Professional Documents
Culture Documents
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
:
شكر
أتوجه بخالص الشكر " ملكتبة كتوباتي "kotobati /اإللكترونية كونها
أول داعم لي أوال في أولى بداياتي و ثانيا على تصميم غالف روايتي ،سأترك
لكم دعائي عند هللا.
2
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إهدإء :
3
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إلفهرس:
شكر2.........................................................................................:
مقدمة5........................................................................................:
4
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مقدمة:
ُ
دائما ضدنا ُتحاربنا وتدفعنا إلى مطلقا ،كانت ً ً الحياة معنا ً
يوما ما لم تكن
شيئا إال أنها كانت جد قاسية معنا لم قاعها بشدة ،ورغم أننا لم نفعل لها ً
قوة َُّ
فعة من األعلى إلى ظالم املجهول . ِ الد ترحمنا و بقدر حبنا لها صدمتنا
ُ ُ ُ ُ
يفضل سور التي نذبتها له ومنا من ِ الك ويواصل رغم ينهض ويتحدى منا من
ُ َ
الركام ينتظر أن ُتهب عليه رحمة هللا وتر ِقد جثته تحت التراب. ِ تحت البقاء
ُ
في َفقد لألبد . .لم نكن نتوقع أن يحدث أن ْيف ِقد اإلنسان نفسه ُ و
دائما تنزف أملًا ً
حادا .. يمكن أن ُتشفى لقد ظلت ً ُ التخلي جروحه ال
ُ زُ َ َْ ُ ْ ُ ً ُ ْ َ
تعبر أشواكا بين الشرايين ،وتمسك القلب وتغ ِر سمها هناك ،لقد تدرب
ُ
يرقص على اقصا جيدا ،علمته تلك الخيبات كيف القلب وأصبح ر ً ُ
معلنا رقصاته للفرح أو الحب ً يخونها يوما ُ موسيقاها ،علمته كيف ال
ً
أيضا...
نحن الذين ُت ِركنا نتخبط
سيجدنا نحن ؟! ُ
ِ
وج ْدنا الجميع ولكن من َ لقد َ
ُ
سيعثر علينا في وحدنا في املنتصف ،فال العودة تنفع وال التقدم أيضا من
ضياعنا ! في ْتوهنا ! نحن الذين استصعبنا أن َن َ
ترك ًيدا أمسكت بنا هي أوال .. ِ
5
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
نحن الذين عالجنا ِجراح كل من التجأوا إلينا ..نحن الذين تمسكنا وكان من
السهل التخلي عنا !
ِ الصعب علينا أن نتخلى ...هل حقا كان من
الحياة بقدر ما أردنا أن نكون بخير فقط ،ولكنها بالغت في لم ُنرد ً
شيئا من
ِ ِ
الحروف وقرأت :
ِ فهمها واتجهت إلى ما تحت
بخيباتك و آوابدک.
ِ أهديک قلبي فاقتليه
ِ
نحن نكبر بمرور الناس في حياتنا ..بمرور خيانتهم فال عالقة لأليام بنضجناُ ،
هواء خبثهم في ر َئت ْينا ..نحن لسنا
في دمنا ،بمرور كذبهم في عروقنا ..بمرور ِ
مزيج من أشخاص انكسرت في كل أرض ٌ
روح منهم واحدا ،بل ٌ ً ً
شخصا
ِ
فاجتمعوا في جسد واحد .
تثق ً
روح تخش ى أن َ ُ
وتسقط ٌ
أبدا وتبقى ! خيانة :
ً ٌ ُ
تصدق مجددا وتبقى !
كذب :وتسقط روح تخش ى أن ِ
ً ُ
وتسقط ٌ
مجددا وتبقى! روح تخش ى أن تعيش استهزاء :
َ ُ
وتسقط ٌ
تواجه من جديد وتبقى! روح تخش ى أن خيبة :
ُ ُ
تشتعل ف َت ْيالت قلبها من األرواح بعد انطفائها وال
ِ بين روح :وتسقط ٌ
روح
جديد وتبقى !
املنكسرة في جسد تحكمه كل هذه األرواح ُ
عوالق َ
تجتمع وهكذا حتى
ِ ِ
االنكسارات التي تسمى في عاملي شخصية !!
األلف حبا كهذا في َ
سيحبك وأنت منطفئ ،تذكر هذا وإن صادفت ً ال أحد
ِ
كره فال ُت مسك بيده جيدا حتى تتأكد من أنه لن يفلتك عندما تصل إلى
6
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
معزة في قلوبهم ،أن ُن ْحترم أيضا ،أن أن ال نهون ،أن ُن ْحترم ،أن تكون لنا َّ
نحن أنفسنا ،أن ُن َح َّب كما أحببنا نحن عيوبنا ،أن نكونُن َت َّق َبل كما َتقبلنا ُ
ً
فتسكن أرواحنا ألنفسنا وفقط و دائما ،أن ُنكمل معا ُ بيتا لبعضنا البعض
حلة حب جميلة تبدأ على األرض وتكتمل في الجنة واألهم أن ُن َحتَـرم ،كلماتٌ َ
ر
َس ِط ْر عليها يا من تقرأ فهي مبادئ الحب الحالل الذي لم تعرفه بعد .
7
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إلفصل إ ألول:
بـعدَ ِ
مخس س نوإت . . .
8
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ً ُ
الخيبات على قلبي واحدة تلو األخرى ،لم تترك الدنيا ش يء إال و توالت
ِ
ً أذكر ً أصابتني به ُ ،
جيدا أنه هنالك عبارة قرأتها في مكان ما ر ِسخت في ذهني
كنت ُج َّل ما أتوقف على ُ الصخر بش يء حاد ، على ش كما ُي ْن َق ُ
ِ
َ َ ُ ُ
ق
شاطئها والخوف يصرخ داخلي من أن أغر ذات يوم فيها وفيما ما تحمله من
يخسر ما يحبه إلى أن يخسره َ خائفا من أن دائما ً اإلنسان ً ُ معان "سيبقى
كنت دائما أفكر فيها أعل ُق حبال على هذه العبارة و أجلس َويفقد خوفه " ُ
ُ
فقدت أمي ! ديدان األسئلة ،ماذا لوُ تحت شجرة الشك ُ ،آك ُل ً
تفاحا شنقته ِ
صباحا ولم أجد أبي ؟ ماذا لو تركني كل من ً استيقظت ذات يوم ُ ماذا لو
كنت أحب و بقيت وحدي ! ماذا لو لم أجد من يحبني من أعماق فؤاده!! ُ . .
أنشر ُس ًما في عقلي بأفكاري الغريبة ثم في لحظة ما ُ غبية عندما كنت ُ ً
أفيق
ً ُ من تفكيري وأل ُ
أتذكر أن عبارة هي األخرى وقفت ضد ـعن نفس ي عندما
ُ
أمسح محكمة الحياة وفازت هي بالحكم " كل متوقع آت " العبار ِة األولى في
ِ
ُ ٌ َ
سحابة تفكيري وأنا غاضبة من نفس ي ثم ال ألبث أن أصب غضبي إال و
ُ
أغضب اآلن ..نعم ولم أعد حربا على كل من أجده في طريقي ،لم أعد أعلنته ً
ُ أخاف ً ُ
خسرت گ َّـل ما أحبه . أيضا ،لقد
ُ ْ ْ َ َ
وضـعت نقطة النهاية وأغلقت دفترها األسود و املاض ي يرسم لها صورته التي
نهاية َ ُ ُ
الجرس ويعلن عن ِ الواقع لحظات قبل أن ينبهها ِ عن تغيب جعلتها
ُ ً االستراحة ،أخفته ُ
تنفض األسود في حقيبتها ونهضت مسرعة
ِ الحبر
وقلم ِ
َ َ
غبار أفكارها وتعدل ياقة مئزرها ..
9
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ ُ
الركض
ِ أصوات جاءت عندما دقائق وعشرة
ِ التاسعة
ِ إلى تشير الساعة كانت
ِ
ٌ ٌ واحدة و كأنها ًٌ ً
أطفال ال حرب بريئة أبطالها والضحك كلها دفعة
ِ والصر ِاخ
ُ َ
تسخر من خيبات الدنيا ش يء سوى قد سرق محمد قلمي و نهى ِ عن ن يعرفو
نكبر وال َت ُ
كبر طيبتنا معنا وال حتى رسمتي ...من الجميل أن نبقى أطفاال ،ال ُ
ِ
ُ ً
الجميل أن نبقى أطفاال ال نحزن وال ُيحزننا من نحب ..ِ براءتنا ،من
-بهدوء يا أطفال ،ال تركضوا ..،أحمد ،لجين قلت لكم ال تركضوا ..
أحمد :حسنا معلمتي ..
معا اآلن أخرجوا دفاتركم وألوانكم سنرسم ً
ُ -اجلسوا أماكنكم يا أطفالي ،
هيا يا أطفالي .. هيا َّ ..
معا سآتي لتفقدكم اآلن َّ جميعا ً
ً ودعونا نبدأ
الطاوالت وقد دفاتر رسمهم وعرضوا ألوانهم على َ الصف أخرج جميع من في َّ َ
ِ
واحدا ً
واحدا أصوات حماسهم تصل إلى آخر الرواق ،بدأت تتفحصهم ً ُ كانت
وجسدها ُ ُ ً
يهتز بشكل طاولة ليان التي كانت نائمة عليها ِ ولكنها توقفت عند
غريب ،انحنت بشكل لطيف ومسحت على رأسها بحنو و بصوت رقيق
ُ
الخطب يا عزيزتي! دافئ قالت :ما بها صغيرتي ليان؟! ما
ُ ُ ً
حمرتين
ِ إ ِ ِاللتين خديها على تتسابق الدمع
ِ حبات و قليال رفعت ليان رأسها
االنكسار ُيمليهما ً
حزنا ،لم ُ نظرت إلى ُمعلمتها بعيونها الخضراء و ْ البكاء ، من
ِ
ُ تستطع أن َت ْن َ
طق بحرف واحد كلما حاولت أن تتكلم زادت حدة بكائها ،
أمسكت يد ليان الصغيرة بود ومسحت على رأسها ،وقالت لها تعالي معي يا ْ
باب الصف استدارت إلى تصل أن وقبل خطوات وتقدمت َ
بضع ْ عزيزتي
ِ
10
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
َ
وأقالم تلوين ، استجمعت كلماتها وطلبت من الحارس أن يشتري َ
دفتر رسم
ُ
فوضع والدي ليان ال يسمح لهما حتى بشراء خبز اليوم .هكذا هو القدر لم
يمنحنا كل ما نريد ولكن الرضا بما نملك كاف لنواصل حياتنا على نحو ما .
ُ ُ َ ً ْ ُ
ى
النهار في االنقضاء ساعة ِتلو األخر ..الساعة تشير إلى ِ ساعات تواصلت
وقت االنصراف ،أخرجت هاتفها تفحصته فوجدت مساءا ..إنه ُ ً ابعة
الر ِ
تضعوص َلتاها بينما كانت في الدرس ولكنها لم تالحظهما ألنها ُ رسالتين َ
ِ
َ احة اإلنسان بعدما ُ ُ الصامت ًَ َ
األشياء
ِ من الكثير يفقد ِ رف لهاتفها ا دائم الوضع
ُ
تعتقد هي .بوجه بارد ال األشياء التي تبقت ،هكذا كانت َأهم بكثير من كل
ِ
باسمه دون أن تدري دة فعل نظرت إلى االسم ً َ
ِ تفوهت و ا جيد ِ يبدي أي ر
"سيمان" فتحتهما:
ألخذك ،أنا مشغول»
ِ وحدك ،لن آتي
ِ «عودي للبيت
ي سالة أخرى من سيمان ً ٌ
نفسك ،
ِ وجهز بي تتصلي ال تذكرت آه « : ا أيض ور
ُ
سأمر على الساعة » 19:00 نحن مدعون للعشاء عند أهلي ،
ٌ
وأحمق أيضا.. أغلقت الهاتف قائلة في داخلها :يا له من متعجرف و مغرور
ِ
ُ ُ
يمنح نفسه مرة ولكنها لم تغضب قط ،ألن اإلنسان قد يصادف و
ضحكاتنا ..سعادتنا ..ألشخاص خطأ ينتزعو َن منه ومنا كل ش يء ..أحالمناَ ..
ً اإلنسان غضبه يعني أنه َخسر ًُ َ
حربا كبيرة ِ فقد
خوفنا وغضبنا أيضا و أن ي ِ
لم ْيفقد فيها شيئا بقدر فقدانه لنفسه.
12
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
13
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
يريد أن ينتزع ً
شيئا بقوة ونهضت مسحت دمعها ووضعت يدها على قلبها كمن ُ
ً
متجهة إلى غرفتها الجديدة ،فتحت الخزانة لم تبحث طويال أخرجت أول
بحقيبة يدها
ِ فستان وقعت عيناها عليه ،وضعته على السرير و أفرغت ما
َ ً
ى
تاركة أشيائها األخر على الطاولة وأخذت علبة الدواء التي تخفيها جيدا بين
ً
أشيائها ثم اتجهت نحو املطبخ فوجدته كما ُت ِرك صباحا رتبته ثم حضرت
جائعة جدا لم يمر من حلقها سوى املاء ِط َ ً
وال لنفسها ما يؤكل ،كانت
ساعات العمل ،انشغل تفكيرها في النقود التي انتهت من أين ستأتي بهم ِ
لتواصل يومياتها حتى موعد الدفع . .تعكر مزاجها كثيرا ..كيف ستدفع ذلك
الدين الكبير مع مصاريفها ومصاريف العالج التي بدأت تتراكم عليها !
ارتشفت دواءها وعادت إلى الغرفة ،ارتدت فستانها الذي ينتهي بربطة
أنيقة على ظهره تمتد إلى أسفل ِخصرها ،مزين بقفيالت في آخر الذراع على
شكل ريشة رقيقة ذات لون ذهبي ،عدلت خمارها األسود ..لم تضع الكثير
من مساحيق التجميل ،اكتفت فقط بكحل العين وأحمر شفاه بلون وردي
فاتح جدا يناسب بشرتها البيضاء ،وضعت إسوارا رقيقا على معصمها
ولبست خاتم وساعتها التي أهدتها لها صديقتها ياسمين وباتت ال تفارقها ِ ،
بساطة تزينها إال أنها
ِ موتها ذاك وارتدت كعبا أسود ليس بعال كثيرا ،ورغم
ً
أصبحت فاتنة بشكل ال يوصف ..هي ال تحب كل هذا التزين رغم بساطته
ولكن كيف سيقو ُل أهله عن عروسهم التي ُ
تهمل مظهرها منذ يومها األول ! في
ٌ
الحقيقة ال ُيهمها أيضا ما سيقولون عنها ولكنها مجبرة على تحمل أخطاء
أخيها الذي ترك يدها في الوحل وغادر.
14
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
الجميع بنفس الحظوظ ..فالبعض تمنحه الحياة كل ما يريد دون أن يولد
لم ِ
ُ ُ ٌ ٌ
تبصق في والبعض جميل يشقى و دون أن يكون للتعب نصيب فقط حظ
وجهه واقعا مريرا تخجل حتى من أن تسميه واقع.
ً
صباحا على العاشرة وتسع دقائق على رنين هاتفه ،أطفأه ثم تقلب استيقظ
أي آخر إذ يبدو أن ٌ
منزعج جدا و لكن كان للهاتف ر ٌ الجهة األخرى وهو على
ِ
ُ
صوت صديقه ٌ
ومزعج أيضا ،رد على االتصال فآتاه املتصل شخص ٌ
عنيد َ
معتز مهلال فرحا ..
-أحلى صباح ألحلى عريس ..
ً
مستلقيا على ظهره فاركا لشعره بأصابعه :وهل من ُ
يتثاءب رد عليه وهو
ُ
سيجد صباحا جميال ! يستيقظ على صوتك
وكردة فعل أبعد الهاتف عنه فأصمت أذنهجاءت قهقهات معتز مدوية َ
ِ
ً ً
ضحكة رفيقه :
ِ على ضحكة مكشرا ،رادا
-معتز سنلتقي بعد ساعة هيا اآلن مع السالمة ..
َ
وعروسك يا أحمق؟ -هااي انتظر ...انتظر نلتقي ماذا!
-أنت تعلم جدا سبب هذا الزفاف الغير مرغوب فيه ،وهللا لوال خوفي من
لم كان سيصيبها سوآءا هي أو حتى أخوها خسارة عائلتي فلن أكترث حتى َ
ِ
املغفل فال تناقشني رجاءا ..لم أخترها بنفس ي أجبرت عليها ..
15
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
وضع الهاتف جانبا و غاص تفكيره في زفافه السريع الذي حدث بين ليلة
ً ُ
يستحضر له صورتها البارحة وكم كانت جميلة جدا بثوب ونهارها وبدأ عقله
الش ُ ُ ُ
املتمردة
ِ عيرات األبيض وقصة الشعر املنفوخة من الوراء وبعض
ِ الزفاف
ِ
ُ
على وجهها ،فقط كانت تنقصها ملعة الفرح في عينيها رغم محاوالتها في رسم
ابتسامة مزيفة ..تأفف من نفسه ومن تفكيره املفاجئ فيها ونهض يجر أقدامه
نحو الباب ،توقف للحظة متذكرا بأنه لم يرتدي قميصه محدثا نفسه :
كيف لي أن أعتاد على عادات جديدة اآلن ، ..ثم أعدل عن فكرته
ُ
وخرج بدون قميصه قائال في نفسه :لن أغير نفس ي من أجل أحد ،الجميع
مجبرون على التأقلم رغم أنفهم املنزل منزلي كان يقصدها بالجميع فال أحد
سواهما سيقطن في هذا البيت ..
ُ
بباب
ِ مر هناك هنا عنها تبحث كان البيت هادئا جدا و كانت نظراته خائنة
ً
خفيفا وعندما لم أسه على الباب لعله يسمع صوتها ،طر َق
غرفتها فوضع ر ُ
يأته صوتها فتحه ودخل ؛ كان فضوليا جدا ال يحترم خصوصيات الغير كل
َ
ما يهمه هو نفسه ..وجد الغرفة مرتبة وحقائبها الفارغة موضوعة على األرض
جانبا ،اتجه نحو املطبخ وجد الطاولة جاهزة ،أو باألحرى كما جهزتها والدته
ً
يوم العرس ،رأى مالحظة ما معلقة على الثالجة أمسكها وقال :مغفلة من ذا
الذي مازال يترك مالحظاته على الثالجة ،تمعن مع خطها الرقيق الجميل
وكلماتها املصطفة بإتقان ثم قرأ بدهشة ":أعلم أننا اتفقنا على زواجنا
التمثيلي وبأنك أنت من ستأخذني إلى املدرسة صباحا وتعيدني مساءا لبعد
املسافة بينها وبين البيت مقابل واجباتي املنزلية ولكن لم أرد إزعاجك
صباحا ،شكرا نفذ اتفاقك ابتداءا من املساء" .
16
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ٌ ُ
ضحك من أعماق قلبه على رسالتها و السخرية مرسومة على وجهه وهو يردد
عليك حتى حمقاء ..حمقاء ،سأريك ماذا سأفعل ..مغفلة ،وكأنني ٌ
ميت
ِ
أصبح سائقك الخاص ،تعلمي كيف تعودي للبيت وحدك إذا.
في هذا القفص الصغير الذي نعيش فيه ،في هذه الحياة بالضبط قد ال
يدرك املرء ما يعيشه غيره من آالم و من أحزان وحتى تلك التقلبات التي
َ
تعيش بداخلنا ال أحد يستطيع معرفة شعورها فخلفنا تماما شخص ال
ٌ ُ
إنسان آخر ال أحد يعرفه. أحد يعرف عنه ذرة خرذل فوراء كل إنسان
جهز نفسه بعناية ،رش عطره وأمسك مفاتيح سيارته وخرج للقاء معتز
الذي كان ينتظره في أحد املقاهي ،تعانقا خفيفا ثم جلسا يتحدثان ..
-لقد أصبحت متزوجا يا صاح مرفقا إياها بابتسامة عذبة.
-العاقبة لك يا معتز ولكن مع من تحب ومن تختارها أنت (قالها بانكسار
وهو يعبث بمفاتيح السيارة )
-أال تالحظ بأنك ُ
تكابر كثيرا ،ما بها الفتاة ؟ جميلة ،مثقفة ،محجبة وتبدو
هادئة أيضا ناهيك عن ما ال تعرفه عنها من صفات .
زوجة
ِ -تغيرت نبرته إلى الغضب نوعا ما وقال :أال وال تدري أنك تتحدث عن
َرجل ما !
-ضحك معتز وقال ها قد بدأت الغيرة فماذا بعد هذا !
17
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
-أمزح وفقط يا معتز أعلم أنك أخي وأنك آخر شخص يحاول أن يطعنني
حتى وإن كنت ال أعرفها وال أحبها فهي تحمل إسمي اآلن إلى أن
نتطلق ويذهب كل في طريقه.
معتز :أنا أسأل نفس ي اآلن ،منذ جلوسك هنا وأنا أنتظر منك تفسيرا ولكن
سنسأل إذا َ ،
لم تركتها وحدها منذ أول يوم ؟ ُ عقلك ال يشتغل ماذا نفعل
ضحك كثيرا حتى دمعت عيناه وقال ممثال الحزن على وجهه :يا حبيبي لقد
وجدت نفس ي وحدي في البيت خرجت وأخذت ُ تركتني هي ..عندما استيقظت
مفتاحا احتياطيا ..حتى وتركت لي مالحظة على الثالجة .
غاص في تفكير عميق بينما كان معتز يتحدث عن العرس وكيف مض ى وفي
ً
منتصف رحلته التفكيرية صاح عقله محدثا إياه :ملاذا تفكر فيها هي مجرد ِ
غبية محتالة ؟! سأريها ماذا يعني أن تتأمر على " سيمان صبراوي" . . .
ً
حك رأسه بخفة وأمسك هاتفه وبحث عن اسمها وكتب لها رسالة ما وأطلق
ً
ضحكة خبيثة و في تلك األثناء اتصلت والدته و دعته للعشاء ليال هو
َ
وزوجته ،ق ِبل دعوتها وبعث برسالة أخرى لها يخبرها بأن تجهز نفسها مساءا.
ثم نهض مع معتز بعدما تناوال الغداء واتجها يتجوالن في األطراف.
18
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
19
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
-أخرجت حروف اسم صديقتها بصعوبة وقالت ال يمكن سئمت ،كأنني أدفع
َ
ثمن ذنب لم أقترفه ولم أعرف ما هو ،تقطعت في حديثها بسبب تلك الغصة
التي نمت أشواكا في حلقها وأضافت :ليس من السهل أن تتراكم كل األحزان
على قلبي في مدة واحدة قدرت بخمس سنوات ،انهزامات متتالية واألكثر أملا
َ
أن نفس ي خسرت كثيرا حتى نفسها .تداركت نفسها وتوقفت عما تفعل وعما
تحكي بعدما أقنعها عقلها أن الشكوى لغير هللا مذلة استجمعت نفسها
سريعا ثم شكرت ياسمين على السلفية وسألتها عن موعد لقائهم ،لقد
طال الشوق بينهما كثيرا .
سمع كل ما قالت وكل ما روته لها عن يومها كيف مض ى وكيف عادت للبيت
مشيا ملدة خمسين دقيقة وللحظة ما شعر بأنه السبب فيما هي اآلن ألنه لم
أشياء كثيرة مسجونةٌ يذهب ليأخذها من املدرسة وبدت له أن هنالك
داخلها ،تنحنح خفيفا كي يعطيها إشارة على أنه قد جاء ،أغلقت املكاملة مع
طرف
صديقتها سريعا ،دق خفيفا على باب غرفتها املفتوح رآها جالسة على ِ
ً
السرير والهاتف في يدها ،نظر بإعجاب لها ،لقد كانت فاتنة جدا باألسود
عسل عيناها املمزوج بالنعناع ولكنها أيقظته في تاهت عيناه لدرجة َّأن َغ ُ
اب
ِ
من غفلته تلك عندما تحركت ،فارتبك كثيرا وبانت على وجهه عالمات
اإلحراج ولينقذ املوقف خرج مسرعا تاركا صوته الرخم خلفه :هيا بنا.
20
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
-ال تنس ي أننا سنمثل السعادة أمام عائلتي وأتمنى أن ال تحرجيني بتصرفاتك
أمامهم ،كذلك ال تتحدثي كثيرا وال تكوني صداقات معهم ،فأيامنا معدودة
كما تعلمين (قالها بغرور ناظرا بطرف عينه لها)
لم ترد عليه ،كانت تفضل الصمت على أن تحادث غريبا عنها ،أعاد تكرار
الجملة عليها مرة أخرى فهزت رأسها باإليجاب دون أن تتكلم أو حتى تنظر
ٌ ً
صماء أم ماذا؟ أنت
ِ هل : عليها الغضب
ِ من ية
ر نا موجة باتجاهه ولكنه أطلق
مرة أخرى فزاد غضبه عن ذي قبل وزاد في السرعة دون أن يدري ً
لم تجب
كتعبير ال إرادي عن غضبه الشديد وكلما داس على الفرامل َّ
أحست بأن
الدنيا تدور بها أكثر لدرجة أنها لم تستطع إخراج كلماتها لتخبره بأن يقلل من
سرعته ،ودخلت في نوبة هيستيرية تحاول نزع حزام اآلمن وهي ال تدري
وتضرب قلبها بشدة كمن يريد التخلص من ش يء يؤمله فيما زادت سرعة
تنفسها ،ومطر عينيها ينزل غزيرا ،تفاجئ من ر ِ
دة فعلها فقلل سرعته وهو
ينادي عليها وهي ال تستجيب لم يعرف ما يفعل ،فلم يصادف شيئا من هذا
القبيل من قبل ..
ُ
فحاولت أن أخلق املتكهرب بيننا يقول :كنا في السيارة أردت أن أكسر الجو
ِ
ً
حديثا ما خصوصا بعدما سمعت مكاملتها تلك ،لكنها لم ترد علي واكتفت
ً
ناقصا وأني ال بالصمت ،لو كانت تعرفني جيدا ألدركت أن كالمي ال يبقى
أحد ما ،كررت سؤالي مرة أخرى ولكن صمتها استفزنيأحب أن يتجاهلني ٌ ُ
فزدت من سرعة السيارة دون أن أعي ذلك ،وفي كل مرة أدوس أكثر ،لم
أدري ما فعلت إال عندما جاءني صوت شهيقها وزفيرها املتقطع ،نظرت إليها
21
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
فوجدتها تضرب صدرها جهة قلبها بيد ،واليد اآلخر كانت تحاول أن تنزع به
حزام األمان ،كانت في حالة يرثى لها ،وجهها شاحب ودموعها تنزل بال
توقف ،ناديتها باسمها لكنها لم تستجب لم أدري ما أفعل فهذه هي املرة األولى
التي أشهد فيها حادثة كهذه ..أوقفت السيارة جانبا ونزلت أتفقدها من الجهة
األخرى ،فتحت الباب وأزلت حزام األمان وأنا أنادي عليها مياسين ،
مياسين ..لكنها لم تستجب وظلت على حالها تبكي وتضرب قلبها ،أمسكت
يديها حتى أهدئها فهي تؤذي نفسها أكثر بضرباتها القوية تلك على قلبها ،
أسندتها علي وحاولت وضعها في موضع يمكنها أن تستنشق الهواء جيدا منه ،
أيت أنها بدأت تهدأ ،فقر ُ
ووضعت القليل على وجهها ُ ،
ُ ً
أت عليها ر جلبت ماءا
آيات من القرآن لعلـها تسكن وتستكين .
هي تحكي:
َ
صوت دوي السيارة ُ
نسمع فقط كنا في السيا ة و كان ُ
صمتنا يتكلم ،كنا ر
وصوت أنفاسنا املضطرب إلى أن كسر هو هذا الصمت وحاول أن يتحدث
معي أو باألحرى إهانتي بكلماته لكنني اكتفيت بالصمت ،غادرتني رغبتي في
الحديث منذ زمن ،أجهضتني هي ال أنا ،لم أعد أطيق أي حديث ما وال حتى
الدفاع عن نفس ي فقط األطفال من ُ
أجد راحتي عندما أحادثهم ،ربما عدم
إجابتي له جعلته ُ
يزيد في السرعة تدريجا ،وكانت تلك (السرعة) من بين ما
بقي عا ًلقا بداخلي ولم أستطع أن أتجاوزه وأصبحت حالتي النفسية تتغير
شعور قاس ُ ،
كنت أريد أن أنتزع ٌ دون أن أدري ما يحدث ،ليس خوفا ولكنه
من قلبي صورة ذلك الحادث الذي لم أقدر على تجاوز ش يء منه ِ
وهللا كأنهم
22
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ً
حملوا جسدي وتركوا روحي جريحة على األرض ..كنت أشعر بدوار مميت ،
ُ
فقدت السيطرة على التحكم في تنفس ي فصار الهواء يخنقني، ودون أن أدري
أحاول أن أستنشقه فال أجده ،فأزيد من محاولتي ..لم أعي ما حدث بعد
ذلك فلم أسمعه ولم أدري كيف أوقف السيارة ولكني فقط شعرت عندما
رش وجهي باملاء ثم جاءت إلى أنفي رائحة عطره ثم سمعت صوته ربما قرأ
ً
بعضا من آيات القرآن علي حتى بدأت روحي ترجع وترجع قليال .
بعدما انتهى من قراءة القرآن ناداها مرة أخرى فحركت رأسها دليال على
أنت بخير ؟!
استجابتها :مياسين هل ِ
أومأت برأسها وحاولت أن تنهض لتمش ي قليال فأمسك بها حتى ال تقع ،
أبعدته عنه وقالت :أريد أن أمش ي قليال إن كان ممكنا !
لست
أمسكها من ذراعها برفق وقال رافضا :ال سنذهب إلى املستشفى حاال ِ
بخير مطلقا وجهك أصفر وأطرافك ترتعش .
شعرت بدوار شديد في رأسها ولوال أنه كان ممسكا بها لوقعت أرضا ،
شربت
تمسكت به وقالت بأنها تريد القليل من املاء وستتحسن حاال ،بعدما ِ
املاء تركها في السيارة وذهب إلى البقالة واشترى لها بعض الحلويات
والشكوالتة حتى ترفع سكرياتها ،أما هي فضمت نفسها بيديها وجلست تبكي
ٌ
بصمت ..ملاذا لم أستطع تجاوز ذلك الحادث ؟ هل ضعيفة أنا لهذه الدرجة !
والكثير من التساؤالت التي تطرح نفسها بنفسها ..رأته عائدا من بعيد وبيده
ٌ
كيس ما فمسحت دموعها بسرعة حتى ال يرى أنها الزلت في حالة هلعها تلك..
23
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
حزنا على قلب احترقت أرضه مشت قبله بخطوات متباطئة وعيناها تروي ً
قطرات الفرح قط ،تركها تمش ي أمامه وأثقل من خطواته ،ُ ولم تمطر عليه
َ ً
يترقبها بشدة خوفا عليها من ْأن تسقط من جديد كان يسير وراءها وهو ُ
وفكره ينبش عن هذه الغريبة وطباعها األغرب منها .الحظ نظرات املار َ
ين لها ، ِ
تسمع تغزالتهم بها فأسرع في خطاه وأمسك يدها ،نظرت إليه ُ ْ
وبدأت أذنه
ُ ُ
تسكن مالمح وجهها أجابها مرتبكا وقبل أن تستفسر :لكي ال يتغزل والدهشة
بك أحد وصمت .
ِ
24
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
25
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ً ً
ضحكا معا واعتلت قلبه فرحة غريبة بعدما رأى ضحكتها ألول مرة ..كانت
تشبه إشراقة الشمس بعد شتاء طويل ..بل فرحة قلب بعد حزن عميق..
دت وعدلت حزام األمان ،بعد بع ساعة عادا إلى مكان السيا ة ،صع ْ
ِ ر ر
ووضعت رأسها على النافذة كانت يداها متشابكتان ببعضها البعض ،أما هو
فكان يبحث بداخله عن إجابة ملا حدث قبل قليل ،ليس من حده أن يسألها
وال يدري كيف يعرف السبب وراء انفعالها ذاك ،شغل السيارة
ليواصل طريقه وهو غارق في بحر أفكاره ،فأنقذه صوتها الرقيق بنبرة حزينة
انة حنجرتها :أرجوك ال تسرع ً َ َ
كثيرا ألنني ..وصمتت ولم تزد ِ زنز من جت ر خ
َ ً
السبب حقا حرفا على آخر حرف فأوقعته في بحيرة الشك ،حاول أن يعرف
فقال بنبرة جادة :ألن َماذا !يمكنك مشاركتي بما تخفينه داخلك ،اعتبريني
َ
صديقا لك قبل أن أكون عدوك ! لم ُترد عليه ولم ُي ِرد أن َي ْح ُدث ما حدث
ً قبل بسبب غضبه فصمت وواصل طريقه تارة ُ ُ
ينظر أمامه وتارة إليها ..بعدما ِ
تملكه شعور غريب يشبه الخوف ولكنه ليس الخوف ،يشبه الشفقة ولكنها
شعور ليس له اسم سوى أنه يجعله ينظر باستمرار إليها ظانا ٌ ليست هي ..
أنها قد تدخل في نوبة أخرى ..
26
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
قصر كبير ٌ عد خمس منازل يوجد في شارع تملؤه الحركة والضجيج وعلى ُ
ب
ِ
ٌ يعود لعائلة صبراوي ٌ ،
باب كبير عال مزخرف برشامات محفورة
ممر يمتد من الباب إلى ممرات فرعية ،في جانب كل ممر ُز ِر َعت بإتقانٌ ،
الزينة في صف واحد في نهايتها العبقة ،أشجار الرائحة هار ذات ٌ
ِ ِ ِ كثير من األز ِ
ٌ ٌ
نافورة كبيرة ،املكان هنا ٌ
متواجد بشكله ،وكل ش يء
ِ ، ائحته
ِ ر ب ، جدا مميز
فيه.
ست غرف عدا كان هذا القصر يحتوي على خمسة طوابق في كل طابق ُ
الطابق األ ض ي كان يضم صالونا كبيرا ُ ت ْ
بت أثاثه بعناية تامة ،كان اللون ِر ُ ر
الفض ي هو ما يطغى عليه فقد ُم ِزج بعناية مع اللو ِن األسود حيث ُو ِضعت
ٌ
كنبات ذات اللونين وسط الغرف مع زربية فاخرة سوداء ،مزهريات ِ
مألت
ولوحات قرآن مكتوبة بخط فخم علقت على أغلب الحائط ُوي ْف ُ
صل ُ املكان ،
هذا الصالون بستار مصنوع من حبات السمسم إلى جهتين وثالث درجات
توصل للجهة السفلى ،الجهة العليا للجلوس والجهة األخرى لتناول الطعام.
ٌ ٌ ٌ
وأطباق مرفوفة بشكل أنيق طاولة كبيرة تدور بها كراس ي فخمة الشكل
ُ
ومرتب على الطاولة و كانت السيدة رتيبة هي من أشرفت على إعداد الطعام
مع خادمتيها( آسيا وجميلة) ،حيث جهزت طبق الشخشوخة (أكلة شعبية
27
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
28
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
29
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
سيمان :صغير عائلة صبراوي يصغر نرجس بعام ،أخذ منهم جميعهم
صفاتهم :الهيبة من بهاء والغرور من أنور من نرجس األنانية و من أمه
طيبتها وعطفها ،وأخذ من والده الحب والتسامح .
طويل ،أخضر العينين ،شعر أسود قصير محلوق بطريقة جذابة ،بدأ
يشتغل مؤخرا في شركة والده .
30
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ ْ
لم تظ ِهر ما تشعر به كانت ترد على أهله بطالقة وكانتا الرقة واللطافة هما
من تطغوان عليها وكان الجميع معجبا بها خصوصا أسلوب حديثها كان
يجذبهم إليها عدا فدوى ونرجس اللتين كانتا تتهامسان عليها ثم تطلقان
ضحكات سخرية واستهزاء ولكنهما لو رأتا ما يوجد خلف هذا الجسد ألعدلتا
ِ
عن غيرتهما تلك .
الحظ "سيمان" طريقتهم الغير الئقة وتصرفاتهم اتجاهها فحاول إسكاتهم
ً
بضمها نحوه أكثر ملمحا :في الحقيقة كل من يؤذيها سيجدني أمامه ،وال
أسمح ألي كان أن يتعدى خطوطي الحمراء وهي كل خطوطي الحمراء لذلك
انتبهوا جمعيكم ( .مرفقا كلماته بضحكة) سحبت نفسها بلطف دون أن
تحرجه أو تلفت االنتباه إليها وفجأة ارتسمت على وجهها وردتين من الخجل
وأطرقت رأسها أرضا بعدما جاءت التصفيرات والتصفيقات دفعة واحدة.
قاطعهم "الس ي السعيد" مبرزا إعجابه بكنته الجديدة :وهللا يا بني َأل َّنكَ
َ َ
اخترت بنتا رائعة وحياؤها هو أكثر ما يزينها رغم أنها جميلة جدا خلقا
ُ
وخلقا.
خجلت "مياسين" أكثر وابتسم "سيمان" لها متمعنا في كلمات والده وتغنجت
نرجس ملتصقة بوالدها أكثر وهي تقول :
-أبي هل نسيت أنني أنا ابنتك َ
فلم ال تمدحني هكذا ؟
لم تعلق مياسين واكتفت بضحكة رقيقة مثلها فيما رد الس ي السعيد على
ابنته :أو ينس ى أحد قلبه ؟ هل يعقل هذا ! تعالي يا حلوتي ،تعالي ..
31
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كانت السيدة رتيبة تجلس وسط سيمان ومياسين وتدلل ولدها مرة و
تحدث مياسين مرة ،أما سيمان فكان مدهوشا منها لم يعتقد أن أسلوبها
في الحوار رائع إلى هذه الدرجة ،ربما بدأت أعجب بها حقا قالها في خفائه
وعيناه تلمع عندما يسرق نظراته إليها.
بدأت عملية التقديم فور ما اجتمع الكل حول الطاولة وكان عماد وتوأمه
يركضان حول الطاولة بشكل دائري وفجأة ارتطم عماد في الخادمة (جميلة)
فوقعت كل األطباق من يدها ووقع هو أيضا ومن خوفه أطلق صرخات عالية
من البكاء ثم بكى توأمه أيضا لبكاء أخيه ،أما جميلة فمن هلعها لم تدري ما
تفعل فأسرعت تلتقط األطباق وهي مذعورة ،فيما أسماء أمسكت إياد
ً
وعماد تولت فدوى أمره محاولة إسكاته. .
في املواقف العصيبة و التي تترك توترا بالغا بين األفراد يجب على املرء أن
وصل إلى ي ٌ
شائك وال ُ يتصرف بحكمة ولكن فدوى اختارت طريقا آخر ٌ ،
طريق
ِ
تصرخ على جميلة وتهينها أمام الجميع وكادت تصفعهاُ نهاية الطريق ،راحت
ً
صدمة الجميع متجاهلة نداءات زوجها وصوت حماها ..وقبل أن ِ تحت
السيدة جميلة أمسكت يدها مياسين بشكل متحد ِ يصل الكف إلى وجه
ُ
وقالت ُموجهة نظرة صارمة لفدوى :ال تتقاوي عمن هم أضعف منك فهم ال
َ
يملكون القوة وال حتى املال ولكن يملكون هللا .ختمت كلمتها بعدما أنزلت
يدها والغيض يخرج شرا من أعين فدوى ..أضافت ووجنتيها قد احمرتا:
أعتذر ولكن هذه ليست الطريقة الصحيحة .
32
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
-ال أحد سيعلمني الطريقة الصحيحة في تعاملي مع الناس (ردت فدوى وهي
تنظر باستعالء ونظراتها ُ
تكاد ترتكب جريمة هناك).
َ
لم ترد مياسين واتجهت بكل برود تجلس مكانها بعدما الحظت أن الوضع ال
ْ
سعال الس ي السعيد كإنذار لفدوى وقال :أحم أحم ُ ُيشكر وال ُيعجب ،جاء
لنتابع لم يحدث ش يء ،ال بأس يا فدوى هكذا هم األطفال ( مختتما كالمه
ْ
بنظرة حادة تعني الكثير من الكلمات التي لم ُيقلها).
فيما أمسك سـيمان يد مياسين من تحت الطاولة وضغط عليه بشكل قاس
ُ
عالمات االنزعاج من ش يء ما ،كانت كلما ورهيب حتى بدت على وجهها
سحب يدها َ
ضغط أكثر فكانت تتألم أكثر اقترب منها وهمس في أذنها َ حاولت
استأذني حاال بالخروج وإال ستندمين أشد الندم ،لم تدرك حتى كيف طلبت
بالخروج قليال ثم العودة إلى الداخل ..
ِ اإلذن
خرجت الى الحديقة وهي تفرك يدها من األلم وقد احمرت حتى أنه ترك آثار
أظافره على يدها التي كانت تنبع دما .جلست على إحدى الحافات تنتظره،
طالت مدة انتظارها قليال وأخيرا أتى وهو غاضب جدا .
سيمان :أخبرتك أن ال تحرجيني ولكن أنت ماذا فعلت! ما شأنك ؟! اه ما
تأقلمت في الدور جيدا على أنك زوجتي أم ماذا ! ( قالها
ِ دخلك أنت ،هل
غاضبا مهددا والشرارة تكاد تخرج من عينيه)
أطرقت مياسين رأسها أرضا صامتة وهي تحاول كتم دموعها وهذا ما شجعه
على أن يواصل توبيخه لها:
33
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
منذ أن عرفتك وأيامي سوداء ،لم أفهم ما شأنك بزوجة أخي وما تلك
الحماقات التي قلتها ،سندخل حاال وستعتذرين من فدوى وإال ..
قاطعته قائلة وهي تنظر إلى عينيه مباشرة :وإال ماذا !
أربكته نظراتها فضاعت الكلمات من لسانه وتبخر غضبه وتحدث قلبه
ْ
نظرت إلي هذه الجنة شعرت بالعجز أمامها ،كأن ال أريد أن داخال :كلما
ً
أحزنها كأن أنظر فقط لها ُ ،ترى هل تملك طاقة خارقة تمنعني عن الصراخ
عليها عندما تنظر لي بهذا الشكل ؟
مياسين :وإال ماذا ! لم صمتت أجب ..أكمل !
سيمان :ال ش يء هيا بنا إلى الداخل واصمتي وال تتحدثي كثيرا ،جاوبي بقدر
فهمت؟
ِ السؤال وإال اصمتي
كاد يذهب لوال أنه تذكر شيئا فقال :اه وستعتذرين أيضا..
نظرت إلى يدها الذي بدأت قطرات الدم تتساقط منه على األرض ثم نظرة
خاطفة إليه ثم قائلة :سأعود إلى الداخل و لست مضطرة على تنفيذ
أوامرك.
استدار بغضب فلمح يدها املحمر من آثار ما فعل وقد بدأت قطير ٌ
ات تغزو
األرض ،أكمل طريقه إلى الداخل ثم ما لبث خمس دقائق حتى عاد وفي يده
علبة اإلسعافات األولية فرآها تمسح دموعها التي غلبتها.
سيمان :تعالي إلى هنا سأضمده أنا.
34
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تخطت أمره وفتحت أحد صنابير الحديقة ،غسلت يدها ثم توجهت نحوه
ً
وأخرجت ضمادة وضعتها على يدها قائلة ببرود :جمعيكم تتشابهون في
النذالة ،تنزفون الجروح ثم تدعون بتضميدها .
سيمان :ماذا تقصدين بجميعكم ؟ (وقد كان الغضب أكل منه كل ش يء)
مياسين :لن أفسر لك افهم ما شئت ،كن بارعا أيضا في هذا ليس في
الغضب والغرور فقط .
ً
تركته يغلي غضبا وعادت إلى الداخل ُمخبئة يدها خلفها ...ثم اعتذرت من
فدوى وجلست تتناول عشاءها ،كادت تلدغها برد مؤلم ولكنها زمت شفتيها
عندما رأت نظرة زوجها الصارمة بأن تصمت وال تنطق بأي حرف واحد..
بدافع الفضول ما لم يحكوها لك،
ِ ال تسأل ،وال تستفسر عن قصص الناس
ُ
والهدم ُ
الكسر ألنك قد تعيد َتهديم ما حاولوا ترميمه بعد ُمدة طويلة كان
فيها هو حاكم القلعة .ففي اللحظة التي ُ
تريد فيها أن تصمت على كل ش يء يلح ِ
الناس بأسئلتهم على معرفة ما ال يهمهم فيفتحون ً
شرخا عميقا ونعود نحن
إلى البداية ،أينما وقعنا بالذات..
هكذا مياسين سمعت كل ما لم ترد أن تسمعه وكل ما كانت تحاول أن تنساه
شبعوا جوع فضولهم . ُ
ذكروها به بأسئلتهم املزعجة حتى ي ِ
أنور :حسنا يا زوجة أخي حدثينا عنك قليال ماذا تعملين ؟ عمرك ؟! عائلتك !
ٌ
مياسين :معلمة ،خمسة وعشرون سنة وصمتت ولم تزد على ما قالت
وبدأت تلعب بالشوكة ..كانت أجوبتها القصيرة تبين أنها كتومة ال تحب أن
35
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تتحدث عن نفسها وال تريد أن تكون األضواء متجهة نحوها رغم أنها كانت
مثيرة للغموض .
جاء رد نرجس الالذع :ربما ال تملك عائلة فنحن لم نتعرف عليهم ولم
يظهروا حتى اآلن خصوصا وأن زواجكم تم بلمح البصر وضحكت هي
وفدوى وانضم أنور وحتى سيمان عندما تذكر أخوها وكيف هانت عليه
أخته بكل بساطة ..تنحنح الس ي سعيد ليصمتهم و وجه نظرته الصارمة
نحوهم ابتلعت ريقها و بهدوء تام وعينين دامعتين ورأس مطأطأ قالت :
محقة نرجس ليست لدي عائلة ،عن أمي وأبي فرحمهما هللا .و كأنها فجرت
ً
قنبلة من الندم فيهم بجملة واحدة ولكنها أصابت سيمان أكثر منهم ألنه بالغ
في ضحكته وبعد الصمت الذي حل عليهم فجأة واصلت كالمها :و لدي أخ
ً
يدعى سامي ثم سكتت عن بقية الحديث عندما توالت عبارات العزاء واحدة
تلو األخرى.
ردت عليها السيدة رتيبة حتى تبتلع أجواء الحزن التي غاصت فيها :نحن
أبوك ..
أمك وهذا ِ
عائلتك يا ابنتي ،ال تنس ي هذا ..هؤالء إخوتك وأنا ِ
ِ
ُ ً لم تواصل السيدة رتيبة كالمها ْ
بعد حتى انفجرت مياسين باكية وكأنها تذرف
من عينيها شالال ال دموعا ،لم تعلم حتى أين تخفي وجهها حتى ال يرى ٌ
أحد
بكائها ،ولكن الجميع رآها ..أشفق سيمان عليها فرب َت على ظهرها لكي يخفف
عنها ولكن لم ُيجدي ذلك بش يء ..نهضت والدته وضمتها إلى صدرها محاولة
تهدئتها ،ثم أخذتها إلى الحمام حتى تغسل لها أطرافها ووجهها ،لحق سيمان
36
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ً
بهم سريعا خشية من أن تخبرها مياسين عن زواجهم التمثيلي ولكنها كانت في
هما وغمها تحاو ُل إعادة ضبط نفسها التي تبعثرت للحظة..
سيمان :أمي ،سأتولى أنا أمرها ال تقلقي..
ً
السيدة رتيبة :ال يا بني ،دعني معها أنا امرأة و سأفهمها جيدا ..عد لطاولة
العشاء...
سيمان :ال ..أنا أيضا سأفهمها ،هي زوجتي ال تنس ي ذلك يا أمي .
حاولت السيدة رتيبة أن ال تترك مياسين بمفردها ولكن رفض وتصميم
سيمان جعلها تعود أدراجها إلى تحت ..أما هو فجلس ينتظرها أمام الباب
حتى تنتهي من غسل وجهها وأطرافها..
ُ
خمس دقائق لم تصدر فيها صوتا ولم تخرج ،فثار قلقه عليها فما كان مرت
أمامه سوى أن فتح الباب ً
هلعا ..خائفا من أن يكون قد حدث لها ش ٌيء ما ..
وجدها جالسة على األرض تبكي وهي متكورة على نفسها ،نزل على ركبتيه
ووضع يديه على كتفيها وبنبرة حانية قال :هيا انهض ي من األرض ..كفا ِك
بكاءا..
َ ُ ُ
كفكف دموعها ثم قالت بنبرة شجنة :أريد
أبعدت نفسها عنه ومدت يدها ت ِ
أن أعود إلى البيت ..
وجهك ،ستتحسنين
ِ رد عليها محاوال أن ال يبين غضبه من طلبها هذا :اغسلي
ُ
الوقت مبكرا على عودتنا ال تتأملي. بعد ذلك ،الزال
37
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
دفعته بغضب حتى سقط نوعا ما ونهضت تغسل وجهها ثم خرجت وتركته
ُ
ينفض مالبسه متقززا ،ساخطا على فعلتها هذه.. خلفها
ترد على أحد ،رغم أنطيلة السهرة لم تتحدث بل قررت أن تصمت وال َّ
بعض املواضيع كانت تمس قلبها أحيانا وكرامتها أحيانا أخرى ،لم تجد سوى
ُ ً ضحية لتوترها وقلقها فصا ت ًُ
تغرز أظافرها تارة وتارة تعبث ر يدها ليكون
بثوبها ..الحظ سيمان ذلك فوضع يده على كفتي يديها وأحكم عليهما حتى
تتوقف عن تصرفاتها الالإرادية التي بدأت تبدو له غريبة نوعا ما ولكنها
سحبت يديها وأبعدتهما عنه ..ولكنه سريعا ما أنهى جلستهم هذه وقرر
املغادرة بعدما بدأت تحرك قدمها من القلق وامللل فعرف أنها باتت ال تطيق
ً
البقاء هناك ولو دقيقة أخرى ..
ُ ُ ً
الناس من مشاعر فأنا وأنت وأنتم فصدقا نحن ال نعرف عن ما يخفيه
ٌ
تكتب ُوتحكى ،قد َيجرح
ُ ٌ
حكايات ال بداخل كل منا
ِ
ٌ
مغلق ق وهم صندو
جرحون أيضا ألن يملكون من السوء ما الناس بعضهم ألنهم ُجر ُحوا وقد َي َ
ِ
يعادل حجم املجرات في الفضاء .انتهت أمسية الشؤم تلك بعدما استهلكوا
خمس سنوات مضت.
ِ مياسين وأخذوا منها ما تبقى من قوة جمعتها على مدار
لم تتحدث معه طول الطريق رغم محاوالته كذا مرة في خلق األحاديث ولكنها
ردت عليه بالصمت وفقط ..أما هو فتحكم في غضبه كثيرا حتى ال يزيد من
ً
فور
سرعة السيارة لكي ال يحدث ما حدث معها سابقا ..و وصولهما دخلت ِ
إلى غرفتها مكسورة الجناح أغلقت الباب باملفتاح وانهارت على فراشها كجثة
38
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
هامدة ولكنها تتنفس ..أزعجها طرقه للباب ومحاولة فتحه فصرخت عليه :
اوه ..اتركني وشأني يا أيها األحمق ..
أنت وأخوك ، ُ
الحمقاء ِ غضب من ردها العدواني فلكم الباب بيده قائال:
ِ
َ
جحيمك وحدك يا مغفلة..
ِ ابق ْي في
تغاضت عن قوله و أمسكت دفترها وكتبت:
39
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كيف يتنفسون على أرضه وهم ال يطيعونه ؟ ..كيف لهم أن يناموا ولم يذكر
قلبهم اسم هللا مطلقا؟ أي قلب قاس ملكوه ! ..
أطفأت ضوء غرفتها واستلقت ُ
تنام بعد مجزرة العشاء تلك ْ أغلقت الدفتر و
ِ
ُ
يشعر بالذنب مما فعله لها فيما جلس هو في الغرفة املجاورة ُ
يفكر فيها بدأ
وحتى عن ضحكاته قبل أن تصفعه أجوبتها بأن والديها أخدتهما طيارة املوت
قبل ثالثة سنوات ورق قلبه ملا تذكر جلستها في الحمام بعد انهيارها ،حقا
لقد بدأ يشعر بالغموض نحوها أكثر ..تخفي الكثير والبد له أن يعرف .
يلقي رماحا من الكلمات الجارحة ،أو حتى التصرفات الطائشة .فقد كان
يتركها في البيت ليال وحدها ويخرج هو رفقة أصدقائه ،ذات مرة سمعت
ً
أصواتا غريبة تأتي من شرفة غرفتها فتملكها الرعب خشية أن يكون أحد
املتسكعين الذي رأى زوجها يخرج للسهر رفقة أصدقائه ،اتصلت به كثيرا
فكان ُ
يغلق الهاتف في كي مرة تتصل به ..تضاعفت شدة الصوت ،هناك من
يحاول فتح النافذة أو ربما كسرها ،أرسلت له رسالة تخبره بأن هناك لصا
يحاول الدخول من شرفة غرفتها وال تدري ما تفعل كانت صدمته كبيرة
عندما قرأ ما كتبت له ،ترك كل ش يء خلفه وركض للبيت خائفا على
ً
الجوهرة التي تركها هناك ،اتصل بها ليطمئن عليها ولكن هاتفها كان مغلقا ،
خاف كثيرا من أن يحدث ش يء لها فهو السبب في األخير ،وصل إلى البيت
بعد خرقه للكثير من الحواجز واإلشارات الضوئية فوجد الجيران مجتمعون
ٌّ
ثالثيني ذو بنية قوية الباب املكسور وفي قبضة شابين منهم شاب حول
ِ
َ
مشدود اليدين مطروح األرض ، يحاول اإلفالت ولكنه لم يستطع ألنه كان
ٌ
ملطخ ببقع من الدم، ورقبته ملتوية بشكل ال يستطيع الحراك وقمصيه
جال ببصره بين جاراته عله يراها بينهم ولكن خابت آماله ..
سيمان :أين هي يا خالة فاطمة ؟! ( قالها بهلع والدم هار ٌب من وجهه)
خالة فاطمة :ال تقلق في الداخل رفقة خالتك مؤنسة ،اذهب يا بني هي
بحاجتك .
41
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
42
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
بقوته وفطنته أمسك يدها وبحركة مفاجئة أدارها وأمسك بها جيدا ،زادت
َ
في نحيبها ونزع هو قطعة الزجاج من يدها وألقى بها بعيدا ،ثم بدأ يهمس في
أذنها علها تهدأ :ال تخافي أنا هنا ،سيمان أنا ،هيا مياسين ال تخافي ..
بدأت تهدأ وتهدأ إلى أن هدأت من هذيانها ثم استدارت نحوه وضمته بقوة
وكأنه هو ملجأها الوحيد الذي تختبأ فيه من مر العالم وشد هو عليها بقوة
حتى كادت تخترق قفصه الصدري .انتهى هذا العناق الذي جمعهم به
الخوف ،أمسك وجهها الصغير بين يديه اللتين بدتا كبيرتين بالنسبة له
وأخبرها بأن تنتظره هنا سيعود حاال ،ولكنها تشبثت بقميصه خوفا من أن
يتركها مرة أخرى ويذهب مع رفاقه ،أقنعها أخيرا بأنه لن يخرج مرة أخرى
فقط أمام الباب ويعود ..ترك الخالتين فاطمة ومؤنسة معها وطلب من
باقي الجارات أن تذهب كل واحدة إلى بيتها ،أما ذلك املتسلل فقد تم تسلميه
للشرطة في انتظار تعافي مياسين نفسيا للدالء بشهادتها .باتت ليلتها تهلوس
بما حدث وبات هو ساهرا طوال الليل على رأسها واأللم يعتصر قلبه كلما
استيقظت فزعة من الكوابيس التي تالحقها في نومها..
ُ ُ
الكثير من املواقف بينهما ،مواقف امتزجت نعم مضت األيام كثيرا ،وحدثت
غيبات قلبيهما حتى
ِ بين الحز ِن والغضب والفرح و "الحب " الذي أخفياه في
بعض من تصرفاته الحمقاء ..فقد كان سابقا يتجول في ٌ ُ
وتغيرت في سيمان
كل أنحاء البيت بدون قميصه ولكنه غير من عادته هذه عندما رأى خجلها
وهروبها املفاجئ كلما رأته هكذا ،وقرر بأن يحترم مبادئها و يجعل هذا املكان
آمنا لها أيضا ،كما يجد هو راحته ..يجب أن تجد هي أيضا راحتها .
43
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
45
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
46
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
عبرات كانت هذه هي الجملة الوحيدة التي استطاعت أن تكتبها قبل أن تنهمر
عينيها .وضعت رأسها في حضن دفترها الجالس على طاولة غرفتها وتركت
ُ
تنزف ً
حزنا على قدر لم يكتب قلمه موعد فرحها بعد ،سمعت طرقات نفسها
خفيفة على الباب فلم تكترث به ولم تتكلم ..فقط كانت قد ذهب عقلها إلى
ذكرياتها التي اغتالها أخوها اليوم ..فتح الباب وأطل برأسه؛ كان سعيدا
تبرق ضحكا منذ أن التقى بسامي وتصرفاته اليوم على غير العادة ،عيناه ِ
تبدو غريبة ،غيره هذا اللقاء نوعا ما ولكن شكلها املنكسر ذاك أخذ من
47
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
قلبه النصف وألقى به في إحدى الشوارع املهجورة والنصف اآلخر هوى به
إليها .
ُ
لم تهتم لدخوله فقط قالت بنبرة عصفتها دوامة الحزن جيدا :رجاءا أخرج
عني ،أريد البقاء وحدي!
سيمان بعناد مقلدا لهجتها :لن أخرج سأبقى هنا ،بإمكانك أن تخبريني عن ما
جعلك تذرفين الحزن دمعا وتنزفين االنكسار انكسارا .
مياسين :ما شأنك ،أخرج ! استغرقت ثواني حتى أكملت ردها هذا .
سيمان :يا بنت ال تتآمري علي س..
قبل أن يواصل كلماته خرجت هي وركضت إلى إحدى الغرف وأغلقت عليها
وجلست أرضا تروح وتجيء بجسدها الذي كورته ثم تقضم أضافرها تارة
نوبة بكاء تارة ،أمسك الدفتر الذي بللته بعينيها وقرأ عبارتها
وتدخل في ِ
األخيرة فأدرك أنها حزنت على ما فعل سامي وتذكر اتفاقه معه اليوم عندما
ذهبت هي للسيارة .
سامي :سيمان هذا الظرف لك ،ديني املتبقي .
سيمان :من أين لك بهذا يا هذا وأنت الذي َ
كنت البارحة ال تملك ثمن
سيجارة !
سامي باستهزاء وفي لة لسان ُ :
بعت منزلنا ،ثم أدرك ما قال فأضاف سريعا ز
يمحو ما قال :ما شأنك عادت لك نقودك وانتهى ولكن لي طلب فربما ال
خاطر األيام التي كانت بيننا .
ِ نلتقي بعد يومنا هذا ..أختي أمانة عندك ،في
48
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
49
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
شك للحظة أنها علمت باتفاقه مع أخيها وأنه قبل تسديد الدين وأنه لم يعد
هناك أي دين و ألول مرة خاف حقا أن أحدهم سيتركه وليقطع الشك
باليقين قال :ودينك ذاك من سيسدده !
قالت :الدين ليس ديني بعد اآلن .
قة شيك تحمل اسم "مياسين سيمان :ليس دينك ولكن املبلغ كتب في ور ِ
وقعت على ورقة تفيد بأن
ِ الهاشم " وتحته التوقيع ،وليس هذا و فقط بل
هذه األموال ستعاد ل " سيمان صبراوي" في ظرف شهرين ،مض ى الكثير ولم
يكتمل املبلغ بعد وبلمعة خبث واصل كالمه بعدما رآها جامدة تنصت دون
قمت بالنصب واالحتيال علي
بأنك ِردة فعل :إذا سأقدم بالغا عنك ِ
وستدخلين السجن ،لم يكن يقصد حقا ما يقول فهو يخاف من أن تسمع
عائلته بقصة النصب هذه وتحدث مشكلة بسبب طيشه وقلة مسؤوليته
ولكن أرادها أن تعدل عن فكرة الطالق ،أراد أن يتمسك بها بطريقة أخرى
لم تعلم عنها هي بأنها نفسها " أحبك " ولم يعلم هو عنها أيضا بأنها تعني "
ُ
وقعت في حبك "
ُ
سأدخل السجن لم يبقى ش يء لي ألخسره وال تقصر فيما ستفعله مياسين :
ُ
وال داعي أن تحاول إثبات التهمة ،سأعترف أنا ..
تفاجأ من ردها وأجابها في سره :بقيت أنا وستبقين أنت أيضا و لن يتطلق
لست أنت من تتحدثين وجعك اآلخر هو من يتحدث صباحا ستعدلين
أحد ِ ،
عن ما قلته اآلن .
50
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ألول مرة منذ أربعة أشهر استيقظ هو قبلها على صوت النافذة التي صفقها
الهواء بقوة .لم تخترق أنفه اليوم رائحة حلوياتها ،نظر إلى ساعة هاتفه كانت
تقفز سريعا بعقارب الساعة تذكر أنها في كل وقت َ
دقائق ُ قد تجاوزت الثامنة
من هذا تكون في املدرسة ..خرج سريعا من غرفته ليتفقد إن ذهبت
ُ
للمدرسة أم أنه أخرها أيضا ،وجد غرفتها موصدة فتحها سريعا فرآها تغط
في نوم عميق ناداها بقوة لكي تنهض لكنها لم تنهض ولم تصدر وال ردة فعل
تبين أنها تمثل النوم ،الحت عينيه إلى علبة الدواء املوضوعة على دفترها
األسود ،اقترب منها وقرأ اسم الدواء" نيترازيبام " Netrazépam /فتح
محرك البحث سريعا ”“Googleوكتب اسمه منتظرا اإلجابة بفارغ الصبر
و عيناه تسرقان نظرة منها ونظرة إلى الهاتف ..أشارت نتائج البحث إلى أنه
دواء لعالج حاالت األرق والقلق الحاد وال يوصف إال بوصفة طبية فقط ،
استنتج أن قلقها الليلة املاضية كان كثيرا عليها وكان هو أحد األسباب في ذلك
فتش في األدراج فوجد دواءا آخر ،أثارت هذه األدوية استفهامات في رأسه
من أين أتت ؟ وهل هي مدمنة أدوية أم ماذا ! ولكنها توصف فقط بوصفة
طبية مصادق عليها من طرف الطبيب! لم تطل فترة استفساراته فقد عثر
على وصفة طبية لها ،جحضت عيناه عندما رأى طابع األمراض العقلية
والنفسية لم يكن يعلم أنها تأخذ عالجات ما ،رغم رؤيته لها كذا مرات
تشرب دواءا ما ولكنه لم يستفسر كان يعتقد أنه دواء خاص بالنساء من
املخجل لو يسأل عنه .
51
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
أغلق باب غرفتها بعدما أخد املفتاح االحتياطي للبيت وجرد كل الغرف من
املفاتيح وأخفاها في مكان ما في غرفته واتجه إلى عيادة الدكتورة التي كتبت
الوصفة ليستفسر عن أسئلته التي صارت مزعجة حقا...
بين الحين واآلخر يجب أن يدرك الناس أن وراء كل انسان حكاية من قسوتها
ال تحكى ..وراء كل شخص جر ٌ
اح عميقة استغرق في شفائها و أن من ينجح في
ُ
سيصبح كائنا غريبا بعض ترميم نفسه ولو قليال ال يعود كسابق عهده ،
الش يء و كثيرا .
ً
هناك ضريبة لكل ش يء ،وضريبة العودة إلى الحياة أحيانا أن تصبح أحدا
آخر ..شخصا ال يكترث ..ال يهتم وال يبالي ..ال يشعر ال يقترب من أحد ..هذا
ما كان عليه معرفته عندما التقى بها .
52
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
53
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إلفصل إلثاين:
54
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
قطار املوت ،سأحكي لكم يا سأحكي لكم عن شاب متهور قبل أن يأخذني ُ
َ ً َ
أصدقاء السوء الذين عاش َرْت ُهم روحي قبل أن ُ من تقرؤون حكاية رسمها
الشعبية األحياء وقعت اآلن ،أحكي لكم اآلن وأنا ُملقى في أحد ُ تقعوا في ما
ِ ِ
وسرعة تدفقها ً ً ُ
ثانيا ، ِ أوال شعرت بدفئها املهجورة ،وأنا غارق في دمائي التي
ُ ُ ولكن َكبش األضحية َّ يشعر ُُ ً
اليوم الذبح مختلف ،ما ذ ِبحِ مكان ِ بما ا وثالث
واختلطت أنا في دمائي ال أقدر على الحراك وال ُ قلبي ..اختلط التر ُ
اب بلعابي
كغدر
ِ حتى على إخر ِاج صوتي من حنجرتي خانني كل ش يء في لحظة ،
ُ
أشعر بآالم ُت َق ِطع مختلف أنحاء جسمي مازالت ُ أصدقائي لي منذ لحظات ،
أملك من جسد ضربا بركالت ولكمات على كامل ُق ْطر ما ُ إلى اآلن أتلقى ً
ِ ِ
ً َ ُ ْ ُ
أغ ِمض عيني لوهلة ،أفتحهما أرى أصدقائي من بعيد مشكلين حلقة حولي ،
معا وتقاطعت طرقنا في املد سة ،هه وهذا أحمد الذي ُ ً ُ َ
كنت ر رنا ب ك هذا فؤاد
أدعوه أخي ،وهذا صديقي أيوب لطاملا تقاسمنا الطعام معا ..هؤالء من
ً
خيانة ال ُ ً
القبر.
ِ غيبات
ِ في حتى ى نس ت ومنحوني ثقة منحتهم
عمرا ولم أفعل شيئا فيه .اليوم أنا أعتذر لك قبل أن العمر ًبلغت من ُ أبي ُ ،
ِ
َ
فعلت كل ما أمرتني ْأن ال أفعله ون ِد ْم ُت كثيرا ُ ألتقي بك ،أعتذر منك ألني
العودة إلى تنفع وال تمكنني من على ذلك ولكن في لحظاتي األخيرة التي ال ُ
ِ ِ
ُ
وأنزف ً الوراء ولو بثانية ،أبكي اآلن ً
دمعا ،أبي أنا لم أعتني بأختي أبدا دما ِ
55
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
56
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
عنادي ألنك أخبرتني بأن رفقتهم ال تجلب الخير لي ،يتحدث إليك اآلن الطفل
سامي الذي يستغر ُق ُ
عمر الضربات التي يتلقاها قرنا من األلم و األلم املؤلم.
وألننا كنا فقراء ال نملك سوى رحمة هللا لم يكن لي ش يء ألفتخر به أمام
أصدقائي وزمالئي في املدرسة سوى إسمي ،كنت أخبرهم أنه مزيج من اسمك
لت سامي وكلكنت سامي البريء الذي ال يعص ي لوالده أمرا وال ُ
واسم أمي ُ ،
ز
ما لم يتغير وبقي كما هو ..اسمي "سامي" وكنت أنت ياسين الرجل العطوف ،
الطيب الذي ملك سعادة كبيرة بولدين جاءا جنة عليه وكانت أمي :ميساء
املرأة التي تحبها ،املرأة التي شاركتك فقرا رغم أنها ملكت من الخيارات ما لم
تملك أنثى ولكنها تغيرت أيضا عندما ماتت توأم مياسين ،أصبحت أمي أكثر
عدائية ربما كان الفقد مؤملا لدرجة أن تدفع مياسين ثمنه وحدها رغم
براءتها.
ليتنا بقينا فقراء ،نأكل خبزا وماءا وننام سكينة وهدوءا ،أنت أيضا تغيرت يا
أبي عندما آتاك إرث من عمتك الوحيدة ،لم تعد ترانا أنا وأمي وأختي أعماك
الطمع كما أعماني بعدما تركتنا ،حتى أختي ونسيت أنها أختي وغدرتها ،ربما
لهذا يغدرون بي اليوم .
اآلن فقط أنا أشعر بندم ثقيل يسد حنجرتي ،يمنع الهواء عنها ،أنا أختنق
شعرت هكذا يا أمي أنت وأبي ؟!
ِ وال أحد يدري ُأتراك
ُ ٌ
أنت ،تعبر دموعي اآلن
دت ِ لك أحفاد بعد ألنني لم أتزوج كما أر ِأمي ...ليس ِ
أهلكت عمري في عالم مظلم زينته شهوات الدنيا لم أكنُ عن مدى ندمي ألني
صالحا ً
أبدا ولن أكون ،اآلن ال أريد أن أالقي ربي بما أحمله من جبال أشجارها
57
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مت قبل هذا ،قبل أن أغرق في سواد سيئاتي ظلمت كثيرا ، ذنوبي ،يا ليتني ُ
ً
خنت ،سرقت ،نهبت ،وفعلت من الحر ِام قائمة طويلة ال تنتهي بعدي لها ،
ً
فقط أتمنى اآلن في وسط أوجاعي أن يمنحني هللا فرصة أخرى و أعد بأن
ُ
تبقى كل ذنوبي على األرض .
لت أطرح أسئلة عن سبب ذلك الحادث الذي سرقكما مني ،سألت أختي ال ُ
ز
التي لم تستجمع نفسها أبدا بعد ذلك اليوم ولكنها لم تجبني لآلن ،كل ما
لسان شرطي املرور حينما قال أن السيارة كانت تمش ي ِ عرفته كان على
بسرعة فائقة قبل أن تقع الكارثة ،لم أرى الحادث بعيني ولكن بعد يوم
فقط انتشرت الصور على الجرائد كخبر رسمي وغزت مواقع التواصل
االجتماعي ،كانت تلك الصور مؤملة لدرجة أنني كدت أقع أرضا عندما رأيتها
وكما لم أبكي ً
أبدا بكيت يومها عندما تلقيت نبأ الوفاة ،كيف للمرء أن يفقد
أهله بين عشية وضحاها .أبي عندما رأيت وجهك الذي غرزه الزجاج وأصبح
املمزوج
ِ أكثر ضخامة عن ذي قبل وبشرتك التي تحولت إلى البنفسجي
بالدماء املقتحنة لم أعرفك للحظة ورفضت أنك أبي صرخت على كل من
وأنت يا أمي لم أرد ُ
كان هناك وانهرت كطفل صغير فقد األمان والحنان معا ِ
ُ َ
تضررت
ِ قد أنت
ِ تكوني أن فخفت ا
ر كثي والدي شكل ..حطمني أبدا اك
أن أر ِ
أكثر منه ،لم أجد يدا تطبطب على كتفي حتى أختي كان الحادث ثقيال
عليها ،دخلت في غيبوبة طويلة ملدة شهرين ،كانت نظرتي لها من الزجاج أكثر
أملا ،كانت الكدمات والكسور التي تعرضت لها هي ما ُ
تلبس جسدها الصغير .
58
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
شعرت ألول مرة أنني حافة القبر وعندما ألقيت آخر ذرة من ترابيكما على
ِ
بقيت وحدي في عالم غريب تسكنه الوحوش ،مض ى الكثير على ذلك ولكنني
ُ
وأصبحت ُ
الشيطان قلبه في قلبي أبكي على بشاعة ذلك اليوم إلى اآلن ..غرز
ُ
صبرت واحتسبت ،لكن ال أنا وهو واحد ،لو أنني لجأت لربي وصليت لو أنني
وساوس الشيطان جسدي ربما ألنني كنت في أشد ُ أدري كيف حتى اخترقت
ُ
عالجت نفس ي كما كنت أعتقد بسهرات الليل و األدوية التي لحظات ضعفي ،
ُ
كنت أتعاطاها كنت أشعر بالسعادة ليال ،ونهارا أمض ي كل ساعته نائما ،ال
ُ
تكفلت أدري عن مياسين شيئا سوى أنها في املستشفى لآلن ،فقط
أسكت ضميري الذي كان يصحو كلما تذكرت صورتها وهي َ بمصاريفها كي
مستلقية في تلك الغرفة البيضاء واألجهزة تحيط بها من كل جهة .
مضت شهرين على الحادثة زرت فيها املستشفى مرة واحدة ،فقد كانت
ُ
أوصيت إحدى املمرضات عليها وأعطيتها تخنقني رائحته جدا بعد وفاتكما ..
رقمي لتخبرني عن حالها إن تطورت ،في شهرين فقط تغيرت تفاصيل
جسدي ،انغرس السواد تحت عيني ،وحل الظالم في بؤبيهما وصرت مظلما ،
أشفق على أحد وحتى نفس ي ،مات قلبي للحد الذي ابتعدت فيهُ قاسيا ال
ُ
اقتربت أكثر ممن قلت لي إياك وإياك أن تصاحبهم . .وصاحبتهم ، عن هللا ،
تركت لنا من املال ما يكفي ألشتري حبوب السعادة االفتراضية .
أخبرتني املمرضة أن مياسين استفاقت من غيبوبتها والحظ الطبيب أنها
فقدت جزءا من ذاكرتها أطلق عليه ربما اسم "فقدان الذاكرة الرجعي "،
يصبح الشخص غير قادر على تذكر األحداث التي وقعت قبل ُ بحيث
59
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الصدمة لكن يمكنه تذكر ما حدث بعدها وهي فقدت فقط األشهر األخيرة
من الحادث ،كانت تعتقد أنها الزلت طالبة جامعية وأنها تحض ُر لتخرجها
عما قريب ،زرتها وألنني لم أكن في وعيي كاألحمق ُ
حت أخبرتها بما أخبرنيِ ر
الطبيب أن ال أفعله و أنه يجب إجراء بعض التحاليل قبل اإلقدام على أي
خطوة ما ويجب اختيار الوقت املناسب ألخبارها بما حدث ألن التعرض
ُ
يئست من حالها قلت كل لصدمة جديدة قد تكون خطرا ُ
يهدد ذاكرتها ،وألنني
ش يء دفعة واحدة ،لم أشعر بخطئي إال عندما رأيتها تصرخ وتمسك برأسها
ً
رافضة أن تسمعني ،أرعبتني حالتها تلك وطردني الطبيب املسؤول عن حالتها
لت في األمر كانت صدمتها أكبر ولم تستطع تقبل أنها فقدت أهلها وألني عج ُ
وحتى ذاكرتها و ما أملني أنها ظلت قرابة العام تحاول التذكر ،تحاول إعادة
األشياء املفقودة من حياتها ،تذكرت في األشهر األولى الحادث وكيف انقلبت
السيارة فجأة ،هذا ما أخبرني به طبيبها ولكنها لم تتذكر إلى أين كنتم
ذاهبين ،وما تعجبت له أنها لم تتذكر صديقتها وابنة عمتها في نفس الوقت
وحتى خطيبها الذي فسخ الخطبة فور سماعه بالحادثة ،أخبرني الطبيب أن
صدمتها متعلقة بهؤالء األشخاص الذين لم تتذكرهم ،ألن العقل يرفض ما
عاش في اآلونة األخيرة فحارب األمر بفقدان الذاكرة ،ذلك أن وظيفة
الذاكرة الطبيعية تتضمن أجزاء كثيرة من الدماغ لذلك فإن أي مرض أو
إصابة تؤثر على الدماغ مثل ضربة رأس أو صدمة عاطفية قد تتداخل مع
الذاكرة وينتج فقدان الذاكرة الجزئي أو الكلي عن تلف هياكل الدماغ التي
تشكل الجهاز الحوفي الذي يتحكم في العواطف والذكريات.
60
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
وعمتي يا أبتاه ،تلك التي كنت دائما توصينا بها لم تهتم لنا يا أبي وحتى في
جناز َ
تك وأمي لم تبقى طويال ،أملني كثيرا أنها تخلت عنا ،لم تزر مياسين أبدا
ً
فيقة ً ً
وأختا ألختي ،أزعجني األمر كثيرا لم ال هي وال ابنتها التي كانت صديقة ور
أجد تفسيرا َ
لم حدث إال بعد مدة وكان ما عرفته قاسيا جدا .اهتمت جارتنا
ُ
وكنت أنا أمر أحيانا فقط بمياسين طيلة العام الذي كانت تحاول أن تتذكر
كنت حريصا على أن الللبيت أترك لها مبالغ من املال وأغيب بعد ذلك ُ ،
ُ
فكنت يا أبي أترك لها مما تركت وعن نفس ي كنت أدبر أعطيها ماال حراما
بطرق ما ،أخجل من أن أذكرها لك حتى وإن كنت ال تسمعني ..
ُ َ
عدت في إحدى املرات التي غبت عنها ثالث أشهر وجدت أتذكر عندما
ٌ
مياسين تحضر نفسها للخروج وكانت برفقتها فتاة جميلة عرفت أنها صديقة
جديدة لها في ذلك اليوم صادفت أختي خطيبها السابق فتذكرت كل ش يء
ودون أن نفهم شيئا استعادت يوم الحادث بشكل كامل وصارت حبيسة
انهيارات عصبية ولم تكن بيدي حيلة سوى أني قررت وضعها في مصحة
لتجاوز االكتئاب الذي دخلت فيه ،أعتذر حقا كانت تحتاج فقط ًيدا
ُت مسكها وتشعرها باآلمان وبأنها ليست وحدها في خيبتها لكنني فشلت ،
وضاع عام آخر من حياتها لم تشفى نهائيا ما زالت تحاو ُل أن ترمم بقاياها ،
مازالت إلى اآلن تحاول أن تنهض من جديد ،في هذه املرة رأت طبيبتها
النفسية أنها تتجاوب مع األطفال ،فاقترحت على صديقتها ياسمين أن
العثور على روضة لألطفال حتى تتعافى قليل من روحها التي
ِ تساعدها في
جفت في املصحة وفقدت بريقها بأدوية التخفيف من نوبات االنهيار تلك.
61
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كان من السهل على صديقتها إيجاد مكان لها في إحدى الروضات عن طريق
وسج ْ
لت َّ أحد املعارف وبدأت روح أختي ُ
تعود قليال ..تمسكت باألطفال ،
لتعلم الحلويات و فعلت الكثير من األشياء الجديدة التي
ِ نفسها في دورة
حسنت من نفسها و أشرق ذلك على وجهها .
كنت أعلم كل ش يء منتركت أختي بأتم معنى الكلمة ولكنني ُ
ُ صحيح أنني
تشفق على حالها وحتى على حالي التي تسممت ..ال أدري َ
لم ُ جارتنا التي كانت
لصديقة أختي الحاسة السادسة ،كانت ال تتركني معها أبدا
ِ ولكن ربما كان
ُ
جلست مع أختي كانت تخاف عليها مني ،وفي إحدى املرات التي غابت عنها ،
التي أصبحت ال تبالي بش يء وال يسعدها ش يء ،لم أرى فيها ً
شيئا سوى آثار
جراح عميقة لم يستطع أن يشفيها أحد وكنت قد بدأت ألعب بعقلها بعدما
لم أعد أملك ماال يكفيني ألشتري ذلك السم الهاري ..أوهمتها بأنني أريد أن
أنشأ لها مشروعا يحمل اسمها وعلى نياتها صدقتني ،ورطتها في قرض باسمها
استدنته من شخص استعطفته بقصة كاذبة ونسيت قصة القرض ذاك
عندما انغمست أكثر في ظالمي ،بحث عني ذلك الرجل عندما عرف أنني
خدعته وطال األمر كثيرا ،كنت أجيد الهرب من كل ش يء إال من نفس ي،
ُ
نسيت أني ُ
اختفيت عاما كامال عن مدينتي وغادرتها لكي ال يجدني ولكنني
ورطت مياسين املسكينة التي انقطعت كل أخبارها عني .
عند ما عدت وجدت مياسين تغيرت كثيرا ،بدا لي أنها استعادت قليال من
نفسها ولكن بهيئة أخرى وتغيرت الكثير من األشياء في مدينتي ،لقد أصبحت
ً
معلمة في إحدى املدارس ،غرست وردا وأزهارا من كل نوع في حديقة املنزل
62
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
فضت أن ُت ْز َرع َّأية نباتات هناك ،توفيت جارتنا َ
التي حو ِلتها يا أمي ملجلس ور ِ
املبهم الصديقة تلك ىسو أنيسها ُأم الوليد وصارت أختي ال ُ
تجد
ِ
كيفية تعارفهما ،أغلقت كل الغرف في املنزل وتركت غرفتها فقط وما أثار
ُ
علمت دهشتي أنها غيرت لونها البنفسجي الذي كانت تذوب فيه إلى األسود ،
أي آخر وتم ُ
مياسين أخرى ..كان للقدر ر ٌّ حينها أنها لم تعد مياسين نفسها بل
اإلمساك بي في بيتنا من طرف رجال "سيمان صبراوي " الذي نصبت عليه
باسم أختي ،خفت من ردة فعل مياسين خصوصا بعدما عاشت من أشياء
رهيبة ولكني لو أردت أن ال يحدث هذا لفكرت حينها فيها ،كادت أختي تدخل
السجن لوال أن الرجل أدرك أنني نصبت عليها فتزوجها على أن تسدد دينه
ذاك ثم يذهب كل منهما في طريق آخر ،لم ترد مياسين الزواج ولكني أجبرتها
وهددتها كثيرا حتى قبلت رغما عنها .
تغف َر لي أختي بقدر ما لن تغفر لكما يا ولن الرواية هذه في ُ
الخائن اليوم أنا
ِ
ُ
ستسامح من مروا وضروا أبي وأمي ،لن تسامحنا أبدا فأنا ال أعتقد أنها
وتركوا فيها ندوبا شوهت كل ش يء جميل في داخلها فمياسين التي كنا
ً
نعرفها جيدا باتت مياسينا أخرى وكما لم تحمل يوما صفات اسمها أصبحت
تشبهها حقا ،لقد صارت نجمة بعيدة في سماء كل من يعرفها ،ال أحد يقترب
ُ
وكنت وال هي تقترب ،واختارت عزلة بينها وبين نفسها واكتفت بكتبها فقط
كنت أتركها لوحدها في البيت ُ
كنت السبب في ابتعادها عني كثيرا وغير أنني ُ
بحطام فتاة عالقة بين األنقاض تبحث عن ِ عندما أعود كانت تستقبلني
ُ
حضن يلم جراحها قليال ،كانت تخبرني عيناها أنها تبحث عن كلمة تواسيها
ُ
وكنت أنا أقابل كل مشاعرها ببرود تام ،لم أرد أن أقترب منها كثيرا ألني كنت
63
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
أعلم أنني سأجد ذاتي التي ضاعت في مالمحها ،كنت سأتألم أكثر مما أتألم.
أفزعتها بصرختي وأوجعتها بدفعي لها ولم أعلم بأنني دفعتها مرة أخرى إلى
ذلك الظالم الذي لم تستيقظ منه بعد الحادث .
في األيام التي ُ
كنت أبقى فيها في منزلنا كنت أسمع مناجاتها ليال و حزنها بكاءا
ً
وانكسارها صمتا ،كل ما كنت أراه فيها في تلك األيام فتاة كسرتها عواصف
الدنيا وبقيت متمسكة بغصن قلبها ،تدعو هللا أن يجبر انكسارها ،أن يعيد
ُ
حدثت بيننا ُ
تخليت عنها وأ بهجتها وكانت تدعو لي أيضا حتى وإن كنت قد
ُ ً ٌ ً
أوطان من الالش يء ،والجميل أيضا أن بيتنا كان يستيقظ غربة مقدراها
ً
القرآن مرتال من طرف شيوخ كانت مياسين تستمع لهم ِ صوت
ِ صباحا على
ً
دوما ..
ُ
الكثير من الفتيات على أخ لم يكن لهن ،وتبكي مياسين على أخ كان تبكي
ً
حام العابرين ترك يدها واختلط بين الناس فلم تعد تميزه
ِ ز في وفجأة أخاها
ولم تقدر على الحراك وظلت عالقة في املنتصف .
انتشلتك من انكسار ِك ولكنني أنا أيضا
ِ ضياعك ،ليتني
ِ سندتك في
ِ ليتني
أخاك
ِ انكسرت ولم أقدر على ْأن أصلح نفس ي ،هل يكفي دمعي اآلن ألكون
ً من جديد قبل أن َ
أموت بعد قليل؟ هل يكفي ندمي الذي لم تعلمي عنه شيئا
لك ؟!
ليكفر عن تركي ِ
وسأتركك اليوم أيضا ولكن آلخر مرة ،أختاه ال
ِ تركتك ألفا من قبل
ِ مياسين!
جاءا اسمعي صوتي ،ال تتركني وإحتفظي بي كما أنت بعد موتي ..ر ً
تتركيني ِ
غرست
ِ أنك تزورين قبريهما كل خميس وأعلم أن ِك
احتفظت بوالدينا ،أعلم ِ
ِ
64
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ً
شجرة ُ
لك أن تفعلي لي أيضا؟!يأكل الطير من ثمرها واحتسبتها لهما ،هل ِ
يعفو هللا عني. ُ
عتبات السماء ،فقط أتمنى أن َ فذنوبي بلغت
ً ُ ُ
مؤخرا اكتشفت مرت أربعة أشهر على زواجها لم أزرها ولم أسأل عنها ولكنني
مصاب بسرطان الدم ولن يطول األمر كثيرا حتى أغادر ُ ،
بعت منزلنا يا ٌ أنني
ِ
ً ُ
وأخذت ماله ألختي كي ال تبقى مدينة لذلك الرجل بعدما أكل الندم قلبي ، أبي
لكنها رفضته وصفعتني كرجل جمع من القوة سنينا طويلة .ال تقلق يا أبي
ٌ
متأكد من أنه لن يتركها ،هو ال ُ
ووصيت زوجها عليها ألني سددت الدين
ٌ ُ
متأكد أنه هو كتفها اآلخر لقد جربته مرارا ، يعرف كل ما مرت به ولكنني
يترصد ألختي ويخيفها فكان سيمان دائما يقف أمامها وال يترك يدا ُ جعلت من
تلمسها ،عرفت حينها أن القدر اختار لها جدا ًرا ال ينقض .
ُ
وعرفت ُ
وعرفت أن خطيبها السابق خانها مع ابنة عمتي ، مر أسبوع يا أبي
ُ
تمنيت لو أنني لم أعرف غدركم أنتم أيضا لها ، أنكم السبب في الحادث ،
اآلن أنا أبكي على ما عاشته مياسين بسببكم ،عرفت كل ش يء منها ومن دون
أن تخبرني بش يء . .كيف ذلك؟! أبي قلت َ
لك أن مياسين تغيرت كثيرا ،صارت
تكتب كل ما تعيشه في دفاتر وجدتها في أحد الصناديق في غرفتها قبل أن ُ
أبيع املنزل ُ ،
لست سيئا إلى الدرجة التي ال أعيد لها ما تبقى وحتى أزهارها .
َ ُ ُ
أصبح قاتال ولكنني أخذت انتقامي من خطيبها السابق الخائن لم أرد أن
يوما َبصمة تذكره دوما بأنه خان ًً ُ
أخت "سامي الهاشم " شوهت له تركت فيه
وجهه بسكين حاد من أعلى إلى أسفل ،كلما نظر إلى املرآة تذكر خيانته تلك،ُ
كنت اليوم سأذهب ألوافيها حقها .ولكن يا أبي فاجئني أن تبقت ابنة عمتي ُ
65
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
ويجب أن أكون ظهرا له في الحقيقة كانت صديقي فؤاد ٌ
عالق بمشكلة ما
ظهري مقر غدرهم لي فقط وألن أصدقاء السوء ٌ
توأم للبعوض ال نعرف ذلك
ٌ ُ
فكنت قد أوليتهم ظهري فأولوني غدرا والسبب زينة من إال بعد اللسعة
األشياء قذارة التي لوثت حياتي
ِ الحياة الدنيا ،نعم كانت النقود هي أكثر
َ ُ
أحد األحياء املهجورة وأصدقائي
ِ وسط ي نفس وجدت وبين دقيقة وأخرى
حولي يعانقوني ُك ً
رها ويقبلونني ضربا ،وألن جبني بلغ جبال ومرض ي الذي لم
ُ
واستسلمت لهم ،لقد طعنوني أعلمهم به بلغ سماءا لم أقدر على املواجهة
منتصف قلبي ،ال ُ
أقدر على إخراج نفس ي وال حتى إدخاله وال حتى على َ
اآلن في
ِ
مواصلة حديثي لنفس ي ،بدأ الظالم يحل على عيناي وبت ال أشعر بجسدي
ُ ٌ ً
وصوت جسد يتخبط ثم ال ش يء.. وال بش يء وفجأة شهقة خرجت من األعماق
في صبيحة اليوم التالي كتبت كل جرائد املدينة :العثور على أحد الشباب
مقتوال في أحد األحياء الشعبية املهجورة .
ُ
وكتب تحت العنوان الرئيس ي بخط صغير :تعرض إلى ضرب شديد في مختلف
أنحاء الجسم وكذا عدة طعنات خنجر .
يمكن ألي شخص أن يتخلى عن عائلته مهما كان األمر إال أن ُ و ُرغم أنه ال
َ ُ ً ٌ َ
غرباء عن بعضنا ونصبح أشياء ثقيلة قد تبني جدارا قويا بين أفرادها هناك
ُ
البعض ،كل ما نعرفه عن اآلخر منا أنه يتنفس وما دون ذلك يقف الجدار
ُ
فنضيع الذي بنته الخيانة والكذب والجروح العميقة حائال بين ُحبنا وكرهنا
أحيانا وتطفو الحزينة أكثر علىً فيما بينهما من الالش يء .تزورنا ذكرياتنا
66
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
سطح قلوبنا وتحرق جروحنا بأمالحها ،صحيح أن العائلة وطن واألوطان ال
ُ ُ
الخيبات فتشفى كل جراحنا
ِ من برماح تصيبنا ما دائما العائلة ولكن خان ت
ُ ً
الحينة واألخرى فصدق من قال أنِ بين تنزف حية عدا جراحها هي تبقى
املجروح من عائلته ال ُيشفى .
67
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
68
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إلفص ُل إلثالث:
سأ أ ى
ختّل أأان أأيضا. . .
69
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ً ُ
دواء النوم من جديد وألن استيقظت اليوم متأخرة جدا بعدما عدت لتناول ِ
األرق أصابني ليال من قلقي الذي سيطر علي ومن أفكاري التي خنقتني ومن
ً َ ُ سيذهب ً ُ
الصالة خشية منِ أسدال تديت قريبا بال عودة ِ ،ار عقلي الذي
ُ
أن أجده في طريقي رغم أن رغبتي في ْأن ال أراه كانت تفوق جميع رغباتي ،
نعم يخطر ببالكم كيف لزوجة أن تستر نفسها عن أعين زوجها! ولكن
َ ُ حقيقيا ً
ً
تزوجت به كي ال ينهار ما تبقى مني ،كي أنقذ أبدا زواجنا لم يكن
ً
نفس ي من ضياع بال عودة مرة أخرى.
ً
طيلة هذه األربعة األشهر التي كانت أعواما طويلة على قلبي لم نكن مثل أي
كنت زوجين عادين ،كنا عدوين في بيت واحد كان شعورنا موحدا جدا ُ ،
ً ُ
أكرهه وكان هو أيضا غلبت تصرفاته العدوانية نحوي أكثر ،أنا لم أ ِرد قربه
دت أن ال يؤذيني و أن ال يؤذي قلبي . مني بقدر ما أ ُ
ر
ً
سأكون كاذبة إن قلت لكم أني ال أفكر فيه ؟! في الحقيقة ال أدري هناك
ٌ ْ ْ ُ ٌ
األشياء تغيرت فيه طيلة
ِ بعض من صفاته أع ِجبت بها دون أشعر ..كثير من
هذه املدة التي عشناها تحت سقف واحد ،أنا أكره شعوري هذا الذي
اب يفكر فيه عقلي وإن تواجدنا شعور ال أقدر على تسميته إن َغ َ ٌ يتملكني ،
يرفض قلبي البقاء معه ال أدري في أي حفرة قد وقعت . ُ معابمكان ً
فقدت فيه قدرتي على التعبير عن نفس ي ،مر ٌ ُ ٌ
وقت حزينة أنا ِج ًدا للحد الذي
لت في كل ش يء حتي في حت ألحد ما كيف أن قلبي يتألم فش ُ طويل منذ أن ُب ُ
ِ
ً ٌ
التعبير عن حزني و ُيحزنني أنني حزينة وما يحزنني أكثر أنني ِب ُت وحيدة
70
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كورقة سقطت في خريف األيام وظلت األحزان تعصفها هنا وهناك ُ ،
بت ِ
ْ ُ ً
أشتاق أن ُيش َعر بي ..أن أحكي عن الجبال التي َبنتها الجروح وحيدة جدا،
ُ ُ ً
داخلي ،أحتاج أحدا ما يمسك يدي ويقول لي ِ
معك أنا ولكن ألهذه الدرجة ال
أحد ُ
يريد أن يكون معي! َ
مسحت عبراتي التي كانت تنزل أكثر كلما قاومتها ،مزجتها بماء الوضوء وتركتهاُ
فض هذا لدمعة ال ذنب لها سوى كثيرا هل أر ُ ُ
تعرضت للخيانة ً على هواها ..
أن قلبي آملها ؟! ال َف ْل َت َت َطفل ما شاءت ُ
أعلم أن ربي َس ُيلقي الن َ
ور في طريقي
َ
ذات يوم .
جلست أجمع حقائبي و أوظب أغراض ي سأبحث عن مكان ما لنفس ي لن ُ
أبقى هنا ،إن كان أخي من نفس األم واألب قد تركني وباع منزلنا فماذا سيقول
دفع الد ْين حقا ؟! ال سامحك هللا وال عفى عنكلي ابن الناس بعدما ينتهي ُ
أسحب دعائي يا هللا ،يا ُ ُ
.أستغفر هللا ُ
أستغفر هللا . عما فعلت يا سامي (..
أعتد عليه فقد فت من دعائي الذي لم ْ اصلحه . .يا ب إني عفوت) ،خ ُ ُ رب
ِ ر
ْ كنت أخش ى أن أدعي على من ظلموني فأرى َثأر هللا فيهم ُ ُ
فيؤملني قلبي أكثر ،
َ َ ُ ْ ُ ُْ ْ َ
ُربما ألنني أخش ى أن أؤ ِذي يؤ ِذ ِيني كل من يتعرف علي .
ألهل ُ
الدفاتر ِ
ِ تسليم وألن املوسم الدراس ي كان في أواخره ،تبقى فقط
ُ
أعتقد اتصلت باملدير أخبره بأنني أعتذر على عدم مجيئي اليوم ، ُ تالميذي ،
ً َ
ى
املدينة مرة أخر ألن هوائهاِ أنني سأترك هذه املدرسة أيضا ،سأغير هذه
ٌ
طرقات كثيرا ..وبينما أفكاري ُت َفكر مع بعضها البعض جاءت بات َي ْخ ُن ُقني ً
َ
حت ألتفقد من الطارق ولكن الباب ُمغلق وال ُيفتح حاولت من باب املنزل ُ ،
ِ ر
71
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كثيرا ولم أستطع كأن هناك من أغلقه بقفلة أتوماتيكية ،تضاربت األفكار في
ُ ُ
شعرت بأنني ُمحتجزة وأن سيمان من رأس ي بعدما مل الطارق وذهب ولوهلة
أغلق الباب . .تفقدت مكان املفاتيح ،لم أجد أي مفتاح بحثت في حقيبتي
عن مفتاحي االحتياطي فلم أجده ،تذكرت شجارانا البارحة وتأكدت من
ذلك ،إنه ذلك األحمق حتى يمنع خروجي.
ُ ُ
النوم هناك ليال ،
دواء ِوقع بصري على دفتري ،على ما أذكر تركت علبة ِ
ص ِع ْق ُت ملا جال ببالي ولكن لألسف لم تكن مجرد أفكار بل حقيقة ،اختفت
ُ
ُ ُ
شعور أنه سيعرف بأنني أنني كنت أتعالج وصفة الدواء أيضا ..حسنا تملكني
و سأصبح مسخرة في أعينه وأعين عائلته وهذا ما لن أستطيع تحمله ،أعرف
يدكساعدك على أن تنهض ،بالعكس ستكو ُن َ َ جيدا مجتمعي ..ال َ
أحد ُي
ً
حيناِ في من كل كان ، حمة ر ندو عليها وطأت التي حذيتهم أ ببصمات
ِ مليئة
السابق ينعتني باملجنونة عندما زجني سامي في املصحة العقلية ورغم أنني
ً ُ
أدر ما أفعل
ِ لم .جرحا تخطيت األمر ولكن هذه الكلمة ُو ِشمت على قلبي
ُ ُ
ووضعت ما أحتاجه في تديت مالبس ي والزلت ال أدري سأذهب قبل أن يأتي ،ار
ُ
وفتحت حقيبة ظهر صغيرة على أن أرسل أحدا ليأتي بأغراض ي املتبقية
النافذة نظرت إلى األسفل ،كانت املسافة عالية أكثر مما توقعت وكانت
بالشرفة ُ
تحدق ُ
،ملحت إحدى الجارات تنتهي بجدار سميك متوسط الطول
ِ
كنت أقف فيها وهي تتحدث على الهاتف ..بقيت أفكر للحظات كيفالتي ُ
سأنزل بأقل أضرار ودون أن يراني أحد و في هذه األثناء سافر عقلي
بعيدا إلى :عندما ُ
كنت أخرج من نافذة غرفتي وأمر عبر طابقين ألنزل تحت
ُ
ابتسمت لهذه الذكرى وأذهب إلى معارض الكتب التي كانت أمي تمنعني عنها ،
72
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
73
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
سيمان :يا بنت الناس ال تزيدي حرفا على ما قلتي ،لن أسمع وقد شرحت لي
أنت أكثر .
طبيبتك بعض األشياء وسآتي حاال لتشرحي ِ
ٌ ٌ
مشاعر ممتزجة بالخوف والحزن ،لم أتحدث عما أصابني مطلقا تملكتني
لشخص ما إال لياسمين التي تعلم كل ما عشت بالتفصيل اململ أتذكر
ً
جيدا لقائي بها في املستشفى عندما استيقظت من غيبوبتي وزارني سامي
ُ
فقدت الذاكرة وأن والداي أيضا قد مض ى شهرين على دفنهما ، وأخبرني أنني
ً
على ال ما أعتقد أن صدمة كبيرة أصابتني وبقيت أتخبط مع نفس ي إلى أن
اجتمع الجميع حولي وأمسكتني املمرضات كي ال أؤذي نفس ي أما سامي ال
أدري عنه كيف خرج من بين املوجودين ،التقيت بها في املصعد كانت مع
جدتها املريضة تجرها من يدها وكنت أنا أحاول أن أهرب من املستشفى
بعدما استفقت من املخدر والزلت آثاره بعد والدموع تنساب من عيني
ُ
والهاالت السوداء تغطي تحتهما و الصفرة تكتس ي وجهي ،ساعدتني حتى ال
أقع وتركت جدتها عند إحدى املمرضات وتبعتني ،وفجأة أمسكتني من يدي
واحتضنتني دون كلمة ،بكيت على كتفها وال أدري كيف أخبرتها عن الحادث
وعن أنهم يعتقدون أنني مجنونة ألنني لم أصدق أنني فقدت ذاكرتي ،
ساعدتني كثيرا وصارت تالزمني بشدة إلى أن أصبحت صديقتي ..بعد صمتي
هذا الذي ذهب بي إلى لقائي بياسمين أفاقتني مناداته لي من غفوتي
:يا بنت ،هل تسمعين ؟! مياسين . .
لست مضطرة ألن أخبرك بأي ش يء ،رجاءا الُ :نعم نعم أسمع ،ولكنني
تضغط أكثر على نفسيتي .
74
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
سيمان :رجاءا ال تقدمي على خطوة دون علمي أنا في الطريق ولن أجبرك على
ش يء .
مياسين :حسنا ..
سيمان :وعد ؟!
صمتت ال أر ُيد أن أعده ألنني حقا أريد أن أذهب قبل أن ألتقي به وتصبح
ات شفقته تأكلني .نظر ُ
75
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
أربكني صوته كثيرا فانزلقت قدمي عن الحافة وجرحت يدي اليسار قليال
ُ
أحكمت اإلمساك قبل أن أقع و كل هذا تحت صرخاته :يا مجنونة ولكنني
صرتُ توقفي سأساعدك ..كنت أسمعه وهو يصرخ ويدعي هللا أن يحفظني ،
ُ ً
ي
مرتبكة أكثر بدأت أصوات الجيران تعلو وتصرخ في أذني وتشوش تركيز ،
خطوة ُخطوة ،ثم أنز ُ
ل ً ُ ُ
العمود اإلسمنتي الصغير ..أخيراِ إلى أتقدم كنت
ُ ٌ
مسافة قصيرة َ
فعت رأس ي تحل بقفزة ر الحائط املتوسط
ِ باتت تفصلني عن
باتجاهه أنظر إليه ال أدري ِل َم ولكن ربما أردت أن أطمئنه حتى يهدأ ،عاد
صرخة تلك الجارة املزعجة ،لم أعرف ُ
قفزت أنا على سريعا إلى الداخل ثم
ِ
ً ُ كيف أضع قدمي على الحائط عندما قفزت ُفج ْ
توقفت ُممسكة رحت قليال ، ِ
ُ ُ ُ
املسافة املتبقية بين الحائط
ِ إلى نظرت ، قليال النزيف إياه بقوة حتى يتوقف
ً
واألرض ،ال شك أن قفزة أخرى لن تنفع يجب أن أكون أكثر حذرا .وقفت ثم
أمسكت بيدي جيدا حتى صارت قدماي تتعلقان في ُ جلست على الحائط وُ
الهواء وأنا أجهز عقلي للقفز ،واحد ،اثنان ،ثالثة :ال شك ًرا وال ً
عفوا فيما
فعلتي ! آتاني صوته الغاضب ممسكا بي جيدا تحت تصفيقات جيرانه
املجانين ،تركني على األرض وأخذ حقيبتي مني وأمسك يدي وجرني ،ولكني
سحبتها بكل ما أملك من قوة :
لك أتركني لن آتي حقا ُ ،
كنت أبعد نظراتي عنه حتى ال تقع عيني في ُ
قلت َ
عينيه وتنهزم نفس ي .صك على أسنانه بغضب وقال :لن أعيد كالمي إلى
البيت حاال ..ال أدري ما الذي دفعني إلى االنصياع إلى كالمه ،هل خفت ؟! ال
أيت أنه بدأ يعيد لي مشاعري التي ضاعت مني ،ضحكت .. أدري ولكنني ُ
ر
ُ
وأحتاج أن أتأكد لذلك تبعته إلى يد نفس ي ُ
بدأت أستع ُ خفت ..غضبت ..
76
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
املنزل وأنا أعرج بقدمي تلك وأمسك يدي التي أحسست اآلن بها بعدما برد
الدم في جسدي ،ونحن في الدرج الحظ تأخري عليه في الصعود فأمسك
بساعدي يعينني على تسلق الدرجات ولكن مسكته تلك آملتني كثيرا ربما
ُ
نزعت يدي منه وفركته ثم قلت بنبرة غاضبة أيضا :ال تدع اليزال غاضبا مني،
ً
يدك تلمسني مرة أخرى ،لقد حذرتك..
ُ
دخلت وأنا شبه خائفة لم َي ُرد فقط انتظرني حتى صعدت ثم فتح لي الباب ،
مما سيحدث إذ يقال أن الرجال الذين يكون غضبهم قويا لو استعملوا كل
طاقتهم وقتئذ لتمكنوا من تدمير العالم بأكمله وسيمان ينتمي إلى هؤالء
الغاضبون الذين ال يمكنك تحديد ردة فعلهم ،صفع الباب بقوة وألقى
بحقيبتي أرضا وأمسكني من عنقي ساندا أياي على الحائط ،أحرقني بنظرته
وفرحت أكثر أ ُ
ُ ُ ً
دت أن ال ينتهي ر خفت كثيرا التي كانت تشيط غضبا ..حقيقة
ُ
شعرت هذا الشعور الذي اشتقته منذ مدة ،وفي عز غضبه ابتسمت ألني
ُ
بركان غضبه علي وزاد َ
أغضبته ابتسامتي فثار بأن شعورا قد عاد ملكانه ،
من الضغط على عنقي ،شعرت بأن جسمي ِاخترق الجدار من هو األلم ،
حاولت أن أتخلص من يده التي تخنقني ولكن قوته أكبر وما كان مني إال أن
ُ
وأغلقت عضضته ثم ركلته بقوة وهربت إلى أول غرفة والتي كانت غرفته هو
أدر أين أختبئ
الباب التي لم أجد مفتاحها وتذكرت أن كل املفاتيح معه لم ِ
هل أتجه إلى الشرفة ؟ ال الجيران ،لم أقدر على أن أفكر كثيرا عندما سمعت
خطواته تتجه إلى نفس املكان الذي أنا به ،فقط فتحت باب الشرفة و
ُ
اختبأت وراء باب الغرفة .فتحه بغضب وهو يصرخ يا بنت نحن ال نلعب
ً سأ يك اليوم ف ْع ُ
محقا سامي عندما زج بك في الت ِك هذه ،كان ِ ر
77
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مصحة األمراض النفسية والعقلية ،جال بصره في الغرفة وهو يلقي على
ُ
أتواجد أنا بكالمه القاس ي .. قلبي صخورا من أعلى القمة الى األسفل أينما
ً
يتركك الناس عبثا ...تركته حتى
ِ مجنونة تستحقين كل ما أصابك حقا لم
ُ
أخذت حقيبتي ُ
وخرجت من الغرفة ، ُ
أمسكت بقايا كرامتي ِاتجه للشرفة و
ُ
ووديان من الحزن لت الدرج أجري بقدمي العرجاء التي أعاقت تقدمي ، ونز ُ
ُ
نفضت مالبس ي من غبار ُ
بتعدت عن املنزل قليال و ُ
تضرب بمائها على قلبي ِ ،ا
سقوطي قبل قليل ومشيت إلى وجهة مجهولة ،أعدت ِاشعال هاتفي وفورا
ُ
تصلت بياسمين :ِا
ياسمين ليس لدي الوقت كثيرا هل لي بسؤال !
ردت ياسمين مرتعبة :مياسين ما األمر ما به صوتك !!
:ال ش يء هل يمكنني أن آتي إلى عندك؟
بك ! قالتها بهلع ..
ياسمين :طبعا حبيبتي في أي وقت ولكن ما ِ
ُ
سأتواصل :سأشتري التذاكر اليوم بإذن هللا وسأخبرك في أمان هللا اآلن ،
معك .
ِ
فور ما ِانتهيت من محادثتي مع ياسمين رن الهاتف مجددا ِباسمه ،فأغلقته
أقرب إلى لت حتى البطا ية من غضبي وا ُ
تجهت مرة أخرى و أ ُ
ِ ِ ر ز
ُ
مشيت ربع ساعة ثم ُ
وعقمت جراحي هناك بمساعدة الصيدالنية، صيدلية
ُ
جلست أفكر في إحدى األماكن العامة التي تطل كراسيها على البحر والطريق
معا ،وفجأة ملحته يمر بسيارته من هناك وهو يبحث عن ش يء ما " إنه يبحث
عني".
78
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
79
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ٌ
مشهور الفتة كبيرة ُك ِت َب عليها ، Mina Cakeإنه ٌ
محل
ٌ
كانت تعلوه
اعة صنع الكعك والحلويات إذ ُ ُ ً
يقال أن مذاقها يبقى عالقا في ِ ربب يعرف ا
ر كثي
ُ
الكثير من الزوار إليه من الذاكرة لألبد وقد ذاع صيته في مدة قصيرة إذ يأتي
ُ
سمعت عنه بأنه يقدم ألذ مختلف املدن ،لم آت إلى هنا من قبل ولكنني
ُ
ظننت أنها ستشتري كعكة جديدة بعدما تخربت األولى، الكعك على اإلطالق،
ٌ ْ
دخلت وقالت لي تفضلي ..تفضلت وراءها وأنا مستغربة من ترحيب الجميع
لها وهي ترد عليهم بكل حياء . .حتى قالت إحدى الفتيات التي كانت جالسة
بك يا جعفر َ
وضحكت . تبيع الكعك للزبائن :أهال َ
ُ
صطدمت بها ستغربت ِواستدر ُت أبحث عن رجل ما ولكن رد الفتاة التي ِا
ُ ِا
لك آالف املرات أن ِاسمي هو ُ
أزال استغرابي ِ ،احمر وجهها وقالت :قلت ِ
أمينة وليس جعفر .
ضحكت كثيرا على ما سمعت منهم حتى ُ
كدت أختنق ..تناديها جعفر يا إالهي ُ
ضح ْ
كت الصديقتين وتعرفنا على بعض : َ
وعلى ضحكاتي ِ
مرحبا أنا مياسين ..
ردت بابتسامة عريضة :وأنا صوصو ..
قلت مستغربة :صوصو؟!
فض ِحكت أمينة وقالت ِ :اسمها صورية ولكن صديقتنا سلمى تناديها هكذا و َ
بعد مرور الكثير من األعوام صارت ترفض ِاسمها .
ُ
ابتسمت لهما و قلت :و أين هي سلمى هذه!
80
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ْ
وضحكت وما أضحكني ضحكتها تلك مع ردت صورية باندفاع :في املالديف
حركات الركوع والسجود ..
ُ ُ ُ
وقعت في أناس أغنياء ما شاء هللا ،فضحكتا استغربت وقلت ال إراديا :ربما
ُ
خجلت أكثر وأنا متعجبة ،رفعت أمينة أحد حاجبيها على قولي هذا مما
وقالت :صورية تمزح ليست في املالديف ،إنها مشغولة منذ ثالثة أشهر ..
تلتزم البيت ،ضحكت صورية وقالت :ربما تحفر في أنفاق األملاس هناك.
ضحكنا ثالثتنا وأنا مسرورة من صحبتهما ً
معا ،كان الجلوس معهما قليال
عن الناس لفترة
يجعلني أضحك كثيرا ..إنهما رائعتين جدا ،ربما ِانغالقي ِ
طويلة جعلني أنس ى أن هناك ً
قلوبا طيبة ترتاح لها األنفس ..
ً
قالت صورية وهي تنظر إلى ثياب أمينة مستفهمة :ما بها مالبسك ؟!
أمسكت طرف حجابي وأنا أنظر بخجل نحوها من فعلتي فأنا السبب في ُ
ٌ
اصطدام عنيف. اصطدامنا ،وقبل أن تنطق ُ
قلت بنبرة غلب عليها اإلحراج : ِ
ردت أمينة مزيلة عني حرجي :ال عليك ..أنا املخطئة ،تعالي معي إلى هناك كي
أدلك على مكان تغيرين فيه مالبسك و قبل أن تتقدم أمسكتها وهمست في
ِ
أذنها :أال ُ
يجب أن نسأل صاحبة املحل قبل أن ندخل إلى هناك ؟
ابتسمت في خجل وقالت :املحل لي ،أنا صاحبته وصديقاتي تساعدنني هنا.
ٌ
جميل جدا أن نظرت لها في خجل وقلت تبارك الرحمن...أعانك هللا يا أمينة ،
ً ً
..دمت ناجحة
ِ ترى ِانسانا صغيرا في السن وقد بلغ السماء نجاحا في أي ش يء
ً ً َ
اليوم وغدا بل و أبدا.
81
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
غيرت مالبس ي وخرجت أشكرهما كي أواصل طريقي لكنهما أصرتا على ُ
كنت أنا ُ
جد استضافتي وقدمتا لي كعكا وعصيرا وجلستا معي تتحدثان و ُ
ِ
ٌ ٌ ُ
سؤال ظريف أحيانا فصمتت أستمع إلى صمتيهما الذي يقطعه خجلة منهما
ٌ
وتعليقات مضحكة أحيانا .
ُ
دخل أحدهم إلى املحل لعله أحد الزبائن ،كان متوسط الطول ،أسمر
البشرة ُ
تزين وجهه لحية سوداء ..ال أدري َ
لم وجه نظراته لي فور أن رآني ثم
أشار للعاملة بأن تناديني وهذا ما فهمته عندما تقدمت نحوي تخبرني باألمر
ً ُ
فضت لقاء هذا الغريب فعادت إليه مرسلة له رفض ي ،فشاط ولكنني ر
صراخا على العاملة ،نهضت أمينة وصديقتها صورية غضبا ومأل املكان ُ
ً ُ ُ تريان َ
وبقيت أنا مكاني محاولة تذكر أين رأيته من قبل . أمر هذا املتطفل
الحظت أن أمينة كانت تخجل أن تتحدث فكانت صورية هي من تتحدث وما ُ
لبثت يداها أن تقف مكانهما تذهب هنا وهناك وكانت عيناه تذهب معهما ،
ُ
زادت حدة النقاش إلى أن ِارتفع صوت صورية قليال :ااااه الباب هناك
تفضل وإال تفضلتك رغما عنك..
و قبل أن يخرج نظر لي بنظرة لم أفهم معناها ،عاداتا ِواعتذرتا عما حدث .
وقت ذهابي بعدما خفت أن يعود هذا الغبي ويفتعل أخبرتهما أنه حان ُ
مشكلة ما ،عانقتهما خفيفا ووعدتها بلقاء آخر في يوم آخر ،أعطتني أمينة
ً
بطاقة تحمل رقم الهاتف وعنوان املحل وأخبرتني أنها بانتظاري وقت ما
شئت .
82
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كدت أخرج حتى وقع بصري على سيمان وهو يدخل املحل ووراءه ذلك ما ُ
ُ
وتذكرت أنه صديقه معتز ..لقد رأيته في العرس . ُ
تبكت كثيرا
الشاب ،ار
َ
أحضرت رفيقك إذا . صرخت صورية مجددا :
يعجبك ذلك فاختاري جدارا و اضربي
ِ رد غاضبا :نعم أحضرته وإذا لم
أسك عليه ..
بر ِ
كادت ترد بعدما أصبح وجهها أحمرا من الغضب ولكنني أمسكت يدها وقلت
لها ،ال تقلقي يبحثان عني .
صورية :من هذان هل أتصل بالشرطة؟!
أنت ؟
أكثرت ،هل تبحثين عن املشاكل ِ
ِ رد معتز ً
مقلبا عينيه نحو السماء :أوه
ً
سحبت أمينة صورية من يدها محاولة تهدئيها بعدما أدركت أن حربا كبيرة
على وشك أن تحدث ولكن صورية قالت غاضبة محاولة اإلفالت من رفيقتها
ُ
وينتظر أن يك كيف تكون املشاكل ..أما سيمان فكان يراقب تصرفاتي:سأر َ
ُ
تجاهلت ذلك.. يقع نظري عليه ولكنني
ً
قلت لصورية محاولة فك هذا النقاش الذي لن ينتهي :ال تقلقي يا صورية
ُ
وصديقه معتز . إنه زوجي
قالت صورية بنبرة مشمئزة ِ :ا ُ
سم هذا الغبي معتز إذا ..
كاد معتز يرد لوال أن سيمان أشار له بكفه حتى ينهي هذا النقاش ثم تقدم
نحوي وقال :بال مشاكل ،بال صراخ ،بال أي فضيحة تفضلي خارجا .
83
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
84
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
أضاف عندما رآني صامتة :لم يكن لقائنا جميال حقا ،ولم يكن زواجنا
جميال أيضا ولم نتفاهم حقا وجمعتنا شجاراتنا أكثر ..أعلم ولكن قرار ِك
املفاجئ بأن تتركي كل ش يء دفعة واحدة لم أستطع أن أتقبله .
رفعت رأس ي وتالقت عيناي بخضرة عينه وتراقصت مشاعرنا حولنا لوهلة ،
ثم قلت :أن ننفصل أفضل وهذا ما تريده أنت من البداية ..
سيمان :كيف ذلك ؟ لم ال تردين أن نفتح صفحة جديدة بيننا ! .
ٌ أنت ال تعرف عني شيئا وحتى أن ما عرفته ٌ قلت بنبرة حزينةَ :
ُ
جزء بسيط
ً
فقط ،ال أريد أن أعيش خيبة أخرى ألنني حقا لم أستطع أن أتجاوز األولى،
كذلك تصرفاتك تحزنني كثيرا في بعض األحيان فال أعتقد أننا بإمكان بدء
صفحة جديدة معا ..ربما تكمن الراحة في التخلي ،ال تتمسك.
أعدك سأتخلى
ِ ُ
أعتذر كثيرا عن غبائي ، وضع سيمان يده على قلبه وقال :
لم سأجعلك تعيشين خيبة ما ؟! أخبريني ملك ولكن َعن كل طباعي التي تؤ ِ
عنك وسأخبرك حقا إن كنت سأتخلى..
َ
قلت بعد تنهيدة طويلة :ال تتخلى عن أي ش يء من أجل شخص ما ،لست
َ
أجعلك تقع موقع خيارين مضطرا لذلك ولكن ال أريدك أن تعرف حتى ال
لذلك أنا ِاخترت الجواب "ال" بدال منك.
أنت ال تعرفينني جيدا ..ولم تسنح لنا الفرص أيضا لنتعرف على
سيمان ِ :
بعض بعمق..
85
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
قلت بحزم :وال أريد أن أعرف ،أن نبقى غرباء أفضل ش يء بالنسبة لي من أن
نفتح صفحة جديدة وننهيها بعودتنا غرباء مجددا.
َ
تستمتعين كثيرا قال سيمان مازحا بعدما رأى شرودي بعيدا عنه :هل
ُ
يرتطم كل الكالم به؟ ٌ
سميك عندما تعانديني ؟! أم يوجد في عقلك ُ
جدار
عنادك َ
أنت .. َ ُ
ابتسمت وقلت :ال أحد يضاهي
ً
أنت..
ِ بل .. كذلك ليس ال : معاندا قال
أيك أن َ ُ
ضحكت هذه املرة وضحك هو معي ثم أمسك يدي بلطف وقال :ما ر ِ
ً
ُنصبح أصدقاء إذا؟! ثم إذا لم تتوافق صداقتنا نتطلق برضا من كالينا ؟؟
مرتبكة منه ثم ًُ ُ
قلت داخلي في الحقيقة أنا أحتاج أن يكون لي سحبت يدي
ً
أيضا فقد قر ُ
أت تاح بصحبتهم فأنا أر ُيد أن أتعافى ويتعافى قلبي أصدقاء أر ُ
ٌ
َذات مرة أن املرء ال يتعافى إال بقرب أصدقاءه .لم أعطه ً
جوابا مباشرا بأنني ِ
ُ
وفرحت أنا لفرحه بذلك ولو كان فرح كثيرا قبلت صداقته ولكني ملحت َ ، ُ
ً
األمر بسيطا فقد راق لي كثيرا أن أر ُاه س ِعيدا .
ُ
نهاية األسبوع وسيأتي ليعيدني إلى البيت بعدما رجوته أن ُ
نحن اليوم في ِ
أقض ي ً
أياما رفقة ياسمين ،أفادني كثيرا تواجدها معي ولو أليام قليلة ،أما
عم صداقتي معه فقد أخذت منحنى آخر ،في األول كنت أخجل أن أناقشه
ُ
انغمست أيضا وشعرت أو أتحدث معه ولكنه فك عقدتي بمزاحه معي ،ثم
التقيت به من قبل وكأننا نعرف بعضنا البعض جيدا من قبل ،ُ كأنني
ُ
تخطاه ..لقد ِازداد أسعدني أنه لم يفتح موضوع املصحة مرة أخرى ربما
86
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
نبضات قلبي نحوه ،فطيلة األيام التي قضيتها رفقة اهتمامه بي أكثر وز ْ
ادت
صديقتي كان يتصل بي ليطمئن علي في كل وقت..
ُ
بعد أحاديث طويلة وضحكات كثيرة صمتنا قليال نحفظ جمال شعورنا هذا
قلت له :سيمان هال توقفت قليال ..رجاءا أريد أن أشتري مناديال ورقية
وقارورة ماء . .
ً
سيمان :سنأخذ استراحة إذا ونتجول هنا قليال ما رأيك؟!
ٌ
جميل هو التغيير. قلت له وأنا مبتسمة :نعم ُ
األمر يناسبني ،
نتجاذب أطراف الحديث حول موضوع ما ثم توقفنا عند ُ كنا نتجول ونحن
وبقيت أنا خارجا أجول ببصري نحو ُ إحدى املكتبات ..دخل سيمان يشتري
القابع على أول جريدة :
ِ املجالت و الجرائد فلفت ِانتباهي أحد العناوين
العثور على أحد الشباب مقتوال في أحد األحياء الشعبية املهجورة .
ٌ
شعور مؤلم لم أدري سببه ربما بحثت عن الصفحة ثم بدأت أقرأ و في قلبي ُ
فوجدت صورة سامي موضوعة بجانب الخبر ُ من تأثير الخبر .فتحتها
دقات قلبي أكثر ..وارتعشت يداي راقصة خوفا: فتزايدت ُ
87
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الفادات وكذا التوقيع على تسليم الجثة في حين فتحت مصالح األمن تحقيقا في
مالبسات القضية { .إنا هلل و إنا إليه راجعون}"
ُ
شعرت بضبابة تمر فوق بؤبؤي عيني ولم أعد قادرة على بردت روحي و
ِاستيعاب أي ش يء حتى قدماي ما عادت تسطيع حمل جسدي ،فقط
ٌ
وصور مشوهة ألشخاص لم أصوات ضجيج غير مفهوم التقطتها أذني
أميزهم..
ً ً ُ َ
وأصبحت شجرة بال عروق ،فراشة بال اليوم فقط ،تخلى عني الجميع
مؤلم و قاس هو ر ُ دة بال رائحة ،إنسانا بال أحدٌ .. ر ً
حيل األحبة جناحين ،و
ُ
حتى إن كانوا آملونا يوما ،قد كنا نعلم أنهم بخير وكان هذا يكفينا ،ولكن اآلن
ً
ال أحد أعلم عنه بأنه يتنفس في الجانب اآلخر من العالم و مرة أخرى تركوني
لم ال أترك يدي أنا أيضا ..وألني تعبت من تعبت من أن ُأترک دوما َ ُ أيضا ،
نفس ي هذه املرة سأتركها أيضا ربما ُح ِكم علي بالقاع مؤبدا ..سأتخلى أنا
أيضا . .سأتخلى.
88
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
89
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إلفصل إلرإبع:
90
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
حكايات كثيرة ألشخاص تفرقت أرواحهم مع كل قصة مؤملة تلتها ٌ القاع
في ِ
ُ
يخنق سعادتك دوما و شرف من يحبون ،في القاع ٌ
ظالم عليهم الدنيا على
ِ
ٌ ٌ َ
القاع مدينة كبيرة من األوجاع اجتمع فيها كل
ِ في .. دوما أسفله نحو يسحبك
ٌ ُ
والكثير من كل ..ولكل منا حكاية من َحزنوا ،كل من تركوا ،كل من تأملوا..
ُ ْ َ
تؤلم أكثر من أخراها ،أصعب ما هناك أنك لن تعرف املكان كيف
ُ
القدر صوته ،ستبقى في فقد سمعه واغتال يبدو! ستكون كاألعمى الذي َ
مكانك مربطا بحبال قاسية تسمى :عقدة .
بعمق مجددا تنهض لن هناك، ما يوما تقع ال حتى كثيرا ال تثق كثيرا وال ُت َ
حب
ِ
َ
نفسك فأنت خاسر، حرب
الخيبة التي أصابتك فحتى وإن انتصرت على ِ
كنت تحملها داخلك قبل أن تقع أنت وتنكسرخاسر لكثير من األشياء التي َ ٌ
هي ..
خمس سنوات...
ِ قبل
91
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ً ُ
املرء طفولة قاسية ُي ْجهل سببها ،كأن يظل يبحث دوما
يحدث وأن يعيش ُ قد
عن السبب وال أحد يجيبه ،أتعرفون ما هو أكبر عقاب يحصل عليه من
جرحونا؟! أن ال نسألهم هذا السؤال أبدا "ملاذا ؟" ال تسأل هذا السؤال في
حياتك مطلقا فهو أكبر عقاب لهم ،بسؤالك لهم ستفتح بينك وبين القاع
ُ ً
شرخا ال ُ
يعاد اصالحه ،لذا أترك الشرخ مفتوحا بينهم وبين أنفسهم فقط ،
ال تجعلهم يتخلصون من عذاب ضميرهم ،ال ِترحهم عندما تسألهم بِـ" ملاذا"،
أما أنت ً
فيوما ما ستجيبك األيام عن سؤالك " ملاذا" فتمهل ...
لم تطرح مياسين هذا السؤال أبدا على أمها التي كانت تكرهها ،خافت أن
تعرف السبب فتكره نفسها حقا ..خافت ونجت ألن "من يخاف دائما
والدة مياسين يمأل البيت كثيرا كانت اخ ميساءمن ينجو" .وقد كان صر ُ
ِ
ً َ
ل
كثيرة التذمر على ِابنتها ،كانت دوما تهتم بسامي وتضعه في املقام األو أما
هامش املحبة وكانت تكره أن تراها تضحك
ِ مياسين فكانت تقف دوما خلف
ولكن ابنتها عنادا فيها تضحك وتضحك رغم أن شعور االستبعاد و الالحب
ُيؤملها كثيرا لكنها كانت تهدي أمها حبا مقابل كرهها لها الذي نمى فجأة عندما
منذ أن ُْ
ولدت "ميساء" توأمين فقدت توأم مياسين ،كانت قد مضت شهرين
نسخة عن بعض فقط شامة صغيرة في وجه "ميس" .تعرضت ُ ً
لح َّمى شديدة
ولم تنتبه لها أمها ألنها كانت تحمم "مياسين " وعندما ِانتهت من ذلك كانت
ً
أكال ،أخبر الطبيب زوجها ياسين أن ُ ُ
الحمى الحمى قد أكلت جسدها الصغير
تمض
كانت كبيرة على جسم الطفلة ويخش ى أنها أهلكت عضوا داخليا ،لم ِ
ً
سوى يومين حتى توفت الصغيرة تاركة ُحرقة بجحم مجرة في قلب أمها ،ومن
يومها اعتزلت "ميساء" تربية التوأم املتبقي ووقعت املسؤولية على عاتق
92
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
"ياسين" ..وحملت مياسين ذنبا لم ترتكبه سوى أن "ميس" لم يكن لها قدر
أن تعيش فيه سوى شهرين .
مضت طفولتها بشكل قاس ممتزج بالفقر والكره ممن أنجبتها ،كانت تحار ُب
ظهر قلب " ذات يوم ستشر ُقِ عن حفظتها ملة كل ش يء بابتسامة ساحرة و ُ
ج
لنا ُ
األيام الجميلة فال تكترث " ،تغلبت على كثير من املشاكل والسخريات التي
مضت الكثير من األعوام وهي تتحدى الدنيا وِ كانت تتعرض لها من أقرانها ،
هذا هو عامها الثاني في الجامعة كانت رفيقتها وصديقتها الوحيدة هي ِابنة
قان بعض أبدا في الجامعة ،في املنزل وفي كل ش يء
عمتها رقية ،كانتا ال تفار ِ
حتى في القلب لم تكونا تفترقان ،امتزجت حياتهما الجامعية بنكهة من
ُ
البهجة والسرور ،لقد كانتا أختين بالقلب والروح ،ما يحزن األولى يبكي
الثانية ...وهكذا .
ً ُ
تعيش لحظاتها بعمق متيقنة أن ال ش يء يستحق الحزن .. كانت مياسين
ً
تحتفظ بداخلها على روح جميلة نسجتها من الكتب التي كانت تقرأها ِخفية
على أمها والتي كانت كلما وجدت كتابا في غرفتها أحرقته ألنها تعلم أن ذلك
يسعدها وكانت هي ترفض سعادتها مطلقا ..هل تعرفون أولئك األشخاص
الذين أينما حلوا ،حلوا سالما على أهلها ! وتركوا فيهم من طيبة املشاعر ما
تركوا ! كانت هكذا مياسين أينما حلت أزهرت ُحبا وعطرا على قلوبهم ،كانت
جميلة جدا للحد الذي ُيسعى إليها بكل قوة ولكن لألسف يأتي وأن يمر
ٌ
أشخاص ملوثون بالسواد ،فينفثون غبارهم على أعيننا فال نرى من بعد
ذلك نورا و هذا ما فعله بها ذلك الدنيء الوضيع "ادريس" كان يظهر في كل
93
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مكان كانت تذهب إليه وقد كان ملحا على أن تكون معه ،كان يمثل الحب
ببراعة حتى كاد يحصل على جائزة نوبل إلتقان الدور جيدا ،وكانت ترفضه
دوما إلى أن أخبرته يوما وهي تشيط غضبا " إن كنت تريدني حقا فتفضل من
الباب ال تعترض طريقي في الشوارع كل مرة و تس يء بسمعتي أكثر" ،اختفى
ملدة قليلة ثم تقدم لخطبتها فوافق أهلها وكانت فرحتها فرحتين ،فقد وقعت
هي أيضا في حبه كانت تراه كل ش يء فعين املحب ال ترى إال محبوبها ،أينما
كانت تذهب تأخذه معها في قلبها ،كان يغنيها عن كل الحاضرين ،تعلقت
روحها به كثيرا للحد الذي أصبح التخلي عنه ً
يوما مؤملا جدا و يا ليتها ما
تعلقت ..ومض ى ٌ
عام على خطبتهما هذه ،كانت قد شكلت حدودا بينه وبينها
وحذرته من أن يتعداها ،كانت تلتقي معه بوجود رقية دوما ..الحظت تغيره
التدريجي ،لم يعد يتصل كما قبل حتى اللقاءات بينهم بدأت تقل شيئا
فشيئا ،فقط حبها هو من ظل على ما هو .اليوم ستتخرج من كلية اآلداب ،
ٌ
سعيدة جدا هي بيومها هذا ،تخطت كل أشواك الطريق واليوم ستصل إلى
ً
نهايته ،كانت طريقا زاخرة باملعيقات . .صعبة جدا ولكنها تخطت وحاربت .
لتحضر الشهادة التي تحصلت عليها ولكنها أحضرت معها ذهبت وحدها ْ
ُ
خيبة بعمق املحبة وعادت ،كانت قد خرجت من املكتب الذي تسلم فيه
الشهادات ،اتصلت برقية حتى تلقي بها ولكنها لم ترد .اتصلت به أيضا فكان
هاتفه مغلقا ،كانت تشعر بانقباض شديد في قلبها ،قررت أن تتجول آخر
مرة في الجامعة و تودع زميالتها ثم تذهب لتجهز حفلتها .اتجهت إلى املكان
ُ
يمسك بيد رقية الذي جمعها أول مرة بإدريس و يا ليتها لم تتجه ،رأته
ُ
واملسافة بينهما متقاربة جيدا للحد الذي يجعلك تشمئز والضحك غارق
94
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
َ
بينهما ،وقع ما بيدها من أوراق ووقع قلبها ق ْبلهم فانكسر ،توقف الزمن بها
وظلت فقط صورتهم معا ُ
تلعب على أعصاب قلبها ،كان األمر مؤملا جدا للحد
الذي تصبح كل طيات عقلك تخبرك أنك مجنون ..للحد الذي ترى بعينك أن
ً ُ
يطحن قلبك دون رحمة ،مؤملا جدا يشبه كثيرا الوقوع من فو إلى
ق أحدهم
بعمق املحبة تأتي الخيبة فال تحب كثيرا حتى تحت فتتهشم ولكن ال تموتِ ..
عمق الطعنة ،ال تقع في القاع مثلما وقعوا من قبلك وبعمق حبها له جاءتها ُ
ِ
حافة الحب ترك "إدريس" يد مياسين ودفعتها لألسفل من تكون من هنا وعلى ِ
َ
ِابنة عمتها قبل أن تكون صديقتها " رقية" .
ذات يوم من غبائنا :أصدقاء .. بيننا وبين ومن ُنحب ،بين من أسميناهم َ
ٌ ُ ٌ
ض ِ راأل على ما طرف ويقع فجأة ينقطع ، قلوبنا بين يصل فيع ر ..خيط أحباء
ات أبدا و لو وينكسر ،ولوال مقص الخيانة لبقى متصال ثابتا ال تهزه العثر ُ
ِ
ِاجتمعت كل املشاعر السيئة ملا كانت مقززة مثل شعور الخيانة .
هل تدري معنى أن تؤمن قلبك لدى أحدهم و يخونه؟! ويهديك هذا األحدهم
أنك تتمنى أن تتقيأ قلبك ،هل تدري معنى أن تجد نفسك أملا كبيرا لدرجة َ
ِ
ٌ
منكسر ومهشم في مكان بين ليلة وضحاها ً
ملقا على األرض وكل جزء منك
ٌ ُ
ما؟! الخيانة مؤملة جدا للحد الذي تشعر بها تنهش عظامك بسكين حاف ،
ُ
شدة احتكاكه بالعظم كلما زادت حدة األلم ،فال هو ٌ
قادر على أن كلما زادت
بشاعة هذا األمر
ِ يسرع وينهي األمر وال هو ٌ
قادر على أن يقطع بلطف ،بحجم
ُ
الثمن ً ُ
بشاعة الخيانة ،كل ْ
غاليا من أحب من قلبه دفع الثمن وكان تبلغ
جدا ،البعض دفعوا أرواحهم حتى . .و ألن املشاعر الحقيقية هي املشاعر ً
95
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ التي ال ُ
نقدر على أن نصفها ،فقط نحترق بصمت و نعيشها ونحن نعلم بكل
َ
ليخرج عبر جوارحنا املؤملة أن ذلك الشعور ال ُ
يجد الكلمات املناسبة
ٌ
بكماء ال تستطيع وصف العالم الكبير الذي يعيش أفواهنا ،فالكلمات
داخلنا.
صفعتين بحجم املحبة ألقت بها مياسين في ُحضن وجهيهما وغادرت املكان
تحت تنديه ادريس ورقية لها ،حاوال اللحاق بها لكنها لم تمنح لهم أية فرصة
ُ
فماذا تبقى لتبقى؟ ال ش يء يقال بعد الخيانة ..ما ورائها نقطة نهاية كبيرة في
ُ ٌ ُ
يصمت أجمل ما قدمته لهم مياسين هو كلمة واحدة دفتر ِانتهت أوراقه ،
الجميع خوفا من نطقها "حسبي هللا ونعم الوكيل" وأرفقتها بنظرة السخرية
ُ
التي قابلتها في أعينهم لوعة خوف وخسارة حارقة ،كانت أعينهم تلتهب خسارة
ُ
وتشتعل ندما على فعلة حمقاء قادتها الشهوة في لحظة ضعف ما .وكطفل
باك هرول يبكي نحو أمه فصدمته بصفعة ،صفعت ميساء ابنتها برفضها
فسخ الخطوبة تحت عنوان :كرامتي وسمعتي بين النساء ستنهار كجدار بناه
ٌ
شخص قطع يده ،لم ترغب ميساء في محاولة فهم مشاعر ابنتها قط رغم
علمها بخيانة ادريس إلبنتها ،وجاءت الصفعة الثانية من والدها بأن كلمته ال
ترد وسط الرجال وحاول إقناعها بأنها مجرد خطأ ولن يعيده فهذا هو طيش
الشباب ...تبا للعائلة التي تغرق أوالدها بيدها من أجل فقط قواعد بناها
مجتمع جاهل ،ماذا لو خسرا كبريائهما مقابل سعادة ابنتهما ،هل كانتٌ
السماء ستنهار على األرض ؟! انهارت ذلك اليوم أرواحهما ِوانتقلت الى جوار
جسد مياسين بينما بقيت روحها تحت ركام ُ ربي في حادث جد مؤلم ،ونجا
السيارة ،بين الزجاج املنكسر والدماء الباردة ،واآلمال املدفونة هناك .
96
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ِاستمر ظالمها شهرين ال تعرف عن نفسها شيئا سوى حلم واحد كان يتكرر
كل مرة ":في مكان مجهور من البشر كانت الطيور تملكه ،تسقط إحدى
العصفورات جريحة من فوق والدماء تغطي ريشها األبيض ،وقبل أن ترتطم
باألرض يلتقطها ٌ
طائر ضخم ويهوى بها إلى األعلى ..ثم يغزو الظالم ما تبقى" .
قد يأتي ِاختبار هللا لعبده دفعة واحدة ،يختبر فيه صبره وإيمانه وحتى قلبه
ثم بعد الشدة يرزقه فرحا ينسيه حدة اآلالم التي مضت ..فقدت مياسين
الذاكرة بشكل جزئي لم تعد تتذكر فقط األشهر األخيرة قبل الحادث ،
قد أنها الزلت طالبة وتحضر ليوم تخرجها ،لم تتذكر ِادريس وال حتى تعت ُ
رقية فبعمق خيبتها رمت بهم هي أيضا ليس فقط خارج قلبها بل تعدى األمر
إلى عقلها ،ففي الوقت الذي نعتقد بأنها النهاية تكون هنالك بداية مختلفة
جدا عما سبق ،حياة جديدة ملياسين ُزينت باالكتئاب والصدمات . .
ً
النسيان والخيبات ِ . .استغرق عقلها عاما في ِاسترجاع جراحها التي غابت مدة
ٌ من الزمن وصا ت تطفو على السطح ً
شيئا فشيئا ..وثم خيبة أخرى تفقد ر
فيها ما تبقى من نفسها عادت لها ذاكرتها فجأة بعدما التقت بإدريس في أحد
األعين مع بعض ولكن قلبها ال ،توقف أمامها محاوالُ الشوارع ..تالقت
ُ
الكثير من الصور االعتذار عن خيانته ولكن رأسها آملها بشدة عندما بدأت
ً
ترقص داخل مخها وأخيرا تذكرت كل املشهد ،نزلت دموعها من هول تلك
الذكريات السيئة فحاول أن يتقدم نحوها ليعتذر مرة أخرى ولكنها ألقت
ِ
عليه كيسا مليئا بالبرتقال وأمسكت يد صديقتها واختلطت بين الناس .
97
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
قد يشكل عدم التقبل أحيانا أملا حادا يغير فيه الشخص إلى جدار صلب ال
يشعر بش يء فمن الجيد أنها وجدت رفيقة تعينها على خيباتها "ياسمين"
بعدما ابتعد عنها أخوها سامي وتركها تتخبط وحدها بين أروقة الحياة.
ً
أصبحت باردة جدا ،ليست لها أدنى ردة فعل ،جسد ًبال روح فقط يتنفس
وباتت مرفقة بانهيارات عصبية و كسر كل األشياء التي تجدها في طريقها بعد
ً
لقائها بإدريس واستعادتها لذاكرتها دفعة واحدة و تر َّسخ مشهد الخيانة في
عقلها ،ال ترى شيئا سوى تلك اللحظات املؤملة التي كانت سببا في فقدانها
ٌ
لوالديها ..وباتت فتاة من صراخ ،كسر ،بكاء ،حزن..
أبرياء من كل ش يء عدا من ذنب واحد أنهم : ُ ٌ
أشخاص في املصحة يوجد
ُ
أحبوا من األعماق ..وثقوا ثقة عمياء ،منحوا قلوبهم ...كانت رائحة املهدئات
ُ
وستسكن أعصابي ،فهل يهدأ قلبي حزنا وقسوة ،ستهدأ روحي تمأل املكان ً
بهذا الدواء؟! لو دخلتم قلوبنا بعد خرابها لوضعتهم أيديكم على رؤوسكم
ً
دهشة و لسقطت قلوبكم موتا من هول ما أيتم ً ،
فرفقا ر ولفتحتهم أفواهكم
بالقلوب فخرابها ليس بهين.
بقرب أطفال أبرياء بدأت روحها تتعافى قليال ،أعادت فرحتهم وبهجتهم
القليل من قلبها معهم بدأت تبتسم ..معهم بدأت تشعر بأنها الزلت حية ،
الحمد والشكر لياسمين ،وجدت روضة لألطفال عن طريق معارفها ..
عندما ظنت أنها ستتعافى أخيرا حتى ولو لم تعد كما كانت فقد تغيرت كثيرا في
َ
أشياء جديدة تفيدها وأضافت لوقتها أشغاال تنسيها وما عام آخر ،تعلمت
سيئات سامي الذي خدعها في لحظة ِانكسار غابُ برحت إال و وقفت أمامها
98
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
وعيها فيها ،أرغمها على الزواج من شاب ال تعرف عنه شيئا سوى أنها وقعت
على صك باسمها ُسحب من عنده ،كيف ذلك!؟ " بعدما تعرف سامي على
سيمان أقنعه بجديته في أنه يريد أن يرسم البهجة على شخص عزيز عليه ،
ويريد ماال حتى يقام هذا املشروع ،ثم يكون الربح مشتركا بينهم ،فقط
ُ
يحتاج إلى ِانطالقة وبقية األمور سهلة ،وألن سيمان ظن أنه ال يمكن ألي
ٌ
مستعد ألن يضر روحا تحمل دمه شخص أن يلعب بمصير أخته فال أحد
ُ
سحب القرض من الشركة التي بدأ العمل حديثا وكل ش يء ،قبل الفكرة وتم
فيها و فر سامي إلى وجهة مجهولة وظل "سيمان صبرواي" يبحث عنه طويال
إلى أن ألقى رجاله القبض عليه في املنزل وهناك تم التفاوض و تم اإلعالن عن
ً
مياسين ضحية تدفع الثمن بال ذنب .وكان سبب عدم ِايصال القصة إلى
طاولة الشرطة هو خوف سيمان من معرفة عائلته بأمر املبلغ الذي نصبه
سامي وبالتالي يحرم من كل حقوقه في إدارة شركة والده وهذا ما لم يتقبله .
خاليا من الفرح ً . .
خاليا من الحب ً . . ُ
الزفاف ً
خاليا من كل ش يء سوى كان
ش يء واحد يتكرر في أفواه الجيران :مياسين كسرت ثقة أخيها من أجل شاب
أعمتها أمواله ،شكرا لعمتها التي لم تسكت أفواه الحاضرين ولم تبارك حتى
البنة أخيها املرحوم ،كان حضورها ِاجباريا من زوجها الذي كان يعتبرها ابنته
الثانية.
في حين أن كل فتاة تحلم بيومها ذاك كانت هي تلعنه ،تمنت لو لبست
ً
األبيض ورآها والدها وأوصاه عليها . .تمنت لو كان شخصا تحبه من أعماقها
ً
لو أن رقية كانت معها ،لو أن تلك الخيانة لم تحدث أبدا ،تمنت وتمنت
99
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
100
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ً
كانت متجهة نحوها ونظرة الندم مازالت تكتسيها ،تشجعت رقية عندما رأتها
تنظر إليها فتقدمت أكثر :
رقية :عظم هللا أجرك وغفر له ربي وأسكنه فسيح الجنان .
مياسين :شكر هللا سعيكم وصمتت تحوقل وتذكر هللا.
رقية :عندما رأيتك تنظرين لي عرفت أنك سامحتني وهذا ...
ُ
وضعت عيني في عينيك لكني لم أر ِك . سامحتك !! قاطعتها مياسين ببرود :
ِ
ارتبكت رقية وقالت :أنا آسفة جدا على ذلك اليوم ..
مياسين :يا بنت "أنا آسفة" تقال ملن وطأ على قدمك دون قصد وليس ملن
ُ
تكسر قلبه عنوة مع سابق اإلصرار و التنفيذ.
أرادت رقية أن تواصل الحديث ولكن سيمان أنقذها باتصاله نهضت وتبعتها
رقية :
مياسين :وعليكم السالم ..
أنت بخير ؟ بقي قلبي معك حقا .
سيمان :هل ِ
مياسين :بخير ،ال تقلق..
أتيت أمام الباب
سيمان :هال ِ
مياسين :حسنا آتية.
ٌ
وكلمات من هنا وهناك تلقى خرجت مياسين أمام الباب تحت أنظار النساء
على قلبها ،هي تعلم ومدركة أنها أصبحت يتيمة ِلم يريدون تذكيرها وجدته
101
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ينتظرها ،ارتمت إلى حضنه ألول مرة دون أن تدري وهي تبكي وتشتكي له أنها
أصبحت يتيمة وأكثر من اليتم ،بال أحد .
مسح دمعها وشد على يدها وأخبرها أنه معها ال يجب أن تقلق ،بقيت عيناه
ً
أكلت شيئا؟ أخاف أن يغمى
على وجهها الشاحب ثم قال بنبرة حزينة :هل ِ
عليك من جديد ..
ردت عليها :ال تقلق ،لن يحدث ش يء ..
وهللا قلبي ٌ
حائر عليك.. قال وهو غير مقتنع بإجابتها :ال تعاندي اآلن ِ ،
لم ترد عليه بل اكتفت بالصمت والنظر بعيدا عنه ،كاد يضع يده على كتفها
ً
ولكنه الحظ فتاة تحدق بهم من وراء الباب فسألها :من تلك التي تنظر إلينا !
عينا مياسين على رقية التي كانت تنظر بنظرات ندم َما نحوهم وقالت
وقعت ْ
بزلة لسان :هذه التي أسميتها ذات يوم أختي وخانتني مع من أحببت .
أحببت؟! هل تقصدين أنك ..
ِ بنظرة متفحصة لها قال :من
قطعته مبررة كأنها قرأت ما كان يريد أن يقول :ال ال ليس كما تقصد ،كان
خطيبي ..
رد بتفهم :حسنا ال علينا ولكن رجاءا أريد أن أسمع منك كل ش يء عندما
تنتهي هذه الجنازة ،لقد صرنا أصدقاء ال تنس ي ،وأرفقها بابتسامة جميلة
تدر عنها ثم واصل حديثه :ستأتي أمي بعدتحمل الكثير من الحب لكنها لم ِ
قليل رفقة أختي وزوجات أخوي ،سأتصل بك عندما يأتون .
كادت تعود إلى الداخل لوال أنه تذكر شيئا :
102
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
رحبت بهم مياسين وجلست معهم ..تقدمت سيدة الدار "عمة مياسين"
نحوهم تدعي وتنوح أنها أهل مياسين أمامهم ولكن ما خفي في القلوب أعظم
بدموع تماسيح ال أحد يدري من أين أتت صارت تند ُب حظ مياسين في ِ و
مجلس العزاء ،وهذا ما أزعج أم سيمان كثيرا ،حاولت أن ُت ِقيمها وهي تخبرها
بأنه قضاء وقدر وأخيرا نجحت في ذلك فتشجعت وأضافت وهي تنظر نحو
كنتها الصغيرة بحزن :نحن أهلها أيضا ولن نتركها أبدا ال تقلقي عليها ليست
وحدها مطلقا ،هللا ونحن وزوجها دائما معها.
تفاجأت مياسين من كالم حماتها وظلت تفكر فيه هل حقا ..؟! كما يقولون !
ولكن سنتطلق بعد فترة فقط أجلنا األمر قليال ..والكثير من األفكار
املشابهة ولكن ِاتصاال في الهاتف أعادها إلى الواقع كان رقما بال اسم ردت
صوت أنثوي ،كانت أمينة وصورية هما من ِاتصلتا للتعزية ،وطلبتا ٌ فباغتها
منها اللقاء بعد ِانتهاء أيام العزاء .
أما عن معتز منذ يوم شجاره مع تلك الفتاة وهو يفكر فيها كثيرا ،التقى بها
صدفة في إحدى الشوارع مرة أخرى وتجاهلته ،كانت تضحك رفقة صديقتها
ٌ ً
تارة وتارة تغضب ،لقد كانت جميلة جدا ،عيناها تصرخ بندقا قصيرة
ٌ
للحد الذي تجعلك تنحني لها حبا واحتراما ،كتلة من املزاح تمش ي على األرض
ٌ ُ ُ
تسرع كنملة تبحث عن قمحها ،عصبية كثيرا وما أجملها أنداك.. كانت
حاول إلقاء السالم ولكنهما لم تردا عليه ،فقال لها مقاطعا طريقهما :
غاضبة مني يا بنت ؟! توقفت مستغربة وقالت :مجنون أنت؟! ًَ
لم لت
هل ما ز ِ
أغضب منك ربي يهديك؟! ثم تخطته وواصلت طريقها أما هو فغاص تفكيره
104
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
نفسه بأن تكون له في الحالل ،فصار يذهب كل ما سنحت له ُ فيها ووعد
ُ
عبره مطلقا
الفرصة إلى محل Mina cakeأينما ِالتقوا أوال وكانت ال ِ
ت
وأحيانا ال يجدها هناك وعندما يسأل صديقتها أمينة عنها ال تجيبه ،وألنه
لم يجد فرصة للحديث ِاتخذ حجة موت أخا مياسين فطلبتا منه رقمها ،
ُ
وسعد هو بأول إنجاز له.
لم تشأ مياسين أن تبقى في بيت عمتها وذهبت رفقة سيمان وعائلته إلى
القصر حتى تكون املسافة قريبة ،و ألول مرة ستتشار ُك معه غرفة واحدة
ألنه ال أحد من عائلته يعرف األمور بينهما.
ً ً ً
كانت منهكة ..متعبة و حزينة جدا على فقدانها ألخيها فزاد التوتر من نصيبه
أيضا وقض ى عليها
جهز لنفسه فراشا على األرض و احتراما ترك السرير لها وقبل أن يضع رأسه
ً
على الوسادة نظر إليها يتفحصها فوجدها متكورة على ركبتيها فقال :نامي
ألست متعبة ؟
ِ قليال وتخافي ،
ردت عليه قائلها :لكن التعب داخلي وليس في جسدي ..
أطرقت رأسها تخفيه عنه فنهض وجلس أسفل السرير محاوال أن يخفف
ُ
سنلبس كفنا أبيض ،وما هذه قضاء ٌ
وقدر وكلنا ذات يوم ٌ عنها :إنما ُ
املوت
اس ُت ِض ْف َنا فيها لعدة أعوام ،فال تحزني فقط تذكريه بالدعاء
دار ْ
الدنيا إلى ٌ
والصدقات ،وهللا ٌ
غفور رحيم ..
105
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كادت تقول :إن شاء هللا سأت ..ولكن طرقات خفيفة على الباب قاطعتها ،
ً
نرجسا فارتبكا وقاما سريعا يخفيان ما وضع سيمان على األرض لقد كانت
ً
نرجسا أخرى بوجه وردة ذبل فجأة . بجسمها ،و
نرجس :أر ُيد أن أفضفض معك قليال إن كنت تريد .
سيمان :تفضلي يا عزيزتي .
شعرت مياسين بأن عليها أن تخرج فاستأذنت ونزلت تحت.
وضعت نرجس رأسها على كتف أخيها وبكت فقط ولم تتحدث ،سألها خائفا
عليها ولكنها أخبرته أنها فقط تريد أن تبكي و ال ش يء بها ،سوى الرغبة في
البكاء ،ضحك وظن أنها عادت إلى عاداتها الطفولية بعد صمت طويل قالت :
ُ ً
أخطأت يوما ما هل ستسامحني! سيمان ماذا لو
َ
تخطئين في ماذا ..؟ لم أفهم .. رد مستغربا:
عندما رأت جدية وجهه خافت كثيرا وغيرت مجرى الحديث إلى أيام طفولتهم،
أما مياسين فالتقت بفدوى وهي تتحدث على الهاتف ربما مع أمها وعيونها
ً
تروي قصة أخرى عن الندم ،أغلقت سريعا وندهت على مياسين ،التفت
ً إليها حائرة ..هل تراها ُ
تريد أن تسبب مشكلة أخرى ولكن فدوى نهضت
املرة املاضية ،بل
بيد مياسين ثم قالت :سامحيني على حماقتي في ِ وأمسكت ِ
وحتى على كل كلمة جرحتك بها ُ ،
كنت غبية والزلت ..سامحيني .. ِ
عنك ،بل أنت من يجب ُ ُ
ربتت على يدها وقالت بحنو :يشهد هللا أنني عفوت ِ
عليها أن تسامحني على تطفلي ذاك..
106
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ً
شجرة في الحديقة ،جالسة كمالك نزل من السماء في هيئة بشر ركض
سريعا إلى هناك كانت قد نامت نوعا ما ،أيقضها خفيفا ففجعت وكادت
تهرب لوال أنه أمسك بها وطمأنها .
ُ
فنرجس أعتذر منك أطلنا الحديث قليالُ سيمان :هيا فلتنامي على السرير ..
ُ
شعرت بأن ِانطفاءا غريبا حل بها.. ذهبت بنا بعيدا بأحاديثها ،ال أدري
مياسين بتفهم :ال عليك ،أر ُيد البقاء هنا إن كنت ال تمانع ولكن ما بها
نرجس؟
ٌ
غريب يخبرني بأنها ليست بخير ؟! ٌ
شعور سيمان :ال أدري ِ
وهللا في داخلي
ردت مياسين وكأنها تذكرت شيئا :هل سألتها ؟ أو حاولت االستفسار!
رد مزفرا بقلق :سألت ولم تجب ..أوف !
ٌ
اكتئاب بسيط ويمر ،تعال اجلس ردت مياسين تزيل قلقه عنه :ال تقلق ربما
هنا ال ْ
تبق واقفا .
قلت لي اآلن اجلس بجانبي ؟ أم أنني توهمت!
سيمان مبتسما :هل ِ
ردت مياسين خجلة :ال لم أقل ،تهيأ لك فقط..
جلس سيمان و ِاتكأ إلى جذع الشجرة مبتسما على خجلها وكتفه يالمس
كتفها فشعر برعشتها من ذلك التالمس فابتسم أكثر لألمر وقال:
َ ُ
لت تخجلين مني؟!ِ ز ما لمف واحد سقف تحت فيها عشنا أشهر بعة
مضت أر
108
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
ستفصح عما في قلبها قريبا وبدأت صمتت مياسين وأدركت أن أسئلته
وجنتيها تحمران تدريجيا .
أكرهك عندما لم ترد عليه تشجع بصمتها ليتحدث فقال :أتد ين ُك ُ
نت
ِ ر
ُ
تمنيت ذات يوم أن ال نلتقي أبدا ،برودك كان ظلك في البيت ،
كثيرا و أكره ِ
يقتلني ..
ُ
قاطعته ونبرة الحزن قد بدت في صوتها :ال عليك سينتهي كل هذا ،ومن
األفضل أن ننهيه ،لن أكون حمال عليك ال تقلق..
أمسك يدها ودار بجسده نحوها وثبت عينيه في عينيها وقال :ولكنني اآلن
أريدك ،دعيني أفصح عما في قلبي ،ألم تدرس ي األدب في الجامعة ؟ لقد قلت
"كنت" وليس "ما ُ
لت" لك ُ
ز
مياسين :ال تفصح أرجوك ! ساحبة يدها منه وهي تعلم في قرارة نفسها أنه
ً أصبح ُ
القاع مرة أخرى،
ِ في تقع أن من خائفة ، الحب من خائفة كانت .. حبها ي
وأعدك
ِ قرأ عينيها وأدرك أن ماضيها هو السبب :ال تخافي مني ،أخبريني فقط
بأن ال أتركك مهما عرفت.
ً
نظرت له بخوف وقالت :خائفة أن أغوص مرة أخرى في القاع.
ُ
أقسمت لك باسم هللا ... سيمان :لن تغوص ي..
ً
ردت خائفة مترددة :ال دعها تبقى داخلي..
قلت لك فضفض ي ..وال تخافي لقد أقسمت باهلل ،وهللا غال ال قال بحزم ُ :
َ ُي ُ
لعب باسمه أبدا..
109
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
بتنهيدة أخرجتها من األعماق وهي تحفظ مالمح النجوم وتحفر يدها من
توترها قصت عليه ما عاشته على مدار الخمس سنوات وكيف تعرضت
للخيانة وكيف كانت أيامها في املستشفى واملصحة ،حكت كل ش يء ألن كل
ً
تلك الحكايات كانت زائدا على قلبها وكان هو دوائها ،بكى معها عندما بكت ،
شعر أنه ليس من العدل ما عاشت ،صعب على رجل كل هذه الهموم فما
بالك بأنثى و أدرك أنه لو عرفها قبال لعرف انسانا آخر ،فهي اآلن ٌ
مزيج من
ٌ
الخيبات التي عاشت والتجارب التي غاصت فيها ..ولكن مع كل ذلك "جميلة
ِ
ً
جدا هي روحها"
بكى ومسحت هي دمعه وقالت له :ال تبكي ما ُ
عدت أبكي أنا .
حضنها بشدة واعترف قلبه لها بأنه يحبها ،سمعت دقات قلبه وهي تنبض
وتريد أن تقفز من قفصه الصدري .
يحمل حبا كبيرا لم يعرفاه بعد ولم يتوج علىُ انتهى هذا العناق الذي
َ
أخبرتك فقط ليس لتشفق علي أو ش يء لسانهما بعد ،كسرت الحزن وقالت :
َ
أخبرك حتى ال تتركني. ُ
احتجت ألن أتحدث ولم من هذا القبيل ،فقط
سيمان :لم أشفق عليك ،بل تأملت ملا عشت ويؤملني كثيرا أنني لم أكن معك
كنت أعلم بكل ش يء فقط أردت أن أسمع في ذلك ،ولن أتركك أصال ألني ُ
منك .
ً
مياسين بدهشة :كيف ذلك من أخبرك بهذا ال أحد يعلم بالقصة كاملة
سواي ؟!
110
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
111
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
َ
وقعت فيه ،أن تجد القاع الذي من ك ذ ينق أن بإمكانه الحالل في ُ
طريقك
ِ
بحسنك وبعيوبك أيضا ،هنا فقط أنتَ بحلوك ُومرك ُ ،من يتقبلك كما أنت ُ ،
الروح قبل القلوب في ُ
الروح فيه وقعت حب ٌّ
نقي أيضا تمسك به ،فذاك ٌ ً
ِ
فحصنه باسم الذي وضعه في قلبك أن ال يضره ش يء و ِاجعله كل
القصص...بل القصة التي ال تريد أن تكون لها نهاية كهذه مثال...
112
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
113
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إلفص ُل إخلامس:
ُ
وجدت قليب . . .
114
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
َ
الكثير من األشياء ُ
وجدت حلة بحث عن قلبي الذي سقط في القاع في ر ِ
ُ
وجلست هناك أبحث عنه الرهيبة التي ال ُتحكى ،تعبت ..حزنت ..تأملت ..
برفقة طير ضخم أنقذه قبل أن يسقط ،ِ بين كومات القلوب و أخيرا وجدته
ُ ُْ ْ ُ
توهمت أني وقعت . .لم أقع بعد ،أن ِقذت في منتصف وقوعي ،أمسك فقط
ً بي حبه ِوانتشلني من ضياعي واألجمل من ذلك عادت َّ
إلي مشاعري ساملة
ً
غانمة بصحة وعافية أكثر مما كانت وألنه أنقذني سيبقى قلبي له ومعه ً
دوما..
خانني الجميع ولكنه لن يخونني متأكدة من ذلك أكثر من ِاسمي ..أنا ال
حب في الشرفات وحب حب في الطرقات ٌ ، أقصد بالحب ما تفهمون أنتم ٌ :
طيبا يبدأ تحت سقف واحد وال مزركش بالحرام ،ما أقصده ُح ًبا حالال ً
ٌ
ُ
عفيفا تبار ُك له مالئكة الرحمن ،
حبا طاهرا ً ،
الجنة أيضا ً ..
ِ ينتهي ويستمر في
ً
حبا نقيا جدا . .نبدأ يومنا فيه بفنجان من إيمان ونحن نصلي الفجر معا ،
ُ
تحكم وننهيه بكأس من تقوى ونحن نقوم الليل ..معا أيضا . .الحب الذي
ُ ً ُ َ
ولدت أنا بجناح واحد الرحمة رحلة إيمانية معا ..
ِ و املودة
ِ محكمة عليك به
َ ً ُ
وبقيت ناقصة حتى التقيتك وصرنا بجناحين ف ِطرنا معا في أطرلم أستطع أن ِ
مجرة الحب والعشق .
ِ
كتبت هذه األسطر عن الحب ،نعم أنا من ُ يتساءلون اآلن هل حقا أنا من
بك أن ِت لذلك الذي ُ ُ
الحالل تحدثت .وما ح ِ
ِ الطاهر
ِ كتبت ولكن ..عن الحب
ُ
تعتقدين أنه سيكون زوجك ليس بحب ،بل مجرد إعجاب زينته خطوات
ُ
تعتقد أنه مجرد قضاء للوقت والتسلية سوى الشيطان ،وما حبك َ
أنت الذي
115
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ذنوب كثيرة عظيمة عند هللا وال تعتقد أيضا أنك رجل ..ال فقد سقط هذا
االسم َ
عنك فابحث عن اسم آخر يناسبك ..ربما "زان" أكرمكم هللا لذلك يا ُ
ُ
ويستمر في الجنة . ُ
الحب ش ٌيء آخر يبدأ من طر ِق باب البيت أنتم وأنتما :
كانت هذه األسطر األخيرة التي ضمتها مياسين إلى الدفتر األسود و هنا ِانتهت
السعيدة
ِ الحزينة و
ِ ُ
الكثير من القصص والحكايات كل صفحاته التي مألتها
ً
معا.
اليوم تحديدا ستلتقي مياسين بصورية لتخبرها أن معتز يريد أن يتقدم لها ،
َ
فقد ألح على سيمان كثيرا حتى يبعث بمياسين لتخبرها بطلبه هذا حتى
ً
مجنونا بصورية تلك ال يعرف شيئا يتقدم إلى بيتهم بصفة رسمية إذ أصبح
ُ
سواها وال يتحدث إال عنها ،ستمر باملدرسة قبال وتمض ي على آخر ورقة
ً
لتأخذ عطلتها األبدية وتبدأ قصة أخرى.
التقت بصورية ومعها أمينة في محلها واليوم كانت معهما فتاة أخرى ،كانت
ُ
صديقتهم األخرى "سلمى" ولكن لم تسنح لهم فرصة التعارف جيدا بسبب
ٌ
ضيق الوقت ..ولكنها بدت لها أنها نظراتها غريبة جدا نحوها ..
أما العصفورة صورية فطارت ً
فرح ا بالخبر الذي تلقته ألنها هي أيضا وقعت
بحبه ولكنها تعففت وأعرضت عن الحب الحرام ولم تبح ألحد عما اختلج
ً
مشاعرها ِ ،اتصلت مياسين تزف هذا النبأ الحلو لسيمان لكن فتاة ما ردت
على الهاتف ،في البداية خافت أن تكون أخرى في حياته ولكنها عرفت بأنها
إحدى املمرضات ..سيمان في املستشفى تعرض لحادث ما ،خرجت مسرعة
ُ ُ
تسمع صوتا فقط الخوف يعتريها من أن تخسره هو أيضا . ال ترى أحدا وال
116
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ ُ ً
مرة ما شيئا َ
يصعب عليك كنت تحسبه غاليا على قلبك، فعندما تخسر
كثيرا أن تفقد مرة أخرى ،فقط ألنك ال ُ
تحب شعور الفقدان املمتزج باأللم و
ُ ً ُ
دقات القلب التي تصبح ثقيلة عليك حتى ،تخاف من أن تعيش ذلك الشعور
الذي ال يطاق مرة أخرى . .ال تخف كل من يخافون يخسرون أحيانا وال
ٌ
خذالن جميل ..عفوا أقصد أليم. . تتعلق بشدة أيضا حتى ال يقابلك
ٌ
تضاض في يده وباقي جسمه على ما يرام ،سألته ٌ
خدش في الجبين ِوار فقط
يشعر بآالم أخرى واتخذ من ذلك فرصة لدلعهُ مئة مرة عما يؤمله أو هل
فقد أعجبه خوفها عليه رغم أن عيناه روت حزنا فور ما رآها ،بعد ردهة
أخبرها كطفل صغير يشكو ألم قلبه :يؤملني هنا كثيرا يا مياسين وأشار نحو
أعماق األعماق غدرت قلبي نرجس .. ِ قلبه ..ثم واصل بعد تنهيدة خرجت من
غدرته ،وبكى على كتفها ،مسحت دمعه وربتت على قلبه وقالت :
ْ
واصبر ِل ُحك ِم رِب َك
بعد بسم هللا الرحمن الرحيم :قال تعالى في إحدى سوره" ْ
إنك بأعيننا" ..ال تحزن يا سيمان فقط صبرا جميال ،سيفرجها هللا وال َ
تتسرع في قرارك نحوها فقط ضعوها بينكم وحاولوا فهمها وما ُ
سبب لجوئها
لعالقة محرمة فهي ليست وحدها مخطئة ،كلنا مخطئون معها ،ربما عدم
سؤالك عنها ،وعدم اهتمامكم بها ،غياب والديك عن املنزل أحيانا ،
أصدقائها التي اختارت ..كلنا صنعنا شيطانا بداخلها دفعها إلى ما دفعها ،
صعب جدا ،وال يحل إال باملناقشة ٌ ُ
األمر فال تخسر أختك مجددا ..
واملفاهمة وهللا ال ينفع غضبكم عليها في ش يء سوى زيادة نفورها منكم
التفكير في االنتحار حتى تتخلص من شعور الندم الذي يحيط بها ..
117
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ً
كان صامتا يفكر في أقوالها ،ثم قبلها من رأسها قبلة تعني الكثير والكثير
وذهب ليتم إجراءا ِت خروجه وتركها تنتظره على أحد املقاعد هناك و بينما
ً ُ
تنتظر عودته التقت عيناها بعيني ِ"ادريس" فجأة الذي تفاجأ عندما هي
رآها و ِاتجه نحوها مسرعا أما هي فلم تتحرك قط فقط نظرت إلى وجهه
ُ
الذي ُر ِسمت عليه طعنة سكين شوهت جهته اليمنى ،ألقى السالم منتظرا
ردة فعلها ،لم تتحدث معه وظلت تبحث عن سيمان بعينيها فأضاف :أعتذر
أذيتك كثيرا !..
ِ جدا عما فعلت ،أدركت مؤخرا أنني
قالت ببرد متحاشية النظر إليه :من تكون أنت ..لم أعرفك ؟!
أنسيت حبنا يا مياسين؟!
ِ قال مندهشا :هل نسيتني ،
ُ
اكتشفت أنني لم أحبك أبدا لقد قالت مبتسمة بسخرية :في الحقيقة
لت أتذكرنسيتك منذ مدة و هذا ال يعني أنني نسيت ما عشته معك بل ما َُ
ز
ُ
تأملت كثيرا كل ش يء ولكنني ال أشعر بأي ش يء هكذا مسحتك حتى أنني
ٌ
عندما ولدت هذه املرأة األقل سذاجة سابقا ؛امرأة لم يعد قلبها ينبض
باسمك ولم يعد لشخصك مكان في حياتها .
على وقع هذا الكالم ِالتحق سيمان الذي أدرك أنه إدريس ،أمسك بيد
مياسين تحت أنظاره املستغربة كيف لها أن تمسك رجال آخر :هل أصبح من
السهل أن تمسكي بيد أي رجل ؟!
صفعه سيمان قائال :ال تتحدث عن زوجة الناس مرة أخرى وكاد يضربه لوال
ُ
يستحق أن تلطخ يدك فيه فهو أنها أوقفته وقالت :توقف يا سيمان ،ال
ً
ليس برجل ولن يكون أيضا ،ال تضرب أشباهه يا سيمان و شكرا جزيال يا
118
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ
عرفت من هو أفضل منك ألف مرة وأمسكت يد زوجها َ
بفضلك إدريس ألنني
وجرته نحو الخارج تحت صدمة إدريس والندم الذي إكتس ى عينيه وأدرك أن
ً َ
وخسر قلبها أيضا وليست هي . هو من خسر
ويترك كل خيباته تعيش إن أفضل من قد يفعله املرء هو أن يتجاو َز و يتجاو َز َ
َ
نتقامك منهم ِ ،اجعلهم في املاض ي ْ .
.أن ال تلتفت هنا تكمن قوتك وهنا يكمن ِا
ض التي أوقعوك األ من نهض ا ، منهم أفضل هم من ُ
تستحق ال ش يء َ
فأنت
ِ ر ِ
بها وأنفضهم عنك وعندما تجدهم مرة أخرى ِارمهم أنت على األرض .
ُ ٌ ً
تمطر حزنا على سوداء خيبت نرجس ظن والديها فيها وجعلت في منزلهم غيمة
نق إخوتها بحملها من رجل في الحرام ،لو أنها كل من يحبها ،وكسرت ُع َ
صبرت واحتسبت لرزقها هللا بزوج طاهر تقي يحبها ولكنها ِاستعجلت ،أقيم
ٌ
عرس مستعجل من هذا الذي حطمها في الحرام ،ولوال ِابنها الذي تحمله في
أحشائها ملا تزوجها ،ولوال أن لها إخوة رجاال رغم تهاونهم كثيرا في توجيه
أختهم سابقا و عدم ِاهتمامهم وبعدهم عنها ملا تزوجه ال هي وحدها وال هي
بطفلها .
العالقة إلى بعمق نويغص َ
ْ ا امات هن نرجس في العالم ُ . .يحبنن حر ً كثير ٌ
ِ ِ
ُ َ َ
تكمن في أن تتمسك بمن تحب حتى يأتي يعتقدن أن الحياة املجهول . .
ُ
ويخطبها وال يفكرن قط أن من يذوق شيئا في الحرام يصعب عليه الحالل ، ِ
ً ً
ال تكوني مثل نرجس يا صديقتي كوني عفيفة طاهرة وال تقبلي بحب يأتيك
تب على جبينك لن لك وتيقني أن هللا ال ينس ى أحد فما ُك َ باب منز ِ
من غير ِ
َ ُ َّ َ َ َ ُ
يمحوه أحد ،فقط تخلص ي منه ِواتبعي قوله تعالى " :والمت ِخذات أخذان" وال
119
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ً
تتخذي خليال في السر وتعتبري نفسك ملكة على قلبه ال ِ ..
أنت مجرد مغفلة
كل قلبه سيشقى ليصل إليك وذلك يريدك من ِ
ِ ِانجرت وراء شهواتها فمن
ً
والدك
ِ مع قهوة باب هللا الواسع ويشربالذي يستحق . .أن يأتي من ِ
ُ
فالقلب "أنت" ،ال تقولي لي أحبه من قلبي ،
ويتحدثان في موضوع جميل هو ِ
وضعت حب شهواتك في قلبك تحت ِاسم الحب ، ِ ٌ
متقلب يا صغيرتي كما
ِانزعيه وأتركيه هلل فمن ترك َشيئا هلل عوضه به أو بما هو ٌ
خير منه .
عن أمينة ،صارت تشارك في معارض مختلفة للكعك والحلويات
ً
شخصا آخر ناجحا بقوته مختلف دول العالم ،صنعت من نفسها بين
ِ
وإرادته وقد ساعدها تمكنها من اللغات األجنبية من التسجيل في دورات
َ
جديدة أكسبتها أشياء جديدة لم تكن تحلم بها مطلقا.
ُ
تكمن القوة في أن نحقق كل أحالمنا وأن ال نستمع ملن يهدمونا ويسعون إلى
إسقاطنا في القاع ِ ،انتقم بنجاحك وال تترك لهم حق الوصول إليك حتى ،ال
تتردد فيما يريد قلبك ،أكرمه بما تحب كأن تحقق له أحالمك وتضعها على
.سيسعد َ
ُ ً
بك قلبك إن فعلت هذا ،كن قويا من الطاولة وتشربان شايا معا .
َ
لحظاتك الجميلة وأنت تصعد على ُسلم النجاح وال تخبر أجلك . .من أجل
منك أشياؤك . .فرحتك.. َ يستطيع الناس أن يسرقوا ُ عنها ً
أحدا فقد
َ َ ضحكتك ..و َ
قلبك ً
حياتك حتى ...ولكن ليس بإمكانهم سرقة شعور أيضا ،
َ
حك عنها ألحد.
ما عشت من لحظات مميزة لم ت ِ
120
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
أخيرا وصل يوم زفاف صورية فأخذها معتز تحت زغاريد والدتها وبكاء و ً
ً
أخواتها وحزن صديقاتها و تركت مكانها فارغا و مألت مكانا آخر رفقة زوج
الجنة ً ُ
معا . ِ نحو وان يخط صالح
ملعرض الكتاب والذي ستطلق فيهم ً
جميعا بعد مدة ليست بطويلة حضروا
ِ
رفيقتهم أولى روايتها ،تعرفت مياسين على "سلمى" التي لم تسمح لها كل
بالتعرف عن قرب مسبقا وفي لقائهما شعرت بش يء غريب يسري
ِ الفرص
داخلها وقشعريرة غريبة ِاجتاحت جسدها عندما سألتها سلمى :هل تعرفنا
ٌ ُ
وجهك مألوف لي!..
ِ أعتقد أن ذات يوم من قبل!؟
ولكن مياسين أنكرت ذلك فهما حقا لم يلتقيا من قبل سوى في محل أمينة
ً
ولم يتعرفا يومها ،وأهدتها كما كل الحاضرين نسخة من روايتها األولى" بين
القاع والقاع" .
ِ
عندما أمسكت الرواية بيديها شعرت بهواء غريب سد رئتيها وبردت روحها
قليال ولكنها تجاهلت األمر ِاعتقدت أنه بفعل الجو الذي تغير.
ً ً ُ
صعبة جدا يمألها الخوف من املجهو ِل واملجهول خطوات البداية كانت أولى
َ َ ُ
يحك من قبل ،حكاية القاع والقاع عشت حكاية قلب لم ِ أيضا فما بين ِ
ٌ
أسطر أخرى لم واألسطر األسطر ِانسان ال أحد يعرفه وال حتى أنا . .بين
ِ ِ
شيئا ُ ، ً
خبأتها جيدا بين الكلمات ومزجتها بحروف تقرؤها ولم تعرفوا عنها
حزينة سعيدة .
إن أحببتم :تمسكوا وال تأذوا ً
أحدا و ِاجعلوا الحالل طريقكم األول واألخير. .
فإن كرهتم :فاحتفظوا بمشاعركم ألنفسكم و ال تذبحوا بها قلوبا تحبكم
122
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
َ
القاع و نجت.و تحدوا كما تحدت تلك التي أوقعوها في ِ
بت كل ُركام األشياء املنكسرة ولم كثيرا . .قل ُ
بحثت عن قلبي ً ُ والقاع القاع َ
بين
ِ ِ
ألنه لم يسقط بل ظل في قلبي ،فقط تزعزعت قليال وبقرب هللا و أجده ُ ،
ُ
وجدت قلبي.. ً
وأخيرا بفضل ذلك الطير وجدتها . .
َ
كانت هذه األسطر حديث مياسين مع نفسها وهي تبتسم لنفسها وتستعد
طفل حب ،فقط كانت تنتظر عودته من لتخبر زوجها بأنها حامل بأول ِ
تقتل لوعة االنتظار املميتةالعمل ،فحاولت إشغال نفسها بش يء ما حتى ُ
ً
فقررت أن تقرأ كتابا أو رواية ما عس ى أن يمض ي الوقت قليال ..
أمسكت الرواية التي أهدتها لها سلمى فشعرت بنفس الشعور الذي أحست ِ
به أول مرة عندما ملست يديها ألول مرة ولكنها طمأنت نفسها بأنها من أعراض
ُ
الحمل و بدأت تقرأ وتتفحص ما كتب على الغالف:
القاع والقاع " . .سلمى بوهالي"
بين ِ
قلبت الصفحات وقرأت :إهداء :
ْ ْ
وأم َـسـكـنا بِـهـم جـي ًـدا ـومـا مـن ح َـافة ال َ
ـض َـيـاع ً ـک الـذي َـن َأ ْن َـق ْـذناهم َ
ي إلَـى ُأولَـئ َ
ِ ِ ِ ِ
َ
حـ َّتـى ال يـق ُـعـوا فـي ال َـقـاع ثـم َدف ُـعـونـا إلـى األسـف ِـل بـك ِـل مـا َيـمـلِـكون مِـن ُحـب ،
َ
عـف ًـوا بـك ِـل مـا يـمـلـكـون مـن ق َّـوة !
"تـخـطـيـنا يـا أعـزائـي لـم تـعـد الـحـافة ُتـخـيـفـنـا"
ٌ ُ
غاصت بين صفحات الرواية والدهشة والرعب يتملك جسدها ..ش يء ما
ً غريب يحدث في هذه الرواية ،كيف ُ
ٌ
تجد نفسها بطلة لقصة لم يعلم بها أحد
123
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ٌ
شخص ما ال تعرفه من قبل! ،قرأت ُ
يكتب عنها بين ليلة ونهارها وكيف
وقرأت حتى وصلت إلى الجزء الذي أرعبها كثيرا وألقت بالكتاب أرضا :
كانت أولى خطوات البداية صعبة يمألها الخوف من املجهو ِل واملجهول
َ
يحك من قبل ،حكاية القاع والقاع قرأتم حكاية قلب لم ِ ِ أيضا ،فما بين
ٌ
أسطر أخرى لم واألسطر األسطر انسان ال أحد يعرفه وال حتى أنا ،بين
ِ ِ
ً
تقرؤها ولم تعرفوا عنها شيئا ،خبأتها جيدا بين الكلمات ومزجتها بحروف
حزينة سعيدة .
ً
فإن أحببتم :تمسكوا وال تأذوا أحدا و اجعلوا الحالل طريقكم األول واألخير.
و إن كرهتم :فاحتفظوا بمشاعركم ألنفسكم و تذبحوا بها قلوبا تحيكم .
تحدوا كما تحدت تلك التي أوقعوها في القاع ونجت.
بين القاع والقاع بحثت عن قلبي كثيرا ،قلبت كل ركام األشياء املنكسرة ولم
أجده ،ألن لم يسقط ظل في قلبي ،فقط تزعزعت قليال وبقرب هللا و بفضل
ُ
وجدت قلبي.. ً
وأخيرا ذلك الطير وجدتها . .
َ
كانت هذه األسطر حديث مياسين مع نفسها وهي تبتسم لنفسها وتستعد
لتخبر زوجها بأنها حامل بأول ِ
طفل حب حالل .
ً
أمسكت الرواية التي أهدتها لها "سلمى " متفحصة وقرأت في أول صفحة :
القاع و القاع "سلمى بوهالي"
بين ِ
124
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
125
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ُ ُ
يوجد فقط ثالث أشخاص حقيقين :سلمى ،صورية في هذه الرواية
ٌ
شخصيات ال تتواجد على أرض الواقع . وأمينة ،وما دون ذلك فهي كلها
126
بين القاع والقاع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
127