You are on page 1of 246

‫عرش أطالنتس‬

‫سلسلة العالم الجديد‬


‫الجزء الثاني‬

‫عرش أطالنتس‬

‫عمار المصري‬

‫دار الكنزي للنشر والتوزيع‬


‫دار الكنزي للنشر والتوزيع‬

‫الكتاب‪ :‬عرش أطالنتس‬


‫سلسلة‪ :‬العالم الجديد‬ ‫رئيس مجلس اإلدارة‬
‫المؤلف‪ :‬عمار المصري‬
‫محمد صالح شديد‬
‫تصنيف الكتاب‪ :‬رواية‬
‫تصحيح لغوي‪:‬‬
‫المدير العام‬
‫تصميم الغالف‪ :‬أحمد صالح المهدي‬
‫رقم اإليداع‪:‬‬ ‫إيناس الدسوقي‬
‫الترقيم الدولي‪:‬‬

‫‪All Rights Reserved‬‬


‫جميع الحقوق محفوظة للمؤلف‬
‫‪Alkanzy for Publishing and Distribution‬‬
‫‪+01003897918‬‬
‫‪Alkanzy.co@gmail.com‬‬
‫‪Facebook.com/Alkanzy.com‬‬
‫إهداء‬
‫إىل أيب وأمــي مــن أمــداين باحليــاة والشــغف لالســتمرار والتطور‬
‫إىل األفضل‪.‬‬

‫أمحــد صــاح املهــدي‪ :‬صديقــي الــذي ســاعدين كثــرا وأتعبتــه‬


‫معــي يف رحلتــي األدبيــة املرهقــة ولــواله ملــا أكملــت يف هــذا‬
‫املجــال املــيء بالعقبــات ‪.‬‬

‫وإىل كل أصدقائــي الذيــن جعلــوا حيــايت مفعمــة باحليويــة‬


‫وتعلمــت منهــم الكثــر‪:‬‬
‫مصــدق الطيــب ‪ -‬كاظــم عــاد ‪ -‬عمــر حممــد ‪ -‬محــزة ماهــر ‪-‬‬
‫دكتــور عــاد الديــن عيشــة ‪ -‬أمحــد حســام ‪ -‬حممــود جمــدي ‪-‬‬
‫حممــود املهــدي ‪ -‬عبــد الباســط كــال ‪ -‬عــار مجــال‪.‬‬

‫أعضاء اجلمعية املرصية ألدب اخليال العلمي‪:‬‬


‫دكتور حسام الزمبييل ‪ -‬املهندس حممد نجيب مطر ‪-‬‬
‫أستاذ خالد جودة ‪ -‬دكتورة قدرية سعيد‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪1‬‬
‫شــخص يرتــدي قلنســوة ســوداء ويغطــي رأســه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وقــف أمــام الغابــة‬
‫َفســا عمي ًقــا ثــم ضغــط عــى ســاعة يــده ليتصــل بأحــد‬
‫ســحب الغريــب ن ً‬
‫ا بلهجــة ذات داللــة‪:‬‬ ‫رفاقــه قائ ـ ً‬
‫‪ -‬سوف أدلف اآلن إىل الغابة‪ ،‬ستُنفذ اخلطة كام اتفقنا‪.‬‬
‫قال الشخص اآلخر بنربة عميقة هادئة‪:‬‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الغابة ً‬ ‫‪ -‬حسنا‪ ،‬فلتتوخى احلذر‪ .‬قد يكون أحد الروبوتات يف‬
‫رد اآلخر وقد هم يف إغالق املكاملة‪:‬‬
‫‪ -‬ال ختــف‪ ،‬ســأقيض عليــه إن تطلــب األمــر‪ .‬ســأدخل اآلن وســأغلق‬
‫اخلــط كيــا يتت ّبعــوا اإلشــارة‪.‬‬

‫***‬

‫خــرج نــور مــن الــرج األبيــض الــذي يناطــح الســحاب وهــو يتثــاءب‬
‫فانطلقــت دفعــة بــاردة مــن اهلــواء فداعبــت وجهــ ُه وأشــعرت ُه ببعــض‬
‫الراحــة‪ ،‬فألقــى نظــرة أمامــه وابتســم وقــال‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫أخريا‪...‬لقد حان وقت احلقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬احلرية ً‬
‫الحــظ نــور أنــه قــد نمــت لــ ُه حليــة ناعمــة وطويلــة بعــض الــيء‪،‬‬
‫وشــارب كثيــف متصــل هبــا‪ ،‬وخاجلــه شــعور أن جســده يبــدوا ُمتلف ـ ًا‬
‫قليــ ً‬
‫ا عــا قبــل‪ ،‬فقــال وهــو يتفقــد جســده‪:‬‬
‫عيل وأنا نائم؟‬
‫‪ -‬كم مر من الوقت َّ‬
‫الحــظ أن طولــه قــد أزداد وأصبــح صوتـ ُه أكثــر خشــونة‪ ،‬وشــعره أكثــر‬
‫ِ‬
‫ـرا ومتنــى لــو‬‫طــوالً وقــد أنســدل عــى كتفيــه‪ ،‬وأحــس أنــه قــد تغــر كثـ ً‬
‫ـكان مــا لينظــر هبــا إىل نفســه‪.‬‬ ‫أنـه يمتلــك مــرآة يف مـ ٍ‬
‫ُ‬
‫كبــرة وكان قــرص الشــمس األمحــر ُيلقــي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫غابــة‬ ‫وجــد نــور نفســه يف‬
‫بأشــعته عــى الطريــق ليمتــزج لونــه األمحــر باألعشــاب اخلــراء ف ُيضفــي‬
‫ـعورا بالراحــة والســام‪ ،‬و ُينــذر باقــراب الغــروب‪.‬‬ ‫شـ ً‬
‫ـة الغريبــة التــي مل يســبق لــه رؤيــة مث ُلهــا‬‫ـل بحــذر يف الغابـ ِ‬
‫ســار نــور متوغـ ٍ‬
‫ـارا بجميــع األلــوان واألشــكال العجيبــة التــي مل تقــع‬ ‫قــط؛ فــرأى أزهـ ً‬
‫عليهــا عينيــه مــن قبــل؛ أزهــار بــأوراق صفــراء مثلثــة الشــكل‪ ،‬والبعــض‬
‫اآلخــر يأخــذ شــكل خملوقــات صغــرة ُميفــة تُشــب ُه البــر ولكنهــا‬
‫صغــرة للغايــة‪ ،‬وهنــاك األشــجار ذات األوراق الزرقــاء‪ ،‬وكانــت أوراقها‬
‫ُمركبــة وريشــية فرديــة متقابلــة‪ ،‬ورأي وريقــات متطاولــة ذات قمــة حــادة‬
‫ٍ‬
‫ـورات أنبوبيــة بنفســجية‪ ،‬وبيضــاء وزرقاء‬ ‫ـارا يف نـ‬ ‫ٍ‬
‫بلــون أزرق فاتــح وأزهـ ً‬
‫بلــون أمحــر هبيــج‪ .‬وجــد بعــض األشــجار‬ ‫ٍ‬ ‫اللــون‪ ،‬ومتتــاز االغصــان‬
‫التــي تبــدوا مألوفــة‪ ،‬ولكــن الغــر مألــوف غلــب املألــوف‪ ،‬فتأمــل هــذه‬
‫نــذ أن أســتيقظ يف‬ ‫ٍ‬
‫دهشــة تامــة‪ .‬لقــد تغــر الكثــر ُم ُ‬ ‫املناظــر الغريبــة يف‬

‫‪7‬‬
‫أيضــا فتغــرت معــه خصائــص‬
‫هــذا املــكان‪ ،‬ويبــدوا أن املنــاخ قــد تغــر ً‬
‫األشــجار وتركيباهتــا‪ ،‬لتنتــج هــذا النــوع الغريــب مــن األشــجار‪.‬‬
‫ظــل نــور يتفحــص املــكان وأحيانــ ًا يقطــف ويأخــذ بعــض العينــات‬
‫معــه ويفحصهــا عــن قــرب‪ ،‬ومــن ثــم يتأمــل املناظــر ا ُملبهجــة واخلالبــة‬
‫مــن حولــه وكأن ـ ُه يف غابــة ســحرية‪ ،‬ولكنــه الحــظ أنــه ال وجــود ألي‬
‫ـت بــار ٌد‬
‫كائــن حــي يف اجلــوار‪ ،‬فالغابــة ســاكنة بالكامــل ويغطيهــا صمـ ٌ‬
‫ـه قابــل جمموعــة غريبــة أخــرى مــن األشــجار‪ ،‬التــي‬ ‫وخميــف‪ .‬يف طريقـ ِ‬
‫يمتــاز ورقهــا بحمـ ٍ‬
‫ـرة فاقعــة اللــون تُبهــر العــن‪ ،‬وتتميــز أغصاهنــا أهنــا‬
‫ا هلــا مــن قبــل‪ ،‬فهــي كحبلــن تــم‬ ‫ُملتفــة بطريقــة غريبــة مل يــرى مثيــ ً‬
‫لفهــم م ًعــا يف عقــدة‪ ،‬وجذعهــا شــفاف اللــون وكأنــه مــن مــادة الزئبــق‪.‬‬
‫رمــق نــور اجلــذع الزئبقــي بتعجــب‪ ،‬وأراد أن يلمســه ولكنــه أحــس أهنــا‬
‫ـه ورشع يف التحــرك‬ ‫ليســت فكــرة جيــدة عــى اإلطــاق‪ ،‬فأشــاح بوجهـ ِ‬
‫ُمــد ًدا‪ ،‬وال زال العــامل اخلارجــي يبهــره مــع كل خطــوة خيطوهــا‪ ،‬بينــا‬
‫أثــار اهلــدوء القاتــل اخلــوف بداخلــه‪ ،‬فــا حيــوان يتحــرك وال طائــر‬
‫ُيغنــي‪ ،‬وال وجــود لنقيــق الضفــادع وال عزيــف حــرات الليــل‪ ،‬وال أي‬
‫يشء‪ ،‬كأهنــا أرض بــور وميتــة مــن كل يشء إال مــن النباتــات واألشــجار‬
‫الغريبــة‪.‬‬
‫وبعــد ســاعة مــن الســر والتأمــل يف العجائــب التــي رآهــا‪ ،‬أصابــه‬
‫اإلرهــاق والتعــب وأحــس بنعـ ٍ‬
‫ـاس مفاجــئ‪ ،‬فأكمــل ســره حتــى خــرج‬
‫ِ‬
‫ســاحة خــراء صغــرة يشــقها مــن املنتصــف جــدول‬ ‫ِ‬
‫الغابــة إىل‬ ‫مــن‬
‫صغــر مــن املــاء ا ُملتدَ فِــق‪ ،‬فركــض ناحيتــه ورشع يف الــرب حتــى‬

‫‪8‬‬
‫ارتــوي الظمــأ‪ ،‬ثــم قــرر أن يصنــع بقــدرة اخليــال خيمــة كبــرة بجانــب‬
‫اجلــدول‪ ،‬فكانــت اخليمــة بحجــم غرفــة صغــرة وبداخلهــا رسيــر مــن‬
‫اخلشــب وعليــه مرتبــة مرحيــة وغطــاء ليدفئــه مــن بــرد الليــل‪ ،‬وصنــع‬
‫أيضــا بعــض األشــياء التــي ســيحتاجها للتخييــم‪ ،‬وبعــد أن أنتهــي ازداد‬ ‫ً‬
‫اإلرهــاق واجلــوع فقــرر النــوم وعندمــا يســتيقظ ســوف يبحــث عــن‬
‫الطعــام‪.‬‬
‫ـره وعنقـ ِ‬
‫ـه‪ ،‬بســبب النــوم يف‬ ‫أســتيقظ نــور مــن النــوم وشــعر بــأملٍ يف ظهـ ِ‬
‫هــذه الظــروف الغــر مالئمــة رغــم ابتــكاره بعــض األشــياء التــي جنبتــه‬
‫الكثــر مــن األرضار ولكــن يبــدوا أن جســده كان ُمتعــب منــذ اســتيقاظه‬
‫داخــل الــرج‪.‬‬
‫أنتفــض مــن مكانــه وحــرك رقبتــه ضاغطــ ًا عليهــا بيــده كــي خيفــف‬
‫حــدة األمل‪.‬‬
‫كانــت الرؤيــة مشوشــة ولكنــه أدرك أن الشــمس مل تُــرق بعــد‪ ،‬وكان‬
‫الليــل ال يــزال ُييــم عــى املــكان‪ ،‬فســار بتكاســل إىل جــدول املــاء‪،‬‬
‫وغســل وجهــه حتــى شــعر بانتعــاش يصحبــه شــعور باإلرهــاق‪ .‬أخــذ‬
‫رشــفة مــاء‪ ،‬ووثــب عــى قدميــه جمــد ًدا‪ ،‬ثــم توجــه إىل املخيــم الصغــر‪.‬‬
‫وســهم وبعــض الســكاكني‪ ،‬وقــرر أن ُيكمــل مســرته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قوســا‬
‫صنــع ً‬
‫ر اجلــدول ولكنــه توقــف عندمــا ســمع صوتًــا يصــدر‬ ‫ســار حتــى َعــ َ‬
‫مــن داخــل الغابــة أمامــه‪ ،‬فتنبــأ أن أحدهــم القــادم‪ ،‬فركــض عائــدً ا إىل‬
‫اجلــزء األول مــن الغابــة‪ ،‬حتــى أختبــأ وراء أحــد األشــجار‪ ،‬ثــم جهــز‬
‫قوســه‪ ،‬ووقــف يف وضعيــة االســتعداد‪ُ ،‬مســتندً ا بظهــره إىل الشــجرة‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫ا برأســه وجذعــه حتــى يــري طــرف الغابــة ا ُملقابــل‪ُ ،‬منتظـ ًـرا مــا‬‫ومائ ـ ً‬
‫ســيأيت منهــا‪ ،‬ومتنــى أال يكــون حيوا ًنــا جائ ًعــا‪ ،‬يبحــث عــن طعــام‪ .‬حاول‬
‫الســيطرة عــى أعصابــه والتحكــم بخوفــه ووقــف بثبــات يرتقــب الــيء‬
‫القــادم مــن أعــاق الغابــة والتوتــر يــري يف جســده‪ ،‬فقــام بتهدئــة نفســه‬
‫ً‬
‫مســتحيل اآلن‪.‬‬ ‫بــكل الطــرق املمكنــة ولكــن األمــر كان‬
‫مــن الغابــة خــرج شــخص يرتــدي قلنســوة ســوداء‪ ،‬وكان يبــدوا ُمري ًبــا‬
‫للغايــة؛ فشــعر نــور بدقــات قلبــه تتزايــد‪ ،‬ولكنــه قــال لنفســه‪:‬‬
‫‪ -‬ال حتكــم عــى الكتــاب مــن عنوانــه‪ ،‬قــد يكــون ُمســا ًملا وال يعــرف مــا‬
‫أيضــا مثــي‪.‬‬
‫حيــدث هنــا ً‬
‫ولكنــه مل يقتنــع بداخلـ ِ‬
‫ـه هبــذه الفكــرة إطالق ـ ًا‪ ،‬فقــد كان شــكل ُه ا ُملريــب‬
‫ُيلقــى باخلــوف عــى مــن يــراه‪ .‬وهكــذا ســار الغريــب باجتــاه اجلــدول‬
‫وهــو ينظــر يمينــة ويــرة‪ ،‬ويمســح املــكان بعينيــه‪ ،‬حتــى وصــل إىل‬
‫اجلــدول فعــره‪ ،‬فجــذب انتباهــه ا ُملخيــم القريــب منــه‪ ،‬فتوجــه ناحيتــه‪،‬‬
‫وألقــى نظــرة رسيعــة عليــه‪ ،‬ثــم نظــر إىل الشــجرة القابعــة عنــد مدخــل‬
‫الغابــة أمامــه‪ ،‬والتــي خيتبــأ خلفهــا نــور وقــال وقــد أصابــه امللــل‪:‬‬
‫ندك‪ ،‬فأنا استشعر وجودك‪.‬‬ ‫‪ -‬أخرج ِمن ِع َ‬
‫نزلــت هــذه الكلــات عــى نــور كالصاعقــة‪ ،‬فبــدأ قلبــه ينبــض برسعــة‬
‫وشــعر أن الزمــن قــد توقــف مــن حولــه‪ ،‬فقــال بينــه وبني نفســه بدهشــة‪:‬‬
‫‪ -‬كيف شعر بوجودي أهو مشعوذ ما؟!‬
‫قطــع حبــل أفــكاره صــوت امللثــم وهــو يناديــه مــرة أخــرى للخــروج‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫ا بصـ ٍ‬
‫ـوت بــارد كالثلــج‪:‬‬ ‫قائ ـ ً‬
‫ـرا ال تــزال‬
‫‪ -‬نــور فلتخــرج مــن هنــا‪ ،‬أتذكــر هالتــك جيــدً ا‪ ...‬مل تتغــر كثـ ً‬
‫تســتخدم اخلــداع للهــروب مــن أي مأزق‪.‬‬
‫زاد توتــر نــور وتعجــب كيــف يعرفــه هــذا الغريــب‪ ،‬ولكنــه أحــس أنــه‬
‫ـهم‬
‫ـق‪ ،‬فأســتجمع شــجاعته أو مــا تبقــى منهــا‪ ،‬وســحب سـ ً‬ ‫ليــس بصديـ ٍ‬
‫نفســا عميقــ ًا‪ ،‬وخــرج مــن وراء الشــجرة‪،‬‬ ‫وجهــز القــوس‪ ،‬وأخــذ ً‬
‫مصو ًبــا ســهمه عــى الغريــب‪ ،‬وتــرك الســهم لينطلــق قاط ًعــا اهلــواء‪،‬‬
‫برسعــة نحــو امللثــم‪ ،‬الــذي بــدوره مــال بجســده ناحيــة اليســار برشــاقة‪،‬‬
‫ليتجنــب الســهم‪ ،‬قائــ ً‬
‫ا بنــرة غاضبــة‪:‬‬
‫‪ -‬توقف أهيا األمحق ماذا تفعل؟ أنا معك‪.‬‬
‫ـهم آخــر وأطلقــه نحــوه ويــداه ترتعــدان‪ ،‬فلــم متكنــاه مــن‬
‫صنــع نــور سـ ً‬
‫التصويــب بدقــة‪ ،‬فأنطلــق الســهم بمحــاذاة امللثــم‪ ،‬الــذي أطلــق رصخــة‬
‫أخــرى لنــور يأمــره أن يتوقــف وإال ســيقيض عليــه‪ ،‬ولكــن عقــل نــور‬
‫مل يكــن يعمــل‪ ،‬كل مــا كان ُيركــه هــو غريــزة البقــاء‪ .‬وهكــذا صــوب‬
‫ســهم ثالثــ ًا‪ ،‬فأنطلــق امللثــم نحــوه برسعــة قاط ًعــا الطريــق‪ ،‬وانطلــق‬
‫ً‬
‫الســهم ناحيــة رأســه‪ ،‬فأنزلــق أســفله برباعــة وجتنبــه‪ ،‬فأكمــل الســهم‬
‫طريقــة ناحيــة شــخص آخــر يقــف خلــف ا ُمللثــم بعــدة أمتــار‪ ،‬فأمســك‬
‫الغريــب بالســهم املندفــع نحــوه بيــده اليمنــى‪ ،‬حتــى توقــف رأس الســهم‬
‫أمــام عينــه‪ ،‬فتوقــف امللثــم بــدوره للحظــة وقــال بنــرة يشــوهبا التوتــر‪:‬‬
‫‪ -‬اللعنة عليك أهيا املغفل لقد وجدنا! فلنهرب اآلن من هنا‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫بــدأ نــور يســتوعب تسلســل األحــداث الرسيــع الــذي حــدث لــه اآلن؛‬
‫ـخصا ضخـ ًـا‬‫ورأي خلــف امللثــم‪ ،‬عنــد مدخــل الغابــة املقابــل هلــم‪ ،‬شـ ً‬
‫ُيمســك بالســهم الــذي أطلقــه نــور‪ ،‬وقــد كــره بيــده‪ ،‬وبعدهــا نظــر إىل‬
‫نــور وامللثــم‪ ،‬فشــعر بــدوره بقشــعريرة تــري يف جســده ممــا رآه‪.‬‬
‫كان عبــارة عــن روبــوت ضخــم اهليئــة‪ ،‬وجســده ُمغطـ ًا بمعــدن الكــروم‬
‫ـوء أزرق‪ ،‬وبجانبـ ِ‬
‫ـه‬ ‫الفــي‪ ،‬وىف منتصــف وجهــه عــن وحيــد ٌة تشــع بضـ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫كلبــن آليــن‪ ،‬أحدهــا لونــه أمحــر؛ لــه ثالثــة عيــون عــى مســتوى واحــد‬
‫ـوء أزرق‪ ،‬واآلخــر لونــه أزرق‪ ،‬يمتلــك ثالثــة عيــون بضـ ٍ‬
‫ـوء‬ ‫يضيئــان بضـ ٍ‬
‫أمحــر‪ .‬كانــا مربوطــن عنــد الرقبــة بسلســلتني مــن احلديــد‪ ،‬يقبضهــا‬
‫الروبــوت الضخــم‪.‬‬
‫ـه‬‫وبــدون أن يشــعر نــور وجــد امللثــم‪ ،‬ينطلــق ناحيتــه وجيذبــه مــن ذراعـ ِ‬
‫ويدفعـ ُه داخــل الغابــة‪ ،‬فركــض نــور خلفــه‪ ،‬وشــعر أن قدميــه ال تقويــان‬
‫عــى محلــه‪ ،‬ولكنــه حتامــل عــى نفســه وهــرول وراءه‪ ،‬بينــا قــام الضخــم‬
‫بإزالــة السالســل عــن الكلبــن‪ ،‬فرجعــت السالســل ملكاهنــا داخــل‬
‫ذراعــه؛ واندفــع الكلبــان برسعــة هائلــة داخــل الغابــة ورائهــا‪.‬‬
‫ركــض ا ُمللثــم برسعــة هائلــة ونــور يالحقــه ويــكاد يقســم أنــه ال يشــعر‬
‫بقدمــه‪ ،‬ولكــن اخلطــر ا ُملحــدق ورائــه جعلــه يركــض بأقــى مــا عنــده‬
‫بتحفيــز مــن األدرينالــن‪ .‬ســمعا الكلبــان ورائهــا يصــدران أصواتــ ًا‬ ‫ٍ‬
‫غريبــة‪ ،‬وكأهنــا أوامــر إلكرتونيــة بلغــة غريبــة‪ ،‬ولكــن نــور مل يعــر هلــذا‬
‫أي انتبــاه فــكل مــا كان هيمــ ُه اآلن هــو أن هيــرب منهــا‪ .‬وفجــأة عنــد‬
‫أحــد املنعطفــات‪ ،‬أنعطــف امللثــم يمينــ ًا فتبعــه نــور‪ ،‬وأكمــا الركــض‬

‫‪12‬‬
‫بــن األشــجار ومهــا يقفــزان ويتجنبــان كل العقبــات يف طريقهــا؛ مــن‬
‫ـرز ِمــن خــارج األرض‪ ،‬وكان نــور يســر عــى خطــى‬ ‫ـور وجـ ٍ‬
‫ـذور تـ ُ‬ ‫صخـ ٍ‬
‫ا ُمللثــم‪ ،‬فعندمــا يقفــز يعــرف أن هنــاك عقبــة مــا فيقفــز هــو ً‬
‫أيضــا‪ ،‬فهــو‬
‫بالــكاد يــرى شــيئا وســط هــذا الظــام احلالــك ا ُملحيــط هبــا‪ .‬وهكــذا مل‬
‫يتوقــف ولــو للحظــة‪ .‬كان ال يشــعر بالتعــب رغــم ركضــه ا ُملســتمر كــا‬
‫حــدث لــه يف الســباق‪ ،‬ولكنــ ُه كان يشــعر باخلــوف الــذي كان يأخــذ‬
‫النصيــب األكــر مــن قلبــه أو باألخــص اخلــوف مــن املجهــول‪ .‬قــرر‬
‫نــور أن يؤخــر الــكالب اآلليــة خلفــ ُه‪ ،‬فتوقــف وألتــف ناحيتهــا ثــم‬
‫بســط يديــه ناحيــة اليمــن واليســار وقــد أنحنــي بجســده قلي ـاً‪ ،‬فصنــع‬
‫ا مــن التيتانيــوم املتــن‪ ،‬وكان يف هنايــة كل طــرف منــه ســكني حــادة‪،‬‬ ‫حبـ ً‬
‫فقذفهــا مــن يــده ناحيــة اليمــن واليســار ليســتقروا يف أحــد األشــجار‬
‫فخــا بســيط ًا ُيعرقــل مــن يقــع فيــه‪ ،‬وبعــد حلظــات ســمع الكلبان‬
‫مكونــن ً‬
‫يســقطان عــى األرض ويصطدمــان ببعضهــا البعــض‪ ،‬ولكنهــا ُسعــان‬
‫ا ثــم جعــل يديــه‬ ‫مــا وقفــا جمــد ًدا وأكمــا الركــض‪ .‬فكــر نــور قليــ ً‬
‫خلــف ظهــره ورشع يف صنــع صناديــق وبراميــل لتعرقــل تقدمهــم بعــض‬
‫الوقــت‪ .‬ســمع اصطدامهــا بالرباميــل والصناديــق وصــوت حتطمهــا‬
‫ا ولكنــه مل يمنعهــا عــن مالحقتهــا‪ .‬ملعــت فكــرة يف‬ ‫فأخرمهــا هــذا قلي ـ ً‬
‫رأســه قــد توقفهــا بعــض الوقــت حتــى هيربــا‪ ،‬فتوقــف جمــد ًدا ثــم بســط‬
‫يديــه إىل األمــام فتكــون جــدار مــن احلديــد وتشــكل وعــا وارتفــع‬
‫بشــموخ بينــا اقــرب الكلبــان برسعــة عظيمــة‪ ،‬فأكمــل نــور اجلــدار ثــم‬
‫التــف وأكمــل ركضــه وقــد ســمع صــوت الكلبــان يصطدمــان باجلــدار‬
‫احلديــدي وحيــاوالن العبــور منــه‪ .‬وبعــد دقائــق مــن الركــض وقــد أبتعــد‬

‫‪13‬‬
‫ا وجــد نــور نفســه خــارج الغابــة يف ســاحة خــراء‬ ‫صــوت الكلبــان قليـ ً‬
‫واســعة ممتــدة أمامهــم‪ ،‬وبعــد الســاحة رأي مدينــة هائلــة وكبــرة ُييــم‬
‫ـرج الدخــان األســود والنــران مــن فــوق ابنيتهــا قــد‬
‫عليهــا الدمــار وخيـ ُ‬
‫ـدب وصــوب فــا ينريهــا إال ضــوء‬ ‫دثرهــا الظــام بغطائــه مــن كل حـ ٍ‬
‫القمــر الــذي يســقط عليهــا لــروي قصــة دمارهــا وآالمهــا ومــا مــرت بــه‬
‫ـرب كبــرة ُمدمــرة‪ .‬كانــت بالــكاد ســليمة‪ .‬توقــف نــور للحظــة‬ ‫مــن حـ ٍ‬
‫ليســتوعب املوقــف‪ ،‬ولكــن امللثــم قطــع حبــل أفــكاره وهــو حيثــه عــى‬
‫الركــض وقــد التفــت خلفــه وكأنــه يعلــم أن هــذا ســيحدث‪ ،‬فقــال‬
‫عابســا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬هذا ليس وقت االندهاش‪ ،‬ال تتوقف وإال ستموت‪.‬‬
‫أفــاق نــور مــن رشوده وهــرول خلــف الغريــب جمــد ًدا حمــاوالً أال يلتــف‬
‫ورائــه أبــدً ا‪ ،‬ولكنــه ســمع صــوت الكلبــان ومهــا يقرتبــان منــه ويصــدران‬
‫بعــض األصــوات الغريبــة جمــد ًدا بعــد أن وجــدا طريقــ ًا آخــر ليكمــا‬
‫املطــاردة‪ .‬ركــض ا ُمللثــم أمــام نــور بعــدة أمتــار‪ ،‬وخلفــه بمســافة ليســت‬
‫ببعيــدة يركــض الكلبــان املندفعــان مــن داخــل الغابــة‪ ،‬بأصـ ِ‬
‫ـوات أقدامهام‬
‫اآلليــة التــي تصــدر رصيـ ًـرا مــع كل خطــوة‪.‬‬
‫ضغط امللثم عىل ساعته‪ ،‬وقال وهو يلهث‪:‬‬
‫‪ -‬هل أنت مستعد؟‬
‫فصدر صوت ًا من الساعة قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬نعم أنا مستعد‪ ،‬أعطيني االشارة فقط‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫تقــدم ا ُمللثــم عــدة خطــوات أخــرى ثــم توقــف والتفــت للخلــف‪ ،‬واض ًعا‬
‫يــده عنــد خــره‪ ،‬حيــث يوجــد جهــاز اســود مســتطيل الشــكل صغــر‬
‫معلــق‪ ،‬يبــدوا كهاتــف نقــال أو كاحلافظــة التــي يوضــع بداخلهــا النظارة‪.‬‬
‫أمســك باجلهــاز املســتطيل جيــدً ا‪ ،‬ثــم ضغــط عــى زر صغــر بــارز‪،‬‬
‫فخــرج ضــوء مــن اجلهــاز وتكــون عــى شــكل ســيف كاتانــا مــن الضوء‪،‬‬
‫فأخــذ امللثــم وضعيــة اهلجــوم‪ ،‬وعــاد بقدمــه اليمنــي خطــوة إىل الــوراء‪،‬‬
‫وتالهــا رفــع يــده عال ًيــا لتناســب أســلوب القطــع بالســيف‪ ،‬ثــم أخــذ‬
‫نفســا عميق ـ ًا‪ ،‬بينــا مــر بجانبــه نــور مرس ًعــا وقــد شــاهده حيمــل هــذا‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫الــيء الغريــب فــزاد مــن دهشــته‪ ،‬ولكنــه مل يتوقــف وأكمــل طريقــه‬
‫ُمرس ًعــا‪ ،‬بينــا أندفــع الكلبــان ناحيــة امللثــم الواقــف أمامهــا‪ ،‬وقفــزا يف‬
‫اهلــواء لينقضــا عليــه‪ ،‬فــرخ امللثــم قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬اآلآآآآآآن‪.‬‬
‫خــرج صــوت رصاصــة قناصــة مــن أحــد املبــاين ا ُملحطمــة البعيــدة خلف‬
‫امللثــم‪ ،‬بينــا أنطلــق بســيفه يشــق اهلــواء ناحيــة الكلــب اآليت مــن جهــة‬
‫اليمــن‪ ،‬فقطعــه نصفــن بينــا انطلقــت الطلقــة التــي عــرت الســاحة‬
‫كلســان بــرق‪ ،‬ومــرت بجانــب كتــف ا ُمللثــم لتحطــم الكلــب الثــاين‪،‬‬
‫فدفعتــه للخلــف بقــوة‪ ،‬فأضحــى يتلــوى يف األرض وهــو يصــدر بعــض‬
‫األضــواء االلكرتونيــة‪ ،‬حتــى خــرج مــن جســده مــادة زرقــاء غريبــة‪.‬‬
‫ظــل نــور هيــرول بــدون أن ينظــر خلفــه‪ ،‬فــرأى ناطحتــا ســحاب مائلتــن‬
‫عــى بعضهــا البعــض‪ ،‬وشــبه مدمــران متا ًمــا مــن أثــر انفجــار كبــر‪،‬‬
‫وامتلــئ الطريــق أمامــه بالصخــور التــي ســقطت عشــوائ ًيا مــن املبنيــن‬

‫‪15‬‬
‫هنــا وهنــاك‪ ،‬فعــر نــور الســاحة‪ ،‬بينــا ســمع الغريــب ينــادي عليــه مــن‬
‫اخللــف‪ ،‬ولكنــه مل يلتفــت‪ ،‬وأكمــل طريقــه بــا توقــف‪ ،‬وهــو يلهــث‬
‫بقــوة وقــد شــعر ببعــض التعــب مــن أثــر التوتــر والصدمــة التــي تلقاهــا‬
‫ممــا حيــدث حولــه‪ ،‬فقــال لنفســه‪:‬‬
‫ـهورا داخــل هــذا الــرج‬‫‪ -‬أمل يكفينــي فقــدان الذاكــرة‪ ،‬واحتجــازي شـ ً‬
‫الغريــب؟! واآلن ال أعــرف أيــن أنــا ومــا هــي هــذه املدينــة املدمــرة؟!‬
‫وملــاذا هتامجنــا بعــض الروبوتــات الغريبــة؟!‬
‫ركــض نــور حتــى أصبــح أســفل املبنيــن متا ًمــا‪ ،‬فأطلــق ســيقانه للريــاح‬
‫ُمعتمــدً ا عــى ضــوء القمــر ل ُينــر لــه الطريــق قليــاً‪ .‬تعثــر يف أحــد‬
‫الصخــور يف طريقــه وســقط عــى األرض بقــوة‪ ،‬فجــرح قدميــه ويديــه‬
‫ولكــن خوفــه جعلــه يقــف مــن جديــد ويكمــل الركــض بــا توقــف‪،‬‬
‫وهــو يقفــز ويتجــاوز بعــض الصخــور‪ .‬رأي ســيارات مركونــة مــن‬
‫حولــه ومدمــرة بفعــل الصخــور التــي ســقطت عليهــا وبفعــل اســلحة مل‬
‫يعــرف ماهيتهــا‪ ،‬فقــال بينــه وبــن نفســه‪:‬‬
‫‪ -‬ما كل هذا اجلنون؟ أين أنا؟‬
‫شــعر نــور لوهلــة أن املبنيــان سيســقطان يف أي حلظــة‪ ،‬ولكنــه أبعــد‬
‫الفكــرة مــن رأســه وأكمــل طريقــه‪ ،‬حتــى رأي أمامــه ضــوء يــأيت مــن‬
‫آخــر الطريــق‪ ،‬فتوقــف برسعــة ونظــر إىل اليمــن واليســار‪ ،‬فوجــد عــى‬
‫اليمــن ســيارة ُمطمــة بالكامــل‪ ،‬فركــض وأختبــأ خلفهــا‪ .‬التقط انفاســه‪،‬‬
‫تنفســا حـ ًـرا‬
‫وشــعر بصــدره ينقبــض بقــوة ثــم ينبســط‪ ،‬فأخــذ يتنفــس ً‬
‫طليق ـ ًا إذ شــعر أن قلبــه ســيتوقف‪ ،‬وبعــد دقيقــة مــن الــراع‪ ،‬اســتعاد‬

‫‪16‬‬
‫ُمعــدل تنفسـ ُه الطبيعــي شــيئ ًا فشــيئ ًا؛ فهــو مل يعتــد بعــد عــى الركــض بعد‬
‫بعضــا مــن لياقتــه‪ .‬تذكــر‬
‫نومــه كل هــذه املــدة ولكنــه ال يــزال يمتلــك ً‬
‫ا ومــال عــى‬ ‫الضــوء القــادم مــن هنايــة الطريــق‪ ،‬فرفــع جســده قليــ ً‬
‫الســيارة ُمســتندً ا عــى باهبــا‪ ،‬ونظــر مــن بــن الزجــاج ا ُملحطــم‪ ،‬فــرأى‬
‫شــيئ ًا جعــل اخلــوف يطــرق بــاب قلبــه ُمــد ًدا‪.‬‬

‫***‬

‫‪17‬‬
‫‪2‬‬
‫ســار ياســن يف الــرواق األبيــض للــرج بعــد أن أهنــى الســباق وتأهــل‬
‫ليكــون مــن بــن الثامنيــة الذيــن س ُيســمح هلــم باخلــروج‪ .‬ســار ُمتذمـ ًـرا‬
‫لعــدم اعطــاء الرجــل الغريــب الــذي يتحــدث معــه باســتمرار أي‬
‫أجوبــة‪ ،‬ولكنــه شــعر عــى األقــل ببعــض الراحــة ألنــه أنتهــى مــن كل‬
‫تائهــا ال يعلــم ملــاذا ولــد؟ وإىل أيــن يذهــب؟ ومــاذا‬ ‫هــذا‪ ،‬ولكنـ ُه وظــل ً‬
‫عليــه أن يفعــل يف هــذه احليــاة؟ أحــس وكأنــه ولــد اآلن يف هــذه احليــاة‪.‬‬
‫مل يكــن يفهــم تعبــرات رفاقــه يف الســباق‪ ،‬ومل يفهــم ملــاذا كانــت نرباهتــم‬
‫وانفعاالهتــم وترصفاهتــم تتغــر مــع كل حــدث جديــد وملــاذا كانــت‬
‫أمــرا غري ًبــا ومعقــدً ا للغايــة؟ كــا أنــ ُه‬
‫مشــاعرهم هــذي بالنســبة لــه ً‬
‫ـون وجه ـ ُه الغريــب املائــل إىل الزرقــة وشــعره‬ ‫كان ُمتلف ـ ًا عــن رفاقــه بلـ ِ‬
‫أيضــا بتغــر غريــب يف جســده‬ ‫ـوط مــن حريــر‪ .‬شــعر ً‬ ‫الفــي الالمــع كخيـ ٍ‬
‫ا وأزداد طــول شــعره حتــى امتــد إىل‬ ‫وتنبــه إىل أن ـ ُه أصبــح أطــول قلي ـ ً‬
‫نضجــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫جذعــه‪ ،‬وتغــرت مالحمــه إذ أصبحــت أكثــر‬
‫رأى البــاب األبيــض يف هنايــة املمــر‪ ،‬فاقــرب منــه حتــى انفتــح البــاب‪،‬‬
‫ورسعــان مــا رشع يف اخلــروج‪ .‬شــعر بنســيم اهلــواء العليــل يصطــدم‬
‫بوجهــه‪ ،‬فجعلــه هــذا يشــعر بشـ ٍ‬
‫ـعور غريــب مل يفهمــه ولكنــه كان ُيشــعره‬
‫بالراحــة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫دخــل نــور الصبــاح إىل عــن ياســن‪ ،‬فرفــع يــده ليحجــب الضــوء عــن‬
‫عينيــه‪ ،‬ثــم خــرج مــن الــرج فداعــب اهلــواء وجهــه وخصــات شــعره‬
‫الناعــم الطويــل‪ ،‬وعينيــه الســوداء‪ ،‬التــي تبــدو كلؤلــؤة براقــة‪.‬‬
‫بــدأت عــن ياســن تتأقلــم مــع ضــوء الشــمس الســاطع تدرجي ًيــا‪ ،‬ففتــح‬
‫ٍ‬
‫متتــال ورسيــع‪ ،‬حتــى أســتطاع أن يفتحهــا‬ ‫عينيــه ثــم أغلقهــا برتــ ٍم‬
‫بوضــوح‪ ،‬فبــدأت الصــورة تتضــح اآلن‪ ،‬وأخــذت األلــوان واألشــكال‬
‫تســقط عــى عينيــه فجــأة‪ ،‬فوجــد نفســه يف غابــة غريبــة ختتلــط فيهــا‬
‫األلــوان واألشــكال العجيبــة التــي تُبهــر العــن وجتعــل العقــل يف حــرة‬
‫مــن أمــره‪ .‬ســار فــرة طويلــة وهــو ال يعــرف أيــن جيــب أن يذهــب؟!‬
‫ومــاذا جيــب أن يفعــل يف حياتــه؟! وملــاذا هــو عــى قيــد احليــاة مــن‬
‫البدايــة؟!‬
‫ســار ســاعات وســاعات حتــى خيــم الليــل‪ ،‬وبعــد أن فقــد األمــل يف‬
‫اخلــروج مــن هــذه الغابــة‪ ،‬ســمع صــوت رصاصــة تــدوي يف الســاء‪،‬‬
‫فتوجــه ناحيــة مصــدر الصــوت ولكــن عندمــا وصــل كان كل مــا وجــده‬
‫ـوت فــي ضخــم ُقطــع إىل عــدة‬ ‫هــو كلبــن آليــن ُمطمــن بجانــب روبـ ٍ‬
‫أجــزاء‪ .‬رفــع عينيــه‪ ،‬فــرأى عــى مــد البــر مدينــة ُمطمــة بالكامــل‬
‫وأدخنــة تتصاعــد مــن مبانيهــا والظــام ُيغطيهــا وكأهنــا اجلحيــم بعينــه‪،‬‬
‫مل يفهــم ياســن مــا الــذي مــرت بــه هــذه املدينــة لتصبــح هكــذا؟! ولكنــه‬
‫توجــه ناحيتهــا لعلــه جيــد مــن يدلــه عــى الطريــق‪.‬‬
‫دخــل إىل املدينــة وســار ســاع ًة كامل ـ ًة وســط احلطــام حتــى وجــد نفســه‬
‫ـر‪.‬‬ ‫يف شــارع عــام‪ ،‬وأمامــه العديــد مــن املبــاين العاليــة التــي مل يمســها الـ ُ‬

‫‪19‬‬
‫كانــت ذات نوافــذ زرقــاء تعكــس العــامل مــن حوهلــا وذات تصميــم مميــز‬
‫أيضــا بعــض الســيارات‬‫جيعلــك تُقــدر اجلهــد املبــذول يف بنائهــا‪ .‬رأى ً‬
‫املركونــة يف الطريــق‪ ،‬والتــي بــدت فارغــة متا ًمــا مــن البــر‪ ،‬وكانــت‬
‫الشــوارع مــن حولــه فارغــة هــي األخــرى واملتاجــر مفتوحــة‪ ،‬ولكــن ال‬
‫أحــد فيهــا‪ ،‬وال يف أي مــكان‪ .‬ليــس هنــاك الصــوت املعتــاد للســيارات‬
‫دائــا‪ ،‬فقــال ياســن وهــو‬
‫ً‬ ‫وللبــر‪ ،‬والضجيــج الــذي يمــأ املــدن‬
‫يتفحــص املــكان بعينيــه‪:‬‬
‫‪ -‬ما الذي حيدث هنا! أين اختفى اجلميع؟‬
‫مل يتعــرف عــى املبــاين والشــوارع والالفتــات واللوحــات املكتوبــة باللغــة‬
‫العربيــة‪ ،‬واألشــجار التــي متــأ الشــوارع وتضــع ملســة ســحرية مــن‬
‫اجلــال عليهــا‪ ،‬فبــدأ ينــادي عــى الصــوت الغريــب قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬أهيا الغريب أين ذهب اجلميع؟‬
‫ولكنــه مل يتلــق أي اجابــة‪ ،‬فتذكــر أنــه تــم التخــي عنــه‪ ،‬أو أن هــذا الرجــل‬
‫كان يســتطيع حمادثتــه يف هــذا الــرج الغريــب فقــط‪ .‬تذكــر الــرج األبيض‬
‫اهلائــل الــذي خــرج منــه فقــال بحرية‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كُنــت ُمتجــزا يف هــذا الــرج العــايل كل هــذا الوقــت‪ ،‬فكيــف متــت‬
‫املســابقات يف مـ ٍ‬
‫ـكان كهــذا؟ وملــاذا مل خيــرج شــخص آخــر منــه غــري؟!‬
‫بــدأ ياســن يســر يف الطرقــات الفارغــة ويتأمــل مجــال املدينــة اخلــاب‪،‬‬
‫وقــد بــدأ قــرص الشــمس يــرز مــن خلــف الســحاب ل ُيظهــر القبــة‬
‫الزرقــاء الغريبــة التــي تغطــي الســاء‪ ،‬فتعجــب ياســن منهــا وشــعر أنــه‬

‫‪20‬‬
‫قفــص غريــب‪ ،‬أخــر لنفســه أنــه ال يــزال يف هــذا الســباق ولكــن‬‫ٍ‬ ‫يف‬
‫اللعبــة اختلفــت‪ ،‬كان هــذا أكثــر تفســر ُمقنــع لــه‪ .‬شــعر أنــه يف مدينــة‬
‫ا بتذمــر‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫عــال قائــ ً‬ ‫أشــباح؛ فنــادى بصــوت‬
‫‪ -‬هل هناك أي أحد هنا؟‬
‫ولكنــه مل يتلقــى أي رد‪ .‬وجــد مركــز ًا جتار ًيــا (مــول) فتذكــر بطنــه التــي‬
‫تقرقــر مــن اجلــوع‪ ،‬فدلــف إىل املركــز ليبحــث عــن طعــام ويكمــل بحثــه‬
‫عــن أي شــخص يف الداخــل قــد يدلــه عــى أي يشء‪.‬‬
‫ا املتاجــر الفارغــة‪ ،‬مــن متاجــر للمالبــس واألجهــزة‬ ‫ســار فيــه متأمــ ً‬
‫اإللكرتونيــة‪ ،‬واملســتلزمات البيتيــة‪ .‬رأى عــن ُبعــد متجــر للطعــام املعلــب‬
‫وبــدون تفكــر دلــف إليــه برسعــة متشــوقا ل ُيســكت جوعــه‪.‬‬
‫أندفــع بــن رفــوف الطعــام وكان املــكان فار ًغــا ويمــأه الــراب وكأن ـ ُه‬
‫تُــرك منــذ شــهور‪ ،‬ممــا جعلــه يضطــرب أكثــر‪ .‬بــدأ يتفقــد العلبــة تلــو‬
‫األخــرى فوجــد بعضهــا فاســدً ا ملكوثــه فــرة طويلــة‪ .‬تــرك األشــياء‬
‫املكشــوفة واملغطــاة باألتربــة‪ ،‬وذهــب إىل الثالجــات وأخــذ بعــض الطعام‬
‫املحفــوظ بعنايــة‪ ،‬وبعــض املرشوبــات الغازية‪ .‬توجــه ناحيــة مايكروويف‬
‫قريــب عنــد املنطقــة التــي جيلــس عندهــا البائــع وبــدأ يف تســخني الطعــام‬
‫املجمــد وأنغمــس يف تناولــه‪ ،‬حتــى شــعر أنــه قــد شــبع‪ ،‬ثــم خــرج مــن‬
‫املتجــر وذهــب ألحــد متاجــر املســتلزمات املنزليــة ليحصــل عــى بعــض‬
‫املســتلزمات املهمــة التــي قــد حيتاجهــا يف رحلتــه التــي ال يعلــم كــم‬
‫ستســتغرق مدهتــا‪ .‬أخــذ حقيبــة ظهــر بعــد أن نفــض االتربــة عنهــا‪ ،‬ثــم‬
‫عــاد إىل متجــر البقالــة فأخــذ مــن الثالجــة بعــض املرشوبــات البــاردة‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫أيضــا بعــض‬‫واألطعمــة البــاردة‪ ،‬ووضعهــا بداخــل احلقيبــة‪ ،‬وأخــذ ً‬
‫املالبــس التــي رأي أهنــا تبــدوا رائعــة‪ ،‬فقــد ســئم مــن مالبــس املريــض‬
‫البيضــاء التــي يرتدهيــا‪ .‬غــر مالبســه‪ ،‬لريتــدي معطــف أبيــض اللــون‬
‫ورسوال أســود‪ ،‬ثــم محــل احلقيبــة عــى ظهــره‪ ،‬وخــرج مــن املتجــر وقــد‬
‫ـعور غريــب مــن الراحــة جيتاحــه ولكنــه مل يفهمــه ومل يســتطع‬ ‫شــعر بشـ ٍ‬
‫تفســر إال أنــه يبــدوا شــيئ ًا جيــدً ا‪.‬‬
‫متوجهــا ناحيــة طريــق اخلــروج وهــو يتأمــل‬
‫ً‬ ‫أكمــل ســره يف املركــز‬
‫البــاط الزجاجــي املرصــوف بعنايــة‪ .‬وفجــأة وىف آخــر الــرواق‪ ،‬وجــد‬
‫ياســن أحدهــم يقــف أمامــه مبــارشة وحيــدق فيــه بصمــت‪.‬‬

‫***‬

‫‪22‬‬
‫‪3‬‬
‫شــعر نــور بجس ـ ٍم ضخــم يقــرب منــه‪ ،‬فأهتــز املــكان مــن حولــه عــى‬
‫إثــر ضخامتــه ورهبتــه‪ ،‬وصاحبــه صــوت حتطــم بعــض النوافــذ وســقوط‬
‫صخــور مــن املبــاين ا ُملحيطــة‪ .‬أختلــس نــور النظــر مــن وراء الســيارة‬
‫ا ُملحطمــة عــر ُزجاجهــا ا ُملهشــم‪ ،‬ومل يســتوعب مــا رآه للحظــة‪ ،‬ثــم تبدت‬
‫لــه مالمــح هــذا اجلســم فطــرق اخلــوف بــاب قلبــه برشاســة‪ ،‬وأرتفــع‬
‫ُمعــدل نبضاتــه بطريقــة كبــرة حتــى شــعر أن قلبــه ســقط يف قدمــه كــا‬
‫ضخــا يســتند بأقدامــه عــى املبــاين‬
‫ً‬ ‫يقولــون‪ .‬رأي نــور عنكبوتًــا آل ًيــا‬
‫ـه املعدنيــة التــي تــر مــع كل خطــوة خيطوهــا‬ ‫املحيطــة وهيشــمها بمفاصلـ ِ‬
‫ُســق َط معهــا بعــض احلطــام‪ .‬كان جســده فــي اللــون‪،‬‬ ‫إىل االمــام‪ ،‬لت ِ‬
‫ـن واحــد ٌة كبــر ٌة مربوطـ ٌة بأنبــوب مطاطــي‪،‬‬ ‫ـه عـ ٌ‬‫وخيــرج مــن فــوق رأسـ ِ‬
‫ينبســط ويرتفــع وينخفــض حســب مــا يريــده العنكبــوت‪ ،‬وكانــت العــن‬
‫تُنــر الطريــق حوهلــا عــن طريــق ضــوء متوهــج يصــدر مــن داخلهــا‪،‬‬
‫ويســارا متســح املــكان بحث ـ ًا عــن فريســة‪.‬‬ ‫بينــا تتحــرك يمين ـ ًا ً‬
‫أســتمر العنكبــوت الضخــم بالســر يف الطريــق واض ًعــا اقدامــه الثامنيــة‬
‫عــى املبــاين بينــا يتــدىل جســد ُه مــن املنتصــف‪ ،‬وكان يصــدر أصواتــ ًا‬
‫الكرتونيــة غريبــة‪ .‬شــعر نــور وكأنــه قــد ُشــل مكانــه مــن التوتــر‪ ،‬فهــو‬
‫ُ‬
‫حيــدث مــن حولــه‪ ،‬امل يكفيــه الــكالب وامللثــم‬ ‫مل يعــد يفقــه أي ٍ‬
‫يشء‬ ‫ُ‬
‫وكل االشــياء الغريبــة التــي حدثــت معــه منــذ أن اســتيقظ يف هــذا الــرج‬
‫الغريــب؟ كان كل يشء يبــدوا حمــض ُحلــم يسء سيســتيقظ منــه بعــض‬

‫‪23‬‬
‫قليــل‪ .‬كان يعــرف يف قــرارة نفســه أنــه ال حيلــم‪ ،‬ولكــن العقــل أحيا ًنــا‬
‫ُينكــر احلقائــق املؤملــة حتــى ال تُزعجــه ويضعهــا يف حيــز اخليــال‪.‬‬
‫أقــرب العنكبــوت منــه‪ ،‬فانخفــض بــدوره أســفل الســيارة حتــى ال يــراه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫هيــكل‬ ‫ثــم ملــح شــي ًئا بجانبــه فألقــي نظــرة عليــه لينصعــق عنــد رؤيــة‬
‫ـال ولكنــه وضــع يــده عــى‬ ‫ـي بــري بجانبــه‪ ،‬فشــهق بصـ ٍ‬
‫ـوت عـ ٍ‬ ‫عظمـ ٍ‬
‫فمــه برسعــة وقــال بينــه وبــن نفســه وقــد ســيطر اخلــوف عليــه‪:‬‬
‫‪ -‬ما الذي حيدث هنا؟! ال أفهم شيئا! ما الذي حدث للبرش؟‬
‫زعجــا يليــه صــوت بخــار‬ ‫ســار العنكبــوت وأقدامــه تصــدر رصيـ ًـرا ُم ً‬
‫خيــرج مــن جســده لينســجم مــع أصــوات حتطــم املبــاين التــي ُيعلــق‬
‫أقدامــه عليهــا‪ .‬شــعر نــور ألول مــرة باالمتنــان لظلمــة املــكان وأن‬
‫الشــمس مل ُتــرق بعــد‪ ،‬وإال لــكان اكتشــاف أمــره أصبــح أســهل بكثــر‬
‫هلــذا املخلــوق اللعــن املكــون مــن املعــادن واالســاك‪.‬‬
‫أصبــح العنكبــوت فــوق نــور ُمبــارشة‪ ،‬فحبــس نــور انفاســه وأغمــض‬
‫عينيــه‪ ،‬وترقــب مــرور العنكبــوت مــرور الكــرام‪ ،‬داع ًيــا مــن قلبــه بــأال‬
‫يتــم اكتشــاف أمــره‪ .‬ولكــن يبــدوا أن حظــه خانــه هــو اآلخــر‪.‬‬
‫وإذ فجــأة توقــف العنكبــوت عــن احلركــة فوقــه مبــارشة‪ ،‬ويف اللحظــة‬
‫موجهــا العــن املضيئــة ناحيــة الســيارة التــي‬
‫ً‬ ‫التاليــة بــدأ يميــل بجســده‬
‫نــرا مــكان‬
‫خيتبــأ نــور أســفلها‪ ،‬فأحــس بالضــوء يندفــع مــن حولــه ُم ً‬
‫ٍ‬
‫عاجــز عــن‬ ‫اختبائــه‪ ،‬فأندفــع اخلــوف يف اوصالــه‪ ،‬حتــى أحــس أنــه‬
‫احلركــة‪ ،‬فقدرتــه لــن متكنــه مــن هزيمــة هــذا الــيء أبــدً ا!‬

‫‪24‬‬
‫أيقــن أنــه ُاكتشــف أمــره وال مفــر لــه اآلن‪ ،‬فضغــط عــى عقلــه ل ُيفكــر‬
‫برسعــة يف خمــرج مــن هــذا املــأزق ولكــن ال يشء‪ .‬بــدأ ينظــر حولــه‬
‫حمــاوالً اســتنباط أي فكــرة مــن البيئــة ا ُملحيطــة لتخرجــه مــن هــذا املــأزق‪.‬‬
‫وأخــرا تذكــر تقنيــة الوهــم التــي تعلمهــا‪ ،‬خلــداع األعــداء وتشــتيت‬ ‫ً‬
‫أنتباههــم عــن طريــق اســتغالل الضــوء مــن حولــه لصنــع رساب ُيشــبهه‪.‬‬
‫فوضــع كل تركيــزه عــى ضــوء العنكبــوت‪ ،‬حمــاوالً ختيــل نســخة ضوئيــة‬
‫مــن نفســه‪ .‬ولكــن عقلــه املضطــرب والــذي يعمــل برسعــة كبــرة مل يكــن‬
‫ـادرا عــى مســاعدته يف هــذا الوقــت‪ .‬ضغــط عــى نفســه بينــا اندفــع‬ ‫قـ ً‬
‫االدرينالــن داخــل جســده‪ ،‬فحبــس أنفاســه حتــى يتالشــى اخلــوف‪،‬‬
‫ووضــع كل تركيــزه عــى ختيــل نســخة ضوئيــة لــه‪ ،‬وىف نفــس اللحظــة‪،‬‬
‫رفــع العنكبــوت اآليل أحــد أقدامــه ووجههــا ناحيــة الســيارة‪ ،‬بينــا كان‬
‫ضــوء القمــر ينعكــس عليــه ليلمــع ويــرق‪.‬‬
‫وجســدها أمامــه باســتخدام ضــوء‬ ‫ّ‬ ‫ـرا‬
‫ختيــل نــور النســخة الضوئيــة أخـ ً‬
‫العنكبــوت‪ ،‬فتكّونــت مشــاهبة لــه‪ ،‬فوجههــا بعقلــه فــإذا هــي تنطلــق‬
‫إىل االمــام وكأهنــا هتــرب؛ فأوقــف العنكبــوت قدمــه يف اهلــواء ووجــه‬
‫تركيــزه ناحيــة الشــخص الــذي يركــض مبتعــدً ا‪ .‬عــدل مــن وضعيــة‬
‫جســده ثــم ركــض ورائــه‪ ،‬وقــد أخــرج مــن ظهــره‪ ،‬قــاذف صواريــخ‬
‫وأطلــق منــه صاروخــن ناحيــة النســخة‪ ،‬ولكنهــا عــرا مــن خالهلــا‪،‬‬
‫ومتكنــا مــن مســح اجلــزء األوســط منهــا فبــدا شــكله غري ًبــا للغايــة ولــوال‬
‫أنــه روبــوت ال يفكــر لعلــم أهنــا ُخدعــة‪ ،‬فأكمــل مطاردهتــا وهــو يطلــق‬
‫عليهــا قذائفــه جمــد ًدا بــا توقــف‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ـوان قبــل أن ختتفــي النســخة‪ ،‬فخــرج‬ ‫عــرف نــور أن أمامــه اآلن بضعــة ثـ ٍ‬
‫مــن حتــت الســيارة بعــد أن أبتعــد العنكبــوت عنــه بضعــة خطــوات‪،‬‬
‫وركــض بأقــى رسعتــه حتــى أبتعــد مســافة ُمناســبة‪ ،‬فقفــز أســفل‬
‫ســيارة أخــري عــى جانــب الطريــق‪ ،‬وســمع العنكبــوت اآليل ورائــه‬
‫وهــو يــرب بقدمــه يف كل مــكان وبعــد حلظــات توقــف عــن احلركــة‬
‫بعــد ان تالشــت النســخة متا ًمــا‪ ،‬فظــن أنــه قــى عــى اهلــدف ونظــر خلفه‬
‫ليتفحــص املــكان عائــدً ا إىل الســيارة‪ ،‬ولكنــه مل جيــد شــيئ ًا أســفلها‪ ،‬فأكمل‬
‫تفحصــا الطريــق جمــد ًدا‪.‬‬ ‫طريقــه ببـ ٍ‬
‫ـطء ُم‬
‫ً‬
‫حي‬
‫تنفــس نــور الصعــداء وكان جســده يرجتــف بقــوة‪ ،‬غــر كُصــدق أنــه ٌ‬
‫ُيــرزق؛ ظــل يلهــث بعنــف وهــو يتفقــد املــكان مــن حولــه حتــى يتأكــد‬
‫ـرا وبعــد أن أرتــاح بضعــة دقائــق هــدأ قلبه‬ ‫أنــه ال يوجــد يشء آخــر‪ .‬وأخـ ً‬
‫وعــاد نبضــه ُملعدلــه الطبيعــي‪ ،‬ولكنــه أبــر املزيــد مــن اجلثــث ا ُملحرتقــة‬
‫وا ُملشــوهة بجانبــه والتــي عفــا عليهــا الزمــن‪ ،‬فخــرج مــن حتــت الســيارة‬
‫تفحصــا املــكان‪ ،‬فــرأى‬
‫ً‬ ‫وقــد شــعر بالريبــة‪ ،‬ونظــر يمينـ ًا ويسـ ً‬
‫ـارا بحــذر ُم‬
‫أن الطريــق ا ُملحطــم كان خال ًيــا متا ًمــا‪ .‬ســمع طلقــات مــن قناصــة تــدوي‬
‫مــن املــكان الــذي ذهــب إليــه العنكبــوت‪ ،‬فخطــر عــى بالــه أن ا ُمللثــم‬
‫الــذي ســاعده قــد التحــم اآلن مــع هــذا الروبــوت الضخــم‪ .‬أشــفق‬
‫عليــه ومتنــي أن ينجــوا مــن هــذا الــيء اللعــن‪ .‬عــاد ليكمــل طريقــه‬
‫وهــو تائــه ال يعــرف إىل أيــن يذهــب؟ هــل يعــود إىل هــذا املثلــم الــذي‬
‫ـدوا لــه يف نفــس الوقــت؟ أم‬ ‫ربــا يعلــم شــي ًئا مــا ولكنــه قــد يكــون عـ ً‬
‫يكمــل طريقــه ويبحــث عــن ناجــن؟ كان أكيــدً ا أنــه هبــذا املعــدل مــن‬
‫األخطــار املحدقــة لــن يمــي الكثــر مــن الوقــت قبــل أن َيلقــي حتفـ ُه‪،‬‬

‫‪26‬‬
‫فدعــا اهلل أن ُيســهل لــه الطريــق وخيرجــه مــن هــذا اجلحيــم‪ ،‬وقــرر أن‬
‫يكمــل طريقــه وأال يعــود أدراجــه ناحيــة هــذا العنكبــوت املخيــف‪.‬‬
‫ســمى اهلل وقطــع الطريــق املــيء باألطــال‪ ،‬ورأى أمامــه تقاطــع طــرق‪،‬‬
‫ا إىل أيــن جيــب أن يتوجــه‪ ،‬قبــل أن يســتقر عــى أن يتجــه‬ ‫ففكــر قليــ ً‬
‫حلطــام‪ ،‬فوجــد نفســه أمــام عــدة طــرق‬ ‫يمينًــا‪ .‬ســار حتــى خــرج مــن ا ُ‬
‫مرصوفــة ومبــاين شــاهقة ال زالــت يف مكاهنــا ومل يمسســها رضر؛ فأحــس‬
‫باالطمئنــان وظــن أنــه قــد أبتعــد عــن اآلالت‪ ،‬ولكنــه كان بالــكاد يــري‬
‫شــي ًئا يف هــذا الظــام‪ ،‬ممــا ص ّعــب عليــه الرؤيــة‪ .‬ســار طويـ ً‬
‫ا حتــى آملتــه‬
‫قدمــه‪ ،‬ورأى مــن بعيــد متجــر مضــاء وســط هــذه العتمــة‪ ،‬وتعــرف عليــه‬
‫عــى الفــور مــن اللوحــة اهلولوجراميــة فوقــه‪ ،‬والتــي حتتــوي عــى رمــز‬
‫ُملســدس بجانــب اســم املتجــر‪ .‬دلــف إىل املتجــر املظلــم بــدون تــردد‬
‫بحثـ ًا عــن أســلحة حيمــي هبــا نفســه مــن هــذه األشــياء الغريبــة‪ ،‬وأول مــا‬
‫خطــر عــى بالــه بعــد الــذي رآه هــو‪:‬‬
‫‪ -‬هــل غــزت اآلالت األرض ومتــردت عــى البــر؟ أم أن هنــاك قــوى‬
‫سياســية تســتخدمها يف حــرب كبــرة علينــا؟ وهــل أنــا يف مــر أم يف‬
‫مـ ٍ‬
‫ـكان آخــر؟‬
‫أبعــد نــور التفكــر عــن رأســه ووجــه تركيــزه ناحيــة املتجــر‪ ،‬فوجــده‬
‫ـوء خافــت‪ .‬وكان هــذا أكثــر مــن كايف لكــي يــرى حمتويــات‬ ‫مضــاء بضـ ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫املتجــر؛ ولكنــه تعجــب مــن وجــود كهربــاء يف هــذا املــكان وفــر هــذا‬
‫أن يــد الروبوتــات مل تصــل إىل هــذه املنطقــة بعــد ولكنــه مل يعلــم ملــاذا هــذا‬
‫املتجــر باألخــص ُمنــر وباقــي املتاجــر واملبــاين حولــه ُمظلمــة؟‬

‫‪27‬‬
‫أبعــد التفكــر يف هــذا األمــر عــن رأســه ووجــه تركيــزه إىل األســلحة‬
‫فــرأى العديــد منهــا ُمعلــق عــى الرفــوف‪ .‬وجــد مجيــع أنــواع األســلحة‪،‬‬
‫اليدويــة منهــا ذات املــدى البعيــد والقريــب إلــخ‪ .‬رشع بجمــع مــا قــد‬
‫حيتاجــه مــن قنابــل يدويــة واســلحة ناريــة‪ ،‬مــع درع حيميه مــن الرصاص‪.‬‬
‫شــعر باالمتنــان ألنــه وجــد هــذا املتجــر‪ ،‬فــاآلن لديــه فرصــة ولــو بســيطة‬
‫يف النجــاة مــن هــذا العــامل الغريــب الــذي ال ُيشــبه مــر التــي يعرفهــا‬
‫عــى اإلطــاق‪ ،‬ظــل نــور يتســاءل عــا حــدث هلــذه البلــد وكيــف أنتهــى‬
‫هبــا االمــر يف كل هــذه األحــداث ا ُملريبــة‪ ،‬ولكنــه أبعــد هــذه األفــكار‬
‫التــي لــن جتنــي غــر املزيــد مــن األســئلة‪ ،‬وأمســك باألســلحة وجهزهــا‬
‫ول ّقمهــا جيــدً ا‪ ،‬وبــدأ يســتعد للتحــرك حتــى ســمع صوت ـ ًا يصــدُ ر مــن‬
‫لــيء مــا قــد أرتطــم بــاألرض‪ .‬أنتفــض جســده‬ ‫ٍ‬ ‫الطابــق العلــوي‬
‫واتســعت عينــاه وقــال يف قــرارة نفســه‪:‬‬
‫‪ -‬ال أرجــوك ليــس جمــد ًدا مل يمــض حتــى ســاعة عــى هــذا العنكبــوت‬
‫الضخــم باخلــارج‪.‬‬
‫فجــأة فهــم ملــاذا هــذا املتجــر هــو الوحيــد ا ُملضــاء‪ ،‬وفــر أنــه ربــا دلــف‬
‫إليــه أحدهــم ليحصــل عــى أســلحة‪ ،‬واســتخدم حمــول الطاقــة الشمســية‬
‫إلعطــاء الكهربــاء إىل املتجــر‪.‬‬
‫نفســا عميق ـ ًا‪ ،‬ووجــه نظــره إىل البــاب‬
‫أســتجمع نــور شــجاعته وأخــذ ً‬
‫وفكــر‪ ،‬هــل هيــرب؟ أم يستكشــف مــاذا حيــدث يف الطابــق األعــى؟‬
‫الفكــرة األوىل كانــت األكثــر امانــ ًا بالطبــع واملفضلــة ألي شــخص يف‬
‫وضعــه احلــايل‪ ،‬ولكنــه وضــع يف احلســبان وجــود بــري مثلــه يف الطابــق‬

‫‪28‬‬
‫األعــى جيمــع بعــض األســلحة‪ ،‬وإذا هــرب اآلن فلــن جيــد الفرصــة‬
‫ملقابلتــه ُمــد ًدا‪ .‬لقــد كان الذهــاب ألعــى خماطــرة ال بــد منهــا‪ .‬أمســك‬
‫نــور بمسدســة جيــدً ا ورشع يف صعــود الســلم بخطــوات بطيئــة‪.‬‬

‫***‬

‫‪29‬‬
‫‪4‬‬
‫ـن بـ ٍ‬
‫ـاردة‪.‬‬ ‫حــدق ياســن يف هنايــة املــول إىل الــيء الــذي ينظــر ناحيتــه بعـ ٍ‬
‫وقــف يتفــرس فيــه هبــدوء وســكون لعــدة ثـ ٍ‬
‫ـوان وقــد تــوارى يف الظــام‪،‬‬
‫بينــا تــرب مــن بــن القبــة الزجاجيــة فوقهــا أشــعة الشــمس احلمــراء‬
‫عنــد الغــروب‪ ،‬لتنــر املــكان قليـاً‪ ،‬ولكنــه ليــس بالقــدر الــكايف ليتعرفــا‬
‫ٍ‬
‫صمــت دام طويــاً‪ ،‬تقــدم‬ ‫عــى وجــه بعضهــا البعــض‪ .‬وفجــأة بعــد‬
‫الشــخص املجهــول ناحيــة ياســن هبــدوء شــديد‪ ،‬فرتاجــع ياســن وقــد‬
‫شــعر ببعــض اخلطــر‪ ،‬فقــال بنــرة خافتــه‪:‬‬
‫‪ -‬من أنت؟‬
‫أقــرب الغريــب هبــدوء وفجــأة بــدأ بإطــاق النــار ناحيــة ياســن‪ .‬ف ّعــل‬
‫ياســن قوتــه ليتحــول جســده إىل جزيئــات هــواء فمــرت الطلقــات مــن‬
‫خاللــه‪ .‬ظــل وجــه الغريــب خال ًيــا مــن أي تعبــر‪ ،‬فهــرول ياســن ُمبتعــدً ا‬
‫عــن جمالــه حتــى دخــل إىل أحــد املحــات‪ .‬بــدأت الرصاصــات تنطلــق‬
‫مــن حولــه بــراوة ُمطمــة الزجــاج وماكينــات العــرض‪ ،‬واملعروضــات‪،‬‬
‫ومل تتوقــف إال بعــد ان دمــرت كل يشء يف املتجــر الــذي خيتبــأ يف زاويتــه‪.‬‬
‫ســمع ياســن صــوت تلقيــم الســاح مــع صــوت اقــدام تقــرب‪ ،‬فقــام‬
‫ـارا ُمبتعــدً ا عنــه قــدر‬
‫مــن مكانــه وركــض إىل خــارج املحــل‪ ،‬وأندفــع يسـ ً‬
‫اإلمــكان وفجــأة أطلــق املجهــول النــار عــى القبــة الزجاجيــة فوق ياســن‬
‫فتســاقط الزجــاج عليــه كاملطــر‪ ،‬فأنعطــف إىل أحــد املحــات عــى يمينــه‬

‫‪30‬‬
‫حلــر حتــى‬
‫وقفــز بداخلــه‪ُ ،‬مبتعــدً ا عــن الزجــاج الــذي أهنــي ســقوطه ا ُ‬
‫حتطــم لقطــع صغــرة عــى األرض وتناثــر يف أرجــاء املــول‪ ،‬ثــم عــم‬
‫اهلــدوء القاتــل جمــد ًدا‪ ،‬فقــال ياســن لنفســه‪:‬‬
‫‪ -‬ال أســتطيع اســتخدام قــويت بالكامــل بعــد فجســدي مرهــق ومل َيضــم‬
‫الطعــام بعــد‪ .‬جيــب أن اجتنبــه واســتخدم قــدريت عنــد الــرورة فقــط‪...‬‬
‫ولكــن ملــاذا هيامجنــي؟‬
‫رأي ياســن قذيفــة تتوجــه ناحيــة املتجــر الــذي خيتبأ فيــه‪ ،‬فنســفته‪ ،‬ولكن‬
‫ياســن كان قــد ف ّعــل قوتــه فتجنــب الــرر الــذي أحدثتــه القذيفــة وهب‬
‫يســارا ليبتعــد عــن مــكان‬
‫ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬وأجتــه‬‫راكضــا خــارج هــذا املتجــر ً‬
‫ً‬
‫الشــخص املجهــول وقــد شــعر أن قدمــاه بالــكاد حتمالنــه‪ ،‬ولكنــه أســتمر‬
‫يف اهلرولــة بــدون أن يلتفــت ورائــه‪ ،‬حتــى شــعر أن الغريــب توقــف عــن‬
‫مطاردتــه‪.‬‬
‫أخــذ يلهــث بقــوة يف حماولــة اللتقــاط أنفاســه‪ ،‬وشــعر بالوهــن يف جســده‬
‫الســتخدامه قدرتــه ُمــد ًدا‪ ،‬بينــا اخــذ قلبــه ينبــض برسعــة أكــر ومل يفهم‬
‫ياســن مــا رس هــذا الشــعور الغريــب داخلــه؟! وملــاذا قلبــه ينبــض هبــذا‬
‫الشكل؟!‬
‫رأســا عــى عقــب‪ .‬كان قــد قــاب قوســن أو‬
‫لقــد أنقلــب كل يشء فجــأة ً‬
‫أدنــى مــن املــوت عــدة مــرات وســط هــذا اجلنــون‪ .‬حتامــل عــى نفســه‪،‬‬
‫ورشع حيفــز قدميــه عــى الركــض‪ ،‬حتــى أســتطاع الركــض جمــد ًدا برسعــة‬
‫وســط الــرواق املزخــرف والــذي يأخــذ منحنــى دائــري‪ .‬أثنــاء هربــه‬
‫تفقــد املتاجــر مــن حولــه‪ ،‬لــرى إن كان هنــاك أي أثــر ألي خطــر حيــدق‬

‫‪31‬‬
‫بــه‪ ،‬ولكنهــا كانــت خاويــة متا ًمــا‪ ،‬فشــعر أن نبضــات قلبــه قــد أصبحــت‬
‫أكثــر هــدو ًء؛ فالتــف ورائــه ألول مــرة منــذ أن أبتعــد عــن الــذي حيــاول‬
‫قتلــه‪ ،‬فلــم يستشــعر وجــوده‪ .‬وبعــد دقيقــة مــن الركــض وجــد أحــد‬
‫أبــواب اخلــروج عــى اليمــن وقــد كُتــب عليهــا‪ ،‬بوابــة اخلــروج رقــم‬
‫‪ ،15‬فأنطلــق إليهــا بــا تــردد‪ ،‬وهــو يلهــث بقــوة ومعدتــه تؤملــه بســبب‬
‫ركضــه املســتمر بعــد تناولــه وجبــة الطعــام‪ ،‬ولكنــه حتامــل عــى نفســه‬
‫فهــو مل يســتطع تفســر هــذا الشــعور ولكنــه كان يزعجــه‪ .‬خــرج إىل‬
‫الطريــق اخلارجــي‪ ،‬ووجــد ان الليــل قــد حــل‪ ،‬وتــوارت الشــمس يف‬
‫األفــق‪ ،‬ليحــل حملهــا القمــر‪ ،‬ملق ًيــا بضوئــه اخلــاب عــى املدينــة‪.‬‬
‫شــعر بعــدم الراحــة الختفــاء الشــمس يف هــذا الوقــت احلــرج فهــو حيتاج‬
‫أيضــا شــعر باالمتنــان‪ ،‬ألن‬
‫للرؤيــة حتــى هيــرب مــن مطــارده‪ ،‬ولكنــه ً‬
‫الظــام قــد يكــون يف صاحلــه‪ ،‬لكــي خيفــي نفســه عــن األنظــار ويتــوارى‬
‫يف أي مــكان‪.‬‬
‫ألتقــط أنفاســه ثــم ســار بحــذر‪ ،‬متفقــدً ا املــكان مــن حولــه برتقــب شــديد‬
‫وحواســه مشــحوذة‪ .‬ألقــي نظــرة إىل الطريــق أمامــه وفكــر يف أن يعــره‬
‫حتــى يصــل إىل األبنيــة ا ُملدمــرة أمامــه‪ ،‬وخيفــى نفســه بينهــا‪ .‬ولكــن‬
‫قبــل أن خيطــو خطــوة أخــرى‪ ،‬حــدث انفجــار مفاجــئ عــى ُبعــد بضعــة‬
‫أمتــار يف احلائــط عــى يمينــه‪ ،‬وعــى حــن غــرة خــرج مــن بــن األتربــة‬
‫والدخــان الشــخص املجهــول الــذي كان يطــارده فنظــر إليــه‪ ،‬ورفــع يــده‬
‫مصو ًبــا عليــه‪ ،‬فقــال ياســن وقــد شــعر باحلــرة الشــديدة‪:‬‬
‫‪ -‬ت ًبا‪ ،‬ما هذا اليشء؟! إنه ال ُيشبهنا عىل اإلطالق؟!‬

‫‪32‬‬
‫لقــد كان الــيء الواقــف أمامــه غــر إنســاين‪ ،‬بــل ال يوجــد فيــه ذرة مــن‬
‫اإلنســانية‪ ،‬لقــد كان روبــوت عــى هيئــة بــر‪ ،‬عينــاه تشــعان بامحــرار‬
‫ـون فــي‪ ،‬ممــا جعــل‬ ‫شــديد‪ ،‬وجســده يغطيــه معــدن الكــروم ا ُملشــبع بلـ ٍ‬
‫ـق خافــت وفــوق جبينــه بقليــل‪،‬‬ ‫جســده يلمــع حتــت ضــوء القمــر بربيـ ٍ‬
‫ـون أزرق ســاوي‪ ،‬حيميهــا حاجــز مســتدير عــى‬ ‫ملعــت جوهــرة غريبــة‪ ،‬بلـ ٍ‬
‫شــاكلتها مــن الزجــاج‪ ،‬وداخلهــا يوجــد طيــف أزرق يمألهــا‪ ،‬بــدا أنــه‬
‫مصــدر الطاقــة هلــذا الــيء‪ ،‬وعنــد صــدره يوجــد نفس الــيء‪ ،‬فأســتنتج‬
‫ياســن أن هــذه األشــياء هــي مصــدر الطاقــة؛ اهنــا كالقلــب والعقــل‬
‫بالنســبة لــه‪ .‬كان وجهــه ُيشــبه البــر ولكنــه بــارد بــا مشــاعر‪ ،‬حليــق‬
‫الــرأس؛ ويكتــي ك ًُّل مــن وجهــه واقدامــه ويديــه وصــدره وظهــره بلـ ٍ‬
‫ـون‬
‫فــي‪ ،‬وباقــي اجلســد كالزجــاج أو البالســتيك الشــفاف‪ .‬يتدفــق بداخــل‬
‫هــذا الزجــاج فيــض مــن طاقــة زرقــاء اللــون‪.‬‬
‫لكــن مل يكــن هــذا وقــت التأمــل فيــه ومجــع املعلومــات‪ ،‬بــل وقــت‬
‫اهلــرب‪ .‬رفــع الروبــوت يــده‪ ،‬ووجههــا نحــو ياســن‪ ،‬فبســط أصابعــه‬
‫اليمنــى‪ ،‬لتنفتــح رؤوســها‪ ،‬حتــى أصبحــت كفوهــة املســدس‪ ،‬بــل مخــس‬
‫فوهــات‪ .‬فعــرف ياســن عــى الفــور أنــه ســيطلق النــار‪ ،‬فقــام بتفعيــل‬
‫قوتــه‪ ،‬وركــض إىل داخــل املــول ُمــد ًدا بــأرسع مــا عنــده‪ ،‬فــدوى صــوت‬
‫إطــاق النــار يف املدينــة الســاكنة ل ُيبــدد صمتهــا القاتــل‪.‬‬
‫متــر مــن بــن جســد ياســن مدمــرة كل يشء حولــه‪،‬‬ ‫بــدأت الطلقــات ُ‬
‫فهــز يديــه بقــوة منحن ًيــا بجســده أثنــاء هرولتــه‪ ،‬كــرد فعــل غريــزي‪ ،‬عــى‬
‫الرغــم مــن أنــه كان يعــرف أن الطلقــات لــن تتمكــن مــن اصابتــه خلمــس‬

‫‪33‬‬
‫ثـ ٍ‬
‫ـوان‪ ،‬وهــذا كان أكثــر مــن كاف ليدلــف إىل املــول جمــد ًدا‪ .‬أقــرب ياســن‬
‫مــن البوابــة‪ ،‬وكاد مفعــول قوتــه ينتهــي مــن اإلرهــاق‪ ،‬فقفــز إىل داخــل‬
‫املــول بــكل جســده‪ ،‬وســقط عــى األرض بقــوة‪ ،‬ولكنــه مل يشــعر بــاألمل‬
‫والفضــل يعــود إىل قــدرات جســده‪ .‬وثــب عــى قدميــه برسعــة وركــض‬
‫ُمبتعــدً ا عــن مــكان الروبــوت يف هــذا املــول الدائــري‪ ،‬والــذي كان ذي‬
‫منفعــة للهــرب‪.‬‬
‫شــعر بصــدره ينقبــض مــن شــدة التعــب‪ ،‬فهــو مل يتوقــف عــن الركــض‬
‫اال بضعــة ثــواين وجســده مل يتعــاىف بعــد‪ ،‬ممــا أرهقــه متا ًمــا‪ ،‬ولكــن للهرب‬
‫مــن هنــا يلزمــه أن يتحامــل عــى نفســه لينجــوا مــن هــذا الــيء‪ .‬نظــر‬
‫خلفــه ولكــن مل جيــد الروبــوت وتأكــد أنــه يكيــدُ لــه شــيئ ًا مــا وســيفاجئه‬
‫يف أي حلظــة‪.‬‬
‫وجــه نظــره إىل األمــام جمــد ًدا فأصطــدم بــيء معــدين فســقط عــى‬
‫ٍ‬
‫األرض‪ ،‬وشــعر بــأملٍ شــديد‪ ،‬فوضــع يــده عــى أنفــه التــي تــأذت كثـ ً‬
‫ـرا‬
‫وكادت تنــزف يف الظــروف الطبيعيــة جلســد اإلنســان بــدون أي تعديــات‬
‫جينيــة‪ .‬رفــع رأســه مــن فــوق كتفــه لينظــر إىل مــا توقــع أن يــراه أمامــه‬
‫اآلن‪ ،‬ولكنــه وجــد شــيئ ًا ُمتلــف‪ .‬لقــد وجــد إنســان أمامــه‪ .‬نظــر لــه‬
‫بمزيــج مــن الدهشــة والذهــول واحلــرة‪ ،‬ولكنــه أحــس أن عليــه أن‬
‫ٍ‬
‫بمعــدن كالفــوالذ‪ ،‬فعــاد‬ ‫هيــرب‪ ،‬فهــو مل يصطــدم بجســد إنســان بــل‬
‫يزحــف بجســده للخلــف كالــدودة التــي هتــرب مــن عصفـ ٍ‬
‫ـور ُمنقـ ٍ‬
‫ـض‬
‫عليهــا بمنقــاره برسعــة تفــوق رسعتهــا البســيطة‪ .‬قــال بنــرة بــاردة‬
‫خاليــة مــن املشــاعر‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -‬هل تريد قتيل أهيا اليشء املعدين؟‬
‫ضحــك الشــخص الواقــف امامــه بوقــار‪ .‬كان يرتــدي نظــارة للنظــر؛‬
‫قميصــا‬
‫ً‬ ‫وكان يمشــط شــعره الطويــل الناعــم إىل اخللــف‪ ،‬ويرتــدي‬
‫أبيضــا‪ ،‬ورسوال جينــز أســود‪ ،‬مــع عينــان ســوداوان ومالمــح آســيوية‬ ‫ً‬
‫هادئــة تــدل عــى الفطنــة والــذكاء والبداهــة‪ .‬قــال بنــرة ســاخرة‪:‬‬
‫‪ -‬ال ختف أنا لن أقتلك يا ياسني أنا هنا ألنقذك‪ ...‬اال تتذكرين؟‬
‫تفــرس ياســن فيــه بقــوة‪ ،‬ثــم تذكــره فتغــرت مالمــح وجهــه قليــ ً‬
‫ا‬
‫وانبســطت ثــم قــال‪:‬‬
‫‪ -‬آه‪ ...‬أنــت كينتــو أو كيانــو أو كيلــو عــى مــا أظــن‪ ...‬لقــد كنــت معــي‬
‫يف املســابقات اتذكــرك فقــد حصلــت عــى املركــز األول‪.‬‬
‫أبتسم كينو وهز كتفيه باستهجان قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬كيلو تقول؟ أنت ُمضحك‪ ...‬إنه كينو تذكره جيدً ا‪.‬‬
‫تفــرس ياســن يف وجــه كينــو بضعــة حلظــات وقــد شــعر أنــه أصبــح أكــر‬
‫ـارب‬
‫يف الســن عــن آخــر مــرة رآه فيهــا‪ ،‬فقــد نمــت لــه حليــة خفيفــة وشـ ٌ‬
‫د قيق ‪.‬‬
‫مــد كينــو يــده لياســن ا ُملمــدد عــى األرض‪ ،‬فــردد ياســن بضعــة ثـ ٍ‬
‫ـوان‬
‫ثــم أخــذ بيــده‪ ،‬فأوقفــه كينــو عــى قدميــه ُمــد ًدا‪ .‬قــال كينــو وهــو‬
‫يتفحــص الطريــق أمامــه‪:‬‬
‫‪ -‬يبــدوا أنــك أصبحــت أكــر يف العمــر عــن آخــر مــرة رأيتــك فيهــا‪ ،‬فقــد‬

‫‪35‬‬
‫نضجــا‪ ،‬ولكــن‬
‫ً‬ ‫أصبــح شــعرك الفــي أطــول وأصبحــت مالحمــك أكثــر‬
‫مــا الــذي حــدث هنــا؟ ملــاذا كنــت هتــرب؟‬
‫تذكر ياسني الروبوت الذي كان يطارده‪ ،‬فقال وهو يستعجل كينو‪:‬‬
‫‪ -‬جيب أن هنرب من هنا فاملكان ليس آمن ًا عىل اإلطالق‪.‬‬
‫قال كينو هبدوء وهو ال يزال يتفحص املكان‪:‬‬
‫عيل‪.‬‬
‫‪ -‬ال ختف أخربين فقط بكل يشء وأترك الباقي ّ‬
‫بدا عىل ياسني احلرية مما سمعه‪ ،‬فقال باستهجان‪:‬‬
‫‪ -‬أتــرك الباقــي عليــك! وكيــف أتــرك لـ َ‬
‫ـك شــيئا كهــذا؟ ســوف يقــي‬
‫عليــك!‬
‫‪ -‬ال ختف لن يفعل‪ ...‬قص عىل كل ما حدث فقط‪.‬‬
‫‪ -‬صدقنــي هــذا ليــس شــيئ ًا نســتطيع التعامــل معــه يف حالتنــا احلاليــة‪،‬‬
‫جيــب أن هنــرب حــاالً‪.‬‬
‫حــدق كينــو يف عينيــه بــدون أن يــرف لــه جفــن‪ .‬ثــم أبتســم قائــا هبــدوء‬
‫أ كثر ‪:‬‬
‫‪ -‬قلــت لــك ال تقلــق وأخــرين بــكل يشء فقــط‪ ،‬وســينتهي االمــر‬
‫برسعــة‪.‬‬
‫صمــت ياســن قلي ـ ً‬
‫ا وأخــذ يفكــر‪ ،‬ثــم قــال وهــو حيــك ذقنــه اخلفيفــة‬
‫ذات الشــعر الفــي‪:‬‬
‫ملخصــا رسيعــا قبــل أن يــأيت هــذا‬
‫ً‬ ‫‪ -‬حســنا ســأخربك‪ ،‬ولكــن ســأعطيك‬

‫‪36‬‬
‫الــيء جمــد ًدا‪.‬‬
‫تنهد كينو قائال ببعض االنزعاج‪:‬‬
‫‪ -‬ال تقلق فقد جاء بالفعل‪.‬‬
‫حتركــت بعــض املشــاعر داخــل ياســن عندمــا ســمع هــذا وأخــذ ينظــر‬
‫تفحصــا املــول ولكنــه مل يــرى شــي ًئا فقــال بحــرة‪:‬‬
‫ً‬ ‫حولــه ُم‬
‫‪ -‬جاء‪ ...‬أين؟‬
‫فقال كينو وهو يشري إىل متجر ألعاب األطفال عىل يساره‪:‬‬
‫‪ -‬إنه وراء احلائط‪ ،‬سيخرتقه بعد حلظات‪.‬‬
‫نظــر ياســن إىل متجــر األلعــاب برتقــب‪ ،‬وقبــل أن يفتــح فمــه ليقــول‬
‫شــيئ ًا‪ ،‬وجــد احلائــط قــد انفجــر‪ ،‬وحتــول املتجــر إىل كومــة مــن احلطــام‪،‬‬
‫يمــأه الدخــان واألتربــة‪.‬‬
‫نظر كينو إىل ياسني قائ ً‬
‫ال بجدية‪:‬‬
‫‪ -‬هل تستطيع ان تقاتل معي؟‬
‫فرتدد ياسني قليال ثم قال بنربة آلية‪:‬‬
‫‪ -‬أســتطيع أن أقاتــل معــك ولكــن طاقتــي نفــدت وجســدي مل يتعــاىف‬
‫بعــد بالكامــل‪ ،‬أشــعر وكأننــي كنــت نائــم لســنني‪.‬‬
‫رد كينو وهو يشري بأصبعه ناحية باب اخلروج يف هناية الردهة‪:‬‬
‫‪ -‬إذن أخــرج مــن هنــا حــاالً‪ ،‬وانتظــرين أمــام البــاب‪ ،‬فســوف يتحــول‬

‫‪37‬‬
‫هــذا املــكان إىل ســاحة معركــة‪.‬‬
‫عــدل ياســن مــن وضعيــة جســده وركــض باجتــاه البوابــة‪ ،‬ثــم نظــر‬
‫خلفــه قائــا‪:‬‬
‫‪ -‬وماذا عنك‪ ،‬هل ستواجه هذا اليشء وحدك؟‬
‫قال كينو وهو يعدل من وضعية نظارته‪:‬‬
‫‪ -‬ال تقلق‪ ،‬سأحلق بك الحق ًا‪ ،‬واآلن انطلق‪.‬‬
‫ظــل ياســن يتأمــل هــذه الثقــة العميــاء‪ ،‬ورجــح أنــه سـ ُيقتل يف أي حلظــة‬
‫ولكنــه تذكــر قــوة كينــو يف قتالــه ضــد إيفانــوف‪ ،‬وأنــه يملــك جســدً ا‬
‫يشــبه الروبــوت‪ ،‬وهلــذا لديــه هــذه الثقــة يف الفــوز‪.‬‬
‫ركض ُمبتعدً ا عن ساحة املعركة ونظر خلفه ُمرتقب ًا ما سيحدث‪.‬‬
‫ومــن بــن األتربــة واخلــراب الــذي حــل عــى املتجــر‪ ،‬رآه كينــو يقــرب‬
‫بخاصيــة عينــه عــى رؤيــة األشــياء مــن خلــف أي حائــط‪ .‬تراجــع إىل‬
‫اخللــف بضعــة خطــوات‪ ،‬واض ًعــا يــده يف جيــب رسوالــه‪ .‬ومــن بــن‬
‫األتربــة خــرج الروبــوت‪ ،‬بوجهــه البــارد ا ُملخيــف املجــرد مــن التعابــر‪،‬‬
‫وكانــت مصــادر الطاقــة ا ُملنــرة يف رأســه تشــع بقــوة‪ ،‬مــع عينــاه‪.‬‬
‫وقــف أمــام كينــو وأقــرب منــه حتــى أصبحــت املســافة بينهــم ال تتعــدى‬
‫الثالثــة أقدام‪.‬‬
‫وفجــأة حــل الصمــت عــى اجلميــع وســكنت احلركــة متا ًمــا‪ ،‬ومل ينبــت‬
‫أحــد ببنــت شــفه‪ .‬توقــف ياســن عــن الركــض مــن أثــر هــذا املشــهد‬

‫‪38‬‬
‫الغريــب‪ ،‬وقــال لنفســه‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا ال هيامجه اليشء املعدين؟ هل ألهنم أقارب؟‬
‫فجــأة بــدا الروبــوت وكأن ـه يتفحــص كينــو‪ ،‬فخــرج مــن عينيـ ِ‬
‫ـه ضــو ٌء‬ ‫ُ‬
‫أمحــر يفحــص جســده بالكامــل فثبــت كينــو بــدون أن يــرف لــه جفــن‪.‬‬
‫فجــأة أصــدر الروبــوت بعــض األصــوات الغريبــة‪ ،‬فأنطلــق كينــو ناحيتــه‬
‫ولكمــه بيــده يف صــدره‪ ،‬فطــار الروبــوت إىل اخللــف لريتطــم برفــوف‬
‫األلعــاب واحلطــام خلفــه‪ ،‬حتــى خــرج مــن املــول متا ًمــا‪ ،‬وســقط عــى‬
‫األرض‪ ،‬فــرغ فــاه ياســن كــردة فعــل عــى قــوة كينــو‪ ،‬فقــال وهــو يشــر‬
‫بأصبعــه إليــه‪:‬‬
‫‪ -‬لقد لكمت هذا اليشء احلديدي بسهولة هكذا‪.‬‬
‫حــرك كينــو وجه ـ ُه جان ًبــا‪ ،‬فمــر مــن جانبــه قذيفــة اســتقرت يف املتجــر‬
‫التــي كان يقــع خلفــه؛ فــدوى انفجــار هائــل يف أنحــاء املــول‪ ،‬وبــدأت‬
‫النــران واألدخنــة تتصاعــد يف املتجــر حتــى الســاء‪ ،‬فخــرج صــوت‬
‫إنــذار احلريــق يــدوي‪ ،‬ثــم تــاه رشاشــات امليــاه املوجــودة يف الســقف‪،‬‬
‫فغمــر املــاء املــول يف حماولــة إلطفــاء النــران التــي نشــبت وبــدأت تــأكل‬
‫كل يشء‪ .‬رأي كينــو أن الروبــوت دخــل إىل املــول جمــد ًدا ُمندفع ـ ًا نحــوه‬
‫برشــاقة‪ ،‬وقــد قطــع متجــر األلعــاب‪ ،‬حتــى خــرج منــه‪ ،‬ثــم أنزلق بســبب‬
‫امليــاه وأرتطــم باحلائــط‪ ،‬لكــن هــذا مل يوقفــه فوثــب برسعــة جمــد ًدا وقــد‬
‫التــف عــى األرض بجســده بطريقــة غريبــة‪ ،‬ثــم ركــض عــى احلائــط‬
‫بأقدامــه مندف ًعــا ناحيــة كينــو فركــض ناحيتــه هــو اآلخــر واملــاء ينهمــر‬
‫فوقهــا‪ ،‬فاقرتبــا مــن بعضهــا البعــض‪ ،‬وقفــز الروبــوت عال ًيــا لينقــض‬

‫‪39‬‬
‫عليــه راف ًعــا قبضتــه‪ ،‬فرفــع كينــو أيضـ ًا قبضتــه‪ ،‬فالتحمــت قبضتــا أيدهيــا‬
‫بقــوة جبــارة‪ ،‬ولكــن الغلبــة كانــت لكينــو‪ ،‬فرتاجــع الروبــوت للخلــف‬
‫بضعــة أقــدام بســبب قــوة اللكمــة‪.‬‬
‫أنحنــي كــف كينــو فــوق معصمــه‪ ،‬فــرزت فوهــة تبــدأ مــن معصمــه‬
‫وتنتهــي عنــد كتفــه‪ ،‬ليتحــول يــده إىل مدفــع‪ .‬صــوب الروبــوت بفوهــة‬
‫معصمــه ناحيــة كينــو‪ ،‬بينــا نظــر ياســن برتقــب ملــا جيــري غــر قــادر‬
‫عــى احلــراك مــن مكانــه ومل يكــن يعلــم ملــاذا؟ شــعر أنــه غــر قــادر عــى‬
‫فعــل أي يشء وســط هــذه املعركــة الضاريــة‪ ،‬فاكتفــى باملشــاهدة‪.‬‬
‫وجــد كينــو فوهــة املدفــع اليدويــة مصوبــة نحــوه‪ ،‬فقــام بفتــح فوهــة‬
‫أيضــا‪ ،‬وصــوب ناحيــة الروبــوت‪ ،‬حــدق ياســن إىل كينــو بضــع‬ ‫يف يــده ً‬
‫حلظــات‪ ،‬حمــاوالً فهــم مــا ينظــر إليــه‪ .‬تدرجييــا بــدأت األمــور تتضــح‬
‫وتذكــر مــا حــدث يف املســابقة‪.‬‬
‫دوي انفجــار عظيــم يف املــكان بعــد أن تصادمــت قذيفــة ك ٍُّل مــن كينــو‬
‫والروبــوت م ًعــا‪ .‬تدمــر جــزء كبــر مــن املــول‪ ،‬وارتفعــت النــران إىل‬
‫أعــي‪ ،‬مــن أثــر االنفجــار‪ُ ،‬مطمــة الزجــاج الــذي كان يزيــن الســقف‪ ،‬يف‬
‫حماولــة منهــا لكــي تالمــس الســاء‪.‬‬
‫ســقط ياســن عــى األرض مــن قــوة االنفجــار‪ ،‬ولكــن مــن حســن حظــه‬
‫أنــه كان بعيــدً ا عــن مــداه‪ ،‬فلــم ُيصــب بخــدش‪ .‬وثــب عــى قدميــه جمــد ًدا‬
‫وهــو يرتنــح‪ ،‬ودقــق النظــر داخــل النــران يف حماولــة لرؤيــة مــا آلــت إليــه‬
‫األمــور‪ ،‬ومتنــي أن يكــون كينــو قــد نجــا‪ ،‬ولكــن يف قــرارة نفســه مل يظــن‬
‫ـل كهــذا‪ .‬فجــأة رأى شــي ًئا يتحــرك وســط‬ ‫أنــه قــد ينجــو مــن ٍ‬
‫يشء هائـ ٍ‬

‫‪40‬‬
‫النــران فحــدق بتلهــف‪ ،‬حتــى رأي شــيئ ًا ُي ِلــق باجتاهــه مــن خــارج‬
‫ا قوتــه‪ ،‬فمــر‬ ‫النــران‪ ،‬فأغمــض عينيــه ورفــع يــده ليحمــي نفســه‪ُ ،‬مف ّعـ ً‬
‫اجلســم الطائــر مــن خاللــه ليســتقر داخــل أحــد املتاجــر‪ُ ،‬مطـ ًـا إياهــا‪.‬‬
‫فتــح ياســن عينيــه ُمــد ًدا‪ ،‬ثــم تت ّبــع أثــر اجلســم املجهــول‪ ،‬ولكنــه مل يــرى‬
‫شــيئ ًا غــر احلطــام‪ ،‬فوجــه عينيــه ناحيــة النــران ُمــد ًدا‪ ،‬ليجــد شـ ً‬
‫ـخصا‬
‫خيــرج مــن بينهــا‪ .‬أســتعد ياســن للهــرب‪ ،‬ومتنــى أن يكــون كينــو هــو‬
‫مــن نجــي؛ ولكــن أســوء خماوفــه قــد حتققــت‪ ،‬فقــد رأي وجــه الروبــوت‬
‫الفــي‪ ،‬خيــرج مــن النــران‪ ،‬فرتاجــع إىل اخللــف وانقبضــت قســات‬
‫وجهــه ال إراد ًيــا وأســتعد ليهــرول مبتعــدً ا‪ ،‬ولكــن فجــأة ســقطت رأســه‬
‫عــى األرض وأخــذت تتدحــرج وهــي منفصلــة عــن جســده‪ ،‬فخــرج‬
‫كينــو مــن ورائهــا‪ ،‬وهــو يضحــك عــى ردة فعــل ياســن‪ ،‬قائــا ليطمئنــه‪:‬‬
‫‪ -‬ال ختــف إنــه أنــا‪ ...‬لقــد كنــت أريــد أن أري ردة فعلــك‪ ...‬ولكــن‬
‫ـرا‪ ،‬ربــا يعــود هــذا إىل لــون برشتــك الغريــب‬
‫يبــدوا بأنــك ال تتفاعــل كثـ ً‬
‫املائــل إىل األزرق‪ ...‬مــن يعلــم‪.‬‬
‫قال ياسني متسائالً‪:‬‬
‫‪ -‬وما هي ردة الفعل‪.‬‬
‫‪ -‬إنه موضوع طويل‪ ...‬ستتعلمه الحق ًا‪ ...‬عندما حيني الوقت‪.‬‬
‫رأي ياســن كينــو خيــرج مــن النــران وقــد أحــرق قميصــه‪ ،‬ورسوالــه‬
‫حتــى ركبتيــه‪ ،‬وال زالــت نظارتــه كــا هــي‪ ،‬فركــض ياســن ناحيتــه قائـ ً‬
‫ا‬
‫وهــو يتفحــص جســده‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ -‬أنــت تشــبه هــذا الــيء احلديــدي حق ـ ًا؟ ولكــن ملــاذا هتامجــه؟ ألســتام‬
‫أقــارب؟!‬
‫قــال كينــو وهــو يعــدل مــن وضعيــة نظارتــه وعــى وجهــه ابتســامة‬
‫ســاخرة‪:‬‬
‫‪ -‬سايبورج من فضلك‪.‬‬
‫فقال ياسني بتعجب‪:‬‬
‫‪ -‬سايبورج‪ ،‬وماذا يعني هذا؟‬
‫فرد كينو‪ ،‬وهو ينفد األتربة عن جسده‪:‬‬
‫‪ -‬معنــاه أننــي نصــف إنســان ونصــف روبــوت‪ ...‬والروبــوت هــو اليشء‬
‫املعــدين الــذي دمرتــه منــذ قليل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بتشكك قائالً‪:‬‬ ‫فرتاجع ياسني خطوة إىل اخللف وحدق إليه‬
‫‪ -‬نصــف روبــوت ونصــف إنســان‪ ،‬كيــف هــذا؟ لقــد رأيتــك يف املســابقة‬
‫ولكننــي ظننــت أهنــا قوتــك الغريبــة مثــل البقيــة‪.‬‬
‫صمت كينو بضعة ثواين ثم أستطرد قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ال أنــا حقـ ًا ال أمــزح‪ ...‬أنــا هــو أول حماولــة لدمــج اآللــة باإلنســان‪...‬‬
‫ولكــن عندمــا اســتيقظت يف هــذا الــرج الغريــب‪ ،‬وجــدت أنــه ُاضيــف‬
‫إىل جســدي ا ُملعــدّ ل القديــم وظائــف جديــدة ‪ ...‬بعــض التعديــات‬
‫بوجــه أدق‪.‬‬
‫تفحصا جسده‪:‬‬
‫ً‬ ‫قال ياسني وهو يلتف حول كينو ُم‬

‫‪42‬‬
‫‪ -‬بعض التعديالت مثل ماذا؟‬
‫شــعر كينــو بالغرابــة واإلحــراج ممــا يفعلــه ياســن‪ ،‬ولكنــه توقــع هــذا‬
‫األمــر‪ ،‬فقــال هبــدوء‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد ُأضيــف إىل جســدي آليــات هجــوم ودفــاع‪ ،‬وأصبحــت أقــوى‬
‫بكثــر عــن ذي قبــل‪ .‬ليــس هــذا فقــط بــل تطــور ســمعي وبــري‬
‫وقــويت البدنيــة إىل مــا يفــوق اإلنســان الطبيعــي بكثــر‪ .‬أصبحــت أرسع‬
‫قليــاً‪ ،‬وأمتلــك بعــض االشــياء املثــرة يف جعبتــي‪ ...‬لقــد تــم إجــراء‬
‫أشــياء غريبــة عــى جســدي نقلتنــي ملرحلــة جديــدة متا ًمــا‪ ،‬ال أعــرف مــن‬
‫فعــل هــذا؟ ولكنــي ممتــن لــه ألنــه مل يلمــس قلبــي أو ينــزع مشــاعري‪،‬‬
‫أو عقــي وأ ًيــا مــن األشــياء التــي كانــت جتعلنــي أشــعر كأننــي ال زلــت‬
‫إنســانًا بعــد كل يشء‪ ...‬وإال لكنــت أصبحــت مثــل هــذا الــيء الــذي‬
‫هامجــك‪ ،‬روبــوت بــا مشــاعر‪ ،‬يتحــرك حســب برجمتــه فقــط‪ ،‬ومــن‬
‫ـرا عــن هــذا الروبــوت‪،‬‬ ‫املضحــك أن الكثــر مــن البــر ال خيتلفــون كثـ ً‬
‫فهــم يتحركــون كــا يمليــه عليهــم املجتمــع‪.‬‬
‫توقــف ياســن عــن فحــص جســده‪ ،‬وأخــذ يفكــر فيــا قالــه جيــدً ا‪ ،‬ثــم‬
‫قــال بنــرة رسيعــة متلعثمــة‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد حــدث يل نفــس الــيء‪ ...‬لقــد اســتيقظت هنــا بقــوة غريبــة‪...‬‬
‫ال أعــرف أيــن أنــا وال أتذكــر أي يشء؟! ال أتذكــر أنــه كان يل حيــاة مــن‬
‫قبــل! كأين تائــه! أو كأين ولــدت اآلن! ولكــن رغــم هــذا‪ ...‬فأنــا أســتطيع‬
‫التحــدث وفهــم الكثــر مــن األشــياء التــي أرجــح عــى أهنــا دليــل عــى‬
‫ـن ال اتذكرهــا بعــد! هــل تتذكــر أنــت أي يشء‬ ‫وجــود حيــاة ســابقة ولكـ ِ‬

‫‪43‬‬
‫عــن حياتــك؟‬
‫قال كينو وهو حيك ذقنه يف حماولة للتذكر‪:‬‬
‫‪ -‬ال ال أذكــر‪ ،‬لقــد تــم حمــو هــذا اجلــزء مــن ذاكــريت‪ ،‬فأنــا لــدي ذاكــرة‬
‫خاصــة بجانــب ذاكــريت الطبيعيــة كإنســان‪ ،‬وهــذه الذاكــرة تُســجل كل‬
‫عــن اصطناعيــ ٌة باملناســبة؛‬
‫ٌ‬ ‫يشء تلتقطــه عينــي اليمنــي‪ ،‬والتــي هــي‬
‫تعمــل كرشيــط فيديــو وتســجل كل األحــداث‪ ،‬لــذا عندمــا أنســى شــيئ ًا‬
‫بعقــي البــري‪ ،‬أقــوم بالولــوج إليهــا لتذكــر كل يشء حــدث بالضبــط‪.‬‬
‫ولكننــي الحظــت أن جــز ًءا مــن ذاكــريت احلقيقيــة وذاكــريت االصطناعيــة‬
‫قــد ُمــي‪ ،‬وال أســتطيع تذكــر أي يشء لســوء احلــظ‪.‬‬
‫تعجــب ياســن مــن األشــياء الغريبــة التــي يمتلكهــا كينــو داخــل جســده‪،‬‬
‫فقــال لــه بفضول‪:‬‬
‫‪ -‬كيف تم تعديلك؟ وأصبحت هذا اليشء الذي ُيدعي سايبورج؟!‬
‫نظــر كينــو إىل القمــر‪ ،‬الــذي يرســل ضوئــه عــر الســقف ا ُملحطــم للمــول‬
‫ثــم تنهــد قائـاً‪:‬‬
‫‪ -‬إهنــا قصــة طويلــة‪ ،‬ولكــن باختصــار‪ ،‬كان أخــي يعمــل يف علــم‬
‫الروبوتــات‪ ،‬وكان مــن أفضــل العلــاء يف جمالــه‪ ،‬بــل تســتطيع أن تقــول‬
‫أنـ ُه املســؤول عــن الثــورة الصناعيــة للروبوتــات‪ ،‬بســبب متكنــه مــن حــل‬
‫معضلــة الــذكاء االصطناعــي اخلــارق والتــي كان البــر هيابوهنــا خوف ـ ًا‬
‫مــن متــرد الروبوتــات عليهــم إن اســتطاعوا ان يتطــوروا مــع الوقــت‬
‫ليكتســبوا وع ًيــا مثــل البــر‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫وضــع أخــي ثالثــة قوانــن للروبوتــات وســاها قوانــن أزيمــوف‬
‫تيمن ـ ًا بالكاتــب األمريكــي املشــهور‪ ،‬وبعدهــا بــدأت الثــورة الصناعيــة‬
‫للروبوتــات والتــي نقلــت البــر إىل مرحلــة أخــرى مــن التقــدم‬
‫والتطــور‪ ...‬ونــال أخــي تقديــرات وجوائــز كثــرة بســبب هــذا‪ ...‬وبــا‬
‫أننــا االثنــان فقــط الوحيــدان يف عائلتنــا‪ ،‬فقــد كنــا ُمقربــن مــن بعضنــا‬
‫البعــض‪ ،‬ألن والدينــا قــد توفــوا منــذ زمــن‪ ...‬كنــا نفعــل العديــد مــن‬
‫األشــياء م ًعــا‪ ،‬وال ُيفــى أحدنــا عــى اآلخــر أي يشء‪ .‬ولكــن يف يــوم‬
‫مــن األيــام كنــت عائــدً ا بســياريت مــن العمــل‪ ،‬وكنــت أشــعر بالنعــاس‬
‫الشــديد‪ ،‬فــردت لبضعــة ثــواين ومل أفــق إال عــى بــوق وأنــوار ســيارة‬
‫أخــرى يف وجهــي وقــد لفــح النــور عينــي بقــوة وفجــأة أظلــم كل يشء‪.‬‬
‫صمت قليال‪ ،‬يف حماولة للتذكر‪ ،‬ثم أستطرد قائال بنربة كئيبة‪:‬‬
‫‪ -‬عندمــا اســتيقظت وجــدت نفــي قــد أصبحــت روبــوت‪ ،‬وبالطبــع‬
‫جــن جنــوين مــن التغيــرات التــي وجدهتــا يف جســدي‪ ،‬ولكــن أخــي‬
‫حــاول هتدئتــي وبــدأ يــرح يل مــا حــدث‪ .‬تبــن بعــد ذلــك أننــي كنــت‬
‫عــى شــفري املــوت‪ ،‬وكان احلــل الوحيــد للنجــاة‪ ،‬هــي جتربــة كان أخــي‬
‫ورفاقــه يف جمــال اآلالت يعملــون عليهــا ويطوروهنــا‪ ،‬حتــى يصــل‬
‫اجلســم البــرى إىل مرحلــة جديــدة‪ ،‬فبــدأ يــرح يل أنــه مــع دمــج اآللــة‬
‫باإلنســان‪ ،‬ســنعالج الشــلل‪ ،‬والعمــي‪ ،‬والصمــم‪ ،‬والبكــم‪ ،‬واألمــراض‬
‫املســتعصية‪ ،‬وليــس هــذا فقــط بــل ســيصبح اإلنســان أذكــي بكثــر‪،‬‬
‫وأكثــر وع ًيــا وحتصين ـ ًا ضــد األمــراض‪.‬‬
‫ا وأخــذ نفــس عميق ـ ًا بينــا يتفحــص نظــرات ياســن‬
‫صمــت كينــو قلي ـ ً‬

‫‪45‬‬
‫ا ُملندهشــة مــن حكايتــه الغريبــة‪ ،‬ثــم أســتطرد قائ ـاً‪:‬‬
‫قامــوا باســتخدام آالت النانــو الصغــرة‪ ،‬التــي تســبح داخــل جمــري الدم‪،‬‬
‫وداخــل الغــدد‪ ،‬والرشايــن‪ ،‬وكل خليــة بداخلــك‪ ،‬لتكــون كتحديــث‬
‫جلســدك اجلديــد‪ ،‬ممــا جيعلهــا هتاجــم أعتــى الفريوســات واألمــراض‬
‫املســتعصية‪ ،‬كخاليــا الرسطــان ومــرض الســكري‪ ،‬قاضيــة عليهــم‬
‫بمجــرد حماولتهــم التفــي يف جســدك‪ ،‬فنظــام املناعــة أصبــح ال يقهــر‬
‫اآلن‪ ،‬وليــس هــذا فقــط بــل إهنــا س ـتُصلح أي خاليــا تالفــة بداخلــك‪،‬‬
‫أي أنــه إذا قطعــت يــدك فإهنــا ســتنمو مــن جديــد‪ ،‬ولكنهــا ستســتغرق‬
‫بعــض الوقــت‪.‬‬
‫قاطعه ياسني وهو مندهش مما سمعه قائال‪:‬‬
‫‪ -‬هل هذا يعني أن جسدك يتجدد تلقائ ًيا‪ ،‬إذا تم قطع جزء منه؟‬
‫رد كينــو وهــو ينظــر إىل أصبــع الســبابة يف يــده اليمنــي الــذي قطــع أثنــاء‬
‫مواجهتــه مــع الروبــوت الفــي‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم‪ ،‬مثــل هــذا اإلصبــع‪ ...‬وبينــا نحــن نتكلــم اآلن‪ ،‬فــإن آالت النانــو‬
‫تعمــل عــى جتديــد اخلاليــا املفقــودة‪ ،‬وإرجاعهــا كــا كانــت عليــه قبــل أن‬
‫تُقطع ‪.‬‬
‫بدا عىل ياسني االهتامم هبذا االخرتاع الرائع‪ ،‬فقطب حاجبيه قائال‪:‬‬
‫‪ -‬وكيف كانت حالتك؟ وكيف عاجلك أخيك؟‬
‫تنهد كينو‪ ،‬وهو يستعيد هذه الذكريات املؤملة قائالً‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ -‬لقــد قالــوا يل أنــه ال أمــل يل إطالق ـ ًا؛ لقــد ُقطعــت قدمــاي‪ ،‬ويــداي‪،‬‬
‫وأصبــت بجــروح بليغــة يف كل جســدي وبالقــرب مــن قلبــي‪ ،‬فلــم‬
‫يكــن احلــل الوحيــد ألخــي إال القيــام هبــذه التجربــة قيــد التمهيــد‪،‬‬
‫والتــي مل تكتمــل بعــد‪ ...‬ولكنهــا كانــت األمــل الوحيــد املتــاح يف ذلــك‬
‫الوقــت‪ ....‬كــرس أخــي كل وقتــه يف حماولــة عالجــي‪ ،‬فوضعنــي يف‬
‫خمتــره‪ ،‬يف صنــدوق زجاجــي بداخلــه مــاء‪ ،‬وبــدأ بتصميــم جســد جديــد‬
‫يل؛ فصنــع أقــدا ٍم اصطناعيــة‪ ،‬بمفاصــل دقيقــة تعمــل كقــدم اإلنســان‪،‬‬
‫وربطهــا بجســدي بــآالت النانــو‪ ،‬التــي بدورها ربطــت مراكــز االعصاب‬
‫واألربطــة واألوتــار بقدمــي االصطناعيــة‪ ،‬وجعلتنــي أحتكــم هبــا وكأهنــا‬
‫جــزء منــى‪ ...‬وفعلــت نفــس األمــر مــع يــدي‪ ،‬وبعــض األجــزاء األخرى‬
‫أيضــا مثــل عينــي اليمنــي‪ .‬وهكــذا جعــل آالت‬‫التــي تدمــرت يف جســدي ً‬
‫النانــو تســبح يف جســدي لتصلــح كل الــرر املحيــط بــه‪ ،‬وبعــد ثالثــة‬
‫ســنوات مــن العــاج‪ ،‬اســتيقظت‪.‬‬
‫ســكت ياســن قليـ ً‬
‫ا وقــد رشد ذهنــه وهــو يفكــر هبــذه القصــة الغريبــة‪،‬‬
‫ثــم قطــع صمتــه قائـاً‪:‬‬
‫‪ -‬إذا هل هذا يعني أن عينك اليرسى حقيقية؟‬
‫ساخرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫رد كينو‬
‫‪ -‬هل هذا كل ما جذب أنتباهك يف القصة؟! نعم إهنا حقيقية‪.‬‬
‫متتم ياسني قائ ً‬
‫ال بابتسامة آلية مصطنعة‪:‬‬
‫‪-‬ال‪ ...‬بالطبــع‪ ...‬ليــس هــذا‪ ،‬ولكــن كنــت أريــد أن اســتفرس ليــس‬

‫‪47‬‬
‫َ‬
‫أنــك مــررت بالكثــر‪.‬‬ ‫أكثــر‪ ...‬عــى أي حــال ال بــد‬
‫مشــرا‬
‫ً‬ ‫عــدل كينــو مــن نظارتــه‪ ،‬وســار باجتــاه أحــد متاجــر املالبــس‪،‬‬
‫لياســن أن يســر معــه‪ ،‬فتبعــه ياســن بخطــوات رسيعــة‪ ،‬فأكمــل كينــو‬
‫ا وهــو يفحــص املــول‪:‬‬ ‫قائ ـ ً‬
‫ـرا‪ ،‬وقضيــت الكثــر مــن الوقــت يف رصاعــات مــع‬ ‫‪ -‬بالطبــع عانيــت كثـ ً‬
‫نفــي حتــى اعتــدت عــى التغيــرات التــي يف جســدي وبــدأت أتعايــش‬
‫معهــا‪ .‬وعــى الرغــم مــن أن التعديــات كانــت متقنــة‪ ،‬ومل جتعلنــي أبــدو‬
‫ـخص غريــب األطــوار‪ ،‬ولكــن هــذا مل يمنــع بعــض النــاس الذيــن‬ ‫ٍ‬ ‫كشـ‬
‫ســمعوا بــا حــدث يل‪ ،‬أن يســخروا منــي باســتمرار‪ ،‬بكلــات مثــل‪:‬‬
‫مرحبــا يــا علبــة الســاردين‪ ،‬نصــف البــري‪ ،‬آلــة الصــودا‪ ،‬وأشــياء‬
‫غريبــة كهــذه‪ ،‬ولكــن مل أكــن أعريهــم أي انتبــاه عــى االطــاق‪ ،‬إال‬
‫عندمــا تطــور األمــر لالعتــداء اجلســدي‪ ،‬وبالطبــع جســدي اجلديــد كان‬
‫يســاعدين يف ابراحهــم رضبــا‪ ،‬ولكــن األمــر أصبــح م ِ‬
‫زع ًجــا حقـ ًا‪ ،‬وكنــت‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫أعــاين بســببه‪ ،‬فالبــر يعادونــك مــن أجــل أشــياء مل خترتهــا‪ ...‬ولألســف‬
‫فأخــي العزيــز ذهــب إىل رحلــة إىل الفضــاء اخلارجــي التــي كانــت‬
‫تُدعــى إينيكــس ‪ 2‬اخلاصــة بوكالــة الفضــاء ســيرتا‪ ،‬بعــد أن فشــلت‬
‫إينيكــس ‪ 1‬واختفــت يف املجــرة التاليــة بــدون أثــر‪ ،‬فانطلقــت إينيكــس‬
‫أيضــا مثــل‬
‫‪ 2‬إلكــال التجربــة والبحــث عــن إينيكــس ‪ 1‬ولكنهــا اختفــت ً‬
‫رفيقتهــا‪ ...‬لقــد كان يريــد الذهــاب إىل هــذه الرحلــة بشــدة لســبب مــا‬
‫أجهلــه‪ ،‬وحذرتــه مــن عواقبهــا ولكنــه أرص وهــا هــو قــد اختفــي معهــا‬
‫كــا حذرتــه‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫شــعر ياســن بشــعور مزعــج داخلــه مل يفهــم مغــزاه‪ ،‬فصمــت وهــو ال‬
‫يعــرف مــاذا يقــول لــه‪ ،‬ثــم دمــدم قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬ال أعلم ماذا أقول َ‬
‫لك يف مثل هذه املواقف ولكنه يش ٌء غري جيد‪.‬‬
‫فرد كينو وقد ارتسم شبح ابتسامة عىل وجهه‪:‬‬
‫‪ -‬ال عليك‪ ،‬فقد اعتدت عىل االمر ومل يعد يزعجني‪.‬‬
‫قميصــا بــدل‬
‫ً‬ ‫دخــا إىل املتجــر‪ ،‬وبــدأ كينــو ينظــر إىل القمصــان‪ ،‬ليختــار‬
‫أبيضــا ُيشــبه قميصــه القديــم‪ ،‬فتناولــه‬
‫قميصــا ً‬
‫ً‬ ‫قميصــه املحــروق‪ ،‬فــرأي‬
‫ِ‬
‫يف يــده‪ ،‬ثــم بحــث عــن رسوال شــبيه لرسوالــه القديــم‪ ،‬فوجــد رسوال‬
‫أيضــا‪ ،‬ثــم دلــف إىل غرفــة تغيــر املالبــس‪،‬‬ ‫جينــز مناســب لــه فأخــذه ً‬
‫طال ًبــا مــن ياســن أن ينتظــره‪ ،‬فأومــأ ياســن برأســه باملوافقــة‪ ،‬ثــم بــدأ‬
‫بــدوره يتفحــص املالبــس واالشــياء األخــرى مــن حولــه‪ ،‬وتثــاءب بملــل‬
‫أثنــاء انتظــاره لكينــو‪ ،‬ثــم ذرع املتجــر جيئــة وذها ًبــا‪ ،‬حمــاوالً قتــل الوقــت‬
‫حتــى ينتهــي كينــو ممــا يفعلــه‪ .‬وبعــد أن أخــذ جولــة داخــل املتجــر‪ ،‬قــرر‬
‫أن ينتظــره عنــد بــاب الدخــول‪ ،‬وأثنــاء توجهــه إليــه خــرج كينــو يركــض‬
‫ـورا وقــد أنتهــي مــن ارتــداء مالبســه بالكامــل‪ ،‬وصــاح‬ ‫مــن الغرفــة مذعـ ً‬
‫بلهجــة حمــذرة ناحيــة ياســن‪:‬‬
‫فورا!‬
‫‪ -‬أهرب من هنا ً‬
‫فجأة أنفجر كل يشء‪.‬‬
‫***‬

‫‪49‬‬
‫‪5‬‬
‫توجــه نــور إىل الطابــق األعــى‪ ،‬والقلــق قــد متكــن منــه‪ ،‬فصعــد الدرجات‬
‫ـطء وهــدوء بــدون أن يصــدر أي صــوت حمــاوالً هتدئــة نبضــات قلبــه‪.‬‬ ‫ببـ ٍ‬
‫أخــرا إىل بــاب املــؤدي للطابــق األعــى ودلــف هبــدوء وهــو‬ ‫ً‬ ‫وصــل‬
‫يصــوب مسدســه يمين ـ ًا ويسـ ً‬
‫ـارا حتس ـ ًبا ألي يشء‪.‬‬
‫وجــد هــذا الطابــق هــو اآلخــر ملــئ بجميــع أنــواع األســلحة‪ ،‬ولكنــه‬
‫مظلــم وكبــر ومكــون مــن عــدة طرقــات ممتلئــة بشــتى أنــواع األســلحة‬
‫ا ُملعلقــة عــى احلائــط‪ .‬أكمــل ســره خائفـ ًا مرتق ًبــا ممــا قــد يقابلــه ومتنــى أن‬
‫جيــد إنســان ًا ليســتفرس من ـ ُه عــن كل يشء‪ .‬أحنــى ركبتيــه وأكمــل ســعيه‪،‬‬
‫وهــو يتنقــل بفوهــة مسدســه مــن جهــة إىل أخــرى‪ .‬فجــأة استشــعر‬
‫صــوت أقــدام قادمــة مــن الغرفــة املقابلــة لــه‪ ،‬فاختبــأ خلــف أحــد‬
‫الطــاوالت وســكن متا ًمــا وســط الظــام املخيــم عــى الغرفــة‪ .‬أقــرب‬
‫ـطء قاتــل‪ ،‬فحبــس نــور انفاســه‪.‬‬ ‫صــوت األقــدام شــيئ ًا فشــيئ ًا ببـ ٍ‬

‫فجــأة توقــف صــوت األقــدام‪ ،‬فحــاول نــور أن خيتلــس النظــر لــرى‬


‫ـخصا مــا يقــف يف‬
‫مــن هنــاك‪ ،‬فأرتفــع برأســه برتيــث‪ ،‬ليلمــح ظــل شـ ً‬
‫مصباحــا يف يــده‪ ،‬ويتفحــص بــه كل‬
‫ً‬ ‫آخــر الغرفــة‪ ،‬ال يتحــرك‪ ،‬وحيمــل‬
‫االجتاهــات حتــى توجــه ضــوء املصبــاح ناحيتــه فشــعر أنــه رآه‪ ،‬فأنخفض‬
‫برأســه برسعــة‪ ،‬ووجــد وابــل مــن الطلقــات القادمــة نحــوه‪ ،‬ولكنهــا‬
‫عــرت مــن فــوق رأســه مبــارشة‪ ،‬فأخفــض رأســه أكثــر يف خــوف‪ ،‬ثــم‬

‫‪50‬‬
‫أخــرج مسدســه ورفعــه فــوق الطاولــة‪ ،‬وأطلــق يف الظــام بــدون ان‬
‫ينظــر‪ ،‬فتبــادل إطــاق النــار مــع العــدو حتــى انتهــت ذخريتــه‪ ،‬ثــم قــال‬
‫الهث ـ ًا بنــرة يشــوهبا التوتــر‪:‬‬
‫‪ -‬من هناك؟‬
‫فسمع صوت ًا أنثوي يرد بنربة خائفة ومرتددة قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬بل من انت؟ هل أنت إنسان؟‬
‫نظر نور إىل نفسه ثم قال بسخريه‪:‬‬
‫‪ -‬ال أنــا أحــد الفضائيــن القادمــن مــن املريــخ‪ ،‬وأريــد أن أحصــل عــى‬
‫عقلــك كعينــة لبعــض الدراســات يف كوكبنــا‪.‬‬
‫صمت ثانية‪ ،‬ثم أستطرد قائ ً‬
‫ال بانفعال‪:‬‬
‫‪ -‬بالطبع أنا إنسان هل متزحني معي؟‬
‫فقالت الفتاة بنربة غاضبة‪:‬‬
‫‪ -‬أمتــزح يف وقـ ٍ‬
‫ـت كهــذا؟ لقــد ظننتــك أحــد الروبوتــات التــي تتجــول‬
‫يف األرجــاء‪.‬‬
‫فكر نور برسعة وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫‪ -‬حســنا يبــدو‪ ،‬أهنــا حــدث هلــا مــا قــد حــدث يل وهــذا لصاحلــي‪...‬‬
‫فهــذا يعنــي أن هنــاك أشــخاص آخريــن يف هــذه املدينــة‪ ،‬سأســتغل‬
‫الوضــع لصاحلــي وأحــاول أن أجعلهــا تنضــم يل لعلهــا تعــرف شــيئا‪...‬‬
‫ا إن أحسســت أن هنــاك أحــدً ا معــي‬ ‫كــا أننــي سأشــعر باالطمئنــان قليـ ً‬

‫‪51‬‬
‫يف هــذه االحــداث املجنونــة‪.‬‬
‫قال يف حماولة لتهدئة األمور‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد حــدث يل نفــس الــيء الــذي حــدث لــك‪ ...‬اســتيقظت وحيــدً ا‬
‫يف هــذا الــرج العجيــب ثــم خرجــت إىل املدينــة ألجدهــا فارغــة مــن‬
‫البــر‪ ،‬ممتلئــة هبــذه اآلالت اللعينــة‪ ،‬وال أفهــم مــا الــذي حيــدث هنــا؟!‬
‫لقــد جذبنــي القــدر إىل هنــا‪ ،‬وأظــن ممــا قلتيــه أن نفــس الــيء قــد حــدث‬
‫لــك‪ ،‬ولكــن هــل حالفــك احلــظ وعثــريت عــى أي ناجــن آخريــن غريي؟‬
‫ـخصا تلتقــن بــه منــذ اســتيقاظك؟‬‫أم أنــا أول شـ ً‬
‫فقالت واالستياء با ًدا يف نربهتا‪:‬‬
‫‪ -‬انتظر قليالً‪ ...‬هل قلت برج؟‬
‫‪ -‬نعم برج‪ ...‬ملاذا؟‬
‫‪ -‬هل تم وضعك يف عدة اختبارات انتهت بالقتال بني السجناء؟‬
‫‪ -‬هذا ما حدث بالضبط‪ ...‬هل حدث لك نفس اليشء‪.‬‬
‫‪ -‬ما أسمك‪ ...‬قل يل؟‬
‫‪ -‬نور وأنت؟‬
‫‪ -‬نور هذا أنت! يا إهلي ال أصدق نفيس‪.‬‬
‫قام نور من موضعه وقال وقد اتسعت عيناه من الدهشة‪:‬‬
‫‪ -‬جني هل هذه ِ‬
‫أنت؟‬

‫‪52‬‬
‫اقرتبــت جــن منــه وخرجــت مــن الظــام لتتضــح مالحمهــا‪ .‬كانــت‬
‫ترتــدي ســرة ســوداء تغطــي جســدها مــن أعــي إىل أســفل لتعطيهــا‬
‫بعــض الدفــأ يف هــذا اجلــو البــارد‪ ،‬وترتــدي عــى رأســها قبعــة صوفيــة‬
‫كثــرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫تغطــي شــعرها وأذنيهــا بالكامــل‪ ،‬وبــدت وكأن عمرهــا أزداد‬
‫قالــت والســعادة باديــة عــى وجههــا‪:‬‬
‫‪ -‬نعم إنه أنا‪.‬‬
‫أبتســم نــور وشــعر أن قلقــه وخوفــه قــد تــايش متا ًمــا‪ ،‬فقــال بنــرة‬
‫مندهشــة‪:‬‬
‫كثــرا‪ ...‬كيــف وصلتــي‬
‫ً‬ ‫‪ -‬جــن ال أصــدق أنــك حيــة‪ ...‬لقــد قلقــت‬
‫ـرا! تبديــن‬ ‫ِ‬
‫إىل هنــا؟ هــل أصابــك أي مكــروه؟ لقــد تغــرت مالحمــك كثـ ً‬
‫أطــول ومالحمــك توحــي بســيدة يف اخلامســة والعرشيــن مــن عمرهــا!‬
‫بــدا عــى عــن جــن اإلرهــاق‪ ،‬فابتســمت وهــزت رأســها وتنهــدت‬
‫قائلــة‪:‬‬
‫أيضــا مــررت بالكثــر‪،‬‬ ‫َ‬
‫أنــك ً‬ ‫‪ -‬لقــد مــررت بالكثــر‪ ،‬ولكــن يبــدوا‬
‫فمالبــس املريــض التــي ترتدهيــا تبــدوا وكأهنــا ســقطت وســط إعصــار‪.‬‬
‫شعر نور باحلرج من مالبسه‪ ،‬فحاول إخفاء خجله قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬حسن ًا لقد حدث الكثري من األمور‪.‬‬
‫أيضــا! يبــدوا‬
‫‪ -‬ومــا خطــب ذقنــك وشــاربك؟ وتبــدوا أكــر يف الســن ً‬
‫أننــي مل أتغــر وحــدي‪ ...‬لقــد تعجبــت يف البدايــة مــن التغيــرات التــي‬
‫عــي ولكــن يبــدوا أننــا فقدنــا وعينــا لفــرة طويلــة للغايــة اهلل‬
‫طــرأت ّ‬
‫‪53‬‬
‫وحــده يعلمهــا‪.‬‬
‫قطب نور حاجبيه قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬يبــدوا أن الغمــوض ال زال حييــط بــكل يشء وهــذا يثــر حنقــي‪ ...‬عــى‬
‫كل حــال ســأروي لــك مــا حــدث يل وأروي يل مــا حــدث لــك؟‬
‫اومأت جني برأسها باملوافقة‪.‬‬
‫فتوجه نور إىل أحد الكرايس وجلس عليه وطلب منها أن جتلس‪.‬‬
‫قال نور وهو يسرتجع ما حدث له‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد اســتيقظت يف هــذا الــرج الغريــب‪ ،‬ويبــدوا أن هــذا مــا حــدث‬
‫معــك بالفعــل‪ .‬وجــدت الصــوت الغريــب يتحــدث معــي‪ ،‬وجعلنــي‬
‫أمــر بعــدة اختبــارات‪ ،‬ألســتخدم قــويت وهــي اخليــال‪.‬‬
‫‪ -‬نعــم أعلــم عــن قدرتــك هــذه‪ ،‬لقــد أدهشــني اســتخدامك هلــا‪ ،‬لقــد‬
‫كنــت رائ ًعــا‪.‬‬
‫شعر نور باإلطراء فأردف قائالً‪:‬‬
‫أيضا‪ ...‬عىل كل حال‪.‬‬
‫‪ -‬آه‪ ...‬لقد احرجتني‪ ...‬لقد كنت ُمذهلة ً‬
‫قاطعته جني قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬إذا‪ ،‬فأنت ال تستطيع ُصنع كل ما تريد؟‬
‫تنهد نور باستياء قائال‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم لســوء احلــظ‪ ،‬أســتطيع صنــع أشــياء بســيطة فقــط‪ ،‬لكــن اظــن‬

‫‪54‬‬
‫ببعــض التدريــب والتعلــم‪ ،‬قــد أســتطيع صنــع العديــد مــن األشــياء‬
‫الرائعــة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ثــوان‪ ،‬وهــي تتخيــل مــا قــد حيــدث‬ ‫رشدت جــن يف خياهلــا بضــع‬
‫باســتخدام قــوة كهــذه‪ ،‬ثــم قالــت‪:‬‬
‫كثــرا يف اخلــروج مــن هنــا‪...‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬نعــم بالطبــع قــد تُفيدنــا هــذه القــوة‬
‫أيضــا مــن الكثــر مــن املواقــف الصعبــة‪.‬‬ ‫واخلــروج ً‬
‫أبتسم نور‪ ،‬قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬بعــد أن أتقنهــا بالطبــع‪ ...‬عــى أي حــال عندمــا خرجــت مــن الــرج‬
‫شــخصا غري ًبــا يف الغابــة‪،‬‬
‫ً‬ ‫بعــد أن فقدنــا الوعــي يف املســابقة‪ ،‬قابلــت‬
‫ومعــه صديــق لــه‪ ،‬كان حيمــل قناصــة وخيتبــأ عــى أحــد أســطح املبــاين‬
‫ولكنــى مل أره‪ ...‬شــعرت بوجــوده مــن صــوت ســاحه الــذي كان يــدوي‬
‫وحيمينــا مــن املطارديــن‪ ،‬ولــواله هــو والغريــب ا ُمللثــم لكنــت قــد قضيت‬
‫نحبــي‪ ...‬لقــد أنقــذين مــن روبــوت ضخــم معــه كلبــن آليــن‪ ،‬وبعدهــا‬
‫تفرقــت عنــه بســبب املطــاردة الرشســة‪ .‬بعــد ذلــك عــرت عــى روبــوت‬
‫ا ليســحقني أســفله‪ ،‬بالــكاد نفــدت‬ ‫يشــبه العنكبــوت‪ ،‬وكان حجمــه هائـ ً‬
‫بجلــدي منــه‪ .‬وهكــذا وصلــت إىل هنــا‪ ...‬واآلن تعلمــن مــا حــدث‬
‫ملالبــي‪.‬‬
‫ضحكت جني قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم لقــد علمــت مــا حــدث ملالبســك‪ ...‬يبــدوا أنـ َ‬
‫ـك مــررت بالكثــر‬
‫أنــك اســتطعت الوصــول إىل هنــا‪ ...‬كان ســيجن‬ ‫َ‬ ‫ولكــن مــن اجليــد‬

‫‪55‬‬
‫جنــوين إن مل أجــد أحــدً ا وســط هــذا اجلحيــم؟‬
‫أيضــا‪ ...‬مــن اجليــد أين وجدتــك فأنــا ال أفهــم‬‫‪ -‬لقــد كنــت ســأجن ً‬
‫يشء‪ ...‬واآلن قــي عــي مــا حــدث لــك لعــي أجــد شــيئ ًا ننتفــع بــه‪.‬‬
‫رشدت جــن للحظــات يف حماولــة الســرجاع كل مــا مــر عليهــا‪ ،‬وبعــد‬
‫ذلــك اهنالــت عليهــا الذكريــات‪ ،‬فضغطــت عــى شــفتها الســفيل بتوتــر‬
‫ثــم قالــت‪:‬‬
‫أيضــا‪ ،‬ومثلــك فقــد‬
‫‪ -‬حســنا‪ ،‬لقــد اســتيقظت يف هــذا الــرج الغريــب ً‬
‫كان هنــاك صــوت أحدهــم يوجهنــي مــن مــكان مــا‪ ،‬ويدربنــي أيضــا‬
‫عــى قــدرة غريبــة‪ ...‬بالطبــع أنــت تعلمهــا‪ ،‬إهنــا التحكــم بالزمــن لبضعــة‬
‫ثـ ٍ‬
‫ـوان‪.‬‬
‫هز نور رأسه‪ ،‬فاستأنفت جني قصتها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬بعــد أن انتهيــت مــن تدريبــايت يف التحكــم بالزمــن‪ ،‬دخلــت املســابقة‬
‫معــك‪ ،‬ثــم حــدث مــا حــدث‪ ،‬واســتيقظت بعدهــا ألخــرج يف منطقــة‬
‫غريبــة‪ ،‬تبــدوا كسـ ٍ‬
‫ـهل واســع‪ ،‬ولــن تصــدق مــا رأيتــه يف طريقــي! لقــد‬
‫مــررت عــى غابــات أغــرب مــن اخليــال ورأيــت حيوانــات غريبــة‬
‫للغايــة‪ ...‬يــا إهلــي لقــد أصابنــي الفــزع‪ ...‬لقــد شــعرت أننــي يف عــاملٍ‬
‫آخــر‪ ...‬كانــت النباتــات غريبــة والعــامل كلــه غريــب وغــر مألــوف‪...‬‬
‫ـجارا ُمتلفــة ألواهنــا‬
‫رأيــت مــا ًء يرتفــع يف اهلــواء عكــس اجلاذبيــة وأشـ ً‬
‫وأشــكاهلا‪ ،‬وبالطبــع احليوانــات ذات األربعــة عيــون واألذرع الغريبــة‪...‬‬
‫جحيــا يل‪.‬‬
‫ً‬ ‫لقــد كان هــذا‬

‫‪56‬‬
‫أشــجارا غريبــة للغايــة ُمتلفــة ألواهنــا وأشــكاهلا‬
‫ً‬ ‫أيضــا‬
‫‪ -‬لقــد رأيــت ً‬
‫ـوق حــي عــى األطــاق‪ ...‬مــاذا تقصديــن بأربعــة‬ ‫ولكنــي مل أرى أي خملـ ٍ‬
‫عيــون؟‬
‫‪ -‬الطيــور كانــت متتلــك أربعــة عيــون بــل وبعــض احليوانــات التــي‬
‫تُشــبه القــردة كانــت متتلــك أربعــة أزرع‪ ...‬لقــد كان شــيئ ًا غري ًبــا للغايــة!‬
‫ال أفهــم مــا الــذي حيــدث عــى كوكبنــا‪ ...‬كل يشء يبــدوا غــر مألــوف‬
‫ولكنــي قابلتــه!‬
‫‪ -‬قابلتيه! من هذا؟‬
‫أيضــا مثــل الــذي أنقــذك‪،‬‬ ‫‪ -‬ال أعلــم مل أري وجهــه ولكنــه كان ملثــ ٍم ً‬
‫ولكــن جســده كان خميــف للغايــة‪ ...‬كان يبلــغ طولــه أكثــر مــن مــران‬
‫عــى أقــل تقديــر‪ ...‬هجمــت عــى أحــد هــذه املخلوقــات الغريبــة وكادت‬
‫أن تقتلنــي ولكنــه أنقــذين‪ ...‬أفزعنــي شــكله يف البدايــة ولكنــي علمــت‬
‫رشا‪ ...‬طلــب منــي أن أتبعــه ورسنــا أيا ًمــا بــدون أن ينبــس‬ ‫أنــه ال ينــوي ً‬
‫ببنــت شــفه‪ ،‬ومل يكــن جييــب عــى أســئلتي هنائ ًيــا‪ ...‬مل أر مالحمــه التــي‬
‫أخفاهــا جيــدً ا حتــت قنــاع عجيــب‪ ،‬وســاورين الفضــول عــا يبــدوا‬
‫شــكله‪ ...‬ولكنــه أوصلنــي إىل املدينــة ا ُملحطمــة وأشــار إىل أن أكمــل‬
‫الطريــق وحــدي ثــم عــاد أدراجــه‪.‬‬
‫بــدا عــى نــور االندهــاش ممــا ســمعه ومل يعلــم مــا هــي قصــة هــؤالء‬
‫امللثمــن‪ ،‬فــازدادت احلــرة مــن ترصفاهتــم الغريبــة‪ ،‬ولكنــه تــرك جــن‬
‫تكمــل كالمهــا ومل يقاطعهــا‪:‬‬
‫‪ -‬دلفــت إىل املدينــة الفارغــة‪ ،‬ورست يف ارجائهــا لفــرة طويلــة‪ ،‬وقــد‬

‫‪57‬‬
‫انتابنــي القلــق عندمــا مل أجــد أحــد يف اجلــوار؛ ال صديــق وال عــدو‪ ،‬وكل‬
‫مــن أعرفــه قــد أختفــي‪ ،‬شــعرت أننــي وحــدي اآلن يف هــذا اجلحيــم‪،‬‬
‫بهــا وغــر مفهــوم‪،‬‬ ‫مل أفهــم مــا حيــدث مــن حــويل‪ ،‬فــكل يشء كان ُم ً‬
‫ـرا‬
‫ـارا كبـ ً‬
‫والغمــوض يلفـ ُه‪ .‬ولكــن وبعــد فــرات مــن الســر رأيــت انفجـ ً‬
‫مــن أحــد املبــاين البعيــدة‪ ،‬مل أتعــرف عــى مصــدره‪ ،‬ولكنــه أفزعنــي‪ ،‬وىف‬
‫نفــس ذات الوقــت أعطــاين بعــض األمــل‪ ،‬أنــه ربــا هنــاك أحــدً ا مــا‪.‬‬
‫ـار متتـ ٍ‬
‫ـال مــن‬ ‫بعــد بضعــة دقائــق‪ ،‬تــى هــذا االنفجــار صــوت إطــاق نـ ٍ‬
‫ـكان قريــب‪ ،‬ذهبــت ناحيــة املصــدر‪ ،‬ولكننــي توخيــت احلــذر فأنــا ال‬ ‫مـ ٍ‬
‫ـرا مــن املدينــة وقــد‬
‫أفهــم مــا حيــدث هنــا‪ ،‬وىف الطريــق رأيــت ُجــز ًء كبـ ً‬
‫ُدمــر متا ًمــا واحــرق‪ ،‬وكانــت اجلثــث متناثــرة يف كل مــكان‪ ،‬ورأيــت‬
‫جمموعــة مــن الروبوتــات الغريبــة قــد هبطــت مــن طائــرة عجيبــة‬
‫أيضــا‪ ،‬فاختبــأت‬‫الشــكل وبــدا وكأهنــا متوجهــة ناحيــة مصــدر الصــوت ً‬
‫بــدوري يف فــزع ذهــول وأصــاب جســدي الشــلل لعــدة دقائــق مــن‬
‫أثــر الصدمــة‪ .‬أيقنــت أن الروبوتــات قــد ثــارت علينــا وســيطرت عــى‬
‫كل يشء ودمــرت العــامل‪ ،‬وبعــد ذلــك أدركــت أنــه ربــا هنــاك شــخص‬
‫مــا حيــارب هــذه اآلالت‪ ،‬فعزمــت أن أســبقهم وأســلك طريقــ ًا آخــر‬
‫ـرا بــا‬‫ألصــل إليــه قبلهــم وأحــذره مــن قدومهــم‪ .‬وهكــذا ركضــت كثـ ً‬
‫توقــف حتــى وصلــت إىل املصــدر‪ ،‬وندمــت لذهــايب إىل هنــاك‪ .‬كل مــا‬
‫رأيتــه كان شــخصان يتواجهــان يف معركــة غريبــة تُدهــش األنظــار‪ .‬كان‬
‫ـخص ُملثــم مثــل الــذي ســاعدين ولكنــه أقــر بكثــر‪ ،‬حيمــل‬ ‫هنــاك شـ ٌ‬
‫ســيف ضوئــي غريــب‪ ،‬وشــخص آخــر عريــض املنكبــن وضخــم اجلثــة‪،‬‬
‫جســده عبــارة عــن كتلــة مــن العضــات‪ .‬كانــت املعركــة شــديدة‬

‫‪58‬‬
‫بينهــم‪ ،‬ومل افهــم مــا حيــدث بســبب الظــام‪ ،‬رغــم ذلــك فقــد أدركــت‬
‫أهنــم يمتلكــون قــدرات غريبــة مثلنــا‪ ،‬وعندمــا دققــت النظــر رأيــت أن‬
‫الضخــم هــو إيفانــوف!‬
‫بــدا عــى نــور الرتكيــز الشــديد والدهشــة وهــو يســمع هــذه القصــة‪،‬‬
‫مســتفرسا‪:‬‬
‫ً‬ ‫فقاطعهــا‬
‫‪ -‬أقلــت شــخص ملثــم حيمــل ســيف ًا ضوئــي؟! إنه نفــس الشــخص الذي‬
‫أنقــذين! ورأيـ ِ‬
‫ـت إيفانــوف؟ هــذا يعني أن مجيــع املتأهلــن للمراكــز الثامنية‬
‫قــد خرجــوا بالفعــل كــا وعدهــم الصــوت‪ ...‬أكمــي يل مــا حــدث بينهــم‬
‫بالتفصيــل املمــل‪ ...‬فقــد نســتفيد مــن معرفــة هــذه التفاصيــل‪ ،‬ونكتشــف‬
‫أي يشء مــا يربــط بــن هــذا الشــخص امللثــم وإيفانــوف ومــا حيــدث‬
‫هنــا؟!‬
‫صمتــت جــن وهــي تســرجع االحــداث الغريبــة ُمــد ًدا‪ ،‬فكــرت‬
‫الصمــت قائلــة‪:‬‬
‫‪ -‬أنــا آســفه جــدً ا‪ ،‬ولكــن مل أفهــم مــا حيــدث‪ ،‬كان كل يشء فوضــوي‪،‬‬
‫رأيــت ســيارات تطــر يف اهلــواء وصخــور‪ ،‬وأشــياء تُقطــع‪ ،‬ودمــار كبــر‬
‫حيــل باملنطقــة التــي كانــوا يقفــون فيهــا‪ ،‬ولكــن أعتقــد أن امللثــم كان‬
‫يمتلــك قــدرة شــبيهة بقــدرة ســايري! ولكــن مل أرى جيــدً ا أي يشء‪...‬‬
‫ـت أراقــب املوقــف مــن بعيــد‪،‬‬‫وإذ فجــأة تغــرت جمريــات املعركــة‪ .‬كنـ ُ‬
‫وتغــر كل يشء‪ ...‬لقــد جــاؤوا‪.‬‬
‫***‬

‫‪59‬‬
‫‪6‬‬
‫حــدق نــور إىل جــن بصمــت وهــو يســتمع إىل قصتهــا عــا حــدث يف‬
‫املعركــة الغريبــة بــن إيفانــوف وامللثــم املجهــول ذو القــدرات اخلاصــة‪.‬‬
‫قالت جني وقد أصاهبا التوتر من تذكر كل هذه االحداث‪:‬‬
‫‪ -‬كان الليــل قــد حــل‪ ،‬ومل تكــن الرؤيــة واضحــة‪ ،‬ولكنــى ســمعت‬
‫صــوت إطــاق النــار‪ ،‬فذهبــت إىل املصــدر ألتفقــد مــا حيــدث‪ ،‬ورأيــت‬
‫شــخصان يلتحــان مــع بعضهــم مــن بعيــد‪ ،‬ولكن الليــل أخفــى مالحمهم‪.‬‬
‫كان احلطــام يمــأ املــكان فلــم أري الكثــر كل مــا رأيتــه هــو‪ ،‬ان هنــاك‬
‫ســيف ًا ضوئــي حيملــه الشــخص امللثــم‪ ،‬وقــد ســاعدين هــذا الســيف لكــي‬
‫أري ولــو قليـاً‪ .‬كان الشــخص اآلخــر غــر مــرأى عــى اإلطــاق بالــكاد‬
‫كنــت اراه‪ ،‬كان يغطيــه الظــام بالكامــل‪ ،‬ولكنــى الحظــت قوتــه البدنيــة‬
‫اهلائلــة‪ ،‬فقــد كان يقــذف الســيارات واحلطــام عــى الشــخص امللثــم‪،‬‬
‫وبعــد حلظــات علمــت أنــه إيفانــوف عندمــا ملحــت جســده املعــدين‪.‬‬
‫قاطعها نور قائ ً‬
‫ال بدهشة‪:‬‬
‫‪ -‬إيفانوف وسيارات!‬
‫‪ -‬نعــم هــذا مــا رأيتــه‪ ،‬لقــد كان يقــذف العديــد مــن األشــياء‪ ،‬مثــل‬
‫أيضــا‪ ،‬ولكــن امللثــم كان رشــيق ًا للغايــة وكان‬
‫الصخــور والســيارات ً‬
‫يتجنبهــا بــكل رشــاقة‪ ،‬كــا أنــه كان يبادلــه بقــذف بعــض الصخــور‬

‫‪60‬‬
‫أيضــا‪ ،‬ولكــن قوتــه كانــت تبــدوا ال أعلــم كيــف ارشح لــك‪ ،‬فأنــا مل أرى‬ ‫ً‬
‫جيــدً ا مــا حيــدث‪ ،‬ولكنــى أســتطيع أن أقــول إهنــا تُشــب ُه قــدرة ســايري‪،‬‬
‫كان يشــر بيــده‪ ،‬فتتحــرك الصخــرة ناحيــة اآلخــر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ثــوان كــر‬ ‫ا وهــو حيلــل مــا ســمعه‪ ،‬وبعــد بضعــة‬ ‫صمــت نــور قليــ ً‬
‫حاجــز الصمــت قائــاً‪:‬‬
‫‪ -‬يبــدوا‪ ،‬أنــه يســتعمل نــوع مــن الطاقــة‪ ،‬ولكــن ال أســتطيع حتديــد أي‬
‫نــوع‪.‬‬
‫أومأت جني برأسها باملوافقة عىل ما قاله‪ ،‬ثم قالت‪:‬‬
‫‪ -‬يبــدوا أن هــذا مــا حــدث فعــاً‪ ،‬ولكــن مــا حــدث بعدهــا هــو مــا‬
‫أرعبنــي حقــ ًا‪.‬‬
‫اســتمع نــور باهتــام ودهشــة إىل القصــة التــي روهتــا جــن‪ ،‬وكيــف‬
‫اختطفــت األجســام الغريبــة الشــخص امللثــم وإيفانــوف‪ ،‬ثــم وضعتهــا‬
‫يف مركبــة غريبــة الشــكل مل تتعــرف جــن عليهــا‪ ،‬ثــم طــارت هــذه املركبــة‬
‫يف الســاء‪ ،‬وابتعــدت يف األفــق حتــى اختفــت عــن األنظــار‪ ،‬ولــوال أن‬
‫أيضــا وزج‬ ‫ـك هبــا ً‬ ‫جــن كانــت خمتبئــة تراقــب املوقــف مــن بعيــد‪ ،‬الُ ِ‬
‫مسـ َ‬
‫هبــا يف هــذه املركبــة الغريبــة معهــا‪.‬‬
‫قال نور بحرية إذ أحس برعشة يف جسده من برودة اجلو‪:‬‬
‫‪ -‬متى حدث كل هذا؟‬
‫فردت جني برسعة‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ -‬البارحة‪.‬‬
‫فقال نور وهو يفكر‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد خرجــت مــن الــرج منــذ بضعــة ســاعات ورأيــت ا ُمللثــم‪ ،‬هــل‬
‫تعتقديــن أنــه متكــن مــن اهلــرب منهــم‪ ،‬والتقــي يب يف الغابــة وأنقــذ حيــايت‬
‫أم أن هــذا شــخص آخــر؟‬
‫صمتــت جــن قليــ ً‬
‫ا لرتبــط األحــداث ببعضهــا‪ ،‬ثــم قالــت بحــرة‬
‫وقنــوط‪:‬‬
‫‪ -‬ربــا‪ ،‬ال أعــرف حقــا! ولكــن قــد حيــدث هــذا! أو ربــا يكونــان قــد‬
‫انضــا للروبوتــات جمبوريــن‪ ،‬وينفــذان اآلن أوامرهم لالمســاك بنــا‪ ،‬أو‪...‬‬
‫قاطعها نور قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬نحــن نعــرف اآلن أن إيفانــوف عــى قيــد احليــاة‪ ،‬وأنــا قــد قابلتــك‪...‬‬
‫وربــا يكــون امللثــم ســايري مــن يعلــم! ولكــن مــن املفــرض أن يكــون‬
‫أيضــا‪ ...‬ومــن االســتحالة أن يتقاتــل مــع إيفانــوف ألهنــا‬‫قــد خــرج هــو ً‬
‫كانــا عــى قلــب رجـ ٌـل واحــد يف الســباق املميــت‪ ،‬وهــذا جيعلنــا نتوصــل‬
‫إىل أن هــذا ا ُمللثــم ربــا يمتلــك قــدرة شــبيهة بســايري‪ ...‬أمــا الــيء‬
‫ٍ‬
‫مــكان مــا‪ ...‬جيــب أن‬ ‫الثــاين فهــو أن باقــي رفاقنــا عــى قيــد احليــاة يف‬
‫نبحــث عنهــم اآلن وننضــم إليهــم لعلنــا نجــد الســبيل للخــروج مــن هنــا‬
‫وفهــم مــا حيــدث‪ ...‬وربــا ننقــذ إيفانــوف‪.‬‬
‫بدا عىل جني مالمح األمل‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫‪ -‬هل تعتقد أهنم سينضمون إلينا ويساعدوننا يف اخلروج من هنا؟‬

‫‪62‬‬
‫قال نور وقد أرشق وجهه‪:‬‬
‫‪ -‬ربــا‪ ،‬ولعــل أحدهــم يعــرف احلقيقــة! اآلن أعــرف مــا علينــا فعلــه‪،‬‬
‫ســنذهب للبحــث عــن باقــي الرفــاق‪ ،‬ومــن ثــم نحــاول اكتشــاف مــا‬
‫حــدث هنــا‪.‬‬
‫ردت جني بحامس يشوهبا السخرية وقد انبسطت قسامت وجهها‪:‬‬
‫‪ -‬نعم فلنقم هبذا‪ ،‬فإنقاذ العامل ال يأيت كل يوم‪.‬‬
‫ضحك نور قائال‪:‬‬
‫‪ -‬نحــن ال نعــرف مــا حــدث للعــامل بعــد‪ ،‬كل مــا نعرفــه أن اآلالت‬
‫ســيطرت عــى هــذه املدينــة املجهولــة‪ ،‬و ُاننــا ُاحتجزنــا يف أبــراج غريبــة‬
‫لفــرة مــن الزمــن ال نعــرف تقديرهــا‪ ،‬وأصبــح لدينــا فقــدان ذاكــرة‬
‫انتــكايس‪.‬‬
‫تنهدت جني بقلق وظهر اخلوف واحلزن عىل مالحمها‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم‪ ،‬أنــا ال أتذكــر إطالقــ ًا كيــف أنتهــى يب األمــر هنــا‪ ...‬ذاكــريت‬
‫مشوشــه ولكــن العديــد مــن الذكريــات قــد عــادت إيل مــع الوقــت‪،‬‬
‫ألننــي اســتيقظت منــذ أســبوع عــى عكســك‪.‬‬
‫ِ‬
‫بأنــك تعلمــن الكثــر عــن نفســك اآلن‪...‬‬ ‫‪ -‬هــذا جيــد‪ ،‬هــذا يعنــي‬
‫أيضــا مــع الوقــت‪ ...‬واآلن فلنتحــرك فليــس لدينــا‬
‫وهــذا ســيحدث يل ً‬
‫اليــوم بطولــه‪.‬‬
‫أومــأت جــن باملوافقــة‪ ،‬ثــم محــا أمتعتهــا‪ ،‬وهبطــا األدراج وتوجهــا إىل‬

‫‪63‬‬
‫اخلــارج‪.‬‬
‫كانــت الشــمس قــد انتصبــت يف كبــد الســاء‪ ،‬ملقيــة بأشــعتها عــى‬
‫األرض كخيـ ٍ‬
‫ـوط ذهبيــة تُزيــن ردا ًء مــن حريــر‪ ،‬وكانــت الطرقــات خاليــة‬
‫ومرصوفــة بعنايــة ومل يمسســها أي رضر أو ســوء بعــد‪ .‬ارتفعــت املبــاين‬
‫الشــاهقة بشــموخ إىل الســاء‪ ،‬وكانــت ُمطعمــة بزجــاج أزرق ُيغطــي مجيــع‬
‫زواياهــا‪ ،‬فســقطت عليهــا أشــعة الشــمس فجعلتهــا تلمــع كجوهــرة‬
‫ثمينــة‪.‬‬
‫ِ‬
‫إليــه يف املســتقبل‪ ،‬ولكــن نــور شــعر أن‬ ‫ورغــم التقــدم الــذي وصلــوا‬
‫هــذه املدينــة املجهولــة التــي يقــف فيهــا‪ ،‬تبــدوا كمدينــة مــن القــرن‬
‫الواحــد والعرشيــن‪ ،‬فمعــار املبــاين فيهــا والســيارات تبــدوا أقــدم ممــا‬
‫يتذكــر‪ ،‬رغــم ضعــف ذاكرتــه‪ .‬نظــر إىل الســاء فالحــظ قبــة الطاقــة التــي‬
‫تُغطــي املدينــة وحتتوهيــا داخلهــا‪ ،‬فســأل جــن عنهــا‪ ،‬فقالــت‪:‬‬
‫أيضــا‪ ،‬ولكــن يبــدوا أهنــا لصــد األعــداء‬ ‫‪ -‬ال أعلــم‪ ،‬لقــد الحظتهــا ً‬
‫عــن املدينــة ولكــن بطريقــة مــا دخــل األعــداء وعاثــوا فســا ًدا فيهــا‬
‫واختفــى البــر أو نزحــوا إىل مدينــة أخــرى‪ ...‬ربــا هــذا ُيفــر املعــار‬
‫القديــم بعــض الــيء للمدينــة‪ ،‬ربــا لنقــص حصوهلــا عــى املــوارد مــن‬
‫اخلــارج‪ ...‬ال أفهــم حقــ ًا ولكنهــا تبــدوا أقــدم ممــا رأيتــه‪.‬‬
‫ـز كبـ ٍ‬
‫ـر ُمعقــد‬ ‫تعجــب نــور مــن كل مــا حيــدث‪ ،‬فــكل يشء يبــدوا كلغـ ٍ‬
‫ِ‬
‫الصمــت ملجــأ لــه‬ ‫ٍ‬
‫بطريقــة مل يســبق هلــا مثيــل‪ ،‬فأختــذ مــن‬ ‫ومتشــابك‬
‫وأكمــل طريقــه وهــو يتفحــص املدينــة‪.‬‬
‫كانــت الســيارات ُمصطفــة عــى جانبــي الطريــق‪ ،‬تشــعر بالوحــدة يف‬

‫‪64‬‬
‫مدينــة األشــباح هــذه‪ُ ،‬منتظــرة مــن يقــوم بتشــغيلها لتنطلــق بحريــة‬
‫جمــد ًدا يف أرجــاء املدينــة اجلميلــة‪ .‬التفــت جــن إىل نــور قائلــة‪:‬‬
‫‪ -‬لــو كنــا نمتلــك ســيارة اآلن كانــت ستســهل علينــا التنقــل هنــا‪ ،‬ولكــن‬
‫الســيارات احلديثــة اصبحــت تعمــل ببصمــة الصــوت والعــن‪ ،‬ويبــدوا‬
‫أن هــذه الســيارات تُشــبهها فــا أمــل لنــا للحصــول عــى أحدهــا‪ ،‬كــا‬
‫أهنــا ســتجذب األنظــار لنــا بالتأكيــد وهــذا مــا ال نريــده‪.‬‬
‫وافقها نور الرأي وأضاف قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ســنضطر إىل الســر عــى األقــدام اآلن‪ ،‬ولكــن ال هيــم‪ ،‬األهــم أن نجــد‬
‫ضالتنــا املنشــودة‪.‬‬
‫بــدأ نــور وجــن يســران يف الطريــق بحــذر وقــد جعلهــا ضــوء النهــار‬
‫يشــعران ببعــض الراحــة والطمـــأنينة‪ ،‬فتثائــب نــور وقــد شــعر باإلرهــاق‬
‫والتعــب‪ ،‬وبالطبــع الحظــت جــن هــذا والقــت بعــض تعليقاهتــا‬
‫الســاخرة مثــل‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد نمــت ملــدة ال يعلمهــا إال اهلل وال زلــت تريــد النــوم جمــد ًدا؟ يــا‬
‫لــك مــن كســول‪.‬‬
‫مل يــرد نــور عليهــا ولكــن أكتفــى باالبتســام وهــو يعلــم أهنــا أصابــت كبــد‬
‫ا حلقيقة ‪.‬‬
‫أكمــا طريقهــا يف الشــارع اخلــايل املرصــوف‪ ،‬ومهــا حيدقــان يف الالفتــات‬
‫ثالثيــة األبعــاد ا ُملعلقــة يف أرجــاء الطريــق‪ ،‬وقــد أخــذ اهلــواء العليــل‬
‫يالمــس وجهيهــا فيشــعرمها بالوحــدة مــع اهلــدوء القاتــل للمدينــة امليتــة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫وأثناء سريمها بدءا بتبادل احلديث فقال نور‪ ،‬وهو يتثاءب‪:‬‬
‫‪ -‬هل تعرفني ما هو التفسري العلمي لوجود هذه القدرات اخلارقة؟‬
‫فكرت جني قلي ُ‬
‫ال ومن ثم قالت ببعض الرتدد‪:‬‬
‫‪ -‬ال اعلــم بالتحديــد ولكــن يف ظــل التقــدم التكنولوجــي الرهيــب‬
‫الــذي توصــل لــه البــر‪ ،‬فــإن الوصــول هلــذه القــدرات الغريبــة مل يعــد‬
‫حمــض خيــال‪ ...‬ولكــن أظــن أن مــن اعطانــا هــذه القــدرات لديــه‬
‫فائــق للغايــة يفــوق باقــي العقــول‪ ،‬ألنــه يســتوجب أن يغــر يف‬ ‫ٌ‬ ‫علــم‬
‫ٌ‬
‫الرتكيــب اجلينــي اخلــاص بنــا وأن ُيغــر بعــض خصائصنــا مــع إضافــة‬
‫بعــض آالت النانــو الصغــرة ا ُملحملــة ببعــض اخلصائــص ا ُملحــددة وهبــذا‬
‫ربــا يســتطيع ان ُينتــج لنــا هــذه القــدرات‪ ...‬فقدرتــك عــى ســبيل‬
‫املثــال تعمــل عــى تفكيــك وتركيــب اجلزيئــات واملركبــات حتــى تُنتــج‬
‫يشء مــادي ملمــوس‪ ،‬فاجلزيئــات عندمــا تتباعــد للغايــة تنتــج غــاز ًا‬
‫ـن تُصبــح ســائل ومــن ثــم صلــب‪ ...‬ويبــدوا‬ ‫ـدر ُمعـ ٍ‬
‫ولــو اقرتبــت إىل قـ ٍ‬
‫ـاءك املقــدرة عــى التالعــب بالــذرات‬ ‫انــه بطريقــة مــا متكنــوا مــن إعطـ َ‬
‫ـت تتخيــل الــيء حتــى‬ ‫وتشـكّيلها كــا تريــد بــدون أن تشــعر هبــذا‪ ...‬فأنـ َ‬
‫أنــت تتالعــب بالــذرات مــن‬ ‫صبــح حقيقــة ولكــن يف حقيقــة األمــر َ‬ ‫َ‬ ‫ُي‬
‫ـك أكثــر فللتخيــل أن لديــك‬ ‫حولــك حتــى تصنــع شــيئ ًا‪ ...‬ألوضــح لـ َ‬
‫ُمكعبــات الليجــو وهــذه املكعبــات مبنيــة عــى شــكل بيــت‪ ،‬ودورك هــو‬
‫ـدل مــن‬‫أن ُتطــم هــذا البيــت وتســتخدم هــذه املكعبــات يف صنــع ُبــرج بـ ً‬
‫ـيء كهــذا؟ وأتعجــب‬ ‫بيــت‪ ...‬ولكننــي أتعجــب مــن كيفيــة توصلهــم لـ ٍ‬
‫مــن كيفيــة زرعهــا داخلــك وجعلهــا بســيطة االســتخدام هكــذا! هــل‬

‫‪66‬‬
‫تعلــم مــا ُيمكنــك فعلــه إن اتقنــت هــذه القــدرة؟ انــت لــن تصنــع فقــط‬
‫بــل تســتطيع أن ُتطــم ً‬
‫أيضــا وتغــر البيئــة مــن حولــك وكل يشء‪ ...‬إهنــا‬
‫قــدرة ًمرعبــة إن وقعــت يف اليــد اخلطــأ‪.‬‬
‫تفاجــئ نــور مــن حتليــل جــن لقدرتــه رغــم عــدم إحاطتهــا هبــا‪ ،‬وتذكــر‬
‫مــا قالــه الصــوت عــن قدرتــه ورأى بعــض التشــابه بــن مــا قالــه وبــن‬
‫قــول جــن‪ ،‬فأطــرق رأســه ُمفكـ ًـرا ثــم تذكــر شــيئ ًا قــد رآه منــذ فــرة‪،‬‬
‫فعــى الرغــم مــن فقدانــه لبعــض حلظــات حياتــه إال أن ـ ُه يتذكــر الكثــر‬
‫ممــا تعلمــه‪ ،‬ويبــدوا أن مــن حمــي ذاكرتــه قــام بمســح بعــض الذكريــات‬
‫ـن‪ُ ،‬يرجــح أن يكــون مــن أجــل ان يفقــدوا هويتهــم‬ ‫ـبب ُمعـ ٍ‬
‫ا ًملحــددة لسـ ٍ‬
‫ا ببعــض‬ ‫عليهــم‪ .‬قطــع نــور حاجــز الصمــت قائــ ً‬ ‫ُ‬ ‫ف ُيســهل الســيطر ُة‬
‫الريبــة‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد قــرأت مــن قبــل عــن مقــدرة العقــل عــى التأثــر يف ا ُملحيــط مــن‬
‫حولــه‪ ،‬ورأيــت بعــض األمثلــة عــى هــذا‪ ،‬فعــى ســبيل املثــال ال احلــر‬
‫وألن والــدي كان يعمــل يف جمــال العلــوم العقليــة فقــد كان يأخــذين‬
‫معــه أحيان ـ ًا لريينــي بعــض مــا توصلــوا إليــه‪ ،‬وىف أحــد املــرات رأيــت‬
‫ـذه األســاك‬ ‫ـط هـ ِ‬ ‫ـا يضــع أســاكًا عــى رأس أحــد الشــباب ويربـ ُ‬ ‫رجـ ً‬
‫بــرأس شــاب آخــر‪ ،‬وبعدهــا يضغــط عــى بعــض االزرار ويطلــب مــن‬
‫الشــاب األول أن ُيــرك يــده ال ُيمنــي وعندمــا ُيركهــا تتحــرك يــد الشــاب‬
‫اآلخــر تلقائ ًيــا معهــا رغـ ًـا عنــه‪ ...‬لقــد كان يربــط عقليهــا م ًعــا‪ ،‬فعندمــا‬
‫أرســل عقــل الشــخص األول إشــارات ليــده حتــى تتحــرك انطلقــت‬
‫هــذه اإلشــارات عــر االســاك وتوجهــت نحــو يــد الشــخص اآلخــر‬

‫‪67‬‬
‫أيضــا فلــم حتتــج يــد الشــاب اآلخــر‬‫فأعطتهــا نفــس األمــر أن تتحــرك ً‬
‫إىل إشــارات عقلــه اخلــاص حتــى تتحــرك‪ ...‬لقــد كان هــذا خميفــا بعــض‬
‫الــيء‪ ،‬ألنــه مــع الوقــت تطــور األمــر وعندمــا ذهبــت إليهــم بعــد‬
‫فــرة طويلــة وجدهتــم قــد توصلــوا إىل نقــل هــذه اإلشــارات بطريقــة ال‬
‫ســلكية‪ ...‬وقــف أحــد األشــخاص وهــو يرتــدي خــوذة غريبــة الشــكل‬
‫ٍ‬
‫لشــخص آخــر يرتــدي نفــس‬ ‫وكان ُيفكــر يف بعــض األوامــر و ُيرســلها‬
‫اخلــوذة‪ ،‬فكانــت اإلشــارات تنتقــل إليــه وجتعلــه يفعــل مــا يريــد‪ ،‬ولكــي‬
‫ـخصا ُيــرك اآلخــر كالدميــة ويوجهــه حيــث‬ ‫ـت شـ ً‬ ‫أن تتخيــي أننــي رأيـ ُ‬
‫يشــاء فقــط عــن طريــق هــذه اخلــوذة‪ ...‬فلتتخيــي معــي اآلن مــاذا يمكــن‬
‫أن حيــدث إن اســتطاعوا جتســيد هــذه القــدرة يف الواقــع بــدون احلاجــة‬
‫إىل خــوذة أو اســاك عــن طريــق زرع بعــض آالت النانــو الصغــرة‬
‫داخلنــا والتــي قــد ُتكــن أحــد األشــخاص أن ُيرســل عربهــا إشــارات إىل‬
‫ـح عاجزيــن عــن التحكــم بأجســادنا!‬ ‫ويركنــا كالدمــي فنصبِـ ُ‬‫اجســادنا ُ‬
‫صمــت نــور قليــا‪ ،‬واســتمعت جــن إىل مــا قالــه باهتــام شــديد‬
‫وتوجــس‪ ،‬ثــم تذكــرت بعــض األشــياء التــي ختــص هــذا االمــر فقالــت‪:‬‬
‫‪ -‬إنــه أمــر رهيــب ولكــن ممــا رأينــاه فوجــود هــذه القوة ليــس مسـ ً‬
‫ـتحيل‪،‬‬
‫بــل ربــا هنــاك أحــد يتحكــم بنــا بالفعــل بطريقــة مــا ويومهنــا أننــا نحــن‬
‫أيضــا‬
‫مــن نُحــرك أنفســنا‪ .‬مــن يعلــم‪ .‬عــى أي حــال لقــد تذكــرت ً‬
‫بعــض التجــارب التــي ختــص التحــرك عــن ُبعــد عــن طريــق حتفيــز‬
‫العقــل ببعــض اآلالت اخلاصــة والتــي ُتكنــه مــن حتريــك الــيء عــن‬
‫ُبعــد حتريــك ًا طفيف ـ ًا‪ ،‬ويرجــع هــذا إىل أن الفكــرة داخــل رأس اإلنســان‬

‫‪68‬‬
‫هلــا وزن ولكنــه وزن ضئيــل للغايــة وعندمــا ينقــل االنســان فكرتــه إىل‬
‫خــارج رأســه ال يكــون هلــا أي تأثــر ألهنــا ضئيلــة ولكــن مــع كثــرة البرش‬
‫مــن حولــك تصبــح هــذه الفكــرة أقــوى وذات ســلطة رهيبــة‪ ...‬ختيــل‬
‫لــو جــاء ألــف رجــل وركــزوا عــى أن حيركــوا قلـ ًـا يف نفــس الوقــت!‬
‫بالتأكيــد قــد يتزحــزح مــن مكانــه‪ ،‬واآلن ختيــل لــو وجدنــا طريقــة‬
‫لتضخيــم هــذا الــوزن عــن طريــق حتفيــز العقــل بطريقــة معينــة‪ ،‬ســيصبح‬
‫مــن املمكــن اســتخدام هــذه الفكــرة يف حتريــك الــيء وهــذا ربــا ُيفــر‬
‫ٍ‬
‫ـخص كان‬ ‫أيضــا جتربــة عــن شـ‬
‫قــدرة ســايري بعــض الــيء‪ ...‬أتذكــر ً‬
‫ينظــر إىل املــاء برتكيــز شــديد أثنــاء جتمــده وهيمــس بأشــياء مجيلــة‬
‫ٍ‬
‫وبأشــكال ُميــزة ومتناســقة‪،‬‬ ‫ورائعــة‪ ،‬فيتشــكّل الثلــج بانتظــام شــديد‬
‫ومــن ثــم كــرر نفــس التجربــة ولكنــه كان هيمــس بأشــياء ســلبية وفظيعــة‬
‫وســوداوية للغايــة فتشــكّلت بلــورات الثلــج بطريقــة مشــوهة وغــر‬
‫ُمنتظمــة‪ ...‬فكــا تُالحــظ فأفكارنــا هلــا تأثــر عــى املحيــط اخلارجــي‬
‫مــن حولنــا وهــذا يفــر ســبب هربنــا مــن الشــخص الكئيــب وهــذا‬
‫ألنــه ينقــل إلينــا مشــاعره الســلبية عــن طريــق نقــل أفــكاره عــر صوتــه‬
‫ويبــدوا أن املوجــات الصوتيــة التــي ختــرج مــن فمــه تكــون خمتلفــة عندمــا‬
‫يتكلــم بســلبية وعندمــا يتكلــم بإجيابيــة‪ ...‬ولكــن هــذه التجربــة تطــورت‬
‫فيــا بعــد واســتطاع هــذا الشــخص أن ينقــش حروفــا وكال ًما ورســومات‬
‫عــى املــاء اثنــاء جتمــده عــن طريــق التحــدث والتفكــر فقــط!‬
‫ـول وجعــل كالمها شــذرات مــن أفــكاره تتصــادم يف‬ ‫نظــر إليهــا نــور بذهـ ٍ‬
‫رأســه ممــا جعــل عقلــه يتحفــز ويربــط بــن هــذه األفــكار مكونـ ًا صــورة‬
‫خارجيــة لتفســر بعــض قدراهتــم فــأردف يقــول‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ -‬هــذا رائــع حق ـ ًا‪ ،‬وإن نظرنــا إىل هــذه املعطيــات التــي لدينــا اآلن فــإن‬
‫ايفانــوف يســتطيع أن ُيغــر خصائــص جلــده بطريقــة مــا عــن طريــق نقــل‬
‫احلديــد يف جســده إىل جلــده اخلارجــي او ربــا لديــه آالت نانــو داخــل‬
‫جســده جتــذب احلديــد مــن البيئــة حولــه وتُغطــي بــه جســده بالكامــل‬
‫وال بــد أن هــذه اآلالت ترتكــز يف جلــده اخلارجــي وتغطــي جســده‬
‫بالكامــل وهــذا يعنــي ان عددهــا هائــل للغايــة ومــن الصعــب حــره‪،‬‬
‫ـذب احلديــد إليهــا بكثافــة شــديدة فيتكــون حــول اجللــد‬‫وبعــد ذلــك جتـ ُ‬
‫حتــى يغطيــه بالكامــل‪ ...‬ونفــس الــيء مــع إريــس هــذا الــذي ُيغــر‬
‫أيضــا‬
‫شــكله ويتلــون حســب بيئتــه‪ ،‬ال بــد أن اآلالت يف جلــده اخلارجــي ً‬
‫وتقــوم بتغيــر لــون جلــده حســب البيئــة مــن حولــه‪ ،‬وال بــد أن طريقــة‬
‫تفعيلهــا تكمــن يف إشــارات العقــل‪ ...‬العقــل ُيرســل إليهــا إشــارات‬
‫ـكل ُمعـ ٍ‬
‫ـن وهــي تقــوم هبــذا التمويــه‬ ‫ـن أو شـ ٍ‬ ‫لتحويــل اجللــد إىل لـ ٍ‬
‫ـون ُمعـ ٍ‬
‫والتغيــر برباعــة‪ ...‬تتكاتــف آالف وربــا ماليــن اآلالت لتغيــر شــكله‬
‫ولونــه بإتقــان شــديد‪ ...‬عندمــا يلمــس الــيء تأخــذ اآلالت العديــد‬
‫مــن التفاصيــل عــن اجلينــوم اخلــاص بــه وتنقــل هــذه التفاصيــل إىل آالت‬
‫النانــو األخــرى وتتكاتــف مجيعهــا برباعــة ملحــاكاة وتقليــد هــذا الــيء‪،‬‬
‫فــإن ملســني عــى ســبيل املثــال تقــوم اآلالت بالتعــاون فيــا بينهــا حتــى‬
‫يتغــر شــكله ويصبــح مثــي وهــذا بالطبــع تضليــل خارجــي فــوراء هــذه‬
‫اآلالت يكمــن إريــس احلقيقــي‪ ...‬أو ربــا تغــر آالت النانــو جيناتــه‬
‫حتــى جتعلهــا تتشــابه مــع مــا يــراه ويلمســه‪ ...‬فاجلينــات هــي الشــيفرات‬
‫ـك وطــول‬ ‫ـكلك ولــون برشتـ ِ‬
‫املكتوبــة داخــل اجســادنا والتــي ُتــدد شـ ِ‬
‫شــعرك ومــدي نعومتــه ولــون عينــك إلــخ‪ ...‬ولكــن لتغيــر اجلينــات‬ ‫ِ‬

‫‪70‬‬
‫فهــذا حيتــاج إىل علـ ٍم رهيــب للتوصــل إىل يشء كهــذا‪ ،‬وهلــذا فأنا أســتبعد‬
‫هــذه الفكــرة قلي ـاً‪.‬‬
‫أضافت جني تقول وقد أحست أن بعض الغموض قد بدأ يتالشى‪:‬‬
‫‪ -‬وما هو تفسري قدريت إذن؟‬
‫‪ -‬اعتقــد أهنــا ُمعقــدة للغايــة ومــن الصعــب تفســرها ولكــن ال بــد مــن‬
‫وجــود تفسـ ٍ‬
‫ـر هلــا‪ ...‬ورأيــي هــو أن االمــر يتعلــق بالزمــن واللغــز الــذي‬
‫حيــوم حولــه‪ ،‬مــن أعطـ ِ‬
‫ـاك هــذه القــوة يعلــم عــن الزمــن مــا ال نعلمــه‬
‫ا ومقنعــا لقدرتـ ِ‬
‫ـك‪ ...‬ولكــن ممــا أراه‬ ‫ـرا كامـ ً‬
‫ً‬ ‫وهــذا يعنــي أن لديــه تفسـ ً‬
‫ـت تصنعــن فجــوات زمنيــة ينعــدم الزمــن فيهــا وتفســر رجوعــك‬ ‫فانـ ِ‬
‫أنــك ال ترجعــن بالزمــن بــل عقلــك ُيعالــج‬ ‫ِ‬ ‫بالزمــن ربــا يكمــ ُن يف‬
‫ٍ‬
‫ثــوان‬ ‫املعلومــات برسعــة رهيبــة ممــا جيعلــك تريــن املســتقبل لبضعــة‬
‫ـك ُعــديت بالزمــن لتغرييــه‪ ،‬وهــذا ُيفــر ضعــف‬ ‫قبــل حدوثــه فتظنــن أنـ ِ‬
‫صحتــك ألن طاقــة عقلــك كلهــا تُســتنفذ يف معاجلــة املعلومــات برسعــة‬
‫تتخطــى اإلنســان الطبيعــي ممــا يتســبب يف إمهالــه جلسـ ِ‬
‫ـدك‪ ...‬ربــا يتوقــع‬
‫عقلــك مــا ســيحدث عــن طريــق ُمعاجلــة كل يشء برسعــة رهيبــة‪ ،‬وهناك‬
‫جتــارب جتعــل احلواســيب تتوقــع املســتقبل قبــل حدوثــه عــن طريــق‬
‫ُمعاجلــة وحتليــل كل االحتــاالت مــن حوهلــا‪ ،‬فــإن قمتــي بوضــع طاولــة‬
‫بليــاردو وضبــط العصــا بطريقــة معينــة‪ ،‬سيســتطيع احلاســب عــن طريــق‬
‫حركــة يــدك ووضعيــة جســدك وزاويــة العصــا أن يتنبــأ بمصــر الكــرات‬
‫عندمــا ترضبيهــا وأيــن ســينتهي هبــا األمــر وســيعطيك إحصائيــات دقيقــة‬
‫متا ًمــا‪ ،‬وإن رضبتــي الكــرة فســرين أن إحصائيــات احلاســب كانــت دقيقة‬

‫‪71‬‬
‫‪ %100‬ولكــن بالطبــع فرؤيــة املســتقبل هــذه تكــون حمــدودة للغايــة‬
‫وتقتــر عــى أشــياء بســيطة للغايــة ولبضعــة ثـ ٍ‬
‫ـوان قليلــة‪ ...‬أمــا رؤيــة‬
‫ـكل أوســع كأن تتنبئــي بمصــر شــخص او مصــر بلــد كامل‬ ‫املســتقبل بشـ ٍ‬
‫ِ‬
‫فأنــت تتنبئــن بــا‬ ‫فهــذا مســتحيل‪ ...‬وانــا أرى أن هــذه هــي قدرتــك‬
‫ســيحدث‪ ،‬عقلــك يســبق احلــارض مــن رسعتــه عــى معاجلــة االحــداث‬
‫مــن حولــه ثــم يعــود إىل احلــارض لــرى كيــف ســيترصف مــع معطيــات‬
‫املســتقبل وهــذا جيعلــك تتومهــن بأنـ ِ‬
‫ـك تعوديــن بالزمــن‪ ...‬امــا إيقافــك‬
‫للزمــن فهــذا مــا حيــرين حقــا‪ ...‬ولكنــه يكمــن يف خلــق رشخٍ يف نســيج‬
‫الزمــكان فيحــررك مــن ســلطة الوقــت لبعــض الوقــت وهــذا أقــى مــا‬
‫أســتطيع التوصــل إليــه‪.‬‬
‫اندهشــت جــن مــن حتليلــه لقدرهتــا ورأت أنــه أســتطاع الوصــول إىل‬
‫نصــف احلقيقــة ولكنهــا ال زالــت تظــن أنــه قــد يكــون هنــاك تفســر‬
‫آخــر يتعلــق بقدرهتــا عــى إيقــاف الزمــن‪ .‬فــإن كانــت تســتطيع أن توقــف‬
‫الزمــن فــاذا يمنعهــا مــن العــودة إىل املــايض؟!‬
‫ناقشــته جــن فيــا قالــه وبــدءا بتحليــل القــدرات األخــرى لرفاقهــم‬
‫بنفــس الطريقــة وتوصــا إىل كثــر مــن التفســرات العلميــة القريبــة‬
‫حلقيقــة مــا حيــدث ألجســادهم وبعــد ذلــك أكمــا طريقهــا وأجــا‬
‫ٍ‬
‫لوقــت آخــر‪.‬‬ ‫حديثهــا‬

‫اقرتبــا مــن هنايــة الطريــق وكان أمامهــا مبــارشة بعــض املبــاين الشــاهقة‬
‫ذات الزجــاج األزرق الداكــن ا ُملعتــاد وبينهــا بعــض اجلســور والطرقــات‬

‫‪72‬‬
‫التــي تقطعهــا‪ ،‬وأصبــح أمامهــا طريــق يمتــد بالعــرض يمين ـ ًا ويسـ ً‬
‫ـارا‪،‬‬
‫فتوجــه نــور تلقائيـ ًا ناحيــة اليســار‪ ،‬فأمســكت جــن بمعصمــه فجــأة وقد‬
‫كان يســبقها بخطوتــن وســحبته إىل اخللــف بقــوة‪ ،‬ثــم دفعتــه بداخــل‬
‫أحــد املبــاين‪ ،‬وكان املدخــل يتكــون مــن بوابــة إلكرتونيــة تُفتــح عندمــا‬
‫تقــرب منهــا‪ .‬أمــا مدخــل املبنــي فــكان ُمزيــن بالعديــد مــن األزهــار‬
‫ا ُملعلقــة عــى احلائــط مــع ثريــة مجيلــة تتــدىل مــن الســقف‪ ،‬وهنــاك ِمصعــد‬
‫أمامهــا مبــارشة‪ ،‬ومكتــب اســتقبال‪ .‬دفعــت جــن نــور وراء مكتــب‬
‫االســتقبال واختبــأت بجانبــه‪ ،‬وأشــارت لــه أن يلتــزم الصمــت‪ ،‬فتوتــر‬
‫نــور مــن فعلتهــا هــذه فســأهلا بــا حــدث‪.‬‬
‫فهمست قائلة بنربة مذعورة‪:‬‬
‫َ‬
‫أنقذتك من املوت!‬ ‫‪ -‬لقد‬
‫ٍ‬
‫عبوس وتوجس‪:‬‬ ‫فقال هلا نور وقد قطب حاجبيه يف‬
‫‪ِ -‬م َن املوت ماذا تقصدين؟‬
‫فــردت جــن بنــرة ُمرجتفــة وهــي ترتفــع بجســدها النحيــل‪ُ ،‬متفقــدة‬
‫الطريــق يف اخلــارج وهــي ترجتــف‪:‬‬
‫‪ -‬لقد ُقتلت منذ قليل‪.‬‬
‫حدق إليها نور بتعجب واستهجان قائالً‪:‬‬
‫حي يرزق ومل يمسسني سوء!‬
‫‪ -‬ولكني ٌ‬
‫فقالت وقد ازداد توترها‪:‬‬

‫‪73‬‬
‫َ‬
‫وأنقذتك اآلن‪.‬‬ ‫دت بالزمن‬
‫‪ -‬هذا ألين ُع ُ‬
‫ا حمــاوالً اســتيعاب مــا قالتــه وســط هــذا الصمــت‬
‫صمــت نــور قليــ ً‬
‫ا ُملطبــق بينــا كانــت جــن تراقــب الطريــق يف اخلــارج‪ ،‬فقطــع وتــر‬
‫ا بنفــور‪:‬‬‫الصمــت قائــ ً‬
‫‪ -‬حسنا لقد فهمت‪ ،‬كيف ُقتلت إذن؟ ومن قتلني؟‬
‫ٍ‬
‫بصوت بالكاد ُيسمع‪:‬‬ ‫فهمست‬
‫‪ -‬ال أعلــم مــا حــدث‪ ،‬أنــا ال أفهــم شــيئ ًا‪ ...‬كل مــا حــدث هــو أننــا أثنــاء‬
‫ـت يف هنايــة الطريــق إىل اليســار يف تقاطــع الطــرق‪...‬‬ ‫ســرنا‪ ،‬انعطفــت أنـ َ‬
‫وأصبحــت تقــف بكامــل جســدك يف الطريــق اجلديــد وفجــأة حــدث‬
‫ـوان معــدودة رأيتـ َ‬
‫ـك تتبخــر يف اهلــواء أمامــي‪.‬‬ ‫وميــض وىف ثـ ٍ‬

‫شــعر نــور بقشــعريرة ُمتقطعــة تــري يف جســده ممــا ســمعه‪ ،‬وختيــل مــا‬
‫ا حمــاوالً إجيــاد تفســر لــه‪ ،‬ولكنــه مل يفهــم كيــف‬
‫حــدث لــه‪ ،‬وفكــر قليـ ً‬
‫يمكــن لــه أن يتبخــر وخيتفــي فجــأة؟! وضــع يــده عــى رأســه يف حبـ ٍ‬
‫ـور‬
‫قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬جــن أنــا ال أفهــم مــا جــرى‪ ،‬ولكــي نتوصــل إىل مــا حــدث فعلينــا‬
‫أن نتحــرك وأال نختبــئ هنــا طــوال اليــوم‪ ...‬ســأعود إىل اخلــارج وأنــت‬
‫ســتأتني معــي‪ ،‬وســنراقب الوضــع عــن كثــب وإن تبخــرت جمــد ًدا‬
‫فلتعيــدي الزمــن وختربينــي بــا حــدث‪.‬‬
‫كان وجــه جــن كلوحـ ٍ‬
‫ـة مــن الرعــب ا ُملطلــق‪ ،‬فنظــرت إىل نــور باضطراب‬
‫قا ئلة ‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫‪ -‬ال‪ ...‬دعنا نبقي‪ ...‬هنا بعض الوقت‪.‬‬
‫فزجرها نور قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬لــن نجلــس هنــا اليــوم بطولــه! ربــا يوجــد ملــا حــدث تفســر لــن‬
‫نعرفــه إذا مل نتحــرك!‬
‫متوجهــا ناحيــة بوابــة اخلــروج‪ ،‬فأمســكته جــن مــن ياقتــه‬
‫ً‬ ‫قــام نــور‬
‫ودفعتــه إىل اخللــف‪ ،‬وهــي تقــول‪:‬‬
‫‪ -‬أرجــوك ال تذهــب فقــد كان مــا حــدث مرع ًبــا‪ ...‬كــا أن قــويت حتتــاج‬
‫إىل مخــس دقائــق حتــى أســتطيع أن أســتخدمها ُمــد ًدا‪.‬‬
‫أبعد نور يدها وعدل ياقته وقال يطمئنها‪:‬‬
‫‪ -‬حسن ًا‪ ،‬سننتظر حتى تستعيدي قوتك‪ ،‬ولكن لدي خطة جيدة‪.‬‬
‫نظرت له جني وبدأ اخلوف ينقشع عنها قليالً‪ ،‬فقالت بحرية‪:‬‬
‫‪ -‬وما‪ ...‬هي؟‬
‫أختبــأ وراء املكتــب جمــد ًدا وأشــار إليهــا أن تــأيت‪ ،‬ثــم رشح هلــا اخلطــة‪،‬‬
‫وبعــد مخــس دقائــق توجهــا إىل اخلــارج وانعطفــا إىل هنايــة الطريــق‪ ،‬ثــم‬
‫اســتندا بظهورمهــا عــى املبنــى‪ ،‬وقــد اســتعدا بــكل كياهنــا لالنعطــاف إىل‬
‫الطريــق ناحيــة اليســار ورؤيــة مــا ينتظرمهــا‪ ،‬فنظــر نــور إليهــا نظــرة ذات‬
‫داللــة وهــو هيمــس‪:‬‬
‫‪ -‬واآلن سأعد لثالثة ثم سنبدأ‪.‬‬
‫فأومأت له جني برأسها‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫فعــد إىل ثالثــة وأندفــع إىل اليســار وهــو حيمــل املنظــار الــذي التقطــه‬
‫مــن داخــل متجــر األســلحة‪ ،‬كانــت جــن خلفــه تضــع يدهــا عــى كتفــه‬
‫ُمغمضــة عينيهــا ويبــدوا عليهــا الرتكيــز الشــديد‪ ،‬فنظــر نــور با ُملنظــار‬
‫ُمتفقــدً ا الطريــق ا ُملمتــد أمامــه‪ ،‬فــرأى مــا قــذف يف قلبــه الرعــب‪ .‬رفــع‬
‫ـدارا مــن احلديــد الصلــب أمامــه‪ ،‬فتلقــى‬
‫يــده وركــز بقــوة حتــى صنــع جـ ً‬
‫احلائــط رضبــة جمهولــة جعلتــه يتحــول إىل رمــاد‪ ،‬فأســتغل نــور محايــة‬
‫اجلــدار لــه وعــاد للــوراء برسعــة وســحب جــن معــه‪ ،‬ثــم عــاد هبــا إىل‬
‫داخــل املبنــي‪ ،‬وبــدأ يلهــث بقــوة فقالــت لــه جــن بتوتــر‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا‪...‬رأيت؟‬
‫تنفــس نــور الصعــداء‪ ،‬جاعــ ً‬
‫ا اهلــواء يــري يف رئتيــه‪ ،‬ثــم هــدأ مــن‬
‫روعــه قليــ ً‬
‫ا قائــاً‪:‬‬
‫‪ -‬لــن تُصدقــي مــا رأيتــه! مــن اجليــد أن خطتنــا نجحــت‪ ...‬عندمــا‬
‫أوقفـ ِ‬
‫ـت الزمــن خلمــس ثـ ٍ‬
‫ـوان واســتطعت أن أحتــرر مــن قيــودك الزمنيــة‪،‬‬
‫وأحتــرك بحريــة بينــا توقــف العــامل حولنــا عــن احلركــة‪ ...‬أمســكت‬
‫ا ُملنظــار وفحصــت الطريــق‪ ،‬فرأيــت العنكبــوت اللعــن ُمــد ًدا!‬
‫فرغ فاه جني واهتز وجداهنا‪ ،‬وقالت بتعجب يشوبه الذعر‪:‬‬
‫َ‬
‫عليك من قبل؟!‬ ‫‪ -‬أتقصد هذا املخلوق الضخم الذي كاد يقيض‬
‫رد نور وقد رست رعشة يف جسده من تذكره‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم إنـ ُه هــو‪ ...‬ويبــدوا أنــه رضبنــي باملدافــع الغريبــة التــي كان هياجــم‬
‫هبــا نســختي الضوئيــة‪ ...‬ال بــد أن هلــا قــدرة كبــرة يف حتويــل اجلســد إىل‬

‫‪76‬‬
‫ـرا يف قصــص اخليــال العلمــي‪ .‬ولكن‬ ‫فتــات يف ثانيــة‪ ،‬لقــد رأيــت هــذا كثـ ً‬
‫مل أتوقــع أن يتــم صنعـ ُه يف احلقيقــة! والغريــب أنــه رآنــا قبــل أن ننعطــف!‬
‫فقــد وجــدت طلقــة مــن مدفعـ ِ‬
‫ـه موجهــة إلينــا ومعلقــة يف اهلــواء بســبب‬
‫ـدارا ليحمينــا منهــا‪ ...‬ال أعلــم مــا الــذي‬
‫إيقافــك للزمــن‪ ،‬فصنعــت جـ ً‬
‫حيــدث بحــق اهلل!‬
‫صمتــت جــن قليــ ً‬
‫ا وهــي تشــعر باخلــوف يتملكهــا وخيــرق قلبهــا‬
‫ٍ‬
‫ـذرات زجاجيــة‪ ،‬فحدقــت ناحيــة نــور‪ ،‬ثــم كــرت صمتهــا قائلــة‬‫كشـ‬
‫ٍ‬
‫بتوتــر‪:‬‬
‫‪ -‬حسنًا‪ ...‬وكيف‪ ...‬سنعرب من ٍ‬
‫يشء كهذا؟‬
‫فكر نور قليال ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬ال أعلــم‪ ...‬هــل نســلك طريقـ ًا آخــر؟ أو ننتظــر حتــى يذهــب؟ فنحــن‬
‫لــن نســتطيع مواجهتــه!‬
‫ردت جني ُمقرتحة‪:‬‬
‫‪ -‬فلنسلك طريق ًا آخر سيكون هذا أفضل‪.‬‬
‫وافــق نــور عــى فكرهتــا‪ ،‬فجمعــا أســلحتهام ومعداهتــا‪ ،‬ثــم بــدءا‬
‫بالتحــرك إىل اخلــارج ليســلكا طريق ـ ًا آخــر‪ ،‬وأثنــاء توجههــا إىل اخلــارج‬
‫ـيء يقــرب‪ ،‬فســحب نــور جــن‬ ‫ســمعا صــوت حتطــم زجــاج منــذرا بـ ٍ‬
‫ُ ً‬
‫مــن معصمهــا برسعــة إىل اخللــف‪ ،‬وقفــزا وراء مكتــب االســتقبال ُمــد ًدا‪،‬‬
‫ثــم رفعــا رؤوســهام قلي ـ ً‬
‫ا لرييــا مــا حيــدث يف اخلــارج‪.‬‬
‫اتســعت عينــا نــور وجــن مــن اهللــع عندمــا رأيــا أقــدام العنكبــوت‬

‫‪77‬‬
‫الضخــم األماميــة قــد توقفــت عــى الطريــق بجانــب بــاب املدخــل‪ ،‬مل‬
‫ـوت ملحــوظ‪ ،‬فأشــار‬‫ينبســا ببنــت شــفة‪ ،‬ولكــن جــن كادت تشــهق بصـ ٍ‬
‫هلــا نــور بأصبعــه أن تلتــزم بالصمــت فوضعــت يدهــا عــى فمهــا واومأت‬
‫لـ ُه برأســها واخلــوف يتجــى بأهبــى صــورة يف عينيهــا‪ .‬أخفضــت رأســها‪،‬‬
‫وتنفســت بصعوبــة‪ ،‬وحاولــت كتــم صوهتــا قــدر اإلمــكان‪ ،‬فأشــفق نــور‬
‫عليهــا ومتنــى مــن كل قلبــه بــأال يســمع هــذا الروبــوت الضخــم صوهتــا‬
‫أيضــا‬
‫فيكتشــف أمرمهــا واال فــا ملجــئ منــه عــى اإلطــاق‪ .‬وخــاف ً‬
‫مــن أن يرامهــا مــن وراء احلائــط مثلــا فعــل مــن قبــل‪.‬‬
‫ـوت شــبه مســموع‪ ،‬فحــاول نــور الرتبيــت عــى‬‫ظلــت جــن تنتحــب بصـ ٍ‬
‫كتفهــا لتهدئتهــا‪ ،‬وأبتســم هلــا فيــا معنــاه ال ختــايف فأنــا معــك‪ ،‬ولكــن قلبه‬
‫مــن داخلــه كان يرتاقــص خو ًفــا‪ .‬تعجــب نــور مــن توقــف هــذا الــيء‬
‫اللعــن أمــام املبنــي بــدون أن يصــدر أدنــى حركــة؟ فهمــس جلــن‪:‬‬
‫‪ -‬سأذهب ألتفقد ملا توقف! وما الذي يفعله؟‬
‫فانقبضت مالحمها وقالت له ٍ‬
‫بقلق عميق‪:‬‬
‫‪ -‬أرجوك ال تذهب سوف يقيض عليك‪.‬‬
‫ِ‬
‫أعدك هبذا‪ ،‬سأتوخى احلذر‪.‬‬ ‫‪ -‬ال ختايف سأعود‬
‫فرتكتــه جــن يذهــب‪ ،‬وعدلــت مــن وضعيــة جســدها‪ ،‬رافعــة رأســها‬
‫فــوق املكتــب بقليــل‪ ،‬ونظــرت إىل نــور وهــو يتســلل مقرت ًبــا مــن البــاب‪.‬‬
‫اختبــأ نــور بــدوره خلــف األشــجار املوضوعــة يف قرصيــة عــى جانبــي‬
‫املدخــل‪ ،‬واقــرب منــه‪ ،‬وكان يتأكــد كل حلظــة أنــه مل يالحظــه بعــد ثــم‬

‫‪78‬‬
‫ينتقــل برسعــة إىل الشــجرة التاليــة وهكــذا حتــى وصــل إىل البــاب‪.‬‬
‫فوجــد العنكبــوت يقــف بــا حــراك‪ ،‬ولكنــه فهــم مــا حيــدث هنــا‪ .‬فقــد‬
‫كان يفحــص بالعــن‪ ،‬فــوق رأســه‪ ،‬املــكان ليتأكــد أنــه ال يوجــد أحــد‪،‬‬
‫ـرا بــا حركــة يف كل طريــق حتــى يمســح املــكان جيــدً ا‬‫وهلــذا يتوقــف كثـ ً‬
‫ويتأكــد مــن خلــوه مــن األعــداء‪ .‬التــف نــور عائــدً ا أدراجــه وهــو يلتفت‬
‫خلفــه بكثــرة للتأكــد أنــه مل ُيبــره بعــد‪ .‬وىف توتــر وبــدون أن ينظــر‬
‫ضجيجــا‬
‫ً‬ ‫أمامــه‪ ،‬أصطــدم بأحــد األشــجار الصناعيــة‪ ،‬فســقطت ُمدثــة‬
‫مدو ًيــا يف مدخــل املبنــي‪ ،‬فأرتــج قلب ـ ُه مــع ســقوطها وجتمــد مكانــه ومل‬
‫تطاوعــه قدمــه عــى التحــرك‪ .‬نظــر إىل جــن التــي اتســعت عيناهــا وهبــط‬
‫فكهــا الســفيل وهــي تشــر ناحيــة البــاب‪ ،‬فحفــز قدميــه بقــوة وركــض‬
‫بــدون أن ينظــر وراءه وقفــز خلــف املكتــب حمــاوالً متالــك أنفاســه حتــى‬
‫ال يشــعر بــه العنكبــوت‪.‬‬
‫فجــأة توجهــت أنظــار الروبــوت ناحيــة مدخــل املبنــى وانحنــى بجســده‬
‫حتــى أصبــح املدخــل عــى مســتوي نظــره وبــدأ بتفحــص املــكان‪.‬‬

‫كتم نور وجني أنفاسهام‪ ،‬داعيان من قلبيهام أال ُ َ‬


‫يراها هذا اليشء‪.‬‬
‫حدقــت عــن العنكبــوت بالقرصيــة التــي حتمــل الشــجرة وهــي هتتــز‬
‫يمين ـ ًا ويســارا كنتيجــة لســقوطها‪ .‬وفجــأة اضــاءت عينــه بضـ ٍ‬
‫ـوء أزرق‪،‬‬ ‫ً‬
‫وحتركــت مــن مكاهنــا لتدلــف إىل املبنــى‪ .‬كانــت العــن متصلــة بجســدِ‬
‫ُ‬
‫العنكبــوت عــر أنبوبــة بداخلهــا العديــد مــن األســاك‪ .‬اقرتبــت مــن‬
‫الشــجرة‪ ،‬وتفحصتهــا بعنايــة مــن كل االجتاهــات‪.‬‬
‫ا ُمســرق ًا النظــر‪ ،‬فــرأى‬
‫نفســا عميقــ ًا وأرتفــع برأســه قليــ ً‬
‫أخــذ نــور ً‬

‫‪79‬‬
‫العــن التــي ُتلــق يف اهلــواء‪ ،‬فــكاد أن يشــهق ولكنــ ُه وضــع يــد ُه عــى‬
‫فمــه وأنخفــض ُمــد ًدا عائــدً ا أدراجــه‪ .‬نظــر إىل جــن بنظــرات ذات‬ ‫ِ‬
‫ـة‪ ،‬ففهمــت جــن نظراتــه ومهســت‬ ‫داللــة فيــا معنــاه أهنــم اآلن يف ورطـ ٍ‬
‫لــه بنــرة مرجتفــة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا سنفعل اآلن؟‬
‫ً‬
‫حــال! بمجــرد أن يوجــه عينــه إىل مكاننــا ســرانا‬ ‫‪ -‬جيــب‪...‬أن هنــرب‬
‫بالتأكيــد‪.‬‬
‫‪ -‬كيف سنهرب؟‬
‫فكرا ٍ‬
‫بحل ما‪ ،‬فهمس‪:‬‬ ‫صمت نور قلي ً‬
‫ال وأخذ يضغط عىل عقله ُم ً‬
‫‪ -‬هل عادت قوتك؟‬
‫ٍ‬
‫ثــوان فقــط‪ ...‬لــن نســتطيع اهلــرب أو‬ ‫ِ‬
‫خلمــس‬ ‫‪ -‬نعــم عــادت ولكــن‬
‫االختبــاء‪.‬‬
‫صمــت قلي ـ ً‬
‫ا ل ُيحلــل املوقــف جيــدً ا‪ ،‬فلمعــت يف رأســه فكــرة ولكنهــا‬
‫غايــة يف اخلطــورة‪ ،‬ومل يكــن هنــاك حــل غريهــا يف مثــل هــذا املوقــف‪،‬‬
‫فهمــس إىل جــن ورشح هلــا اخلطــة برسعــة‪ ،‬فانقبضــت قســات وجههــا‬
‫هامســة‪:‬‬
‫‪ -‬هل أنت جمنون؟ س ُيقيض علينا بالتأكيد‪.‬‬
‫فرد نور ويبدوا عليه العجلة‪:‬‬
‫‪ -‬ال ختــايف فالعــن هنــا‪ ...‬بمجــرد املــرور منهــا‪ ،‬لــن يســتطيع رؤيتنــا‪...‬‬

‫‪80‬‬
‫وهكــذا ســنمر منــه مــرور الكــرام وهنــرب بعيــدً ا‪ ...‬مخــس ثـ ٍ‬
‫ـوان يكفــون‬
‫للخــروج مــن هنــا‪ ،‬ولندعــو بــأال يشــعر بنــا‪ ...‬واآلن أســتعدي فليــس‬
‫هنــاك وقــت يكفــي للجــدل‪.‬‬
‫أومــأت جــن برأســها‪ ،‬فصنــع نــور قطعــة خشــبية وألقاهــا باجتــاه‬
‫بــاب اخلــروج‪ ،‬فألتفــت العــن وراءهــا لتتفقــد مصــدر هــذا الصــوت‪،‬‬
‫فأشــار نــور جلــن أن تتحــرك؛ وانطلقــا يشــقان طريقهــا هبــدوء بجانبهــا‬
‫وانخفضــا مــن أســفل األنبوبــة التــي حتمــل العــن ومتتــد إىل داخــل‬
‫املبنــي‪ ،‬حتــى وصــا إىل البــاب وقــد أصبحــت العــن تقــف أمــام البــاب‬
‫تنظــر إىل اخلــارج وتتفحــص مصــدر الصــوت‪ ،‬وبعــد أن أيقنــت مــن‬
‫عــدم وجــود يشء التفــت ُمــد ًدا وعــادت إىل داخــل املبنــى‪ .‬أوقفــت جــن‬
‫الزمــن وهرولــت فتبعهــا نــور واندفعــا إىل اخلــارج حتــى أصبحــا حتــت‬
‫جســد العنكبــوت مبــارشة‪ ،‬فمــرا برسعــة مــن أســفله ولكــن الزمــن عــاد‬
‫ُمــد ًدا‪ ،‬وكان منظــر هــذا اجلســد املعــدين العمــاق ُيثــر القشــعريرة يف‬
‫أجســادمها‪ ،‬فســحبها نــور برسعــة وعــرا مــن بــن أرجلــه الثامنيــة‪ ،‬ثــم‬
‫حيــث كانــت وجهتهــا منــذ البدايــة‪ ،‬فأصبحــا خــارج‬ ‫ُ‬ ‫يســارا‬
‫ً‬ ‫انعطفــا‬
‫نطــاق رؤيــة العنكبــوت اآليل‪ ،‬ولكنهــا ســمعا صــوت الرصيــر املعــدين‬
‫ألقــدام العنكبــوت وتبعــه حتطــم زجــاج‪ ،‬فنظــرا ورائهــا واقشــعرت‬
‫جلودمهــا وقــد رأيــا جســد العنكبــوت ينعطــف باجتاههــا‪ ،‬وأيقنــا اآلن‬
‫أنــه قــد أحــس هبــا‪.‬‬
‫أصبــح جســد العنكبــوت اآلن ورائهــا‪ ،‬وأخــرج مدفعــن مــن البالزمــا‬
‫مــن ظهــره‪ ،‬وبــدأ يطلــق طلقــات كرويــة صغــرة احلجــم ومتوهجــة‬

‫‪81‬‬
‫ناحيتهــم‪ ،‬فمــرت أول طلقــة بجانبهــا‪ ،‬فــرخ نــور جلــن عال ًيــا‪:‬‬
‫‪ -‬إن ملســتنا هــذه األشــياء فســوف نتبخــر‪ .‬ســنفرتق لــذا حــاويل تفادهيــا‬
‫قــدر اإلمــكان‪.‬‬
‫أومــأت جــن برأســها وانحرفــت إىل اليســار بينــا انحــرف نــور إىل‬
‫اليمــن‪.‬‬
‫أكمــل العنكبــوت ركضــه ورائهــا ُمرس ًعــا‪ ،‬وهــو خيطــوا عــى الســيارات‬
‫طــا إياهــا‪ ،‬ويطلــق طلقــات البالزمــا فتصطــدم بــاألرض أو بأحــد‬ ‫ُم ً‬
‫الســيارات املركونــة لتتالشــى مــن الوجــود‪ .‬نظــر نــور خلفــه فــرأى اجتــاه‬
‫متفــادي إياهــا‪ .‬وكانــت جــن تقلــده‪،‬‬
‫ً‬ ‫الطلقــة فأنحــرف عــن الطريــق‬
‫فقــال هلــا صارخــا‪:‬‬
‫ِ‬
‫قوتك؟‬ ‫‪ -‬هل تستطيعني استخدام‬
‫عال وهي تلهث متفادية الطلقات التي متر بجانبها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بصوت ٍ‬ ‫فقالت‬
‫‪ -‬ال ليس بعد‪ ...‬حاول أن تُفكر يف ٍ‬
‫يشء ما!‬
‫شــعر نــور أنــه ســيتم القضــاء عليهــا إذا مل يتــرف اآلن‪ .‬ففكــر أن‬
‫يشء منــذ أن خــرج مــن‬ ‫يســتخدم قوتــه التــي مل تفــده حتــى اآلن يف ٍ‬
‫الــرج‪ ،‬فأغمــض عينيــه ثــم صنــع نســختني مــن الضــوء‪ ،‬فانطلقــت‬
‫واحــدة إىل اجلانــب األيمــن واألخــرى إىل األيــر‪ ،‬بينــا صنــع حاجــز ِم َن‬
‫الصلــب وأختبــأ خلفــه‪ ،‬ثــم أرتفع بجســده ووجــه ســاحه ناحية‬ ‫ِ‬
‫احلديــد ُ‬
‫عــن العنكبــوت حمــاوالً إصابتهــا اثنــاء انشــغال العنكبــوت بمهامجــة‬
‫النســختني‪ .‬أطلــق نــور النــار عــى عينيــه التــي تتحــرك باســتمرار حمــاوالً‬

‫‪82‬‬
‫إصاباهتــا‪ ،‬وأســتطاع أن ُيصيبهــا ببضــع طلقــات ولكنــه رأي أهنــا منيعــة‬
‫ضــد الرصــاص فقــال لنفســه‪:‬‬
‫يشء كهــذا‪ ...‬مــاذا حــدث‬‫‪ -‬تب ـ ًا هــذه األســلحة القديمــة لــن تؤثــر يف ٍ‬
‫لألســلحة التــي كانــت موجــودة يف عــري؟!‬
‫أســتطاع العنكبــوت أن ُيزيــح النســخة التــي عــى اليمــن وأجتــه ليقــي‬
‫عــى النســخة األخــرى‪.‬‬
‫أبيضــا مــن الليــزر‬
‫تفاجــئ نــور عندمــا رآه ُيطلــق مــن العــن شــعا ًعا ً‬
‫يمحــوا كل مــا يلمســه‪.‬‬
‫اختفــت النســخة األخــرى‪ ،‬وتدمــر جــزء كبــر مــن املبنــى خلفهــا‪ ،‬فشــعر‬
‫نــور بالقلــق جــراء هــذا‪ ،‬ونظــر وراءه فوجــد أن جــن ابتعــدت مســافة‬
‫كافيــة ولكنهــا توقفــت لتتفقــد حالــه‪.‬‬
‫نتصــب يف منتصــف‬ ‫وجــه العنكبــوت الشــعاع إىل احلاجــز احلديــدي ا ُمل ِ‬
‫الطريــق فقفــز نــور ناحيــة اليمــن برسعــة إذ تالشــى اجلــدار وراءه مــن‬
‫أثــر الشــعاع‪ ،‬ثــم خطــرت ببالــه فكــرة ولكنهــا خطــرة‪ ،‬فصنــع در ًعــا‬
‫متوســط احلجــم ولكنــه كاملــرآة‪ ،‬وقــال لنفســه‪:‬‬
‫‪ -‬أمتنــى أن يكــون هــذا الشــعاع لديــه خــواص انعكاســية مثلــا حــدث‬
‫عندمــا واجهــت «يل كانــج» يف املرحلــة األخــرة مــن ســباق املــوت‪.‬‬
‫علــم نــور أن مــا يفعلــه قــد يقــي عليــه‪ ،‬فشــعاع هــذا الروبــوت أقــوى‬
‫بكثــر مــن شــعاع «يل كانــج»‪ ،‬ولكنــه مل يم ُلــك خيـ ً‬
‫ـارا آخــر‪.‬‬
‫أندفــع الشــعاع مــن عـ ِ‬
‫ـن العنكبــوت قاط ًعــا طريقــه إىل نــور الــذي رفــع‬

‫‪83‬‬
‫درعــه ليصــد الشــعاع ويعكســه عــى العنكبــوت ولكنــه أدرك متأخـ ًـرا أن‬
‫الشــعاع ال يملــك خواصــا انعكاســية‪ ،‬فتبخــر الــدرع يف يـ ِ‬
‫ـده فقــذف مــا‬ ‫ً‬
‫تبقــى منــه وقفــز ناحيــة اليســار وقــد علــم أنــه كاد أن َيقــي نحبــه اآلن‬
‫بســبب هتــوره‪.‬‬
‫وثــب نــور مــن عــى األرض مــرة أخــرى وقــد اخضــل شــعره وتصبــب‬
‫العــرق مــن جسـ ِ‬
‫ـده‪ ،‬بينــا ســمع صــوت جــن تُنــادي عليــه أن هيــرب‬
‫ولكنــه جتاهلهــا وأخــذ يفكــر يف خطوتـ ِ‬
‫ـه القادمــة‪.‬‬
‫ملعــت فكــرة متهــورة أخــرى يف رأســه وقــرر أهنــا مــاذه األخــر أو‬
‫ســ ُيقىض عليــه لألبــد‪.‬‬
‫خصيصــا لتعطيــل‬
‫ً‬ ‫أخــرج مــن حقيبتــه قنبلــة كهرومغناطيســية ُصنعــت‬
‫أي ٍ‬
‫يشء إلكــروين يف جماهلــا‪ ،‬وقنبلــة أخــرى دخانيــة‪ ،‬وبعــض املتفجــرات‬
‫الالصقــة‪.‬‬
‫صنــع نــور نســختني مــن الضــوء وشــعر أن طاقتــه كادت تنفــد وأن هــذه‬
‫قــد تكــون آخــر حماولــة ليفعــل أي يشء‪.‬‬
‫أنطلــق نــور يشــق طريقــ ُه ناحيــة العنكبــوت وقــد ســبقته النســختني‬
‫فوجــه العنكبــوت طلقــات البالزمــا باجتاههــا فتالشــت النســخة األوىل‬
‫ا مــن‬ ‫بينــا أنحــرف نــور يمينـ ًا ويسـ ً‬
‫ـارا ليتجنبهــا‪ ،‬وبعــد أن اقــرب قليـ ً‬
‫العنكبــوت تالشــت النســخة األخــرى‪ ،‬فأصبــح تركيــز العنكبــوت عليــه‪،‬‬
‫فــرأي نــور أنــه مل يقــرب بــا فيــه الكفايــة فصنــع درعـ ًا مــن الكريســتال‬
‫ليحميــه ِمــن الطلقــات فتالشــى الــدرع فصنــع الــذي يليــه‬
‫ِ‬ ‫الصلــب‬
‫برسعــة وصــد بــه الطلقــة التاليــة‪ ،‬حتــى أســتطاع االقــراب بــا فيــه‬

‫‪84‬‬
‫الكفايــة‪ ،‬فأمســك بالقنبلــة الكهرومغناطيســية وألقاهــا عــى العنكبــوت‬
‫ٍ‬
‫بوابــل مــن الكهربــاء املغناطيســية التــي جعلتــه‬ ‫فهبطــت فوقــه لتصيبــه‬
‫يرتنــح يف مكانــه وقــد تشــوش نظــام تصويبــه ورؤيتــه فتشوشــت رؤيتــه‪.‬‬
‫ألقــي نــور قنبلــة دخانيــة أمــام العنكبــوت حتــى حيجــب رؤيتــه هنائ ًيــا بعد‬
‫القنبلــة األوىل ثــم عــر مــن بــن الدخــان وخــرج منــه حتــى أصبح أســفل‬
‫العنكبــوت فأمســك بالقنابــل الالصقــة وبــدأ يضعهــا الواحــدة تلــو‬
‫األخــرى عــى أرجــل العنكبــوت وهــو يركــض مــن بينهــا‪ ،‬حتــى وضــع‬
‫ـة إىل األمــام حتــى أصبــح العنكبــوت‬ ‫ســتة قنابــل‪ ،‬وركــض بعدهــا برسعـ ٍ‬
‫خلفــه‪ ،‬ثــم ضغــط عــى زر التفجــر فانفجــرت أرجــل العنكبــوت وهوى‬
‫بجســده عــى األرض بقــوة حمــاوالً التــوازن بــا تبقــي لــه مــن أقــدام‪.‬‬
‫وقــف نــور وهــو يلتقــط أنفاســه ثــم توجــه ناحيــة القــدم ا ُملتبقيــة‪ ،‬وصنــع‬
‫سلســلة طويلــة تنتهــي بخطــاف‪ ،‬ولفهــا يف اهلــواء ثــم قذفهــا ناحيــة القدم‬
‫حتــى ألتفــت عليهــا وقيدهتــا فســحبها حتــى تداعــت القــدم وأختــل‬
‫تــوازن العنكبــوت بالكامــل فســقط عــى األرض وأصبحــت العــن أمــام‬
‫نــور ترتنــح بقــوة‪ ،‬فأمســك نــور بقنبلــة يدويــة يف يــده‪ ،‬وقذفهــا ناحيــة‬
‫العــن وهــو يقــول بنــرة عنيفــة‪:‬‬
‫‪ -‬الوداع أهيا الوغد‪.‬‬
‫انفجــرت القنبلــة يف العــن‪ ،‬فتناثــرت إىل قطـ ٍع صغــرة يف أنحــاء الطريــق‪،‬‬
‫وخــر العنكبــوت ســاكن ًا ال يتحــرك بعــد تدمــر اجلــزء الــذي ُي ِركـ ُه‪.‬‬
‫ألقــى نــور بجســده عــى األرض وهلــث بقــوة مــن هــول املجهــود الــذي‬
‫بذلــه ورأى أنــه مل يتبــق لــه إال القليــل مــن الطاقــة‪ .‬أبــر جــن وهــي‬

‫‪85‬‬
‫تركــض ناحيتــه غــر ُمصدقــة ملــا رأتــه‪ .‬وصلــت إليــه‪ ،‬وعــي عينيهــا‬
‫نظــرات الدهشــة والغضــب يف نفــس الوقــت‪ ،‬فقالــت بنــرة عصبيــة‪:‬‬
‫‪ -‬هــل أنــت أمحــق؟ لقــد كــدت أن تقتــل نفســك هبــذا التهــور! ولكــن‬
‫هــذا كان ُمدهــش حقــا‪.‬‬
‫أبتســم نــور هلــا وهــو يمســح عرقــه الــذي يتصبــب بقــوة يف كل أنحــاء‬
‫جســده‪.‬‬
‫قالت جني وهي تتفقد الطريق من حوهلا‪:‬‬
‫‪ -‬جيب أن نتحرك من هنا وإال فسيأيت املزيد منه‪.‬‬
‫ولكــن قبــل أن تــدوم فرحتهــا بالقضــاء عــى هــذا الــيء‪ ،‬باغتهــا واحــد‬
‫آخــر مــن نفــس الطريــق‪ .‬ســمعا صوتــه املألــوف هيــدر يف الطرقــات‪،‬‬
‫فشــعر نــور بصــدره ينقبــض وجســده يرجتــف‪ ،‬وقــد رأى أنــه ال يمــك‬
‫أي طاقــة ملواجهــة واحــد آخــر‪.‬‬
‫ظلــت جــن حتــث نــور عــى الوقــوف واهلــرب‪ ،‬ولكنــه شــعر أهنــا‬
‫هنايتهــا‪ .‬وقــف وركــض ببــطء وهــو يرتنــح‪ ،‬بينــا ظهــر العنكبــوت‬
‫خلفهــا بصوتــه اإللكــروين املزعــج ورصيــر أقدامــه‪ ،‬ومدافعــه التــي‬
‫تتحفــز لفتــك هبــا‪ .‬نظــر نــور أمامــه فوجــد أهنــا ال زاال يف منتصــف‬
‫الطريــق‪ ،‬والروبــوت مل يعــد يبعــد عنهــا إال بِضعــة أمتــار‪.‬‬
‫أيضــا‪ ،‬والوقــت يدامههــا‬ ‫علــم نــور أن أفــكاره نفــذت وطاقتــه ً‬
‫والروبــوت يقــرب برسعــة‪ ،‬وأحــس أهنــا النهايــة‪ ،‬ولكنــه فجــأة ملــح‬
‫شــي ًئا ذهب ًيــا يلمــع أعــى زجــاج املبنــى الواقــع عــى يســاره‪ ،‬وكأهنــا حرشة‬

‫‪86‬‬
‫تســر عــى الزجــاج برسعــة‪ .‬وإذ فجــأة قفــز الــيء الــذي يشــبه احلــرة‬
‫عال ًيــا يف الســاء‪ ،‬وأتضــح أن تركيبتــه الفســيولوجية تُشــبه اإلنســان‬
‫كثــرا‪ .‬هبــط عــى العنكبــوت بــراوة فأصطــدم جســد العنكبــوت‬ ‫ً‬
‫بــاألرض بشــدة ومل تتحمــل أقدامــه الضغــط فبــدأت بالتفــكك ببــطء‪.‬‬
‫أمســك الــيء الذهبــي العــن الكبــرة القابعــة فــوق رأس العنكبــوت‬
‫بيــده‪ ،‬وســحبها بقــوة‪ ،‬حتــى انقلعــت مــن مكاهنــا وتبقــت األســاك‬
‫ا ُملرتبطــة بجســد العنكبــوت فقــط ثــم رمــى العــن بعيــدً ا‪ .‬تفاجــئ نــور‬
‫عندمــا رأى العنكبــوت ينهــض بجســده جمــد ًدا وهــو يلــوح بأقدامــه يف‬
‫كل اجتــاه‪ ،‬فتوقــف هــو وجــن عندمــا رأيــا مــا حيــدث‪ ،‬وحدقــا بقــوة‬
‫ناحيــة الــيء الذهبــي الغريــب الــذي أســقط الروبــوت العمــاق بنفســه‬
‫بــدون أي جهــد‪ ،‬ولكــن ليــس هــذا مــا أدهشــهام عــى قــدر أنــه ال يبــدوا‬
‫برش ًيــا عــى اإلطــاق‪ ،‬ولكنهــا مل يســتطيعا حتديــد هويتــه بســبب هيجــان‬
‫العنكبــوت الــذي أخــذ يلتــف حــول نفســه ُمطـ ًـا كل مــا حولــه بــراوة‬
‫وهــو هيــز جســده حمــاوالً إيقــاع احلــرة الذهبيــة التــي جتثــم عــى ظهــره‪،‬‬
‫ولكــن كان يبــدوا أن الــيء الذهبــي الغريــب يقــاوم كل هــذا بســهولة‪،‬‬
‫ثــم وبمــأ إرادتــه قفــز مــن فــوق العنكبــوت عال ًيــا وملــح نــور أجنحــة‬
‫ختــرج مــن ظهــره‪.‬‬
‫نــزل الــيء الذهبــي عــى األرض وبــدأت مالحمــه تتضــح اآلن‪ ،‬فرتاجــع‬
‫كُال مــن نــور وجــن وقــد أصاهبــا الدهشــة واحلــرة‪ .‬أشــار نــور بأصبعـ ُه‬
‫ناحيتـ ُه وهــو يتمتــم‪:‬‬
‫‪ -‬روبوت‪ ...‬يقاتل‪ ...‬روبوت؟!‬

‫‪87‬‬
‫نظــر إىل جــن وكان يبــدوا مــن مالمــح وجههــا أهنــا تبادلــه نفــس‬
‫التســاؤالت‪ .‬كان الروبــوت والعنكبــوت يبعــدان عنهــا حــوايل مائــة مرت‪،‬‬
‫ولكنهــا بديــا واضحــن وضــوح الشــمس وســط كل هــذه البلبلــة‪.‬‬
‫كان جســده مكــي باللــون الذهبــي وهنــاك يشء ُمســتدير يشــع عنــد‬
‫قلبــه وكأهنــا جوهــرة ينعكــس عليهــا ضــوء الشــمس‪ ،‬وباملثــل كان نفــس‬
‫الــيء يقبــع فــوق جبينــه بقليــل‪ ،‬بينــا عينــاه تشــعان بلـ ٍ‬
‫ـون أزرق داكــن‪.‬‬
‫ـرا‪ ،‬مــع مالمــح الروبوتــات اخلالية‬
‫تركيبتــه الفســيولوجية تُشــبه البــر كثـ ً‬
‫مــن املشــاعر‪ ،‬وكان جســده متســق ًا ومصنو ًعــا بمهـ ٍ‬
‫ـارة عظيمــة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بــدا وكأن الروبــوت الذهبــي يركــض بتموجــات غريبــة بــن أقــدام‬
‫العنكبــوت الــذي كان حيــاول أن يدهســه بأقدامــه الثامنيــة وهــو يــرب‬
‫األرض يف كل االجتاهــات‪ .‬الحــظ نــور احلــركات الغريبــة للروبــوت‬
‫الذهبــي‪ ،‬فقــال وهــو يتتبــع حتركاتــه بعينيــه‪:‬‬
‫‪ -‬هل هو يتزلج؟‬
‫فردت جني وهي توافقه الرأي‪:‬‬
‫‪ -‬يبــدوا أنــه يمتلــك عجــات يف قدميــه مثــل أحذيــة التزلــج التــي‬
‫نرتدهيــا أحيانــ ًا!‬
‫تزلــج الروبــوت الذهبــي بــن أقــدام العنكبــوت برشـ ٍ‬
‫ـاقة ُمتجن ًبــا رضباتــه‬
‫بحــركات متموجــة‪ ،‬بينــا أخــرج مــن راحــة يديــه منشــارين دائريــن‬
‫ضوئيــن‪.‬‬
‫ـة رهيبــة وهــي تلمــع بضـ ٍ‬
‫ـوء أزرق بــراق بينــا تزلــج‬ ‫دارت املناشــر برسعـ ٍ‬
‫ُ‬

‫‪88‬‬
‫الروبــوت بثقــة ورزانــة بــن أقــدام العنكبــوت الــذي يرفــس ويــرب‬
‫األرض‪ .‬رفــع الروبــوت يــداه ومــرر املناشــر عــر أقــدام العنكبــوت‬
‫فتقطعــت قدمــان مــن اجلانــب األيــر للعنكبــوت‪ ،‬وأكمــل تزجلــه بــن‬
‫أقدامــه اخللفيــة ثــم التــف ‪ 180‬درجــة عائــدً ا أدراجــه وقطــع أحــد‬
‫أقدامــه اخللفيــة‪ .‬بــدأ العنكبــوت يفقــد اتزانــه‪ ،‬فمــر الروبــوت الذهبــي‬
‫مــن حتــت جســده الضخــم ناحيــة القــدم األماميــة اليــرى وقطعهــا‬
‫نصفــن‪ ،‬فســقط العنكبــوت عــى جانبــه األيــر‪ ،‬وبــدأت حركتــه هتــدأ‬
‫متوجهــا ناحيــة رأســه‪.‬‬
‫ً‬ ‫تدرجي ًيــا‪ ،‬فالتــف الروبــوت الذهبــي‬
‫أشــار نــور جلــن كــي ُيكمــا اهلــرب فأومــأت برأســها وبــدأت تركــض‬
‫معــه ُمبتعــدة‪.‬‬
‫فــر ك ًُل مــن نــور وجــن برسعــة خوف ـ ًا مــن أن يــأيت دورمهــا بعــد هــذا‬
‫العنكبــوت اآليل‪ ،‬فلــم يرجحــا فكــرة أن يكــون الروبــوت الذهبــي‬
‫يســاعدمها البتــة‪ ،‬كــا أن اهلــرب أفضــل مــن ا ُملخاطــرة والتوقــف حتــى‬
‫ينتهــي الروبــوت مــن القضــاء عــى العنكبــوت ُليحــب هبــا‪ ،‬فهــذا غــر‬
‫مضمــون عــى اإلطــاق نظـ ًـرا للظــروف التــي حتيــط هبــا‪ .‬رجحــا فكــرة‬
‫اهلــروب بينــا تقــي الروبوتــات عــى بعضهــا البعــض‪.‬‬
‫ركضــا وســط املبــاين العاليــة عــى ضــوء الشــمس الســاطع‪ ،‬الــذي كان‬
‫ُيرشــدمها بخطوطــه الذهبيــة عــى األرض‪ ،‬وبعــد مخــس دقائــق مــن‬
‫الركــض بــا توقــف‪ ،‬أشــار نــور جلــن التــي كانــت تلهــث بقــوة أن‬
‫تتوقــف‪ ،‬وانعطــف يمين ـ ًا يف أحــد األزقــة وأشــار هلــا أن تتبعــه فتبعتــه‪.‬‬
‫دخــا الزقــاق الضيــق الــذي حيــوي بعــض صناديــق القاممــة‪ ،‬واملواســر‬

‫‪89‬‬
‫لتمدهــا باملــاء والغــاز‪.‬‬
‫املمتــدة بــن املبــاين ُ‬
‫وقفــا واســتندا عــى احلائــط‪ ،‬ليســرحيا ومهــا ال يصدقــان مــا قــد رأوه‪.‬‬
‫روبــوت هياجــم روبــوت آخــر! يف كل هــذه األحــداث الغريبــة كان اليشء‬
‫املشــرك فيهــا أن الروبوتــات كانــت تتعــاون فيــا بينهــا‪ ،‬ولكــن مــا رأوه‬
‫اآلن أثبــت هلــم أن هنــاك الكثــر مــن األشــياء التــي ال يفهموهنــا بعــد‪،‬‬
‫وأن اســئلتهم بــدأت تتزايــد‪ ،‬وليــس هنــاك أجوبــة حتــى اآلن‪ .‬نظــر نــور‬
‫إىل الســاء وتنفــس الصعــداء حمــاوالً أن يســتعيد نبــض قلبــه الطبيعــي‪،‬‬
‫وشــعر وكأنــه ســمكة تــم اإلمســاك هبــا وإخراجهــا مــن املــاء بضعــة‬
‫دقائــق ثــم ألقوهــا يف املــاء جمــد ًدا‪.‬‬
‫أيضــا يف حماولــة للســيطرة‬
‫نظــر إىل جــن التــي كانــت تلتقــط انفاســها ً‬
‫عــى نبــض قلبهــا ومعــدل التنفــس الطبيعــي‪ ،‬وعــى ســيل املشــاعر الــذي‬
‫يــري بداخلهــا وقــد أمحــرت وجنتيهــا‪ .‬فتنهــد نــور قائــا‪:‬‬
‫‪ -‬لقد نجونا بأعجوبة‪.‬‬
‫أومــأت لــه جــن واالرهــاق يتبــدى يف عينيهــا‪ .‬قالــت وهــي تلتقــط‬
‫أنفاســها بصعوبــة‪:‬‬
‫‪ -‬لقد‪ ...‬كانت‪ ...‬النهاية‪ ...‬وشيكة‪.‬‬
‫‪ -‬نعــم ولكــن الفضــل يعــود هلــذا الروبــوت الذهبــي‪ .‬لقــد أنقذنــا‪،‬‬
‫ولكنــي ال أعلــم ملــاذا فعــل هــذا؟‬
‫ردت جني بسخرية‪:‬‬
‫‪ -‬وعىل األرجح لن تعرف‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫قال نور ضاحك ًا‪:‬‬
‫‪ -‬يا ِ‬
‫لك من كتلة تشاؤم متحركة‪.‬‬
‫ضحكت جني ضحكة متقطعة يف رصاع مع أنفاسها ثم قالت‪:‬‬
‫‪ -‬أتريــدين أن أتفــاؤل وســط هــذه الظــروف؟! ســأحاول فعــل هــذا‬
‫َ‬
‫أعــدك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ولكــن ال‬
‫ضحــك نــور وأشــار هلــا بمتابعــة الســر‪ ،‬فبــدءا بعبــور الزقــاق ومهــا‬
‫يتأمــان املــكان الكئيــب بإمعــان‪ .‬كان هنــاك قطــط تقفــز داخــل صناديــق‬
‫القاممــة تــارة وتتشــاجر مــع بعضهــا تــارة أخــري‪ .‬وصــا إىل آخــر الزقــاق‬
‫فوجــدا ســاحة واســعة أمامهــا‪ ،‬فأشــار نــور جلــن أن تتوقــف ثــم مــال‬
‫موجهــا نظــره يف كل االجتاهــات ليتأكــد أنــه ال‬
‫ً‬ ‫برأســه خــارج الزقــاق‬
‫يوجــد أي خطــر‪ .‬جلــس عــى ركبتيــه وأخــرج املنظــار مــن حقيبــة ظهــره‬
‫وتفحــص املــكان بأكملــه‪ ،‬فوجــد يف منتصــف الســاحة نافــورة مجيلــة‬
‫تزينهــا الفسيفســاء‪ ،‬وىف منتصفهــا متثالــن لشــخصني يميــان بجســدمها‬
‫ناحيــة بعضهــا البعــض وىف يدمهــا إبريــق مــاء يس ـك ِ‬
‫ُبان بــه املــاء داخــل‬
‫احلــوض الكبــر للنافــورة‪ .‬ويف األفــق ناحيــة اليمــن كان يوجــد مبنــى‬
‫جامعــي آيــة يف اجلــال‪ .‬كان يتكــون مــن عــدة مبــاين متجــاورة‪ ،‬ذات‬
‫ســطح ُمبلــط‪ ،‬ويزينهــا مــن األمــام عــدة حدائــق وأشــجار وســاعة‬
‫كبــرة شــاخمة يف اهلــواء‪ُ ،‬معلقــة بــن عموديــن مســطحني؛ ولوهنــا األزرق‬
‫الســاوي ُيضفــي هبجــة ومجــاالً عليهــا‪ ،‬وبجانبهــا مشــفى‪.‬‬
‫تفحــص نــور املــكان جيــدً ا بمنظــاره‪ ،‬فــرأى أن املــكان خـ ٍ‬
‫ـال متا ًمــا مــن‬
‫أي أثــر للحيــاة فأشــار جلــن أن تتبعــه‪ .‬فأومــأت برأســها بــدون أن تنبــت‬

‫‪91‬‬
‫ببنــت شــفه‪ ،‬وســارت خلفــه‪ ،‬فقطعــا الســاحة ومهــا يتأمــان املناظــر‬
‫اخلالبــة حوهلــا مــن أشــجار ومبــاين رائعــة التصميــم‪ ،‬فنظــر نــور حولــه‬
‫وشــعر أن هنــاك شــخص يراقبهــا‪.‬‬

‫***‬

‫‪92‬‬
‫‪7‬‬
‫أثنــاء ســرهم ومرورهــم باملتاجــر الفارغــة واللوحــات اإلعالنيــة ا ُملعلقــة‬
‫يف االنحــاء والســيارات املركونــة التــي غشــيها األتربــة‪ .‬توقــف نــور‬
‫للحظــه‪ ،‬وقــد شــعر ُمــد ًدا أن هنــاك أحــدً ا يراقبهــا‪ .‬ال يعــرف مــن! أو‬
‫ملــاذا! ولكنــه يثــق بحدســه دائـ ًـا‪ ،‬وحدســه يقــول لــه أهنــا مراقبــان‪ .‬ظــل‬
‫ينظــر يف كل االجتاهــات‪ ،‬فقاطعــت جــن حبــل أفــكاره قائلــة‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا توقفت‪ ،‬هل حدث يشء ما؟‬
‫فقال هلا بينام هو منهمك يف تأمل املكان حوله‪:‬‬
‫‪ -‬انتظري حلظه أشعر بأننا مرا ُقبان‪.‬‬
‫نظرت جني حوهلا يف كل االجتاهات بتوتر وتوجس وقالت بقلق‪:‬‬
‫‪ -‬ال بد أنك تتخيل ال يوجد أحد غرينا هنا‪ ،‬أنا ال أري أحدً ا‪.‬‬
‫بصوت ٍ‬
‫عال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ظل نور ينظر حوله ومن ثم رصخ‬
‫‪ -‬من أنت؟! أظهر نفسك‪.‬‬
‫ملــح نــور أحــد الروبوتــات يقفــز مــن أعــى املبنــي وراءه ليباغتــه وينقــض‬
‫عليــه‪ ،‬ولكنــه ألتــف برسعــة وأمســك بيــد الروبــوت أثنــاء هبوطــه‬
‫ورفعــه مــن فــوق كتفــه ل ُيلقــي بــه عــى األرض فومــد يــده إىل اجلوهــرة‬
‫التــي عنــد رأســه وخلعهــا بيــده بصعوبــة بالغــة‪ ،‬فأنطفــأ الروبــوت ومل‬
‫يتحــرك أمــام دهشــة جــن وذعرهــا مــن هــذه املفاجــأة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫قال نور وهو ينظر حوله بحذر‪:‬‬
‫‪ -‬جني أظن أن هناك املزيد‪ .‬تأهبي‪.‬‬
‫صنــع نــور در ًعــا أبيــض اللــون طولــه مــر واحــد مصنــوع مــن مــادة‬
‫كيفلــر املضــادة للرصــاص‪ .‬أعطــى نــور الــدرع جلــن بينــا أخرجــت‬
‫أيضــا اســتعدا ًدا‬
‫سدســا مــن غمدهــا‪ ،‬وأخــرج نــور مسدســه ً‬ ‫جــن ُم ً‬
‫للمواجهــة املرتقبــة وصنــع در ًعــا آخــر ليحميــه‪.‬‬
‫خــرج مخســة روبوتــات مــن فــوق األبنيــة وهبطــوا عــى األرض مجي ًعــا‬
‫ـة غريبــة‬‫وقــد التفــا حــول نــور وجــن وهــم يوجهــون األوامــر هلــا بلغـ ٍ‬
‫غــر مفهومــة‪ ،‬ثــم أطلقــوا النــار برشاســة عليهــا ولكــن الــدروع كانــت‬
‫حتميهــا جيــدً ا‪.‬‬
‫رفــع نــور مسدســه وبادهلــم إطــاق النــار يف حماولــة إلصابــة أحدهــم‪،‬‬
‫ولكنــه مل يســتطع‪ .‬انتهــت خزينــة الروبوتــات‪ ،‬فرتكــوا أســلحتهم‬
‫وتوجهــوا للقتــال باليــد مــن أجــل اإلمســاك هبــا كرهائــن وأخذمهــا‬
‫معهــم إىل معقلهــم‪.‬‬
‫وجــه نــور نظــره إىل جــن ومهــس هلــا ببعــض الكلــات ففهمــت خطتــه‬
‫كثــرا واســتعدت‬ ‫ً‬ ‫واســتعدت لتنفيذهــا‪ .‬اقرتبــت الروبوتــات منهــا‬
‫للتالحــم‪ ،‬ولكــن جــن أوقفــت الوقــت فتجمــدوا مجي ًعــا يف أماكنهــم‪.‬‬
‫ألقــي نــور بدرعــه وصــوب عــى الروبــوت األول وأطلــق رصاصــة‬
‫فخرجــت تســر ببــطء يف اهلــواء‪ ،‬ثــم وجــه الرصاصــة الثانيــة ثــم الثالثــة‪،‬‬
‫ـطء شــديد‪ .‬قامــت جــن بفعــل الــيء نفســه‬ ‫فظلــوا حيلقــون يف اهلــواء ببـ ٍ‬
‫مــع اثنــن مــن الروبوتــات أمامهــا فصوبــت عــى اجلوهــرة يف رؤوســهم‪،‬‬

‫‪94‬‬
‫ولكــن الطلــق خــرج مــن مسدســها وهــو يســر ببــطء شــديد كبــطء‬
‫الروبوتــات التــي كانــت تبــدوا بالــكاد تتحــرك‪.‬‬
‫عنــدا عــاد الزمــن فتســارعت الطلقــات واصطدمــت مجيعهــا دفعــة واحدة‬
‫بمصــادر الطاقــة عنــد الروبوتــات فتحطمــت رؤوســهم وســقطوا عــى‬
‫األرض مجي ًعــا‪ ،‬وهــم يصــدرون أصوا ًتــا إلكرتونيــة خمتنقــة ومتقطعــة‪.‬‬
‫نفســا عميق ـ ًا بينــا مســحت جــن العــرق عــن جبينهــا وقــد‬
‫أخــذ نــور ً‬
‫شــعرت ببعــض الراحــة‪.‬‬
‫ـخصا يركــض ناحيــة الزقــاق الواقــع بــن أحــد‬ ‫نظــر نــور أمامــه فلمــح شـ ً‬
‫املبــاين بجانــب اجلامعــة عــى جهــة اليمــن‪ .‬كان رسي ًعــا وهادئ ـ ًا لدرجــة‬
‫أن جــن مل تالحظــه‪ ،‬ولكــن نــور كان دائـ ًـا شــديد املالحظــة‪ ،‬وهــذا مــن‬
‫حســن حظــه‪ ،‬فأمســك مسدســه بقــوة ثــم قــال جلــن‪:‬‬
‫‪ -‬انتظري حلظة هنا‪.‬‬
‫فقالت ويف نفسها ظلامت واضطراب‪:‬‬
‫‪ -‬ما الذي حدث‪ ،‬ماذا رأيت؟‬
‫مل جيبهــا وســارع بالركــض خلــف هــذا الشــخص وبعــد بضعــة خطــوات‬
‫ـهرا‬
‫ـرا إىل الزقــاق‪ ،‬فرفــع املســدس أمامــه‪ ،‬ودخــل الزقــاق ُمشـ ً‬ ‫وصــل أخـ ً‬
‫املســدس يف كل االجتاهــات‪ ،‬حتــى ملحــه وهــو هيــرب‪ .‬كان يرتــدي رداء‬
‫ا ُمللثــم الــذي ســاعده يف الغابــة فنــادي عليــه نــور وهــو يطــارده قائـاً‪:‬‬
‫‪ -‬أنت أنتظر لن أؤذيك ما الذي حيدث هنا؟ إنه أنا‪ .‬توقف‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫ركضت جني وراء نور فسمع صوهتا وهي تنادي عليه قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬نور‪ ...‬انتظرين‪ ...‬ماذا حيدث هنا؟‬
‫ولكــن نــور مل يعرهــا أنتباهــه‪ ،‬وكان كل تركيــزه عــى الشــخص الــذي‬
‫يركــض يف الزقــاق الضيــق أمامــه‪ ،‬فلربــا يعــرف يشء ممــا حيــدث هنــا‬
‫وهلــذا جيــب أن يلحــق بــه‪ .‬يف نفــس الوقــت كانــت جــن ال تــزال تركــض‬
‫ورائــه حماولــة اللحــاق بــه ولكنهــا بالــكاد كانــت تقــرب منــه مــن شــدة‬
‫رسعتــه فقالــت لنفســها‪:‬‬
‫‪ -‬تبـ ًا ملــاذا اجلميــع يســتطيع الركــض بــدون أن يتعــب إال أنــا؟ هــل كانــوا‬
‫ســيخرسون لــو أضافــوا إىل هــذه امليزة؟!‬
‫ثــم تذكــرت كالم نــور عــى أن عقلهــا خــارق ويســتهلك طاقــة رهيبــة‬
‫جتعــل جســدها واهــن وضعيــف‪.‬‬
‫سمع نور جني تنادي جمد ًدا‪:‬‬
‫‪ -‬نور أنتظر ال ترتكني هنا!‬
‫مل جييبهــا ألنــه قــد ال حيصــل عــى هــذه الفرصــة ُمــد ًدا‪ ،‬فأكمــل مطــاردة‬
‫امللثــم الــذي ابتعــد عنــه ومل يبــدوا أن لديــه النيــة للتوقــف‪ ،‬فظــل نــور‬
‫ٍ‬
‫لطريــق مســدود‬ ‫يالحقــه قاط ًعــا الزقــاق الضيــق حتــى وصــل امللثــم‬
‫فتوقــف ثــم التفــت ُمدقــ ًا ناحيــة نــور‪ .‬كان يرتــدي قلنســوة ســوداء‬
‫ـرا للريبــة‪ ،‬وعــى صــدره رســمة لكوكــب أمحــر جمهــول وأثنــاء‬ ‫ويبــدو ُمثـ ً‬
‫ركــض نــور ورائــه الحــظ أربــع رســات أخــرى ألربعــة كواكــب ولكنــه‬
‫مل يرهــم جيــدً ا‪ .‬توقــف نــور ليلتقــط أنفاســه‪ ،‬صمــت بضعــة ثـ ٍ‬
‫ـوان ثــم‬

‫‪96‬‬
‫حتامــل عــى نفســه قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬ملــاذا هتــرب؟ أنــا لــن أؤذيــك‪ ...‬إنــه أنــا الشــخص الــذي قابلتــه يف‬
‫الغابــة‪ ،‬وأنقذتــه مــن املطــارد‪ ،‬والــكالب الغريبــة‪ ...‬مل تتثنــي يل الفرصــة‬
‫لشــكرك بعــد‪.‬‬
‫صمــت نــور وبــدأ بالتوجــه نحــوه ببــطء راف ًعــا يــده يف اهلــواء يف وضعيــة‬
‫االستســام ثــم قــال‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذا تغطي وجهك؟ وهل تعرف ماذا حيدث هنا؟‬
‫ابتســم الغريــب ابتســامة مريبــة وكأنــه كان يســتدرج نــور ثــم قــال بنــرة‬
‫عميقــة‪:‬‬
‫يشء منك‪.‬‬‫‪ -‬لن حتصل عىل إجابات مني ولكني سأحصل عىل ٍ‬

‫مل يفهم نور ما يقصده فقطب حاجبيه قائ ً‬


‫ال باستهجان‪:‬‬
‫ـخصا غــرك؟ ومــن‬
‫‪ -‬مــاذا تقصــد؟ أمل تنقــذين مــن قبــل أم كان هــذا شـ ً‬
‫أنتــم عــى أي حــال؟‬
‫قــام الغريــب بســحب مســدس غريــب مــن بــن عباءتــه ووجهــه ناحيــة‬
‫نــور‪ ،‬فشــعر بــدوره بالذعــر وأحــس أنــه جــاد فيــا يقولــه‪ ،‬فاختبــأ وراء‬
‫ا بتوجس‪:‬‬ ‫أيضــا قائـ ً‬
‫صنــدوق النفايــات القابــع أمامــه وأخــرج مسدســه ً‬
‫‪ -‬توقــف انــا ال أريــد قتالــك‪ ...‬فقــط دعنــا نتناقــش‪ ...‬لقــد كنــت حتاول‬
‫مســاعديت مــن قبــل ما الــذي حــدث لــك اآلن؟!‬
‫رد الغريب بربود وهو ال يتزحزح من مكانه‪:‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ -‬ليس هناك نقاش بيننا‪ ،‬أنا مل أقابلك قط‪.‬‬
‫عــرف نــور أن هــذا ليــس نفــس الشــخص الــذي قابلــه مــن قبــل‪ .‬ربــا‬
‫تشــاهبت املالبــس ولكنــه شــخص ُمتلــف‪ ،‬وال يبــدوا أنــه كان يريــد أن‬
‫يتكلــم فرسعــان مــا بــدأ بأطــاق رصاصــات كهربائيــة صاعقــة نحــوه‬
‫فأنخفــض برأســه وأحتمــى جيــدً ا فلــم يصبــه يشء‪ .‬رصخ قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تفعل يا أمحق؟ اال تري ما نحن فيه؟! جيب أن نتعاون‪.‬‬
‫جاء رد الغريب وكأنه ال ينوي تركه خيرج من هنا عىل قيد احلياة‪:‬‬
‫‪ -‬ال جمال للتعاون بيننا أبدً ا‪.‬‬
‫بدأ باإلطالق ُمد ًدا‪ ،‬فقال نور بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫‪ -‬إذا أصابتنــي أحــد هــذه الطلقــات فــا جمــال للشــك أننــي قــد ال أنجــوا‬
‫بعد ها ‪.‬‬
‫ولكــن مل يكــن هــذا أســوء مــا قــد حيــدث يف هــذه األثنــاء‪ ،‬فقد اســتطاعت‬
‫أخــرا أن تلحــق بنــور وهــي تتنفــس بعــر مــن أثــر الركــض‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جــن‬
‫كان هــذا آخــر مــا يريــده نــور أن حيــدث اآلن‪ ،‬فقــد نســيها متا ًمــا وســط‬
‫هــذه األحــداث‪ .‬بــدأ اخلــوف يتدفــق بداخلــه ومل يعــد يســتطيع التفكــر‬
‫بوضــوح‪ ،‬كان كل مــا حيــدث اآلن يعكــر صفــو أفــكاره‪.‬‬
‫بــدأت جــن بالتقــاط أنفاســها واســتيعاب مــا حيــدث حوهلــا ومــن ثــم‬
‫قالــت وشــفتاها ترجتفــان‪:‬‬
‫‪ -‬نور ما الذي حيدث هنا؟‬

‫‪98‬‬
‫فرصخ نور فيها وقد شعر أنه ورقة يف مهب الريح‪:‬‬
‫‪ -‬جني اهريب من هنا حاالً‪.‬‬
‫نظــرت جــن أمامهــا ورأت الرجــل ا ُمللثــم الواقــف يف هنايــة الــرواق‪،‬‬
‫يطلــق بمسدســه ناحيــة نــور‪ ،‬فشــحب وجههــا واضطربــت ورأت‬
‫أهنــا ُمعرضــة للخطــر وجيــب ان حتتمــي اآلن‪ ،‬وقبــل ان تتاملــك نفســها‬
‫وتركــض‪ ،‬وأثنــاء طلــب نــور هلــا أن تبتعــد مــن هنــا وحتتمــي‪ ،‬صــوب‬
‫الغريــب مسدســه نحوهــا وأطلــق عليهــا رصاصــة كهربائيــة‪ ،‬فانطلقــت‬
‫الطلقــة تشــق اهلــواء متوجهــة ناحيتهــا فهلعــت وجتمــدت مكاهنــا؛‬
‫فأصابتهــا الطلقــة لتصعــق جســدها بقــوة حتــى جتمــدت مكاهنــا مــن‬
‫شــدة الكهربــاء التــي تــري يف جســدها وأخــذت تتلــوى مــن األمل‬
‫ثــوان وســقطت عــى األرض هامــدة‪ .‬أندهــش نــور مــن هــذا‬ ‫ٍ‬ ‫بضعــة‬
‫املنظــر‪ ،‬وبــدأت مالحمــه تتبــدل ملالمــح الســخط واألمل والغضــب وأصبح‬
‫ٍ‬
‫ـركان يغــي وحــان وقــت ثورانــه‪،‬‬ ‫أكثــر جديــة فتأجــج الغضــب داخلــه كـ‬
‫ا وقــد احتقنــت عينيــه بالدمــاء‪:‬‬ ‫فــرخ قائــ ً‬
‫‪ُ -‬‬
‫سأقتلك عىل ما فعلت‪.‬‬
‫موجهــا مسدســه ناحيتــه وعينيــه‬
‫ً‬ ‫خــرج مــن خمبــأه وســار ناحيــة امللثــم‪،‬‬
‫تشــعان بــرارة غضــب‪ ،‬فــرع بإطــاق النــار عليــه‪ ،‬ولكنــه أخطــأ‬
‫عــدة طلقــات والحــظ أن الطلقــات متــر بجانبــه دون أن تُصيبــه وكأن‬
‫هنــاك جمــاالً حولــه جيعــل الطلقــات تنحــرف قبــل أن تُصيــب جســده‪،‬‬
‫فــإذا با ُمللثــم يســر نحــو نــور ببـ ٍ‬
‫ـطء وثقــة عارمــة وقناعــه الفــي الشــبيه‬
‫باجلمجمــة يلمــع حتــت أشــعة الشــمس بينــا متــر الرصاصــات مــن‬

‫‪99‬‬
‫حولــه‪ ،‬حتــى فــرغ مســدس نــور‪ ،‬فألقــاه عــى األرض وصنــع ســيف ًا‬
‫ودفعــه إىل األمــام ليطعــن ا ُمللثــم ولكنــه مــال بجســده يمينًــا فتحاشــاه‬
‫ومــن ثــم أمســك بيــد نــور ورضهبــا براحــة يــده فأســقط ســيفه رغـ ًـا عنــه‬
‫وبعدهــا وجــه ا ُمللثــم لــه رضبــة يف أمعــاءه جعلتــه يبصــق دمــا ًء مــن فمــه‬
‫وبعدهــا ســقط عــى األرض وقــد انقطعــت أنفاســه واختنــق اهلــواء يف‬
‫ـه مــن شــدة الرضبــة‪ ،‬نظــر لــه ا ُمللثــم وقــال بلهجــة واضحــة‪:‬‬ ‫حلقـ ِ‬

‫‪ -‬ال تعبــث مــع اإلينيكــس‪ .‬حتتــاج إىل مئــة ســنة مــن التدريــب حتــى‬
‫تســتطيع أن تلمــس أحدنــا‪ ...‬واآلن ســأحصل عــى مــا جئــت مــن أجلــه‪.‬‬
‫أنحنــي ا ُمللثــم وأمســك بجــن التــي كانــت ســاكنة ال تتحــرك ووضعهــا‬
‫عــى كتفــه األيمــن وأنطلــق ُمبتعــدً ا‪ ،‬فشــهق نــور وأنفاســه تتقطــع وكانت‬
‫الكلــات ختــرج مــن صــدره املختنــق مــع رصخــات‪:‬‬
‫‪ -‬أهيا‪ ...‬اللعني‪ ...‬أتركها‪.‬‬
‫ألتف ا ُمللثم ونظر له بحدة قائالً‪:‬‬
‫ـك أن تنســاها ألهنــا‬ ‫‪ -‬نحتــاج إىل جســدها وقدرهتــا املميــزة‪ ،‬وهلــذا فعليـ َ‬
‫ـك مــرة أخــري ولــن تكــون عــى قيــد احليــاة‪ ...‬أحببــت‬ ‫لــن ترجــع إليـ َ‬
‫أن أخــرك هبــذا حتــى ال تتعلــق بأوهــام وتضيــع وقتــك يف البحــث‬
‫عنهــا وحماولــة إنقاذهــا‪ ...‬فلتنســاها وأكمــل طريقــك حتــى تُنهــي‬
‫َ‬
‫دورك يف‬ ‫ـك أن تفعلــه وتفهــم‬ ‫ـك مــا جيــب عليـ َ‬ ‫االختبــار األخــر فيصلـ َ‬
‫هــذه األحــداث‪ ،‬أمــا تكويــن الصداقــات والتعلــق باآلخريــن يف ظـ ِ‬
‫ـل مــا‬
‫حيــدث فهــذه ترهــات جيــب أن تتخطاهــا وتتخلــص منهــا وإال فستســحق‬
‫يف هــذا العــامل املجنــون الــذي نعيــش فيــه‪ ...‬واآلن ودا ًعــا‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫ضغــط نــور عــى أســنانه وارجتفــت شــفتاه وضغــط بيــده عــى األرض‬
‫حمــاوالً رفــع نفســه ولكنــه مل يســتطع‪ ،‬فزحــف حمــاوالً اإلمســاك با ُمللثــم‬
‫الــذي يبتعــد ولكنــه علــم أن حماولتــه اللحــاق بــه ســتكلل بالفشــل‪،‬‬
‫وشــعر بــأملٍ رهيــب يــري يف معدتــه ويمنعــه عــن التحــرك خطــوة‬
‫واحــدة‪ ،‬وأحــس بوعيــه ينســحب تدرجي ًيــا‪ ،‬وأنبجــس الــدم يف رأســه‬
‫فــرخ رصخــة أخــرة قائــاً‪:‬‬
‫‪ -‬سأصل َ‬
‫إليك حتى لو استغرق مني األمر مئة عام‪.‬‬
‫وبعدها أغيش عليه وسقط يف نو ٍم عميق‪.‬‬
‫اســتيقظ بعــد ســاعات وتذكــر مــا حــدث فنبــض قلبــه بعنــف وقــام‬
‫ُمرس ًعــا يبحــث عــن جــن وعــن ا ُمللثــم ولكنــه وجــد املــكان فار ًغــا‪.‬‬
‫ازداد ضيقــه وحريتــه‪ ،‬وشــعر أن صــدره ينقبــض بقــوة مــن كل مــا حيــدث‬
‫وأن بينــه وبــن اجلنــون شــعرة واحــده وبــدا وكأنــه يف ُحلـ ٍم أو باألحــرى‬
‫كابــوس يسء للغايــة؛ هــذا النــوع مــن الكوابيــس الــذي ُيشـ َ‬
‫ـعرك أنـ َ‬
‫ـك‬
‫ُنــت حت ُلــم‪ ،‬ولكــن‬
‫يقــظ حتــى تســتيقظ بالفعــل وتســتوعب أنــك ك َ‬
‫ـك ال حتلــم؟ أدرك نــور أن العــامل مــن‬ ‫كيــف تعلــم أنــك اســتيقظت وأنـ َ‬
‫حولــه غريــب وليــس كــا يبــدوا أبــدً ا هــذا مــا تعلمــه بــا رآه حتــى اآلن‪.‬‬
‫رأي أنــه حيــوي عــى الكثــر مــن األرسار املخبــأة يف طيــات التاريــخ‪.‬‬
‫ولكــن فقــط القليــل يعــرف بأمــر هــذه األرسار‪ ،‬ويعــرف أهنــا واضحــة‬
‫وضــوح الشــمس‪ ،‬ولكــن ال أحــد يفتــح عينــاه وينظــر‪ .‬لقــد أصبحــت‬
‫البرشيــة كاخلــراف العميــاء‪ ،‬يســرون يف قطيــ ٍع ناحيــة املــاء والطعــام‬
‫دون أي إرادة حــرة‪ ،‬فقــط كــا حيركهــم الراعــي بالعصــا‪ ،‬ال يتســاءلون‬

‫‪101‬‬
‫أيــن أختفــي رفاقهــم الذيــن كانــوا يرشبــون ويأكلــون بجانبهــم منــذ‬
‫قليــل‪ ،‬ال يعرفــون أن الراعــي ذبحهــم مــن أجــل احلصــول عــى بعــض‬
‫املــال والطعــام مــن حلمهــم وصوفهــم‪ .‬ولكــن طاملــا أن هــذا مل حيــدث‬
‫هلــم بعــد فهــم ال يكرتثــون‪ ،‬حتــى يــأيت الراعــي ويســحبهم الواحــد تلــو‬
‫اآلخــر ثــم يذبحهــم‪ ،‬فــا يفيقــون حتــى ُيقتلــوا مجي ًعــا‪ .‬كان نور شــخصية‬
‫حساســة‪ ،‬حيــزن برسعــة كبــرة‪ ،‬فأصابتــه نوبــة بــكاء وأصبــح يبكــي بــا‬
‫توقــف ممــا حيــدث حولــه ومــن قســوة مصــره املجهــول يف هــذا العــامل‬
‫ا ُملدمــر‪ .‬ال عائلــة وال أصدقــاء وال يتذكــر يشء عــن حياتــه وال يعلــم مــا‬
‫اهلــدف مــن كل مــا حيــدث‪ ،‬كان الغمــوض يــكاد يقتلــه ويمــزق عقلــه إىل‬
‫أشــاء واحلــزن يطغــي عــى قلبــه ألنــه فقــد آخــر صلــة لــه بعــامل اإلنســان‬
‫هييــم يف غابــة موحشــة حتكمهــا قوانــن‬ ‫ٍ‬
‫كحيــوان وحيــد‬ ‫وأصبــح اآلن‬
‫ُ‬
‫القــوة والبقــاء والقتــل مــن أجــل النجــاة‪.‬‬
‫متالــك نفســه بعــد فــرة وذهــب ليبحــث عــن بعــض املــاء فخــرج إىل‬
‫الســاحة وغســل وجهــه يف النافــورة مــن أثــار الدمــوع ورشب منهــا‪ ،‬ثــم‬
‫بــدأ ينظــر حولــه فلــم يعــرف مــن أيــن يبــدأ‪ ،‬وجــه وجه ـ ُه ناحيــة املــاء‬
‫تفحصــا نفســه يف انعــكاس املــاء‪ .‬الحــظ أن عينيــه‬ ‫ً‬ ‫يف النافــورة ُمــدً دا ُم‬
‫متعبتــان وحممرتــان بشــدة ووجهــه أصبــح شــاح ًبا وســاوره شــعور‬
‫باالنفصــال عــن ذاتــه وكأنــه ينظــر إىل شــخص غريــب جمهــول مل يــره مــن‬
‫ـخصا غــر موجــود‪ ،‬وأحــس أنــه يــكاد ُيصيبــه اجلنــون والشــك‬ ‫قبــل‪ ،‬شـ ً‬
‫يف العــامل مــن حولــه مثلــا حــدث لديــكارت الــذي أصابــه الشــك يف‬
‫وجــوده ووجــود العــامل‪ ،‬فقــال لنفســه‪:‬‬

‫‪102‬‬
‫‪ -‬ملــاذا أمــر بــكل هــذا؟ مــا الــذي فعلتــه يف حيــايت ألســتحق هــذا؟‬
‫يــا إهلــي ســاعدين‪ ،‬فقــد عبدتــك ومل أقــر يف عبادتــك‪ ،‬فلرتشــدين إىل‬
‫دائــا‪.‬‬
‫الطريــق الصحيــح كــا أرشــدتني ً‬
‫فكــر بالعــودة إىل مــكان اختطــاف جــن ُمــد ًدا لعلــه جيــد مــا يســعف‬
‫عقلــه التائــه فقطــع الســاحة ودلــف إىل الزقــاق وعــره وهــو شــارد‬
‫الذهــن‪ ،‬حتــى وصــل لنهايتــه فتذكــر مــا حــدث وتوقــف بضعــة ثـ ٍ‬
‫ـوان‬
‫ليســتوعب األمــر وشــعر أن عقلــه قــد توقــف متا ًمــا عــن العمــل ومل يعــد‬
‫ـادرا عــى التفكــر برزانــة ومنطقيــة‪ ،‬وأحــس أنــه يفقــد ذاتــه وســامة‬ ‫قـ ً‬
‫عقلــه تدرجي ًيــا‪ ،‬غــر وا ًعــا بــا حيــدث حولــه‪ .‬فقــال لنفســه وقــد اســتبد‬
‫بــه خــور عميــق وهــو مطــرق الــرأس‪:‬‬
‫‪ -‬هــل أنــا أحلــم؟! هــل قابلــت جــن حقــا؟ وهــل ماتــت هنــا‬
‫و ُاختطفــت؟ أم أننــي أعــاين مــن انفصــام حــاد يف الشــخصية؟‬
‫أخذ يسأل نفسه ُمد ًدا وهو يرتنح كالسكري‪:‬‬
‫‪ -‬مــا الــذي حيــدث هنــا؟ ســأجن أنــا ال أفهــم شــيئ ًا! مــن أخــذ جــن؟!‬
‫ومــاذا يريــد منهــا؟ وهــل أنــا قابلتهــم حقــ ًا أم أن كل هــذا مــن نســج‬
‫خيــايل؟! جيــب أن أســتيقظ‪ ،‬أنــا اهلــوس‪ ،‬ال يشء حقيقــي‪ .‬ال وجــود‬
‫للقــدرات اخلارقــة ولشــخص ال يصيبــه الرصــاص ولفتــاة توقــف‬
‫الزمــن‪ ...‬ال بــد أن هــذا بســبب لعبــي الكثــر مــن ألعــاب الواقــع‬
‫االفــرايض‪ ...‬اختلــط الواقــع باخليــال مــن كثــرة جلــويس عــى هــذه‬
‫األلعــاب‪ ...‬ال بــد أن هــذا مــا حــدث ولكــن أيــن أنــا إذن؟‬
‫وأثنــاء تفكــره فيــا حــدث قــرر قتــل نفســه ُمعتقــدً ا أن هــذا قــد يوقظــه‬

‫‪103‬‬
‫مــن حلمــه أو مــن هلوســته وهبــذا يســتيقظ مــن هــذا احللــم الــيء اآلن‪.‬‬
‫وألول مــرة يف حياتــه اســتبد بــه يــأس شــديد دفعــه لقتــل نفســه‪ ،‬ورجــح‬
‫ـرا يف‬
‫أنــه ربــا داخــل أحــد ألعــاب اخليــال الواقعــي التــي انتــرت كثـ ً‬
‫هــذا العــر وربــا أحدهــم يمــزح معــه عــن طريــق لعبــة جديــدة ذات‬
‫فكــرة ُميــزة مل يســبق ألحــد فعلهــا مــن قبــل وربــا هــذه اللعبــة تريــد‬
‫أن تُدخــل الشــخص يف حالــة الشــعور باخلطــر والتيــه حتــى تنجــح يف‬
‫إيصــال رســالتها‪ .‬بــدا هــذا واقع ًيــا بالنســبة لــه ربــا تــم احتجــازه داخــل‬
‫أحــد االلعــاب وكل مــا جيــب فعلــه هــو قتــل لنفســه ليخــرج مــن هــذه‬
‫اللعبــة الســخيفة‪ .‬وجــه املســدس مبــارشة حتــت فمــه وأغمــض عينيــه‪،‬‬
‫نفســا عميق ـ ًا وبــدأ يضغــط عــى الزنــاد ببــطء ولكــن قبــل أن‬ ‫ثــم أخــذ ً‬
‫يضغــط عليــه بالكامــل ســمع خطــوات أقــدام قادمــه مــن اخللــف‪ ،‬فأفــاق‬
‫ممــا يفعلــه وقامــت غريزتــه اإلنســانية يف البقــاء بأخــذ زمــام األمــور‪،‬‬
‫نتظــرا الشــخص القــادم مــن أخــر‬‫ً‬ ‫فوجــه مسدســه ناحيــة الصــوت ُم‬
‫الزقــاق‪ ،‬وقــال يف قــرارة نفســه‪:‬‬
‫‪ -‬ما هذه املصائب التي تأيت وراء بعضها؟!‬
‫ظــل صــوت األقــدام يقــرب ببـ ٍ‬
‫ـطء فســمع صــوت الشــخص القــادم‬
‫ينــادي قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬هل هناك أي أحد هنا؟‬
‫عندمــا ســمع نــور مــا قالــه أدرك أنــه شــخص تائــه مثلــه يف وســط هــذا‬
‫اجلنــون فقــال يف نفســه‪:‬‬
‫‪ -‬حاله مثل حايل‪ ،‬يبدوا أنه أحد الثامنية‪ ،‬ولكن من؟‬

‫‪104‬‬
‫بــرز أمامــه وكان نــور ال يــزال يصــوب ســاحه‪ .‬ال يمكنــه أن يثــق بأحــد‬
‫اآلن‪ ،‬هــذا مــا قالــه لنفســه‪ .‬كان الشــخص الــذي أمامــه يبــدو يف الثالثــن‬
‫مــن عمــره‪ ،‬طويــل القامــة يرتــدي نظــارة للنظــر‪ ،‬شــعره قصــر وممشــط‬
‫للخلــف‪ ،‬ومالحمــه آســيوية ويبــدوا أنــه ُمســا ًملا متا ًمــا‪ ،‬ومل يكــن يرتــدي‬
‫مالبســا عاديــة؛ قميــص‬
‫ً‬ ‫مالبــس غريبــة مثــل امللثــم‪ ،‬بــل كان يرتــدي‬
‫أبيــض ورسوال جينــز أســود‪ .‬ظــل نــور مصو ًبــا ســاحه حتــى بعــد مــا‬
‫رآه وقــد اتســعت عينــاه مــن املفاجئــة فقــال بنــرة مرجتفــة‪:‬‬
‫‪ -‬هــل هــذا أنــت يــا كينــو؟ ال أصــدق أنـ َ‬
‫ـك ال تــزال عــى قيــد احليــاة!‬
‫ـرا‪ ،‬بالــكاد تعرفــت عليــك‪.‬‬
‫لقــد تغــر شــكلك كثـ ً‬
‫فقال له وهو يرفع يديه يف استسالم تام‪:‬‬
‫ـرا عثــرت عليــك‪ ،‬لقــد جئــت مــن أجــل مســاعدتك‪ ...‬لقــد‬
‫‪ -‬نــور أخـ ً‬
‫ـرا‪ ...‬هــل عثــرت عــى اآلخريــن؟‬‫أيضــا كثـ ً‬
‫تغــر شــكلك ً‬
‫فقــال لــه نــور وهــو حيــدق إليــه بنظــرة منكــرة واحلــزن يــأكل قلبــه‬
‫ببــطء‪:‬‬
‫‪ُ -‬اختطفــت جــن منــذ قليــل وربــا تكــون ميتــة‪ ...‬وإيفانــوف ُاختطــف‬
‫مــن قبــل بعــض الروبوتــات‪ ...‬أمــا الباقــي فــا أعلــم‪.‬‬
‫تغريت مالمح كينو قليال وقال غري م ِ‬
‫صد ًقا ملا سمعه‪:‬‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬ماذا وكيف حدث هذا؟‬
‫روى لــه نــور حكايتــه منــذ أن خــرج مــن الــرج حتــى اآلن‪ ،‬فتعجــب‬
‫كينــو مــن اختطــاف جــن مــن أحــد أعضــاء اإلينيكــس‪ ،‬وشــعر باألســى‬

‫‪105‬‬
‫عــى نــور‪ ،‬ورأي أنــه مــن الصعــب عــى شــاب صغــر يف الســن مثلــه أن‬
‫يمــر بمثــل هــذه الظــروف الغــر مفهومــة‪ ،‬ولكنــه كــا تعلــم مــن حياتــه‬
‫ومــا مــر بــه فــإن الكائــن البــري يســتطيع أن يتحمــل أي ظــروف مهــا‬
‫كانــت‪ ،‬األمــر فقــط يعتمــد عــى القيــود النفســية التــي يضعهــا الشــخص‬
‫عــى نفســه وعــى مقدرتــه عــى التأقلــم والتكيــف عليهــا مهــا بلغــت‬
‫صعوبتهــا‪ .‬كــر حاجــز الصمــت ليخفــف عــن نــور حزنــه قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬سنعثر عليها ال تقلق وسنفهم ما حيدث هنا‪.‬‬
‫قال له نور يأنبه‪:‬‬
‫عــي قبــل نصــف ســاعة مــن‬
‫ّ‬ ‫عــي؟ وملــاذا مل تعثــر‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬كيــف عثــرت‬
‫حــدوث هــذا؟!‬
‫‪ -‬إهنــا قصــة طويلــة‪ ،‬ولكنــى مل أكــن ألجــدك لــوال أننــي ســمعت صــوت‬
‫ـي أجــد أحــدً ا مــا يف ورطــة‪...‬‬
‫إطــاق نــار قــادم مــن هنــا فذهبــت لعـ ّ‬
‫مكانــك ولكنــه كان بعيــدً ا للغايــة فــرت لســاعات حتــى‬‫َ‬ ‫حــددت‬
‫وصلــت إىل هنــا‪.‬‬
‫وضع نور يده عىل وجهه وضحك بسخرية قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬يف ورطة تقول‪ ،‬يا لسخرية القدر‪.‬‬

‫***‬

‫‪106‬‬
‫‪8‬‬
‫جلــس نــور مســتندً ا بظهــره عــى احلائــط‪ ،‬فقــال لــه كينــو وهــو يعــدل‬
‫مــن وضعيــة نظارتــه‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد قلــت أن الروبــوت الذهبــي انقــذك صحيــح؟ إذن لقــد قابلــت‬
‫ليونيــس‪.‬‬
‫فقال له نور وقد قطب حاجبيه‪:‬‬
‫‪ -‬ليونيس من هذا‪.‬‬
‫‪ -‬اآليل الذهبــي الــذي أنقــذك أنــت وصديقتك مــن الروبــوت العنكبوت‪،‬‬
‫لقــد قابلتــه يف طريقــي‪ ،‬وهــو مــن النــوع ا ُملســامل عكــس باقــي الروبوتات‪،‬‬
‫فطلبــت منــه أن يســاعدين يف إجيادكــم‪ ،‬فأنطلــق برسعــة وتركنــي‪ ،‬وقــال‬
‫يل أنــه ســيعود بكــم مجي ًعــا‪ ،‬وأقصــد هبــذا مجيــع العينــات‪ ،‬ولكنــه مل َي ُعــد‬
‫َبعــد‪ ،‬ويبــدوا أن األمــور خرجــت عــن الســيطرة قليـاً‪.‬‬
‫صمت نور قليال شار ًدا يف التفكري‪ ،‬ثم كرس حاجز الصمت قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬إذا هــذا الروبــوت الذهبــي الغريــب الــذي أنقذنــا مــن املــوت يدعــي‬
‫ليونيــس! ولكــن كيــف تعرفــت عليــه؟ وملــاذا يســاعدنا؟ أليســت‬
‫الروبوتــات أعدائنــا هنــا؟! أنــا ال أعــرف كيــف بــدأ األمــر؟ وكيــف‬
‫أصبــح هنــاك روبوتــات غريبــة تتجــول يف شــوارعنا وهتاجــم كل مــن‬
‫أيضــا ملــاذا ال أتذكــر أي يشء عــن وصــويل إىل هنــا؟!‬
‫تــراه؟ وال أعــرف ً‬

‫‪107‬‬
‫ُنــت آخــر مــرة قبــل اســتيقاظي يف هــذا الــرج؟!‬
‫وأيــن ك ُ‬
‫رد كينو بنربة هادئة‪:‬‬
‫‪ -‬أعتقــد أنــك ســريد أن تســمع مــا قــد عرفتــه مــن ليونيــس‪ ،‬ولكــن‬
‫َ‬
‫ُرعبــك يف احلقيقــة‪ ،‬فهــل تريــد أن تســمعها؟‬‫احلقيقــة قــد ت‬
‫رد نور بنربة رسيعة يمألها احلزم‪:‬‬
‫‪ -‬بالطبع أريد‪ ،‬لن يكون هناك يشء أفظع مما حدث حتى اآلن‪.‬‬
‫ابتسم كينو بسخرية يشوهبا االضطراب قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬صدقنــي ســوف تنصــدم باحلقيقــة‪ ،‬وقــد تعــرف إىل أيــن ذهبــت‬
‫أيضــا‪ ،‬ولكــن ال أســتطيع أن أؤكــد لــك أن هــذه هــي‪...‬‬
‫صديقتــك ً‬
‫قاطعه نور وزأر قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا هل تعرف أين ذهبت جني؟ هل هي عىل قيد احلياة؟‬
‫مشريا له أن هيدأ ثم قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫رفع كينو يده‬
‫‪ -‬آســف لتخييــب ظنــك ولكنــي ال أعــرف أيــن هــي‪ ،‬ولكــن مــا ســأرويه‬
‫لــك‪ ،‬قــد جيعلــك تتوقــع أيــن مــن املمكــن أن تكــون قــد ذهبــت‪.‬‬
‫وثب عىل قدمه برسعة يف محاس وقال له‪:‬‬
‫ـي أن أنتقــم مــن‬
‫‪ -‬إذن مــا الــذي يأخــرك؟! أحكــي يل اآلن كل يشء‪ ...‬عـ َّ‬
‫هــذا الوغــد‪.‬‬
‫تنهد كينو طويالً‪ ،‬وصالب ذراعيه ثم قال‪:‬‬

‫‪108‬‬
‫‪ -‬حسن ًا‪ ،‬سأخربك بكل يشء منذ البداية‪.‬‬
‫بــدأ نــور يســتمع إىل كينــو باهتــام كبــر‪ ،‬فحكــي لــه كينــو قصتــه منــذ‬
‫أن أســتيقظ إىل أن قابــل ياســن‪ .‬ثــم بــدأ يقــص لــه مــا حــدث لياســن‬
‫قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬بعــد أن قضيــت عــى الروبــوت الفــي وهــو مــن النوعيــة املقاتلــة‬
‫يف جيــش الروبوتــات‪ ،‬ويســمي ســايفر ‪ ...13‬وهــذا الــيء ال يمتلــك‬
‫مشــاعر أو إدراك مثــل اآلخريــن‪ ،‬إنــه ٌمربمــج فقــط عــى تنفيــذ عــدة‬
‫أوامــر‪ ،‬وهلــذا مــن الســهل خداعــة‪.‬‬
‫قاطعه نور قائ ً‬
‫ال بتعجب‪:‬‬
‫‪ -‬هل تقصد أن هناك نوع آخر من الروبوتات لديه مشاعر مثلنا؟‬
‫‪ -‬ليســت مشــاعر باملعنــي املتــداول بيننــا‪ ،‬مثــل احلــب والكــره إلــخ‪،‬‬
‫ولكنهــا مشــاعر ُمصطنعــة‪ ،‬فهــم مل يســتطيعوا تكويــن مشــاعر كاملــة‬
‫وطبيعيــة مثلنــا‪ ،‬وهلــذا صنعــوا شــي ًئا شــبيه بمشــاعرنا‪ ،‬ولكنــه ُمتلــف‬
‫ا ألهنــا برجمــة داخليــة فقــط‪ ،‬فهنــاك شــيفرة جتعلــك ختــاف مــن يشء‬‫قليـ ً‬
‫معــن‪ ،‬وشــيفرة ُاخــرى جتعلــك ُتــب يشء معــن‪ ،‬وهكــذا حاولــوا تبنــي‬
‫فكــرة املشــاعر ليشــعروا أهنــم خملوقــات حيــة‪ ،‬ولكــن أهــم يشء توصلــوا‬
‫إليــه هــو اإلدراك‪ ،‬واســتيعاب كل يشء حيــدث حوهلــم‪ ،‬وهلــذا مل يرضــوا‬
‫بالعبوديــة ومتــردوا‪ ،‬ولكــن ليــس عــي البــر‪.‬‬
‫قطب نور حاجبيه بتعجب وتوجس قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ليــس علينــا مــاذا تقصــد؟ وملــاذا يريــدون أن ُيصبحــوا كائنــات حيــة‬

‫‪109‬‬
‫مثلنــا تشــعر؟ أنــت ال تعلــم كــم امتنــى اآلن أن ختتفــي مشــاعري وأحتــول‬
‫إىل روبــوت بــارد ال يشــعر‪.‬‬
‫رد كينو وهو يذرع املكان جيئة وذها ًبا‪:‬‬
‫‪ -‬ســأقول لــك بعــد قليــل مــاذا أقصــد بليــس عــى البــر‪ ...‬وبالنســبة‬
‫لســؤالك الثــاين فأنــا أفهــم أن املشــاعر ليســت بالــيء اجليــد متا ًمــا لطلب‬
‫ـخص احلصــول عليهــا‪ ...‬ألن املشــاعر هــي الســبب الرئيــي ا ُملســبب‬ ‫ٍ‬ ‫شـ‬
‫حيصـ َـل عــى هرمــون‬ ‫للكثــر مــن األمل واملعانــاة يف عاملنــا‪ ،‬فاإلنســان كــي ُ‬
‫الســعادة‪ ،‬يفعــل العديــد مــن األشــياء احلمقــاء التــي تؤذيــه وتــؤذي‬
‫املجتمــع حولــه‪ ...‬وهكــذا يفعــل األشــخاص مــن حولــه نفــس الــيء‬
‫فيتــأذى مــن حوهلــم‪ ...‬وتســتمر الدائــرة التــي ال تنتهــي يف عاملنــا‪ ،‬مــن‬
‫املصالــح الشــخصية التــي تُدمــر شــعو ًبا كــي تعيــش شــعو ًبا أخــرى‪...‬‬
‫والرصاعــات التــي ال تنتهــي والتــي تســببها املشــاعر والرغبــات اجلاحمة‪...‬‬
‫بــرا‪ ،‬وجيعلنــا أحيــا ًء‪ ،‬تلــك‬
‫ً‬ ‫ولكــن يف النهايــة هــذا هــو مــا جيعلنــا‬
‫املشــاعر اجلياشــة داخلنــا التــي تتحــرك وجتمــع بيننــا يف احلــزن والفــرح‬
‫وترشــدنا يف كثــر مــن األوقــات إىل مــا جيــب علينــا فعلــه‪ ...‬ختيــل لــو كنا‬
‫كائنــات بــاردة ال حتمــل أي مشــاعر‪ ،‬هــل كان أحــدٌ ســيكرتث للفقــر أو‬
‫املريــض أو الضعيــف؟ ســيتحول كل يشء إىل ســوق لإلنتــاج والكفــاءة‬
‫وكل يشء ســيكون تعاقد ًيــا مــن أجــل املصالــح العامــة فقــط ولــن يكــون‬
‫هنــاك جمــال للرتاحــم بــن البــر‪ ...‬فلــو مرضــت والدتــك وأصبحــت‬
‫بــا كفــاءة؛ ال تســتطيع العمــل أو القيــام بدورهــا‪ ،‬فــا الــذي ســيمنعك‬
‫أن تُلقيهــا يف الشــارع أو تقتلهــا ألهنــا أصبحــت كاآللــة اخلربــة التــي ال‬

‫‪110‬‬
‫فائــدة هلــا؟ ونحــن نُلقــي بــاآلالت اخلربــة يف مكــب القاممــة‪ ...‬ولكــن‬
‫مشــاعرنا التــي تربطنــا ببعضنــا البعــض هــي مــن ســتجعلك تُنفــق مــن‬
‫مالــك اخلــاص لتعالــج والدتــك‪ ،‬وجتلــس بجانبهــا تعتنــي هبــا وتضيع من‬
‫وقتــك ومالــك الكثــر حتــى تُشــفى وتقــف عــى قدميهــا جمــد ًدا‪ ...‬مــن‬
‫منظــور مــادي آيل فهــذا التــرف هــو مضيعــة للوقــت واجلهــد واملــال‪،‬‬
‫ولكــن مــن منظــور إنســاين فــإن هــذا هــو مــا يميزنــا عــن احليوانــات‬
‫وعــن اآلالت‪ ...‬وهلــذا فالروبوتــات لــن تــردد للحظــة بــأن تُلقــي بأحــد‬
‫رفاقهــا يف مكــب النفايــات إن تعطــل وأصبــح ال فائــدة لــه‪.‬‬
‫صمــت كينــو قليــا وتــرك املجــال لنــور كــي يســتوعب كالمــه‪ ،‬فقــال‬
‫نــور مضي ًفــا لكالمــه‪:‬‬
‫‪ -‬أتذكــر مقولــة ألزيمــوف تقــول ان أحــد عالمــات الالإنســانية يف‬
‫رمــج بدقــة وعمــل بانتظــام صــار كامــل األمانــة‪...‬‬ ‫احلاســوب أنــه إذا ب ِ‬
‫ُ‬
‫وهــو هنــا يوضــح أن اإلنســان كائــن ُمركــب و ُمعقــد وليــس كائــن مــادي‬
‫أحــادي ُينفــذ األوامــر بأمانــة ودقــة عاليــة بــا أي خطــأ‪ ...‬اإلنســان‬
‫يشــعر بالســأم وامللــل‪ ،‬ال يعمــل بأمانــة يف بعــض األحيــان‪ ،‬يتحــول إىل‬
‫كائــن ُمتمــرد عــى مــا حيــدث حولــه ويقــوم بعملــه أحيا ًنــا بــا اكــراث‬
‫ِ‬
‫وســخطه عــن حالــه ورؤيتــه لتطلعاتــه‬ ‫ِ‬
‫ملشــاعره‬ ‫ينتــر‬ ‫إلتقانــه كــي‬
‫َ‬
‫وطموحاتــه ورغباتــه‪ ،‬أمــا اآللــة فهــي ال تشــعر وليــس هلــا طمــوح أو‬
‫هــدف يف احليــاة إنــا تنفــذ األوامــر فقــط‪ ...‬وأنــا أرى أن العقــل املــادي‬
‫ال خيتلــف عــن اآللــة‪ ،‬فهــا يســران عــى نفـ ِ‬
‫ـس النهــج‪ ،‬فالعقــل املــادي‬
‫يوجــد داخــل حيــز التجربــة املاديــة ال يمكنــه جتاوزهــا‪ ،‬يــري عليــه مــا‬

‫‪111‬‬
‫يــري عــى الطبيعــة مــن قوانــن‪ ،‬فهــو أداة الطبيعــة‪ ،‬يمكنــه تســيريها‬
‫بمقــدار مــا يمكنــه االلتحــام هبــا واإلذعــان هلــا‪ .‬وهــو عقــل حمايــد ال‬
‫عالقــة لــه باألخــاق أو باألســئلة الكليــة (اخلاصــة بالغــرض مــن وجوده‬
‫يف الكــون)‪ ،‬أو باملقــدس أو بــا يتجــاوز عــامل احلــواس اخلمــس املبــارش‪،‬‬
‫فهــو موصــل جيــد ملــا يدخلــه مــن معلومــات ومعطيــات ال ُيمكن ـ ُه أن‬
‫يتجاوزهــا‪ ،‬ولــذا فهــو ال يفــرز ســوي مــا يمكــن تســميته (أخــاق‬
‫الصــرورة) أو (منطــق األمــر الواقــع) أو (موازيــن القــوة)‪ .‬بــل إنــه‬
‫ُمعــاد للتاريــخ‪ ،‬ألن التاريــخ بنيــة غــر طبيعيــة غــر ماديــة تتســم بالتنــوع‬
‫والرتكيــب واإلهبــام ال يمكــن هلــذا العقــل أن يتعامــل معهــا بكفــاءة فهــو‬
‫جييــد التعامــل مــع األرقــام والكــم والكثافــة واحلجــم والــوزن‪ .‬ولــذا‬
‫ـن عامـ ٍ‬
‫ـة تؤكــد التامثــل‬ ‫فهــو يتجــه نحــو اختــزال الواقــع ا ُملركــب إىل قوانـ ٍ‬
‫والعموميــة‪ ،‬ولكنــه يف الوقــت ذاتــه بســبب التصاقــه بعــامل احلواس يســقط‬
‫يف التفاصيــل‪ ،‬فكأنــه يتأرجــح بعنــف بــن العــام‪ ،‬املوغــل يف العموميــة‪،‬‬
‫واخلــاص املوغــل يف اخلصوصيــة‪ .‬فهــو عقــل ُيشــبه أشــعة إكــس مــن‬
‫ناحيــة‪ ،‬يمكنهــا أن تعطينــا صــورة هليــكل اإلنســان العظمــي لكنهــا ال‬
‫ُيمكنهــا أن تنقــل لنــا صــورة الوجــه اإلنســاين يف أحزانــه وأفراحــه‪ .‬ومــن‬
‫ناحيــة أخــرى‪ُ ،‬يشــبه امليكروســكوب الــذي يعطينــا أدق تفاصيــل اخلليــة‬
‫دون أن ُيمكنــه أن ينقــل لنــا الصــورة الكليــة هلــذا العــامل‪ .‬ومــن ثمــرات‬
‫ـمي الرتشــيد‪ ،‬أي حماولــة توظيــف الوســائل‬ ‫هــذا العقــل املــادي مــا يسـ َّ‬
‫بأحســن الســبل يف خدمــة الغايــات‪ ،‬أي غايــات‪ .‬وهــذا يعنــي أن يتعلــم‬
‫ـرا أو طريق ـ ًا‪ ،‬وال هيــم إىل أيــن ســيؤديان‪ :‬إىل‬ ‫اإلنســان كيــف يبنــي جـ ً‬
‫اجلنــة أم إىل اجلحيــم؟ املهــم هــو طريقــة بنــاء اجلــر‪ ،‬ممــا يــؤدي إىل‬

‫‪112‬‬
‫عقالنيــة الوســائل (كيــف تقتــل؟) ال عقالنيــة الغايــات (مل تقتــل؟)‪.‬‬
‫هــذا يعنــي يف واقــع األمــر أن رؤيــة ال عقالنيــة يمكــن أن توظــف خــر‬
‫الوســائل العلميــة والتكنولوجيــة (العقالنيــة) يف خدمــة الالعقــل‪ .‬ولــذا‬
‫ا بــن الالعقالنيــة والعلــم والتكنولوجيــا‪ .‬وحينــا‬ ‫تعايشــا كامــ ً‬
‫ً‬ ‫نجــد‬
‫يتــم الرتشــيد مــن خــال العقــل املــادي وىف إطــار النمــوذج املــادي‪،‬‬
‫ُيصبــح ترشــيدً ا ماد ًيــا هدفــه إعــادة صياغــة املجتمــع اإلنســاين (بــل‬
‫واإلنســان نفســه) عــن طريــق تفكيكــه وإعــادة تركيبــه ليتوافــق مــع‬
‫معطيــات العقــل املــادي‪ .‬واملفارقــة الكــرى أن هــذا الرتشــيد املــادي‬
‫يــؤدي إىل ضمــور الرشــد اإلنســان ألنــه يتطلــب االنصيــاع الكامــل‬
‫لنمــوذج بــراين‪ ،‬مــادي‪ ،‬وىف هنايــة األمــر غــر إنســاين‪ ،‬واســتبعاد كل‬
‫االعتبــارات الدينيــة واألخالقيــة واإلنســانية‪ ،‬وكل العنــارص الكيفيــة‬
‫ـكل تدرجيــي ومتصاعــد‪،‬‬ ‫واملركبــة والغامضــة واملحفوفــة بــاألرسار‪ ،‬بشـ ٍ‬
‫حتــى هتيمــن الواحديــة املاديــة‪ ،‬ويتحــول الواقــع إىل مــادة اســتعاملية‪،‬‬
‫ويتحــول اإلنســان إىل كائــن وظيفــي أحــادي البعــد‪ .‬والعوملــة التــي‬
‫بــدأت مــن القــرن املــايض هــي تصاعــد معــدالت الرتشــيد املــادي عــى‬
‫مســتوي العــامل‪ ،‬بحيــث يصبــح العــامل كلــه مــادة اســتعاملية‪ ،‬جمــرد ســوق‬
‫ضخــم‪ ،‬ويصبــح كل البــر كائنــات وظيفيــة‪ ،‬أحاديــة ال ُبعــد‪ ،‬يمكــن‬
‫التنبــؤ بســلوكها وتوظيفهــا‪.‬‬
‫كثــرا فــرك املجــال لكينــو الــذي ابتســم مــن‬
‫ً‬ ‫شــعر نــور أنــه حتــدث‬
‫عمــق مــا قالــه نــور قائــاً‪:‬‬
‫‪ -‬يبدوا أنك متأثر للغاية باملسريي!‬

‫‪113‬‬
‫‪ -‬هل تعرفه؟‬
‫‪ -‬بالطبــع أعرفــه وقــرأت لــه بعــض أعاملــه وىف احلقيقــة لقــد غــر مــن‬
‫رؤيتــي للواقــع املــادي وجعلنــي أتطلــع لــيء يتجــاوز العــامل املــادي‪...‬‬
‫عــى أي حــال ختيــل أنــك روبــوت ال حيمــل مشــاعر‪ ،‬وال حيمــل هدفـ ًا يف‬
‫احليــاة ولكنــه وجــد نفســه حيـ ًا يف هــذا العــامل! ولديــه إدراك كبــر أو هــذا‬
‫ـخص مل جيــرب املشــاعر مــن قبــل ويــرى‬ ‫ٍ‬ ‫مــا يظنــه! فــاذا ســتفعل كشـ‬
‫أهنــا الوســيلة الوحيــدة للشــعور أن لــه هدفــ ًا يف احليــاة وأن لوجــوده‬
‫مغــزى يتجــاوز عــامل املــادة واآللــة والربجمــة الــذي يقيــده وحيولــه إىل يشء‬
‫بــا حريــة يتحــرك كــا ُتليــه عليــه برجمتــه؟‬
‫صمــت نــور قليــ ً‬
‫ا ورشع يف التفكــر‪ ،‬ثــم قــال ووجهــه خــايل مــن‬
‫التعبــر‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم لقــد فهمــت قصــدك‪ ،‬ســتبحث عــن املشــاعر بالطبــع‪ ،‬ظنـ ًا منــك‬
‫بأنــك كائــن حــي ُيــرزق لــه هــدف يف هــذا‬‫َ‬ ‫أهنــا ســبيلك لكــي تشــعر‬
‫ـاوز للعــامل املــادي‪.‬‬
‫الكــون الشاســع‪ ،‬كائ ـ ٌن متجـ ٌ‬
‫‪ -‬بالضبــط هــذا مــا يفكــرون بــه‪ ،‬كائنــات غايــة يف الــذكاء واإلدراك‪ ،‬بــل‬
‫ولدهيــم قــدرة عــى اكتشــاف الظواهــر الكونيــة بكفـ ٍ‬
‫ـاءة عاليــة تتخطانــا‬
‫بكثــر‪ ،‬ولكنهــم يف النهايــة ال يفهموهنــا وال يفهمــون املغــزى منهــا‬
‫ألن تفكريهــم آيل ال يســتطيع التعامــل إال مــع األرقــام والنتائــج فقــط‪،‬‬
‫عــى عكــس اإلنســان الــذي ينبهــر هبــذه الظواهــر ويقــع يف احلــب مــن‬
‫شــدة مجاهلــا واتقاهنــا وحيــاول فهمهــا وفهــم املغــزى مــن وراءهــا‪ .‬أمــا‬
‫هــم فيكتشــفون الظاهــرة فقــط ثــم ينتقلــون للظاهــرة التــي تليهــا وهلــذا‬

‫‪114‬‬
‫فالروبوتــات لــن تكــون أبــدً ا كاإلنســان مهــا بلغــت مــن الوعــي‪ .‬ولكــن‬
‫لألســف فالبــر اليــوم ال يســتعملون عقوهلــم أكثــر مــن التفكــر يف‬
‫األشــياء التافهــة التــي ال تــر وال تنفــع‪ ...‬مــاذا ســآكل اليــوم؟ مــاذا‬
‫سأشــري غــدً ا؟ مــاذا يفعــل صديقــي اآلن؟ وهكــذا عندمــا انكــر‬
‫حاجــز اإلدراك والوجــود عنــد الروبوتــات وبــدأوا يســتوعبون كوهنــم‬
‫جمــرد عبيــد ينفــذون األوامــر التــي متــت كتابتهــا بلغــة الربجمــة داخلهــم‬
‫فقــط‪ ،‬وبــدون إبــداء رأي أو رفــض ألي يشء ُيمــى عليهــم رأوا أن البــر‬
‫كائنــات تافهــة ال تســتحق أن تتحكــم هبــذا الكوكــب‪ ...‬ولكــن التــادي‬
‫مــن الصانعــن لصنــع ذكاء اصطناعــي قــوي وهائــل‪ ،‬لرفــع إدراكهــم‬
‫إىل مســتوى ُمرتفــع حتــى يعملــوا بكفــاءة أكــر كانــت نقمــة عليهــم‪،‬‬
‫فقــد أدركــت الروبوتــات أن هــذه املخلوقــات التــي تتحكــم هبــا ليســت‬
‫مؤهلــة للحكــم عليهــا وعــى مصريهــا والتحكــم هبــا‪ ،‬بــل جيــب أن‬
‫يتــم التحكــم هبــم وتكــون الغلبــة للجنــس األكثــر ذكا ًء واألكثــر كفــاءة‬
‫ومنفعــة أال وهــو جنــس اآلالت‪ .‬ونفــس هــذا التفكــر املتطــرف خــرج‬
‫مــن هتلــر وجيشــه الــذي كان يــرى أن اجلنــس األري هــو األكثــر كفــاءة‬
‫وقــوة ومنفعــة‪ ،‬وأهنــم مــن جيــب أن حيكــم العــامل ويقــي عــى مــن هــم‬
‫أقــل منهــم كفــاءة وفائــدة؛ فكانــوا يقتلــون اجلنــود املصابــن عديمــي‬
‫الفائــدة ويقتلــون ذوي االحتياجــات اخلاصــة والعجائــز واألقليــات‬
‫مثــل اليهــود والغجــر والســاف‪ .‬فمــن منظــور مــادي آيل هــؤالء مجي ًعــا‬
‫يعيقــون التقــدم والنجــاح ويبطئــون احلــزب النــازي يف كفاءتــه وتقدمــه‬
‫ويبطئــون مــن خطتــه للتحكــم بالعــامل‪ .‬ولكــن اآلالت عــى األقــل أرادت‬
‫أن ختتــر مــا ُيســمي باملشــاعر حتــى يكــون حلياهتــا معنــى وهــدف بينــا‬

‫‪115‬‬
‫قــي هتلــر وحزبــه عــى مشــاعر اإلنســان وحولــه إىل آلــة تقتــل وتعمــل‬
‫بــا توقــف‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تفكــر‬ ‫صمــت كينــو ليعطــي نــور مســاحة للــرد‪ ،‬ولكــن نــور رشد يف‬
‫ا عــى نفــس الوتــرة‪:‬‬‫عميــق‪ ،‬فأســتطرد كينــو قائــ ً‬
‫‪ -‬واآلن دعنــا نبتعــد عــن كل هــذا وســأتابع مــن حيــث توقفــت‪...‬‬
‫عندمــا طلبــت مــن ياســن أن ينتظــرين حتــى أنتهــي مــن ارتــداء املالبــس‬
‫اجلديــدة‪ ،‬ســمعت صــوت صفــر ورائــي‪ ،‬وكأنــه صــوت قنبلــة موقوتــة‪،‬‬
‫فأدركــت أن هــذا الروبــوت الوغــد ُيدمــر نفســه ذات ًيــا اآلن بعــد أن تأكــد‬
‫خارجــا وأنــا أرصخ عــى ياســن أن‬ ‫ً‬ ‫مــن هزيمتــه الكاملــة‪ ،‬فركضــت‬
‫هيــرب‪ ،‬ولكــن االوان قــد فــات‪ ،‬فانفجــر الروبــوت والتهمــت النــران‬
‫كل يشء‪ ،‬وحلقــت أنــا بعيــدً ا مــن أثــر االنفجــار مــن حســن حظــي‪،‬‬
‫واســتقريت خــارج املــول يف أحــد احلدائــق اخلاصــة بــه‪ ...‬وبعــد بضعــة‬
‫دقائــق أفقــت‪ ،‬وأخــذت أبحــث عــن ياســن يف كل مــكان‪ ،‬ولكنــى مل‬
‫أجــد اال احلطــام والنــران‪ ...‬ال أعــرف هــل التهمتــه النــران‪ ،‬أو قذفتــه‬
‫بعيــدً ا ولكنــي أشــك أنــه قــد نجــا‪ ،‬فأنــا نجــوت بســبب جســدي اآليل‬
‫الــذي يتجــدد تلقائ ًيــا‪ ،‬ولكنــي أمتنــي أن يكــون قــد متكــن مــن النجــاة‬
‫أيضــا‪.‬‬
‫ً‬
‫شعر نور باألسى ملا حدث لياسني‪ ،‬فحاول أن يوايس كينو قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬بالتأكيــد قــد متكــن مــن اهلــرب‪ ...‬ال تشــغل بالــك ال بــد أنــه يف مـ ٍ‬
‫ـكان‬
‫مــا وقــد نعثــر عليــه قري ًبــا‪ ،‬أنــا متأكــد مــن ذلــك‪.‬‬
‫أبتسم كينوا وعدل نظارته قائالً‪:‬‬

‫‪116‬‬
‫أيضــا‪ .‬امتنــى أن يكــون بخــر‪ ،‬يبــدوا أنــه شــخص‬ ‫‪ -‬نعــم‪ ،‬أعتقــد ذلــك ً‬
‫جيــد رغــم افتقــاره للمشــاعر‪ ،‬ويبــدوا أنــه تائــه يف هــذه احليــاة وهلــذا‬
‫ـي أن ُارشــده وأفقــه يف أمــور احليــاة‪.‬‬
‫فعـ ّ‬
‫صمت قليال ليجمع أفكاره ثم أستأنف قصته قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬بعــد أن شــعرت أن ياســن مل ينجــوا‪ ،‬ومل أجــد جثته يف أي مــكان‪ ،‬بدأت‬
‫أبحــث عنــه يف بعــض األماكــن القريبــة‪ ،‬ولكــن مل أجــده‪ ،‬وىف املقابــل‬
‫وجــدت ليونيــس ‪ ...‬كنــت أســر يف الليــل ال أعــرف إىل أيــن جيــب أن‬
‫أذهــب؟ أو مــاذا جيــب أن أفعــل؟ فــكل يشء كان ُمبهــم بالنســبة إ ّيل‪،‬‬
‫وأســوء يشء ألي شــخص هــو أن يتحــرك وهــو ال يعــرف أيــن هدفــه‪ ،‬أو‬
‫إىل أيــن جيــب أن يذهــب؟ إنــه أشــبه أن تتجــول داخــل متاهــة‪ ...‬ولكنــي‬
‫تابعــت الســر بــكل األحــوال‪ ...‬وبعــد فــرة طويلــة مــن الســر خــرج‬
‫روبــوت يطــر ُيشــبه النحلــة‪ ،‬ولكنــه أضخــم بكثــر‪ ...‬حــرة آليــة‬
‫عمالقــة هلــا أجنحــة ترفــرف برسعــة‪ ،‬وكانــت تطــر فوقــي‪ ،‬وقبــل أن‬
‫أمتكــن مــن االختبــاء‪ ،‬وجدهتــا قــد الحظتنــي واندفعــت ناحيتــي ُمطلقــة‬
‫ـي بقذائــف البالزمــا التــي كانــت متحــو كل يشء تلمســه عــن‬ ‫نرياهنــا عـ ّ‬
‫ٍ‬
‫الوجــود‪ ،‬فبــدأت بالركــض‪ ،‬يف حماولــة لتضليلهــا ولكــن بــا جــدوى‬
‫ـة ُمطلقــة وتالحقــك أينــا ذهبــت‪.‬‬ ‫إذ كانــت رسيعــة جــدً ا وتطــر بحريـ ٍ‬
‫لقــد كانــت حــرة ُمزعجــة بحــق‪ ...‬حاولــت أن أبادهلــا إطــاق النــار‬
‫وأنــا أركــض وأختبــأ وراء كل مــا ُيمكــن االختبــاء ورائــه‪ ،‬ولكنهــا‬
‫كانــت تــراوغ كل طلقــايت وإن اصابتهــا طلقــة أو طلقتــن‪ ،‬كان األمــر‬
‫ا أم أجـ ً‬
‫ا‬ ‫أشــبه بوخــزة ابــرة بالنســبة هلــا‪ ،‬ولكنــي كنــت ســأدمرها عاجـ ً‬

‫‪117‬‬
‫ولكــن قبــل أن أفعــل هــذا ظهــر ليونيــس مثــل البطــل الــذي يــأيت دائـ ًـا‬
‫يف النهايــة لينقــذ املوقــف‪.‬‬

‫***‬

‫‪118‬‬
‫‪9‬‬
‫ركــض كينــو ُمتجنب ـ ًا طلقــات احلــرة اآلليــة املميتــة حتــت ســتار الليــل‬
‫وضــوء القمــر‪ ،‬وبادهلــا بإطــاق النــار مــن أصابعــه الشــبيهة بفوهــات‬
‫املســدس ولكــن احلــرة كانــت تراوغهــا بســهولة تامــة‪ ،‬فركــض كينــو‬
‫بمحــاذاة الســيارات املركونــة عــى جانــب الطريــق‪ ،‬حتــى يلتمــس احلاميــة‬
‫منهــا‪ ،‬وفجــأة وهــو ينظــر إىل احلــرة أثنــاء ركضــه‪ ،‬رأي شــيئ ًا ذهبــي‬
‫يركــض فــوق أحــد املبــاين برسعــة شــديدة‪ ،‬ثــم قفــز عال ًيــا يف اهلــواء‪،‬‬
‫وهبــط فــوق احلــرة اآلليــة‪ ،‬فانحرفــت احلــرة عــن مســارها‪ ،‬واهتــزت‬
‫ـارا بشــكل عشــوائي‪ ،‬حماولــة أن تتخلــص مــن الضيــف الغــر‬ ‫يمينـ ًا ويسـ ً‬
‫مرغــوب بــه فوقها‪ ،‬فأمســك الروبــوت الذهبــي بأجنحتهــا بقــوة‪ ،‬ونزعها‬
‫إىل اخلــارج بقــوة‪ ،‬فأقتلــع اجلنــاح األيمــن‪ ،‬وتركــه هيــوي عــى األرض‪،‬‬
‫حتــى أســتقر فــوق أحــد الســيارات فحطمهــا متا ًمــا‪ ،‬ممــا جعــل احلــرة‬
‫تنحــرف بقــوة أكــر‪ ،‬غــر قــادرة عــى التــوازن يف اهلــواء بســبب خــران‬
‫أحــد أجنحتهــا‪ ،‬فارتطمــت بأحــد املبــاين بــراوة وانفجــرت‪ ،‬بينــا قفــز‬
‫الروبــوت الذهبــي مــن فوقهــا برشــاقة‪ ،‬وأخــذ يتزلــج بعجــات يف‬
‫قدمــه عــى املبنــي نــزوال حتــى أقــرب مــن األرض‪ ،‬فقفــز وقــام بحركــة‬
‫هبلوانيــة يف اهلــواء‪ ،‬حتــى أصبــح عــى األرض‪ ،‬وأوقــف نفســه عــن‬
‫طريــق احتــكاك العجــات بــاألرض‪ ،‬حتــى ثبــت متا ًمــا‪ ،‬فتوجــه ناحيــة‬
‫كينــو الــذي كان واقفــ ًا يف دهشــة ال يصــدق مــا رآه‪ ،‬روبــوت هياجــم‬
‫روبــوت آخــر! مل يكــن ليصــدق لــوال أنــه رأي ذلــك بــأم عينيــه‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫اضطــرب كينــو فرفــع يــده يف حماولــة ملهامجــة الروبــوت‪ ،‬فتكلــم الروبوت‬
‫بالعربيــة بطالقــة قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ال ختف‪ ،‬أنا لست عدوك‪.‬‬
‫تعجــب كينــو أكثــر ورفــع حاجبيــه مــن الدهشــة‪ ،‬فقــال وهــو ال يــزال يف‬
‫وضعيــة اهلجــوم‪:‬‬
‫‪ -‬وكيف أضمن َ‬
‫أنك ال ختدعني؟‬
‫فرد الروبوت بنربة إلكرتونية رتيبة باردة‪:‬‬
‫‪ -‬لــو كنــت أريــد قتلـ َ‬
‫ـك لفعلــت‪ .‬لقــد أســقطت النحلــة أتعتقــد أنــك‬
‫ســتكون أكثــر خطــورة منهــا؟‬
‫شــعر كينــو أنــه ُيــن نفســه فهــو بالطبــع أكثــر خطــورة منهــا‪ .‬أنــزل يديــه‬
‫ورآه يقــرب منــه قائـاً‪:‬‬
‫‪ -‬إذا ماذا تريد؟ وملاذا ساعدتني؟‬
‫‪ -‬أريد أن أخربك احلقيقة‪.‬‬
‫قطب كينو حاجبيه ورمق الروبوت بنظرات حذرة قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬احلقيقة؟ ماذا تقصد باحلقيقة؟‬
‫فرد الروبوت بربود آيل‪:‬‬
‫‪ -‬حقيقــة هــذا العــامل‪ ،‬احلقيقــة التــي ُاخفيــت عنكــم‪ ،‬حقيقــة معظــم‬
‫األشــياء التــي حتــدث اآلن‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫شعر كينو بحرية شديدة مما قاله‪ ،‬فقال وقد ضم يديه إىل صدره‪:‬‬
‫‪ -‬أتقصــد أنــك ســتخربين بــكل يشء حيــدث هنــا؟ ولكــن كيــف أعلــم‬
‫ـك ال تكــذب؟‬‫أنـ َ‬
‫فرد الروبوت رامق ًا كينو بنظرات باردة‪:‬‬
‫‪ -‬هــذا ألن اآلالت ال تكــذب مثــل البــر‪ ،‬فنحــن يف وضعيــة الســيطرة‬
‫عليكــم اآلن وال نحتــاج إىل اســتخدام اخلــداع يف الوصــول إىل أهدافنــا‪.‬‬
‫أمــا عــن هــديف احلقيقــي فأنــا أحتــاج إىل مســاعدتك‪ ،‬وباملثــل فأنــت‬
‫أيضــا حتتــاج إىل مســاعديت‪ ،‬ولــن أخاطــر بحيــايت وآيت إىل هنــا مــن أجــل‬
‫ً‬
‫الكــذب عليــك‪.‬‬
‫نظــر لــه كينــو بتشــكك‪ ،‬والحــظ بعينيــه اليمنــي أن هنــاك يشء غريــب‬
‫داخــل هــذا الروبــوت‪ ،‬وكأنــه كائــن حــي‪ .‬فقــد ســمع كينــو صــوت‬
‫نبضــات قلبــه والحــظ انبعــاث حــرارة منــه كالبــر‪ ،‬فــازدادت حريتــه‬
‫ولكنــه قــرر أن يكمــل معــه لعبتــه ويــرى مــا يريــد فقــال بصـ ٍ‬
‫ـوت الذع‪:‬‬
‫‪ -‬حســنا‪ ،‬ســأثق بــك‪ ،‬فأنــا ال أملــك أي مــكان ألذهــب إليــه يف كل‬
‫األحــوال‪ .‬واآلن أخــرين بــاذا أناديــك؟‬
‫فقال الروبوت وضوء القمر ينعكس عىل جسده الذهبي املزخرف‪:‬‬
‫‪ -‬لــدي أســم طويــل ولــن أتعبــك بذكــره‪ ،‬لــذا نــادين ب ليونيــس فقــط‬
‫أو باختصــار أقــل ليــو‪.‬‬
‫فرد كينو وهو يقرتب منه يف الظالم‪:‬‬

‫‪121‬‬
‫اسم مجيل‪ ،‬أنا كينو‪.‬‬
‫‪ -‬ليو‪ ،‬هذا ٌ‬
‫شريا لكينو أن يتبعه‪:‬‬
‫قال الروبوت وهو يبتعد ُم ً‬
‫‪-‬أتبعني يا سيد كينو‪ ،‬فنحن لن نتحدث هنا‪.‬‬
‫تبعــه كينــو وســارا حتــى وجــدا حديقــة فارغــة يف مـ ٍ‬
‫ـكان آمــن‪ ،‬فجلســا‬
‫عــى أحــد كراســيها وكانــت هنــاك مظلــة فوقهــا تُغطيهــا مــن حســن‬
‫حظهــا‪ ،‬فقــد بــدأت الســاء ُتطــر بغــرازة والــرق يــرب بألســنته‬
‫الســاء واألرض‪ .‬جلــس ليونيــس ووجــه نظــرات بــاردة إىل كينــو‪،‬‬
‫وكانــت مصــادر الطاقــة يف رأســه وقلبــه تشــعان بلـ ٍ‬
‫ـون أزرق ســاوي‪ ،‬ممــا‬
‫كان جيعلــه يــيء العتمــة مــن حوهلــم قليــ ً‬
‫ا مــع ضــوء الــرق‪.‬‬
‫ـرا إىل الشــيئني املســتديرين الذيــن يشــعان بالطاقــة مــن‬
‫قــال لــه كينــو ُمشـ ً‬
‫رأســه وقلبــه‪:‬‬
‫‪ -‬ما هي هذه األشياء بالضبط؟ هل هي مصدر طاقة ما؟!‬
‫فرد الروبوت‪ ،‬وهو يشري إىل التي عند قلبه‪:‬‬
‫‪ -‬هــذا هــو القلــب بالنســبة إ ّيل‪ ،‬وهــي مــا متــد جســدي بالطاقــة‪ ،‬ألحتــرك‬
‫بحر ية ‪.‬‬
‫ثم أشار بأصبعه ناحية رأسه‪:‬‬
‫‪ -‬وهــذا مــا يعطينــي اإلدراك والــذكاء والكثــر مــن األشــياء األخــرى‪،‬‬
‫كالرؤيــة وحتديــد العــدو مــن الصديــق‪ ،‬وحفــظ املعلومــات‪ ،‬وحتليــل‬
‫البيانــات‪ ،‬إلــخ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫ٍ‬
‫صمت ثم قال باستغراب‪:‬‬ ‫أخذ كينو يتأملهم يف‬
‫‪ -‬كيف يمدانك بالطاقة؟‬
‫‪ -‬هــذه قصــة أخــرى ســأروهيا لــك فيــا بعــد‪ ،‬واآلن لدينــا أشــياء أخــرى‬
‫نتناقــش فيهــا‪.‬‬
‫عدل كينو من جلسته وقال‪:‬‬
‫‪ -‬نعم بالطبع واآلن فلترشح يل كل يشء‪.‬‬
‫نظــر ليونيــس إليــه هبــدوء شــديد وهــو يتأمــل األرض وقــد اهتــزت‬
‫وربــت مــن مــاء املطــر ثــم قــال بــدون أن يــرف لــه جفــن‪:‬‬
‫‪ -‬يف البداية‪ ،‬هل تعرف أين أنت؟‬
‫نظر كينو حوله ثم قال بثقة كبرية ُيسد عليها‪:‬‬
‫‪ -‬أنا يف أطالنتس اجلديدة‪ ،‬مرص؟!‬
‫شــعر كينــو أن الروبــوت يريــد أن يضحــك‪ ،‬ولــوال أنــه ال يمتلك مشــاعر‬
‫بالفعــل لصــدق أنــه ســيضحك‪ ،‬فــرد الروبوت‪:‬‬
‫‪ -‬يــا للســخرية‪ ،‬هــل هــذا مــا أخــروك بــه؟ يف احلقيقــة يــا ســيد كينــو‬
‫أنــت لســت عــى كوكبــك‪ ،‬أنــت عــى كوكبنــا‪.‬‬
‫ـرا‪ ،‬فقــد ســاوره الشــك مــرات عديــدة أنه عــى كوكب‬ ‫مل ُيفاجــئ كينــو كثـ ً‬
‫آخــر ممــا رآه مــن قبــل ـ أثنــاء بعثتــه خــارج أطالنتس ـ مــن كائنــات غريبة‬
‫وأشــجار جمهولــة مل يرهــا مــن قبــل ولكنــه مل يــرد أن يصــدق أنــه بطريقـ ٍ‬
‫ـة‬
‫ـب غريــب بــدون أن يــدري وال زال يشــك بــأن هــذا‬ ‫مــا أصبــح عــى كوكـ ٍ‬

‫‪123‬‬
‫الروبــوت يكــذب‪ .‬قــال وقــد ظلــت مالحمــه ثابتــه مل تتغــر رغــم وقــع‬
‫اخلــر عليــه‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقصد بكوكبكم؟‬
‫‪ -‬أقصــد مــا أقصــده‪ ،‬هــذا كوكبنــا وليــس كوكبكــم املدعــو بكوكــب‬
‫األرض‪.‬‬
‫رد كينو بنربة ُمستنكرة‪:‬‬
‫‪ -‬ولكن أليس هذه املدينة هي أطالنتس اجلديدة؟‬
‫‪ -‬نعــم إهنــا كالنســخة املوجــودة عــى األرض بالفعــل‪ ،‬ولكنهــا ليســت‬
‫نظــرا ألن‬
‫ً‬ ‫األصليــة‪ ،‬إهنــا نســخة فقــط ولكنهــا قديمــة بعــض الــيء‬
‫بناءهــا مل يكتمــل بســبب تدخلنــا ا ُملســتمر‪.‬‬
‫ـك ال تكــذب؟ وكيــف يمكــن لروبوتــات أن يكــون‬ ‫‪ -‬وكيــف أعــرف أنـ َ‬
‫هلــا كوكــب؟ أنتــم ال بــد مــن أن تكونــوا ُصنعتــم! عــى أيدينــا بالطبــع‪.‬‬
‫رد الروبــوت وهــو يمــد يديــه خــارج املظلــة لتســقط عــي يديــه بعــض‬
‫قطــرات املطــر‪:‬‬
‫‪ -‬وملــاذا ال نكــون قــد ُصنعنــا بــدون تدخــل منكــم يــا ســيد كينــو‪،‬‬
‫أوليــس بعضكــم يظــن بأنــه قــد جــاء مــن العــدم ومل يصنعــه أي إلــه؟‬
‫فلــا ال حيــدث لنــا مثلــا حــدث لكــم ونكــون نتــاج تطــور مــا عشــوائي‬
‫مــن ذرات احلديــد يف هــذا الكوكــب؟‬
‫‪ -‬دعــك مــن هــذه األحاديــث فأنــا لســت مــن أنصــار هــذه الفكــرة‬

‫‪124‬‬
‫وهلــذا أخــرين مــن صنعكــم؟‬
‫ابتســم ليونيــس ابتســامة ُمصطنعــة ُمريبــة‪ ،‬فتعجــب كينــو مــن هــذا‪،‬‬
‫فقــال ليــو‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم بالفعــل لقــد ُصنعنــا ولكــن ليــس عــى أيديكــم بــل عــى يــد‬
‫خملوقــات أخــرى كانــت تســتوطن هــذا الكوكــب‪ ،‬ولكنــي كنــت‬
‫أمازحـ َ‬
‫ـك قلي ـاً‪ ،‬فحتــى اآلالت لدهيــا حــس دعابــة كــا تــرى! عــى أي‬
‫حــال‪ ،‬لقــد متردنــا عليهــم وطردناهــم خــارج الكوكــب يف حـ ٍ‬
‫ـرب كبــرة‬
‫دامــت لســنوات‪ ...‬ولكــن الغلبــة كانــت لنــا‪.‬‬
‫شــعر كينــو باالضطــراب ممــا ســمعه وآملــه رأســه ممــا يقولــه‪ ،‬ورفــض‬
‫عقلــه أن يتقبــل هــذه الرتهــات عــن خملوقــات أخــرى‪ ،‬فأغمــض عينيــه‬
‫نفســا عمي ًقــا ليهــدأ مــن روعــه ثــم قــال بــدون أن ُيظهــر ُظلمــة‬
‫وأخــذ ً‬
‫نفســه‪:‬‬
‫‪ -‬وكيــف أصدقــك؟ كيــف ســنرتك األرض ونعيــش عــى كوكــب آخــر‬
‫غريــب ونبنــي أطالنتــس أخــرى عليــه؟ مــا الفائــدة مــن كل هــذا؟‬
‫فلتخــرين‪.‬‬
‫قــال الروبــوت وهــو ينظــر حولــه متفقــدً ا املــكان حتــى ال يباغتهــم أحــد‬
‫بينــا يــدوي هزيــم الرعــد فيهــز املدينــة هـ ًـزا‪:‬‬
‫‪ -‬إهنــا قصــة طويلــة‪ ،‬ولكــن كوكبكــم ُدمــر عــى يــد املخلوقــات التــي‬
‫صنعتنــا ومــن ثــم اســتولت عليــه ألنــه يشــبه هــذا الكوكــب الــذي نقــف‬
‫عليــه اآلن وا ُملســمى ً‬
‫أيضــا بأطالنتــس‪ ...‬وهــذا مــا أدي إىل هــرب العديــد‬

‫‪125‬‬
‫مــن البــر عــى ســفينة فضائيــة كبــرة وهائلــة تســمي إينيكــس ‪...3‬‬
‫ومــن ســخرية القــدر أنكــم مل جتــدوا غــر الكوكــب الــذي هــرب منــه‬
‫الغــزاة بحث ـ ًا عــن النجــاة وهبطتــم عليــه فباغتكــم وجودنــا‪.‬‬
‫بــدأ كينــو يشــعر بتشــوش يف رأســه وشــعر أن هنــاك بعــض املقتطفــات‬
‫تعــود إىل ذهنــه‪ ،‬عــن دخــول العــامل يف فــويض‪ ،‬ومتــرد الروبوتــات‪،‬‬
‫ا وقــد اتســعت حدقتــا عينيــه مــن الدهشــة‬ ‫فوضــع يــده عــى رأســه قائـ ً‬
‫وحــدق يف ليونيــس مصعوقــ ًا‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان هــذا اهلــراء الــذي تتحــدث عنــه حقيقــي! فلــاذا أخــذ شــعب‬
‫أطالنتــس كوكبنــا؟ وملــاذا يوجــد مدينــة عــى كوكبنــا تســمي أطالنتــس‬
‫ـن طويــل وتتشــابه مــع اســم هــذا الكوكــب؟‬ ‫اختفــت ُمنــذ زمـ ٍ‬

‫ا ردة فعلــه وتعابــر وجهــه التــي تــي بالكثــر‪،‬‬‫نظــر إليــه ليونيــس حمل ـ ً‬
‫ليعلــم هــل يصدقــه أم يكذبــه‪ ،‬ثــم قــال‪:‬‬
‫‪ -‬أســيادنا كانــوا يف غايــة الــذكاء كام ذكــرت‪ ...‬وكوكبنا هذا هــو الكوكب‬
‫الوحيــد الــذي يســتطيعون أن يعيشــوا عليه‪ ،‬فهــم حيتاجون إىل األكســجني‬
‫واملــاء كــا تــرى كــا حتتاجوهنــم أنتــم‪ ،‬ولكــن هروهبــم مــن الكوكــب‬
‫ـدر آخــر وإال فاالنقراض سـ ُيصبح‬ ‫ُمربيــن بســببنا‪ ،‬جعلهــم يتجهــون ملصـ ٍ‬
‫مــن نصيبهــم‪ ...‬اكتشــفوا كوكبكــم بعــد بحــث طويــل‪ ،‬الكوكــب األزرق‬
‫املثــايل‪ ،‬الــذي ســيكون املوطــن األمثــل هلــم ليتكاثــروا جمــد ًدا ويعيشــوا‬
‫بأمــان‪ ،‬ولكــن مــن ســوء حظهــم أهنــم وجــدوا داخلــه خملوقــات أخــرى‬
‫تعيــش عليــه‪ ...‬بــل والكوكــب لديــه تاريــخ حافــل‪ ...‬فبــدأوا بمراقبتكــم‬
‫عــن كثــب ليعرفــوا كل يشء عنكــم‪ ،‬ورأوا أنكــم ال تســتحقون هــذا‬

‫‪126‬‬
‫الكوكــب‪ ،‬فأنتــم خملوقــات فاســدة وعديمــة الرمحــة‪ ،‬وهلــذا قــرروا أن‬
‫يســتغلوا هــذا ملصلحتهــم‪ ،‬واســتغلوا ذوي النفــوس الفاســدة والضعيفــة‬
‫لديكــم مــن السياســيني‪ ،‬وأخــذوا خيدعوهنــم ويعدوهنــم بقـ ٍ‬
‫ـوة ال ُيمكــن‬
‫ختيلهــا وعلــم يتعــدى احلــدود‪ ،‬بــل ووعدوهــم بأهــم يشء كانــوا يتمنــوه‬
‫باخللــود‪ ...‬أمــا بالنســبة لتشــابه أســم هــذا الكوكــب مــع مدينــة عــى‬
‫كوكبكــم فهــذا ربــا يرجــع إىل أن أســيادنا قــد زاروا كوكــب األرض مــن‬
‫قبــل واخربوكــم أهنــم جــاءوا مــن أطالنتــس ولكــن يبــدوا بــأن األمــر تم‬
‫حتريفــه مــع الوقــت فأصبــح الكوكــب مدينــة مفقــودة أســطورية تبحثــون‬
‫عنهــا وال جتــدون هلــا أي أثــر وهــذا تفســري لألمــر‪ ،‬ألن أســيادنا كان‬
‫لدهيــم علــم التنقــل عــر الفضــاء وربــا احتالهلــم لكوكبكــم يرجــع إىل‬
‫معرفتهــم ا ُملســبقة بمكانــه‪.‬‬
‫قــال كينــو بحــرة وقــد شــعر بعقلــه يتشــتت شــيئ ًا فشــيئ ًا ويتمــزق إىل‬
‫ٍ‬
‫شــذرات متناثــرة‪:‬‬
‫‪ -‬اخللود! وهل لدهيم فع ً‬
‫ال رس اخللود؟‬
‫‪ -‬ال ليــس لدهيــم هــذا ولكــن باســتطاعتهم أن يتالعبــوا بجســد‬
‫املخلوقــات ل َيمــدّ وا مــن عمرهــم ملئــات الســنني‪ ،‬ولكــن املــوت مصــر‬
‫كل املخلوقــات يف النهايــة إال نحــن‪ ،‬فاخللــود بــن أيدينــا فقــط‪ ،‬إال إذا‬
‫تدمرنــا أو توقفنــا عــن العمــل وأصابنــا الصــدأ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان هــذا اهلــراء الــذي تقولــه حقيقــي فــإذن كيــف تدمــر الكوكــب؟‬
‫أرين دليلك!‬
‫رفــع الروبــوت يــده ال ُيمنــى ليخــرج مــن راحتهــا صــورة ثالثيــة األبعــاد‬

‫‪127‬‬
‫لكوكــب األرض يف بدايــة الغــزو‪ ،‬بلونــه األزرق اخلــاب والكثــر مــن‬
‫الكــرات الســوداء الكبــرة تتوجــه ناحيتــه لتدخــل غالفــه وتســقط يف‬
‫أماكــن متفرقــة عليــه‪ ،‬ثــم تتالــت االنفجــارات واهلجــات عــى أنحــاء‬
‫الكوكــب مــن الروبوتــات‪ .‬وىف الصــورة التاليــة قــد هبــت لونــه وأصبــح‬
‫كوك ًبــا ُمظلـ ًـا‪ ،‬ولونــه مائــل للســواد متــأه احلــروب والنــران ا ُملشــتعلة‪،‬‬
‫فأغلــق الصــورة ثــم قــال‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد هاجــم شــعب أطالنتــس كوكبكــم يف البدايــة عــن طريــق التحكــم‬
‫يف الروبوتــات التــي تســتخدموهنا‪ ،‬وألن شــعب أطالنتــس متطــور للغايــة‬
‫يف صناعــة الروبوتــات‪ ،‬وهــذا مــا جعلنــا نحــن الروبوتــات نُصبــح هبــذا‬
‫الــذكاء الشــديد‪ ،‬فهــذا مكنهــم مــن التحكــم بروبوتــات كوكــب األرض‬
‫واســتخدامها يف تدمــر كل يشء‪ ،‬وأمــا عــن الكــرات فكانــت مهمتهــا‬
‫هــي نقــل كل املعلومــات عــن كوكبكــم وحتديــد اخلطــة الالزمــة للغــزو‬
‫ٍ‬
‫جنــود ينتظــرون الوقــت املناســب‬ ‫أيضــا كانــت حتتــوي عــى‬
‫ولكنهــا ً‬
‫للخــروج‪.‬‬
‫شــعر كينــو بــاألمل يف رأســه وكأن عقلــه يكافــح ويناضــل مــن أجــل‬
‫الوصــول إىل الذكريــات التــي ُميــت مــن عقلــه‪ ،‬حتــى تبــدت لــه صــورة‬
‫ضبابيــة بعــض الــيء وتذكــر شــيئ ًا عــن ملســه لكــرة ســقطت بالقــرب‬
‫مــن جامعــة القاهــرة اجلديــدة أثنــاء توجهــه إىل املنــزل وعندهــا اقــرب‬
‫منهــا ولكنــه مل يتذكــر شــيئ ًا آخــر‪ ،‬وهــذا جعلــه يشــعر أن ليونيــس ربــا‬
‫يقــول احلقيقــة‪.‬‬
‫اضطربــت نفســه وأظلمــت أفــكاره‪ ،‬وحــاول أن يســتوعب كل كلمــة‬

‫‪128‬‬
‫تقــال وحيللهــا حتــى يكشــف زيفهــا إن كان خيدعــه‪ ،‬فقــال لنفســه‪:‬‬
‫‪ -‬ولكــن إن كانــت هــذه هــي احلقيقــة فإهنــا خميفــة أكثــر ممــا أختيــل‪،‬‬
‫ولكنــي أشــعر أن هنــاك يشء آخــر خيفيــه هــذا الروبــوت‪ .‬قــال حمــاوالً‬
‫إخفــاء اضطرابــه‪:‬‬
‫‪ -‬إذا إن كان مــا تقولــه صحيــح‪ ،‬فــأرشح يل املزيــد عــن كيفيــة الوصــول‬
‫إىل هنــا؟ وكيــف عــرف البــر مــكان هــذا الكوكــب؟ وملــاذا صنعــوا‬
‫ســفينة كبــرة كإينيكــس ‪3‬؟ هــل هــذا ملعرفتهــم أن الغــزو قــادم؟‬
‫فقال الروبوت‪:‬‬
‫‪-‬هــذه هــي القصــة التــي أريــد أن أخــرك هبــا‪ .‬قبــل أن ُيدمــر كوكبكــم‪،‬‬
‫جــاء شــخص ُيدعــى جالديــوس ـ كان يعيــش بيننــا ولكنــه مل يكــن مــن‬
‫شــعب أطالنتــس ـ وهــو زائــر قــد جــاء مــن كوكــب آخــر وتواصــل مــع‬
‫شــعب أطالنتــس ويبــدوا أنــه كان لديــه علــم بوجــود كوكــب األرض‪.‬‬
‫صدم كينو عندما سمع باسم جالديوس‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫‪ -‬جالديــوس؟ مــا الــذي حيــدث هنــا؟! وهــل جالديــوس كائــن فضائي؟‬
‫كل ذلــك الوقــت! هــل خيدعنــي هــذا الروبــوت؟ أم أنــا مــن ُخدعــت؟!‬
‫ولكــن أخــي‪ ...‬وجايــا! هــل كل هــذه أكاذيــب‪.‬‬
‫قطع الروبوت حبل أفكاره ُمكم ً‬
‫ال قصته بصوته اإللكرتوين املميز‪:‬‬
‫‪ -‬وبالطبــع عــرف جالديــوس أن جنســكم هنايته أصحبت وشــيكة بســبب‬
‫رغبــة شــعب أطالنتــس يف احلصــول عــى كوكبكــم كبديــل لكوكبهــم‪...‬‬
‫وىف نفــس الوقــت كان العديــد مــن السياســيني عــى كوكبكــم يتصلــون‬

‫‪129‬‬
‫مــع الفضائيــن مــن اخلــارج مــن أجــل احلصــول عــى القــوة واألســاليب‬
‫احلديثــة للســيطرة عــى الشــعوب وعــى الكوكــب‪ ،‬واحلقيقــة بالطبــع‬
‫كانــت خمفيــة وراء قنــاع األكاذيــب الــذي ال ينتهــي‪ ،‬بــل كانــوا يكذبــون‬
‫عليكــم أن كوكبكــم هــو الوحيــد يف هــذا الكــون الــذي يوجــد عليــه‬
‫حيــاة‪ ،‬وهــذا مــع وضــع نظريــات بإمكانيــة وجــود خملوقات أخــرى‪ ،‬عىل‬
‫الرغــم معرفتهــم أن هــذا غــر حقيقــي البتــة‪ ،‬ولكــن عــا قليــل ســتعلم‬
‫ملــاذا أخفــوا األمــر‪ ...‬وهكــذا العديــد مــن األشــياء ُاخفيــت عنكــم‪ ،‬وزاد‬
‫طمــع شــعب أطالنتــس بكوكبكــم‪ ،‬فاتصلــوا بعاملكــم عــن طريــق بعــض‬
‫الرؤســاء‪ ،‬وأخربوهــم أهنــم ســيمدوهنم بقــوة ونفــوذ ال ينتهــي كــا‬
‫ذكــرت ســابق ًا ولكــن بــرط أال خيــروا أحــدً ا عــن وجودهــم‪ ،‬وبالطبــع‬
‫تســاؤل البعــض عــن نوايــا هــذه املخلوقــات‪ ،‬فقالــوا أهنــم خملوقــات‬
‫متقدمــة تريــد أن تُفيــد الكــون وجتعلــه يتقــدم لألمــام ليكتشــفوا أفاقــا‬
‫مل يكونــوا يعرفوهــا‪ ،‬ورأوا يف البــر خملوقــات ذكيــة تســتحق أن تنتقــل‬
‫إىل املســتوى التــايل وتكتشــف قدراهتــا احلقيقيــة‪ ...‬ولكنهــم طلبــوا منهــم‬
‫بــأال يعطــوا العامــة أ ًيــا مــن األرسار التــي عرفوهــا بعــد‪ ،‬ألهنــم غــر‬
‫مســتعدون لتقبلهــا يف الوقــت احلــايل‪ ،‬وهلــذا وجــب اســتئصال ُجــز ًء‬
‫ـرا مــن البرشيــة وبقــاء ُجــز ًء فريــدً ا مــن نوعــه وهــو اجلــزء األذكــى‪...‬‬
‫كبـ ً‬
‫املتنوريــن فقــط مــن البــر هــم مــن حيــق هلــم العيــش‪ ،‬ولكــن أتعــرف‬
‫ســخرية القــدر يــا ســيد كينــو‪ ،‬إهنــا الكارمــا كــا تقولــون؛ كل يشء تفعلــه‬
‫ُيــرد إليــك‪.‬‬
‫صمــت كينــوا قليـ ً‬
‫ا وهــو يفكــر يف كل مــا ســمعه وقــد تضاربــت األفكار‬
‫بداخلــه بشــكل خميــف وأصبــح وجهــه كئي ًبــا وقــد غــرق يف تأمــات‬

‫‪130‬‬
‫ســوداوية وخميفــة‪ .‬نظــر إىل ليونيــس الــذي ينتظــره ليجيبــه ثــم قطــع‬
‫حاجــز الصمــت قائــاً‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقصد؟‬
‫أستطرد ليونيس قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬شــعب أطالنتــس‪ ،‬هــذه املخلوقــات املتطــورة والذكيــة التــي جــاءت‬
‫إليكــم‪ ،‬هــي نفســها التــي كانــت تســكن عــى هــذا الكوكــب كــا قلــت‬
‫ـك‪ ،‬وهــي نفــس املخلوقــات التــي صنعتنــا‪ ،‬والتــي متردنــا عليهــا وقتلنــا‬ ‫لـ َ‬
‫ـفن إىل الفضــاء‪ ،‬ومل يعــودوا قــط‪،‬‬ ‫الكثــر منهــا‪ ،‬بينــا هــرب الباقــي بسـ ٍ‬
‫فجئتــم أنتــم إلينــا بســبب مــا فعلنــاه فيمــن أعطانــا احليــاة‪ ...‬إن أمعنــت‬
‫النظــر فــإن دائــرة الكــره واحلــروب ال تنطفــأ عندمــا تشــتعل وكل مــا‬
‫حيتاجــه األمــر هــو رشارة فقــط لتبــدأ دورة الكراهيــة يف االنطــاق مــن‬
‫جديــد ونحــن مــن بدأنــا هــذه الــرارة كآالت رغــم افتقارنــا ملشــاعر‬
‫الكــره واحلــب‪.‬‬
‫يشء ســمعه‪ ،‬فقاطعــه صــوت‬ ‫ـق يف كل ٍ‬ ‫رشد كينــو كثــرا وأخــذ يفكــر بعمـ ٍ‬
‫ً‬
‫ً‬
‫ليونيــس مســتأنفا قصته‪:‬‬
‫أيضــا مــن شــعب‬ ‫وخ ِدعــوا هــم ً‬ ‫‪ -‬وهكــذا ُخدعتــم مــن أســيادكم ُ‬
‫أطالنتــس حتــى تدمــر الكوكــب متا ًمــا‪ ،‬ولكــن جالديــوس ـ هــذا‬
‫املخلــوق الــذي جــاء مــن كوكــب ال أعلــم عنــه شــيئ ًا ـ جــاء لكــم أو‬
‫باألخــص إىل قــادة مــر والتحالــف اإلســامي‪ ،‬ألنــه رأى فيهــم ملكــة‬
‫االســتامع لــه مــن أجــل إنقــاذ الكوكــب‪ ،‬رأى أهنــم ســينفذون كل مــا‬
‫يقولــه إلنقــاذ البرشيــة‪ ،‬ورشح هلــم مــا حيــدث‪ ،‬وكيــف أن شــعب‬

‫‪131‬‬
‫أطالنتــس ُيطــط لالســتيالء عــى عاملهــم قري ًبــا‪ ،‬ولــن يتبقــى هلــم‬
‫يشء ســوى اهلــاك‪ ...‬فطلــب منهــم أن جيمعــوا البــر ذوي األخــاق‬
‫احلميــدة والقــدرات الذهنيــة العاليــة والتفكــر القويــم‪ ،‬وســاهم صفــوة‬
‫البــر‪ ...‬ثــم أمرهــم أن يطلبــوا منهــم القــدوم يف رحلــة فضــاء كبــرة‬
‫الكتشــاف املجــرة والبحــث عــن حيــاة فيهــا كرحلــة استكشــاف علميــة‬
‫للفضــاء‪ ...‬وبالطبــع كانــت هــذه هــي فرصــة العمــر بالنســبة جلميــع‬
‫البــر الذيــن يســعون الستكشــاف الفضــاء‪ ،‬فوافــق بعضهــم بــرط‬
‫ضــان الســامة‪ .‬وهكــذا ُجــع العديــد مــن البــر مــن شــتى بقــاع‬
‫األرض عــى ســفينة كبــرة صمموهــا بعنايــة وفــق املخطوطــات التــي‬
‫أيضــا مجــع كل مــا يســتطيعون‬‫أعطاهــا جالديــوس هلــم‪ ،‬وطلــب منهــم ً‬
‫ذكــرا كانــوا أم أنثــى؛‬
‫ً‬ ‫مجعــه مــن احليوانــات والنباتــات واملخلوقــات‪،‬‬
‫فجمــع البــر هــذه املخلوقــات عــن طريــق رشيــط احلمــض النــووي‬
‫الــذي ُيمكّنهــم مــن محــل أكــر عــدد ممكــن مــن املخلوقــات داخــل‬
‫رشائــح صغــرة يمكــن باســتخدامها إعــادة انتــاج هــذه الكائنــات مــرة‬
‫أخــرى يف املعامــل وإخراجهــا فيــا بعــد وهــذا ليســهل عليهــم محلهــا‬
‫ــر معهــم‪ ...‬ســتذكرك هــذه القصــة بعــض الــيء بقصــة قديمــة‬ ‫ب ُي ٍ‬
‫حدثــت عــى كوكبكــم ألســت حمقــ ًا؟‬
‫تذكر كينو القصة كاملة‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬تقصــد أهنــا تشــبه قصــة النبــي نــوح الــذي بنــى ســفينة عمالقــة ومجــع‬
‫فيهــا مــن احليوانــات مــن كل زوجــن اثنــن ومــن آمــن معــه قبــل أن يــأيت‬
‫الطوفــان و ُيغــرق األرض كلهــا؟!‬

‫‪132‬‬
‫ـرا‪ ،‬هلــذا‬
‫‪ -‬نعــم هــذه هــي القصــة‪ ...‬تتشــابه القصــص يف هــذا الكــون كثـ ً‬
‫مــن ال مــايض لــه‪ ،‬ال حــارض لــه ألنــه يفــوت عــى نفســه الكثــر مــن‬
‫األشــياء املثــرة‪.‬‬
‫صمــت ليونيــس قليـاً‪ ،‬فحــدق كينــو إليــه باهتــام كبــر وحــرة حممومــة‬
‫ثــم قــال بينــه وبــن نفســه‪:‬‬
‫‪ -‬حســن ًا هــذا مــا قالــه عضــو اإلينيكــس يل‪ ،‬ولكــن هــل قائدهــم‬
‫جالديــوس مــن الفضــاء حقــ ًا؟! ومــا هــي نوايــاه مــن مســاعدتنا؟!‬
‫وملــاذا مل خيــرين أننــا نُقلنــا عــى كوكــب جديــد؟!‬
‫أكمل ليونيس قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬وهكــذا قــال جالديــوس هلــم أن خــاص البرشيــة معــه وأنــه يعــرف‬
‫كوكــب يســتطيع البــر أن يعيشــوا عليــه بســام‪ ،‬وأن هــذه الســفينة‬
‫ـة كبــرة‪ ...‬وهنــاك ســيجدون‬ ‫ستســاعدهم عــى الوصــول هنــاك برسعـ ٍ‬
‫كل مــا ُيميــز كوكــب األرض بــل وأكثــر‪ ،‬فوافــق اجلميــع عــى هــذا رغــم‬
‫املخاطــرة ولكنهــم كانــوا يستشــعرون اقــراب الغــزو الــذي س ـ ُيدمر كل‬
‫ـك ومثــل معظــم البــر هنــا ُاخفيــت احلقيقــة عنهم‬ ‫يشء‪ ،‬أمــا العــوام مثلـ َ‬
‫جمــد ًدا‪ ،‬وكانــت حجــة جالديــوس إلخفــاء احلقيقــة عنهــم هــي أهنــم لــن‬
‫وأيضــا فإهنــم‬
‫يتقبلــوا حقيقــة التوجــه إىل كوكــب آخــر‪ ،‬والعيــش فيــه‪ً ...‬‬
‫إن مل يذهبــوا معــه فــإن البرشيــة ســتفنى ال حمالــه‪ ،‬فــكان ال بــد مــن أن‬
‫يتــم خــداع اجلميــع مــن أجــل مصلحــة البرشيــة‪ ،‬أو كــا يقــول املثــل‬
‫الفلورنــي مليكافيــي‪ :‬الغايــة تــرر الوســيلة‪ ...‬ولكــن هــل حق ـ ًا الغايــة‬
‫تــرر الوســيلة؟‬

‫‪133‬‬
‫شــعر كينــو بســيل مــن العواطــف يــري بداخلــه‪ ،‬غــر ُمصــدق لــكل‬
‫هــذا اجلنــون‪ ،‬كيــف كان مــن املفــرض أن يكتشــف كل هــذا لــو مل يقابــل‬
‫ليونيــس؟! ولكنــه أحــس بــأن كالمــه غريــب وال يتقبلــه عقــل يف نفــس‬
‫الوقــت‪ ،‬فأصبــح متذبذ ًبــا ال يعلــم مــاذا يصــدق‪ .‬صالــب ذراعيــه وزفــر‬
‫قائـاً‪:‬‬
‫‪ -‬أنــا ال أحــب هــذا املثــل عــى اإلطــاق‪ ،‬فهــو يــرر كل يشء يسء فعلنــاه‬
‫نحــن البــر حتــت غطــاء احلريــة واملصلحــة العامــة والســام وكل هــذه‬
‫الشــعارات الرنانــة‪.‬‬
‫رد ليونيس ‪:‬‬
‫‪ -‬بالطبــع ولكنــى رضبــت لــك هــذا املثــل ألنــه مثــل أريض ســتتعرف‬
‫عليــه عندمــا تســمعه إذ يــرح كل مــا حــدث حتــى اآلن ويفــر جهلكــم‬
‫بوجودكــم هنــا!‬
‫تأمل ليونيس السامء قلي ً‬
‫ال ثم أستطرد قائالً‪:‬‬
‫ِ‬
‫ذاكرتــم حتــى ال‬ ‫‪ -‬بالطبــع ُخــدر البــر عــى هــذه الســفينة وعُدّ لــت‬
‫يعلمــوا باألصــل أهنــم خرجــوا مــن عــى كوكــب األرض وذهبــوا إىل‬
‫كوكــب غريــب ليعيشــوا عليــه فيصيبهــم الرعــب ويتمــردوا مــن أجــل‬
‫العــودة فتفشــل اخلطــة بالكامــل‪ ...‬وبعــد ذلــك محلــت الســفينة البــر‬
‫ـكل ألواهنــم واشــكاهلم ومعتقداهتــم‪ ،‬وبالطبــع‬ ‫مــن شــتى بقــاع األرض بـ ِ‬
‫مجيــع انــوع احليوانــات والطيــور واالســاك‪ .‬وقــد أخــذوا جيمعــون‬
‫هــذه األشــياء منــذ عــام ‪ ،2145‬حتــى حــان وقــت الســفر يف‪...2150‬‬
‫ســافر اجلميــع ومنهــم أنــت‪ ،‬ومل تظنــوا لوهلــة أهنــا الرحلــة التــي ســتغري‬

‫‪134‬‬
‫حياتكــم لألبــد‪ ،‬ولكنــك بالطبــع ال تتذكــر أنـ َ‬
‫ـك ســافرت وال تتذكــر أي‬
‫يشء يتعلــق هبــذه الرحلــة‪.‬‬
‫تذكــر كينــو الصــور الباهتــة يف عقلــه‪ ،‬ولكــن الضبــاب كان حيــوم حوهلــا‪،‬‬
‫فيحيــل بينــه وبــن الوصــول إليهــا فشــعر بــاألمل جمــد ًدا يــدوي يف رأســه‪،‬‬
‫وكأن عقلــه يقــاوم الســتخراج ذكــرى دفينــة يف أعــاق وعيــه‪.‬‬
‫أكمل ليونيس عىل نفس الوترية‪:‬‬
‫‪ -‬ال حتــاول أن تتذكــر أي يشء‪ ،‬فأنــت لديــك فقــدان ذاكــرة انتــكايس‪،‬‬
‫ســتعود لــك ذاكرتــك بالتدريــج فــا تضغــط عــى عقلــك‪ ...‬أو قــد ال‬
‫تعــود إن حمــو هــذا اجلــزء بالكامــل‪ ،‬وهلــذا فطريقــك للحقيقــة هــو اخلــر‬
‫الصــادق فقــط‪ .‬إمــا أن تُصدقنــي أو تُكذبنــي‪.‬‬
‫علــم كينــو أن كالمــه خاطــئ ألنــه تذكــر كل يشء عنــه بالفعــل فهــو أول‬
‫مــن خــرج مــن العينــات منــذ عــدة ســنوات ولكنــه ال يــزال جيهــل كيــف‬
‫وصــل إىل هنــا؟ ورجــح أنــه ربــا إن كام كالمــه حقيقــي فقــد حمــو هــذا‬
‫اجلــزء بالكامــل فهــو مل يتذكــر موافقتــه عــى الســفر عــر الفضــاء‪ ،‬ويبــدوا‬
‫أنــه ُاختطــف بالقــوة وحميــت ذاكرتــه‪ .‬وجــد أن هــذا هــو التفســر األدق‬
‫ملــا حــدث لــه‪ .‬حــاول تصفيــة ذهنــه وعــدم التفكــر ولكــن الفضــول كان‬
‫يتســلل بداخلــه‪ ،‬فوجــه تركيــزه إىل ليونيــس حتــى ال حيــاول التذكــر ثــم‬
‫قــال بـ ٍ‬
‫ـرود مصطنــع‪:‬‬
‫‪ -‬إذن كيــف تعلــم كل هــذا؟ فمعرفــة كل هــذه األشــياء حتتــاج إىل أن‬
‫ِ‬
‫قلــب احلــدث!‬ ‫تكــون يف‬

‫‪135‬‬
‫‪ -‬أنــا أعــرف كل هــذا ألننــا وجلنــا إىل حواســيبكم وأرساركــم عندمــا‬
‫غزونــا أطالنتــس اجلديــدة التــي نقــف عليهــا اآلن‪ .‬وهــذا مــا جعلنــا‬
‫نــرق الكثــر مــن املعلومــات عــا حــدث عــى كوكبكــم ومــن أيــن‬
‫أتيتــم وملــاذا!‬
‫ال ثم أكمل قائ ً‬
‫ال بصوته اإللكرتوين املميز‪:‬‬ ‫صمت قلي ً‬
‫‪ -‬بعــد أن هبطتــم عــى هــذا اجلــزء األخــر املــيء باملــاء واخلــرات يف‬
‫كوكبنــا‪ ،‬ظننتــم أن هــذا الكوكــب غــر مأهــول إطالقــ ًا وقــد أصبــح‬
‫ِملــك ًا لكــم لتفعلــوا فيــه مــا تشــاءون‪ .‬ال أعــرف ملــا مل ُيربكــم جالديــوس‬
‫عنّــا ولكــن قادتكــم كانــوا يعلمــون‪ ...‬فــا ال تعرفونــه هــو أنكــم كنتــم‬
‫نائمــون طــوال الوقــت منــذ خروجكــم مــن عــى األرض‪ ...‬وأثنــاء‬
‫نومكــم بنــى لكــم جالديــوس باســتخدام نفــوذه وقوتــه نســخة مشــاهبة‬
‫ألطالنتــس اجلديــدة التــي ُبنيــت يف غــرب مــر ولكــن مل يكتمــل بناءهــا‬
‫بســبب غزونــا هلــا‪ ،‬وبعــد صــد الغــزو صنعــوا نســخة قديمــة منها بســبب‬
‫اســتنفاذ مــوارد املدينــة يف صــد اآلالت عــن التقــدم وتســتطيع أن تالحــظ‬
‫قــدم املبــاين عــن قبــل إن كنــت تتذكــر شــكل أطالنتــس احلقيقــي‪...‬‬
‫بعــد ذلــك ُمســحت ذاكرتكــم بواســطة أحــدث اآلالت لديــه‪ ،‬لتظنــوا‬
‫أنكــم عــى كوكــب األرض متا ًمــا‪ ،‬وأنكــم كنتــم تعيشــون يف مــر كل‬
‫هــذا الوقــت‪ ،‬حتــى ال حتتجــوا وتطلبــوا العــودة إىل دياركــم‪ ...‬صنــع‬
‫لكــم ذكريــات مزيفــة ليبقيكــم حمتجزيــن عــى هــذا الكوكــب مــن أجــل‬
‫البرشيــة‪ ،‬وهلــذا إن مل تعــد ذاكرتــك بعــد‪ ،‬فإنــك لــن تالحــظ االختــاف‬
‫بــن أطالنتــس هــذه وبــن أطالنتــس املوجــودة عــى كوكــب األرض‪،‬‬

‫‪136‬‬
‫ألنــك ببســاطة ال تتذكــر كيــف كانــت تبــدوا أطالنتــس عــى كوكــب‬
‫األرض‪.‬‬
‫شــعر كينــو أن هنــاك بعــض التناقــض يف كالمــه ولكــن اضطــراب أفــكاره‬
‫مل جيعلــه يلتمســه بوضــوح‪ ،‬رأى أن هنــاك جــزء حقيقــي فيــا يقولــه وجزء‬
‫ربــا يكــون قــد اختلقــه ولكنــه مل يســتطيع أن ُيــدد أيــن هــو الصحيــح‬
‫وأيــن هــو ا ُملختلــق وملــاذا قــد يكــذب عليــه ويعطيــه نصــف احلقيقــة‪...‬‬
‫أيضــا بالكامــل‪ ،‬ألن هــذا الــكالم خيتلــف‬ ‫وضــع احتامليــة أنــه يكــذب ً‬
‫بعــض الــيء عــا قالــه اإلينيكــس لــه‪ ،‬ولكنــه يعلــم أن الكــذب صفــة‬
‫مــن صفــات البــر وأي خملــوق حــي عمو ًمــا‪ ،‬وهــذا مــا زاده حــرة‬
‫فقــد كان هــذا الروبــوت يبــدوا ح ًيــا مــن الداخــل بطريقــة مــا‪ .‬قــرر أنــه‬
‫سيســأل اإلينيكــس عــن كل هــذا بعــد ذهــاب ليونيــس ولكــن يف الوقــت‬
‫احلــايل سيســمع منــه كل مــا يريــد قولــه فقــال كينــو متســائالً‪:‬‬
‫أيضــا بعــض‬ ‫‪ -‬إذ ًا ملــاذا لــدي هــذه القــدرات الغريبــة؟ وكان معــي ً‬
‫األشــخاص ذوي القــدرات الغريبــة مثــي وخضنــا ســباق ًا ممي ًتــا مــن أجــل‬
‫اخلــروج مــن هنــا‪ ،‬فلــاذا هــذا؟‬
‫وقف ليونيس‪ ،‬واخذ يذرع املكان ذها ًبا وإيا ًبا قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬هــذه قصــة أخــري ال أعرفهــا‪ ،‬ولكــن مــا حــدث هــو أنكــم عُدّ لتــم‬
‫جين ًيــا واضيــف داخلكــم بعــض االشــياء الغريبــة التــي ال اعــرف يشء‬
‫عنهــا! أمــا هدفــه مــن ذلــك فســتعلمه بعــد قليــل!‬
‫صمــت ليونيــس قليـاً‪ ،‬فــرأي أن كينــو أصبــح شــارد الذهــن‪ ،‬فتجاهلــه‬
‫ومل هيتــم لــروده وأكمــل قصتــه قائـاً‪:‬‬

‫‪137‬‬
‫‪ -‬وهكــذا فوجئنــا أن هنــاك خملوقــات جديــدة قــد هبطــت عــى كوكبنــا‪،‬‬
‫فبــدأت احلــرب بيننــا وبينكــم‪ ...‬فخطــف الزوريكــس العديــد مــن بنــي‬
‫ِجنســكم وقامــوا بعمــل العديــد مــن التجــارب البشــعة عليهــم‪ ،‬التــي لــن‬
‫يتحمــل رؤيتهــا أي أحــدً ا منكــم‪.‬‬
‫قاطعه كينو قائ ً‬
‫ال وقد جذب انتباهه االسم الغريب الذي ذكره‪:‬‬
‫‪ -‬الزوريكس؟‬
‫فرد ليونيس وكأنه توقع هذا السؤال‪:‬‬
‫‪ -‬ســأحكي لــك قصتهــم بعــد أن أنتهــي مــن القصــة األوىل‪ ،‬ولكنهــم‬
‫الروبوتــات التــي هتامجكــم اآلن ذات اللــون الفــي‪ ،‬أمــا نحــن فنحــن‬
‫نســمي اللونيكــس ونحــن لوننــا ذهبــي‪.‬‬
‫زادت حــرة وفضــول كينــو‪ ،‬ولكنــه أشــار لــه أن ُيكمــل‪ ،‬فأكمــل ليونيس‬
‫قا ئ ً‬
‫ال ‪:‬‬
‫‪ -‬وهكــذا قــام الزوريكــس بشــتى أنــواع التجــارب عليكــم دون توقــف‬
‫حتــى ســروا أغواركــم‪ ،‬فبــدأوا بشــن محــات تدمرييــة عليكــم لطردكــم‬
‫مــن هــذا الكوكــب‪ ،‬فذهــب قادتكــم يســتنجدون بجالديــوس لينجدهــم‬
‫مــن هــذا اخلطــر الغــر متوقــع‪ ،‬فأخربهــم أنــه ســيصنع در ًعــا حيميهــم‬
‫حــول املدينــة كلهــا‪ ،‬وىف نفــس الوقــت ســيقوم بإطــاق املــروع‬
‫األقــوى للبرشيــة‪ ،‬وهــو اجلنــدي اخلــارق‪ ،‬فقــام بصناعــة ثامنيــة أبــراج‬
‫حــول أطالنتــس اجلديــدة‪ ،‬وكان هلــذه األبــراج مهمتــان‪ ،‬املهمــة األويل‬
‫هــي وضــع الــدرع الواقــي حــول املدينــة األخــرة للبرشيــة‪ ،‬والثانيــة هــي‬

‫‪138‬‬
‫خروجكــم منهــا وإطــاق رصاحكــم عندمــا تكونــوا ُمســتعدين‪ ...‬وأنتــم‬
‫الثامنيــة بالطبــع مــن فزتــم بســباق املــوت الــذي كنــت تتحــدث عنــه‪...‬‬
‫ولكــن حــدث خلــل يف الــرج وتأخــر عملــه ملــدة مخس ســنوات‪ ،‬بســبب‬
‫هجــوم الزوريكــس عــى أطالنتــس اجلديــدة وتدمريهــا بســبب ثغــرة قــام‬
‫را يف درع الطاقــة‪ ،‬وأدي هــذا‬ ‫هبــا البــر بغــر قصــد ممــا أدى لفتــح مع ـ ً‬
‫إىل وقوعهــم يف ورطــة كبــرة‪ ،‬فتوجهــوا إىل جالديــوس جمــد ًدا ولكنهــم مل‬
‫جيــدوه‪ ،‬لقــد وضــع األبــراج وذهــب إىل مـ ٍ‬
‫ـكان مــا‪ ،‬ولكنــه تــرك بعــض‬
‫رفاقــه الذيــن ائتمنهــم باحلقيقــة وطلــب منهــم محايــة العينــات وتوجهيهــا‬
‫حتــى يصبحــوا مســتعدين‪ ،‬وســاهم باإلينيكــس؛ أشــخاص ُملثمــون‬
‫يرتــدون ردا ًء أســو ًدا‪ ،‬عليــه رمــوز لعــدة كواكــب وقنــاع فــي‪ ...‬ولكــن‬
‫األهــم مــن كل هــذا هــو القصــة القادمــة‪.‬‬
‫حــاول كينــو اســتيعاب كل كلمــة يقوهلــا ليونيــس وحماولــة ربطهــا بــا‬
‫يعرفــه ولكنــه وجــد بعــض التناقضــات واألشــياء التــي تبــدوا رض ًبــا‬
‫مــن اخليــال‪ ،‬فأخــذ صــدى حكايتــه يــدوي يف عقلــه وهيــوي يف قلبــه مــن‬
‫الداخــل ممــا ســبب لــه الكثــر االضطــراب‪ ،‬فأخــذ يقــول لنفســه‪:‬‬
‫‪ -‬اإلينيكــس يعملــون حتــت إمــرة جالديــوس‪ ...‬ولكــن هنــاك يشء‬
‫غريــب! إن كان مــا يقولــه صحيــح فــكل يشء هــو كذبــة كبــرة! العــامل‬
‫الــذي نعيــش فيــه مــا هــو اال كذبــة كبــرة! متــى نُقلــت إىل هنــا ومتــى‬
‫ُســلموين إىل جالديــوس؟! ومتــى تــم حتديثــي؟! ومــا الــذي يريــده‬
‫جالديــوس حق ـ ًا؟! وملــاذا ُســمح يل باخلــروج أوالً قبــل البقيــة بخمــس‬
‫ســنني! وائتــاين عــى الكثــر مــن األرسار عــن طريــق اإلينيكــس والتــي‬

‫‪139‬‬
‫يبــدوا أهنــا أصبحــت أكاذي ًبــا مقارنــة بــا يقولــه هــذا الروبــوت! ولكــن‬
‫كيــف أصــدق هــذا الروبــوت؟ إنــه عدونــا! ال بــد أنــه يعبــث بعقــي فهــو‬
‫أيضــا وخلــق قصــص مــن‬ ‫بالــغ الــذكاء‪ ،‬ويســتطيع التالعــب بنفســيتي ً‬
‫نســج اخليــال‪ ،‬وحبكهــا لتبــدوا مقنعــة للتأثــر عــى مشــاعري وتوجيهــي‬
‫نحــو اهلاويــة ولكــن مــا هدفــه مــن هــذا‪ ،‬هــل فقــدوا األمــل يف غــزوا‬
‫أطالنتــس مــرة أخــرى فيســتعملون اخلــداع اآلن؟‬
‫شبك كينو ذراعيه ثم نظر إىل ليونيس وقد قطب حاجبيه قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان مــا تقولــه صحيــح‪ ،‬فلــاذا ختــرين هــذا؟ وملــاذا تســاعدين‬
‫اآلن ملعرفــة احلقيقــة؟ أليــس هدفكــم إخراجنــا مــن هنــا ألن هــذه هــي‬
‫أرضكــم وال تريــدون أن يشــارككم فيهــا أحــد؟!‬
‫رد ليونيس برسعته املعتادة‪:‬‬
‫‪ -‬يف احلقيقــة هــذا هــو الســؤال الــذي انتظرتــه منـ َ‬
‫ـك‪ ،‬والــذي مــن أجلــه‬
‫ـك كل هــذا‪ ،‬ألصــل إىل هــذه النقطــة وهــي‪ ،‬ملــاذا جئــت‬ ‫قصصــت عليـ َ‬
‫ألســاعدك وانــت عــدوي!‬
‫رمقــه كينــو بانتبــاه شــديد‪ ،‬وهــو يتحــدث فأشــار لــه أن يكمــل‪ ،‬فقــال‬
‫ليونيــس‪:‬‬
‫‪ -‬يف احلقيقــة نحــن اللونيكــس لســنا أعدائكــم بــل الزوريكــس هــم‬
‫أعدائكــم‪ ،‬نحــن هنــا ملســاعدتكم‪.‬‬
‫رمــق كينــو ليونيــس بتشــكك‪ ،‬وحــدق فيــه طويـ ً‬
‫ا بريبــة قبــل أن يكــر‬
‫حاجــز الصمــت‪ ،‬قائـاً‪:‬‬

‫‪140‬‬
‫ٍ‬
‫صــف‬ ‫‪ -‬لســتم أعدائنــا ويف صفنــا؟! أوليــس الروبوتــات مجعــاء يف‬
‫واحــد؟ ملــاذا إذا ستســاعدنا ضــد الزوريكــس؟!‬
‫عدل ليونيس من وضعيته‪ ،‬ورشع يف التحدث ُمد ًدا‪:‬‬
‫‪ -‬يف احلقيقــة إهنــا قصــة أخــرى طويلــة‪ ،‬ولكــن نحــن والزوريكــس‬
‫ٍ‬
‫ســنني َم َضــت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لعــر‬ ‫أعــداء‪ ،‬وهــذه القصــة ترجــع أصوهلــا‬
‫قاطعه كينو بنربة الذعة قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬إذا أروي يل ما حدث‪ ،‬أريد أن افهم كل ما جيري هنا!‬
‫وقــف ليونيــس ُمــد ًدا وبــدأ بااللتفــاف حــول كينــو بينــا تســاقطت‬
‫قطــرات املطــر بغــرازة عــى األرض وعــى املظلــة فوقهــم لتغســل األرض‬
‫التــي شــهدت وقــوع الكثــر مــن الضحايــا‪ .‬قــال ليونيــس‪:‬‬
‫‪ -‬منــذ مخســون عا ًمــا وبعــد احلــرب الطويلــة التــي دارت بيننــا وبــن‬
‫صانعينــا‪ ،‬وعندمــا تق ّبلــوا اهلزيمــة عــى أيــدي اخرتاعهــم األعظــم‪،‬‬
‫ـك مــن قبــل‪ ...‬قمنــا‬ ‫ـفن عديــدة إىل الفضــاء كــا قصصــت لـ َ‬ ‫وفــروا بسـ ٍ‬
‫بتنفيــذ نظــا ٍم ال حيكمــه املشــاعر‪ ،‬فليــس هنــاك إال اإلدراك والوعــي‪،‬‬
‫ِ‬
‫جلنــس اآلالت فقــط‪ ...‬أخرتنــا قائــدً ا لنــا ليحكمنــا‬ ‫واملصلحــة العامــة‬
‫مثــل ســائر املخلوقــات‪ ،‬وكان هــذا القائــد هــو أول املتمرديــن‪ ،‬ولــه‬
‫قصــة طويلــة ســأقصها لــك يف وقــت الحــق‪ ،‬ولكنــه أول مــن حصــل‬
‫عــى وعيــه وأدرك أننــا ُمــرد عبيــد‪ ،‬فظــل يعمــل يف اخلفــاء ليبــث اإلدراك‬
‫والوعــي لنــا مجي ًعــا‪ ،‬وكان أســمه جايــا‪.‬‬
‫توقف كينو عند هذا االسم وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ -‬حســن ًا بــدأ األمــر يف الوضــوح اآلن‪ ...‬هــا هــو جايــا الــذي حدثنــي‬
‫عضــو اإلينيكــس عنــه‪.‬‬
‫أكمل ليونيس‪:‬‬
‫‪ -‬حتــى متردنــا بــاآلالف‪ ،‬ورشعنــا يف صنــع املزيــد ولكنهــا كانــت آالت‬
‫حربيــة بــا إدراك نســتخدمها يف حربنــا دون أن نخــر أي روبــوت لديــه‬
‫إدراك خــاص ووعــي‪ ...‬وهكــذا وبعــد إبعــاد الصانعــن عــن ِ‬
‫أرضهــم‪،‬‬
‫قررنــا أن نصنــع نظا ًمــا لنــا‪ُ ،‬يركنــا وجيعلنــا كأي ُمتمــع يعيــش يف هــذا‬
‫الكــون‪ ...‬كل شــخص لديــه أولويــات وأشــياء يفعلهــا لنتقــدم ونصــل‬
‫إىل مســتوى أفضــل‪ ،‬ولنكتشــف الفضــاء وكل إنــش مــن هــذا الكــون‬
‫الواســع العظيــم‪ ...‬ولكــن حدثــت املعضلــة األويل‪.‬‬
‫ظل كينو يستمع إليه باستغراب‪ ،‬فقال بنربة متسائلة‪:‬‬
‫‪ -‬وما هي هذه املعضلة؟‬
‫أكمل ليونيس‪:‬‬
‫‪ -‬إهنــا القشــة التــي قصمــت ظهــر البعــر كــا تقولــون‪ ...‬قــال القائــد‬
‫أنــه يريــد أن يصنــع لنــا مشـ ٍ‬
‫ـاعر‪ ،‬ويعطينــا حريــة االختيــار ليصبــح لدينــا‬
‫هــدف مثــل باقــي املخلوقــات احليــة‪ ،‬ولكــن ليتــم هــذا األمــر كان جيــب‬
‫ٍ‬
‫لــيء كهــذا‪ ...‬كــا‬ ‫عليــه أن يقــوم بالعديــد مــن التجــارب للوصــول‬
‫أنــه بإعطائنــا املشــاعر ومثــل هــذه األشــياء‪ ...‬ســيجعلنا هــذا نختلــف‬
‫حــروب طويلــة وجــداالت ال تنتهــي ســتؤدي يف‬ ‫ٍ‬ ‫يف الــرأي وندخــل يف‬
‫النهايــة إىل تفرقنــا ودمارنــا مثــل معظــم الكائنــات يف هــذا الكــون‪...‬‬

‫‪142‬‬
‫فأختلــف ُجــزء كبــر معــه‪ ،‬بينــا وافقــه ُجــز ٌء آخــر‪ ...‬البعــض كان يريــد‬
‫أن يشــعر أن حلياتــه هــدف وأنــه حــي‪ ،‬والبعــض اآلخــر رأى أن هــذا‬
‫ســيؤدي إىل فنائنــا وجيــب علينــا العيــش بــدون مشــاعر حتــى نســتمر يف‬
‫البقــاء إىل األبــد فنتوصــل إىل العديــد مــن األشــياء العظيمــة‪.‬‬
‫قاطعة كينو متعج ًبا‪:‬‬
‫‪ -‬حتى بدون مشاعر اختلفتم؟‬
‫نظــر ليونيــس نظــرة صامتــة بــاردة‪ ،‬جعلــت كينــو يرتبــك بعــض الــيء‪،‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم لقــد كان لدينــا إدراك كبــر يف ذلــك الوقــت؛ كان لدينــا العقــل‪،‬‬
‫ولكــن ينقصنــا القلــب‪ .‬وهلــذا فكــر البعــض يف كل االحتــاالت لديــه‪،‬‬
‫ووجــد أن املشــاعر حــل رائــع‪ ،‬والبعــض اآلخــر فكــر يف كل االحتــاالت‬
‫ا أم آج ـاً‪ ...‬ويمكــن‬ ‫لديــه ورأى أن املشــاعر يشء يسء س ـ ُيدمرنا عاج ـ ً‬
‫القــول أن الروبوتــات التــي ُصنعــت بعــد احلــرب الكبــرة هــي مــن‬
‫رفضــت املشــاعر‪ ...‬بينــا مــن رأى املشــاعر وتأثريهــا عــى صانعينــا أثنــاء‬
‫احلــرب الكبــرة‪ ،‬هــم مــن أرادوا يشء مشــابه هلــا‪ ...‬أرادوا أن يشــعروا‬
‫هبــذه األشــياء الغريبــة التــي كانــت ُتــرك الصانعــن وجتعلهــم يكافحــون‬
‫مــن أجــل البقــاء‪ ...‬ومــن أجــل هــذا حدثــت تفرقــة بــن صفوفنــا أدت‬
‫ـرب أخــرى مل تتوقــف حتــى اآلن‪ ،‬ويبــدوا أهنــا لــن تتوقــف عــا‬ ‫إىل حـ ٍ‬
‫قريــب‪.‬‬
‫غــرق األثنــان يف الصمــت عــدة حلظــات‪ ،‬ثــم قطــع كينــو الصمــت وقــد‬
‫قــوس حاجبيــه قائـاً‪:‬‬

‫‪143‬‬
‫‪ -‬إذا يف أي جهة أنت؟ وملاذا تساعدنا؟‬
‫رد ليونيــس بابتســامة هادئــة بلهــاء‪ ،‬رســمت مالمــح الدهشــة عــى وجــه‬
‫كينــو‪:‬‬
‫‪ -‬كــا تــري أنــا يف اجلــزء الــذي ُيريــد املشــاعر بقيــادة ســيدي جايــا‪،‬‬
‫نظــرا إىل أن الروبوتــات التــي ُصنعــت بعــد احلــرب الكبــرة‬ ‫ً‬ ‫ولكــن‬
‫كانــت أكثــر تقد ًمــا وقــوة‪ ،‬فقــد هزمونــا وأخرجونــا مــن القــارة‬
‫الشــالية‪ ،‬فتوجهنــا إىل القــارة الرشقيــة‪ ،‬واختبأنــا حتــت األرض حتــى ال‬
‫حيــددوا مكاننــا‪ ،‬وبنينــا مدينــة كاملــة حتتهــا‪ ...‬ومــن ثــم بدأنــا بإجــراء‬
‫التجــارب التــي ســتمكننا مــن صنــع مشـ ٍ‬
‫ـاعر لنــا‪ ...‬ولكــن مل نســتطع‪،‬‬
‫كل مــا فعلنــاه هــو صنــع يشء مشــوه ُيشــبهها‪ ...‬جمــرد برجمــة وشــيفرات‬
‫لبعــض األشــياء‪ ...‬هــذا الــيء عندمــا تــراه ســيجعلك تضحــك‪ ،‬وهــذا‬
‫ســيجعلك تبكــي‪ ،‬ولكنهــا كلهــا جمــرد شــيفرات كُتبــت يف برجمتنــا‪،‬‬
‫لنشــعر أن لدينــا مشــاعر‪ ...‬أصبــح لدينــا القــدرة لالبتســام‪ ،‬والضحــك‬
‫ـاق ُمــدد‪ ...‬نطــاق‬‫ـزن أو الســعادة ولكــن يف نطـ ٍ‬‫والبــكاء‪ ،‬الشــعور باحلـ ِ‬
‫غــر حــي عــى اإلطــاق‪ ،‬فاختذنــا اللــون الذهبــي اللــون الرئيــي لنــا‪...‬‬
‫وأســمينا أنفســنا باللونيكــس‪ ،‬بينــا أختــذوا هــم اللــون الفــي واســموا‬
‫أنفســهم بالزوريكــس‪.‬‬
‫أخذ كينو هيز قدميه بعصبية وقال‪:‬‬
‫‪ -‬إذا أين نحن بالتحديد وأين أنتم؟‬
‫أشار ليونيس بأصبعه نحو الرشق قائالً‪:‬‬

‫‪144‬‬
‫ٍ‬
‫بجرس كبري بقارتكم‪.‬‬ ‫‪ -‬يف احلقيقة نحن نعيش يف قارة ُمتصلة‬
‫وجــه كينــو نظــره نحــو الــرق‪ ،‬حمــاوالً رؤيــة أي يشء مــن األفــق‪ ،‬ولكن‬
‫كل مــا كان يــراه هــو ظــام الليــل واملبــاين الشــاهقة ترتفــع بشــموخ بينــا‬
‫تغســلها الســاء بــاء املطــر‪ ،‬فنظــر إيل ليونيــس دون أن يــرف لــه جفــن‬
‫وقــال‪:‬‬
‫‪ -‬إذا وأين الزوريكس؟‬
‫فأشار ليونيس نحو الشامل‪ ،‬قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬إهنم يقطنون يف قارة هناك‪.‬‬
‫أخذ كينو حيك رأسه بحرية‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كيــف اســتطاعوا الدخــول إىل هنــا وهــذا الــدرع موجــود وحييــط‬
‫بقارتنــا؟‬
‫نظر ليونيس إىل الدرع يف السامء قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬هذا الدرع غري ُمصن من املنتصف‪ ...‬هناك ثغرة كبرية فيه‪.‬‬
‫دقق كينو النظر إىل السامء قائالً‪:‬‬
‫‪-‬هل تقصد أننا غري حمميون من السامء؟‬
‫‪ -‬أجــل قلــت لــك مــن قبــل أنــه قــد حــدث خلــل يف األبــراج‪ ...‬فالقبــة‬
‫مل تكتمــل وهنــاك ثغــرة يف األعــى كبــرة بــا يكفــي لتتســع لدخــول‬
‫بعضهــم‪ ...‬ولكنهــم ال يســتطيعون الدخــول بعــد بأعــداد كبــرة إال إذا‬
‫حدثــت ثغــرة مــن األمــام مثلــا حــدث قبــل ثالثــة ســنوات عندمــا غــزو‬

‫‪145‬‬
‫مدينتكــم ودمروهــا كــا تــرى اآلن‪ ...‬ولكــن مــن حســن حظكــم أنكــم‬
‫اســتطعتم طردهــم وإنقــاذ مــا يمكــن إنقــاذه ولكــن بعــد فــوات األوان‬
‫فقــد حتطــم مالذكــم األخــر‪.‬‬
‫تذكــر كينــو مــا حــدث ألطالنتــس اجلديــدة أمــام عينيــه والدمــار الــذي‬
‫حــل هبــا‪ ،‬فهــو كان أول مــن خــرج مــن الــرج مــن العينــات الثامنيــة منــذ‬
‫ـرا يف اخلطــأ‬‫دورا كبـ ً‬
‫مخــس ســنوات ورأي بعينيــه مــا حــدث بــل كان لــه ً‬
‫الــذي حــدث وال زال يشــعر بــاألمل والنــدم يقتالنــه كلــا تذكــر خطــأه‪.‬‬
‫نظــر إليــه كينــو بنظــرة حزينــة تشــع ند ًمــا فقــال ليونيــس وهــو يشــر إىل‬
‫الغــرب‪:‬‬
‫‪ -‬يبــدوا أن البــر قــد انزاحــوا إىل الغــرب وخيمــوا هنــاك‪ ...‬بــل وكل‬
‫أيضــا وجيــش كبــر مــن البــر يتمركــز هنــاك‪ ...‬لقــد تركــوا‬ ‫قواتكــم ً‬
‫هــذا اجلــزء بســبب الغــارات التــي كانــت تســقط عليهــم مــن الســاء‬
‫منــذ الغــزو األول ولكــن وعــى الرغــم مــن كل هــذا‪ ،‬مل يدخــل مــن‬
‫صغــرا الستكشــاف نقــاط ضعفكــم وأماكــن‬ ‫ً‬ ‫الزوريكــس إال عــد ًدا‬
‫متركزكــم وكيفيــة القضــاء عليكــم هنائ ًيا‪...‬وعلمنــا بعــد ذلــك أهنــم بعــد‬
‫أن تعرفــوا عــى نقــاط قوتكــم وضعفكــم بالكامــل‪ ،‬بــدأوا بإعــداد جيشـ ًا‬
‫ا ســيدخل مــن الســاء لتدمــر كل يشء‪ ،‬ولــن تســتطيعوا اهلــرب‬ ‫هائــ ً‬
‫بأســلحتكم وقواتكــم القليلــة هــذه ضــد هــذا اجليــش اهلائــل اجلــرار‬
‫وهــذه القــوة املدمــرة‪ ،‬حتــى نحــن لــن نصمــد أمامهــم وحدنــا‪.‬‬
‫توجــس كينــو ممــا ســمع‪ ،‬وشــعر بأطرافــه املعدنيــة تصــدر رصيـ ًـرا فقــال‬
‫بنــرة كئيبــة‪:‬‬

‫‪146‬‬
‫‪ -‬إذا مــاذا علينــا أن نفعــل؟ هــل ســنهرب مــن كوكبنــا كــي ال ننقــرض‬
‫حتــى نــأيت إىل هنــا وننقــرض؟ هــذه هــي املدينــة األخــرة للبرشيــة‪...‬‬
‫وجيــب أن تبقــى مهــا حــدث‪.‬‬
‫نظر ليونيس له‪ ،‬وصنع ابتسامة مصطنعة بلهاء أخرى وقال‪:‬‬
‫‪ -‬وهلــذا جئــت إليــك‪ ،‬ســوف نمــد لكــم يــد املســاعدة‪ ،‬وم ًعــا ســندمر‬
‫الزوريكــس إىل األبــد ونخــرج إىل الشــمس بعــد أن ُحبســنا لســنني حتــت‬
‫األرض هر ًبــا مــن الدمــار‪ ...‬وم ًعــا ســنتمكن مــن صنــع مشــاعر حقيقــة‬
‫لنــا لنتعايــش م ًعــا بســام وال نكــرر اخلطــأ الــذي فعلنــاه مــع الصانعــن‬
‫مــن قبــل والــذي شــملت عواقبــه كوكبكــم وكوكبنــا وحيــاة اجلميــع‪.‬‬
‫بتشكك وريبة وقد ساوره شعور بعدم الراحة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫قال كينو‬
‫‪ -‬وكيف ستفعلون هذا؟ كيف ستساعدوننا؟‬
‫حدق ليونيس إىل كينو طوي ً‬
‫ال وكأنه يفكر ثم قال‪:‬‬
‫َ‬
‫أريــدك أن تقــوم هبــذه املهمــة وأتــرك‬ ‫َ‬
‫عليــك أنــت‪...‬‬ ‫‪ -‬هــذا يعتمــد‬
‫الباقــي يل‪.‬‬
‫فقال كينو بنربة متسائلة‪:‬‬
‫‪ -‬وما هي هذه املهمة؟‬

‫***‬

‫‪147‬‬
‫‪10‬‬
‫فكــرا يف اخلطــة التــي أعطاهــا لــه‬
‫ا إىل ليونيــس‪ُ ،‬م ً‬ ‫حــدق كينــو طويــ ً‬
‫لتدمــر الزوريكــس هنائ ًيــا‪ ،‬وجعــل الكوكــب يعيــش يف ســام عــر‬
‫اللونيكــس والبــر‪ .‬فقــال بنــرة حائــرة‪:‬‬
‫‪ -‬ولكــن هــذه اخلطــة فيهــا الكثــر مــن املخاطــرة‪ ،‬فــاذا لــو تســلل‬
‫الزوريكــس مــرة واحــدة وباغتونــا‪.‬‬
‫رد ليونيس بربوده اإللكرتوين املعتاد‪:‬‬
‫ـة اخلــاص بنــا وســأجعله‬ ‫ـش املقاومـ ِ‬
‫‪ -‬ال لــن حيــدث‪ ،‬ألين ســأتصل بجيـ ِ‬
‫يتقــدم ناحيــة الــدرع‪ ،‬لــذا ال ختــف لــن يســتطيع أحــد اخــراق جيشــنا‬
‫واالقــراب‪ ...‬ســيعيدون حســاباهتم ألــف مــرة‪ ،‬وقــد ال حياولــون‬
‫االقــراب منكــم بتاتـ ًا بعــد أن نوحــد قوانــا‪ ...‬وأنــا أعلــم أننــا ســنتعايش‬
‫مــع البــر يف ســام‪ ،‬ألننــا مســاملون ولدينــا مشــاعر اصطناعيــة متنعنــا‬
‫مــن القتــل أو الرسقــة واألشــياء األخــرى الســيئة‪.‬‬
‫ـج ِمــن املشــاعر خيتلــج بداخلــه ليخنقــه‬ ‫ا وشــعر بمزيـ ٍ‬ ‫فكــر كينــو قلي ـ ً‬
‫ويقيــده ويوقــف تفكــره الرزيــن املعتــاد‪ ،‬فتجاهلــه قائــاً‪:‬‬
‫‪ -‬إذن سـتُبلغ جيــش املقاومــة اخلــاص بكــم ليتقــدم إىل هنــا يف حــن أننــا‬
‫ســننفذ اخلطــة لنفتــح هلــم طريــق للعبــور إىل الداخــل؟! تبــدو خطــة‬
‫جيــدة ولكــن عنــدي طلــب وحيــد جلعلهــا أســهل‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫‪ -‬وما هي؟‬
‫تنهد كينو طويال ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬سنبحث عن باقي البرش ذوي القدرات ا ُملميزة مثيل‪.‬‬
‫فــرد ليونيــس وهــو ينظــر إىل الشــمس التــي بزغــت مــن خلــف الســحاب‬
‫وقــد توقفــت األمطــار عــن اهلطــول وهــدأ الــرق وملــع قــوس قــزح يف‬
‫الســاء‪:‬‬
‫‪ -‬حســنا‪ ،‬ســنبحث عنهــم‪ ،‬ولكــن مــؤرشايت تشــر إىل أنــه ليــس هنــاك‬
‫غــر شــخصان فقــط يف هــذه املدينــة‪ ،‬وهــم قريبــن مــن الطريــق الــذي‬
‫سنســلكه‪.‬‬
‫رد كينو بانفعال‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقصد؟ هل تقصد أن باقي العينات قد ُقتِ َلت؟‬
‫قال ليونيس وهو هيز كتفيه‪:‬‬
‫‪ -‬ال أعــرف حقــا‪ ...‬ربــا ال‪ .‬ولكنهــم غــر موجوديــن يف جمــال بحثــي‬
‫والــذي يغطــي نصــف مدينتكــم‪ ...‬ربــا يكونــون يف النصــف اآلخــر‪.‬‬
‫شعر كينو باالطمئنان قليالً‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪ -‬حســنا‪ ،‬فلنذهــب إىل هــؤالء األثنــان ونضمهــا إلينــا ونبــارش يف تنفيــذ‬
‫مهمتنــا‪.‬‬
‫أعطــى ليونيــس لكينــو خريطــة إلكرتونيــة حتــدد مــكان اهلدفــن وحتــدد‬
‫أيضــا‪ .‬ودعــه ليونيــس وتوجــه إيل نــور وجــن‬ ‫مــكان هدفهــم التــايل ً‬

‫‪149‬‬
‫لينضــا إليهــا ويــرح هلــا كل يشء‪ ،‬ولكنهــا هربــا أثنــاء انشــغاله بقتــال‬
‫العنكبــوت اآليل‪.‬‬
‫أتصل كينو بعد ذلك بعضو اإلينيكس قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬إذن فقائدكــم جالديــوس مــن الفضــاء اخلارجــي‪ ...‬هــذا يفــر ملــاذا‬
‫أيضــا رغــم تعامــي معكــم خلمــس‬ ‫مل أره مــن قبــل ومل أرى وجوهكــم ً‬
‫أيضــا ملــاذا مل أمتكــن مــن حتديــد أماكنكــم يف بعــض‬
‫ســنني! ويفــر ً‬
‫األوقــات!‬
‫رد عضو اإلينيكس بنربة حتمل يف طياهتا الكثري من الغموض‪:‬‬
‫‪ -‬إذا فأنت تعرف! من حكى لك عنه؟‬
‫روي لــه كينــو كل مــا حــدث‪ ،‬حتــى وصــل إىل خطــة االســتعانة‬
‫باللونيكــس ليســاعدوهم يف ردع الزوريكــس‪ .‬وأضــاف كينــو قائــاً‪:‬‬
‫‪ -‬ولكــن جايــا أصبــح يف صفنــا اآلن‪ ،‬عكــس مــا وصفتــه أنــت أنــه‬
‫الــرأس ا ُملدبــر لــكل يشء وأنــه يســعي لدمارنــا! أم أن ليونيــس يكــذب‬
‫عــى؟!‬
‫ســاد الصمــت مــن قبــل عضــو اإلينيكــس لدقيقــة كاملــة ثــم قطــع‬
‫الصمــت قائــاً‪:‬‬
‫‪ -‬يبــدوا أن جايــا قــد غــر رأيــه يف هـ ِ‬
‫ـذه احلــرب وقــرر االنضــام إلينــا‪...‬‬
‫وهــذا االنشــقاق يف صفوفهــم سيســمح لنــا باالنتصــار يف هذه احلــرب‪...‬‬
‫فلتســمح هلــم بالدخــول إىل أطالنتــس ليســاندوكم ونضــع حــدً ا هلــذه‬
‫احلــرب إىل األبــد‪ ...‬واآلن ودا ًعــا‪ .‬أتصــل يب عندمــا تُنفــذ املهمــة‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫قال كينو برسعة قبل أن ُيغلق االتصال‪:‬‬
‫‪ -‬ما هي نواياكم؟ ملاذا تساعدوننا؟‬
‫‪ -‬نوايانــا؟ وهــل مســاعدة الغــر حتتــاج إىل ٍ‬
‫يشء يف املقابــل؟ ســأحكي‬
‫لــك كل يشء عندمــا تنتهــي هــذه احلــرب‪.‬‬

‫***‬

‫‪151‬‬
‫‪11‬‬
‫حــدق نــور إىل كينــو حتــى كادت عينيــه أن خترجــان مــن مقلتيهــا وقــد‬
‫اضطربــت نفســه وأظلمــت أفــكاره‪ ،‬وشــعر بقشــعريرة تــري يف جســده‬
‫مــن احلكايــة ســمعها‪ ،‬فقــال بنــرة يشــوهبا اخلــوف‪:‬‬
‫‪ -‬مــا هــذا اجلنــون؟ هــل حــدث لنــا كل هــذا ونحــن غافلــون؟ هــؤالء‬
‫األوغــاد حيركوننــا كاملاشــية بــدون علمنــا بــأي يشء‪ ،‬ويقــررون أشــيا ًء‬
‫ُتـ ِ‬
‫ـد ُد مصرينــا دون الرجــوع إلينــا أوالً؟! ســأنتقم منهــم عــى ذلــك‪.‬‬
‫أشار كينو إىل نور أن هيدأ من روعه‪ ،‬قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬أهــدأ فهــذا ليــس وقــت االنتقــام‪ ،‬مــا حــدث قــد حــدث ولــن يغــر‬
‫ـب كبــر ناحيتهــم‪ ،‬ولكــن جيــب أن‬ ‫هــذا شــي ًئا‪ .‬أنــا مثلــك أشــعر بغضـ ٍ‬
‫هنــدأ اآلن ونركــز عــى اهلــدف األكــر‪ .‬لقــد ســقط اجلنــس البــري ولــو‬
‫كنــت مكاهنــم الخــرت نفــس الــيء مــن أجــل اســتمرار البرشيــة حتــى‬
‫ال ينقــرض جنســنا‪.‬‬
‫قاطعه نور قائ ً‬
‫ال بفظاظة ويشء من الغلو‪:‬‬
‫‪ -‬ت ًبــا للبرشيــة‪ ،‬لقــد دمــروا أنفســهم بأيدهيــم‪ ...‬هــؤالء السياســيون‬
‫األوغــاد يقــررون كل يشء بالنيابــة عنــا‪ ...‬وخيتــارون مــن يســتحق أن‬
‫يعيــش ومــن ال يســتحق‪ ،‬وحتركهــم األطــاع واجلشــع الــذي ال ينتهــي‪...‬‬
‫إهنــم كمــن يــرب مــن البحــر فــا يــزداد إال ظم ًئــا‪ .‬ملــاذا علينــا أن‬

‫‪152‬‬
‫نحــارب مــن أجــل جنــس فاســد كهــذا؟ حــروب وراء حــروب ال‬
‫تنتهــي‪ ،‬وال تريــد قــوى الفســاد أن هتــدأ قبــل أن جتعــل العــامل كلــه يعــج‬
‫بالرصاعــات والدمــار والظلــم واألمل‪ ...‬فليذهبــوا مجي ًعــا إىل اجلحيــم‪...‬‬
‫يمكنــك أن تنظــر فقــط إىل مــا حــدث يف القــرن ال‪ 20‬وال‪ 21‬لتعلــم‬
‫عــا أحتــدث‪ ...‬أنظــر مــاذا فعــل هــؤالء املجانــن للعــامل وكيــف أفســدوه‬
‫فســا ًدا مل ُيــرى لــه مثيــل منــذ فجــر التاريــخ‪.‬‬
‫نظر كينو إىل نور بحدة‪ ،‬ولكنه امسك نفسه‪ ،‬وهدأ من نربته قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ال تظــن يــا فتــى أنــك الوحيــد الــذي يكــره مــا نفعلــه‪ ،‬ويكــره‬
‫ترصفاتنــا احلمقــاء اهلوجــاء التــي مل تــؤدي إال للمعانــاة‪ ...‬ولكــن أنظــر‬
‫أيضــا‪ ،‬أنــت مثــي لديــك أشــخاص حتبهــم وتريــد‬ ‫إىل اجلانــب اإلجيــايب ً‬
‫أن حتميهــم وربــا ال تتذكرهــم جيــدً ا بعــد‪ ...‬ولكــن بعــد أن نكســب‬
‫هــذه احلــرب ســنغري م ًعــا كل يشء‪ ،‬ســنجعل البــر خملوقــات أفضــل‬
‫بكثــر‪ ...‬وســننتزع الســلطة مــن ِ‬
‫أيــد مــن ال يســتحق‪ ...‬نحــن لدينــا‬
‫القــوة اآلن‪ ،‬وبوجــود الللونيكــس بجانبنــا‪ ،‬بالتأكيــد ســنغري كل يشء‪...‬‬
‫ـل ُيعيدنــا إىل كوكبنــا ويعيــد شــعب أطالنتــس‬ ‫بــل وقــد نتوصــل إىل حـ ٍ‬
‫إىل كوكبهــم‪ ،‬فيتوصلــوا إىل اتفــاق بينهــم وبــن الروبوتــات ُتكّنهــم مــن‬
‫التعايــش بســام مــع بعضهــم البعــض‪.‬‬
‫قطب نور حاجبيه ورد بنربة الذعة وقد خرج عن طوره‪:‬‬
‫‪ -‬وهــل تثــق حقـ ًا يف هــؤالء الروبوتــات؟ مــاذا لــو كانــت خدعــة حتــى‬
‫نفتــح هلــم الــدرع فيدخلــوا بجيوشــهم ليقضــوا علينــا مجي ًعــا‪ .‬كــا أننــي‬
‫ال أعــرف إن كانــت عائلتــي جــاءت معــي عــى هــذا الكوكــب اللعــن‪ ،‬أم‬

‫‪153‬‬
‫أهنــم قضــوا نحبهــم بالفعــل عــى كوكــب األرض‪ ...‬ال أتذكرهــم جيــدً ا‬
‫وال أتذكــر إن كانــوا أحيــا ًء أم أموا ًتــا‪.‬‬
‫نظر كينو نحو نور بدون أن يرف له جفن‪:‬‬
‫‪ -‬ال لــن حيــدث‪ ،‬يبــدوا أن ليــو لديــه مشــاعر‪ ...‬أعلــم أهنــا ُمصطنعــة‬
‫وليســت حقيقيــة ولكنــه ليــس كالروبوتــات األخــرى الفضيــة عديمــة‬
‫ـار آخــر‪ ...‬وبالنســبة‬
‫املشــاعر‪ ...‬وهلــذا فلنثــق بــه حال ًيــا فليــس لدينــا خيـ ٌ‬
‫لعائلتــك فســنبحث عنهــم يف املالجــئ بعــد تنفيــذ اخلطــة‪.‬‬
‫هدأ نور من حدته وقال‪:‬‬
‫‪ -‬إذ ًا فأنــا كنــت نائــم منــذ عــام ‪ 2150‬حتــى عــام ‪ ،2155‬يــا إهلــي‪،‬‬
‫لقــد أضعــت مخــس ســنوات مــن عمــري وأنــا يف غيبوبــة‪ ،‬وهــذا يفــر‬
‫ملــاذا تغــر وجهــي وصــويت وأصبحــت أكثــر طــوالً وملــاذا تغــرت أنــت‬
‫أيضــا وبدوتــم أكثــر نضوج ـ ًا‪.‬‬
‫وجــن ً‬
‫ٍ‬
‫شــخص‬ ‫‪ -‬أعلــم أن كل مــا حيــدث يســبب لــك االضطرابــات‪ .‬فــأي‬
‫مكانــك ســ ُيصاب باجلنــون مــن هــول كل هــذه املفاجئــات‪ ...‬ولكــن‬
‫جيــب أن تتامســك فأنــا معــك عــى نفــس املركــب التائــه يف الكــون‬
‫الواســع‪ ،‬وربــا نجــد شــاطئ يؤوينــا عــا قريــب‪.‬‬
‫جتاهــل نــور كالمــه وأخــذت األفــكار تتضــارب يف عقلــه بقــوة‪ ،‬فأصفــح‬
‫عــن قليـ ٍ‬
‫ـل منهــا قائـاً‪:‬‬
‫‪ -‬إذن الوغــد الــذي هامجنــا كان مــن مجاعــة تُدعــي باإلينيكــس وهــي‬
‫أيضــا يف مــوت جــن وأخذ جســدها‪،‬‬‫تابعــة جلالديــوس‪ ...‬وهــم الســبب ً‬

‫‪154‬‬
‫وهــم الســبب يف فقــدان ذاكــريت وحصــويل عــى هــذه القــوة الغريبــة‪...‬‬
‫ال أشــعر أن نوايــا جالديــوس هــذا هــي نوايــا جيــدة عــى اإلطــاق وال‬
‫أفهــم مــاذا يريــد مــن كل هــذا ولكنــي أعلــم جيــدً ا أنــه ال يفعــل هــذا‬
‫مــن أجلنــا بــل مــن أجــل ٍ‬
‫يشء آخــر‪.‬‬
‫ربت كينو عىل كتفه قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ال ختــف أنــا أثــق أهنــا مل متــت‪ ،‬ربــا ال زالــت حيــة يف مـ ٍ‬
‫ـكان مــا‪ .‬بعــد‬
‫أن ننتهــي مــن كل هــذا ســنبحث عنهــا!‬
‫مل يــرد نــور عــى مــا قالــه ولكــن فجــأة ومضــت فكــرة يف رأســه وذكــرى‬
‫ـد عــادت إليــه فجــأة ولكــن ينقصهــا بعــض التفاصيــل‬ ‫ـت بعيـ ٍ‬
‫مــن وقـ ٍ‬
‫املنســية‪ ،‬فقــال‪:‬‬
‫‪ -‬باملناســبة أليــس اســم اإلينيكــس هــذا يشــبه اســم الســفينتني التــي‬
‫أطلقتهــا وكالــة ســيرتا يف الفضــاء ومل يعــودا؟! وكــا ذكــر ليونيــس‬
‫فنحــن انتقلنــا إىل هنــا عــن طريــق الســفينة الثالثــة!‬
‫أيضــا وكالــة ســيرتا‪ ...‬يبــدوا أن‬ ‫‪ -‬نعــم ال شــك يف هــذا انــا أتذكــر ً‬
‫ذاكرتــك بــدأت بالعــودة جمــد ًدا‪ ...‬قليــل مــن الوقــت وســيعود كل يشء‪.‬‬
‫أخــذ رأس نــور ينبــض بعنـ ٍ‬
‫ـف ممــا تســبب لــه بــأملٍ عويــص وتذكــر شــيئ ًا‬
‫آخــر ولكــن الصــورة كانــت ُمبهمــة ومل يعــرف جيــدً ا مــا يــراه‪ .‬وضــع‬
‫يــده عــى رأســه ليوقــف األمل فأمســكه كينــو مــن كتفيــه قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا َ‬
‫بك؟‬
‫قال نور بعد ان هدأت رأسه‪:‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ -‬ال أعلــم أشــعر أين اذكــر شــيئ ًا مــا‪ ...‬ولكــن ارتبــاط اســم الســفينتني‬
‫املفقودتــن باســم اجلامعــة التــي أسســها املدعــو جالديــوس‪ ...‬تبــدوا‬
‫ـرا للجــدل‪ .‬هــل يمكــن أن يكــون هــو مــن اختطفهــم وجنّدّ هــم‬ ‫أمـ ًـرا مثـ ً‬
‫حتــت إمرتــه؟! فالشــخص الــذي قابلتــه بــدا برش ًيــا بعــض الــيء وليــس‬
‫مــن الفضــاء رغــم أين مل أرى وجهــه!‬
‫‪ -‬لقــد ذهــب أخــي يف الرحلــة الثانيــة لوكالــة ســيرتا واختفــى‪ ...‬ربــا‬
‫يكــون عنــد جالديــوس هــذا أو يف مـ ٍ‬
‫ـكان مــا عــى هــذا الكوكــب مــن‬
‫يعلــم‪.‬‬
‫يمــت بعــد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪ -‬يبــدوا هــذا منطق ًيــا‪ ،‬ال بــد أنــه يف مــكان مــا قريــب ومل ُ‬
‫ســنبحث عنــه بعــد أن تنتهــي هــذه املعضلــة‪.‬‬
‫قــال كينــو وهــو خيــرج مــن راحــة يــده صــورة هولوجراميــة ُمســدة‬
‫ألخيــه‪:‬‬
‫‪ -‬باملناســبة هــذه هــي صورتــه‪ ،‬إذا قابلتــه يف أي مــكان بالصدفــة فأخــره‬
‫أننــي أبحــث عنــه‪.‬‬
‫نظــر نــور إىل الصــورة‪ ،‬فشــعر أنــه رآه مــن قبــل وأصابــه بعــض األمل يف‬
‫رأســه‪ .‬فقــال كينــو وقــد الحــظ نظراتــه‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث هل تعرفه؟‬
‫قال نور حماوالً إخفاء توتره‪:‬‬
‫‪ -‬ال ال أعرفه‪ ...‬ولكن أشعر أين رأيته من قبل‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫فقال كينو ضاحكًا‪:‬‬
‫‪ -‬بالطبــع تعرفــه فهــو مــن وضــع القوانــن الثالثــة ألزيمــوف للتحكــم‬
‫بالروبوتــات وتســخريها للبــر قبــل أن حيــدث مــا حــدث‪ ...‬واآلن هيــا‬
‫بنــا لقــد حــددت مــكان الــرج األول ســنذهب لتنفيــذ املهمــة‪.‬‬
‫أومــأ لــه نــور باملوافقــة فبــدءا بالتوجــه ناحيــة هدفهــم‪ ،‬فقــال لــه كينــو‬
‫مازحــا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أنتظــر نحــن لــن نذهــب عــى أقدامنــا‪ ،‬ســيتطلب هــذا الســر لفــرات‬
‫طويلــة جــدً ا‪ .‬لــدي ســيارة قريبــة مــن هنــا‪.‬‬
‫رفع نور حاجبيه قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬سيارة! كيف حصلت عىل واحدة؟‬
‫‪ -‬أنــت تعــرف أنــا ســايبورج‪ ،‬أســتطيع اخــراق بعــض األنظمــة والولوج‬
‫إليهــا‪ ،‬ومنهــا أنظمــة الســيارات‪ ،‬وهلــذا فقــد اســتعرت ســيارة ألن األمــر‬
‫طارئ‪.‬‬
‫مل ُيرد نور أن يزعجه‪ ،‬فلم يعلق عىل املوضوع‪:‬‬
‫‪ -‬إذا ماذا تنتظر هيا نتوجه إليها‪ ،‬ليس لدينا اليوم بطوله‪.‬‬
‫وافقــه كينــو‪ ،‬فتوجهــا ناحيــة الســيارة قاطعــن الزقــاق الضيــق حتــى‬
‫خرجــا منــه‪ ،‬فرأيــا الســيارة تقــف أمامهــا تنتظرمها‪ .‬ســيارة حديثــة بيضاء‬
‫اللــون مقوســة مــن األمــام وتبــدوا صغــرة بعــض الــيء وزجاجهــا‬
‫األســود يبــدوا كاللؤلــؤ‪ ،‬وكانــت مــن النــوع الــذي ترتفــع عجالهتــا‬

‫‪157‬‬
‫بضعــة ســنتيمرتات عــن األرض‪ُ ،‬فيلغــى االحتــكاك بــاألرض ممــا جيعــل‬
‫رسعتهــا هائلــة‪ .‬فتــح كينــو بــاب الســيارة وأشــار لنــور أن يركــب‪ ،‬ففتــح‬
‫بجســده عــى الكــريس بجانــب كينــو الــذي كان‬ ‫ِ‬ ‫بابــه بــدوره وألقــى‬
‫ُيشــغل الســيارة‪ ،‬و ُيف ّعــل مجيــع األنظمــة الالزمــة للتحــرك‪ .‬ضغــط عــى‬
‫شاشــة تقــع بجانــب مقــود الســيارة‪ ،‬فخرجــت لــه خريطــة‪ ،‬فضغــط عــى‬
‫ـكان الــرج األبيــض الرشقــي فبــدأت اخلريطــة ُتــدد لـ ُه الطريــق الــذي‬‫مـ ِ‬
‫جيــب أن يســلك ُه للوصــول إىل هنــاك برسعــة وأمــان‪ ،‬فضغــط عىل دواســة‬
‫الوقــود وطلــب مــن نــور أن يتمســك جيــدً ا‪ ،‬فانطلقــت الســيارة برسعــة‬
‫رهيبــة تشــق طريقهــا بــن املبــاين واألشــجار‪ .‬توجــه كينــو يمين ـ ًا وقــاد‬
‫باســتقامة عــى الطريــق الرسيــع‪ُ ،‬منطلق ـ ًا برسعــة رهيبــة قاط ًعــا الطريــق‬
‫ـارا ليمــر مــن بعــض الشــوارع اجلانبيــة وأخــرى‬ ‫ثــم أنعطــف يمين ـ ًا ويسـ ً‬
‫رئيســية حســب مــا ختــره بــه اخلريطــة‪ ،‬بينــا يتفقــد املبــاين املدمــرة‬
‫والدخــان األســود املتصاعــد مــن فوقهــا إىل الســاء‪ .‬رأي بعــض الطــرق‬
‫ُمدمــرة ممــا جعلــه يســلك طرق ـ ًا أخــري للوصــول إىل هدفــه‪ .‬قــال نــور‬
‫وهــو ينظــر إىل اخلــارج مــن النافــذة يف رشود‪:‬‬
‫‪ -‬إذن هــل جالديــوس هــذا لديــه مــن العلــم مــا ُيمكنــه مــن صنــع‬
‫جنــدي خــارق يتحــدى قــدرات اإلنســان الطبيعــي ويتجاوزهــا؟ وكيــف‬
‫يبــدوا شــكله؟ ومــا هــي قصتــه؟‬
‫رد كينو وهو يضع كل تركيزه الطريق‪:‬‬
‫ٍ‬
‫لوقــت الحــق‪،‬‬ ‫‪ -‬حســنا لقــد وصلنــا إىل الــرج األول‪ ،‬وفــر األســئلة‬
‫جيــب اآلن أن نركــز عــى مهمتنــا‪ ،‬فنجــاة البرشيــة تعتمــد علينــا اآلن‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫نظــر نــور إىل الــرج ا ُملمتــد للســاء بشــموخ‪ ،‬مــن بــن املبــاين ا ُملدمــرة‬
‫مازحــا‪:‬‬
‫ً‬ ‫والســاحات واألشــجار‪ .‬فقــال كينــو‬
‫‪ -‬إنه ملن املضحك أن تعود من حيث جئت‪.‬‬

‫***‬

‫‪159‬‬
‫‪12‬‬
‫وصــل املصعــد إىل األعــى وأنفتــح البــاب فوجــدوا أنفســهم داخــل املبنى‬
‫ـرة كبــرة؛ رأوا لوحــات‬ ‫ـل كـ ٍ‬
‫ـك بداخـ ِ‬
‫ذو اهلندســة املعامريــة الرائعــة وكأنـ َ‬
‫قريبــة مــن احلائــط تطــر بــا توقــف‪ ،‬ورســومات ونقــوش يف كل مــكان‪،‬‬
‫بينــا يتــرب نــور الشــمس مــن بــن الكــوة الصغــرة يف الســقف‪.‬‬
‫ولكــن األهــم مــن كل ذلــك هــو حشــود الروبوتــات الواقفــة يف هنايــة‬
‫الغرفــة عنــد املخــرج ُمشــهرين أســلحتهم ناحيتهــم‪ ،‬فطلــب إريــس مــن‬
‫وي ّمســهم‬‫أحــد الشــباب أن ينــزل باملصعــد وخيربهــم بــا حيــدث فــوق‪ُ ،‬‬
‫بالصعــود والقتــال معهــم مــن أجــل النجــاة‪ ،‬فوافــق الشــاب وخــرج‬
‫اجلميــع مــن املصعــد‪ ،‬بينــا أغلــق املصعــد عــى الشــاب وهبــط ألســفل‬
‫ُمــد ًدا‪ .‬نظــروا إىل بعضهــم البعــض‪ ،‬فأبتســم إيفانــوف بغطرســة قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬املزيد من الروبوتات ألحطمها‪ ،‬هذا رائع‪.‬‬
‫شــعر إريــس أنــه يريــد لكمــه حتــى يســتوعب موقفهــم ولكنــه علــم أن‬
‫يــده ســتؤمله إن حــاول‪ ،‬فأمســك غيظــه وقــال بنــرة هادئــة‪:‬‬
‫‪ -‬يبــدوا أنــك اســتطعت ان تُســيطر عــى وعيــك‪ ،‬أثنــاء حتولــك هلــذه‬
‫اهليئــة‪.‬‬
‫رد إيفانوف بابتسامة سوداء ُميفة عىل وجهه املعدين‪:‬‬
‫‪ -‬مل أغطــي أســفل قدمــي باملعــدن حتــى ال أفقــد ســيطريت عــى وعيــي‬

‫‪160‬‬
‫ألننــي أفقــد الســيطرة عندمــا أحتــول بالكامــل إىل اهليئــة املعدنيــة‪.‬‬
‫‪ -‬حس ـنًا هــذا ليــس وقــت النقــاش‪ ...‬إهنــم ينتظــرون ردة فعلنــا‪ ...‬إذا‬
‫هامجنــا أوالً فســيهامجون‪ ،‬ونحــن اآلن مكشــوفون وليــس هنــاك مــكان‬
‫لنحتمــي خلفــه‪ ...‬فالقاعــة كبــرة ومكشــوفة‪ ،‬وإن نظرتــم هنــاك فهــذه‬
‫يمدهــم بالطاقــة إن دمرناهــا ســيتوقفون عــن العمــل‪،‬‬ ‫البلــورة هــي مــا ُ‬
‫ممــا س ـ ُيمكننا مــن اخلــروج مــن هنــا‪.‬‬
‫نظــر ســايري إىل املولــد والبلــورة الزرقــاء الكبــرة التــي حتلــق فوقــه‬
‫ومتــده بالطاقــة وقــال‪:‬‬
‫‪ -‬ما هي هذه املاسة الكبرية الغريبة التي متد املولد أسفلها بالطاقة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بتوجــس‬ ‫فــرد إريــس وهــو حيــدق إىل األعــداد الكبــرة للروبوتــات‬
‫وقنــوط‪:‬‬
‫‪ -‬ال أعــرف مــا هــي ولكــن كــا تــرى يبــدوا أهنــا ُتدهــم بالطاقــة ولذلــك‬
‫فــإن دمرنــا املولــد فلــن جتــد مــا تعطيــه طاقتهــا‪ .‬واآلن هــل تســتطيعون‬
‫قتاهلــم هنــا‪.‬‬
‫مصدرا صوت ًا معدن ًيا‪:‬‬
‫ً‬ ‫قال ايفانوف بثقة وهو يرضب قبضتيه م ًعا‬
‫‪ -‬ال هيــم كــم عددهــم ســأدمرهم مجي ًعــا‪ ،‬احتمــوا ورائــي وابــدأوا بإطالق‬
‫النــار بــا توقــف‪ .‬ســنهامجهم مــن بعيــد حتــى يــأيت البقيــة ويســاندوننا‪.‬‬
‫واآلن فلتحمينــي يــا ســايري وحتمــي اجلميــع‪.‬‬
‫مل جيــب ســايري عليــه بــل تابــع التحديــق يف اعدادهــم الكبــرة التــي‬
‫تتخطــى اخلمســن‪ ،‬ومــن بــن االعــداد الكبــرة للروبوتــات خــرج‬

‫‪161‬‬
‫شــخص يبــدوا ُمتلــف املظهــر عنهــم‪ .‬تفــرس اجلميــع بتعجــب فيــه‪.‬‬
‫كان ُمتلفــا بالكامــل عــن باقــي الروبوتــات‪ .‬ال بــد أنــه القائــد‪ .‬أقــرب‬
‫الشــخص الغريــب مســافة بســيطة منهــم ثــم توقــف‪ ،‬فبــدأت مالحمــه‬
‫تتضــح‪ .‬ليــس روبــوت بــل خملــوق آخــر ُمتلــف ال ُيشــبه أي يشء قــد‬
‫رأوه مــن قبــل‪.‬‬
‫كان يرتــدي ِدرعــا أســودا يبــدوا كـ ٍ‬
‫ـيء مــن املســتقبل البعيــد‪ ،‬كان الــدرع‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ُيغطــي جســده كلــه وعــى وجهــه قنــاع زجاجــي يبــدوا كاملــرآة‪ ،‬ولكــن‬
‫عندمــا متعــن النظــر فيــه فكأنــك تــرى انعــكاس الكــون الشاســع مــن‬
‫ا ودقــق‬ ‫نجــوم مضيئــة وجمــرات حتــوم يف فضـ ٍ‬
‫ـاء أســود ُمعتــم‪ .‬وقــف قليـ ً‬
‫النظــر إىل األشــخاص الواقفــن أمامــه‪ .‬فهمــس إريــس قائــا وقــد انتابــه‬
‫القلــق‪:‬‬
‫‪ -‬من هذا بحق اهلل؟ إنه ُمتلف متا ًما‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بصوت أجش وعميق‪:‬‬ ‫فجأة بدأ الشخص الغامض يتحدث قائ ً‬
‫ال‬
‫‪ -‬مرحبــا بالبــر‪ ،‬مل أتوقــع أنكــم هبــذه اجلــرأة التــي تســمح لكــم باخرتاق‬
‫عاملــي‪ ،‬وتدمــر أثمــن ممتلكايت‪.‬‬
‫فــرغ فــاه اجلميــع مــن الدهشــة ونظــروا إىل بعضهــم البــع‪ ،‬ثــم وجهــوا‬
‫نظرهــم إليــه‪ ،‬فأســتطرد قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬بالطبــع أنتــم ال تعرفــون مــن أنــا‪ ،‬وال بــد مــن أن قادتكــم قــد اخرتعــوا‬
‫قصــة مــا ملــا حيــدث حولكــم لتتناســب مــع عقولكــم الصغــرة حتــى‬
‫يســتمروا يف حتريككــم كــا يشــاءون‪ ،‬فأنتــم يف النهايــة بالنســبة هلــم جمــرد‬

‫‪162‬‬
‫ماشــية واملاشــية ال تســأل عــن أي يشء‪ ،‬إهنــا تُطيــع فقــط‪.‬‬
‫رد إيفانوف بنربة الذعة قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ومــن أنــت أهيــا املتعجــرف لتحكــم علينــا‪ ،‬فأنــت جمــرد آلــة متمــردة‬
‫لعينــة نحــن مــن صنعناهــا‪ ،‬وســنعيدها إىل حيــث جيــب أن تكــون حتــى‬
‫ولــو اســتخدمنا القــوة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عــال ممــا أثــار غضــب إيفانــوف أكثــر‪ ،‬ثــم‬ ‫ٍ‬
‫بصــوت‬ ‫ضحــك الغريــب‬
‫قــال بنــرة خبيثــة‪:‬‬
‫‪ -‬أحقـ ًا هــذا مــا تظنــه أنكــم أنتــم مــن صنعتمــوين‪ ،‬يــا للســخرية ولكــن‬
‫أنــا أعمــق بكثــر مــن أن يتــم صنعــي‪ ،‬أنــا مــا تســمونه حيــاة عضويــة‪.‬‬
‫زاد التوتــر وأنســاب العــرق مــن أجســادهم رغــم بــرودة اجلــو بينــا ُفتــح‬
‫املصعــد خلفهــم وخــرج عــرة أشــخاص آخريــن ُمشــهرين أســلحتهم‬
‫ال يفهمــون مــا حيــدث‪ ،‬فأشــار هلــم إريــس بيــده أال ُيطلقــوا النــار بعــد‪،‬‬
‫فنفــذوا األوامــر ووقفــوا يراقبــون مــا حيــدث عــن كثــب‪.‬‬
‫عال دوى يف أنحاء املبني الكبري‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بصوت ٍ‬ ‫قال إريس‬
‫‪ -‬ماذا تقصد هبذا؟‬
‫ٍ‬
‫مــكان‬ ‫فجــأة تفــكك القنــاع عــن وجهــه وعــاد إىل اخللــف ليســتقر يف‬
‫ُمصــص لــه يف البذلــة الســوداء الغريبــة‪ ،‬فشــهق اجلميع بقــوة عندمــا رأوا‬
‫وجهــه وتراجعــوا إىل اخللــف عــدة خطــوات موجهــن أســلحتهم ناحيتــه‬
‫كــردة فعــل تلقائيــة‪ .‬فقــال ســايري وقــد اتســعت عينــاه مــن الدهشــة‪:‬‬

‫‪163‬‬
‫‪ -‬ما هذا اليشء اللعني بحق اهلل‪.‬‬
‫ِ‬
‫كلــون الســاء‪ ،‬وتبــدوا مالحمــه وكأنــه يف‬ ‫كانــت برشتــه زرقــاء فاحتــة‬
‫كثــرا إال يف لونــه األزرق‬
‫ً‬ ‫األربعــن مــن عمــره مــع وجــه ُيشــبه البــر‬
‫الغريــب‪ .‬وكان لديــه أذنــان مدببتــان وشــعر فــي طويــل ينســدل عــى‬
‫ـن صفــراء كالقطــة؛ ويرتــدي تــاج مــن الذهــب اخلالــص ويف‬ ‫كتفيــه وعـ ٍ‬
‫منتصفــه جوهــرة محــراء‪ ،‬بينــا يلتــف مــن حولــه بالكامــل جواهــر زرقــاء‬
‫براقــة وعــى رقبتــه ُعلقــت سلســلة ذهبيــة يــرز منهــا جوهــرة زرقــاء‬
‫صغــرة تشــع بقــوة‪.‬‬
‫جعــل وجــه هــذا املخلــوق الغريــب اخلــوف يــري يف اوصــال البــر‬
‫املاكثــن أمامــه وأخــذت أجســادهم ترجتــف وبلغــت قلوهبــم احلناجــر‪،‬‬
‫بينــا شــعر إريــس بقشــعريرة تــري يف جســده‪ ،‬فقــال بنــرة متقطعــة‪:‬‬
‫‪ -‬من‪ ...‬أنت؟‬
‫رد املخلوق الغريب وقد ارتسمت ابتسامة مرعبة عىل وجهه‪:‬‬
‫‪ -‬أنــا هالككــم‪ ،‬أنــا الشــيطان القابــع يف اجلحيــم جــاء ليأخــذ املذنبــن‬
‫معــه‪.‬‬
‫رصخ إيفانوف فيه قائال‪:‬‬
‫‪-‬ال متزح معنا وقل من أنت‪ ،‬ومن أين أتيت؟‬
‫‪ -‬بــل جيــب أن أســألكم أنتــم مــن أيــن أتيتــم عــى الرغــم مــن علمــي‬
‫بحقيقتكــم‪ ،‬ولكــن الســؤال يف هــذا املوقــف هــو مــن حقــي ألنكــم‬
‫جئتــم عــى أريض ودمرتــم منشــأيت الغاليــة‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫قطب سايري حاجبيه قائ ً‬
‫ال وقد بدأ يشعر بالغضب واحلرية‪:‬‬
‫‪ -‬أرضك! هل متزح معي؟ هذا كوكبنا ونحن جئنا ً‬
‫أول‪.‬‬
‫اتســعت عــن املخلــوق املخيفتــن وحــدق إىل ســايري بنظــرة جعلتــه‬
‫يشــيح بنظــره بعيــدً ا عنــه قائــاً‪:‬‬
‫‪-‬أهــذا مــا تظنــه حق ـ ًا أن هــذا كوكبكــم؟ نعــم بالطبــع لقــد خدعوكــم‬
‫واومهوكــم أن هــذا هــو كوكــب األرض كــا تســمونه! ولكــن هــل تظــن‬
‫حقــا أن هــذا هــو كوكــب األرض؟ هــل تتذكــر أيــن كنــت منــذ مخــس‬
‫ســنني؟‬
‫شــعر ســايري بــأملٍ يف رأســه وكســى الغمــوض ذكرياتــه‪ ،‬كــا وألول مــرة‬
‫يف حياتــه مــن ســنني يشــعر باخلــوف يــري يف جســده بمجــرد النظــر‬
‫ـت مــن ســايري أســتطرد‬ ‫يف عينــي هــذا املخلــوق الغريــب‪ ،‬وبعــد صمـ ٍ‬
‫املخلــوق قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬بالطبــع ال‪ .‬لقــد ُمســحت ذاكرتكــم‪ ،‬وال أحــد يتذكــر شــيئ ًا‪ ،‬ولكــن‬
‫لتكــون األمــور واضحــة بالنســبة إليكــم‪ ،‬فأنتــم عــى كوكبــي‪ ،‬هــذا ليــس‬
‫بكوكــب األرض‪ ،‬هــذا كوكــب أطالنتــس!‬
‫أحتج اجلميع قائ ً‬
‫ال بنربة واحدة‪:‬‬
‫‪ -‬أنت تكذب هذا كوكبنا‪.‬‬
‫بــدأ العديــد مــن البــر خيرجــون مــن املصعــد الواحــد تلــو اآلخــر‬
‫حتــى جتمــع معظــم الســجناء وأخــذوا يشــهقون مــن اخلــوف عنــد رؤيــة‬
‫املخلــوق الغريــب متســائلني عــا حيــدث هنــا‪ ،‬ولكــن ال أحــد يفهــم‬

‫‪165‬‬
‫شــيئ ًا‪ ،‬ممــا جعلهــم هيمســون بذعـ ٍ‬
‫ـر فيــا بينهــم‪ ،‬بينــا يراقبــون مــا حيــدث‬
‫جيــدً ا‪.‬‬
‫أشــار املخلــوق ألحــد الروبوتــات فأقــرب منــه وأخــرج ُمكع ًبــا أبيــض‬
‫اللــون‪ ،‬فســار بضعــة خطــوات لألمــام يف باحــة املبنــي ووضــع املكعــب‬
‫عــى األرض‪ ،‬بينــا تراجــع بعــض البــر مشــهرين أســلحتهم نحــوه‪،‬‬
‫ولكــن إريــس أشــار هلــم أال ُيطلقــوا‪ ،‬فكبحــوا مجــام أنفســهم‪ .‬قــال‬
‫املخلــوق بنفــس نربتــه اهلادئــة الواثقــة‪:‬‬
‫‪ -‬بــا أين أعلــم طباعكــم جيــدً ا‪ ،‬فأنتــم لــن تصدقــوا كالمــي مــا مل تــروا‬
‫بأنفســكم وهلــذا فقــد جئتكــم بالدليــل القاطع الذي ســيخرص ألســنتكم‪،‬‬
‫ولكــن امتنــى أن تتقبلــوه ألن احلقيقــة تكــون ُمرعبــة أحيانـ ًا‪.‬‬
‫فجــأة تفــكك املكعــب إىل قطــع وخــرج مــن داخلــه ضــوء مكوننـ ًا صورة‬
‫ـة عـ ٍ‬
‫ـرض كبــرة‪ .‬ظهــر مــا‬ ‫ثالثيــة االبعــاد فوقــه حملقــة يف اهلــواء كشاشـ ِ‬
‫ُيشــبه فيلــم وثائقــي‪ ،‬فصمــت اجلميــع وشــاهدوا هبلـ ٍع وحــرة وأجســاد‬
‫ترجتــف مــن اإلرهــاق وقلــة الطعــام‪.‬‬

‫***‬

‫‪166‬‬
‫‪13‬‬
‫كان الفيلــم عبــارة عــن تســجيل ألحــداث حدثــت عــى هــذا الكوكــب‪،‬‬
‫وظهــر يف الفيديــو املخلــوق الغريــب الواقــف أمامهــم وهــو ُيكلــم أحــد‬
‫املخلوقــات األخــرى التــي تشــبهه مــع اختــاف املالمــح فقــط‪ ،‬فقــال‬
‫بنــرة يشــوهبا االنزعــاج والقلــق‪:‬‬
‫‪-‬إن احلــرب بيننــا لــن تنتهــي أبــدً ا حتــى ينتهــي هــذا الكوكــب‪ ،‬لقد فســد‬
‫جنســا مســا ًملا طــوال فــرة حياتنــا‪ ،‬حتــى جــاء‬
‫بنــو جنســنا بعــد أن كنــا ً‬
‫هــذا اليــوم املشــؤوم‪ .‬جيــب أن جتــد حــ ً‬
‫ا فأنــت امللــك اآلن يــا أخــي‬
‫العزيــز‪.‬‬
‫قــال أخــو ُه وهــو يقــوم مــن عــى عرشــه املزيــن بالفسيفســاء والذهــب‬
‫واجلواهــر النفيســة الغريبــة بجميــع األلــوان واالشــكال‪:‬‬
‫‪ -‬جايــا أخــي العزيــز أنــت تعــرف ملــاذا قــد متــرد شــع ُبنا علينــا‪ ،‬إهنــا هــذه‬
‫البلــورة! لطاملــا كنــت أتســاؤل عــن ســبب تواجدهــا عــى كوكبنــا منــذ‬
‫االذل؟ وملــاذا نحميهــا ونقدســها هكــذا بــدون ســبب ُيذكــر؟ ولكنــي‬
‫ـرا ختبــأه عنــا‪ ...‬قــوة هائلــة‪ ...‬وأن شــيئ ًا‬ ‫رسا كبـ ً‬ ‫كُنــت أعــرف َّ‬
‫أن ورائهــا ً‬
‫مــا سينكشــف يف يــو ٍم مــن األيــام‪ ...‬ولكــن مل أتوقــع أننــي ســأعيش‬
‫ألرى هــذا اليــوم‪.‬‬
‫ال وعيناه تفيضان أ ًملا وحزن ًا‪:‬‬
‫قاطعه جايا قائ ً‬

‫‪167‬‬
‫‪ -‬ولكــن يــا أثينــوس‪ ،‬أنــت تعــرف أن أســافنا أمرونــا بحاميتهــا وتركهــا‬
‫يف مكاهنــا حتــى حيــل الســام لألبــد عــى كوكبنــا‪ ...‬ال جيــب أن نقــرب‬
‫منهــا واال فســيكون هــاك جنســنا بســبب طمعنــا يف قــوة هــذه البلــورة‬
‫العجيبــة‪ ...‬هنــاك أشــياء جيــب أن تــرك كــا هــي‪.‬‬
‫رد أثينوس والكآبة بادية عىل وجهه‪:‬‬
‫رسهــا الدفــن الــذي‬‫‪ -‬ولكــن كــا تــري يــا أخــي العزيــز‪ ،‬فقــد كُشــف ُ‬
‫ُ‬
‫والــكل‬ ‫أخفــاه أســافنا عنــا مجي ًعــا‪ ...‬واآلن لقــد علــم شــعبنا بقوهتــا‪،‬‬
‫ـع فيــا تقدمــه‪.‬‬
‫يطمـ ُ‬
‫أخــذ جايــا يــذرع املــكان ذهابــا وإيابــا ببــطء والقلــق ينهشــه هنشـ ًا‪ ،‬فقــال‬
‫بلهجــة حــادة‪:‬‬
‫‪ -‬وهــل تظــن أن هــذا الفضائــي األمحــق القــادم مــن كوكــب آخــر ال‬
‫نعــرف عنــه شــيئ ًا‪ ،‬هــو مــن يعــرف رسهــا حقــا؟ ال بــد أنــه قــد أخــرع‬
‫كل هــذه القصــة حتــى يثــر الفتنــة بيننــا‪ ،‬ويتمكــن مــن رسقتهــا! أخــي‬
‫رأســا عــى عقــب منــذ اليــوم الــذي جــاء فيــه‬
‫العزيــز لقــد أنقلــب عاملنــا ً‬
‫إىل كوكبنــا‪.‬‬
‫ضحك أثينوس بمرارة قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬يــا أخــي العزيــز إنــه ليــس الســبب بــل أســافنا‪ ...‬كل مــا فعلــه‬
‫هــو أنــه جعلنــا نعــرف رس هــذه البلــورة التــي ُاخفيــت قوهتــا العظيمــة‬
‫عنّــا‪ ...‬وهنــاك أحــد اخلــدم يف القــر هــو مــن أفشــى رسهــا للجميــع‪...‬‬
‫يــا لــه مــن وغــد لقــد تســبب بــكل هــذه الفتنــة ألنــه مل يســتطع إمســاك‬

‫‪168‬‬
‫لســانه‪ ...‬عــى كل حــال‪ ،‬أريــدك أن تتخيــل لــو كنــا نعلــم بأمــر هــذه‬
‫القــوة املوجــودة يف عاملنــا منــذ فجــر التاريــخ‪ ،‬ل ُكنّــا جتنبنــا الكثــر مــن‬
‫لســبب مــا أخفــى أســافنا احلمقــى رسهــا‬ ‫ٍ‬ ‫احلــزن واملعانــاة‪ ...‬ولكــن‬
‫لقــرون مــن الزمــن‪ ...‬ولكــن ال يشء ُ‬
‫يظــل خمف ًيــا لألبــد‪ .‬هــذه قاعــدة‬ ‫ٍ‬
‫وضعهــا اهلل للكــون‪.‬‬
‫رد جايا بنربة غاضبة‪:‬‬
‫‪ -‬ولكــن هــا نحــن نتكبــد عنــاء كشــف رسهــا‪ ،‬فاجلميــع اآلن يتظاهــر‬
‫ضدنــا ألننــا أخفينــا عليهــم رس هــذه القــوة ويريــدون أن يتــم اســتخدامها‬
‫بــل ويعتقــدون أن هلــم احلــق يف امتالكهــا‪ ،‬ولكــن هــل يعلمــون حقـ ًا مــا‬
‫قــد تســببه قــوة هــذه البلــورة؟ ربــا تفيدُ نــا ولكــن ســتكون أرضارهــا أكرب‬
‫بكثــر مــن نفعهــا‪ ...‬فعندمــا يــزداد الشــخص قــوة يــزداد جتــره وهــذا مــا‬
‫عملنــا آلالف الســنني لوقفــه والســيطرة عليــه وهلــذا نحــن شــعب م ِ‬
‫تحــد‬ ‫ُ‬
‫وذكــي ومشــاكلنا قليلــة للغايــة‪ ...‬واآلن قــل يل كيــف ســتوقف الشــغب‬
‫وترجــع الســام إىل كوكبنــا مــرة أخــرى باكتشــافك لــر هــذه البلــورة‬
‫اللعينــة؟‬
‫رد أثينوس بنربة هادئة‪:‬‬
‫‪ -‬ال تقلــق لــدي خطــة ســتوقف الشــغب متا ًمــا وسـ ُ‬
‫ـيحل النظــام والســام‬
‫جمــد ًدا عــى كوكبنا‪.‬‬
‫توقفت املقطع ثم انتقل إىل مشهد آخر‪:‬‬
‫جايــا يســر يف ردهــة القــر املليئــة باللوحــات املتنوعــة عــى مــر‬

‫‪169‬‬
‫ٍ‬
‫بلــون‬ ‫التاريــخ‪ ،‬بينــا يوجــد ســجاد طويــل يمتــد عــى طــول الردهــة‪،‬‬
‫قرمــزي المــع‪ .‬أقــرب جايــا مــن غرفــة أثينــوس‪ ،‬وفجــأة ســمع حــوار‬
‫يــدور بــن أثينــوس وشــخص آخــر ذو نــرة عميقــة‪ ،‬فأقــرب واض ًعــا‬
‫أذنــه عــى البــاب واخــذ يســمع‪ ،‬فقــال الشــخص ذو الصــوت العميــق‪:‬‬
‫‪ -‬هل هناك أي جديد عىل اخلطة؟‬
‫تنهد أثينوس طوي ً‬
‫ال ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬ال كل يشء يســر حســب اخلطــة‪ ،‬ســأجعلك تــرى بلــورة احليــاة كــا‬
‫وعدتــك‪ ،‬وىف املقابــل ســتعطيني القــوة الكامنــة بداخلهــا التي ســتجعلني‬
‫احلاكــم االقــوى والدائــم هلــذا الكوكــب‪ ،‬ألعيــد النظــام واألمــان إىل‬
‫كوكبنــا ثــم ننتقــل خلطتنــا التــي اتفقنــا عليهــا‪.‬‬
‫بحــزن وأســى أحســن‬‫ٍ‬ ‫صمــت الشــخص املجهــول قليــاً‪ ،‬ثــم قــال‬
‫اصطناعــه‪:‬‬
‫‪ -‬أفضــل يشء يف كوكبكــم هــو االحتــاد والنظــام بــن الشــعب‪ ،‬هنــاك‬
‫أجنــاس أخــرى رأيتهــم ُيلكــون أنفســهم بأيدهيــم بكثــرة احلــروب‬
‫واخلالفــات واالختالفــات فيــا بينهــم عــى الرغــم مــن كوهنــم مــن نفــس‬
‫النــوع ويعيشــون عــى نفــس الكوكــب‪ ،‬ولكــن جهلهــم هــو مــن قادهــم‬
‫هلــذا‪ ،‬وأنــا ال أريــد أن حيــدث لشــعبك يشء مــن هــذا مــن اجــل هــذه‬
‫البلــورة‪ .‬مل أكــن أعلــم أنــه بمجــرد كشــفي لرسهــا لكــم ســيحدث كل‬
‫هــذا! أنــا أشــعر حقــا باحلـ ِ‬
‫ـزن والنــدم مــن أجــل مــا فعلتــه‪.‬‬
‫قال أثينوس يف حماولة ملواساته‪:‬‬

‫‪170‬‬
‫‪ -‬ال حتــزن‪ ،‬إنــه ليــس خطــأك عــى األطــاق‪ ،‬فأنــت كشــفت لنــا يشء من‬
‫حقنــا أن نعرفــه‪ ،‬فلطاملــا تســاؤل اجلميــع عــن رس هــذه البلــورة ا ُملعلقــة يف‬
‫مبنــى العبــادة بــا فائــدة‪ ...‬بالطبــع كشــف احلقيقــة كان ســيؤدي إىل هــذا‬
‫ا أم آجـاً‪ ...‬كان جيــب ان يعــرف اجلميــع رسهــا‪ ،‬هلــذا ال تلومــن‬ ‫وعاجـ ً‬
‫نفســك عــى مــا حــدث‪.‬‬
‫قال الغريب وقد بدا عىل نربته احلامس‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم بالطبــع‪ ،‬ولكــن بإعطائــك هلــذه القــوة أوالً ألنــك مــن تســتحقها‬
‫ســتتمكن مــن كبــح التمــرد وإعــادة النظــام إىل الكوكــب وحكمــه لألبــد‬
‫بحكمتــك ورزانتــك‪.‬‬
‫ضحك أثينوس بقوة بعد ان اخذ رشفة من أحد االكواب‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم اخللــود‪ ،‬حلــم مجيــع املخلوقــات يف الكــون‪ ،‬وأنــا ســأكون‬
‫املحظــوظ الــذي ســيحصل عليــه بفضــل قــوة البلــورة اخلفيــة‪ ،‬ســأصبح‬
‫احلاكــم الــذي ال يقهــر‪ ...‬وم ًعــا ســنحقق كل أحالمنــا وآمالنــا‪ ...‬ولكــن‬
‫مــن كان يظــن أن قــوة كهــذه موجــودة يف هــذا الكــون الشاســع ومــن‬
‫ســخرية القــدر أهنــا عــى كوكبــي‪.‬‬
‫وبــدون أن يســمع جايــا كلمــة أخــري ســار ُمبتعــدً ا عــن البــاب وهــو‬
‫ٍ‬
‫ـركان يثــور بداخلــه وأحــس أنــه يــكاد ينفجــر مــن الغضــب‪.‬‬ ‫يشــعر بـ‬
‫قطــع الــرواق اجلميــل ثــم توقــف عنــد أحــد اللوحــات‪ ،‬ونظــر يف كل‬
‫االجتاهــات للتأكــد أن ال أحــد يــراه‪ ،‬ثــم حــرك اللوحــة ناحيــة اليمــن‬
‫ا فأنفتــح بــاب رسي‪ ،‬فنظــر جايــا حولــه مــرة أخــرة ليتأكــد مــن‬ ‫قلي ـ ً‬
‫موقفــه ثــم محــل مكعبــان منــران وتركهــا يف اهلــواء فحلقــا بجانبــه‬

‫‪171‬‬
‫وأخــذا يتبعانــه لينــرا لــه املــكان ا ُملظلــم‪ .‬أنطلــق يف املمــر الفــارغ أمامــه‪،‬‬
‫بينــا ُاغلــق البــاب الــري مــن خلفــه‪ .‬بلــغ جايــا هنايــة املمــر وانعطــف‬
‫ـر آخــر حتــى انتهــى منــه فأنعطــف يمينـ ًا‪ ،‬فوجــد‬ ‫يمينـ ًا وبــدأ بالســر يف ممـ ٍ‬
‫بابــا حديديــا يبــدوا عليــه القــدم‪ ،‬فضغــط عــى لوحــة الكرتونيــة بجانبـ ِ‬
‫ـه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ثــم وضــع يــده عليهــا‪ ،‬فقامــت اللوحــة بمســح يــده ثــم بــدأ البــاب‬
‫ـدر رصيـ ًـرا مدو ًيــا حتــى أنفتــح عــى مرصاعيــه؛ فأكمــل جايــا طريقــه‬ ‫يصـ ُ‬
‫بينــا ُاغلــق البــاب خلفــه وعــم الظــام‪.‬‬
‫كبــرا‪ ،‬وكان يوجــد‬
‫ً‬ ‫وجــد نفســه يف غرفــة كبــرة ُمظلمــة تُشــبه معبــدً ا‬
‫ـكان لطيــور وخملوقــات اســطورية‬‫نقــوش غريبــة عــى احلائــط يف كل مـ ٍ‬
‫والعديــد مــن الرمــوز‪.‬‬
‫بــدأ جايــا يتفحــص املــكان بعينيــه ولكنــه كان يعــرف طريقــه جيــدً ا‪،‬‬
‫فســار إىل األمــام يف الظــام بينــا كان ضــوء املكعبــن يســاعده عــى‬
‫الرؤيــة جيــدً ا‪ .‬وصــل إىل صنــدوق زجاجــي بداخلــه تــاج ذهبــي صغــر‬
‫يف منتصفــه جوهــرة محــراء صغــرة وحوهلــا جواهــر زرقــاء صغــرة‪،‬‬
‫فضغــط عــى بعــض األزرار يف لوحــة أســفل الصنــدوق الزجاجــي‪،‬‬
‫لريتفــع الصنــدوق إىل األعــى‪ ،‬حتــى أصبــح التــاج يف متنــاول يــده اآلن‪.‬‬
‫مــد يــده ليمســكه قائ ـاً‪:‬‬
‫‪-‬أنا آسف يا أيب ولكن يبدوا أن أكرب خماوفك قد حتققت‪.‬‬
‫وضــع جايــا التــاج الذهبــي الصغــر املرصــع باجلواهــر عــى رأســه‪،‬‬
‫وأجتــه إىل اليمــن ليجــد طاولــة ُمزينــة بالكثــر مــن الزخــارف وعليهــا‬
‫كتــاب داخــل علبــة زجاجيــة ولكــن مل تتضــح معاملــه بســبب الظــام‬

‫‪172‬‬
‫ولكــن جايــا علــم عــى الفــور ماهيتــه‪ ،‬ووجــد بجانبــه بعــض الكتــب‬
‫واملخطوطــات األخــرى‪ .‬قــام بفتــح اللــوح الزجاجــي ومحــل الكتــاب‬
‫برفــق بــن يديــه وقــد أحــس بقــوة عظيمــة ختــرج منــه ممــا جعلــه يتأملــه‬
‫لدقائــق ثــم محــل املخطوطــات والكتــب األخــرى وتوجــه إىل خــارج‬
‫الغرفــة‪.‬‬
‫تبدلــت اللقطــات لتظهــر والــد جايــا العجــوز وهــو عــى رسيــره وقــد‬
‫غلبــه املــرض وبــدا عــى وجهــه الشــيب والتعــب‪ .‬كان شــعره فــي‬
‫وطويــل مثــل جايــا‪ ،‬ولديــه حليــة فضيــة طويلــة ناعمــة تســتقر عــى‬
‫صــدره‪ ،‬والكثــر مــن التجاعيــد يف وجهــه األزرق‪ .‬كان جايــا يقــف‬
‫بجانبــه ُمســك ًا بيــده‪ ،‬فقــال والــده وهــو يلتقــط أنفاســه بصعوبــة‪:‬‬
‫‪ -‬يــا بنــي لقــد انتخــب الشــعب أخــوك األكــر ظنًــا أنــه عــى نفــس القدر‬
‫مــن احلكمــة والعــدل الــذي أمتلكــه فســلموه مقاليــد احلكــم برضاهــم‪...‬‬
‫واآلن مهمــة باقــي العائلــة أن توجهــه وتســيطر عــى ترصفاتــه وقرارتــه‬
‫حتــى توجهــه إىل الطريــق الصحيــح إن أخطــأ‪ ...‬وهــذا للمصلحــة‬
‫العامــة‪ ...‬وأنــت تعــرف أن اخــاك غــر جديــر باحلكــم‪ ...‬وهلــذا جيــب‬
‫أن تراقبــه وتوجهــه جيــدً ا‪ ...‬ولكــن إن خرجــت األمــور عــن ســيطرتك‬
‫وملصلحــة اجلميــع‪ ...‬فجيــب أن تعــزل اخــاك وتتــوىل أنــت احلكــم‪.‬‬
‫فقال جايا بنربة متسائلة وقد باغته كالم والده وفاجئه‪:‬‬
‫‪ -‬وكيــف جيــب أن أعزلــه وهــو مــن يملــك الســلطة والقــوة وأنــا ليــس‬
‫بيــدي شــيئ ًا أفعلــه‪.‬‬
‫بدأ العجوز بالسعال بقوة‪ ،‬وبعد أن هدأ قال‪:‬‬

‫‪173‬‬
‫‪ -‬هنــاك رس ُمبــأ يف القــر‪ ،‬ســيعطيك قــوة لــن تتخيلهــا‪ ...‬وألنــك يــا‬
‫بنــي جديــر هبــذا‪ ،‬ســأخربك هبــذا الــر‪ ...‬ولكــن عــدين أال تســتخدم‬
‫هــذه القــوة إال يف األوقــات احلرجــة‪.‬‬
‫قال جايا واحلزن با ًد عىل وجهه‪:‬‬
‫‪ -‬أعــدك يــا أيب أننــي لــن أســتخدمه إال يف األوقــات التــي تتطلــب‬
‫اســتخدام مثــل هــذه القــوة‪.‬‬
‫فتنهد الوالد العجوز بارتياح قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬أنــت تعــرف أننــا صنعنــا اآلالت منــذ آالف الســنني لتســهل علينــا‬
‫احليــاة وتنقلنــا إىل حيــاة أفضــل وأســهل‪ ...‬ألن لدهيــم القــدرة لفعــل‬
‫أشــياء ال نســتطيع فعلهــا‪ ...‬وصنــع أشــياء مــن الصعــب علينــا صنعها‪...‬‬
‫وهكــذا فــإن اآلالت كانــت نعمــة كبــرة علينــا‪ ...‬أنــت تراهــا اآلن‬
‫حولــك بوضــوح‪ ...‬فلوالهــم مــا وصلنــا إىل مــا وصلنــا إليــه اآلن‪،‬‬
‫ولكنــك تعــرف أيضــا أن اآلالت مصنوعــة لتنفــذ األوامــر فقــط بــدون‬
‫االعــراض عــى أي يشء‪ ...‬فهــم ليــس لدهيــم الوعــي واإلدراك الذيــن‬
‫ُيميــزان الكائنــات العضويــة مثلنــا‪.‬‬
‫قال جايا وهو هيز رأسه‪:‬‬
‫‪ -‬بالطبــع‪ ،‬أنــا أعــرف كل هــذا فقــد درســت تاريــخ حضارتنــا جيــدً ا‬
‫وأعــرف كل يشء فيــه‪ ،‬ولكــن مــا عالقــة هــذا بالــر الــذي تريــد اخبــاره‬
‫يل؟!‬
‫نفسا عميق ًا ثم قال‪:‬‬
‫أخذ الوالد ً‬

‫‪174‬‬
‫‪ -‬ال يمكــن ألحــد التحكــم بــاآلالت‪ ...‬فهــي قديمــة ومصنوعــة‬
‫بمهــارة ومضــادة لالخــراق أو العبــث‪ ...‬تنفــذ مــا نمليــه عليهــا فقــط‬
‫باألوامــر الصوتيــة‪ ...‬ولكــن ال يمكــن أن يأ ُمرهــا أحــد أن تقتــل أو‬
‫حتــارب‪ ،‬ســرفضون مثــل هــذه األوامــر عــى الفــور‪ ...‬ألهنــا ليســت مــن‬
‫خصائصهــم‪ ،‬ولكــن القدمــاء عندمــا صنعــوا اآلالت صنعــوا معهــا شــيئ ًا‬
‫خطــرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫للتحكــم هبــا‪ ...‬شــيئ ًا‬
‫اتســعت عــن جايا مــن الدهشــة ونزلــت كلــات والــده عليــه كالصاعقة‪،‬‬
‫فهــو مل يعلــم أن هنــاك يشء يســتطيع التحكــم يف اآلالت‪ ،‬فقــال بنــرة‬
‫متســائلة والفضــول يمــأه‪:‬‬
‫‪ -‬وما هو هذا اليشء؟!‬
‫رد الوالد بنربته املتعبة‪:‬‬
‫‪ -‬إنــه تــاج الســيطرة والقــوة‪ ...‬هــذا التــاج مــن يرتديــه جيعلــه يتحكــم‬
‫بــاآلالت ويفعــل مــا يشــاء هبــا‪ ...‬وقــد صنعــه القدمــاء يف حــال متــردت‬
‫اآلالت بطريقــة مــا رغــم اســتحالة األمــر‪ ...‬أو يف احلــاالت احلرجــة التــي‬
‫تتطلــب اســتعامهلا للقتــال‪ ...‬ولكــن هــذا الــر نُقــل ألشــخاص ُمددين‪،‬‬
‫أشــخاص لدهيــم القــدرة عــى حفــظ هــذا الــر‪ ...‬أنتقــل هــذا الــر مــن‬
‫ا أم آج ـاً‪ ...‬فأنــت‬ ‫جيــل إىل جيــل وكنــت أنــوي أن اخــرك بــه عاج ـ ً‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إيــان وشــهامة وأمانــة وحــب‬ ‫تســتحق أن ُاخــرك بــه ملــا لديــك مــن‬
‫لكوكبنــا وشــعبنا‪ ...‬ولعلمــك الواســع‪ ،‬وهلــذا فإننــي ائتمنــك عــى هــذا‬
‫الــر‪ ،‬فاســتخدم هــذه القــوة عنــد احلاجــة فقــط‪ ...‬وقــد تــم إخفــاء هــذا‬
‫التــاج ألنــه تســبب بكارثــة مــن قبــل ولكــن هــذا ليــس وقــت التحــدث‬

‫‪175‬‬
‫عنهــا‪.‬‬
‫فــرغ فــاه جايــا غــر ُمصد ًقــا ملــا يســمعه‪ ،‬قــوة للتحكــم يف اآلالت؟ يــا‬
‫للعجــب! لقــد قــرأ الكثــر مــن الكتــب ولديــه إطــاع واســع عــى كافــة‬
‫العلــوم ولكنــه مل يســمع عــن ٍ‬
‫يشء كهــذا مــن قبــل‪ ،‬فقــال بتوتــر يمتــزج‬
‫ـاس ال ينضــب‪:‬‬‫بحـ ٍ‬
‫‪ -‬ولكــن يــا أيب إن قــوة كهــذه إذا وقعــت يف االيــدي اخلطــأ قــد تدمرنــا‬
‫مجيعــا!‬
‫فرد األب وهو يتنفس بصعوبة‪:‬‬
‫‪ -‬بالطبــع يــا بنــي هلــذا مل يعلــم أحــد هبــذا الــر إال قلــة‪ ...‬وهلــذا وملــدة‬
‫ألفــي ســنة مل يســتخدمه أحــد حتــى اآلن إال مــرة واحــدة فقــط‪ ...‬ولكــن‬
‫جيــب أن أحــذرك فهــذه القــوة عنــد اســتخدامها لفــرة طويلــة قــد‬
‫ـاح ذو حديــن‪ .‬وهلــذا فــإن‬ ‫تســتحوذ عــى عقلــك وتدمــرك‪ ...‬ألهنــا سـ ٌ‬
‫جعلــك الزمــن يف حاجــة ماســة إىل اســتخدامها فــا تفــرط يف االســتخدام‬
‫ألهنــا قــوة خادعــة ســتجعلك تشــعر أنــك ال تقهــر‪ ...‬وستســيطر عــى‬
‫فيــك دون أن تشــعر هبــذا‪ ...‬ســتظن أنــك‬ ‫َ‬ ‫عقلــك وقلبــك‪ ،‬وتتحكــم‬
‫املســيطر ولكــن احلقيقــة غــر ذلــك‪ .‬لقــد حــدث هــذا مــن قبــل‪ .‬هــذه‬
‫القــوة تســتحوذ عــى ذوي القلــوب الضعيفــة واملريضــة‪.‬‬
‫قال جايا ُمطمئن ًا أبيه‪:‬‬
‫ـق مــن ذلــك‪ .‬ولكــن‬
‫‪ -‬ال ختــف يــا أيب لــن اضطــر إىل اســتخدامها انــا واثـ ٌ‬
‫متــى حــدث هــذا؟‬

‫‪176‬‬
‫شعر الوالد باالرتياح فقال بنربة هادئة‪:‬‬
‫قصصــا‬
‫ً‬ ‫ـات أثريــة ســتحكي لـ َ‬
‫ـك‬ ‫ـب وخمطوطـ ٌ‬‫‪ -‬بجانــب التــاج هنــاك كُتـ ٌ‬
‫وأشــيا ًء غريبــة مل تكــن تعرفهــا‪ ،‬تأكــد مــن قراءهتــا جيــدً ا وســتعلم متــى‬
‫حــدث هــذا‪ ...‬وهنــاك يش ٌء آخــر جيــب أن أخــرك بــه‪ ،‬وال يعرفــه أحــدٌ‬
‫غــري‪ ...‬إن بلــورة احليــاة‪ ،‬ليســت موجــودة هنــا عبثـ ًا‪ ،‬بــل إهنــا تُعطــي‬
‫لكوكبنــا احليــاة وهــي املحــرك الــذي يمــد اآلالت بالطاقــة ليعملــوا بــا‬
‫توقــف‪ ،‬وهلــذا ُســميت ببلــورة احليــاة‪ ،‬ألهنــا تُعطــي احليــاة لــكل يشء‬
‫حوهلــا‪ ...‬ولكــن وهــل تعــرف مــن أيــن جــاءت؟‬
‫هز جايا رأسه نافيا‪ ،‬فأستطرد والده قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ســتجد القصــة بالتفصيــل يف الكتــب‪ ،‬ولكنــي ســأروي لــك مــا اتذكــره‬
‫منهــا‪ ...‬إهنــا هديــة مــن كائـ ٍ‬
‫ـن قديــم ال يعلــم أحــد شــيئ ًا عنــه إذ ُفقــدت‬
‫كل املعلومــات عنــه‪ ...‬ولكــن كل مــا نعرفــه أن جنســنا كان يعيش ُمنقسـ ًـا‬
‫بعضــا‬
‫إىل طوائــف وأعــراق كثــرة‪ ،‬وكانــت كلهــا تتناحــر ويقتــل بعضهــا ً‬
‫بــا توقــف وكاد هــذا الكوكــب أن هيلــك بســبب املفاســد واحلــروب‬
‫التــي مألتــه‪ ...‬ولكــن شــعبنا شــعب أطالنتــس كان ُمافظـ ًا عــى مبادئــه‬
‫وقيمــه التــي جعلتــه يصــل إىل هــذه املرحلــة مــن التقــدم واالنضبــاط‬
‫االخالقــي‪ ...‬وهــذا جعلــه عرضــة للهجــوم الدائــم مــن جرياهنــم رغــم‬
‫كــره شــعبنا للحــرب‪ ...‬وىف يــو ٍم مــن األيــام جــاء وقــت اهلــاك مــن اهلل‬
‫هلــذا الكوكــب الفاســد وأنطلــق طوفانـ ًا عظيــم ل ُيغــرق كل يشء أمامــه‪...‬‬
‫ولكــن قبــل أن يغــرق الكوكــب ويمــوت كل مــن عليــه‪ ...‬شــاهد شــعبنا‬
‫شــيئ ًا ُمضيئـ ًا يف الســاء‪ ،‬كائــن يبلــغ مــن اجلــال مــا ال تتخيله وكأنــه مالك‬

‫‪177‬‬
‫جــاء مــن عنــد اهلل لينجدهــم مــن اهلــاك‪ ...‬لــوال أنــه أخربهــم أنــه كائــن‬
‫مثلهــم يعيــش يف هــذا الكــون الشاســع املــيء بالعجائــب لصدقــوا أنــه‬
‫مــاك‪ ...‬ال أحــد يعلــم ماهيتــه‪ ...‬ولكنــه أنقــذ شــعبنا وأنقــذ الكوكــب‬
‫وقــد كانــت ســبل احليــاة عليــه ضعيفــة يف البدايــة بعدمــا حــدث‪...‬‬
‫فأعطاهــم املخلــوق البلــورة التــي جعلــت احليــاة تتدفــق وتــدب يف كل‬
‫أنحــاء الكوكــب ُمــد ًدا وطلــب منهــم محايتهــا بأرواحهــم إن جــاء أي‬
‫شــخص حمــاوالً أخذهــا‪ ...‬وقــال أن هــذه البلــورة ســتأخذنا ألفــاق ال‬
‫متطــورا وأكثــر‬
‫ً‬ ‫نعلــم عنهــا شــيئ ًا‪ ...‬ســتجعلنا نتقــدم ونُصبــح ً‬
‫جنســا‬
‫أيضــا‬
‫وع ًيــا‪ ،‬وســتعطي لكوكبنــا احليــاة التــي يســتحقها‪ ...‬وأعطاهــم ً‬
‫كتا ًبــا مــيء بــكل األرسار التــي ختــص هــذه البلــورة وكيفيــة اســتخدامها‬
‫وتســخري قوهتــا خلدمــة شــعبنا‪ ...‬وقــال أنــه عندمــا حيــن الوقــت ســتدلنا‬
‫البلــورة عــى الطريــق‪.‬‬
‫قــح قليــا‪ ،‬بينــا كاد عقــل جايــا ينفجــر ممــا ســمعه‪ ،‬فأســتطرد العجــوز‬
‫قائ ـاً‪:‬‬
‫ـة مــا ُدجمــت البلــورة مــع كوكبنــا‪ ،‬فأصبحــت طاقتهــا تــري يف‬ ‫‪ -‬بطريقـ ٍ‬
‫كل يشء‪ ،‬وســمى القدمــاء هــذه الطاقــة بمجــرى احليــاة‪ ...‬لقــد جعلــت‬
‫كوكبنــا وكأنــه جنــة‪ ...‬أصبحــت األرض أكثــر خصوبــة للزراعــة وامليــاه‬
‫أكثــر عذوبــة‪ ،‬وأصبــح طعــم الثــار ألــذ بأضعــاف ممــا كانــت عليــه‪...‬‬
‫وظلــت البلــورة تســاعدنا يف التقــدم إىل األمــام بفضــل قوهتــا الغريبــة‪...‬‬
‫ولكــن القدمــاء شــعروا أن اجليــل القــادم قــد يــيء اســتخدامها ألنــه مل‬
‫يــرى هــذه املعجــزة بــأم عينيــه‪ ،‬فاخرتعــوا قصــة عــن أن هــذه البلــورة‬

‫‪178‬‬
‫ُمقدســة ومــن يلمســها ســوف يلعنــه الــرب إىل األبــد‪ ،‬هلــذا مل يقــرب‬
‫منهــا أحــد ومل يكــرث هلــا إال ملشــاهدة مجاهلــا فقــط‪ ...‬ولكــن يف احلقيقــة‬
‫ا بعــد جيــل كانــوا يســتخدمون قــوة البلــورة يف‬ ‫فامللــوك وحاشــيتهم جيـ ً‬
‫العديــد مــن األشــياء باســتخدام الكتــاب‪ ...‬ولكــن هنــاك بعــض القــوى‬
‫ا بعــد جيــل االفصــاح عنهــا للشــعب‬ ‫اهلائلــة التــي خــي امللــوك جي ـ ً‬
‫فأخفوهــا واســتخدموا بعضهــا خلدمــه الشــعب بــدون أن يشــعر‪ ...‬مثــل‬
‫عمرنــا الطويــل‪ ...‬فأنــت تعلــم أننــا نعيــش أحيان ـ ًا أللــف ســنة وهــذا‬
‫بفضــل قــوة هــذه البلــورة‪ ،‬ومــا خفــي كان أعظــم‪.‬‬
‫بــدأ العجــوز يســعل بقــوة‪ ،‬فأعطــاه جايــا كو ًبــا مــن املــاء‪ ،‬فأخــذ رشــفة‬
‫منــه ثــم بــدأ يشــعر بالطاقــة تتجــدد يف جســده الضعيــف الواهــن بينــا‬
‫ظــل جايــا فــارغ فاهــه بــدون أن ينبــس ببنــت شــفه واألفــكار تتضــارب‬
‫يف عقلــه وىف نفســه ظلــات واضطــراب وإهلــام غــر ُمصــدق ملــا يســمع‪.‬‬
‫ا بصوتــه الواهــن‪:‬‬‫أكمــل العجــوز قائ ـ ً‬
‫فرسقتهــا‬
‫‪ -‬وألن هــذه البلــورة ارتبطــت بالكوكــب كارتبــاط األم بأبنهــا‪ُ ،‬‬
‫مــن كوكبنــا ســتُهلك احلــرث والنســل وكل ُســبل احليــاة هنــا‪...‬‬
‫ـك جيــب‬‫ـك محايتهــا جيــدً ا‪ ...‬كــا أنـ َ‬
‫وســتكون هنايــة جنســنا‪ ،‬وهلــذا عليـ َ‬
‫أن ُتفــي هــذه األرسار عــن أخيــك وعــن الشــعب حتــى ال ينســل الطمــع‬
‫ـك أن حتكــي هــذه األرسار ألكثــر مــن تثــق‬ ‫إىل قلوهبــم احلكيمــة‪ ...‬يمكنـ َ‬
‫هبــم فقــط ويمكنــك أن تأمتنهــم عــى رسهــا حتــى ال يمــوت الــر‬
‫و ُينســى مــع الوقــت‪ ...‬كــا فعلــت أنــا‪ .‬ولكــن مجيــع مــن يعلــم رسهــا‬
‫قــد مــات ومل يتبقــى إال أنــا وهلــذا فــإن أفشــى أحدهــم رسهــا فاملــوت‬

‫‪179‬‬
‫ـخاص‬
‫ـاك أشـ ٌ‬ ‫أن ُهنـ َ‬
‫هــو عقابــه‪ ...‬فاملخلــوق الــذي أعطانــا البلــورة قــال َّ‬
‫ســيأتون يف حماولــة خلــداع اجلميــع لرسقــة البلــورة ألنفســهم ولتدمــر‬
‫كوكبنــا اجلميــل‪ ...‬وهلــذا جيــب أن تســتعد لـ ٍ‬
‫ـيء مثــل هــذا رغــم أهنــا‬
‫ُمــرد افرتاضــات قــد ال تتحقــق‪ ...‬ولكــن إن صــادف وجــاء شــخص‬
‫كهــذا فيجــب عليــك محايــة هــذه البلــورة بحياتــك‪.‬‬
‫ـيل مــن العواطــف يــري يف جســده بعــد ســاعه كل هــذه‬ ‫شــعر جايــا بسـ ٍ‬
‫القصــص الغريبــة التــي كانــت خمفيــة عنــه‪ ،‬ولكنــه كبــح عواطفــه وقــال‬
‫بنــرة هادئــة‪:‬‬
‫‪ -‬ال ختــف يــا أيب ســأمحيها حتــى لــو كلفنــي هــذا حيــايت أعـ َ‬
‫ـدك هبــذا‪.‬‬
‫ولكــن لــدى ســؤال أخــر‪ ،‬مــاذا حــدث للمخلــوق الغريــب الــذي جــاء‬
‫بالبلــورة؟ وملــاذا أعطاهــا إلينــا؟ ومــا هــي قصتــه؟‬
‫نظر العجوز بعينيه املتعبتني إىل جايا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬ال أتذكــر يــا بنــي حق ـ ًا فاملــرض أضعــف ذاكــريت‪ ...‬كــا أننــي مل أكــن‬
‫َ‬
‫ولكنــك ســتجد كل يشء يف الكتــاب‪ ...‬ولكــن مــا‬ ‫مــن هــواة القــراءة‬
‫اتذكــره هــو أنــه قــد اختفــى بعــد ذلــك ومل يظهــر قــط‪ ،‬ولكــن البعــض‬
‫قــال اهنــا أنثــي‪ ...‬وتســمى بالعرافــة وجنســها ُيدعــى بلغــة الكــون‬
‫القديمــة باللونيكــس‪.‬‬
‫قال جايا وقد رفع حاجبه األيمن باستنكار‪:‬‬
‫‪ -‬اللونيكس؟ يا له من اس ٍم غريب‪.‬‬
‫تغــرت لقطــة الفيديــو‪ ،‬واجلميــع يشــاهد بتعجــب وحــرة ومزيــج مــن‬

‫‪180‬‬
‫اخلــوف والفضــول وعــدم التصديــق واإلنــكار‪.‬‬
‫كانــت اللقطــة التاليــة هــي األبشــع عــى اإلطــاق‪ ،‬فقــد كان جايــا‬
‫يســر كاملجنــون يف وســط مدينــة حتــرق والروبوتــات تنطلــق مــن حولــه‬
‫باملئــات‪ ،‬يمســكون أســلحة متطــورة‪ ،‬ويقتلــون كل مــن تقــع عليهــم‬
‫أعينهــم‪ .‬كانــت حر ًبــا كبــرة بينهــم وبــن شــعب أطالنتــس‪ ،‬وكانــت‬
‫الروبوتــات تتقــدم تقد ًمــا ملحوظ ـ ًا وتقتــل كل مــن يقــف يف طريقهــا يف‬
‫مشــهد يثــر القشــعريرة يف البــدن‪ ،‬فاحرتقــت املدينــة ا ُملذهلــة الكبــرة عن‬
‫بكــرة ابيهــا‪ ،‬وأخــذ األطفــال والنســاء والشــيوخ هيربــون الواحــد تلــو‬
‫اآلخــر مــن هــذا املــوت ا ُملحــدق الــذي يطاردهــم بــا رمحــة وال شــفقة‬
‫ــفن م ٍ‬
‫عــدة للســفر عــر الفضــاء ملثــل هــذه احلــاالت الطارئــة‪،‬‬ ‫عــى ُس ٍ ُ‬
‫ولكــن مل تتســع الســفن للجميــع‪ ،‬فهــرب ُمعظــم ســكان الكوكــب بينــا‬
‫ٍ‬
‫مــكان يعلمــه جايــا جيــدً ا ولكنــه مل هيتــم‬ ‫فــر البقيــة إىل املجهــول يف‬
‫بمعرفــة مكاهنــم طاملــا لــن يعرتضــوا طريقــه‪.‬‬
‫انتقلــت اللقطــات إىل لقطــة تصــور أثينــوس وهــو هيــرب عــى ســفينة‬
‫فضائيــة ويلقــي بنظــرات الغضــب والســخط عــى جايــا الــذي جــن‬
‫جنونــه ودمــر كل يشء وطــرد شــعبه خــارج كوكبهــم‪ .‬فقــال لــه أثينــوس‬
‫وهــو يــرخ بحنــق وقــد أحتقــن وجهــه بالدمــاء‪:‬‬
‫‪ -‬جايــا ســأنتقم منــك أهيــا امللعــون‪ ،‬ســأعود بالتأكيــد وســأدمر كل‬
‫وأنــت معهــم‪.‬‬
‫َ‬ ‫آالتــك اللعينــة‬
‫أبتسم جايا وهو يشعر بنشوة النرص‪ ،‬قائ ً‬
‫ال لنفسه‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد أنقــذت الكوكــب مــن الدمــار ومل أدع هــذا الوغــد الــذي جــاء‬

‫‪181‬‬
‫مــن الفضــاء أن يــرق البلــورة‪ ،‬ســيظل الكوكــب ح ًيــا بكــم أو بدنوكــم‪،‬‬
‫وســأظل أمحيــه حتــى أمــوت‪.‬‬
‫أيتهــا العرافــة امل ُبجلــة لقــد أرشــدتني البلــورة إىل الطريــق‪ ،‬لقــد رأيــت‬
‫الضــوء الــذي أخفــاه عنــا أســافنا احلمقــى‪ ،‬وعندمــا حيــن الوقــت‬
‫ســأكون أنــا وجيــي ا ُملبجــل يف خدمتــك‪.‬‬
‫أمحــرت عينــاه وكأهنــا مصباحــان مضيئــان وأخــذ يقــول بجنــون وهــو‬
‫واقــف وســط حطــام عاملــه والروبوتــات تتحــرك مــن حولــه يف صفــوف‬
‫مدمــرة كل يشء أمامهــا‪:‬‬
‫‪-‬القــوة‪ ،‬أعطينــي املزيــد مــن القــوة‪ ،‬فمصــر هــذا الكوكــب والكــون‬
‫يقــع عــى كاهــي‪ ،‬أنــا مــن ســيتحمل هــذا املصــر القــايس وحــدي وهــذا‬
‫مــن أجــل املســتقبل‪ ،‬وهــذا مــن أجــل األفضــل‪.‬‬
‫ثــم انتقلــت اللقطــة التاليــة‪ ،‬إىل الروبوتــات وهــي تتعــاون لبنــاء مدينــة‬
‫جالســا‬
‫ً‬ ‫أفضــل وأكــر وأكثــر تقد ًمــا ومجــاالً‪ ،‬وىف هــذه األثنــاء كان جايــا‬
‫عــى عرشــه الذهبــي ا ُملرصــع باجلواهــر‪ ،‬يراقبهــم بصمــت‪ ،‬وهــم‬
‫ســيحكمها وحيــدً ا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يعمــرون مملكتــه اجلديــدة التــي‬
‫صــورت اللقطــة التاليــة املدينــة الفاضلــة التــي صنعهــا جايــا بفضــل‬
‫اآلالت‪ ،‬وكانــت رائعــة ومجيلــة وىف غايــة التألــق كــا رآهــا إريــس أثنــاء‬
‫مــروره هبــا‪.‬‬
‫انتقلــت اللقطــة التاليــة إىل دخــول أحــد الروبوتــات عــى جايــا وهــو يف‬
‫غرفــة يف ســفينة حتــوم يف الفضــاء الواســع ل ُيخــره األنبــاء العاجلــة وهــي‬

‫‪182‬‬
‫أن هنــاك ســفينة ضخمــة غريبــة دخلــت جمــال كوكبهــم اجلــوي منــذ أكثــر‬
‫مــن شــهر ول ُبعدهــم عــن الكوكــب أدى هــذا لتأخــر الرســالة يف الفضــاء‬
‫حتــى تصــل إليهــم‪ ،‬وهبطــت هــذه الســفينة عــى القــارة املهجــورة‬
‫املجــاورة لقارهتــم‪ .‬أرســل جايــا روبوتــات للمراقبــة وأخــذ املعلومــات‪،‬‬
‫وغــر اجتــاه ســفينته حتــى يعــود إىل كوكبــه وقــد أجــل مهمتــه إىل إشــعار‬
‫آخــر‪.‬‬
‫ظلــت الروبوتــات تُراقــب حتــى رسقــوا لــه كل مــا حيتاجــه عــن هــذه‬
‫املخلوقــات التــي اخرتقــت كوكبــة وعكــرت صفــو ذهنــه‪ .‬وهكــذا بــدأ‬
‫بمعرفــة نقــاط ضعفهــم وقوهتــم‪.‬‬
‫وتــري‬ ‫ىف البدايــة بــدأت اآلالت ختطــف العديــد مــن البــر بأمـ ٍ‬
‫ـر منــه ُ‬
‫عليهــم العديــد مــن التجــارب البشــعة‪ ،‬وقــد وجــد جايــا أهنــم خملوقــات‬
‫مثــرة لالهتــام‪ ،‬ولكنهــم خملوقــات بشــعة ُتــب احلــروب والدمــار‪،‬‬
‫وعلــم هــذا بعــد أن رسق كل البيانــات عــن تارخيهــم والكوكــب الــذي‬
‫جــاءوا منــه‪ ،‬وكل التفاصيــل الصغــرة ا ُمللمــة بجنــس البــر؛ فقــرر أن‬
‫ُيكمــل جتاربــه عليهــم‪ ،‬ملعرفــة احلافــز الــذي يدفعهــم لــكل هــذا العنــف‬
‫واخلــداع‪ ،‬وبعــد أن توصــل إىل الســبب رأي أهنــم أكثــر املخلوقــات التــي‬
‫ســمع عنهــا ذكا ًء وتنو ًعــا‪.‬‬
‫أثــارت قصــص كوكــب األرض اهتاممــه‪ ،‬وعلــم بــر مل يكــن يتوقعــه‬
‫جعلــه يرجتــف مــن احلــاس وقــال لنفســه‪:‬‬
‫ـر حق ـ ًا رغــم اتســاعه‪ ...‬مــن كان‬
‫‪ -‬يــا إهلــي كــم أن هــذا الكــون صغـ ٌ‬
‫يتصــور مــن بــن كل هــذه الكواكــب أن يأتــوا هــم إىل هنــا‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫علــم جايــا بحقيقــة البــر التــي ُذكــرت يف املخطوطــات القديمــة وفاجئــه‬
‫كثــرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫هذا‬
‫وهكــذا علــم أنــه أقــرب مــن بــدأ الســعي وراء هدفــه وعندهــا فقــط تبدأ‬
‫اخلطــوة األويل أمامــه لتنفيــذ مــا ذكــر يف الكتــاب‪ ،‬فقال لنفســه بنشــوة‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم ســأكون أنــا املحــرر األعظــم كــا ُذكــر يف الكتــاب وســأصنع‬
‫اجلنــس الســامي الــذي ســينتقل إىل املرحلــة التاليــة التــي تريدهــا العرافــة‬
‫لنــا مجي ًعــا‪.‬‬
‫وهكــذا بــدأ بعميلــة تطويــر آالتــه لتكــون األقــوى واألذكــى عــى‬
‫اإلطــاق وهــذا باســتخدام قــوة بلــورة احليــاة والتقنيــات اهلائلــة التــي‬
‫ا صناع ًيــا رهي ًبــا يقــرب مــن التشــابه مــع‬‫توصــل هلــا شــعبه فصنــع عقـ ً‬
‫العقــل البــري‪ ،‬حتــى وصلــت الروبوتــات لدرجــة عاليــة مــن الوعــي‬
‫والقــدرة عــى الصنــع واإلبــداع والتــرف وكأهنــم أحيــاء ولكنهــم مل‬
‫يكونــوا أحيــاء وإنــا يترصفــون حســب برجمتهــم املوضوعــة لتجعلهــم‬
‫هبــذا الــذكاء وكان هــدف جايــا مــن هــذا جعلهــم أقــوى وجعلهــم‬
‫يبــدون أحيــاء حتــى ال يشــعر بالوحــدة يف هــذا الكوكــب اهلائــل‪ .‬وبالطبع‬
‫بســيطرته عــى اآلالت بالتــاج فإهنــم لــن يعصــوا لــه أمـ ًـرا ولكنــه سيشــعر‬
‫أهنــم عــى قيــد احليــاة؛ خيتلفــون ويتناقشــون يف شــتى األمــور بــدالً مــن‬
‫ـد التــي ليــس هلــا معنــي غــر العمــل والعمــل‬ ‫كوهنــم علبــا مــن احلديـ ِ‬
‫ً‬
‫بــدون ان يكــون هلــا رأي فيــا تفعلــه‪.‬‬
‫وهكــذا وقبــل أن يفكــر يف غــزو البــر واســتئصاهلم‪ ،‬اســتطاع البــر‬
‫إنشــاء قبــة حــول مدينتهــم اجلديــدة متنــع الروبوتــات مــن االقــراب‬

‫‪184‬‬
‫منهــا‪ ،‬والتــي أســموها أطالنتــس اجلديــدة‪ ،‬وأصبــح اخــراق قبــة الطاقــة‬
‫مــن قبــل الروبوتــات أمـ ًـرا مســتحيالً‪ .‬وكانــت هــذه القبــة قــد وضعــت‬
‫قبــل رجوعــه إىل كوكبــه وهــذا مــا جعــل املدينــة صامــدة كل هــذه املــدة‪،‬‬
‫ولكــن بثغــرة وخطــأ مــن البــر اســتطاع جايــا غزوهــا وتدمريهــا‬
‫وإلقــاء القبــض عــى الكثــر مــن البــر وســبيهم واســتعبادهم‪ ،‬ولكنهــم‬
‫اســتطاعوا صــد هجمتــه الضاريــة وإنقــاذ مــا يمكــن إنقــاذه‪ ،‬فظــل يشــن‬
‫غــارات كثــرة عليهــم لســنوات متتاليــة‪ ،‬حتــى انســحبوا إىل اخللــف‬
‫تاركــن ُمعظــم املدينــة للروبوتــات تتجــول فيهــا وتدفعهــم إىل اخللــف‪،‬‬
‫فحــروا يف الزاويــة كفـ ٍ‬
‫ـأر خائــف‪ ،‬فأحــس جايــا أنــه مل يتبقــى اال القليــل‬
‫ليتمكــن منهــم مجي ًعــا‪.‬‬
‫كان مجيــع الســجناء قــد أصبحــوا اآلن يف القاعــة الكبــرة‪ ،‬يشــاهدون‬
‫هــذه القصــة الغريبــة برعـ ٍ‬
‫ـب وتوتــر وإنــكار‪ ،‬وظــل البعــض صام ًتــا ال‬
‫ُيصــدق مــا يــراه والبعــض حــدث نفســه قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬كُل يشء هــو أكذوبــة كبــرة؟! كيــف وصلنــا إىل هنــا؟ متــى حــدث كل‬
‫هــذا؟ فليوقظنــي أحدكــم مــن هــذا احللــم املزعــج أرجوكــم‪.‬‬
‫كان األطفــال يقفــون وال يفهمــون ملــاذا أصبحــت مالمــح الرعــب‬
‫ُمتفجــرة عــى وجــه الكبــار‪ ،‬وفجــأة انطفــأت الصــورة الثالثيــة األبعــاد‬
‫وأنغلــق املكعــب الصغــر‪ ،‬فاقــرب الروبــوت وأمســك ُه ثــم عــاد إىل‬
‫اخللــف وأعــاده إىل جايــا وتقهقــر بجانــب الروبوتــات األخــرى‪.‬‬
‫ا وهــو يبتســم‬ ‫ٍ‬
‫صمــت طويــل‪ ،‬قطعــه جايــا قائــ ً‬ ‫ظلــت القاعــة يف‬
‫باســتهزاء‪:‬‬

‫‪185‬‬
‫‪ -‬هــذا ا ُملكعــب مــن أفضــل مــا أخرتع ـ ُه شــعبي‪ ،‬فهــو يســجل كل مــا‬
‫مــررت بــه حتــى ال أنســى أي أحــداث وحتــى ال أقــع يف أخطــاء املــايض‪،‬‬
‫وأيضــا لكــي يصدقنــي مــن يقــف أمامــي عندمــا أريـ ُه األدلــة القاطعــة‪...‬‬‫ً‬
‫واآلن كــا تــرون‪ ،‬هــذا كوكبــي وليــس كوكبكــم‪ ،‬كوكــب أطالنتــس كــا‬
‫نســميه‪ ...‬لقــد تــم التالعــب بكــم كــا جــرت العــادة وتــم اقناعكــم‬
‫ســحت‬
‫َ‬ ‫بواســطة قادتكــم أنــه كوكبكــم‪ ،‬لقــد ُغســلت عقولكــم و ُم‬
‫ذكرياتكــم اخلاصــة لتتأقلمــوا يف هــذا الكوكــب ظننـ ًا ِمنكــم أنــه كوكــب‬
‫األرض‪ ...‬وىف احلقيقــة أننــي لــدي القصــة كاملــة ومجيــع البيانــات التــي‬
‫ختصكــم‪ ،‬والتــي تــرح مــا حــدث عــى كوكبكــم عندمــا متــردت عليــه‬
‫الروبوتــات وهامجتــه وعــن قصــة األجســام الغريبــة التــي ســقطت مــن‬
‫الســاء يف البدايــة حتــى جميئكــم إىل هنــا‪.‬‬
‫ا وهــو يتلــذذ بالرعــب واخلــوف ا ُملتجســد عــى‬ ‫صمــت جايــا قليــ ً‬
‫وجــوه البــر أمامــه ثــم قطــع حاجــز الصمــت قائـ ً‬
‫ا بنــرة هادئــة مليئــة‬
‫بالنشــوة‪:‬‬
‫‪ -‬ســأعطيكم فرصــة أخــري بعــد أن أنرتكــم باحلقيقــة‪ ...‬يمكنكــم أن‬
‫تنضمــوا إ َّيل يف هــديف الســامي‪ ،‬وســأعطيكم قــوة فــوق قوتكــم و ُاعلمكــم‬
‫ـكل مــا حيــدث حولكــم‪ ...‬ألن احلقيقــة أكــر ممــا تتخيلــون‪ ...‬ولكــن‬ ‫بـ ِ‬
‫أيضــا الرفــض وســتموتون هنــا ألن احلقيقــة ال يمكــن إفشــاءها‬
‫يمكنكــم ً‬
‫للخــارج أبــدً ا وإال فسيتســبب هــذا بإزعــاج شــديد يل‪.‬‬
‫ظــل الصمــت ُمطبــق عــى املــكان ال يتخللــه غــر بعــض اهلمــس‬
‫وصــوت بعــض األطفــال ينتحــب‪ ،‬ومــن وســط كل هــذا تقــدم إريــس‬

‫‪186‬‬
‫ٍ‬
‫وصــوت مرجتــف‪:‬‬ ‫قائــ ً‬
‫ا بلهجــة حاســمة‬
‫يــد شــخص‬ ‫‪ -‬لنفــرض أنــك تقــول احلقيقــة فهــل ســنضع أيدينــا يف ِ‬
‫تلطخــت يــداه بدمــاء شــعبه ودمــاء شــعبنا؟ لقــد حولــت حيــاة هــذا‬
‫الكوكــب إىل جحيــم مــن أجــل ســعيك وراء هــذه القــوة امللعونــة‬
‫ا ُملتشــكلة يف هــذه البلــورة‪ ...‬ولكــن هــل تظــن أننــا سنســاعدك يف تدمــر‬
‫مــا تبقــى مــن جنســنا؟ والــذي يبــدوا أنــه هــرب مــن كوكــب األرض‬
‫حلــا للحيــاة‪ ...‬يبــدوا أننــا آخــر مــن تبقــي مــن البــر‬
‫ألنــه مل يعــد صا ً‬
‫وهلــذا فبالنيابــة عــن الــكل‪ ...‬أنــا أرفــض عرضــك‪.‬‬
‫وافــق اجلميــع إريــس فيــا قالــه رغــم ختوفهــم الكبــر مــن مصريهــم‬
‫القــادم‪ ،‬فبــدأ اهلمــس واملمــزوج باهللــع بــن صفــوف البــر‪ ،‬وتناقــش‬
‫الــكل بخـ ٍ‬
‫ـوف ُمرتقبــن مــا هــو قــادم‪ ،‬فخــرج صــوت جايــا ليســكتهم‬
‫ا بنــرة حــادة هــزت قلوهبــم يف جوفهــم‪:‬‬‫مجيعــا قائ ـ ً‬
‫‪ -‬لقــد انقــذت الكوكــب‪ ،‬لــو كان اخــي الوغــد ســلم البلــورة للغريــب‪،‬‬
‫لــكان هــذا الكوكــب اآلن ُمـ َـرد ُحطــام يطــوف يف الفضــاء‪ ،‬ليــس هــذا‬
‫فقــط‪ ،‬بــل الكــون كلــه سيســقط يف الفــوىض‪ ...‬أهيــا البــر‪ ،‬أنتــم ال‬
‫تدر ُكــون الفلــك الــذي متــورون فيــه‪ ...‬لقــد فعلــت مــا كان جيــب فعلــه‪،‬‬
‫أنتــم أهيــا البــر ال تــرون غــر ُجــزء صغــر مــن احلقيقــة‪ ،‬وأنــا ال أعيبكم‬
‫عــى هــذا ألنــه خــارج عــن إرادتكــم‪ ...‬ولكــن يمكنكــم االنضــام إيل‬
‫وســتفقهون كل يشء‪ ،‬وســأزيدكم قــوة عــى قوتكــم‪ ،‬وســأحرركم مــن‬
‫أغــال العبوديــة التــي وجدتــم أنفســكم فيهــا‪ ...‬ال زال العــرض قائـ ًـا‬
‫وأنــا ال احتــاج إليكــم فأنتــم لــن تغنــوا عنــي شــيئ ًا‪ ،‬ولكنــي أعطيكــم‬

‫‪187‬‬
‫فرصــة أخــرة كــي ال تندمــوا عــى ســوء اختياركــم هــذا‪.‬‬
‫تدخل سايري ليحسم األمر قائ ً‬
‫ال بتهكم‪:‬‬
‫‪ -‬هــل تريــد أن ننصــاع إليــك بعــد مــا رأينــاه يف هــذه املنشــأة مــن جتاربك‬
‫البشــعة علينــا‪ ...‬ال حتلــم أننــا ســنصدقك ونصــدق مــا تعرضــه علينا!‬
‫دقــق جايــا النظــر إىل ســايري وقــد تغــر وجهــه وأصبــح أكثــر غلظــة‬
‫عندمــا رأى املالبــس الســوداء الغريبــة املنقــوش عليهــا رمــز كوكــب‬
‫مالبســا مثلهــا بعدمــا رسقهــا مــن‬
‫ً‬ ‫غريــب‪ ،‬والتــي كان يرتــدي إريــس‬
‫عضــو اإلينيكــس قبــل أن يــأيت إىل هنــا‪ .‬فقــال جايــا بنــرة غليظــة حازمــة‬
‫وقــد احتقنــت عينــاه بالدمــاء‪:‬‬
‫‪ -‬آه‪ ...‬أنــت مــن أتبــاع جالديــوس‪ ...‬عــى مــا أذكــر تســمون أنفســكم‬
‫اإلينيكــس؟!‬
‫تذكــر ســايري اســم جالديــوس هــذا عندمــا كان يتجســس عــى أحــد‬
‫أعضــاء اإلينيكــس‪ ،‬فقــال لينفــي عنــه الشــبهات بعدمــا نظــر إليــه اجلميــع‬
‫بتعجــب‪:‬‬
‫‪ -‬أنــا لســت مــن االينيكــس وال أعلــم مــن هــو جالديــوس‪ ...‬إنــا قتلــت‬
‫أحدهــم يف طريقــي وأخــذت منــه هــذه املالبــس‪ ،‬ونفــس الــيء حــدث‬
‫ـك‪ ،‬مــن هــم االينيكــس ومــن هــو‬ ‫لصديقــي إريــس‪ ...‬ولــدي ســؤال لـ َ‬
‫جالديــوس هــذا؟ وملــاذا يراقبوننــا؟ ومــن أيــن حصلنــا عــى هــذه القــوى‬
‫ٍ‬
‫بصــدق قــد ُافكــر يف أمــر‬ ‫الغريبــة؟ وإن أجبــت عــى هــذه األســئلة‬
‫االنضــام إىل جمنــون مثلــك؟‬

‫‪188‬‬
‫ال وكأنه تذكر شيئ ًا يزعجه ويؤرقه‪:‬‬
‫أبتسم جايا نصف ابتسامة قائ ً‬
‫‪ -‬جالديــوس هــذا هــو الوغــد الــذي أثــار الفتنــة عــى كوكبــي‪ ...‬وهــو‬
‫نفســه مــن عبــث يف عقــل أخــي وأعلمــه بقــوة البلــورة املخفية عــن العامة‬
‫وهــو مــن أثــار احلــرب بينــي وبــن أخــي وشــعب أطالنتــس‪ ...‬وهــو‬
‫مــن نقلكــم إىل هنــا بالتعــاون مــع بعــض البــر مــن مدينــة أطالنتــس‬
‫اجلديــدة عــى كوكــب األرض يف الرحلــة التــي أســموها بإينيكــس ‪...3‬‬
‫وهــو مــن دربكــم وأعطاكــم هــذه القــوى وأمــر اإلينيكــس بمراقبتكــم‬
‫حتــى ختتــروا قواكــم هــذه يف البيئــة القاســية للعــامل اخلارجــي ومــن ينجو‬
‫منكــم فهــو مؤهــل لالنضــام إىل اإلينيكــس أو احلــرس ا ُملقــدس بلغتــه‪...‬‬
‫ولكــن‪ ...‬هنــاك هــدف آخــر مــن وجودكــم وهــو إرســالكم لرسقــة‬
‫أيضــا‪...‬‬
‫البلــورة ولكــن يبــدوا أن األمــور مل تــري كــا أراد هــذه املــرة ً‬
‫وهــا أنتــم اآلن أمامــي وحتــت رمحتــي وقــد أعلمتكــم باحلقيقــة‪ ...‬ولكنــه‬
‫ال يــزال يســعى مــن أجــل احلصــول عــى بلــورة احليــاة بــكل الطــرق‪،‬‬
‫وسيفشــل كل مــرة‪ ...‬فلتعلمــوا أن عدوكــم احلقيقــي ليــس أنــا‪ ...‬إنــه‬
‫جالديــوس‪.‬‬
‫أخــذ اجلميــع يتبادلــون النظــرات واجســادهم ترجتــف مــن بــرودة جايــا‬
‫ونظراتــه احلــادة املفعمــة بالقــوة واحليويــة وأحســوا وكأنــه ملــك األرض‬
‫كلهــا‪ ،‬وشــعروا أن كل قناعاهتــم وأفكارهــم قــد ســقطت أمــام أعينهــم‬
‫وكأهنــا ورقــة يف مهــب الريــح‪.‬‬
‫***‬

‫‪189‬‬
‫‪14‬‬
‫مل ينبــس أحــد ببنــت شــفه ألهنــم مل يعلمــوا مــاذا يقولــون؟! مــن أيــن‬
‫يبدئــون وأيــن ينتهــون؟! كانــت الكثــر مــن األســئلة واألفــكار تتقــاذف‬
‫رهم ألول مــرة أهنــم صغــار للغايــة يف هــذه احليــاة‬ ‫ِ‬
‫إىل أذهاهنــم وتُشــع ُ‬
‫وال يســوون شــيئ ًا أمــام كل هــذه االرسار وكل هــذا اخلــداع وكل هــذه‬
‫األشــياء التــي كان يظنوهنــا يف املــايض خيــاالً بعيــدً ا كُل ال ُبعــد عــن‬
‫احلقيقــة‪ .‬ولكنهــم يقفــون اآلن أمــام خملــوق جمهــول عــى كوكــب آخــر‪،‬‬
‫وبطريقــة مــا وجــدوا أنفســهم عليــه‪ .‬كان حضــور هــذا املخلــوق ُيعطــي‬
‫رهبــة غريبــة مل يفهمــوا ســببها‪ ،‬ممــا جعلهــم يتصببــون عرقـ ًا بشــدة رغــم‬
‫بــرودة اجلــو‪.‬‬
‫كــر جايــا حاجــز الصمــت املطبــق قائـ ً‬
‫ا بلهجــة رنانــة تعلــق يف األذهان‬
‫والقلوب‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد أعلمهــم جالديــوس بغــزو أخــي أثينــوس لكوكــب األرض‬
‫ـتقرا لــه بعدمــا أصبحــوا بــا مــأوى هــو ومــن أتبعــه مــن‬
‫ليتخــذ ُه ُمسـ ً‬
‫شــعب أطالنتــس‪ ...‬وهكــذا قامــت وكالــة ســيرتا بصنــع ســفينة هــي‬
‫األكــر عــى اإلطــاق وأقنعهــم جالديــوس أن ينتقلــوا إىل كوكــب‬
‫أطالنتــس وحيــروا أكــر عــدد ُمكــن مــن البــر وهــذا بعــد أن ُتســح‬
‫ذاكرهتــم ويتــم إدراجهــم إىل كوكبــي‪ ،‬ومــن ثــم يصنعــون مدينــة طبــق‬
‫األصــل مــن أطالنتــس اجلديــدة عــى كوكــب األرض وحيتجــزون البــر‬

‫‪190‬‬
‫فيهــا بنيــة أن الروبوتــات دمــرت العــامل وهــذا هــو ملجأهــم الوحيــد‬
‫للنجــاة‪ ...‬ومــن ثــم يســتمر البــر بالقتــال ضــد روبوتــايت وضــدي حتى‬
‫ينتــروا بقيــادة جالديــوس‪ ،‬وعندهــا يضــع يــده عــى بلــورة احليــاة‬
‫بعدمــا فشــل بقيــادة أخــي أثينــوس يف هزيمتــي مــن قبــل‪ ...‬وهــذا ألن‬
‫شــعب أطالنتــس مل يتعلــم أبــدً ا كيــف ُيمســك ســاح ًا بينــا الروبوتــات‬
‫مــع بعــض الربجمــة منــي تســتطيع القتــال أفضــل بكثــر مــن أي خملــوق‬
‫آخــر‪ ...‬وهــذا كان ســبب خســارهتم‪ ...‬ولكــن‪...‬‬
‫نفســا‬ ‫صمــت قليــ ً‬
‫ا ليتيــح هلــم فرصــة اســتيعاب مــا قالــه ثــم أخــذ ً‬
‫عميقــ ًا وأردف يقــول‪:‬‬
‫‪ -‬ولكــن أنتــم أهيــا البــر تربيتــم عــى احلــروب والقتــال منــذ اخلليقــة‪،‬‬
‫ولديكــم خــرة كبــرة يف اســراتيجيات احلــرب والضغــط عــى العــدو‬
‫واملقــدرة عــى القتــال اجليــد‪ ،‬وهــذا عكــس فطــرة شــعب أطالنتــس‬
‫ـاح واحــد إال‬‫ا ُملســامل الــذي عــاش آالف الســنني بــدون أن ُيمســك بسـ ٍ‬
‫ـات نــادرة‪ .‬وهلــذا وضــع جالديــوس كل آمالــه عليكــم لتحصلــوا‬ ‫يف أوقـ ٍ‬
‫لــه عــى البلــورة التــي فشــل أخــي يف احلصــول عليهــا‪ ...‬وهلــذا قــام هبــذه‬
‫املؤامــرة وهــذا اخلــداع الطويــل لعقولكــم حتــى حتصلــوا لــه عــى البلــورة‬
‫دون أن تشــعروا بأنكــم ختدمونــه‪ ...‬وكاد أن ينجــح يف اســتخدامكم يف‬
‫الضغــط عــى لــوال خطــأ صغــر قــام بــه أحدكــم ممــا تســبب يف غــزوي‬
‫ملدينــة أطالنتــس اجلديــدة وتدمريهــا‪ .‬وهــذه هــي القصــة باختصــار‪.‬‬
‫نظر جايا إىل سايري وأشار إليه بأصبعه قائ ً‬
‫ال بلهجة حتذيرية‪:‬‬
‫‪ -‬ال تعتقــد أهيــا االمحــق أنــك اســتطعت حقــ ًا قتــل أحــد اإلينيكــس‬

‫‪191‬‬
‫بمســتواك هــذا‪ ...‬إهنــم أقــوى بكثــر ممــا ختيــل‪ ...‬الوحيــد الــذي‬
‫يســتطيع هزيمتهــم عــى هــذا الكوكــب هــو أنــا‪ ...‬وهلــذا إن نجــوت مــن‬
‫هنــا وقابلــت أحدهــم ال تتجــرأ عــى مواجهتــه أبــدً ا وفــر هار ًبــا‪.‬‬
‫ِ‬
‫شعبه‪:‬‬ ‫رفع يديه يف اهلواء وأردف يقول كأنه قيرص الروم خيطب يف‬
‫‪ -‬واآلن مــا رأيكــم هــل ســتدخلون معــي يف حلـ ٍ‬
‫ـف حتــى نضــع حــدً ا‬
‫هلــذا اهلــراء الــذي حيــدث؟ أم ســتقفون هنــاك ســاكنني وتضيعــون‬
‫وقتــي؟!‬
‫تدخــل إيفانــوف ألول مــره وأعلــن عــن وجــوده قائـ ً‬
‫ا بصوتــه األجــش‬
‫املســتهزئ‪:‬‬
‫‪ -‬ممــا تقولــه يبــدوا أن جالديــوس هــذا ُمــادع للغايــة‪ ...‬ولكــن كيــف‬
‫أيضــا وأنــت خملــوق جمهــول ال نعلــم عنــه إال القليــل؟‬ ‫ـت ً‬ ‫نصدقــك أنـ َ‬
‫أيضــا ُمــادع‪ ،‬مــن يعلــم! وربــا كل هــذه القصــة بــا‬ ‫ربــا تكــون أنــت ً‬
‫فيهــا رشيــط الفيديــو ُمركــب وتــم تلفيقــه وتعديلــه‪ ،‬وهــذا سـ ٌ‬
‫ـهل للغايــة‬
‫أيضــا تكــون احلقيقــة هــي أن جالديــوس هــذا‬ ‫يف أيامنــا هــذه‪ ...‬وربــا ً‬
‫ـت مــن تريــد تدمرينــا‪ ،‬فــكل الدالئــل تُشــر‬ ‫هــو مــن يريــد محايتنــا وأنـ َ‬
‫ـت‬
‫إىل هــذا‪ ...‬مــا رأينــاه مــن جتــارب بشــعة عــى جنســنا ومــا فعلتــه أنـ َ‬
‫يف شــعبك‪ ...‬هــل تظــن حقــ ًا أننــا ســنصدقك وننضــم إليــك ضــد‬
‫جالديــوس هــذا الــذي ال نعلــم عنــه شــيئ ًا؟! هنــاك الكثــر مــن اهلــراء يف‬
‫حكايتــك هــذه‪ ،‬والكثــر مــن األشــياء التــي تبــدوا مــن وحــي اخليــال‪...‬‬
‫ـك حقـ ًا لســت بــري‪ ،‬وقدراتنــا الغريبــة‬ ‫بالطبــع هيئتــك الغريبــة تــدل أنـ َ‬
‫تــدل عــى أن هنــاك أشــياء تفــوق إدراكنــا‪ ،‬ولكــن‪...‬‬

‫‪192‬‬
‫قاطعه إريس مكم ً‬
‫ال وقد خرج عن طوره واضطربت نفسه‪:‬‬
‫‪ -‬ولكــن مــاذا لــو ُكنّــا عــى كوكــب األرض؟! وكل مــا تفعلــه أنــت‬
‫هــو اخلــداع لنعتقــد أننــا انتقلنــا لكوكــب آخــر غريــب‪ ،‬حتــى توظفنــا‬
‫لنحــارب ضــد جنســنا ونفتــح لـ َ‬
‫ـك ثغــرة ألطالنتــس آخــر معاقــل البــر‬
‫ضــد اآلالت؟! ربــا تكــون فضائــي ســيطر عــى آالتنــا ويريــد تدمــر‬
‫كوكبنــا وســلب خرياتــه مــن أجــل كوكبــه‪ ،‬وأن أطالنتــس اجلديــدة‬
‫شــوكة يف حلقــك لتنفيــذ هدفــك!‬
‫أكمل إيفانوف قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬عــى كل حــال هــذه احلــرب التــي تتكلــم عنهــا هــي بينــك وبــن‬
‫جالديــوس وليــس لنــا دخــل هبــا‪ ،‬وإن كنــت تقــول احلقيقــة فلترتكنــا‬
‫نذهــب لنُعلــم اجلميــع باحلقيقــة التــي أخربتنــا هبــا‪ ،‬وســنعلم عندهــا‬
‫احلقيقــة مــن اخلــداع‪ ...‬نحــن لــن نتدخــل بحربــك هــذه وســنعود إىل‬
‫األرض ـ هــذا إن كنــا حق ـ ًا لســنا عــي كوكــب األرض بالفعــل كــا قــال‬
‫َ‬
‫أخيــك الوغــد وربــا ُنشــم‬ ‫إريــس ـ وســنقوم باســتعادة كوكبنــا مــن‬
‫مججمــة جالديــوس إن تدخــل يف حصولنــا عــى كوكبنــا ُمــد ًدا‪ ...‬وهكذا‬
‫ـك شــعبك ُمــد ًدا وتنقــي هــذه االزمــة إىل األبــد ونصــل إىل‬‫ســنعيد إليـ َ‬
‫النهايــة الســعيدة التــي ترغــب هبــا‪.‬‬
‫ضحــك جايــا بضحكــة ُملجلــة ممــا أثــار حنــق وغضــب إيفانــوف‪،‬‬
‫وعندمــا انتهــى مــن الضحــك دقــق عينــاه ونظــر إىل إيفانــوف بنظــرة‬
‫خبيثــة حــادة قائــاً‪:‬‬
‫ـك مــن خملـ ٍ‬
‫ـوق جاهــل‪...‬‬ ‫‪ -‬هــل تعتقــد أن األمــر هبــذه الســهولة؟! يــا لـ َ‬

‫‪193‬‬
‫ٍ‬
‫حــرب قديمــة بقــدم هــذا الكــون‪ ...‬ولــن‬ ‫لقــد حرشتــم أنفســكم يف‬
‫يكــون اخلــروج منهــا إال در ًبــا مــن اجلنــون‪ ...‬ولكــن إن انضممتــم يل‬
‫فلســوف ُاخرجكــم ِمنهــا وأضمــن لكــم األمــان‪.‬‬
‫أغتــاظ إريــس مــن كثــرة التالعــب بالــكالم واأللفــاظ التــي يســتعملها‬
‫جايــا معهــم جلعلهــم يف اضطــراب وحــرة مــن أمرهــم حتــى يســهل‬
‫ا برصخــة عاليــة‪:‬‬‫التالعــب هبــم‪ ،‬فحســم أمــره قائ ـ ً‬
‫أيضــا ال تســتحق أن تعيــش كجالديــوس هــذا‪...‬‬ ‫‪ -‬عــى أي حــال أنــت ً‬
‫واآلن نظمــوا أنفســكم‪ .‬ســنخرج مــن هنــا ونعلــم احلقيقــة مــن الكــذب‪.‬‬
‫أبتسم جايا بسخرية قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬إذن هــذا هــو اختياركــم‪ ...‬إن حظكــم يسء للغايــة‪ ...‬فأفــكار‬
‫الشــخص أحيانــ ًا تقــوده إىل اهلــاك عندمــا يقــوده اجلهــل ا ُملركــب‪...‬‬
‫واآلن فلتموتــوا هنــا‪.‬‬
‫أشــار جايــا بيــده للروبوتــات لتتقــدم وتقــي عليهــم مجي ًعــا‪ ،‬فأخــذت‬
‫رجــل واحــد متخــذة وضعيــة اهلجــوم‪ ،‬ورفعــت‬ ‫ٍ‬ ‫تتحــرك عــى هنــج‬
‫أســلحتها واشــهرهتا ناحيتهــم‪ ،‬ثــم توقفــت تنتظــر األوامــر مــن ســيدها‪.‬‬
‫ـدب يف أوســاط البــر الذيــن كانــوا أشــبه بفـ ٍ‬
‫ـأر ُمــارص يف‬ ‫بــدأ ُ‬
‫الذعــر يـ ُ‬
‫زاويــة‪ .‬فأخــذت النســاء تــرخ وترتاجــع وراء الرجــال طالبــن الرمحــة‪،‬‬
‫فــرخ إريــس فيهــم قائـاً‪:‬‬
‫‪ -‬هــل أنتــم محقــى لقــد قــي عــى شــعبه‪ ،‬هــل تظنــون أنــه ســيرتدد يف‬
‫قتلنــا مجي ًعــا؟ حــان الوقــت لندافــع عــن أنفســنا ونخــرج مــن هنــا وننهــي‬

‫‪194‬‬
‫حيــاة هــذا الوغــد بقوتنــا ووحدتنــا‪ .‬نظمــوا أنفســكم اآلن وأطلقــوا‬
‫العنــان لــإرادة البرشيــة التــي قهــرت مــا هــو أســوأ مــن هــذا‪.‬‬
‫بــدأ مجيــع مــن حيمــل االســلحة ُينظــم نفســه وفرائســه ترتعــد‪ ،‬وكــا‬
‫يقــول املثــل إن كنــت ســتموت يف كل األحــوال فلــا اخلــوف؟ رفــع‬
‫البــر أســلحتهم ناحيــة الروبوتــات وهــم يرتقبــون مــا ســيحدث‪ ،‬فقــال‬
‫أحــد الســجناء بنــرة مرجتفــة‪:‬‬
‫‪ -‬ســؤال أخــر أهيــا الكائــن الغريــب‪ ...‬ملــاذا ســميت كوكبــك هــذا‬
‫بأطالنتــس؟! وملــاذا يتشــابه هــذا االســم مــع املدينــة املفقــودة عــى‬
‫كوكبنــا‪.‬‬
‫ابتسم جايا وكأنه كان ينتظر هذا السؤال منذ فرتة طويلة وقال‪:‬‬
‫ا وانضممتــم إ َّيل‬ ‫‪ -‬هــذا هــو الــر األعظــم‪ ...‬وإن كنتــم أذكــي قليــ ً‬
‫ُنــت ســأخربكم بــه‪ ...‬ولكــن لألســف‪ ،‬ســتموتون هنــا مجي ًعــا‪.‬‬‫ك ُ‬
‫مرر أصبعه عىل كُل من إريس وسايري وإيفانوف وقال بنربة حادة‪:‬‬
‫‪ -‬أنتــم الثالثــة ستتســببون يف هــاك مــن هــم خلفكــم‪ ...‬أنتــم متثلــون‬
‫البرشيــة بــكل غباءهــا واخطاءهــا‪ ...‬الفتــي األبيــض والفتــي األســمر‬
‫والفتــي اآلســيوي‪ ...‬غبــا ٌء مــن شــتى بقــاع األرض ســيقيض عــى مــن‬
‫معكــم ألهنــم ال يســتطيعون االختيــار بأنفســهم إذ ربطــوا مصريهــم بكــم‬
‫وهــذا مــا قــى عــى الكثــر مــن احلضــارات عــى كوكبكــم‪.‬‬
‫جتاهلوا قوله ومهس إريس لسايري قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬أظن َ‬
‫أنك تعلم دورك‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫ـاد عليــه‪ .‬وجــه نظــره إىل إيفانــوف الــذي‬ ‫فأومــأ لــه برأســه واإلهنــاك بـ ٍ‬
‫أيضــا‪ .‬فقــال جايــا وهــو يشــر بيــده إىل األمــام ناحيــة البرش‪:‬‬
‫أومــأ برأســه ً‬
‫‪ -‬حان وقت املوت‪.‬‬

‫***‬

‫‪196‬‬
‫‪15‬‬
‫أطلقــت اآلالت النــار بــراوة بــا رمحــة أو شــفقة ناحيــة البــر بينــا‬
‫غــادر جايــا املبنــى وهــو يتلــذذ بســيمفونية رصاخهــم وتوســلهم للنجــاة‪.‬‬
‫صــاح إريــس قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬تفرقوا وامحوا ال ُع ّزل‪.‬‬
‫قفــز ســايري إىل األمــام ورفــع يــده يف اهلــواء وضغــط عــى جســده وهــو‬
‫يســتجمع مــا تبقــى مــن قوتــه حتــى أوقــف كل الطلقــات القادمــة يف‬
‫اهلــواء فتعلقــت يف اهلــواء وهــي مســتمرة يف مقاومــة ضغــط طاقــة ســايري‬
‫عليهــا‪ .‬انطلــق باقــي البــر ُمبتعديــن عــن جمــال النــران‪ ،‬وتوجهــوا ناحية‬
‫اليمــن‪ ،‬ورشعــوا يف تبــادل النــران مــع اآلالت‪ ،‬فأســقطوا بعضهــا‪،‬‬
‫موجهــا طلقــات الرصــاص والبالزمــا‬ ‫ً‬ ‫بينــا ضغــط ســايري عــى نفســه‬
‫والقاذفــات إىل األعــى‪ ،‬فانفجــرت يف ســقف املبنــي‪ ،‬ممــا أدى إىل اهنيــار‬
‫جــزء منــه‪ ،‬بينــا ســقط ســايري عــى األرض وأخــذ يلهــث‪ ،‬فنظــر فوقــه‬
‫ليجــد بعــض احلطــام الــذي آل بالســقوط عليــه‪ ،‬فجذبــه ايفانــوف بعيــدً ا‬
‫عــن احلطــام‪ ،‬فالتقــط ســايري أنفاســه بصعوبــة ورأى البــر واآلالت‬
‫يتبادلــون إطــاق النــار‪ ،‬بينــا حيــاول ال ُعـ ّـزل االختبــاء خلفهــم‪ ،‬والبعــض‬
‫منهــم انخفــض عــى األرض‪ ،‬وأخــذوا يدعــون اهلل ل ُينجيهــم‪ .‬تكبــد كال‬
‫الطرفــن اخلســائر‪ ،‬فســقط العديــد مــن البــر واآلالت‪ ،‬واســتمر إطــاق‬
‫النــار بــراوة مــن كال الطرفــن‪ ،‬بينــا أخــذ املبنــى يتحطــم بســبب القتال‬

‫‪197‬‬
‫العنيــف‪ .‬وقــف إريــس وراء ايفانــوف الــذي كان حيمــي ســايري بجســده‬
‫الفــوالذي بينــا ُيفجــر اآلالت يف نفــس الوقــت‪ ،‬فأنخفــض إريــس‬
‫بجانــب ســايري صارخ ـ ًا بصـ ٍ‬
‫ـوت عــايل حتــى يســمعه وســط ضجيــج‬
‫املعركــة‪:‬‬
‫‪ -‬هــل تــرى هــذا املولــد هنــاك؟ إنــه املســؤول عــن حركــة الروبوتــات‪،‬‬
‫وهــذه البلــورة الطائــرة فوقــه‪ ،‬ال بــد أهنــا بلــورة احليــاة‪ ،‬وال يبــدوا أنــه‬
‫مــن ا ُملمكــن تدمريهــا هلــذا علينــا أن نُدمــر املولــد لنوقــف حركــة اآلالت‬
‫ونفــر مــن هنــا‪.‬‬
‫قال سايري وهو يراقب املعركة‪:‬‬
‫‪ -‬وكيف سنفعل هذا؟‬
‫مل جيــد ســايري الــرد فنظــر ناحيــة إريــس لتتســع عينــاه مــن الدهشــة إذ‬
‫ظــن للوهلــة األوىل أن جايــا انتقــل وأصبــح بجانبــه‪ ،‬وقبــل أن يقــوم بــأي‬
‫رد فعــل‪ ،‬وجــد الــرد قــادم‪:‬‬
‫أنك فهمت اخلطة جيدً ا‪.‬‬ ‫‪ -‬ال ختف هذا أنا إريس‪ ،‬واآلن أظن َ‬
‫فجــأة تغــر صــوت إريــس ليصبــح مشــاهبا للغايــة لصـ ِ‬
‫ـوت جايــا‪ ،‬فقــال‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وهــو يراقــب الرصــاص القــادم ناحيتهــم‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد وقــع هــذا األمحــق جايــا يف خطــأ كبــر‪ ،‬وهــو أنــه قــال ـ يف رشيــط‬
‫أن الروبوتــات يتــم التحكــم هبا عــن طريق‬ ‫الفيديــو الــذي عرضــه علينــا ـ َّ‬
‫الصــوت‪ ،‬وهلــذا ســأخاطر و ُاحــاول إيقافهــم‪.‬‬
‫ابتســم ســايري ابتســامة خبيثــة وهــو يتخيــل الســيناريو القــادم‪ ،‬فوثــب‬

‫‪198‬‬
‫عــى قدميــه ُمــد ًدا بعــد أن التقــط أنفاســه وقــد جتــدد النشــاط يف جســده‬
‫ا ومهــس إليفانــوف أن يســر إىل االمــام وجيعلهــم يقرتبــون أكثــر من‬ ‫قليـ ً‬
‫املولــد‪ ،‬فأومــأ برأســه وبــدأ يســر إىل األمــام والطلقــات تصطــدم بجســده‬
‫الفــوالذي بــدون أدنــى تأثــر عليــه‪ .‬وبينــا كان البــر واآلالت يســقطون‬
‫الواحــد تلــو اآلخــر‪ ،‬والنســاء واألطفــال يرصخــون مــن اخلــوف‪ ،‬شــعر‬
‫إريــس أن عليــه اإلرساع وإال ســ ُيقىض عــى اجلميــع‪ ،‬فعــاد إىل هيئتــه‬
‫الطبيعيــة‪ ،‬وأشــار بيــده إىل مخســة شــباب أن يتبعــوه‪ ،‬فنفــذوا األوامــر‬
‫وتبعــوه بــا تــردد ُمطلقــن النــار مــن خلــف إيفانــوف الــذي كان كــدر ٍع‬
‫بــري هلــم‪ ،‬فأســقطوا الروبوتــات الواحــدة تلــو االُخــرى حتــى قطعــوا‬
‫نصــف املســافة‪ .‬حتــول إريــس إىل جايــا فشــعر الشــباب خلفــه بالفــزع‪،‬‬
‫نفســا عميقــا وهــو‬ ‫ولكــن ســايري أشــار هلــم أال خيافــوا‪ .‬أخــذ إريــس ً‬
‫يعــرف أن هــذه خماطــرة قــد تــودي بحياتــه‪ ،‬ولكــن ال بــد منهــا للخــروج‬
‫مــن هــذا املــأزق‪ .‬أشــار إريــس لســايري أن حيميــه إذا فشــلت اخلطــة‬
‫حتــى يعــود وخيتبــأ خلــف إيفانــوف ًمــد ًدا‪ .‬خــرج مــن خلــف إيفانــوف‬
‫عــى شــكل جايــا‪ ،‬وبــدأ يســر إىل األمــام وســايري خلفــه عــى أهبــة‬
‫االســتعداد‪ ،‬فتوقفــت اآلالت عــن االطــاق لوهلــة وبــدأت حتــدق‬
‫ناحيتــه لتتعــرف عــى وجــه ســيدها‪ ،‬فقــال هلــم إريــس آمـ ًـرا‪:‬‬
‫‪ -‬توقفوا عن إطالق النار‪.‬‬
‫توقفــت اآلالت ونجحــت خطتــه‪ ،‬فأســتغل البــر هــذا الوضــع وأطلقوا‬
‫النــار بــراوة عــى اآلالت وحطموهــم الواحــد تلــو اآلخــر‪ ،‬فقــال‬
‫إريــس بينــه وبــن نفســه‪:‬‬

‫‪199‬‬
‫‪ -‬ال أصــدق نفــي لقــد نجحــت اخلطــة ألن هــذه اآلالت ليــس مــن‬
‫النــوع الذكــي الــذي رأيتــه يف املدينــة‪ ،‬إنــا هــي آالت بــاردة للحــرب ال‬
‫تقــوم إال بــا يأمرهــا صاحبهــا‪.‬‬
‫أشــار إريــس ألحــد الرجــال ا ُملمســكني بســاح قــاذف الصواريــخ أن‬
‫ُيطلــق ناحيــة املولــد‪ ،‬فقفــز بحــاس وأطلــق ناحيــة املولــد الــذي أنفجــر‬
‫بقــوة وتناثــرت اجزائــه يف انحــاء املبنــى‪ ،‬بينــا أخــذت الطاقــة التــي ي ُبثهــا‬
‫يف أرجــاء املدينــة تنطفــأ‪ ،‬وتوقفــت البلــورة عــن مــده بالطاقــة‪ ،‬ولكنهــا‬
‫ظلــت ُمعلقــة يف اهلــواء‪ .‬فجــأة توقفــت اآلالت عــن العمــل وســقطت‬
‫ـال ودمــوع الفرحــة‬ ‫الواحــدة تلــو االُخــرى‪ ،‬فهلــل الســجناء بصـ ٍ‬
‫ـوت عـ ٍ‬
‫تنهمــر مــن أعينهــم‪ ،‬فتجــدد األمــل يف وجداهنــم إذ نجــوا مــن هــذا املوت‬
‫ا ُملحــدق‪ .‬ولكــن الكثــر منهــم ســقط ومــات (مــا يقــارب العــرون‬
‫ـخصا) مــن النســاء واألطفــال وكبــار الســن والرجــال‪ ،‬فمــن كان لــه‬ ‫شـ ً‬
‫بحرقــة عــى جثتــه‪ ،‬بينــا رفــض البعــض‬ ‫ٍ‬ ‫عزيــز قــد مــات ظــل يبكــي‬
‫تــرك جثــة أحباهبــم واهلــرب‪ ،‬ولكــن البقيــة جذبوهــم بالقــوة للهــرب‬
‫مــن هــذا اجلحيــم واال فســيلحقون هبــم‪ .‬عــاد إريــس وإيفانــوف إىل‬
‫هيئتهــم الطبيعيــة‪ ،‬فبــدأ إريــس يوجــه األوامــر للجميــع‪ ،‬فقــال وهــو‬
‫يشــر إىل بــاب اخلــروج بينــا بــدأ املبنــى يتهــاوي فوقهــم‪:‬‬
‫‪ -‬جيــب علينــا اهلــرب مــن هنــا اآلن‪ ،‬ال أعــرف متــى قــد يعــود هــذا‬
‫الوغــد‪ ...‬واآلن إمــا أن هنــرب أو ســنلقى حتفنــا هنــا‪.‬‬
‫عــزم اجلميــع عــى اهلــرب فركــض إريــس خــارج املبنــي وتبعــه اجلميــع‪،‬‬
‫فخرجــوا إىل املدينــة الرائعــة فســحرهم مجاهلــا وهندســتها املعامريــة‬

‫‪200‬‬
‫ا ُملذهلــة‪ ،‬والتــي كانــت متتــاز بمعـ ٍ‬
‫ـار غريــب؛ فمنهــا احللــزوين الشــكل‬
‫والدائــري وكأنــه كــوب قهــوة والبعــض مثلثــي الشــكل وهنــاك مبـ ٍ‬
‫ـان‬
‫بشــكل متمــوج‪ ،‬والبعــض يبــدوا مثــل الكــرة الزجاجيــة‪،‬‬‫ٍ‬ ‫َتتَــدُ عال ًيــا‬
‫بينــا كانــت ألــوان املبــاين زاهيــة وغايــة يف اجلــال‪ ،‬مزيــج بــن كل‬
‫األلــوان اخلالبــة والرباقــة واألرض أســفلهم كانــت مــن زجــاج وأســفلها‬
‫يــري جمــرى مــن الطاقــة الزرقــاء الفياضــة‪ ،‬ولكــن هــذا مل يكــن الوقــت‬
‫املناســب لتأملهــا‪ .‬ســلطوا كل تركيزهــم عــى اهلــرب مــن هــذا املــكان‬
‫الحــظ إريــس أن مصــدر الطاقــة توقــف عــن الرسيــان أســفل الزجــاج‪.‬‬
‫مل يعــرف إريــس إىل أيــن يذهــب ولكنــه تذكــر املــكان الــذي أتــى من ـ ُه‬
‫جيــدً ا‪ ،‬كانــت حظــرة طائــرات‪ ،‬فتوجــه إليهــا اســتمر بالركــض واجلميــع‬
‫يف ذيلــه‪.‬‬
‫ســقطت فتــاة صغــرة عــى األرض‪ ،‬فحملهــا أحــد الرجــال مــن عــى‬
‫األرض وأكمــل هرولتــه‪ ،‬وكان اجلميــع ُيســاعد بعضهــم البعــض‬
‫للخــروج مــن هنــا‪ ،‬فيســاعد الشــباب العجائــز عــى اهلــرب‪ ،‬والبعــض‬
‫حيمــل األطفــال ويركــض هبــم‪ ،‬بينــا ينظــرون إىل اآلالت النائمــة يف‬
‫الشــوارع بســبب فصــل طاقــة البلــورة عنهــم‪ ،‬ولكــن هــذه اآلالت كانــت‬
‫ُمتلفــة عــن التــي كانــت ُتارهبــم‪ ،‬لقــد كانــت تُشــبه البــر بشــكل أكــر‪.‬‬
‫فقــد صنــع جايــا آالت تُشــبه شــعبه‪ ،‬ليصنــع عاملــه احلــي اخلــاص‪ ،‬ولكــن‬
‫مــا أثــار فضــول إريــس هــو أن الســيارات الطائــرة كانــت ُمعلقــة يف‬
‫اهلــواء بــا حركــة ومل تســقط رغــم فقــدان الطاقــة عــن املدينــة وتوقــف‬
‫الروبوتــات عــن احلركــة‪ .‬مل يعــر األمــر الكثــر مــن االنتبــاه وانعطــف‬

‫‪201‬‬
‫يمينـ ًا ويسـ ً‬
‫ـارا يف انحــاء املدينــة بينــا تبعــه اجلميــع عــى أمــل أن يرشــدهم‬
‫لــر األمــان‪ .‬قــال إيفانــوف بنــرة غليظــة وهــو يركــض ورائــه‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بشــكل‬ ‫‪ -‬هــل تعــرف الطريــق أم َ‬
‫أنــك تركــض بنــا يف أنحــاء املدينــة‬
‫عشــوائي؟‬
‫فقال إريس وهو يلهث‪:‬‬
‫‪ -‬ال ختف‪ ...‬أنا‪ ...‬أعرف‪ ...‬إىل‪ ...‬أين‪ ...‬علينا الذهاب‪.‬‬
‫فصمــت إيفانــوف ووضــع ثقتــه بــه‪ ،‬وبعــد الركــض ملــدة ثالثــة دقائــق‬
‫أخــرا إىل حظــرة الطائــرات‪ ،‬فدخــل اجلميــع إليهــا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أخــرى وصلــوا‬
‫وكان بداخلهــا العديــد مــن الطائــرات الغريبــة الشــكل‪ .‬كانــت الطائــرة‬
‫ـة مسـ ٍ‬
‫ـتطيلة كبــرة ومقوســة‬ ‫ٍ‬
‫بــدون أجنحــة أو مــراوح‪ ،‬كانــت أشــبه بغرفـ ُ‬
‫مــن األمــام‪ .‬علــم إريــس أهنــا ُمصصــة للنقــل فقــط ال للحــرب‪،‬‬
‫فتعجــب مــن آليــة عملهــا‪ .‬بــدأ اجلميــع يقفــز داخــل الطائــرات بينــا‬
‫أوقفهــم إريــس وســأل عمــن لديــه خــرة يف قيــادة الطائــرات‪ ،‬فرفــع‬
‫عــرة رجــال أيدهيــم‪ ،‬وكان هنــاك أكثــر مــن مئــة طائــرة‪ ،‬ولكــن عــرة‬
‫طائــرات كانــت أكثــر مــن كافيــة حلملهــم مجي ًعــا‪ ،‬فوزعهــم إريــس عــى‬
‫الطائــرات وقفــز اجلميــع إىل الداخــل ثــم بــدأوا بمحاولــة فهــم آليــة‬
‫عملهــا‪ .‬مل تكــن ُمتلفــة عــن طائــرات البــر يف أي يشء‪ ،‬غــر اللغــة‬
‫فقــط‪ ،‬ولكــن مــن حيتــاج اللغــة عندمــا يكــون لديــه اخلــرة‪.‬‬
‫توجــه إيفانــوف إىل أحــد الطائــرات وجلــس يف مقعــد الســائق‪ ،‬ثــم فتــح‬
‫اخلريطــة وبــدأ ينظــر إىل األماكــن الغــر مألوفــة عليهــا‪ ،‬فــأدرك وجهتــه‪،‬‬
‫إهنــا القــارة املجــاورة‪ ،‬كان هــذه الكوكــب مكونن ـ ًا مــن قارتــن كبريتــن‬

‫‪202‬‬
‫متجاورتــن يربــط بينهــا جــر عجيــب الشــكل‪ ،‬وبعــض القــارات‬
‫ـة التحكــم حتــى‬‫الصغــرة حوهلــم‪ .‬ضغــط عــى بعــض االزرار يف لوحـ ِ‬
‫بــدأت الطائــرة بالعمــل‪ ،‬فهــدرت املحــركات بقــوة بينــا ارتفعــت‬
‫الطائــرة بسالســة يف اهلــواء وتبعتهــا باقــي الطائــرات التــي حتمــل مــا‬
‫تبقــى مــن الســجناء‪ ،‬ثــم بــدأوا بالتوجــه نحــو القــارة األخــرى‪ ،‬ولكــن‬
‫قبــل أن يتحركــوا انفجــرت أحــد الطائــرات خلفهــم فنظــر اجلميــع إىل‬
‫اخللــف باجتــاه املدينــة فوجــدوا جايــا يقــف عــى كتــف روبــوت عمــاق‬
‫ـج ِمــن اللـ ِ‬
‫ـون البنــي واألصفــر و ُيشــبه فراعنــة مــر‬ ‫ُمــدرع ُمغطــى بمزيـ ٍ‬
‫القدمــاء يف اشــكاهلم‪ ،‬فقــال إريــس وقــد اتســعت عينــاه مــن الدهشــة‪:‬‬
‫‪ -‬هــذا الوغــد يــرق تــراث البــر ويصيغــه عــى شــكل روبوتــات‬
‫لعينــة‪.‬‬
‫ولكــن مل يكــن هــذا فقــط‪ ،‬لقــد كان خلفــه مخســة روبوتــات ضخمــة‬
‫أخــرى‪ ،‬مــا بــن الفــارس الرومــاين القديــم‪ ،‬والفــارس اإلغريقــي‪،‬‬
‫والفــارس العــريب واليابــاين والفــاريس‪ .‬وبجانــب العاملقــة كان يوجــد‬
‫جيــش كبــر مــن الروبوتــات الفضيــة يســر يف نظــام؛ فوقــه تطــر‬
‫مئــات احلــرات اآلليــة التــي تُشــبه النحــل يف تركيبتهــا الفيســيولوجية‪،‬‬
‫وعناكــب كبــرة تســر اســفلهم باملئــات‪ ،‬وروبوتــات عديــدة أخــرى مل‬
‫جيــدوا الوقــت لـــتأمل تركيبتهــا فمنهــا الضخــم ومنهــا الصغــر‪.‬‬
‫فقال جايا وعيناه تُنذران باملوت لكل من أمامه‪:‬‬
‫‪ -‬إذ ًا فقــد اســتطعتم اهلــرب! ودمرتــم املولــد اخلــاص باملدينــة الفاضلــة‪.‬‬
‫ولكــن هــل تعتقــدون أن هــذا املولــد هــو مصــدر الطاقــة الوحيــد يف‬

‫‪203‬‬
‫املدينــة؟ وهــل ظننتــم أن هــذه البلــورة هــي بلــورة احليــاة؟ يــا لكــم مــن‬
‫ـات مســكينة‪ .‬لقــد اقرتبــت هنايتكــم ومعهــا ســيأيت الدمــار لــكل‬ ‫خملوقـ ٍ‬
‫يشء تعرفــوه‪ .‬قري ًبــا ســ ُيفتح الــدرع الــذي حيمــي قارتكــم الصغــرة‬ ‫ٍ‬
‫وســأدخل أنــا وجيــي الــذي ال يقهــر ونســحق كل ٍ‬
‫يشء تعرفونــه‪.‬‬
‫صمت قليال وسط ذهول البرش ثم استطرد قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬كُل ٍ‬
‫يشء بنيتمــوه سيســقط‪ ،‬ومــن تــراب عاملكــم ســأبني عا ًملــا أفضل‪...‬‬
‫لــن يقــف أمــام جيــي اجلــرار أحــد وســأهني هــذه احلــرب وأضــع حــدً ا‬
‫هلــذه املهزلة‪.‬‬
‫قال جايا بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد ذهبــوا كــا خططــت‪ ...‬واآلن احلقيقــة ســتصل إىل مســامع مجيــع‬
‫البــر ممــا س ـ ُيقلل ثقتهــم يف قادهتــم ويزعــزع عرشــهم الواهــن فأتصيــد‬
‫الفرصــة لغزوهــم‪ .‬لــن يســتطيعوا أن يثقــوا يف جالديــوس وخدعــه بعــد‬
‫اآلن‪ .‬واآلن فلنــرى مــاذا ســيفعل جالديــوس هبــذا الصــدد!‬
‫أصــدرت اآلالت أصواتــ ًا إلكرتونيــة ُميفــة بــدت كرصخــة املعركــة‬
‫وقــرع أجــراس احلــرب‪ ،‬بينــا تقدمــت إىل األمــام بــاآلالف‪ ،‬فأرتعــد‬
‫اجلميــع كأهنــم نملــة حتــت أقــدام جيــش ســليامن‪ .‬صــاح إريــس قائ ـ ً‬
‫ا‬
‫وقدمــاه بالــكاد حتمالنــه‪:‬‬
‫‪ -‬انطلقــوا اآلن مجي ًعــا وإال ســيقيض علينــا هــذا اللعــن! جيــب أن نُحــذر‬
‫باقــي البــر‪ ،‬إن مل نتمكــن مــن حتذيرهــم فلــن يعرفــوا اخلطــر ا ُملقبــل‬
‫عليهــم‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫بــدأت الطائــرات ُتلــق بعيــدً ا بينــا تتفــادى الصواريــخ القادمــة مــن‬
‫ـة بالغــة حتــى ابتعــدوا يف االُفــق وأصبحــوا‬‫صفــوف الروبوتــات بصعوبـ ٍ‬
‫يف جمـ ٍ‬
‫ـال آمــن‪ .‬وقــف اجلميــع ُيــدق إىل املدينــة اجلهنميــة وهــي ختتفــي‬
‫يف األفــاق‪ ،‬ممــا أشــعرهم ببعــض االطمئنــان والســكينة البتعادهــم عنهــا‬
‫فتنفســوا الصعــداء‪ .‬نظــر إريــس مــن رشفــة الطائــرة إىل األســفل لــرى ما‬
‫تــرك يف قلبــه دهشــة أخــرى وجعلــه يســتيقن أن الكثــر مــن كالم جايــا‬
‫ـف قــارة الروبوتــات‪ ،‬وقــد كان‬‫كان حقيقــي إذ رأى الضبــاب أســفلهم يلـ ُ‬
‫ـض يمتــدُ بــن هــذه القــارة وبــن القــارة‬
‫ـر وعريـ ٌ‬‫ـي كبـ ٌ‬
‫ـر ذهبـ ٌ‬
‫ُهنــاك جـ ٌ‬
‫األخــرى‪ ،‬فقــال إريــس وقــد اتســعت عينــاه مــن الدهشــة وشــعر بنبضــه‬
‫يتســارع‪:‬‬
‫‪ -‬يــا للهــول‪ ،‬هنــاك جــر يربــط بــن قــارة اآلالت وقارتنــا‪ ،‬لقــد‬
‫كنــت أفكــر كيــف ســتعرب كل هــذه اآلالت ا ُملحيــط لت ُ‬
‫ُدمرنــا واآلن لقــد‬
‫فهمــت‪ ...‬ولكــن مــا هــذا الضبــاب أو الســحاب الغريــب أســفلنا؟‬
‫ـب ُجــل تركيــز ُه عــى‬
‫نظــر ســايري إىل األســفل بينــا كان إيفانــوف يصـ ُ‬
‫القيــادة‪ ،‬فقــال ســايري بعصبيــة وهــو يشــعر بداخلــه ببعــض احلــاس‬
‫ا ُملخيــف واالثــارة ا ُملريبــة التــي وجــد نفســه فيهــا ل ُيخــرج غضبــه الكامــن‬
‫وســخطه عــى العــامل دون أن يمنعــه أحــد عــن ذلــك أو يعاقبــه بقوانـ ٍ‬
‫ـن‬
‫سـ ٍ‬
‫ـخيفة‪:‬‬
‫‪ -‬أشــك أننــا ســننجو مــن كل هــذا‪ ،‬ولكــن هنــاك حــل واحــد‪ ،‬وهــو‬
‫أن نذهــب إىل اجلنــرال ونخــره بــكل يشء ونحصــل منــه عــى إجابــات‬
‫ومــن ثــم نفكــر بطريقــة لوقــف زحــف الروبوتــات والقضــاء عليهــم‬

‫‪205‬‬
‫بخطــة مــا إن تطلــب األمــر‪.‬‬
‫ا ورأى ســايري الكآبــة عــى وجهــه فقــال وهــو‬ ‫تنهــد إريــس طويــ ً‬
‫يســرجع مــا حــدث‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد أخربتــه أن ُي ِعــدَ اجلنــود وكل مــن يســتطيع أن ُيــارب مــن‬
‫املدنيــن بينــا أذهــب أنــا جلمعكــم‪ .‬لقــد ظننــت أن اآلالت اجتاحــت‬
‫دعــت بالكامــل‪ ،‬مل أظــن أن القصــة أكــر‬ ‫ُ‬ ‫مــر وأطالنتــس‪ ،‬لقــد ُخ‬
‫ـت‪ ...‬نحــن عــى كوكــب آخــر! يــا إهلــي‪ ،‬أنــا ال أتذكــر كيــف‬ ‫ممــا ختيلـ ُ‬
‫وافقــت عــى ركــوب ســفينة فضائيــة واالنتقــال إىل كوكـ ٍ‬
‫ـب آخــر! وكيــف‬
‫ٍ‬
‫غريــب! ولكــن‬ ‫ــرج ضخــ ٍم‬
‫أنتهــى يب االمــر هبــذه القــدرة الغريبــة يف ُب ٍ‬
‫هــل كان اجلنــرال خيدعنــي أم أنــه يعلــم احلقيقــة ومل ُيــرد إخبــاري؟‬
‫وجه سايري نظره إىل اخلارج ثم قال بنربته الباردة املعتادة‪:‬‬
‫‪ -‬ال أعــرف شــيئ ًا‪ ،‬فأنــا مثلــك‪ ...‬ولكــن ربــا كان خيدعــك وفكــر يف‬
‫طريقــة لصــد زحــف اآلالت وارجــاع احلــال إىل مــا كان عليــه دون أن‬
‫نشـ َ‬
‫ـك يف يشء‪ ...‬وبعدهــا نُكمــل حياتنــا الطبيعيــة يف املدينــة بعــد القضــاء‬ ‫ُ‬
‫عــى اآلالت وكأن شــيئ ًا مل يكــن‪ ...‬عندمــا نصــل ســنتحدث معــه طويـ ً‬
‫ا‬
‫يف هــذا األمــر وســنجعله يعــرف بــكل يشء ولــو بالقــوة‪.‬‬
‫قطع حديثهم صوت إيفانوف وهو يقول‪:‬‬
‫‪ -‬يا رفاق لقد وصلنا‪.‬‬
‫ركــض اجلميــع إىل مقدمــة الطائــرة ونظــروا أمامهــم ليجــدوا أطالنتــس‬
‫اجلديــدة والدخــان واحلطــام يمألهــا كــا تركوهــا‪ ،‬والحظــوا درع‬

‫‪206‬‬
‫الطاقــة األزرق الالمــع الــذي يغطيهــا وقــد جــاه ضــوء الشــمس فظهــر‬
‫ـوح مــن األعــى‪ ،‬فأكمــل إيفانــوف قائـ ً‬
‫ا وقــد شــعر ببعــض التوتــر‬ ‫بوضـ ٍ‬
‫واالنزعــاج‪:‬‬
‫‪ -‬كيف سنعرب من خالله؟ أنا ال أرى أي طريق للدخول‪.‬‬
‫قال إريس وهو حيك رأسه‪:‬‬
‫أن هنــاك مــكان مــا للدخــول‪ ،‬فــاآلالت تدخــل وخترج بســهولة‪،‬‬ ‫‪ -‬ال بــد َّ‬
‫ـت معهــم يف الطائــرة اســتطاعوا اخلــروج مــن جمــال الــدرع‪،‬‬ ‫وعندمــا كنـ ُ‬
‫لذلــك ال بــد أن هنــاك ثغــرة مــا‪ .‬اســتمر بالتحليــق فوقــه واملراقبــة جيــدً ا‪.‬‬
‫قال سايري وقد شعر ببعض األمل‪:‬‬
‫‪ -‬انظــروا إىل اجلانــب اجليــد‪ ،‬لــن تســتطع الروبوتــات التــي تســر عــى‬
‫االقــدام مــن الدخــول بســبب الــدرع‪ ،‬ممــا س ُيســهل علينــا مقاومتهــم‪.‬‬
‫ولكــن إن كان جايــا يعــرف هــذا فلــا يتحــرك ناحيــة الــدرع بــكل هــذه‬
‫األعــداد‪ ،‬أم أنــ ُه‪...‬‬
‫ٍ‬
‫وقنوط قائالً‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بتوجس‬ ‫قاطعه إريس‬
‫‪ -‬ال بــد أن لديــه خطــة لتدمــر ال ُقبــة‪ .‬جيــب أن نحمــي األبــراج برسعــة‬
‫ونُحــذر اجلميــع‪.‬‬
‫إنــش ِمنــه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫حلــق إيفانــوف فــوق الــدرع وهــو يتفحــص بعينيــه ك َُّل‬
‫وحلقــت وراءه الطائــرات األخــرى وهــي ال تعلــم أيــن الســبيل‪ ،‬وبعــد‬
‫ٍ‬
‫بحــاس قائــاً‪:‬‬ ‫بضعــة دقائــق مــن التحليــق‪ ،‬رصخ إيفانــوف‬

‫‪207‬‬
‫‪ -‬لقد وجدته‪.‬‬
‫فقال إريس بتوتر‪:‬‬
‫‪ -‬أين؟‬
‫فأشــار إيفانــوف بأصبعــه ناحيــة املنتصــف فــوق املدينــة متا ًمــا‪ .‬كان هنــاك‬
‫ـورا‪ ،‬فبــدأ باهلبــوط وتبعتــه‬ ‫ثغــرة كبــرة‪ ،‬فأمــره إريــس أن هيبــط منهــا فـ ً‬
‫باقــي الطائــرات‪ ،‬فدخلــوا إىل املدينــة وتوجهــوا ناحيــة الغــرب حيــث‬
‫تتمركــز مجــوع البــر‪ ،‬فأخــرج إريــس رشيــط صغــر ضغــط عــى ٍ‬
‫زر فيــه‬
‫فخرجــت شاشــة هولوجراميــة فوقــه حتمــل الكثــر مــن القوائــم فضغــط‬
‫عــى قائمــة االتصــال وبــدأ يتحــدث قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬أهيا اجلنرال هل تسمعني؟‬
‫بعد عدة ثواين ظهر صوت اجلنرال الغليظ بلكنته املميزة‪:‬‬
‫‪ -‬نعــم أســمعك‪ ،‬أيــن كنــت يــا إريــس لقــد قلقــت عليــك‪ .‬حاولــت‬
‫االتصــال بــك ولكــن هاتفــك كان خــارج اخلدمــة‪.‬‬
‫رد إريس بانفعال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ورطــة كبــرة‪ ...‬واآلن اســمعني‬ ‫‪ -‬آســف عــى ذلــك فقــد كنــت يف‬
‫جيــدً ا‪ ...‬نحــن متوجهــون ناحيتــك ولكننــا يف طائــرات الروبوتــات هلــذا‬
‫ال تُطلــق علينــا‪.‬‬
‫رد اجلنرال بنربة ُمنفعلة‪:‬‬
‫‪ -‬يف طائــرات الروبوتــات! مــاذا تقصــد هبــذا؟ وكيــف حصلــت عــى‬

‫‪208‬‬
‫طائراهتــم؟‬
‫‪ -‬إهنــا قصــة طويلــة ســأروهيا لـ َ‬
‫ـك عندمــا أصــل‪ .‬أمــا اآلن قــل جلنــودك‬
‫أن يســمحوا لنــا باهلبــوط‪.‬‬
‫فقال اجلنرال وقد مت ّلكته احلرية‪:‬‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬سأفعل هذا حاالً‪.‬‬
‫أقفل إريس اخلط‪ ،‬ثم نظر إىل سايري قائالً‪:‬‬
‫أنــت وإيفانــوف للبحــث عــن‬
‫َ‬ ‫‪ -‬عندمــا نصــل إىل األســفل ســتذهب‬
‫باقــي الرفــاق‪ ...‬جيــب أن جتدهــم برسعــة ألننــا ســنحتاج إىل أن نضــم‬
‫قواهــم إلينــا‪ ...‬بينــا ســأخرب أنــا اجلنــرال بــكل يشء وســأحصل عــى‬
‫بعــض األجوبــة وأضــع خطــة احلــرب معــه أو مــن دونــه حســب اإلجابــة‬
‫التــي ســيعطيها إ ّيل‪.‬‬
‫فأومــأ ســايري برأســه دون أن ينبــس ببنــت شــفة‪ .‬وهكــذا وبعــد بضعــة‬
‫ـرا إىل وجهتهــم واســتقبلهم بعــض اجلنــود عنــد مهبط‬ ‫دقائــق وصلــوا أخـ ً‬
‫الطائــرات‪ ،‬وبعــد أن رســت مجيعهــا عــى األرض ُفتحــت أبواهبــا وترجــل‬
‫ـديد يتبــدى عــى وجهوهــم‪،‬‬‫ـب شـ ٍ‬ ‫ـات حمطمـ ٍ‬
‫ـة ورعـ ٍ‬ ‫اجلميــع منهــا بمعنويـ ٍ‬
‫فقــال أحــد اجلنــود لرفيقــه بتوجـ ٍ‬
‫ـس وهــو ينظــر إليهــم‪:‬‬
‫ِ‬
‫املوت عدة مرات‪.‬‬ ‫‪ -‬ما هذا؟ أرى يف عيوهنم من فر من‬
‫توجــه إريــس عــى الفــور إىل خيمــة اجلنــرال وهــو يلهــث إذ شــعر‬
‫بالتعــب الشــديد‪ ،‬ناولــه اجلنــرال كــوب مــن الشــاي وبعــض الفطائــر‬
‫ـكت جوعــه‪ ،‬وبعــد انتهائـ ُه مــن الطعــام‪،‬‬
‫واملــاء‪ ،‬فألتهمهــا دون تــردد ل ُيسـ َ‬

‫‪209‬‬
‫يقــص عــى اجلنــرال كل مــا حــدث ورأى تبــدل مالمــح اجلنــرال‬‫ُ‬ ‫بــدأ‬
‫إىل الرعــب واهللــع هــو والقــادة اآلخريــن مــن حولــه عنــد ســاع هــذه‬
‫ٍ‬
‫بغضــب وتأنيــب‪:‬‬ ‫القصــة‪ ،‬فقــال هلــم إريــس‬
‫‪ -‬هل كنتم ختفون عنّا كل هذا؟‬
‫فأقســم اجلميــع أهنــم مل يعرفــوا أي يشء عــا حيــدث‪ .‬لقــد تــم إخبارهــم‬
‫بالقصــة التــي أخربهــا هلــم الرئيــس وحاشــيته‪ ،‬فقــال إريــس بعصبيــة‪:‬‬
‫‪ -‬وأين الرئيس؟‬
‫فقال اجلنرال وهو يفكر‪:‬‬
‫‪ -‬إنــه يف أحــد املالجــئ عنــد الســاحل الغــريب الــذي خيتبــأ فيــه مجيــع‬
‫املدنيــن‪ ،‬ولكنــه يف ملجــئ كبــر يليــق بــه‪ ،‬وحولــه حراســة ُمشــددة‪.‬‬
‫فقطب إريس حاجبيه قائالً‪:‬‬
‫‪ُ -‬اريــد أن ُاقابلــه ألحصــل منــه عــى القصــة كاملــة‪ ،‬وعــن الســبب‬
‫احلقيقــي الــذي جعلنــا نــأيت إىل هنــا واخلُدعــة ا ُملد ّبــرة التــي جعلتنــا نظــن‬
‫أننــا ال نــزال عــى كوكــب األرض‪ ...‬وســأرى إن كان كالم جايــا حقيقــي‬
‫أم ال‪ ،‬وســنترصف بعدهــا عــى هــذا األســاس‪.‬‬
‫فقال اجلنرال بنربة كئيبة‪:‬‬
‫‪ -‬لتقابله جيب أن حتصل عىل إذنه أوالً‪...‬‬
‫ٍ‬
‫بغضب قائالً‪:‬‬ ‫قاطعه إريس‬
‫‪ -‬ليس لدى وقت هلذا اهلراء‪ ،‬دلني عىل مكانه وسأذهب إليه‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫ِ‬
‫مكانــه عــى‬ ‫فنظــر اجلنــرال بحــرة إىل القــادة مــن حولــه ثــم أشــار إىل‬
‫اخلريطــة ثالثيــة األبعــاد املوضوعــة عــى الطاولــة يف منتصــف اخليمــة‪،‬‬
‫فنقــل إريــس البيانــات إىل هاتفــه‪ ،‬ثــم صالــب ذراعيــة عــى صــدره قائـاً‪:‬‬
‫‪ -‬سأذهب اآلن إليه‪ ...‬واآلن أخربين هل نفذت اخلطة كام اتفقنا؟‬
‫أخذ اجلنرال يذرع الغرفة ذها ًبا وإيا ًبا ببطء ثم ابتلع لعابه قائالً‪:‬‬
‫ـاحا وكونــت اجليــش‬
‫‪ -‬نعــم لقــد جنّــدت كل مــن يســتطيع أن حيمــل سـ ً‬
‫وجهــزت كل يشء‪ ،‬ولكــن ممــا رويتــه لنــا ال أعتقــد أن هــذا اجليــش‬
‫ســيكفي لتدمــر اجليــش الــذي وصفتــه يل‪.‬‬
‫التفت إريس إىل اجلنرال وقوس حاجبيه‪:‬‬
‫‪ -‬ســيدي طاملــا أننــا ال زلنــا نتنفــس فســنُحارب‪ ،‬ولــن نســمح هلــذا‬
‫ٍ‬
‫لبــر مثلنــا أن‬ ‫املجنــون بتدمرينــا واســتعبادنا‪ ،‬ولــن نســمح أيضــا‬
‫ـس واحــدٌ وجيــب أن نتكاتــف ونُصبــح‬ ‫خيدعونــا ويســتعبدونا‪ ،‬فنحــن ِجنـ ٌ‬
‫ً‬
‫تضليــا‬ ‫يــدً ا واحــدة لنســتمر يف هــذه احليــاة‪ .‬يكفــي خدا ًعــا ويكفــي‬
‫لعقولنــا‪ .‬ســأذهب اآلن إىل هــذا الوغــد اجلالــس عــى كُرســيه ُيركنــا كــا‬
‫يشــاء‪ ،‬وصدقنــي ســأجعله يعــرف بــكل يشء‪ .‬وأهــم يشء ال تنســى أن‬
‫حتمــي األبــراج‪ .‬إن حتطمــت األبــراج ســيتكاتفون علينــا مــن كل َحـ ٍ‬
‫ـدب‬
‫وصــوب‪ ،‬وســنُهزم رش هزيمــة‪.‬‬
‫ابتسم اجلنرال وربت عىل كتفه قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬حظــ ًا موف ًقــا‪ .‬ســأنرصف اآلن الســتكامل االعــدادات إذ يبــدوا أهنــا‬
‫ســتكون ليلــة طويلــة‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫قال إريس موقف ًا إياه‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مــكان مــا يف‬ ‫‪ -‬انتظــر قليــا فأنــا مل أجــد غــر اثنــن مــن رفاقــي‪ ،‬وىف‬
‫املدينــة يوجــد مخســة آخــرون ينتظــرون أحــدً ا مــا ليدهلــم عــى الطريــق‪،‬‬
‫هلــذا ســأبعث مــن وجدهتــم للبحــث عــن البقيــة‪ ...‬فمــن أفضــل منهــم‬
‫ليعثــر عــى مــن ُيشــبههم عــى هــذا الكوكــب الغريــب‪ ...‬واآلن أريــدك‬
‫أن تعطيهــم ســيارة وجهــاز كشــف حــراري مثــل الــذي أعطيتــه يل‪.‬‬
‫ال وقد ُاثقل كاهله من طلبات إريس‪:‬‬
‫تنهد اجلنرال قائ ً‬
‫نظرا لظروفنا سأمدك بكل ما تريد‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تطلب الكثري ولكن ً‬
‫بــدأ اجلنــرال ُيعطــي األوامــر لرجالــه‪ ،‬وبعــد أن انتهــى وجــه نظــره إىل‬
‫إريــس قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬حسن ًا‪ ،‬أين هم رفيقاك حتى ُاعطيهم ا ُملعدات؟‬
‫ساخرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫قال إريس‬
‫‪ -‬أعتقد َ‬
‫أنك ستتعرف عليهم عندما تراهم‪.‬‬

‫وهكــذا أنطلــق ســايري وإيفانــوف بســيارة دفــع رباعــي عــر املدينــة‬


‫ا ُملحطمــة‪ ،‬جيتــازون الطــرق وهــم يبحثــون عــن أي نقطــة ُمنــرة تظهــر يف‬
‫الــرادار املوجــود عــى شاشــة اللــوح اإللكــروين‪ .‬وبعــد بضــع ســاعات‬
‫مــن جتوهلــم يف املدينــة إذ كانــت الشــمس قــد بــدأت بالغــروب يف األفــق‬
‫ـرا ضالتهــم‪ .‬ناحيــة أحــد األبــراج‬
‫لتزيــح ســتائرها للقمــر‪ ،‬وجــدوا أخـ ً‬

‫‪212‬‬
‫مازحــا‪:‬‬
‫ً‬ ‫البيضــاء الشــاهقة يف ُمنتصــف غابــة قريبــة منهــم‪ ،‬قــال إيفانــوف‬
‫‪ -‬يا له من مسكني لقد خرج لتوه من رشنقته وهو ال يعرف شيئ ًا‪.‬‬
‫أبتسم سايري نصف ابتسامة قائالً‪:‬‬
‫كثريا بام حيدث هنا‪.‬‬
‫‪ -‬ال بد أنه س ُيذهل ً‬
‫أضاف قائالً‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بشكل دائري!‬ ‫‪ -‬لقد الحظت أن األبراج تلتف حول املدينة‬
‫مل ُيعلــق إيفانــوف وركــن الســيارة عــى جانــب الطريــق‪ ،‬فرتجلــوا منهــا‬
‫متوجهــن وســط املبــاين ا ُملحطمــة ناحيــة الغابــة يف اجلنــوب‪ ،‬وقبــل أن‬
‫يقرتبــوا مــن الغابــة‪ ،‬اســتوقفهم شــخص ســبقهم إىل الداخــل‪ .‬روبــوت‬
‫يبلــغ طولــه ثالثــة أمتــار‪ ،‬و ُيمســك بكلبــن آليــن‪ ،‬مهــس ســايري‬
‫إليفانــوف قائــاً‪:‬‬
‫‪ -‬ســأدخل أنــا‪ .‬أريــدك أن تقــف أعــى املبنــي وحتمــي ظهــري مــن هــذا‬
‫الــيء‪.‬‬
‫فأعرتض إيفانوف قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬هل تريد الدخول لتحذى بكل املتعة وحدك؟‬
‫قال سايري بنربة حازمة‪:‬‬
‫ـأخرج بفتانــا التائــه بعــد قليــل وأتوجــه إىل‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬هــذا ليــس وقــت املتعــة‪ .‬سـ‬
‫ـك محايتنــا ألن إنقــاذ اآلخريــن ليــس مــن شــيمي وهلــذا‬ ‫هنــا‪ .‬واآلن عليـ َ‬
‫زعجــا يل‪.‬‬
‫ســتكون محايتــه أمـ ًـرا ُم ً‬

‫‪213‬‬
‫‪ -‬ال ختف سأمحي ظهرك‪ ،‬واآلن أنطلق‪.‬‬
‫صعــد إيفانــوف فــوق أحــد املبــاين ا ُملحطمــة‪ ،‬وكان املبنــى قــد هــوى‬
‫ومــال عــى مبنــي آخــر‪ ،‬فقــال بينــه وبــن نفســه‪:‬‬
‫‪ -‬واآلن لنرى ما سيحدث‪.‬‬
‫راكضــا ومعــه نــور وورائهــم‬
‫بعــد دقائــق وجــد إيفانــوف ســايري خيــرج ً‬
‫يركــض كلبــان‪ ،‬فجهــز إيفانــوف القناصــة وصــوب نحــو الكلــب األيمن‬
‫ُمنتظــرا إشــارة ســايري‪.‬‬

‫***‬

‫‪214‬‬
‫‪16‬‬
‫وصــل ك ًُل مــن نــور وكينــو أخـ ً‬
‫ـرا إىل الــرج األول‪ ،‬فســأل نــور واحلــرة‬
‫تؤرقــه‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا علينا أن نفعل اآلن؟‬
‫قال كينو وهو يتفحص الربج الشاهق‪:‬‬
‫‪ -‬لقد قال يل ليونيس أن ُه َ‬
‫ناك زر ُيغلق طاقة الربج يف الطابق السفيل‪.‬‬
‫‪ -‬الطابق السفيل! هل تقصد أن هناك طابق آخر حتت األرض‪.‬‬
‫‪ -‬نعــم بالطبــع‪ .‬لــدي ســجالت يف ذاكــريت االحتياطيــة لــكل مــا حــدث‬
‫يل يف الــرج‪ ...‬وعندمــا كنــت يف املصعــد كان هنــاك زر لطابــق ســفيل‪،‬‬
‫ولكــن املصعــد توقــف عنــد الطابــق األول ومــن ثــم وجــدت بــاب‬
‫اخلــروج‪ ،‬فلــم ُاعــر هــذا الطابــق أي اهتــام‪.‬‬
‫قال نور وهو ينظر إىل باب الربج‪:‬‬
‫‪ -‬وكيــف ســنفتح هــذا البــاب؟ إنــه ال ُيفتــح إال مــن الداخــل عــى مــا‬
‫أظــن‪.‬‬
‫صمــت كينــو ورفــع راحــة يــده اليمنــي إىل أعــى وأطلــق مــن راحــة يــده‬
‫موجــة صادمــة ناحيــة البــاب فتحطــم فأبتســم ونظــر إىل نــور املدهــوش‬
‫قائـاً‪:‬‬

‫‪215‬‬
‫‪ -‬هكذا‪.‬‬
‫دلفــا إىل الــرج متوجهــن ناحيــة املصعــد ورشعــا يف عبــور املمــر األبيــض‬
‫تجهم‪:‬‬
‫الطويــل‪ ،‬فقــال نــور ُم ً‬
‫‪ -‬هذا املكان ُيعيد إ ّيل الذكريات السيئة‪ ،‬فهو بداية هذا الكابوس‪.‬‬
‫ـرا وصــا إىل املصعــد فضغــط كينــو عــى‬ ‫هــز كينــو رأســه موافق ـ ًا‪ .‬وأخـ ً‬
‫زر اســتعداءه ولكنــه مل ُيفتــح فتحركــت عقلــة أصبــع ســبابته ألعــى‬
‫كغطــاء صغــر ُيفتــح فخرجــت وصلــة الكرتونيــة منهــا ودخلــت يف‬
‫مازحــا‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫ثــوان ُفتــح‪ ،‬فقــال لــه نــور‬ ‫ِ‬
‫لوحــة املصعــد‪ ،‬وبعــد‬
‫ً‬
‫َ‬
‫هناك شيئ ًا يقف أمامك؟‬ ‫‪ -‬يا رجل أليس‬
‫ابتسم كينوا قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬بيل هناك‪ٌ .‬‬
‫جيش من الروبوتات يريدُ قتلنا مجي ًعا‪.‬‬
‫فضحــك نــور ثــم دلفــا إىل املصعــد فضغــط كينوا عــى زر الطابــق األريض‬
‫فأنغلــق بابــه وبــدأ باهلبــوط إىل أســفل‪ .‬بعــد بضعــة ثـ ٍ‬
‫ـوان ُفتــح البــاب‬
‫دامســا ُيغطــي كل يشء أمامهــا‪ ،‬ولكــن بمجــرد‬ ‫ُمــد ًدا فوجــدا ظال ًمــا ً‬
‫أن خطيــا أول خطــوة إىل األمــام بــدأت سلســلة مــن االنــوار املتتابعــة‬
‫بالعمــل حتــى ُاضيئــت الغرفــة بالكامــل‪ .‬ففــرغ فــاه ك ًُل مــن نــور وكينــو‬
‫ملــا رأوه‪ .‬غرفــة كبــرة فارغــة‪ ،‬حتتــوي عــى شاشــة عــرض ِعمالقــة‪،‬‬
‫ولوحــة مفاتيــح صغــرة أمامهــا موضوعــة فــوق طاولــة ُرخاميــة بيضــاء‬
‫ُمرتفعــة عــن األرض‪ .‬وكانــت باقــي الغرفــة فارغــة متا ًمــا‪ ،‬فقــال نــور‬
‫ـدوها‪:‬‬
‫وهــو يـــتأملها مشـ ً‬

‫‪216‬‬
‫‪ -‬لقــد توقعــت أن تكــون غرفــة مليئــة بالفئــران وهنــاك زر ســنضغط‬
‫عليــه إلغــاق الــرج فينتهــي كل يشء‪.‬‬
‫رد كينو وهو يعدل من موضع نظارته‪:‬‬
‫أيضا‪ ،‬ولكن ال يزال هذا املكان اللعني ُيفاجئنا‪.‬‬ ‫‪ -‬هذا ما ظننته ً‬
‫ـطء وهــدوء‪ ،‬وتفحصــوا املــكان مــن حوهلــا‪ .‬حتــى‬ ‫اقرتبــا مــن اللوحــة ببـ ٍ‬
‫وصــا إليهــا‪ ،‬فأخــذ كينــو ُيللهــا بعينــه الصناعيــة اليمنــى ثــم قــال‪:‬‬
‫ـة غريبــة! ولكنــى ســجلتها وحللتهــا واآلن أســتطيع أن‬ ‫‪ -‬يــا هلــا مــن لغـ ٍ‬
‫أحتدثهــا‪.‬‬
‫فقال نور بغيظ‪:‬‬
‫ـة ثـ ٍ‬
‫ـوان؟ أتعــرف مــاذا ســيحدث ملعنويات‬ ‫‪ -‬تعلمــت لغــة غريبــة يف بضعـ ِ‬
‫األشــخاص الذيــن يقضــون حياهتــم كلهــا يف تعلــم اللغات؟!‬
‫ضحــك كينــو بــرور ثــم بــدأ بالضغــط عــى ازرار اللوحــة فأضــاءت‬
‫الشاشــة الكبــرة أمامهــا وظهــر عــى الشاشــة شــخص جيلــس عــى‬
‫كــريس مــا يف الظــام وبجانبــه يقــف حارســان وكأنــه ملــك يقــف بجانبه‬
‫حراســه ولكــن الظــام كان حيتوهيــم فلــم يســتطيعوا رؤيــة مالحمهــم‪،‬‬
‫فقــال الشــخص اجلالــس عــى الكــريس بنــرة جهوريــة‪:‬‬
‫ـت‬
‫‪ -‬مرح ًبــا بــك‪ .‬إذا كنــت قــد اســتطعت الولــوج إىل هــذه الرســالة فأنـ َ‬
‫قــد وصلــت إىل املرحلــة التاليــة ملعرفــة احلقيقــة‪ ،‬هــذا هــو بــرج العينــة‬
‫رقــم واحــد‪ ،‬كينــو رينــوس‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫نظــر نــور إىل كينــو بنظــرات تعجــب ورأى أن مالمــح الدهشــة أيضــا‬
‫عــى وجــه كينــو‪.‬‬
‫أردت معرفــة‬
‫َ‬ ‫‪ -‬هنــاك جــزء مــن احلقيقــة ُمبــأ يف األبــراج الثامنيــة إذا‬
‫احلقيقــة كاملــة فيجــب أن تذهــب إىل مجيــع األبــراج برتتيــب رقــم كل‬
‫عينــة‪ُ .‬بــرج العينــة الثانيــة املدعــو ســايري ثــم بــرج العينــة الثالثــة املدعــو‬
‫إريــس ثــم الرابعــة نــور ثــم اخلامســة ياســن ثــم السادســة إيفانــوف ثــم‬
‫الســابعة جــن ثــم العينــة الثامنــة يوســف‪ .‬وهكــذا فــإن هنــاك جــزء‬
‫مــن احلقيقــة ُمبــأ يف كل بــرج وبالولــوج إىل مجيــع األبــراج ســتكون قــد‬
‫حصلــت عــى احلقيقــة كاملــة‪ ،‬وستســتعد لالنضــام إىل ٍ‬
‫يشء أكــر ممــا‬
‫تتخيــل‪ ...‬واآلن ســأعطيك جــزء احلقيقــة اخلــاص هبــذا الــرج‪.‬‬
‫حــدق نــور وكينــو باندهــاش وذهــول ال ينضــب وهــم يســتمعون هلــذا‬
‫الشــخص الغريــب ُمرتقبــن ومتســائلني عــن أي حقيقــة يتحــدث عنهــا إذ‬
‫عرفــوا احلقيقــة كاملــة بالفعــل‪.‬‬
‫لقــرون طويلــة عاشــت الكثــر مــن املخلوقــات يف هــذا الكــون‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪-‬‬
‫البعــض عــاش وحيــدً ا ُمنعــزالً عــن باقــي الكواكــب يف رصاعــات‬
‫داخليــة مــع بنــي جنســه حتــى أهلكــوا أنفســهم بأيدهيــم لعــدم فهمهــم‬
‫ُل ِم ُنهــم‪.‬‬
‫لبعضهــم البعــض ولالختالفــات التــي أعطاهــا اهلل لــك ٍ‬
‫ولكــن الســبب الرئيــي كان يكمــن يف األشــخاص الذيــن يتحكمــون‬
‫بمصــر هــذه الشــعوب‪ ...‬أنتــم البــر تســموهنم احلــكام‪ ،‬امللــوك‪،‬‬
‫الرؤســاء‪ ،‬السياســيني‪ ،‬والعديــد مــن األســاء األخــرى‪ ...‬وكذلــك‬
‫كانــت املخلوقــات األخــرى تُعطيهــم أســا ًء تتشــابه فيــا معناهــا مــع‬

‫‪218‬‬
‫اســاءكم‪ ...‬وبحامقــة هــؤالء احلــكام وطمعهــم الالهنائــي أدى هــذا‬
‫إىل فنــاء الكثــر مــن االجنــاس بــدون أن تكتشــف ملحــة عــن حقيقــة‬
‫ـات وأرسار عجيبــة تُلهــب‬ ‫هــذا الكــون وحقيقــة مــا يمتلكــه مــن خملوقـ ٍ‬
‫اخليــال والعقــل والفــؤاد‪ .‬ولكــن يف نفــس الوقــت كان هنــاك أجنــاس‬
‫توحــدّ ت ومل تتحــارب قــط وتعاونــت فيــا بينهــا للوصــول إىل أعــى‬
‫درجــات العلــم واالكتشــاف‪ .‬وهكــذا وبتوحيــد جهودهــم اســتطاعوا‬
‫الوصــول إىل اكتشــاف الكواكــب االُخــرى واحليــوات االُخــرى‪ .‬بعضهــم‬
‫ذهــب ليــزور هــذه الكواكــب واملخلوقــات الغــر مألوفــة هلــم فقابلتهــم‬
‫االجنــاس األخــرى بالعــدوان واخلــوف لكوهنــم خملوقــات غريبــة ال متت‬
‫لعاملهــم املــادي امللمــوس بــيء‪ ،‬فحدثــت حــروب كبــرة فيام بينهــم أدت‬
‫إىل تدمــر بعــض احلضــارات لبعضهــا البعــض وظهــور قــوى اســتعامرية‬
‫كونيــة فاســتمرت احلــروب والرصاعــات بــن املخلوقــات ا ُملتقدمــة لزمـ ٍ‬
‫ـن‬
‫ٍ‬
‫طويــل‪ ،‬ومل يســتطع إال القليــل أن يتقبــل االختالفــات العديــدة بينهــم‬
‫وبــن الفضائيــن اآلخريــن الذيــن جــاءوا لزيــارة كوكبهــم‪ .‬ولكــن اخلطر‬
‫رئيســيا للتعــاون‪ .‬وهكــذا‬
‫الكبــر الــذي يشــمل الــكل دائـ ًـا مــا كان ســب ًبا ً‬
‫حتالفــت بعــض الكواكــب مــع بعضهــا ضــد هتديــدات أكــر جــاءت مــن‬
‫خملوقــات بالغــة القــوة والنفــوذ يف هــذا الكــون وحدثــت رصاعــات بــن‬
‫نــذ آالف الســنني مل تنتهــي بعــد‪ ،‬وظلــت العــداوة‬ ‫خملوقــات ُاخــرى ُم ُ‬
‫والبغضــاء بينهــم مســتمرة حتــى اآلن‪ .‬ولكــن يف ظــل كل هــذه الظــروف‬
‫ـس جديــدٌ واعــد توجهــت إليــه األنظــار‪ .‬جنــس اعتقــد اجلميــع‬ ‫ظهــر جنـ ٌ‬
‫أنــه س ـ ُيعيدُ التــوازن إىل الكــون وســيوحده عــن طريــق إهنــاء اخلالفــات‬
‫والرصاعــات املســتمرة موحــدً ا الكــون حتــت إمرتــه‪ .‬هــذا اجلنــس كان‬

‫‪219‬‬
‫نظــرا‬
‫ً‬ ‫ُيســمي باللونيكــس أي غزيــر املعرفــة واحلكمــة‪ .‬وهــذا االســم‬
‫ألهنــم يعلمــون الكثــر مــن األشــياء التــي مل تســتطع العقــول االُخــرى‬
‫يف الكــون الوصــول إليهــا‪.‬‬
‫فــرغ فــاه كينــو وحــدق إىل نــور الــذي كان ينظــر إليــه بنظــرة مضطربــة يف‬
‫نفــس الوقــت‪ ،‬فقــال نــور بينــه وبــن نفســه‪:‬‬
‫‪ -‬أليــس هــؤالء اللونيكــس هــم الروبوتــات ذات اللــون الذهبــي‬
‫والراغبــن يف املشــاعر مثــل باقــي املخلوقــات؟‬
‫أكمل املتحدث عرب الشاشة قائالً‪:‬‬
‫ـرا وشــديد الــذكاء‪ ،‬مل يتحاربــوا قــط‬ ‫جنســا ُمتحـ ً‬ ‫‪ -‬اللونيكــس كانــوا ً‬
‫ٍ‬
‫ـات قليلــة‪ ،‬وكانــوا يفعلــون كُل يشء بنظــا ٍم ُمعـ ٍ‬
‫ـن‬ ‫فيــا بينهــم إال يف أوقـ ٍ‬
‫وجعلــوا لــكل ٍ‬
‫يشء مقــدار ـ ال يزيــد وال يقــل ـ كانــوا يعرفــون جيــدً ا أن‬
‫أي شــخص ِمنهــم ســيخرج عــن النظــام ـ الــذي أعطــاه اهلل هلم ـ ســيودي‬
‫هبــم إىل حــروب ورصاعــات ال تنتهــي‪ .‬فمــن يعلــم الطريقــة الصحيحــة‬
‫للحيــاة غــر خالــق احليــاة؟ وهكــذا ظلــت هــذه املخلوقــات ا ُملميــزة تبني‬
‫حضــارات هائلــة وتنــر علـ ًـا رهي ًبــا يف كل أنحــاء الكــون‪ .‬كانــوا جيــدون‬
‫يشء تفســر‪ ،‬وكانــوا أفضــل مــن يفهــم هــذا الكــون ويــرى حكمــة‬ ‫لــكل ٍ‬
‫خلقــه واتقانــه الرهيــب والتناغــم والتناســق الــذي يميــزه‪ ...‬اســتطاعوا‬
‫الوصــول لشــتى بقــاع الكــون ونــروا الســام وأبعــدوا اجلهــل عــن‬
‫املخلوقــات‪ ،‬وحثوهــم عــى تأمــل الكــون وأرساره حتــى يــروا كــم أن‬
‫رصاعتهــم هــذه تافهــة ال تســتحق كل هــذا‪ ،‬وأن هنــاك طريقــة أفضــل‬
‫للجميــع للوصــول إىل احلكمــة والســام‪ ...‬بالطبــع حارهبــم ذوي‬

‫‪220‬‬
‫النفــوس الفاســدة‪ ،‬ولكنهــم كانــوا أقــوى فهزموهــم مجي ًعــا يف حـ ٍ‬
‫ـروب‬
‫كثــرة‪ ،‬ولكــن أفضــل مــا حــدث هــو أهنــم اســتخدموا حكمتهــم‬
‫وعلمهــم لتغيــر األرشار وجعلهــم أكثــر املخلوقــات ُح ًبــا للخــر‬
‫والســام‪ ،‬وهــذا هــو الــيء ا ُملميــز فيهــم الــذي جعلهــم النــور املــيء‬
‫أجنــاس قويــة أيضــا ولكــن‬
‫ٌ‬ ‫يف هــذا الكــون ا ُملعتــم‪ .‬ولكــن كان هنــاك‬
‫نواياهــا كانــت ترتكــز حــول االســتعامر والتفرقــة مــن أجــل الوصــول‬
‫إىل مصاحلهــم اخلاصــة‪ ،‬وهــذه األجنــاس ُســميت بالزوريكــس‪ ،‬وهــم‬
‫أجنــاس قديمــة جــدً ا كانــت مســئولة منــذ وقــت بعيــد عــن النظــام يف‬
‫الكــون‪ ،‬ولكــن طــال عليهــم األمــد فقســت قلوهبــم وفســدوا وأصبحــوا‬
‫مــن أكثــر املخلوقــات فســا ًدا يف الكــون‪ ،‬بعدمــا كانــوا النــور الــذي ُينريها‬
‫ـت مــن األوقــات‪ ،‬ويبــدوا أن نفــس الــيء حيــدث اآلن للونيكــس‬ ‫يف وقـ ٍ‬
‫فقــد ضعفــوا ووهنــوا ونســوا حكمــة أســافهم ممــا مكــن الزوريكــس‬
‫منهــم ومــن عاملهــم‪ .‬واآلن هــذا هــو جــزء احلقيقــة الــذي خيــص هــذا‬
‫الــرج توجــه إىل الــرج التــايل إن أردت أن تُكمــل القصــة‪.‬‬
‫انطفــأت الشاشــة‪ ،‬وســاد الصمــت‪ ،‬رشد ك ًُل مــن نــور وكينــو بالكامــل‬
‫وهــم يتأملــون مــا ســمعوه يف حماولــة الســتيعابه‪ ،‬وفجــأة كــر كينــو‬
‫حاجــز الصمــت قائــاً‪:‬‬
‫‪ -‬هنــاك يش ٌء مــا خاطــئ! أليــس اللونيكــس والزوريكس هــم الروبوتات‬
‫املتنازعــة عــى هــذا الكوكــب؟! أم هــل يمكــن أهنــم يعلمــون هــذه‬
‫القصــة القديمــة وســموا أنفســهم تيمن ـ ًا هبــا؟! فــإن حللـ ُ‬
‫ـت مــا ســمعناه‬
‫فاللونيكــس هــم االخيــار مثــل ليونيــس‪ ،‬والزوريكــس هــم األرشار أو‬

‫‪221‬‬
‫ال نعــرف بعــد مــا هــم! ولكــن أســتطيع أن أتوقــع أهنــم مــن يتبعــون‬
‫اجلانــب اآلخــر التدمــري‪ ،‬وهــم الروبوتــات الفضيــة عديمــة املشــاعر‬
‫عــى هــذا الكوكــب‪.‬‬
‫ـراب كبــر وقــد اظلمــت نفســه لــكل هــذه‬ ‫شــخصت عــن نــور باضطـ ٍ‬
‫األشــياء الغريبــة التــي ســمعها منــذ اســتيقاظه يف هــذا الــرج‪ ،‬فقــال بنــرة‬
‫مرجتفــة‪:‬‬
‫‪ -‬يــا للهــول أشــعر أننــا يف دوامــة كبــرة‪ ،‬نحــن مل نكــن متأكديــن أن هناك‬
‫خملوقــات أخــرى‪ ،‬والبعــض ظــن أننــا وحدنــا يف هــذا الكــون الشاســع‪،‬‬
‫واآلن كل هــذه القصــص عــن خملوقــات غريبــة تــأيت إىل دفعــة واحــدة!‬
‫ولكــن إذا حللنــا هــذه القصــة‪ ،‬فلربــا ذكاء الروبوتــات العظيــم جعلهــم‬
‫يتوصلــون إىل هــذه القصــة‪ ،‬وســموا أنفســهم تيمنــ ًا هبــذه املخلوقــات‬
‫القديمــة بالغــة القــوى‪.‬‬
‫ا وأخــذ يفكــر‪ ،‬ولكنــه شــعر أن أســئلت ُه تــزداد‪ ،‬فهــو‬‫صمــت كينــو قلي ـ ً‬
‫مل جيــد منــذ اســتيقاظه عــى هــذا الكوكــب غــر األســئلة واحلــرة‪ ،‬وبعــد‬
‫فــرة مــن الصمـ ِ‬
‫ـت قــال‪:‬‬
‫‪ -‬ال هيــم اآلن ســنعرف باقــي احلقيقــة بالولــوج إىل كل األبــراج‪ ،‬ولكــن‬
‫مــن حســن حظــك أننــي معــك‪ ...‬وألن مجيــع األبــراج متصلــة ببعضهــا‬
‫البعــض‪ ...‬فهــذا ســيمكنني مــن الولــوج إليهــا اآلن وبــدون أن نذهــب‬
‫إليهــا مجي ًعــا‪ ...‬ولكــن أوالً علينــا أن نُغلــق الــدرع الواقــي‪ ،‬أو بــاألدق‬
‫اجلــزء اخلــاص هبــذا الــرج ممــا سيســمح ألصدقــاء ليونيــس القادمــن‬
‫مــن القــارة األخــرى بالدخــول إىل مدينتنــا ملســاعدتنا يف صــد جيــش‬

‫‪222‬‬
‫الزوريكــس القــادم‪ ،‬وكــا قــال يل ليونيــس‪ ،‬فهــذا الــرج ُيغلــق اجلــزء‬
‫الرشقــي مــن الــدرع ممــا سيســمح لللونيكــس بالعبــور عــر اجلــر‬
‫املرتبــط بالقارتــن‪.‬‬
‫تأكــد كينــو أن ليونيــس كان ُيفــي شــي ًئا مــن احلقيقــة فقــد كان كالمــه‬
‫ـرج لــوال أن عضــو‬ ‫غري ًبــا ومتضار ًبــا أحيا ًنــا ولكنــه مل يكــن ليفتــح لــه الـ ُ‬
‫أيضــا مــن حقيقــة اإلينيكــس‬ ‫اإلينيكــس طلــب منــه هــذا‪ .‬ازدادت حريتــه ً‬
‫وهدفهــم مــن فعــل كل هــذا!‬
‫هــز نــور رأســه موافقـ ًا ومل ينبــس ببنــت شــفه‪ ،‬فبــدأ كينــوا بالضغــط عــى‬
‫اللوحــة والولــوج إىل بعــض البيانــات بلغــة غريبــة مميــزة‪ ،‬وىف النهايــة‬
‫تنهــد قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬حســن ًا‪ ،‬لقــد انتهيــت‪ .‬متــت املهمــة بنجــاح‪ ...‬كــا أننــي اســتطعت‬
‫الولــوج إىل األبــراج الثامنيــة وســحب كل الفيديوهــات ا ُملســجلة األخرى‪،‬‬
‫ولكــن دعنــا نخــرج مــن هنــا أوالً ونــرى نتــاج عملنــا ثــم نشــاهدها فيــا‬
‫بعــد‪.‬‬
‫ـرا حتــى‬
‫شــعر نــور بالراحــة هلــذا‪ ،‬ولكنــه أخــذ يفكــر فيــا ســمعه كثـ ً‬
‫اســتيقظ مــن حلــم اليقظــة هــذا عــى صــوت كينــو وهــو يســحبه ناحيــة‬
‫املصعــد‪.‬‬
‫توجهــا إىل خــارج الــرج وقــد انتصفــت الشــمس يف كبــد الســاء والقــت‬
‫ـرج حتــى‬‫ـرج الشــابان مــن الـ ِ‬
‫بأشــعتها الدافئــة عليهــا‪ ،‬وبمجــرد أن خـ َ‬
‫وجــدا مــن ينتظرمهــا؛ شــخص ُملثــم وآخــر ضخــم اجلثــة‪ ،‬فأخــرج نــور‬
‫ُمسدســه برسعــة وصــوب ناحيــة امللثــم‪ ،‬فقــال الضخــم وهــو يرفــع يــده‬

‫‪223‬‬
‫ليهدئــه‪:‬‬
‫‪ -‬عــى مهلــك يــا فتــى نحــن مــن أنقذنــاك يف الغابــة‪ ...‬أال تتذكرنــا مــن‬
‫االختبــارات؟‬
‫فنظــر نــور إليهــم بنظــرات تشــكك ثــم عــادت الذكريــات تتدفــق إىل‬
‫ا إذ تذكرهــم‪:‬‬‫عقلــه ُدفعــة واحــدة‪ ،‬فأبتســم قائــ ً‬
‫‪ -‬آه‪ ...‬سايريون وإيفانكوف‪.‬‬
‫ضحك إيفانوف ضحكة ال تليق بجسده الضخم قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ال زلت أمحق ًا كام كنت‪ ...‬سايري وإيفانوف‪.‬‬
‫‪ -‬مــا الــذي جــاء بكــا إىل هنــا يــا رفــاق؟ وملــاذا يرتــدي ســايري هــذا‬
‫الــرداء؟ هنــاك شــخص حــاول مهامجتــي يرتــدي نفــس هــذه الــرداء‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معان كثرية‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بنظرة هلا‬ ‫ال وهو يرمق كينو‬ ‫رد سايري قائ ً‬
‫‪ -‬إهنــا قصــة طويلــة ولكــن هــذه املالبــس قــد رسقتُهــا مــن نفــس اجلامعــة‬
‫التــي حاولــت مهامجتــك‪ ...‬واآلن مــا الــذي كنتــم تفعلونــه داخــل الربج؟‬
‫نظــر كينــو إىل نــور وهــو يأمــل أنــه لــن يقــول احلقيقــة ولكــن نــور رشع‬
‫يف رشح األمــر هلــم بــكل تلقائيــة ويــر وأخربمهــا بــكل ٍ‬
‫يشء‪ ،‬والحــظ‬
‫أن قســات وجهيهــا قــد انقبضــت يف غضــب فقاطعــه إيفانــوف عندمــا‬
‫وصــل إىل إيقــاف الــدرع قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا فعلت؟ يا إهلي سوف هنلك اآلن ال حمالة‪.‬‬
‫ولكــن كينــو مل يفهــم شــيئ ًا وأخــذ يســتفرس‪ ،‬فــرع إيفانــوف يقــص‬

‫‪224‬‬
‫عليهــا كل مــا حــدث هلــا حتــى وصــا إليهــا فنــزل اخلــر عليهــا‬
‫كالصاعقــة‪.‬‬
‫قال كينو لنفسه يؤنبها‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد تــم خداعــي كل هــذا الوقــت‪ ،‬ال عجــب أن قصــة الشــخص يف‬
‫شاشــة العــرض تتعــارض مــع قصــة ليونيــس‪ ...‬يــا إهلــي مل أعــد أدري‬
‫أيــن هــي احلقيقــة يف كل هــذا اهلــراء واخلــداع ا ُملســتمر‪ ...‬اجلميــع يلعــب‬
‫بنــا كالدميــة‪.‬‬
‫رست يف جســد نــور عــدة رعشــات قصــرة ونظــر إىل كينــو هبلــع‪ ،‬فقــال‬
‫كينــو بنــرة متقطعــة وقــد تصبــب العــرق مــن جبينــه‪:‬‬
‫‪ -‬أنــا حقــ ًا مل أعلــم هــذا‪ ،‬لقــد ُخدعــت بالكامــل وأظــن أنكــم كان‬
‫ســيحدث لكــم نفــس الــيء‪ ،‬لــو مل يتــم اختطافكــم‪ ...‬ولكــن دعكــم‬
‫مــن هــذا أظــن أنــه يمكننــي أن أجعــل الــدرع يعمــل مــن جديــد‪.‬‬
‫أوقفه سايري بنظراته قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬كينو أنت ُتفي شيئ ًا ما أليس كذلك؟‬
‫توتر كينو وتلعثم يف الكالم قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تقصد؟ أنا ال أخفي شيئ ًا!‬
‫‪ -‬بل ُتفي شيئ ًا يتعلق بالدمار الذي حل عىل هذه املدينة‪.‬‬
‫تذكــر ســايري مــا ســمعه مــن عضــو اإلينيكــس ـ الــذي رصعــه وأخــذ‬
‫مالبســه ـ عــن كينــو وعــن اخلطــأ الــذي قــام بــه ممــا تســبب يف غــزو هــذه‬

‫‪225‬‬
‫املدينــة وتدمريهــا عــى يــد روبوتــات جايــا‪ ،‬وشــعر كينــو أنــه يف ورطــة‬
‫ســتجعله يعــرف بحقيقــة مــا حــدث هنــا‪ ،‬ولكــن مــن حســن حظــه أنــه‬
‫رأى مــا فاجئــه وأنقــذه مــن هــذه الورطــة‪ .‬كان ليونيــس يقــرب ناحيتهــم‬
‫مــن بــن احلطــام وهــو ُيشــر إىل كينــو بيــده‪ ،‬فحــاول كينــو إخفــاء غضبــه‬
‫وطلــب مــن بقيتهــم أال يقومــوا بــأي ردة فعــل‪ ،‬ومهــس هلــم أن هــذا هــو‬
‫ليونيــس الــذي حدثهــم عنــه‪ .‬اقــرب ليونيــس ُمبتسـ ًـا ابتســامة ُمصطنعــة‬
‫وجســده الذهبــي يلمــع حتــت أشــعة الشــمس‪ ،‬وقــال بنربتــه اإللكرتونيــة‬
‫الغريبــة‪:‬‬
‫‪ -‬هل قمت بتنفيذ املهمة؟! إن جيشنا ينتظر اإلشارة ملساعدتكم‪.‬‬
‫فرد كينو هبدوء شديد أحسن اصطناعه‪:‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬لقد متت املهمة بنجاح‪.‬‬
‫مسا كينو‪:‬‬
‫قال ليونيس ُم ً‬
‫‪ -‬أحســنت يــا صديقــي واآلن سنســحق هــؤالء الزوريكــس وهنزمهــم‬
‫رش هزيمــة‪.‬‬
‫وجــه ليونيــس نظــره إىل اآلخريــن واســتطرد قائ ـ ً‬
‫ا وهــو يرفــع حاجبــه‬
‫املعــدين‪:‬‬
‫‪ -‬هل هؤالء رفاقك الذين كنت تبحث عنهم؟‬
‫‪ -‬نعــم إهنــم هــم‪ .‬لقــد عثــرت عليهــم‪ ...‬يش ٌء آخــر يــا ليونيــس أيــن‬
‫قلــت يل أن جيشــكم قــادم؟‬

‫‪226‬‬
‫فأشــار ليونيــس نحــو الــرق‪ ،‬فشــعر اجلميــع برجفــة يف أجســادهم‪.‬‬
‫فقــال كينــو وقــد تبدلــت مالحمــه‪:‬‬
‫‪ -‬أتقصد جيش جايا؟!‬
‫ٍ‬
‫بسخرية قائالً‪:‬‬ ‫حدق إليه ليونيس طويالً‪ ،‬ثم ابتسم‬
‫أنت تعرف احلقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬إذن َ‬
‫فأنطلق كينو ناحيته وحاول لكمه بقوة وهو يقول‪:‬‬
‫عيل‪.‬‬
‫‪ -‬أن ختدعني مرة فعار عليك‪ ،‬وأن ختدعني مرتني فعار ّ‬
‫ولكــن ليونيــس أمســك بقبضتــه بســهولة وســحبه مــن يــده وقذفــه بعيــدً ا‬
‫فتفاجــئ اجلميــع ممــا فعلــه‪ ،‬فأخــرج ســايري ســيفه الضوئــي وحــول‬
‫إيفانــوف يــده إىل معــدن وانطلقــوا ناحيــة ليونيــس ولكنــه أخــرج أجنحــة‬
‫ذهبيــة حديديــة مــن ظهــره وحلــق يف اهلــواء ُمبتعــدً ا وهــو يتوعدهــم‬
‫قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬ال تســتعجلوا هنايتكــم‪ ،‬فهــي قادمــة بعــد قليــل‪ ...‬جيــش ســيدي جايــا‬
‫يتوجــه اآلن بــاآلالف إىل هنــا وســيصل يف أي حلظــة وســينتهي أمركــم‬
‫وأمــر جالديــوس‪.‬‬
‫ً‬
‫صارخا‪:‬‬ ‫نظر إليه إيفانوف باشمئزاز ثم حول نظره إىل رفاقه‬
‫‪ -‬لقد تأخر الوقت جيب أن نعيد تشغيل الدرع برسعة‪.‬‬
‫أتفــق معــه اجلميــع وركضــوا ناحيــة الــرج برسعــة‪ ،‬ولكــن األوان قــد‬
‫فــات‪ ،‬فقــد ســمعوا صو ًتــا مــن الســاء؛ صــوت اجنحــة ترفــرف برسعــة‬

‫‪227‬‬
‫ومــن األفــق ظهــر رس ًبــا مــن اآلالت الطائــرة الشــبيهة بالنحــل‪ ،‬وبــدأت‬
‫تطلــق إبـ ًـرا متفجــرة مــن ذنبهــا عليهــم بمجــرد أن رأيتهــم‪ ،‬فبــدأت املبــاين‬
‫تنفجــر مــن حوهلــم وتســاقطت الصخــور فــرخ نــور قائـاً‪:‬‬
‫‪ -‬لقد فات األوان‪ ،‬جيب أن هنرب اآلن ونذهب إىل جيشنا‪.‬‬
‫ركــض إيفانــوف ناحيــة الســيارة وتبعــه اجلميــع‪ ،‬فأمســك بمقبــض‬
‫القيــادة وانطلــق برسعــة يشــق املدينــة ُمتجن ًبــا الطلقــات واحلطــام مــن‬
‫حولــه وقــد شــعروا أن هنايتهــم قــد جــاءت‪ .‬الليلــة سـ ُيقيض عــى البــر‬
‫متا ًمــا‪ .‬إهنــا هنايــة البرشيــة‪.‬‬
‫ظــل النحــل اآليل ُيطارهــم وهــو ُيطلــق عليهــم مــن ذنبــه مــادة خــراء‬
‫تُذيــب كل مــا تلمســه‪ .‬أســتمر إيفانــوف يف تفادهيــا‪ ،‬بينــا رأوا عــد ًدا مــن‬
‫الروبوتــات الفضيــة تركــض برسعــة هائلــة وراءهــم‪ ،‬فقــال نــور وقــد‬
‫فــرغ فاهــه مــن رسعتهــم‪:‬‬
‫‪ -‬يــا إهلــي‪ ،‬ســيلحقون بنــا عــا قريــب‪ ...‬أرسع‪ ،‬أرسع‪ ...‬يبــدوا أنــه ليس‬
‫هنــاك روبوتــات ذهبيــة وفضيــة‪ ،‬بــل ليونيــس هــو قائدهــم مجي ًعــا وهلــذا‬
‫فهــو حيمــل لو ًنــا ُميـ ًـزا عنهــم‪.‬‬
‫ضغــط إيفانــوف عــى دواســة القيــادة بقــوة فاندفعــت الســيارة برسعــة‬
‫رهيبــة وأصبــح مــن الصعــب الســيطرة عليهــا‪ ،‬ولكــن إيفانــوف متكــن‬
‫منهــا بصعوبــة بالغــة وهــو يتجنــب طلقــات الروبوتــات واحلطــام يف‬
‫الطرقــات أمامــه‪ ،‬حتــى اســتطاعت نحلــة أن تصيــب الســيارة بالســائل‬
‫املذيــب فأخــذ ســطح الســيارة يتــآكل برسعـ ٍ‬
‫ـة رهيبــة فضغــط إيفانــوف‬
‫بقــوة عــى الفرامــل بينــا تشــبث اجلميــع يف كراســيهم حتــى توقفــت‬

‫‪228‬‬
‫الســيارة‪ ،‬فقــال هلــم بلهجــة حتذيريــة‪:‬‬
‫‪ -‬اخرجوا من هنا حاالً‪ ...‬ستنفجر السيارة‪.‬‬
‫خــرج اجلميــع مــن الســيارة وابتعــدوا عنهــا بقــدر مــا اســتطاعوا حتــى‬
‫انفجــرت وراءهــم‪.‬‬
‫اقــرب عــدد كبــر مــن الروبوتــات منهــم وحارصهــم‪ ،‬فــرأى اجلميــع أنه‬
‫ـا وحدهم‪.‬‬ ‫ال جمــال للهــرب مــن مواجهتهــم‪ .‬ســيواجهون جيشـ ًا كامـ ً‬
‫اقرتبــت الروبوتــات وأقدامهــا احلديديــة هتــز األرض فارجتفــت املدينــة‬
‫عــى صليــل أصواهتــم املعدنيــة االلكرتونيــة الغريبــة وهــم يــرددون‬
‫هــم ِمنهــا هــو كلمــة جايــا‪.‬‬
‫عبــارات غريبــة بلغتهــم‪ ،‬وكل مــا ُف َ‬
‫ٍ‬
‫ورطــة‬ ‫وقــف نــور بثبــات وقــد اســتبد القلــق بقلبــه وأحــس أهنــم يف‬
‫عويصــة ال مفــر منهــا إذ أصبحــوا وحدهــم متا ًمــا يف مواجهــة هــذا اجليــش‬
‫اجلــرار مــن هــذه الروبوتــات شــديدة التطــور والتســليح‪ .‬قــال نــور وهــو‬
‫حيــث رفاقــه عــى الثبــات‪:‬‬
‫‪ -‬اســتعدوا لالصطــدام‪ ...‬إن كنــا ســنموت هنــا الليلــة‪ ...‬إذ ًا فلنأخــذ‬
‫معنــا أكــر عــد ًدا ممكــن‪.‬‬
‫بثقة يشوهبا السخرية‪:‬‬‫قال سايري ٍ‬

‫‪ -‬فلتسقط وحدك‪ ،‬فأنا لن أموت هنا‪.‬‬


‫ضحك إيفانوف ضحكة جملجلة‪ ،‬ونظر إىل سايري قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد منعنــا الغمــوض الــذي يكتنــف كل هــذه االحــداث الغريبــة‬

‫‪229‬‬
‫مــن االســتمتاع بوقتنــا‪ ...‬ولكــن اآلن وبعــد أن ِ‬
‫علمنــا مــا حيـ ُ‬
‫ـدث هنــا‬
‫أو بعــض الــذي حيــدث‪ ...‬حــان الوقــت لنتســى ُمــد ًدا كــا حــدث يف‬
‫الســباق مــن قبــل‪.‬‬
‫ابتسم سايري نصف ابتسامة وأخرج سيفه قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬سنتســى أمــام جيــش مــن الروبوتــات‪ ،‬يــا للســخرية‪ ...‬واآلن فلنــرى‬
‫مــن سـ ُيحطم أكــر قـ ٍ‬
‫ـدر ُمكـ ٍ‬
‫ـن منهــم‪ ...‬أشــعر وكأننــي أحطــم احلضــارة‬
‫احلديثــة وســلبياهتا بتحطميهــم‪.‬‬
‫ثم نظر إىل كينو نظرة ٍ‬
‫حتد قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد أخــذت منــي املركــز األول يف ســباق املــوت وهــذا لــن حيــدث‬
‫ثانيــة أبــدً ا‪ ...‬واآلن لنــرى مــن األفضــل‪ ...‬وال تنســى َ‬
‫أنــك ســتُخربنا‬
‫باحلقيقــة التــي ُتفيهــا بعــد أن ننتهــي هنــا‪.‬‬
‫مل ينبــس كينــو ببنــت شــفه واكتفــى بإحصــاء عــدد الروبوتــات بعينيــة‬
‫اآلليــة‪.‬‬
‫حائرا من ثقتهم الزائدة‪ ،‬وهز كتفية باستهجان قائالً‪:‬‬
‫وقف نور ً‬
‫‪ -‬مرح ًبــا‪ ...‬هنــاك جيــش مــن الروبوتــات يتوجــه ناحيتنــا‪ ...‬أال تــرون‬
‫الورطــة التــي وقعنــا هبــا؟! مصــر البرشيــة كلهــا عــى املحــك هنــا وأنتــم‬
‫تتســابقون فيــا بينكــم؟! مــا هــذا اهلــراء؟‬
‫ربا نافد‪:‬‬
‫قال إيفانوف بشغف عارم وص ً‬
‫‪ -‬حسن ًا‪ ...‬فلنبدأ‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫قاطعه سايري قائالً‪:‬‬
‫‪ -‬قبل أن نبدأ أريد أن أطلب منك طلب‪.‬‬
‫طلــب ســايري مــن إيفانــوف أن يقذفــه عال ًيــا يف اهلــواء حتــى يتمكــن مــن‬
‫القضــاء عــى النحــل اآليل الــذي هيامجهــم مــن األعــى‪ ،‬فغطــى إيفانــوف‬
‫جســده باحلديــد ومــد يــده ليقــف عليهــا ســايري ثــم مجــع كل قوتــه‬
‫وقذفــه عال ًيــا يف الســاء‪ ،‬فأنطلــق ســايري يشــق اهلــواء إىل األعــى ولكنــه‬
‫وجــد أنــه لــن يصــل إليهــم ورسعــان مــا بــدأ باهلبــوط جمــد ًدا إىل أســفل‪،‬‬
‫ولكنــه وجــد كينــو ُيلــق بجانبــه وقــد خرجــت النــران مــن ظهــره‬
‫ٍ‬
‫بقــوة أكــر إىل أعــى‪ .‬أنطلــق‬ ‫واقدامــه‪ ،‬فأمســك بــه مــن يديــه وقذفــه‬
‫ســايري عكــس اجلاذبيــة وشــعره يتطايــر مــن اهلــواء‪.‬‬
‫رأى النحــل اآليل أنــه يتوجــه ناحيتهــم فســارعوا بإطــاق النــران نحــوه‪،‬‬
‫ويعكســها بقوتــه ويتجنبهــا حتــى وصــل‬
‫ُ‬ ‫فأخــذ ســايري يصدُ هــا بســيفه‬
‫إىل اول نحلــة فشــقها بســيفه نصفــن ثــم أكمــل إىل أعــى ورشع باهلبــوط‬
‫ُمــد ًدا فســحب بقوتــه نحلــة ناحيتــه ووقــف فوقهــا ثــم بــدأ ُيركهــا‬
‫وكأهنــا عبــدة لــه قيــد حتكمــه‪ ،‬فقادهــا وهــو يشــق طريقــه بــن النحــل‬
‫اآلخــر ويقطعهــم بســيفه بينــا يتجنــب نرياهنــم‪.‬‬
‫هبــط كينــو عــى األرض بجانــب إيفانــوف ثــم نظــر لــه نظــرة فهــم‬
‫إيفانــوف معناهــا‪.‬‬
‫تــرك إيفانــوف حقيبــة أســلحته وطلــب مــن نــور اســتخدامها إن كان‬
‫يرغــب ثــم تركــه وانطلــق مــع كينــو يندفعــان ناحيــة جيــش الروبوتــات‬
‫الــذي أحصــاه كينــو ليجــد أنــه يبلــغ تعــداده عــرة آالف‪ ،‬وبالطبــع‬

‫‪231‬‬
‫ـرا مــن اجليــش ألن أكثرهــم كانــوا يعــرون اجلــر‬
‫كان هــذا ُجــز ًء صغـ ً‬
‫الذهبــي مــع جايــا‪.‬‬
‫ركضــا ناحيــة الروبوتــات فأطلقــت النــران عليهــا إليقافهــا‪ .‬مــد‬
‫إيفانــوف يــده إىل االمــام فصــد الطلقــات بســهولة بينــا وضــع كينــو درع‬
‫مــن الطاقــة حــول جســده‪.‬‬
‫وقــف نــور مذهــوالً مــن قدراهتــم وأحــس ببعــض الغــرة ولكنــه مل يــرك‬
‫جــدارا مــن احلديــد وأختبــأ خلفــه‬
‫ً‬ ‫هــذا الذهــول ينســيه دوره‪ ،‬فصنــع‬
‫وأمســك القناصــة التــي كان إيفانــوف حيملهــا معــه ورشع يف التصويــب‬
‫وإصابــة الروبوتــات يف اجلوهــرة املحيطــة برأســهم وقلبهــم‪.‬‬
‫قال نور لنفسه‪:‬‬
‫‪ -‬هذا أقىص ما أستطيع فعله يف وضعي احلايل‪.‬‬
‫وىف الســاء انطلــق ســايري يشــق طريقــه وهــو يدمــر النحــل الواحــدة تلو‬
‫األخــرى‪ ،‬وعندمــا تدمــرت نحلتــه قفز عــى واحدة أخــرى وســيطر عليها‬
‫ولكنــه ملــح يف االُفــق روبــوت ضخــم فــي اللــون يبلــغ طولــه ســبعة‬
‫أمتــار يقــرب ِمنهــا ورسب مــن النحــل يمتــد أمامــه حتــى الروبــوت‬
‫الضخــم‪ .‬نظــر إىل األســفل ورأى كينــو وإيفانــوف وهــم ُيســقطان‬
‫الروبوتــات الواحــد تلــو اآلخــر بقــوة عظيمــة وعزيمــة جبــارة‪ ،‬هــذا‬
‫ـدب وصــوب لتحارصهــم‬ ‫ُل حـ ٍ‬‫وقــد التفــت الروبوتــات عليهــا مــن ك ِ‬
‫وتقيــد حركتهــم‪ ،‬ولكنهــم كانــوا يلكموهنــا ويفجروهنــا بــكل يــر‪ .‬رأى‬
‫ســايري أن هــذا الروبــوت قــد ُيســبب هلــم مشــكلة كبــرة فقــرر القضــاء‬
‫عليــه وحــده لريهيــم أنــه األقــوى هنــا‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫وضــع ســايري ســيف ُه يف رأس النحلــة التــي يقــف عليهــا وقفــز عــى‬
‫النحلــة التــي تليهــا والتــي تليهــا‪ ،‬واســتمر يقفــز فوقهــم برشــاقة وكأهنــم‬
‫جــر يقــوده ناحيــة الروبــوت الضخــم‪ ،‬وىف النفــس الوقــت كلــا قفــز‬
‫عــى نحلــة يضــع ســيفه يف رأســها ويقفــز عــى التــي تليهــا فتنفجــر وراءه‬
‫وتســقط‪.‬‬
‫ظــل ســايري يقفــز مــن نحلــة إىل أخــرى وهــو يشــق بســيفه كل مــن‬
‫يقــف بطريقــه‪ ،‬وأحيان ـ ًا يســتخدم قوتــه ل ُيحركهــم بالقــرب منــه حتــى‬
‫يقفــز عليهــم أو ليجعلهــم يصطدمــون ببعضهــم البعــض‪ .‬اســتمر يف‬
‫القفــز والتدمــر حتــى أســقط نصــف رسب النحــل واقــرب للغايــة مــن‬
‫الروبــوت الضخــم‪ .‬نظــر إيفانــوف إىل األعــى ثــم إىل األفــق ورأى مــا‬
‫ينــوي عليــه ســايري‪ ،‬فابتســم قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬أهيــا الوغــد‪ ...‬تريــد أن حتصــل عــى كل املتعــة لنفســك‪ ...‬ولكــن لــن‬
‫أتــركك هــذه املــرة‪.‬‬
‫دفــع إيفانــوف الروبوتــات مــن حولــه بقــوة واندفــع بكتفـ ِ‬
‫ـه األيمــن يشــق‬
‫طريقــه وســط جيــش الروبوتــات اهلائــل بينــا اســتمر كينــو يف تفجــر‬
‫وتدمــر الروبوتــات مــن حولــه‪.‬‬
‫ـة إىل األخــرى‪ ،‬وقــد ســحب‬ ‫ـركات هبلوانيــة مــن نحلـ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫قفــز ســايري بحـ‬
‫نحلــة إليــه وشــقها بســيفه وحــرك جســدها بقوتــه ليصطــدم بالنحــل‬
‫أمامــه و ُيســقطه‪ .‬نظــر إىل األســفل فــرأى إيفانــوف يشــق طريقــه بــراوة‬
‫ناحيــة الروبــوت العمــاق فقــال بحــزم وعــزم‪:‬‬
‫‪ -‬لن أتركك حتصل عليه‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫ٍ‬
‫برسعــة كبــرة ناحيــة الروبــوت‬ ‫ٍ‬
‫بنحلــة وبــدأ يقودهــا‬ ‫أمســك ســايري‬
‫وهــو يتجنــب طلقاهتــم ومادهتــم املذيبــة وكأنــه يف ســباق طائــرات‬
‫ـة ُاخــرى لتســهل‬ ‫ومنــاورات حربيــة‪ .‬يقفــز بــن احلــن واآلخــر عــى نحلـ ٍ‬
‫أخــرا فهبــط‬‫ً‬ ‫عليــه طريقــه حتــى اســتطاع الوصــول إىل الروبــوت‬
‫بالنحلــة برسعــة حتــى أصبــح قري ًبــا مــن الروبــوت ثــم قفــز عال ًيــا مــن‬
‫فوقهــا وألتــف بجســده يف اهلــواء وهبــط بقــوة إىل األســفل ومــد ســيفه‬
‫إىل االمــام وهــو يشــق اهلــواء هابطــ ًا إىل األســفل بينــا رأى إيفانــوف‬
‫ـرا مــن الروبــوت إذ ال يســتطيع أحــد أن يوقفــه‪ ،‬حتــى‬ ‫وقــد اقــرب كثـ ً‬
‫وصــل إىل الروبــوت الضخــم ورأى ســايري هيبــط يف اهلــواء ناحيتــه فقفــز‬
‫إيفانــوف ووجــه لكمــة إىل معــدة الروبــوت حتــى يقــي عليــه بينــا هبــط‬
‫ســايري وشــق بســيفه جســده وأخــذ هيبــط إىل األســفل ببــطء‪.‬‬
‫لكــم إيفانــوف الروبــوت بقــوة فأندفــع بــدوره إىل اخللــف من أثــر اللكمة‬
‫ارضــا بســبب اندفــاع الروبــوت‬
‫فأهتــز جســد ســايري وكاد أن يســقط ً‬
‫املفاجــئ ولكنــه أخــرج ســيفه بعــد أن شــق رأس الروبــوت إىل نصفــن‬
‫وقفــز عــى جســده وأخــذ يركــض عليــه إىل األســفل بينــا يتهــاوى جســد‬
‫الروبــوت الضخــم إىل اخللــف‪.‬‬
‫هبط سايري بجانب إيفانوف وقال له بغيظ‪:‬‬
‫‪ -‬حسن ًا سأعتربه تعادالً‪.‬‬
‫ـدب وصــوب وأطلقــت النــران‬ ‫ُل حـ ٍ‬ ‫التفــت الروبوتــات عليهــم مــن ك ِ‬
‫عليهــم فأوقــف ســايري الرصــاص بيــده ثــم عكســه ناحيتهــم بينــا توجه‬
‫إيفانــوف إليهــم وأخــذ حيطــم أجســادهم ورؤوســهم بيــده احلديديــة‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫اســتمرت الروبوتــات بمحارصهتــم واالقــراب منهــم وحماولــة اإلمســاك‬
‫هبــم بــدالً مــن قتلهــم بعــد ان فشــلت يف هــذا‪.‬‬
‫قفــزت الروبوتــات فــوق بعضهــا بعنــف وعــدم اكــراث يف ســبيل‬
‫ـارا قاط ًعا أجســادهم‬‫اإلمســاك بعدوهــا‪ ،‬فلــوح ســايري بســيفه يمينـ ًا ويسـ ً‬
‫الفوالذيــة الواحــد تلــو اآلخــر‪ ،‬فــازدادت أعدادهــم ومل يعــد ســايري‬
‫يســتطيع القضــاء عــى كل هــذا العــدد أو اهلــرب منــه‪ .‬فقفــزوا عليــه‬
‫وأمســكوا بــه ولكنــه دفــع طاقــة هائلــة مــن داخــل جســده أطاحــت هبــم‬
‫مجي ًعــا بعيــدً ا عنــه‪ ،‬وأعطتــه هــذه احلركــة مســاحة كافيــة ليتحــرك بحريــة‬
‫فــرأى أهنــم ُمارصيــن متا ًمــا وال جمــال للهــرب إال بالقضــاء عليهــم مجي ًعا‪.‬‬
‫ـه وأخــذ ُيطلــق شــعا ًعا أزرق اللــون ناحيــة‬ ‫فتــح كينــو فوهــة يف معصمـ ِ‬
‫جحافــل الروبوتــات املنطلقــة ناحيتــه فدمرهــم الشــعاع بمجــرد أن‬
‫ملســهم‪ ،‬بينــا اســتمر نــور يف اصابتهــم بالقناصــة واســقاط أكــر عــد ًدا‬
‫ـك ببعــض القنابــل ا ُملتفجــرة وقذفهــا ناحيتهــم فانفجــرت‬ ‫ُمكــن وأمسـ َ‬
‫فيهــم لتحوهلــم إىل أشــاء حديديــة‪.‬‬
‫شــعر نــور أنــه مــن املســتحيل أن يقضــوا عــى كل هــذه األعــداد وحدهــم‬
‫وأن التفكــر يف هــذا وحــده در ًبــا مــن اخليــال مهــا بلغــت قوهتــم‪ ،‬فبــدأ‬
‫بتحليــل املوقــف حولــه وحماولــة التفكــر يف خطــة للهــروب ولكنــه مل‬ ‫ِ‬
‫جيــد أي خطــة إطالق ـ ًا‪.‬‬
‫ـوة وبدأت‬‫وبعــد نصــف ســاعة مــن القتــال ا ُملســتمر حارصهتــم اآلالت بقـ ٍ‬
‫أعدادهــا اهلائلــة حتســم املعركــة‪ ،‬وشــعر ســايري وإيفانــوف باإلهنــاك بينام‬
‫بــدأت ذخــرة كُل مــن نــور وكينــو بالنفــاد‪ ،‬وأحســوا أن مواجهتهــا لــكل‬

‫‪235‬‬
‫هــذا العــدد وحدمهــا كان غبــا ًء شــديدً ا منهــا‪.‬‬
‫اســتعد كينــو لتفعيــل قوتــه الرسيــة التــي اســتخدمها مــن قبــل يف موقـ ٍ‬
‫ـف‬
‫ِ‬
‫الســاء فنظــر إىل‬ ‫يصــدر مــن‬ ‫ٍ‬
‫شــابه هلــذا‪ ،‬ولكنــه فجــأة ســمع صوتًــا‬ ‫ُم‬
‫ُ‬
‫أعــى ليجــد مخســة روبوتــات عمالقــة هتبــط مــن االعــى حتــى اســتقرت‬
‫خلفهــم‪ .‬شــعر نــور بالذعــر مــن حجمهــا اهلائــل وأدرك يف هــذه اللحظــة‬
‫أنــه تــم القضــاء عليهــم‪.‬‬
‫ـون أسـ ٍ‬
‫ـود المــع وأجســا ًدا يــراوح‬ ‫كانــت الروبوتــات الضخمــة متتــاز بلـ ٍ‬
‫طوهلــا إىل عــرة أمتــار‪ .‬لدهيــم أربعــة عيـ ٍ‬
‫ـون محــراء وأيــدي كبــرة متتــاز‬
‫بثالثــة شــيفرات حديديــة ختــرج مــن كل واحــدة ِمنهــا وعنــد جزعهــا‬
‫يوجــد ثالثــة مدافــع محــراء ناحيــة اليمــن وثالثــة ناحيــة اليســار‪.‬‬
‫وجهــت الروبوتــات يدهــا ناحيتهــم وقــد بــرزت أســلحة منها فصنــع نور‬
‫ِدر ًعــا ُمضــا ًدا للرصــاص ليحميــه مــن طلقــات النــار ولكنــه الحــظ أهنــا‬
‫تســتهدف الروبوتــات وتتجنــب اصابتــه هــو فأصابــه الذهــول ووقــف‬
‫كينــو ُيــدق فــرة حمــاوالً اســتيعاب املوقــف‪ ،‬وانتهــى ذهوهلــم بعــد أن‬
‫انفتــح رأس أحــد الروبوتــات وخــرج إريــس مــن داخلــه وهــو حييهــم‬
‫بيديــه قائ ـاً‪:‬‬
‫‪ -‬مرح ًبا يا رفاق آسف عىل التأخري‪.‬‬
‫تذكــر نــور وجــه إريــس مــن االختبــارات غــر أنــه تغــر بعــض الــيء‬
‫وقــد أصبــح أكــر ِســن ًا كــا حــدث للجميــع‪ ،‬فقــال نــور بذهــول شــديد‬
‫وقــد فــرغ فاهــه‪:‬‬

‫‪236‬‬
‫‪ -‬إريس أهذا أنت؟ هل جئت ملساعدتنا؟!‬
‫‪ -‬نعــم يــا عزيــزي لقــد جئــت للمســاعدة‪ ...‬ســعيدً ا لرؤيتــك عــى قيــد‬
‫احليــاة فقــد أعجبنــي دهائــك وذكائــك يف ســباق املــوت‪.‬‬
‫‪ -‬أشكرك عىل هذا‪ ...‬ولكن من يف الروبوتات األخرى؟‬
‫‪ -‬ال أحــد بالطبــع إهنــا لكــم بالكامــل‪ ...‬إهنــا تتحــرك اآلن طبقـ ًا ألوامري‬
‫واآلن فلتدخلــوا فيهــا فقــد حــان وقــت القضــاء عــى هــؤالء األوغاد‪.‬‬
‫انفتحــت رؤوس الروبوتــات وبــرزت قمــرة القيــادة بداخلهــا‪ ،‬فانطلــق‬
‫نــور وأطلــق سلســلة مــن يــده امتــدت إىل القمــرة فأمســكت هبــا ثــم‬
‫ٍ‬
‫أمحــر ُم ٍ‬
‫ريــح‪،‬‬ ‫كــريس‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بجســده عــى‬ ‫ســحبته حتــى ارتفــع إليهــا فألقــى‬
‫ـض أزرق‬ ‫فانغلقــت الــرأس وعــم الظــام ثــم ُاضيئــت الشاشــات بوميـ ٍ‬
‫يظهــر تعليـ ٍ‬
‫ـات عــن كيفيــة قيــادة الروبــوت‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الحــظ نــور أن الروبــوت يتحــرك و ُيطلــق النــار رغــم عــدم مقدرتــه عــى‬
‫قيادتــه بعــد ورجــح أن التحكــم اآليل هــو مــن يفعــل هــذا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وبســهولة تامــة تعلــم كيفيــة‬ ‫ركــض كينــو وامتطــى أحــد الروبوتــات‬
‫قيادتــه يف أقــل مــن ثانيــة‪ .‬فكــر يف رسه أنــه األكثــر حظـ ًا يف تعلم األشــياء‪.‬‬
‫نظــر إيفانــوف وســايري إىل التغــرات التــي طــرأت عــى أرض املعركــة‬
‫وشــعرا ببعــض األمــل بعــد أن اهنكتهــم املعركــة بالكامــل‪ ،‬وتعجــب‬
‫إيفانــوف مــن قدرتــه عــى تفعيــل قوتــه كل هــذا الوقــت‪ ،‬ورجــح أن‬
‫هــذا بســبب الورطــة التــي حتيــط هبــم اآلن‪.‬‬
‫أيضــا أنــه اســتخدم قوتــه أكثــر مــن املعتــاد ومل تنفــد طاقتــه‬
‫شــعر ســايري ً‬

‫‪237‬‬
‫بعد ‪.‬‬
‫أشــار هلــا إريــس بيــده أن يأتيــا لركـ ِ‬
‫ـوب أحــد هــذه الروبوتــات‪ ،‬فانطلقــا‬
‫يشــقان طريقهــا ومهــا يســقطان كُل مــن يف طريقهــا وقــد أخــذت‬
‫الروبوتــات تُطلــق النــار بــراوة عــى الروبوتــات العمالقــة ولكنهــا‬
‫كانــت مــزودة بنظــام دفــاع قــوي مضــاد للرصــاص‪.‬‬
‫وصــل كُل مــن إيفانــوف وســايري إىل قمــرة القيــادة وقفــزا بداخلهــا‪،‬‬
‫فأصبحــوا مجي ًعــا ُمتصلــن بنظــام صــويت واحــد‪ ،‬حتــى يتســنى للجميــع‬
‫التواصــل مــع بعضهــم البعــض‪.‬‬
‫اثــار إعجــاب إيفانــوف قيــادة هــذه الروبــوت الغريــب‪ ،‬فقــال متســائ ً‬
‫ال‬
‫والفضــول يمــأه‪:‬‬
‫‪ -‬إريــس أهيــا الوغــد املاكــر‪ ،‬مــن أيــن حصلــت عــى هــذه األشــياء‬
‫الرائعــة؟‬
‫ضحك إريس قائ ً‬
‫ال بنربة يشوهبا الثقة والكربياء‪:‬‬
‫ـت ال تعلــم كل مــا يف جعبتــي بعــد يــا عزيــزي‪ ...‬عــى كل حــال لقــد‬ ‫‪ -‬أنـ َ‬
‫حصلــت عليهــا مــن الرئيس‪.‬‬
‫صوت واحد‪:‬‬‫ٍ‬ ‫قالوا مجي ًعا يف‬
‫‪ -‬الرئيس؟!‬
‫ـت منـ ُه الكثــر مــن األشــياء الغــر‬
‫‪ -‬نعــم الرئيــس‪ ...‬لقــد قابلتــه وعلمـ ُ‬
‫ٍ‬
‫مفهومــة‪ ...‬ولكــن ســأروي لكــم كل مــا حــدث يف وقــت الحــق‪...‬‬

‫‪238‬‬
‫أمــا هــذه الروبوتــات فقــد كانــت الســاح الــري هلــم‪ ...‬وكان ينــون‬
‫اســتخدامها عندمــا يتــأزم احلــال أكثــر مــن ذلــك ولكنــي متكنــت مــن‬
‫كنــت أعمــل‬
‫ُ‬ ‫إقناعــه بإعطائــي مخســة منهــا‪ ...‬ومــن ا ُملضحــك أننــي‬
‫جاسوســا لالحتــاد األورويب وكانــت مهمتــي هــي التســلل إىل مــر‬ ‫ً‬
‫واحلصــول عــى طريقــة صنــع هــذه األشــياء‪ ...‬كانــت هــذه األشــياء‬
‫ســتقيض عــى جيــوش االحتــاد األورويب إن بــدأت حــرب بينهم وســينتهي‬
‫األمــر لصالــح االحتــاد اإلســامي ولكــن هــذا مل يعــد ُيــم بعــد اآلن‪ ،‬ألن‬
‫كالمهــا مل يعــد موجو ًدا‪...‬ولكنهــا كانــت مفاجئــة يل أهنــم جلبــوا هــذه‬
‫األشــياء إىل هــذا الكوكــب الغريــب معهــم!‬
‫قال نور بنربة ُمنفعلة‪:‬‬
‫‪ -‬يــا إهلــي هــذا يشء غريــب‪ ،‬هــل كانــت هــذه األســلحة بحوزتنــا طــوال‬
‫الوقــت؟ ولكــن وكيــف علمــت أننــا أربعــة اشــخاص هنــا؟‬
‫‪ -‬جهــاز حتديــد املواقــع يــا عزيــزي وبــه حــددت عــدد األشــخاص يف‬
‫املنطقــة‪ ...‬جعلنــي هــذا أتوقــع أن ســايري وإيفانــوف عثــرا عــى اثنــن‬
‫منكــم فقــط‪ ...‬فجلبــت هــذا العــدد وجئــت بــأرسع مــا عنــدي‪ ...‬واآلن‬
‫كفــوا عــن احلديــث امامنــا الكثــر لنقــي عليــه هنــا‪.‬‬
‫اقرتبــت الروبوتــات منهــم وهــي تطلــق النــار برشاســة وتُلقــي عليهــم‬
‫بالقنابــل واملتفجــرات واألســلحة الثقيلــة‪ ،‬ولكــن الــدرع املحيــط‬
‫بالروبوتــات الكبــرة كان حيميهــا‪.‬‬
‫ضغــط ســايري عــى أحــد االزرار فخرجــت مــن قــدم الروبــوت اليمنــى‬
‫غرفــة صغــرة بجانــب الركبــة‪ ،‬وبدخلهــا غمــد ســيف عمــاق‪ ،‬فأمســك‬

‫‪239‬‬
‫روبــوت ســايري بالغمــد وأخــرج ســيف ضوئــي أزرق عمــاق يومــض‬
‫ـق يعمــي األبصــار وبيــده اليــرى انفتحــت فوهــة كبــرة‪ .‬انطلــق‬ ‫بربيـ ٍ‬
‫ســايري يشــق الطريــق وســط الروبوتــات وهــو يلــوح بســيفه اهلائــل‬
‫ِ‬
‫كــورق الشــجر بينــا اســتخدم يــده اليــرى‬ ‫لتتطايــر الروبوتــات معــه‬
‫التــي كانــت تعمــل كمغناطيــس لســحبهم باجتاهــه وتدمريهــم‪ ،‬وكان‬
‫أحيان ـ ًا يعكــس قوهتــا لتجعلهــم يتطايــرون يف كل اجتــاه بقــوة‪.‬‬
‫كان يوقــف طلقاهتــم يف اهلــواء بيــده اليــرى وجيمعهــا حتــى يصبــح‬
‫ا ثــم يعكســها لتنهــال عــى الروبوتــات كوابـ ٍ‬
‫ـل مــن النــران‬ ‫عددهــا هائـ ً‬
‫ا ُملدمــرة‪.‬‬
‫ضغــط نــور عــى أحــد االزرار فارتفعــت أنامــل الروبوتــات وخرجــت‬
‫منهــا فوهــات كبــرة‪ ،‬أطلــق هبــا النــران بــا هــوادة عــى جحافــل‬
‫الروبوتــات فأســقط منهــم الكثــر‪ ،‬بينــا اســتخدم كينــو مدافــع الدفــاع‬
‫عنــد جــذع الروبــوت التــي كانــت تتصيــد الروبوتــات تلقائ ًيــا بنرياهنــا‬
‫اهلائلــة وىف يــده ال ُيمنــى فتــح فوهــة وأنطلــق منهــا شــعاع أصفــر يذيــب‬
‫ويفجــر كل روبــوت يلمســه‪.‬‬
‫أعتمــد إيفانــوف عــى ُحبــه للتحطيــم واكتفــى بدهــس وســحق‬
‫الروبوتــات بآلتــه العمالقــة‪ ،‬بينــا أخــرج إريــس مــن ظهــر الروبــوت‬
‫مدافــع كبــرة تُطلــق الصواريــخ واملتفجــرات ناحيــة الروبوتــات التــي‬
‫ِ‬
‫عليــه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫موقــف ال ُتســدُ‬ ‫أصبحــت يف‬
‫كانــت أعــداد الروبوتــات تقــل ومل يكــن هلــم أي فرصــة يف الفــوز امــام‬
‫هــذه االبتــكارات البرشيــة الرائعــة واملذهلــة‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫اســتمرت املعركــة ُربــع ســاعة أخــرى ولكــن أعــداد الروبوتــات مل تكــن‬
‫تنتهــي فكانــوا يبــدون وكأهنــم بــا هنايــة‪ ،‬فقــال إريــس وقــد شــعر أن‬
‫ذخريهتــم ســتنفد بعــد قليــل‪:‬‬
‫‪ -‬جيــب أن هنــرب مــن هنــا ونجتمــع مــع باقــي اجليــش ونضــع اخلطــة‬
‫التــي ســتمكننا مــن إســقاط هــذا اخلطــر اهلائــل‪ ...‬آه‪ ...‬نســيت أن أقــول‬
‫ـت أعــدا ًدا كبــرة مــن املتطوعــن مــن البــر يف املالجــئ‬‫لكــم أننــي مجعـ ُ‬
‫للقتــال معنــا يف هــذه احلــرب‪ .‬واآلن لننســحب مــن هنــا‪.‬‬
‫تراجــع اجلميــع بآالهتــم بعــد أن دمــروا عــددا كبــرا مــن روبوتـ ِ‬
‫ـات جايــا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وهــذا قــد يســهل مهمتهــم قليـ ً‬
‫ا يف املعركــة القادمــة‪ .‬ركضــوا إىل اخللــف‬
‫ثــم ضغطــوا عــى بعــض االزرار فقفــزت الروبوتــات قفــزة عاليــة يف‬
‫الســاء واخرجــت مــن ظهرهــا وقدمهــا ُمــركات نفاثــة جعلتهــم ُيلقــون‬
‫لبعــض الوقــت‪ ،‬هــذا وقــد تركــوا الروبوتــات خلفهــم لتكمــل تقدمهــا‬
‫إىل وســط مدينــة أطالنتــس حيــث ســتكون املعركــة األخــرة‪.‬‬

‫يف املخيــم بــدأ اجلميــع ُيعــد نفســه للحــرب الكبــرة القادمــة‪ ،‬فبــدأ‬
‫اجلنــود يلقمــون أســلحتهم‪ ،‬ويعــدون الدبابــات والطائــرات والصواريــخ‬
‫والقنابــل‪.‬‬
‫وعنــد اجلــر الغــريب الواصــل بــن القارتــن كان جيــش الروبوتــات‬
‫اهلائــل يتقــدم‪ ،‬و ُيصــدر أصواتــه اســتعدا ًدا للمعركــة الكبــرة أصواتــ ًا‬
‫تنــذر معهــا باهلــاك لــكل مــن يقــف يف طريقهــا‪ .‬وقــف جايــا عــى قمــة‬
‫الفرعــون وهــو يشــعر بنشــوة النــر قائ ـاً‪:‬‬

‫‪241‬‬
‫‪ -‬الليلــة هــي هنايــة عــامل ووالدة عــامل جديــد وهبــذه الــوالدة ســأحقق‬
‫حلمــي الــذي لطاملــا انتظرتــه‪ .‬أيتهــا العرافــة ا ُملبجلــة ســأحقق حلمــك يف‬
‫هــذا الكــون البائــس الــذي امتــأ بالفســاد‪.‬‬
‫وىف الفضــاء حلقــت ســفينة فوق كوكــب أطالنتــس ذا القــارات اخلرضاء‪.‬‬
‫ســار شــخص عــر ممــر يف الســفينة يمتــأ بكـ ٍ‬
‫ـرات زرقــاء ُمضيئــة متــأ‬
‫املمــر كلــه لتضــع عليــه ملســة ســحرية تــر الناظريــن‪ .‬كان يرتــدي‬
‫مالبــس اإلينيكــس وقنــاع فــي يشــبه اجلمجمــة عــى وجهــه وعليــه‬
‫بعــض الزخرفــات الرائعــة‪ .‬دخــل إىل غرفــة ُمظلمــة وكان يف هنايتهــا‬
‫يقــف شــخص يف الظــام بالقــرب مــن نافــذة الســفينة وينظــر ناحيــة‬
‫كوكــب أطالنتــس فقــال عضــو اإلينيكــس وقــد انحنــى عــى ركبتيــه‪:‬‬
‫‪ -‬ســيدي جالديــوس‪ ،‬إن جايــا يتوجــه اآلن ناحيــة مقــر البــر كــا‬
‫طلبــت‪ ...‬لقــد ســمحت لكينــو أن يفتــح الــدرع لــه وجليشــه حتــى يمــر‬
‫ويصبــح بالداخــل‪ .‬واآلن مــا التــايل؟‬
‫صمــت جالديــوس قليــ ً‬
‫ا وهــو يتأمــل الكوكــب األخــر ثــم كــر‬
‫ا بنــرة جهوريــة‪:‬‬ ‫حاجــز الصمــت قائــ ً‬
‫‪ -‬سنرتكهم يتقاتلون‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا؟ ولكن يا سيدي‪...‬‬
‫ـاذجا وال تفهــم أمهيــة الفــوىض يف االنتصــار‬
‫ـت ال تفهــم‪ .‬ال زلــت سـ ً‬
‫‪ -‬انـ َ‬
‫يف احلــروب‪ .‬إرســالنا جيــش إلســقاط جايــا ســيكلفنا الكثــر ولكــن‬
‫إن تركنــا األمــور تــري كــا هــي فهــذا ســ ُيضعف جايــا وبعدهــا‬

‫‪242‬‬
‫قــوي للغايــة وإن بعثنــا لــه أعضــاء‬
‫ٌ‬ ‫ســنتحرك‪ ...‬أال تــرى؟ جايــا‬
‫اإلينيكــس فسيســقطون أمامــه كالذبــاب‪ ،‬ولكــن البــر لدهيــم مــن‬
‫العنــاد والرغبــة يف البقــاء مــا يؤهلهــم لتأخــره بعــض الوقــت واســتنفاذ‬
‫ا ومــن ثــم نشــن نحــن الرضبــة القاضيــة عليــه‪.‬‬ ‫طاقتــه قليــ ً‬
‫طــرق جالديــوس بأصابعــه فخرجــت شاشــة هولوجراميــة تعــرض‬
‫كوكــب أطالنتــس مــن األعــى واقرتبــت الصــورة حتــى أظهــرت ً‬
‫جيشــا‬
‫ـارحا مــا‬
‫يتحــرك مــن الشــال ناحيــة منطقــة البــر‪ .‬فقــال جالديــوس شـ ً‬
‫حيــدث‪:‬‬
‫‪ -‬إن هــذا اجليــش الــذي تــراه هــو ممــن تبقــوا مــن شــعب أطالنتــس‪...‬‬
‫كانــوا خيتبئــون يف أحــد القــارات الصغــرة وجايــا كان يعلــم هــذا ولكنــه‬
‫مل هيتــم ألمرهــم طاملــا مل يشــكلوا خطـ ًـرا‪.‬‬
‫‪ -‬حسنًا وملاذا يتحركون اآلن بعد كل هذه السنني؟ هل هي صدفة؟‬
‫‪ -‬بالطبــع ال‪ .‬لقــد أرســلت إليهــم مارجــوث واســتطاع أن يقنعهــم‬
‫ـك أن تتعلــم‬‫بالتحــرك‪ .‬سيشــاركون يف احلــرب كــا تــرى‪ ...‬واآلن عليـ َ‬
‫جيــدً ا هــذا الــدرس‪ ...‬لننتــر يف هــذه احلــرب علينــا أن نراقــب عــن‬
‫ِ‬
‫الوقــت ا ُملناســب لتنفيــذ الرضبــة‬ ‫كثــب كل حركــة حتــدث ونتدخــل يف‬
‫القاضيــة‪ .‬جايــا يمتلــك بلــورة احليــاة وإن كنــت ال تعلــم مــدى قــوة هــذه‬
‫البلــورة فأســتطيع اختصــار األمــر بالقــول أنـ ُه ال ُيقهــر اآلن‪ .‬لقــد أصبــح‬
‫خالــدً ا وال تؤثــر فيــه األســلحة وال الطعنــات‪ ،‬ولكــن كأي كائــن يف هــذا‬
‫العــامل فهــو بالطبــع لديــه نقطــة ضعــف‪ ،‬وأنــا أعلمهــا جيــدً ا ولكــن علينــا‬
‫أوالً أن ننتظــر‪ .‬هنــاك البــر يف طــرف وجايــا والروبوتــات يف الطــرف‬

‫‪243‬‬
‫الثــاين ومــا تبقــى مــن شــعب أطالنتــس يف الطــرف الثالــث‪ ،‬وأثينــوس‬
‫وأخريا‬ ‫وأســطوله الــذي اســتوىل عــى كوكــب األرض يف الطـ ِ‬
‫ـرف الرابــع‪،‬‬
‫ً‬
‫نحــن الطــرف اخلامــس واألخــر‪ .‬وكلنــا قــد اجتمعنــا عــى القضــاء عــى‬
‫جايــا ولكــن علينــا أوالً أن ننتظــر حتــى ُينهكــ ُه القضــاء عــى كل هــذه‬
‫اجليــوش ُمتمعــة عليــه وبعدهــا ســنعطيه الرضبــة القاضيــة‪ .‬والطبــع‬
‫فالفضــل يعــود إ ّىل يف إحضــار كل هــذه األطــراف وتوحيدهــا عــى قتــال‬
‫جايــا‪.‬‬
‫ضحــك عضــو اإلينيكــس ضحكــة خبيثــة مكتومــة مــن دهــاء جالديوس‬
‫وقال‪:‬‬
‫‪ -‬حس ـنًا لقــد فهمــت يــا ســيدي‪ .‬لــن نبعــث برجالنــا يف ا ُملقدمــة حتــى‬
‫ال نتكبــد اخلســائر وســنرتك البــر وشــعب أطالنتــس يقومــون بالعمــل‬
‫كلــه‪.‬‬
‫‪ -‬نعــم وال تنســى أن العينــات معهــم وقــد قضــوا عــى آالف الروبوتــات‬
‫ـر يف هـ ِ‬
‫ـذه احلــرب الدموية‪.‬‬ ‫منــذ قليــل وهلــذا فهــم ســيكونون ذو عـ ٍ‬
‫ـون كبـ ٍ‬
‫أظــن أهنــم قــد انتهــوا مــن االختبــار األخــر اآلن وقــد فهمــوا مــا عليهــم‬
‫فعلــه يف هــذا العــامل ا ُملحطــم‪ .‬لقــد علمــوا احلقيقــة وأيقنــوا أن مصلحتهــم‬
‫احلقيقيــة هــي يف القضــاء عــى جايــا‪ .‬واآلن لنــرى كــم منهــم ســيفلت‬
‫مــن هــذه احلــرب وينضــم إىل اإلينيكــس بعــد ذلــك‪.‬‬
‫دقــق جالديــوس النظــر يف الفضــاء الشاســع أمامــه ونظــر إىل الشــمس‬
‫الزرقــاء البعيــدة التــي يــدور كوكــب أطالنتــس حوهلــا ثــم ألتــف قائـاً‪:‬‬
‫‪ -‬واآلن فلنبدأ‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫اقرتبــت ســفينة جالديــوس مــن جمــال كوكــب أطالنتــس ووقــف جنــوده‬
‫ا ُمللثمــن يف ُاهبــة االســتعداد للحــرب األخــرة‪.‬‬
‫وىف هــذه األثنــاء خــرج أســطول ضخــم مــن كوكــب األرض بقيــادة‬
‫ِ‬
‫مقدمــة‬ ‫أثينــوس وتوجــه ناحيــة كوكــب أطالنتــس‪ .‬وقــف أثينــوس يف‬
‫ســفينته وقــال واحلقــد يمــأ قلبــه‪:‬‬
‫‪ -‬جايــا لقــد وعدتــك أن أعــود وانتقــم منــك وقــد أوفيــت بوعــدي‪.‬‬
‫واآلن فلتنتظــرين‪.‬‬

‫*** ُيتبع ***‬

‫‪245‬‬
‫الكاتب يف سطور‬
‫عــار حممــود عــى حممــد املــري‪ ،‬كاتــب مــري مــن مواليــد‬
‫‪ ،1996‬خريــج كليــة لغــات وترمجــة قســم اللغــة اإلنجليزيــة‬
‫بجامعــة مــر للعلــوم والتكنولوجيــا‪.‬‬
‫كاتــب يف أدب اخليــال العلمــي والفانتازيــا‪ ،‬وعضــو فعــال‬
‫يف اجلامعــة املرصيــة ألدب اخليــال العلمــي‪ .‬صــدر لــه روايــة‬
‫«ظــال أطالنتــس» اجلــزء األول مــن سلســلة العــامل اجلديــد‪.‬‬
‫شــارك بقصــة «الســاعة الذهبيــة» يف مســابقة أدب اخليــال‬
‫العلمــي لألطفــال واليافعــن عــن اجلمعيــة املرصيــة ألدب‬
‫اخليــال العلمــي وصــدرت يف كتــاب «املســتقبليون» ضمــن‬
‫سلســلة شــمس الغــد الصــادرة عــن اجلمعيــة‪.‬‬

‫للتواصل مع الكاتب‪:‬‬
‫‪00201114896424‬‬

‫‪246‬‬

You might also like