You are on page 1of 42

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫‪-‬المدرسة العليا لألساتذة اسيا جبار‬

‫قسم التاريخ والجغرافيا' ‪-‬‬

‫مقياس‪ :‬تاريخ أوروبا' الحديث‪-‬‬

‫حركة التنوير األورويب‬

‫‪ :‬من اعداد‬ ‫‪:‬تحت اشراف األستاذ‬


‫قدوج نادية‪-‬‬ ‫بن فطيمة يحي‬
‫كحل الراس أسماء‪-‬‬

‫‪ :‬السنة الجامعية‬
‫‪2019-2020‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬

‫مقدمة*‬
‫الفصل التمهيدي‪ :‬أوروبا قبل حركة التنوير‬
‫المبحث األول ‪ :‬عصر النهضة‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬عصر الكشوفات الجغرافية‬
‫المبحث الثالث‪ :‬عصر اإلصالح الديني‬
‫الفصل األول ‪ :‬حركة التنوير تاريخها ومقوماتها‬
‫المبحث األول ‪ :‬التعريف بحركة التنوير‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬تاريخ مفهوم التنوير في الفكر الغربي‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مقومات التنوير‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬رواد حركة التنوير‬
‫المبحث األول ‪ :‬رواد التنوير بألمانيا‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬رواد التنوير بفرنسا‬
‫المبحث الثالث‪:‬رواد التنوير بانجلترا‬
‫الفصل الثالث‪ :‬اثار حركة التنوير‬
‫المبحث األول ‪ :‬االثار الفكرية‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬اثار اجتماعية‬
‫المبحث الثالث‪ :‬اثار علمية‬
‫خاتمة*‬
‫قائمة المصادر والمراجع*‬
‫المقدمة ‪:‬‬
‫عانت أوروبا' لقرون طويلة من افتقاد القدرة على أن تفكر لنفسها؛ حيث كان رجال الدين والملوك هم فقط الذين‬
‫يفكرون ويريدون ويختارون‪ ،‬أما مواطنو الشعوب فكانوا مثل القطيع ال يفكرون وال يريدون وال يختارون‪ ,‬لذا انتظرت‬
‫أوربا حتى القرن ‪ 18‬حتى وصول' حركة الوعي والفهم 'حركة التنوير ''‬
‫تعتبر حركة التنوير حركة سياسية فلسفية ثقافية علمية ظهرت في أوروبا' خالل مطلع القرن ‪, 18‬وشملت أجزاء‬
‫واسعة من أوروبا' أهمها فرنسا' إنجلترا وألمانيا' ‪..‬‬
‫والسبب وراء اختيارنا لهذا الموضوع هو جهلنا به و فضولنا للتحري حول مرحلة مهمة من التاريخ األوروبي'‬
‫والنجاز هذ البحث طرحنا اإلشكالية التالية ‪:‬‬
‫ما هي حركة التنوير' األوروبي؟‬
‫اندرجت ضمنها إشكاليات أهمها‪:‬‬
‫كيف كان وضع أوروبا' قبل حركة التنوير ؟‬ ‫‪-‬‬
‫كيف نشأت هذه الحركة ؟‬ ‫‪-‬‬
‫من هم أهم رواد حركة التنوير' ؟‬ ‫‪-‬‬
‫فيما تمثلت أهم اثارها ؟‬ ‫‪-‬‬
‫اتبعنا في هذا البحث المنهج التحليلي من خالل الرجوع الى المصادر' االصلية للموضوع' ‪..‬‬
‫خالل بحثنا واجهتنا بعض العراقيل أهمها قلة المصادر' والمراجع المعالجة لهذا الموضوع وصعوبة لغة المصادر‬
‫أهم المراجع المستعملة النجاز هذا البحث ‪:‬‬
‫هاشم صالح‪ ،‬مدخل إلى التنوير األوربي'‬ ‫‪-‬‬
‫ليورد سبنسر وأندرزيجي' كورز‪ ،‬أقدم لك عصر التنوير'‬ ‫‪-‬‬
‫مراد وهبة ‪ ,‬مدخل الى التنوير'‬ ‫‪-‬‬
‫تضمنت خطة البحث فصل تمهيدي' وثالث فصول' رئيسية ‪:‬‬
‫الفصل التمهيدي عالجنا فيه أوضاع' أوروبا قبل القرن ‪18‬‬
‫الفصل األول عرفنا فيه بحركة التنوير و أسباب ظهورها‬
‫الفصل الثاني اوردنا فيه أهم رواد' حركة التنوير‬
‫الفصل الثالث واألخير تحدثنا فيه عن أهم اثار هذه الحركة‬
‫الفصل التمهيدي‬
‫الفصل التمهيدي‪ :‬أوربا قبل الحركة التنويرية‬

‫المبحث األول‪ :‬عصر النهضة‬


‫إتجهت أوربا في العصور الوسطى إلى الزهد في الدنيا‪ ،‬والتبتّل إلى اآلخرة‪ ،‬وذلك‬
‫نتيجة هيمنة رجال الكنيسة على مختلف شؤون الحياة‪ ،‬باعتبارهم علماء الدين وفالسفة‬
‫القانون الروماني‪ ،‬فحاربوا المفكرين وحاكموهم بقسوة وإ حتكروا زعامة المجتمع‪ ،‬فعصر‬
‫النهضة مصطلح يطلق على فترة اإلنتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة وهي‬
‫القرون من ‪14‬م إلى ‪16‬م‪ ،‬ويؤرخ لها بسقوط القسطنطينية ‪453‬م‪ .1‬ويقصد بعصر‬
‫النهضة عصر إحياء العلوم واآلداب في أوربا ‪ Renaissance‬عد أن ظهرت الطبقة‬
‫البرجوازية‪ ،‬وقفت قبضة الكيسة على العلماء‪ ،‬وتوفر لهذه النهضة مجموعة من العلماء‬
‫أخلصوا في سبيلها وقد تركزت النهضة األوربية في إيطاليا قبل غيرها من الدول األوربية‬
‫رواد هذه الحركة بأنهم أعطوها كل‬
‫ّ‬ ‫إمتازوا‬ ‫ولقد‬ ‫‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ثم انتشرت في باقي القارة البيضاء‬
‫عناية واهتمام ولم يدخروا شيئا من طاقتهم‪ ،‬فقد درسوا كل ما وقع تحت أيديهم من الكتب‬
‫اليونانية والرومانية في الجوانب العلمية واألدبية‪ ،‬ودرسوا اآلثار الفنية الباقية‪ ،‬وقد‬
‫امتازت هذه الحركة بأن هؤالء العلماء لم يكن دورهم هو مجرد نقل بقايا هذه الحضارة‬
‫عدلوا ما رأوا تعديله وأضفوا شخصيتهم وآرائهم على هذه العلوم باختالف‬
‫القديمة فقد ّ‬
‫تحولت‬ ‫‪3‬‬
‫مجاالتها ومن ثم أبدعوا فأحدثوا نهضة جديدة ‪ .‬وكانت النهضة األوربية أثر كبير َّ‬
‫أوربا بموجبها من عصر التخلف والعبودية إلى عصر الحرية والمنطق العلمي‪ ،‬إذ أن‬
‫النهضة قادت بأوربا إلى اإلصالح الديني على يد "مارتن لوثر" و"كالفن"‪ ،‬وحصلت الثورة‬
‫اإلجتماعية على يد الحركة اإلنسانية والثورة اإلقتصادية على يد "آدم سميت" كما َّ‬
‫أدت‬
‫النهضة إلى تحطيم الحواجز الطائفية والقضاء على إحتكار الكنيسة للعلم وقيام المدارس‬

‫‪ - 1‬أشرف صالح محمد سيد‪ ،‬أصول التاريخ األوربي الحديث‪ ،‬دار واتا للنشر الرقمي‪ ،‬قطر‪ ،2009 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ - 2‬عبد العزيز سليمان نوار ومحمود محمد جمال الدين‪ ،‬التاريخ األوربي الحديث "من عصر النهضة حتى نهاية الحرب العالمية األولى"‪ ،‬دار‬
‫الفكر العربي للنشر‪ ،‬نصر‪ ،1999 ،‬ص‪.05‬‬
‫‪ -3‬رونالد سترومبرج‪ ،‬تاريخ الفكر األوربي الحديث "‪ ،"1977-1601‬ترجمة أحمد الشيباني‪ ،‬دار القارئ العربي‪ ،‬مصر‪ ،1994 ،‬ط‪ ،3‬ص‬
‫‪.12‬‬
‫وتحرر العقل البشري من الخرافات والقيود‪ .4‬وتتجلّى أولى مظاهر النهضة في بعث‬
‫ّ‬
‫الدراسات اإلغريقية‬

‫والالتينية‪ ،‬إنشاء مؤسسات علمية مثل األكاديميات ونشأة اللغات القومية الحديثة في كثير‬
‫من دول أورب ا‪ ،‬اإلهتم ام ب العلم‪ ،‬اآلث ار والت اريخ‪ ،‬فظه ور مخترع ات جدي دة كالبوص لة‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫َسطُرالب‪ ،‬البارود‪...‬‬
‫األ ْ‬

‫‪ -4‬عبد اللطيف الصباغ‪ ،‬تاريخ أوربا الحديث‪ ،‬ص‪.36‬‬


‫‪ -5‬عبد اللطيف الصباغ المرجع السابق‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬عصر الكشوفات الجغرافية‬
‫تع ّد حرك ة الكش وف الجغرافي ة واح دة من أهم مالمح العص ر الح ديث في الق ارة‬
‫األوربي ة بص فة خاص ة وفي ت اريخ الع الم الح ديث بص فة عام ة‪ ،‬فق د مثَّلت الكش وفات‬
‫الجغرافي ة بداي ة إنفت اح الق ارة البيض اء على الع الم وخروجه ا إلى الع الم بنم ط جدي د غلبت‬
‫علي ه الص بغة اإلقتص ادية‪ .6‬فعص ر النهض ة خ رج من ه موض وعات مختلف ة إذ تع د حرك ة‬
‫الكش وف أهم نتيج ة علمي ة للنهص ة األوربي ة وهي أس اس التغ يرات الك برى في الت اريخ‬
‫األوربي الح ديث‪ ،‬فق د حققت ه ذه الكش وف‪ ،‬كش ف األمريكي تين‪ ،‬والطري ق البح ري من‬
‫أوروب ا إلى الهن د ح ول رأس الرج اء الص الح س نة ‪1498‬م‪ .7‬ك انت حرك ة الكش وف‬
‫الجغرافي ة ما هي إاَّل تدعيم الطبقة البرجوازي ة ال تي ظه رت في بداية ه ذا العصر‪ ،‬وال تي‬
‫إستطاعت إقامة حكومات موحدة مركزية‪ ،‬ولهذا فقد رغبت هذه الطبقة في السيطرة على‬
‫المراك ز التجاري ة الهام ة وإ قام ة مس تعمرات تعم ل لمص لحتها أساسا‪ .8‬ومن أهم العوام ل‬
‫التي ساعدت في ظهور حركة الكشوفات الجغرافية نذكر أبرزها‪:‬‬
‫عوام‪##‬ل إقتص‪##‬ادية‪ :‬فالعام ل اإلقتص ادي ه و أب و العوام ل الفعال ة وأهم دور دف ع في حرك ة‬
‫الكش وفات الجغرافي ة إلى األم ام‪ ،‬إذ ك انت أورب ا في حاج ة ش ديدة إلى البه ارات والتواب ل‬
‫ال تي تس تورد من الش رق وال تي ك انت تص ل أورب ا من طري ق الخليج الع ربي والبح ر‬
‫المتوس ط والبح ر األحم ر ثم دمش ق والق اهرة إلى أورب ا من طري ق الم دن اإليطالي ة وب ذلك‬
‫ف ّكر األوربيين في إيجاد طريق آخر يصلون من خالله إلى الشرق‪ ،‬وبالتالي إنهاء عملية‬
‫َّ‬
‫وشجع على ظهور الكشوفات‪.9‬‬ ‫مما ولَّد‬
‫اإلحتكار من طرف التجار ّ‬

‫‪ -6‬عبد اللطيف صباغ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬


‫‪ -7‬أشرف صالح محمد سيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪ -8‬عبد اللطيف صباغ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪ -9‬أشرف صالح محمد سيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫كما كانت أوربا من القرن ‪14‬م تعاني من نقص مزمن في المعادن الثمينة‪ ،‬وأيضا لم تعد‬
‫الفضة المستخرجة من مناجم أوربا الوسطى وال الذهب القادم من غينيا قادرين على سد‬
‫وص ل إلى إلى‬
‫الحاجي ات‪ ،‬وكم ا قي ل "الحاج ة أم اإلخ تراع" وله ذا الس بب ف ّك ر البرتغ ال بالتّ ّ‬
‫ش اطئ ال ذهب‪ ،‬وهك ذا إكتش فوا بعض الخط وط التجاري ة الجدي دة وه ذا م ا ولَّد بم ا يس مى‬
‫الكشوف الجغرافية‪.10‬‬
‫عوامل دينية‪ :‬يعتبر العامل الديني واألحالم الصليبية والتعصب الديني من أبرز العوامل‬
‫ال تي أدت إلى ظه ور الكش وف الجغرافي ة‪ ،‬حيث ك ان ه دف البرتغ ال تنص ير المس لمين في‬
‫الشرق ودخول بيت القدس‪ ،‬وهدف إسبانيا نشر المسيحية الكاثوليكية في المناطق البعيدة‪،‬‬
‫كما إهتم الباباوات بحركة الكشوف الجغرافية وجعلوا من كل إقليم جديد يتم اكتشافه خاص‬
‫لمل وك اإلس بان والبرتغ ال‪ ،‬كم ا تم إص دار المرس وم الب ابوي القات ل "إذهب للش رق للقض اء‬
‫على طاعون اإلسالم"‪.11‬‬
‫ظه ‪##‬ور الدول ‪##‬ة الوطني ‪##‬ة الحديث ‪##‬ة‪ :‬وهي ال دول ال تي توح دت به ا الس لطة كإس بانيا‬
‫والبرتغ ال وهولن دا‪ ،‬إنجل ترا‪ ،‬فرنس ا وروس يا‪ ،‬وش عرت ه ذه ال دول ب العزة القومي ة وس عت‬
‫لبسط نفوذها على األمم والشعوب األقل ثقافة وتنظيما منها‪ ،‬وذلك عن طريق اإلستعمار‬
‫خارج القارة األوربية‪ ،‬ولهذا فحركة الكشوفات كان ال يمكن قيامها في غيبة الدول القوية‪،‬‬
‫فعن دما ق امت ه ذه ال دول ق امت معه ا الكش وف الجغرافي ة‪ ،‬فك ان ال يمكن قيامه ا في ظ ل‬
‫النظام اإلقطاعي‪.12‬‬

‫‪ - 10‬هاشم صالح‪ ،‬مدخل إلى التنوير األوربي‪ ،‬دار الطليعة ورابطة العقالنيين العرب للنشر‪ ،‬بيروت‪ ،2005 ،‬ص‪.69‬‬
‫‪ -11‬عبد اللطيف صباغ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫‪ -12‬أشرف صالح محمد سيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬عصر اإلصالح الديني‬
‫كان الدين في القرون الوسطى يحتوي الثقافة بأكمها‪ ،‬ولم يكن يراود َّ‬
‫مخيله أي إنسان‬
‫الخ روج من ذاكرت ه‪ ،‬فالمعتق د الع ام والوالء الت ام كانا مسيحيين س دنةً ولحمة‪ .‬ومع إبت داء‬
‫من ع ام ‪1540-1520‬م‪ ،‬غ دت ألماني ا المس رح الرئيس ي والوحي د ال ذي اس تأثر باإلهتم ام‬
‫ترددت أص داؤها في‬
‫سددها "مارتن لوثر" إبن البابوية‪ّ ،‬‬
‫وشدها إليه‪ ،‬فالضربات التي ّ‬
‫بأوربا ّ‬
‫جمي ع ق اع أورب ا وص دمت نق وس ش عوبها بش حنات هائل ة من اإلث ارة والجيش ان‪ ،‬ونلخص‬
‫تصبت‪ ،‬فأمست بدورها مذهبا شديدا إلتزمت به وبعيدة كل تسامح‪،‬‬
‫القول أن البروتستانتية َّ‬
‫وهكذا ما كاد يح ّل عام‪1540‬م حتى حلَّت معه بدايات الحروب الدينية من خالل الصراع‬
‫الدامي بين الكالفينية ومناهضي اإلصالح‪.13‬‬
‫لم تكن الكنيس ة مس تقرة هادئ ة ب ل إنه ا تعرض ت من ذ البداي ة لعوام ل م ؤثرة‪ ،‬فالج دل ال ذي‬
‫طبيع ة الس يد المس يح‪ ،‬ظ ّل محت دما بينه ا وبين كنيس ة القس طنطينية‪ ،‬وهن اك ن وع آخ ر من‬
‫األخط ار ك ان أش د عنف ا ه و حرك ة "جنس تيان" الإلض افة إلى انتق ال الباب ا "كلمنت الخ امس"‬
‫إلى أفي نيون بفرنس ا ب دال من روم ا‪ ،‬وب ذلك ص ارت الزعام ة الكنس ية بفرنس ا وك ادت تفق د‬
‫صبغتها العالمية‪ .14‬ومن الدوافع التي ساهمت في ظهور حركة اإلصالح الديني هو‪:‬‬

‫الدافع الديني‪ :‬ال ذي ّ‬


‫أدى إلى ظه ور حرك ة اإلص الح‪ ،‬حيث ش هدت الق رون الثالث ة ال تي‬
‫س بقت حرك ة اإلص الح ص راعا بين مل وك أورب ا والكنيس ة‪ ،‬فبع د أن ك انت للكنيس ة س لطة‬
‫مطلق ة على الحك ام الم دنيين‪ ،‬س عى المل وك إلى إس تيراد س لطتهم الملكي ة‪ ،‬وبل غ األم ر أن‬
‫ت رك الباب ا روم ا لف ترة معين ة‪ ،‬األم ر ال ذي أض عف من س لطة الكنيس ة‪ ،‬باإلض افة إلى أن ه‬
‫ظهرت في هذه الفترة مفاسد كثيرة داخل الكنيسة هذا األمر الذي أضعف سلطتها وقيادتها‬

‫‪ -13‬رونالد سترومبرج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.36-35‬‬


‫‪ - 14‬عبد العزيز سليمان نوار محمد جمال الدين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫الروحي ة حيث ب دأ ينم و بين العام ة ش عور دي ني عمي ق‪ ،‬األم ر ال ذي ولَّد نوع ا من القل ق‬
‫الشديد بين العامة ورؤسائهم المدنيين خالل القرن ‪15-14‬م‪.‬‬
‫دوافع سياسية‪ :‬فق د ش هدت الف ترة ال تي س بقت حرك ة اإلص الح توس يع مل وك أورب ا من‬
‫سلطتهم السياسية في مقابل سلطة البابا واإلمبراطور‪ ،‬وأصبح الملوك في إنجلترا وفرنسا‬
‫وإ سبانيا أكثر قوة‪ ،‬ونظموا شؤونهم المالية‪ ،‬وبنوا جيوشهم‪ ،‬وأصبح البابا لديهم مجرد قائد‬
‫سياسي لدولة أجنبية ال سيطرة له وال نفوذ له على أقطارهم‪.‬‬

‫دواف‪#‬ع إقتص‪#‬ادية‪ :‬فك ان إقتص اد أورب ا خالل الق رون الوس طى إقتص ً‬
‫ادا زراعي ا‪ ،‬ومعظم‬
‫الناس كانوا فالحين يعيشون في قرى صغيرة‪ ،‬وفي بداية القرن ‪125‬م بدأت تتكون المدن‬
‫ال س يما في إيطالي ا وب ذلك ب دأت حرك ة تجاري ة نمت على إثره ا ث روة الم دن وأص بحت‬
‫مس تقلة‪ ،‬فرفض ت إدارة اإلقط اعيين المحلي ة وس يطرة األس اقفة‪ ،‬وق د لج أ التج ار واألثري اء‬
‫أدت ه ذه األس باب مجتمع ة إلى ض عف الكنيس ة‬
‫إلى المل وك واإلم براطور للحماي ة‪ .‬وهك ذا ّ‬
‫وفقدان سيطرتها ومكانتها الدينية وأثرها على الجماهير‪.15‬‬
‫وانتشرت حركات اإلصالح الديني بأوربا في سويسرا بزعامة "زونجلي" وفرنسا بزعامة‬
‫تعرضت لها الكنيسة الكاثوليكية‬
‫"كالفن"‪ ،‬وكان من نتائج هذا اإلصالح تلك األخطار التي َّ‬
‫وأورب ا‪ ،‬أن ظه رت بعض اآلراء والعقائ د ال تي تعم ل على ح ال إص الح الكنيس ة ومن‬
‫أصحاب هذه المبادئ لوثر‪ ،‬جون هوس‪ ....،16‬وال خالف أن إنفجارات اإلصالح الديني‬
‫وولدت مذهبا‬
‫ّ‬ ‫إربا‪ ،‬وقذفت بأوربا ّإلى متاهات الفوضى واإلضطراب‬
‫مزقت الوحدة الدينية ً‬
‫شكيا ترعرع على اشمئزاز المفكرين واألدباء من التعصب الالهوتي‪.17‬‬

‫‪ -15‬أشرف صالح محمد سيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.98-97‬‬


‫‪ -16‬عبد العزيز سليمان نوار ومحمود محمد جمال الدين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫‪ -17‬رونالد سترومبج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫الفصل األول‬
‫الفصل األول ‪:‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬التعريف بحركة التنوير‬

‫أوال ‪ :‬التنوير لغة‬

‫*التنوير في اللغة العربية ‪:‬‬


‫‪18‬‬
‫‪-‬التنوير مشتق من النور ‪,‬وهو مصدر الفعل المضعف '' نور'' ‪,‬والنور هو الجوهر المضيء‬

‫‪-‬ونور ‪ :‬نور الشجر والفعل ''التنوير''‪ ,19‬والتنوير االنارة وهو أيضا االسفار وهو أيضا ازهار‬
‫الشجرة‪ ,‬يقال نورت الشجرة تنويرا ‪ ,‬وأنارت أي أخرجت نورها‪.20‬‬
‫‪21‬‬
‫‪ -‬والتنوير وقت اسفار الصبح ‪ ,‬يقال ‪ :‬قد نور الصبح تنويرا ‪ ,‬والتنوير االنارة والتنوير‪ B‬االسفار‬

‫‪ -‬قال عدي بن زيد ‪:‬‬

‫انارة العقل مكسوف بطوع هوى *** وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا‬

‫في هذا البيت عبر عن التنوير بالعقل السليم ‪ ,‬مما يؤكد على أن العقل الناضج والتفكير السليم هما‬
‫‪22‬‬
‫النور الحقيقي اللذان ينيران لصاحبهما ‪.‬‬

‫*التنوير في اللغات األجنبية ‪:‬‬

‫‪ ,24 Enlightenment‬وهو مشتق‬ ‫‪-‬النور بالالتينية‪ ,23 luminarium :‬و التنوير باالنجليزية ‪:‬‬
‫‪ ,25 lumière‬و التنوير باأللمانية ‪.26 Aufklärung‬‬ ‫من النور ‪ , light‬و بالفرنسية النور ‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التنوير اصطالحا‬


‫‪18‬‬
‫أبو البقاء أيوب الكفوي ‪,‬ترجمة ‪:‬عدنان درويش‪,‬محمد المصري‪,‬مؤسسة الرسالة‪,‬بيروت‪,‬ط‪ ,1998, 2‬ص ‪908‬‬
‫‪19‬‬
‫االصاحب بن عباد‪,‬المحيط في اللغة ‪,‬ج‪,4‬تحقيق‪:‬محمد' حسن ال ياسين‪,‬عالم الكتب‪, 1994,‬ص‪79‬‬
‫‪20‬‬
‫مختار الصحاح ‪,‬أبو بكر الرازي ‪,‬المكتبة العصرية ‪,‬بيروت‪'-‬صيدا ‪,1999,‬ص ‪152-151‬‬
‫‪21‬‬
‫أبو الفضل ابن منظور' ‪,‬لسان العرب ‪,‬ج‪,5‬دار صادر ‪,‬بيروت‪,‬ط‪, 1995, 1‬ص‪244‬‬
‫‪22‬‬
‫محمد محيي الدين عبد الحميد ‪ ,‬أوضح المسالك الى الفية ابن مالك‪,‬ج‪ ,3‬المكتبة العصرية بيروت‪ ',‬ص‪102‬‬
‫‪23‬‬
‫جميل صيا ‪,‬المعجم الفلسفي‪,‬ج‪,2‬دار الكتاب اللبناني‪,‬بيروت' ‪ ,1982,‬ص‪510‬‬
‫‪24‬‬
‫روحي البعلبكي ‪,‬المورد قاموس عربي انجليزي ‪,‬دار العلم للماليين‪ , 1993,‬ص‪382‬‬
‫‪25‬‬
‫الينبوع' قاموس عربي –فرنسي ‪ ,‬جورج مدبك‪ ,‬ص‪148‬‬
‫‪26‬‬
‫القاموس الوحيد عربي الماني ‪ ,‬رياض جيد‪,‬دار الجيل بيروت‪, 1998,‬ص ‪83‬‬
‫‪ -‬يعرفه ايمانويل كانط على أنه ‪ :‬خروج اإلنسان من حال وانتقالـه إلى حال‪ ,‬أما الحال األول فهو‬
‫حال الوصاية أو الحجـر‪ ،‬وأما الحال الثاني فهو حال االسـتقالل الفكري أو التحرر فمن شــأن‬
‫التنوير أنه ما به يخرج اإلنسان من وضع التابع لغيره ‪-‬اإلمعة ‪-‬إلى وضع الكائن المســتقل‬
‫المتحرر؛ أي إلى وضع المفكــر بتفكير حر ال وصاية عليه ذلك أن األصل في اإلنسـان أن يكون‬
‫مفكر نفسه‪.‬‬
‫هذا وكان شعار كانط للتنوير‪ :‬فلتكن لديك الشجاعة الستخدام عقلك وهو مشتق من شعار‬
‫‪27‬‬
‫الشاعر الالتيني هوراسيوس ‪ Aude Sapere :‬والتي تعني تجرأ على أن تفكر‬

‫‪ -‬يعرفه كارل فريدريش باهردت على أنه ‪ :‬أن يتعلم اإلنسان أن يفكر بنفسه‪ ،‬وأن يجتهد في أن‬
‫يكون اراءه عن األشياء بناء على تجربته هــو ال على تجارب الغير ‪ ،‬وأن ينظر إلى‬
‫األمور' بنفسـه ويحكم عليها بوفق قناعته العقلية‪ ،‬ال أن يكتفي بترديد أحكام اآلخرين‪ .‬كل‬
‫هذا بال مواربة للغير أو مجاملة ‪ ،‬وبال رضوخ ألية سلطة أو تقليد غير سلطة العقل‬
‫‪28‬‬
‫السليم‪ ،‬وبال احتكام إلى التحكم والميل والهوى والتعصب والنزوع‪.‬‬
‫‪ -‬يعرفه موسى مندلسون على معرفة عقلية تكسب االنسان المقدرة على إعمال تفكيره في شـؤون‬
‫الحياة اإلنسانية‪ ,‬وتجعل االنسان يسعى الى استكشاف الحقيقة‪ ،‬والتعلق بالجمال‪ ،‬والتوق إلى‬
‫‪29‬‬
‫الخير‪ ،‬وفعل األعمال الصالحات‬

‫‪27‬‬

‫‪10‬‬
‫محمد الشيخ‪,‬سؤال التنوير وحيثياته وأجوبته في الفكر الغربي ‪ ,‬مجلة المحور ‪ ,‬ص‪114-113‬‬
‫‪28‬‬
‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪112-11‬‬
‫‪29‬‬
‫المرجع نفسه‪ ,‬ص ‪118-117‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التعريف بحركة التنوير‬

‫حركــة فكرية تاريخية عملية سياسية نشأت في القرن الثامن عشر بأوروبا ‪ ،‬و كان من‬
‫سماتها أن دعت إلى التمرد على قوالب التفكير‪ ,‬الالهوتية القديمة‪ ،‬ونادت بإعادة االعتبار‬
‫لإلنسان وللطبيعة‪ ،‬وطالبت بتحقيق الحرية والعدالة والمساواة‪ ،‬ورامت اإليمان بالتقدم‬
‫‪30‬‬
‫والتطور‪ ،‬ونشدت العمل على إسعاد البشرية‬

‫حركة عقلية أوروبية رأت في العقل الوجود الحقيقي لإلنسان ‪ ,‬وسعت الى تحرير‬
‫الحضارة من الوصايا الكنسية والنزعات الغيبية والخرافات ‪ ,‬ودعت الى التسامح وامنت‬
‫بتقدم اإلنسانية عن طريق تشكيل الحياة على أسس طبيعية وعقلية وعن طريق البحث‬
‫‪31‬‬
‫العلمي ‪.‬‬

‫أما نقطة بداية هذه الحركة الفلسفية فقد كانت محل جدل بين المؤرخين ‪ ,‬بول هزار في‬
‫كتابه '' أزمة الضمير األوروبي '' يرد التنوير الى النصف الثاني من القرن ال ‪, 17‬‬
‫وكريستوفر هل في كتابه '' األصول الثقافية للثورة اإلنجليزية '' يرى أن أفكار التنوير في‬
‫إنجلترا كانت ذائعة في القرن ال ‪ , 16‬و بيتر جراي في كتابه '' التنوير '' يرد التنوير الى‬
‫اليونانيين‬

‫ومهما يكن من تباين فان الرأي الشائع والمألوف أن القرن ال ‪ 18‬هو عصر التنوير ‪ ,‬وهو‬
‫حركة من صنع الفالسفة ‪ ,‬وهو لفظ يكتب دائما بالفرنسية داللة على أن التنوير ظاهرة‬
‫‪32‬‬
‫فرنسية‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬تاريخ مفهوم التنوير في الفكر الغربي‬


‫‪30‬‬
‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪110‬‬
‫‪31‬‬
‫أحالم محمد حكمي ‪ ,‬التنوير' الغربي والتنوير اإلسالمي ‪ ,‬مجلة كلية أصول الدين ‪ ,‬عدد ‪1507 , 2016 ,34‬‬
‫‪32‬‬
‫مراد وهبة ‪ ,‬مدخل الى التنوير ‪,‬دار العالم الثالث للنشر ط‪, 1994 , 1‬ص ‪18-17‬‬
‫ان التنوير ومفهومه لم يظهرا فجأة في القارة األوروبية ‪ ,‬بل كانت عملية بطيئة ‪,‬تطور فيها‬
‫هذا المفهوم بانتشاره بين المثقفين أوال وعامة الشعب ثانيا ‪ ,‬وعلى الرغم من أن الحركة‬
‫الفكرية لعصر التنوير تزامنت في ظهورها مع القرن ال ‪ 18‬لكن جذورها في الواقع تعود‬
‫‪33‬‬
‫ألبعد من ذلك ‪.‬‬

‫و لعل أبرز المراحل الممهدة للتنوير الغربي هي مرحلة عصر اليونان واإلسالم والنهضة ‪,‬‬
‫حيث تأثر فالسفة التنوير بكبار فالسفة هذه العصور ‪ ,‬وتبنوا أفكارهم ‪ ,‬وساروا عليها‬

‫أوال ‪ :‬جذور التنوير في التراث اليوناني‬

‫التراث اليوناني أثر بشكل جلي على فالسفة التنوير ‪ ,‬ونجد هذا جليا لدى أرسطو‬
‫وأفالطون ‪ ,‬ويعتبر أول تنوير غربي كان في اليونان في القرن ال‪ 5‬قبل الميالد ‪ ,‬وكانت تلك‬
‫بداية لمحاولة تقديم صفات الى التجربة اإلنسانية مثل التجريبية ‪ ,‬والنقد الذاتي ‪ ,‬والسخرية ‪,‬‬
‫‪34‬‬
‫والتسامح في التفكير ‪.‬‬

‫و يرد بيتر جراي (أستاذ التاريخ االيرلندي الحديث في جامعة كوينز) التنوير الى‬
‫اليونانيين ‪ ,‬ودل على ذلك قول ديدرو ‪ :‬ان ارسطو طاليس (أول الطبيعيين األقدمين ) هو‬
‫أول من أدخل المنهج العلمي في الفلسفة ‪.‬‬

‫هذا وقد استنبط فالسفة اليونان األخالق من طبيعة االنسان ‪ ,‬وليس من طبيعة هلل ‪ ,‬وهم‬
‫الذين اخترعوا الفلسفة النقدية التي تنكر السلطة‪ ,‬ويشير الفيلسوف الفرنسي جورج‬
‫غوسدروف الى ان انبثاق العقالنية في أوروبا خالل العصور الوسطى يعود كما هو معلوم‬
‫‪35‬‬
‫الى دخول الفكر االغريقي ‪.‬‬

‫‪1733‬هاشم صالح ‪ ,‬المرجع السابق‪,‬ص‪150‬‬


‫‪ 1834‬خولة أحمد عبد اللطيف‪ ,‬مفهوم التنوير في الفكر الغربي ‪ ,‬أطروحة ماجستير‪,‬كلية الشريعة ‪ ,‬جامعة محمد بن سعود ‪,‬السعودية ‪ ,‬ص ‪15‬‬
‫‪35‬‬
‫مراد وهبة ‪ ,‬المرجع السابق‪ ,‬ص ‪18-17‬‬
‫ويعتبر فالسفة اليونان أول من استكشف قوة العقل واستخداماته ‪ ,‬فقد جعلتهم الطبيعة‬
‫المنظمة يدركون وجود عقل ذكي يتحكم في ذلك ‪ .‬هذا وقد تبنت روما الكثير من أفكار الثقافة‬
‫اليونانية وخاصة فيما تعلق بنمط الطبيعة المنظم والقانون الطبيعي ‪ ,‬لكن في خضم‬
‫اإلضطرابات التي ألمت باالمبراطورية برز اهتمام جديد بفكرة الخالص على المستوى‬
‫الفردي ومن ثم تم تمهيد الطريق النتصار الديانة المسيحية على يد مفكرين مسيحيين‬
‫استطاعوا استغالل التراث اليوناني الروماني بصورة تدريجية حتى وصلوا الى النظام‬
‫الفكري المعروف بعلم الكالم عند المسيحيين في القرون الوسطى أو السكوالئية ‪,‬‬

‫هذا النظام – السكوالئية – أحيا استخدام العقل كأداة للفهم ولكنه جعل العقل شيئا ثانويا‬
‫بالنسبة للوحي الروحاني وحقائق المسيحية التي أتت عن طريق الوحي‬

‫يمكن اعتبار هذه المرحلة من أهم المراحل التي اكسبت مفهوم التنوير نموا خاصا من‬
‫الجانب العقلي ‪ ,‬فاليونانيون ركزوا على العقل ‪ ,‬وهو من أهم عناصر مفهوم التنوير‪. 36‬‬

‫ثانيا ‪ :‬جذور التنوير في التثاقف مع التراث اإلسالمي‬

‫لقد أثر فالسفة العرب وعلماؤها على مفهوم التنوير والنهضة والتقدم أيما تأثير ‪ ,‬اذ يقول‬
‫جورج سارتون في كتابه ''المدخل الى تاريخ العلم '' ‪ :‬حقق المسلمون أعظم المآثر في‬
‫القرون الوسطى ‪ ,‬فقد كتبت أعظم المؤلفات في تلك العصور باللغة العربية ‪.‬‬

‫واعتبر الفيلسوف االسكتلندي ادم سميث األندلس منارة التنوير الى بقية العالم ‪ ,‬إضافة‬
‫لذلك كانت كتب المسلمين مصدر اشعاع ومعرفة ‪ ,‬مما حدا الغرب للفكر والبحث وترجمة‬
‫كتب العرب ‪ ,‬وبدأ العقل األوروبي في تقبل حقائق العلم والفكر ‪ ,‬وصار مؤمنا بأفكار‬
‫مناقضة لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تميل للجمود والالعقالنية ‪ ,37‬اذ يقول الفيلسوف‬
‫الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه ''حضارة العرب '' ‪:‬والعرب وحدهم هو الذين هدونا الى‬
‫‪38‬‬
‫العالم اليوناني والعالم الالتيني القديم ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫خولة أحمد عبد اللطيف ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪18‬‬
‫‪37‬‬
‫خير شواهين ‪,‬دور العلماء العرب في نهضة الحضارة الغربية ‪ ,‬دار المسيرة للنشر والتوزيع ‪ ,‬ط‪ ,2007 ,1‬ص ‪22‬‬
‫‪38‬‬
‫المرجع نفسه ‪,‬ص ‪27‬‬
‫و أضاف لوبون ‪ :‬بأن عهد الجهالة قد طال أوروبا في العصور الوسطى و أن بعض العقول‬
‫المستنيرة فيها لما شعرت بالحاجة الى نفض الجهالة عنها ‪ ,‬طرقت أبواب العرب يستهدونهم‬
‫‪39‬‬
‫ما يحتاجون اليه ‪.‬‬

‫ويقول عبد النور بيدار بأن الفارابي سبق كانط الى مفهوم التنوير عندما قال ‪ :‬بأن الدين‬
‫الصحيح المفيد لإلنسان هو الدين المستنير بضوء العقل والفلسفة ‪ ,‬وهذا السبق ترجم للغرب‬
‫فانطلقوا من خالله وبنوا عليه ‪ ,‬فتنوروا به‬

‫كذلك فقد ثبت تبني مفكري التنوير ألفكار '' حي بن يقضان '' البن طفيل حول المساواة‬
‫‪40‬‬
‫والحرية ‪ ,‬والتسامح ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬جذور التنوير في عصر النهضة‬

‫لقد انتقل فكر ومفهوم التنوير الى أوروبا بتأثير طبقة من المثقفين فيما عرف بعصر النهضة‬
‫األوروبية ابتداء من القرن ال ‪ ,16‬فاستيقظت أوروبا من سباتها وبرز من ينادي الى ضرورة‪B‬‬
‫اإلصالح والتقدم ‪ ,‬لذا فبدايات الدعوة التنويرية الواضحة كانت في عصر النهضة ‪ ,‬حتى أن‬
‫الفيلسوف الفرنسي فونتنيل اعتبر عصر النهضة بمثابة التنوير األدبي والفني الذي سبق التنوير‬
‫العلمي ومهد له ‪ ,‬حيث يقول ‪ :‬عندما ابتدأت العلوم و الصناعات تولد من جديد في أوروبا بعد‬
‫فترة همجية طويلة ‪ ,‬كانت الفصاحة والشعر و الرسم قد سبقتها ‪ ,‬كانت أول من خرج من‬
‫الظلمات ‪.‬‬

‫كان الكيان الفكري والسياسي للمسيحية يبدو منيعا في أوروبا خالل العصور الوسطى ‪ ,‬لكنه‬
‫‪41‬‬
‫تعرض بعد ذلك العتداءات العلوم اإلنسانية وعصر النهضة واإلصالح ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫خولة أحمد عبد اللطيف ‪ ,‬المرجع نفسه‪ ,‬ص ‪22‬‬
‫‪40‬‬
‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪25-24‬‬
‫‪41‬‬
‫هاشم صالح ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪79‬‬
‫كذلك كان من أهم الحركات واالتجاهات البارزة خالل هذا العصر ‪:‬‬

‫حركة اإلصالح الديني التي تحدت سلطة الكنيسة الكاثوليكية ‪ ,‬والتي دعت الى استخدام‬ ‫‪-1‬‬
‫العقل في معالجة األمور الروحانية‬
‫تطبيق المنهج العقالني على الدين نفسه ‪ ,‬وكان ديكارت من أبرز الداعين اليه فيما بعد‬ ‫‪-2‬‬
‫في عصر التنوير‬
‫رفض األفكار الفطرية ‪ ,‬حيث رفض معظم فالسفة التنوير فيما بعد األفكار الفطرية‬ ‫‪-3‬‬
‫المسلم بها‬
‫استخدام الطابع الديني ‪ ,‬حيث نجد لدى ديكارت الطابع الديني كذلك وهو الذي كان من‬ ‫‪-4‬‬
‫أبرز دعاة التنوير‬
‫استخدام نور العقل في تفسير الظواهر الطبيعية‬ ‫‪-5‬‬

‫هكذا كانت المراحل الممهدة للتنوير التي سارت نحو تقدم العقل ‪ ,‬التخلص من السلطة‬
‫‪42‬‬
‫الدينية ‪ ,‬والسعي نحو الفكر بالمناضلة‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬مقومات التنوير‬

‫‪42‬‬
‫خولة أحمد عبد اللطيف‪ ,‬المرجع السابق ‪,‬ص‪32-31‬‬
‫أن االنسان ''حيوان طبيعي '' اجتماعي ‪ ,‬جزء من الطبيعة وأقرب الى الحيوان منه‬ ‫‪-1‬‬
‫الى هللا ‪...‬‬
‫حصر االهتمامات اإلنسانية بقضايا العالم والطبيعة ‪ ,‬ال العالم االخر وما وراء‬ ‫‪-2‬‬
‫الطبيعة‬
‫تبني '' الدين الطبيعي'' الذي اخترعه العقل ‪,‬ال ''الدين السماوي'' ورد الشعور الديني‬ ‫‪-3‬‬
‫الى الخوف الخرافي‬
‫تحريرالعقل من سلطان الدين ‪ ,‬ليكون سلطانا مطلقا ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫إحالل العلم محل الميتافيزيقا ‪ ,‬واحالل التجربة الحسية محل المعرفة النقلية‬ ‫‪-5‬‬
‫والوجدانية‬
‫اعتبار الفكر وظيفة الدماغ ‪ ,‬فالمادة مصدر الفكر ‪ ,‬وليس هناك نفسا في االنسان‬ ‫‪-6‬‬
‫جعل االنسان هو ''المطلق'' بدال من هللا والدين‬ ‫‪-7‬‬
‫استنباط األخالق من الطبيعة اإلنسانية ال من الدين ‪ ,‬وجعل السعادة واللذة ‪ ,‬وليس‬ ‫‪-8‬‬
‫الفضائل الروحية ‪ ,‬هي معيارها‬
‫إحالل ''االجتماعية" محل "الدينية" سبيال للسعادة الدنيوية‬ ‫‪-9‬‬

‫‪-10‬رد القوانين الى أصول فيزيقية وتاريخية ‪ ,‬ال الى الشريعة الدينية وتحرير التاريخ‬
‫‪43‬‬
‫من السنن اإللهية‬

‫‪43‬‬
‫محمد عمارة‪ ,‬التقدم واإلصالح بالتنويرالغربي أم بالتجديد اإلسالمي ‪,‬ص ‪22-21‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫رواد حركة التنوير‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬رواد حركة التنوير‬

‫رواد التنوير في ألمانيا‬


‫مبحث‪ّ :01‬‬
‫إن التنوير األلماني كان تابعا في مراحله األولى للتنوير الفرنسي والتنوير اإلنجليزي‪،‬‬
‫ك ان تلمي ذا للفلس فة الديكارتي ة من جه ة‪ ،‬ثم لعلم "ني وتن" وفلس فة "ج ون ل وك" من جه ة‬
‫أخرى‪ ،‬كان يتأرجح بين فلسفة مسيحية ومسيحية فلسفية‪ ،‬وتغلب عليه نزعة تأملية حافظت‬
‫إطارا لها‪ ،‬فقد ساد في منتصف القرن ‪18‬م المذهب العقالني‬‫على المنطق والميثافيزيقية ً‬
‫ورواد التن وير بألمانيا‪ 44‬ن ذكر‬
‫في الفلس فة وانتش ار الفك ر التن ويري‪ ،‬ومن أب رز فالس فة ّ‬
‫مايلي‪:‬‬
‫‪ -1‬فول‪##‬ف كريس‪##‬تيان‪ :‬ه و فيلس وف وع الم رياض ي ألم اني‪ ،‬ول د ع ام‪1679‬م وت وفي‬
‫المعدين لهذا التغير الحاصل بألمانيا خالل القرن ‪18‬م‪ ،‬حصل على‬
‫ّ‬ ‫ويعد من أهم‬
‫‪1754‬م ّ‬
‫بناءا على توصية‬ ‫الدكتوراه عام ‪1703‬م واستدعي عام ‪1707‬م للتعليم في جامعة "هال" ً‬
‫من اليبن تز وكريس تيان فول ف ه و المفك ر ال ذي م ارس أعظم الت أثير على الفلس فة األلماني ة‬
‫في زمان ه‪ ،‬فه و لم يف رض نفس ه بأص الة مذاهب ه بق در م ا فرض ها بروح ه المنهجي‪ ،‬فق د‬
‫مدونة فلسفية حديثة أعطى فيها ل الالبينتزية المعاد فيها للنظر أساسيا وأنطولوجيا‬‫وضع ّ‬
‫ومنطقي ا‪ ،‬وس يبقى "فول ف" الرك يزة األساس ية للفلس فة األلماني ة ح تى مجيء كانط‪ .45‬فق د‬
‫أس همت فلس فته العقالني ة المبني ة على فلس فة "اليبن تز" في تفض ل األخالق عن الاله وت‪،‬‬
‫وكان أول من أسس التقاليد الجامعية العلمية المستندة إلى اللغة القومية وإ تجه من التجربة‬
‫واإلحس اس للمعرف ة‪ ،‬ونش ّدد بالفلس فة على غ رار الرياض يات رافض ة مب ادئ األرس طية‬
‫"األتقي اء" الس طحية وانتق ل بس رعة من الاله وت وق انون الطبيع ة إلى الفلس فة‪ ،‬ومن أب رز‬
‫‪46‬‬
‫مؤلفاته قانون الطبيعة‪ -‬الفلسفة األولى واألنطولوجيا‪ -‬علم النفس العقالني‪...‬‬
‫‪ -2‬كان‪##‬ط إيمانوي‪##‬ل‪ :‬فيلس وف ألماني ا العظيم وقم ة عص ر التن وير بال من ازع‪ ،‬ول د ع ام‬
‫‪1724‬م وتوفي سنة ‪1804‬م‪ ،‬يعتبر أحد العالمات البارزة في تاريخ الفلسفة لذلك يعتبره‬

‫‪ -44‬خولة أحمد عبد اللطيف المال‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.58‬‬


‫‪ -45‬جورج طرابيشي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.476‬‬
‫‪ -46‬خولة أحمد عبد اللطيف المال‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫البعض أعظم فيلسوف في مرتبة أفالطون وأريسطو‪ ،‬تلقى تعليمه في جامعة "لونجسبرغ"‬
‫ودرس الرياض يات إلى ج انب الفلس فة‪ ،‬وبع دها ت َّدرج كان ط في المناص ب الجامعي ة وش غل‬
‫منصب األستاذ‪.47‬‬
‫فلس فة كان ط هي الرك يزة األولى للمثالي ة األلماني ة‪ ،‬تعت بر فلس فته نقط ة تح ول في الفك ر‬
‫الفلس في بأس ره‪ ،‬فق د تم يزت بالنقدي ة‪ ،‬ألن ه اهتم بنق د العق ل البش ري في مختل ف ج وانب‬
‫نشاطه‪ ،‬فكانت فلسفة كانط تقع على عتبة الفكر الحديث فقد اتسمت بالشك وفقدان اإليمان‬
‫بالدين والميتافيزيقيا في آن واحد‪ ،‬بدأت فلسفته الناضجة في كتاب "نقد العقل الخاص" عام‬
‫‪ ،1781‬ونق د "العق ل العلمي" ع ام‪1788‬م‪ ،‬ونق د "الحكم" ‪1790‬م‪ ،‬ك ان كان ط يق ول أن‬
‫األشياء تدور حول العقل لكي تصير موضوع إدراك وعلم وتغيير‪ ،‬وتعتبر هذه هي الث ورة‬
‫التي أحدثها كانط في عالم الفلسفة‪ ،‬حيث كان هذا المبدأ الخلقي هو شعار عصر التنوير‪،‬‬
‫وق د ح اول كان ط التعب ير عن روح ه ذا العص ر وذل ك من خالل نش ر مق ال ع ام ‪1784‬م‬
‫تطرق فيه إلى تفاصيل التنوير‪.48‬‬
‫ّ‬

‫‪ -47‬جورج طرابيشي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.478‬‬


‫‪ -48‬مراد وهبة‪ ،‬المرجع السابق‪.67-65 ،‬‬
‫رواد التنوير في فرنسا‬
‫المبحث‪ّ :02‬‬
‫عصر التنوير بفرنسا هو عصر الفالسفة أيضا‪ ،‬وإ نه لفجر العقل‪ ،‬ألن النور والظالم‬
‫يتصارعان فيه‪ ،‬وألن الفكر والعلم ينشران البقع المضيئة على أرض الواقع دون أن تكون‬
‫رويدا من عصر‬
‫ً‬ ‫مسقطة عليه‪ ،‬واتَّسم التنوير بفرنسا باإلتساق الفكري حيث انتقلت فرنسا‬
‫األص ولية الكاثوليكي ة المطلق ة إلى عص ر اإليم ان المس تنير والفك ر العقالني‪ ،‬ومن أب رز‬
‫فالسفة التنوير بفرنسا وأهم نذكر‪:‬‬
‫‪ -1‬مونتسكيو‪ :‬ه و واح د من أهم فالس فة عص ر التن وير عام ة وفي فرنس ا خاص ة‪ ،‬يع د‬
‫رواد حرك ة التن وير‪ ،‬ول د‬
‫"ش ارل دي س كوند امونتيسس كيو" كاتب ا وفيلس وفا فرنس يا من ّ‬
‫ب القرب من "ب وردو" في جن وب غ رب فرنس اعام ‪ .1689‬وت وفي س نة ‪ ،491755‬درس‬
‫القانون في سن السادس عشر ودخل البرلمان عام ‪1716‬م كعضو‪ ،‬وعند موت عمه تملَّك‬
‫اخرا بعن وان "الرس ائل الفارس ية"‬
‫منص به ك رئيس للبرلم ان‪ ،‬وفي تل ك األثن اء‪ ،‬نش ر كتاب ا س ً‬
‫عام‪1721‬م‪ ،‬حيث كان هذا الكتاب بمثابة إنتصار لحرية الرأي وإ يذان بداية عصر األن وار‬
‫في فرنس ا‪ ،‬فق د أ ّك د مونتيس كيو على الحق وق الطبيعي ة لإلنس ان وك ان هدف ه األساس ي ه و‬
‫دع ا‬ ‫‪50‬‬
‫مقاوم ة اإلس تبداد والملكي ة المطلق ة في فرنسا ‪ ،‬فق د س ّخر نظ ام الحي اة في فرنس ا فق د َ‬
‫إلى العقل والعدالة والتسامح‪ ،‬فهو ينتقد المجتمع الفرنسي في هذا العصر ويستوي ذلك في‬
‫نقده للحكومة والسياسة والدين‪ ،‬فأصدر كتاب "روح القوانين" عام ‪ 1748‬ويعد هذا الكتاب‬
‫من أعظم الكتب التي ظهرت في عصر األنوار‪ ،‬حيث هذا الكتاب عبارة عن نبرة للجهد‬
‫وأقر فيه مبدأ فصل السلطات‪.51‬‬
‫والتجربة َّ‬
‫واحدا من أبرز أدباء الحركة‬
‫ً‬ ‫‪ -2‬فولتير‪ :‬هو كاتب وشاعر وفيلسوف‪ّ ،‬‬
‫يعده األوربيين‬
‫التنويري ة في الق رن ‪18‬م‪،‬إس مه األص لي "فرنس وا م اري أروي ة"‪ ،‬ول د وت وفي بب اريس (‬

‫‪ -49‬جورج طرابيشي‪ ،‬المرجع السابق‪.652 ،‬‬


‫‪ -50‬محمد زكرياتوفيق‪ ،‬قصة التنوير والفكر المتنير‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪ - 51‬تزفبتان تودوروف‪ ،‬روح االنوار‪ ،‬تعريب حافظ قويعة‪ ،‬دار تويقال‪ ،‬المغرب‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬األردن‪ ،2007 ،‬ص‪129‬‬
‫‪1778-1694‬م)‪ ،‬ك ان ق د َّ‬
‫خير مؤسس ة يس وعية للتعليم في فرنس ا‪ ،‬طب ع ّأول كت اب ل ه‬
‫بفض ل وس اطة اآلب اء اليس وعيين "أنش وذة للقديس ة جنيف ييف"‪ ،‬رفض أن ي درس الق انون‬
‫والحق وق وتطلّ ع إلى أن ين ذر نفس ه لألذب الالتي ني والغ ات والمس رح‪ ،52‬نفي فول تر إلى‬
‫إنج ترا حيث تح ّول نفي ه من عق اب إلى مكاف أة‪ ،‬فق د أص بحت إنجل ترا لفولت ير بمثاب ة وطن ه‬
‫الثق افي الرئيس ي‪ ،‬فق ام بدراس ة الدس تور البريط اني ال ذي يكف ل بالحري ة والتس امح م ع ك ل‬
‫الطبقات‪.53‬‬
‫كبيرا في الصراعات الفكرية‬‫دورا ً‬‫أدى ً‬ ‫يعد فوتير من أبرز رجاالت عصر التنوير‪ ،‬فقد ّ‬
‫بفرنس ا خالل الق رن ‪18‬م من الفك ر اإلقط اعي والكنيس ة‪ ،‬ودع ا الن اس إلى تح ّرر العق ول‬
‫والض مائر وتنظيم الحي اة بدق ة وف ق منط ق العق ل‪ ،‬وط الب بالمس اواة وإ لغ اء اإلمتي ازات‬
‫لرجال الدين والنبالء وهاجم الكنيسة واإلدارة والحكومة‪ .54‬كانت أفكار فولتير الدينية أكثر‬
‫فالدين في نظره مرادف للخرافة‬
‫من أفكاره السياسية حيث كانت له أرضية دينية صلبة‪ّ ،‬‬
‫والتعص ب ال ديني وه و ح ارص على أن يم يز بين الكهن ة بين ال دين وذل ك ماكتب ه في‬
‫"المعجم الفلس في"‪ .‬فق د أعلن فولت ير الح رب على التعص ب وع دم التس امح ال ديني ال ذي‬
‫استعبد أوربا آلالف السنين‪ ،‬وفي رسالته عن التسامح الديني وفي كتابه "قاموس الفلسفة"‬
‫يؤكد حرية الحقيقة واألخوة اإلنسانية‪ ،‬وينادي بفصل الدين عن الدولة‪ ،‬ويقول أننا نعيش‬
‫في ع الم ليس في ه ك ل ش يء على م ايرام‪ ،‬ف الحول ال تك ون إال باس تخدام العق ل والعلم‪،‬‬
‫والسالح الوحيد الذي يمكن استخدامه ضد القوة والسلطة هو العقل والذكاء والقلم‪ .55‬إذن‬
‫فولتير أدار حركة التنوير في فرنسا وكان أكثر أبطالها نشاطا فقد عمد إلى ترويج األفكار‬
‫الجديدة ونشرها بحماسة حتى أصبح بذلك مفهوم التنوير بفرنسا يتخلَّى تدريجيا من الفكر‬
‫الديني ويتجه إلى الفكر الدنيوي‪.56‬‬

‫‪ -52‬جورج طرابيشي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.471‬‬


‫‪ -53‬محمد زكريا‪ ،‬توفيق‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪ - 54‬موسوعة تاريخ اوربا "الحيدث والمعاصرة‪ ،‬مفيد الزيدي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار أسامة للشنر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،2004 ،‬ط‪ ،2009 ،3‬ص‬
‫‪.484-483‬‬
‫‪ - 55‬جان توشار‪ ،‬تاريخ األفكار السياسية "من عصر النهضة على عصر األنوار‪ ،‬ترجمة ناجي الدراوئمة‪ ،‬دار التكوين‪ ،‬سوريا‪.454 ،2010 ،‬‬
‫‪ -56‬خولة أحمد عبد اللطيف المال‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪ -3‬جون جاك روسو‪ :‬من أصول فرنسية‪ ،‬ولد بجنيف عام ‪ 1712‬وتوفي بفرنسا سنة‬
‫رواد حركة التنوير التي مهدت‬
‫‪1778‬م فهو فيلسوف ومفكر وأديب وموسيقي‪ ،‬ورائد من ّ‬
‫للثورة الفرنسية درس الهندسة بجنيف مدة ثالث سنوات وتعلّم أصول اإلجراءات القضائية‬
‫بفرنس ا‪ ،‬ع اش فق يرا بائس ا وم ات مع دما فه و ي دعو إلى تن وير مت وازن ي راعي الجس د‬
‫وال روح والعاطف ة والعق ل‪ ،‬فق د ألّ ف كت اب "العق‪##‬د اإلجتم‪##‬اعي" ال ذي يعت بر أهم مص در من‬
‫مص ادر الفك ر السياس ي الح ديث في الع الم الي وم‪ ،57‬رفض "روس و" فك رة "اإلس‪## #‬تبداد‬
‫المستنير‪ "#‬كسبب لدفع الحضارة واإلصالح‪ ،‬والدين في نظره ال غنى عنه للفضيلة‪ ،‬فالدين‬
‫في نظ ره يجب أن يرتك ز على اإليم ان بوج ود إاله في نفس ال وقت يجب أن يمج د العق د‬
‫اإلجتماعي والقوانين الصادرة عنه‪ ،‬فأراد "روسو" تحقيق التنوير بالعقل والعاطفة والعودة‬
‫‪58‬‬
‫إلى الطبيعة والقض اء على مجتم ع المراتب والطبق ات الذي أفسدته أشكال الحكم وال دين‬
‫األول "خط‪##‬اب عن‬
‫فق د ش غل "روس و" الجمه ور المثق ف في عص ره من ذ أن أص در كتاب ه ّ‬
‫العل ‪##‬وم والفن ‪##‬ون" ع ام ‪1751‬م‪ .‬م ا هجم التن وير المزي ف‪ ،‬وبالت الي فه و األب ال روحي‬
‫والفك ري للعص ور الحديث ة ونهض "روس و" في عص ر األن وار يطل ق ص رخته في أن ه ال‬
‫علم ب دون أخالق وال حض ارة ب دون ض مير‪ ،‬وأن التن وير إذا لم يكن مبني ا على العدال ة‬
‫والمساواة ال أساس لها‪.59‬‬

‫‪ -57‬جورج طرابيشي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.328‬‬


‫‪ -58‬دوريندا أوترام‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.354‬‬
‫‪ -59‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.355‬‬
‫رواد التنوير في إنجلترا‬
‫مبحث‪ّ :03‬‬
‫تحتل فلسفة األخالق في التنوير اإلنجليزي مكانة أساسية لتمحورها حول أسس األخالق‬
‫والمعض الت الناجم ة عن التط ور في الحي اة وتش مل الفلس فة األخالقي ة منظوم ة فكري ة‬
‫رواد هذه‬
‫ّ‬ ‫أبرز‬ ‫ومن‬ ‫‪...‬‬‫‪60‬‬
‫متكاملة حول اإلنسان‪ ،‬فيها المعرفة والسياسة واألخالق والدين‬
‫الحركة بإنجلترا‪:‬‬
‫‪ -1‬توماس هوبز‪ :‬يعد من أكبر فالسفة القرن ‪17‬م بإنجلترا وأكثرهم شهرة خاصة في‬
‫المجال القانوني باإلضافة إلى انشغاله بالفلسفة واألخالق والتاريخ‪ ،‬ولد ع ام ‪ 1588‬وت وفي‬
‫دورا كب ًيرا في المس توى النظ ري وعلى رأس ها مفه وم "العق د‬ ‫س نة ‪ ،1679‬فق د لعب ً‬
‫اإلجتم اعي" يعت بر "ه وبز" من الفالس فة ال ذين وظف وا مفه وم الح ق الط بيعي في تفس يرهم‬
‫للقض ايا المط ورة‪ ،‬فلق د ك ان "ه وبز" مناص را للملكي ة المطلق ة وه و أح د مؤسس ي فلس فة‬
‫السياسة الحديثة‪ ،61‬ولقد ظل فهمه للبشر باعتبارهم مادة وحركة تنفذ نفس القوانين المادية‪،‬‬
‫ويعت بر الطبيع ة البش رية مرك زا لل ذات والمجتمع ات السياس ية باعتباره ا قائم ة على العق د‬
‫اإلجتماعي وهي أحد أهم الموضوعات في الفلسفة السياسية‪ ،‬ولقد ساهم "هوبز" أيضا إلى‬
‫جانب الفلس فة السياسية في ع دد متن وع من المج االت األخ رى من بينها الت اريخ والهندس ة‬
‫وفيزياء الغازات واإللهيات واألخالق والفلسفة العامة‪.62‬‬

‫‪ -60‬خولة أحمد عبد اللطيف المال‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫‪ -61‬جورج طرابيسي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.708‬‬
‫‪ - 62‬مهناوي سهير‪ ،‬فلسفة االنوار عند كانط‪ ،‬جامعة محمد بوضياف‪ ،‬قسم الفلسةفة‪ ،‬إشراف بوزيرة عبد السام‪ ،‬السنة الجامعية ‪،2016-2015‬‬
‫ص‪.25‬‬
‫‪ -2‬ديفيد هيوم‪ :‬فيلس وف وم ؤرخ وع الم إقتص ادي إس كتلندي وه و أـبرز ممث ل لجماعة‬
‫اإلسكتلنديين التي تعرف اليوم بمدرسة التنوير اإلسكتلندي‪ ،‬ولد عام ‪1711‬م وتوفي سنة‬
‫‪ ،1777‬فهو أحد أهم الفالسفة ألنه اهتم بالفلسفة التجريبية وإ يصالها إلى نتيجتها المنطقية‬
‫ويعود الفضل إلى "هيوم" في أنه كان أول من سعى إلى أن يجعل من التاريخ شيئا يتخطى‬
‫حدود رواية وقائع الحروب‪ ،63‬فقد درس في إحدى جامعات فرنسا وكانت فلسفة هيوم لها‬
‫دور كبير في التأسيس الفلسفي الكانطي‪ ،‬وكان أول كتاب أصدره وهو في سن ‪" 14‬رسالة‬
‫في الطبيع‪##‬ة البش‪##‬رية‪ "#‬وب ذلك تق دم لني ل كرس ي الفلس فة األخالقي ة في جامع ة "إدب تره"‪ ،‬كم ا‬
‫ش رع هي وم باإلع داد لكتاب ة ت اريخ إنجل ترا المتم يز باألهمي ة ال تي اختص به ا المؤل ف‬
‫الحرك ات اإلجتماعي ة واألدبية‪ ،64‬فلق د ت بين لهي وم ب أن تعددي ة ال دول ال تي تك ّون الفض اء‬
‫األوربي هي عنص ر مس اعد تعم ل على تنمي ة الفك ر النق دي وذل ك من حيث تب ادل األفك ار‬
‫فيما بينهم‪ ،‬إذ يتمثل درس األنوار عند "هيوم" في التعددية فهي تحث على التسامح ضمن‬
‫الحر وهي تساعد على التجرد عن الذات‪ ،‬حيث‬‫المنافسة وهي تنمي وتحمي الفكر النقدي ّ‬
‫يرى "هيوم" بأن األنوار هي إبداع ألوربا ولم يكن لألنوار أن ترى النور لوال وجود هذا‬
‫الفضاء األوربي الواحد والمتعدد في اآلن نفسه‪ 65‬كما رفض هيوم وجود أفكار فطرية في‬
‫العق ل وأن ك ل أفكارن ا مرتبط ة بالتجرب ة‪ ،‬وي رى بأنن ا ن درك الع الم من خالل اإلنطباع ات‬
‫الحس ية‪ ،‬وأن ك ل م ا يخض ع لع الم الحس يمكنن ا معرفت ه من التجرب ة وأن العق ل وظيفت ه‬
‫واحدة وهي التذكر ومراجعة األفكار‪.66‬‬

‫‪ -63‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.26‬‬


‫‪ - 64‬ليورد سبنسر وأندرزيجي كورز‪ ،‬أقدم لك عصر التنوير‪ ،‬ترجمة إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬دار المجلس األعلى للتقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،2005 ،‬ص‬
‫‪.58‬‬
‫‪ -65‬تزفيتان تودوروف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.134-133‬‬
‫‪ -66‬جورج طرابيشي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.427‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫اثار التنوير‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬اثار حركة التنوير‬

‫المبحث األول ‪ :‬االثار الفكرية‬

‫أبرز التنوير اثارا هامة في هذا المجال منها ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬العقالنية‬

‫حيث تطورت النزعة العقالنية * التي كانت تجسيدا للتقدم والتحرر الفكري واالجتماعي‬
‫وكذلك االقتصادي والسياسي ‪ ,‬الذي واكب التحوالت البنيوية التي حدثت في أوروبا ‪ ,‬والتي‬
‫اعتبرت العقل المصدر الوحيد للمعرفة الصحيحة ‪ ,‬وأكدت على احترامه ‪ ,‬ووقفت ضد‬
‫االيدلوجية االقطاعية والكنسية‬

‫حاول فالسفة التنوير إعادة االهتمام بقيمة الفلسفة وذلك بجعل العقل المصدر الوحيد للمعرفة‬
‫وليس التراث القديم كشيء مقدس ‪ ,‬على هذا األساس رفض فالسفة التنوير التراث المسيحي‬
‫‪67‬‬
‫التقليدي الذي ينتهك قوانين العلم والمنطق ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الكونية‬

‫ان أول سمة تكوينية لمفهوم التنوير تتمثل في جعلنا نفضل ما نختاره ونقرره بأنفسنا على ما‬
‫تفرضه علينا سلطة خارجة عن ارادتنا ‪ ,‬فمن ناحية يجب عدم الخضوع لكل وصاية‬
‫مفروضة على البشر من خارج ارادتهم ‪ ,‬ومن ناحية أخرى ينبغي االنقياد طوعا للقوانين‬
‫‪68‬‬
‫والقواعد المرغوب بها‬

‫ثالثا ‪ :‬الحرية‬

‫يتحدد اإلنسان في فكر األنوار بوصفه حرا‪ ،‬وذلك حتى إن ديدرو أنشأ في رسالة إلى األميرة داشــوف‬
‫‪1771‬يقول‪ '' :‬إن لكل عصر روحه التي تميزه‪ ،‬والبادي أن روح عصرنا هي روح الحرية''‬

‫الظاهر أنه ما وجد عصر كثر فيــه القول بالحرية قدر‪ B‬عصر األنوار‪ ,‬و محبة الحرية صارت هي‬
‫القاسم المشترك بين فالسفة ذلك العصر‪ ،‬هذا ولقد وضع هؤالء الفالسفة مراتبا للحرية‪ :‬أعظم الحريات‬
‫منزلة حرية الفكر أو الضمير أو االعتقاد؛ ومبناها على أن يكون المرء حرا في أن يفكر تبعا ً لعقله‪ ،‬وأن‬
‫خولة احمد عبد اللطيف ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪95-94‬‬
‫‪67‬‬

‫‪68‬‬
‫العقالنية‪ :‬ممارسة فكرية تحتكم الى العقل وتلتزم بأحكامه‪ ،‬تتصف باالخالص والتجرد والحياء والموضوعية‪ .‬انظر‪ :‬خالد كبير عالل ‪ ,‬وقفات*‬
‫مع أدعياء العقالنية ‪ ,‬دار الكتاب للنشر ‪,‬الجزائر ‪ , 2010,‬ص‪6‬‬
‫تزفيتان تودوروف‪ ,‬المرجع السابق‪,‬ص‪11-10‬‬
‫يعبر عن فكره بالكالم والكتابــة‪ ،‬وحرا في أن يختار ديانته تبعـا لضميره‪ ،‬سواء أكانت الكاثوليكية أم‬
‫البروتستانتية أم البوذية أم اإلسالم إذا أراد ذلك‪ .‬تليها تراتبية حرية المرء في أن يكون مستقال في حركاته‪،‬‬
‫فيمكث في بلده أو يجتاز حدودها‪ B‬دون مانع‪ .‬ثم أن تكون ثمة حرية المالحة والتجارة والصناعة‪ .‬هذه‬
‫الضروب‪ B‬من الحرية المرجوة تأسســت وانتظمت في صورة واحدة‪ ،‬هي صورة الدولة الحرة‪.‬‬

‫وما فتئ مفكــرو األنوار يسوقون الحجج تعقب الحجج على حرية اإلنسان حتى أنشــؤوا هم ما يمكن‬
‫تسميته الهوت الحرية حيث قالوا‪ :‬إننا أحرار؛ ألن اإلله قد ترك لنا االختيار بين الطريقين الذين ينتهي‬
‫أحدهما إلى النجاة واآلخر‪ B‬إلى التهلكة‪ ،‬وإننا أحرار ألن الموجود‪ B‬األسمى ال يمكن أن يكون قد صنع منا‬
‫دمى يجتذب خيوطها‪ ،‬وإننا أحرار إذ أننا لو لم نكن كذلك لما كانت هناك أية حكومة ممكنة‪،‬‬

‫بعض فالسـفة األنوار تجنبوا النقاش حول مسألة الحرية النظرية ومالوا إلى االعتبار العملي‪ ،‬ال سيما‬
‫الحرية السياسية‪ .‬حيث يرى ڤولتير ـ مثال ـ أن ليس المقصود‪ B‬بناء مفهــوم مجرد عــن الحرية‪ ,‬وإنما‬
‫بيــان فائدتها‪ B‬العمليــة في حياة المجتمع‪ ،‬ومن هنا اقترنت مسألة الحرية في عصر األنوار بمسألة حقوق‬
‫‪69‬‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬اثار اجتماعية‬

‫‪ 69‬محمد الشيخ ‪ ,‬المرجع السابق‪ ,‬ص ‪129-128‬‬


‫أوال اثار سياسية ‪:‬‬

‫حيث شهدت أوروبا خالل القرن ال‪ 18‬نزاعات وحروبا كثيرة بين مختلف دول القارة‬
‫وداخل كل بلد ‪ ,‬ومواجهات خارجية أوروبية‪ -‬عثمانية ‪ ,‬والثورات التي غذتها النزاعات‬
‫القومية والدينية المتصارعة ‪ ,‬وتلك التي جائت نتيجة التوسع االستعماري خاصة في القارة‬
‫األمريكية الشمالية وبعض مناطق اسيا وافريقيا ‪ ,‬وقد رافق هذا التوسع نقل الخصومات‬
‫القائمة في أوروبا الى المستعمرات ‪ ,‬مما أدى الى نشوء وعي مناهض أدى الى استقالل‬
‫أمريكا الشمالية و لمقاومة الهند والدول العربية لالستعمار األوروبي ‪.‬‬

‫ومن بين االثار السياسية األحداث التي جرت في إنجلترا بين عامي ‪ 1689-1688‬حيث‬
‫أدى نجاحها الى قلب موازين القوى بين االرستقراطية والبرجوازية وقيام الملكية‬
‫الدستورية ‪ ,‬وإنجاز مكاسب سياسية مهمة ‪ ,‬اذا نقلت السلطة من يد الملك الى البرلمان ‪,‬‬
‫واتسع حق االنتخاب وحرية الصحافة ‪ ,‬ورفعت الرقابة على الفكر ‪ ,‬وتحدد مكانة الجيش في‬
‫السياسة ‪ ,‬وتم الغاء قصر ملكية األراضي على االقطاعي ‪,‬‬

‫اذا تغيرت صورة الدولة من نظام الهي الى تنظيم يعتمد على تبادل المنفعة بين أفراد‬
‫‪70‬‬
‫المجتمع ‪.‬‬

‫ومن بين أهم االثار السياسية التي ترتبت عن حركة التنوير ‪ :‬االستعمارو الحكومة‬

‫ثانيا ‪ :‬اثار علمية‬

‫‪70‬‬
‫خولة أحمد عبد اللطيف ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪100-99‬‬
‫فتح تحرر المعرفة الباب أمام ازدهار العلم ‪ ,‬فاحرزت الفيزياء خطوات مذهلة وتبعتها‬
‫العلوم األخرى من كيمياء وبيولوجيا وغيره ‪:‬‬

‫‪-1‬علم النفس‪:‬‬

‫نتجت أول النظريات العلمانية الحديثة في علم النفس وعلم األخالق ‪ ,‬اذا اعتبر جون لوك‬
‫العقل صفحة بيضاء تكتب عليها التجارب بحرية وجرأة مما يؤدي الى تشكيل شخصية الفرد‬
‫طبقا للتجارب التي خاضها ‪,‬أما الصفات الفطرية مثل الميل الى الفضيلة أو الرذيلة فهذا‬
‫افتراض ليس له أساس ‪ ,‬أما توماس هوبز فقد صور االنسان على أنه يتأثر فقط باالعتبارات‬
‫‪71‬‬
‫التي تجلب له السعادة واأللم‬

‫‪-2‬العلوم االجتماعية ‪:‬‬

‫فسر فالسفة التنوير الظواهر االجتماعية على ضوء القوانين الطبيعية وذلك بسبب انتشار‬
‫المذهب الحسي كمذهب للبحث في نظرية المعرفة واالهتمام بدراسة الحياة االجتماعية ‪.‬‬

‫‪-3‬علم التأريخ ‪:‬‬

‫تميزت أعمال ادوارد جيبون و ديفيد هيوم وفولتير بالدقة حيث وسعوا علم التأريخ و جعلوه‬
‫يشمل الحياة االجتماعية واالقتصادية والثقافية ‪ ,‬وتجنبوا أفكار العناية اإللهية ‪ ,‬واتفقوا على‬
‫ضرورة إعادة صياغة الماضي ‪ ,‬وليس مجرد التنقيب عن الحقائق بل شرح األسباب أيضا‬

‫‪-4‬العلوم المادية‪:‬‬

‫حيث تم اعتبار الكائنات أنظمة متحركة ومتغيرة تنطبق عليها مبادئ العلوم المادية ‪ ,‬وكانت‬
‫أول أطروحة منهجية حول المادية كان كتاب '' الة الرجل '' ل جوليان دوالمتري ‪, 1747‬‬
‫فنظر الى الجسم في هذا الكتاب على أنه يعمل اليا ‪ ,‬أما بيير موبرتيوس فقد توقع علم‬
‫‪72‬‬
‫الوراثة الحديث باعزائه الرغبة البدائية والنفور والذاكرة الى جزئيات وراثية‬

‫ثالثا ‪ :‬اثار على المجتمع‬


‫‪71‬‬
‫تزفيتان تودوروف‪ ,‬المرجع السابق‪,‬ص ‪14-13‬‬
‫‪72‬‬
‫خولة أحمد عبد اللطيف‪,‬المرجع السابق ‪,‬ص ‪105‬‬
‫صور التنوير المجتمع بكونه أكثر من مجتمع سياسي ‪ ,‬حيث أكد على االستقاللية‬
‫والتحرر وعدم الخضوع لسلطة الكنيسة وأية وصاية خارجية ‪ ,‬وكذلك التفريق بين الدولة‬
‫والمجتمع ‪ ,‬وبذلك وجهت األنظار الى االهتمام بالنظم والمؤسسات االجتماعية والثقافية‬
‫والسياسية‬

‫وفي عام ‪ 1749‬بدء العمل الجماعي الكبير عن التنوير بعنوان الموسوعة من تأليف ديدرو‬
‫و داالمبير ‪ ,‬حيث دعت الى تحقيق التقديم عن طريق التغيير بهدوء واعتدال‬

‫نقد روسو المجتمعات الموجودة ورأى أنها تمنع االنسان من أن يصبح كائنا اجتماعيا ‪,‬‬
‫ورأى أيضا أن االنسان أناني دون أن يشعر مما يجعله عدوانيا ‪ ,‬لذلك حاول فالسفة التنوير‬
‫‪73‬‬
‫معالجة هذا الجانب المظلم في فطرة االنسان ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬اثار اقتصادية‬

‫دعا التنوير الى اقتصاد منظم مبني على العقل والعلم بكامل وسائله وأدواته وطرق بحثه ‪,‬‬
‫فشهدت أوروبا بدءا من الثورة الصناعية التي انطلقت من شمالي إنجلترا وجنوبي اسكتلندا‬
‫تغيرات مهمة بدلت أسس القاعدة االقتصادية للمجتمعات األوروبية ‪ ,‬وأحدثت انهيارا في‬
‫البنية االقطاعية االرستقراطية‪ ,‬وأدت الى نزاعات وثورات واصالحات جذرية‬

‫‪73‬‬
‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪106-105‬‬
‫كان من بين العوامل الرئيسة لهذه التحوالت ‪ ,‬الغزو االستعماري األوروبي ونشاط التجارة‬
‫الدولية والتراكم المالي ورافق كل هذا صعود البرجوازية وتوطيد الرأسمالية والتمايز‬
‫الطبقي ‪.‬‬

‫شهد كذلك القرن ال ‪ 18‬توسعا اقتصاديا وزيادة في مساحة المدن ونموا سكانيا وتحسنا في‬
‫االتصاالت ‪ ,‬أيضا اإلنتاج الزراعي‪ B‬ازادا بطريقة ملحوظة في بعض الدول األوروبية ‪.74‬‬

‫خامسا ‪ :‬اثار القيم األخالقية‬

‫حيث رفض فالسفة التنوير التراث المسيحي التقليدي الذي ينتهك أخالقيات الزهد والتقشف‬
‫الصارمة في الحياة الدنيا ‪ ,‬ودعوا الى أخالق أكثر إنسانية وااللتزام بالتسامح والسالم بدل‬
‫التعصب والعنف‬

‫كذلك تم رفض الوحي والعقيدة والمسيحية ‪ ,‬فالمؤمنون باالله عقال مثل فولتير ومعظم‬
‫علماء األخالق االنجليز نظروا الى االله على أنه الضامن الحقيقي للقيم األخالقية لكنهم غالبا‬
‫‪75‬‬
‫ما انحرفوا قائلين ان البحث عن السعادة هو الذي يحدد معيار األخالق ‪.‬‬

‫ركز الروائيون و كتاب المسرح النثريون في القرن ‪ 18‬على استعداد االنسان لممارسة‬
‫الشر وحاجته الى اثبات ذاته عن طريق العدوانية والتسلط والقوة والهيبة‬

‫أدرك العديد من المفكرين خطورة المذهب الالأخالقي وعارضوه ‪ ,‬لكن قليل منهم رحبوا‬
‫بالمتطلبات غير المحدودة وقبلوها ‪.‬‬

‫أصبح التنوير أساسا في التعامل اإلنساني وفلسفة اجتماعية قيمية فسرت األخالق بمفهومي‬
‫‪76‬‬
‫اللذة واأللم ‪,‬واتخذت من سعادة األكثرية أساسا وتقييم السلوك االجتماعي ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪107‬‬
‫‪75‬‬
‫دوريندا اوترام ‪ ,‬التنوير‪,‬ترجمة ‪ :‬ماجد موريس' إبراهيم ‪,‬دار الفارابي للنشر ‪,‬ط‪, 1‬المملكة السعودية ‪ , 2008,‬ص‪86-85‬‬
‫‪76‬‬
‫خولة احمد عبد اللطيف ‪ ,‬المرجع السابق‪ ,‬ص ‪109-108‬‬
‫سادسا ‪ :‬اثار ثقافية‬

‫‪-1‬أنتج مفهوم التنوير تحوالت كبرى في انتاج وطرح األفكار عن طريق الطباعة والنشر‬
‫بصفة خاصة ‪,‬‬

‫‪-2‬وأنشئت مؤسسات اجتماعية اعتمدت على تبادل األفكار‪ ،‬وليس على ظهور أو تمييز‬
‫الطبقة االجتماعية أو الثقافية‬

‫‪-3‬أصبحت المعلومات والقدرة على النقاش على المأل واحدة من الطرق التي يكتسب بها‬
‫الشخص مكانته اذا كان ال ينتمي الى الطبقة االرستقراطية بالمولد‬

‫‪-4‬نشأت تجارة عالمية في السلع االستهالكية ‪ ,‬شملت المنتجات الثقافية المحمولة ‪,‬مثل الكتب‬
‫والصحف والرسومات وأصبحت الثقافة بصورة متزايدة سلعة تجارية‬

‫‪-5‬خلق الرأي العام كقوة يمكن االعتماد عليها وأصبحت الثقافة جزءا من نظام دولي للتجارة‬
‫‪77‬‬
‫والتبادل‬

‫‪77‬‬
‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪110‬‬
‫الخاتمة ‪:‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ‪:‬‬

‫‪-1‬المصادر ‪:‬‬
‫أيوب الكفوي ‪ ,‬أبو البقاء‪,‬ترجمة ‪:‬عدنان درويش‪,‬محمد المصري‪,‬مؤسسة الرسالة‪,‬بيروت‪,‬ط‪, 2‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪1998‬‬
‫الرازي ‪,‬أبو بكر ‪ .‬مختار الصحاح‪,‬المكتبة العصرية ‪,‬بيروت‪-‬صيدا ‪1999,‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الصاحب ‪ ,‬بن عباد‪,‬المحيط في اللغة ‪,‬ج‪,4‬تحقيق‪:‬محمد حسن ال ياسين‪,‬عالم الكتب‪1994,‬‬ ‫‪-3‬‬
‫محمد محيي الدين عبد الحميد ‪ ,‬أوضح المسالك الى الفية ابن مالك‪,‬ج‪ ,3‬المكتبة العصرية بيروت‪,‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أبو الفضل ابن منظور ‪,‬لسان العرب ‪,‬ج‪,5‬دار صادر ‪,‬بيروت‪,‬ط‪1995, 1‬‬ ‫‪-5‬‬
‫‪-2‬المراجع ‪:‬‬
‫‪ -1‬أشرف صالح محمد سيد‪ ،‬أصول التاريخ األوربي الحديث‪ ،‬دار واتا للنشر الرقمي‪ ،‬قطر‪،2009 ،‬‬
‫تزفيتان تودوروف‪ ،‬روح االنوار‪ ،‬تعريب حافظ قويعة‪ ،‬دار تويقال‪ ،‬المغرب‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫األردن‪2007 ،‬‬
‫‪ -3‬جان توشار‪ ،‬تاريخ األفكار السياسية من عصر النهضة على عصر األنوار‪ ،‬ترجمة ناجي‬
‫الدراوئمة‪ ،‬دار التكوين‪ ،‬سوريا‪،2010 ،‬‬
‫‪ -4‬جميل صيا ‪,‬المعجم الفلسفي‪,‬ج‪,2‬دار الكتاب اللبناني‪,‬بيروت ‪1982,‬‬
‫خير شواهين ‪,‬دور العلماء العرب في نهضة الحضارة الغربية ‪ ,‬دار المسيرة للنشر والتوزيع ‪ ,‬ط‬ ‫‪-5‬‬
‫‪2007 ,1‬‬
‫‪ - -6‬رونالد سترومبرج‪ ،‬تاريخ الفكر األوربي الحديث "‪ ،"1977-1601‬ترجمة أحمد الشيباني‪ ،‬دار‬
‫القارئ العربي‪ ،‬مصر‪ ،1994 ،‬ط‪3‬‬
‫‪ - -7‬عبد العزيز سليمان نوار ومحمود محمد جمال الدين‪ ،‬التاريخ األوربي الحديث "من عصر‬
‫النهضة حتى نهاية الحرب العالمية األولى"‪ ،‬دار الفكر العربي للنشر‪ ،‬مصر‪1999 ،‬‬
‫‪ - -8‬ليورد سبنسر وأندرزيجي كورز‪ ،‬أقدم لك عصر التنوير‪ ،‬ترجمة إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬دار‬
‫المجلس األعلى للتقافة‪ ،‬القاهرة‪2005 ،‬‬
‫‪ -9‬محمد زكريا توفيق‪ ،‬قصة التنوير والفكر المتنير‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫مراد وهبة ‪ ,‬مدخل الى التنوير ‪,‬دار العالم الثالث للنشر ط‪1994 , 1‬‬ ‫‪-10‬‬
‫هاشم صالح‪ ،‬مدخل إلى التنوير األوربي‪ ،‬دار الطليعة ورابطة العقالنيين العرب للنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪-11‬‬
‫‪2005‬‬
‫*موسوعات ‪:‬‬
‫‪ -‬موسوعة تاريخ اوروبا "الحديث والمعاصرة‪ B،‬مفيد الزيدي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار أسامة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،2004 ،‬ط‪2009 ،3‬‬
‫*مجالت ‪:‬‬
‫‪ -1‬أحالم محمد حكمي ‪ ,‬التنوير الغربي والتنوير اإلسالمي ‪ ,‬مجلة كلية أصول الدين ‪ ,‬عدد ‪,34‬‬
‫‪2016‬‬
‫‪ -2‬محمد الشيخ‪ ,‬سؤال التنوير وحيثياته وأجوبته في الفكر الغربي ‪ ,‬مجلة المحور‬
‫*مذكرات ‪:‬‬
‫‪-1‬خولة أحمد عبد اللطيف‪ ,‬مفهوم التنوير في الفكر الغربي ‪ ,‬أطروحة ماجستير‪ ,‬كلية الشريعة ‪,‬‬
‫جامعة محمد بن سعود ‪,‬السعودية‬
‫‪ -2‬مهناوي سهير‪ ،‬فلسفة االنوار عند كانط‪ ،‬جامعة محمد بوضياف‪ ،‬قسم الفلسفة‪ ،‬إشراف بوزيرة‬
‫عبد السالم‪ ،‬السنة الجامعية ‪2016-2015‬‬

You might also like