Professional Documents
Culture Documents
التشريعات العقارية
طلِ ُعنَا قراءة الوثائق على مدى ارتباط عناصر السياس ات الفرنس ية في الجزائ ر كثيرا ما تُ ْ
ببعضها البعض؛ فمثال ال يكشف لنا تصريح الجنرال بيجو Bugeaudأمام النواب ع ام ،1840
حين ق ال" :عليكم بإس كان المس توطنين حيث يوج د الم اء الع ذب واألراض ي الخص بة دون
االهتمام بمعرفة لمن تعود هذه األراض ي" ،عن حاج ة االس تيطان إلى المزي د من األراض ي
وتعذر إيجاد الصيغ القانونية "الحضارية" لالستيالء عليها بالقدر الذي يكشف لن ا عن إح دى
وجوه المشروع اإلستعماري الفرنسي في الجزائر ال تي ال يمكن إخفاؤه ا أو تلوينه ا ،وعلي ه
فإن إلقاء الض وء على سلس لة التش ريعات العقاري ة اإلس تعمارية ال يع ني في ج وهر ح ديثنا
سوى الوق وف على ح دود اص طناع ساس ة فرنس ا الم بررات "الض رورية" لالس تيالء على
أراضي الجزائريين ،المبررات التي يمكن جمعها في ثالثة أصناف:
أ -أمالك تابعة "للدولة" البائدة وللحبوس اإلسالمية :وقد اعتبر الفرنسيون أنفسهم ورثة
دولة الدايات وكافة أشكال الملكيات التي تمنع التشريعات المحلية انتقالها كالحبوس مثال؛
تب -أراضي الب ور والم راعي والغاب ات والس باخ ...إلخ؛ أي كاف ة الملكي ات ال تي بَ َد ْ
للفرنس يين على أنه ا ال أهمي ة له ا ل دى الجزائ ريين ،ودليلهم على ذل ك أنهم لم يش هدوا لهم
باستغاللها؛
جـ -المصادرة :أي اإلستيالء على أراضي القبائل الثائرة والمتعاونة معها.
وقد ارتبطت التشريعات العقارية أساسا بش تى الظ روف الس ائدة في أوروب ا ،وبص فة أخص
الظروف السياسية واالجتماعية ثم تنامي حاجيات التنمية الرأسمالية في الجزائ ر الحق ا .وق د
ص برينو إيتيان Bruno Etienneنوعيات المستوطنين األوربيين الذين كانوا يت دفقون على لَ َّخ َ
الجزائر ،وخاصة خالل الثلثين األخيرين من القرن التاسع عشر ،في اآلتي:
:1842 – 1830استيطان عسكري وزراعي وتجاري؛
:1872 – 1847استيطان سياسي :الناجون في فرنسا؛
:1902 – 1870استيطان البؤساء؛
:1962 – 1902الموظفين ومختلف فئات اإلطارات.
ان على توقي ع معاه دة ،5/7/1830ال تي تعه د فيه ا ومهما يكن من أم ر ،فبالك اد َم َّر َش ْه َر ِ
الفرنسيون بعدم المساس "بممتلكات وتجارة وصناعة" الجزائريين ،ح تى أص در قائ د ق وات
االحتالل ق رارا في 8/9/1830يلح ق بموجب ه "المن ازل والمخ ازن والح وانيت والبس اتين
واألراضي والمقرات والمؤسسات المختلفة ،التي شغلها في السابق الداي والباي ات واألت راك
الذين غادروا أرض الجزائر أو ُسيِّرت باسمهم ،وكذا تلك التي ُخصِّصت ،بأي ة ص فة ك انت،
لمكة والمدين ة" ،ب إدارة األمالك العمومي ة التابع ة للدول ة الفرنس ية .وفي ،7/12/1830ألحقت
عائ دات األمالك "المخصص ة لمك ة والمدين ة والمس اجد ،"...ب إدارة أمالك الدول ة .ولكي
تتع رف ه ذه اإلدارة عملي ا على ك ل المس احات واألمالك ال تي اس تحوذت عليه ا ،طبق ا
لإلجراءين سالفي ال ذكر ،فإنه ا عملت على ص دور ق رار ،في ،10/3/1833يح دد مهل ة يق دم
ك العقو َد ،ال تي تثبت ملكيتهم لش تى الممتلك ات ،إلى اإلدارة لتتحق ق من ص حتها خاللها ال ُمالَّ ُ
2
وإال اعت برت كاف ة األراض ي تابع ة للدول ة .وفي ف اتح أكت وبر ،1844ص در واح د من أهم
التشريعات العقارية االستعمارية في الجزائر وفتح عهدا جديدا لإلستيطان عن طريق إرس ائه
أسس نظام يؤمن عمليات انتقال الملكي ة وذل ك بع د إيالئ ه بظه ره للماض ي ،كم ا عم ل على
تطوير حاجيات اإلستيطان إلى األراضي مثلما تبينه بإيجاز المواد األربعة التالية:
ُ
م 1ـ "إن البيع وكافة عقود انتقال الملكية ،المؤرخ لها قبل هذا األم ر ،ال تي أب رمت م ع
أوربيين باس م مالك أه الي ــ وال تي ،دون تكلي ف خ اص ،وقَّعه ا القض اة (المس لمون) باس م
القُصر أو الغائبين ،واألزواج باسم زيجاتهم ،واآلباء باسم أبن ائهم أو أص هارهم أو ربيب اتهم،
واإلخوة باسم شقيقاتهم أو أزواجهن أو أشقائهم ،وأرباب العائالت باسم أفراد العائالت ،ال ذين
أس ندت رع ايتهم إليهم س واء أك انوا حاض رين أم غ ائبين ــ ال يمكن اعتباره ا الغي ة بس بب
محدودية سلطات القضاة (المسلمين) واألزواج واآلباء واإلخوة وأرباب العائالت إال في حالة
تقدم ذوي الحقوق بطعون ض د ال ذين أبرم وا العق ود باس مهم ،كم ا ال يمكن اإلحتج اج بش أن
مصداقية الوكاالت ،المحررة أو الممنوحة في حض ور ش هود عي ان وال تي أب رمت بموجبه ا
العقود المشار إليها أعاله ،التي اعتبرها القضاة (المسلمون) كافية وصادقوا عليها؛
سنوي لم تحدد مدته ،ومن ثمة تنتقل األمالك ،موض وع ٍ ريعي أو
ٍ إيجار
ٍ م 2ـ يعد نهائيا كل
اإليجار ،إلى المستأجر بصفة نهائية ،كما يع د الري ع أو اإليج ار الس نوي المش ار إلي ه نهائي ا
أيضا إال في حالة شراء البائع لتلك اإليجارات؛
م 3ـ ال يمكن الطعن في أي عقد انتقال الملكية ،أبرمه أهلي لصالح أوربي ،ب دعوى تح ريم
الشريعة اإلسالمية انتقال تلك األمالك"؛
م 4ـ فَرْ نَ َسةُ القضايا المتعلقة بانتقال الملكية من وإلى الدولة واألوروبيين؛
م 25ـ "ال يمكن انتزاع الملكية ،خدمة للصالح العام ،سوى إذا كان الغرض:
أ ـ إنشاء مدن أو قرى أو مراكز سكانية؛
ب ـ توسيع محيط هذه المراكز السكانية؛
جـ ـ القيام بأشغال ألغراض الدفاع وتهيئة المحيط".
وفي ،21/7/1846صدر أمر آخ ر لمراجع ة عق ود الملكي ات ،وتحدي د م دة ثالث ة ش هور
لتقديم الطعون ،في من اطق يح ددها وزي ر الح رب خ ارج من اطق الجزائ ر وبلي دة ووه ران
وبونة .وبموجب المادة 33أُخض عت األراض ي ،ال تي أك دت التحقيق ات ص حة عق ود ملكي ة
أصحابها لها والتي لم يتم حرثها ،لضريبة 10فرنكات على كل هكتار دون حسبان الض رائب
األخرى المرتبطة بالعقارات كالعشور مثال .وتحت مبرر خدمة الصالح العام ،إِعت برت الم ادة
40عدم حراثة األراضي سببا كافيا النتزاعها من أصحابها ،كما اعتبرت المستنقعات أمالك ا
شاغرة وال مالك لها ،بموجب م ،46مم ا يحتم على اإلدارة القي ام ب إجراءات مناس بة لتجفيفه ا
ومنحها في شكل امتيازات للمستوطنين بموجب أوامر ملكية.
ورغم أن أمري 1844و 1846جاءا ببعض أهم مبادئ نظام حيازة األراضي ،كضرورة إثبات
كافة األطراف ملكيتهم لألرض بواسطة عقود مكتوب ة ،واس تبدال الس لطة اإلداري ة بالس لطة
القضائية في تعريف الملكية أو إثباتها ،إال أن تنفيذهما اصطدم ببعض الص عوبات ولم يش مل
سوى بعض المناطق الساحلية التي قدرت مساحتها بـ 26000كلم.2
3
وبعد توقف عملي ات تنفي ذ األم رين الم ذكورين ،ص در ق انون ،16/6/1851ال ذي يُ َع رِّ ف
األمالك الوطنية (أمالك الدولة واألمالك العمومي ة) وملكي ات الوالي ات والبل ديات واألمالك
الخاصة باألفراد والقبائل وفِ َرقِهَا ،وقد تضمنت م 2مثال المتعلقة باألمالك العمومي ة الملكي ات
التالية:
–1األمالك التي يرى القانون المدني والقوانين الفرنس ية العام ة بأنه ا ال يمكنه ا أن تك ون
ملكية خاصة؛
–2قنوات الري والمالحة والمناطق التي قامت الدولة بتجفيفها خدمة للص الح الع ام وك ذا
المناطق التابعة للقنوات واآلبار العمومية؛
–3السباخ المالحة ومجاري المياه المختلفة والمنابع ،وللجهات التي سبق له ا أن اس تغلت
أمالك صارت ملكا للدولة يف فرنسا ألهنا :أ /فائضة أو مل يعرف مالكها أو /1 [مالحظة :تضمنت م 4أمالك الدولة التالية: أصحاهبا؛ وإما
/2 وارثها épaves؛ ب /حق الدولة يف الوراثة droit de déshérence؛ مبوجب الشريعة اإلسالمية ،تنتقل أمالك بيت املال إىل سلطان املسلمني؛
احملجوزات؛ /3الغابات.]...
4. Le domaine de l'Etat se compose : - 1°Des biens qui, en France, sont dévolus à l'Etat, soit par les articles 33, 539,
541,713,723 du Code civil et par la législation sur les épaves; soit par suite de déshérence, en vertu de l'article 768 du Code
— ;civil, en ce qui concerne les Français et les étrangers, et en vertu du droit musulman, en ce qui concerne les indigènes
2°Des biens et droits mobiliers et immobiliers provenant du beylick, et de tous autres réunis au domaine par des arrêtés ou
Ordonnances rendus antérieurement à la promulgation de la présente loi ; —3°Des biens séquestrés qui auront été réunis
audomaine de l'Etat dans les cas et suivant les formes prévus par l'ordonnance du 31 octobre 1845;—4°Des bois et forêts, sous
la réserve des droits de propriété et d'usage régulièrement acquis avant la promulgation de la présente loi.
م -10ال جيوز االعتداء على امللكية سواء أكان مالكها أهايل أو فرنسيني أو غريهم.
معرتف هبا يف شكلها التقليدي الذي كانت عليه زمن الفتح [احتالل اجلزائر] ،أو ذلك الذي ٌ م -11حقوق امللكية واالنتفاع ،لدى األفراد والقبائل وفرق القبائل،
صارت عليه ومت تنظيمها أو إنشاؤها الحقا من قبل احلكومة الفرنسية.
لكل حق االنتفاع والتصرف املطلق يف ملكيته طبقا للقانون ،غري أنه ال جيوز نقل حق امللكية أو االنتفاع يف أرض العرش إىل شخص غريب عن القبيلة، مّ -14
ذلك أنه للدولة فقط حق احلصول على هذه احلقوق خدمة للصاحل العام أو االستيطان أو جعلها كليّة أو جزئيا قابلة لالنتقال حبرية[ .مت إلغاء الفقرتني 8و 3املتعلقتني
مبنع شراء أراضي القبائل بواسطة املادة 6من سيناتوس كونسيلت 22أفريل .]1863
م -16سيستمر العمل بالشريعة اإلسالمية يف كافة عمليات انتقال امللكية امللكيات بني املسلمني؛ أما انتقاهلا بني بقية الناس فيخضع للقانون املدين.
م -17ال جيوز الطعن يف عقد انتقال ملكية من مسلم إىل غري مسلم بدعوى حترمي الشريعة اإلسالمية لذلك[ .مرسوم 30أكتوبر ،1858جيعل هذه املادة قابلة
التنفيذ يف انتقال امللكية بني املسلمني] .غري أنه يف حالة بيع مسلم لشخص آخر قطعة ملكية غري قابلة التجزئة بني البائع ومسلمني آخرين ،فإنه ميكن اللجوء إىل
استعمال حق الشفعة ،الذي قد تقبل به العدالة الفرنسية أو ال تقبل به ،تبعا لطبيعة العقار والظروف[ .راجع قانون 26جويلية .]1873
م -19ميكن للملكية أن تُنتزع لألسباب التالية - :إنش اء املدن ،القرى ،الضواحي أو توسيع تلك التجمعات أو أراضيها؛ -إنشاء أعمال الدفاع وأماكن عسكرة
القوات؛ -إنشاء العيون والقنوات وأحواض سقي املواشي؛ -لشق الطرق واملسالك وقنوات التجفيف واملالحة والري وإنشاء مطاحن الدقيق؛ -لكافة األسباب
األخرى اليت توقعها وحددها القانون الفرنسي.
" يف جنوب غرب أرزيو ،تقع سبخة ماحلة كبرية ،تتبخر مياهها كل سنة مع عودة موسم احلرارة .يتم استخراج امللح منها بواسطة الفؤوس .كان هذا املنتوج
يشكل يف ما مضى ،مبعية احلبوب واإلمثدية واحللفاء ،مصادر الدخل الرئيسية يف البالد .وقد ُمنح استغالل هذه السباخ ،منذ سنوات ،لشركة فرنسية"Rozet et ( .
)Carette : L’Algérie., Firmin Didot Frères, éditeurs, Paris., 1850., p.90
4
–2حقوق األفراد والقبائل وفِ َرقِهَا في الملكية (أي ملكية هذه الجهات ألراضيها) محفوظ ة
سواء أكانت بشكلها التقليدي الذي يعود إلى فترة االحتالل أو بالشكل الذي صارته الحق ا بع د
إخضاعها لشتى اإلجراءات االستعمارية؛
–3ال يجوز التنازل عن هذه الحقوق لصالح أي غريب عن القبيلة باستثناء الدولة؛
–4يسير القانون الفرنسي كافة عمليات انتقال الملكية بين األفراد باس تثناء م ا تعل ق منه ا
بالمسلمين حيث أخضعت عمليات التنازل للشريعة اإلسالمية.
ورغم أن هذا القانون عرَّف أمالك القبائل من خالل حفاظه على طابعه ا التقلي دي بواس طة م
،11إال أنه تجاهل حق القبائل في ملكية أراضيها والتمتع بها ،من خالل تبيان المميزات ال تي
أراض تابع ة للقبائ ل ،وعلي ه فق د أض حت الدول ة
ٍ تجعل الم رء يتع رف بواس طتها على أنه ا
"نظريا" مالكة لتلك األراضي ولم يعد أصحابها (القبائل) يتمتعون سوى بحق االنتف اع منه ا،
تجس د في سياس ة الكنتنة( Le cantonnement الحص ر) ،ال تي ته دف أساس ا إلى َّ األمر الذي
خلق الملكية الفردية عن طريق "منح" القبائل "ما يكفيها" من األراضي الزراعية ـأي ربطها
باألراضي التي تستغلها عملياـ وتغيير نم ط حي اة األه الي عن طري ق خل ق حال ة ارتباط ات
اقتصادية واجتماعية وثقافية بين المس لمين والمس توطنين ،بع د إس كان ه ؤالء المعم رين في
القطع التي ُسلِ َخت من أراضي القبائل "باعتبارها فائضا عقاريا".
وهكذا ،وبتجاهلها لنظام استراحة األراضي الزراعية وتخصيص جزء من األراض ي ل رعي
المواش ي ،تك ون اإلدارة االس تعمارية ق د فرض ت الخن اق على القبائ ل وخلخلت توازنه ا
االجتماعي ،كما أخطأت في تقديراتها حين توقعت أن مش اطرة الدول ة االس تعمارية األه الي
في ملكية أراضي القبيلة سيعرِّ ف كل طرف بحصته من جهة ،وس يولّد ش عورا ل دى األه الي
بع دم فق دانهم عن وة ألج زاء من أراض يهم ،حين تخص ص تل ك األج زاء إلس كان وإعال ة
األوروبيين من جهة أخرى .ومن حسن حظ القبائل أن الكنتنة لم تشمل س وى ع دة قبائ ل (16
قبيلة) قدرت مساحة أراضيها الزراعية بـ 343387هـ ،تحصل منها األهالي على 282024هـ
( )5/6والدولة على السدس( )1/6الباقي ،أي ما مجموع ه 61363هـ؛ كم ا أن أولى إج راءات
خلق الملكية الفردية لم تشمل أكثر من 46000هـ .وفضا عن ذلك ،فقد كان الكثير ممن ُعرفوا
بـ"أنصار العرب" يثيرون المشاكل ويعارضون صراحة سياسة الكنتن ة من أمث ال الج نرال
الباسي Lapassetوغان ديل Gandilوفل وري Fleuryوم وريس Morrisومستش ار الحكوم ة
تعود فكرة الكنتنة إىل منتصف أربعينات القرن التاسع عشر ،وجاءت يف شكل إجراء اعتربت من خالله السلطات االستعمارية القبائل مالكة لألراضي اليت تدفع
عنها العشور فقط ،األمر الذي كاد أن يُ َس ِّوي بني الضريبة وإجيار األرض .ومن أشهر أصحاب فكرة الكنتنة :احلاكمان العامان بيجو وراندون واجلنرال الموريسيار
. Lamoricièreففي منش ور أص دره بت اريخ ،10/4/1847ص ّرح بيج و ق ائال" :ت وجهي السياس ي حي ال األه ايل ال يكمن يف ط ردهم وإمنا يف إش راكهم يف عملي ة
استيطاننا ،وال يف جتريدهم من كافة أراضيهم وطردهم خارجها وإمنا بربطهم باألرض ،اليت حبوزهتم وظلوا يستغلوهنا منذ القدمي ،كلما كانت مساحتها ال تتناسب مع
حاجياهتم" .ويف منشوره الذي أصدره بتاريخ ،20/5/1858أعلن راندون من جهته بأن" :ملسألة الكنتنة أمهية بالغة وميكننا القول بأهنا تغطي مشروع االستيطان
بُِر َّمتِ ِه ،ولذلك فالبد أن يكون اهلدف الرئيسي املرجو منها :حصولنا على مصادر عقارية كافية لكي ينمو االستيطان األورويب بشكل عقالين ومنصف ،مث وضع حد
للتوسع االستيطاين الذي يثري األهايل بشدة".
5
F. Lacroix والمحاف ظ فري دريك الك روا إس ماعيل أورب ان
Thomas-Ismaël URBAIN
وغيرهم.
وفي هذه األثناء ،وبعد أن ص ارت ذا أهمي ة من ذ ،1841ازداد ت دفق هج رات األوروب يين
نحو الجزائ ر وش ملت 4000من بؤس اء ث ورة 26-23ج وان ،1848ال ذين ألقي القبض عليهم
وأرسلوا إلى الجزائر دون محاكمة بعدما ظلوا يصرخون ،طيلة تلك األيام «Du travail ou du
،» ! pain ! Du pain ou du plombكما خصصت الدولة 50مليون فرنكا لتطهير باريس من
أمثال أولئك الجياع المشاغبين ،مما فتح شهية المطالبة بالحصول على فرص عمل وأراض ي
أمام أزيد من 100000فرنسي .غير أن الدولة لم تتمكن من إنشاء س وى 42مرك زا اس تيطانيا
جديدا لـ 20ألف مهاجر ،شكل الباريسيون ثالثة أرباعهم ( ،)3/4ليصل بذلك ع دد المس تفيدين
من األراضي التي أُنتزعت من الجزائريين 33000أوربي (عام .)1851
تطور إنشاء مراكز االستيطان
1871- 187 1861- 1858- 1853- 185
1882 0 1864 1860 1859 1
11 42
197 11 17 56
مركز مركز
مركزا مركزا مركزا مركزا
ا ا
وفض ال عن ذل ك ،اجتمعت عوام ل ع دة أخ رى وس اهمت في توقي ف سياس ة الكنتن ة وعجّلت بظه ور
تشريعات تستجيب لمتطلبات االقتصاد الرأسمالي ومنها:
ـ نمو االستيطان الحر نموا نوعيا جعله يتفوق على نظيره الرس مي ،في الش رق الجزائ ري مثال ،من ذ
منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر؛
ـ إنشاء بنك الجزائر ورفع الحواجز الجمركية بين فرنسا والجزائر عام 1851؛
ـ إدخال زراعات جديدة إلى الجزائر (كالبطاطا والقطن والتبغ )...لحل بعض المش كالت ال تي تع اني
منها تجارتها أو زراعتها في الوطن األم؛
ـ اعتبار سياسة الكنتنة كإح دى أس باب بعض الث ورات الش عبية :كث ورات األوراس والحض نة وأوالد
سيدي الشيخ.
وإجم اال ،اص طدمت المص لحة االس تعمارية ـ المتمثل ة في ض رورة ح ل مش كالت الزراع ة والمجتم ع
الفرنس ي ،في ال وطن األم ،ومش كالت المس توطنين في الجزائرـ ـ بمعارض ة األه الي وأص حاب فك رة
اإلدماج وبعض الرسميين كالجنرال راندون ،حين ُعين وزيرا للح رب ،مم ا ح ذا بناپـوليون الث الث إلى
إيجاد سياسة توفيقية بين االتجاهين ،في ما عرف باسم "المملكة العربي ة" ،ال تي ك ان الق رار المش يخي(
)Sénatus-consulteالمؤرخ في 22/4/1863إحدى "معالمها" ومع الم االس تعمار الفرنس ي كل ه في
الجزائر ،فقد نزل هذا القرار كالصاعقة على المجتمع الجزائري لي دمر بنيت ه التاريخي ة ،مثلم ا ت بين أهم
مواده:
"م 1ـ تُعلن القبائل الجزائرية مالكة لألراضي التي تستغلها تقليديا وبانتظام بأي ة ص فة ك انت ،وتؤك د
كافة اإلجراءات والتقسيمات وضم األراضي التي جرت بين األهالي والدولة حول ملكية األرض ؛
م 2ـ سيتم إداريا وفي أقرب اآلجال ما يلي:
– 1تحديد أراضي القبائل ؛
يعتقد الكثري من املؤرخني أن "أنصار العرب" هؤالء أو دعاة اإلدماج ،كما حيلو للبعض تسميتهم ،كانوا جيندون يف الغالب من أتباع السان سيمونيني ،وقد
كان هلم كبري األثر على مشروع "اململكة العربية" الذي جاء به نابوليون الثالث.
6
– 2تقسيمها (توزيعها) على مختلف دواوير كل قبيلة في التل وباقي المناطق الزراعية ،م ع اس تثناء
األراضي التي تدخل ضمن أمالك البلديات ؛
– 3خلق الملكية الفردية بين أفراد هذه الدواوير كلما كان هذا اإلجراء ممكنا ومفيدا [.]...
وتكشف النقط ة الثالث ة (م )2بش كل جلي عن إرادة الس لطة االس تعمارية في خل ق الش روط القانوني ة
واالقتصادية (األرضية المالئمة) التي تسمح بخلق رأسمالية في الجزائر ،وسوف ترتبط باقي التشريعات
العقارية ،التي ستصدر الحقا بموضوع هذه النقطة.
وبالرغم من توقيف تنفيذ سيناتوس كونسيلت في 19/12/1870بسبب الح رب اليومي ة الفرنس ية ،إال
أن أولى عمليتي التنفيذ أسفرت عن النتائج التالية :
عدد القبائل التي مسَّها ق رار 372قبيلة
22/4/1863
667دوارا عدد الدواوير التي أنشئت
1037066 عدد سكانها
نسمة
1003072 مساحة أمالك الدولة
هكتارا
1336492 مساحة أمالك البلديات
هـ
2840591 مساحة الملكيات الفردية
هـ
1523013 مساحة الملكيات الجماعية
هـ
180643 مساحة الملكيات العمومية
هـ
7
أ– الفرنسة التدريجية ألراضي المسلمين (األرض وحقوق الناس فيها معًا) وإلغاء كافة حيثيات وج ود
تلك الملكيات التي تستند إما للشريعة اإلسالمية وإما لقانون القبائل؛
ب– خلق الملكية الفردية ،في المناطق التي جرت مالحظ ة وج ود الملكي ة الجماعي ة فيه ا أثن اء تنفي ذ
عمليات سيناتوس كونسيلت ،1863عن طريق منح ذوي الحق وق قطع ا أرض ية وعق ود ملكي ة بالش كل
الذي يجعل الملكية الجماعية تجميعا لتلك القطع (أو مظهرا عقاريا لتلك العقود) ،أما الباقي فتعتبره الدولة
إما ملكا لها وإما ملكا للدوار-البلدية .Douar-communeوهكذا عمل هذا القانون على الجعل من عق د
الملكية "نقطة االنطالق الوحيدة للملكية" في الجزائر؛
جـ -تسهيل عملية انتقال الملكية الفردية إلى األوروبيين عن طريق ما أُصطلح عليه بالتطهير la purge
spécialeضمن عمليات تنفيذ قانون وارنيي كلها.
وإجماال ،جاءت عمليات تنفيذ قانون وارنيي ،كنظيرتها المتعلق ة بس يناتوس كونس يلت ،1863بطيئ ة
ومكلفة للغاية ،تحمل عبأها المالي المسلمون وحدهم تقريبا ،ولم يتم توزيع عقود س وى 383000هـ من
أصل 1637290هـ التي شملها القانون.
وفي ،28/4/1887وكما أشرنا إلى ذلك آنفا ،صدر قانون آخ ر أطل ق علي ه بعض الم ؤرخين تس مية
سيناتوس كونسيلت الثاني ـ رغم أنه لم يصدر فقط ليعلن عن العودة إلى ،1863بل ج اء ليوض ح ق انون
وارنيي بشكل أكبر :فهما قانونان نبع ا من التوج ه نفس ه وه دف بهم ا مستص دروهما إلى إنش اء الملكي ة
الفردية وإيجاد الفوائض العقارية ـ لينشط من جديد عمليات تنفيذ سيناتوس كونسيلت ،ال تي أوقفت بس بب
الحرب مع بروسيا ،ويمنح المفتشين المحققين حق تقسيم األراضي التي تبدو لهم سهلة التقس يم ،بين ع دة
عائالت مرتبطة ببعضها البعض ،وذلك قبل منحها عقودا تثبت ملكيتها لتلك األراضي ،كما نص الق انون
أيضا على:
ـ تجريد القضاة المسلمين من صالحياتهم المتعلقة بانتقال الملكية وإخضاع إج راءات التن ازل للق انون
الفرنسي؛
أراض ،تدخل ضمن أمالك ٍ ـ خلق "نظام التحقيقات الجزئية" ،الذي يسمح لألوروبيين بالحصول على
العرش ،قبل الشروع في تنفيذ القانون عليها.
وقد أدى تباطؤ تنفيذ قانون ،1887إلى التص ويت على ق انون جدي د ،ص در في ،16/2/1897ويه دف
كسابقيه إلى إنشاء الملكية الفردية ،ولكنه وبدال من أن يكون مفروضا على الناس ،جعل من تحق ق رغب ة
المالك في الحصول على عقود الملكية (ملكية الف رد في أراض ي الع رش أو المل ك) أم را اختياري ا ،أي
أنهم هم ال ذين يب دون لإلدارة اس تعدادهم ورغبتهم في أن تج رى لهم عملي ات التحقي ق الجزئي ة –ب ديل
عمليات التحقيقات الشاملة -بشأن ممتلكاتهم (أي يجري تطهيرها) ،ولم يستثنى هذا القانون األهالي.
إلى نهاية ،1923ك ان المطل وب إج راء 11623تحقيق ا يش مل 905048هكت ارا ،بي د أن 1/5تل ك
التحقيقات لم يتم ،كما أفضى ما تم إنجازه من تحقيقات إلى اآلتي:
أراضي
225004هكتارا
ملك
أراضي
454988هكتارا
عرش
أمالك
18745هكتارا
عمومية
أمالك
48251هكتارا
الدولة
8795هكتارا أي ما مجموعه أمالك
755783هـ البلديات
9