ُسو ِلهِ َو َعلى ال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫املسلمني‪( :‬ث َّم أنزل ُ‬
‫ین)‪.‬‬
‫وتتكرر مفردة السكينة حينام بايع املسلمون رسول اهلل حتت الشجرة يف بيعة الرضوان‪:‬‬
‫َ‬ ‫الش َج َرةِ َف َعل َم َما فی ُق ُلوبه ْم َف َأ َنز َل َّ‬
‫الس ِك َینة‬
‫َ َ ْ َ َ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ ْ َ َّ‬
‫(لقد ر ِضی اهلل ع ِن المؤ ِم ِنین ِإذ یب ِایعونك تحت‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫متوجها إىل املدينة إلقامة‬ ‫ً‬ ‫َعل ْی ِه ْم َو أث َاب ُه ْم ف ْت ًحا ق ِر ًیبا)‪ 4‬وحني خرج رسول اهلل(ص) من مكة‬

‫‪1‬ـ التوبة‪26 /‬‬


‫‪2‬ـ هنج البالغة‪ ،‬اخلطبة رقم ‪6‬‬
‫‪3‬ـ التوبة‪25 /‬‬
‫‪4‬ـ الفتح‪18 /‬‬
‫البشائر (‪95n )2‬‬

‫العدو منه عىل مدخل‬


‫ّ‬ ‫املجتمع اإلسالمي‪ ،‬وتبعه املرشكون ليقتلوه‪‌ ،‬فلجأ إىل الغار‪ ،‬وكان‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫اهلل َس ِكین َت ُه َعل ْیهِ )‪ 1‬يف تلك اللحظة احلساسة‪ ،‬والسكينة ً‬
‫أيضا ال تعني السكون‬ ‫الغار (فأ َنزل ُ‬

‫وعدم احلركة‪‌،‬بل تثبيت القلب ملواصلة الطريق‪.‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ‬
‫واملفردة األخرى األمن‪( :‬ال ِذ َین َآم ُنوا َو ل ْم َیل ِب ُسوا ِإ َیمان ُهم ِبظل ٍم أ ْول ِئ َك ل ُه ُم الأ ْم ُن) واضح‬
‫أن األمن هنا األمن الروحي ال األمن االجتامعي‪‌ .‬األمن االجتامعي يعني أن يكون مجيع‬
‫أفراد املجتمع يف حالة اطمئنان من نيل حقوقهم‪ .‬والسكون‪‌ ..‬السكوت اإلجباري ليس‬
‫باألمن االجتامعي‪ .‬األمن هنا يعني األمن الروحي‪‌،‬يعني أن ال يساور اإلنسان تزلزل وقلق‬
‫وخوف واضطراب‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َْ ُ ُُ‬ ‫َّ‬
‫اهلل‬ ‫ولنبدأ باستعراض ما ابتدأناه من آيات‪( :2‬ال ِذ َین َآمنوا َو تط َم ِئ ّن قل ُوب ُهم ِب ِذك ِر ِ‬
‫اهلل ألا ِب ِذك ِر ِ‬
‫وب) وذكر اهلل هو تلك اجلاذبة القوية التي تدفع نحو اهلدف‪ ،‬وتصغر أمامها كل‬ ‫َت ْط َم ِئ ُّن ْال ُق ُل ُ‬

‫اجلواذب األخرى‪.‬‬
‫ذكر اهلل له مكانته الكربى يف صياغة اإلنسان املسلم ولذلك كان التأكيد عىل الصالة بأهنا‬
‫أهم أركان الدين‪ ،‬إن ُقبلت ُقبل ما سواها‪ ،‬وإن ُر ّدت ُر ّد ما سواها‪ .‬ذلك ألن الصالة مفعمة‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫بذكر اهلل‪ ،‬والقرآن يقول عنها‪( :‬إ ّن َّ َ ْ َ َ‬
‫ك َبر)‪،3‬‬ ‫الصلاة تنهى ع ِن الف ْحش ِاء َو ال ُمنك ِر َو ل ِذك ُر ِ‬
‫اهلل أ‬ ‫ِ‬
‫‌احلج يكفي يف العمر مرة واحدة‪ ،‬والصوم شهر واحد يف السنة‪ ،‬أما الصالة فخمس مرات‬
‫يف اليوم‪ ،‬وإذا زدت فأفضل‪ .‬أعظم ميزة يف الصالة هي ذكر اهلل‪ .‬وذكر اهلل يبعث عىل حترير‬
‫القلب من االضطراب والنفس من االهتزاز والروح من الوسواس‪.‬‬
‫اهلل ت ْط َم ِئ ُّن القل ُ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫وب) واطمئنان القلوب له أمهيته البالغة يف نجاح اإلنسان‪ .‬واملؤمن‬ ‫(ألا ِب ِذك ِر ِ‬
‫يتمتع هبذا االمتياز‪.‬‬
‫ات ُطوبَى َل ُه ْم َو ُح ْس ُن َ‬ ‫َّ‬
‫الص ِال َ‬ ‫َّ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫آب) هؤالء الذين آمنوا والتزموا بام يتطلبه‬
‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫(ال ِذین آمنوا و ع ِم‬
‫اإليامن من عمل صالح‪ ،‬ما أسعدهم يف احلياة الدنيا! وما أحس َن آخرهتم! دنياهم عىل‬

‫‪1‬ـ التوبة‪40 /‬‬


‫‪2‬ـ الرعد‪29 - 28 /‬‬
‫‪3‬ـ العنکبوت‪45 /‬‬
‫‪ n96‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫أحسن حال وهكذا آخرهتم‪ .‬املجتمع املؤمن امللتزم بام ُيلزمه إيامنه حياته يف الدنيا طيبة‬
‫وآخرته نعيم مقيم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫حماجة بني إبراهيم(ع) وقومه‪:‬‬
‫ويتحدث القرآن عن ّ‬
‫َ‬
‫( َو َح َّآج ُه ق ْو ُم ُه) لقد جادلوه‪ ،‬ومل يذكر القرآن ما قاله القوم‪ ،‬لكننا نستطيع أن نستنتج ذلك‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َُ‬
‫اهلل َو ق ْد َه َد ِان) أجتادلونني يف اهلل بينام‬
‫من جواب إبراهيم (عليه السالم)‪( .‬قال أت َح ّاجونِی فِی ِ‬
‫َّ َ‬ ‫اهلل هداين ‌‪ ،‬فالطريق أمامي واضح ال ُلبس فيه وال تردد‪َ ( .‬و َلا َأ َخـ ُـاف َما ُت ْشر ُك َ‬
‫ون ِبهِ ِإلا أن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َیش َاء َربِّی ش ْی ًئا)‪ .‬فال أخاف ممّن جعلتموه رشيكًا هلل‪ ،‬إالّ أن يشاء اهلل شي ًئا‪ ،‬أي إين أخاف اهلل‬
‫وحده دون سواه‪ ،‬أخاف مما قد يضعه اهلل من حوادث عىل طريقي‪ .‬من هذا اجلواب يتضح‬
‫أن القوم أخافوه من نقمة رشكائهم‪ ،‬من سخط هؤالء الرشكاء ونقمتهم‪.‬‬
‫ْ‬
‫َ َ َّ ُ‬ ‫َ‬
‫ك َّل ش ْی ٍء ِعل ًما) فاهلل سبحانه أحاط علمه بكل يشء‪.‬‬ ‫(و ِسع ربِی‬
‫َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َّ‬
‫ون) أال تعودون إىل أنفسكم؟! أال تصحون؟! ( َوك ْیف أخاف َما أش َرك ُت ْم َو لا‬ ‫ك ُر َ‬ ‫(أفلا تتذ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َُْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َ َ َّ‬
‫اهلل َما ل ْم ُی َن ّ ِزل ِبهِ َعل ْیك ْم ُسل َط ًانا)‬
‫تخافون أنك ْم أشركتم ِب ِ‬
‫من كالم إبراهيم(ع) يتضح قول القوم أكثر‪ .‬يقول هلم‪ ،‬كيف أخاف ممن أرشكتم باهلل من دون‬
‫واضحا َم ْن هم هؤالء‬
‫ً‬ ‫دليل عقيل؟! أنتم الذين جيب أن ختافوا إذ جعلتم هلل رشكاء‪ .‬وليس‬
‫الرشكاء الذين يتحدث عنهم قوم إبراهيم‪ ،‬أهم من البرش أم من احليوان أم من احلجر؟ أم‬
‫من أمثال فرعون وقارون؟ وكل عبدة هؤالء الرشكاء حطب جهنم‪ ،‬ال فرق بينهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫ََ‬
‫ك ُنت ْم ت ْعل ُم َ‬
‫ون) نحن أم أنتم َم ْن يستحق أن يعيش بأمن‬ ‫(فأ ُّی الف ِریق ْی ِن أ َحـ ّـق ِبالأ ْم ِن ِإن‬
‫أحق أن نعيش بأمن‬
‫واطمئنان؟! نحن املؤمنون الذين هدانا اهلل‪ ،‬واطمأنت قلوبنا بذكر اهلل ّ‬
‫واطمئنان‪ ،‬أم أنتم يا َم ْن أرشكتم باهلل دونام دليل وبرهان؟! ‌واجلواب واضح‪ .‬واضح َم ْن‬
‫هو اآلمن املطمئن‪ ،‬و َم ْن هو ال َق ِلق اخلائف املضطرب‪.‬‬
‫هذا األمن ــ كام ذكرنا ــ من ثامر اإليامن‪ ،‬وحني يعرف املؤمن ثمرة أعامله فإنه يسري بعزيمة‬
‫أكرب‪ ،‬يرى أن أية خطوة من خطواته سوف ال تذهب هباء‪ ،‬لذلك يواصل املسري دون شعور‬

‫‪1‬ـ األنعام‪82 - 80 /‬‬


‫البشائر (‪97n )2‬‬
‫َ َّ َ َ‬
‫اهلل لا‬ ‫بالتعب ودون أن يساوره ملل‪ .‬وهذا ما يؤكد عليه القرآن يف مواضع عديدة‪( :‬ف ِإن‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫َ‬
‫یع أ ْج َر ْال ُم ْح ِس ِن َ‬
‫ین)‪ِ (1‬إنا لا ن ِض ُیع أ ْج َر َم ْن أ ْح َس َن َع َملا)‪.2‬‬ ‫ُی ِض ُ‬

‫موجزا حول موضوع‬


‫ً‬ ‫اآلية األخرية يف جلستنا هذه تدور حول القبلة‪ .‬بداية أذكر لكم‬
‫حتويل القبلة‪ .‬قبل اهلجرة كان اجتاه الصالة إىل املسجد احلرام‪ ‌،‬وبعد اهلجرة اجته املسلمون‬
‫ميض مدة نزل‬
‫ّ‬ ‫بأمر اهلل سبحانه صوب املسجد األقىص‪ ،‬وهو قبلة اليهود نفسها‪ .‬وبعد‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫التوجه نحو املسجد احلرام‪(:‬ف َو ِل َو ْج َه َك ش ْط َر ال َم ْس ِج ِد ال َح َر ِام)‪ .3‬يف سورة‬
‫ّ‬ ‫الوحي بوجوب‬
‫البقرة عدة آيات حول القبلة‪.‬‬
‫إحدى تلك اآليات ختاطب النبي(ص) واملؤمنني مبينة سبب تغيري القبلة بعد اهلجرة من‬
‫املسجد احلرام إىل املسجد األقىص‪ ،‬وتقول‪ :‬إن السبب هو اختباركم يف اتباع أوامر اهلل‬
‫ورسوله‪ .‬إذ إن العرب كانوا يقدسون الكعبة قبل اإلسالم‪ ،‬وهي قدسية ورثوها عن‬
‫آبائهم وأجدادهم‪ .‬واآلن وبعد ورودهم املدينة يأيت األمر باالجتاه نحو املسجد األقىص‪.‬‬
‫حولنا الكعبة التي ألفتم تقديسها إىل املسجد األقىص لنرى مدى قدرتكم عىل‬
‫إذن نحن ّ‬
‫اإلعراض عن سنّة اآلباء واألجداد يف سبيل اهلل‪‌ .‬ثم تؤكد اآلية أن صالتكم إىل بيت‬
‫املقدس كانت صحيحة وموضع تأييد اهلل وأجره‪ ،‬ال تظنوا أن صالتكم إىل بيت املقدس‬
‫َ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ َ َ َّ‬ ‫ْ‬
‫نت َعل ْی َها)‪ 4‬أي املسجد‬ ‫كانت باطلة فاهلل ال يضيع أجر املؤمنني‪َ ( .‬و َما َج َعل َنا ال ِق ْبلة ال ِتی ك‬
‫األقىص‪ ،‬وسياق اآلية يدل عىل أهنا نزلت بعد حتويل الكعبة من املسجد األقىص إىل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الكعبة‪ِ ( ،‬إلا ِل َن ْعل َم َمن َیت ِب ُع َّالر ُسول ِم َّمن َینق ِل ُب َعلى َع ِق َب ْیهِ ) أي لنعلم من يتبع الرسول ممن‬
‫يتمسك بتقاليد اجلاهلية‪ .‬إهنا عملية فصل بني الذائبني يف اإلسالم وأولئك الذين يعيشون‬
‫ّ‬
‫رواسب العرص اجلاهيل‪.‬‬
‫كانَ ْت َل َكب َیر ًة إ َّلا َع َلى َّالذ َین َه َدى ُ‬
‫اهلل) فليس من السهولة أن ينسلخ الفرد من رواسبه‬ ‫َ‬
‫( َو ِإن‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬

‫‪1‬ـ هود‪115 /‬‬


‫‪2‬ـ الكهف‪30 /‬‬
‫‪3‬ـ البقرة‪144 /‬‬
‫‪4‬ـ البقرة‪143 /‬‬
‫‪ n98‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫اجلاهلية إالّ َم ْن شملته اهلداية اإلهلية‪ .‬فاملهتدون هبداية اهلل ليس عليهم األمر بصعب‪ ،‬إذ‬
‫هم يستوعبون هذا التغيري‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫ان ُ‬ ‫ََ َ‬
‫ك َ‬
‫اهلل ِل ُی ِض َیع ِإ َیمانك ْم) وهذه اآلية هي موضع استشهادنا‪ ،‬فاهلل سبحانه ال يضيع‬ ‫(وما‬
‫إيامنكم‪ ،‬ال يضيع عملكم‪ ،‬كل خطوة تقطعوهنا عىل طريق اهلدف‪ ،‬فإنكم تتجهون إىل‬
‫ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الن ِاس ل َر ُؤوف ّر ِح ٌیم) هذه اآلية الكريمة وعدد من‬
‫اهلل ب ّ‬
‫ّ َ‬
‫الكامل‪ ،‬وهو مايريده اهلل لكم‪ِ ( .‬إن ِ‬
‫حتم‪ ،‬وال يضيع منه شي ًئا‪ .‬غدً ا‬
‫مثمرا ً‬
‫تبش املؤمنني أن عملكم سيكون ً‬
‫آيات القرآن األخرى ّ‬
‫سنبدأ البحث بإذن اهلل عن التوحيد‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬
‫القسم الثانی‬
‫التوحید‬
‫اجللسة الثامنة‬
‫التوحيد يف التصور اإلسالمي‬
‫اخلميس ‪ 9‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬ ‫ ‬
‫‪ 1353/7/4‬هجرية مشسية‬
‫ٌ َ َ َّ‬ ‫ُ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ َ ْ ُ ُ‬
‫وم لا تأخذ ُه ِس َنة َولا ن ْو ٌم ل ُه‬ ‫(اهلل لا ِإله ِإلا هو الحی القی‬
‫َ َّ َ ْ َ ْ َ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َما فی َّ‬
‫ات َو َما فِی الأ ْر ِض َمن ذا ال ِذی یشف ُع ِعنده ِإلا‬ ‫الس َم َاو ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِب ِإذ ِنهِ یعل ُم ما بین أی ِد ِیه ْم َوما خلفه ْم َولا ی ِحیطون ِبش ْی ٍء‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ‬ ‫ك ْرس ُّی ُه َّ‬ ‫ّ ْ ْ َّ َ َ َ َ َ ُ‬
‫ات َوالأ ْرض َولا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫او‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫الس‬ ‫ِ‬ ‫ِمن ِعل ِمهِ ِإلا ِبما شاء و ِسع‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫(البقرة‪)255 /‬‬ ‫َی ُؤ ُود ُه ِح ْفظ ُه َما َو ُه َو ال َع ِل ُّی ال َع ِظ ُیم)‬

‫ما ذكرناه بشأن التوحيد يف نظر القرآن الكريم هو‪ :‬أن عقيدة التوحيد جيب أن يؤمن هبا‬
‫اإلنسان عن وعي وفهم وشعور‪ ،‬وأن يكون هذا اإليامن مقرونًا بااللتزام‪ ،‬أي أن يكون ذا‬
‫تأثري يف حياتنا الفردية واالجتامعية ويف مسرية املجتمع التارخيية‪.‬‬
‫ويف هذه اجللسة واجللسات القادمة سنتناول التوحيد من زوايا أخرى باالستمداد من آيات‬
‫الذكر احلكيم‪ ،‬وال أ ّدعي بأن هذه اجللسات تستوعب أبعاد التوحيد مجيعها‪ ،‬ولذلك أدعو‬
‫من يريد أن يتوسع يف هذا املوضوع أن يعود إىل القرآن الكريم ليطالع بدقة ٍ‬
‫وتأن‪ ،‬وسيجد‬
‫بحارا من املعرفة ال ساحل هلا‪ .‬ويف هذه األحاديث سنقارب عقيدة التوحيد بمقدار ما‬
‫ً‬
‫أوتيت لنا من فرصة‪.‬‬
‫ثمة مالحظتان أذكرمها قبل دخول موضوع هذه اجللسة‪ .‬األوىل إن احلديث عن التوحيد‬
‫بالشكل الذي أريد توضيحه قد يتحول من خطبة إىل بحث درايس‪ ،‬وقد يقول قائل إن هذا‬
‫ال يتناسب مع احلديث أمام اجلمهور وعامة الناس‪ ،‬وأنا ال أرى مان ًعا من حتويل احلديث‬
‫مع عامة الناس إىل قاعة درس‪ ،‬ملاذا ال تكون مثل هذه األحاديث مثار تأمل وتفكري؟ لنرفع‬
‫‪ n104‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫مستوى أحاديثنا يف شهر رمضان الكريم إىل مستوى يثري يف األذهان التفكري ويدفع إىل‬
‫التوسع واملطالعة‪.‬‬
‫واملالحظة الثانية هي ما كررته يف أحاديثي وحمارضايت هو أنكم غري ملزمني بقبول ما أقوله‬
‫يمحصوا األقوال بفكرهم ويكونوا مصداق قوله تعاىل‪:‬‬
‫كله‪ ،‬بل املطلوب من املستمعني أن ّ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ ّ‬
‫ون أ ْح َس َن ُه)‪.1‬‬
‫ون الق ْول ف َیتب ُع َ‬
‫ِ‬
‫باد ‪ #‬الذ َین َی ْس َتم ُع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(ف َبشر ِع َ‬
‫ِ‬
‫أعود إىل حديثي نريد يف هذه اجللسة واجللسة القادمة أن نتناول التوحيد يف إطار التصور‬
‫اإلسالمي‪ ،‬أي يف إطار نظرة اإلسالم إىل الكون واحلياة‪ ،‬استنا ًدا إىل آيات القرآن الكريم‪.‬‬
‫ويف اجللسة القادمة نقارب التوحيد يف إطار أيديولوجية اإلسالم‪ ،‬أي يف إطار املنظومة‬
‫تعليم‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫يتجل يف مجيع التعاليم اإلسالمية‪ ،‬وحيثام وجدنا‬ ‫العملية‌ للدين املبني‪ .‬فالتوحيد‬
‫باسم اإلسالم خيالف التوحيد فاعلموا أنه ليس من اإلسالم‪ ،‬ألن التوحيد كالروح يف جسد‬
‫مجيع املنظومة اإلسالمية‪ ،‬كالدم الصايف النقي الذي جيري يف عروق اجلسد اإلسالمي‪ .‬ال‬
‫حكم من أحكام اإلسالم ليس للتوحيد بصمة عليه‪.‬‬
‫تستطيعون أن جتدوا ً‬
‫مامعنى التصور اإلسالمي أو الرؤية الكونية اإلسالمية؟‬
‫كل إنسان له وجهة نظر معينة للعامل ولإلنسان وللطبيعة وملا وراء الطبيعة‪ ،‬هذا هو تصور‬
‫اإلنسان للكون واحلياة‪ .‬ومن الطبيعي أن تكون لكل مدرسة فكرية مثل هذا التصور ومثل‬
‫هذه الرؤية الكونية‪ .‬ولإلسالم نظرته الكونية‪ ،‬وأنا أحتدث عنها اليوم بمقدار ما يرتبط‬
‫األمر بالتوحيد‪.‬‬
‫اإلسالم يرى أن هذه املنظومة املسامة بالعامل بكل أجزائها صغرية أو كبرية‪ ،‬من أتفهها إىل‬
‫أرشفها وهو اإلنسان خملوقة ومرتبطة بقدرة عظيمة كبرية‪ ،‬هي ما وراء الظاهر واملرئي‪،‬‬
‫ما وراء قدرة العلم التجريبي أن حييط هبا‪ ،‬ما وراء الظواهر املحسوسة وامللموسة‪‌ ..‬إهنا‬
‫واألعز‪ ،‬وكل ظواهر العامل هي من صنعه وتدبريه‪ ،‬هذه القدرة‬
‫ّ‬ ‫احلقيقة األسمى واألرشف‬
‫العظيمة اسمها (اهلل)‪.‬‬

‫‪1‬ـ الزمر‪18 - 17 /‬‬


‫التوحيد يف التصور اإلسالمي ‪105n‬‬

‫فالعامل ُ حقيق ٌة ليست مستقلة بذاهتا‪ ،‬مل ختلق نفسها بنفسها‪ ،‬مل تنبعث من داخلها بل إن يدً ا‬
‫مقتدرة قد أوجدت هذه الظواهر كلها بام فيها من عظمة وسعة‪ ،‬والعلم يكتشف باستمرار‬
‫مزيدً ا من هذه العظمة والسعة‪ .‬هذه اليد املقتدرة هي التي أوجدت يف الذرة هذا العامل‬
‫املجرات التي اكتشف اإلنسان بعضها‬
‫العظيم‪ ،‬ويف العوامل البعيدة املجهولة أو جدت هذه ّ‬
‫وما مل يكتشفه يفوق مليارات ما اكتشف‪ .‬هذا املصنع له صانع‪ ،‬مل يوجد بالصدفة‪ .‬هذا أحد‬
‫معامل نظرة اإلسالم الكونية‪ .‬ثم إن هذه القدرة العظيمة ترعى باستمرار خملوقاهتا‪ ،‬وتتسم‬
‫حي ومريد وما تتفرع عن هذه الصفات‪.‬‬
‫بجميع صفات اخلري‪ .‬فاهلل عامل ومقتدر و ّ‬
‫واملترصف فيه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إنه خالق أجزاء العامل كلها وراعيها ألهنا حمتاجة إليه عىل الدوام‪ ،‬مالك العامل‬
‫ومسيه بنظام خاص وبقوانني وسنن دقيقة‪ .‬هذه القوانني يكتشفها العلم‪ .‬لسنا يف صدد‬
‫ّ‬
‫احلديث عن عظمة ما اكتشفه العلم وهو قطرة من بحر أرسار هذا الكون‪ .‬كام نحن لسنا يف‬
‫صدد إثبات وجود اهلل والصانع‪ ،‬ففي هذا املجال ُأ ّلف الكثري‪ .‬ولكن ال بأس من ذكر كتاب‬
‫بقلم عدد من علامء العلوم التجربية‪ ،1‬أي من الذين يتكلمون بلغة املخترب واالكتشاف‬
‫والصناعة يف إثبات وجود اهلل‪ ،‬وقد ترمجه إىل الفارسية عدد من األفاضل‪ ،‬وهؤالء جيمعون‬
‫عىل أن التعمق يف كنه املخلوقات واملوجودات وكشف ما يسيطر عىل العامل من نظم وقانون‬
‫وإتقان يبني أن هلذا العامل خال ًقا‪.‬‬
‫هذا هو التوحيد يف الرؤية الكونية لإلسالم‪ .‬العامل له صانع وخالق‪ ،‬وبعبارة أخرى له روح‬
‫ً‬
‫مستقل‪ ،‬بل هو مرتبط بقدرة سامية‪ .‬ثم ما هو تأثري‬ ‫طاهرة ولطيفة‪ .‬ليس هذا العامل موجو ًدا‬
‫هذه الرؤية يف صياغة احلياة؟ هذا ما نبينه يف املحارضة القادمة‪.‬‬
‫حني نرجع إىل آيات القرآن الكريم نجد هذه املفاهيم كلها‪ .‬ومنها اآليات التي نتناوهلا‬
‫اليوم‪ ،‬وأوهلا آية الكريس‪.2‬‬
‫َ َ َّ‬
‫اهلل لا ِإل َه ِإلا ُه َو) اهلل هو املعبود وال معبود سواه‪ .‬واإلله ــ يف املصطلح القرآين ــ هو‬
‫( ُ‬

‫‪1‬ـ كتاب «اهلل يتحىل يف عرص العلم»‪ ،‬جان كلوفر‪ ،‬يشتمل عىل أربع مقاالت لعلامء متخصصني معارصين يف إثبات وجود اهلل‪.‬‬
‫ومرتجم إىل الفارسية بعنوان‪« :‬اثبات وجود خدا»= إثبات وجود اهلل‪.‬‬
‫‪2‬ـ البقرة‪255 /‬‬
‫‪ n106‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫الذي خيضع له اإلنسان خضوع تقديس وتعظيم وتكريم‪ .‬ويس ّلم له مقاليد أموره‪.‬‬
‫مسيطرا‬
‫ً‬ ‫فالذي خيضع هلوى نفسه فإن هذا اهلوى هو إهله‪ .‬والذي خيضع لطاغية وجيعله‬
‫عىل شؤون حياته فهذا الطاغية هو إهله‪ ،‬والذين ينصاعون ملجموعة من العقائد والتقاليد‬
‫الفارغة فهي إهلهم‪ .‬واآلية تنفي األلوهية عن غري اهلل‪ ،‬فال معبود سواه‪ .‬والواقع أن احلياة‬
‫َعج بألوان اآلهلة‪ ،‬لكن اآلية تقول إن هذه اآلهلة مزيفة وغري حقيقية‪ .‬فال يليق‬
‫اإلنسانية ت ّ‬
‫بالعبودية واأللوهية غري اهلل‪.‬‬
‫احلي احلقيقي املطلق‪ ،‬وبقية األحياء بني‬
‫ماهي خصائص هذا اإلله احلق؟! إنه «احلي»‪ّ ..‬‬
‫دائم‬
‫عدمني‪ ،‬عدم قبل الوجود‪ ،‬وعدم بعد انتهاء الوجود‪ ،‬ووجودها بني العدمني مهدد ً‬
‫واحلي احلقيقي هو الذي بيده احلياة‪ ،‬وحياة األحياء كلها من موهبته‪ ،‬وهو الباقي‬
‫ّ‬ ‫بالفناء‪.‬‬
‫بعد فناء كل يشء‪ .‬وكل حياة األحياء مرهونة باستمداد احلياة منه‪ ،‬وبدونه ال يبقى أي‬
‫َ‬
‫مظهر من مظاهر احلياة‪ ،‬ألنه (الق ّیوم) عليها‪.‬‬
‫ٌ َ َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫(لا تأ ُخذ ُه ِس َنة َو لا ن ْو ٌم) ال يعرتيه نوم بل وال نعاس‪ ،‬أي إنه ال تعرتيه غفلة‪ .‬اآلهلة املزيفة‬
‫تصاب بالغفلة‪ ،‬بل الغفلة هي املسيطرة عليها‪ ،‬ولغفلتهم يبددون نِ َعم اهلل‪ ،‬وينزلون بقومهم‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َ ُّ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َّ ُ ْ َ َ‬
‫اهلل كف ًرا َو أ َحلوا ق ْو َم ُه ْم َد َار ال َب َو ِار ‪َ #‬ج َه ّن َم‬
‫املصائب والويالت‪( :‬ألم تر ِإلى ال ِذین بدلوا ِنعم ِ‬
‫ة‬
‫ْ َْ‬ ‫َ َ‬
‫َی ْصل ْون َها َو ِبئ َس الق َر ُار)‪ 1‬وهذه اآلية الكريمة تالها اإلمام موسى بن جعفر(ع) عىل هارون‬
‫جتر هؤالء الطواغيت إىل هذه املآيس‪.‬‬
‫الرشيد‪ .‬ثم قال له‪ :‬أنت من هؤالء ‪ .‬الغفلة هي التي ّ‬
‫‪2‬‬

‫كل تعبري يف القرآن الكريم عن صفات اهلل سبحانه يف سياق التوحيد يتضمن نفي هذه‬
‫الصفات عن اآلهلة املزيفة‪ ،‬كام يتضمن ما ينبغي أن ّ‬
‫يتحل به املوحدون يف حياهتم‪ ،‬فقوله‬
‫ٌ َ َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫تعاىل‪( :‬لا تأ ُخذ ُه ِس َنة َو لا ن ْو ٌم) يعني أن اآلهلة املزيفة يف غفلة عن أمرها‪ ،‬كام يعني ما جيب‬
‫أن ّ‬
‫يتحل به املوحدون من وعي وصحوة وبصرية‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫ات َو َما فِی الأ ْر ِض) كل يشء هو ملكه وطوع قدرته‪َ ( .‬من ذا ال ِذی َیشف ُع ِع ْن َد ُه‬ ‫( َّل ُه َما فی َّ‬
‫الس َم َاو ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ْ‬
‫ِإلا ِب ِإذ ِنهِ ) حتى الشفاعة ال يستطيع أحد أن يستقل هبا‪ .‬األنبياء واألئمة واألولياء وصلحاء‬

‫‪1‬ـ إبراهيم‪29 - 28 /‬‬


‫‪2‬ـ تفسري نور الثقلني ذيل اآلية ‪ 28‬من سورة إبراهيم‪.‬‬
‫التوحيد يف التصور اإلسالمي ‪107n‬‬

‫املؤمنني إنام يشفعون بإذن اهلل سبحانه‪ ،‬إذ ليست هلم قدرة مستقلة أمام قدرة اهلل‪ .‬إهنم عبيد‬
‫اهلل‪ ،‬لكنهم مشمولون بلطف اهلل وحمبته‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َ ْ َ َْ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ُ ُ َ َ‬
‫ون ِبش ْی ٍء ِّم ْن ِعل ِمهِ ِإلا ِب َما ش َاء)‪.‬‬‫(یعلم ما بین أی ِد ِیهم و ما خلفهم و لا ی ِحیط‬
‫هذه اآلية تطرح بعدً ا آخر للتوحيد‪ ،‬وهو أن عباد اهلل سواسية أمام اهلل سبحانه‪ ،‬ليس ألحد‬
‫امتياز عىل آخر‪ ،‬إذ كلهم حتت سيطرة علم اهلل‪ ،‬وليس هلم من علم اهلل يشء إالّ بام شاء‪.‬‬
‫رسول اهلل عىل عظمته يف الكائنات هو يف قبضة اهلل وهو عبدهلل مثل كل أجزاء وجود هذا‬
‫الكون‪ .‬ليس ألحد ال لألنبياء وال لعباده املقربني قدرة مقابل قدرة اهلل‪ .‬كلهم عباده‪ .‬ويف‬
‫التشهد نقول‪« :‬أشهد أن حممدً ا عبده ورسوله»‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫الس َم َاو ِات َو الأ ْر َض َو لا َیـ ُـؤ ُود ُه ِحفظ ُه َما َو ُه َو ال َع ِل ُّی ال َع ِظ ُیم)‪ ،‬كل يشء يف‬
‫ك ْرس ُّی ُه َّ‬
‫ِ‬ ‫(و ِســع‬
‫الساموات واألرض حتت قدرته‪ ،‬وال يصعب عليه حفظ هذه املخلوقات‪.‬‬
‫من جمموع ما ذكرنا بشأن التوحيد يف التصور القرآين نفهم أن الوجود كله خيضع لقدرة‪،‬‬
‫ملركز علم وحياة وقوة هو اهلل‪ ،‬ومجيع ظواهر اخلليقة خاضعة ويف حالة عبودية أمام تلك‬
‫القدرة العظيمة اجلليلة‪ ،‬ويف هذا اخلضوع ال فرق بني خملوق وخملوق‪ ،‬اجلميع خاضعون‬
‫مستسلمون‪ ..‬اإلنسان املؤمن واإلنسان الكافر‪ ،‬املوجود الصغري واملوجود الكبري ٌ‬
‫كل له‬
‫ً‬
‫شامل لكل املوجودات أمام قدرة اهلل‪ ،‬فال معنى أن يكون‬ ‫خاضعون‪ .‬وحني يكون اخلضوع‬
‫طاغية مثل إمرباطور الروم أوريليان يرى نفسه فوق غريه من البرش‪ ،‬وأن ُيصنع له متثال‬
‫يقف يف حال تكرب وغرور وعىل قدميه عبد يف حالة ذلة ومسكنة!! أليس هذا اإلمرباطور‬
‫وهذا العبد خاضعان عىل السو ّية أمام قدرة اهلل حسب التصور التوحيدي؟! لو كانت النظرة‬
‫الكونية التوحيدية هي املهيمنة ملا كان طواغيت العامل واملتجربون يسيطرون عىل الثروات‬
‫الناس يتسابقون لتقبيل أقدامهم‪ ،‬ويرون‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ويسخرون عباد اهلل لطاعتهم‪ ،‬و َيدَ عون‬ ‫الطائلة‬
‫أهنم خلقوا ليكونوا سادة واآلخرين عبيدً ا‪ ،‬خلقوا ليكونوا سعداء‪ ،‬وغريهم خملوقون‬
‫مقربون من‬
‫«ي َوه» وهم ّ‬
‫للبؤس والشقاء‪ ‌..‬ملا كان اليهود قادرين أن يدّ عوا أن إهلهم هو َ ُ‬
‫يقسموا املجتمع إىل أربع‬
‫هذا اإلله أكثر من غريهم‪ ،‬وما كان بإمكان الوثنيني اهلندوس أن ّ‬
‫طبقات‪ ،‬لكل طبقة إله خاص هبا‪ ،‬خملوقة منه‪‌.‬التصور التوحيدي اإلسالمي اخلالص يقرر‬
‫‪ n108‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫أن املمكنات واملوجودات مجي ًعا خملوقة من مبدأ واحد‪ ،‬وهي بيد قدرة واحدة ٌّ‬
‫كل هلا عبيد‬
‫حيق ألحد أن يضع رأسه حتت أقدام آخرين‪ ،‬وال حيق ألحد أن يضع قدمه‬
‫خاضعون‪ .‬ال ّ‬
‫عىل رأس آخرين‪ ،‬ألن ذلك يتعارض مع احلق واحلقيقة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َّ‬
‫( َمن ذا ال ِذی َیشف ُع ِع ْن َد ُه ِإلا ِب ِإذ ِنهِ ) من الذي تكون له قدرة الشفاعة دون إذنه‪ ،‬إنه ال يأذن‬
‫بالشفاعة للجبارين وال للمفسدين‪ ،‬بل يأذن هبا لألنبياء واألولياء والصاحلني والشهداء‪،‬‬
‫لعباده الصاحلني الذين حتملوا مرارة احلياةمن أجل أداء واجبهم‪ ،‬حتملوا ألوان املعاناة‬
‫ليقطعوا خطوة عىل طريق رسالتهم‪ .‬هؤالء يستطيعون أن يشفعوا عند اهلل‪ ،‬وإنام نالوا هذه‬
‫الدرجة الرتفاعهم يف درجة العبودية‪ .‬رسول اهلل(ص) بلغ الذروة يف العبودية مل يبلغها أحد‬
‫وهكذا أمري املؤمنني عيل(ع) وهكذا اإلمام السجاد مل يبلغه يف العبودية أحد أفراد زمانه‪ .‬مل‬
‫يبلغوا هذا املقام بسبب املعايري الدنيوية السائدة‪ ،‬بل بسبب كثرة عبوديتهم‪.‬‬
‫من آية الكريس نفهم أن املوجودات مجيعها هي أمام قدرة اهلل املطلقة يف مقام العبودية‬
‫والطاعة والتسليم‪ .‬ومن أراد أن يتقرب منه سبحانه فبكثرة العبودية‪.‬‬

‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ُ‬
‫اآلية ‪ 88‬وما يتلوها من سورة مريم هي يف هذا السياق‪َ ( :‬وقالوا ات َخذ َّالر ْح َم ُن َول ً اد) فكرة أن‬
‫اهلل له ولد وردت لدى الكفار بصور خمتلفة‪ .‬املسيحيون قالوها بشكل واليهود بشكل آخر‬
‫ومرشكوا اجلزيرة العربية بصورة أخرى‪ .‬بعضهم قالوا اختذ اهلل ولدً ا وبعضهم قالوا اختذ‬
‫بنتًا وبعضهم قالوا ولدً ا وبنتًا‪ .‬ما املقصود من هذه األقوال لدى الكافرين؟ املقصود هو أن‬
‫هناك من ينتسب إىل اهلل بالبنوة ال بالعبودية!‬
‫حني قال اليهود عزير ابن اهلل‪ ،‬أرادوا أن يقولوا أن العزير خارج من إطار الكائنات اخلاضعة‬
‫بالعبودية لرب العاملني‪ .‬وهكذا املسيحيون يف قوهلم عن عيسى بن مريم‪ ،‬وهكذا املرشكون‬
‫والعزى ومنات بنات هلل‪ .‬واملرشكون يف اليونان وبالد الروم كانت‬
‫ّ‬ ‫الذين كانوا يرون الالت‬
‫هلم مثل هذه النظرات‪ .‬اهلدف من كل ذلك عدم اإلقرار بأن كل املوجودات عبيد اهلل‪،‬‬
‫بل هناك فئة ممتازة متميزة خارجة عن إطار العبودية‪ .‬ولذلك يرفض القرآن ذلك بشدّ ه‬
‫ُ َ ًّ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ُ َ َ َ َّ َ ْ ُ َ َ ُّ ْ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ْ ً ًّ‬ ‫ُْ‬ ‫ويقول‪ْ َ َ ( :‬‬
‫الس َم َاوات یتفط ْرن ِمنه َو تنشق الأرض َو ت ِخ ّر ال ِج َبال ه ا‬
‫د‪#‬‬ ‫لقد جئت ْم شیئا إدا ‪ #‬تكاد ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التوحيد يف التصور اإلسالمي ‪109n‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أن َد َع ْوا ِل َّلر ْح َم ِن َول ً اد)‪.1‬‬
‫اهلي‪.‬‬
‫ليس هذا االدعاء‪ ..‬ادعاء أن هلل ولدً ا باألمر ّ‬
‫واآلية تصور هول هذه العقيدة الفاسدة وخطرها‪ ،‬إذ هي تنفي شمول العبودية لكافة‬
‫الكائنات‪ ،‬وبالتايل تكون ذريعة ملن أراد أن يكون عبدً ا لغري اهلل تعاىل‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫ك ُّل َمن فی َّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الس َم َاو ِات َو الأ ْر ِض ِإلا آتِی َّالر ْح َم ِن َع ْب ً اد) كل‬ ‫ِ‬ ‫( َو َما َی َنب ِغی ِل َّلر ْح َم ِن أن َی ّت ِخذ َول ً اد ‪ِ #‬إن‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫الكائنات خاضعة بالعبودية هلل دونام استثناء (لق ْد أ ْح َص ُاه ْم َو َع ّد ُه ْم َع ّ اد)‪.‬‬
‫يف هذا اليوم تناولنا التوحيد باعتباره أصال من أصول الرؤية الكونية لإلسالم‪ .‬تُرى ما أثر‬
‫املوحد‪ ،‬وما هي خارطة الطريق التي يرسمها للحياة؟ هذا ما‬
‫هذه الرؤية يف حياة املجتمع ّ‬
‫نتناوله يف اجللسة القادمة بإذن اهلل‪.‬‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫واحلمد هلل ّ‬

‫‪1‬ـ املریم‪94 -89 /‬‬


‫اجللسة التاسعة‬
‫التوحيد يف املنظومة العملية لإلسالم‬ ‫ ‬
‫اجلمعة ‪ 10‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬ ‫ ‬
‫‪ 1353/7/5‬هجرية مشسية‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ ُ‬ ‫َّ‬
‫اهلل أنـ ـ َـد ًادا ُی ِح ُّبون ُه ْم‬
‫ون ِ‬
‫ُ‬
‫ـاس مــن یــتـ ِـخــذ ِمــن د ِ‬ ‫( َو ِم ـ َـن الــنـ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اهلل َوال ِذ َین َآم ُنوا أشـ ّـد ُح ًّبا هلِل َول ْو َی َرى ال ِذ َین ظل ُموا‬ ‫ك ُح ِّب ِ‬
‫ْ َ‬
‫اهلل َش ِد ُید ال َعذاب)‬ ‫إ ْذ َی َر ْو َن ْال َع َذ َاب َأ َّن ْال ُق َّو َة هلِل َجم ًیعا َو َأ َّن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(البقرة‪)165 /‬‬

‫اإلنسان اإلهلي يقول إن ماوراء هذه املشهودات حقيقة أسمى وأعظم مما نشاهده‪ ،‬ولو مل‬
‫تكن تلك احلقيقة ما وجدت هذه الظواهر املشهودة‪ .‬واإلنسان املادي يقول‪ :‬ال نستطيع أن‬
‫نؤمن بغري هذه املشهودات‪ ،‬مل نجد يف املختربات ما ّ‬
‫يدل عىل ما يقوله اإلهليون‪.‬‬
‫دعنا عن أقوال اليونانيني والرومان القدماء بشأن هذه املسألة‪ ،‬حديثنا عن املاديني يف‬
‫عرصنا‪ .‬نحن نعتقد أن هؤالء املاديني يف عرصنا يطلقون هذه املزاعم ألهنم يعانون من‬
‫عقدة فكرية ونفسية جتاه املدرسة اإلهلية‪ .‬هؤالء خيالون أن إقامة العدل وإزالة التمييز يف‬
‫املجتمع ال تتحقق إالّ يف ظل الفكر املادي‪ ،‬ومن هنا ُيعرضون عن املدرسة اإلهلية‪ .‬لو‬
‫أمعنتم النظر يف احلياة الفكرية ألتباع املدرسة املادية يف عرصنا لتبني لكم صحة ما نقول‪.‬‬
‫ليس رفضهم لوجود اهلل عن عناد جتاه اخلالق‪ ،‬وال بسبب عدم عثورهم عىل استدالل‬
‫فكري إلثبات وجوده‪ ،‬إذ ال يمكن أن يكون هناك استدالل فكري عىل نفي وجود اهلل‪،‬‬
‫ال اآلن وال يف املايض‪ ،‬ال تستطيعون أن جتدوا ماد ًيا يف العامل يطرح دليال عىل عدم وجود‬
‫اهلل‪ ،‬بل قصارى قوهلم أنه مل يثبت لنا وجود الباري‪ ،‬وأنه مل نفهم وال نقبل استدالل‬
‫‪ n114‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫ُ ُ‬ ‫َّ‬
‫اإلهليني‪ ،‬ولعل القرآن الكريم يشري إىل هذا بقوله‪( :‬إ ْن ُه ْم إلا َیظ ّن َ‬
‫ون)‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إذن ليست هناك فلسفة عقلية لإلنكار‪ ،‬بل إن أنصار املدرسة املادية يف عرصنا خيالون أن‬
‫املدرسة املادية أقدر عىل إدارة العامل وعىل إنقاذه من الظلم واجلشع والتمييز‪ .‬والدين ال‬
‫حكم كهذا عىل الدين؟ ألهنم يفهمون الدين بمعناه‬
‫يستطيع أن يفعل ذلك‪ .‬ملاذا يصدرون ً‬
‫التقليدي الشائع املوروث من عرص التخ ّلف‪ .‬الدين الذي يكتفي بالعادات والتقاليد‬
‫والطقوس وال حيرك ساكنًا يف املجتمع‪ ،‬لذلك يقولون عنه إنه أفيون الشعوب‪.‬‬
‫يقر عىل ظلم الظاملني‬
‫واضح أننا حني نواجه هذا املنطق ليس لنا إال أن نقول‪ :‬لو رأيتم دينًا ّ‬
‫ويساند املستبدين‪ ،‬وال هيتم بأمر املظلومني وال جيدي نف ًعا للـمسحوقني فارفضوه إنا معكم‬
‫رافضون‪ .‬الدين اإلهلي له خصائص معينة ومواصفات خاصة‪ ،‬إن توفرت نقبله وإن مل‬
‫تتوفر نرفضه‪.‬‬
‫َ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َّ‬ ‫َ َ ْ َْ ْ َ ُ َ َ ْ َّ‬
‫الن ُاس‬ ‫القرآن يقول‪( :‬لقد أر َسلنا ر ُسلنا ِبال َب ِین ِ‬
‫ات و أنزلنا معهم ال ِكتاب و ال ِمیزان ِلیقوم‬
‫ْ‬
‫ِبال ِق ْس ِط)‪ 2‬األنبياء كلهم مرسلون من أجل أن يسود العدل والقسط يف حياة البرشية‪ .‬هذا‬
‫هو الدين‪ .‬وإذا رأيتم دينًا يتجه خالف هذا اهلدف فهو إما أن ال يكون إهل ًيا‪ ،‬أو أنه دين‬
‫ممسوخ‪ ،‬هذه مسألة واضحة‪.‬‬
‫فيا أهيا املادي الذي تدعي أن الدين عاجز عن إدارة املجتمعات البرشية‪ ،‬أسألك‪ :‬أي دين؟‬
‫اإلسالم؟ اإلسالم احلقيقي؟ اإلسالم املحمدي؟ أسلوب احلكم العلوي؟ هل رأيت يف‬
‫عجزا عن إدارة املجتمع؟ أين هذا العجز؟ إسالمنا هو الذي حيارب التمييز والطبقية‪،‬‬
‫هذا ً‬
‫عز‬
‫ويقسم الثروة بالعدل‪ ‌،‬ويوفر الفرص واإلمكانات املتساوية أمام أفراد املجتمع‪ ،‬و ُي ّ‬
‫اإلنسان الذي كان يعيش يف ّ‬
‫الذل وكان ُي ّ‬
‫سخر الرتكاب ألوان اجلرائم من أجل فتات‬
‫أعزه اإلسالم وأكرمه‪ ،‬وأكسبه الفضائل األخالقية‬
‫موائد الطواغيت‪ .‬هذا اإلنسان املنحط ّ‬
‫واإلنسانية‪ ،‬كل ذلك و ّفره يف ظل نظام عادل ومتقن‪.‬‬
‫الرتبية التي مارسها الرسول(ص) مل تكن تربية فردية‪ ،‬مل تكن األخذ بيد األفراد واحدً ا واحدً ا‬

‫‪1‬ـ اجلاثية‪24 /‬‬


‫‪2‬ـ احلديد‪25 /‬‬
‫التوحيد يف املنظومة العملية لإلسالم ‪115n‬‬

‫ودفعهم إىل الزوايا كي يتلوا األوراد واألذكار‪ ،‬مل يكتف رسول اهلل(ص) بموعظة الناس‬
‫وبيان الصحيح وغري الصحيح من األعامل‪ ،‬بل إنه أرسى قواعد نظام اجتامعي مستحكم‬
‫وفق أصول معينة‪ ،‬ودفع بالناس إىل احلركة يف ظل هذا النظام ويف هذا املسري‪ ،‬وهبذا جعل‬
‫منهم أفرا ًدا صاحلني‪ .‬وإذا أخذت بنظر االعتبار هذا اإلسالم ثم قلت أهيا املادي املعارص‬
‫بأنه ال ينسجم مع ما نريد من حتقيق الرقي والعدل واألمن وتأمني احتياجات البرش‪ ،‬فذلك‬
‫ما ال نقبله منك‪ !...‬إذ هو خالف اإلنصاف‪ ..‬خالف اإلنصاف‪.‬‬
‫لو أن مثق ًفا يف عامل املسيحية مل َي َر ِم ْن مظاهر الدين سوى الشفاعة الكاذبة وبيع صكوك‬
‫حيق لك‬
‫الغفران فله احلق أن يطلق بحق الدين هذه األحكام‪ .‬أما أنت أهيا املسلم كيف ّ‬
‫أعز وأمجل التجليات اإلنسانية يف أفق العامل؟!‬
‫ذلك وأنت ترى أن اإلسالم يسجل ّ‬
‫إذا كنت تقصد من الدين هذا الذي يدعو الناس إىل الركود والسكون والتقاعس‬
‫واالنصياع للظلم والتفرقة والتقاتل والتناحر‪ ،‬ويدعو الفقري إىل ترك السعي لكسب املال‪،‬‬
‫ويدعو الغني إىل االكتفاء بالتربع للكنيسة أو ملؤسسة دينية بمبلغ من املال ليكون كفارة‬
‫ما ارتكبه من ظلم يف سبيل احلصول عىل هذه األموال‪ ،‬إذا كنت تقصد هذا الدين املزيف‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫فنحن نتجاوب معك‪ .‬وكالنا حينئذ نردد مع القرآن الكريم‪َ ( :‬یا أ ّی َها ال ِذ َین َآم ُنوا ِإ ّن ك ِث ًیرا‬
‫ون َعن َ‬ ‫ّ َ َ ْ َ َ ُّ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ َ َّ‬
‫الناس ب ْال َباطل َو َی ُص ُّد َ‬
‫اهلل)‪ 1‬هؤالء ال‬ ‫یل ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن الأحب ِار و الرهب ِ‬
‫ان لیأكلون أمــوال‬
‫أيضا يقطعون الطريق أمام السائرين نحو اهلل‪.‬‬
‫ظلم وعدوانًا‪ ،‬بل ً‬
‫يكتفون بأكل أموال الناس ً‬
‫نعم مثل هذا الدين ليس بدين حقيقي‪ ،‬مثل هذا الدين الذي يكون وسيلة تساعد الظاملني‬
‫والطغاة هو أسوأ من عدم التدين الذي قد ال يتحول إىل مثل هذه الوسيلة‪.‬‬
‫ثمة مسائل فكرية أرى من الالزم عىل اجلميع أن يفهمها‪ .‬إحداها أن التوحيد ينبغي أن‬
‫ال ُيطرح بصورة جافة وبشكل سؤال علمي عقيل‪ ،‬بل بصورة مسألة حياتية مصريية‪.‬‬
‫ولتوضيح ذلك أقول‪:‬‬
‫ٍ‬
‫طريق مع رفيق سفر ثم يدور بينكام نقاش حول طبيعة األرض التي تقع‬ ‫ربام تسري أنت يف‬

‫‪1‬ـ التوبة‪34 /‬‬


‫‪ n116‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫عىل جانبي الطريق‪ .‬أحدكام يقول إن هذه األرض خصبة صاحلة للزراعة واآلخر يقول‬
‫إهنا أرض ملحية ال تصلح للزراعة‪ .‬أنت تستدل وصاحبك يستدل‪ ،‬والسيارة تطوي بكام‬
‫الطريق برسعة‪ .‬ليس يف قصدكام رشاء قطعة من تلك األرض أو استثامرها للزراعة‪ ،‬وليس‬
‫هدفكام اختبار تلك الرتبة‪ .‬فاحلديث بينكام ليس له أي تأثري عميل عليكام‪ ،‬وإثبات أهنا‬
‫خصبة أو ملحية ال يؤثر يف مسريكام‪ ..‬بل إن املسري يتواصل سواء ثبت هذا أو ذاك‪.‬‬
‫ويف حالة أخرى ر ّبام أنتام تركبان سيارة تتحرك برسعة‪ ،‬وفجأة يقول صديقك أعتقد أن اجتاه‬
‫حركتنا نحو الشامل بينام القصد هو اجلنوب! وأنت ختالفه وتقول‪ :‬ال نحن نسري نحو اجلنوب‪.‬‬
‫صح كالم رفيقك للزم استدارة السيارة إىل الوراء‪،‬‬
‫وحيتدم الكالم بينكام بشكل جا ّد‪ ،‬إذ لو ّ‬
‫صح كالمك لو اصلتام املسري‪ .‬أول تأثري هلذا النقاش أن السائق سوف خيفف من رسعته‬
‫ولو ّ‬
‫لريى النتيجة‪ ،‬ألن النتيجة هلا التأثري الكبري يف املسار‪ .‬وبحث التوحيد هو من هذا القبيل‪.‬‬
‫أولئك الذين يعيشون عىل مستوى املسؤولية وااللتزام جيب أن يفهموا التوحيد بصورة غري‬
‫الصورة املرتسمة يف أذهان الذين يعيشون حياة البطر وعدم االلتزام‪.‬‬
‫قد ُييل إلينا أن التوحيد مسألة تعيش يف األذهان دون أن يكون هلا أثر يف اخلارج‪ ،‬ودون أن‬
‫تكون عامل تأثري يف احلياة‪ .‬بينام التوحيد الذي يدعو إليه اإلسالم هو أسمى من أن يكون‬
‫جوا ًبا نظر ًيا عىل سؤال‪ .‬التوحيد اإلسالمي يعمل عىل صياغة نظام احلكم والعالقات‬
‫ويوجه حركة التاريخ‪ ،‬ويرسم اهلدف من هذه احلركة‪ ،‬ويقرر مسؤوليات‬
‫ّ‬ ‫االجتامعية‪،‬‬
‫الناس جتاه اهلل وجتاه بعضهم اآلخر‪ ،‬وجتاه سائر مظاهر الطبيعة‪ .‬ليس التوحيد باألمر الذي‬
‫احلق هلل وحده يف أن يكون مهيمنًا‬
‫تقول فيه إن اهلل واحد وليس اثنني وكفى‪ ..‬إنه يعني أن ّ‬
‫عىل حياتنا الفردية واالجتامعية‪.‬‬
‫«اهلل واحد» يعني أن ما متتلكه من ثروة وما يمتلكه سائر البرش من ثروات إنّام هي هلل وحده‪،‬‬
‫أودعها لدى الناس لكي يترصفوا فيها وفق ما ع ّينه سبحانه‪« :‬املال مال اهلل جعلها ودائع‬
‫عند الناس»‪.1‬‬

‫‪1‬ـ عن اإلمام الصادق‪« :‬ت ََرى اهلل أعطى من أعطى عند الرجل ودائع» بحار األنوار‪ ‌،‬كتاب العرشة‪ ،‬أبواب حقوق املؤمنني‪،‬‬
‫الباب ‪ ،78‬ح ‪.6‬‬
‫التوحيد يف املنظومة العملية لإلسالم ‪117n‬‬

‫اإليامن بالتوحيد ينفي التمييز الطبقي‪« :‬كلكم من آدم وآدم من تراب»‪ ،1‬وكرامة اإلنسان‬
‫عند اهلل بالتقوى ال غري حني ترى تَعايل مجاعة عىل مجاعة يف املجتمع فليس ذاك باملجتمع‬
‫التوحيدي‪.‬‬
‫اإليامن بالتوحيد يعني رفض العبودية لغري اهلل‪ ،‬إذ ال جتتمع عبودية اهلل مع عبودية غري اهلل‪،‬‬
‫فاإلنسان يف منظار التوحيد متحرر من أية عبودية سوى عبودية اهلل‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫لقد أدرك اإلنسان املسلم هذه احلقيقة منذ انبثاق الرسالة‪ ،‬إذ نجدها عىل لسان ربعي بن عامر‬
‫حني دخل عىل رستم (قائد جيوش يزدجرد الساساين)‪ ،‬وقد زينوا جملسه بالنامرق املذهبة‪،‬‬
‫والزرايب احلرير‪ ،‬وأظهر اليواقيت والآللئ الثمينة والزينة العظيمة‪‌،‬وقد جلس عىل رسير من‬
‫ذهب‪ .‬دخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصرية‪ ..‬فقالوا له ماجاء بكم؟ فقال‪:‬‬
‫«اهلل ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إىل عبادة اهلل‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إىل سعتها‪ ،‬ومن‬
‫جور األديان إىل عدل اإلسالم‪.»..‬‬
‫وما معنى عبادة العباد؟ نراها واضحة يف ترصف الطواغيت مع الشعوب‪ .‬يروى أن‬
‫ً‬
‫رجل يف عرص األمخينيني (امللوك الذين سبقوا الساسانيني يف إيران) كان له أربعة أوالد‪،‬‬
‫ُطلبوا لكي خيرجوا مع اجليش املقاتل‪ّ ،‬‬
‫فتوسل بالسلطان أن ُيبقي أحد أوالده عنده ألنه‬
‫شيخ عجوز ال يقدر لوحده عىل إدارة أموره‪ .‬فلم حيصل عىل جواب و ُأخرج من جملس‬
‫السلطان‪ .‬وحينام توجهت اجليوش إىل بوابة املدينة‪ ،‬وجدوا أن االبن الرابع الذي طلب‬
‫والده أن يبقى عنده قد ُش ّق جسده شقني‪ ،‬و ُع ّلق كل ّ‬
‫شق عىل جانب من البوابة!! كي‬
‫حيق لإلنسان أن‬
‫ال جيرؤ أحد عىل املطالبة بإعفاء ابنه من احلرب‪ .‬هذه هي العبودية‪ .‬ال ّ‬
‫يعب عن‬
‫يطالب بأدنى حقوقه‪ ،‬ال حيق له أن يطالب بالعدل وباإلنصاف‪ ،‬ال يستطيع أن ّ‬
‫فكره وإرادته‪ .‬مثل هذه احلياة هي أسوأ أنواع العبودية‪ .‬هذه العبودية أسوأ من عبودية‬
‫اسرتقاق الناس يف منطقة معينة وبيعهم يف أسواق النخاسة‪.‬‬

‫‪1‬ـ عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬إن اهلل أذهب نخوة العرب وتكربها بآبائها وكلكم من آدم وآدم من تراب‬
‫وأكرمكم عند اهلل أتقاكم» املصدر نفسه‪ ،‬كتاب الكفر واإليامن‪ ،‬أبواب مكارم األخالق‪ ،‬باب ‪ ‌،56‬ح ‪.10‬‬
‫‪2‬ـ مبعوث اجليش اإلسالمي‬
‫‪ n118‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫«من عبادة العباد إىل عبادة اهلل» وما معنى عبادة اهلل؟ يعني التحرر‪ ،‬يعني أن تكون سيد‬
‫نفسك‪ ،‬يعني احلركة نحو الكامل بحرية وبمقدار ما تريد‪ .‬وهكذا كان الناس يف املجتمع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬كانوا عبا ًدا هلل ال عبيدً ا للقوى املهيمنة‪ ،‬حتى يف العصور التي انحرفت فيها‬
‫املسرية اإلسالمية كان املسلمون يعيشون عبيدً ا هلل دون سواه‪.‬‬
‫فليقومه» فيجيبه‬
‫ّ‬ ‫اعوجاجا‬
‫ً‬ ‫كان احلاكم خياطب الناس فيام يروى‪« :‬أهيا الناس من رأى ّيف‬
‫لقومناه بسيوفنا» وال يتعرض هذا الرجل لألذى‬
‫اعوجاجا ّ‬
‫ً‬ ‫رجل‪« :‬واهلل لو وجدنا فيك‬
‫وال للسجن‪ ..‬هذه هي احلرية‪ ..‬ليست احلرية انفالتًا من القانون‪ ،‬بل هي االلتزام بالقانون‬
‫الصحيح فال انصياع إالّ للحق‪ .‬إن كان احلاكم عىل حق يف ترصفاته‪ ،‬وعىل هدى من ر ّبه‬
‫فكالمه مقبول‪ ،‬وإالّ فهو مرفوض‪.‬‬
‫«لنخرج من شاء‪ ...‬من ضيق الدنيا إىل سعتها» املجتمع الذي يفتقد الرؤية الصحيحة‪ ،‬ال‬
‫يرى فيه الفرد سوى متطلباته الدنيوية ولذائذه املادية ومصاحله اآلنية التافهة‪ .‬مل يكن أفراد‬
‫املجتمع يف عهد يزدجرد‪ 1‬راضني بأمجعهم عن هذا احلاكم‪ ،‬كان فيه كثري من الساخطني‪،‬‬
‫لكنهم خافوا أن يعلنوا معارضتهم كي ال خيرسوا هذه التوافه التي يلهون هبا يف حياهتم‪،‬‬
‫كي يأكلوا املزيد‪ ،‬ويتمتعوا باملزيد من هذا العيش الويبء‪ ،‬مل يكن الفرد يف هذا املجتمع عىل‬
‫هيم بعمل من أجل حريته ومن أجل رشفه وأصالته وفضيلته اإلنسانية‪‌.‬ملاذا؟‬
‫استعداد ألن ّ‬
‫ألن أفق الرؤية ض ّيق‪ ..‬الدنيا ضيقة يف رؤيته‪.‬‬
‫وحني ترشف هذا اإلنسان باإلسالم‪ ،‬أصبح كل يشء عنده مقدمة هلدف كبري‪ ..‬حلياة رحبة‬
‫واسعة‪ ..‬ال أقصد احلياة بعد املوت‪ ،‬بل يف هذه احلياة الدنيا أصبحت رؤيته واسعة بسعة‬
‫اهلل‪ .‬كل يشء يريده من أجل رضا اهلل‪ .‬لذائذ الدنيا وحطامها ماعادت لديه ذات قيمة‬
‫وأصالة‪ ،‬قيمتها تكتسبها حينام تكون «يف سبيل اهلل»‪ .‬الدنيا واآلخرة متصلتان يف الفكر‬
‫اإلسالمي‪ .‬وليس للحياة هناية يف نظر اإلنسان املسلم فهي واسعة واسعة‪ .‬واملوت نافذة‬
‫ّ‬
‫يطل منها اإلنسان املسلم عىل نعيم اآلخرة عندئذ هيون املوت عنده‪.‬‬

‫‪1‬ـ آخر امللوك الساسانيني يف إيران‪.‬‬


‫التوحيد يف املنظومة العملية لإلسالم ‪119n‬‬

‫أشري إىل أن آية الكريس التي تناولناها يف اجللسة السابقة هي شعار رائع للتوحيد‪ّ ،‬‬
‫ولعل‬
‫هذا هو سبب التأكيد عىل تكرار تالوة هذه اآلية املباركة‪ .‬ونبدأ بآيات هذه اجللسة‪ ،‬وأوهلا‬
‫اآليات ‪ 166 -165‬من سورة البقرة‪ ،‬وفيها تصوير ألحدمشاهد القيامة‪ ،‬وترتبط متا ًما‬
‫بمسألة التوحيد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫اهلل أ َند ًادا) يتخذون من دون اهلل رشكاء من البرش أو من غري‬
‫ون ِ‬
‫ُ‬
‫( َو ِمن الن ِاس من یت ِخذ ِمن د ِ‬
‫البرش‪.‬‬
‫ََ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫اهلل َو ال ِذ َین َآم ُنوا أش ّد ُح ًّبا هلِل) هؤالء حيبون هذه األنداد كاحلب الذي جيب‬
‫( ُی ِح ّبون ُه ْم ك ُح ِّب ِ‬
‫احلب الذي ينجذب‬
‫ّ‬ ‫أن حيملوه جتاه اهلل‪ .‬لكن الذين آمنوا حيبون اهلل ح ًبا هو أشدّ من ذلك‬
‫إليه املنشدون بظواهر احلياة الدنيا وباآلهلة املزيفة‪ ،‬وبآهلة األهواء والشهوات‪ ،‬وباآلهلة التي‬
‫ترتبع عىل صدر املجتمعات‪.‬‬
‫ْ َ ََ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫( َول ْو َی َرى ال ِذ َین ظل ُموا ِإذ َی َر ْو َن ال َعذ َاب أ ّن الق َّو َة هلِل َج ِم ًیعا) وينتقل املشهد فجأة إىل يوم القيامة‪،‬‬
‫حيث ُيرش فيه الناس العابدون منهم هلل والعابدون لغري اهلل‪ .‬والذين ظلموا يرون العذاب‪،‬‬
‫نتصور كيفيته‪ ،‬ففي هذه احلياة الدنيا ال‬
‫ّ‬ ‫وال نعرف طبيعة هذا العذاب‪ ،‬وال نستطيع أن‬
‫يمكن أن نفهم طبيعة ما جيري يف اآلخرة‪ ،‬فنكتفي بام أخربنا اهلل به‪ ‌.‬حني يرى الظاملون‬
‫لكل ٍ‬
‫فرد درجة من القوة‪،‬‬ ‫العذاب‪ ،‬يرون أن القوة يومئذ بأمجعها هلل تعاىل‪ .‬يف هذه الدنيا ٍّ‬
‫هناك من يمتلك قوة أكثر وهناك من يمتلك قوة أقل ‌‪ .‬ومن الطبيعي أن يتمتع الظاملون يف‬
‫تصورة قوة ألنه ارتبط بقوة أكرب‪.‬‬
‫أيضا يف ّ‬
‫الدنيا بقوة أكرب‪ ،‬وهذا الذي يعبد الظلمة يمتلك ً‬
‫ولكن هؤالء مجي ًعا حني يرون هول اآلخرة فإهنم يرون أن القوة هلل مجي ًعا حيث كل يشء‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ّ‬
‫الو ِاح ِد الق َّهار)‪ .1‬هؤالء الظاملون‪ ،‬وهؤالء الذين كانوا يعبدون‬
‫بيده‪ِ ( :‬ل َمن ال ُمل ُك ال َی ْو َم هلِل َ‬
‫ِ‬
‫الظاملني يرون فجأة أن كل ما كانوا يتمتعون به من قوة وسلطان وقصور وحياة مرفهة مل‬
‫تكن إالّ فرا ًغا يف فراغ‪ ،‬وليس ألحد يومئذ قوة أمام قوة اهلل‪.‬‬
‫والظاملون هم ــ كام ورد يف بعض تفاسري القدماء ــ هم من الذين خضعوا لغري اهلل‪ ،‬هؤالء‬

‫‪1‬ـ املؤمن‪16 /‬‬


‫‪ n120‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫قد ظلموا يف هذا اخلضوع‪ .‬هؤالء حني يرون العذاب ويرون أن القوة هلل مجي ًعا‪ ،‬فإهنم ال‬
‫شك يندمون‪ ،‬وهذا هو اخلرب املقدّ ر ألداة «لو»‪ ،‬يندمون عىل خضوعهم للظاملني‪ ،‬ويرون‬
‫أيضا ال‬
‫أهنم ال حول هلم وال قوة‪ .‬ولو كانوا من أهل االعتبار لعلموا أهنم يف هذه الدنيا ً‬
‫حول هلم وال قوة‪.‬‬
‫بعدها ينتقل املشهد إىل جمموعتني‪ :‬جمموعة عبدت املجموعة األخرى‪ ،‬أي أطاعتها إطاعة‬
‫عمياء‪ .‬هاتان املجموعتان تتواجهان‪:‬‬
‫ْ َ َ َّ َ َّ َ ُّ ُ َ َّ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ ْ ْ َ َ َ َ َ َ َّ َ ْ ُ َ‬
‫الأ ْس َب ُ‬
‫اب) املتبوعون يتربأون من‬ ‫( ِإذ تبرأ ال ِذین ات ِبعوا ِمن ال ِذین اتبعوا و رأوا العذاب و تقطعت ِب ِهم‬
‫التابعني‪ ،‬حني يرون العذاب وحني تقطعت هبم الوشائج والصالت‪ .‬حينئذ يقول يزدجرد‪:‬‬
‫إهلي أنا بريء من هؤالء الذين عبدوين يف حيايت ‌‪ .‬تصوروا كم أن هذه الرباءة ثقيلة عىل‬
‫قلوب التابعني الذين يرون أهنم خرسوا الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫َ َ ُ ْ ّ َ َ َّ ً َ َ َ ّ ْ ُ ْ َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ك َما ت َب ّر ُؤوا ِم ّنا) هؤالء يدركون عندئذ أهنم كان‬ ‫( َوقال ال ِذین اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ ِمنهم‬
‫ربأوا من هؤالء الطواغيت ال أن يكونوا هلم تابعني ذيليني‪ ،‬فيتمنون أن يعودوا‬
‫عليهم أن يت ّ‬
‫إىل احلياة هبذه التجربة املريرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ات َع َل ْیه ْم َو َما ُهم ب َخارج َ‬
‫ین ِم َن ّالن ِار) واملسألة التي أردنا تبيينها‬ ‫ر‬‫اهلل َأ ْع َم َال ُه ْم َح َس َ‬
‫( َك َذل َك ُیریه ُم ُ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫هنا هي أن هؤالء الذين يناهلم عذاب عبودية غري اهلل‪ ،‬أي الذين يامرسون ما يتعارض مع‬
‫َّ‬
‫التوحيد هم يف التعبري القرآين‪ :‬التابعون (ات َب ُعوا)‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫اجللسة العاشرة‬
‫العبادة والطاعة منحصرة ابهلل‬ ‫ ‬
‫السبت‪ 11‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/6‬هجرية مشسية‬
‫اه ُم‬ ‫ك ُّل َن ْفس َّما َأ ْس َل َف ْت َو ُر ُّدوا إ َلى اهلل َم ْو َل ُ‬
‫َُ َ َُْ ُ‬
‫(هنا ِلك تبلو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ّ َ َ َّ َ ْ ُ َّ َ ُ َ ْ َ ُ َ ُ‬
‫ون ‪ #‬ق ْل َمن َی ْر ُزقكم ِّم َن‬ ‫الح ِق وضل عنهم ما كانوا یفتر‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الس ْم َع والأ ْب َص َار َو َمن ُیخ ِر ُج‬ ‫الأ ْرض َأ َّمن َی ْمل ُك َّ‬ ‫َّ َ َ َ‬
‫السم ِاء و‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َح َّی ِم َن ال َم ِّی ِت َو ُیخ ِر ُج ال َم َّیت ِم َن ال َح ِ ّی َو َمن ُی َد ِّب ُر الأ ْم َر‬
‫(يونس‪)31-30 /‬‬
‫َ ُ ُ َ ُ َ ُ َ َ َ َ َّ ُ َ‬
‫ف َس َیقولون اهلل فق ْل أفلا تتقون)‬

‫ذكرت أن مبحث التوحيد يف القرآن الكريم هو أطول بحث فيه‪ .‬حتى موضوع النبوة‬
‫ُ‬
‫بكل تفاصيله وقصصه يستند يف مواضع منه إىل التوحيد ورفض الرشك‪ .‬اآليات يف حقل‬
‫التوحيد فريدة يف أسلوهبا وعددها‪ ،‬واملوضوعات فيه كثرية نكتفي هنا بتناول بعضها‬
‫مستشهدين بام جاء يف الذكر احلكيم‪.‬‬
‫وإذ قررنا أن التوحيد عقيدة تستتبعها التزامات ومسؤوليات وتكاليف‪ ،‬فال بد أن نعرف‬
‫طبيعة هذه االلتزامات واملسؤوليات والتكاليف‪ .‬التوحيد ال ّ‬
‫يتلخص يف الذكر والصالة‪،‬‬
‫املوحد يتضمن أهم املسائل احلياتية مثل احلكومة واالقتصاد والعالقات‬
‫ِّ‬ ‫بل إن املجتمع‬
‫الدولية والعالقات االجتامعية واحلقوق األساسية‪ .‬نعتقد أن االلتزام بالتوحيد واملسؤولية‬
‫املوحد تشمل التكاليف األساسية واحلقوق األساسية للمجتمع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫امللقاة عىل عاتق‬
‫فرتكيب املجتمع التوحيدي خيتلف عن تركيب املجتمع غري التوحيدي‪ .‬النظام االجتامعي‬
‫والشكل االجتامعي للمجتمع التوحيدي يتباين بشكل كامل عن املجتمع غري التوحيدي‬
‫ويتعارض معه‪.‬‬
‫‪ n124‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫يمكن أن نعرض التوحيد عىل شكل ميثاق‪« :‬ميثاق التوحيد» ونذكر مواد هذا امليثاق‪،‬‬
‫وأول هذه املواد أن البرش ال حيق هلم أن يعبدوا أي شخص أو أي يشء إالّ اهلل‪ .‬وحني‬
‫نقول‪ :‬أي شخص أو أي يشء فإن أبعاد ذلك واسعة‪.‬‬
‫َ َ ‪1‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ‬‫َ َّ َ‬ ‫َْْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫(أل ْم أعهد ِإل ْیك ْم یا ب ِنی آد َم أن لا تع ُبدوا الش ْیطان) والشيطان ليس ً‬
‫إبليسا أو موجو ًدا خف ًّيا‬
‫الرشيرة اخلارجة عن وجود اإلنسان‪ ،‬وهناك‬
‫ال يبدو للناظرين‪ .‬الشيطان مفهوم عام للقوى ّ‬
‫قوة رشيرة داخل وجود اإلنسان وهي النفس األمارة بالسوء‪ ،‬كالمها قوتان مفسدتان‬
‫رشيرتان تبعثان عىل االنحطاط‪ .‬الشيطان خارج وجودك ُي ّل يف مسريتك‪ .‬يرضم النار‬‫ّ‬
‫ويزرع الشوك يف طريقك‪ .‬يقف مثل الذئب أو مثل قاطع الطريق‪ ،‬أو ُي ِ‬
‫وجد الذئب وقاطع‬
‫الطريق أمامك‪ .‬هذا هو الشيطان‪ .‬وسنذكر يف مبحث النبوة أن أنبياء اهلل كان هلم أعداء من‬
‫شياطني اجلن واإلنس‪ 2‬وسنذكر خصائص هؤالء األعداء‪.‬‬
‫َْ َ‬ ‫ُُْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ َ‬
‫الرشيرة‪ .‬ثمة حديث ربام سمعتموه‬
‫(أن لا تعبدوا الشیطان) أي أن ال ختضعوا هلذه القوى ّ‬
‫كرارا عن اإلمام حممد بن عيل الباقر(ع) فيام رواه الكايف حتت عنوان حديث قديس جاء‬‫مني ً‬
‫فيه‪« :‬ألُعذ َب َّن َّ‬
‫كل رع ّية يف اإلسالم دانت بوالية ِّ‬
‫كل إمام جائر ليس من اهلل‪ ،‬وإن كانت‬
‫الرع ّية يف أعامهلا َب ّر ًة تقية‪ ،‬وألَع ُف َو َّن عن ّ‬
‫كل رع ّية يف اإلسالم دانت بوالية إمام عادل من‬
‫اهلل وإن كانت الرع ّية يف أنفسها ظاملة مسيئة»‪.3‬‬
‫فالطاعة لإلمام اجلائر الذي ال يستمد واليته من اهلل سبحانه هي يف حدّ الرشك أو هي‬
‫الرشك عينه‪ .‬ذلك ألن الطاعة إلمام عادل من اهلل يدخل يف إطار العبودية‪ ،‬والطاعة إلمام‬
‫جائر ليس من اهلل يتناىف مع العبودية‪ ،‬ويتعارض مع اهلدف الذي ُخلق اإلنسان من أجله‪.‬‬
‫والرقي‪ ،‬وإن‬
‫ّ‬ ‫للسمو‬
‫ّ‬ ‫يتعارض مع تكامل اإلنسان وتعاليه وحريته وكرامته‪ .‬واحلرية مقدّ مة‬
‫انعدمت احلرية فثمة قيود األرس التي تك ّبل اإلنسان وتصدّ ه عن حركته نحو اهلدف اإلهلي‬
‫النمو فال تستطيع أن تنمو‪ ،‬وإذ عجزت عن النمو فإهنا ال‬
‫ّ‬ ‫املنشود‪ .‬مثل نبتة ُمنع عنها عامل‬

‫‪1‬ـ يس‪60 /‬‬


‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ّ ّ َ ُ ًّ َ َ َ‬
‫الإ ِنس َو ال ِج ِّن) األنعام‪.112 /‬‬
‫‪2‬ـ (وكذ ِلك جعلنا ِلك ِل ِن ِب ٍی عدوا شی ِاطین ِ‬
‫‪3‬ـ الكايف‪ ،‬كتاب احلجة‪ ،‬باب من دان اهلل عزوجل بغري إمام من اهلل‪ ،‬ح ‪.4‬‬
‫العبادة والطاعة منحرصة باهلل ‪125n‬‬

‫تثمر‪ ،‬وإن فقدت اإلثامر مل َت ُعدْ هلا فائدة‪ .‬وجود النبتة هدفه اإلثامر‪ ،‬وإن مل تثمر فام الفائدة‬
‫من وجودها؟! والطاعة لغري اهلل والعبودية لغري اهلل هو نظري مثل هذه اآلفات لإلنسان‪.‬‬
‫والقرآن حافل بآيات يف هذا الصدد‪.‬‬
‫دعونا نعد إىل القرآن الكريم‪ ،‬لنمأل قلوبنا بنداء التوحيد‪ ،‬ولقد ابتعدنا عن القرآن الكريم‬
‫وانشغلنا بأوهام واهية فارغة ال أساس هلا مقرونة بخرافات‪ ،‬ولذلك فإن هذا الفراغ مل‬
‫يقاوم أمام التيارات املادية‪.‬‬
‫ومن جانب آخر انشغلنا بأبحاث فلسفية جا ّفة ال روح فيها وال تأثري وال مسؤولية يف‬
‫حقل التوحيد‪ .‬املتكلمون خاضوا بحو ًثا كثرية يف التوحيد لكنها مل ُت ِد نف ًعا يف إقامة جمتمع‬
‫جذاب دون أن يكون هلا حمتوى‬ ‫توحيدي‪ ‌.‬مئات السنني انشغلوا بدراسات جا ّفة هلا ظاهر ّ‬
‫وتأثري‪ ..‬بِمعزل عن الواقع اخلارجي‪ .‬واليوم حني نريد أن نبني حياة جديدة مستمدة من‬
‫التوحيد ال نرى يف تلك البحوث أي ارتباط باحلياة «كاحلجر يف جنب اإلنسان» كام يقال‪.‬‬
‫أما لو عدنا إىل القرآن الكريم لوجدنا أبعاد بناء املجتمع التوحيدي مرسومة ضمن مئات‬
‫اآليات بأوضح صورة وأنصعها‪ .‬عندئذ يتبني معنى احلياة التوحيدية واإلنسان املوحد‪.‬‬
‫إذن فلنتدبر هذا القسم من اآليات التوحيدية‪.‬‬
‫َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ ً ُ َّ َ ُ ُ َّ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ُ َ َ ُ ُ َ ْ‬
‫ك ْم ف َز َّیل َنا َب ْی َن ُه ْم)‪ 1‬احلديث‬ ‫(ویوم نحشرهم ج ِمیعا ثم نقول ِلل ِذین أشركوا مكانكم أنتم و شركآؤ‬
‫عن يوم القيامة‪‌ ،‬يتجه اخلطاب إىل الذين أرشكوا بلغة هتكمية تتضمن لو ًما وتقري ًعا‪ :‬أنتم‬
‫َ ْ‬
‫ورشكاؤكم‪( ،‬ف َز َّیل َنا) أي ّفرقنا بينهم‪ .‬واضح أن هؤالء الرشكاء‪ ،‬أي الذين ُعبدوا من دون‬
‫اهلل‪ ،‬ليسوا هم ُهبل وال ُع ّزى والالت‪ ،‬وال األصنام اليونانية أو اهلندية‪ ،‬إذ ال حترش هذه يوم‬
‫ناس اختارهم املرشكون ليكونوا رشكاء هلل‪ .‬قفوا يف مكانكم‪‌..‬‬ ‫القيامة‪ ،‬بل احلديث عن ُأ ٍ‬
‫خطاب فيه سخط وتقريع‪ ،‬واهلدف منه أن يقول للعرب وللعجم يف هذه الدنيا إن هؤالء‬
‫الذين اختذمتوهم أربا ًبا من دون اهلل سيكون مصريهم عىل هذا النحو يوم القيامة‪.‬‬
‫َ َ‬
‫ك ُنت ْم إ َّیانا ت ْع ُب ُد َ‬
‫َ ُ ُ َّ ُ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫ون) مشهد مواجهة بني فريقني‪ .‬هؤالء الرشكاء يدافعون‬ ‫ِ‬ ‫( َوقال شركآؤهم ما‬

‫‪1‬ـ يونس‪32 - 28 /‬‬


‫‪ n126‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ربئوا أنفسهم‪ .‬وحديثهم يدل عىل أن التابعني‬


‫عن أنفسهم وكأهنم متهمون‪ ،‬حياولون أن ي ّ‬
‫يقولون هلم‪ :‬نحن عبدناكم وكان ذلك سبب ما نزل بنا من كارثة‪ ،‬واملعبودون جييبوهنم‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ُ ُ َ َ َ ُ َ‬
‫ید َب ْی َن َنا َو َب ْی َنك ْم ِإن ك ّنا‬ ‫اهلل ش ِه ً ا‬ ‫بجفاء ويتربأون منهم ( ّما كنت ْم ِإ ّیانا ت ْع ُبدون ‪ #‬فكفى ِب ِ‬
‫ین)‪ ،‬يكفي أن يكون اهلل شهيدً ا بيننا نحن الرشكاء وأنتم املرشكون‪ ،‬إذ‬ ‫َع ْن ِع َب َاد ِت ُك ْم َل َغ ِاف ِل َ‬

‫اه ُم‬‫ك ُّل َن ْفس َّما َأ ْس َل َف ْت َو ُر ُّدوا إ َلى اهلل َم ْو َل ُ‬


‫َُ َ َُْ ُ‬
‫كنا نحن غافلون عن عبادتكم إيانا‪( .‬هنا ِلك تبلو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ْ َ ّ‬
‫ور ّد اجلميع إىل اهلل فهو املوىل احلق ال غريه‪.‬‬ ‫عم فعلت‪ُ ،‬‬ ‫الح ِق) هناك ُتترب النفوس ّ‬
‫ون) كانوا يفرتون األعذار وخيتلقون األدلة لتربير عبادهتم ملا‬ ‫ك ُانوا َی ْف َت ُر َ‬‫َ َ َّ َ ْ ُ َّ َ‬
‫(وضل عنهم ما‬
‫سوى اهلل‪ .‬وحني يأيت يوم القيامة يرون أن هذه األعذار وهذه األدلة باطلة واهية‪ .‬وقد‬
‫يكون معنى هذا املقطع من اآلية أن هؤالء الذين كانوا يستظهرون هبم ويعتربوهنم سندً ا‬
‫ظهريا‪ ،‬قد تبني أهنم‬
‫ً‬ ‫هلم يف الدنيا‪‌..‬هؤالء الذين كانوا يعبدوهنم ويطيعوهنم كي يكونوا هلم‬
‫وزرا‪.‬‬
‫ال ُيدون نف ًعا وال يرفعون عنهم ً‬
‫انظروا إىل طريقة القرآن يف االستدالل‪ .‬ال يعمد أحيانًا إىل تقديم الدليل مبارشة‪ ،‬بل يو ّفر‬
‫يقرر أن اهلل وحده يستحق العبودية دون‬
‫األرضية لالستدالل العقيل‪ .‬يريد سبحانه أن ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سواه‪ ،‬فيطرح عىل اإلنسان هذا السؤال‪ُ ( :‬ق ْل َمن َی ْر ُز ُق ُكم ّم َن َّ‬
‫الس َم ِاء َو الأ ْر ِض أ َّمــن َی ْم ِلك‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الس ْم َع والأ ْب َص َار) من يرزقكم املطر من السامء واإلنبات من األرض؟ وم ْن يملك ما عندكم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من قوة السمع وقوة اإلبصار‪َ .‬م ْن أعطاكم هذه القوة‪ ،‬و َمن يستطيع أن يسلبكم هذه‬
‫القوة؟! ويف اآلية إشارة إىل ماعند اإلنسان من قوة فهم وتع ّقل يستطيع هبا أن جييب عىل‬
‫هذا السؤال‪.‬‬
‫َ ُ ْ ُ ََ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫( َومن یخ ِرج الح ّی ِمن الم ِّی ِت) وخروج ّ‬
‫احلي من امليت له مظاهر مشهودة يف حياتنا‪ ،‬أمرأة حامل‬
‫تتوىف وخيرج وليدها ح ًيا من أ ّمه امليتة‪ُ .‬يرج من األرض امليتة هذه النباتات احل ّية‪‌.‬وخيرج من‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫احلي من امليت من أجىل مظاهر قدرة ّ‬
‫احلي‪ ..‬خروج ّ‬
‫املواد امليتة اإلنسان ّ‬
‫َْ‬
‫( َو َمن ُی َد ِّب ُر الأ ْمـ َـر) يف الكون ماال حيىص من مظاهر التدبري املشهودة‪‌ ..‬هذه اجلاذبية التي‬
‫تو ّفر لإلنسان البقاء عليها‪ ..‬هذه األرض واجلبال والبحار التي أودعت فيها مواهب‬
‫احلياة‪ ..‬هذه القدرة املمنوحة لإلنسان التي متكّنه من استثامر هذه املواهب‪ ..‬هذا النظام‬
‫العبادة والطاعة منحرصة باهلل ‪127n‬‬

‫املدهش املوجود بني الكواكب‪ ..‬هذه الفواصل الدقيقة بني القمر واألرض وبني الشمس‬
‫واألرض‪ ..‬وبدون هذه الدقة يف الفواصل تنعدم احلياة عىل األرض سواء زادت هذه‬
‫الفواصل أم نقصت‪.‬‬
‫لقد كان اإلنسان يف عرص صدر الرسالة يدرك جان ًبا من هذا التدبري ونحن اليوم بفضل‬
‫تطور العلوم ندرك املزيد وسندرك املزيد‪.‬‬
‫ََ َ َ َ ُ‬
‫اهلل فق ْل أفلا ت ّتق َ‬
‫ون ُ‬ ‫َُ‬
‫(ف َس َیقول َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ون) ال يمكن إلنسان يرى كل هذا التدبري يف الكون ثم ينكر‬
‫اخلالق الـمد ّبر‪ .‬إذن فلامذا ال تتقون ؟ ملاذا ال تتجهون يف العبودية إليه دون سواه؟ إذا كنتم‬
‫تقرون بتدبريه التكويني فلامذا ال تقرون بتدبريه الترشيعي‪ .‬ويف جلسه أخرى كنت أحتدث‬
‫ّ‬
‫ْ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫عن قوله تعاىل‪( :‬ت َب َار َك ال ِذی ِب َی ِدهِ ال ُمل ُك) ما معنى ا ُمللك؟ يعني أنه هو الذي بيده القوة‪.‬‬
‫أية قوة؟ القوة التكوينية والقوة الترشيعية‪ .‬إنه بيده سبحانه قدرة ترصيف هذا الكون وفق‬
‫سنن وقوانني طبيعية‪ .‬فلامذا ال تكون بيده قدرة الترشيع‪ ،‬ملاذا ال تكون بيده قوانني تنظيم‬
‫احلياة االجتامعية؟ ملاذا ال يكون املحافظ عىل تنفيذ هذه القوانني يف احلياة االجتامعية َم ْن‬
‫يراه صاحلًا هلذا األمر‪ .‬و َم ْن هو و ّيل ِم ْن ِقبل اهلل؟! ملاذا يرتك هذا األمر احليايت للبرش بكل‬
‫ون)؟!‬ ‫الض َل ُال َف َأنَّى ُت ْص َر ُف َ‬
‫َ َ ُ ُ ُ َ ُّ ُ ُ ْ َ ُّ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ّ َّ َّ‬
‫ما يعرتهيم من نقص؟! (فذ ِلكم اهلل ربكم الحق فماذا بعد الح ِق ِإلا‬
‫َ ْ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫(ق ْل َه ْل ِمن ش َرك ِآئكم َّمن َی ْه ِدی ِإلى ال َح ّ ِق)‪ 1‬هل يوجد بني هؤالء الذين زعمتم أهنم رشكاء‬
‫هلل َمن هيدي إىل احلق؟! ومن الواضح أن هؤالء الرشكاء املذكورين يف اآلية ليسوا األصنام‬
‫اخلشبية أو احلجرية‪ .‬فهذه ال حيتمل أحد أهنا هتدي إىل احلق‪ .‬بل املقصود هذه األصنام احلية‬
‫التي بيدها القدرة الدينية أو الدنيوية‪ ..‬املقصود أمثال رشيح القايض وفرعون يف زماهنم أو‬
‫يف كل زمان‪.‬‬
‫وال يذكر القرآن جواهبم‪ .‬ولعل جلاجهم قد أ ّدى هبم إىل أن يقولوا‪ :‬نعم‪ ،‬رشكاؤنا قادرون‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫اهلل َی ْه ِدی ِلل َح ّق) فاهلل هو خالق البرش ويعلم دقائق‬
‫أن هيدوا إىل احلق‪ ،‬فيأيت الرد عليهم (قل ُ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫احلق وهو القادر عىل هدايتهم إليه‪.‬‬

‫‪1‬ـ يونس‪35 /‬‬


‫‪ n128‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫ُ‬ ‫َ‬‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ‬
‫ك ْیف ت ْحك ُم َ‬
‫ون) هذا‬ ‫(أف َمن َی ْه ِدی ِإلى ال َح ّ ِق أ َح ّق أن ُیت َب َع أ َّمن لا َی ِه ّ ِدی ِإلا أن ُی ْه َدى ف َما لكم‬
‫سؤال يثري نتيجة طبيعية يمكن فهمها عقل ًيا‪ .‬هل اهلادي إىل احلق جدير بالعبادة والطاعة‪ ،‬أم‬
‫الذي ال يستطيع أن جيد طريقه إالّ أن يأخذ أحد بيده؟ وهنا ً‬
‫أيضا جيري احلديث عن املتبوع‬
‫الذي ال يستطيع اهلداية‪ .‬هل املقصود به أصنام قريش‪ ،‬أم بقر اهلندوس أو نريان املجوس‬
‫حتم ال‪ ،‬املقصود به ذلك اإلنسان الذي يتبعه‬
‫أو متاثيل الكنائس أو أصنام الروم واليونان؟ ً‬
‫املرشكون‪ ،‬وهو غري قادر عىل اهلداية‪ .‬هذا الذي يدعي قيادة البرش بينام هو حيتاج إىل من‬
‫يقوده‪ .‬القرآن يقرر يف اآلية هذه احلقيقة وهي إن اهلل سبحانه هو الذي يستطيع أن يقود‬
‫اإلنسان نحو السعادة‪ ،‬فلامذا أهيا اإلنسان تفسح املجال لغري اهلل يف دائرة العبودية؟!‬
‫مر التاريخ‪ ،‬سواء من‬ ‫اآلية ترفض اآلهلة املزيفة‪ ،‬ترفض أولئك األصنام البرشية عىل ّ‬
‫تل ّبس بلباس القدرة الدينية (األحبار والرهبان) أو من تل ّبس بلباس القدرة الدنيوية (املأل‬
‫واملرتفون)‪.‬‬
‫اقرتاحا برفض القوى املتعملقة التي تنصب نفسها‬
‫ً‬ ‫واإلسالم يعرض عىل أهل الكتاب‬
‫مكان الربوبية‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َّ َ ْ ُ َ َّ َ َ ُ ْ‬
‫اهلل َو لا نش ِر َك ِبهِ ش ْی ًئا َو لا‬ ‫اب تعالوا ِإلى كلمةٍ سو ٍاء بیننا و بینكم ألا نعبد ِإلا‬ ‫(قل یا أهل ال ِكت ِ‬
‫َ‬
‫َ َّ َ َ ْ ُ َ َ ْ ً ْ َ ً ّ ُ‬
‫اهلل)‪.1‬‬
‫ون ِ‬‫یت ِخذ بعضنا بعضا أربابا ِمن د ِ‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪64 /‬‬


‫اجللسة احلادية عشرة‬
‫روح التوحيد رفض العبودية لغري هللا‬
‫األحد ‪ 12‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/7‬هجرية مشسية‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫( َأ َف َغ ْی َ‬
‫اب‬‫اهلل أ ْب َت ِغی َح َك ًما َو ُهـ َـو ّالـ ِـذی أنـ َـز َل إ َل ْی ُك ُم ْال ِك َت َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُم َف َّص ًلا َو َّالــذیـ َـن َآت ْی َن ُ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫اب َی ْعل ُمون أنــه ُمــنــزل ِّمن‬ ‫اه ُم ْال ِك َت َ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ ُ‬
‫ین ‪َ #‬وت َّمت ك ِل َمت‬ ‫ـك ب ْال َح ّق َفلا َتك َون َّن ِم َن ال ُم ْم َتر َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ّ َ‬
‫ِ‬ ‫ر ِبـ ِ ِ‬
‫ْ‬
‫الس ِم ُیع ال َع ِل ُیم)‬ ‫َر ّب َك ص ْد ًقا َو َع ْد ًلا َّلا ُم َب ّد َل ل َكل َماتهِ َو ُه َو َّ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫(األنعام‪)115-114 /‬‬

‫نمر عليها‬
‫مرة أخرى أؤكد عىل أن التوحيد مسألة عىل غاية من األمهية‪ ،‬وال جيوز أن ّ‬
‫بعجالة‪ ،‬إذ إهنا أساس العقيدة ً‬
‫أول‪ ،‬وهي األصل املهم العميل الفردي واالجتامعي ثان ًيا‪،‬‬
‫املوحدين ق ّلام يقرتبون من املفهوم الواسع للتوحيد ثال ًثا‪ .‬ففي حمافل التعليم‬
‫‌وألن املسلمني ّ‬
‫يذكرون التوحيد عىل أن اهلل واحد وليس اثنني‪ .‬ويبقى هذا املعنى يرافقهم طول حياهتم‪.‬‬
‫اآليات التي تلوناها يف بداية اجللسة توضح ما ذكرناه أمس أكثر‪ .‬نقف اليوم عند «العبادة»‪.‬‬
‫ما يتبادر إىل الذهن للوهلة األوىل من العبادة هو التوجه بأداء الطقوس ملعبود مقدس له‬
‫قوى فوق قوى عامل الطبيعة‪ .‬هذا هو املعنى السائد للعبادة عند أتباع األديان‪ .‬لك ْن للعبادة‬
‫معنى ثان‪ ،‬وهو الطاعة املطلقة دونام قيد أو رشط‪ .‬وهنا مكمن اخلطر يف دنيا املوحدين‪.‬‬
‫عليهم أن حيذروا من هذا النوع الثاين من العبادة‪ .‬عليهم أن حيذروا من أن يكونوا تابعني‬
‫‪1‬‬
‫إىل حدّ العبادة ملا سوى اهلل‪ .‬هذا ما يقرره القرآن الكريم‪ .‬روي عن عدي بن حاتم الطائي‬

‫متأثرا بأخالق رسول اهلل‪ .‬ثم كان مع‬


‫‪1‬ـ عدي بن حاتم الطائي‪ ،‬توىل زعامة عشريته بعد والده‪ ،‬أسلم يف التاسعة من اهلجرة ً‬
‫اإلمام عيل يف اجلمل وصفني والنهروان‪ .‬وقدم أبناءه الثالثة شهداء يف صفني‪ ،‬وتوىف سنة ‪67‬هـ‪.‬‬
‫‪ n132‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫اهلل َو ْال َم ِس َ‬ ‫َّ َ ُ َ ْ َ ُ ُ ْ َ ُ َ ْ َ ً ّ ُ‬
‫قال‪ :‬أتيت رسول اهلل ‪ ..‬وهو يقرأ (اتخذوا أح َباره ْم َو ره َبانه ْم أربابا ِمن د ِ‬
‫(ص)‬
‫یح‬ ‫ون ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ْاب َن َم ْر َی َم َو َما أ ِم ُر وا ِإلا ِل َی ْع ُب ُدوا ِإل ًها َو ِاح ً اد)‪ 1‬حتى فرغ منها فقلت له‪ :‬إنا لسنا نعبدهم‪‌ .‬فقال‪:‬‬
‫حرم اهلل فتستح ّلونه؟!»‪.‬‬
‫أحل اهلل فتحرمونه وحي ّلون ما ّ‬
‫«أليس حيرمون ما ّ‬
‫عدي هو هذا املعنى الرائج يف األذهان اليوم وهو التوجه‬
‫ّ‬ ‫لقد كانت ا لعبادة يف ذهن‬
‫بالدعاء مقرونًا بالتقديس القلبي‪ ،‬أو القلبي واللساين‪ ،‬أو القلبي واللساين والبدين‬
‫كالصالة‪ .‬فكان من الطبيعي أن يعرتض ويقول‪ :‬نحن املسيحيني لسنا نعبدهم‪ .‬لكن‬
‫فتحرمونه وحي ّلون ما ّ‬
‫حرم اهلل‬ ‫حيرمون ما ّ‬
‫أحل اهلل‬ ‫جواب الرسول كان‪« :‬أليس ّ‬
‫(ص)‬
‫ّ‬
‫فتستح ّلونه»؟! هذه اإلطاعة التامة املطلقة هي العبودية‪ .‬ويف هذا الـمضمون وردت‬
‫أيضا‪.2‬‬
‫روايات عن أهل البيت ً‬
‫مفهوم العبادة يف الثقافة القرآنية يشمل كل طاعة مطلقة لإلنسان جتاه قوة تضع نفسها مكان‬
‫اهلل سواء كانت سياسية أم دينية‪ ،‬أم يف داخل اإلنسان كاألهواء والشهوات‪.‬‬
‫ويف الرواية عن اإلمام حممد بن عيل اجلواد(ع)‪« :‬من أصغى إىل ناطق فقد ع َبدَ ه» وهذا النص‬
‫يوسع دائرة العبادة لتشمل كل من أسلم قياد َة سمعه إىل ناطق «فإن كان الناطق عن اهلل‬
‫ّ‬
‫عزوجل فقد عَبدَ اهلل‪ ،‬وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس»‪ ،3‬أي إن كان‬
‫ّ‬
‫الناطق يتجه يف حديثه نحو اهلل فاملستمع قد َع َبد اهلل‪ ،‬وأما إن كان ينطق باسم الشيطان‪ ،‬أي‬
‫معارضا ملنطق عبودية اهلل‪ ،‬فاإلصغاء إليه عبادة للشيطان‪ ،‬ألن مثل هذا الناطق‬
‫ً‬ ‫كان حديثه‬
‫هو بنفسه شيطان‪.‬‬
‫«القانون» مما يكون طريقة للعبادة‪ .‬إن كانت تبعيتك لقوانني النظام االجتامعي التي قررها‬
‫اهلل سبحانه فقد عبدت اهلل وإن مل تكن فقد انحرفت عن عبادته سبحانه‪.‬‬
‫انظر إىل أمهية التوحيد وأبعاده الواسعة!‪ ،‬لذلك فإن هدف األنبياء مجي ًعا هو أن تكون‬
‫َ‬
‫أممهم موحدة‪ .‬وليس التوحد سوى حترير اإلنسان من أغالل عبودية غري اهلل‪َ ( :‬و َیض ُع‬

‫‪1‬ـ التوبه‪31 /‬‬


‫‪2‬ـ تفسري نور الثقلني‪ ،‬ذيل اآلية ‪ 31‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫‪3‬ـ حتف العقول‪ ‌،‬ص ‪456‬عن اإلمام اجلواد (ع)‪.‬‬
‫روح التوحيد رفض العبودية لغري اهلل ‪133n‬‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َّ‬
‫كانَ ْت َعل ْی ِه ْم)‪.1‬‬
‫َ‬
‫َع ْن ُه ْم ِإ ْص َر ُه ْم َو الأغلال ال ِتی‬
‫حني يسود التوحيد هبذه النظرة يف جمتمع من املجتمعات فإنه يقيم ذلك املجتمع يف ُبناه‬
‫التحتية والفوقية وفق أصول وقيم حمددة‪ .‬وما أبعد هذا الفهم للتوحيد عن حرص معنى‬
‫التوحيد بعبارة إن اهلل واحد وليس اثنني!!‬
‫مرارا‪ ،‬وأرى رضورة‬
‫قبل أن أدخل يف استعراض آيات يف التوحيد‪ ،‬أقف عند توصية ذكرهتا ً‬
‫تكرارها ألمهيتها ولشعوري باملسؤولية إن مل أعد ذكرها‪ .‬وهي رضورة الرجوع إىل القرآن‬
‫أي النواحي أتيته‪ .2‬اجلسوا عىل مائدة القرآن‪ .‬ففيه زاد التوعية‬
‫الكريم‪ .‬ذلك البحر من ّ‬
‫والكامل كام يقول أمري املؤمنني يف عبارة هنج البالغة‪« :‬ما جالس أحد هذا القرآن إالّ قام‬
‫عمى»‪.3‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بزيادة أو نقصان‪ ،‬زيادة يف هدى أو نقصان يف ً‬
‫أمهية هذه التوصية هي وجود مكائد إلبعاد الناس عن القرآن‪ .‬ومن تلك هذه التي تقول‬
‫ال يمكن أن يفهم القرآن إالّ األئمة املعصومون (عليهم السالم)‪ .‬هذه «كلمة ّ‬
‫حق ُيراد هبا‬
‫حق خوارج هنروان‪ .‬نعم إن املعصوم بام ّ‬
‫يتحل به‬ ‫باطل»‪ 4‬كام قال اإلمام أمري املؤمنني(ع) يف ّ‬
‫حي يميش عىل األرض‪.‬‬
‫سمو وارتفاع هو النموذج األسمى لفهم القرآن‪ ،‬بل إنه قرآن ّ‬
‫من ّ‬
‫‌ولكن ذلك ال يعني أنني أنا وأنت ال نفهم شي ًئا من القرآن‪ ،‬وأن نكون بعيدين عن كتاب‬
‫اهلل العزيز‪.‬‬
‫أصحاب هذه املقولة حمرومون من فهم القرآن‪ ،‬فلامذا يسعون إىل إبعاد الناس عن فهم‬
‫القرآن؟! ملاذا متنعون الناس أن ينهلوا من هذا النبع الف ّياض؟! اعلموا أهيا اإلخوة‬
‫أمس إىل القرآن‪ .‬كام قال رسول اهلل(ص)‪« :‬فإذا التبست عليكم‬
‫واألخوات نحن اليوم بحاجة ّ‬
‫الفتن كقطع الليل املظلم فعليكم بالقرآن»‪ ،5‬عليكم بالقرآن حني خت ّيم الفتن وتلقي بظالمها‬
‫عىل املجتمع‪ ،‬حينام نفتقد الرؤية ملعرفة اجلا ّدة الصحيحة‪ ..‬حينام ال ترى األعني ما تكيده‬

‫‪1‬ـ األعراف‪157 /‬‬


‫‪2‬ـ هو البحر من أي النواحي أتيته َف ُل ّجته املعروف والبحر ساحله‪.‬‬
‫‪3‬ـ هنج البالغة‪ ،‬رشح صبحي الصالح‪ ،‬اخلطبة ‪ ،176‬املواعظ وفضل القرآن‪.‬‬
‫‪4‬ـ املصدر نفسه‪ ،‬اخلطبة ‪.40‬‬
‫‪5‬ـ الكايف‪ ،‬كتاب فضل القرآن‪ ،‬ج ‪.2‬‬
‫‪ n134‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫لنا عصابات النهب وقطاع الطرق‪ .‬يف هذه احلالة نحو أحوج ما نكون إىل مراجعة القرآن‪.‬‬
‫وذلك ال يتحقق إالّ بفهمه‪.‬‬
‫يف هذه اجللسة تناولت قسمني من اآليات التي ترتبط ببحثنا‪ ،‬وأوصيكم أن تعودوا إىل‬
‫القرآن‪ .‬تع ّلموا لغة القرآن‪ ..‬تعلموا اللغة العربية‪ ،‬وإن ّ‬
‫تعذر عليكم فهم العربية فتوسلوا‬
‫متر دون‬
‫برتمجة معاين القرآن‪ .‬كونوا بالقرآن مأنوسني ومعه أصدقاء مرافقني‪ .‬وكل ساعة ّ‬
‫أنس بالقرآن هي خسارة يف العمر وحرسة‪.‬‬
‫ويف قراءة القرآن وفهمه جيب مالحظة طريقة القرآن يف طرح املفاهيم‪ .‬فهو ليس مثل‬
‫مر‬
‫التأليفات املعهودة التي تقسم النص إىل فصول بل إنه خطاب للنفس البرشية عىل ّ‬
‫العصور‪ ،‬فمن سياق القرآن نستطيع أن نجد املوضوع الذي نبحث عنه‪.‬‬
‫القسم األول من اآليات هي من سورة األنعام‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫حلكَم هو الذي يقيض بني الناس‪ ،‬وقيل هو احلاكم‪ .‬فهو خري‬ ‫(أف َغ ْی َر ِ ْ َ َ ً‬
‫اهلل أبت ِغی حكما) وا َ‬
‫َ‬ ‫ََ َ ْ ْ‬
‫احلاكمني‪( .‬ألا ل ُه ال َخل ُق َو الأ ْم ُر)‪ 1‬هو اخلالق‪ ،‬وهو اآلمر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫اب ُم َف َّصلا) أي مبينًا تبيينًا ً‬
‫كامل ال خلط فيه‪.‬‬ ‫( َو ُه َو ال ِذی أ َنزل إل ْیك ُم ال ِك َت َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ََ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌََ‬
‫ون أن ُه ُمن ّزل ِّمن ّر ّب َك بال َح ّق فلا تكون َّن ِم َن ال ُم ْم َتر َ‬ ‫َ َّ‬
‫اب َی ْعل ُم َ‬ ‫َ‬
‫( َوالذ َین آت ْی َن ُ‬
‫اه ُم ال ِك َت َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ین) فال جمال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ملن يعلم أن هذا القرآن نازل من رب العاملني أن يكون يف تزلزل وتردد‪ .‬بل يف عزم وثبات‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫كل َم ُت َر ّب َك ص ْدقا َو َع ْدلا لا ُم َب ّدل لكل َماتهِ َو ُه َو َّ‬‫َ ْ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫الس ِم ُیع ال َع ِل ُیم) لقد أرسل رب‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫( َوت ّمت ِ‬
‫العاملني رسله لتبلغ البرشية بالتدريج مرحلة الكامل‪ .‬ثم جاء دور الرسالة اخلامتة لتفتح‬
‫َّ َ‬
‫الطريق أمام حركة البرشية إىل الالهناية‪( :‬إنا إلیهِ راج َ‬
‫عون)‪ ،‬وبذلك متت كلمة ربك‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫مبدّ ل هلذه الكلامت وملا وضعه للبرش من مقررات‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل ِإن َی ّت ِب ُع َون ِإلا الظ َّن َو ِإ ْن ُه ْم ِإلا َی ْخ ُر ُص َون)‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ ْ ْ ََ َ‬
‫( ِإن ت ِطع أكثر من فِی الأر ِض ی ِضلوك عن س ِب ِ‬
‫‪2‬‬
‫یل ِ‬
‫انظر كيف يتدرج اخلطاب القرآين‪ .‬فقدبدأ يف اآلية األوىل من املقطع الذي اخرتناه بتقرير‬
‫حلكَمية‪ ،‬وهي َأوىل من غريها‪.‬‬
‫احلكومة وا َ‬
‫‪1‬ـ األعراف‪54 /‬‬
‫‪2‬ـ األنعام‪116 /‬‬
‫روح التوحيد رفض العبودية لغري اهلل ‪135n‬‬

‫حق‬
‫ثم بعدها قرر مسألة عدم تبديل كلامت اهلل‪ ،‬فقد متّت بالصدق والعدل وال ألحد ّ‬
‫تبديلها‪ .‬واآلية التالية فيها التحذير من إطاعة أهل األهواء واملشتهيات والظنون‪ ،‬فالطاعة‬
‫هلل وحده دون سواه‪.‬‬
‫طاعة املدارس الفكرية األرضية فيها الضالل عن جادة الصواب‪ ،‬ألن أصحاهبا تقوم‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫مشاريعهم عىل الظن‪ِ( :‬إ ْن ُه ْم ِإلا َیظ ُّن َون)‬
‫وال تقوم إال عىل أساس األوهام‪ِ ( :‬إ ْن ُه ْم‬ ‫‪1‬‬

‫ون)‪ ،‬ولقد رأينا اهنيار كثري من هذه املدارس‪ .‬فقد أقامت كياهنا عىل النظريات‬ ‫إ َّلا َی ْخ ُر ُص َ‬
‫ِ‬
‫والفرضيات مدعية أهنا القادرة عىل إدارة املجتمعات البرشية‪ ،‬ثم تبني زيفها‪ .‬بينام رب‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫العاملني يضع أمام البرشية ما يقوم عىل أساس العلم ليهدهيا سواء السبيل ( ِإ ّن َر ّب َك ُه َو أ ْعل ُم‬
‫َ َ ْ‬
‫َمن َی ِض ُّل َعن َس ِب ِیلهِ َو ُه َو أ ْعل ُم ِبال ُم ْه َت ِد َین)‪.2‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ َ ُ‬
‫ك ُنت ْم ِب َآی ِاتهِ ُم ْؤ ِم ِنین) قد يستغرب اإلنسان حني يتلو هذه‬ ‫اهلل َعل ْیهِ ِإن‬
‫ك َر ْاس ُم ِ‬ ‫(فكلوا ِم ّما ذ ِ‬
‫اآلية بعد تلك اآليات التي ركزت عىل موضوعات عامة ترتبط بإطاعة اهلل وعدم اتباع‬
‫الظن وبشأن إمتام مسرية األنبياء‪ .‬فام هذا االنتقال املفاجئ إىل احلديث عن أكل الذبيحة‬
‫التي ذكر اسم اهلل عليها‪ ،‬وهي مسألة فرعية!!‬
‫يف ذهني أفكار جتعل اآليات السابقة مرتبطة هبذه اآلية‪ ،‬ولكن ال أقطع هبا‪ ،‬فاملجال مفسوح‬
‫ملزيد من التد ّبر والتأمل‪ .‬ما خيطر يف الذهن هو‪:‬‬
‫رب الساموات واألر ض تتساوى األمور الكلية العامة واجلزئية وتصبح يف‬
‫األول‪ :‬يف نظر ّ‬
‫مستوى واحد‪ ،‬إذ إنه أسمى من هذا العامل وهو سبحانه يف أفق يفوق تصور اإلنسان‪ .‬فهو‬
‫حني يقرر ما يرتبط بسعادة اإلنسان تستوي يف ذلك املقررات الكلية واجلزئية‪ ،‬وتستوي‬
‫املقررات املرتبطة بالفرد أو املجتمع‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬لو أمعنا النظر يف مسألة الذبح وتذكية الذبيحة وذكر اهلل عليها‪ ،‬فإنه يلفت نظرنا يف‬
‫البداية أن املرشكني كانوا ينحرون يف سبيل أصنامهم ومعبودهيم‪ ،‬وأن األصنام الدنيوية‬
‫ترص عىل ذكر اسمهايف ديباجة أي عمل من األعامل‪ .‬وحني يقوم اإلنسان بعمل من أجل‬
‫ّ‬
‫‪1‬ـ اجلاثیة‪24 /‬‬
‫‪2‬ـ األنعام‪118 - 117 /‬‬
‫‪ n136‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫هوى نفسه وملصاحله الشخصية فإنه يتجه يف عمله نحو ما خطر يف ذهنه من ذلك العمل‪.‬‬
‫أما حني يبدأ العمل باسم اهلل فإن اجتاه ذلك العمل يتناسب مع ما أمر اهلل‪ .‬اآلية تقرر أن‬
‫يأكل اإلنسان مما ُذكر اسم اهلل عليه‪ .‬أي يف تناول الطعام الرضوري حلياة اإلنسان جيب أن‬
‫يكون اهلدف هو «اهلل» ال ملء املعدة بالطعام‪ .‬حني يكون اهلدف هو إشباع املعدة فإنك‬
‫تبتعد عن اهلل‪ ،‬أما إذا كان اهلدف هو اهلل فإن ملء املعدة ال يكون ً‬
‫أصل بل األصل هو اهلل‪.‬‬
‫املوحد أن يمأل بطنه بخالف ما يرى اهلل‪ ،‬حتى ولو بقي جائ ًعا‪.‬‬
‫لذلك يأبى اإلنسان ّ‬
‫ابدأ كل أعاملك اخلاصة والعامة باسم اهلل كي يتعني جتاه حركتك يف هذه األعامل‪ ..‬كي‬
‫َ ّ َْ َ َ َ‬ ‫تكون أعاملك يف سبيل اهلل‪ُ ( :‬ق ْل إ َّن َص َلاتی َو ُن ُسكی َو َم ْح َی َ‬
‫ین ‪ #‬لا‬ ‫ای َو َم َماتِی هلِل ر ِب العال ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ‬
‫یك ل ُه)‪ 1‬يف كل أعاميل الصغرية والكبرية اجته إىل اهلل وحده دون سواه‪.‬‬ ‫ش ِر‬
‫إذن ذكر اهلل عىل الذبيحة «رمز» لتوجه اإلنسان هلل يف احتياجاته األساسية‪ .‬إنه حكم فقهي‬
‫متجها يف سبيل اهلل‪ .‬وحني‬
‫ً‬ ‫له دالالته عىل أن اإلنسان يف تلبية احتياجاته جيب أن يكون‬
‫وتدب الطاقة يف وجودك هبذا الطعام‪ ،‬فإن استهالك هذه الطاقة‬
‫ّ‬ ‫تزيل عنك اجلوع باسم اهلل‪،‬‬
‫أيضا يف سبيل اهلل‪ ،‬انظر بدقة‪.‬‬
‫سيكون ً‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ ْ َ َّ َ ْ ُ‬
‫ك ُلوا م َّما ُذك َر ْاس ُم اهلل َع َل ْی َو َق ْد َف َّص َل َل ُكم َّما َح َّر َم َع َل ْی ُك ْم إ َّلا َما ْ‬
‫اض ُط ِر ْرت ْم‬ ‫ِ‬ ‫هِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(وما لكم ألا تأ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ ْ َ َّ َ ً ّ ُ ّ َ‬
‫هو ِائ ِهم ِب َغ ْی ِر ِعل ٍم ِإ ّن َر َّب َك ُه َو أ ْعل ُم ِبال ُم ْع َت ِد َین)‪ 2‬فقد ّبي اهلل سبحانه‬ ‫ون بأ َ‬
‫ِإلیهِ و ِإن ك ِثیرا لی ِضل ِ‬
‫حمرماته بالتفصيل يف املأكوالت إالّ ما كان يف حالة االضطرار‪ .‬وال جمال يف هذا التحليل‬
‫والتحريم أن يتدخل من ّ‬
‫يضل الناس بدافع هواه‪ .‬واهلل أعلم باملعتدين الذين يضلون الناس‬
‫بأهوائهم بغري علم‪.‬‬
‫َ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ُ َّ َّ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫ك ُانوا َی ْق َتر ُف َ‬
‫ون) هناك من‬ ‫ِ‬ ‫الإثم سیجز ون ِبما‬ ‫(و ذر وا ظ ِاهر ِ‬
‫الإث ِم و ب ِاطنه ِإن ال ِذین یك ِسبون ِ‬
‫الذنوب واآلثام ماهي سيئاهتا ظاهرة‪ ،‬مثل قتل النفس بدون حق‪ .‬وهناك ما هي سيئاهتا‬
‫غري ظاهرة‪ ،‬وال يعلم اإلنسان حجم تبعاهتا مثل التحدث بدون علم‪ ،‬واالتّباع بدون علم‪،‬‬
‫مرضة‬
‫واالستخفاف بذكر اهلل‪ ،‬والطاعة لغري اهلل‪ ..‬مثل هذه األمور خيال اإلنسان أهنا ليست ّ‬
‫‪1‬ـ األنعام‪163 - 162 /‬‬
‫‪2‬ـ األنعام‪121 - 119 /‬‬
‫روح التوحيد رفض العبودية لغري اهلل ‪137n‬‬

‫بالقدر الذي جيب االحرتاز منها‪ .‬غري أن اآلية تؤكد رضورة اجتناب ظاهر اإلثم وباطنه و‬
‫ْ ُ‬
‫كانوا َیق َترف َ‬ ‫ُ‬
‫َ َُ َْْ َ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ‬
‫ون)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫( ِإن ال ِذین یك ِسبون ِ‬
‫الإثم سیجز ون ِبما‬
‫ُ ُ‬
‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫الرش يوحون إىل أتباعهم‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ْ ُ َ‬
‫(و ِإن الشی ِاطین لیوحون ِإلى أو ِلی ِآئ ِهم ِلیج ِادلوكم) الشياطني وأقطاب ّ‬
‫والسائرين يف ركاهبم كي جيادلوكم‪ ،‬ويدخلوا معكم يف مناقشات خادعة‪ .‬وما هو موقفكم‬
‫َ ْ ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ‬
‫أنتم منهم؟ وهنا بيت القصيد‪َ ( .‬و إ ْن أ َط ْع ُت ُم ُ‬
‫وه ْم إنك ْم ل ُمشرك َ‬
‫ون) بكل رصاحة ووضوح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إطاعة هؤالء هو الرشك‪ .‬إطاعة الشيطان الذي هو قطب مقابل الرمحن‪ ،‬وإطاعة أولياء‬
‫الشيطان‪ ،‬أي عمالئه ومأجوريه وأصدقائه يؤدي إىل الوقوع يف حبائل الرشك‪.‬‬
‫القسم الثاين من اآليات مقتطف من سورة الشعراء‪ .‬وفيه تبيني لكثري من املفاهيم بصورة‬
‫حوار عىل الطريقة القرآنية يف جتسيم ما يريد تقديمه من معارف‪ .‬وهبذه الطريقة يستهدف‬
‫يعمق هذه املفاهيم يف املشاعر والقلوب‪.‬‬
‫القرآن الكريم أن ّ‬
‫يف هذه اآليات تصوير ملشهد من مشاهد يوم القيامة‪ .‬وأسلوبه باستخدام الفعل املايض‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫انش َّق ال َق َم ُر)‬
‫َّ َ َ َ‬ ‫َْ‬
‫وهو بمعنى املضارع املح ّقق الوقوع‪ ،‬كاميف قوله سبحانه‪( :‬اقت َربَ ِت الساعة و‬
‫اآليات التي نحن بصددها تقول‪:‬‬
‫ك ُنت ْم َت ْع ُب ُد َ‬ ‫َ ُ ْ َ ْ َ َّ ُ ْ ُ َّ َ َ ُ ّ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ‬
‫ون ‪ِ #‬من‬ ‫(وأز ِلف ِت الجنة ِللمت ِقین ‪ #‬و ب ِر ز ِت الج ِحیم ِللغ ِاوین ‪ #‬و ِقیل لهم أین ما‬
‫َ‬ ‫نص ُر َون ُك ْم َأ ْو َی َنتص ُر َ‬
‫ون ‪َ #‬ف ُك ْبك ُبوا ف َیها ُه ْم َو ْال َغ ُاو َ‬
‫ون)‪.2‬‬‫یس أ ْج َم ُع َ‬ ‫ون ‪َ #‬و ُج ُن ُ‬
‫ود إ ْب ِل َ‬ ‫اهلل َه ْل َی ُ‬
‫ون ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫د ِ‬
‫فاجلنة قد أصبحت يف متناول املتقني‪ ،‬و ُبرزت جهنم للضالني املخدوعني‪ .‬ثم يتجه السؤال‬
‫للغاوين يقول هلم‪ :‬أين هؤالء الذين كنتم تعبدون من دون اهلل؟ أين تلك األقطاب التي‬
‫انشدّ ت قلوبكم إليهم‪ ..‬انظروا إىل تعبري (تعبدون)‪‌..‬تُرى َم ْن هؤالء الذين كانوا يعبدوهنم؟‬
‫من هنا يتبني معنى العبادة‪ .‬هل يستطيع هؤالء املعبودون أن يساعدوكم أو يساعدوا أنفسهم؟‬
‫من الواضح أن هؤالء حيتاجون إىل مساعدة‪ ..‬أي إهنم برش‪ ..‬من نوع اإلنسان‪ ،‬ال من نوع‬
‫احلجر واخلشب‪ .‬هؤالء املعبودون والضالون املخدوعون هبم‪ ،‬وجنود إبليس وأعوانه الذين‬
‫سعوا إلضالل الناس‪ ..‬هؤالء مجي ًعا يلقون عىل وجوههم يف نار جهنم‪.‬‬

‫‪1‬ـ القمر‪1 /‬‬


‫‪2‬ـ الشعراء‪103 - 90 /‬‬
‫‪ n138‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ثم ينتقل املشهد إىل اختصام بني هؤالء يف جهنم‪:‬‬


‫ْ َُ ّ ُ‬
‫یكم ب َر ّب ْال َع َال ِم َ‬ ‫ك َّنا َلفی َض َل ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ین ‪َ #‬و‬ ‫ِ ِ‬ ‫ین ‪ِ #‬إذ نس ِو‬ ‫ال م ِب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫(قالوا َو ه ْم ِف َیها َیخت ِص ُمون ‪ #‬ت ِ‬
‫اهلل ِإن‬
‫َ َ ْ َ َّ َ َ َ‬
‫ك َّر ًة َف َن ُك َ‬ ‫ین ‪َ #‬و َلا َصدیق َ‬ ‫َما َأ َض َّل َنا إ َّلا ْال ُم ْجر ُم َ‬
‫ون ‪َ #‬ف َما َل َنا ِمن َش ِاف ِع َ‬
‫ون ِم َن‬ ‫یم ‪ #‬فلو أن لنا‬ ‫ٍ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ین)‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ین ‪ #‬إن فی ذ ِلك ل َآیة َو َما كان أكثرهم ّمؤ ِم ِن َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ِ ِ‬
‫يف هذا االختصام حياول كل فريق أن يلقي بالالئمة عىل الفريق اآلخر‪ :‬املعبودون والغاوون‪.‬‬
‫والكالم هنا للغاوين املخدوعني الضالني يفهمون ويقسمون أهنم كانوا يف ضالل مبني‪،‬‬
‫ويأسفون عىل مافاهتم من صحوة ووعي ليفهموا أهنم كانوا منحرفني‪ .‬يقولون ملعبودهيم‪:‬‬
‫إنا كنا نجعلكم يف رتبة رب العاملني‪ .‬كنا نخشاكم بينام كان ينبغي أن نخشى رب العاملني‪.‬‬
‫رب الساموات واألرض‪ .‬كنا نتقرب إليكم بدل‬
‫‌كنا نطيعكم بينام كان الواجب أن نطيع ّ‬
‫التقرب من اإلله احلق‪ .‬كنا نرتزق منكم بينام األرزاق بيد فاطر الساموات واألرض‪.‬‬
‫يقولون قد أضلنا املجرمون‪ .‬وقد ختلوا عنا اليوم‪ ،‬فليس لنا من يشفع لنا وليس لنا صديق‬
‫محيم‪.‬‬
‫عندئذ يتمنون أن تكون هلم عودة إىل احلياة الدنيا ليكونوا من املؤمنني‪ .‬هذا االختصام فيه‬
‫مر هبا هؤالء الغاوون حيث مل يكن أكثرهم مؤمنني‪.‬‬
‫آية وداللة عىل جتربة ّ‬
‫يف هذه اآليات حديث عن أشخاص كان الناس يعبدوهنم‪ .‬وبإمعان النظر نرى أن هذه‬
‫العبادة ليست سوى اتباع هؤالء وجعلهم يف مرتبة اهلل يف طلب ما كان جيب أن يطلبوه من‬
‫اهلل‪ ،‬ويف طاعة تلك األوامر التي كان ينبغي أن ينفذوها من أجل رضا اهلل‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫اجللسة الثانیة عشرة‬
‫التوحيد و رفض التمييز الطبقي‬
‫االثنني ‪ 13‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/8‬هجرية مشسية‬
‫َ ً َّ َ‬ ‫ََ ََ َ‬ ‫( َما َّات َخ َذ ُ‬
‫ـان َم َع ُه ِمـ ْـن ِإلــهٍ ِإذا لذ َه َب‬
‫كـ َ‬ ‫اهلل ِمن ولـ ٍـد ومــا‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َََ َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫اهلل َع َّما‬ ‫َ‬
‫ك ُّل ِإلهٍ ِب َما خلق َول َعلا َب ْعض ُه ْم على َب ْع ٍض ُس ْب َحان ِ‬
‫(املؤمنون‪)91 /‬‬ ‫َی ِص ُف َون)‬

‫ذكرنا أن عقيدة التوحيد تستتبعها التزامات عىل املستوى الفردي واالجتامعي‪ ،‬أي إن‬
‫املوحد‬ ‫التوحيد حني ّ‬
‫حيل يف املجتمع يصوغ املجتمع وفق رؤيته‪ ،‬ثم تأيت مستلزمات الفرد ّ‬
‫يف هذا املجتمع‪.‬‬
‫ووضحنا أن أول هذه املواثيق‬
‫عبنا عن هذه املستلزمات التوحيدية بـأهنا«ميثاق التوحيد»‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫حرص العبودية والطاعة باهلل سبحانه وتعاىل‪ .‬واليوم نذكر واحدً ا آخر منها وهو «رفض‬
‫الطبقية»‪.‬‬
‫سنوضح هذا املفهوم يف هذه املحارضة‪ ،‬وهو باختصار أن أفراد املجتمع يف ظل التوحيد‬
‫ّ‬
‫ال متييز بينهم من حيث احلقوق والواجبات‪ ،‬بل يعيشون حتت سقف واحد‪ ،‬ويتجهون يف‬
‫مسري واحد‪ ،‬ويتمتعون بنوع واحد من احلقوق واإلمكانات‪.‬‬
‫لو عدنا إىل التاريخ أللفينا االختالف الطبقي من األمراض املزمنة يف تاريخ البرشية‪ ،‬ال يف‬
‫أيضا يف البالد التي تعترب مهد احلضارة البرشية‪ ،‬إذ‬
‫املجتمعات القبلية املتخلفة فحسب‪ ‌،‬بل ً‬
‫يف هذه البالد نشاهد هذه الطبقية يف أبشع صورها‪.‬‬
‫‪ n142‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ما معنى الطبقية؟ إهنا تعني عدم متاثل األفراد الذين يعيشون يف جمتمع واحد‪ .‬طبقة ُفرض‬
‫ّ‬
‫مسخرة خلدمة طبقة أخرى عن قناعة‬ ‫عليها أن تعيش يف معاناة وحرمان‪ ،‬وأن تكون‬
‫ورضا‪ .‬وطبقة أخرى تتمتع بألوان اللذائذ واالمتيازات‪ ،‬دونام رقيب‪ .‬واهلند أفضل مثال‬
‫عىل ما نقول‪ .‬تعلمون أن اهلند مهد احلضارة اآلرية‪ ،‬ومن أوىل املجتمعات البرشية عىل‬
‫تضج باالختالف الطبقي‪ .‬فهناك أربع طبقات أصلية‪‌.‬‬
‫ظهر األرض‪ .‬وهذه األرض بالذات ّ‬
‫ح ّبذا لو راجعتم كتب تاريخ األديان‪ ،‬وقارنتم الوضع هناك‪ ،‬بمفاهيم التوحيد يف اإلسالم‬
‫والقرآن الكريم‪.‬‬
‫يف اهلند كان التقسيم الطبقي يقرر وجود طبقة (الربامهة)‪ ،‬وهي طبقة رجال الدين وأعىل‬
‫الطبقات االجتامعية‪ ‌.‬والثانية طبقة قواد اجليش واألمراء واإلقطاعيني (كاشا تريا)‪ ،‬وكان‬
‫بني هاتني الطبقتني مواجهة مستمرة‪ ،‬أحيانًا تعلو الطبقة األوىل وأحيانًا الثانية‪ .‬والطبقة‬
‫الثالثة وهم الصنّاع والزراع (فايشيا)‪ ،‬والطبقة الرابعة وهم املنبوذون (سودرا)‪ ،‬وكل طبقة‬
‫من هذه الطبقات هلا أصل مستقل يف اخللقة‪.‬‬
‫هذا التقسيم تارخيي‪ ،‬غري أنه امتدّ إىل القرن العرشين‪ .‬والذي رفض هذا االختالف الطبقي‬
‫هو غاندي وتبعه جواهر لعل هنرو‪.‬‬
‫أردت أن أقول إن هذا االختالف الطبقي سائد يف مهد احلضارة البرشية حتى بعد أكثر من‬
‫أربعة عرش قرنًا من بزوغ شمس التوحيد القرآين‪.‬‬
‫وطب ًعا بني هذه الطبقات األربع األصلية عرشات بل مئات الطبقات الفرعية كام يقول جان‬
‫ناس‪ 1‬يف تاريخ األديان‪ ،‬ويف هذا النظام الطبقي ال حيق للفرد أن يتزوج من الطبقة األخرى‬
‫وال أن يقرتب منها‪ .‬ال ليشء إالّ ألن كل طبقة خملوقة من أصل خيتلف عن أصل الطبقة‬
‫األخرى‪ .‬فالربامهة خملوقون من رأس اإلله برامها‪ ،‬والثانية من يده والثالثة من عضده‬
‫والرابعة من رجله‪ .‬ولذلك فإن االختالف بني الطبقات قائم يف أصل اخللقة‪ ،‬وال حيق‬
‫للطبقة السافلة أن تتعامل مع الطبقة الرشيفة!! ومن هنا فال اعرتاض عىل هذا الوضع‬

‫‪1‬ـ مؤلف كتاب تاريخ األديان العام‪ ،‬ويقع يف أربعة أقسام‪ .‬األديان البدائية‪ ،‬وأديان اهلند‪ ،‬وأديان الرشق األقىص‪ ،‬وأديان‬
‫الرشق األدنى‪.‬‬
‫التوحيد ورفض التمييز الطبقي ‪143n‬‬

‫الطبقي‪ ،‬وال تغيري أو تبديل‪ .‬إذ حني يعتقد فرد بأن أصل خلقته كانت عىل هذه الشاكلة‪،‬‬
‫حني يعتقد بأن طينته سافلة فال اعرتاض عىل انتامئه الطبقي السافل‪.‬‬
‫أيضا‪..‬‬
‫مقترصا عىل اهلند‪ ،‬بل كان مشهو ًدا يف احلضارات القديمة األخرى ً‬
‫ً‬ ‫مل يكن هذا األمر‬
‫يف مرص ويف إيران‪.‬‬
‫وجاء اإلسالم لريفض تعدد اآلهلة‪ ،‬ويقرر أن البرش خملوقون من إله واحد‪ ..‬ومن طينة‬
‫َُ‬
‫واحدة‪ ،‬وهلم فطرة واحدة‪ ،‬واآليات الكريمة يف هذا الصدد كثرية نظري قوله تعاىل‪َ ( :‬یا أ ّی َها‬
‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ّالن ُاس ْاع ُب ُدوا َر َّبك ُم ال ِذی َخلقك ْم َو ال ِذ َین ِمن ق ْب ِلك ْم)‪.1‬‬
‫والسمو ال فرق‬
‫ّ‬ ‫فالبرش بأمجعهم من أصل واحد‪ ،‬وحيملون كفاءات متكّنهم من التكامل‬
‫بينهم يف ذلك‪ ،‬اللهم إالّ املجموعة التي اصطفاها اهلل سبحانه هلداية البرشية كاألنبياء‬
‫واألئمة‪ ،‬فهؤالء الصفوة خارجون من بحثنا‪ ،‬وحديثنا عن عامة أفراد املجتمع‪.‬‬
‫يف ظل التوحيد خيلو املجتمع من الطبقية والفئوية‪ ،‬ليس فيه طبقة متتلك امتيازات خاصة‪،‬‬
‫وطبقة أخرى حمرومة من هذه االمتيازات بحكم خلقة كل طبقة‪.‬‬
‫والطبقية ليست بالرضورة قائمة عىل فكرة االختالف يف أصل اخللقة‪ ،‬بل تقوم أحيانًا عىل‬
‫أساس الظلم االجتامعي واالقتصادي كام هو مشهود يف املجتمعات الرأساملية القائمة‪.‬‬
‫أقلية تسيطر عىل ثروات العامل وتستثمر خريات األرض لصاحلها وأكثرية ساحقة ليس هلا‬
‫نصيب من كدّ ها وكدحها‪.‬‬
‫هذه الطبقية أسوأ من تلك الطبقية القائمة عىل أساس اختالف أصل اخللقة‪ .‬فهذه الطبقية‬
‫الرأساملية تدّ عي الدفاع عن حقوق اإلنسان واملساواة ثم متارس أبشع أنواع االستغالل‬
‫وانتهاك احلقوق‪.‬‬
‫أعود إىل معنى التوحيد الذي تنتفي يف ظله الطبقية‪ ،‬وأقول‪ :‬إن من معاين التوحيد هو أن‬
‫اخلالق واحد‪ ،‬والناس مجي ًعا خملوقون من إله واحد‪ ،‬أي إهنم يف طراز واحد ال طرازين‪ ،‬يف‬
‫طبقة واحدة ال طبقتني‪.‬‬

‫‪1‬ـ البقرة‪21 /‬‬


‫‪ n144‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫لقد رفض القرآن ادعاء اليهود والنصارى بأهنم أبناء اهلل وأحباؤه دون غريهم من البرش‪:‬‬
‫ّ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫الن َص َارى َن ْح ُن َأ ْب َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ ُ َ َّ‬
‫اهلل َو أ ِح َّب ُاؤ ُه)‪ 1‬وجييبهم رب العاملني‪( :‬ق ْل ف ِل َم ُی َع ِذ ُبكم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اء‬ ‫ن‬ ‫(وقال ِت الیهود و‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِبذ ُن ِوبكم َب ْل أ ُنتم َب َش ٌر ِّم َّم ْن َخل َق)‬
‫َ َّ ُ‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫ُ‬
‫ورفض ادعاء اليهود بأهنم شعب اهلل املختار إذ قال‪( :‬ق ْل َیا أ ّی َها ال ِذ َین َه ُادوا ِإن َز َع ْم ُت ْم أنك ْم‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ین ‪َ #‬و لا َی َت َم ّن ْون ُه أ َب ًدا‪.2)...‬‬
‫ك ُنت ْم َص ِاد ِق َ‬ ‫الن ِاس ف َت َم ّن ُوا ال َم ْو َت ِإن‬ ‫ُ‬
‫أ ْو ِل َی ُاء هلِل ِمن د ِ‬
‫ون‬
‫متوهج الذكاء وآخر أقل منه‪ ،‬أو نرى فر ًدا يتمتع ب ُبنية‬
‫ّ‬ ‫نعم‪ ،‬يف املجتمع قد نرى إنسانا‬
‫القوي يتمتع بمزيد من احلقوق‬
‫ّ‬ ‫قوية وآخر ال يتمتع هبذا القدر‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أن‬
‫حيق له أن يتع ّلم ويتطور وآخر ال ّ‬
‫حيق له ذلك‪.‬‬ ‫االجتامعية‪ ،‬ال يعني أن هناك من ّ‬
‫فرص التكامل العلمي والعميل متاحة للجميع‪ .‬خال ًفا للمجتمعات غري التوحيدية حيث‬
‫الطريق مع ّبد لفئة وميلء باألشواك والعقبات لفئة أخرى‪.‬‬
‫مجيع أفراد املجتمع اإلسالمي قادرون عىل أن يرتقوا إىل أسمى الرتب‪ .‬بالل احلبيش‬
‫يرتقي إىل مقام مؤذن املسلمني‪ ،‬وهذا املقام غري الذي نعرفه اليوم عن مؤذن املسجد‪ ،‬فهو‬
‫مقام رفيع‪ .‬وسلامن الفاريس يرتفع إىل مستوى أن يكون وال ًيا عىل صقع مهم من البالد‬
‫اإلسالمية‪ .‬وأمثال ذلك كثري‪.‬‬
‫تأهل هلداية البرش لكننا نرى هذه الصفوة تشعر أهنا فقرية‬
‫ومع أن اهلل سبحانه اصطفى َم ْن ّ‬
‫تترضع إليه بخشوع وبكاء ونحيب‪.‬‬
‫أمام اهلل‪ّ ،‬‬
‫هذا اإلمام السجاد (عليه السالم) ابن رسول اهلل وعيل وفاطمة واحلسني (عليهم السالم)‪،‬‬
‫عرفه املسلمون بسجوده وخشوعه وترضعه ومناجاته وأدعيته‪ ،‬وهكذا نرى هذه الصفوة‬
‫تكدّ وتسعى يف العيش واحلياة‪ .‬هذا عيل وهذا الباقر وهذا الصادق (عليهم أفضل الصالة‬
‫والسالم) يكدّ ون‪ ،‬وحيرثون األرض أسوة بغريهم من الكادحني العاملني يف املجتمع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ ّ َْ ُ‬
‫واآلن نقف عند اآليات ‪ 91-84‬من سورة املؤمنون‪( :‬قل ِل َم ِن الأ ْرض َو َمن ِف َیها ِإن ك ُنت ْم‬
‫ون) اخلطاب للمرشكني الذين كانوا يقسمون األرض ومن فيها بني آهلتهم ( َس َی ُق ُول َ‬ ‫َت ْع َل ُم َ‬
‫ون‬ ‫ّ‬
‫‪1‬ـ املائدة‪18 /‬‬
‫‪2‬ـ اجلمعة‪7 - 6 /‬‬
‫التوحيد ورفض التمييز الطبقي ‪145n‬‬
‫ّ‬
‫ك ُر َ‬ ‫ُ ََ َ َ َ َ‬
‫ون)‪‌.‬أي أفال تعون وتعودون إىل أنفسكم؟!‬ ‫هلِل ق ْل أفلا تذ‬
‫ُ ََ َ َ َ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الس ْبع َو َر ُّب ال َع ْرش ال َعظیم ‪َ #‬س َیقول َ‬
‫ون هلِل ق ْل أفلا ت ّتق َ‬ ‫َ‬
‫(ق ْل َمن ّر ُّب َّ‬ ‫ُ‬
‫ون)‪ 1‬أي ملاذا ال‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات ّ ِ‬ ‫الس َم َاو ِ‬
‫تتقون اهلل وملاذا ال يكون فكركم وعملكم مطاب ًقا ملا يريده سبحانه؟!‬
‫ك ُنت ْم َت ْع َل ُم َ‬
‫ون) من الذي يملك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ َ ََ ُ ُ ُ َ‬
‫وت ك ِ ّل ش ْی ٍء َو ُه َو ُی ِج ُیر َو لا ُی َج ُار َعل ْیهِ ِإن‬‫(قل من ِبی ِدهِ ملك‬
‫القدرة املطلقة والسلطة املطلقة يف هذا الكون؟ كل ما بيدنا من قدرة وسلطة فهي حمدودة‬
‫بالزمان واملكان‪ ،‬ولكن السلطة املطلقة بيد اهلل تعاىل‪ ..‬ابتداء من احلركة داخل الذرة إىل‬
‫ونموها‪ ..‬كل يشء بقبضته وهو الذي‬
‫ّ‬ ‫حركة الكواكب واملجرات‪ ..‬إىل حياة األحياء‬
‫يلجأ إليه الالجئون ( ُی ُ‬
‫جیر) وال يستطيع أحد أن جيري دون إذنه (ولا یجار علیه) أي ال‬
‫يستطيع املسيحي ً‬
‫مثل إن أذنب أن يستجري بعيسى ليحميه من اهلل سبحانه‪ ،‬هذا غري ممكن‪.‬‬
‫ُ َ َ َّ ُ‬
‫( َس َیقول َ‬
‫ون هلِل ق ْل فأنى ت ْس َح ُر َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ون) إذن ملاذا ُتدعون؟‬
‫وامللفت للنظر أن القرآن الكريم يركز عىل عنارص اخلداع والغفلة باعتبارها من عوامل‬
‫احلق‪ .‬فعوامل مثل اجلهل والغرور من جهة وعوامل إغفال الناس وخداعهم‬
‫اإلعراض عن ّ‬
‫من جهة أخرى ال تزال حتى اليوم تفعل فعلها إلبعاد الشعوب عن رؤية احلقيقة‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ً َّ َ َ َ ُ‬
‫ك ُّل إ َلهٍ ب َما َخ َل َق) عبارة‪َ ( :‬ما َّات َخ َذ ُ‬ ‫( َما َّات َخ َذ ُ‬
‫اهلل‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهلل ِمن ول ٍد و ما كان معه ِمن ِإلهٍ ِإذا لذهب‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫ك َان َم َع ُه ِم ْن ِإلهٍ ) رفض لتعدد اآلهلة‪ ،‬ولو‬ ‫ِمن َول ٍد) رفض ملن قال نحن أبناء اهلل‪( ،‬وما‬
‫تعدد اخلالق تعددت طبقات املخلوقات‪ ..‬وزالت الوحدة وانعدم االنسجام يف الكون‪.‬‬
‫َ‬‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ك ُّل ِإلهٍ ِب َما َخل َق)‪ ،‬لكان هناك إله النور وإله الظلمة وإله اخلري‬ ‫وهذا هو معنى‪( :‬لذهب‬
‫الرش وإله الطبقة البرشية العليا وآخر للسفىل! مفهوم التوحيد يرفض ذلك ويرى‬
‫وإله ّ‬
‫أن الكون وحدة متصلة‪ .‬اإلنسان واحليوان واجلبال واألرض واملوجودات كلها متصلة‬
‫مرتابطة متحدة‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫( َو َل َع َلا َب ْع ُض ُه ْم َع َلى َب ْعض ُس ْب َح َان َ َ‬
‫كبريا‪.‬‬ ‫اهلل ع ّما َی ِصفون) سبحانه وتعاىل عام يقولون ً‬
‫علوا ً‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والقسم التايل اآليتان ‪ 21‬و ‪ 22‬من سورة البقرة‪َ ( :‬یا أ ُّی َها ّالن ُاس) اخلطاب للناس مجيعا‬
‫ً‬

‫‪1‬ـ املؤمنون‪89 - 87 /‬‬


‫‪ n146‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫بمختلف ألواهنم وألسنتهم وأصقاعهم‪ ،‬إنه موجه لإلنسانية مجعاء‪.‬‬


‫ُ َ َّ ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ ُ‬
‫( ْاع ُب ُدوا َر َّبك ُم الذی َخلقك ْم َو الذ َین من ق ْبلك ْم ل َعلك ْم ت ّتق َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ون)‪ ..‬الدعوة إىل عبودية اهلل للتحرر‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وسموه ورفعته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من عبودية الطاغوت‪ ..‬أي من عبودية كل ما يصدّ اإلنسان عن كامله‬
‫وهذه العبودية هي التي تؤدي إىل التقوى‪ ،‬وقد رشحنا مفهوم التقوى من قبل‪ ،‬وذكرنا أنه‬
‫صيانة الروح من كل ما يؤدي هبا إىل اهلبوط‪ .‬وهذا ما حيتاجه اإلنسان واملجموعة البرشية‪،‬‬
‫خاصة حني يتهددها االنزالق يف مستنقعات الرذيلة‪.‬‬
‫ً‬
‫ات ِر ْزقا‬
‫َّ‬ ‫ََْ‬ ‫الس َم َاء ب َن ًاء َو َأ َنز َل م َن َّ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َ‬
‫الأ ْر َض ف َر ًاشا َو َّ‬ ‫َّ‬
‫الس َم ِاء َم ًاء فأخ َر َج ِبهِ ِم َن الث َم َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ی‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫(‬
‫َّ ُْ‬
‫مسخر «لكم»‪ ،‬للبرشية مجعاء‪ ،‬ال لفئة دون فئة‪ ،‬وخريات األرض‬ ‫ّ‬ ‫لكم)‪ ،‬هذا الكون كله‬
‫للبرش مجيعهم‪ ،‬ال جلامعة تستثمر هذه اخلريات كلها‪ ،‬والباقي يعيشون عىل فتات موائدهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ‬
‫(فلا ت ْج َعلوا هلِل أندادا َو أنت ْم ت ْعل ُمون) ّ‬
‫وحدوا اخلالق كي تنجو املجتمعات البرشية من اآلهلة‬
‫املتعددة‪ ،‬ومن ثم من الطبقية‪.‬‬
‫َ َ ُ َ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ‬
‫الن ُاس ِإنا خلق َناكم ِّمن ذك ٍر َو أنثى َو‬ ‫ونصل إىل اآلية ‪ 13‬من سورة احلجرات‪( :‬یا أیها‬
‫اك ْم إ َّن َ‬
‫َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ْ ُ ُ ً َ َ َ َ َ َ َ ُ َّ َ ْ‬
‫ك َر َم ُك ْم ع َ‬
‫اهلل َع ِل ٌیم َخ ِب ٌیر)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ت‬‫أ‬ ‫اهلل‬
‫ِ‬ ‫ند‬ ‫ِ‬ ‫جعلناكم شعوبا و قب ِائل ِلتعارفوا ِإن أ‬
‫وأقف عند عبارة «يا أهيا الناس» فاخلطاب للبرشية مجعاء بمختلف ألسنتها وألواهنا وأقاليمها‬
‫وانتامءاهتا‪ ،‬وأقف عند «إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم» ففيها رفض تام للطبقية‪ ،‬ليست كرامة‬
‫وح َسبِ ِه ومكانته يف جمتمعه‪ ،‬بل من تقواه‪ .‬بل ــ وهذه مالحظه دقيقة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان م ْن نَسبِه َ‬
‫وهامة ــ حتى املتقون ليست هلم امتيازات برشية خاصة‪ ،‬املتقي ال يتمتع ــ‪ ‬باعتباره متق ًيا ــ‬
‫بامتيازات مالية أو حقوقية خاصة‪ ،‬فهم مكرمون ومقربون عند اهلل سبحانه‪ .‬طب ًعا التقوى هلا‬
‫أيضا‪ ،‬ومن هنا فإن بعض املسؤوليات ال يتوالها إال أصحاب التقوى‪.‬‬
‫آثار اجتامعية ً‬
‫اه ْم فی ْال َب ّر َو ْال َب ْحر َو َر َز ْق َن ُ‬ ‫َََ ْ َ‬
‫ك َّر ْم َنا َبنی َآد َم َو َح َم ْل َن ُ‬
‫اهم ِّم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫واآلية ‪ 70‬من سورة اإلرساء‪( :‬ولقد‬
‫َّ ّ َ َ َ َّ ْ َ ُ ْ َ َ َ ّ َّ ْ َ َ ْ َ َ ْ ً‬
‫ات و فضلناهم على ك ِث ٍیر ِممن خلقنا تف ِضیلا) التكريم ألوالد آدم كلهم‪ ،‬وتيسري النقل‬ ‫الط ِیب ِ‬
‫بالرب والبحر هلم مجي ًعا‪ ،‬وتوفري الطيبات من الرزق ال خيتص بفئة دون فئة‪ ،‬وتفضيلهم عىل‬
‫كثري من املخلوقات يعمهم مجي ًعا‪ ..‬مجي ًعا ال خيتص بفئة معينة أو طبقة خاصة‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫اجللسة الثالثة عشرة‬
‫اآلاثر النفسية للتوحيد‬ ‫ ‬
‫الثالاثء ‪ 14‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬ ‫ ‬
‫‪ 1353/7/9‬هجرية مشسية‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ـول ِمن َب ْع ِد َمآ أ َص َاب ُه ُم الق ْر ُح‬ ‫ـ‬‫س‬‫( ّال ِذ َین ْاس َت َج ُابوا هلِل َوالـ َّـر ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫یم ‪ #‬ال ِذ َین قال له ُم‬ ‫ِل ّل ِذ َین أ ْح َس ُنوا ِم ْن ُه ْم َو َّات َق ْوا أ ْجـ ٌـر ع ِظ ٌ‬
‫َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫الن ُاس إ َّن َّ‬ ‫َّ‬
‫الن َاس ق ْد َج َم ُعوا لك ْم فاخش ْو ُه ْم ف َز َاد ُه ْم ِإ َیمانا‬ ‫ِ‬
‫(آل‪ ‬عمران‪)173-172 /‬‬ ‫یل)‬ ‫اهلل َو ِن ْع َم َ‬
‫الو ِك ُ‬ ‫َو َق ُالوا َح ْس ُب َنا ُ‬

‫بداية نذكر أن التوحيد من الوحدة والتوحيد عىل وزن تفعيل يعني جعل املتفرقات وحدة‬
‫واحدة‪ ..‬جعل األرباب املتفرقني ر ًبا واحدً ا‪ ،‬جعل املجتمع غري التوحيدي توحيد ًيا‪ ،‬أي‬
‫عىل قلب واحد‪ ،‬ويف اجتاه هدف واحد‪ ،‬وإيامن واحد‪ ،‬ومرشوع عمل واحد‪ .‬من هنا فإن‬
‫التوحيد مرشوع عظيم وضخم يدخل حياة اإلنسان فيؤثر يف جماالته االقتصادية بإزالة‬
‫الفقر أو تعديل الثروة‪ ،‬ويدخل يف املجال االجتامعي‪ ،‬فينتج أخالقية خاصة يف التعامل‪،‬‬
‫ويدخل يف جمال النظرة إىل الكون واحلياة فيجعلها إهلية‪ ،‬ويدخل يف دائرة النفس فيخلق‬
‫نفسا ذات خصائص سامية‪ ،‬مثل التخلص من ضيق النظر‪ ،‬ومن الشعور بالضعف‬
‫منها ً‬
‫واهلزيمة‪ ،‬فال يرى صاحبها متطلباته حمدودة يف األمور املادية‪ ،‬وال ينشدّ إىل الصغائر‪ ،‬وال‬
‫يرى هذه الدنيا هي هناية احلياة‪ ،‬بل يؤمن بحياة أخرى خالدة‪ ،‬ومن هنا يرى املوت بداية‬
‫حلياة أخرى‪ ،‬وهذه الرؤية هلا األثر الكبري عىل حياة اإلنسان وسلوكه وتعامله‪.‬‬
‫إن استعراض مدرسة التوحيد وأبعادها ونتائجها له فائدتان‪:‬‬
‫األوىل أن نعرف معنى التوحيد وعطاءه يف املجاالت النفسية والروحية‪ ،‬وبذلك نر ّد عىل‬
‫‪ n150‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫أولئك الذين يزعمون أن الدين عامل ختدير الشعوب‪.‬‬


‫موحدون أم ال‪ ،‬أن نفهم هل إننا موحدون‬
‫والثانية‪ :‬أن نفهم مدى قربنا من التوحيد‪ ،‬هل نحن ّ‬
‫ح ًقا كام أراد اهلل أم إن التوحيد عندنا ال يعدو أن يكون لقلقة لسان‪ ،‬أن نفهم هل ّ‬
‫إن ما قدموه‬
‫لنا باسم التوحيد هو توحيد حقيقي أم إنه نسخة ممسوخة من التوحيد اإلهلي احلقيقي‪.‬‬
‫ونقف عند إحدى اخلصائص النفسية للتوحيد وهي اقتالع جذور اخلوف من غري اهلل‬
‫ُ‬
‫ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ‬
‫املوحد العارف بقدرة اهلل تعاىل‬
‫ین)‪ 1‬فاملؤمن ّ‬ ‫سبحانه‪( :‬فلا تخافوه ْم َوخاف ِ‬
‫ون ِإن‬
‫ال يساوره خوف‪.‬‬
‫حني أتأمل يف حياة البرشية قديمها وحديثها أرى أن اخلوف عامل ضياع دنيا الناس‬
‫شح النفس وعدم اإلنفاق‪ ،‬اخلوف من انتهاء أيام‬
‫وآخرهتم‪ .‬اخلوف من الفقر يؤدي إىل ّ‬
‫العمر والطمع يف البقاء أليام أكثر قد يؤدي إىل فناء حياة كثريين‪ ،‬وإىل شقاء احلياة البرشية‪.‬‬
‫حني نطالع املآيس واجلرائم يف حياة البرش‪ ،‬حني ندرس سبب قلة أنصار احلق‪ ،‬وإعراض‬
‫احلق حتى بعد أن عرفوه‪ ،‬نرى أن جذور كل ذلك تكمن غال ًبا يف اخلوف‪.‬‬
‫الناس عن ّ‬
‫لقد واجهت املسرية اإلسالمية يف تارخيها انحرافات كان وراءها االبتعاد عن املوقف‬
‫الرسايل بسبب عامل اخلوف‪ .‬كان املسلمون يف القرن األول عىل علم بشخصية عيل بن أيب‬
‫طالب(ع) وبشخصية معاوية بن أيب سفيان‪ .‬فام الذي أجلأ من جلأ إىل معاوية ليحارب عل ًيا؟‬
‫إنه اخلوف‪ .‬من الذي أجلأ مجاعة من الناس ليكونوا متم ّلقني لسلطان بني أمية وبني مروان؟‬
‫إنه اخلوف‪.‬‬
‫هذا اخلوف شمل من كان عار ًفا بطبيعة االختالف بني عيل و معاوية‪ ،‬لكنه عزف عن مبايعة‬
‫مرت‬
‫عيل‪ ‌،‬بحجة انبهام املوقف وغموض طبيعة هذا االختالف ‪ .‬لك ّن هذا النفر رغم أن ّ‬
‫‪2‬‬

‫أمام عينيه جرائم يزيد واملروانيني بعده‪ ،‬وشاهد جرائم احلجاج بن يوسف راح يستأذن‬
‫احلجاج ليبايعه مع املبايعني يف املدينة‪ .‬فجاءه يف حالة ّ‬
‫ذل وخضوع‪ ،‬لك ّن احلجاج إمعانًا‬
‫يف إذالل هذا املبايع الذليل‪ ،‬مل يمدّ له يده بحجة أنه مشغول بالكتابة‪ ،‬فمدّ له رجله ليتقبل‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪175 /‬‬


‫‪2‬ـ إشارة إىل عبداهلل بن عمر‪ .‬انظر تاريخ الطربي‪ ،‬وطبقات ابن سعد وغريمها من أمهات مصادر التاريخ‪.‬‬
‫اآلثار النفسية للتوحيد ‪151n‬‬

‫البيعة‪ .‬هذا ك ّله بسبب اخلوف من سطوة احلجاج‪ ،‬واخلوف عىل احلياة الفانية‪.‬‬
‫عمل باالحتياط حسب ادعائه‪ ،‬لكنه وضع يده عىل ِرجل‬
‫مل يضع يده يف يد عيل ليبايعه ً‬
‫الذل‪ّ ..‬‬
‫ذل‬ ‫احلجاج ليبايعه‪ ،‬هكذا هو مصري اإلنسان الذي خيشى الناس وال خيشى اهلل‪ .‬إنه ّ‬
‫رب الساموات‬
‫اخلروج من طاعة اهلل والوقوع يف اخلوف من كل يشء سوى اخلوف من ّ‬
‫واألرض‪.‬‬
‫عمرين ما كان عمري‬
‫ولذلك ورد يف املأثور عن اإلمام عيل بن احلسني السجاد قوله‪« :‬اللهم ّ‬
‫بذلة يف طاعتك فإن كان عمري مرت ًعا للشيطان فاقبضني إليك»‪.‬‬
‫متفهمة‪ ،‬وأن ال تستهينوا‬
‫متعمقة ّ‬
‫ّ‬ ‫باملناسبة أدعو أن تنظروا إىل املأثور من الدعاء بنظرة‬
‫بعظمة هذا املأثور وعطاءه اإلنساين والرتبوي‪.‬‬
‫ليقوم عمره عىل أساس طاعة اهلل‪ .‬ففي‬
‫يوجه اإلنسان ّ‬
‫أمعنوا النظر يف هذا الدعاء‪ ،‬إنه ّ‬
‫هذه الطاعة تكون للعمر قيمة‪ .‬أما إذا كان مرت ًعا للشيطان فال فائدة فيه‪ .‬والشيطان ــ كام‬
‫رشيرة تريد أن تدفع اإلنسان والبرشية إىل االنحراف والرذيلة واملوبقات‪.‬‬
‫قوة ّ‬
‫ذكرنا‪ ‬ــ ّ‬
‫ال فائدة من عمري إذا كان وسيلة الستفادة الشيطان‪ .‬ال فائدة منه إذا استثمره أعداء‬
‫جبهة اهلل‪ ،‬وإذا استغله هؤالء األعداء ملصاحلهم واختذوين حربة وآلة جلرائمهم‪ ،‬ال فائدة‬
‫من عمري إذا نفذ الشيطان من ثغرات جهيل وغروري وتكربي «فإن كان عمري مرت ًعا‬
‫للشيطان فاقبضني إليك»‪.1‬‬
‫وهذا اخلوف الذي دفع بذلك النفر أن يبايع احلجاج تكرر يف املوقف من احلسني بن عيل‬
‫(ع)‬

‫يف ثورته عىل يزيد‪ .‬رغم وضوح املوقف يف هذه املواجهة‪ ..‬لكن اخلوف فعل فعله‪.‬‬
‫وما أمجل ما قاله سعدي الشريازي ما ترمجته‪:‬‬
‫«املوحد هو ذاك الذي إذا أغرقته بالذهب أو س ّلطت املهنّد عىل رأسه‪ .‬فإنه ال يعقد األمل‬
‫ّ‬
‫عىل أحد‪ ،‬وال خياف من أحد‪ ،‬هذا هو معنى التوحيد وال غري»‪.‬‬
‫املوحد ال ينخدع باملال‪ ،‬واالنخداع باملال هو باملآل خوف من الفقر‪ .‬وال خياف‬
‫ّ‬ ‫ح ًقا‪ ،‬إن‬

‫‪1‬ـ الصحيفة السجادية‪ ،‬دعاء مكارم األخالق‪.‬‬


‫‪ n152‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫السيف املسلط عىل رأسه‪ ،‬بل يطوي طريقه إىل اهلل سبحانه بثبات ويقني وطمأنينة نفس‪.‬‬
‫ولنعد إىل اآلية الكريمة ‪ 173‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫هذه اآلية الكريمة هلا مقدمات وأكتفي بمقدمة من اآلية السابقة هلا‪:‬‬
‫َّ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َْ‬
‫ول ِمن َب ْع ِد َمآ أ َص َاب ُه ُم الق ْر ُح ِلل ِذ َین أ ْح َس ُنوا ِم ْن ُه ْم َواتقوا أ ْج ٌر َع ِظ ٌیم)‪.‬‬ ‫َّ ُ‬ ‫َّ َ ْ َ َ ُ‬
‫(ال ِذین استجابوا هلِل َوالرس ِ‬
‫ذكر للذين استجابوا لنداء اهلل ورسوله‪ .‬هذه االستجابة كانت عملية وكانت‬
‫يف هذه اآلية ٌ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫أيضا يف أشدّ الظروف‪ِ ( :‬من َب ْع ِد َمآ أ َص َاب ُه ُم الق ْر ُح) بعد أن حتملوا ما حتملوا من جروح يف‬
‫ً‬
‫ختل َم ْن ّ‬
‫ختل وثبت َمن ثبت رغم ما حتملوا من جروح‪،‬‬ ‫معركة أحد‪ .‬ففي هذه املعركة ّ‬
‫جرحا‪ ،‬ولكنه أقبل‬
‫ً‬ ‫ومنهم أمري املؤمنني عيل(ع)‪ ،‬إذ تك ّبد يف تلك املعركة ما يزيد عن سبعني‬
‫عىل رسول اهلل(ص)‪ ،‬واستجاب هلل والرسول‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫ونصل إىل اآلية املقصودة يف بحثنا‪( :‬ال ِذ َین قال ل ُه ُم ّالن ُاس)‪ .‬وقبل أن نستعرض خطاب هذه‬
‫اآلية الكريمة نشري إىل رضورة فهم القصد الذي تريد اآلية تبيينه لنا ‌‪ ،‬ال أن نحرص أنفسنا‬
‫يف سبب النزول‪ ،‬املهم يف اآلية هو الفكرة التي تريد أن تقدمها لنا ضمن قصة أو حديث‬
‫عن واقعة‪.‬‬
‫ر ّبام أورد القرآن قصة لريكز يف فقرة منها عىل مبدأ قرآين‪‌ .‬عىل سبيل املثال يورد القرآن‬
‫الكريم قصة ابن نوح يف حادثة الطوفان‪ .‬إذ ركب ال ُفلك ومعه أهله واملؤمنون‪ ،‬وأخذ‬
‫الطوفان املعاندين والرافضني لدعوة النبي‪ .‬ابن نوح كان من الرافضني للدعوة ‌‪ ،‬فلم يركب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحرص الوالد عىل‬ ‫معهم‪ .‬وطلب نوح من ابنه أن يركب معهم انطال ًقا من عاطفة ّ‬
‫األبوه‪‌،‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ابنه‪ .‬لكن الولد أبى وقال‪َ ( :‬س ِآوی ِإلى َج َب ٍل َی ْع ِص ُم ِنی ِم َن ال َماء)‪ 1‬وبدافع من عاطفة ّ‬
‫األبوة قال‬
‫َ َ َ ُ ُ َّ‬
‫وح ِإن ُه‬ ‫َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫نوح (ر ِّب ِإن ْاب ِنی ِم ْن أه ِلی) ويأيت جواب ّ‬
‫رب العاملني ليقرر مبدأ إهل ًيا عا ًما‪( :‬قال یا ن‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ْی َس ِم ْن أ ْه ِل َك ِإن ُه َع َم ٌل غ ْی ُر َص ِال ٍح)‪.2‬‬
‫يقرره هذا املقطع من اآلية‪« :‬إنه ليس‬
‫قصة نوح هلا دالالت كبرية‪ ،‬لكني أشري إىل مبدأ هام ّ‬
‫من أهلك»‪ .‬االرتباط الرسايل بني األفراد هو األصل‪ُ .‬ر ّب شقيقني واحد يف جبهة اإليامن‬

‫‪1‬ـ هود‪43 /‬‬


‫‪2‬ـ هود‪46 - 45 /‬‬
‫اآلثار النفسية للتوحيد ‪153n‬‬

‫ورب والد وولد يقفان يف جبهتني‬


‫وآخر يف جبهة الكفر‪ ،‬فإهنام ال ينتميان إىل أرسة واحدة‪ّ ،‬‬
‫مضادتني‪ ،‬فإهنام ليسا من أرسة واحدة‪ ،‬وليس بينهام قرابة‪.‬‬
‫القرابة يف النسب هي يف نظر القرآن تأيت متأخرة عن القرابة اإليامنية‪ ..‬هذا مبدأ إسالمي‪.‬‬
‫أخوة‬
‫ويف املأثور نرى تأكيدً ا عىل هذا املفهوم‪« :‬املؤمن أخو املؤمن ألبيه وأ ّمه»‪ 1‬بني املؤمنني ّ‬
‫ولو كان بينها ُبعدَ املرشق واملغرب‪ ،‬ألهنام يف جبهة إيامنية واحدة‪.‬‬
‫نعود إىل اآلية الكريمة‪:‬‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫اخش ْو ُه ْم) هؤالء املن ّعمون باألجر العظيم‬ ‫الن َاس ق ْد َج َم ُعوا لكم ف‬
‫الن ُاس إ ّن ّ‬
‫ِ‬
‫(الذ َین قال ل ُه ُم ّ‬
‫ِ‬
‫يواجهون مج ًعا من الناس احلريصني عىل مصلحة أولئك املن ّعمني فيقولون هلم‪ :‬إن الناس‬
‫قد اجتمعوا ليتآمروا عليكم‪ ،‬فاخشوهم‪ .‬لكن هؤالء بدل أن يتزعزعوا ويرتاجعوا عن‬
‫َ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مواقفهم يزداد إيامهنم‪( :‬ف َز َاد ُه ْم إ َیمانا َو قالوا َح ْس ُب َنا ُ‬
‫اهلل َو ِن ْع َم َ‬
‫الو ِك ُ‬
‫یل) إهنا لفتة عظيمة من‬ ‫ِ‬
‫القرآن أن يرى التآمر عىل املؤمنني يزيدهم إيامنًا‪ ،‬وأن يقولوا يف هذه املواقف التي يتكالب‬
‫الو ِك ُ‬
‫یل)‪.‬‬ ‫فيها األعداء‪َ ( :‬ح ْس ُب َنا ُ‬
‫اهلل َو ِن ْع َم َ‬

‫يوجه قوى‬
‫يكفينا اهلل سبحانه‪‌ ..‬يكفينا بأن يمدّ نا بام يساعدنا عىل املواجهة‪ ،‬يكفينا أن ّ‬
‫الطبيعة ملسايرتنا ألننا عىل حق‪ ،‬يكفينا أن نكسب رضاه سبحانه ولو مل نحقق ما نريده يف‬
‫الو ِك ُ‬
‫یل)‪.‬‬ ‫هذه الدنيا‪ ..‬كل هذه املعاين صحيحة من قوهلم‪َ ( :‬ح ْس ُب َنا ُ‬
‫اهلل َو ِن ْع َم َ‬
‫َ‬
‫َ ُ ُ َ‬
‫اهلل ذو ف ْض ٍل َع ِظ ٍیم) هؤالء‬ ‫اهلل و‬
‫ضوان ِ‬ ‫اهلل َو َف ْضل ّل ْم َی ْم َس ْس ُه ْم ُس ٌ‬
‫وء َو َّات َب ُعوا ر َ َ‬ ‫َ ََ‬
‫(فانقل ُبوا ِب ِن ْع َمةٍ ِّم َن ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫عادوا بنعمة من اهلل وفضل منه سبحانه‪ ،‬سواء عادوا بالنرص ساملني أو جرحى‪ ،‬أو عادوا‬
‫وهم حيملون وسام الشهادة‪ ،‬يف كل هذه األحوال هم مشمولون بنعمة من اهلل وفضل‪ ،‬إنه‬
‫الفضل الذي ال تشوبه شائبة سوء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َّ َ ُ‬
‫( ِإن َما ذ ِلك ُم الش ْی َط ُان ُی َخ ّ ِوف أ ْو ِل َی َاء ُه) هؤالء الذين يثريون اخلوف يف صفوف املؤمنني‬
‫خيوف أتباعه وأولياءه بمؤامرات املنافقني وكيد الكافرين‬
‫ليسوا سوى شياطني‪ .‬الشيطان ّ‬
‫ودسائس املعاندين‪ .‬وال يتأثر هبذا التخويف سوى من ينصاع لنداء الشيطان‪ ،‬وإذا كان‬

‫‪1‬ـ الكايف‪ ،‬كتاب اإليامن والكفر‪ ،‬باب أخوة املؤمنني‪ ،‬ح ‪.2‬‬
‫‪ n154‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َین)‬ ‫اهلل مع اجلامعة َف َم ْن عليهم؟! (فلا تخافوه ْم َوخاف ِ‬
‫ون ِإن‬
‫اهلل ش ْی ًئا)‪ 1‬ال حتزن يا رسول اهلل عىل‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ ْ َّ َ‬ ‫نك َّالذ َین ُی َسار ُع َ‬
‫ون فِی الكف ِر ِإن ُه ْم لن َی ُض ّر وا‬ ‫( َو َلا َی ْح ُز َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء الذين يتسابقون يف االلتحاق بجبهة الكفر‪ ،‬فهؤالء ال يرضون اهلل بل يرضون أنفسهم‬
‫َ‬ ‫ُ ُ ُ َ َّ‬
‫اهلل ألا َی ْج َع َل ل ُه ْم‬ ‫يف تركهم حلظهم يف اآلخرة ويف ما يلحق هبم من عذاب أخروي (ی ِرید‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ًّ‬
‫الآخ َرةِ َول ُه ْم َعذ ٌاب َع ِظ ٌیم) املؤمنون ال خيافون إرجاف املرجفني‪ ،‬وال حيزنون ملشاهدة‬
‫َحظا فِی ِ‬
‫إرساع املرسعني نحو جبهة الكفر‪ .‬بل يقفون ثابتني مستبرشين بنرص اهلل ورضاه‪.‬‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫واحلمد هلل ّ‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪176 /‬‬


‫القسم الثالث‬
‫النبوة‬
‫اجللسة الرابعة عشرة‬
‫حكمة النبوة‬
‫األربعاء ‪ 15‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/10‬هجرية مشسية‬
‫ُ َ‬ ‫ً‬
‫ین َر ُسولا ِّم ْن ُه ْم َی ْتلو َعل ْی ِه ْم َآی ِاتهِ‬‫( ُه َو َّال ِذی َب َع َث فی ْال ُأ ِّم ّی َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫كیه ْم َو ُی َع ِ ّل ُمه ُم ال ِكت َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََُ ّ‬
‫اب َوال ِحك َمة َو ِإن كانوا ِمن‬ ‫ویز ِ ِ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫َق ْب ُل َلفی َض َلال ُّمبین ‪َ #‬و َآخر َ‬
‫ین ِم ْن ُه ْم ل َّما َیل َحقوا ِب ِه ْم َو ُه َو‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫(اجلمعة ‪)3-2‬‬ ‫ْال َعز ُیز ال َح ِك ُ‬
‫یم)‬
‫ْ‬
‫ِ‬

‫النبوة كام تعرفون أصل من أصول الدين‪ ،‬وال معنى للدين دون االعتقاد بالنبوة‪ .‬فالدين‬
‫ذلك املنهج اإلهلي الذي وصلنا عن طريق رسول رب العاملني‪ .‬قوام الدين إذن بالنبوة‪.‬‬
‫يف حقل النبوة هناك موضوعات رائجة متداولة مطروحة يف أي كتاب تقرأونه عن النبوة‪.‬‬
‫وإننا يف جلستنا هذه نتناول موضو ًعا واحدً ا من النبوة تضمنته اآليات التي تليت يف بداية‬
‫اجللسة‪ .‬طب ًعا املسائل املذكورة يف الكتب التي تناولت موضوع النبوة صحيحة‪ ،‬لكن هذا‬
‫ال يعني أين سأتقيد بطرح نفس تلك املسائل يف ظروفنا الزمانية التي هلا مقتضياهتا اخلاصة‪.‬‬
‫عم هو أكثر فورية‪،‬‬
‫عم هي ألزم‪ ،‬ويف املسائل الالزمة ّ‬
‫البد أن نبحث يف املسائل الصحيحة ّ‬
‫عم هو أكثر حياتية‪.‬‬
‫ويف املسائل الفورية ّ‬
‫نعم‪ ،‬هناك موضوعات مطروحة بشأن النبوة ال أرى هلا أولوية مثل‪ :‬ما مقدار ما يمتلكه‬
‫النبي من العلوم اإلهلية والعلوم اإلنسانية‪ ،‬أو مسألة أمية النبي هل كان ال يعرف القراءة‬
‫اب‬ ‫نت َت ْت ُلو من َق ْبلهِ من َ‬
‫َ َ ُ َ‬
‫والكتابة‪ ،‬أو إنه كان يعرفهام ولكن مل يكن يامرسهام‪( :‬و ما ك‬
‫كت ٍ‬‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ْال ُم ْبط ُل َ‬ ‫َ‬
‫ون)‪ ،1‬ومثل ما يدور من حديث حول دين النبي قبل‬ ‫ِ‬ ‫َو َلا َت ُخ ُّط ُه ب َی ِم ِین َك إ ًذا ّل ْار َت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪1‬ـ العنكبوت‪48 /‬‬
‫‪ n160‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫أيضا‪ ،‬ولكن ترى ما مقدار رضورهتا لنا يف‬


‫اإلسالم‪ ..‬هذه موضوعات ترتبط بالنبوة ً‬
‫عرصنا الراهن؟! طب ًعا حني نفهم املسائل األساسية الرضورية الفورية يف النبوة ال مانع أن‬
‫أيضا‪ .‬ولكن ونحن بعيدون عن معنى النبوة والبعثة واهلدف من البعثة‬
‫نتناول تلك املسائل ً‬
‫فام الداعي إىل طرح تلك املوضوعات؟!‬
‫لو كان املسلمون يفهمون هدف البعثة النبوية َل َسعوا نحو ذلك اهلدف‪ .‬نحن مل ندرك‬
‫املسائل األولية األصولية التمهيدية يف النبوة فلامذا نعكف عىل تناول املسائل الفرعية من‬
‫الدرجة الرابعة واخلامسة؟!‬
‫لذلك نحن يف تناولنا ملسألة النبوة ال نتطرق إىل تلك املوضوعات التي يعاجلها املتكلمون يف‬
‫أيضا يف أن رضورهتا‬
‫كتبهم‪ .‬وإن شئتم طالعوها‪ ،‬وأنا ال أشك يف جدواها ولكن ال أشك ً‬
‫أقل بكثري من رضورة كثري من املسائل التي جيب طرحها يف عرصنا الراهن‪ .‬أول موضوع‬
‫نتناوله يف موضوع النبوة هو «حكمة النبوة» ملاذا األنبياء؟ أال تكفي ما عند البرش من‬
‫معارف عقلية وعلمية؟ البدّ أن نعرف ذلك‪ ،‬واآليات التي نتناوهلا يف هذه اجللسة ترتبط‬
‫باإلجابة عن هذا السؤال‪.‬‬
‫أجيب بكلمة واحدة هي‪ :‬إن حواس اإلنسان وغرائزه وعقله غري كافية لقيادة اإلنسان‬
‫وهدايته‪ .‬جمموعة من املوجودات تدير أمورها بحواسها الظاهرية وجمموعة أخرى‬
‫مثل يمتص رحيق األزهار ويعمل خالياه املسدسة‪ ،‬ويف بيوت النحل‬ ‫بغرائزها‪ .‬النحل ً‬
‫نظام دقيق‪َ ..‬م ِلكة وحرس‪ .‬واضح أن كل ذلك يفعله النحل بغريزته‪ ،‬أي مل يعقد جلسة‬
‫مباحثات لدراسة نوع اخللية األفضل أهي سداسية أم رباعية‪ ،‬ثم جيري القرار عىل األفضل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫هو السداسية! كل ما يف األمر أن النحل ملهم يف غريزته أن يفعل كل ذلك‪َ ( :‬وأ ْو َحى َر ّب َك‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َّ ْ َ َّ‬
‫ات‬‫ال ُب ُیوتا َو ِم َن الش َج ِر َو ِم ّما َی ْع ِرشون ‪ #‬ث ّم ك ِلی ِمن ك ِ ّل الث َم َر ِ‬
‫ِإلى النح ِل أ ِن ات ِخ ِذی ِمن ال ِج َب ِ‬
‫َ ُ‬
‫ف ْاسل ِكی ُس ُب َل َر ِّب ِك)‪ 1‬الغريزة كافية للنحل‪.‬‬
‫موريس مرتلنغ‪ 2‬قىض سنني من عمره لدراسة بيوت النحل وبيوت األرضة هذه احلرشة‬

‫‪1‬ـ النحل‪69 - 68 /‬‬


‫‪2‬ـ موريس مرتلنغ (‪ ‌،)1949 -1862‬شاعر وفيلسوف بلجيكي‪ .‬حاز عىل جائزة نوبل يف اآلداب‪ .‬له مقاالت يف حياة النحل‪،‬‬
‫حكمة النبوة ‪161n‬‬

‫املتطفلة الغاصبة‪ ،‬فاكتشف عجائبها‪ ،‬وهي عىل هذا النحو تعمل من آالف السنني ويف كل‬
‫مكان دونام تغيري والدافع يف هذا هو الغريزة ال غري‪.‬‬
‫توجه حركته ولكن تأثريها قليل‪ .‬حني يولد الطفل يرضع من ثدي أمه‬
‫واإلنسان له غرائز ّ‬
‫وحيل حم ّلها‬
‫يقل دور الغريزة ّ‬
‫شب الطفل وكرب ّ‬
‫بغريزته وتصدر عنه األعامل بغريزته‪ ،‬وكلام ّ‬
‫العقل‪‌،‬وكلام نضج أكثر يتحرك وفق ما تع ّلمه من فكره ِ‬
‫وعلمه‪.‬‬
‫ولكن ‌‪ ،‬هل هذا العقل ٍ‬
‫كاف هلداية اإلنسان وحتقيق سعادته؟لو احتكمنا يف هذا األمر إىل‬
‫تعصب ــ سيقيض هو بعدم صالحيته‪.‬‬
‫العقل نفسه‪ ،‬فإنه ــ إن حتدث بموضوعية ودون ّ‬
‫سيقول‪ :‬ليست يل صالحية هداية اإلنسان بصورة مستقلة‪ .‬ملاذا؟ لسببني‪.‬‬
‫األول‪ :‬أن عقل البرش حمدود وليس ال هنائ ًيا‪ ،‬بينام احتياجات اإلنسان غري حمدودة‪ .‬عقل‬
‫اإلنسان أضعف من أن حييط بآالم اإلنسان وآماله كي يضع املرشوع الالزم هلا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ما تثبته احلقائق التارخيية والعلمية‪ .‬هل استطاعت العقول أن حتقق ما تصبو إليه‬
‫البرشية؟ هل استطاعت عقول أمثال أرسطو وأفالطون وسقراط من إدارة البرش؟ لو‬
‫نظرتم إىل ما رسمه أفالطون يف كتابه «اجلمهورية» من مدينة فاضلة لوجدتم أهنا اليوم غري‬
‫مقبولة وغري عملية‪ .‬انظر وا املواجهات املوجودة بني املدارس العقلية والفلسفية‪.‬‬
‫مادامت اإلنسانية غري متصلة بمبدأ أسمى وأعمق من دائرة اإلنسان فال تستطيع أن تبلغ‬
‫احلس وهداية الغريزة‬
‫طريق اهلداية والسعادة‪ .‬حيتاج اإلنسان إىل قوة هادية أقوى من هداية ّ‬
‫وهداية العقل‪.‬‬
‫هل هذه القوة تدخل يف مناقشة مع العقل؟ هل تلغي العقل؟ أبدً ا فهي توجهه وهتديه كي‬
‫ينمو‪‌،‬ولتستخرج العقل مما ران عليه من أنقاض‪.‬‬
‫أمري املؤمنني عيل (عليه السالم)‪ ،‬مع ّلم البرشية‪ ،‬يقول حول بعثة األنبياء‪« :‬ويثريوا هلم‬
‫دفائن العقول»‪ .1‬هذه العقول التي تراكمت عليها أنقاض خملفات أمثال فرعون ونمرود‬
‫وأقطاب االستكبار يأيت األنبياء لينفضوا عنها هذا الركام‪ .‬أولئك الطغاة ال يريدون أن‬

‫وحياة األرضة‪ ،‬وحياة النمل‪.‬‬


‫‪1‬ـ هنج البالغة‪‌،‬رشح صبحي الصالح‪ ،‬اخلطبة رقم ‪.1‬‬
‫‪ n162‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫يستخدم الناس عقوهلم‪ ،‬إذ لو فعلوا ذلك يبطل وجودهم‪ ،‬وسنقف عند هذه املسألة يف‬
‫جلسات قادمة إن شاء اهلل‪.‬‬
‫فاألنبياء (عليهم السالم) ال يأتون ملحاربة العقل بقوة الوحي‪ ،‬بل يثريون ما يف عقول‬
‫الناس مما أودعها اهلل فيها من كنوز‪.‬‬
‫أولئك الذين خيالون أن الدين يتعارض مع العقل‪ ،‬إما أن يكونوا جاهلني بالدين‪ ،‬أو ال‬
‫يكون هلم حظ من العقل‪َ .‬من مارس العقل وعرف الدين يعلم جيدً ا أن العقل ال يمكن أن‬
‫يصطدم بالدين ‌‪ .‬هناك من اجلاهلني من يدّ عي ــ دفا ًعا عن الدين ــ أنه ال يمكن البحث‬
‫عن حكمة الدين وعن فلسفة الدين‪ ،‬ظانني أن ذلك يقلل من قدر الدين‪‌ .‬ليس األمر‬
‫كذلك‪ .‬حني ُيعرض الدين الصحيح مقابل العقل الكامل‪ ،‬فليس ثمة تعارض واصطدام‪.‬‬
‫العقول الكبرية للبرشية تدرك اليوم توحيد الدين‪ ،‬ونبوة الدين‪ ،‬وصالة الدين‪‌ ،‬وصوم‬
‫الدين‪ ،‬وزكاة الدين‪ ،‬واألحكام الفرعية للدين‪ .‬البرشية بعقلها وجتربتها تدرك اليوم أرضار‬
‫اخلمرة‪ ،‬وتعرف ما تنزله من كوارث باجلسم واألعصاب وباملجتمع‪ .‬وهنا يقف الدين‬
‫َ َ‬ ‫َّ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ‬
‫اب َو الأ ْزلا ُم ِر ْج ٌس ِّم ْن َع َم ِل‬ ‫الأ َ‬
‫نص ُ‬ ‫بقوة أنه قرر حرمة اخلمر‪ِ ( :‬إنما الخمر و المی ِسر و‬
‫ليعلن ّ‬
‫َّ‬
‫الش ْی َطان َف ْ َ‬
‫يروجون هلذا الرجس‪ ،‬وهم الذين يستفيدون‬ ‫اجت ِن ُب ُوه)‪1‬وأن الشياطني هم الذين ّ‬ ‫ِ‬
‫من إشاعة اخلمرة‪.‬‬
‫وما روي عن اإلمام عيل بن احلسني السجاد(ع) قوله‪« :‬دين اهلل ال يصاب بالعقول»‪2‬إنام‬
‫نص‪ .‬أوقات الصالة‬ ‫هو ّ‬
‫أن عدد ركعات الصالة ال يمكن أن تعرفها بعقلك‪ ،‬بل البد من ّ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫وك الش ْم ِس ِإلــى غ َس ِق الل ْی ِل َو قـ ْـر َآن الف ْج ِر ِإ ّن‬ ‫ل‬
‫ِ ِ‬‫د‬ ‫ل‬ ‫اة‬ ‫ل‬‫الص‬ ‫م‬‫ال نعرفها إال من قوله تعاىل‪ِ ِ ( :‬‬
‫ق‬‫أ‬
‫َْ‬ ‫ُ‬
‫ق ْر َآن الف ْج ِر)‪ .3‬ال يعني ظاهر كالم اإلمام السجاد عدم إمكان فهم معارف الدين بالعقل‬
‫اإلنساين‪ .‬طب ًعا البدّ من اإلذعان أن معارف اإلسالم أكرب بكثري مما نفهمه اليوم‪ .‬لكن هذا‬
‫مر السنني‪ ،‬وتصبح البرشية باستمرار أعمق يف فهم الدين‪.‬‬
‫الفهم ينمو عىل ّ‬

‫‪1‬ـ املائدة‪90 /‬‬


‫‪2‬ـ إكامل الدين وإمتام النعمة‪ ،‬باب ما أخرب به زين العابدين‪ ،‬ح ‪9‬‬
‫‪3‬ـ اإلرساء‪78 /‬‬
‫حكمة النبوة ‪163n‬‬

‫ً‬
‫وناسخا له‪ ،‬بل هلداية العقل وإعانته‪ ،‬حني يكون‬ ‫الدين إذن مل يأت ليكون ً‬
‫بديل عن العقل‪،‬‬
‫إىل جانب العقل األهواء واألطامع واملخاوف واألغراض الشخصية فالعقل ال يستطيع أن‬
‫قادرا عىل الرؤية الصحيحة‪.‬‬
‫يؤدي دوره‪ .‬والدين يأيت ليجعل العقل ً‬
‫ون) واإلشادة‬ ‫ون) ( َأ َف َلا َت َت َف َّك ُر َ‬
‫احلث عىل التعقل والتفكري كثري يف القرآن الكريم‪َ ( :‬أ َف َلا َتعق ُل َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫بأرباب العقول كثرية أيضا‪( :‬إ َّن فی َخلق َّ‬
‫ات َو الأر ِض َو اخ ِتلا ِف الل ْی ِل َو الن َه ِار ل َآی ٍ‬
‫ات‬ ‫الس َم َاو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ً‬
‫حجتني»‪ 2‬أي النبي والعقل‪.‬‬ ‫اب)‪ 1‬الروايات مستفيضة بعبارة‪« :‬إن هلل عىل الناس ّ‬ ‫َْ‬ ‫ّ ُْ‬
‫ِلأو ِلی الألب ِ‬
‫فاإلنسان بدون وحي ال يستطيع أن حيقق ما يصبو إليه من سعادة‪ .‬الوحي يعمل عىل تقوية‬
‫العقل والفكر‪ ..‬يزكيهام‪ّ ..‬‬
‫هيذهبام‪ ..‬يعاضدمها‪ .‬هذه هي وظيفة الوحي‪ ..‬وهذه هي احلكمة‬
‫من النبوة‪ .‬هذا هو عطاء يد الغيب‪ ،‬ال كام خيال املتقاعسون الذين يكلون ما جيب أن يقوم‬
‫به الناس إىل الغيب‪ ..‬يكلون إىل الغيب مسؤولية إصالح األوضاع االقتصادية وإزالة الفقر‬
‫من املجتمع‪ ،‬وينسبون إىل الغيب ما يرونه من تر ّدي األوضاع االقتصادية‪ ،‬بينام كان من‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ین ‪َ #‬و ل ْم ن ُك ن ْط ِع ُم ال ِم ْس ِك َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫املفروض أن ينسبوها إىل الذين (قالوا ل ْم ن ُك ِم َن ال ُم َص ِل َ‬
‫ین)‪.3‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َّ‬
‫ین)‪.4‬‬ ‫یم ‪َ #‬و لا َی ُح ّض َعلى َط َع ِ ْ‬
‫وإىل (ال ِذی َی ُد ّع ال َی ِت َ‬
‫ام ال ِمس ِك ِ‬
‫يف اجللسات القادمة سنتناول ــ بإذن اهلل ــ أبعا ًدا أخرى للنبوة‪ .‬ونقف هنا عند اآليات‬
‫الكريامت التي تُليت يف بداية اجللسة‪ .‬وهي حتتاج إىل وقوف طويل‪ ،‬لكننا نكتفي بام‬
‫يساعدنا الوقت‪.‬‬
‫نتناول هنا اآليات التي تُليت يف البداية‪ .‬وهي آيات حتتاج إىل مزيد من التوسع وأنا سأقارهبا‬
‫بمقدار ما يتضح معناها‪.‬‬
‫َ ً ‪5‬‬ ‫َ ّ ُ َّ َ‬ ‫ُ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كثريا‪ .‬هل كانت أمة واحدة صاحلة‪ ،‬أم‬
‫(كان الناس أمــة و ِاح ــدة) قيل يف األمة الواحدة ً‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪190 /‬‬


‫‪2‬ـ عن اإلمام الكاظم ‪« :‬إن هلل عىل الناس ُحجتني حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل واألنبياء واألئمة وأما‬
‫(ع)‬

‫الباطنة فالعقول» (الكايف‪ ،‬كتاب العقل واجلهل ‌‪ ،‬ح ‪)12‬‬


‫‪3‬ـ املدثر‪44 - 43 /‬‬
‫‪4‬ـ ماعون‪3 - 2 /‬‬
‫‪5‬ـ البقرة‪213 /‬‬
‫‪ n164‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫طاحلة؟ أهي ما يزعمه بعضهم أن فيها إشارة إىل احلياة االشرتاكية يف بداية البرشية؟ أهي‬
‫تعني البرشية يف انبثاقها األول حني كانت تعيش ــ كام يقال ــ يف العرص احلجري؟ ال‬
‫توجد قرائن وشواهد عىل هذه اآلراء‪ ،‬ونحن نتمسك بام نفهمه من القرآن‪ ،‬وال حاجة لنا‬
‫أن نلصق بالقرآن نظريات اآلخرين‪.‬‬
‫هذا املقطع من اآلية َذكَر له املفرسون ـــ كام قلت ــ آراء خمتلفة‪ .‬وأرى ــ واهلل أعلم‪ ‬ــ‬
‫أن اآلية تقرر أن البرشية كانت متساوية يف احتياجاهتا وكفاءاهتا‪ .‬كل واحد من أفرادها‬
‫وفكرا وذكاء وحواس ظاهرة وحواس باطنة‪ .‬وكل واحد من البرش يشعر‬
‫ً‬ ‫يمتلك ً‬
‫عقل‬
‫وحيس بالعطش وله غرائز جنسية‪ ،‬وحيتاج إىل مسكن وملبس‪ .‬كانوا يف كفاءاهتم‬
‫ّ‬ ‫باجلوع‬
‫واحتياجاهتم متساوين كام ذكرت‪ ،‬غري أن أحدهم تتوفر له فرصة بروز هذه الكفاءات‬
‫واملواهب فيتطور وتتحسن مكانته‪ ،‬وآخر مل تتوفر له تلك فتظل مواهبه مطمورة‪.‬‬
‫ُ ّ‬
‫النب ّی َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ین) اختار من بني البرش من هم أسمى وأعمق وأقوى‪ ،‬فأرسلهم ليكونوا‪:‬‬ ‫(فبعث اهلل ِ ِ‬
‫نذر َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َُ‬ ‫ّ‬
‫ین) يبرشون بسعادة اإلنسان يف اآلخرة حيث اجلنة ورضوان اهلل‪ ،‬وبسعادته‬ ‫(مب ِش ِرین و م ِ ِ‬
‫يف هذه احلياة الدنيا‪ .‬يبرشونه باملدينة الفاضلة حيث األمن والرفاه وزوال الفقر واليأس‬
‫واخلوف واجلهل‪ .‬وينذرون الناس من نار جهنم ومن احلساب والعقاب يف اآلخرة‪ ،‬كام‬
‫ينذروهنم من شقاء الدنيا ومن سيطرة عفريت اجلهل والفقر والسقوط يف مستنقع الفساد‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫اب ِبال َح ّق) ال يقترص األمر يف النبوه عىل التبشري واإلنذار‪ ،‬بل أنزل معهم‬
‫( َوأ َنزل َم َع ُه ُم ال ِك َت َ‬

‫الكتاب باحلق‪ .‬واحلق باختصار هو ما طابق الفطرة‪ ،‬وما الئم سنن الكون الطبيعية‪ .‬ما‬
‫يساعد اإلنسان ليسري وفق فطرته ويف اجتاه تكامله‪.‬‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الن ِاس ِف َیما ْاخ َتلفوا ِفیهِ ) ليقيض بني الناس فيام طرأ عليهم من اختالف‪.‬‬
‫(ل َی ْحك َم َب ْی َن ّ‬
‫ِ‬
‫واالختالف سنة طبيعية بني البرش‪ .‬فالنبي حيكم بني الناس وفق الكتاب‪ ..‬أي وفق‬
‫القانون‪ .‬ليس حكم األنبياء إذن فرد ًيا استبداد ًيا‪ ،‬بل هو حكم القانون‪ .‬فاحلاكم هو‬
‫الكتاب أي القانون‪.‬‬
‫( َو َما ْاخ َت َل َف ف إ َّلا َّالذ َین ُأ ُوت ُوه من َب ْعد َما َج َاء ْت ُه ُم ْال َب ّی َن ُ‬
‫ات َب ْغ ًیا َب ْی َن ُه ْم) فالذين اختلفوا فيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ یهِ ِ ِ‬
‫هم َم ْن أوتو الكتاب‪ .‬واختالفهم هو أن منهم من التزم بالواقع واحلقيقة ومنهم من خالف‬
‫حكمة النبوة ‪165n‬‬

‫ذلك‪ ،‬وهذه إشارة إىل وقوع االختالف يف األديان السابقة‪ ،‬وكان ذلك بسبب ماوقع بينهم‬
‫من عداء وطغيان‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اهلل الذ َین َآم ُنوا ل َما ْاخ َتل ُفوا فیهِ م َن ال َح ّق بإ ْذنهِ َو ُ‬
‫( َف َه َدى ُ‬
‫اهلل َی ْه ِدی َمن َی َش ُاء ِإلى ِص َر ٍاط ُّم ْس َت ِق ٍیم)‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واهلل سبحانه هدى الذين آمنوا بالدين احلق‪ ،‬واهلل سبحانه هو اهلادي إىل الرصاط السوي‬
‫املستقيم‪.‬‬
‫مرارا‪،‬‬
‫املجموعة األخرى من اآليات هي من سورة اجلمعة ‪ ،‬وقد سمعتم مني تفسريها ً‬
‫‪1‬‬

‫وفيها دالالت عىل حكمة إرسال األنبياء (عليهم السالم)‪.‬‬


‫ْ‬
‫وس ال َع ِز ِیز‬
‫ْ ُ ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫الرحيم ‪ُ #‬ی َس ّب ُح هلِل َما فی َّ‬ ‫َ‬ ‫اهلل َّ ْ َ‬
‫ات َو َما فِی الأر ِض ال َم ِل ِك القد ِ‬ ‫الس َم َاو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرحم ِـن ّ ِ ِ‬ ‫( ِب ْس ِم ِ‬
‫كیه ْم َو ُی َع ِ ّل ُم ُه ُم ْال ِك َت َ‬‫ْ ُّّ َ َ ُ ً ُّْ ْ َُْ ََْ ْ َ َ َُ ّ‬ ‫ُ َ َّ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫اب‬ ‫یم ‪ #‬هو ال ِذی بعث فِی الأ ِم ِیین رسولا ِمنهم یتلو علی ِهم آی ِاتهِ و یز ِ ِ‬ ‫الح ِك ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ك ُانوا ِمن َق ْب ُل َلفی َضـ َـلال ُّمبین ‪َ #‬و َآخر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫ین ِم ْن ُه ْم ل َّما َیل َحقوا ِب ِه ْم َو ُه َو ال َع ِز ُیز‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َو ال ِحك َمة َو ِإن‬
‫ْ‬ ‫َ ََ ُ َ ُ ُ َْ‬ ‫ْ َ ُ َ َ َ ْ‬
‫اهلل ذو الف ْض ِل ال َع ِظ ِیم)‪.‬‬ ‫اهلل ُی ْؤ ِتیهِ من یشاء و‬
‫یم ‪ #‬ذ ِلك فض ُل ِ‬ ‫الح ِك‬
‫إذن‪:‬‬
‫ـ يتلو عليهم آياته‪.‬‬
‫ـ ويزكيهم‪.‬‬
‫ـ ويع ّلمهم الكتاب واحلكمة‪.‬‬
‫هذا بإمجال حكمة إرسال األنبياء‪ .‬وهو أصل من أصول مجيع األديان‪ ،‬وبدونه ال يكون‬
‫للدين معنى ‌‪ .‬فالدين يوحي به اهلل إىل نبيه والنبي هو الذي يب ّلغ الرسالة ليثري دفائن العقول‬
‫مر‪.‬‬
‫كام ّ‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪1‬ـ اآليات ‪4 - 1‬‬


‫اجللسة اخلامسة عشرة‬
‫البعثة يف النبوة‬
‫اخلميس ‪ 16‬رمضان املبارك ‪ 1353‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/11‬هجرية مشسية‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫إنسان ِم ْن َعل ٍق ‪ #‬اق َرأ‬ ‫( ْاق َرأ ب ْ‬
‫اس ِم َر ِّب َك ال ِذی خل َق ‪ #‬خل َق ال‬ ‫ِ‬
‫َ َ َْ‬ ‫َ َّ َ ْ‬ ‫َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ُ َّ َ َّ َ ْ َ َ‬
‫و ربك الأكرم ‪ #‬ال ِذی علم ِبالقل ِم ‪ #‬علم الإنسان ما لم‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َّ َ ْ‬ ‫َ‬
‫إنسان ل َی ْطغى ‪ #‬أن ّر ُآه ْاس َتغنى ‪ِ #‬إ ّن ِإلى‬ ‫َی ْعل ْم ‪ #‬كلا ِإ ّن ال‬
‫(العلق‪)8-1 /‬‬ ‫َر ِّب َك ُّالر ْج َعى)‬

‫موضوع حديثنا اليوم يدور حول التحول الذي حيدث يف داخل النبي ويف العامل حينام تُلقى‬
‫الرسالة عىل الرسول‪.‬‬
‫ََ‬
‫تعلمون أن القرآن الكريم حني يتحدث عن إرسال النبي يذكر ذلك بتعبري البعثة‪َ ( :‬ولق ْد‬
‫ُ ُ َ ً‬ ‫ْ‬
‫ك ِ ّل أ َّمةٍ ّر ُسولا)‪ 1‬ما معنى البعثة وما عالقتها بالنبوة؟‬ ‫َب َعث َنا فِی‬
‫البعثة بمعنى القيام‪ ،‬وما معنى القيام؟ إنه التحرك بعد االرختاء والركود‪ .‬هنوض األموات‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫من قبورهم هو البعث‪( :‬هذا َی ْو ُم ال َب ْع ِث)‪ 2‬يوم القيامة‪ّ .‬‬
‫رب إنسان خامل فاقد للحركة قابع‬
‫يف بيته‪ ،‬حيركه املجتمع يمنة ويرسة‪ ،‬مثل خشبة تطفو عىل املاء‪ ،‬حيركها التيار حيث شاء‪.‬‬
‫مثل هذا اإلنسان حني يعود إىل نفسه‪ ،‬ويرى أن هذه احلالة ال يمكن االطمئنان إليها وال‬
‫تُريض قناعته‪ ،‬ثم يبحث عن حالة أخرى حتقق سعادته فإنه بذلك يستيقظ ويتحرك‪ .‬مثل‬
‫هذا اإلنسان قد ُبعث من جديد‪ .‬ويف النبوة توجد مثل هذه احلالة‪.‬‬

‫‪1‬ـ النحل‪.36 /‬‬


‫‪2‬ـ الروم‪.56 /‬‬
‫‪ n170‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫تصور أن النبي يأيت إىل جمتمع َف َيع ُظه‪ ،‬ويقدّ م‬


‫أريد أن أعطيكم صورة جديدة عن النبوة‪ .‬ر ّبام ُي ّ‬
‫له بعض تعاليم الدين‪ ،‬دون أن يكون له شأن آخر‪ ،‬ثم يؤمن به َمن يؤمن ويكفر به َمن يكفر‪.‬‬
‫يتغي‪ ،‬خيرج من‬
‫حتول يف داخل شخص النبي‪ّ .‬‬
‫حتول وثورة‪ّ .1‬‬
‫ليس األمر كذلك‪ .‬يف النبوة ّ‬
‫حالة الركود‪ ،‬تتفجر يف وجوده كل ما أودعه اهلل عنده من كفاءات وطاقات‪ ،‬ثم يفيض‬
‫ما حدث يف وجوده عىل املجتمع مثل نبع متدفق ف ّياض‪ .‬فيحدث عىل أثر هذا االنقالب‬
‫يف شخصية النبي انقالب يف املجتمع‪ ،‬وتتحقق البعثة‪ .‬فالنبوة إذن بعث وانبعاث وحتول‬
‫وحركة وثورة‪ .‬ثمة مالحظات يف هذا الباب أقف عندها‪.‬‬
‫األوىل‪ :‬أن النبي قبل البعثة يمتلك أكثر من بقية الناس أرضية لعبودية اهلل‪ ،‬واستعدا ًدا لطاعة‬
‫اهلل والتخ ّلق بأخالق اهلل مما ال يمكن أن يتصوره غريه من الناس‪ .‬يمتلك كل ما يمكن أن‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫ينتشل اإلنسان من حضيض الطني ليبلغ به قرب ّ‬
‫وملاذا كان أكثر من غريه يف هذه املؤهالت؟ باختصار ألنه سيتلقى مسؤولية ثقيلة‪ ،‬مسؤولية‬
‫حتمل األعباء‪ ..‬أعباء نقل املجتمع من جمتمع جاهيل إىل جمتمع‬
‫النبوة حتتاج إىل قدرة يف ّ‬
‫توحيدي‪ .‬وإذ يرى اهلل سبحانه ما ّ‬
‫يتحل به هذا اإلنسان من إمكانات فإنه سبحانه يفيض‬
‫عليه من لطفه وهييئ له وسائل رشده‪‌.‬هذه املسؤولية ال يستطيع أن ينهض هبا أمثال غاندي‬
‫ولومومبا‪ ،‬ال يقدر عليها أمثال سقراط وأرسطو وأفالطون‪ ،‬حتتاج إىل قوة تفوق غريها من‬
‫القوى لتحمل أعباء الرسالة والنبوة والبعثة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن النبي قبل البعثة كانت له حياته العادية مع الناس‪ ،‬يرافقهم ويشاركهم‪ .‬مل يكن‬
‫منذ البداية يفكر يف تغيري املجتمع‪ .‬كان طب ًعا غري راض عن الوضع القائم بفضل ما يملك‬
‫من ذكاء وحساسية غري راض عن الظلم والتمييز والفقر‪ ،‬لكن األمر مل يكن يتعدى هذا‬
‫السخط عىل األوضاع‪ ،‬مل يكن يبلغ درجة االندفاع لقلب املجتمع وتغيري احلياة االجتامعية‬
‫إىل وضع غري الذي هو عليه‪.‬‬
‫انظروا إىل النبي موسى بن عمران (عليه السالم) كان يعيش يف بيت فرعون ويأكل من‬

‫‪1‬ـ يف اللغة الفارسية تُستعمل كلمة «انقالب» بدل كلمة «ثورة» وهي أقرب إىل معنى التغيري اجلذري‪ ،‬لكننا مل نستعملها يف‬
‫العربية هنا خشية أن ينتقل الذهن إىل معناها الشائع اليوم وهو االنقالب العسكري‪.‬‬
‫البعثة يف النبوة ‪171n‬‬

‫موائده‪ ،‬ثم ينترص لشخص من بني إرسائيل يف نزاعه مع آخر من قوم فرعون‪ ،‬فيرضب‬
‫الفرعوين‪ ،‬ويؤدي ذلك إىل قتله‪ ،‬ثم يعود من مدين من عند شعيب‪ ،‬و ُيبعث بالرسالة‪.‬‬
‫َ ّ‬
‫الض ِال َ‬‫َ ّ‬ ‫ََ‬
‫ین)‪ 1‬أي إنني كنت ال‬ ‫وحني يدخل عىل فرعون يقول عن حالته قبل البعثة ( َوأنا ِمن‬
‫أعرف الطريق املعارض للمجتمع الفرعوين آنذاك‪ .‬ال يعني أنه أذنب يف عمله‪ ،‬بل يعني‬
‫أنه مل يكن بذلك الشخص الذي يسري يف الطريق الصحيح الذي هو عليه اآلن بعد البعثة‪.‬‬
‫أيضا عىل نبينا (عليه أفضل الصالة والسالم) كام جاء يف سورة‬
‫هذه احلقيقة تصدق ً‬
‫«الضحى»‪ .‬وقبل أن نستعرض املقاطع املختارة من هذه السورة‪ 2‬أشري إىل روايات جاءت‬
‫يف ذيل تفسري هذه السورة‪ .‬وهي روايات تأويل ال تفسري‪ .‬ومثل هذه الروايات التي تُذكر‬
‫يف ذيل اآليات ال تقصد بيان ظاهر اللفظ‪ ،‬بل تضيف نكات إىل اآلية‪ ،‬وال يمكن أن يكون‬
‫يف الرواية عن اإلمام الصادق(ع) محل ملا خيالف الظاهر‪ ،‬فالظاهر حمفوظ‪ ،‬والرواية تريد‬
‫إضافة يشء إىل ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫( َو الض َحى) قسم بإرشاقة نور الصباح ( َوالل ْی ِل ِإذا َس َجى) وبالليل إذا اشتدّ ظالمه‪َ ( .‬ما‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫َو ّد َع َك َر ُّب َك َو َما قلى) إشارة إىل انقطاع الوحي عن النبي بعد مدة من بعثته بالرسالة وأنسه‬
‫أيضا ثالث سنني ثم‬
‫بجربائيل‪ .‬وذكر هلذا االنقطاع مدد خمتلفة‪ ،‬قيل أربعني يو ًما وقيل ً‬
‫نزلت سورة الضحى لتبرش الرسول(ص) بأن اهلل سبحانه مل يودعه ومل يبغضه وهيجره‪.‬‬
‫ُْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬
‫آخ َر ُة َخ ْی ٌر ل َك ِم َن الأولى) اآلخرة واملستقبل خري لك من البداية واملايض‪ .‬عاقبة أمرك‬
‫( َولل ِ‬
‫أفضل من بداية عملك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫یك َر ُّب َك ف َت ْر َضى) يف الرواية أهنا الشفاعة التي منحها اهلل لنبيه‪ .‬ح ًقا أن اهلل منح‬
‫( َول َس ْوف ُی ْعط َ‬
‫ِ‬
‫نبيه من حق الشفاعة يف اآلخرة ما يرضيه‪ .‬ولكن يف هذه الدنيا أعطاه ما يرضيه‪ .‬أعطاه‬
‫فضيلة هداية الناس وإقامة املجتمع اإلسالمي والغلبة عىل األعداء‪ ،‬وفتح البلدان‪‌ ..‬هذه‬
‫النعم التي منحها اهلل لنبي اإلسالم فأرضاه هبا‪.‬‬
‫َ ْ َ َ ً‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫(أل ْم ی ِجدك ی ِتیما ف َآوى) أمل جيدك اهلل ً‬
‫يتيم فآواك‪ .‬لقد فقدت أباك قبل والدتك‪ ،‬وفقدت‬

‫‪1‬ـ الشعراء‪20 /‬‬


‫‪2‬ـ اآليات ‪8 - 1‬‬
‫‪ n172‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫أمك بعد الوالد بقليل‪ ،‬ثم فقدت جدّ ك بعد سنوات قليلة‪ ،‬فكفلك عمك أبو طالب‪‌.‬‬
‫كنت خالل هذه املدة كلها يف أعيننا ومأوانا‪ .‬وهذا تثبيت من اهلل لرسوله‪ .‬لقد كان اهلل‬
‫معك يف كل منعطفات حياتك‪ ،‬وسيكون معك يف محل مسؤولية الرسالة‪ .‬فال حتسب أن‬
‫اهلل سيرتكك وشأنك‪.‬‬
‫ًّ َ‬
‫( َو َو َجـ َـد َك َضالا ف َه َدى) وردت يف ذيل هذه اآليات روايات يقول بعضها بأن النبي تاه يف‬
‫تائها بني أهل‬
‫صغره بشعاب مكة ثم هداه اهلل بعد أن عثر عليه جدّ ه‪ .‬وقيل معناها‪ :‬كنت ً‬
‫مكة مل يعرفك أحد فهدى اهلل أهل مكة إليك‪ .‬سواء كانت هذه الروايات صحيحة أم‬
‫ضعيفة‪ ،‬فإن ظاهر معنى اآلية غري ذلك‪ ،‬ظاهر اآلية أنك يا رسول اهلل كنت ً‬
‫ضال فهداك‬
‫ً‬
‫«ضال»؟ هل كان يعبد األصنام؟ هل كان منحر ًفا؟ هل كان مذن ًبا؟‬ ‫رب العاملني‪ .‬وما معنى‬
‫أبدً ا فإن الرسول (ص) عىل الفطرة واالستقامة منذ صغره‪ .‬بل إنه يعني أن ما منحه اهلل لك‬
‫متوفرا لديك‪.‬‬
‫ً‬ ‫بعد البعثة والنبوة مل يكن‬
‫َ‬ ‫ََ ََ َ َ‬ ‫ً ََْ‬
‫حمتاجا فأغناك عن الناس‪.‬‬
‫ً‬ ‫فقريا‬
‫(ووجدك ع ِائلا فأغنى) أي وجدك ً‬
‫اهلدف من عرض هذا املقطع من سورة الضحى هو أن مفادها يدل عىل أن النبي(ص) قبل‬
‫البعثة كان يعيش حياة عادية مع الناس‪ ،‬وإن كان مستا ًءا من الوضع القائم آنذاك‪ .‬كان‬
‫مستا ًءا من اعتداء أرشاف قريش عىل الفقراء والضعفاء‪ ،‬وشهد حلف الفضول‪ ،1‬ومل يرشك‬
‫فتوة يف ذلك املجتمع‪ .‌ .‬ولكن مع ذلك‬
‫باهلل طرفة عني‪ ،‬ومل هيادن الظاملني‪ ،‬وعاش يف حالة ّ‬
‫كله كان يعيش احلياة العادية يف ذلك املجتمع‪ ،‬ثم نزل عليه الوحي فجأة فحدث ذلك‬
‫شب يف‬
‫التحول الكبري العميق يف وجوده‪ ،‬وحني انحدر بعدها من غار حراء يف جبل النور ّ‬
‫أعامقه هليب‪ .‬فقد سمع‪:2‬‬
‫(إقـ ــرأ)‪ ،‬أجاب النبي «وما أقرأ» و«ما» هنا إما أن تكون نافية أي لست بقارئ أو‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َََ ْ‬ ‫َََ‬ ‫َ ّ َ َّ‬ ‫ْ ْ‬
‫اس ِم ر ِبك ال ِذی خلق ‪ #‬خلق الإنسان ِم ْن عل ٍق‪# ‬‬
‫اق َرأ ب ْ‬
‫ِ‬ ‫استفهاميةيعني ماذا أقرأ؟ جاء اجلواب‪( :‬‬

‫‪1‬ـ هو حلف شهده رسول اهلل(ص) وهو ابن عرشين عا ًما تعاهد فيه احلارضون أن يكونوا يدً ا واحدة مع املظلوم عىل الظامل حتى‬
‫يؤدي إليه حقه‪.‬‬
‫‪2‬ـ العلق‪5 - 1 /‬‬
‫البعثة يف النبوة ‪173n‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬‫ُ‬ ‫ْ ْ‬
‫َ‬
‫إنسان َما ل ْم َی ْعل ْم) عندها حدثت تلك الثورة‬ ‫اق َرأ َو َر ّب َك الأك َر ُم ‪ #‬ال ِذی َعل َم ِبالقل ِم ‪َ #‬عل َم ال‬
‫وجوهرا‬
‫ً‬ ‫عنرصا آخر‬
‫ً‬ ‫الكربى يف داخل الرسول‪ ،‬فلم يعد مثل ذلك اإلنسان السابق‪ ،‬أصبح‬
‫تغي هو‬
‫آخر‪ .‬وهذا التحول الداخيل الكبري كان مبعث ذلك التحول يف العامل‪ .‬إن مل يكن قد ّ‬
‫يغي العامل‪ .‬وهذا درس ألتباع األنبياء كي يعلموا أهنم ال يستطيعون أن‬
‫ما كان باإلمكان أن ّ‬
‫يغريوا جمتمعهم دون تغيري أنفسهم‪ .‬وفاقد اليشء ال يعطيه‪.‬‬

‫كي توانـد كه شـود هستي بخش‬ ‫ذات نـايافته از هستـي ‌بخش‬


‫كيف يستطيع أن يمنح اآلخرين احلياة؟!‬ ‫مــن مل يــنــل حــ ًظــا مـــــن احليـاة‬

‫الرسول األكرم حدث ذلك التحول العظيم يف وجوده فاستطاع أن يصنع اإلنسان الذي‬
‫يتنازل عن حياته وال يتنازل عن عقيدته‪ .‬إنه ألمر عظيم أن يعاين بالل احلبيش من سياط‬
‫اجلالدين وتعذيب األسياد املتغطرسني ساعات ثم يرفع صوته‪ :‬أحد‪ ،‬أحد‪ ،‬أحد‪ .‬مل تكن‬
‫عملية صنع هذا اإلنسان ميسورة‪ ،‬مل يكن من اليسري صنع أيب ذر وعبداهلل بن مسعود‪.‬‬
‫ولنستمع إىل بدايات صوت الوحي‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ ْ‬
‫(اق َرأ ِب ْاس ِم ر ِّبك ال ِذی خلق) السورة ّ‬
‫توجه نظر النبي وكل املوحدين إىل سلسلة من املراحل‬
‫التي تفتح اآلفاق نحو معرفة اهلل‪ .‬وأبسطها وأوهلا‌«اخللق» فمنه تعاىل مظاهر اخلليقة كلها‪.‬‬
‫وبعد تثبيت مفهوم اخلالقية العامة‪ ،‬ينتقل السياق إىل بيان عظمة خلقة اإلنسان‪َ .‬خ َلقه من‬
‫َع َلق‪ .‬من دم منعقد‪ .‬ق ّلام نلتفت إىل الفرق العظيم بني اإلنسان واملوجودات األخرى‪.‬‬
‫أيضا‪ .‬وال نفكر يف الفرق العظيم بني‬
‫مارة ً‬
‫نميش يف الشارع فنرى األبنية والسيارات ونرى ّ‬
‫اإلنسان وغريه من الظواهر املشهودة‪ .‬الطغاة بشكل خاص ال يعرفون مكانة اإلنسان وال‬
‫يقدّ روهنا‪ ،‬وال يعريوهنا أمهية فهم مستعدون أن يزهقوا أرواح املاليني من البرش من أجل‬
‫مصاحلهم املادية الدنيئة‪.‬‬
‫بقليل من التأمل يمكن فهم الفرق العظيم بني اإلنسان واملوجودات األخرى‪ .‬وما الذي‬
‫يم ّيزه؟ قوة العقل‪ ،‬ومعرفة الكليات‪ ،‬واستنتاج اجلزئيات‪ ‌.‬فذلك ماال يستطيع أن يقوم به‬
‫‪ n174‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫احلجر والشجر‪ .‬قدرة اإلبداع عند اإلنسان جتعله يتطور باستمرار‪ .‬يمتلك اإلرادة واختاذ‬
‫تسيه غرائزه‪ ،‬بل يستطيع أن‬
‫القرار‪ ،‬ال كالنحلة التي ذكرناها أمس‪ .‬ليس باملوجود الذي ّ‬
‫يتحرك خالف ما ُتيل عليه الغريزة‪ .‬هذه املميزات يف اإلنسان تعود بأمجعها إىل ما أفاضه اهلل‬
‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫من روحه يف هذا الكائن‪(:‬ف ِإذا َس َّو ْی ُت ُه َو نف ْخ ُت ِفیهِ ِمن ّر ِوحی)‪.1‬‬
‫كل هذه العظمة يف اإلنسان تبدأ من نطفة‪ ..‬من علق‪ ..‬من دم منعقد‪ .‬هذا العلق يتبدل‬
‫إىل إنسان كبري يف الرياضيات والفلسفة والطب والفضاء‪ .‬واآلية تلفت نظر النبي إىل هذه‬
‫احلقيقة لتصنع منه اإلنسان الذي يعرف مكانته يف الوجود‪.‬‬
‫َْ َ‬ ‫ْ‬‫َّ‬ ‫ُ‬‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ك َر ُم ‪ #‬ال ِذی َعل َم ِبالقل ِم) وهذه مرحلة أعىل‪ ،‬وهي تعليم اإلنسان‪ .‬والقلم‬ ‫(اق َرأ َو َر ّب َك الأ‬
‫له أمهية يف ارتقاء اإلنسان‪ .‬لواله ما انتقلت علوم اجليل إىل اجليل التايل‪ ،‬وملا حدث الرتاكم‬
‫املعريف لدى البرشية‪ .‬لو أن كتب أرسطو مل تصل إىل أيب عيل بن سينا ملا بلغ ابن سينا‪2‬مرتبته‬
‫‪4‬‬ ‫املعروفة يف الفلسفة‪ ،‬ولو مل تكن الكتب الفقهية للشيخ الطويس‪ً 3‬‬
‫مثل أو العالمة احليل‬
‫علم من العلامء الذين‬
‫حتت ترصف الشيخ األنصاري واملريزا الشريازي ــ ومها أعمق ً‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫سبقوهم بألف سنة ــ لو مل تصل كتب أولئك إىل هؤالء ملا بلغوا ما بلغوا من نضج علمي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫إنسان َما ل ْم َی ْعل ْم) علمه سبحانه فتح مغاليق املجهوالت‪ .‬هذه هي النعم التي‬ ‫( َعل َم ال‬
‫ِ‬
‫معرفة ما‬ ‫أغدقها اهلل عىل اإلنسان‪ .‬حسنًا‪ ،‬إذا كان اهلل قد أعطى اإلنسان نعمة القلم ونعم َة‬

‫‪1‬ـ احلجر‪ 29 /‬و ص‪72 /‬‬


‫وتبحر يف العلوم العقلية والطبية‪ ،‬من مؤلفاته‪ :‬القانون يف الطب‪ ،‬والشفاء‬
‫‪2‬ـ أبو عيل سينا (‪428 - 370‬هـ)‪ ،‬ولد قرب بخارا‪ّ ‌،‬‬
‫يف الفلسفة‪.‬‬
‫‪3‬ـ الشيخ أبو جعفر حممد بن احلسن الطويس (‪460 - 385‬هـ) ولد يف طوس من أعامل خراسان‪ ،‬وعرف باسم شيخ الطائفة‪.‬‬
‫‌ويف العراق تتلمذ عىل الشيخ املفيد والسيد املرتىض‪ .‬ومن مؤلفاته‪ :‬هتذيب األحكام واالستبصار وهي من الكتب احلديثية‬
‫األربعة‪.‬‬
‫سمي بالعالمة‪‌ .‬بعد وفاة املحقق احليل توىل‬
‫وتبحر يف خمتلف العلوم‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫‪4‬ـ احلسن بن يوسف احليل (‪726 - 648‬هـ)‬
‫زعامة الشيعة وهو يف الثامنة عرشة من عمره‪.‬‬
‫‪5‬ـ الشيخ مرتىض األنصاري (‪1281 - 1214‬هـ) ‌‪ ،‬من أحفاد جابر بن عبداهلل األنصاري‪ ،‬ولد يف مدينة دزفول وتتلمذ يف‬
‫كربالء عىل يد كبار العلامء‪ ،‬وكتابه املكاسب مرجع للدراسات الفقهية حتى يومنا هذا‪.‬‬
‫‪6‬ـ املريزا حممد حسن الشريازي (‪1338 - 1258‬هـ)‪‌،‬صاحب فتوى حتريم التنباك التي أ ّدت إىل إفشال معاهدة بريطانيا مع‬
‫إيران بشأن احتكار التنباك‪ .‬كان يف الصف األمامي يف اجلهاد ضد االستعامر الربيطاين‪.‬‬
‫البعثة يف النبوة ‪175n‬‬

‫مل يعلم فمن املفروض أن هذا اإلنسان يطوي س ّلم تكامله باستمرار وال يتوقف عن ذلك‬
‫حلظة واحدة‪ ،‬وأن ال تكون يف حياته عودة إىل الشقاء‪ .‬هل األمر كذلك ؟ اجلواب‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ ْ‬
‫إنسان ل َی ْطغى ‪ #‬أن ّر ُآه ْاس َت ْغنَى) طغيان اإلنسان هو الذي يؤدي إىل شقاء البرشية‪،‬‬
‫َ‬ ‫(كلا ِإ ّن ال‬
‫هو الذي حيول دون أن يستفيد اإلنسان من املواهب اإلهلية أكثر ما يمكن وكام أراده اهلل‪.‬‬
‫طغوا حني رأوا أنفسهم مستغنني‪ ،‬وبذلك خرجوا عن الطريق اإلهلي‪ .‬تستمر اآلية يف بناء‬
‫وجهته إىل خالقية اهلل وتعليم اهلل وأنه سبحانه األكرم‪ ،‬وأن اإلنسانية مل‬
‫شخصية النبي(ص)‪ّ .‬‬
‫تبلغ املرتبة التي ينبغي أن تصلها‪ ،‬بسبب طغيان الذين رأوا أنفسهم مستغنني‪ .‬الذين كنزوا‬
‫الثروات ومجعوا األموال‪ .‬هؤالء هم الذين حالوا دون وصول البرشية إىل ساحل السعادة‬
‫فجر ما يف نفسه من‬
‫والنجاة‪ .‬هبذه التعليامت وجه اهلل سبحانه نبيه إىل ساحة العمل بعد أن ّ‬
‫مشاعر وعواطف إنسانية‪.‬‬
‫(إ ّن إلــى َر ّبـ َ‬ ‫َ َ‬
‫ـك ُّالر ْج َعى) هل هؤالء الطواغيت سيحققون مآرهبم؟! ً‬
‫كل فعودهتم إىل اهلل‪،‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫والعاقبة هلل وللجبهة اإلهلية‪ .‬والبرشية ستتجه يف النهاية إىل الطريق الذي رسمه هلا اهلل‪ .‬ويف‬
‫والتحول الكبري الذي حيدثه يف املجتمع‪ .‬وهكذا األمر يف‬
‫ّ‬ ‫السورة حقائق أخرى حول النبي‬
‫سورة النجم‪.1‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫(ب ْسم اهلل َّ‬
‫الر ْح َمـن َّ‬
‫نط ُق َع ِن‬ ‫يم ‪َ #‬و الن ْج ِم ِإذا ه َوى ‪َ #‬ما ض َّل َص ِ‬
‫اح ُبك ْم َو َما غ َوى ‪َ #‬و َما َی ِ‬ ‫الر ِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ‬
‫ْال َه َوى ‪ #‬إ ْن ُه َو إلا َو ْح ٌی ُی َ‬
‫ّ‬
‫وحى)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قسم بالنجم حني هيوي‪ ،‬ما ّ‬
‫ضل الرسول ومل ينطق بباطل‪ .‬واآلية بصدد املعراج كام ذكر‬
‫كثري من املفرسين‪ .‬اآلية يف مفهومها العام تتحدث عن التحول الذي حدث للنبي حني‬
‫تل ّقى الوحي‪ .‬ولكن سبب النزول الذي ُذكر لآلية هو أن هناك من مل يصغ إىل كالم الرسول‬
‫حني حتدث عن معراجه‪ .‬وتؤكد اآلية أن كالمه مل يصدر عن هوى بل عن وحي أوحي إليه‪.‬‬
‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫( َعل َم ُه ش ِد ُید الق َوى) قيل إن شديد القوى جربائيل‪ ،‬وقيل هو اهلل‪ ،‬والقول الثاين أكثر‬
‫انسجا ًما مع «ع ّل َم ُه» إذ التعليم من اهلل تعاىل لنبيه‪.‬‬

‫‪1‬ـ النجم‪12 - 1 /‬‬


‫‪ n176‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫(ذو ِم َّرةٍ ) ذو حكمة وقوة و ُبعد عن اآلفات‪ .‬وإذا كان شديد القوى هو اهلل فهو أيضا ذو‬
‫ِم ّرة‪.‬‬
‫است َوى) فاستقام النبي وثبت عىل الطريق‪.‬‬‫( َف َ‬
‫َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُُ‬
‫( َوه َو ِبالأف ِق الأ ْعلى) لقد كان الرسول يف أفق سام‪ ،‬وهبذا االفق ّ‬
‫تأهل للنبوة‪.‬‬
‫َ َ ََ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫(ث ّم دنا فتدلى) اقرتب‪ ،‬واقرتب أكثر من ّ‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫(فك َان ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اب ق ْو َس ْی ِن أ ْو أ ْدنى) واآلية فيها كناية عن القرب الشديد‪ ،‬وليس املقصود املسافة‬
‫املادية‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫(فأ ْو َحى ِإلى َع ْب ِدهِ َما أ ْو َحى) عندئذ نزل عليه الوحي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُْ‬
‫كذ َب الف َؤ ُاد َما َرأى) ما رآه النبي هو رؤية قلبية غري كاذبة‪.‬‬ ‫(ما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫(أف ُت َم ُار ون ُه َعلى َما َی َرى) هل جتاد لونه عىل رؤيته؟!‬
‫تغي‪ ،‬واختذ مسعاه طابع‬
‫من جمموع هذه اآليات نفهم أن النبي بعد تكليفه بالرسالة قد ّ‬
‫ويغيه من اجلذر واألساس‪ ،‬وهذه هي‬
‫املستمر ليبعث املجتمع من جديد ّ‬
‫ّ‬ ‫اجلدّ واالجتهاد‬
‫مسؤولية الرسالة‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫اجللسة السادسة عشرة‬
‫الثورة االجتماعية يف النبوة‬
‫اجلمعة ‪ 17‬رمضان املبارك ‪ 1353‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/12‬هجرية مشسية‬
‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫( َون ِر ُید أن ن ُم َّن َعلى ال ِذ َین ْاس ُتض ِعفوا فِی الأ ْر ِض َو ن ْج َعل ُه ْم‬
‫َْ‬ ‫ُ ّ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ین ‪َ #‬و ن َم ِك َن ل ُه ْم فِی الأ ْر ِض َو ن ِری‬ ‫أ ِئ َّم ًة َو َن ْج َع َل ُه ُم َ‬
‫الوار ِث َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ ْ ُ َّ َ ُ َ ْ َ‬
‫ِفــرعــون و هامان و جنودهما ِمنهم ما كانوا یحذر ون)‬
‫(القصص‪)6 -5 /‬‬

‫حتدثنا أمس عن الثورة التي حتدث يف شخصية النبي حني يبعث بالرسالة‪ ،‬وما تؤدي إليه‬
‫هذه الثورة من تغيري اجتامعي أسايس نطلق عليه اسم الثورة االجتامعية يف النبوة‪‌ .‬أشري‬
‫ً‬
‫أول إىل أن املسترشقني الذين يتناولون النبوة ال يؤمنون بالوحي عادة‪ ،‬لذلك فهم يرون‬
‫أن انبعاث النبي كان نتيجة تأمل طويل وتفكري مستمر أدى به إىل النهوض هبذا التغيري‬
‫االجتامعي‪ .‬وقد يسايرهم يف ذلك بعض الغافلني أو املغرضني‪ .‬بينام الواقع يشهد أن‬
‫نبينا(ص) بعد اتصاله بالوحي قد أصبح غري ذلك النبي قبل االتصال‪ ،‬وهكذا األمر بالنسبة‬
‫إىل سائر األنبياء مثل موسى(ع) كام ذكرنا أمس‪.‬‬
‫حني نتحدث عن الثورة االجتامعية يف النبوة‪ ،‬فإن ذلك ال يعني بالرضورة أن تكون‬
‫مصاحبة للعنف وإراقة الدماء‪ .‬نمثل للثورة يف تغيري بيت سكني إىل مسجد‪ ،‬هذا البيت ال‬
‫يمكن أن نكتفي برتميمه وطالئه وتغيري بعض جدرانه‪ ،‬فذلك ال يؤهله ألن يكون مسجدً ا‪،‬‬
‫وتصميم جديدً ا‪ ،‬وخارطة جديدة‪.‬‬
‫ً‬ ‫أساسا جديدً ا وهندسة جديدة‪،‬‬
‫ً‬ ‫املرشوع اجلديد يقتيض‬
‫ألن املبني اجلديد خيتلف متا ًما عن املبنى اآلخر‪ .‬هذه العملية هي الثورة‪.‬‬
‫‪ n180‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫هناك يف الساحة البرشية نوعان من املجتمعات جمتمع حتكم فيه أقلية مسيطرة عىل رقاب‬
‫اآلخرين‪ ،‬متارس احلكم كام تشاء‪ ،‬ال يعارضها معارض‪ ،‬وإذا فتح أحد فمه باملعارضة‬
‫ليصب يف مصلحتهم دون أي‬
‫ّ‬ ‫ينزلون به أنواع البطش والتنكيل‪ .‬يدفعون بكل ما يف املجتمع‬
‫اهتامم بمصالح الناس‪ .‬وإذا واجه ذلك املجتمع خطر يقدّ مون الشعب ليكون وقو ًدا لدرء‬
‫ذلك اخلطر‪ ،‬وهم قابعون يف زاوية بعيدين عن املعركة‪ .‬هذا نوع من املجتمعات سواء كان‬
‫فيه متييز طبقي أم مل يكن‪ .‬أما إذا كان املجتمع يعاين من التمييز الطبقي فإن ذلك يعني عدم‬
‫وجود املساواة يف حقوق األفراد‪ ،‬وعدم إتاحة الفرص واإلمكانيات املتساوية هلم‪ ،‬بعضهم‬
‫ّ‬
‫فيتضخمون ويتحكّمون ويطغون‪،‬‬ ‫قد استطاع أن ينال من تلك الفرص ما مل ينله اآلخرون‪،‬‬
‫واآلخرون مضطرون إىل الرضوخ هلم‪ ،‬والتم ّلق هلم لنيل عطاياهم وتعفري جباههم بالرتاب‬
‫أمامهم‪ .‬هذا املجتمع طبقي يف تكوينه االجتامعي ويف اقتصاده‪ ،‬واحلكومة يف هذا املجتمع‬
‫تتحرك وف ًقا ملصالح الطبقات العليا‪.‬‬
‫والنوع الثاين‪ :‬جمتمع ليس من هذا القبيل وال ذاك‪ .‬فام هو؟ إنه املجتمع الذي ال يملك‬
‫أحد احلق أن يستقوي عىل اآلخرين‪ .‬ال طبقة عىل طبقة أخرى وال فرد عىل فرد آخر‪‌ .‬ال‬
‫ّ‬
‫ويذلم ويظلمهم‪ .‬أفراد ذلك‬ ‫حيق ألحد فيه أن يسحق حقوق اآلخرين‪ ،‬وينهب أمواهلم‪،‬‬
‫املجتمع يتجهون يف الطاعة لقوة واحدة هي أسمى من قوة البرش‪ ..‬إهنا اهلل سبحانه‪ .‬ويف‬
‫هذا املجتمع اخلايل من التمييز الطبقي تسود يف اقتصاده عدالة التوزيع ويف حكومته مشاركة‬
‫مكروها‪ ،‬فكل أفراده‬
‫ً‬ ‫اجلميع‪ ،‬واحلقوق األساسية فيه عامة‪ .‬لو واجه مثل هذا املجتمع‬
‫رسورا فإنه ينال اجلميع‪ .‬ومثل هذا املجتمع يعيش يف أجواء احلرية‪.‬‬
‫ً‬ ‫رشكاء فيه‪ ،‬ولو نال‬
‫وأؤكد عىل احلرية‪ ،‬إذ توجد بعض املجتمعات يف العامل ممن تدّ عي أهنا قضت عىل الطبقية‬
‫لكنها صادرت احلريات‪.‬‬
‫املجتمعات من النوع األول هي التي حيكم فيها القيارصة واألكارسة واجلبابرة‪ .‬وجمتمعات‬
‫مر التاريخ‪ .‬وهل األنبياء أقاموا جمتمعات‬
‫النوع الثاين هي التي أقامها األنبياء العظام عىل ّ‬
‫ألممهم؟ نعم مارسوا ذلك‪ ،‬ويف القرآن الكريم إضاءات كثرية يف هذا الشأن لدى رسده‬
‫قصص سليامن‪ ،‬وطالوت‪ ،‬وموسى وما فعله جتاه بني إرسائيل‪ ،‬إذ أنزهلم يف األرض‬
‫الثورة االجتامعية يف النبوة ‪181n‬‬

‫املقدسة ليقيم هلم هناك جمتم ًعا ومدينة فاضلة‪.‬‬


‫مهمة األنبياء تبديل النوع األول من املجتمعات املفعمة باملوبقات واملليئة بام يتعارض مع‬
‫العقل واإلنسانية‪ ،‬إىل جمتمعات النوع الثاين‪ ،‬وهذا هو مغزى حديثنا يف هذه اجللسة‪.‬‬
‫حكيم عا ًملا‬
‫ً‬ ‫التصور السائد يف األذهان جتاه النبي هو أنه إنسان يأيت إىل املجتمع باعتباره‬
‫يقبع يف مكان لينهل الناس من فيض علمه وحكمته‪ .‬يتصورون أن إبراهيم خليل اهلل‬
‫أو موسى كليم اهلل حني مارس دوره يف جمتمعه فإنه اختذ بيتًا مناس ًبا‪ ،‬وخصص ساعات‬
‫ملقابلة الناس املؤمنني منهم وغري املؤمنني‪ .‬ويف هذه املقابالت يقدم إىل الناس استدالالت‬
‫بوجود اهلل وبرضورة اخلوف من اهلل‪ ،‬فيصلح من يصلح من الناس ثم يغادر الدنيا بعد أن‬
‫أدى مهمته!!‬
‫ال‪ ،‬ليس النبي هبذه الصورة‪ ،‬حني ُيبعث إىل جمتمعه تثور روحه ويغيل صدره‪ ،‬فيصبح إنسانا‬
‫قائم عىل أساس مغلوط‪ ،‬ويرى تصميمه‬
‫آخر غري الذي كان عليه‪ ،‬ثم يتوجه إىل جمتمعه فرياه ً‬
‫املعامري خمال ًفا لتصميم الفطرة اإلنسانية‪ ،‬ويرى رضورة تغيريه‪ .‬يرى أن جمتمعه فيه التمييز‬
‫الطبقي‪ ،‬وفيه الظلم‪ ،‬وفيه التعسف‪ ،‬والبدّ أن يتغري إىل جمتمع توحيدي‪.‬‬
‫وما معنى املجتمع التوحيدي؟ ذكرنا من قبل أنه املجتمع الذي خيلو من التمييز الطبقي‪،‬‬
‫واحلكم فيه حكم اهلل‪ .‬كل يشء خاضع لقوانني وسنن وقرارات وآداب وثقافة مستوحاة‬
‫رب العاملني‪ .‬التوحيد اإلهلي يعني أن الناس مجي ًعا عبيد اهلل ال لغريه‪ .‬يعني أن الناس‬
‫من ّ‬
‫أحرار من عبودية أمثاهلم من الناس‪ .‬حني حيل النبي يف جمتمعه اجلاهيل هبذا اهلدف‪‌..‬هبدف‬
‫رب العاملني‪ .‬النبي مبعوث‬
‫التغيري يعمد إىل هدم ذلك املجتمع ليقيم جمتم ًعا خاض ًعا حلكومة ّ‬
‫هلذا اهلدف‪.‬‬
‫يأيت النبي ليقلب ذلك املجتمع‪ ،‬وال أقول يأيت إلراقة الدماء‪ ..‬أبدً ا!‪ .‬حني أذكر عملية‬
‫الثورة التي حيدثها النبي فال يعني ذلك رضورة إراقة قطرة من الدماء‪‌ .‬ال أقول أنه يثري‬
‫رصا ًعا ونزا ًعا بني الناس‪ ..‬ليس األمر كذلك‪ .‬طب ًعا أحيانًا يف احلياة العادية قد حيدث ما‬
‫يؤدي إىل سفك الدماء‪ .‬أال تبعث حادثة طفيفة أحيانًا إىل سفك الدماء؟ أمل حتدث احلرب‬
‫أيضا قد‬
‫جراء حادث بسيط هو اغتيال ويل عهد النمسا؟ يف الثورة االجتامعية ً‬
‫العاملية األوىل ّ‬
‫‪ n182‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ً‬
‫اقتتال وال فيها نزاع‪.‬‬ ‫حيدث بعض ما يؤدي إىل إراقة دماء‪ .‬ولكن الثورة بنفسها ال تتضمن‬
‫لو أن النبي أعلن عزمه عىل إحداث ثورة يف جمتمعه‪ ،‬ومل يقاومه من يريد إبقاء األوضاع‬
‫الشاذة يف ذلك املجتمع لـام حدث أي رصاع دموي‪ .‬لو أن فرعون الطاغية استسلم أمام‬
‫وجها إليه ذلك القول اللني‪ ،‬ووجها إليه الدعوة إلهناء ما‬
‫خطاب موسى وهارون حني ّ‬
‫كان ينزله من ظلم ببني إرسائيل‪‌ ،‬وما كان يامرسه من متييز طبقي‪ ،‬ملا حدث ما حدث‬
‫ََ‬
‫من مواجهات حا ّدة‪ .‬نعم القرآن الكريم يذكر قتال األنبياء‪ ،‬من مثل قوله تعاىل‪َ ( :‬وكأ ِّین‬
‫ّ َّ ّ َ َ َ َ َ ُ ّ ُّ َ َ‬
‫ك ِث ٌیر)‪‌1‬وتتحدث آيات كثرية عن اجلهاد‪ .‬والسبب يف ذلك أن‬ ‫ِمن ن ِب ٍی قاتل معه ِر ِبیون‬
‫الطبقة املرفهة‪ ..‬الطبقة املستفيدة من األوضاع الشاذة يف املجتمع ال تتنازل عن تعسفها‬
‫وغطرستها أمام الثورة اإلهلية‪‌ .‬ولو أن هذه الفئات املرتبطة مصلح ًيا باألوضاع القائمة‬
‫تفهمت احلقيقة وعادت إىل قيمها اإلنسانية مل يكن األنبياء مضطرين إىل إعالن جهادهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫نعم لو أن هذه الفئات املعاندة رضخت إىل نداء الفطرة كام حدث لكثري من الشخصيات‬
‫تغيوا فجأة واستنارت ضامئرهم وحدث حتول مجيل‬
‫السياسية واالقتصادية يف التاريخ‪ ،‬إذ ّ‬
‫يف أرواحهم‪ ،‬ملا حدثت يف املجتمع مواجهات دموية‪.‬‬
‫يغيه؟ أن يقول ملجتمع كمجتمع احلجاز‬
‫يغيه‪ ،‬وما معنى ّ‬
‫إذن النبي ُيبعث إىل املجتمع كي ّ‬
‫يف عرص خاتم األنبياء‪ّ :‬‬
‫إن املال مال اهلل‪ ،‬فلامذا حتتكره أقلية من طبقة األرشاف؟ والناس‬
‫مجيعهم عباد اهلل‪ ،‬فلامذا يصبح العبيد آلة ط ّيعة بيد أهواء األسياد من أمثال الوليد بن املغرية‬
‫وأيب هلب وأيب جهل؟‬
‫التوجه اإلنساين للحياة يستدعي أن يكون‬
‫ّ‬ ‫ملاذا ال يكونون مجي ًعا سواسية كأسنان املشط؟‬
‫الناس متساوين «كلكم من آدم وآدم من تراب»‪.2‬‬
‫هدف األنبياء يف املجتمعات التي ُبعثوا فيها هو تبديل املجتمع من حالته املنحرفة‪ ،‬من‬
‫حالته غري املتعادلة‪ ،‬من حالة الظلم واجلور إىل جمتمع متوازن متعادل عادل خال من مظاهر‬
‫القبح ومفعم بمظاهر اجلامل‪.‬‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪146 /‬‬


‫‪2‬ـ بحار األنوار‪ ،‬كتاب اإليامن والكفر‪ ،‬أبواب مكارم األخالق‪ ،‬باب ‪ ،56‬ح ‪.10‬‬
‫الثورة االجتامعية يف النبوة ‪183n‬‬

‫طب ًعا‪ ،‬األنبياء الكبار الذين نعرفهم باسم األنبياء أويل العزم كانوا أقطاب الثورات اإلهلية‪،‬‬
‫ينضجوه‪ ،‬أو يعيدوا إىل‬
‫وباقي األنبياء مهمتهم أن يواصلوا مرشوع أولئك‪ ،‬أو يكملوه‪ ،‬أو ّ‬
‫الرسالة وجهها الناصع عىل أثر ثورة جديدة‪ ،‬وهذا ما هنض به أوصياء نبينا بعد رحيله‪..‬‬
‫ما هنض به أمري املؤمنني واحلسني بن عيل وسائر األئمة‪ ،‬وعلامء اإلسالم ثم ما ينهض به‬
‫املهدي املنتظر صلوات اهلل وسالمه عليه‪.‬‬
‫املوضوع اآلخر يف أمر الثورة االجتامعية للبعثة هو اإلجابة عن تساؤل قد ال يظهر عىل‬
‫األلسن لكنه قد خيطر يف األذهان‪ ،‬وهو ما السبب يف كل ما يعانيه األنبياء من مصاعب‬
‫احلق ملن غلب‪.‬‬
‫وأتعاب لتغيري املجتمع طاملا أن ّ‬
‫هذا املنطق يتعارض مع منطق الفطرة ومنطق الكون‪ .‬يتعارض بكملة واحدة مع منطق‬
‫احلق‪.‬‬
‫احلق والباطل مفردتان تردان يف القرآن بكثرة‪ ،‬ويرد معهام الرصاع القائم بني احلق والباطل‪.‬‬
‫واحلق هو ما وافق الفطرة اإلنسانية وما انسجم مع قوانني الكون وسننه‪ ،‬والباطل ما خالف‬
‫ّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫الكون خارج اإلنسان يسري وفق قوانني وسنن معينة ويتجه نحو غاية مرسومة‪‌ ..‬هذا ما‬
‫جمزأة ال ارتباط بينها‪ ،‬لكنها يف نظر‬
‫نراه يف األفالك والنباتات واحليوانات‪ .‬وهي قد تبدو ّ‬
‫تتجزا‪ .‬أجزاء العامل كلها أعضاء يف جسد واحد‪.‬‬
‫اإلنسان اإلهلي وحدة ال ً‬
‫ويف داخل اإلنسان‪ ،‬املعدة تؤدي واجبها يف عمل معني‪ ،‬والعني كذلك‪ ،‬وهكذا الكبد‬
‫واألعصاب‪ ،‬لكنها تعمل يف دائرة مشرتكة وهي البقاء عىل حياة اإلنسان‪ .‬العامل بأمجعه‬
‫معي‪ ،‬إالّ اإلنسان‪ .‬فاإلنسان خمتار‪ ،‬يستطيع أن ينحرف عن‬
‫خيضع يف حركته لنظام ّ‬
‫نظام الكون‪ .‬أما بقية املوجودات فتتحرك وفق مسريها املرسوم‪ ،‬وإذا رأيت انحرا ًفا‬
‫كثريا من‬
‫غي مسريهتا‪ .‬اليورانيوم يستطيع أن يعالج ً‬
‫يف مسريهتا فإن اإلنسان هو الذي ّ‬
‫األمراض وخيدم اإلنسان يف حقول شتى‪ ،‬لكنك لو رأيت أن هذا اليورانيوم قد حتول‬
‫إىل قنبلة نووية تزهق أرواح املاليني‪ ،‬فإن اإلنسان هو الذي غري مسري هذه املادة‪ .‬وكثري‬
‫من املواد املخدرة مثل مادة «ال يس دي» واملورفني يمكن استعامهلا يف املعاجلة وإجراء‬
‫‪ n184‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫العمليات اجلراحية لكن اإلنسان يتجه هبا إىل اإلدمان عىل املخدرات‪ ،‬فيخرجها عن‬
‫مسريها بام يملك من اختيار‪.‬‬
‫احلق فالبدّ‬
‫وملا كان هذا الكائن البرشي له خاصية االختيار واخلروج عن املسري الطبيعي ّ‬
‫يوجه مسريته لتكون منسجمة مع مسرية الكون‪ ..‬مع مسرية احلق‪ .‬مثل هذا‬
‫من قانون ّ‬
‫منسجم ومطاب ًقا لطبيعة العامل‪ ،‬فهو ً‬
‫أيضا منسجم‬ ‫ً‬ ‫القانون منسجم مع طبيعة العامل‪ .‬وملا كان‬
‫مع طبيعة اإلنسان ومطابق هلا‪ ،‬ألن اإلنسان جزء من أجزاء هذا العامل‪ .‬وبام أن هذا القانون‬
‫متطابق مع فطرة اإلنسان والعامل‪ ،‬فإن فيه خري اإلنسان وصالحه‪.‬‬
‫ما هو الباطل‪ ،‬هو املنهج‪ ،‬هو القانون الذي يتعارض مع فطرة اإلنسان وطبيعة الكون‪.‬‬
‫الباطل هو ما يضعه املتغطرسون والشياطني وأولئك الذين يريدون أن ينحرفوا عن‬
‫هذا املسري‪ .‬األنبياء يأتون باحلق ليدحضوا به الباطل‪ ،‬املجتمع الذي يصنعه فرعون‬
‫بحق من‬
‫يقسم الناس إىل طبقات‪ ،‬يرفع طبقة وخيفض طبقة أخرى‪ ،‬ويامرس الظلم ّ‬
‫يشاء‪ .‬هذا الوضع االجتامعي باطل‪ ‌.‬واألنبياء جاءوا ليقلبوا هذا الشكل الباطل‪...‬‬
‫احلق مكانه‪ .‬فام يعانيه النبي من شقاء إنام هو من أجل‬
‫ليدمغوه‪ ..‬ليزيلوه‪ ..‬وليقيموا َّ‬
‫يقر لألنبياء قرار من أجل حتقيق هذا اهلدف‪ ،‬ال هيدأون خلطة يف سبيله‪ .‬هذا‬
‫احلق‪ .‬فال ّ‬
‫هو تفسري عمل األنبياء‪.‬‬
‫بعبارة موجزة يريدون تبديل النظام الظامل الطبقي الالإنساين اجلاهيل إىل نظام إهلي‪ ،‬يف‬
‫تصميم اجتامعي توحيدي‪ .‬يريدون أن تكون احلاكمية يف املجتمع هلل‪ ،‬ال لألهواء والرغبات‪.‬‬
‫من أجل هذا يرفعون شعار التوحيد‪ ،‬ومن أجل هذا حياربون الطواغيت‪ ،‬وسنتعرض هلذا‬
‫يف جلسات أخرى‪.‬‬
‫اخرتنا آيات من سورة القصص‪1‬ترشح هذا الوضع اجلاهيل للحكم الفرعوين‪ .‬واملجتمع‬
‫الفرعوين‪ ،‬والوضع الذي أراد موسى(ع) أن يقيمه‪ ،‬وما جرى من مواجهة بني الوضعني‪،‬‬
‫ثم ما آل إليه أمر جبهة موسى من انتصار‪ ،‬ثم تبرش اآليات كل املوحدين يف العامل بالنرص‬

‫‪1‬ـ اآليات ‪7 - 1‬‬


‫الثورة االجتامعية يف النبوة ‪185n‬‬

‫والنجاح‪ .‬وملاذا هذا الفتح والنرص؟ ألن حركة دعاة التوحيد متطابقة مع الفطرة وطبيعة‬
‫الكون واإلنسان‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬‫(ب ْسم اهلل َّ‬
‫الر ْح َمن َّ‬
‫ین) تبدأ السورة باحلروف املقطعة‬
‫اب الم ِب ِ‬ ‫الر ِح ِ‬
‫یم ‪ #‬طسم ‪ِ #‬تلك آیات ال ِكت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وللمفرسين فيها آراء لسنا بصددها اآلن‪.‬‬
‫وسى َو ف ْر َع ْو َن ب ْال َح ّق ل َق ْوم ُی ْؤم ُن َ‬
‫ون) اآلية تريد‬ ‫ات ْال ِك َتاب ْال ُمبین َن ْت ُلوا َع َل ْی َك ِمن َّن َبإ ُم َ‬
‫(ت ْل َك َآی ُ‬
‫ِ ِ ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن تستعرض جز ًءا من نبأ موسى وفرعون فيام يرتبط باملواجهة بني احلق والباطل‪ .‬وهذه‬
‫هي الطريقة القرآنية يف عرض قصص األنبياء‪ .‬يتناول القرآن يف كل موضع جان ًبا لتقرير‬
‫حقيقة معينة‪ ،‬وهي غلبة احلق عىل الباطل‪ .‬فالقصة هنا موجهة للنبي وللمؤمنني ليفهموا‬
‫َ َْ‬ ‫َ‬
‫السنّة اإلهلية يف هذا املجال‪ .‬وإذا فهموا ذلك فإهنم يع ّينون مسريهم‪ِ (.‬إ ّن ِف ْر َع ْو َن َعلا فِی الأ ْر ِض‬
‫َ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫َو َج َع َل أ ْهل َها ِش َی ًعا َی ْس َت ْض ِعف َط ِائفة ِّم ْن ُه ْم) إن فرعون قد استعىل وجعل نفسه يف الدرجة‬
‫قسم املجتمع إىل طبقات‪ ،‬طبقة قريبة منه وطبقة أدنى‪ ،‬ثم أدنى‪ .‬ثم استضعف‬
‫العليا‪ ،‬ثم ّ‬
‫طبقة منهم‪ ،‬أي فرض عليهم الضعف وقلة اإلمكانات واحلرمان من النمو والتكامل‪ .‬وهذه‬
‫ظاهرة مشهودة اليوم يف العامل‪ ،‬وخاصة فيام يسمى ببلدان العامل الثالث‪ ،‬إذ كل إمكانيات‬
‫والرقي متوفرة لدى فئة قليلة‪ ،‬وهذه الفئة فرضت عىل غريها احلرمان‪ ،‬واستغلتهم‬
‫ّ‬ ‫النمو‬
‫‌وجعلتهم يف حالة ضعف وهزال‪.‬‬
‫ْ ْ‬ ‫َ َ ُ ْ َّ ُ َ‬
‫ك َان ِم َن ال ُمف ِس ِد َین) كان يقتل الشباب‪ ،‬ألنه يعلم بأن‬ ‫( ُی َذ ّب ُح َأ ْب َن ُ‬
‫اءه ْم َو َی ْس َت ْح ِیی ِنساءهم ِإنه‬ ‫ِ‬
‫التحرك املعارض له البدّ أن يأيت من الشباب‪ .‬ر ّبام مل يكن للمرأة يف ذلك املجتمع دور يف‬
‫موجها إىل الشباب‪ ‌.‬وقيل إن كاهنًا أخرب فرعون‬
‫ً‬ ‫املجتمع‪ ،‬لذلك فإن الضغط الفرعوين كان‬
‫بظهور فتى من بني إرسائيل هيدد سلطانه‪ ،‬لذلك عمد إىل ذبح أبناءهم‪ .‬وأما نساؤهم‬
‫فيستحييها‪ ،‬أي ُيبقيه ّن أحياء إما إلفسادهن أو للقضاء عىل نقاء نسب بني إرسائيل‪ ،‬وذلك‬
‫بأن خيتلط نسب هؤالء بنسب القبطيني‪ ،‬فيذوبون يف املجتمع الفرعوين‪‌ ،‬بعدأن كانوا‬
‫حيافظون عىل هويتهم مدة أربعامئة سنة يف ذلك املجتمع‪ .‬وهذا لون من فساد فرعون «إنه‬
‫كان من املفسدين» فساد يف الفطرة‪ ،‬وفساد يف املجتمع‪ ،‬وفساد يف العامل‪‌ .‬ودأب فرعون‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫وأمثال فرعون أهنم إذا مسكوا بسلطة فإهنم يفسدون يقول تعاىل‪َ ( ‌:‬و ِإذا ت َولى َس َعى فِی الأ ْر ِض‬
‫‪ n186‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫َ ‪1‬‬ ‫ُ ُ ُّ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬‫ْ َ َ ُْ َ َ َ‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي َ‬
‫ولون بصور‬ ‫ِل ُیف ِسد ِفیها َو یه ِلك الح ْرث َو الن ْس َل َو اهلل لا ی ِحب الف َساد) فرعون وأمثاله َ ُ‬
‫شتى دون أن تؤيت الطاقات املعنوية هلذا العامل ُأكلها‪.‬‬
‫و ما هو دور السنّة اإلهلية؟يف هذا االصطفاف بني احلق والباطل‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬
‫ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َّ ً َ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ ُ ّ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫ین ‪ #‬ن َم ِك َن ل ُه ْم‬ ‫( َو ن ِر ُید أن ن ُم َّن َعلى ال ِذ َین ْاس ُتض ِعفوا فِی الأر ِض و نجعلهم أ ِئمة و نجعلهم الو ِار ِث‬
‫ك ُانوا َی ْح َذ ُر َ‬
‫ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ ْ ُ َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ون)‪.‬‬ ‫فِی الأ ْر ِض َو ن ِری ِفرعون و هامان و جنودهما ِمنهم ما‬
‫هذه مشيئة اهلل وسنته‪« .‬ونريد» ومل يقل أردنا‪ّ ،‬إنا سنة مستمرة يف احلياة‪ ،‬أن نم ّن عىل من‬
‫ُفرض عليه الضعف‪ ،‬باخلروج من هذه احلالة‪ ،‬وأن يكونوا متبوعني وأن نجعل زمام األمور‬
‫بأيدهيم‪ ،‬بدل أن كانوا تابعني ويف هامش املجتمع قابعني‪ .‬نريد أن يرثوا األرض وما عليها‬
‫من خريات‪ .‬نريد أن يكونوا متمكنني مستقرين عىل األرض‪ ،‬وأن نري فرعون الذي كان‬
‫عال ًيا يف األرض‪ ،‬وهكذا هامان الذي ينتمي إىل طبقة ممتازة ّ‬
‫سخرت كل طاقاهتا خلدمة‬
‫فرعون‪ ،‬وجنودمها الذين خيدمون اجلهاز الفرعوين دون أن ينالوا ح ًظا‪« ،‬منهم» أي من‬
‫املستضعفني ماكانوا حيذرون منه‪.‬‬
‫لقد ُمني فرعون وهامان بام كانا حيذران منه‪ ،‬كانا حيذران من سلب سلطتهم‪ ،‬فسلبت‬
‫وصارت بيد املستضعفني‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪1‬ـ البقرة‪205 /‬‬


‫اجللسة السابعة عشرة‬
‫أهداف النبوة‬
‫السبت ‪ 18‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/13‬هجرية مشسية‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َْ ْ َ ُ َ َ ْ َّ‬
‫اب َو‬ ‫ات َو أ َنز ْل َنا َم َع ُه ُم ْال ِك َت َ‬
‫(لقد أر َسلنا ر ُسلنا ِبال َب ِین ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ َ ُ َ َّ‬
‫الن ُاس ِبال ِق ْس ِط َو أ َنزل َنا ال َح ِد َید ِفیهِ َبأ ٌس‬ ‫ال ِمیزان ِلیقوم‬
‫َ َ ْ َ َ ُ َ َ ُ ُ ُ َ ُ ُ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شـ ِـدیـ ٌـد َو َم َن ِاف ُع ِل ّلن ِاس و ِلیعلم اهلل مــن ینصره و رسله‬
‫(احلديد‪)25 /‬‬
‫ب ْال َغ ْیب إ َّن َ‬
‫اهلل َق ِو ٌّی َع ِز ٌیز)‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫وصلنا يف سلسلة أحاديثنا عن النبوة إىل أن النبي حني يبعث يدخل الساحة االجتامعية‪،‬‬
‫وتغيريا‪ .‬ويف هذه اجللسة‬
‫ً‬ ‫وحيدث فيها هنضة كام حدثت يف داخله‪ ،‬ويوجد فيها ً‬
‫حتول‬
‫نريد أن نفهم اهلدف واملقصد من هذا التحول‪ ،‬وبشكل عام نريد أن نوضح اهلدف وراء‬
‫سعي األنبياء‪.‬‬
‫لألنبياء هدف أصيل‪ ،‬ويف طريق حتقيق هذا اهلدف األساس ثمة أهداف أخرى‪ ،‬وبني هذه‬
‫األهداف األخرى هناك هدف أهم من غريه‪.‬‬
‫سموه‬
‫ّ‬ ‫أما اهلدف األصيل واألساس لألنبياء هو إيصال اإلنسان إىل الدرجة املقدّ رة من‬
‫وكامله‪ .‬اإلنسان موجود يمتلك طاقات وكفاءات وقوى كثرية يستطيع هبا أن يبلغ مرتبة‬
‫وأعز وأرشف مما هو عليه‪.‬‬
‫أسمى ّ‬
‫اإلنسان منذ والدته يف حالة تكامل مستمر‪ .‬هذا التكامل مشهود يف ظاهر جسمه‪‌.‬الطفل‬
‫كثريا من خصائص اإلنسان الكامل‪ .‬يفتقد األسنان ويفتقد اليد القوية والفك‬
‫الوليد يفتقد ً‬
‫القوي‪ ،‬ويفتقد القدرة عىل امليش‪ ،‬ويفتقد اجلهاز اهلضمي الذي يستطيع أن يستقبل من‬
‫‪ n190‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫الطعام ما يأكله الكبار‪ ،‬ويفتقد الدماغ القوي واألعصاب القوية‪‌ .‬وبعد مدة حيصل له ما‬
‫كان يفتقده‪‌،‬مل يأت إليه يشء جديد من اخلارج‪ ،‬فيده نفسها تصبح قوية‪ ،‬وفكه نفسه يصبح‬
‫قو ًيا‪ ،‬ورجله نفسها تصبح قوية قادرة عىل امليش‪ ،‬وهكذا أجهزته الداخلية هي نفسها لكنها‬
‫تكتسب قوة من بعد ضعف‪ .‬قابلياته وقواه الكامنة تظهر بمرور الزمن بعد توفر الظروف‬
‫قادرا عىل النطق‪ ،‬فيه قابلية الفهم والتفكري‬
‫اخلاصة‪‌ .‬فيه قابلية النطق ثم بعد ذلك يصبح ً‬
‫وأن يكون عا ًملا ثم بعد ذلك تتحول هذه الكفاءات بالقوة إىل الفعل‪ .‬فاإلنسان يتكامل‬
‫باستمرار‪.‬‬
‫هذا بالنسبة إىل اجلسم الظاهري لإلنسان‪ .‬هذا األمر نفسه يصدق عىل اجلوانب املعنوية‬
‫والروحية والفضائل اإلنسانية‪ .‬ففي اإلنسان يكمن عامل من الكفاءات يف هذا املجال‪ .‬إنه‬
‫كثريا‪ ،‬وإذا مل تستخرجه سيبقى دونام ثراء‬
‫ثري إذا استخرجته ستجد فيه شي ًئا ً‬
‫منجم غني ّ‬
‫والعطاء والمجال‪.‬‬
‫أش ّبه ذلك باملوازائيك الذي يستعمل يف تزيني البناء‪ .‬حني يوضع يف قوالب و ُيفرش ال ترى‬
‫خال من األلوان والنقوش‪ .‬ولكن بعد ذلك حني ُيصقل ترى‬ ‫سطح معتِم ٍ‬ ‫فيه أي مجال‪.‬‬
‫ٌ ُ‬
‫زوال ال ُعتمة وظهور ألوان مجيلة ونقوش خالبة‪ .‬وما كان باإلمكان ظهور هذه الروعة إالّ‬
‫بعد الصقل املتواصل‪.‬‬
‫كل إنسان ينطوي عىل هذا املنجم الغني ‌‪ ،‬وهذه الصور اجلميلة من الفضائل اإلنسانية‪‌.‬كام‬
‫يقول الشاعر الفاريس سعدي الشريازي‪:‬‬

‫بـه در آي تا ببيني طــران آدميت‬ ‫طريان مرغ ديدي‪ ،‬تو ز پايبند شهوت‬
‫من قيود الشهوه كي ترى طريان اإلنسانية‬ ‫أيضا حترر‬
‫أرأيت حتليق الطيور؟! أنت ً‬

‫لقد قال لنا القدماء بلغة الشعر وبلغة العرفان ــ وقوهلم صحيح ــ إن اخلصائل اإلنسانية‬
‫وتصي من اإلنسان منب ًعا متدف ًقا من املحاسن واجلامل‬
‫ّ‬ ‫ترفع اإلنسان فوق مستوى املالئكة‪،‬‬
‫ً‬
‫متكامل متسام ًيا‪.‬‬ ‫املتفجرة بعد كموهنا‪‌،‬أي جتعل منه إنسانا‬
‫ّ‬ ‫ومن الكفاءات والطاقات‬
‫أهداف النبوة ‪191n‬‬

‫وهذا هو هدف األنبياء‪ .‬وهذا هو معنى التزكية والتعليم يف أهداف األنبياء‪ .‬إنه تطهري‬
‫اإلنسان من الصفات الرذيلة واألهواء ومن اخلصال احليوانية املتوحشة‪ .‬ال يمكن أن نطلق‬
‫اسم اإلنسان عىل أولئك الذين يامرسون أعامل الذئاب والكالب بينام ظاهرهم كظاهر البرش‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويتسل بإزهاق األرواح‪ ،‬وال يتأمل آلالم الناس‬ ‫ليس بإنسان ذلك الذي يتلذذ بسفك الدماء‬
‫علم وثروة وقوة‪ .‬أن‬ ‫ِ‬
‫ومَنهم وأحزاهنم‪ .‬ليس هذا بإنسان مهام كان ظاهره‪ ،‬حتى ولو امتأل ً‬
‫جذاب يشء آخر‪.‬‬ ‫أومقتدرا أو ثر ًيا أو متحل ًيا بظاهر ّ‬
‫ً‬ ‫تكون إنسانا يشء وأن تكون عا ًملا‬
‫للس ُبعية واحليوانية والوحشية‪،‬‬
‫أثرا َ‬
‫األنبياء يأتون لتطهري اإلنسان‪‌،‬ال ترون يف ساحة األنبياء ً‬
‫ساحة األنبياء ساحة نور وصفاء وإنسانية‪ ،‬وهذه معجزة النبوة‪ .‬قد نبحث عن معاجز‬
‫ّ‬
‫املتحل‬ ‫النبوة يف األعامل اخلارقة للطبيعة‪ ،‬لكن املعجزة الكربى لألنبياء هي صناعة اإلنسان‬
‫بالفضائل‪.‬‬
‫حني ننظر إىل املجتمع الذي ظهر فيه النبي اخلاتم نرى ذلك الفسيفساء املعتم القبيح قبل‬
‫صقله‪ .‬وبعد أن تعمل النبوة صق َلها فيه يتحول ذلك الكائن البرشي البدوي اجلايف إىل‬
‫إنسان عظيم‪.‬‬
‫الصحايب اجلليل أبو ذر الغفاري كان قبل اإلسالم مثل أبناء جلدته ً‬
‫رجل يألف حياة البداوة‬
‫اجلافية اخلشنة‪ ،‬مثل هذا اإلنسان ال يأبه به عادة أولئك الذين يدّ عون أهنم مصلحون‪ ،‬وال‬
‫حول هذا الرجل اجلايف‬
‫يعريونه أمهية‪ ،‬بل يتعالون عىل أمثال هؤالء‪ .‬لك ّن رسول اإلنسانية ّ‬
‫احلايف إىل إنسان جتتمع فيه الفضائل اإلنسانية كلها‪ .‬ذاب يف هدفه الرسايل‪ ،‬وأصبحت مجيع‬
‫نشاطاته تدور حول الرسالة ال حول «األنا»‪ ..‬هذه األنا التي تدور حوهلا مصاحلنا‪ .‬نريد‬
‫وسمعتنا ودكّاننا‪ .‬أبو ذر ضحى هبذه األنا من أجل هدفه الكبري‪ .‬لقد‬
‫كل يشء لنا وألبنائنا ُ‬
‫ً‬
‫مصقول مضي ًئا ساط ًعا‪ .‬وهذا هو هدف النبوة‪.‬‬ ‫صقلته الدعوة النبوية فخرج بعدها إنسانا‬
‫اهلدف النهائي من أي نشاط إنساين هو الذي حيقق الغرض من ذلك النشاط‪ .‬لو أراد أحد‬
‫أن َيبني مسجدً ا فالبدّ أن يفكر يف النتيجة النهائية من هذا العمل‪ ،‬البدّ أن يفكّر يف اهلدف‬
‫الرسايل الكبري من وراء هذا العمل‪ ،‬ال أن يكون هدفه حمدو ًدا بأداء طقوس العبادة دون أن‬
‫يكون وراء هذه العبادة حتقيق هدف كبري‪.‬‬
‫‪ n192‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫املدارس املادية التي تدّ عي أهنا تستهدف إقامة جمتمع الرفاه والعدالة‪ ،‬ال تستطيع أن تقدم‬
‫أمرا أسمى من‬ ‫لإلنسان هد ًفا ً‬
‫كبريا وراء إشباع متطلباته املادية‪ .‬املدرسة اإلهلية تستهدف ً‬
‫االحتياجات املادية‪ .‬هذه االحتياجات هي شأن أي كائن برشي‪ .‬وهدف األنبياء حتويل هذا‬
‫الكائن البرشي إىل «إنسان»‪ ..‬إنسان يتكامل باستمرار‪ ،‬وال يتوقف عند مرحلة من مسريته‬
‫َّ َ‬
‫نحو الكامل املطلق‪( :‬إنا هلِل َو إنا إل ْیهِ َراج َ‬ ‫َّ‬
‫عون)‪ ،1‬واألنبياء جاءوا لتحقيق هذا اهلدف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫األنبياء جاءوا لينقذوا البرش من الدناءة واجلهل والرذائل األخالقية‪ ،‬من ضمور الكفاءات‬
‫مرارا يف القرآن الكريم‬ ‫ً‬
‫متكامل متسام ًيا‪ ،‬وهذا اهلدف يرد ً‬ ‫الداخلية‪ ،‬وليجعلوا منه إنسانا‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ََ ْ َ ُ ََ ْ‬
‫ین ِإذ َب َعث ِف ِیه ْم َر ُسولا ِّم ْن أنف ِس ِه ْم َی ْتلو َعل ْی ِه ْم‬ ‫من مثل قوله تعاىل‪( :‬لقد َم ّن اهلل على ال ُم ِ‬
‫ؤم ِن‬
‫ْ ْ َ‬ ‫كیه ْم َو ُی َع ِ ّل ُم ُه ُم ْال ِك َت َ‬
‫َ َ َُ ّ‬
‫اب َو ال ِحك َمة)‪ 2‬ورسول اهلل(ص) يقول‪« :‬إنام بعثت ألمتم‬ ‫آی ِاتهِ و یز ِ ِ‬
‫مكارم األخالق»‪.3‬‬
‫أهم‪ .‬يكثر احلديث حول اهلدف األول‪،‬‬
‫هذا هو اهلدف األول‪ ،‬أما اهلدف الثاين فهو ّ‬
‫ويكرر بعضهم الكالم عن التهذيب والتزكية‪ .‬ويرى بعضهم أنه وجد الطريق إىل حتقيق‬
‫هذا اهلدف‪ .‬يرى أن ذلك يتحقق بالعزلة عن املجتمع وضجيجه وضوضائه‪ ،‬واللجوء إىل‬
‫صومعة يشتغل فيها بالرهبانية‪ ،‬وأكثر ما يفعله أنه يقدّ م النصح ملن له قابلية االتعاض!!‬
‫ّ‬
‫وتوخي األسهل يف األمور‪.‬‬ ‫هذا الكالم ينطلق من رغبة يف الكسل والتقاعس وطلب العافية‬
‫بعض املتصدين لإلرشاد والتعليم يلتذون هبذه األحاديث‪ ،‬ألهنا ال توقعهم يف مشكلة وال‬
‫توقع اآلخرين يف مشكلة‪ .‬ويرون أن التهذيب والتزكية عملية سهلة‪ ،‬وهي يف الواقع ليست‬
‫بالعملية السهلة كام سنرى‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬اهلدف األول لألنبياء هو التهذيب والتزكية‪ ،‬ولكن السؤال األهم هو‪ :‬كيف مارس‬
‫األنبياء نشاطهم لتحقيق هذا اهلدف؟ هذا هو الذي ال يدور حوله الكالم‪ .‬هل إن األنبياء‬
‫اتصلوا باألفراد واحدً ا واحدً ا‪ ،‬وأخذوهم إىل خلوة أو زاوية ليع ّلموهم ويربوهم؟ هل‬

‫‪1‬ـ البقره‪156 /‬‬


‫‪2‬ـ آل عمران‪164 /‬‬
‫‪3‬ـ بحاراألنوار‪ ،‬کتاب االیامن و الکفر‪ ،‬ابواب مکارم االخالق‪ ،‬باب حسن اخللق‪ ،‬ح ‪1‬‬
‫أهداف النبوة ‪193n‬‬

‫هم مثل أصحاب الزوايا جلسوا يف مكان ليأيت إليهم الناس ويسرتشدوا هبم؟ هل فتحوا‬
‫مدرسة ووضعوا عليها الفتة كي يأتيهم من يريد أن يستزيد من علمهم؟ ال ليس هذا عمل‬
‫األنبياء وال السائرين عىل طريق األنبياء‪ ،‬وسنوضح ذلك عند حديثنا عن اإلمام جعفر بن‬
‫مقترصا عىل اعتالء منرب الدرس والوعظ وأن‬
‫ً‬ ‫حممد الصادق‪ .‬مل يكن عمل اإلمام الصادق‬
‫جيلس حتت منربه أربعة آالف طالب كام يروي ابن عقدة الرجا ّيل املعروف‪ ،‬مل يكن هذا دأب‬
‫اإلمام الصادق وال دأب جدّ ه رسول اهلل وال األنبياء‪ .‬األنبياء والسائرون عىل طريقهم كان‬
‫هلم جواب واحد يف كيفية هتذيب اإلنسان وتزكيته وفق األسلوب اإلهلي الصحيح‪ .‬وهو‪:‬‬
‫اجلو االجتامعي املناسب واملالئم للرتبية‪ .‬لو كان عمل األنبياء هو تربية األفراد واحدً ا‬
‫إجياد ّ‬
‫يغيوا املجتمع‪ .‬إذن البد من نظام قادر عىل صنع‬‫واحدً ا ملا استطاعوا خالل عمرهم أن ّ‬
‫اإلنسان املطلوب‪ .‬اإلنسان مثل شجرة مثمرة ال تؤيت ُأكُلها إالّ يف ظروف مناخية خاصة‬
‫وتربة خاصة‪ .‬فنخيل التمر تثمر يف بيئة خاصة‪ ،‬وإذا أردت أن تزرع النخيل يف تربة وبيئة ال‬
‫تناسب إثامر التمر فإنك ال حتصل عىل يشء‪ ،‬وإذا جهدت نفسك يف احلصول عىل ثمرة يف‬
‫تلك البيئة غري املناسبة فقد حتصل عىل مترة أو مترتني‪ .‬ملاذا إذن ال نتوجه يف اإلثامر إىل البيئة‬
‫املناسبة لنحصل ال عىل مترة أو مترتني بل إىل أمحال من الرطب‪.‬‬
‫العمل الفردي يف اإلصالح يؤدي إىل استقامة فرد أو فردين‪ ،‬والعمل االجتامعي يؤدي إىل‬
‫إصالح جمتمع بماليني أفراده وإىل إصالح أجيال متوالية‪.‬‬
‫ما نفهمه من القرآن الكريم أن سرية األنبياء يف صناعة اإلنسان هي خلق املجتمع اإلهلي‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أفواجا‪ِ ( :‬إذا َج َاء ن ْص ُر‬
‫ً‬ ‫اجلو املساعد عىل دخول الناس يف دين اهلل‬ ‫املجتمع التوحيدي‪ ،‬خلق ّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َّ‬
‫الن َاس َی ْد ُخ ُل َ‬
‫اهلل أ َفو ًاجا)‪.1‬‬
‫ین ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬‫ی‬ ‫ف‬ ‫ون‬ ‫اهلل و الفتح ‪ #‬و رأیت‬
‫ِ‬
‫النبي يف املرحلة املكية كان من الطبيعي أن يبدأ بتغيري األفراد فر ًدا فر ًدا كي يكونوا حجر‬
‫الزاوية يف املجتمع املستقبيل‪ ،‬هذا ال يتعارض مع هدف األنبياء‪ .‬لقد صنع اجلامعة األوىل‬
‫من الصحابة ليكونوا قاعدة املجتمع املدين املطلوب‪‌،‬أي املجتمع التوحيدي واإلسالمي‪.‬‬

‫‪1‬ـ النرص‪2 - 1 /‬‬


‫‪ n194‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫كان األمر يف مكة صع ًبا بسبب عراقيل البيئة‪ ،‬البيئة العائلية اجلاهلية والبيئة القبلية اجلاهلية‪،‬‬
‫أفواجا‪ ،‬حني أقيم املجتمع اإلهلي‬
‫ً‬ ‫لكن املرحلة املدنية هي مرحلة دخول الناس يف دين اهلل‬
‫واإلسالمي يف املدينة‪ ،‬وأصبح النبي قائدً ا لذلك املجتمع‪ ،‬حيكم فيه بتعاليم الدين املبني‪.‬‬
‫إذن لألنبياء مهمتان‪ :‬صناعة اإلنسان وحتريره من الدنايا وجعله متخل ًقا بالفضائل‬
‫اإلنسانية‪ ،‬واهلدف الثاين إقامة املجتمع التوحيدي والنظام اإلهلي‪ ،‬ومن ُييل إليه أن هدف‬
‫األنبياء مل يكن عىل هذا النحو فل ُيمعن النظر يف آيات القرآن واحلديث والتاريخ‪.‬‬
‫نذكر آيتني يف هذا الصدد من مجلة آيات كثرية يف كتاب اهلل العزيز تؤيد ما ذهبنا إليه‪،‬‬
‫واآليتان حتتاجان إىل َقدَ ر من التأمل والتدبر‪ .‬اآلية األوىل من سورة احلديد‪ ،‬أذكرها مع‬
‫يشء من التوضيح‪:‬‬
‫ات)‪ 1‬باحلجج البينة الواضحة التي يدركها كل عاقل‪.‬‬ ‫( َل َق ْد َأ ْر َس ْل َنا ُر ُس َل َنا ب ْال َب ّی َ‬
‫ن‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َ‬
‫مرارا يعني جمموعة املعارف والتعاليم التي‬ ‫ذكرنا‬ ‫كام‬ ‫والكتاب‬ ‫)‬ ‫( َوأ َنز ْل َنا َم َع ُه ُم ْال ِك َت َ‬
‫ً‬ ‫اب‬
‫تشكل أصل الدين‪ .‬الكتاب جامع ملنظومة الفكر اإلسالمي التي هلا أثر عميل ملموس‬
‫وفاعل‪.‬‬
‫( َو الم َ‬
‫یزان) هو جهاز التعادل والتوازن يف املجتمع‪ .‬وهذامؤرش عىل الدور االجتامعي‬ ‫ِ‬
‫للنبي‪ ،‬ولو مل يكن له مثل هذا الدور ملا احتاج إىل ميزان يستطيع به أن يقيم التعادل والتوازن‬
‫يف املجتمع‪ .‬وامليزان يمكن أن جيد مصاديقه يف اجلهاز القضائي ويف اجلهاز التنفيذي الذي‬
‫يضمن التنفيذ ويشهد عىل اإلجراء‪.‬‬
‫ُ‬
‫«امليزان هو‬ ‫راجعت األحاديث التي تتصدى لذكر معنى «امليزان» فرأيت فيها عبارة‪:‬‬
‫اإلمام»‪ 2‬ونفهم من هذا النص أن امليزان هو اإلمام الذي يميز احلق من الباطل يف املجتمع‪،‬‬
‫ويقيم التوازن والتعادل فيه‪ ،‬إذ هو احلاكم يف املجتمع‪ .‬وملاذا أرسلنا الرسل والكتاب‬
‫وامليزان؟‬
‫ْ‬ ‫َُ َ َ‬
‫وم ّالن ُاس ِبال ِق ْس ِط) أي ل ُيقيم الناس املجتمع العادل‪ ،‬أو ليعيش الناس يف جمتمع عادل‪،‬‬ ‫( ِلیق‬

‫‪1‬ـ احلديد‪25 /‬‬


‫‪2‬ـ تفسري نور الثقلني‪ ،‬ذيل اآلية ‪ 25‬من سورة احلديد‬
‫أهداف النبوة ‪195n‬‬

‫وليستتب العدل يف املجتمع‪،‬‬


‫ّ‬ ‫وكال املعنيني واحد‪ .‬النبي جاء ليقيم جمتم ًعا حيكمه نظام عادل‪،‬‬
‫ولتتوفر للناس يف ظل هذا املجتمع فرصة التكامل والسمو‪ .‬ثم بعدها تقول اآلية‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫( َوأ َنزل َنا ال َح ِد َید) ملواجهة الشياطني والذئاب املفرتسة‪ ،‬وللدفاع عن القيم األساسية‪ .‬وراجعنا‬
‫ما ورد من حديث بشأن معنى «احلديد» فوجدنا مفردة «السالح»‪ .‬فاهلل سبحانه وضع احلديد‬
‫إىل جانب دعوة النبوة‪ .‬وضع السالح وممارسة القوة إىل جانب إقامة النظام التوحيدي اإلهلي‪.‬‬
‫فالنظام العادل ال يقوم باالكتفاء باملوعظة‪ ،‬بل البد من إقامة جمتمع القسط‪ ،‬والدفاع عن هذا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫املجتمع وقيمه بإعداد القوة‪ .‬فهذا احلديد ( ِفیهِ َبأ ٌس ش ِد ٌید َو َم َن ِاف ُع ِل ّلن ِاس)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نص ُر ُه َو ُر ُسل ُه ِبال َغ ْی ِب) ليتبني الذين ينرصون اهلل ورسله باإليامن بالغيب‪،‬‬ ‫( َول َی ْعل َم ُ‬
‫اهلل َمن َی ُ‬ ‫ِ‬
‫فاهلل غيب‪ ،‬ومن مل َي َر الرسول فإنه ينرصه بالغيب‪.‬‬
‫اهلل َقــو ٌّی َعزیز) ويالحظ أن العبارات التي ُتتتم هبا اآليات كقوله سبحانه‪( :‬إ َّن َ‬
‫اهلل‬ ‫(إ َّن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫اهلل قو ّیا َعز ًیزا) أو (إ ّن َ‬ ‫َ‬
‫یم) أو ( َوك َان ُ‬
‫اهلل غف ٌور ّر ِح ٌیم) وردت يف سياق مضمون تلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫یع َع ِل ٌ‬
‫َس ِم ٌ‬
‫َّ َ َ‬
‫اهلل ق ِو ٌّی َع ِز ٌیز) للرد عىل من خيال أن األنبياء قد ال يكونون قادرين‬ ‫اآليات وهنا قوله ( ِإن‬
‫عىل إقامة جمتمع القسط‪ ،‬ال‪ ،‬إن اهلل قوي‪ ،‬فال ختافوا من املعارضني لدعوة النبوة‪ .‬وهو‬
‫عزيز‪ .‬وقيل يف العزيز إنه الغالب الذي ال ُيغلب‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وأما سورة األعراف فنقتطع منها ما يرتبط بموضوعنا يف قوله تعاىل‪َ ( :‬واك ُت ْب ل َنا فِی َه ِذهِ‬
‫ًَ‬ ‫ُ ْ‬
‫ّالدن َیا َح َسنة َو فِی ِ‬
‫الآخ َرةِ )‪ 1‬هذا دعاء مؤمن أو مؤمنني‪ .‬ويأيت اجلواب‪:‬‬
‫ََ‬ ‫ُ‬
‫(قال َع َذابی أ ِص ُ‬
‫یب ِبهِ َم ْن أش ُاء) أي أصيب به من يستحق العذاب وفق املعايري التي قررها‬ ‫ِ‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ َّ ُ َ َ ُ ْ ُ َ َّ َ‬
‫ك َاة َو ال ِذ َین ُهم ِب َآی ِات َنا ُی ْؤ ِم ُن َون)‬ ‫(ورحم ِتی و ِسعت كل شی ٍء فسأكتبها ِلل ِذین یتقون و یؤتون الز‬
‫و َم ْن هؤالء؟ هم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫( َّالذ َین َی َّتب ُع َ‬
‫ون َّالر ُسول ّالن ِب َّی الأ ِ ّم َّی) وقيل يف األمي هو الذي ينتسب إىل عامة الناس‪ ،‬وقيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذي مل يع ّلمه أحد‪ ،‬وقيل املنسوب إىل أم القرى‪.‬‬

‫‪1‬ـ األعراف‪157 - 156 /‬‬


‫‪ n196‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫یل) فقد جاءت بشارة الرسول اخلاتم يف‬ ‫ج‬ ‫ن‬


‫َّ ْ َ َ ْ‬
‫الإ‬ ‫و‬ ‫اةِ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫الت‬ ‫ی‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫( َّالذی َیج ُد َون ُه َم ْك ُت ًوبا ع َ‬
‫ند ُه ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التوراة واإلنجيل‪ .‬وماهي خصائص هذا النبي؟‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ات َو ُی َح ّ ِر ُم َعل ْی ِه ُم ال َخ َبآ ِئث)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫وف َو َین َهاه ْم ع ِن ال ُمنك ِر َو ُی ِح ُّل ل ُه ُم الط ِّی َب ِ‬
‫َ ُ‬
‫(یأ ُم ُرهم ِبال َم ْع ُر ِ‬
‫فاملجتمع اإلسالمي توفر فيه مجيع ما يصلح فكر اإلنسان وقلبه وروحه وجسمه من علم‬
‫ويرض به‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وتقوى وثروة‪ ،‬ويزول منه كل ما ييسء إىل اإلنسان‬
‫( َو َی َض ُع َع ْن ُه ْم ِإ ْص َر ُه ْم) يضع عنهم ما كان يثقل كاهلهم من جهل وتقاليد وعادات خاطئة‬
‫وأنظمة فاسدة غري إنسانية‪ ،‬وحكومات دكتاتورية مستبدة طاغية مستغلة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َّ‬
‫كانَ ْت َعل ْی ِه ْم) وهذه األغالل هي أغالل الرضوخ للمتغطرسني وأغالل‬
‫َ‬
‫( َوالأغــلال ال ِتی‬
‫استغالل اإلنسان لإلنسان‪ ،‬وذلك ال يتحقق إال يف ظل نظام إنساين توحيدي‪.‬‬
‫ُ َّ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫(فال ِذ َین َآم ُنوا ِبهِ َو َع َّز ُر ُوه) أي ع ّظموه وو ّقروه ( َون َص ُر ُوه َو ات َب ُعوا ّالن َور ال ِذ َی أ ِنزل َم َع ُه) أي‬
‫القرآن ( ُأ ْو َلئ َك ُه ُم ْال ُم ْفل ُح َ‬
‫ون)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫اجللسة الثامنة عشرة‬
‫منطلق الدعوة‬
‫األحد ‪ 19‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/14‬هجرية مشسية‬
‫ك ّل ُأ َّمةٍ َّر ُسـ ًـولا َأن ْاع ُب ُدوا َ‬
‫اهلل َو ْاج َت ِن ُبوا‬
‫ُ‬ ‫َََ ْ َََْ‬
‫ِ‬ ‫(ولقد بعثنا فِی ِ‬
‫َّ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫وت َفم ْن ُهم َّمـ ْـن َهـ َـدى ُ‬ ‫الط ُاغ َ‬ ‫َّ‬
‫اهلل َو ِم ْن ُهم ّمـ ْـن َحقت َعل ْیهِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ك َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُ َ‬
‫ان َع ِاق َبة‬ ‫الضلالة ف ِس ُیر وا فِی الأ ْر ِض فانظ ُر وا ك ْیف‬
‫(النحل‪)36 /‬‬ ‫ین) ‬ ‫ْال ُم َك ّ ِذب َ‬
‫ِ‬

‫حتدثنا يف اجللسات السابقة عن هدف األنبياء وذكرنا أنه ّ‬


‫يتلخص يف إقامة املجتمع التوحيدي‬
‫والنظام التوحيدي وهدم نظام الرشك اجلاهيل وقيادة هنضة عظيمة يف املجتمع‪ .‬ونتناول يف‬
‫هذه اجللسة نقطة البدء يف حركة األنبياء‪ .‬من الطبيعي أن تتضح نقطة البدء يف كل مرشوع‬
‫صحيحا‪ ،‬وإن‬
‫ً‬ ‫عميل للفرد أو للجامعة‪ ،‬فاملنطلق مهم لنجاح العمل إذا كان ذلك املنطلق‬
‫كان خاط ًئا فال يتحقق اهلدف املطلوب‪.‬‬
‫درسا للسائرين عىل طريقهم‪ ،‬كام يبني أساس‬
‫واتضاح نقطة البداية يف عمل األنبياء يشكل ً‬
‫مدرستهم وروحها ول ّبها‪ .‬واملالحظ أن األنبياء مل يبدأوا عملهم بمجاملة واقع جمتمعهم‪ ،‬مل‬
‫يعلنوا أهدا ًفا فرعية لينتقلوا بعدها إىل إعالن أهدافهم األساسية‪ ،‬بل بدأوا بإعالن هدفهم‬
‫األساس بكل رصاحة ووضوح‪ .‬فام هو هذا اهلدف؟ إنه «التوحيد»‪.‬‬
‫التوحيد كام ذكرنا خيتزل كل مدرسة األنبياء (عليهم السالم)‪ .‬التوحيد ومعرفة اهلل مبعث‬
‫وسمو روحه‪ .‬مرشوع التوحيد يعني كذلك إقامة املجتمع الذي يسوده‬
‫ّ‬ ‫تكامل اإلنسان‬
‫النظام اإلهلي‪ :‬النظام العادل‪ ،‬والنظام اخلايل من التمييز الطبقي واالستثامر والظلم‪ .‬ويف‬
‫‪ n200‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ونموه‪ .‬إنه‬
‫ّ‬ ‫اجلو الالزم ــ كام ذكرنا ــ لتكامل الكائن البرشي‬
‫ظل هذا املجتمع يتوفر ّ‬
‫املجتمع الذي ال إله فيه إالّ اهلل‪ ،‬وال ألحد ّ‬
‫حق أن يدعو الناس إلطاعته‪ ،‬حتى النبي احلامل‬
‫ََ َ ُ َ َ‬ ‫لرسالة السامء ليس له حق مثل هذه الدعوة‪َ ( :‬و إ ْذ َق َال ُ‬
‫یسى ْاب َن َم ْر َی َم أ أنت قلت ِل ّلن ِاس‬ ‫اهلل َیا ِع َ‬
‫ِ‬
‫نت ُق ْل ُتهُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اهلل قال ُس ْب َحان َك َما َیكون ِلی أن أقول َما لی َس ِلی ِب َح ٍق ِإن ك‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ََْ‬ ‫َّ ُ‬
‫ون ِ‬‫ات ِخذونِی َو أ ِم َی ِإلهی ِن ِمن د ِ‬
‫‪َ ُ ُ َ ُّ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ 1‬‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫الن ُب َّوة ث َّم َیقول‬ ‫فق ْد َع ِل ْم َت ُه ت ْعل ُم َما فِی نف ِسی) ‪(.‬ما كان ِلبش ٍر أن یؤ ِتیه اهلل ال ِكتاب و الحكم و‬
‫اب َو ِب َما‬ ‫ون ْال ِك َت َ‬
‫ك ُنت ْم ُت َع ّل ُم َ‬ ‫ُ ُ َ َّ ّ َ َ ُ‬
‫اهلل َو ل ِكن كونوا رب ِان ِیین ِبما‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ون ِ‬ ‫ِللن ِاس كونوا ِع َبادا ِلی ِمن د ِ‬
‫حيق له أن يستعبد الناس وخيضعهم إىل أوامره بشكل‬ ‫ون)‪ .2‬وإذا كان النبي ال ّ‬ ‫ُك ُنت ْم َت ْد ُر ُس َ‬

‫مر التاريخ؟!‬
‫مطلق فام بالك بغريه من الطواغيت الذين سيطروا عىل مقدرات البرشية عىل ّ‬
‫التوحيد يرفض ذلك متا ًما‪ ،‬هذا هو معنى التوحيد‪ ،‬ومن مل يفهم التوحيد هبذه الصورة فهو‬
‫قارصا يف مطالعاته أو يف فهمه‪ ،‬فهذه من واضحات القرآن الكريم‪ .‬ذكرت‬
‫ً‬ ‫إما أن يكون‬
‫باختصار من قبل يف مبحث التوحيد أن النبي حني يعلن يف جمتمعه أن «ال إله إال اهلل» فإن‬
‫مجيع أفراد املجتمع يعرفون ماذا يعني هذا الشعار‪ ،‬املوالني منهم واملعادين‪.‬‬
‫منذ اليوم األول حني نزل النبي‪ ،‬بعد هبوط الوحي عليه‪ ،‬من غار حراء وأعلن نداء‬
‫التوحيد‪ ،‬ظهرت اجلبهة املعارضة املعادية كام ظهرت اجلبهة املوالية‪.‬‬
‫أنا اليوم أبذل جهدً ا لتوضيح مفهوم التوحيد‪ ،‬وأنه رفض كل قدرة غري قدرة اهلل‪ ،‬لكن أبا‬
‫هلب والوليد بن املغرية املخزومي وأبا جهل وغريهم من رساة قريش أدركوا حمتوى هذا‬
‫أيضا قضية‬
‫املفهوم‪ ،‬فهموا أن نداء «ال إله إال اهلل» ليس مسألة عقائدية فحسب‪ ،‬بل هو ً‬
‫اجتامعية‪ ،‬يعني زوال مكانة أمية بن خلف‪ 3‬والوليد بن املغرية والعاص بن وائل‪ .4‬فهموا‬
‫ذلك منذ اللحظات األوىل‪ ،‬لذلك ه ّبوا للمعارضة ومناصبة العداء‪ .‬مل يكن هؤالء ينطلقون‬

‫‪1‬ـ املائدة‪116 /‬‬


‫‪2‬ـ آل عمران‪79 /‬‬
‫‪3‬ـ أمية بن خلف‪ ،‬شيخ اجلمـحيني من قبيلة قريش‪ ،‬عارض الرسالة منذ انطالقتها‪ ،‬وناصب العداء ملن أسلم‪ ،‬ومارس‬
‫التعذيب ببالل احلبيش بعد إسالمه‪ ،‬قتل يف بدر بيد املسلمني‪.‬‬
‫‪4‬ـ العاص بن وائل بن هاشم‪ ،‬شيخ السهميني من قريش‪ ،‬ومن ألد أعداء الرسول‪ ،‬وهو الذي قال عن النبي إنه أبرت بعد وفاة‬
‫ابنه القاسم‪ ،‬فنزلت سورة الكوثر لتجيبه‪.‬‬
‫منطلق الدعوة ‪201n‬‬

‫يف عدائهم من التزامهم بدينهم اجلاهيل أو من تقديسهم ألصنامهم‪ ،‬وإن ا ّدعوا ذلك فهم‬
‫كاذبون‪ .‬مشكلتهم األساسية مع النبي املبعوث هي مشكلة اجتامعية‪ .‬لقد رأوا يف نداء‬
‫التوحيد هد ًما لعروشهم‪ ،‬وفهموا أن جمتمع التوحيد يعني رفض الظلم‪ ،‬ويعني هدم رصح‬
‫نظام التمييز االجتامعي والطبقي‪ ،‬ولذلك تصدوا ملعارضته كام تصدى من قبلهم فرعون‬
‫ونمرود‪ ،‬وكام تصدى زعامء بني إرسائيل لدعوة عيسى‪ ،‬وكام عارض عاد وثمود أنبياءهم‪.‬‬
‫األنبياء يعلنون منذ البداية أهدافهم النهائية‪ ،‬ال كام تفعله املذاهب الوضعية التي ختفي‬
‫أهدافها النهائية‪ ،‬وتُلهي الناس بآمال واهية‪ ،‬ثم يتبني بعد ذلك أن هدفها النهائي هو حتقيق‬
‫مآرب أخرى‪ .‬األنبياء يقولوهنا منذ اليوم األول إن هدفهم إنزال املستكربين من صياصيهم‪،‬‬
‫ورفع املستضعفني من حالتهم‪.‬‬
‫ومن عطاء هذا اإلعالن عن اهلدف النهائي هو أن املؤمنني هبذا الدين سيختارون طريقهم‬
‫عن وعي وبصرية‪ ،‬سيختارون الطريق وهم يعرفون إىل أين يتجهون وإىل أي هدف هم‬
‫ذاهبون‪ .‬وبذلك تزداد مهتهم وترتفع قدرهتم عىل حتمل املصاعب واألخطار‪ ،‬ويعلمون‬
‫أهنم يسريون عىل طريق ذات الشوكة‪ .‬وهذه حالة طبيعية للسائرين نحو املثل األعىل الكبري‬
‫واملتجهني نحو معشوقهم‪ .‬وكلام كان اهلدف أوضح وأكرب تكون القدرة عىل حتمل مشاق‬
‫الطريق أكثر‪.‬‬
‫هذه الصور الرائعة من التضحيات التي قدمها السائرون عىل طريق الرسالة‪ ،‬إنام هي بسبب‬
‫ما حت ّلوا به من بصرية‪ .‬هؤالء الشباب الذين حترروا مما ينشدّ إليه أمثاهلم‪ ،‬وهجروا األهل‬
‫والبيت والراحة إنام كانوا يتجهون نحو هدف هم به عاملون وله عاشقون‪ .‬البصرية كانت‬
‫وراء ما قدمه الزوجان يارس وسمية من تضحيات وما حتملوه من مشاق‪.‬‬
‫حتمله الرعيل األول‬
‫لقد قرأت قبل أيام كتاب «الوعد احلق» لطه حسني وفيه عرض ملا ّ‬
‫من املسلمني يف سبيل عقيدهتم ورسالتهم‪ .‬وقد ترجم هذا الكتاب األستاذ أمحد آرام‪،1‬‬
‫وأدعوكم لقراءته‪.‬‬

‫‪1‬ـ أمحد آرام (ت ‪ )1998‬شيخ الرتمجة يف إيران‪ ،‬درس احلقوق‪ ،‬ثم الطب‪ ،‬ثم انرصف إىل العمل الثقايف‪ ،‬وترجم أكثر من ‪140‬‬
‫كتا ًبا من العربية واإلنجليزية والفرنسية إىل الفارسية‪ ،‬منها تاريخ العلم‪ ،‬ويف ظالل القرآن‪.‬‬
‫‪ n202‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫نعم البصرية والوعي مقدمة الزمة للدين‪ .‬هذه هي حقيقة الدين اإلهلي‪ ،‬خال ًفا ملا عليه‬
‫جمتمعاتنا اإلسالمية اليوم‪ .‬الدين يف جمتمعاتنا يعني إلغاء البصرية والوعي‪ .‬هذا ما ترسخ يف‬
‫ذهن املتدينني وغري املتدينني‪ .‬كال الفريقني حيسبان أن الدين يعني سدّ منافذ الفهم‪.‬‬
‫املتدينون يؤمنون بأن أصول الدين ال يمكن أن تكون عن تقليد‪ ،‬ولكن الويل ملن جيرؤ عىل‬
‫أن يتجاوز التقليد!! لقد عرفنا أن فروع الدين جيب الرجوع فيها إىل متخصص ال إىل العقل‬
‫أساسا مقرون بالوعي والبصرية‪ .‬وإذا كنت تقبل‬
‫فخلنا أن كل الدين عىل هذا النحو‪ .‬الدين ً‬
‫الدين دونام إيامن قلبي فإن الدين ال يقبلك‪ ،‬ألن الدين يعري أمهية للوعي وللبصرية‪ ،‬ويدعو‬
‫توجها واع ًيا‪ ،‬ومن هنا فإن األنبياء يعلنون هدفهم‬
‫ً‬ ‫إىل أن يكون التوجه نحو اهلل منذ البداية‬
‫النهائي منذ الوهلة األوىل للدعوة‪.‬‬
‫وثمة نتيجة أخرى يمكن أن نفهمها يف هذا املجال وهي أن السائرين عىل طريق األنبياء‪ ،‬وهم‬
‫ورثة األنبياء سواء العلامء الذين ورد يف األثر أهنم ورثة األنبياء‪ ،‬أو سائر السائرين عىل طريق‬
‫إبراهيم وموسى وعيسى وحممد (عليهم أفضل الصالة والسالم)‪ ..‬هؤالء السائرون بأمجعهم‬
‫جيب أن يعرفوا من أين يبدأون يف مسريهتم اإلهلية‪ ..‬من التوحيد‪ ..‬من نقطة البدء التي رشع‬
‫منها األنبياء‪ .‬وإذا مل نكن قادرين عىل أن نستنهض البرشية عىل املستوى العاملي يف إطار‬
‫التوحيد‪ ،‬فلنعلن عىل األقل يف آفاق العامل أن هدف األنبياء ومقصدهم هو هذا االستنهاض‪.‬‬
‫ملاذا ال يكون منطلق اخلطاب الديني هو التوحيد بدل االنشغال بمسائل فرعية من الدرجة‬
‫الثانية والثالثة؟!‬
‫دعاة الدين وعلامء الدين طب ًعا هلم مكانتهم وأمهيتهم يف بيان حقائق الدين وأحكامه‪،‬‬
‫وبدوهنم سيكون وضعنا أفظع مما عليه اآلن‪ ،‬بعضهم يفهم ما عليه من واجب ويفهم من‬
‫أين يبدأ يف خطابه الديني‪ ،‬ولكن بعضهم اآلخر ال يبدأون من حيث بدأ األنبياء‪ ،‬يطرحون‬
‫مسائل من الدرجة التاسعة والعارشة وحيسبون أهنا أهم من مسألة التوحيد‪ ،‬ومن القرآن‪،‬‬
‫وأصول الدين واملعارف اإلسالمية السامية‪.‬‬
‫ويف السرية يلتقطون املسائل ذات الدرجة الرابعة واخلامسة يف األمهية من حياة رسول اهلل‬
‫(عليه الصالة والسالم)‪.‬‬
‫منطلق الدعوة ‪203n‬‬

‫عىل سبيل املثال ثمة رواية تذكر أن الرسول كان يرى َم ْن خلفه كام يرى َمن أمامه‪‌.‬والشيخ‬
‫الصدوق يع ّلق عىل هذا اخلرب بأنه يعني فطنة النبي وكياسته ووعيه عىل َمن حوله‪ .‬هذا‬
‫تعليق الصدوق حممد بن عيل بن بابويه القمي صاحب عرشات املؤلفات الق ّيمة املهمة‪.‬‬
‫لكن هناك من يأخذ هذه الرواية عىل ظاهرها ويورد اآلراء املختلفة للمـحدثني بشأهنا‪،‬‬
‫لكنه ال يتعرض ً‬
‫أصل هلدف النبوة وللمجتمع الذي أقامه النبي‪ ،‬واحلكومة التي أسسها‪،‬‬
‫وما مارسه من تغيري اجتامعي‪.‬‬
‫العامل اإلسالمي اليوم بحاجة ماسة إىل طرح مثل هذه املسائل العملية احلساسة‪ .‬مريضنا‬
‫اليوم يف حالة احتضار‪ ،‬فال جيوز التأخري يف املعاجلة‪ .‬دعوا املسائل الكالمية ذات األمهية‬
‫من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة ليو ٍم نفرغ فيه من مسائلنا األساسية‪ .‬نعيد الكالم بأن‬
‫نقطة البدء يف دعوة األنبياء هي التوحيد‪ .‬ونورد يف هذا املجال بعض اآليات ونبدأ بآية من‬
‫سورة النحل‪:‬‬
‫الط ُاغ َ‬
‫َ َ ْ َ ُ َّ‬ ‫ُ ُ َ ً َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ‬
‫وت)‪ 1‬هذا هو أول إعالن‬ ‫(و لق ْد َب َعث َنا فِی كـ ِ ّـل أ َّمــةٍ ّر ُســولا أ ِن ْاع ُب ُدوا اهلل و اجت ِنبوا‬
‫األنبياء‪ .‬والطاغوت هو َم ْن وضع نفسه مكان اهلل‪ ،‬وتصدى ملواجهة أوامر اهلل أ ًيا كان‪.‬‬
‫نفسك التي بني جنبيك»‪ .2‬قد يكون‬
‫عدوك ُ‬
‫ّ‬ ‫وقد يكون الطاغوت هو أنت‪« :‬أعدى‬
‫تكبه‪ .‬وقد‬
‫األهواء واملشتهيات‪ .‬قد يكون طاغوت اإلنسان هو استعالؤه‪ ،‬وقد يكون ّ‬
‫يكون قوى خارج اإلنسان‪ .‬عىل أي حال جاء األنبياء ليقولوا‪ :‬اهلل ال الطاغوت‪ ‌..‬اعبدوا‬
‫اهلل واجتنبوا الطاغوت‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُ َ‬ ‫َّ ْ َ‬ ‫( َفم ْن ُهم َّم ْن َه َدى ُ‬
‫ك َ‬
‫ان‬ ‫اهلل َو ِم ْن ُهم َّم ْن َحقت َعل ْیهِ الضلالة ف ِس ُیر وا فِی الأ ْر ِض فانظ ُر وا ك ْیف‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َع ِاق َبة ال ُمك ِذب َ‬
‫ین) انظروا إىل حضارهتم املنهارة‪ ،‬وبلداهنم اخلربة‪ .‬انظروا إىل خرائب بابل‬ ‫ِ‬
‫وآشور وكلدة‪ ،‬وإىل خملفات الفراعنة‪ ،‬انظروا كيف أصبحوا وكأهنم مل يكونوا‪‌ .‬هذه سنّة‬
‫اهلل يف الكون بشأن كل أمة تنحرف عن طريق عبودية اهلل‪ .‬لقد كانت هذه السنّة تتحقق يف‬
‫األمم املاضية بإنزال العذاب واإلبادة الفورية بالطوفان والزلزال‪ ،‬غري أن هذه السنة باقية‬

‫‪1‬ـ النحل‪36 /‬‬


‫‪2‬ـ بحار األنوار‪ ،‬كتاب اإليامن والكفر‪ ،‬أبواب مكارم األخالق‪ ،‬باب مراتب النفس‪ ،‬ح ‪.1‬‬
‫‪ n204‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫إىل آخر الدهر‪ .‬فالفناء حتمي لكل أمة ال تسري وفق الدين اإلهلي‪ .‬وال يعني هذا أن أفرادها‬
‫هيلكون ويموتون‪ ،‬بل إن اإلبادة ستلحق هبويتهم الوطنية‪ .‬سيذوبون يف اهلويات األخرى‪.‬‬
‫َ‬
‫ك َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ان‬ ‫أين هوية آشور ومعني وبابل؟ أين ما شادوه من حضارة؟ ال يشء‪( :‬فانظ ُر وا ك ْیف‬
‫ین)‪.‬‬‫َع ِاق َب ُة ْال ُم َك ّ ِذب َ‬
‫ِ‬
‫ويف سورة األعراف ذكر األنبياء واحدً ا واحدً ا يف سياق منطلق دعوهتم‪ ،‬تبدأ ً‬
‫أول بنوح‪:‬‬
‫ّ َ َ ُ َ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ َ ْ َْ َ ْ َ ُ ً َ َ‬
‫اهلل َما لكم ِّم ْن ِإلهٍ غ ْی ُر ُه ِإن ِ َی أخاف َعل ْیك ْم َعذ َاب َی ْو ٍم‬ ‫وحا ِإلى ق ْو ِمهِ فقال َیا ق ْو ِم ْاع ُب ُدوا‬‫(لقد أرسلنا ن‬
‫َع ِظ ٍیم)‪ 1‬ثم تذكر اآليات التالية إعراض هؤالء القوم وما ناهلم من عذاب‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ ُْ ُ ً َ َ َ‬
‫اهلل َما لكم ِّم ْن ِإلهٍ غ ْی ُر ُه)‪.2‬‬ ‫ودا قال َیا ق ْو ِم ْاع ُب ُدوا‬ ‫وهكذا النبي هود‪( :‬و ِإلى ع ٍاد أخاهم ه‬
‫واستطرا ًدا نشري إىل أن بعض دراسات علم االجتامع تذهب إىل أن التوحيد يشكل مرحلة‬
‫من مراحل تطور البرشية‪ ،‬إذ كان يف البدء الرشك‪ ،‬ثم تكاملت املجتمعات لتصل إىل فكرة‬
‫التوحيد‪ .‬وهذا الكالم ال يقوم عىل أساس فالتوحيد كان موجو ًدا منذ فجر تاريخ البرشية‪.‬‬
‫َ َ ْ َ َ ُ َّ َ َ‬
‫ك َف ُر وا من َق ْوم إ َّنــا َل َن َر َ‬
‫اك فِی‬ ‫ِ‬ ‫هِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأمام دعوة هود ظهرت جبهة املكذبني‪( :‬قال الملأ ال ِذین‬
‫ین) وهذه هي التهمة التي توجه إىل دعاة احلق يف كل زمان‪.‬‬ ‫اهةٍ َو إ َّنا َل َن ُظ ُّن َك ِم َن ْال َك ِاذب َ‬
‫َس َف َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجييبهم هود‪:‬‬
‫َ ّ ََ َ ُ َ‬ ‫َ َ َ ٌ َ َ ّ َ ُ ٌ ّ َّ ّ ْ َ َ َ ُ ّ ُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫اص ٌح‬ ‫ین ‪ #‬أ َب ِلغك ْم ِر َس ِ‬
‫الات ربِی َو أنا لك ْم ن ِ‬ ‫( َیا ق ْو ِم ل ْی َس بِی سفاهة و ل ِك ِنی رسول ِمن ر ِب العال ِم‬
‫َ‬
‫والرقي حني أدعوكم إىل التوحيد‪.‬‬ ‫ین) فأنا ال أريد لكم إالّ اخلري والكامل‬ ‫أ ِم ٌ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ْ ْ ٌ ّ َّ ّ ُ ْ َ َ َ ُ ّ ُ ْ ُ َ ُ‬
‫كر عىل رجل منكم‪،‬‬ ‫نذرك ْم) جاءكم الذ ُ‬ ‫(أوع ِجبتم أن جاءكم ِذكر ِمن ر ِبكم على رج ٍل ِمنكم ِلی ِ‬
‫يلبس مما تلبسون ويأكل مما تأكلون‪ .‬فهل يف ذلك عجب؟!‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ْ َْ َْ َ ً َ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َ ُ ََُ‬ ‫ُ‬
‫اهلل ل َعلك ْم‬ ‫ك ُر وا َ‬
‫آلاء ِ‬ ‫( َواذك ُر وا ِإذ َج َعلك ْم خلف َاء ِمن َب ْع ِد ق ْو ِم ن ٍوح َو َز َادك ْم فِی الخل ِق بسطة فاذ‬
‫ون) استخلفكم بعد قوم نوح‪ ،‬ومنحكم قوة وقدرة يف خلقكم وأجسامكم‪ .‬فال تنسوا‬ ‫ُت ْفل ُح َ‬
‫ِ‬
‫نعمة اهلل عليكم‪.‬‬
‫َ ُ َ ْ ََ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ ُ َ‬
‫فورا ما‬
‫ً‬ ‫املضادة‬ ‫القوى‬ ‫فهمت‬ ‫لقد‬ ‫)‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫(قالوا أ ِجئتنا ِلنعبد اهلل وحده و نذر ما كان یعبد آباؤ‬

‫‪1‬ـ األعراف‪59 /‬‬


‫‪2‬ـ األعراف‪.71 - 65 /‬‬
‫منطلق الدعوة ‪205n‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫معنى ( َیا ق ْوم ْاع ُب ُدوا َ‬ ‫َ‬
‫اهلل َما لكم ِّم ْن ِإلهٍ غ ْی ُر ُه) فواجهت النبي بالتمسك بام كان عليه اآلباء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫الص ِاد ِق َ‬
‫ین)‪.‬‬ ‫وبالتشكيك يف الدعوة‪( :‬فأ ِت َنا ِب َما ت ِع ُدنا ِإن كنت ِمن‬
‫ُ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َُ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ‬
‫وها أ ُنت ْم َو َآب ُآؤكم َّما‬ ‫(قال ق ْد َوق َع َعل ْیكم ِّمن ّر ِّبك ْم ِر ْج ٌس َو غض ٌب أت َج ِادلون ِنی فِی أ ْس َم ٍاء َس ّم ْیت ُم‬
‫ان) لقد حق عليهم العذاب بسبب إرصارهم عىل التمسك بام ألف عليه‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ َّ َ ُ َ‬
‫نزل اهلل ِبها ِمن سلط ٍ‬
‫األباء‪ ،‬وبسبب هذا الذي صنعتموه أنتم وآباؤكم من آهلة منحتموها القوة والقدرة‪ ،‬مما مل‬
‫احلجة والدليل والربهان‪ .‬بمعنى القوة فإن‬
‫ينزل اهلل هبا من سلطان‪ .‬والسلطان هو القوة أو ّ‬
‫ّ‬
‫اهلل مل يمنح هذه اآلهلة قوة وقدرة‪ .‬وبمعنى الدليل والربهان فاملعنى أن اهلل مل يمنح أي دليل‬
‫صحة هذه اآلهلة‪ .‬فلامذا تضعوهنا إىل جانب اهلل؟!‬
‫وبرهان عىل ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫انت ِظ ُر وا إنی َم َعكم ِّم َن ال ُم َنت ِظر َ‬
‫(ف َ‬ ‫َ‬
‫ین) لنزول عذاب اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬
‫اجللسة التاسعة عشرة‬
‫اجلبهة املعارضة‬
‫االثنني ‪ 20‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/15‬هجرية مشسية‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ّ َ ّ َ ُ ًّ َ َ َ‬
‫الإنـ ِـس َوال ِج ِّن‬ ‫(وكذ ِلك جعلنا ِلك ِل ن ِب ٍی عــدوا شی ِاطین ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ْ َ َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُی ِوحی َب ْعض ُه ْم ِإلى َب ْع ٍض ُزخ ُرف الق ْو ِل غ ُر ًورا َول ْو ش َاء َر ّب َك‬
‫َ َ َ ْ ُ َّ‬ ‫َما َف َع ُل ُوه َف َذ ْر ُه ْم َو َما َی ْف َت ُر َ‬
‫ون ‪َ #‬و ِل َت ْصغى ِإل ْیهِ أف ِئ َدة ال ِذ َین‬
‫الآخ َرةِ َو ِل َی ْر َض ْو ُه َو ِل َی ْق َت ِر ُفوا َما ُهم ُّم ْق َت ِر ُف َون)‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫لا ُیؤ ِمنون ِب ِ‬
‫(األنعام‪)113-112 /‬‬

‫ذكرنا أن النبوة هنضة اجتامعية وقلنا أن من مبادئ هذه النهضة‪ :‬رفض التمييز الطبقي‬
‫االجتامعي‪ ،‬أي رفض تقسيم املجتمع إىل طبقة الضعفاء والعبيد والفقراء واملحرومني من‬
‫جهة‪ ،‬وطبقة املقتدرين واملتغطرسني واملتنعمني من جهة أخرى‪ .‬فال وجود هلذا التقسيم يف‬
‫املجتمع الذي تدعو إليه النبوة‪.‬‬
‫ليس يف قاموس اإلسالم‪ ،‬بل يف األديان اإلهلية أمجع أن ال يستطيع إنسان بسبب ضعفه أن‬
‫يأخذ حقه‪ .‬ذلك ما ليس له مكانة يف إطار احلكومة اإلسالمية واجلهاز التوحيدي واإلهلي‪:‬‬
‫«لن تقدّ س أمة ال يؤخذ فيها للضعيف ح ّقه غري ُمتَعتع»‪ 1‬أي بدون تلعثم‪ ،‬أي بدون‬
‫خجل وبدون الشعور بالدونية‪ .‬مجيع أفراد املجتمع أعضاء جسد واحد دونام متييز‪ .‬احلاكم‬
‫اإلسالمي مثل أمري املؤمنني (عليه السالم) يف املجتمع اإلسالمي له من احلق واحلقوق ما‬
‫ألي فرد من أفراد املجتمع‪.‬‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫مستغل بذلك‬ ‫أكرب مسؤول يف الدولة ال يستطيع يف املجتمع اإلسالمي أن حييد عن القانون‬

‫‪1‬ـ حتف العقول‪ ،‬باب ماروي عن أمري املؤمنني ‌‪ ،‬رسالة اإلمام إىل مالك األشرت‪.‬‬
‫‪ n210‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫سلطته‪ ،‬حتى يف الفرتة التي ُأقيص فيها أمري املؤمنني عيل (عليه السالم)‪ ،‬وابتعدت اخلالفة‬
‫ــ‪ ‬يف اعتقادنا ــ عن حمورها اإلهلي األصيل‪ ‌..‬حتى يف تلك الفرتة يأيت رجل من مرص يشكو‬
‫إىل اخلليفة اعتداء ابن وايل مرص آنذاك عمر بن العاص عليه‪ .‬نعم ابن الوايل ال الوايل نفسه‪.‬‬
‫‌فيكتب اخلليفة إىل الوايل أن َي ْق ِد َم هو وابنه إىل املدينة‪ .‬وحني سأل اخلليفة ابن الوايل عن‬
‫سبب ما فعله بالرجل‪ ،‬قال ابن الوايل‪ :‬وأين شاهدُ ه؟ قال له اخلليفة‪ :‬كفاه شاهدً ا أنه جاء‬
‫وم ْن أي َن له أن يأيت بالشاهد وأنت رضبته يف مكان ليس‬‫من مرص إىل املدينة لريفع شكواه‪ِ .‬‬

‫فيه شاهد؟! فأمر اخلليفة بجلد االبن ثم أمر بجلد األب‪ ،‬فرفع عمر بن العاص صوته‪ :‬ملاذا‬
‫أنا؟ تقولون إن ابني هو الذي رضب الرجل ‌‪ .‬فقيل له‪ :‬إن ابنك استقوى بك‪ ،‬لو مل يكن‬
‫مدعو ًما بمنصبك ما فعل ذلك‪ ..‬اجلدوه!!‬
‫سيهب ملعارضة النبي؟! جمتمع النبوة‬
‫ّ‬ ‫تُرى يف هذا املجتمع الذي يدعو إليه األنبياء من الذي‬
‫يدعو إىل توزيع الثروة بعدالة‪« :‬ما رأيت نعمة موفورة إال وبجانبها حق مض ّيع»‪« .1‬راك‬
‫فلر»‪ 2‬استطاع أن يبلغ بثروته األسطورية هذا احلدّ ألنه سلب حقوق اآلخرين‪ .‬لو كانت‬
‫هناك عدالة يف التوزيع ملا بلغ هذا وأمثاله هذه الدرجة من الثروة‪.‬‬
‫هذا املجتمع خطوطه األساسية سيادة العلم والعدل واملساواة ورفض التمييز االجتامعي‬
‫واالستغالل وسوء توزيع الثروة واالستبداد‪ ،‬وااللتزام باحلق واحلقيقة‪.‬‬
‫حني يأيت النبي إىل املجتمع اجلاهيل‪ ،‬ليدعو إىل جمتمع جديد باخلصائص املذكورة‪ ،‬من‬
‫الطبيعي أن يقف أمامه من يعتاشون عىل التمييز الطبقي والذين يرون أنفسهم يف طبقة عليا‬
‫واآلخرين يف طبقة أدنى‪ .‬خيشون أن جيعلهم الدين اإلهلي متساوين مع سائر أفراد املجتمع‪،‬‬
‫جيعل األرشاف يف مستوى العبيد ال فرق بني السيد واملسود‪ .‬هذه فئة من املعارضني‪.‬‬
‫والفئة األخرى هي التي تكدس الثروات ومتتص دماء اآلخرين وحتتكر التجارة وسائر‬
‫النشاطات االقتصادية وتأكل الربا‪.‬‬
‫وثمة جمموعة أخرى ستعارض وهي فئة احلكام املستبدين ألن «ال إله إال اهلل» سوف جتعل‬

‫‪1‬ـ اإلمام عيل صوت العدالة اإلنسانية‪ ،‬عىل هامة التاريخ‪.‬‬


‫‪2‬ـ من كبار الرأسامليني األمريكيني‪ ‌،‬وكان له بالتعاون مع الكيان الصهيوين دور يف األحداث السياسية العاملية‪.‬‬
‫اجلبهة املعارضة ‪211n‬‬

‫«اهلل» عىل رأس هرم املجتمع ال فرعون وهامان‪ ،‬وال نمرود وشداد‪ ،‬وال معاوية وغريهم‬
‫من القوى املستبدة يف التاريخ‪ .‬وهذه فئة أخرى من املعارضني‪.‬‬
‫والفئة األخرى من املعارضني هم األحبار والرهبان‪ .‬هؤالء الذين يتعاملون مع األفكار‬
‫ويلقنون الناس التعاليم التي حتفظ مكانتهم‪ ،‬إذ لو كانت أفكار الناس وتعاليمهم صحيحة‬
‫وواعية ملا استطاع هؤالء الرهبان واألحبار أن حيافظوا عىل مكانتهم وقيادهتم الروحية وما‬
‫يتبعها من مكاسب مادية‪.‬‬
‫كانت املواجهة األوىل لعيسى بن مريم مع الرهبان واألحبار‪ .‬أحبار اليهود ه ّبوا ملعارضة‬
‫عيسى مع أهنم كانوا عىل معرفة هبذا النبي‪.‬‬
‫ويف عرص ظهور اإلسالم‪َ ،‬م ْن هؤالء الذين عارضوا الدعوة النبوية؟ واضح أهنم أولئك‬
‫‪2‬‬
‫الذين ال يبقى هلم جمال خداع الناس‪ ،‬ال يبقى ألمثال كعب األحبار‪ 1‬وعبداهلل بن سالم‬
‫جمال لنرش اخلرافات واألكاذيب‪.‬‬
‫لذلك فإهنم يرون يف الدعوة النبوية هناية ملكانتهم الدينية الزائفة ومكانة القوى السياسية‬
‫املؤتلفة معهم‪ ،‬فاملجتمع النبوي يقوم عىل أساس الوعي والعلم واليقظة واحلرية الفكرية‪..‬‬
‫هذا هو املجتمع اإلهلي التوحيدي‪.‬‬
‫وبشأن ائتالف القوى الدينية املنحرفة مع قوى السلطة لدينا رسالة من اإلمام عيل بن‬
‫احلسني السجاد إىل حممد بن شهاب الزهري (وهو نفسه حممد بن مسلم‪ ،‬ومسلم أبوه‪،‬‬
‫توضح أن مثل هذا االئتالف يؤدي إىل تضييع حقوق الناس‪ ،‬جاء‬
‫وشهاب جدّ والده)‪ّ ،‬‬
‫آنست وحش َة الظامل ّ‬
‫وسهلت له‬ ‫َ‬ ‫وأخف ما احتملت أن‬
‫َّ‬ ‫كتمت‬
‫َ‬ ‫فيها‪« :‬واعلم أن أدنى ما‬
‫بدنوك منه حني َدنوت‪ ،‬وإجابتك له حني ُدعيت»‪ .3‬والرسالة طويلة منقولة‬
‫الغي ّ‬
‫طريق ّ‬
‫بأمجعها يف كتاب «حتف العقول»‪.‬‬

‫‪1‬ـ أبو إسحاق كعب بن مانع احلمريي‪ ،‬من علامء اليهود‪ ،‬واشتهر باسم كعب األحبار ‌‪ ،‬أسلم يف زمن اخلليفة الثاين‪ ،‬ودخل‬
‫املدينة‪ ،‬رويت عنه ما ادعى أنه ينقله من التوراة‪ ،‬وسميت تلك الروايات باالرسائيليات‪.‬‬
‫‪2‬ـ عبداهلل بن سالم بن احلارث اإلرسائييل‪ ،‬من أحبار هيود بني قينقاع‪ ،‬أسلم‪ ،‬وكان مقر ًبا من اخلليفة الثاين ثم من معاوية‪ ،‬وهو‬
‫من عوامل انحراف اجلهاز احلاكم يف املجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫‪3‬ـ حتف العقول‪ ،‬من كالم اإلمام عيل بن احلسني ملحمد بن مسلم الزهري‪.‬‬
‫‪ n212‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫عىل أي حال‪ ،‬إحدى املجموعات التي تُرى مذعورة من بعثة النبي زعامء الدين اخلرايف‪،‬‬
‫وهؤالء موجودون يف كل زمان ومكان‪ .‬كانوا يف زمن إبراهيم(ع) قد ح ّثوا نمرود عىل‬
‫مواجهة هذا النبي وإلقائه يف النار‪ ،‬وهؤالء يف زمن موسى(ع) وقفوا إىل جانب فرعون‬
‫وأغروه بأن كهانتهم ستبطل سحر موسى!! ويف زمن نبينا(ص) أخذوا يف إثارة اإلرجاف‬
‫جر إىل واقعة مباهلة نصارى نجران‪.‬‬
‫والتشكيك مما ّ‬
‫من الطبيعي أن تلقى دعوة األنبياء ً‬
‫إقبال من كل إنسان يف املجتمع النسجامها مع فطرهتم‬
‫وعقوهلم‪ ،‬خاصة وأن اخلطاب النبوي يمتاز بالوضوح والبعد عن التعقيد‪ ،‬لكن هذا اإلقبال‬
‫يتعارض مع مصالح الفئة التي تعيش عىل دفء جهل الناس وخرافاهتم‪ ،‬لذلك يقفون‬
‫بوجه الدعوة‪ ،‬وهؤالء هم الذين ورد ذكرهم يف القرآن ضمن سياق احلديث عن األحبار‬
‫شع عليه وعي الدعوة النبوية‪ّ ،‬‬
‫وحتل‬ ‫والرهبان‪ .‬إذ ال يمكن أن حيتفظوا بمكانتهم يف جمتمع ّ‬
‫بالنمو الفكري وبالعلم واملعرفة‪.‬‬
‫ّ‬
‫يشع فيه نور النبوة‪ .‬وذكرنا الفئات األربع التي‬
‫إىل هنا حتدثنا عن طبيعة املجتمع الذي ّ‬
‫هيمها وجود النظام الطبقي حيث‬
‫تعارض هذا التحول يف املجتمع‪ .‬فهي الفئة التي ّ‬
‫األرشاف والعبيد‪ ،‬ألهنا ستواجه دعوة إىل حظر التمييز الطبقي وإىل املساواة بني الطبقات‬
‫العليا والسفىل‪ ،‬وهكذا الفئة التي تكدس الثروات وحتتكر النشاط االقتصادي‪ ،‬ألهنا‬
‫ستواجه دعوة إىل منع تس ّلط فئة عىل فئة بعامل الثروة‪ ،‬كام أهنا ً‬
‫أيضا فئة املستبدين الذين‬
‫يمتلكون زمام القدرة املطلقة‪ ،‬أي هم الذين يسميهم املرحوم املريزا النائيني يف كتابه «تنبيه‬
‫األمة وتنزيه امل ّلة»‪ 1‬بأهنم يفعلون ما يشاؤون وحيكمون كيف يريدون‪.‬‬
‫يتسمون باألحبار والرهبان‪.‬‬
‫وأيضا فئة سدنة الدين املز ّيف‪ ،‬الذين ّ‬
‫ً‬
‫هذه الفئات التي ذكرناها وشخصناها بتحليل ذهني ورد ذكرها يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫الفئة التي تعيش يف كنف الرؤساء والذين بيدهم زمام القدرة والسيطرة ذكرهم القرآن باسم‬

‫‪1‬ـ حممد حسني النائيني (‪1355 - 1277‬هـ)‪ ،‬ولد يف مدينة نائني اإليرانية‪ .‬ورحل إىل النجف األرشف وتتلمذ عىل كبار‬
‫علامئها‪ ،‬وأعلن تأييده للثورة الدستورية يف إيران بكتابه املذكور أعاله‪ ،‬ووقف ضمن من وقف من العلامء بوجه االستعامر‬
‫الربيطاين يف العراق‪ ،‬يذكر أنه يف الكتاب املذكور استفاد من آراء عبدالرمحن الكواكبي احللبي التربيزي‪.‬‬
‫اجلبهة املعارضة ‪213n‬‬

‫«املأل»‪ .‬واملأل من َم َ‬
‫أل‪ :‬أي يمألون العيون‪ .‬أي الذين يشعر الناس أمامهم بالضعف واهلوان‪.‬‬
‫َم َث ُلهم يف املجتمع اجلاهيل الفرعوين ُ‬
‫مثل هامان‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫( َوقال ِف ْرع ْون َیا ه َامان ْاب ِن ِلی َصر ًحا)‪ .1‬هامان قزم ّ‬
‫حوله فرعون إىل رجل كبري‪ ،‬إنه ذبابة جعل‬
‫نرسا‪ .‬و َم َثلهم يف دائرة معاوية كمثل املغرية بن شعبة‪ 2‬وزياد بن أبيه‪ ،3‬هؤالء من‬
‫منها فرعون ً‬
‫املأل الذين زينوا ملعاوية أعامله‪ ،‬وصوروا له أن الدنيا طوع يديه‪ ،‬وكل الناس له منصاعون‪.‬‬
‫وعب القرآن عن طبقة األرشاف باملرتفني‪ ،‬وهم الذين أبطرهتم النعمة وسعة العيش‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهؤالء أول من يعارض الدعوة النبوية‪.‬‬
‫َ َ‬
‫وسدنة األفكار املنحرفة هم الذين ذكرهم القرآن الكريم يف قوله سبحانه‪ِ (:‬إ ّن ك ِث ًیرا ِّم َن‬
‫ُّ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫الأح َب ِار َوالره َب ِ‬
‫ان‪.4)...‬‬
‫وقد يكون «الطاغوت» يعني فيام يعني القوة املستبدة يف املجتمع‪ .‬والطاغوت كلمة عامة‬
‫من الطغيان‪ ،‬وهي كل قوة تطغى أمام اهلل سبحانه‪ ،‬وقد تكون َن ْف ُس اإلنسان طاغوته‪ ،‬ويف‬
‫احلديث‪«‌:‬أعدى عدوك نفسك التي بني جنبيك»‪ .5‬وقد يكون الطاغوت َه َوى اإلنسان‪،‬‬
‫وقد يكون زوج اإلنسان وأبناءه ‌‪ .‬غري أن ما ورد يف القرآن الكريم بشأن املكانة الفاعلة املؤثرة‬
‫َ‬
‫ّ َ َُ َُ ُ َ َ‬
‫للطاغوت يف املجتمع يدل عىل أنه أكرب منصب يف النظام اجلاهيل‪( :‬ال ِذین آمنوا یق ِاتلون فِی س ِب ِ‬
‫یل‬
‫ُ َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ َّ َ َ‬
‫ك َف ُر وا ُی َقات ُل َ‬
‫اهلل َو ِل ُّی ال ِذ َین َآم ُنوا‬‫وت)‪ 6‬ويف موضع آخر يقول سبحانه‪( :‬‬ ‫یل الطاغ ِ‬ ‫ب‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ون فی َ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫اهلل وال ِذین‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ُّ َ ّ َ َ َ ُ ْ َ ُ ُ ُ َّ ُ ُ ُ ْ ُ َ ُ ّ َ ُّ‬‫َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ات)‪.7‬‬ ‫ور ِإلى الظل َم ِ‬ ‫ور وال ِذین كفر وا أو ِلیآؤهم الطاغوت یخ ِرجونهم ِمن الن ِ‬‫ات ِإلى الن ِ‬‫ُیخ ِر ُج ُهم ِّم َن الظل َم ِ‬
‫هذه وغريها من اآليات يمكن أن نفهم منها أن الطاغوت هو القوة االستبدادية املسيطرة‪.‬‬

‫‪1‬ـ املؤمن‪36 /‬‬


‫‪2‬ـ املغرية بن شعبة من أهل الطائف‪ ،‬قدم املدينة يف السنة اخلامسة للهجرة‪ ،‬كان من أصحاب السقيفة‪ ،‬واتصل بمعاوية‪ ‌،‬واقرتح‬
‫عليه أن يويل يزيد والية العهد‪.‬‬
‫‪3‬ـ زياد بن أبيه‪‌،‬أمه سمية‪ ،‬وال يعرف أبوه‪ ،‬يف زمن اخلليفة الثاين ادعى أبو سفيان أن زيا ًدا ابنه‪ ،‬استامله معاوية بادعائه أنه أخاه‪،‬‬
‫وبعد صلح احلسن توىل حكومة البرصة والكوفة‪ ،‬ابنه عبيد اهلل قاتل احلسني بن عيل‪.‬‬
‫‪4‬ـ التوبة‪34 /‬‬
‫‪5‬ـ البحار األنوار‪ ،‬کتاب االیامن و الکفر‪ ،‬ابواب مکارم االخالق‪ ،‬باب مراتب النفس‪ ،‬ح ‪1‬‬
‫‪6‬ـ النساء‪76 /‬‬
‫‪7‬ـ البقرة‪257 /‬‬
‫‪ n214‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫النبوة‪ .‬أينام انبثقت دعوة لاللتزام‬


‫هذه الفئات األربع هي فئات معارضة لألنبياء يف تاريخ ّ‬
‫هتب هذه الفئات متزامنة أو متعاقبة ملواجهة الدعوة‪ ،‬وهذا ما تؤكد عليه‬
‫بأنبياء اهلل وكتبه‪ّ ،‬‬
‫اآليات الكريمة التي نقف عندها‪:1‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫( َوكذ ِل َك َج َعل َنا ِلك ّل ِنب ّی َع ُد ًّوا ش َی ِاط َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫ین ِالإ ِنس َوال ِج ِّن) و«كذلك» تعني أن ما تواجهه من عداء‬ ‫ِ ٍِ‬
‫يا حممد هو ما واجهه قبلك من األنبياء‪ ،‬إذ عاداهم شياطني اإلنس واجل ّن‪ ،‬أي َم َردة اإلنس‬
‫الرشيرة خارج وجود اإلنسان‪ .‬ومن نوعه‬
‫واجل ّن‪ .‬والشيطان كام ذكرنا من قبل هو القوة ّ‬
‫مترد وأبى السجود آلدم‪ .‬والشياطني كثريون‪ ،‬لكن اللعنة تتوجه عادة إىل‬
‫إبليس الذي ّ‬
‫إبليس‪ ،‬مع أن هناك من الشياطني من هم أساتذة إبليس يف الرشارة!!‬
‫( ُی ِوحی َب ْع ُض ُه ْم ِإ َلى َب ْع ٍض ُز ْخ ُر َف ْال َق ْو ِل ُغ ُر ًورا) هؤالء ُي ِ‬
‫له ُم بعضهم البعض اآلخر‪ .‬أحيانًا طبقة‬
‫األحبار والرهبان يوحون إىل طبقة املأل‪ ،‬وأحيانًا طبقة املأل توحي إىل فئة األحبار والرهبان‪،‬‬
‫وأحيانًا املرتفون يوحون للفئتني‪ ،‬وغال ًبا ما تستلهم هذه الفئات الثالث من الطاغوت‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫( ُز ْخ ـ ُـرف الق ْو ِل) األحاديث املزيفة واألباطيل اخلادعة‪ .‬وسأحتدث عن هذه األحاديث‬
‫املزيفة عندما نتناول موضوع النبوة‪ .‬فرعون يدعي أنه يريد أن يقتل موسى ليحافظ عىل دين‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫الناس!! ( َذ ُر ونِی أ ْق ُت ْل ُم َوسى َول َی ْد ُع َر َّب ُه ِإنِی أ َخ ُاف أن ُی َب ّ ِدل ِد َینك ْم أ ْو أن ُیظ ِه َر فِی الأ ْر ِض ال َف َس َاد)‬
‫خيرب موسى دين الناس ويفسد يف األرض!!‬
‫هذا هو زخرف القول‪ .‬خياف فرعون أن ّ‬
‫يقول ذلك عن غرور‪ ،‬أي خلداع الناس وجتهيلهم‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫( َول ْو ش َاء َر ُّب َك َما ف َعل ُوه) هكذا شاء اهلل أن يعلن هؤالء عداءهم كي يتبني املؤمن من غري‬
‫ْ‬ ‫ََ‬
‫املؤمن‪ .‬وهي سنّة االبتالء يف هذه الدنيا‪( ،‬فذ ْر ُه ْم َو َما َیف َت ُر َ‬
‫ون) فاتركهم وافرتاءاهتم‪ ،‬فإهنم‬
‫يرضوك شي ًئا‪ ،‬فال حتزن وال تتوان يف مسريتك‪.‬‬
‫لن ّ‬
‫ون)‪ .‬هذا‬ ‫َأ ْفئ َد ُة َّالذ َین َلا ُی ْؤم ُن َ‬
‫ون بــالآخـ َـرةِ َول َی ْر َض ْو ُه َول َی ْق َتر ُفوا َما ُهم ُّم ْق َتر ُف َ‬ ‫َ َ‬
‫( َو ِل َت ْصغى ِإل ْیهِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القول وهذا الغرور واخلداع ال يؤثر إالّ يف قلوب املنحرفني الذين ال‬ ‫الزخرف من‬
‫يؤمنون باآلخرة‪ ،‬إذ جتد هذه القلوب يف هذا الزخرف ما يرضيها‪ ،‬وليستطيع هؤالء‬

‫‪1‬ـ األنعام‪113 - 112 /‬‬


‫‪2‬ـ املؤمن‪26 /‬‬
‫اجلبهة املعارضة ‪215n‬‬

‫املنحرفون أن يرتكبوا من اآلثام ما يريدون‪.‬‬


‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ويف سورة املؤمن (غافر) نقرأ هذه اآليات‪َ ( :1‬ول َق ْد أ ْر َسل َنا ُم َوسى ِب َآی ِات َنا َو ُسل َط ٍان ُّم ِب ٍین)‬
‫باآليات واملعجزات الواضحات‪ .‬باملنطق القوي‪ ،‬وبعصاه ويده البيضاء‪ .‬وهي دالئل جيب‬
‫أن يتقبلها كل إنسان‪ .‬إىل َم ْن أرسل اهلل موسى؟‬
‫َ ٌ َ‬ ‫َّ‬
‫َ َ َ َ ُ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كذ ٌاب) إىل فرعون وإىل هامان وزير فرعون‪ ،‬وإىل‬ ‫( ِإلى ِف ْرع ْون َوه َامان َوقار ون فقالوا س ِ‬
‫احر‬
‫قارون صاحب الكنوز واألموال‪ .‬مل يكن قارون صاحب سلطة‪ ،‬لكن النبي ُأرسل ملحاربته‬
‫عمن حيتاجها‪.‬‬
‫كام حيارب فرعون وهامان‪ .‬وجريمته أنه كدّ س الثروات العامة وحبسها ّ‬
‫فرعون رأس السلطة وينتمي إىل طبقة معينة وهامان ينتمي إىل طبقة أخرى‪ ،‬وقارون ال‬
‫عالقة له هبام‪ ،‬كان يكنز األموال ال غري‪ ،‬لكن جواب الثالثة واحد وهو أن موسى ساحر يف‬
‫معجزاته ّ‬
‫كذاب يف دعوته!!‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫(فل ّما َج َاءهم ِبال َح ِق ِم ْن ِع ِ‬
‫ندنا) وحني واجه موسى هؤالء املعارضني باحلقيقة‪ ،‬مل يرضخوا‬
‫َ ُ ْ ُ ُ َ ْ َ َّ‬
‫ـاء الـ ِـذیـ َـن َآم ُنوا َم َع ُه َو‬
‫هلا ومل يسكتوا أمامها‪ ،‬بل واجهوه بموقف أعنف‪( :‬قالوا اقتلوا أبــنـ َ‬

‫ْاس َت ْح ُیوا ِن َس َاء ُه ْم) اقتلوا شباهبم الذين اتبعوا موسى وآمنوا به‪ ،‬اقتلوا هؤالء الذين آمنوا‬
‫هبذا الفكر اجلديد اإلحيائي‪ ،‬كي ال هيدّ دوا مستقبلنا ولكي ال تنقدح منهم رشارة تبعث‬
‫عىل النهوض‪ .‬أما النساء فاستبقوها ح ّية‪ ،‬ر ّبام لكي ختتلط األنساب‪ ،‬أو إلشباع الشهوات‪،‬‬
‫أو للخدمة والسخرة‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫َ َ ُ ْ َ َ‬
‫( َوما ك ْید الك ِاف ِرین ِإلا فِی ضل ٍ‬
‫ال) كل هذه الدسائس التي يديرها الكافرون ال حتقق هدفها‪.‬‬
‫هتب عليه عاصفة تبعده عن هدفه‪ .‬إن عاصفة السنن‬
‫إهنا مثل سهم يوجه نحو هدف‪ ،‬ثم ّ‬
‫اإلهلية ستجعل كيد الكافرين ّ‬
‫تضل الطريق‪.‬‬
‫كام تالحظون‪ ،‬اآلية تذكر طبقة فرعون وطبقة هامان وطبقة قارون وتذكر موقف موسى‬
‫منهم وموقفهم من موسى‪ ،‬ثم تذكر نتيجة املواجهة‪.‬‬
‫وآية أخرى تذكر املرتفني‪ ،‬وهي خاصة بطبقة قارون‪:‬‬

‫‪1‬ـ املؤمن‪25 - 23 /‬‬


‫‪ n216‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫َ‬
‫كاف ُر َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ون)‪ 1‬وما هو دليلهم عىل‬ ‫ِ‬ ‫( َو َما أ ْر َسل َنا فِی ق ْر َیةٍ ِّمن ن ِذ ٍیر ِإلا قال ُمت َرفوها ِإنا ِب َما أ ْر ِسل ُتم ِبهِ‬
‫إنكار الرسالة؟‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫ْ ُ ْ‬
‫كــثـ ُـر أم ـ َـوالا َوأ ْول ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ادا َو َمــا ن ْح ُن ِب ُم َعذ ِبین) انظروا إىل السطحية والغرور يف‬ ‫( َوقالوا نحن أ‬
‫االستدالل‪.‬‬
‫وأية أخرى يف سورة التوبة‪ 2‬ضمن هذا السياق ترتبط بطبقة األحبار والرهبان‪ .‬يقول‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫كل َون أ َموال َّالن ِاس ِبال َب ِاط ِل)‬
‫َ ُ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َ َ ُ َّ َ ً ّ َ ْ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫سبحانه‪( :‬یا أیها ال ِذین آمنوا ِإن ك ِثیرا ِمن الأح َب ِار َوالره َب ِ‬
‫ان لیأ‬
‫أيضا يصدوهنم‬ ‫اهلل) ال يكتفون بأكل أموال الناس بل ً‬ ‫َ َ ُ ُّ َ َ َ‬
‫یل ِ‬ ‫بدون استحقاق‪( .‬ویصدون عن س ِب ِ‬
‫عن سبيل اهلل‪.‬‬
‫ثم تأيت اآلية عىل مجاعة املرتفني وأصحاب الثروات الطائلة‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َّ َ َ ْ ُ َ َّ َ َ َ ْ َّ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫اهلل ف َب ِش ْر ُهم ِب َعذ ٍاب أ ِل ٍیم)‪.‬‬ ‫یل‬
‫ِ ِ ِ ِ‬‫ب‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ی‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ون‬ ‫(وال ِذین یك ِنز ون الذهب و ال ِفضة و لا ی ِنفق‬
‫ذكرا هلذه الفئات األربع وعدائها لدعوة األنبياء‪.‬‬
‫أيضا ويف آيات أخرى نرى ً‬
‫ويف هذه اآلية ً‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪1‬ـ السبأ‪35 - 34 /‬‬


‫‪2‬ـ التوبة‪34 /‬‬
‫اجللسة العشرون‬
‫النبوة (‪)1‬‬
‫انتصار ّ‬
‫الثالاثء ‪ 21‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/16‬هجرية مشسية‬
‫الس ْی ُل‬‫اح َت َم َل َّ‬ ‫َ‬ ‫( َأ َنز َل م َن َّ‬
‫الس َم ِاء َم ًاء َف َس َال ْت أ ْو ِد َی ٌة ب َق َدر َها َف ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َز َب ًدا َّراب ًیا َوم َّما ُیوق ُد َ‬
‫الن ِار ْاب ِتغ َاء ِحل َیةٍ أ ْو َم َت ٍاع‬ ‫ون َعل ْیهِ فِی‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬
‫َ َ ٌ ّ ْ ُ ُ َ َ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ َ َ َّ َّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الز َب ُد‬ ‫زبــد ِمثله كذ ِلك یض ِرب اهلل الحق والب ِاطل فأما‬
‫َْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ُ َ ً َ َ َّ َ َ َ ُ َّ‬
‫الن َاس ف َی ْمكث فِی الأر ِض‬ ‫فیذهب جفاء و أمــا ما ینفع‬
‫ََ َ َ ْ ُ ُ َ َ‬
‫(الرعد‪)17 /‬‬ ‫اهلل الأ ْم َثال)‬ ‫كذ ِلك یض ِرب‬

‫ذكرنا يف األيام املاضية أن األنبياء ُبعثوا لتحقيق أهداف سامية راقية هي‪ ،‬يف معيار ثقافة‬
‫عرص النور وعرص وعي البرشية أي القرن العرشين‪ ،‬أسمى األهداف وأكثرها رق ًيا‪ ،‬وأعني‬
‫هدف املساواة بني البرش واقتالع جذور الفقر والظلم واالستغالل والتمييز الطبقي‪.‬‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫متواصل‪ ،‬وهذه‬ ‫ومنذ بِعثت ِهم مل ّ‬
‫يقر هلم قرار ومل خيلدوا إىل الراحة‪ ،‬بل كان جهادهم دائ ًبا‬
‫خالصة حياة أنبياء اهلل‪ .‬ويف آخر حياهتم ــ كام تذكر النصوص الدينية ــ َفدوا أنفسهم عىل‬
‫رش انتقام‪ .‬وغادروا احلياة دون أن يرتكوا‬
‫هذا الطريق ونقم اجلبابرة والطغاة من بعضهم ّ‬
‫ور ُسل اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ً‬
‫مال ومتا ًعا‪ .‬وهذه قصة حياة األنبياء‪ُ ،‬‬
‫وقد يطرح سؤال حول املصري الذي آلت إليه مساعي األنبياء‪ .‬هل ذهبت أتعاهبم‬
‫ً‬
‫مستفحل يف‬ ‫وجهودهم سدى ومل حتقق النتيجة املتوخاة؟ هل بقي الكفر والطغيان والظلم‬
‫مر التاريخ البرشي من‬
‫مسرية البرشية؟ ال‪ ،‬نحن نؤمن بخالف ذلك‪ .‬نؤمن أن الرسل عىل ّ‬
‫آدم ونوح وإبراهيم مل يفشلوا يف مهمتهم ومل ينهزموا‪ ،‬بل إهنم حققوا ما مل حيققه أصحاب‬
‫األهداف واملبادئ األخرى‪ .‬سجلوا من النجاحات ما مل يسجله أحد‪ .‬نعتقد أن عاقبة النبوة‬
‫‪ n220‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫وهناية شوط نشاط األنبياء كان وفق ما أرادوه يف التاريخ‪ ،‬وسيكون كذلك يف املستقبل‪.‬‬
‫ونحن نثبت ذلك‪.‬‬
‫هنا موضوعان نود يف هذه اجللسة أن نستوفيهام‪:‬‬
‫األول‪ :‬شهدت الساحة البرشية ظهور سلسلة من األنبياء‪ .‬هل إن هذا الرهط الكريم‬
‫بمجموعه قد حقق أهدافه أم فشل؟‬
‫والثاين‪ :‬هل حقق ك ٌُّل من األنبياء هدفه يف زمانه أم فشل؟‬
‫بداية أذكر أن بعض املعلومات التي نحصل عليها ال فائدة فيها سوى أهنا تزيد تراكم‬
‫معلوماتنا‪ ،‬ال تقربنا من رضوان اهلل‪ ،‬وال تساعدنا يف إقامة حياة إسالمية صحيحة يف‬
‫هذه الدنيا‪ ،‬غري أن املوضوع الذي نتناوله اليوم يزيد يف معلوماتنا ووعينا ويف الشعور‬
‫بمسؤولياتنا‪ .‬هذا من نوع اإليامن الذي ذكرناه يف اجللسات الثالثة والرابعة واخلامسة‪.‬‬
‫نعود إىل السؤال‪ :‬ماذا فعل هذا الرهط الكريم من األنبياء؟ ماذا قدّ موا للبرشية؟ واجلواب‪،‬‬
‫التوحش واجلهل‬
‫ّ‬ ‫إهنم جاؤوا من أجل أن يأخذوا بيد البرشية لينتشلوها من حضيض‬
‫ولريفعوها إىل مستوى اإلنسانية املتحرضة فيام لو عملت بتعاليمهم‪ .‬يستطيع البرش هبذه‬
‫أقر َب املوضوع إىل األذهان‬
‫التعاليم أن يقيموا أسمى وأمجل مظاهر احلياة اإلنسانية‪ .‬حتى ّ‬
‫أرضب املثال التايل‪ .‬األنبياء مثل مع ّلمني جاؤوا إىل طالب خايل الذهن‪ ،‬ال يعرف حتى‬
‫احلروف األبجدية‪ .‬جيهدون أنفسهم من أجل رفع مستواه‪ ،‬ثم يغادرون احلياة ليرتكوه‬
‫إىل معلمني آخرين ينقلوه إىل مستوى أرفع‪ ،‬وهكذا يتدرج هذا الطالب يف ارتفاع مستواه‬
‫ليصل إىل مستوى راق من الوعي والفهم والفكر‪.‬‬
‫وقد يواجه بعض املع ّلمني شغ ًبا يؤدي إىل قتلهم‪ ،‬ولكن هل يعني ذلك أهنم فشلوا يف‬
‫دفع مسرية البرشية إىل مرحلة أرقى‪ ،‬ثم لرتتقي باستمرار‪.‬‬
‫مهمتهم؟ ال‪ ،‬ألن هدفهم ُ‬
‫ونحن إذ نشهد تكامل البرشية يف مسريهتا العامة رغم ما يطرأ عىل بعض مقاطعها من‬
‫انتكاس‪ ،‬إنام هو حتقيق هلدف األنبياء‪ .‬شاء اهلل سبحانه أن تتحرك البرشية بحركة طبيعية‬
‫والسمو‪ .‬إرادة اهلل شاءت أن تصل‬
‫ّ‬ ‫لتصل إىل مقصدها الطبيعي الفطري‪ ،‬وهو التكامل‬
‫البرشية إىل نقطة كامهلا النهائي‪ ،‬وهذه سنة اهلل يف األرض‪ .‬أي سيأيت اليوم الذي يزول فيه‬
‫النبوة (‪221n )1‬‬
‫انتصار ّ‬

‫الظلم‪ ،‬والقبح‪ ،‬وتصبح األمور وفق مراد اإلنسان‪ .‬هذه طبيعة خلقة اإلنسان‪ ‌،‬وهذه طبيعة‬
‫خلقة هذا الكون‪ ،‬وهي أن يصل الكائن البرشي إىل هذه املحطة املرسومة‪ .‬يف تلك املرحلة‬
‫الزمنية ستتوفر كل مستلزمات تكامل اإلنسان‪ .‬وستطوي عندئذ املسرية برسعة طريقها إىل‬
‫الكامل املطلق‪ ..‬أي إىل اهلل‪ .‬هذا هو جرب التاريخ‪ ،‬وهذا طب ًعا ال يعني إلغاء إرادة اإلنسان‬
‫كام سنوضح ذلك‪.‬‬
‫هذا مبدأ إسالمي يقيض أن يكون مصري البرشية إىل خري‪ ،‬ملاذا؟ ألن اهلل تعاىل خلق‬
‫الساموات واألرض وفق موازين احلق‪ ،‬وخلق اإلنسان لينشد احلق بفطرته‪ .‬واإلنسان بام‬
‫عنده من إرادة جيب أن يتحرك وفق ما تقتضيه فطرته ليصل إىل ذلك املقصد‪ .‬و َمن الذي‬
‫يضع أمام اإلنسان هذا الطريق‪ ،‬ويضع له منهج احلركة وفق الفطرة؟ إهنم األنبياء‪ .‬وهذا‬
‫ويسهلوا له السبيل نحو‬
‫ّ‬ ‫هدف بعثة األنبياء‪ .‬جاؤوا ليب ّينوا له طريق الفطرة‪ ،‬وليح ّثوا خطاه‬
‫حسن العاقبة‪ .‬فالبرشية إذن يف حالة تقدم مستمر‪ ،‬وهي تقطع اخلطى نحو حتقيق سعادهتا‪.‬‬
‫وهذا نتيجة ما قدمه هلا األنبياء من توجيه‪ .‬األنبياء دفعوا املسرية نحو حركتها التكاملية‪،‬‬
‫وإذا حدث تأخري يف هذه احلركة عند مقطع زمني فذلك بسبب االبتعاد عن تعاليم األنبياء‪،‬‬
‫ولكنها مستمرة يف شكلها العام نحو هدفها املنشود‪.‬‬
‫وجهوا البرشية نحو الرقي والسمو رغم ما عاناه بعضهم‬
‫فاألنبياء العظام بمجموعهم قد ّ‬
‫من عوائق يف حتقيق أهدافه‪ .‬هذه هي املسألة األوىل‪.‬‬
‫أما املسألة الثانية‪ ،‬وهي حتوز عىل اهتامم لدى الكثريين‪ ،‬فهي هل يمكن القول بأن النبي حني‬
‫نجاحا يف جهوده؟ هل يمكن عقد األمل عىل هذه النتيجة؟‬
‫ً‬ ‫يدخل ساحة الدعوة سيحقق‬
‫ما هي القاعدة العامة يف هذا املجال؟‬
‫هناك من يقول‪ :‬أينام انطلق نداء يدعو إىل احلق فإنه ُقرب يف مهده ومل حيقق هدفه‪ .‬والتاريخ‬
‫يتحدث عن عدم بلوغ األنبياء أهدافهم‪ .‬مل يستطيعوا أن حيكّموا احلق ويزهقوا الباطل‪.‬‬
‫وإذا كان األنبياء غري قادرين عىل إعالء كلمة احلق فام شأننا نحن؟! البدّ أن نرتك ساحة‬
‫احلق إىل نصابه!! هذا هو املنطق الذي يسعى الطغاة إىل‬ ‫النضال‪ ،‬وننتظر ً‬
‫عامل غيب ًيا يعيد ّ‬
‫ترسيخه يف األذهان‪ ،‬كي ال ينهض بوجههم ُمطالب باحلق‪.‬‬
‫‪ n222‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫العربدات التي نسمعها من أبواق اجلبارين تعزف عىل هذه النغمة‪ .‬حمور خطاب هذه‬
‫األبواق يدور حول عدم إمكان انتصار أية هنضة تقف بوجه الظاملني‪ .‬تتحدث عام يمتلكه‬
‫الطواغيت من قوة ضاربة ال تُقهر! واملعارضون ال يمتلكون شي ًئا!!‬
‫مر التاريخ‪.‬‬
‫وليس هذا خطاب طواغيت اليوم فحسب‪ ،‬بل كنا نسمع هذه النغمة عىل ّ‬
‫ً‬
‫وبطشا بمعارضيه‪ ،‬لكنه كان‬ ‫اقتدارا وقوة‬
‫ً‬ ‫املنصور العبايس كان أكثر خلفاء بني العباس‬
‫يواجه معارضة شديدة من حممد النفس الزكية وأخيه إبراهيم ومها ابنا عبداهلل املحض‪1‬وكان‬
‫املنصور يشيع بني معارضيه من أهل بيت رسول اهلل األساطري عن قدرته وقوته حتى أشاع‬
‫أنه يملك مرآة يستطيع هبا أن يعرف مكان اختفاء حممد وإبراهيم و َم ْن يو ّفر هلام املكان‬
‫كأسا‬
‫اآلمن‪ .‬وهذا يشبه ما كان يشيعه احلاكم اإليراين مجشيد يف العهود القديمة بأنه يملك ً‬
‫يرى فيها العامل كله!!‬
‫ح َلة الرسالة‬
‫جبابرة العامل كانوا يو ّدون من أعامق قلوهبم أن يرسخ يف ذهن الناس بأن َ َ‬
‫معرضون للهزيمة ال حمالة‪ ،‬وأنه ال توجد إطال ًقا قوة غيبية تساندهم وتساعدهم‪،‬‬
‫اإلهلية ّ‬
‫كل ذلك من أجل أن يبثوا روح اليأس يف أتباع هذه الرساالت‪ ،‬هل األمر يف الواقع هبذه‬
‫الصورة؟ هل إن سنن التاريخ تقيض بفشل السائرين عىل طريق األنبياء؟ نستنطق القرآن‬
‫الكريم يف هذا السؤال‪ ،‬ثم نعود إىل نصوص التاريخ لتكون شاهدة عىل ما نقول‪.‬‬
‫القرآن الكريم يع ّلمنا أن كل واحدة من ّ‬
‫النبوات كان هلا دور وفاعلية يف سلسلة النبوات‪،‬‬
‫إضافة إىل أهنا دفعت بالبرشية خطوة إىل األمام‪ ،‬وهذا ما تؤيده وثائق التاريخ‪ .‬ليس األمر‬
‫كام كان يروج له املنصور العبايس وأمثاله من طواغيت التاريخ بأنه ال يمكن للناس أن‬
‫حق أن ينبسوا ببنت شفة أمام قوى‬
‫يقفوا بوجه القوى املتسلطة‪ ،‬وبأن الناس ليس هلم ّ‬
‫الضالل املتحكّمة‪ .‬بل العكس هو الصحيح‪ ،‬األنبياء حققوا نجاحات يف وقتهم‪ .‬وهكذا‬
‫أتباع األنبياء يستطيعون أن حيققوا النجاحات بشكل مؤكد‪ ،‬ولكن برشطني‪ .‬وإذا حتقق‬

‫‪1‬ـ عبداهلل بن احلسن املثنى املعروف باملحض‪ ،‬سمي باملحض ألنه علوي خالص من األب ومن األم فهو ابن احلسن املثنى بن‬
‫اإلمام احلسن وأمه فاطمة بنت اإلمام احلسني‪ .‬ولداه حممد وإبراهيم عارضا املنصور العبايس‪ ،‬واختفيا عن األنظار‪ ،‬وبذلك‬
‫أيضا بأمر املنصور يف سن اخلامسة والسبعني سنة ‪145‬هـ‪.‬‬
‫تعرض عبداهلل للسجن‪ ،‬ثم ثار ولداه وقتال‪ ،‬وقتل عبداهلل ً‬
‫النبوة (‪223n )1‬‬
‫انتصار ّ‬

‫هذان الرشطان فالنرص حتمي‪ ،‬وليس من الرضوري أن يتحقق هذا االنتصار بمعجزة‪‌.‬‬
‫وما مها الرشطان؟‬
‫األول‪ :‬اإليامن‪ ،‬العقيدة الواعية‪ ،‬إيامن مقرون بالتزام‪ ،‬ومقرون بالسعي واحلركة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬الصرب‪ ،‬ويعني املقاومة‪ ،‬والثبات يف الساحة‪ ،‬وعدم ترك امليدان يف اللحظات احلساسة‬
‫واخلطرة‪.‬‬
‫النبي وهزيمة أمام طاغوت زمانه فذلك يعود إىل أن أتباعه‬
‫متى ما رأيتم تراج ًعا يف مهمة ّ‬
‫انتصارا‬
‫ً‬ ‫مل يكونوا يتح ّلون باإليامن الكايف أو بالصرب الالزم‪ .‬ومتى ما رأيتم أن احلق حقق‬
‫فذلك بفضل إيامن منارصيه وصربهم‪ .‬وهل لذلك شاهد من القرآن الكريم؟ نعم‪.‬‬
‫أذكر لكم اليوم آيات تشكل القاعدة الفكرية ملا ذهبنا إليه‪ ،‬وثمة آيات كثرية أخرى يف هذا‬
‫املوضوع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ین)‪ 1‬هذه اآلية حمكمة‬ ‫يقول سبحانه‪َ ( :‬و لا ت ِه ُنوا َو لا ت ْح َزنوا َوأ ُنت ُم الأ ْعل ْو َن ِإن‬
‫وليست متشاهبة‪ ،‬وهي نص قرآين‪ ،‬وليست رواية يعرتهيا الشك يف صحتها‪ .‬نعم‪‌ ،‬أنتم‬
‫األعلون‪ ،‬وأنتم املنترصون عىل عدوكم‪ ،‬وأنتم الذين ستكونون قادة البرشية‪ ،‬عىل رشط‬
‫أن تكونوا مؤمنني‪.‬‬
‫قد تقولون‪ :‬إن اإلمام الصادق صلوات اهلل عليه جاهد ضد طاغوت زمانه لكنه مل يستطع‬
‫كثريا من أتباعه كانوا مثيل ومثلك‬
‫أن يستلم زمام قيادة جمتمعه‪ .‬نعم‪ ،‬وذلك يعود إىل أن ً‬
‫ينقصهم الصرب الكايف واإليامن الكايف‪ .‬أنتم تريدون أن حيقق اإلمام الصادق هدفه خال ًفا‬
‫للسنن اإلهلية يف هذا الكون! ال يمكن أن حيدث ذلك‪ .‬وهذا دليل عىل أن النرص ال يأيت‬
‫بمعجزة‪ .‬وهكذا األمر بالنسبة لإلمام موسى بن جعفر (عليه السالم)‪ ‌،‬مل يكن أتباعه‬
‫أيضا إن كان األمر هبذا الشكل ال‬
‫حيملون ما يكفي من شحنة اإليامن والصرب‪ .‬واليوم ً‬
‫يتحقق لإلسالم نرص ‌‪ .‬أ ّما لو كنّا اليوم كام كان املسلمون يف عرص رسول اهلل حيث اإليامن‬
‫الراسخ الذي ال يتزعزع ‌‪ ،‬وحيث الصرب الذي تصغر أمامه مالئكة السامء‪ ،‬الصرب الذي‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪139 /‬‬


‫‪ n224‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫حر احلجاز حيفرون اخلندق‪،‬‬


‫جيعل املسلمني وهم صائمون يف شهر رمضان‪ ،‬ووسط ّ‬
‫حتم‪.‬‬
‫العدو‪ ،‬لو كنا اليوم كام كانوا لكان النرص حليفنا ً‬
‫ّ‬ ‫وحياربون‬
‫َّ ْ َ َّ‬ ‫َ‬
‫الصلاةِ )‪ 1‬هذه معجزة الصرب‪ ،‬وهذه وسيلة االنتصار‪ .‬وليس الصرب كام‬ ‫( ِْاس َت ِع ُینوا ِبالصب ِر و‬
‫وحتمل ّ‬
‫الذل والشقاء واهلوان‪ .‬فهذا‬ ‫ّ‬ ‫خي ّيل لبعض القاعدين هو اجللوس وعدم التحرك‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫آخ َر َة ذ ِل َك ُه َو ال ُخ ْس َر ُان ال ُم ِبین)‪.2‬‬ ‫َ‬
‫الصرب فقدان الدين والدنيا‪( :‬خ ِس َر ّالدن َیا َو ال ِ‬
‫تأملوا يف اآليات ‪ 103‬وما بعدها من سورة األعراف وهي تتحدث عن املواجهة بني موسى‬
‫وفرعون‪ ،‬وحماولة فرعون أن هيزم موسى بالسحرة‪ ،‬ثم هزيمة السحرة أمام موسى‪ ،‬وأمام‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ ُ َ ْ ْ َ َ ََ َ ُ ُ َ َ‬
‫وسى َوق ْو َم ُه ِل ُیف ِس ُدوا فِی الأ ْر ِض َو َیذ َر َك َو ِآل َه َت َك قال‬ ‫هذه اهلزيمة (قال الملأ ِمن قو ِم ِفرعون أتذر م‬
‫ون)‪.3‬‬ ‫َس ُن َق ّت ُل َأ ْب َن َاء ُه ْم َو َن ْس َت ْحیی ن َس َاء ُه ْم َو إ َّنا َف ْو َق ُه ْم َقاه ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حني يئس فرعون من مواجهة موسى‪ ،‬وفشل يف استخدام َس َحرته‪ ،‬قرر أن ُينزل رضبته‬
‫القاضية ‌‪ .‬يف مثل هذه املواقف‪ ،‬التي تبعث الرعب يف النفوس‪ ،‬وترجتف هلا األفئدة‬
‫والقلوب‪ ،‬جيب عىل أمثال موسى وأتباعه أن يثبتوا ويشحذوا عزيمتهم وال يشعروا‬
‫باهلزيمة أمام هذا التهديد‪.‬‬
‫أذكر باملناسبة كالم شخص من تارخينا احلديث كان خياطب أتباعه يف احلركة الدستورية‬
‫أيضا‪ ،‬وإن أيقنتم بالفشل‬
‫اإليرانية ويقول هلم‪ :‬ناضلوا‪ ،‬وإن اشتدت عليكم األمور ناضلوا ً‬
‫احلتمي واصلوا النضال‪ ،‬عندئذ سوف ُيكتب لكم النرص‪ ،‬هذا كالم صحيح‪ .‬حني يبقى األمل‬
‫دب اليأس فثمة الفشل واهلزيمة‪.‬‬
‫بالنرص يف كل أحوال الشدّ ة فإن النرص عاقبة األمور‪ ،‬أما إذا ّ‬
‫موسى(ع) استند إىل هذه القاعدة من أجل تعبئة بني إرسائيل وتثبيت عزائمهم‪ .‬ماذا قال‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ْ ُ َّ َ ْ َ‬ ‫َ َ ُ َ َ‬
‫ورث َها َمن َیش ُاء ِم ْن ِع َب ِادهِ َوال َع ِاق َبة‬
‫ِ‬ ‫ی‬ ‫هلِل‬ ‫ض‬ ‫اهلل واص ِبر وا ِإن الأر‬ ‫َ ُ‬
‫وسى ِلق ْو ِمهِ ْاست ِعینوا ِب ِ‬ ‫هلم‪( :‬قال م‬
‫ین)‪.4‬‬‫ِل ْل ُم َّت ِق َ‬

‫‪1‬ـ البقرة‪153 /‬‬


‫‪2‬ـ احلج‪11 /‬‬
‫‪3‬ـ األعراف‪127 /‬‬
‫‪4‬ـ األعراف‪128 /‬‬
‫النبوة (‪225n )1‬‬
‫انتصار ّ‬

‫صورا من نجاح هذه القاعدة‪ ،‬إبراهيم(ع) نراه يف موقف ُيراد إلقاؤه‬


‫ً‬ ‫القرآن الكريم يقدم لنا‬
‫يف النار‪ .‬ويف موقف آخر يرفع القواعد من البيت احلرام ويقيم املجتمع التوحيدي الذي‬
‫يبقى بعده لقرون متامدية‪.‬‬
‫ومترد بني إرسائيل‪ ،‬ويف‬
‫والنبي موسى نراه يف مقطع من حياته يتعرض ملواجهة فرعون ّ‬
‫(ع)‬

‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫مقطع آخر يقول لقومه‪َ ( :‬یا قـ ْـو ِم ْاد ُخلوا الأ ْر َض ُ‬
‫المق ّد َسة)‪ 1‬وأقيموا املجتمع التوحيدي‬
‫هناك‪ .‬والنبي عيسى(ع) خالل مدة إقامته القصرية بني قومه ال تسفر جهوده عىل الظاهر عن‬
‫نتيجة‪ ،‬ولكن بعد أن رفعه اهلل إليه‪ ،‬وبعد قرن أو قرنني ختضع أكرب قوة عاملية آنذاك إىل الفكر‬
‫املسيحي‪ ،‬فإمرباطور روما يدين باملسيحية وتصبح إمرباطوريته عىل دين املسيح‪.‬‬
‫نبينا عليه أفضل الصالة والسالم واجه ما واجه من شدائد خالل ثالثة عرش عا ًما يف‬
‫مكة‪ ،‬ثم هاجر إىل املدينة وأقام املجتمع اإلسالمي‪ ،‬وشكل احلكومة اإلسالمية‪ ،‬وهدى‬
‫َ‬
‫الناس إىل الكامل‪ ،‬وانترص عىل أعدائه األلداء‪ .‬ولكن طب ًعا برشط الصرب والتقوى‪َ ( :‬بلى‬
‫ََُ‬ ‫َ‬
‫ِإن ت ْص ِب ُر وا َوت ّتقوا)‪.2‬‬
‫أيضا‪ .‬أية جمموعة‬
‫رب العاملني يف التاريخ‪ ،‬يف املايض ويف حارضنا ً‬
‫وهذه سنة الكون‪ ..‬سنة ّ‬
‫تسعى إىل أن تستظل بالقرآن والنبوة والتوحيد ومبادئ اإلسالم املقدسة‪ ،‬وتريد أن متسك‬
‫بزمام أمور احلياة‪ ،‬وحتكّم اهلل يف احلياة‪ ،‬البد أن َيستحكم يف نفوسها عامالن‪ :‬اإليامن‬
‫والصرب‪.‬‬
‫وهذا هو جواب السؤال األول‪ :‬هل األنبياء بمجموعهم قد حققوا النجاح يف مسريهتم‬
‫أم ال؟ واجلواب أهنم بمجموعهم قد حققوا النجاح‪ ،‬إذ إهنم أرادوا أن يرفعوا مستوى‬
‫ورضبت لكم يف هذا املجال ً‬
‫مثال بالطالب ومعلميه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫البرشية‪،‬‬
‫أما السؤال الثاين بشأن األنبياء واحدً ا واحدً ا‪ ،‬هل نجحوا يف هنضتهم ودعوهتم؟ فاجلواب‬
‫هو ما ذكرناه بشأن القاعدة العامة يف هذا اإلطار‪ .‬النبي وقومه حيققون من النرص بقدر ما‬
‫كان عندهم من إيامن وصرب‪ ،‬والفشل قرين انعدام هذين العنرصين‪.‬‬

‫‪1‬ـ املائدة‪21 /‬‬


‫‪2‬ـ آل عمران‪125 /‬‬
‫‪ n226‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫فلنتناول آيات هذه اجللسة من سورة الرعد‪ ،‬ومن سورة الصافات‪.‬‬


‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الو ِاح ُد الق َّه ُار)‪ 1‬فهو سبحانه خالق األشياء‪ ،‬وهو الواحد‬ ‫ُ َ ُ ُ‬
‫كـ ّـل شـ ْـی ٍء َو ُهـ َـو َ‬
‫ِ‬ ‫(ق ِل اهلل خ ِالق‬
‫القوي املقتدر العامل بعاقبة األمور‪ ،‬وهو أعلم بسنن هذا الكون‪ .‬وهذه مقدمة للحديث عن‬
‫املواجهة بني احلق والباطل‪.‬‬
‫(أ َنزل م َن َّ‬ ‫َ َ‬
‫الس َم ِاء َم ًاء)‪‌ .‬وهذه من مجاليات اللغة العربية‪ ،‬مل تذكر اآلية أهنا يف صدد رضب‬ ‫ِ‬
‫مثال‪ ،‬تقدم صورة تفهم بعدها أهنا عىل سبيل التمثيل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(ف َسال ْت أ ْو ِد َیة بق َدر َها ف ْ‬
‫اح َت َم َل َّ‬
‫الس ْی ُل َز َب ًدا ّر ِاب ًیا) سيول جتري عىل أثر األمطار‪ ،‬وهذه السيول‬ ‫ِ ِ‬
‫يعلوها زبد طافح‪ .‬حني تنظر إىل السيول املتدفقة ال ترى ما ًء بل ترى زبدً ا طاف ًيا عليه‪.‬‬
‫فالبارز للعيان هو الزبد‪ ،‬واملاء حتته‪ .‬هذه صورة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ ُ َ َ‬
‫ون َعل ْیهِ فِی ّالن ِار ْاب ِت َغ َاء ِحل َیةٍ أ ْو َم َت ٍاع َز َب ٌد ِّم ْثل ُه)‪.‬‬‫والصورة األخرى هي‪(:‬و ِمما ی ِوقد‬
‫هذه اخلامات التي حتمل املواد املعدنية كالذهب واحلديد تُذاب كي تُتخذ حلية أو يصنع‬
‫َ‬
‫السيول‪.‬‬ ‫أيضا كام يعلو الزبدُ‬
‫منها أشياء‪ .‬وحني توضع عىل النار كي تُذاب يعلوها الزبد ً‬
‫يف الصورة األوىل‪ :‬هل املادة احلياتية هي املاء أو الزبد؟ طب ًعا املاء‪ .‬أما الظاهر والبارز فهو‬
‫الزبد طب ًعا‪.‬‬
‫ويف الصورة الثانية املطلوب واملفيد هو الفلز أو الزبد؟ طب ًعا الفلز‪ :‬الذهب أو احلديد‪ .‬وما‬
‫هو دور الزبد؟ إنه يشء زائد طفييل‪ ،‬ولكن ما هو البارز أمام األعني؟ إنه الزبد ال الذهب‬
‫وال احلديد‪ .‬ثم يقول سبحانه‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫(كذل َك َی ْضر ُب ُ‬ ‫ََ‬
‫اهلل ال َح ّق َوال َب ِاط َل) هكذا يم ّثل اهلل سبحانه للحق والباطل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ‬
‫(فأ َّما َّالز َب ُد ف َیذ َه ُب ُجف ًاء َوأ َّما َما َینف ُع ّالن َاس ف َی ْمكث فِی الأ ْر ِض) الزبد يزول ويتلف وال يكتب‬
‫له البقاء‪ .‬والبقاء ملا ينفع الناس‪‌:‬للامء وللذهب وللحديد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫اهلل الأ ْم َثال) هكذا يرضب اهلل األمثال للفرق بني دعوة األنبياء‪ ،‬واجلبهة‬
‫(كذل َك َی ْضر ُب ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعارضة هلم‪ .‬جبهة املواجهة تنتفش وحتاول أن تغطي عىل صوت احلق‪ ،‬لكنها مثل فقاعة‬
‫رسعان ما تزول‪.‬‬

‫‪1‬ـ الرعد‪18 - 16 /‬‬


‫النبوة (‪227n )1‬‬
‫انتصار ّ‬
‫َّ‬
‫ويستمر السياق القرآين يف احلديث عن النضال االجتامعي للمسلمني‪ .‬يقول سبحانه‪ِ (:‬لل ِذ َین‬
‫ْ‬
‫ْاس َت َج ُابوا ِل َر ِّب ِه ُم ال ُح ْسنَى) فالذين استجابوا للدعوة هلم عاقبة حسنة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫( َو َّالذ َین َل ْم َی ْس َتج ُیبوا َل ُه َل ْو َأ َّن َل ُهم َّ‬
‫اف َت َد ْو ْا بهِ أ ْو َل ِئ َك َل ُه ْم ُس ُ‬
‫وء‬
‫َ ً َ َُْ ََ ُ َ ْ‬
‫ل‬ ‫ه‬‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ا‬‫یع‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ض‬‫ِ‬ ‫ر‬‫الأ ْ‬ ‫ی‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْال ِح َ‬
‫اب َو َم َأو ُاه ْم َج َه ّن ُم َو ِبئ َس ال ِم َه ُاد) هؤالء الذين مل يستجيبوا للدعوة عىل استعداد يوم‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫القيامة ألن يفدوا بكل ما عندهم‪ ،‬حتى ولو كان هلم مجيع ما يف األرض وما يعادله معه‪،‬‬
‫ليتخ ّلصوا من هذه الضائقة‪ .‬وهؤالء هلم أسوأ احلساب وأسوأ العاقبة‪.‬‬
‫اآليات األخرى من سورة الصافات‪:‬‬
‫َ ْ ََ ْ َ‬
‫ك ِل َم ُت َنا ِل ِع َب ِادنا ال ُم ْر َس ِل َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫رب العاملني جلامعة‬
‫ین)‪ 1‬هذا هو القرار الذي اختذه ّ‬ ‫(ولقد سبقت‬
‫ْ‬
‫ندنا ل ُه ُم ال َغال ُب َ‬ ‫َ َ‬
‫ون ‪َ #‬و إ ّن ُج َ‬ ‫َ‬
‫نص ُور َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الصاحلني يف كل زمان ومكان‪( .‬إن ُه ْم ل ُه ُم ال َم ُ‬
‫ون) هذه هي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سنة اهلل يف األرض رشط توفر اإليامن والصرب لدهيم‪.‬‬
‫يف ساحات القتال كان رسول اهلل يويص املجاهدين بالصرب‪ ،‬كام كان أمري املؤمنني عيل بن‬
‫أيب طالب يويص املقاتلني بالصرب‪ .‬وما معنى الصرب يف ساحة اجلهاد؟ إنه دعوة إىل عدم‬
‫الرتاخي وعدم ترك األمور قبل اكتامهلا‪.‬‬
‫لو أن املسلمني يف العامل قد التزموا هبذين العاملني‪ :‬اإليامن والصرب يف مشاريع التطوير‬
‫االقتصادي والسيايس والثقايف لكانت الغلبة هلم عىل غريهم يف هذه املجاالت مجي ًعا‪.‬‬
‫ّ‬
‫والذل مقرون هبم ومطبوع عليهم وال يمكن أن‬ ‫ال خيال َّن املسلمون أن التخ ّلف والفقر‬
‫املتجبة يف العامل قد ُقدّ ر هلا أن تبقى مسيطرة عىل رقاب األمة متتص‬
‫ّ‬ ‫يفارقهم‪ ،‬وأن القوى‬
‫دماءهم وتستنزف ثرواهتم!! ال‪ ،‬لو أن املاليني من أبناء األمة اإلسالمية قد التزموا باإليامن‬
‫وحت ّلوا بالصرب لكانت الغلبة هلم‪ .‬هذه هي توصية القرآن الكريم للمسلمني يف كل زمان‬
‫ومكان‪ .‬وهذه حصيلة جلستنا هذا اليوم‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪1‬ـ الصافات‪173 - 171 /‬‬


‫اجللسة احلادیة و العشرون‬
‫النبوة (‪)2‬‬
‫انتصار ّ‬
‫األربعاء ‪ 22‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/17‬هجرية مشسية‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ُ ْ‬
‫نص ُر ُر ُسل َنا َوالـ ِـذیـ َـن َآمـ ُـنــوا فِــی ال َح َیاةِ ّالدن َیا َو َیـ ْـو َم‬‫(إ َّن ــا َل َن ُ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وم الأشــهــاد ‪َ #‬یـ ْـو َم لا َینف ُع الظ ِال ِم َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َی ُق ُ‬
‫ین َم ْع ِذرته ْم َوله ُم‬
‫َ ْ‬ ‫َ ََ ْ َ َْ ُ َ ْ‬ ‫َّ ْ َ ُ َ َ ُ ْ ُ ُ َ‬
‫وسى ال ُه َدى َوأ ْو َرث َنا‬ ‫وء الـ ّـد ِار ‪ #‬ولقد آتینا م‬ ‫اللعنة ولهم س‬
‫ْ َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ً َ َْ‬ ‫ْ‬
‫یل ال ِك َت َ‬‫َب ِنی إ ْس َر ِائ َ‬
‫اب ‪ #‬هــدى و ِذكــرى ِلأ ِولــی الألب ِاب)‬ ‫ِ‬
‫(املؤمن‪)54-51 /‬‬

‫ور ُسله حيمل بشائر النرص‪ .‬أي إنه سبحانه وعد أنبياءه وحاميل‬
‫ذكرت أمس أن َوعْدَ اهلل ألنبيائه ُ‬
‫مسؤولية األمانة بالنرص يف هذه احلياة الدنيا عىل أعدائهم‪ ،‬وبالثواب واألجر يف األخرة‪.‬‬
‫صت املوضوع يف حمورين‪ :‬حمور انتصار الرهط الكريم من األنبياء‬
‫وحول انتصار األنبياء خلّ ُ‬
‫بمجموعهم‪ ،‬ومثلت لذلك بدور املعلمني الذين يبدأون بتعليم الطالب يف مرحلته التمهيدية‬
‫ثم يسلموه معلمني يف املرحلة االبتدائية‪ ،‬وهؤالء يسلمونه إىل معلمني يف املرحلة الثانوية‪،‬‬
‫وهكذا يتدرج ليبلغ أعىل املراحل الدراسية‪ .‬معلم املرحلة التمهيدية مل يبلغ بالطالب مرحلة‬
‫الكامل العلمي‪ ،‬لكنه أدى مهمته وقام بدوره املطلوب‪.‬‬
‫مثال آخر طاملا ذكرته من قبل‪ .‬افرتضوا أن ِحال ً‬
‫ثقيل جيب أن ننقله إىل نقطة‬ ‫وأرضب هلذا ً‬
‫تبعد ‪1000‬مرت‪ ،‬وهذا احلمل ال يطيق أحد أن ينقله إىل كل هذه املسافة‪ ،‬وال يمكن أن حيمله‬
‫جمموعة من الناس‪ ،‬بل البد أن حيمله واحد‪ .‬فامذا العمل؟ يأيت واحد من األقوياء فيحمله‬
‫رتا ويأيت الثالث والرابع واخلامس‬
‫إىل مسافة ‪ 10‬أمتار‪ ،‬ثم يأيت آخر فينقله إىل مسافة ‪ 20‬م ً‬
‫يقر به مسافة إىل أن يصل احلمل إىل النقطة املطلوبة‪ .‬لقد أ ّدى كل واحد‬
‫و‪ ...‬وكل واحد ّ‬
‫‪ n232‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫مسؤوليته يف محل هذه الرزمة‪ ،‬وإن مل يوصلها إىل هدفها املطلوب‪ .‬لقد ّ‬
‫وف بمسؤوليته وإن‬
‫ضحى بنفسه وسط الطريق من أجل أداء املهمة‪ .‬وهذا هو شأن األنبياء (عليهم السالم)‪‌،‬‬
‫ّ‬
‫رقي البرشية‪ .‬نوح (ع) قطع‪ ،‬خالل ألف سنة إالّ مخسني‬ ‫كل منهم قطع شو ًطا عىل طريق ّ‬
‫وضحى نفسه عىل طريق الدعوة‪ ،‬ثم جاء ِم ْن بعده َم ْن قطع شو ًطا‬
‫ّ‬ ‫عا ًما من عمره‪ ،‬شو ًطا‬
‫آخر‪ ،‬ثم وصلت الرسالة إىل خاتم األنبياء(ص) حيث بلغت األمانة حدً ا بإمكاهنا أن تواصل‬
‫ْب األنبياء بمجموعه من أوهلم‬
‫الطريق‪ ،‬إذ وصلت البرشية إىل س ّن البلوغ‪ .‬من هنا فإن َرك َ‬
‫إىل خامتهم قد حالفه التوفيق يف أداء املهمة‪ .‬ثم يصل الدور إىل آخر سفري إهلي وهو املهدي‬
‫املنتظر (عليه السالم)‪ .‬وهو الذي يوصل األمانة إىل آخر مراحلها املرسومة‪ .‬إنه يواصل‬
‫عمل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والنبي اخلاتم واألئمة من أهل البيت‪ .‬وبذلك تكتمل‬
‫مسرية األنبياء وتتحقق آماهلم مجي ًعا‪ .‬فال فشل إذن ألنبياء اهلل رغم كل ما واجهوه يف حياهتم‬
‫من عقبات ومن أذى ومصائب‪.‬‬
‫انتصارا آخر إضافة إىل ما‬
‫ً‬ ‫وثمة موضوع آخر تناولناه أمس وهو إن بعض األنبياء‪ ،‬حققوا‬
‫قي البرشية‪ ،‬استطاعوا أن يقيموا جمتم ًعا عىل أساس الفكر‬
‫قطعوه من شوط عىل طريق ر ّ‬
‫التوحيدي‪ .‬النموذج الواضح لذلك ما قام به نبينا عليه أفضل الصالة والسالم‪ .‬فقد أقام‬
‫أيضا عيسى عندما آمن به إمرباطور‬
‫يف املدينة جمتم ًعا ونظا ًما وفق املرشوع اإلهلي‪ .‬ومثله ً‬
‫الروم‪ ،‬وهكذا إبراهيم وسليامن قد نجحوا يف إقامة جمتمع توحيدي يسوده نظام توحيدي‪.‬‬
‫غري أن بعض األنبياء مل حيالفهم التوفيق يف هذا املجال‪ .‬ما هو السبب؟ السبب يعود كام‬
‫ذكرنا أن رهطهم مل يكونوا عىل الدرجة املطلوبة من اإليامن والصرب‪ .‬متى ما كان قوم النبي‬
‫متح ّلني باإليامن والصرب فقد حققوا النرص عىل أعدائهم وكُتب هلم الفتح‪ ،‬ذلك ألن دعوة‬
‫األنبياء تقوم عىل احلق‪ ،‬واحلق منترص ال حمالة ألنه ينسجم مع فطرة الكون وطبيعته‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ََ‬
‫واآلية التي تلوناها أمس تؤكد عىل حتمية انتصار جبهة احلق‪َ ( :‬ولق ْد َس َبقت ك ِل َم ُت َنا ِل ِع َب ِادنا‬
‫ون)‪ 1‬لو شاهدتم أن دعاة كلمة‬ ‫ند َنا َل ُه ُم ْال َغال ُب َ‬
‫ون ‪َ #‬و إ َّن ُج َ‬ ‫ین ‪ #‬إ َّن ُه ْم َل ُه ُم ْال َم ُ‬
‫نص ُور َ‬ ‫ْال ُم ْر َس ِل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪1‬ـ الصافات‪173 - 171 /‬‬


‫النبوة (‪233n )2‬‬
‫انتصار ّ‬

‫احلق يف مقطع زماين كانوا مغلوبني فاعلموا أهنم مل يكونوا جند اهلل‪ ،‬أي مل تكن خصائص‬
‫جند اهلل متوفرة فيهم‪ .‬حني تتوفر مواصفات جند اهلل يف جمتمع فالنرص حليفه‪ ،‬وإن مل تتوفر‬
‫فالفشل قرينه‪.‬‬
‫ملخص حديثنا هو متى ما كان رهط النبي متح ّلني باإليامن التام وكانوا ثابتني يف مواقفهم‬
‫احل ّقة فإهنم منترصون ال حمالة‪ .‬ذكرت لكم أمس قول ذلك الرجل الذي كان يويص‬
‫املناضلني يف احلركة الدستورية اإليرانية املعارصة‪ .‬كان يوصيهم بالنضال يف كل حال‪،‬‬
‫وإذا أيقنوا باهلزيمة ومع ذلك واصلوا فإهنم عندئذ سينترصون‪ .‬اآلية الكريمة تقارب هذا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫املفهوم إذ تقول‪َ ( :‬حتّى ِإذا ْاست ْیأ َس ُّالر ُس ُل َوظ ّنوا أن ُه ْم ق ْد ك ِذ ُبوا َج َاء ُه ْم ن ْص ُرنا)‪ .1‬حني تنسدّ‬
‫الطرق أمام السائرين إىل اهلل‪ ،‬ويظنون أن اهلل مل َي ِعدهم بالنرص‪ ،‬ويرون تكالب األعداء‬
‫عليهم‪ ،‬ومع ذلك حيافظون عىل استقامتهم‪ ،‬فإن نرص اهلل حليفهم‪.‬‬
‫مشوه‪ .‬يرون أن احلركات الداعية إىل‬
‫الذين ال يعرفون منطق القرآن يقرأون التاريخ بشكل ّ‬
‫احلق قد فشلت‪ .‬يرون استشهاد الثائر زيد بن عيل‪ 2‬والثائر حممد بن عبداهلل النفس الزكية‪،3‬‬
‫وشهادة حسني بن عيل احلسني شهيد‪ 4‬فخ قرب املدينة املنورة مع كل أصحابه‪ ،‬ومقتل‬
‫إبراهيم بن عبداهلل‪ 5‬شقيق حممد النفس الزكية يف العراق‪ ،‬فيستنتجون من ذلك أن أية هنضة‬
‫داعية للحق أمام الباطل مآهلا الفشل‪ .‬وذكرت أن هذه القراءة للتاريخ هي ما يرومه الطغاة‬
‫واملتجربون وما يستسيغونه ويروجون له‪ ،‬ويدعون اهلل أن يكون األمر عىل هذا النحو!!‬

‫‪1‬ـ يوسف‪110 /‬‬


‫تفرق عنه أصحابه يف املواجهة مع اجليش األموي‪ ،‬وثبت هو‬
‫احلق إىل نصابه‪ّ ،‬‬
‫‪2‬ـ ثار يف خالفة هشام بن عبدامللك‪ ،‬لري ّد ّ‬
‫وأصحابه يف احلرب‪ ،‬ثم استشهد‪ ،‬وأثنى عليه اإلمام الرضا (عليه السالم)‪.‬‬
‫‪3‬ـ حممد بن عبد اهلل امللقب بالنفس الزكية من فضالء اهلاشميني‪ ،‬ثار عىل ظلم املنصور العبايس يف املدينة‪ ،‬واستشهد وهو يقاتل‬
‫جيش اخلالفة‪.‬‬
‫‪4‬ـ احلسني بن عيل‪ ،‬من أحفاد اإلمام احلسن‪ ،‬ثار يف املدينة ضد ظلم اخلليفة العبايس‪ ،‬وحقق بعض االنتصار لكنه استشهد هو‬
‫وأصحابه يف منطقة (فخ) عند املواجهة مع جيش اخلالفة العباسية‪ .‬وروي عن اإلمام اجلواد إنه وصف حادثة فخ بأهنا أفجع‬
‫حادثة بعد وقعة كربالء‪.‬‬
‫‪5‬ـ أخذ البيعة باسم أخيه‪ ،‬وثار بالبرصة فأصبحت حتت واليته‪ ،‬ثم توجه إىل الكوفة‪ ،‬ويف الطريق اشتبك مع اجليش العبايس‬
‫واستشهد‪.‬‬
‫‪ n234‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫لو رأينا أن زيد بن عيل قد استُشهد فال يعني ذلك أن دعوة احلق مآهلا إىل اهلزيمة‪ .‬بل جيب أن‬
‫نفهم ّ‬
‫أن دعوة احلق بحاجة إىل سعي وجهد وعمل‪ .‬ال جيوز لنا أن نفهم بأننا منترصون ألننا‬
‫حق‪ ،‬بل البد من السعي واملثابرة واملواصلة والصرب وبذل اجلهد وتقديم التضحيات‪.‬‬
‫فقط عىل ّ‬
‫زيد بن عيل كان عىل حق‪ ،‬واإلمام الصادق(ع) أ ّيد قيامه يف زمن هشام بن عبدامللك األموي‪،‬‬
‫لكن الذي حدث هو أن مج ًعا من أصحابه قد تأثروا بالدعايات املسمومة ألعدائه فخذلوه‬
‫وتركوه وحيدً ا‪ .‬وهذا درس لنا يعلمنا أن الدعوة ــ وإن كانت عىل حق ــ فإهنا قد تتعرض‬
‫للهزيمة إذا خذهلا أصحاهبا‪ ،‬وإذا مل يصمدوا ويصربوا يف سبيل هدفهم‪ .‬أ ُيعقل أن نرى‬
‫انتصارا بسبب ما يبذله‬
‫ً‬ ‫الدعوات التي ال تنسجم مع سنن الكون وطبيعة اإلنسان حتقق‬
‫دعاهتا من جهود‪ ،‬أما دعوة احلق املدعومة بالسعي والصرب واملواصلة فإهنا ال حتقق‬
‫هدفها؟!! ما هذا الكالم السخيف الباطل‪.‬‬
‫أذكر لكم يف هذا الصدد خطبة لإلمام أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب(ع) ذكرهتا يف مناسبات‬
‫متعددة حيث يقول‪:‬‬
‫«ولقد كنّا مع رسول اهلل نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعاممنا‪ ،‬ما يزيدنا ذلك إالّ إيامنًا‬
‫العدو‪ .‬ولقد كان الرجل‬
‫ّ‬ ‫وتسليم ومض ًيا عىل ال َّلقم وص ً‬
‫ربا عىل مضض األمل وجدً ا يف جهاد‬ ‫ً‬
‫عدونا يتصاوالن تصاول الفحلني يتخالسان أنفسهام أهيام يسقي صاحبه‬
‫منّا واآلخر من ّ‬
‫الكبت وأنزل علينا النرص‪ ،‬ول َعمري لو كنّا‬
‫َ‬ ‫بعدونا‬
‫ّ‬ ‫كأس املنون‪ .‬فلام رأى اهلل صدقنا أنزل‬
‫اخرض لإليامن عود»‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫نأيت ما أتيتُم ما قام للدين عمود وال‬
‫اإلمام يتحدث عن ذوبان املجاهدين مع رسول اهلل يف املبدأ‪ ،‬ال يأبون يف ذلك أن يقتلوا‬
‫أقرب الناس إليهم إذا كانوا يف جبهة املحاربني الكفار‪ ،‬وال يزيدهم ذلك إالّ اإليامن‬
‫حتمل اآلالم واجلدّ يف اجلهاد‪ .‬وقد‬
‫والتسليم واالستمرار يف حتمل الصعاب والصرب عىل ّ‬
‫رصاع حياة أو موت‪ .‬ولقد واصلنا اجلهاد حتى رأى اهلل صدقنا‪،‬‬
‫َ‬ ‫عدونا‬
‫كان الرصاع مع ّ‬
‫فقمع سبحانه عدونا وم ّن علينا بالنرص‪.‬‬

‫‪1‬ـ هنج البالغة‪ ،‬رشح صبحي الصالح‪ ،‬اخلطبة ‪56‬‬


‫النبوة (‪235n )2‬‬
‫انتصار ّ‬

‫نفوسا مهزوزة ضعيفة‪ ،‬ختلق املربرات لالبتعاد عن ساحة املواجهة‪،‬‬


‫ثم ها هو اإلمام يواجه ً‬
‫فيقسم هلم أننا لو كنا مثلكم ما استحكم الدين وال أينعت شجرة اإليامن‪.‬‬
‫ماذا نفهم من هذه اخلطبة؟ إنه حديث أخي رسول اهلل ونفسه‪ .‬ملاذا تقدم املسلمون يف‬
‫رس هذا األمر‪،‬‬
‫جهادهم مع رسول اهلل‪ ،‬وملاذا تراجعوا يف زمن أمري املؤمنني؟ يذكر اإلمام ّ‬
‫يقول‪ :‬لقد صربنا آنذاك وتركنا انشدادنا املادي فتقدّ منا‪ ،‬ومل تفعلوا ذلك فتأخرتم‪.‬‬
‫فاإليامن والصرب مها رشطا انتصار دعوة أنبياء اهلل ودعوة التوحيد‪ .‬هذا هو ملخص حديثنا‬
‫اليوم‪ .‬نبدأ بآيات هذه اجللسة‪:1‬‬
‫ْ َ َ ُّ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ُ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫(إ َّنا َل َن ُ‬
‫الظ ِال ِم َ‬
‫ین‬ ‫نص ُر ُر ُسل َنا َوال ِذ َین َآم ُنوا فِی الحیاةِ الدنیا ویــوم یقوم الأشهاد ‪ #‬یــوم لا ینفع‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ ُ ُ َّ ْ َ ُ َ َ ُ ْ ُ ُ َّ‬
‫مع ِذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الد ِار)‪.‬‬
‫كلمة «إنّا» والالم يف « َلنَن ُ ُ‬
‫ْص» للتأكيد وحلتمية وقوع األمر‪ ..‬والنرص ال خيتص بالرسل بل‬
‫يشمل «الذين آمنوا» بدعوة الرسل يف هذه الدنيا ويف اآلخرة‪ .‬ثمة آراء أخرى يف تفسري «يف‬
‫احلياة الدنيا» لكني أرى بقرائن اآليات التالية أن املقصود منها هذه احلياة الدنيا املعاشة‪.‬‬
‫«ويف اآلخرة» حيث يكون النرص عىل رؤوس األشهاد‪ ،‬أمام املالئكة واألنبياء والصدّ يقني‪.‬‬
‫ويف ذلك اليوم ال تقبل معذرة الظاملني بل يبوؤون باللعنة والعذاب‪ .‬وليقدم القرآن شاهدً ا‬
‫َ ْ‬ ‫(ع) َ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ‬
‫وسى ال ُه َدى َوأ ْو َرثـ َـنــا َب ِنی‬ ‫مثال من النبي موسى ‪( :‬ولقد آتینا م‬ ‫عىل نرصة األنبياء يذكر ً‬
‫ُ ً َ ْ َ ُ ْ َ َْ‬ ‫یل ْال ِك َت َ‬
‫إ ْس َر ِائ َ‬
‫اب) والكتاب هو جمموعة ما ّقرره اهلل سبحانه‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫ال‬ ‫ی‬ ‫ول‬
‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ى‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ى‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫‪#‬‬ ‫اب‬ ‫ِ‬
‫لعباده‪ ،‬وعبارة «أورثنا بني إرسائيل الكتاب» تعني أهنم انترصوا عىل طغاة زماهنم‪ ،‬إذ مل‬
‫يكونوا قادرين أن يكونوا ورثة الكتاب مع وجود أولئك الطغاة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل َح ّق َو ْاس َت ْغ ِف ْر ِلذ ِنب َك) تلتفت اآلية بعد ذلك إىل النبي‪ ،‬وتوصيه باالستقامة‬ ‫(ف ْ ْ ّ ْ َ‬
‫اص ِبر ِإن َوعد ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ََ‬
‫حق» والوعد هوالذي ذكرته اآلية من سورة الصافات‪َ ( :‬ولق ْد َس َبقت‬ ‫«إن وعدَ اهللِ ّ‬ ‫مؤكدة ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َك ِل َم ُت َنا ِل ِع َب ِاد َنا ال ُم ْر َس ِل َ‬
‫ین ‪ #‬إ ّنـ ُـهـ ْـم ل ُه ُم ال َم ُ‬
‫نص ُور َ‬
‫ون)‪ .‬النرص حتمي برشط الصرب‪ ،‬برشط‬ ‫ِ‬
‫االستقامة عىل الطريقة‪ ،‬ومواصلة هذا الكفاح املقدس‪.‬‬

‫‪1‬ـ املؤمن‪55 - 51 /‬‬


‫‪ n236‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫وعبارة «واستغفر لذنبك» ال تعني أن النبي(ص) قد أذنب‪ ،‬فهو معصوم بنص الكتاب وحكم‬
‫العقل‪ ،‬لكنها الدعوة إىل ذكر اهلل واستغفاره والتسبيح بحمده آناء الليل وأطراف النهار‪.‬‬
‫ونأيت إىل آيات سورة األنبياء‪ ،‬وأوصيكم أن متعنوا النظر يف آيات هذه السورة‪ .‬ففيها التأكيد‬
‫املتواصل عىل حتمية انتصار األنبياء‪ ،‬وعىل سوء عاقبة أعدائهم‪ .‬تذكر السورة قصة انتصار‬
‫موسى واندحار أعدائه‪ ،‬وقصة إبراهيم وهزيمة القوى املعاندة لدعوته‪ ،‬وقصة نوح وقصة‬
‫سليامن و‪ ..‬تريد بذلك بيان سنّة التاريخ يف انتصار دعوة احلق وفشل القوى الرجعية‬
‫املضادة لدعوة األنبياء‪.1‬‬
‫ون ‪َ #‬و َما َج َع ْل َن ُ‬
‫ك ُنت ْم َلا َت ْع َل ُم َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ْ َ ْ َُ َ ْ َ ّ ْ‬ ‫ً ُّ‬ ‫َ ْ ْ َ َ َ َ َّ‬
‫اه ْم‬ ‫الذك ِر ِإن‬ ‫( َو َما أر َسلنا ق ْبلك ِإلا ِر َجالا ن ِوحی ِإلی ِهم فاسألوا أهل ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ك ُانوا َخالد َین ‪ُ #‬ث َّم َص َد ْق َن ُ‬ ‫َ َ ً َّ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ َ َ َ‬
‫اه ْم َو َمن نش ُاء َو‬ ‫الو ْع َد َفأ َ‬
‫نج ْی َن ُ‬ ‫اه ُم َ‬ ‫ِِ‬ ‫جسدا لا یأكلون الطعام وما‬
‫ون)‪.‬‬ ‫ین ‪َ #‬ل َق ْد َأ َنز ْل َنا إل ْیك ْم ك َت ًابا فیهِ ذك ُرك ْم أفلا َت ْعقل َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ر‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫ََْ َْ ْ‬
‫ال‬ ‫أهلكنا‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫«صدَ قناهم الوعدَ »‪« ،‬أنجيناهم»‪« ،‬أهلكنا املرسفني»‪.‬‬
‫يف اآلية مفردات هتمنا يف هذا البحث‪َ :‬‬
‫أيضا هلا داللة عىل‬
‫وعزكم وجمدكم‪ .‬وهذه املفردة ً‬
‫ثم يف هذا الكتاب «ذكركم» أي رشفكم ّ‬
‫مقصد الدين‪‌،‬وفيها ّ‬
‫حث عىل الصرب واملواصلة لبلوغ ذلك املقصد‪.‬‬
‫ثم اآلية احلادية عرشة تقول‪:‬‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫كانَ ْت َظ ِال َم ًة َوأ َنشأ َنا َب ْع َد َها َق ْو ًما َآخر َ‬
‫ین) كثرية هي املجتمعات التي‬ ‫ََْ َ‬
‫( َوك ْم ق َص ْم َنا ِمن قریةٍ‬
‫ِ‬
‫ظلمت وكان عاقبتها اإلبادة والفناء‪ ،‬و«قصمنا» تشري إىل شدة ما نزل هبؤالء من العذاب‪.‬‬
‫‌ويف اآلية إشارة إىل اإلمداد الغيبي اإلهلي الذي يأيت يف اللحظات احلاسمة وفق سنن الكون‪،‬‬
‫ال وفق ما يسود الذهنية الكسولة التي تنتظر أن تأيت يد الغيب فتقيض عىل األعداء‪ ،‬دون‬
‫مراعاة لسنن هذا اإلمداد الغيبي‪.‬‬
‫هذه املجتمعات الظاملة يف نظامها‪ ،‬ويف عالقاهتا االقتصادية واالجتامعية ُأبيدت ثم جاء‬
‫بعدها قوم آخرون‪.‬‬
‫ُ‬
‫اك ِنك ْم‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫و‬‫َ‬ ‫یهِ‬ ‫ف‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ون ‪َ #‬لا َت ْر ُك ُضوا َو ْارج ُعوا إ َلى َما ُأ ْتر ْف ُ‬
‫ت‬ ‫( َف َل َّما َأ َح ُّسوا َب ْأ َس َنا إ َذا ُهم ّم ْن َها َی ْر ُك ُض َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪1‬ـ األنبياء‪18 - 7 /‬‬


‫النبوة (‪237n )2‬‬
‫انتصار ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫لعلك ْم ت ْسألون)‪ .‬وحني رأوا العذاب ّ‬
‫بحسهم ومشاهدهتم إذا هم يركضون منهزمني‬
‫هاربني‪ .‬ثم يأتيهم اخلطاب عىل سبيل التهكم والسخرية يقول هلم‪ :‬ارجعوا إىل القصور‬
‫التي كنتم متنعمني فيها‪ ،‬وإىل البلدان التي كنتم تستعلون فيها وتتفاخرون‪ ،‬لعلكم تُسألون‬
‫عام جرى عليكم وشاهدمتوه‪.‬‬
‫ید َخ ِام ِد َین)‪.‬‬ ‫ین ‪َ #‬ف َما َز َالت ّت ْل َك َد ْع َو ُاه ْم َحتَّى َج َع ْل َن ُ‬
‫اه ْم َح ِص ً ا‬
‫َ ُ َ َ ْ َ َ َّ ُ‬
‫ك َّنا َظ ِال ِم َ‬ ‫(قالوا یا ویلنا ِإنا‬
‫ِ‬
‫قالوا حني شاهدوا العذاب‪ :‬لقد حان دمارنا وهالكنا بسبب ظلمنا‪ ،‬ومازالوا يرددون هذا‬
‫االعرتاف حتى أصبحوا مثل الزرع املحصود‪ ،‬ومخدت أنفاسهم‪.‬‬
‫ثم تأيت اآلية التالية لتبني األساس الفكري هلذا الذي نزل باملجتمع الظامل‪ .‬إهنا تبني سبب‬
‫انتصار األنبياء وهزيمة أعدائهم‪.‬‬
‫َّ َّ‬ ‫َ َ َ َ َ َّ َ َ َ ً َّ َّ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫( َو َما َخ َل ْق َنا َّ‬
‫ین ‪ #‬ل ْو أ َر ْدنا أن ن ّت ِخذ ل ْهوا لاتخذن ُاه ِمن ل ُدنا ِإن‬ ‫الس َم َاء َو الأ ْرض َو َما َب ْین ُه َما ل ِ‬
‫اع ِب‬
‫ین)‪.‬‬ ‫ُك َّنا َف ِاع ِل َ‬

‫َخ ُ‬
‫لق الساموات واألرض ال يقوم عىل قاعدة اللهو والعبث‪ ،‬نعم لو شاء اهلل أن يفعل ذلك‬
‫لفعل‪ ،‬ولكن ال يفعل ذلك أبدً ا‪ ،‬ألن رب العاملني ليس يف عمله عبث وال هلو‪ .‬فهو سبحانه‬
‫خلق الكون هلدف معني‪ ،‬ومسرية الساموات واألرض تتجه نحو ذلك اهلدف‪ ،‬وهو احلق‪.‬‬
‫وهذا ما مل ترصح به اآلية الكريمة‪ ،‬بل يفهم منها ذلك بالتد ّبر‪ .‬والقرآن ال يرصح غال ًبا‬
‫بأمور يمكن فهمها وتع ّقلها‪ .‬وبعدها تقول اآلية‪:‬‬
‫الو ْی ُل م َّما َتص ُف َ‬ ‫َ ْ ُ ُ َ َ ُ َ ٌ َ ُ‬ ‫ْ ّ ََ ْ‬ ‫َْ ُ‬
‫ون)‪ .‬وهذه سنّة‬ ‫ِ‬ ‫( َب ْل نق ِذف ِبال َح ِق على ال َب ِاط ِل ف َید َمغه فـ ِـإذا ه َو ز ِاهــق َولك ُم َ ِ‬
‫الكون‪ ،‬أن يصري احلق قذيفة تقع عىل رأس الباطل‪ ،‬فينترص احلق‪ ،‬و ُيزهق الباطل‪ .‬عندئذ‬
‫سيلحق بكم اهلالك ملا ذهبتم إليه من باطل‪.‬‬
‫لتعب بشكل مجيل رائع عن هذه احلقائق‪ ،‬حقائق حتمية انتصار احلق‬
‫ثم تتواىل اآليات ّ‬
‫عىل الباطل‪ ،‬ولكن فهم هذه اآليات بحاجة إىل األنس بالقرآن‪ .‬وبعدها تتحدث اآليات‬
‫عن خلق الساموات واألرض مؤكدة عىل أن رب العاملني احلاكم يف الكون البدّ أن تشمل‬
‫حاكميته حياة اإلنسان واملجتمع‪ ،‬ومن يقف بوجه هذه احلقائق التي نادى هبا األنبياء‬
‫فمصريهم إىل الزوال‪.‬‬
‫‪ n238‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬


‫أيضا قصة إبراهيم ولوط يف مواجهة جبهة األعداء‪( :‬قل َنا َیا ن ُار كونِی َب ْر ًدا‬ ‫ويف السورة ً‬
‫َّ‬ ‫َ ْ ً َ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ َّ ْ َ ُ َ ُ ً َ ْ َْ‬ ‫َ‬
‫یم ‪َ #‬وأ َر ُادوا ِبهِ كیدا فجعلناهم الأخس ِرین ‪ #‬ونجیناه ولوطا ِإلى الأر ِض ال ِتی‬ ‫اما َع َلى إ ْب َر ِاه َ‬ ‫َو َس َل ً‬
‫ِ‬
‫َ َ َ َ َْ ُ َ ً‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ً ُ ًّ‬
‫ین ‪َ #‬و َو َه ْب َنا َل ُه إ ْس َح َاق َو َی ْع ُق َ‬
‫َب َار ْك َنا ِف َیها ِل ْل َع َال ِم َ‬
‫اه ْم أ ِئ َّمة‬ ‫وب ن ِافلة َوكلا َج َعل َنا َص ِال ِحین و جعلن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ْ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َّ َ َ َ‬
‫ك ُانوا ل َنا َع ِاب ِدین)‬
‫َ ‪1‬‬
‫ات و ِإقام الصلاةِ و ِإیتاء الزكاةِ و‬ ‫یهدون ِبأم ِرنا وأوحینا ِإلی ِهم ِفعل الخیر ِ‬
‫أيضا تأكيد عىل انتصار النبوة وهزيمة أعدائهم‪.‬‬
‫ففي هذه اآليات ً‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫واحلمد هلل ّ‬

‫‪1‬ـ األنبیاء‪73 - 69 /‬‬


‫اجللسة الثانیة و العشرون‬
‫االلتزام من مستلزمات اإلميان ابلنبوة‬
‫اخلميس ‪ 23‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/18‬هجرية مشسية‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(إ َّن ّال ِذ َین َآم ُنوا َو َه َ‬
‫اج ُر وا َو َج َاه ُدوا ِبأ َمو ِال ِه ْم َوأنف ِس ِه ْم فِی‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫اهلل َوال ِذ َین َآووا ّون َصر وا أ ْول ِئك َب ْعضه ْم أ ْو ِل َی ُاء َب ْع ٍض‬ ‫یل ِ‬ ‫َ‬
‫س ِب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫اج ُر وا َما لكم ِّمن َول َای ِت ِهم ِّمن ش ْی ٍء‬ ‫َ َّ َ َ ُ َ َ ْ ُ َ‬
‫والـ ِـذیــن آمنوا ولــم یه ِ‬
‫ّ َ َ َ ْ ُ ُ َّ‬ ‫ْ َ َُ ُ‬ ‫َ َّ ُ َ‬
‫الن ْص ُر‬ ‫الد ِین فعلیكم‬ ‫نصر وك ْم فِی ِ‬ ‫اج ُر وا َو ِإ ِن است‬ ‫حتى یه ِ‬
‫ُ‬
‫اهلل ِب َما َت ْع َمل َون َب ِص ٌیر)‬‫إ َّلا َع َلى َق ْوم َب ْی َن ُك ْم َو َب ْی َن ُهم ّم َیث ٌاق َو ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫(األنفال‪)72 /‬‬

‫ثمة مسألة البد من تناوهلا يف مباحث النبوة كي تتحول هذه املباحث إىل حالة عملية‪ .‬وهذه‬
‫املسألة يف الواقع ضامن لكي تتحول أحاديثنا السابقة إىل مرشوع عميل يف احلياة‪ .‬وما هي‬
‫هذه املسألة؟ إهنا االلتزامات التي ترتتب عىل شهادة «أن حممدً ا رسول اهلل»‪.‬‬
‫يقر هبا اإلنسان دون أن يرتتب عليها التزام عميل‪ ،‬كأن تعتقد أن زهرة النرجس‬
‫ثمة أمور ّ‬
‫أطيب رائحة من زهرة القرنفل‪ ،‬أو العكس‪ ،‬هذا االعتقاد ال يستتبعه التزام عميل‪ ،‬وكأن‬
‫يشهد املسيحي بأن بابا الفاتيكان هو فالن أو فالن‪ ،‬هذا ال يؤثر يف حياة الشخص وال يلزمه‬
‫أية مسؤولية عملية‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل» ويرفع هذا الصوت يف املآذن يوم ًيا‬ ‫ولكن حني نقول يف تشهدنا «أشهد أن حممدً ا‬
‫مرات‪ ،‬أال يلقي ذلك مسؤولية والتزا ًما عىل عاتق املؤمنني هبذه الشهادة؟‬
‫بنبوة حممد بكلامهتا القليلة‪،‬‬
‫اجلواب‪ :‬بىل‪ ،‬إهنا مسؤولية مواصلة طريق النبي‪ ،‬إن الشهادة ّ‬
‫تستتبعها مسؤولية ثقيلة‪.‬‬
‫هناك من خيال أن ترديد عبارة الشهادة بأن حممدً ا رسول اهلل باللسان يكفي للخروج من‬
‫‪ n242‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫دائرة عذاب اهلل ووقوعه يف دائرة الرمحة‪ ،‬ثم كلام أ ّدى الواجبات يقرتب من معدن الرمحة‪،‬‬
‫وإن مل يؤ ّدها فهو‪ ،‬عىل أي حال‪ ،‬يف منطقة الرمحة!! هكذا خيال بعضهم‪.‬‬
‫حصيلة هذا التفكري هو اكتفاء كثريين بأهنم مسلمون باجلنسية ال أكثر‪ .‬وهذا خطأ غري‬
‫مقبول‪ .‬اإليامن بالنبي يستتبعه التزامات‪ ،‬وكلام كان التقيد هبذه االلتزامات أكثر كان اإليامن‬
‫أصح‪ .‬إذا نطق اإلنسان بشهادة نبوة حممد(ص) بلسانه‪ ،‬أو حتى آمن هبا يف قلبه‪ ،‬ومل يلتزم‬
‫باملسؤوليات التي تستتبع هذه الشهادة‪ ،‬فهو ليس بمؤمن واقعي‪ ،‬وإن كان هذا اإلنسان‬
‫مؤمنًا عىل الظاهر‪ .‬طب ًعا من نطق بالشهادة فهو مسلم له ما للمسلمني وعليه ما عىل‬
‫املسلمني‪ ،‬عىل القول املعروف‪ ،‬لكننا لسنا يف صدد احلديث عن إسالم هذا الشخص أو‬
‫عدم إسالمه‪ ،‬بل عن إيامن هذا الشخص أو عدم إيامنه‪ .‬وفق معايري القرآن‪ :‬املؤمن من التزم‬
‫باملسؤوليات التي يوجبها اإليامن بالنبوة‪.‬‬
‫ما هذه االلتزامات؟ إهنا عملية اهلدم والبناء التي مارسها رسول اهلل(ص)‪ .‬هل إن ما هدمه‬
‫الرسول من نظام جاهيل ظامل ٍ‬
‫باق اليوم؟ وهل النظام اإلنساين العادل الذي أقامه هو قائم‬
‫لدي‬
‫اليوم؟ إذا كان اجلواب بالنفي‪ ،‬فالبد من السعي لنقوم بام قام به النبي‪ .‬إذا مل تكن ّ‬
‫عمن يشاركني يف هذه املهمة‪.‬‬
‫القدرة عىل ذلك فألقطع خطوة عىل هذا الطريق‪ ،‬وألبحث ّ‬
‫إذا مل أستطع إكامل البناء فألضع لبنات لتكون مقدمات للمرشوع الكبري‪.‬‬
‫البد من االلتزام هبذه املسؤولية‪ ،‬وإالّ فإن شهاديت بالرسالة كاذبة سطحية‪ .‬إهنا تشبه شهادة‬
‫َ ُ َ َّ َ ُ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َ ُ َ ْ ُ َّ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫اهلل َی ْعل ُم ِإن َك ل َر ُسول ُه‬ ‫املنافقني يف قوله تعاىل‪ِ ( :‬إذا َج َاءك ال ُمن ِافقون قالوا نش َهد ِإنك ل َر ُسول ِ‬
‫اهلل و‬
‫ون)‪ .1‬إهنا شهادة باللسان‪ ،‬وقلوهبم تأبى ذلك‪.‬‬ ‫ین َل َكاذ ُب َ‬
‫اهلل َی ْش َه ُد إ َّن ْال ُم َن ِاف ِق َ‬
‫َو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االلتزام بالرسالة إقامة حياة بالشكل الذي أراده اإلسالم‪ .‬الرسول يستهدف صياغة عامل‬
‫وفق املرشوع اإلسالمي‪ .‬وإذا رأيتم أن البرشية يف زمانكم هذا ال تعيش وفق الصورة التي‬
‫رسمها رب العاملني‪ :‬رأيتم أن اإلنسانية حمرومة من العيش يف جمتمع إهلي‪ :‬رأيتم أن املدارس‬
‫األرضية تتقاذف البرشية يمنة ويرسة‪ ،‬وأن اإلسالم معزول يف زاوية من القلوب والعقول‪،‬‬

‫‪1‬ـ املنافقون‪1 /‬‬


‫االلتزام من مستلزمات اإليامن بالنبوة ‪243n‬‬

‫فإن مسؤوليتكم التي ترتتب عىل الشهادة برسالة النبي تتطلب أن تسعوا إىل إقامة حياة‬
‫بالشكل الذي أراده اإلسالم‪ ،‬هذه مسؤولية شهادة النبوة والتزاماهتا‪.‬‬
‫حني يأيت النبي إىل املجتمع اجلاهيل حيدث االصطفاف يف هذا املجتمع يف جبهتني ‌‪ ،‬صف‬
‫يتبع النبي وهيتدي هبداه‪ ،‬واآلخر يأبى هذه اهلداية‪ .‬وألُم ّثل بقطار يتجه يف منحدر نحو‬
‫السقوط‪ ،‬يأيت النبي لوقاية هذا القطار من السقوط‪ ،‬بعض العربات تستمر يف انحدارها‬
‫وسقوطها‪ ،‬وبعضها تنجو بسبب وقاية هذا النبي‪ .‬أي حيدث اختالف بني هذه العربات‬
‫فتكون عىل قسمني قسم قد نجا‪ ،‬وقسم آخر يتجه إىل هاوية اهلالك‪.‬‬
‫النبي يأيت إىل املجتمع اجلاهيل ليحدث جبهة جديدة يف هذا املجتمع‪ ،‬وهي جبهة املهتدين‬
‫ومعهم النبي‪ ،‬واجلبهة األخرى هم األعداء واملعارضون واملعاندون للنبي‪ .‬يأيت يف البداية‬
‫ينضم إليه بالتدريج املهتدون ليكونوا ص ًفا مقابل صف الضالني وهبذا الشكل‬
‫ّ‬ ‫وحيدً ا‪ .‬ثم‬
‫حيدث االصطفاف‪.‬‬
‫ما هو هدف النبي؟ هدفه إنقاذ املجتمع وتوفري سعادته يف هذه الدنيا ويف اآلخرة‪ .‬فريق‬
‫حق فيو ّد‬
‫يلتحق بالنبي‪ ،‬وفريق يعارضه‪ .‬ثم هناك فريق آخر يرى أن اجلبهة اإليامنية عىل َّ‬
‫أن يلتحق هبا‪ ،‬لكنه يرى أنه إذا التحق هبذه اجلبهة فإنه سيكون يف مواجهة مع جبهة الباطل‬
‫وسيتحمل تبعات هذه املواجهة ومشاكل هذه املواجهة ‌‪ .‬ماذا يفعل؟ خيتار مكانة وس ًطا بني‬
‫اجلبهتني‪ ،‬حيسبها أهنا وقوف عىل التل وأهنا مكانة السالمة والراحة!! تُرى هل سيدخل هذا‬
‫الفريق اجلنة مع أتباع النبي؟! مثل هؤالء األفراد رأيناهم يف زمن اإلمام عيل(ع) ‌‪ .‬واإلمام‬
‫يقول بشأن هؤالء‪« :‬الساكت أخو الرايض ومن مل يكن معنا كان علينا»‪ ،1‬أي الساكت أمام‬
‫الباطل كالرايض به‪ .‬والرايض بعمل قوم فهو منهم‪‌.‬هذا الساكت هوجزء من جبهة الباطل‪.‬‬
‫ليس هناك سوى أن تكون مع جبهة احلق أو أن تكون يف جبهة الباطل‪« :‬من مل يكن معنا‬
‫كان علينا»‪ ،‬ليس هناك مكان آخر بني الصفني‪.‬‬
‫كان هناك يف جيش اإلمام عيل(ع) من ترك جبهة اإلمام عيل يف مواجهتها جلبهة معاوية‪،‬‬

‫‪1‬ـ عن أمري املؤمنني(ع) قال ألحنف بن قيس «الساكت أخو الرايض ومن مل يكن معنا كان علينا» بحار األنوار‪ ،‬أبواب املواعظ‬
‫واحلكم‪ ،‬باب مواعظ أمري املؤمنني(ع)‪.‬‬
‫‪ n244‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫وغادر إىل مناطق الثغور كي ال يتورط ــ كام يدعي ــ يف قتل املسلمني!! إنه يف الواقع‬
‫عيل وجبهة‬
‫حب العافية واخللود إىل الراحة‪ .‬إذ إن طبيعة االصطفاف بني اجلبهتني (جبهة ّ‬
‫ّ‬
‫معاوية) كانت واضحة كل الوضوح بأهنا مواجهة بني احلق والباطل‪ .‬هؤالء كانوا عىل‬
‫معرفة بطبيعة املواجهة بني اجليشني‪ ،‬مع ذلك فقد تركوا جبهة احلق‪ ،‬ومن مل يكن مع احلق‬
‫فإنه مع الباطل ال حمالة‪.‬‬
‫املواجهة بني عيل ومعاوية مل تكن من نوع تلك املواجهات التي حتدث بني اجلبهات‬
‫املتصارعة عىل مراكز القدرة والقوة والسيطرة‪ .‬إهنا مواجهة بني احلق والباطل بامتياز‪ ،‬ومن‬
‫مل يكن مع احلق فهو مع الباطل‪ ،‬وإن مل يلتحق بجبهة الباطل‪ ،‬حتى وإن كان قد اختار موق ًعا‬
‫حيسب أنه بني احلق والباطل‪ .‬إنه موقع طالبي العافية واملهزوزين‪.‬‬
‫مثل ذلك حدث مع احلسني بن عيل(ع) حني دعا أحدهم ليلتحق بجيشه‪ ،‬فقال له يا ابن‬
‫رسول اهلل هذا سيفي وهذا فريس أقدمه لك‪ ،‬لكنه مل يشارك يف جبهة احلسني‪ .‬ولذلك فإن‬
‫املعلقني عىل هذه احلادثة التارخيية يقولون عن ذلك الرجل‪ :‬إنه مل حيظ بالسعادة‪ .‬ح ًقا إنه‬
‫أعرض عن سعادته‪.‬‬
‫حتمل‬
‫نعم‪ ،‬إن الشهادة بالنبوة ترفض اجللوس عىل التل توق ًيا حلدوث مشاكل وابتعا ًدا عن ّ‬
‫َُ‬
‫الصعاب‪ ،‬البدّ أن تقرتن هذه الشهادة بموقف عميل يتناسب مع عمل النبي(ص)‪َ ( :‬یا أ ّی َها‬
‫ند اهلل َأن َت ُق ُولوا َما َلا َت ْف َع ُل َ‬
‫ون)‪.1‬‬ ‫ك ُب َر َم ْق ًتا ع َ‬
‫َ‬ ‫َُ ُ َ َ َْ ُ َ‬ ‫َّ َ َ ُ‬
‫ال ِذین آ َمنوا ِل َم تقولون َما لا تف َعلون ‪#‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملاذا أقول إين من أتباع النبي بينام أنا من أتباع أيب جهل؟! ملاذا أقول أنا من أتباع عيل وأنا من‬
‫مدرسة معاوية؟!‬
‫ما الفرق بني خطاب عيل وخطاب معاوية؟ تصوروا أن اخلطابني قائامن يف جمتمعنا اليوم‪.‬‬
‫عيل يدعو إىل حتمل املسؤوليات اجلسيمة وعدم اخللود إىل البطر واالسرتخاء واالستغراق‬
‫يف امللذات الشخصية‪ ،‬يدعو إىل نبذ السقوط يف أوحال الفساد املايل واجلنيس‪ ،‬وأن ال‬
‫تأخذ اإلنسان يف اهلل لومة الئم‪ ،‬وعدم التبذير ً‬
‫قرشا واحدً ا يف بيت مال املسلمني‪ .‬عيل‬

‫‪1‬ـ الصف‪3 - 2 /‬‬


‫االلتزام من مستلزمات اإليامن بالنبوة ‪245n‬‬

‫هبذه املواصفات من الشدّ ة والد ّقة واالنضباط‪ ،‬ويف مقابله خطاب معاوية الذي يدعو إىل‬
‫االستزادة من امللذات اهلابطة‪ ،‬ويغدق األموال الطائلة عىل أي شخص يقف يف اجلبهة‬
‫املضادة لعيل ويمتدح معاوية‪.‬‬
‫طيب إىل أي واحد من االجتاهني تذهبون؟ هل أنت مستعد يف هذه الربهة التارخيية أن‬
‫صف من يك ّلفك جهدً ا ومسؤولية وحركة؟ هل أنت مستعد لإلعراض ّ‬
‫عمن‬ ‫ّ‬ ‫تقف إىل‬
‫بيده األموال والقدرة وسبل توفري الراحة ورغد العيش من أجل أن تقف مع صاحب‬
‫املسري األول؟ إذا كان لك ذلك االستعداد فأنت حمظوظ‪ ،‬ولو كنت يف زمن عيل لكنت من‬
‫شيعته‪ .‬أما لو كان قلبك خيفق لنيل الراحة ونِ َعم العيش والتفاخر بام ال يريض اهلل‪ ،‬فاعلم‬
‫ليل وخفية‪ ،‬وو ّدعت أهلك وقلت هلم‪ :‬أنا بالشام يف‬ ‫أنك لو كنت هناك لركبت فرسك ً‬
‫يممت وجهك صوب الشام وتركت عل ًيا وحيدً ا‪ ،‬كام فعلت بعض الوجوه‬
‫انتظاركم!! ثم ّ‬
‫البارزة يومذاك‪.‬‬
‫هناك من التابعني من ُعرف بروايته عن فضائل اإلمام أمري املؤمنني عيل(ع) ومن كان وال ًيا‬
‫ترصف بأموال بيت مال املسلمني خال ًفا للرشع‪ ،‬واجته هبا إىل‬
‫لإلمام عيل عىل البرصة‪ ،‬ثم ّ‬
‫مكة!! هل نعترب هذا من املوالني لعيل؟! إنه االمتحان الذي يظهر خبيئة اإلنسان و«عند‬
‫اإلمتحان يكرم الرجل أو هيان»‪« 1‬ويف تق ّلب األحوال تُعلم جواهر الرجال»‪.2‬‬
‫أعود إىل حديثي وأقول‪ :‬إن االلتزام بشهادة النبوة يقتيض اتباع النبي وحتمل مسؤوليات‬
‫السري عىل خطاه‪.‬‬
‫أبدأ بتوضيح معنى اآليات الكريامت‪ 3‬التي تليت يف بداية اجللسة باختصار‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اج ُر وا َو َج َاه ُدوا بأ َمو ِاله ْم َوأ ُنف ِسه ْم فی َ‬
‫َ‬
‫(إ َّن ّال ِذ َین َآم ُنوا َو َه َ‬
‫اهلل َوال ِذ َین َآووا َّون َص ُر وا أ ْول ِئ َك‬
‫یل ِ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬
‫َب ْعض ُه ْم أ ْو ِل َی ُاء َب ْع ٍض)‪.‬‬
‫الذين آمنوا‪ ،‬والذين هاجروا‪ ،‬والذين جاهدوا بأمواهلم وأنفسهم‪ ،‬ونرص وا‪ ..‬يف زمن رسول‬

‫‪1‬ـ عن اإلمام أمري املؤمنني‪ ،‬غرر احلكم ودرر الكلم‪ ،‬الفصل الثاين واخلمسون‪ ،‬ح ‪.7‬‬
‫‪2‬ـ هنج البالغة‪ ،‬رشح صبحي الصالح‪ ،‬احلكمة ‪.217‬‬
‫‪3‬ـ األنفال‪75 - 72 /‬‬
‫‪ n246‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫حكم عا ًما‪ .‬الوالية تقتيض اهلجرة‪ ..‬أي االنقطاع عن كل‬


‫اهلل ويف كل زمان‪ ..‬اآلية تطلق ً‬
‫ما يشدّ اإلنسان باملال واملتاع واألهل واألرض متى ما اقتضت الرضورة لذلك‪ ،‬وتقتيض‬
‫أن يكون الرجل من الذين آووا املهاجرين ونرصوهم مؤثرين هؤالء عىل أنفسهم‪ ..‬الوالية‬
‫تقتيض إذن اإليثار والنرصة ‌‪ .‬والذين فعلوا ذلك هم بعضهم أولياء بعض‪ .‬يشكلون مع‬
‫بعضهم جبهة قوية كالبنيان املرصوص يشدّ بعضه أزر بعض‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫( َوال ِذ َین َآم ُنوا َول ْم ُی َه ِاج ُر وا َما لكم ِّمن َول َای ِت ِهم ِّمن ش ْی ٍء َحتّى ُی َه ِاج ُر وا) هؤالء خرجوا من ُلمة‬
‫الوالية‪ ،‬وانفصلوا عنكم‪ .‬ولكن حلمة اإليامن باقية حتى ولو مل هياجروا‪‌.‬لذلك فإن هؤالء‬
‫تعرضوا‬
‫العدو فعليكم نرصهتم‪ .‬وهذا يعني وجوب نرصة املسلمني إذا ّ‬
‫ّ‬ ‫إذا تعرضوا هلجوم‬
‫لعدوان حتى ولو مل هياجروا معكم‪ ،‬اللهم إالّ إذا كان بينكم وبني أولئك املعتدين عهد‬
‫ْ َ َ ُ‬
‫نص ُر وك ْم فِی‬ ‫حيق لكم أن تنرصوا مجاعتكم الذين مل هياجروا معكم‪َ ( :‬و ِإ ِن است‬ ‫وميثاق‪ ،‬فال ّ‬
‫اهلل ب َما َت ْع َم ُل َ‬ ‫َ‬
‫ّ َ َ َ ْ ُ ُ َّ ْ ُ ّ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ّ َ ٌ َ ُ‬
‫ون َب ِص ٌیر) تقرير ألمهية حلمة‬ ‫الد ِین فعلیكم النصر ِإلا على قو ٍم بینكم وبینهم ِمیثاق و ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‪ ،‬وأهم منها رضورة االلتزام بالعهود واملواثيق‪.‬‬
‫َْ َ َ َ ٌ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ َ ْ ُ َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َّ َ َ َ‬
‫ك ِب ٌیر) ال ختالوا‬ ‫ذین كف ُر وا َب ْعض ُه ْم أ ْو ِل َی ُاء َب ْع ٍض ِإلا تف َعل ُوه تكن ِف ْت َنة فِی الأر ِض وفساد‬ ‫(وال‬
‫أن الكفار معسكران أو كتلتان‪ ،‬إهنم بعضهم أولياء بعض‪ ،‬وهم يف جبهة واحدة‪ .‬وإذا مل‬
‫تضعوا أنفسكم مثلهم يف جبهة واحدة‪ ،‬ومل تعلموا أن الذي يقف بني االصطفافني‪ ،‬فهو يف‬
‫صف األعداء املعارضني‪ ،‬إذا مل تعلموا ذلك ومل تفعلوا بمقتضاه فثمة الفتنة يف األرض‪،‬‬
‫وثمة الفساد الكبري‪ ..‬فتنة التفرقة بينكم وما يستتبعه من فساد يف أمر الدين والدنيا‪.‬‬
‫َ َّ َ َ َّ َ َ ُ ُ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ ُ َ ًّ َّ‬ ‫َ َّ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ ُ‬
‫ون َحقا ل ُهم‬ ‫اهلل وال ِذین آووا ونصر وا أول ِئك هم المؤ ِمن‬ ‫یل ِ‬ ‫َ‬
‫(وال ِذین آمنوا وهاجر وا وجاهدوا فِی س ِب ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َُ َ‬ ‫َ‬
‫كر ٌیم ‪َ #‬و ّال ِذ َین َآم ُنوا ِمن َب ْع ُد َو َه َ‬
‫َّ ْ َ ٌ َ ْ ٌ َ‬
‫اج ُر وا َو َج َاه ُدوا َم َعك ْم فأ ْول ِئ َك ِمنك ْم)‪.‬‬ ‫مغ ِفرة و ِر زق ِ‬
‫هذا تأكيد ملفاهيم اآلية السابقة‪ ..‬امللتزمون بام يقتضيه اإليامن هم املؤمنون ح ًقا‪ ،‬وغريهم‬
‫املؤمنون كذ ًبا‪ .‬ونقف ً‬
‫قليل عند آيات سورة آل عمران‪:1‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ین َل َما َآت ْی ُت ُكم ّمن ك َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ُ َ َ َّ‬
‫اب َو ِحك َمةٍ ث َّم َج َاءك ْم َر ُسول ُّم َص ّ ِدق ِل َما َم َعك ْم‬ ‫ت‬
‫ِ ِ ٍ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ی‬ ‫(و ِإذ أخذ اهلل ِمیثاق ِ ِ‬
‫ب‬ ‫الن‬

‫‪1‬ـ اآليات ‪82 - 81‬‬


‫االلتزام من مستلزمات اإليامن بالنبوة ‪247n‬‬
‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ َْ َ َ َ َ ْ‬ ‫َ ُ ْ ُ َّ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ ْ ُ َ َ ْ ُ َ َ ُ‬
‫نص ُرن ُه قال أ أق َر ْرت ْم َوأخذت ْم َعلى ذ ِلك ْم ِإ ْص ِری قالوا أق َر ْرنا قال فاش َه ُدوا َو أنا َم َعكم‬ ‫لتؤ ِمنن ِبهِ ولت‬
‫َّ‬
‫ِّم َن الش ِاه ِد َین) اخلطاب ألهل الكتاب ‌‪ ،‬ويتضمن ما أخذ اهلل من األنبياء من ميثاق وعهد أن‬
‫يصدّ قوا النبي وينرصونه‪ .‬ثم يعود السؤال إىل األنبياء‪ :‬هل اعرتفتم وأقررتم هبذا امليثاق؟‬
‫وأخذتم عليه إرصي (أي عهدي)؟ وحني يعرتف األنبياء بذلك ويشهدون به ويشهد اهلل‬
‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َُ َ‬
‫معهم يقول‪( :‬ف َمن ت َولى َب ْع َد ذل َك فأ ْولئ َك ُه ُم الفاسق َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫ون) أي فمن أعرض عن هذا امليثاق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منكم يا أهل الكتاب بعد إقرار األنبياء عليه ونكث عهده فأولئك هم اخلارجون عن طاعة‬
‫اهلل‪ .‬الشهادة بالنبوة ميثاق وعهد والتزام‪.‬‬
‫وآيات سورة اجلمعة تتجه نحو التأكيد عىل أن محل كتاب اهلل يستوجب مسؤولية‪ ،‬وبدون‬
‫محل هذه املسؤولية فال قيمة هلذا الظاهر من محل الكتاب‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ َّ َ ُ ّ ُ َّ ْ َ َ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ ْ‬
‫وها ك َمث ِل ال ِح َم ِار َی ْح ِم ُل أ ْسف ًارا ِبئ َس َمث ُل الق ْو ِم ال ِذ َین‬ ‫(مثل ال ِذین ح ِملوا التوراة ثم لم یح ِمل‬
‫ْ َ ْ َ َّ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َّ‬
‫ین)‪.1‬‬‫الظ ِال ِم َ‬ ‫اهلل لا َی ْه ِدی القوم‬ ‫اهلل و‬
‫ات ِ‬‫كذ ُبوا ِب َآی ِ‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪1‬ـ اجلمعه‪5 /‬‬


‫القسم الرابع‬
‫الوالیة‬
‫اجللسة الثالثة و العشرون‬
‫الوالية‬
‫اجلمعة ‪ 24‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/19‬هجرية مشسية‬
‫ُ َ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫( َیا أ ّی َها ال ِذ َین َآم ُنوا لا ت ّت ِخذوا َعـ ُـد ّ ِوی َو َع ُد َّوك ْم أ ْو ِل َی َاء‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُُْ َ َ‬
‫ون ِإل ْی ِهم ِبال َم َو ّدةِ َوقـ ْـد كف ُر وا ِب َما َج َاءكم ِّم َن ال َح ّ ِق‬ ‫تلق‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُی ْخر ُج َ‬
‫اهلل َر ِّبك ْم ِإن ك ُنت ْم‬ ‫الر ُسول َو ِإ ّیاك ْم أن تؤ ِمنوا ِب ِ‬ ‫ون َّ‬
‫ِ‬
‫ُ ُّ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خ َر ْج ُت ْم ِج َه ًادا فِی َس ِب ِیلی َو ْاب ِتغ َاء َم ْر َضاتِی ت ِسر ون ِإلی ِهم‬
‫ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ََْ‬ ‫ْ َ ََ َ َ‬
‫ِبال َم َو ّدةِ َوأنا أ ْعل ُم ِب َما أخف ْی ُت ْم َو َما أ ْعل ُنت ْم َو َمن َیف َعل ُه ِمنك ْم‬
‫یل) ‬ ‫َ َ ْ َ َّ َ َ َ َّ‬
‫(املمتحنة‪)1 /‬‬ ‫فقد ضل سواء الس ِب ِ‬

‫ً‬
‫وقليل‬ ‫موضوعنا اليوم يدور حول «الوالية» وما أطرحه اليوم إنام يقوم عىل أساس القرآن‪،‬‬
‫ما نرى تناول هذا املوضوع هبذه الصورة‪.‬‬
‫كلمة الوالية مطروقة يف أذهان شيعة أهل البيت‪ ،‬ومقرونة بالقداسة واالحرتام‪ ،‬ويدعون‬
‫ينجر عادة إىل والية اإلمام‬
‫اهلل أن يعيشوا عىل الوالية ويموتون عليها‪ .‬احلديث عن الوالية ّ‬
‫أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب (عليه الصالة والسالم)‪ ،‬لكني أريد اآلن أن أتناول املراحل‬
‫السابقة عىل ذلك‪ ،‬أريد أن ّ‬
‫أستل مفاهيم الوالية من القرآن الكريم‪ ،‬ألوضح عظمة هذا‬
‫وألبي ما يصيب املجتمع إن خال من الوالية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وسموه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املفهوم‬
‫يف ظل هذا التناول ستفهمون ملاذا قال اإلمام الباقر(ع)‪« :‬لو أن ً‬
‫رجل قام ليله وصام هناره‬
‫مجيع أعامله‬
‫وحج مجيع دهره‪ ،‬ومل يعرف والية و ّيل اهلل فيواليه‪ ،‬ويكون ُ‬
‫ّ‬ ‫وتصدّ ق بجميع ماله‬
‫بداللته إليه‪ ،‬ما كان له عىل اهلل عزوجل حق يف ثوابه وال كان من أهل اإليامن»‪.1‬‬
‫مسألة الوالية تتبع مسألة النبوة‪ ،‬وليست منفصلة عنها‪ ،‬بل هي يف الواقع بالنسبة إىل مسألة‬

‫‪1‬ـ الكايف‪ ،‬كتاب اإليامن والكفر‪ ،‬باب أخوة املؤمنني‪ ،‬ح ‪.2‬‬
‫‪ n254‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫تتمتها وذي ُلها واخلامتة هلا‪ ،‬وسنرى أن النبوة ستكون ناقصة بدون الوالية‪ .‬لذلك من‬
‫النبوة ّ‬
‫الرضوري أن نعيد باختصار ما ذكرناه بشأن النبوة‪ ،‬ومنها ننطلق إىل حديثنا عن الوالية‪.‬‬
‫والبدّ أن أذكر بداية أن طرح هذا املوضوع فيه كثري من الصعوبة‪ .‬إذ احلديث عن الوالية‬
‫وفق ماجاء يف القرآن والسنة يواجه مشكلتني‪ :‬األوىل أن خيتلط هذا احلديث بام يدور يف‬
‫األذهان بشأن هذا املوضوع‪ ،‬والثاين أن يكون هناك شعور باالستغراب من ذلك‪ .‬ولكني‬
‫أستعني باهلل وأطلب منكم املتابعة بدقة‪.‬‬
‫رسول اهلل يأيت إىل املجتمع من أجل تكامل اإلنسان‪ ،‬وألن يتخ ّلق اإلنسان بأخالق اهلل‪،‬‬
‫وليتمم مكارم األخالق‪ُ « .‬بع ْث ُت ألُمتّم مكارم األخالق»‪ 1‬وما هو سبيله إىل حتقيق هذا‬
‫ّ‬
‫يؤسس معمل صناعة اإلنسان‪ .‬وما هو هذا‬ ‫اهلدف؟ إنه يو ّفر ّ‬
‫اجلو الالزم لصناعة اإلنسان‪ّ ،‬‬
‫املعمل؟ إنه املجتمع اإلسالمي الذي يسوده نظام إسالمي‪ .‬وهذه هي املسألة األساسية التي‬
‫جيب أن تُفهم بد ّقة‪ .‬عمل النبي يف التغيري ال يقترص عىل العمل الفردي والتوعية الفردية‪ ،‬بل‬
‫أفواجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يقيم املجتمع الصالح ليدخل الناس يف دين اهلل‬
‫وما هي طبيعة املجتمع اإلسالمي؟ ليس هذا موضوع بحثنا‪ ،‬ولكن نشري باختصار إىل‬
‫أنه املجتمع الذي تسود فيه حاكمية اهلل والقوانني اإلهلية‪ .‬وإذا مثلناه بمخروط‪ ،‬فإن رأس‬
‫املخروط هو اهلل‪ ،‬وأدنى منه تقع البرشية مجعاء‪‌ .‬يف املجتمع اإلسالمي نظام العالقات‬
‫ً‬
‫وتنفيذا‬ ‫االجتامعية واالقتصادية والسياسية واحلقوقية يقف وراءها الدين اإلهلي تعيينًا‬
‫وضامنًا‪.‬‬
‫املثال عىل مثل هذا املجتمع هو جمتمع املدينة املنورة الذي أقامه الرسول األكرم(ص)‪ .‬كان‬
‫الرسول والفئة املؤمنة برسالته مقيمني يف مكة‪ ،‬وحني تعرضوا للضغوط كان بإمكاهنم أن‬
‫يتفرقوا يف البالد‪ ،‬ويامرسوا عبادهتم هناك‪ .‬لكن هذا مل يكن يو ّفر هدف الرسالة‪ .‬انتقلوا إىل‬
‫ّ‬
‫املدينة ليقيموا فيها املجتمع اإلسالمي‪ ،‬حيث احلاكمية هلل‪ ،‬وينوب النبي عن اهلل يف هذه‬
‫ً‬
‫وتنفيذا‪.‬‬ ‫تقريرا‬
‫ً‬ ‫احلاكمية‬

‫‪1‬ـبحاراألنوار‪ ،‬كتاب اإليامن والكفر‪ ،‬باب حسن اخللق‪ ،‬ح ‪.1‬‬


‫الوالية ‪255n‬‬

‫يف هذا املجتمع اإلهلي كل أمور املجتمع هي من اهلل‪ ،‬وجتري داخل بيت اهلل‪ ،‬ابتداء من‬
‫الصالة والتعليم والتزكية وجتييش اجليوش للجهاد‪ .‬كان الرسول(ص) يعقد الراية ألسامة‬
‫بن زيد‪ 1‬يف املسجد‪ ،‬ثم يقول للمجاهدين‪« :‬انطلقوا باسم اهلل»‪ ،2‬هناك يشحذ عزائمهم‬
‫ويبني هلم خارطة حركتهم‪ ،‬ويف املسجد كان القضاء بني الناس‪ ،‬وإدارة شؤون املجتمع‬
‫واقتصاده‪ ،‬ومجع الزكوات‪ .‬وبعبارة موجزة كانت يف املسجد تدار أمور الدنيا واآلخرة‬
‫حلا‬
‫بقيادة النبي‪ .‬هذا هو املجتمع اإلسالمي‪ .‬ويف هذا املجتمع يتوفر ملن يريد أن يكون صا ً‬
‫صالحه‪ ،‬وملن ال يريد ذلك ال يستطيع إالّ أن يساير الصاحلني يف حركته‪.‬‬
‫َ‬ ‫يس له‬
‫ما ُي ّ‬
‫يف املجتمع غري اإلسالمي ال يتوفر ملن يريد الصالح ما حيقق إرادته‪ .‬يريد أن حيافظ عىل‬
‫دينه‪ ،‬يريد أن ال يتعامل بالربا‪ ،‬تريد املرأة أن حتافظ عىل كرامة أنوثتها‪ ،‬ولكن ذلك غري‬
‫ممكن بالشكل املطلوب‪ .‬يف مثل هذا املجتمع هناك الكثري من العوامل والدوافع التي تبعد‬
‫اإلنسان عن ذكر اهلل‪ .‬ويف املجتمع اإلسالمي خالف ذلك‪ .‬وفر ٌة من العوامل تذكّر اإلنسان‬
‫باهلل‪ ..‬من املسجد إىل السوق إىل اإلعالم إىل احلكومة إىل األرسة‪ .‬كل تلك جتعل ذكر اهلل‬
‫سبحانه ح ًيا يف النفس‪ .‬وتدفع اإلنسان ليقرتب من اهلل ويبتعد عن كل ما ينيس اهلل‪ .‬لو أن‬
‫احلياة الرسالية املبدئية التي كانت قائمة يف زمن رسول اهلل قد استمرت بعد التحاق الرسول‬
‫بالرفيق األعىل لتحول ّ‬
‫جل املنافقني بعد نصف قرن إىل مؤمنني حقيقيني‪ .‬ألن تلك احلياة‬
‫تطهر الناس من الشوائب والنفاق ومتأل قلوهبم باإليامن‪‌ .‬هذه طبيعة املجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهلذا ُبعث األنبياء‪.‬‬
‫نعود إىل بحثنا يف موضوع الوالية‪ .‬من الطبيعي أن النبي يف بداية عمله يتوجه إىل بناء‬
‫الكتلة املؤمنة التي تستطيع أن حتمل أعباء الدعوة‪ ،‬وتأخذ عىل عاتقها مسؤولية إدارة‬
‫املجتمع اإلسالمي املرتقب‪ ،‬إذ إن النبي يامرس أعامل البناء عن طريق العوامل الطبيعية‪.‬‬
‫ً‬
‫راسخا بالرسالة‪ ،‬ومتحدة وعىل قلب واحد‪ ،‬ومنشدة‬ ‫إنه بحاجة إىل مجاعة مؤمنة إيامنًا‬
‫إىل اهلدف الكبري‪ ،‬ومتحركة نحو ذلك اهلدف بخطى ثابتة‪ ،‬ومرتبية وفق هدي القرآن يف‬

‫‪1‬ـ أسامة بن زيد بن حارثة‪ ،‬جعله رسول اهلل عىل رأس جيش ملحاربة الروم‪.‬‬
‫‪2‬ـ «انطلقوا باسم اهلل وباهلل وعىل ملة رسول اهلل» (سنن أيب داود‪ ،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬باب يف دعاء املرشكني‪ ‌،‬ح ‪.2614‬‬
‫‪ n256‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫ْ َ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫الدعوة ( ُا ْد ُع إلى َ‬
‫یل َر ِّب َك ِبال ِحك َمةِ َوال َم ْو ِعظةِ ال َح َس َنةِ )‪ ،1‬وال تأخذها يف اهلل لومة الئم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِِ‬
‫وهذه اجلامعة األوىل تعيش يف وسط املجتمع اجلاهيل‪ .‬ولذلك البدّ من تو ّفر كل العوامل‬
‫الالزمة للـمـحافظة عىل هذه اجلامعة من الذوبان والتصدّ ع والتأثر بثقافة املجتمع اجلاهيل‪.‬‬
‫البدّ أن تكون مرتابطة منضبطة انضبا ًطا شديدً ا‪ ،‬إذ إهنا أقلية أمام أكثرية‪ ،‬واألقلية قد‬
‫تتصدع شخصيتها وهويتها أمام األكثرية‪ ،‬وقد هتضمها األكثرية وتبيدها‪ .‬ولذلك البدّ أن‬
‫يشدّ بعضها أزر بعض‪َ ،‬م َثلها كمثل مجاعة تريد أن تتسلق ً‬
‫جبل لتصل إىل قمته ‌‪ .‬يقال هلذه‬
‫اجلامعة متاسكوا وشدّ وا أحزمتكم مع بعضكم‪ ،‬وخففوا أمتعتكم‪ ،‬وهبذا الشكل إذا ز ّلت‬
‫قدم أحدهم يستطيع اآلخرون أن يمسكوا به كي يواصل الطريق‪ .‬هذا هو حال اجلامعة‬
‫األوىل من املؤمنني‪ .‬يشكلون مع بعضهم جبهة مرتاصة‪ ،‬يأخذ بعضهم بيد البعض اآلخر‪.‬‬
‫وهل هلذه احلالة اسم يف القرآن واحلديث؟ نعم إنه الوالية‪ ...‬الوالية‪.‬‬
‫مل نصل بعد إىل والية أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب (عليه السالم) وأن هذه الوالية‬
‫حصني‪ 2‬كام ورد يف األثر‪ .‬وال نزال يف املصطلح القرآين‪ .‬فالوالية يف هذا املصطلح تعني‬
‫ارتباط جمموعة من األفراد يف جبهة واحدة ويف فكر واحد‪ ،‬وضمن تيار واحد يتجه نحو‬
‫وحيصنون أنفسهم كي ال يذوبوا يف اجلبهة‬
‫ّ‬ ‫هدف واحد‪ ،‬ويسعون م ًعا لتحقيق هذا اهلدف‪،‬‬
‫املعارضة املعادية‪ .‬وبذلك يؤسس النبي جمتم ًعا ذا خصائص خمتلفة متا ًما عن خصائص‬
‫املجتمع اجلاهيل السائد‪ ،‬ومتحصنًا متا ًما عن االنحياز إىل التيارات األخرى يف ذلك‬
‫جتهيزا ً‬
‫كامل بجميع ما حيافظ عىل وحدته وتالمحه وبام يبعده عن اخلالف‬ ‫ً‬ ‫وجمهزا‬
‫ً‬ ‫املجتمع‪،‬‬
‫والتفرق‪ ،‬وهذه هي الوالية التي تضمن وصول اجلامعة إىل أهدافها املرسومة‪ ،‬وبدوهنا ال‬
‫ّ‬
‫يمكن حتقيق ذلك‪.‬‬
‫ثم بعد أن تتسع هذه اجلامعة‪ ،‬وتتشكل األمة اإلسالمية يف عصور تالية‪ ،‬تبقى مسألة الوالية‬
‫تعرضت يف عصور تالية إىل سيطرة امللك العضوض‪،‬‬
‫هلا مكانتها يف املجتمع‪ .‬فاألمة ّ‬

‫‪1‬ـ النحل‪125 /‬‬


‫‪2‬ـ يف حديث قديس عن اإلمام عيل بن موسى الرضا ‪« :‬والية عيل بن أيب طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذايب»‬
‫(ع)‬

‫(عيون أخبار الرضا‪ ،‬باب خرب نادر عن اإلمام الرضا‪ ،‬ح ‪)1‬‬
‫الوالية ‪257n‬‬

‫حصن‬
‫وتعرضت اجلامعة امللتزمة إىل االضطهاد والسجن والترشيد‪ ،‬وكان العامل الذي ّ‬
‫هذه اجلامعة امللتزمة من السقوط واهلزيمة والرتاجع هو عامل الوالية حول حمور القيادة‬
‫التي واصلت رسالة رسول اهلل يف املجتمع‪ ،‬أعني أئمة آل بيت رسول اهلل (عليهم السالم)‪.‬‬
‫فقد بقي الرساليون مثل هنر زالل جيري يف املجتمع الذي ساده الكدر ولوثة الفساد وما‬
‫شاع من انحراف أيام خلفاء بني أمية وبني العباس‪.‬‬
‫هذا الذي ذكرناه هو ُبعد من أبعاد الوالية إنه االلتحام‪ ،‬وهو جانب من جوانب هذا‬
‫املوضوع‪ .‬وسنتعرض لألبعاد األخرى يف اجللسات القادمة إن شاء اهلل‪.‬‬
‫سنتطرق يف اجللسة القادمة إىل والية و ّيل اهلل‪ ،‬ما معنى والية و ّيل اهلل؟ ما معنى والية أمري‬
‫املؤمنني عيل؟ ما معنى والية اإلمام الصادق؟ قد خي ّيل للبعض أن والية األئمة هي فقط‬
‫حب هؤالء األئمة‪ ،‬وهل يوجد يف العامل من يعرف هذه الصفوة املقدّ سة وال حي ّبها ؟! كل‬
‫ّ‬
‫من يعرفهم حيبهم‪ ،‬حتى الذين حاربوهم يف عرصهم كانوا عىل معرفة هبم‪ ،‬ومل يكونوا‬
‫هلم أعداء‪ ،‬بل كانوا حيبوهنم‪ ،‬لكنهم حاربوهم ألطامع دنيوية‪ .‬حني بلغ خرب وفاة اإلمام‬
‫الصادق إىل اخلليفة العبايس املنصور‪ 1‬بكى‪ ،‬ومل يكن يتظاهر بالبكاء‪ ،‬إذ مل يكن هناك‬
‫داع هلذا التظاهر‪ ،‬ألنه بكى أمام َخدَ مه وأمام الربيع حاجبه‪ .‬لقد تأمل حقيقة لوفاة اإلمام‬
‫السم بأمر املنصور‪ .‬حني وصله‬
‫ّ‬ ‫سم اإلمام وقتله‪ ،‬لقد ُد ّس إليه‬
‫الصادق‪‌.‬ولكن من الذي ّ‬
‫اهتز وتأ ّثر‪ .‬هل يمكن أن نعترب أن املنصور كانت له والية؟! وهكذا غريه من اخللفاء‬
‫اخلرب ّ‬
‫احلب واالحرتام‪ ،‬غري أن هؤالء‬
‫ّ‬ ‫الذين كانوا يعرفون عظمة أئمة آل البيت‪ ،‬ويكنّون إليهم‬
‫احلب‪ .‬إذا فهمنا معنى الوالية عندئذ‬
‫ّ‬ ‫جمرد‬
‫مل يكونوا من املوالني هلم‪ .‬الوالية أمر أكرب من ّ‬
‫جيب أن نرجع إىل أنفسنا ونرى هل نحن من املوالني ح ًقا؟! وسأبني معنى والية أئمة اهلدى‬
‫(عليهم السالم) وكيف يمكن أن نعتربهم أولياءنا وكيف نكون من املوالني هلم‪.‬‬
‫جرت العادة يف عيد الغدير أن يتصافح أتباع مدرسة أهل البيت وير ّددون املأثور املعروف‬
‫«احلمد هلل الذي جعلنا من املتمسكني بوالية عيل بن أيب طالب (عليه السالم)» وأنا أقول‬

‫السم إىل اإلمام الصادق‪ ،‬وقمع ثورة حممد النفس الزكية وأخيه‬
‫ّ‬ ‫دس‬
‫‪1‬ـ املنصور ويل اخلالفة سنة ‪ 136‬بعد أخيه السفاح‪ّ ،‬‬
‫إبراهيم وقتل أيب مسلم اخلراساين‪.‬‬
‫‪ n258‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫إلخواننا‪ :‬أخشى أن تكون العبارة كاذبة ‌‪ .‬قولوا‪« :‬اللهم اجعلنا من املتمسكني بوالية عيل‬
‫بن أيب طالب (عليه السالم)»‪.‬‬
‫وسأمر عىل‬
‫ّ‬ ‫أعتقد أننا نستطيع أن نسمي سورة املمتحنة بسورة الوالية باملعنى الذي ذكرناه‪.‬‬
‫بعض آياهتا‪.1‬‬
‫َ‬
‫َ ُ ّ َ َ ُ َّ ُ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬‫(ب ْسم اهلل َّ‬
‫الر ْح َمن َّ‬
‫ك ْم أ ْو ِل َی َاء) أي‪ :‬احذروا‬ ‫یم ‪َ #‬یا أ ّی َها ال ِذ َین َآم ُنوا لا ت ّت ِخذوا عد ِوی و عدو‬
‫الر ِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫أن يأخذوا مكاهنم يف قلوبكم وأن تعتربوهم بأهنم من جبهتكم ومن صفوفكم‪ .‬بل انظروا‬
‫اليهم باعتبارهم يناصبون لكم العداء ويعارضونكم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ََّ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُُْ‬
‫كف ُر وا ِب َما َج َاءكم ِّم َن ال َح ّ ِق) ال جيوز أن متيل إليهم قلوبكم فتبعثوا‬ ‫(تلق َ‬
‫ون ِإل ْی ِهم ِبالمودةِ وقد‬
‫احلق‪.‬‬
‫هلم رسائل مو ّدة‪ ،‬بينام هم كافرون بام أنزل اهلل إليكم من ّ‬
‫ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ـاهلل َر ِّبك ْم) هؤالء بسبب إيامنكم باهلل وبرسوله‬
‫( ُیخ ِر ُجون الـ ّـر ُســول َو ِإ ّیــاكـ ْـم أن تؤ ِمنوا ِبـ ِ‬
‫خيرجون رسول اهلل وخيرجونكم من دياركم‪ ،‬فال تتخذوهم أولياء‪.‬‬
‫ك ُنت ْم َخ َر ْج ُت ْم ِج َه ًادا فِی َس ِب ِیلی َو ْاب ِت َغ َاء َم ْر َضاتِی) إذا كنتم صادقني يف جهادكم ويف ابتغاء‬
‫ُ‬
‫( ِإن‬
‫مرضاة اهلل‪ ،‬فال توالوا األعداء‪ .‬طب ًعا اآليات التالية تذكر ذلك النوع من الكافرين الذين‬
‫جتب مقاطعتهم‪ ،‬فاألمر باملقاطعة ليس عا ًما بشأن كل الكافرين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ون إل ْیهم بال َم َو َّدةِ َوأ َنا أ ْعل ُم ب َما أ ْخ َف ْی ُت ْم َو َما أ ْعل ُنت ْم َو َمن َی ْف َعل ُه منك ْم َف َق ْد َض َّل َس َو َاء َّ‬
‫ُّ َ‬ ‫ُ‬
‫الس ِب ِیل)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(ت ِسر ِ ِ ِ‬
‫رسا‬
‫رسا‪ ،‬واهلل يعلم ما ختفون وما تعلنون‪ .‬والذي يوايل األعداء ً‬
‫تبعثون إليهم برسائل املودة ً‬
‫فقد انحرف عن جادة الصواب‪.‬‬
‫واآليات نزلت يف حاطب بن أيب بلتعة‪ ،‬وهو صحايب أبدى ضع ًفا يف إيامنه حني أرسل إىل قريش‬
‫جهز إليهم ً‬
‫جيشا‪ .‬أراد الرجل وهو يف صفوف املسلمني‬ ‫رسا رسالة ُيعلمهم فيها أن الرسول ّ‬
‫ً‬
‫أيضا مكانة عند القرشيني كي حيموا أرسته يف مكة‪ .‬كتب الرسالة وأعطاها المرأة‬
‫أن تكون له ً‬
‫لقاء أجر كي توصلها إىل زعامء قريش‪ .‬علم الرسول بذلك بوحي من اهلل‪ ،‬فأرسل عل ًيا ومعه‬
‫آخر‪ ،‬فلحقا باملرأة وهي متجهة إىل مكة‪ .‬هدّ داها‪ ،‬فاضطرت إىل تسليم الرسالة‪.‬‬

‫‪1‬ـ اآليات ‪4 - 1‬‬


‫الوالية ‪259n‬‬

‫ثم دعا رسول اهلل حاط ًبا فقال له‪« :‬يا حاطب ما محلك عىل هذا؟» فقال‪ :‬يا رسول اهلل أما‬
‫غيت وال بدّ لت‪ ،‬ويل بني قريش ولد وأهل فصانعتهم‬
‫واهلل إين ملؤمن باهلل وبرسوله ما ّ‬
‫عليه‪ .‬أي حاولت أن أكسب محايتهم‪ .‬فعفا عنه الرسول‪.‬‬
‫ثم توضح اآلية حلاطب وأمثال حاطب سبب رضورة مقاطعة الكفار‪.‬‬
‫(إن َی ْث َق ُف ُوك ْم َی ُك ُونوا َل ُك ْم َأ ْع َد ًاء َو َی ْب ُس ُطوا إ َل ْی ُك ْم َأ ْید َی ُه ْم َو َأ ْلس َن َت ُهم ب ُّ‬
‫الس ِوء َو َو ُّدوا َل ْو َت ْك ُف ُر َ‬
‫ون)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال تظنوا أنكم لو ساعدمتوهم فإهنم سري ّدون إليكم اجلميل‪ً ،‬‬
‫كل بل سوف يفرضون عليكم‬
‫أحرارا يف إيامنكم‪ ،‬إذ‬
‫ً‬ ‫سيطرهتم‪ ،‬ويعتدون عليكم بأيدهيم وألسنتهم‪ ،‬وسوف ال يرتكونكم‬
‫يو ّدون أن تتخ ّلوا عن دينكم وتصبحوا كافرين‪.‬‬
‫مر التاريخ وتقول‪:‬‬
‫ثم ختاطب اآلية حاطب بن أيب بلتعة وأمثاله عىل ّ‬
‫اهلل ب َما َت ْع َم ُل َ‬
‫ون َب ِص ٌیر) إنه‬ ‫( َلن َت َنف َع ُك ْم َأ ْر َح ُام ُك ْم َو َلا َأ ْو َل ُ‬
‫اد ُكـ ْـم َی ْو َم ْالق َی َامةِ َی ْفص ُل َب ْی َن ُك ْم َو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تأنيب للذين يوالون الكافرين من أجل منفعة لألرحام واألوالد‪ ،‬من أجل أن حيصل‬
‫هؤالء األقارب عىل منصب وعىل امتياز دنيوي‪ .‬ترى كم يستطيع هؤالء الذين توالون‬
‫يدونكم‬
‫الكافرين من أجلهم أن ينفعوكم‪ .‬هؤالء سوف ينفصلون عنكم يوم القيامة وال ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫نف ًعا‪ .‬فذلك اليوم هو ( َی ْو َم َی ِف ُّر ال َم ْر ُء ِم ْن أ ِخیهِ ‪َ #‬وأ ِّمهِ َوأ ِبیهِ ‪َ #‬و َص ِاح َب ِتهِ َو َب ِنیهِ )‪ 1‬ففي ذلك‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫تضحي‬
‫ّ‬ ‫اليوم كل امرئ مشغول بنفسه ( ِلك ِ ّل ْام ِر ٍئ ِّم ْن ُه ْم َی ْو َم ِئ ٍذ شأ ٌن ُی ْغ ِنیهِ ) هذا االبن الذي‬
‫ضحيت من أجله بدنياك‬
‫يفر منك يوم القيامة‪ ،‬هذا الذي ّ‬
‫بقيمك من أجله اليوم سوف ّ‬
‫وآخرتك سوف ال ينعفك فتيال يوم القيامة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫كانَ ْت لك ْم أسـ َـو ٌة َح َس َنة فِی ِإ ْب َر ِاه َیم َو ال ِذ َین َم َع ُه) هذه اآلية تبلغ الذورة يف خطاهبا‬ ‫( قد‬
‫للمؤمنني‪ .‬إذ تقول هلم إن إبراهيم واملؤمنني معه هم قدوة لكم فاعملوا ما عملوه‪ .‬وماذا‬
‫عملوا؟‬
‫ُ ْ ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َّ َ ْ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫ْ َ ُ َ‬
‫د َب ْی َن َنا َو َب ْی َنك ُم ال َع َد َاوة‬
‫اهلل كف ْرنا ِبك ْم َو َب َ ا‬
‫ون ِ‬
‫ُ‬
‫( ِإذ قالوا ِلق ْو ِم ِه ْم ِإنا بر ُاء ِمنك ْم َو ِمما تع ُبدون ِمن د ِ‬
‫اهلل َو ْح َد ُه)‪.‬‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫د َحتَّى ُت ْؤم ُ‬
‫ن‬ ‫ا‬ ‫َو ْال َب ْغ َض ُاء َأ َب ً‬
‫ِ ِ ِ‬

‫‪1‬ـ عبس‪37 - 34 /‬‬


‫‪ n260‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫سمو‬
‫ّ‬ ‫يلوث ُطهر البرشية ونقاء فطرهتا‪ ،‬فالرباءة هي من أجل‬
‫عدم الرباءة من املرشكني ّ‬
‫احلركة اإلنسانية‪.‬‬
‫مر التاريخ‪ .‬حييى بن أم الطويل‪ 1‬وهو‬
‫والسائرون عىل طريق إبراهيم فعلوا مثل ذلك عىل ّ‬
‫من أصحاب اإلمام السجاد كان يأيت إىل املسجد يف مدينة رسول اهلل فيتلو هذه اآلية‬
‫الكريمة‪ ،‬ليذكّر احلارضين بمفهوم الوالية‪ .‬فالوالية يف زمن إبراهيم هي نفسها الوالية يف‬
‫عرص اإلمام السجاد عيل بن احلسني‪ .‬وهؤالء املخا َطبون كانوا عىل معرفة بآل بيت رسول‬
‫اهلل‪ ،‬لكنهم كانوا مهزومني بسبب إرهاب السلطة األموية‪ .‬حييى هذا الذي كان يذكّر الناس‬
‫بأسوة إبراهيم والذين معه واجه إرهاب احلجاج بن يوسف‪ ،‬فقطع يده ورجله‪ ،‬لكن لسانه‬
‫ظل ناط ًقا‪ .‬فأمر بقطع لسانه وارتقى إىل الرفيق األعىل‪ .‬لكنه ترك آثاره فيام بعده حني انترش‬
‫مفهوم الوالية أكثر بعد اإلمام السجاد‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪1‬ـ بحار األنوار‪ ،‬كتاب تاريخ عيل بن احلسني‪ ،‬باب أحوال زمانه من اخللفاء‪ ،‬ح ‪.29‬‬
‫اجللسة الرابعة و العشرون‬
‫وشائج األمة اإلسالمية‬
‫السبت ‪ 25‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/20‬هجرية مشسية‬
‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ َّ ُ ْ َ ُ َ َ َّ‬
‫الن َص َارى أ ْو ِل َی َاء‬ ‫(یا أیها ال ِذین آمنوا لا تت ِخذوا الیهود و‬
‫َ‬
‫نك ْم َفإ ّن ُه م ْن ُه ْم إ َّن َ‬ ‫َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َّ ُ ّ ُ‬
‫اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بعضهم أو ِلیاء بع ٍض ومن یتولهم ِم‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ ْ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ین ‪ #‬فت َرى ال ِذ َین فِی قل ِوب ِهم َّم َرض‬ ‫الظ ِال ِم َ‬ ‫لا َی ْه ِدی القوم‬
‫ون َن ْخ َشى َأن ُتص َیب َنا َدآئ َر ٌة َف َع َسى ُ‬
‫اهلل‬ ‫ون فیه ْم َی ُق ُول َ‬ ‫َُ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫یس ِارع ِ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْْ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ندهِ ف ُی ْص ِب ُحوا َعلى َما أ َسـ ّـر وا فِی‬ ‫أن َیأت ِ َی ِبالفت ِح أ ْو أ ْم ٍر ِّم ْن ِع ِ‬
‫َ‬
‫(املائده‪)52-51 /‬‬ ‫أ ْن ُف ِس ِه ْم َن ِاد ِم َین)‬

‫ورص‬
‫ّ‬ ‫ذكرنا يف اجللسة السابقة أن الوالية باملعنى القرآين تعني التالحم واالرتباط‬
‫الصفوف‪ .‬كام تعني احلذر من الذوبان والتصدّ ع واهلزيمة أمام العوامل اخلارجية‪.‬‬
‫إذن للوالية ُبعدان داخيل يرتبط باألمة اإلسالمية يف داخل جمتمعاهتا و ُبعد خارجي يرتبط‬
‫بعالقة األمة اإلسالمية باملجتمعات األخرى‪.‬‬
‫التفرق‪ .‬ولو حدث اختالف بني‬
‫رص الصفوف واحلذر من ّ‬
‫عىل الصعيد الداخيل البدّ من ّ‬
‫أرص أحد الفريقني يف‬
‫فريقني داخل األمة فالقرآن يأمر باإلرساع يف اإلصالح بينهام‪ .‬ولو ّ‬
‫احلق فعىل العامل اإلسالمي أن يعيد هذا الفريق إىل‬
‫جلاجته وتعنّته ورفض الرضوخ إىل كلمة ّ‬
‫بالقوة والقتال‪.‬‬
‫صوابه ولو ّ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ ََ‬
‫َ َ ْ‬ ‫يقول القرآن الكريم‪َ ( :‬و إن َط ِائ َف َتان ِم َن ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ین اق َت َتلوا فأ ْص ِل ُحوا َب ْی َن ُه َما ف ِإن َبغت ِإ ْح َد ُاه َما َعلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اهلل) ‪ .‬هذا أمر اهلل سبحانه من أجل صيانة وحدة‬ ‫‪1‬‬ ‫ْ‬
‫یء ِإلى أم ِر ِ‬ ‫ْال ُأ ْخ َرى َف َق ِات ُلوا ّالتی َت ْب ِغی حتى تف َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪1‬ـ احلجرات‪9 /‬‬


‫‪ n264‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫أما يف بعد عالقات األمة اإلسالمية بغريها‪ ،‬فال بد من تنظيمها بصورة حتافظ عىل استقالل‬
‫األمة وصيانة شخصيتها وكرامتها وهويتها‪ّ .‬‬
‫وكل ارتباط خارجي ييسء إىل هذه املحافظة‬
‫فهو مرفوض‪.‬‬
‫يف اخلرب أن العامل اإلسالمي كان يستورد النقود املسكوكة يف عهد اإلمام الباقر أو الصادق‬
‫من الروم‪ .‬ثم حدث أن هدّ د حاكم الروم بقطع هذا التعاون‪.‬‬
‫فوجه إىل طريقة صناعة‬ ‫ّ‬
‫التدخل ــ ّ‬ ‫ّ‬
‫تدخل اإلمام ــ وهذا من االستثناءات يف مثل هذا‬ ‫وهنا‬
‫املسكوكات النقدية‪ .‬كي ال يتعرض املسلمون إىل ضغط خارجي‪.‬‬
‫ارتباط األمة اإلسالمية بغريها جيب أن يكون إذن يف إطار حيافظ عىل مكانتها املرموقة وهويتها‬
‫وشخصيتها الرسالية‪ .‬ال جيوز أن ترتبط بالعامل اخلارجي ارتبا ًطا يفسح لألجانب فرصة‬
‫االستغالل واالستثامر‪ ،‬كالذي حدث يف إيران يف حادثة التنباك ورشكة رجي‪ .1‬وكالذي‬
‫جرت هذه‬
‫حدث يف اهلند أيام اإلمرباطورية املغولية يف تأسيس رشكة اهلند الرشقية‪ ،‬وما ّ‬
‫الرشكة من بالء عىل شبه القارة اهلندية‪ .2‬ال جيوز لألمة اإلسالمية إقامة مثل هذه العالقات‪.‬‬
‫هذا ال يعني طب ًعا االنعزال عن العامل اخلارجي‪ ،‬البد من إقامة عالقات سياسية واقتصادية‬
‫وجتارية وديبلوماسية‪ ،‬بل يعني أن ال تكون لنا معهم والية وال عالقات نفسح املجال أمام‬
‫التغلغل وأمام السبيل للتغلغل والنفوذ واهليمنة‪ .‬هذا عىل صعيد العالقات اخلارجية‪ ،‬أما‬

‫‪1‬ـ يف الزيارة الثالثة للشاه القاجاري نارص الدين إىل أوربا تم عقد اتفاقية بني حكومة إيران وجريالد تالبوت مؤسس رشكة‬
‫رجي‪ ،‬وبموجبه ُمنحت الرشكة امتياز احتكار جتارة التبغ والتنباك يف إيران ملدة مخس سنوات لقاء دفع مبلغ سنوي‪ .‬وهذه‬
‫الرشكة بحجة ممارسة النشاط التجاري دفعت بكثري من أتباعها ليدخلوا إيران‪ ،‬وكان بينهم مبرشون مسيحيون‪ .‬وهذا االمتياز‬
‫ألغي بصدور فتوى املرجع الكبري املريزا الشريازي القاضية ‪ -‬يف الزيارة الثالثة للشاه القاجاري نارص الدين إىل أوربا تم عقد‬
‫اتفاقية بني حكومة إيران وجريالد تالبوت مؤسس رشكة رجي‪ ،‬وبموجبه ُمنحت الرشكة امتياز احتكار جتارة التبغ والتنباك يف‬
‫إيران ملدة مخس سنوات لقاء دفع مبلغ سنوي‪ .‬وهذه الرشكة بحجة ممارسة النشاط التجاري دفعت بكثري من أتباعها ليدخلوا‬
‫إيران‪ ،‬وكان بينهم مبرشون مسيحيون‪ .‬وهذا االمتياز ألغي بصدور فتوى املرجع الكبري املريزا الشريازي القاضية بحرمة تناول‬
‫التبغ والتنباك‪.‬‬
‫‪2‬ـ رشكة اهلندالرشقية رشكة بريطانية مسامهة حصلت من ملكة بريطانيا ومن احلاكم اهلندي عىل امتيازات احتكارية‪،‬‬
‫أرباحا طائلة‪ ،‬وهذه الرشكة بحجة الدفاع عن أمواهلا استقدمت قوة عسكرية إىل اهلند‪ ،‬وهبذا‬
‫ً‬ ‫استطاعت بموجبها أن جتني‬
‫الشكل استطاعت أن جتعل هذه البالد جز ًءا من مستعمرات بريطانيا‪.‬‬
‫وشائج األمة اإلسالمية ‪265n‬‬

‫العالقات داخل الدائرة اإلسالمية‪ ،‬فالبدّ أن تتجه عنارص املجتمع مجيعها نحو هدف واحد‬
‫وتتبع ً‬
‫سبيل واحدً ا‪.‬‬
‫هذه هي الوالية باملفهوم القرآين‪ ،‬وهذه هي الوالية يف مدرسة آل بيت رسول اهلل‪ ،‬وهذا هو‬
‫سبب ما نعتقده بأن أوامر اإلمام نافذة يف كل شؤون احلياة االجتامعية‪ ،‬ألن وحدة اهلدف‬
‫ووحدة اخلطى تتطلب قوة متمركزة يف املجتمع اإلسالمي ترتبط هبا القوى الداخلية مجي ًعا‬
‫وتسري عىل خطى ما تصدره من أوامر‪ .‬البد من قوة متمركزة هلا إملام بجميع مصالح املجتمع‬
‫ومفاسده كي تراقب بدقة جمريات األحداث‪ ،‬وتضع كل يشء يف نصابه‪ .‬وللتشبيه نقول‪:‬‬
‫خذوا بنظر االعتبار معمال لصناعة السجاد‪ .‬عدد من العاملني يشتغلون يف حياكة سجادة‬
‫ينسق حركة أعامهلم كي خيرج العمل منس ًقا تاب ًعا‬
‫واحدة‪ ،‬وهؤالء العاملون بحاجة إىل َمن ّ‬
‫موحد يف احلياكة‪ ،‬وإذا كان كل عامل حيوك لنفسه دون تنسيق مع اآلخرين فال خيرج‬
‫لطرح ّ‬
‫العمل إالّ ّ‬
‫مشو ًها‪.‬‬
‫تنظيم دقي ًقا يف النقوش والتطريز فاعلموا أن العاملني عليها‬
‫ً‬ ‫حني ترون السجادة منظمة‬
‫يتبعون مرش ًفا واحدً ا ينسق العمل بينهم‪.‬‬
‫إذا ُأريد للمجتمع أن تتحرك طاقاته وتتجه نحو هدف واحد وأن ال تتبدد هذه الطاقات‪،‬‬
‫بل حتتشد خلدمة مصالح البرشية‪ ،‬وأن تكون ص ًفا واحدً ا أمام صفوف اخلصم فالبدّ من‬
‫قدرة متمركزة ومن قلب نابض هلذا اجلسم االجتامعي‪ .‬ومن الطبيعي أن تكون هذه القوة‬
‫املتمركزة املوجهة ذات خصائص معينة كأن تكون عىل درجة عالية من الوعي والعلم‬
‫وقدرة اختاذ القرار وعدم اخلشية من غري اهلل‪ ،‬واالستعداد للتضحية حينام يتطلب األمر‬
‫القوة؟ إهنا اإلمام‪.‬‬
‫لذلك‪ .‬وما اسم هذه ّ‬
‫واإلمام هو احلاكم والقائد الذي يعينه اهلل سبحانه‪ .‬وما معنى أن يكون معينًا من قبل اهلل؟‬
‫ُ َ‬ ‫ّ‬
‫إما أن يكون معينًا باالسم كام يف تعيني النبي إما ًما‪ .‬يقول سبحانه إلبراهيم‪ِ ( :‬إنِی َج ِاعلك‬
‫َ‬
‫ِل ّلن ِاس ِإ َم ًاما)‪ 1‬أو يف تعيني أئمة أهل البيت (عليهم السالم)‪ ،‬أو أن يكون معينًا باخلصائص‬

‫‪1‬ـ البقرة‪124 /‬‬


‫‪ n266‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫كام ورد عن اإلمام احلسن العسكري‪« :‬فأما من كان من الفقهاء صائنًا لنفسه حاف ًظا لدينه‬
‫والنص يعني اإلمام باخلصائص‪ ،‬فهو‬
‫ّ‬ ‫خمال ًفا هلواه مطي ًعا ألمر مواله فللعوام أن يق ّلدوه»‪.1‬‬
‫الفقيه بالرشوط املذكورة‪ ،‬وهو الذي يقود مسرية املجتمع نحو اهلدف املنشود‪.‬‬
‫الوالية باملفهوم القرآين تستوجب ــ إذن ــ وجود اإلمام‪ .‬وإذا أرادت األمة اإلسالمية‬
‫مستحكم وثي ًقا هبذا القلب‬
‫ً‬ ‫أن تبقى حية وموفقة وقوية فالبد أن تكون مرتبطة ارتبا ًطا‬
‫املتحرك اخلافق‪ .‬وأي ارتباط؟ االرتباط الفكري واالرتباط العميل‪ .‬ومن هنا نفهم معنى‬
‫والية عيل بن أيب طالب‪ .‬ومن هنا نفهم احلديث‪« :‬والية عيل بن أيب طالب حصني فمن‬
‫عيل فكر ًيا وعمل ًيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دخل حصني أم َن من عذايب» ومن الطبيعي أن يكون انتهاج طريق ٍّ‬
‫‪2‬‬

‫حصنًا يقي اإلنسان من عذاب اهلل‪.‬‬


‫هذا الذي يقول ليس من حقنا فهم القرآن فإنه ال يوايل عل ًيا‪ ،‬ال فكر ًيا وال عمل ًيا‪ ،‬ألن اإلمام‬
‫يقول‪« :‬واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي ال َي ُغش واهلادي الذي ال ُي ّ‬
‫ضل واملحدّ ث‬
‫الذي ال يكذب‪ ،‬وما جا َل َس هذا القرآن أحدٌ إالّ قام عنه بزيادة أو نقصان بزيادة يف هدى‬
‫عمى»‪ .3‬اإلمام يدعو الناس إىل القرآن‪ ،‬وهذا الرجل الذي يدّ عي والية عيل‬
‫أو نقصان من ً‬
‫يضحي بكل وجوده يف سبيل‬
‫ّ‬ ‫عيل‬ ‫يقول‪ :‬ال يمكن أن نفهم القرآن!! أهذا يوايل عل ًيا؟! ً‬
‫كل‪ّ .‬‬
‫اهلل‪ ،‬وهذا ليس عىل استعداد أن يضحي بيشء من ماله أو وقته أو مكانته االجتامعية أو حتى‬
‫راحته يف سبيل اهلل‪ .‬أهذه والية عيل بن أيب طالب؟! يستطيع أن يدعي والية اإلمام من كان‬
‫ارتباطه وثي ًقا به فكر ًيا وعمل ًيا‪.‬‬
‫هذا الذي ذكرته هو املعنى القرآين للوالية‪ .‬وما أقف عنده من آيات سورة املائدة يبني‬
‫اجلانب اإلجيايب من الوالية وهو االرتباط الداخيل‪ ،‬واجلانب السلبي من الوالية وهو قطع‬
‫الطريق أمام التدخل األجنبي‪ ،‬وكذلك البعد اآلخر للوالية وهو االرتباط واالتصال بو ّيل‬
‫و ّيل اهلل‪ ،‬أي بالقلب‪ ..‬باحلاكم اإلمام‪.‬‬

‫‪1‬ـ عن التفسري املنسوب لإلمام احلسن العسكري‪ ،‬ذيل اآليات ‪ 78‬و‪ 79‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫‪2‬ـ حديث سلسلة الذهب‪ ،‬وهو حديث قديس رواه اإلمام الرضا عن آبائه عن رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬يقول اهلل‪ ..‬احلديث‪.‬‬
‫‪3‬ـ هنج البالغة‪‌،‬رشح صبحي الصالح‪ ،‬اخلطبة ‪.176‬‬
‫وشائج األمة اإلسالمية ‪267n‬‬
‫ُ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫( َیا َأ ُّی َها َّالذ َین َآم ُنوا َلا َت َّتخ ُذوا ْال َی ُه َ‬
‫ود َو َّ‬
‫الن َص َارى أ ْو ِل َی َاء َب ْعض ُه ْم أ ْو ِل َی ُاء َب ْع ٍض َو َمن َی َت َول ُهم ِّمنك ْم ف ِإن ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اهلل لا َی ْه ِدی الق ْو َم الظ ِال ِم َ‬ ‫َ‬ ‫م ْن ُه ْم إ َّن َ‬
‫ین)‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويكونون جبهة واحدة وإن تعدّ دت كتلهم‪ ،‬فهم‬
‫ّ‬ ‫فهؤالء اليهود والنصارى مرتبطون‬
‫جيتمعون عىل معاداتكم‪ .‬واالرتباط هبم جيعلكم يف جبهتهم‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ون ن ْخشى أن ت ِص َیب َنا َد ِآئ َر ٌة) مرىض القلوب‬ ‫َّ َ ٌ ُ َ ُ َ‬
‫ون فیه ْم َیقول َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫(فترى ال ِذین فِی قل ِوب ِهم مرض یس ِارع ِ ِ‬
‫يتوجهون بل يسارعون لاللتحاق هبم‪ ،‬مرددين نغمة طاملا سمعناها من املهزومني‪ ،‬يقولون‬
‫نخشى أن يصيبنا سوء‪ ،‬نخشى أن حتدث لنا مشكلة إن مل نلحق هبم‪ ،‬جييبهم اهلل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ندهِ ف ُی ْصب ُحوا َعلى َما أ َس ّر وا فی أنف ِسه ْم ن ِاد ِم َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ین)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(ف َع َسى اهلل أن َیأت ِ َی ِبالفت ِح أ ْو أ ْم ٍر ِّم ْن ِع ِ‬
‫أمرا لصاحلهم‪ ،‬فيندم هؤالء‬
‫عسى أن يكتب اهلل للمؤمنني الفتح والنرص أو حيدث بعد ذلك ً‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫الذين مل يلتحقوا بصفوف املؤمنني‪ ،‬وراهنوا عىل جبهة أعداء ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َّ‬
‫اهلل َج ْه َد أ ْی َم ِان ِه ْم ِإن ُه ْم ل َم َعك ْم) بعد أن ينفضح أمر‬ ‫( َو َیقول ال ِذ َین َآم ُنوا أ َه ُؤ ِ‬
‫لاء ال ِذ َین أق َس ُموا ِب ِ‬
‫هؤالء الذين ركنوا للعدو‪ ،‬يستغرب املؤمنون‪ ،‬وتصيبهم الدهشة من هؤالء الذين كانوا‬
‫يقسمون أهنم يف جبهة املؤمنني‪ ،‬وأهنم معكم قل ًبا وقال ًبا‪ ،‬بعد ذلك تبني أهنم ينافقون‪ ،‬وأن‬
‫قلوهبم مريضة‪ .‬عندئذ يتبني خواء أفعاهلم‪ ،‬ويصابون باخلرسان‪.‬‬
‫هذا عىل صعيد العالقات اخلارجية‪ ،‬أما عىل صعيد االرتباط الداخيل يقول سبحانه‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫( َیا أ ُّی َها الذ َین َآم ُنوا َمن َی ْرت ّد منك ْم َعن دینهِ ف َس ْوف َیأتی ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اهلل ِبق ْو ٍم ُی ِح ُّب ُه ْم َو ُی ِح ُّبون ُه)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إذا خت ّليتم عن دين اهلل وأدرتم ظهوركم للمرشوع اإلهلي‪ ،‬فإن هذه األمانة سوف تصل‬
‫إىل هدفها بيد أناس آخرين‪ .‬سوف يأيت اهلل بقوم يقيمون املجتمع املطلوب حيث تتميز فيه‬
‫َ‬
‫العالقات الداخلية واخلارجية بالصورة التي تذكرها اآلية‪ُ ( :‬ی ِح ُّب ُه ْم َو ُی ِح ُّبون ُه) عالقتهم‬
‫احلب ليس ادعاء باللسان‪ ،‬بل هو هنج عميل يتمثل بالدرجة‬
‫حب‪ .‬وهذا ّ‬
‫باهلل سبحانه عالقة ّ‬
‫ُ‬
‫اهلل فاتب ُعونی ُی ْحب ْبك ُم ُ‬
‫ون َ‬ ‫ُ‬
‫ك ُنت ْم تح ُّب َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اهلل)‪.2‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫األوىل يف اتباع النبي‪( :‬ق ْل ِإن‬
‫هذه إحدى اخلصائص‪ ،‬واألخرى‪:‬‬

‫‪1‬ـ املائدة‪56 - 51 /‬‬


‫‪2‬ـ آل عمران‪31 /‬‬
‫‪ n268‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(أ ِذ َّلةٍ َع َلى ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ین أ ِع َّزةٍ َع َلى ْال َك ِافر َ‬
‫ین) واآلية تركز عىل هذه العالقة الداخلية بني أحباب‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪ .‬إهنم متواضعون أمام املؤمنني‪ .‬غري متعالني عليهم‪ .‬شعبيون يعيشون مع الناس وغري‬
‫أعزة‪ ،‬مرفوعو الرأس ال ينفذ إىل صفوفهم‬
‫منزوين يف أبراج عاجية‪ .‬لكنهم أمام الكافرين ّ‬
‫الكفار وال خيرتقون جتمعهم‪.‬‬
‫َ َ ُ َ َ َ‬ ‫ُ َ ُ َ َ‬
‫اهلل َولا َیخافون ل ْو َمة ِ‬
‫لآئ ٍم) هؤالء جياهدون بإخالص يف سبيل اهلل‪ ،‬وال‬ ‫یل ِ‬‫(یج ِاهدون فِی س ِب ِ‬
‫يلتفتون للوم الالئمني‪ ،‬وال هيتمون باملرجفني‪.‬‬
‫اآلية التالية تتناول ارتباط أجزاء املجتمع اإلسالمي بالقلب‪ ،‬بالقوة املحورية‪ ،‬باإلمام وما‬
‫أمجل االنسجام بني اآليات!!‬
‫َّ َ َ ُّ ُ ُ ُ َ َ ُ ُ ُ َ َّ َ َ ُ َّ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َ َّ َ‬
‫ك َاة َو ُه ْم َراك ُع َ‬
‫ون)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫(ِإنما و ِلیكم اهلل ورسوله وال ِذین آمنوا ال ِذین ی ِقیمون الصلاة ویؤتون الز‬
‫الويل الذي يستقطب نشاطات املجتمع اإلسالمي واألمة اإلسالمية وتُستلهم منه هذه‬
‫َّ‬
‫يتجل يف النبي‪ .‬والنبي ليس بباق ( ِإن َك‬
‫ّ‬ ‫النشاطات هو اهلل سبحانه‪ ،‬لكن احلضور اإلهلي‬
‫ون)‪ 1‬فمن هذا املحور بعد الرسول؟‬ ‫َم ّی ٌت َو إ َّن ُهم َّم ّی ُت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫َ ُ ُ َ َّ َ َ ُ ْ ُ َ َّ َ‬
‫ك َاة َو ُه ْم َراك ُع َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ون) املفرسون قرروا أن الواو يف‬ ‫ِ‬ ‫( َوال ِذ َین َآم ُنوا ال ِذین ی ِقیمون الصلاة ویؤتون الز‬
‫«وهم راكعون» هي واو حالية‪ ،‬واآلية تريد اإلمام عيل بن أيب طالب كام يف أسباب النزول‪.‬‬
‫قال بعضهم إهنا تريد مطلق املؤمنني‪ .‬ولو افرتضنا ذلك فإن اإلمام أمري املؤمنني عيل بن أيب‬
‫طالب رمز هلذا املعنى العام‪ ،‬والنموذج األمثل الذي ّ‬
‫يتجل فيه هذا املعنى‪.‬‬
‫والبد هنا من التأكيد عىل أن حديثنا عن اإلمام والوالية يقوم عىل فكر مدرسة أهل البيت‪.‬‬
‫بتفهم طبيعة هذه املدرسة اإلسالمية األصيلة‪.‬‬
‫ونحن نويص املسلمني عامة والشيعة خاصة ّ‬
‫لكن هذا ال يعني أننا نرفض املدارس اإلسالمية األخرى‪ ،‬إذ ال جيوز إثارة االختالفات‬
‫الفكرية واملذهبية‪ .‬ونحن إذ يدور حديثنا يف إطار التشيع فالعتقادنا أن احلديث عن التشيع‬
‫هو احلديث عن اإلسالم‪ ،‬ألن فهم الشيعة للقرآن منطقي وعادل وعقالئي‪ .‬نحن يف الواقع‬
‫نتناول الفكر اإلسالمي‪ ،‬نريد أن نفهم اإلسالم‪ ،‬بنظرة مدرسة أهل البيت‪ ،‬وال نريد إثارة‬

‫‪1‬ـ الزمر‪30 /‬‬


‫وشائج األمة اإلسالمية ‪269n‬‬

‫عدو مشرتك واحد‪ ،‬وال جيوز إثارة‬


‫خالف بني السنة والشيعة‪ ،‬إذ كلنا إخوة‪ ،‬ونحن أمام ّ‬
‫اخلالف بني أبناء األمة الواحدة‪ ،‬فمثل هذا العمل حرام يف رأينا‪.‬‬
‫بعد ذلك نقول‪ ،‬لو راعينا األبعاد الثالثة من الوالية‪ :‬حفظ التامسك الداخيل‪ ،‬وقطع‬
‫السبيل أمام التدخل اخلارجي‪ ،‬وحفظ االرتباط الدائم والعميق مع قلب األمة أعني اإلمام‬
‫ُ َ َّ‬ ‫َ َّ َ َ َ ُ َّ‬
‫اهلل ُه ُم‬
‫والقائد‪ ،‬فام الذي حيصل؟ تقول اآلية‪َ ( :‬و َمن َیت َول اهلل َور ُسوله َوال ِذ َین َآمنوا ف ِإن ِح ْز َب ِ‬
‫ون) إهنا من رضوريات النرص والنجاح والفالح‪.‬‬ ‫ْال َغال ُب َ‬
‫ِ‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬
‫اجللسة اخلامسة و العشرون‬
‫جنة الوالية‬
‫األحد ‪ 26‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/21‬هجرية مشسية‬
‫َّ َ َ َ َ ُ َّ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َْ‬ ‫( َّالذ َین إن َّم َّك َّن ُ‬
‫الزكاة‬ ‫اه ْم فِی الأ ْر ِض أق ُاموا الصلاة وآتوا‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ ُ ْ ُُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ـور)‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫اق‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫هلِل‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫نك‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫و‬‫ه‬‫ن‬ ‫و‬ ‫وف‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫َوأ َم ـ ُـر وا بال َم ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(احلج‪)41 /‬‬

‫متابعة للجلسات السابقة يف حقل الوالية‪ ،‬نتناول اليوم ً‬


‫أول طبيعة املجتمع الذي يقوم عىل‬
‫أساس الوالية وطبيعة الفرد املتمسك بالوالية‪ .‬وثان ًيا‪ :‬الدور الذي يقوم به املجتمع القائم‬
‫عىل أساس الوالية‪.‬‬
‫يف أحاديثنا السابقة ذكرنا أن دالالت القرآن ومعارف أهل البيت يف إطار الوالية تقرر أن‬
‫التمسك بالوالية له أبعاد ومظاهر متعددة‪.‬‬
‫األول‪ :‬أن املجتمع املسلم ال يقيم عالقات مع اآلخر بصورة هتدد استقالله وهويته‪.‬‬
‫ووضحنا أن ذلك ال يعني أن ينزوي العامل اإلسالمي سياس ًيا واقتصاد ًيا وأن يقطع عالقاته‬
‫باملجتمعات األخرى‪ .‬ليس األمر كذلك‪ ،‬بل أن ال يكون تاب ًعا وذيل ًيا‪ ،‬وأن ال يذوب يف‬
‫القوى املهيمنة األخرى‪ ،‬وأن حيافظ عىل استقالله وشخصيته‪.‬‬
‫املظهر اآلخر للوالية االنسجام وااللتحام الداخيل بني املسلمني كام جاء يف احلديث‪« :‬مثل‬
‫املؤمنني يف توا ّدهم وترامحهم كمثل اجلسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر اجلسد‬
‫َ َّ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ‬
‫ین أ ِعـ ّـزةٍ َعلى‬ ‫بالسهر واحلمى»‪ 1‬وكام جاء يف وصف املؤمنني بقوله تعاىل‪( :‬أ ِذلــةٍ على المؤ ِم ِن‬

‫‪1‬ـ بحار األنوار‪ ،‬كتاب السامء والعامل‪ ،‬أبواب اإلنسان والروح‪ ،‬باب يف خلق األرواح قبل البدن‪ .‬ح ‪.29‬‬
‫‪ n274‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫َ َ َ ْ ُ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ ٌ َّ ُ‬ ‫ْال َك ِافر َ‬
‫اهلل َو ال ِذ َین َم َع ُه أ ِش ّد ُاء َعلى الكف ِار‬
‫ین)‪ ،1‬وأوضح من ذلك قوله سبحانه‪ّ ( :‬م َح ّمد ر ُسول ِ‬ ‫ِ‬
‫ُر َح َم ُاء َب ْی َن ُه ْم)‪.2‬‬
‫هؤالء يقفون ص ًفا واحدً ا أمام اجلبهة املعادية‪ ،‬ال خيرتقهم العدو‪ ،‬وال يؤثر عىل عزيمتهم‪،‬‬
‫رمحاء بينهم‪ ،‬يتواصون باحلق ويتواصون بالصرب وباملقاومة جتاه عوامل الرش والفساد‬
‫واالنحطاط‪ .‬هؤالء مثلهم كمثل مجاعة تتسلق اجلبال ــ كام ذكرت يف اجللسة املاضية ــ‬
‫يشدّ بعضهم أزر بعض‪ ،‬ويأخذ بعضهم بيد بعض‪ ،‬إذا ضعف أحدهم يسعى اآلخرون ملدّ ه‬
‫بالقوة وتوجيهه الوجهة الصحيحة‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬وله أمهيته اخلاصة‬
‫واملظهر اآلخر من مظاهر الوالية ــ وهو ما ذكرناه يف األيام املاضية ً‬
‫ــ هو وجود مركز إدارة ذي مواصفات خاصة جيعل اجلسد اإلسالمي متامسكًا متناس ًقا‬
‫موحد كالبنيان املرصوص أمام التحدي اخلارجي‪.‬‬
‫منسجم عىل الصعيد الداخيل وذا موقف ّ‬
‫ً‬
‫كام أن اجلهاز العصبي لإلنسان بحاجة إىل مركز إدارة واحد ينسق بني األعصاب املمتدة إىل‬
‫سائر اجلسم‪ ،‬كذلك املجتمع الرسايل بحاجة يف تالمحه الداخيل ويف دفع العدوان اخلارجي‬
‫إىل مثل هذا املركز القيادي املقتدر الذي يوجه مجيع العنارص الفاعلة يف نشاطاهتا‪ .‬يضع‬
‫األفراد يف املكان الذي يليق هبم‪ ،‬وحيول دون التعارض واالنحراف‪ .‬والبد أن تتوفر يف هذا‬
‫املركز خصائص العلم والوعي واألمانة وتتبلور يف وجوده عنارص اإلسالم البناءة‪ ،‬وأن‬
‫مظهرا لإلسالم‪ .‬وما اسم هذا املركز القيادي إنه «الويل»‪.‬‬
‫ً‬ ‫يكون‬
‫املسألة التالية التي جيب تناوهلا هي‪ :‬هل أنا وأنت من املتمسكني بالوالية؟ هل إن جمتمعنا‬
‫له والية أم ال؟‬
‫ما الذي جيب أن يتوفر يف الفرد ليكون من أصحاب الوالية؟ وما هي اخلصائص التي جيب‬
‫أن ّ‬
‫يتحل هبا املجتمع صاحب الوالية؟ هناك عدة أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬ماهي كيفية اإلنسان صاحب الوالية؟‬
‫الثاين‪ :‬ما هي خصائص املجتمع صاحب الوالية؟ ويف أية حال نعتربه حمرو ًما من الوالية؟‬

‫‪1‬ـ املائدة‪54 /‬‬


‫‪2‬ـ الفتح‪29 /‬‬
‫جنة الوالية ‪275n‬‬

‫الثالث‪ :‬إذا كان اإلنسان صاحب الوالية يعيش يف جمتمع يفتقد الوالية‪ ،‬أال يتحمل هذا‬
‫اإلنسان مسؤولية إقامة املجتمع املوايل؟‬
‫الرابع‪ :‬إذا كان املوايل يعيش يف جمتمع يفتقد الوالية‪ ،‬ومل يؤد هذا الشخص مسؤوليته جتاه‬
‫يرض ذلك بوالية ذلك املوايل؟سأقارب بعض هذه األبعاد‪ ،‬واملتوقع أن تقارنوا‬
‫جمتمعه‪ ،‬أال ّ‬
‫بني هذا املعنى التقدمي السامي املتع ّقل القرآين للوالية‪ ،‬واملعنى الذي يتصوره املتقاعسون‬
‫القاعدون ال َبطرون للوالية‪.‬‬
‫هناك من يتصور أن الوالية هي أن يكتفي الفرد باملشاركة يف جمالس عزاء أهل البيت يذرف‬
‫حب أهل البيت يف القلب ال غري‪ .‬طب ًعا عقد املجالس‬
‫جمرد ّ‬
‫الدموع‪ .‬يتصور أن الوالية ّ‬
‫ألهل البيت والفرح لفرحهم واحلزن حلزهنم والبكاء ملظلوميتهم كلها الزمة ورضورية‪،‬‬
‫لكن االكتفاء بذلك ال حيقق معنى الوالية‪ ،‬فالوالية أكرب من ذلك‪ .‬كل تلك أعامل طيبة‬
‫اليسء هو االعتقاد بأن االكتفاء بذلك كاف لتحقيق معنى الوالية‪.‬‬
‫لكن ّ‬
‫أرجو أن تفهموا ما أقول بد ّقة‪ ،‬إذ من املمكن أن خيرج مغرض أو جاهل ليقول إنى أعارض‬
‫البكاء عىل سيد الشهداء!! كالّ‪ ،‬أنا ال أعارض‪ ،‬بل أؤ ّيد بشدة‪ ،‬أنا أقول إن البكاء عىل اإلمام‬
‫احلسني صلوات اهلل وسالمه عليه قد يؤدي إىل إنقاذ أمة‪ .‬التوابون‪ 1‬يف بدء حركتهم توجهوا‬
‫إىل مدفن احلسني وجلسوا ليوم أو يومني أوثالث وهم يبكون‪ ،‬ثم كانت نتيجة هذا البكاء‬
‫صوت مظلومية كربالء وندم الذين خت ّلفوا‬
‫َ‬ ‫يضحوا بأنفسهم مجيعا كي ُيعلو‬
‫ّ‬ ‫أن تعاهدوا بأن‬
‫عن نرصة احلسني‪.‬‬
‫عقد جمالس إلحياء ذكر أهل البيت وبيان فضائلهم ال خيالفه عاقل من الشيعة وال من السنة‬
‫يقر بعظمتهم‪ ،‬فهم الرهط الكريم الذي قدّ موا كل‬
‫بل وال من غري املسلمني‪ .‬كل من يعرفهم ّ‬
‫ما لدهيم حتى أرواحهم يف سبيل نرش العدل ومقارعة الظلم والدفاع عن دين اهلل وكرامة‬
‫اإلنسان‪ .‬لو ذهبتم إىل أوربا وب ّينتم هناك للناس شخصية اإلمام أمري املؤمنني وحياته لرأيتم‬

‫‪1‬ـ التوابون مجع من أهل الكوفة املوالني آلل بيت رسول اهلل‪ ‌،‬ثاروا بقيادة سليامن بن رصد ومسيب بن نجبة بعد استشهاد‬
‫‌وسموا التوابني ألهنم أرادوا إعالن توبتهم بسبب عدم نرصهتم للحسني يف كربالء‪ ،‬التحموا مع جيش الشام‪ ،‬وقاتلوا‬
‫احلسني‪ّ ،‬‬
‫ببسالة‪ ،‬وحققوا بعض االنتصار يف البداية‪ ،‬لكن أكثرهم قد استشهد‪ ،‬وثورهتم أول ثورة بعد واقعة كربالء سنة ‪65‬هـ‪.‬‬
‫‪ n276‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ً‬
‫إجالل له‪ .‬إذن االكتفاء‬ ‫احرتام املخاطبني وإعجاهبم هبذه الشخصية ولوجدمتوهم ينحنون‬
‫باحرتام أهل البيت ال يمكن أن يكون الوالية التي يستحق الشخص بموجبها اجلنة‪ .‬من‬
‫نفرا يطرحون عن غرض أو جهل موضوع الوالية بشكل سطحي‪ ،‬وال يكتفون‬
‫املؤسف أن ً‬
‫بذلك بل حياربون الذين يقدمون الفهم الصحيح للوالية‪ ،‬وللعاملني عىل طريق الوالية‪.‬‬
‫حرص الوالية يف نطاق حمدود وض ّيق ال يليق هبذا املبدأ اإلسالمي اهلام‪.‬‬
‫اإلنسان املوايل هو من يعرف الو ّيل‪ ،‬ويفهم فكره ويتبنّى هذا الفكر‪ ،‬ويفهم عمله‪ ،‬ويسري‬
‫ً‬
‫وعمل‪ .‬هذا هو صاحب الوالية‪.‬‬ ‫فكرا‬
‫وفق هذا العمل فيتبعه ً‬
‫إنه َلظلم ما بعده ظلم أن يدّ عي أحد أنه من املوالني لعيل بن طالب وهو يف فكره وعمله‬
‫بحق عيل وبحق مفهوم الوالية‪.‬‬
‫خيالف عيل بن أيب طالب‪ .‬إنه لظلم ّ‬
‫اإلمام الصادق صلوات اهلل وسالمه عليه يؤكد أن واليتنا ال تنال إالّ بالعمل ومن ال عمل‬
‫عدونا‪ .‬فالوالية يف ثقافة اإلمام الصادق ختتلف عن الوالية يف ثقافة ذلك اجلاهل أو‬
‫له فهو ّ‬
‫يرص‬
‫صحيحا؟! ملاذا ّ‬
‫ً‬ ‫فهم‬
‫املغرض الذي يدّ عي والية اإلمام الصادق‪ .‬ملاذا ال نفهم هذا املبدأ ً‬
‫بعضنا عىل تكريس الركود واجلمود والتخلف والبعد عن اإلسالم وعن الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫أخشى أن نبقى عىل أمل دخول اجلنة هبذا الفهم اخلاطئ من الوالية‪ ،‬وبذلك نخلق لنا‬
‫جحيم يف هذه الدنيا‪ ،‬ويف اآلخرة نكون من اخلارسين‪ ،‬أي خرسان هذا؟!‬
‫ً‬
‫نكرر أن والية اإلنسان هي االرتباط واالتصال املطلق بالو ّيل واستمرار ذلك االرتباط‪.‬‬
‫مشخصا يف ذلك املجتمع‪.‬‬
‫ً‬ ‫أما الوالية عىل صعيد املجتمع فإهنا تتحقق حني يكون الو ّيل‬
‫لهم كل الطاقات والنشاطات يف ذلك املجتمع‪ .‬أن‬ ‫هذا ً‬
‫أول‪ .‬وثان ًيا حني يكون الويل ُم َ‬
‫املحرك للحياة يف هذا املجتمع‬
‫يكون القطب الذي يوجه املجتمع قانون ًيا وتنفيذ ًيا‪ .‬أن يكون ّ‬
‫واحلادي لقافلة احلياة فيه‪.‬‬
‫كان رسول اهلل(ص) و ّيل املجتمع يف حياته‪ ،‬وبعد وفاته كان املجتمع عىل هنج الوالية بقدر‬
‫ارتباطه بالو ّيل‪ .‬كلام كان ارتباطه بالويل أكثر كان أقرب إىل الوالية‪ .‬حني يكون احلاكم‬
‫واملوجه واملاسك لزمام األمور يف املجتمع َم ْن تتو ّفر فيه صفات الوالية‪ ،‬فذلك املجتمع هو‬
‫ّ‬
‫املجتمع الذي يمتلك الوالية بصورة كاملة‪.‬‬
‫جنة الوالية ‪277n‬‬

‫هبذا املعيار ارجعوا إىل أنفسكم وانظروا هل أنتم من أهل الوالية؟ إذا كنتم كذلك‬
‫فاشكروا اهلل سبحانه عىل هذه النعمة فهي نعمة ما بعدها نعمة‪‌ .‬وسأوضح عظمة هذه‬
‫النعمة‪ .‬وإن مل تكونوا منضوين حتت هذه النعمة فاسعوا إىل نيلها‪ .‬إىل نيلها عىل مستوى‬
‫عيل‪،‬‬
‫عيل وعىل هنج ّ‬
‫شخصكم وعىل مستوى املجتمع البرشي‪ .‬حاولوا أن تسريوا وراء ّ‬
‫بعيل وهو و ّيل اهلل‪ .‬أئمة اهلدى سعوا مجي ًعا عىل طريق إحياء الوالية‪،‬‬
‫وأن توثقوا عالقتكم ّ‬
‫سعوا إىل إحياء اإلنسان بالوالية‪.‬‬
‫مقتدرا يف أداء مها ّمه‪ .‬وذكرت أمس أن الو ّيل إما أن يكون‬
‫ً‬ ‫حاولوا أن جتعلوا و َّيل اإلسالم‬
‫مع َّينا من قبل اهلل سبحانه باالسم‪ ،‬أو مع ّينًا باخلصائص‪« :‬فأما من كان من الفقهاء صائنًا‬
‫لنفسه حاف ًظا لدينه خمال ًفا هلواه مطي ًعا ألمر مواله فللعوام أن يقلدوه‪ 1»...‬وهذا التعيني‬
‫أيضا‪.‬‬
‫باخلصائص هو من اهلل ً‬
‫وحني يسعى اإلنسان إىل إحياء مرشوع الوالية يف املجتمع فإنه سيهتدي إىل السبيل ويفهم‬
‫أبعاد املسؤولية امللقاة عىل عاتقه يف عامله املعاش‪ ،‬ويتعلم أساليب حتقيق ذلك‪ .‬ولسنا يف‬
‫صدد احلديث عن األساليب‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬يبقى السؤال عن العطاء الذي يمكن أن تقدمه الوالية للمجتمع‪ .‬يف كلمة واحدة‬
‫نجيب‪ :‬إنه انتقال من املوت إىل احلياة‪ .‬تصوروا اجلسم امليت الذي فيه الدماغ والعني‬
‫واجلهاز اهلضمي والدورة الدموية ولكن كلها ال تعمل‪ ،‬ملاذا؟ ألن هذا اجلسم يفتقد‬
‫الروح‪ .‬وهكذا املجتمع الذي يفتقد الوالية‪ ،‬فيه كفاءات لكنها باطلة مهدورة‪ .‬له قوى‬
‫مفكرة لكنها ت ّ‬
‫ُسخر فكرها لإلفساد وللقتل وإلحراق احلرث والنسل‪ .‬الحظتم يف التاريخ‬
‫اإلسالمي حينام خبت شعلة الوالية ماذا حدث‪ .‬ولقد ّ‬
‫حذرت فاطمة الزهراء سالم اهلل‬
‫عليها مما سينزل باملجتمع إذا ابتعد عن الوالية‪ ،‬لكن آذان املجتمع مل تكن تستوعب هذا‬
‫التحذير‪ ،‬وهذا التحذير قائم إىل يومنا هذا‪.‬‬
‫السمو‬
‫ّ‬ ‫املجتمع صاحب الوالية جمتمع تنمو فيه الكفاءات اإلنسانية‪ ،‬وكل يشء فيه ينحو إىل‬

‫‪1‬ـ التفسري املنسوب إىل اإلمام العسكري‪ ،‬ذيل اآليات ‪ 78‬و‪ 79‬لسورة البقرة‪.‬‬
‫‪ n278‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫والرقي‪ .‬ويسري املجتمع بتوجيه من الويل احلاكم عىل طريق اهلل‪ ،‬وتقسم الثروة فيه‬
‫ّ‬ ‫والكامل‬
‫ً‬
‫عادل‪ ،‬وتتجه الطاقات فيه إىل االستزادة من املعروف واستئصال املنكر وكل ما‬ ‫تقسيم‬
‫ً‬
‫ييسء إىل املجتمع‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫( َّالذ َین إن َّم َّك َّن ُ‬
‫‪1‬‬
‫ْ َ‬
‫وف َو َن َه ْوا َع ِن ال ُمنك ِر)‬
‫ْ‬ ‫اه ْم فی ْال َأ ْر ِض أ َق ُاموا ّ‬
‫الصلاة َوآت ُوا ّ‬
‫الزكاة َوأ َم ُر وا ِبال َم ْع ُر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يف إقامة الصالة معنى احلركة نحو اهلل‪ ،‬ويف إيتاء الزكاة معنى التقسيم العادل للثروة (وثمة‬
‫قرائن تدل عىل أن الزكاة هي كل ما ينفقه اإلنسان من مال يف سبيل اهلل) ويف األمر باملعروف‬
‫إشاعة كل ما هو مفيد للمجتمع‪ ،‬ويف النهي عن املنكر معنى اقتالع كل ما يقف حجر عثرة‬
‫عىل طريق حركة املجتمع نحو الكامل‪ .‬هذا ما كان يسعى إليه أولياء الدين‪ .‬أمري املؤمنني يف‬
‫حرب صفني ّبي هدفه أنه يريد أن يأمر باملعروف وينهى عن املنكر‪ .‬واحلسني بن عيل قال‬
‫وهو يتوجه إىل كربالء «أريد أن آمر باملعروف وأهنى عن املنكر وأسري بسرية جدّ ي رسول‬
‫اهلل»‪ .2‬نعم حني تتحقق الوالية يف املجتمع تتحقق معها إقامة الصالة وإيتاء الزكاة واألمر‬
‫وتدب الروح واحلياة يف املجتمع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬
‫والرس يف تأكيد النصوص‬
‫ّ‬ ‫والتدبر يف آيات هذه اجللسة‪ ،‬يبني اآلفاق الواسعة جلنة الوالية‬
‫الدينية عىل أن أمهية الوالية ال تفوقها أمهية أخرى‪.‬‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫واحلمد هلل ّ‬

‫‪1‬ـ احلج‪41 /‬‬


‫بطرا وال مفسدً ا وال ظا ًملا وإنام خرجت لطلب اإلصالح يف أمة جدي (صىل اهلل عليه وآله وسلم)‪ .‬أريد‬
‫أرشا وال ً‬
‫‪2‬ـ إين مل أخرج ً‬
‫أن آمر باملعروف وأهنى عن املنكر وأسري بسرية جدّ ي رسول اهلل وأيب عيل بن أيب طالب (عليه السالم)» بحار األنوار‪ ،‬كتاب‬
‫تاريخ احلسني‪ ،‬باب ‪ ،37‬وصيته ملحمد بن احلنفية‪.‬‬
‫اجللسة السادسة و العشرون‬
‫حول الوالية (‪)1‬‬
‫االثنني ‪ 27‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/22‬هجرية مشسية‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ ْ ُ َ ُ َ ُّ ْ َ َ‬
‫ات ِإلى أ ْه ِل َها َو ِإذا َحك ْم ُتم‬ ‫( ِإن اهلل َیأ ُم ُرك ْم أن تؤدوا الأ َمان ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫اهلل ِن ِع َّما َی ِعظكم ِبهِ ِإ ّن‬‫الناس َأن َت ْح ُك ُموا ب ْال َع ْدل إ َّن َ‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َب ْی َن ِ‬
‫ان َسم ًیعا َبص ًیرا ‪َ #‬یا َأ ُّی َها َّالذ َین َآم ُنوا َأ ِط ُیعوا َ‬
‫اهلل‬ ‫ك َ‬ ‫َ َ‬
‫اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الر ُسول َو أ ِولی الأ ْمـ ِـر ِمنك ْم ف ِإن ت َن َاز ْع ُت ْم فِی ش ْی ٍء‬ ‫َو َأط ُیعوا َّ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ُ ُْ ُ َ‬ ‫َف ـ ُـر ُّد ُوه إ َلــى ِ َّ ُ‬
‫ـاهلل َو ال َی ْو ِم‬
‫ـول ِإن كنت ْم تؤ ِمنون ِبـ ِ‬ ‫اهلل َوالــرسـ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ٌْ َ َ ْ َ ُ َ ً‬ ‫ْ‬
‫(النساء‪)59-58 /‬‬ ‫ال ِآخ ِر ذ ِلك خیر و أحسن ت ِأویلا)‬

‫ذكرنا يف اجللسات السابقة املسائل األساسية التي ترتبط بالوالية ولكن ثمة مسائل أخرى‬
‫وموجهة للبحث‪ .‬سأذكر اثنتني منها يف هذه اجللسة‬
‫ّ‬ ‫أيضا أصلية وأصولية‬
‫يمكن اعتبارها ً‬
‫وأترك الباقي للجلسة القادمة‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬هي من هو الويل احلقيقي يف املجتمع اإلسالمي؟ ذكرنا يف اجللسة املاضية‬
‫فم ْن هذا الويل‬
‫مهمة الويل يف هذا املجتمع عىل الصعيد الداخيل وعىل الصعيد اخلارجي‪َ .‬‬
‫اهلل َول ُّی ال ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫ْ‬
‫يف املنطق القرآين؟ إنه اهلل سبحانه‪َ ( :‬و ُ‬
‫ین)‪ 1‬وهذا املنطق القرآين يف تعريف‬ ‫ِ‬
‫الويل ينسجم مع أصل التوحيد وأصل النبوة‪ ،‬فهذه األصول منسجمة مع بعضها‪ ،‬وال‬
‫جيوز أن نستنبط من أي واحد منها مسألة فرعية تتناقض مع بقية األصول كام يفعل بعض‬
‫السذج من املسلمني‪ .‬يف القرآن الكريم آيات عديدة تقرر هذا املبدأ وتؤكد أن املؤمنني ليس‬
‫هلم و ّيل إالّ اهلل‪ ،‬وأن اهلل حيكم يف كل أمور البرش‪ ،‬وهنا تلزم اإلشارة إىل أن احلديث ليس‬
‫لرب العاملني‪ ،‬فمعلوم أن اهلل هو املهيمن عىل الساموات واألرض‪،‬‬
‫بشأن السلطة التكوينية ّ‬

‫‪1‬ـ آل عمران‪68 /‬‬


‫‪ n282‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫وهو املد ّبر هلا بإرادته القاهرة‪ ،‬وإنام احلديث عن الترشيع حلياة اإلنسانية وتنظيم العالقات‬
‫االجتامعية‪ ،‬وهي ما ينبغي أن تكون مستلهمة من اهلل تعاىل‪ ،‬وأن يكون احلاكم يف هذا النظام‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وأسميه النظام ال ُعلوي‪ ،‬هو اهلل وحده دون سواه‪.‬‬
‫هنا ننتقل إىل مرحلة أخرى‪ ،‬وهي أن حاكمية اهلل يف املجتمع تستوجب أن ين ّفذ هذه‬
‫احلاكمية شخص‪ ،‬أو جملس يضم جمموعة من األشخاص يراقب عملية تنفيذ األحكام‬
‫والقوانني يف املجتمع البرشي‪ ،‬وبدون ذلك خيتل نظام املجتمع‪َ .‬ف َمن هذا الفرد القائد أو‬
‫املجموعة القيادية التي متارس عملية الوالية؟ ثمة آراء خمتلفة يف هذا احلقل‪ .‬فمن قائل «إن‬
‫الـملك ملن غلب»‪ ،‬وقيل إنه ينبغي أن ينتمي إىل قبيلة معينة‪ ،‬وقيل إنه من يقبله الناس وقيل‬
‫ُ‬
‫غري ذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫جواب املدرسة الدينية هو‪( :‬إ َّن َما َول ُّی ُك ُم ُ‬
‫اهلل َو َر ُسول ُه)‪ 1‬فالرسول هو الذي يمسك بيده زمام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمور من ِقبل اهلل‪ .‬أما حني يرحل النبي من ساحة احلياة فمن الذي يستلم زمام األمور؟‬
‫َّ‬
‫تشخصه اآلية بالقول‪َ ( :‬وال ِذ َین َآم ُنوا) هذا هو املعيار‪ ..‬اإليامن احلقيقي ال الظاهري‪ .‬فرد‬
‫ّ‬
‫أثبت طول حياته بعمله أنه مؤمن ح ًقا‪ .‬بعد هذا التشخيص يأيت التخصيص من بني املؤمنني‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الصل َاة) وإقامة الصالة غري أداة الصالة‪ .‬ألداء الصالة يكفي فيها تعبري‬
‫َ ُ ُ َ َّ‬
‫(ال ِذین ی ِقیمون‬
‫« ُي َص ّلون»‪ ،‬أما إقامة الصالة فتعني إحياء روح الصالة يف املجتمع‪ .‬أن يكون املجتمع‬
‫مصل ًيا‪ .‬واملجتمع الذي حتيى فيه روح الصالة يتجه نحو حمو اجلرائم واخليانة والقضاء عىل‬
‫سحق القيم اإلنسانية‪ ،‬إذ مجيع األعامل فيه تتجه للقربة إىل اهلل‪ .‬سبب اخليانات والرسقات‬
‫والظلم واالعتداءات هو االبتعاد عن ذكر اهلل‪ .‬املجتمع الذي تسود فيه روح الصالة هو‬
‫ذلك املجتمع الذي يتوىل احلكم فيه ِم ُثل عيل بن طالب صلوات اهلل عليه القائل‪« :‬واهلل لو‬
‫ُأعطيت األقاليم السبعة عىل أن أعيص اهلل يف نملة أسلبها ّ‬
‫لب شعرية ما فعلت»‪ .‬وأفراد‬
‫حتمل من رضب «ونفي»‪ 2‬لكنه مل يرضخ‬
‫حتمل ما ّ‬
‫ذلك املجتمع مثل أيب ذر الغفاري الذي ّ‬
‫أيضا‪:‬‬
‫للظلم‪ .‬وال ينتهي األمر بإقامة الصالة بل ً‬

‫‪1‬ـ املائدة‪55 /‬‬


‫‪2‬ـ هنج البالغة‪ ،‬الكلمة ‪ ،224‬يتربأ اإلمام من الظلم‪.‬‬
‫حول الوالية (‪283n )1‬‬
‫ُ‬
‫ك َاة) وفيه معنى التقسيم العادل للثروة واإلنفاق يف سبيل اهلل‪ .‬ثم‪:‬‬
‫َ ُ ْ َ َّ َ‬
‫(ویؤتون الز‬
‫( َو ُه ْم َراك ُع َ‬
‫ون) ويف ذلك إشارة إىل حادثة تارخييةوهي إن ً‬
‫سائل جاء إىل املسجد وأمري‬ ‫ِ‬
‫املؤمنني يف حال صالة‪ .‬وحني وصل إىل اإلمام كان عليه السالم يف حال ركوع فأهداه خامته‬
‫اخلاص‪ .‬فنزلت اآلية‪.‬‬
‫وقيل إن اآلية ال ختتص بحادثة تارخيية بل هي عامة‪ ،‬ولكن سياق اجلملة العربية يقتيض أن‬
‫تكون إشارة إىل حادثة خاصة‪ .‬ثم إن إعطاء اخلاتم مل يكن من الزكاة املعروف يف االصطالح‪.‬‬
‫وهذا يؤكد ما ذكرناه أمس أن الزكاة تعني عامة اإلنفاق يف سبيل اهلل‪ .‬ويف «وهم راكعون»‬
‫إشارة إىل اهتامم اإلمام باإلنفاق‪ ،‬فلم يتأخر عنه حلني انتهاء الصالة‪ ،‬بل سارع لإلنفاق بام‬
‫أيضا عىل ذوبان اإلمام يف أداء هذا التكليف‪.‬‬
‫يمتلكه من خاتم ويف ذلك داللة ً‬
‫هذه اآلية تشري إىل تعيني أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب عليه السالم و ّيل أمر بعد رسول اهلل‬
‫تعيني ليس عىل طريقة أهل البطش والقوة‪ ،‬ليس عىل‬ ‫ٌ‬ ‫عليه أفضل الصالة والسالم‪ .‬لكنه‬
‫طريقة من يفرض ابنه ويل ٍ‬
‫عهد بعده وجيرب الناس عىل قبوله‪ .‬اهلل سبحانه يعني اإلمام ول ًيا من‬ ‫َّ‬
‫بعد رسول اهلل هبذه املواصفات‪ :‬اإليامن التام باهلل‪ ،‬وإقامة الصالة‪ ،‬واالهتامم التام باإلنفاق‬
‫وإيتاء الزكاة‪ .‬إنه تعيني خلليفة رسول اهلل وبيان ملالك هذه اخلالفة ومناطها وفلسفتها‪.‬‬
‫حق احلاكمية‪ ،‬لذلك هو وحده الذي يستطيع أن يمنح حق احلكومة‬
‫اهلل سبحانه وحده له ّ‬
‫ملن يشاء‪ .‬ونعلم أن اهلل سبحانه ال يقرر شي ًئا إالّ ملصلحة اإلنسان‪ .‬فهو الذي ّ‬
‫يعي النبي‬
‫يعي من تتو ّفر فيه معايري وصفات خاصة‪.‬‬
‫يعي اإلمام‪ ،‬ومن بعد اإلمام ّ‬
‫هلذه املسؤولية‪ ،‬ثم ّ‬
‫فاهلل هو الو ّيل‪ ،‬ونب ّيه و ّيل‪ ،‬واألئمة أولياء‪ .‬إثنا عرش إما ًما تنطبق عليهم مواصفات الو ّيل‪،‬‬
‫أيضا من تتوفر فيه املواصفات التي ذكرناها من قبل‪.‬‬
‫ومن بعدهم ً‬
‫الذي يركز عليه اإلسالم هو أن زمام أمور الناس جيب أن ال تقع بيد من يسوق الناس إىل‬
‫جهنم‪ .‬لقد شهد التاريخ اإلسالمي استيالء أفراد عىل السلطة أذاقوا الناس سوء العذاب‪،‬‬
‫جو من غياب القيم التي ّقررها اهلل سبحانه‬
‫وعاثوا يف األرض الفساد‪ .‬كل هذا حدث يف ٍّ‬
‫للحاكم يف املجتمع اإلسالمي‪ .‬رأينا يف التاريخ كم عبث بعض احلكام بأموال املسلمني‬
‫وأرواحهم‪ .‬أنفقوا بيت املال عىل قصورهم وهلوهم وحفالت زواجهم‪ .‬وتذكر لنا كتب‬
‫‪ n284‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫التاريخ ما يندى له اجلبني من مشاهد زواج بنات بعض اخللفاء واألمراء يف العرص العبايس‪،‬‬
‫مما يشبه األساطري‪ ،‬يف حني كان هناك من ال طمع له يف الشبع‪ ،‬ومن يعيش يف شظف العيش‪.‬‬
‫كان اخلليفة يف مناسبات متعددة يوزع اإلقطاعات واملجوهرات عىل حاشيته وأتباعه‪ ،‬وإىل‬
‫جانب هذا البذخ والرتف كان حييى العلوي‪ 1‬يف جبال طربستان قد أعلن الثورة عىل الظلم‬
‫والظاملني‪ ،‬ومل يكن يملك هو و زوجه سوى رداء واحد‪ ،‬يلبسه حييى ليؤدي الصالة‪ ،‬ثم‬
‫يعطيه زوجه لتؤدي الصالة بعده‪.‬‬
‫واللوم يف ذلك ال يتوجه إىل هارون الرشيد وال إىل حاشية هارون‪ ،‬بل إىل الناس الذين‬
‫كانوا يرون هذه املآيس ويسكتون‪ ..‬يتوجه اللوم إىل املسلمني الذين فقدوا ما كانوا يملكونه‬
‫من إحساس باملسؤولية ومن درك ووعي يف عرص صدر اإلسالم‪ .‬وما حدث ذلك إالّ‬
‫بسبب ما عملته السلطة من غسيل دماغ يف العامل اإلسالمي‪ ،‬وبذلك غ ّيبت عن املسلمني‬
‫املعايري التي عينها اهلل للحاكم اإلسالمي‪.‬‬
‫لقد أشاعوا أن كل من أمسك بزمام األمور فهو و ّيل األمر ولو كان فاس ًقا‪ .‬بينام مدرسة أهل‬
‫البيت كانت متمسكة بمواصفات القرآن الكريم لويل األمر‪ ،‬وكانت تشيع ذلك بني الناس‬
‫وتقول إن و ّيل األمر قد ع ّينه اهلل بمواصفاته وال حيق ألحد أن يتوىل أمور املسلمني بالقهر‬
‫والقوة‪ .‬الجيوز ّ‬
‫تول احلكم بمنطق العباسيني الذين يرون أن انتساهبم إىل ابن عم النبي‬ ‫ّ‬
‫يؤهلهم لذلك !! وال جيوز تويل احلكم بمنطق املنصور الذي كان يدعي أن اإلمام احلسن‬
‫ّ‬
‫تنازل عن اخلالفة لألمويني ونحن أخذناها منهم بالقوة!!‬
‫هذا كله مرفوض بمنطق القرآن وبمنطق السائرين عىل هنج القرآن من أهل بيت رسول اهلل‬
‫حيق إذن ألحد كائنًا من كان أن يدعي والية أمر املسلمني أو‬
‫واملتمسكني بمدرستهم‪ .‬فال ّ‬
‫أن يقبل منه ذلك أحد‪ .‬هذه هي املسألة األوىل‪.‬‬
‫املسألة األخرى هي أننا ذكرنا أن الوالية هلل‪ .‬ملاذا كانت له سبحانه؟ هذا ينطلق من نظرة‬
‫اإلسالم إىل الكون واحلياة‪ .‬وبموجب هذه النظرة فإن كل يشء يف العامل ناشئ من قدرة اهلل‬

‫‪1‬ـ حييى بن عبداهلل‪ ،‬من أحفاد اإلمام احلسن‪ ،‬ثار يف عرص هارون الرشيد بطربستان ‌‪ ،‬قاتله الرشيد‪ ،‬وحني اشتد األمر عىل حييى‬
‫طلب األمان‪ ،‬فمنحه الرشيد األمان‪ ،‬لكن الرشيد سجنه وقتله يف سجنه‪.‬‬
‫حول الوالية (‪285n )1‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تعاىل‪َ ( :‬ول ُه َما َسك َن فِی الل ْی ِل َو ّالن َه ِار)‪ 1‬مجيع ظواهر اخلليقة له سبحانه‪ ،‬واحلكومة التكوينية‬
‫عىل مجيع األشياء حتت ترصفه‪ ،‬من هنا جيب أن تكون احلكومة الترشيعية والقانونية حتت‬
‫أيضا ألنه أعلم بام يصلح للبرشية‪ ،‬وبذلك تكون حركتهم الترشيعية يف احلياة‬
‫ترصفه ً‬
‫منسجمة مع طبيعتهم التكوينية‪.‬‬
‫ولنبدأ باملرور رسي ًعا عىل اآليات‪:‬‬
‫الناس َأن َت ْح ُك ُموا ب ْال َع ْدل إ َّن َ‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ َّ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ ُ َ ُّ َ َ َ‬
‫اهلل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ی‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ك‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫و‬
‫ِ ِ‬‫ا‬‫ه‬‫ل‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ى‬‫ل‬‫إ‬‫( ِإن اهلل یأمركم أن تؤدوا الأم ِ ِ‬
‫ات‬ ‫ان‬
‫َّ َ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ك َان َس ِم ًیعا َب ِص ًیرا)‪.2‬‬ ‫ِن ِع َّما َی ِعظكم ِبهِ ِإن اهلل‬
‫اآلية الكريمة تتحدث ً‬
‫أول عن رضورة ر ّد األمانة إىل أهلها‪ .‬واألمانة ال تقترص عىل ر ّد‬
‫الوديعة املالية‪ ،‬بل أهم أمانة هي أمانة العمل بواجب الطاعة‪ ،‬وهو امليثاق بني اهلل وبني‬
‫متهد لآلية التالية‪:‬‬
‫أهم مصاديق األمانة‪ .‬واآلية ّ‬
‫الناس‪‌.‬وهذا ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫( َیا أ ُّی َها الذ َین َآم ُنوا أ ِط ُیعوا َ‬
‫اهلل َوأ ِط ُیعوا َّالر ُسول َوأ ْو ِلی الأ ْم ِر ِمنك ْم) واآلية تعني أنه البدّ من و ّيل‬ ‫ِ‬
‫أمر‪ ،‬وحاكم‪ ،‬وحكومة‪ ،‬خال ًفا ملا تدعي بعض املدارس أن التطور االجتامعي التارخيي‬
‫يؤدي يف النهاية إىل عدم حاجة املجتمع إىل حكومة‪ .‬وخال ًفا ملا ا ّدعى اخلوارج بقوهلم‪« :‬ال‬
‫ُحكم إالّ هلل» ويف جواهبم قال اإلمام عيل بن أيب طالب‪« :‬كلمة حق يراد هبا باطل»‪ .3‬نعم‪،‬‬
‫الذي بيده الترشيع وزمام احلياة هو اهلل‪ ،‬لكنكم أهيا اخلوارج تقولون‪« :‬ال إمرة إالّ هلل»! البد‬
‫من حاكم ين ّفذ ما أراده اهلل‪ .‬ويطبق ما أراده اهلل يف املجتمع‪ .‬ولذلك يقول اإلمام‪« :‬البدّ‬
‫ِ‬
‫للناس من أمري»‪ .‬هذه هي طبيعة البرشية التي تقتيض وجود من ّفذ للقانون يف املجتمع‪.‬‬
‫النص القرآين‪ ،‬وما عليه مدرسة أهل البيت هو أن و ّيل األمر ما‬
‫ومن هو و ّيل األمر؟ إن ّ‬
‫كانت تتوفر فيه املعايري اإلهلية‪ ،‬خال ًفا ملن ذهب إىل أن من استوىل عىل كريس احلكم فهو ويل‬
‫أمر جتب إطاعته‪.‬‬

‫‪1‬ـ األنعام‪13 /‬‬


‫‪2‬ـ النساء‪60 - 58 /‬‬
‫‪3‬ـ «كلمة حق يراد هبا باطل‪ .‬نعم إنه ال حكم إال اهلل‪ ‌،‬ولكن هؤالء يقولون ال إمرة إال هلل» (هنج البالغة‪ ،‬رشح صبحي الصالح‪،‬‬
‫اخلطبة ‪.)40‬‬
‫‪ n286‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫َ َ َ‬
‫الآخ ِر ذ ِلك خ ْی ٌر َو‬
‫ْ‬ ‫ُ ُ ُْ ُ َ‬ ‫( َفإن َت َن َاز ْع ُت ْم فی َش ْی ٍء َفـ ُـر ُّد ُوه إ َلى ِ َّ ُ‬
‫اهلل َوال َی ْو ِم ِ‬ ‫اهلل َوالرس ِ‬
‫ول ِإن كنت ْم تؤ ِمنون ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ َ ُ َ ً‬
‫أحسن ت ِأویلا)‪.‬‬
‫فالرجوع إىل اهلل والرسول هو خري وأحسن رجوع‪ ،‬وبذلك ّ‬
‫حتذر اآلية من الرجوع إىل‬
‫حكام السوء‪ .‬وبعد ذلك تقول اآلية الثالثة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ َّ ُ ْ َ ُ َ ُ َ َ‬
‫ون أن َی َت َحاك ُموا ِإلى‬ ‫نزل ِإل ْی َك َو َما أ ِنزل ِمن ق ْب ِلك ُی ِرید‬
‫(ألم تر ِإلى ال ِذین یزعمون أنهم آمنوا ِبما أ ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َّ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫ان أن ُی ِضل ُه ْم َضلالا َب ِع ً ا‬
‫ید)‪.‬‬ ‫الش ْی َط ُ‬ ‫وت َوق ْد أ ِم ُر وا أن َیكف ُر وا ِبهِ وی ِرید‬
‫الطاغ ِ‬
‫هؤالء الذين يدّ عون اإليامن‪ ،‬بدل أن يعودوا يف قضاياهم إىل أويل األمر باملواصفات التي‬
‫عينها اهلل‪ ،‬يتحاكمون إىل الطاغوت ليأخذوا منه أحكام حياهتم‪ ،‬بينام ُأمروا أن ينكروا‬
‫الطاغوت ويكفروا به‪ .‬وهذا هو من عمل الشيطان الذي يريد أن يبعدهم عن جادة‬
‫الصواب‪ .‬ومن املحتمل أن يكون الشيطان هو الطاغوت نفسه ال يشء آخر‪ .‬هذا الشيطان‬
‫عم حيقق مصاحلهم احلقيقية ابتعا ًدا‬
‫أو الطاغوت يريد أن يلقيهم يف وديان التيه‪ .‬ويبعدهم ّ‬
‫يصعب معه العودة إىل جادة الصواب‪.‬‬
‫واآلية التالية تقرر موضو ًعا ذكرناه من قبل وهو أن والية اهلل تنطلق من نظرة اإلسالم إىل‬
‫الكون واحلياة‪ ،‬وبموجبها يعود كل يشء إىل اهلل‪ ،‬فهو السميع العليم بام حيتاجه البرش يف‬
‫ترشيعهم‪:‬‬
‫َ‬
‫ات َوالأ ْر ِض‬ ‫یم ‪ُ #‬ق ْل َأ َغ ْی َر اهلل َأ َّتخ ُذ َول ًّیا َفاطر َّ‬
‫یع ْال َع ِل ُ‬ ‫َّ ْ َ َّ‬
‫الن َهار َو ُه َو َّ‬ ‫( َو َل ُه َما َس َك َ‬
‫الس َم َاو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِم ُ‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ی‬‫الل‬ ‫ی‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫َ ‪1‬‬ ‫َ ُ َ ُ ْ ُ َ َ ُ ْ َ ُ ُ ْ ّ ُ ْ ُ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ ْ ُ ْ‬
‫وهو یط ِعم ولا یطعم قل ِإنِی أ ِمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن ِمن المش ِركین) ‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬

‫‪1‬ـ األنعام‪14 - 13 /‬‬


‫اجللسة السابعة و العشرون‬
‫حول الوالية (‪)2‬‬
‫الثالاثء ‪ 28‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/23‬هجرية مشسية‬
‫َ َّ‬
‫الش ْی َطان َّ‬ ‫َ َ ََْ َ ُْ ْ َ َ ْ َ ْ‬
‫‪#‬‬ ‫یم‬ ‫ج‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫الر‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫اهلل‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫(ف ِإذا قرأت القرآن فاست ِع ِ‬
‫ذ‬
‫َّ ُ َ ْ َ ُ ْ َ ٌ َ َ َّ َ ُ َ َ ّ َ َ ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِإنه لی َس له ُسلطان على ال ِذین َآمنوا َوعلى ر ِب ِه ْم یت َوكلون ‪#‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِإ ّن َما ُسل َط ُان ُه َعلى ال ِذ َین َی َت َول ْو َن ُه َوال ِذ َین ُهم ِبهِ ُم ْش ِرك َون)‬
‫(النحل‪)100-98 /‬‬

‫ذكرنا من قبل أن من يدّ عي عبودية اهلل البد أن يكون له يف حياته و ّيل‪ .‬وذكرنا أن الو ّيل هو‬
‫من ع ّينه اهلل بالتخصيص ويتمثل بتعيني النبي هلذه املهمة واألئمة الذين خيلفون النبي‪ ،‬أو‬
‫بالتشخيص وذلك بتعيني اخلصائص التي جيب أن تتوفر يف الويل‪ .‬ويف هذه اجللسة نتناول‬
‫حكم من يرفض والية اهلل وينضوي حتت إمرة غري اهلل؟ ثم ما اسم هذا العمل؟ وثال ًثا ما‬
‫أيضا‪.‬‬
‫هي نتيجته ؟ هذه األمور هي فروع من أصل الوالية‪ ،‬ولكن هي بذاهتا من األصول ً‬
‫يف القرآن الكريم كل والية لغري اهلل هي والية الطاغوت‪ .‬وما هو الطاغوت؟ إنه من مادة‬
‫«الطغيان»‪ ،‬وهو جتاوز دائرة الفطرة اإلنسانية‪ .‬اإلنسانية ُخلقت من أجل أن تتكامل‪ .‬ومن‬
‫يصد اإلنسانية عن طريق الكامل فهو طاغوت‪ .‬البرش خلقوا فطر ًيا ليعيشوا وفق رشيعة اهلل‪.‬‬
‫ومن يعمل عىل إبعاد البرشية عن رشيعة اهلل فهو طاغوت‪ .‬اإلنسان جيب أن جيدّ ويسعى‬
‫ومثمرا‪ .‬كل عامل يصدّ اإلنسان عن هذا اجلدّ ويدفعه إىل العبث‬
‫ً‬ ‫ليكون وجوده معطاء‬
‫والتقاعس واالرختاء فهو طاغوت‪ .‬اإلنسان جيب أن خيضع ألوامر اهلل‪ .‬وكل عامل يبعث‬
‫عىل إخراج اإلنسان من خيمة هذه الطاعة ويؤدي إىل عصيان اهلل فهو طاغوت‪.‬‬
‫‪ n290‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫الطاغوت إذن ليس باسم خاص‪ُ .‬ييل للبعض أن الطاغوت هو صنم‪ ،‬نعم هو صنم ولكن‬
‫صنم معينًا‪ .‬قد يكون هذا الصنم هو نفسك‪‌،‬وقد يكون املال‪ ،‬وقد يكون طلب حياة‬
‫ليس ً‬
‫البطر واالسرتخاء‪ ،‬وقد يكون ذلك الصنم هو من استسلمت له‪ ،‬وخضعت له دون تفكري‬
‫ودون وعي ليأخذك إىل حيث يشاء‪ ،‬وقد يكون ما ليس له روح كالذهب والفضة‪ ،‬وقد يكون‬
‫فر ًدا من األحياء‪ ،‬وقد يكون نظا ًما اجتامع ًيا أو ترشي ًعا يتعارض مع ما قرره اهلل‪ّ .‬‬
‫ملخص ما‬
‫ذكرناه أن من خيرج عن والية اهلل فقد دخل يف والية الطاغوت والشيطان‪ .‬وهل هناك ارتباط‬
‫بني الطاغوت والشيطان؟ نعم‪ .‬إن الشيطان هوالطاغوت‪ ،‬والطاغوت هو الشيطان نفسه‪.‬‬
‫یل‬ ‫ب‬‫س‬ ‫أذكر لكم هذه اآلية ليتبني أن الطاغوت يساوي الشيطان‪َّ ( :‬الذ َین َآم ُنوا ُی َقات ُل َ‬
‫ون فی َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الش ْی َط َّ َ َ ّ َ‬ ‫َ َ ُ َ ْ َ َ َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ون فی َ‬ ‫َ َّ َ َ‬
‫ك َف ُر وا ُی َقات ُل َ‬
‫ان‬ ‫ان ِإن ك ْید الش ْیط ِ‬
‫ان‬ ‫ِ‬ ‫وت فق ِاتلوا أو ِلیاء‬
‫یل الطاغ ِ‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل وال ِذین‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫َض ِعیفا)‪ .1‬ترون يف اآلية أن الشيطان ُذكر بدل الطاغوت‪ ،‬والطاغوت بدل الشيطان‪.‬‬
‫الشيطان كل عنرص خارج وجود اإلنسان يدفعه إىل ممارسة أعامل الرش والفساد‪ ،‬وإىل‬
‫االنحطاط‪ ،‬والتخاذل‪ ،‬والظلم وأعامل السوء‪ ،‬واالنحراف‪.‬‬
‫عندنا شياطني من اإلنس وشياطني من اجلن‪ ،‬وشياطني من الكرباء‪ ،‬ومن قوى خارجية‬
‫رب العاملني بشأن‬
‫ومن أحاسيس داخلية‪ .‬ومن مصاديق الشيطان إبليس‪ .‬إبليس خالف ّ‬
‫سجوده آلدم صفي اهلل‪ ،‬ونحن نلعنه باستمرار‪ ،‬ولكنه ليس هو وحده الشيطان‪ ،‬فعندنا‬
‫مسهم وأحيانًا معارشهتم‪.‬‬
‫ماال ُيىص من الشياطني‪ ،‬شياطني يمكن رؤيتهم أو ّ‬
‫كل من ال ينضوي حتت لواء والية الو ّيل احلقيقي فهو يرضخ لطاعة الشيطان والطاغوت‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬ما الرضر وما املفسدة يف أن يعيش اإلنسان حتت والية الطاغوت؟‬
‫رضخت لوالية الشيطان فإن الشيطان سيستويل عىل كل الطاقات‬
‫َ‬ ‫يف اجلواب نقول‪ :‬إذا‬
‫اخلالقة يف وجودك‪ .‬إذا س ّلمت للشيطان والطاغوت وتق ّلدت واليته‪ ،‬فإنك سوف ال‬
‫تتحرر منه‪ .‬وحني يستويل عىل مجيع طاقاتك ونشاطاتك فإنه سيسوقك إىل الطريق الذي‬
‫يريد‪ .‬ومن الواضح أنه ال يسوقك إىل ما فيه مصلحتك بل إىل ما فيه مصلحته‪ .‬فأنت منساق‬
‫إىل حتقيق مصاحله الشخصية‪ .‬إذا استلزم األمر أن تضحي يف سبيل مصالح الطاغوت فالبد‬

‫‪1‬ـ النساء‪76 /‬‬


‫حول الوالية (‪291n )2‬‬

‫أن تضحي‪ ،‬وإذا اقتىض أن تنحرف عن الطريق فالبد أن تنحرف‪ ،‬فلقد س ّلمت زمامك بيده‬
‫سأمر عليها بحاجة إىل كثري من التد ّبر‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وهو يأخذك إىل حيث يريد‪ .‬هذه اآلية التي‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ُْْ َ ُ ّ‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ َّ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫ََ َُ‬
‫ین ن َو ِلهِ َما ت َولى َو ن ْص ِلهِ‬ ‫(ومن یش ِاق ِق الرسول ِمن بع ِد ما تبین له الهدى ویت ِبع غیر س ِب ِ‬
‫یل المؤ ِم ِن‬
‫َ‬
‫َج َه ّن َم َو َس َاء ْت َم ِص ًیرا)‪.1‬‬
‫فمن فصل طريقه عن طريق الرسول بعد أن تبني له مسري اهلداية‪ ،‬واتبع ً‬
‫سبيل غري سبيل‬
‫املجتمع اإليامين‪ ،‬فإنه س ُيمنى بام اختاره هو من والية ونرتكه إىل اختياره الفاسد الذي يؤدي‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ‬
‫اهلل لا ُیغ ِّی ُر َما ِبق ْو ٍم َحتى ُیغ ِّی ُر وا‬ ‫به إىل جهنم ومصري السوء‪ .‬وهذا تعبري آخر لقوله تعاىل‪ِ ( :‬إن‬
‫َْ ُ‬
‫َما ِبأنف ِس ِه ْم)‪.2‬‬
‫هذه مسائل هامة نحتاج إىل دراستها اجتامع ًيا وتارخي ًيا‪ ،‬نحتاج إىل نبحث عن مصاديقها يف‬
‫املجتمع ويف التاريخ‪‌.‬وأو ّد أن أذكر اليوم لكم شي ًئا من التاريخ وإن مل يكن من دأيب يف هذه‬
‫املجالس أن أتطرق إىل مسائل تارخيية‪.‬‬
‫ومرة‪ .‬تعلمون أن أمري املؤمنني عيل‬
‫انتقل بكم إىل مدينة الكوفة وما فيها من ذكريات حلوة ّ‬
‫بن أيب طالب قد اختار هذه املدينة من بني املدن اإلسالمية لتكون عاصمة له‪ .‬وتعلمون كم‬
‫أن أهل الكوفة قد شاركوا مع عيل يف حرب اجلمل والنهروان وص ّفني‪ .‬ويف مشهد آخر‬
‫أيضا كم أن عل ًيا قد اشتكى من أهل الكوفة لتقاعسهم وتع ّللهم يف الدفاع عن‬
‫تعلمون ً‬
‫حرمات املسلمني أمام ما كانت تتعرض له البالد اإلسالمية من غارات‪ .‬وهؤالء هم الذين‬
‫كاتبوا اإلمام احلسن (عليه السالم)‪ :‬أن أقدم لنا لنس ّلمك مقاليد الكوفة لكنه مل يأهتم‪.‬‬
‫أيضا كاتبوا اإلمام احلسني (عليه السالم) أن يقدم إليهم إذ‪« :‬أنه ليس علينا‬
‫وهؤالء هم ً‬
‫إمام»‪ ،3‬وكانوا صادقني يف دعوهتم إذ بني الداعني سليامن بن رصد اخلزاعي وحبيب بن‬
‫مظاهر ومسلم بن عوسجة‪ 4‬وأمثاهلم‪ .‬ولكن األمور اجتهت إىل أن ُيذل احلسني حني قدم‬
‫إىل العراق وحدث ما حدث من مأساة تارخيية يف كربالء‪ .‬وبعد ذلك بقليل شهد التاريخ‬

‫‪1‬ـ النساء‪115 /‬‬


‫‪2‬ـ الرعد‪11 /‬‬
‫‪3‬ـ «أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل اهلل أن جيمعنا بك عىل احلق واهلدى» (بحار األنوار‪ ،‬تاريخ احلسني‪ ،‬باب ‪ ،37‬ح‪.)2‬‬
‫‪4‬ـ حبيب ومسلم استشهدا يف ركاب اإلمام احلسني وسليامن قاد حركة التوابني فيام بعد‪.‬‬
‫‪ n292‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫فضحى الثوار بأنفسهم مجي ًعا إلثبات صدقهم يف‬


‫ّ‬ ‫حادثة نادرة وعظيمة وهي ثورة التوابني‪،‬‬
‫كثريا من‬
‫ندمهم ويف توبتهم من جراء عدم نرصهتم للحسني‪ .‬ويف العرص العبايس نرى أن ً‬
‫أيضا مشاهد‬
‫الثورات قد كانت بذرهتا يف الكوفة‪ ،‬وفيها نرى التضحيات اجلسام‪ ،‬ثم نرى ً‬
‫فيها الضعف والتواين والتقاعس‪.‬‬
‫مر التاريخ بحاجة إىل دراسات تارخيية ونفسية واجتامعية لنفهم‬
‫أعتقد أن جمتمع الكوفة عىل ّ‬
‫أسباب هذه املواقف املتباينة من أهل هذه املدينة‪.‬‬
‫تضم َم ْن تأثروا بشخصية أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب‪،‬‬
‫مما الشك فيه أن هذه املدينة كانت ّ‬
‫كبريا حتى صارت هذه املدينة مهدً ا‬
‫فقد حكم فيها أربعة أعوام‪ ،‬والبد أن هذا التأثري كان ً‬
‫لفضائل مدرسة أهل البيت‪ .‬هذا ال يعني أن أهل هذه املدينة بأمجعهم هم من هذا النموذج‬
‫األصيل الثائر‪ ،‬ولكن وجود هذه املجموعة األصيلة الثائرة كان السبب وراء ما تعرضت له‬
‫املدينة من اضطهاد وختويف وجتويع وفرض املجرمني من الوالة عليهم‪ ،‬وكان هو السبب‬
‫وراء انتخاب احلجاج بن يوسف الثقفي ليحكم فيهم‪.‬‬
‫احلجاج إىل الكوفة ألنه كان من أكثر‬
‫َ‬ ‫لقد بعث اخلليفة األموي عبدُ امللك بن مروان‬
‫والته َو َل ًعا بسفك الدماء‪ .‬وصل احلجاج الكوفة يف عتمة الليل قبل صالة الفجر ومعه‬
‫متنكرا‪ ،‬بعدها تقدم‬
‫ً‬ ‫بطانة مسلحة‪ ،‬ودخل املسجد والناس يتهجدون‪ ،‬وجلس عىل املنرب‬
‫الناس نحو املنرب ليؤ ّدوا الصالة جامعة‪ ،‬واحلجاج جالس ال يتكلم ومل يكشف عن‬
‫ونحى العاممة عن رأسه‬
‫غص املسجد بأهله حرس اللثام عن وجهه‪ ،‬ثم قام ّ‬
‫وجهه‪ .‬فلام ّ‬
‫وبدأ خطبته بالقول‪:‬‬
‫متى أضع العاممة تعرفوين‬ ‫أنا ابن جال وطـاّع الثنايا‬
‫وواصل يرجتز بالتهديد والوعيد‪ .‬ومع أهنم عرفوا أن املتكلم هو احلجاج ولكن مل ينبس‬
‫معرتضا‪ .‬ساد املسجد السكوت والرهبة واخلوف‪ .‬هذا الضعف من الناس‬
‫ً‬ ‫أحد ببنت شفة‬
‫َ‬
‫ُ ّ َ ّ‬
‫هو الذي جعل احلجاج يتسلط عليهم (ن َو ِلهِ َما ت َولى) وجعله يتامدى يف هتديده إىل أن جترأ‬
‫ورؤوسا قد أينعت وحان‬
‫ً‬ ‫أبصارا طاحمة‪ ،‬وأعنا ًقا متطاولة‪،‬‬
‫ً‬ ‫عىل القول‪« :‬إين واهلل ألرى‬
‫قطافها‪ ،‬وإين لصاحبها‪ ،‬كأين أنظر إىل الدماء تَر ْق َر ُق بني العامئم وال ّلحى»‪.‬‬
‫حول الوالية (‪293n )2‬‬

‫ثم أمر الكاتب أن يقرأ كتاب عبدامللك بن مروان إىل العراقيني يف تولية احلجاج‪ .‬فقال‬
‫الكاتب‪:‬‬
‫«‪ ..‬من أمري املؤمنني عبدامللك بن مروان إىل َمن بالعراق‪ ..‬سالم عليكم‪..‬‬
‫فقال احلجاج للكاتب‪ :‬اسكت يا غالم! ثم قام غاض ًبا وقال‪ :‬يا أهل العراق‪ ،‬يا أهل‪..‬‬
‫واستمر يشتم وهيدّ د‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(وأخذ يسبهم) يس ّلم عليكم أمري املؤمنني فال تردون عليه السالم؟!‬
‫ثم قال يا غالم اقرأ الكتاب‪ .‬فلام بلغ السالم قال أهل املسجد‪ :‬وعىل أمري املؤمنني السالم‬
‫تم له ما أراد‪.‬‬
‫ورمحة اهلل وبركاته ‪ .‬وهنا انرشحت أسارير احلجاج‪ ،‬وعرف أن قد ّ‬
‫‪1‬‬

‫َ‬
‫َ ّ‬ ‫ُْْ َ ُ ّ‬
‫ین ن َو ِلهِ َما ت َولى) لقد‬ ‫یل المؤ ِم ِن‬ ‫ب‬ ‫الر ُس َول ِمن َب ْع ِد َما َت َب َّی َن َل ُه ْال ُه َدى َو َی َّتب ْع َغ ْی َر َ‬
‫س‬ ‫( َو َمن ُی َشاقق َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫رضختم لتهديد احلجاج‪ ،‬وأجبتم عىل سالم اخلليفة الظامل‪ ،‬فإن احلجاج سوف يتس ّلط‬
‫احلجاج بمعجزة ويأيت بمكانه زين العابدين (عليه السالم)‪ .‬سوف‬
‫يغي ّ‬‫عليكم‪ .‬واهلل ال ّ‬
‫يبقى احلجاج يسيطر عليكم حلينام ترفضوه‪ .‬حينام قبلتم احلجاج فإنه سيستويل عىل فكركم‬
‫و روحكم‪ .‬هذه سنة اهلل يف اخلليقة‪ .‬إهنا سنة التاريخ‪.‬‬
‫البدّ أن نقرأ التاريخ للعربة ولنفهم سننه‪ .‬وال بأس أن أضيف هنا أن الذين استعملوا‬
‫أيضا من‬
‫احلجاج ليبطش بمعارضيهم‪ ،‬بطشوا باحلجاج نفسه وقتلوه بأفظع صورة‪ .‬وهذه ً‬
‫ظالـم س ّلطه اهلل عليه»‪ .2‬إن اإلمعان يف حوادث التاريخ يسعفنا يف‬
‫ً‬ ‫سنن التاريخ‪« :‬من أعان‬
‫فهم ما ذكره القرآن الكريم من سنن‪.‬‬
‫نقف عند آيات القرآن الكريم‪:‬‬
‫َ َّ‬ ‫َ َ ََْ َ ُْ ْ َ َ ْ َ ْ‬
‫ان َّالر ِج ِیم)‪ 3‬اآلية تقول حني تقرأ القرآن‪ ،‬وتعلمت‬
‫ِ‬ ‫ط‬‫الش ْی َ‬ ‫ن‬ ‫(ف ِإذا قرأت القرآن فاست ِع ِ ِ ِ‬
‫م‬ ‫اهلل‬ ‫ب‬ ‫ذ‬
‫منه مفاهيم اإلسالم‪ ،‬فاحذر أن يسلب الشيطان من قلبك هذه املعارف‪ ،‬واحذر أن يسدّ‬
‫عليك طريق املزيد من الفهم‪.‬‬
‫ان َع َلى َّالذ َین َآم ُنوا َو َع َلى َر ّبه ْم َی َت َوَّك ُل َ‬
‫ون) من انضوى حتت لواء والية اهلل فإن‬ ‫(إ َّن ُه َل ْی َس َل ُه ُس ْل َط ٌ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪1‬ـ مروج الذهب للمسعودي‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪ ،131- 127‬دار اهلجرة‪ ‌،‬إيران ‪ -‬قم‪.‬‬
‫‪2‬ـ هنج الفصاحة‪ ،‬ح ‪2945‬‬
‫‪3‬ـ النحل‪100 - 98 /‬‬
‫‪ n294‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬
‫ْ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َّ‬
‫الشيطان ال يتسلط عليهم‪( .‬إن َما ُسل َطان ُه َعلى الذ َین َی َت َول ْون ُه َوالذ َین ُهم بهِ ُمشرك َ‬
‫ون)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫ُْْ َ ُ ّ‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ َّ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫ََ َُ‬
‫َما ت َولى َون ْص ِلهِ َج َه ّن َم‬ ‫ین ن َو ِلهِ‬ ‫(ومن یش ِاق ِق الرسول ِمن بع ِد ما تبین له الهدى ویت ِبع غیر س ِب ِ‬
‫یل المؤ ِم ِن‬
‫َو َس ْ‬
‫اءت َم ِص ًیرا)‪.‬‬
‫السوي‪ ،‬وينفصل عن طريق املؤمنني‬
‫ّ‬ ‫الذي يبتعد عن والية الرسول بعد أن اتضح له الطريق‬
‫نجعله حتت والية َم ْن َق َبل واليته‪ ،‬نجعل هذا الذي تواله ليكون و َّيل أمره‪ ،‬وبذلك ُيمنى‬
‫بجهنم ومصري السوء‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل لا َی ْغ ِف ُر أن ُیش َر َك ِبهِ )‪ 1‬عودوا إىل ما ذكرناه يف جلسات التوحيد‪ ،‬وافهموا ما هو‬
‫(إ ّن َ‬
‫ِ‬
‫الرشك وما هو التوحيد؟ فالذي أرشك قد خرج من والية اهلل ودخل يف نفوذ غري اهلل‪.‬‬
‫ومثل هذا الشخص ال يشمله غفران اهلل‪ .‬بتعبري آخر مثل هذا الذنب قد أنزل بصاحبه‬
‫جرحا ال يندمل‪ .‬ولقد ذكرنا من قبل أن غفران الذنب هو التئام اجلرح الذي نزل بروح‬
‫ً‬
‫املذنب بسبب ذنبه‪ .‬والدخول يف والية غري اهلل جرح روحي ال يقبل االندمال‪.‬‬
‫ََْ ُ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون ذ ِلك ِل َمن َیش ُاء) واملغفرة هنا ً‬
‫أيضا هلا طريقتها‪ .‬العودة إىل اهلل وطلب مغفرته‪.‬‬ ‫(ویغ ِفر ما د‬
‫َ ً‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬
‫اهلل فق ْد َض َّل َضلالا َب ِع ً ا‬
‫ید) الرشك يبعد اإلنسان بعدً ا شاس ًعا عن طريق اهلداية‪.‬‬ ‫ُ ْ‬
‫( َو َمن یش ِرك ِب ِ‬
‫كثريا‪ ،‬وهذا االبتعاد ال يمكن أن تكون معه عودة إالّ بمزيد من السعي‪ ،‬ومزيد‬
‫لقد ابتعد ً‬
‫موج ًها قو ًيا‪ .‬فاملسافة بني الرشك وبني التوحيد بعيدة جدً ا‪.‬‬
‫أيضا ّ‬
‫من اليقظة‪ ،‬ويتطلب ً‬
‫(إن َیـ ْـد ُعـ َ‬ ‫َ ً‬ ‫َّ‬
‫ـون ِمن ُد ِونــهِ ِإلا ِإناثا) هؤالء املرشكون يدعون (إنا ًثا) من دون اهلل‪ .‬وقيل إن‬ ‫ِ‬
‫املقصود من اإلناث هو األوثان التي حتمل أسامء مؤنثة مثل الالت والعزى‪ ،‬وأساف‪،‬‬
‫ونائله‪ .‬وقيل إن مادة (أنث) تعني املرونة واهلشاشة‪ .‬أي تدعون من دون اهلل موجودات‬
‫ً‬ ‫َّ َ‬
‫ون ِإلا ش ْی َطانا َّم ِر ًیدا) واملريد هو اخلايل من الفضائل‬
‫ضعيفة ال ترض وال تنفع‪َ ( .‬و إن َی ْد ُع َ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫والعاري من احلسنات‪.‬‬
‫(ل َع َن ُه ُ‬ ‫َّ‬
‫اهلل) الشيطان مطرود من رمحة اهلل‪.‬‬
‫َ ُ َّ َ‬ ‫ْ‬
‫( َو قال لأتخذ ّن م ْن ع َباد َك نص ًیبا َّمف ُر ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ‬
‫وضا ‪َ #‬و لأ ِضل ّن ُه ْم) هذه طبيعة الشياطني أن يض ّلوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫‪1‬ـ النساء‪120 - 116 /‬‬


‫حول الوالية (‪295n )2‬‬

‫فري ًقا من الناس‪ ،‬ليكونوا من نصيبهم ومن زمرهتم‪ ،‬يسلبون عقلهم وإرادهتم وبصريهتم‬
‫ويدخلوهنم يف والية غري اهلل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫( َو لأ َم ِّن َی ّن ُهم) أي أغرقهم باألماين الكاذبة املوهومة‪ .‬إهنا ما يبتىل به اإلنسان من صغائر‬
‫وأهداف تافهة جتعله خيضع هلذا وذاك من أجل الوصول إليها‪ .‬وهت ّيج يف وجوده األطامع‬
‫ّ‬
‫وتدق رقبته‪.‬‬ ‫التي تذ ّله‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫الأنعام) إشارة إىل عادة خرافية كان يامرسها اجلاهليون بقطع آذان‬
‫ِ‬ ‫آم َرن ُه ْم فل ُی َب ِّتك َّن آذ َان‬
‫( َو ل ُ‬

‫فيحرمون ركوهبا‪ ،‬أو يفعلون ذلك ألغراض أخرى هي يف اجلملة خرافية‪ .‬واألمر‬
‫األنعام‪ّ ،‬‬
‫هبذا العمل اخلرايف رمز للعادات والتقاليد الفارغة التافهة التي هي من عمل الشيطان‪.‬‬
‫َ ُ ّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫آم َرن ُه ْم فل ُیغ ِّیرن خلق ِ‬
‫اهلل) أولئك الذين يوقعهم الشيطان يف رشاكه يدفعهم لالبتعاد‬ ‫( َو ل ُ‬

‫هنجا يف حياهتم يتعارض‬


‫عن فطرهتم‪ ،‬وعن الطريق الذي رسمته هلم الفطرة‪ ،‬ويضع هلم ً‬
‫رب‬
‫مع فطرهتم‪ ،‬ليوصلهم إىل ماال ينسجم مع الطبيعة اإلنسانية‪ .‬هذا عهد الشيطان مع ّ‬
‫العاملني‪ .‬وهذا هو دأبه مع البرش‪ ،‬ولذلك ُت ّذر اآلية من الدخول يف والية الشيطان‪.‬‬
‫ُ ً‬ ‫ََ َ‬
‫اهلل فق ْد خ ِس َر خ ْس َرانا ُّم ِب ًینا ‪َ #‬ی ِع ُد ُه ْم َو ُی َم ِّن ِیه ْم َو َما َی ِع ُد ُه ُم‬ ‫َّ َ َ ً ّ ُ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ون ِ‬‫( َومن یت ِخ ِذ الش ْیطان َو ِل ّیا ِمن د ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫َّ‬
‫الش ْی َط ُان ِإلا غ ُر ًورا) الدخول يف والية الشيطان ال نتيجة له سوى اخلرسان‪ ،‬يغدق الشيطان‬
‫عىل اإلنسان الوعود واألمنيات املغرية‪ .‬غري أهنا كاذبة خادعة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ ُ ُ َّ ُ ُ ْ‬ ‫ُ َ ُ َّ َ َ ُ ُ ْ ُ ُ ّ َ ُّ‬
‫الظ ُل َ‬
‫وت ُیخ ِر ُجون ُهم‬‫ور و ال ِذین كفر وا أو ِلیآؤهم الطاغ‬
‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫(اهلل و ِل ّی ال ِذین آمنوا یخ ِرجهم ِمن‬
‫النار ُه ْم ف َیها َخال ُد َ‬‫ّ َ ُّ َ ُّ ُ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ َّ‬
‫ون)‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات أول ِئك أصحاب ِ‬ ‫ور ِإلى الظلم ِ‬ ‫ِمن الن ِ‬
‫املؤمنون وليهم اهلل‪ ،‬وهو سبحانه يأخذ بأيدهيم لينقذهم من ظلامت اجلهل والغرور‬
‫واألهواء والرشك والظلم‪ ،‬ويدخلهم يف عامل النور حيث املعرفة والعلم واحلكمة‪ .‬أما‬
‫الكافرون فيأخذهم وليهم وهو الطاغوت من نور الدين واحلكمة والفضائل اإلنسانية إىل‬
‫ظلامت اجلهل واألهواء‪ ،‬وليس هلؤالء مصري إالّ عذاب جهنم‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪1‬ـ البقره‪257 /‬‬


‫اجللسة الثامنة و العشرون‬
‫حول الوالية (‪( )3‬اهلجرة)‬
‫األربعاء ‪ 29‬رمضان املبارك ‪ 1394‬هجرية‬
‫‪ 1353/7/24‬هجرية مشسية‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل َی ِج ْد فِی الأ ْر ِض ُم َراغ ًما ك ِث ًیرا‬ ‫یل ِ‬ ‫َ‬ ‫( َو َمن ُی َه ْ‬
‫اجر فِی س ِب ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َس َع ًة َو َمن َی ْخ ُر ْج من َب ْیتهِ ُم َهاج ًرا إ َلى اهلل َو َر ُسولهِ ُث َّم ُی ْدر ْكهُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ََ ْ َ َ‬
‫اهلل غ ُف ًورا َّر ِح ًیما)‬ ‫ان ُ‬ ‫َ َ‬
‫ك َ‬ ‫َ‬
‫ال َم ْوت فقد َوق َع أ ْج ُر ُه على ِ‬
‫اهلل و‬
‫(النساء‪)100 /‬‬

‫ذكرنا أن الذي ينضوي حتت والية اهلل جيب أن تكون عنارصه الوجودية ونشاطاته وقواه‬
‫ً‬
‫سؤال يفرض نفسه‬ ‫خاضعة لعبودية اهلل ال لعبودية الطاغوت‪ .‬وإذا س ّلمنا بذلك فإن‬
‫هو‪ :‬إن مثل هذا اإلنسان لو أحاطته ظروف فرضت عليه أن يكون حتت والية الطاغوت‬
‫والشيطان‪ ،‬فامذا جيب عليه؟ اجلواب‪ :‬عليه أن ينقذ نفسه من هذه احلالة ويدخل يف والية‬
‫اهلل‪ ،‬أن خيرج من والية الظلم ليدخل يف والية العدل‪ ،‬هذه النقلة تسمى اهلجرة‪ .‬لقد تناولنا‬
‫ثالثة أمور ترتبط بالوالية وهذا هو املوضوع الرابع‪.‬‬
‫يفر من والية الطاغوت ؟ أال يمكن أن حيافظ الفرد عىل إسالمه‬
‫ملاذا جيب عىل اإلنسان أن ّ‬
‫يف إطار والية الطاغوت؟ أال يمكن أن يبقى اإلنسان عبدً ا هلل يف ظروف تسيطر فيها عوامل‬
‫غري إهلية عىل فكره وعواطفه ومشاعره؟ فكروا يف هذا األمر مل ًيا‪.‬‬
‫بداية نعرف أن والية الطاغوت والشيطان كام يرى القرآن الكريم هو أن يستويل الشيطان عىل‬
‫كل قوى اإلنسان وطاقاته وكفاءاته وأعامله‪ ،‬وأن يسري يف الطريق الذي يريده الشيطان ويف‬
‫املسري الذي يرسمه له‪َ .‬م َثله َم َثل شخص وقع يف هنر ذي تيار قوي متد ّفق ال يستطيع إالّ أن‬
‫‪ n300‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ينجرف فيه‪ ،‬وال يمكنه التخ ّلص من هذا االنجراف مهام تشبث بيشء‪ ،‬فقد السيطرة عىل نفسه‪.‬‬
‫اه ْم َأئ َّم ًة َی ْد ُع َ‬
‫ون‬ ‫هذه هي والية الطاغوت ووالية الشيطان‪ ،‬لذلك يقول سبحانه‪َ ( :‬و َج َع ْل َن ُ‬
‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬ ‫َ َّ‬
‫الن ِار)‪ 1‬يسوقوهنم إىل اجلحيم وإىل سوء املصري‪ .‬ويقول سبحانه‪( :‬أل ْم ت َر ِإلى ال ِذ َین َب ّدلوا‬ ‫ِإلى‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬
‫كف ًرا َوأ َحلوا ق ْو َم ُه ْم َد َار ال َب َو ِار ‪َ #‬ج َه ّن َم َی ْصل ْون َها َو ِبئ َس الق َر ُار)‪ 2‬لقد أغدق اهلل عىل‬ ‫ِن ْع َمة ِ‬
‫اهلل‬
‫نعم كثرية يستطيع هبا أن يطوي مدارج الكامل املادي واملعنوي‪ ،‬لكن هؤالء ساقوا‬
‫اإلنسان ً‬
‫هذه النعم التي أغدقها اهلل عىل الناس نحو مسري كافر ‌هبذه النعم‪ ،‬ودفعوا قومهم إىل دار‬
‫البوار والفناء واهلالك وإىل جهنم واملصري التعيس‪.‬‬
‫وهذه اآلية تالها اإلمام موسى بن جعفر (عليه السالم) عىل هارون الرشيد ليفهمه أنه هو‬
‫ْ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫من الذين (أ َحلوا ق ْو َم ُه ْم َد َار ال َب َو ِار)‪ .‬إذ يف جملس دار حديث أغضب هارون فصاح‪ :‬أنحن‬
‫كفار؟ فقال اإلمام ال‪ ،‬ولكن كام قال تعاىل «أمل تر‪ »..‬وتال اآلية ليفهمه أن الكافر ليس‬
‫من ينكر اهلل والوحي والنبوة رصاحة‪ .‬مثل هذا الكافر يستطيع أن ين ّظم اإلنسان عالقته‬
‫معه‪ .‬األسوأ منه هو الذي يكفر بام عنده من نعم‪ ،‬بل ويسوق َم ْن حتت إمرته إىل والية‬
‫الطاغوت‪ ..‬إىل جهنم‪.‬‬
‫يغي مسريه‪ ،‬فإن قوة التيار‬
‫من خيضع لوالية الطاغوت يفقد إرادته‪ ،‬بل إذا أراد أحيانًا أن ّ‬
‫متنعه من ذلك وجترفه‪ ،‬واألسوأ من ذلك أنه ال يفهم بأنه منجرف يف التيار‪.‬‬
‫األسامك التي وقعت يف شباك الصياد‪ ،‬يقودها الصياد دون أن تعرف األسامك مقصدها‪،‬‬
‫جتر الناس‬
‫والصياد الذي يسحبها نحوه هوالذي يعرف املقصد‪ .‬ورشاك النظام اجلاهيل ّ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫نحو من بيده هذه الرشاك دون أن يعلموا بأهنم يتجهون نحو ( َج َه ّن َم َی ْصل ْون َها َو ِبئ َس الق َر ُار)‪.‬‬
‫ولنعد إىل التاريخ لنرى ما تنزله والية الطاغوت من خسائر باألمة‪.‬‬
‫فجر طاقات األمة وأيقظ كفاءاهتا وقواها الفكرية فسجلت أروع‬
‫تعرفون أن اإلسالم ّ‬
‫انتصارات يف حقل العلوم واملعارف‪ ،‬واقتبسوا علوم زماهنم وترمجوها‪ ،‬وذلك ما بعث‬
‫علامء الغرب أن يذكروا بإعجاب شديد ما حققه املسلمون من تقدم‪ ،‬من أمثال «غوستاف‬

‫‪1‬ـ القصص‪41 /‬‬


‫‪2‬ـ إبراهيم‪29 - 28 /‬‬
‫حول الوالية (‪( )3‬اهلجرة) ‪301n‬‬
‫‪2‬‬
‫لوبون»‪ 1‬الفرنيس الذي درس احلضارة اإلسالمية يف قرون ازدهارها‪ ،‬ومثل «آدم متز»‬
‫الذي كتب عن احلضارة اإلسالمية يف القرن الرابع‪ ،‬ولكن الذي يبعث عىل األسى هو‬
‫أن املجتمع اإلسالمي يف عصور االزدهار احلضاري كان خاض ًعا خلالفة وراثية استبدادية‬
‫بعيدة عن القيم اإلسالمية‪ .‬ولذلك كان نصيب املجتمع اإلسالمي من هذا التطور العلمي‬
‫ضعي ًفا‪ ،‬ونرى التاريخ ينقل لنا األعاجيب من التمييز الطبقي يف ذلك العرص‪ .‬وهلذا السبب‬
‫أيضا َأ َف َلت مسرية التقدم العلمي والفكري‪ ،‬وأوصلت العامل اإلسالمي إىل ما نشاهده‬ ‫ً‬
‫اليوم‪ .‬لو كانت والية األمة بيد الصاحلني‪ ،‬لو كان النموج ال َع َلوي هو السائد يف املجتمع‪،‬‬
‫يعم املجتمع‬
‫لو كانت والية األمر بيد أمثال اإلمام الصادق‪ ،‬لكان عطاء التطور العلمي ّ‬
‫وينقذه من عوامل التخلف كلها‪َ ،‬و َلكُنا ننعم حتى اليوم بذلك العطاء‪.‬‬
‫ثم هذه احلضارة الغربية املعارصة‪ ،‬قد حققت انتصارات يف حقل العلوم والصناعة والتطوير‬
‫لكنها كانت وال تزال يف ظل األنظمة احلاكمة التي ال تؤمن بقيم إنسانية وأخالقية‪ ،‬فقادت‬
‫الغرب بل والعامل إىل حروب ودماء ودموع‪ ،‬وإىل متييز عرقي وطبقي فظيع‪ ،‬ومل يستطع ذاك‬
‫التقدم العلمي أن ينعش احلياة اإلنسانية والفضائل اخللقية‪.‬‬
‫َو َم ْن نستطيع اليوم أن نفخر هبم يف القرنني الثاين والثالث اهلجريني هم الذين وقفوا بوجه‬
‫انحراف السلطة‪ ،‬ودعوا إىل والية تستطيع أن حتقق حضارة تسودها القيم اإلنسانية النبيلة‬
‫أمثال ّ‬
‫معل بن خنيس‪ 3‬وحييى بن أم الطويل وحييى بن زيد‪ 4‬وحممد بن أيب عمري‪ 5‬وأمثاهلم‬

‫‪1‬ـ غوستاف لوبون (‪ )1931- 1841‬عامل اجتامع ومسترشق فرنيس دراساته حول احلضارة اإلسالمية أقرب إىل املوضوعية‪.‬‬
‫اهتم بدراسة احلضارات يف اهلند ومرص واألندلس‪.‬‬
‫‪2‬ـ آدم متز (‪ )1917 - 1869‬مسترشق أملاين‪‌ ،‬سكن يف بازل بسويرسا‪ .‬كتابه املعروف‪ :‬احلضارة اإلسالمية يف القرن الرابع‬
‫اهلجري‪.‬‬
‫‪3‬ـ ّ‬
‫معل بن خنيس‪ :‬من أصحاب اإلمام الصادق‪ .‬اعتقله حاكم املدينة وهدده بالقتل كي يكشف أسامء أصحاب اإلمام‪ .‬لكنه‬
‫أبى واستشهد عىل هذا الطريق‪.‬‬
‫‪4‬ـ حييى بن زيد بن عيل بن احلسني‪ ،‬بعد استشهاد والده سنة ‪141‬هـ ّفر إىل خراسان ثم إىل هرات‪ ،‬واشتبك هو ومجع من‬
‫أصحابه بقوات حاكم خراسان‪ ،‬واستشهد سنة ‪145‬هـ‪.‬‬
‫‪5‬ـ حممد بن أيب عمري األزدي من أصحاب األئمة الكاظم والرضا واجلواد‪‌ ،‬تعرض للتعذيب عىل يد هارون ليكشف أسامء‬
‫املوالني آلل البيت‪ ،‬وسجن مرات‪ ،‬وتويف سنة ‪217‬هـ‪.‬‬
‫‪ n302‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ممن هنضوا بوجه انحراف مسرية املجتمع يف عرصهم‪ ،‬وضحوا بأنفسهم حني رأوا أن كل‬
‫ما حيققه املجتمع من تطور علمي ال قيمة له يف ظل والية الطاغوت‪.‬‬
‫ويبقى السؤال عن إمكان أن يعيش اإلنسان حياة إسالمية يف والية الطاغوت‪ .‬ما معنى أن‬
‫يعيش اإلنسان حياة إسالمية؟ يعني أن تكون إمكاناته وطاقاته وقواه وكفاءاته كلها من‬
‫أجل اهلل‪ .‬وهل عندنا نامذج لذلك؟ نعم عندنا نامذج من جمتمع عاش هبذه الصورة‪‌،‬ونامذج‬
‫من مجاعات هاجرت من نظام الطاغوت إىل اهلل‪.‬‬
‫مثال ذلك املجتمع‪ ،‬جمتمع املدينة يف زمن حياة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله‪ .‬فقد أقام النبي‬
‫أيضا‬
‫جمتم ًعا يتحرك نحو اهلل يف شؤونه أمجع‪ .‬ويف هذا املجتمع يعيش اليهودي واملسيحي ً‬
‫يف ظل اإلسالم‪ ،‬كالمها حتت ذمة اإلسالم‪ ،‬ويتحركان عىل طريق املجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫طقوسهم الشخصية يامرسوهنا عىل طريقة دينهم‪ ،‬لكنهم مسلمون باعتبار عضويتهم يف‬
‫املجتمع اإلسالمي‪ .‬ولعل إسالمهم أقوى من ذلك املسلم العادي الذي يعيش يف ظل نظام‬
‫جاهيل‪ .‬يف عرص رسول اهلل كان كل يشء هناك يف سبيل اهلل‪ .‬املال واجلهاد بالنفس وباللسان‬
‫وبالفكر يف سبيل اهلل‪ .‬وهكذا األمر إىل حدّ ما يف زمن حكومة أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب‬
‫صلوات اهلل عليه‪ .‬فهو ويل اهلل بعد الرسول‪ ،‬لكنه ورث تركة من اضطراب األوضاع‪.‬‬
‫هذا عىل مستوى املجتمع‪ .‬أما عىل صعيد اجلامعات فنرى اجلامعات امللتفة حول أئمة أهل‬
‫البيت (عليهم السالم)‪ .‬وكان املفروض أن نبحث ذلك بالتفصيل يف فصل اإلمامة بعد‬
‫الوالية‪ .‬كانت هذه اجلامعات تعيش يف جمتمع حيكمه الطاغوت‪ ،‬لكنها كانت تتحرك يف‬
‫اجتاه يعارض نظام الطاغوت‪ .‬كذلك اجلامعة الصغرية التي كانت يف كربالء مع احلسني‬
‫بن عيل صلوات اهلل وسالمه عليه‪ .‬فقد ش ّقت طريقها يف اجتاه خيالف السيل اجلارف يف‬
‫املجتمع آنذاك‪.‬‬
‫ويف التاريخ عندنا نامذج أخرى من هذا القبيل‪ .‬أما عىل الصعيد الفردي فإن الفرد ال يستطيع‬
‫أن تكون طاقاته وحركته ووجوده حتت والية اهلل بينام هو يعيش يف جمتمع طاغويت‪ .‬مثل هذا‬
‫الشخص البد أن يكون جزء من حياته عىل األقل عىل طريق الطاغوت‪ .‬وال يمكن أن‬
‫يكون عبدً ا هلل بشكل كامل‪.‬‬
‫حول الوالية (‪( )3‬اهلجرة) ‪303n‬‬

‫يف الكايف للكليني وهو من الكتب احلديثية األربعة عند الشيعة حديث قديس يف هذا املجال‬
‫عز وجل بغري إمام ِم َن اهلل» عن اإلمام‬
‫مرارا مروي بألفاظ خمتلفة يف باب «من دان هلل ّ‬
‫ذكرته ً‬
‫عن رسول اهلل عن اهلل سبحانه وتعاىل‪« :‬ألعذ ّبن كل رعية يف اإلسالم دانت بوالية كل إمام‬
‫َّ‬
‫وألعفون عن كل رع ّية يف اإلسالم‬ ‫جائر ليس من اهلل وإن كانت الرعية يف أعامهلا َب ّر ًة تقية‪،‬‬
‫دانت بوالية ّ‬
‫كل إمام عادل من اهلل وإن كانت الرعية يف نفسها ظاملة مسيئة»‪.1‬‬
‫الرتكيز عجيب يف هذا احلديث عن أمهية الوالية يف املجتمع! فالذين يعيشون حتت والية‬
‫ويل اهلل من أهل النجاة وإن كانوا يرتكبون اإلساءات يف حياهتم الشخصية‪ .‬والذين‬
‫يعيشون حتت والية الطاغوت يف شقاء وعذاب وإن كانوا يف حياهتم الشخصية من أهل‬
‫رب والتقوى‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫وأم ّثل هلذا احلديث بسيارة تركبوهنا من مدينة مشهد لتذهبوا إىل مدينة نيشابور‪ ،‬فإذا‬
‫انحرفت السيارة يف اجتاه مدينة رسخس أو قوجان‪ 2‬فإنكم ال شك ال تصلون إىل اهلدف‪.‬‬
‫ركاب السيارة ــ مهام كانوا مؤدبني وحمسنني ــ فإهنم ال يصلون عىل أي حال إىل هدفهم‪ .‬أما‬
‫إذا كانت السيارة تطوي طريقها إىل نيشابور فإهنا تصل إىل املقصد حتى وإن كان ركاهبا قد‬
‫خالفوا أصول آداب املعارشة اإلنسانية‪ .‬لو كان هؤالء الركاب ملتزمني باآلداب اإلنسانية‬
‫فهو املطلوب‪ ،‬أما لو أساء هؤالء الركاب يف الطريق فإهنم سينالون جزاء إساءهتم‪ ،‬لكنهم‬
‫عىل أي حال سيصلون إىل هدفهم املنشود‪.‬‬
‫يف احلالة الثانية البدّ أن يكون السائق أمينًا عار ًفا بالطريق‪« :‬إمام من اهلل»‪ .‬فإنه يوصلهم‬
‫إىل اهلدف وإن أساؤوا‪« :‬وإن كانت الرعية يف أعامهلا ظاملة مسيئة»‪ .‬أما يف احلالة األوىل فإن‬
‫السائق جاهل بالطريق‪ ،‬السائق غري أمني‪ ،‬السائق من أهل الفسوق‪ّ ،‬‬
‫ظل الطريق‪ ،‬أو كانت‬
‫له مآرب أخرى يف رسخس وقوجان ففضل مصاحله عىل مصلحة الركاب‪ .‬عىل أي حال‬
‫رب والتقوى‪« :‬وإن كانت الرعية يف أعامهلا‬
‫ال يبلغ الركاب مقصدهم وإن كانوا من أهل ال ّ‬
‫ّبرة تق ّية»‪.‬‬

‫‪1‬ـ الكايف للكليني‪ ‌،‬كتاب احلجة‪ ،‬باب من دان هلل عزّ وجل بغري إمام من اهلل‪ ،‬ح ‪.4‬‬
‫‪2‬ـ مشهد‪ ،‬ونيشابور‪َ ،‬و َس ْخس‪ ،‬وقوچان‪ ،‬مدن من أعامل خراسان‪.‬‬
‫‪ n304‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫طيب‪ ،‬إذا كان الناس قد ُفرضت عليهم والية طاغوتية شيطانية فامذا يفعلون‪ ،‬ما الذي جيب‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َّ َّ َ َ َ َّ ُ ُ ْ َ َ ُ َ‬
‫یم ك ُنت ْم‬ ‫لآئكة ظ ِال ِمی أنف ِس ِه ْم قالوا ِف‬ ‫عليهم أن يفعلوا؟ تقول اآلية‪ِ ( :‬إن ال ِذین توفاهم الم ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ ُ ََ ْ َ ُ ْ َْ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫اج ُر وا ِف َیها فأ ْول ِئ َك َم َأو ُاه ْم‬ ‫اهلل َو ِاس َع ًة َف ُت َ‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ض‬ ‫ك َّنا ُم ْس َت ْض َع ِف َ‬
‫ین فِی الأر ِض قالوا ألم تكن أر‬ ‫قالوا‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫َج َه ّن ُم َو َس َاء ْت َم ِص ًیرا)‪.1‬‬
‫هؤالء الذين ظلموا أنفسهم‪ ،‬وأساءوا إىل أنفسهم يف احلياة الدنيا حني تأتيهم املالئكة لقبض‬
‫فيم كُنتم؟ وأنا أفهم من هذا السؤال أن املالئكة يستغربون مما يرونه‬
‫أرواحهم يسألوهنم‪َ :‬‬
‫من بؤس حالة هؤالء ومما ينتظرهم من عذاب‪ .‬فيقولون هلم‪ :‬فيم كنتم؟! كام يأيت مريض إىل‬
‫طبيب وهو يف حالة ُيرثى هلا‪ ،‬فيقول له الطبيب مستغر ًبا‪ :‬أين كنت تعيش؟! فيقولون‪« :‬كنا‬
‫مستضعفني يف األرض» أي مل تكن لنا إرادة وال اختيار يف جمريات املجتمع وحركته وسكونه‬
‫واجتاهه‪ .‬مل نكن نعلم إىل أين نحن متجهون‪ ،‬مثل حصان الطاحونة يدور ويتحرك وعيونه‬
‫مشدودة‪ ،‬يظن أنه بمشيه املتواصل قد قطع مسافة كبرية‪ ،‬وال يدري أنه يدور يف مكانه!!‬
‫هكذا هو شأن املجتمع الذي يعيش يف ظل نظام ظامل جاهل‪ .‬أفراده مستضعفون ال يدرون‬
‫إىل أين هم متجهون‪ ،‬وال يعلمون ما ُيراد هبم‪ .‬خال ًفا للمجتمع الذي ُيدار بنظام صحيح‪‌،‬‬
‫فهذا املجتمع يعري أمهية لشخصية اإلنسان وكرامته ومكانته‪ ،‬ويامرس الويل فيه عملية‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫املشاورة مع الناس‪َ ( :‬وش ِاو ْر ُه ْم فِی الأ ْم ِر)‪ 2‬هكذا تأيت التعاليم إىل رسول اهلل‪ ‌،‬مع أن النبي‬
‫َ ُ ُ‬
‫ك َّنا ُم ْس َت ْض َع ِف َ‬
‫ین‬ ‫العزة يف نفوس األفراد‪( .‬قالوا‬ ‫ال حيتاج إىل مشورة‪ ،‬وذلك لغرس روح ّ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ََ َ ُ َْ ُ‬ ‫َْ‬
‫اهلل َو ِاس َعة ف ُت َه ِاج ُر وا ِف َیها) ؟! أمل تكونوا قادرين‬
‫فِی الأر ِض) فيأتيهم اجلواب‪( :‬أل ْم تك ْن أرض ِ‬
‫أحرارا‪ ،‬ولتعبدوا اهلل وحده دون سواه‪،‬‬
‫ً‬ ‫عىل االنتقال إىل بقعة أخرى من األرض‪ ،‬لتكونوا‬
‫ّ‬
‫وتسخروا طاقاتكم عىل الطريق الصحيح هناك؟! واضح أهنم ال يملكون جوا ًبا‪ ،‬و واضح‬
‫أهنم سينالون سوء املصري‪.‬‬
‫طب ًعا هناك استثناء يف موضوع وجوب اهلجرة‪ ،‬وهو أولئك الذين ال يقوون عىل هذا‬
‫العمل‪ ،‬مثل األطفال والضعفاء من النساء والرجال‪ ،‬فهؤالء من املؤ ّمل أن يعفو اهلل عنهم‬

‫‪1‬ـ النساء‪100 - 97 /‬‬


‫‪2‬ـ آل عمران‪159 /‬‬
‫حول الوالية (‪( )3‬اهلجرة) ‪305n‬‬

‫َّ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ّ َ َ ّ‬
‫الن َس ِاء َو الو ْل َدان َلا َی ْس َتط ُیع َ‬
‫ون‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫فو الغفور تقول اآلية‪ِ ( :‬إلا المستضع ِفین ِمن ِ‬
‫الرج ِال و ِ‬ ‫فهو ال َع ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ح َیل ًة َو َلا َی ْه َت ُد َ‬
‫ون َسبیلا ‪ #‬فأ ْولئ َك َع َسى ُ‬
‫اهلل َعف ًّوا غف ًورا)‪.‬‬ ‫اهلل أن َی ْعف َو َع ْن ُه ْم َوك َان ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبؤسا وخو ًفا من املصري‪،‬‬
‫ً‬ ‫أرضارا‬
‫ً‬ ‫قد خيال املخاطبون باهلجرة أن اهلجرة تسبب هلم‬
‫فتقول اآلية‪:‬‬
‫َُ ً َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ِث ًیرا َو َس َعة)‪ .‬أي جيد يف األرض املسالك‬ ‫اهلل َی ِج ْد فِی الأ ْر ِض مراغما‬
‫یل ِ‬ ‫( َو َمن ُی َه ْ َ‬
‫اجر فِی س ِب ِ‬
‫ِ‬
‫والطرق الكثرية والسعة يف احلركة‪.‬‬
‫لقد كان هذا املهاجر قبل اهلجرة يعيش يف قفص ال يستطيع أن يرتفع أكثر من سقفه‪ ،‬أما بعد‬
‫اهلجرة فيستطيع أن يعيش يف آفاق رحبة واسعة‪.‬‬
‫لقد كان املسلمون يف مكة قبل اهلجرة قد ضاقت عليهم األرض بام رحبت‪ ،‬وأصبحوا يف‬
‫املدينة يتحركون بمنتهى احلرية‪ ،‬ويتسابقون يف اخلريات‪.‬‬
‫األمر باهلجرة والتشجيع عليها يأيت يف إطار رضورة احلركة يف العبادة واإلنفاق واجلهاد يف‬
‫سبيل اهلل‪ ،‬لتكون هذه احلركة ِقيم ًة من قيم مكانة املسلم يف املجتمع‪.‬‬
‫وقد حيدث للمهاجر من دار الكفر إىل دار اإلسالم أن يتوفاه اهلل يف الطريق ‌‪ .‬مثل هذا‬
‫الشخص يكون قد أ ّدى ما عليه من واجب وأجره عىل اهلل‪:‬‬
‫ان ُ‬
‫اهلل‬ ‫( َو َمن َی ْخ ُر ْج من َب ْیتهِ ُم َهاج ًرا إ َلى اهلل َو َر ُسولهِ ُث َّم ُی ْدر ْك ُه ْال َم ْو ُت َف َق ْد َو َق َع َأ ْج ُر ُه َع َلى اهلل َو َك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ َ‬
‫غف ًورا ّر ِح ًیما)‪.‬‬
‫وال بأس أن أشري ونحن يف اليوم األخري من هذه اجللسات أن اهلجرة كام ذكرنا تكون من‬
‫دار الكفر‪ ،‬من والية غري اهلل‪ ،‬إىل دار اإليامن‪ ،‬حيث والية اهلل‪ ،‬والنبي ‌‪ ،‬والية اإلمام‪ ،‬والية‬
‫ويل اهلل‪ .‬وإذا مل يكن هناك عىل وجه األرض دار إيامن ودار والية اهلل ورسوله ووالية ويل‬
‫اهلل‪‌،‬فام العمل؟ هل يبقى اإلنسان يف دار الكفر؟ يف هذه احلالة البد من التفكري يف إجياد دار‬
‫اهلجرة‪ ،‬كام فعل رسول اهلل‪ ،‬إذ هبجرته إىل املدينة أوجد دار اهلجرة‪.‬‬
‫قد يستلزم األمر أن هتاجر مجاعة لتبني نقطة البداية يف اهلجرة‪ ،‬ومن ثم إلقامة املجتمع‬
‫اإلهلي اإلسالمي‪ ،‬عندئذ تتوفر للمؤمنني أرض اهلجرة‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫فهرس اآلايت‬
‫‪51‬‬ ‫اك َن َ‬
‫ست ُ‬
‫عین)‬ ‫اك َن ُ‬
‫عب ُد َو إ ّی َ‬ ‫سورة ِ‬
‫الفاتَة‪ /‬آیه ‪( 5‬إ ّی َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪121‬‬
‫َ ُ َ َّ ُ‬ ‫اعبدوا َر َّب ُك ُم َّالذی َخ َل َق ُكم َو َّال َ‬
‫ذین ِمن ق ِبلكم ل َعلكم‬ ‫سورة الب َقرة‪ /‬آیه ‪( 21‬یا َأ ُّی َها ّ‬
‫الن ُاس ُ‬ ‫َ َ‬
‫َت َّت َ‬
‫قون)‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َ َ‬ ‫َ َّ‬
‫ماء َفأ َ‬
‫خر َج‬ ‫ماء ً‬ ‫ناء َوأ َنز َل ِم َن َّ‬ ‫ً َ َّ َ‬
‫ماء ب ً‬
‫‪146‬‬ ‫الس ِ‬ ‫سورة ال َب َق َرة‪ /‬آیه ‪( 22‬ألذی جع َل لكم الأرض ِفراشا والس ِ‬
‫َ ًََ ُ َ َ‬
‫عل َ‬ ‫زقا َل ُكم َفلا َت َ‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫مون)‬ ‫جعلوا هلِل أندادا وأنتم ت‬ ‫ِبهِ ِم َن الث َم ِ‬
‫رات ِر‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫سورة الب َقرة‪ /‬آیه ‪َ ( 61‬و إذ ُق ُلتم یا موسى‏ َلن َن َ َ َ‬
‫‪66‬‬ ‫خرج لنا ِم ّما‬ ‫ِ‬ ‫ادع لنا َر ّب َك ُی‬ ‫واح ٍد ف‬ ‫عام ِ‬ ‫صبر على‏ ط ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ُ ُ َ ُ‬
‫لون ّالذی ُه َو أدنى‏ ب ّالذی ُهوَ‬ ‫بد‬ ‫َ‬
‫فومها وعد ِسها وبص ِلها قال أ تست ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫قلها و ِقث ِائها و ِ‬ ‫َ‬
‫ت ِنبت الأرض ِمن ب ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ًَ‬ ‫َ ٌ‬
‫اهلل ذ ِلك‬ ‫المسكنة َوباؤ ِبغض ٍب ِم َن ِ‬ ‫الذلة َو َ‬ ‫اهبطوا ِمصرا ف ِإن لكم ما َسألتم َوض ِربَت عل ِیه ُم ِ‬ ‫خیر ِ‬
‫عت َ‬ ‫الح ّق ذل َك بما َع َصوا َوكانوا َی َ‬ ‫َ َ ُ َ َّ ّ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َّ‬
‫دون)‬ ‫َ‬
‫اهلل ویقتلون الن ِبیین ِبغ ِیر ِ ِ ِ‬ ‫آیات ِ‬ ‫ِبأن ُهم كانوا َیكفرون ِب ِ‬

‫‪72‬‬
‫َ َ ً ُ‬ ‫( ُ َّ َ ُ ُ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ ُ‬
‫یار ِهم‬‫خرجون فریقا ِمنكم ِمن ِد ِ‬ ‫لاء تقتلون ُ أنفسكم وت ِ‬ ‫سورة ال َب َق َرة‪ /‬آیه ‪ 85‬ثم أنتم هؤ ِ‬
‫خراج ُهم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العدوان َو إن َیأتوكم أسارى‏ تفادوهم َوه َو ُم َح ّر ٌم َعلیكم إ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫رون َع َلیهم بالإثم َو ُ‬ ‫ظاه َ‬‫َت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫زی فی َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ّ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬
‫الحیاةِ‬ ‫عض فما جزاء من یفعل ذ ِلك ِمنكم ِإلا ِخ ِ‬ ‫تاب َوتكفرون ِب َب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الك‬
‫عض ِ‬ ‫ؤمنون ِب َب ِ‬ ‫أ‪ ‬فت ِ‬
‫ّ َ َ‬
‫لون)‬ ‫عم َ‬ ‫غافل َع ّما َت َ‬ ‫ُ‬
‫العذ ِاب َو َما اهلل ِب ٍِ‬ ‫ون إلى‏ أ َش ّ ِد َ‬ ‫وم ِ َ ُ َ‬ ‫ُّالدنیا َو َی َ‬
‫القیامةِ یرد ِ‬
‫‪ n310‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ً َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ََ َ َ َ ّ‬ ‫َ َُُ َ‬ ‫سورة الب َقرة‪ /‬آیه ‪َ ( 124‬و إذ َ‬


‫‪265‬‬ ‫جاعلك ِل ّلن ِاس ِإماما قال‬‫مات فأت ّم ُه ّن قال ِإنِی ِ‬ ‫براهیم ر ّبه ِبك ِل ٍ‬ ‫ابتلى‏ ِإ‬ ‫ِِ‬ ‫َ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َُّ‬
‫َ‬
‫هدی الظ ِالمین)‬ ‫َو ِمن ذ ِر ّیتی‏ قال لا ینال ع ِ‬
‫َ‬ ‫ً َ َ َ‬ ‫َُّ َُ ً‬ ‫( َ َّ َ َ ُ َ َ َ‬
‫‪66‬‬ ‫سل َمة لك َوأ ِرنا َم ِ‬
‫ناسكنا‬ ‫ین لك َو ِمن ذ ِر ّی ِتنا أ ّمة ُم ِ‬ ‫سلم ِ‬‫سورة ال َب َق َرة‪ /‬آیه ‪ 128‬ربنا واجعلنا م ِ‬
‫الر ُ‬ ‫اب َّ‬ ‫َ ُ َ َ َّ َ َ َ َّ‬
‫الت ّو ُ‬
‫حیم)‬ ‫وتب علینا ِإنك أنت‬

‫الناس َو َی َ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً َ‬ ‫ُ َُ ً‬ ‫َ َ‬
‫‪97‬‬ ‫كون‬ ‫سورة ال َب َق َرة‪ /‬آیه ‪َ ( 143‬و كذ ِلك َج َعلناكم أ ّمة َو َسطا ِلتكونوا ش َهد َاء َعلى ِ‬
‫ُ َ َ َ ّ َ َ َ َ َ َّ ُ َّ َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َّ ُ َ ُ َ ً‬
‫الرسول ِم َّمن‬ ‫القبلة التی‏ كنت علیها ِإلا ِلنعلم من یت ِبع‬ ‫َ‬
‫الرسول َعلیكم شهیدا َوما َج َعلنا ِ‬
‫َ ُ‬
‫ضیع ایمانكم‬ ‫اهلل ِل ُی َ‬ ‫كان ُ‬ ‫َ‬ ‫ذین َه َدى ُ‬
‫اهلل َوما‬ ‫بیر ًة إ ّلا َع َلى َّال َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ َ‬
‫ینق ِلب على‏ ع ِقبیهِ و ِإن كانت لك ِ‬
‫حیم)‬‫الن ِاس َل َر ُؤ ٌف َر ٌ‬ ‫َّ َ‬
‫اهلل ب ّ‬
‫ِإن ِ‬
‫ُ‬
‫‪97‬‬ ‫جه َك‬ ‫ماء َف َل ُن َو ِّل َی َّن َك ِق َبل ًة َترضاها َف َو ّل َو َ‬ ‫الس ِ‬ ‫سورة ال َب َقرة‪ /‬آیه ‪َ ( 144‬قد َنرى‏ َت َق ّل َب َوجه َك فی َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫علمونَ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ُ ُ َ َ ّ ُ َ ُ َ َ ُ َ َّ َّ َ ُ ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫الكتاب لی‬ ‫رام وحیث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره و ِإن الذین أوتوا ِ‬ ‫سج ِد الح ِ‬ ‫شطر الم ِ‬
‫عم َ‬‫غافل َع ّما َی َ‬ ‫َّ ََ ُ‬ ‫َ َّ ُ َ ُّ‬
‫لون)‬ ‫أنه الحق ِمن ر ِب ِهم وما اهلل ِب ِ ٍ‬
‫َ‬
‫‪224‬‬ ‫رین)‬‫الصاب َ‬ ‫الصلاةِ إ َّن ا َّلل َه َم َع َّ‬‫الص ْبر َو َّ‬‫عینوا ب َّ‬ ‫ذین َآم ُنوا ْاس َت ُ‬ ‫سورة ال َب َقرة‪ /‬آیه ‪( 153‬یا أ ُّی َها َّال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫راج َ ‏‬
‫عون)‬
‫ّ َ ّ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َّ َ‬
‫‪192 ،134‬‬ ‫سورة ال َب َق َرة‪ /‬آیه ‪( 156‬ألذین ِإذا أصابتهم مصیبة قالوا ِإنا هلِل و ِإنا ِإلیهِ ِ‬
‫اهلل َو َّال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ َ َّ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫‪119‬‬ ‫ذین‬ ‫اهلل أندادا ُی ِح ّبون ُهم ك ُح ِّب ِ‬ ‫دون ِ‬ ‫سورة ال َب َق َرة‪ /‬آیه ‪َ ( 165‬و ِمن الن ِاس من یت ِخذ ِمن ِ‬
‫دید َالعذ ِاب)‬ ‫اهلل َش ُ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َّ ُ َّ َ َ ً‬
‫میعا َو َأ َّن َ‬ ‫ذین ظلموا ِإذ یر ون العذاب أن القوة هلِل ج‬
‫َ َ َ ُّ ُ ًّ َ َ َ َ َّ َ َ َ‬
‫آمنوا أشد حبا هلِل ولو یرى ال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪119‬‬ ‫سباب)‬ ‫الأ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َََ‬
‫العذ َاب َوتق ّط َعت ِب ِهم‬ ‫ذین َّات َبعوا َو َرأ ُوا َ‬ ‫ذین ُّاتبعوا ِم َن َّال َ‬ ‫سورة ال َب َقرة‪ /‬آیه ‪( 166‬إذ َت َب َّرأ َّال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ََ َ َ ً َ ََ‬ ‫َ َ َّ َ َّ‬
‫‪120‬‬ ‫ذین ات َبعوا لو أ ّن لنا ك َّرة ف َن َت َب ّرأ ِم ُنهم كما ت َب ّر ُؤا ِم ّنا كذ ِلك‬ ‫سورة ال َب َق َرة‪ /‬آیه ‪( 167‬و قال ال‬
‫رات َع َلیهم َوما ُهم بخار َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫جین ِم َن ّالن ِار)‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ریه ُم اهلل أعمال ُهم َح َس ٍ‬ ‫ی ِ‬
‫ُ‬

‫َ ُ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬


‫‪186‬‬ ‫اهلل لا‬‫سل َو ُ‬ ‫الن َ‬ ‫فس َد فیها وی ِهلك الحرث و‬ ‫رض ِل ُی ِ‬ ‫سورة ال َب َق َرة‪ /‬آیه ‪َ ( 205‬و ِإذا ت َولى َسعى‏ فِی الأ ِ‬
‫الف َ‬
‫ساد)‬ ‫ُ ُّ َ‬
‫ی ِحب‬
‫َ َ َ‬ ‫ین ُم َب ّ ِش َ‬ ‫َ ً َ َ َ َ ُ َّ‬ ‫َ ّ َُ ً‬
‫‪163‬‬ ‫رین َوأ َنزل َم َع ُه ُم‬ ‫رین َو ُم ِ‬
‫نذ‬ ‫النب ّی َ‬
‫واحدة فبعث اهلل ِ ِ‬ ‫سورة ال َب َق َرة‪ /‬آیه ‪( 213‬كان الن ُاس أ ّمة ِ‬
‫ّ َّ ُ‬
‫عد ما‬ ‫وتوه ِمن َب ِ‬ ‫اخت َل َف فیهِ إلا ال َ‬
‫ذین أ ُ‬ ‫اخت َلفوا فیهِ َو َما َ‬
‫فیما َ‬‫الن ِاس َ‬ ‫ین ّ‬ ‫َ ّ َ ُ‬
‫حك َم َب َ‬ ‫الك َ‬
‫تاب ِبالح ِق ِلی‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ّ َ َُ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َّ ُ َ ً َ َُ َ‬
‫جاءتهم الب ِینات بغیا بینهم فهدى اهلل الذین آمنوا ِلما اختلفوا فیهِ ِمن الح ِق ِب ِإ ِذنهِ واهلل یهدی‬
‫شاء إلى‏ ص ُ َ‬ ‫َ‬
‫قیم)‬
‫راط مست ٍ‬ ‫َمن ی ُ ِ ِ ٍ‬
‫فهرس اآليات ‪311n‬‬

‫َ ُ‬ ‫َ َّ َ َ َ ّ َ ُ َ َ ُ َّ َ َ َ‬ ‫َ َ ُُ‬ ‫َ‬
‫‪83‬‬ ‫ذین خلوا ِمن ق ِبلكم‬ ‫سورة ال َب َق َرة‪ /‬آیه ‪( 214‬أم َح ِس ُبتم أن تدخلوا الجنة ولما ی ِأتكم مثل ال‬
‫صر اهلل َألا إ َّن َن َ‬
‫صر‬ ‫سول َو َّال َ‬
‫ذین َآمنوا َم َع ُه َمتى‏ َن ُ‬ ‫َ ّ َ َ َّ ُ‬ ‫َ َّ ُ ُ َ ُ َ َّ‬
‫الض ّر ُاء َو ُز ِلزلوا حتى یقول الر‬ ‫مستهم البأساء و‬
‫ِ ِ‬
‫ریب)‬‫اهلل َق ٌ‬
‫ِ‬

‫‪105‬‬ ‫وم َل ُه ما فی َّ‬ ‫َ ّ ُ َ َ ُّ َ ّ ُ َ ُ‬


‫أخ ُذ ُه ِس َن ٌة َولا َن ٌ‬ ‫سورة الب َقرة‪ /‬آیه ‪ُ ( 255‬‬
‫الس ِ‬
‫ماوات‬ ‫ِ‬ ‫اهلل لا ِإله ِإلا هو الحی القیوم لا ت‬ ‫َ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َّ َ َ ُ َ ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ی‏ء‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫یدیهم وما خلفهم ولا یحیطون ِبش ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َوما فِی الأ ِ‬
‫رض من ذا الذی یشفع ِعنده ِإلا ِب ِإ ِذنهِ یعلم ما بین أ ِ‬
‫ُ َ‬
‫العل ُّی َ‬
‫الع ُ‬ ‫َُُُ ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫كرس ُّی ُه َّ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ظیم)‬ ‫ماوات َوالأرض َولا یؤده ِحفظهما َوه َو ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن ِع ِلمهِ ِإلا ِبما شاء و ِسع‬
‫َ ّ َ َّ َ َ َ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫اهلل َول ُّی َّال َ‬
‫سورة الب َقرة‪ /‬آیه ‪ُ ( 257‬‬
‫‪،213 ،87‬‬ ‫ذین كفروا‬ ‫ور وال‬
‫مات ِإلى الن ِ‬ ‫خر ُج ُهم ِم َن الظل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذین َآمنوا ُی‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ ُ َ ّ َ ُّ ُ‬ ‫َ‬
‫‪295‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ولئك أصحاب الن ِار هم فیها خا ِلدون)‬ ‫مات أ ِ‬ ‫ور ِإلى الظل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُُ‬
‫خرجونهم ِمن الن ِ‬ ‫أ ِولیاؤهم الطاغوت ی ِ‬
‫ُ‬
‫‪56‬‬
‫ََ َ‬
‫لائك ِتهِ‬
‫اهلل وم ِ‬
‫َ ُ‬
‫ؤمنون ك ٌّل َآم َن ِب ِ‬ ‫سول بما أنز َل إ َلیهِ ِمن َر ّبهِ َو ُ‬
‫الم ِ‬
‫َ َ َّ ُ‬
‫سورة ال َب َق َرة‪ /‬آیه ‪( 285‬آمن الر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َوك ُت ِبهِ َو ُر ُس ِلهِ لا ُن َف ّ ِر ُق َب َین أ َح ٍد ِمن ر ُس ِلهِ َوقالوا َس ِمعنا َوأطعنا غفرانك ر ّبنا َو ِإلیك َالمصیر)‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫ُ ُ ُ ََ َ ُ ُ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ُ ّ َ َ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ‬


‫‪267‬‬ ‫نوبكم‬‫غفر لكم ذ‬ ‫سورة آل عمران‪ /‬آیه ‪( 31‬قل ِإن كنتم ت ِحبون اهلل فات ِبعونی‏ ی ِ‬
‫حببكم اهلل وی ِ‬
‫حیم )‬ ‫اهلل َغ ٌ‬
‫فور َر ٌ‬ ‫َو ُ‬

‫عب َد إ َّل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫‪128‬‬ ‫ااهلل‬ ‫ك ِل َمةٍ َس ٍ َ َ َ َ َ ُ ّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪ُ ( 64‬قل یا أ َ‬
‫آل ِ‬‫سورة ِ‬
‫واء بیننا وبینكم أ َلا ن ِ‬ ‫َ‬
‫تاب تعالوا ِإل ‏ى‬ ‫الكَ ِ‬
‫هل ِ‬
‫اشهدوا بأ ّنا ُمسل َ‬ ‫قولوا َ‬ ‫َ ََّ َ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ َ َ ً َ َّ َ َ ُ َ ً‬
‫مون)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ف ِإن تولوا ف‬
‫دون ِ‬‫شرك ِبهِ شیئا َولا یت ِخذ بعضنا بعضا أربابا ِمن ِ‬ ‫ولا ن ِ‬

‫‪281‬‬ ‫ذین َآمنوا َو ُ‬


‫اهلل‬
‫َ َ َّ َ َّ َ ُ َ َ َّ‬
‫النب ُّی َو َّال َ‬ ‫ا‬ ‫هذ‬ ‫و‬ ‫عوه‬ ‫ب‬‫ات‬ ‫ذین‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫براهیم‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫اس‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪( 68‬إ َّن َأ َولی ّ‬
‫الن‬ ‫آل ِ‬
‫سورة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ؤم َ‬
‫نین)‬ ‫َول ُّی ُ‬
‫الم ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ َ ُّ َ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫سورة ِ ِ‬
‫‪200‬‬ ‫الن ُب َّوة ث َّم َیقول‬ ‫آل عمران‪ /‬آیه ‪( 79‬ما كان ِلبش ٍر أن ُی ِؤت َیه اهلل ِ‬
‫الكتاب والحكم و‬
‫ُ ُ ُ ّ َ‬ ‫لكن كونوا َر ّب ِان ّی َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الك َ‬
‫تاب َو ِبما‬ ‫ین ِبما كنتم ت َع ِلمون ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َو ِ‬
‫دون ِ‬
‫ِللن ِاس كونوا ِعبادا لی‏ ِمن ِ‬
‫سون)‬‫در َ‬ ‫ُك ُنتم َت ُ‬

‫‪246‬‬
‫َ ُ‬
‫كمةٍ ث َّم‬‫تاب َو ِح‬
‫َ َّ ّ َ َ َ ُ ُ‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪َ ( 81‬و إذ َأ َخ َذ ُ‬ ‫آل ِ‬
‫سورة ِ‬
‫ك ٍ‬‫ین لما آتیتكم ِمن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل میثاق الن ِب ِی‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ َّ َ‬ ‫َ َ ُ َُ ُ َ‬ ‫ّ ٌ‬ ‫َُ َ ٌ‬
‫نص ُرن ُه قال أ أ َقر رتم َوأخذتم َعلى‏ ِذلكم ِإصری‬ ‫ؤمن ّن ِبهِ ولت‬
‫جاءكم رسول ُم َص ِدق ِلما معكم لت ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫قال َف َ‬
‫َ‬
‫اشهدوا َوأنا َم َعكم ِم َن الش ِاه َ ‏‬
‫دین)‬ ‫قالوا أ َقر رنا‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪225‬‬ ‫مددكم َر ّبكم‬
‫ور ِهم هذا ُی ِ‬ ‫َ‬
‫سورة آل عمران‪ /‬آیه ‪( 125‬بلى‏ ِإن ت ِ‬
‫صبروا وتتقوا ویأتوكم ِمن ف ِ‬
‫لائ َكةِ ُم َس ّو َ‬
‫مین)‬ ‫آلاف ِم َن َ‬
‫الم ِ‬ ‫ب َخ َ‬
‫مسةِ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ n312‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ضاع َف ًة َو َّات ُقوا َ‬
‫ضعافا ُم َ‬ ‫َ ُ ُ ّ‬
‫الر َبوا أ‬ ‫ُّ َ ّ َ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪38‬‬ ‫اهلل‬ ‫سورة آل عمران‪ /‬آیه ‪( 130‬یا أیها الذین آمنوا لا تأكلوا ِ‬
‫َل َع َّل ُكم ُتفل َ‬
‫حون)‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ُّ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫آل ِ‬
‫‪38‬‬ ‫لكاف َ ‏‬
‫رین)‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪َ ( 131‬و اتقوا النار التی‏ أ ِعدت ِل ِ‬ ‫سورة ِ‬

‫َ َ َّ ُ‬
‫الرسول ل َعلكم ُت َ‬ ‫َ‬ ‫آل ِ‬
‫‪38‬‬ ‫رح َ‬
‫مون)‬ ‫اهلل َو َّ‬
‫طیعوا َ‬
‫ عمران‪ /‬آیه ‪َ ( 132‬و أ ُ‬ ‫سورة ِ‬

‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪َ ( 133‬و سارعوا إلى‏ َمغف َرةٍ من َر ّب ُكم َو َج َّن َع ُ‬
‫رض َها َّ‬ ‫آل ِ‬‫سورة ِ‬
‫‪39‬‬ ‫ماوات َوالأرض‬‫الس‬ ‫ةٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫أ ِع َّدت ِل ُلم َّت َ‬
‫قین)‬
‫َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫آل ِ‬
‫‪41‬‬ ‫العافین َع ِن‬
‫َ‬ ‫مین الغیظ َو‬ ‫الكاظ‬ ‫قون فی َّ‬
‫الس ّر ِاء َوالض ّر ِاء َو ِ‬
‫ذین ُینف َ‬
‫ عمران‪ /‬آیه ‪( 134‬أل َ ِ‬ ‫سورة ِ‬
‫ِ‬
‫حس َ‬
‫نین)‬ ‫اهلل ُی ِح ُّب ُ‬
‫الم ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫الناس َو ُ‬

‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ً َ َ َ َ ُ‬ ‫( َ َّ َ َ‬ ‫آل ِ‬
‫سورة ِ‬
‫‪42‬‬ ‫استغفروا‬ ‫فاحشة أو ظلموا أنف َس ُهم ذك ُر وا اهلل ف‬ ‫ذین ِإذا ف َعلوا ِ‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪ 135‬و ال‬
‫عل َ‬ ‫ََ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ُ ُّ َ ّ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫مون)‬ ‫اهلل َولم ُی ِص ّر وا َعلى‏ ما فعلوا وهم ی‬ ‫غفر الذنوب ِإلا‬‫نوب ِهم ومن ی ِ‬‫ِلذ ِ‬
‫َ َ َ‬
‫الأ ُ‬ ‫َّ ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫(ُ َ َ ُ ُ َ ٌ‬ ‫آل ِ‬
‫سورة ِ‬
‫‪42‬‬ ‫نهار‬ ‫غف َرة ِمن ر ِّب ِهم َو َجنات تجری ِمن ت ِ‬
‫حتها‬ ‫ولئك جزاؤهم م ِ‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪ 136‬أ ِ‬
‫َ‬
‫لین)‬‫العام َ‬ ‫عم أ ُ‬
‫جر ِ‬ ‫خا ِل َ‬
‫دین فیها َو ِن َ‬

‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫آل ِ‬
‫‪223 ،91 ،63‬‬ ‫ؤم َ‬
‫نین)‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حزنوا َوأنت ُم الأعلون ِإن كنتم ُم ِ‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪َ ( 139‬و لا ت ِهنوا ولا ت‬ ‫سورة ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪182‬‬ ‫ثیر َفما َو َهنوا ِلما أ َ‬
‫صاب ُهم فی‏‬ ‫ك ٌ‬‫َ ّ َ َ ََ ُ ّّ َ َ‬
‫ عمران‪ /‬آیه ‪َ ( 146‬و كأ ِّین ِمن ن ِب ٍی قاتل معه ِربیون‬ ‫آل ِ‬‫سورة ِ‬
‫اهلل ُی ِح ُّب ّ‬
‫الصاب َ‬
‫رین)‬ ‫َسبیل اهلل َوما َض ُعفوا َو َما َ‬
‫استكانوا َو ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫َ َُ ََ ُ َ َّ ً َ َ َ‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪َ ( 159‬فبما َر َ‬ ‫آل ِ‬‫سورة ِ‬
‫‪304‬‬ ‫لب‬‫اهلل ِلنت لهم ولو كنت فظا غلیظ الق ِ‬ ‫حمةٍ ِم َن ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫است ِ ُ َ‬ ‫اعف َع ُنهم َو َ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ َ ّ‬
‫مر ف ِإذا عزمت فتوكل علی ِ‬
‫اهلل‬ ‫شاورهم فِی الأ ِ‬
‫غفر لهم و ِ‬ ‫لانفضوا ِمن حو ِلك ف‬
‫لین)‬‫الم َت َوِّك َ‬ ‫إ َّن َ‬
‫اهلل ُی ِح ُّب ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪َ ( 164‬ل َقد َم َّن ُ‬
‫‪192 ،73‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫فیهم َرسولا ِمن أنف ِس ِهم َیتلوا‬
‫َ ََ َ‬ ‫اهلل َع َلى ُ‬ ‫آل ِ‬‫سورة ِ‬
‫ؤمنین ِإذ بعث ِ‬ ‫الم ِ‬
‫َ‬
‫بل لفی‏ َض ُ‬ ‫كم َة َو إن كانوا ِمن َق ُ‬ ‫ّ‬ ‫ََُ ّ‬ ‫َ‬
‫بین)‬‫لال م ٍ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الح َ‬
‫تاب َو ِ‬ ‫الك َ‬‫ك ِیهم َو ُی َع ِل ُم ُه ُم ِ‬ ‫َعل ِیهم ِ‬
‫آیاتهِ ویز ِ‬
‫َ‬ ‫َ َُُ َ‬
‫رح ِل َّل َ‬
‫ذین أ َ‬ ‫الق ُ‬ ‫سول ِمن َب ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪152‬‬ ‫حسنوا‬ ‫عد ما أصابهم‬ ‫سورة آل عمران‪ /‬آیه ‪( 172‬الذین استجابوا هلِل َوالر ِ‬
‫َ‬
‫ِم ُنهم َو َّات َقوا أ ٌ‬
‫جر َع ٌ ‏‬
‫ظیم)‬
‫فهرس اآليات ‪313n‬‬

‫وهم َف َ‬ ‫( َّ َ َ َ ُ ُ ّ ُ َّ ّ َ َ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫آل ِ‬
‫‪152‬‬ ‫زاد ُهم‬ ‫اخش ُ‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪ 173‬الذین قال لهم الناس ِإن الناس قد جمعوا لكم ف‬ ‫سورة ِ‬
‫عم َ‬ ‫سب َنا ُ‬
‫اهلل َو ِن َ‬ ‫ً‬
‫ایمانا َوقالوا َح ُ‬
‫كیل)‬
‫الو ُ‬

‫‪53‬‬ ‫سوء َو َّات َبعوا ر َ‬


‫ضوان‬ ‫اهلل َو َفضل َلم َی َ‬
‫مس ُ‬
‫سهم ٌ‬ ‫انق َلبوا ب ِن َ‬
‫عمةٍ ِم َن ِ‬
‫(َ َ‬
‫ عمران‪ /‬آیه ‪ 174‬ف‬‫آل ِ‬
‫سورة ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ظیم)‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ضل ع ٍ‬ ‫اهلل واهلل ذو ف ٍ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ َ ُّ َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫آل ِ‬
‫سورة ِ‬
‫‪53‬‬ ‫خافون ِإن‬
‫ِ‬ ‫خافوهم َو‬‫یاء ُه فلا ت‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪ِ ( 175‬إنما ِذلك ُم الشیطان یخ ِوف أ ِول‬
‫ؤم َ‬ ‫ُ ُ‬
‫نین)‬ ‫كنتم ُم ِ‬
‫َ َ ً‬
‫یئا ُی ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َّ َ‬
‫فر ِإن ُهم لن َی ُض ّر وا اهلل ش‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ َّ َ ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪54‬‬ ‫رید‬ ‫سارعون فِی الك ِ‬‫سورة آل عمران‪ /‬آیه ‪( 176‬و لا یحزنك الذین ی ِ‬
‫الآخ َرةِ َو َل ُهم َعذ ٌاب َع ٌ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ َّ َ َ َ‬
‫ظیم)‬ ‫جع َل ل ُهم َحظا فِی ِ‬ ‫اهلل ألا ی‬
‫َّ َ َّ َ‬ ‫رض َ‬ ‫َ َ‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪( 190‬إ َّن فی َخلق َّ‬ ‫آل ِ‬
‫سورة ِ‬
‫‪163 ،58‬‬ ‫آیات‬
‫هار ل ٍ‬‫یل والن ِ‬ ‫ِ‬ ‫الل‬ ‫لاف‬
‫ِ‬ ‫اخت‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫الأ‬ ‫ماوات و‬
‫ِ‬ ‫الس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫لباب)‬ ‫ِلأ ِولی الأ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ‬ ‫ًَُ ًَ َ ُ‬ ‫َّ َ َ ُ َ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪58‬‬ ‫لق‬ ‫سورة آل عمران‪ /‬آیه ‪( 191‬الذین یذكرون اهلل ِقیاما وقعودا وعلى‏ ج ِ‬
‫نوب ِهم ویتفكرون فی‏ خ ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫بحان َك َف ِقنا َعذ َاب ّالن ِار)‬
‫ً ُ َ‬ ‫َ‬
‫رض َر ّبنا ما خلقت هذا ِ‬
‫باطلا س‬ ‫ماوات َوالأ ِ‬
‫َّ‬
‫الس ِ‬
‫َ‬ ‫َ َُ َ ّ‬ ‫ّ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫آل ِ‬
‫‪59‬‬ ‫نصار)‬ ‫َ‬ ‫ عمران‪ /‬آیه ‪( 192‬ر ّبنا ِإنك َمن ت ِ‬ ‫سورة ِ‬
‫دخ ِل النار فقد أخزیته وما ِللظ ِالمین ِمن أ ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ً‬ ‫َ َ َّ‬ ‫آل ِ‬
‫‪59‬‬ ‫لایمان أن ِآمنوا ِب َر ِّبكم ف َآم ّنا َر ّبنا‬ ‫نادیا ُینادی ِل‬
‫ عمران‪ /‬آیه ‪( 193‬ر ّبنا ِإننا َس ِمعنا م ِ‬ ‫سورة ِ‬
‫ِ‬
‫َ َ َ َّ َ َ َ‬ ‫ّ َّ‬ ‫َ‬ ‫اغفر َلنا ُذ َ‬ ‫َ‬
‫برار)‬
‫ئاتنا وتوفنا مع الأ ِ‬ ‫نوبنا َوك ِفر عنا َس ِ ّی ِ‬ ‫ف ِ‬
‫ّ َ‬
‫متم َب َ‬ ‫َّ َ َ ُ ُ ُ َ ُ َ ُّ َ‬
‫الأمانات إلى‏ َأهلها َو إذا َح َك ُ‬
‫‪285‬‬ ‫الن ِاس أن‬ ‫ین‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪ِ ( 58‬إن اهلل یامركم أن تؤدوا‬
‫َ َ ًَ ً‬ ‫اهلل نع ّما َیع ُظ ُكم بهِ إ َّن َ‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫اهلل كان سمیعا بصیرا)‬ ‫ِ ِ‬ ‫دل ِإن ِ ِ ِ‬ ‫تحكموا ِبالع ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪285‬‬
‫ُ‬
‫مر ِمنكم‬
‫َ‬
‫الأ‬ ‫ی‬ ‫ول‬ ‫أ‬ ‫و‬‫الرسول َ‬ ‫طیعوا ّ‬‫اهلل َوأ ُ‬ ‫وا‬ ‫ذین َآمنوا أ ُ‬
‫طیع‬ ‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪( 59‬یا أ ُّی َها َّال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ّ َ‬ ‫َفإن َت َ‬
‫ناز ُ‬
‫الآخ ِر ذ ِلك خ ٌیر‬
‫وم ِ‬ ‫اهلل َو َ‬
‫الی ِ‬ ‫ؤمنون ِب ِ‬‫سول ِإن كنتم ت ِ‬ ‫اهلل َوالر ِ‬ ‫یء ف ُرد ُوه ِإلى ِ‬
‫عتم فی‏ ش ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َوأحسن تأویلا)‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫مون َأ َّن ُهم َآمنوا بما ُأنز َل إ َل َ‬
‫زع َ‬ ‫َ‬
‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪( 60‬أ َلم َت َر إ َلى َّال َ‬
‫ذین َی ُ‬
‫‪286‬‬ ‫یك َوما أ ِنزل ِمن ق ِبلك‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫یطان أن ُی ِضل ُهم‬ ‫رید الش‬ ‫اغوت َوقد أ ِمروا أن َیكفروا ِبهِ وی‬ ‫ُیریدون أن َیتحاكموا ِإلى الط ِ‬
‫ً‬ ‫َ ً‬
‫لالا َبعیدا)‬ ‫ض‬
‫‪ n314‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫‪39‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫نون َحتَّى ُی َح ّك َ‬
‫موك فیما ش َج َر َب َین ُهم ث َّم لا َی ِجدوا فی‏‬ ‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪َ ( 65‬فلا َو َر ّب َك لا ُیؤم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ََ ً ّ َ َ َ ََُ ّ َ‬ ‫َ‬
‫أ ُنف ِس ِهم حرجا ِمما قضیت ویس ِلموا تسلیما)‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪َّ ( 76‬ال َ ُ‬
‫‪290‬‬ ‫بیل‬ ‫َ‬
‫قاتلون فی‏ س ِ‬ ‫ذین كف ُر وا ُی ِ‬ ‫اهلل وال‬
‫بیل ِ‬ ‫َ‬
‫قاتلون فی‏ س ِ‬ ‫ذین َآمنوا ُی ِ‬
‫ً‬ ‫َّ َ َ َّ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫كان َضعیفا)‬‫َ‬ ‫یطان‬
‫یطان ِإن كید الش ِ‬ ‫یاء الش ِ‬ ‫قاتلوا أ ِول‬
‫اغوت ف ِ‬
‫ّ‬
‫الط ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ َّ َ َ َ ّ ُ ُ َ َ ُ‬
‫‪304‬‬ ‫فیم ك ُنتم قالوا ك ّنا‬ ‫ظالمی‏ أنف ِس ِهم قالوا‬‫لائكة ِ‬‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪ِ ( 97‬إن الذین توفاهم الم ِ‬
‫َ ُ َ َ ُ َ َ ّ َُ‬ ‫َ ً َُ‬ ‫َ َ َ ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ضع َ‬
‫ست َ‬‫ُم َ‬
‫ولئك مأواهم جهنم‬ ‫هاجروا فیها فأ ِ‬‫واسعة فت ِ‬ ‫اهلل ِ‬
‫رض قالوا أ لم تكن أرض ِ‬ ‫فین فِی الأ ِ‬
‫ً‬
‫ساءت َمصیرا)‬‫َو َ‬

‫َ ًَ‬ ‫َ‬
‫طیعون حیلة َولا‬ ‫ساء َوالولدان لا َی َ‬ ‫َ ّ‬ ‫ّ ُ َ َ َ َ ّ‬
‫‪305‬‬ ‫ست‬ ‫الن ِ ِ ِ‬ ‫جال و ِ‬ ‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪ِ ( 98‬إلا المستضعفین ِمن ِ‬
‫الر ِ‬
‫َ َ َ َ ً‬
‫بیلا)‬‫یهتدون س‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪305‬‬ ‫اهلل َع ُف ًّوا َغفورا)‬ ‫ُ َ ُ‬
‫عف َو َع ُنهم َو َ‬
‫كان ُ‬ ‫ولئ َك َع َسى اهلل أن ی‬
‫َ‬
‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪( 99‬فأ ِ‬
‫ُ َ ً َ ً‬
‫ثیرا َو َس َع ًة َو َمن َی ُ‬ ‫َ‬
‫‪305‬‬ ‫خرج‬ ‫رض مراغما ك‬ ‫اهلل َی ِجد فِی الأ ِ‬ ‫بیل ِ‬ ‫َ‬
‫هاجر فی‏ س ِ‬
‫َ َ ُ‬
‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪( 100‬و من ی ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫جر ُه َع َلى اهلل َو َ‬ ‫َ‬ ‫من َبیتهِ ُمهاج ًرا إ َلى اهلل َو َرسولهِ ُث َّم ُیدر ُ‬
‫اهلل َغفورا َرحیما)‬ ‫كان ُ‬
‫ِ‬ ‫وت َف َقد َو َق َع أ ُ‬
‫الم ُ‬
‫كه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬

‫‪293 ،291‬‬ ‫َ َ َّ َ َ َ‬ ‫َّ َ‬


‫سول ِمن َب ِ َ َ َّ َ َ ُ ُ‬ ‫شاق ِق الر‬ ‫ُ‬
‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪َ ( 115‬و َمن ی ِ‬
‫عد ما تبین له الهدى‏ ویت ِبع غیر س ِ‬
‫بیل‬
‫ً‬
‫ساءت َمصیرا)‬‫صلهِ َج َه َّن َم َو َ‬ ‫َ ُ ّ َ َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫نین ن َو ِلهِ ما ت َولى َون ِ‬ ‫ؤم‬
‫الم ِ‬

‫‪294‬‬ ‫شرك‬ ‫َ َ َ َ ُ ََ ُ‬ ‫غف ُر َأن ُی َ‬


‫شر َك بهِ َو َی ِ ُ‬ ‫َّ َ‬
‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪ِ ( 116‬إن اهلل لا َی ِ‬
‫غفر ما دون ذ ِلك ِلمن یشاء ومن ی ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ َ َ َّ َ ً‬
‫لالا َبعیدا)‬‫اهلل فقد ضل ض‬ ‫ِب ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪294‬‬ ‫دعون ِإلا َشیطانا َمریدا)‬
‫دعون من دونهِ إلا إناثا َو إن َی َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪( 117‬إن َی َ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ َ َّ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫‪294‬‬ ‫باد َك َنصیبا َمفروضا)‬ ‫َُ ُ‬
‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪( 118‬ل َعنه اهلل َوقال لأت ِخذن ِمن ِع ِ‬
‫َ َ ُ َّ‬ ‫َ َ ُ َّ َّ ُ َ َ ُ َ ّ َ َّ ُ َ َ ُ َّ ُ َ َ َ ّ ُ َ َ َ‬
‫‪294‬‬ ‫آم َرن ُهم‬ ‫آم َرنهم فل ُیب ِتك ّن آذان الأ ِ‬
‫نعام ول‬ ‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪( 119‬و لأ ِضلنهم ولأم ِنینهم ول‬
‫ً ُ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ َ َ ُ َّ َ َ‬
‫اهلل فقد خ ِسر خسرانا مبینا)‬ ‫دون ِ‬ ‫فل ُیغ ِّیرن خلق ِ‬
‫اهلل َومن یت ِخ ِذ الشیطان َو ِل ّیا ِمن ِ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫‪295‬‬ ‫یطان ِإل ُاغرورا)‬ ‫َ َ ُ ُُ ّ‬
‫الش ُ‬ ‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪َ ( 120‬ی ِع ُد ُهم َو ُی َم ّن ِیهم وما ی ِعدهم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪86‬‬ ‫الن ُاس َقد َ‬
‫جاءكم ُب ٌ‬
‫رهان ِمن َر ِّبكم َوأ َنزلنا ِإلیكم نورا ُمبینا)‬ ‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪( 174‬یا أ ُّی َها ّ‬
‫فهرس اآليات ‪315n‬‬

‫َ‬
‫‪86‬‬ ‫ضل‬
‫ُ ََ‬ ‫َ َ‬ ‫اعت َصموا بهِ َف َس ُی ِ ُ ُ‬ ‫سورة النِّساء‪ /‬آیه ‪َ ( 175‬فأ َّما َّال َ‬
‫ذین َآمنوا باهلل َو َ‬
‫دخلهم فی‏ رحمةٍ ِمنه وف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ً ُ َ ً‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ستقیما)‬ ‫هدیهم ِإلیهِ ِصراطا م‬
‫وی ِ‬
‫ّ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫سورة ِ‬
‫‪144 ،38‬‬ ‫اهلل َوأ ِح ّب ُاؤ ُه قل ف ِل َم ُی َع ِذ ُبكم‬ ‫بناء ِ‬‫حن أ ُ‬ ‫النصارى‏ َن ُ‬ ‫املائدَ ة‪ /‬آیه ‪َ ( 18‬و قال ِت الیهود و‬
‫َ َ‬ ‫لك َّ‬ ‫ُ َ ُ َ َ ٌ َّ َ َ َ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ ّ ُ َ َ ُ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫رض‬‫ماوات والأ ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫غفر ِلمن یشاء ویع ِذب من یشاء وهلِل م‬ ‫نوبكم بل أنتم بشر ِممن خلق ی ِ‬ ‫ِبذ ِ‬
‫الم ُ‬
‫صیر)‬ ‫َوما َب َین ُهما َو إ َلیهِ َ‬
‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ ُ‬ ‫ُ ُ َ َ ُ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫‪225‬‬ ‫اهلل لكم َولا ترت ّدوا َعلى‏‬ ‫المق ّد َسة التی‏ كتب‬ ‫وم ادخلوا الأرض‬ ‫سورة املائدَ ة‪ /‬آیه ‪( 21‬یا ق ِ‬
‫رین)‬ ‫خاس َ‬ ‫َ ُ ََ َ‬
‫دباركم فتنق ِلبوا ِ‬ ‫أ ِ‬
‫َ َ َ َ َُ َ َ‬ ‫ّ َ َ َُ َ ً‬ ‫سورة ِ‬
‫‪49‬‬ ‫املائدَ ة‪ /‬آیه ‪( 24‬قالوا یا موسى‏ ِإنا لن ندخلها أ َبدا ما داموا فیها فاذهب أنت َور ّبك ف ِ‬
‫قاتلا‬
‫دون)‬‫هاهنا قاع َ‬ ‫إ ّنا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪267‬‬ ‫عض‬ ‫عض ُهم أ ِول ُ َ‬
‫یاء ب ٍ‬ ‫النصارى‏ أ ِولیاء َب‬
‫َ َّ ُ َ َ َ َّ‬
‫ذین َآمنوا لا تت ِخذوا الیهود و‬ ‫املائدَ ة‪ /‬آیه ‪( 51‬یا أ ُّی َها َّال َ‬ ‫سورة ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ َ َّ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫مین)‬ ‫الظال َ‬ ‫وم ِ‬ ‫الق َ‬ ‫هدی‬ ‫َو َمن َیت َول ُهم ِمنكم‏ ف ِإنه ِم ُنهم‏ ِإن اهلل لا َی ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َّ َ ُ‬ ‫ِ‬
‫قولون َنخشى‏ أن ُت َ‬ ‫َ‬ ‫فیهم‏ َی‬ ‫َ‬ ‫لوب ِهم َم َرض ُی‬
‫‪267‬‬ ‫صیبنا‬ ‫سارعون ِ‬ ‫ِ‬ ‫سورة املائدَ ة‪ /‬آیه ‪( 52‬فترى الذین فی‏ ق ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ُ َ َ‬
‫َ‬
‫َِ ََ َ‬
‫مین)‬‫ناد َ‬ ‫یصبحوا َعلى‏ ما أ َس ّر وا فی‏ أنف ِس ِهم ِ‬ ‫نده ف ِ‬ ‫مر ِمن ِع ِ‬ ‫دائرة فعسى اهلل أن یأتِی ِبالف ِتح أو أ ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َّ َ‬
‫‪267‬‬
‫َّ َ ُ‬
‫یمان ِهم ِإن ُهم ل َم َعكم‬‫اهلل َجهد أ ِ‬ ‫قسموا ِب ِ‬ ‫ذین أ َ‬ ‫لاء ال َ‬
‫ذین َآمنوا أ هؤ ِ‬ ‫قول َّال َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫املائدَ ة‪ /‬آیه ‪( 53‬و ی‬ ‫سورة ِ‬
‫َ َ ُ ََ‬
‫رین)‬ ‫خاس َ‬ ‫صبحوا ِ‬ ‫َحبطت أعمال ُهم فأ َ‬
‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫نكم َعن ِ َ َ َ‬ ‫َ ُّ َ َّ َ َ َ َ َ َّ ُ‬ ‫سورة ِ‬
‫‪267‬‬ ‫وم ُی ِح ُّب ُهم‬
‫دینهِ ف َسوف یأتِی اهلل ِبق ٍ‬ ‫املائدَ ة‪ /‬آیه ‪( 54‬یا أیها الذین آمنوا من یرتد ِم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫لائ ٍم ذ ِلك‬ ‫ومة ِ‬
‫َ‬
‫خافون ل َ‬ ‫اهلل َولا َی‬
‫بیل ِ‬ ‫رین ُی ِ َ َ‬ ‫الكاف َ‬ ‫َ َ‬
‫نین أ ِع ّزةٍ َعلی ِ‬ ‫ؤم‬ ‫َو ُی ِح ّب َون ُه أ ِذلةٍ َعلى ُ‬
‫الم ِ‬
‫جاهدون فی‏ س ِ‬
‫واس ٌع َع ٌ‬ ‫ضل اهلل ُیؤتیهِ َمن َی ُ ُ‬ ‫َ‬
‫لیم)‬ ‫شاء َواهلل ِ‬ ‫ف ُ ِ‬

‫‪282 ،268‬‬ ‫َ َّ َ‬
‫لاة َو ُی َ‬
‫ؤتون‬ ‫ذین َآم ُنوا َّال َ‬
‫ذین ُیقیمون الص‬ ‫سول ُه َو َّال َ‬
‫َّ َ ُّ ُ ُ ُ َ َ ُ‬ ‫سورة ِ‬
‫املائدَ ة‪ /‬آیه ‪ِ( 55‬إنما و ِلیكم اهلل ور‬
‫َ‬
‫كاة َو ُهم راك َ‬
‫عون)‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫الز‬

‫زب اهلل ُه ُم الغال َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫سورة ِ‬


‫املائدَ ة‪ /‬آیه ‪َ ( 56‬و َمن َی َت َول َ‬
‫اهلل َو َرسول ُه َوال َ‬ ‫َّ‬
‫‪269‬‬ ‫بون)‬ ‫ِ‬ ‫ذین َآمنوا ف ِإن ِح َ ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫( َ ُّ َ َّ َ َ َّ َ َ‬ ‫سورة ِ‬
‫‪162‬‬ ‫زلام ر ٌ‬
‫جس ِمن‬ ‫ِ‬
‫الأ ُ‬ ‫یس ُر َوالأنصاب و‬ ‫مر َو َ‬
‫الم ِ‬ ‫الخ ُ‬ ‫املائدَ ة‪ /‬آیه ‪ 90‬یا أیها الذین آمنوا ِإنما‬
‫َ‬
‫بوه َل َع ّل ُكم ُتفل َ‬ ‫َّ‬
‫الشیطان َف َ‬
‫حون)‬ ‫ِ‬ ‫اجت ِن ُ‬
‫ِ‬ ‫َع َم ِل‬
‫‪ n316‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫‪59‬‬ ‫الرسول قالوا َح ُ‬


‫سبنا ما َو َجدنا‬ ‫عالوا إلى‏ ما َأ َنز َل ُ‬
‫اهلل َو إ َلى َّ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫سورة ِ‬
‫املائدَ ة‪ /‬آیه ‪َ ( 104‬و ِإذا قیل لهم ت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫یئا َولا َی َهت َ‬
‫دون)‬ ‫آباؤ ُهم لا یعلمون ش‬‫كان ُ‬
‫َ‬ ‫َع َلیهِ َ‬
‫آباءنا أ َولو‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ََ ََ َ ُ َ ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪200‬‬ ‫ین‬ ‫سورة املائدَ ة‪ /‬آیه ‪( 116‬و ِإذ قال اهلل َیا َعیسى ابن مریم أ أنت قلت ِللن ِاس ات ِخذونی‏ وأ ِم َی ِإله ِ‬
‫ُ ُ ُ ُُ ََ َ َ َ َ‬ ‫قول ما َل َ‬‫َ‬ ‫بحان َك ما َی ُ‬‫َ ُ َ‬
‫مت ُه تعل ُم‬ ‫یس لی‏ ِب َح ّ ٍق ِإن كنت قلته فقد ع ِل‬ ‫كون لی‏ أن أ‬ ‫اهلل قال س‬
‫دون ِ‬ ‫ِمن ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫یوب)‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فسك ِإنك أنت علام الغ ِ‬ ‫ما فی‏ نفسی‏ ولا أعلم ما فی‏ ن ِ‬

‫الع ُ‬ ‫میع َ‬ ‫النهار َو ُه َو َّ‬


‫الس ُ‬ ‫َّ َ َّ‬ ‫َ َُ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫‪286‬‬ ‫لیم)‬ ‫یل و ِ‬ ‫سورة األنعام‪ /‬آیه ‪( 13‬و له ما سكن فِی الل ِ‬
‫خاف ما ُتشر َ‬ ‫ََ َ َ َ ُ‬ ‫َ َّ ُ َ ُ ُ َ َ ُ ّ ّ‬
‫‪96‬‬ ‫كون ِبهِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل وقد هد ِان ولا أ‬‫حاجونی فِی ِ‬ ‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪( 80‬و حاجه قومه قال أ ت‬
‫ً َ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬
‫رون)‬‫َ‬
‫ی‏ء ِعلما أ فلا تتذك ‏‬
‫ُ َ‬ ‫إ ّلا أن َی َ‬
‫شاء َربّی شیئا َو ِس َع َربّی ك َّل ش ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬
‫اهلل ما لم ُین ّ ِزل‬ ‫َ َ َّ ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫‪96‬‬ ‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪َ ( 81‬و كیف أخاف ما أشركتم َولا تخافون أنكم أشركتم ِب ِ‬
‫عل َ‬ ‫ُ ُ َ َ‬ ‫ً َ َ ُّ َ َ َ َ ُّ َ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫مون)‬ ‫من ِإن كنتم ت‬‫ین أحق ِبالأ ِ‬ ‫ِبهِ علیكم سلطانا فأی الفریق ِ‬
‫من َو ُهم ُم َهت َ‬ ‫َُ ُ ُ َ َُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪َّ ( 82‬ال َ‬
‫‪95 ،64‬‬ ‫دون)‬ ‫الأ ُ‬ ‫ذین َآمنوا َولم َی ِلبسوا ایمانهم ِبظ ٍلم أ ِ‬
‫ولئك لهم‬

‫ُ‬ ‫ُ ّ َ ّ َ ُ ًّ َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫‪214 ،124‬‬ ‫الج ِّن یوحی‏ َبعض ُهم‬ ‫َ‬
‫الإ ِنس و ِ‬
‫َ‬
‫سورة األنعام‪ /‬آیه ‪( 112‬و كذ ِلك جعلنا ِلك ِل ن ِب ٍی عدوا شیاطین ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫رون)‬‫لوه فذرهم َوما َیفت ‏‬ ‫شاء ر ّبك ما ف َع ُ‬ ‫ول غرورا َولو َ‬ ‫ُ‬
‫عض زخرف الق ِ‬
‫َ‬
‫ِإلى‏ ب ٍ‬
‫َ‬
‫‪214‬‬ ‫َ‬ ‫نون بالآخ َرةِ َول َی َ‬
‫رض ُوه َو ِل َیقت ِرفوا ما‬ ‫ِ‬ ‫ؤم ِ ِ‬
‫َ‬
‫ذین لا ُی ِ‬‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪َ ( 113‬و ِل َتصغى‏ إ َلیهِ أ ِفئ َد ُة َّال َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ُهم ُمقت ِر َ ‏‬
‫فون)‬
‫تاب ُم َف َّص ًلا َو َّال َ‬ ‫َ ً ُ َّ َ َ َ ُ‬ ‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪َ ( 114‬أ َف َغ َیر َ َ‬
‫‪134‬‬ ‫ذین‬ ‫اهلل أبتغی‏ َحكما َوه َو الذی أ َنزل ِإلیك ُم ِ‬
‫الك َ‬ ‫ِ‬
‫َ ّ َ َ َ َّ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َّ َ َ ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫مت َ‬
‫رین)‬ ‫مون أن ُه ُمن ّزل ِمن ر ِبك ِبالح ِق فلا تكونن ِمن الم‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫آتیناه ُم ِ‬
‫الكتاب یعل‬
‫َ‬
‫دلا لا ُم َب ّدل ل َكلماتهِ َو ُه َو َّ‬
‫ََ ً‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫‪134‬‬ ‫میع َ‬
‫الع ُ‬
‫لیم)‬ ‫الس ُ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪َ ( 115‬و ت َّمت ك ِل َمة َر ِّب َك ِصدقا وع‬
‫َ َّ َ َّ‬
‫وك َعن َ‬ ‫الأرض ُیض ّل َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫كث َر َ‬
‫‪134‬‬ ‫عون ِإلا‬ ‫اهلل ِإن یت ِب‬
‫بیل ِ‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ی‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪( 116‬و ِإن ت ِطع أ‬
‫َّ‬
‫الظ َّن َو إن ُهم إ ّلا َی ُ‬
‫خر َ ‏‬
‫صون)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َهت َ‬
‫َ‬
‫بیلهِ َو ُه َو أ َعل ُم ب ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ ُ َ َ‬
‫‪135‬‬ ‫دین)‬ ‫ِ‬ ‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪ِ( 117‬إن ر ّبك ه َو أعل ُم َمن َی ِض ُّل عن َس ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫‪135‬‬ ‫ؤم َ‬
‫نین)‬ ‫اهلل َعلیهِ ِإن كنتم ِب ِ‬
‫آیاتهِ ُم ِ‬ ‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪( 118‬فكلوا ِم ّما ذ ِ‬
‫ك َر ُ‬
‫اسم ِ‬
‫فهرس اآليات ‪317n‬‬

‫َ َ َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َّ َ ُ‬
‫‪136‬‬ ‫اهلل َعلیهِ َوقد ف ّص َل لكم ما َح َّر َم‬ ‫اسم ِ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪َ ( 119‬و ما لكم ألا تأكلوا ِم ّما ذ ِ‬
‫عت َ‬ ‫الم َ‬ ‫َّ َ َّ َ ُ َ َ َ‬
‫عل ُم ب ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ً َ ّ َ َ‬ ‫ََ ُ ّ َ ُ ُ َ‬
‫دین)‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫لم‬
‫ٍ‬ ‫ع‬‫ِ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬‫یر‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫هوائ‬
‫ِ‬ ‫أ‬‫اضط ِر رتم ِإلیهِ َو ِإن كثیرا ل ُی ِضلون ِب‬ ‫علیكم ِإلا ما‬

‫‪136‬‬ ‫ون ِبما‬ ‫جز َ‬‫بون الإ َثم َس ُی َ‬ ‫ذین َیكس َ‬ ‫باط َن ُه إ َّن َّال َ‬ ‫َ‬ ‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪َ ( 120‬و َذروا ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الإ ِثم و ِ ِ‬ ‫ظاهر ِ‬
‫فون)‬‫قتر َ‬ ‫َ َ‬
‫كانوا ی ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫‪136‬‬ ‫حیای َو َمماتی‏ هلِل َر ّب العال َ‬
‫مین)‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪( 162‬قل ِإ ّن َصلاتی‏ َون ُسكی‏ َو َم‬

‫سل َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫رت َوأ َنا أ َّول ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سورة األَنعام‪ /‬آیه ‪( 163‬لا َش َ‬
‫ریك ل ُه َوبذل َك أم ُ‬
‫‪136‬‬ ‫مین)‬ ‫الم ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬

‫‪134‬‬ ‫رض فی‏ س َّتةِ َأ ّیام ُث َّم َ‬‫َ َ َ‬ ‫اهلل َّالذی َخ َل َق َّ‬
‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪( 54‬إ َّن َر َّب ُك ُم ُ‬
‫استوى‏‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ماوات والأ‬ ‫ِ‬
‫جوم ُم َس َّخرات ب َأمرهِ َألا َلهُ‬‫َ‬ ‫َّ َ َّ َ َ ُ ُ ُ َ ً َ َّ َ َ َ َ َ َ ُّ‬
‫غشی اللیل النهار یطلبه حثیثا والشمس والقمر والن‬ ‫رش ُی ِ‬ ‫َع َلى َ‬
‫ٍ ِ ِ‬ ‫الع ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫الأ ُمر َت َ‬
‫بار َك ُ‬
‫العال َ‬
‫مین)‬ ‫اهلل َر ُّب‬ ‫الخلق و‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬
‫‪204‬‬
‫َ‬
‫اهلل ما لكم ِمن ِإلهٍ غ ُیر ُه‬ ‫اعب ُدوا‬
‫وم ُ‬‫ومهِ فقال یا ق ِ‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪َ ( 59‬ل َقد أ َ‬
‫رسلنا نوحا ِإلى‏ ق ِ‬
‫وم َع ٍ ‏‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ُ ََ ُ َ‬
‫ظیم)‬ ‫ِإنی أخاف علیكم عذ َاب ی ٍ‬

‫‪204‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫اهلل ما لكم ِمن ِإلهٍ غ ُیر ُه‬ ‫اعب ُدوا‬
‫وم ُ‬ ‫ً َ َ‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪َ ( 65‬و إلى‏ َ ُ‬
‫عاد أخاهم هودا قال یا ق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َأ َ‪ ‬فلا َت َّت َ‬
‫قون)‬
‫ّ َ ُ ُ‬ ‫( َ َ ُ َّ َ َ‬
‫ك َفروا من َقوم إ ّنا َل َن َ‬
‫‪204‬‬ ‫فاهةٍ َو ِإنا ل َنظ ّن َك‬
‫راك فی‏ َس َ‬
‫ِ‬ ‫هِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪ 66‬قال الملأ الذین‬
‫الكاذ َ‬
‫بین)‬ ‫ِم َن ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫لكنّی َرسول ِمن َر ّب العال َ‬ ‫ٌَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪204‬‬ ‫مین)‬ ‫ِ‬ ‫یس بی‏ َسفاهة َو ِ‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪( 67‬قال یا ق ِ‬
‫وم ل َ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ّ ُ‬
‫‪204‬‬ ‫ناص ٌح أ ٌ‬
‫مین)‬ ‫سالات ربی َوأنا لكم ِ‬
‫ِ‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪( 68‬أ َب ِلغكم ِر‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪204‬‬ ‫نذ َركم َواذكروا‬ ‫َ‬
‫جاءكم ِذ ٌكر ِمن ر ِّبكم َعلى‏ ر ُج ٍل ِمنكم ِلی ِ‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪( 69‬أ َو َع ِج ُبتم أن‬
‫َ َّ ُ ُ‬ ‫َ َ َ ً َ ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ََ ُ َُ َ َ َ‬
‫فل َ ‏‬
‫حون)‬ ‫اهلل ل َعلكم ت ِ‬ ‫اذكروا َ‬
‫آلاء ِ‬ ‫لق بصطة ف‬ ‫نوح وزادكم فِی الخ ِ‬‫وم ٍ‬ ‫عد ق ِ‬‫ِإذ جعلكم خلفاء ِمن ب ِ‬
‫َ َ ُُ ُ َ‬ ‫َ َ َ َُ َ َ َ ََ‬
‫‪204‬‬ ‫آباؤنا ف ِأتنا ِبما‬ ‫حد ُه َونذ َر ما كان یعبد‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪( 70‬قالوا أ ِجئتنا ِلنعبد اهلل و‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫قین)‬‫الص ِاد َ‬‫نت ِم َن ّ‬ ‫ت ِع ُدنا ِإن ك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬
‫‪205‬‬ ‫سماء‬
‫جادلوننی‏ فی‏ أ ٍ‬‫جس َوغض ٌب أ ت ِ‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪( 71‬قال قد َوق َع َعلیكم ِمن َر ِّبكم ِر‬
‫انت ِظروا إنّی َم َع ُكم ِم َن ُ‬
‫اهلل بها من ُسلطان َف َ‬ ‫َ ُ َ ُ ُ‬
‫كم ما َن َّز َل ُ‬
‫الم َنت ِظ َ‬
‫رین)‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َس َّم ُیتموها أنتم وآباؤ‬
‫‪ n318‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫َ‬ ‫ون َأ َت َذ ُر موسى‏ َو َق َ ُ‬ ‫الم َل ُأ من َقوم ف َ‬


‫رع َ‬ ‫َ‬
‫‪224‬‬ ‫رض‬ ‫ومه ِل ُی ِ‬
‫فسدوا فِی الأ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪َ ( 127‬و قال َ ِ‬
‫ساء ُهم َو إ ّنا َف َوق ُهم قاه َ‬ ‫بناء ُهم َو َن َ‬ ‫َ‬ ‫ََََ َ َ ََ َ َ‬
‫رون)‬ ‫ِ‬ ‫ستحیی‏ ِن َ‬ ‫قال َس ُن َق ِّت ُل أ َ‬ ‫ویذرك و ِآلهتك‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫قال موسى‏ ل َقومهِ َ‬ ‫َ‬
‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪( 128‬‬
‫‪224‬‬ ‫یورثها َمن‬
‫اصبروا ِإن الأرض هلِل ِ‬
‫استعینوا ب ِ َ‬
‫اهلل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ َ‬
‫العاق َبة ِل ُلم ّت َ ‏‬
‫قین)‬ ‫بادهِ َو ِ‬ ‫َی ُ‬
‫شاء ِمن ِع ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ًَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫‪195‬‬ ‫یك قال‬ ‫الآخ َرةِ ِإنا ُهدنا ِإل‬ ‫هذهِ ّالدنیا َح َسنة َوفِی ِ‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪َ ( 156‬و اكتب لنا فی‏ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َّ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ َ َّ َ َ ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الزكاة‬ ‫ی‏ء فسأكتبها ِللذین یتقون ویؤتون‬ ‫حمتی‏ َو ِس َعت كل ش ٍ‬ ‫شاء َو َر َ‬‫صیب بهِ َمن أ ُ‬ ‫َعذابی‏ أ ُ‬
‫ِ‬
‫آیاتنا ُی ِؤمنون‏)‬ ‫َو َّال َ ُ‬
‫ذین هم ِب ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َّ َ َ َّ َ َّ َ َّ‬
‫‪196 ،133‬‬ ‫ند ُهم‬ ‫كتوبا ع َ‬
‫ِ‬ ‫الن ِب َّی الأ ِ ّم َّی الذی َی ِجدون ُه َم‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪( 157‬الذین یت ِبعون الرسول‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نهاهم َعن ُ‬ ‫المعروف َو َی ُ‬ ‫التوراةِ َوالإنجیل َی ُأم ُر ُهم ب َ‬ ‫َّ‬
‫بات َو ُی َح ّ ِر ُم َعل ِیه ُم‬ ‫المنك ِر َو ُی ِح ُّل ل ُه ُم الط ِّی ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فِی‬
‫َ‬
‫روه َون َص ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذین َآمنوا بهِ َوع ّز ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الخبا ِئث َو َیض ُع عنهم إصرهم َوالأغلال التی‏ كانت علیهم فال َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫روه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ َ َّ ُ َ ِ ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ولئك هم الم ِفلحون)‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫نزل َم َعه أ ِ‬ ‫َ َّ َ ُ‬
‫واتبعوا النور الذی أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ٌ‬ ‫( َّ َّ َ َّ َ‬
‫‪42‬‬ ‫یطان تذكروا ف ِإذا ُهم‬ ‫طائف ِمن الش ِ‬
‫َ‬
‫ذین اتقوا ِإذا َم ّس ُهم ِ‬ ‫سورة األَعراف‪ /‬آیه ‪ِ 201‬إن ال‬
‫ُمبص َ‬
‫رون)‬ ‫ِ‬
‫اهلل َو َأصلحوا َ‬
‫الرسول َف َّات ُقوا َ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫نفال هلِل َو َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫‪45‬‬ ‫ذات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سورة األَنفال‪ /‬آیه ‪( 1‬یسئلونك ع ِن الأ ِ‬
‫نفال ق ِل الأ‬
‫َ َ َُ‬ ‫َ‬
‫ؤم َ‬
‫نین)‬ ‫ُ ُ‬
‫طیعوا اهلل َورسوله ِإن كنتم ُم ِ‬ ‫َب ِین ُكم َوأ ُ‬

‫‪47‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل َوج َلت ُق ُ‬


‫لوب ُهم َو ِإذا ت ِل َیت َعل ِیهم آیات ُه‬ ‫الم ِ َ َّ َ‬
‫ذین إذا ُذك َر ُ‬ ‫سورة األَنفال‪ /‬آیه ‪( 2‬إ َّن َما ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ؤمنون ال ِ‬ ‫ِ‬
‫ایمانا َو َع َلى‏ َر ّبهم َی َت َوَّك َ‬
‫لون)‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫زاد ُتهم‬
‫ِِ‬
‫َ َّ َ‬
‫لاة َوم ّما َر َز ُ‬
‫قناهم ُینف َ‬ ‫َ َّ‬
‫‪47‬‬ ‫قون)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذین ُیقیمون الص‬
‫سورة األَنفال‪ /‬آیه ‪( 3‬أل َ‬

‫َ َ ّ ُ ََ ٌ َ َّ َ َ ٌَ َ ٌ َ‬ ‫ً َ‬ ‫ُ‬
‫‪47‬‬ ‫ك ٌ‬
‫ریم)‬ ‫غفرة و ِر زق‬
‫ؤمنون حقا لهم درجات ِعند ر ِب ِهم وم ِ‬ ‫ولئ َك ُه ُم ُ‬
‫الم ِ‬ ‫سورة األَنفال‪ /‬آیه ‪( 4‬أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪245 ،67‬‬ ‫ذین‬‫اهلل َو َّال َ‬
‫بیل ِ‬ ‫س‬‫موالهم َوأ ُنف ِسهم فی‏ َ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫دوا‬ ‫هاجروا َو َ‬
‫جاه‬ ‫ذین َآمنوا َو َ‬ ‫سورة األَنفال‪ /‬آیه ‪( 72‬إ َّن َّال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ َ ُ ِ َ‬
‫یء‬
‫َ‬
‫لای ِت ِهم ِمن ش ٍ‬ ‫ذین َآمنوا َو َلم ُیهاجروا ما َل ُكم ِمن َو َ‬ ‫عض َو َّال َ‬
‫ٍ‬ ‫ب‬‫یاء َ‬
‫ُ‬ ‫ول‬
‫ِ‬ ‫أ‬
‫َ‬
‫َآووا َون َصروا أولئك َبعض ُهم‬
‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ّ َ َ ُ َّ ُ ّ َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫میثاق َو ُ‬
‫اهلل‬ ‫وم َب َینكم َو َب َین ُهم‬‫نصروكم فِی الد ِین ف َعلیك ُم النصر ِإلا على‏ ق ٍ‬ ‫هاجروا َو ِإ ِن است‬
‫حتى ی ِ‬
‫لون َب ٌ‬
‫صیر)‬ ‫بما َت َ‬
‫عم َ‬
‫ِ‬
‫فهرس اآليات ‪319n‬‬

‫َ‬ ‫ٌَ‬ ‫ّ َ َ ُ َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫( َ َّ َ َ َ‬
‫‪246‬‬ ‫رض‬
‫لوه تكن ِفتنة فِی الأ ِ‬ ‫عض ِإلا تفع‬ ‫عض ُهم أ ِول ُ َ‬ ‫ذین كفروا َب‬ ‫سورة األَنفال‪ /‬آیه ‪ 73‬و ال‬
‫یاء ب ٍ‬
‫ك ٌ‬
‫بیر)‬ ‫ََ ٌ َ‬
‫وفساد‬
‫ُ‬
‫ولئ َك‬
‫َ‬ ‫اهلل َو َّال َ‬
‫ذین َآووا َون َصروا أ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫‪246‬‬ ‫بیل ِ‬ ‫سورة األنفال‪ /‬آیه ‪( 74‬و الذین آمنوا وهاجروا وجاهدوا فی‏ س ِ‬
‫ریم)‬ ‫ك ٌ‬ ‫َ َ ّ ً َُ َ ٌَ َ ٌ َ‬ ‫ُه ُم ُ‬
‫غفرة و ِر زق‬ ‫ؤمنون حقا لهم م ِ‬ ‫الم ِ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫اهلل فی‏ َم َ َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫سورة التّوبة‪ /‬آیه ‪َ ( 25‬ل َقد َن َص َر ُك ُم ُ‬
‫‪94‬‬ ‫عج َبتكم ك َثرتكم‬ ‫ین ِإذ أ‬‫واطن كثیرةٍ ویوم حن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُ َ ُ َ ًَ َ ََ ُ ُ َ‬
‫َ‬
‫دبرین)‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫غن عنكم شیئا وضاقت علیكم الأرض ِبما رحبت ثم ولیتم م ِ‬ ‫فلم ت ِ‬
‫ً َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫( ُ َّ َ َ َ ُ َ َ‬
‫كین َت ُه َعلى‏ َرسو ِلهِ َو َع َلى ُ‬
‫‪94‬‬ ‫نین َوأ َنزل ُجنودا لم ت َر وها‬ ‫ؤم‬
‫الم ِ‬ ‫سورة التّو َبة‪ /‬آیه ‪ 26‬ثم أنزل اهلل س‬
‫رین)‬‫الكاف َ‬ ‫َ َ َّ َ َّ َ َ‬
‫ك َفروا َوذ ِل َك َج ُ‬
‫زاء ِ‬ ‫وعذب الذین‬
‫َ َّ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ ً‬
‫‪132‬‬ ‫ابن َم َری َم َوما‬ ‫الم َ‬
‫سیح َ‬ ‫اهلل َو َ‬‫دون ِ‬ ‫سورة التّو َبة‪ /‬آیه ‪( 31‬أتخذوا أحبارهم َورهبانهم أربابا ِمن ِ‬
‫ً َ ّ َُ ُ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫بحان ُه َع ّما ُیشر َ‬
‫كون)‬ ‫واحدا لا ِإله ِإلا هو س‬‫عبدوا ِإلها ِ‬ ‫أ ِمروا إ ّلا ِل َی ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ ُ َ َ َ‬ ‫َّ َ ً َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ َ ّ َ َ‬
‫‪213 ،115‬‬ ‫لون أموال‬ ‫هبان لیأك‬ ‫حبار َوالر ِ‬ ‫سورة التّو َبة‪ /‬آیه ‪( 34‬یا أیها الذین آمنوا ِإن كثیرا ِمن الأ ِ‬
‫قونها فی‏ َ‬ ‫َ‬ ‫الف َّض َة َولا ُ‬ ‫و‬‫زون َّالذ َه َب َ‬ ‫اهلل َو َّال َ‬
‫ذین َیكن َ‬
‫بیل ِ‬ ‫الباطل َو َی ُ ّ َ َ َ‬ ‫ّ‬
‫بیل‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫نف‬ ‫ِ‬ ‫ی‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صدون عن س ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِاس ِب ِ‬
‫لیم)‬ ‫ِ ََّ ُ َ‬
‫اهلل فب ِشرهم ِبعذ ٍاب أ ٍ‬
‫ّ َ ُ ُ َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ َّ َ َ َ‬
‫‪95‬‬ ‫ین ِإذ ُهما‬ ‫َ‬
‫سورة التّو َبة‪ /‬آیه ‪ِ ( 40‬إلا تنصروه فقد نصره َاهلل ِإذ أخرجه الذین كف َروا ثان ِ َی اثن ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫قول لصاحبهِ لا َت َ َّ َ‬ ‫َ ُ‬
‫نود لم ت َر وها‬‫حزن ِإن اهلل َم َعنا فأ َنزل اهلل َسكینته َعلیهِ َوأ ّید ُه ِب ُج ٍ‬ ‫الغار ِإذ ی ِ ِ ِ‬ ‫فِی ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫اهلل ِه َی العلیا واهلل عزیز حكیم)‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َو َج َع َل ك ِلمة الذین كفر وا السفلى‏ وك ِلمة ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ً َ‬ ‫ُ َُ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫‪86‬‬ ‫ایمانا َفأ َّما َّال َ‬
‫ذین‬ ‫َ ُ‬ ‫ٌَ َ‬
‫سورة التّو َبة‪ /‬آیه ‪َ ( 124‬و ِإذا ما أ ِنزلت سورة ف ِم ُنهم َمن َیقول أ ّیكم زادته ِ‬
‫هذهِ‬
‫ستبش َ‬ ‫ً ُ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫رون)‬ ‫َآمنوا فزاد ُتهم ایمانا َوهم ی ِ‬

‫‪85‬‬ ‫َ‬ ‫َُ‬


‫هدیهم ر ّب ُهم ِب ِ‬
‫ایمان ِهم تجری ِمن‬ ‫الص ِال ِ َ‬ ‫سورة یونُس‪ /‬آیه ‪( 9‬إ َّن َّال َ‬
‫ذین َآمنوا َو َع ِم ُلوا ّ‬
‫حات ی ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫عیم)‬‫ِ‬ ‫الن‬ ‫حت ِه ُم الأنهار فی‏ َجن ِ‬
‫ات‬ ‫ت ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ذین َأ َ‬
‫‪125‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شركوا َمكانكم أ ُنتم َوش َر ُكاؤكم‬ ‫قول ِل َّل َ‬
‫َ َ َ َ ُ ُ ُ َ ً ُ َّ َ ُ‬
‫سورة یونُس‪ /‬آیه ‪( 28‬و یوم نحشرهم جمیعا ثم ن‬
‫ك ُنتم إ ّیانا َت ُ‬‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫عب َ ‏‬
‫دون)‬ ‫ِ‬ ‫ف َز ّیلنا َب َین ُهم َوقال ش َر ُكاؤ ُهم ما‬
‫َ ُ َ‬ ‫ُ ّ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫سورة یونُس‪ /‬آیه ‪َ ( 29‬ف َكفى‏ ب َ ً َ‬
‫‪126‬‬ ‫لین)‬ ‫غاف َ‬‫اهلل شهیدا َبیننا َو َبینكم ِإن كنا عن ِعباد ِتكم ل ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ n320‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫َ َ‬
‫سل َفت َو ُر ّدوا إ َلى اهلل َم ُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫‪126‬‬ ‫الح ّ ِق َو َض َّل‬
‫ولاه ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سورة یونُس‪ /‬آیه ‪( 30‬هنا ِلك تبلوا ك ّل ن ٍ‬
‫فس ما أ‬
‫َ‬
‫َع ُنهم ما كانوا َیفت َ ‏‬
‫رون)‬
‫الأ َ‬ ‫َ َّ َ ُ َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫سورة یونُس‪ /‬آیه ‪ُ ( 31‬قل َمن َی ُرز ُق ُكم م َن َّ‬
‫‪126‬‬ ‫بصار َو َمن‬ ‫رض أمن ی ِملك السمع و‬ ‫ماء َوالأ ِ‬
‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ َ ُ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خر ُج َالم ِّی َت ِم َن الح ِ ّی َو َمن ید ِب ُر الأ َمر ف َس َیقولون اهلل فقل أ فلا تتقون)‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُی ُ َ َّ َ َ ّ َ ُ‬
‫خرج الحی ِمن الم ِی ِت وی ِ‬
‫ِ‬

‫‪127‬‬ ‫صر َ‬
‫فون)‬ ‫لال َف َأنَّى ُت َ‬
‫َ َ َ ّ َّ َّ ُ‬ ‫( َ ُ ُ ُ َ ُّ ُ ُ َ ُ َ‬
‫الح ّق فما ذا بعد الح ِق ِإلا الض‬ ‫ذلكم اهلل ربكم‬ ‫سورة یونُس‪ /‬آیه ‪ 32‬ف ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َ َ‬
‫الح ّق ُقل ُ‬ ‫ُ َ ُ َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫‪127‬‬ ‫لح ّ ِق‏ أف َمن َیهدی‬‫اهلل َیهدی ِل‬ ‫سورة یونَُس‪ َ/‬آیه ‪(َ 35‬قل هل ِمن شر َ ِكائكم‏ من یهدی ِإلى ِ ِ‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫إ َلى َ‬
‫الح ّ ِق أ َح ّق أن ُیت َب َع أ َّمن لا َی ِه ّدی ِإلا أن ُیهدى فما لكم كیف تحك ُم َ ‏‬
‫ون)‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َّ ُ َ َ‬ ‫نوح إ َّن ُه َل َ‬ ‫َ‬
‫‪152‬‬ ‫یس لك‬ ‫لن ما ل‬ ‫صال ٍح فلا تسئ ِ‬ ‫هلك ِإنه ع َم ٌل غ ُیر ِ‬
‫یس ِمن أ ِ‬ ‫ُ‬
‫ود‪ /‬آیه َ‪( 46‬قال یا ِ‬ ‫سورة ُه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ َ‬
‫الجاه َ‬
‫لین)‬ ‫ِبهِ ِع ٌلم ِإنِی أ ِعظك أن تكون ِم َن ِ‬
‫َ‬
‫سورة هود‪ /‬آیه ‪َ ( 115‬و اصبر َفإ َّن َ‬
‫‪97‬‬ ‫حس َ‬
‫نین)‬ ‫جر ُ‬
‫الم ِ‬ ‫اهلل لا ُی ُ‬
‫ضیع أ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‬

‫‪233‬‬ ‫َ ُ َ ُ َ‬
‫صرنا ف ُن ِ ّج َی‬
‫َ َ َّ َ ُ‬
‫الر ُس ُل َوظ ّنوا أن ُهم قد ك ِذبوا جاءهم ن‬ ‫است َیأ َس ُّ‬ ‫(َ ّ َ َ‬
‫یوسف‪ /‬آیه ‪ 110‬حتى ِإذا‬ ‫سورة ُ‬
‫جرمین)‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شاء َولا یرد بأسنا ع ِن الق ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َمن َن ُ‬
‫وم الم ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫سورة الرعد‪ /‬آیه ‪َ ( 11‬ل ُه ُم َع ّق ٌ‬
‫‪291‬‬ ‫اهلل لا ُیغ ِّی ُر‬ ‫اهلل ِإن‬
‫مر ِ‬ ‫َ‬ ‫بات ِمن َب َ َ َ‬
‫ین یدیهِ و ِمن خ ِلفهِ یحفظونه ِمن أ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫وال)‬
‫ً َ َ َ َّ َ ُ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َّ ُ َ‬
‫دونهِ ِمن ٍ‬ ‫وم سوءا فلا مرد له وما لهم ِمن ِ‬ ‫وم حتى یغ ِیروا ما ِبأنف ِس ِهم و ِإذا أراد اهلل ِبق ٍ‬ ‫ما ِبق ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ َ َّ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سورة الرعد‪ /‬آیه ‪ُ ( 16‬قل َمن َر ُّب َّ‬
‫‪226‬‬ ‫یاء لا‬ ‫دونهِ أ ِول َ‬ ‫رض ق ِل اهلل قل أ فاتخذتم ِمن ِ‬ ‫ماوات َوالأ ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫َّ‬
‫ُّ ُ ُ ّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ً َ َ ًّ ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫َ‬
‫ملكون ِلأنف ِس ِهم نفعا ولا ضرا قل هل یست ِوی الأعمى‏ والبصیر أم هل تست ِوی الظلمات والنور أم‬ ‫َی ِ‬
‫ك ّل َش ٍ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ََ ََ َ ُ َ‬ ‫ُ َ َ ََ‬
‫الواح ُد َالق ّه ُار)‬ ‫یء َوه َو ِ‬
‫ُ ُ ُ‬
‫خالق ِ‬ ‫شابه الخلق َعل ِیهم ق ِل اهلل ِ‬ ‫كاء خلقوا كخ ِلقهِ فت‬ ‫َج َعلوا هلِل شر‬

‫‪226‬‬ ‫رابیا َو ِم ّما‬


‫َ َ َ َ َّ ُ َ َ ً ً‬ ‫سالت َأ َ ٌ َ َ‬ ‫ً َ َ‬
‫الس ِ‬ ‫سورة الرعد‪ /‬آیه ‪َ ( 17‬أ َنز َل م َن َّ‬
‫ودیة ِبقد ِرها فاحتمل السیل زبدا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ماء ماء ف‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الز َبدُ‬ ‫َ َ َ َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ٌََ ُُ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ََ‬
‫الباطل فأما‬ ‫ضرب اهلل الحق و ِ‬ ‫تاع زبد ِمثله كذ ِلك ی ِ‬ ‫ابتغاء ِحلیةٍ أو م ٍ‬ ‫یوقدون علیهِ فِی الن ِار ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضرب اهلل الأمثال)‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فاء َوأ ّما ما َینف ُع الن َاس ف َیمكث فِی الأ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َف َیذه ُب ُج ً‬ ‫َ‬
‫رض كذ ِلك ی ِ‬
‫َ َ ََ َ‬ ‫ذین َلم َی َ‬‫الحسنى‏ َو َّال َ‬ ‫سورة الرعد‪ /‬آیه ‪ِ ( 18‬ل َّل َ‬
‫‪227‬‬ ‫ستجیبوا ل ُه لو أ ّن ل ُهم ما فِی‬ ‫استجابوا ِل َر ّبه ُم ُ‬
‫ِِ‬
‫ذین َ‬
‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ًَ َُ ََ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ساب ومأواهم جهنم و ِبئس ِالمهاد)‬ ‫الح ِ‬ ‫ولئك لهم سوء ِ‬ ‫رض جمیعا و ِمثله معه لافتدوا ِبهِ أ ِ‬ ‫الأ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫َ َ ُ ُ‬
‫طم ِئ ّن الق ُ ‏‬
‫لوب)‬ ‫َ َ َ َ َ ُّ ُ ُ ُ‬
‫‪95‬‬ ‫اهلل ت‬
‫كر ِ‬‫اهلل ألا ِب ِذ ِ‬
‫كر ِ‬‫الرعد‪ /‬آیه ‪( 28‬الذین آمنوا وتطم ِئن قلوبهم ِب ِذ ِ‬
‫سورة َّ‬
‫فهرس اآليات ‪321n‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫ذین َآمنوا َو َع ِملوا ّ‬ ‫َّ‬
‫‪95‬‬ ‫آب)‬ ‫حات طوب ‏ى ل ُهم َو ُح ُ‬
‫سن َم ٍ ‏‬ ‫الص ِال ِ‬ ‫سورة الرعد‪ /‬آیه ‪( 29‬ال َ‬
‫َّ‬

‫عم َت ِ ُ َ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫ً َ ّ‬
‫ذین َب َّدلوا ِن َ‬
‫َ َّ‬
‫سورة إِبراهیم‪ /‬آیه ‪( 28‬أ لم َت َر إلى ال َ‬ ‫ََ‬
‫‪300 ،106‬‬ ‫وار)‬
‫اهلل كفرا وأحلوا قومهم دار الب ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫‪300 ،106‬‬ ‫الق ُ‬
‫رار)‬ ‫سورة إِبراهیم‪ /‬آیه ‪َ ( 29‬ج َه ّن َم َیصلونها و ِبئس‬
‫َ‬
‫خت فیهِ ِمن روحی‏ َف َقعوا ل ُه ساج َ‬
‫( َ َ َّ ُ ُ َ َ َ ُ‬ ‫سورة ِ‬
‫‪174‬‬ ‫دین)‬ ‫ِ‬ ‫احلجر‪ /‬آیه ‪ 29‬ف ِإذا سویته ونف‬

‫الط َ‬
‫اجتن ُبوا ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سولا َأن ُ ُ‬
‫ُ ّ ُ َّ َ ً‬ ‫ََ‬
‫سورة النَّحل‪ /‬آیه ‪َ ( 36‬و لقد َب َعثنا فی‏ ك ِل أمةٍ ر‬
‫‪203‬‬ ‫اغوت‬ ‫اعبدوا اهلل َو ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُ َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫كان‬ ‫رض فانظروا كیف‬ ‫ف ِم ُنهم َمن هدى اهلل َو ِم ُنهم َمن َحقت علیهِ الضلالة فسیروا فِی الأ ِ‬
‫الم َك ّ ِذ َ‬
‫بین‏)‬ ‫عاق َب ُة ُ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ ُّ َ َ َّ َ َّ‬ ‫َ‬
‫‪160‬‬ ‫بال ُبیوتا َو ِم َن الش َج ِر َو ِم ّما‬
‫الج ِ‬
‫َ‬
‫حل أ ِن ات ِخذی ِمن ِ‬
‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫‏‬
‫ى‬ ‫وح‬ ‫أ‬ ‫سورة النَّحل‪ /‬آیه ‪َ ( 68‬و‬
‫شون)‬ ‫َیعر َ‬
‫ِ‬

‫‪160‬‬ ‫اسلكی‏ ُس ُب َل َر ّب ِك ُذ ُل ًلا َی ُ‬


‫خر ُج ِمن ُب ِ‬
‫طونها‬
‫َ ُ‬
‫رات ف‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫سورة النَّحل‪ /‬آیه ‪( 69‬ث ّم كلی‏ ِمن ك ِ ّل الث َم ِ‬
‫ِ‬
‫فاء ل ّلناس إ َّن فی‏ ذل َك َل َآی ًة ل َقوم َی َت َف َّك َ‬
‫رون)‬ ‫ٌ‬ ‫َ ٌ ُ َ ٌ َ ُُ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫شراب مخت ِلف ألوانه فیهِ ِش ِ ِ ِ‬
‫َ ّ‬
‫الشیطان َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ َ‬
‫‪293‬‬ ‫جیم)‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫سورة النَّحل‪ /‬آیه ‪( 98‬ف ِإذا ق َرأت القرآن فاست ِعذ ِب ِ‬
‫اهلل ِمن‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪293‬‬ ‫ذین َآمنوا َو َعلى‏ َر ِّب ِهم َی َت َوك َ ‏‬
‫لون)‬ ‫لطان َعلى ال َ‬ ‫سورة النَّحل‪ /‬آیه ‪( 99‬إ ّن ُه ل َ‬
‫یس ل ُه ُس ٌ‬
‫ِ‬
‫َ َََ َُ َ َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ّ ُ ُُ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫‪294‬‬ ‫شر َ ‏‬
‫كون)‬ ‫ُ‬
‫سورة النَّحل‪ /‬آیه ‪ِ ( 100‬إنما سلطانه على الذین یتولونه والذین هم ِبهِ م ِ‬
‫َّ‬
‫جاد ُلهم ِبالتی‏ ِه َی‬ ‫الموع َظةِ َ َ‬ ‫دع إلى‏ َس َ َ‬ ‫سورة النَّحل‪ /‬آیه ‪ُ ( 125‬أ ُ‬
‫‪256‬‬ ‫الح َسنةِ َو ِ‬ ‫كمةِ َو َ ِ‬‫الح َ‬‫بیل ر ِّبك ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫بیلهِ َو ُه َو أ َعل ُم ب ُ‬ ‫َ َ ُ َّ َ َّ َ ُ َ َ َ‬
‫عل ُم ب َمن َض َّل َ‬
‫الم َهت َ ‏‬
‫دین)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫أحسن ِإن ربك هو أ ِ‬
‫َّ‬ ‫الب َ َ ُ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫ِ‬
‫‪146‬‬ ‫حر َور زقناهم ِم َن الط ِّی ِ‬
‫بات‬ ‫سورة اإلرساء‪ /‬آیه ‪( 70‬و لقد كرمنا بنی‏ آدم وحملناهم فِی الب ِر و ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ ُ َ‬
‫ثیر ِممن خلقنا تفضیلا)‬ ‫وفضلناهم على‏ ك ٍ‬
‫َّ ُ َ َ‬ ‫َ َ َّ َ ُ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ‬
‫لاة ِل ُ‬ ‫َ‬
‫‪162‬‬ ‫جر‬ ‫الف‬ ‫رآن‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫جر‬ ‫الف‬ ‫رآن‬ ‫ق‬‫و‬ ‫یل‬ ‫الل‬ ‫ق‬ ‫س‬ ‫غ‬ ‫‏‬
‫ى‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫مس‬
‫ِ‬ ‫الش‬ ‫لوك‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫الص‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫أ‬ ‫سورة ِ‬
‫اإلرساء‪ /‬آیه ‪( 78‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫كان َمشهودا)‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪97‬‬ ‫حس َن َع َم ًلا)‬
‫جر َمن أ َ‬ ‫حات إ ّنا لا ُن ُ‬
‫ضیع أ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ ََ‬
‫سورة الکَهف‪ /‬آیه ‪ِ( 30‬إن الذین آمنوا وع ِملوا الص ِال ِ ِ‬
‫‪ n322‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫َ‬ ‫ات َعدن َتجری من َت ُ َ ُ ُ َ َّ َ‬ ‫سورة الکَهف‪ /‬آیه ‪ُ ( 31‬أولئك َل ُهم َج ّن ُ‬


‫‪82‬‬ ‫ساو َر‬
‫حت ِهم الأنهار یحلون فیها ِمن أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ ُ َ َ َ ُ َّ‬ ‫ً ُ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫الثوابُ‬ ‫ِمن ذه ٍب َو َی َلبسون ِثیابا خضرا ِمن سند ٍس و ِإستبر ٍق مت ِكئین فیها على الأ ِ‬
‫رائ ِك ِنعم‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫َو َح ُس َنت ُم َرت َفقا)‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪41‬‬ ‫عمالا)‬ ‫خس َ‬
‫رین أ‬ ‫سورة الکَهف‪ /‬آیه ‪ُ ( 103‬قل َهل ُن َن ّب ُئكم بالأ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪41‬‬ ‫بون َأ َّن ُهم ُیحس َ‬


‫نون‬ ‫الحیاةِ ُّالدنیا َو ُهم َی َ‬
‫حس َ‬ ‫عی ُهم فی َ‬ ‫سورة الکَهف‪ /‬آیه ‪َّ ( 104‬ال َ‬
‫ذین َض َّل َس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫ُصنعا)‬
‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سورة مریم‪ /‬آیه ‪َ ( 88‬و قالوا ّات َخ َذ َّ‬
‫الر ُ‬
‫‪108‬‬ ‫حمن َولدا)‬ ‫َ َ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫‪108‬‬ ‫سورة َمر َیم‪ /‬آیه ‪( 89‬ل َقد ِج ُئتم َشیئا ِإ ًّدا)‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُ َ َ َ َّ َ ُ َ َ َ ُّ‬
‫‪108‬‬ ‫الجبال َه ًّ اد)‬ ‫ُ َ َ ُّ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫سورة َمر َیم‪ /‬آیه ‪( 90‬تكاد السماوات یتفطرن ِمنه وتنشق الأرض وت ِخر ِ‬
‫َ ً‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫‪109‬‬ ‫حمن َولدا)‬
‫سورة َمر َیم‪ /‬آیه ‪( 91‬أن دعوا ِللر ِ‬
‫َ ً‬ ‫َ‬
‫‪109‬‬ ‫حمن أن َی َّت ِخ َذ َولدا)‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ‬
‫سورة َمر َیم‪ /‬آیه ‪( 92‬و ما ینبغی‏ ِللر ِ‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫( ُ‬
‫ك ُّل َمن فی َّ‬
‫‪109‬‬ ‫حمن َعبدا)‬ ‫ماوات َوالأ ِ‬
‫رض ِإلا آتِی الر ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫سورة َمر َیم‪ /‬آیه ‪ِ 93‬إن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪109‬‬ ‫حصاهم َو َع َّد ُهم َع ًّ اد)‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سورة َمر َیم‪ /‬آیه ‪( 94‬لقد أ‬
‫ً‬ ‫سورة طه‪ /‬آیه ‪َ ( 82‬و إنّی ل َغ ّف ٌار ِل َمن َ‬
‫تاب َو َآم َن َو َعم َل صالحا ُث َّم َ‬ ‫َ‬
‫‪41‬‬ ‫اهتدى‏)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ َ َ َ َ َ ّ‬
‫‪236‬‬ ‫كر ِإن ك ُنتم‬
‫الذ ِ‬
‫هل ِ‬ ‫رسلنا قبلك ِإلا ِرجالا نوحی‏ ِإل ِیهم فسئلوا أ‬ ‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪( 7‬و ما أ‬
‫َ َ‬
‫لا تعل َ ‏‬
‫مون)‬
‫عام َوما كانوا خا ِل َ‬ ‫َ ُ َ َّ‬ ‫ً‬
‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪َ ( 8‬و ما َج َع ُ‬
‫‪236‬‬ ‫دین)‬ ‫الط َ‬ ‫لناهم َج َسدا لا یأكلون‬

‫المسر َ‬ ‫شاء َوأهل َ‬


‫كنا ُ‬ ‫َ َ‬
‫یناهم َو َمن َن ُ‬
‫نج ُ‬ ‫عد َفأ َ‬
‫الو َ‬
‫قناه ُم َ‬
‫َ‬
‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪ُ ( 9‬ث َّم َص َد ُ‬
‫‪236‬‬ ‫فین)‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬
‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪( 10‬ل َقد أ َنزلنا إلیكم كتابا فیهِ ذ ُكركم أ َفلا َتعق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪236‬‬ ‫لون)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫َ ً َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪236‬‬ ‫عدها قوما آخ َ ‏‬
‫رین)‬ ‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪َ ( 11‬و كم ق َصمنا ِمن ق َریةٍ كانت ِ‬
‫ظالمة وأنشأنا ب‬
‫فهرس اآليات ‪323n‬‬

‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫‪236‬‬ ‫ضون)‬ ‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪َ ( 12‬فل ّما أ َح ّسوا َب َ‬
‫أسنا ِإذا ُهم ِمنها َیرك َ ‏‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪( 13‬لا َتركضوا َوارجعوا إلى‏ ما أتر ُفتم َو َمساكنكم ل َعلكم ُت َ‬
‫سئ َ‬ ‫ُ‬
‫‪236‬‬ ‫لون)‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ فیهِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ظال َ‬ ‫ّ ُ ّ‬ ‫َ‬
‫‪236‬‬ ‫مین)‬ ‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪( 14‬قالوا یا َویلنا ِإنا كنا ِ‬

‫خام َ‬ ‫ُ‬‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫‪236‬‬ ‫دین)‬ ‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪( 15‬فما زالت ِتلك دعواهم َحتى َج َعلناهم َحصیدا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قنا َّ‬ ‫َ‬
‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪َ ( 16‬و ما َخل َ‬
‫‪236‬‬ ‫بین)‬ ‫ماء َوالأرض َوما َبین ُهما ِ‬
‫لاع َ‬ ‫الس َ‬

‫َ‬ ‫َ ًَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪236‬‬ ‫لین)‬ ‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪( 17‬لو أ َردنا أن َن َّت ِخ َذ لهوا ل ّات َخ ُ‬
‫ذناه ِمن ل ُدنا ِإن كنا ِ‬
‫فاع َ‬

‫‪236‬‬ ‫یل ِم ّما‬ ‫زاه ٌق َو َل ُك ُم َ‬


‫الو ُ‬ ‫الح ّق َع َلى الباطل َف َی َ ُ ُ َ ُ‬
‫دمغه ف ِإذا ه َو ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫سورة األَنبِیاء‪ /‬آیه ‪( 18‬بل ن ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫قذف ِب ِ‬
‫فون)‬‫َتص َ‬
‫ِ‬
‫َ َ َ ُ َ ٌْ َ َ َ‬
‫‪224‬‬ ‫اطمأ ّن ِبهِ َو ِإن‬ ‫رف ف ِإن أصابه خیر‬ ‫الن ِاس َمن َی ُ ُ َ َ‬
‫عبد اهلل علی‏ َح ٍ‬
‫سورة احلج‪ /‬آیه ‪َ ( 11‬و م َن ّ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الم ‏َ‬
‫بین)‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ٌَ َ‬
‫انق َل َب َعلی َوجههِ خ ِس َر ّالدنیا َوالأ ِخ َرة ذ ِلك ه َو الخسران ُ‬
‫ِ‬ ‫أصابته ِفتنة‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ّ ُ‬
‫‪278‬‬ ‫عروف‬ ‫كاة َوأ َمروا ب َ‬
‫الم‬
‫َّ َ َ َ ُ َّ‬
‫الز‬ ‫رض أ ُ‬
‫قاموا الصلاة وآتوا‬
‫َ‬ ‫سورة احل ّج‪ /‬آیه ‪َّ ( 41‬ال َ‬
‫ذین ِإن َمكناهم فِی الأ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َََ َ ُ َ‬
‫مور)‬ ‫ونهوا ع ِن المنك ِر وهلِل ِ‬
‫عاقبة الأ ِ‬
‫َ َ َّ ُ‬ ‫اعبدوا َر َّب ُكم َو َ‬ ‫َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ‬
‫‪65‬‬ ‫افعلوا الخ َیر ل َعلكم‬ ‫اركعوا َو ُ‬
‫اسجدوا َو ُ‬ ‫حل ّج‪ /‬آیه ‪( 77‬یا أیها الذین آمنوا‬ ‫سورة ا َ‬
‫ُ‬
‫حون)‬‫فل َ ‏‬
‫ت ِ‬

‫ّ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َّ‬


‫‪66‬‬ ‫هادهِ ه َو اجتباكم َوما َج َع َل علیكم فِی ِ‬
‫الد ِین ِمن‬ ‫اهلل َحق ِج ِ‬ ‫سورة احلَ ّج‪ /‬آیه ‪َ ( 78‬و ِ‬
‫جاهدوا فِی ِ‬
‫َ َ َّ ُ َ ً َ َ ُ‬ ‫مین ِمن َق ُ‬
‫سل َ‬ ‫َ َُ َ ّ ُ‬
‫اك ُم ُ‬ ‫َّ َ َ ُ‬
‫بل َوفی‏ هذا ِلیكون الرسول شهیدا علیكم‬ ‫الم ِ‬ ‫َح َر ٍج ِملة أبیكم ِإبراهیم هو سم‬
‫َ‬ ‫َو َتكونوا ُش َهد َاء َع َلى ّ‬
‫عم َ‬
‫المولى‏‬ ‫ولاكم َف ِن َ‬
‫ُ‬
‫اهلل ُه َو َم‬ ‫َ َ‬
‫الزكاة َواعت ِصموا ِب ِ‬
‫َّ َ َ ُ َّ‬ ‫الن ِاس َفأ ُ‬
‫قیموا الصلاة وآتوا‬
‫صیر)‬ ‫الن ُ‬ ‫عم َّ‬
‫َو ِن َ‬

‫َ‬
‫ك ُنتم َتعل َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سورة ا ُمل ِ‬
‫‪144‬‬ ‫مون)‬ ‫ؤمنُون‪ /‬آیه ‪( 84‬قل ِل َم ِن الأرض َو َمن فیها ِإن‬

‫ك َ‬‫ُ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سورة ا ُمل ِ‬


‫‪145‬‬ ‫رون)‬ ‫قولون هلِل قل أ فلا تذ‬ ‫ؤمنُون‪ /‬آیه ‪َ ( 85‬س َی‬

‫‪145‬‬ ‫ظیم)‬ ‫رش َ‬


‫الع ِ ‏‬ ‫ؤمنُون‪ /‬آیه ‪ُ ( 86‬قل َمن َر ُّب َّ‬
‫السماوات َّ‬
‫الس ِبع َو َر ُّب َ‬ ‫سورة ا ُمل ِ‬
‫الع ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ n324‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫َ‬
‫قولون هلِل ُقل أ َفلا َت َّت َ‬
‫َ‬ ‫سورة ا ُمل ِ‬
‫‪145‬‬ ‫قون)‬ ‫ؤمنُون‪ /‬آیه ‪َ ( 87‬س َی‬

‫ُ‬ ‫ُ َ َ ََ ُ ُ ّ َ َ َُ ُ ُ َ ُ ُ َ‬ ‫سورة ا ُمل ِ‬


‫‪145‬‬ ‫جار َعلیهِ ِإن ك ُنتم‬ ‫ؤمنُون‪ /‬آیه ‪( 88‬قل من ِبی ِدهِ ملكوت ك ِل ش ٍ‬
‫ی‏ء وهو یجیر ولا ی‬
‫َ َ‬
‫عل َ‬
‫مون)‬ ‫ت‬
‫ََ‬
‫قولون هلِل ُقل َفأن ّى ُت َ‬ ‫سورة ا ُمل ِ‬
‫‪145‬‬ ‫سح َ ‏‬
‫رون)‬ ‫َ‬ ‫ؤمنُون‪ /‬آیه ‪َ ( 89‬س َی‬

‫َ ّ ّ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫سورة ا ُمل ِ‬
‫ؤمنُون‪ /‬آیه ‪َ ( 90‬بل أ َت ُ‬
‫‪145‬‬ ‫كاذ َ ‏‬
‫بون)‬ ‫الح ِق َو ِإن ُهم ل ِ‬‫یناهم ِب‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ً ََ‬ ‫َ‬ ‫ؤمنُون‪ /‬آیه ‪َ ( 91‬ما َّات َخ َذ ُ‬
‫سورة ا ُمل ِ‬
‫‪145‬‬ ‫كان َم َع ُه ِمن ِإلهٍ ِإذا لذ َه َب ك ُّل ِإلهٍ ِبما خل َق‬
‫َ‬ ‫اهلل ِمن َول ٍد َوما‬
‫بحان اهلل َع ّما َیص َ‬
‫فون)‬ ‫عض ُهم َعلى‏ َبعض ُس َ‬ ‫َََ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ولعلا ب‬

‫شاء إلى‏ ص ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫‪75‬‬ ‫قیم)‬ ‫نات َواهلل َیهدی َمن ی ُ ِ ِ ٍ‬
‫راط مست ٍ‬ ‫سورة النُّور‪ /‬آیه ‪( 46‬لقد أ َنزلنا ٍ‬
‫آیات ُم َب ِی ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ َّ َ ٌ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬ ‫َ ّ‬
‫‪76‬‬ ‫سول َوأطعنا ث ّم َیت َولى فریق ِم ُنهم ِمن َب ِ‬
‫عد ذ ِلك‬ ‫سورة النُّور‪ /‬آیه ‪َ ( 47‬و َیقولون َآمنا ِب ِ‬
‫اهلل َو ِبالر ِ‬
‫ُ‬
‫ؤم َ‬
‫نین)‬ ‫ولئ َك ب ُ‬
‫الم ِ‬ ‫َ‬
‫وما أ ِ ِ‬
‫َ ٌ‬
‫ریق م ُنهم ُمعر َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪76‬‬ ‫ضون)‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َورسو ِلهِ ِل َیحك َم َبین ُهم ِإذا ف ِ‬
‫سورة النُّور‪ /‬آیه ‪َ ( 48‬و ِإذا دعوا ِإلى ِ‬
‫َ‬‫ُ ُ َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪76‬‬ ‫الحق َیأتوا ِإلیهِ ُم ِ‬
‫ذع َ‬
‫نین)‬ ‫سورة النُّور‪ /‬آیه ‪َ ( 49‬و ِإن َیكن لهم‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ ُ‬
‫‪76‬‬ ‫اهلل َعل ِیهم َو َرسول ُه َبل‬ ‫خافون أن َیحیف‬‫لوب ِهم َم َرض أ ِم ارتابوا أم َی‬
‫سورة النُّور‪ /‬آیه ‪( 50‬أ فی‏ ق ِ‬
‫ُ َ ُ ّ‬
‫الظال َ‬
‫مون)‬ ‫ولئك ه ُم ِ‬ ‫أ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫‪77‬‬ ‫اهلل َو َرسو ِلهِ ِل َیحك َم َب َین ُهم أن َیقولوا‬ ‫المؤم َ ُ‬
‫نین ِإذا دعوا ِإلى ِ‬ ‫سورة النُّور‪ /‬آیه ‪ِ ( 51‬إنما كان قول ُ ِ‬
‫المفل َ‬ ‫َسمعنا َو َأ َطعنا َو ُأ َ ُ‬
‫حون)‬ ‫ولئك ه ُم ُ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫اهلل َو َی َّت َفأ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪77‬‬ ‫ولئك ه ُم ِ‬
‫الفائزون‏)‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َو َرسول ُه َو َیخش َ قهِ‬
‫سورة النُّور‪ /‬آیه ‪َ ( 52‬و َمن ُیطع َ‬
‫ِِ‬

‫‪77‬‬ ‫رض‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬
‫خلفن ُهم فِی الأ ِ‬ ‫حات لیست ِ‬ ‫نكم َو َع ِم ُلوا ّ‬
‫الص ِال ِ‬
‫ُ‬ ‫اهلل َّال َ‬
‫ذین َآمنوا ِم‬ ‫سورة النُّور‪ /‬آیه ‪َ ( 55‬و َع َد ُ‬
‫َ ّ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ََّ َ‬ ‫َ‬ ‫خل َف َّال َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ذین ِمن ق ِبل ِهم َول ُی َم ِكن ّن ل ُهم دین ُه ُم ال ِذی ارتضى‏ ل ُهم َول ُی َب ِدلن ُهم ِمن َب ِ‬
‫عد‬ ‫ك َما است‬
‫عد ذل َك َف ُأ َ ُ‬‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ ًَ ُ َ‬ ‫َ‬
‫الفاسقون‏)‬ ‫ولئك ه ُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫شركون بی‏ شیئا َو َمن كف َر َب ِ‬ ‫خ ِوف ِهم أمنا یعبدوننی‏ لا ی ِ‬
‫ّ‬
‫َ َ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬
‫‪171‬‬ ‫الضال َین)‬ ‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪( 20‬قال ف َع ُلتها ِإذا وأنا ِمن‬
‫سورة ُّ‬
‫فهرس اآليات ‪325n‬‬

‫ُ‬
‫‪137‬‬ ‫الج َّن ُة ِل ُلم َّت َ‬
‫قین)‬ ‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪َ ( 90‬و أ ِزل َف ِت َ‬
‫سورة ُّ‬

‫‪137‬‬ ‫َ‬
‫لغاوین)‬ ‫حیم ِل‬ ‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪َ ( 91‬و ُب ّر َز ِت َ‬
‫الج ُ‬ ‫سورة ُّ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪137‬‬ ‫دون)‬ ‫ك ُنتم َت ُ‬
‫عب َ ‏‬
‫ُ‬ ‫قیل ل ُهم أ َ‬
‫ین ما‬ ‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪َ ( 92‬و َ‬
‫سورة ُّ‬
‫ُ َ‬‫َ َ ُ َ‬
‫رونكم أو َی َنتص َ‬
‫‪137‬‬ ‫رون)‬ ‫ِ‬ ‫اهلل هل ینص‬ ‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪ِ ( 93‬من ِ‬
‫دون ِ‬ ‫سورة ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪137‬‬ ‫َ‏‬
‫الغاوون)‬‫بكبوا فیها ُهم َو‬
‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪( 94‬فك ِ‬
‫سورة ُّ‬
‫َ‬
‫‪137‬‬ ‫جم َ ‏‬
‫عون)‬ ‫بلیس أ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫نود إ َ‬
‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪( 95‬و ج ِ‬
‫سورة ُّ‬

‫‪138‬‬ ‫مون)‬ ‫الشعراء‪ /‬آیه ‪( 96‬قالوا َو ُهم فیها َی َ‬


‫خت ِص َ ‏‬ ‫سورة ُّ َ‬
‫ُ‬
‫ك ّنا لفی‏ َض ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪138‬‬ ‫بین)‬
‫لال م ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪( 97‬ت ِ‬
‫اهلل ِإن‬ ‫سورة ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪( 98‬إذ ُن َس ّویكم ب َر ّب العال َ‬
‫‪138‬‬ ‫مین)‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سورة ُّ‬
‫َّ‬ ‫َ َّ‬
‫‪138‬‬ ‫مون)‬ ‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪َ ( 99‬و ما أ َضلنا إلا ُ‬
‫المجر َ‬ ‫سورة ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شاف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪138‬‬ ‫عین)‬ ‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪( 100‬فما لنا ِمن ِ‬
‫سورة ُّ‬

‫میم)‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪138‬‬ ‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪( 101‬و لا ص ٍ‬
‫دیق ح ٍ‬ ‫سورة ُّ‬

‫ك َّر ًة َف َن َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫‪138‬‬ ‫ؤم َ‬
‫نین)‬ ‫كون ِم َن ُ‬
‫الم ِ‬ ‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪( 102‬فلو أ ّن لنا‬
‫سورة ُّ‬

‫َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬


‫‪138‬‬ ‫نین)‬ ‫الش َعراء‪ /‬آیه ‪ِ ( 103‬إن فی‏ ذ ِلك ل َآیة َوما كان أكثرهم ُم ِ‬
‫ؤم َ‬ ‫سورة ُّ‬

‫‪185‬‬ ‫سورة ِ‬
‫الق َصص‪ /‬آیه ‪( 1‬طسم‏)‬

‫بین)‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬


‫‪185‬‬ ‫تاب الم ِ‬ ‫سورة الق َصص‪ /‬آیه ‪ِ ( 2‬تلك آیات ِ‬
‫الك ِ‬
‫الح ّق ل َقوم ُیؤم َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫‪185‬‬ ‫نون)‬ ‫سورة الق َصص‪ /‬آیه ‪( 3‬نتلوا علیك ِمن ن َب ِإ موسى‏ َو ِفرعون ِب َ ِ ِ ٍ ِ‬
‫َ ً‬ ‫َ ً َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫ِ‬
‫‪185‬‬ ‫طائفة ِم ُنهم‬ ‫رض َو َج َع َل أهلها ِشیعا یست ِ‬
‫ضعف ِ‬ ‫سورة الق َصص‪ /‬آیه ‪ِ ( 4‬إن ِفرعون علا فِی الأ ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫فس َ ‏‬
‫دین)‬ ‫َ‬
‫كان ِم َن ُ‬
‫الم ِ‬ ‫ساء ُهم ِإن ُه‬
‫ستحیی‏ ِن َ‬ ‫ُی َذ ّب ُح أ َ‬
‫بناء ُهم َو َی َ‬
‫ِ‬
‫‪ n326‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫‪186‬‬
‫ََ ََ َ ً‬
‫جعل ُهم أ ِئ َّمة‏‬
‫َ‬ ‫رید َأن َن ُم َّن َع َلی َّال َ ُ‬
‫القصص‪ /‬آیه ‪َ ( 5‬و ُن ُ‬ ‫سورة ِ‬
‫رض ون‬
‫ضعفوا فِی الأ ِ‬
‫ذین است ِ‬ ‫َ‬
‫جع َل ُه ُم الوار َ‬
‫ثین)‬ ‫َو َن َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫الأرض َو ُنر َی ف َ‬ ‫ُ ّ َ‬ ‫سورة ِ‬
‫‪186‬‬ ‫نود ُهما ِم ُنهم ما‬ ‫َ‬
‫هامان َو ُج َ‬ ‫رع َ‬
‫ون َو‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق َصص‪ /‬آیه ‪َ ( 6‬و ن َم ِك َن ل ُهم فِی‬
‫حذ َ‬‫َ َ‬
‫رون)‬ ‫كانوا ی‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نص َ‬
‫رون)‬ ‫یامةِ لا ُی َ‬
‫الق َ‬ ‫ّ‬
‫النار َو َی َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َّ ً َ‬ ‫ِ‬
‫‪300‬‬ ‫وم ِ‬ ‫سورة الق َصص‪ /‬آیه ‪( 41‬و جعلناهم أ ِئمة یدعون ِإلی ِ‬
‫َّ َ َّ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪95‬‬ ‫الصلاة تنهى‏ َع ِن‬ ‫تاب َوأ ِق ِم الصلاة ِإن‬ ‫تل ما أ ِوح َی ِإلیك ِم َن ِ‬
‫الك ِ‬ ‫سورة ال َعنکَبوت‪ /‬آیه ‪( 45‬أ ُ‬
‫َ َُ َ ُ َ َ‬
‫عل ُم ما َت َ‬
‫صن َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫عون)‬ ‫المنك ِر َول ِذ ُكر ِ‬
‫اهلل أكبر واهلل ی‬ ‫حشاء و‬
‫ِ‬ ‫الف‬
‫ً‬ ‫َ ُ ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫‪159‬‬ ‫مین َك ِإذا‬
‫تاب َولا تخطه ِب َی ِ‬
‫ك ٍ‬‫سورة ال َعنکَبوت‪ /‬آیه ‪َ ( 48‬و ما كنت تتلوا ِمن ق ِبلهِ ِمن ِ‬
‫المبط َ‬
‫لون)‬ ‫رتاب ُ ِ‬‫َلأ َ‬

‫حس َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫جاه ُدوا فینا ل َنهد َی َّن ُهم ُس ُبلنا َو إ َّن َ‬
‫ذین َ‬ ‫َ‬
‫سورة ال َعنکَبوت‪ /‬آیه ‪َ ( 69‬و ال َ‬ ‫َّ‬
‫‪87‬‬ ‫نین)‬ ‫اهلل ل َم َع ُ‬
‫الم ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫طر َت اهلل َّالتی‏ َف َط َر ّ‬
‫الن َاس َع َلیها لا َت َ‬ ‫ََ َ َ َ ّ َ ً‬
‫نیفا ِف َ‬
‫‪50‬‬ ‫بدیل‬ ‫ِ‬ ‫الروم‪ /‬آیه ‪( 30‬فأ ِقم وجهك ِل ِ‬
‫لد ِین ح‬ ‫سورة ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ ُ َ ّ ُ َ َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫اهلل ذ ِلك ِالدین الق ِیم و ِلكن أكثر الن ِاس لا یعلمون)‬ ‫لق ِ‬ ‫ِلخ ِ‬
‫َ ََ َ ُ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫‪169‬‬ ‫عث‬ ‫وم َ‬
‫الب ِ‬ ‫كتاب ِ َ‬
‫اهلل ِإلى‏ ی ِ‬ ‫ذین أ ُوتوا ِ َ َ‬ ‫سورة الروم‪ /‬آیه ‪َ ( 56‬و قال ال َ‬
‫الإیمان لقد ل ِبثتم فی‏ ِ ِ‬ ‫العلم و ِ‬ ‫ُّ‬
‫عل َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َفهذا َی ُ‬
‫مون)‬ ‫لكنكم كنتم لا ت‬ ‫عث و ِ‬
‫وم الب ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪88‬‬ ‫َ‬
‫كثیرا)‬ ‫اهلل ِذكرا‬ ‫سورة األَحزاب‪ /‬آیه ‪( 41‬یا أ ُّی َها ال َ‬
‫ذین َآم ُنوا اذك ُر وا َ‬

‫ً‬ ‫َ‬
‫(َ َ ّ ُ ُ َ ً‬
‫‪88‬‬ ‫صیلا)‬‫كرة َوأ‬ ‫سورة األَحزاب‪ /‬آیه ‪ 42‬و س ِبحوه ب‬
‫َ ُّ‬
‫الظ ُلمات إ َلى ّ‬ ‫ُ َ َّ ُ َ ّ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ ُ َ ُ‬
‫‪88‬‬ ‫ور‬
‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫خرج‬ ‫سورة األَحزاب‪ /‬آیه ‪( 43‬هو الذی یصلی علیكم وم ِ‬
‫لائكته ِلی ِ‬
‫ً‬ ‫َ َ‬
‫نین َرحیما)‬
‫ؤم َ‬ ‫كان ب ُ‬
‫الم ِ‬ ‫و ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫رسلنا فی‏ َق َریةٍ من َنذیر إلا قال ُم َترفوها إ ّنا بما أرس ُلتم بهِ كاف َ‬ ‫َ‬
‫‪216‬‬ ‫رون)‬ ‫سورة س َبأ‪ /‬آیه ‪َ ( 34‬و ما أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حن ب ُم َع ّذ َ‬
‫بین)‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ًَ‬ ‫َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫‪216‬‬ ‫سورة َس َبأ‪ /‬آیه ‪( 35‬و قالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما ن ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫یطان إ ّن ُه لكم َع ُد ٌّو ُم ٌ‬
‫بین)‬ ‫الش َ‬ ‫عهد إلیكم یا َبنی‏ َآد َم أن لا َت ُ‬
‫عب ُدوا‬ ‫َ‬
‫‪124‬‬ ‫ِ‬ ‫سورة یس‪ /‬آیه ‪( 60‬أ لم أ ِ‬
‫فهرس اآليات ‪327n‬‬

‫باد َنا ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫‪232 ،227‬‬ ‫رس َ ‏‬
‫لین)‬ ‫الم َ‬ ‫الصا َّفات‪ /‬آیه ‪َ ( 171‬و لقد َس َبقت ك ِل َمتنا ِل ِع ِ‬
‫سورة ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الصا َّفات‪ /‬آیه ‪( 172‬إ ّن ُهم ل ُه ُم َ‬
‫‪232 ،227‬‬ ‫َ‏‬
‫نصورون)‬ ‫الم‬ ‫ِ‬ ‫سورة ّ‬
‫َ‬
‫سورة الصا َّفات‪ /‬آیه ‪َ ( 173‬و إ َّن ُج َ‬
‫ندنا ل ُه ُم الغال َ‬
‫‪232 ،227‬‬ ‫بون)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬

‫‪104‬‬ ‫َ ّ‬ ‫عبدوها َو َأنابوا إ َلى اهلل َل ُه ُم ُ‬


‫البشرى‏ ف َب ِشر‬
‫َ َ‬
‫اغوت أن َی ُ‬ ‫اجت َن ُبوا ّ‬
‫الط‬ ‫سورة الزُّ مر‪ /‬آیه ‪َ ( 17‬و َّال َ‬
‫ذین َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫باد)‬
‫ِع ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫حس َن ُه ُأولئ َك َّال َ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ‬
‫‪104‬‬ ‫ولئ َك‬
‫ذین هداه ُم اهلل َوأ ِ‬ ‫عون أ َ‬ ‫ست ِمعون القول ف َیت ِب‬ ‫سورة الزُّ مر‪ /‬آیه ‪َّ ( 18‬ال َ‬
‫ذین َی َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ُ ُ ُ َ‬
‫لباب)‬
‫هم أولوا الأ ِ‬
‫َ‬
‫سورة مر‪ /‬آیه ‪( 30‬إ ّن َك َم ّی ٌت َو إ ّن ُهم َم ّی َ‬‫َ‬
‫‪268‬‬ ‫تون)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزُّ َ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫اهلل ِم ُنهم ش ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫‪119‬‬ ‫الی َ‬
‫وم هلِل‬ ‫لك َ‬ ‫یء ِل َم ِن الم‬ ‫بار زون لا َیخفى‏ على ِ‬
‫سورة ا ُملؤمن‪ /‬آیه ‪( 16‬یوم هم ِ‬
‫الواح ِد َالق ّه ِار)‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لطان ُمبین‏)‬ ‫سورة ا ُملؤمن‪ /‬آیه ‪َ ( 23‬و ل َقد أ َ‬
‫رسلنا موسى‏ ب ِ ُ‬
‫‪215‬‬ ‫آیاتنا َوس ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪215‬‬ ‫ساح ٌر كذاب)‏‬
‫سورة ا ُملؤمن‪ /‬آیه ‪ِ ( 24‬إل ‏ى ِفرعون َوهامان َوقارون فقالوا ِ‬
‫ُ ُ َ‬
‫‪215‬‬ ‫استحیوا‬ ‫بناء َّال َ‬
‫ذین َآمنوا َم َع ُه َو َ‬ ‫اقتلوا أ َ‬ ‫ندنا قالوا‬‫الح ِق ِمن ِع ِ‬ ‫سورة ا ُملؤمن‪ /‬آیه ‪َ ( 25‬ف َل ّما َ‬
‫جاء ُهم ب َ ّ‬
‫ِ‬
‫َ ّ‬ ‫َ ُ‬
‫رین ِإلا فی‏ َض ِ ‏‬
‫لال)‬ ‫ساءهم َوما كید ِ‬
‫الكاف‬ ‫ن َ ُ‬
‫ِ‬
‫َّ َ ُ َ‬ ‫ُ َ ّ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬
‫‪214‬‬ ‫دینكم أو‬ ‫دع َر ّب ُه ِإنی أخاف أن ُی َب ِدل‬ ‫ون ذرونی‏ أ ُقتل موسى‏ َو َلی‬ ‫سورة ا ُملؤمن‪ /‬آیه ‪( 26‬و قال ِفرع‬
‫الف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ساد)‬ ‫رض‬‫ظه َر فِی الأ ِ‬ ‫ُ‬
‫أن ی ِ‬
‫َ‬ ‫ًَ ّ َ ُ‬
‫هامان ابن لی‏ َصرحا ل َعلی أبل ُغ الأ َ‬
‫ُ‬ ‫رع ُ‬
‫سورة ا ُملؤمن‪ /‬آیه ‪َ ( 36‬و قال ف َ‬ ‫َ‬
‫‪213‬‬ ‫سباب)‬ ‫ِ‬ ‫ون یا‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪235‬‬ ‫قوم الأ ُ‬
‫شهاد)‬ ‫الحیاةِ ُّالدنیا َو َی َ‬
‫وم َی ُ‬ ‫ذین َآمنوا فی َ‬ ‫سورة ا ُملؤمن‪ /‬آیه ‪( 51‬إ ّنا ل َن ُ‬
‫نص ُر ُر ُسلنا َوال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪235‬‬ ‫عن ُة َول ُهم ُ‬
‫سوء ّالد ِار)‬ ‫مین َمعذ َر ُت ُهم َول ُه ُم الل َ‬ ‫َ ّ‬
‫وم لا َینف ُع الظ ِال َ ِ‬
‫سورة ا ُملؤمن‪ /‬آیه ‪َ ( 52‬ی َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪235‬‬ ‫الك َ ‏‬
‫تاب)‬ ‫َ‬
‫سرائیل ِ‬ ‫الهدى‏ َوأ َورثنا َبنی‏ ِإ‬ ‫سورة ا ُملؤمن‪ /‬آیه ‪َ ( 53‬و ل َقد َآتینا َ‬
‫موسى ُ‬
‫‪ n328‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُ ً َ‬
‫‪235‬‬ ‫لباب)‬
‫سورة ا ُملؤمن‪ /‬آیه ‪( 54‬هدى و ِذكرى‏ ِلأ ِولی الأ ِ‬

‫‪235‬‬ ‫مد َر ّب َك ب َ‬
‫الع ِش ِ ّی‬ ‫است ِ َ َ َ َ ّ َ‬ ‫عد اهلل َح ٌّق َو َ‬
‫سورة ا ُملؤمن‪ /‬آیه ‪َ ( 55‬فاصبر إ َّن َو َ‬
‫غفر ِلذ ِنبك وس ِبح ِبح ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بكار)‬ ‫َ‬
‫الإ ِ‬
‫و ِ‬
‫َ ُ ُ َّ َّ ُ َ‬ ‫َ ّ َ ُ َ ُّ َ ُ َ‬
‫‪135 ،114‬‬ ‫هر َوما ل ُهم‬ ‫موت َونحیا وما ی ِهلكنا ِإلا الد‬ ‫سورة اجلاثِ َیة‪ /‬آیه ‪َ ( 24‬و قالوا ما ِهی ِإلا حیاتنا الدنیا ن‬
‫ون)‬ ‫بذل َك من علم إن ُهم إ ّلا َی ُظ ّن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ٍ ِ‬
‫َ َّ َ َ َ ُ َ ّ ُ َ َ ُ ّ ُ َ ُ َ َ ُ َ ُ َّ ً‬ ‫َ ٌ َ ُ‬
‫‪274‬‬ ‫راهم ُركعا‬ ‫اهلل والذین معه أ ِشداء على الكف ِار رحماء بینهم ت‬ ‫سورة ال َفتح‪ /‬آیه ‪ُ ( 29‬م َح ّمد رسول ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َُ‬
‫جود ذ ِلك َمثل ُهم فِی‬ ‫سیماهم فی‏ ُوجوههم من َأ َثر ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ ً َ َ َ ً‬
‫التوراةِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫اهلل َو ِرضوانا‬ ‫ُس ّجدا َیبتغون فضلا ِم َن َِ‬
‫َ‬
‫الز ّر َاع ِل َیغیظ‬
‫ُ ُ ُّ‬ ‫ك َز رع أ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫عجب‬ ‫خر َج شطأ ُه فآز ر ُه فاستغلظ فاستوى‏ َعلى‏ ِ‬
‫سوقهِ ی ِ‬ ‫ٍ‬ ‫نجیل‬
‫ِ‬ ‫الإ‬
‫ِ‬ ‫َو َمثل ُهم فِی‬
‫ً‬ ‫َ ً‬ ‫اهلل َّال َ‬ ‫الك ّف َار َو َع َد ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫حات ِم ُنهم َم ِغف َر ًة َوأجرا َعظیما)‬ ‫الص ِال ِ‬‫ذین َآمنوا َو َع ِملوا ّ‬ ‫ِب ِهم‬
‫َ‬ ‫ََ ََ‬
‫َ‬
‫صلحوا َب َین ُهما ف ِإن َبغت ِإحد ُاهما‬ ‫ؤم َ‬ ‫طائ َفتان ِم َن ُ‬
‫‪263‬‬ ‫نین اقتتلوا فأ ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫حل ُجرات‪ /‬آیه ‪َ ( 9‬و ِإن ِ ِ‬ ‫سورة ا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫قسطوا‬ ‫دل َوأ ِ‬ ‫َ‬ ‫فاءت فأ ِ َ ُ‬
‫صلحوا بینهما ِبالع ِ‬ ‫اهلل فإن َ‬
‫مر ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قاتلوا التی‏ تبغی‏ حتى تفی‏ء ِإلى‏ أ ِ‬ ‫َعلى الأخرى‏ ف ِ‬
‫طین)‬ ‫قس َ‬ ‫اهلل ُی ِح ُّب ُ‬ ‫إ َّن َ‬
‫الم ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ُ ً‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ََ‬ ‫سورة احلجرات‪ /‬آیه ‪( 13‬یا َأ ُّی َها ّ‬
‫‪146‬‬ ‫الن ُاس ِإنا خلقناكم ِمن ذك ٍر َوأنثى‏ َو َج َعلناكم شعوبا‬ ‫ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫ٌ‬
‫لیم خبیر)‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل أتقاكم إن اهلل ع ٌ‬ ‫كر َمكم ِعند ِ‬ ‫بائ َل ِل َتعارفوا إن أ َ‬ ‫َ‬
‫َوق ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لب أو أ َلقى َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪77‬‬ ‫مع َو ُه َو َش ٌ‬
‫هید)‬ ‫الس َ‬ ‫كان ل ُه َق ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سورة ق‪ /‬آیه ‪ِ ( 37‬إ ّن فی‏ ذ ِلك ل ِذكرى‏ ِل َمن‬
‫َّ‬
‫‪175‬‬ ‫جم ِإذا َهوى‏)‬
‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪َ ( 1‬و الن ِ‬
‫ُ‬
‫‪175‬‬ ‫صاح ُبكم َوما َغوى‏)‬ ‫َ‬
‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪( 2‬ما ض َّل ِ‬

‫‪175‬‬ ‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪َ ( 3‬و ما َی ِنط ُق َع ِن َالهوى‏)‬


‫ّ‬
‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪( 4‬إن ُه َو إلا َو ٌ‬
‫‪175‬‬ ‫حی ُیوحى‏)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫‪175‬‬ ‫دید ُالقوى)‬
‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪َ ( 5‬عل َم ُه َش ُ‬

‫‪176‬‬ ‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪( 6‬ذو م َّرةٍ َف َ‬


‫استوى‏)‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪176‬‬ ‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪َ ( 7‬و ُه َو ِبالأ ُف ِق الأعلى‏)‬
‫فهرس اآليات ‪329n‬‬

‫َّ‬
‫‪176‬‬ ‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪ُ ( 8‬ث َّم َدنا َف َت َدلى‏)‬
‫َ َ‬
‫‪176‬‬ ‫قاب َق َ‬
‫وس ِین أو أدنى‏)‬ ‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪َ ( 9‬ف َ‬
‫كان َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪176‬‬ ‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪َ ( 10‬فأوحى‏ ِإلى‏ َع ِبدهِ ما أوحى‏)‬

‫‪176‬‬ ‫ؤاد ما َرأى‏)‬ ‫( َ َ َ ُ‬


‫الف ُ‬ ‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪ 11‬ما كذب‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫‪176‬‬ ‫مارون ُه َعلى‏ ما َیرى‏)‬‫سورة النَّجم‪ /‬آیه ‪( 12‬أ ف ُت‬
‫َّ َ ُ َ َ‬
‫انش َّق َالق َم ُر)‬ ‫َ‬
‫‪137‬‬ ‫سورة ال َق َمر‪ /‬آیه ‪ِ ( 1‬إقت َربَ ِت الساعة و‬
‫َ‬ ‫رسلنا ُر ُس َلنا ب َ ّ‬ ‫َ‬
‫‪114‬‬ ‫المیزان ِل َی َ‬
‫قوم‬ ‫َ‬ ‫الك َ‬
‫تاب َو‬ ‫نات َوأ َنزلنا َم َع ُه ُم ِ‬‫الب ِی ِ‬ ‫سورة احلدید‪ /‬آیه ‪َ ( 25‬ل َقد أ َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫نص ُر ُه َو ُر ُس َلهُ‬ ‫َ َ َ‬
‫عل َم ُ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫اهلل َمن َی ُ‬ ‫نافع ِللن ِاس و ِلی‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سط وأنزلنا الحدید فیهِ بأس شدید وم ِ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الن ُاس ِب ِ‬
‫الق ِ‬
‫زیز)‬ ‫الغیب إ َّن َ‬
‫اهلل َقو ٌّی َع ٌ‬ ‫َ‬
‫ِب‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ََ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ َ َّ‬ ‫ُ َّ َ َّ َ‬
‫سورة احلَدید‪ /‬آیه ‪( 27‬ثم قفینا على‏ ِ‬
‫‪37‬‬ ‫یناه الإ َ‬
‫نجیل‬ ‫ابن مریم وآت َ ِ‬ ‫آثار ِهم ِبرس ِلنا وقفینا ِبعیسى ِ‬
‫ابت َ‬
‫غاء‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫هبان ّیة ابتدعوها ما كتبناها َعل ِیهم ِإلا ِ‬
‫حم ًة َو َر َ ً َ َ‬
‫ِ‬ ‫عوه َر َأف ًة َو َر َ‬ ‫َو َج َعلنا فی‏ ُقلوب َّال َ‬
‫ذین َّات َب ُ‬
‫ِ‬
‫ثیر م ُنهم فاس َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ َ َ ُ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ َ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قون)‬ ‫ِ‬ ‫اهلل فما رعوها حق ِرعای ِتها فآتینا الذین آمنوا ِمنهم أجرهم وك ِ‬ ‫ضوان ِ‬
‫ِر ِ‬

‫‪91‬‬ ‫زیز)‬ ‫اهلل َل َأغل َب َّن َأ َنا َو ُر ُسلی‏ إ َّن َ‬


‫اهلل َقو ٌّی َع ٌ‬ ‫جاد َلة‪ /‬آیه ‪َ ( 21‬ك َت َب ُ‬ ‫سورة ا ُمل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ّ َ َ ُ َّ ُ َ َ ُ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫سورة ا ُملمت ََحنَة‪ /‬آیه ‪( 1‬یا أ ُّی َها َّال َ‬
‫‪258‬‬ ‫لقون ِإل ِیهم‬ ‫ذین َآمنوا لا ت ّت ِخذوا عد ِوی وعدوكم أ ِولیاء ت‬
‫ُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫جاء ُكم ِم َن َ‬ ‫ك َفروا بما َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ‬
‫اهلل َر ِّبكم ِإن‬ ‫ؤمنوا ِب ِ‬ ‫الرسول َو ِإ ّیاكم أن ت ِ‬ ‫خرجون‬ ‫ِ‬ ‫الح ّ ِق ُی‬ ‫ِ‬ ‫ِبالمودةِ وقد‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ ُ َ ُ‬
‫الم َو ّدةِ َوأنا أعل ُم ِبما أخفیتم َوما‬ ‫غاء َمرضاتی ت ِس ّر ون إلیهم ب َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ابت َ‬ ‫كنتم خ َرجتم ِجهادا فی‏ َسبیلی‏ َو ِ‬
‫َ‬
‫بیل)‬ ‫َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َّ َ َ َّ‬
‫أعلنتم ومن یفعله ِمنكم فقد ضل سواء الس ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫فوكم َیكونوا َل ُكم أعد ًاء َو َی ُ‬‫َ َ ُ‬
‫‪259‬‬ ‫بسطوا ِإلیكم أ ِید َی ُهم َوأ ِلسن َت ُهم‬ ‫سورة ا ُملمت ََحنَة‪ /‬آیه ‪ِ ( 2‬إن یثق‬
‫رون)‬‫كف َ‬‫ّ ََّ َ َ ُ‬
‫ِبالس ِوء وودوا لو ت‬

‫‪259‬‬ ‫یامةِ َیفص ُل َب َین ُكم َو ُ‬


‫اهلل ِبما‬ ‫الق َ‬ ‫رحام ُكم َولا َأ ُ‬
‫ولاد ُكم َی َ‬
‫َ‬
‫سورة ا ُملمت ََحنَة‪ /‬آیه ‪َ ( 3‬لن َت َنف َع ُكم أ ُ‬
‫ِ‬ ‫وم ِ‬
‫لون َب ٌ‬
‫صیر)‬ ‫َت َ‬
‫عم َ‬
‫‪ n330‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫ّ‬ ‫َ‬ ‫براهیم َو َّال َ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ ُ ُ ٌَ‬ ‫َ‬


‫‪259‬‬ ‫ذین َم َعه ِإذ قالوا ِلق ِ‬
‫وم ِهم ِإنا‬ ‫َ‬ ‫سوة َح َس َنة فی‏ ِإ‬ ‫سورة ا ُملمت ََحنَة‪ /‬آیه ‪( 4‬قد كانت لكم أ‬
‫ُ ً َّ‬ ‫َ‬
‫غضاء أ َبدا َحتى‬ ‫الب‬ ‫ك َفرنا ب ُكم َو َبدا َب َیننا َو َب َین ُك ُم َ‬
‫العد َاو ُة َو َ‬ ‫َ‬
‫اهلل‬
‫دون ِ‬
‫ا ت ُ ُ َ‬ ‫ُ َ ّ َ‬
‫ُب َر ُآؤا ِمنكم و ِمم‬
‫ِ‬ ‫عبدون ِمن ِ‬
‫ی‏ء َر َّبنا َع َل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ّ َ َ‬ ‫ُ‬
‫یك‬ ‫اهلل ِمن ش ٍ‬ ‫غف َرن لك َوما أ ِملك لك ِم َن ِ‬ ‫براهیم ِلأبیهِ لأست ِ‬ ‫َ‬ ‫حد ُه ِإلا قول ِإ‬ ‫اهلل و‬
‫ؤمنوا ِب ِ‬ ‫ت ِ‬
‫الم ُ‬ ‫َ‬
‫یك أ َنبنا َو إ َل َ‬‫َت َوَّكلنا َو إ َل َ‬
‫صیر)‬ ‫یك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫‪244‬‬ ‫لون)‬ ‫فع َ‬ ‫قولون ما لا َت َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الصف‪ /‬آیه ‪( 2‬یا أ ُّی َها َّال َ‬
‫ذین َآمنوا ِل َم ت‬ ‫سورة َّ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫‪244‬‬ ‫لون)‬ ‫اهلل أن َتقولوا ما لا َت َ‬
‫فع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الصف‪ /‬آیه ‪( 3‬ك ُبر َمقتا ِعند ِ‬
‫سورة َّ‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫الق ّد ِ َ‬ ‫رض َ‬ ‫َ‬
‫سورة اجلمعة‪ /‬آیه ‪ُ ( 1‬ی َس ّب ُح هلِل ما فی َّ‬
‫‪165‬‬ ‫كیم)‬
‫زیز الح ِ‬
‫وس الع ِ‬ ‫الم ِل ِك‬ ‫ماوات َوما فِی الأ ِ‬
‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُُ َ‬
‫ْ ُّّ َ َ ُ ً ُّْ ْ َُْ ََْ ْ َ َ َُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫‪165‬‬ ‫ك ِیه ْم َو‬‫جل ُم َعة‪ /‬آیه ‪( 2‬ه َو ال ِذی َب َعث فِی الأ ِم ِیین رسولا ِمنهم یتلو علی ِهم آی ِاتهِ و یز ِ‬ ‫سورة ا ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُی َع ِ ّل ُم ُه ُم ْال ِكت َ‬
‫َ‬
‫اب َو ال ِحك َمة َو ِإن كانوا ِمن ق ْب ُل ل ِفی ضل ٍال ّم ِب ٍین)‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪165‬‬ ‫سورة اجلُ ُم َعة‪ /‬آیه ‪َ ( 3‬و َآخ ِر َین ِم ْن ُه ْم ل َّما َیل َح ُقوا ِب ِه ْم َو ُه َو ال َع ِز ُیز ال َح ِك ُیم)‬

‫‪165‬‬ ‫ظیم)‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ ُ ُ َ‬ ‫ضل ِ ُ‬‫سورة اجلُ ُم َعة‪ /‬آیه ‪( 4‬ذ ِل َك َف ُ‬


‫ضل الع ِ‬
‫اهلل یؤتیهِ من یشاء واهلل ذو الف ِ‬
‫َ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫َ‬
‫‪144‬‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫الن ِاس ف َت َم ّن ُوا‬ ‫متم أ َّن ُكم أ ِول ُ‬ ‫سورة اجلم َعة‪ /‬آیه ‪ُ ( 6‬قل یا أ ُّی َها َّال َ‬
‫یاء هلِل ِمن ِ‬
‫دون‬ ‫ذین هادوا ِإن زع‬ ‫ُُ‬
‫َ‬
‫صادقین)‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫الموت ِإن كنتم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ُ َ ٌ ّ‬
‫الظ ِال َ‬
‫مین)‬ ‫َ َ َ َ َّ َ ُ َ ً َ َّ َ‬
‫‪144‬‬ ‫یدیهم واهلل علیم ِب‬ ‫جل ُم َعة‪ /‬آیه ‪( 7‬و لا یتمنونه أبدا ِبما قدمت أ ِ‬ ‫سورة ا ُ‬
‫َ ُ َ َّ َ ُ‬ ‫َ َ ُ َّ َ َ ُ‬
‫‪242‬‬ ‫اهلل َیعل ُم ِإن َك ل َرسول ُه‬ ‫شهد ِإنك ل َرسول ِ‬
‫اهلل و‬ ‫قون قالوا ن‬‫المناف َ‬
‫جاءك ُ ِ‬
‫سورة ا ُملنافقون‪ /‬آیه ‪( 1‬إذا َ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫شه ُد إ َّن ُ‬
‫اهلل َی َ‬
‫َو ُ‬
‫كاذبون)‬ ‫نافقین ل ِ‬‫الم ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫‪127‬‬ ‫یء َق ٌ‬
‫دیر)‬ ‫ُ ُ‬
‫الملك َو ُه َو َعلى ك ِ ّل ش ٍ‬ ‫بار َك الذى ِب َی ِدهِ‬ ‫سورة ا ُمللك‪ /‬آیه ‪( 1‬ت‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫‪163‬‬ ‫سورة ا ُملدَّ ثِر‪ /‬آیه ‪( 43‬قالوا لم َن ُك ِم َن ُالم َص ِل َین)‬
‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫‪163‬‬ ‫سكین)‬ ‫طع ُم ِ‬
‫الم‬ ‫سورة ا ُملدَّ ثر‪ /‬آیه ‪َ ( 44‬و لم نك ن ِ‬
‫َ‬
‫‪259‬‬ ‫وم َی ِف ُّر َالم ُرء ِمن أخیهِ )‬
‫سورة ال َع َبس‪ /‬آیه ‪َ ( 34‬ی َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪259‬‬ ‫سورة ال َع َبس‪ /‬آیه ‪َ ( 35‬و أ ِّمهِ َوأبیهِ )‬
‫فهرس اآليات ‪331n‬‬

‫‪259‬‬ ‫صاح َب ِتهِ َو َبنیهِ )‬


‫سورة ال َع َبس‪ /‬آیه ‪َ ( 36‬و ِ‬

‫امر ٍئ ِم ُنهم َی َوم ِئ ٍذ َش ٌأن ُیغنیهِ ‏)‬ ‫ُ ّ‬


‫‪259‬‬ ‫سورة ال َع َبس‪ /‬آیه ‪ِ ( 37‬لك ِل ِ‬
‫َ‬
‫‪93‬‬ ‫طم ِئ َّن ُة)‬
‫الم َ‬
‫فس ُ‬ ‫َّ ُ َ َّ‬
‫الن ُ‬ ‫سورة ال َفجر‪ /‬آیه ‪( 27‬یا أیتها‬

‫‪93‬‬ ‫رض َّی ًة)‬ ‫ً‬ ‫َ‬


‫ارجعی‏ ِإلى‏ ر ِّب ِك ِ‬
‫راض َیة َم ِ‬ ‫سورة ال َفجر‪ /‬آیه ‪ِ ( 28‬‬
‫(َ ّ‬ ‫ُ‬
‫‪171‬‬ ‫الضحى‏)‬ ‫الضحی‪ /‬آیه ‪ 1‬و‬
‫سورة ُّ‬
‫َّ‬
‫‪171‬‬ ‫الضحی‪ /‬آیه ‪َ ( 2‬و الل ِیل ِإذا َسجى‏)‬
‫سورة ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪171‬‬ ‫الضحی‪ /‬آیه ‪( 3‬ما َو ّد َع َك َر ّب َك َوما قلى)‏‬
‫سورة ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪171‬‬ ‫لآخ َر ُة َخ ٌیر ل َك ِم َن الأولى‏)‬
‫الضحی‪ /‬آیه ‪َ ( 4‬و ل ِ‬
‫سورة ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪171‬‬ ‫عطیك َر ُّب َك َف َترضى‏)‬
‫َ‬ ‫الضحی‪ /‬آیه ‪َ ( 5‬و ل َسوف ُی‬
‫سورة ُّ‬
‫ً‬ ‫ََ‬
‫‪171‬‬ ‫دك َیتیما َفآوى‏)‬
‫سورة الضحی‪ /‬آیه ‪( 6‬أ لم َیج َ‬
‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫ًّ َ‬
‫‪172‬‬ ‫الضحی‪ /‬آیه ‪َ ( 7‬و َو َج َد َك ضالا ف َهدى)‏‬
‫سورة ُّ‬
‫َ‬
‫‪172‬‬ ‫عائ ًلا َفأغنى‏)‬ ‫َ َ‬
‫الضحی‪ /‬آیه ‪َ ( 8‬و َو َجدك ِ‬
‫سورة ُّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫‪172‬‬ ‫اسم َر ِّب َك الذی َخل َق)‬
‫سورة ال َع َلق‪ /‬آیه ‪ِ ( 1‬إقرأ ِب ِ‬
‫َ‬ ‫سورة الع َلق‪ /‬آیه ‪َ ( 2‬خل َق الإ َ‬ ‫َ‬
‫‪172‬‬ ‫نسان ِمن َعل ٍق)‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪173‬‬ ‫كر ُ ‏م)‬ ‫سورة ال َع َلق‪/‬آیه ‪ِ ( 3‬إقرأ َو َر ّب َك الأ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪173‬‬ ‫القل ِم)‬ ‫سورة ال َع َلق‪ /‬آیه ‪( 4‬الذی علم ِب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سورة الع َلق‪ /‬آیه ‪َ ( 5‬عل َم الإ َ‬ ‫َّ‬
‫‪173‬‬ ‫نسان ما لم َیعلم)‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫سورة الع َلق‪ /‬آیه ‪َ( 6‬ك ّلا إ َّن الإ َ‬
‫‪175‬‬ ‫نسان ل َیطغى‏)‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫سورة الع َلق‪ /‬آیه ‪( 7‬أن َر ُآه َ‬ ‫َ‬
‫‪175‬‬ ‫استغنى‏)‬ ‫َ‬
‫‪ n332‬مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن‬

‫‪175‬‬ ‫سورة ال َع َلق‪ /‬آیه ‪ِ( 8‬إ َّن ِإلى‏ َر ِّب َك ُّالرجعى‏)‬
‫َّ‬
‫‪163‬‬ ‫تیم)‬ ‫سورة املاعُون‪ /‬آیه ‪َ ( 2‬فذ ِل َك الذی َی ُد ُّع َ‬
‫الی َ‬

‫َ ُّ َ َ‬
‫‪163‬‬ ‫سكین)‬
‫ِ‬ ‫الم‬ ‫سورة املاعُون‪ /‬آیه ‪َ ( 3‬و لا ی ُحض على‏ ط ِ‬
‫عام ِ‬

‫‪193‬‬ ‫َ َ‬
‫الف ُ‬
‫تح)‬ ‫سورة النَّرص‪ /‬آیه ‪( 1‬إذا َ َ ُ‬
‫اهلل و‬
‫جاء نصر ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ّ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫‪193‬‬ ‫اهلل أفواجا)‬ ‫سورة النَّرص‪ /‬آیه ‪( 2‬و رأیت الناس یدخلون فی‏ ِ‬
‫دین ِ‬

You might also like