Professional Documents
Culture Documents
�سس ؤ
ب
2017 - �ال� نا� ي
و� ث ن
کا� ن
www.sahbabooks.com
info@sahbabooks.com
سماح� إال�مام ا خل� ن
ام� ئ� ي� ة
ف ُ
سلام� الحد ي� ث�
ح� ي� ال�كر إال� ي م ي
حمتويات الكتاب
ثامين وعرشون حمارضة ألقاها األستاذ سيد عيل احلسيني اخلامنئي يف شهر رمضان عام
أهم ما حتتاجه الساحة اإلسالمية من
1394هـ ،أي قبل أكثر من أربعني عا ًما ،تناول فيها ّ
أفكار ومفاهيم من منطلق قرآين.
كان األستاذ املحارض يلقي حمارضاته يف مسجد «اإلمام احلسن» بمدينة مشهد .وبعد
القراء ما دارت حوله املحارضة من آيات .مل يكن جيلس عىل منرب كام
املحارضة يتلو أحد ّ
هو املعتاد يف دروس املساجد ،بل كان يقف أمام املجتمعني .ومل تكن املحارضات جديدة
يف طريق إلقائها فحسب ،بل كانت حتمل مفاهيم ،وتتجه نحو مقاصد جديدة كل اجلدّ ة عن
الساحة اإليرانية آنذاك .والذين حرضوا تلك املحارضات يتحدثون بإعجاب واستغراب
عن انشداد أهايل مدينة مشهد ،وخاصة فئة الشباب ،إىل مسجد اإلمام احلسن أثناء اإللقاء،
ويغص املرآب املوجود خلف املسجد بمستمعني من الرجال
ّ يغص هبم بل
فاملسجد ّ
والنساء ومن فصائل خمتلفة.
ويتحدث النارش (صهـبا) عن اجلهود املبذولة من أجل احلصول عىل أرشطة تسجيل تلك
n10مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
املحارضات ،وطباعتها يف كتاب حيمل عنوان« :مرشوع الفكر اإلسالمي يف القرآن» ،وعن
مزايا الكتاب ،وعن قدرة األستاذ املحارض عىل إلقاء مفاهيم القرآن احلضارية االستنهاضية
رش جالوزة نظام الشاه االستبدادي املعادي لكل وعي إسالمي.
بأسلوب ذكي يبعد عنه ّ
لكن النظام تف ّطن بعد ذلك ،فألقى القبض عليه وساقه نحو أفظع مراكز التعذيب آنذاك
املسمى «اللجنة املشرتكة ضد التخريب».
جدير بالذكر أن هذه املحارضات قد ترمجت بحذافريها مجلة بجملة يف بريوت .وتوىل
الرتمجة األستاذ القدير عباس نور الدين ونرشت حتت عنوان «الفكر اإلسالمي عىل ضوء
القرآن الكريم» بواسطة دار املعارف احلكمية.
ألسباب عديدة وجدنا من الرضوري إعادة الرتمجة ،مراعني فيها عدم التكرار الذي
أيضا َّ
أن خماطبنا عريب ،وكذلك يصاحب عادة املحارضة االرجتالية العا ّمة ،ومراعني فيها ً
الوضوح يف العبارة ،وجمتنبني ــ فيام نظن ــ بعض اهلفوات يف الرتمجة السابقة ،ويبقى
الفضل ملن سبق.
نرجو أن يلقي هذا التعريب الضوء عىل جانب من تاريخ الفكر النهضوي يف إيران ،وأن
يكون إثراء ملرشوعنا املستقبيل يف بناء «احلضارة اإلسالمية احلديثة» وباهلل التوفيق.
التنظري؛
املسلم الذي يواجه ما يموج به عاملنا املعارص من تيارات فكرية ويريد أن يعرف مكانته بينها،
وأن جييب عن األسئلة املطروحة عىل الساحة ،حيتاج إىل تنظري يبلور املدرسة اإلسالمية يف
جماالهتا العقائدية واحلياتية ،وهذا ما فعله اإلحيائيون يف العصور األخرية وقدموا أعامهلم
يف كتب مستقلة أو حمارضات نخبوية وعامة .واألستاذ املحارض يشري إىل رضورة عملية
«بلورة املرشوع اإلسالمي بصورة مدرسة اجتامعية ذات مبادئ منسجمة ومتناسقة ،وذات
رؤية للحياة االجتامعية البرشية»(املقدمة).
وأيضا برؤية اجتامعية ال فردية .ثم تقديم
فالرضورة تتطلب بلورة املرشوع اإلسالميً ،
ذلك يف منظومة فكرية وعملية واحدة ،ولذلك يدعو إىل دراسة املسائل الفكرية يف اإلسالم
بصورة مرتابطة وبشكل أجزاء من منظومة واحدة» (املقدمة).
ويرى أن أغلب الدراسات مل يعمد أصحاهبا إىل هذه البلورة يف منظومة عملية حياتية إذ ّ
إن
«ما قدّ موه ال يتجاوز أن يكون معرفة ذهنية ،ألن أبحاثهم بصورة عامة تدور حول قضايا
هي بمعزل عن العطاء العميل وخاصة االجتامعي» (املقدمة).
يف عملية التنظري البد أن يتجه العطاء إىل اخلروج من اإلطار الذهني والرتكيز عىل مقاصد
اإلسالم وأهدافه الفردية واالجتامعية ،والسبيل إىل حتقيق هذه األهداف .فاألولوية هي:
«اخلروج من اإلطار الذهني املحض ،والتوجه إىل املنظومة اإلسالمية باعتبارها مدرسة
احتامعية يتعني فيها املسري العميل لألفراد ،وخاصة يف حياهتم االجتامعية ،والتأكيد يف
الدراسات النظرية عىل مرشوع اإلسالم حلياة البرش وعىل أهداف اإلنسان واملجتمع يف
احلياة ،والطريق الذي حيقق هذه األهداف» (املقدمة).
دخلت فكرة التوحيد يف مباحث كالمية جا ّفة ،أو منحرفة بدو ّية متخ ّلفة .من هنا يتصدى
اإلحيائيون إىل تقديم هذا األصل الديني املهم عىل قاعدة عملية تغيريية تتناسب مع هذا
األصل القرآين اهلام يقول:
«كل تعبري يف القرآن الكريم عن صفات اهلل سبحانه يف سياق التوحيد يتضمن نفي هذه
املوحدون يف حياهتم ،فقوله الصفات عن اآلهلة املزيفة ،كام يتضمن ما ينبغي أن ّ
يتحل به ّ
ََ ٌ ََْ ُ
تعاىل( :لا تأ ُخذ ُه ِس َنة َولا ن ْو ٌم) يعني أن اآلهلة املزيفة يف غفلة عن أمرها ،كام يعني ما جيب أن
ّ
يتحل به املوحدون من وعي وصحوة وبصرية» (املحارضة الثامنة).
وبنظرة تغيريية قرآنية للتوحيد يقول« :لو كانت النظرة الكونية التوحيدية هي املهيمنة ملا كان
ّ
ويسخرون عباد اهلل لطاعتهم، طواغيت العامل واملتجربون يسيطرون عىل الثروات الطائلة
الناس يتسابقون لتقبيل أقدامهم ،ويرون أهنم ُخلقوا ليكونوا سادة واآلخرين
َ و َيدَ عون
عبيدً اُ ،خلقوا ليكونوا سعداء ،وغريهم خملوقون للبؤس والشقاء» (املحارضة الثامنة).
ويرى أن التوحيد يف إطار الشعور باملسؤولية هو غري التوحيد يف األذهان اجلامدة اخلامدة
يقول« :أولئك الذين يعيشون عىل مستوى املسؤولية وااللتزام جيب أن يفهموا التوحيد
بصورة غري الصورة املرتسمة يف أذهان الذين يعيشون حياة البطر وعدم االلتزام .قد ُييل
إلينا أن التوحيد مسألة تعيش يف األذهان دون أن يكون هلا أثر يف اخلارج ،ودون أن تكون
عامل تأثري يف احلياة .بينام التوحيد الذي يدعو إليه اإلسالم هو أسمى من أن يكون جوا ًبا
نظر ًيا عىل سؤال .التوحيد اإلسالمي يعمل عىل صياغة نظام احلكم والعالقات االجتامعية
ويوجه حركة التاريخ ،ويرسم اهلدف من هذه احلركة ،ويقرر مسؤوليات الناس جتاه اهلل
ّ
وجتاه بعضهم اآلخر ،وجتاه سائر مظاهر الطبيعة .ليس التوحيد باألمر الذي تقول فيه إن
احلق هلل وحده يف أن يكون مهيمنًا عىل حياتنا
اهلل واحد وليس اثنني وكفى ..إنه يعني أن ّ
الفردية واالجتامعية» (املحارضة التاسعة).
ويقول« :حني يسود التوحيد هبذه النظرة يف جمتمع من املجتمعات فإنه يقيم ذلك املجتمع
يف ُبناه التحتية والفوقية وفق أصول وقيم حمددة .وما أبعد هذا الفهم للتوحيد عن حرص
معنى التوحيد بعبارة إن اهلل واحد وليس اثنني!!» (املحارضة احلادية عرشة).
n14مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
اإليامن الواعي؛
الغزو الثقايف للعامل اإلسالمي يسعى فيام يسعى إىل زلزلة اإليامن الديني يف ساحة معينة
والتحجر يف ساحات أخرى .آثار هذا الغزو
ّ التعصب
ّ من الشعوب املسلمة ،أو إىل إثارة
مشهودة يف كال الساحتني ومن الطبيعي أن يتجه اإلحيائيون إىل التأكيد عىل رضورة اإليامن
وأيضا عىل أساس من العقالنية
الواعي القائم عىل أساس امتالء الوجدان وتطهري القلبً ،
التحجر والعصبية العمياء.
ّ والتفكري والبعد عن
يقول األستاذ املحارض« :اإليامن ال معنى له إذا كان مثل ماء راكد ال حراك فيه .اإليامن
هزة أو ن ََزق مراهقة أو غريها يمكن
املتزعزع ..اإليامن الذي يتزلزل ويتناقص عىل أثر ّ
احلق ليس كذلك ،إذ إن قلبه يتلقى الكلمة
أن ُيقتلع يف يوم من األيام .املؤمن الصادق ّ
الصادقة ،واملوعظة الصائبة بتفكّر وتد ّبر فيزداد إيامنًا» (املحارضة الثانية).
ويقول« :البد من إيامن راسخ قائم عىل أساس وعي وشعور وإدراك كي يصمد أمام
اإلغراءات والشبهات»( .املحارضة الثالثة).
ويقول عن القرآن إنه« :يرى أويل األلباب من خالل القيم الكربى التي مت ّيز اإلنسان ،وهي
ون َ َّ َ َ ْ ُ
ك ُر َ
اهلل ِق َی ًاما االرتباط باهلل سبحانه .يف تعريف أويل األلباب يقول سبحانه( :ال ِذین یذ
َ ُ
َوق ُع ًودا َو َعلى ُج ُن ِوب ِه ْم) ،وليس ذكر اهلل هنا عىل طريقة الدراويش ،وليس االكتفاء بلقلقة
اللسان ،بل هو الذكر الذي يستتبعه الشعور باملسؤولية يف احلياة ،ويدفع إىل العمل هبذه
املسؤولية» (املحارضة الثالثة).
ويقول« :ويف سياق اآليات التي تذكر اإليامن القائم عىل الوعي ،ورفض ذلك اإليامن
املقرون بالتقليد والتعصب ،يذم القرآن أولئك الذين يلغون قدرة تفكريهم ويرفضون ترك
َ َ َ َ
یل ل ُه ْم ما ألفوه من هنج حتى ولو كان ذلك النهج ال يقوم عىل علم وال عىل هدى( :و ِإذا ِق
َ
ان َآب ُاؤ ُه ْم َلا َی ْعل ُم َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ َّ ُ َ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ
ك َ
ون تعالوا ِإلى ما أنزل اهلل و ِإلى الرس ِ
ول قالوا حسبنا ما وجدنا علیهِ آباءنا أولو
واملتحجرون اجلامدون القابعون عىل ما ألفوه من ون) .هؤالء هم الرجعيون َش ْی ًئا َو َلا َی ْه َت ُد َ
ّ
رب العاملني .وهؤالء
عادات وتقاليد موروثة حتى لو كانت متعارضة مع العلم ومع هداية ّ
ال يمكن أن يكونوا يف زمرة املؤمنني» (املحارضة الثالثة)
مقدمة التعريب 15n
اإلسالم املحمدي
اإلحيائيون يواجهون نظرة سلبية عند فصائل من املجتمع جتاه اإلسالم .وحني طغى
الفكر املادي بني شباب العامل اإلسالمي يف الستينات والسبعينات كانت التهمة املوجهة
يقر
إىل اإلسالم هي إنه أفيون الشعوب ،وإنه غري قادر عىل أن يكون مرشو ًعا للحياة ،وإنه ّ
ظلم الظاملني ،وليس بإمكانه أن ينترص للمظلومني .يف زمن إلقاء هذه املحارضات كان
ترسب حتى إىل بعض الفصائل اإلسالمية ،فراج االلتقاط بني املاركسية
الفكر املادي قد ّ
واإلسالم .ومن هنا راح األستاذ املحارض يدافع عن اإلسالم ،ويبني وجهه املحمدي
الصحيح ،وطبيعته املناهضة للظلم والداعية إىل العدالة ورفض التمييز.
يقول« :إن أنصار املدرسة املادية يف عرصنا خيالون أن املدرسة املادية أقدر عىل إدارة العامل
وإنقاذه من الظلم واجلشع والتمييز .والدين ال يستطيع أن يفعل ذلك .ملاذا يصدرون
حكم كهذا عىل الدين؟ ألهنم يفهمون الدين بمعناه التقليدي الشائع املوروث من عرص
ً
التخ ّلف ،الدين الذي يكتفي بالعادات والتقاليد والطقوس وال ّ
حيرك ساكنًا يف املجتمع،
لذلك يقولون عنه إنه أفيون الشعوب .واضح أننا حني نواجه هذا املنطق ليس لنا إال أن
يقر عىل ظلم الظاملني ويساند املستبدين ،وال هيتم بأمر املظلومني وال
نقول :لو رأيتم دينًا ّ
جيدي نف ًعا للـمسحوقني فارفضوه إنا معكم رافضون .الدين اإلهلي له خصائص معينة
ومواصفات خاصة ،إن توفرت نقبله وإن مل تتوفر نرفضه» (املحارضة التاسعة).
ويقول« :إسالمنا هو الذي حيارب التمييز والطبقية ،ويقسم الثروة بالعدل ،ويوفر الفرص
عز اإلنسان الذي كان يعيش يف ّ
الذل وكان واإلمكانات املتساوية أمام أفراد املجتمع ،و ُي ّ
أعزه ُي ّ
سخر الرتكاب ألوان اجلرائم من أجل فتات موائد الطواغيت .هذا اإلنسان املنحط ّ
اإلسالم وأكرمه ،وأكسبه الفضائل األخالقية واإلنسانية ،كل ذلك و ّفره يف ظل نظام عادل
n18مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
عطاء التوحيد
التوحيد أهم عنرص تكاميل للفرد واملجتمع ،وهو الذي يؤ ّطر احلياة اإلنسانية بكل
مرافقها ،لكن الذهنية الراكدة حولته إىل ما يتناسب مع حالة الركود واخلمود السائدة.
مرت بنا مقتطفات من أقوال األستاذ املحارض يف هذا الصدد ،ويف املحارضات
وقد ّ
تفاصيل عن عطاء التوحيد ملعناه القرآين مثل مفهوم تساوي البرش باعتباره نتيجة طبيعية
لرفض تعدد اآلهلة يقول:
«وجاء االسالم لريفض تعدد اآلهلة ،ويقرر أن البرش خملوقون من إله واحد ..ومن طينة
واحدة ،وهلم فطرة واحدة ،واآليات الكريمة يف هذا الصدد كثرية نظري قوله تعاىلَ ( :یا
َ ُ َّ ََ ُ ُ َّ َ َ
أ ُّی َها ّالن ُاس ْاع ُب ُدوا َر َّبك ُم ال ِذی َخلقك ْم َوال ِذ َین ِمن ق ْب ِلك ْم) .فالبرش بأمجعهم من أصل واحد،
والسمو ،ال فرق بينهم يف ذلك ،اللهم إالّ املجموعة
ّ وحيملون كفاءات متكّنهم من التكامل
التي اصطفاها اهلل سبحانه هلداية البرشية كاألنبياء واألئمة ،فهؤالء الصفوة خارجون من
بحثنا ،وحديثنا عن عامة أفراد املجتمع» (املحارضة الثانية عرشة).
وهكذا ما يفرزه التوحيد من رفض التمييز الطبقي .يقول:
«فرص التكامل العلمي والعميل متاحة للجميع .خال ًفا للمجتمعات غري التوحيدية
حيث الطريق مع ّبد لفئة وميلء باألشواك والعقبات لفئة أخرى .وأقف عند عبارة «يا
أهيا الناس» فاخلطاب للبرشية مجعاء بمختلف ألسنتها وألواهنا وأقاليمها وانتامءاهتا،
مقدمة التعريب 19n
وأقف عند «إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم» ففيها رفض تام للطبقية ،ليست كرامة اإلنسان
وح َسبِ ِه ومكانته يف جمتمعه ،بل من تقواه .بل ــ وهذه مالحظه دقيقة وهامة ِ ِ
م ْن نَسبِه َ
ــ حتى املتقون ليست هلم امتيازات برشية خاصة ،املتقي ال يتمتع ــ باعتباره متق ًيا
ــ بامتيازات مالية أو حقوقية خاصة ،فهم مكرمون ومقربون عند اهلل سبحانه .طب ًعا
أيضا ،ومن هنا فإن بعض املسؤوليات ال يتوالها إال أصحاب
التقوى هلا آثار اجتامعية ً
التقوى» (املحارضة الثانية عرشة).
وهكذا ما ينتج عن التوحيد من مكافحة الفقر وضيق النظر واالنشداد إىل الصغائر.
يقولّ :
«إن التوحيد مرشوع عظيم وضخم يدخل حياة اإلنسان فيؤثر يف جماالته االقتصادية
بإزالة الفقر أو تعديل الثروة ،ويدخل يف املجال االجتامعي ،فينتج أخالقية خاصة يف
التعامل ،ويدخل يف جمال النظرة إىل الكون واحلياة فيجعلها إهلية ،ويدخل يف دائرة النفس
نفسا ذات خصائص سامية ،مثل التخلص من ضيق النظر ،ومن الشعور
فيخلق منها ً
بالضعف واهلزيمة ،فال يرى صاحبها متطلباته حمدودة يف األمور املادية ،وال ينشدّ إىل
الصغائر ،وال يرى هذه الدنيا هي هناية احلياة ،بل يؤمن بحياة أخرى خالدة ،ومن هنا يرى
املوت بداية حلياة أخرى ،وهذه الرؤية هلا األثر الكبري عىل حياة اإلنسان وسلوكه وتعامله»
(املحارضة الثالثة عرشة).
وهكذا اقتالع جذور اخلوف ،وهو من معطيات التوحيد ،يقول« :ونقف عند إحدى
اخلصائص النفسية للتوحيد وهي اقتالع جذور اخلوف من غري اهلل سبحانهَ ( :ف َلا َت َخ ُاف ُ
وه ْم
ُ
ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َ َ ُ
املوحد العارف بقدرة اهلل تعاىل ال يساوره خوف .حني ین) فاملؤمن ّ َوخاف ِ
ون ِإن
أتأمل يف حياة البرشية قديمها وحديثها أرى أن اخلوف عامل ضياع دنيا الناس وآخرهتم.
شح النفس وعدم اإلنفاق ،اخلوف من انتهاء أيام العمر
اخلوف من الفقر يؤدي إىل ّ
والطمع يف البقاء أليام أكثر قد يؤدي إىل فناء حياة كثريين ،وإىل شقاء احلياة البرشية .حني
نطالع املآيس واجلرائم يف حياة البرش ،حني ندرس سبب قلة أنصار احلق ،وإعراض الناس
احلق حتى بعد أن عرفوه ،نرى أن جذور كل ذلك تكمن غال ًبا يف اخلوف» (املحارضة
عن ّ
الثالثة عرشة).
n20مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
األمل يف املستقبل
من ميزات اإلحيائيني إزالة روح اليأس واهلزيمة من نفوس املؤمنني .احلاجة إىل األمل
باملستقبل والثقة باهلل حاجة الرساليني يف كل زمان ومكان ،وهو مورد تأكيد القرآن الكريم
يف مواضع عديدة .لكن احلاجة إليه ازدادت بشدّ ة يف ظروف الغزو االستعامري للعامل
اإلسالمي ،وهزيمة املسلمني نفس ًيا وعسكر ًيا واقتصاد ًيا أمام الغزاة .ومن هنا نجد األستاذ
املحارض يؤكد يف كل مناسبة عىل غرس روح األمل يف النفوس .يقول« :هذا مبدأ إسالمي
يقيض أن يكون مصري البرشية إىل خري ،ملاذا؟ ألن اهلل تعاىل خلق الساموات واألرض وفق
موازين احلق ،وخلق اإلنسان لينشد احلق بفطرته .واإلنسان بام عنده من إرادة جيب أن
يتحرك وفق ما تقتضيه فطرته ليصل إىل ذلك املقصد» (املحارضة العرشون).
وال خيال ّن أحد أن األنبياء فشلوا يف أداء مهمتهم الرسالية .إذ هذا الفهم ملصري األنبياء هو ما
يردده املتقاعسون لتربير تقاعسهم وقعودهم .يذكر األستاذ املحارض آية ويعلق عليها يقول:
النبوات كان هلا دور وفاعلية يف سلسلة النبوات،
«القرآن الكريم يعلمنا أن كل واحدة من ّ
إضافة إىل أهنا دفعت بالبرشية خطوة إىل األمام ،وهذا ما تؤيده وثائق التاريخ .وهكذا
أتباع األنبياء يستطيعون أن حيققوا النجاحات بشكل مؤكد ،ولكن برشطني وإذا حتقق
هذان الرشطان فالنرص حتمي ،وليس من الرضوري أن يتحقق هذا االنتصار بمعجزة.
وما مها الرشطان؟ األول :اإليامن ،أي العقيدة الواعية ،إيامن مقرون بالتزام ،ومقرون
بالسعي واحلركة .الثاين :الصرب ،ويعني املقاومة ،والثبات يف الساحة ،وعدم ترك امليدان يف
اللحظات احلساسة واخلطرة» (املحارضة العرشون).
ثم يذكر ما حتمله ذاكرته من كالم يف تارخينا احلديث يقول:
«أذكر باملناسبة كالم شخص من تارخينا احلديث كان خياطب أتباعه يف احلركة الدستورية
أيضا ،وإن أيقنتم بالفشل
اإليرانية ويقول هلم :ناضلوا ،وإن اشتدت عليكم األمور ناضلوا ً
احلتمي واصلوا النضال ،عندئذ سوف ُيكتب لكم النرص ،هذا كالم صحيح .حني يبقى
دب اليأس فثمة الفشل
األمل بالنرص يف كل أحوال الشدّ ة فإن النرص عاقبة األمور ،أما إذا ّ
واهلزيمة» (املحارضة العرشون).
مقدمة التعريب 21n
والوالية التي يستحق صاحبها أن يكون من الفائزين يف الدنيا واآلخرة ليست االكتفاء بعقد
يرص عليه اجلاهلون واملغرضون،
جمالس إحياء ذكر أهل البيت وبيان فضائلهم .فهذا ما ّ
وهذا ما يزري بمفهوم الوالية يقول:
«عقد جمالس إلحياء ذكر أهل البيت وبيان فضائلهم ال خيالفه عاقل ،من الشيعة وال من
يقر بعظمتهم ،فهم الرهط الكريم الذي
السنة بل وال من غري املسلمني .كل من يعرفهم ّ
قدّ موا كل ما لدهيم حتى أرواحهم يف سبيل نرش العدل ومقارعة الظلم والدفاع عن دين
اهلل وكرامة اإلنسان .لو ذهبتم إىل أوربا وب ّينتم هناك للناس شخصية اإلمام أمري املؤمنني
وحياته لرأيتم احرتام املخاطبني وإعجاهبم هبذه الشخصية و َل َوجدمتوهم ينحنون إجالالً
له .إذن االكتفاء باحرتام أهل البيت ال يمكن أن يكون الوالية التي يستحق الشخص
بموجبها اجلنة .من املؤسف أن ً
نفرا يطرحون عن غرض أو جهل موضوع الوالية بشكل
سطحي ،وال يكتفون بذلك بل حياربون الذين يقدّ مون الفهم الصحيح للوالية ،وللعاملني
عىل طريق الوالية .حرص الوالية يف نطاق حمدود وض ّيق ال يليق هبذا املبدأ اإلسالمي اهلام»
(املحارضة اخلامسة والعرشون).
وعن عطاء الوالية يرى أنه إحياء األمة ،وتنمية كفاءاهتا اإلنسانية وإقامة املجتمع الصالح
واحلكم الصالح يقول:
«طيب ،يبقى السؤال عن العطاء الذي يمكن أن تقدمه الوالية للمجتمع .يف كلمة واحدة
نجيب :إنه انتقال من املوت إىل احلياة .تصوروا اجلسم امليت الذي فيه الدماغ والعني واجلهاز
اهلضمي والدورة الدموية ولكن كلها ال تعمل ،ملاذا؟ ألن هذا اجلسم يفتقد الروح .وهكذا
املجتمع الذي يفتقد الوالية ،فيه كفاءات لكنها باطلة مهدورة .له قوى مفكرة لكنها ت ّ
ُسخر
فكرها لإلفساد وللقتل وإلحراق احلرث والنسل .الحظتم يف التاريخ اإلسالمي حينام
خبت شعلة الوالية ماذا حدث .ولقد ّ
حذرت فاطمة الزهراء سالم اهلل عليها مما سينزل
باملجتمع إذا ابتعد عن الوالية ،لكن آذان املجتمع مل تكن تستوعب هذا التحذير ،وهذا
التحذير قائم إىل يومنا هذا .املجتمع صاحب الوالية جمتمع تنمو فيه الكفاءات اإلنسانية،
والرقي .ويسري املجتمع بتوجيه من الويل احلاكم عىل
ّ السمو والكامل
ّ وكل يشء فيه ينحو إىل
مقدمة التعريب 23n
لكنها كانت وال تزال يف ظل األنظمة احلاكمة التي ال تؤمن بقيم إنسانية وأخالقية ،فقادت
الغرب بل والعامل إىل حروب ودماء ودموع ،وإىل متييز عرقي وطبقي فظيع ،ومل يستطع ذاك
التقدم العلمي أن ينعش احلياة اإلنسانية والفضائل اخللقية» (املحارضة الرابعة العرشون).
تصحيح املفاهيم
بسبب انعزال اإلسالم عن احلياة لقرون ،وفرض حالة التخلف عىل املسلمني عشعشت
يف ذهن املسلمني مفاهيم خاطئة .وحتولت عنارص احلركة والدفع والتكامل يف اإلسالم إىل
عنارص ركود وتكاسل وارختاء .من هذه املفاهيم:
الرمحة :وهذا املفهوم له قيمته الكربى يف منظومة احلضارة اإلسالمية ،لكنه تبدل يف الذهنية
الراكدة إىل انتظار هذه الرمحة لتهبط من السامء ،إلنقاذ املسلمني مما يعانونه .يرفض األستاذ
املحارض هذه النظرة ،ويبني املعنى الواعي التغيريي للرمحة يقول:
َ َ َّ ُ
الر ُسول ل َعلك ْم ُت ْر َح ُم َ
اهلل َو َّ َ
(أ ِط ُیعوا َ
ون) رمحة اهلل ال تنزل عىل األمة إالّ حني تلتزم بالرسالة،
وتؤدي ما عليها من واجبات .ماليني املسلمني يرون بأعينهم ما ّ
حيل ببلداهنم من تدمري
رب العاملني!! ال ،مثل هذا االنتظار
وهنب وسيطرة وإذالل ،ثم جيلسون منتظرين رمحة ّ
رب العاملني يف الكون» (املحارضة األوىل).
للرمحة خمالف لسنة ّ
موها وكامهلا ،وتكرس قيود أرسها ،عندئذ تشملها
ويقول« :حني تسري األمة عىل طريق ُس ّ
ُ َ َ َّ ُ اهلل َو َّ
الر ُسول ل َعلك ْم ت ْر َح ُم َ َ
رمحة رب العاملني( :أ ِط ُیعوا َ
ون)» (املحارضة األوىل). ّ
والترضع فقط ،غري أن الذهنية
ّ ومنها الغفران :الذهنية الراكدة تنتظر غفران اهلل بالدعاء
تأخ ٌر عن مسرية التكامل ،والبدّ من ّ
حث اخلطى لتاليف هذا املتحركة ترى أن الذنب ّ
ّ
التأخر ،إنه جرح البدّ من معاجلته باجلدّ واالجتهاد .يقول« :إن الغفران يعني التئام جرح
وملء فراغ» (املحارضة األوىل).
ويقول« :ما معنى الغفران؟ إنه يعني معاجلة هذا اجلرح وإزالة آثاره .هذا هو الغفران.
السمو واالرتفاع»
ّ ويتم هذا بتاليف ما أنزله الذنب يف الروح من انتكاس ،ودفعها نحو
(املحارضة األوىل).
مقدمة التعريب 25n
ومنها اخلوف من اهلل :اخلوف من اهلل ليس من نوع اخلائف من جرمه حني يقف أمام القضاء.
فهذا اخلوف ال ينتج كامالً بل إنه كام يقول األستاذ املحارض« :من نوع آخر ،إنه خوف ناتج
عن معرفة.حني يقف اإلنسان أمام ذات عظيمة وحقيقة جليلة فإنه يصاب بالرهبة ،طبيعة
اإلنسان تقتيض أن يقف مرهو ًبا أمام املوجود العظيم .هنا الرهبة ليست خو ًفا ،قد ال يعرتيه
أي خوف من ارتكاب ذنب ،لكنها الرهبة الناجتة عن إحساس بالعظمة وشعور ِ
بالص َغر
أمام تلك العظمة» (املحارضة الثانية).
تعليم لآلخرين! بل هو الرهبة واخلشوع يقول:
تظاهرا وال ً
ً وبكاء األولياء أمام اهلل ليس
«ليس األمر كام يقول بعض اجلاهلني :إن بكاء هؤالء العظام وترضعهم إنّام هو من أجل أن
والترضع!! فهو ليس عند هؤالء اجلهلة بكاء حقيق ًيا ،بل يتظاهرون بذلك
ّ يع ّلمونا البكاء
كي يع ّلمونا بذلك!! هذا خطأ وجهل ،هؤالء العظام ارتفعوا يف معرفة اهلل حتى امتألت
قلوهبم بالرهبة واخلشوع واخلضوع» (املحارضة الثانية).
ومنها التوكل :التوكل يف الذهنية اجلامدة هو إيكال األمر إىل عامل غيبي .وهذا هو التواكل
غري أن التوكل يف املفهوم القرآين له عطاؤه احلركي .يقول:
«التوكل هو االعتامد عىل اهلل وعقد األمل عليه يف كل األحوال .والتوكل هبذه الصورة يبعد
مفهو َمه عن حالة التخدير وجيعل منه عامل حركة واندفاع» (املحارضة الثانية).
ويقول عن اإلنسان الذي يواجه طري ًقا مغل ًقا ،فهو« :إما أن ينجرف مع ظروف الواقع
املفروض ،وإما أن ينهي حياته باالنتحار .لكن اإلنسان السائر عىل طريق اهلل ينفتح أمامه،
حني يواجه طري ًقا مغل ًقاٌ ،
سبيل آخر .ما هذا السبيل؟ إنه :التوكل»( .املحارضة الثانية).
ومنها الشفاعة :الشفاعة يف الذهنية الراكدة هي دخول املذنب اجلنة بواسطة شفاعة األنبياء
واألولياء يوم القيامة،وهذا يتعارض مع مفهوم العمل ،ويشجع عىل الكسل .يقول:
«ثمة أفكار موهومة أشيعت يف أوساطنا ،ولقيت ترحي ًبا من النفوس التي متيل إىل البطر
والراحة واالسرتخاء ،وتتجه هذه األفكار إىل التبشري باجلنة دونام عمل وفق معادالت
خاطئة .عىل سبيل املثال ثمة تفسري خاطئ ملعنى الشفاعة يغري اإلنسان بالكسل وترك
n26مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
العمل ،بينام أئمة أهل البيت (عليهم السالم) يؤكدون يف مواقف كثرية أن شفاعتنا ال تُنال
إال بالعمل» (املحارضة الرابعة).
ومنها الطمأنينة والسكينة واألمن :يمكن أن يكون هلا يف الذهنية الراكدة مفهوم ال ينسجم
مع املنظومة الفكريةلإلسالم ،فيتصدى األستاذ املحارض لتصحيح املفاهيم بشأن هذه
املفردات يقول بعد أن يورد أمثلة عىل معنى االطمئنان« :أردت من هذه األمثلة أن أبني
لكم معنى االطمئنان ومعنى سكينة القلب والنفس .إنه ال يعني اخللود إىل الراحة والبطر»
ويقول« :الطمأنينة هي ثبات روح اإلنسان وثبات قلبه» وعن السكينة يقول« :والسكينة
أيضا ال تعني السكون وعدم احلركة ،بل تثبيت القلب ملواصلة الطريق» وعن األمن
ً
يقول« :األمن هنا يعني األمن الروحي ،يعني أن ال يساور اإلنسان تزلزل وقلق وخوف
واضطراب» (املحارضة السابعة).
يكلون إىل الغيب مسؤولية إصالح األوضاع االقتصادية وإزالة الفقر من املجتمع ،وينسبون
إىل الغيب ما يرونه من تر ّدي األوضاع االقتصادية ،بينام كان من املفروض أن ينسبوها إىل
ْ ُ َ َ
ین َ #ول ْم ن ُك ن ْط ِع ُم ال ِم ْس ِك َ ّ ْ َ ُ َ َ
الذين (قالوا ل ْم ن ُك ِم َن ال ُم َص ِل َ
ین)»(املحارضة الرابعة عرشة).
ّ
يتلخص يف تصورا خاط ًئا عن مهمة األنبياء
ً ومنها مهمة األنبياء :فرتة الركود خلقت
إصالح َم ْن يمكن إصالحه ،وحرص مهمتهم باألعامل الفردية ،لتربير حالة التقاعس لدى
بعض من يدّ عون أهنم يسريون عىل طريق األنبياء .وهذا ما يتناوله األستاذ املحارض يف
جلسات متعددة .من ذلك قوله:
حكيم عا ًملا
ً «التصور السائد يف األذهان جتاه النبي هو أنه إنسان يأيت إىل املجتمع باعتباره
يقبع يف مكان لينهل الناس من فيض علمه وحكمته .يتصورون أن إبراهيم خليل اهلل أو
موسى كليم اهلل حني مارس دوره يف جمتمعه فإنه اختذ بيتًا مناس ًبا ،وخصص ساعات ملقابلة
الناس املؤمنني منهم وغري املؤمنني .ويف هذه املقابالت يقدم إىل الناس استدالالت بوجود
اهلل وبرضورة اخلوف من اهلل ،فيصلح َم ْن يصلح من الناس ثم يغادر الدنيا بعد أن أدى
مهمته!! ال ،ليس النبي هبذه الصورة ،حني ُيبعث إىل جمتمعه تثور روحه ويغيل صدره،
قائم عىل أساس مغلوط،
فيصبح إنسانًا آخر غري الذي كان عليه ،ثم يتوجه إىل جمتمعه فرياه ً
ويرى تصميمه املعامري خمال ًفا لتصميم الفطرة اإلنسانية ،ويرى رضورة تغيريه .يرى أن
جمتمعه فيه التمييز الطبقي وفيه الظلم ،وفيه التعسف ،والبدّ أن يتغري إىل جمتمع توحيدي»
(املحارضة السادسة عرشة).
ويقول« :هدف األنبياء يف املجتمعات التي ُبعثوا فيها هو تبديل املجتمع من حالته املنحرفة،
من حالته غري املتعادلة ،من حالة الظلم واجلور إىل جمتمع متوازن متعادل عادل خال من
مظاهر القبح ومفعم بمظاهر اجلامل» (املحارضة السادسة عرشة).
ويقول« :األنبياء والسائرون عىل طريقهم كان هلم جواب واحد يف كيفية هتذيب اإلنسان
اجلو االجتامعي املناسب واملالئم
وتزكيته وفق األسلوب اإلهلي الصحيح .وهو :إجياد ّ
للرتبية» (املحارضة السابعة عرشة).
n28مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ويقول« :العمل الفردي يف اإلصالح يؤدي إىل استقامة فرد أو فردين ،والعمل االجتامعي
يؤدي إىل إصالح جمتمع بماليني أفراده وإىل إصالح أجيال متوالية» (املحارضة السابعة
عرشة).
ويقول« :ما نفهمه من القرآن الكريم أن سرية األنبياء يف صناعة اإلنسان هي خلق املجتمع
َ
أفواجاِ ( :إذا
ً اجلو املساعد عىل دخول الناس يف دين اهلل اإلهلي ..املجتمع التوحيدي ..خلق ّ
َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َّ
الن َاس َی ْد ُخ ُل َ َ ُ
اهلل أ َفو ًاجا)» (املحارضة السابعة عرشة). ین
ِ ِ ِ ِد ی ف ون اهلل والفتح #ورأیتَجاء ن ْصر ِ
هذه بعض املحاور اإلحيائية يف حمارضات السيد األستاذ ،أردنا هبا أن نس ّلط الضوء عىل
املقصد اإلحيائي احلضاري للمـحارضات ،وأن نفتح أمام القارئ الكريم نافذة يطل من
خالهلا عىل سائر املحاور .فهي إضافة إىل قيمتها التارخيية يف مسرية الفكر اإلسالمي بإيران
دروسا نحن بأمس احلاجة إليها اليوم.
ً تقدم
مقدمة األستاذ املحارض
مل يكن له بني الدارسني سهم يف إنارة الطريق وتوضيح معاملة ،بل اجتهوا غال ًبا إىل الغور
يف الروايات واملنقوالت الظنية ــ وأحيانًا الضعيفةــ ليجعلوها منطل ًقا لفهمهم ،وبذلك
التوجه املتغافل عن القرآن
ّ نشأت مجلة من التصورات البعيدة عن الفهم القرآين .ولعل هذا
هو الذي جعل التد ّبر يف كتاب اهلل العزيز يرتك مكانه لتالوة سطحية ال أثر هلا يف معرتك
احلياة ،وأصبح اهلدف من التالوة حمدو ًدا يف ّ
توخي الثواب األخروي ،بل وأكثر من ذلك
أصبح القرآن الكريم ُيقدم بشكل سطحي وغوغائي.
هذا الوضع املوجود يفرض عىل املفكرين امللتزمني الواعني يف عرصنا أن يركزوا عىل ثالثة
حماور يف دراساهتم للفكر اإلسالمي وال جيوز إغفال أي واحد منها:
األول اخلروج من اإلطار الذهني املحض ،والتوجه إىل املنظومة اإلسالمية باعتبارها
مدرسة اجتامعية يتعني فيها املسري العميل لألفراد ،وخاصة يف حياهتم االجتامعية ،والتأكيد
يف الدراسات النظرية عىل مرشوع اإلسالم حلياة البرش وعىل أهداف اإلنسان واملجتمع يف
احلياة ،والطريق الذي حيقق هذه األهداف.
واألمر اآلخر دراسة املسائل الفكرية يف اإلسالم بصورة مرتابطة وبشكل أجزاء من منظومة
واحدة ،أي إن كل عنرص فيها هو جزء من هذا الرتكيب ،وغصن من هذه الدوحة ،و َلبنة
يف هذا البناء الشامخ ،ال ينفصل بعضها عن بعض ،لكي يتبلور املرشوع الكامل الشامل
للدين ،باعتباره مدرسة فكرية كاملة خالية من أي إهبام ،وذات أبعاد متناسبة مع حياة
اإلنسان بمختلف جوانبها.
وثمة مسألة أخرى هي أن فهم اإلسالم ومبادئه البد أن يستند إىل النصوص األساس يف
الدين ،ال أن ينطلق هذا الفهم من األذواق واآلراء الشخصية أو من اخللفيات الفكرية
والذهنية هلذا وذاك ،كي نطمئن إىل أن نتيجة دراستنا «إسالمية» ح ًقا ،ال شي ًئا آخر ،وال
ْ َ ْ
شك أن القرآن الكريم حيقق هذا اهلدف باعتباره أكمل وثيقة وأمهها( :لا َیأ ِتیهِ ال َب ِاط ُل ِمن
ً ّ ُ َ ْ َ
َب ْی ِن َی َد ْیهِ َولا ِم ْن َخل ِفهِ ) ،وهو ( ِت ْب َیانا ِلك ِ ّل ش ْی ٍء) ،وطب ًعا يف إطار تد ّبر عميق أمرنا به القرآن.
تضمه هذه الرسالة حصيلة جهد لتحقيق هذه الرؤى بشكل تقرير عن املرشوع
ّ وما
اإلسالمي ُطرح ضمن سلسلة حمارضات.
مقدمة األستاذ املحارض 31n
يف هذه املحارضات جرى إلقاء الضوء عىل أهم أسس الفكر اإلسالمي يف أكثر أبعادها
فاعلية وحيوية من خالل آيات حمكامت واضحات .ومع توضيح أسلوب التدبر يف القرآن
أيضا تبيني تلك األسس يف هذه اآليات.
والتعمق يف آياته جرى ً
تم االستناد يف املواضع الالزمة إىل املأثور الصحيح عن
وملزيد من التوضيح والتأكيد ّ
النبي(ص) وآل بيته(ع) لبلورة مبدأ من مبادئ اإلسالم برؤية عملية تبعث عىل االلتزام والشعور
باملسوؤلية ،باعتبار أن ذلك املبدأ يمثل جان ًبا من النهج الفكري واأليدلوجي لإلسالم...
ّ
وملخصها يف أذهان املستمعني ،وأن تكون منطلق ثم من أجل أن تبقى حصيلة املحارضة
لتوزع يوم ًيا عىل احلارضين.
تفكري وتد ّبر فقد جرى تدوين تلك احلصيلة يف ورقة َّ
هذا الذي بني يدي القارئ جمموع تلك املحارضات ،جيري نرشه استجابة لطلب كثري من
مستمعي تلك املحارضات أو َم ْن سمع عنها ..عىل أمل أن تكون مفيدة وملبية لطلب الطالبني.
ِ ِ ِ ِ ِ
َو َما ت َْوفيقي إِالَّ بِاهللِ َع َل ْيه ت ََو َّك ْل ُت َوإِ َل ْيه ُأن ُ
يب.
3آبان 1353
( 25اكتوبر )1974
القسم االول
اإلمیان
اجللسة األوىل
اإلميان ()1
اخلميس 2رمضان املبارك 1394هجرية
1353/6/28هجرية مشسية
َ
ون َ #و َس ِار ُعوا ِإلى الر ُس َول َل َع َّل ُك ْم ُت ْر َح ُم َ ( َو َأ ِط ُیعوا َ
اهلل َو َّ
َ ُ ُ َ َم ْغف َرةٍ ّمن َّر ّب ُك ْم َو َج َّنةٍ َع ْر ُض َها َّ
ات َو الأ ْرض أ ِع ّد ْت الس َم َاو ُ
ِ ِ ِ
َ ْ َ الس َّر ِاء َو ّ
الض َّر ِاء َو الك ِاظ ِم َ َ ّ
ین #الذ َین ُینف ُق َ ِل ْل ُم َّت ِق َ
ین ون فی َّ ِ ِ
ِ
َ ُ ُ ُّ ْ ْ ْ
ال َغ ْی َظ َو ال َع ِاف َین َعـ ِـن الـ َّـنـ ِـاس و اهلل یـ ِـحــب المح ِس ِنین)
َ ْ ُ
الرهبان املسيحيون توجهوا إىل الرهبانية كي ال متسهم لوثة الذنوب واآلثام .جلأوا إىل
َ َ َ ْ َ َّ ً ْ َ َ ُ َ َ َ
ك َت ْب َن َاها َعل ْی ِه ْم)َ ،1أما املغارات والكهوف والقرآن يقول عنهم( :و رهب ِانیة ابتدعوها ما
العال املسلم فليس يف منهجه رهبانية ،ليس فيه حالة انعزال أو فرار من الساحة االجتامعية. ِ
وتكليف ،وإذا مل نحذر من الدخول يف دائرة املمنوعات اإلهلية ،فإننا نعقد األمل عىل يشء
واحد ،وما هو؟ إنه رمحة اهلل!! أي إن املفهوم الشائع لرمحة اهلل هو حتققها يف حالة العصيان
وارتكاب الذنوب واملوبقات!! ،ولذلك يردد بعضهم القول :إن أيدينا خالية من العمل
الصالح ،وال نرجو إالّ رمحة اهلل! أي إهنم يرون رمحة اهلل خمتصة بمن ابتعد عن العمل
َ َ َّ ُ َ
اهلل َو َّالر ُسول ل َعلك ْم ُت ْر َح ُم َون)
الصالح ،بينام املنطق القرآين يرى عكس ذلك يقول(:أ ِط ُیعوا َ
رمحة اهلل ال تنزل عىل األمة إالّ حني تلتزم بالرسالة ،وتؤدي ما عليها من واجبات.
ماليني املسلمني يرون بأعينهم ما ّ
حيل ببلداهنم من تدمري وهنب وسيطرة وإذالل ،ثم
رب العاملني!!
جيلسون منتظرين رمحة ّ
رب العاملني يف الكون ،اآلية تؤكد أن الرمحة البدّ
ال ،مثل هذا االنتظار للرمحة خمالف لسنة ّ
ّ
تتجل يف املؤمنني الذين حيكّمون الرسالة يف أن يسبقها إطاعة اهلل والرسول .واإلطاعة
َ ُ ُ َ َ ون َحتَّى ُی َح ّك ُم َ
أمورهمَ ( :ف َلا َو َر ّب َك َلا ُی ْؤم ُن َ
وك ِف َیما ش َج َر َب ْی َن ُه ْم ث َّم لا َی ِج ُدوا فِی أنف ِس ِه ْم َح َر ًجا ِ ِ ِ
َ ّ َ
ِّم َّما ق َض ْی َت َو ُی َس ِل ُموا ت ْس ِل ًیما) ..1هذا هو اإلنسان املؤمن املطيع هلل ورسوله ،وهذه هي األمة
والعزة .حني تسري األمة عىل
ّ املؤمنة املطيعة . .عندئذ تشملهم الرمحة ،وحيظون بالسؤدد
طريق سموها وكامهلا ،وتكرس قيود أرسها ،عندئذ تشملها رمحة رب العاملنيَ ( :أ ِط ُیعوا َ
اهلل ّ ُ ّ
ون). الر ُس َول َل َع َّلك ْم ت ْر َح ُم َ
ُ ُ َو َّ
ُ َ َ ُ َ َ ْ َ ّ َّ ّ ُ ْ َ َ َّ َ ْ ُ َ َّ َ َ ُ َ َ
ین) 2إنه ميدان الأ ْر ُض أ ِع َّد ْت ِل ْل ُم َّت ِق َ (و س ِارعوا ِإلى مغ ِفرةٍ ِمن ر ِبكم و جنةٍ عرضها السماوات و
لعالمة من عالمات التقوى :يسارعون ٍ سباق ،واألمر فيه باملسارعة .يف اآلية الكريمة ذكر
َ َ ٍ
الس َم َاو ُات َوالأ ْر ُض) وسيليها
لنتيجة من نتائج التقوىَ ( :ج ّنةٍ َع ْر ُض َها َّ يف ميدان املغفرة ،وذكر
ذكر العالمات األخرى.
أهيا اإلنسان الذي تتهافت مرس ًعا عىل املال واملتاع ،يا َمن حتاول جاهدً ا أن تسبق اآلخرين
حني يلوح لك بارق من حصول عىل قطعة أرض أو ثروة أو أسهم يف رشكة حتى ولو كان عىل
حساب ِق َيم الرشف والفضيلة..سارع إىل هدف أكرب ..إىل جنة عرضها الساموات واألرض.
القرآن يأمرك أن تدخل حلبة السباق ،لتتقدم عىل اآلخرين ،ال يأمرك بالقعود واجللوس،
الدين ال يأمر بالتواين والتخ ّلف ،ال يطلب منك أن تع ّطل طاقاتك يف َح َلبة السباق .من
قال لك ذلك باسم الدين ،فهو كاذب .الدين يطلب منك أن تسارع ..ولكن من أجل
أي هدف؟! من أجل هدف كبري وعظيم يتناسب مع عظمة اإلنسان .اإلنسان أعظم من
كرمه،والبد أن يكون مقصده عىل قدر هذه
تافها ،ألن اهلل ّ
صغريا ً
ً أن يكون مقصده ماد ًيا
َ َ ُ َ
الكرامة.فهو مطالب ألن يكون س ّبا ًقا (ِإلى َم ْغ ِف َرةٍ ِّمن ّر ِّبك ْم َو َج ّنةٍ ) ..إىل جنة تصغر أمامها
هتم باحلركة يف
الساموات واألرض .انظروا إىل التعبري القرآين ،يقول سبحانه إنك حني ّ
ميدان السباق فال هدف يتناسب مع كرامتك وعظمتك ّ
أقل من «مغفرة اهلل».
وما هي «املغفرة»؟ مغفرة اهلل ليست من جنس ما يتداول بني الناس أن يغفر بعضهم لبعض
إساءاهتم .املتداول هو أن إنسانا قد ييسء إىل إنسان ،فيطلب منه العفو واملغفرة .وذاك قد
يغفر له وقد ال يغفر .وقد يرتكب شخص جريمة فيطلب العفو واملغفرة ممن أجرم بحقهم.
وقد تفرض احلكومة عىل شخص رضائب فيطلب ذلك الشخص أن ُيعفى منها أو من
بعضها ،عايشنا هذا اللون من العفو واملغفرة فظننا أن مغفرة اهلل من هذا القبيل ،يظلم
لترض ٍع أ ّداه أو قطرة دم ٍع
ّ أحدهم ويذنب ويفسد يف األرض ،ثم يرى أن اهلل سيغفر له
َ
ذرفها ،هل هذه مغفرة اهلل يف قوله سبحانهَ ( :و َس ِار ُعوا ِإلى َم ْغ ِف َرةٍ ) أم هي يشء آخر؟
إن الغفران يعني التئام جرح وملء فراغ .قد تُصاب ذراعك بجرح عميق ،عندئذ يعطوك
الشق الذي تركه يف اجلسم.
ضام ًدا وأدوية كي يلتئم اجلرح ،لكي ينمو ما حول اجلُرح ويمأل ّ
هذا َم َثل رضبناه للتشبيه ،إذ إن روحكم مثل جسم ،ينزل هبا ُجرح مع كل ذنب ،ذلك ألن
الروح من شأهنا أن تتسامى وتتكامل .وكل ذنب يعيق الروح خطوة عن احلركة عىل طريق
السمو والكامل.
ّ
جرحا بالروح وتشكل عقبة يف مسري اإلنسان نحو «غاية
ً الذنوب كبريها وصغريها تُنزل
اآلمال» .هذا الذنب حيتاج اآلن إىل غفران.
ما معنى الغفران؟ إنه يعني معاجلة هذا اجلرح وإزالة آثاره .هذا هو الغفران .ويتم هذا
السمو واالرتفاع.
ّ بتاليف ما أنزله الذنب يف الروح من انتكاس ،ودفعها نحو
اإلیامن (41n )1
تصوروا أنكم ركبتم سيارة نحو مقصد معني .ولو أنكم توقفتم أكثر من ولنرضب ً
مثل آخرّ .
الالزم يف منتصف الطريق ،فإنكم ستكونون قد تأخرتم عن الوصول ،ماذا تفعلون لتاليف
هذا التأخري ،ستزيدون من رسعتكم يف السري ،وسوف متتنعون عن املزيد من االسرتاحة،
ّ
وتغذون السري دون توقف ،لتتالفوا هذا التأخري .وال حيصل هذا التاليف باجللوس يف مقهى
رب إين أخطأت وهتاونت ..هذا ال ينفعكم شي ًئا ،البد
عىل قارعة الطريق وترديد القولّ :
رب العاملني.
من اإلرساع يف احلركة لتاليف ذلك التأخري .ومثل ذلك طلب مغفرة ّ
ّ َ َّ
لرب العاملني فهو «الغ ّفار»َ ( :و ِإنِی ل َغف ٌار) ،1
هذا بالنسبة إىل املذنب واستغفاره،أما بالنسبة ّ
ُ َ ّ
اب َو َآم َن َو َع ِم َل َص ِال ًحا ث َّم ْاه َت َدى)..
ال ير ّد توبة التائبني ،بل يقبل التوبة من عبادهِ ( :ل َمن ت َ
يعب عن املؤمنني
العقل يف الظروف كلها ،غري أن الغيظ أحيانًا يقرتن بالعقل ،فالقرآن ّ
ْ ُ َّ َ َ َ
بأهنم( :أ ِش ّد ُاء َعلى الكف ِار ُر َح َم ُاء َب ْی َن ُه ْم) 1هنا الشدّ ة من مظاهر الغيظ .حني يقول القرآن
ْ َ ْ َ
ین ال َغ ْیظ) فإنه ال يدين غيظ األمة عىل من جيب أن تغتاظ منه ،بل يطلب
الكريمَ ( :والك ِاظ ِم َ
أن ال تنطلق مواقف اإلنسان وأعامله من الغيظ .وكظم الغيظ غري ترك الشدّ ة يف املواقف
الالزمة .إنه السيطرة عىل األحاسيس كي يكون العمل مقرونًا بالعقل واإلدراك.
َ َ َ ّ َ ْ
عم صدر من الناس من زالّت .وهذا العفو من التقوى ..من
( َو الع ِافین ع ِن الن ِاس) العفو ّ
مظاهر اإلنسان الذي يستهدف أن يعيش يف الساحة االجتامعية إلنقاذ املذنبني .رشط أن
يكون ما صدر عن اخلاطئ ال يعدو أن يكون ز ّلة .أما ما كان عن عناد وجلاج فمن الصعب
أن يعفو اهلل عنه ،فام بالك بعباد اهلل ،غري أن العفو عن زالت الناس هو من اإلحسانَ ( :و
ْ
اهلل ُی ِح ُّب ال ُم ْح ِس ِنین).
ُ
َ َّ َ َ َ َ ُ َ َ ً َ ْ َ َ ُ َ ْ ُ َ ُ ْ َ َ
اهلل َف ْاس َت ْغ َف ُر وا ِل ُذ ُن ِوب ِه ْم)
ك ُر وا َ احشة أو ظلموا أنفسهم ذ ومن عالئم املتقني( :و ال ِذین ِإذا فعلوا ف ِ
فالبقاء يف عامل الغفلة ال يطول ،بل رسعان ما يتن ّبه املتقي وخيرج من وادي الغفلة .ويف
ّ َََ َ َّ
َ َّ ُ َ ٌَ ّ َّ َ ْ َ َ َّ
ّ َ
ان تذك ُر وا) ُ
ذكر موضع آخر يقول سبحانهِ( :إن ال ِذین اتقوا ِإذا مسه ْم ط ِائف ِمن الش ْیط ِ
2
اهلل حرب ٌة بيد املتقني يف مواجهة الشيطان .إنه حبل نجاة نعتصم به لننجو من الورطة التي
يد ّبرها لنا أعداء وعينا .ذكر اهلل له قيمته الكربى« .فاستغفروا لذنوهبم» سعوا ألن تلتئم
جراح روحهم جراء ذنوهبم .وهذا ال يكون إالّ باللجوء إىل اهلل سبحانهَ ( :و َمن َی ْغ ِف ُر ُّالذ ُن َ
وب ّ
اهلل) .السعي من العبد والقبول من اهلل تعاىل. إ َّلا ُ
ِ
َ َ ْ ُ ُّ َ َ َ َ َ ُ
حيول الز ّلة إىل ذنب يصعب عالجه .وهؤالء الذين (ولم ی ِصر وا على ما فعلوا) فاإلرصار ّ
ْ ٌ َ ُ
يصوا عىل ما ارتكبوه من ذنب ويسعون للتخ ّلص من لوثتهم (أ ْول ِئ َك َج َز ُآؤ ُهم َّمغ ِف َرة مل ّ
ْ َ َ ّمن َّر ّبه ْم َو َج َّن ٌ
ین) :أجر العاملني.. ات َت ْجری ِمن َت ْح ِت َها الأ ْن َه ُار َخا ِل ِد َین ِف َیها َو ِن ْع َم أ ْج ُر ال َع ِام ِل َ
ِ ِ ِِ
فالعمل من املسائل اهلامة يف املفاهيم اإلسالمية.
َ َ َُ َ
( َی ْسألون َك َع ِن الأنف ِال) 1األنفال هي الثروات التي تتعلق بعامة املسلمني ،كالذي غنمه
املسلمون يف احلرب ،والغابات ،والسهول واملراتع الكبرية واملناجم ،وبعبارة أخرى هي
الثروة التي ال تتعلق بفرد خاص ومجاعة خاصة ،بل هي ملك املسلمني مجيعهم.
يف غزوة بدر نال املسلمون غنائم ،واختلفوا يف ملكية هذه الغنائم ،وجاؤوا إىل الرسول(ص)،
َّ ُ َ َ ُ ُ
فنزلت اآلية الكريمة( :ق ِل الأنفال هلِل َو الرس ِ
ول) ما معنى «هلل» يعني أهنا ليست ملكًا لواحد
من عباد اهلل ،وما هو هلل يعني يف الواقع أن ُينفق عىل طريق األهداف اإلهلية .وليس هلل
سبحانه حاجة يف هذه األموال ،إنام هي يف احلقيقة أموال لعباد اهلل ..جيب أن تنفق يف طريق
املصالح العامة التي عينها سبحانه .وهذا هو معنى «هلل».
وما معنى «والرسول»؟ هل الرسول(ص) قطب يف مقابل اهلل؟ طب ًعا ال .ولكن ذلك يعني
تعيني مركزية قوية تكون ق ّيمة عىل أمور الناس ،وإذا مل تتعني هذه املركزية فإن أية مجاعة
من املدّ عني مللكية هذه األنفال سيقولون ّ
إن هذه هي أموال اهلل ،ونحن عباد اهلل ،فهي
املهمة؟ هو
املخول هلذه ّ
ّ يعي كيفية توزيعها .ومن هو أن ّ
يتول عن اهلل َم ْن ّ ملكنا .إذن البدّ ْ
ً
رسول ونب ًيا ،بل باعتباره يم ّثل احلكومة اإلهلية.وحني «الرسول» .والرسول هنا ال باعتباره
يتوىف الرسول يتوىل ذلك اإلمام ،أي احلاكم اإلهلي ،ويف عرص عدم تويل اإلمام املعصوم
حكوم َة األمة ،فإن الذي يدير أمور األنفال والثروات العامة هو اإلمام العادل الذي بيده
زمام احلكومة اإلسالمية.
ُ
ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َین)
َ ات َب ْین ُك ْم َو َأ ِط ُیعوا َ
اهلل َو َر ُسول ُه ِإن اهلل َو َأ ْصل ُحوا َذ َ
( َف َّات ُقوا َ
ِ ِ
بعد تعيني ملكية األنفال ،يذكر سبحانه ثالثة واجبات للمؤمنني.
َ َ َّ ُ
ومر بنا ذكر معنى التقوى يف اجللسة األوىل.
األول :تقوى اهلل( :فاتقوا اهلل)ّ ،
ُ َ َ
الثانية :إصالح ذات البنيَ ( :و أ ْص ِل ُحوا ذ َات ِب ْی ِنك ْم) جتاوزوا ما بينكم من اختالفات لصالح
يتفوهون بغري احلقيقة عليهم أن يك ّفوا عن مواقفهم .اقضوا عىل
احلقيقة ،أولئك الذين ّ
حجة ليثريوا الشقاق والنزاع .إذا كنتم أهل حرب
االختالفات .هناك من يبحثون عن أدنى ّ
العدو ،ال أن تشتبكوا مع ذات بينكم .مع إخوانكم ..مع أصدقائكم.
ّ فحاربوا
التوصية الثالثة تتضمن القيام بكل عمل صالح وجتنّب كل عمل طالحَ ( :و َأ ِط ُیعوا َ
اهلل َو ّ
َ
َر ُسول ُه).
ُ
ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َ
ین) .اإليامن ما وقر يف القلب من ارتباط فكري وعقدي ونفيس بمصدر ( ِإن
معني .واإليامن ليس هذا فحسب ،فاإليامن ليس ما وقر يف القلب فقط ،بل البدّ أن يصدّ قه
العمل .فاإليامن احلقيقي البدّ أن يقرتن بام يفرضه اإليامن من التزام .الذي يستطيع أن يقول
ِ
واجلاحد هلل تعاىل .كيف أنا مؤمن باهلل هو من كانت حياته وترصفاته ختتلف عن الـم ِ
نكر ُ
يدّ عي اإليامن من ال خيتلف عن الـم ِ
نكر؟ كالمها ظاملان ،كالمها غارقان إىل األذقان يف ُ َ ْ
املاديات ،كالمها عىل استعداد ألن يسحقا كل فضيلة من أجل أن يظال يومني أكثر عىل قيد
احلياة ،ومن أجل أن يأكال لقمتني أكثر ثم يمآلن اجلو بالرائحة العفنة ،ومن أجل راحة
يومني .مع فارق هو أن ِ
املنكر يقوهلا رصاحة إين ال أؤمن باهلل ،وهذا يدعي اإليامن .أي
َ َ
اهلل َو َر ُسول ُه) ليس
إيامن هذا؟!! اآلية الكريمة تقول برصاحة إن رشط اإليامن هو ( َو أ ِط ُیعوا َ
يف هذا البيان استدالل عقيل كي تعرتيه شبهة .أطيعوا أوامر اهلل.
اإلیامن (47n )2
وما هي أوامر اهلل سبحانه؟ هي ما قرره اهلل سبحانه من التزامات ومسؤوليات وتكاليف
وواجبات بشأن عالقة اإلنسان بأخيه اإلنسان ،وعالقة اإلنسان باهلل ،وعالقة اإلنسان
باحليوان وبالنبات ،إذا كنت مطي ًعا هلذه املنظومة من األوامر تستطيع أن تقول :إين مؤمن،
البدّ أن جيد هذا اإليامن ما يصدّ قه من عمل يف اللسان واليد واجلوارح ،وإالّ فال جدوى
هلذا اإليامن.
اآليات التالية تذكر صفات املؤمنني ورشوط اإليامن:
َ ً ْ ُ َ ُ ْ َ َّ َ ْ ُ ْ ُ َ َّ َ َ ُ َ ُ َ ْ ُ ُ
اهلل َو ِجلت قل ُوب ُه ْم َو ِإذا ت ِل َیت َعل ْی ِه ْم َآیات ُه َز َادت ُه ْم ِإ َیمانا َو َعلى ( ِإنما المؤ ِمنون ال ِذین ِإذا ذ ِ
كر
َّ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ ُ َ َ ًّ َر ّبه ْم َی َت َوَّك ُل َ
ون #ال ِذین ی ِقیمون الصلاة و ِمما ر زقناهم ی ِنفقون #أول ِئك هم المؤ ِمنون حقا) مخس ِِ
صفات ُذكرت للمؤمنني ،قد ال تتوفر هذه مجي ًعا فينا ،لكننا جيب أن نسعى من أجل حت ّققها
يف وجودنا.
َ ُ َ ُ َ ْ ُُ
اهلل َو ِجلت قل ُوب ُه ْم) والوجل هو اخلوف .وما معنى هذا اخلوف ،هل هو األوىلِ ( :إذا ذ ِ
كر
من نوع اخلوف الذي يعرتي املتهم حينام يقف أمام القايض؟ أم هو من نوع ألطف؟ إذا كان
من النوع األول،فقد يقول قائل :أنا مل أرتكب ذن ًبا فال معنى أن أخاف من اهلل .ألن اخلائف
أمام القايض هو من ارتكب ذن ًبا ،وإذا كان بري ًئا فال داعي للخوف ،غري أن اخلوف من اهلل
هو من نوع آخر ،أنه خوف ناتج عن معرفة.حني يقف اإلنسان أمام ذات عظيمة وحقيقة
جليلة فإنه يصاب بالرهبة .طبيعة اإلنسان تقتيض أن يقف مرهو ًبا أمام املوجود العظيم.
هنا الرهبة ليست خو ًفا ،قد ال يعرتيه أي خوف من ارتكاب ذنب ،لكنها الرهبة الناجتة عن
إحساس بالعظمة وشعور ِ
بالص َغر أمام تلك العظمة .هذا الوجل من اهلل مطلوب ومفيد.
إنه يشعر أنه أمام اجل ّبار املهيمن ،ويدفعه ذلك إىل االلتزام بام أمره اهلل وينتهي عام هنى عنه،
وهذا أكرب ضامن تنفيذي للحركة والسعي لدى اإلنسان املسلم واملجتمع املسلم.
قائم يبكي أمام اهلل بكاء احلزين هلذا نرى أمري املؤمنني علي ًا(ع) حني ينتصف الليل ّ
هيب ً
يضج يف بكائه أمام
ّ ويتململ متلمل السليم ،وهلذا نرى اإلمام عيل بن احلسني السجاد
اهلل ،وهلذا نرى رسول اهلل عىل عظمته وجالله يطلب يف العرشة األخرية من شهر رمضان
رب
أن ُيطوى فراش نومه ،ألهنا ليست ليايل نوم بل ليايل عبادة وترضع وخضوع أمام ّ
n48مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
هذا النوع من التوكل رفضه القرآن حني حتدث عن بني إرسائيل بلغة التأنيب إذ قالوا:
َ
اه َنا قاع ُد َ َّ ََ َ
نت َو َر ُّب َك فقاتلا إنا َه ُ
َ ْ َ َ ْ
ون) .1جالسون يف زاوية ينتظرون الفتح ليأتوا بعد ِ ِ ِ (فاذهب أ
ذلك إىل الغنيمة مرسعني .هذا الترصف مرفوض بعيد عن اإلنسانية ،وال يليق باملؤمنني .ما
يدور عىل األلسن أحيانًا من قول :بأن اهلل سبحانه هو الذي جيب أن يصلح األمور ،وليس
بمقدور عباد اهلل أن يفعلوا شي ًئا ،فهو خطأ .لو أن عباد اهلل ال يستطيعون أن يفعلوا شي ًئا ملا
أرسل األنبياء والرسل ،وملا دعا الناس إىل اتّباعهم .بعث اهلل سبحانه األنبياء برسالة ثقيلة
إىل ساحة املعركة يف هذا العامل ليقتلعوا جذور الفساد ،وهم (عليهم السالم) من جنس
البرش ،إذن اعلموا أن الفساد البرشي البد أن ُيقتلع بيد البرش.
فام معنى التوكل إذن؟ التوكل هو االعتامد عىل اهلل وعقد األمل عليه يف كل األحوال.
والتوكل هبذه الصورة يبعد مفهو َمه عن حالة التخدير وجيعل منه عامل حركة واندفاع.
أولئك الذين يواجهون أزمات ومواقف حرجة ،ويتعرضون لعدوان ،ويرون يف الوقت
نفسه أهنم عاجزون عن معاجلة األزمة بالوسائل االعتيادية يتخذون عدة مواقف:
العدو ،يقولون :ما دمنا عاجزين عن املواجهة ،فالبد من االستسالم.
ّ إما أن يستسلموا أمام
العدو عىل الظاهر ،ولكن
ّ وإما أن يستسلموا أمام الظروف القائمة ،هؤالء مل ينبطحوا أمام
للعدو.
ّ انجرافهم مع األوضاع القائمة إنام هو يف الواقع استسالم
وإما أن يقرروا إهناء مسرية حياهتم ،فيلجأون إىل االنتحار.
ثم حني يرى الضغوط اهلائلة التي تفرضها عليه قوى ثمة من ّ
يتول أمور احلكم يف بلد معني ّ
مترد وشغب يف بالده هنا وهناك،
اهليمنة العاملية ،وما تثريه هذه القوى كل يوم من أعامل ّ
حني يعجز عن اختاذ املوقف الذي خيرجه من الضائقة يلجأ إىل االنتحار.
هذه هي الطرق التي تواجه اإلنسان البعيد عن اهلل سبحانه حني يواجه طري ًقا مغل ًقا ،إما أن
العدو ،وإما أن ينجرف مع ظروف الواقع املفروض ،وإما أن ينهي
ّ يرفع يد االستسالم أمام
حياته باالنتحار .لكن اإلنسان السائر عىل طريق اهلل ينفتح أمامه ،حني يواجه طري ًقا مغل ًقا،
ٌ
سبيل آخر .ما هذا السبيل؟ إنه :التوكل .يقول إين مؤمن بأن اهلل سبحانه سيجعل من بعد
رسا ،وستنفتح أمامي سبل اجتياز الطريق املغلق .فليس هناك لدى اهلل طريق مغلق،
ُعرس ُي ً
وتتيس السبل.
ّ فبقدرته تنفتح املغاليق
هل هناك طريق مغلق أكثر مما واجهه املسلمون يف غزوة « ُأ ُحد»؟ حني كان نفر من جيش
املسلمني منشغلني بجمع الغنائم ،ش ّن عليهم جيش املرشكني هجو ًما من جانبني .ذاك
العدو الغاضب
ّ العدو املرت ّبص ،فواجه هجوم
ّ النفر ترك سالحه لينال الغنيمة ً
غافل عن
املسلح .ويف هذه األثناء شاع خرب مقتل رسول اهلل(ص) ،وهذا ما تفعله جبهة الشيطان عادة
لتثبيط عزيمة املؤمنني ،يشيعون بأن األمر قد انتهى وال فائدة من املقاومة ،لكن املتوكلني ال
جراء ما أصاب املسلمني من هزيمة .يرون
يعبأون هبذه احلرب النفسية ،بل وال يرتاجعون ّ
أن توكلهم عىل اهلل سبحانه سوف خيرجهم من املأزق ،ويفتح هلم ما انسدّ من طريق .ويف
أحد ّفر َمن ّفر ،وثبت من ثبت وهم املتوكلون .هذا هو التوكل.
ُ
يفسون معنى التوكل بأنه الوقوف دون حراك أمام املستقبل املجهول رافضني
أولئك الذين ّ
اإليامن بالطاقات الكامنة يف اإلنسان ،ويفهمونه عىل أنه شطب إرادة اإلنسان وقدرته ،هؤالء
معنى للرشف اإلنساين. َ
يعون ً إما أهنم مل يفهموا معنى التوكل ،أو أهنم يفهمونه ولكنهم ال
يريدون حتريف معنى التوكل كي ينتزعوا من الناس أهم عامل من عوامل الصمود عىل
ادهلمت اخلطوب :اإلنسان حي ّلق بجناحني قويني يف مساعي حياته :األول
طريق احلق مهام ّ
العدو.
ّ الصرب ،والثاين التوكل .ومن يمتلك هذين اجلناحني ينجو من سهام
َ َّ
الصل َاة) أرجو االنتباه إىل الفرق بني «يص ّلون»
َ ُ ُ َ َّ
الرابعة :من صفات املؤمنني( :ال ِذین ی ِقیمون
َ
الصل َاة) لو كانت اآلية تقصد بإقامة الصالة أداء ما فيها من ركوع وسجود،
ُ ُ َ َّ
و (ی ِقیمون
َ
الصل َاة) والكتفت اآلية بتعبري «يص ّلون» فام معنى «إقامة الصالة»؟
ُ ُ َ َّ
ملا لزم تعبري (ی ِقیمون
هناك أكثر من احتامل ملعنى اآلية ،وقد تكون كلها صحيحة.
األول :أن تؤدي الصالة بصورهتا الشاملة الكاملة .هذا أحد معاين اإلقامة ،ومنه قوله
ً ََ
تعاىل(:فأ ِق ْم َو ْج َه َك ِل ّ ِلد ِین َح ِنیفا) 1أي توجه للدين بشكل كامل وبجميع جوانبه .ولو ُأديت
أساسا ،فليس ذلك بإنفاق ،ألن اجلدران ليست بحاجة هنا إىل طالء ،فاإلنفاق ما
مطيل ً
هو ّ
يسدّ ثغرة ويل ّبي حاجة.
وما معنى «مما رزقناهم»؟ أي مما رزقهم اهلل سبحانه من مال ،ومن ُعمر ،ومن ولد ،ومن
جاه ،ومن إمكانيات بدنية وفكرية وبيانية ،ينفقون من كل هذا الرزق وهذه من صفات
املؤمنني.
أهيا الساعي فيام تراه إنفا ًقا؟ هل ما متدّ ه من موائد غنية بألوان الطعام والرشاب ،وتدعو
إليها املورسين هو من االنفاق؟! ويا أهيا اخلطيب الذي جتهد نفسك يف احلديث وتبذل
تتفوه به هو إنفاق ،أم البدّ أن ُيبذل هذا اجلهد فيام حيتاجه
طاقتك يف اخلطاب ،هل كل ما ّ
لتتوسط هلذا وذاك ،هل فكرت يف
ّ املخاطبون؟ ويا َم ْن تنفق من ماء وجهك ومن مكانتك
رشط اإلنفاق؟ وأنت يا من تبذل املال باسم الدين ،هل ذهب هذا املال ملعاجلة ٍ
حتد أو ملء
هدرا؟
فراغ ،أم ذهب ً
َ َّ ْ ََْ ٌَ َ ٌْ َ
ك ِر ٌیم) وأرجو أن تتذكروا ات ِعند ر ِب ِهم ومغ ِفرة و ِر زق ( ُأ ْو َلئ َك ُه ُم ْال ُم ْؤم ُن َ
ون َح ًّقا َّل ُه ْم َد َر َج ٌ
ِ ِ
ما قلت بأن املغفرة من اهلل سبحانه تتجه نحو التئام ما نزل بالروح من إصابات وجروح.
وهلؤالء املؤمنني مغفرة ،وهلم رزق كريم رشيف ،دونام ذلة واستجداء.
تفحصت حياته لرأيته قاب ًعا يف ذ ّلة وعار
قد ُيرى جمتمع أنه يعيش يف رفاه ورغد ،لكنك لو ّ
ومسكنة .املجتمع الذي يعيش برفعة ورشف و ُطهر يف حياته هو املجتمع املؤمن الذي يتمتع
برزق كريم .كل الشعارات التي تطلقها املدارس األرضية بشأن كرامة الشعوب وبشأن
السالم واحلرية والرفاه تتحقق يف املجتمع املؤمن ،ال بالرصاع وسفك الدماء بل باألخوة
والتكافل وبرفع املستوى الثقايف ألفراد ذلك املجتمع.
واحلمد هلل رب العاملني.
اجللسة الثالثة
اإلميان الواعی
السبت 4رمضان املبارك 1394هجرية
1353/6/30هجرية مشسية
َّ ْ َ َّ ْ َ َْ (إ َّن فی َخ ْلق َّ
الن َه ِار اف اللی ِل و ات َوالأر ِض َواخ ِتل ِ الس َم َاو ِ ِ ِ ِ
اهلل ق َی ًاما َو ُق ُعوداً
ون َ ك ُر ََّ َ َ ْ ُ َْ َ َ ّ ُْ
ِ اب #ال ِذین یذ ات ِلأو ِلی الألب ِلآی ٍ
َ َْ َ ْ َ َ َ ّ ََ ُ ََ
ات والأر ِض َوعلى ُجن ِوب ِه ْم َو َیتفك ُر ون فِی خل ِق الـ ّـسـ َـمـ َـاو ِ
َ ً َ
َر َّبـ َـنــا َمــا َخل ْق َت َه ـذا َبـ ِـاطــلا ُس ْب َح َان َك َف ِق َنا َع ــذ َاب َّالن ِار)
(آلعمران)191-190 /
من آية سورة البقرة تتبني عدة حقائق أخرى يف دائرة اإليامن.
لرسل اهلل وأتباعهم هي اإليامن ،هي االعتقاد برسالتهم .وهنا
األوىل ،أن اخلصلة البارزة ُ
الفرق الكبري بني القادة اإلهليني وسائر حكام العامل .القائد اإلهلي يؤمن بأقواله وبمسريته
من أعامق وجوده :بينام سائر ساسة العامل قد يطلقون الشعارات الرباقة بأساليب جذابة،
لكنهم بام يقولون ال يؤمنون ،أو ال حيملون يف قرار أنفسهم مايلزم من إيامن.
فكرا إحلاد ًيا
يروى أن أحد زعامء أكرب بلدان الكتلة الرشقية ــ وهو من الطبيعي حيمل ً
ويرفض كل مدرسة غري املدرسة املادية ــ زار اهلند بعد إعالن استقالهلا ،ليستقطب قلوب
حترروا حدي ًثا .لقد أثار دهشة اهلنود حني رأوا أن هذا الزعيم
املاليني من اهلنود الذين ّ
الشيوعي حيمل عىل جبهته صورة «تيالك» .وتيالك زعيم روحي هندويس يعترب من قادة
حركة حترير اهلند.
باملناسبة قادة حترير اهلند كانوا مجي ًعا ،خالل تسعني عا ًما من حركة التحرير ،رجال دين.
منهم املسلمون مثل موالنا شاه حممود دهلوي (وموالنا لقب يطلق عىل رجال الدين مثل:
n56مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
سامحة الشيخ ،وآية اهلل) وموالنا حممود احلسن ،وموالنا أبو الكالم آزاد ،وموالنا حممد
عيل ،وموالنا شوكت عيل .ومنهم غري املسلمني من رجال الدين مثل املهامتا غاندي ،وهو
من أتباع مدرسة روحية هندية قديمة.
أعود إىل حديثي وأقول إن «تيالك» زعيم روحي هندي،تويف قبل حترير اهلند ،لكنه ارتسم
يف أذهان اهلنود باعتباره قائدً ا روح ًيا لتحرير اهلند .وبعد استقالل اهلند ،يأيت هذا الزعيم
الشيوعي ليتظاهر أمام اهلنود بوالئه لتيالك!! مع كل ما حيمله هذا الشيوعي من فكر
يتناقض متا ًما مع روحانية تيالك.
هذا هو شأن الساسة الذين ال حيملون مسؤولية إيامنية جتاه مدرستهم ،أما األنبياء فهم
مؤمنون برسالتهم بكل وجودهم .يقفون يف الصف األمامي فيام يدعون إليه .ال يدعون
الناس إىل هدف دون أن يكونوا يف طليعة الساعني إليه ،ليسوا من النوع الذي يطلبون من
حق الناس
شعبهم أن يضحي ويبذل وهم يف رغد من العيش ماكثون دونام حراك .من ّ
يف هذه احلالة أن يشككوا يف نوايا هؤ الء الزعامء ،من حقهم أن يقولوا :لو كنتم صادقني
أيضا إىل الساحة.
لنزلتم أنتم ً
القادة اإلهليون حيملون راية الدعوة يف مقدمة الصفوف .إبراهيم اخلليل يؤكد أنه يف طليعة
ََ ْ َ ُ ْ
من استسلم لرب العاملنيَ ( :و أنا أ َّول ال ُم ْس ِل ِم َ
ین) .1رسول اهلل(ص) كان مع الصحابة خيوض
معارك اإلسالم مع الرشك ،والقى ما القى يف سبيل الدعوة ،وكان يف مقدمة الصحابة
حتم ًل لألذى واملشاق .هذه هي من خصائص األنبياء والسائرين عىل طريقهم .مؤمنون
ّ
الر ُس ُول ب َما ُأنز َل إ َل ْیهِ من َّر ّبــهِ َو ْال ُم ْؤم ُن َ
ون بكل وجودهم ،وعاملون بام هم به مؤمنونَ (:آم َن َّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ُ ََ َ ُ
لآئك ِتهِ َوك ُت ِبهِ َو ُر ُس ِلهِ ) .2إهنا قافلة واحدة تسري عىل طريق واحد ،وبقيادة ك ٌّل َآم َن ِب ِ
اهلل وم ِ
ُ َ َ َُ ُ
واحدة ،وجتاه هدف واحد( :لا نف ّ ِرق َب ْی َن أ َح ٍد ِّمن ّر ُس ِلهِ ) ،وهذه العبارة األخرية هي عىل
لسان املؤمنني .األنبياء حمرتمون بأمجعهم إبراهيم وعيسى وموسى ويعقوب وجرجيس
ُ َ َ َُ ُ
يبشون كلهم بمرشوع واحد( :لا نف ّ ِرق َب ْی َن أ َح ٍد ِّمن ّر ُس ِلهِ ).
ونوح وّ ..
وسيكون ملن حيمل هذا اإليامن مثل مواقف املسلمني األوائل كعامر بن يارس وخباب بن
األرت وأمثاهلام ،ال يرتاجع مهام واجه من مصائب ومصاعب ومغريات.
توضح لنا اإليامن الواعي.
وهذه آيات من أواخر سورة آل عمران ّ
ْ
الأل َ ات ّ ِل ُأ ْ َّ ْ َ َّ
الن َهار َ َ ْ َ َّ َ َ َ َ
الأ ْ َْ َّ
اب) 1آيات اهلل ال
ِ ب ی ل
ِ و ٍ لآی ِ و ل
ِ ی الل اف
ِ ل ت
ِ اخ و ضِ ر و ات
ِ او مالس ( ِإن فِی خ ِ
ق ل
يستوعبها إالّ ذوو األلباب ،إالّ أصحاب العقول املنفتحة .وذوو األلباب ليسوا جمموعة
خاصة من البرش ،بل إن أبناء البرشية بأمجعهم قد خلقهم اهلل سبحانه ليكونوا ذوي
ألباب .ولكن املشكلة هي أن ِم َن الناس من ال يستخدم عقله ،فيظل راكدً ا ،يرتاكم عليه
الصدأ ويفقد قدرته عىل النظر الصحيح .إذا تركت سيارتك دون حركة ملدة طويلة،
مقرصا هنا ،بل هو عدم
ً فإن حمركها يصدأ ،أو ال يعمل بشكل صحيح ،واملحرك ليس
التشغيل واالستخدام .أولوا األلباب هم الذين يستثريون قواهم الفكرية والعقلية ،وال
يرتكوهنا عاطلة.
ومن هم أولو األلباب؟ قد خيطر يف الذهن بادي الرأي أهنم األذكياء السباقون يف أعامهلم
االقتصادية واإلدارية والسياسية ،وأهنم الذين يتفوقون عىل منافسيهم يف شتى املجاالت.
القرآن يرفض هذا اللون من فهم معنى اللب وأويل األلباب ،ويرى أويل األلباب من خالل
القيم الكربى التي مت ّيز اإلنسان ،وهي االرتباط باهلل سبحانه .يف تعريف أويل األلباب يقول
َ ُ َ َ ُ ْ َّ
اهلل ِق َی ًاما َوق ُع ًودا َو َعلى ُج ُن ِوب ِه ْم) ،وليس ذكر اهلل هنا عىل طريقة
ون َك ُر َ سبحانه( :ال ِذین یذ
الدراويش ،وليس االكتفاء بلقلقة اللسان ،بل هو الذكر الذي يستتبعه الشعور باملسؤولية
يف احلياة ،ويدفع إىل العمل هبذه املسؤولية.
ً ََْ َ َ َ
ات َوالأ ْر ِض َر ّب َنا َما خلقت َهذا َب ِاطلا وتوضح اآلية ذلك إذ تقولَ ( :و َی َت َف َّك ُر َ
ون فی َخ ْلق َّ
الس َم َاو ِ ِ ِ
َ َ َ َّ َ َ َ َ َ ََ
أهم حمور يف املنظومة الفكرية للمدرسة اإلسالمية هو (ر ّبنا َما ُس ْبحانك ف ِقنا عذ َاب الن ِار) ّ
ً َ
باطل ،بل َخل ْق َت َهذا َب ِاطلا) هذه قاعدة للحياة الفردية واالجتامعية .هذا الكون مل ُيلق ً
ُخلق هلدف معني ،وفق نظام معني جيعل اإلنسان أمام مسؤولية ،وأمام سلوك خاص
ينسجم مع هذا النظام اهلادف .وإذا سار خالف هذا النظام يتعرض إىل غضب اهلل وغضب
َ َ َ َ
املنظومة الكونيةُ ( :س ْب َحان َك ف ِق َنا َعذ َاب ّالن ِار).
إذن من خصال اإليامن التفكري يف الكون واحلياة ،واخلروج من هذا التفكري بنتيجة هي
خاصا
ً أن خلق الساموات واألرض كان وفق نظام وهدف يستوجب مسؤولية وسلوكًا
ينسجم مع هذا النظام ،و َم ْن خرج عن هذا النظام فإنه مهزوم ال حمالة ،إذ ال يوجد يف الكون
َ َّ َ ََ َ ُ َّ
من حيميه وينرصهَ ( :ر َّب َنا إن َك َمن ت ْدخل ّ
الن َار فق ْد أ ْخ َز ْی َت ُه َو َما ِللظ ِال ِم َ
ین ِم ْن أ َ
نص ٍار). ِ ِ ِ
ومن خصال اإليامن األخرى أن املؤمنني يستجيبون لنداء الدعوة إىل اإليامن ،سواء كان
صاحب الدعوة نب ًيا وهو الداعي الظاهر ،أو كان التفكري والعقل وهو الداعي الباطن،
َ َ َّ
فهم يتجهون إىل اإليامن عن وعي وتعقل .وهذا هو اإليامن املطلوب يف اإلسالمّ ( :ر ّب َنا ِإن َنا
ُ َ َ َ
ان أ ْن ِآم ُنوا ِب َر ِّبك ْم ف َآم ّنا) فقد استجبنا لنداء التكوين. َ َ َْ َُ ً َُ
س ِمعنا من ِادیا ین ِادی ِل ِلإیم ِ
ويف سياق اآليات التي تذكر اإليامن القائم عىل الوعي ،ورفض ذلك اإليامن املقرون بالتقليد
والتعصب ،يذم القرآن أولئك الذين يلغون قدرة تفكريهم ويرفضون ترك ما ألفوه من هنج
یل َل ُه ْم َت َع َال ْو ْا إ َلى َما َأ َنز َل ُ
اهلل حتى لو كان ذلك النهج ال يقوم عىل علم وال عىل هدىَ ( :و إ َذا ِق َ
ِ ِ
َ ْ َ ُ َ 1
َ َ َّ ُ َ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ ً َ َ
ول قالوا حسبنا ما وجدنا علیهِ آباءنا أولو كان آباؤهم لا یعلمون شیئا ولا یهتدون) . و ِإلى الرس ِ
هؤالء هم الرجعيون واملتحجرون اجلامدون القابعون عىل ما ألفوه من عادات وتقاليد
رب العاملني .وهؤالء ال يمكن أن
موروثة حتى لو كانت متعارضة مع العلم ومع هداية ّ
يكونوا يف زمرة املؤمنني.
واحلمد هلل رب العاملني
1ـ أورد العالمة األميني يف كتابه «الغدير» قصيدة لعمرو بن العاص يرد فيها عىل معاوية.
2ـ األنعام82 /
اإلیامن املعطاء 65n
خاطئة .عىل سبيل املثال ثمة تفسري خاطئ ملعنى الشفاعة يغري اإلنسان بالكسل وترك
العمل ،بينام أئمة أهل البيت (عليهم السالم) يؤكدون يف مواقف كثرية أن شفاعتنا ال تُنال
إال بالعمل.
احلق واحلقيقة
اإلمام السجاد عيل بن احلسني (عليه السالم) كان يعمل بشكل دائب العتالء ّ
يف املجتمع ،ثم يقف أمام اهلل خاش ًعا مترض ًعا باك ًيا يناجي ر ّبه بأعذب املناجاة ،فيسأله أحدهم:
يوضح اإلمام أن ما
الترضع والبكاء؟! ّ
ّ إنك ابن رسول اهلل وابن بنت نبيه ،فلامذا كل هذا
وترضع هو جلالء الروح ،ولشحذ العزيمة ،ولزيادة االرتباط بمصدر
ّ يصدر عنه من بكاء
والعزة أي اهلل سبحانه .ثم يقول للسائلَ « :د ْع عنّي حديث أيب وأمي وجدّ ي ..اجلنة
ّ القوة
للمطيعني» .1هذه هي املعادلة الصحيحة لدخول اجلنة العمل وفق ما أراده اهلل سبحانه.
تأكيدنا عىل مسألة ارتباط اإليامن بالعمل سببه هو الذهنية التي سادت منذ قرون بشأن
رواجا يف
ً ترض معه معصية وانحراف وعدم التزام ،والقت
ما قيل إن اإليامن أمر قلبي ال ّ
األوساط املرختية البطرة الالهثة وراء العافية .ولعل بداية شيوع هذه الذهنية كانت عىل يد
معاوية بن أيب سفيان .أوىص حني حرضته الوفاة أن توضع يف كفنه أشياء قال عنها إهنا من
أثر رسول اهلل(ص) :لباسه وقالمة أظافره ويشء من شعره ..هذا الذي ارتكب ما ارتكب يف
حياته من أعامل خالف فيها كتاب اهلل وسنّة رسوله وسار باملسلمني باإلثم والعدوان يتوقع
هبذه الطريقة أن ينال شفاعة الرسول!!
لسنني طويلة جرت حماوالت إشاعة فكرة اإلسالم بدون عمل ،واإليامن بدون عمل،
وأن دليل اإليامن يكمن يف القلب ال بالعمل ،بينام القرآن الكريم يكرر القول أن لطف اهلل
ْ ُ َ
سبحانه ال يناله إال العاملون ،وغري العاملني ليسوا بمؤمنني ( َو َما أ ْول ِئ َك بال ُم ْؤ ِم ِن َ
ین).2 ِ
نعود إىل آيات سورة احلج املذكورة يف بداية املحارضة.
( َیا َأ ُّی َها َّالذ َین َآم ُنوا ْار َك ُعوا َو ْاس ُج ُدوا َو ْاع ُب ُدوا َر َّب ُك ْم َو ْاف َع ُلوا ْال َخ ْی َر َل َع َّل ُك ْم ُت ْفل ُح َ
ون) ،3ترى هل ِ ِ
1ـ مناقب آل أيب طالب ،باب إمامة عيل بن احلسني ،فصل يف زهده.
2ـ النور47 /
3ـ احلج77 /
n66مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
بمنطق هذه اآلية يتحقق الفالح دون ركوع وسجود وعبادة وفعل اخلريات؟!
َ
اهلل َح ّق ِج َه ِادهِ ) ولكلمة «حق جهاده» معنى كبري ،إهنا تعني أن يكون العمل ُ
( َو َج ِاهدوا فِی ِ
يف سبيل اهلل عىل رأس قائمة أعاملنا واهتامماتنا .أن ال نغرق يف األعامل اليومية واهلموم
رب
كبريا يتناسب مع عظمة ّ
رب العاملني ،أن يكون عملنا ً
الصغرية وننسى مسؤوليتنا أمام ّ
العاملني ،وأن تكون مهومنا كبرية تتناسب مع عظمة الرسالة اإلسالمية.
َُ ََْ ُ
اك ْم) هذا االجتباء أو االنتخاب ألمة اإلسالم يعني أهنا خمتارة حلمل أعباء (هو اجتب
الرسالة واجلهاد حق جهاده .ليس هذا االجتباء من النوع الذي ذهب إليه اليهود معتقدين
أهنم شعب اهلل املختار ،لقد ذ ّم القرآن أولئك الذين يعتقدون أهنم أحباء اهلل وأولياؤه بل
أبناؤه ،فال تنال والية اهلل إال بالعمل .لقد شاء اهلل سبحانه أن خيتار أمة اإلسالم ملهمة
كربى ،كام اختار قبل اإلسالم بني إرسائيل هلذه املهمة الكربى.
نحن اليوم إذا أردنا أن نوكل مهمة كبرية لشخص فإننا نختار األقوى ُبنية واألكفأ ً
عمل
مهة .فإذا استطاع أن ينهض هبذه املهمة فقد فاق األقران .وإن مل يفعل فال فضل
واألكثر ّ
له عىل اآلخرين .واجتباء أمة اإلسالم ومن قبلها بني إرسائيل هو من هذا القبيل .بل إن
ْ
التخيل عن محل املهمة كام ختلت بنو إرسائيل يؤدي إىل ما قاله القرآن الكريم عنهمُ ( :ض ِربَت
َ َ ْ ُ ّ َّ ُ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َ
الذلة َو ال َم ْسكنة َو َبآؤ ْوا ِبغض ٍب ِّم َن ِ
اهلل).1 علی ِهم ِ
ّ ُ َ َ
الد ِین ِم ْن َح َر ٍج) مهام عظمت املسؤولية فهي عىل مستوى ما منحه اهلل ( َو َما َج َع َل عل ْیك ْم فِی ِ
لإلنسان من طاقات ،فلم يك ّلفه فوق طاقته.
َ ْ ُ َ َ َّ ُ ُ َّ َ َ
اك ُم ال ُم ْس ِل َ
مین ِمن ق ْب ُل) إشارة ( ِّملة أبیك ْم إ ْب َر ِاه َ
یم) إنه دين إبراهيم (عليه السالم) (هو سم ِ ِ
ً ُ ً ُ
إىل دعاء إبراهيمَ ( :و ِمن ذ ّ ِر َّی ِت َنا أ َّمة ُّم ْس ِل َمة) 2وهذه املسؤولية وضعناها عىل عاتقكم ،ملاذا؟
َ َ ُ َ ُ ُ َ ُ ُ َ ُ
(ص)
ون َّالر ُسول ش ِه ًیدا َعل ْیك ْم َو تكونوا ش َه َداء َعلى ّالن ِاس) فاملسؤول عنكم هو الرسول
(ل َیك َ
ِ
وأنتم حتملون مسؤولية البرشية مجعاء .فاألمة املسلمة حتمل مسؤولية الشهادة عىل البرشية
كلها،مسؤولية قيادة الساحة اإلنسانية وإدارهتا .أنتم قادة هذه القافلة ،فال تغفلوا عنها.
وإذ كانت هذه املسؤولية هبذا احلجم وهبذا الثقل فالبد أن تعدّ وا أنفسكم هلذه املهمة:
َ ْ َ َ َ
َُ َْ ُ ُ
الصل َاة َو آتوا َّ َ َ ْ َ
َّ َ ََ
اك ْم ف ِن ْع َم ال َم ْولى َو ِن ْع َم ّالن ِص ُیر). الزكاة َو اعت ِص ُموا ِب ِ
اهلل هو مول (فأ ِق ُیموا
ارتبطوا باهلل عن طريق الصالة ،وحاربوا ُش ّح نفسكم بإيتاء الزكاة ،واعتصموا باهلل
واعتمدوا عليه وال ختشوا أحدً ا إال اهلل .فهو موالكم وسيدكم وحارسكم (وسنتحدث يف
مناسبة أخرى عن معنى املوىل يف هذا املوضع من القرآن ومواضع أخرى).
االلتزام بالصالة والزكاة واالعتصام بحبل اهلل من املستلزمات العملية لإليامن ،ويف اآليات
األخرية من سورة األنفال يتكرر التأكيد عىل هذه االلتزامات.
وأما ما ذكرته اآلية 72من سورة األنفال:
َّ
(إ َّن ال ِذ َین َآم ُنوا َو َه َ
اج ُر وا) واهلجرة تعني االنقطاع عن ّ
كل االنشدادات الصغرية من أجل ِ
هدف كبري ،من أجل االرتباط باملجتمع اإلسالمي.
املهاجرون األوائل انقطعوا عن ارتباطاهتم وانشداداهتم باملال واملتاع واألهل والعشرية
واجتهوا إىل املدينة ،غري مبالني بام فعله املرشكون من هنب أمواهلم يف مكة ،متحملني ألوان
احلرمان وأقسى املعاناة ،غري أن املهمة كانت كبرية ،مهمة إقامة املجتمع املسلم ،وكل
مهاجر كان يشكل لبنة من هذا املجتمع اجلديد .ولذلك ذكرهم القرآن هم والذين آووهم
َ
ونرصوهم من األنصار بأهنم أعضاء جبهة واحدة متحدة( :إ َّن ّال ِذ َین َآم ُنوا َو َه َ
اج ُر وا َو َج َاه ُدوا ِ
ََ ُ ُ َ َ ُ َ َّ َ َ
اهلل َو ال ِذ َین َآووا ّون َصر وا أ ْول ِئك َب ْعض ُه ْم أ ْو ِل َی ُاء َب ْع ٍض) فهم متآزرون
یل ِ ب بأ َمو ِاله ْم َو أ ُنف ِسه ْم فی َ
س
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
بعضا.
متنارصون مثلهم كمثل بنيان مرصوص يشدّ بعضه ً
َ َ َ َ ُ َ َّ
( َوال ِذ َین َآم ُنوا َو ل ْم ُی َه ِاج ُر وا َما لكم ِّمن َول َای ِت ِهم ِّمن ش ْی ٍء َحتّى ُی َه ِاج ُر وا) هؤالء الذين مل يلتزموا
بام ُيلزمه اإليامن من معاناة وتضحية ليسوا منكم ،وليست بينكم وبينهم والية حتى يلتزموا
بام يلزمهم اإليامن من مسؤوليات« ،حتى هياجروا».
ً ْ ُ َ
1
صدق اإليامن يتبني من هذا االلتزام فاملهاجرون واملنارصون (أ ْول ِئ َك ُه ُم ال ُم ْؤ ِم ُن َون َح ّقا)
وغريهم يف ادعائهم اإليامن كاذبون.
واحلمد هلل رب العاملني.
1ـاألنفال74 /
اجللسة اخلامسة
اإلميان وااللتزام ابملسؤوليات
االثنني 6رمضان املبارك 1394هجرية
1353/7/1هجرية مشسية
ُ َّ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ُ َ
اهلل َو َر ُسو ِلهِ ِل َی ْحك َم
ین ِإذا دعوا ِإلى ِ (ِإنما كان قول المؤ ِم ِن
ْ
ـك ُهـ ُـم ال ُم ْفل ُح َ
ون َب ْی َن ُه ْم َأن َی ُق ُولوا َسم ْع َنا َوأ َط ْع َنا َوأولــئـ َ
َ ُ َ
ِ ِ ِ
َ ُ َ َْ َ ْ َ َ
اهلل َو َی ّتقهِ فأول ِئ َك ُه ُم اهلل َو َر ُسول ُه َو َیخش َ #و َمن ُیطع َ
ِِ
ون)ْال َفائ ُز َ
(النور)52-51 / ِ
ويفعل ما شاء ،ولذلك نرى يف قائمة أعامله قتل الصاحلني من أمثال ُحجر بن عدي1و
اهلجري ،2وتعامله الفظيع مع أمثال ميثم التامر .3وكل ذلك من أجل أن حيول دون
ُرشيد َ
نمو هذا الوليد (اإلسالم) الذي مل يمض من عمره أكثر
تقدم املسرية اإلسالمية ،ودون ّ
أن تتخ ّلف هذه املسرية ..وحماولته لتخ ّلف
من عرشين سنة .كان يريد إيقاف املسرية ،بل ْ
املسرية كانت ّ
تتلخص يف مسخ أخالق الناس ،وهو داء ما كان باإلمكان معاجلته بسهولة.
لقد حاول اخلليفة األموي عمر بن عبدالعزيز 4بعد ثالثني سنة من ذلك أن يصلح
األمور ،فلم يستطع ،ومل يبقوه يف منصب اخلالفة أكثر من سنتني ،إذ قتلوه مسمو ًما .تروى
عم أصيبت به األمة عامة ،وخاصة الشام التي كانت حتت سيطرة معاوية
األعاجيب ّ
مبارشة من جهل.
أذكر عىل سبيل املثال ــ وهو غيض من فيض ــ أن عبد امللك بن مروان أرسل احلجاج
حتصن يف البيت احلرام،
بن يوسف الثقفي ملحاربة عبداهلل بن الزبري ،وكان عبداهلل قد ّ
واستطاع احلجاج أن يستويل عىل البيت احلرام وعىل جبل أبو ُقبيس املحاذي للحرم ،فكتب
إىل اخلليفة :أننا استعطنا بحمد اهلل أن نستويل عىل جبل أبو قبيس .فنودي بالصالة جامعة
يف دمشق ،واعتىل اخلطيب املنرب وأعلن أن احلجاج قائد اخلليفة قد استوىل عىل أبو قبيس.
فتعالت األصوات يف املسجد مشككة يف اخلرب وكلها تقول :ال ،ال نقبل هذا اخلرب إالّ أن
خمفورا ،لنراه بأم أعيننا .هؤالء تصوروا بأن أبو قبيس رجل
ً تأتونا بأبو قبيس الرافيض
رافيض يف مكة!! هكذا كان مستوى معلومات الناس وإدراكهم.
من هو املسؤول عن هذا اهلبوط يف مستوى وعي الناس؟! هل كان وعاظ السالطني من
1ـ حجر بن عدي ،صحايب ،زاهد ِ
ورع شجاع جماهر باحلق مقاوم للظلم ،ومن أصحاب أمري املؤمنني عيلُ ،قتل هو وأصحابه
يف الشام بمرج عذرا عىل يد معاوية.
2ـ رشيد اهلجري ،صحايب ،ومن خواص أصحاب أمري املؤمنني واحلسن واحلسني ،قتله عبيد اهلل بن زياد بالصورة التي أخربه
أمري املؤمنني ،قطعوا يديه ورجليه وصلبوه ودفن يف العراق بني مدينتي الكوفة واحللة.
3ـ ميثم بن حييى التامر ،من خواص صحابة أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب(ع) ،استشهد بأمر من ابن زياد بعد قطع يديه ورجليه
ولسانه ليتربأ من عيل بن أيب طالب.
4ـ عمر بن عبدالعزيز ،اخلليفة األموي يف عرص اإلمام السجاد ،عرف بعدالته ،وبمعرفته بمنزلة أهل البيت .منع سب عيل عىل
املنابر وأعاد فدك إىل أهل البيت ،وألغى منع كتابة احلديث.
اإلیامن وااللتزام باملسؤوليات 75n
أمثال رشيح القايض1؟! الواقع أن الذي استقطب هؤالء املأجورين ليتخذوا مواقف
معادية ملسرية القرآن هو معاوية .فاملسؤولية بالتايل تقع عىل عاتق هؤالء من بني أمية وبني
العباس وغريهم من الذين يتظاهر ون أحيانًا بالدين!
وأعود فأقول إن القرآن ال يعترب أولئك الذين يتأرجحون بني اإليامن واإلعراض عن
اإليامن ،ال يعتربهم مؤمنني ،ويف حياتنا احلارضة أمثال هؤالء كثري ،فاإليامن ما َو َقر يف
َّ ُ َ َّ
الص ِال َح ِات .)...كل ما وعده اهلل سبحانه القلب وصدّ قه العملِ ( :إ ّن ال ِذ َین َآم ُنوا َو َع ِملوا
وتعاىل للمؤمنني إنام هو للمؤمنني الذين يقرنون إيامهنم بالعمل الصالح بشكل متواصل
وبثبات عىل طريق املبدأ ،وإذا مل نر يف إيامننا حتقي ًقا ملا وعده اهلل للمؤمنني ،فإن ذلك يعود إىل
أن هذا اإليامن ليس من النوع الذي يتحقق فيه ما وعد اهلل املؤمنني.
أعود إىل ما أردنا الوقوف عنده من آيات:2
(لق ْد أ َنزل َنا َآی ُ ّ َ ََ َ ْ
ات ّم َب ِین ٍ
ات) والنص يؤكد أن آيات القرآن مبينات ،وهذا ر ّد عىل أولئك الذين ٍ
َيرمون أنفسهم من فهم القرآن ،فهم يصدّ ون عن هذا التبيني.
َ َ
اهلل َی ْه ِدی َمن َیش ُاء ِإلى ِص َر ٍاط ُّم ْس َت ِق ٍیم) وما معنى« :هيدي من يشاء إىل رصاط مستقيم»؟
( َو ُ
هل يعني أنه سبحانه يريد اهلداية لفرد وال يريدها لفرد آخر؟! هل تعني أن الفرد مسلوب
اإلرادة جتاه نيل اهلداية اإلهلية؟ كال ..إرادة اهلل ومشيئته ــ يف األمور االعتيادية ــ ال تظهر
إالّ يف إطار العلل الطبيعية .لو قررت أنت أن تسري عىل طريق اهلداية فإن اهلل سبحانه
تقاعست أنت عن املسري يف طريق اهلداية وأوصدت
َ شاء أن تسري عىل هذا الطريق ،وإذا
أبواب الفهم واإلدراك عليك ،فإن اهلل أراد أن ال تفهم وال تدرك .إذا و ّفرت َ
أنت العلل
واملقدمات بإرادتك للحصول عىل املعلول ،فإن اهلل تعاىل شاء ذلك .وإذا أنت مل تفعل
ذلك ،فمن الواضح أن اهلل ال يريد ذلك ،ال ّ
أن مشيئة اهلل اقتضت أن ال تريد ذلك .أنت يف
إرادتك خمتار ،ومعنى :مل يشأ اهلل ذلك هو أن الع ّلة الالزمة غري متو ّفرة.
1ـ رشيح بن حارث ،ويل قضاء الكوفة يف زمن اخلليفة الثاين ،التحق بعبيد اهلل بن زياد بعد دخوله الكوفة ،وأفتى هبدر دم
احلسني ،ثم أصبح من بطانة احلجاج.
2ـ النور52 - 46 /
n76مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
وملاذا نقول :إن اهلل مل يرد ذلك حني تكون الع ّله غري حمققة .ذلك ألن اهلل سبحانه هو موجد
العلل وهو خالق اخلواص يف العلل .إذا مددت يدك إىل نار مشتعلة ،فإهنا حترتق ،واهلل شاء
أن حترتق .وإذا أبعدت يدك عن النار فإهنا ال حترتق ،وشاء اهلل أن ال حترتق .فاالحرتاق
حيدث حني تتوفر علته الطبيعية .وعدم االحرتاق حيدث حني مل تتوفر العلة الطبيعية ،كأن
مل متدّ يدك إىل النار ،أو كانت اليد مبتلة ،أو كانت النار خافتة .وملاذا ننسب الظواهر املرتبطة
بعلتها إىل اهلل .ذلك ألن اهلل سبحانه هو خالق العلل .وهذا معنى «من يشاء» يف مواضع
القرآن كلها .ولقد فصلنا القول يف ذلك يف مناسبات أخرى ،ونكتفي هنا باإلشارة إليه.
َ َّ َ ُ َ َ ُ ُ
ول َو أ َط ْع َنا ث َّم َی َت َولى ف ِر ٌیق ِّم ْن ُهم ِّمن َب ْع ِد ذ ِل َك) هؤالء يدّ عون اإليامن َّ ُ َ ّ
( َو َیقولون َآمنا ِب ِ
اهلل َو ِبالرس ِ
باهلل وبالرسول ،ويدّ عون الطاعة ،لكن فري ًقا منهم يعرض عن ذلك .وليس احلديث هنا
عن الكفار وال عن املرتدين الذين خيرجون فجأة من دائرة اإلسالم ،ال ،إنه حديث عن
هؤالء املؤمنني العاديني يف املجتمعات اإلسالمية .ثم يقول سبحانه:
( َو َما أ ْول ِئ َك بال ُم ْؤ ِم ِن َ ْ ُ َ
ین) بكل وضوح ورصاحة ليس هؤالء بمؤمنني. ِ
ُ َ
( َو إ َذا ُد ُعوا إلى اهلل َو َر ُسولهِ ل َی ْحك َم َب ْی َن ُه ْم إ َذا َفر ٌیق ّم ْن ُهم ُّم ْعر ُض َ
ون) ظاهر اآلية ّ
يدل عىل حكم ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
القضاء ،فهؤالء يأبون أن يذهبوا إىل الرسول ليقيض بينهم .غري أن مضمون اآلية عام،
ال ينحرص األمر بحكم القضاء ،ويشمل اإلعراض عن أوامر الرسول(ص) يف غري مواضع
أيضا.
القضاء ً
ْ
( َو إن َی ُكن َّل ُه ُم ْال َح ُّق َیأ ُتوا إ َل ْیهِ ُم ْذ ِع ِن َ
ین) أي ينصاعون إىل اهلل ورسوله حني يكون األمر ِ ِ
لصاحلهم ،وحني حيتملون أن يكون احلكم برضرهم فإهنم يعرضون عن الدين .والقرآن
الكريم يستجوب هؤالء ،ملاذا يعرضون عن الدين حني يكون احلكم برضرهم؟ يعود ذلك
إىل ثالثة أسباب:
ُُ َ
(أفِی قل ِوب ِهم َّمـ َـر ٌض) هؤالء إما أن يكونوا مرىض القلوب .ومصابني بمرض النفاق ،أو
مرض األهواء ،أو مرض اجلهل والغرور .أو أن يكون األمر أكرب من ذلك؟!
َ َ
(أ ِم ْارت ُابوا) فهؤالء قد يكونون قد شكّوا يف الدين ً
أصل .إذا مل يكونوا شاكني يف الدين،
فلامذا يأتون إىل الدين مذعنني حني يكون لصاحلهم ،ويعرضون عنه حني ال يكون كذلك؟!
اإلیامن وااللتزام باملسؤوليات 77n
ُ
(أ ْم َی َخاف َ َ َ َ ُ َ
اهلل َعل ْی ِه ْم َو َر ُسول ُه) لعل هؤالء خيافون أن يظلمهم اهلل ورسوله!!
ون أن َیحیف ُ
ِ
وهذا أفظع من الشك .إنه عني الكفر .هذا الذي يظن أنه سيتعرض إىل ظلم اهلل ورسوله
فإنه ال يعرف اهلل وال يعرف رسوله.
( َب ْل أ ْولئ َك ُه ُم الظال ُم َ َّ ُ َ
ون) إن هؤالء الذين ينسبون الظلم إىل اهلل ورسوله هم الظاملون. ِ ِ
هؤالء يظلمون أنفسهم ويظلمون احلقيقة ويظلمون الناس.
ُ َ َ َ ُ ُ ُ َّ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ُ َ
اهلل َو َر ُسو ِلهِ ِل َی ْحك َم َب ْی َن ُه ْم أن َیقولوا َس ِم ْع َنا َو أ َط ْع َنا َو أ ْول ِئ َك
ین ِإذا دعوا ِإلى ِ (ِإنما كان قول المؤ ِم ِن
ون) وسمعنا تعني فهمنا وأدركنا .ويف كثري من املواضع القرآنية السمع يعني ُه ُم ْال ُم ْفل ُح َ
ِ
َ ْ َ َ
الفهم واالستيعاب مثل قوله تعاىل( :أ ْو أل َقى َّ
الس ْم َع َو ُه َو ش ِه ٌید) 1وهؤالء هم املفلحون أي
ْ َ َ
اهلل َو َر ُسول ُه َو َیخش إهنم نالوا ما يطلبون .والفالح يعني النجاح ،ونيل املطلوبَ ( .و َمن ُیطع َ
ِِ
ون) والفوز يعني بلوغ املطلوب وهو الفالح. اهلل َو َی َّت ْقهِ َف ُأ ْو َلئ َك ُه ُم ْال َفائ ُز َ
َ
ِ ِ
َّ ُ ُ َ َ ُ َّ
ات الص ِال َح ِ اهلل الـ ِـذیـ َـن َآمـ ُـنــوا ِمنك ْم َو َع ِملوا وبعد ذلك بآيتني نصل إىل قوله تعاىلَ ( :وع ــد
َْ ََ َ
ََ
العال ل َی ْس َت ْخ ِلف ّن ُهم فِی الأ ْرض) 2هذا الوعد اإلهلي للمؤمنني امللتزمني ،أنه سبحانه جيعل
جترعوه من عذاب وقهر.
يستظل بمدرستهم وفكرهم ويبدّ ل خوفهم إىل أمن بعدما ّ
يعبدونه سبحانه ويزيل من طريقهم اآلهلة الكاذبة.
هناك من يفهم اآلية بشكل يتناسب مع مجوده الفكري فيقول إن هذا اآلية ختتص بزمان
اإلمام املهدي املنتظر (عليه السالم) .ال شك أن حتقق مصداق هذه اآلية بشكل كامل يكون
عىل عهد املهدي املنتظر ،ولكن ما الداللة عىل أهنا خمتصة بعرص ظهور املهدي؟! وأية رواية
تدل عىل ذلك؟ أمل تتحقق هذه اآلية للمؤمنني يف صدر اإلسالم؟! هؤالء املؤمنون جاؤوا
املدينة وأقاموا تلك احلكومة .وبالل الذي كان يتعرض ألقسى أنواع االضطهاد حني كان
ينطق بالتوحيد ،ها هو اآلن يرفع صوته يف األذان بالتهليل والتكبري.
هؤالء الذين كانوا مضطرين أن يسجدوا ليل هنار ألصنام غري برشية وبرشية وألهواء
أنفسهم وشهواهتم ،هؤالء الذين كان هلم هذا العدد الكبري من الرشكاء مع اهلل ،هؤالء
جاؤوا إىل تلك األرض ليعيشوا يف أمن وسالم ووئام دون أن خيشوا أحدً ا .هذه اآلية قد
َّ
حتققت مرة هناك ويمكن أن تتحقق آالف املرات األخرى برشط أن يتحقق وجود (ال ِذ َین
َّ ُ
رأيت من يفس «يف األرض» بمعنى يف أرض اجلزيرة
ّ ُ الص ِال َح ِات) .ولقد َآم ُنوا َو َع ِملوا
املفس ،هل إن اإلسالم جاء إلقليم معني ،أليس
العربية .وهو تفسري يثري الشك يف هدف ّ
هو رمحة للعاملني؟!
َ َ َ َّ َ
وقوله سبحانه( :ك َما ْاس َت ْخلف ال ِذ َین ِمن ق ْب ِل ِه ْم) يعني أن سنة اهلل يف الكون كانت نرصة
مر التاريخ ،وليس كام يظن البعض أن الفئة املؤمنة كانت
املؤمنني ومتكينهم من األرض عىل ّ
مقهورة مظلومة مهزومة يف التاريخ .ولقد ذكرت يف حمارضة سابقة أن الدين كان يف نجاح
مستمر منذ أن ظهر عىل ظهر األرض حتى يومنا هذا .كانت ِق َي ُمه يف تقدم م ّطرد ومل تكن له
هزيمة عىل اإلطالق .وهذا ما أثبتّه يف تلك املحارضة.
َ َّ َ ّ َ
( َول ُی َم ِك َن َّن ل ُه ْم ِد َین ُه ُم ال ِذی ْارت َضى) هذا الدين الذي ارتضاه اهلل للمؤمنني ،هذا الدين الذي
يشتمل عىل شؤون الدنيا واآلخرة ويلبي احتياجات اجلسم والروح سوف يكون متمكنًا
ومستقرا ومهيمنًا.
ً
َ َ ََ
( َول ُی َب ّ ِدل ّن ُهم ِّمــن َب ْع ِد َخ ْو ِف ِه ْم أ ْم ًنا) واألمن الذي يوفره اهلل هلم ليس للبطر واالنتجاع
واالرختاء ،بل لتتوفر الفرصة من أجل قطع املزيد من اخلطوات عىل طريق الكامل اإلنساين..
عىل طريق عبودية اهلل:
َ ْ ُ َ َ
ون بِی ش ْی ًئا) .هذا هو الذي يتحقق يف ظل األمن.
( َی ْع ُب ُدوننی لا ُیشرك َ
ِ ِ
َ َ َ َ
ثم تذكّر اآلية أن الذين يعودون إىل حظرية الرشك هم الفاسقونَ ( :و َمن كف َر َب ْع َد ذ ِلك
َف ُأ ْو َلئ َك ُه ُم ْال َفاس ُق َ
ون) أي اخلارجون عن دائرة اإليامن. ِ ِ
رب العاملني.
واحلمدُ هلل ّ
اجللسة السادسة
البشائر ()1
الثالاثء 7رمضان املبارك 1394هجرية
1353/7/2هجرية مشسية
َ ُ َ ْ َ ُ الن ُاس َق ْد َج َاء ُكم ُب ْر َه ٌ َ َ ُّ َ َّ
ان ِّمن ّر ِّبك ْم َوأ َنزل َنا ِإل ْیك ْم (یا أیها
ُ َ َ ّ َ
ُ ً ُ ً َ َ
اهلل َو ْاع َت َص ُموا ِبهِ ف َس ُی ْد ِخل ُه ْم ُ
نورا ّم ِبینا #فأ ّما ال ِذ َین َآمنوا ِب ِ
َ
فِی َر ْحـ َـمــةٍ ِّم ْن ُه َو َفـ ْـضـ ٍـل َو َی ْه ِد ِیه ْم ِإلـ ْـیــهِ ِصـ َـر ًاطــا ُّم ْس َت ِق ًیما)
(النساء)175-174 /
يف أحاديثنا السابقة عن اإليامن توخينا بيان قيمة اإليامن وكيفية اإليامن ،ليكون مقدّ مة
لبحث جا ّد عن فهم الدين ومعرفة الدين.
املوضوعات التي ركزنا عليها يف أحاديث اإليامن هي إن اإليامن جيب أن يكون عن وعي
جمردة يف الذهن ،وأن يكون
وفهم وإدراك ،وأن يكون مقرونًا بالعمل ،ال أن يكون فكرة ّ
ً
متواصل ال موقتًا ومصلح ًيا.
وقبل أن نتناول املعارف العقائدية يف اإلسالم ،البد أن نتناول اليوم باختصار موضو ًعا
آخر ،ونتابعه غدً ا بإذن اهلل تعاىل ،وهو أن نعرف البشائر التي يز ّفها اهلل سبحانه للمؤمنني.
ما هو اجلزاء الذي أعدّ ه سبحانه ملن يلتزم باإليامن وبمستلزمات اإليامن؟ فاإلنسان عادة
حيب أن يرى ما يناله من ربح يف متاجرته ،ولذلك يو ّد أن يعرف ما ضمنه اهلل سبحانه
ّ
للمؤمنني العاملني من أجر وبرشى .وهذه البشائر هلا وقع لذيذ عىل القلب والعقل،
مجعت اآليات املرتبطة باإليامن وباملؤمن وكانت ما يقارب
ُ وتزيد من عزم املؤمن وثقته.
من سبعامئة آية ألرى ما يرتتب عىل اإليامن من عطاء (أقول ذلك ألبني لإلخوة واألخوات
n82مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
وأن خيرج إىل نور احلقيقة ،وجيعل قلبه ساط ًعا بنور الفهم والوعي.
3ـ أن يتخ ّلص يف مسريته الطويلة نحو السعادة من الوساوس الداخلية ،وهي أفظع وأقوى
من الوساوس اخلارجية .أحيانًا يواجه اإلنسان وساوس خارجية يف طريقه تقول له :أنت
ال تستطيع أن تقطع هذا الطريق .جتارب التاريخ أثبتت أن مثل هذه املعوقات اخلارجية
إرصارا عىل املواصلة ،وترفع من درجة شوقه ِلن يصل إىل مبتغاه .أما ً تزيد اإلنسان
الوساوس الداخلية فهي املثبطات التي هتزم اإلنسان داخل ًيا .ال تسدّ الطريق ،بل هتدم يف
وجوده قوة السري واملواصلة ،تسلب اإلنسان قدرة السعي وبذل اجلهد .تقول له من داخله:
ملاذا تذهب؟ ما فائدة مسريك؟ لعلك ال تصل .لعل قاطع طريق يواجهك .لعلك تواجه من
يفرتسك .من الذي سمح لك بالذهاب؟ ال ،ال تذهب .وهذه الوسوسة هي أسوأ بكثري
من الوساوس اخلارجية.
مر التاريخ .كان قوم موسى
هذه املعوقات الداخلية واجهت أكثر قادة طريق السعادة عىل ّ
يواجهون نبيهم هبذه الوساوس .ويرصحون له بأننا نخشى أن ال تتحقق ما وعدتنا به.
والقرآن الكريم يشري إىل أن ظروف الشدة واألزمات أدت ببعض اخلواص أن يقولوا:
ُ َ َ
( َمتى ن ْصر ِ
اهلل)1؟! حتى اخلواص تساورهم هذه الوساوس واملعوقات!
من رشوط نيل السعادة أن يتخ ّلص اإلنسان من هذا االضطراب الداخيل والقلق النفيس،
قادرا عىل أن يتغلب عىل هذه احلالة.
وأن يكون ً
مرارا ما يف «دعاء كميل» 2من إحياءات تشدّ العزيمة وخت ّلص اإلنسان من هذا
لقد كررت ً
قو
ربّ .
يارب ،يا ِّ
ِّ «يارب،
ّ الضعف الذي يساور داخل اإلنسان .جاء يف بعض مقاطعه:
عىل خدمتك جوارحي .واشدد عىل العزيمة جوانحي» .يطلب اإلنسان من ّ
رب العاملني أن
قوة التغلب عىل كل شك و تردد يعوق دون حركته.
يرزقه ّ
مثمرا .أن حيدوه أمل بأن مساعيه ستبلغ الغاية التي يريد .الذين يعانون
4ـ أن يكون سعيه ً
من اليأس ال يبلغون أهدافهم ،وال حي ّققون ما يصبون إليه من سعادة ،فالبدّ أن يثق الفرد بأن
9ـ أن ينترص عىل أعداء مسريته والصادين له عن بلوغ هدفه ..أن حيقق االنتصار يف هناية
أيضا من أهم عنارص سعادة اإلنسان.
املسري .وهذا ً
10ـ أن يتجاوز العقبات والضغوط واملوانع ويبلغ اهلدف .وحيقق الفوز والفالح.
11ـ ومما له دخل يف سعادة اإلنسان أن يكون له يف طريق وصوله إىل اهلدف ،وعند اهلدف
نفسه ،عامل مه ّيأ يستطيع أن يستثمر بركات أرضه وسامئه ومجيع خرياته من غابات ومناجم
وجبال و ..وأكثر من ذلك أن تنفتح أمامه أبواب مصادر عقله وإدراكه وفهمه وكفاءاته
وطاقاته ليستفيد منها.
ثم بعد هذا االستثامر كله يف حياته تبدأ بعد وفاته مرحلة اسرتاحته ومرحلة نيل أجره.
اإلنسان املادي يتوقع احلصول عىل نتائج عمله يف حياته ،وال يعقد ً
أمل عىل ما بعد وفاته.
ولو قيل له افرتض ــ وفرض املحال ليس ً
حمال ــ أن موتك بداية راحتك .كيف سيتلقى
هذا االفرتاض؟! تالحظون أن هذا أكرب أركان السعادة ..أن يرى أنه بعد انتهاء شوط احلياة
الدنيوية سينال جزاء مساعيه وينعم باجلنة والرضوان.
هذه هي بعض الرشوط الالزمة لتوفر السعادة لإلنسان ،وهي يف املنطق القرآين مقرونة
باإليامن والعمل الصالح.
تزف هذه البشائر كلها وعرشات غريها للمؤمنني .تبرش املؤمنني
لنبدأ باآليات القرآنية التي ّ
باهلداية ،والنور ،والسكينة ،وحتقيق اهلدف .ولو أمعنا النظر يف التاريخ لرأينا حتقق هذه
مر العصور.
السنة الكونية اإلهلية عىل ّ
ُ َ َّ
الص ِال َح ِات َی ْه ِد ِیه ْم َر ُّب ُه ْم ِب ِإ َیم ِان ِه ْم) 1ونعيد التأكيد هنا أن العمل
َّ
( ِإ ّن ال ِذ َین َآم ُنوا َو َع ِملوا
الصالح هو أداء االلتزام الذي يوجبه اإليامن عىل اإلنسان ،وهذا اإليامن يؤدي باملؤمنني أن
هيتدوا إىل الطريق .بسبب إيامهنم هيتدون إىل الطريق ،هيتدون إىل اهلدف وإىل السبيل الذي
يؤدي هبم إىل اهلدف.
تسمعون من يقول حني يرى اهلدف بعيدً ا واإلمكانيات ضعيفة :هل يمكن أن نصل إىل
اهلدف املطلوب؟ لو تفحصت يف هذا الكالم لرأيت عدم وجود اإليامن باخلطوة األوىل ،أو
أن يكون ذلك اإليامن غري مقرون بالعمل .لو آمن الشخص وعمل النفتحت أمامه اهلداية
إىل الطريق ،وسيقطع اخلطوة الثانية« .الطريق نفسه يقول لك كيف تسري» كام يقول العطار
النيسابوري .1حني يؤمن اإلنسان باهلدف ويتبع هذا اإليامن حركة نحو اهلدف ،فإن الطريق
سوف ينفتح أمامه.
القادة والرواد وأتباعهم ال يعلمون وهم يف اخلطوة األوىل ما هي اخلطوة العارشة .أحيانًا
أرضب لذلك ً
مثال وأقول هب أنك كنت وحيدً ا يف صحراء ،ويف ليلة مظلمة ال ُيرى يف
سامئها قمر وال نجوم ،وليس يف يدك سوى شمعة صغرية ،وتريد هبذه الشمعة الصغرية أن
تقطع هذه الصحراء املمتدة.ستقول مع نفسك إن هذه الشمعة سوف ال تيضء ألكثر من
عدة أمتار من الطريق ،وأنا أمامي عرشة كيلو مرتات .هذا كالم َم ْن ليست له جتربة يف قطع
تيس لك ِ
س هذه األمتار التي تساعدك فيها إنارة الشمعة .وإذا ّ
املجرب سيقول لهْ :
الطريقّ .
بعدها سبيل للمواصلة فواصل ،وإالّ فال تذهب .اقطع ما استطعت من الطريق بام لديك
ُ
من إمكانات اإلضاءة ،وسرتى أنك قادر بعدها أن تواصل الطريق إىل هنايتهَ ( :ی ْه ِد ِیه ْم َر ّب ُه ْم
ِب ِإ َیم ِان ِه ْم) .اهلل سبحانه سيهدهيم بواسطة إيامهنم.اإليامن سيدفع اإلنسان ألن جيد السبيل.
ً ْ ُ ُ َُ ُ ٌ َ َ َ َ ُ َ ْ
نزلت ُس َورة ف ِم ْن ُهم َّمن َیقول أ ّیك ْم َز َادت ُه َه ِذهِ ِإ َیمانا
ويف موضع آخر يقول سبحانه( :و ِإذا ما أ ِ
ون) .2اإليامن نفسه يؤدي إىل اهلداية وإىل تعميق َف َأ َّما َّالذ َین َآم ُنوا َف َز َاد ْت ُه ْم إ َیم ًانا َو ُه ْم َی ْس َت ْبش ُر َ
ِ ِ ِ
اإليامن يف النفوس.
اهلل ب وا ان ّمن َّر ّب ُك ْم َو َأ َنز ْل َنا إ َل ْی ُك ْم ُن ًورا ُّمب ًینا َ #ف َأ َّما َّالذ َین َآم ُ
ن
َ َ ُّ َ َّ
الن ُاس َق ْد َج َاء ُكم ُب ْر َه ٌ (یا أیها
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ َ ُ َ
َو ْاع َت َص ُموا ِبهِ ف َس ُی ْد ِخل ُه ْم فِی َر ْح َمةٍ ِّم ْن ُه َو ف ْض ٍل َو َی ْه ِد ِیه ْم ِإل ْیهِ ِص َر ًاطا ُّم ْس َت ِق ًیما) 3والربهان
والنور هنا بمعنى القرآن الكريم .واملؤمنون برشط االعتصام به ،أي االعتصام بدينه
1ـ العطار النيسابوري (ت 618هـ) من كبار رجل العرفان يف األدب الفاريس ،صاحب منظومة منطق الطري ،قتل يف هجوم
املغول .مرقده يف نيسابور من أعامل خراسان.
2ـ التوبة124 /
3ـ النساء175 - 174 /
البشائر (87n )1
أي ينقذهم من ظلامت اجلهل ،واخلرافة ،والغرور ،واألنظمة املتجربة املعادية لإلنسان،
ومن كل ما يعترب طامورة معتمة جلوهر وعي اإلنسان .ويأخذهم إىل (النور) ..نور املعرفة
والعلم والقيم اإلنسانية ،وهذا االنتقال من النور إىل الظلامت خاص باملؤمنني وال يشمل
الكفار اجلاحدين وفاقدي اإليامن .لذلك كان املرشك يف قلق دائم ،ويف اضطراب مستمر،
ليس يف حياته نور ،وال معرفة حقيقية.
ذكرنا يف اجللسة السابقة بعض بشائر القرآن للمؤمنني ..البشائر املفضية إىل السعادة .وقفنا
أمس عند برشى اهلداية وبرشى النور ،ونقف يف هذه اجللسة عند اثنتني أخريني ،وأترك الباقي
لكم لكي تستعرضوها بالرتتيب الذي رسنا عليه .من كان منكم يعرف العربية فليستخرجها
من نص القرآن ،ومن ال يعرف العربية فليعتمد عىل ترمجة معاين القرآن الكريم.
اآليات يف هذا املجال كثرية وتزيد عىل ستة آالف آية .عىل سبيل املثال يذكر القرآن اجلزاء
األخروي باعتباره من بشائر الذين آمنوا وعملوا الصاحلات ،ويذكر يف مواضع عديدة
َ َ ُ َ َ
برشى انتصار املؤمنني عىل أعدائهم وغلبتهم عليهم كقوله سبحانهَ ( :ولا ت ِه ُنوا َو لا ت ْح َزنوا َو
َ َ َ ُ َ َ ْ َ َّ َ َ َ ُ ُ َ َ ُ َّ 2 ُ
ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َ َ َ َ
ندنا ین) ،1وقوله تعاىل( :كتب اهلل لأغ ِلبن أنا و رس ِلی) ِ ( ،إن ج أ ُنت ُم الأ ْعل ْو َن ِإن
َ 3 َُ َْ
مهكم إهناء له ُم الغ ِال ُبون) حاولوا أن تبحثوا عن مثل هذه البشائر يف القرآن ،وال يكن ّ
رب العاملني بتدبر ودقة.
السورة أو اجلزء من كتاب اهلل ،بل اسعوا لكي تفهموا كالم ّ
أولئك الذين يتقنون العربية عليهم أن يزيدوا من استحكام ارتباطهم بالقرآن ،والذين
ال يعرفون العربية ،عليهم أن يسعوا لتعلمها ،ويف الوقت نفسه أن يرجعوا إىل ترمجات
معاين القرآن وبعضها جيد ،وأن يتدبروا فيام عرضه القرآن من بشائر لسعادة املؤمنني.
فالقرآن الكريم مصدر عزتنا وسعادتنا ،وهو النبع الف ّياض الذي ال ينضب أبدً ا .وحني
أركز عىل القرآن الكريم فال أعني إمهال النصوص الدينية األخرى كاملأثور الصحيح مما
روي عن رسول اهلل(ص) وأئمة أهل البيت ،بل البد من الرجوع إليها وإىل مصادرنا الدينية
أمثال هنج البالغة.
من البشائر التي نقف عندها يف هذه اجللسة :االطمئنان والسكون واألمن .االطمئنان يعني
طمأنينة القلب والروح .وال يعني هذا عدم حترك القلب والروح ،بل يعني االطمئنان
والسكينة أمام االضطرابات واملهيجات ،ودواعي القلق.
حض دروسه
خذوا عىل سبيل املثال طالبني يريدان أن يدخال قاعة االمتحان ،أحدمها ّ
بشكل كامل ،وأعدّ نفسه لالمتحان إعدا ًدا تا ًما ،ودخل القاعة وهو واثق أنه قادر عىل
اإلجابة عن أي سؤال يطرح عليه ،وآخر مل يطالع أو طالع بام ليس فيه كفاية ،ودخل القاعة
وهو ليس واث ًقا من اإلجابة ،وخيشى أن ختونه ذاكرته .هل هذان الطالبان عىل مستوى واحد
من االطمئنان والسكينة؟! األول يرد القاعة بسكينة واطمئنان وثبات جنان أما الثاين ففي
مواج ،يتحرك يمنة ويرسة ،ومثل هاتني احلالتني
حالة تالطم مستمر ،مثل زورق يف بحر ّ
يمكن مشاهدهتام يف الساحة القضائية أمام املحكمة ويف ساحة النضال االجتامعي.
يف الساحة احلربية يمكن مشاهدة هاتني احلالتني ،حالة املقاتل املؤمن بقيادته وبقوة املقاتلني
أيضا مشاهدة
معه ،والواثق من وصول املساندة من القوى املتواجدة خلف اجلبهة ..ويمكن ً
مدججا
ً ضخم
ً صغريا ،ويرى العدو
ً من مل يثق بام لدى فريقه من عدة وعتاد ويرى نفسه
بالسالح ..هل يدخل هذا الشخصان ميدان احلرب بصورة واحدة؟!!
أردت من هذه األمثلة أن أبني لكم معنى االطمئنان ومعنى سكينة القلب والنفس .إنه ال يعني
اخللود إىل الراحة والبطر .ذاك اجلندي الواثق من نفسه ومن جهوزية جمموعته ال يرتك الساحة
وال خيلد إىل النوم ،وال ينشغل باللهو وينرصف عن اليقظة واحلذر ،ال ،ليس األمر كذلك ،بل
البشائر (93n )2
إنه يدخل ساحة احلرب بثقة واطمئنان ،ال يساوره قلق وال اضطراب بشأن مستقبل املواجهة.
تشق عباب أمواج البحر بسكينة ودونام اهتزاز أو اضطراب.
مثل سفينة مملوءة بحمولة ثقيلة ّ
يقر له قرار.
أما غري الواثق فمثل زورق بني أمواج متالطمة ،يضطرب وال ّ
أرضب لكم ً
مثال آخر لتقريب معنى الطمأنينة إىل أذهانكم .هذا رجل يسلك طري ًقا يف اجتاه
مقصد معني .عرشات اهلواجس قد تصدّ ه عن االجتاه نحو ذلك اهلدف .منها «اخلوف»،
اخلوف الذي يصده عن مواصلة الطريق .كأن خياف من نفاد الطعام والرشاب يف الطريق،
وأن خياف من ق ّطاع الطرق ،ومن الذئاب املفرتسة يف الطريق ،ومن التعب والسهر ،ومن
عدم بلوغ املقصد.كل هذه املخاوف معوقات يف الطريق.
ومنها «الطمع» الطمع يف حياة مرحية ،الطمع يف أن يبقى بمضجعه الدافئ ،وبني أرسته ومع
زوجه .فهو ليس عىل استعداد أن يرتك كل هذه التي يلتصق هبا اإلنسان الصغري ،وتتمسك
هبا النفوس الضعيفة .وقد يكون إىل جانب الطمع «التطميع» :ال تذهب إىل هذا الطريق،
وال حتمل هذا اهلدف ،ومقابل ذلك هنب لك األموال واملناصب واالمتيازات.
ولو ذهبنا إىل تفاصيل اخلوف والطمع لربزت فيها عرشات املعوقات كحب العافية،
واالنتهازية ،واملصلح ّية.
هذه العقبات تقف أمام الشخص قبل أن يسلك الطريق ،غري أنه لو سلكه فإن هذه
املعوقات تتابعه وال ترتكه ،مثل أشواك تتعلق بثيابه وتنغرس يف قدمه ،مثل قيود حتاول
جتره إىل اخللف ،متا ًما مثل ذلك الزورق
تكبيل حركته .اهلدف يدفع إىل األمام واملعوقات ّ
املضطرب وسط األمواج.
وهناك رجل آخر حيمل داف ًعا للوصول إىل اهلدف تصغر أمامه كل تلك املعوقات ،اهلدف
جيذبه بقوة تفوق جذب املخاوف واألطامع ..تفوق جذب األهل والولد واملال واملتاع
َ َ َّ ُ َ َّ ْ
النف ُس واملنصب وحب السالمة وطلب العافية .مثل هذا اإلنسان هو «املطمئن»( :یا أیتها
ً ً َ َُ ْ
ال ُم ْط َم ِئ ّنة ْ #ار ِج ِعی ِإلى َر ِّب ِك َر ِاض َیة َّم ْر ِض َّیة) 1هذا املطمئن هو الذي يستطيع أن يقطع الطريق
بخطى ثابتة وعزيمة و ّثابة نحو اهلدف املنشود.
حينام يكون اإليامن باهلل يف نفس اإلنسان قوة جاذبة ،فإهنا تدفعه نحو اهلدف دف ًعا تصغر معه
كل عوامل اجلذب األخرى ،ولنا يف ذلك من صدر اإلسالم أمثلة كثرية ،وتستطيعون أن
جتدوا أمثلة أخرى لذلك.
وأعود وأقول الطمأنينة هي ثبات روح اإلنسان وثبات قلبه ،هي أن ال تتنازعه األهواء يمنة
ويرسة ،فهو عىل أثر ثقل اإليامن يف نفسه يسري بوقار واطمئنان ،ولكنه يميض بكل رسعة
وبخطى ثابتة نحو اهلدف املنشود.
واملفردة األخرى هي السكينةُ ( :ث َّم َأ َن َزل ُ
اهلل َس ِك َین َت ُه َع َلى َر ُسو ِلهِ َو َع َلى ْال ُم ْؤ ِم ِن َ
ین)1ويف القرآن
مر عىل املسلمني يف
تتكرر كلمة السكينة لتنزل عىل املؤمنني يف اللحظات احلساسة ،مثل ما ّ
غزوة حنني.
العدو
ّ يف هذه الغزوة أصاب جيش النبي(ص) الغرور ،والغرور خطر يؤدي إىل الغفلة عن
وعن األخطار املحدقة .ويف هنج البالغة يقول اإلمام أمري املؤمنني عيل(ع)« :واهلل ال أكون
كالض ُب ِع تنام عىل طول ال َّلد ِم» 2والضبع تنام إذا تكرر عليها اللدم ،واللدم نوع من التنويمة
َّ
يكررها من يريد أن يلقي القبض عىل الضبع .فاإلمام ال يغفل هبذه التنويامت التي تواجهه
يف ساحة الكفاح.
ْ َْ َ َْ ُ ْ َ ْ ُ ُ
كث َرتك ْم) 3وهذا الغرور هو أعود إىل ما أصاب جيش الرسول من غرورِ ( :إذ أعجبتكم
ُ َ ََ ُ
الذي أ ّدى بكم أن تغفلوا عن عدوكم( :فل ْم ت ْغ ِن َعنك ْم ش ْی ًئا) ،وبذلك منيتم هبزيمة وو ّليتم
مدبرين ،ولكن رسعان ما حتولت هذه اهلزيمة إىل انتصار بعد أن أنزل سبحانه السكينة عىل
َ ْ َ َ ُ ََ َ
اهلل َس ِكین َت ُه َعلى َر ُسو ِلهِ َو َعلى ال ُم ْؤ ِم ِن َ
املسلمني( :ث َّم أنزل ُ
ین).
وتتكرر مفردة السكينة حينام بايع املسلمون رسول اهلل حتت الشجرة يف بيعة الرضوان:
َ الش َج َرةِ َف َعل َم َما فی ُق ُلوبه ْم َف َأ َنز َل َّ
الس ِك َینة
َ َ ْ َ َ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ ْ َ َّ
(لقد ر ِضی اهلل ع ِن المؤ ِم ِنین ِإذ یب ِایعونك تحت
ِِ ِ ِ
َ َ ََ َ
متوجها إىل املدينة إلقامة ً َعل ْی ِه ْم َو أث َاب ُه ْم ف ْت ًحا ق ِر ًیبا) 4وحني خرج رسول اهلل(ص) من مكة
اجلواذب األخرى.
ذكر اهلل له مكانته الكربى يف صياغة اإلنسان املسلم ولذلك كان التأكيد عىل الصالة بأهنا
أهم أركان الدين ،إن ُقبلت ُقبل ما سواها ،وإن ُر ّدت ُر ّد ما سواها .ذلك ألن الصالة مفعمة
ْ َ َ ْ َ ْ َ َْ َ َ َ
بذكر اهلل ،والقرآن يقول عنها( :إ ّن َّ َ ْ َ َ
ك َبر)،3 الصلاة تنهى ع ِن الف ْحش ِاء َو ال ُمنك ِر َو ل ِذك ُر ِ
اهلل أ ِ
احلج يكفي يف العمر مرة واحدة ،والصوم شهر واحد يف السنة ،أما الصالة فخمس مرات
يف اليوم ،وإذا زدت فأفضل .أعظم ميزة يف الصالة هي ذكر اهلل .وذكر اهلل يبعث عىل حترير
القلب من االضطراب والنفس من االهتزاز والروح من الوسواس.
اهلل ت ْط َم ِئ ُّن القل ُ ُْ ُ َ ْ ََ
وب) واطمئنان القلوب له أمهيته البالغة يف نجاح اإلنسان .واملؤمن (ألا ِب ِذك ِر ِ
يتمتع هبذا االمتياز.
ات ُطوبَى َل ُه ْم َو ُح ْس ُن َ َّ
الص ِال َ َّ َ َ ُ َ َ ُ
آب) هؤالء الذين آمنوا والتزموا بام يتطلبه
ٍ م ِ ح وا ل (ال ِذین آمنوا و ع ِم
اإليامن من عمل صالح ،ما أسعدهم يف احلياة الدنيا! وما أحس َن آخرهتم! دنياهم عىل
أحسن حال وهكذا آخرهتم .املجتمع املؤمن امللتزم بام ُيلزمه إيامنه حياته يف الدنيا طيبة
وآخرته نعيم مقيم.
1
حماجة بني إبراهيم(ع) وقومه:
ويتحدث القرآن عن ّ
َ
( َو َح َّآج ُه ق ْو ُم ُه) لقد جادلوه ،ومل يذكر القرآن ما قاله القوم ،لكننا نستطيع أن نستنتج ذلك
َ ُ ّ َ َ َُ
اهلل َو ق ْد َه َد ِان) أجتادلونني يف اهلل بينام
من جواب إبراهيم (عليه السالم)( .قال أت َح ّاجونِی فِی ِ
َّ َ اهلل هداين ،فالطريق أمامي واضح ال ُلبس فيه وال ترددَ ( .و َلا َأ َخـ ُـاف َما ُت ْشر ُك َ
ون ِبهِ ِإلا أن ِ
َ َ
َیش َاء َربِّی ش ْی ًئا) .فال أخاف ممّن جعلتموه رشيكًا هلل ،إالّ أن يشاء اهلل شي ًئا ،أي إين أخاف اهلل
وحده دون سواه ،أخاف مما قد يضعه اهلل من حوادث عىل طريقي .من هذا اجلواب يتضح
أن القوم أخافوه من نقمة رشكائهم ،من سخط هؤالء الرشكاء ونقمتهم.
ْ
َ َ َّ ُ َ
ك َّل ش ْی ٍء ِعل ًما) فاهلل سبحانه أحاط علمه بكل يشء. (و ِسع ربِی
َ َْ ْ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َّ
ون) أال تعودون إىل أنفسكم؟! أال تصحون؟! ( َوك ْیف أخاف َما أش َرك ُت ْم َو لا ك ُر َ (أفلا تتذ
ْ ُ َ ْ َ ْ َُْ َ ُ َ َ ُ َ َ َّ
اهلل َما ل ْم ُی َن ّ ِزل ِبهِ َعل ْیك ْم ُسل َط ًانا)
تخافون أنك ْم أشركتم ِب ِ
من كالم إبراهيم(ع) يتضح قول القوم أكثر .يقول هلم ،كيف أخاف ممن أرشكتم باهلل من دون
واضحا َم ْن هم هؤالء
ً دليل عقيل؟! أنتم الذين جيب أن ختافوا إذ جعلتم هلل رشكاء .وليس
الرشكاء الذين يتحدث عنهم قوم إبراهيم ،أهم من البرش أم من احليوان أم من احلجر؟ أم
من أمثال فرعون وقارون؟ وكل عبدة هؤالء الرشكاء حطب جهنم ،ال فرق بينهم.
ُ َ َ َ َ ُ َْ َ ََ
ك ُنت ْم ت ْعل ُم َ
ون) نحن أم أنتم َم ْن يستحق أن يعيش بأمن (فأ ُّی الف ِریق ْی ِن أ َحـ ّـق ِبالأ ْم ِن ِإن
أحق أن نعيش بأمن
واطمئنان؟! نحن املؤمنون الذين هدانا اهلل ،واطمأنت قلوبنا بذكر اهلل ّ
واطمئنان ،أم أنتم يا َم ْن أرشكتم باهلل دونام دليل وبرهان؟! واجلواب واضح .واضح َم ْن
هو اآلمن املطمئن ،و َم ْن هو ال َق ِلق اخلائف املضطرب.
هذا األمن ــ كام ذكرنا ــ من ثامر اإليامن ،وحني يعرف املؤمن ثمرة أعامله فإنه يسري بعزيمة
أكرب ،يرى أن أية خطوة من خطواته سوف ال تذهب هباء ،لذلك يواصل املسري دون شعور
اجلاهلية إالّ َم ْن شملته اهلداية اإلهلية .فاملهتدون هبداية اهلل ليس عليهم األمر بصعب ،إذ
هم يستوعبون هذا التغيري.
َ ُ ان ُ ََ َ
ك َ
اهلل ِل ُی ِض َیع ِإ َیمانك ْم) وهذه اآلية هي موضع استشهادنا ،فاهلل سبحانه ال يضيع (وما
إيامنكم ،ال يضيع عملكم ،كل خطوة تقطعوهنا عىل طريق اهلدف ،فإنكم تتجهون إىل
ٌ َ َ َ َ
الن ِاس ل َر ُؤوف ّر ِح ٌیم) هذه اآلية الكريمة وعدد من
اهلل ب ّ
ّ َ
الكامل ،وهو مايريده اهلل لكمِ ( .إن ِ
حتم ،وال يضيع منه شي ًئا .غدً ا
مثمرا ً
تبش املؤمنني أن عملكم سيكون ً
آيات القرآن األخرى ّ
سنبدأ البحث بإذن اهلل عن التوحيد.
واحلمد هلل رب العاملني
القسم الثانی
التوحید
اجللسة الثامنة
التوحيد يف التصور اإلسالمي
اخلميس 9رمضان املبارك 1394هجرية
1353/7/4هجرية مشسية
ٌ َ َ َّ ُ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ َ ْ ُ ُ
وم لا تأخذ ُه ِس َنة َولا ن ْو ٌم ل ُه (اهلل لا ِإله ِإلا هو الحی القی
َ َّ َ ْ َ ْ َ ُ َّ َ َما فی َّ
ات َو َما فِی الأ ْر ِض َمن ذا ال ِذی یشف ُع ِعنده ِإلا الس َم َاو ِ ِ
َ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ
ُ ُ َ ْ َ
ِب ِإذ ِنهِ یعل ُم ما بین أی ِد ِیه ْم َوما خلفه ْم َولا ی ِحیطون ِبش ْی ٍء ْ َ َ ْ َ
َ َ َ ك ْرس ُّی ُه َّ ّ ْ ْ َّ َ َ َ َ َ ُ
ات َوالأ ْرض َولا ِ َ
او َ
م الس ِ ِمن ِعل ِمهِ ِإلا ِبما شاء و ِسع
ْ ْ ُ
(البقرة)255 / َی ُؤ ُود ُه ِح ْفظ ُه َما َو ُه َو ال َع ِل ُّی ال َع ِظ ُیم)
ما ذكرناه بشأن التوحيد يف نظر القرآن الكريم هو :أن عقيدة التوحيد جيب أن يؤمن هبا
اإلنسان عن وعي وفهم وشعور ،وأن يكون هذا اإليامن مقرونًا بااللتزام ،أي أن يكون ذا
تأثري يف حياتنا الفردية واالجتامعية ويف مسرية املجتمع التارخيية.
ويف هذه اجللسة واجللسات القادمة سنتناول التوحيد من زوايا أخرى باالستمداد من آيات
الذكر احلكيم ،وال أ ّدعي بأن هذه اجللسات تستوعب أبعاد التوحيد مجيعها ،ولذلك أدعو
من يريد أن يتوسع يف هذا املوضوع أن يعود إىل القرآن الكريم ليطالع بدقة ٍ
وتأن ،وسيجد
بحارا من املعرفة ال ساحل هلا .ويف هذه األحاديث سنقارب عقيدة التوحيد بمقدار ما
ً
أوتيت لنا من فرصة.
ثمة مالحظتان أذكرمها قبل دخول موضوع هذه اجللسة .األوىل إن احلديث عن التوحيد
بالشكل الذي أريد توضيحه قد يتحول من خطبة إىل بحث درايس ،وقد يقول قائل إن هذا
ال يتناسب مع احلديث أمام اجلمهور وعامة الناس ،وأنا ال أرى مان ًعا من حتويل احلديث
مع عامة الناس إىل قاعة درس ،ملاذا ال تكون مثل هذه األحاديث مثار تأمل وتفكري؟ لنرفع
n104مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
مستوى أحاديثنا يف شهر رمضان الكريم إىل مستوى يثري يف األذهان التفكري ويدفع إىل
التوسع واملطالعة.
واملالحظة الثانية هي ما كررته يف أحاديثي وحمارضايت هو أنكم غري ملزمني بقبول ما أقوله
يمحصوا األقوال بفكرهم ويكونوا مصداق قوله تعاىل:
كله ،بل املطلوب من املستمعني أن ّ
َ ْ َ َ َ َّ َّ َ ّ
ون أ ْح َس َن ُه).1
ون الق ْول ف َیتب ُع َ
ِ
باد #الذ َین َی ْس َتم ُع َ
ِ ِ
(ف َبشر ِع َ
ِ
أعود إىل حديثي نريد يف هذه اجللسة واجللسة القادمة أن نتناول التوحيد يف إطار التصور
اإلسالمي ،أي يف إطار نظرة اإلسالم إىل الكون واحلياة ،استنا ًدا إىل آيات القرآن الكريم.
ويف اجللسة القادمة نقارب التوحيد يف إطار أيديولوجية اإلسالم ،أي يف إطار املنظومة
تعليم
ً ّ
يتجل يف مجيع التعاليم اإلسالمية ،وحيثام وجدنا العملية للدين املبني .فالتوحيد
باسم اإلسالم خيالف التوحيد فاعلموا أنه ليس من اإلسالم ،ألن التوحيد كالروح يف جسد
مجيع املنظومة اإلسالمية ،كالدم الصايف النقي الذي جيري يف عروق اجلسد اإلسالمي .ال
حكم من أحكام اإلسالم ليس للتوحيد بصمة عليه.
تستطيعون أن جتدوا ً
مامعنى التصور اإلسالمي أو الرؤية الكونية اإلسالمية؟
كل إنسان له وجهة نظر معينة للعامل ولإلنسان وللطبيعة وملا وراء الطبيعة ،هذا هو تصور
اإلنسان للكون واحلياة .ومن الطبيعي أن تكون لكل مدرسة فكرية مثل هذا التصور ومثل
هذه الرؤية الكونية .ولإلسالم نظرته الكونية ،وأنا أحتدث عنها اليوم بمقدار ما يرتبط
األمر بالتوحيد.
اإلسالم يرى أن هذه املنظومة املسامة بالعامل بكل أجزائها صغرية أو كبرية ،من أتفهها إىل
أرشفها وهو اإلنسان خملوقة ومرتبطة بقدرة عظيمة كبرية ،هي ما وراء الظاهر واملرئي،
ما وراء قدرة العلم التجريبي أن حييط هبا ،ما وراء الظواهر املحسوسة وامللموسة ..إهنا
واألعز ،وكل ظواهر العامل هي من صنعه وتدبريه ،هذه القدرة
ّ احلقيقة األسمى واألرشف
العظيمة اسمها (اهلل).
فالعامل ُ حقيق ٌة ليست مستقلة بذاهتا ،مل ختلق نفسها بنفسها ،مل تنبعث من داخلها بل إن يدً ا
مقتدرة قد أوجدت هذه الظواهر كلها بام فيها من عظمة وسعة ،والعلم يكتشف باستمرار
مزيدً ا من هذه العظمة والسعة .هذه اليد املقتدرة هي التي أوجدت يف الذرة هذا العامل
املجرات التي اكتشف اإلنسان بعضها
العظيم ،ويف العوامل البعيدة املجهولة أو جدت هذه ّ
وما مل يكتشفه يفوق مليارات ما اكتشف .هذا املصنع له صانع ،مل يوجد بالصدفة .هذا أحد
معامل نظرة اإلسالم الكونية .ثم إن هذه القدرة العظيمة ترعى باستمرار خملوقاهتا ،وتتسم
حي ومريد وما تتفرع عن هذه الصفات.
بجميع صفات اخلري .فاهلل عامل ومقتدر و ّ
واملترصف فيه،
ّ إنه خالق أجزاء العامل كلها وراعيها ألهنا حمتاجة إليه عىل الدوام ،مالك العامل
ومسيه بنظام خاص وبقوانني وسنن دقيقة .هذه القوانني يكتشفها العلم .لسنا يف صدد
ّ
احلديث عن عظمة ما اكتشفه العلم وهو قطرة من بحر أرسار هذا الكون .كام نحن لسنا يف
صدد إثبات وجود اهلل والصانع ،ففي هذا املجال ُأ ّلف الكثري .ولكن ال بأس من ذكر كتاب
بقلم عدد من علامء العلوم التجربية ،1أي من الذين يتكلمون بلغة املخترب واالكتشاف
والصناعة يف إثبات وجود اهلل ،وقد ترمجه إىل الفارسية عدد من األفاضل ،وهؤالء جيمعون
عىل أن التعمق يف كنه املخلوقات واملوجودات وكشف ما يسيطر عىل العامل من نظم وقانون
وإتقان يبني أن هلذا العامل خال ًقا.
هذا هو التوحيد يف الرؤية الكونية لإلسالم .العامل له صانع وخالق ،وبعبارة أخرى له روح
ً
مستقل ،بل هو مرتبط بقدرة سامية .ثم ما هو تأثري طاهرة ولطيفة .ليس هذا العامل موجو ًدا
هذه الرؤية يف صياغة احلياة؟ هذا ما نبينه يف املحارضة القادمة.
حني نرجع إىل آيات القرآن الكريم نجد هذه املفاهيم كلها .ومنها اآليات التي نتناوهلا
اليوم ،وأوهلا آية الكريس.2
َ َ َّ
اهلل لا ِإل َه ِإلا ُه َو) اهلل هو املعبود وال معبود سواه .واإلله ــ يف املصطلح القرآين ــ هو
( ُ
1ـ كتاب «اهلل يتحىل يف عرص العلم» ،جان كلوفر ،يشتمل عىل أربع مقاالت لعلامء متخصصني معارصين يف إثبات وجود اهلل.
ومرتجم إىل الفارسية بعنوان« :اثبات وجود خدا»= إثبات وجود اهلل.
2ـ البقرة255 /
n106مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
الذي خيضع له اإلنسان خضوع تقديس وتعظيم وتكريم .ويس ّلم له مقاليد أموره.
مسيطرا
ً فالذي خيضع هلوى نفسه فإن هذا اهلوى هو إهله .والذي خيضع لطاغية وجيعله
عىل شؤون حياته فهذا الطاغية هو إهله ،والذين ينصاعون ملجموعة من العقائد والتقاليد
الفارغة فهي إهلهم .واآلية تنفي األلوهية عن غري اهلل ،فال معبود سواه .والواقع أن احلياة
َعج بألوان اآلهلة ،لكن اآلية تقول إن هذه اآلهلة مزيفة وغري حقيقية .فال يليق
اإلنسانية ت ّ
بالعبودية واأللوهية غري اهلل.
احلي احلقيقي املطلق ،وبقية األحياء بني
ماهي خصائص هذا اإلله احلق؟! إنه «احلي»ّ ..
دائم
عدمني ،عدم قبل الوجود ،وعدم بعد انتهاء الوجود ،ووجودها بني العدمني مهدد ً
واحلي احلقيقي هو الذي بيده احلياة ،وحياة األحياء كلها من موهبته ،وهو الباقي
ّ بالفناء.
بعد فناء كل يشء .وكل حياة األحياء مرهونة باستمداد احلياة منه ،وبدونه ال يبقى أي
َ
مظهر من مظاهر احلياة ،ألنه (الق ّیوم) عليها.
ٌ َ َ َ َْ ُ
(لا تأ ُخذ ُه ِس َنة َو لا ن ْو ٌم) ال يعرتيه نوم بل وال نعاس ،أي إنه ال تعرتيه غفلة .اآلهلة املزيفة
تصاب بالغفلة ،بل الغفلة هي املسيطرة عليها ،ولغفلتهم يبددون نِ َعم اهلل ،وينزلون بقومهم
َ ْ ُ ْ َ ُّ َ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َّ ُ ْ َ َ
اهلل كف ًرا َو أ َحلوا ق ْو َم ُه ْم َد َار ال َب َو ِار َ #ج َه ّن َم
املصائب والويالت( :ألم تر ِإلى ال ِذین بدلوا ِنعم ِ
ة
ْ َْ َ َ
َی ْصل ْون َها َو ِبئ َس الق َر ُار) 1وهذه اآلية الكريمة تالها اإلمام موسى بن جعفر(ع) عىل هارون
جتر هؤالء الطواغيت إىل هذه املآيس.
الرشيد .ثم قال له :أنت من هؤالء .الغفلة هي التي ّ
2
كل تعبري يف القرآن الكريم عن صفات اهلل سبحانه يف سياق التوحيد يتضمن نفي هذه
الصفات عن اآلهلة املزيفة ،كام يتضمن ما ينبغي أن ّ
يتحل به املوحدون يف حياهتم ،فقوله
ٌ َ َ َ َْ ُ
تعاىل( :لا تأ ُخذ ُه ِس َنة َو لا ن ْو ٌم) يعني أن اآلهلة املزيفة يف غفلة عن أمرها ،كام يعني ما جيب
أن ّ
يتحل به املوحدون من وعي وصحوة وبصرية.
ْ َ َ َّ َ
ات َو َما فِی الأ ْر ِض) كل يشء هو ملكه وطوع قدرتهَ ( .من ذا ال ِذی َیشف ُع ِع ْن َد ُه ( َّل ُه َما فی َّ
الس َم َاو ِ ِ
َّ ْ
ِإلا ِب ِإذ ِنهِ ) حتى الشفاعة ال يستطيع أحد أن يستقل هبا .األنبياء واألئمة واألولياء وصلحاء
املؤمنني إنام يشفعون بإذن اهلل سبحانه ،إذ ليست هلم قدرة مستقلة أمام قدرة اهلل .إهنم عبيد
اهلل ،لكنهم مشمولون بلطف اهلل وحمبته.
َ ْ َّ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ َْ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ُ ُ َ َ
ون ِبش ْی ٍء ِّم ْن ِعل ِمهِ ِإلا ِب َما ش َاء).(یعلم ما بین أی ِد ِیهم و ما خلفهم و لا ی ِحیط
هذه اآلية تطرح بعدً ا آخر للتوحيد ،وهو أن عباد اهلل سواسية أمام اهلل سبحانه ،ليس ألحد
امتياز عىل آخر ،إذ كلهم حتت سيطرة علم اهلل ،وليس هلم من علم اهلل يشء إالّ بام شاء.
رسول اهلل عىل عظمته يف الكائنات هو يف قبضة اهلل وهو عبدهلل مثل كل أجزاء وجود هذا
الكون .ليس ألحد ال لألنبياء وال لعباده املقربني قدرة مقابل قدرة اهلل .كلهم عباده .ويف
التشهد نقول« :أشهد أن حممدً ا عبده ورسوله».
ْ ْ ُْ َ َ َ َ ُ
الس َم َاو ِات َو الأ ْر َض َو لا َیـ ُـؤ ُود ُه ِحفظ ُه َما َو ُه َو ال َع ِل ُّی ال َع ِظ ُیم) ،كل يشء يف
ك ْرس ُّی ُه َّ
ِ (و ِســع
الساموات واألرض حتت قدرته ،وال يصعب عليه حفظ هذه املخلوقات.
من جمموع ما ذكرنا بشأن التوحيد يف التصور القرآين نفهم أن الوجود كله خيضع لقدرة،
ملركز علم وحياة وقوة هو اهلل ،ومجيع ظواهر اخلليقة خاضعة ويف حالة عبودية أمام تلك
القدرة العظيمة اجلليلة ،ويف هذا اخلضوع ال فرق بني خملوق وخملوق ،اجلميع خاضعون
مستسلمون ..اإلنسان املؤمن واإلنسان الكافر ،املوجود الصغري واملوجود الكبري ٌ
كل له
ً
شامل لكل املوجودات أمام قدرة اهلل ،فال معنى أن يكون خاضعون .وحني يكون اخلضوع
طاغية مثل إمرباطور الروم أوريليان يرى نفسه فوق غريه من البرش ،وأن ُيصنع له متثال
يقف يف حال تكرب وغرور وعىل قدميه عبد يف حالة ذلة ومسكنة!! أليس هذا اإلمرباطور
وهذا العبد خاضعان عىل السو ّية أمام قدرة اهلل حسب التصور التوحيدي؟! لو كانت النظرة
الكونية التوحيدية هي املهيمنة ملا كان طواغيت العامل واملتجربون يسيطرون عىل الثروات
الناس يتسابقون لتقبيل أقدامهم ،ويرون
َ ّ
ويسخرون عباد اهلل لطاعتهم ،و َيدَ عون الطائلة
أهنم خلقوا ليكونوا سادة واآلخرين عبيدً ا ،خلقوا ليكونوا سعداء ،وغريهم خملوقون
مقربون من
«ي َوه» وهم ّ
للبؤس والشقاء ..ملا كان اليهود قادرين أن يدّ عوا أن إهلهم هو َ ُ
يقسموا املجتمع إىل أربع
هذا اإلله أكثر من غريهم ،وما كان بإمكان الوثنيني اهلندوس أن ّ
طبقات ،لكل طبقة إله خاص هبا ،خملوقة منه.التصور التوحيدي اإلسالمي اخلالص يقرر
n108مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
أن املمكنات واملوجودات مجي ًعا خملوقة من مبدأ واحد ،وهي بيد قدرة واحدة ٌّ
كل هلا عبيد
حيق ألحد أن يضع رأسه حتت أقدام آخرين ،وال حيق ألحد أن يضع قدمه
خاضعون .ال ّ
عىل رأس آخرين ،ألن ذلك يتعارض مع احلق واحلقيقة.
ْ َّ ْ َ َ َّ
( َمن ذا ال ِذی َیشف ُع ِع ْن َد ُه ِإلا ِب ِإذ ِنهِ ) من الذي تكون له قدرة الشفاعة دون إذنه ،إنه ال يأذن
بالشفاعة للجبارين وال للمفسدين ،بل يأذن هبا لألنبياء واألولياء والصاحلني والشهداء،
لعباده الصاحلني الذين حتملوا مرارة احلياةمن أجل أداء واجبهم ،حتملوا ألوان املعاناة
ليقطعوا خطوة عىل طريق رسالتهم .هؤالء يستطيعون أن يشفعوا عند اهلل ،وإنام نالوا هذه
الدرجة الرتفاعهم يف درجة العبودية .رسول اهلل(ص) بلغ الذروة يف العبودية مل يبلغها أحد
وهكذا أمري املؤمنني عيل(ع) وهكذا اإلمام السجاد مل يبلغه يف العبودية أحد أفراد زمانه .مل
يبلغوا هذا املقام بسبب املعايري الدنيوية السائدة ،بل بسبب كثرة عبوديتهم.
من آية الكريس نفهم أن املوجودات مجيعها هي أمام قدرة اهلل املطلقة يف مقام العبودية
والطاعة والتسليم .ومن أراد أن يتقرب منه سبحانه فبكثرة العبودية.
َ َّ َ َ ُ
اآلية 88وما يتلوها من سورة مريم هي يف هذا السياقَ ( :وقالوا ات َخذ َّالر ْح َم ُن َول ً اد) فكرة أن
اهلل له ولد وردت لدى الكفار بصور خمتلفة .املسيحيون قالوها بشكل واليهود بشكل آخر
ومرشكوا اجلزيرة العربية بصورة أخرى .بعضهم قالوا اختذ اهلل ولدً ا وبعضهم قالوا اختذ
بنتًا وبعضهم قالوا ولدً ا وبنتًا .ما املقصود من هذه األقوال لدى الكافرين؟ املقصود هو أن
هناك من ينتسب إىل اهلل بالبنوة ال بالعبودية!
حني قال اليهود عزير ابن اهلل ،أرادوا أن يقولوا أن العزير خارج من إطار الكائنات اخلاضعة
بالعبودية لرب العاملني .وهكذا املسيحيون يف قوهلم عن عيسى بن مريم ،وهكذا املرشكون
والعزى ومنات بنات هلل .واملرشكون يف اليونان وبالد الروم كانت
ّ الذين كانوا يرون الالت
هلم مثل هذه النظرات .اهلدف من كل ذلك عدم اإلقرار بأن كل املوجودات عبيد اهلل،
بل هناك فئة ممتازة متميزة خارجة عن إطار العبودية .ولذلك يرفض القرآن ذلك بشدّ ه
ُ َ ًّ َ ُ ْ ُ َ َ َ َّ َ ْ ُ َ َ ُّ ْ َ ْ ُ َ َ َ ُ َ ْ ً ًّ ُْ ويقولْ َ َ ( :
الس َم َاوات یتفط ْرن ِمنه َو تنشق الأرض َو ت ِخ ّر ال ِج َبال ه ا
د# لقد جئت ْم شیئا إدا #تكاد ّ
ِ ِ
التوحيد يف التصور اإلسالمي 109n
َ َ
أن َد َع ْوا ِل َّلر ْح َم ِن َول ً اد).1
اهلي.
ليس هذا االدعاء ..ادعاء أن هلل ولدً ا باألمر ّ
واآلية تصور هول هذه العقيدة الفاسدة وخطرها ،إذ هي تنفي شمول العبودية لكافة
الكائنات ،وبالتايل تكون ذريعة ملن أراد أن يكون عبدً ا لغري اهلل تعاىل:
َّ َْ ُ
ك ُّل َمن فی َّ َ َ َ َ
الس َم َاو ِات َو الأ ْر ِض ِإلا آتِی َّالر ْح َم ِن َع ْب ً اد) كل ِ ( َو َما َی َنب ِغی ِل َّلر ْح َم ِن أن َی ّت ِخذ َول ً اد ِ #إن
ً َ ََ َ
الكائنات خاضعة بالعبودية هلل دونام استثناء (لق ْد أ ْح َص ُاه ْم َو َع ّد ُه ْم َع ّ اد).
يف هذا اليوم تناولنا التوحيد باعتباره أصال من أصول الرؤية الكونية لإلسالم .تُرى ما أثر
املوحد ،وما هي خارطة الطريق التي يرسمها للحياة؟ هذا ما
هذه الرؤية يف حياة املجتمع ّ
نتناوله يف اجللسة القادمة بإذن اهلل.
رب العاملني.
واحلمد هلل ّ
اإلنسان اإلهلي يقول إن ماوراء هذه املشهودات حقيقة أسمى وأعظم مما نشاهده ،ولو مل
تكن تلك احلقيقة ما وجدت هذه الظواهر املشهودة .واإلنسان املادي يقول :ال نستطيع أن
نؤمن بغري هذه املشهودات ،مل نجد يف املختربات ما ّ
يدل عىل ما يقوله اإلهليون.
دعنا عن أقوال اليونانيني والرومان القدماء بشأن هذه املسألة ،حديثنا عن املاديني يف
عرصنا .نحن نعتقد أن هؤالء املاديني يف عرصنا يطلقون هذه املزاعم ألهنم يعانون من
عقدة فكرية ونفسية جتاه املدرسة اإلهلية .هؤالء خيالون أن إقامة العدل وإزالة التمييز يف
املجتمع ال تتحقق إالّ يف ظل الفكر املادي ،ومن هنا ُيعرضون عن املدرسة اإلهلية .لو
أمعنتم النظر يف احلياة الفكرية ألتباع املدرسة املادية يف عرصنا لتبني لكم صحة ما نقول.
ليس رفضهم لوجود اهلل عن عناد جتاه اخلالق ،وال بسبب عدم عثورهم عىل استدالل
فكري إلثبات وجوده ،إذ ال يمكن أن يكون هناك استدالل فكري عىل نفي وجود اهلل،
ال اآلن وال يف املايض ،ال تستطيعون أن جتدوا ماد ًيا يف العامل يطرح دليال عىل عدم وجود
اهلل ،بل قصارى قوهلم أنه مل يثبت لنا وجود الباري ،وأنه مل نفهم وال نقبل استدالل
n114مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ُ ُ َّ
اإلهليني ،ولعل القرآن الكريم يشري إىل هذا بقوله( :إ ْن ُه ْم إلا َیظ ّن َ
ون).1 ِ ِ
إذن ليست هناك فلسفة عقلية لإلنكار ،بل إن أنصار املدرسة املادية يف عرصنا خيالون أن
املدرسة املادية أقدر عىل إدارة العامل وعىل إنقاذه من الظلم واجلشع والتمييز .والدين ال
حكم كهذا عىل الدين؟ ألهنم يفهمون الدين بمعناه
يستطيع أن يفعل ذلك .ملاذا يصدرون ً
التقليدي الشائع املوروث من عرص التخ ّلف .الدين الذي يكتفي بالعادات والتقاليد
والطقوس وال حيرك ساكنًا يف املجتمع ،لذلك يقولون عنه إنه أفيون الشعوب.
يقر عىل ظلم الظاملني
واضح أننا حني نواجه هذا املنطق ليس لنا إال أن نقول :لو رأيتم دينًا ّ
ويساند املستبدين ،وال هيتم بأمر املظلومني وال جيدي نف ًعا للـمسحوقني فارفضوه إنا معكم
رافضون .الدين اإلهلي له خصائص معينة ومواصفات خاصة ،إن توفرت نقبله وإن مل
تتوفر نرفضه.
َ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َّ َ َ ْ َْ ْ َ ُ َ َ ْ َّ
الن ُاس القرآن يقول( :لقد أر َسلنا ر ُسلنا ِبال َب ِین ِ
ات و أنزلنا معهم ال ِكتاب و ال ِمیزان ِلیقوم
ْ
ِبال ِق ْس ِط) 2األنبياء كلهم مرسلون من أجل أن يسود العدل والقسط يف حياة البرشية .هذا
هو الدين .وإذا رأيتم دينًا يتجه خالف هذا اهلدف فهو إما أن ال يكون إهل ًيا ،أو أنه دين
ممسوخ ،هذه مسألة واضحة.
فيا أهيا املادي الذي تدعي أن الدين عاجز عن إدارة املجتمعات البرشية ،أسألك :أي دين؟
اإلسالم؟ اإلسالم احلقيقي؟ اإلسالم املحمدي؟ أسلوب احلكم العلوي؟ هل رأيت يف
عجزا عن إدارة املجتمع؟ أين هذا العجز؟ إسالمنا هو الذي حيارب التمييز والطبقية،
هذا ً
عز
ويقسم الثروة بالعدل ،ويوفر الفرص واإلمكانات املتساوية أمام أفراد املجتمع ،و ُي ّ
اإلنسان الذي كان يعيش يف ّ
الذل وكان ُي ّ
سخر الرتكاب ألوان اجلرائم من أجل فتات
أعزه اإلسالم وأكرمه ،وأكسبه الفضائل األخالقية
موائد الطواغيت .هذا اإلنسان املنحط ّ
واإلنسانية ،كل ذلك و ّفره يف ظل نظام عادل ومتقن.
الرتبية التي مارسها الرسول(ص) مل تكن تربية فردية ،مل تكن األخذ بيد األفراد واحدً ا واحدً ا
ودفعهم إىل الزوايا كي يتلوا األوراد واألذكار ،مل يكتف رسول اهلل(ص) بموعظة الناس
وبيان الصحيح وغري الصحيح من األعامل ،بل إنه أرسى قواعد نظام اجتامعي مستحكم
وفق أصول معينة ،ودفع بالناس إىل احلركة يف ظل هذا النظام ويف هذا املسري ،وهبذا جعل
منهم أفرا ًدا صاحلني .وإذا أخذت بنظر االعتبار هذا اإلسالم ثم قلت أهيا املادي املعارص
بأنه ال ينسجم مع ما نريد من حتقيق الرقي والعدل واألمن وتأمني احتياجات البرش ،فذلك
ما ال نقبله منك !...إذ هو خالف اإلنصاف ..خالف اإلنصاف.
لو أن مثق ًفا يف عامل املسيحية مل َي َر ِم ْن مظاهر الدين سوى الشفاعة الكاذبة وبيع صكوك
حيق لك
الغفران فله احلق أن يطلق بحق الدين هذه األحكام .أما أنت أهيا املسلم كيف ّ
أعز وأمجل التجليات اإلنسانية يف أفق العامل؟!
ذلك وأنت ترى أن اإلسالم يسجل ّ
إذا كنت تقصد من الدين هذا الذي يدعو الناس إىل الركود والسكون والتقاعس
واالنصياع للظلم والتفرقة والتقاتل والتناحر ،ويدعو الفقري إىل ترك السعي لكسب املال،
ويدعو الغني إىل االكتفاء بالتربع للكنيسة أو ملؤسسة دينية بمبلغ من املال ليكون كفارة
ما ارتكبه من ظلم يف سبيل احلصول عىل هذه األموال ،إذا كنت تقصد هذا الدين املزيف
َ َ َ ُ َّ
فنحن نتجاوب معك .وكالنا حينئذ نردد مع القرآن الكريمَ ( :یا أ ّی َها ال ِذ َین َآم ُنوا ِإ ّن ك ِث ًیرا
ون َعن َ ّ َ َ ْ َ َ ُّ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ َ َّ
الناس ب ْال َباطل َو َی ُص ُّد َ
اهلل) 1هؤالء ال یل ِ ِ ِ ب س ِ ِ ِ ِ ِمن الأحب ِار و الرهب ِ
ان لیأكلون أمــوال
أيضا يقطعون الطريق أمام السائرين نحو اهلل.
ظلم وعدوانًا ،بل ً
يكتفون بأكل أموال الناس ً
نعم مثل هذا الدين ليس بدين حقيقي ،مثل هذا الدين الذي يكون وسيلة تساعد الظاملني
والطغاة هو أسوأ من عدم التدين الذي قد ال يتحول إىل مثل هذه الوسيلة.
ثمة مسائل فكرية أرى من الالزم عىل اجلميع أن يفهمها .إحداها أن التوحيد ينبغي أن
ال ُيطرح بصورة جافة وبشكل سؤال علمي عقيل ،بل بصورة مسألة حياتية مصريية.
ولتوضيح ذلك أقول:
ٍ
طريق مع رفيق سفر ثم يدور بينكام نقاش حول طبيعة األرض التي تقع ربام تسري أنت يف
عىل جانبي الطريق .أحدكام يقول إن هذه األرض خصبة صاحلة للزراعة واآلخر يقول
إهنا أرض ملحية ال تصلح للزراعة .أنت تستدل وصاحبك يستدل ،والسيارة تطوي بكام
الطريق برسعة .ليس يف قصدكام رشاء قطعة من تلك األرض أو استثامرها للزراعة ،وليس
هدفكام اختبار تلك الرتبة .فاحلديث بينكام ليس له أي تأثري عميل عليكام ،وإثبات أهنا
خصبة أو ملحية ال يؤثر يف مسريكام ..بل إن املسري يتواصل سواء ثبت هذا أو ذاك.
ويف حالة أخرى ر ّبام أنتام تركبان سيارة تتحرك برسعة ،وفجأة يقول صديقك أعتقد أن اجتاه
حركتنا نحو الشامل بينام القصد هو اجلنوب! وأنت ختالفه وتقول :ال نحن نسري نحو اجلنوب.
صح كالم رفيقك للزم استدارة السيارة إىل الوراء،
وحيتدم الكالم بينكام بشكل جا ّد ،إذ لو ّ
صح كالمك لو اصلتام املسري .أول تأثري هلذا النقاش أن السائق سوف خيفف من رسعته
ولو ّ
لريى النتيجة ،ألن النتيجة هلا التأثري الكبري يف املسار .وبحث التوحيد هو من هذا القبيل.
أولئك الذين يعيشون عىل مستوى املسؤولية وااللتزام جيب أن يفهموا التوحيد بصورة غري
الصورة املرتسمة يف أذهان الذين يعيشون حياة البطر وعدم االلتزام.
قد ُييل إلينا أن التوحيد مسألة تعيش يف األذهان دون أن يكون هلا أثر يف اخلارج ،ودون أن
تكون عامل تأثري يف احلياة .بينام التوحيد الذي يدعو إليه اإلسالم هو أسمى من أن يكون
جوا ًبا نظر ًيا عىل سؤال .التوحيد اإلسالمي يعمل عىل صياغة نظام احلكم والعالقات
ويوجه حركة التاريخ ،ويرسم اهلدف من هذه احلركة ،ويقرر مسؤوليات
ّ االجتامعية،
الناس جتاه اهلل وجتاه بعضهم اآلخر ،وجتاه سائر مظاهر الطبيعة .ليس التوحيد باألمر الذي
احلق هلل وحده يف أن يكون مهيمنًا
تقول فيه إن اهلل واحد وليس اثنني وكفى ..إنه يعني أن ّ
عىل حياتنا الفردية واالجتامعية.
«اهلل واحد» يعني أن ما متتلكه من ثروة وما يمتلكه سائر البرش من ثروات إنّام هي هلل وحده،
أودعها لدى الناس لكي يترصفوا فيها وفق ما ع ّينه سبحانه« :املال مال اهلل جعلها ودائع
عند الناس».1
1ـ عن اإلمام الصادق« :ت ََرى اهلل أعطى من أعطى عند الرجل ودائع» بحار األنوار ،كتاب العرشة ،أبواب حقوق املؤمنني،
الباب ،78ح .6
التوحيد يف املنظومة العملية لإلسالم 117n
اإليامن بالتوحيد ينفي التمييز الطبقي« :كلكم من آدم وآدم من تراب» ،1وكرامة اإلنسان
عند اهلل بالتقوى ال غري حني ترى تَعايل مجاعة عىل مجاعة يف املجتمع فليس ذاك باملجتمع
التوحيدي.
اإليامن بالتوحيد يعني رفض العبودية لغري اهلل ،إذ ال جتتمع عبودية اهلل مع عبودية غري اهلل،
فاإلنسان يف منظار التوحيد متحرر من أية عبودية سوى عبودية اهلل.
2
لقد أدرك اإلنسان املسلم هذه احلقيقة منذ انبثاق الرسالة ،إذ نجدها عىل لسان ربعي بن عامر
حني دخل عىل رستم (قائد جيوش يزدجرد الساساين) ،وقد زينوا جملسه بالنامرق املذهبة،
والزرايب احلرير ،وأظهر اليواقيت والآللئ الثمينة والزينة العظيمة،وقد جلس عىل رسير من
ذهب .دخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصرية ..فقالوا له ماجاء بكم؟ فقال:
«اهلل ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إىل عبادة اهلل ،ومن ضيق الدنيا إىل سعتها ،ومن
جور األديان إىل عدل اإلسالم.»..
وما معنى عبادة العباد؟ نراها واضحة يف ترصف الطواغيت مع الشعوب .يروى أن
ً
رجل يف عرص األمخينيني (امللوك الذين سبقوا الساسانيني يف إيران) كان له أربعة أوالد،
ُطلبوا لكي خيرجوا مع اجليش املقاتلّ ،
فتوسل بالسلطان أن ُيبقي أحد أوالده عنده ألنه
شيخ عجوز ال يقدر لوحده عىل إدارة أموره .فلم حيصل عىل جواب و ُأخرج من جملس
السلطان .وحينام توجهت اجليوش إىل بوابة املدينة ،وجدوا أن االبن الرابع الذي طلب
والده أن يبقى عنده قد ُش ّق جسده شقني ،و ُع ّلق كل ّ
شق عىل جانب من البوابة!! كي
حيق لإلنسان أن
ال جيرؤ أحد عىل املطالبة بإعفاء ابنه من احلرب .هذه هي العبودية .ال ّ
يعب عن
يطالب بأدنى حقوقه ،ال حيق له أن يطالب بالعدل وباإلنصاف ،ال يستطيع أن ّ
فكره وإرادته .مثل هذه احلياة هي أسوأ أنواع العبودية .هذه العبودية أسوأ من عبودية
اسرتقاق الناس يف منطقة معينة وبيعهم يف أسواق النخاسة.
1ـ عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم« :إن اهلل أذهب نخوة العرب وتكربها بآبائها وكلكم من آدم وآدم من تراب
وأكرمكم عند اهلل أتقاكم» املصدر نفسه ،كتاب الكفر واإليامن ،أبواب مكارم األخالق ،باب ،56ح .10
2ـ مبعوث اجليش اإلسالمي
n118مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
«من عبادة العباد إىل عبادة اهلل» وما معنى عبادة اهلل؟ يعني التحرر ،يعني أن تكون سيد
نفسك ،يعني احلركة نحو الكامل بحرية وبمقدار ما تريد .وهكذا كان الناس يف املجتمع
اإلسالمي ،كانوا عبا ًدا هلل ال عبيدً ا للقوى املهيمنة ،حتى يف العصور التي انحرفت فيها
املسرية اإلسالمية كان املسلمون يعيشون عبيدً ا هلل دون سواه.
فليقومه» فيجيبه
ّ اعوجاجا
ً كان احلاكم خياطب الناس فيام يروى« :أهيا الناس من رأى ّيف
لقومناه بسيوفنا» وال يتعرض هذا الرجل لألذى
اعوجاجا ّ
ً رجل« :واهلل لو وجدنا فيك
وال للسجن ..هذه هي احلرية ..ليست احلرية انفالتًا من القانون ،بل هي االلتزام بالقانون
الصحيح فال انصياع إالّ للحق .إن كان احلاكم عىل حق يف ترصفاته ،وعىل هدى من ر ّبه
فكالمه مقبول ،وإالّ فهو مرفوض.
«لنخرج من شاء ...من ضيق الدنيا إىل سعتها» املجتمع الذي يفتقد الرؤية الصحيحة ،ال
يرى فيه الفرد سوى متطلباته الدنيوية ولذائذه املادية ومصاحله اآلنية التافهة .مل يكن أفراد
املجتمع يف عهد يزدجرد 1راضني بأمجعهم عن هذا احلاكم ،كان فيه كثري من الساخطني،
لكنهم خافوا أن يعلنوا معارضتهم كي ال خيرسوا هذه التوافه التي يلهون هبا يف حياهتم،
كي يأكلوا املزيد ،ويتمتعوا باملزيد من هذا العيش الويبء ،مل يكن الفرد يف هذا املجتمع عىل
هيم بعمل من أجل حريته ومن أجل رشفه وأصالته وفضيلته اإلنسانية.ملاذا؟
استعداد ألن ّ
ألن أفق الرؤية ض ّيق ..الدنيا ضيقة يف رؤيته.
وحني ترشف هذا اإلنسان باإلسالم ،أصبح كل يشء عنده مقدمة هلدف كبري ..حلياة رحبة
واسعة ..ال أقصد احلياة بعد املوت ،بل يف هذه احلياة الدنيا أصبحت رؤيته واسعة بسعة
اهلل .كل يشء يريده من أجل رضا اهلل .لذائذ الدنيا وحطامها ماعادت لديه ذات قيمة
وأصالة ،قيمتها تكتسبها حينام تكون «يف سبيل اهلل» .الدنيا واآلخرة متصلتان يف الفكر
اإلسالمي .وليس للحياة هناية يف نظر اإلنسان املسلم فهي واسعة واسعة .واملوت نافذة
ّ
يطل منها اإلنسان املسلم عىل نعيم اآلخرة عندئذ هيون املوت عنده.
أشري إىل أن آية الكريس التي تناولناها يف اجللسة السابقة هي شعار رائع للتوحيدّ ،
ولعل
هذا هو سبب التأكيد عىل تكرار تالوة هذه اآلية املباركة .ونبدأ بآيات هذه اجللسة ،وأوهلا
اآليات 166 -165من سورة البقرة ،وفيها تصوير ألحدمشاهد القيامة ،وترتبط متا ًما
بمسألة التوحيد.
َ َ َ َّ ُ َ َّ
اهلل أ َند ًادا) يتخذون من دون اهلل رشكاء من البرش أو من غري
ون ِ
ُ
( َو ِمن الن ِاس من یت ِخذ ِمن د ِ
البرش.
ََ ُ َّ َ ُ َ
اهلل َو ال ِذ َین َآم ُنوا أش ّد ُح ًّبا هلِل) هؤالء حيبون هذه األنداد كاحلب الذي جيب
( ُی ِح ّبون ُه ْم ك ُح ِّب ِ
احلب الذي ينجذب
ّ أن حيملوه جتاه اهلل .لكن الذين آمنوا حيبون اهلل ح ًبا هو أشدّ من ذلك
إليه املنشدون بظواهر احلياة الدنيا وباآلهلة املزيفة ،وبآهلة األهواء والشهوات ،وباآلهلة التي
ترتبع عىل صدر املجتمعات.
ْ َ ََ ُْ ْ َ َ َّ َ
( َول ْو َی َرى ال ِذ َین ظل ُموا ِإذ َی َر ْو َن ال َعذ َاب أ ّن الق َّو َة هلِل َج ِم ًیعا) وينتقل املشهد فجأة إىل يوم القيامة،
حيث ُيرش فيه الناس العابدون منهم هلل والعابدون لغري اهلل .والذين ظلموا يرون العذاب،
نتصور كيفيته ،ففي هذه احلياة الدنيا ال
ّ وال نعرف طبيعة هذا العذاب ،وال نستطيع أن
يمكن أن نفهم طبيعة ما جيري يف اآلخرة ،فنكتفي بام أخربنا اهلل به .حني يرى الظاملون
لكل ٍ
فرد درجة من القوة، العذاب ،يرون أن القوة يومئذ بأمجعها هلل تعاىل .يف هذه الدنيا ٍّ
هناك من يمتلك قوة أكثر وهناك من يمتلك قوة أقل .ومن الطبيعي أن يتمتع الظاملون يف
تصورة قوة ألنه ارتبط بقوة أكرب.
أيضا يف ّ
الدنيا بقوة أكرب ،وهذا الذي يعبد الظلمة يمتلك ً
ولكن هؤالء مجي ًعا حني يرون هول اآلخرة فإهنم يرون أن القوة هلل مجي ًعا حيث كل يشء
َْ ْ ْ ْ ّ
الو ِاح ِد الق َّهار) .1هؤالء الظاملون ،وهؤالء الذين كانوا يعبدون
بيدهِ ( :ل َمن ال ُمل ُك ال َی ْو َم هلِل َ
ِ
الظاملني يرون فجأة أن كل ما كانوا يتمتعون به من قوة وسلطان وقصور وحياة مرفهة مل
تكن إالّ فرا ًغا يف فراغ ،وليس ألحد يومئذ قوة أمام قوة اهلل.
والظاملون هم ــ كام ورد يف بعض تفاسري القدماء ــ هم من الذين خضعوا لغري اهلل ،هؤالء
قد ظلموا يف هذا اخلضوع .هؤالء حني يرون العذاب ويرون أن القوة هلل مجي ًعا ،فإهنم ال
شك يندمون ،وهذا هو اخلرب املقدّ ر ألداة «لو» ،يندمون عىل خضوعهم للظاملني ،ويرون
أيضا ال
أهنم ال حول هلم وال قوة .ولو كانوا من أهل االعتبار لعلموا أهنم يف هذه الدنيا ً
حول هلم وال قوة.
بعدها ينتقل املشهد إىل جمموعتني :جمموعة عبدت املجموعة األخرى ،أي أطاعتها إطاعة
عمياء .هاتان املجموعتان تتواجهان:
ْ َ َ َّ َ َّ َ ُّ ُ َ َّ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ ْ ْ َ َ َ َ َ َ َّ َ ْ ُ َ
الأ ْس َب ُ
اب) املتبوعون يتربأون من ( ِإذ تبرأ ال ِذین ات ِبعوا ِمن ال ِذین اتبعوا و رأوا العذاب و تقطعت ِب ِهم
التابعني ،حني يرون العذاب وحني تقطعت هبم الوشائج والصالت .حينئذ يقول يزدجرد:
إهلي أنا بريء من هؤالء الذين عبدوين يف حيايت .تصوروا كم أن هذه الرباءة ثقيلة عىل
قلوب التابعني الذين يرون أهنم خرسوا الدنيا واآلخرة.
َ َ َ ََ َ
َ َ ُ ْ ّ َ َ َّ ً َ َ َ ّ ْ ُ ْ َ َ ََ َ َّ َ َ َّ
ك َما ت َب ّر ُؤوا ِم ّنا) هؤالء يدركون عندئذ أهنم كان ( َوقال ال ِذین اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ ِمنهم
ربأوا من هؤالء الطواغيت ال أن يكونوا هلم تابعني ذيليني ،فيتمنون أن يعودوا
عليهم أن يت ّ
إىل احلياة هبذه التجربة املريرة.
َ ات َع َل ْیه ْم َو َما ُهم ب َخارج َ
ین ِم َن ّالن ِار) واملسألة التي أردنا تبيينها راهلل َأ ْع َم َال ُه ْم َح َس َ
( َك َذل َك ُیریه ُم ُ
ِ ِِ ِ ٍ ِ ِ ِ
هنا هي أن هؤالء الذين يناهلم عذاب عبودية غري اهلل ،أي الذين يامرسون ما يتعارض مع
َّ
التوحيد هم يف التعبري القرآين :التابعون (ات َب ُعوا).
واحلمد هلل رب العاملني.
اجللسة العاشرة
العبادة والطاعة منحصرة ابهلل
السبت 11رمضان املبارك 1394هجرية
1353/7/6هجرية مشسية
اه ُم ك ُّل َن ْفس َّما َأ ْس َل َف ْت َو ُر ُّدوا إ َلى اهلل َم ْو َل ُ
َُ َ َُْ ُ
(هنا ِلك تبلو
ِ ِ ٍ
ُ ُ ْ َ ّ َ َ َّ َ ْ ُ َّ َ ُ َ ْ َ ُ َ ُ
ون #ق ْل َمن َی ْر ُزقكم ِّم َن الح ِق وضل عنهم ما كانوا یفتر
ْ َ
الس ْم َع والأ ْب َص َار َو َمن ُیخ ِر ُج الأ ْرض َأ َّمن َی ْمل ُك َّ َّ َ َ َ
السم ِاء و
ِ ِ
َ ْ َ ْ ْ ْ ْ
ال َح َّی ِم َن ال َم ِّی ِت َو ُیخ ِر ُج ال َم َّیت ِم َن ال َح ِ ّی َو َمن ُی َد ِّب ُر الأ ْم َر
(يونس)31-30 /
َ ُ ُ َ ُ َ ُ َ َ َ َ َّ ُ َ
ف َس َیقولون اهلل فق ْل أفلا تتقون)
ذكرت أن مبحث التوحيد يف القرآن الكريم هو أطول بحث فيه .حتى موضوع النبوة
ُ
بكل تفاصيله وقصصه يستند يف مواضع منه إىل التوحيد ورفض الرشك .اآليات يف حقل
التوحيد فريدة يف أسلوهبا وعددها ،واملوضوعات فيه كثرية نكتفي هنا بتناول بعضها
مستشهدين بام جاء يف الذكر احلكيم.
وإذ قررنا أن التوحيد عقيدة تستتبعها التزامات ومسؤوليات وتكاليف ،فال بد أن نعرف
طبيعة هذه االلتزامات واملسؤوليات والتكاليف .التوحيد ال ّ
يتلخص يف الذكر والصالة،
املوحد يتضمن أهم املسائل احلياتية مثل احلكومة واالقتصاد والعالقات
ِّ بل إن املجتمع
الدولية والعالقات االجتامعية واحلقوق األساسية .نعتقد أن االلتزام بالتوحيد واملسؤولية
املوحد تشمل التكاليف األساسية واحلقوق األساسية للمجتمع.
ّ امللقاة عىل عاتق
فرتكيب املجتمع التوحيدي خيتلف عن تركيب املجتمع غري التوحيدي .النظام االجتامعي
والشكل االجتامعي للمجتمع التوحيدي يتباين بشكل كامل عن املجتمع غري التوحيدي
ويتعارض معه.
n124مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
يمكن أن نعرض التوحيد عىل شكل ميثاق« :ميثاق التوحيد» ونذكر مواد هذا امليثاق،
وأول هذه املواد أن البرش ال حيق هلم أن يعبدوا أي شخص أو أي يشء إالّ اهلل .وحني
نقول :أي شخص أو أي يشء فإن أبعاد ذلك واسعة.
َ َ 1 ْ ُ َّ َ َ ََ َّ َ َْْ َ ُ ََ َ
(أل ْم أعهد ِإل ْیك ْم یا ب ِنی آد َم أن لا تع ُبدوا الش ْیطان) والشيطان ليس ً
إبليسا أو موجو ًدا خف ًّيا
الرشيرة اخلارجة عن وجود اإلنسان ،وهناك
ال يبدو للناظرين .الشيطان مفهوم عام للقوى ّ
قوة رشيرة داخل وجود اإلنسان وهي النفس األمارة بالسوء ،كالمها قوتان مفسدتان
رشيرتان تبعثان عىل االنحطاط .الشيطان خارج وجودك ُي ّل يف مسريتك .يرضم النارّ
ويزرع الشوك يف طريقك .يقف مثل الذئب أو مثل قاطع الطريق ،أو ُي ِ
وجد الذئب وقاطع
الطريق أمامك .هذا هو الشيطان .وسنذكر يف مبحث النبوة أن أنبياء اهلل كان هلم أعداء من
شياطني اجلن واإلنس 2وسنذكر خصائص هؤالء األعداء.
َْ َ ُُْ َّ َ َّ َ
الرشيرة .ثمة حديث ربام سمعتموه
(أن لا تعبدوا الشیطان) أي أن ال ختضعوا هلذه القوى ّ
كرارا عن اإلمام حممد بن عيل الباقر(ع) فيام رواه الكايف حتت عنوان حديث قديس جاءمني ً
فيه« :ألُعذ َب َّن َّ
كل رع ّية يف اإلسالم دانت بوالية ِّ
كل إمام جائر ليس من اهلل ،وإن كانت
الرع ّية يف أعامهلا َب ّر ًة تقية ،وألَع ُف َو َّن عن ّ
كل رع ّية يف اإلسالم دانت بوالية إمام عادل من
اهلل وإن كانت الرع ّية يف أنفسها ظاملة مسيئة».3
فالطاعة لإلمام اجلائر الذي ال يستمد واليته من اهلل سبحانه هي يف حدّ الرشك أو هي
الرشك عينه .ذلك ألن الطاعة إلمام عادل من اهلل يدخل يف إطار العبودية ،والطاعة إلمام
جائر ليس من اهلل يتناىف مع العبودية ،ويتعارض مع اهلدف الذي ُخلق اإلنسان من أجله.
والرقي ،وإن
ّ للسمو
ّ يتعارض مع تكامل اإلنسان وتعاليه وحريته وكرامته .واحلرية مقدّ مة
انعدمت احلرية فثمة قيود األرس التي تك ّبل اإلنسان وتصدّ ه عن حركته نحو اهلدف اإلهلي
النمو فال تستطيع أن تنمو ،وإذ عجزت عن النمو فإهنا ال
ّ املنشود .مثل نبتة ُمنع عنها عامل
تثمر ،وإن فقدت اإلثامر مل َت ُعدْ هلا فائدة .وجود النبتة هدفه اإلثامر ،وإن مل تثمر فام الفائدة
من وجودها؟! والطاعة لغري اهلل والعبودية لغري اهلل هو نظري مثل هذه اآلفات لإلنسان.
والقرآن حافل بآيات يف هذا الصدد.
دعونا نعد إىل القرآن الكريم ،لنمأل قلوبنا بنداء التوحيد ،ولقد ابتعدنا عن القرآن الكريم
وانشغلنا بأوهام واهية فارغة ال أساس هلا مقرونة بخرافات ،ولذلك فإن هذا الفراغ مل
يقاوم أمام التيارات املادية.
ومن جانب آخر انشغلنا بأبحاث فلسفية جا ّفة ال روح فيها وال تأثري وال مسؤولية يف
حقل التوحيد .املتكلمون خاضوا بحو ًثا كثرية يف التوحيد لكنها مل ُت ِد نف ًعا يف إقامة جمتمع
جذاب دون أن يكون هلا حمتوى توحيدي .مئات السنني انشغلوا بدراسات جا ّفة هلا ظاهر ّ
وتأثري ..بِمعزل عن الواقع اخلارجي .واليوم حني نريد أن نبني حياة جديدة مستمدة من
التوحيد ال نرى يف تلك البحوث أي ارتباط باحلياة «كاحلجر يف جنب اإلنسان» كام يقال.
أما لو عدنا إىل القرآن الكريم لوجدنا أبعاد بناء املجتمع التوحيدي مرسومة ضمن مئات
اآليات بأوضح صورة وأنصعها .عندئذ يتبني معنى احلياة التوحيدية واإلنسان املوحد.
إذن فلنتدبر هذا القسم من اآليات التوحيدية.
َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ ً ُ َّ َ ُ ُ َّ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ُ َ َ ُ ُ َ ْ
ك ْم ف َز َّیل َنا َب ْی َن ُه ْم) 1احلديث (ویوم نحشرهم ج ِمیعا ثم نقول ِلل ِذین أشركوا مكانكم أنتم و شركآؤ
عن يوم القيامة ،يتجه اخلطاب إىل الذين أرشكوا بلغة هتكمية تتضمن لو ًما وتقري ًعا :أنتم
َ ْ
ورشكاؤكم( ،ف َز َّیل َنا) أي ّفرقنا بينهم .واضح أن هؤالء الرشكاء ،أي الذين ُعبدوا من دون
اهلل ،ليسوا هم ُهبل وال ُع ّزى والالت ،وال األصنام اليونانية أو اهلندية ،إذ ال حترش هذه يوم
ناس اختارهم املرشكون ليكونوا رشكاء هلل .قفوا يف مكانكم.. القيامة ،بل احلديث عن ُأ ٍ
خطاب فيه سخط وتقريع ،واهلدف منه أن يقول للعرب وللعجم يف هذه الدنيا إن هؤالء
الذين اختذمتوهم أربا ًبا من دون اهلل سيكون مصريهم عىل هذا النحو يوم القيامة.
َ َ
ك ُنت ْم إ َّیانا ت ْع ُب ُد َ
َ ُ ُ َّ ُ َ َ ُ َ
ون) مشهد مواجهة بني فريقني .هؤالء الرشكاء يدافعون ِ ( َوقال شركآؤهم ما
املدهش املوجود بني الكواكب ..هذه الفواصل الدقيقة بني القمر واألرض وبني الشمس
واألرض ..وبدون هذه الدقة يف الفواصل تنعدم احلياة عىل األرض سواء زادت هذه
الفواصل أم نقصت.
لقد كان اإلنسان يف عرص صدر الرسالة يدرك جان ًبا من هذا التدبري ونحن اليوم بفضل
تطور العلوم ندرك املزيد وسندرك املزيد.
ََ َ َ َ ُ
اهلل فق ْل أفلا ت ّتق َ
ون ُ َُ
(ف َس َیقول َ ُ ُ َ
ون) ال يمكن إلنسان يرى كل هذا التدبري يف الكون ثم ينكر
اخلالق الـمد ّبر .إذن فلامذا ال تتقون ؟ ملاذا ال تتجهون يف العبودية إليه دون سواه؟ إذا كنتم
تقرون بتدبريه التكويني فلامذا ال تقرون بتدبريه الترشيعي .ويف جلسه أخرى كنت أحتدث
ّ
ْ ْ َّ َ
عن قوله تعاىل( :ت َب َار َك ال ِذی ِب َی ِدهِ ال ُمل ُك) ما معنى ا ُمللك؟ يعني أنه هو الذي بيده القوة.
أية قوة؟ القوة التكوينية والقوة الترشيعية .إنه بيده سبحانه قدرة ترصيف هذا الكون وفق
سنن وقوانني طبيعية .فلامذا ال تكون بيده قدرة الترشيع ،ملاذا ال تكون بيده قوانني تنظيم
احلياة االجتامعية؟ ملاذا ال يكون املحافظ عىل تنفيذ هذه القوانني يف احلياة االجتامعية َم ْن
يراه صاحلًا هلذا األمر .و َم ْن هو و ّيل ِم ْن ِقبل اهلل؟! ملاذا يرتك هذا األمر احليايت للبرش بكل
ون)؟! الض َل ُال َف َأنَّى ُت ْص َر ُف َ
َ َ ُ ُ ُ َ ُّ ُ ُ ْ َ ُّ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ّ َّ َّ
ما يعرتهيم من نقص؟! (فذ ِلكم اهلل ربكم الحق فماذا بعد الح ِق ِإلا
َ ْ ُ َ ُ ُ
(ق ْل َه ْل ِمن ش َرك ِآئكم َّمن َی ْه ِدی ِإلى ال َح ّ ِق) 1هل يوجد بني هؤالء الذين زعمتم أهنم رشكاء
هلل َمن هيدي إىل احلق؟! ومن الواضح أن هؤالء الرشكاء املذكورين يف اآلية ليسوا األصنام
اخلشبية أو احلجرية .فهذه ال حيتمل أحد أهنا هتدي إىل احلق .بل املقصود هذه األصنام احلية
التي بيدها القدرة الدينية أو الدنيوية ..املقصود أمثال رشيح القايض وفرعون يف زماهنم أو
يف كل زمان.
وال يذكر القرآن جواهبم .ولعل جلاجهم قد أ ّدى هبم إىل أن يقولوا :نعم ،رشكاؤنا قادرون
ْ ُ
اهلل َی ْه ِدی ِلل َح ّق) فاهلل هو خالق البرش ويعلم دقائق
أن هيدوا إىل احلق ،فيأيت الرد عليهم (قل ُ
ِ ّ
احلق وهو القادر عىل هدايتهم إليه.
نمر عليها
مرة أخرى أؤكد عىل أن التوحيد مسألة عىل غاية من األمهية ،وال جيوز أن ّ
بعجالة ،إذ إهنا أساس العقيدة ً
أول ،وهي األصل املهم العميل الفردي واالجتامعي ثان ًيا،
املوحدين ق ّلام يقرتبون من املفهوم الواسع للتوحيد ثال ًثا .ففي حمافل التعليم
وألن املسلمني ّ
يذكرون التوحيد عىل أن اهلل واحد وليس اثنني .ويبقى هذا املعنى يرافقهم طول حياهتم.
اآليات التي تلوناها يف بداية اجللسة توضح ما ذكرناه أمس أكثر .نقف اليوم عند «العبادة».
ما يتبادر إىل الذهن للوهلة األوىل من العبادة هو التوجه بأداء الطقوس ملعبود مقدس له
قوى فوق قوى عامل الطبيعة .هذا هو املعنى السائد للعبادة عند أتباع األديان .لك ْن للعبادة
معنى ثان ،وهو الطاعة املطلقة دونام قيد أو رشط .وهنا مكمن اخلطر يف دنيا املوحدين.
عليهم أن حيذروا من هذا النوع الثاين من العبادة .عليهم أن حيذروا من أن يكونوا تابعني
1
إىل حدّ العبادة ملا سوى اهلل .هذا ما يقرره القرآن الكريم .روي عن عدي بن حاتم الطائي
لنا عصابات النهب وقطاع الطرق .يف هذه احلالة نحو أحوج ما نكون إىل مراجعة القرآن.
وذلك ال يتحقق إالّ بفهمه.
يف هذه اجللسة تناولت قسمني من اآليات التي ترتبط ببحثنا ،وأوصيكم أن تعودوا إىل
القرآن .تع ّلموا لغة القرآن ..تعلموا اللغة العربية ،وإن ّ
تعذر عليكم فهم العربية فتوسلوا
متر دون
برتمجة معاين القرآن .كونوا بالقرآن مأنوسني ومعه أصدقاء مرافقني .وكل ساعة ّ
أنس بالقرآن هي خسارة يف العمر وحرسة.
ويف قراءة القرآن وفهمه جيب مالحظة طريقة القرآن يف طرح املفاهيم .فهو ليس مثل
مر
التأليفات املعهودة التي تقسم النص إىل فصول بل إنه خطاب للنفس البرشية عىل ّ
العصور ،فمن سياق القرآن نستطيع أن نجد املوضوع الذي نبحث عنه.
القسم األول من اآليات هي من سورة األنعام:
َ َ ََ
حلكَم هو الذي يقيض بني الناس ،وقيل هو احلاكم .فهو خري (أف َغ ْی َر ِ ْ َ َ ً
اهلل أبت ِغی حكما) وا َ
َ ََ َ ْ ْ
احلاكمني( .ألا ل ُه ال َخل ُق َو الأ ْم ُر) 1هو اخلالق ،وهو اآلمر.
ً ْ َ َ َ ُ َّ
اب ُم َف َّصلا) أي مبينًا تبيينًا ً
كامل ال خلط فيه. ( َو ُه َو ال ِذی أ َنزل إل ْیك ُم ال ِك َت َ
ِ
ْ ََ َ ُ َ ْ َ ٌََ
ون أن ُه ُمن ّزل ِّمن ّر ّب َك بال َح ّق فلا تكون َّن ِم َن ال ُم ْم َتر َ َ َّ
اب َی ْعل ُم َ َ
( َوالذ َین آت ْی َن ُ
اه ُم ال ِك َت َ ْ َ َّ
ین) فال جمال ِ ِ ِ ِ ِ
ملن يعلم أن هذا القرآن نازل من رب العاملني أن يكون يف تزلزل وتردد .بل يف عزم وثبات.
ْ َ َ َّ ً
كل َم ُت َر ّب َك ص ْدقا َو َع ْدلا لا ُم َب ّدل لكل َماتهِ َو ُه َو ََّ ْ َ ً َ
الس ِم ُیع ال َع ِل ُیم) لقد أرسل رب ِ ِ ِ ِ ِ ِ ( َوت ّمت ِ
العاملني رسله لتبلغ البرشية بالتدريج مرحلة الكامل .ثم جاء دور الرسالة اخلامتة لتفتح
َّ َ
الطريق أمام حركة البرشية إىل الالهناية( :إنا إلیهِ راج َ
عون) ،وبذلك متت كلمة ربك ،وال ِ ِ ِ
مبدّ ل هلذه الكلامت وملا وضعه للبرش من مقررات.
َّ َّ َّ َ ُّ َ َ
اهلل ِإن َی ّت ِب ُع َون ِإلا الظ َّن َو ِإ ْن ُه ْم ِإلا َی ْخ ُر ُص َون) َ َ َ ْ ُ ُ ْ ْ ََ َ
( ِإن ت ِطع أكثر من فِی الأر ِض ی ِضلوك عن س ِب ِ
2
یل ِ
انظر كيف يتدرج اخلطاب القرآين .فقدبدأ يف اآلية األوىل من املقطع الذي اخرتناه بتقرير
حلكَمية ،وهي َأوىل من غريها.
احلكومة وا َ
1ـ األعراف54 /
2ـ األنعام116 /
روح التوحيد رفض العبودية لغري اهلل 135n
حق
ثم بعدها قرر مسألة عدم تبديل كلامت اهلل ،فقد متّت بالصدق والعدل وال ألحد ّ
تبديلها .واآلية التالية فيها التحذير من إطاعة أهل األهواء واملشتهيات والظنون ،فالطاعة
هلل وحده دون سواه.
طاعة املدارس الفكرية األرضية فيها الضالل عن جادة الصواب ،ألن أصحاهبا تقوم
ُ َّ
مشاريعهم عىل الظنِ( :إ ْن ُه ْم ِإلا َیظ ُّن َون)
وال تقوم إال عىل أساس األوهامِ ( :إ ْن ُه ْم 1
ون) ،ولقد رأينا اهنيار كثري من هذه املدارس .فقد أقامت كياهنا عىل النظريات إ َّلا َی ْخ ُر ُص َ
ِ
والفرضيات مدعية أهنا القادرة عىل إدارة املجتمعات البرشية ،ثم تبني زيفها .بينام رب
َ َ َ َ
العاملني يضع أمام البرشية ما يقوم عىل أساس العلم ليهدهيا سواء السبيل ( ِإ ّن َر ّب َك ُه َو أ ْعل ُم
َ َ ْ
َمن َی ِض ُّل َعن َس ِب ِیلهِ َو ُه َو أ ْعل ُم ِبال ُم ْه َت ِد َین).2
ُ َ َ ُُ َ ُ
ك ُنت ْم ِب َآی ِاتهِ ُم ْؤ ِم ِنین) قد يستغرب اإلنسان حني يتلو هذه اهلل َعل ْیهِ ِإن
ك َر ْاس ُم ِ (فكلوا ِم ّما ذ ِ
اآلية بعد تلك اآليات التي ركزت عىل موضوعات عامة ترتبط بإطاعة اهلل وعدم اتباع
الظن وبشأن إمتام مسرية األنبياء .فام هذا االنتقال املفاجئ إىل احلديث عن أكل الذبيحة
التي ذكر اسم اهلل عليها ،وهي مسألة فرعية!!
يف ذهني أفكار جتعل اآليات السابقة مرتبطة هبذه اآلية ،ولكن ال أقطع هبا ،فاملجال مفسوح
ملزيد من التد ّبر والتأمل .ما خيطر يف الذهن هو:
رب الساموات واألر ض تتساوى األمور الكلية العامة واجلزئية وتصبح يف
األول :يف نظر ّ
مستوى واحد ،إذ إنه أسمى من هذا العامل وهو سبحانه يف أفق يفوق تصور اإلنسان .فهو
حني يقرر ما يرتبط بسعادة اإلنسان تستوي يف ذلك املقررات الكلية واجلزئية ،وتستوي
املقررات املرتبطة بالفرد أو املجتمع.
ثان ًيا :لو أمعنا النظر يف مسألة الذبح وتذكية الذبيحة وذكر اهلل عليها ،فإنه يلفت نظرنا يف
البداية أن املرشكني كانوا ينحرون يف سبيل أصنامهم ومعبودهيم ،وأن األصنام الدنيوية
ترص عىل ذكر اسمهايف ديباجة أي عمل من األعامل .وحني يقوم اإلنسان بعمل من أجل
ّ
1ـ اجلاثیة24 /
2ـ األنعام118 - 117 /
n136مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
هوى نفسه وملصاحله الشخصية فإنه يتجه يف عمله نحو ما خطر يف ذهنه من ذلك العمل.
أما حني يبدأ العمل باسم اهلل فإن اجتاه ذلك العمل يتناسب مع ما أمر اهلل .اآلية تقرر أن
يأكل اإلنسان مما ُذكر اسم اهلل عليه .أي يف تناول الطعام الرضوري حلياة اإلنسان جيب أن
يكون اهلدف هو «اهلل» ال ملء املعدة بالطعام .حني يكون اهلدف هو إشباع املعدة فإنك
تبتعد عن اهلل ،أما إذا كان اهلدف هو اهلل فإن ملء املعدة ال يكون ً
أصل بل األصل هو اهلل.
املوحد أن يمأل بطنه بخالف ما يرى اهلل ،حتى ولو بقي جائ ًعا.
لذلك يأبى اإلنسان ّ
ابدأ كل أعاملك اخلاصة والعامة باسم اهلل كي يتعني جتاه حركتك يف هذه األعامل ..كي
َ ّ َْ َ َ َ تكون أعاملك يف سبيل اهللُ ( :ق ْل إ َّن َص َلاتی َو ُن ُسكی َو َم ْح َی َ
ین #لا ای َو َم َماتِی هلِل ر ِب العال ِم ِ ِ ِ
َ َ َ
یك ل ُه) 1يف كل أعاميل الصغرية والكبرية اجته إىل اهلل وحده دون سواه. ش ِر
إذن ذكر اهلل عىل الذبيحة «رمز» لتوجه اإلنسان هلل يف احتياجاته األساسية .إنه حكم فقهي
متجها يف سبيل اهلل .وحني
ً له دالالته عىل أن اإلنسان يف تلبية احتياجاته جيب أن يكون
وتدب الطاقة يف وجودك هبذا الطعام ،فإن استهالك هذه الطاقة
ّ تزيل عنك اجلوع باسم اهلل،
أيضا يف سبيل اهلل ،انظر بدقة.
سيكون ً
ُ َ َ َ ُ ْ َ َّ َ ْ ُ
ك ُلوا م َّما ُذك َر ْاس ُم اهلل َع َل ْی َو َق ْد َف َّص َل َل ُكم َّما َح َّر َم َع َل ْی ُك ْم إ َّلا َما ْ
اض ُط ِر ْرت ْم ِ هِ ِ ِ ِ (وما لكم ألا تأ
َ ْ َ ْ َ َ ُ َ
َ ْ َ َّ َ ً ّ ُ ّ َ
هو ِائ ِهم ِب َغ ْی ِر ِعل ٍم ِإ ّن َر َّب َك ُه َو أ ْعل ُم ِبال ُم ْع َت ِد َین) 2فقد ّبي اهلل سبحانه ون بأ َ
ِإلیهِ و ِإن ك ِثیرا لی ِضل ِ
حمرماته بالتفصيل يف املأكوالت إالّ ما كان يف حالة االضطرار .وال جمال يف هذا التحليل
والتحريم أن يتدخل من ّ
يضل الناس بدافع هواه .واهلل أعلم باملعتدين الذين يضلون الناس
بأهوائهم بغري علم.
َ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ُ َّ َّ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ
ك ُانوا َی ْق َتر ُف َ
ون) هناك من ِ الإثم سیجز ون ِبما (و ذر وا ظ ِاهر ِ
الإث ِم و ب ِاطنه ِإن ال ِذین یك ِسبون ِ
الذنوب واآلثام ماهي سيئاهتا ظاهرة ،مثل قتل النفس بدون حق .وهناك ما هي سيئاهتا
غري ظاهرة ،وال يعلم اإلنسان حجم تبعاهتا مثل التحدث بدون علم ،واالتّباع بدون علم،
مرضة
واالستخفاف بذكر اهلل ،والطاعة لغري اهلل ..مثل هذه األمور خيال اإلنسان أهنا ليست ّ
1ـ األنعام163 - 162 /
2ـ األنعام121 - 119 /
روح التوحيد رفض العبودية لغري اهلل 137n
بالقدر الذي جيب االحرتاز منها .غري أن اآلية تؤكد رضورة اجتناب ظاهر اإلثم وباطنه و
ْ ُ
كانوا َیق َترف َ ُ
َ َُ َْْ َ َ َ ُ َ َ َ ْ ّ ْ َ َّ
ون). ِ ( ِإن ال ِذین یك ِسبون ِ
الإثم سیجز ون ِبما
ُ ُ
َ َ ُ ُ َ َ ّ َ َ َ َّ َ
الرش يوحون إىل أتباعهم ْ ْ َ ْ ُ َ
(و ِإن الشی ِاطین لیوحون ِإلى أو ِلی ِآئ ِهم ِلیج ِادلوكم) الشياطني وأقطاب ّ
والسائرين يف ركاهبم كي جيادلوكم ،ويدخلوا معكم يف مناقشات خادعة .وما هو موقفكم
َ ْ ُ َّ ُ َ
أنتم منهم؟ وهنا بيت القصيدَ ( .و إ ْن أ َط ْع ُت ُم ُ
وه ْم إنك ْم ل ُمشرك َ
ون) بكل رصاحة ووضوح ِ ِ ِ
إطاعة هؤالء هو الرشك .إطاعة الشيطان الذي هو قطب مقابل الرمحن ،وإطاعة أولياء
الشيطان ،أي عمالئه ومأجوريه وأصدقائه يؤدي إىل الوقوع يف حبائل الرشك.
القسم الثاين من اآليات مقتطف من سورة الشعراء .وفيه تبيني لكثري من املفاهيم بصورة
حوار عىل الطريقة القرآنية يف جتسيم ما يريد تقديمه من معارف .وهبذه الطريقة يستهدف
يعمق هذه املفاهيم يف املشاعر والقلوب.
القرآن الكريم أن ّ
يف هذه اآليات تصوير ملشهد من مشاهد يوم القيامة .وأسلوبه باستخدام الفعل املايض،
ْ ُ
1
انش َّق ال َق َم ُر)
َّ َ َ َ َْ
وهو بمعنى املضارع املح ّقق الوقوع ،كاميف قوله سبحانه( :اقت َربَ ِت الساعة و
اآليات التي نحن بصددها تقول:
ك ُنت ْم َت ْع ُب ُد َ َ ُ ْ َ ْ َ َّ ُ ْ ُ َّ َ َ ُ ّ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ
ون ِ #من (وأز ِلف ِت الجنة ِللمت ِقین #و ب ِر ز ِت الج ِحیم ِللغ ِاوین #و ِقیل لهم أین ما
َ نص ُر َون ُك ْم َأ ْو َی َنتص ُر َ
ون َ #ف ُك ْبك ُبوا ف َیها ُه ْم َو ْال َغ ُاو َ
ون).2یس أ ْج َم ُع َ ون َ #و ُج ُن ُ
ود إ ْب ِل َ اهلل َه ْل َی ُ
ون ِ
ُ
ِ ِ ِ ِ د ِ
فاجلنة قد أصبحت يف متناول املتقني ،و ُبرزت جهنم للضالني املخدوعني .ثم يتجه السؤال
للغاوين يقول هلم :أين هؤالء الذين كنتم تعبدون من دون اهلل؟ أين تلك األقطاب التي
انشدّ ت قلوبكم إليهم ..انظروا إىل تعبري (تعبدون)..تُرى َم ْن هؤالء الذين كانوا يعبدوهنم؟
من هنا يتبني معنى العبادة .هل يستطيع هؤالء املعبودون أن يساعدوكم أو يساعدوا أنفسهم؟
من الواضح أن هؤالء حيتاجون إىل مساعدة ..أي إهنم برش ..من نوع اإلنسان ،ال من نوع
احلجر واخلشب .هؤالء املعبودون والضالون املخدوعون هبم ،وجنود إبليس وأعوانه الذين
سعوا إلضالل الناس ..هؤالء مجي ًعا يلقون عىل وجوههم يف نار جهنم.
ذكرنا أن عقيدة التوحيد تستتبعها التزامات عىل املستوى الفردي واالجتامعي ،أي إن
املوحد التوحيد حني ّ
حيل يف املجتمع يصوغ املجتمع وفق رؤيته ،ثم تأيت مستلزمات الفرد ّ
يف هذا املجتمع.
ووضحنا أن أول هذه املواثيق
عبنا عن هذه املستلزمات التوحيدية بـأهنا«ميثاق التوحيد»ّ .
ّ
حرص العبودية والطاعة باهلل سبحانه وتعاىل .واليوم نذكر واحدً ا آخر منها وهو «رفض
الطبقية».
سنوضح هذا املفهوم يف هذه املحارضة ،وهو باختصار أن أفراد املجتمع يف ظل التوحيد
ّ
ال متييز بينهم من حيث احلقوق والواجبات ،بل يعيشون حتت سقف واحد ،ويتجهون يف
مسري واحد ،ويتمتعون بنوع واحد من احلقوق واإلمكانات.
لو عدنا إىل التاريخ أللفينا االختالف الطبقي من األمراض املزمنة يف تاريخ البرشية ،ال يف
أيضا يف البالد التي تعترب مهد احلضارة البرشية ،إذ
املجتمعات القبلية املتخلفة فحسب ،بل ً
يف هذه البالد نشاهد هذه الطبقية يف أبشع صورها.
n142مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ما معنى الطبقية؟ إهنا تعني عدم متاثل األفراد الذين يعيشون يف جمتمع واحد .طبقة ُفرض
ّ
مسخرة خلدمة طبقة أخرى عن قناعة عليها أن تعيش يف معاناة وحرمان ،وأن تكون
ورضا .وطبقة أخرى تتمتع بألوان اللذائذ واالمتيازات ،دونام رقيب .واهلند أفضل مثال
عىل ما نقول .تعلمون أن اهلند مهد احلضارة اآلرية ،ومن أوىل املجتمعات البرشية عىل
تضج باالختالف الطبقي .فهناك أربع طبقات أصلية.
ظهر األرض .وهذه األرض بالذات ّ
ح ّبذا لو راجعتم كتب تاريخ األديان ،وقارنتم الوضع هناك ،بمفاهيم التوحيد يف اإلسالم
والقرآن الكريم.
يف اهلند كان التقسيم الطبقي يقرر وجود طبقة (الربامهة) ،وهي طبقة رجال الدين وأعىل
الطبقات االجتامعية .والثانية طبقة قواد اجليش واألمراء واإلقطاعيني (كاشا تريا) ،وكان
بني هاتني الطبقتني مواجهة مستمرة ،أحيانًا تعلو الطبقة األوىل وأحيانًا الثانية .والطبقة
الثالثة وهم الصنّاع والزراع (فايشيا) ،والطبقة الرابعة وهم املنبوذون (سودرا) ،وكل طبقة
من هذه الطبقات هلا أصل مستقل يف اخللقة.
هذا التقسيم تارخيي ،غري أنه امتدّ إىل القرن العرشين .والذي رفض هذا االختالف الطبقي
هو غاندي وتبعه جواهر لعل هنرو.
أردت أن أقول إن هذا االختالف الطبقي سائد يف مهد احلضارة البرشية حتى بعد أكثر من
أربعة عرش قرنًا من بزوغ شمس التوحيد القرآين.
وطب ًعا بني هذه الطبقات األربع األصلية عرشات بل مئات الطبقات الفرعية كام يقول جان
ناس 1يف تاريخ األديان ،ويف هذا النظام الطبقي ال حيق للفرد أن يتزوج من الطبقة األخرى
وال أن يقرتب منها .ال ليشء إالّ ألن كل طبقة خملوقة من أصل خيتلف عن أصل الطبقة
األخرى .فالربامهة خملوقون من رأس اإلله برامها ،والثانية من يده والثالثة من عضده
والرابعة من رجله .ولذلك فإن االختالف بني الطبقات قائم يف أصل اخللقة ،وال حيق
للطبقة السافلة أن تتعامل مع الطبقة الرشيفة!! ومن هنا فال اعرتاض عىل هذا الوضع
1ـ مؤلف كتاب تاريخ األديان العام ،ويقع يف أربعة أقسام .األديان البدائية ،وأديان اهلند ،وأديان الرشق األقىص ،وأديان
الرشق األدنى.
التوحيد ورفض التمييز الطبقي 143n
الطبقي ،وال تغيري أو تبديل .إذ حني يعتقد فرد بأن أصل خلقته كانت عىل هذه الشاكلة،
حني يعتقد بأن طينته سافلة فال اعرتاض عىل انتامئه الطبقي السافل.
أيضا..
مقترصا عىل اهلند ،بل كان مشهو ًدا يف احلضارات القديمة األخرى ً
ً مل يكن هذا األمر
يف مرص ويف إيران.
وجاء اإلسالم لريفض تعدد اآلهلة ،ويقرر أن البرش خملوقون من إله واحد ..ومن طينة
َُ
واحدة ،وهلم فطرة واحدة ،واآليات الكريمة يف هذا الصدد كثرية نظري قوله تعاىلَ ( :یا أ ّی َها
َ ُ َّ ََ ُ ُ َّ َ
ّالن ُاس ْاع ُب ُدوا َر َّبك ُم ال ِذی َخلقك ْم َو ال ِذ َین ِمن ق ْب ِلك ْم).1
والسمو ال فرق
ّ فالبرش بأمجعهم من أصل واحد ،وحيملون كفاءات متكّنهم من التكامل
بينهم يف ذلك ،اللهم إالّ املجموعة التي اصطفاها اهلل سبحانه هلداية البرشية كاألنبياء
واألئمة ،فهؤالء الصفوة خارجون من بحثنا ،وحديثنا عن عامة أفراد املجتمع.
يف ظل التوحيد خيلو املجتمع من الطبقية والفئوية ،ليس فيه طبقة متتلك امتيازات خاصة،
وطبقة أخرى حمرومة من هذه االمتيازات بحكم خلقة كل طبقة.
والطبقية ليست بالرضورة قائمة عىل فكرة االختالف يف أصل اخللقة ،بل تقوم أحيانًا عىل
أساس الظلم االجتامعي واالقتصادي كام هو مشهود يف املجتمعات الرأساملية القائمة.
أقلية تسيطر عىل ثروات العامل وتستثمر خريات األرض لصاحلها وأكثرية ساحقة ليس هلا
نصيب من كدّ ها وكدحها.
هذه الطبقية أسوأ من تلك الطبقية القائمة عىل أساس اختالف أصل اخللقة .فهذه الطبقية
الرأساملية تدّ عي الدفاع عن حقوق اإلنسان واملساواة ثم متارس أبشع أنواع االستغالل
وانتهاك احلقوق.
أعود إىل معنى التوحيد الذي تنتفي يف ظله الطبقية ،وأقول :إن من معاين التوحيد هو أن
اخلالق واحد ،والناس مجي ًعا خملوقون من إله واحد ،أي إهنم يف طراز واحد ال طرازين ،يف
طبقة واحدة ال طبقتني.
لقد رفض القرآن ادعاء اليهود والنصارى بأهنم أبناء اهلل وأحباؤه دون غريهم من البرش:
ّ ُ ُ َ َ الن َص َارى َن ْح ُن َأ ْب َ َ َ َ ْ َ ُ ُ َ َّ
اهلل َو أ ِح َّب ُاؤ ُه) 1وجييبهم رب العاملني( :ق ْل ف ِل َم ُی َع ِذ ُبكم ِ ُ
اء ن (وقال ِت الیهود و
َ َ ُ ُ
ِبذ ُن ِوبكم َب ْل أ ُنتم َب َش ٌر ِّم َّم ْن َخل َق)
َ َّ ُ َ ُ َّ ُ
ورفض ادعاء اليهود بأهنم شعب اهلل املختار إذ قال( :ق ْل َیا أ ّی َها ال ِذ َین َه ُادوا ِإن َز َع ْم ُت ْم أنك ْم
َ َ َ َ ُ َ َ ْ َّ َ
ین َ #و لا َی َت َم ّن ْون ُه أ َب ًدا.2)...
ك ُنت ْم َص ِاد ِق َ الن ِاس ف َت َم ّن ُوا ال َم ْو َت ِإن ُ
أ ْو ِل َی ُاء هلِل ِمن د ِ
ون
متوهج الذكاء وآخر أقل منه ،أو نرى فر ًدا يتمتع ب ُبنية
ّ نعم ،يف املجتمع قد نرى إنسانا
القوي يتمتع بمزيد من احلقوق
ّ قوية وآخر ال يتمتع هبذا القدر ،ولكن هذا ال يعني أن
حيق له أن يتع ّلم ويتطور وآخر ال ّ
حيق له ذلك. االجتامعية ،ال يعني أن هناك من ّ
فرص التكامل العلمي والعميل متاحة للجميع .خال ًفا للمجتمعات غري التوحيدية حيث
الطريق مع ّبد لفئة وميلء باألشواك والعقبات لفئة أخرى.
مجيع أفراد املجتمع اإلسالمي قادرون عىل أن يرتقوا إىل أسمى الرتب .بالل احلبيش
يرتقي إىل مقام مؤذن املسلمني ،وهذا املقام غري الذي نعرفه اليوم عن مؤذن املسجد ،فهو
مقام رفيع .وسلامن الفاريس يرتفع إىل مستوى أن يكون وال ًيا عىل صقع مهم من البالد
اإلسالمية .وأمثال ذلك كثري.
تأهل هلداية البرش لكننا نرى هذه الصفوة تشعر أهنا فقرية
ومع أن اهلل سبحانه اصطفى َم ْن ّ
تترضع إليه بخشوع وبكاء ونحيب.
أمام اهللّ ،
هذا اإلمام السجاد (عليه السالم) ابن رسول اهلل وعيل وفاطمة واحلسني (عليهم السالم)،
عرفه املسلمون بسجوده وخشوعه وترضعه ومناجاته وأدعيته ،وهكذا نرى هذه الصفوة
تكدّ وتسعى يف العيش واحلياة .هذا عيل وهذا الباقر وهذا الصادق (عليهم أفضل الصالة
والسالم) يكدّ ون ،وحيرثون األرض أسوة بغريهم من الكادحني العاملني يف املجتمع.
ُ ُ ّ َْ ُ
واآلن نقف عند اآليات 91-84من سورة املؤمنون( :قل ِل َم ِن الأ ْرض َو َمن ِف َیها ِإن ك ُنت ْم
ون) اخلطاب للمرشكني الذين كانوا يقسمون األرض ومن فيها بني آهلتهم ( َس َی ُق ُول َ َت ْع َل ُم َ
ون ّ
1ـ املائدة18 /
2ـ اجلمعة7 - 6 /
التوحيد ورفض التمييز الطبقي 145n
ّ
ك ُر َ ُ ََ َ َ َ َ
ون).أي أفال تعون وتعودون إىل أنفسكم؟! هلِل ق ْل أفلا تذ
ُ ََ َ َ َ ُ ُ ُ ْ ْ َ
الس ْبع َو َر ُّب ال َع ْرش ال َعظیم َ #س َیقول َ
ون هلِل ق ْل أفلا ت ّتق َ َ
(ق ْل َمن ّر ُّب َّ ُ
ون) 1أي ملاذا ال ِ ِ ِ ات ّ ِ الس َم َاو ِ
تتقون اهلل وملاذا ال يكون فكركم وعملكم مطاب ًقا ملا يريده سبحانه؟!
ك ُنت ْم َت ْع َل ُم َ
ون) من الذي يملك ُ َ َ ُ ْ َ َ ََ ُ ُ ُ َ
وت ك ِ ّل ش ْی ٍء َو ُه َو ُی ِج ُیر َو لا ُی َج ُار َعل ْیهِ ِإن(قل من ِبی ِدهِ ملك
القدرة املطلقة والسلطة املطلقة يف هذا الكون؟ كل ما بيدنا من قدرة وسلطة فهي حمدودة
بالزمان واملكان ،ولكن السلطة املطلقة بيد اهلل تعاىل ..ابتداء من احلركة داخل الذرة إىل
ونموها ..كل يشء بقبضته وهو الذي
ّ حركة الكواكب واملجرات ..إىل حياة األحياء
يلجأ إليه الالجئون ( ُی ُ
جیر) وال يستطيع أحد أن جيري دون إذنه (ولا یجار علیه) أي ال
يستطيع املسيحي ً
مثل إن أذنب أن يستجري بعيسى ليحميه من اهلل سبحانه ،هذا غري ممكن.
ُ َ َ َّ ُ
( َس َیقول َ
ون هلِل ق ْل فأنى ت ْس َح ُر َ ُ ُ
ون) إذن ملاذا ُتدعون؟
وامللفت للنظر أن القرآن الكريم يركز عىل عنارص اخلداع والغفلة باعتبارها من عوامل
احلق .فعوامل مثل اجلهل والغرور من جهة وعوامل إغفال الناس وخداعهم
اإلعراض عن ّ
من جهة أخرى ال تزال حتى اليوم تفعل فعلها إلبعاد الشعوب عن رؤية احلقيقة.
َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ً َّ َ َ َ ُ
ك ُّل إ َلهٍ ب َما َخ َل َق) عبارةَ ( :ما َّات َخ َذ ُ ( َما َّات َخ َذ ُ
اهلل ِ ِ اهلل ِمن ول ٍد و ما كان معه ِمن ِإلهٍ ِإذا لذهب
َ ََ َ َ
ك َان َم َع ُه ِم ْن ِإلهٍ ) رفض لتعدد اآلهلة ،ولو ِمن َول ٍد) رفض ملن قال نحن أبناء اهلل( ،وما
تعدد اخلالق تعددت طبقات املخلوقات ..وزالت الوحدة وانعدم االنسجام يف الكون.
ََ َ ُ َ ََ
ك ُّل ِإلهٍ ِب َما َخل َق) ،لكان هناك إله النور وإله الظلمة وإله اخلري وهذا هو معنى( :لذهب
الرش وإله الطبقة البرشية العليا وآخر للسفىل! مفهوم التوحيد يرفض ذلك ويرى
وإله ّ
أن الكون وحدة متصلة .اإلنسان واحليوان واجلبال واألرض واملوجودات كلها متصلة
مرتابطة متحدة.
ُ َ ( َو َل َع َلا َب ْع ُض ُه ْم َع َلى َب ْعض ُس ْب َح َان َ َ
كبريا. اهلل ع ّما َی ِصفون) سبحانه وتعاىل عام يقولون ً
علوا ً ِ ٍ
َ َ
والقسم التايل اآليتان 21و 22من سورة البقرةَ ( :یا أ ُّی َها ّالن ُاس) اخلطاب للناس مجيعا
ً
بداية نذكر أن التوحيد من الوحدة والتوحيد عىل وزن تفعيل يعني جعل املتفرقات وحدة
واحدة ..جعل األرباب املتفرقني ر ًبا واحدً ا ،جعل املجتمع غري التوحيدي توحيد ًيا ،أي
عىل قلب واحد ،ويف اجتاه هدف واحد ،وإيامن واحد ،ومرشوع عمل واحد .من هنا فإن
التوحيد مرشوع عظيم وضخم يدخل حياة اإلنسان فيؤثر يف جماالته االقتصادية بإزالة
الفقر أو تعديل الثروة ،ويدخل يف املجال االجتامعي ،فينتج أخالقية خاصة يف التعامل،
ويدخل يف جمال النظرة إىل الكون واحلياة فيجعلها إهلية ،ويدخل يف دائرة النفس فيخلق
نفسا ذات خصائص سامية ،مثل التخلص من ضيق النظر ،ومن الشعور بالضعف
منها ً
واهلزيمة ،فال يرى صاحبها متطلباته حمدودة يف األمور املادية ،وال ينشدّ إىل الصغائر ،وال
يرى هذه الدنيا هي هناية احلياة ،بل يؤمن بحياة أخرى خالدة ،ومن هنا يرى املوت بداية
حلياة أخرى ،وهذه الرؤية هلا األثر الكبري عىل حياة اإلنسان وسلوكه وتعامله.
إن استعراض مدرسة التوحيد وأبعادها ونتائجها له فائدتان:
األوىل أن نعرف معنى التوحيد وعطاءه يف املجاالت النفسية والروحية ،وبذلك نر ّد عىل
n150مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
أمام عينيه جرائم يزيد واملروانيني بعده ،وشاهد جرائم احلجاج بن يوسف راح يستأذن
احلجاج ليبايعه مع املبايعني يف املدينة .فجاءه يف حالة ّ
ذل وخضوع ،لك ّن احلجاج إمعانًا
يف إذالل هذا املبايع الذليل ،مل يمدّ له يده بحجة أنه مشغول بالكتابة ،فمدّ له رجله ليتقبل
البيعة .هذا ك ّله بسبب اخلوف من سطوة احلجاج ،واخلوف عىل احلياة الفانية.
عمل باالحتياط حسب ادعائه ،لكنه وضع يده عىل ِرجل
مل يضع يده يف يد عيل ليبايعه ً
الذلّ ..
ذل احلجاج ليبايعه ،هكذا هو مصري اإلنسان الذي خيشى الناس وال خيشى اهلل .إنه ّ
رب الساموات
اخلروج من طاعة اهلل والوقوع يف اخلوف من كل يشء سوى اخلوف من ّ
واألرض.
عمرين ما كان عمري
ولذلك ورد يف املأثور عن اإلمام عيل بن احلسني السجاد قوله« :اللهم ّ
بذلة يف طاعتك فإن كان عمري مرت ًعا للشيطان فاقبضني إليك».
متفهمة ،وأن ال تستهينوا
متعمقة ّ
ّ باملناسبة أدعو أن تنظروا إىل املأثور من الدعاء بنظرة
بعظمة هذا املأثور وعطاءه اإلنساين والرتبوي.
ليقوم عمره عىل أساس طاعة اهلل .ففي
يوجه اإلنسان ّ
أمعنوا النظر يف هذا الدعاء ،إنه ّ
هذه الطاعة تكون للعمر قيمة .أما إذا كان مرت ًعا للشيطان فال فائدة فيه .والشيطان ــ كام
رشيرة تريد أن تدفع اإلنسان والبرشية إىل االنحراف والرذيلة واملوبقات.
قوة ّ
ذكرنا ــ ّ
ال فائدة من عمري إذا كان وسيلة الستفادة الشيطان .ال فائدة منه إذا استثمره أعداء
جبهة اهلل ،وإذا استغله هؤالء األعداء ملصاحلهم واختذوين حربة وآلة جلرائمهم ،ال فائدة
من عمري إذا نفذ الشيطان من ثغرات جهيل وغروري وتكربي «فإن كان عمري مرت ًعا
للشيطان فاقبضني إليك».1
وهذا اخلوف الذي دفع بذلك النفر أن يبايع احلجاج تكرر يف املوقف من احلسني بن عيل
(ع)
يف ثورته عىل يزيد .رغم وضوح املوقف يف هذه املواجهة ..لكن اخلوف فعل فعله.
وما أمجل ما قاله سعدي الشريازي ما ترمجته:
«املوحد هو ذاك الذي إذا أغرقته بالذهب أو س ّلطت املهنّد عىل رأسه .فإنه ال يعقد األمل
ّ
عىل أحد ،وال خياف من أحد ،هذا هو معنى التوحيد وال غري».
املوحد ال ينخدع باملال ،واالنخداع باملال هو باملآل خوف من الفقر .وال خياف
ّ ح ًقا ،إن
السيف املسلط عىل رأسه ،بل يطوي طريقه إىل اهلل سبحانه بثبات ويقني وطمأنينة نفس.
ولنعد إىل اآلية الكريمة 173من سورة آل عمران.
هذه اآلية الكريمة هلا مقدمات وأكتفي بمقدمة من اآلية السابقة هلا:
َّ َ ْ َ َ َّ َ
َْ
ول ِمن َب ْع ِد َمآ أ َص َاب ُه ُم الق ْر ُح ِلل ِذ َین أ ْح َس ُنوا ِم ْن ُه ْم َواتقوا أ ْج ٌر َع ِظ ٌیم). َّ ُ َّ َ ْ َ َ ُ
(ال ِذین استجابوا هلِل َوالرس ِ
ذكر للذين استجابوا لنداء اهلل ورسوله .هذه االستجابة كانت عملية وكانت
يف هذه اآلية ٌ
َْ َ
أيضا يف أشدّ الظروفِ ( :من َب ْع ِد َمآ أ َص َاب ُه ُم الق ْر ُح) بعد أن حتملوا ما حتملوا من جروح يف
ً
ختل َم ْن ّ
ختل وثبت َمن ثبت رغم ما حتملوا من جروح، معركة أحد .ففي هذه املعركة ّ
جرحا ،ولكنه أقبل
ً ومنهم أمري املؤمنني عيل(ع) ،إذ تك ّبد يف تلك املعركة ما يزيد عن سبعني
عىل رسول اهلل(ص) ،واستجاب هلل والرسول.
َ َ َ َ َّ
ونصل إىل اآلية املقصودة يف بحثنا( :ال ِذ َین قال ل ُه ُم ّالن ُاس) .وقبل أن نستعرض خطاب هذه
اآلية الكريمة نشري إىل رضورة فهم القصد الذي تريد اآلية تبيينه لنا ،ال أن نحرص أنفسنا
يف سبب النزول ،املهم يف اآلية هو الفكرة التي تريد أن تقدمها لنا ضمن قصة أو حديث
عن واقعة.
ر ّبام أورد القرآن قصة لريكز يف فقرة منها عىل مبدأ قرآين .عىل سبيل املثال يورد القرآن
الكريم قصة ابن نوح يف حادثة الطوفان .إذ ركب ال ُفلك ومعه أهله واملؤمنون ،وأخذ
الطوفان املعاندين والرافضني لدعوة النبي .ابن نوح كان من الرافضني للدعوة ،فلم يركب
ِ ِ
وحرص الوالد عىل معهم .وطلب نوح من ابنه أن يركب معهم انطال ًقا من عاطفة ّ
األبوه،
ْ َ
ابنه .لكن الولد أبى وقالَ ( :س ِآوی ِإلى َج َب ٍل َی ْع ِص ُم ِنی ِم َن ال َماء) 1وبدافع من عاطفة ّ
األبوة قال
َ َ َ ُ ُ َّ
وح ِإن ُه َْ َّ َ
نوح (ر ِّب ِإن ْاب ِنی ِم ْن أه ِلی) ويأيت جواب ّ
رب العاملني ليقرر مبدأ إهل ًيا عا ًما( :قال یا ن
َ َّ َ َ
ل ْی َس ِم ْن أ ْه ِل َك ِإن ُه َع َم ٌل غ ْی ُر َص ِال ٍح).2
يقرره هذا املقطع من اآلية« :إنه ليس
قصة نوح هلا دالالت كبرية ،لكني أشري إىل مبدأ هام ّ
من أهلك» .االرتباط الرسايل بني األفراد هو األصلُ .ر ّب شقيقني واحد يف جبهة اإليامن
يوجه قوى
يكفينا اهلل سبحانه ..يكفينا بأن يمدّ نا بام يساعدنا عىل املواجهة ،يكفينا أن ّ
الطبيعة ملسايرتنا ألننا عىل حق ،يكفينا أن نكسب رضاه سبحانه ولو مل نحقق ما نريده يف
الو ِك ُ
یل). هذه الدنيا ..كل هذه املعاين صحيحة من قوهلمَ ( :ح ْس ُب َنا ُ
اهلل َو ِن ْع َم َ
َ
َ ُ ُ َ
اهلل ذو ف ْض ٍل َع ِظ ٍیم) هؤالء اهلل و
ضوان ِ اهلل َو َف ْضل ّل ْم َی ْم َس ْس ُه ْم ُس ٌ
وء َو َّات َب ُعوا ر َ َ َ ََ
(فانقل ُبوا ِب ِن ْع َمةٍ ِّم َن ِ
ِ ٍ
عادوا بنعمة من اهلل وفضل منه سبحانه ،سواء عادوا بالنرص ساملني أو جرحى ،أو عادوا
وهم حيملون وسام الشهادة ،يف كل هذه األحوال هم مشمولون بنعمة من اهلل وفضل ،إنه
الفضل الذي ال تشوبه شائبة سوء.
ُ َّ َ
َّ َ ُ
( ِإن َما ذ ِلك ُم الش ْی َط ُان ُی َخ ّ ِوف أ ْو ِل َی َاء ُه) هؤالء الذين يثريون اخلوف يف صفوف املؤمنني
خيوف أتباعه وأولياءه بمؤامرات املنافقني وكيد الكافرين
ليسوا سوى شياطني .الشيطان ّ
ودسائس املعاندين .وال يتأثر هبذا التخويف سوى من ينصاع لنداء الشيطان ،وإذا كان
1ـ الكايف ،كتاب اإليامن والكفر ،باب أخوة املؤمنني ،ح .2
n154مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ُ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ
ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َین) اهلل مع اجلامعة َف َم ْن عليهم؟! (فلا تخافوه ْم َوخاف ِ
ون ِإن
اهلل ش ْی ًئا) 1ال حتزن يا رسول اهلل عىل
َ َ ُ ْ ُ ْ َّ َ نك َّالذ َین ُی َسار ُع َ
ون فِی الكف ِر ِإن ُه ْم لن َی ُض ّر وا ( َو َلا َی ْح ُز َ
ِ ِ
هؤالء الذين يتسابقون يف االلتحاق بجبهة الكفر ،فهؤالء ال يرضون اهلل بل يرضون أنفسهم
َ ُ ُ ُ َ َّ
اهلل ألا َی ْج َع َل ل ُه ْم يف تركهم حلظهم يف اآلخرة ويف ما يلحق هبم من عذاب أخروي (ی ِرید
َ َ ًّ
الآخ َرةِ َول ُه ْم َعذ ٌاب َع ِظ ٌیم) املؤمنون ال خيافون إرجاف املرجفني ،وال حيزنون ملشاهدة
َحظا فِی ِ
إرساع املرسعني نحو جبهة الكفر .بل يقفون ثابتني مستبرشين بنرص اهلل ورضاه.
رب العاملني.
واحلمد هلل ّ
النبوة كام تعرفون أصل من أصول الدين ،وال معنى للدين دون االعتقاد بالنبوة .فالدين
ذلك املنهج اإلهلي الذي وصلنا عن طريق رسول رب العاملني .قوام الدين إذن بالنبوة.
يف حقل النبوة هناك موضوعات رائجة متداولة مطروحة يف أي كتاب تقرأونه عن النبوة.
وإننا يف جلستنا هذه نتناول موضو ًعا واحدً ا من النبوة تضمنته اآليات التي تليت يف بداية
اجللسة .طب ًعا املسائل املذكورة يف الكتب التي تناولت موضوع النبوة صحيحة ،لكن هذا
ال يعني أين سأتقيد بطرح نفس تلك املسائل يف ظروفنا الزمانية التي هلا مقتضياهتا اخلاصة.
عم هو أكثر فورية،
عم هي ألزم ،ويف املسائل الالزمة ّ
البد أن نبحث يف املسائل الصحيحة ّ
عم هو أكثر حياتية.
ويف املسائل الفورية ّ
نعم ،هناك موضوعات مطروحة بشأن النبوة ال أرى هلا أولوية مثل :ما مقدار ما يمتلكه
النبي من العلوم اإلهلية والعلوم اإلنسانية ،أو مسألة أمية النبي هل كان ال يعرف القراءة
اب نت َت ْت ُلو من َق ْبلهِ من َ
َ َ ُ َ
والكتابة ،أو إنه كان يعرفهام ولكن مل يكن يامرسهام( :و ما ك
كت ٍِ ِ ِ ِ
اب ْال ُم ْبط ُل َ َ
ون) ،1ومثل ما يدور من حديث حول دين النبي قبل ِ َو َلا َت ُخ ُّط ُه ب َی ِم ِین َك إ ًذا ّل ْار َت َ
ِ ِ
1ـ العنكبوت48 /
n160مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
املتطفلة الغاصبة ،فاكتشف عجائبها ،وهي عىل هذا النحو تعمل من آالف السنني ويف كل
مكان دونام تغيري والدافع يف هذا هو الغريزة ال غري.
توجه حركته ولكن تأثريها قليل .حني يولد الطفل يرضع من ثدي أمه
واإلنسان له غرائز ّ
وحيل حم ّلها
يقل دور الغريزة ّ
شب الطفل وكرب ّ
بغريزته وتصدر عنه األعامل بغريزته ،وكلام ّ
العقل،وكلام نضج أكثر يتحرك وفق ما تع ّلمه من فكره ِ
وعلمه.
ولكن ،هل هذا العقل ٍ
كاف هلداية اإلنسان وحتقيق سعادته؟لو احتكمنا يف هذا األمر إىل
تعصب ــ سيقيض هو بعدم صالحيته.
العقل نفسه ،فإنه ــ إن حتدث بموضوعية ودون ّ
سيقول :ليست يل صالحية هداية اإلنسان بصورة مستقلة .ملاذا؟ لسببني.
األول :أن عقل البرش حمدود وليس ال هنائ ًيا ،بينام احتياجات اإلنسان غري حمدودة .عقل
اإلنسان أضعف من أن حييط بآالم اإلنسان وآماله كي يضع املرشوع الالزم هلا.
الثاين :ما تثبته احلقائق التارخيية والعلمية .هل استطاعت العقول أن حتقق ما تصبو إليه
البرشية؟ هل استطاعت عقول أمثال أرسطو وأفالطون وسقراط من إدارة البرش؟ لو
نظرتم إىل ما رسمه أفالطون يف كتابه «اجلمهورية» من مدينة فاضلة لوجدتم أهنا اليوم غري
مقبولة وغري عملية .انظر وا املواجهات املوجودة بني املدارس العقلية والفلسفية.
مادامت اإلنسانية غري متصلة بمبدأ أسمى وأعمق من دائرة اإلنسان فال تستطيع أن تبلغ
احلس وهداية الغريزة
طريق اهلداية والسعادة .حيتاج اإلنسان إىل قوة هادية أقوى من هداية ّ
وهداية العقل.
هل هذه القوة تدخل يف مناقشة مع العقل؟ هل تلغي العقل؟ أبدً ا فهي توجهه وهتديه كي
ينمو،ولتستخرج العقل مما ران عليه من أنقاض.
أمري املؤمنني عيل (عليه السالم) ،مع ّلم البرشية ،يقول حول بعثة األنبياء« :ويثريوا هلم
دفائن العقول» .1هذه العقول التي تراكمت عليها أنقاض خملفات أمثال فرعون ونمرود
وأقطاب االستكبار يأيت األنبياء لينفضوا عنها هذا الركام .أولئك الطغاة ال يريدون أن
يستخدم الناس عقوهلم ،إذ لو فعلوا ذلك يبطل وجودهم ،وسنقف عند هذه املسألة يف
جلسات قادمة إن شاء اهلل.
فاألنبياء (عليهم السالم) ال يأتون ملحاربة العقل بقوة الوحي ،بل يثريون ما يف عقول
الناس مما أودعها اهلل فيها من كنوز.
أولئك الذين خيالون أن الدين يتعارض مع العقل ،إما أن يكونوا جاهلني بالدين ،أو ال
يكون هلم حظ من العقلَ .من مارس العقل وعرف الدين يعلم جيدً ا أن العقل ال يمكن أن
يصطدم بالدين .هناك من اجلاهلني من يدّ عي ــ دفا ًعا عن الدين ــ أنه ال يمكن البحث
عن حكمة الدين وعن فلسفة الدين ،ظانني أن ذلك يقلل من قدر الدين .ليس األمر
كذلك .حني ُيعرض الدين الصحيح مقابل العقل الكامل ،فليس ثمة تعارض واصطدام.
العقول الكبرية للبرشية تدرك اليوم توحيد الدين ،ونبوة الدين ،وصالة الدين ،وصوم
الدين ،وزكاة الدين ،واألحكام الفرعية للدين .البرشية بعقلها وجتربتها تدرك اليوم أرضار
اخلمرة ،وتعرف ما تنزله من كوارث باجلسم واألعصاب وباملجتمع .وهنا يقف الدين
َ َ َّ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ
اب َو الأ ْزلا ُم ِر ْج ٌس ِّم ْن َع َم ِل الأ َ
نص ُ بقوة أنه قرر حرمة اخلمرِ ( :إنما الخمر و المی ِسر و
ليعلن ّ
َّ
الش ْی َطان َف ْ َ
يروجون هلذا الرجس ،وهم الذين يستفيدون اجت ِن ُب ُوه)1وأن الشياطني هم الذين ّ ِ
من إشاعة اخلمرة.
وما روي عن اإلمام عيل بن احلسني السجاد(ع) قوله« :دين اهلل ال يصاب بالعقول»2إنام
نص .أوقات الصالة هو ّ
أن عدد ركعات الصالة ال يمكن أن تعرفها بعقلك ،بل البد من ّ
َ َْ ُ َّ َ َ َّ َّ َ َ ُ ُ َ
وك الش ْم ِس ِإلــى غ َس ِق الل ْی ِل َو قـ ْـر َآن الف ْج ِر ِإ ّن ل
ِ ِد ل اة لالص مال نعرفها إال من قوله تعاىلِ ِ ( :
قأ
َْ ُ
ق ْر َآن الف ْج ِر) .3ال يعني ظاهر كالم اإلمام السجاد عدم إمكان فهم معارف الدين بالعقل
اإلنساين .طب ًعا البدّ من اإلذعان أن معارف اإلسالم أكرب بكثري مما نفهمه اليوم .لكن هذا
مر السنني ،وتصبح البرشية باستمرار أعمق يف فهم الدين.
الفهم ينمو عىل ّ
ً
وناسخا له ،بل هلداية العقل وإعانته ،حني يكون الدين إذن مل يأت ليكون ً
بديل عن العقل،
إىل جانب العقل األهواء واألطامع واملخاوف واألغراض الشخصية فالعقل ال يستطيع أن
قادرا عىل الرؤية الصحيحة.
يؤدي دوره .والدين يأيت ليجعل العقل ً
ون) واإلشادة ون) ( َأ َف َلا َت َت َف َّك ُر َ
احلث عىل التعقل والتفكري كثري يف القرآن الكريمَ ( :أ َف َلا َتعق ُل َ ّ
ِ
َ َّ َ ّ ْ َ ْ َ ْ
بأرباب العقول كثرية أيضا( :إ َّن فی َخلق َّ
ات َو الأر ِض َو اخ ِتلا ِف الل ْی ِل َو الن َه ِار ل َآی ٍ
ات الس َم َاو ِ ِ ِ ِ ً
حجتني» 2أي النبي والعقل. اب) 1الروايات مستفيضة بعبارة« :إن هلل عىل الناس ّ َْ ّ ُْ
ِلأو ِلی الألب ِ
فاإلنسان بدون وحي ال يستطيع أن حيقق ما يصبو إليه من سعادة .الوحي يعمل عىل تقوية
العقل والفكر ..يزكيهامّ ..
هيذهبام ..يعاضدمها .هذه هي وظيفة الوحي ..وهذه هي احلكمة
من النبوة .هذا هو عطاء يد الغيب ،ال كام خيال املتقاعسون الذين يكلون ما جيب أن يقوم
به الناس إىل الغيب ..يكلون إىل الغيب مسؤولية إصالح األوضاع االقتصادية وإزالة الفقر
من املجتمع ،وينسبون إىل الغيب ما يرونه من تر ّدي األوضاع االقتصادية ،بينام كان من
ْ ُ َ َ
ین َ #و ل ْم ن ُك ن ْط ِع ُم ال ِم ْس ِك َ ّ ْ َ ُ َ َ
املفروض أن ينسبوها إىل الذين (قالوا ل ْم ن ُك ِم َن ال ُم َص ِل َ
ین).3
ْ َ ُ َ ُ ْ َّ
ین).4 یم َ #و لا َی ُح ّض َعلى َط َع ِ ْ
وإىل (ال ِذی َی ُد ّع ال َی ِت َ
ام ال ِمس ِك ِ
يف اجللسات القادمة سنتناول ــ بإذن اهلل ــ أبعا ًدا أخرى للنبوة .ونقف هنا عند اآليات
الكريامت التي تُليت يف بداية اجللسة .وهي حتتاج إىل وقوف طويل ،لكننا نكتفي بام
يساعدنا الوقت.
نتناول هنا اآليات التي تُليت يف البداية .وهي آيات حتتاج إىل مزيد من التوسع وأنا سأقارهبا
بمقدار ما يتضح معناها.
َ ً 5 َ ّ ُ َّ َ ُ ً َ َ
كثريا .هل كانت أمة واحدة صاحلة ،أم
(كان الناس أمــة و ِاح ــدة) قيل يف األمة الواحدة ً
طاحلة؟ أهي ما يزعمه بعضهم أن فيها إشارة إىل احلياة االشرتاكية يف بداية البرشية؟ أهي
تعني البرشية يف انبثاقها األول حني كانت تعيش ــ كام يقال ــ يف العرص احلجري؟ ال
توجد قرائن وشواهد عىل هذه اآلراء ،ونحن نتمسك بام نفهمه من القرآن ،وال حاجة لنا
أن نلصق بالقرآن نظريات اآلخرين.
هذا املقطع من اآلية َذكَر له املفرسون ـــ كام قلت ــ آراء خمتلفة .وأرى ــ واهلل أعلم ــ
أن اآلية تقرر أن البرشية كانت متساوية يف احتياجاهتا وكفاءاهتا .كل واحد من أفرادها
وفكرا وذكاء وحواس ظاهرة وحواس باطنة .وكل واحد من البرش يشعر
ً يمتلك ً
عقل
وحيس بالعطش وله غرائز جنسية ،وحيتاج إىل مسكن وملبس .كانوا يف كفاءاهتم
ّ باجلوع
واحتياجاهتم متساوين كام ذكرت ،غري أن أحدهم تتوفر له فرصة بروز هذه الكفاءات
واملواهب فيتطور وتتحسن مكانته ،وآخر مل تتوفر له تلك فتظل مواهبه مطمورة.
ُ ّ
النب ّی َ ََ َ َ َ
ین) اختار من بني البرش من هم أسمى وأعمق وأقوى ،فأرسلهم ليكونوا: (فبعث اهلل ِ ِ
نذر َ َ َ ُ َُ ّ
ین) يبرشون بسعادة اإلنسان يف اآلخرة حيث اجلنة ورضوان اهلل ،وبسعادته (مب ِش ِرین و م ِ ِ
يف هذه احلياة الدنيا .يبرشونه باملدينة الفاضلة حيث األمن والرفاه وزوال الفقر واليأس
واخلوف واجلهل .وينذرون الناس من نار جهنم ومن احلساب والعقاب يف اآلخرة ،كام
ينذروهنم من شقاء الدنيا ومن سيطرة عفريت اجلهل والفقر والسقوط يف مستنقع الفساد.
ْ ْ َ َ
اب ِبال َح ّق) ال يقترص األمر يف النبوه عىل التبشري واإلنذار ،بل أنزل معهم
( َوأ َنزل َم َع ُه ُم ال ِك َت َ
الكتاب باحلق .واحلق باختصار هو ما طابق الفطرة ،وما الئم سنن الكون الطبيعية .ما
يساعد اإلنسان ليسري وفق فطرته ويف اجتاه تكامله.
َُ َ ُ
الن ِاس ِف َیما ْاخ َتلفوا ِفیهِ ) ليقيض بني الناس فيام طرأ عليهم من اختالف.
(ل َی ْحك َم َب ْی َن ّ
ِ
واالختالف سنة طبيعية بني البرش .فالنبي حيكم بني الناس وفق الكتاب ..أي وفق
القانون .ليس حكم األنبياء إذن فرد ًيا استبداد ًيا ،بل هو حكم القانون .فاحلاكم هو
الكتاب أي القانون.
( َو َما ْاخ َت َل َف ف إ َّلا َّالذ َین ُأ ُوت ُوه من َب ْعد َما َج َاء ْت ُه ُم ْال َب ّی َن ُ
ات َب ْغ ًیا َب ْی َن ُه ْم) فالذين اختلفوا فيه ِ ِ ِ ِ یهِ ِ ِ
هم َم ْن أوتو الكتاب .واختالفهم هو أن منهم من التزم بالواقع واحلقيقة ومنهم من خالف
حكمة النبوة 165n
ذلك ،وهذه إشارة إىل وقوع االختالف يف األديان السابقة ،وكان ذلك بسبب ماوقع بينهم
من عداء وطغيان.
َ ْ َ َّ
اهلل الذ َین َآم ُنوا ل َما ْاخ َتل ُفوا فیهِ م َن ال َح ّق بإ ْذنهِ َو ُ
( َف َه َدى ُ
اهلل َی ْه ِدی َمن َی َش ُاء ِإلى ِص َر ٍاط ُّم ْس َت ِق ٍیم) ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ
واهلل سبحانه هدى الذين آمنوا بالدين احلق ،واهلل سبحانه هو اهلادي إىل الرصاط السوي
املستقيم.
مرارا،
املجموعة األخرى من اآليات هي من سورة اجلمعة ،وقد سمعتم مني تفسريها ً
1
موضوع حديثنا اليوم يدور حول التحول الذي حيدث يف داخل النبي ويف العامل حينام تُلقى
الرسالة عىل الرسول.
ََ
تعلمون أن القرآن الكريم حني يتحدث عن إرسال النبي يذكر ذلك بتعبري البعثةَ ( :ولق ْد
ُ ُ َ ً ْ
ك ِ ّل أ َّمةٍ ّر ُسولا) 1ما معنى البعثة وما عالقتها بالنبوة؟ َب َعث َنا فِی
البعثة بمعنى القيام ،وما معنى القيام؟ إنه التحرك بعد االرختاء والركود .هنوض األموات
َ ْ َ
من قبورهم هو البعث( :هذا َی ْو ُم ال َب ْع ِث) 2يوم القيامةّ .
رب إنسان خامل فاقد للحركة قابع
يف بيته ،حيركه املجتمع يمنة ويرسة ،مثل خشبة تطفو عىل املاء ،حيركها التيار حيث شاء.
مثل هذا اإلنسان حني يعود إىل نفسه ،ويرى أن هذه احلالة ال يمكن االطمئنان إليها وال
تُريض قناعته ،ثم يبحث عن حالة أخرى حتقق سعادته فإنه بذلك يستيقظ ويتحرك .مثل
هذا اإلنسان قد ُبعث من جديد .ويف النبوة توجد مثل هذه احلالة.
1ـ يف اللغة الفارسية تُستعمل كلمة «انقالب» بدل كلمة «ثورة» وهي أقرب إىل معنى التغيري اجلذري ،لكننا مل نستعملها يف
العربية هنا خشية أن ينتقل الذهن إىل معناها الشائع اليوم وهو االنقالب العسكري.
البعثة يف النبوة 171n
موائده ،ثم ينترص لشخص من بني إرسائيل يف نزاعه مع آخر من قوم فرعون ،فيرضب
الفرعوين ،ويؤدي ذلك إىل قتله ،ثم يعود من مدين من عند شعيب ،و ُيبعث بالرسالة.
َ ّ
الض ِال ََ ّ ََ
ین) 1أي إنني كنت ال وحني يدخل عىل فرعون يقول عن حالته قبل البعثة ( َوأنا ِمن
أعرف الطريق املعارض للمجتمع الفرعوين آنذاك .ال يعني أنه أذنب يف عمله ،بل يعني
أنه مل يكن بذلك الشخص الذي يسري يف الطريق الصحيح الذي هو عليه اآلن بعد البعثة.
أيضا عىل نبينا (عليه أفضل الصالة والسالم) كام جاء يف سورة
هذه احلقيقة تصدق ً
«الضحى» .وقبل أن نستعرض املقاطع املختارة من هذه السورة 2أشري إىل روايات جاءت
يف ذيل تفسري هذه السورة .وهي روايات تأويل ال تفسري .ومثل هذه الروايات التي تُذكر
يف ذيل اآليات ال تقصد بيان ظاهر اللفظ ،بل تضيف نكات إىل اآلية ،وال يمكن أن يكون
يف الرواية عن اإلمام الصادق(ع) محل ملا خيالف الظاهر ،فالظاهر حمفوظ ،والرواية تريد
إضافة يشء إىل ذلك.
َ َّ ُّ
( َو الض َحى) قسم بإرشاقة نور الصباح ( َوالل ْی ِل ِإذا َس َجى) وبالليل إذا اشتدّ ظالمهَ ( .ما
ََ َ
َو ّد َع َك َر ُّب َك َو َما قلى) إشارة إىل انقطاع الوحي عن النبي بعد مدة من بعثته بالرسالة وأنسه
أيضا ثالث سنني ثم
بجربائيل .وذكر هلذا االنقطاع مدد خمتلفة ،قيل أربعني يو ًما وقيل ً
نزلت سورة الضحى لتبرش الرسول(ص) بأن اهلل سبحانه مل يودعه ومل يبغضه وهيجره.
ُْ َ َّ َْ
آخ َر ُة َخ ْی ٌر ل َك ِم َن الأولى) اآلخرة واملستقبل خري لك من البداية واملايض .عاقبة أمرك
( َولل ِ
أفضل من بداية عملك.
َ َ َ
یك َر ُّب َك ف َت ْر َضى) يف الرواية أهنا الشفاعة التي منحها اهلل لنبيه .ح ًقا أن اهلل منح
( َول َس ْوف ُی ْعط َ
ِ
نبيه من حق الشفاعة يف اآلخرة ما يرضيه .ولكن يف هذه الدنيا أعطاه ما يرضيه .أعطاه
فضيلة هداية الناس وإقامة املجتمع اإلسالمي والغلبة عىل األعداء ،وفتح البلدان ..هذه
النعم التي منحها اهلل لنبي اإلسالم فأرضاه هبا.
َ ْ َ َ ً َ ََ
(أل ْم ی ِجدك ی ِتیما ف َآوى) أمل جيدك اهلل ً
يتيم فآواك .لقد فقدت أباك قبل والدتك ،وفقدت
أمك بعد الوالد بقليل ،ثم فقدت جدّ ك بعد سنوات قليلة ،فكفلك عمك أبو طالب.
كنت خالل هذه املدة كلها يف أعيننا ومأوانا .وهذا تثبيت من اهلل لرسوله .لقد كان اهلل
معك يف كل منعطفات حياتك ،وسيكون معك يف محل مسؤولية الرسالة .فال حتسب أن
اهلل سيرتكك وشأنك.
ًّ َ
( َو َو َجـ َـد َك َضالا ف َه َدى) وردت يف ذيل هذه اآليات روايات يقول بعضها بأن النبي تاه يف
تائها بني أهل
صغره بشعاب مكة ثم هداه اهلل بعد أن عثر عليه جدّ ه .وقيل معناها :كنت ً
مكة مل يعرفك أحد فهدى اهلل أهل مكة إليك .سواء كانت هذه الروايات صحيحة أم
ضعيفة ،فإن ظاهر معنى اآلية غري ذلك ،ظاهر اآلية أنك يا رسول اهلل كنت ً
ضال فهداك
ً
«ضال»؟ هل كان يعبد األصنام؟ هل كان منحر ًفا؟ هل كان مذن ًبا؟ رب العاملني .وما معنى
أبدً ا فإن الرسول (ص) عىل الفطرة واالستقامة منذ صغره .بل إنه يعني أن ما منحه اهلل لك
متوفرا لديك.
ً بعد البعثة والنبوة مل يكن
َ ََ ََ َ َ ً ََْ
حمتاجا فأغناك عن الناس.
ً فقريا
(ووجدك ع ِائلا فأغنى) أي وجدك ً
اهلدف من عرض هذا املقطع من سورة الضحى هو أن مفادها يدل عىل أن النبي(ص) قبل
البعثة كان يعيش حياة عادية مع الناس ،وإن كان مستا ًءا من الوضع القائم آنذاك .كان
مستا ًءا من اعتداء أرشاف قريش عىل الفقراء والضعفاء ،وشهد حلف الفضول ،1ومل يرشك
فتوة يف ذلك املجتمع . .ولكن مع ذلك
باهلل طرفة عني ،ومل هيادن الظاملني ،وعاش يف حالة ّ
كله كان يعيش احلياة العادية يف ذلك املجتمع ،ثم نزل عليه الوحي فجأة فحدث ذلك
شب يف
التحول الكبري العميق يف وجوده ،وحني انحدر بعدها من غار حراء يف جبل النور ّ
أعامقه هليب .فقد سمع:2
(إقـ ــرأ) ،أجاب النبي «وما أقرأ» و«ما» هنا إما أن تكون نافية أي لست بقارئ أو
ََ َ َََ ْ َََ َ ّ َ َّ ْ ْ
اس ِم ر ِبك ال ِذی خلق #خلق الإنسان ِم ْن عل ٍق#
اق َرأ ب ْ
ِ استفهاميةيعني ماذا أقرأ؟ جاء اجلواب( :
1ـ هو حلف شهده رسول اهلل(ص) وهو ابن عرشين عا ًما تعاهد فيه احلارضون أن يكونوا يدً ا واحدة مع املظلوم عىل الظامل حتى
يؤدي إليه حقه.
2ـ العلق5 - 1 /
البعثة يف النبوة 173n
َ َ َّ ْ َْ َ َّ َّ ْ َُْ ْ ْ
َ
إنسان َما ل ْم َی ْعل ْم) عندها حدثت تلك الثورة اق َرأ َو َر ّب َك الأك َر ُم #ال ِذی َعل َم ِبالقل ِم َ #عل َم ال
وجوهرا
ً عنرصا آخر
ً الكربى يف داخل الرسول ،فلم يعد مثل ذلك اإلنسان السابق ،أصبح
تغي هو
آخر .وهذا التحول الداخيل الكبري كان مبعث ذلك التحول يف العامل .إن مل يكن قد ّ
يغي العامل .وهذا درس ألتباع األنبياء كي يعلموا أهنم ال يستطيعون أن
ما كان باإلمكان أن ّ
يغريوا جمتمعهم دون تغيري أنفسهم .وفاقد اليشء ال يعطيه.
الرسول األكرم حدث ذلك التحول العظيم يف وجوده فاستطاع أن يصنع اإلنسان الذي
يتنازل عن حياته وال يتنازل عن عقيدته .إنه ألمر عظيم أن يعاين بالل احلبيش من سياط
اجلالدين وتعذيب األسياد املتغطرسني ساعات ثم يرفع صوته :أحد ،أحد ،أحد .مل تكن
عملية صنع هذا اإلنسان ميسورة ،مل يكن من اليسري صنع أيب ذر وعبداهلل بن مسعود.
ولنستمع إىل بدايات صوت الوحي:
َ َ َ َ َ َّ ْ ْ
(اق َرأ ِب ْاس ِم ر ِّبك ال ِذی خلق) السورة ّ
توجه نظر النبي وكل املوحدين إىل سلسلة من املراحل
التي تفتح اآلفاق نحو معرفة اهلل .وأبسطها وأوهلا«اخللق» فمنه تعاىل مظاهر اخلليقة كلها.
وبعد تثبيت مفهوم اخلالقية العامة ،ينتقل السياق إىل بيان عظمة خلقة اإلنسانَ .خ َلقه من
َع َلق .من دم منعقد .ق ّلام نلتفت إىل الفرق العظيم بني اإلنسان واملوجودات األخرى.
أيضا .وال نفكر يف الفرق العظيم بني
مارة ً
نميش يف الشارع فنرى األبنية والسيارات ونرى ّ
اإلنسان وغريه من الظواهر املشهودة .الطغاة بشكل خاص ال يعرفون مكانة اإلنسان وال
يقدّ روهنا ،وال يعريوهنا أمهية فهم مستعدون أن يزهقوا أرواح املاليني من البرش من أجل
مصاحلهم املادية الدنيئة.
بقليل من التأمل يمكن فهم الفرق العظيم بني اإلنسان واملوجودات األخرى .وما الذي
يم ّيزه؟ قوة العقل ،ومعرفة الكليات ،واستنتاج اجلزئيات .فذلك ماال يستطيع أن يقوم به
n174مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
احلجر والشجر .قدرة اإلبداع عند اإلنسان جتعله يتطور باستمرار .يمتلك اإلرادة واختاذ
تسيه غرائزه ،بل يستطيع أن
القرار ،ال كالنحلة التي ذكرناها أمس .ليس باملوجود الذي ّ
يتحرك خالف ما ُتيل عليه الغريزة .هذه املميزات يف اإلنسان تعود بأمجعها إىل ما أفاضه اهلل
ّ
ُ ََ َ َ
من روحه يف هذا الكائن(:ف ِإذا َس َّو ْی ُت ُه َو نف ْخ ُت ِفیهِ ِمن ّر ِوحی).1
كل هذه العظمة يف اإلنسان تبدأ من نطفة ..من علق ..من دم منعقد .هذا العلق يتبدل
إىل إنسان كبري يف الرياضيات والفلسفة والطب والفضاء .واآلية تلفت نظر النبي إىل هذه
احلقيقة لتصنع منه اإلنسان الذي يعرف مكانته يف الوجود.
َْ َ َّْ َُّ َْ ْ ْ
ك َر ُم #ال ِذی َعل َم ِبالقل ِم) وهذه مرحلة أعىل ،وهي تعليم اإلنسان .والقلم (اق َرأ َو َر ّب َك الأ
له أمهية يف ارتقاء اإلنسان .لواله ما انتقلت علوم اجليل إىل اجليل التايل ،وملا حدث الرتاكم
املعريف لدى البرشية .لو أن كتب أرسطو مل تصل إىل أيب عيل بن سينا ملا بلغ ابن سينا2مرتبته
4 املعروفة يف الفلسفة ،ولو مل تكن الكتب الفقهية للشيخ الطويسً 3
مثل أو العالمة احليل
علم من العلامء الذين
حتت ترصف الشيخ األنصاري واملريزا الشريازي ــ ومها أعمق ً
6 5
سبقوهم بألف سنة ــ لو مل تصل كتب أولئك إىل هؤالء ملا بلغوا ما بلغوا من نضج علمي.
َ َ َ ْ َّ
إنسان َما ل ْم َی ْعل ْم) علمه سبحانه فتح مغاليق املجهوالت .هذه هي النعم التي ( َعل َم ال
ِ
معرفة ما أغدقها اهلل عىل اإلنسان .حسنًا ،إذا كان اهلل قد أعطى اإلنسان نعمة القلم ونعم َة
مل يعلم فمن املفروض أن هذا اإلنسان يطوي س ّلم تكامله باستمرار وال يتوقف عن ذلك
حلظة واحدة ،وأن ال تكون يف حياته عودة إىل الشقاء .هل األمر كذلك ؟ اجلواب.
َ َ َ َ َ َّ َ ْ
إنسان ل َی ْطغى #أن ّر ُآه ْاس َت ْغنَى) طغيان اإلنسان هو الذي يؤدي إىل شقاء البرشية،
َ (كلا ِإ ّن ال
هو الذي حيول دون أن يستفيد اإلنسان من املواهب اإلهلية أكثر ما يمكن وكام أراده اهلل.
طغوا حني رأوا أنفسهم مستغنني ،وبذلك خرجوا عن الطريق اإلهلي .تستمر اآلية يف بناء
وجهته إىل خالقية اهلل وتعليم اهلل وأنه سبحانه األكرم ،وأن اإلنسانية مل
شخصية النبي(ص)ّ .
تبلغ املرتبة التي ينبغي أن تصلها ،بسبب طغيان الذين رأوا أنفسهم مستغنني .الذين كنزوا
الثروات ومجعوا األموال .هؤالء هم الذين حالوا دون وصول البرشية إىل ساحل السعادة
فجر ما يف نفسه من
والنجاة .هبذه التعليامت وجه اهلل سبحانه نبيه إىل ساحة العمل بعد أن ّ
مشاعر وعواطف إنسانية.
(إ ّن إلــى َر ّبـ َ َ َ
ـك ُّالر ْج َعى) هل هؤالء الطواغيت سيحققون مآرهبم؟! ً
كل فعودهتم إىل اهلل، ِ ِ ِ
والعاقبة هلل وللجبهة اإلهلية .والبرشية ستتجه يف النهاية إىل الطريق الذي رسمه هلا اهلل .ويف
والتحول الكبري الذي حيدثه يف املجتمع .وهكذا األمر يف
ّ السورة حقائق أخرى حول النبي
سورة النجم.1
َ ُ َ َ َ َّ (ب ْسم اهلل َّ
الر ْح َمـن َّ
نط ُق َع ِن يم َ #و الن ْج ِم ِإذا ه َوى َ #ما ض َّل َص ِ
اح ُبك ْم َو َما غ َوى َ #و َما َی ِ الر ِح ِ ِ ِ ِ ِ
َ
ْال َه َوى #إ ْن ُه َو إلا َو ْح ٌی ُی َ
ّ
وحى). ِ ِ
قسم بالنجم حني هيوي ،ما ّ
ضل الرسول ومل ينطق بباطل .واآلية بصدد املعراج كام ذكر
كثري من املفرسين .اآلية يف مفهومها العام تتحدث عن التحول الذي حدث للنبي حني
تل ّقى الوحي .ولكن سبب النزول الذي ُذكر لآلية هو أن هناك من مل يصغ إىل كالم الرسول
حني حتدث عن معراجه .وتؤكد اآلية أن كالمه مل يصدر عن هوى بل عن وحي أوحي إليه.
ُْ َ َّ
( َعل َم ُه ش ِد ُید الق َوى) قيل إن شديد القوى جربائيل ،وقيل هو اهلل ،والقول الثاين أكثر
انسجا ًما مع «ع ّل َم ُه» إذ التعليم من اهلل تعاىل لنبيه.
(ذو ِم َّرةٍ ) ذو حكمة وقوة و ُبعد عن اآلفات .وإذا كان شديد القوى هو اهلل فهو أيضا ذو
ِم ّرة.
است َوى) فاستقام النبي وثبت عىل الطريق.( َف َ
َْ َ ُ ْ ُُ
( َوه َو ِبالأف ِق الأ ْعلى) لقد كان الرسول يف أفق سام ،وهبذا االفق ّ
تأهل للنبوة.
َ َ ََ َّ َ َ ُ
(ث ّم دنا فتدلى) اقرتب ،واقرتب أكثر من ّ
رب العاملني.
َ َ َ َ
(فك َان ق َ َ َ َ
اب ق ْو َس ْی ِن أ ْو أ ْدنى) واآلية فيها كناية عن القرب الشديد ،وليس املقصود املسافة
املادية.
َ َ ََ
(فأ ْو َحى ِإلى َع ْب ِدهِ َما أ ْو َحى) عندئذ نزل عليه الوحي.
َ َ َ َ ُْ
كذ َب الف َؤ ُاد َما َرأى) ما رآه النبي هو رؤية قلبية غري كاذبة. (ما
َ َ ََ
(أف ُت َم ُار ون ُه َعلى َما َی َرى) هل جتاد لونه عىل رؤيته؟!
تغي ،واختذ مسعاه طابع
من جمموع هذه اآليات نفهم أن النبي بعد تكليفه بالرسالة قد ّ
ويغيه من اجلذر واألساس ،وهذه هي
املستمر ليبعث املجتمع من جديد ّ
ّ اجلدّ واالجتهاد
مسؤولية الرسالة.
واحلمد هلل رب العاملني.
اجللسة السادسة عشرة
الثورة االجتماعية يف النبوة
اجلمعة 17رمضان املبارك 1353هجرية
1353/7/12هجرية مشسية
َ َ َْ ْ ُ َ َّ ُ َ َّ
( َون ِر ُید أن ن ُم َّن َعلى ال ِذ َین ْاس ُتض ِعفوا فِی الأ ْر ِض َو ن ْج َعل ُه ْم
َْ ُ ّ َ َ
ُ
ین َ #و ن َم ِك َن ل ُه ْم فِی الأ ْر ِض َو ن ِری أ ِئ َّم ًة َو َن ْج َع َل ُه ُم َ
الوار ِث َ
ِ
َ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ ْ ُ َّ َ ُ َ ْ َ
ِفــرعــون و هامان و جنودهما ِمنهم ما كانوا یحذر ون)
(القصص)6 -5 /
حتدثنا أمس عن الثورة التي حتدث يف شخصية النبي حني يبعث بالرسالة ،وما تؤدي إليه
هذه الثورة من تغيري اجتامعي أسايس نطلق عليه اسم الثورة االجتامعية يف النبوة .أشري
ً
أول إىل أن املسترشقني الذين يتناولون النبوة ال يؤمنون بالوحي عادة ،لذلك فهم يرون
أن انبعاث النبي كان نتيجة تأمل طويل وتفكري مستمر أدى به إىل النهوض هبذا التغيري
االجتامعي .وقد يسايرهم يف ذلك بعض الغافلني أو املغرضني .بينام الواقع يشهد أن
نبينا(ص) بعد اتصاله بالوحي قد أصبح غري ذلك النبي قبل االتصال ،وهكذا األمر بالنسبة
إىل سائر األنبياء مثل موسى(ع) كام ذكرنا أمس.
حني نتحدث عن الثورة االجتامعية يف النبوة ،فإن ذلك ال يعني بالرضورة أن تكون
مصاحبة للعنف وإراقة الدماء .نمثل للثورة يف تغيري بيت سكني إىل مسجد ،هذا البيت ال
يمكن أن نكتفي برتميمه وطالئه وتغيري بعض جدرانه ،فذلك ال يؤهله ألن يكون مسجدً ا،
وتصميم جديدً ا ،وخارطة جديدة.
ً أساسا جديدً ا وهندسة جديدة،
ً املرشوع اجلديد يقتيض
ألن املبني اجلديد خيتلف متا ًما عن املبنى اآلخر .هذه العملية هي الثورة.
n180مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
هناك يف الساحة البرشية نوعان من املجتمعات جمتمع حتكم فيه أقلية مسيطرة عىل رقاب
اآلخرين ،متارس احلكم كام تشاء ،ال يعارضها معارض ،وإذا فتح أحد فمه باملعارضة
ليصب يف مصلحتهم دون أي
ّ ينزلون به أنواع البطش والتنكيل .يدفعون بكل ما يف املجتمع
اهتامم بمصالح الناس .وإذا واجه ذلك املجتمع خطر يقدّ مون الشعب ليكون وقو ًدا لدرء
ذلك اخلطر ،وهم قابعون يف زاوية بعيدين عن املعركة .هذا نوع من املجتمعات سواء كان
فيه متييز طبقي أم مل يكن .أما إذا كان املجتمع يعاين من التمييز الطبقي فإن ذلك يعني عدم
وجود املساواة يف حقوق األفراد ،وعدم إتاحة الفرص واإلمكانيات املتساوية هلم ،بعضهم
ّ
فيتضخمون ويتحكّمون ويطغون، قد استطاع أن ينال من تلك الفرص ما مل ينله اآلخرون،
واآلخرون مضطرون إىل الرضوخ هلم ،والتم ّلق هلم لنيل عطاياهم وتعفري جباههم بالرتاب
أمامهم .هذا املجتمع طبقي يف تكوينه االجتامعي ويف اقتصاده ،واحلكومة يف هذا املجتمع
تتحرك وف ًقا ملصالح الطبقات العليا.
والنوع الثاين :جمتمع ليس من هذا القبيل وال ذاك .فام هو؟ إنه املجتمع الذي ال يملك
أحد احلق أن يستقوي عىل اآلخرين .ال طبقة عىل طبقة أخرى وال فرد عىل فرد آخر .ال
ّ
ويذلم ويظلمهم .أفراد ذلك حيق ألحد فيه أن يسحق حقوق اآلخرين ،وينهب أمواهلم،
املجتمع يتجهون يف الطاعة لقوة واحدة هي أسمى من قوة البرش ..إهنا اهلل سبحانه .ويف
هذا املجتمع اخلايل من التمييز الطبقي تسود يف اقتصاده عدالة التوزيع ويف حكومته مشاركة
مكروها ،فكل أفراده
ً اجلميع ،واحلقوق األساسية فيه عامة .لو واجه مثل هذا املجتمع
رسورا فإنه ينال اجلميع .ومثل هذا املجتمع يعيش يف أجواء احلرية.
ً رشكاء فيه ،ولو نال
وأؤكد عىل احلرية ،إذ توجد بعض املجتمعات يف العامل ممن تدّ عي أهنا قضت عىل الطبقية
لكنها صادرت احلريات.
املجتمعات من النوع األول هي التي حيكم فيها القيارصة واألكارسة واجلبابرة .وجمتمعات
مر التاريخ .وهل األنبياء أقاموا جمتمعات
النوع الثاين هي التي أقامها األنبياء العظام عىل ّ
ألممهم؟ نعم مارسوا ذلك ،ويف القرآن الكريم إضاءات كثرية يف هذا الشأن لدى رسده
قصص سليامن ،وطالوت ،وموسى وما فعله جتاه بني إرسائيل ،إذ أنزهلم يف األرض
الثورة االجتامعية يف النبوة 181n
ً
اقتتال وال فيها نزاع. حيدث بعض ما يؤدي إىل إراقة دماء .ولكن الثورة بنفسها ال تتضمن
لو أن النبي أعلن عزمه عىل إحداث ثورة يف جمتمعه ،ومل يقاومه من يريد إبقاء األوضاع
الشاذة يف ذلك املجتمع لـام حدث أي رصاع دموي .لو أن فرعون الطاغية استسلم أمام
وجها إليه ذلك القول اللني ،ووجها إليه الدعوة إلهناء ما
خطاب موسى وهارون حني ّ
كان ينزله من ظلم ببني إرسائيل ،وما كان يامرسه من متييز طبقي ،ملا حدث ما حدث
ََ
من مواجهات حا ّدة .نعم القرآن الكريم يذكر قتال األنبياء ،من مثل قوله تعاىلَ ( :وكأ ِّین
ّ َّ ّ َ َ َ َ َ ُ ّ ُّ َ َ
ك ِث ٌیر)1وتتحدث آيات كثرية عن اجلهاد .والسبب يف ذلك أن ِمن ن ِب ٍی قاتل معه ِر ِبیون
الطبقة املرفهة ..الطبقة املستفيدة من األوضاع الشاذة يف املجتمع ال تتنازل عن تعسفها
وغطرستها أمام الثورة اإلهلية .ولو أن هذه الفئات املرتبطة مصلح ًيا باألوضاع القائمة
تفهمت احلقيقة وعادت إىل قيمها اإلنسانية مل يكن األنبياء مضطرين إىل إعالن جهادهم.
ّ
نعم لو أن هذه الفئات املعاندة رضخت إىل نداء الفطرة كام حدث لكثري من الشخصيات
تغيوا فجأة واستنارت ضامئرهم وحدث حتول مجيل
السياسية واالقتصادية يف التاريخ ،إذ ّ
يف أرواحهم ،ملا حدثت يف املجتمع مواجهات دموية.
يغيه؟ أن يقول ملجتمع كمجتمع احلجاز
يغيه ،وما معنى ّ
إذن النبي ُيبعث إىل املجتمع كي ّ
يف عرص خاتم األنبياءّ :
إن املال مال اهلل ،فلامذا حتتكره أقلية من طبقة األرشاف؟ والناس
مجيعهم عباد اهلل ،فلامذا يصبح العبيد آلة ط ّيعة بيد أهواء األسياد من أمثال الوليد بن املغرية
وأيب هلب وأيب جهل؟
التوجه اإلنساين للحياة يستدعي أن يكون
ّ ملاذا ال يكونون مجي ًعا سواسية كأسنان املشط؟
الناس متساوين «كلكم من آدم وآدم من تراب».2
هدف األنبياء يف املجتمعات التي ُبعثوا فيها هو تبديل املجتمع من حالته املنحرفة ،من
حالته غري املتعادلة ،من حالة الظلم واجلور إىل جمتمع متوازن متعادل عادل خال من مظاهر
القبح ومفعم بمظاهر اجلامل.
طب ًعا ،األنبياء الكبار الذين نعرفهم باسم األنبياء أويل العزم كانوا أقطاب الثورات اإلهلية،
ينضجوه ،أو يعيدوا إىل
وباقي األنبياء مهمتهم أن يواصلوا مرشوع أولئك ،أو يكملوه ،أو ّ
الرسالة وجهها الناصع عىل أثر ثورة جديدة ،وهذا ما هنض به أوصياء نبينا بعد رحيله..
ما هنض به أمري املؤمنني واحلسني بن عيل وسائر األئمة ،وعلامء اإلسالم ثم ما ينهض به
املهدي املنتظر صلوات اهلل وسالمه عليه.
املوضوع اآلخر يف أمر الثورة االجتامعية للبعثة هو اإلجابة عن تساؤل قد ال يظهر عىل
األلسن لكنه قد خيطر يف األذهان ،وهو ما السبب يف كل ما يعانيه األنبياء من مصاعب
احلق ملن غلب.
وأتعاب لتغيري املجتمع طاملا أن ّ
هذا املنطق يتعارض مع منطق الفطرة ومنطق الكون .يتعارض بكملة واحدة مع منطق
احلق.
احلق والباطل مفردتان تردان يف القرآن بكثرة ،ويرد معهام الرصاع القائم بني احلق والباطل.
واحلق هو ما وافق الفطرة اإلنسانية وما انسجم مع قوانني الكون وسننه ،والباطل ما خالف
ّ
ذلك.
الكون خارج اإلنسان يسري وفق قوانني وسنن معينة ويتجه نحو غاية مرسومة ..هذا ما
جمزأة ال ارتباط بينها ،لكنها يف نظر
نراه يف األفالك والنباتات واحليوانات .وهي قد تبدو ّ
تتجزا .أجزاء العامل كلها أعضاء يف جسد واحد.
اإلنسان اإلهلي وحدة ال ً
ويف داخل اإلنسان ،املعدة تؤدي واجبها يف عمل معني ،والعني كذلك ،وهكذا الكبد
واألعصاب ،لكنها تعمل يف دائرة مشرتكة وهي البقاء عىل حياة اإلنسان .العامل بأمجعه
معي ،إالّ اإلنسان .فاإلنسان خمتار ،يستطيع أن ينحرف عن
خيضع يف حركته لنظام ّ
نظام الكون .أما بقية املوجودات فتتحرك وفق مسريها املرسوم ،وإذا رأيت انحرا ًفا
كثريا من
غي مسريهتا .اليورانيوم يستطيع أن يعالج ً
يف مسريهتا فإن اإلنسان هو الذي ّ
األمراض وخيدم اإلنسان يف حقول شتى ،لكنك لو رأيت أن هذا اليورانيوم قد حتول
إىل قنبلة نووية تزهق أرواح املاليني ،فإن اإلنسان هو الذي غري مسري هذه املادة .وكثري
من املواد املخدرة مثل مادة «ال يس دي» واملورفني يمكن استعامهلا يف املعاجلة وإجراء
n184مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
العمليات اجلراحية لكن اإلنسان يتجه هبا إىل اإلدمان عىل املخدرات ،فيخرجها عن
مسريها بام يملك من اختيار.
احلق فالبدّ
وملا كان هذا الكائن البرشي له خاصية االختيار واخلروج عن املسري الطبيعي ّ
يوجه مسريته لتكون منسجمة مع مسرية الكون ..مع مسرية احلق .مثل هذا
من قانون ّ
منسجم ومطاب ًقا لطبيعة العامل ،فهو ً
أيضا منسجم ً القانون منسجم مع طبيعة العامل .وملا كان
مع طبيعة اإلنسان ومطابق هلا ،ألن اإلنسان جزء من أجزاء هذا العامل .وبام أن هذا القانون
متطابق مع فطرة اإلنسان والعامل ،فإن فيه خري اإلنسان وصالحه.
ما هو الباطل ،هو املنهج ،هو القانون الذي يتعارض مع فطرة اإلنسان وطبيعة الكون.
الباطل هو ما يضعه املتغطرسون والشياطني وأولئك الذين يريدون أن ينحرفوا عن
هذا املسري .األنبياء يأتون باحلق ليدحضوا به الباطل ،املجتمع الذي يصنعه فرعون
بحق من
يقسم الناس إىل طبقات ،يرفع طبقة وخيفض طبقة أخرى ،ويامرس الظلم ّ
يشاء .هذا الوضع االجتامعي باطل .واألنبياء جاءوا ليقلبوا هذا الشكل الباطل...
احلق مكانه .فام يعانيه النبي من شقاء إنام هو من أجل
ليدمغوه ..ليزيلوه ..وليقيموا َّ
يقر لألنبياء قرار من أجل حتقيق هذا اهلدف ،ال هيدأون خلطة يف سبيله .هذا
احلق .فال ّ
هو تفسري عمل األنبياء.
بعبارة موجزة يريدون تبديل النظام الظامل الطبقي الالإنساين اجلاهيل إىل نظام إهلي ،يف
تصميم اجتامعي توحيدي .يريدون أن تكون احلاكمية يف املجتمع هلل ،ال لألهواء والرغبات.
من أجل هذا يرفعون شعار التوحيد ،ومن أجل هذا حياربون الطواغيت ،وسنتعرض هلذا
يف جلسات أخرى.
اخرتنا آيات من سورة القصص1ترشح هذا الوضع اجلاهيل للحكم الفرعوين .واملجتمع
الفرعوين ،والوضع الذي أراد موسى(ع) أن يقيمه ،وما جرى من مواجهة بني الوضعني،
ثم ما آل إليه أمر جبهة موسى من انتصار ،ثم تبرش اآليات كل املوحدين يف العامل بالنرص
والنجاح .وملاذا هذا الفتح والنرص؟ ألن حركة دعاة التوحيد متطابقة مع الفطرة وطبيعة
الكون واإلنسان.
ُ َ َ َ ُ ْ ْ ْ(ب ْسم اهلل َّ
الر ْح َمن َّ
ین) تبدأ السورة باحلروف املقطعة
اب الم ِب ِ الر ِح ِ
یم #طسم ِ #تلك آیات ال ِكت ِ ِ ِ ِ ِ
وللمفرسين فيها آراء لسنا بصددها اآلن.
وسى َو ف ْر َع ْو َن ب ْال َح ّق ل َق ْوم ُی ْؤم ُن َ
ون) اآلية تريد ات ْال ِك َتاب ْال ُمبین َن ْت ُلوا َع َل ْی َك ِمن َّن َبإ ُم َ
(ت ْل َك َآی ُ
ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
أن تستعرض جز ًءا من نبأ موسى وفرعون فيام يرتبط باملواجهة بني احلق والباطل .وهذه
هي الطريقة القرآنية يف عرض قصص األنبياء .يتناول القرآن يف كل موضع جان ًبا لتقرير
حقيقة معينة ،وهي غلبة احلق عىل الباطل .فالقصة هنا موجهة للنبي وللمؤمنني ليفهموا
َ َْ َ
السنّة اإلهلية يف هذا املجال .وإذا فهموا ذلك فإهنم يع ّينون مسريهمِ (.إ ّن ِف ْر َع ْو َن َعلا فِی الأ ْر ِض
َ ً ُ َ َ
َو َج َع َل أ ْهل َها ِش َی ًعا َی ْس َت ْض ِعف َط ِائفة ِّم ْن ُه ْم) إن فرعون قد استعىل وجعل نفسه يف الدرجة
قسم املجتمع إىل طبقات ،طبقة قريبة منه وطبقة أدنى ،ثم أدنى .ثم استضعف
العليا ،ثم ّ
طبقة منهم ،أي فرض عليهم الضعف وقلة اإلمكانات واحلرمان من النمو والتكامل .وهذه
ظاهرة مشهودة اليوم يف العامل ،وخاصة فيام يسمى ببلدان العامل الثالث ،إذ كل إمكانيات
والرقي متوفرة لدى فئة قليلة ،وهذه الفئة فرضت عىل غريها احلرمان ،واستغلتهم
ّ النمو
وجعلتهم يف حالة ضعف وهزال.
ْ ْ َ َ ُ ْ َّ ُ َ
ك َان ِم َن ال ُمف ِس ِد َین) كان يقتل الشباب ،ألنه يعلم بأن ( ُی َذ ّب ُح َأ ْب َن ُ
اءه ْم َو َی ْس َت ْح ِیی ِنساءهم ِإنه ِ
التحرك املعارض له البدّ أن يأيت من الشباب .ر ّبام مل يكن للمرأة يف ذلك املجتمع دور يف
موجها إىل الشباب .وقيل إن كاهنًا أخرب فرعون
ً املجتمع ،لذلك فإن الضغط الفرعوين كان
بظهور فتى من بني إرسائيل هيدد سلطانه ،لذلك عمد إىل ذبح أبناءهم .وأما نساؤهم
فيستحييها ،أي ُيبقيه ّن أحياء إما إلفسادهن أو للقضاء عىل نقاء نسب بني إرسائيل ،وذلك
بأن خيتلط نسب هؤالء بنسب القبطيني ،فيذوبون يف املجتمع الفرعوين ،بعدأن كانوا
حيافظون عىل هويتهم مدة أربعامئة سنة يف ذلك املجتمع .وهذا لون من فساد فرعون «إنه
كان من املفسدين» فساد يف الفطرة ،وفساد يف املجتمع ،وفساد يف العامل .ودأب فرعون
َ َ َ َّ
وأمثال فرعون أهنم إذا مسكوا بسلطة فإهنم يفسدون يقول تعاىلَ ( :و ِإذا ت َولى َس َعى فِی الأ ْر ِض
n186مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
َ 1 ُ ُ ُّ َ ّ َْ َ َ ُْ َ َ ََ ْ
ي َ
ولون بصور ِل ُیف ِسد ِفیها َو یه ِلك الح ْرث َو الن ْس َل َو اهلل لا ی ِحب الف َساد) فرعون وأمثاله َ ُ
شتى دون أن تؤيت الطاقات املعنوية هلذا العامل ُأكلها.
و ما هو دور السنّة اإلهلية؟يف هذا االصطفاف بني احلق والباطل ،يقول تعاىل:
ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َّ ً َ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ ُ ّ َ ْ ُ َ َّ ُ َ َّ
ین #ن َم ِك َن ل ُه ْم ( َو ن ِر ُید أن ن ُم َّن َعلى ال ِذ َین ْاس ُتض ِعفوا فِی الأر ِض و نجعلهم أ ِئمة و نجعلهم الو ِار ِث
ك ُانوا َی ْح َذ ُر َ
ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ ْ ُ َّ َ ُ َْ
ون). فِی الأ ْر ِض َو ن ِری ِفرعون و هامان و جنودهما ِمنهم ما
هذه مشيئة اهلل وسنته« .ونريد» ومل يقل أردناّ ،إنا سنة مستمرة يف احلياة ،أن نم ّن عىل من
ُفرض عليه الضعف ،باخلروج من هذه احلالة ،وأن يكونوا متبوعني وأن نجعل زمام األمور
بأيدهيم ،بدل أن كانوا تابعني ويف هامش املجتمع قابعني .نريد أن يرثوا األرض وما عليها
من خريات .نريد أن يكونوا متمكنني مستقرين عىل األرض ،وأن نري فرعون الذي كان
عال ًيا يف األرض ،وهكذا هامان الذي ينتمي إىل طبقة ممتازة ّ
سخرت كل طاقاهتا خلدمة
فرعون ،وجنودمها الذين خيدمون اجلهاز الفرعوين دون أن ينالوا ح ًظا« ،منهم» أي من
املستضعفني ماكانوا حيذرون منه.
لقد ُمني فرعون وهامان بام كانا حيذران منه ،كانا حيذران من سلب سلطتهم ،فسلبت
وصارت بيد املستضعفني.
واحلمد هلل رب العاملني.
وصلنا يف سلسلة أحاديثنا عن النبوة إىل أن النبي حني يبعث يدخل الساحة االجتامعية،
وتغيريا .ويف هذه اجللسة
ً وحيدث فيها هنضة كام حدثت يف داخله ،ويوجد فيها ً
حتول
نريد أن نفهم اهلدف واملقصد من هذا التحول ،وبشكل عام نريد أن نوضح اهلدف وراء
سعي األنبياء.
لألنبياء هدف أصيل ،ويف طريق حتقيق هذا اهلدف األساس ثمة أهداف أخرى ،وبني هذه
األهداف األخرى هناك هدف أهم من غريه.
سموه
ّ أما اهلدف األصيل واألساس لألنبياء هو إيصال اإلنسان إىل الدرجة املقدّ رة من
وكامله .اإلنسان موجود يمتلك طاقات وكفاءات وقوى كثرية يستطيع هبا أن يبلغ مرتبة
وأعز وأرشف مما هو عليه.
أسمى ّ
اإلنسان منذ والدته يف حالة تكامل مستمر .هذا التكامل مشهود يف ظاهر جسمه.الطفل
كثريا من خصائص اإلنسان الكامل .يفتقد األسنان ويفتقد اليد القوية والفك
الوليد يفتقد ً
القوي ،ويفتقد القدرة عىل امليش ،ويفتقد اجلهاز اهلضمي الذي يستطيع أن يستقبل من
n190مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
الطعام ما يأكله الكبار ،ويفتقد الدماغ القوي واألعصاب القوية .وبعد مدة حيصل له ما
كان يفتقده،مل يأت إليه يشء جديد من اخلارج ،فيده نفسها تصبح قوية ،وفكه نفسه يصبح
قو ًيا ،ورجله نفسها تصبح قوية قادرة عىل امليش ،وهكذا أجهزته الداخلية هي نفسها لكنها
تكتسب قوة من بعد ضعف .قابلياته وقواه الكامنة تظهر بمرور الزمن بعد توفر الظروف
قادرا عىل النطق ،فيه قابلية الفهم والتفكري
اخلاصة .فيه قابلية النطق ثم بعد ذلك يصبح ً
وأن يكون عا ًملا ثم بعد ذلك تتحول هذه الكفاءات بالقوة إىل الفعل .فاإلنسان يتكامل
باستمرار.
هذا بالنسبة إىل اجلسم الظاهري لإلنسان .هذا األمر نفسه يصدق عىل اجلوانب املعنوية
والروحية والفضائل اإلنسانية .ففي اإلنسان يكمن عامل من الكفاءات يف هذا املجال .إنه
كثريا ،وإذا مل تستخرجه سيبقى دونام ثراء
ثري إذا استخرجته ستجد فيه شي ًئا ً
منجم غني ّ
والعطاء والمجال.
أش ّبه ذلك باملوازائيك الذي يستعمل يف تزيني البناء .حني يوضع يف قوالب و ُيفرش ال ترى
خال من األلوان والنقوش .ولكن بعد ذلك حني ُيصقل ترى سطح معتِم ٍ فيه أي مجال.
ٌ ُ
زوال ال ُعتمة وظهور ألوان مجيلة ونقوش خالبة .وما كان باإلمكان ظهور هذه الروعة إالّ
بعد الصقل املتواصل.
كل إنسان ينطوي عىل هذا املنجم الغني ،وهذه الصور اجلميلة من الفضائل اإلنسانية.كام
يقول الشاعر الفاريس سعدي الشريازي:
بـه در آي تا ببيني طــران آدميت طريان مرغ ديدي ،تو ز پايبند شهوت
من قيود الشهوه كي ترى طريان اإلنسانية أيضا حترر
أرأيت حتليق الطيور؟! أنت ً
لقد قال لنا القدماء بلغة الشعر وبلغة العرفان ــ وقوهلم صحيح ــ إن اخلصائل اإلنسانية
وتصي من اإلنسان منب ًعا متدف ًقا من املحاسن واجلامل
ّ ترفع اإلنسان فوق مستوى املالئكة،
ً
متكامل متسام ًيا. املتفجرة بعد كموهنا،أي جتعل منه إنسانا
ّ ومن الكفاءات والطاقات
أهداف النبوة 191n
وهذا هو هدف األنبياء .وهذا هو معنى التزكية والتعليم يف أهداف األنبياء .إنه تطهري
اإلنسان من الصفات الرذيلة واألهواء ومن اخلصال احليوانية املتوحشة .ال يمكن أن نطلق
اسم اإلنسان عىل أولئك الذين يامرسون أعامل الذئاب والكالب بينام ظاهرهم كظاهر البرش.
ّ
ويتسل بإزهاق األرواح ،وال يتأمل آلالم الناس ليس بإنسان ذلك الذي يتلذذ بسفك الدماء
علم وثروة وقوة .أن ِ
ومَنهم وأحزاهنم .ليس هذا بإنسان مهام كان ظاهره ،حتى ولو امتأل ً
جذاب يشء آخر. أومقتدرا أو ثر ًيا أو متحل ًيا بظاهر ّ
ً تكون إنسانا يشء وأن تكون عا ًملا
للس ُبعية واحليوانية والوحشية،
أثرا َ
األنبياء يأتون لتطهري اإلنسان،ال ترون يف ساحة األنبياء ً
ساحة األنبياء ساحة نور وصفاء وإنسانية ،وهذه معجزة النبوة .قد نبحث عن معاجز
ّ
املتحل النبوة يف األعامل اخلارقة للطبيعة ،لكن املعجزة الكربى لألنبياء هي صناعة اإلنسان
بالفضائل.
حني ننظر إىل املجتمع الذي ظهر فيه النبي اخلاتم نرى ذلك الفسيفساء املعتم القبيح قبل
صقله .وبعد أن تعمل النبوة صق َلها فيه يتحول ذلك الكائن البرشي البدوي اجلايف إىل
إنسان عظيم.
الصحايب اجلليل أبو ذر الغفاري كان قبل اإلسالم مثل أبناء جلدته ً
رجل يألف حياة البداوة
اجلافية اخلشنة ،مثل هذا اإلنسان ال يأبه به عادة أولئك الذين يدّ عون أهنم مصلحون ،وال
حول هذا الرجل اجلايف
يعريونه أمهية ،بل يتعالون عىل أمثال هؤالء .لك ّن رسول اإلنسانية ّ
احلايف إىل إنسان جتتمع فيه الفضائل اإلنسانية كلها .ذاب يف هدفه الرسايل ،وأصبحت مجيع
نشاطاته تدور حول الرسالة ال حول «األنا» ..هذه األنا التي تدور حوهلا مصاحلنا .نريد
وسمعتنا ودكّاننا .أبو ذر ضحى هبذه األنا من أجل هدفه الكبري .لقد
كل يشء لنا وألبنائنا ُ
ً
مصقول مضي ًئا ساط ًعا .وهذا هو هدف النبوة. صقلته الدعوة النبوية فخرج بعدها إنسانا
اهلدف النهائي من أي نشاط إنساين هو الذي حيقق الغرض من ذلك النشاط .لو أراد أحد
أن َيبني مسجدً ا فالبدّ أن يفكر يف النتيجة النهائية من هذا العمل ،البدّ أن يفكّر يف اهلدف
الرسايل الكبري من وراء هذا العمل ،ال أن يكون هدفه حمدو ًدا بأداء طقوس العبادة دون أن
يكون وراء هذه العبادة حتقيق هدف كبري.
n192مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
املدارس املادية التي تدّ عي أهنا تستهدف إقامة جمتمع الرفاه والعدالة ،ال تستطيع أن تقدم
أمرا أسمى من لإلنسان هد ًفا ً
كبريا وراء إشباع متطلباته املادية .املدرسة اإلهلية تستهدف ً
االحتياجات املادية .هذه االحتياجات هي شأن أي كائن برشي .وهدف األنبياء حتويل هذا
الكائن البرشي إىل «إنسان» ..إنسان يتكامل باستمرار ،وال يتوقف عند مرحلة من مسريته
َّ َ
نحو الكامل املطلق( :إنا هلِل َو إنا إل ْیهِ َراج َ َّ
عون) ،1واألنبياء جاءوا لتحقيق هذا اهلدف. ِ ِ ِ ِ
األنبياء جاءوا لينقذوا البرش من الدناءة واجلهل والرذائل األخالقية ،من ضمور الكفاءات
مرارا يف القرآن الكريم ً
متكامل متسام ًيا ،وهذا اهلدف يرد ً الداخلية ،وليجعلوا منه إنسانا
ُ َ َ ُ ً َ ْ َ ََ ْ َ ُ ََ ْ
ین ِإذ َب َعث ِف ِیه ْم َر ُسولا ِّم ْن أنف ِس ِه ْم َی ْتلو َعل ْی ِه ْم من مثل قوله تعاىل( :لقد َم ّن اهلل على ال ُم ِ
ؤم ِن
ْ ْ َ كیه ْم َو ُی َع ِ ّل ُم ُه ُم ْال ِك َت َ
َ َ َُ ّ
اب َو ال ِحك َمة) 2ورسول اهلل(ص) يقول« :إنام بعثت ألمتم آی ِاتهِ و یز ِ ِ
مكارم األخالق».3
أهم .يكثر احلديث حول اهلدف األول،
هذا هو اهلدف األول ،أما اهلدف الثاين فهو ّ
ويكرر بعضهم الكالم عن التهذيب والتزكية .ويرى بعضهم أنه وجد الطريق إىل حتقيق
هذا اهلدف .يرى أن ذلك يتحقق بالعزلة عن املجتمع وضجيجه وضوضائه ،واللجوء إىل
صومعة يشتغل فيها بالرهبانية ،وأكثر ما يفعله أنه يقدّ م النصح ملن له قابلية االتعاض!!
ّ
وتوخي األسهل يف األمور. هذا الكالم ينطلق من رغبة يف الكسل والتقاعس وطلب العافية
بعض املتصدين لإلرشاد والتعليم يلتذون هبذه األحاديث ،ألهنا ال توقعهم يف مشكلة وال
توقع اآلخرين يف مشكلة .ويرون أن التهذيب والتزكية عملية سهلة ،وهي يف الواقع ليست
بالعملية السهلة كام سنرى.
نعم ،اهلدف األول لألنبياء هو التهذيب والتزكية ،ولكن السؤال األهم هو :كيف مارس
األنبياء نشاطهم لتحقيق هذا اهلدف؟ هذا هو الذي ال يدور حوله الكالم .هل إن األنبياء
اتصلوا باألفراد واحدً ا واحدً ا ،وأخذوهم إىل خلوة أو زاوية ليع ّلموهم ويربوهم؟ هل
هم مثل أصحاب الزوايا جلسوا يف مكان ليأيت إليهم الناس ويسرتشدوا هبم؟ هل فتحوا
مدرسة ووضعوا عليها الفتة كي يأتيهم من يريد أن يستزيد من علمهم؟ ال ليس هذا عمل
األنبياء وال السائرين عىل طريق األنبياء ،وسنوضح ذلك عند حديثنا عن اإلمام جعفر بن
مقترصا عىل اعتالء منرب الدرس والوعظ وأن
ً حممد الصادق .مل يكن عمل اإلمام الصادق
جيلس حتت منربه أربعة آالف طالب كام يروي ابن عقدة الرجا ّيل املعروف ،مل يكن هذا دأب
اإلمام الصادق وال دأب جدّ ه رسول اهلل وال األنبياء .األنبياء والسائرون عىل طريقهم كان
هلم جواب واحد يف كيفية هتذيب اإلنسان وتزكيته وفق األسلوب اإلهلي الصحيح .وهو:
اجلو االجتامعي املناسب واملالئم للرتبية .لو كان عمل األنبياء هو تربية األفراد واحدً ا
إجياد ّ
يغيوا املجتمع .إذن البد من نظام قادر عىل صنعواحدً ا ملا استطاعوا خالل عمرهم أن ّ
اإلنسان املطلوب .اإلنسان مثل شجرة مثمرة ال تؤيت ُأكُلها إالّ يف ظروف مناخية خاصة
وتربة خاصة .فنخيل التمر تثمر يف بيئة خاصة ،وإذا أردت أن تزرع النخيل يف تربة وبيئة ال
تناسب إثامر التمر فإنك ال حتصل عىل يشء ،وإذا جهدت نفسك يف احلصول عىل ثمرة يف
تلك البيئة غري املناسبة فقد حتصل عىل مترة أو مترتني .ملاذا إذن ال نتوجه يف اإلثامر إىل البيئة
املناسبة لنحصل ال عىل مترة أو مترتني بل إىل أمحال من الرطب.
العمل الفردي يف اإلصالح يؤدي إىل استقامة فرد أو فردين ،والعمل االجتامعي يؤدي إىل
إصالح جمتمع بماليني أفراده وإىل إصالح أجيال متوالية.
ما نفهمه من القرآن الكريم أن سرية األنبياء يف صناعة اإلنسان هي خلق املجتمع اإلهلي،
َ َ
أفواجاِ ( :إذا َج َاء ن ْص ُر
ً اجلو املساعد عىل دخول الناس يف دين اهلل املجتمع التوحيدي ،خلق ّ
َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َّ
الن َاس َی ْد ُخ ُل َ
اهلل أ َفو ًاجا).1
ین ِ د
ِ
ِ ِی ف ون اهلل و الفتح #و رأیت
ِ
النبي يف املرحلة املكية كان من الطبيعي أن يبدأ بتغيري األفراد فر ًدا فر ًدا كي يكونوا حجر
الزاوية يف املجتمع املستقبيل ،هذا ال يتعارض مع هدف األنبياء .لقد صنع اجلامعة األوىل
من الصحابة ليكونوا قاعدة املجتمع املدين املطلوب،أي املجتمع التوحيدي واإلسالمي.
كان األمر يف مكة صع ًبا بسبب عراقيل البيئة ،البيئة العائلية اجلاهلية والبيئة القبلية اجلاهلية،
أفواجا ،حني أقيم املجتمع اإلهلي
ً لكن املرحلة املدنية هي مرحلة دخول الناس يف دين اهلل
واإلسالمي يف املدينة ،وأصبح النبي قائدً ا لذلك املجتمع ،حيكم فيه بتعاليم الدين املبني.
إذن لألنبياء مهمتان :صناعة اإلنسان وحتريره من الدنايا وجعله متخل ًقا بالفضائل
اإلنسانية ،واهلدف الثاين إقامة املجتمع التوحيدي والنظام اإلهلي ،ومن ُييل إليه أن هدف
األنبياء مل يكن عىل هذا النحو فل ُيمعن النظر يف آيات القرآن واحلديث والتاريخ.
نذكر آيتني يف هذا الصدد من مجلة آيات كثرية يف كتاب اهلل العزيز تؤيد ما ذهبنا إليه،
واآليتان حتتاجان إىل َقدَ ر من التأمل والتدبر .اآلية األوىل من سورة احلديد ،أذكرها مع
يشء من التوضيح:
ات) 1باحلجج البينة الواضحة التي يدركها كل عاقل. ( َل َق ْد َأ ْر َس ْل َنا ُر ُس َل َنا ب ْال َب ّی َ
ن
ِ ِ ِ
َ
مرارا يعني جمموعة املعارف والتعاليم التي ذكرنا كام والكتاب ) ( َوأ َنز ْل َنا َم َع ُه ُم ْال ِك َت َ
ً اب
تشكل أصل الدين .الكتاب جامع ملنظومة الفكر اإلسالمي التي هلا أثر عميل ملموس
وفاعل.
( َو الم َ
یزان) هو جهاز التعادل والتوازن يف املجتمع .وهذامؤرش عىل الدور االجتامعي ِ
للنبي ،ولو مل يكن له مثل هذا الدور ملا احتاج إىل ميزان يستطيع به أن يقيم التعادل والتوازن
يف املجتمع .وامليزان يمكن أن جيد مصاديقه يف اجلهاز القضائي ويف اجلهاز التنفيذي الذي
يضمن التنفيذ ويشهد عىل اإلجراء.
ُ
«امليزان هو راجعت األحاديث التي تتصدى لذكر معنى «امليزان» فرأيت فيها عبارة:
اإلمام» 2ونفهم من هذا النص أن امليزان هو اإلمام الذي يميز احلق من الباطل يف املجتمع،
ويقيم التوازن والتعادل فيه ،إذ هو احلاكم يف املجتمع .وملاذا أرسلنا الرسل والكتاب
وامليزان؟
ْ َُ َ َ
وم ّالن ُاس ِبال ِق ْس ِط) أي ل ُيقيم الناس املجتمع العادل ،أو ليعيش الناس يف جمتمع عادل، ( ِلیق
ونموه .إنه
ّ اجلو الالزم ــ كام ذكرنا ــ لتكامل الكائن البرشي
ظل هذا املجتمع يتوفر ّ
املجتمع الذي ال إله فيه إالّ اهلل ،وال ألحد ّ
حق أن يدعو الناس إلطاعته ،حتى النبي احلامل
ََ َ ُ َ َ لرسالة السامء ليس له حق مثل هذه الدعوةَ ( :و إ ْذ َق َال ُ
یسى ْاب َن َم ْر َی َم أ أنت قلت ِل ّلن ِاس اهلل َیا ِع َ
ِ
نت ُق ْل ُتهُ َ َ ُ ُ َْ َ َ َ ُ
ُ ُ ُ َ
اهلل قال ُس ْب َحان َك َما َیكون ِلی أن أقول َما لی َس ِلی ِب َح ٍق ِإن ك
ّ ْ ُ ّ ََْ َّ ُ
ون ِات ِخذونِی َو أ ِم َی ِإلهی ِن ِمن د ِ
َ ُ ُ َ ُّ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ 1 َْ َ َ ََ
الن ُب َّوة ث َّم َیقول فق ْد َع ِل ْم َت ُه ت ْعل ُم َما فِی نف ِسی) (.ما كان ِلبش ٍر أن یؤ ِتیه اهلل ال ِكتاب و الحكم و
اب َو ِب َما ون ْال ِك َت َ
ك ُنت ْم ُت َع ّل ُم َ ُ ُ َ َّ ّ َ َ ُ
اهلل َو ل ِكن كونوا رب ِان ِیین ِبما
َ ُ ً ّ ُ ُ َّ
ِ ون ِ ِللن ِاس كونوا ِع َبادا ِلی ِمن د ِ
حيق له أن يستعبد الناس وخيضعهم إىل أوامره بشكل ون) .2وإذا كان النبي ال ّ ُك ُنت ْم َت ْد ُر ُس َ
مر التاريخ؟!
مطلق فام بالك بغريه من الطواغيت الذين سيطروا عىل مقدرات البرشية عىل ّ
التوحيد يرفض ذلك متا ًما ،هذا هو معنى التوحيد ،ومن مل يفهم التوحيد هبذه الصورة فهو
قارصا يف مطالعاته أو يف فهمه ،فهذه من واضحات القرآن الكريم .ذكرت
ً إما أن يكون
باختصار من قبل يف مبحث التوحيد أن النبي حني يعلن يف جمتمعه أن «ال إله إال اهلل» فإن
مجيع أفراد املجتمع يعرفون ماذا يعني هذا الشعار ،املوالني منهم واملعادين.
منذ اليوم األول حني نزل النبي ،بعد هبوط الوحي عليه ،من غار حراء وأعلن نداء
التوحيد ،ظهرت اجلبهة املعارضة املعادية كام ظهرت اجلبهة املوالية.
أنا اليوم أبذل جهدً ا لتوضيح مفهوم التوحيد ،وأنه رفض كل قدرة غري قدرة اهلل ،لكن أبا
هلب والوليد بن املغرية املخزومي وأبا جهل وغريهم من رساة قريش أدركوا حمتوى هذا
أيضا قضية
املفهوم ،فهموا أن نداء «ال إله إال اهلل» ليس مسألة عقائدية فحسب ،بل هو ً
اجتامعية ،يعني زوال مكانة أمية بن خلف 3والوليد بن املغرية والعاص بن وائل .4فهموا
ذلك منذ اللحظات األوىل ،لذلك ه ّبوا للمعارضة ومناصبة العداء .مل يكن هؤالء ينطلقون
يف عدائهم من التزامهم بدينهم اجلاهيل أو من تقديسهم ألصنامهم ،وإن ا ّدعوا ذلك فهم
كاذبون .مشكلتهم األساسية مع النبي املبعوث هي مشكلة اجتامعية .لقد رأوا يف نداء
التوحيد هد ًما لعروشهم ،وفهموا أن جمتمع التوحيد يعني رفض الظلم ،ويعني هدم رصح
نظام التمييز االجتامعي والطبقي ،ولذلك تصدوا ملعارضته كام تصدى من قبلهم فرعون
ونمرود ،وكام تصدى زعامء بني إرسائيل لدعوة عيسى ،وكام عارض عاد وثمود أنبياءهم.
األنبياء يعلنون منذ البداية أهدافهم النهائية ،ال كام تفعله املذاهب الوضعية التي ختفي
أهدافها النهائية ،وتُلهي الناس بآمال واهية ،ثم يتبني بعد ذلك أن هدفها النهائي هو حتقيق
مآرب أخرى .األنبياء يقولوهنا منذ اليوم األول إن هدفهم إنزال املستكربين من صياصيهم،
ورفع املستضعفني من حالتهم.
ومن عطاء هذا اإلعالن عن اهلدف النهائي هو أن املؤمنني هبذا الدين سيختارون طريقهم
عن وعي وبصرية ،سيختارون الطريق وهم يعرفون إىل أين يتجهون وإىل أي هدف هم
ذاهبون .وبذلك تزداد مهتهم وترتفع قدرهتم عىل حتمل املصاعب واألخطار ،ويعلمون
أهنم يسريون عىل طريق ذات الشوكة .وهذه حالة طبيعية للسائرين نحو املثل األعىل الكبري
واملتجهني نحو معشوقهم .وكلام كان اهلدف أوضح وأكرب تكون القدرة عىل حتمل مشاق
الطريق أكثر.
هذه الصور الرائعة من التضحيات التي قدمها السائرون عىل طريق الرسالة ،إنام هي بسبب
ما حت ّلوا به من بصرية .هؤالء الشباب الذين حترروا مما ينشدّ إليه أمثاهلم ،وهجروا األهل
والبيت والراحة إنام كانوا يتجهون نحو هدف هم به عاملون وله عاشقون .البصرية كانت
وراء ما قدمه الزوجان يارس وسمية من تضحيات وما حتملوه من مشاق.
حتمله الرعيل األول
لقد قرأت قبل أيام كتاب «الوعد احلق» لطه حسني وفيه عرض ملا ّ
من املسلمني يف سبيل عقيدهتم ورسالتهم .وقد ترجم هذا الكتاب األستاذ أمحد آرام،1
وأدعوكم لقراءته.
1ـ أمحد آرام (ت )1998شيخ الرتمجة يف إيران ،درس احلقوق ،ثم الطب ،ثم انرصف إىل العمل الثقايف ،وترجم أكثر من 140
كتا ًبا من العربية واإلنجليزية والفرنسية إىل الفارسية ،منها تاريخ العلم ،ويف ظالل القرآن.
n202مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
نعم البصرية والوعي مقدمة الزمة للدين .هذه هي حقيقة الدين اإلهلي ،خال ًفا ملا عليه
جمتمعاتنا اإلسالمية اليوم .الدين يف جمتمعاتنا يعني إلغاء البصرية والوعي .هذا ما ترسخ يف
ذهن املتدينني وغري املتدينني .كال الفريقني حيسبان أن الدين يعني سدّ منافذ الفهم.
املتدينون يؤمنون بأن أصول الدين ال يمكن أن تكون عن تقليد ،ولكن الويل ملن جيرؤ عىل
أن يتجاوز التقليد!! لقد عرفنا أن فروع الدين جيب الرجوع فيها إىل متخصص ال إىل العقل
أساسا مقرون بالوعي والبصرية .وإذا كنت تقبل
فخلنا أن كل الدين عىل هذا النحو .الدين ً
الدين دونام إيامن قلبي فإن الدين ال يقبلك ،ألن الدين يعري أمهية للوعي وللبصرية ،ويدعو
توجها واع ًيا ،ومن هنا فإن األنبياء يعلنون هدفهم
ً إىل أن يكون التوجه نحو اهلل منذ البداية
النهائي منذ الوهلة األوىل للدعوة.
وثمة نتيجة أخرى يمكن أن نفهمها يف هذا املجال وهي أن السائرين عىل طريق األنبياء ،وهم
ورثة األنبياء سواء العلامء الذين ورد يف األثر أهنم ورثة األنبياء ،أو سائر السائرين عىل طريق
إبراهيم وموسى وعيسى وحممد (عليهم أفضل الصالة والسالم) ..هؤالء السائرون بأمجعهم
جيب أن يعرفوا من أين يبدأون يف مسريهتم اإلهلية ..من التوحيد ..من نقطة البدء التي رشع
منها األنبياء .وإذا مل نكن قادرين عىل أن نستنهض البرشية عىل املستوى العاملي يف إطار
التوحيد ،فلنعلن عىل األقل يف آفاق العامل أن هدف األنبياء ومقصدهم هو هذا االستنهاض.
ملاذا ال يكون منطلق اخلطاب الديني هو التوحيد بدل االنشغال بمسائل فرعية من الدرجة
الثانية والثالثة؟!
دعاة الدين وعلامء الدين طب ًعا هلم مكانتهم وأمهيتهم يف بيان حقائق الدين وأحكامه،
وبدوهنم سيكون وضعنا أفظع مما عليه اآلن ،بعضهم يفهم ما عليه من واجب ويفهم من
أين يبدأ يف خطابه الديني ،ولكن بعضهم اآلخر ال يبدأون من حيث بدأ األنبياء ،يطرحون
مسائل من الدرجة التاسعة والعارشة وحيسبون أهنا أهم من مسألة التوحيد ،ومن القرآن،
وأصول الدين واملعارف اإلسالمية السامية.
ويف السرية يلتقطون املسائل ذات الدرجة الرابعة واخلامسة يف األمهية من حياة رسول اهلل
(عليه الصالة والسالم).
منطلق الدعوة 203n
عىل سبيل املثال ثمة رواية تذكر أن الرسول كان يرى َم ْن خلفه كام يرى َمن أمامه.والشيخ
الصدوق يع ّلق عىل هذا اخلرب بأنه يعني فطنة النبي وكياسته ووعيه عىل َمن حوله .هذا
تعليق الصدوق حممد بن عيل بن بابويه القمي صاحب عرشات املؤلفات الق ّيمة املهمة.
لكن هناك من يأخذ هذه الرواية عىل ظاهرها ويورد اآلراء املختلفة للمـحدثني بشأهنا،
لكنه ال يتعرض ً
أصل هلدف النبوة وللمجتمع الذي أقامه النبي ،واحلكومة التي أسسها،
وما مارسه من تغيري اجتامعي.
العامل اإلسالمي اليوم بحاجة ماسة إىل طرح مثل هذه املسائل العملية احلساسة .مريضنا
اليوم يف حالة احتضار ،فال جيوز التأخري يف املعاجلة .دعوا املسائل الكالمية ذات األمهية
من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة ليو ٍم نفرغ فيه من مسائلنا األساسية .نعيد الكالم بأن
نقطة البدء يف دعوة األنبياء هي التوحيد .ونورد يف هذا املجال بعض اآليات ونبدأ بآية من
سورة النحل:
الط ُاغ َ
َ َ ْ َ ُ َّ ُ ُ َ ً َ ْ َ ََ
وت) 1هذا هو أول إعالن (و لق ْد َب َعث َنا فِی كـ ِ ّـل أ َّمــةٍ ّر ُســولا أ ِن ْاع ُب ُدوا اهلل و اجت ِنبوا
األنبياء .والطاغوت هو َم ْن وضع نفسه مكان اهلل ،وتصدى ملواجهة أوامر اهلل أ ًيا كان.
نفسك التي بني جنبيك» .2قد يكون
عدوك ُ
ّ وقد يكون الطاغوت هو أنت« :أعدى
تكبه .وقد
األهواء واملشتهيات .قد يكون طاغوت اإلنسان هو استعالؤه ،وقد يكون ّ
يكون قوى خارج اإلنسان .عىل أي حال جاء األنبياء ليقولوا :اهلل ال الطاغوت ..اعبدوا
اهلل واجتنبوا الطاغوت.
َ َ َ َ ُ َ َّ َ ُ َ َّ ْ َ ( َفم ْن ُهم َّم ْن َه َدى ُ
ك َ
ان اهلل َو ِم ْن ُهم َّم ْن َحقت َعل ْیهِ الضلالة ف ِس ُیر وا فِی الأ ْر ِض فانظ ُر وا ك ْیف ِ
ّ َ ْ ُ
َع ِاق َبة ال ُمك ِذب َ
ین) انظروا إىل حضارهتم املنهارة ،وبلداهنم اخلربة .انظروا إىل خرائب بابل ِ
وآشور وكلدة ،وإىل خملفات الفراعنة ،انظروا كيف أصبحوا وكأهنم مل يكونوا .هذه سنّة
اهلل يف الكون بشأن كل أمة تنحرف عن طريق عبودية اهلل .لقد كانت هذه السنّة تتحقق يف
األمم املاضية بإنزال العذاب واإلبادة الفورية بالطوفان والزلزال ،غري أن هذه السنة باقية
إىل آخر الدهر .فالفناء حتمي لكل أمة ال تسري وفق الدين اإلهلي .وال يعني هذا أن أفرادها
هيلكون ويموتون ،بل إن اإلبادة ستلحق هبويتهم الوطنية .سيذوبون يف اهلويات األخرى.
َ
ك َ َ َ َ ُ
ان أين هوية آشور ومعني وبابل؟ أين ما شادوه من حضارة؟ ال يشء( :فانظ ُر وا ك ْیف
ین).َع ِاق َب ُة ْال ُم َك ّ ِذب َ
ِ
ويف سورة األعراف ذكر األنبياء واحدً ا واحدً ا يف سياق منطلق دعوهتم ،تبدأ ً
أول بنوح:
ّ َ َ ُ َ ُ َ َ َ َ َ ُ ََ َ َ َ َ ْ َْ َ ْ َ ُ ً َ َ
اهلل َما لكم ِّم ْن ِإلهٍ غ ْی ُر ُه ِإن ِ َی أخاف َعل ْیك ْم َعذ َاب َی ْو ٍم وحا ِإلى ق ْو ِمهِ فقال َیا ق ْو ِم ْاع ُب ُدوا(لقد أرسلنا ن
َع ِظ ٍیم) 1ثم تذكر اآليات التالية إعراض هؤالء القوم وما ناهلم من عذاب.
َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ ُْ ُ ً َ َ َ
اهلل َما لكم ِّم ْن ِإلهٍ غ ْی ُر ُه).2 ودا قال َیا ق ْو ِم ْاع ُب ُدوا وهكذا النبي هود( :و ِإلى ع ٍاد أخاهم ه
واستطرا ًدا نشري إىل أن بعض دراسات علم االجتامع تذهب إىل أن التوحيد يشكل مرحلة
من مراحل تطور البرشية ،إذ كان يف البدء الرشك ،ثم تكاملت املجتمعات لتصل إىل فكرة
التوحيد .وهذا الكالم ال يقوم عىل أساس فالتوحيد كان موجو ًدا منذ فجر تاريخ البرشية.
َ َ ْ َ َ ُ َّ َ َ
ك َف ُر وا من َق ْوم إ َّنــا َل َن َر َ
اك فِی ِ هِ ِ ِ وأمام دعوة هود ظهرت جبهة املكذبني( :قال الملأ ال ِذین
ین) وهذه هي التهمة التي توجه إىل دعاة احلق يف كل زمان. اهةٍ َو إ َّنا َل َن ُظ ُّن َك ِم َن ْال َك ِاذب َ
َس َف َ
ِ ِ
وجييبهم هود:
َ ّ ََ َ ُ َ َ َ َ ٌ َ َ ّ َ ُ ٌ ّ َّ ّ ْ َ َ َ ُ ّ ُ ُ َ َ
اص ٌح ین #أ َب ِلغك ْم ِر َس ِ
الات ربِی َو أنا لك ْم ن ِ ( َیا ق ْو ِم ل ْی َس بِی سفاهة و ل ِك ِنی رسول ِمن ر ِب العال ِم
َ
والرقي حني أدعوكم إىل التوحيد. ین) فأنا ال أريد لكم إالّ اخلري والكامل أ ِم ٌ
ّ
ِ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ْ ْ ٌ ّ َّ ّ ُ ْ َ َ َ ُ ّ ُ ْ ُ َ ُ
كر عىل رجل منكم، نذرك ْم) جاءكم الذ ُ (أوع ِجبتم أن جاءكم ِذكر ِمن ر ِبكم على رج ٍل ِمنكم ِلی ِ
يلبس مما تلبسون ويأكل مما تأكلون .فهل يف ذلك عجب؟!
َ َّ ُ ْ َْ َْ َ ً َ ْ ُ ُ َ ُ ْ َ ُ ََُ ُ
اهلل ل َعلك ْم ك ُر وا َ
آلاء ِ ( َواذك ُر وا ِإذ َج َعلك ْم خلف َاء ِمن َب ْع ِد ق ْو ِم ن ٍوح َو َز َادك ْم فِی الخل ِق بسطة فاذ
ون) استخلفكم بعد قوم نوح ،ومنحكم قوة وقدرة يف خلقكم وأجسامكم .فال تنسوا ُت ْفل ُح َ
ِ
نعمة اهلل عليكم.
َ ُ َ ْ ََ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ ُ َ
فورا ما
ً املضادة القوى فهمت لقد ) ا ن (قالوا أ ِجئتنا ِلنعبد اهلل وحده و نذر ما كان یعبد آباؤ
ذكرنا أن النبوة هنضة اجتامعية وقلنا أن من مبادئ هذه النهضة :رفض التمييز الطبقي
االجتامعي ،أي رفض تقسيم املجتمع إىل طبقة الضعفاء والعبيد والفقراء واملحرومني من
جهة ،وطبقة املقتدرين واملتغطرسني واملتنعمني من جهة أخرى .فال وجود هلذا التقسيم يف
املجتمع الذي تدعو إليه النبوة.
ليس يف قاموس اإلسالم ،بل يف األديان اإلهلية أمجع أن ال يستطيع إنسان بسبب ضعفه أن
يأخذ حقه .ذلك ما ليس له مكانة يف إطار احلكومة اإلسالمية واجلهاز التوحيدي واإلهلي:
«لن تقدّ س أمة ال يؤخذ فيها للضعيف ح ّقه غري ُمتَعتع» 1أي بدون تلعثم ،أي بدون
خجل وبدون الشعور بالدونية .مجيع أفراد املجتمع أعضاء جسد واحد دونام متييز .احلاكم
اإلسالمي مثل أمري املؤمنني (عليه السالم) يف املجتمع اإلسالمي له من احلق واحلقوق ما
ألي فرد من أفراد املجتمع.
ّ
ً
مستغل بذلك أكرب مسؤول يف الدولة ال يستطيع يف املجتمع اإلسالمي أن حييد عن القانون
1ـ حتف العقول ،باب ماروي عن أمري املؤمنني ،رسالة اإلمام إىل مالك األشرت.
n210مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
سلطته ،حتى يف الفرتة التي ُأقيص فيها أمري املؤمنني عيل (عليه السالم) ،وابتعدت اخلالفة
ــ يف اعتقادنا ــ عن حمورها اإلهلي األصيل ..حتى يف تلك الفرتة يأيت رجل من مرص يشكو
إىل اخلليفة اعتداء ابن وايل مرص آنذاك عمر بن العاص عليه .نعم ابن الوايل ال الوايل نفسه.
فيكتب اخلليفة إىل الوايل أن َي ْق ِد َم هو وابنه إىل املدينة .وحني سأل اخلليفة ابن الوايل عن
سبب ما فعله بالرجل ،قال ابن الوايل :وأين شاهدُ ه؟ قال له اخلليفة :كفاه شاهدً ا أنه جاء
وم ْن أي َن له أن يأيت بالشاهد وأنت رضبته يف مكان ليسمن مرص إىل املدينة لريفع شكواهِ .
فيه شاهد؟! فأمر اخلليفة بجلد االبن ثم أمر بجلد األب ،فرفع عمر بن العاص صوته :ملاذا
أنا؟ تقولون إن ابني هو الذي رضب الرجل .فقيل له :إن ابنك استقوى بك ،لو مل يكن
مدعو ًما بمنصبك ما فعل ذلك ..اجلدوه!!
سيهب ملعارضة النبي؟! جمتمع النبوة
ّ تُرى يف هذا املجتمع الذي يدعو إليه األنبياء من الذي
يدعو إىل توزيع الثروة بعدالة« :ما رأيت نعمة موفورة إال وبجانبها حق مض ّيع»« .1راك
فلر» 2استطاع أن يبلغ بثروته األسطورية هذا احلدّ ألنه سلب حقوق اآلخرين .لو كانت
هناك عدالة يف التوزيع ملا بلغ هذا وأمثاله هذه الدرجة من الثروة.
هذا املجتمع خطوطه األساسية سيادة العلم والعدل واملساواة ورفض التمييز االجتامعي
واالستغالل وسوء توزيع الثروة واالستبداد ،وااللتزام باحلق واحلقيقة.
حني يأيت النبي إىل املجتمع اجلاهيل ،ليدعو إىل جمتمع جديد باخلصائص املذكورة ،من
الطبيعي أن يقف أمامه من يعتاشون عىل التمييز الطبقي والذين يرون أنفسهم يف طبقة عليا
واآلخرين يف طبقة أدنى .خيشون أن جيعلهم الدين اإلهلي متساوين مع سائر أفراد املجتمع،
جيعل األرشاف يف مستوى العبيد ال فرق بني السيد واملسود .هذه فئة من املعارضني.
والفئة األخرى هي التي تكدس الثروات ومتتص دماء اآلخرين وحتتكر التجارة وسائر
النشاطات االقتصادية وتأكل الربا.
وثمة جمموعة أخرى ستعارض وهي فئة احلكام املستبدين ألن «ال إله إال اهلل» سوف جتعل
«اهلل» عىل رأس هرم املجتمع ال فرعون وهامان ،وال نمرود وشداد ،وال معاوية وغريهم
من القوى املستبدة يف التاريخ .وهذه فئة أخرى من املعارضني.
والفئة األخرى من املعارضني هم األحبار والرهبان .هؤالء الذين يتعاملون مع األفكار
ويلقنون الناس التعاليم التي حتفظ مكانتهم ،إذ لو كانت أفكار الناس وتعاليمهم صحيحة
وواعية ملا استطاع هؤالء الرهبان واألحبار أن حيافظوا عىل مكانتهم وقيادهتم الروحية وما
يتبعها من مكاسب مادية.
كانت املواجهة األوىل لعيسى بن مريم مع الرهبان واألحبار .أحبار اليهود ه ّبوا ملعارضة
عيسى مع أهنم كانوا عىل معرفة هبذا النبي.
ويف عرص ظهور اإلسالمَ ،م ْن هؤالء الذين عارضوا الدعوة النبوية؟ واضح أهنم أولئك
2
الذين ال يبقى هلم جمال خداع الناس ،ال يبقى ألمثال كعب األحبار 1وعبداهلل بن سالم
جمال لنرش اخلرافات واألكاذيب.
لذلك فإهنم يرون يف الدعوة النبوية هناية ملكانتهم الدينية الزائفة ومكانة القوى السياسية
املؤتلفة معهم ،فاملجتمع النبوي يقوم عىل أساس الوعي والعلم واليقظة واحلرية الفكرية..
هذا هو املجتمع اإلهلي التوحيدي.
وبشأن ائتالف القوى الدينية املنحرفة مع قوى السلطة لدينا رسالة من اإلمام عيل بن
احلسني السجاد إىل حممد بن شهاب الزهري (وهو نفسه حممد بن مسلم ،ومسلم أبوه،
توضح أن مثل هذا االئتالف يؤدي إىل تضييع حقوق الناس ،جاء
وشهاب جدّ والده)ّ ،
آنست وحش َة الظامل ّ
وسهلت له َ وأخف ما احتملت أن
َّ كتمت
َ فيها« :واعلم أن أدنى ما
بدنوك منه حني َدنوت ،وإجابتك له حني ُدعيت» .3والرسالة طويلة منقولة
الغي ّ
طريق ّ
بأمجعها يف كتاب «حتف العقول».
1ـ أبو إسحاق كعب بن مانع احلمريي ،من علامء اليهود ،واشتهر باسم كعب األحبار ،أسلم يف زمن اخلليفة الثاين ،ودخل
املدينة ،رويت عنه ما ادعى أنه ينقله من التوراة ،وسميت تلك الروايات باالرسائيليات.
2ـ عبداهلل بن سالم بن احلارث اإلرسائييل ،من أحبار هيود بني قينقاع ،أسلم ،وكان مقر ًبا من اخلليفة الثاين ثم من معاوية ،وهو
من عوامل انحراف اجلهاز احلاكم يف املجتمع اإلسالمي.
3ـ حتف العقول ،من كالم اإلمام عيل بن احلسني ملحمد بن مسلم الزهري.
n212مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
عىل أي حال ،إحدى املجموعات التي تُرى مذعورة من بعثة النبي زعامء الدين اخلرايف،
وهؤالء موجودون يف كل زمان ومكان .كانوا يف زمن إبراهيم(ع) قد ح ّثوا نمرود عىل
مواجهة هذا النبي وإلقائه يف النار ،وهؤالء يف زمن موسى(ع) وقفوا إىل جانب فرعون
وأغروه بأن كهانتهم ستبطل سحر موسى!! ويف زمن نبينا(ص) أخذوا يف إثارة اإلرجاف
جر إىل واقعة مباهلة نصارى نجران.
والتشكيك مما ّ
من الطبيعي أن تلقى دعوة األنبياء ً
إقبال من كل إنسان يف املجتمع النسجامها مع فطرهتم
وعقوهلم ،خاصة وأن اخلطاب النبوي يمتاز بالوضوح والبعد عن التعقيد ،لكن هذا اإلقبال
يتعارض مع مصالح الفئة التي تعيش عىل دفء جهل الناس وخرافاهتم ،لذلك يقفون
بوجه الدعوة ،وهؤالء هم الذين ورد ذكرهم يف القرآن ضمن سياق احلديث عن األحبار
شع عليه وعي الدعوة النبويةّ ،
وحتل والرهبان .إذ ال يمكن أن حيتفظوا بمكانتهم يف جمتمع ّ
بالنمو الفكري وبالعلم واملعرفة.
ّ
يشع فيه نور النبوة .وذكرنا الفئات األربع التي
إىل هنا حتدثنا عن طبيعة املجتمع الذي ّ
هيمها وجود النظام الطبقي حيث
تعارض هذا التحول يف املجتمع .فهي الفئة التي ّ
األرشاف والعبيد ،ألهنا ستواجه دعوة إىل حظر التمييز الطبقي وإىل املساواة بني الطبقات
العليا والسفىل ،وهكذا الفئة التي تكدس الثروات وحتتكر النشاط االقتصادي ،ألهنا
ستواجه دعوة إىل منع تس ّلط فئة عىل فئة بعامل الثروة ،كام أهنا ً
أيضا فئة املستبدين الذين
يمتلكون زمام القدرة املطلقة ،أي هم الذين يسميهم املرحوم املريزا النائيني يف كتابه «تنبيه
األمة وتنزيه امل ّلة» 1بأهنم يفعلون ما يشاؤون وحيكمون كيف يريدون.
يتسمون باألحبار والرهبان.
وأيضا فئة سدنة الدين املز ّيف ،الذين ّ
ً
هذه الفئات التي ذكرناها وشخصناها بتحليل ذهني ورد ذكرها يف القرآن الكريم.
الفئة التي تعيش يف كنف الرؤساء والذين بيدهم زمام القدرة والسيطرة ذكرهم القرآن باسم
1ـ حممد حسني النائيني (1355 - 1277هـ) ،ولد يف مدينة نائني اإليرانية .ورحل إىل النجف األرشف وتتلمذ عىل كبار
علامئها ،وأعلن تأييده للثورة الدستورية يف إيران بكتابه املذكور أعاله ،ووقف ضمن من وقف من العلامء بوجه االستعامر
الربيطاين يف العراق ،يذكر أنه يف الكتاب املذكور استفاد من آراء عبدالرمحن الكواكبي احللبي التربيزي.
اجلبهة املعارضة 213n
«املأل» .واملأل من َم َ
أل :أي يمألون العيون .أي الذين يشعر الناس أمامهم بالضعف واهلوان.
َم َث ُلهم يف املجتمع اجلاهيل الفرعوين ُ
مثل هامان:
ْ َ ُ َ ُ َ َ
( َوقال ِف ْرع ْون َیا ه َامان ْاب ِن ِلی َصر ًحا) .1هامان قزم ّ
حوله فرعون إىل رجل كبري ،إنه ذبابة جعل
نرسا .و َم َثلهم يف دائرة معاوية كمثل املغرية بن شعبة 2وزياد بن أبيه ،3هؤالء من
منها فرعون ً
املأل الذين زينوا ملعاوية أعامله ،وصوروا له أن الدنيا طوع يديه ،وكل الناس له منصاعون.
وعب القرآن عن طبقة األرشاف باملرتفني ،وهم الذين أبطرهتم النعمة وسعة العيش.
ّ
وهؤالء أول من يعارض الدعوة النبوية.
َ َ
وسدنة األفكار املنحرفة هم الذين ذكرهم القرآن الكريم يف قوله سبحانهِ (:إ ّن ك ِث ًیرا ِّم َن
ُّ ْ َ ْ
الأح َب ِار َوالره َب ِ
ان.4)...
وقد يكون «الطاغوت» يعني فيام يعني القوة املستبدة يف املجتمع .والطاغوت كلمة عامة
من الطغيان ،وهي كل قوة تطغى أمام اهلل سبحانه ،وقد تكون َن ْف ُس اإلنسان طاغوته ،ويف
احلديث«:أعدى عدوك نفسك التي بني جنبيك» .5وقد يكون الطاغوت َه َوى اإلنسان،
وقد يكون زوج اإلنسان وأبناءه .غري أن ما ورد يف القرآن الكريم بشأن املكانة الفاعلة املؤثرة
َ
ّ َ َُ َُ ُ َ َ
للطاغوت يف املجتمع يدل عىل أنه أكرب منصب يف النظام اجلاهيل( :ال ِذین آمنوا یق ِاتلون فِی س ِب ِ
یل
ُ َّ َّ ُ َ َّ َ َ
ك َف ُر وا ُی َقات ُل َ
اهلل َو ِل ُّی ال ِذ َین َآم ُنواوت) 6ويف موضع آخر يقول سبحانه( : یل الطاغ ِ ب
ِ ِ ِ
ون فی َ
س ِ اهلل وال ِذین
ِ
ُ ُ ّ َ َ
َ ُّ َ ّ َ َ َ ُ ْ َ ُ ُ ُ َّ ُ ُ ُ ْ ُ َ ُ ّ َ َُّ ّ ُ ُ ْ
ات).7 ور ِإلى الظل َم ِ ور وال ِذین كفر وا أو ِلیآؤهم الطاغوت یخ ِرجونهم ِمن الن ِات ِإلى الن ُِیخ ِر ُج ُهم ِّم َن الظل َم ِ
هذه وغريها من اآليات يمكن أن نفهم منها أن الطاغوت هو القوة االستبدادية املسيطرة.
ْاس َت ْح ُیوا ِن َس َاء ُه ْم) اقتلوا شباهبم الذين اتبعوا موسى وآمنوا به ،اقتلوا هؤالء الذين آمنوا
هبذا الفكر اجلديد اإلحيائي ،كي ال هيدّ دوا مستقبلنا ولكي ال تنقدح منهم رشارة تبعث
عىل النهوض .أما النساء فاستبقوها ح ّية ،ر ّبام لكي ختتلط األنساب ،أو إلشباع الشهوات،
أو للخدمة والسخرة.
َ َ َّ
َ َ ُ ْ َ َ
( َوما ك ْید الك ِاف ِرین ِإلا فِی ضل ٍ
ال) كل هذه الدسائس التي يديرها الكافرون ال حتقق هدفها.
هتب عليه عاصفة تبعده عن هدفه .إن عاصفة السنن
إهنا مثل سهم يوجه نحو هدف ،ثم ّ
اإلهلية ستجعل كيد الكافرين ّ
تضل الطريق.
كام تالحظون ،اآلية تذكر طبقة فرعون وطبقة هامان وطبقة قارون وتذكر موقف موسى
منهم وموقفهم من موسى ،ثم تذكر نتيجة املواجهة.
وآية أخرى تذكر املرتفني ،وهي خاصة بطبقة قارون:
َ
كاف ُر َ ُ ْ َّ َ َ ْ ُ َ َّ َّ َ َ ْ
ون) 1وما هو دليلهم عىل ِ ( َو َما أ ْر َسل َنا فِی ق ْر َیةٍ ِّمن ن ِذ ٍیر ِإلا قال ُمت َرفوها ِإنا ِب َما أ ْر ِسل ُتم ِبهِ
إنكار الرسالة؟:
َّ َ َ َ ً ْ ُ ْ
كــثـ ُـر أم ـ َـوالا َوأ ْول ً َ َ َ َ َ ُ
ادا َو َمــا ن ْح ُن ِب ُم َعذ ِبین) انظروا إىل السطحية والغرور يف ( َوقالوا نحن أ
االستدالل.
وأية أخرى يف سورة التوبة 2ضمن هذا السياق ترتبط بطبقة األحبار والرهبان .يقول
ْ َ َ ُ َ ْ َ َّ َ
كل َون أ َموال َّالن ِاس ِبال َب ِاط ِل)
َ ُ ُّ ْ َ َ ُ َّ َ ً ّ َ ْ َ ُّ َ
سبحانه( :یا أیها ال ِذین آمنوا ِإن ك ِثیرا ِمن الأح َب ِار َوالره َب ِ
ان لیأ
أيضا يصدوهنم اهلل) ال يكتفون بأكل أموال الناس بل ً َ َ ُ ُّ َ َ َ
یل ِ بدون استحقاق( .ویصدون عن س ِب ِ
عن سبيل اهلل.
ثم تأيت اآلية عىل مجاعة املرتفني وأصحاب الثروات الطائلة:
َ َ َ ّ َ َّ َ َ ْ ُ َ َّ َ َ َ ْ َّ َ َ َ ُ ُ َ
اهلل ف َب ِش ْر ُهم ِب َعذ ٍاب أ ِل ٍیم). یل
ِ ِ ِ ِب َ
س ی ف ا َ
ه ون (وال ِذین یك ِنز ون الذهب و ال ِفضة و لا ی ِنفق
ذكرا هلذه الفئات األربع وعدائها لدعوة األنبياء.
أيضا ويف آيات أخرى نرى ً
ويف هذه اآلية ً
واحلمد هلل رب العاملني.
ذكرنا يف األيام املاضية أن األنبياء ُبعثوا لتحقيق أهداف سامية راقية هي ،يف معيار ثقافة
عرص النور وعرص وعي البرشية أي القرن العرشين ،أسمى األهداف وأكثرها رق ًيا ،وأعني
هدف املساواة بني البرش واقتالع جذور الفقر والظلم واالستغالل والتمييز الطبقي.
ِ
ً
متواصل ،وهذه ومنذ بِعثت ِهم مل ّ
يقر هلم قرار ومل خيلدوا إىل الراحة ،بل كان جهادهم دائ ًبا
خالصة حياة أنبياء اهلل .ويف آخر حياهتم ــ كام تذكر النصوص الدينية ــ َفدوا أنفسهم عىل
رش انتقام .وغادروا احلياة دون أن يرتكوا
هذا الطريق ونقم اجلبابرة والطغاة من بعضهم ّ
ور ُسل اهلل تعاىل. ً
مال ومتا ًعا .وهذه قصة حياة األنبياءُ ،
وقد يطرح سؤال حول املصري الذي آلت إليه مساعي األنبياء .هل ذهبت أتعاهبم
ً
مستفحل يف وجهودهم سدى ومل حتقق النتيجة املتوخاة؟ هل بقي الكفر والطغيان والظلم
مر التاريخ البرشي من
مسرية البرشية؟ ال ،نحن نؤمن بخالف ذلك .نؤمن أن الرسل عىل ّ
آدم ونوح وإبراهيم مل يفشلوا يف مهمتهم ومل ينهزموا ،بل إهنم حققوا ما مل حيققه أصحاب
األهداف واملبادئ األخرى .سجلوا من النجاحات ما مل يسجله أحد .نعتقد أن عاقبة النبوة
n220مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
وهناية شوط نشاط األنبياء كان وفق ما أرادوه يف التاريخ ،وسيكون كذلك يف املستقبل.
ونحن نثبت ذلك.
هنا موضوعان نود يف هذه اجللسة أن نستوفيهام:
األول :شهدت الساحة البرشية ظهور سلسلة من األنبياء .هل إن هذا الرهط الكريم
بمجموعه قد حقق أهدافه أم فشل؟
والثاين :هل حقق ك ٌُّل من األنبياء هدفه يف زمانه أم فشل؟
بداية أذكر أن بعض املعلومات التي نحصل عليها ال فائدة فيها سوى أهنا تزيد تراكم
معلوماتنا ،ال تقربنا من رضوان اهلل ،وال تساعدنا يف إقامة حياة إسالمية صحيحة يف
هذه الدنيا ،غري أن املوضوع الذي نتناوله اليوم يزيد يف معلوماتنا ووعينا ويف الشعور
بمسؤولياتنا .هذا من نوع اإليامن الذي ذكرناه يف اجللسات الثالثة والرابعة واخلامسة.
نعود إىل السؤال :ماذا فعل هذا الرهط الكريم من األنبياء؟ ماذا قدّ موا للبرشية؟ واجلواب،
التوحش واجلهل
ّ إهنم جاؤوا من أجل أن يأخذوا بيد البرشية لينتشلوها من حضيض
ولريفعوها إىل مستوى اإلنسانية املتحرضة فيام لو عملت بتعاليمهم .يستطيع البرش هبذه
أقر َب املوضوع إىل األذهان
التعاليم أن يقيموا أسمى وأمجل مظاهر احلياة اإلنسانية .حتى ّ
أرضب املثال التايل .األنبياء مثل مع ّلمني جاؤوا إىل طالب خايل الذهن ،ال يعرف حتى
احلروف األبجدية .جيهدون أنفسهم من أجل رفع مستواه ،ثم يغادرون احلياة ليرتكوه
إىل معلمني آخرين ينقلوه إىل مستوى أرفع ،وهكذا يتدرج هذا الطالب يف ارتفاع مستواه
ليصل إىل مستوى راق من الوعي والفهم والفكر.
وقد يواجه بعض املع ّلمني شغ ًبا يؤدي إىل قتلهم ،ولكن هل يعني ذلك أهنم فشلوا يف
دفع مسرية البرشية إىل مرحلة أرقى ،ثم لرتتقي باستمرار.
مهمتهم؟ ال ،ألن هدفهم ُ
ونحن إذ نشهد تكامل البرشية يف مسريهتا العامة رغم ما يطرأ عىل بعض مقاطعها من
انتكاس ،إنام هو حتقيق هلدف األنبياء .شاء اهلل سبحانه أن تتحرك البرشية بحركة طبيعية
والسمو .إرادة اهلل شاءت أن تصل
ّ لتصل إىل مقصدها الطبيعي الفطري ،وهو التكامل
البرشية إىل نقطة كامهلا النهائي ،وهذه سنة اهلل يف األرض .أي سيأيت اليوم الذي يزول فيه
النبوة (221n )1
انتصار ّ
الظلم ،والقبح ،وتصبح األمور وفق مراد اإلنسان .هذه طبيعة خلقة اإلنسان ،وهذه طبيعة
خلقة هذا الكون ،وهي أن يصل الكائن البرشي إىل هذه املحطة املرسومة .يف تلك املرحلة
الزمنية ستتوفر كل مستلزمات تكامل اإلنسان .وستطوي عندئذ املسرية برسعة طريقها إىل
الكامل املطلق ..أي إىل اهلل .هذا هو جرب التاريخ ،وهذا طب ًعا ال يعني إلغاء إرادة اإلنسان
كام سنوضح ذلك.
هذا مبدأ إسالمي يقيض أن يكون مصري البرشية إىل خري ،ملاذا؟ ألن اهلل تعاىل خلق
الساموات واألرض وفق موازين احلق ،وخلق اإلنسان لينشد احلق بفطرته .واإلنسان بام
عنده من إرادة جيب أن يتحرك وفق ما تقتضيه فطرته ليصل إىل ذلك املقصد .و َمن الذي
يضع أمام اإلنسان هذا الطريق ،ويضع له منهج احلركة وفق الفطرة؟ إهنم األنبياء .وهذا
ويسهلوا له السبيل نحو
ّ هدف بعثة األنبياء .جاؤوا ليب ّينوا له طريق الفطرة ،وليح ّثوا خطاه
حسن العاقبة .فالبرشية إذن يف حالة تقدم مستمر ،وهي تقطع اخلطى نحو حتقيق سعادهتا.
وهذا نتيجة ما قدمه هلا األنبياء من توجيه .األنبياء دفعوا املسرية نحو حركتها التكاملية،
وإذا حدث تأخري يف هذه احلركة عند مقطع زمني فذلك بسبب االبتعاد عن تعاليم األنبياء،
ولكنها مستمرة يف شكلها العام نحو هدفها املنشود.
وجهوا البرشية نحو الرقي والسمو رغم ما عاناه بعضهم
فاألنبياء العظام بمجموعهم قد ّ
من عوائق يف حتقيق أهدافه .هذه هي املسألة األوىل.
أما املسألة الثانية ،وهي حتوز عىل اهتامم لدى الكثريين ،فهي هل يمكن القول بأن النبي حني
نجاحا يف جهوده؟ هل يمكن عقد األمل عىل هذه النتيجة؟
ً يدخل ساحة الدعوة سيحقق
ما هي القاعدة العامة يف هذا املجال؟
هناك من يقول :أينام انطلق نداء يدعو إىل احلق فإنه ُقرب يف مهده ومل حيقق هدفه .والتاريخ
يتحدث عن عدم بلوغ األنبياء أهدافهم .مل يستطيعوا أن حيكّموا احلق ويزهقوا الباطل.
وإذا كان األنبياء غري قادرين عىل إعالء كلمة احلق فام شأننا نحن؟! البدّ أن نرتك ساحة
احلق إىل نصابه!! هذا هو املنطق الذي يسعى الطغاة إىل النضال ،وننتظر ً
عامل غيب ًيا يعيد ّ
ترسيخه يف األذهان ،كي ال ينهض بوجههم ُمطالب باحلق.
n222مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
العربدات التي نسمعها من أبواق اجلبارين تعزف عىل هذه النغمة .حمور خطاب هذه
األبواق يدور حول عدم إمكان انتصار أية هنضة تقف بوجه الظاملني .تتحدث عام يمتلكه
الطواغيت من قوة ضاربة ال تُقهر! واملعارضون ال يمتلكون شي ًئا!!
مر التاريخ.
وليس هذا خطاب طواغيت اليوم فحسب ،بل كنا نسمع هذه النغمة عىل ّ
ً
وبطشا بمعارضيه ،لكنه كان اقتدارا وقوة
ً املنصور العبايس كان أكثر خلفاء بني العباس
يواجه معارضة شديدة من حممد النفس الزكية وأخيه إبراهيم ومها ابنا عبداهلل املحض1وكان
املنصور يشيع بني معارضيه من أهل بيت رسول اهلل األساطري عن قدرته وقوته حتى أشاع
أنه يملك مرآة يستطيع هبا أن يعرف مكان اختفاء حممد وإبراهيم و َم ْن يو ّفر هلام املكان
كأسا
اآلمن .وهذا يشبه ما كان يشيعه احلاكم اإليراين مجشيد يف العهود القديمة بأنه يملك ً
يرى فيها العامل كله!!
ح َلة الرسالة
جبابرة العامل كانوا يو ّدون من أعامق قلوهبم أن يرسخ يف ذهن الناس بأن َ َ
معرضون للهزيمة ال حمالة ،وأنه ال توجد إطال ًقا قوة غيبية تساندهم وتساعدهم،
اإلهلية ّ
كل ذلك من أجل أن يبثوا روح اليأس يف أتباع هذه الرساالت ،هل األمر يف الواقع هبذه
الصورة؟ هل إن سنن التاريخ تقيض بفشل السائرين عىل طريق األنبياء؟ نستنطق القرآن
الكريم يف هذا السؤال ،ثم نعود إىل نصوص التاريخ لتكون شاهدة عىل ما نقول.
القرآن الكريم يع ّلمنا أن كل واحدة من ّ
النبوات كان هلا دور وفاعلية يف سلسلة النبوات،
إضافة إىل أهنا دفعت بالبرشية خطوة إىل األمام ،وهذا ما تؤيده وثائق التاريخ .ليس األمر
كام كان يروج له املنصور العبايس وأمثاله من طواغيت التاريخ بأنه ال يمكن للناس أن
حق أن ينبسوا ببنت شفة أمام قوى
يقفوا بوجه القوى املتسلطة ،وبأن الناس ليس هلم ّ
الضالل املتحكّمة .بل العكس هو الصحيح ،األنبياء حققوا نجاحات يف وقتهم .وهكذا
أتباع األنبياء يستطيعون أن حيققوا النجاحات بشكل مؤكد ،ولكن برشطني .وإذا حتقق
1ـ عبداهلل بن احلسن املثنى املعروف باملحض ،سمي باملحض ألنه علوي خالص من األب ومن األم فهو ابن احلسن املثنى بن
اإلمام احلسن وأمه فاطمة بنت اإلمام احلسني .ولداه حممد وإبراهيم عارضا املنصور العبايس ،واختفيا عن األنظار ،وبذلك
أيضا بأمر املنصور يف سن اخلامسة والسبعني سنة 145هـ.
تعرض عبداهلل للسجن ،ثم ثار ولداه وقتال ،وقتل عبداهلل ً
النبوة (223n )1
انتصار ّ
هذان الرشطان فالنرص حتمي ،وليس من الرضوري أن يتحقق هذا االنتصار بمعجزة.
وما مها الرشطان؟
األول :اإليامن ،العقيدة الواعية ،إيامن مقرون بالتزام ،ومقرون بالسعي واحلركة.
الثاين :الصرب ،ويعني املقاومة ،والثبات يف الساحة ،وعدم ترك امليدان يف اللحظات احلساسة
واخلطرة.
النبي وهزيمة أمام طاغوت زمانه فذلك يعود إىل أن أتباعه
متى ما رأيتم تراج ًعا يف مهمة ّ
انتصارا
ً مل يكونوا يتح ّلون باإليامن الكايف أو بالصرب الالزم .ومتى ما رأيتم أن احلق حقق
فذلك بفضل إيامن منارصيه وصربهم .وهل لذلك شاهد من القرآن الكريم؟ نعم.
أذكر لكم اليوم آيات تشكل القاعدة الفكرية ملا ذهبنا إليه ،وثمة آيات كثرية أخرى يف هذا
املوضوع.
ُ َ َ َ َ ُ َ َ َ
ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َ
ین) 1هذه اآلية حمكمة يقول سبحانهَ ( :و لا ت ِه ُنوا َو لا ت ْح َزنوا َوأ ُنت ُم الأ ْعل ْو َن ِإن
وليست متشاهبة ،وهي نص قرآين ،وليست رواية يعرتهيا الشك يف صحتها .نعم ،أنتم
األعلون ،وأنتم املنترصون عىل عدوكم ،وأنتم الذين ستكونون قادة البرشية ،عىل رشط
أن تكونوا مؤمنني.
قد تقولون :إن اإلمام الصادق صلوات اهلل عليه جاهد ضد طاغوت زمانه لكنه مل يستطع
كثريا من أتباعه كانوا مثيل ومثلك
أن يستلم زمام قيادة جمتمعه .نعم ،وذلك يعود إىل أن ً
ينقصهم الصرب الكايف واإليامن الكايف .أنتم تريدون أن حيقق اإلمام الصادق هدفه خال ًفا
للسنن اإلهلية يف هذا الكون! ال يمكن أن حيدث ذلك .وهذا دليل عىل أن النرص ال يأيت
بمعجزة .وهكذا األمر بالنسبة لإلمام موسى بن جعفر (عليه السالم) ،مل يكن أتباعه
أيضا إن كان األمر هبذا الشكل ال
حيملون ما يكفي من شحنة اإليامن والصرب .واليوم ً
يتحقق لإلسالم نرص .أ ّما لو كنّا اليوم كام كان املسلمون يف عرص رسول اهلل حيث اإليامن
الراسخ الذي ال يتزعزع ،وحيث الصرب الذي تصغر أمامه مالئكة السامء ،الصرب الذي
ور ُسله حيمل بشائر النرص .أي إنه سبحانه وعد أنبياءه وحاميل
ذكرت أمس أن َوعْدَ اهلل ألنبيائه ُ
مسؤولية األمانة بالنرص يف هذه احلياة الدنيا عىل أعدائهم ،وبالثواب واألجر يف األخرة.
صت املوضوع يف حمورين :حمور انتصار الرهط الكريم من األنبياء
وحول انتصار األنبياء خلّ ُ
بمجموعهم ،ومثلت لذلك بدور املعلمني الذين يبدأون بتعليم الطالب يف مرحلته التمهيدية
ثم يسلموه معلمني يف املرحلة االبتدائية ،وهؤالء يسلمونه إىل معلمني يف املرحلة الثانوية،
وهكذا يتدرج ليبلغ أعىل املراحل الدراسية .معلم املرحلة التمهيدية مل يبلغ بالطالب مرحلة
الكامل العلمي ،لكنه أدى مهمته وقام بدوره املطلوب.
مثال آخر طاملا ذكرته من قبل .افرتضوا أن ِحال ً
ثقيل جيب أن ننقله إىل نقطة وأرضب هلذا ً
تبعد 1000مرت ،وهذا احلمل ال يطيق أحد أن ينقله إىل كل هذه املسافة ،وال يمكن أن حيمله
جمموعة من الناس ،بل البد أن حيمله واحد .فامذا العمل؟ يأيت واحد من األقوياء فيحمله
رتا ويأيت الثالث والرابع واخلامس
إىل مسافة 10أمتار ،ثم يأيت آخر فينقله إىل مسافة 20م ً
يقر به مسافة إىل أن يصل احلمل إىل النقطة املطلوبة .لقد أ ّدى كل واحد
و ...وكل واحد ّ
n232مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
مسؤوليته يف محل هذه الرزمة ،وإن مل يوصلها إىل هدفها املطلوب .لقد ّ
وف بمسؤوليته وإن
ضحى بنفسه وسط الطريق من أجل أداء املهمة .وهذا هو شأن األنبياء (عليهم السالم)،
ّ
رقي البرشية .نوح (ع) قطع ،خالل ألف سنة إالّ مخسني كل منهم قطع شو ًطا عىل طريق ّ
وضحى نفسه عىل طريق الدعوة ،ثم جاء ِم ْن بعده َم ْن قطع شو ًطا
ّ عا ًما من عمره ،شو ًطا
آخر ،ثم وصلت الرسالة إىل خاتم األنبياء(ص) حيث بلغت األمانة حدً ا بإمكاهنا أن تواصل
ْب األنبياء بمجموعه من أوهلم
الطريق ،إذ وصلت البرشية إىل س ّن البلوغ .من هنا فإن َرك َ
إىل خامتهم قد حالفه التوفيق يف أداء املهمة .ثم يصل الدور إىل آخر سفري إهلي وهو املهدي
املنتظر (عليه السالم) .وهو الذي يوصل األمانة إىل آخر مراحلها املرسومة .إنه يواصل
عمل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والنبي اخلاتم واألئمة من أهل البيت .وبذلك تكتمل
مسرية األنبياء وتتحقق آماهلم مجي ًعا .فال فشل إذن ألنبياء اهلل رغم كل ما واجهوه يف حياهتم
من عقبات ومن أذى ومصائب.
انتصارا آخر إضافة إىل ما
ً وثمة موضوع آخر تناولناه أمس وهو إن بعض األنبياء ،حققوا
قي البرشية ،استطاعوا أن يقيموا جمتم ًعا عىل أساس الفكر
قطعوه من شوط عىل طريق ر ّ
التوحيدي .النموذج الواضح لذلك ما قام به نبينا عليه أفضل الصالة والسالم .فقد أقام
أيضا عيسى عندما آمن به إمرباطور
يف املدينة جمتم ًعا ونظا ًما وفق املرشوع اإلهلي .ومثله ً
الروم ،وهكذا إبراهيم وسليامن قد نجحوا يف إقامة جمتمع توحيدي يسوده نظام توحيدي.
غري أن بعض األنبياء مل حيالفهم التوفيق يف هذا املجال .ما هو السبب؟ السبب يعود كام
ذكرنا أن رهطهم مل يكونوا عىل الدرجة املطلوبة من اإليامن والصرب .متى ما كان قوم النبي
متح ّلني باإليامن والصرب فقد حققوا النرص عىل أعدائهم وكُتب هلم الفتح ،ذلك ألن دعوة
األنبياء تقوم عىل احلق ،واحلق منترص ال حمالة ألنه ينسجم مع فطرة الكون وطبيعته.
َ َ ْ َ ََ
واآلية التي تلوناها أمس تؤكد عىل حتمية انتصار جبهة احلقَ ( :ولق ْد َس َبقت ك ِل َم ُت َنا ِل ِع َب ِادنا
ون) 1لو شاهدتم أن دعاة كلمة ند َنا َل ُه ُم ْال َغال ُب َ
ون َ #و إ َّن ُج َ ین #إ َّن ُه ْم َل ُه ُم ْال َم ُ
نص ُور َ ْال ُم ْر َس ِل َ
ِ ِ ِ
احلق يف مقطع زماين كانوا مغلوبني فاعلموا أهنم مل يكونوا جند اهلل ،أي مل تكن خصائص
جند اهلل متوفرة فيهم .حني تتوفر مواصفات جند اهلل يف جمتمع فالنرص حليفه ،وإن مل تتوفر
فالفشل قرينه.
ملخص حديثنا هو متى ما كان رهط النبي متح ّلني باإليامن التام وكانوا ثابتني يف مواقفهم
احل ّقة فإهنم منترصون ال حمالة .ذكرت لكم أمس قول ذلك الرجل الذي كان يويص
املناضلني يف احلركة الدستورية اإليرانية املعارصة .كان يوصيهم بالنضال يف كل حال،
وإذا أيقنوا باهلزيمة ومع ذلك واصلوا فإهنم عندئذ سينترصون .اآلية الكريمة تقارب هذا
َ َ ُ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ
املفهوم إذ تقولَ ( :حتّى ِإذا ْاست ْیأ َس ُّالر ُس ُل َوظ ّنوا أن ُه ْم ق ْد ك ِذ ُبوا َج َاء ُه ْم ن ْص ُرنا) .1حني تنسدّ
الطرق أمام السائرين إىل اهلل ،ويظنون أن اهلل مل َي ِعدهم بالنرص ،ويرون تكالب األعداء
عليهم ،ومع ذلك حيافظون عىل استقامتهم ،فإن نرص اهلل حليفهم.
مشوه .يرون أن احلركات الداعية إىل
الذين ال يعرفون منطق القرآن يقرأون التاريخ بشكل ّ
احلق قد فشلت .يرون استشهاد الثائر زيد بن عيل 2والثائر حممد بن عبداهلل النفس الزكية،3
وشهادة حسني بن عيل احلسني شهيد 4فخ قرب املدينة املنورة مع كل أصحابه ،ومقتل
إبراهيم بن عبداهلل 5شقيق حممد النفس الزكية يف العراق ،فيستنتجون من ذلك أن أية هنضة
داعية للحق أمام الباطل مآهلا الفشل .وذكرت أن هذه القراءة للتاريخ هي ما يرومه الطغاة
واملتجربون وما يستسيغونه ويروجون له ،ويدعون اهلل أن يكون األمر عىل هذا النحو!!
لو رأينا أن زيد بن عيل قد استُشهد فال يعني ذلك أن دعوة احلق مآهلا إىل اهلزيمة .بل جيب أن
نفهم ّ
أن دعوة احلق بحاجة إىل سعي وجهد وعمل .ال جيوز لنا أن نفهم بأننا منترصون ألننا
حق ،بل البد من السعي واملثابرة واملواصلة والصرب وبذل اجلهد وتقديم التضحيات.
فقط عىل ّ
زيد بن عيل كان عىل حق ،واإلمام الصادق(ع) أ ّيد قيامه يف زمن هشام بن عبدامللك األموي،
لكن الذي حدث هو أن مج ًعا من أصحابه قد تأثروا بالدعايات املسمومة ألعدائه فخذلوه
وتركوه وحيدً ا .وهذا درس لنا يعلمنا أن الدعوة ــ وإن كانت عىل حق ــ فإهنا قد تتعرض
للهزيمة إذا خذهلا أصحاهبا ،وإذا مل يصمدوا ويصربوا يف سبيل هدفهم .أ ُيعقل أن نرى
انتصارا بسبب ما يبذله
ً الدعوات التي ال تنسجم مع سنن الكون وطبيعة اإلنسان حتقق
دعاهتا من جهود ،أما دعوة احلق املدعومة بالسعي والصرب واملواصلة فإهنا ال حتقق
هدفها؟!! ما هذا الكالم السخيف الباطل.
أذكر لكم يف هذا الصدد خطبة لإلمام أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب(ع) ذكرهتا يف مناسبات
متعددة حيث يقول:
«ولقد كنّا مع رسول اهلل نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعاممنا ،ما يزيدنا ذلك إالّ إيامنًا
العدو .ولقد كان الرجل
ّ وتسليم ومض ًيا عىل ال َّلقم وص ً
ربا عىل مضض األمل وجدً ا يف جهاد ً
عدونا يتصاوالن تصاول الفحلني يتخالسان أنفسهام أهيام يسقي صاحبه
منّا واآلخر من ّ
الكبت وأنزل علينا النرص ،ول َعمري لو كنّا
َ بعدونا
ّ كأس املنون .فلام رأى اهلل صدقنا أنزل
اخرض لإليامن عود».1
ّ نأيت ما أتيتُم ما قام للدين عمود وال
اإلمام يتحدث عن ذوبان املجاهدين مع رسول اهلل يف املبدأ ،ال يأبون يف ذلك أن يقتلوا
أقرب الناس إليهم إذا كانوا يف جبهة املحاربني الكفار ،وال يزيدهم ذلك إالّ اإليامن
حتمل اآلالم واجلدّ يف اجلهاد .وقد
والتسليم واالستمرار يف حتمل الصعاب والصرب عىل ّ
رصاع حياة أو موت .ولقد واصلنا اجلهاد حتى رأى اهلل صدقنا،
َ عدونا
كان الرصاع مع ّ
فقمع سبحانه عدونا وم ّن علينا بالنرص.
وعبارة «واستغفر لذنبك» ال تعني أن النبي(ص) قد أذنب ،فهو معصوم بنص الكتاب وحكم
العقل ،لكنها الدعوة إىل ذكر اهلل واستغفاره والتسبيح بحمده آناء الليل وأطراف النهار.
ونأيت إىل آيات سورة األنبياء ،وأوصيكم أن متعنوا النظر يف آيات هذه السورة .ففيها التأكيد
املتواصل عىل حتمية انتصار األنبياء ،وعىل سوء عاقبة أعدائهم .تذكر السورة قصة انتصار
موسى واندحار أعدائه ،وقصة إبراهيم وهزيمة القوى املعاندة لدعوته ،وقصة نوح وقصة
سليامن و ..تريد بذلك بيان سنّة التاريخ يف انتصار دعوة احلق وفشل القوى الرجعية
املضادة لدعوة األنبياء.1
ون َ #و َما َج َع ْل َن ُ
ك ُنت ْم َلا َت ْع َل ُم َ ُ َْ ْ َ ْ َُ َ ْ َ ّ ْ ً ُّ َ ْ ْ َ َ َ َ َّ
اه ْم الذك ِر ِإن ( َو َما أر َسلنا ق ْبلك ِإلا ِر َجالا ن ِوحی ِإلی ِهم فاسألوا أهل ِ
َّ َ َ ك ُانوا َخالد َین ُ #ث َّم َص َد ْق َن ُ َ َ ً َّ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ َ َ َ
اه ْم َو َمن نش ُاء َو الو ْع َد َفأ َ
نج ْی َن ُ اه ُم َ ِِ جسدا لا یأكلون الطعام وما
ون). ین َ #ل َق ْد َأ َنز ْل َنا إل ْیك ْم ك َت ًابا فیهِ ذك ُرك ْم أفلا َت ْعقل َ
ُ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ فر سْ ُ
م
ََْ َْ ْ
ال أهلكنا
ِ ِ ِ ِ ِ ِِ
«صدَ قناهم الوعدَ »« ،أنجيناهم»« ،أهلكنا املرسفني».
يف اآلية مفردات هتمنا يف هذا البحثَ :
أيضا هلا داللة عىل
وعزكم وجمدكم .وهذه املفردة ً
ثم يف هذا الكتاب «ذكركم» أي رشفكم ّ
مقصد الدين،وفيها ّ
حث عىل الصرب واملواصلة لبلوغ ذلك املقصد.
ثم اآلية احلادية عرشة تقول:
َ ْ َ َ
كانَ ْت َظ ِال َم ًة َوأ َنشأ َنا َب ْع َد َها َق ْو ًما َآخر َ
ین) كثرية هي املجتمعات التي ََْ َ
( َوك ْم ق َص ْم َنا ِمن قریةٍ
ِ
ظلمت وكان عاقبتها اإلبادة والفناء ،و«قصمنا» تشري إىل شدة ما نزل هبؤالء من العذاب.
ويف اآلية إشارة إىل اإلمداد الغيبي اإلهلي الذي يأيت يف اللحظات احلاسمة وفق سنن الكون،
ال وفق ما يسود الذهنية الكسولة التي تنتظر أن تأيت يد الغيب فتقيض عىل األعداء ،دون
مراعاة لسنن هذا اإلمداد الغيبي.
هذه املجتمعات الظاملة يف نظامها ،ويف عالقاهتا االقتصادية واالجتامعية ُأبيدت ثم جاء
بعدها قوم آخرون.
ُ
اك ِنك ْم َ
س َ
م وَ یهِ ف مْ ون َ #لا َت ْر ُك ُضوا َو ْارج ُعوا إ َلى َما ُأ ْتر ْف ُ
ت ( َف َل َّما َأ َح ُّسوا َب ْأ َس َنا إ َذا ُهم ّم ْن َها َی ْر ُك ُض َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َخ ُ
لق الساموات واألرض ال يقوم عىل قاعدة اللهو والعبث ،نعم لو شاء اهلل أن يفعل ذلك
لفعل ،ولكن ال يفعل ذلك أبدً ا ،ألن رب العاملني ليس يف عمله عبث وال هلو .فهو سبحانه
خلق الكون هلدف معني ،ومسرية الساموات واألرض تتجه نحو ذلك اهلدف ،وهو احلق.
وهذا ما مل ترصح به اآلية الكريمة ،بل يفهم منها ذلك بالتد ّبر .والقرآن ال يرصح غال ًبا
بأمور يمكن فهمها وتع ّقلها .وبعدها تقول اآلية:
الو ْی ُل م َّما َتص ُف َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ َ ٌ َ ُ ْ ّ ََ ْ َْ ُ
ون) .وهذه سنّة ِ ( َب ْل نق ِذف ِبال َح ِق على ال َب ِاط ِل ف َید َمغه فـ ِـإذا ه َو ز ِاهــق َولك ُم َ ِ
الكون ،أن يصري احلق قذيفة تقع عىل رأس الباطل ،فينترص احلق ،و ُيزهق الباطل .عندئذ
سيلحق بكم اهلالك ملا ذهبتم إليه من باطل.
لتعب بشكل مجيل رائع عن هذه احلقائق ،حقائق حتمية انتصار احلق
ثم تتواىل اآليات ّ
عىل الباطل ،ولكن فهم هذه اآليات بحاجة إىل األنس بالقرآن .وبعدها تتحدث اآليات
عن خلق الساموات واألرض مؤكدة عىل أن رب العاملني احلاكم يف الكون البدّ أن تشمل
حاكميته حياة اإلنسان واملجتمع ،ومن يقف بوجه هذه احلقائق التي نادى هبا األنبياء
فمصريهم إىل الزوال.
n238مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ثمة مسألة البد من تناوهلا يف مباحث النبوة كي تتحول هذه املباحث إىل حالة عملية .وهذه
املسألة يف الواقع ضامن لكي تتحول أحاديثنا السابقة إىل مرشوع عميل يف احلياة .وما هي
هذه املسألة؟ إهنا االلتزامات التي ترتتب عىل شهادة «أن حممدً ا رسول اهلل».
يقر هبا اإلنسان دون أن يرتتب عليها التزام عميل ،كأن تعتقد أن زهرة النرجس
ثمة أمور ّ
أطيب رائحة من زهرة القرنفل ،أو العكس ،هذا االعتقاد ال يستتبعه التزام عميل ،وكأن
يشهد املسيحي بأن بابا الفاتيكان هو فالن أو فالن ،هذا ال يؤثر يف حياة الشخص وال يلزمه
أية مسؤولية عملية.
ُ
رسول اهلل» ويرفع هذا الصوت يف املآذن يوم ًيا ولكن حني نقول يف تشهدنا «أشهد أن حممدً ا
مرات ،أال يلقي ذلك مسؤولية والتزا ًما عىل عاتق املؤمنني هبذه الشهادة؟
بنبوة حممد بكلامهتا القليلة،
اجلواب :بىل ،إهنا مسؤولية مواصلة طريق النبي ،إن الشهادة ّ
تستتبعها مسؤولية ثقيلة.
هناك من خيال أن ترديد عبارة الشهادة بأن حممدً ا رسول اهلل باللسان يكفي للخروج من
n242مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
دائرة عذاب اهلل ووقوعه يف دائرة الرمحة ،ثم كلام أ ّدى الواجبات يقرتب من معدن الرمحة،
وإن مل يؤ ّدها فهو ،عىل أي حال ،يف منطقة الرمحة!! هكذا خيال بعضهم.
حصيلة هذا التفكري هو اكتفاء كثريين بأهنم مسلمون باجلنسية ال أكثر .وهذا خطأ غري
مقبول .اإليامن بالنبي يستتبعه التزامات ،وكلام كان التقيد هبذه االلتزامات أكثر كان اإليامن
أصح .إذا نطق اإلنسان بشهادة نبوة حممد(ص) بلسانه ،أو حتى آمن هبا يف قلبه ،ومل يلتزم
باملسؤوليات التي تستتبع هذه الشهادة ،فهو ليس بمؤمن واقعي ،وإن كان هذا اإلنسان
مؤمنًا عىل الظاهر .طب ًعا من نطق بالشهادة فهو مسلم له ما للمسلمني وعليه ما عىل
املسلمني ،عىل القول املعروف ،لكننا لسنا يف صدد احلديث عن إسالم هذا الشخص أو
عدم إسالمه ،بل عن إيامن هذا الشخص أو عدم إيامنه .وفق معايري القرآن :املؤمن من التزم
باملسؤوليات التي يوجبها اإليامن بالنبوة.
ما هذه االلتزامات؟ إهنا عملية اهلدم والبناء التي مارسها رسول اهلل(ص) .هل إن ما هدمه
الرسول من نظام جاهيل ظامل ٍ
باق اليوم؟ وهل النظام اإلنساين العادل الذي أقامه هو قائم
لدي
اليوم؟ إذا كان اجلواب بالنفي ،فالبد من السعي لنقوم بام قام به النبي .إذا مل تكن ّ
عمن يشاركني يف هذه املهمة.
القدرة عىل ذلك فألقطع خطوة عىل هذا الطريق ،وألبحث ّ
إذا مل أستطع إكامل البناء فألضع لبنات لتكون مقدمات للمرشوع الكبري.
البد من االلتزام هبذه املسؤولية ،وإالّ فإن شهاديت بالرسالة كاذبة سطحية .إهنا تشبه شهادة
َ ُ َ َّ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ ْ ُ َّ َ َ ُ َ
اهلل َی ْعل ُم ِإن َك ل َر ُسول ُه املنافقني يف قوله تعاىلِ ( :إذا َج َاءك ال ُمن ِافقون قالوا نش َهد ِإنك ل َر ُسول ِ
اهلل و
ون) .1إهنا شهادة باللسان ،وقلوهبم تأبى ذلك. ین َل َكاذ ُب َ
اهلل َی ْش َه ُد إ َّن ْال ُم َن ِاف ِق َ
َو ُ
ِ ِ
االلتزام بالرسالة إقامة حياة بالشكل الذي أراده اإلسالم .الرسول يستهدف صياغة عامل
وفق املرشوع اإلسالمي .وإذا رأيتم أن البرشية يف زمانكم هذا ال تعيش وفق الصورة التي
رسمها رب العاملني :رأيتم أن اإلنسانية حمرومة من العيش يف جمتمع إهلي :رأيتم أن املدارس
األرضية تتقاذف البرشية يمنة ويرسة ،وأن اإلسالم معزول يف زاوية من القلوب والعقول،
فإن مسؤوليتكم التي ترتتب عىل الشهادة برسالة النبي تتطلب أن تسعوا إىل إقامة حياة
بالشكل الذي أراده اإلسالم ،هذه مسؤولية شهادة النبوة والتزاماهتا.
حني يأيت النبي إىل املجتمع اجلاهيل حيدث االصطفاف يف هذا املجتمع يف جبهتني ،صف
يتبع النبي وهيتدي هبداه ،واآلخر يأبى هذه اهلداية .وألُم ّثل بقطار يتجه يف منحدر نحو
السقوط ،يأيت النبي لوقاية هذا القطار من السقوط ،بعض العربات تستمر يف انحدارها
وسقوطها ،وبعضها تنجو بسبب وقاية هذا النبي .أي حيدث اختالف بني هذه العربات
فتكون عىل قسمني قسم قد نجا ،وقسم آخر يتجه إىل هاوية اهلالك.
النبي يأيت إىل املجتمع اجلاهيل ليحدث جبهة جديدة يف هذا املجتمع ،وهي جبهة املهتدين
ومعهم النبي ،واجلبهة األخرى هم األعداء واملعارضون واملعاندون للنبي .يأيت يف البداية
ينضم إليه بالتدريج املهتدون ليكونوا ص ًفا مقابل صف الضالني وهبذا الشكل
ّ وحيدً ا .ثم
حيدث االصطفاف.
ما هو هدف النبي؟ هدفه إنقاذ املجتمع وتوفري سعادته يف هذه الدنيا ويف اآلخرة .فريق
حق فيو ّد
يلتحق بالنبي ،وفريق يعارضه .ثم هناك فريق آخر يرى أن اجلبهة اإليامنية عىل َّ
أن يلتحق هبا ،لكنه يرى أنه إذا التحق هبذه اجلبهة فإنه سيكون يف مواجهة مع جبهة الباطل
وسيتحمل تبعات هذه املواجهة ومشاكل هذه املواجهة .ماذا يفعل؟ خيتار مكانة وس ًطا بني
اجلبهتني ،حيسبها أهنا وقوف عىل التل وأهنا مكانة السالمة والراحة!! تُرى هل سيدخل هذا
الفريق اجلنة مع أتباع النبي؟! مثل هؤالء األفراد رأيناهم يف زمن اإلمام عيل(ع) .واإلمام
يقول بشأن هؤالء« :الساكت أخو الرايض ومن مل يكن معنا كان علينا» ،1أي الساكت أمام
الباطل كالرايض به .والرايض بعمل قوم فهو منهم.هذا الساكت هوجزء من جبهة الباطل.
ليس هناك سوى أن تكون مع جبهة احلق أو أن تكون يف جبهة الباطل« :من مل يكن معنا
كان علينا» ،ليس هناك مكان آخر بني الصفني.
كان هناك يف جيش اإلمام عيل(ع) من ترك جبهة اإلمام عيل يف مواجهتها جلبهة معاوية،
1ـ عن أمري املؤمنني(ع) قال ألحنف بن قيس «الساكت أخو الرايض ومن مل يكن معنا كان علينا» بحار األنوار ،أبواب املواعظ
واحلكم ،باب مواعظ أمري املؤمنني(ع).
n244مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
وغادر إىل مناطق الثغور كي ال يتورط ــ كام يدعي ــ يف قتل املسلمني!! إنه يف الواقع
عيل وجبهة
حب العافية واخللود إىل الراحة .إذ إن طبيعة االصطفاف بني اجلبهتني (جبهة ّ
ّ
معاوية) كانت واضحة كل الوضوح بأهنا مواجهة بني احلق والباطل .هؤالء كانوا عىل
معرفة بطبيعة املواجهة بني اجليشني ،مع ذلك فقد تركوا جبهة احلق ،ومن مل يكن مع احلق
فإنه مع الباطل ال حمالة.
املواجهة بني عيل ومعاوية مل تكن من نوع تلك املواجهات التي حتدث بني اجلبهات
املتصارعة عىل مراكز القدرة والقوة والسيطرة .إهنا مواجهة بني احلق والباطل بامتياز ،ومن
مل يكن مع احلق فهو مع الباطل ،وإن مل يلتحق بجبهة الباطل ،حتى وإن كان قد اختار موق ًعا
حيسب أنه بني احلق والباطل .إنه موقع طالبي العافية واملهزوزين.
مثل ذلك حدث مع احلسني بن عيل(ع) حني دعا أحدهم ليلتحق بجيشه ،فقال له يا ابن
رسول اهلل هذا سيفي وهذا فريس أقدمه لك ،لكنه مل يشارك يف جبهة احلسني .ولذلك فإن
املعلقني عىل هذه احلادثة التارخيية يقولون عن ذلك الرجل :إنه مل حيظ بالسعادة .ح ًقا إنه
أعرض عن سعادته.
حتمل
نعم ،إن الشهادة بالنبوة ترفض اجللوس عىل التل توق ًيا حلدوث مشاكل وابتعا ًدا عن ّ
َُ
الصعاب ،البدّ أن تقرتن هذه الشهادة بموقف عميل يتناسب مع عمل النبي(ص)َ ( :یا أ ّی َها
ند اهلل َأن َت ُق ُولوا َما َلا َت ْف َع ُل َ
ون).1 ك ُب َر َم ْق ًتا ع َ
َ َُ ُ َ َ َْ ُ َ َّ َ َ ُ
ال ِذین آ َمنوا ِل َم تقولون َما لا تف َعلون #
ِ ِ
ملاذا أقول إين من أتباع النبي بينام أنا من أتباع أيب جهل؟! ملاذا أقول أنا من أتباع عيل وأنا من
مدرسة معاوية؟!
ما الفرق بني خطاب عيل وخطاب معاوية؟ تصوروا أن اخلطابني قائامن يف جمتمعنا اليوم.
عيل يدعو إىل حتمل املسؤوليات اجلسيمة وعدم اخللود إىل البطر واالسرتخاء واالستغراق
يف امللذات الشخصية ،يدعو إىل نبذ السقوط يف أوحال الفساد املايل واجلنيس ،وأن ال
تأخذ اإلنسان يف اهلل لومة الئم ،وعدم التبذير ً
قرشا واحدً ا يف بيت مال املسلمني .عيل
هبذه املواصفات من الشدّ ة والد ّقة واالنضباط ،ويف مقابله خطاب معاوية الذي يدعو إىل
االستزادة من امللذات اهلابطة ،ويغدق األموال الطائلة عىل أي شخص يقف يف اجلبهة
املضادة لعيل ويمتدح معاوية.
طيب إىل أي واحد من االجتاهني تذهبون؟ هل أنت مستعد يف هذه الربهة التارخيية أن
صف من يك ّلفك جهدً ا ومسؤولية وحركة؟ هل أنت مستعد لإلعراض ّ
عمن ّ تقف إىل
بيده األموال والقدرة وسبل توفري الراحة ورغد العيش من أجل أن تقف مع صاحب
املسري األول؟ إذا كان لك ذلك االستعداد فأنت حمظوظ ،ولو كنت يف زمن عيل لكنت من
شيعته .أما لو كان قلبك خيفق لنيل الراحة ونِ َعم العيش والتفاخر بام ال يريض اهلل ،فاعلم
ليل وخفية ،وو ّدعت أهلك وقلت هلم :أنا بالشام يف أنك لو كنت هناك لركبت فرسك ً
يممت وجهك صوب الشام وتركت عل ًيا وحيدً ا ،كام فعلت بعض الوجوه
انتظاركم!! ثم ّ
البارزة يومذاك.
هناك من التابعني من ُعرف بروايته عن فضائل اإلمام أمري املؤمنني عيل(ع) ومن كان وال ًيا
ترصف بأموال بيت مال املسلمني خال ًفا للرشع ،واجته هبا إىل
لإلمام عيل عىل البرصة ،ثم ّ
مكة!! هل نعترب هذا من املوالني لعيل؟! إنه االمتحان الذي يظهر خبيئة اإلنسان و«عند
اإلمتحان يكرم الرجل أو هيان»« 1ويف تق ّلب األحوال تُعلم جواهر الرجال».2
أعود إىل حديثي وأقول :إن االلتزام بشهادة النبوة يقتيض اتباع النبي وحتمل مسؤوليات
السري عىل خطاه.
أبدأ بتوضيح معنى اآليات الكريامت 3التي تليت يف بداية اجللسة باختصار.
ُ َ َ َّ َ َ
اج ُر وا َو َج َاه ُدوا بأ َمو ِاله ْم َوأ ُنف ِسه ْم فی َ
َ
(إ َّن ّال ِذ َین َآم ُنوا َو َه َ
اهلل َوال ِذ َین َآووا َّون َص ُر وا أ ْول ِئ َك
یل ِ ب س
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ُ َ
َب ْعض ُه ْم أ ْو ِل َی ُاء َب ْع ٍض).
الذين آمنوا ،والذين هاجروا ،والذين جاهدوا بأمواهلم وأنفسهم ،ونرص وا ..يف زمن رسول
1ـ عن اإلمام أمري املؤمنني ،غرر احلكم ودرر الكلم ،الفصل الثاين واخلمسون ،ح .7
2ـ هنج البالغة ،رشح صبحي الصالح ،احلكمة .217
3ـ األنفال75 - 72 /
n246مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ً
وقليل موضوعنا اليوم يدور حول «الوالية» وما أطرحه اليوم إنام يقوم عىل أساس القرآن،
ما نرى تناول هذا املوضوع هبذه الصورة.
كلمة الوالية مطروقة يف أذهان شيعة أهل البيت ،ومقرونة بالقداسة واالحرتام ،ويدعون
ينجر عادة إىل والية اإلمام
اهلل أن يعيشوا عىل الوالية ويموتون عليها .احلديث عن الوالية ّ
أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب (عليه الصالة والسالم) ،لكني أريد اآلن أن أتناول املراحل
السابقة عىل ذلك ،أريد أن ّ
أستل مفاهيم الوالية من القرآن الكريم ،ألوضح عظمة هذا
وألبي ما يصيب املجتمع إن خال من الوالية.
ّ وسموه،
ّ املفهوم
يف ظل هذا التناول ستفهمون ملاذا قال اإلمام الباقر(ع)« :لو أن ً
رجل قام ليله وصام هناره
مجيع أعامله
وحج مجيع دهره ،ومل يعرف والية و ّيل اهلل فيواليه ،ويكون ُ
ّ وتصدّ ق بجميع ماله
بداللته إليه ،ما كان له عىل اهلل عزوجل حق يف ثوابه وال كان من أهل اإليامن».1
مسألة الوالية تتبع مسألة النبوة ،وليست منفصلة عنها ،بل هي يف الواقع بالنسبة إىل مسألة
1ـ الكايف ،كتاب اإليامن والكفر ،باب أخوة املؤمنني ،ح .2
n254مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
تتمتها وذي ُلها واخلامتة هلا ،وسنرى أن النبوة ستكون ناقصة بدون الوالية .لذلك من
النبوة ّ
الرضوري أن نعيد باختصار ما ذكرناه بشأن النبوة ،ومنها ننطلق إىل حديثنا عن الوالية.
والبدّ أن أذكر بداية أن طرح هذا املوضوع فيه كثري من الصعوبة .إذ احلديث عن الوالية
وفق ماجاء يف القرآن والسنة يواجه مشكلتني :األوىل أن خيتلط هذا احلديث بام يدور يف
األذهان بشأن هذا املوضوع ،والثاين أن يكون هناك شعور باالستغراب من ذلك .ولكني
أستعني باهلل وأطلب منكم املتابعة بدقة.
رسول اهلل يأيت إىل املجتمع من أجل تكامل اإلنسان ،وألن يتخ ّلق اإلنسان بأخالق اهلل،
وليتمم مكارم األخالقُ « .بع ْث ُت ألُمتّم مكارم األخالق» 1وما هو سبيله إىل حتقيق هذا
ّ
يؤسس معمل صناعة اإلنسان .وما هو هذا اهلدف؟ إنه يو ّفر ّ
اجلو الالزم لصناعة اإلنسانّ ،
املعمل؟ إنه املجتمع اإلسالمي الذي يسوده نظام إسالمي .وهذه هي املسألة األساسية التي
جيب أن تُفهم بد ّقة .عمل النبي يف التغيري ال يقترص عىل العمل الفردي والتوعية الفردية ،بل
أفواجا.
ً يقيم املجتمع الصالح ليدخل الناس يف دين اهلل
وما هي طبيعة املجتمع اإلسالمي؟ ليس هذا موضوع بحثنا ،ولكن نشري باختصار إىل
أنه املجتمع الذي تسود فيه حاكمية اهلل والقوانني اإلهلية .وإذا مثلناه بمخروط ،فإن رأس
املخروط هو اهلل ،وأدنى منه تقع البرشية مجعاء .يف املجتمع اإلسالمي نظام العالقات
ً
وتنفيذا االجتامعية واالقتصادية والسياسية واحلقوقية يقف وراءها الدين اإلهلي تعيينًا
وضامنًا.
املثال عىل مثل هذا املجتمع هو جمتمع املدينة املنورة الذي أقامه الرسول األكرم(ص) .كان
الرسول والفئة املؤمنة برسالته مقيمني يف مكة ،وحني تعرضوا للضغوط كان بإمكاهنم أن
يتفرقوا يف البالد ،ويامرسوا عبادهتم هناك .لكن هذا مل يكن يو ّفر هدف الرسالة .انتقلوا إىل
ّ
املدينة ليقيموا فيها املجتمع اإلسالمي ،حيث احلاكمية هلل ،وينوب النبي عن اهلل يف هذه
ً
وتنفيذا. تقريرا
ً احلاكمية
يف هذا املجتمع اإلهلي كل أمور املجتمع هي من اهلل ،وجتري داخل بيت اهلل ،ابتداء من
الصالة والتعليم والتزكية وجتييش اجليوش للجهاد .كان الرسول(ص) يعقد الراية ألسامة
بن زيد 1يف املسجد ،ثم يقول للمجاهدين« :انطلقوا باسم اهلل» ،2هناك يشحذ عزائمهم
ويبني هلم خارطة حركتهم ،ويف املسجد كان القضاء بني الناس ،وإدارة شؤون املجتمع
واقتصاده ،ومجع الزكوات .وبعبارة موجزة كانت يف املسجد تدار أمور الدنيا واآلخرة
حلا
بقيادة النبي .هذا هو املجتمع اإلسالمي .ويف هذا املجتمع يتوفر ملن يريد أن يكون صا ً
صالحه ،وملن ال يريد ذلك ال يستطيع إالّ أن يساير الصاحلني يف حركته.
َ يس له
ما ُي ّ
يف املجتمع غري اإلسالمي ال يتوفر ملن يريد الصالح ما حيقق إرادته .يريد أن حيافظ عىل
دينه ،يريد أن ال يتعامل بالربا ،تريد املرأة أن حتافظ عىل كرامة أنوثتها ،ولكن ذلك غري
ممكن بالشكل املطلوب .يف مثل هذا املجتمع هناك الكثري من العوامل والدوافع التي تبعد
اإلنسان عن ذكر اهلل .ويف املجتمع اإلسالمي خالف ذلك .وفر ٌة من العوامل تذكّر اإلنسان
باهلل ..من املسجد إىل السوق إىل اإلعالم إىل احلكومة إىل األرسة .كل تلك جتعل ذكر اهلل
سبحانه ح ًيا يف النفس .وتدفع اإلنسان ليقرتب من اهلل ويبتعد عن كل ما ينيس اهلل .لو أن
احلياة الرسالية املبدئية التي كانت قائمة يف زمن رسول اهلل قد استمرت بعد التحاق الرسول
بالرفيق األعىل لتحول ّ
جل املنافقني بعد نصف قرن إىل مؤمنني حقيقيني .ألن تلك احلياة
تطهر الناس من الشوائب والنفاق ومتأل قلوهبم باإليامن .هذه طبيعة املجتمع اإلسالمي.
ّ
وهلذا ُبعث األنبياء.
نعود إىل بحثنا يف موضوع الوالية .من الطبيعي أن النبي يف بداية عمله يتوجه إىل بناء
الكتلة املؤمنة التي تستطيع أن حتمل أعباء الدعوة ،وتأخذ عىل عاتقها مسؤولية إدارة
املجتمع اإلسالمي املرتقب ،إذ إن النبي يامرس أعامل البناء عن طريق العوامل الطبيعية.
ً
راسخا بالرسالة ،ومتحدة وعىل قلب واحد ،ومنشدة إنه بحاجة إىل مجاعة مؤمنة إيامنًا
إىل اهلدف الكبري ،ومتحركة نحو ذلك اهلدف بخطى ثابتة ،ومرتبية وفق هدي القرآن يف
1ـ أسامة بن زيد بن حارثة ،جعله رسول اهلل عىل رأس جيش ملحاربة الروم.
2ـ «انطلقوا باسم اهلل وباهلل وعىل ملة رسول اهلل» (سنن أيب داود ،كتاب اجلهاد ،باب يف دعاء املرشكني ،ح .2614
n256مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ْ َ ْ ْ ْ الدعوة ( ُا ْد ُع إلى َ
یل َر ِّب َك ِبال ِحك َمةِ َوال َم ْو ِعظةِ ال َح َس َنةِ ) ،1وال تأخذها يف اهلل لومة الئم.
ِ ب
ِ س ِِ
وهذه اجلامعة األوىل تعيش يف وسط املجتمع اجلاهيل .ولذلك البدّ من تو ّفر كل العوامل
الالزمة للـمـحافظة عىل هذه اجلامعة من الذوبان والتصدّ ع والتأثر بثقافة املجتمع اجلاهيل.
البدّ أن تكون مرتابطة منضبطة انضبا ًطا شديدً ا ،إذ إهنا أقلية أمام أكثرية ،واألقلية قد
تتصدع شخصيتها وهويتها أمام األكثرية ،وقد هتضمها األكثرية وتبيدها .ولذلك البدّ أن
يشدّ بعضها أزر بعضَ ،م َثلها كمثل مجاعة تريد أن تتسلق ً
جبل لتصل إىل قمته .يقال هلذه
اجلامعة متاسكوا وشدّ وا أحزمتكم مع بعضكم ،وخففوا أمتعتكم ،وهبذا الشكل إذا ز ّلت
قدم أحدهم يستطيع اآلخرون أن يمسكوا به كي يواصل الطريق .هذا هو حال اجلامعة
األوىل من املؤمنني .يشكلون مع بعضهم جبهة مرتاصة ،يأخذ بعضهم بيد البعض اآلخر.
وهل هلذه احلالة اسم يف القرآن واحلديث؟ نعم إنه الوالية ...الوالية.
مل نصل بعد إىل والية أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب (عليه السالم) وأن هذه الوالية
حصني 2كام ورد يف األثر .وال نزال يف املصطلح القرآين .فالوالية يف هذا املصطلح تعني
ارتباط جمموعة من األفراد يف جبهة واحدة ويف فكر واحد ،وضمن تيار واحد يتجه نحو
وحيصنون أنفسهم كي ال يذوبوا يف اجلبهة
ّ هدف واحد ،ويسعون م ًعا لتحقيق هذا اهلدف،
املعارضة املعادية .وبذلك يؤسس النبي جمتم ًعا ذا خصائص خمتلفة متا ًما عن خصائص
املجتمع اجلاهيل السائد ،ومتحصنًا متا ًما عن االنحياز إىل التيارات األخرى يف ذلك
جتهيزا ً
كامل بجميع ما حيافظ عىل وحدته وتالمحه وبام يبعده عن اخلالف ً وجمهزا
ً املجتمع،
والتفرق ،وهذه هي الوالية التي تضمن وصول اجلامعة إىل أهدافها املرسومة ،وبدوهنا ال
ّ
يمكن حتقيق ذلك.
ثم بعد أن تتسع هذه اجلامعة ،وتتشكل األمة اإلسالمية يف عصور تالية ،تبقى مسألة الوالية
تعرضت يف عصور تالية إىل سيطرة امللك العضوض،
هلا مكانتها يف املجتمع .فاألمة ّ
(عيون أخبار الرضا ،باب خرب نادر عن اإلمام الرضا ،ح )1
الوالية 257n
حصن
وتعرضت اجلامعة امللتزمة إىل االضطهاد والسجن والترشيد ،وكان العامل الذي ّ
هذه اجلامعة امللتزمة من السقوط واهلزيمة والرتاجع هو عامل الوالية حول حمور القيادة
التي واصلت رسالة رسول اهلل يف املجتمع ،أعني أئمة آل بيت رسول اهلل (عليهم السالم).
فقد بقي الرساليون مثل هنر زالل جيري يف املجتمع الذي ساده الكدر ولوثة الفساد وما
شاع من انحراف أيام خلفاء بني أمية وبني العباس.
هذا الذي ذكرناه هو ُبعد من أبعاد الوالية إنه االلتحام ،وهو جانب من جوانب هذا
املوضوع .وسنتعرض لألبعاد األخرى يف اجللسات القادمة إن شاء اهلل.
سنتطرق يف اجللسة القادمة إىل والية و ّيل اهلل ،ما معنى والية و ّيل اهلل؟ ما معنى والية أمري
املؤمنني عيل؟ ما معنى والية اإلمام الصادق؟ قد خي ّيل للبعض أن والية األئمة هي فقط
حب هؤالء األئمة ،وهل يوجد يف العامل من يعرف هذه الصفوة املقدّ سة وال حي ّبها ؟! كل
ّ
من يعرفهم حيبهم ،حتى الذين حاربوهم يف عرصهم كانوا عىل معرفة هبم ،ومل يكونوا
هلم أعداء ،بل كانوا حيبوهنم ،لكنهم حاربوهم ألطامع دنيوية .حني بلغ خرب وفاة اإلمام
الصادق إىل اخلليفة العبايس املنصور 1بكى ،ومل يكن يتظاهر بالبكاء ،إذ مل يكن هناك
داع هلذا التظاهر ،ألنه بكى أمام َخدَ مه وأمام الربيع حاجبه .لقد تأمل حقيقة لوفاة اإلمام
السم بأمر املنصور .حني وصله
ّ سم اإلمام وقتله ،لقد ُد ّس إليه
الصادق.ولكن من الذي ّ
اهتز وتأ ّثر .هل يمكن أن نعترب أن املنصور كانت له والية؟! وهكذا غريه من اخللفاء
اخلرب ّ
احلب واالحرتام ،غري أن هؤالء
ّ الذين كانوا يعرفون عظمة أئمة آل البيت ،ويكنّون إليهم
احلب .إذا فهمنا معنى الوالية عندئذ
ّ جمرد
مل يكونوا من املوالني هلم .الوالية أمر أكرب من ّ
جيب أن نرجع إىل أنفسنا ونرى هل نحن من املوالني ح ًقا؟! وسأبني معنى والية أئمة اهلدى
(عليهم السالم) وكيف يمكن أن نعتربهم أولياءنا وكيف نكون من املوالني هلم.
جرت العادة يف عيد الغدير أن يتصافح أتباع مدرسة أهل البيت وير ّددون املأثور املعروف
«احلمد هلل الذي جعلنا من املتمسكني بوالية عيل بن أيب طالب (عليه السالم)» وأنا أقول
السم إىل اإلمام الصادق ،وقمع ثورة حممد النفس الزكية وأخيه
ّ دس
1ـ املنصور ويل اخلالفة سنة 136بعد أخيه السفاحّ ،
إبراهيم وقتل أيب مسلم اخلراساين.
n258مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
إلخواننا :أخشى أن تكون العبارة كاذبة .قولوا« :اللهم اجعلنا من املتمسكني بوالية عيل
بن أيب طالب (عليه السالم)».
وسأمر عىل
ّ أعتقد أننا نستطيع أن نسمي سورة املمتحنة بسورة الوالية باملعنى الذي ذكرناه.
بعض آياهتا.1
َ
َ ُ ّ َ َ ُ َّ ُ َ ََ ُ ُ َّ َ(ب ْسم اهلل َّ
الر ْح َمن َّ
ك ْم أ ْو ِل َی َاء) أي :احذروا یم َ #یا أ ّی َها ال ِذ َین َآم ُنوا لا ت ّت ِخذوا عد ِوی و عدو
الر ِح ِ ِ ِ ِ ِ
أن يأخذوا مكاهنم يف قلوبكم وأن تعتربوهم بأهنم من جبهتكم ومن صفوفكم .بل انظروا
اليهم باعتبارهم يناصبون لكم العداء ويعارضونكم.
ْ ُ
ََّ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُُْ
كف ُر وا ِب َما َج َاءكم ِّم َن ال َح ّ ِق) ال جيوز أن متيل إليهم قلوبكم فتبعثوا (تلق َ
ون ِإل ْی ِهم ِبالمودةِ وقد
احلق.
هلم رسائل مو ّدة ،بينام هم كافرون بام أنزل اهلل إليكم من ّ
ْ ُ ُ
َ ُ َ َ َ ُ
ْ َ
ـاهلل َر ِّبك ْم) هؤالء بسبب إيامنكم باهلل وبرسوله
( ُیخ ِر ُجون الـ ّـر ُســول َو ِإ ّیــاكـ ْـم أن تؤ ِمنوا ِبـ ِ
خيرجون رسول اهلل وخيرجونكم من دياركم ،فال تتخذوهم أولياء.
ك ُنت ْم َخ َر ْج ُت ْم ِج َه ًادا فِی َس ِب ِیلی َو ْاب ِت َغ َاء َم ْر َضاتِی) إذا كنتم صادقني يف جهادكم ويف ابتغاء
ُ
( ِإن
مرضاة اهلل ،فال توالوا األعداء .طب ًعا اآليات التالية تذكر ذلك النوع من الكافرين الذين
جتب مقاطعتهم ،فاألمر باملقاطعة ليس عا ًما بشأن كل الكافرين.
ُ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ
ون إل ْیهم بال َم َو َّدةِ َوأ َنا أ ْعل ُم ب َما أ ْخ َف ْی ُت ْم َو َما أ ْعل ُنت ْم َو َمن َی ْف َعل ُه منك ْم َف َق ْد َض َّل َس َو َاء َّ
ُّ َ ُ
الس ِب ِیل) ِ ِ (ت ِسر ِ ِ ِ
رسا
رسا ،واهلل يعلم ما ختفون وما تعلنون .والذي يوايل األعداء ً
تبعثون إليهم برسائل املودة ً
فقد انحرف عن جادة الصواب.
واآليات نزلت يف حاطب بن أيب بلتعة ،وهو صحايب أبدى ضع ًفا يف إيامنه حني أرسل إىل قريش
جهز إليهم ً
جيشا .أراد الرجل وهو يف صفوف املسلمني رسا رسالة ُيعلمهم فيها أن الرسول ّ
ً
أيضا مكانة عند القرشيني كي حيموا أرسته يف مكة .كتب الرسالة وأعطاها المرأة
أن تكون له ً
لقاء أجر كي توصلها إىل زعامء قريش .علم الرسول بذلك بوحي من اهلل ،فأرسل عل ًيا ومعه
آخر ،فلحقا باملرأة وهي متجهة إىل مكة .هدّ داها ،فاضطرت إىل تسليم الرسالة.
ثم دعا رسول اهلل حاط ًبا فقال له« :يا حاطب ما محلك عىل هذا؟» فقال :يا رسول اهلل أما
غيت وال بدّ لت ،ويل بني قريش ولد وأهل فصانعتهم
واهلل إين ملؤمن باهلل وبرسوله ما ّ
عليه .أي حاولت أن أكسب محايتهم .فعفا عنه الرسول.
ثم توضح اآلية حلاطب وأمثال حاطب سبب رضورة مقاطعة الكفار.
(إن َی ْث َق ُف ُوك ْم َی ُك ُونوا َل ُك ْم َأ ْع َد ًاء َو َی ْب ُس ُطوا إ َل ْی ُك ْم َأ ْید َی ُه ْم َو َأ ْلس َن َت ُهم ب ُّ
الس ِوء َو َو ُّدوا َل ْو َت ْك ُف ُر َ
ون). ِ ِ ِ ِ ِ
ال تظنوا أنكم لو ساعدمتوهم فإهنم سري ّدون إليكم اجلميلً ،
كل بل سوف يفرضون عليكم
أحرارا يف إيامنكم ،إذ
ً سيطرهتم ،ويعتدون عليكم بأيدهيم وألسنتهم ،وسوف ال يرتكونكم
يو ّدون أن تتخ ّلوا عن دينكم وتصبحوا كافرين.
مر التاريخ وتقول:
ثم ختاطب اآلية حاطب بن أيب بلتعة وأمثاله عىل ّ
اهلل ب َما َت ْع َم ُل َ
ون َب ِص ٌیر) إنه ( َلن َت َنف َع ُك ْم َأ ْر َح ُام ُك ْم َو َلا َأ ْو َل ُ
اد ُكـ ْـم َی ْو َم ْالق َی َامةِ َی ْفص ُل َب ْی َن ُك ْم َو ُ
ِ ِ ِ
تأنيب للذين يوالون الكافرين من أجل منفعة لألرحام واألوالد ،من أجل أن حيصل
هؤالء األقارب عىل منصب وعىل امتياز دنيوي .ترى كم يستطيع هؤالء الذين توالون
يدونكم
الكافرين من أجلهم أن ينفعوكم .هؤالء سوف ينفصلون عنكم يوم القيامة وال ُ ْ
َ ُ َ ْ
نف ًعا .فذلك اليوم هو ( َی ْو َم َی ِف ُّر ال َم ْر ُء ِم ْن أ ِخیهِ َ #وأ ِّمهِ َوأ ِبیهِ َ #و َص ِاح َب ِتهِ َو َب ِنیهِ ) 1ففي ذلك
َ ْ ُ
تضحي
ّ اليوم كل امرئ مشغول بنفسه ( ِلك ِ ّل ْام ِر ٍئ ِّم ْن ُه ْم َی ْو َم ِئ ٍذ شأ ٌن ُی ْغ ِنیهِ ) هذا االبن الذي
ضحيت من أجله بدنياك
يفر منك يوم القيامة ،هذا الذي ّ
بقيمك من أجله اليوم سوف ّ
وآخرتك سوف ال ينعفك فتيال يوم القيامة.
َّ ٌ َ ُ ُ َْ َ
كانَ ْت لك ْم أسـ َـو ٌة َح َس َنة فِی ِإ ْب َر ِاه َیم َو ال ِذ َین َم َع ُه) هذه اآلية تبلغ الذورة يف خطاهبا ( قد
للمؤمنني .إذ تقول هلم إن إبراهيم واملؤمنني معه هم قدوة لكم فاعملوا ما عملوه .وماذا
عملوا؟
ُ ْ ُ َ َ َ ُ َّ َ ْ ُ َ ُ َّ ُ َ ْ َ ُ َ
د َب ْی َن َنا َو َب ْی َنك ُم ال َع َد َاوة
اهلل كف ْرنا ِبك ْم َو َب َ ا
ون ِ
ُ
( ِإذ قالوا ِلق ْو ِم ِه ْم ِإنا بر ُاء ِمنك ْم َو ِمما تع ُبدون ِمن د ِ
اهلل َو ْح َد ُه). ب وا د َحتَّى ُت ْؤم ُ
ن ا َو ْال َب ْغ َض ُاء َأ َب ً
ِ ِ ِ
سمو
ّ يلوث ُطهر البرشية ونقاء فطرهتا ،فالرباءة هي من أجل
عدم الرباءة من املرشكني ّ
احلركة اإلنسانية.
مر التاريخ .حييى بن أم الطويل 1وهو
والسائرون عىل طريق إبراهيم فعلوا مثل ذلك عىل ّ
من أصحاب اإلمام السجاد كان يأيت إىل املسجد يف مدينة رسول اهلل فيتلو هذه اآلية
الكريمة ،ليذكّر احلارضين بمفهوم الوالية .فالوالية يف زمن إبراهيم هي نفسها الوالية يف
عرص اإلمام السجاد عيل بن احلسني .وهؤالء املخا َطبون كانوا عىل معرفة بآل بيت رسول
اهلل ،لكنهم كانوا مهزومني بسبب إرهاب السلطة األموية .حييى هذا الذي كان يذكّر الناس
بأسوة إبراهيم والذين معه واجه إرهاب احلجاج بن يوسف ،فقطع يده ورجله ،لكن لسانه
ظل ناط ًقا .فأمر بقطع لسانه وارتقى إىل الرفيق األعىل .لكنه ترك آثاره فيام بعده حني انترش
مفهوم الوالية أكثر بعد اإلمام السجاد.
واحلمد هلل رب العاملني.
1ـ بحار األنوار ،كتاب تاريخ عيل بن احلسني ،باب أحوال زمانه من اخللفاء ،ح .29
اجللسة الرابعة و العشرون
وشائج األمة اإلسالمية
السبت 25رمضان املبارك 1394هجرية
1353/7/20هجرية مشسية
َ َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ َّ ُ ْ َ ُ َ َ َّ
الن َص َارى أ ْو ِل َی َاء (یا أیها ال ِذین آمنوا لا تت ِخذوا الیهود و
َ
نك ْم َفإ ّن ُه م ْن ُه ْم إ َّن َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َّ ُ ّ ُ
اهلل ِ ِ ِ بعضهم أو ِلیاء بع ٍض ومن یتولهم ِم
ٌ ُ ُ َ ّ ََ ْ َ ْ َ َّ َ
ین #فت َرى ال ِذ َین فِی قل ِوب ِهم َّم َرض الظ ِال ِم َ لا َی ْه ِدی القوم
ون َن ْخ َشى َأن ُتص َیب َنا َدآئ َر ٌة َف َع َسى ُ
اهلل ون فیه ْم َی ُق ُول َ َُ ُ َ
ِ ِ یس ِارع ِ ِ
َ ُ َ َ َْْ َ َ َ ْ
ندهِ ف ُی ْص ِب ُحوا َعلى َما أ َسـ ّـر وا فِی أن َیأت ِ َی ِبالفت ِح أ ْو أ ْم ٍر ِّم ْن ِع ِ
َ
(املائده)52-51 / أ ْن ُف ِس ِه ْم َن ِاد ِم َین)
ورص
ّ ذكرنا يف اجللسة السابقة أن الوالية باملعنى القرآين تعني التالحم واالرتباط
الصفوف .كام تعني احلذر من الذوبان والتصدّ ع واهلزيمة أمام العوامل اخلارجية.
إذن للوالية ُبعدان داخيل يرتبط باألمة اإلسالمية يف داخل جمتمعاهتا و ُبعد خارجي يرتبط
بعالقة األمة اإلسالمية باملجتمعات األخرى.
التفرق .ولو حدث اختالف بني
رص الصفوف واحلذر من ّ
عىل الصعيد الداخيل البدّ من ّ
أرص أحد الفريقني يف
فريقني داخل األمة فالقرآن يأمر باإلرساع يف اإلصالح بينهام .ولو ّ
احلق فعىل العامل اإلسالمي أن يعيد هذا الفريق إىل
جلاجته وتعنّته ورفض الرضوخ إىل كلمة ّ
بالقوة والقتال.
صوابه ولو ّ
َ ْ ُ ََ
َ َ ْ يقول القرآن الكريمَ ( :و إن َط ِائ َف َتان ِم َن ْال ُم ْؤ ِم ِن َ
ین اق َت َتلوا فأ ْص ِل ُحوا َب ْی َن ُه َما ف ِإن َبغت ِإ ْح َد ُاه َما َعلى ِ ِ
َ َ َ
اهلل) .هذا أمر اهلل سبحانه من أجل صيانة وحدة 1 ْ
یء ِإلى أم ِر ِ ْال ُأ ْخ َرى َف َق ِات ُلوا ّالتی َت ْب ِغی حتى تف َ
َ َ ّ َ
ِ ِ
األمة اإلسالمية.
أما يف بعد عالقات األمة اإلسالمية بغريها ،فال بد من تنظيمها بصورة حتافظ عىل استقالل
األمة وصيانة شخصيتها وكرامتها وهويتهاّ .
وكل ارتباط خارجي ييسء إىل هذه املحافظة
فهو مرفوض.
يف اخلرب أن العامل اإلسالمي كان يستورد النقود املسكوكة يف عهد اإلمام الباقر أو الصادق
من الروم .ثم حدث أن هدّ د حاكم الروم بقطع هذا التعاون.
فوجه إىل طريقة صناعة ّ
التدخل ــ ّ ّ
تدخل اإلمام ــ وهذا من االستثناءات يف مثل هذا وهنا
املسكوكات النقدية .كي ال يتعرض املسلمون إىل ضغط خارجي.
ارتباط األمة اإلسالمية بغريها جيب أن يكون إذن يف إطار حيافظ عىل مكانتها املرموقة وهويتها
وشخصيتها الرسالية .ال جيوز أن ترتبط بالعامل اخلارجي ارتبا ًطا يفسح لألجانب فرصة
االستغالل واالستثامر ،كالذي حدث يف إيران يف حادثة التنباك ورشكة رجي .1وكالذي
جرت هذه
حدث يف اهلند أيام اإلمرباطورية املغولية يف تأسيس رشكة اهلند الرشقية ،وما ّ
الرشكة من بالء عىل شبه القارة اهلندية .2ال جيوز لألمة اإلسالمية إقامة مثل هذه العالقات.
هذا ال يعني طب ًعا االنعزال عن العامل اخلارجي ،البد من إقامة عالقات سياسية واقتصادية
وجتارية وديبلوماسية ،بل يعني أن ال تكون لنا معهم والية وال عالقات نفسح املجال أمام
التغلغل وأمام السبيل للتغلغل والنفوذ واهليمنة .هذا عىل صعيد العالقات اخلارجية ،أما
1ـ يف الزيارة الثالثة للشاه القاجاري نارص الدين إىل أوربا تم عقد اتفاقية بني حكومة إيران وجريالد تالبوت مؤسس رشكة
رجي ،وبموجبه ُمنحت الرشكة امتياز احتكار جتارة التبغ والتنباك يف إيران ملدة مخس سنوات لقاء دفع مبلغ سنوي .وهذه
الرشكة بحجة ممارسة النشاط التجاري دفعت بكثري من أتباعها ليدخلوا إيران ،وكان بينهم مبرشون مسيحيون .وهذا االمتياز
ألغي بصدور فتوى املرجع الكبري املريزا الشريازي القاضية -يف الزيارة الثالثة للشاه القاجاري نارص الدين إىل أوربا تم عقد
اتفاقية بني حكومة إيران وجريالد تالبوت مؤسس رشكة رجي ،وبموجبه ُمنحت الرشكة امتياز احتكار جتارة التبغ والتنباك يف
إيران ملدة مخس سنوات لقاء دفع مبلغ سنوي .وهذه الرشكة بحجة ممارسة النشاط التجاري دفعت بكثري من أتباعها ليدخلوا
إيران ،وكان بينهم مبرشون مسيحيون .وهذا االمتياز ألغي بصدور فتوى املرجع الكبري املريزا الشريازي القاضية بحرمة تناول
التبغ والتنباك.
2ـ رشكة اهلندالرشقية رشكة بريطانية مسامهة حصلت من ملكة بريطانيا ومن احلاكم اهلندي عىل امتيازات احتكارية،
أرباحا طائلة ،وهذه الرشكة بحجة الدفاع عن أمواهلا استقدمت قوة عسكرية إىل اهلند ،وهبذا
ً استطاعت بموجبها أن جتني
الشكل استطاعت أن جتعل هذه البالد جز ًءا من مستعمرات بريطانيا.
وشائج األمة اإلسالمية 265n
العالقات داخل الدائرة اإلسالمية ،فالبدّ أن تتجه عنارص املجتمع مجيعها نحو هدف واحد
وتتبع ً
سبيل واحدً ا.
هذه هي الوالية باملفهوم القرآين ،وهذه هي الوالية يف مدرسة آل بيت رسول اهلل ،وهذا هو
سبب ما نعتقده بأن أوامر اإلمام نافذة يف كل شؤون احلياة االجتامعية ،ألن وحدة اهلدف
ووحدة اخلطى تتطلب قوة متمركزة يف املجتمع اإلسالمي ترتبط هبا القوى الداخلية مجي ًعا
وتسري عىل خطى ما تصدره من أوامر .البد من قوة متمركزة هلا إملام بجميع مصالح املجتمع
ومفاسده كي تراقب بدقة جمريات األحداث ،وتضع كل يشء يف نصابه .وللتشبيه نقول:
خذوا بنظر االعتبار معمال لصناعة السجاد .عدد من العاملني يشتغلون يف حياكة سجادة
ينسق حركة أعامهلم كي خيرج العمل منس ًقا تاب ًعا
واحدة ،وهؤالء العاملون بحاجة إىل َمن ّ
موحد يف احلياكة ،وإذا كان كل عامل حيوك لنفسه دون تنسيق مع اآلخرين فال خيرج
لطرح ّ
العمل إالّ ّ
مشو ًها.
تنظيم دقي ًقا يف النقوش والتطريز فاعلموا أن العاملني عليها
ً حني ترون السجادة منظمة
يتبعون مرش ًفا واحدً ا ينسق العمل بينهم.
إذا ُأريد للمجتمع أن تتحرك طاقاته وتتجه نحو هدف واحد وأن ال تتبدد هذه الطاقات،
بل حتتشد خلدمة مصالح البرشية ،وأن تكون ص ًفا واحدً ا أمام صفوف اخلصم فالبدّ من
قدرة متمركزة ومن قلب نابض هلذا اجلسم االجتامعي .ومن الطبيعي أن تكون هذه القوة
املتمركزة املوجهة ذات خصائص معينة كأن تكون عىل درجة عالية من الوعي والعلم
وقدرة اختاذ القرار وعدم اخلشية من غري اهلل ،واالستعداد للتضحية حينام يتطلب األمر
القوة؟ إهنا اإلمام.
لذلك .وما اسم هذه ّ
واإلمام هو احلاكم والقائد الذي يعينه اهلل سبحانه .وما معنى أن يكون معينًا من قبل اهلل؟
ُ َ ّ
إما أن يكون معينًا باالسم كام يف تعيني النبي إما ًما .يقول سبحانه إلبراهيمِ ( :إنِی َج ِاعلك
َ
ِل ّلن ِاس ِإ َم ًاما) 1أو يف تعيني أئمة أهل البيت (عليهم السالم) ،أو أن يكون معينًا باخلصائص
كام ورد عن اإلمام احلسن العسكري« :فأما من كان من الفقهاء صائنًا لنفسه حاف ًظا لدينه
والنص يعني اإلمام باخلصائص ،فهو
ّ خمال ًفا هلواه مطي ًعا ألمر مواله فللعوام أن يق ّلدوه».1
الفقيه بالرشوط املذكورة ،وهو الذي يقود مسرية املجتمع نحو اهلدف املنشود.
الوالية باملفهوم القرآين تستوجب ــ إذن ــ وجود اإلمام .وإذا أرادت األمة اإلسالمية
مستحكم وثي ًقا هبذا القلب
ً أن تبقى حية وموفقة وقوية فالبد أن تكون مرتبطة ارتبا ًطا
املتحرك اخلافق .وأي ارتباط؟ االرتباط الفكري واالرتباط العميل .ومن هنا نفهم معنى
والية عيل بن أيب طالب .ومن هنا نفهم احلديث« :والية عيل بن أيب طالب حصني فمن
عيل فكر ًيا وعمل ًيا ِ ِ
دخل حصني أم َن من عذايب» ومن الطبيعي أن يكون انتهاج طريق ٍّ
2
1ـ عن التفسري املنسوب لإلمام احلسن العسكري ،ذيل اآليات 78و 79من سورة البقرة.
2ـ حديث سلسلة الذهب ،وهو حديث قديس رواه اإلمام الرضا عن آبائه عن رسول اهلل ،قال :يقول اهلل ..احلديث.
3ـ هنج البالغة،رشح صبحي الصالح ،اخلطبة .176
وشائج األمة اإلسالمية 267n
ُ َ َّ َّ ُ َ َ ( َیا َأ ُّی َها َّالذ َین َآم ُنوا َلا َت َّتخ ُذوا ْال َی ُه َ
ود َو َّ
الن َص َارى أ ْو ِل َی َاء َب ْعض ُه ْم أ ْو ِل َی ُاء َب ْع ٍض َو َمن َی َت َول ُهم ِّمنك ْم ف ِإن ُه ِ ِ
َ ّ َ ْ
اهلل لا َی ْه ِدی الق ْو َم الظ ِال ِم َ َ م ْن ُه ْم إ َّن َ
ین).1 ِ ِ
ويكونون جبهة واحدة وإن تعدّ دت كتلهم ،فهم
ّ فهؤالء اليهود والنصارى مرتبطون
جيتمعون عىل معاداتكم .واالرتباط هبم جيعلكم يف جبهتهم.
َ ُ َ َ ُ ُ ُُ َّ َ
ون ن ْخشى أن ت ِص َیب َنا َد ِآئ َر ٌة) مرىض القلوب َّ َ ٌ ُ َ ُ َ
ون فیه ْم َیقول َ َ ََ
(فترى ال ِذین فِی قل ِوب ِهم مرض یس ِارع ِ ِ
يتوجهون بل يسارعون لاللتحاق هبم ،مرددين نغمة طاملا سمعناها من املهزومني ،يقولون
نخشى أن يصيبنا سوء ،نخشى أن حتدث لنا مشكلة إن مل نلحق هبم ،جييبهم اهلل:
َ َْ ُ َ ُ
ندهِ ف ُی ْصب ُحوا َعلى َما أ َس ّر وا فی أنف ِسه ْم ن ِاد ِم َ َ َْ َ َ
ُ َْ ْ َ َ
ین). ِ ِ ِ (ف َع َسى اهلل أن َیأت ِ َی ِبالفت ِح أ ْو أ ْم ٍر ِّم ْن ِع ِ
أمرا لصاحلهم ،فيندم هؤالء
عسى أن يكتب اهلل للمؤمنني الفتح والنرص أو حيدث بعد ذلك ً
رب العاملني.
الذين مل يلتحقوا بصفوف املؤمنني ،وراهنوا عىل جبهة أعداء ّ
ُ َ َّ َ َْ َّ َ ُ ُ َّ
اهلل َج ْه َد أ ْی َم ِان ِه ْم ِإن ُه ْم ل َم َعك ْم) بعد أن ينفضح أمر ( َو َیقول ال ِذ َین َآم ُنوا أ َه ُؤ ِ
لاء ال ِذ َین أق َس ُموا ِب ِ
هؤالء الذين ركنوا للعدو ،يستغرب املؤمنون ،وتصيبهم الدهشة من هؤالء الذين كانوا
يقسمون أهنم يف جبهة املؤمنني ،وأهنم معكم قل ًبا وقال ًبا ،بعد ذلك تبني أهنم ينافقون ،وأن
قلوهبم مريضة .عندئذ يتبني خواء أفعاهلم ،ويصابون باخلرسان.
هذا عىل صعيد العالقات اخلارجية ،أما عىل صعيد االرتباط الداخيل يقول سبحانه:
َ َ ْ َ َ ُ ََ
( َیا أ ُّی َها الذ َین َآم ُنوا َمن َی ْرت ّد منك ْم َعن دینهِ ف َس ْوف َیأتی ُ َّ َ
اهلل ِبق ْو ٍم ُی ِح ُّب ُه ْم َو ُی ِح ُّبون ُه). ِ ِ ِ ِ ِ
إذا خت ّليتم عن دين اهلل وأدرتم ظهوركم للمرشوع اإلهلي ،فإن هذه األمانة سوف تصل
إىل هدفها بيد أناس آخرين .سوف يأيت اهلل بقوم يقيمون املجتمع املطلوب حيث تتميز فيه
َ
العالقات الداخلية واخلارجية بالصورة التي تذكرها اآليةُ ( :ی ِح ُّب ُه ْم َو ُی ِح ُّبون ُه) عالقتهم
احلب ليس ادعاء باللسان ،بل هو هنج عميل يتمثل بالدرجة
حب .وهذا ّ
باهلل سبحانه عالقة ّ
ُ
اهلل فاتب ُعونی ُی ْحب ْبك ُم ُ
ون َ ُ
ك ُنت ْم تح ُّب َ َ َّ ُ ُ
اهلل).2 ِ ِ ِ ِ األوىل يف اتباع النبي( :ق ْل ِإن
هذه إحدى اخلصائص ،واألخرى:
1ـ بحار األنوار ،كتاب السامء والعامل ،أبواب اإلنسان والروح ،باب يف خلق األرواح قبل البدن .ح .29
n274مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
َ َ َ ْ ُ َّ َّ ُ َ ٌ َّ ُ ْال َك ِافر َ
اهلل َو ال ِذ َین َم َع ُه أ ِش ّد ُاء َعلى الكف ِار
ین) ،1وأوضح من ذلك قوله سبحانهّ ( :م َح ّمد ر ُسول ِ ِ
ُر َح َم ُاء َب ْی َن ُه ْم).2
هؤالء يقفون ص ًفا واحدً ا أمام اجلبهة املعادية ،ال خيرتقهم العدو ،وال يؤثر عىل عزيمتهم،
رمحاء بينهم ،يتواصون باحلق ويتواصون بالصرب وباملقاومة جتاه عوامل الرش والفساد
واالنحطاط .هؤالء مثلهم كمثل مجاعة تتسلق اجلبال ــ كام ذكرت يف اجللسة املاضية ــ
يشدّ بعضهم أزر بعض ،ويأخذ بعضهم بيد بعض ،إذا ضعف أحدهم يسعى اآلخرون ملدّ ه
بالقوة وتوجيهه الوجهة الصحيحة.
أيضا ،وله أمهيته اخلاصة
واملظهر اآلخر من مظاهر الوالية ــ وهو ما ذكرناه يف األيام املاضية ً
ــ هو وجود مركز إدارة ذي مواصفات خاصة جيعل اجلسد اإلسالمي متامسكًا متناس ًقا
موحد كالبنيان املرصوص أمام التحدي اخلارجي.
منسجم عىل الصعيد الداخيل وذا موقف ّ
ً
كام أن اجلهاز العصبي لإلنسان بحاجة إىل مركز إدارة واحد ينسق بني األعصاب املمتدة إىل
سائر اجلسم ،كذلك املجتمع الرسايل بحاجة يف تالمحه الداخيل ويف دفع العدوان اخلارجي
إىل مثل هذا املركز القيادي املقتدر الذي يوجه مجيع العنارص الفاعلة يف نشاطاهتا .يضع
األفراد يف املكان الذي يليق هبم ،وحيول دون التعارض واالنحراف .والبد أن تتوفر يف هذا
املركز خصائص العلم والوعي واألمانة وتتبلور يف وجوده عنارص اإلسالم البناءة ،وأن
مظهرا لإلسالم .وما اسم هذا املركز القيادي إنه «الويل».
ً يكون
املسألة التالية التي جيب تناوهلا هي :هل أنا وأنت من املتمسكني بالوالية؟ هل إن جمتمعنا
له والية أم ال؟
ما الذي جيب أن يتوفر يف الفرد ليكون من أصحاب الوالية؟ وما هي اخلصائص التي جيب
أن ّ
يتحل هبا املجتمع صاحب الوالية؟ هناك عدة أمور:
األول :ماهي كيفية اإلنسان صاحب الوالية؟
الثاين :ما هي خصائص املجتمع صاحب الوالية؟ ويف أية حال نعتربه حمرو ًما من الوالية؟
الثالث :إذا كان اإلنسان صاحب الوالية يعيش يف جمتمع يفتقد الوالية ،أال يتحمل هذا
اإلنسان مسؤولية إقامة املجتمع املوايل؟
الرابع :إذا كان املوايل يعيش يف جمتمع يفتقد الوالية ،ومل يؤد هذا الشخص مسؤوليته جتاه
يرض ذلك بوالية ذلك املوايل؟سأقارب بعض هذه األبعاد ،واملتوقع أن تقارنوا
جمتمعه ،أال ّ
بني هذا املعنى التقدمي السامي املتع ّقل القرآين للوالية ،واملعنى الذي يتصوره املتقاعسون
القاعدون ال َبطرون للوالية.
هناك من يتصور أن الوالية هي أن يكتفي الفرد باملشاركة يف جمالس عزاء أهل البيت يذرف
حب أهل البيت يف القلب ال غري .طب ًعا عقد املجالس
جمرد ّ
الدموع .يتصور أن الوالية ّ
ألهل البيت والفرح لفرحهم واحلزن حلزهنم والبكاء ملظلوميتهم كلها الزمة ورضورية،
لكن االكتفاء بذلك ال حيقق معنى الوالية ،فالوالية أكرب من ذلك .كل تلك أعامل طيبة
اليسء هو االعتقاد بأن االكتفاء بذلك كاف لتحقيق معنى الوالية.
لكن ّ
أرجو أن تفهموا ما أقول بد ّقة ،إذ من املمكن أن خيرج مغرض أو جاهل ليقول إنى أعارض
البكاء عىل سيد الشهداء!! كالّ ،أنا ال أعارض ،بل أؤ ّيد بشدة ،أنا أقول إن البكاء عىل اإلمام
احلسني صلوات اهلل وسالمه عليه قد يؤدي إىل إنقاذ أمة .التوابون 1يف بدء حركتهم توجهوا
إىل مدفن احلسني وجلسوا ليوم أو يومني أوثالث وهم يبكون ،ثم كانت نتيجة هذا البكاء
صوت مظلومية كربالء وندم الذين خت ّلفوا
َ يضحوا بأنفسهم مجيعا كي ُيعلو
ّ أن تعاهدوا بأن
عن نرصة احلسني.
عقد جمالس إلحياء ذكر أهل البيت وبيان فضائلهم ال خيالفه عاقل من الشيعة وال من السنة
يقر بعظمتهم ،فهم الرهط الكريم الذي قدّ موا كل
بل وال من غري املسلمني .كل من يعرفهم ّ
ما لدهيم حتى أرواحهم يف سبيل نرش العدل ومقارعة الظلم والدفاع عن دين اهلل وكرامة
اإلنسان .لو ذهبتم إىل أوربا وب ّينتم هناك للناس شخصية اإلمام أمري املؤمنني وحياته لرأيتم
1ـ التوابون مجع من أهل الكوفة املوالني آلل بيت رسول اهلل ،ثاروا بقيادة سليامن بن رصد ومسيب بن نجبة بعد استشهاد
وسموا التوابني ألهنم أرادوا إعالن توبتهم بسبب عدم نرصهتم للحسني يف كربالء ،التحموا مع جيش الشام ،وقاتلوا
احلسنيّ ،
ببسالة ،وحققوا بعض االنتصار يف البداية ،لكن أكثرهم قد استشهد ،وثورهتم أول ثورة بعد واقعة كربالء سنة 65هـ.
n276مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ً
إجالل له .إذن االكتفاء احرتام املخاطبني وإعجاهبم هبذه الشخصية ولوجدمتوهم ينحنون
باحرتام أهل البيت ال يمكن أن يكون الوالية التي يستحق الشخص بموجبها اجلنة .من
نفرا يطرحون عن غرض أو جهل موضوع الوالية بشكل سطحي ،وال يكتفون
املؤسف أن ً
بذلك بل حياربون الذين يقدمون الفهم الصحيح للوالية ،وللعاملني عىل طريق الوالية.
حرص الوالية يف نطاق حمدود وض ّيق ال يليق هبذا املبدأ اإلسالمي اهلام.
اإلنسان املوايل هو من يعرف الو ّيل ،ويفهم فكره ويتبنّى هذا الفكر ،ويفهم عمله ،ويسري
ً
وعمل .هذا هو صاحب الوالية. فكرا
وفق هذا العمل فيتبعه ً
إنه َلظلم ما بعده ظلم أن يدّ عي أحد أنه من املوالني لعيل بن طالب وهو يف فكره وعمله
بحق عيل وبحق مفهوم الوالية.
خيالف عيل بن أيب طالب .إنه لظلم ّ
اإلمام الصادق صلوات اهلل وسالمه عليه يؤكد أن واليتنا ال تنال إالّ بالعمل ومن ال عمل
عدونا .فالوالية يف ثقافة اإلمام الصادق ختتلف عن الوالية يف ثقافة ذلك اجلاهل أو
له فهو ّ
يرص
صحيحا؟! ملاذا ّ
ً فهم
املغرض الذي يدّ عي والية اإلمام الصادق .ملاذا ال نفهم هذا املبدأ ً
بعضنا عىل تكريس الركود واجلمود والتخلف والبعد عن اإلسالم وعن الدنيا واآلخرة.
أخشى أن نبقى عىل أمل دخول اجلنة هبذا الفهم اخلاطئ من الوالية ،وبذلك نخلق لنا
جحيم يف هذه الدنيا ،ويف اآلخرة نكون من اخلارسين ،أي خرسان هذا؟!
ً
نكرر أن والية اإلنسان هي االرتباط واالتصال املطلق بالو ّيل واستمرار ذلك االرتباط.
مشخصا يف ذلك املجتمع.
ً أما الوالية عىل صعيد املجتمع فإهنا تتحقق حني يكون الو ّيل
لهم كل الطاقات والنشاطات يف ذلك املجتمع .أن هذا ً
أول .وثان ًيا حني يكون الويل ُم َ
املحرك للحياة يف هذا املجتمع
يكون القطب الذي يوجه املجتمع قانون ًيا وتنفيذ ًيا .أن يكون ّ
واحلادي لقافلة احلياة فيه.
كان رسول اهلل(ص) و ّيل املجتمع يف حياته ،وبعد وفاته كان املجتمع عىل هنج الوالية بقدر
ارتباطه بالو ّيل .كلام كان ارتباطه بالويل أكثر كان أقرب إىل الوالية .حني يكون احلاكم
واملوجه واملاسك لزمام األمور يف املجتمع َم ْن تتو ّفر فيه صفات الوالية ،فذلك املجتمع هو
ّ
املجتمع الذي يمتلك الوالية بصورة كاملة.
جنة الوالية 277n
هبذا املعيار ارجعوا إىل أنفسكم وانظروا هل أنتم من أهل الوالية؟ إذا كنتم كذلك
فاشكروا اهلل سبحانه عىل هذه النعمة فهي نعمة ما بعدها نعمة .وسأوضح عظمة هذه
النعمة .وإن مل تكونوا منضوين حتت هذه النعمة فاسعوا إىل نيلها .إىل نيلها عىل مستوى
عيل،
عيل وعىل هنج ّ
شخصكم وعىل مستوى املجتمع البرشي .حاولوا أن تسريوا وراء ّ
بعيل وهو و ّيل اهلل .أئمة اهلدى سعوا مجي ًعا عىل طريق إحياء الوالية،
وأن توثقوا عالقتكم ّ
سعوا إىل إحياء اإلنسان بالوالية.
مقتدرا يف أداء مها ّمه .وذكرت أمس أن الو ّيل إما أن يكون
ً حاولوا أن جتعلوا و َّيل اإلسالم
مع َّينا من قبل اهلل سبحانه باالسم ،أو مع ّينًا باخلصائص« :فأما من كان من الفقهاء صائنًا
لنفسه حاف ًظا لدينه خمال ًفا هلواه مطي ًعا ألمر مواله فللعوام أن يقلدوه 1»...وهذا التعيني
أيضا.
باخلصائص هو من اهلل ً
وحني يسعى اإلنسان إىل إحياء مرشوع الوالية يف املجتمع فإنه سيهتدي إىل السبيل ويفهم
أبعاد املسؤولية امللقاة عىل عاتقه يف عامله املعاش ،ويتعلم أساليب حتقيق ذلك .ولسنا يف
صدد احلديث عن األساليب.
طيب ،يبقى السؤال عن العطاء الذي يمكن أن تقدمه الوالية للمجتمع .يف كلمة واحدة
نجيب :إنه انتقال من املوت إىل احلياة .تصوروا اجلسم امليت الذي فيه الدماغ والعني
واجلهاز اهلضمي والدورة الدموية ولكن كلها ال تعمل ،ملاذا؟ ألن هذا اجلسم يفتقد
الروح .وهكذا املجتمع الذي يفتقد الوالية ،فيه كفاءات لكنها باطلة مهدورة .له قوى
مفكرة لكنها ت ّ
ُسخر فكرها لإلفساد وللقتل وإلحراق احلرث والنسل .الحظتم يف التاريخ
اإلسالمي حينام خبت شعلة الوالية ماذا حدث .ولقد ّ
حذرت فاطمة الزهراء سالم اهلل
عليها مما سينزل باملجتمع إذا ابتعد عن الوالية ،لكن آذان املجتمع مل تكن تستوعب هذا
التحذير ،وهذا التحذير قائم إىل يومنا هذا.
السمو
ّ املجتمع صاحب الوالية جمتمع تنمو فيه الكفاءات اإلنسانية ،وكل يشء فيه ينحو إىل
1ـ التفسري املنسوب إىل اإلمام العسكري ،ذيل اآليات 78و 79لسورة البقرة.
n278مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
والرقي .ويسري املجتمع بتوجيه من الويل احلاكم عىل طريق اهلل ،وتقسم الثروة فيه
ّ والكامل
ً
عادل ،وتتجه الطاقات فيه إىل االستزادة من املعروف واستئصال املنكر وكل ما تقسيم
ً
ييسء إىل املجتمع.
َ َ َ َ َ َ َ َ َ ( َّالذ َین إن َّم َّك َّن ُ
1
ْ َ
وف َو َن َه ْوا َع ِن ال ُمنك ِر)
ْ اه ْم فی ْال َأ ْر ِض أ َق ُاموا ّ
الصلاة َوآت ُوا ّ
الزكاة َوأ َم ُر وا ِبال َم ْع ُر ِ ِ ِ ِ
يف إقامة الصالة معنى احلركة نحو اهلل ،ويف إيتاء الزكاة معنى التقسيم العادل للثروة (وثمة
قرائن تدل عىل أن الزكاة هي كل ما ينفقه اإلنسان من مال يف سبيل اهلل) ويف األمر باملعروف
إشاعة كل ما هو مفيد للمجتمع ،ويف النهي عن املنكر معنى اقتالع كل ما يقف حجر عثرة
عىل طريق حركة املجتمع نحو الكامل .هذا ما كان يسعى إليه أولياء الدين .أمري املؤمنني يف
حرب صفني ّبي هدفه أنه يريد أن يأمر باملعروف وينهى عن املنكر .واحلسني بن عيل قال
وهو يتوجه إىل كربالء «أريد أن آمر باملعروف وأهنى عن املنكر وأسري بسرية جدّ ي رسول
اهلل» .2نعم حني تتحقق الوالية يف املجتمع تتحقق معها إقامة الصالة وإيتاء الزكاة واألمر
وتدب الروح واحلياة يف املجتمع.
ّ باملعروف والنهي عن املنكر،
والرس يف تأكيد النصوص
ّ والتدبر يف آيات هذه اجللسة ،يبني اآلفاق الواسعة جلنة الوالية
الدينية عىل أن أمهية الوالية ال تفوقها أمهية أخرى.
رب العاملني.
واحلمد هلل ّ
ذكرنا يف اجللسات السابقة املسائل األساسية التي ترتبط بالوالية ولكن ثمة مسائل أخرى
وموجهة للبحث .سأذكر اثنتني منها يف هذه اجللسة
ّ أيضا أصلية وأصولية
يمكن اعتبارها ً
وأترك الباقي للجلسة القادمة.
املسألة األوىل :هي من هو الويل احلقيقي يف املجتمع اإلسالمي؟ ذكرنا يف اجللسة املاضية
فم ْن هذا الويل
مهمة الويل يف هذا املجتمع عىل الصعيد الداخيل وعىل الصعيد اخلارجيَ .
اهلل َول ُّی ال ُم ْؤ ِم ِن َ ْ
يف املنطق القرآين؟ إنه اهلل سبحانهَ ( :و ُ
ین) 1وهذا املنطق القرآين يف تعريف ِ
الويل ينسجم مع أصل التوحيد وأصل النبوة ،فهذه األصول منسجمة مع بعضها ،وال
جيوز أن نستنبط من أي واحد منها مسألة فرعية تتناقض مع بقية األصول كام يفعل بعض
السذج من املسلمني .يف القرآن الكريم آيات عديدة تقرر هذا املبدأ وتؤكد أن املؤمنني ليس
هلم و ّيل إالّ اهلل ،وأن اهلل حيكم يف كل أمور البرش ،وهنا تلزم اإلشارة إىل أن احلديث ليس
لرب العاملني ،فمعلوم أن اهلل هو املهيمن عىل الساموات واألرض،
بشأن السلطة التكوينية ّ
وهو املد ّبر هلا بإرادته القاهرة ،وإنام احلديث عن الترشيع حلياة اإلنسانية وتنظيم العالقات
االجتامعية ،وهي ما ينبغي أن تكون مستلهمة من اهلل تعاىل ،وأن يكون احلاكم يف هذا النظام
اإلسالمي ،وأسميه النظام ال ُعلوي ،هو اهلل وحده دون سواه.
هنا ننتقل إىل مرحلة أخرى ،وهي أن حاكمية اهلل يف املجتمع تستوجب أن ين ّفذ هذه
احلاكمية شخص ،أو جملس يضم جمموعة من األشخاص يراقب عملية تنفيذ األحكام
والقوانني يف املجتمع البرشي ،وبدون ذلك خيتل نظام املجتمعَ .ف َمن هذا الفرد القائد أو
املجموعة القيادية التي متارس عملية الوالية؟ ثمة آراء خمتلفة يف هذا احلقل .فمن قائل «إن
الـملك ملن غلب» ،وقيل إنه ينبغي أن ينتمي إىل قبيلة معينة ،وقيل إنه من يقبله الناس وقيل
ُ
غري ذلك.
ُ جواب املدرسة الدينية هو( :إ َّن َما َول ُّی ُك ُم ُ
اهلل َو َر ُسول ُه) 1فالرسول هو الذي يمسك بيده زمام ِ ِ
األمور من ِقبل اهلل .أما حني يرحل النبي من ساحة احلياة فمن الذي يستلم زمام األمور؟
َّ
تشخصه اآلية بالقولَ ( :وال ِذ َین َآم ُنوا) هذا هو املعيار ..اإليامن احلقيقي ال الظاهري .فرد
ّ
أثبت طول حياته بعمله أنه مؤمن ح ًقا .بعد هذا التشخيص يأيت التخصيص من بني املؤمنني.
َ َّ
الصل َاة) وإقامة الصالة غري أداة الصالة .ألداء الصالة يكفي فيها تعبري
َ ُ ُ َ َّ
(ال ِذین ی ِقیمون
« ُي َص ّلون» ،أما إقامة الصالة فتعني إحياء روح الصالة يف املجتمع .أن يكون املجتمع
مصل ًيا .واملجتمع الذي حتيى فيه روح الصالة يتجه نحو حمو اجلرائم واخليانة والقضاء عىل
سحق القيم اإلنسانية ،إذ مجيع األعامل فيه تتجه للقربة إىل اهلل .سبب اخليانات والرسقات
والظلم واالعتداءات هو االبتعاد عن ذكر اهلل .املجتمع الذي تسود فيه روح الصالة هو
ذلك املجتمع الذي يتوىل احلكم فيه ِم ُثل عيل بن طالب صلوات اهلل عليه القائل« :واهلل لو
ُأعطيت األقاليم السبعة عىل أن أعيص اهلل يف نملة أسلبها ّ
لب شعرية ما فعلت» .وأفراد
حتمل من رضب «ونفي» 2لكنه مل يرضخ
حتمل ما ّ
ذلك املجتمع مثل أيب ذر الغفاري الذي ّ
أيضا:
للظلم .وال ينتهي األمر بإقامة الصالة بل ً
التاريخ ما يندى له اجلبني من مشاهد زواج بنات بعض اخللفاء واألمراء يف العرص العبايس،
مما يشبه األساطري ،يف حني كان هناك من ال طمع له يف الشبع ،ومن يعيش يف شظف العيش.
كان اخلليفة يف مناسبات متعددة يوزع اإلقطاعات واملجوهرات عىل حاشيته وأتباعه ،وإىل
جانب هذا البذخ والرتف كان حييى العلوي 1يف جبال طربستان قد أعلن الثورة عىل الظلم
والظاملني ،ومل يكن يملك هو و زوجه سوى رداء واحد ،يلبسه حييى ليؤدي الصالة ،ثم
يعطيه زوجه لتؤدي الصالة بعده.
واللوم يف ذلك ال يتوجه إىل هارون الرشيد وال إىل حاشية هارون ،بل إىل الناس الذين
كانوا يرون هذه املآيس ويسكتون ..يتوجه اللوم إىل املسلمني الذين فقدوا ما كانوا يملكونه
من إحساس باملسؤولية ومن درك ووعي يف عرص صدر اإلسالم .وما حدث ذلك إالّ
بسبب ما عملته السلطة من غسيل دماغ يف العامل اإلسالمي ،وبذلك غ ّيبت عن املسلمني
املعايري التي عينها اهلل للحاكم اإلسالمي.
لقد أشاعوا أن كل من أمسك بزمام األمور فهو و ّيل األمر ولو كان فاس ًقا .بينام مدرسة أهل
البيت كانت متمسكة بمواصفات القرآن الكريم لويل األمر ،وكانت تشيع ذلك بني الناس
وتقول إن و ّيل األمر قد ع ّينه اهلل بمواصفاته وال حيق ألحد أن يتوىل أمور املسلمني بالقهر
والقوة .الجيوز ّ
تول احلكم بمنطق العباسيني الذين يرون أن انتساهبم إىل ابن عم النبي ّ
يؤهلهم لذلك !! وال جيوز تويل احلكم بمنطق املنصور الذي كان يدعي أن اإلمام احلسن
ّ
تنازل عن اخلالفة لألمويني ونحن أخذناها منهم بالقوة!!
هذا كله مرفوض بمنطق القرآن وبمنطق السائرين عىل هنج القرآن من أهل بيت رسول اهلل
حيق إذن ألحد كائنًا من كان أن يدعي والية أمر املسلمني أو
واملتمسكني بمدرستهم .فال ّ
أن يقبل منه ذلك أحد .هذه هي املسألة األوىل.
املسألة األخرى هي أننا ذكرنا أن الوالية هلل .ملاذا كانت له سبحانه؟ هذا ينطلق من نظرة
اإلسالم إىل الكون واحلياة .وبموجب هذه النظرة فإن كل يشء يف العامل ناشئ من قدرة اهلل
1ـ حييى بن عبداهلل ،من أحفاد اإلمام احلسن ،ثار يف عرص هارون الرشيد بطربستان ،قاتله الرشيد ،وحني اشتد األمر عىل حييى
طلب األمان ،فمنحه الرشيد األمان ،لكن الرشيد سجنه وقتله يف سجنه.
حول الوالية (285n )1
َ َّ َ َ
تعاىلَ ( :ول ُه َما َسك َن فِی الل ْی ِل َو ّالن َه ِار) 1مجيع ظواهر اخلليقة له سبحانه ،واحلكومة التكوينية
عىل مجيع األشياء حتت ترصفه ،من هنا جيب أن تكون احلكومة الترشيعية والقانونية حتت
أيضا ألنه أعلم بام يصلح للبرشية ،وبذلك تكون حركتهم الترشيعية يف احلياة
ترصفه ً
منسجمة مع طبيعتهم التكوينية.
ولنبدأ باملرور رسي ًعا عىل اآليات:
الناس َأن َت ْح ُك ُموا ب ْال َع ْدل إ َّن َ
َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ َّ َّ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ ُ َ ُّ َ َ َ
اهلل ِ ِ ِ ِ ن ی ب م ت مك ح ا ذ إ و
ِ ِاهل ه أ ىلإ( ِإن اهلل یأمركم أن تؤدوا الأم ِ ِ
ات ان
َّ َ َ ُ ُ
ك َان َس ِم ًیعا َب ِص ًیرا).2 ِن ِع َّما َی ِعظكم ِبهِ ِإن اهلل
اآلية الكريمة تتحدث ً
أول عن رضورة ر ّد األمانة إىل أهلها .واألمانة ال تقترص عىل ر ّد
الوديعة املالية ،بل أهم أمانة هي أمانة العمل بواجب الطاعة ،وهو امليثاق بني اهلل وبني
متهد لآلية التالية:
أهم مصاديق األمانة .واآلية ّ
الناس.وهذا ّ
ُ َ َ ُ َ َ َّ َ
( َیا أ ُّی َها الذ َین َآم ُنوا أ ِط ُیعوا َ
اهلل َوأ ِط ُیعوا َّالر ُسول َوأ ْو ِلی الأ ْم ِر ِمنك ْم) واآلية تعني أنه البدّ من و ّيل ِ
أمر ،وحاكم ،وحكومة ،خال ًفا ملا تدعي بعض املدارس أن التطور االجتامعي التارخيي
يؤدي يف النهاية إىل عدم حاجة املجتمع إىل حكومة .وخال ًفا ملا ا ّدعى اخلوارج بقوهلم« :ال
ُحكم إالّ هلل» ويف جواهبم قال اإلمام عيل بن أيب طالب« :كلمة حق يراد هبا باطل» .3نعم،
الذي بيده الترشيع وزمام احلياة هو اهلل ،لكنكم أهيا اخلوارج تقولون« :ال إمرة إالّ هلل»! البد
من حاكم ين ّفذ ما أراده اهلل .ويطبق ما أراده اهلل يف املجتمع .ولذلك يقول اإلمام« :البدّ
ِ
للناس من أمري» .هذه هي طبيعة البرشية التي تقتيض وجود من ّفذ للقانون يف املجتمع.
النص القرآين ،وما عليه مدرسة أهل البيت هو أن و ّيل األمر ما
ومن هو و ّيل األمر؟ إن ّ
كانت تتوفر فيه املعايري اإلهلية ،خال ًفا ملن ذهب إىل أن من استوىل عىل كريس احلكم فهو ويل
أمر جتب إطاعته.
ذكرنا من قبل أن من يدّ عي عبودية اهلل البد أن يكون له يف حياته و ّيل .وذكرنا أن الو ّيل هو
من ع ّينه اهلل بالتخصيص ويتمثل بتعيني النبي هلذه املهمة واألئمة الذين خيلفون النبي ،أو
بالتشخيص وذلك بتعيني اخلصائص التي جيب أن تتوفر يف الويل .ويف هذه اجللسة نتناول
حكم من يرفض والية اهلل وينضوي حتت إمرة غري اهلل؟ ثم ما اسم هذا العمل؟ وثال ًثا ما
أيضا.
هي نتيجته ؟ هذه األمور هي فروع من أصل الوالية ،ولكن هي بذاهتا من األصول ً
يف القرآن الكريم كل والية لغري اهلل هي والية الطاغوت .وما هو الطاغوت؟ إنه من مادة
«الطغيان» ،وهو جتاوز دائرة الفطرة اإلنسانية .اإلنسانية ُخلقت من أجل أن تتكامل .ومن
يصد اإلنسانية عن طريق الكامل فهو طاغوت .البرش خلقوا فطر ًيا ليعيشوا وفق رشيعة اهلل.
ومن يعمل عىل إبعاد البرشية عن رشيعة اهلل فهو طاغوت .اإلنسان جيب أن جيدّ ويسعى
ومثمرا .كل عامل يصدّ اإلنسان عن هذا اجلدّ ويدفعه إىل العبث
ً ليكون وجوده معطاء
والتقاعس واالرختاء فهو طاغوت .اإلنسان جيب أن خيضع ألوامر اهلل .وكل عامل يبعث
عىل إخراج اإلنسان من خيمة هذه الطاعة ويؤدي إىل عصيان اهلل فهو طاغوت.
n290مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
الطاغوت إذن ليس باسم خاصُ .ييل للبعض أن الطاغوت هو صنم ،نعم هو صنم ولكن
صنم معينًا .قد يكون هذا الصنم هو نفسك،وقد يكون املال ،وقد يكون طلب حياة
ليس ً
البطر واالسرتخاء ،وقد يكون ذلك الصنم هو من استسلمت له ،وخضعت له دون تفكري
ودون وعي ليأخذك إىل حيث يشاء ،وقد يكون ما ليس له روح كالذهب والفضة ،وقد يكون
فر ًدا من األحياء ،وقد يكون نظا ًما اجتامع ًيا أو ترشي ًعا يتعارض مع ما قرره اهللّ .
ملخص ما
ذكرناه أن من خيرج عن والية اهلل فقد دخل يف والية الطاغوت والشيطان .وهل هناك ارتباط
بني الطاغوت والشيطان؟ نعم .إن الشيطان هوالطاغوت ،والطاغوت هو الشيطان نفسه.
یل بس أذكر لكم هذه اآلية ليتبني أن الطاغوت يساوي الشيطانَّ ( :الذ َین َآم ُنوا ُی َقات ُل َ
ون فی َ
ِ ِ ِ ِ ِ
ك َ َ َ
الش ْی َط َّ َ َ ّ َ َ َ ُ َ ْ َ َ َّ َّ ُ ون فی َ َ َّ َ َ
ك َف ُر وا ُی َقات ُل َ
ان ان ِإن ك ْید الش ْیط ِ
ان ِ وت فق ِاتلوا أو ِلیاء
یل الطاغ ِ
ِ ب
ِ س ِ ِ اهلل وال ِذین
ِ
ً
َض ِعیفا) .1ترون يف اآلية أن الشيطان ُذكر بدل الطاغوت ،والطاغوت بدل الشيطان.
الشيطان كل عنرص خارج وجود اإلنسان يدفعه إىل ممارسة أعامل الرش والفساد ،وإىل
االنحطاط ،والتخاذل ،والظلم وأعامل السوء ،واالنحراف.
عندنا شياطني من اإلنس وشياطني من اجلن ،وشياطني من الكرباء ،ومن قوى خارجية
رب العاملني بشأن
ومن أحاسيس داخلية .ومن مصاديق الشيطان إبليس .إبليس خالف ّ
سجوده آلدم صفي اهلل ،ونحن نلعنه باستمرار ،ولكنه ليس هو وحده الشيطان ،فعندنا
مسهم وأحيانًا معارشهتم.
ماال ُيىص من الشياطني ،شياطني يمكن رؤيتهم أو ّ
كل من ال ينضوي حتت لواء والية الو ّيل احلقيقي فهو يرضخ لطاعة الشيطان والطاغوت.
وقد يقول قائل :ما الرضر وما املفسدة يف أن يعيش اإلنسان حتت والية الطاغوت؟
رضخت لوالية الشيطان فإن الشيطان سيستويل عىل كل الطاقات
َ يف اجلواب نقول :إذا
اخلالقة يف وجودك .إذا س ّلمت للشيطان والطاغوت وتق ّلدت واليته ،فإنك سوف ال
تتحرر منه .وحني يستويل عىل مجيع طاقاتك ونشاطاتك فإنه سيسوقك إىل الطريق الذي
يريد .ومن الواضح أنه ال يسوقك إىل ما فيه مصلحتك بل إىل ما فيه مصلحته .فأنت منساق
إىل حتقيق مصاحله الشخصية .إذا استلزم األمر أن تضحي يف سبيل مصالح الطاغوت فالبد
أن تضحي ،وإذا اقتىض أن تنحرف عن الطريق فالبد أن تنحرف ،فلقد س ّلمت زمامك بيده
سأمر عليها بحاجة إىل كثري من التد ّبر:
ّ وهو يأخذك إىل حيث يريد .هذه اآلية التي
َ َّ ُ ُْْ َ ُ ّ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ َّ ْ َ ْ َ َ َّ ُ َ ََ َُ
ین ن َو ِلهِ َما ت َولى َو ن ْص ِلهِ (ومن یش ِاق ِق الرسول ِمن بع ِد ما تبین له الهدى ویت ِبع غیر س ِب ِ
یل المؤ ِم ِن
َ
َج َه ّن َم َو َس َاء ْت َم ِص ًیرا).1
فمن فصل طريقه عن طريق الرسول بعد أن تبني له مسري اهلداية ،واتبع ً
سبيل غري سبيل
املجتمع اإليامين ،فإنه س ُيمنى بام اختاره هو من والية ونرتكه إىل اختياره الفاسد الذي يؤدي
َّ َ َ َّ َ َ َ
اهلل لا ُیغ ِّی ُر َما ِبق ْو ٍم َحتى ُیغ ِّی ُر وا به إىل جهنم ومصري السوء .وهذا تعبري آخر لقوله تعاىلِ ( :إن
َْ ُ
َما ِبأنف ِس ِه ْم).2
هذه مسائل هامة نحتاج إىل دراستها اجتامع ًيا وتارخي ًيا ،نحتاج إىل نبحث عن مصاديقها يف
املجتمع ويف التاريخ.وأو ّد أن أذكر اليوم لكم شي ًئا من التاريخ وإن مل يكن من دأيب يف هذه
املجالس أن أتطرق إىل مسائل تارخيية.
ومرة .تعلمون أن أمري املؤمنني عيل
انتقل بكم إىل مدينة الكوفة وما فيها من ذكريات حلوة ّ
بن أيب طالب قد اختار هذه املدينة من بني املدن اإلسالمية لتكون عاصمة له .وتعلمون كم
أن أهل الكوفة قد شاركوا مع عيل يف حرب اجلمل والنهروان وص ّفني .ويف مشهد آخر
أيضا كم أن عل ًيا قد اشتكى من أهل الكوفة لتقاعسهم وتع ّللهم يف الدفاع عن
تعلمون ً
حرمات املسلمني أمام ما كانت تتعرض له البالد اإلسالمية من غارات .وهؤالء هم الذين
كاتبوا اإلمام احلسن (عليه السالم) :أن أقدم لنا لنس ّلمك مقاليد الكوفة لكنه مل يأهتم.
أيضا كاتبوا اإلمام احلسني (عليه السالم) أن يقدم إليهم إذ« :أنه ليس علينا
وهؤالء هم ً
إمام» ،3وكانوا صادقني يف دعوهتم إذ بني الداعني سليامن بن رصد اخلزاعي وحبيب بن
مظاهر ومسلم بن عوسجة 4وأمثاهلم .ولكن األمور اجتهت إىل أن ُيذل احلسني حني قدم
إىل العراق وحدث ما حدث من مأساة تارخيية يف كربالء .وبعد ذلك بقليل شهد التاريخ
ثم أمر الكاتب أن يقرأ كتاب عبدامللك بن مروان إىل العراقيني يف تولية احلجاج .فقال
الكاتب:
« ..من أمري املؤمنني عبدامللك بن مروان إىل َمن بالعراق ..سالم عليكم..
فقال احلجاج للكاتب :اسكت يا غالم! ثم قام غاض ًبا وقال :يا أهل العراق ،يا أهل..
واستمر يشتم وهيدّ د.
ّ (وأخذ يسبهم) يس ّلم عليكم أمري املؤمنني فال تردون عليه السالم؟!
ثم قال يا غالم اقرأ الكتاب .فلام بلغ السالم قال أهل املسجد :وعىل أمري املؤمنني السالم
تم له ما أراد.
ورمحة اهلل وبركاته .وهنا انرشحت أسارير احلجاج ،وعرف أن قد ّ
1
َ
َ ّ ُْْ َ ُ ّ
ین ن َو ِلهِ َما ت َولى) لقد یل المؤ ِم ِن ب الر ُس َول ِمن َب ْع ِد َما َت َب َّی َن َل ُه ْال ُه َدى َو َی َّتب ْع َغ ْی َر َ
س ( َو َمن ُی َشاقق َّ
ِ ِ ِ ِ ِ
رضختم لتهديد احلجاج ،وأجبتم عىل سالم اخلليفة الظامل ،فإن احلجاج سوف يتس ّلط
احلجاج بمعجزة ويأيت بمكانه زين العابدين (عليه السالم) .سوف
يغي ّعليكم .واهلل ال ّ
يبقى احلجاج يسيطر عليكم حلينام ترفضوه .حينام قبلتم احلجاج فإنه سيستويل عىل فكركم
و روحكم .هذه سنة اهلل يف اخلليقة .إهنا سنة التاريخ.
البدّ أن نقرأ التاريخ للعربة ولنفهم سننه .وال بأس أن أضيف هنا أن الذين استعملوا
أيضا من
احلجاج ليبطش بمعارضيهم ،بطشوا باحلجاج نفسه وقتلوه بأفظع صورة .وهذه ً
ظالـم س ّلطه اهلل عليه» .2إن اإلمعان يف حوادث التاريخ يسعفنا يف
ً سنن التاريخ« :من أعان
فهم ما ذكره القرآن الكريم من سنن.
نقف عند آيات القرآن الكريم:
َ َّ َ َ ََْ َ ُْ ْ َ َ ْ َ ْ
ان َّالر ِج ِیم) 3اآلية تقول حني تقرأ القرآن ،وتعلمت
ِ طالش ْی َ ن (ف ِإذا قرأت القرآن فاست ِع ِ ِ ِ
م اهلل ب ذ
منه مفاهيم اإلسالم ،فاحذر أن يسلب الشيطان من قلبك هذه املعارف ،واحذر أن يسدّ
عليك طريق املزيد من الفهم.
ان َع َلى َّالذ َین َآم ُنوا َو َع َلى َر ّبه ْم َی َت َوَّك ُل َ
ون) من انضوى حتت لواء والية اهلل فإن (إ َّن ُه َل ْی َس َل ُه ُس ْل َط ٌ
ِِ ِ ِ
1ـ مروج الذهب للمسعودي ،ج ،3ص ،131- 127دار اهلجرة ،إيران -قم.
2ـ هنج الفصاحة ،ح 2945
3ـ النحل100 - 98 /
n294مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ْ ُ َّ َّ َ َ َّ ْ ُ َّ
الشيطان ال يتسلط عليهم( .إن َما ُسل َطان ُه َعلى الذ َین َی َت َول ْون ُه َوالذ َین ُهم بهِ ُمشرك َ
ون). ِ ِ ِ ِ ِ
َ َ َّ ُ ُْْ َ ُ ّ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ َّ ْ َ ْ َ َ َّ ُ َ ََ َُ
َما ت َولى َون ْص ِلهِ َج َه ّن َم ین ن َو ِلهِ (ومن یش ِاق ِق الرسول ِمن بع ِد ما تبین له الهدى ویت ِبع غیر س ِب ِ
یل المؤ ِم ِن
َو َس ْ
اءت َم ِص ًیرا).
السوي ،وينفصل عن طريق املؤمنني
ّ الذي يبتعد عن والية الرسول بعد أن اتضح له الطريق
نجعله حتت والية َم ْن َق َبل واليته ،نجعل هذا الذي تواله ليكون و َّيل أمره ،وبذلك ُيمنى
بجهنم ومصري السوء.
ْ َ َ َ
اهلل لا َی ْغ ِف ُر أن ُیش َر َك ِبهِ ) 1عودوا إىل ما ذكرناه يف جلسات التوحيد ،وافهموا ما هو
(إ ّن َ
ِ
الرشك وما هو التوحيد؟ فالذي أرشك قد خرج من والية اهلل ودخل يف نفوذ غري اهلل.
ومثل هذا الشخص ال يشمله غفران اهلل .بتعبري آخر مثل هذا الذنب قد أنزل بصاحبه
جرحا ال يندمل .ولقد ذكرنا من قبل أن غفران الذنب هو التئام اجلرح الذي نزل بروح
ً
املذنب بسبب ذنبه .والدخول يف والية غري اهلل جرح روحي ال يقبل االندمال.
ََْ ُ َ ُ َ َ َ َ
ون ذ ِلك ِل َمن َیش ُاء) واملغفرة هنا ً
أيضا هلا طريقتها .العودة إىل اهلل وطلب مغفرته. (ویغ ِفر ما د
َ ً ََ ْ
اهلل فق ْد َض َّل َضلالا َب ِع ً ا
ید) الرشك يبعد اإلنسان بعدً ا شاس ًعا عن طريق اهلداية. ُ ْ
( َو َمن یش ِرك ِب ِ
كثريا ،وهذا االبتعاد ال يمكن أن تكون معه عودة إالّ بمزيد من السعي ،ومزيد
لقد ابتعد ً
موج ًها قو ًيا .فاملسافة بني الرشك وبني التوحيد بعيدة جدً ا.
أيضا ّ
من اليقظة ،ويتطلب ً
(إن َیـ ْـد ُعـ َ َ ً َّ
ـون ِمن ُد ِونــهِ ِإلا ِإناثا) هؤالء املرشكون يدعون (إنا ًثا) من دون اهلل .وقيل إن ِ
املقصود من اإلناث هو األوثان التي حتمل أسامء مؤنثة مثل الالت والعزى ،وأساف،
ونائله .وقيل إن مادة (أنث) تعني املرونة واهلشاشة .أي تدعون من دون اهلل موجودات
ً َّ َ
ون ِإلا ش ْی َطانا َّم ِر ًیدا) واملريد هو اخلايل من الفضائل
ضعيفة ال ترض وال تنفعَ ( .و إن َی ْد ُع َ
ِ ّ
والعاري من احلسنات.
(ل َع َن ُه ُ َّ
اهلل) الشيطان مطرود من رمحة اهلل.
َ ُ َّ َ ْ
( َو قال لأتخذ ّن م ْن ع َباد َك نص ًیبا َّمف ُر ً َ َ َ َ َ َّ َ َ
وضا َ #و لأ ِضل ّن ُه ْم) هذه طبيعة الشياطني أن يض ّلوا ِ ِ ِ ِ ِ
فري ًقا من الناس ،ليكونوا من نصيبهم ومن زمرهتم ،يسلبون عقلهم وإرادهتم وبصريهتم
ويدخلوهنم يف والية غري اهلل.
َ َُ
( َو لأ َم ِّن َی ّن ُهم) أي أغرقهم باألماين الكاذبة املوهومة .إهنا ما يبتىل به اإلنسان من صغائر
وأهداف تافهة جتعله خيضع هلذا وذاك من أجل الوصول إليها .وهت ّيج يف وجوده األطامع
ّ
وتدق رقبته. التي تذ ّله
َ ُ ََ َّ َ
الأنعام) إشارة إىل عادة خرافية كان يامرسها اجلاهليون بقطع آذان
ِ آم َرن ُه ْم فل ُی َب ِّتك َّن آذ َان
( َو ل ُ
فيحرمون ركوهبا ،أو يفعلون ذلك ألغراض أخرى هي يف اجلملة خرافية .واألمر
األنعامّ ،
هبذا العمل اخلرايف رمز للعادات والتقاليد الفارغة التافهة التي هي من عمل الشيطان.
َ ُ ّ َ َ ْ َ ََ َّ َ
آم َرن ُه ْم فل ُیغ ِّیرن خلق ِ
اهلل) أولئك الذين يوقعهم الشيطان يف رشاكه يدفعهم لالبتعاد ( َو ل ُ
ذكرنا أن الذي ينضوي حتت والية اهلل جيب أن تكون عنارصه الوجودية ونشاطاته وقواه
ً
سؤال يفرض نفسه خاضعة لعبودية اهلل ال لعبودية الطاغوت .وإذا س ّلمنا بذلك فإن
هو :إن مثل هذا اإلنسان لو أحاطته ظروف فرضت عليه أن يكون حتت والية الطاغوت
والشيطان ،فامذا جيب عليه؟ اجلواب :عليه أن ينقذ نفسه من هذه احلالة ويدخل يف والية
اهلل ،أن خيرج من والية الظلم ليدخل يف والية العدل ،هذه النقلة تسمى اهلجرة .لقد تناولنا
ثالثة أمور ترتبط بالوالية وهذا هو املوضوع الرابع.
يفر من والية الطاغوت ؟ أال يمكن أن حيافظ الفرد عىل إسالمه
ملاذا جيب عىل اإلنسان أن ّ
يف إطار والية الطاغوت؟ أال يمكن أن يبقى اإلنسان عبدً ا هلل يف ظروف تسيطر فيها عوامل
غري إهلية عىل فكره وعواطفه ومشاعره؟ فكروا يف هذا األمر مل ًيا.
بداية نعرف أن والية الطاغوت والشيطان كام يرى القرآن الكريم هو أن يستويل الشيطان عىل
كل قوى اإلنسان وطاقاته وكفاءاته وأعامله ،وأن يسري يف الطريق الذي يريده الشيطان ويف
املسري الذي يرسمه لهَ .م َثله َم َثل شخص وقع يف هنر ذي تيار قوي متد ّفق ال يستطيع إالّ أن
n300مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ينجرف فيه ،وال يمكنه التخ ّلص من هذا االنجراف مهام تشبث بيشء ،فقد السيطرة عىل نفسه.
اه ْم َأئ َّم ًة َی ْد ُع َ
ون هذه هي والية الطاغوت ووالية الشيطان ،لذلك يقول سبحانهَ ( :و َج َع ْل َن ُ
ِ
َ ُ َ َ َ َ َّ َ َّ
الن ِار) 1يسوقوهنم إىل اجلحيم وإىل سوء املصري .ويقول سبحانه( :أل ْم ت َر ِإلى ال ِذ َین َب ّدلوا ِإلى
َ ْ ْ َ َ َ ْ َ ُ ّ َ ُ ْ َ
كف ًرا َوأ َحلوا ق ْو َم ُه ْم َد َار ال َب َو ِار َ #ج َه ّن َم َی ْصل ْون َها َو ِبئ َس الق َر ُار) 2لقد أغدق اهلل عىل ِن ْع َمة ِ
اهلل
نعم كثرية يستطيع هبا أن يطوي مدارج الكامل املادي واملعنوي ،لكن هؤالء ساقوا
اإلنسان ً
هذه النعم التي أغدقها اهلل عىل الناس نحو مسري كافر هبذه النعم ،ودفعوا قومهم إىل دار
البوار والفناء واهلالك وإىل جهنم واملصري التعيس.
وهذه اآلية تالها اإلمام موسى بن جعفر (عليه السالم) عىل هارون الرشيد ليفهمه أنه هو
ْ َ ُّ َ
من الذين (أ َحلوا ق ْو َم ُه ْم َد َار ال َب َو ِار) .إذ يف جملس دار حديث أغضب هارون فصاح :أنحن
كفار؟ فقال اإلمام ال ،ولكن كام قال تعاىل «أمل تر »..وتال اآلية ليفهمه أن الكافر ليس
من ينكر اهلل والوحي والنبوة رصاحة .مثل هذا الكافر يستطيع أن ين ّظم اإلنسان عالقته
معه .األسوأ منه هو الذي يكفر بام عنده من نعم ،بل ويسوق َم ْن حتت إمرته إىل والية
الطاغوت ..إىل جهنم.
يغي مسريه ،فإن قوة التيار
من خيضع لوالية الطاغوت يفقد إرادته ،بل إذا أراد أحيانًا أن ّ
متنعه من ذلك وجترفه ،واألسوأ من ذلك أنه ال يفهم بأنه منجرف يف التيار.
األسامك التي وقعت يف شباك الصياد ،يقودها الصياد دون أن تعرف األسامك مقصدها،
جتر الناس
والصياد الذي يسحبها نحوه هوالذي يعرف املقصد .ورشاك النظام اجلاهيل ّ
َْ ْ َ َ َ
نحو من بيده هذه الرشاك دون أن يعلموا بأهنم يتجهون نحو ( َج َه ّن َم َی ْصل ْون َها َو ِبئ َس الق َر ُار).
ولنعد إىل التاريخ لنرى ما تنزله والية الطاغوت من خسائر باألمة.
فجر طاقات األمة وأيقظ كفاءاهتا وقواها الفكرية فسجلت أروع
تعرفون أن اإلسالم ّ
انتصارات يف حقل العلوم واملعارف ،واقتبسوا علوم زماهنم وترمجوها ،وذلك ما بعث
علامء الغرب أن يذكروا بإعجاب شديد ما حققه املسلمون من تقدم ،من أمثال «غوستاف
1ـ غوستاف لوبون ( )1931- 1841عامل اجتامع ومسترشق فرنيس دراساته حول احلضارة اإلسالمية أقرب إىل املوضوعية.
اهتم بدراسة احلضارات يف اهلند ومرص واألندلس.
2ـ آدم متز ( )1917 - 1869مسترشق أملاين ،سكن يف بازل بسويرسا .كتابه املعروف :احلضارة اإلسالمية يف القرن الرابع
اهلجري.
3ـ ّ
معل بن خنيس :من أصحاب اإلمام الصادق .اعتقله حاكم املدينة وهدده بالقتل كي يكشف أسامء أصحاب اإلمام .لكنه
أبى واستشهد عىل هذا الطريق.
4ـ حييى بن زيد بن عيل بن احلسني ،بعد استشهاد والده سنة 141هـ ّفر إىل خراسان ثم إىل هرات ،واشتبك هو ومجع من
أصحابه بقوات حاكم خراسان ،واستشهد سنة 145هـ.
5ـ حممد بن أيب عمري األزدي من أصحاب األئمة الكاظم والرضا واجلواد ،تعرض للتعذيب عىل يد هارون ليكشف أسامء
املوالني آلل البيت ،وسجن مرات ،وتويف سنة 217هـ.
n302مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ممن هنضوا بوجه انحراف مسرية املجتمع يف عرصهم ،وضحوا بأنفسهم حني رأوا أن كل
ما حيققه املجتمع من تطور علمي ال قيمة له يف ظل والية الطاغوت.
ويبقى السؤال عن إمكان أن يعيش اإلنسان حياة إسالمية يف والية الطاغوت .ما معنى أن
يعيش اإلنسان حياة إسالمية؟ يعني أن تكون إمكاناته وطاقاته وقواه وكفاءاته كلها من
أجل اهلل .وهل عندنا نامذج لذلك؟ نعم عندنا نامذج من جمتمع عاش هبذه الصورة،ونامذج
من مجاعات هاجرت من نظام الطاغوت إىل اهلل.
مثال ذلك املجتمع ،جمتمع املدينة يف زمن حياة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله .فقد أقام النبي
أيضا
جمتم ًعا يتحرك نحو اهلل يف شؤونه أمجع .ويف هذا املجتمع يعيش اليهودي واملسيحي ً
يف ظل اإلسالم ،كالمها حتت ذمة اإلسالم ،ويتحركان عىل طريق املجتمع اإلسالمي.
طقوسهم الشخصية يامرسوهنا عىل طريقة دينهم ،لكنهم مسلمون باعتبار عضويتهم يف
املجتمع اإلسالمي .ولعل إسالمهم أقوى من ذلك املسلم العادي الذي يعيش يف ظل نظام
جاهيل .يف عرص رسول اهلل كان كل يشء هناك يف سبيل اهلل .املال واجلهاد بالنفس وباللسان
وبالفكر يف سبيل اهلل .وهكذا األمر إىل حدّ ما يف زمن حكومة أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب
صلوات اهلل عليه .فهو ويل اهلل بعد الرسول ،لكنه ورث تركة من اضطراب األوضاع.
هذا عىل مستوى املجتمع .أما عىل صعيد اجلامعات فنرى اجلامعات امللتفة حول أئمة أهل
البيت (عليهم السالم) .وكان املفروض أن نبحث ذلك بالتفصيل يف فصل اإلمامة بعد
الوالية .كانت هذه اجلامعات تعيش يف جمتمع حيكمه الطاغوت ،لكنها كانت تتحرك يف
اجتاه يعارض نظام الطاغوت .كذلك اجلامعة الصغرية التي كانت يف كربالء مع احلسني
بن عيل صلوات اهلل وسالمه عليه .فقد ش ّقت طريقها يف اجتاه خيالف السيل اجلارف يف
املجتمع آنذاك.
ويف التاريخ عندنا نامذج أخرى من هذا القبيل .أما عىل الصعيد الفردي فإن الفرد ال يستطيع
أن تكون طاقاته وحركته ووجوده حتت والية اهلل بينام هو يعيش يف جمتمع طاغويت .مثل هذا
الشخص البد أن يكون جزء من حياته عىل األقل عىل طريق الطاغوت .وال يمكن أن
يكون عبدً ا هلل بشكل كامل.
حول الوالية (( )3اهلجرة) 303n
يف الكايف للكليني وهو من الكتب احلديثية األربعة عند الشيعة حديث قديس يف هذا املجال
عز وجل بغري إمام ِم َن اهلل» عن اإلمام
مرارا مروي بألفاظ خمتلفة يف باب «من دان هلل ّ
ذكرته ً
عن رسول اهلل عن اهلل سبحانه وتعاىل« :ألعذ ّبن كل رعية يف اإلسالم دانت بوالية كل إمام
َّ
وألعفون عن كل رع ّية يف اإلسالم جائر ليس من اهلل وإن كانت الرعية يف أعامهلا َب ّر ًة تقية،
دانت بوالية ّ
كل إمام عادل من اهلل وإن كانت الرعية يف نفسها ظاملة مسيئة».1
الرتكيز عجيب يف هذا احلديث عن أمهية الوالية يف املجتمع! فالذين يعيشون حتت والية
ويل اهلل من أهل النجاة وإن كانوا يرتكبون اإلساءات يف حياهتم الشخصية .والذين
يعيشون حتت والية الطاغوت يف شقاء وعذاب وإن كانوا يف حياهتم الشخصية من أهل
رب والتقوى.
ال ّ
وأم ّثل هلذا احلديث بسيارة تركبوهنا من مدينة مشهد لتذهبوا إىل مدينة نيشابور ،فإذا
انحرفت السيارة يف اجتاه مدينة رسخس أو قوجان 2فإنكم ال شك ال تصلون إىل اهلدف.
ركاب السيارة ــ مهام كانوا مؤدبني وحمسنني ــ فإهنم ال يصلون عىل أي حال إىل هدفهم .أما
إذا كانت السيارة تطوي طريقها إىل نيشابور فإهنا تصل إىل املقصد حتى وإن كان ركاهبا قد
خالفوا أصول آداب املعارشة اإلنسانية .لو كان هؤالء الركاب ملتزمني باآلداب اإلنسانية
فهو املطلوب ،أما لو أساء هؤالء الركاب يف الطريق فإهنم سينالون جزاء إساءهتم ،لكنهم
عىل أي حال سيصلون إىل هدفهم املنشود.
يف احلالة الثانية البدّ أن يكون السائق أمينًا عار ًفا بالطريق« :إمام من اهلل» .فإنه يوصلهم
إىل اهلدف وإن أساؤوا« :وإن كانت الرعية يف أعامهلا ظاملة مسيئة» .أما يف احلالة األوىل فإن
السائق جاهل بالطريق ،السائق غري أمني ،السائق من أهل الفسوقّ ،
ظل الطريق ،أو كانت
له مآرب أخرى يف رسخس وقوجان ففضل مصاحله عىل مصلحة الركاب .عىل أي حال
رب والتقوى« :وإن كانت الرعية يف أعامهلا
ال يبلغ الركاب مقصدهم وإن كانوا من أهل ال ّ
ّبرة تق ّية».
1ـ الكايف للكليني ،كتاب احلجة ،باب من دان هلل عزّ وجل بغري إمام من اهلل ،ح .4
2ـ مشهد ،ونيشابورَ ،و َس ْخس ،وقوچان ،مدن من أعامل خراسان.
n304مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
طيب ،إذا كان الناس قد ُفرضت عليهم والية طاغوتية شيطانية فامذا يفعلون ،ما الذي جيب
َ ُ َ ُ َْ ُ َّ َّ َ َ َ َّ ُ ُ ْ َ َ ُ َ
یم ك ُنت ْم لآئكة ظ ِال ِمی أنف ِس ِه ْم قالوا ِف عليهم أن يفعلوا؟ تقول اآليةِ ( :إن ال ِذین توفاهم الم ِ
َ َ ُ َْ َ ُ ََ ْ َ ُ ْ َْ ُ َ ُ ُ
اج ُر وا ِف َیها فأ ْول ِئ َك َم َأو ُاه ْم اهلل َو ِاس َع ًة َف ُت َ
ه ِ ض ك َّنا ُم ْس َت ْض َع ِف َ
ین فِی الأر ِض قالوا ألم تكن أر قالوا
ِ
َ
َج َه ّن ُم َو َس َاء ْت َم ِص ًیرا).1
هؤالء الذين ظلموا أنفسهم ،وأساءوا إىل أنفسهم يف احلياة الدنيا حني تأتيهم املالئكة لقبض
فيم كُنتم؟ وأنا أفهم من هذا السؤال أن املالئكة يستغربون مما يرونه
أرواحهم يسألوهنمَ :
من بؤس حالة هؤالء ومما ينتظرهم من عذاب .فيقولون هلم :فيم كنتم؟! كام يأيت مريض إىل
طبيب وهو يف حالة ُيرثى هلا ،فيقول له الطبيب مستغر ًبا :أين كنت تعيش؟! فيقولون« :كنا
مستضعفني يف األرض» أي مل تكن لنا إرادة وال اختيار يف جمريات املجتمع وحركته وسكونه
واجتاهه .مل نكن نعلم إىل أين نحن متجهون ،مثل حصان الطاحونة يدور ويتحرك وعيونه
مشدودة ،يظن أنه بمشيه املتواصل قد قطع مسافة كبرية ،وال يدري أنه يدور يف مكانه!!
هكذا هو شأن املجتمع الذي يعيش يف ظل نظام ظامل جاهل .أفراده مستضعفون ال يدرون
إىل أين هم متجهون ،وال يعلمون ما ُيراد هبم .خال ًفا للمجتمع الذي ُيدار بنظام صحيح،
فهذا املجتمع يعري أمهية لشخصية اإلنسان وكرامته ومكانته ،ويامرس الويل فيه عملية
َ َ
املشاورة مع الناسَ ( :وش ِاو ْر ُه ْم فِی الأ ْم ِر) 2هكذا تأيت التعاليم إىل رسول اهلل ،مع أن النبي
َ ُ ُ
ك َّنا ُم ْس َت ْض َع ِف َ
ین العزة يف نفوس األفراد( .قالوا ال حيتاج إىل مشورة ،وذلك لغرس روح ّ
َ ً ََ َ ُ َْ ُ َْ
اهلل َو ِاس َعة ف ُت َه ِاج ُر وا ِف َیها) ؟! أمل تكونوا قادرين
فِی الأر ِض) فيأتيهم اجلواب( :أل ْم تك ْن أرض ِ
أحرارا ،ولتعبدوا اهلل وحده دون سواه،
ً عىل االنتقال إىل بقعة أخرى من األرض ،لتكونوا
ّ
وتسخروا طاقاتكم عىل الطريق الصحيح هناك؟! واضح أهنم ال يملكون جوا ًبا ،و واضح
أهنم سينالون سوء املصري.
طب ًعا هناك استثناء يف موضوع وجوب اهلجرة ،وهو أولئك الذين ال يقوون عىل هذا
العمل ،مثل األطفال والضعفاء من النساء والرجال ،فهؤالء من املؤ ّمل أن يعفو اهلل عنهم
َّ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ّ َ َ ّ
الن َس ِاء َو الو ْل َدان َلا َی ْس َتط ُیع َ
ون ِ ِ ِ فو الغفور تقول اآليةِ ( :إلا المستضع ِفین ِمن ِ
الرج ِال و ِ فهو ال َع ّ
ُ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ ً ح َیل ًة َو َلا َی ْه َت ُد َ
ون َسبیلا #فأ ْولئ َك َع َسى ُ
اهلل َعف ًّوا غف ًورا). اهلل أن َی ْعف َو َع ْن ُه ْم َوك َان ُ
ِ ِ ِ
وبؤسا وخو ًفا من املصري،
ً أرضارا
ً قد خيال املخاطبون باهلجرة أن اهلجرة تسبب هلم
فتقول اآلية:
َُ ً َ ً َ َ
ك ِث ًیرا َو َس َعة) .أي جيد يف األرض املسالك اهلل َی ِج ْد فِی الأ ْر ِض مراغما
یل ِ ( َو َمن ُی َه ْ َ
اجر فِی س ِب ِ
ِ
والطرق الكثرية والسعة يف احلركة.
لقد كان هذا املهاجر قبل اهلجرة يعيش يف قفص ال يستطيع أن يرتفع أكثر من سقفه ،أما بعد
اهلجرة فيستطيع أن يعيش يف آفاق رحبة واسعة.
لقد كان املسلمون يف مكة قبل اهلجرة قد ضاقت عليهم األرض بام رحبت ،وأصبحوا يف
املدينة يتحركون بمنتهى احلرية ،ويتسابقون يف اخلريات.
األمر باهلجرة والتشجيع عليها يأيت يف إطار رضورة احلركة يف العبادة واإلنفاق واجلهاد يف
سبيل اهلل ،لتكون هذه احلركة ِقيم ًة من قيم مكانة املسلم يف املجتمع.
وقد حيدث للمهاجر من دار الكفر إىل دار اإلسالم أن يتوفاه اهلل يف الطريق .مثل هذا
الشخص يكون قد أ ّدى ما عليه من واجب وأجره عىل اهلل:
ان ُ
اهلل ( َو َمن َی ْخ ُر ْج من َب ْیتهِ ُم َهاج ًرا إ َلى اهلل َو َر ُسولهِ ُث َّم ُی ْدر ْك ُه ْال َم ْو ُت َف َق ْد َو َق َع َأ ْج ُر ُه َع َلى اهلل َو َك َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َُ َ
غف ًورا ّر ِح ًیما).
وال بأس أن أشري ونحن يف اليوم األخري من هذه اجللسات أن اهلجرة كام ذكرنا تكون من
دار الكفر ،من والية غري اهلل ،إىل دار اإليامن ،حيث والية اهلل ،والنبي ،والية اإلمام ،والية
ويل اهلل .وإذا مل يكن هناك عىل وجه األرض دار إيامن ودار والية اهلل ورسوله ووالية ويل
اهلل،فام العمل؟ هل يبقى اإلنسان يف دار الكفر؟ يف هذه احلالة البد من التفكري يف إجياد دار
اهلجرة ،كام فعل رسول اهلل ،إذ هبجرته إىل املدينة أوجد دار اهلجرة.
قد يستلزم األمر أن هتاجر مجاعة لتبني نقطة البداية يف اهلجرة ،ومن ثم إلقامة املجتمع
اإلهلي اإلسالمي ،عندئذ تتوفر للمؤمنني أرض اهلجرة.
واحلمد هلل رب العاملني.
فهرس اآلايت
51 اك َن َ
ست ُ
عین) اك َن ُ
عب ُد َو إ ّی َ سورة ِ
الفاتَة /آیه ( 5إ ّی َ
ِ ِ
121
َ ُ َ َّ ُ اعبدوا َر َّب ُك ُم َّالذی َخ َل َق ُكم َو َّال َ
ذین ِمن ق ِبلكم ل َعلكم سورة الب َقرة /آیه ( 21یا َأ ُّی َها ّ
الن ُاس ُ َ َ
َت َّت َ
قون)
َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َّ
ماء َفأ َ
خر َج ماء ً ناء َوأ َنز َل ِم َن َّ ً َ َّ َ
ماء ب ً
146 الس ِ سورة ال َب َق َرة /آیه ( 22ألذی جع َل لكم الأرض ِفراشا والس ِ
َ ًََ ُ َ َ
عل َ زقا َل ُكم َفلا َت َ
ً َّ
مون) جعلوا هلِل أندادا وأنتم ت ِبهِ ِم َن الث َم ِ
رات ِر
َ َ ُ َ َ سورة الب َقرة /آیه َ ( 61و إذ ُق ُلتم یا موسى َلن َن َ َ َ
66 خرج لنا ِم ّما ِ ادع لنا َر ّب َك ُی واح ٍد ف عام ِ صبر على ط ٍ ِ ِ َ َ
َ َ َ َ َ ََ َ ُ ُ َ ُ
لون ّالذی ُه َو أدنى ب ّالذی ُهوَ بد َ
فومها وعد ِسها وبص ِلها قال أ تست ِ َ َ َ َ َ َ َ ّ
قلها و ِقث ِائها و ِ َ
ت ِنبت الأرض ِمن ب ِ
ِ
َ َ َ ُ ُ َ َ ُ ّ َّ َ َ ُ ُ َ ُ َ َ ّ ًَ َ ٌ
اهلل ذ ِلك المسكنة َوباؤ ِبغض ٍب ِم َن ِ الذلة َو َ اهبطوا ِمصرا ف ِإن لكم ما َسألتم َوض ِربَت عل ِیه ُم ِ خیر ِ
عت َ الح ّق ذل َك بما َع َصوا َوكانوا َی َ َ َ ُ َ َّ ّ َ َ ُ َ َ َّ
دون) َ
اهلل ویقتلون الن ِبیین ِبغ ِیر ِ ِ ِ آیات ِ ِبأن ُهم كانوا َیكفرون ِب ِ
72
َ َ ً ُ ( ُ َّ َ ُ ُ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ ُ
یار ِهمخرجون فریقا ِمنكم ِمن ِد ِ لاء تقتلون ُ أنفسكم وت ِ سورة ال َب َق َرة /آیه 85ثم أنتم هؤ ِ
خراج ُهم
ُ َ َ ُ ُ
العدوان َو إن َیأتوكم أسارى تفادوهم َوه َو ُم َح ّر ٌم َعلیكم إ ُ ُ ُ رون َع َلیهم بالإثم َو ُ ظاه ََت َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
زی فی َ ٌ ُ ّ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َُ
الحیاةِ عض فما جزاء من یفعل ذ ِلك ِمنكم ِإلا ِخ ِ تاب َوتكفرون ِب َب ٍ ِ الك
عض ِ ؤمنون ِب َب ِ أ فت ِ
ّ َ َ
لون) عم َ غافل َع ّما َت َ ُ
العذ ِاب َو َما اهلل ِب ٍِ ون إلى أ َش ّ ِد َ وم ِ َ ُ َ ُّالدنیا َو َی َ
القیامةِ یرد ِ
n310مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
الناس َو َی َ َ ّ ُ ً َ ُ َُ ً َ َ
97 كون سورة ال َب َق َرة /آیه َ ( 143و كذ ِلك َج َعلناكم أ ّمة َو َسطا ِلتكونوا ش َهد َاء َعلى ِ
ُ َ َ َ ّ َ َ َ َ َ َّ ُ َّ َ َ َ َّ َّ ُ َ ُ َ ً
الرسول ِم َّمن القبلة التی كنت علیها ِإلا ِلنعلم من یت ِبع َ
الرسول َعلیكم شهیدا َوما َج َعلنا ِ
َ ُ
ضیع ایمانكم اهلل ِل ُی َ كان ُ َ ذین َه َدى ُ
اهلل َوما بیر ًة إ ّلا َع َلى َّال َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ
ینق ِلب على ع ِقبیهِ و ِإن كانت لك ِ
حیم)الن ِاس َل َر ُؤ ٌف َر ٌ َّ َ
اهلل ب ّ
ِإن ِ
ُ
97 جه َك ماء َف َل ُن َو ِّل َی َّن َك ِق َبل ًة َترضاها َف َو ّل َو َ الس ِ سورة ال َب َقرة /آیه َ ( 144قد َنرى َت َق ّل َب َوجه َك فی َّ
ِ ِ ِ َ
علمونَ َ ََ َ ُ ُ َ َ ّ ُ َ ُ َ َ ُ َ َّ َّ َ ُ ُ َ َ َ ُ َ َ َ
الكتاب لی رام وحیث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره و ِإن الذین أوتوا ِ سج ِد الح ِ شطر الم ِ
عم َغافل َع ّما َی َ َّ ََ ُ َ َّ ُ َ ُّ
لون) أنه الحق ِمن ر ِب ِهم وما اهلل ِب ِ ٍ
َ
224 رین)الصاب َ الصلاةِ إ َّن ا َّلل َه َم َع َّالص ْبر َو َّعینوا ب َّ ذین َآم ُنوا ْاس َت ُ سورة ال َب َقرة /آیه ( 153یا أ ُّی َها َّال َ
ِ ِ ِ ِ َ
َ َ
راج َ
عون)
ّ َ ّ َ ٌ َ ُ ُ َّ َ
192 ،134 سورة ال َب َق َرة /آیه ( 156ألذین ِإذا أصابتهم مصیبة قالوا ِإنا هلِل و ِإنا ِإلیهِ ِ
اهلل َو َّال َ َ َ َ ً َ َ َّ ُ َ َّ
119 ذین اهلل أندادا ُی ِح ّبون ُهم ك ُح ِّب ِ دون ِ سورة ال َب َق َرة /آیه َ ( 165و ِمن الن ِاس من یت ِخذ ِمن ِ
دید َالعذ ِاب) اهلل َش ُ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َّ َ َ ً
میعا َو َأ َّن َ ذین ظلموا ِإذ یر ون العذاب أن القوة هلِل ج
َ َ َ ُّ ُ ًّ َ َ َ َ َّ َ َ َ
آمنوا أشد حبا هلِل ولو یرى ال
َ َ
119 سباب) الأ ُ ُ َ َََ
العذ َاب َوتق ّط َعت ِب ِهم ذین َّات َبعوا َو َرأ ُوا َ ذین ُّاتبعوا ِم َن َّال َ سورة ال َب َقرة /آیه ( 166إذ َت َب َّرأ َّال َ
ِ ِ َ
َ َ َ َ َ َ ََ َ َ ً َ ََ َ َ َّ َ َّ
120 ذین ات َبعوا لو أ ّن لنا ك َّرة ف َن َت َب ّرأ ِم ُنهم كما ت َب ّر ُؤا ِم ّنا كذ ِلك سورة ال َب َق َرة /آیه ( 167و قال ال
رات َع َلیهم َوما ُهم بخار َ ُ َ َ
جین ِم َن ّالن ِار) ِ ِ ِ ریه ُم اهلل أعمال ُهم َح َس ٍ ی ِ
ُ
َ ُ َ َّ َ َ َ ّ َ ُ َ َ ُ َّ َ َ َ َ َ ُُ َ
83 ذین خلوا ِمن ق ِبلكم سورة ال َب َق َرة /آیه ( 214أم َح ِس ُبتم أن تدخلوا الجنة ولما ی ِأتكم مثل ال
صر اهلل َألا إ َّن َن َ
صر سول َو َّال َ
ذین َآمنوا َم َع ُه َمتى َن ُ َ ّ َ َ َّ ُ َ َّ ُ ُ َ ُ َ َّ
الض ّر ُاء َو ُز ِلزلوا حتى یقول الر مستهم البأساء و
ِ ِ
ریب)اهلل َق ٌ
ِ
246
َ ُ
كمةٍ ث َّمتاب َو ِح
َ َّ ّ َ َ َ ُ ُ عمران /آیه َ ( 81و إذ َأ َخ َذ ُ آل ِ
سورة ِ
ك ٍین لما آتیتكم ِمن ِ
َ َ َ
اهلل میثاق الن ِب ِی ِ
ُ َ ُ ُ َ َ َ ُ َّ َ َ َ ُ َُ ُ َ ّ ٌ َُ َ ٌ
نص ُرن ُه قال أ أ َقر رتم َوأخذتم َعلى ِذلكم ِإصری ؤمن ّن ِبهِ ولت
جاءكم رسول ُم َص ِدق ِلما معكم لت ِ
ّ ُ ََ َ
قال َف َ
َ
اشهدوا َوأنا َم َعكم ِم َن الش ِاه َ
دین) قالوا أ َقر رنا
ُ ُ ُ َ َ َ َّ َ َ ُ َ ِ ِ
225 مددكم َر ّبكم
ور ِهم هذا ُی ِ َ
سورة آل عمران /آیه ( 125بلى ِإن ت ِ
صبروا وتتقوا ویأتوكم ِمن ف ِ
لائ َكةِ ُم َس ّو َ
مین) آلاف ِم َن َ
الم ِ ب َخ َ
مسةِ ٍ
ِ ِ
n312مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
ً َ َ َ
ضاع َف ًة َو َّات ُقوا َ
ضعافا ُم َ َ ُ ُ ّ
الر َبوا أ ُّ َ ّ َ َ ِ ِ
38 اهلل سورة آل عمران /آیه ( 130یا أیها الذین آمنوا لا تأكلوا ِ
َل َع َّل ُكم ُتفل َ
حون) ِ
َّ ُ َّ
ُّ ّ َ َ آل ِ
38 لكاف َ
رین) عمران /آیه َ ( 131و اتقوا النار التی أ ِعدت ِل ِ سورة ِ
َ َ َّ ُ
الرسول ل َعلكم ُت َ َ آل ِ
38 رح َ
مون) اهلل َو َّ
طیعوا َ
عمران /آیه َ ( 132و أ ُ سورة ِ
َ ُ ُ عمران /آیه َ ( 133و سارعوا إلى َمغف َرةٍ من َر ّب ُكم َو َج َّن َع ُ
رض َها َّ آل ِسورة ِ
39 ماوات َوالأرضالس ةٍ ِ ِ ِ ِ ِ ُ
أ ِع َّدت ِل ُلم َّت َ
قین)
َ َ َ َّ َ َّ آل ِ
41 العافین َع ِن
َ مین الغیظ َو الكاظ قون فی َّ
الس ّر ِاء َوالض ّر ِاء َو ِ
ذین ُینف َ
عمران /آیه ( 134أل َ ِ سورة ِ
ِ
حس َ
نین) اهلل ُی ِح ُّب ُ
الم ِ ِ
ّ
الناس َو ُ
َ َ َ َ َ َ َ ً َ َ َ َ ُ ( َ َّ َ َ آل ِ
سورة ِ
42 استغفروا فاحشة أو ظلموا أنف َس ُهم ذك ُر وا اهلل ف ذین ِإذا ف َعلوا ِ عمران /آیه 135و ال
عل َ ََ َ ُ َ َ َ
َ َ َ ُ ُّ َ ّ ُ َ ُ
مون) اهلل َولم ُی ِص ّر وا َعلى ما فعلوا وهم ی غفر الذنوب ِإلانوب ِهم ومن ی ِِلذ ِ
َ َ َ
الأ ُ َّ ٌ َ َ (ُ َ َ ُ ُ َ ٌ آل ِ
سورة ِ
42 نهار غف َرة ِمن ر ِّب ِهم َو َجنات تجری ِمن ت ِ
حتها ولئك جزاؤهم م ِ عمران /آیه 136أ ِ
َ
لین)العام َ عم أ ُ
جر ِ خا ِل َ
دین فیها َو ِن َ
ُ ُ َ َ َ
َ َ َُ َ آل ِ
223 ،91 ،63 ؤم َ
نین) َ ُ
حزنوا َوأنت ُم الأعلون ِإن كنتم ُم ِ عمران /آیه َ ( 139و لا ت ِهنوا ولا ت سورة ِ
َ َ َ
182 ثیر َفما َو َهنوا ِلما أ َ
صاب ُهم فی ك ٌَ ّ َ َ ََ ُ ّّ َ َ
عمران /آیه َ ( 146و كأ ِّین ِمن ن ِب ٍی قاتل معه ِربیون آل ِسورة ِ
اهلل ُی ِح ُّب ّ
الصاب َ
رین) َسبیل اهلل َوما َض ُعفوا َو َما َ
استكانوا َو ُ
ِ ِ
ِ
َ َُ ََ ُ َ َّ ً َ َ َ عمران /آیه َ ( 159فبما َر َ آل ِسورة ِ
304 لباهلل ِلنت لهم ولو كنت فظا غلیظ الق ِ حمةٍ ِم َن ِ ِ
َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ ُ َ
است ِ ُ َ اعف َع ُنهم َو َ َ َ َ ُ َ َ ّ
مر ف ِإذا عزمت فتوكل علی ِ
اهلل شاورهم فِی الأ ِ
غفر لهم و ِ لانفضوا ِمن حو ِلك ف
لین)الم َت َوِّك َ إ َّن َ
اهلل ُی ِح ُّب ُ
ِ
َ عمران /آیه َ ( 164ل َقد َم َّن ُ
192 ،73 ُ ً
فیهم َرسولا ِمن أنف ِس ِهم َیتلوا
َ ََ َ اهلل َع َلى ُ آل ِسورة ِ
ؤمنین ِإذ بعث ِ الم ِ
َ
بل لفی َض ُ كم َة َو إن كانوا ِمن َق ُ ّ ََُ ّ َ
بین)لال م ٍٍ ِ
الح َ
تاب َو ِ الك َك ِیهم َو ُی َع ِل ُم ُه ُم ِ َعل ِیهم ِ
آیاتهِ ویز ِ
َ َ َُُ َ
رح ِل َّل َ
ذین أ َ الق ُ سول ِمن َب ِ
َّ َّ َ َ ِ ِ
152 حسنوا عد ما أصابهم سورة آل عمران /آیه ( 172الذین استجابوا هلِل َوالر ِ
َ
ِم ُنهم َو َّات َقوا أ ٌ
جر َع ٌ
ظیم)
فهرس اآليات 313n
وهم َف َ ( َّ َ َ َ ُ ُ ّ ُ َّ ّ َ َ َ َ َ ُ َ َ آل ِ
152 زاد ُهم اخش ُ عمران /آیه 173الذین قال لهم الناس ِإن الناس قد جمعوا لكم ف سورة ِ
عم َ سب َنا ُ
اهلل َو ِن َ ً
ایمانا َوقالوا َح ُ
كیل)
الو ُ
39
ُ َ نون َحتَّى ُی َح ّك َ
موك فیما ش َج َر َب َین ُهم ث َّم لا َی ِجدوا فی سورة النِّساء /آیه َ ( 65فلا َو َر ّب َك لا ُیؤم َ
ِ ِ ِ
ً ََ ً ّ َ َ َ ََُ ّ َ َ
أ ُنف ِس ِهم حرجا ِمما قضیت ویس ِلموا تسلیما)
َ َ َّ َ َ َ َ سورة النِّساء /آیه َّ ( 76ال َ ُ
290 بیل َ
قاتلون فی س ِ ذین كف ُر وا ُی ِ اهلل وال
بیل ِ َ
قاتلون فی س ِ ذین َآمنوا ُی ِ
ً َّ َ َ َّ َ َ َّ َ
كان َضعیفا)َ یطان
یطان ِإن كید الش ِ یاء الش ِ قاتلوا أ ِول
اغوت ف ِ
ّ
الط ِ
ُ َ ُ َ ُ َّ َّ َ َ َ ّ ُ ُ َ َ ُ
304 فیم ك ُنتم قالوا ك ّنا ظالمی أنف ِس ِهم قالوالائكة ِسورة النِّساء /آیه ِ ( 97إن الذین توفاهم الم ِ
َ ُ َ َ ُ َ َ ّ َُ َ ً َُ َ َ َ ُ َ ُ َ ضع َ
ست َُم َ
ولئك مأواهم جهنم هاجروا فیها فأ ِواسعة فت ِ اهلل ِ
رض قالوا أ لم تكن أرض ِ فین فِی الأ ِ
ً
ساءت َمصیرا)َو َ
َ ًَ َ
طیعون حیلة َولا ساء َوالولدان لا َی َ َ ّ ّ ُ َ َ َ َ ّ
305 ست الن ِ ِ ِ جال و ِ سورة النِّساء /آیه ِ ( 98إلا المستضعفین ِمن ِ
الر ِ
َ َ َ َ ً
بیلا)یهتدون س
ً َ ُ
305 اهلل َع ُف ًّوا َغفورا) ُ َ ُ
عف َو َع ُنهم َو َ
كان ُ ولئ َك َع َسى اهلل أن ی
َ
سورة النِّساء /آیه ( 99فأ ِ
ُ َ ً َ ً
ثیرا َو َس َع ًة َو َمن َی ُ َ
305 خرج رض مراغما ك اهلل َی ِجد فِی الأ ِ بیل ِ َ
هاجر فی س ِ
َ َ ُ
سورة النِّساء /آیه ( 100و من ی ِ
ً ً جر ُه َع َلى اهلل َو َ َ من َبیتهِ ُمهاج ًرا إ َلى اهلل َو َرسولهِ ُث َّم ُیدر ُ
اهلل َغفورا َرحیما) كان ُ
ِ وت َف َقد َو َق َع أ ُ
الم ُ
كه َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ
86 ضل
ُ ََ َ َ اعت َصموا بهِ َف َس ُی ِ ُ ُ سورة النِّساء /آیه َ ( 175فأ َّما َّال َ
ذین َآمنوا باهلل َو َ
دخلهم فی رحمةٍ ِمنه وف ٍ ِ ِ ِ
ً ُ َ ً َ ََ
ستقیما) هدیهم ِإلیهِ ِصراطا م
وی ِ
ّ ُ ُ َ َ َ َ ُ َ َّ َ سورة ِ
144 ،38 اهلل َوأ ِح ّب ُاؤ ُه قل ف ِل َم ُی َع ِذ ُبكم بناء ِحن أ ُ النصارى َن ُ املائدَ ة /آیه َ ( 18و قال ِت الیهود و
َ َ لك َّ ُ َ ُ َ َ ٌ َّ َ َ َ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ ّ ُ َ َ ُ َ ُ ُ َ ُ
رضماوات والأ ِ الس ِ غفر ِلمن یشاء ویع ِذب من یشاء وهلِل م نوبكم بل أنتم بشر ِممن خلق ی ِ ِبذ ِ
الم ُ
صیر) َوما َب َین ُهما َو إ َلیهِ َ
ِ
َ َ َ َ َ ُ َ ُ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ َّ َ ِ
225 اهلل لكم َولا ترت ّدوا َعلى المق ّد َسة التی كتب وم ادخلوا الأرض سورة املائدَ ة /آیه ( 21یا ق ِ
رین) خاس َ َ ُ ََ َ
دباركم فتنق ِلبوا ِ أ ِ
َ َ َ َ َُ َ َ ّ َ َ َُ َ ً سورة ِ
49 املائدَ ة /آیه ( 24قالوا یا موسى ِإنا لن ندخلها أ َبدا ما داموا فیها فاذهب أنت َور ّبك ف ِ
قاتلا
دون)هاهنا قاع َ إ ّنا ُ
ِ ِ
ُ َ َ َ
267 عض عض ُهم أ ِول ُ َ
یاء ب ٍ النصارى أ ِولیاء َب
َ َّ ُ َ َ َ َّ
ذین َآمنوا لا تت ِخذوا الیهود و املائدَ ة /آیه ( 51یا أ ُّی َها َّال َ سورة ِ
َ َّ َ ُ َ َّ ُ َ َّ
مین) الظال َ وم ِ الق َ هدی َو َمن َیت َول ُهم ِمنكم ف ِإنه ِم ُنهم ِإن اهلل لا َی ِ
َ َ َ َ َّ َ ُ ِ
قولون َنخشى أن ُت َ َ فیهم َی َ لوب ِهم َم َرض ُی
267 صیبنا سارعون ِ ِ سورة املائدَ ة /آیه ( 52فترى الذین فی ق ِ
َ ُ َ ُ َ َ َ َ
ُ َ َ
َ
َِ ََ َ
مین)ناد َ یصبحوا َعلى ما أ َس ّر وا فی أنف ِس ِهم ِ نده ف ِ مر ِمن ِع ِ دائرة فعسى اهلل أن یأتِی ِبالف ِتح أو أ ٍ
َ َ َ ُ َّ َ
267
َّ َ ُ
یمان ِهم ِإن ُهم ل َم َعكماهلل َجهد أ ِ قسموا ِب ِ ذین أ َ لاء ال َ
ذین َآمنوا أ هؤ ِ قول َّال َ َ َ ُ
املائدَ ة /آیه ( 53و ی سورة ِ
َ َ ُ ََ
رین) خاس َ صبحوا ِ َحبطت أعمال ُهم فأ َ
ِ
ُ َ نكم َعن ِ َ َ َ َ ُّ َ َّ َ َ َ َ َ َّ ُ سورة ِ
267 وم ُی ِح ُّب ُهم
دینهِ ف َسوف یأتِی اهلل ِبق ٍ املائدَ ة /آیه ( 54یا أیها الذین آمنوا من یرتد ِم
َ َ َ َ َ َ ّ َ
َ
لائ ٍم ذ ِلك ومة ِ
َ
خافون ل َ اهلل َولا َی
بیل ِ رین ُی ِ َ َ الكاف َ َ َ
نین أ ِع ّزةٍ َعلی ِ ؤم َو ُی ِح ّب َون ُه أ ِذلةٍ َعلى ُ
الم ِ
جاهدون فی س ِ
واس ٌع َع ٌ ضل اهلل ُیؤتیهِ َمن َی ُ ُ َ
لیم) شاء َواهلل ِ ف ُ ِ
282 ،268 َ َّ َ
لاة َو ُی َ
ؤتون ذین َآم ُنوا َّال َ
ذین ُیقیمون الص سول ُه َو َّال َ
َّ َ ُّ ُ ُ ُ َ َ ُ سورة ِ
املائدَ ة /آیه ِ( 55إنما و ِلیكم اهلل ور
َ
كاة َو ُهم راك َ
عون) َّ
ِ الز
ُ ُ ّ َ ّ َ ُ ًّ َ َ َ َ َ َ
214 ،124 الج ِّن یوحی َبعض ُهم َ
الإ ِنس و ِ
َ
سورة األنعام /آیه ( 112و كذ ِلك جعلنا ِلك ِل ن ِب ٍی عدوا شیاطین ِ
َ
َ َ ُ َ َ َ َ ُ َ َ ً ُ َ َ ُ
رون)لوه فذرهم َوما َیفت شاء ر ّبك ما ف َع ُ ول غرورا َولو َ ُ
عض زخرف الق ِ
َ
ِإلى ب ٍ
َ
214 َ نون بالآخ َرةِ َول َی َ
رض ُوه َو ِل َیقت ِرفوا ما ِ ؤم ِ ِ
َ
ذین لا ُی ِسورة األَنعام /آیه َ ( 113و ِل َتصغى إ َلیهِ أ ِفئ َد ُة َّال َ
ِ
َ
ُهم ُمقت ِر َ
فون)
تاب ُم َف َّص ًلا َو َّال َ َ ً ُ َّ َ َ َ ُ سورة األَنعام /آیه َ ( 114أ َف َغ َیر َ َ
134 ذین اهلل أبتغی َحكما َوه َو الذی أ َنزل ِإلیك ُم ِ
الك َ ِ
َ ّ َ َ َ َّ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ ٌ َ ُ
مت َ
رین) مون أن ُه ُمن ّزل ِمن ر ِبك ِبالح ِق فلا تكونن ِمن الم
ّ َ
آتیناه ُم ِ
الكتاب یعل
َ
دلا لا ُم َب ّدل ل َكلماتهِ َو ُه َو َّ
ََ ً ً َ ُ َ
134 میع َ
الع ُ
لیم) الس ُ ِ ِ ِ ِ سورة األَنعام /آیه َ ( 115و ت َّمت ك ِل َمة َر ِّب َك ِصدقا وع
َ َّ َ َّ
وك َعن َ الأرض ُیض ّل َ َ َ ُ َ َ
كث َر َ
134 عون ِإلا اهلل ِإن یت ِب
بیل ِِ س ِ ِ ی ِ ف ن م سورة األَنعام /آیه ( 116و ِإن ت ِطع أ
َّ
الظ َّن َو إن ُهم إ ّلا َی ُ
خر َ
صون) ِ ِ
الم َهت َ
َ
بیلهِ َو ُه َو أ َعل ُم ب ُ َ َّ َ َ َ ُ َ َ
135 دین) ِ سورة األَنعام /آیه ِ( 117إن ر ّبك ه َو أعل ُم َمن َی ِض ُّل عن َس ِ
ُ ُ َ ُ َ ُ
135 ؤم َ
نین) اهلل َعلیهِ ِإن كنتم ِب ِ
آیاتهِ ُم ِ سورة األَنعام /آیه ( 118فكلوا ِم ّما ذ ِ
ك َر ُ
اسم ِ
فهرس اآليات 317n
َ َ َ َ َ ُ ُ َ ُ َّ َ ُ
136 اهلل َعلیهِ َوقد ف ّص َل لكم ما َح َّر َم اسم ِ ك َر ُ سورة األَنعام /آیه َ ( 119و ما لكم ألا تأكلوا ِم ّما ذ ِ
عت َ الم َ َّ َ َّ َ ُ َ َ َ
عل ُم ب ُ َ َّ َ ً َ ّ َ َ ََ ُ ّ َ ُ ُ َ
دین) ِ أ و ه ك بر نإ لم
ٍ عِ
ِ ِ ِ ِیر غ ب م ه هوائ
ِ أاضط ِر رتم ِإلیهِ َو ِإن كثیرا ل ُی ِضلون ِب علیكم ِإلا ما
136 ون ِبما جز َبون الإ َثم َس ُی َ ذین َیكس َ باط َن ُه إ َّن َّال َ َ سورة األَنعام /آیه َ ( 120و َذروا ِ َ
ِ ِ الإ ِثم و ِ ِ ظاهر ِ
فون)قتر َ َ َ
كانوا ی ِ
َ ُ ُ َ
136 حیای َو َمماتی هلِل َر ّب العال َ
مین) ِ
َ سورة األَنعام /آیه ( 162قل ِإ ّن َصلاتی َون ُسكی َو َم
سل َ َ َ ُ
رت َوأ َنا أ َّول ُ
ُ َ
سورة األَنعام /آیه ( 163لا َش َ
ریك ل ُه َوبذل َك أم ُ
136 مین) الم ِ ِ ِ ِ
134 رض فی س َّتةِ َأ ّیام ُث َّم ََ َ َ اهلل َّالذی َخ َل َق َّ
سورة األَعراف /آیه ( 54إ َّن َر َّب ُك ُم ُ
استوى ٍ ِ الس ِ
ماوات والأ ِ
جوم ُم َس َّخرات ب َأمرهِ َألا َلهَُ َّ َ َّ َ َ ُ ُ ُ َ ً َ َّ َ َ َ َ َ َ ُّ
غشی اللیل النهار یطلبه حثیثا والشمس والقمر والن رش ُی ِ َع َلى َ
ٍ ِ ِ الع ِ
َ َ ُ َ َ
الأ ُمر َت َ
بار َك ُ
العال َ
مین) اهلل َر ُّب الخلق و
َ َ ُ َ َ َ ً َ َ
204
َ
اهلل ما لكم ِمن ِإلهٍ غ ُیر ُه اعب ُدوا
وم ُومهِ فقال یا ق ِ سورة األَعراف /آیه َ ( 59ل َقد أ َ
رسلنا نوحا ِإلى ق ِ
وم َع ٍ َ ّ َ ُ ََ ُ َ
ظیم) ِإنی أخاف علیكم عذ َاب ی ٍ
204
َ َ َ ُ
اهلل ما لكم ِمن ِإلهٍ غ ُیر ُه اعب ُدوا
وم ُ ً َ َ سورة األَعراف /آیه َ ( 65و إلى َ ُ
عاد أخاهم هودا قال یا ق ِ ٍ ِ
َأ َ فلا َت َّت َ
قون)
ّ َ ُ ُ ( َ َ ُ َّ َ َ
ك َفروا من َقوم إ ّنا َل َن َ
204 فاهةٍ َو ِإنا ل َنظ ّن َك
راك فی َس َ
ِ هِ ِ ِ سورة األَعراف /آیه 66قال الملأ الذین
الكاذ َ
بین) ِم َن ِ
َ ٌ
لكنّی َرسول ِمن َر ّب العال َ ٌَ َ َ َ
204 مین) ِ یس بی َسفاهة َو ِ سورة األَعراف /آیه ( 67قال یا ق ِ
وم ل َ
َ َّ َ َ َ ُ ُ ُ ّ ُ
204 ناص ٌح أ ٌ
مین) سالات ربی َوأنا لكم ِ
ِ سورة األَعراف /آیه ( 68أ َب ِلغكم ِر
ُ ُ ُ ُ َ ُ َُ َ َ
204 نذ َركم َواذكروا َ
جاءكم ِذ ٌكر ِمن ر ِّبكم َعلى ر ُج ٍل ِمنكم ِلی ِ سورة األَعراف /آیه ( 69أ َو َع ِج ُبتم أن
َ َّ ُ ُ َ َ َ ً َ ُ َ َُ َ ََ ُ َُ َ َ َ
فل َ
حون) اهلل ل َعلكم ت ِ اذكروا َ
آلاء ِ لق بصطة ف نوح وزادكم فِی الخ ِوم ٍ عد ق ِِإذ جعلكم خلفاء ِمن ب ِ
َ َ ُُ ُ َ َ َ َ َُ َ َ َ ََ
204 آباؤنا ف ِأتنا ِبما حد ُه َونذ َر ما كان یعبد سورة األَعراف /آیه ( 70قالوا أ ِجئتنا ِلنعبد اهلل و
ُ َ َ
قین)الص ِاد َنت ِم َن ّ ت ِع ُدنا ِإن ك
َ َ ٌ َ َ َُ ُ َ َ َ َ ُ
205 سماء
جادلوننی فی أ ٍجس َوغض ٌب أ ت ِ سورة األَعراف /آیه ( 71قال قد َوق َع َعلیكم ِمن َر ِّبكم ِر
انت ِظروا إنّی َم َع ُكم ِم َن ُ
اهلل بها من ُسلطان َف َ َ ُ َ ُ ُ
كم ما َن َّز َل ُ
الم َنت ِظ َ
رین) ِ ٍ ِ ِ َس َّم ُیتموها أنتم وآباؤ
n318مرشوع الفکر االسالمی فی القرآن
َ َ ّ ُ ََ ٌ َ َّ َ َ ٌَ َ ٌ َ ً َ ُ
47 ك ٌ
ریم) غفرة و ِر زق
ؤمنون حقا لهم درجات ِعند ر ِب ِهم وم ِ ولئ َك ُه ُم ُ
الم ِ سورة األَنفال /آیه ( 4أ ِ
َ َ
245 ،67 ذیناهلل َو َّال َ
بیل ِ سموالهم َوأ ُنف ِسهم فی َ ِ أ ب دوا هاجروا َو َ
جاه ذین َآمنوا َو َ سورة األَنفال /آیه ( 72إ َّن َّال َ
ِ ِ ِ
ِ ُ َ ُ ِ َ
یء
َ
لای ِت ِهم ِمن ش ٍ ذین َآمنوا َو َلم ُیهاجروا ما َل ُكم ِمن َو َ عض َو َّال َ
ٍ بیاء َ
ُ ول
ِ أ
َ
َآووا َون َصروا أولئك َبعض ُهم
ِ
ٌ ُ ّ َ َ ُ َّ ُ ّ َ َ َ َ ُ َ َّ ُ
میثاق َو ُ
اهلل وم َب َینكم َو َب َین ُهمنصروكم فِی الد ِین ف َعلیك ُم النصر ِإلا على ق ٍ هاجروا َو ِإ ِن است
حتى ی ِ
لون َب ٌ
صیر) بما َت َ
عم َ
ِ
فهرس اآليات 319n
َ ٌَ ّ َ َ ُ َ ُ ُ َ ( َ َّ َ َ َ
246 رض
لوه تكن ِفتنة فِی الأ ِ عض ِإلا تفع عض ُهم أ ِول ُ َ ذین كفروا َب سورة األَنفال /آیه 73و ال
یاء ب ٍ
ك ٌ
بیر) ََ ٌ َ
وفساد
ُ
ولئ َك
َ اهلل َو َّال َ
ذین َآووا َون َصروا أ ِ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ
246 بیل ِ سورة األنفال /آیه ( 74و الذین آمنوا وهاجروا وجاهدوا فی س ِ
ریم) ك ٌ َ َ ّ ً َُ َ ٌَ َ ٌ َ ُه ُم ُ
غفرة و ِر زق ؤمنون حقا لهم م ِ الم ِ
َ ُ ُ َ َ ُ اهلل فی َم َ َ َ َ َ َ ُ َ سورة التّوبة /آیه َ ( 25ل َقد َن َص َر ُك ُم ُ
94 عج َبتكم ك َثرتكم ین ِإذ أواطن كثیرةٍ ویوم حن ٍ ِ َ
ُ ُ َ َّ َ ُ ََ ُ َ ُ َ ًَ َ ََ ُ ُ َ
َ
دبرین) ُ َ ّ َ ُ
غن عنكم شیئا وضاقت علیكم الأرض ِبما رحبت ثم ولیتم م ِ فلم ت ِ
ً َ َ َ َ َ ( ُ َّ َ َ َ ُ َ َ
كین َت ُه َعلى َرسو ِلهِ َو َع َلى ُ
94 نین َوأ َنزل ُجنودا لم ت َر وها ؤم
الم ِ سورة التّو َبة /آیه 26ثم أنزل اهلل س
رین)الكاف َ َ َ َّ َ َّ َ َ
ك َفروا َوذ ِل َك َج ُ
زاء ِ وعذب الذین
َ َّ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ ً
132 ابن َم َری َم َوما الم َ
سیح َ اهلل َو َدون ِ سورة التّو َبة /آیه ( 31أتخذوا أحبارهم َورهبانهم أربابا ِمن ِ
ً َ ّ َُ ُ َ ً ُ
بحان ُه َع ّما ُیشر َ
كون) واحدا لا ِإله ِإلا هو سعبدوا ِإلها ِ أ ِمروا إ ّلا ِل َی ُ
ِ ِ
ََ ُ َ َ َ َّ َ ً َ َ َ َ
ُّ ُّ َ ّ َ َ
213 ،115 لون أموال هبان لیأك حبار َوالر ِ سورة التّو َبة /آیه ( 34یا أیها الذین آمنوا ِإن كثیرا ِمن الأ ِ
قونها فی َ َ الف َّض َة َولا ُ وزون َّالذ َه َب َ اهلل َو َّال َ
ذین َیكن َ
بیل ِ الباطل َو َی ُ ّ َ َ َ ّ
بیل
ِ س نف ِ ی ِ ِ صدون عن س ِ َ ِ الن ِاس ِب ِ
لیم) ِ ََّ ُ َ
اهلل فب ِشرهم ِبعذ ٍاب أ ٍ
ّ َ ُ ُ َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ َّ َ َ َ
95 ین ِإذ ُهما َ
سورة التّو َبة /آیه ِ ( 40إلا تنصروه فقد نصره َاهلل ِإذ أخرجه الذین كف َروا ثان ِ َی اثن ِ
َ َ ََ ََ ُ َ َ َ ُ قول لصاحبهِ لا َت َ َّ َ َ ُ
نود لم ت َر وهاحزن ِإن اهلل َم َعنا فأ َنزل اهلل َسكینته َعلیهِ َوأ ّید ُه ِب ُج ٍ الغار ِإذ ی ِ ِ ِ فِی ِ
ٌ َ ُ ُ َ ُ َ َ َ َ َ َّ
ٌ َ
اهلل ِه َی العلیا واهلل عزیز حكیم)َ ُ َو َج َع َل ك ِلمة الذین كفر وا السفلى وك ِلمة ِ
َ َ ّ ُ َ
ً َ ُ َُ ُ ُ َ
86 ایمانا َفأ َّما َّال َ
ذین َ ُ ٌَ َ
سورة التّو َبة /آیه َ ( 124و ِإذا ما أ ِنزلت سورة ف ِم ُنهم َمن َیقول أ ّیكم زادته ِ
هذهِ
ستبش َ ً ُ َ َ َ َ
رون) َآمنوا فزاد ُتهم ایمانا َوهم ی ِ
َ َ
سل َفت َو ُر ّدوا إ َلى اهلل َم ُ ُ ُ َ ُ َ َ
126 الح ّ ِق َو َض َّل
ولاه ُم َ ِ ِ سورة یونُس /آیه ( 30هنا ِلك تبلوا ك ّل ن ٍ
فس ما أ
َ
َع ُنهم ما كانوا َیفت َ
رون)
الأ َ َ َّ َ ُ َّ َ َ َ َ سورة یونُس /آیه ُ ( 31قل َمن َی ُرز ُق ُكم م َن َّ
126 بصار َو َمن رض أمن ی ِملك السمع و ماء َوالأ ِ
الس ِ ِ
َ ُ َ ُ َ َ َ َّ َ َ
خر ُج َالم ِّی َت ِم َن الح ِ ّی َو َمن ید ِب ُر الأ َمر ف َس َیقولون اهلل فقل أ فلا تتقون)
َ ّ َ ُ َ ُی ُ َ َّ َ َ ّ َ ُ
خرج الحی ِمن الم ِی ِت وی ِ
ِ
127 صر َ
فون) لال َف َأنَّى ُت َ
َ َ َ ّ َّ َّ ُ ( َ ُ ُ ُ َ ُّ ُ ُ َ ُ َ
الح ّق فما ذا بعد الح ِق ِإلا الض ذلكم اهلل ربكم سورة یونُس /آیه 32ف ِ
َ ََ َ َ
الح ّق ُقل ُ ُ َ ُ َ َ ُ َ
127 لح ّ ِق أف َمن َیهدیاهلل َیهدی ِل سورة یونَُس َ/آیه (َ 35قل هل ِمن شر َ ِكائكم من یهدی ِإلى ِ ِ
َ َ َ ُ َ َ ُ ّ َّ ُ إ َلى َ
الح ّ ِق أ َح ّق أن ُیت َب َع أ َّمن لا َی ِه ّدی ِإلا أن ُیهدى فما لكم كیف تحك ُم َ
ون) ِ
َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َ َ نوح إ َّن ُه َل َ َ
152 یس لك لن ما ل صال ٍح فلا تسئ ِ هلك ِإنه ع َم ٌل غ ُیر ِ
یس ِمن أ ِ ُ
ود /آیه َ( 46قال یا ِ سورة ُه
َ َ َ ُ ّ َ
الجاه َ
لین) ِبهِ ِع ٌلم ِإنِی أ ِعظك أن تكون ِم َن ِ
َ
سورة هود /آیه َ ( 115و اصبر َفإ َّن َ
97 حس َ
نین) جر ُ
الم ِ اهلل لا ُی ُ
ضیع أ َ ُ
ِ ِ
233 َ ُ َ ُ َ
صرنا ف ُن ِ ّج َی
َ َ َّ َ ُ
الر ُس ُل َوظ ّنوا أن ُهم قد ك ِذبوا جاءهم ن است َیأ َس ُّ (َ ّ َ َ
یوسف /آیه 110حتى ِإذا سورة ُ
جرمین) َ ُ َ َ ُ
شاء َولا یرد بأسنا ع ِن الق ِ
َ ُ ّ َ ُ َمن َن ُ
وم الم ِ
َّ َ َ َ َُ َ َ سورة الرعد /آیه َ ( 11ل ُه ُم َع ّق ٌ
291 اهلل لا ُیغ ِّی ُر اهلل ِإن
مر ِ َ بات ِمن َب َ َ َ
ین یدیهِ و ِمن خ ِلفهِ یحفظونه ِمن أ ِ َ ِ ِ َّ
وال)
ً َ َ َ َّ َ ُ َ َُ َ ُ َ َ َ ُ ّ َ َ َّ ُ َ
دونهِ ِمن ٍ وم سوءا فلا مرد له وما لهم ِمن ِ وم حتى یغ ِیروا ما ِبأنف ِس ِهم و ِإذا أراد اهلل ِبق ٍ ما ِبق ٍ
َ ُ ُ َ َ َّ َ ُ ُ َ سورة الرعد /آیه ُ ( 16قل َمن َر ُّب َّ
226 یاء لا دونهِ أ ِول َ رض ق ِل اهلل قل أ فاتخذتم ِمن ِ ماوات َوالأ ِ الس ِ َّ
ُّ ُ ُ ّ ُ َ َ َ َ َُ َ َ َ َ َ َ َ ً َ َ ًّ ُ َ َ ُ
َ
ملكون ِلأنف ِس ِهم نفعا ولا ضرا قل هل یست ِوی الأعمى والبصیر أم هل تست ِوی الظلمات والنور أم َی ِ
ك ّل َش ٍ ُ ُ َ َ ََ ََ َ ُ َ ُ َ َ ََ
الواح ُد َالق ّه ُار) یء َوه َو ِ
ُ ُ ُ
خالق ِ شابه الخلق َعل ِیهم ق ِل اهلل ِ كاء خلقوا كخ ِلقهِ فت َج َعلوا هلِل شر
َ ُ
ذین َآمنوا َو َع ِملوا ّ َّ
95 آب) حات طوب ى ل ُهم َو ُح ُ
سن َم ٍ الص ِال ِ سورة الرعد /آیه ( 29ال َ
َّ
عم َت ِ ُ َ َ َ َ ُ َ َ ً َ ّ
ذین َب َّدلوا ِن َ
َ َّ
سورة إِبراهیم /آیه ( 28أ لم َت َر إلى ال َ ََ
300 ،106 وار)
اهلل كفرا وأحلوا قومهم دار الب ِ ِ
َ َ َ َ َ
َ
300 ،106 الق ُ
رار) سورة إِبراهیم /آیه َ ( 29ج َه ّن َم َیصلونها و ِبئس
َ
خت فیهِ ِمن روحی َف َقعوا ل ُه ساج َ
( َ َ َّ ُ ُ َ َ َ ُ سورة ِ
174 دین) ِ احلجر /آیه 29ف ِإذا سویته ونف
الط َ
اجتن ُبوا ّ
َ َ سولا َأن ُ ُ
ُ ّ ُ َّ َ ً ََ
سورة النَّحل /آیه َ ( 36و لقد َب َعثنا فی ك ِل أمةٍ ر
203 اغوت اعبدوا اهلل َو ِ ِ
َ َ َ َ ُ َ َّ َ ُ َ َّ َ َ ُ ََ َ
كان رض فانظروا كیف ف ِم ُنهم َمن هدى اهلل َو ِم ُنهم َمن َحقت علیهِ الضلالة فسیروا فِی الأ ِ
الم َك ّ ِذ َ
بین) عاق َب ُة ُ
ِ
َّ ً َ ُّ َ َ َّ َ َّ َ
160 بال ُبیوتا َو ِم َن الش َج ِر َو ِم ّما
الج ِ
َ
حل أ ِن ات ِخذی ِمن ِ
ِ الن ى ل إِ ك ب ر
ى وح أ سورة النَّحل /آیه َ ( 68و
شون) َیعر َ
ِ
ُ َ َ
236 ضون) سورة األَنبِیاء /آیه َ ( 12فل ّما أ َح ّسوا َب َ
أسنا ِإذا ُهم ِمنها َیرك َ
َ َّ ُ ُ ُ
سورة األَنبِیاء /آیه ( 13لا َتركضوا َوارجعوا إلى ما أتر ُفتم َو َمساكنكم ل َعلكم ُت َ
سئ َ ُ
236 لون) ِ ِ ِ فیهِ ِ ِ
ظال َ ّ ُ ّ َ
236 مین) سورة األَنبِیاء /آیه ( 14قالوا یا َویلنا ِإنا كنا ِ
َ َ ًَ َ َ َ َ
236 لین) ُ ّ ّ سورة األَنبِیاء /آیه ( 17لو أ َردنا أن َن َّت ِخ َذ لهوا ل ّات َخ ُ
ذناه ِمن ل ُدنا ِإن كنا ِ
فاع َ
َ
ك ُنتم َتعل َ
ُ ُ َ ُ سورة ا ُمل ِ
144 مون) ؤمنُون /آیه ( 84قل ِل َم ِن الأرض َو َمن فیها ِإن
َ
قولون هلِل ُقل أ َفلا َت َّت َ
َ سورة ا ُمل ِ
145 قون) ؤمنُون /آیه َ ( 87س َی
77 رض
َ َ َ َ َ َّ
خلفن ُهم فِی الأ ِ حات لیست ِ نكم َو َع ِم ُلوا ّ
الص ِال ِ
ُ اهلل َّال َ
ذین َآمنوا ِم سورة النُّور /آیه َ ( 55و َع َد ُ
َ ّ َ َّ َ َ َّ َ َ ََّ َ َ خل َف َّال َ
َ َ َ
ذین ِمن ق ِبل ِهم َول ُی َم ِكن ّن ل ُهم دین ُه ُم ال ِذی ارتضى ل ُهم َول ُی َب ِدلن ُهم ِمن َب ِ
عد ك َما است
عد ذل َك َف ُأ َ َُ َ َ َ َ ً ُ َ ًَ ُ َ َ
الفاسقون) ولئك ه ُم ِ ِ شركون بی شیئا َو َمن كف َر َب ِ خ ِوف ِهم أمنا یعبدوننی لا ی ِ
ّ
َ َ َ ّ َ ً َ َ
171 الضال َین) الش َعراء /آیه ( 20قال ف َع ُلتها ِإذا وأنا ِمن
سورة ُّ
فهرس اآليات 325n
ُ
137 الج َّن ُة ِل ُلم َّت َ
قین) الش َعراء /آیه َ ( 90و أ ِزل َف ِت َ
سورة ُّ
137 َ
لغاوین) حیم ِل الش َعراء /آیه َ ( 91و ُب ّر َز ِت َ
الج ُ سورة ُّ
ِ
َ َ
137 دون) ك ُنتم َت ُ
عب َ
ُ قیل ل ُهم أ َ
ین ما الش َعراء /آیه َ ( 92و َ
سورة ُّ
ُ ََ َ ُ َ
رونكم أو َی َنتص َ
137 رون) ِ اهلل هل ینص الش َعراء /آیه ِ ( 93من ِ
دون ِ سورة ُّ
َ ُ
137 َ
الغاوون)بكبوا فیها ُهم َو
الش َعراء /آیه ( 94فك ِ
سورة ُّ
َ
137 جم َ
عون) بلیس أ َ َ ُ ُ
نود إ َ
الش َعراء /آیه ( 95و ج ِ
سورة ُّ
میم) َ َ َ
138 الش َعراء /آیه ( 101و لا ص ٍ
دیق ح ٍ سورة ُّ
ك َّر ًة َف َن َ
َ َ َ َ َ َ
138 ؤم َ
نین) كون ِم َن ُ
الم ِ الش َعراء /آیه ( 102فلو أ ّن لنا
سورة ُّ
185 سورة ِ
الق َصص /آیه ( 1طسم)
186
ََ ََ َ ً
جعل ُهم أ ِئ َّمة
َ رید َأن َن ُم َّن َع َلی َّال َ ُ
القصص /آیه َ ( 5و ُن ُ سورة ِ
رض ون
ضعفوا فِی الأ ِ
ذین است ِ َ
جع َل ُه ُم الوار َ
ثین) َو َن َ
ِ
َ
الأرض َو ُنر َی ف َ ُ ّ َ سورة ِ
186 نود ُهما ِم ُنهم ما َ
هامان َو ُج َ رع َ
ون َو ِ ِ ِ الق َصص /آیه َ ( 6و ن َم ِك َن ل ُهم فِی
حذ ََ َ
رون) كانوا ی
َ َ
نص َ
رون) یامةِ لا ُی َ
الق َ ّ
النار َو َی َ َ َ َ َ ُ َّ ً َ ِ
300 وم ِ سورة الق َصص /آیه ( 41و جعلناهم أ ِئمة یدعون ِإلی ِ
َّ َ َّ َّ َ َ َ َ َ ُ َ
95 الصلاة تنهى َع ِن تاب َوأ ِق ِم الصلاة ِإن تل ما أ ِوح َی ِإلیك ِم َن ِ
الك ِ سورة ال َعنکَبوت /آیه ( 45أ ُ
َ َُ َ ُ َ َ
عل ُم ما َت َ
صن َ َ ُ َ َ َ
عون) المنك ِر َول ِذ ُكر ِ
اهلل أكبر واهلل ی حشاء و
ِ الف
ً َ ُ ُّ ُ َ ُ َ َ
159 مین َك ِإذا
تاب َولا تخطه ِب َی ِ
ك ٍسورة ال َعنکَبوت /آیه َ ( 48و ما كنت تتلوا ِمن ق ِبلهِ ِمن ِ
المبط َ
لون) رتاب ُ َِلأ َ
ً َ
(َ َ ّ ُ ُ َ ً
88 صیلا)كرة َوأ سورة األَحزاب /آیه 42و س ِبحوه ب
َ ُّ
الظ ُلمات إ َلى ّ ُ َ َّ ُ َ ّ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ ُ َ ُ
88 ور
ِ الن ِ ِ ن م
ِ م ك خرج سورة األَحزاب /آیه ( 43هو الذی یصلی علیكم وم ِ
لائكته ِلی ِ
ً َ َ
نین َرحیما)
ؤم َ كان ب ُ
الم ِ و ِ
ُ َ ّ
رسلنا فی َق َریةٍ من َنذیر إلا قال ُم َترفوها إ ّنا بما أرس ُلتم بهِ كاف َ َ
216 رون) سورة س َبأ /آیه َ ( 34و ما أ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ٍِ ِ َ
َ ً َ َ َ
حن ب ُم َع ّذ َ
بین) َ َ ُ ًَ َُ َ ُ َ
216 سورة َس َبأ /آیه ( 35و قالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما ن ِ
َ َ ُ ّ َ َ َ ُ ََ َ
یطان إ ّن ُه لكم َع ُد ٌّو ُم ٌ
بین) الش َ عهد إلیكم یا َبنی َآد َم أن لا َت ُ
عب ُدوا َ
124 ِ سورة یس /آیه ( 60أ لم أ ِ
فهرس اآليات 327n
َ ُ
ُ ً َ
235 لباب)
سورة ا ُملؤمن /آیه ( 54هدى و ِذكرى ِلأ ِولی الأ ِ
235 مد َر ّب َك ب َ
الع ِش ِ ّی است ِ َ َ َ َ ّ َ عد اهلل َح ٌّق َو َ
سورة ا ُملؤمن /آیه َ ( 55فاصبر إ َّن َو َ
غفر ِلذ ِنبك وس ِبح ِبح ِ ِ ِ ِ ِ ِ
بكار) َ
الإ ِ
و ِ
َ ُ ُ َّ َّ ُ َ َ ّ َ ُ َ ُّ َ ُ َ
135 ،114 هر َوما ل ُهم موت َونحیا وما ی ِهلكنا ِإلا الد سورة اجلاثِ َیة /آیه َ ( 24و قالوا ما ِهی ِإلا حیاتنا الدنیا ن
ون) بذل َك من علم إن ُهم إ ّلا َی ُظ ّن َ
ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
َ َّ َ َ َ ُ َ ّ ُ َ َ ُ ّ ُ َ ُ َ َ ُ َ ُ َّ ً َ ٌ َ ُ
274 راهم ُركعا اهلل والذین معه أ ِشداء على الكف ِار رحماء بینهم ت سورة ال َفتح /آیه ُ ( 29م َح ّمد رسول ِ
َّ َ َُ
جود ذ ِلك َمثل ُهم فِی سیماهم فی ُوجوههم من َأ َثر ُّ ُ ً َ ً َ َ َ ً
التوراةِ الس ِ ِ ِِ ِ اهلل َو ِرضوانا ُس ّجدا َیبتغون فضلا ِم َن َِ
َ
الز ّر َاع ِل َیغیظ
ُ ُ ُّ ك َز رع أ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َُ
عجب خر َج شطأ ُه فآز ر ُه فاستغلظ فاستوى َعلى ِ
سوقهِ ی ِ ٍ نجیل
ِ الإ
ِ َو َمثل ُهم فِی
ً َ ً اهلل َّال َ الك ّف َار َو َع َد ُ ُ ُ
حات ِم ُنهم َم ِغف َر ًة َوأجرا َعظیما) الص ِال ِذین َآمنوا َو َع ِملوا ّ ِب ِهم
َ ََ ََ
َ
صلحوا َب َین ُهما ف ِإن َبغت ِإحد ُاهما ؤم َ طائ َفتان ِم َن ُ
263 نین اقتتلوا فأ ِ الم ِ حل ُجرات /آیه َ ( 9و ِإن ِ ِ سورة ا ُ
َ َ َ َ َ َ َ َ ّ َ َ ّ ُ َ َ ُ
قسطوا دل َوأ ِ َ فاءت فأ ِ َ ُ
صلحوا بینهما ِبالع ِ اهلل فإن َ
مر ِ ِ
َ َ
قاتلوا التی تبغی حتى تفیء ِإلى أ ِ َعلى الأخرى ف ِ
طین) قس َ اهلل ُی ِح ُّب ُ إ َّن َ
الم ِ ِ
ُ ُ ً َ َ ُ ُ ّ ََ سورة احلجرات /آیه ( 13یا َأ ُّی َها ّ
146 الن ُاس ِإنا خلقناكم ِمن ذك ٍر َوأنثى َو َج َعلناكم شعوبا ُ ُ
َ َ ّ ُ َ َ ُ َّ َ َ
ٌ
لیم خبیر) َ َ
اهلل أتقاكم إن اهلل ع ٌ كر َمكم ِعند ِ بائ َل ِل َتعارفوا إن أ َ َ
َوق ِ
ِ ِ
لب أو أ َلقى َّ َ َ َ َ َ
77 مع َو ُه َو َش ٌ
هید) الس َ كان ل ُه َق ٌ
َ َ
سورة ق /آیه ِ ( 37إ ّن فی ذ ِلك ل ِذكرى ِل َمن
َّ
175 جم ِإذا َهوى)
سورة النَّجم /آیه َ ( 1و الن ِ
ُ
175 صاح ُبكم َوما َغوى) َ
سورة النَّجم /آیه ( 2ما ض َّل ِ
َّ
176 سورة النَّجم /آیه ُ ( 8ث َّم َدنا َف َت َدلى)
َ َ
176 قاب َق َ
وس ِین أو أدنى) سورة النَّجم /آیه َ ( 9ف َ
كان َ
َ َ
176 سورة النَّجم /آیه َ ( 10فأوحى ِإلى َع ِبدهِ ما أوحى)
َ ُ
الق ّد ِ َ رض َ َ
سورة اجلمعة /آیه ُ ( 1ی َس ّب ُح هلِل ما فی َّ
165 كیم)
زیز الح ِ
وس الع ِ الم ِل ِك ماوات َوما فِی الأ ِ
الس ِ ِ ِ ُُ َ
ْ ُّّ َ َ ُ ً ُّْ ْ َُْ ََْ ْ َ َ َُ ّ َ ُ َّ
165 ك ِیه ْم َوجل ُم َعة /آیه ( 2ه َو ال ِذی َب َعث فِی الأ ِم ِیین رسولا ِمنهم یتلو علی ِهم آی ِاتهِ و یز ِ سورة ا ُ
ُ َ َ َ َ ُ َ َ ْ ْ ُی َع ِ ّل ُم ُه ُم ْال ِكت َ
َ
اب َو ال ِحك َمة َو ِإن كانوا ِمن ق ْب ُل ل ِفی ضل ٍال ّم ِب ٍین)
ْ ْ ْ َ
165 سورة اجلُ ُم َعة /آیه َ ( 3و َآخ ِر َین ِم ْن ُه ْم ل َّما َیل َح ُقوا ِب ِه ْم َو ُه َو ال َع ِز ُیز ال َح ِك ُیم)
175 سورة ال َع َلق /آیه ِ( 8إ َّن ِإلى َر ِّب َك ُّالرجعى)
َّ
163 تیم) سورة املاعُون /آیه َ ( 2فذ ِل َك الذی َی ُد ُّع َ
الی َ
َ ُّ َ َ
163 سكین)
ِ الم سورة املاعُون /آیه َ ( 3و لا ی ُحض على ط ِ
عام ِ
193 َ َ
الف ُ
تح) سورة النَّرص /آیه ( 1إذا َ َ ُ
اهلل و
جاء نصر ِ ِ
ً َ َ َ َ ّ َ َ ُ َ َ
193 اهلل أفواجا) سورة النَّرص /آیه ( 2و رأیت الناس یدخلون فی ِ
دین ِ