You are on page 1of 203

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫م ? فيسعدون بعد شقاٍء‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ل ال ِّتي َ‬


‫كان َ ْ‬ ‫غل َ‬ ‫م َواْل َ ْ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ضعُ عَن ْهُ ْ‬ ‫? وَي َ َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫حْز ٍ‬ ‫ف ‪ ،‬ويسرون بعد ُ‬ ‫ويرتاحون بعد عناٍء ويأمنون بعد خو ٍ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫با ْ‬ ‫? َقا َ‬
‫ري ? فأرى النور أمامي ‪ ،‬وأح ّ‬ ‫م ِ‬‫سْر ِلي أ ْ‬ ‫صد ِْري * وَي َ ّ‬ ‫ح ِلي َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫ل َر ّ‬
‫الهدى بقلبي ‪ ،‬وأمسك الحبل بيدي ‪ ،‬وأنال النجاح في حياتي ‪ ،‬والفوز بعد‬
‫مماتي ‪.‬‬
‫ق؛‬ ‫ب وتطيعه بود ّ وتجاهد فيه بصد ٍ‬ ‫سَرى ? فتعبد ربك بح ٍ‬ ‫ك ل ِل ْي ُ ْ‬ ‫سُر َ‬ ‫? وَن ُي َ ّ‬
‫م في سبيلهِ شْهدا‪ً.‬‬ ‫ب فيه عذابا ‪ ،‬والعلق ُ‬ ‫ً‬ ‫فيصبح العذا ُ‬
‫ب‬
‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سعََها ? فل تكليف فوق الطاقةِ ‪ ،‬وإنما على َ‬ ‫ّ‬
‫فسا إ ِل وُ ْ‬ ‫ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫? ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫الجهد ِ وعلى قدرِ الموهبةِ وعلى مقدارِ القوةِ ‪.‬‬
‫صيبنا الشرود ُ‬ ‫ً‬
‫ل أوقاتا ‪ ،‬وي ُ‬ ‫م أحيانا ً ‪ ،‬ونغف ُ‬ ‫سيَنا? فأنا نهِ ُ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫خذ َْنا إ ِ ْ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫? َرب َّنا ل ت ُ َ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ل فعفوك يا ر ّ‬ ‫ويعترينا الذهو ُ‬
‫خط َأ َْنا? فلسنا معصومين ول من الذنب بسالمين ‪ ،‬ولكّنا في فضِلك‬ ‫? أ َوْ أ َ ْ‬
‫طامعون وفي رحمتك راغبون ‪.‬‬
‫ن ‪ ،‬أنت الذي‬ ‫صرا ً ? فنحن عباد ٌ ضعفاٌء وبشر مساكي ُ‬ ‫ل عَل َي َْنا إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫? َرب َّنا َول ت َ ْ‬
‫علمتنا كيف ندعوك فأجْبنا كما دعوتنا ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫جَز وتكل قلوُبنا وتمل نفوسنا ‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫ه? فنع َ‬ ‫ة ل ََنا ب ِ ِ‬‫طاقَ َ‬ ‫ما ل َ‬ ‫مل َْنا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫? َرب َّنا َول ت ُ َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أوجب‬ ‫وقد‬ ‫علينا‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫وسه‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫فعل‬ ‫وقد‬ ‫يسْر علينا‬
‫ص‬
‫ق ٌ‬ ‫ف ومنا تبدُر الساءة ُ ‪ ،‬وفينا ن َ ْ‬ ‫ف عَّنا ? فنحن أهل الخطأ والحي ِ‬ ‫? َواعْ ُ‬
‫م‪.‬‬ ‫ن رحي ٌ‬ ‫م رحما ٌ‬ ‫وتقصيٌر ‪ ،‬وأنت جواد ٌ كري ٌ‬
‫م‬
‫ب إل أنت ‪ ،‬ول يحل ُ‬ ‫فْر ل ََنا ? فل يغفُر الذنوب إل أنت ‪ ،‬ول يستُر العيو َ‬ ‫? َواغْ ِ‬
‫ت‪.‬‬‫ل على المسيِء إل أن َ‬ ‫عن المقصر إل أنت ‪ ،‬ول يتفض ُ‬
‫ل‬ ‫قب َ ُ‬‫ش آمالنا ‪ ,‬وبرحمتك ت ُ ْ‬ ‫د‪ ,‬وبرحمِتك تعي ُ‬ ‫مَنا ? فبرحمتك نسع ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫? َواْر َ‬
‫أعماُلنا ‪ ,‬وبرحمتك تصلح أحوالنا‪.‬‬
‫ُ‬
‫ة ول‬ ‫ف ول مشق َ‬ ‫ت فيها ول تنط ّعَ ول تكل ّ َ‬ ‫)) بعثت بالحنيفة السمحة (( فلعَن َ َ‬
‫ة ويسٌر واقتصاد ٌ ‪.‬‬ ‫غلوّ ‪ ,‬بل فطرةٌ وسن ٌ‬
‫ة ل مشادة ٌ ‪,‬‬ ‫)) إياكم والغلو (( بل الزموا السنة‪ ,‬اتباعٌ ل ابتداع ٌ ‪ ,‬وسهول ٌ‬
‫ف ‪ ,‬واقتفاٌء بل زيادةٍ ‪.‬‬ ‫ط ل تطر ٌ‬ ‫وتوس ٌ‬
‫ن‬‫)) أمتي أمة مرحومة (( تولها ربها‪ ,‬فرسوُلها سيد ُ الرسل وديُنها أحس ُ‬
‫ل الشرائِع ‪.‬‬ ‫ن ‪ ،‬وهي أفضل المم ِ وشريعُتها أجم ُ‬ ‫الديا ِ‬
‫ن من رضى باللهِ ربا ً ‪ ،‬وبالسلم ِ دينا ً وبمحمد ٍ رسول ً ((‬ ‫ِ‬ ‫اليما‬ ‫طعم‬ ‫ذاق‬ ‫))‬
‫وهذه الثلثة أركان الرضا وأصول الفلِح ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‬
‫ف البا ِ‬ ‫ب وكس ُ‬ ‫ت القل ِ‬ ‫م وشتا ُ‬ ‫م والغ ّ‬ ‫ن واله ّ‬ ‫إياك والتسخط فإنه باب الحز ِ‬
‫ل وضياعُ العمرِ ‪.‬‬ ‫وسوُء الحا ِ‬
‫ن ‪ ،‬والطمأنينة‬ ‫ة ‪ ،‬والراحة والم َ‬ ‫الرضا يكسب في القلب السكينة والد ّعَ َ‬
‫ح‪.‬‬ ‫فَر َ‬ ‫ش والسروَر وال َ‬ ‫ب العي ِ‬ ‫وطي َ‬
‫ض‬ ‫ً‬
‫ط ‪ ،‬والعترا ِ‬ ‫ل والتسخ ِ‬ ‫ل ‪ ،‬والغ ِ‬ ‫ش والدغ ِ‬ ‫ب سليما من الغ ِ‬ ‫الرضا يجعل القل ُ‬
‫ل والضجرِ والتبرم ِ ‪.‬‬ ‫والتذمرِ ‪ ،‬والمل ِ‬
‫ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ى وغن ً‬ ‫ة ورض ً‬ ‫من رضي عن الله مل قلبه نورا وإيمانا ‪ ،‬ويقينا وحبا وقناع ً‬
‫ة وإخباتا ً ‪.‬‬ ‫وأمنا ً ‪ ،‬وإناب ً‬
‫ل ‪ ,‬وخدمةِ الثروةِ ‪,‬‬ ‫ت الما ِ‬ ‫ت من تبعا ِ‬ ‫أيها الفقير‪ :‬صبٌر جميل ‪ ,‬فقد سلم َ‬
‫ب عند اللهِ ‪.‬‬ ‫ل الحسا ِ‬ ‫ل وخدمِته ‪ ،‬وطو ِ‬ ‫مِع ‪ ،‬ومشقةِ وحراسةِ الما ِ‬ ‫ج ْ‬‫وعناِء ال َ‬
‫ً‬
‫ت نورا في‬ ‫ض َ‬ ‫م أنك عُّر ْ‬ ‫رك ‪ ،‬واعل ْ‬ ‫ً‬
‫يا من فقد َ بصرهَ ‪ :‬أبشْر بالجنة ثمنا لبص ِ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ت والملهيا ِ‬ ‫ت ‪ ,‬ومشاهدةِ المزعجا ِ‬ ‫قلِبك ‪ ،‬وسلمت من رؤيةِ المنكرا ِ‬
‫قيت من‬ ‫ت من الخطايا ‪ ,‬ون ُ ّ‬ ‫ه فقد هُذ ّب ْ َ‬ ‫يا أيها المريض‪ :‬طهوٌر إن شاء الل ُ‬
‫جَبك ‪.‬‬ ‫سك ‪ ,‬وذهب ك ِب ُْرك وعَ ْ‬ ‫ت نف ُ‬ ‫ك وانكسر ْ‬ ‫قل قلب ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫ب‪,‬و ُ‬ ‫الذنو ِ‬
‫لماذا تفكر في المفقودِ ول تشكُر على الموجودِ ‪ ,‬وتنسى النعمة الحاضرة ‪,‬‬
‫ل عما لديك ‪.‬‬ ‫وتتحسُر على النعمةِ الغائبةِ ‪ ,‬وتحسد ُ الناس وتغف ُ‬
‫ة‬
‫م قليل ٌ‬ ‫ة ماء ‪ ,‬وكساٍء ‪ ,‬وأيا ٌ‬ ‫ة خبزٍ ‪ ,‬وجرع ُ‬ ‫)) كن في الدنيا كأنك غريب(( قطع ُ‬
‫ل معدودة ٌ ‪ ,‬ثم ينتهي العالم ‪ ,‬فإذا قبُر أغنى الغنياِء وأفقرِ الفقراِء‬ ‫‪ ,‬وليا ٍ‬
‫سواء ‪.‬‬
‫س ‪ ,‬والشاعُر المشهوُر مع‬ ‫س بجوارِ الحار ِ‬ ‫ب الخادم ِ ‪ ,‬والرئي ُ‬ ‫ك بجان ِ‬ ‫يدفن المل ُ‬
‫ر‬
‫ن داخل القب ِ‬ ‫ن والفقيُر والكسيُر ‪ ,‬ولك ْ‬ ‫ي مع المسكي ِ‬ ‫ل ‪ ,‬والغن ُ‬ ‫الفقيرِ الخام ِ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ت متباين ٌ‬ ‫ة ودرجا ٌ‬ ‫ل مختلف ٌ‬ ‫أعما ٌ‬
‫ة‬
‫ن ضيافَته بفريض ٍ‬ ‫س ْ‬‫ف كريم ‪ ,‬ثم أح ِ‬ ‫ل له مرحبا بضي ٍ‬ ‫ً‬ ‫م جديد ٌ فق ْ‬ ‫إذا زارك يو ٌ‬
‫درهُ بالثام ِ والهموم ِ فإنه لن يعود‪.‬‬ ‫ل وتوبةٍ تجد ُّد‪ ,‬ول تك ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ب ي ُعْ َ‬ ‫تؤّدى ‪ ,‬وواج ٍ‬
‫إذا تذكرت الماضي فاذكر تاريخك المشرق لتفرح ‪ ,‬وإذا ذكرت يومك فاذكْر‬
‫ل‪.‬‬ ‫ة لتتفاء َ‬ ‫إنجازك تسعد ْ ‪ ,‬وإذا ذكرت الغد فاذكْر أحلمك الجميل َ‬
‫ف ‪ ,‬ومستودعٌ من‬ ‫ة من المعار ِ‬ ‫ب ‪ ,‬وجامع ٌ‬ ‫ل العمرِ ثروةٌ من التجار ِ‬ ‫طو ُ‬
‫ر‬
‫ن الحياة ‪ ,‬إن طول العم ِ‬ ‫ً‬
‫م تلقيت درسا في ف ّ‬ ‫ت ‪ ,‬وكلما مّر بك يو ٌ‬ ‫المعلوما ِ‬
‫ة لقوم ٍ يعقلون‪.‬‬ ‫برك ٌ‬
‫عك عن‬ ‫ُ‬ ‫ويرد‬ ‫‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫الدعا‬ ‫على‬ ‫ويحثك‬ ‫‪,‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫الم‬ ‫يذكرك‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫الخو‬ ‫من‬ ‫شيء‬ ‫من‬ ‫لبد‬
‫ذرك من خطرِ أعظم ‪.‬‬ ‫فة ‪ ,‬ويح ّ‬ ‫المخال ِ‬
‫ث شجرة الك ِب َْر ودرجة‬ ‫ة ‪ ,‬ويجت ّ‬ ‫ض يذكرك العافي َ‬ ‫ولبد من شيء من المر ِ‬
‫دة الغافلين ‪.‬‬ ‫ب ليستيقظ قلُبك من رق ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫العُ ْ‬

‫)‪(152 /‬‬

‫ل فل تخسْره باللوم ِ ‪,‬‬ ‫صْرها أكثر بالنكد ِ ‪ ,‬والصديقُ قلي ٌ‬ ‫الحياةُ قصيرةٌ فل تق ّ‬
‫ق‪.‬‬ ‫ُ‬
‫خل ِ‬‫والعداُء كثير فل تزد ْ عددهم بسوِء ال ُ‬
‫ُ‬
‫كن كالنملةِ في المثابرةِ ‪ ,‬فإنها تصعد ُ الشجرةَ مائةٍ مرةٍ وتسقط ‪ ،‬ثم تعود ُ‬
‫ل‪.‬‬‫ل ول تم ّ‬ ‫صاعدة ً حتى تصل ‪ ,‬ول تك ّ‬
‫سْره ‪،‬‬ ‫ت على عود ٍ لم تك ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ل طيبا ‪ ،‬وتضعُ طيبا ‪ ،‬وإذا وقع ْ‬ ‫وكن كالنحلةِ فإنها تأك ُ‬
‫شها‪.‬‬ ‫وعلى زهرةٍ ل تخد ُ‬
‫ت‬
‫ب الشهوا ِ‬ ‫ً‬
‫ب ‪ ,‬فكيف تدخل السكيُنة قلبا فيه كل ُ‬ ‫ً‬
‫ل تدخل الملئكة بيتا فيه كل ٌ‬
‫ت‪.‬‬‫والشبها ِ‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة‬
‫ج على المروء ِ‬ ‫س ‪ ,‬ويحّر ُ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫ن بثم ٍ‬ ‫احذر مجالس الخصومات ففيها يباعُ الدي ُ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ض بأقدام ِ النذا ِ‬ ‫س فيها العِْر ُ‬ ‫‪ ,‬ويدا ُ‬
‫س تجري ‪ ,‬والقمُر‬ ‫ن يمضي ‪ ,‬والشم ُ‬ ‫سابقوا ?‪ ,‬ليس إل المسابقة فالزم ُ‬ ‫? وَ َ‬
‫ة الحياةِ ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قافل‬ ‫تنتظرك‬ ‫فلن‬ ‫‪،‬‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫تق‬ ‫فل‬ ‫‪,‬‬ ‫ب‬
‫ّ‬ ‫ته‬ ‫ح‬‫ُ‬ ‫والري‬ ‫‪,‬‬ ‫يسير‬
‫ه ‪ ,‬ولن يقدم النصُر على‬ ‫ب وَْثبا ً إلى العلياِء فإن المجد مناهَي َ ٌ‬ ‫عوا? ث ِ ْ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫?وَ َ‬
‫ب وجوٍع ومشقةٍ ‪.‬‬ ‫ن مع دموٍع ودماء وسهرٍ ونص ٍ‬ ‫ب ولك ْ‬ ‫من ذه ٍ‬ ‫أقدام ً‬
‫ل من أناشيدِ‬ ‫ت الكادِح أجم ُ‬ ‫ك القاعدِ ‪ ,‬وزفرا ُ‬ ‫مس ِ‬ ‫عََرقُ العامل أزكى من ْ‬
‫ف‪.‬‬ ‫ف المتر ِ‬ ‫ف الجائع ألذ ّ من خرو ِ‬ ‫ل ‪ ,‬ورغي ُ‬ ‫الكسو ِ‬
‫دفِع النتصارِ ‪,‬‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م الذي يوجه للناجحين من حساِدهم هي طلقا ُ‬ ‫الشت ُ‬
‫ق‪.‬‬ ‫ة للتفو ِ‬ ‫ة مجاني ٌ‬ ‫ت الفوزِ ‪ ,‬ودعاي ٌ‬ ‫وإعلنا ُ‬
‫ل والتعليم ِ ‪ ,‬بل‬ ‫ب ومستوى الدخ ِ‬ ‫ب واللقا ِ‬ ‫ف بالنسا ِ‬ ‫التفوقُ والمثابرةُ ل تعتر ُ‬
‫ل ‪ ,‬أدرك العلياَء ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫س متطلعة‪ ,‬وصبٌر جمي ٌ‬ ‫ة ‪ ,‬ونف ٌ‬ ‫ة وّثاب ٌ‬ ‫من عنده هم ٌ‬
‫شكُ‬ ‫ب ‪ ,‬ول ت َ ْ‬ ‫ل غي َْر هيا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ب المصاعب فإن السد يواجه القطيع من الجما ِ‬ ‫ل تتهي ِ‬
‫ن ‪ ,‬ول تضجْر من مطلِبك فإن الكلب‬ ‫ل ول يئ ّ‬ ‫ل الثقا َ‬ ‫المتاعب فإن الحماَر يحم ُ‬
‫يطارد ُ فريسته ولو في النار ‪.‬‬
‫ل برأيك في المورِ بل شاوْر فإن رأي الثنين أقوى من رأي الواحد ِ ‪,‬‬ ‫ل تستق ّ‬
‫ل كلما ُقرن به حبل آخر قوي وأشتد ّ ‪.‬‬ ‫كالحب ِ‬
‫ض النظرِ عن‬ ‫جه إليك على أنه عداوة ٌ ‪ ,‬بل استفد ْ منه بغ ِ‬ ‫ل نقد ٍ يو ّ‬ ‫لك ّ‬ ‫ل تحم ْ‬
‫ج منك إلى المدِح ‪.‬‬ ‫مقصد ِ صاحِبه فإنك إلى التقويم أحو ُ‬
‫مهم ‪ ,‬لنهم‬ ‫ب لمدحهم ‪ ،‬ول يجزعْ من ذ ّ‬ ‫ح ‪ ,‬فل يطر ْ‬ ‫ف الناس استرا َ‬ ‫من عََر َ‬
‫كهم‪.‬‬ ‫ب ‪ ,‬والهوى ُيحرِ ُ‬ ‫سريعو الرضا ‪ ,‬سريعو الغض ِ‬
‫ل حاز المجد َ وهو‬ ‫ت ‪ ,‬فكم من فاض ٍ‬ ‫ت تمنعك من بلوِغ الغايا ِ‬ ‫ن العاها ِ‬ ‫ل تظ ّ‬
‫ة همم ٍ ل أجسام ٍ ‪.‬‬ ‫ة مسأل ُ‬ ‫ج ‪ ,‬فالمسأل ُ‬ ‫ل أو أعر َ‬ ‫م أو أش ّ‬ ‫أعمى أو أص ّ‬
‫ً‬
‫ه عطاًء وحجزك عن رغبِتك لطفا ‪ ,‬وتأخرك‬ ‫عسى أن يكون منَعه لك سبحان ُ‬
‫ة ‪ ,‬فإنه أبصُر بك منك ‪.‬‬ ‫عن مرادك عناي ً‬
‫دها ‪،‬‬ ‫فك رع ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫قشعُ ‪ ,‬ول ي ُ ِ‬ ‫ل تُ ْ‬ ‫ف عن قلي ٍ‬ ‫ة صي ٍ‬ ‫م أنها سحاب ُ‬ ‫إذا زارتك شدةٌ فاعل ْ‬
‫ث‪.‬‬ ‫ول يرهْبك برُقها فربما كانت محملة بالغي ِ‬
‫كل أسبوٍع فإنها تعّرْفك بأطفاِلك أكثَر وتجدد‬ ‫ج بأهلك في نزهةٍ عائلية ّ‬ ‫اخر ْ‬
‫ب عنك الملل ‪.‬‬ ‫حياتك وتذه ُ‬
‫من لم يسعد في بيته فلن يسعد في أي مكان ‪ ,‬واعلم أن أنسب مكان لراحة‬
‫ل ‪ ،‬والبعد عن التكلف هو بيُتك‪.‬‬ ‫النفس وهدوء البا ِ‬
‫ة‬
‫ف ‪ ,‬أما مجد ُ الشهر ٍ‬ ‫س وأل ّ َ‬ ‫ة لمن عّلم النا َ‬ ‫ق خاص ً‬ ‫دها با ٍ‬ ‫ة مج ُ‬ ‫العلم والثقاف ُ‬
‫ف‪.‬‬ ‫ف زائ ٌ‬ ‫ل زائل ‪ ،‬وطي ٌ‬ ‫ب فظ ّ‬ ‫والمنص ٍ‬
‫ن ‪ ,‬فل تتر ْ‬
‫كه‬ ‫لم والحزا َ‬ ‫جّر ال َ‬ ‫الفكر إذا ُترك ذهب إلى خانةِ المآسي ‪ ,‬فَ َ‬
‫ده فيما ينفع ‪.‬‬ ‫ش ولكن قي ْ‬ ‫طي ْ‬ ‫ي ِ‬
‫س وسماع ُ كلمهم اللهي ‪،‬‬ ‫ة النا ِ‬ ‫ب مخالط ُ‬ ‫ل ويقسي القل َ‬ ‫مما يشوش البا َ‬
‫ن العزلةِ مع العبادةِ والعلم ِ ‪.‬‬ ‫وطول مجالستهم ‪ ,‬وما أحس َ‬
‫قك إلى بيِتك ‪,‬‬ ‫ق طري ُ‬ ‫ن الطر ِ‬ ‫ك إلى المسجدِ ‪ ,‬وآم ُ‬ ‫أشرف السبل سبيل َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ت سجوُدك للديا ِ‬ ‫م الهيئا ِ‬ ‫ن ‪ ,‬وأعظ ُ‬ ‫ف وقوفك أمام السلطا ِ‬ ‫ب المواق ِ‬ ‫وأصع ُ‬
‫ل‪,‬‬ ‫ل حل ٍ‬ ‫ب حاضرٍ ‪ ,‬والنفاقُ من ما ٍ‬ ‫ن‪ ,‬والذكُر بقل ٍ‬ ‫س ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن بصو ٍ‬ ‫سماعَ القرآ ِ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ن للقل ِ‬ ‫س وبساتي ُ‬ ‫والوع ُ‬
‫ن فصيٍح موائد ُ للنف ِ‬ ‫ظ بلسا ٍ‬
‫ن‪،‬‬ ‫ل من وسامةِ الوجوهِ ‪ ،‬وسوادِ العيو ِ‬ ‫الخلق الجميلة والسجايا النبيلة‪ ,‬أجم ُ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ل الشك ِ‬ ‫ل من جما ِ‬ ‫ورقةِ الخدود ِ ؛ لن جمال المعنى أج ّ‬
‫ق الهوى ‪,‬‬ ‫ل يمنعُ من مزال ِ‬ ‫ف تقي مصارع السوِء ‪ ,‬وجداُر العق ِ‬ ‫صنائعُ المعرو ِ‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظ‪.‬‬‫ف واع ٍ‬‫ب أنفعُ من أل ِ‬ ‫ومطارقُ التجار ِ‬


‫ب‬‫ن واللهو واللع ِ‬ ‫إذا رأيت اللوف من البشرِ وقد أذهُبوا أعمارهم في الف ّ‬
‫َ‬
‫ة المبتلى سروٌر للمعافى ‪.‬‬ ‫والضياعَ فاحمد َ الله على ما عندك من خيرٍ ‪ ,‬فرؤي ُ‬
‫ه على السلم ِ ‪ ,‬وإذا رأيت الفاجَر فاحمدِ الله على‬ ‫إذا رأيت الكافر فاحمدِ الل َ‬
‫ل فاحمدِ الله على العلم ‪ ,‬وإذا رأيت المبتلى فاحمدِ‬ ‫التقوى ‪ ,‬وإذا رأيت الجاه َ‬
‫الله على العافيةِ ‪.‬‬
‫ح لك فاستمتعْ بهواِئها ‪,‬‬ ‫ت الريا ُ‬
‫ل بضيائها ‪ ,‬وخلق ِ‬ ‫س لك فاغتس ْ‬ ‫خلقت الشم ُ‬
‫ْ‬
‫ت الثماُر لك فاهنأ بغذائها‪ ,‬واحمد من‬ ‫ت النهاُر لك فتلذذ ْ بمائها ‪ ,‬وخلق ِ‬ ‫وخلق ِ‬
‫أعطى جل في عله‪.‬‬
‫ت ‪ ,‬والمقعد ُ‬ ‫م يتمنى سماعَ الصوا ِ‬ ‫م ‪ ,‬والص ّ‬ ‫العمى يتمنى أن يشاهد َ العال َ‬
‫ت ‪ ,‬وأنت تشاهد ُ‬ ‫م يتمنى أن يقول كلما ٍ‬ ‫ت ‪ ,‬والبك ُ‬ ‫يتمنى المشي خطوا ٍ‬
‫م‪.‬‬‫وتسمع وتتكل ُ‬

‫)‪(153 /‬‬

‫ت ليس عنده سيارة ٌ ‪ ,‬ومن عنده‬ ‫ت لحد ٍ ‪ ,‬من عنده بي ٌ‬ ‫ن أن الحياة كمل ْ‬ ‫ل تظ ّ‬
‫م ‪ ,‬ومن عنده‬ ‫ة قد ل يجد الطعا َ‬ ‫ة ‪ ,‬ومن عنده شهي ٌ‬ ‫ة ليس عنده وظيف ٌ‬ ‫زوج ٌ‬
‫ل‪.‬‬ ‫من ِعَ من الك ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫المأكول ُ‬
‫س في القبر ‪,‬‬ ‫ُ‬ ‫أني‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫والعم‬ ‫‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫العم‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫صدي‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫والكتا‬ ‫‪,‬‬ ‫الخرة‬ ‫ٌ‬ ‫ق‬ ‫سو‬ ‫المسجد ُ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ل ثو ٍ‬ ‫م أجم ُ‬ ‫ف ‪ ,‬والكر ُ‬ ‫ج الشر ِ‬ ‫ن تا ُ‬ ‫خل َقُ الحس ُ‬ ‫وال َ‬
‫س‪,‬‬‫ل النف َ‬ ‫ب ‪ ,‬وسما ً يقت ُ‬ ‫س القل َ‬ ‫حدةِ فإن فيها رجسا ً ينج ُ‬ ‫إياك وكتاب المل ِ‬
‫حك ويشفى‬ ‫ي ‪ ،‬يطهُر رو َ‬ ‫ف بالضميرِ ‪ ،‬وليس أصلح لك من الوح ِ‬ ‫ة تعص ُ‬ ‫ولوث ً‬
‫ك‪.‬‬ ‫داَء َ‬
‫ب فتندم ؛ لن الغضبان بفقد ُ الصواب ‪ ،‬وتفوته‬ ‫ض ٌ‬ ‫ل تتخذ ْ قرارا وأنت مغ َ‬ ‫ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫صه التأم ُ‬ ‫الروّية ‪ ،‬وينق ُ‬
‫ح‪,‬‬‫ل ‪ ,‬والقلقُ ل يحققُ النجا َ‬ ‫ح للمستقب ُ‬ ‫ف ل يصل ُ‬ ‫ب ‪ ,‬والخو ُ‬ ‫ن ل يرد الغائ َ‬ ‫الحز ُ‬
‫ب الراضي هما جناحا السعادةِ ‪.‬‬ ‫ة ‪ ،‬والقل ُ‬ ‫س السوي ُ‬ ‫بل النف ُ‬
‫ق حصل لك ‪,‬‬ ‫مهم على إخفا ٍ‬ ‫ُ‬
‫مك حتى تحترمهم ‪ ,‬ول ت َل ّ‬ ‫ب الناس باحترا ِ‬ ‫ل تطال ِ‬
‫م نفسك ‪.‬‬ ‫س فأكر ْ‬ ‫مك النا ُ‬ ‫م نفسك ‪ ,‬وإن أردت أن يكر َ‬ ‫بل ل ُ ّ‬
‫ب‪,‬‬‫خه إذا علم أن القصوَر سوف تخر ُ‬ ‫ب الكوِخ أن يرضى بكو ِ‬ ‫على صاح ِ‬
‫ب الممزقةِ أن يقنع بثياِبه إذا تيقن أن الحرير سوف يبلى ‪.‬‬ ‫وعلى لبس الثيا ِ‬
‫مه ؛ لّنه ل‬‫ُ ّ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫وكث‬ ‫‪,‬‬ ‫مره‬‫ُ‬ ‫أ‬ ‫وضاع‬ ‫‪,‬‬ ‫به‬
‫ُ‬ ‫قل‬ ‫ت‬‫ّ َ‬ ‫ت‬ ‫تش‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫تطل‬ ‫كلما‬ ‫سه‬‫من أعطى نف َ‬
‫مارة ٌ غّرارةٌ ‪.‬‬ ‫س فهي أ ّ‬ ‫ب النف ِ‬ ‫حد ّ لمطال ِ‬
‫يا من فقد ابنه ‪ :‬لك قصُر الحمد في الجنةِ ‪ ,‬ويا من فاته نصُيبه من الدنيا ‪:‬‬
‫ن تنتظرك ‪.‬‬ ‫ت عد ٍ‬ ‫نصيبك في جنا ِ‬
‫ش ‪ ,‬والسد ُ ل تقدم له وجبُته في العرين ‪,‬‬ ‫الطائُر ل يأتيه رزُقه في الع ِ‬
‫ب‬‫ة ل تعطي طعامها في مسكِنها‪ ,‬ولكن كلهم يطلبون ويبحثون فاطل ْ‬ ‫والنمل ُ‬
‫كما طلبوا تجد ْ ما وجدوا ‪.‬‬
‫ل مصيبةٍ ‪,‬‬ ‫ت ‪ ,‬وينتظرون ك ّ‬ ‫ل المو ِ‬ ‫م ? يموتون قب َ‬ ‫حةٍ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫? يَ ْ‬
‫ل وحركةٍِ ؛ لن قلوَبهم‬ ‫ت وخيا ٍ‬ ‫ل صو ٍ‬ ‫ويتوقعون كل كارثةٍ ‪ ,‬ويخافون من ك ّ‬
‫ة‪.‬‬ ‫هواٌء ونفوسهم ممزق ٌ‬
‫م بك ‪ ,‬فإن أفقَرك فل تقل‬ ‫ب غيرها لنه علي ٌ‬ ‫ه في حالةٍ فل تطل ْ‬ ‫مك الل ُ‬ ‫إذا أقا َ‬
‫ل ليته شفاني ‪.‬‬ ‫ضك فل تق ْ‬ ‫ليته أغناني ‪ ،‬وإن أمر َ‬
‫ة ‪ ,‬وعسى ردك‬ ‫عسى تأخيُرك عن سفرٍ خيرا ‪ ,‬وعسى حرماُنك زوجةٍ برك ً‬ ‫ً‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‪.‬‬ ‫م وأنت ل تعل ُ‬ ‫ة ‪ ,‬لنه يعل ُ‬ ‫عن وظيفة مصلح ً‬


‫الصخُر أقوى من الشجر ‪ ,‬والحديد ُ أقوى من الصخرِ ‪ ,‬والناُر أقوى من الحديدِ‬
‫ن أقوى من الريِح المرسلةِ ‪.‬‬ ‫‪ ,‬والريح أقوى من النارِ ‪ ,‬واليما ُ‬
‫ل مصيبةٍ تصيُبك فهي محفورةُ في‬ ‫سى ‪ ,‬وك ّ‬ ‫س ل يُ ْ َ‬
‫ن‬ ‫ل مأساةٍ تصيُبك فهي در ٌ‬ ‫ك ّ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ذاكرتك‪ ,‬ولهذا هي النصوص الباقية في الذه ِ‬
‫ت‪,‬‬ ‫ت والمزعجا ِ‬ ‫ت والها ِ‬ ‫ص والجراحا ِ‬ ‫ت من المعاناةِ والغص ِ‬ ‫ح قطرا ٌ‬ ‫النجا ُ‬
‫خوَرِ ‪.‬‬ ‫ل والعجزِ والمهانةِ وال َ‬ ‫ل والكس ِ‬ ‫ت من الخمو ِ‬ ‫الخفاقُ قطرا ٌ‬
‫ن ‪ ،‬وعلم ٍ‬ ‫س ٍ‬‫ح َ‬ ‫الذي يحرص على الشهرةِ المؤقتةِ ‪ ،‬ول يسعى للخلود ِ بثناِء َ‬
‫ة له ‪.‬‬‫ط ل هم َ‬ ‫ل بسي ٌ‬ ‫نافٍع صالٍح ‪ ،‬إنما هو رج ٌ‬
‫ض من السكينةِ ‪ ,‬ونهٌر من‬ ‫حنا بها (( لن الصلة في ٌ‬ ‫)) يا بلل‪ ,‬أقم ِ الصلة َ ‪ ,‬أر ْ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ف والحز ِ‬ ‫ئ ناَر الخو ِ‬ ‫س فتطف َ‬ ‫ب على النف ِ‬ ‫ة باردةٌ ته ّ‬ ‫ح طيب ٌ‬ ‫ن ‪ ,‬وري ٌ‬ ‫الم ِ‬
‫قد َ عل حظك‬ ‫ً‬
‫ن ‪ ,‬وهنيئا لك فَ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫م أحدا ‪ ،‬فنم قرير العي ِ‬ ‫إذا لم ت َْعص ربا ؛ ولم تظل ْ‬
‫وطاب سعُيك فليس لك عدوٌ ‪.‬‬
‫س يدعون عليه ‪,‬‬ ‫م والنا ُ‬ ‫ل لمن نا َ‬ ‫س يدعون له‪ ,‬ووي ٌ‬ ‫هنيئا ً لمن بات والنا ُ‬
‫ن‪.‬‬‫ب ‪ ,‬وخسارة ً لمن لعنْته اللس ُ‬ ‫شَرى لمنى أحبته القلو ُ‬ ‫وب ُ ْ‬
‫فك لمحكمةِ الخرة فإن الشهود‬ ‫إذا لم تجد ْ عدل في محكمة الدنيا فارفعْ مل ّ‬ ‫ً‬
‫م الحاكمين‪.‬‬ ‫ة ‪ ,‬والقاضي أحك ُ‬ ‫ة ‪ ,‬والدعوى محفوظ ُ‬ ‫ملئك ٌ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م يك ْ‬ ‫م ? لولم يكن للذكر من فائدةٍ إل هذه لكفى ‪ ,‬ولو ل ْ‬ ‫? َفاذ ْك ُُروِني أذ ْك ُْرك ُ ْ‬
‫جدٍ وسؤددٍ وُزْلفى‬ ‫فعا ً ‪ ,‬فيا له من َ‬
‫م ْ‬ ‫له نفعٌ إل أن يذكرك رّبك لكفى بهِ ن ْ‬
‫ف‪.‬‬ ‫وشر ٍ‬
‫ت‬‫ل السيئا ِ‬ ‫ب الخطايا ويغس ُ‬ ‫بشرى لك‪ . .‬فالطهوُر شطُر اليمان فهو يذه ُ‬
‫ك تعالى ‪.‬‬ ‫ك الملو ِ‬ ‫غسل ً ‪ ،‬ويطهرك لمقابلةِ مل ِ‬
‫ب ما قبلها ‪ ,‬وتمحو ما أمامها ‪ ,‬وتصلح ما‬ ‫ط ُوَْبى لك فالصلة ُ كفارةٌ تذه ُ‬
‫دها ‪ ,‬وتفك السر عن صاحِبها ‪ ,‬فهي قرة ُ العيون ‪.‬‬ ‫بع َ‬
‫ً‬
‫ض لنقدهم ‪ ,‬كثيرا ما‬ ‫الرجل الذي يسعى دائما للظفر باحترام الناس ول يتعر ُ‬ ‫ً‬
‫ي وراء الظهورِ والشهرةِ عَد ُوٌ للسعادةِ ‪.‬‬ ‫ش شقيا ً بائسا ً ‪ ,‬والسع ُ‬ ‫يعي ُ‬
‫ل‬
‫ن السعادةِ ل تكفى ‪ ,‬بل لبد ّ من حركةٍ وعم ٍ‬ ‫س في ف ّ‬ ‫ت والدرو ُ‬ ‫النظريا ُ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ب إلى المنتزها ِ‬ ‫ف كالمشي كل يوم ساعة أو السفرِ أو الذها ِ‬ ‫وتصر ٍ‬
‫ت إليها‬ ‫ً‬
‫ة للسد ِ كثيرا وتحاول إيذاءه فل يعيُرها اهتماما ول يلتف ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ض البعوض ُ‬ ‫تتعر ُ‬
‫ده عنها ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بمقاص‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫مشغو‬ ‫‪ ،‬لنه‬
‫ج‬
‫ض عليه الماَء فيخر ُ‬ ‫كها ‪ ,‬وتعر ُ‬ ‫احذر المتشائم ‪ ,‬فإنك تريهِ الزهرة فيريك شو َ‬
‫ح له الشمس فيشكو حرارَتها ‪.‬‬ ‫لك منه القذى ‪ ,‬وتمد ُ‬
‫رك المبدِع ‪,‬‬ ‫ث عنها بعيدا ً ‪ ,‬إنها فيك ؛ في تفكي ِ‬ ‫أتريد ُ السعادة حقا ً ؟! ل تبح ُ‬
‫ق بالخيرِ ‪.‬‬ ‫ل ‪ ,‬في إرادِتك المتفائلةِ ‪ ,‬في قلبك المشر ِ‬ ‫في خيالك الجمي ِ‬
‫ت‬
‫ن أن تعلق به قطرا ٌ‬ ‫َ‬
‫ه على من حولك دو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫عط ٌْر ل يستطيعُ أن تر ّ‬ ‫السعادةُ ِ‬
‫منه‪.‬‬

‫)‪(154 /‬‬

‫ف من غيرِ اللهِ في اليوم ِ أكثر من مائةِ مرةٍ ‪ :‬نخاف أن‬‫مصيُبتنا أننا نخا ُ‬
‫ف‬
‫ن ‪ ,‬نخا ُ‬
‫ب فل ٌ‬‫ف أن يغض َ‬ ‫ف أن نستعج َ‬
‫ل ‪ ,‬نخا ُ‬ ‫ف أن نخطئ ‪ ,‬نخا ُ‬ ‫نتأخر ‪ ,‬نخا ُ‬
‫ن‪.‬‬
‫ك فل ٌ‬ ‫أن يش ّ‬
‫ن‬ ‫نك ّ‬
‫ل حز ٍ‬ ‫ل ولكّنهم يعتقدون أ ّ‬‫ل سرورٍ زائ ٌ‬
‫كثيرون من الناس يعتقدون أن ك ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫حْز ِ‬
‫ت ال ُ‬‫ت السرورِ ‪ ،‬ويكفرون بمو ِ‬ ‫م ‪ ,‬فهم يؤمنون بمو ِ‬ ‫دائ ٌ‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س صغيرٍ ‪ ,‬فنحن‬ ‫ن وهي في البحرِ أنها في كأ ٍ‬ ‫ل السمكةِ العمياِء تظ ّ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ضنا ِ‬ ‫بع ُ‬
‫ن‬‫ف والعداوةِ والحز ِ‬ ‫ل الكرهِ والخو ِ‬ ‫ن فأحطنا أنفسنا بجبا ِ‬ ‫خلقنا في عالم اليما ِ‬
‫‪.‬‬
‫ك لهم‬ ‫قها‪ ,‬وإن الذين تضح ُ‬ ‫ج لمن يستح ّ‬ ‫ُ‬ ‫تحتا‬ ‫الهدية‬ ‫ولكن‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫كريم‬ ‫الحياة‬ ‫إن‬
‫م لهم وهم يكشرون ل يستحقون البقاَء ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وتبتس‬ ‫‪،‬‬ ‫يبكون‬ ‫الحياة وهم‬
‫ت الغناء ؟!‬ ‫ص فأخذت تغني فقال الصياد ُ ‪ :‬أهذا وق ُ‬ ‫وضع صياد ٌ حمامة في قف ٍ‬
‫فقالت ‪ :‬من ساعةٍ إلى ساعةٍ فََر ٌ‬
‫ج‪.‬‬
‫ب ؟ قال ‪:‬‬ ‫س الذه ِ‬ ‫ن فإنه يعطي أكيا َ‬ ‫ب إلى السلطا ِ‬ ‫قيل لحكيم ٍ ‪ :‬لماذا ل تذه ُ‬
‫س ويقدمه‬ ‫أخشى منه إذا غضب أن يقطع رأسي ويضعه في أحد تلك الكيا ِ‬
‫ة لزوجتي !!‪.‬‬ ‫هدي ً‬
‫ت لغناِء الحمام ِ ؟! لماذا ترى من الليل‬ ‫ب ول تنص ُ‬ ‫لماذا تسمع ُنباح الكل ِ‬
‫ل وتنسى‬ ‫سعَ النح ِ‬ ‫َ‬
‫مرِ والنجوم ِ ؟! لماذا تشكو ل ْ‬ ‫ق َ‬‫ن ال َ‬ ‫سواده ‪ ،‬ول تشاهد ْ حس َ‬
‫ل ؟!‪.‬‬ ‫س ِ‬‫حلوة العَ َ‬
‫ج من صلِبه‬ ‫ب فاجتباه ربك واصطفاه وهداه ‪ ,‬وأخر َ‬ ‫م من الذن ِ‬ ‫تاب أبوك آد ُ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ب منه قبل أن يذن َ‬ ‫أنبياَء وشهداَء وعلماَء وأولياَء ‪ ,‬فصار أعلى بعد الذن ِ‬
‫ث في‬ ‫ن ‪ ,‬فجاءه الغو ُ‬ ‫ن يا منا ُ‬ ‫ناح نوح والطوفان كالبركان فهتف ‪ :‬يا رحما ُ‬
‫لمِح البصرِ فانتصر وظفَر ‪ ,‬أما من كفَر فقد خسَر واندحَر ‪.‬‬
‫ة فبها‬ ‫ل رسالة عاجل ُ‬ ‫ت ثلث فأرس َ‬ ‫أصبح يونس في قاع البحرِ في ظلما ٍ‬
‫ق لن البرقية‬ ‫ف ‪ ,‬واعتذٌر عن التقصير ‪ ,‬فجاء الغوث كالبر ِ‬ ‫ف بالقترا ِ‬ ‫اعترا ُ‬
‫ة‪.‬‬ ‫صادق ٌ‬
‫ج في‬ ‫س َ‬ ‫ش نُ ِ‬ ‫ب توِبته أبيض ؛ لن القما َ‬ ‫غسل داود بدموعه ذنوبه فصار ثو ُ‬
‫حرِ ‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ب في ال ّ‬ ‫ل الثو ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن ‪ ,‬وغ ُ ِ‬ ‫ط أمي ٌ‬ ‫ب والخيا ُ‬ ‫المحرا ِ‬
‫ج‪.‬‬ ‫فَر َ‬ ‫س ؛ فانتظرِ ال َ‬ ‫ب وجاءك اليأ ُ‬ ‫َ‬
‫إذا اشتد عليك المُر وضاقَ بك الكْر ُ‬
‫ق صغَر أم‬ ‫ج عنك ما أهمك فاقطعْ طمَعك في أي مخلو ٍ‬ ‫إذا أردت الله يفر َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫س كاف ً‬ ‫س في النا ِ‬ ‫كبر ‪ ,‬ول تعل ّقْ على أحدٍ أمل غَي َْر اللهِ ‪ ،‬وأجمع اليأ َ‬ ‫ً‬
‫ة سعيدة‬ ‫سك راضي ً‬ ‫ون الناء بلونه ‪ ،‬فإن كانت نف ُ‬ ‫نفسك كالسائل الذي يل ّ‬
‫ت الشقاَء‬ ‫ة متشائمة رأي َ‬ ‫ل ‪ ،‬وإن كانت ضيق َ‬ ‫رأيت السعادة والخيَر والجما َ‬
‫ح‪.‬‬ ‫قب ْ َ‬‫والشّر وال ُ‬
‫ت‬ ‫ت عن المفقودِ ‪ ،‬فقد نل َ‬ ‫ت بالموجود ِ ‪ ،‬وسلو َ‬ ‫إذا أطعمت المعبود َ ‪ ،‬ورضي َ‬
‫ب محمود ٍ ‪.‬‬ ‫ل مطل ٍ‬ ‫تك ّ‬ ‫المقصود َ وأدرك َ‬
‫ة في ذهِنه من‬ ‫ن والذكرِ ‪ ،‬ولديه حديق ٌ‬ ‫من عنده بستان في صدره من اليما ِ‬
‫ف على ما فاته من الدنيا ‪.‬‬ ‫ب فل يأس ْ‬ ‫العلم ِ والتجار ِ‬
‫ب ‪ ,‬ويبني بيته ويجد ُ وظيفة‬ ‫ن من مؤخر السعادة حتى يعود ابنه الغائ ُ‬ ‫إ ّ‬
‫ب ‪ ،‬مغروٌر بأحلم ِ اليقظةِ ‪.‬‬ ‫تناسبه‪ ،‬إنما هو مخدوع بالسرا ِ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ح التخويفا ِ‬ ‫ّ‬
‫ت واطرا ُ‬ ‫م الهتمام ِ ‪ ،‬وهجُر التوقعا ِ‬ ‫السعادة ُ ‪ :‬هي عد ُ‬
‫ن الخاِء ‪ ،‬وهي‬ ‫ن المودةِ وإعل ُ‬ ‫عربو ُ‬ ‫ل ‪ ،‬وهي ُ‬ ‫البسمة ‪ :‬هي السحُر الحل ُ‬
‫ل على أن صاحَبها‬ ‫ة تد ّ‬ ‫ة متقلب ٌ‬ ‫صد َقَ ٌ‬ ‫ب ‪ ،‬وهي َ‬ ‫م والح ّ‬ ‫ل السل َ‬ ‫ة عاجلة تحم ُ‬ ‫رسال ٌ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ن ثاب ٌ‬ ‫ض مطمئ ّ‬ ‫را ٍ‬
‫ل‬‫ك والفوضويةِ ‪ ,‬وسببها ترك النظام ِ وإهما ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب والرتبا ِ‬ ‫أنهاك عن الضطرا ِ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ة ومرا ٌ‬ ‫ن فيه واقعي ّ ٌ‬ ‫ل متز ٌ‬ ‫ن جدو ٌ‬ ‫حل أن يكون للنسا ِ‬ ‫ب ‪ ,‬وال ّ‬ ‫الترتي ِ‬
‫ص‬
‫ف منها وينق ُ‬ ‫ح بكل يوم ٍ يمّر ؛ لنه يخف ُ‬ ‫ة أو شدةٌ فافر ْ‬ ‫إذا وقعت عليك مصيب ٌ‬
‫ن ل تتعداه ‪.‬‬ ‫رها‪ ,‬لن للشدة عمرا كعمرِ النسا ِ‬ ‫ً‬ ‫من عم ِ‬
‫ب بيتا ً‬ ‫ً‬
‫ب الدنيوية تنتهي إليه ‪ ,‬فمثل تطل ُ‬ ‫ينبغي أن يكون لك حد ّ من المطال ِ‬
‫ح شهيةِ الطمِع على مصراعيها‬ ‫ُ‬ ‫فت‬ ‫أما‬ ‫‪,‬‬ ‫لك‬ ‫ُ‬ ‫تسكنه وعمل ً يناسبك ‪ ،‬وسيارةً تحم‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهذا شقاٌء ‪.‬‬


‫ة‬
‫ة ل تتغيُر لهذا النسان فهو في مجاهد ٍ‬ ‫سن ّ ٌ‬
‫د? ُ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي كب َ ٍ‬ ‫سا َ‬ ‫ْ‬
‫قَنا ال ِن ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫?ل َ َ‬
‫ل مع حياِته ‪.‬‬ ‫ومشقةٍ ومعاناةٍ ‪ ,‬فلبد أن يعترف بواقِعه ويتعام َ‬
‫ب أو الصيدِ أو اللهو أنه سوف يسعد ُ‬ ‫مه كله في اللع ِ‬ ‫ن من يقطعُ يو َ‬ ‫يظ ّ‬
‫درا ً دائما ً ؛ لنه أهمل‬ ‫ن هما ً متصل ً وك َ َ‬ ‫نفسه ‪ ,‬وما علم أنه سوف يدفع هذا الثم َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ت والمسليا ِ‬ ‫الموازنة بين الواجبا ِ‬
‫ل في حياِتك‪ ,‬حتى الوراقُ الزائدة ُ في جيِبك أو على‬ ‫ص من الفضو ِ‬ ‫تخل ْ‬
‫ً‬
‫مكتبك‪ ,‬لن ما زاد عن الحاجةِ ‪ -‬في كل شيء ‪ -‬ما كان ضارا ‪.‬‬
‫ب‪،‬‬ ‫ت القلو ِ‬ ‫س لنهم لم يكونوا يتعمقون في خطرا ِ‬ ‫كان الصحابة أسعد َ النا ِ‬
‫ل ‪ ،‬واشتغلوا‬ ‫س ‪ ,‬بل اهتموا بالصو ِ‬ ‫س النف ِ‬ ‫ك ‪ ،‬ووساو ِ‬ ‫ق السلو ِ‬ ‫ودقائ ِ‬
‫بالمقاصد ِ ‪.‬‬
‫خي َْر في علم‬ ‫م بالتركيزِ ‪ ،‬وحضورِ القلب عند أداء العبادات ‪ ,‬فل َ‬ ‫ينبغي أن تهت ّ‬
‫قهٍ ‪ ,‬ول صلةٍ بل خشوٍع ‪ ,‬ول قراءةٍ بل ت َد َب ّرِ ‪.‬‬ ‫بل فِ ْ‬
‫ق‬
‫ب والخل ِ‬ ‫ل والدا ِ‬ ‫ل والعما ِ‬ ‫ت من القوا ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ? فالطيبا ُ‬ ‫ّ‬
‫ت ِللطي ِّبي َ‬ ‫ّ‬
‫? َوالطي َّبا ُ‬
‫ح‪.‬‬
‫س والفل ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م السعادة ُ بهذا اللقاِء ‪ ،‬ويحصل الن ْ ُ‬ ‫ت للخيارِ البرارِ ‪ ,‬لتت َ‬ ‫والزوجا ِ‬

‫)‪(155 /‬‬

‫ب‬
‫ظ? يكظمونه في صدوِرهم فل تظهُر آثاُره من الس ّ‬ ‫ن ال ْغَي ْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬ ‫? َوال ْ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫والشتم ِ والذى والعداوةِ ‪ ,‬بل قهروا أنفسهم وتركوا النتقا َ‬
‫ح‬
‫فوَ والمغفرةَ وأعلنوا السما َ‬ ‫س ? وهم الذين أظهروا العَ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫? َوال َْعاِفي َ‬
‫ب بل ظ َهََر الحل ُ‬
‫م‬ ‫س ُ‬
‫ح ْ‬ ‫موا فَ َ‬ ‫ب الثأرِ ‪ ,‬فلم يكظ ُ‬ ‫وأعتقوا من آذاهم من طل ِ‬
‫ح عليهم ‪.‬‬ ‫والصف ُ‬
‫ن? وهم الذين عفوا عمن ظلمهم بل أحسنوا إليه‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫? َوالل ّ ُ‬
‫مهم‪ ,‬فهو يسيَء وهم يحسنون إليه‪ ,‬ولهذا أعلى‬ ‫ههم وكر ِ‬ ‫وأعانوه بمالهم وجا ِ‬
‫ت‪.‬‬‫ل المقاما ِ‬ ‫ب وأج ّ‬ ‫المرات ِ‬
‫ل قائمة بأسعد ِ حالتك ‪ :‬هل تحدث بعد‬ ‫دك ‪ .‬سج ْ‬ ‫ط المر الذي يسع ُ‬ ‫حدد بالضب ِ‬
‫ً‬
‫مقابلةِ شخص معين ؟ أو ذهابك إلى مكان محددٍ ؟ أو بعد أدائك عمل بذاته ؟‬
‫إذا كنت تتبعُ روتينا ً جيدًا‪ ,‬ضعه في قائمتك‪ .‬تجد ْ بعد أسبوع أنك ملكت قائم ً‬
‫ة‬
‫واضحة بالفكارِ التي تجعُلك سعيدا ً ‪.‬‬
‫دك أبعد ْ كل‬ ‫ل الشياِء السارةِ ‪ :‬بعد تحديدِ المورِ التي تسع ُ‬ ‫تعوّد ْ على عم ِ‬
‫دك ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تسع‬ ‫ل‬ ‫التي‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫المو‬ ‫وانس‬ ‫‪,‬‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫السعيد‬ ‫المور‬ ‫ِ‬ ‫د‬‫أك‬ ‫نك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ذه‬ ‫عن‬ ‫المورِ الخرى‬
‫ة سارةً في حد ّ ذاِتها ‪.‬‬ ‫وليكن قرارك بمحاولةِ بلوِغ السعادةِ تجرب ً‬
‫سك وتقب ّْلها ‪ :‬من المهم جدا ً أن تنتهي إلى قرارٍ بالرضا عن‬ ‫ارض عن نف ِ‬
‫جه إليك من نقد ٍ ‪ ,‬طالما‬ ‫سك‪ ,‬والثقةِ في تصرفاِتك‪ ,‬وعدم ِ الهتمام ِ بما يو ّ‬ ‫نف ِ‬
‫ك أو‬‫ل الش ّ‬ ‫ث يدخ ُ‬ ‫ب من حي ُ‬ ‫ط المستقيم ِ ‪ ,‬فالسعادةُ تهر ُ‬ ‫أنت ملتزم بالصرا ِ‬
‫ب‪.‬‬ ‫الشعوُر بالذن ِ‬
‫ة مصدُر تعاسةٍ ‪,‬‬ ‫ل‪ ,‬فالعزل ُ‬ ‫ً‬
‫دم الخرين ‪ :‬ل تْبق وحيدا معزو ً‬ ‫اصنِع المعروف واخ ِ‬
‫م شيئا ً‬ ‫س ‪ ,‬وتقد ُ‬ ‫ك ّ‬
‫م بأسرِتك والنا ِ‬ ‫ل الكآبةِ والتعاسةِ والتوترِ تختفي حينما تلتح ُ‬
‫ً‬
‫من الخدمات‪ .‬وقد وصف العمل أسبوعين في خدمة الخرين علجا لحالت‬
‫الكتئاب‪.‬‬
‫أشغل نفسك دائما ‪ :‬يجب أن تحاول – بوعي وإرادة – استخدم المزيدِ من‬ ‫ً‬
‫ل أشياء بديعةٍ ‪ ,‬فالكس ُ‬
‫ل‬ ‫إمكاناِتك ‪ .‬سوف تسعد ُ أكثر إن شغلت نفسك بعم ِ‬
‫ينمي الكتئاب ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م بعمل جسماني تحّبه تجد ْ أن حالتك‬ ‫ب النكد والكآبة ‪ :‬إذا أزعجك أمٌر ‪ ,‬ق ْ‬ ‫حار ِ‬
‫س مسلكا كانت تسعدك‬ ‫ً‬ ‫النفسية والذهنية قد تحسنت‪ .‬ويمكنك أن تمار َ‬
‫ة مع أصدقاء ‪.‬‬ ‫ممارسته في الماضي‪ ,‬كأن تزاول رياضة معينة أو رحل ً‬
‫س على عمل ل تكمْله ‪ :‬يجب أن تعرف أن عمل الكبارِ ل ينتهي‪ .‬من‬ ‫‪ ...‬ل تبتئ ْ‬
‫سهم إل إذا أنجُزوا‬ ‫س من يشعرون أنهم لن يكونوا سعداء راضين عن أنف ِ‬ ‫النا ِ‬
‫ل يستطيع أن يؤدي القدَر الممكن من عمله‬ ‫ص المسؤو ُ‬ ‫كل أعمالهم‪ .‬والشخ ُ‬
‫سه ‪ ,‬مادام لم يقصْر ‪.‬‬ ‫بل تهاون‪ ,‬ويستمتع بالبهجة في الوقت نف ِ‬
‫‪ ...‬ل تبالغْ في المنافسة والتحدي ‪ :‬تعّلم أل تقسو على نفسك‪ ,‬خاصة حينما‬
‫تباري أحدا ً في عمل ما بدون أن تشترط لشعورك بالسعادة أن تفوَز ‪.‬‬
‫ل دون الشعوِر‬ ‫ب التوتر‪ ,‬ويحو ُ‬ ‫ت المشاعرِ يسب ُ‬ ‫س مشاعرك ‪ :‬كب ُ‬ ‫‪ ...‬ل تحب ْ‬
‫طها‬‫ث عن ضغو ِ‬ ‫ب ينف ُ‬ ‫ب مناس ٍ‬ ‫بالسعادةِ ‪ .‬ل تكتم مشاعرك‪ .‬عبْر عنها بأسلو ٍ‬
‫سك‪.‬‬ ‫في نف ِ‬
‫س ‪ ,‬والمسؤوليةِ ‪,‬‬ ‫ً‬ ‫ل تتحم ْ‬
‫س بالبتئا ِ‬ ‫ل وزر غيرك ‪ :‬كثيرا ما يشعُر النا ُ‬
‫ص آخَر ‪ ,‬رغم أنهم برءاء مما هو فيه‪ ,‬تذكْر أن‬ ‫ب شخ ٍ‬ ‫ب ‪ ,‬بسبب اكتئا ِ‬ ‫والذن ِ‬ ‫ًً‬
‫ت ‪ .‬وأن‬ ‫ل ًًًًإنسان مسؤول عن نفسه‪ ,‬وأن للتعاطف والتعاون حدودا وأولويا ٍ‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ك ّ‬
‫ُ‬ ‫ًًً‬
‫خَرى ? ‪.‬‬ ‫سه بصيرة ? َول ت َزُِر َوازَِرةٌ وِْزَر أ ْ‬ ‫النسان على نف ِ‬ ‫ًًً‬
‫‪ًًًً ...‬اتخذ قراراِتك فورا ً ‪ :‬إن الشخص الذي يؤجل قراراِته وقتا ً طويل ً ‪ ,‬فإنه‬
‫ت ‪ ,‬وأياما ً ‪ ,‬بل وشهورًا‪ .‬تذكر إن إصدار القراِر‬ ‫ً‬
‫ت سعادته ساعا ٍ‬ ‫ب من وق ِ‬ ‫يسل ًًًً ُ‬
‫النًًًًً ل يعني بالضرورةِ عدم التراجِع عنه أو تعديله فيما ب َعْ ُ‬
‫د‪.‬‬
‫ل تذكرِ الحكمة‬ ‫سك ‪ :‬حينما تفكُر في القدام ِ على عم ٍ‬ ‫ف قدر نف ِ‬ ‫‪ًًًً ...‬اعر ْ‬
‫ًًً‬
‫سه(( إذا بلغت الخمسين من‬ ‫ف قدَر نف ِ‬ ‫القائلة ‪ )) :‬رحم الله امرءا ً عََر َ‬ ‫ًًً‬
‫عمرك‪ ,‬وأردت أن تمارس رياضة‪ ,‬فكر في المشي أو السباحة أو التنس –‬ ‫ًًً‬
‫ً‬
‫مثل ًًًً – ول تفكر في كرةِ القدم‪ .‬وحاول تنمية مهاراتك باستمرار‪.‬‬
‫ً‬
‫م الحياةِ دون إتاحة الفرصة‬ ‫ض ّ‬ ‫‪ًًًً ...‬تعلم كيف تعرف نفسك ‪ :‬أما الندفاعُ في خ ِ‬
‫ًًً‬
‫لنفسك كي تقّيم أوضاعك ومسؤولياتك في الحياة‪ ,‬فحماقة كبرى‪ .‬فهؤلء‬ ‫ًًً‬
‫الذين ل يفهمون أنفسهم لن يعرفوا إمكاناتهم‪.‬‬ ‫ًًً‬
‫ً‬
‫‪ًًًً ...‬اعتدل في حياِتك العملية ‪ :‬اعمل إن استطعت جزءا ً من الوقت ‪ ،‬فقد كان‬
‫ًًً‬
‫م من الوقت‬ ‫حرِ َ‬‫الغريق يؤمنون بأن الرجال ل يمكن أن يحتفظ بإنسانيته إذا ُ‬ ‫ًًً‬
‫الفراغ والسترخاء‬ ‫ًًً‬
‫ًً‬
‫م‬‫كن ًًًًمستعدا ً لخوض مغامرات ‪ :‬الطريقة الوحيدة لحياة ممتعة هي اقتحا ُ‬
‫ًًً‬
‫أخطاِرها المحسوبة ‪ ،‬لن تتعلم ما لم تكن عازما ً على مواجهة المخاطرِ ‪ ،‬ق ْ‬
‫م‬ ‫ًًً‬
‫ق‪.‬‬‫َ ِ‬‫ر‬‫َ‬ ‫غ‬‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫خط‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫بمواجه‬ ‫حة‬‫ِ‬ ‫السبا‬ ‫بتعلم‬ ‫مثل ً‬
‫ب ‪ ،‬ول‬ ‫ك‪ ،‬ول بعيد إل سوف يقر ُ‬ ‫ف ّ‬‫ح ‪ ،‬ول قيد إل سوف ي ُ َ‬ ‫فت َ ُ‬
‫ل قفل إل سوف ي ُ ْ‬
‫مى ‪.‬‬ ‫ل‪ ..‬ولكن بأجل مس ّ‬ ‫غائب إل سوف يص ُ‬

‫)‪(156 /‬‬

‫ل‪،‬‬‫صلةِ ? فهما َوقود ُ الحياةِ ‪ ،‬وزاد ُ السيرِ ‪ ،‬وباب الم ِ‬ ‫صب ْرِ َوال ّ‬
‫ست َِعيُنوا ِبال ّ‬ ‫?ا ْ‬
‫ق‪،‬‬ ‫شْره بفجرٍ صاد ٍ‬‫فَرِج ‪ ،‬ومن لزم الصبَر ‪ ،‬وحافظ على الصلةِ ؛ فب ّ‬ ‫ح ال َ‬ ‫ومفتا ُ‬
‫ب‪.‬‬‫ن ‪ ،‬ونصرٍ قري ٍ‬ ‫وفتٍح مبي ٍ‬
‫حد ٌ ‪ ،‬لّنه حفظ ? قُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جلد بل ٌ‬
‫ل‬ ‫حد ٌ أ َ‬
‫حب وطرِد َ فأخذ يردد ُ ‪ :‬أ َ‬ ‫س ِ‬
‫بو ُ‬ ‫ضرب عُذ ّ َ‬ ‫لو ُ‬ ‫ُ‬
‫سلعة‬ ‫حد ٌ ?‪ ،‬فلما دخل الجنة احتقر ما بذل ‪ ،‬واستق ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل ما قدم لن ال ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫هُوَ الل ُ‬
‫ً‬
‫أغلى من الثمن أضعافا مضاعفة ‪.‬‬
‫ة‬
‫ب إن غاليت فيه خدمته وما خدمك ‪ ،‬أو زوج ٌ‬ ‫‪ ...‬ما هي الدنيا ؟ هل هي الثو ُ‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت له خازنا ً ‪ ..‬هذا‬ ‫ب قلبها بحبها ‪ ،‬أو مال كثَر أصبح َ‬ ‫إن كانت جميلة تعذ ُ‬
‫سرورها فكيف خزُنها ؟‬
‫دهم‬ ‫ب السعادةِ بالعلم ِ أو بالمال أو بالجاهِ ‪ ،‬وأسع ُ‬ ‫‪ ...‬كل العقلء يسعون لجل ِ‬
‫ه‪.‬‬
‫ّ ُ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫يلقى‬ ‫حتى‬ ‫ل‬ ‫ٍ‬ ‫حا‬ ‫كل‬ ‫على‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫دائم‬ ‫سعادته‬ ‫ن لن‬ ‫ب اليما ِ‬ ‫بها صاح ُ‬
‫ض‬
‫ط والعترا ِ‬ ‫ك والسخ ِ‬ ‫ض العقدية كالش ّ‬ ‫ب من المرا ِ‬ ‫ة القل ِ‬ ‫من السعادة سلم ُ‬
‫والريبةِ والشبهةِ والشهوةِ ‪.‬‬
‫ن‬
‫س ‪ ،‬فهو يحمل تصرفاِتهم وأقوالَهم على أحس ِ‬ ‫س أعذُرهم للنا ِ‬ ‫ل النا ِ‬ ‫أعق ُ‬
‫ح‪.‬‬ ‫ل ‪ ،‬فهو الذي أراح واسترا َ‬ ‫المحام ِ‬
‫مك ‪،‬‬ ‫ن ? اقنعْ بما عنك ‪ ،‬ارض بقس ِ‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫كن ّ‬ ‫ك وَ ُ‬ ‫ما آت َي ْت ُ َ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫‪ ? ...‬فَ ُ‬
‫ف طاقتك فيما ينفعُ واحمدِ الله على ما‬ ‫ّ‬
‫استثمْر ما عندك من موهبةٍ ‪ ،‬وظ ْ‬
‫أولك ‪.‬‬
‫ل‬‫فظا بل خذ ْ من كل عم ٍ‬ ‫ً‬ ‫ح ْ‬ ‫ً‬
‫مك كله قراءةً أو تفكرا أو تأليفا أو ِ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫‪ ...‬ل يكن يو ُ‬
‫س‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ف ونوّعْ فيه العما َ‬
‫ل فهذا أنشط للنف ِ‬ ‫بطر ٍ‬
‫ل النافعةِ ‪.‬‬ ‫ل كل صلة عمل من العما ِ‬ ‫ً‬ ‫ت فجع ْ‬ ‫ب الوقا ِ‬ ‫ت ترت ُ‬ ‫الصلوا ُ‬
‫م به من أمه التي‬ ‫م به وأرح ْ‬ ‫إن الخير للعبد ِ فيما اختار له رّبه ‪ ،‬فإنه أعل ُ‬
‫ولدته ‪ ،‬فما للعبد إل أن يرضى بحكم ربه ‪ ،‬ويفوض المر إليه ويكتفي بكفاية‬
‫قه وموله‪.‬‬ ‫ربه وخال ِ‬
‫ب ‪ ،‬فهو ل يرى إل ظواهر‬ ‫ب الغي ِ‬ ‫زه ل يدري ما وراء حج ِ‬ ‫ولعبد ُ لضعفه ولعج ِ‬
‫ة وكم من‬ ‫مها عند ربي‪ ،‬فكم من محنةٍ ‪ .‬صارت منح ً‬ ‫المورِ أما الخوافي فعل ُ‬
‫ن في المكروهِ ‪.‬‬ ‫ة ‪ ،‬فالخيُر كام ٌ‬ ‫بليةٍ أصبحت عطي ً‬
‫ر‬
‫ض ‪ ،‬فظاه ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ ...‬أبونا آدم أك َ‬
‫صى رّبه فأهبطه إلى الر ِ‬ ‫ل من الشجرةِ وعَ َ‬
‫ب ووقع عليه المكروه ‪ ،‬ولكن عاقبة‬ ‫ن والصو َ‬ ‫المسألة أن آدم ترك الحس َ‬
‫ب عليه وهداه واجتباه وجعله نبيا ً‬ ‫ل جسيم ‪ ،‬فإن الله تا َ‬ ‫م وفض ٌ‬ ‫أمره خيٌر عظي ٌ‬
‫سل وأنبياَء وعلماَء وشهداَء وأولياء ومجاهدين وعابدين‬ ‫ً‬ ‫وأخرج من صلِبه ُر ُ‬
‫ة ? ‪ ،‬وبين‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جك ال َ‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫سك ْ‬ ‫ومنفقين ‪ ،‬فسبحان الله كم بين قوله ? ا ْ‬
‫ب‬
‫ل وشر ٌ‬ ‫ن وأك ٌ‬ ‫دى? فإن حالة الول سك ٌ‬ ‫ب عَل َي ْهِ وَهَ َ‬ ‫ه فََتا َ‬ ‫جت ََباه ُ َرب ّ ُ‬ ‫ما ْ‬ ‫قوله ? ث ُ ّ‬
‫م لهم ول طموحات ‪ ،‬وأما حاله بعد الجتباِء‬ ‫وهذا حال عامة الناس الذين ل ه ّ‬
‫خ‪.‬‬ ‫ف باذ ٌ‬ ‫ة كريمة وشر ٌ‬ ‫ل عظيمة ومنزل ٌ‬ ‫والصطفاء والنبوةِ والهدايةِ فحا ٌ‬
‫ة‬‫قه نعم ٌ‬ ‫ة فندم وبكى‪ ,‬فكانت في ح ّ‬ ‫‪ ...‬وهذا داود ُ عليه السلم ارتكب الخطيئ َ‬
‫ل النعم‪ ,‬فإنه عرف ربه معرفة العبدِ الطائِع الذليل الخاشِع المنكسرِ ‪,‬‬ ‫من أج ّ‬
‫ل‪ .‬وقد‬ ‫ل للهِ عّز وج ّ‬ ‫م الذ ّ‬ ‫ن العبودية تما ُ‬ ‫وهذا مقصود ُ العبودية فإن من أركا ِ‬
‫ه له‬ ‫ن ل يقضي الل ُ‬ ‫ً‬
‫ن تيمية عن قوله ) ‪)) :‬عجبا للمؤم ِ‬ ‫سِئل شيخ السلم ِ اب ُ‬
‫شيئا ً إل كان خيرا ً له(( هل يشمل هذا قضاء المعصيةِ على العبد ِ ؟ ‪ ,‬قال‬
‫طها من الندم ِ والتوبةِ والستغفارِ والنكساِر‪.‬‬ ‫نعم ؛ بشر ِ‬
‫ب إذا‬ ‫فظاهُر المرِ في تقديرِ المعصيةِ مكروهٌ على العبدِ ‪ ،‬وباطُنه محبو ٌ‬
‫طه ‪.‬‬ ‫اقترن بشر ِ‬
‫ل مكروهٍ وقعَ له صاَر‬ ‫ل محمد ٍ ) ظاهرةٌ باهرةٌ ‪ ,‬فإن ك ّ‬ ‫وخيرة اللهِ وللرسو ِ‬
‫ة‬ ‫ً‬
‫مه له ؛ ومحاربِتهم إياه كان سببا في إقام ِ‬ ‫محبوبا ً مرغوبا ً ‪ ,‬فإن تكذيب قو ِ‬
‫ت التي‬ ‫سوق الجهاد ِ ‪ ،‬ومناصرةِ اللهِ والتضحيةِ في سبيِله ‪ ,‬فكانت تلك الغزوا ُ‬
‫ه فيها رسوله ‪ ,‬فتحا ً عليه‪ ,‬واتخذ فيها من المؤمنين شهداء جعلهم من‬ ‫نصر الل ُ‬
‫ل هذا الخيُر الكبير‬ ‫ورثةِ جنة النعيم‪ ,‬ولول تلك المجابهة من الكفار لم يحص ْ‬
‫ً‬
‫رد ) من مكة كان ظاهُر المرِ مكروها ولكن في‬ ‫م ‪ ,‬ولما ط ُ ِ‬ ‫والفوُز العظي ُ‬
‫ة ‪ ,‬فإنه بهذه الهجرةِ أقام ) دولة السلم ِ ‪ ،‬ووجد‬ ‫ح والمن ّ ُ‬ ‫باطِنه الخيُر والفل ُ‬
‫ف الصادق في إيماِنه‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫الكف‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫أه‬ ‫من‬ ‫اليمان‬ ‫ل‬ ‫أنصارا ً ‪ ،‬وتميز أه ُ‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غلب عليه الصلة والسلم وأصحاُبه في‬ ‫ب‪ .‬ولما ُ‬ ‫وهجرته وجهاِده من الكاذ ِ‬
‫س ‪ ،‬لكن ظهر له من‬ ‫ً‬ ‫أحدٍ كان المُر مكروها ً في ظاه ِ‬
‫ره ‪ ،‬شديدا على النفو ِ‬
‫ب‬
‫س العج ُ‬‫ض النفو ِ‬ ‫ن الختيارِ ما يفوقُ الوصف‪ ,‬فقد ذهب من بع ِ‬ ‫الخيرِ وحس ِ‬
‫ه من المسلمين‬ ‫ُ‬ ‫الل‬ ‫واتخذ‬ ‫‪,‬‬ ‫عليها‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫والعتما‬ ‫‪،‬‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫بالنف‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫والثق‬ ‫‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬‫بد‬ ‫بانتصارِ يوم‬
‫ب سفيرِ السلم ‪,‬‬ ‫ل كحمزة سيدِ الشهداء ‪ ,‬ومصع ِ‬ ‫شهداء أكرمهم بالقت ِ‬
‫ه وغيرهم ‪ ,‬وامتاز المنافقون‬ ‫دالله ابن عمروٍ والد ِ جابر الذي كلمه الل ُ‬ ‫وعب ِ‬
‫س‬
‫م‪ . .‬وق ْ‬ ‫ه أسرارهم وهتك أستاَرهُ ْ‬ ‫ف الل ُ‬‫بغزوةِ أحد ‪ ،‬وفضح أمرهم ‪ ،‬وكش ُ‬
‫ه‬
‫على ذلك أحواله ) ‪ ،‬ومقاماته التي ظاهُرها المكروه ُ ‪ ،‬وباطُنها الخيُر ل ُ‬
‫وللمسلمين ‪.‬‬

‫)‪(157 /‬‬

‫ت عليه‬ ‫ب ‪ ،‬وسهل ْ‬ ‫ت عليه المصائ ُ‬ ‫ده هان ْ‬ ‫ن اختيارِ اللهِ لعب ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬‫ف ُ‬ ‫‪ ...‬ومن عََر َ‬
‫ه‬
‫ف الل ِ‬ ‫ة بلط ِ‬ ‫ف من اللهِ ‪ ،‬واستبشر بما حصل ‪ ،‬ثق ً‬ ‫ب ‪ ,‬وتوقعَ اللط َ‬ ‫المصاع ُ‬
‫ب حزُنه وضجُره وضيقُ صدِره ‪ ,‬ويسلم‬ ‫ن اختياِره ‪ ،‬حينها يذه ُ‬ ‫مه ‪ ،‬وحس ِ‬ ‫وكر ِ‬
‫مُر ‪ ،‬بل يشكُر‬ ‫ض ‪ ،‬ول يتذ ّ‬ ‫ُ‬
‫ل في عله ‪ ،‬فل يتسخط ول يعتر ُ‬ ‫المر لربه ج ّ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ب المصائ ِ‬ ‫ب ‪ ،‬وتنقشعُ عنه سح ُ‬ ‫ويصبُر ‪ ،‬حتى تلوح له العواق ُ‬
‫ل دعوت ِهِ ‪,‬‬ ‫ً‬
‫ف عام إل خمسين عاما في سبي ِ‬ ‫م ُيؤذى أل َ‬ ‫ح عليه السل ُ‬ ‫‪ ...‬نو ٌ‬
‫ب ويستمّر في نشرِ دعوِته إلى التوحيد ِ ليل ً ونهارا ً ‪ ,‬سرا ً وجهرا ً‬ ‫ُ‬ ‫ويحتس‬ ‫فيصبُر‬
‫ن‪.‬‬ ‫‪ ,‬حتى ينجيه رّبه ويهلك عدوه بالطوفا ِ‬
‫م ُيلقى في النارِ فيجعُلها الله عليه بْردا ً وسلما ً ‪,‬‬ ‫م عليه السل ُ‬ ‫‪ ...‬إبراهي ُ‬
‫ل دينه خالدا ً‬ ‫ويحميه من النمرودِ ‪ ،‬وينجيهِ من كيدِ قومه وينصُره عليهم ‪ ،‬ويجع ُ‬
‫ض‪.‬‬
‫في الر ِ‬
‫ك له المكائد ‪،‬‬ ‫ن الدوائر ‪ ،‬ويحي ُ‬ ‫ص به فرعو ُ‬ ‫‪ ...‬موسى عليه السلم يترب ُ‬
‫ف ما‬ ‫ه عليه ويعطيه العصا تلق ُ‬ ‫ن في إيذائه ويطارُده ‪ ,‬فينصُره الل ُ‬ ‫ويتفن ُ‬
‫ه عدّوه ويخزيه ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ج منه بمعجزةٍ ‪ ،‬ويهلك الل ُ‬ ‫يأفكون ‪ ,‬ويشقُ له البحَر ويخر ُ‬
‫مه‬ ‫م يحارُبه بنو إسرائيل ‪ ،‬ويؤذونه في سمعته وأ ّ‬ ‫‪ ...‬عيسى عليه السل ُ‬
‫ً‬
‫ه إليه وينصُره نصرا مؤزرا ‪ ،‬ويبوُء أعداؤه‬ ‫ً‬ ‫ورسالِته ‪ ,‬ويريدون قتله فيرفُعه الل ُ‬
‫ن‪.‬‬ ‫بالخسرا ِ‬
‫‪ ...‬رسوُلنا محمد ) يؤذيه المشركون واليهود ُ والنصارى أشد ّ اليذاِء ‪ ,‬ويذو ُ‬
‫ق‬
‫ب وشتم ٍ‬ ‫ب ومجابهةٍ وردٍ واستهزاٍء وسخريةٍ وس ّ‬ ‫ف البلِء ‪ ،‬من تكذي ٍ‬ ‫صنو َ‬
‫ب وُيقتل‬ ‫ر‬
‫ُ ُ َ ُ‬‫يحا‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫يطر‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ء‬‫والفترا‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫والسح‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫والشع‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫والكهان‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫بالجنو‬ ‫واتهام ِ‬
‫ت ‪ ،‬ويهدد‬ ‫م في زوجِته ‪ ،‬ويذوقُ أصناف النكبا ِ‬ ‫عه‪ ,‬وُيته ُ‬ ‫ل بأتبا ِ‬ ‫أصحاُبه وُينك ّ ُ‬
‫ه ‪ ،‬ويشج‬ ‫ح ‪ ،‬وتكسر ثنيت ُ ُ‬ ‫ت ‪ ,‬ويجوع ويفتقُر ‪ ،‬ويجر ُ‬ ‫ت ‪ ،‬ويمر بأزما ٍ‬ ‫بالغارا ِ‬
‫سه ويفقد ُ عمه أبا طالب الذي ناصره ‪ ,‬وتذهب زوجُته خديجة التي واسته ‪,‬‬ ‫رأ ُ‬
‫ت بناُته في‬ ‫صُر في الشعب حتى يأكل هو وأصحابه أوراق الشجرِ ‪ ,‬وتمو ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وي ُ ْ‬
‫ب في أحد ‪ ,‬وُيمّزقُ عمه حمزةُ‬ ‫ح ابِنه إبراهيم بين يديهِ ‪ ,‬وُيغل ُ‬ ‫ل رو ُ‬ ‫حياِته وتسي ُ‬
‫جَر على بطِنه من الجوِع ول يجد ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ُ‬
‫‪ ,‬ويتعرض لعدة محاولت اغتيال ‪ ,‬ويربط ال َ‬
‫أحيانا ً خبَز الشعيرِ ول رديَء التمر ‪ ,‬ويذوقُ الغصص ويتجرع كأس المعاناة ‪,‬‬
‫ل مع أصحاِبه زلزال ً شديدا ً وتبلغُ قلوبُهم الحناجر ‪ ,‬وتعكس مقاص ُ‬
‫ده‬ ‫وُيزلز ُ‬
‫ب‬‫ب وعج ِ‬ ‫ب العرا ِ‬ ‫ف المتكبرين وسوِء أد ِ‬ ‫َ‬
‫صل ِ‬ ‫أحيانا ً ‪ ،‬ويبتلى بتيه الجبابرةِ و َ‬
‫س ‪ ,‬ثم تكون‬ ‫ْ‬
‫الغنياء ‪ ،‬وحقدِ اليهود ِ ‪ ،‬ومكرِ المنافقين ‪ ،‬وب ُطِء استجابةِ النا ِ‬
‫ه دينه ‪ ،‬وينصُر عبده ‪،‬‬ ‫ة له ‪ ،‬والنصُر حليفه ‪ ،‬والفوُز رفيقه ‪ ،‬فيظهُر الل ُ‬ ‫العاقب ُ‬
‫ب على‬ ‫ه غال ٌ‬ ‫ويهزم الحزاب وحده ‪ ،‬ويخذل أعداءه ويكبتهم ويخزيهم ‪ ,‬والل ُ‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س ل يعلمون ‪.‬‬ ‫ره ولكن أكثر النا ِ‬ ‫أم ِ‬


‫ب في سبيل ديِنه وينفقُ ماله‬ ‫ُ‬
‫وهذا أبو بكر يتحمل الشدائد ‪ ،‬ويستسهل الصعا َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬‫ل اللهِ ‪ ،‬حتى يفوز بلق ِ‬ ‫ص في سبي ِ‬ ‫ل جاهه ‪ ،‬ويقدم الغالي والرخي َ‬ ‫ويبذ ُ‬
‫ق‪.‬‬ ‫الصدي ِ‬
‫ب ‪ ،‬بعد حياةٍ ملؤها الجهاد ُ والبذ ُ‬
‫ل‬ ‫ج بدماِئه في المحرا ِ‬ ‫ب يضر ُ‬ ‫ن الخطا ِ‬ ‫وعمُر ب ُ‬
‫س‪.‬‬ ‫ل بين النا ِ‬ ‫ة العد ِ‬ ‫ف وإقام ُ‬ ‫ة والزهد ُ والتقش ُ‬ ‫والتضحي ُ‬
‫حه ثمنا لمبادِئه ورسالِته‪.‬‬‫ً‬ ‫ت رو ُ‬ ‫ح وهو يتلو القرآن ‪ ,‬وذهب ْ‬ ‫ن ذ ُب ِ َ‬ ‫ن بن عفا َ‬ ‫وعثما ُ‬
‫ت عظيمة‬ ‫ل في المسجدِ ‪ ،‬ب َعْد َ مواقف جليلةٍ ومقاما ٍ‬ ‫ب ُيغتا ُ‬ ‫وعلي بن أبي طال ٍ‬
‫ق‪.‬‬‫من التضحيةِ والنصرِ والفداِء والصد ِ‬
‫ن‪.‬‬‫ف الظلم ِ والعدوا ِ‬ ‫ل بسي ِ‬ ‫قت َ ُ‬‫ه الشهادة وي ُ ْ‬ ‫ن بن علي يرزُقه الل ٌ‬ ‫‪ ...‬والحسي ُ‬
‫مهِ ‪.‬‬‫ج فيبوُء بإث ِ‬ ‫م الزاهد ُ يقتله الحجا ُ‬ ‫ن حبيرٍ العال ُ‬ ‫وسعيد ُ ب ُ‬
‫ن يوسف‬ ‫رم على يدِ الحجاِج ب ِ‬ ‫ه الشهادةِ في الح ِ‬ ‫مه الل ُ‬ ‫ن الزبيرِ يكر ُ‬ ‫‪ ...‬واب ُ‬
‫الظالم ِ ‪.‬‬
‫ة‬
‫ل السن ِ‬ ‫م أه ِ‬
‫ل في الحق ‪ ،‬وُيجلد فيصيُر إما َ‬ ‫ن حنب َ‬ ‫م أحمد ُ ب ُ‬ ‫‪ ...‬وُيحبس الما ُ‬
‫والجماعةِ ‪.‬‬
‫ة إلى السنةِ بقوِله كلمة‬ ‫م أحمد َ بن نصرٍ الخزاعي الداعي َ‬ ‫ويقتل الواثقُ الما َ‬
‫الحقّ ‪.‬‬
‫ه‬
‫ة يسجن وُيمنعُ من أهِله وأصحاِبه وكتِبه ‪ ,‬فيرفعُ الل ُ‬ ‫ن تيمي َ‬ ‫خ السلم ِ اب ُ‬ ‫وشي ُ‬
‫ذكره ُ في العالمين ‪.‬‬
‫م أبو حنيفة من قَِبل أبو جعفر المنصور ‪.‬‬ ‫جل ِد َ الما ُ‬ ‫وقد ُ‬
‫جلد سعيد ُ بن المسيب العالم الرباني ‪ ,‬جلده أميُر المدينةِ ‪.‬‬ ‫و ُ‬
‫ث ‪ ,‬ضربه بل ل بن أبي برده‪.‬‬ ‫م المحد ُ‬ ‫ن العال ُ‬‫دالله بن عو ٍ‬ ‫وضرب المام بن عب ُ‬
‫م‬
‫ل المقا َ‬ ‫ل أو أذى لطا َ‬ ‫ن أو جلدٍ أو قت ٍ‬ ‫ُ‬
‫ى بعزل أو سج ٍ‬ ‫ولو ذهبت أعدد من ابتل َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫م ‪ ,‬وفيما ذكرت كفاي ٌ‬ ‫ولكثَر الكل َ‬
‫ً‬
‫وفي الختام ‪ ،‬تقبل تحياتي ‪ ،‬وهاك سلمي مقرونا بدعائي لك بالسعادة ‪...‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬أشهد أن ل إله أنت أستغفرك زأتوب إليك ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫‪/http://www.saaid.net‬‬
‫الخاتمة‬

‫)‪(158 /‬‬

‫م ‪ ،‬ذا‬‫ي القيو َ‬ ‫ي الواحد الماجد ‪ ،‬الحد الصمد َ الح ّ‬ ‫أنا وأنت ‪ ،‬هّيا نقصد الغن ّ‬
‫ب وحدانيِته ‪،‬‬ ‫طرح على عتبةِ ربوبيِته ‪ ،‬ونلتجئ إلى با ِ‬ ‫ل والكرام ِ ‪ ،‬لنن ّ ِ‬ ‫الجل ِ‬
‫ل ‪ ،‬فهو المعافي الشافي‬ ‫ل ‪ ،‬ونطلُبه وننتظُر الّنوا َ‬ ‫ح في السؤا ِ‬ ‫نسأله وُنل ّ‬
‫ت‪.‬‬ ‫الكافي وهو الخالق الرزاقُ المحيي الممي ُ‬
‫ب الّنارِ ? ‪.‬‬
‫ذا َ‬ ‫ة وَقَِنا عَ َ‬‫سن َ ً‬‫ح َ‬‫خَرةِ َ‬
‫ة وَِفي ال ِ‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫? َرب َّنا آت َِنا ِفي الد ّن َْيا َ‬
‫)) اللهم إنا نسأُلك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والخرة ((‪.‬‬
‫)) اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه نبّيك محمد ٌ ) ‪ ،‬ونعوذ ُ بك من شّر ما‬
‫استعاذك منه نبّيك محمد ٌ ) (( ‪.‬‬
‫ل ‪ ،‬ونعوذ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫جزِ والك َ‬ ‫م والحزِ ‪ ،‬ونعوذ ُ بك من العَ ْ‬ ‫)) اللهم إنا نعوذ ُ بك من اله ّ‬
‫َ‬
‫ل (( ‪.‬‬‫ن وقهْرِ الرجا ِ‬ ‫ن ‪ ،‬ونعوذ ُ بك من غلب َةِ الدي ِ‬ ‫جب ْ ِ‬
‫ل وال ُ‬ ‫بك من البخ ِ‬
‫ه‬
‫م على المرسلين ‪ ،‬والحمد ُ لل ِ‬ ‫ب العزةِ عما يصفون ‪ ،‬وسل ٌ‬ ‫سبحان ربك ر ّ‬
‫ب العالمين ‪.‬‬ ‫ر ّ‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫**********************************************‬
‫‪/http://www.saaid.net‬‬

‫)‪(159 /‬‬

‫ل تحسبوه شرا ً لكم‬


‫الحلقة الولى‬
‫الحمد لله ‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن واله‬
‫إن الله عز وجل‪ ،‬بما له من السماء الحسنى والصفات العل‪ ،‬كتب النصر‬
‫والغلبة لهل الحق من أوليائه الصالحين والمصلحين ‪ ،‬وكتب المهانة والذلة‬
‫على أعدائه من الكافرين والمنافقين ‪ ،‬وهذه سنة ل تتخلف إل إذا تخلفت‬
‫أسبابها ‪ ،‬حيث يديل الله سبحانه أعداءه الكفرة على عباده المؤمنين ‪،‬‬
‫ويسلطهم عليهم ويظهرهم ‪ ،‬فتظهر من ذلك الشرور والمصائب كما هو‬
‫الحاصل في واقعنا المعاصر حيث الستضعاف والذلة لجل المسلمين ‪،‬‬
‫والغلبة والقهر للكافرين ‪ ،‬وما كان لسنة الله سبحانه أن تتبدل ول أن‬
‫ويل ً (( ]فاطر ‪:‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ت الل ّهِ ت َ ْ‬‫سن ّ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬‫ديل ً وََلن ت َ ِ‬ ‫ت الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫سن ّ ِ‬‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫تتحول ‪ )) ،‬فََلن ت َ ِ‬
‫‪ [43‬ولكن أسباب تحقيق سنة الله سبحانه في نصر عباده المؤمنين قد‬
‫ما‬ ‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫تخلفت ؛ فحقت علينا سنة الله سبحانه في التغيير ‪ )) :‬إ ّ‬
‫م (( ]الرعد ‪. [11 :‬‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ما ب َِأن ُ‬
‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫بِ َ‬
‫وسنة الله سبحانه ل تحابي أحدا ً ‪ .‬ومع وضوح هذه السنة وجلئها من‬
‫القرآن ‪ ،‬وبمقتضى العقل والحس ‪ ،‬إل أننا نجد من هو في غفلة عنها وعن‬
‫مقتضى أسمائه سبحانه وصفاته العل ؛ حيث أدت هذه الغفلة عند بعضنا إلى‬
‫شيء من اليأس والحباط ‪ ،‬أو إلى شيء من العجلة والتسرع أمام ضغط‬
‫الواقع ‪ ،‬وتسلط العداء ‪ ،‬وعند انتشار الظلم والفساد ‪.‬‬
‫ولن يكون الكلم هنا عن تلك السنة ‪ ،‬وإنما سينصب الهتمام على سنة‬
‫عظيمة تنبثق عنها السنة السابقة ‪ ،‬والله سبحانه يبينها لنا من خلل أسمائه‬
‫الحسنى وصفاته العل ‪ ،‬حيث إن الجهل بها أو الغفلة عنها بعد معرفتها يسهم‬
‫أيضا ً في مزيد من اليأس والقنوط ‪ ،‬أو الجزع والتسخط ‪ ،‬أو الندفاع والعجلة‬
‫كم (( ]النور ‪:‬‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫والتهور ‪ ،‬وهذه وقفات مع قوله تعالى ‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫‪. [11‬‬
‫هذه الية توجيه رباني في إحسان الظن بالله عز وجل ‪ ،‬والثقة بحكمته‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه ب ِك ُ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬‫ورحمته ‪ ،‬وأنه )سبحانه( ل يريد بعباده المؤمنين إل الخير )) ي ُ ِ‬
‫سَر (( ]البقرة ‪ [185 :‬وهذا بدوره يبث المل في‬ ‫م العُ ْ‬ ‫ريد ُ ب ِك ُ ُ‬ ‫سَر َول ي ُ ِ‬ ‫الي ُ ْ‬
‫النفوس إزاء المصائب ‪ ،‬ويبث المل في المة بأن المستقبل لهذا الدين مهما‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫كيد ُ ك َْيدا ً * فَ َ‬
‫مهّ ِ‬ ‫ن ك َْيدا ً * وَأ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫كي ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫تسلط أعداؤه عليه ‪ ،‬وكادوا له كيدا ً )) إن ّهُ ْ‬
‫م ُروَْيدا ً (( ]الطارق ‪ ، [17 15 :‬وهو ضروري كذلك لدراك أن‬ ‫كافري َ‬
‫مهِل ْهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ال َ ِ ِ َ‬
‫رحمة الله )عز وجل( سبقت غضبه في كل ما يقدره على عباده المؤمنين ) (‬
‫ة (( ]النعام ‪. [54 :‬‬ ‫م َ‬‫ح َ‬
‫سهِ الّر ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م عََلى ن َ ْ‬ ‫ب َرب ّك ُ ْ‬ ‫ك َت َ َ‬
‫وما أجمل ما قاله المام ابن القيم رحمه الله تعالى حول هذا المعنى ‪ ،‬ومما‬
‫ذكره ‪ :‬قد شهدت الفطر والعقول بأن للعالم رب ّا ً قادرا ً ‪ ،‬حليما ً ‪ ،‬عليما ً ‪،‬‬
‫رحيما ً ‪ ،‬كامل ً في ذاته وصفاته ‪ ،‬ل يكون إل مريدا ً للخير لعباده ‪ ،‬مجريا ً لهم‬
‫على الشريعة والسنة الفاضلة العائدة باستصلحهم ‪ ،‬الموافقة لما ركب في‬
‫عقولهم من استحسان الحسن ‪ ،‬واستقباح القبيح ]‪. [1‬‬
‫وسيأتي إن شاء الله في ثنايا البحث من خلل اليات القرآنية والحاديث‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النبوية والمواقف العملية التي تظهر لنا منها ثمار هذه السنة الكريمة ‪،‬‬
‫وبخاصة في واقعنا المعاصر المليء بالشبهات ‪،‬والشهوات ‪ ،‬والمتناقضات ‪،‬‬
‫والمكائد ‪ ،‬والمؤامرات ما يزيد الموضوع بيانا ً ‪.‬‬
‫أهمية الموضوع ‪:‬‬
‫تتضح أهمية الموضوع في المور التالية ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬علقة هذه السنة بالعقيدة قوة وضعفا ً ؛ فكلما قوي اليمان بالله‬
‫سبحانه في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ‪ :‬كلما قوي الفهم لهذه السنة ‪،‬‬
‫وأثمرت في القلب ثمارها الطيبة ‪ .‬واليمان بهذه السنة والصطباغ بها هو‬
‫مقتضى الرضا بالله رب ّا ً ومعبودا ً ‪ ،‬ومقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العل ؛‬
‫حيث إن هذه السنة من ثمرات أسمائه سبحانه الحسنى ‪ ،‬التي منها ‪ :‬الحكيم‬
‫‪ ،‬والعليم ‪ ،‬والكريم ‪ ،‬واللطيف ‪ ،‬والبر الرحيم ‪ ..‬وغيرها من السماء‬
‫والصفات التي يجب التعبد لله سبحانه بها ‪ .‬كما يظهر الرتباط بين هذه‬
‫السنة وبين التوحيد في ‪ :‬أثرها على صدق التوكل على الله عز وجل ‪،‬‬
‫وتفويض المور إليه ‪ ،‬واليقين والثقة بوعده ‪ ،‬وإحسان الظن به جل وعل ‪،‬‬
‫وأنه سبحانه ل يريد بعباده المؤمنين إل الخير والصلح ‪ ،‬فمهما ظهر من‬
‫َ‬
‫مل‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫الشرور والمصائب ‪ ،‬فله سبحانه الحكمة البالغة )) َوالل ّ ُ‬
‫ن (( ) آل عمران ‪ (66 :‬وأما ارتباطها بالصل الخامس من أصول‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬
‫اليمان أل وهو اليمان باليوم الخر فهذا واضح ؛ لن اليقين باليوم الخر‬
‫ورجاء الجر من الله عز وجل يقويان الرتباط بهذه السنة في أن الخرة خير‬
‫وأبقى ‪ ،‬مهما فات من هذه الدنيا ‪.‬وأما علقتها بالصل السادس من أصول‬
‫اليمان وهو اليمان بالقدر خيره وشره فهذا ظاهر ل يحتاج إلى تعليق ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬ما نراه اليوم في واقعنا المعاصر من الضغوط الشديدة والحرب‬


‫الشرسة من أعداء هذا الدين من اليهود والنصارى والمنافقين والمفسدين ‪،‬‬
‫وما يكيدون به لهذا الدين وأهله من المكر والتشويه والبتلء ؛ مما أدى‬
‫ويؤدي إلى ظهور حالت اليأس والحباط من تغير الحال ‪ ،‬أو الشعور‬
‫بالهزيمة النفسية والهوان والستكانة ‪ ،‬فكان لبد من التذكير بهذه السنة‬
‫العظيمة التي تقوي اليقين بوعد الله سبحانه ‪ ,‬والثقة بنصره ‪ ،‬والطمئنان‬
‫إلى قضائه وتدبيره ‪ ،‬وأنه سبحانه الحكيم العليم فيما يقضي ويقدر ‪ ،‬ولبد أن‬
‫يأتي الخير بعد الشر عندما يأذن الله سبحانه في ذلك وفق علمه الشامل ‪،‬‬
‫وحكمته البالغة ‪ ،‬وسننه التي ل تتبدل ول تتحول ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الجهل الحاصل عند بعض المسلمين بسنن الله سبحانه في التغيير ‪ ،‬أو‬
‫سُبوهُ‬
‫ح َ‬‫التغافل عنها بعد معرفتها ‪ ،‬ل سيما وأن في فهم قوله تعالى ‪ )) :‬ل ت َ ْ‬
‫كم (( ]النور ‪. [11 :‬‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬‫خير معين لتفهم سنن الله عز وجل الخرى ‪ :‬كما في قوله تعالى ‪ )) :‬إ ّ‬
‫م (( )الرعد ‪ )11 :‬ز‬
‫سهِ ْ‬ ‫ما ب َِأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬
‫قوْم ٍ َ‬
‫ما ب ِ َ‬
‫ل ي ُغَي ُّر َ‬
‫وفي هذه المعرفة فتح باب للمنهج الصحيح في الدعوة إلى الله سبحانه ‪،‬‬
‫كما أن فيها وقاية من التخبط والضطراب في المنهاج والجتهادات ‪ ،‬كما أن‬
‫في دراسة هذه السنة وربط الحداث والوقائع بها أكبر ضمانة للعقل المسلم‬
‫من أن يتأثر بالتصورات الجاهلية ‪ ،‬والتفسيرات المادية للتاريخ والحداث التي‬
‫سيطرت اليوم على كثير من عقول المسلمين المتأثرين بوسائل العلم‬
‫المادية وبالثقافات التي ل تؤمن بالله ‪ ،‬ول باليوم الخر ‪ ،‬ول بالقدر خيره‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وشره ‪.‬‬
‫خَيرة من الله سبحانه في كل المور‪ ،‬وتفويض‬ ‫رابعا ً ‪ :‬التنبيه إلى طلب ال ِ‬
‫المور إلى حسن تدبيره عز وجل واختياره ؛ لنه سبحانه يعلم ول نعلم ‪،‬‬
‫ويقدر ول نقدر ‪ ،‬وهو علم الغيوب الذي يعلم ما كان وما سيكون ‪ ،‬ويعلم أين‬
‫يكون الخير ‪ ،‬وأين يكمن الشر ؛ ولذلك جاء التوجيه إلى دعاء الستخارة في‬
‫المور كلها ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬كثرة المشاكل والمصائب في زماننا هذا ‪ ،‬سواء على مستوى‬
‫الفراد أو الجماعات ‪ ،‬التي أدت إلى ظهور كثير من المراض النفسية‬
‫المعقدة ‪ :‬كالقلق ‪ ،‬والكتئاب‪ ،‬والفصام ‪ ..‬وغيرها ‪ ،‬حتى أصبحت سمة‬
‫لواقعنا المعاصر‪ ،‬ومعرفة الله سبحانه بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته‬
‫التي تزرع في القلب الطمئنان والرضا‪ ،‬وتفويض المور إليه سبحانه‪ ،‬وحسن‬
‫الظن به عز وجل‪ ،‬وأن اختيار الله لعبده أحسن من اختيار العبد لنفسه ‪ ،‬ولو‬
‫شرا ً‬‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ظهر ما يكرهه العبد ويؤذيه ‪ :‬إن في تفهم قوله تعالى ‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫كم (( ]النور ‪ [11 :‬أحسن علج لهذه المراض وغيرها ‪.‬‬ ‫لّ ُ‬
‫سادسا ً ‪ :‬إن في هذه السنة وفهمها طريقا ً موصل ً إلى الفقه بقاعدة الشرع‬
‫العظيمة ‪ ،‬التي بنيت عليها أحكام الشرع ؛ أل وهي ‪ :‬اليسر ورفع الحرج‬
‫والمشقة‪ ،‬وأن الله عز وجل ل يريد بعباده إل اليسر والرحمة‪ ،‬سواء أكان في‬
‫أحكامه الكونية القدرية‪ ،‬أو الدينية الشرعية ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬مفتاح دار السعادة ‪ :‬ص ‪. 326‬‬
‫من ثمرات هذه السنة‬
‫فّهم هذه السنة الكريمة وتذكرها دائما ً أثرا ً كبيرا ً في القلب ‪ ،‬يظهر جلي ّا ً‬ ‫إن لت َ َ‬
‫ً‬
‫في المواقف ‪ ،‬وبالذات في مواقف الشدة والبلء ؛ فكان لزاما على‬
‫المسلم ‪ ،‬وبخاصة الداعية المجاهد ‪ ،‬أل يغفل عن هذه الثمرات المنبثقة من‬
‫م (( ‪ ،‬وثمار اليمان بهذه‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬
‫ل هُوَ َ‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬
‫كم ب َ ْ‬ ‫سُبوه ُ َ‬‫ح َ‬‫قوله تعالى ‪ )) :‬ل ت َ ْ‬
‫السنة واليقين بها كثيرة ‪،‬‬
‫أذكر منها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬حقيق العبودية لله )عز وجل( بأسمائه الحسنى وصفاته الُعل ‪:‬‬
‫إن الله عز وجل لم يعرفنا على أسمائه وصفاته لنحفظها ونعدها فقط ‪ ،‬وإنما‬
‫المقصود السنى من معرفة أسمائه عز وجل وصفاته ‪ :‬أن ندعوه بها ‪ ،‬وأن‬
‫َ‬
‫عوه ُ ب َِها((‬‫سَنى َفاد ْ ُ‬ ‫ح ْ‬
‫ماُء ال ُ‬
‫س َ‬ ‫نتعبد له سبحانه بها ؛ قال الله تعالى ‪ )) :‬وَل ِل ّهِ ال ْ‬
‫]العراف ‪ [180 :‬إن في كل اسم من أسمائه سبحانه عبودية على العبد ‪،‬‬
‫يجب أن تظهر آثارها في القلب ‪ ،‬وعلى الجوارح ‪ ،‬وفي المواقف ‪.‬‬
‫فمن السماء الحسنى التي يتعبد لله عز وجل بها من خلل معرفة هذه‬
‫السنة ‪ :‬الحكيم ‪ ،‬العليم‪ ،‬البر ‪ ،‬الرحيم ‪ ،‬الودود ‪ ،‬اللطيف ‪ ..‬وغيرها ‪ .‬فعندما‬
‫يؤمن العبد المسلم بهذه السماء فإنها تثمر اليمان بحكمة الله عز وجل في‬
‫كل أحكامه الكونية والشرعية ‪ ،‬وتضفي على القلب النس ‪ ،‬وإحسان الظن‬
‫بالله عز وجل ‪ ،‬والرضا بقضائه ‪ ،‬وأنه بر رحيم ‪ ،‬ل يريد بعباده إل الخير‬
‫والتيسير والرحمة ‪ ،‬وأن من لطفه سبحانه أن يأتي بالخير لعبده المؤمن من‬
‫حيث يظن أنه شر ومكروه ‪ ،‬وهذا‬
‫من معاني اسمه سبحانه اللطيف ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول الشيخ السعدي رحمه الله ‪ ) :‬ومن معاني اللطيف ‪ :‬أّنه الذي يلطف‬
‫بعبده ووليه ‪ ،‬فيسوق إليه البر والحسان من حيث ل يشعر ‪ ،‬ويعصمه من‬
‫الشر من حيث ل يحتسب ‪ ،‬ويرّقيه إلى أعلى المراتب ‪ ،‬بأسباب ل تكون من‬
‫العبد على بال ‪ ،‬حتى إّنه يذيقه المكاره ‪ ،‬ليوصله إلى المحاب الجليلة ‪،‬‬
‫والمطالب النبيلة ( ]‪. [1‬‬
‫إن اليقين بلطف الله تعالى ينفي الشعور باليأس والقنوط من مجيء فرج‬
‫الله ونصره ‪ ،‬وينشيء مكانه المل والثقة بوعد الله ونصره ‪ ،‬كما أنه ينشيء‬
‫في القلب الفتقار إلى الله عز وجل وتفويض المور إليه ‪ ،‬وسؤاله عز وجل‬
‫ن العاقبة والختيار ‪.‬‬ ‫س َ‬‫ح ْ‬‫دائما ً ُ‬
‫وبقيت كلمة أخيرة في هذه الثمرة أنصح بها نفسي وإخواني طلب العلم ؛‬
‫درس أو ن ُد َّرس أبواب التوحيد‬ ‫وذلك بأن نحرص أشد الحرص ونحن ن ْ‬
‫المختلفة على أل نكتفي بالدراسة العلمية الذهنية المجردة فقط ‪ ،‬وإنما‬
‫نسعى جاهدين في ربطها بأعمال القلوب ‪ ،‬وما تثمره فيها من أنواع‬
‫العبوديات المختلفة التي يجب أن يظهر أثرها في المواقف والسلوك وجميع‬
‫التصرفات ‪ ،‬والله المستعان ‪.‬‬
‫‪ -2‬الصبر على البليا والمصائب وقوة الحتمال ‪:‬‬
‫وهذه الثمرة لها علقة بما قبلها ؛ فعندما يعرف العبد ربه بأسمائه وصفاته‬
‫ويتعبده بها ‪ ،‬فإنها تثمر في القلب ثباتا ً ‪ ،‬ورباطة جأش‪ ،‬وصبرا ً أمام البتلءات‬
‫والمصائب؛ فل يضعف ول يخور وهو يعلم أن ربه الرحيم الحكيم ‪ ،‬اللطيف‬
‫الخبير‪ ،‬الودود الغفور ‪ :‬هو الذي قدرها عليه ‪ ،‬وأنه لم يقدرها ليعذبه ويشقيه‪،‬‬
‫ولكن ليرحمه ويرده إليه ‪ ..‬عند ذلك يفوض أمره إلى ربه ‪ ،‬ويرضى بما يختار‬
‫له موله سبحانه‪ ،‬ويعلم أنه هو الذي يمده بالقوة والعزيمة‪ ،‬والصبر وحسن‬
‫العاقبة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن هذا الشعور يمل القلب قوة وصبرا واحتمال أمام الشدائد ؛ لقوة الرجاء‬
‫في الله عز وجل ‪ ،‬واليقين بفرجه ونصره ‪ ،‬واليقين بحسن العاقبة من الله‬
‫ن َفإن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫مو َ‬‫كوُنوا ت َا ًل َ ُ‬
‫عز وجل فيما أعده للصابرين ؛ قال تعالى ‪ )) :‬إن ت َ ُ‬
‫كيما ً ((‬ ‫ح ِ‬ ‫ه عَِليما ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬‫ن وَ َ‬
‫جو َ‬‫ما ل ي َْر ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬‫جو َ‬‫ن وَت َْر ُ‬
‫مو َ‬‫ما ت َا ًل َ ُ‬
‫ن كَ َ‬‫مو َ‬‫ي َا ًل َ ُ‬
‫]النساء ‪. [104 :‬‬
‫وإن مما يقوي الصبر على الشدائد يقين العبد أن ما أصابه إما أن يكون‬
‫تكفيرا ً لذنوبه ‪ ،‬أو سببا ً لنعمة ل تنال إل بذلك المكروه ‪.‬‬
‫فإذا أيقن العبد المبتلى أن العاقبة الحميدة من النصر في الدنيا ‪ ،‬والجنة في‬
‫الخرة ل يوصل إليهما إل على جسر التعب والمشقة ‪ :‬فإنه بذلك يقوى صبره‬
‫‪ ،‬واحتماله ‪ ،‬وبذله وتضحيته في سبيل الله عز وجل ‪ ،‬مع تفقد النفس من‬
‫الذنوب ‪ ،‬وتنقية الصف من المنافقين ‪ ،‬فذلك من أسباب النصر ‪.‬‬
‫‪ -3‬سعادة القلب وطمأنينته وسكينته ‪:‬‬
‫عندما يعلم العبد المؤمن أن كل ما يقضيه الله عز وجل هو عين الحكمة‬
‫والرحمة ‪ ،‬والخير ‪ ،‬سواء في العاجل أو الجل ‪ ،‬فإن هذه المعرفة تضفي‬
‫على القلب شعورا ً بالنس والسعادة والطمأنينة والسكينة‪ ،‬مهما اشتدت‬
‫المصائب‪ ،‬وتوالت المحن ؛ وبذلك يسلم صاحب هذا القلب من تلك المراض‬
‫والوساوس التي تفتك بكثير من الناس الذين حرموا مثل هذه المعرفة‬
‫العظيمة بربهم ‪ ،‬نعم سوف ل يخيم على نفسه ما يخيم على النفوس‬
‫اليائسة ‪ ،‬من الشعور بالقلق والكتئاب وانكساف البال ‪ ،‬تلك الشياء التي‬
‫تجر وراءها من مصائب الدنيا والدين ما ل يعلمه إل الله عز وجل ‪ .‬وسوف‬
‫يريحه هذا الشعور من الفكار المتعبة التي تنشأ من كثرة الختيارات‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والترددات‪ ،‬التي هي منشأ القلق والهم والغم‪.‬‬


‫إن التسخط وعدم الرضى بما قضاه الله عز وجل باب إلى الهم ‪ ،‬والغم ‪،‬‬
‫والحزن ‪ ،‬وشتات القلب ‪ ،‬وسوء الحال ‪ ،‬والظن بالله ظن السوء ‪ ،‬ول يدفع‬
‫ذلك كله إل معرفة الرب عز وجل بأسمائه الحسنى ‪ ،‬وصفاته العل ‪ ،‬والتعبد‬
‫له سبحانه بها ‪ ،‬والعمل بمقتضاها ‪ ،‬والذي يولد في النفس الرضى بما يختاره‬
‫َ‬
‫ن (( ]‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫الله عز وجل‪ ،‬وأنه أرحم بعبده من نفسه ‪َ )) :‬والل ّ ُ‬
‫آل عمران ‪. [66 :‬‬
‫‪ -4‬سلمة القلب ‪:‬‬
‫عندما يمتلئ القلب بتوحيد الله عز وجل ومعرفته سبحانه بأسمائه الحسنى‬
‫وصفاته العل ‪ ،‬ويمتلئ باليقين بوعده ‪ ،‬والثقة بحكمته ‪ ،‬وانتظار رحمته ؛ فإن‬
‫كل ذلك يضفي على القلب صفاًء ونورا ً وطهارة ُتسل بها من القلب أمراض‬
‫كثيرة ؛ فيصبح القلب بعدها سليما ً صحيحا ً ‪ ،‬وينعم به صاحبه في الدنيا‬
‫جاَء‬‫والخرة ؛ قال تعالى في وصف إمام الحنفاء عليه الصلة والسلم ‪)) :‬إذ ْ َ‬
‫سِليم ٍ (( ]الصافات ‪ [84 :‬وقال تعالى حكاية لدعاء إبراهيم عليه‬ ‫ب َ‬ ‫قل ْ ٍ‬
‫ه بِ َ‬
‫َرب ّ ُ‬
‫ن * إل ّ‬ ‫مال َول ب َُنو َ‬‫ٌ‬ ‫فع ُ َ‬‫م ل َين َ‬ ‫ن * ي َوْ َ‬ ‫ُ‬
‫م ي ُب ْعَثو َ‬
‫خزِِني ي َوْ َ‬
‫الصلة والسلم ‪َ )) :‬ول ت ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سِليم ٍ (( ]الشعراء ‪. [89 87 :‬‬ ‫ب َ‬ ‫قل ْ ٍ‬
‫ه بِ َ‬‫ن أَتى الل ّ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ومن أهم مظاهر سلمة القلب التي تحصل بهذه المعرفة ما يلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬السلمة من أمراض الحقد والحسد والشحناء ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وذلك لن الذي يوقن بحكمة الله عز وجل ورحمته في كل ما يقضيه من‬


‫أقضية كونية وشرعية ‪ :‬يعلم علم اليقين أن لله عز وجل الحكمة البالغة في‬
‫إعطاء من يشاء ‪ ،‬ومنع من يشاء ‪ ،‬وإعزاز من يشاء ‪ ،‬وإذلل من يشاء ‪ .‬وهذا‬
‫العلم لبد أن يثمر الرضى بما يقدره الله عز وجل ويقضيه على الناس ؛‬
‫وبذلك تزول الشحناء والحقاد المتولدة عن الحسد المتولد أصل ً من معارضة‬
‫أقدار الله عز وجل والتسخط لها ‪.‬‬
‫ب‪ -‬لسلمة من أمراض الخوف والطمع ‪:‬‬
‫ً‬
‫إن المؤمن الراضي بربه والموقن بحكمته وبره ولطفه ل تجده إل قانعا بما‬
‫آتاه الله عز وجل ‪ ،‬مطمئنا ً إلى اختيار الله سبحانه له ؛ لنه عز وجل أعلم بما‬
‫يصلح للعبد من نفسه ‪ ،‬وهذه الثمرة تقضي على هذا الداء الخطير ) داء‬
‫الطمع والحرص والتهالك على الدنيا وزينتها( ؛ لن القلب الراضي المفوض‬
‫أمره إلى الله )عز وجل( قد امتل غنى وقناعة ومحبة وتوكل ً على الله سبحانه‬
‫؛ فحري بقلب هذه صفته أل يكون فيه محل لمحبة غير الله ‪ ،‬وهذه الثمرة‬
‫يتولد عنها ثمار طيبة ‪ ،‬منها ‪ :‬عدم السى على ما فات ‪ ،‬وعدم الفرح بما هو‬
‫م إل ّ ِفي‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ف ِ‬‫ض َول ِفي َأن ُ‬ ‫َ‬
‫صيب َةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫من ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬
‫َ‬
‫ما أ َ‬ ‫آت ؛ قال تعالى ‪َ )) :‬‬
‫ما َفات َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫وا عَلى َ‬ ‫س ْ‬ ‫ً‬
‫سيٌر * ل ِك َْيل ت َا َ‬ ‫ّ‬
‫ك عَلى اللهِ ي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ها إ ّ‬ ‫ل َأن ن َب َْرأ َ َ‬
‫من قَب ْ ِ‬ ‫ب ّ‬ ‫ك َِتا ٍ‬
‫خورٍ (( ]الحديد ‪، [23 ، 22 :‬‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫خَتا ٍ‬‫م ْ‬‫ل ُ‬ ‫ُ‬
‫بك ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫ُ‬
‫ما آَتاك ْ‬ ‫حوا ب ِ َ‬
‫فَر ُ‬
‫َول ت َ ْ‬
‫والعبد المؤمن ل يدري أين يكون الخير ‪ ،‬أهو في الفائت أم التي ؟ ولكن‬
‫الله وحده هو الذي يعلم ‪ ،‬وهو علم الغيوب ‪.‬‬
‫كما أنها تثمر أيضا ً ‪ :‬الزهد في الدنيا ‪ ،‬والحذر منها ‪ ،‬فكم فرح بالدنيا أناس‬
‫ه‬
‫ه الّرْزقَ ل ِعَِبادِ ِ‬ ‫ط الل ّ ُ‬‫س َ‬ ‫فكانت سبب هلكهم وشقوتهم ؛ قال تعالى ‪ )) :‬وَل َوْ ب َ َ‬
‫ض وَل َ ِ‬ ‫َ‬
‫صيٌر (( ]الشورى ‪:‬‬ ‫خِبيٌر ب َ ِ‬
‫ه ب ِعَِبادِهِ َ‬ ‫شاُء إن ّ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫قد َرٍ ّ‬‫ل بِ َ‬‫كن ي ُن َّز ُ‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ل َب َغَ ْ‬
‫‪. [27‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكيف يسكن الخوف والهلع في قلب من اطمأن إلى حكم ربه‪ ،‬وأحسن‬
‫الظن به‪ ،‬وفوض أموره إليه ‪ .‬إن الخوف والهلع سواًء أكان على الرزق أو‬
‫الجل ل يكونان إل عند من لم يعرف ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العل‪ ،‬أما‬
‫لو عرف ربه عز وجل ‪ ،‬وأنه رحيم ودود‪ ،‬وأّنه حكيم عليم ‪ ،‬وأنه لطيف‬
‫خبير ‪ ..‬معرفة حقيقية يتعبد لربه بها ‪ :‬فإن الطمئنان والسكينة تعمران‬
‫القلب ‪ ،‬وتنفيان كل دواعي الخوف والوجل من المخاليق الضعفاء الذين ل‬
‫يملكون لنفسهم نفعا ً ول ضّرا ً فضل ً عن أن يملكوا شيئا ً من ذلك لغيرهم ‪.‬‬
‫ويبقى صاحب هذا القلب مطمئنا ً إلى حسن اختيار الله له ‪ ،‬يستشرف رحمة‬
‫ربه وخيره في كل ما يقضيه الله عليه ؛ ولو ظهر في هذا المقضي من الشر‬
‫واللم ما ظهر ‪ ،‬فمن يدري ؟ ! فلعل في طيات المحنة منحة ونعمة ‪.‬‬
‫ج‪ -‬السلمة من أمراض الكبر والخيلء ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن القلب ل يصدق عليه أن يوصف بكونه سليما صحيحا حتى ينضم إلى ما‬
‫ذكر سابقا ً سلمته من أمراض الكبر والفخر والخيلء ؛ فإن العبد المؤمن متى‬
‫ما عرف ربه عز وجل وتعبد له بأسمائه وصفاته فإن المسكنة والمحبة لله‬
‫عز وجل سوف تمل القلب ؛ وينتج عن ذلك ‪ :‬التواضع للحق وإيثاره ‪،‬‬
‫من هذه صفته إل محب ّا ً‬ ‫والتواضع للخلق ‪ ،‬وعدم غمهم وظلمهم ‪ ،‬بل ل ترى َ‬
‫للخير والحسان للناس‪ ،‬ول تراه إل محقرا ً لنفسه‪ ،‬منشغل ً بعيوبها عن عيوب‬
‫الناس ؛ لنه يشهد حكمة الله عز وجل في ابتلئه لعبده بالخير والشر ‪ .‬ولن‬
‫أسباب الكبر والتعالي على الناس ل تخرج عن كونها اغترارا ً بنعمة دينية أو‬
‫دنيوية ‪ ،‬وأنه إذا أيقن العبد المؤمن أن هذه النعم إنما أعطاها الله لعبده‬
‫ليبلوه أيشكر أم يكفر ؛ فإن الخوف على النفس من هذا البتلء سيشغله عن‬
‫التعالي على الناس‪ ،‬أو الفخر عليهم ‪ ،‬وكيف يكون ذلك وهول يدري أين‬
‫يكمن الخير أو الشر ؟ ! ولعل هذه النعمة التي يفتخر بها فتنة له ومتاع إلى‬
‫حين‪ ،‬أو أن الذي يفخر عليه ممن هو دونه يكون في خير ورحمة مفتوحة من‬
‫الله عز وجل عليه ‪ ،‬والناس يحسبون أنه في ضيق وشر ! ‪.‬‬
‫‪ -5‬محاسبة النفوس والنتباه إلى خطر المعاصي وشؤمها على الفرد‬
‫والمجتمع ‪:‬‬
‫إن من ثمار هذه السنة الكريمة أن ينتبه العبد المؤمن إلى نفسه ويحاسبها‬
‫على تفريطها وذنوبها وهذا بعض الخير الذي يجعله الله فيما يراه الناس شّرا ً‬
‫ومصيبة ؛ حيث إن المصائب والشرور المقدرة على العبد المؤمن غالبا ً ما‬
‫تكون تكفيرا ً للذنوب ‪ ،‬سوإيقاظا ً له من الغفلة ‪ ،‬ومجال ً لتطهير النفس من‬
‫أدران المعاصي والسيئات ‪.‬ومتى ما حصلت هذه الثمرة العظيمة في القلب‬
‫فإن المصيبة والنقمة تصبح في حقيقة المر خيرا ً ونعمة لصاحبها ؛ وصدق‬
‫م (( ‪.‬‬‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬
‫ل هُوَ َ‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬
‫كم ب َ ْ‬ ‫سُبوه ُ َ‬
‫ح َ‬
‫الله العظيم ‪ )) :‬ل ت َ ْ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫أما إذا حصل العكس من ذلك والعياذ بالله وذلك بأن كانت المصيبة سببا ً في‬
‫مزيد من الغفلة أو التسخط على أقدار الله تعالى ؛ فإن المصيبة والحالة‬
‫هذه ل تعتبر خيرا ً لمن وقعت عليه ‪ ،‬لكنها قد تكون خيرا ً لغيره عندما يحصل‬
‫التعاظ والعبرة بحال من وقعت له المصيبة ‪.‬‬
‫‪ -6‬التعرف على سنن الله )عز وجل( في التغيير ‪ ،‬والسير على هداها ‪:‬‬
‫إن إدراك معاني أسماء الله عز وجل وآثارها ومقتضياتها يفتح في قلب‬
‫المؤمن منافذ عديدة على سننه عز وجل التي ل تتبدل ول تتحول ‪ ،‬وبخاصة‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إدراك آثار حكمة الله )عز وجل( ورحمته ولطفه وإحسانه ‪ ،‬ولقد مّر بنا كيف‬
‫م (( يطبع في‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬
‫ل هُوَ َ‬ ‫كم ب َ ْ‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫أن فقه قوله تعالى ‪ )) :‬ل ت َ ْ‬
‫القلب شعورا ً برحمة الله عز وجل وخيره وبره ‪ ،‬وأن كل ما يقضيه عز وجل‬
‫هو عين الخير والمصلحة والحكمة ‪ ،‬وهذا الشعور يؤدي بدوره إلى فتح القلب‬
‫والفكر على سنن الله عز وجل التي تنبثق من هذه المعرفة ‪ ،‬وعندما تحصل‬
‫هذه المعرفة لسنن الله عز وجل في التغيير ‪ :‬فإن الفكر البشري ينضبط‬
‫ويستقيم ول تتقاذفه الثقافات المادية ذات اليمين وذات الشمال ‪ ،‬وبذلك‬
‫يسلم من التفسيرات المادية للحداث ‪ ،‬والتي تربط كل المتغيرات بأسباب‬
‫مادية بحتة ؛ كتلك التي تربط النصر والهزيمة بأسباب مادية ‪ ،‬أو تلك التي‬
‫تفسر العقوبات الربانية كالزلزل والعاصير بكونها ظواهر‬
‫فلكية بحتة ‪ ،‬متجاهلين قدر الله وحكمته ‪.‬‬
‫كما أن هذه المعرفة تثمر أيضا ً ‪ :‬معرفة الموازين المنضبطة الثابتة التي‬
‫حقّ لها أن تكون بهذه المثابة ؛ لنها من‬ ‫توزن بها المور والحوال والشياء ‪ ،‬و ُ‬
‫عند الله عز وجل الحكيم ‪ ،‬العليم ‪ ،‬الرحيم ‪ ،‬الودود ‪ ،‬الذي يعلم ما كان وما‬
‫سيكون ‪ ،‬والذي له الكمال المطلق ‪ ،‬وهو الغني الحميد ‪ .‬وهو سبحانه يقول‬
‫ص على عبيده رحمة منه وفضل ً جانبا ً من أسرار سنته وقدره‬ ‫الحق ‪ ،‬ويق ّ‬
‫ليأخذ الناس حذرهم وليعتبروا ويتعظوا ‪ ،‬وليدركوا الرحمة والخير والحكمة‬
‫الكامنة وراء هذه السنن الربانية والموازين اللهية ‪ ،‬والتي بدورها تؤدي إلى‬
‫معرفة المنهج الصحيح للتغيير ‪ ،‬كما تؤدي إلى المنهج الصحيح لتقويم المور‬
‫ووزنها بالميزان الحق ‪.‬‬
‫ولقد مر بنا في الثمرات السابقة بعض السنن الربانية التي يهتدي إليها القلب‬
‫العامر بمعرفة الله عز وجل وتوحيده ‪ ،‬ولكن نخص هنا بعض السنن بشيء‬
‫من التفصيل ‪ ،‬وذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬العاقبة للمتقين ‪ :‬إن وعد الله عز وجل ل يتخلف ‪ ،‬وكلمته ل تتبدل ‪،‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م لهُ ُ‬ ‫ن * إن ّهُ ْ‬
‫سِلي َ‬‫مْر َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫قد ْ َ‬‫ولقد قال وقوله الحق ‪ )) :‬وَل َ َ‬
‫ن (( ]الصافات ‪ [173 -171 :‬هذا وعد‬ ‫م الَغال ُِبو َ‬ ‫جند ََنا ل َهُ ُ‬
‫ن ُ‬‫ن * َوإ ّ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ُ‬ ‫ال َ‬
‫الله سبحانه ‪،‬ولو تأخر وأبطأ على عباده فإن من وراء ذلك التأخير حكمة‬
‫وخير ‪.‬‬
‫َ‬
‫ب‪ -‬ويتعلق بهذه السنة سنة أخرى في معناها ‪ ،‬وهي قوله تعالى ‪ )) :‬وَلن‬
‫سِبيل ً (( ]النساء ‪. [141 :‬‬ ‫ن َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن عََلى ال ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬‫يَ ْ‬
‫يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى الية ‪) :‬قيل ‪ :‬بالحجة والبرهان‪،‬‬
‫فإن حجتهم داحضة عند ربهم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هذا في الخرة وأما في الدنيا فقد‬
‫يتسلطون عليهم بالضرر لهم والذى‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل يجعل لهم عليهم سبيل ً‬
‫مستقرة‪ ،‬بل وإن نصروا عليهم في وقت فإن الدائرة تكون عليهم ‪ ،‬ويستقر‬
‫النصر لتباع الرسول ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل الية على ظاهرها وعمومها ‪ ،‬ل إشكال فيها بحمد الله؛ فإن الله‬
‫سبحانه ضمن أن ل يجعل للكافرين على المؤمنين سبيل ً ‪ ،‬فحيث كانت لهم‬
‫ل ما عليهم فهم الذين جعلوها بتسببهم ترك بعض ما أقروا به‪ ،‬أو ارتكاب‬ ‫سبي ٌ‬
‫بعض ما ُنهوا عنه؛ فهم جعلوا لهم السبيل عليهم بخروجهم عن طاعة الله‬
‫ورسوله فيما أوجب تسلط عدوهم عليهم في هذه الثغرة التي أدخلوها ‪ ،‬كما‬
‫أخلى الصحابة يوم ُأحد الثغرة التي أمرهم رسول الله بلزومها وحفظها ؛‬
‫فوجد العدو منها طريقا ً إليهم ‪ ،‬فدخلوا منها( ]‪. [2‬‬
‫والحاصل مما سبق ‪ :‬أن معرفة السنة السابقة ل تفهم حق الفهم إل بمعرفة‬
‫الله عز وجل وتوحيده ؛ فإنه سبحانه ل يريد بعباده إل الخير والرحمة ‪ ،‬ولو‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تسلط العداء في وقت ما فإن عاقبة هذا التسلط هي الخير والتمكين ؛‬


‫وذلك أن المؤمنين عندما يتسلط عليهم أعداؤهم وينالونهم بالذى يدركون‬
‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬
‫م (( أن ما‬ ‫ل هُوَ َ‬‫كم ب َ ْ‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬
‫سُبوه ُ َ‬
‫ح َ‬ ‫من واقع قوله تعالى ‪ )) :‬ل ت َ ْ‬
‫أصابهم إنما هو بذنوبهم ؛ فيكون الخير في تسلط العداء هو تغيير ما‬
‫بالنفوس من خلل ‪ ،‬وإحداث التوبة والستغفار ‪ ،‬وترك ما أوجب حلول‬
‫المصيبة ‪ ،‬وهذا خير في حد ذاته لم يكن ليظهر لو استمر النصر والتمكين مع‬
‫وجود المعاصي ‪ ،‬وضعف اليمان ؛ لنه والحالة هذه يستمر الفساد بدون‬
‫إصلح ‪.‬‬
‫وهذا هو معنى السنة الثابتة التي ل تتغير‪ ،‬أل وهي قوله تعالى ‪:‬‬
‫م (( ]الرعد ‪. [11 :‬‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬‫ما ب َِأن ُ‬‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬
‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ج‪ ) (-‬إ ّ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ت‬‫كا ٍ‬ ‫حَنا عَل َي ِْهم ب ََر َ‬ ‫فت َ ْ‬‫وا ل َ َ‬‫ق ْ‬‫مُنوا َوات ّ َ‬ ‫قَرى آ َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫ومثلها قوله تعالى ‪ )) :‬وَل َوْ أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن (( ]العراف ‪:‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫كن ك َذ ُّبوا فَأ َ‬
‫خذ َْنا ُ‬ ‫ض وَل َ ِ‬‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫‪ . [96‬واليات في هذا المعنى كثيرة جد ّا ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م إن ّ َ‬‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خي ٌْر لن ُ‬ ‫م َ‬ ‫مِلي لهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ْ‬
‫فُروا أن ّ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال َ ِ‬‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫د‪ -‬قوله تعالى ‪َ )) :‬ول ي َ ْ‬
‫ن (( ]آل عمران ‪. [178 :‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ّ‬ ‫م عَذا ٌ‬‫َ‬ ‫م ل ِي َْزَداُدوا إْثما ً وَلهُ ْ‬
‫َ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬ ‫نُ ْ‬
‫هذه الية ترسم ميزانا ً قويما ً ثابتا ً في أن إغداق النعم على العبد ليس علمة‬
‫على كرامة الله له ومحبته إياه‪ ،‬ول يدل على أنه في خير وسعادة ‪ ،‬بل‬
‫الغالب أن وراء الملء والنعم شّرا ً وعذابا ً ‪ ،‬وفي هذا الميزان توجيه للناس‬
‫إلى حقيقة البتلء بالخير والشر‪ ،‬وأل تكون موازينهم في السعادة والتعاسة‬
‫هي النظر إلى كثرة النعم أو قلتها ؛ فكم كان الرخاء سببا ً للعذاب دنيا ً وأخرى‬
‫‪ ،‬وكم من أناس صالحين حرموا في هذه الدنيا من نعمة المال والولد ‪،‬‬
‫ولكنهم في خير وسعادة دنيا ً وأخرى ‪ .‬وهذه المعاني العظيمة ل يمكن إدراكها‬
‫كم ((‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫إل في ضوء التوحيد وأنواره ‪ ،‬وصدق الله العظيم ‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫جب ْكَ‬ ‫واليات في هذا المعنى كثيرة جد ّا ً ‪ ،‬أذكر منها قوله تعالى ‪َ )) :‬فل ت ُعْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَت َْزهَ َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َُهم ب َِها ِفي ال َ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م إن ّ َ‬‫م َول أْولد ُهُ ْ‬ ‫وال ُهُ ْ‬‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن (( ]التوبة ‪. [55 :‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫َأن ُ‬
‫‪ -7‬التؤدة والناة وعدم الستعجال ‪:‬‬
‫كم ب َلْ‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫وهذه هي الثمرة السابعة من ثمار قوله تعالى ‪ )) :‬ل ت َ ْ‬
‫م (( فإذا كان العبد ل يعلم أين يكون الخير والشر فيما يقضيه الله‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫هُوَ َ‬
‫سبحانه إل في ضوء ما أعلمه الله عز وجل عباده من السنن والثواب ‪ ،‬فإنه‬
‫والحالة هذه ل ينبغي له أن يتعجل المور أو يحلل المواقف والحداث قبل‬
‫دراستها والبحث في جوانبها ‪،‬متجردا ً في ذلك لله عز وجل ‪ ،‬مهتديا ً بالموازين‬
‫والسنن الثابتة التي ذكرها الله سبحانه في كتابه‪ ،‬وعلى لسان رسوله‪ ،‬وإذا‬
‫وُّفق العبد إلى هذا الفضل ‪:‬فإنه في الغالب يصدر عن الحق ‪ ،‬وينطق بالحق‪،‬‬
‫وتنشأ عنده صفتا الحلم والناة اللتان يحبهما الله عز وجل ‪ ..‬وكم رأينا من‬
‫أناس تعجلوا أمورهم قبل أوانها فكانت نتيجتها وبال ً وشّرا ً ‪ ،‬وكم سئم أناس‬
‫من نعمة أنعم الله بها عليهم فتقاّلوها ومّلوها وأرادوا غيرها ‪ ،‬فلما جاءهم ما‬
‫م‪.‬‬ ‫أرادوه وتعجلوه أصابهم منه ضرٌر ونكد ٌ وند ٌ‬
‫ومن صور الستعجال التي يمكن معالجتها بهذه السنة ‪ :‬ما نراه من تعجل‬
‫بعض الطيبين من الغيورين على هذا الدين في قطف ثمرة جهدهم ‪،‬‬
‫وتعريض أنفسهم للبتلء ‪ ،‬وتمنيهم لمواجهة العداء ‪ ...‬وينسون أو يغفلون‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن قوله ‪ )) :‬ل تمنوا لقاء العدو‪ ،‬وإذا لقيتموهم فاصبروا (( ]‪. [3‬‬
‫لن المرء ل يدري ما تؤول إليه الحال عند مواجهة العدو ‪ ،‬ومشاهدة‬
‫الهوال ‪ .‬وقد يتمنى العبد حالة معينة ويستعجلها بتصرفه الجاهل بعواقب‬
‫المور ‪ ،‬ولكن الله عز وجل برحمته يحول بينه وبين هذا المر لما يعلمه‬
‫سبحانه من الشر والفتنة على عبده من هذا المر؛ فكم من أناس استعجلوا‬
‫البلء قبل أوانه ‪ ،‬فلما أصبحوا تحت وطأته ‪ :‬ضعفوا وانتكسوا والعياذ بالله‬
‫فحريّ بالمسلم أن يسأل ربه الدللة على ما فيه الخير والصلح ‪ ،‬وعلى ما‬
‫فيه مرضاته عز وجل ورحمته ‪.‬‬
‫مما سبق يتبين لنا فضل التؤدة والناة ‪ ،‬وأنها من ثمرة العلم بالله عز وجل‬
‫وتوحيده وأسمائه وصفاته ‪ ،‬وأنه عز وجل يقدر الوقت المناسب لنصر أوليائه‬
‫بعد أن يكونوا قد أخذوا بأسباب النصر وأعدوا عدته ‪ ،‬وأنه سبحانه هو العليم‬
‫الحكيم والبر الرحيم بعباده ‪ ،‬فل يؤخر عنهم شيئًا‪ ،‬ول يقضي عليهم أمرا ً إل‬
‫وفيه الخير والرحمة ‪ ،‬ولكن العبد القاصر والجاهل بعواقب المور يستعجل‬
‫أمر ربه الرحيم ‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سأِريك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫سا ُ‬
‫خل ِقَ الن َ‬
‫وصدق الله العظيم في وصفه للنسان ‪ُ )) :‬‬
‫ن‬‫من م ّ‬ ‫ن (( ]النبياء ‪ [37 :‬فطبيعته العجل والتسرع ‪ ،‬إل َ‬ ‫جُلو ِ‬ ‫آَياِتي َفل ت َ ْ‬
‫ست َعْ ِ‬
‫الله عليه بتوحيده ومحبته والتسليم له ‪ ،‬مع فعله للسباب الممكنة ‪ ،‬فإنه‬
‫يسلم من الفكار المتعبة ‪ ،‬والندفاعات المتهورة ‪ ،‬لنه يفقه قوله تعالى ‪:‬‬
‫كم (( وصدق الرسول ‪)) :‬التؤدة في كل شيء إل في‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬‫))ل ت َ ْ‬
‫عمل الخرة (( ]‪. [4‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬تفسير السعدي ‪ :‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 279‬‬
‫)‪ (2‬بدائع التفسير ‪ :‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 85‬‬
‫)‪ (3‬متفق عليه ‪ :‬رواه البخاري في الجهاد ‪ ،‬باب )‪ ، (156‬ج ‪ ، 6‬ص ‪181‬‬
‫ومسلم في الجهاد ‪ ،‬باب ‪ :‬كراهة تمني لقاء العدو ‪ ،‬م ‪ ، 3‬ص ‪. 1362‬‬
‫)‪ (4‬رواه ‪ :‬أبو داود في الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬في الرفق ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪ 157‬وهو في‬
‫السلسلة الصحيحة لللباني ‪ ،‬رقم )‪. (1794‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫في هذا المبحث سأتعرض إن شاء الله تعالى لبعض المواقف من السيرة‬
‫المطهرة وغيرها‪ ،‬والتي ظهرت فيها حكمة الله عز وجل ورحمته‪ ،‬وأن ما‬
‫اختاره الله عز وجل لعباده خير مما اختاروه لنفسهم ‪.‬‬
‫من السيرة المطهرة ‪:‬‬
‫الموقف الول ‪ :‬غزوة بدر الكبرى ‪:‬‬
‫ً‬
‫وهي أشهر من أن تذكر ؛ فلقد كانت فرقانا بين الحق والباطل ‪ ،‬ولكن المراد‬
‫من الستشهاد بها هنا ‪:‬هو ما ظهر في هذه الغزوة العظيمة من الفرق بين ما‬
‫أراده المسلمون قبل الغزوة ‪ ،‬وكراهيتهم للقاء عدوهم ‪ ،‬ورغبتهم في أن‬
‫تكون في العير ‪ ،‬وبين ما اختاره الله لهم من أن تكون في النفير وفي ذات‬
‫فتي َ‬
‫ن أن َّها ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫دى الطائ ِ َ َ ْ ِ‬ ‫ح َ‬‫هإ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫الشوكة ؛ يقول الله عز وجل ‪َ)) :‬وإذ ْ ي َعِد ُك ُ ُ‬
‫َ‬ ‫وتودو َ‬
‫ه‬ ‫حقّ ب ِك َل ِ َ‬
‫مات ِ ِ‬ ‫حقّ ال َ‬ ‫ه أن ي ُ ِ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫م وَي ُ ِ‬‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كو ُ‬‫شوْك َةِ ت َ ُ‬ ‫ت ال ّ‬‫ن غَي َْر َذا ِ‬
‫نأ ّ‬ ‫ََ َ ّ َ‬
‫مون ((‬ ‫جرِ ُ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل وَلوْ كرِهَ ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ل الَباط ِ َ‬ ‫حقّ وَي ُب ْط ِ َ‬ ‫حقّ ال َ‬ ‫ن * ل ِي ُ ِ‬‫ري َ‬‫قط َعَ َداب َِر الكافِ ِ‬
‫َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫]النفال ‪. [8 ، 7 :‬‬
‫فأين الخير الذي علمه الله عز وجل وغاب عن المسلمين آنذاك فأرادوا غيره‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫؟ إن الجواب في الية نفسها ؛‬


‫يعلق الستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى على هذه الية فيقول ‪ ) :‬لقد أراد‬
‫الله وله الفضل والمنة أن تكون ملحمة ل غنيمة ‪ ،‬وأن تكون موقعة بين‬
‫الحق والباطل ؛ ليحق الحق ويثبته ‪ ،‬ويبطل الباطل ويزهقه ‪ ،‬وأراد أن يقطع‬
‫دابر الكافرين ؛ فُيقتل منهم من يقتل ‪ ،‬وُيؤسر منهم من يؤسر ‪ ،‬وتذل‬
‫كبرياؤهم ‪ ،‬وتخضد شوكتهم ‪ ،‬وتعلو راية السلم وتعلو معها كلمة الله ‪،‬‬
‫كن الله للعصبة المسلمة التي تعيش بمنهج الله ‪ ،‬وتنطلق به لتقرير‬ ‫ويم ّ‬
‫ألوهية الله في الرض ‪ ،‬وتحطيم طاغوت الطواغيت ‪ ،‬وأراد أن يكون هذا‬
‫التمكين عن استحقاق ل عن جزاف تعالى الله عن الجزاف وبالجهد والجهاد ‪،‬‬
‫وبتكاليف الجهاد ومعاناتها في عالم الواقع وفي ميدان القتال ‪..‬‬
‫‪ ...‬وينظر الناظر اليوم ‪ ،‬وبعد اليوم ‪ ،‬ليرى الماد المتطاولة بين ما أرادته‬
‫العصبة المسلمة لنفسها يومذاك وما أراده الله لها ‪ ،‬بين ما حسبته خيرا ً لها‬
‫وما قدره الله لها من الخير ‪ ..‬ينظر فيرى الماد المتطاولة ؛ ويعلم كم يخطئ‬
‫الناس حين يتضررون مما يريده الله لهم ‪ ،‬مما قد يعرضهم لبعض الخطر ‪ ،‬أو‬
‫يصيبهم بشيء من الذى ‪ ،‬بينما يكمن وراءه الخير الذي ل يخطر لهم ببال ‪،‬‬
‫ول بخيال ! ‪.‬‬
‫فأين ما أرادته العصبة المسلمة لنفسها مما أراده الله لها ؟ لقد كانت تمضي‬
‫لو كانت لهم غير ذات الشوكة قصة غنيمة ‪ ،‬قصة قوم أغاروا على قافلة‬
‫فغنموها ! فأما بدر فقد مضت في التاريخ كله قصة عقيدة ‪ ،‬قصة نصر حاسم‬
‫وفرقان بين الحق والباطل ‪ ،‬قصة انتصار الحق على أعدائه المدججين‬
‫بالسلح ‪ ،‬المزودين بكل زاد ‪ ،‬والحق في قلة من العدد وضعف في الزاد‬
‫والراحلة ( ]‪. [1‬‬
‫الموقف الثاني ‪ :‬غزوة أحد ‪:‬‬
‫وهذه الغزوة أيضا ً من أشهر غزوات الرسول ‪ ،‬ومن أشدها على المسلمين ؛‬
‫ج وجه النبي الكريم ‪ ،‬ومع ذلك كان فيها‬ ‫ش ّ‬ ‫حيث استشهد سبعون صحابي ّا ً ‪ ،‬و ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫م ي َوْ َ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫خير للمسلمين ورحمة ؛ يدل على ذلك قوله تعالى ‪ )) :‬وَ َ‬
‫م‬
‫ل لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫قوا وَِقي َ‬ ‫َ‬
‫ن َناف ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال َ ِ‬‫ن * وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫ن فَِبإذ ْ ِ‬ ‫مَعا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫قى ال َ‬ ‫الت َ َ‬
‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف ِ‬ ‫م ل ِلك ْ‬
‫َ‬
‫م هُ ْ‬ ‫م قَِتال لت ّب َعَْناك ْ‬ ‫ل اللهِ أوِ اد ْفُعوا قالوا لوْ ن َعْل ُ‬
‫َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫وا قات ِلوا ِفي َ‬
‫َ‬
‫ت ََعال ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ه أعْل ُ‬ ‫ّ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫ُ‬
‫س ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫واهِِهم ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ب َأف َ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ما ِ‬
‫م ِللي َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ْ‬
‫مئ ِذ ٍ أقَر ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫مون(( ]آل عمران ‪. [167 ، 166 :‬‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ما َ ُ ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫بِ َ‬
‫كم‬ ‫ح َ‬ ‫ولقد أحسن المام ابن القيم رحمه الله تعالى في ذكره لبعض ال ِ‬
‫والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد ‪ ،‬أقتطف منها قوله ‪:‬‬
‫‪ -1‬فمنها ‪ :‬تعريفهم سوء عاقبة المعصية ‪ ،‬والفشل ‪ ،‬والتنازع ‪ ،‬وأن الذي‬
‫ه وَعْد َهُ إذ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صد َقَك ُ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫أصابهم إنما هو بشؤم ذلك ؛ كما قال تعالى ‪)) :‬وَل َ َ‬
‫كم‬‫ما أ ََرا ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صي ُْتم ّ‬ ‫مرِ وَعَ َ‬
‫َ‬
‫م ِفي ال ْ‬ ‫م وَت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫شل ْت ُ ْ‬ ‫حّتى إَذا فَ ِ‬ ‫سون َُهم ِبإذ ْن ِهِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫تَ ُ‬
‫م‬ ‫م عَن ْهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫صَرفَك ْ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةَ ث ُ ّ‬ ‫ريد ُ ال ِ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫منكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫ريد ُ الد ّن َْيا وَ ِ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫منكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن (( ]آل عمران ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ٍ‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ذو‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫عن‬
‫َ‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ْ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫لِ‬
‫‪. [152‬‬
‫فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم وتنازعهم وفشلهم ‪ :‬كانوا بعد ذلك أشد حذرا ً‬
‫ويقظة وتحرزا ً من أسباب الخذلن ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬ومنها ‪ :‬أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب ؛ فإن المسلمين‬


‫لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر‪ ،‬وطار لهم الصيت ‪ :‬دخل معهم في‬
‫السلم ظاهرا ً من ليس معهم فيه باطنا ً ‪ ،‬فاقتضت حكمة الله عز وجل أن‬
‫سّبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق‪ ،‬فأطلع المنافقون رؤوسهم‬
‫في هذه الغزوة ‪ ،‬وتكلموا بما كانوا يكتمونه ‪ ،‬وعاد تلويحهم تصريحًا‪ ،‬وانقسم‬
‫الناس إلى كافر ‪ ،‬ومؤمن ‪ ،‬ومنافق ‪ ،‬انقساما ً ظاهرا ً ‪ ،‬وعرف المؤمنون أن‬
‫لهم عدوا ً في نفس دورهم ‪ ،‬وهم معهم ل يفارقونهم ‪ ،‬فاستعدوا لهم ‪،‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫ما أنت ُ ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ه ل ِي َذ ََر ال ُ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وتحرزوا منهم ؛ قال الله تعالى ‪َ )) :‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ب وَلك ِ ّ‬ ‫َ‬
‫م عَلى الغَي ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ل ِي ُطل َِعلك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬
‫ب وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬‫خِبي َ‬ ‫ميَز ال َ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫عَل َي ْهِ َ‬
‫شاُء (( ]ال عمران ‪. [179 :‬‬ ‫من ي َ َ‬ ‫سل ِهِ َ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫جت َِبي ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫أي ‪ :‬ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين ‪،‬‬
‫حتى يميز أهل اليمان من أهل النفاق ‪ ،‬فإنهم متميزون في غيبه وعلمه ‪،‬‬
‫وهو سبحانه يريد أن يميزهم تمييزا ً مشهودا ً ‪ ،‬فيقع معلومه الذي هو غيب‬
‫شهادة ً ‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنها ‪ :‬استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء ‪ ،‬وفيما يحبون‬
‫وما يكرهون ‪ ،‬فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون فهم‬
‫قا ً ‪ ،‬وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة‬ ‫عبيده ح ّ‬
‫والعافية ‪.‬‬
‫‪ -4‬ومنها ‪ :‬أنه سبحانه لو نصرهم دائما ً ؛ لطغت نفوسهم ‪ ،‬وشمخت ‪،‬‬
‫وارتفعت ؛ فلو بسط لهم النصر والظفر ‪ ،‬لكانوا في الحال التي يكونون فيها‬
‫لو بسط لهم الرزق ‪ ،‬فل يصلح عباده إل السراء والضراء‪ ،‬والشدة والرخاء ‪،‬‬
‫والقبض والبسط ‪.‬‬
‫‪ -5‬ومنها ‪ :‬أن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانا ً‬
‫وركونا ً إلى العاجلة ‪ ،‬وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار‬
‫الخرة ‪ ،‬فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته ‪ :‬قّيض لها من البتلء‬
‫والمتحان ما يكون دواًء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه ‪ ،‬فيكون‬
‫ذلك البلء والمحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه ‪ ،‬ولو تركه‬
‫لغلبته الدواء حتى يكون فيها هلكه ‪.‬‬
‫‪ -6‬ومنها ‪ :‬أن الشهادة عنده من أعلى مراتب أوليائه ‪ ،‬وهو سبحانه يحب أن‬
‫يتخذ من عباده شهداء ُتراق دماؤهم في محبته ومرضاته ‪ ،‬ويؤثرون رضاه‬
‫ومحابه على أنفسهم ‪ .‬ول سبيل إلى نيل هذه الدرجة إل بتقدير السباب‬
‫المفضية إليها من تسليط العدو ‪.‬‬
‫‪ -7‬ومنها ‪ :‬أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم ‪،‬قيض لهم‬
‫السباب التي يستوجبون بها هلكهم ومحقهم ‪ ،‬ومن أعظمها بعد كفرهم ‪:‬‬
‫بغيهم‪ ،‬وطغيانهم ‪ ،‬ومبالغتهم في أذى أوليائه ‪ ،‬ومحاربتهم ‪ ،‬وقتالهم ‪،‬‬
‫والتسلط عليهم ؛ فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم ‪ ،‬ويزداد بذلك‬
‫أعداؤه من أسباب محقهم وهلكهم ‪ .‬وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك في قوله ‪:‬‬
‫ن (( ]آل عمران ‪. [2] [141 :‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬‫حقَ ال َ‬ ‫م َ‬
‫مُنوا وَي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه ال َ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ص الل ّ ُ‬‫ح َ‬ ‫م ّ‬‫)) وَل ِي ُ َ‬
‫مواقف من السلف ‪:‬‬
‫‪ -1‬الموقف الول ‪ :‬محنة المام أحمد ابن حنبل ) رحمه الله تعالى ( ‪:‬‬
‫وما أظن أحدا ً من المسلمين يجهل المحنة التي تعرض لها أبو عبد الله أحمد‬
‫بن حنبل رحمه الله تعالى ؛ وذلك فيما يعرف بفتنة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وقد‬
‫تعرض هذا المام الجليل لمحنة وبلء عظيم ؛ تلك المحنة كانت مؤذية له‬
‫رحمه الله ‪ ،‬ومؤذية للمسلمين معه ‪ ،‬ولكن الله عز وجل ثّبته في هذه المحنة‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العظيمة ‪ ،‬وحمى به عقيدة أهل السنة من النحراف أو الندثار ‪ ،‬ولقد كانت‬


‫هذه البلّية لمام‬
‫السنة خيرا ً له فيما بعد ؛ فما كان لينال هذا الخير لول هذا البتلء وما من‬
‫الله به عليه من الثبات والتضحية ‪.‬‬
‫‪ -2‬شيخ السلم ابن تيمية وسجنه ‪:‬‬
‫وكذلك ل أظن أحدا ً من أهل العلم يجهل هذا الرجل العظيم ‪ ،‬وما ضحى به‬
‫في سبيل الله عز وجل بعلمه وجهاده وصبره وما لقى في ذلك من السجن‬
‫والبعاد‪ ،‬ولكن كان في ذلك البتلء خيرله ورفعة ‪ ،‬كما يقول ذلك هو عن‬
‫نفسه عندما ورد المرسوم السلطاني بسجنه في قلعة دمشق ‪ ) :‬أنا كنت‬
‫منتظرا ً ذلك ‪ ،‬وهذا فيه خير عظيم ( ]‪. [3‬‬
‫وقال ‪ ) :‬لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ً ما عدل عندي شكر هذه النعمة ( ‪.‬‬
‫كما كان في البتلء الذي تعرض له خير للمسلمين في عصره وما تله من‬
‫العصور ؛ وذلك بانتشار دعوته وعلمه ؛‬
‫يقول رحمه الله ‪ ) :‬ومن سنة الله ‪ :‬أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من‬
‫يعارضه ‪ ،‬فيحق الحق بكلماته‪ ،‬ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو‬
‫زاهق ( ]‪. [4‬‬
‫احتراس وتنبيه ‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وفي هذا المبحث أود التنبيه على قضية ُيخشى أن تنشأ من خلل الحديث‬
‫عن الرضا بقدر الله عز وجل وتفويض المور إليه ؛ أل وهي النحراف بهذا‬
‫المر إلى المفهوم الخاطئ لمسألة الرضا والتسليم لقضاء الله عز وجل‪،‬‬
‫والذي قد يؤدي إلى التواكل ‪ ،‬والعجز ‪ ،‬والرضا بالفساد ‪ ،‬والذلة ‪ ،‬والمهانة ‪،‬‬
‫وترك الخذ بالسباب والدعوة والجهاد ؛ فنكون قد عالجنا مرضا ً وانفتح علينا‬
‫مرض آخر ‪ .‬من أجل ذلك سأخص هذا المبحث بالحديث عن هذه القضية ‪،‬‬
‫وذلك احتراسا ً من الفهم الخاطئ الذي قد ينشأ لو لم يحصل هذا التنبيه ‪،‬‬
‫فأقول وبالله التوفيق ‪:‬‬
‫إن من القواعد المهمة لمطالعة حوادث الزمان ‪ :‬الفهم الصحيح لعقيدة‬
‫القضاء والقدر ‪ ،‬والفهم الصحيح لمقتضى أسماء الله عز وجل الحسنى‬
‫وصفاته العل‪ ،‬والتوازن في هذا الفهم بين الغلو والجفاء ‪ ،‬وهذا والحمد لله هو‬
‫سمة معتقد أهل السنة والجماعة في جميع أبواب العقيدة ‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫عقيدة القضاء والقدر ‪ ،‬وتوحيد السماء والصفات ‪ .‬ولقد انحرف عن هذه‬
‫القواعد طرفان من الناس ‪ :‬فمنهم من أنكر الستدلل بالقضاء والقدر على‬
‫حوادث الزمان ‪ ،‬وتنقص المؤمنين به ‪ ،‬ومنهم من فهم القضاء والقدر على‬
‫مذل ‪ ،‬وكل الموقفين منحرف ومجانب للصواب ؛‬ ‫أنه تواكل وخمول وخنوع ُ‬
‫فاليمان بقضاء الله عز وجل وبعلمه وتقديره للمور قبل وقوعها ‪ ،‬ثم مشيئته‬
‫‪ ،‬وخلقه لها ‪ ،‬وأن له الحكمة البالغة في كل ما يقضيه ويقدره ‪ ،‬وأن من وراء‬
‫ذلك رحمته‪ ،‬وإرادة الخير واليسر لعباده ‪ ..‬كل ذلك مما يجب اليمان به في‬
‫باب القضاء والقدر ‪ ،‬كما أنه مقتضى اليمان بأسمائه سبحانه وصفاته ‪ ،‬ولكن‬
‫هذا اليمان بهذه القواعد والحقائق ل يعني ترك السباب‪ ،‬والرضا بالذلة‬
‫والهوان وانتشار الفساد ‪ ،‬كل ‪ ،‬بل إن الفهم الصحيح للقضاء والقدر يكمن‬
‫في التوازن بين الستسلم المطلق لقدر الله ‪ ،‬والعمل بكل ما في الوسع‬
‫والوقوف المطمئن عند حد الستطاعة ؛ وهذا يعني فعل السباب التي‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سخرها الله سبحانه‪ ،‬ومدافعة أقدار الله عز وجل بأقداره ‪ ،‬ما دام أن هناك‬
‫ت‬
‫سد َ ِ‬‫ف َ‬ ‫ض لّ َ‬‫ضُهم ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬
‫س ب َعْ َ‬ ‫إمكانا ً للمدافعة ؛ قال تعالى ‪ )) :‬وَل َ ْ‬
‫ل عََلى الَعال َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن (( ]البقرة ‪ [251 :‬فإذا لم ُتجدِ‬ ‫مي َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ُذو فَ ْ‬ ‫ض وَل َك ِ ّ‬
‫الْر ُ‬
‫المدافعة‪ ،‬أو لم يكن ذلك في المكان ‪ :‬فالواجب ‪ :‬الصبر والستسلم لقضاء‬
‫الله عز وجل ‪ ،‬واليقين بأن من وراء ذلك خيرا ً ومصلحة ورحمة ‪ ،‬يجب أن‬
‫يتجه الجهد إلى التماسها‪ ،‬وتسخيرها في مزيد من الخير والصلح ‪ ،‬وتغيير‬
‫الحوال‪ ،‬ومحاسبة النفوس ‪ ،‬وإزالة أسباب المصيبة ‪ ،‬وبذل الجهد في‬
‫م ((‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ما ب َِأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬
‫قوْم ٍ َ‬
‫ما ب ِ َ‬‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬‫ن الل ّ َ‬‫دفعها ؛ قال تعالى ‪ )) :‬إ ّ‬
‫]الرعد ‪. [11 :‬‬
‫ويوضح هذا المعنى المام ابن القيم رحمه الله تعالى فيقول ‪ :‬ودفع القدر‬
‫بالقدر نوعان ‪:‬‬
‫ما يقع بأسباب أخرى من‬ ‫أحدهما ‪ :‬دفع القدر الذي قد انعقدت أسبابه ول ّ‬
‫القدر تقابله ‪ ،‬فيمتنع وقوعه‪ ،‬كدفع العدو بقتاله ‪ ،‬ودفع الحر والبرد ونحوه ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬دفع القدر الذي قد وقع واستقر بقدر آخر يرفعه ويزيله ‪ ،‬كدفع قدر‬
‫المرض بقدر التداوي ‪ ،‬ودفع قدر الذنب بقدر التوبة ‪ ،‬ودفع قدر الساءة بقدر‬
‫الحسان ‪ ،‬فهذا شأن العارفين وشأن القدار ‪ ،‬ل الستسلم لها‪ ،‬وترك‬
‫غلب العبد ‪،‬‬ ‫الحركة والحيلة ؛ فإنه عجز‪ ،‬والله تعالى يلوم على العجز‪ .‬فإذا ُ‬
‫وضاقت به الحيل ‪ ،‬ولم يبق مجال ؛ فهنالك الستسلم للقدر ‪ ،‬والنطراح‬
‫كالميت بين يدي الغاسل ‪ ،‬يقلبه كيف يشاء ]‪. [5‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‬
‫ل خير ‪.‬‬ ‫‪ )) :‬المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ‪ ،‬وفي ك ّ‬
‫احرص على ما ينفعك ‪ ،‬واستعن بالله ول تعجز ‪ ،‬وإن أصابك شيء فل تقل لو‬
‫أني فعلت كان كذا وكذا‪ ...‬الحديث(( ]‪، [6‬‬
‫ويشرح المام النووي الحديث ‪ ،‬فيقول ‪ ) :‬والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس‬
‫والقريحة في أمور الخرة ‪ ،‬فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما ً على‬
‫العدو في الجهاد ‪ ،‬وأسرع خروجا ً إليه‪ ،‬وذهابا ً في طلبه ‪ ،‬وأشد عزيمة في‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والصبر على الذى في كل ذلك‪،‬‬
‫واحتمال المشاق في ذات الله تعالى‪ ،‬وأرغب في الصلة‪ ،‬والصوم‪ ،‬والذكار‪،‬‬
‫وسائر العبادات‪ ،‬وأنشط طلبا ً لها ‪ ،‬ومحافظة عليها ونحو ذلك ‪ ..‬وقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ) :‬احرص على ما ينفعك ‪ ،‬واستعن بالله ول تعجز ( معناه ‪:‬‬
‫احرص على طاعة الله تعالى‪ ،‬والرغبة فيما عنده‪ ،‬واطلب العانة من الله‬
‫تعالى على ذلك ‪ ،‬ول تعجز ول تكسل عن طلب الطاعة ‪ ،‬ول عن طلب‬
‫العانة ( ]‪.[7‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ويتحدث المام ابن القيم رحمه الله تعالى عن الفرق بين العجز والتوكل ‪،‬‬
‫فيقول ‪ ) :‬والفرق بين التوكل والعجز ‪ :‬أن التوكل عمل القلب وعبوديته‬
‫‪:‬اعتمادا ً على الله ‪ ،‬وثقة به ‪ ،‬والتجاًء إليه‪ ،‬وتفويضا ً إليه‪ ،‬ورضا ً بما يقضيه له؛‬
‫لعلمه بكفايته سبحانه‪ ،‬وحسن اختياره لعبده إذا فوض إليه مع قيامه‬
‫بالسباب المأمور بها ‪ ،‬واجتهاده في تحصيلها ؛ فقد كان رسول الله أعظم‬
‫مَته ودرعه ‪ ،‬بل ظاهر يوم أحد بين درعين ‪،‬‬ ‫َ‬
‫المتوكلين ‪ ،‬وكان يلبس ل َ‬
‫واختفى في الغار ثلثا ً ؛ فكان متوكل ً في السبب ل على السبب ‪.‬‬
‫وأما العجز ‪ :‬فهو تعطيل المرين أو أحدهما ‪ :‬فإما أن يعطل السبب عجزا ً‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منه‪ ،‬ويزعم أن ذلك توكل ! ولعمر الله إنه لعجز وتفريط ‪ ،‬وإما أن يقوم‬
‫بالسبب ناظرا ً إليه‪ ،‬معتمدا ً عليه‪ ،‬غافل ً عن المسّبب ‪ ،‬معرضا ً عنه‪ ،‬وإن خطر‬
‫بباله لم يثبت معه ذلك الخاطر ‪ ،‬ولم يعلق قلبه به تعلقا ً تامًا‪ ،‬بحيث يكون‬
‫قلبه مع الله‪ ،‬وبدنه مع السبب ‪ .‬فهذا توكله عجز‪ ،‬وعجزه توكل( ]‪. [8‬‬
‫ويقول الدكتور علي العلياني وفقه الله تعالى في حديثه عن أهل التصوف‬
‫وانحرافهم في موضوع الجهاد في سبيل الله ‪ :‬إن من صفاتهم ‪) :‬الرضا بما‬
‫يقع عليهم من مصائب وذنوب‪ ،‬فل يحاولون دفعها عن أنفسهم ‪ ،‬زعما ً منهم‬
‫أن دفعها ينافي الرضا بالقدر ‪ ،‬فلو وطئ الكفار رقابهم يرضون ويسلمون ؛‬
‫لن الله أراد ذلك ! ‪ ..‬ويذكر الستاذ محمود مهدي قصة ملخصها‪ :‬أن‬
‫الفرنسيين إبان استعمارهم لتونس كانوا يجدون معارضة شديدة من الناس ؛‬
‫فتفاهم الفرنسيون مع شيخ الصوفية على أن يدخلوا البلد ؛ فلما أصبح‬
‫الصباح قعد الشيخ مطرقا ً رأسه وهو يقول ‪ :‬ل حول ول قوة إل بالله ‪ ،‬فلما‬
‫سأله أتباعه عن المر الذي يقلقه قال لهم ‪ :‬لقد رأيت الخضر وسيدي أبا‬
‫العباس الشاذلي وهما قابضان بحصان جنرال فرنسا ثم أوكل الجنرال أمر‬
‫تونس ‪ ،‬يا جماعة هذا أمر الله ‪ ،‬فما العمل ؟ فقالوا له ‪ :‬إذا كان سيدي أبو‬
‫العباس راضيا ً ‪ ،‬ونحن نحارب في سبيله ‪ ،‬فل داعي للحرب ! ثم دخل الجيش‬
‫الفرنسي تونس بدون مقاومة( إلى أن يقول ‪ ) :‬إن عقيدة الصوفية المنحرفة‬
‫في التوكل والرضا بالقدر ‪ :‬جعلت نفوسهم راضية مطمئنة ولو وطئ الكفار‬
‫على رقابهم ؛ فإن التوكل عندهم عدم ممارسة السباب ‪ ،‬والرضا معناه أن‬
‫ترضى بما يحصل لك ولو هو استيلء الكفار على بلد المسلمين ‪ ،‬وسبي‬
‫ذراريهم ‪ .‬وإن أبديت مقاومة فأنت معارض للقدر ! وغير متوكل على الله !‬
‫مة‬ ‫َ‬
‫فالذي يسافر في البراري الخالية بغير زاد ‪ ،‬هل يتصور منه أن يلبس ل َ‬
‫الحرب ودروع القتال ؟ وليته إذ لم يفعل ذلك غمس نفسه في القتال حاسرا ً‬
‫! ! ‪ ..‬ولكن ما له ولفرقعة السلح ‪ ،‬ولخرير الدماء ؛ وحلق الرقص وطقطقة‬
‫المسابح كفيلة بإنزاله منزلة الصديقين على زعمه ‪ ،‬فأي انحراف هذا الذي‬
‫أصاب المة السلمية ‪ ،‬وأي فرحة للكفار تحصل لهم أشد من فرحتهم بهذا (‬
‫]‪. [9‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬في ظلل القرآن ‪ ،‬م ‪ ، 3‬ص ‪. 1481‬‬
‫)‪ (2‬زاد المعاد ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪ 222-218‬باختصار ‪.‬‬
‫)‪ (3‬العقود الدرية ‪ ،‬ص ‪. 329‬‬
‫)‪ (4‬مجموع فتاوى ابن تيمية ‪ ،‬ج ‪ ، 28‬ص ‪. 57‬‬
‫)‪ (5‬مدارج السالكين ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 20‬‬
‫)‪ (6‬رواه مسلم ‪ :‬كتاب القدر ‪ ،‬ح ‪. 2664‬‬
‫)‪ (7‬شرح صحيح مسلم للنووي ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪. 215‬‬
‫)‪ (8‬الروح ‪ ،‬ص ‪. 344‬‬
‫)‪ (9‬أهمية الجهاد في نشر الدعوة السلمية ‪ ،‬باختصار ‪ ،‬ص ‪. 288‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ل تدخلوا حتى يؤذن لكم‬


‫صالح بن عبدالله بن حميد‬
‫دار القاسم‬
‫الحمد لله‪ ،‬أكمل لنا الدين‪ ،‬وأتم علينا النعمة‪ ،‬ورضي لنا السلم دينا‪ .‬أحمده‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبحانه وأشكره‪ ،‬وأتوب إليه وأستغفره‪ ،‬وأشهد أل إله إل الله وحده ل شريك‬
‫له‪ ،‬وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا ً عبده ورسوله‪ ،‬ذو الدب الجم‪ ،‬والخلق‬
‫الرفيع‪ ،‬صلى الله وسلم وبارك عليه‪ ،‬وعلى آله وصحبه والتابعين‪ ،‬ومن تبعهم‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫عباد الله‪ ،‬لقد جعل الله البيوت سكنا ً يأوي إليها أهلها‪ ،‬تطمئن فيها نفوسهم‪،‬‬
‫ويأمنون على حرماتهم‪ ،‬يستترون بها مما يؤذي العراض والنفوس‪ ،‬يتخففون‬
‫فيها من أعباء الحرص والحذر‪.‬‬
‫وإن ذلك ل يتحقق على وجهه إل حين تكون محترمة في حرمتها‪ ،‬ل يستباح‬
‫حماها إل بإذن أهلها‪ .‬في الوقات التي يريدون‪ ،‬وعلى الحوال التي يشتهون‪:‬‬
‫موا ْ عََلى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سل ّ ُ‬‫سوا ْ وَت ُ َ‬ ‫ست َأن ِ ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خُلوا ْ ب ُُيوتا ً غَي َْر ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َد ْ ُ‬ ‫ن ءا َ‬‫ذي َ‬ ‫يأي َّها ال ّ ِ‬
‫خُلو َ‬‫حدا ً فَل َ ت َد ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫ها َ‬ ‫دوا ْ ِفيَها أ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬‫ن فَِإن ل ّ ْ‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫أهْل َِها ذال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫م‬‫ن عَِلي ٌ‬‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫كى ل َك ُ ْ‬ ‫جُعوا ْ هُوَ أ َْز َ‬ ‫جُعوا ْ َفاْر ِ‬ ‫م اْر ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫م وَِإن ِقي َ‬ ‫ن ل َك ُ ُ‬‫ي ُؤْذ َ َ‬
‫]النور‪.[28-27:‬‬
‫إن اقتحام البيوت من غير استئذان؛ هتك لتلك الحرمات‪ ،‬وتطلع على‬
‫العورات‪ ،‬وقد يفضي إلى ما يثير الفتن‪ ،‬أو يهيئ الفرص لغوايات تنشأ من‬
‫نظرات عابرة‪ ..‬تتبعها نظرات مريبة‪ ..‬تنقلب إلى علقات آثمة‪ ،‬واستطالت‬
‫محرمة‪.‬‬
‫وفي الستئذان وآدابه ما يدفع هاجس الريبة‪ ،‬والمقاصد السيئة‪.‬‬
‫أيها الخوة المؤمنون‪ ،‬إن كل امرئ في بيته قد يكون على حالة خاصة‪ ،‬أو‬
‫أحاديث سرية‪ ،‬أو شؤون بيتية‪ ،‬فيفجؤه داخل من غير إذن قريبا ً كان أو غريبا‪ً،‬‬
‫وصاحب البيت مستغرق في حديثه‪ ،‬أو مطرق في تفكيره‪ ،‬فيزعجه هذا أو‬
‫يخجله‪ ،‬فينكسر نظره حياًء‪ ،‬ويتغيظ سخطا ً وتبرمًا‪.‬‬
‫صر في أدب الستئذان بعض الجلف ممن ل يهمه إل قضاء حاجته‪،‬‬ ‫ولقد يق ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جل مراده‪ ،‬بينما يكون دخوله محرجا للمزور مثقل عليه‪.‬‬ ‫وتع ّ‬
‫وما كانت آداب الستئذان وأحكامه إل من أجل أل يفّرط الناس فيه أو في‬
‫بعضه‪ ،‬معتمدين على اختلف مراتبهم في الحتشام والنفة‪ ،‬أو معولين على‬
‫أوهامهم في عدم المؤاخذة‪ ،‬أو رفع الكلفة‪.‬‬
‫سوا ]النور‪.[27:‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ست َأن ِ ُ‬‫حّتى ت َ ْ‬ ‫تأملوا أيها المؤمنون قوله سبحانه‪َ :‬‬
‫إنه استئذان في استئناس‪ ،‬يعبر عن اللطف الذي يجب أن يكون عليه الزائر‬
‫أو الطارق مراعاةً لحوال النفوس وتهيؤاتها‪ ،‬وإدراكا ً لظروف الساكنين في‬
‫بيوتاتهم وعوراتهم‪.‬‬
‫لنس والستئناس إل بانتفاء الوحشة والكراهية؟!‬ ‫وهل يكون ا ُ‬
‫ب رفيع يتحلى به الراغب في الدخول لكي يطلب إذنا ً ل يكون معه‬ ‫أد ٌ‬
‫استيحاش من رب المنزل‪ ،‬بل بشاشة وحسن استقبال‪.‬‬
‫ينبغي أن يكون الزائر والمزور متوافقين مستأنسين‪ ،‬فذلك عون على تأكيد‬
‫روابط الخوة السلمية‪.‬‬
‫ولقد بسطت السنة المطهرة هذا الدب العالي‪ ،‬وازدان بسيرة السلف‬
‫الصالح تطبيقا ً وتبيينًا‪.‬‬
‫فكان نبيكم محمد إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه‪ ،‬ولكن‬
‫من ركنه اليمن‪ ،‬أو اليسر‪ ،‬ويقول‪ } :‬السلم عليكم‪ ،‬السلم عليكم { ]رواه‬
‫البخاري وأبوداود وصححه اللباني[‪.‬‬
‫ووقف سعد بن عبادة مقابل الباب فأمره النبي أن يتباعد‪ .‬وقال له‪ } :‬وهل‬
‫الستئذان إل من أجل النظر؟! { ]رواه الطبراني[‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه‪ } :‬اطلع‬
‫جر النبي ومع النبي مدرى ـ أي‪ :‬مشط ـ يحك به رأسه‪،‬‬ ‫ح َ‬‫رجل من جحرٍ في ُ‬
‫فقال النبي‪ :‬لو أعلم أنك تنظر؛ لطعنت به في عينك‪ ،‬إنما جعل الستئذان من‬
‫أجل البصر { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫ُ‬
‫والمستأذن ـ أيها الخوة ـ يستأذن ثلث مرات فإن أذن له وإل رجع‪ .‬وقد قيل‪:‬‬
‫إن أهل البيت بالولى يستنصتون‪ ،‬وبالثانية يستصلحون‪ ،‬وبالثالثة يأذنون أو‬
‫سمع صوته وإل زاد حتى‬ ‫ث إذا ُ‬ ‫يرّدون‪ ،‬لكن قال أهل العلم‪ :‬ل يزيد على ثل ٍ‬
‫سمع‪.‬‬ ‫يعلم أو يظن أنه ُ‬
‫ويقول في استئذانه‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬أأدخل؟‪ .‬فقد استأذن رجل على النبي‬
‫وهو في بيته } فقال‪ :‬أألج؟ فقال النبي لخادمه‪ :‬اخرج إلى هذا! فعّلمه‬
‫ل‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬أأدخل؟ فسمعه الرجل‪ ،‬فقال‪ :‬السلم‬ ‫الستئذان فقل له‪ :‬ق ْ‬
‫عليكم‪ ،‬أأدخل؟ فأذن له النبي ‪ ،‬فدخل { ]رواه أحمد وأبو داود[‪.‬‬
‫وله أن يستأذن بنداٍء أو قرع أو نحنحة أو نحو ذلك‪.‬‬
‫تقول زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما‪) :‬كان عبد الله إذا‬
‫وت(‪.‬‬‫دخل تنحنح وص ّ‬
‫ويقول المام أحمد‪) :‬يستحب أن يحرك نعله في استئذانه عند دخوله حتى‬
‫ة‪ :‬إذا دخل يتنحنح(‪.‬‬‫إلى بيته؛ لئل يدخل بغتة‪ .‬وقال مر ً‬
‫ومن الدب أن الطارق إذا سئل عن اسمه فليبينه‪ ،‬وليذكر ما ُيعرف به‪ .‬ول‬
‫س‪ .‬يقول جابر رضي الله عنه‪ } :‬أتيت إلى النبي‬ ‫ض أو لب ٌ‬ ‫يجيب بما فيه غمو ٌ‬
‫في دين كان على أبي‪ ،‬فدققت الباب‪ ،‬فقال‪ :‬من ذا؟‪ ،‬فقلت‪ :‬أنا‪ ،‬فقال النبي‪:‬‬
‫أنا أنا !!!‪ ،‬كأنه كرهها { ]رواه البخاري ومسلم[‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإذا قرع الباب فليكن برفق ولين من غير إزعاج أو إيذاء ول ازدياد في‬
‫الصرار‪ ،‬ول يفتح الباب بنفسه‪ ،‬وإذا أذن له في الدخول فليتريث‪ ،‬ول‬
‫يستعجل في الدخول‪ ،‬ريثما يتمكن صاحب البيت من فسح الطريق وتمام‬
‫التهيؤ‪ ،‬ول يرم ببصره هنا وهناك‪ ،‬فما جعل الستئذان إل من أجل النظر‪.‬‬
‫والستئذان حقّ على كل داخل من قريب و بعيد من الرجل والمرأة‪ ،‬ومن‬
‫العمى والبصير‪.‬‬
‫عن عطاء بن يسار } أن رسول الله سأله رجل فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أستأذن‬
‫على أمي؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قال الرجل‪ :‬إني معها في البيت؟ فقال رسول الله ‪:‬‬
‫استأذن عليها‪ .‬فقال الرجل‪ :‬إني خادمها‪ .‬فقال له رسول الله ‪ :‬استأذن عليها‪،‬‬
‫أتحب أن تراها عريانة؟‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فاستأذن عليها { ]رواه مالك بإسناد‬
‫جيد[‪.‬‬
‫ويقول أبو موسى الشعري رضي الله عنه‪ :‬إذا دخل أحدكم على والدته‬
‫فليستأذن‪.‬‬
‫والعمى يستأذن كالبصير‪ ،‬فلربما أدرك بسمعه ما ل يدركه البصير ببصره‪.‬‬
‫ب في أذنه‬ ‫ص ّ‬
‫} ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه‪ُ ،‬‬
‫النك يوم القيامة { ]رواه البخاري[ والنك هو الرصاص المذاب‪.‬‬
‫أيها الخوة في الله‪ ،‬وهناك أدب قرآني عظيم‪ ،‬ل يكاد يفقهه كثير من‬
‫َ‬
‫جُعوا ْ هُوَ أْزكى‬
‫َ‬ ‫جُعوا ْ َفاْر ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م اْر ِ‬ ‫ل‪ :‬وَِإن ِقي َ‬
‫المسلمين‪ .‬إنه قول الله عّز وج ّ‬
‫م ]النور‪.[28:‬‬‫ل َك ُ ْ‬
‫إن من حق صاحب البيت أن يقول بل غضاضة للزائر والطارق‪ :‬ارجع‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فللناس أسرارهم وأعذارهم‪ ،‬وهم أدرى بظروفهم‪ ،‬فما كان الستئذان في‬
‫البيوت إل من أجل هذا‪.‬‬
‫وعلى المستأذن أن يرجع من غير حرج‪ ،‬وحسبه أن ينال التزكية القرآنية‪.‬‬
‫قال بعض المهاجرين‪ :‬لقد طلبت عمري كله هذه الية فما أدركتها‪ .‬لقد‬
‫طلبت أن أستأذن على بعض إخواني ليقول لي‪ :‬ارجع‪ ،‬فأرجع وأنا مغتبط‪.‬‬
‫م ]النور‪ .[28:‬ذكره‬ ‫جُعوا ْ هُوَ أ َْز َ‬
‫كى ل َك ُ ْ‬ ‫جُعوا ْ َفاْر ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م اْر ِ‬ ‫لقوله تعالى‪ :‬وَِإن ِقي َ‬
‫الحافظ ابن كثير في تفسيره‪.‬‬
‫إن من الخير لك ولصاحبك أيها الطارق‪ ،‬أن َيعتذر عن استقبالك بدل ً من‬
‫الذن على كراهية ومضض‪ ،‬ولو أخذ الناس أنفسهم بهذا الدب‪ ،‬وتعاملوا بهذا‬
‫الوضوح؛ لجتنبوا كثيرا ً من سوء الظن في أنفسهم وإخوانهم‪.‬‬
‫إن هذه التفاصيل الدقيقة في آداب الستئذان تؤكد فيما تؤكد حرمة البيوت‪،‬‬
‫ولزوم حفظ أهلها من حرج المفاجآت‪ ،‬وضيق المباغتات‪ ،‬والمحافظة على‬
‫ستر العورات‪ .‬عورات كثيرة تعني كل ما ل ُيرغب الطلع عليه من أحوال‬
‫البدن‪ ،‬وصنوف الطعام واللباس وسائر المتاع‪ ،‬بل حتى عورات المشاعر‬
‫والحالت النفسية‪ ،‬حالت الخلف السري‪ ،‬حالت البكاء والغضب والتوجع‬
‫والنين‪ .‬كل ذلك مما ل يرغب الطلع عليه ل من الغريب ول من القريب‪،‬‬
‫إنها دقائق يحفظها ويسترها أدب الستئذان‪ .‬فهل يدرك هذا أبناء السلم؟!‬
‫اللهم فقهنا في ديننا‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل تطل في غير طائل ‪23/4/1426‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وبعد‪ ،‬لقد وقفنا مع فصول من‬
‫سورة يوسف ولتزال المواقف كثيرة‪ ،‬وكثرتها هذه مع ما اختصر في القرآن‬
‫من حياته _عليه السلم_‪ ،‬فما كل شأنه أتت السورة بذكره وإنما هي وقفات‬
‫مع معالم في حياته _عليه السلم_‪.‬‬
‫خُلوا ْ‬ ‫َ‬
‫ف فد َ َ‬ ‫س َ‬ ‫خوَة ُ ُيو ُ‬‫جاء إ ِ ْ‬
‫ومما يشير إلى هذا المعنى قول الله _تعالى_‪" :‬وَ َ‬
‫ن" ذكره عقب إخباره _سبحانه_ بالتمكين‬ ‫منك ُِرو َ‬ ‫م لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫عَل َي ْهِ فَعََرفَهُ ْ‬
‫م وَهُ ْ‬
‫ليوسف في الرض بعد أن استخلصه الملك لنفسه وجعله على الخزائن‪.‬‬
‫ة بل صفحات فيما مضى وانتهت مراحل من قصة يوسف‬ ‫وهنا طويت صفح ٌ‬
‫هذه القصة العجيبة‪ ،‬وهاهي الن تبدأ مرحلة جديدة وصفحة جديدة يفصل‬
‫ه‬‫م لَ ُ‬ ‫خُلوا عَل َي ْهِ فَعََرفَهُ ْ‬
‫م وَهُ ْ‬ ‫ف فَد َ َ‬
‫س َ‬
‫خوَة ُ ُيو ُ‬‫جاَء إ ِ ْ‬
‫بينهما بضع سنوات‪" ،‬وَ َ‬
‫ن" )يوسف‪ (58:‬متى جاؤوا؟‬ ‫من ْك ُِرو َ‬ ‫ُ‬
‫الذي يقرأ اليات المتتابعة بعد لقائه بالملك قد يتصور أنه فور دخوله وفور‬
‫رئاسته دخلوا عليه‪ ،‬وليس كذلك‪.‬‬
‫بل قد مرت سنوات الرخاء السبع‪ ،‬ثم بدأت سنوات الشدة‪ ،‬وهنا جاء إخوة‬
‫يوسف‪ ،‬ولهذا ناسب أن يجيء بقوله‪" :‬وجاء إخوة يوسف" بالواو وليس‬
‫بالفاء التي تفيد التعقيب والترتيب‪.‬‬
‫وهذا مشعر بأن إخوة يوسف قد جاؤوا بعد بدء سنوات الشدة‪ ،‬وبدأ تأثيرها‬
‫أيضًا‪ ،‬وربما مضت من سنوات الشدة سنة أو سنتان أو ثلث فالله أعلم‪.‬‬
‫والشاهد من هذا هو أن القرآن يركز على المشاهد المؤثرة‪ ،‬يركز على‬
‫الحداث التي تكون فيها العبر العظيمة مع اختصار غيرها‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما ما عدا ذلك فل داعي للخوض في تفاصيله‪ ،‬وهذا ينبغي أن يكون منهجا ً‬
‫لنا؛ من حيث ترك طلب معرفة نحوه والتعمق فيه‪ ،‬فلو كان علمه مما تتوقف‬
‫عليه مصالح العباد لنبأنا به اللطيف الخبير‪.‬‬
‫وأيضا ً ينبغي أن نستفيد منه منهجا ً في الكتابة‪ ،‬وبالخص من يكتب تاريخا ً أو‬
‫يكتب قصة‪ ،‬فل يأتي ويسرد كل شيء؛ ما فيه فائدة وما ليست فيه فائدة‪،‬‬
‫وإنما ليركز على المواقف والقضايا المؤثرة في القضية أما ما عدا ذلك فل‬
‫داعي لتسويد الصفحات به‪.‬‬
‫ولعلك ترى واقع الكتابات المعاصرة وما في بعض الكتب بل الرسائل‬
‫الجامعية من التضخيم ولو أنها اختصرت لوصلت إلى الربع وربما أقل والباقي‬
‫كلم الحاجة إليه قليلة إن لم نقل لحاجة إليه أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وقد كان من هدي محمد _صلى الله عليه وسلم_ التيان بالكلم الجوامع‪،‬‬
‫فكلمة واحدة يقولها – صلى الله عليه وسلم – تغني عن الكثير من الكلم‬
‫وتصبح منهجا ً للحياة‪ ،‬يأتيه رجل كما في حديث سفيان بن عبدالله ويقول له‬
‫– يا رسول الله قل لي في السلم قول ل أسأل عنه أحدا ً بعدك وفي رواية‬
‫غيرك فيقول‪":‬قل آمنت بالله ثم استقم" اختصار جامع مانع يعرض به منهجا ً‬
‫للحياة يتضمن ركنين عظيمين عليهما مدار المر كله؛ اليمان‪ ،‬ثم الستقامة‬
‫عليه‪ ،‬وهل هلك من هلك إل بالزيغ أو الضلل بعد الهدى؟‬
‫ل‪ ،‬ولو‬ ‫والشاهد أنه _صلى الله عليه وسلم_ لم يتحدث معه حديثا ً طويل ً مفص ً‬
‫عرض هذا السؤال على بعض من يعتنون بتشقيق الكلم وتفصيله لوضع فيه‬
‫المجلدات‪ ،‬ثم اعتذر بأنه لم يوفي!‬
‫إخوة السلم هذا منهج آمل أن يفيد منه الباحثون والمؤلفون وأخص‬
‫المؤرخين وهو منهج القرآن أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهله العاملين‬
‫بهداه‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن اتبع هداهم‬
‫بإحسان‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل تطلب إل الفردوس‬
‫مفكرة السلم‪ :‬ما زلنا أيها الحبيب في رحلتنا المباركة في جنة رب‬
‫العالمين‪...‬‬
‫وكنا قد توقفنا عند مشهد جميل‪ ،‬وأنت تتنزه مع زوجتك من الحور العين على‬
‫ضفاف النهار التي أجراها الله تحت قصورك بين أشجارك وثمارك‪ ،‬ثم ينتهي‬
‫بك المطاف إلى قصر آخر‪.‬‬
‫ضا‪.‬‬
‫تقول لك زوجتك‪ :‬إنه لك أي ً‬
‫ثم خيمة من لؤلؤة مجوفة‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬وهذا القصر وهذا البيت‪ ،‬فتتعجب‪ ،‬ثم يدور‬‫فتقول لك زوجتك‪ :‬وهذه لك أي ً‬
‫تساؤل في ذهنك‪' :‬هل كل أهل الجنة لهم نفس هذه الشياء أم أنهم درجات‬
‫ويتفاوتون في العطايا من رب العالمين؟؟'‬
‫والجابة على هذا السؤال سهلة وبسيطة‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أخبرنا بذلك‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬إن في الجنة مائة درجة ما بين‬
‫كل درجتين مائة عام [[‪ .‬صححه اللباني في صحيح الجامع‪.‬‬
‫وفي حديث آخر أنه يقال يوم القيامة لقارئ القرآن‪ ]] :‬اقرأ وارتق ورتل كما‬
‫كنت ترتل في الدنيا‪ ،‬فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها [[‪ .‬صححه اللباني في‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلسلة الصحيحة‪.‬‬
‫فالجنة بها درجات كثيرة‪........‬‬
‫المهم‪ ،‬لن أصف لك أهل كل درجة‪ ،‬وما أعده الله لهم من العطايا‪ ،‬ولكن‬
‫يكفيك أن تعرف ما يأخذه أدنى أهل الجنة حتى تعرف باقي الدرجات‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪ ]] :‬سأل موسى ربه‪ :‬ما أدنى أهل الجنة منزلة؟‬
‫قال‪ :‬هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة‪ ،‬فيقال له‪ :‬ادخل الجنة‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬أي رب؟ وكيف؟ وقد نزل الناس منازلهم‪ ,‬وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال‬
‫ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول‪ :‬رضيت رب‪,‬‬ ‫ملك َ‬
‫له‪ :‬أترضى أن يكون لك مثل ُ‬
‫فيقول‪ :‬لك ذلك ومثله‪ ,‬ومثله‪ ،‬ومثله‪ ،‬ومثله‪ ,‬فقال في الخامسة‪ :‬رضيت رب‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬لك هذا و عشرة أمثاله‪ ،‬ولك ما اشتهت نفسك‪ ،‬ولذت عينك‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫رضيت رب [[‪.‬‬
‫هل تخيلت أيها الحبيب؟؟!!‬
‫هذا هو أدناهم‪ ،‬فما بالنا بأعلى أهلها منزلة؟‬
‫دار هذا السؤال في رأس موسى عليه السلم؛ فسأله الله عز وجل؛ فأخبره‬
‫ربه ]] قال‪-‬أي موسى عليه السلم‪ :-‬رب فأعلهم منزلة؟ قال‪ :‬أولئك الذين‬
‫أردت‪ ,‬غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها‪ ,‬فلم تر عين‪ ,‬ولم تسمع أذن‪,‬‬
‫ولم يخطر على قلب بشر [[‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫ومصداقه في كتاب الله عز وجل ‪ [:‬فل تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة‬
‫أعين]‬
‫وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن درجات أهل الجنة‪ ,‬وعن أهل‬
‫الغرف‪ ،‬وأهل الفردوس العلى‪.‬‬
‫فقال ]] إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب‬
‫الدري؛ لتفاضل ما بينهم‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬تلك منازل النبياء ل يبلغها‬
‫غيرهم؟ قال‪ :‬بلى والذي نفسي بيده‪ ،‬رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين [[‪.‬‬
‫رواه البخاري والمسلم‪.‬‬
‫الله أكبر ‪.....‬‬
‫بشارة عظيمة من الله عز وجل للمسلمين بأن الفردوس ليس حكًرا على‬
‫النبياء والمرسلين والصحابة‪ ،‬ولكن يمكن لكل مؤمن أن يدخلها إذا طبق‬
‫هذين الشرطين؛ اليمان بالله والتصديق بالرسل‪ ،‬ولكن ليس أي إيمان ول‬
‫إي تصديق‪.‬‬
‫أخي الحبيب‪:‬‬
‫على قدر الهموم تكون الهمم‪.‬‬
‫سؤال نسأله لنفسنا في هذه اللحظة‪.‬‬
‫إذا كنت تستطيع أن تنال الفردوس العلى وترافق النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وصحابته طوال اليوم‪ ،‬وتكون بجوار عرش الرحمن‪ ،‬إذا كنت تستطيع‬
‫ذلك؛ فلماذا ترضى بأقل منه؟‬
‫ألم تسمع كلم المام بن الجوزي رحمه الله‪ ] :‬من علمة كمال العقل علو‬
‫الهمة والراضي بالدون دنيء [‪ .‬صيد الخاطر‪.‬‬
‫ومعاذ الله أن يكون قصدنا أن أقل درجات الجنة دون‪ ،‬ولكن المقصود هنا‬
‫الذي يوجد ما هو أعلى منه‪.‬‬
‫وسأسوق إليك الن ميزة أخرى لكل أهل الجنة‪ ،‬ولكنها تكون لهل الفردوس‬
‫صا‪ ،‬فهي تحدث لهم كل يوم‪ ،‬أل وهي رؤية وجه الله عز وجل‪،‬‬ ‫أشد تخصي ً‬
‫وتكون بعد أن يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار‪ ،‬كما أخبر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ ]] :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دا يريد أن ينجزكموه‪،‬‬ ‫النار؛ نادى مناٍد‪ ،‬يا أهل الجنة‪ ،‬إن لكم عند الله موع ً‬
‫فيقولون‪ :‬وما هو؟ ألم يثقل موازيننا‪ ،‬ويبيض وجوهنا‪ ،‬ويدخلنا الجنة‪ ،‬وينجينا‬
‫من النار؟ فيكشف الحجاب؛ فينظرون إليه‪،‬فوالله ما أعطاهم الله شيًئا أحب‬
‫إليهم من النظر إليه ول أقر لعينهم[[‪ .‬صححه اللباني في صحيح الجامع‪.‬‬
‫وهذه هي الزيادة فى قوله تعالى } ل ّل ّذي َ‬
‫سَنى وَزَِياد َة ٌ ]‪{[26‬‬ ‫سُنوا ْ ال ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ َ‬
‫سورة يونس‪.‬‬
‫أل تشتاق لرؤية الله عز وجل في الجنة؟‬
‫أل تتمنى أن تراه كل يوم؟؟‬
‫فهذه خاصة لهل الفردوس العلى‪ ،‬وأختم أيها الحبيب رحلتي معك في‬
‫الجنة‪ ،‬بهذا الحديث الرائع عن آخر من يدخل الجنة‪ ،‬وبعدها ل يدخل أحد‬
‫البتة؛ لتعلم ما سيحصل عليه من النعيم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال صلى الله عليه وسلم ]] إن أدنى أهل الجنة منزًل رجل صرف الله وجهه‬
‫عن النار قبل الجنة‪ ،‬ومّثل له شجرة ذات ظل‪ ،‬فقال‪ :‬أي رب‪ ،‬قدمني إلى‬
‫هذه الشجرة فأكون في ظلها‪ ،‬فقال الله‪ :‬هل عسيت أن تسألني غيره‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل وعزتك‪ ،‬فقدمه الله إليها‪ ،‬ومّثل له شجرة ذات ظل وثمر‪ ،‬فقال‪ :‬أي رب‪،‬‬
‫قدمني إلى هذه الشجرة؛ فأكون في ظلها وآكل من ثمرها فقال الله‪ :‬هل‬
‫عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره‪ ،‬فيقول‪ :‬ل وعزتك‪ ،‬فيقدمه الله‬
‫إليها‪ ،‬فيمّثل الله له شجرة أخرى ذات ظل وثمر وماء‪ ،‬فيقول‪ :‬أي رب‪،‬‬
‫قدمني إلى هذه الشجرة؛ فأكون في ظلها وآكل من ثمرها‪ ،‬وأشرب من‬
‫مائها‪ ،‬فيقول الله له‪ :‬هل عسيت إن فعلت أن تسألني غيره‪ ،‬فيقول‪ :‬ل‬
‫وعزتك ل أسألك غيره‪ ،‬فيقدمه الله إليها؛ فيبرز له باب الجنة‪ ،‬فيقول‪ :‬أي‬
‫رب‪ ،‬قدمني إلى باب الجنة؛ فأكون تحت سجاف الجنة فأرى أهلها‪ ،‬فيقدمه‬
‫الله إليها‪ ،‬فيرى الجنة وما فيها‪ ،‬فيقول‪ :‬أي رب‪ ،‬أدخلني الجنة‪ ،‬فيدخل الجنة‪،‬‬
‫فإذا دخل الجنة؛ قال‪ :‬هذا لي‪ ،‬فيقول الله له‪ :‬تمن فيتمنى ويذكره الله عز‬
‫وجل‪ ،‬سل من كذا وكذا‪ ،‬حتى إذا انقطعت به الماني؛‪ :‬قال الله هو لك‬
‫وعشرة أمثاله‪ ،‬ثم يدخله الله الجنة‪ ،‬فيدخل عليه زوجتاه من الحور العين‪،‬‬
‫فيقولن‪ :‬الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك‪ ،‬فيقول ما ُأعطي أحد مثل ما‬
‫أعطيت [[ رواه مسلم‪.‬‬
‫أخيًرا أيها الحبيب‪ ،‬موعدنا في المرة القادمة مع أهم الحلقات وخاتمة هذه‬
‫الرحلة‪ ،‬وهو كيف تدخل الجنة؟‬
‫فتابعنا‪...........‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل تعجب إنه عالم القوياء!!‬


‫محمد العبدالكريم ‪29/5/1426‬‬
‫‪06/07/2005‬‬
‫كن عضوا ً في جمعية السود ول تكن رأسا في قطيع النعاج‪.‬‬
‫ً‬
‫قد تبدو ضعيفًا؛ لنك قّررت أن تكون كذلك فع ْ‬
‫ش كما تريد‪ ،‬لكن ل بد أن‬
‫تعلم أن بإمكانك أن تصبح قويًا‪ ،‬وأن تتخلى عن شعورك بالضعف‪.‬‬
‫مل وردك اليومي في الصباح والمساء‪":‬اللهم إني أعوذ بك من العجز‬ ‫تأ ّ‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والكسل و الجبن والهرم والبخل ‪(1)" ...‬‬


‫وة مطلب وإل فل قيمة للحياة‪.‬‬ ‫إنه يؤكد لك أن الق ّ‬
‫ومجيء تكراره في اليوم مرتين دليل على أن الجبن والخور والستكانة‬
‫ل‪ ،‬وجميع المفردات في قاموس الضعف‬ ‫والستسلم والنهزامية والذ ّ‬
‫مرفوضة في حياة القوياء؛ فأنت كائن لم ُتخلق لتكون مسلوب الرادة بارد‬
‫مة‪.‬‬ ‫اله ّ‬
‫مل في البعوضة‪:‬إنها ل تبدو بالنسبة لك شيئا مذكورا؛ لكنها أقوى منك حين‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تأ ّ‬
‫ل في البحث عن منفذ في‬ ‫ل أو تم ّ‬ ‫تبدو ضعيفا عاجزا‪ ،‬إنها تكافح ول تك ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جسدك‪ ،‬فما بالك تسقط من أول جولة!‬
‫وة مصدر للثقة‪ ،‬والثقة ل تتواجد إل في قلوب القوياء‪.‬‬ ‫إن الق ّ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫وعندما حارت ملكة سبأ في كتاب سليمان جاءها الجواب واثقا‪َ) :‬قالوا ن َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫ن( ]النمل‪[33:‬‬ ‫ري َ‬ ‫م ِ‬ ‫ماَذا ت َأ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ك َفان ْظ ُ ِ‬ ‫مُر إ ِل َي ْ ِ‬ ‫ديد ٍ َواْل ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫س َ‬ ‫أولو قُوّةٍ وَأولو ب َأ ٍ‬
‫والشاهد قولهم ‪ :‬والمر إليك فانظر ماذا تأمرين؟ فنحن على استعداد وثقة‬
‫وة وبأس شديد‪.‬‬ ‫لفعل ما تشائين‪ ،‬والسبب أننا أولو ق ّ‬
‫إن عليك أل ّ تترّدد في النتساب "لعضوية نادي القوياء" ‪ ،‬فلديك عملق ينام‬
‫بين جنبيك؛ فابحث عنه حتى ل تموت‪ ،‬وأنت تعيش بين الحياء!‬
‫وة؟‬ ‫دد أشكال هذه الق ّ‬ ‫لكن السؤال المهم في الموضوع ‪:‬كيف نح ّ‬
‫وة متنوعة وأبعادها مختلفة‪ ،‬ومن الصعب الحديث عنها جميعًا‪،‬‬ ‫إن أشكال الق ّ‬
‫ولكن أشير إلى أشهر هذه القوى إجمال ً وتفصيل ً ‪:‬‬
‫وة‪ ،‬والخلق قوة تتعادل مع درجة الصائم القائم )‪ ، (2‬الَنسب‬ ‫فالمال ق ّ‬
‫وة‪ ،‬وحضور البديهة‬ ‫وة‪ ،‬المنطق الجميل ق ّ‬ ‫وة‪ ،‬والجمال ق ّ‬ ‫والجاه والمنصب ق ّ‬
‫ما ل يليق ‪...‬‬ ‫وة؛ لن الحيي يمتنع بسبب حيائه ع ّ‬ ‫وة‪ ،‬الحياء ق ّ‬ ‫ق ّ‬
‫وة جبارة وفي قصة يوسف كان وصف الله له بأنه من المخلصين‬ ‫الخلص ق ّ‬
‫إشارة عظيمة إلى مفعول الخلص في التخلص من أعنف المواقف التي تمّر‬ ‫ّ‬
‫ن( )‬ ‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاَء إ ِن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫سوَء َوال ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬ ‫صرِ َ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫بالنسان )‪...‬ك َذ َل ِ َ‬
‫‪.(3‬‬
‫التسبيح والستغفار والتقوى وحسن التوكل ‪ ...‬قوى متعددة فهي سبيل إلى‬
‫الفرج والرزق والعلج ‪...‬دون الحاجة لوسائط بشرية تتقوى بها لتعينك على‬
‫قضاء حوائجك‪ ،‬وبالتأكيد أنت ل تلجأ في حياتك للواسطة إل لشعورك بالعجز‬
‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ول أن ّ ُ‬ ‫وة التسبيح‪):‬فَل َ ْ‬ ‫عن تحقيق ما تريد‪ .‬يقول تعالى عن يونسفي أثر ق ّ‬
‫ن( )‪(4‬‬ ‫ث ِفي ب َط ْن ِهِ إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫ن ل َل َب ِ َ‬ ‫حي َ‬ ‫سب ّ ِ‬‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ث‬ ‫ي‬ ‫ح‬
‫ََْ ُ ُ ِ ْ َ ْ ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫رجا‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫والتوكل‪:‬‬ ‫التقوى‬ ‫وة‬ ‫ق‬ ‫وفي‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ َ ْ َّ ِ‬ ‫ّ‬
‫ه‪(5) (...‬‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫ِ ُ َ َ ْ ُ ُ‬‫ح‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫س ُ َ َ ْ ََ َ‬
‫و‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬‫و‬ ‫ب‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫ماَء‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫فارا ي ُْر ِ‬ ‫ً‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫قل ُ‬‫ْ‬ ‫وة الستغفار‪) :‬فَ ُ‬ ‫وفي ق ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫م أن َْهارا( )‬ ‫ل لك ُ ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ت وَي َ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل لك ُ ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫ل وَب َِني َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫م َ‬‫م ب ِأ ْ‬ ‫مدِد ْك ُ ْ‬ ‫مد َْرارا وَي ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫‪ (4‬وفي حديث ابن عباس ) من أكثر الستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ً‬
‫ومن كل ضيق مخرجا ً ورزقه من حيث ل يحتسب( )‪.(6‬‬
‫وة هائلة؛ فالمعرفة بدون أوصاف زائدة تعطيك‬ ‫أما المعرفة والعلم فهما ق ّ‬
‫ً‬
‫طاقة ل تتقيد بحدود الزمان أو المكان‪ ،‬وتكسب صاحبها علوا ومنزلة وتمّهد‬
‫م‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الطريق أمامه للرفعة في الدنيا والخرة )‪...‬ي َْرفَِع الل ّ ُ‬
‫وال ّذي ُ‬
‫خِبيٌر( )‪(7‬‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫جا ٍ‬ ‫م د ََر َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫َ ِ َ‬
‫أما المرأة فهي شيء مختلف! فهي متطرفة في القوة ومفرطة في الضعف‪،‬‬
‫ووراء كل رجل عظيم امرأة‪ ،‬وأحيانًا‪ :‬لولها لكان أعظم!‬
‫وة والضعف وشيء من التناقض‪ ،‬في جمالها تؤلم‬ ‫إنها عالم مؤلف من الق ّ‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلبك‪ ،‬وفي قبحها توجع رأسك‪ ،‬ول تبدو مقبولة بغير التطرف‪ ،‬فقد تموت لو‬
‫اعتدل مزاجها! تحتاجها ساعة‪ ،‬وتحتاجك كل لحظة‪ ،‬ربما تكرهك لكنها ل‬
‫تطيق البعد عنك‪ ،‬فإن أحّبتك فأنت ملك لها‪ ،‬وعليك أن تستجيب لعشقها‬
‫وة!!‬
‫بالق ّ‬
‫وة في الشر إذا استسلمت! فتأمل!‬ ‫وة في الخير إذا استقامت‪ ،‬وق ّ‬ ‫إنها ق ّ‬
‫من كل ما سبق أؤكد لك في نهاية المطاف‪:‬‬
‫إن القوياء هم السعداء‪ ،‬والضعفاء هم التعساء!‬
‫وة التي ل تحتاج لغيرها كي تتقوى بها‪.‬‬‫وة الحقيقّية فهي الق ّ‬
‫وإذا أردت الق ّ‬
‫‪ -1‬الحديث رواه مسلم‪ .‬كتاب الذكر والدعاء ‪ .‬باب التعوذ من العجز والكسل‬
‫‪ ،2079/ 4 :‬برقم ) ‪. ( 2706‬‬
‫‪ -2‬فعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪ ) :‬إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ( رواه‬
‫أبو داود في سننه‪ ، 4/252 :‬برقم ) ‪. ( 4798‬‬
‫‪ -3‬من الية رقم‪ (24) :‬سورة يوسف‪.‬‬
‫‪ -4‬اليات رقم )‪ (144 ، 143‬سورة الصافات‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -5‬من الية رقم )‪ (3، 2‬سورة الطلق‪.‬‬


‫‪ -6‬الحديث أخرجه ‪ :‬الحاكم في المستدرك ‪ ،‬وقال عنه حديث صحيح السناد‬
‫ولم يخرجاه ‪ ، 291/ 4 :‬برقم ) ‪ ( 7677‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى ‪:‬‬
‫‪ ، 118/ 6‬برقم ) ‪. ( 10290‬‬
‫‪ - 7‬من الية رقم )‪ (11‬سورة المجادلة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل تعذليه‬
‫ابن زريق‬
‫ً‬
‫ل تعذليه فإن العذل يولعه قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه‬
‫جاوزت في لومه حدا ً أضّر به من حيث قدرت أن اللوم ينفعه‬
‫فاستعملي الرفق في تأنيبه بدل ً عن عنفه فهو مضنى القلب موجعه‬
‫قد كان مضطلعا ً بالخطب يحمله فضّيقت بخطوب البين أضلعه‬
‫يكفيه من لوعة التفنيد أن له من النوى كل يوم ما يروعه‬
‫ما آب من سفر إل وأزعجه رأى إلى سفر بالعزم يجمعه‬
‫ل ومرتحل موكل بفضاء الله يذرعه‬ ‫كأنما هو من ح ّ‬
‫إذا الزماع أراه في الرحيل غنى ولو إلى السند أضحى وهو يزمعه‬
‫شمه للرزق كدا ً وكم ممن يودعه‬ ‫تأبى المطامع إل أن تج ّ‬
‫ً‬
‫وما مجاهدة النسان توصله رزقا ول دعة النسان تقطعه‬
‫م لم يخلق الله مخلوقا ً يضّيعه‬
‫سم بين الخلق رزقه ُ‬‫والله ق ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لكنهم ملئوا حرصا فلست ترى مسترزقا وسوى الغايات يقنعه‬
‫والسعي في الرزق والرزاق قد قسمت بغي أل أن بغي المرء يصرعه‬
‫والدهر يعطي الفتى ما ليس يطلبه يوما ً ويمنعه من حيث يطمعه‬
‫استودع الله في بغداد لي قمرا ً بالكرخ من فلك الزرار مطلعه‬
‫ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة وأني ل أودعه‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فع أني ل أفارقه وللضرورات حال ل تشفعه‬ ‫وكم تش ّ‬


‫وكم تشّبث بي يوم الرحيل ضحى وأدمعي مستهلت وأدمعه‬
‫ل أكذب الله ثوب العذر منخرق عني بفرقته لكن أرقعه‬
‫أني أوسع عذري في جنايته بالبين عنه وقلبي ل يوسعه‬
‫أعطيت ملكا ً فلم أحسن سياسته كذاك من ل يسوس الملك يخلعه‬
‫ومن غدا لبسا ً ثوب النعيم بل شكر الله فعنه الله ينزعه‬
‫اعتضت عن وجه خّلني بعد فرقته كأسا ً أجرع منها ما أجّرعه‬
‫كم قائل لي ذنب البين قلت له الذنب والله ذنبي لست أدفعه‬
‫هل أقمت فكان الرشد أجمعه لو أنني يوم بان الرشد اتبعه‬
‫إني لقطع أيامي وأنفذها بحسرة منه في قلبي تقطعه‬
‫بمن إذا هجع الّنوام بت له بلوعة منه ليلي لست أهجعه‬
‫ل يطمئن لجنبي مضجع وكذا ل يطمئن له مذ بنت مضجعه‬
‫ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني به ول أن بي اليام تفجعه‬
‫حتى جرى الدهر فيما بيننا بيد عسراء تمنعني حظي وتمنعه‬
‫بالله يا منزل القصف الذي درست آثاره وعفت مذ غبت أربعه‬
‫هل الزمان معيد فيك لذتنا أم الليالي التي أمضته ترجعه‬
‫في ذمة الله من أصبحت منزله وجاد غيث على مغداك يمرعه‬
‫ي عهد ل يضيعه كما له عهد صدق ل أضيعه‬ ‫من عنده ل َ‬
‫دعه‬‫دع قلبي ذكره وإذا جرى على قلبه ذكري يص ّ‬ ‫ومن يص ّ‬
‫ي في حال يمتعه‬ ‫ن لدهر ل يمتعني به ول ب َ‬ ‫لصبر ّ‬
‫علما ً بأن اصطباري معقب فرجا وأضيق المر إن فكرت أوسعه‬
‫ً‬
‫ل الليالي التي أضنت بفرقتنا جسمي ستجمعني يوما ً وتجمعه‬ ‫ع ّ‬
‫ً‬
‫وإن تنل أحدا منا منَيته فما الذي بقضاء الله يصنعه‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل تقل إنك حزين ‪ ...‬أثبت لك سعادتك !!!‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫‪ ..‬كثيرا" مانصنف أنفسنا من الفئة الحزينه ‪..‬‬
‫‪ ..‬إجاباتك على هذه السئلة سيتضح لديك معطيات ماتحمله من نعمة سعادة‬
‫‪..‬‬
‫‪ ..‬السؤال الول ‪..‬‬
‫‪ -‬هل أنت فاقد لحدى حواسك ؟‬
‫‪ ..‬إذا إجابتك ل ‪:‬‬
‫‪ ..‬ماأسعدك ‪..‬‬
‫ً‬
‫‪ ..‬إذن أنت لست فاقدا لحدى حواسك ‪..‬‬
‫‪ ..‬إشكر الله تعالى ‪..‬‬
‫‪ ..‬فأنت تستطيع أن ترى الطبيعة الخلبة ‪..‬‬
‫‪ ..‬تستطيع أن ترى أهلك وأصدقائك ‪..‬‬
‫‪ ..‬تستطيع أن تسمع تغريد الطيور ‪..‬‬
‫‪ ..‬تستطيع أن تسمع الصوات من حولك ‪..‬‬
‫‪ ..‬تستطيع وتستطيع ‪..‬‬
‫‪ ..‬ماذا تريد أكثر ‪..‬‬
‫‪ ..‬أنت سعيد حتما ً ‪..‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لنك ترى وتسمع وتشم وتتكلم ‪..‬‬ ‫‪..‬‬


‫بالفعل أنت إنسان سعيد جدا ً ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫فغيرك ليستطعون الرؤية أوالسمع ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫الحمدلله على هذه النعمة ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫إذا إجابتك نعم ‪:‬‬ ‫‪..‬‬
‫لتيأس أو تكتئب ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫فربما هذا إختبار من عند الله ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫لذلك يجب أن تكون صبور وتتخطى هذا المتحان ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫وأقول لك إنك سعيد ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫أتعلم لماذا لنك الشخص الوحيد في هذا العالم بأسره ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫الذي يقدر أكبر تقدير لنعم الله ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫فهنيئا ً لك هذا الشعور ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫وتذكر إن العاقة دافع وليس عائق ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫وفقك الله وعافاك ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫السؤال الثاني ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫هل أنت تعيش بأمان ؟‬ ‫‪..‬‬
‫إذا إجابتك نعم ‪:‬‬ ‫‪..‬‬
‫أنت إنسان حتما ً سعيد ول تقل لي حزين فهذا محال ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫أنظر بلدك آمن ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫هل خرجت يوما ً ورأيت قنبلة تفتك بإحدى البيوت ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫هل رأيت دبابة تتلعب بأرضك ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫هل تسمع كل يوم صوت الطلقات ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫الحمدلله أنت في أمان وسلم ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫ولاظن إن شخصا ً يعيش في وطنه آمن سالما يشعر بالحزن ‪..‬‬
‫ً‬ ‫‪..‬‬
‫إسعد فوطنك حر ‪ ...‬أدام الله هذا المان ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫إذا إجابتك ل ‪:‬‬ ‫‪..‬‬
‫ً‬
‫لتحزن ثم لتحزن بل قف هيا وكن قويا ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫ساعد وطنك قاتل حارب ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫عليك أن تتحدى عدوك ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫ولتحزن وتقل ‪ :‬لماذا وطني محتل ‪ ...‬لماذا‪...‬؟؟؟‬ ‫‪..‬‬
‫لتقل ذلك بل هيا إذهب بل أركض ولب نداء وطنك ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫وبالطبع أنت سعيد ‪..‬؟! أتعلم لماذا ‪..‬؟‬ ‫‪..‬‬
‫لنك تقاتل بساحة القتال ‪...‬‬ ‫‪..‬‬
‫لنك إن مت شهيدا ً فالجنة في إنتظارك ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫الجنة ‪ ..‬ماذا تريد أكثر لبد إن قلبك يطير شوقا ً للقاءها ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫وتذكر دائما ً إن الحزن ضعف والضعف ليفيد هيا وكن بطل ً ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫)) أعان الله فلسطيننا الغالية وعراقنا الحبيب (( ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫السؤال الثالث ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫هل تجد ماتأكله ؟‬ ‫‪..‬‬
‫إذا إجابتك نعم ‪:‬‬ ‫‪..‬‬
‫لتقل إنك حزين ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫فأنت تملك ماتسد به رمقك وجوعك ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫أتعلم إن هناك الف من البشر تموت يوميا" ‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫لنهم ليملكون شيئا ً يأكلونه‪..‬؟؟‬ ‫‪..‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ..‬إذن يجب عليك أن تشعر بالسعادة ‪..‬‬


‫‪ ..‬فأنت حقا ً سعيد ‪..‬‬
‫‪ ..‬ول تنسى أن تعين من يحتاج ‪..‬‬
‫‪ ..‬أدام الله لك ولنا هذه النعمة والحمدلله ‪..‬‬
‫‪ ..‬إذا إجابتك ل ‪:‬‬
‫‪ ..‬إذن أنت لتملك مايسد جوعك ‪..‬‬
‫‪ ..‬ل تحزن ‪..‬‬
‫‪ ..‬إذهب واعمل لتقل ليس لي عمل ‪..‬‬
‫‪ ..‬يوجد فقط إبحث وتوكل على الله وسيرزقك الله من حيث لتحتسب ‪..‬‬
‫‪ ..‬وتذكر إن الله معك ول عيب أن تطلب من اليادي البيضاء المساعدة ‪..‬‬
‫‪ ..‬ولكن قبلها تذكر إنك لم تجد وسيلة إل هذه ‪..‬‬
‫‪ ..‬أعانك الله ‪..‬‬
‫السؤال الرابع ‪..‬‬
‫‪ ..‬هل إنت متعلم ‪..‬؟‬
‫‪ ..‬إذا إجابتك نعم ‪:‬‬
‫‪ ..‬رائع ‪ ..‬إذن أنت تتذوق لذة التعليم ؟‬
‫‪ ..‬وبما أنك تتعلم وفي مقدورك الذهاب إلى المدرسة ‪..‬‬
‫‪ ..‬فأنت سعيد ‪..‬‬
‫‪ ..‬لنك حاربت الجهل ‪..‬‬
‫‪ ..‬وسمحت لك الظروف أن ترتقي بنفسك وبمستوى ثقافتك ‪..‬‬
‫‪ ..‬أتعلم أن أمنية أكثر من ألف طفل أن يتعلموا ‪..‬‬
‫‪ ..‬لذلك يجب عليك أن تسعد فأنت متعلم ‪..‬‬
‫‪ ..‬وغدا ً ستخدم وطنك ‪..‬‬
‫‪ ..‬إذا إجابتك ل ‪:‬‬
‫‪ ..‬إذن أنت لست متعلم و بالطبع هناك أسباب أليس كذلك؟ ‪..‬‬
‫‪ ..‬ربما المال أوالفقر ‪..‬‬
‫ً‬
‫‪ ..‬ربما أنت لتملك وقتا لتدرس كي تعين نفسك وأسرتك ‪..‬‬
‫‪ ..‬أقول لك لتكتئب وعليك أن تكون سعيدا ً ‪..‬‬
‫‪ ..‬أتعلم لماذا؟ ‪..‬‬
‫‪ ..‬لنك تتعلم دروسا ً من الحياة ‪..‬‬
‫‪ ..‬أتعلم أن هذه الدروس لتدرس في المدارس ‪..‬‬
‫‪ ..‬لنها عظمية ليستطيع منهج كامل أن يعطي هذه الدروس حقها ‪..‬‬
‫‪ ..‬وتذكر دائما ً إن الذين يعانون يخرجون من الحياة أقوى ‪..‬‬
‫‪ ..‬و نصحية مني ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ ..‬أيها اقوي إذا أتحيت لك يوما فرصة التعليم فل تتردد وتعلم ‪..‬‬
‫‪ ..‬السؤال الخامس ‪..‬‬
‫‪ ..‬هل تمتلك أجهزة ووسائل حديثة ‪..‬‬
‫‪ ..‬إذا إجابتك نعم ‪:‬‬
‫‪ ..‬إذن فأنت تملك سيارة أوحاسوب أوتلفاز وربما جميعها ‪..‬‬
‫‪ ..‬حسنا ً أنت سعيد ‪..‬‬
‫طلع على‬ ‫‪ ..‬لنك تملك حاسوب تستطيع من خلله أن تجمع المعلومات وت ّ‬
‫المور التي تهمك ‪..‬‬
‫‪ ..‬تملك تلفاز إذن تستطيع مشاهدة ماتحب من البرامج ‪..‬‬
‫‪ ..‬تملك سيارة إذن أنت تستطيع أن تنتقل إلى أي مكان بكل سهولة ‪..‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ..‬وغيرها من الجهزة التي تجعل منك شخص يواكب تطور العصر وتستمع‬
‫بالحياة ‪..‬‬
‫‪ ..‬إذا إجابتك ل ‪:‬‬
‫‪ ..‬لعليك صحيح إنك لتملك هذه الت الحديثة لكن ربما في هذا خير لك !!!‬
‫‪ ..‬من يدري ‪ ...‬ربما أنت ل تملك مال لشراء ذلك ‪..‬‬
‫‪ ..‬ل تكتئب ‪ ...‬فأنت على القل تملك بيتا ً تعيش فيه حتى وبدون هذه الت ‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ ..‬إذن أنت سعيد لنك من الشخاص النادرين الذين يتمتعون بطعم الحياة‬
‫الهادئة والبسيطة ‪..‬‬
‫‪ ..‬السؤال السادس ‪..‬‬
‫‪ ..‬هل لديك أهل وأصدقاء يحيطون بك ؟ ‪..‬‬
‫‪ ..‬إذا إجابتك نعم ‪:‬‬
‫‪ ..‬أنت سعيد ولتحاول أن تخدع نفسك وتقول إنك حزين ‪..‬‬
‫‪ ..‬ماذا تريد لديك أب وأم وأصدقاء وأحباب غاليين عليك ‪..‬‬
‫‪ ..‬كلهم يحيطون بك يحبونك ويراعونك ‪..‬‬
‫‪ ..‬ماأسعدك ‪..‬‬
‫‪ ..‬أتعلم أن سعادتك هذه تحسد عليها لن الكثير من الناس فقدوا أحبائهم ‪..‬‬
‫‪ ..‬لذلك أنت سعيد تملك أبا ً و أما ً ‪..‬‬
‫‪ ..‬فهناك الذي ليملكون قريب أوبعيد بقربهم ‪..‬‬
‫‪ ..‬أطال الله عمر والديك وأحبائك و رعاهم ‪..‬‬
‫‪ ..‬إذا إجابتك ل ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ ..‬إذن لقد فقدت شخصا غالي عليك أو أحد والديك ‪..‬‬
‫‪ ..‬لتحزن فأنت لست أول وآخر شخص يصيبك هذا ‪..‬‬
‫‪..‬وتذكر إن كل نفس ذائقة الموت ‪..‬‬
‫‪ ..‬ل تحزن إذا كنت قد فقدت أحدهم فأنت على القل لم تفقد كل أهلك‬
‫دفعة واحدة ‪..‬‬
‫ً‬
‫در شعورك لكن هذه نهايتنا جميعا هو الموت ‪..‬‬ ‫‪ ..‬أق ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ ..‬ولوهربنا أوذهبنا يمينا أو يسارا فالموت هو نهاية الكائن البشري حقيقة‬
‫لجدال فيها ‪..‬‬
‫‪ ..‬وأقول لك إنك سعيد لن هناك من ليملكون أهل ً بتاتا ً ‪..‬‬
‫‪ ..‬إدعوا الله أن يجمعكم معهم في جنته ‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل تكن متفرجا ً ‪... ... ...‬‬


‫تميز عصرنا الحاضر بارتفاع أصوات المنافقين والمنافقات في أنحاء العالم‬
‫السلمي ‪ ,‬فأفردت لهم الصفحات ‪ ,‬وتصدروا المنتديات ‪ ,‬واحتفلت بهم‬
‫التجمعات ‪ ,‬وسيطروا على كثير من وسائل العلم كما يلحظه القاصي‬
‫شوِّ المر وظهوره ‪ .‬وحال المنافقين ليس بجديد على أمة‬ ‫ف ُ‬
‫والداني ل ِ ُ‬
‫السلم ‪..‬‬
‫فهم أعداء ألداء لهذا الدين منذ بعثة محمد عليه أفضل الصلة وأزكى التسليم‬
‫‪ ،‬يكيدون ويدبرون ويخططون وينفذون ‪ ,‬وقد وصفهم الله عز وجل في سبعة‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وثلثين موضعا ً من القرآن ‪ ,‬وسميت سورة كاملة باسم " المنافقون " ‪,‬‬
‫وأفاضت السنة النبوية المطهرة في توضيح ذلك المر العظيم وجلئه ‪.‬‬
‫حرِيّ بأهل السلم ممن‬ ‫م هذا السيل الجارف من أهل النفاق َ‬ ‫ض ّ‬
‫خ َ‬
‫وفي ِ‬
‫يحملون رايته ويحترقون شوقا ً لرفعته أن يسارعوا إلى فضح المنافقين وهتك‬
‫أستارهم وكشف مخططاتهم وتتبع أرائهم وأفكارهم والتصدي لها والرد عليها‬
‫وابتداء ذلك بتحصين أنفسهم وأبنائهم ونسائهم من شبههم ودعواتهم ‪.‬‬
‫وأعظم أمر يدخل الغيظ على قلوب المنافقين ويؤرق مضاجعهم نشر العلم‬
‫مته ! أما اللتصاق بالدعاة‬ ‫الشرعي الذي يبدد نوره ظلما ً يتسللون في د ُهْ َ‬
‫والعلماء فهو خنجر مسموم في نحورهم ولهذا يسعون إلى مقولة متكررة‬
‫فحواها أن من حمل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم وميراثه متخلف‬
‫ل متوارثة‬ ‫متحجر بعيد عن النفتاح والتطور ومجاراة الواقع ‪ .‬والنفاق أجيا ٌ‬
‫فقد قالوا تلك المقالة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫سّيد المجالس وتسويد الصحف والمجلت قدر‬ ‫ومن درء خطرهم منعهم من ت َ َ‬
‫المستطاع ومما يعين على ذلك متابعة خططهم وطروحاتهم والرد عليها‬
‫والرفع لصحاب الختصاص بمقالتهم وكتاباتهم ‪.‬‬
‫ومن أعد نصائح منفردة ورسائل خاصة فيها التخويف بالله والمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر فإن ذلك من دعوتهم إلى الرجوع إلى الدين ومفارقة‬
‫أرض النفاق ‪.‬‬
‫ول يعجز مسلم من الدعاء عليهم ورفع يديه إلى الملك الجبار بأن يشغلهم‬
‫في أنفسهم وأهليهم ‪ ,‬ول تزال بؤرة النفاق يرتفع شعارها المعروف ‪ } :‬وإذا‬
‫قيل لهم ل تفسدوا في الرض قالوا إنما نحن مصلحون ‪ ،‬أل إنهم هم‬
‫المفسدون ولكن ل يشعرون {‬
‫وفي هذه الفترة بالذات يجب على كل مسلم القيام بواجبه نحو رد كيد‬
‫العداء ومجاهدة أهل الزيغ والضلل ‪ .‬وليتفقد كل فرد منا ذكرا ً كان أو‬
‫أنثى ‪ ..‬أمجاهد هو أم قاعد ؟ ‪ ,‬فليأتين زمان نبكي فيه على ترك المر‬
‫بالمعروف والتصدي للمنافقين ‪ ,‬ول تبرأ الذمة بأن نقف متفرجين على‬
‫أعمالهم ومخططاتهم ول يحرك ذلك ساكنا ً في قلوبنا وأعمالنا !‬
‫والبتلء بالمنافقين ليس بجديد فقد قال بعض السلف في زمانه ‪ ) :‬لو كان‬
‫للمنافقين أذناب لما استطعنا السير في الشوارع والطرقات من كثرتها (‬
‫وفي أمة السلم اليوم أكثر من ذلك ‪ } ,‬والله غالب على أمره ولكن أكثر‬
‫الناس ل يعلمون {‪.‬‬
‫عبد الملك القاسم ‪... ...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل تكن معول هدم‬


‫الشيخ يونس الزلوي‬
‫عندما أقرأ للمام الغزالي صاحب الحياء وكذلك للمام المقدسي عليهما‬
‫سحائب الله من الرحمة أجد أنهما يتحدثان باستفاضة عن المهلكات ‪ ،‬وقد‬
‫جعلوا لها بابا في كتبهم يطنبون في شرحها وتفصيلتها وكيفية إهلكها للفرد ‪،‬‬
‫ومن ثم للمجتمع والمة بأسرها ‪.‬‬
‫وبالضد أيضا يتحدثان على أن الخلق الحميدة ) المنجيات ( هي سبب القوة‬
‫والرقي للفرد ‪ ،‬والمجتمع ‪.‬‬
‫والناظر يجد هناك رابطا قويا بين الفرد والمجتمع لن الفرد ما هو إل حلقة‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صغيرة في بناء المجتمع ‪ ،‬فإذا اخترق الفرد بالخلق السيئة كان ذلك سببا‬
‫مباشرا في التأثر بالهدم الذي يحصل له وللمجتمع من بعده بل والمة ‪،‬‬
‫ومعلوم أن معاول الهدم التي تعقب أثار وخيمة وكثيرة على الفرد والمجتمع‬
‫متعددة فمنها ما يهدم الجانب الدين ‪ ،‬ومنها ما يهدم الجانب الجتماعي ‪،‬‬
‫والقتصادي ‪ ،‬والمني ‪ ،‬والصحي وكل ذلك كسر لكيان السرة ‪ ،‬وفك لتلحم‬
‫المجتمع ‪ ،‬وضعف لتماسك المة ‪.‬‬
‫ولنا في القرآن والسنة أدلة على ذلك فقد تحدث الله عن قوم عاد الذين‬
‫م‬
‫خاهُ ْ‬ ‫عاد ٍ أ َ َ‬ ‫أصابتهم العجرفة والغرور بقوتهم وصحتهم قال تعالى ‪ ) :‬وَإ َِلى َ‬
‫ن ‪ 65‬إلى أن‬ ‫قو َ‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْره ُ أ َفَل َ ت َت ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫هودا ً َقا َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ل ُِينذَِرك ْ‬ ‫منك ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫م عَلى َر ُ‬ ‫من ّرب ّك ْ‬ ‫م ذِكٌر ّ‬ ‫جاءك ْ‬ ‫م أن َ‬ ‫جب ْت ُ ْ‬ ‫قال ‪ .......‬أوَعَ ِ‬
‫ة َفاذ ْك ُُروا ْ‬ ‫سط ًَ‬ ‫ق بَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫من ب َعْد ِ قَوْم ِ ُنوٍح وََزاد َك ْ‬ ‫َ‬ ‫جعَل َك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َواذك ُُروا ْ إ ِذ ْ َ‬
‫خل ِ‬ ‫م ِفي ال َ‬
‫َ‬
‫فاء ِ‬ ‫خل َ‬ ‫م ُ‬
‫ن ي َعْب ُد ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫حد َه ُ وَن َذ ََر َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِن َعْب ُد َ الل ّ َ‬ ‫ن ‪َ 69‬قاُلوا ْ أ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫آلء الل ّهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ل قَد ْ وَقَعَ عَل َي ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫من ّرب ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫كم ّ‬ ‫ن ‪َ 70‬قا َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ما ت َعِد َُنا ِإن ُ‬ ‫آَباؤَُنا فَأت َِنا ب ِ َ‬
‫رجس وغَضب أ َتجادُلونِني في أ َسماء سميتمو َ َ‬
‫ه ب َِها‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما ن َّز َ‬ ‫كم ّ‬ ‫م َوآَبآؤ ُ‬ ‫ها أنت ُ ْ‬ ‫َ ّ ُْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ ٌ َ َ ٌ ُ َ ِ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي َْناه ُ َوال ِ‬ ‫ن ‪ 71‬فأن َ‬ ‫َ‬ ‫ري َ‬ ‫منت َظ ِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫معَكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن َفانت َظ ُِروا ْ إ ِّني َ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫من ُ‬ ‫ِ‬
‫ن ‪. ( 72‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ما كاُنوا ُ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن كذُبوا ِبآَيات َِنا وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مّنا وَقطعَْنا َداب َِر ال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مةٍ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َِر ْ‬
‫وكذلك قوم ثمود الذين أحكموا سياجهم المني من البيوت الفارهة والقوة‬
‫المحروسة ولكنهم عتو في الرض الفساد بأخلقهم السيئة فأدى ذلك إلى‬
‫دوا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫هودا ً َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫عاد ٍ أ َ َ‬ ‫ضياعهم وإهلكهم قال تعالى ‪ ) :‬وَإ َِلى َ‬
‫ك‬ ‫مهِ إ ِّنا ل َن ََرا َ‬ ‫من قَوْ ِ‬ ‫فُروا ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مل ال ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫ن ‪َ 65‬قا َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْره ُ أ َفَل َ ت َت ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ة وَلك ِّني‬ ‫َ‬ ‫فاهَ ٌ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫بي‬ ‫َ ِ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫‪66‬‬ ‫ن‬ ‫ِ َ‬ ‫بي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ِِ‬
‫ن ‪68‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫حأ ِ‬ ‫ص ٌ‬ ‫م َنا ِ‬ ‫َ‬
‫ت َرّبي وَأن َا لك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫سال ِ‬ ‫م رِ َ‬ ‫ن ‪ 67‬أب َلغُك ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫من ّر ّ‬ ‫ل ّ‬ ‫سو ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جعَلك ْ‬ ‫م َواذكُروا إ ِذ ْ َ‬ ‫م ل ُِينذَِرك ْ‬ ‫منك ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫م عَلى َر ُ‬ ‫من ّرب ّك ْ‬ ‫م ذِكٌر ّ‬ ‫جاءك ْ‬ ‫م أن َ‬ ‫جب ْت ُ ْ‬ ‫أوَعَ ِ‬
‫م‬‫ة َفاذ ْك ُُروا ْ آلء الل ّهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫سط َ ً‬ ‫ق بَ ْ‬ ‫خل ِ‬
‫م ِفي ال ْ َ ْ‬ ‫من ب َعْد ِ قَوْم ِ ُنوٍح وََزاد َك ُ ْ‬ ‫فاء ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ما ت َعِد َُنا‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫ما كا َ‬ ‫حد َه ُ وَن َذ ََر َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِن َعْب ُد َ الل َ‬ ‫ن ‪َ 69‬قالوا أ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫ب‬ ‫ض ٌ‬ ‫س وَغ َ‬ ‫َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫من ّرب ّك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ل قَد ْ وَقَعَ عَلي ْكم ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ‪َ 70‬قا َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ِإن كن َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫سلطا ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫ه ب َِها ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما ن َّز َ‬ ‫م َوآَبآؤكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫ها أنت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مي ْت ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫جادُِلون َِني ِفي أ ْ‬ ‫أت ُ َ‬
‫َ‬
‫مّنا‬ ‫مةٍ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ب َِر ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي َْناه ُ َوال ّ ِ‬ ‫ن ‪ 71‬فَأن َ‬ ‫ري َ‬ ‫منت َظ ِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫معَ ُ‬ ‫َفانت َظ ُِروا ْ إ ِّني َ‬
‫ن ‪.( 72‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كاُنوا ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنا وَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَقَط َعَْنا َداب َِر ال ّ ِ‬
‫وكذلك قوم شعيب الذين جعلوا أصل التعامل فيما بينهم الغش والتطفيف‬
‫في الكيل والميزان ‪ ،‬وعدم إطاعة الرحمان فأهلكهم الله تعالى فقال ) وَإ َِلى‬
‫كم‬ ‫جاءت ْ ُ‬ ‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْره ُ قَد ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫شعَي ًْبا َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫َ‬
‫دوا ْ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ياء‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫سو‬ ‫خ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫زا‬ ‫مي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ْ َ ُ ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ْ َ ِ َ َ َ َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫بَ ّ َ ّ ّ ّ ْ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫من‬ ‫ة‬‫ٌ‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫دوا ب ِك ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قعُ ُ‬ ‫ن ‪ 85‬وَل َ ت َ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫خي ٌْر لك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حَها ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫صل َ ِ‬ ‫ض ب َعْد َ إ ِ ْ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫جا َواذ ْك ُُروا ْ إ ِذ ْ‬ ‫عوَ ً‬ ‫ن ب ِهِ وَت َب ُْغون ََها ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن وَت َ ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ط ُتو ِ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ِ‬
‫ن ‪. (86‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ال ُ‬‫ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬ ‫َ‬ ‫م َوانظُروا كي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م قَِليل ً فَكث َّرك ْ‬ ‫َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫وكما قلت لك أخي القارئ الكريم معاول الهدم التي تأتي على الفرد والمة‬
‫من جراء ارتكاب الخلق السيئة متعددة ولعلي أقف معك على بعضها حتى ل‬
‫تكن معول من معاول الهدم في مجتمعك وأمتك ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬معاول هدم الدين ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن معاول هدم الدين من خلل الخلق السيئة هو شرخ في رحم المة من‬
‫خلل الفرد ‪ ،‬وتدمير للمة وإضعافها من كل الجوانب العتقادية والخلقية ‪،‬‬
‫ومحاربة لله ورسوله ‪ ،‬وتعدي على سماحة السلم ‪ ،‬وإظهار صورة قبيحة‬
‫عنه ‪ ،‬وفتح مجال لعداء السلم لن ينالون من هذا الدين من خلل النحراف‬
‫السلوكي لتباعه ‪ ،‬ل من خلل المنهج الحقيقي والذي يعبر عنها أديب السلم‬
‫أبو الحسن الندوي بقوله بين الصورة والحقيقة ولعلي أتعرض لهذه المعاول‬
‫بشي من التفصيل ‪.‬‬
‫• المعول الول ‪ :‬تشويه حقيقة السلم ‪.‬‬
‫إن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الدين الذي ختم به‬
‫الله الشرائع والملل ‪ ،‬واحتوى فيه جميع محاسن الشرائع المتضمنة جميع‬
‫مصالح العباد في المعاش والمعاد ‪ ،‬فأكمل الله به دينه الذي ارتضاه لنفسه ‪،‬‬
‫وختم العلم الذي أنزله من السماء على رسله ‪ ،‬فلذلك تضمنت جميع‬
‫محاسن الشرائع المقدمة ‪ ،‬وزادت عليها أمورا عظيمة وأشياء كثيرة ‪ ،‬من‬
‫العلوم النافعة والعمال والخلق الصالحة ‪ ،‬التي خص بها هذه المة وفضلهم‬
‫بها على من قبلهم من المم ‪.‬‬
‫ولذلك أوجب الله على جميع من بلغته هذه الدعوة من جميع المم النقياد‬
‫إليها ولم يقبل من أحد منهم دينا سواها ‪.‬‬
‫ولما كانت هذه الشريعة خاتمة الشرائع ربى عليها الحبيب صلى الله عليه‬
‫وسلم أصحابه ‪ ،‬وجعلهم قائمين بالحق محافظين عليه منهجا ‪ ،‬وأخلقا ‪ ،‬حتى‬
‫دخل الناس في هذا الدين زرافات ووحدان ‪ ،‬يسمو بهم إلى أعالي الجنان‬
‫ومراتب الحسان ‪.‬‬
‫فعم الدين وشرح الله به صدور العالمين ‪ ،‬فساد النور وقمع الظلم ‪ ،‬وسارت‬
‫الخلق رسائل حية تشيع بنورها على البشرية ‪ ،‬الخلق والقيم الحقيقية ‪.‬‬
‫وإذا انتشرت في ربوع ديار المسلمين وبينهم الخلق السيئة ‪ ،‬والسلوك‬
‫الردئ وأصبح المسلمون يقدمونه على أنه هو حقيقة السلم ‪ ،‬وأصبح غيرهم‬
‫ينظرون إلى هذه العادات السيئة على أنها هي السلم ‪ ،‬ويقولون إن السلم‬
‫متمثل في سلوك أصحابه وأتباعه ‪ ،‬ويرون أتباعه يسرقون ويغشون‬
‫ويخدعون ويشربون الخمر ويمارسون الزنا سرا وجهرا ‪ ،‬ويظلمون ويعتدون‬
‫على حقوق الخرين وكل هذا في ديار السلم ‪ ،‬وربما باسم السلم ‪ ،‬قال‬
‫هذا هو السلم فيقدمون صورة مشوهة ومشبوهة عن السلم لغير‬
‫المسلمين ويغطون عين الشمس بالغربال ‪ ،‬وهذا من أعظم الثار التي تهدم‬
‫الدين وتشوه حقيقة السلم ‪.‬‬
‫• المعول الثاني ‪ :‬وهو تعريض دين المة للنقد‬
‫إن الخلق السيئة إذا انتشرت بين أتباع هذا الدين تعرضه لتجرئ العداء‬
‫عليه ونقده ومحاولة هدمه والتطاول عليه ‪ ،‬والمتأمل في عالم اليوم يجد أن‬
‫النقد ينصب في هذه الفترة على السلم ول سيما في قضية الرهاب والعنف‬
‫‪ ،‬ومنع الحريات ‪ ،‬وغير ذلك من الطعنات ‪ ،‬وكلما كانت الممارسات السيئة‬
‫من المسلمين كلما انفتحت روزنة أخرى على السلم لطعن فيه وفي نزاهته‬
‫وسماحته باسم أتباعه ومعتنقيه ‪.‬‬
‫ومازال أعداء السلم يقتنصون الفرص التي يقومون فيها بقلب الحقيقة‬
‫بالكلمة أو الصورة أو المقالة أو غيرها من وسائل العلم لهدم هذا الدين‬
‫القويم ‪ ،‬فتعلم أيها المسلم كيف تحافظ على دينك الذي هو رأس مالك ول‬
‫تعرضه لسرقة فإن المال السائب يعلم السرقة ‪.‬‬
‫• المعول الثالث ‪ :‬وهو تأخر الناس عن الدخول في السلم‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللهم ل تجعلنا فتنة للذين كفروا ‪ ....‬إن مما يصيب المة السلمية في دينها‬
‫إذا انتشرت فيها مساوئ الخلق من الذين ل يطبقون السلم على أكمل‬
‫وجه فيكونون دعاة للبعد عن السلم ل دعاة للناس لدخول في دين‬
‫السلم ‪ ...‬ومن العجيب أن رجل أوروبيا أسلم وهو في بلده الوروبي على‬
‫يدي أحد المخلصين لدينه والمتمسكين بأخلقه ‪ ،‬فلما أراد هذا المسلم‬
‫الجديد تعلم اللغة العربية ‪ ،‬والذهاب إلى إحدى الدول السلمية ‪ ،‬فلما ذهب‬
‫وتعامل مع أهلها فرأى الغش والسرقة والكذب والعبث بحقوق الخرين ‪،‬‬
‫فقال الحمد لله الذي أسلمت قبل أن أرى المسلمين ‪.‬‬
‫فإذا المة السلمية والفرد المسلم قد يكون قدوة صالحة يحبب الناس في‬
‫هذا الدين ويشوقهم إلى معرفته إذا ما أخذ بتعاليمه وسماحته ‪ ،‬ومن الجانب‬
‫الخر قد يكون معول لهدم هذا الدين إذا كان حامل للخلق السيئة هو يدعي‬
‫السلم ‪.‬‬
‫• المعول الرابع ‪ :‬وهو ضعف المة‬
‫ضعف المة السلمية المراد به ضعف التمسك بالدين والنتماء إلى السلم ‪،‬‬
‫ولشك أن لهذا الضعف معاول تزيد من هوته وهي كثيرة وأعظمها كثرة‬
‫الدعاة إلي أبواب جهنم إلى الفساد والمنكرات والمعاصي بالقول والعمل‬
‫حتى صارت الخلق السيئة والرذيلة هي الصل ‪ ،‬والخلق الحميدة والعفة‬
‫هي الفرع فأصبح المنكر معروف والمعروف منكرا ‪ ،‬وهذا الضعف أدى إلى‬
‫تكالب المم عليها وما حصل ويحصل كل يوم في العديد من ديار السلم ما‬
‫هو إل نتاج هذا الضعف الخلقي والنحطاط السلوكي ‪ ،‬وبمثل هذه المعاول‬
‫تهدم المة في دينها وعقيدتها ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من عصيت‪.....‬عبد الرحمن‬ ‫صغَرِ الذنب ولكن انظر َ‬ ‫ل تنظر إلى ِ‬


‫عبدالخالق ‪...‬‬
‫‪28-02-2004‬‬
‫كانت هذه الكلمة ‪) :‬ل تنظر إلي صغر الذنب ‪ ،‬ولكن انظر من عصيت( ‪ ،‬من‬
‫الكلمات التي نفعني الله بها ‪ .‬فإن النظر إلي تقسيم الذنوب إلي صغائر‬
‫وكبائر مع جهل هذا التقسيم قد يؤدي إلى وقوع المسلم في أكبر الكبائر ‪،‬‬
‫وهو يظن أنه لم يرتكب إل الصغائر‪ .‬وتفصيل هذا المر على النحو التالي ‪:‬‬
‫الدين قسمان ‪ :‬خبر وأمر ‪:‬‬
‫الدين الذي تعبدنا الله به قسمان ‪ :‬خبر وأمر ‪.‬‬
‫صه الله علينا من شأن الغيب الذي ل نراه ‪ ،‬ول سبيل لنا إلي‬ ‫فالخبر هو ما ق ّ‬
‫معرفته إل بإخبار الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬وأصول الغيب هي اليمان بالله ‪،‬‬
‫وملئكته ‪ ،‬وكتبه ‪ ،‬ورسله ‪ ،‬واليوم الخر ‪ ،‬والقدر خيره وشره من الله تعالى‪.‬‬
‫وأما المر فهو ما ندب الله العباد إليه من أن يعبدوه وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن‬
‫ينتهوا عما حرم عليهم ‪ ،‬وأن يقفوا عند حدوده ‪.‬‬
‫الدين الذي ل يقبل الله من عباده غيره هو السلم ‪:‬‬
‫والدين الذي ل يقبل الله من عباده غيره هو السلم ‪ ،‬ومعناه الستسلم لله‬
‫م( [آل‬ ‫سل ُ‬ ‫عند َ الل ّهِ ال ْ‬‫ن ِ‬ ‫دي َ‬‫ن ال ّ‬‫بتصديق خبره وتنفيذ أمره ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬إ ّ‬
‫و‬
‫ه وهُ َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫قب َ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫سلم ِ ِدينا فَلن ي ُ ْ‬ ‫من ي َب ْت َِغ غَي َْر ال ْ‬‫عمران‪ ، ]19:‬وقال جل وعل‪) :‬و َ‬
‫ن([آل عمران‪.]85 :‬‬ ‫ري َ‬
‫س ِ‬
‫خا ِ‬
‫ن ال َ‬‫م َ‬‫خَرةِ ِ‬
‫ِفي ال ِ‬
‫تكذيب الخبر كفر ‪ ،‬ورد ّ المر كفر ‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن رد خبر الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬وكذب بشيء من الغيب الذي قصه علينا‬
‫فقد كفر ‪ ،‬وكذلك من رد أمر الله سبحانه وتعالى وأبى أن يطيعه استكبارا ً‬
‫وعنادا ً فقد كفر‪ .‬والمعصية الولى التي عصى بها إبليس ربه كانت من النوع‬
‫الثاني ‪ ،‬أعني أنها رد المر ‪ ،‬فإن الله قد أمر بالسجود لدم ‪ ،‬فقال ‪َ) :‬قا َ‬
‫ل‬
‫طينًا( [السراء‪ ، ]61:‬ولم يكن إبليس ‪ -‬لعنه الله ‪ -‬مكذبا ً‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ََ‬
‫ت ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جد ُ ل ِ َ‬
‫س ُ‬ ‫أأ ْ‬
‫بشيء من أخبار الله ‪ ،‬وإنما انحصرت معصيته في رد المر اللهي كبرا ً وعلوا ً‬
‫‪ ،‬عندما ظن أن هذا المر يخالف الحكمة ‪ ،‬إذ زعم أن الفاضل ل يسجد‬
‫خلق من النار ‪ -‬أفضل من آدم المخلوق‬ ‫للمفضول ‪ ،‬وقد رأى نفسه ‪ -‬وقد ُ‬
‫من الطين ‪ ،‬وقياس إبليس قياس فاسد ‪ .‬ولما أصر إبليس على معصيته كان‬
‫ن لعنه الله أبدا ً ‪ ،‬وطرده من رحمته سرمدا ً ‪ .‬فالمعصية إذا كانت إباًء‬ ‫جزاؤه أ ْ‬
‫عصي‬ ‫وردا ً للمر اللهي ‪ ،‬كانت كفرا من أجل ذلك ‪ .‬والمعصية الثانية التي ُ‬ ‫ً‬
‫كن عنادا ً ‪ ،‬وإنما‬ ‫بها الله سبحانه وتعالي وقعت من آدم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ولما ت ُ‬
‫ي‬
‫س َ‬‫ل فَن َ ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫قد ْ عَهِد َْنا إَلى آد َ َ‬ ‫كانت ضعفا ً ونسيانا ً كما قال تعالى ‪) :‬ول َ َ‬
‫ج بها بل سارع‬ ‫ه عَْزمًا([طه‪ ]115:‬ثم إن آدم لم يصر عليها ولم يحت ّ‬ ‫جد ْ ل َ ُ‬‫م نَ ِ‬ ‫ول َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عن‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ْهَك ُ َ‬ ‫ما أل َ ْ‬ ‫ما َرب ّهُ َ‬ ‫إلى الفرار منها والعتذار عنها قال تعالى ‪) :‬وَناَداهُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَنا‬
‫ن ‪ .‬قال َرب َّنا ظل ْ‬ ‫َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ما عَد ُوّ ّ‬‫ن ل َك ُ َ‬‫طا َ‬‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما إ ّ‬‫جَرةِ وأُقل ل ّك ُ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫ت ِل ْك ُ َ‬
‫ن([العراف‪. ]23-22:‬‬ ‫ري َ‬‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ن ال َ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مَنا ل َن َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫فْر ل ََنا وت َْر َ‬
‫ح ْ‬ ‫م ت َغْ ِ‬ ‫سَنا وإن ل ّ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َأن ُ‬
‫فلما اعترف آدم وزوجته بالخطيئة وسارعا إلى التوبة والنابة ‪ ،‬فإن الله‬
‫سبحانه قِبل عذره ‪ ،‬وأقال عثرته ‪ .‬والناظر في معصية آدم يجد أن هذه‬
‫المعصية قد كانت مخالفة للمر اللهي فقط ‪ ،‬فإن الكل من شجرة في‬
‫الجنة ليس إثما ً في ذاته ‪ ،‬ول فاحشة في ذاتها ‪ ،‬لول أنه معصية الله الذي‬
‫أمره أل يأكل من هذه الشجرة ‪.‬‬
‫العبودية هي طاعة المر ‪:‬‬
‫والعبودية لله إنما هي في طاعة أمره أيا كان هذا المر ‪ -‬في صغير أو كبير ‪-‬‬ ‫ً‬
‫فيما يوافق معقول المأمور ‪ ،‬أو يخالف معقوله ‪ .‬فإن الرب الله ‪ -‬سبحانه‬
‫وتعالى ‪ -‬هو أعلم بما يأمر به وينهى عنه ‪ ،‬والعبد ل يكون عبدا ً على الحقيقة‬
‫م‬‫م أمر بكذا ؟ ول ِ َ‬ ‫إل إذا أطاع معبوده دون تردد أو توقف أو نظر أو سؤال ل ِ َ‬
‫قل وفهم لكانت طاعته‬ ‫نهى عن كذا ؟ ولو كان العبد ل يطيع إل فيما ع َ‬
‫لمعقوله ومفهومه وليس لخالقه وإلهه وموله ؛ فإن النسان يطيع عقله ‪،‬‬
‫وقلبه في أشق المور على نفسه وبدنه بل قد يركب الصعب والذلول في‬
‫تنفيذ ما يأمره به سلطان العقل ‪ ،‬أو سلطان القلب والهوى ‪ .‬ولو كانت‬
‫طاعة الله تابعة لسلطان العقل والقلب والهوى لكان المعبود حقا ً هو العقل‬
‫والقلب والهوى ‪ ،‬وليس الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬بل العبودية أن يطيع العبد‬
‫ربه فيما يخالف سلطان عقله وقلبه وهواه ‪ .‬بل إن الدين قائم على مخالفة‬
‫ما تهواه النفوس ‪ ،‬وما يخالف رأي النسان ومعقوله أحيانا ً وهذا هو معنى‬
‫التعبد لله ‪.‬‬
‫ول يمنع أن يكون في الدين ما يوافق معقول النسان ونظره ‪ ،‬ولكن الله‬
‫سبحانه وتعالى شاء أن يتعبد عباده بما يحكم به هو سبحانه وتعالى ل بما‬
‫يرونه بأنفسهم أو يعقلونه بعقولهم ‪ ،‬أو تهواه أنفسهم ‪.‬‬
‫إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬المثال والقدوة والسوة ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا نبي الله إبراهيم جعله الله إماما ً للناس جميعا ً ‪ ،‬وجعل النبوة في ذريته‬
‫دون سائر البشر ‪ ،‬ولم يصل إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬إلى ما وصل إليه إل أنه‬
‫ُأمر بأوامر إلهية تخالف معقول البشر فنفذها إبراهيم عليه السلم على النحو‬
‫الذي أمره الله بها تماما ً ‪ ،‬وكان مما أمر به مما يخالف معقول البشر أن‬
‫يلقي زوجته هاجر وابنها إسماعيل في أرض مقفرة موحشة ل إنس فيها ول‬
‫شيء وهي أرض مكة ‪ ،‬وليس معهم أحد على الطلق وليس لهم من الزاد‬
‫إل جراب تمر ‪ ،‬وقربة ماء ‪ .‬ثم كر عائدا ً وحده إلى بلد الشام ‪.‬‬
‫وهذا المر اللهي لبراهيم عليه السلم يخالف معقول البشر فإن أحدا ً لو‬
‫فعل ذلك من عند نفسه لكان فعله جريمة وإثما ً‬
‫وكذلك أمره الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬بأن يقتل ابنه ‪ِ -‬بكره ‪ -‬إسماعيل عليه‬
‫ب وبلغ مبلغ الرجال فسارع إلى تنفيذ المر دون تلكؤ أو‬ ‫السلم بعد أن ش ّ‬
‫نظر ‪ ،‬أو تسويف ‪ ،‬ولو أن إنسانا عمد إلى أن يقتل ابنه دون أمر من الله‬ ‫ً‬
‫لكان هذا جريمة وإثما ً ‪ ،‬فقد روى المام البخاري رحمه الله بإسناده إلى ابن‬
‫طق من ِقبل أم‬ ‫من ْ َ‬
‫عباس رضي الله عنهما قال‪) :‬أول ما اتخذ النساء ال ِ‬
‫في أثرها على سارة ‪ ،‬ثم جاء بها إبراهيم وبابنها‬ ‫إسماعيل ‪ ،‬اتخذت منطقا ً لت ُعَ ّ‬
‫إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في‬
‫أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد ‪ ،‬وليس بها ماء فوضعهما هنالك ‪،‬‬
‫سقاء فيه ماء ‪ ،‬ثم قفى إبراهيم منطلقا ً ‪ ،‬فتبعته‬ ‫ووضع عندها جرابا ً فيه تمر و ِ‬
‫أم إسماعيل فقالت‪ :‬يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس‬
‫فيه إنس ول شيء ؟ فقالت له ذلك مرارا ً ‪ ،‬وجعل ل يلتفت إليها فقالت‪ :‬آلله‬
‫أمرك بهذا ؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬قالت‪ :‬إذن ل يضّيعنا ‪ ،‬ثم رجعت فانطلق إبراهيم‬
‫حتى إذا عند الثنية حيث ل يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلء الدعوات‬
‫عند َ ب َي ْت ِ َ‬
‫واد ٍ غَي ْرِ ِذي َزْرٍع ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫من ذ ُّري ِّتي ب ِ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن ُ‬ ‫ورفع يديه فقال ‪َ" :‬رب َّنا إّني أ ْ‬
‫ن" وجعلت أم إسماعيل ترضع‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م" [إبراهيم‪ ]37:‬حتى بلغ "ي َ ْ‬ ‫حّر ِ‬
‫م َ‬
‫ال ُ‬
‫فد ما في السقاء عطشت‬ ‫إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا ن ِ‬
‫وعطش ابنها فجعلت تنظر إليه يتلوى ‪ ،‬أو قال‪ :‬يتلّبط ‪ ،‬فانطلقت كراهية أن‬
‫تنظر إليه ‪ ،‬فوجدت الصفا أقرب جبل في الرض يليها ‪ ،‬فقامت عليه ‪ ،‬ثم‬
‫استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا ً فلم تر أحدا ً ‪ ،‬فهبطت من الصفا حتى‬
‫إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ‪ ،‬ثم سعت سعي النسان المجهود حتى‬
‫جاوزت الوادي ‪ ،‬ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا ً فلم تر‬
‫أحدا ً ‪ ،‬ففعلت ذلك سبع مرات( ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬قال النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪) :-‬فذلك سعى الناس بينهما( فلما أشرفت على المروة سمعت‬
‫ه ‪ -‬تريد نفسها ‪ -‬ثم سعت فسمعت أيضا ً ‪ ،‬فقالت‪ :‬قد‬ ‫صوتا ً فقالت‪َ :‬‬
‫ص ْ‬
‫قِبه ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملك عند موضع زمزم فبحث بعَ ِ‬ ‫ت إن كان عندك غواث فإذا هي بال َ‬ ‫أسمع َ‬
‫وضه وتقول بيدها هكذا ‪ ،‬وجعلت‬ ‫أو قال‪ :‬بجناحه ‪ -‬حتى ظهر الماء فجعلت ُتح ّ‬
‫تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف‪ ..‬قال ابن عباس ‪ :‬قال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪) :‬يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم ‪ -‬أو‬
‫معينًا( قال‪ ) :‬فشربت‬ ‫قال ‪ :‬لو لم تغرف من زمزم ‪ -‬لكانت زمزما ً عينا ً َ‬
‫ضي َْعة‪ ،‬فإن هذا بيت الله يبني‬ ‫وأرضعت ولدها ‪ ،‬فقال لها الملك ‪ :‬ل تخافوا ال ّ‬
‫ً‬
‫هذا الغلم وأبوه ‪ ،‬وإن الله ل يضيع أهله ‪ ،‬وكان البيت مرتفعا من الرض‬
‫كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله ‪ ،‬فكانت كذلك حتى مرت بهم‬
‫داء فنزلوا في‬ ‫هم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق ك ُ َ‬ ‫جْر ُ‬
‫رفقة من ُ‬
‫أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا‪ :‬إن هذا الطائر ليدور على ماء ‪ ،‬لَعهدنا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ريا ً أو جريين فإذا هم بالماء ‪ ،‬فرجعوا‬ ‫ج ِ‬
‫بهذا الوادي وما فيه ماء ‪ ،‬فأرسلوا َ‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأخبروهم بالماء فأقبلوا ‪ ،‬قال‪ :‬وأم إسماعيل عند الماء ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أتأذنين لنا‬
‫حقّ لكم في الماء قالوا ‪ :‬نعم ‪.‬‬ ‫أن ننزل عندك ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬ولكن ل َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬قال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬فألفى ذلك أم‬
‫إسماعيل وهي تحب ال ُْنس( ‪ ،‬فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى‬
‫سُهم‬ ‫ف َ‬ ‫إذا كان بها أهل أبيات منهم ‪ ،‬وشب الغلم وتعّلم العربية منهم ‪ ،‬وأ َن ْ َ‬
‫وأعجبهم حين شب ‪ ،‬فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ‪ ،‬وماتت أم إسماعيل‬
‫ركته فلم يجد إسماعيل ‪ ،‬فسأل‬ ‫فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع ت ّ ِ‬
‫امرأته عنه فقالت‪ :‬خرج يبتغي لنا ‪ ،‬ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت ‪:‬‬
‫شّر ‪ ،‬ونحن في ضيق وشدة ‪ ،‬فشكت إليه ‪ ،‬قال‪ :‬فإذا جاء زوجك‬ ‫نحن ب ِ َ‬
‫عتبة بابه ‪ ،‬فلما جاء إسماعيل كأنه آَنس‬ ‫اقرئي عليه السلم وقولي له يغّير َ‬
‫شيئا ً فقال ‪ :‬هل جاءكم أحد ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك‬
‫َ‬
‫فأخبرته ‪ ،‬وسألني كيف عيشنا ‪ ،‬فأخبرته أ َّنا في جهد وشدة ‪،‬قال فهل أوصاك‬
‫بشيء ؟ قالت‪ :‬نعم ‪ ،‬أمرني أن أقرأ عليك السلم ويقول ‪ :‬غّي ّْر عتبة بابك ‪،‬‬
‫حقي بأهلك ‪ ،‬فطلقها وتزوج منهم‬ ‫قال‪ :‬ذاك أبي ‪ ،‬وقد أمرني أن أفارقك ‪ ،‬ال َ‬
‫امرأة أخرى ‪ ،‬فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده ‪،‬‬
‫فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت ‪ :‬خرج يبتغي لنا ‪ ،‬قال ‪ :‬كيف أنتم ؟‬
‫وسألها ما طعامكم ؟ قالت ‪ :‬اللحم ‪ ،‬قال‪ :‬فما شرابكم ؟ قالت ‪ :‬الماء ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬اللهم بارك لهم في اللحم والماء ‪ ،‬قال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪: -‬‬
‫ب ‪ ،‬ولو كان لهم دعا لهم فيه( قال‪ :‬فهما ل يخلو‬ ‫ح ّ‬ ‫) ولم يكن لهم يومئذ َ‬
‫عليهما أحد بغير مكة إل لم يوافقاه ‪ .‬قال‪ :‬فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه‬
‫ريهِ يثّبت عتبة بابه ‪ ،‬فلما جاء إسماعيل قال‪ :‬هل أتاكم من أحد ؟‬ ‫م ِ‬
‫السلم و ُ‬
‫قالت‪ :‬نعم ‪ ،‬أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته ‪،‬‬
‫فسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أ َّنا بخير ‪ ،‬قال‪ :‬فأوصاك بشيء ؟ ‪ ،‬قالت‪ :‬نعم‬
‫هو يقرأ عليك السلم ويأمرك أن تثبت عتبة بابك ‪ ،‬قال‪ :‬ذاك أبي وأنت العتبة‬
‫‪ ،‬أمرني أن أمسكك ‪ ،‬ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل‬
‫ري نبل ً له تحت دوحة قريبا ً من زمزم ‪ ،‬فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع‬ ‫ي َب ْ ِ‬
‫الوالد بالولد والولد بالوالد ‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا إسماعيل إن الله أمرني أن أبني‬
‫َ‬
‫مة مرتفعة على ما حولها ‪ ،‬قال‪ :‬فعند ذلك رفعا‬ ‫هاهنا بيتا ً ‪ ،‬وأشار إلى أك َ َ‬
‫القواعد من البيت ‪ ،‬فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يناوله الحجارة‬
‫يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني‬
‫ل منا إن َ َ‬
‫ع‬
‫مي ُ‬ ‫س ِ‬‫ت ال ّ‬ ‫ك أن َ‬ ‫قب ّ ْ ِ ّ ّ‬
‫وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولن ‪َ) :‬رب َّنا ت َ َ‬
‫م([البقرة‪ ]127:‬قال ‪ :‬فجعل يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولن ‪:‬‬ ‫العَِلي ُ‬
‫م"[البقرة‪. ]127:‬‬ ‫َ‬ ‫مّنا إن ّ َ‬ ‫قب ّ ْ‬
‫ميعُ العَِلي ُ‬
‫س ِ‬
‫ت ال ّ‬ ‫ك أن َ‬ ‫ل ِ‬ ‫"َرب َّنا ت َ َ‬
‫ً‬
‫الجانب التعبدي في السلم كبير جدا ‪:‬‬
‫وإذا كانت الشريعة المنزلة على محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في عمومها‬
‫مما يوافق معقول أهل العقل والحجا والحكمة إل أن الجانب التعبدي فيها‬
‫كبير جدا ً ‪ ..‬فإن مواقيت الصلة ‪ ،‬وأعداد الركعات ‪ ،‬وهيئات الصلة ‪ ،‬وكون‬
‫الزكاة في بعض الموال وليست في جميعها ‪ ،‬وتقدير النصاب ‪ ،‬وصفة الصوم‬
‫‪ ،‬وأعمال الحج من طواف وسعي وتقبيل للحجر السود ‪ ،‬والوقوف بعرفة ‪،‬‬
‫والمبيت بمزدلفة ‪ ،‬ورمي الجمار ‪ ،‬كل ذلك من المور التعبدية التي يراد منها‬
‫ابتلء طاعة العباد لربهم وخالقهم سبحانه وتعالى‪ .‬كما أن الحدود والعقوبات‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرعية الشأن فيها التعبد لله سبحانه وتعالى بتنفيذ أمره والنتهاء عن نهيه‬
‫جل وعل ‪.‬‬
‫وكذلك ما أباحه الله وما حرمه ‪ ..‬فإن الله أباح البيع وحرم الربا ‪ ،‬وقد يكسب‬
‫البائع في بيعه ألفا ً في المائة وقد يكون الربا المحرم درهما ً في اللف ويبقى‬
‫ُ‬
‫حد ّ على ميت أكثر من ثلثة‬ ‫الربا حراما ً والبيع حلل ً وقد أمرت المرأة أن ل ت َ ُ‬
‫أيام ولو كان الميت أعز الناس لديها كابنها وأخيها وأبيها ‪ ،‬ولكنها يجب أن تحد‬
‫على زوجها أربعة أشهر وعشرا ً ‪.‬‬
‫ول شك أن وراء كل أمر إلهي حكمة عليا قد يخبرنا الله بها ‪ ،‬وقد يهدينا إلى‬
‫معرفتها ‪ ،‬وقد يخفيها عنا ‪ ،‬وفي كل ذلك يجب على المكلف أن يسمع ويطيع‬
‫مر فإنه ل‬‫‪ ،‬وأما إن عّلق طاعته لله على فهمه ومعقوله ومعرفته لحكمة ال ِ‬
‫يكون عابدا ً لله على الحقيقة ولو رد المر اللهي ظانا ً أنه مخالف للحكمة‬
‫والعقل لكان كافرا ً وكان كفره ككفر إبليس الذي لم تكن جريمته إل رد المر‬
‫اللهي كفرا ً وكبرا ً وعنادا ً ‪.‬‬
‫كل رد للمر اللهي كبيرة مخرجة من الدين ‪:‬‬
‫وهكذا فكل رد للمر اللهي ‪ -‬مهما كان هذا المر في صغير أو كبير في أمر‬
‫معقول المعنى ‪ -‬عند المأمور ‪ -‬أو أمر غير معقول المعنى ‪ -‬هو كفر بالله‬
‫وخروج من رحمته ‪.‬‬
‫كبائر الذنوب وصغارها التي ل تخرج من الملة ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وأما الكبائر والصغائر التي ل ُتخرج من ملة السلم فهي ما يرتكبه العبد من‬
‫الذنوب مع اعتقاد أنها معصية ‪ ،‬وأنها إثم وذنب ‪ ،‬فالزنا والربا وأكل مال‬
‫الناس بالباطل ‪ ،‬وشرب الخمر ‪ ،‬كل ذلك من الكبائر والعظائم ‪ ،‬ومن فعلها‬
‫معتقدا ً أنه فعل إثما ً كبيرا ً فإنه يبقى في مسمى اليمان والسلم ‪ ،‬ول يخرج‬
‫من السلم إل إذا انتفى من قلبه الشعور بالثم ‪ ،‬ورأى أنه لم يفعل ما‬
‫ب عليه ‪ ،‬وكذلك المر في صغائر الذنوب كالغمزة الواحدة ‪ ،‬واللمزة‬ ‫ي َُعاقَ ُ‬
‫والكذبة التي ل يجوز فيها ‪ ،‬فإن من ارتكبها مع اعتقاده بحرمتها بقي في‬
‫دائرة العافية ومسمى اليمان ‪ ،‬ومن ارتكبها مستحل ً لها نافيا ً عن نفسه الثم‬
‫فيما ارتكبه فهو خارج عن مسمى اليمان كافر بالله ‪-‬سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫تعظيم أمر المعصية ‪:‬‬
‫وكل عباد الله المخلصين من النبياء والمرسلين وأولياء الله الصالحين ‪ ..‬بل‬
‫وملئكته المقربين كانوا يعظمون معصية الله في الصغير والكبير ‪ ..‬فإن‬
‫النظر يجب أن يكون فيمن عصاه العبد ل فيما عصى فيه العبد ‪.‬‬
‫لماذا كانت المعصية شيئا ً عظي ً‬
‫ما ؟ ‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫المعصية في ذاتها شي عظيم ؛ لنها مخالفة لمر الرب الله الذي ل إله إل‬
‫هو ‪ ،‬خالق السموات والرض ‪ ،‬وخالق كل شيء ‪ ،‬وهو رب كل شيء ومليكه‬
‫ل له كل شيء ‪ ،‬فهو القاهر فوق عباده ‪ ،‬وهو‬ ‫الذي خضع له كل شيء ‪ ،‬وذ َ ّ‬
‫الحكيم الخبير الذي ل يغيب عنه من شئون عباده صغير ول كبير ‪ ..‬فهو القائم‬
‫ت َول‬‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫قا ُ‬
‫ل ذ َّرةٍ ِفي ال ّ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ه ِ‬
‫ب عَن ْ ُ‬
‫على كل نفس بما كسبت ‪ ،‬والذي )ل ي َعُْز ُ‬
‫ض( [سبأ‪ ، ]3:‬الذي تخافه الملئكة العظام وتكاد السموات أن‬ ‫َ‬
‫ِفي الْر ِ‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتفطرن من فوقهن فرقا ً وخوفا ً منه ‪ .‬والذي يمسك السموات والرض أن‬
‫تزول ‪ ...‬والذي ل يحيط أحد من خلقه علما ً به ‪ ،‬وهو يحيط علما ً بكل‬
‫مخلوقاته ‪ ،‬ول يغيب عنه سبحانه خطرات نفوسهم ول نزعات قلوبهم ‪ ،‬ول‬
‫وساوس صدورهم ‪ ،‬الذي وسع كل شيء رحمة وعلما ً ‪ ،‬والذي ل يقبل من‬
‫أحد من مخلوقاته إل الذعان له ‪ ،‬والستسلم لمره ‪ .‬والذي يكرم من شاء‬
‫من خلقه وعباده فل يكون لكرامه منتهى ول لعطائه حد ‪ ،‬ويهين من شاء من‬
‫خلقه ‪ ،‬فل تكون لهانته مثيل ‪ ،‬ويعذب من أراد من عبيده ‪ ،‬فل يكون لعذابه‬
‫ذاب َ‬
‫حد ٌ ‪ .‬ول ُيوث ِقُ وَثاقَ ُ‬
‫ه‬ ‫هأ َ‬ ‫ب عَ َ َ ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ّ ي ُعَذ ّ ُ‬ ‫نهاية ‪ ،‬ول لعذابه شبيه )فَي َوْ َ‬
‫د([الفجر‪ ، ]26-25:‬وهو الرب الله الذي جعل الخلق كله له ‪ ،‬فل يخلق إل‬ ‫َ‬
‫ح ٌ‬ ‫أ َ‬
‫هو ‪ ،‬ول يستطيع غيره أن يخلق ذرة ‪ ،‬ول ب ُّرة ‪ ،‬ول ذبابا ً ‪ . ،‬والذي يملك نفع‬
‫خلقه وضرهم فل يملك غيره لحد من خلقه لنفسه نفعا ً ول ضرا ً إل ما شاء‬
‫هو ‪ ..‬وهو الرب الله خالق السموات والرض الذي ل يكرثه ول يتعبه خلق‬
‫السموات والرض ول حفظهما في أماكنها ومداراتها ‪ .‬فمن ذا يستطيع أن‬
‫يضع الشمس في مكانها غيره ‪ ،‬وأن يضع القمر في مكانه غيره ‪ ،‬والنجوم‬
‫في مساراتها ‪ ،‬والمجرات في مجاريها ‪ ..‬ومن الذي أتقن كل ذلك ‪ ،‬قال‬
‫ك السموات وال َرض َأن تزول ول َِئن زال َتا إ َ‬
‫ما‬ ‫سك َهُ َ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ َ َ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫تعالى ‪) :‬إ ّ‬
‫فورًا( [فاطر‪ .]41:‬فهو مالك الملك كله ‪،‬‬ ‫حِليما ً غَ ُ‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫م َ‬
‫َ َ‬ ‫م ْ َْ ِ ِ ُّ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫ومدبر الكون كله لم يساعده أحد ولم يعاونه أحد في خلق الكون ‪ ،‬ول حفظه‬
‫‪ ،‬بل هو الخالق لكل ما في الكون والحافظ له ‪ ،‬والمقيم له ‪ ،‬وهو الذي‬
‫عقد هذا الكون وقتما شاء ويبدل السموات والرض وقتما يريد ‪ ،‬قال‬ ‫يفرط ِ‬
‫ت‪.‬‬ ‫جَر ْ‬ ‫حاُر فُ ّ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا الب ِ َ‬ ‫ب انت َث ََر ْ‬ ‫واك ِ ُ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا الك َ َ‬ ‫فطَر ْ‬ ‫َ‬ ‫ماُء ان َ‬ ‫س َ‬ ‫تعالى ‪) :‬إَذا ال ّ‬
‫َ‬
‫ت( [النفطار‪ . ]5-1:‬وقال‬ ‫خَر ْ‬ ‫ت وأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ‪ .‬عَل ِ َ‬ ‫قُبوُر ب ُعْث َِر ْ‬ ‫وإَذا ال ُ‬
‫ت ‪ .‬وإَذا‬ ‫سي َّر ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا ال ِ‬ ‫م انكد ََر ْ‬ ‫َ‬ ‫جو ُ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا الن ّ ُ‬ ‫س كوَّر ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫تعالى ‪) :‬إَذا ال ّ‬
‫س‬
‫فو ُ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا الن ّ ُ‬ ‫جَر ْ‬ ‫س ّ‬ ‫حاُر ُ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا الب ِ َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫حو ُ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا الوُ ُ‬ ‫شاُر عُط ّل َ ْ‬ ‫العِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ‪ .‬وإَذا‬ ‫شَر ْ‬ ‫ف نُ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا ال ّ‬ ‫ب قُت ِل ْ‬ ‫ت ‪ .‬ب ِأيّ ذ َن ْ ٍ‬ ‫سئ ِل ْ‬ ‫موُْءود َةُ ُ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا ال َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ُزوّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫س ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ‪ .‬عَل ِ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ة أْزل ِ َ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا ال َ‬ ‫سعَّر ْ‬ ‫م ُ‬ ‫حي ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا ال َ‬ ‫شط ْ‬ ‫ماُء ك ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ماُء ان َ‬ ‫َ‬
‫ت ل َِرب َّها‬ ‫ت ‪ .‬وأذِن َ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫س َ‬ ‫ت( [التكوير‪ ]14-1:‬وقال تعالى‪) :‬إَذا ال ّ‬ ‫ضَر ْ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫ت ‪ .‬وأ َل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ت ‪َ .‬يا‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت ل َِرب َّها و ُ‬ ‫ت ‪ .‬وأذِن َ ْ‬ ‫خل ّ ْ‬ ‫ما ِفيَها وت َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ق ْ‬ ‫مد ّ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ت ‪ .‬وإَذا الْر ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫و ُ‬
‫ه( [النشقاق‪ ]6-1:‬هذا الرب‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملِقي ِ‬ ‫دحا ف ُ‬ ‫ح إلى َرب ّك ك ْ‬ ‫ن إن ّك كادِ ٌ‬ ‫سا ُ‬ ‫أي َّها الن َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن َرب ّك ُ ُ‬ ‫الله سبحانه وتعالى الذي وصف نفسه في القرآن فقال ‪) :‬إ ّ‬
‫وى عََلى العَْر‬ ‫َ‬ ‫ت وال َْر‬
‫شي‬ ‫ش ي ُغْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ست َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫مرِهِ أل ل َ ُ‬ ‫ت ب ِأ ْ‬ ‫خَرا ٍ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫جو َ‬ ‫مَر والن ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫س وال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫حِثيثا ً وال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الن َّهاَر ي َط ْل ُب ُ ُ‬ ‫الل ّي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن( [العراف‪ .]54:‬وقال جل وعل ‪) :‬الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫مُر ت ََباَر َ‬ ‫خل ْقُ وال ْ‬ ‫ال َ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما ِفي‬ ‫تو َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫مل ُ‬ ‫ة ول ن َوْ ٌ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫خذ ُه ُ ِ‬ ‫م ل ت َأ ُ‬ ‫قّيو ُ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه إل ّ هُوَ ال َ‬ ‫ل إل َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال َْر‬
‫م ول‬ ‫فهُ ْ‬ ‫خل َ‬ ‫ما َ‬ ‫مو َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫عند َهُ إل ّ ِبإذ ْن ِهِ ي َعْل ُ‬ ‫فع ُ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫من َذا ال ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫سعَ ك ُْر ِ‬ ‫عل ْ ِ‬ ‫حي ُ‬
‫ض ول‬ ‫ت والْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫سي ّ ُ‬ ‫شاَء و ِ‬ ‫ما َ‬ ‫مهِ إل ّ ب ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫يٍء ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫طو َ‬ ‫يُ ِ‬
‫هّ‬
‫م( [البقرة‪ .]255:‬وقال جل وعل ‪) :‬الل ُ‬ ‫ظي ُ‬ ‫ي العَ ِ‬ ‫ما وهُوَ العَل ِ ّ‬ ‫فظهُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ي َُئود ُه ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش‬
‫وى عَلى العَْر ِ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّ‬ ‫ما ِفي ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫ت والْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال َ ِ‬
‫ماِء إَلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫مَر ِ‬ ‫ن ‪ .‬ي ُد َب ُّر ال ْ‬ ‫فيٍع أَفل ت َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ي ول َ‬ ‫من ول ِ ّ‬ ‫من ُدون ِهِ ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫عال ِ ُ‬ ‫ن ‪ .‬ذ َل ِك َ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعُ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫سن َةٍ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫داُره ُ أل َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ج إلي ْهِ ِفي ي َوْم ٍ كا َ‬ ‫م ي َعُْر ُ‬ ‫ض ثُ ّ‬ ‫الْر ِ‬
‫ق‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫نك ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ب وال ّ‬
‫خل َ‬ ‫ه وب َد َأ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫م ‪ .‬ال ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫شَهاد َةِ العَ ِ‬ ‫الغَي ْ ِ‬
‫ف َ‬
‫خ‬ ‫واهُ ون َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن‪.‬ث ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مِهي ٍ‬ ‫ماٍء ّ‬ ‫من ّ‬ ‫سللةٍ ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫سل ُ‬ ‫جعَل ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن‪.‬ث ّ‬ ‫طي ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫الن َ‬
‫م‬
‫جعَل لك ُ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حهِ و َ‬ ‫من ّرو ِ‬ ‫ِفيهِ ِ‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫شك ُُرو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن( [السجدة‪ ]9-4:‬وقال جل وعل ‪:‬‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫صاَر والفْئ ِد َة َ قَِليل ً ّ‬ ‫معَ والب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ج ب ِهِ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض وأنَز َ‬ ‫ت والْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫)الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫خَر ل َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫س ّ‬ ‫مرِهِ و َ‬ ‫حرِ ب ِأ ْ‬ ‫جرِيَ ِفي الب َ ْ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫فل ْ َ‬ ‫م ال ُ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ت رِْزقا ً ل ّك ُ ْ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫الث ّ َ‬
‫ُ‬
‫ل والن َّهاَر ‪ .‬وآَتاكم‬ ‫ّ‬
‫م اللي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خَر لك ُ‬ ‫س ّ‬ ‫نو َ‬ ‫مَر َدائ ِب َي ْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س وال َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خَر لك ُ‬ ‫س ّ‬ ‫الن َْهاَر ‪ .‬و َ‬
‫َ‬
‫فاٌر(‬ ‫م كَ ّ‬ ‫ن ل َظ َُلو ٌ‬ ‫سا َ‬ ‫ن الن َ‬ ‫ها إ ّ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت الل ّهِ ل ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫موهُ وإن ت َعُ ّ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫[إبراهيم‪ ، ]34-32:‬وهكذا فإن معصية هذا الرب العظيم الكبير المتعالي أمر‬
‫عظيم ‪ ،‬ومخالفته فيما أوجب على عباده أمر كبير جدا ً ‪.‬‬
‫حق الله على عباده أكبر من كل ما يأمرهم به ‪:‬‬
‫ثم إن مما يجعل من مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى أمرا ً عظيما ً وإثما ً كبيرا ً‬
‫هو أن حق الله على عباده أكبر مما يأمرهم به ‪ ،‬فإن الله هو خالق الخلق ‪،‬‬
‫ومدبر شئونهم ‪ ،‬والمتفضل عليهم بنعمة الوجود أول ً ‪ ،‬ثم ما من نعمة إل‬
‫وهي منه سبحانه وتعالى ‪ ،‬فهو وحده الرازق لكل عباده وهو ربهم الذي‬
‫يكلؤهم ويرعاهم ‪ ،‬ويربيهم برحمته ‪ ،‬وليس لهم رب سواه ‪ ،‬ول إله غيره ‪.‬‬
‫ولو أمر عباده بما أمر فإن هذا حقه على عباده فإنه خالقهم وربهم ‪،‬‬
‫ومنشئهم من العدم ‪ ،‬ومع ذلك فل يكلف سبحانه وتعلى نفسا ً إل وسعها ول‬
‫يأمر عباده إل بما ينفعهم ‪ ،‬وإذا أمرهم فإنه يأمرهم وهو غني عنهم ‪ ،‬غير‬
‫فقير لعبادتهم ‪ ،‬وعبادة العباد له هي من جملة الفضل الذي يتفضل به‬
‫عليهم ؛ لنها سبب لزكاتهم وطهارتهم وسبب لنيل مرضاته ورحمته وجائزته‬
‫وهكذا تصبح معصية العاصي أمرا ً عظيما ً وإثما ً كبيرا ً ؛ لنه مخالف للرب الله‬
‫الذي أحسن وأكرم ‪ ،‬وخلق ورزق ‪ ،‬وتحنن على عبده ‪.‬‬
‫المفهوم الشمولي لمعنى الذنب ‪:‬‬
‫وإذا عرف العبد ربه على الحقيقة ‪ ،‬وأنه خالقه ورازقه ‪ ،‬ومتولي شئونه ‪،‬‬
‫ومن بيده نفعه وضره ‪ ،‬ومن يعلم علنيته وسره ‪ ،‬وحياته ومماته ‪ ،‬وأن العبد‬
‫ل يستغنى عنه طرفة عين ‪ ،‬علم أن حق الله على عباده أن يطيعوه فل‬
‫يعصوه ‪ ،‬وأن يشكروه ول يكفروه ‪ ،‬وأن يذكروه ول ينسوه ‪ ،‬وأن يتقوه حق‬
‫تقاته ‪ ،‬وكل تقصير في هذه الحقوق تقصير ومعصية ‪ ،‬فالغفلة ولو للحظة‬
‫واحدة عن ذكر الله إثم ‪ ،‬وعدم القيام بشكر نعمة واحدة من نعم الله التي ل‬
‫تحصى إثم ‪ ،‬ومعصية أمر الله في الكبير والصغير إثم ‪.‬‬
‫وقد أمر الله عباده أن يتقوه حق تقاته ‪ ،‬أي كما ينبغي له ؛ إذ هو سبحانه‬
‫قى ‪ ،‬فهو الرب الله القائم على كل نفس بما كسبت ‪،‬‬ ‫وتعالى أهل لن ي ُت ّ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ملو َ‬ ‫ن ول ت َعْ َ‬ ‫من قُْرآ ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ما ت َت ْلو ِ‬ ‫نو َ‬ ‫شأ ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ما ت َكو ُ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬و َ‬
‫ل ذ َّرةٍ ِفي‬ ‫قا ِ‬ ‫مث ْ َ‬‫من ّ‬ ‫َ‬
‫عن ّرب ّك ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ما ي َعُْز ُ‬ ‫ن ِفيهِ و َ‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬ ‫شُهودا إذ ْ ت ُ ِ‬ ‫ً‬ ‫م ُ‬ ‫إل ّ ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن( [يونس‪:‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ّ‬ ‫ك ول أك ْب ََر إل ّ ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫من ذ َل ِ َ‬ ‫صغََر ِ‬ ‫ماِء ول أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ض ول ِفي ال ّ‬ ‫الْر ِ‬
‫‪ . ]61‬وقد علم الله سبحانه وتعالى أن عباده ل يطيقون أن يقوموا بحقه‬
‫وتقواه كما ينبغي له سبحانه وتعالى ‪ ،‬ففرض عليهم من ذلك ما يستطيعون ‪،‬‬
‫َ‬
‫طيُعوا( [التغابن‪:‬‬ ‫مُعوا وَأ ِ‬ ‫س َ‬‫م َوا ْ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫فقال جل وعل ‪َ) :‬فات ّ ُ‬
‫‪ ]16‬فمن غفل عن ذكر الله الواجب المستطاع فهو آِثم ‪ ،‬كما قال صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪) :‬ما من قوم جلسوا مجلسا ً ثم قاموا منه ولم يذكروا الله فيه‬
‫إل كان هذا المجلس عليهم ت َِرةً يوم القيامة( أي حسرة وندامة ‪ ..‬ول حسرة‬
‫إل في ترك واجب ‪ .‬ومن قصر في شكر نعمة عرفها فهو آثم ولو كان في‬
‫شربة ماء شربها ‪ ،‬ولم يحمد الله عليها ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬ث ُم ل َت َ‬
‫ن‬
‫مئ ِذ ٍ عَ ِ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫سأل ُ ّ‬ ‫ّ ُ ْ‬
‫م( [التكاثر‪ ، ]8:‬وقد قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬لبي بكر‬ ‫الن ِّعي ِ‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعمر لما خرجا من بيوتهم بسبب الجوع ثم أضافهم أنصاري فقدم لهم عذقا ً‬
‫من تمر ورطب فأكلوا وقدم لهم ماءا ً باردا ً فشربوا ‪) :‬إن هذا من النعيم‬
‫ولتسألن عنه يوم القيامة(‪ .‬ومن عصى في صغير أو كبير فهو تحت الحساب‬
‫علم معنى الذنب الذي ُينسب‬ ‫علم هذا ُ‬ ‫والمؤاخذة إل أن يغفر الله ذنبه ‪ ،‬إذا ُ‬
‫إلى النبياء والرسل فإنه ليس كبيرة بحال ‪ ،‬وليس تعمدا ً لمعصية الله ‪ ،‬وإنما‬
‫قد يكون اختيارا ً لخلف ال َوَْلى ‪ ،‬أو انقطاعا ً ‪ -‬لحظة ‪ -‬عن الذكر الدائم ‪ ،‬أو‬
‫قعودا ً ‪ -‬لحظة ‪-‬عن الشكر الدائم ‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ن على قلبي وإني أتوب إلى الله في اليوم أكثر من مائة مرة( ‪.‬‬ ‫)إنه ل َي َُغا ُ‬
‫طر قدماه ‪،‬‬ ‫وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى تتف ّ‬
‫فإذا سئل في ذلك قال‪) :‬أفل أكون عبدا ً شكورًا( فمن عرف حق الله على‬
‫عباده ‪ ،‬وعرف أن حقه يعظم كلما عظمت نعمته على العبد وعلم أن حق‬
‫الله سبحانه على عبده أن يذكره فل ينساه ‪ ،‬ويشكره فل يكفره ‪ ،‬وأن يطيعه‬
‫فل يعصاه ‪ ،‬وأن يخافه ويتقيه كما ينبغي لجلله وعظيم سلطانه ؛ علم العبد‬
‫عند ذلك ماذا تعني المعصية والذنب ؟ ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ل تنه عن خلق وتأتي مثله‬


‫صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان *‬
‫>‪TD/‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد خاتم النبيين‪،‬‬
‫وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ..‬وبعد‪:‬‬
‫فقد كثر في الونة الخيرة استنكار الغلو والتحذير منه‪ ،‬وهذا أمر قد حذر منه‬
‫الشرع المطهر‪ ،‬ولكن الشأن في تحديد مفهوم الغلو ‪ -‬فإن بعض هؤلء‬
‫المنكرين له يقعون فيه عن قصد أو عن غير قصد ومن ذلك‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أنهم وقعوا فيه في شأن المرأة حيث يزعمون أنهم يطالبون بحقوقها‪،‬‬
‫مع أنهم يدفعون بها إلى قيامها بما ل يليق بها من أعمال ل تتناسب مع‬
‫خلقتها أو مع حشمتها وعفافها حيث ينادون بأن تسند إليها أعمال الرجال‬
‫التي ل تناسب مع خلقتها وطبيعتها‪ ،‬أو تسند إليها أعمال تقتضي تخليها عن‬
‫الداب الشرعية التي تحفظ لها كرامتها كالمناداة بسفرها بدون محرم‪،‬‬
‫والمناداة بخلعها للحجاب‪ ،‬والمناداة باختلطها بالرجال‪ ،‬وحرمانها من حقها‬
‫وبالمناداة بإلغاء قوامة الرجل عليها ‪ -‬ما هذه النداءات‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فهل يفكر هؤلء فيما يقولون‬ ‫وزج بها فيما يعود عليها بالوبال عاجل ً أو آج ً‬
‫ويربأون بأنفسهم من هذا التناقض‪ ،‬أو هم يحسبون أن الناس ل يعقلون‪ ،‬ول‬
‫يدركون تناقضهم ويحاسبونهم على غلوهم وإفراطهم‪ ،‬إن الله رفع المرأة من‬
‫ظلم الجاهلية لها ومن تسيبات الغرب العصرية‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬غلوهم في التسامح ‪ -‬فهم دائما ً ينادون بالتسامح والتيسير‪ ،‬ونقول لهم‬
‫نعم‪ :‬إن ديننا هو الشريعة السمحة‪ ،‬وقد رفع الله به الصار والغلل التي‬
‫كانت على من قبلنا‪ ،‬لكن هؤلء يريدون بالتسامح ترك الوامر وارتكاب‬
‫المناهي وعدم التمييز بين مسلم وكافر‪ ،‬وعدو لله وولي لله‪ ،‬وهذا غلو في‬
‫التسامح وجنوح به إلى غير مفهومه الصحيح ‪ -‬ولن التسامح معناه الخذ‬
‫بالرخص الشرعية عند الحتياج إليها والقتصار على حدود الرخصة‪ ،‬والخذ بها‬
‫وقت الحاجة بشروطها الشرعية مع عدم التوسع في مفهومها‪ ،‬وقد عرف‬
‫الصوليون الرخصة بأنها استباحة المحظور مع قيام سبب الحظر لمعارض‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫راجح‪ ،‬بحيث إذا زال هذا العارض فإننا نرجع إلى العزيمة فمثل قصر الصلة‬
‫خاص بالسفر وأكل الميتة خاص بحالة الضرورة‪ ،‬وإذا انتهى السفر انتهى‬
‫القصر ولزم إتمام الصلة‪ ،‬وإذا زالت الضرورة عاد تحريم الميتة‪ ،‬وهكذا في‬
‫جميع الرخص‪ ،‬فل يجوز انتهاك أحكام الشريعة بذريعة التسامح وعدم التشدد‬
‫كما يقولون‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬غلوهم فيما يسمونه التشدد والتطرف ول شك أن الله نهى عن الغلو‬
‫في الدين‪ ،‬وكذلك النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬نهى عن ذلك‪ ،‬ولكن المراد‬
‫بالغلو في كلم الله وكلم رسوله هو الزيادة عن الحد المشروع ‪ -‬وهؤلء‬
‫عندهم أن من تمسك بالدين واقتصر على الحد المشروع فإنه متشدد‪ ،‬وهذا‬
‫غلو في ضابط التشدد‪ ،‬والتشدد المنهي عنه ل يرجع في تفسيره إلى أذواق‬
‫الناس واعتباراتهم وإنما يرجع فيه إلى الكتاب والسنة‪ ،‬وفهم ذلك منها على‬
‫الوجه الصحيح الذي فهمه سلف هذه المة وديننا دين الوسط الذي ل غلو فيه‬
‫ما‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬
‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ول جفاء‪ ،‬ول إفراط ول تفريط‪ .‬قال الله تعالى‪} :‬وَأ ّ‬
‫كم ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫صا ُ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫سِبيل ِهِ ذ َل ِك ُ ْ‬
‫عن َ‬ ‫م َ‬‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬ ‫ل فَت َ َ‬ ‫َفات ّب ُِعوه ُ وَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ ال ّ‬
‫سب ُ َ‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َفاعْدُِلوْا{‪ ،‬وقال تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫ن{‪ ،‬وقال تعالى‪} :‬وَإ َِذا قُل ْت ُ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ت َت ّ ُ‬
‫دا{ وتحديد الغلو والتساهل حكم شرعي ل يعرفه‬ ‫دي ً‬ ‫س ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه وَقولوا قوْل َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ات ّ ُ‬
‫ف‬ ‫و‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫جاء‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫و‬‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬ ‫والبصيرة‪،‬‬ ‫العلم‬ ‫أهل‬ ‫إل‬
‫ْ ِ ِ َ ْ ِ‬ ‫َ ُ ْ ْ ٌ ّ َ‬ ‫َُ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫م ُ‬ ‫م ل َعَل ِ َ‬
‫من ْهُ ْ‬‫مرِ ِ‬ ‫َ‬
‫ل وَإ َِلى أوِْلي ال ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫عوا ْ ب ِهِ وَل َوْ َرّدوه ُ إ َِلى الّر ُ‬ ‫أ ََذا ُ‬
‫م{‪ ،‬وإذا تولىهذا المر من ل يحسنه خرج عن حده‪،‬‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫طون َ ُ‬ ‫سَتنب ِ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫)وكل شيء خرج عن حده فإنه ينقلب إلى ضده( فشأن المرأة لما تولى‬
‫القول به غير ذوي الختصاص خرجوا به عن حده‪ ،‬وضروا المرأة من حيث‬
‫يظنون أنهم ينفعونها وخرجوا بها عن طورها الذي حددها الله لها‪ ،‬والعتدال‬
‫ل‪ ،‬ويعتبره المتساهلون غلوا ً نتيجة لجهل هؤلء وهؤلء‪ ،‬أو‬ ‫يعتبره الغلة تساه ً‬
‫لتباع أهوائهم‪ ،‬وصار كل منهما يرمي الخر بالسوء‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬غلوهم في منع التكفير حتى في حق من حكم الله ورسوله بكفره‬
‫ارتكب ناقضا ً من نواقض السلم المجمع عليها كدعاء الموات والستغاثة‬
‫بالقبوريين ومن سب الله أو رسوله أو دين السلم‪ ،‬وهذا العمل منهم محادة‬
‫لله ولرسوله وتأييد للخروج من الدين‪ ،‬فالواجب على هؤلء كف ألسنتهم‬
‫وأقلمهم عن الكلم فيما ل يعرفون ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه وفق‬
‫الله‪ .‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫* عضو هيئة كبار العلماء‬
‫الجزيرة ‪ /‬الخميس ‪, 07‬صفر ‪ 1426‬العدد ‪11858‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ئ كفني‬ ‫ل تهي ّ ْ‬
‫للشاعر‪ :‬غازي عبد الرحمن القصيبي‬
‫ل في أضلعي برقٌ ورعد ُ‬ ‫د! لم يز ْ‬ ‫ت بع ُ‬ ‫ل ُتهّيئ كفني‪ ..‬ما م ّ‬
‫ل الله نحو النصر تعدو‬ ‫أنا إسلمي‪ ..‬أنا عّزته أنا خي ُ‬
‫ض في روحي وسعد ُ‬ ‫ه؟ خالد ٌ ينب ُ‬ ‫أنا تاريخي‪ ..‬أل تعرف ُ‬
‫ّ‬
‫ت كلما استشهد َ بند ٌ ثار بند ُ‬ ‫زم ْ‬ ‫أنا صحرائي التي ما هُ ِ‬
‫قسما ً ما قفز الخوف إلى قبضة الفارس‪ ..‬ما اهتّز الفرند ُ‬
‫ُ‬
‫سد ُ‬
‫ت هذه الصحراُء‪ ،‬فالكثبان أ ْ‬ ‫ح إل شمخ ْ‬ ‫ما دعانا الفت ُ‬
‫***‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ماِء وعد ُ‬ ‫قمم الش ّ‬ ‫ل تهّيئ كفني‪ ..‬ما زال لي في صمودِ ال ِ‬


‫ت الثأُر لكن يستعد ّ‬ ‫ل تغّرّنك مّني هدأتي ل يمو ُ‬
‫ل في عروقي‪ ..‬فأنا منه أحد ّ‬ ‫ل موغ ٌ‬ ‫ل يغّرّنك نص ٌ‬
‫حّر عبد ُ‬ ‫ف ال ُ‬‫ف بانتهائي‪ ..‬ل ُيخي ُ‬ ‫ل يغّرّنك عبد ٌ مرج ٌ‬
‫عهد ُ‬ ‫ئ كفني‪ ..‬يا سّيدي لي مع الثأر مواثيقٌ و َ‬ ‫ل تهي ّ ْ‬
‫هند ُ‬ ‫ة ودعتني من خيام السر ِ‬ ‫ت لي عّزةٌ مجروح ٌ‬ ‫أومأ ْ‬
‫ل الَبغي ُرب ْد ُ‬ ‫ه بوحو ِ‬ ‫ب دّنست ُ‬ ‫وبدا لي مسجد ٌ مكتئ ٌ‬
‫ب جند ُ‬ ‫ل في المحرا ِ‬ ‫ذكَر السراَء فاهتّز أسى ولسرائي َ‬
‫صد ّ‬ ‫ن وعد َ الله حقّ ل ي ُ َ‬ ‫أيها المسجد يا مسرى الُهدى إ ّ‬
‫ب المستجد ّ‬ ‫س ارتحلوا وغدا ً يمضي الصلي ُ‬ ‫الصليبيون أم ِ‬
‫***‬
‫م اتئد ْ ! ليس للظامئ في الوهام ورد ُ‬ ‫ل لمن طار به الوه ُ‬ ‫ق ْ‬
‫أيّ سلم ترتجي من رجل يدهُ بالخنجر الدامي ُتمد ّ‬
‫ج في أعماقه الحقد ُ اللد ّ‬ ‫أيّ سلم ٍ ترتجي من رجل ض ّ‬
‫ن يغدو‬ ‫ه أّيا َ‬
‫ة تتبع ُ‬ ‫دير ياسين على راحته لعن ٌ‬
‫سلم ِ ي ُعِد ّ‬ ‫ب ل ال ّ‬ ‫سترى إذ تنجلي عنك الرؤى إّنه للحر ِ‬
‫ضي ّعَ في ساِح الوغى في سوى ساحتها ل ُيسترّد‬ ‫ن ما ُ‬ ‫إ ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل تيأس فالنصر قادم‬


‫دلئل القرآن والسنة والمبشرات فيهما تقطع بنصر السلم على أعدائه‬
‫وهيمنته على الرض‪ ،‬فالنصر للسلم لنه منهج رباني‪ ،‬وكثير من المبشرات‬
‫لم تتحقق بعد‪ ،‬ويقيننا بصدقها يبشر بأن النصر قادم‪ ،‬وقد ركب أعداء السلم‬
‫سبيل المم الهالكة وبذلوا من أسباب الهلك ما يبشر بقرب هلكهم فالسنن‬
‫الربانية مضطردة ‪ ...‬وهذا ما سيعرض له درسنا ‪.‬‬
‫الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬أما بعد‪،،،‬‬
‫بشارات عظيمة لهذا الدين والمستقبل للسلم‪ ،‬يقول الرسول صلى الله‬
‫ُ‬
‫ن ِفي‬ ‫كي ِ‬
‫م ِ‬
‫صرِ َوالت ّ ْ‬
‫ن َوالن ّ ْ‬ ‫سَناِء َوالّرفْعَةِ َوال ّ‬
‫دي ِ‬ ‫ة ِبال ّ‬
‫م َ‬ ‫شْر هَذِهِ اْل ّ‬ ‫عليه وسلم‪] :‬ب َ ّ‬
‫ض‪ [...‬رواه أحمد في المسند وابنه عبد الله في زوائده ‪ .‬إنه حديث‬ ‫َْ‬
‫الْر ِ‬
‫عظيم في وسط اليأس والحباط الذي يشعر به الكثيرون اليوم من تكالب‬
‫العداء وضعف المسلمين ولكن الله رحيم بعباده والفرج آت لريب ‪ } :‬فَإ ِ ّ‬
‫ن‬
‫سًرا]‪] { [6‬سورة الشرح[ ‪.‬‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬
‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬‫سًرا]‪[5‬إ ِ ّ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬
‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫إننا نعيش في وقت استثنائي فعل ً يجب علينا أن نفقهه ونفهمه‪ ،‬ولو تأملت‬
‫منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حتى الن؛ لوجدت أن أكثر الوقت الذي‬
‫عاشته هذه المة كان النصر لها وأن الوقت الذي كان المسلمون فيه في‬
‫استضعاف‪ -‬كمرحلة غزوة التتر‪ ،‬أو الحملت الصليبية‪ ،‬أو الوقت الحاضر الذي‬
‫نعيش فيه‪ -‬هو القل‪ ،‬وليس الكثر في هذه المة‪ ،‬وإذا عرفنا النصوص‬
‫الشرعية المتعلقة بأن القوة للمسلمين‪ ،‬وأن النصر لهم‪ ،‬وأن هذا هو الصل؛‬
‫يجب أن نقتنع أن هذا هو الصل‪ ،‬وأن ما نحن فيه الن مرحلة استثنائية‪،‬‬
‫عندما يشعر المسلم بهذا ويعتقد وضعه في النتاج لهذا الدين والعمل له؛ لن‬
‫أمل ً ونورا ً سيأتي ولبد‪.‬‬
‫ومن النصوص الشرعية الدالة على ذلك‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫مت ِ ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫فُئوا ُنوَر الل ّهِ ب ِأفْ َ‬ ‫ن ل ِي ُط ْ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫قول الله سبحانه وتعالى‪ } :‬ي ُ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُنورِهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ‬
‫حقّ ل ِي ُظهَِرهُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫دى وَِدي ِ‬ ‫ه ِبالهُ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫سل َر ُ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫ن]‪[8‬هُوَ ال ِ‬ ‫كافُِرو َ‬
‫ن]‪] { [9‬سورة الصف[ ‪.‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ك ُل ّهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬ ‫دي ِ‬ ‫عََلى ال ّ‬
‫مُلوا‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫إن وعد الله ل يتخلف‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ن‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫م ِفي اْل َْر‬ ‫فن ّهُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫مًنا‪] { [55]...‬سورة‬ ‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬ ‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫النور[ ‪.‬‬
‫ة‬
‫حَيا ِ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا ِفي ال َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫سلَنا َوال ِ‬ ‫َ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫َ‬
‫لبد أن يرجع؛ لن الله تعالى قال‪ } :‬إ ِّنا لن َن ْ ُ‬
‫شَهاُد]‪] { [51‬سورة غافر[ ‪.‬‬ ‫م اْل َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬
‫ن]‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ل ِل ُ‬ ‫ْ‬
‫والنصر للمسلمين ولبد منه؛ لنهم المتقون‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬والَعاقِب َ ُ‬
‫‪] { [128‬سورة العراف[ ‪.‬‬
‫والله عز وجل قد أهلك القرون من قبلنا من الكفار‪ ،‬وسيهلك هؤلء ولبد‪:‬‬
‫كافري َ‬ ‫َ‬
‫دا]‪{ [17‬‬ ‫م ُروَي ْ ً‬ ‫مهِل ْهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ل ال ْ َ ِ ِ َ‬ ‫مهّ ِ‬ ‫دا]‪[16‬فَ َ‬ ‫كيد ُ ك َي ْ ً‬ ‫دا]‪[15‬وَأ ِ‬ ‫ن ك َي ْ ً‬ ‫دو َ‬ ‫كي ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫} إ ِن ّهُ ْ‬
‫]سورة الطارق[ ‪.‬‬
‫ويمكرون هؤلء النصارى واليهود‪ ،‬وغيرهم اليوم من المجوس والهندوس‪:‬‬
‫ن]‪] { [30‬سورة النفال[ ‪ .‬هؤلء‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫} وَي َ ْ‬
‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫ة‬‫ي‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫الله‬ ‫لن‬ ‫ملكهم؛‬ ‫ويزول‬ ‫قراهم‬ ‫ستباد‬
‫َ ّ ْ ِ ْ ْ َ ٍ ََ ْ َ ْ ْ ِ‬
‫ت وََبا َ‬
‫ل‬ ‫ذاقَ ْ‬ ‫ذاًبا ن ُك ًْرا]‪[8‬فَ َ‬ ‫ها عَ َ‬ ‫دا وَعَذ ّب َْنا َ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ساًبا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ها ِ‬ ‫سب َْنا َ‬ ‫حا َ‬ ‫سل ِهِ فَ َ‬ ‫َرب َّها وَُر ُ‬
‫سًرا]‪] { [9‬سورة الطلق[ ‪ .‬كم مليون من الكفار‬ ‫َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫َ‬
‫خ ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫مرِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫قتل في الحرب العالمية الثانية خمسين مليون‪ ،‬وكم دمر من مدنهم‪ ،‬وكم‬
‫دا ما مضى زمن طويل عليها‪ ،‬والله قادر على‬ ‫سقط من دولهم كثير ج ً‬
‫تدميرها مرة أخرى‪ ،‬وإهلك المليين الكثيرة من هؤلء الكفار‪ ،‬فقد أرانا الله‬
‫عما قريب آيات بهم وسيرينا آيات بمشيئته سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫هؤلء ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله كما يحدث اليوم بوضوح شديد‪:‬‬
‫قو َ‬
‫م‬‫قون ََها ث ُ ّ‬ ‫سي ُن ْفِ ُ‬ ‫ل الل ّهِ فَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ل ِي َ ُ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫فُروا ي ُن ْفِ ُ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ن]‪{ [36‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫فُروا إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫نك َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫م ي ُغْلُبو َ‬ ‫َ‬ ‫سَرةً ث ُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫كو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫]سورة النفال[ ‪.‬‬
‫وهذه البشائر النبوية تتوالى في أحاديثه الصحيحة صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫سيَر الّراك ِ ُ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫مَر َ‬ ‫ذا اْل ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫يقسم على ذلك فيقول ‪َ...] :‬والل ّهِ ل َي ُت ِ ّ‬
‫ه‪ [...‬رواه البخاري‪.‬‬ ‫ف إ ِّل الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ت َل ي َ َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ح ْ‬ ‫صن َْعاَء إ َِلى َ‬ ‫َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن انتشار دينه في العالم‬
‫مد َرٍ وََل وَب َرٍ إ ِّل‬ ‫َ‬
‫ت َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫ه ب َي ْ َ‬ ‫ل َوالن َّهاُر وََل ي َت ُْر ُ‬ ‫ما ب َل َغَ الل ّي ْ ُ‬‫مُر َ‬ ‫ذا اْل ْ‬ ‫ن هَ َ‬‫فقال‪] :‬ل َي َب ْل ُغَ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أ َد ْ َ‬
‫م وَذ ُل ي ُذِ ّ‬
‫ل‬ ‫سل َ‬ ‫ه ب ِهِ ال ِ ْ‬ ‫عّزا ي ُعِّز الل ُ‬ ‫ل ِ‬‫ل ذ َِلي ٍ‬‫زيزٍ أوْ ب ِذ ُ ّ‬ ‫ن ب ِعِّز عَ ِ‬ ‫دي َ‬
‫ذا ال ّ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬
‫خل َ ُ‬
‫فَر[ رواه أحمد‪.‬‬ ‫ه ب ِهِ ال ْك ُ ْ‬‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شارِقََها‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫ض فََرأي ْ ُ‬ ‫ه َزَوى ِلي اْلْر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ ] :‬إ ِ ّ‬
‫ومَغاربها وإ ُ‬
‫من َْها‪ [...‬رواه مسلم‪َ ' .‬زَوى '‬ ‫ما ُزوِيَ ِلي ِ‬ ‫مل ْك َُها َ‬ ‫سي َب ْل ُغُ ُ‬ ‫مِتي َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ َ ََِ َِ ّ‬
‫يعني ‪ :‬ضم وجمع‪ ،‬فإذا حدث أحد بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قارة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ض فََرأي ْ ُ‬ ‫ه َزَوى ِلي اْلْر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫استراليا وقارة أمريكا‪ ،‬فل تكذبه؛ لنه قال‪ ] : :‬إ ِ ّ‬
‫مَغارِب ََها[‪ .‬أطلع عليها كلها صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأخبر بأن ملك‬ ‫شارِقََها وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫أمته سيبلغ المشارق والمغارب وهذا لم يحدث بعد فلماذا ل نتعبد ربنا‬
‫بالتصديق بوعده‪ ،‬ونتقرب إليه بالتصديق بوعده‪ ،‬وبوعد النبي صلى الله عليه‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم الذي ل ينطق عن الهوى ‪.‬‬


‫صلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سول اللهِ َ‬ ‫ُ‬ ‫سئ ِل َر ُ‬ ‫َ‬ ‫وهو الذي بشرنا بفتح روما بعد فتح القسطنطينية‪ُ ،‬‬
‫فتح أ َوًل قُسط َنطين ِي ُ َ‬ ‫الل ّه عَل َيه وسل ّ َ‬
‫سولُ‬ ‫قال َر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة؟ ف َ‬ ‫مي ّ ُ‬ ‫ة أوْ ُرو ِ‬ ‫ْ ْ ِ ّ‬ ‫ن تُ ْ َ ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫دين َت َي ْ‬ ‫م ِ‬‫م أيّ ال ْ َ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ة‪ [-‬رواه‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫طي‬
‫ْ ْ ِ ِّ َ‬ ‫ن‬ ‫ط‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ني‬ ‫َْ ِ‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫ل‪-‬‬ ‫و‬ ‫أ‬
‫ُ َ ُ ّ‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ت‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ة‬
‫َ ِ َ ُ ِ َ‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫م‬ ‫]‬ ‫م‪:‬‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫الل ّ ِ َ‬
‫ص‬ ‫ه‬
‫أحمد ‪.‬‬
‫وهو الذي أخبرنا أنه سيكون بعده صلى الله عليه وسلم خلفة على منهاج‬
‫النبوة ثم يكون ملك عاضا ً ثم ملك جذريا ً ثم تكون خلفة على منهاج النبوة‪،‬‬
‫وهذا لم يأت بعد ‪.‬‬
‫ومن المبشرات العظيمة‪:‬أن الله ل يترك دينه بدون مجددين‪ ،‬وكلما خبا هذا‬
‫الضوء وخفت؛ أعاده الله للوهج مرة أخرى بهؤلء العظماء‪ ،‬الذين يحيون‬
‫السنة‪ ،‬ويميتون البدعة‪ ،‬ويوقدون أنوار التوحيد ويطفئون نيران الشرك‪ ،‬قال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫سن َةٍ َ‬ ‫مائ َةِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫س كُ ّ‬ ‫مةِ عَلى َرأ ِ‬ ‫ث ل ِهَذِهِ اْل ّ‬ ‫ه ي َب ْعَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪] :‬إ ِ ّ‬
‫جد ّد ُ ل ََها ِدين ََها[ رواه أبو داود‪ .‬فيحيون ما اندرس ويرجعون الناس للعمل‬ ‫يُ َ‬
‫بالكتاب والسنة ‪.‬‬
‫بل إن هناك طائفة منصورة ل يمكن أن يخلو منها الزمان قال صلى الله عليه‬
‫ةم ُ‬
‫خذ َل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضّرهُ ْ‬ ‫حقّ َل ي َ ُ‬ ‫ن عََلى ال ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ظاهِ ِ‬ ‫مِتي َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ف ٌ ِ ْ‬ ‫طائ ِ َ‬‫ل َ‬ ‫وسلم ‪َ ] :‬ل ت ََزا ُ‬
‫حتى يأ ْت ِ َ‬
‫ك[رواه مسلم ‪ .‬فهذه الطائفة موجودة مستمرة‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫مُر الل ّهِ وَهُ ْ‬ ‫يأ ْ‬ ‫َ ّ َ َ‬
‫وقد توجد في بعض الرض دون بعض وفي بعض البلدان دون بعض ولكنها‬
‫موجودة ‪.‬‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المة ل تخلو من الخير‪ ،‬قال صلى الله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عليه وسلم‪] :‬مث َ ُ ُ‬
‫ه[ رواه‬ ‫خُر ُ‬ ‫مآ ِ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫مط َرِ َل ي ُد َْرى أوّل ُ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫مِتي َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ‬
‫الترمذي‪ ،‬وأحمد‪.‬‬
‫قد يقول قائل‪ :‬نحن الن من أين لنا الفرج وقد طبق الرض ظلم هؤلء‬
‫الكفرة وعم الفساد في البلد والذل للعباد بما حصل من هذا الطغيان الذي‬
‫نراه اليوم من أولئك الكفرة بأسلحتهم العظيمة وقدارتهم القتصادية‬
‫الضخمة وأعدادهم الهائلة ؟‬
‫فنقول‪ :‬إن الله على كل شيء قدير والله ل يخلف الميعاد‪ ،‬وقد أخبرنا صلى‬
‫الله عليه وسلم فيما أخبرنا بأن عيسى عليه السلم سينزل في آخر الزمان‬
‫ة‪] { [61]...‬سورة الزخرف[ ‪ .‬يعني‪ :‬آية‪،‬‬ ‫ساعَ ِ‬ ‫م ِلل ّ‬ ‫ه ل َعِل ْ ٌ‬ ‫وقد قال الله ‪ } :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫فيكون قبل يوم القيامة نزول عيسى بن مريم ‪ ،‬والذي نفسي بيده يقول‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪] :‬ل َيوشك َ َ‬
‫سَر‬‫ما عَد ًْل فَي َك ْ ِ‬ ‫حك َ ً‬ ‫م َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م اب ْ ُ‬ ‫ل ِفيك ُ ْ‬ ‫ن ي َن ْزِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ّ‬
‫قبل َه أ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫د[ رواه‬ ‫ح‬
‫َ َ ُ َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫تى‬ ‫َ ّ‬ ‫ح‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ض‬
‫ج ْ َ َ ََ ِ َ‬
‫في‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫ضعَ ال ْ ِ‬ ‫زيَر وَي َ َ‬ ‫خن ْ ِ‬‫ل ال ْ ِ‬ ‫قت ُ َ‬‫ب وَي َ ْ‬ ‫صِلي َ‬ ‫ال ّ‬
‫البخاري ومسلم ‪ .‬ويدعو الناس إلى السلم‪ ،‬ويهلك الله في زمانه الملل كلها‬
‫إل السلم‪ ،‬كل سكان الرض مسلمون‪ ،‬فإذا قال لك إنسان‪ :‬هل سيكون‬
‫هناك سلم عالمي؟ فتقول ‪ :‬نعم‪ ،‬في عهد عيسى عليه السلم أما على أيدي‬
‫هؤلء الكفرة ل يوجد سلم ‪.‬‬
‫فإذا ً دلت الدلة الشرعية من الكتاب والسنة على أن النصر للسلم‪،‬‬
‫والمستقبل للمسلمين‪ ،‬وأن القوة ستأتي للمسلمين في النهاية‪ ،‬وأن الخلفة‬
‫على منهاج السنة ستكون‪ ،‬وأن عيسى سينزل‪ ،‬والمهدي سيظهر‪ ،‬وأن اليهود‬
‫سيهزمون‪ ،‬والنصارى سيهزمون وأن السلم سيطبق الرض‪ ..‬كل هذه‬
‫حقائق ل يمكن الشك فيها ‪.‬‬
‫ومن المبشرات‪ :‬أن أعداءنا يرشحون هذا الدين للهيمنة والمفكرون منهم‬
‫يظنونه فعل ً دين سيسيطر وهم يحسبون له ألف حساب‪ ،‬وأنهم يفكرون فعل ً‬
‫بقلق شديد للمستقبل‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول بن غوريون اليهودي ‪ :‬إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العرب‬


‫السلمي محمد جديد‪ .‬طبعا ً لن يخرج محمد جديد؛ لن محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم خاتم النبيين والمرسلين لكن سيظهر مجددون وقادة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقال آخر‪ :‬وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجود في السلم وقدرته في‬
‫التوسع والخضاع وفي حيويته المدهشة ‪.‬‬
‫وقال آخر‪ :‬إن المسلم الذي نام نوم عميقا مئات السنين قد استيقظ‪ ،‬وأخذ‬ ‫ً‬
‫ينادي هذا أنا لم أمت أنا أعود للحياة ل لكون أداة طيعة تسيرها العواصم‬
‫الكبرى‪ ،‬ربما يعود اليوم الذي تصبح بلد الفرنج مهددة بالمسلمين يهبطون‬
‫إليها من السماء لغزو العالم مرة ثانية في الوقت المناسب‪ ،‬لست متنبًئا لكن‬
‫المارات الدالة على هذا كثيرة‪ ،‬ول تقوى الذرة ول الصواريخ على وقفها ‪.‬‬
‫وكذلك قال البرتغالي بل زار‪ :‬إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي‬
‫يمكن أن يحدثه المسلمون حينما يغيرون نظام العالم‪ ،‬فقال له أحدهم‪ :‬لكن‬
‫المسلمون مشغولون بخلفاتهم‪ ،‬و تنازعاتهم فأجابه أخشى أن يخرج منهم‬
‫من يوجه خلفاتهم إلينا ‪.‬‬
‫ويقول جب المستشرق‪ :‬إن المسلمين ل ينقصهم إل ظهور صلح الدين من‬
‫جديد ‪.‬‬
‫ويقول أشعي‪ :‬يكون من شيئا من الخوف يجب أن يسيطر على العالم‬
‫الغربي من السلم لهذا الخوف أسباب‪ ،‬منها‪ :‬أن السلم منذ ظهر في مكة‬
‫لم يضعف عدديا ً ‪ -‬لفت نظره أن السلم أتباعه يزدادون باستمرار‪ . -‬ثم‬
‫قال ‪ :‬من أسباب الخوف أن هذا الدين من أركانه الجهاد ‪.‬‬
‫إذا ً أعداؤنا يعترفون بقوة ديننا‪ ،‬ويخشونه‪ ،‬ويحسبون له حساًبا‪ ،‬وعندهم‬
‫دراسات كاملة تنبئهم بأن المسلمين سيأتون ولبد‪.‬‬
‫ومن المبشرات بأن المستقبل لنا والسفال لعدونا‪ :‬إن هؤلء الكفرة الذين‬
‫يسيطرون الن ل توجد مصيبة‪ ،‬ول معصية‪ ،‬ول كبيرة اقترفتها المم السابقة‬
‫التي أهلكها الله إل وقع فيها هؤلء ‪ .‬والله عز وجل أهلك المم قبلنا؛ لنهم‬
‫أشركوا‪ ،‬وكفروا‪ ،‬وزنوا‪ ،‬وفعلوا الفواحش‪ ،‬وطففوا المكيال والميزان ‪...‬إلخ ‪.‬‬
‫ن]‪] { [25‬سورة الزخرف[ ‪ .‬هذه عادة الله‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬‫ة ال ْ ُ‬‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫} َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫سيُروا ِفي الْر َ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫في المم‪ } :‬أفَل َ ْ‬
‫مَثال َُها]‪] { [10‬سورة محمد[ ‪ .‬إذا لبد أن‬ ‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫م وَل ِل ْ َ‬‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫مَر الل ّ ُ‬ ‫قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م دَ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن أول َئ ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫فاُرك ُ ْ‬‫يقع على الجدد ما وقع على أسلفهم‪ } :‬أك ُ ّ‬
‫ر]‪] { [43‬سورة القمر[ ‪ .‬إذا أهلكنا أولئك سنهلك هؤلء ‪.‬‬ ‫ب ََراَءة ٌ ِفي الّزب ُ ِ‬
‫د]‪] { [83‬سورة‬ ‫ن ب ِب َِعي ٍ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما هِ َ‬‫وحجارة قوم لوط‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬وَ َ‬
‫هود[ ‪.‬‬
‫فإًذا‪ :‬نتأمل القوام الذين أهلكهم الله‪ :‬لماذا أهلكهم؟ ونقارن بهؤلء الذين‬
‫وجد اليوم من الكفار؛ لنستدل بإهلك هؤلء على إهلك هؤلء؛ لنه إذا حصل‬
‫السبب لبد من النتيجة فالله عز وجل أهلك الكفار من قديم لنهم طغوا في‬
‫البلد فأكثروا فيها الفساد‪ ،‬ما فعله الجدد فعلوه‪:‬‬
‫اغتروا بأنفسهم‪ :‬فعاد قالوا‪ :‬من أشد منا قوة ‪ ،‬وهؤلء قالوا‪ :‬نحن أقوى من‬
‫أي قوة في الرض ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن]‪{ [165‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن الَعال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الذ ّكَرا َ‬ ‫ما من قبل‪ ،‬قال فيهم‪ } :‬أت َأُتو َ‬ ‫الله أهلك أقوا ً‬
‫ساِء ]‪{ [81‬‬ ‫جال َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الن ّ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫شهْوَة ً ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م لت َأُتو َ‬ ‫]سورة الشعراء[ } إ ِن ّك ْ‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]سورة العراف[ واكتفى رجالهم برجالهم ونساؤهم بنسائهم‪ ،‬والن الفاحشة‬


‫وإتيان الذكران تنتشر بكثرة‪ ،‬حتى قننوا له القوانين‪ ،‬فإذا أهلك الله أولئك‬
‫فسيهلك هؤلء‪.‬‬
‫ن‬ ‫قوم شعيب أنكروا على نبيهم إنه يلزمهم في أشياء في الموال } أ َو أ َ‬
‫ْ ْ‬
‫شاُء ]‪] { [87‬سورة هود[ ‪ .‬نحن أحرار نتصرف في‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫َ‬ ‫فعَ َ‬
‫وال َِنا َ‬‫م َ‬
‫ل ِفي أ ْ‬ ‫نَ ْ‬
‫الموال كما نشاء‪ ،‬وهؤلء يورثون القطط والكلب ويتركون أبنائهم ‪ .‬ويقولون‬
‫حرية نفعل في أموالنا ما نشاء ‪.‬‬
‫ن ب ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ة ت َعْب َُثو َ‬
‫ن]‬ ‫ل ِريٍع آي َ ً‬ ‫والله عز وجل قال عن بعض القدمين‪ } :‬أت َب ُْنو َ‬
‫ن]‬ ‫جّباِري َ‬ ‫م َ‬ ‫شت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م ب َط ْ‬ ‫شت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن]‪[129‬وَإ َِذا ب َط ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خل ُ ُ‬‫م تَ ْ‬ ‫صان ِعَ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬‫‪[128‬وَت َت ّ ِ‬
‫‪] { [130‬سورة الشعراء[ وهؤلء يفعلون اليوم الشيء نفسه ويبطشون‬
‫بجميع أنواع السلحة ‪.‬‬
‫والله عز وجل قد أخبرنا عن قوم شعيب أنهم طففوا المكيال والميزان‪،‬‬
‫م]‬ ‫شَياَءهُ ْ‬ ‫س أَ ْ‬ ‫سوا الّنا َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن وََل ت َب ْ َ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬
‫ميَزا َ‬ ‫وقال لهم نبيهم‪ } :‬فَأ َوُْفوا ال ْك َي ْ َ‬
‫‪] { [85‬سورة العراف[ ‪ .‬وهؤلء ينهبون ثروات الشعوب يأخذون الخامات‬
‫بأبخس الثمان ويعودون ويصنعونها ويبيعونها عليهم بأغلى الثمان‪ ،‬ويدفنون‬
‫النفايات في بلد هؤلء الدول الفقيرة‪ ،‬ثم يضعون الهرمونات والكيماويات‬
‫والشياء الضارة في الشياء اللي يسوقونها في العالم‪ ،‬تطفيف وبخس‬
‫وإفساد في الرض‪.‬‬
‫صَل ِ‬
‫حَها ]‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫والله عز وجل قال للقوام السابقين } وََل ت ُ ْ‬
‫ض ب َعْد َ إ ِ ْ‬‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬
‫‪] { [51‬سورة العراف[ ‪.‬‬
‫َْ‬
‫ن ]‪] { [60‬سورة العراف[‪ .‬وهؤلء يصنعون‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬
‫ض ُ‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫} وََل ت َعْث َ ْ‬
‫اليورانيوم المخصب ليهلكوا الحرث والنسل‪ ،‬تفسد الزراعة‪ ،‬وتفسد الجنة‬
‫والطفال‪ ،‬والناس تموت ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ن‬‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ط ُتو ِ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫دوا ب ِك ُ ّ‬ ‫قعُ ُ‬ ‫والله عز وجل قال عن بعض القدمين‪ } :‬وََل ت َ ْ‬
‫جا‪] { [86]...‬سورة‬ ‫عوَ ً‬ ‫ن ب ِهِ وَت َب ُْغون ََها ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫وَت َ ُ‬
‫العراف[ ‪ .‬وهؤلء اليوم يفعلون الشيء نفسه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫َ‬
‫سِبيل وَت َأُتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قطُعو َ‬ ‫ل وَت َ ْ‬ ‫جا َ‬‫ن الّر َ‬ ‫م ل َت َأُتو َ‬ ‫وأولئك قوم لوط‪ } :‬أئ ِن ّك ُ ْ‬
‫من ْك ََر‪] { [29]...‬سورة العراف[ ‪ .‬أماكن الجتماعات يأتون فيها‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫َناِديك ُ ُ‬
‫بالمنكر‪ ،‬وأهلكهم الله‪ ،‬وهؤلء يفعلون اليوم المنكر على العلن وفي‬
‫المجتمعات التي يجتمعون فيها ‪ ،‬بل عندهم نوادي للعراة ‪.‬‬
‫فهؤلء الن أوتوا قوة وفرحوا بها‪ ،‬فبقي أن يحصل عليهم التسلسل التي‬
‫ن أ َهْل َُها‬ ‫ت وَظ َ ّ‬ ‫خُرفََها َواّزي ّن َ ْ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت اْل َْر‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫حّتى إ َِذا أ َ َ‬ ‫حصل على أسلفهم‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫أ َنهم َقادرون عَل َيها أ َتا َ َ‬
‫ن‬‫م ت َغْ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫دا ك َأ ْ‬ ‫صي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ها َ‬ ‫جعَلَنا َ‬ ‫مُرَنا لي ْل أوْ ن ََهاًرا فَ َ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُِ َ‬ ‫ُّ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن]‪] { [24‬سورة يونس[ ‪ .‬وقد‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لِ َ‬‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫س ك َذ َل ِ َ‬
‫ك نُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ِباْل ْ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ض ال ّ‬ ‫ك ن ُوَّلي ب َعْ َ‬ ‫يهلكهم الله بأن يسلط بعضها على بعض‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ن ]‪] { [129‬سورة النعام[ ‪ .‬يسلط هذا الظالم على‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ضا ب ِ َ‬ ‫ب َعْ ً‬
‫هذا الظالم‪ ،‬وقد يهلكم بعذاب من عنده‪ ،‬أو بأيدينا فتكون نهايتهم ‪.‬‬
‫لنستعرض الن ما وقع فيه هؤلء القوم ‪:‬‬
‫بعض المسلمين عندهم إحباط لن الغرب قوي وسيطر وهيمن‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫لنتأمل ما عند القوم من بعض المخازي والمعاصي والثام والفواحش‬
‫والكفريات حتى نعرف هل هم مستحقون لعذاب الله وهل عذاب الله قريب‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منهم أم ل؟ لن هذا يبشرنا بأن الله سيهلكهم‪:‬‬


‫الدين عندهم‪ :‬صليب يجتمعون حوله‪ ،‬وشعار يرتبطون به‪ ،‬ونزهة إلى‬
‫الكنيسة‪ ،‬أما عقائد‪ ،‬منهج حياة؛ فل يوجد‪ ،‬إنما شعارات وألحان وبخور‪،‬‬
‫ويغطسون الولد في ماء وبركات القسيس‪ ،‬فالدين عندهم نشوة‪.‬‬
‫وأما ما يحدث لديهم من أنواع الفواحش فعجب‪:‬‬
‫استغلل الطفال جنسيا ً من الصغر‪ :‬فعل الفواحش معهم‪ ،‬تصوير الجنس مع‬
‫الطفال‪ ،‬والتجارة في ذلك‪.‬‬
‫الشذوذ الجنسي‪ :‬في كل عشرة أمريكيين واحد لوطي أوسحاقية‪ ،‬الكنائس‪-‬‬
‫خاصة في أمريكا‪ -‬تقوم بتزويج الرجال بالرجال‪ ،‬والنساء بالنساء‪ ،‬حتى‬
‫أحبارهم ورهبانهم ما سلموا أربعين في المائة من رهبانهم يمارسون الشذوذ‬
‫وثمانين في المئة منهم زناة كما قالت صحيفة الديلي ميل والديلي ميرور‬
‫قريبًا‪ ،‬واعترف الفاتيكان بوجود هذه الممارسات في أحبارهم ورهبانهم ‪.‬‬
‫قا فردًيا لي شخص‪،‬‬ ‫سبعون في المائة من الشعب المريكي يرون الشذوذ ح ً‬
‫وما تورعوا حتى عن اتهام عيسى عليه السلم بهذه الفاحشة ونص أحد‬
‫قساوستهم بإصدار كتاب أسماه المسيح شاذا جنسيًا‪.‬‬
‫الفواحش مع الحيوانات‪ :‬حتى الحيوانات والكلب ما سلمت منهم‪ :‬يمارسون‬
‫الفواحش مع القردة والحمير والكلب والخنازير‪ .‬ويقولون إن ممارسة‬
‫الجنس مع القارب شيء طبيعي‪ ،‬ما في قاذورة إل ارتكبوها‪.‬‬
‫اللقطاء‪ :‬أطفال بل أسر‪ ،‬وأربعة من كل عشرة يعيشون رعًبا معرضون للقتل‬
‫والسرقة والغتصاب‪.‬‬
‫الجريمة‪ :‬جريمة خطيرة ترتكب كل ثانيتين ونصف‪ ،‬حادث سرقة كل ثلث‬
‫ثوان‪ ،‬سطو كل عشر ثوان‪ ،‬جريمة عري كل سبعة عشر ثانية‪ ،‬سرقة سيارة‬
‫كل سبعة وعشرين ثانية‪ ،‬اعتداء على أشخاص بدون أي سبب كل واحد‬
‫وخمسين ثانية‪ ،‬اغتصاب كل سبع دقائق‪ ،‬جريمة قتل كل أربعة وعشرين‬
‫َ‬
‫ن]‪] { [112‬سورة‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ف بِ َ‬ ‫جوِع َوال ْ َ‬
‫خو ْ ِ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫دقيقة } فَأَذاقََها الل ّ ُ‬
‫ه ل َِبا َ‬
‫النحل[ ‪.‬‬
‫حضارة عري‪ :‬خمسة وثلثون في المائة من العوائل بأمريكا تمارس العري‬
‫بالكامل داخل بيوتها‪ ،‬عندهم نوادي عراة‪ ،‬شواطئ عراة ‪ ،‬عري في الفلم‬
‫الجنسية‪ ،‬عري في الشوارع‪ ،‬عري في الندية ‪.‬‬
‫طفولة معذبة‪ :‬يعذبهم في الدنيا‪ ،‬لما رأوا أن الطفال يعذبون‪ ،‬صاروا يعلنون‬
‫في التلفزيونات والمحطات رقم هاتف خاص إذا الطفل اضطهد يشتكي‪ ،‬أول‬
‫اثنا عشر ساعة من فتح الخطوط من ‪ 50-30‬ألف مكالمة أطفال يشتكون‬
‫آبائهم‪ ،‬اعتداءات تشمل الضرب الجسمي والوحشي‪ ،‬وتعذيب باللت الحادة‪،‬‬
‫وأطفال تطفئ السجائر في أجسامهم الرقيقة‪ ،‬وسجنهم في أماكن مظلمة‪،‬‬
‫وربط الطفل في زاوية من البيت فترة ستة أشهر أو أكثر‪ ،‬إهمال صحي ‪.‬‬
‫قتل النفس‪ :‬حوادث النتحار تشهد زيادة مستمرة خصوصا ً عند المراهقين‬
‫من سن عشرة إلى سن عشرين تضاعفت ثلث مرات في الفترة الخيرة‬
‫عما كانت عليه بسبب الكتئاب‪ ،‬النهيار العصبي‪ ،‬الجنون ‪ .‬ولذلك تكثر في‬
‫مؤلفاتهم حتى أدبهم وكتاب الصحف والكتب مفردات كثيرة في المقالت‬
‫دائما ً موجودة‪ :‬اليأس‪ ،‬القلق‪ ،‬السى‪ ،‬اللم‪ ،‬الصدمة‪ ،‬الملل‪ ،‬العبث‪ ،‬التمرد‪،‬‬
‫التمزق‪ ،‬المأساة‪ ،‬الشقاء‪ ،‬ل تكاد تخلو كتبهم من هذا ‪.‬‬
‫لوثوا الطبيعة‪ ،‬وجعلوا الحياة جنسًا‪ ،‬وحشيشًا‪ ،‬وجريمة‪ :‬معدلت الكتئاب‬
‫عندهم أعداد عظيمة‪ ،‬ثم يريدون الهروب بالمخدرات‪ ،‬وبالخمور‪ 95 :‬مليون‬
‫مدمنين في أمريكا‪ ،‬والزيادة مستمرة ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ 850‬ألف مصابين باليدز يزيد عددهم ‪ 140‬ألف سنويا ً هذا في أمريكا فقط‪،‬‬
‫وفي دراسة عملت في جامعة واشنطن عام ‪1999‬م تبين أن أكثر من ‪15‬‬
‫مليون أمريكي يؤثر عليه الكتئاب سنويًا‪10 ،‬مليون منهم نساء ‪ .‬فتصور إذا‬
‫ماذا جلب لهم هذا الواقع من العري والختلط هذا ما يريدون أن نصل إليه‬
‫نحن من وراء تحرير المرأة ‪.‬‬
‫تفكك أسري ‪ :‬من المعيشة الضنك انخفضت نسبة السر التي يعيش فيها‬
‫الب والم معا ً في الوليات المتحدة في الخمس سنوات الماضية فقط‬
‫‪. %25‬‬
‫نتيجة لنعدام اليمان بالقضاء والقدر والقلق الدائم من الفقر والمصائب‬
‫انتشرت عندهم شركات التأمين ‪.‬‬
‫الربا والطبقية‪ :‬الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقًرا والربا يعمل في الناس‪،‬‬
‫والطبقية تحصل‪ ،‬و ‪ 70‬مليون فقير جائع في واحد من بلدانهم ‪.‬‬
‫حماية الشذوذ بالقانون ‪:‬ل تسمح قوانينهم بتعدد الزوجات لكن العلقات‬
‫الجنسية حدث ول حرج في كل ما هب ودب ‪ .‬ويسمحون بهذه الحرية في‬
‫الشواذ والزناة ‪.‬‬
‫المخدرات‪ 70 :‬ألف مليون دولر مبيعات الحشيش في أمريكا عام ‪1997‬م و‬
‫‪ 7500‬مليون دولر ميزانية الجهزة المخصصة لمكافحة المخدرات والرعب‬
‫ينتشر ‪.‬‬
‫الختلط والغتصاب ‪ :‬قضية تحرير المرأة عندهم والختلط نتيجتها أن ‪%50‬‬
‫من المغتصبات من النساء أغتصبهن معارف وأقارب‪ ،‬يعني ما هو في‬
‫الشوارع جرائم مفاجأة هذه ‪ %4‬فقط من حالة اغتصاب‪ ،‬لكن الختلط‬
‫وصديق وصديقة هذه هي النتيجة والعري يتبع إثارة الشهوات والغرائز ثم‬
‫العنف في كل مكان ‪.‬‬
‫سوء توزيع الثروات‪ %10:‬من السكان يمتلكون ‪ %90‬من الثروة وبعد ذلك‬
‫يسيطرون على ‪ %40‬من ثروات العالم مصارف ربوية تسيطر على حياة‬
‫المواطن عندهم وتطوقه بالديون منذ بداية إنتاجه المسكين يشتغل طول‬
‫عمره ليسدد الفوائد الربوية وتعيش السر المريكية تحت هاجس الخوف من‬
‫عدم القدرة على تسديد فواتير البنوك ‪.‬‬
‫تفاهة في الهداف والغايات‪ :‬مجتمع تفاهة وسخافة‪ ،‬ممكن ينهي حياته لتفه‬
‫السباب‪ :‬أم بريطانية عمرها ‪ 34‬سنة أقدمت على النتحار لنها عجزت عن‬
‫وجود دواء يمنع تساقط شعرها ! واحد عمره ‪ 55‬سنة لن بينه وبين حماته‬
‫مشكلة قضى على العائلة ومن بينهم حماته‪ ،‬ثم قتل نفسه ! واحد قذف‬
‫طفله من الدور التاسع عشر لن المحكمة قضت أن الطفل للم ‪.‬‬
‫إلف الفضيحة واعتيادها‪ :‬الفضيحة صارت عندهم شيًئا عادًيا‪ :‬ثلث طالبات‬
‫الثانوية في بريطانيا يتزوجن وهن حاملت ‪.‬‬
‫أمّية ثقافية عند معظمهم‪ :‬زادت نسبة الجهل‪ ،‬و يعملون أسئلة للشعب عن‬
‫بدهيات في الرياضيات في الفلك إلى آخره اكتشفوا أن هناك أمية في‬
‫مستوى الثقافة عند قطاعات عريضة منهم يعني حتى مستوى التحصيل‬
‫العلمي انحدر ‪.‬‬
‫قضية النظافة الشخصية‪ :‬أناس قذرون‪ :‬واحد يلبس ثيابه على البول والبراز‬
‫ويلبس ويمشي يعني يقضي حاجته ويلبس ثيابه ويمشي‪ ،‬حتى طريقة قضاء‬
‫الحاجة ل يعرفونها ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هل هؤل يستحقون قيادة البشرية ؟‬


‫ما‪ :‬عندهم إدارة واقتصاد‪ ،‬وآلت وتكنولوجيا‪،‬‬ ‫ل ننكر أن عندهم تطوًرا وتقد ً‬
‫عندهم بعض المقومات الدنيوية التي ل زالت تمسك أنظمتهم من التلشي‪،‬‬
‫ولكنهم في الحقيقة أناس غضب الله عليهم‪،‬‬
‫فإذا عرفنا خلل هذا العرض أن البشارة هي‪ :‬أن المستقبل لهذا الدين‪ ،‬وأن‬
‫جا ربانًيا‪،‬‬
‫ما إسلمًيا ومنه ً‬
‫المسلمين هم الجدر بقيادة البشرية‪ ،‬وأن عندنا نظا ً‬
‫خا لكل ما قبله‪ ،‬ومهيًنا عليه‪ ،‬وأن عندنا من‬ ‫وشريعة سماوية‪ ،‬وقرآًنا ناس ً‬
‫قضاء الحاجة إلى أكبر شيء توحيد الله واليمان به كله مفصل معلوم في‬
‫هذا الدين العظيم؛ لكن النصر ل يأتي بدون بذل أسباب‪ ،‬فلبد أن نعلي شأن‬
‫ديننا‪ ،‬وأن تعمل بجد في الدعوة إليه‪ ،‬ممكن أن تأتينا فتن‪ ..‬ممكن أن يعم‬
‫ظلم شديد‪ ..‬ممكن أن يحدث من هؤلء هيمنة عظيمة‪ ،‬لكن في النهاية‬
‫سيأتي فجر النصر ول بد‪ ،‬نسأل الله سبحانه أن يعجل نصر المسلمين‪ ،‬وأن‬
‫يرزقنا العمل لدينه القويم‪ ،‬وأن يجعلنا من جنوده وحزبه المفلحين‪ ،‬وصلى‬
‫الله على نبينا محمد‪.‬‬
‫من محاضرة‪':‬ل تيأس فالنصر قادم' للشيخ‪ /‬محمد صالح المنجد‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ل تيأس‬
‫نعيش اليوم ثلثة مشاهد ‪ ،‬نستلهم منها درسا ‪ ،‬ونقطف منها عبرة ‪ ،‬ونغرس‬
‫بها يقينا ‪ ،‬ونقوي بها عزما ‪.‬‬
‫أما المشهد الول ‪ :‬فإن عامر بن ربيعة رضي الله عنه ‪ ،‬أحد السابقين في‬
‫السلم ‪ ،‬كان يستعد للهجرة إلى الحبشة ‪ ،‬فذهب ليقضي بعض حاجات‬
‫أهله ‪ ،‬وترك زوجه تنهي بعضها ‪ ،‬فأقبل عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫‪ ،‬حتى وقف عليها وهو على شركه ‪ ،‬قالت ‪ :‬وكنا نلقى منه البلء أذى لنا‬
‫وشدة علينا ‪ .‬قالت ‪ :‬فقال ‪ :‬إنه النطلق يا أم عبدالله ‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬نعم‬
‫والله ‪ ،‬لنخرجن في أرض الله ‪ ،‬آذيتمونا وقهرتمونا ‪ .‬حتى يجعل الله فرجا ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فقال ‪ :‬صحبكم الله ‪ .‬ورأيت له رقة لم أكن أراها ‪ ،‬ثم انصرف ‪ .‬وقد‬
‫أحزنه فيما أرى خروجنا ‪ .‬قالت ‪ :‬فجاء عامر بحاجته تلك ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬يا أبا‬
‫عبدالله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا ‪ .‬قال ‪ :‬أطمعت في إسلمه ؟‬
‫قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬فل يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬يأسا منه ‪ ،‬لما كان يرى من غلظته وقسوته عن السلم ‪.‬‬
‫لقد يأس الصحابي السابق في إسلمه ‪ ،‬المهاجر فرارا بدينه ‪ ،‬من أن يفتنه‬
‫قومه ‪ ،‬يأس من إسلم عمر ‪ ،‬فقد كان عمر شديد البطش بالمسلمين ‪،‬‬
‫قاسيا غليظا ‪ .‬ولكن ما كان ميئوسا منه وقع ‪ ،‬وأسلم عمر ‪ ،‬بل سبق اليائس‬
‫منه في المنزلة ‪ ،‬والمكانة ‪ ،‬وغدا ثالث رجل في دولة السلم ‪ ،‬وسماه‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم الفاروق ‪ ،‬وكان إسلمه عزا للسلم وأهله ‪.‬‬
‫والعجيب ايها الخوة الحبة أن أكثر المسلمين ل يعرفون عامرا ‪ ،‬وليس فيهم‬
‫من ل يعرف عمرا رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫لقد من الله تعالى على عمر بما لم يمن به على اليائس من إسلم عمر ‪،‬‬
‫وتفضل على الميئوس منه بفضل عميم لم ينله اليائس ذلكم أن الفضل بيد‬
‫الله يؤتيه من يشاء ‪ ،‬والله ذو الفضل العظيم ‪.‬‬
‫المشهد الثاني ‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم قادم من الطائف ‪ ،‬مجروح‬
‫فؤاده ‪ ،‬منهكة قواه ‪ ،‬شارد ذهنه ‪ ،‬يائسا من خير ثقيف ‪ ،‬فقد مكث بينهم‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عشرة أيام يدعوهم إلى عبادة الله وحده ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬اخرج من بلدنا ‪ .‬وأغروا‬
‫به سفهاءهم ‪ ،‬فتبعوه يسبونه ويصيحون به ‪ ،‬ورموه بالحجارة في عراقيبه ‪،‬‬
‫حتى اختضب نعله بالدماء ‪ ،‬فلما رجع من الطائف بحاله تلك كئيبا ‪ ،‬محزونا ‪،‬‬
‫كسير القلب ‪ ،‬قد أجهد أيما إجهاد ‪ ،‬ونال منه التعب كل منال ‪ .‬يقول صلى‬
‫الله عليه وسلم عن نفسه ‪ :‬فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ‪ ،‬فلم أستفق‬
‫إل وأنا بقرن الثعالب – أي قرن المنازل – المعروف اليوم بالسيل الكبير ‪.‬‬
‫فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني ‪ ،‬فنظرت فإذا فيها جبريل ‪ ،‬فناداني‬
‫فقال ‪ :‬إن الله قد سمع قول قومك لك ‪ ،‬وما ردوا عليك ‪ ،‬وقد يعث الله إليك‬
‫ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ‪ .‬فناداني ملك الجبال ‪ ،‬فسلم علي ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ذلك ‪ ،‬فما شئت ‪ ،‬إن شئت أن أطبق عليهم الخشبين ‪ .‬أي ‪:‬‬
‫لفعلت ‪.‬‬
‫فيا لروعة المشهد ‪ ،‬فما بين هلك مكة عن بكرة أبيها إل أن يشاء رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إنها لحظة النتقام ‪ ،‬شفاء الغل ‪ ،‬سحق الكافرين ‪،‬‬
‫والممتع في المشهد أن الدليل ناصع البيان ‪ ،‬صحيح صريح ‪ ،‬ل تأويل فيه ‪ ،‬ول‬
‫احتمال ‪ ،‬بأمر ربه يهلكهم ‪ ،‬بإشارة منه يعلمون أن الله هو الحق وأن ما‬
‫يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ‪ .‬وما هو بملوم ‪ ،‬من ذا‬
‫يستطيع أن يلومه ؟ لقد كذبوه ‪ ،‬وآذوه ‪ ،‬وقتلوا أصحابه ‪ ،‬وفتنوهم في‬
‫دينهم ‪ ،‬وعذبوهم ‪ ،‬واضطروهم للهجرة مرتين ‪ ،‬ول يزالون حجر عثرة في‬
‫طريق الدعوة ‪ ،‬ونشر دين الله تعالى ‪ .‬ثم إن الذي يأذن له رب السماوات‬
‫والرض ‪ ،‬فوالله لو انتقم لنفسه ‪ ،‬وانتصر لتباعه فما هو بملوم ‪ .‬ولكنه اختار‬
‫أروع ‪ ،‬وأفضل ‪ ،‬وأسمى من النتقام ‪ ،‬وأجل وأعظم من حظ النفس ‪،‬‬
‫وراحتها ‪ ،‬وهناها ‪ ،‬فقال للملك ‪ :‬بل أرجو أن يخرج الله من أصلبهم من يعبد‬
‫الله ل يشرك به شيئا ‪.‬‬
‫إنها شيمة العظماء ‪ ،‬وتصرف الكرماء ‪ ،‬وقمة الباء ‪ ،‬ول يحتملها إل النبياء ‪،‬‬
‫وأتباعهم من أكابر العلماء ‪ ،‬وصفوة التقياء ‪.‬‬
‫نهض صلى الله عليه وسلم من الوقوع في عذاب النفس نشطا قويا ‪ ،‬ناظرا‬
‫بفراسة التقي إلى المستقبل ‪ ،‬إلى البناء ‪ ،‬إلى السلم دينا قيما ‪ ،‬راية باسقة‬
‫في علوها ‪ ،‬جامعة بين دنو الرض ‪ ،‬وارتفاع السماء ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬فلننتقل سويا على المشهد الثالث ‪ :‬لنرى الحبيب بأبي هو‬
‫وأمي صلوات ربي وسلمه عليه ‪ ،‬لنراه وقد احتدم القتال حوله ‪ ،‬في أحد ‪،‬‬
‫وبدء المشركون يطوقونه يريدون الفتك به ‪ ،‬ولم يكن معه إل تسعة من‬
‫أصحابه ‪ ،‬فالتحموا مع المشركين في قتال عنيف ‪ ،‬ظهرت فيه نوادر الحب‬
‫والتفاني ‪ ،‬والبطولة والبسالة والفداء ‪ .‬فإنه لما أفرد صلى الله عليه وسلم‬
‫ورهقه المشركون ‪ ،‬قال ‪ :‬من يردهم عنا وله الجنة ؟ أو هو رفيقي في الجنة‬
‫فتقدم رجل من النصار فقاتل حتى قتل ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬حتى قتل سبعة من‬
‫النصار ‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ما أنصفنا أصحابنا ‪ .‬وبقي عليه الصلة‬
‫في القرشيين من أصحابه ‪ ،‬هما طلحة وسعد ‪ ،‬فكانت فرصة ل تعوض‬
‫للمشركين في النيل منه ‪ ،‬وطمعوا في القضاء عليه ‪ ،‬فرماه عتبة بن أبي‬
‫وقاص بالحجارة ‪ ،‬فوقع صلى الله عليه وسلم لشقه ‪ .‬وأصيبت رباعيته‬
‫اليمنى السفلى ‪ ،‬وكلمت شفته السفلى ‪ .‬وتقدم إليه عبدالله بن شهاب‬
‫الزهري فشجه في جبهته ‪ ،‬وجاء فاؤس عنيد يقال له عبدالله بن قمئة ‪،‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة ‪ ،‬ظل صلى الله عليه وسلم يشكو‬
‫منها أكثر من شهر ‪ .‬ثم ضرب وجنته ضربة أخرى عنيفة كالولى ‪ ،‬حتى‬
‫دخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ‪ ،‬وقال ‪ :‬خذها وأنا ابن قمئة فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو يمسح الدم عن وجهه ‪ :‬أقمأك الله ‪.‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ :‬فجعل يسلت الدم عنه ويقول ‪ :‬كيف يفلح قوم شجوا وجه‬
‫نبيهم ‪ ،‬وكسروا رباعيته ‪ ،‬وهو يدعوهم إلى الله‬
‫‪ .‬وعند الطبراني أنه قال ‪ :‬اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه رسوله ‪.‬‬
‫فيا أيها المسلمون ‪ :‬هل ترون مقالته إل حقا أبلج ‪ ،‬نعم كيف يفلح قوم أدموا‬
‫وجه نبيهم ‪ ،‬وكسروا رباعيته ‪ ،‬وهو يدعوهم إلى الله ‪ ،‬وما أشد غضب الله‬
‫على من أدمى وجه رسوله ‪ .‬فإذا كنا بعد أربعة عشر قرنا وربع القرن نكاد‬
‫نتميز من الغيظ على ابن قمئة وأصحابه ‪ ،‬فكيف يلم صاحب البلء نفسه ؟‬
‫أو من قد حضر معه الواقعة ‪ ،‬وعاش معه ذلك المشهد رأي العين ؟ ولكن‬
‫هي لحظة ‪ ،‬ما لبث أن استدركها صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كأنه يعاتب نفسه‬
‫مع ما فيه من آلم وجراح ‪ ،‬وما يعلمه من الحق الذي معه ‪ ،‬والباطل الذي‬
‫يتمسك به قومه ‪ .‬فمكث ساعة ثم قال ‪ :‬اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون‬
‫‪.‬‬
‫وأنزل المولى تبارك وتعالى قوله ‪ :‬ليس لك من المر شيء أو يتوب عليهم‬
‫أو يعذبهم فإنهم ظالمون ‪.‬‬
‫إخوة الدين والعقيدة ‪ :‬من هذه المشاهد الثلث ‪ ،‬نستلهم درسا مهما ‪ ،‬ما‬
‫أحوجنا إليه في أيامنا هذه ‪ ،‬ولو عقل الدرس بعض القوم لما انتهكت أعراض‬
‫المسلمين ‪ ،‬وسفكت دماؤهم ‪ ،‬وجروا إلى مواجهة يعلم الكل أنهم فيها هم‬
‫الخاسرون ‪.‬‬
‫نعم أيها الحبة ‪ :‬إن أهم ما نقطف من ثمار هذه المشاهد أن ل نيأس ‪ ،‬ل‬
‫نيأس من رحمة الله ‪ ،‬ول من نصر الله ‪ ،‬ول من هداية الله لي كان ‪.‬‬
‫فعمر أسلم ‪ ،‬وقد ظن عامر أن يسلم الحمار دونه ‪ ،‬وأمهل النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قومه ‪ ،‬مع كل ما كان يواجهه من ظلم وعنت ‪ ،‬يرجو أن يخرج‬
‫الله من أصلبهم من يعبد الله ل يشرك به شيئا ‪ ،‬فأمهل أبا جهل ‪ ،‬وأمية ‪،‬‬
‫والوليد بن المغيرة ‪ .‬ودعا لقومه بالهداية في أحد ‪ ،‬وهم الذين أدموا وجهه ‪،‬‬
‫وكسروا رباعيته ‪ ،‬فقال ‪ :‬رب اهد قومي فإنهم ل يعلمون ‪ ،‬كما في الشفاء‬
‫للقاضي عياض ‪ .‬فهدى الله من شاء منهم ‪ ،‬وتاب عليهم ‪ ،‬فآمن به واتبعه ‪،‬‬
‫أبناء أولئك الصناديد ‪ ،‬رؤوس الكفر وقادة حزب الشيطان ‪ ،‬نعم ‪ ،‬لقد آمن به‬
‫واتبعه قائد فرسان المشركين في أحد خالد بن الوليد بن المغيرة ‪ ،‬بل صار‬
‫سيفا من سيوف الله مسلول على أهل الكفر والزيغ والعناد ‪ .‬وآمن به‬
‫صفوان ابن أمية بن خلف ‪ ،‬وآمن به عكرمة بن أبي جهل ‪ ،‬وما كان بين تلك‬
‫المشاهد إل بضع سنين بين كل مشهد ومشهد ‪.‬‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬هل نستطيع صبر أنفسنا عن شهوة النتقام ‪ ،‬والنتصار ‪،‬‬
‫والعلو ؟ هل نستطيع كبح جماحها حتى مع وجود الدليل حتى ل تطغى ‪ ،‬أو‬
‫تحيد أو تميل ؟ ولتنظر في عواقب المور ‪ ،‬وتسبر غورها قبل أن تقدم على‬
‫أي فعل قد ينتج نصرا ‪ ،‬وقهرا ‪ ،‬وعزا في وقته ‪ ،‬ولكنه يزداد من ذلك كله في‬
‫حال الصبر والتحمل ‪ ،‬والفأل !‬
‫ألسنا نميل غالبا إلى أن ل نعطي الدنية في ديننا ؟ وهذا حق ‪ ،‬ولكن قد يكون‬
‫أحق من هذا الحق ما تثمره شجرة الصبر والتأني والحكمة ‪.‬‬
‫إن اليأس من هداية الناس ‪ ،‬أو إصلحهم محطم للعزائم ‪ ،‬موهن للهمم ‪،‬‬
‫دافع من تملكه ذلك اليأس إلى قتل نفسه ‪ ،‬وقتل من يظن أنه ل يؤمنون ‪،‬‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأنهم ل يهتدون ‪ .‬وفي الحديث ‪ :‬من قال هلك الناس فهو أهل ُ‬
‫كهم ‪ ،‬أو‬
‫أهل َ‬
‫كهم ‪ ...‬وكل المعنيين صحيح ‪.‬‬
‫ولهذا فإن من الواجب علينا أن نتواصى بالحق ‪ ،‬وأن نتواصى بالصبر ‪ ،‬مع‬
‫اليمان والعمل الصالح ‪ ،‬ولننظر بعين العطف على الضالين ‪ ،‬ولنغطهم بجناح‬
‫اللطف والحرص على هدايتهم ‪ ،‬وردهم إلى الله ‪ ،‬ولنسأل الله الثبات على‬
‫الحق ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وليعلم كل منا أنه ليس وصيا على الناس ‪ ،‬فقد قيل للحبيب صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬ليس لك من المر شيء ‪ .‬وقيل له ‪ :‬وما جعلناك عليهم حفيظا وما‬
‫أنت عليهم بوكيل ‪ .‬وقيل له ‪ :‬أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ‪ .‬إن‬
‫عليك إل البلغ ‪.‬‬
‫فما علينا إذا ؟ إن علينا أن ندعو ‪ ،‬وأن نجاهد في دعوتنا ‪ ،‬ونصبر عليها ‪،‬‬
‫ونبذل قصارى الجهد في التبيان ‪ ،‬والدللة ‪ ،‬والمحاورة ‪ ،‬والوعظ بالحسنى ‪.‬‬
‫ونسأل الله لكل ضال أن يهديه ‪ ،‬ويشرح صدره ‪ ،‬ويجنبه طريق الضلل ‪،‬‬
‫وينقذه من النار ‪.‬‬
‫فكما هدى الله عمر رضي الله عنه ‪ ،‬فغدى من تعرفون ‪ ،‬بعد أن كان قاسيا‬
‫غليظا على المسلمين ‪ ،‬لقوا منه أشد ما يكون من البلء والشدة ‪ ،‬فعسى أن‬
‫يهدي فلنا العلماني ‪ ،‬أو فلنا المحارب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وكما أخرج الله من أصلب الصناديد المعاندين لدينه ‪ ،‬المحاربين له ولرسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فعسى أن يخرج من أصلب من نظنهم أشبه القوم‬
‫بهم من يعبد الله ل يشرك به شيئا ‪ .‬ولو يشاء الله لنتصر منهم ولكن ليبلو‬
‫بعضكم ببعض ‪.‬‬
‫أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ‪:‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ول تقولوا لمن ألقى إليكم‬
‫السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ‪ ،‬كذلك‬
‫كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا ‪.‬‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬أخرج المام أحمد وغيره ‪ ،‬من حديث أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كان رجلن في‬
‫بني إسرائيل متواخيين ‪ ،‬فكان أحدهما يذنب ‪ ،‬والخر مجتهد في العبادة ‪،‬‬
‫فكان ل يزال المجتهد يرى الخر على الذنب فيقول ‪ :‬أقصر ‪ ،‬فوجده يوما‬
‫على ذنب فقال له ‪ :‬أقصر ‪ ،‬فقال ‪ :‬خلني وربي ‪ ،‬أبعثت علي رقيبا ؟ فقال ‪:‬‬
‫والله ل يغفر الله لك ‪ ،‬أو ل يدخلك الله الجنة ‪ .‬فقبض أرواحهما ‪ ،‬فاجتمعا‬
‫عند رب العالمين ‪ ،‬فقال لهذا المجتهد ‪ :‬أكنت بي عالما ؟ أو كنت على ما‬
‫في يدي قادرا ؟ وقال للمذنب ‪ :‬اذهب فادخل الجنة برحمتي ‪ ،‬وقال للخر ‪:‬‬
‫اذهبوا به إلى النار " قال أبو هريرة ‪ :‬والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت‬
‫دنياه وآخرته ‪.‬‬
‫وقف أيها الحبيب عند هذا الحديث ناظرا متأمل ‪ ،‬فقد غفر للمذنب ‪ ،‬وأدخل‬
‫الجنة بعمل المتقي وصنعه ‪ ،‬وما فعل الناصح ما فعل إل غيرة على محارم‬
‫الله ‪ ،‬ونصحا لله ولدينه ‪.‬‬
‫أل فلنتق الله في أنفسنا ‪ ،‬وفي أبنائنا ‪ ،‬ولنعلمها ونعلمهم أن للغيرة على‬
‫الدين والنصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ضوابط ‪ ،‬وقواعد‬
‫وشروطا ‪ ،‬يجب أن تراعى حتى ل يضيع الجهد ‪ ،‬وتفشل المسيرة ‪ ،‬وقد كان‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحبيب صلى الله عليه وسلم أغير من سعد ‪ ،‬والله أغير منهما ‪ ،‬ولكن في‬
‫مسألة العرض والزنا ل بد من اتباع شرع الله ل العواطف والشيم المجردة‬
‫منها ‪.‬‬
‫فالحماس والعاطفة والغيرة والنصح والدعوة والمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر والجهاد كل ذلك دين ‪ ،‬وواجب في الدين التباع ‪ ،‬والخذ من مشكاة‬
‫النبوة على فهم السلف وإل كان من المتحمس المر الناهي المجاهد كان‬
‫منه الزلل والزيغ ‪ ،‬وكان الفساد قرين إزالة الفساد ‪ ،‬وهذا يحتاج إلى المل‬
‫مع العمل ‪ ،‬والرجاء فيما عند الله تعالى ‪ ،‬وديننا دين عملي واقعي ‪ ،‬ل ييأس‬
‫أبدا ‪ ،‬ففيه عن رسول الهدى أمر بأن لو قامت ‪ ،‬تأمل لو قامت الساعة وفي‬
‫يد أحدنا فسيلة ‪ ،‬فإن استطاع أن يغرسها قبل أن تقوم فليغرسها ‪ .‬ل تسأل‬
‫متى ستنبت ؟ متى ستثمر ؟ من يسقيها ؟ انتهى الوقت ‪ ،‬فقط افعل ‪ ،‬ودع‬
‫أمر ما بقي إلى الله ‪ ،‬وإلى الله ترجع المور ‪ ،‬والله المستعان ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫كم‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬‫ل تَ ْ‬


‫بقلم‪ :‬عبد العزيز بن ناصر الجليل‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن واله‪.‬‬
‫إن الله )عز وجل(‪ ،‬بما له من السماء الحسنى والصفات العل‪ ،‬كتب النصر‬
‫والغلبة لهل الحق من أوليائه الصالحين والمصلحين‪ ،‬وكتب المهانة والذلة‬
‫على أعدائه من الكافرين والمنافقين‪ ،‬وهذه سنة ل تتخلف إل إذا تخلفت‬
‫أسبابها‪ ،‬حيث يديل الله )سبحانه( أعداءه الكفرة على عباده المؤمنين‪،‬‬
‫ويسلطهم عليهم ويظهرهم‪ ،‬فتظهر من ذلك الشرور والمصائب كما هو‬
‫الحاصل في واقعنا المعاصر حيث الستضعاف والذلة لجل المسلمين‪،‬‬
‫والغلبة والقهر للكافرين‪ ،‬وما كان لسنة الله )سبحانه( أن تتبدل ول أن‬
‫ل(( ]فاطر‪:‬‬ ‫وي ً‬ ‫ح ِ‬‫ت الل ّهِ ت َ ْ‬
‫سن ّ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬‫ديل ً وََلن ت َ ِ‬ ‫ت الل ّهِ ت َب ْ ِ‬
‫سن ّ ِ‬
‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫تتحول‪)) ،‬فََلن ت َ ِ‬
‫‪ [43‬ولكن أسباب تحقيق سنة الله )سبحانه( في نصر عباده المؤمنين قد‬
‫قوْم ٍ‬‫ما ب ِ َ‬‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫تخلفت؛ فحقت علينا سنة الله )سبحانه( في التغيير ))إ ّ‬
‫م(( ]الرعد‪ [11 :‬وسنة الله )سبحانه( ل تحابي أحدا‪ً.‬‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ما ب َِأن ُ‬
‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫َ‬
‫ومع وضوح هذه السنة وجلئها من القرآن‪ ،‬وبمقتضى العقل والحس‪ ،‬إل أننا‬
‫نجد من هو في غفلة عنها وعن مقتضى أسمائه )سبحانه( وصفاته العل؛ حيث‬
‫أدت هذه الغفلة عند بعضنا إلى شيء من اليأس والحباط‪ ،‬أو إلى شيء من‬
‫العجلة والتسرع أمام ضغط الواقع‪ ،‬وتسلط العداء‪ ،‬وعند انتشار الظلم‬
‫والفساد‪.‬‬
‫ولن يكون الكلم هنا عن تلك السنة‪ ،‬وإنما سينصب الهتمام على سنة‬
‫عظيمة تنبثق عنها السنة السابقة‪ ،‬والله )سبحانه( يبينها لنا من خلل أسمائه‬
‫الحسنى وصفاته العل‪ ،‬حيث إن الجهل بها أو الغفلة عنها بعد معرفتها يسهم‬
‫أيضا ً في مزيد من اليأس والقنوط‪ ،‬أو الجزع والتسخط‪ ،‬أو الندفاع والعجلة‬
‫كم(( ]النور‪.[11 :‬‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬‫والتهور‪ ،‬وهذه وقفات مع قوله )تعالى(‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫هذه الية توجيه رباني في إحسان الظن بالله )عز وجل(‪ ،‬والثقة بحكمته‬
‫م‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫ه ب ِك ُ ُ‬ ‫ورحمته‪ ،‬وأنه )سبحانه( ل يريد بعباده المؤمنين إل الخير ))ي ُ ِ‬
‫سَر(( ]البقرة‪ [185 :‬وهذا بدوره يبث المل في‬ ‫م العُ ْ‬ ‫ريد ُ ب ِك ُ ُ‬‫سَر َول ي ُ ِ‬ ‫الي ُ ْ‬
‫النفوس إزاء المصائب‪ ،‬ويبث المل في المة بأن المستقبل لهذا الدين مهما‬
‫كيد ُ ك َْيدا ً )‪(16‬‬ ‫َ‬
‫ن ك َْيدا ً )‪ (15‬وَأ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫كي ُ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫تسلط أعداؤه عليه‪ ،‬وكادوا له كيدا ً ))إن ّهُ ْ‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ُروَْيدًا(( ]الطارق‪ ،[17 15 :‬وهو ضروري كذلك‬ ‫كافري َ‬


‫مهِل ْهُ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫ل ال َ ِ ِ َ‬ ‫مهّ ِ‬ ‫فَ َ‬
‫لدراك أن رحمة الله )عز وجل( سبقت غضبه في كل ما يقدره على عباده‬
‫ة(( ]النعام‪ [54 :‬وما أجمل ما قاله‬ ‫م َ‬
‫ح َ‬
‫سهِ الّر ْ‬ ‫م عََلى ن َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ب َرب ّك ُ ْ‬‫المؤمنين ))ك َت َ َ‬
‫المام ابن القيم )رحمه الله تعالى( حول هذا المعنى‪ ،‬ومما ذكره‪ :‬قد شهدت‬
‫الفطر والعقول بأن للعالم رب ّا ً قادرًا‪ ،‬حليمًا‪ ،‬عليمًا‪ ،‬رحيمًا‪ ،‬كامل ً في ذاته‬
‫وصفاته‪ ،‬ل يكون إل مريدا ً للخير لعباده‪ ،‬مجريا ً لهم على الشريعة والسنة‬
‫الفاضلة العائدة باستصلحهم‪ ،‬الموافقة لما ركب في عقولهم من استحسان‬
‫الحسن‪ ،‬واستقباح القبيح )‪.(1‬‬
‫وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في ثنايا البحث من خلل اليات القرآنية والحاديث‬
‫النبوية والمواقف العملية التي تظهر لنا منها ثمار هذه السنة الكريمة‪،‬‬
‫وبخاصة في واقعنا المعاصر المليء بالشبهات‪ ،‬والشهوات‪ ،‬والمتناقضات‪،‬‬
‫والمكائد‪ ،‬والمؤامرات‪ ..‬ما يزيد الموضوع بيانًا‪.‬‬
‫أهمية الموضوع‪:‬‬
‫تتضح أهمية الموضوع في المور التالية‪:‬‬
‫ً‬
‫ل‪ :‬علقة هذه السنة بالعقيدة قوة وضعفا؛ فكلما قوي اليمان بالله‬ ‫أو ً‬
‫)سبحانه( في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته‪ :‬كلما قوي الفهم لهذه‬
‫السنة‪ ،‬وأثمرت في القلب ثمارها الطيبة‪ .‬واليمان بهذه السنة والصطباغ بها‬
‫هو مقتضى الرضا بالله رب ّا ً ومعبودًا‪ ،‬ومقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العل؛‬
‫حيث إن هذه السنة من ثمرات أسمائه )سبحانه( الحسنى‪ ،‬التي منها‪:‬‬
‫الحكيم‪ ،‬والعليم‪ ،‬والكريم‪ ،‬واللطيف‪ ،‬والبر الرحيم‪ ..‬وغيرها من السماء‬
‫والصفات التي يجب التعبد لله )سبحانه( بها‪ .‬كما يظهر الرتباط بين هذه‬
‫السنة وبين التوحيد في‪ :‬أثرها على صدق التوكل على الله )عز وجل(‪،‬‬
‫وتفويض المور إليه‪ ،‬واليقين والثقة بوعده‪ ،‬وإحسان الظن به )جل وعل(‪،‬‬
‫وأنه )سبحانه( ل يريد بعباده المؤمنين إل الخير والصلح‪ ،‬فمهما ظهر من‬
‫َ‬
‫مل‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫الشرور والمصائب‪ ،‬فله )سبحانه( الحكمة البالغة))َوالل ّ ُ‬
‫ن(( ]آل عمران‪ [66 :‬وأما ارتباطها بالصل الخامس من أصول اليمان‬ ‫مو َ‬‫ت َعْل َ ُ‬
‫ـ أل وهو اليمان باليوم الخر ـ فهذا واضح؛ لن اليقين باليوم الخر ورجاء‬
‫الجر من الله )عز وجل( يقويان الرتباط بهذه السنة في أن الخرة خير‬
‫وأبقى‪ ،‬مهما فات من هذه الدنيا‪ .‬وأما علقتها بالصل السادس من أصول‬
‫اليمان ـ وهو اليمان بالقدر خيره وشره ـ فهذا ظاهر ل يحتاج إلى تعليق‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثانيًا‪ :‬ما نراه اليوم في واقعنا المعاصر من الضغوط الشديدة والحرب‬


‫الشرسة من أعداء هذا الدين من اليهود والنصارى والمنافقين والمفسدين‪،‬‬
‫وما يكيدون به لهذا الدين وأهله من المكر والتشويه والبتلء؛ مما أدى ويؤدي‬
‫إلى ظهور حالت اليأس والحباط من تغير الحال‪ ،‬أو الشعور بالهزيمة‬
‫النفسية والهوان والستكانة‪ ،‬فكان لبد من التذكير بهذه السنة العظيمة التي‬
‫تقوي اليقين بوعد الله )سبحانه(‪ ،‬والثقة بنصره‪ ،‬والطمئنان إلى قضائه‬
‫وتدبيره‪ ،‬وأنه )سبحانه( الحكيم العليم فيما يقضي ويقدر‪ ،‬ولبد أن يأتي الخير‬
‫بعد الشر عندما يأذن الله )سبحانه( في ذلك وفق علمه الشامل‪ ،‬وحكمته‬
‫البالغة‪ ،‬وسننه التي ل تتبدل ول تتحول‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الجهل الحاصل عند بعض المسلمين بسنن الله )سبحانه( في التغيير‪ ،‬أو‬
‫سُبوهُ‬
‫ح َ‬‫التغافل عنها بعد معرفتها‪ ،‬ل سيما وأن في فهم قوله )تعالى(‪)) :‬ل ت َ ْ‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كم(( ]النور‪ [11 :‬خير معين لتفهم سنن الله )عز وجل( الخرى‪ :‬كما‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م((‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأن ُ‬‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬
‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫في قوله )تعالى(‪)) :‬إ ّ‬
‫]الرعد‪ [11 :‬وفي هذه المعرفة فتح باب للمنهج الصحيح في الدعوة إلى الله‬
‫)سبحانه(‪ ،‬كما أن فيها وقاية من التخبط والضطراب في المنهاج‬
‫والجتهادات‪ ،‬كما أن في دراسة هذه السنة وربط الحداث والوقائع بها أكبر‬
‫ضمانة للعقل المسلم من أن يتأثر بالتصورات الجاهلية‪ ،‬والتفسيرات المادية‬
‫للتاريخ والحداث التي سيطرت اليوم على كثير من عقول المسلمين‬
‫المتأثرين بوسائل العلم المادية وبالثقافات التي ل تؤمن بالله‪ ،‬ول باليوم‬
‫الخر‪ ،‬ول بالقدر خيره وشره‪.‬‬
‫خَيرة من الله )سبحانه( في كل المور‪ ،‬وتفويض‬ ‫رابعًا‪ :‬التنبيه إلى طلب ال ِ‬
‫المور إلى حسن تدبيره )عز وجل( واختياره؛ لنه )سبحانه( يعلم ول نعلم‪،‬‬
‫ويقدر ول نقدر‪ ،‬وهو علم الغيوب الذي يعلم ما كان وما سيكون‪ ،‬ويعلم أين‬
‫يكون الخير‪ ،‬وأين يكمن الشر؛ ولذلك جاء التوجيه إلى دعاء الستخارة في‬
‫المور كلها‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬كثرة المشاكل والمصائب في زماننا هذا‪ ،‬سواء على مستوى الفراد‬
‫أو الجماعات‪ ،‬التي أدت إلى ظهور كثير من المراض النفسية المعقدة‪:‬‬
‫كالقلق‪ ،‬والكتئاب‪ ،‬والفصام‪ ..‬وغيرها‪ ،‬حتى أصبحت سمة لواقعنا المعاصر‪،‬‬
‫ومعرفة الله )سبحانه( بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته التي تزرع في‬
‫القلب الطمئنان والرضا‪ ،‬وتفويض المور إليه )سبحانه(‪ ،‬وحسن الظن به‬
‫)عز وجل(‪ ،‬وأن اختيار الله لعبده أحسن من اختيار العبد لنفسه‪ ،‬ولو ظهر ما‬
‫كم((‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫يكرهه العبد ويؤذيه‪ :‬إن في تفهم قوله )تعالى(‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫]النور‪ [11 :‬أحسن علج لهذه المراض وغيرها‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬إن في هذه السنة وفهمها طريقا ً موصل ً إلى الفقه بقاعدة الشرع‬
‫العظيمة‪ ،‬التي بنيت عليها أحكام الشرع؛ أل وهي‪ :‬اليسر ورفع الحرج‬
‫والمشقة‪ ،‬وأن الله )عز وجل( ل يريد بعباده إل اليسر والرحمة‪ ،‬سواء أكان‬
‫في أحكامه الكونية القدرية‪ ،‬أو الدينية الشرعية‪.‬‬
‫من ثمرات هذه السنة‪:‬‬
‫فّهم هذه السنة الكريمة وتذكرها دائما ً أثرا ً كبيرا ً في القلب‪ ،‬يظهر جلي ّا ً‬ ‫إن لت َ َ‬
‫ً‬
‫في المواقف‪ ،‬وبالذات في مواقف الشدة والبلء؛ فكان لزاما على المسلم‪،‬‬
‫وبخاصة الداعية المجاهد‪ ،‬أل يغفل عن هذه الثمرات المنبثقة من قوله‬
‫م((‪ ،‬وثمار اليمان بهذه السنة‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬‫ل هُوَ َ‬ ‫كم ب َ ْ‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬
‫ح َ‬
‫)تعالى(‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫واليقين بها كثيرة‪ ،‬أذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تحقيق العبودية لله )عز وجل( بأسمائه الحسنى وصفاته الُعل‪:‬‬
‫إن الله )عز وجل( لم يعرفنا على أسمائه وصفاته لنحفظها ونعدها فقط‪،‬‬
‫وإنما المقصود السنى من معرفة أسمائه )عز وجل( وصفاته‪ :‬أن ندعوه بها‪،‬‬
‫َ‬
‫عوهُ‬ ‫سَنى َفاد ْ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ماُء ال ُ‬ ‫س َ‬ ‫وأن نتعبد له )سبحانه( بها؛ قال الله )تعالى(‪)) :‬وَل ِل ّهِ ال ْ‬
‫ب َِها(( ]العراف‪[180 :‬‬
‫إن في كل اسم من أسمائه )سبحانه( عبودية على العبد‪ ،‬يجب أن تظهر‬
‫آثارها في القلب‪ ،‬وعلى الجوارح‪ ،‬وفي المواقف‪.‬‬
‫فمن السماء الحسنى التي يتعبد لله )عز وجل( بها من خلل معرفة هذه‬
‫السنة‪ :‬الحكيم‪ ،‬العليم‪ ،‬البر‪ ،‬الرحيم‪ ،‬الودود‪ ،‬اللطيف‪ ..‬وغيرها‪ .‬فعندما يؤمن‬
‫العبد المسلم بهذه السماء فإنها تثمر اليمان بحكمة الله )عز وجل( في كل‬
‫أحكامه الكونية والشرعية‪ ،‬وتضفي على القلب النس‪ ،‬وإحسان الظن بالله‬
‫)عز وجل(‪ ،‬والرضا بقضائه‪ ،‬وأنه بر رحيم‪ ،‬ل يريد بعباده إل الخير والتيسير‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والرحمة‪ ،‬وأن من لطفه )سبحانه( أن يأتي بالخير لعبده المؤمن من حيث‬


‫يظن أنه شر ومكروه‪ ،‬وهذا من معاني اسمه سبحانه )اللطيف(‪.‬‬
‫يقول الشيخ السعدي )رحمه الله(‪) :‬ومن معاني اللطيف‪ :‬أّنه الذي يلطف‬
‫بعبده ووليه‪ ،‬فيسوق إليه البر والحسان من حيث ل يشعر‪ ،‬ويعصمه من‬
‫الشر من حيث ل يحتسب‪ ،‬ويرّقيه إلى أعلى المراتب‪ ،‬بأسباب ل تكون من‬
‫العبد على بال‪ ،‬حتى إّنه يذيقه المكاره‪ ،‬ليوصله إلى المحاب الجليلة‪،‬‬
‫والمطالب النبيلة()‪.(2‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن اليقين بلطف الله )تعالى( ينفي الشعور باليأس والقنوط من مجيء فرج‬
‫الله ونصره‪ ،‬وينشيء مكانه المل والثقة بوعد الله ونصره‪ ،‬كما أنه ينشيء‬
‫في القلب الفتقار إلى الله )عز وجل( وتفويض المور إليه‪ ،‬وسؤاله )عز‬
‫ن العاقبة والختيار‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬‫وجل( دائما ً ُ‬
‫وبقيت كلمة أخيرة في هذه الثمرة أنصح بها نفسي وإخواني طلب العلم؛‬
‫درس أو ن ُد َّرس أبواب التوحيد‬ ‫وذلك بأن نحرص أشد الحرص ـ ونحن ن ْ‬
‫المختلفة ـ على أل نكتفي بالدراسة العلمية الذهنية المجردة فقط‪ ،‬وإنما‬
‫نسعى جاهدين في ربطها بأعمال القلوب‪ ،‬وما تثمره فيها من أنواع‬
‫العبوديات المختلفة التي يجب أن يظهر أثرها في المواقف والسلوك وجميع‬
‫التصرفات‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫‪ -2‬الصبر على البليا والمصائب وقوة الحتمال‪:‬‬
‫وهذه الثمرة لها علقة بما قبلها؛ فعندما يعرف العبد ربه بأسمائه وصفاته‬
‫ويتعبده بها‪ ،‬فإنها تثمر في القلب ثباتًا‪ ،‬ورباطة جأش‪ ،‬وصبرا ً أمام البتلءات‬
‫والمصائب؛ فل يضعف وليخور وهو يعلم أن ربه الرحيم الحكيم‪ ،‬اللطيف‬
‫الخبير‪ ،‬الودود الغفور‪ :‬هو الذي قدرها عليه‪ ،‬وأنه لم يقدرها ليعذبه ويشقيه‪،‬‬
‫ولكن ليرحمه ويرده إليه‪ ..‬عند ذلك يفوض أمره إلى ربه‪ ،‬ويرضى بما يختار‬
‫له موله )سبحانه(‪ ،‬ويعلم أنه هو الذي يمده بالقوة والعزيمة‪ ،‬والصبر وحسن‬
‫العاقبة‪ .‬إن هذا الشعور يمل القلب قوة وصبرا ً واحتمال ً أمام الشدائد؛ لقوة‬
‫الرجاء في الله )عز وجل(‪ ،‬واليقين بفرجه ونصره‪ ،‬واليقين بحسن العاقبة‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫كوُنوا ت َا ًل َ ُ‬ ‫من الله )عز وجل( فيما أعده للصابرين؛ قال )تعالى(‪)):‬إن ت َ ُ‬
‫ه عَِليما ً‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬‫ن وَ َ‬
‫جو َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫ما ل ي َْر ُ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬‫جو َ‬
‫ن وَت َْر ُ‬ ‫ما ت َا ًل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن كَ َ‬‫مو َ‬‫م ي َا ًل َ ُ‬
‫َفإن ّهُ ْ‬
‫كيمًا(( ]النساء‪.[104 :‬‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫وإن مما يقوي الصبر على الشدائد يقين العبد أن ما أصابه إما أن يكون‬
‫تكفيرا ً لذنوبه‪ ،‬أو سببا ً لنعمة ل تنال إل بذلك المكروه‪.‬‬
‫فإذا أيقن العبد المبتلى أن العاقبة الحميدة من النصر في الدنيا‪ ،‬والجنة في‬
‫الخرة ل يوصل إليهما إل على جسر التعب والمشقة‪ :‬فإنه بذلك يقوى صبره‪،‬‬
‫واحتماله‪ ،‬وبذله وتضحيته في سبيل الله )عز وجل(‪ ،‬مع تفقد النفس من‬
‫الذنوب‪ ،‬وتنقية الصف من المنافقين‪ ،‬فذلك من أسباب النصر‪.‬‬
‫‪ -3‬سعادة القلب وطمأنينته وسكينته‪:‬‬
‫عندما يعلم العبد المؤمن أن كل ما يقضيه الله )عز وجل( هو عين الحكمة‬
‫والرحمة‪ ،‬والخير‪ ،‬سواء في العاجل أو الجل‪ ،‬فإن هذه المعرفة تضفي على‬
‫القلب شعورا ً بالنس والسعادة والطمأنينة والسكينة‪ ،‬مهما اشتدت‬
‫المصائب‪ ،‬وتوالت المحن؛ وبذلك يسلم صاحب هذا القلب من تلك المراض‬
‫والوساوس التي تفتك بكثير من الناس الذين حرموا مثل هذه المعرفة‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العظيمة بربهم‪ ،‬نعم سوف ل يخيم على نفسه ما يخيم على النفوس‬
‫اليائسة‪ ،‬من الشعور بالقلق والكتئاب وانكساف البال‪ ،‬تلك الشياء التي تجر‬
‫وراءها من مصائب الدنيا والدين ما ل يعلمه إل الله )عز وجل(‪ .‬وسوف يريحه‬
‫هذا الشعور من الفكار المتعبة التي تنشأ من كثرة الختيارات والترددات‪،‬‬
‫التي هي منشأ القلق والهم والغم‪.‬‬
‫إن التسخط وعدم الرضى بما قضاه الله )عز وجل( باب إلى الهم‪ ،‬والغم‪،‬‬
‫والحزن‪ ،‬وشتات القلب‪ ،‬وسوء الحال‪ ،‬والظن بالله ظن السوء‪ ،‬ول يدفع ذلك‬
‫كله إل معرفة الرب )عز وجل( بأسمائه الحسنى‪ ،‬وصفاته العل‪ ،‬والتعبد له‬
‫)سبحانه( بها‪ ،‬والعمل بمقتضاها‪ ،‬والذي يولد في النفس الرضى بما يختاره‬
‫َ‬
‫ن((‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأنت ُ ْ‬‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫الله )عز وجل(‪ ،‬وأنه أرحم بعبده من نفسه ))َوالل ّ ُ‬
‫] آل عمران‪.[66 :‬‬
‫‪ -4‬سلمة القلب‪:‬‬
‫عندما يمتلئ القلب بتوحيد الله )عز وجل( ومعرفته )سبحانه( بأسمائه‬
‫الحسنى وصفاته العل‪ ،‬ويمتلئ باليقين بوعده‪ ،‬والثقة بحكمته‪ ،‬وانتظار‬
‫رحمته؛ فإن كل ذلك يضفي على القلب صفاًء ونورا ً وطهارة ُتسل بها من‬
‫القلب أمراض كثيرة؛ فيصبح القلب بعدها سليما ً صحيحًا‪ ،‬وينعم به صاحبه في‬
‫الدنيا والخرة؛ قال )تعالى( في وصف إمام الحنفاء )عليه الصلة والسلم(‪:‬‬
‫م(( ]الصافات‪ [84 :‬وقال )تعالى( حكاية لدعاء‬ ‫سِلي ٍ‬
‫ب َ‬‫قل ْ ٍ‬
‫ه بِ َ‬ ‫))إذ ْ َ‬
‫جاَء َرب ّ ُ‬
‫ع‬
‫ف ُ‬
‫م ل َين َ‬ ‫ن )‪ (87‬ي َوْ َ‬ ‫م ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫خزِِني ي َوْ َ‬‫إبراهيم )عليه الصلة والسلم(‪َ)) :‬ول ت ُ ْ‬
‫ل ول بنون )‪ (88‬إل ّ م َ‬
‫م(( ]الشعراء‪.[89 87 :‬‬ ‫سِلي ٍ‬‫ب َ‬ ‫قل ْ ٍ‬ ‫ن أَتى الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ما ٌ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ومن أهم مظاهر سلمة القلب التي تحصل بهذه المعرفة ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬السلمة من أمراض الحقد والحسد والشحناء‪:‬‬
‫وذلك لن الذي يوقن بحكمة الله )عز وجل( ورحمته في كل ما يقضيه من‬
‫أقضية كونية وشرعية‪ :‬يعلم علم اليقين أن لله )عز وجل( الحكمة البالغة في‬
‫إعطاء من يشاء‪ ،‬ومنع من يشاء‪ ،‬وإعزاز من يشاء‪ ،‬وإذلل من يشاء‪ .‬وهذا‬
‫العلم لبد أن يثمر الرضى بما يقدره الله )عز وجل( ويقضيه على الناس؛‬
‫وبذلك تزول الشحناء والحقاد المتولدة عن الحسد المتولد أصل ً من معارضة‬
‫أقدار الله )عز وجل( والتسخط لها‪.‬‬
‫ب‪ -‬السلمة من أمراض الخوف والطمع‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن المؤمن الراضي بربه والموقن بحكمته وبره ولطفه ل تجده إل قانعا ً بما‬
‫آتاه الله )عز وجل(‪ ،‬مطمئنا ً إلى اختيار الله )سبحانه( له؛ لنه )عز وجل(‬
‫أعلم بما يصلح للعبد من نفسه‪ ،‬وهذه الثمرة تقضي على هذا الداء الخطير‬
‫)داء الطمع والحرص والتهالك على الدنيا وزينتها(؛ لن القلب الراضي‬
‫المفوض أمره إلى الله )عز وجل( قد امتل غنى وقناعة ومحبة وتوكل ً على‬
‫الله )سبحانه(؛ فحري بقلب هذه صفته أل يكون فيه محل لمحبة غير الله‪،‬‬
‫وهذه الثمرة يتولد عنها ثمار طيبة‪ ،‬منها‪ :‬عدم السى على ما فات‪ ،‬وعدم‬
‫ض َول ِفي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صيب َةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫من ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬‫ما أ َ‬ ‫الفرح بما هو آت؛ قال )تعالى(‪َ )) :‬‬
‫َ‬
‫سيٌر )‪ (22‬ل ِكْيل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِك عَلى اللهِ ي َ ِ‬ ‫ها إ ّ‬ ‫ل َأن ن َب َْرأ َ‬
‫َ‬
‫من قَب ْ ِ‬ ‫ب ّ‬ ‫م إل ّ ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬‫َأن ُ‬
‫خوٍر((‬ ‫ل فَ ُ‬‫خَتا ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ب كُ ّ‬
‫ح ّ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬ ‫حوا ب ِ َ‬‫فَر ُ‬‫م َول ت َ ْ‬ ‫وا عََلى َ‬
‫ما َفات َك ُ ْ‬ ‫س ْ‬‫ت َا ً َ‬
‫]الحديد‪ ،[22،23 :‬والعبد المؤمن ل يدري أين يكون الخير‪ ،‬أهو في الفائت أم‬
‫التي؟ ولكن الله وحده هو الذي يعلم‪ ،‬وهو علم الغيوب‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما أنها تثمر أيضًا‪ :‬الزهد في الدنيا‪ ،‬والحذر منها‪ ،‬فكم فرح بالدنيا أناس‬
‫ه‬ ‫ط الل ّ ُ‬
‫ه الّرْزقَ ل ِعَِبادِ ِ‬ ‫س َ‬ ‫فكانت سبب هلكهم وشقوتهم؛ قال )تعالى(‪)) :‬وَل َوْ ب َ َ‬
‫ض وَل َ ِ‬ ‫َ‬
‫صيٌر(( ]الشورى‪:‬‬ ‫خِبيٌر ب َ ِ‬‫ه ب ِعَِبادِهِ َ‬ ‫شاُء إن ّ ُ‬‫ما ي َ َ‬
‫قد َرٍ ّ‬‫ل بِ َ‬ ‫كن ي ُن َّز ُ‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ل َب َغَ ْ‬
‫‪.[27‬‬
‫وكيف يسكن الخوف والهلع في قلب من اطمأن إلى حكم ربه‪ ،‬وأحسن‬
‫الظن به‪ ،‬وفوض أموره إليه‪ .‬إن الخوف والهلع سواًء أكان على الرزق أو‬
‫الجل ل يكونان إل عند من لم يعرف ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العل‪ ،‬أما‬
‫لو عرف ربه )عز وجل(‪ ،‬وأنه رحيم ودود‪ ،‬وأّنه حكيم عليم‪ ،‬وأنه لطيف خبير‪..‬‬
‫معرفة حقيقية يتعبد لربه بها‪ :‬فإن الطمئنان والسكينة تعمران القلب‪،‬‬
‫وتنفيان كل دواعي الخوف والوجل من المخاليق الضعفاء الذين ل يملكون‬
‫لنفسهم نفعا ً ول ضّرا ً فضل ً عن أن يملكوا شيئا ً من ذلك لغيرهم‪ .‬ويبقى‬
‫صاحب هذا القلب مطمئنا ً إلى حسن اختيار الله له‪ ،‬يستشرف رحمة ربه‬
‫وخيره في كل ما يقضيه الله عليه؛ ولو ظهر في هذا المقضي من الشر‬
‫واللم ما ظهر‪ ،‬فمن يدري؟! فلعل في طيات المحنة منحة ونعمة‪.‬‬
‫ج‪ -‬السلمة من أمراض الكبر والخيلء‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن القلب ل يصدق عليه أن يوصف بكونه سليما صحيحا حتى ينضم إلى ما‬
‫ذكر سابقا ً سلمته من أمراض الكبر والفخر والخيلء؛ فإن العبد المؤمن متى‬
‫ما عرف ربه )عز وجل( وتعبد له بأسمائه وصفاته فإن المسكنة والمحبة لله‬
‫)عز وجل( سوف تمل القلب؛ وينتج عن ذلك‪ :‬التواضع للحق وإيثاره‪،‬‬
‫من هذه صفته إل محب ّا ً‬ ‫والتواضع للخلق‪ ،‬وعدم غمطهم وظلمهم‪ ،‬بل ل ترى َ‬
‫للخير والحسان للناس‪ ،‬ول تراه إل محقرا ً لنفسه‪ ،‬منشغل ً بعيوبها عن عيوب‬
‫الناس؛ لنه يشهد حكمة الله )عز وجل( في ابتلئه لعبده بالخير والشر‪ .‬ولن‬
‫أسباب الكبر والتعالي على الناس ل تخرج عن كونها اغترارا ً بنعمة دينية أو‬
‫دنيوية‪ ،‬وأنه إذا أيقن العبد المؤمن أن هذه النعم إنما أعطاها الله لعبده‬
‫ليبلوه أيشكر أم يكفر؛ فإن الخوف على النفس من هذا البتلء سيشغله عن‬
‫التعالي على الناس‪ ،‬أو الفخر عليهم‪ ،‬وكيف يكون ذلك وهو ل يدري أين‬
‫يكمن الخير أو الشر؟! ولعل هذه النعمة التي يفتخر بها فتنة له ومتاع إلى‬
‫حين‪ ،‬أو أن الذي يفخر عليه ممن هو دونه يكون في خير ورحمة مفتوحة من‬
‫الله )عز وجل( عليه‪ ،‬والناس يحسبون أنه في ضيق وشر!‪.‬‬
‫‪ -5‬محاسبة النفوس والنتباه إلى خطر المعاصي وشؤمها على الفرد‬
‫والمجتمع‪:‬‬
‫إن من ثمار هذه السنة الكريمة أن ينتبه العبد المؤمن إلى نفسه ويحاسبها‬
‫على تفريطها وذنوبها‪ .‬وهذا بعض الخير الذي يجعله الله فيما يراه الناس شّرا ً‬
‫ومصيبة؛ حيث إن المصائب والشرور المقدرة على العبد المؤمن غالبا ً ما‬
‫تكون تكفيرا ً للذنوب‪ ،‬وإيقاظا ً له من الغفلة‪ ،‬ومجال ً لتطهير النفس من أدران‬
‫المعاصي والسيئات‪ .‬ومتى ما حصلت هذه الثمرة العظيمة في القلب فإن‬
‫المصيبة والنقمة تصبح في حقيقة المر خيرا ً ونعمة لصاحبها؛ وصدق الله‬
‫م((‪.‬‬‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬
‫ل هُوَ َ‬ ‫كم ب َ ْ‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬‫العظيم‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫أما إذا حصل العكس من ذلك ـ والعياذ بالله ـ وذلك بأن كانت المصيبة سببا ً‬
‫في مزيد من الغفلة أو التسخط على أقدار الله )تعالى(؛ فإن المصيبة‬
‫والحالة هذه ل تعتبر خيرا ً لمن وقعت عليه‪ ،‬لكنها قد تكون خيرا ً لغيره عندما‬
‫يحصل التعاظ والعبرة بحال من وقعت له المصيبة‪.‬‬
‫‪ -6‬التعرف على سنن الله )عز وجل( في التغيير‪ ،‬والسير على هداها‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن إدراك معاني أسماء الله )عز وجل( وآثارها ومقتضياتها يفتح في قلب‬
‫المؤمن منافذ عديدة على سننه )عز وجل( التي ل تتبدل ول تتحول‪ ،‬وبخاصة‬
‫إدراك آثار حكمة الله )عز وجل( ورحمته ولطفه وإحسانه‪ ،‬ولقد مّر بنا كيف‬
‫م(( يطبع في‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬
‫ل هُوَ َ‬ ‫كم ب َ ْ‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫أن فقه قوله )تعالى(‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫القلب شعورا ً برحمة الله )عز وجل( وخيره وبره‪ ،‬وأن كل ما يقضيه )عز‬
‫وجل( هو عين الخير والمصلحة والحكمة‪ ،‬وهذا الشعور يؤدي بدوره إلى فتح‬
‫القلب والفكر على سنن الله )عز وجل( التي تنبثق من هذه المعرفة‪ ،‬وعندما‬
‫تحصل هذه المعرفة لسنن الله )عز وجل( في التغيير‪ :‬فإن الفكر البشري‬
‫ينضبط ويستقيم ول تتقاذفه الثقافات المادية ذات اليمين وذات الشمال‪،‬‬
‫وبذلك يسلم من التفسيرات المادية للحداث‪ ،‬والتي تربط كل المتغيرات‬
‫بأسباب مادية بحتة؛ كتلك التي تربط النصر والهزيمة بأسباب مادية‪ ،‬أو تلك‬
‫التي تفسر العقوبات الربانية كالزلزل والعاصير بكونها ظواهر فلكية بحتة‪،‬‬
‫متجاهلين قدر الله وحكمته‪.‬‬
‫كما أن هذه المعرفة تثمر أيضا‪ :‬معرفة الموازين المنضبطة الثابتة التي توزن‬ ‫ً‬
‫حقّ لها أن تكون بهذه المثابة؛ لنها من عند‬ ‫بها المور والحوال والشياء‪ ،‬و ُ‬
‫الله )عز وجل( الحكيم‪ ،‬العليم‪ ،‬الرحيم‪ ،‬الودود‪ ،‬الذي يعلم ما كان وما‬
‫سيكون‪ ،‬والذي له الكمال المطلق‪ ،‬وهو الغني الحميد‪ .‬وهو )سبحانه( يقول‬
‫ص على عبيده ـ رحمة منه وفضل ً ـ جانبا ً من أسرار سنته وقدره‬ ‫الحق‪ ،‬ويق ّ‬
‫ليأخذ الناس حذرهم وليعتبروا ويتعظوا‪ ،‬وليدركوا الرحمة والخير والحكمة‬
‫الكامنة وراء هذه السنن الربانية والموازين اللهية‪ ،‬والتي بدورها تؤدي إلى‬
‫معرفة المنهج الصحيح للتغيير‪ ،‬كما تؤدي إلى المنهج الصحيح لتقويم المور‬
‫ووزنها بالميزان الحق‪.‬‬
‫ولقد مر بنا في الثمرات السابقة بعض السنن الربانية التي يهتدي إليها القلب‬
‫العامر بمعرفة الله )عز وجل( وتوحيده‪ ،‬ولكن نخص هنا بعض السنن بشيء‬
‫من التفصيل‪ ،‬وذلك فيما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬العاقبة للمتقين‪ :‬إن وعد الله )عز وجل( ل يتخلف‪ ،‬وكلمته ل تتبدل‪ ،‬ولقد‬
‫م ل َهُ ُ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (171‬إن ّهُ ْ‬‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ُ‬‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫قال ـ وقوله الحق ـ‪)) :‬وَل َ َ‬
‫ن(( ]الصافات‪ [173 -171 :‬هذا‬ ‫م الَغال ُِبو َ‬ ‫جند ََنا ل َهُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن )‪َ (172‬وإ ّ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ُ‬ ‫ال َ‬
‫وعد الله )سبحانه(‪ ،‬ولو تأخر وأبطأ على عباده فإن من وراء ذلك التأخير‬
‫حكمة وخير‪.‬‬
‫َ‬
‫ب‪ -‬ويتعلق بهذه السنة سنة أخرى في معناها‪ ،‬وهي قوله )تعالى(‪)) :‬وَلن‬
‫ل(( ]النساء‪ [141 :‬يقول ابن القيم‬ ‫سِبي ً‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن عََلى ال ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬‫يَ ْ‬
‫)رحمه الله تعالى( في معنى الية‪) :‬قيل‪ :‬بالحجة والبرهان‪ ،‬فإن حجتهم‬
‫داحضة عند ربهم‪ ،‬وقيل‪ :‬هذا في الخرة وأما في الدنيا فقد يتسلطون عليهم‬
‫بالضرر لهم والذى‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يجعل لهم عليهم سبيل ً مستقرة‪ ،‬بل وإن نصروا‬
‫عليهم في وقت فإن الدائرة تكون عليهم‪ ،‬ويستقر النصر لتباع الرسول‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بل الية على ظاهرها وعمومها‪ ،‬ل إشكال فيها ـ بحمد الله ـ؛ فإن الله‬
‫ل‪ ،‬فحيث كانت لهم‬ ‫)سبحانه( ضمن أن ل يجعل للكافرين على المؤمنين سبي ً‬
‫ل ما عليهم فهم الذين جعلوها بتسببهم ترك بعض ما أقروا به‪ ،‬أو ارتكاب‬ ‫سبي ٌ‬
‫بعض ما ُنهوا عنه؛ فهم جعلوا لهم السبيل عليهم بخروجهم عن طاعة الله‬
‫ورسوله فيما أوجب تسلط عدوهم عليهم في هذه الثغرة التي أدخلوها‪ ،‬كما‬
‫أخلى الصحابة يوم ُأحد الثغرة التي أمرهم رسول الله بلزومها وحفظها؛‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فوجد العدو منها طريقا ً إليهم‪ ،‬فدخلوا منها()‪.(3‬‬


‫والحاصل مما سبق‪ :‬أن معرفة السنة السابقة ل تفهم حق الفهم إل بمعرفة‬
‫الله )عز وجل( وتوحيده؛ فإنه )سبحانه( ل يريد بعباده إل الخير والرحمة‪ ،‬ولو‬
‫تسلط العداء في وقت ما فإن عاقبة هذا التسلط هي الخير والتمكين؛ وذلك‬
‫أن المؤمنين عندما يتسلط عليهم أعداؤهم وينالونهم بالذى يدركون من واقع‬
‫م(( أن ما أصابهم إنما هو‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫ل هُوَ َ‬ ‫كم ب َ ْ‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫قوله )تعالى(‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫بذنوبهم؛ فيكون الخير في تسلط العداء هو تغيير ما بالنفوس من خلل‪،‬‬
‫وإحداث التوبة والستغفار‪ ،‬وترك ما أوجب حلول المصيبة‪ ،‬وهذا خير في حد‬
‫ذاته لم يكن ليظهر لو استمر النصر والتمكين مع وجود المعاصي‪ ،‬وضعف‬
‫اليمان؛ لنه ـ والحالة هذه ـ يستمر الفساد بدون إصلح‪.‬‬
‫وهذا هو معنى السنة الثابتة التي ل تتغير‪ ،‬أل وهي قوله )تعالى(‪:‬‬
‫م(( ]الرعد‪.[11 :‬‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب َِأن ُ‬‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ج‪)) -‬إ ّ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أهْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حَنا عَلي ِْهم ب ََركا ٍ‬
‫فت َ ْ‬
‫وا ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫مُنوا َوات ّ َ‬ ‫قَرى آ َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ومثلها قوله )تعالى(‪)) :‬وَلوْ أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(( ]العراف‪:‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫ْ‬
‫ما كاُنوا ي َك ِ‬ ‫َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫كن ك َذ ُّبوا فأ َ‬
‫خذ َْنا ُ‬ ‫َ‬ ‫ض وَل َ ِ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫ّ‬
‫‪ .[96‬واليات في هذا المعنى كثيرة جد ّا‪ً.‬‬

‫)‪(5 /‬‬
‫خي ْر َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م إن ّ َ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫لن ُ‬ ‫م َ ٌ‬ ‫مِلي ل ُهُ ْ‬
‫ما ن ُ ْ‬‫فُروا أن ّ َ‬‫ن كَ َ‬ ‫ن ال َ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سب َ ّ‬
‫ح َ‬ ‫د‪ -‬قوله )تعالى(‪َ)) :‬ول ي َ ْ‬
‫ن(( ]آل عمران‪.[178 :‬‬ ‫مِهي ٌ‬‫ب ّ‬‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م ل ِي َْزَداُدوا إْثما ً وَل َهُ ْ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬‫نُ ْ‬
‫هذه الية ترسم ميزانا ً قويما ً ثابتا ً في أن إغداق النعم على العبد ليس علمة‬
‫على كرامة الله له ومحبته إياه‪ ،‬ول يدل على أنه في خير وسعادة‪ ،‬بل الغالب‬
‫أن وراء الملء والنعم شّرا ً وعذابًا‪ ،‬وفي هذا الميزان توجيه للناس إلى حقيقة‬
‫البتلء بالخير والشر‪ ،‬وأل تكون موازينهم في السعادة والتعاسة هي النظر‬
‫إلى كثرة النعم أو قلتها؛ فكم كان الرخاء سببا ً للعذاب ـ دنيا ً وأخرى ـ‪ ،‬وكم‬
‫من أناس صالحين حرموا في هذه الدنيا من نعمة المال والولد‪ ،‬ولكنهم في‬
‫خير وسعادة ـ دنيا ً وأخرى ـ‪ .‬وهذه المعاني العظيمة ل يمكن إدراكها إل في‬
‫كم(( واليات‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ضوء التوحيد وأنواره‪ ،‬وصدق الله العظيم‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م َول‬ ‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جب ْك أ ْ‬‫َ‬ ‫في هذا المعنى كثيرة جد ًّا‪ ،‬أذكر منها قوله )تعالى(‪)) :‬فل ت ُعْ ِ‬
‫َ‬
‫م‬
‫م وَهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَت َْزهَقَ َأن ُ‬‫ه ل ِي ُعَذ ّب َُهم ب َِها ِفي ال َ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫ما ي ُ ِ‬
‫م إن ّ َ‬ ‫أْولد ُهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن(( ]التوبة‪.[55 :‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫َ‬
‫‪ -7‬التؤدة والناة وعدم الستعجال‪:‬‬
‫كم ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫وهذه هي الثمرة السابعة من ثمار قوله )تعالى(‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫م(( فإذا كان العبد ل يعلم أين يكون الخير والشر فيما يقضيه الله‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬
‫هُوَ َ‬
‫)سبحانه( إل في ضوء ما أعلمه الله )عز وجل( عباده من السنن والثواب‪،‬‬
‫فإنه ـ والحالة هذه ـ ل ينبغي له أن يتعجل المور أو يحلل المواقف والحداث‬
‫قبل دراستها والبحث في جوانبها‪ ،‬متجردا ً في ذلك لله )عز وجل(‪ ،‬مهتديا ً‬
‫بالموازين والسنن الثابتة التي ذكرها الله )سبحانه( في كتابه‪ ،‬وعلى لسان‬
‫رسوله‪ ،‬وإذا وُّفق العبد إلى هذا الفضل‪ :‬فإنه في الغالب يصدر عن الحق‪،‬‬
‫وينطق بالحق‪ ،‬وتنشأ عنده صفتا )الحلم( و)الناة( اللتان يحبهما الله )عز‬
‫وجل(‪ ..‬وكم رأينا من أناس تعجلوا أمورهم قبل أوانها فكانت نتيجتها وبال ً‬
‫وشّرًا‪ ،‬وكم سئم أناس من نعمة أنعم الله بها عليهم فتقاّلوها ومّلوها وأرادوا‬
‫م‪.‬‬ ‫غيرها‪ ،‬فلما جاءهم ما أرادوه وتعجلوه أصابهم منه ضرٌر ونكد ٌ وند ٌ‬
‫ومن صور الستعجال التي يمكن معالجتها بهذه السنة‪ :‬ما نراه من تعجل‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعض الطيبين من الغيورين على هذا الدين في قطف ثمرة جهدهم‪ ،‬وتعريض‬
‫أنفسهم للبتلء‪ ،‬وتمنيهم لمواجهة العداء‪ ...‬وينسون أو يغفلون عن قوله‪) :‬ل‬
‫تمنوا لقاء العدو‪ ،‬وإذا لقيتموهم فاصبروا()‪ .(4‬لن المرء ل يدري ما تؤول إليه‬
‫الحال عند مواجهة العدو‪ ،‬ومشاهدة الهوال‪ .‬وقد يتمنى العبد حالة معينة‬
‫ويستعجلها بتصرفه الجاهل بعواقب المور‪ ،‬ولكن الله )عز وجل( برحمته‬
‫يحول بينه وبين هذا المر لما يعلمه )سبحانه( من الشر والفتنة على عبده‬
‫من هذا المر؛ فكم من أناس استعجلوا البلء قبل أوانه‪ ،‬فلما أصبحوا تحت‬
‫وطأته‪ :‬ضعفوا وانتكسوا ـ والعياذ بالله ـ فحريّ بالمسلم أن يسأل ربه الدللة‬
‫على ما فيه الخير والصلح‪ ،‬وعلى ما فيه مرضاته )عز وجل( ورحمته‪.‬‬
‫مما سبق يتبين لنا فضل التؤدة والناة‪ ،‬وأنها من ثمرة العلم بالله )عز وجل(‬
‫وتوحيده وأسمائه وصفاته‪ ،‬وأنه )عز وجل( يقدر الوقت المناسب لنصر‬
‫أوليائه بعد أن يكونوا قد أخذوا بأسباب النصر وأعدوا عدته‪ ،‬وأنه )سبحانه( هو‬
‫العليم الحكيم والبر الرحيم بعباده‪ ،‬فل يؤخر عنهم شيئًا‪ ،‬ول يقضي عليهم‬
‫أمرا ً إل وفيه الخير والرحمة‪ ،‬ولكن العبد القاصر والجاهل بعواقب المور‬
‫يستعجل أمر ربه الرحيم‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سأِريك ْ‬ ‫ل َ‬‫ج ٍ‬
‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫سا ُ‬
‫خل ِقَ الن َ‬
‫وصدق الله العظيم في وصفه للنسان‪ُ )) :‬‬
‫ن الله‬‫ّ‬ ‫م‬ ‫من‬‫َ‬ ‫إل‬ ‫والتسرع‪،‬‬ ‫العجل‬ ‫فطبيعته‬ ‫جُلو ِ‬
‫ن(( ]النبياء‪[37 :‬‬ ‫آَياِتي َفل ت َ ْ‬
‫ست َعْ ِ‬
‫عليه بتوحيده ومحبته والتسليم له‪ ،‬مع فعله للسباب الممكنة‪ ،‬فإنه يسلم من‬
‫سُبوهُ‬ ‫ح َ‬‫الفكار المتعبة‪ ،‬والندفاعات المتهورة‪ ،‬لنه يفقه قوله )تعالى(‪)) :‬ل ت َ ْ‬
‫كم(( وصدق الرسول‪) :‬التؤدة في كل شيء إل في عمل الخرة()‪.(5‬‬ ‫شرا ً ل ّ ُ‬
‫َ‬
‫في هذا المبحث سأتعرض ـ إن شاء الله )تعالى( ـ لبعض المواقف من‬
‫السيرة المطهرة وغيرها‪ ،‬والتي ظهرت فيها حكمة الله )عز وجل( ورحمته‪،‬‬
‫وأن ما اختاره الله )عز وجل( لعباده خير مما اختاروه لنفسهم‪.‬‬
‫من السيرة المطهرة‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬
‫الموقف الول‪ :‬غزوة بدر الكبرى‪ :‬وهي أشهر من أن تذكر؛ فلقد كانت فرقانا ً‬
‫بين الحق والباطل‪ ،‬ولكن المراد من الستشهاد بها هنا‪ :‬هو ما ظهر في هذه‬
‫الغزوة العظيمة من الفرق بين ما أراده المسلمون قبل الغزوة‪ ،‬وكراهيتهم‬
‫للقاء عدوهم‪ ،‬ورغبتهم في أن تكون في العير‪ ،‬وبين ما اختاره الله لهم من‬
‫أن تكون في النفير وفي ذات الشوكة؛ يقول الله )عز وجل(‪َ)) :‬وإذ ْ ي َعِد ُك ُ ُ‬
‫م‬
‫فتين أ َنها ل َك ُم وتودو َ‬
‫ريد ُ‬‫م وَي ُ ِ‬‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫شوْك َةِ ت َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ت ال ّ‬‫ن غَي َْر َذا ِ‬
‫نأ ّ‬ ‫ْ ََ َ ّ َ‬ ‫طائ ِ َ َ ْ ِ ّ َ‬ ‫دى ال ّ‬ ‫ح َ‬‫هإ ْ‬‫الل ّ ُ‬
‫قط َعَ َداب َِر ال َ‬ ‫َ‬
‫حقّ وَي ُب ْط ِ َ‬
‫ل‬ ‫حقّ ال َ‬ ‫ن )‪ (7‬ل ِي ُ ِ‬
‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫مات ِهِ وَي َ ْ‬‫حقّ ب ِك َل ِ َ‬ ‫حقّ ال َ‬ ‫ه أن ي ُ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن(( ]النفال‪.[8 ،7 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَل َوْ ك َرِهَ ال ُ‬‫الَباط ِ َ‬
‫فأين الخير الذي علمه الله )عز وجل( وغاب عن المسلمين آنذاك فأرادوا‬
‫غيره؟ إن الجواب في الية نفسها؛ يعلق الستاذ سيد قطب )رحمه الله‬
‫تعالى( على هذه الية فيقول‪) :‬لقد أراد الله ـ وله الفضل والمنة ـ أن تكون‬
‫ملحمة ل غنيمة‪ ،‬وأن تكون موقعة بين الحق والباطل؛ ليحق الحق ويثبته‪،‬‬
‫ويبطل الباطل ويزهقه‪ ،‬وأراد أن يقطع دابر الكافرين؛ فُيقتل منهم من يقتل‪،‬‬
‫وُيؤسر منهم من يؤسر‪ ،‬وتذل كبرياؤهم‪ ،‬وتخضد شوكتهم‪ ،‬وتعلو راية السلم‬
‫كن الله للعصبة المسلمة التي تعيش بمنهج الله‪،‬‬ ‫وتعلو معها كلمة الله‪ ،‬ويم ّ‬
‫وتنطلق به لتقرير ألوهية الله في الرض‪ ،‬وتحطيم طاغوت الطواغيت‪ ،‬وأراد‬
‫أن يكون هذا التمكين عن استحقاق ل عن جزاف ـ تعالى الله عن الجزاف ـ‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبالجهد والجهاد‪ ،‬وبتكاليف الجهاد ومعاناتها في عالم الواقع وفي ميدان‬


‫القتال‪..‬‬
‫‪ ...‬وينظر الناظر اليوم‪ ،‬وبعد اليوم‪ ،‬ليرى الماد المتطاولة بين ما أرادته‬
‫العصبة المسلمة لنفسها يومذاك وما أراده الله لها‪ ،‬بين ما حسبته خيرا ً لها‬
‫وما قدره الله لها من الخير‪ ..‬ينظر فيرى الماد المتطاولة؛ ويعلم كم يخطئ‬
‫الناس حين يتضررون مما يريده الله لهم‪ ،‬مما قد يعرضهم لبعض الخطر‪ ،‬أو‬
‫يصيبهم بشيء من الذى‪ ،‬بينما يكمن وراءه الخير الذي ل يخطر لهم ببال‪ ،‬ول‬
‫بخيال!‪.‬‬
‫فأين ما أرادته العصبة المسلمة لنفسها مما أراده الله لها؟ لقد كانت تمضي‬
‫ـ لو كانت لهم غير ذات الشوكة ـ قصة غنيمة‪ ،‬قصة قوم أغاروا على قافلة‬
‫فغنموها! فأما بدر فقد مضت في التاريخ كله قصة عقيدة‪ ،‬قصة نصر حاسم‬
‫وفرقان بين الحق والباطل‪ ،‬قصة انتصار الحق على أعدائه المدججين‬
‫بالسلح‪ ،‬المزودين بكل زاد‪ ،‬والحق في قلة من العدد وضعف في الزاد‬
‫والراحلة()‪.(6‬‬
‫الموقف الثاني‪ :‬غزوة أحد‪ :‬وهذه الغزوة أيضا من أشهر غزوات الرسول‪،‬‬ ‫ً‬
‫ج وجه النبي‬ ‫ش ّ‬ ‫ومن أشدها على المسلمين؛ حيث استشهد سبعون صحابي ًّا‪ ،‬و ُ‬
‫الكريم‪ ،‬ومع ذلك كان فيها خير للمسلمين ورحمة؛ يدل على ذلك قوله‬
‫ن الل ّهِ وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ن فَِبإذ ْ ِ‬ ‫مَعا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫قى ال َ‬ ‫م الت َ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫)تعالى(‪)) :‬وَ َ‬
‫ل الل ّهِ أوِ اد ْفَُعوا‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫وا َقات ُِلوا ِفي َ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫قوا وَِقي َ‬ ‫ن َنافَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال َ ِ‬ ‫‪ (166‬وَل ِي َعْل َ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِللي َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ب ِ‬ ‫مئ ِذ ٍ أقَْر ُ‬ ‫فرِ ي َوْ َ‬ ‫م ل ِل ْك ُ ْ‬ ‫م هُ ْ‬ ‫م قَِتال ً ل ّت ّب َعَْناك ُ ْ‬ ‫َقاُلوا ل َوْ ن َعْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(( ]آل عمران‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ي َك ْت ُ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه أعْل ُ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫س ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫واهِِهم ّ‬ ‫ب َأفْ َ‬
‫‪.[166،167‬‬
‫حكم‬‫َ‬ ‫ولقد أحسن المام ابن القيم )رحمه الله تعالى( في ذكره لبعض ال ِ‬
‫والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد‪ ،‬أقتطف منها قوله‪:‬‬
‫‪ -1‬فمنها‪ :‬تعريفهم سوء عاقبة المعصية‪ ،‬والفشل‪ ،‬والتنازع‪ ،‬وأن الذي أصابهم‬
‫سون َُهم‬ ‫ح ّ‬ ‫ه وَعْد َهُ إذ ْ ت َ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صد َقَك ُ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫إنما هو بشؤم ذلك؛ كما قال )تعالى(‪)) :‬وَل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حّبو َ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما أَرا ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صي ُْتم ّ‬ ‫مرِ وَعَ َ‬ ‫م ِفي ال ْ‬ ‫م وَت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫شل ْت ُ ْ‬
‫حّتى إَذا فَ ِ‬ ‫ِبإذ ْن ِهِ َ‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬
‫م وَل َ‬ ‫ُ‬
‫م ل ِي َب ْت َل ِي َك ْ‬ ‫م عَن ْهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫صَرفك ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫خَرة َ ث ّ‬ ‫ريد ُ ال ِ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫منكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫ريد ُ الد ّن َْيا وَ ِ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ِ‬
‫ن(( ]آل عمران‪.[152 :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل عَلى ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫َ‬
‫ه ُذو ف ْ‬ ‫ّ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫ُ‬
‫عنك ْ‬ ‫فا َ‬ ‫عَ َ‬
‫فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم وتنازعهم وفشلهم‪ :‬كانوا بعد ذلك أشد حذرا ً‬
‫ويقظة وتحرزا ً من أسباب الخذلن‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪ -2‬ومنها‪ :‬أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب؛ فإن المسلمين لما‬
‫أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر‪ ،‬وطار لهم الصيت‪ :‬دخل معهم في‬
‫السلم ـ ظاهرا ً ـ من ليس معهم فيه باطنًا‪ ،‬فاقتضت حكمة الله )عز وجل(‬
‫أن سّبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق‪ ،‬فأطلع المنافقون‬
‫رؤوسهم في هذه الغزوة‪ ،‬وتكلموا بما كانوا يكتمونه‪ ،‬وعاد تلويحهم تصريحا‪ً،‬‬
‫وانقسم الناس إلى كافر‪ ،‬ومؤمن‪ ،‬ومنافق‪ ،‬انقساما ً ظاهرًا‪ ،‬وعرف المؤمنون‬
‫أن لهم عدوا ً في نفس دورهم‪ ،‬وهم معهم ل يفارقونهم‪ ،‬فاستعدوا لهم‪،‬‬
‫َ‬
‫م‬‫ما أنت ُ ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ه ل ِي َذ ََر ال ُ‬‫ن الل ّ ُ‬
‫كا َ‬‫ما َ‬‫وتحرزوا منهم؛ قال الله )تعالى(‪َ )) :‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ب وَلك ِ ّ‬ ‫َ‬
‫م عَلى الغَي ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ه ل ِي ُطل َِعلك ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬‫ب وَ َ‬‫ن الط ّي ّ ِ‬‫م َ‬‫ث ِ‬‫خِبي َ‬‫ميَز ال َ‬ ‫عَل َي ْهِ َ‬
‫حّتى ي َ ِ‬
‫شاُء(( ]ال عمران‪ .[179 :‬أي‪ :‬ما كان الله ليذركم‬ ‫من ي َ َ‬‫سل ِهِ َ‬‫من ّر ُ‬ ‫جت َِبي ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين‪ ،‬حتى يميز أهل اليمان‬
‫من أهل النفاق‪ ،‬فإنهم متميزون في غيبه وعلمه‪ ،‬وهو )سبحانه( يريد أن‬
‫يميزهم تمييزا ً مشهودًا‪ ،‬فيقع معلومه الذي هو غيب شهاد ً‬
‫ة‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنها‪ :‬استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء‪ ،‬وفيما يحبون‬
‫وما يكرهون‪ ،‬فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون فهم‬
‫قًا‪ ،‬وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة‬ ‫عبيده ح ّ‬
‫والعافية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -4‬ومنها‪ :‬أنه )سبحانه( لو نصرهم دائما؛ لطغت نفوسهم‪ ،‬وشمخت‪،‬‬
‫وارتفعت؛ فلو بسط لهم النصر والظفر‪ ،‬لكانوا في الحال التي يكونون فيها‬
‫لو بسط لهم الرزق‪ ،‬فل يصلح عباده إل السراء والضراء‪ ،‬والشدة والرخاء‪،‬‬
‫والقبض والبسط‪.‬‬
‫‪ -5‬ومنها‪ :‬أن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانا ً‬
‫وركونا ً إلى العاجلة‪ ،‬وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار‬
‫الخرة‪ ،‬فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته‪ :‬قّيض لها من البتلء‬
‫والمتحان ما يكون دواًء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه‪ ،‬فيكون‬
‫ذلك البلء والمحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه‪ ،‬ولو تركه‬
‫لغلبته الدواء حتى يكون فيها هلكه‪.‬‬
‫‪ -6‬ومنها‪ :‬أن الشهادة عنده من أعلى مراتب أوليائه‪ ،‬وهو )سبحانه( يحب أن‬
‫يتخذ من عباده شهداء ُتراق دماؤهم في محبته ومرضاته‪ ،‬ويؤثرون رضاه‬
‫ومحابه على أنفسهم‪ .‬ول سبيل إلى نيل هذه الدرجة إل بتقدير السباب‬
‫المفضية إليها من تسليط العدو‪.‬‬
‫‪ -7‬ومنها‪ :‬أن الله )سبحانه( إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم‪ ،‬قيض لهم‬
‫السباب التي يستوجبون بها هلكهم ومحقهم‪ ،‬ومن أعظمها بعد كفرهم‪:‬‬
‫بغيهم‪ ،‬وطغيانهم‪ ،‬ومبالغتهم في أذى أوليائه‪ ،‬ومحاربتهم‪ ،‬وقتالهم‪ ،‬والتسلط‬
‫عليهم؛ فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم‪ ،‬ويزداد بذلك أعداؤه من‬
‫أسباب محقهم وهلكهم‪ .‬وقد ذكر )سبحانه وتعالى( ذلك في قوله‪:‬‬
‫ن(( ]ال عمران‪.(7)[141 :‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬‫حقَ ال َ‬‫م َ‬‫مُنوا وَي َ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ه ال َ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ص الل ّ ُ‬
‫ح َ‬‫م ّ‬
‫))وَل ِي ُ َ‬
‫مواقف من السلف‪:‬‬
‫‪ -1‬الموقف الول‪ :‬محنة المام أحمد ابن حنبل )رحمه الله تعالى(‪:‬‬
‫وما أظن أحدا ً من المسلمين يجهل المحنة التي تعرض لها أبو عبد الله أحمد‬
‫بن حنبل )رحمه الله تعالى(؛ وذلك فيما يعرف بفتنة القول بخلق القرآن‪ ،‬وقد‬
‫تعرض هذا المام الجليل لمحنة وبلء عظيم؛ تلك المحنة كانت مؤذية له‬
‫)رحمه الله(‪ ،‬ومؤذية للمسلمين معه‪ ،‬ولكن الله )عز وجل( ثّبته في هذه‬
‫المحنة العظيمة‪ ،‬وحمى به عقيدة أهل السنة من النحراف أو الندثار‪ ،‬ولقد‬
‫كانت هذه البلّية لمام السنة خيرا ً له فيما بعد؛ فما كان لينال هذا الخير لول‬
‫هذا البتلء وما من الله به عليه من الثبات والتضحية‪.‬‬
‫‪ -2‬شيخ السلم ابن تيمية وسجنه‪:‬‬
‫وكذلك ل أظن أحدا ً من أهل العلم يجهل هذا الرجل العظيم‪ ،‬وما ضحى به‬
‫في سبيل الله )عز وجل( بعلمه وجهاده وصبره وما لقى في ذلك من‬
‫السجن والبعاد‪ ،‬ولكن كان في ذلك البتلء خير له ورفعة‪ ،‬كما يقول ذلك هو‬
‫عن نفسه عندما ورد المرسوم السلطاني بسجنه في قلعة دمشق‪) :‬أنا كنت‬
‫منتظرا ً ذلك‪ ،‬وهذا فيه خير عظيم()‪.(8‬‬
‫وقال‪) :‬لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ً ما عدل عندي شكر هذه النعمة(‪.‬‬
‫كما كان في البتلء الذي تعرض له خير للمسلمين في عصره وما تله من‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العصور؛ وذلك بانتشار دعوته وعلمه؛ يقول )رحمه الله(‪) :‬ومن سنة الله‪ :‬أنه‬
‫إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه‪ ،‬فيحق الحق بكلماته‪ ،‬ويقذف بالحق‬
‫على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق‪.(9)(...‬‬
‫احتراس وتنبيه‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وفي هذا المبحث أود التنبيه على قضية ُيخشى أن تنشأ من خلل الحديث‬
‫عن الرضا بقدر الله )عز وجل( وتفويض المور إليه؛ أل وهي النحراف بهذا‬
‫المر إلى المفهوم الخاطئ لمسألة الرضا والتسليم لقضاء الله )عز وجل(‪،‬‬
‫والذي قد يؤدي إلى التواكل‪ ،‬والعجز‪ ،‬والرضا بالفساد‪ ،‬والذلة‪ ،‬والمهانة‪،‬‬
‫وترك الخذ بالسباب والدعوة والجهاد؛ فنكون قد عالجنا مرضا ً وانفتح علينا‬
‫مرض آخر‪ .‬من أجل ذلك سأخص هذا المبحث بالحديث عن هذه القضية‪،‬‬
‫وذلك احتراسا ً من الفهم الخاطئ الذي قد ينشأ لو لم يحصل هذا التنبيه‪،‬‬
‫فأقول وبالله التوفيق‪:‬‬
‫إن من القواعد المهمة لمطالعة حوادث الزمان‪ :‬الفهم الصحيح لعقيدة‬
‫القضاء والقدر‪ ،‬والفهم الصحيح لمقتضى أسماء الله )عز وجل( الحسنى‬
‫وصفاته العل‪ ،‬والتوازن في هذا الفهم بين الغلو والجفاء‪ ،‬وهذا )والحمد لله(‬
‫هو سمة معتقد أهل السنة والجماعة في جميع أبواب العقيدة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫عقيدة القضاء والقدر‪ ،‬وتوحيد السماء والصفات‪ .‬ولقد انحرف عن هذه‬
‫القواعد طرفان من الناس‪ :‬فمنهم من أنكر الستدلل بالقضاء والقدر على‬
‫حوادث الزمان‪ ،‬وتنقص المؤمنين به‪ ،‬ومنهم من فهم القضاء والقدر على أنه‬
‫مذل‪ ،‬وكل الموقفين منحرف ومجانب للصواب؛‬ ‫تواكل وخمول وخنوع ُ‬
‫فاليمان بقضاء الله )عز وجل( وبعلمه وتقديره للمور قبل وقوعها‪ ،‬ثم‬
‫مشيئته‪ ،‬وخلقه لها‪ ،‬وأن له الحكمة البالغة في كل ما يقضيه ويقدره‪ ،‬وأن من‬
‫وراء ذلك رحمته‪ ،‬وإرادة الخير واليسر لعباده‪ ..‬كل ذلك مما يجب اليمان به‬
‫في باب القضاء والقدر‪ ،‬كما أنه مقتضى اليمان بأسمائه )سبحانه( وصفاته‪،‬‬
‫ولكن هذا اليمان بهذه القواعد والحقائق ل يعني ترك السباب‪ ،‬والرضا‬
‫بالذلة والهوان وانتشار الفساد‪ ،‬كل‪ ،‬بل إن الفهم الصحيح للقضاء والقدر‬
‫يكمن في التوازن بين الستسلم المطلق لقدر الله‪ ،‬والعمل بكل ما في‬
‫الوسع والوقوف المطمئن عند حد الستطاعة؛ وهذا يعني فعل السباب التي‬
‫سخرها الله )سبحانه(‪ ،‬ومدافعة أقدار الله )عز وجل( بأقداره‪ ،‬ما دام أن‬
‫ض‬
‫ضُهم ب ِب َعْ ٍ‬‫س ب َعْ َ‬‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫هناك إمكانا ً للمدافعة؛ قال )تعالى(‪)) :‬وَل َ ْ‬
‫ل عََلى الَعال َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن(( ]البقرة‪ [251 :‬فإذا لم‬ ‫مي َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ه ُذو فَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ض وَل َك ِ ّ‬
‫ت الْر ُ‬
‫سد َ ِ‬ ‫لّ َ‬
‫ف َ‬
‫ُتجدِ المدافعة‪ ،‬أو لم يكن ذلك في المكان‪ :‬فالواجب‪ :‬الصبر والستسلم‬
‫لقضاء الله )عز وجل(‪ ،‬واليقين بأن من وراء ذلك خيرا ً ومصلحة ورحمة‪،‬‬
‫يجب أن يتجه الجهد إلى التماسها‪ ،‬وتسخيرها في مزيد من الخير والصلح‪،‬‬
‫وتغيير الحوال‪ ،‬ومحاسبة النفوس‪ ،‬وإزالة أسباب المصيبة‪ ،‬وبذل الجهد في‬
‫م((‬‫سهِ ْ‬ ‫ما ب َِأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬‫ن الل ّ َ‬‫دفعها؛ قال )تعالى(‪)) :‬إ ّ‬
‫]الرعد‪.[11 :‬‬
‫ويوضح هذا المعنى المام ابن القيم )رحمه الله تعالى( فيقول‪:‬‬
‫)ودفع القدر بالقدر نوعان‪:‬‬
‫ما يقع ـ بأسباب أخرى من‬ ‫أحدهما‪ :‬دفع القدر الذي قد انعقدت أسبابه ـ ول ّ‬
‫القدر تقابله‪ ،‬فيمتنع وقوعه‪ ،‬كدفع العدو بقتاله‪ ،‬ودفع الحر والبرد ونحوه‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثاني‪ :‬دفع القدر الذي قد وقع واستقر بقدر آخر يرفعه ويزيله‪ ،‬كدفع قدر‬
‫المرض بقدر التداوي‪ ،‬ودفع قدر الذنب بقدر التوبة‪ ،‬ودفع قدر الساءة بقدر‬
‫الحسان‪ ،‬فهذا شأن العارفين وشأن القدار‪ ،‬ل الستسلم لها‪ ،‬وترك الحركة‬
‫غلب العبد‪ ،‬وضاقت‬ ‫والحيلة؛ فإنه عجز‪ ،‬والله )تعالى( يلوم على العجز‪ .‬فإذا ُ‬
‫به الحيل‪ ،‬ولم يبق مجال؛ فهنالك الستسلم للقدر‪ ،‬والنطراح كالميت بين‬
‫يدي الغاسل‪ ،‬يقلبه كيف يشاء()‪.(10‬‬
‫وعن أبي هريرة )رضي الله عنه( عن رسول الله‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنه‬
‫قال‪) :‬المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف‪ ،‬وفي ك ّ‬
‫ل‬
‫خير‪ .‬احرص على ما ينفعك‪ ،‬واستعن بالله ول تعجز‪ ،‬وإن أصابك شيء فل‬
‫تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا‪ ..‬الحديث()‪ ،(11‬ويشرح المام النووي‬
‫الحديث‪ ،‬فيقول‪) :‬والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور‬
‫الخرة‪ ،‬فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما ً على العدو في الجهاد‪ ،‬وأسرع‬
‫خروجا ً إليه‪ ،‬وذهابا ً في طلبه‪ ،‬وأشد عزيمة في المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬والصبر على الذى في كل ذلك‪ ،‬واحتمال المشاق في ذات الله‬
‫)تعالى(‪ ،‬وأرغب في الصلة‪ ،‬والصوم‪ ،‬والذكار‪ ،‬وسائر العبادات‪ ،‬وأنشط طلبا ً‬
‫لها‪ ،‬ومحافظة عليها ونحو ذلك‪ ..‬وقوله‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) -‬احرص على‬
‫ما ينفعك‪ ،‬واستعن بالله ول تعجز( معناه‪ :‬احرص على طاعة الله )تعالى(‪،‬‬
‫والرغبة فيما عنده‪ ،‬واطلب العانة من الله )تعالى( على ذلك‪ ،‬ول تعجز ول‬
‫تكسل عن طلب الطاعة‪ ،‬ول عن طلب العانة()‪.(12‬‬
‫ويتحدث المام ابن القيم )رحمه الله تعالى( عن الفرق بين العجز والتوكل‪،‬‬
‫فيقول‪:‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫)والفرق بين التوكل والعجز‪ :‬أن التوكل عمل القلب وعبوديته‪ :‬اعتمادا ً على‬
‫الله‪ ،‬وثقة به‪ ،‬والتجاًء إليه‪ ،‬وتفويضا ً إليه‪ ،‬ورضا ً بما يقضيه له؛ لعلمه بكفايته‬
‫)سبحانه(‪ ،‬وحسن اختياره لعبده إذا فوض إليه مع قيامه بالسباب المأمور‬
‫بها‪ ،‬واجتهاده في تحصيلها؛ فقد كان رسول الله أعظم المتوكلين‪ ،‬وكان‬
‫مَته ودرعه‪ ،‬بل ظاهر يوم أحد بين درعين‪ ،‬واختفى في الغار ثلثا؛ً‬ ‫َ‬
‫يلبس ل َ‬
‫فكان متوكل ً في السبب ل على السبب‪.‬‬
‫وأما العجز‪ :‬فهو تعطيل المرين أو أحدهما‪ :‬فإما أن يعطل السبب عجزا ً منه‪،‬‬
‫ويزعم أن ذلك توكل! ولعمر الله إنه لعجز وتفريط‪ ،‬وإما أن يقوم بالسبب‬
‫ناظرا ً إليه‪ ،‬معتمدا ً عليه‪ ،‬غافل ً عن المسّبب‪ ،‬معرضا ً عنه‪ ،‬وإن خطر بباله لم‬
‫يثبت معه ذلك الخاطر‪ ،‬ولم يعلق قلبه به تعلقا ً تامًا‪ ،‬بحيث يكون قلبه مع‬
‫الله‪ ،‬وبدنه مع السبب‪ .‬فهذا توكله عجز‪ ،‬وعجزه توكل()‪.(13‬‬
‫ويقول الدكتور علي العلياني )وفقه الله تعالى( في حديثه عن أهل التصوف‬
‫وانحرافهم في موضوع الجهاد في سبيل الله‪ :‬إن من صفاتهم‪:‬‬
‫)الرضا بما يقع عليهم من مصائب وذنوب‪ ،‬فل يحاولون دفعها عن أنفسهم‪،‬‬
‫زعما ً منهم أن دفعها ينافي الرضا بالقدر‪ ،‬فلو وطئ الكفار رقابهم يرضون‬
‫ويسلمون؛ لن الله أراد ذلك!‪ ..‬ويذكر الستاذ محمود مهدي قصة ملخصها‪:‬‬
‫أن الفرنسيين إبان استعمارهم لتونس كانوا يجدون معارضة شديدة من‬
‫الناس؛ فتفاهم الفرنسيون مع شيخ الصوفية على أن يدخلوا البلد؛ فلما‬
‫أصبح الصباح قعد الشيخ مطرقا ً رأسه وهو يقول‪ :‬ل حول ول قوة إل بالله‪،‬‬
‫فلما سأله أتباعه عن المر الذي يقلقه قال لهم‪ :‬لقد رأيت الخضر وسيدي أبا‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العباس الشاذلي وهما قابضان بحصان جنرال فرنسا ثم أوكل الجنرال أمر‬
‫تونس‪ ،‬يا جماعة هذا أمر الله‪ ،‬فما العمل؟ فقالوا له‪ :‬إذا كان سيدي أبو‬
‫العباس راضيًا‪ ،‬ونحن نحارب في سبيله‪ ،‬فل داعي للحرب! ثم دخل الجيش‬
‫الفرنسي تونس بدون مقاومة( إلى أن يقول‪ ...) :‬إن عقيدة الصوفية‬
‫المنحرفة في التوكل والرضا بالقدر‪ :‬جعلت نفوسهم راضية مطمئنة ولو‬
‫وطئ الكفار على رقابهم؛ فإن التوكل عندهم عدم ممارسة السباب‪ ،‬والرضا‬
‫معناه أن ترضى بما يحصل لك ولو هو استيلء الكفار على بلد المسلمين‪،‬‬
‫وسبي ذراريهم‪ .‬وإن أبديت مقاومة فأنت معارض للقدر! وغير متوكل على‬
‫الله! فالذي يسافر في البراري الخالية بغير زاد‪ ،‬هل يتصور منه أن يلبس‬
‫مة الحرب ودروع القتال؟ وليته إذ لم يفعل ذلك غمس نفسه في القتال‬ ‫َ‬
‫ل َ‬
‫حاسرًا!!‪ ..‬ولكن ما له ولفرقعة السلح‪ ،‬ولخرير الدماء؛ وحلق الرقص‬
‫وطقطقة المسابح كفيلة بإنزاله منزلة الصديقين على زعمه‪ ،‬فأي انحراف‬
‫هذا الذي أصاب المة السلمية‪ ،‬وأي فرحة للكفار تحصل لهم أشد من‬
‫فرحتهم بهذا()‪.(14‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ -1‬مفتاح دار السعادة‪ :‬ص ‪.326‬‬
‫‪ -2‬تفسير السعدي‪ :‬جـ ‪ ،5‬ص ‪.279‬‬
‫‪ -3‬بدائع التفسير‪ :‬جـ ‪ ،2‬ص ‪.85‬‬
‫‪ -4‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري في الجهاد‪ ،‬باب )‪ ،(156‬جـ ‪ ،6‬ص ‪.181‬‬
‫ومسلم في الجهاد‪ ،‬باب‪ :‬كراهة تمني لقاء العدو‪ ،‬م ‪ ،3‬ص ‪.1362‬‬
‫‪ -5‬رواه‪ :‬أبو داود في الدب‪ ،‬باب‪ :‬في الرفق‪ ،‬جـ ‪ ،5‬ص ‪ .157‬وهو في‬
‫السلسلة الصحيحة لللباني‪ ،‬رقم )‪.(1794‬‬
‫‪ -6‬في ظلل القرآن‪ ،‬م ‪ ،3‬ص ‪.1481‬‬
‫‪ -7‬زاد المعاد‪ ،‬جـ ‪ ،3‬ص ‪ 222-218‬باختصار‪.‬‬
‫‪ -8‬العقود الدرية‪ ،‬ص ‪.329‬‬
‫‪ -9‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪ ،‬جـ ‪ ،28‬ص ‪.57‬‬
‫‪ -10‬مدارج السالكين‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص ‪.20‬‬
‫‪ -11‬رواه مسلم‪ :‬كتاب القدر‪ ،‬ح ‪.2664‬‬
‫‪ -12‬شرح صحيح مسلم للنووي‪ ،‬جـ ‪ ،16‬ص ‪.215‬‬
‫‪ -13‬الروح‪ ،‬ص ‪.344‬‬
‫‪ -14‬أهمية الجهاد في نشر الدعوة السلمية‪ ،‬باختصار‪ ،‬ص ‪.288‬‬
‫المصدر ‪ :‬مجلة البيان‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ص إل بالخلص‬ ‫ل خل َ‬
‫د‪ .‬محمد عمر دولة*‬
‫م السئلة التي ينبغي أن تتبادر إلى عقول المسلمين وقلوبهم في‬ ‫ل من أه ّ‬‫لع ّ‬
‫ددنا فيها أعداؤنا في عقر ديارنا‪":‬ما سبب انحطاط‬ ‫هذه الّيام التي صار يه ّ‬
‫المسلمين؟ وما الذي أطمع فينا اليهود والصليبّيين؟"‬
‫دعوي في إحساسنا‪،‬‬ ‫م الرسالي في حياتنا‪ ،‬وضمور الُبعد ال ّ‬ ‫إنه غياب اله ّ‬
‫وضياع الخلص من كثيرٍ من أعمالنا‪ ،‬التي ل نستحضر حين نؤّديها إل الكسب‬
‫الماد ّيّ الهزيل‪ ،‬والّربح الدنيويّ القليل! كما تراه في غالب الجامعات‬
‫سسات في العالم السلمي التي تخّرج المليين في ك ّ‬
‫ل عام؛ ولكنها ل‬ ‫والمؤ ّ‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ترّبي إل العشرات من العلماء الدعاة الصالحين المجاهدين!‬


‫قه علمائنا السابقين‪ :‬أنهم‬ ‫دين‪ ،‬ورسوِخ فِ ْ‬ ‫ن من توفيق أئمتنا في ال ّ‬ ‫ول ريب أ ّ‬
‫دقات العيون‪،‬‬ ‫ح َ‬‫حّبات القلوب]‪ [1‬و َ‬ ‫وضعوا حديث )العمال بالنّيات( في َ‬
‫مسوا معانيه‪ ،‬حتى جعلوه في مطالع كتبهم كما صنع‬ ‫واعتنوا بفقهه‪ ،‬وتل ّ‬
‫البخاري وغيره‪ ،‬واعتبروه أساسا ً لمناهجهم كما قال قائلهم في هذا الحديث‪:‬‬
‫جه البيهقي ذلك بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه‬ ‫إنه"ثلث العلم"‪ ،‬وو ّ‬
‫ن حديث‬ ‫جهه ابن حجر بأ ّ‬ ‫وجوارحه‪ .‬فالنية أحد أقسامها الثلثة وأرجحها‪ .‬وو ّ‬
‫)العمال بالنّيات( أحد ُ القواعد الثلث التي ُترد ّ إليها الحكام عند المام أحمد‬
‫وهي هذا الحديث و)من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رّد( و)الحلل بّين‬
‫والحرام بّين(]‪.[2‬‬
‫وقال ابن رسلن‪:‬‬
‫وقد اهتم علماء المسلمين بفقه الخلص؛ لنه رأس المر وباب القبول‬
‫دين‪ ،‬كما قال الله تعالى)وما ُأمروا إل ليعبدوا الله مخلصين له‬ ‫وأساس ال ّ‬
‫دين(‪ [4].‬وترجم البخاري في كتاب العلم ترجمته البديعة‪) :‬باب العلم قبل‬ ‫ال ّ‬
‫القول والعمل لقول الله تعالى ‪):‬فاعلم أنه ل إله إل الله(؛ فبدأ بالعلم(! قال‬
‫حة القول والعمل؛ فل يعتبران إل به‪،‬‬ ‫ط في ص ّ‬ ‫ن العلم شر ٌ‬ ‫ابن المنّير‪":‬أراد أ ّ‬
‫ححة للعمل"‪[5].‬‬ ‫ّ‬ ‫المص‬ ‫ية‬‫ّ‬ ‫للن‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫ّ ٌ‬ ‫مص‬ ‫لنه‬ ‫م عليهما؛‬ ‫فهو متقد ّ ٌ‬
‫فمن المعالم التي ل بد ّ من التفقه فيها من معاني الخلص أنه‪:‬‬
‫]‪ [1‬ليس العتبار لكثرة العمال‪ :‬فقد قال تعالى )وقدمنا إلى ما عملوا من‬
‫ل( والتنكير هنا يفيد التكثير )فجعلناه هباًء منثورا( وقال صلى الله عليه‬ ‫عم ٍ‬
‫من يأتي يوم القيامة بصلة وصيام وزكاة‪،‬‬ ‫ن المفلس من أمتي َ‬ ‫وسلم )إ ّ‬
‫ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا‪.‬‬
‫ت حسناُته قبل أن ُيقضى‬ ‫فُيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته‪ .‬فإن فني ْ‬
‫رح في النار( رواه مسلم‪.‬‬ ‫ت عليه‪ ,‬ثم ط ُ ِ‬ ‫طرح ْ‬ ‫ما عليه ُأخذ من خطاياهم ثم ُ‬
‫فل بد ّ من التقوى ليكون للعمال ثمرة كما قال عز وجل)إنما يتقّبل الله من‬
‫المتقين(‪.‬‬
‫]‪ [2‬ليست العبرة كذلك في عظمة هذه العمال من حيث هي‪ ،‬أو أنها كبيرةٌ‬
‫في أعين الناس‪ .‬فالجهاد في سبيل الله ذروة سنام السلم‪ ,‬وأعظم العمال‬
‫أن يقاتل المرء في سبيل الله بنفسه وماله )يا أيها الذين آمنوا هل أدّلكم‬
‫على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل‬
‫الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون( ولكن إذا قاتل ليقال‬
‫ة أو ولًء لقبيلة أو غيرها ـ‬ ‫شجاع وليرى مكانه من الناس وليثبت أن له حمي ً‬
‫م من الجر ولو ُقتل في الجهاد‬ ‫وليس في سبيل إعلء كلمة الله ـ فإنه محرو ٌ‬
‫بل هو من الثلثة الذين هم أّول من ُتسّعر بهم النار‪ .‬وقد روى الشيخان عن‬
‫سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن‬ ‫أبي موسى رضي الله عنه قال ‪ُ ):‬‬
‫ة ويقاتل رياًء أيّ ذلك في سبيل الله؟ فقال‬ ‫الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمي ّ ً‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪):‬من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو‬
‫في سبيل الله(‪.‬‬
‫]‪ [3‬نّية التقّرب إلى الله هي العمدة في قبول العمل صغيرا أو كبيرا كما قال‬
‫الله عز وجل‪):‬لن ينال الله لحومها ول دماؤها ولكن يناله التقوى منكم( وقد‬
‫ة تبتغي بها وجه الله‬ ‫قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد )إنك لن تنفق نفق ً‬
‫خلف بعد‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ي امرأتك( قال‪ :‬فقلت أ َ‬ ‫ُ‬
‫ت عليها حتى ما تجعله في ف ّ‬ ‫جر َ‬‫إل أ ِ‬
‫أصحابي؟ قال‪):‬وإنك لن ُتخّلف فتعمل عمل تبتغي به وجه الله إل ازددت به‬
‫ب الرجل إطعام زوجته‬ ‫ة‪ .(.‬فلم يمنع الجر ما ُيعلم ـ عادة ـ من ح ّ‬ ‫ة ورفع ً‬ ‫درج ً‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قربى حاضرة‪ .‬وقريب من هذا ما رواه البخاري من حديث يزيد‬ ‫ما دامت نية ال ُ‬
‫بن الخنس أنه وضع في المسجد صدقة فأخذها ولده معن فتخاصما إلى‬
‫ت يا‬‫ت يا يزيد ولك ما أخذ َ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪):‬لك ما نوي َ‬
‫ل سؤال الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫م ْ‬‫معن(‪ .‬وتأ ّ‬
‫ن النّية‬
‫)أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر(؟! وهذه لفتة جليلة إلى أ ّ‬
‫ل شيء فعلوه في‬ ‫ل أموره )وك ّ‬‫الصالحة ما ينبغي أن تغيب عن المسلم في ك ّ‬
‫ل صغير وكبير مستطر(؛ ومن هنا أجاب النبي صلى الله على عليه‬ ‫الزبر وك ّ‬
‫ً‬
‫وسلم معاذا لما سأله )يا رسول الله وإّنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال‪:‬‬
‫ثكلتك أمك وهل ُيكب الناس في النار على وجوههم إل حصائد ألسنتهم؟(‬
‫رواه الترمذي وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن العمل القليل ينفع ويضّر بحسب نية صاحبه‬ ‫]‪ [4‬ومن أحسن الدّلة على أ ّ‬
‫ن‬‫ما رواه مالك والترمذي عن بلل بن الحارث المزني رضي الله عنه أ ّ‬
‫ن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪):‬إ ّ‬
‫الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم‬
‫ن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت‬ ‫يلقاه‪ .‬وإ ّ‬
‫يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه( وأصله في البخاري عن أبي هريرة‬
‫ن العبد يتكلم بالكلمة ما‬ ‫مختصرًا‪ ،‬ونحوه حديث أبي هريرة في الصحيحين )إ ّ‬
‫ما بين المشرق والمغرب( قال النووي‬ ‫يتبّين فيها يزل بها إلى النار أبعد م ّ‬
‫كر أّنها خير أم ل"]‪[6‬‬ ‫"ومعنى )يتبّين( يف ّ‬
‫ن تكون ني ُّته منعقدة ً على ذلك‬ ‫]‪ [5‬قد ل يقدر المؤمن على أداء العمل‪ ،‬ولك ْ‬
‫ة من الله وكرما ـ لعلمه سبحانه‬ ‫الفعل؛ فُيكتب له أجره وإن لم يفعله ـ من ّ ً‬
‫بصدق نّية العبد في القيام بالمر‪ .‬وقد قال جابر رضي الله عنه‪ :‬كنا مع النبي‬
‫ن بالمدينة لرجال ً ما سرتم مسيرا ول‬ ‫صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال‪):‬إ ّ‬
‫قطعتم واديا إل كانوا معكم حبسهم المرض( قال النووي‪ :‬وفي رواية )إل‬
‫شركوكم في الجر(‪ .‬وفي البخاري‪):‬حبسهم العذر(‪.‬‬
‫كائين الذين لم يخرجوا من ديارهم ولم يلقوا عدّوهم‬ ‫]‪ [6‬وما أروع حال الب ّ‬
‫ولم يركبوا ظهر فرس أو بعير‪ ،‬ومع ذلك نالوا رضوان الله والجر‬
‫ّ‬
‫الوفير)الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت ل أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم‬
‫تفيض من الدمع حزنا أل يجدوا ما ينفقون(‪ [7].‬وما شأن عثمان رضي الله‬
‫عنه ببعيد حيث غاب عن بيعة الرضوان ليخاطب أهل مكة لمكانته وشرفه‬
‫بينهم؛ فبايع عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال‪):‬هذه عن عثمان(!‬
‫ة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫وأما علمات الخلص فكثير ٌ‬
‫ن الحق‬ ‫]‪ [1‬أن ل يتعصب المرء لنفسه‪ ،‬وأن ل ينتصر ـ عند الزلل ـ لرأيه؛ كأ ّ‬
‫ديك‪.‬‬‫سعْ َ‬‫كو َ‬ ‫حكٌر عليه‪ ،‬والصواب خاص به! فذلك من صفات الله تعالى )لب ّي ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ذر النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫والخير بين يديك‪ .‬والشر ليس إليك(‪ .‬وقد ح ّ‬
‫ن النصيحة ل ينتفع بها من كانت هذه‬ ‫ل ذي رأي برأيه‪ .‬وذكر أ ّ‬ ‫من إعجاب ك ّ‬
‫صفته‪ .‬وقال جل جلله ‪):‬وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالثم(‪ ،‬على حين‬
‫عميانا(‪ .‬ومن‬ ‫ما و ُ‬ ‫ص ّ‬
‫خّروا عليها ُ‬
‫كروا بآيات ربهم لم ي ِ‬ ‫مدح أولياءه بأنهم )إذا ذ ُ ّ‬
‫ت في ربض الجنة لمن ترك‬ ‫م ببي ٍ‬‫هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم )أنا زعي ٌ‬
‫محقًا(]‪.[8‬‬ ‫المراء وإن كان ُ‬
‫ك أن الخلص يقتضي البحث عن الحق والتزامه‪ ،‬ولو كان الحق في‬ ‫ول ش ّ‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رأي المخالف كما قال الله تعالى‪):‬ول يجرمّنكم شنآن قوم ٍ على أل تعدلوا‬
‫اعدلوا هو أقرب للتقوى(‪ [9].‬ورحم الله حماد بن زيد حيث قال‪":‬إذا خالفني‬
‫شعبة تبعته؛ لنه كان ل يرضى أن يسمع الحديث عشرين مرة وأنا أرضى أن‬
‫مار بن ياسر رضي‬ ‫ن ما عّلقه البخاري من قول ع ّ‬ ‫أسمعه مرة"]‪ [10‬وما أحس َ‬
‫ن فقد جمع‬ ‫ث من جمعه ّ‬‫الله عنه في باب إفشاء السلم من السلم )ثل ٌ‬
‫اليمان‪ :‬النصاف من نفسك‪ ,‬وبذل السلم للعاَلم‪ ,‬والنفاق من القتار(‪.‬‬
‫ورحم الله الحاكم محمد بن عبد الله بن الب َّيع صاحب ]المستدرك[ فقد بعث‬
‫إليه الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري كتابا جمع فيه الوهام التي وقعت‬
‫ن صاحبه نّبهه إلى الصواب‬ ‫للحاكم في ]كتاب المدخل[؛ ففرح بها الحاكم ل ّ‬
‫وعّرفه بالحق _ و)الدين النصيحة( ـ فطفق الحاكم ُيخبر بها الناس! وبعث‬
‫ت أنه رجل عاقل كما ذكر الذهبي في‬ ‫إلى عبد الغني يشكره قال‪ :‬فعلم ُ‬
‫ترجمته من )سير أعلم النبلء(‪.‬‬
‫]‪ [2‬أن ل يقصد المرء الشهرة بين الناس‪ ،‬ول يرجو استماعهم إليه‪ ،‬أو يسعى‬
‫إلى اجتماعهم عليه ـ وإن كان كل ذلك من )عاجل بشرى المؤمن( إذا أخلص‬
‫ن الله )أغنى الشريكين عن‬ ‫ك لمن لم يرد به وجه الله ل ّ‬‫ة وهل ٌ‬
‫ـ ولكنه فتن ٌ‬
‫ً‬
‫الشرك( ول يقبل إل ما كان لوجهه خالصا؛ فل يصيب المرء من تعبه ونصبه‬
‫ب صائم ليس له من صيامه إل الجوع العطش(‪.‬‬ ‫خيرا كما جاء في الصوم )ُر ّ‬
‫ورحم الله أولئك الخيار الذين كانوا )يسارعون في الخيرات وهم لها‬
‫ب‬
‫سابقون( ومع ذلك تجدهم حريصين على أن ل يعلم قرباتهم إل ر ّ‬
‫العالمين ‪.‬قال ابن قدامة المقدسي "لم يزل المخلصون خائفين من الرياء‬
‫ي يجتهدون في مخادعة النفس والناس عن أعمالهم الصالحة ويحرصون‬ ‫الخف ّ‬
‫على إخفائها أعظم مما يحرص الناس على إخفاء فواحشهم‪ ,‬كل ذلك رجاء‬
‫أن يخلص عملهم ليجازيهم الله تعالى في القيامة بإخلصهم"]‪ [11‬ومن هؤلء‬
‫ة‪ ,‬وقام ليلها‪ ,‬وكان يبكي‬ ‫البرار منصور بن المعتمر الذي"صام أربعين سن ً‬
‫ل كّله‪ ,‬فإذا أصبح كحل عينيه وبرق شفتيه ودهن رأسه‪[12]!" .‬‬ ‫اللي َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫]‪ [3‬أن ل يحب الثناء‪ ،‬بل يكرهه ول يرضى بسماع المدح بل يفّر منه‪ ،‬كما فّر‬
‫ب الثناء‬
‫ح ّ‬
‫أويس القرني رضي الله عنه لئل ُيعَرف‪ .‬وما أكثَر ما يجتمع ُ‬
‫مدوا بما لم يفعلوا(!‬ ‫ح َ‬
‫بالتقصير في العمال كما قال تعالى )ويحّبون أن ي ُ ْ‬
‫ذب!" عند قول الله‬ ‫ولله دّر من قال من أهل التفسير‪":‬من أظهر الدعوى ك ُ ّ‬
‫مصلحون أل إّنهم‬ ‫تعالى)وإذا قيل لهم ل تفسدوا في الرض قالوا إنما نحن ُ‬
‫هم المفسدون ولكن ل يشعرون(‪ .‬ورحم الله العلمة ابن القيم حيث قال‪" :‬ل‬
‫يجتمع الخلص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس"‪].‬‬
‫ن الرياء دقيق‪ ,‬وهو‬ ‫حح قصده ل ّ‬ ‫‪ [13‬فينبغي للمؤمن أن يراقب نفسه ويص ّ‬
‫صالحة تدليسا وتلبيسا ل يظهر إل بالمحاسبة‬ ‫ون بأشكال العمال ال ّ‬ ‫متل ّ‬
‫ن ما نّبه عليه العلمة ابن قدامة حيث قال ‪":‬هذه الشهوة‬ ‫والمراقبة‪ .‬وما أحس َ‬
‫الخفية يعجز عن الوقوف على غوائلها كبار العلماء‪ ,‬فضل عن عامة العُّباد‬
‫مرون عن ساق الجد ّ لسلوك سبيل‬ ‫وإنما يبتلى بها العلماء والعُّباد المش ّ‬
‫الخرة‪ ,‬فإنهم لما قهروا أنفسهم جالدوها وفطموها عن الشهوات‪ ,‬وحملوها‬
‫بالقهر على أصناف العبادات؛ عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي‬
‫الظاهرة والواقعة على الجوارح‪ ,‬فاستراحت إلى التظاهر بالعلم والعمل‪,‬‬
‫ووجدت مخلصا من شدة المجاهدة في لذة القبول عند الخلق ونظرهم إليه‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعين الوقار والتعظيم‪ .‬فأصابت النفس في ذلك لذة عظيمة؛ فاحتقرت فيها‬
‫ترك المعاصي والشهوات‪ ,‬واستلنت خشونة المواظبة على العبادات؛‬
‫ذات وشهوة الشهوات‪ .‬فهو يظن أنه مخلص لله‬ ‫لْدراكها في الباطن لذة الل ّ ّ‬
‫عز وجل‪ ,‬وقد ُأثبت في ديوان المنافقين‪ .‬وهذه مكيدة عظيمة ل يسلم منها‬
‫إل المقّربون"]‪.[14‬‬
‫مل ـ في سبيل الله – العناء؛ رجاء أن ينال‬ ‫]‪ [4‬أن يصبر على الذى ويتح ّ‬
‫القبول والّرضا‪ ,‬وقد قال الشافعي‪ :‬سمعت محمد بن الحسن يقول‪":‬ل ُيفلح‬
‫َ‬
‫خ ّ‬
‫ل‬ ‫ح الب ُّر قلبه"]‪ [15‬وقال الذهبي "ل يصبر على ال َ‬ ‫في هذا الشأن إل من أقَْر َ‬
‫ما رفسه الحافظ أبو ُنعيم الفضل بن ُدكين حين‬ ‫إل دوده" وقال ابن معين ل ّ‬
‫ي من كل شيء"]‬ ‫ب إل ّ‬ ‫امتحنه في قلب السانيد‪" :‬والله لهذه الرفسة أح ّ‬
‫‪.[16‬شعارهم في ذلك قول الشاطبي‪:‬‬
‫وقد قيل‪:‬‬
‫ً‬
‫وليت شعري هل يصبر أهل الدنيا أياما ل يأكلون ول يشربون يجرون من‬
‫س ويحومون على الشيوخ‪ .‬كما كان شأن البخاري حين أكل‬ ‫س إلى در ٍ‬ ‫در ٍ‬
‫العشب في رحلته إلى شيخه آدم بن أبي إياس]‪ .[18‬وذكر ابن أبي حاتم‬
‫ب له يطلبون العلم من شيٍخ إلى شيٍخ فاشتريا‬ ‫الرازي أنه كان مع صاح ٍ‬
‫سمكة لم يجدا وقتا ً لشوائها؛ فأكلها نيئة‪ .‬وقال‪ :‬ل ُيستطاع العلم براحة‬
‫الجسد!]‪[19‬‬
‫ن المرائي ل يصبر على أدنى أذىً يصيبه كما قال تعالى‪) :‬ومن الناس‬ ‫بل إ ّ‬
‫ة انقلب‬ ‫ف فإن أصابه خيٌر اطمأن به وإن أصابته فتن ٌ‬ ‫من يعبد الله على حر ٍ‬
‫على وجهه خسر الدنيا والخرة ذلك هو الخسران المبين(‪ ,‬بل ل يرضى أن‬
‫مة المسلمين‪ ،‬وقد عَد ّ ابن قدامة هذا من‬ ‫يتجاهله الناس‪ ،‬ول أن يعاملوه كعا ّ‬
‫ب أن يبدؤوه بالسلم‪ .‬وأن يقابلوه‬ ‫الّرياء الخفي فهو "إذا رأى الناس أح ّ‬
‫بالبشاشة والتوقير وينشطوا في قضاء حوائجه‪ ,‬ويسامحوه في المعاملة‪.‬‬
‫قل على قلبه‪ ,‬ووجد لذلك‬ ‫صر ث َ ُ‬
‫صر في ذلك مق ّ‬ ‫ويوسعوا له المكان‪ .‬فإن ق ّ‬
‫استبعادا في نفسه؛ ليتقاضى الحترام على الطاعة التي أخفاها"]‪ .[20‬وأما‬
‫مه رضي الخلق أم سخطوا إذا أّدى حق الله ورسوله‪ .‬بل‬ ‫العبد الصالح فل يه ّ‬
‫ن لصاحب الخير‬ ‫ً‬
‫ن السفهاء ل يرضون بالمعروف أصل‪ ،‬ول ي ََروْ َ‬ ‫قن بأ ّ‬
‫هو متي ّ‬
‫فضل‪ .‬فل يبالي بهم بل ينشد مع الّزبيدي]‪:[21‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫حظوظ النفس‪ ,‬حريصا على‬ ‫]‪ [5‬أن يكون طاهر القلب من الهوى‪ ,‬وبريئا من ُ‬
‫ل خير‪ ,‬ورحم الله ابن القيم حيث‬ ‫مصاحبة الصادقين والتعاون معهم في ك ّ‬
‫ل وقت وحال‪ :‬إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال‪,‬‬ ‫قال‪" :‬الفضل في ك ّ‬
‫مطلق‪,‬‬ ‫والشتغال بواجب ذلك ووظيفته ومقتضاه‪ .‬وهؤلء هم أهل التعّبد ال ُ‬
‫ّ‬
‫ل التعّبد المقّيد‪ .‬فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق‬ ‫والصناف قبَلهم أه ُ‬
‫به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقض وترك عبادته‪ .‬فهو يعبد الله‬
‫على وجه واحد‪ ,‬وصاحب التعّبد المطلق ليس له غرض في تعّبد بعينه يؤثره‬
‫ده عليها‪,‬‬ ‫داُر تعب ّ ِ‬
‫م َ‬
‫على غيره‪ .‬بل غرضه تتبع مرضات الله تعالى أين كانت‪ .‬ف َ‬
‫مل على سيره‬ ‫قل في منازل العبودية‪ ,‬كلما ُرفعت له منزلة ع ِ‬ ‫فهو ل يزال متن ّ‬
‫سير حتى ينتهي‬ ‫ْ‬
‫إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى‪ .‬فهذا د َأُبه في ال ّ‬
‫سيره‪ .‬فإن رأيت العلماء رأيته معهم‪ ,‬وإن رأيت العّباد رأيته معهم وإن رأيت‬
‫المجاهدين رأيته معهم‪ ,‬وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم‪ ,‬وإن رأيت‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دقين المحسنين رأيته معهم‪ ,‬وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب‬ ‫المتص ّ‬
‫ْ‬
‫على الله رأيته معهم‪ .‬فهذا هو العبد المطلق الذي لم تمل ِكه الّرسوم‪ ,‬ولم‬
‫ذتها وراحتها من‬ ‫تقّيده القيود‪ ,‬ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه ل ّ‬
‫العبادات بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه فهذا‬
‫قا القائم بها صدقًا" وما أشبه‬ ‫قق بـ )إياك نعبد وإياك نستعين( ح ّ‬ ‫هو المتح ّ‬
‫ديق رضي الله عنه حيث رجا أن يدخل‬ ‫ص ّ‬‫كلم ابن القيم رحمه الله بحال ال ّ‬
‫من جميع أبواب الجنة!‬
‫سريرة ومحبة الخير للمسلمين والُبعد‬ ‫]‪ [6‬أن يتخّلق بغنى النفس وصفاء ال ّ‬
‫عن الحسد والبغض‪ :‬فهذه المعاملت عنوان السلمة من الهوى وأمراض‬
‫علل النفوس؛ ومن هنا جاء الثناء العظيم على الذين )يقولون ربنا‬ ‫القلوب و ِ‬
‫اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا(‪.‬‬
‫ن علي بن محمد الفياض‬ ‫وقد ذكر أبو منصور الثعالبي في )خاص الخاص( "أ ّ‬
‫ن أبي البغل به وهو‬ ‫رف اب ُ‬ ‫كتب إلى ابن أبي البغل وقد وُّلي على الهواز و ُ‬
‫ص ِ‬
‫ت العمل‬ ‫أحسن وأبلغ وأظرف وأكرم ما كتب صارف إلى مصروفه‪ :‬قد قُل ِد ْ ُ‬
‫دد وليتك‪ .‬فأجابه ابن أبي البغل بما ل يدرى أّيهما أبلغ‬ ‫بناحيتك فهّناك الله بتج ّ‬
‫ت عليك‬ ‫ة طلع ْ‬ ‫ة صارت إليك ول غابت عني منزل ٌ‬ ‫ت عني نعم ٌ‬ ‫وأحسن‪:‬ما انتقل ْ‬
‫ة من الوزير وافية؛ لما أرجوه بمكانك‬ ‫ً‬ ‫وصل‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ثاني‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ولي‬ ‫بك‬ ‫وإني لجد صرفي‬
‫من العافية وحسن العاقبة"]‪.[22‬‬
‫‪----------‬‬
‫سوَْيداؤه )لسان العرب لبن منظور ‪.(1/294‬‬ ‫حّبة القلب‪ :‬ثمرته‪ ،‬و ُ‬ ‫]‪َ [1‬‬
‫]‪ [2‬ذكر ذلك كله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح‬
‫ل ألفاظ الزبد لحمد الفشني ص ‪.4‬‬ ‫]‪ [3‬مواهب الصمد في ح ّ‬
‫]‪ [4‬سورة البّينة ‪5‬‬
‫]‪ [5‬فتح الباري ‪.1/216‬‬
‫]‪ [6‬رياض الصالحين ‪ .‬كتاب المور المنهي عنها‪ .‬باب تحريم الغيبة والمر‬
‫بحفظ اللسان صلى الله عليه وسلم ‪.520‬‬
‫]‪ [7‬التوبة ‪.92‬‬
‫]‪ [8‬قال النووي حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح‪ .‬والزعيم‪ :‬الضامن‪.‬‬
‫خُلق ص ‪.[278‬‬ ‫]رياض الصالحين باب حسن ال ُ‬
‫]‪ [9‬المائدة ‪.8‬‬
‫]‪ [10‬تذكرة الحفاظ للذهبي ‪1/194‬‬
‫]‪ [11‬مختصر منهاج القاصدين ص ‪239‬‬
‫]‪ [12‬تذكرة الحفاظ للذهبي – ترجمة منصور بن المعتمر‬
‫]‪ [13‬في الفوائد ص ‪186‬‬
‫]‪ [14‬مختصر منهاج القاصدين ص ‪229‬‬
‫]‪ [15‬الجامع لخلق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي ‪.105 /1‬‬
‫]‪ [16‬المرجع السابق ‪.1/136‬‬
‫]‪ [17‬مقدمة حرز الماني ووجه التهاني )في القراءات السبع المتواترة(‪.‬‬
‫]‪ [18‬راجع ترجمة البخاري في هدي الساري لبن حجر‬
‫]‪ [19‬وقد روى مسلم في صحيحه هذه الكلمة عن يحيى بن أبي كثير في‬
‫أبواب مواقيت الصلة‪.‬‬
‫]‪ [20‬مختصر منهاج القاصدين ص ‪239‬‬
‫]‪ [21‬في مقدمة تاج العروس بشرح جواهر القاموس‪.‬‬
‫]‪ [22‬خاص الخاص ص ‪.10‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ل عز لنا إل بالسلم‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ديٌر‬‫ق ِ‬ ‫مل َ‬ ‫صرِهِ ْ‬ ‫ه عَلى ن َ ْ‬ ‫ن الل َ‬ ‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫م ظل ِ ُ‬ ‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫قات َلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬أذِ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن أُ ْ‬
‫ه وَلوْل د َفْعُ الل ِ‬ ‫قولوا َرب َّنا الل ُ‬ ‫حقّ إ ِل أن ي َ ُ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫من دَِيارِهِ ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫*ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م‬
‫س ُ‬ ‫جد ُ ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬ ‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ل ّهُد ّ َ‬ ‫ضُهم ب ِب َعْ ٍ‬ ‫س ب َعْ َ‬ ‫الّنا َ‬
‫زيٌز ( } الحج ‪{39,40‬‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫هل َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫الل ّهِ ك َِثيرا وَلَين ُ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫كلنا نعلم بما أهاننا به الكفرة الفجرة وما قاموا بفعله لخواننا المسلمين فى‬
‫لبنان ‪ ,‬ول ننسى مافعلوه و ما يفعلونه فى فلسطين المحتلة ‪ ,‬إل أن ما‬
‫قاموا به فى قرية قنا على حدود لبنان أبشع ما قاموا به على الطلق ‪ ,‬ومن‬
‫الغريب ‪-‬وهو لم يعد غريبا بالنسبة لنا ‪ , -‬و كل ما نسمعه شجب وإنكاروإدانة‬
‫لسرائيل ‪.‬‬
‫إننا مسلمون ‪ ,‬ولنعلم جميعا أن كلمة مسلم تعنى شريف‪ ,‬كريم‪ ,‬عزيز‬
‫‪,‬شجاع ‪ ,‬ثائر لدينه ‪,‬داعى للسلم ‪ ,‬فما فعله صلح الدين اليوبى عندما فتح‬
‫الله عليه القدس لخير دليل على سماحة المسلمين ‪ ,‬فقد دخل القدس دون‬
‫إراقة قطرة دماء واحدة ‪ ,‬بل ترك لليهود الحرية فى البقاء فى القدس أو‬
‫الهجرة لي بلد أخرى وأكرمهم وأعزهم رغم أنهم أوقح و أقبح من يمكن أن‬
‫يعرفه أي إنسان ‪ ........‬فقد كان حب الله ورسوله ونصرتهما يجريان في دم‬
‫ة‬
‫سن ّ َ‬ ‫القائد المجاهد صلح الدين وجنوده البطال ‪ ..............‬قال تعالى ‪ُ ):‬‬
‫ديل ً ( )الفتح ‪(23‬‬ ‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ل وََلن ت َ ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ‬
‫َ‬
‫منك ُ ْ‬
‫م‬ ‫كن ّ‬ ‫ل ِإن ي َ ُ‬ ‫قَتا ِ‬ ‫ن عََلى ال ْ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ض ال ْ ُ‬ ‫حّر ِ‬ ‫ي َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ) :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫فُروا ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ك ََ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ي َغْل ُِبوا ألفا ّ‬ ‫َ‬
‫مئ ٌ‬ ‫منكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن وَِإن ي َكن ّ‬ ‫َ‬
‫مئت َي ْ ِ‬ ‫ن ي َغْل ُِبوا ْ ِ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ضْعفا فِإن ي َكن‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ن ِفيك ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫م وَعَل ِ َ‬ ‫عنك ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ف الل ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ّ‬
‫ن َ‬ ‫ن * ال َ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫م قوْ ٌ‬ ‫ب ِأن ّهُ ْ‬
‫ن الل ّهِ َوالل ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ف يغْل ِبوا ْ أ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬ ‫ْ‬
‫ْ ِ ِِ ِ‬ ‫ذ‬‫إ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ٌ َ ُ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫م‬
‫ّ ْ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫كن‬ ‫ي‬ ‫إن‬
‫ِ َْ ِ َِ َ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫من ُ ّ ٌ َ ِ َ ٌ َ ْ ِ ُ‬
‫بو‬ ‫ل‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫كم‬ ‫ّ‬
‫ن * ( } النفال ‪{ 65‬‬ ‫ري‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫ع‬
‫َ َ‬ ‫م‬
‫فلماذا خصص الله المؤمنين الصابرين ؟ " إن الفئة المؤمنة إنما تمتاز بأنها‬
‫تعرف طريقها ‪ ,‬وتفقه منهجها ‪ ,‬وتدرك حقيقة وجودها وحقيقة غايتها ‪ . .‬إنها‬
‫تفقه حقيقة اللوهية وحقيقة العبودية ; فتفقه أن اللوهية ل بد أن تنفرد‬
‫وتستعلي ‪ ,‬وأن العبودية يجب أن تكون لله وحده بل شريك ‪ .‬وتفقه أنها هي ‪-‬‬
‫المة المسلمة ‪ -‬المهتدية بهدى الله ‪ ,‬المنطلقة في الرض بإذن الله لخراج‬
‫الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ; وأنها هي المستخلفة عن الله‬
‫في الرض ; الممكنة فيها ل لتستعلي هي تستمع ; ولكن لتعلي كلمة الله‬
‫وتجاهد في سبيل الله ; ولتعمر الرض بالحق ; وتحكم بين الناس بالقسط ;‬
‫وتقيم في الرض بدين الله الذي يقوم على العدل بين الناس ‪ . .‬وكل ذلك‬
‫فقه يسكب في قلوب العصبة المسلمة النور والثقة والقوة واليقين ; ويدفع‬
‫بها إلى الجهاد في سبيل الله في قوة وفي طمأنينة للعاقبة تضاعف القوة ‪.‬‬
‫بينما أعداؤها ‪ -‬قوم ل يفقهون‪ .-‬قلوبهم مغلقة ‪ ,‬وبصائرهم مطموسة ;‬
‫وقوتهم كليلة عاجزة مهما تكن متفوقة ظاهرة ‪ .‬إنها قوة منقطعة معزولة‬
‫عن الصل الكبير ! " )سيد قطب (‬
‫أما الن فى عصرنا هذا تكاسلنا ‪..‬فغلبنا النعاس ‪..‬وأصبحنا نغط فى سبات‬
‫ه ل َ ي ُغَي ُّر َ‬
‫ما‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عميق ‪ ,‬الله أعلم متى سنفيق منه لكنه ‪ -‬عز وجل ‪ -‬قال ) إ ِ ّ‬
‫م ( }الرعد ‪{11‬‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا ْ َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫بِ َ‬
‫فدعونا ننام هكذا حتى نجد الكفرة الفجرة فوق رؤوسنا ‪ :‬يذبحون أبناءنا‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويستحيون نساءنا ويقتلون رجالنا ‪ ...........‬فإن كنا نكره ذلك فلنبدأ فى تغيير‬
‫أنفسنا ولنكون مسلمين شرفاء أعزاء ل يخافون فى الله لومة لئم ‪ ,‬ولنوصل‬
‫صوتنا الى اليهود ليعلموا أننا استيقظنا وعلمنا ديننا وثبتنا الله عليه ورضى عنا‬
‫و سينصرنا بإذنه ولننذرهم ونحذرهم من غضبنا ‪ ,‬ول يكون بعد هذا النذير نذير‬
‫‪ ,‬ول بعد هذا التحذير تحذير ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫سب ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫حب ّةٍ أنب َت َ ْ‬
‫ل َ‬ ‫ل الل ّهِ ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫سِبي ِ‬‫م ِفي َ‬ ‫وال َهُ ْ‬‫م َ‬ ‫نأ ْ‬‫قو َ‬ ‫ن ُينفِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫مث َ ُ‬‫قال تعالى ) ّ‬
‫م(‬‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫ّ‬
‫شاُء َوالل ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ف لِ َ‬
‫ع ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ّ‬
‫حب ّةٍ َوالل ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مئ َ ُ‬
‫سنب ُلةٍ ّ‬‫َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ل ِفي ك ُ ّ‬ ‫سَناب ِ َ‬
‫َ‬
‫]البقرة ‪[261 :‬‬
‫فلنقول لشعوب العالم جميعا أن المسلمين إخوة ‪ ,‬وأنهم كالبنيان المرصوص‬
‫يشد بعضه بعضا ‪ ,‬ولنقول لخواننا فى فلسطين ولبنان والعراق وفى شتى‬
‫بقاع الرض ‪ :‬إنا معكم ‪ ..‬نشعر بما تشعرون‪..‬نتأثر بما تعانون‪..‬فل تستكينوا‬
‫م وَِإن‬‫مك ُْرهُ ْ‬ ‫عند َ الل ّهِ َ‬‫م وَ ِ‬ ‫مك َْرهُ ْ‬ ‫مك َُروا ْ َ‬‫لما يمكرون‪ .........‬قال تعالى ) وَقَد ْ َ‬
‫ل ( ]إبراهيم ‪[46 :‬‬ ‫ه ال ْ ِ‬
‫جَبا ُ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫م ل ِت َُزو َ‬‫مك ُْرهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإنا لنعلم أنه قد طال النتظار ‪ ..‬انتظار يوم يفرح المؤمنون بنصر الله ‪ ..‬قال‬
‫َ‬
‫ب ( ]البقرة ‪[214 :‬‬ ‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫تعالى ‪) :‬أل إ ِ ّ‬
‫اللهم عليك بأعداء الدين ‪ ,‬اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك ‪ ,‬اللهم فرق‬
‫جمعهم ‪ ,‬وشتت شملهم ‪ ,‬اللهم إن لم يكن بك غضب علينا فل نبالى ‪ ,‬اللهم‬
‫إنك عفو تحب العفو فإعف عنا ‪ ,‬اللهم إنا قد طال انتظارنا ‪ ,‬ونفد صبرنا ‪,‬‬
‫فألهمنا الصبر أو أعطنا النصر ‪ ...‬وحسبنا الله ونعم الوكيل‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل لتدريس )المنطق( !‬
‫‪02-9-2006‬‬
‫بقلم عبدالله بن محمد السهلي‬
‫"‪...‬ولعل من نافلة القول لدى المختصين أن أوربا لم تقم من كبوتها ولم‬
‫تظهر نهضتها العلمية إل بعد أن تخلصت من أغلل المنطق الرسطي الذي‬
‫يدعو الستاذ ‪"...‬‬
‫اطلعت على مقالة ) تدريس المنطق ضرورة لمنهجة التفكير( للستاذ يوسف‬
‫أبا الخيل في جريدة الرياض صفحة حروف وأفكار عدد )‪ ، (13797‬وقبل‬
‫البدء بالتعقيب على مقالة الستاذ يوسف أود أن أجمل أبرز الفكار التي‬
‫أوضحها الكاتب في مقالته حسب ترتيب السياق ‪:‬‬
‫‪ -1‬اختزال مناهج التفكير في المنطق وحده وأنه يعصم من الزلل في التفكير‬
‫وأنه لبد منه لكل باحث !! ‪.‬‬
‫‪ -2‬ارجاع سبب تخلف المسلمين عن ركب المنطق إلى العلماء الذين قالوا‬
‫)من تمنطق فقد تزندق( وأنه )من علوم الكفار(!‬
‫‪ -3‬ثناء الكاتب على المنطق الرسطي نسبة إلى المعلم الول أرسطو‬
‫وشرحه لسلوبه في كونه منطق يعتمد على مقدمتين يبنى عليهما نتيجته‬
‫وذكر المثال‪ :‬كل إنسان فان‪ ,‬وبما أن سقراط إنسان فإن سقراط فان ‪.‬‬
‫‪ -4‬استشهاده بمقولة لبن رشد وكذلك أخرى لبن حزم في الثناء على‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المنطق ومنهجه ‪.‬‬


‫‪ -5‬توصية الكاتب بضرورة تدريس المنطق في مرحلتي الماجستير‬
‫والدكتوراه لطلب الشريعة وأصول الدين ‪.‬‬
‫‪ -6‬ثمة إشارات من الكاتب إلى تنقص خصوم المنطق والفلسفة وأنهم‬
‫أعطوا وجها ً كالحا ً للمنطق!! وأن تعثر المنطق في الثقافة العربية كونه من‬
‫)علوم الكفار(! وبسبب قوة وسيطرة التيار البياني في نسخته التقليدية‬
‫النصية!! يعني بذلك )مدرسة أهل الثر( ‪.‬‬
‫ولعلي ابتداًء أثني على الكاتب الستاذ يوسف أبا الخيل في جودة ترتيب‬
‫أفكاره وتسلسلها بغض النظر عن موافقتنا له أو مخالفتنا ‪.‬‬
‫ثم لعلي أنطلق من فكرة أوردها أشاطره الرأي فيها وهي ذم المنطق من‬
‫قبل علماء المسلمين أو بتعبير أكثر دقة نقد المنطق ل سيما المنطق‬
‫الرسطي ‪ .‬فقد سبق علماء السلم علماء أوربا بقرون في نقدهم للمنطق‬
‫الرسطي ولعل حامل الراية في هذا شيخ السلم ابن تيمية فلقد ألف كتاب‬
‫)نقض المنطق(‪ ،‬وكتاب )الرد على المنطقيين( وهو من أعظم الكتب في‬
‫التراث الفكري السلمي بل التراث النساني كافة ‪.‬‬
‫وأول قضية يحاول ابن تيمية أن ينفيها في رده على المنطق اليوناني هي‬
‫الزعم بأن هذا المنطق لبد منه لكل باحث وعالم !! )خلفا ً لما يدعو له أبا‬
‫لخيل هنا( وابن تيمية ل يكتفي بإصدار الفتاوى بالتحريم كما فعل بعض‬
‫العلماء ‪ .‬بل يكشف بطريقة منهجية فساد هذا المنطق ولعل من الهمية أن‬
‫نوضح المنطق الرسطي وأن المدرسيين )المشائيين( من أتباع أرسطو كانوا‬
‫ساخطين على التجربة وبعيدين عن مواجهة الطبيعة ومعالجة الواقع بل‬
‫محاربين لها لن الطريقة المنطقية ‪ -‬في زعمهم ‪ -‬تكفي في معرفة القواعد‬
‫التي تخضع لها الشياء !‬
‫ومن الطريف أن أرسطو كان يعتقد أن أسنان الرجل أكثر من أسنان‬
‫المرأة!! و لو أنه كلف زوجته أن تفتح فمها لدرك خطأ مقولته ! لكن ذلك‬
‫خروج من القياس إلى التجربة وهو ما ل يروقه !‬
‫وطالما صرح ابن تيمية بأن المنطق اليوناني ) ل يحتاج إليه الذكي ول ينتفع‬
‫به البليد!( ‪ ،‬ولقد لخص ابن تيمية رأيه في المنطق اليوناني بقوله ‪" :‬فإذا‬
‫كانت صناعتهم بين معلوم ل يحتاج إلى القياس المنطقي‪ ،‬وبين مال يمكنهم‬
‫أن يستعملوا فيه القياس المنطقي كان عديم الفائدة" ‪.‬‬
‫وممن نقد المنطق الرسطي وهو ليس من التيار البياني في نسخته التقليدية‬
‫النصية !! بل ليس من المسلمين ! )فرانسيس بيكون ت ‪ (1626‬و )جون‬
‫ستيورات مل ‪ (72‬و )جون لوك( ‪.‬‬
‫يقول الدكتور الشيعي العراقي على الوردي‪" :‬وصل نقد المنطق على يد ابن‬
‫تيمية إلى القمة ‪ ...‬إن العلوم الطبيعية في نظر ابن تيمية تجريبية أكثر مما‬
‫هي قياسية" ‪.‬‬
‫وهذه ما يقرره الدكتور مصطفى طبا طبائي وهو شيعي إيراني في كتابه‬
‫القيم )المفكرون السلميون في مواجهة المنطق اليوناني‪ ,‬ص ‪ ، (138‬يقول‬
‫‪ ..." :‬ابن تيمية عاش قبل فرنسيس بيكون بثلثمائة عام‪ ،‬وقبل جون لوك‬
‫وقبل جورج بركلي بأربعة قرون وقد سبقهم جميعا ً في نقد المنطق" ‪.‬‬
‫وابن تيمية هنا يتضح فيه قول الدكتور عبدالرحمن الوكيل ‪ ..." :‬أما ابن تيمية‬
‫فكان بين معجب لم يعن ببحث مناحي العظمة الفكرية للمام ابن تيمية‪،‬‬
‫وبين حاقد موتور يحاول طمس هذه العظمة وتلك العبقرية" ‪.‬‬
‫يقول ابن خلدون عن المنطق )وأظنه ليس من العلماء النصيين في النسخة‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التقليدية( كما يقول أبا الخيل!! ‪ .‬يقول ابن خلدون ‪" :‬إن كثيرا ً من فحول‬
‫النظار في الخليقة يحصلون على المطالب في العلوم بدون صناعة المنطق"‬
‫]المقدمة ‪ :‬ص ‪. [49‬‬
‫وهذا المر مشاهد وأنظر على سبيل المثال دولة مثل الوليات المتحدة‬
‫المريكية التي قامت على البراجماتية ‪ ،‬وعلماءها من أفلس الناس في جانب‬
‫الفلسفة ومع ذلك تجد معظم المخترعين العلماء ل يعرفون عن المنطق‬
‫شيئا ً ولم يضيرهم ذلك ولم يعيقهم عن التقدم والصناعة !! ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن المنهج التجريبي الذي يرفل الغرب في ثيابه اليوم في العلوم الطبيعية‬
‫كان من نتاج الفكر السلمي يقول )بريفولت( في كتابه )بناء النسانية( ‪:‬‬
‫"إن روجر بيكون ‪ -‬واضع المنهج التجريبي ‪ -‬درس اللغة العربية والعلم‬
‫العربي في مدرسة أكسفورد على خلفاء معلميه العرب‪ ،‬وليس لروجر بيكون‬
‫ول فرنسيس بيكون الذي جاء بعده ‪ .‬الحق في أن ينسب إليهما الفضل في‬
‫ابتكار المنهج التجريبي فلم يكن روجر بيكون إل رسول ً من رسل العلم‬
‫والمنهج السلميين إلى أوربا المسيحية" ‪.‬‬
‫ومن المنصفين الغربيين الذين شهدوا بهذا كذلك )برانتل( ‪ ،‬ولعل من نافلة‬
‫القول لدى المختصين أن أوربا لم تقم من كبوتها ولم تظهر نهضتها العلمية‬
‫إل بعد أن تخلصت من أغلل المنطق الرسطي الذي يدعو الستاذ يوسف أبا‬
‫الخيل جامعتنا إلى تبنيه وأنه سبيل التقدم لكن إلى أين ؟ إنه التقدم إلى‬
‫الوراء !!‬
‫ففي الوقت الذي يدعوا العلماء والممنهجين إلى أهمية المنهج التجريبي ‪-‬‬
‫خصم المنطق ‪ -‬وتبنيه لسيما في العلوم الطبيعية دون النسانية ؛ يأتي‬
‫الستاذ أبا الخيل ليخالف هذا الزخم العلمي الضخم من العلماء المسلمين‬
‫وغير المسلمين !! النصيين وغير النصيين ليقول ‪ :‬ل ‪ .‬المنطق أهم شيء وهو‬
‫سبيل الخروج والنهوض وأداة التفكير المثلى !! بل يقرر أنه عدم الخذ به‬
‫سبب للتخلف ويعنف على عبارة )من تمنطق تزندق( ويسخر بمن قال أنه‬
‫من علوم الكفار !!‬
‫إن المنطق الرسطي ليست أداة متحررة من الثقافة بل هو إرث إغريقي‬
‫م على تصورات ومبادئ اليونان الوثنية ‪ ،‬ولقد ُترجم في عهد المأمون‬ ‫قائ ٌ‬
‫وكان معظم المترجمين من غير المسلمين من اليعاقبة والنساطرة واليزيدية‬
‫وغيرهم ‪ .‬ولهذا ولما سبق جاءت الفتوى بتحريمه‪ ،‬وأظن أن من‬
‫ة عن‬‫الموضوعية !! يا أستاذ يوسف عدم محاكمة الفكار والعبارات مبتوت ً‬
‫سياقها الموضوعي والزماني )من تمنطق تزندق( ‪.‬‬
‫الواقع أن القائلين بالتحريم كابن تيمية وابن الصلح والنووي قد تابعوا في‬
‫ذلك المام الشافعي فقد أخرج النووي في ذم الكلم أن بشرا ً المريسي‬
‫دخل على الشافعي فقال له الشافعي ‪ :‬أخبرني عما تدعوا إليه؟ أكتاب ناطق‬
‫ة قائمة وجدت عن السلف البحث فيه والسؤال ؟ قال‬ ‫وفريضة مفترضة وسن ٌ‬
‫بشر ‪ :‬ل إل أنني ل يسعني خلفه‪ ،‬فقال الشافعي ‪ :‬أقررت بنفسك على‬
‫الخطأ‪ ،‬فأين أنت من الكلم في الفقه والخبار ‪ .‬فلما خرج قال ‪ :‬ل يفلح"‬
‫]السيوطي ‪ :‬صون المنطق ‪ ، [1/35 ،‬وقد روي مثل ذلك عن المامين أبي‬
‫حنيفة ومالك ]السابق ‪. [1/64،‬‬
‫أما لمز الستاذ يوسف أبا الخيل في مقولة )علوم الكفار( وتنصيصه لى ذلك‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن كنت تقصد السخرية بهذا فلم يثبت عن المسلمين النهي عن الخذ عن‬
‫الكفار فيما هو من علوم الدنيا ومن النتاج البشري الذي ل يخالف العقيدة‬
‫السلمية ‪ .‬وأهل السنة والجماعة من المسلمين من أشد الناس إنصافا ً مع‬
‫غيرهم وها هو عمرو بن العاص يثني على الروم ‪" :‬إن فيهم لخصال ً أربعًا‪.‬‬
‫إنهم لحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرةً بعد‬
‫ة وأمنعهم من‬ ‫ة جميل ً‬‫ة حسن ً‬
‫فرةٍ وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامس ً‬
‫ظلم الملوك" )صحيح مسلم‪ ,‬كتاب الفتن وأشراط الساعة( ‪.‬‬
‫أما إن كان الستاذ يوسف يّعرض بـ )علوم الكفار( باعتراضه على كلمة‬
‫الكفار فأظنه يحفظ سورة }قل يا أيها الكافرون{ !! ‪.‬‬
‫أما ثناؤه ثم شرحه للسلوب القائم عليه المنطق الرسطي وأنه يتألف من‬
‫مقدمتين )الكبرى والصغرى( ثم النتيجة‪ ،‬فلعلي أنقل ما قال الدكتور محمود‬
‫الدسوقي في )منهج البحث في العلوم النسانية( ومجمل كلمه أن المنطق‬
‫الرسطي ل يكسب علما ً جديدا ً بل يدور في دائرة مغلقة ذلك أنه يهتم‬
‫بأسلوب التفكير ول يهتم بموضوع ومحتوى التفكير ‪ .‬ثم ذكر أنه يمكن أن‬
‫تكون المقدمتان صحيحتين ‪ :‬والنتيجة خطأ ومثال ذلك )مثال جدلي( مقدمة‬
‫كبرى ‪ :‬الحرية حق لكل إنسان‪ ،‬مقدمة صغرى ‪ :‬المجرم إنسان‪) ،‬مقدمتان‬
‫صحيحتان( النتيجة الحرية حق للمجرم )نتيجة خطأ( ‪.‬‬
‫وقد تكون المقدمتان خاطئتين والنتيجة صحيحة ‪ .‬مثال ذلك ‪) :‬المقدمة‬
‫الكبرى( ‪ :‬كل إنسان حصان‪) ،‬المقدمة الصغرى( ‪ :‬كل حصان عاقل؛ النتيجة ‪:‬‬
‫كل إنسان عاقل )نتيجة صحيحة( ‪.‬‬
‫أما استشهاد الكاتب بمقولت عن ابن رشد وابن حزم‪ ،‬فابن رشد يقول عنه‬
‫المستشرق مونك ‪" :‬إنه لم يكن مبتكرا ً وأنه ل يختلف ل في القليل ول في‬
‫الكثير عن غيره من الفلسفة الذين تأثروا بمذهب الفلطونية الحديثة" ‪.‬‬
‫ثم يقول مونك‪ ..." :‬نعم ابن رشد مجرد ناقل وشارح لرسطو ومنطقه الذي‬
‫يعد الن منطق متخلف أصبح من الذكريات" )نصوص ومصطلحات فلسفية‬
‫ص ‪. (172‬‬
‫وحسبك أن مونك وقبله بيكون وبيكون الخر وستيورات مل وجون لوك‬
‫وغيرهم وهم الورثة الشرعيون للرث الغريقي قد لفظوه ورموا به عرض‬
‫الحائط !‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أما ابن حزم رحمه الله وهو من علماء السلم الكبار وحسبك من مؤلفاته ‪:‬‬
‫)الفصل في الملل والنحل( في العقائد و)المحلى( في الفقه ‪ .‬فقد كان يرى‬
‫ضرورة تعلم المنطق بالرغم من عدم قبوله لقياس العلة وللقياس كمصدر‬
‫ثانوي للتشريع في السلم ولكن ابن حزم كما يذكر الذهبي في سير أعلم‬
‫النبلء عن الصاعدي أن ابن حزم أعرض عنه وتركه في آخر حياته‪،،‬وقد سبقه‬
‫في هذا الغزالي‪ ,‬فقد كان شديد الثقة بالمنطق وكتب كتابا ً فيه سماه‬
‫)القسطاس المستقيم( زعم فيه أنه تعلمه من النبياء‪ ،‬وإنما تعلمه من ابن‬
‫سينا‪ ،‬وابن سينا تعلمه من كتب أرسطو‪ ،‬وإن كان الغزالي في آخر حياته رجع‬
‫عن ذلك وبين عيب المنطق ولوازمه الفاسدة ونهى عنه‪ ،‬وحذر منه ‪] .‬انظر ‪:‬‬
‫الرد على المنطقيين )‪ (15 - 14‬لبن تيمية[ ‪ ،‬و ]المنقذ من الضلل‬
‫للغزالي ‪. [99-66 :‬‬
‫ثم بعد ذلك أود أن أوضح أن المنطق يدرس في مرحلة الدكتوراه في‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القسام الشرعية‪ ،‬ففي قسم الدراسات السلمية بجامعة الملك سعود على‬
‫سبيل المثال هناك مقرر المنطق ولكن يدرس وُينقد ل يدرس لُيمجد ! ل‬
‫للشيء إل أنه جاء من غير التيار البياني في نسخته التقليدية !! الذين‬
‫نتشرف بالنتماء إليهم ‪.‬‬
‫أخيرا ً ‪ :‬إنني إذ أشكر الستاذ يوسف أبا الخيل على طرح مثل هذه‬
‫الموضوعات النخبوية أرجو أن يتقبل النقد والتعقيب بصدر رحب ‪ ،‬لكن‬
‫لتتذكر قول الول ‪ :‬علمت شيئا ً وغابت عنك أشياُء ‪.‬‬
‫إضاءة ‪:‬‬
‫ب‬
‫ل والجر ُ‬‫ة عاشقاها الس ُ‬‫ث عن صنعاء يا أبتي! مليح ٌ‬ ‫ماذا أحد ّ ُ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ل للواقع نعم للدمان‬


‫مفكرة السلم ‪' :‬أعيش في أحلم مستمرة فالحياة في ظل الحلم أفضل‬
‫بكثير من الحياة في ظل هذا الواقع'‬
‫] فن الهروب من الواقع [ فن يجيده العديد من شباب المة‪ ،‬وهو يضمن لهم‬
‫فيما يضمن عدم التعرض للضغوط النفسية الناشئة عن الحياة في ظل‬
‫الواقع المحيط‪ ،‬فتنطلق أحلم اليقظة تصوغ خياًل وردًيا تتحقق فيه كل‬
‫ضا عن توجيهها إلى‬ ‫الماني‪ ،‬وتنصرف طاقات الشباب في هذه الحلم عو ً‬
‫البناء وشق الصعاب‪.‬‬
‫ذا للهورب من واقعه المر‪ ،‬بل‬ ‫ومن الشباب من ل تكفيه أحلم اليقظة منف ً‬
‫ما‪ ،‬وهو اللجوء إلى عالم المخدرات‪،‬‬ ‫يعمد إلى ما هو مغيب له عن الواقع تما ً‬
‫ما ل وهمًيا كما في أحلم اليقظة‪ ،‬ولئن‬ ‫والغياب عن الوعي والواقع غياًبا تا ً‬
‫كانت أحلم اليقظة من وسائل تفريغ الطاقات؛ فإن النجراف في طريق‬
‫مغيبات العقول من وسائل استنفاذ هذه الطاقات من مصادرها واستنزافها‬
‫بالكلية‪.‬‬
‫ومما يدلل على ذلك ما أكدته الحصائيات التي أعدتها أقسام علج الدمان‬
‫بالمستشفيات النفسية‪ ،‬ومنها مستشفى الدكتور عادل صدقي للطب‬
‫النفسي‪ ،‬حيث أكدت الحصائية أن عدد المدمنين للمواد المخدرة من‬
‫المترددين على عيادات العلج النفسى ُيقدر بحوالى ‪ 20‬ألف مدمن من جميع‬
‫العمار‪ ،‬و تزيد فيها نسبة الفتيات المدمنات بصورة كبيرة‪ ،‬وهناك إحصائية‬
‫أخرى تشير إلى أن عدد اللجئين للعلج من المدمنين يصل لحوالى ‪ 10‬آلف‬
‫من متعاطى المواد المخدرة‪ ،‬هذا بخلف المتعاطين من غير المتجهين‬
‫للعلج‪.‬‬
‫وقد أقر خبراء العلج النفسى بالمستشفى أن العامل النفسى المرضي هو‬
‫العامل الرئيسي لدفع المريض إلى هاوية الدمان‪ ،‬وليس العامل الطبي الذي‬
‫يأتي في المرتبة الثانية؛ لن المريض فى هذه المرحلة يكون فاقدا ً لقاعدة‬
‫ما‪ ،‬ومنها مثًل تحمل المسؤولية وكيفية التعامل مع الخرين‬ ‫السلوكيات تما ً‬
‫وغيرها‪ ،‬لذا يتم بناًء على ذلك العداد النفسى للسلوكيات والعلج الطبى‬
‫سوًيا على خطى واحدة‪.‬‬
‫وأكد المختصون حقيقة مهمة للغاية‪ ،‬وهي أن الشخص الذي تعرض للدمان‬
‫مرة تصبح قابليته لتكرار الدمان مرتفعة‪ ،‬وأنه ل يوجد ما يسمى مريض‬
‫ما‪ ،‬وليس هذا حمًل على اليأس‪ ،‬ولكن المقصود أنه تكون‬ ‫بالدمان يشفى تما ً‬
‫قابليته لعادة الوقوع في شرك الدمان أسهل من ذلك الذي لم يتعرض لهذا‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البلء‪.‬‬
‫ولئن كان الهروب من الواقع أحد أكثر أسباب الوقوع في التعامل مع‬
‫المخدرات؛ فإن هناك أسباًبا أخرى تصل بمتعاطي المخدرات إلى حد الصابة‬
‫بالدمان‪ ،‬وهذه السباب شديدة التنوع وتختلف تبًعا لظروف كل مريض‬
‫ومنها‪:‬‬
‫]‪ [1‬الهروب من المشاكل كحل مؤقت إلى الدمان‪ ،‬وهذا ما بيناه في‬
‫الحديث عن الهروب من ضغط الواقع‪ ،‬وتحت ضغط المشاكل اليومية أو‬
‫المصائب المفاجئة‪.‬‬
‫]‪ [2‬سيطرة بعض الصدقاء على المريض أو أصدقاء السوء‪ ،‬وهذه كذلك من‬
‫أخطر السباب‪ ،‬حيث كثيًرا ما ينجرف الصحاب لتقليد بعضهم البعض‪،‬‬
‫والقتداء بأصحاب الشخصيات القوية في تصرفاتهم وأفعالهم‪ ،‬بغض النظر‬
‫عن اعتبار مقياس الصواب والخطأ في هذه التصرفات‪ ،‬ودافعهم لذلك‬
‫الحفاظ على علقتهم بهم وارتباطهم بصحبتهم‪.‬‬
‫]‪ [3‬الشعور بإحساس النضج الكامل عند المريض وميله للتجربة المنفردة‪،‬‬
‫وهذه تنشأ عن فقدان البوصلة لمعرفة الصواب من الخطأ‪ ،‬وتنشأ كذلك لدى‬
‫البعض عن وجود الرغبة غير المشبعة في التجربة‪ ،‬والمغامرة والنطلق بل‬
‫قيود‪ ،‬والتحرر من أسر الظروف‪.‬‬
‫]‪ [4‬المعاملة القاسية داخل المنزل‪ ،‬وهذه كسابقاتها من أسباب الفرار من‬
‫الواقع إلى الخيال والوهام‪ ،‬سواء كانت مصطنعة عبر الغراق في أحلم‬
‫اليقظة‪ ،‬أو بتعمد إذهاب العقل بالغيبة عن الواقع‪.‬‬
‫]‪ [5‬وأخطر أسباب الدمان هو تجربة المواد المخدرة‪ ،‬وهذا السلوك أو الفهم‬
‫نابع من ثقافة سائدة منتشرة فى أعمار ومستويات تعليمية مختلفة‪ ،‬وهذا‬
‫المفهوم الخطأ يتمثل أن الشاب ل بد له أن يقوم بتجربة كل شيء في‬
‫شبابه‪ ،‬واعتبار هذا المسلك من علمات الرجولة‪ ،‬بغض النظر عن كونها‬
‫ضارة أو نافعة‪ ،‬فكل ما يشغل تفكيره ويهم باله أن يفسح لنفسه مجاًل‬
‫واسًعا قدر المكان للحرية الزائفة‪ ،‬التي تؤدي في نهاية طريقها إلى الدمار‪،‬‬
‫وليس دمار هذا الشاب فقط بل دمار أسرة بأكملها تفقد حلمها وأملها‪ ،‬أو‬
‫تفقد عائلها والمسؤول عنها‪.‬‬
‫والمسلم خلقه الله تعالى لتحقيق كمال العبودية له سبحانه في هذه الرض‬
‫بعمارتها‪ ،‬والقيام بواجب نصرة دين الله فيها‪ ،‬ولكي يقوم بهذا الدور المتفرد؛‬
‫قا من عون الله تعالى له وإعانته إياه‪،‬‬ ‫يلزمه أن يقف في وجه الصعاب واث ً‬
‫فالصبر على عظائم المور هو انتصار للحياة‪.‬‬
‫سا للمؤمن الصادق‪ ،‬فالمسلم الحق ل يمكن‬ ‫وحين تشتد الزمات تكون مقيا ً‬
‫بحال من الحوال أن يقدم على الدمان أو التعامل مع ما يغيب عقله؛ لنه‬
‫في كل أوقاته خيرها وشرها وحلوها ومرها‪ ،‬سيتكل على الله ويتقّبل المصيبة‬
‫على أنها ابتلء لتمحيص إيمانه وإظهار صبره ورضاه‪ ،‬ويرى الصعاب تحدًيا‬
‫قا من تخطيه ما دام مصحوًبا بعناية الله‬ ‫يلزمه أن يقف رافًعا رأسه واث ً‬
‫ولطفه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وها هو حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول‪ ]] :‬عجًبا لمر المؤمن‪،‬‬
‫إن أمره كله له خير‪ ،‬وليس ذلك لحد إل للمؤمن‪ ،‬إن أصابته سراء شكر‬
‫وكان خيًرا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان خيًرا له [[‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل لمخدرات الشعوب أبو صرة عبيد علي أحمد*‬


‫في كل هجمة من اعتداء سافر من دول الغرب على بلدنا وعلى بلدان‬
‫الشرق يبررونها على أنها‪ :‬رسالة لنشر العدالة وتشر التقدم ولتحضر‬
‫الشعوب ولرفاهيتها‪ ،‬ويلبسونها لباس )الديموقراطية(وكأن الديموقراطية‬
‫التي يدعونها مسوغا ً لبربريتهم وهمجيتهم التي يسومون بها شعوب المنطقة‪.‬‬
‫* جاء الستعمار الغربي لبلدنا ومكث حمل ً ثقيل ً أكثر من خمسين عامًا‪ ،‬فأين‬
‫عدالته وأين تقدمه؟!!‪ .‬حقيقة أنه جاء استعمارا ً واستثمارا ً لرفاهية الشعوب‬
‫الغربية ‪ ،‬واستنزافا ًَ وخرابا ً بل واستعبادا ً على شعوب الشرق السلمي‪.‬‬
‫* ثم رحل! وخلف وراءه وكلء وعملء يبشرون بمبادئه التي خلت من أي‬
‫قيمة إيمانية أو روحية ‪،‬وساروا على نهجه أكثر من خمسين عاما ً أخرى‪ ،‬ولم‬
‫تحقق مسيرتهم شيئا ً حتى في المجالت المادية التي تبنوها‪ ،‬ودعوا لها ونالوا‬
‫بها الرضى من السادة في الغرب‪ ،‬ولم يدروا أن رضي السادة إلى حين أن‬
‫تتحقق لهم أغراضهم منهم‪ ،‬واستنفاد تاريخ صلحيتهم‪ ،‬وحينئذ ينبذونهم كما‬
‫تنبذ النواة‪ ،‬وتحرك الشعوب – المغلوبة على أمرها – وتتسع الفجوة والجفوة‬
‫بين الشعوب وحكامها‪ ،‬ويتسع الرتق على الراتق‪،‬وساعتها فالمسوغات‬
‫عديدة للتدخل من جديد باسم )الديموقراطية( والعدالة‪ ،‬وما جرى ويجري‬
‫في العراق أعظم شاهد!!‪.‬‬
‫والن‪ ..‬وبعد ظهور بوادر الصحوة اليمانية في بلدنا كنتاج طبيعي لمة لها‬
‫تاريخها الحضاري وإرثها اليماني ومبادئها الخلقية التي تنبع من داخلها‪،‬‬
‫علينا‪ :‬أن نعي الدرس‪ ،‬ونعود لمصدر قوتنا وعزتنا‪ ،‬وأن نقول لدعاة التغريب‬
‫في بلدنا‪ :‬ل‪ ..‬وألف ل لديمقراطيتكم الجديدة والقديمة‪ ،‬ل وألف ل لمخدرات‬
‫الشعوب بمعسول الشعارات الزائفة باسم الديموقراطية‪ ،‬والعدالة والرفاهية‬
‫فلقد خبرناكم طوال الخمسين عاما ً وأكثر‪ ،‬ولقد شاهدنا ونشاهد يوميا ً ما‬
‫جرى ويجري في البلد التي ابتليت بكم‪.‬‬
‫• ل للديمقراطية الغربية التي تستحل إراقة الدماء ونسف المنازل على‬
‫رؤوس العجزة والسر في غزة والضفة والعراق وتحّرم بل وتجّرم أيادي‬
‫دت إليهم‪.‬‬ ‫م ّ‬ ‫الخير إن ُ‬
‫وغ لنفسها حرمان حماس والشعب‬ ‫• بل أين تلكم الديموقراطية التي تس ّ‬
‫الفلسطيني من اختيارهم )الديموقراطي!!(‪ ،‬الذي ارتضوه لنفسهم؟!!‪.‬‬
‫• إنها الديموقراطية الغربية الخاوية الخالية المفرغة حتى من مبادئها التي‬
‫دعيها!!‪.‬‬ ‫ت ّ‬
‫• فهل نعي الدرس؟!‪ ،‬ونعي الوقفة الخيرة هذه قبل ضحى الغد؟!!‪ ،‬فنعود‬
‫إلى مبادئنا‪ ،‬ونصدق النية ففي العودة الصادقة – إن شاء الله – حتمية النصر‬
‫م ِفي‬ ‫فن ّهُ ْ‬
‫خل ِ َ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫والتمكين‪) :‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ضى ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫مك ّن َ ّ‬‫م وَل َي ُ َ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫اْل َْر‬
‫خوفه َ‬
‫فَر ب َعْد َ‬‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شْيئا ً وَ َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫دون َِني ل ي ُ ْ‬ ‫منا ً ي َعْب ُ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬
‫ن( )سورة النور‪ .(55 :‬فعلينا إخوتي‪ :‬الوقوف جميعا ً‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬‫م ال ْ َ‬‫ك هُ ُ‬ ‫ك فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ميعا ً َول‬ ‫ج ِ‬‫ل الل ّهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫متحدين لنحقق عوامل التمكين والنصرة‪َ) :‬واعْت َ ِ‬
‫فّرُقوا (‪.‬‬ ‫تَ َ‬
‫• ول‪ ..‬ثم ل‪..‬لمخدرات الشعوب‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل محل للتسامح مع أعداء الرسول يا دكتور حمزة!‬


‫‪05-2-2006‬‬
‫بقلم عبدالله بن صالح العجيري‬
‫"‪...‬أليس الحق بالدعوة إلى مقام التسامح المزعوم هذا مخالفي المة الذين‬
‫لم يراعوا حرمة ول شعورا فيقدموا اعتذاراتهم الصريحة مما وقع وجرى ‪،‬‬
‫مشفوعة بالجراءات الكفيلة لعدم وقوع هذا المر مرة أخرى ؟‪"...‬‬
‫إن الناظر في أحوال المة اليوم ‪ ،‬وما تمارسه من أدوار في التصدي للهجمة‬
‫القبيحة على شخص النبي صلى الله عليه وسلم ليسره ما يرى ويشاهد ‪.‬‬
‫وإن في هذه الحداث لدليل على الغيرة السلمية العظيمة المتأصل في‬
‫كيان هذه المة ‪ ،‬والمتولد من ذلك الغضب السلمي ‪ ،‬الغضب الذي سنه لنا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نرى حرمات الله تنتهك ‪ ،‬وأي حرمة‬
‫أجل وأرفع من حرمته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأي غضب يجب أن يكون‬
‫أعظم من الغضب حين يتنقص من مقامه صلى الله عليه وسلم ويستهزأ‬
‫به ؟! ‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي تتوسع فيه دائرة هذا الستهزاء بين أهل الكفر بإعادة نشر‬
‫تلك الصور الثمة في محاولة )لتفريق دمه الشريف بين القبائل( ‪ ،‬نرى كتابا‬
‫ومثقفين قد تباينت طرائقهم في تناول هذا الحدث ‪ ،‬ما بين متوجع مما حصل‬
‫‪ ،‬ومتألم مما جرى ووقع ‪ ،‬ومطالب بوقف هذا المسلسل المشؤوم ‪.‬‬
‫لكن من أغرب وأعجب ما اطلعت عليه جزءا من مقال للدكتور حمزة بن‬
‫قبلن المزيني والمنشور في جريدة الوطن في عددها الصادر يوم الخميس‬
‫الثالث من شهر الله المحرم لسنة ‪1427‬هـ ‪ ،‬والمعنون بـ )الحكمة في إدارة‬
‫المعركة( والذي تناول فيه وسائل المقاومة الممكنة التي ينبغي أن تمارس‬
‫في ظل ما حدث وحصل ‪ ،‬مستعرضا جملة من الحداث السابقة وكيف‬
‫تباينت ردود أفعال المة اتجاهها ‪ ،‬مثنيا على بعض هذه المواقف والتي‬
‫حققت المقصود ‪ ،‬وذاما لخرى ‪.‬‬
‫وتناول فيما تناول مسألة المقاطعة كردة الفعل السلمية الوضح والظهر‬
‫لما وقع من تنقص واستهزاء بدين المة المتمثل في السخرية من شخص‬
‫رسول المة صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وليس المقصود بهذه المقالة تناول هذه القضية ‪ -‬قضية المقاطعة ‪ -‬والذب‬
‫عنها والمدافعة ‪ ،‬أو مصادرة رأي فرد ل يرى بالمقاطعة لرأي رآه ‪ ،‬فإن إبداء‬
‫الرأي في مثل هذه القضية في إطاره الصحيح غير محرم ول محظور ول‬
‫يدعو ضرورة لسوء الظن أو الطعن أو التهمة ‪.‬‬
‫لكن الغريب حماسة البعض في التنقص من خيار المة في المقاطعة عبر‬
‫شعارات ومقالت وكتابات تقول بالنص أو الشارة )ل لمقاطعة البضائع‬
‫الدنماركية(! في أسلوب استفزازي ومصادرة للرأي ممن يزعم أنه من‬
‫أصحاب الرأي والرأي الخر ‪.‬‬
‫ول أعلم مبررا مقبول للحماسة المضادة في موضوع مقاطعة البضائع‬
‫الدنماركية والتي تصل بصاحبها إلى حد اتهام المة بالسطحية والسذاجة ‪،‬‬
‫وأنها ل تعدو أن تكون ظاهرة صوتية ليس إل ‪ ،‬ل تتحرك ول تتقدم إل كردة‬
‫فعل ما هي إل كزوبعة في فنجان آيلة للذهاب والزوال ‪ ،‬إلى آخر ما هنالك‬
‫من كتابات بعض مدعي الثقافة والذين يتحمسون لتسجيل مواقفهم في‬
‫مصادمة المة والسبح ضد التيار بدل تسجيل المواقف في موافقة الحق‬
‫الذي عليه سواد المة على مذهب )خالف تعرف(! ‪.‬‬
‫وموضوع المقاطعة وما تستجلبه من مصالح وما يتصل به من أحكام موضوع‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شائك كبير يستدعي بحوثا ودراسات تناقش ما يندرج تحته من مسائل فرعية‬
‫وما أكثرها وحكم كل مسألة منها ‪ ،‬وعسى أن يرى مثل هذا المشروع النور ‪،‬‬
‫فإن المكتبة السلمية الشرعية في حاجة ماسة إليه‪.‬‬
‫وعودا على المقصود فعنوان مقال الدكتور )الحكمة في إدارة المعركة( ‪،‬‬
‫والحكمة هي وضع الشئ في موضعه ‪ ،‬فل نقاش في أن صد العدوان الذي‬
‫وقع وجرى يجب أن يكون في ضمن هذا الطار وبالحكمة ‪ ،‬ول يجوز أن يخرج‬
‫عنه ذات اليمين وذات الشمال بتهور طائش ‪ ،‬أو عبث سخيف ‪ ،‬يهدر طاقات‬
‫المة ‪ ،‬ويبدد قوتها ‪ ،‬ول يحقق المصلحة المرجوة بل قد يستجلب ما يستجلبه‬
‫التهور من مفاسد ‪.‬‬
‫والحكمة ل تعني ضرورة التهدئة واللين ‪ ،‬وإنما هي المعالجة بالدواء النجع‬
‫للزمة الراهنة والذي يحقق أكبر قدر من المصالح الشرعية ويقلل ما يمكن‬
‫من المفاسد المعتبرة ‪ ،‬فهذا هو الطار الذي يريد الدكتور أن يقدم من خلله‬
‫الحلول والتوصيات الممكنة للخروج من الزمة الراهنة ‪.‬‬
‫وليسمح لي القارئ أن أسائل الدكتور بناء على ما سبق أمن الحكمة اليوم‬
‫أن ُيدعى المسلمون وهم يرون ما يجري ويحدث إلى التسامح والمسامحة؟‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأدع الدكتور ليجيب بأحرفه كما سطرها في آخر مقاله وهو الجزء الساس‬
‫الذي كتبت من أجله هذه السطور‪) :‬ول بأس من التذكير هنا بأن الله سبحانه‬
‫وتعالى قد كفى رسوله الكريم المستهزئين‪ .‬ولنا‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬فيه صلى‬
‫الله عليه وسلم قدوة حسنة في تسامحه المبدئي مع من آذوه في حياته‬
‫وألقوا القاذورات على ظهره وهو ساجد في فناء الكعبة وكسروا رباعيته في‬
‫غزوة أحد وحاولوا قتله والتآمر عليه‪ .‬ومع ذلك فقد سامحهم وقال حين ظفر‬
‫بمن آذاه من قريش قولته الشهيرة "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وكذلك كان فعله‬
‫صلى الله عليه وسلم مع المنافقين الذين تآمروا عليه وتحالفوا مع أعدائه‬
‫ضده؛ فلم يقتلهم ولم يعاقبهم مع أنه يعرفهم معرفة حقة(‪.‬‬
‫هذا نص كلم الدكتور كما ورد في مقاله دون زيادة أو نقصان ‪.‬‬
‫الدكتور يريد أن يذكرنا بتسامح النبي صلى الله عليه وسلم المبدئي مع من‬
‫آذاه ‪ ،‬وهو القدوة السوة ‪ ،‬والمطلوب من القارئ أن يقدر الرسالة المفهومة‬
‫من هذه الكلم والذي ل يقدر الكاتب على التفوه بها صراحة ونصا ‪ ،‬خصوصا‬
‫في الظرف الذي تعيشه المة اليوم والذي بدأت ملل الكفر تصرح بمواقفها‬
‫مما حصل وجرى وتتابع على نشر الصور الثمة تحت شعارات حرية‬
‫)التحقير(!‪.‬‬
‫إن الدكتور يدعونا إلى أن نقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في تسامحه‬
‫مع من آذاه ‪ ،‬وعفوه عمن نال منه وعصاه ‪ ،‬وعليه فإن الواجب على المة‬
‫اليوم أن تستبدل هذه الغضبة العارمة بالمسامحة والتسامح ‪ ،‬والتغاضي عما‬
‫وقع وجرى اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تسامح مع مخالفيه‬
‫‪ ،‬ولم يعاقبهم ‪ ،‬مع معرفته بهم ‪ ،‬ومعرفته لذيتهم له! ‪.‬‬
‫أليس من الغريب أن تأتي مثل هذه الدعوة والمة تسمع وترى ما يقع من‬
‫إهانة لمقامه صلى الله عليه وسلم يتلوها إهانة ؟!‪.‬‬
‫أليس من العجيب أن ُنذكر بالتسامح في وقت ُتستفز فيه المشاعر‬
‫وُتستغضب المة مع سبق الصرار والترصد ؟!‪.‬‬
‫أليس الحق بالدعوة إلى مقام التسامح المزعوم هذا مخالفي المة الذين لم‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يراعوا حرمة ول شعورا فيقدموا اعتذاراتهم الصريحة مما وقع وجرى ‪،‬‬
‫مشفوعة بالجراءات الكفيلة لعدم وقوع هذا المر مرة أخرى ؟!‪.‬‬
‫إن التسامح الشرعي الصحيح ل يكون إل إذا وقع في موقعه الصحيح ‪،‬‬
‫وأولئك المستهزئين بمقامه صلى الله عليه وسلم ليسوا موضعا صالحا‬
‫للتسامح ‪ ،‬وإن التسامح مع أمثال أولئك المجرمين جريمة شرعية ل يجوز أن‬
‫يكون بحال ‪.‬‬
‫بل إن التسامح والحال كما نرى مخالف للطبيعة النسانية والفطرة البشرية‬
‫ضب فلم يغضب فهو حمار كما قال المام الشافعي ‪ ،‬ولئن كان‬ ‫ومن اسُتغ ِ‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم الحق في التجاوز عمن أساء إليه فإن هذا‬
‫ليس إلى المة ‪ ،‬بل الخذ بحقه والغضب له واجب إسلمي ل يجوز أن يمس‬
‫أو يتنازل عنه ‪.‬‬
‫وأي عيش يبقى وأي حياة تطيب يوم يمس جناب النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫والمة تقف موقف المتفرج المتسامح ‪ ،‬المتغاضية عن صفعات الخصوم ‪،‬‬
‫والتي ل تطالب بحقها ‪ ،‬فإن طلبته فبالسلوب الهادئ اللين ‪ ،‬وبالبتسامة‬
‫المهذبة ‪ ،‬وبالكلمة المؤدبة ‪ ،‬ل تجرح المشاعر ‪ ،‬ول تسفز المخالف ‪.‬‬
‫إن إجماع المة عامة منعقد على حرمة التسامح مع ساب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وعدم جواز إسقاط حقه الشريف صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وما‬
‫قال عالم ول شبه عالم بمثل ما يريد الدكتور أن يقوله ‪ ،‬وفي كتاب الصارم‬
‫المسلول على شاتم الرسول لشيخ السلم ابن تيمية عظة وعبرة ‪.‬‬
‫أما أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع من طعن فيه وشتمه فليست كلها‬
‫على النحو الذي يريد الدكتور تصويره بل له مقامات ومواقف أخذ فيها بحقه‬
‫الشريف نصرة لدين الله وشرعه ‪ ،‬وإل فإذا ترك المستهزئ يقول ما شاء‬
‫ويستهزئ بمن شاء دون أخذ ومحاسبة وعقوبة ‪ ،‬فأي دعوة تبقى وأي دين‬
‫يعيش ‪.‬‬
‫ويكفي من ذلك أن تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتل بعض‬
‫من شتمه ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة ‪ ،‬وما قصة كعب بن الشرف عن‬
‫ذهن القارئ ببعيد ‪ ،‬وقصة مقتل عقبة بن أبي معيط فيها عظة وعبرة لمن‬
‫نظر وتأمل ‪.‬‬
‫وإن ما نراه من تآزر ملل الكفر على تشويه صورته صلى الله عليه وسلم‬
‫لهو دليل على الحقد الدفين ‪ ،‬والحسد العظيم من هذا النتشار الواسع‬
‫والمتسارع لدين السلم ‪ ،‬المر الذي حدا بهم إلى اتخاذ مطية السوء هذه‬
‫صدا لباب القبال على هذا الدين أن يفتح ‪ ،‬وردا لكل وارد عليه ‪ ،‬أفيصح بعد‬
‫هذا أن نتواصى بالتسامح وندعوا إلى المسامحة ونحن نرى ما نرى ؟!‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فوالله لو لم تكن البراءة من الكفر وأهله من أصول ديننا ‪ ،‬لكانت البراءة‬


‫منهم اليوم واجبة مقابلة بالمثل ‪ ،‬فكيف وهي من أصول السلم الكبرى ‪،‬‬
‫م هُُزوا ً وَل َِعبا ً‬ ‫َ‬
‫ذوا ِدين َك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ذوا ال ّ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫يقول الله تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫من ال ّذي ُ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫فاَر أوْل َِياَء َوات ّ ُ‬ ‫م َوال ْك ُ ّ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن * قُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ل َيا‬ ‫قلو َ‬ ‫م ل ي َعْ ِ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ها هُُزوا وَلِعبا ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫صلةِ ات ّ َ‬ ‫م إ ِلى ال ّ‬ ‫* وَإ َِذا َناد َي ْت ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أ َهْ َ‬
‫ل‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما أن ْزِ َ‬ ‫ل إ ِلي َْنا وَ َ‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫مّنا ِباللهِ وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ّ‬
‫مّنا إ ِل أ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ق ُ‬‫ل َتن ِ‬‫ب هَ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ل هَ ْ ُ‬ ‫وأ َ َ‬
‫ه‬‫ن ل َعَن َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫مُثوب َ ً‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شّر ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ل أن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ن * قُ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫ن أك ْث ََرك ُ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شّر‬ ‫َ‬
‫ت أوْلئ ِك َ‬ ‫ُ‬
‫خَناِزيَر وَعَب َد َ الطاغو َ‬ ‫قَرد َةَ َوال َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫جعَل ِ‬ ‫ب عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬
‫ه وَغ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ل( ‪.‬‬
‫سِبي ِ‬
‫واِء ال ّ‬
‫س َ‬
‫ن َ‬
‫ل عَ ْ‬ ‫كانا ً وَأ َ‬
‫ض ّ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫هذا أمر ربنا ‪ ،‬وهذا هو الفرقان بيننا وبينهم ‪ ،‬وإن رغمت أنوف‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫عاُء{‪ ..‬ل للختلط‬


‫صدَِر الّر َ‬
‫حّتى ي ُ ْ‬
‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫}ل ن َ ْ‬
‫إن قضية الختلط بين الرجل والمرأة من القضايا الشائكة التي كثر حولها‬
‫الكلم والحديث‪ ،‬وحدث فيها كثير من خلط الوراق بين مؤيد للختلط‬
‫المحرم وداعًيا إليه ومرغًبا فيه‪ ،‬بل إن هناك من يدعو إلى المحرمات‬
‫الظاهرة والفواحش البينة تحت دعوى رفع الظلم عن المرأة المسجونة في‬
‫سجن الرجال‪ ،‬أو إن شئت قلت في سجن الدين‪.‬‬
‫وبين أطراف أخرى يجعلون المرأة كالعصفور الحبيس داخل القفص‪ ،‬ويحاول‬
‫أن يقنعه أن هذا القفص جميل ول بد أن يموت بداخله مهما كانت الظروف‪.‬‬
‫والحقيقة أن من يريد أن يتكلم في هذا الموضوع ويتناوله تناول ً صحي ً‬
‫حا‬
‫وواقعًيا ل بد أن يتصور مجتمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تصورا ً صحي ً‬
‫حا‬
‫تكامل ً حتى تنزل النصوص بصورتها الصحيحة‪ ،‬ول بد لنا أن نفرق بين‬
‫الختلط المحرم‪ ،‬وبين مطلق الختلط لحاجة من حاجات المرآة‪ ،‬وكذلك‬
‫ليس معنى منع الختلط أن ننشئ مجتمًعا للرجال وآخر للنساء‪.‬‬
‫فهذا لم يكن في عصر من عصور السلم‪ ،‬بل نريد مجتمًعا يعيش فيه الجميع‬
‫بل فتنة ول ريبة‪ ،‬فالمرأة تتحرك بل حرج ولكن وفق الضوابط الشرعية‬
‫لقضاء حاجاتها‪.‬‬
‫ولكي نفهم هذا الهدي فل بد لنا أن نتأمل قول الله ـ عز وجل ـ في سورة‬
‫عاء‬‫صدَِر الّر َ‬
‫حّتى ي ُ ْ‬
‫قي َ‬
‫س ِ‬
‫القصص على لسان ابنتي شعيب حيث قالتا‪} :‬ل ن َ ْ‬
‫خ ك َِبيٌر{ ]القصص‪.[23:‬‬ ‫شي ْ ٌ‬‫وَأ َُبوَنا َ‬
‫ـ وهكذا سجل القرآن هذا المشهد الجليل‪ ،‬عبرة لولى اللباب‪ ،‬وعظة للنساء‬
‫وكيف يكون خروجهن؟‬
‫فليس الخروج بل سبب وبل حاجة‪ ،‬بل هو ضرورة ملحة وحاجة ماسة‪ ،‬خروج‬
‫ل اختلط فيه ول زحام‪ ،‬ول فتنة فيه ول إغراء‪ ،‬خروج كله عفة وطهر‬
‫واحتشام‪.‬‬
‫ـ إذن ليست العبرة في الخروج ولكن سبب الخروج وكيفية الخروج‪ ،‬ولكن‬
‫انظر إلى المقابل للواقع البائس للمتحررات من الدين والفضيلة في هذا‬
‫العصر وقد عجت بهن الشوارع والطرقات‪ ،‬واكتظت بهن المكاتب‬
‫والحافلت‪ ،‬تاركات البيوت وتربية الجيال‪ ،‬على غير شيء يجنينه غير ضياع‬
‫الولد‪ ،‬وإهمال حقوق السرة وتشتت الشمل هنا وهناك‪ ،‬وغابت أمور كثيرة‬
‫من العفة والتستر وراحة البال!‬
‫ـ امتلت الشوارع بالفتيات‪ ،‬كأنهن عارضات أزياء‪ ،‬يتقلبن في أردية الغرب‪،‬‬
‫نافرات من رواء السلم العفيف‪ ،‬مقتديات بكثير من نساء الفن الهابط‪،‬‬
‫بعيدات عن سيرة الصحابيات في صدر السلم‪.‬‬
‫ـ إن السلم ل يحرم على المرأة الخروج لحاجة وسبب مهم‪ ،‬سواء أكان‬
‫للتعليم أو للعلج أو زيارة مريض‪ ،‬أو صلة رحم‪ ،‬أو العلم إن كان هذا العمل‬
‫ضا‬
‫حا خالًيا من المحرمات الشرعية والختلط‪ ،‬ل بد أن يكون هذا العمل أي ً‬ ‫مبا ً‬
‫دا للمرأة وللمة على حد سواء‪ ،‬وللمرأة أن تذهب إلى أي مكان مع‬ ‫مفي ً‬
‫محارمها‪.‬‬
‫ـ وفي المقابل انظر ماذا جلب لنا الختلط من النظرات المحرمة‪ ،‬وكثيًرا من‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكلمات الفارغة‪ ،‬فتعددت قصص الحب والغرام‪ ،‬وغضب كل زوج على‬


‫زوجه‪ ،‬فقل الحب في البيوت‪ ،‬وكثر على قارعة الطريق‪ ،‬وفي مكاتب العمل‪،‬‬
‫وقاعات الدروس‪.‬‬
‫ـ لقد دخل كل واحد من هؤلء في مقارنات خاطئة‪ ،‬وقد زين الشيطان فيها‬
‫نساء الخارج ورجاله‪ ،‬وقبح زوجات البيوت ورجالها‪ ،‬فكثرت النزاعات‪،‬‬
‫وارتفعت الشكاوى والصوات‪ ،‬هذا بالضافة إلى تيسير الفاحشة على‬
‫الشباب والفتيات‪ ،‬وهذا كله أضاع جهد المة وشتتها‪ ،‬فل المرأة جلست لداء‬
‫دورها ورسالتها‪ ,‬ول الرجل خرج إلى عمله وإلى جهاده‪ ،‬بل خرج كل منهما‬
‫يفتن الخر ويضيع عمره وجهده ويشغله عما ينفعه‪ ،‬بل انقلبت محاريب العلم‬
‫إلى ملهٍ ليلية ونوادي للعشاق‪ ،‬وصالت لعرض الزياء‪ ،‬فبعد المجتمع المسلم‬
‫الجاد المجاهد عن أهدافه وطموحاته وراح يلهث وراء السراب والضياع‪.‬‬
‫ولو امتثلت النساء إلى قول بنتي شعيب في حيائها وعفتها لصلح المجتمع‬
‫وجمع شمله وتوجه نحو هدفه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ة!‬ ‫ك يا غز ُ‬ ‫ل ُنلهين ّ ِ‬
‫الكاتب ‪ :‬حسين بن رشود العفنان‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسولنا وقدوتنا وعزنا وحبيبنا محمد بن عبد‬
‫الله وعلى آله وصحبه أجمعين‪:‬‬
‫ك يا غزةُ!‬ ‫ل ُنلهين ّ ِ‬
‫ض‪ ،‬والولِء والبراِء في‬ ‫س العالم ِ ‪ ،‬وجوهرةِ الر ِ‬ ‫ن ! بكأ ِ‬ ‫ك مشغولو َ‬ ‫إنا عن ِ‬
‫ت!‬ ‫ب والمدرجا ِ‬ ‫الملع ِ‬
‫ج من‬ ‫ت ‪ ،‬وُيخر ُ‬ ‫ق والمجموعا ِ‬ ‫ف قوُته من الفر ِ‬ ‫ُُترى يا غزة ُ ! من ستضع ُ‬
‫ما ؟‬‫ب عاجًزا منهز ً‬ ‫الملع ِ‬
‫س )محله سامقٌ ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وه ‪ ،‬وكالجوزاِء مكاُنه!الكأ ُ‬ ‫ض مجد ٌ كالنجم ِ عل ُ‬ ‫س الر ِ‬ ‫كأ ُ‬
‫ب!‬‫ب إلى السحا ِ‬ ‫ق( فمن ناله رفعَ من الترا ِ‬ ‫َ‬ ‫م طار ٌ‬ ‫ده باسقٌ ‪ ،‬وشرُفه نج ٌ‬ ‫ومج ُ‬
‫ف؟‬ ‫ل هذا الشر ِ‬ ‫ل بني ِ‬ ‫ك ـ من أحقّ الدو ِ‬ ‫فيا غزة ُ ـ في ظن ِ‬
‫ة!‬
‫غز ُ‬
‫ك!‬ ‫ص عيش ِ‬ ‫ن هناك خبًرا سينغ ُ‬ ‫َ‬ ‫ك! لك ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ما إلى غ ّ‬ ‫كغ ّ‬ ‫ل أريد ُ أن أزيد َ ِ‬
‫مه!‬ ‫ب في قد ِ‬ ‫ة! لّنه أصي َ‬ ‫ي )فلن ( ‪،‬عن المباراةِ القادم ِ‬ ‫ب العالم ّ‬ ‫ب اللع ُ‬ ‫سيغي ُ‬
‫ة؟! وهو‬ ‫ٍ‬ ‫بقو‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫سيلع‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫كي‬ ‫أدري‬ ‫ل‬ ‫ه!‬
‫ُ ُ‬ ‫ت‬ ‫عشيق‬ ‫ه‬
‫ْ ُ‬ ‫ت‬ ‫جف‬ ‫)علن(‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫المشهو‬ ‫ب‬ ‫واللع ُ‬
‫ت الفكرِ ؟‬ ‫ل و متشت ُ‬ ‫مدّله العق ِ‬ ‫ُ‬
‫ب‬‫ِ‬ ‫اللع‬ ‫ة‬
‫َ ُ‬ ‫د‬ ‫عو‬ ‫وهي‬ ‫ك‪،‬‬‫ِ‬ ‫فؤاد‬ ‫وتشفي‬ ‫ك‪،‬‬‫َ ِ‬ ‫ن‬ ‫أحزا‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ستذه‬ ‫رى‬ ‫ً‬ ‫بش‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫هنا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ولك‬
‫طا معاًفى!‬ ‫جمام نشي ً‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫)فلنتان(‬ ‫الكبي ِ‬
‫ر‬
‫ِ‬
‫ة‬
‫مه الشديد ِ في ليل ٍ‬ ‫م خص ِ‬ ‫ي )علنتان( أما َ‬ ‫ق العالم ّ‬ ‫ح الفري ِ‬ ‫ك نجا ُ‬ ‫والكبُر من ذل َ‬
‫ة!‬ ‫مسكي ٍ‬
‫ك ـ يا غزة ُ !‬ ‫ل ُنلهين ِ‬
‫ف‬‫ق والشفا ِ‬ ‫ة‪ ،‬ونزِع حجاِبها!وكسوِتها بالضي ّ ِ‬ ‫ن بتحريرِ المرأ ِ‬ ‫فإّنا مشغولو َ‬
‫ن‬‫ت وعصيا َ‬ ‫ج في الشوارِع و الفضائيا ِ‬ ‫مها قيادةَ السيارةِ والخرو َ‬ ‫والقصيرِ وتعلي ِ‬
‫ة‬
‫ل شاش ٍ‬ ‫ت في ك ّ‬ ‫جها من بيِتها لتبي َ‬ ‫ل عليهم وإخرا ِ‬ ‫جها وأبيها وأخيها والتطاو ِ‬ ‫زو ِ‬
‫ن وفرٍج!‬ ‫ل وعي ٍ‬ ‫وصفحةٍ وجوا ٍ‬
‫ن‬
‫ف ألوا َ‬ ‫ت لنثق َ‬ ‫ب والمجل ِ‬ ‫ت ونشرِ الكت ِ‬ ‫ت والشبكا ِ‬ ‫ن بإنشاِء القنوا ِ‬ ‫إّنا مشغولو َ‬
‫ف‬
‫ف كي َ‬ ‫ن ل نعر ُ‬ ‫ل عّنا واسوءتاه! فنح ُ‬ ‫ج الجه ِ‬ ‫ض ره َ‬ ‫ش لننف َ‬ ‫الفجورِ والفواح ِ‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ص‪ ،‬ل‬‫م الموسيقى والرق ِ‬ ‫ة ‪ ،‬ونجهل أنواع الخمور‪ ،‬وعل ُ‬ ‫ت الجنسي َ‬ ‫ئ العلقا ِ‬ ‫ننش ُ‬
‫ت ‪ ،‬وشعائُر!‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق فمازال هناك ‪ ،‬مقدسا ٌ‬ ‫ُ‬
‫ف جهله ‪ ،‬وعندنا ضيقُ أف ٍ‬ ‫يسعُ المثق َ‬
‫ما ـ‬‫ك جس ً‬ ‫هل ِ‬ ‫ّ‬
‫غزة ُ ـ ل أعل الل ُ‬
‫م!‬
‫َ‬ ‫اليو‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫عاص‬ ‫فل‬ ‫ده‬‫َ‬ ‫وح‬ ‫اعتصمي باللهِ‬
‫ل من نعامة!‬ ‫ول تخشي اليهوَد‪ ،‬فهم أجف ُ‬
‫ة‬
‫ة ظّنوها دباب ً‬ ‫ت نسم ٌ‬ ‫خا على هاماِتهم! وكما هب ْ‬ ‫فكلما هوى حجٌر حسبوهُ صارو ً‬
‫تكّر عليهم !‬
‫دا على حطِتهم!‬ ‫ك إل شاه ً‬ ‫قهم إيا ِ‬ ‫وما تطوي ُ‬
‫هوا وتجبُروا!‬ ‫ّ‬
‫ن في مسامِعهم‪ ،‬فاستجاُبوا‪ ،‬فاستزلهم‪ ،‬فتا ُ‬ ‫ل الشيطا ُ‬ ‫فقد با َ‬
‫ل ليلهُ‬‫س ويصغَر! مهما طا َ‬ ‫ن يخن َ‬ ‫ب الوعَر أ ْ‬ ‫ب هذا المرك َ‬ ‫ولبد َ لمن رك َ‬
‫ت أعواُنه!‬ ‫ت قوُته وكثر ْ‬ ‫وعظم ْ‬
‫ة!‬
‫غز ُ‬
‫ك إليه‬ ‫ُ‬
‫ة‪ ،‬ففوضي أمر ِ‬ ‫ة مهضوم ٌ‬ ‫ك مظلوم ٌ‬ ‫م أن ّ ِ‬‫منا وأبينا يعل ُ‬ ‫م بنا من أ ّ‬ ‫ه أرح ُ‬ ‫الل ُ‬
‫فهو نصيُر الظالمين وظهيُرهم!‬
‫شها السطوري‬ ‫ه بجي ِ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫س غروِرها ذه َ‬ ‫ت بكأ ِ‬ ‫م أمةٍ سكر ْ‬ ‫ك ْ‬
‫ة!‬
‫ن الصحو ِ‬ ‫ت حسا َ‬ ‫صدق َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل يقرضونه إل بتأمين‬
‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬التأمين‬
‫التاريخ ‪19/10/1425 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫ضا للموظف لشراء سيارة )القرض بدون‬ ‫أنا أعمل في شركة تعطي قر ً‬
‫فوائد(‪ ،‬ولكن تشترط أن ترهن السيارة باسم الشركة‪ ،‬وأن تؤمن السيارة‬
‫ل؟ حيث إني مضطر‬ ‫ل‪ ،‬فهل يجوز لي تأمين السيارة تأميًنا شام ً‬ ‫تأميًنا شام ً‬
‫إلى ذلك إن أخذت القرض من الشركة‪ ،‬ولكني لست مضطًرا لخذ القرض؛‬
‫لني أستطيع شراء سيارة أخرى بثمن رخيص‪.‬‬
‫الجواب‬
‫ما دمت غير مضطر للقرض من هذه الشركة فأنت غير ملزم بالتأمين من‬
‫قبلها‪ ،‬أما إذا اضطررت ضرورة شرعية إلى التأمين الشامل من قبل الشركة‬
‫أو غيرها فل بأس عليك‪ -‬إن شاء الله‪ -‬ل لن التأمين الشامل حلل في‬
‫الصل‪ ،‬وإنما هو جائز للضرورة التي ل تستطيع دفعها‪ ،‬ويلحقك ضرر من‬
‫عدم حصولك على هذا التأمين الشامل‪ ،‬وأذكرك بحديث رسول الله صلى‬
‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫ك وك َرِهْ َ‬ ‫صد ْرِ َ‬‫ك في َ‬ ‫حا َ‬‫م ما َ‬ ‫ق‪ ،‬وال ِث ْ ُ‬ ‫ن ال ُ ُ‬
‫خل ِ‬ ‫س ُ‬‫ح ْ‬‫الله عليه وسلم‪" :‬الب ِّر ُ‬
‫س"‪ .‬رواه مسلم )‪ ،(2553‬من حديث النواس بن سمعان‪،‬‬ ‫ي َط ّل ِعَ عليه الّنا ُ‬
‫ضا‪ -‬في اجتناب الشبهات‪:‬‬ ‫رضي الله عنه‪ ،‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪ -‬أي ً‬
‫س‪،‬‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫حل ُ‬
‫من الّنا ِ‬ ‫ن كثيٌر ِ‬ ‫مهُ ّ‬
‫ت ل ي َعْل ُ‬‫شت َب َِها ٌ‬ ‫موٌر ُ‬ ‫ن‪ ،‬وبين َُهما أ ُ‬ ‫م ب َي ّ ٌ‬
‫ن والحرا ُ‬ ‫ل ب َي ّ ٌ‬ ‫"ال َ‬
‫ت وَقع‬‫شُبها ِ‬ ‫من وَقع في ال ّ‬ ‫ضه‪ ،‬و َ‬ ‫عْر ِ‬ ‫دين ِهِ و ِ‬ ‫ست َب َْرأ ل ِ ِ‬‫ت فقد ا ْ‬ ‫قى ال ّ‬
‫شُبها ِ‬ ‫من ات ّ َ‬‫ف َ‬
‫م"‪ .‬رواه البخاري )‪ (52‬ومسلم )‪ ،(1599‬من حديث النعمان بن‬ ‫حَرا ِ‬ ‫في ال َ‬
‫بشير‪ ،‬رضي الله عنهما‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من ل َيشك ُُر الناس د‪ .‬محمد عمر دولة*‬ ‫ل َيشك ُُر الله َ‬
‫رين‬ ‫خ ِ‬ ‫صلةِ ال َ‬ ‫َ‬ ‫ت اجتماعية؛ تتجلى في ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل َثمرا ٍ‬ ‫شكرِ الله عَّز وج ّ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كأ ّ‬ ‫لش ّ‬
‫سه على‬ ‫ن َنف َ‬ ‫ّ‬
‫من وَط َ‬ ‫ن َ‬ ‫ملِتهم؛ فإ ّ‬ ‫َ‬ ‫معا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ْ‬
‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫مهم و ُ‬ ‫ن وإكرا ِ‬ ‫حسا ِ‬ ‫مجازاِتهم بال ْ‬ ‫و ُ‬
‫ن إليه؛‬ ‫من أحس َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل بها مع ك ّ‬ ‫ة يتعام ُ‬ ‫جي ً‬ ‫س ِ‬ ‫شكُر له َ‬ ‫ل؛ صاَر ال ّ‬ ‫ج ّ‬
‫شكرِ الله عَّز و َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ل عليه‪.‬‬ ‫ض َ‬ ‫من َتف ّ‬ ‫ل َ‬ ‫خلقا ُيجازي به ك ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫و ُ‬
‫من ل َيشكُرُ‬ ‫ُ‬
‫ث النبي صلى الله عليه وسلم ‪) :‬ل َيشكُر الله َ‬ ‫وما أروعَ حدي َ‬
‫الناس(]‪ [1‬وكل حديِثه رائعٌ وبديعٌ صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما قيل‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ل]‪[2‬‬ ‫ي فأنق ُ‬ ‫مَلى عل ّ‬ ‫ة يُ ْ‬ ‫مشاَفه ً‬ ‫حديِثكم ** ُ‬ ‫سماع ُ َ‬ ‫ن إل َ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ول َ‬
‫فقد روى أحمد]‪ [3‬والطيالسي]‪ [4‬والترمذي]‪ [5‬وأبو داود]‪ [6‬والبيهقي]‪[7‬‬
‫والقضاعي]‪ [8‬والبخاري في )الدب المفرد(]‪ [9‬عن أبي هريرة رضي الله‬
‫سل‬‫كر النا َ‬ ‫من ل َيش ُ‬ ‫ل الله صلى الله عليه وسلم ‪َ ) :‬‬ ‫عنه]‪ [10‬قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫كر الله(‪.‬‬ ‫َيش ُ‬
‫ورواه البيهقي في )شعب اليمان( عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما‬
‫والمنذري في )الترغيب والترهيب( عن الشعث بن قيس]‪ [11‬قال‪ :‬قال‬
‫شك َُرهم للناس(‪[12].‬‬ ‫س لله أ ْ‬ ‫شك َُر النا ِ‬ ‫ل الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬أ ْ‬ ‫رسو ُ‬
‫ة؛ تهذب السلوك وتعين على الب ِّر وتهدي‬ ‫ة راسخ ً‬ ‫ة نفسي ً‬ ‫صف ً‬ ‫شكُر ِ‬ ‫فقد صار ال ّ‬
‫ب‬ ‫ُ‬
‫ل‪ ،‬وأسلو ٌ‬ ‫فض ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج يتبُعه صا ِ‬ ‫منهَ ٌ‬ ‫شكُر َ‬ ‫ْ‬ ‫ن المعاملة؛ ]‪ [13‬فال ّ‬ ‫إلى أحس ِ‬
‫ن قَْيدا في َرقَب َِته ود َْينا يجب عليه أداؤه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ده الحّر؛ الذي يرى الحسا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ي َعْت َ ِ‬
‫وفاُء به‬ ‫ومعروفا ينبغي عليه ال َ‬ ‫ً‬
‫من‬ ‫ن حبان رحمه الله ِلهذا الحديث‪) :‬ذكر ما يجب على المرِء ِ‬ ‫م اب ُ‬ ‫ج َ‬ ‫وقد َتر َ‬
‫شكر‬ ‫ن إليه(‪ [14] .‬وَرَوى الهيثمي في باب ) ُ‬ ‫شكرِ لخيه المسلم عند الحسا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫المعروف( عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول‪ :‬سمعت أبا القاسم صلى الله‬
‫من ل يشكر الناس(‪ ،‬وعن ابن عمر رضي‬ ‫عليه وسلم يقول‪) :‬ل يشكر الله َ‬
‫من استعاَذكم بالله‬ ‫الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) َ‬
‫صنعَ إليكم‬ ‫من َ‬ ‫جيُبوه‪ ،‬و َ‬ ‫من دعاكم فأ ِ‬ ‫طوه و َ‬ ‫من سألكم بالله فأعْ ُ‬ ‫ذوه‪ ،‬و َ‬ ‫عي ُ‬ ‫فأ ِ‬
‫ن قد‬ ‫عوا له حتى تروا أ ْ‬ ‫دوا ما تكافئونه؛ فاد ُ‬ ‫ن لم تج ُ‬ ‫معروفا فكاِفئوه؛ فإ ْ‬ ‫ً‬
‫موه(‪[15].‬‬ ‫كافَي ْت ُ ُ‬
‫قال القرطبي رحمه الله‪" :‬قال الخطابي‪ :‬هذا الكلم يتأول على معنيين‬
‫معُْروِفهم؛‬ ‫س وترك الشكرِ ل ِ َ‬ ‫ن ِنعمةِ النا ِ‬ ‫فرا ُ‬ ‫من طبِعه ك ُ ْ‬ ‫من كان ِ‬ ‫ن َ‬ ‫أحدهما‪ :‬أ ّ‬
‫شكرِ له‪ .‬والوجه الخر‪ :‬أن‬ ‫ل وترك ال ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن نعمةِ الله عّز و َ‬ ‫ُ‬
‫من عادِته كفرا ُ‬ ‫كان ِ‬
‫حساِنه إليه؛ إذا كان العبد ل يشكُر‬ ‫شكَر الَعبد ِ على إ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫الله سبحانه ل َيقب َ ُ‬
‫مَرين بالخر"‪[16].‬‬ ‫ل أحدِ ال ْ‬ ‫معروَفهم؛ لتصا ِ‬ ‫س إليه ويكفُر َ‬ ‫ن النا ِ‬ ‫إحسا َ‬
‫ة‬
‫مل ً‬ ‫معا َ‬ ‫س ُ‬ ‫َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ملنا حا َ‬ ‫ْ‬
‫ن النا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫دناهم أ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ل؛ لوَ َ‬ ‫رين لله عّز و َ‬ ‫ل الشاك ِ ِ‬ ‫ولو تأ ّ‬
‫رهما أو في المعاملة بين الزوجين أو غير‬ ‫ْ‬
‫شك ِ‬ ‫س‪ ،‬سواء في ب ِّر الوال ِد َْين و ُ‬ ‫للنا ِ‬
‫قهِ في الشكرِ وحقّ الوالد َْين‪ ،‬فقال تبارك وتعالى‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ح ّ‬‫ن الله بين َ‬ ‫َ‬
‫ذلك؛ وقد قَر َ‬
‫مْين أن‬ ‫عا‬ ‫في‬ ‫له‬ ‫ُ‬ ‫فصا‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ه‬‫و‬ ‫على‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫هن‬ ‫و‬ ‫مه‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ته‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫حم‬ ‫يه‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫بوا‬ ‫ن‬ ‫النسا‬ ‫صينا‬
‫َ‬ ‫َ ْ ٍ ِ‬ ‫ّ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َْ‬ ‫َ‬ ‫)وو ّ‬
‫كرا ً لن ْعُم ِ الله وفضِله‬ ‫من كان شا ِ‬ ‫ي المصير(‪ [17].‬ف َ‬ ‫شك ُْر لي وِلوال ِد َْيك إل ّ‬ ‫ا ْ‬
‫قهما قائما ً ب ِب ِّرهما؛‬ ‫رفا ً بفضِلهما عاِرفا ً بح ّ‬ ‫معت َ ِ‬ ‫كرا ً لوال ِد َْيه‪ُ ،‬‬ ‫وإحساِنه؛ كان شا ِ‬
‫ضى الله عنه‬ ‫ق رِ َ‬ ‫ّ‬
‫ه تعل ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ورحم الله الزين العراقي حيث قال‪" :‬فإن قيل ما وَ ْ‬
‫من أمرِ الله‬ ‫ضى ِ‬ ‫ل؛ فلما أْر َ‬ ‫س العم ِ‬ ‫من جن ِ‬ ‫ضى الوالد؟ قلنا‪ :‬الجزاء ِ‬ ‫برِ َ‬
‫من ل يشكر الناس("‪].‬‬ ‫بإرضائه رضي الله عنه؛ فهو من قبيل )ل يشكر الله َ‬
‫‪[18‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن؛ فإذا كانت الزوجة‬ ‫جه ّ‬ ‫ل النساء ومعاملتهن أزوا َ‬ ‫مشاهَد ٌ كذلك في حا ِ‬ ‫وهذا ُ‬
‫كرةً له‪ ،‬وإذا كانت‬ ‫جها شا ِ‬ ‫ة بحقّ زو ِ‬ ‫ة شاكرةً لرّبها؛ فإنها تكون قائم ً‬ ‫صالح ً‬
‫قه عليها‪،‬‬ ‫حدة ً لح ّ‬ ‫رها جا ِ‬ ‫ل الله عليها؛ فإنها تكون كافرة ً ل َِعشي ِ‬ ‫فض ِ‬ ‫حدةً ل ِ َ‬ ‫جا ِ‬
‫ن‬ ‫ر‬ ‫ث‬
‫ُ ِْ َ‬‫ْ‬ ‫ك‬‫ي‬ ‫)‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫الله‬ ‫رول‬ ‫ن‬
‫ّ ّ‬ ‫مه‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫اللتي‬ ‫من‬ ‫فتكون‬
‫شير(‪[19].‬‬ ‫فْرن العَ ِ‬ ‫الشكاةَ وي َك ْ ُ‬
‫كفٌر‬ ‫شير‪ ،‬و ُ‬ ‫فران العَ ِ‬ ‫م في كتاب )اليمان( باب )ك ُ ْ‬ ‫ج َ‬
‫ولله د َّر البخاري فقد تر َ‬
‫فر( قال ابن حجر رحمه الله‪" :‬قال القاضي أبو بكر بن العربي في‬ ‫دون ك ُ ْ‬
‫مى إيمانا‪ ،‬كذلك‬ ‫س ّ‬ ‫ت كما ت ُ َ‬ ‫ن الطاعا ِ‬ ‫نأ ّ‬‫ف أن ُيبي ّ َ‬ ‫مراد ُ المصن ّ ِ‬ ‫حه‪ُ :‬‬ ‫شْر ِ‬ ‫َ‬
‫ج من‬‫المعاصي تسمى كفرا؛ لكن حيث يطلق عليها الكفُر ل يراد الكفُر المخرِ ُ‬ ‫ً‬
‫ة‪ ،‬وهي قوله‬ ‫ب؛ ل ِد َِقيقةٍ َبديع ٍ‬ ‫من بين أنواِع الذنو ِ‬ ‫ن العشيرِ ِ‬ ‫كفرا َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫ة‪ .‬و َ‬ ‫المل ِ‬
‫ت المرأةَ أن تسجد َ‬ ‫مْر ُ‬ ‫د؛ ل َ‬ ‫جد َ لح ٍ‬ ‫ت أحدا أن َيس ُ‬ ‫ً‬ ‫مْر ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم )لو أ َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫فَرت المرأة ُ َ‬ ‫َ‬
‫حقّ الزوِج على الزوجةِ بحقّ الله؛ فإذا ك َ‬ ‫ن َ‬ ‫جها(؛ فقَر َ‬ ‫لزو ِ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ة؛ كان ذلك دليل على َتهاوُِنها ب ِ َ‬ ‫قه عليها هذه الغاي َ‬ ‫ح ّ‬‫من َ‬ ‫جها وقد َبلغَ ِ‬ ‫َزو ِ‬
‫ج عن الملة"‪[20].‬‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ُ‬
‫فُر‪ ،‬لكنه كفٌر ل ي ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الله؛ فلذلك ي ُطلقُ عليها الك ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قدُِر‬ ‫ض الناس‪ ،‬ب َ ْ‬


‫ل ل يَ ْ‬ ‫م بع ُ‬ ‫شك ْرِ الله كما قد يتوهّ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫شك ْرِ النا ِ‬ ‫ض بين ُ‬ ‫فل َتعاُر َ‬
‫ن العربي‬ ‫ُ‬ ‫اب‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫ل‪،‬‬‫ّ‬ ‫ج‬
‫ّ َ‬‫و‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫الله‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ش‬‫ُ‬ ‫على‬ ‫ر‬
‫ُِ‬ ‫د‬ ‫القا‬ ‫إل‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫النا‬ ‫شك ْرِ‬ ‫على ُ‬
‫ة‬
‫م حقيق ً‬ ‫ب؛ فال ْ ُ‬
‫من ْعِ ُ‬ ‫ط وأسبا ٌ‬ ‫من الله‪ ،‬والخلقُ َوسائ ُ‬ ‫ل الن ّعَم ِ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫رحمه الله‪" :‬أ ْ‬
‫خب ٌَر عن‬ ‫شكُر َ‬ ‫جلِله‪ ،‬وال ّ‬ ‫خب ٌَر عن َ‬ ‫شكُر؛ فالحمد ُ َ‬ ‫هو الله‪ ،‬وله الحمد ُ وله ال ّ‬
‫من تأثيرِ المحبة‬ ‫شكرِ ِللناس ِلما فيه ِ‬ ‫ن في ال ّ‬ ‫مه وأْفضاِله؛ لكنه أذِ َ‬ ‫إْنعا ِ‬
‫ل هذه الثمار النفسية والجتماعية للشكر‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫فة"‪ [21].‬فتأ ّ‬ ‫وال ُل ْ َ‬
‫دو الوفاُء‬ ‫كرا ً حيث يغ ُ‬ ‫عباِده شا ِ‬ ‫ل ِ‬‫فض ِ‬ ‫كرًا؛ كان ل ِ َ‬ ‫مدا ً ذا ِ‬ ‫كرا ً حا ِ‬ ‫فمن كان لرّبه شا ِ‬
‫ف‬
‫مجازاة المعروف بالمعرو ِ‬ ‫ف بالفضل و ُ‬ ‫ذى‪ ،‬والعترا ُ‬ ‫منَهجا ً ُيحت َ َ‬ ‫والبّر له َ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن إل الحسان(]‪. [22‬‬ ‫ل جزاُء الحسا ِ‬ ‫دى و)هَ ْ‬ ‫أنموَذجا ً ُيقت َ‬
‫‪----‬‬
‫]‪ [1‬قال العجلوني‪" :‬رواه أحمد بسند رجاله ثقات عن الشعث بن قيس‬
‫رفعه‪ ،‬وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة مرفوعا‪ ،‬وصححه الترمذي عن أبي‬
‫هريرة‪ ،‬وقال الحافظ ابن حجر‪ :‬فيه أربع روايات‪ :‬رفع لفظ الجللة والناس‪،‬‬
‫ونصبهما‪ ،‬ورفع الول ونصب الثاني‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬وتوجيهها ظاهر"‪ .‬كشف‬
‫الخفاء ومزيل اللباس للعجلوني ‪ ،2/508‬حديث ‪ .3146‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪ 1405 ،4‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [2‬من القصيدة الغرامية لبن فََرح‪.‬‬
‫]‪ [3‬مسند أحمد ‪ ،2/258‬حديث ‪ 7495‬و ‪ ،7926‬و ‪ ،8006‬و ‪ ،90022‬و‬
‫‪ ،9945‬و ‪ ،10382‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫]‪ [4‬مسند أبي داود الطيالسي ‪ ،1/326‬حديث ‪ .2491‬دار المعرفة بيروت‪.‬‬
‫]‪ [5‬سنن الترمذي ‪ ،4/339‬حديث ‪ ،1955-1954‬باب )ما جاء في الشكر‬
‫لمن أحسن إليك(‪ .‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫]‪ [6‬سنن أبي داود ‪ ،4/255‬باب في شكر المعروف‪ ،‬عن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬ل يشكر الله من ل يشكر‬
‫الناس(‪ .‬حديث ‪.4811‬‬
‫]‪ [7‬السنن الكبرى للبيهقي ‪ ،6/182‬في باب شكر المعروف‪ ،‬حديث‬
‫‪.11812‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [8‬مسند الشهاب لمحمد بن سلمة القضاعي ‪ ،2/35‬حديث ‪ ،829‬و ‪.830‬‬


‫وترجم به )ل يشكر الله من ل يشكر الناس(‪ ،‬مؤسسة الرسالة بيروت‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫‪ 1407‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [9‬الدب المفرد للبخاري ‪ ،1/85‬دار البشائر السلمية بيروت‪ ،‬حديث ‪.218‬‬
‫]‪[10‬وقد وردت روايات أخر عن غير أبي هريرة منهم‪ :‬الشعث بن قيس‪،‬‬
‫وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫]‪ [11‬الترغيب والترهيب للمنذري ‪ ،2/45‬حديث ‪ ،1435‬دار الكتب العلمية‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪ 1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [12‬شعب اليمان ‪ ،6/516‬حديث ‪ .9118‬دار الكتب العلمية بيروت‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ 1410‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [13‬قال ابن العربي رحمه الله‪)" :‬من ل يشكر الناس ل يشكر الله( روي‬
‫برفع الجللة والناس‪ ،‬ومعناه من ل يشكره الناس ل يشكره الله‪ ،‬وبنصبهما‪:‬‬
‫كر الله؛ فإنه أمر بذلك عبيده‪،‬‬‫أي من ل يشكر الناس بالثناء بما أ َْولوه ل َيش ُ‬
‫كره‪ ،‬وبرفع‬‫ش َ‬ ‫شكَرهم كمن َ‬ ‫من َ‬ ‫س كمن ل يشكر الله‪ ،‬و َ‬ ‫من ل َيش ُ‬
‫كر النا َ‬ ‫أو َ‬
‫الناس ونصب الجللة وبرفع الجللة ونصب الناس‪ ،‬ومعناه‪ :‬ل يكون من الله‬
‫ن وإجراؤه‬ ‫س ِ‬‫شكُر الله ثناؤه على المح ِ‬‫شاكرا إل من كان شاكرا للناس‪ ،‬و ُ‬
‫الن ّعَم ِ عليه بغير زوال"‪ .‬فيض القدير للمناوي ‪ .6/240‬المكتبة التجارية‬
‫الكبرى‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪.1‬‬
‫]‪ [14‬صحيح ابن حبان ‪ .8/198‬حديث ‪ ،3407‬مؤسسة الرسالة بيروت‪ ،‬ط‬
‫‪ 1414 ،2‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [15‬موارد الظمآن للهيثمي ‪ ،1/506‬حديث ‪ ،2070‬وحديث ‪.2071‬‬
‫]‪ [16‬الجامع لحكام القرآن للقرطبي ‪،1/398‬‬
‫]‪ [17‬لقمان ‪.14‬‬
‫]‪ [18‬فيض القدير للمناوي ‪.4/33‬‬
‫]‪ [19‬رواه البخاري ‪.1/19‬‬
‫]‪ [20‬فتح الباري لبن حجر ‪ ،1/83‬دار المعرفة بيروت‪.‬‬
‫]‪ [21‬فيض القدير ‪.225-6/224‬‬
‫]‪ [22‬الرحمن ‪.60‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فُروا ِفي ال ِْبلدِ‬


‫ن كَ َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫ل ي َغُّرن ّ َ‬
‫ك تَ َ‬
‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬علي بن عمر بادحدح‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن واله‪،،،‬‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫دد العدوان الصهيوني الثم على فلسطين ولبنان تطغى على كل‬ ‫ج ّ‬‫فإن أنباء ت َ‬
‫الخبار‪ ،‬وتشغل المساحة الكبر في وسائل العلم المختلفة‪ ،‬فعلى مرأى‬
‫ومسمع من العالم كله قام الكيان الصهيوني بأبشع جرائم القتل التي كان‬
‫ضحاياها من المدنيين من النساء والطفال والشيوخ‪ ،‬كما مارس التدمير‬
‫الثم على خدمات الكهرباء والمياه والمطارات والموانئ والجسور‬
‫والطرقات‪ ،‬في جريمة كبرى ل مثيل لها في وضوحها وبشاعتها‪ ،‬وفي خضم‬
‫المناورات والحسابات السياسية تختلط كثير من الحقائق والرؤى الصائبة‪،‬‬
‫وهذه نظرات مستلهمة من القرآن والسنة حول المفاهيم والمواقف ‪:‬‬
‫ل‪ :‬مفاهيم الصراع المبدئية‬ ‫أو ً‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬الصراع مع اليهود الصهاينة ‪ -‬ومركزه أرض السراء ‪ -‬صراع عقدي‬


‫حضاري ‪ ،‬وأسبابه لها جذور تاريخية في عداء اليهود للسلم منذ بعثة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬و من هنا يأتي فهم سياق الحداث الجارية من مثل‬
‫َْ‬ ‫قوله تعالى‪ } :‬ك ُل ّما أ َوقَدوا نارا ً لل ْحرب أ َط ْ َ َ‬
‫ض‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫سعَوْ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫ها الل ّ ُ‬ ‫فأ َ‬ ‫ِ َ ْ ِ‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫ن { ] المائدة‪ ،[64 :‬أي "كلما عقدوا أسبابا ً‬ ‫س ِ َ‬‫دي‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫سادا ً َوالل ّ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫يكيدونك بها‪،‬وكلما أبرموا أمورا ً يحاربونك بها يبطلها الله ويرد كيدهم عليهم"‬
‫] ابن كثير ص ‪" [ 634‬وكون المراد من الحرب محاربة الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم هو المروي عن الحسن ومجاهد" ] اللوسي ‪ ، [6/183‬ومزيد من‬
‫مُنوا ال ْي َُهود َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫داوَة ً ل ِل ّ ِ‬ ‫س عَ َ‬ ‫شد ّ الّنا ِ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫جد َ ّ‬ ‫البيان نجده في قوله تعالى‪ } :‬ل َت َ ِ‬
‫كوا { ] المائدة‪ "، [ 82:‬وهذا خبر مطلق منسحب على الزمن‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫مَرُنوا على تكذيب النبياء‬ ‫كله‪ ،‬وهكذا هو المر حتى الن‪ ،‬وذلك أن اليهود َ‬
‫مَرُدوا على استشعار اللعنة وضرب الذلة‬ ‫وقتلهم‪ ،‬ود ََرُبوا العتوّ والمعاصي‪ ،‬و َ‬
‫ت عداوتهم‪ ،‬وكث َُر حسدهم‪ ،‬فهم أشد الناس عداوة‬ ‫ج ْ‬ ‫ح َ‬ ‫والمسكنة‪ ،‬فهم قد ل َ‬
‫للمؤمنين" ] ابن عطية ص ‪ ،[568‬وطبيعة الجرام والعدوان اللنساني‬
‫الغاشم الذي يمارسه الكيان الصهيوني المحتل نراه جليا ً بكل قسوته‬
‫م إ ِّل ً َول‬ ‫م ل ي َْرقُُبوا ِفيك ُ ْ‬ ‫ن ي َظ ْهَُروا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫وفظاعته في قوله تعالى‪ } :‬ك َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫شت ََرْوا ِبآيا ِ‬ ‫ن*ا ْ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫م َفا ِ‬ ‫م وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫م وَت َأَبى قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫م ب ِأفْ َ‬ ‫ضون َك ُ ْ‬ ‫ة ي ُْر ُ‬ ‫م ً‬ ‫ذِ ّ‬
‫ن‬‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫ن * ل ي َْرقُُبو َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫سِبيل ِهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫منا ً قَِليل ً فَ َ‬ ‫ثَ َ‬
‫ُ‬
‫ن { ] التوبة‪. [10_ 8:‬‬ ‫دو َ‬ ‫معْت َ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ة وَأول َئ ِ َ‬ ‫م ً‬ ‫إ ِّل ً َول ذِ ّ‬
‫‪ -2‬الغايات التي يريدها الصهاينة‪،‬وأمريكا الداعمة لهم ‪ ،‬والغرب المتواطئ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫مصداقا ً لقول الله تعالى‪ { :‬ي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫معهم معرفتها سهلة لظهورها في الواقع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ْ‬
‫م ُنوَره ُ وَلوْ ك َرِهَ ال َ‬ ‫َ‬ ‫ن ي ُت ِ ّ‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِل أ ْ‬ ‫م وَي َأَبى الل ّ ُ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫فُئوا ُنوَر الل ّهِ ب ِأفْ َ‬ ‫ن ي ُط ْ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن ك ُل ّهِ وَل َوْ ك َرِهَ‬ ‫دي ِ‬ ‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِره ُ عََلى ال ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دى وَِدي ِ‬ ‫ه ِبال ْهُ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن { ] التوبة‪(33-32:‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫[ ‪ ،‬فالغايات الكبرى هي مناوأة السلم‪ ،‬ومحاربة عقائده ومبادئه‪ ،‬ومن ثم‬
‫استهداف معتنقيه وحملته بالقتل بصفة دائمة كما ورد في قوله تعالى‪َ } :‬ول‬
‫ن‬‫م عَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ي َْرت َدِد ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عوا وَ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫ن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫حّتى ي َُرّدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ي ََزاُلو َ‬
‫ُ‬
‫خَرةِ وَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َواْل ِ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫كافٌِر فَأول َئ ِ َ‬ ‫ت وَهُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِدين ِهِ فَي َ ُ‬
‫ن { ] البقرة‪.[217:‬‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫‪ -3‬سنة الكون ل تتبدل ول تتغير فالتمكين في الرض ممزوج ومسبوق بسنة‬
‫ْ‬ ‫البتلء ‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬أ َم حسبت َ‬
‫وا‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ْ‬
‫مُنوا‬ ‫َ ِ َ َ‬‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ّ ُ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ ّ َ‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ز‬
‫َُ ِ‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ز‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫را‬ ‫ض ّ‬ ‫ساُء َوال ّ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ب { ] البقرة‪[214 :‬‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫أل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫تى‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ِ ِ ٌ‬ ‫ِ ّ َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ْ ُ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -4‬نهاية الصراع وعاقبة المواجهة والجهاد واضحة عند المسلمين‪ ،‬وهي دائرة‬
‫بين اثنتين‪) :‬النصر أو الشهادة( وفي الولى عز الدنيا‪ ،‬وفي الثانية فوز الخرة‬
‫ن*‬‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ل ال ْ ُ‬‫ولَنا وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ل ََنا هُوَ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ما ك َت َ َ‬ ‫صيب ََنا إ ِّل َ‬‫ن يُ ِ‬ ‫ل لَ ْ‬‫} قُ ْ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫م الل ُ‬ ‫صيب َك ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ص ب ِك ْ‬‫ن ن َت ََرب ّ ُ‬
‫ح ُ‬‫ن وَن َ ْ‬‫سن َي َي ْ ِ‬
‫ح ْ‬‫دى ال ُ‬ ‫ح َ‬‫ن ب َِنا إ ِل إ ِ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ل ت ََرب ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ] التوبة‪،[52:‬‬ ‫صو َ‬ ‫مت ََرب ّ ُ‬‫م ُ‬‫معَك ْ‬ ‫صوا إ ِّنا َ‬ ‫ديَنا فَت ََرب ّ ُ‬ ‫عن ْدِهِ أوْ ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٍ‬‫ب ِعَ َ‬
‫والبيان التوضيحي لذلك نجده في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪ ) :‬تكفل الله لمن جاهد في سبيله ل يخرجه‬
‫إل الجهاد في سبيله وتصديق كلماته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة ( رواه البخاري‪.‬‬


‫ثانيًا‪ :‬مفاهيم المقاومة والنتصار‬
‫‪ -1‬إن مقاومة المحتل والدفاع عن الرض والعرض حق مكفول في جميع‬
‫الملل والشرائع ‪ ،‬ومشروعية المقاومة ضد المحتل أقرتها العراف والقوانين‬
‫الدولية‪ ،‬واستمداد المشروعية ‪ -‬عند المسلم ‪ -‬ل يفتقر إلى ذلك لن أساسه‬
‫ن‬‫الوحي المعصوم ومواده آيات القرآن الكريم فالحق جل وعل يقول‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫فرِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلوا أئ ِ ّ‬ ‫م فَ َ‬ ‫م وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ عَهْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫ن َك َُثوا أي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ن * َأل ت ُ َ‬ ‫َ‬
‫خَراِج‬ ‫موا ب ِإ ِ ْ‬ ‫م وَهَ ّ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫وما ً ن َك َُثوا أي ْ َ‬ ‫ن قَ ْ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫م ي َن ْت َُهو َ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫أي ْ َ‬
‫َ‬ ‫شونهم َفالل ّ َ‬ ‫مّرةٍ أ َت َ ْ‬ ‫م أ َوّ َ‬ ‫ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫شوْه ُ إ ِ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫خ َ َُْ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ب َد َأوك ُ ْ‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ف‬ ‫ش ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫م عَلي ْهِ ْ‬ ‫صْرك ْ‬ ‫م وَي َن ْ ُ‬ ‫خزِهِ ْ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫ديك ْ‬ ‫ه ب ِأي ْ ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫م ي ُعَذ ّب ْهُ ُ‬ ‫ن * َقات ِلوهُ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن { ] التوبة‪ ،[14 – 12:‬وفي سنة سيد المجاهدين صلى‬ ‫َ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ُ َ ْ ٍ‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫دو‬‫ُ‬ ‫ص‬
‫الله عليه وسلم عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪ ) :‬من قتل دون ماله فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون دينه فهو شهيد‪،‬‬
‫ومن قتل دون دمه فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون أهله فهو شهيد ( ] رواه‬
‫الترمذي‪،‬وله رواية مختصرة عند البخاري [‪ ،‬فهل بعد هذه المشروعية‬
‫الواضحة المحددة في الحالت المختلفة حاجة لمزيد ؟‬
‫وينبغي التنبيه أن مشروعية الجهاد السلمي الصحيح المشروع دائمة‬
‫ومستمرة ومستمدة من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد روى‬
‫سلمة بن نفيل الكندي قال‪:‬كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫س الخيل ووضعوا السلح‪ ،‬وقالوا ل جهاد‪،‬‬ ‫فقال رجل‪ :‬يا رسول الله أذال النا ُ‬
‫قد وضعت الحرب أوزارها‪ ،‬فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه‬
‫وقال‪ ) :‬كذبوا‪ ،‬الن الن جاء القتال‪ ،‬ول يزال من أمتي أمة يقاتلون على‬
‫الحق‪ ،‬ويزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة‪ ،‬وحتى‬
‫يأتي وعد الله‪ ،‬والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ( رواه‬
‫النسائي‪.‬‬
‫‪ -2‬إن المرابطين المقاومين المجاهدين في سبيل الله‪ ،‬ومن ورائهم‬
‫المؤمنون بالله حق اليمان يدركون الحقائق اليمانية ويعرفون الموازين‬
‫السلمية فيمضون في معاركهم وهم على بصيرة‪،‬فهم على يقين أن النصر‬
‫ملُقو‬ ‫ل ال ّذين يظ ُنو َ‬ ‫من الله وليس بعدة ول عتاد ول كثرة أعداد } َقا َ‬
‫م ُ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ِ َ َ ّ َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ة ك َِثيَرةً ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫ت فِئ َ ً‬ ‫ن فِئ َةٍ قَِليل َةٍ غَل َب َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫الل ّهِ ك َ ْ‬
‫كيم ِ { ] آل عمران‪:‬‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صُر إ ِّل ِ‬ ‫ما الن ّ ْ‬ ‫] البقرة‪ } [249 :‬وَ َ‬
‫‪ ،[126‬ومن قوة إيمانهم يثبتون ويصبرون فموقفهم في مثل هذه المواجهة ‪-‬‬
‫رغم شدتها ‪ -‬التقدم ل التراجع وكأنهم يمضون مع قوله تعالى‪َ } :‬ول ت َهُِنوا‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫ن وَت َْر ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت َأل َ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َأل َ ُ‬ ‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫كوُنوا ت َأل َ ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫قوْم ِ إ ِ ْ‬ ‫ِفي اب ْت َِغاِء ال ْ َ‬
‫كيما ً { ] النساء‪ ،[104:‬ويجددون ما مضى‬ ‫ح ِ‬ ‫ه عَِليما ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ما ل ي َْر ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫جا‬‫َ‬ ‫ر‬
‫َ ِ‬ ‫ن‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫}‬ ‫المؤمنين‬ ‫المجاهدين‬ ‫من‬ ‫أسلفهم‬ ‫عليه‬
‫ديل ً {‬ ‫ما ب َد ُّلوا ت َب ْ ِ‬ ‫و‬
‫ُ َ َ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫من ْهُ ْ َ ْ‬
‫م‬ ‫م‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫حب َ ُ‬‫ضى ن َ ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِ فَ ِ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫عاهَ ُ‬ ‫َ‬
‫] الحزاب‪.[ 23:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -3‬إن المقاومة دليل حياة الشعوب‪ ،‬ومؤشر على كرامة وحرية الرافضين‬
‫للحتلل ‪ ،‬ول يرضى بالذل ويستسلم للعدوان إل من سفه نفسه وفقد‬
‫إنسانيته‪، ،‬ول بد من تثبيت معاني كرامة وعزة المسلم وأنه يجب أن ل يذل‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫م اْل َعْل َوْ َ‬
‫ن‬ ‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫إل لخالقه استجابة لنداء الحق جل وعل‪َ } :‬ول ت َهُِنوا َول ت َ ْ‬
‫ن { ] آل عمران‪ ،[139:‬وحين يكثر الظلم وتتوالى الضربات‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫والهانات تضمر هذه المعاني ‪ ،‬وللسف فإننا نجد أن وسائل العلم تسهم‬
‫في تكريس ذلك من خلل تزييف معاني العزة والكرامة والستهزاء بها‪،‬‬
‫وبالتالي تنسى هذه المعاني مع مرور الزمن وتعاقب الجيال‪ ،‬مما يستدعي‬
‫التأكيد على ذلك سيما في مثل هذه الزمنة التي مرت فيها المة السلمية‬
‫بحالت من الضعف الشديد‪ ،‬ولعل من سبل مواجهة ذلك إبراز أثر المقاومة‬
‫في العزة والستعلء اليماني‪.‬‬
‫‪ -4‬إن تاريخ أمتنا يكشف لنا أن المسلمين انتصروا في معاركهم الكبرى‬
‫جميعها رغم قلة قوتهم عددا ً وعدة مقارنة بعدوهم‪ ،‬ففي يوم بدر يقول‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫قات ِ ُ‬
‫ة تُ َ‬‫قَتا فِئ َ ٌ‬ ‫ن ال ْت َ َ‬ ‫ة ِفي فِئ َت َي ْ ِ‬ ‫م آي َ ٌ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫سبحانه وتعالى‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫ْ‬ ‫وَأ ُ ْ‬
‫ن ِفي‬ ‫شاُء إ ِ ّ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫صرِهِ َ‬ ‫ه ي ُؤَي ّد ُ ب ِن َ ْ‬ ‫ن َوالل ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫م َرأيَ العَي ْ ِ‬ ‫مث ْل َي ْهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫كافَِرةٌ ي ََروْن َهُ ْ‬ ‫خَرى َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صارِ { ] آل عمران‪ ،[13:‬وهكذا كان الحال في اليرموك‬ ‫ك ل َعِب َْرةً ِلوِلي اْلب ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫والقادسية‪ ،‬بل وفي حطين وعين جالوت‪ ،‬ومثل ذلك في فتح الندلس‬
‫والقسطنطينية‪ ،‬وفي العصر الحديث كانت المقاومة الباسلة للمحتل‬
‫الفرنسي في الجزائر‪ ،‬وللمحتل اليطالي في ليبيا‪ ،‬وللمحتل النجليزي في‬
‫مصر والعراق وغير ذلك‪ ،‬وقل أن تجد في التاريخ مقاومة لمحتل لديها قوة‬
‫مكافئة للمحتل فضل ً عن أن تكون متفوقة عليه‪ ،‬ومن ثم ل بد من تقديم‬
‫ضريبة العز‪ ،‬وبذل عربون النصر من خلل تقديم الشهداء‪ ،‬وضرب أروع أمثلة‬
‫التضحية والفداء‪ ،‬وأما النتظار إلى أن تتعادل الكفة وتتكافأ القوى فغير‬
‫ممكن وخاصة في ظل حكومات عربية ل هم لها سوى الحفاظ على كراسي‬
‫حكمها‪ ،‬وبالتالي فإن اقل القليل هو دعم المقاومة الشعبية التي تنهك هذا‬
‫العدو وتزلزل كيانه وتقلق راحته ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مفاهيم المواجهة الحالية‬
‫‪ -1‬إن أساس المواجهات الحالية وأصلها يتمثل في الحتلل‪ ،‬ووجود الصهاينة‬
‫المحتلين على أرض فلسطين ولبنان هو السبب لكل ما يجري‪ ،‬ولذا يجب أن‬
‫تتجه النظار إلى لب المشكلة ل إلى آثارها‪ ،‬ول يغيب عن ذهن أي عاقل ما‬
‫سبق هذه العتداءات الصهيونية على فلسطين ولبنان من أعمال إجرامية‬
‫مليئة بالغطرسة والعدوان من قتل وهدم وتجريف واعتقال وهو ما يعتبر‬
‫سمة أساسية في هذا الكيان الغاصب‪ ،‬الذي يضرب عرض الحائط بكل‬
‫القوانين والقرارات الدولية‪،‬فل يصح بحال قطع ما يحصل الن من قصف‬
‫لفلسطين ولبنان عن تاريخ هذا الكيان المليء بالنتهاكات والعدوان والظلم‬
‫الشنيع ‪ ،‬ومن ثم فإن كل فعل ضد هذا الجرام الفظيع أقل درجاته أنه من‬
‫ن‬‫م ِ‬‫باب الدفاع عن النفس‪ ،‬واسترداد الحق‪ ،‬ومعاقبة المجرم المعتدي‪ } ،‬فَ َ‬
‫م { ] البقرة‪،[ 194:‬‬ ‫دى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما اعْت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬‫دوا عَل َي ْهِ ب ِ ِ‬ ‫م َفاعْت َ ُ‬ ‫دى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫اعْت َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن { ] الشورى‪. [ 39:‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي َن ْت َ ِ‬ ‫ي هُ ْ‬ ‫م الب َغْ ُ‬ ‫صاب َهُ ُ‬ ‫ن إ َِذا أ َ‬ ‫ذي َ‬‫} َوال ِ‬
‫‪ -2‬ينبغي النتباه إلى أنه ‪ -‬في هذه الحداث الدامية العصيبة ‪ -‬يوجد عدو‬
‫مشترك وهو العدو الصهيوني الذي استقوى بأمريكا وغيرها من قوى‬
‫الستكبار ‪ ،‬ومارس القتل والتشريد للمستضعفين من المسلمين بكافة‬
‫أجناسهم وطوائفهم وهذا عدو للجميع‪ ،‬وينبغي التوحد في مواجهته ‪ ،‬حتى وإن‬
‫اختلفنا في المذاهب والتوجهات‪ ،‬وإن كل ما يضر العدو الصهيوني ويؤذيه‬
‫ويوقع فيه النكاية فالموقف منه التأييد بعض النظر عن مصدره ومعتقده أو‬
‫م * ِفي أ َد َْنى‬ ‫ت الّرو ُ‬ ‫مذهب فاعله‪ ،‬ولذلك أصل في أول سورة الروم } غُل ِب َ ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مُر ِ‬ ‫ن ل ِل ّهِ اْل ْ‬ ‫سِني َ‬ ‫ضِع ِ‬ ‫ن * ِفي ب ِ ْ‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َعْد ِ غَل َب ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ض وَهُ ْ‬ ‫الْر ِ‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م{‬
‫حي ُ‬ ‫شاُء وَهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫زيُز الّر ِ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫صرِ الل ّهِ ي َن ْ ُ‬
‫صُر َ‬ ‫ن * ب ِن َ ْ‬
‫مُنو َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫فَر ُ‬
‫مئ ِذ ٍ ي َ ْ‬
‫ب َعْد ُ وَي َوْ َ‬
‫] الروم‪.[5 :‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -3‬إن المعارك والمواجهات الحالية إنما هي جزء من مرحلة طويلة في‬


‫مضمار الصراع ‪ ،‬ول زالت هناك مراحل مليئة بالمواجهات فل ينبغي أن‬
‫تختصر القضية في هذه الحداث الجارية حاليًا‪ ،‬ول ينبغي أن نؤخذ بالحداث‬
‫ه ال ّ ِ‬ ‫النية فاليام دول‪ } ،‬وت ِل ْ َ َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬‫م نُ َ‬ ‫ك اْلّيا ُ‬ ‫َ‬
‫داَء { ] آل عمران‪ ،[140 :‬وفي يوم أحد ‪ " :‬قال أبو سفيان‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫خذ َ ِ‬ ‫وَي َت ّ ِ‬
‫سر‪ ،‬حنظلة بحنظلة وفلن‬ ‫ساء ويوم ن ُ َ‬ ‫يوم بيوم بدر يوم لنا ويوم علينا‪ ،‬ويوم ن ُ َ‬
‫بفلن وفلن بفلن " ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬ل سواء‪،‬‬
‫أما قتلنا فأحياء يرزقون وقتلكم في النار يعذبون ( ‪ ،‬وإن الحداث الراهنة ‪-‬‬
‫بما فيها من شدة و عسر ‪ -‬تكشف صدق الصادقين وزيف المدعين الذين‬
‫وجدوا في ظاهر الحداث فرصة للتشفي من أمتهم ومبادئها‪ ،‬وتأكيدا ً‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫لخنوعهم ودعوتهم المخذلة للرتماء في أحضان الخصوم والعداء } َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ما كا َ‬‫َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ميَز ال ْ َ‬
‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫ن عََلى َ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ‬‫الل ّ ُ‬
‫مُنوا ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫شاُء َفآ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل ِهِ َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬‫جت َِبي ِ‬ ‫ه يَ ْ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ب وَل َك ِ ّ‬ ‫م عََلى ال ْغَي ْ ِ‬ ‫ه ل ِي ُط ْل ِعَك ُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م { ] آل عمران‪.[179:‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫قوا فَل َك ُ ْ‬‫مُنوا وَت َت ّ ُ‬‫ن ت ُؤْ ِ‬ ‫سل ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫وَُر ُ‬
‫‪ -4‬إن العقيدة الصهيونية قائمة على استغلل أي فرصة لضرب أي جهة‬
‫تقاومها أو تفكر في مقاومتها مستقبل ً ‪ ،‬ويخطئ من يظن أن المقاومة في‬
‫فلسطين لها قدرة على تجنب القتال لنه مفروض عليهم بحكم النظرية‬
‫العدوانية الصهيونية ومن خلل التفوق في القوة واللة العسكرية التي‬
‫تتظافر على وجوب إرغام الجميع لسيادتها سواء تحت تهديد القوة أو‬
‫الستسلم المسمى بأسماء السلم أو التطبيع ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬مواقف الطراف المختلفة‬
‫‪ -1‬إن موقف الدول الكبرى تراوح بين التأييد الظالم والسكوت المظلم‪،‬‬
‫والمسارعة للضغط على الطرف المظلوم وتحميله المسئولية‪ ،‬ومطالبته‬
‫بتنفيذ شروط المعتدي والرضوخ لرادته دون قيد أو شرط‪ ،‬وإضفاء الشرعية‬
‫على عدوانه وصبغه بالدفاع عن النفس ‪ ،‬وهذا هو موقف أمريكا المعلن‪،‬‬
‫وموقف أوروبا المبطن‪ ،‬وموقفهم جميعا ً ‪ -‬قبل الحداث الخيرة ‪ -‬كان متفقا ً‬
‫على محاربة الحكومة الفلسطينية المنتخبة ومحاصرتها هي والشعب‬
‫الفلسطيني بكامله رغم المأساة والمعاناة‪ ،‬وكل ذلك دليل على زيف دعاوى‬
‫تحقيق الديموقراطية‪ ،‬وعدم مصداقية الحفاظ على حقوق النسان‪ ،‬واختلل‬
‫ميزان العدل‪ ،‬وغياب المساواة‪ ،‬وترسيخ مبادئ الظلم والعدوان ‪ ،‬كما أنه‬
‫دليل على أن تلك الدول تتبنى الضرار بالعرب والمسلمين وتفرح بأذاهم‬
‫وتساعد على ذلك وتؤيده ‪ ،‬بل إن أمريكا تمنع مجرد إدانة المعتدي وذلك من‬
‫خلل استخدام حق النقض الفيتو الذي يمثل شريعة الغاب‪ ،‬ويلغي الحق‬
‫ع‬
‫حّتى ت َت ّب ِ َ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ َول الن ّ َ‬ ‫ضى عَن ْ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫والعدل بالقوة والهوى‪ } ،‬وَل َ ْ‬
‫م { ] البقرة‪[120:‬‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ -2‬تعودت الشعوب المضطهدة في فلسطين ولبنان وغيرها أن تسمع من‬
‫الدول العربية كلمات الشجب والستنكار التي ل تدفع ول تنفع‪ ،‬وقبل هذه‬
‫الحداث كانت مجازر شاطئ غزة وجرائم وحشية يهودية متكررة‪ ،‬فضل ً عن‬
‫وجود آلف السرى الفلسطينيين بمن فيهم من النساء والطفال وكل ذلك‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قابله السكوت المطبق طوال الشهر السابقة في فلسطين ‪ ،‬وموقف الدول‬


‫العربية من الحداث الحالية يكشف عن ضعف وعجز وتخاذل وانكسار‪ ،‬وليت‬
‫المر توقف عند هذا الحد على ما فيه من خزي وعار ومهانة‪ ،‬إل أننا نرى‬
‫بعض تلك الحكومات نزلت إلى درجة لم تكن متوقعة من التخلي التام عن‬
‫المقاومة المشروعة بل وإدانتها بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬وذلك يتضمن‬
‫إعطاء العدو الصهيوني مشروعية التدمير والعدوان ‪ ،‬وهذا ما تذكره‬
‫صُروك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ست َن ْ َ‬
‫نا ْ‬ ‫وتستشهد به أمريكا‪ ،‬وأين هذه المواقف من قوله تعالى‪ } :‬وَإ ِ ِ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ميَثاقٌ َوالل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫صُر إ ِّل عََلى قَوْم ٍ ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن فَعَل َي ْك ُ ُ‬
‫م الن ّ ْ‬ ‫دي ِ‬
‫ِفي ال ّ‬
‫صيٌر { ] النفال‪،[ 72:‬وهذا كله بخلف ما عليه شعوب البلدان العربية‬ ‫بَ ِ‬
‫والسلمية التي تؤيد في معظمها المقاومة وتتلهف لمعاونتها والوقوف في‬
‫صفها ‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الموقف من حزب الله‬
‫‪ -1‬إن اتخاذ المواقف ‪ -‬في مثل هذه الحداث ‪ -‬يؤسس على قاعدة جلب‬
‫المصالح ودرء المفاسد‪ ،‬وذلك يرجع إلى اجتهاد أهل الشأن حسب تقديرهم‬
‫المستهدي بأصول الشريعة ومحكماتها‪ ،‬والمستند إلى معرفة وخبرة واقعية‬
‫بمجريات الحداث‪ ،‬وهو اجتهاد قد يعتريه الخطأ ويتغير بحسب ظروف‬
‫الزمان والمكان ‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يخفى على أي مطلع أن الحزب شيعي المذهب‪ ،‬وله ارتباطاته الواضحة‬
‫بإيران‪ ،‬وصلته المعروفة بسوريا‪،‬وذلك له أثره الواضح على توجهاته وأعماله‪،‬‬
‫ولكن هذا ليس هو المقياس الوحيد في هذه المعركة التي نحن بصددها ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫‪ -3‬إن للحزب وحلفائه أهدافا ً تخصهم وتصب في مصالحهم الذاتية‪ ،‬وأهدافا ً‬
‫يشتركون فيها ‪ -‬من خلل العمل الميداني على القل ‪ -‬مع المقاومة في‬
‫فلسطين ومع مصالح بقية المة‪ ،‬وذلك في إلحاق الضرر بالعدو الصهيوني‪،‬‬
‫وكل أذى ونكاية في هذا العدو مطلوبة ومرغوبة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -4‬الوقت الحالي ‪ -‬مع استمرار هذا العدوان ‪ -‬ليس وقتا مناسبا للمحاسبات‬
‫المذهبية أو الطائفية بل هو وقت ينبغي فيه التركيز على العدو الكبر الذي‬
‫يهلك الحرث والنسل ويهدد البلد والعباد ‪.‬‬
‫‪ -5‬إن النظرة الكلية للصراع تقتضي رد الجزئيات إلى الكليات وربط الفروع‬
‫بالصول والنظرة الشاملة هي المطلب الذي يساعد على صواب الرأي‬
‫ووضع المور في نصابها من خلل رؤية خطورة وشمولية المعركة‪،‬‬
‫والطراف المشاركة والمؤيدة للعدوان‪ ،‬بحيث يكون التأييد أو التحفظ في‬
‫إطار محدد ومتوازن‪ ،‬وبما يحقق المصالح ويدفع المفاسد‪.‬‬
‫‪ -6‬إن العدوان الصهيوني الحالي في لبنان ليس وليد وقته وليس ردة فعل‬
‫لحدث معين ‪ -‬كما يبدو للناظر لول وهلة ‪ -‬بل إن الوقائع تدل على غير ذلك‪،‬‬
‫حيث ل يمكن أن يكون تحديد الهداف الكثيرة‪ ،‬والعمليات المتواصلة مع‬
‫تحديد مدد ومطالب معينة‪ ،‬كل ذلك ل ُيمكن إل بتخطيط مسبق وإعداد‬
‫مبيت‪ ،‬ومثل هذا تماما ً ُيقال في الحداث الخيرة في فلسطين بعد عملية‬
‫)الوهم المتبدد( وما تلها من عمليات عسكرية وخطف للوزراء والنواب‪،‬‬
‫وهذا يتوافق مع إستراتيجية العدوان الصهيوني الذي يسعى إلى إنهاء كل قوة‬
‫محتملة يمكن أن تشكل مقاومة له أو حجر عثرة في طريق مخططاته‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬المواقف والعمال المطلوبة‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنه لبد لنا إزاء هذه الحداث أن نغير في مسيرة حياتنا فكرا ً وشعورا ً وسلوكا ً‬
‫بما يلزم من الستمساك بالدين والعتصام بالكتاب والسنة وهذه بعض‬
‫الخطوات المطلوبة ‪:‬‬
‫‪ -1‬تجديد التوبة‪ ،‬وصدق اللتجاء إلى الله‪ ،‬والجتهاد في الستقامة على شرع‬
‫الله‪ ،‬واجتناب المعاصي والبتعاد عما حرم الله‪.‬‬
‫‪ -2‬تحقيق الخوة اليمانية وتوكيد الرابطة السلمية بنصرة إخواننا المجاهدين‬
‫في فلسطين ببذل المال وتقديم الغاثة لهم بكل الوسائل والمكانات‬
‫المتاحة ومشاركتهم شعوريا ً وعاطفيا ً باستشعار مصابهم وآلمهم‪ ،‬علما بأن‬
‫ً‬
‫إخواننا من أهل السنة في لبنان أصابهم بلء كثير وحصل لهم تهجير كبير وهم‬
‫موجودون في مزارع شبعا الحدودية وبعض قرى الجنوب و مدينتا صيدا‬
‫وصور هما عمق سني لشمال لبنان‪.‬‬
‫‪ -3‬التوعية بالحقائق اليمانية والمبادئ السلمية في مواجهة العداء ومجابهة‬
‫الخطوب وتوضيح المعاني الشرعية الصحيحة للمفاهيم السلمية المهمة‬
‫كالجهاد والولء والبراء‪ ،‬وتعزيزها في ضوء النصوص الشرعية والحداث‬
‫الواقعية وحقيقة الصراع بين الحق والباطل مع التحذير من التخذيل واختلط‬
‫المفاهيم ‪.‬‬
‫‪ -4‬التخفف من الدنيا وتجنب الركون إليها والبعد عن الستكثار من المباحات‬
‫والنشغال بالكماليات ‪ ،‬والعتبار بما جرى لخواننا من الدمار والعدوان‪،‬‬
‫وتهيئة النفوس لحياة الجد والعزم‪ ،‬واستنهاض الهمم لعيش العزة والكرامة‪،‬‬
‫وتحديث النفس بالدفاع عن السلم والمسلمين وصد عدوان المعتدين ‪.‬‬
‫‪ -5‬العمل على إحياء المقاطعة القتصادية للبضائع والخدمات والمصالح‬
‫التجارية للكيان الصهيوني وأمريكا الداعمة له‪ ،‬والتنبيه على أهمية ذلك‬
‫وجدواه كسلح من أسلحة المقاومة ضد العدو‪.‬‬
‫‪ -6‬استحضار ضراوة المعركة وخطورة المؤامرة التي يجتمع فيها العدو‬
‫الصهيوني‪ ،‬مع دعم مطلق من أمريكا‪ ،‬وتآزر مباشر وغير مباشر من بعض‬
‫دول أوروبا‪ ،‬وأهمية إدراك استهداف مكامن القوة والعزة عند المسلمين‪،‬‬
‫والعمل على تفريق صفهم وتفتيت وحدتهم والستفراد بهم كل ً على حده‬
‫على مستوى الدول والشعوب‪ ،‬وضرورة تفويت الفرصة على العداء بالوحدة‬
‫والنصرة حتى ل يأتي يوم يقال فيه أكلت يوم أكل الثور البيض ‪.‬‬
‫‪ -7‬البتهال إلى الله تعالى‪ ،‬والقنوت في الصلوات‪ ،‬والتضرع في الخلوات‪،‬‬
‫وتحري أوقات الجابة في جوف الليل والسحار بأن يعز الله السلم‬
‫والمسلمين ويحبط كيد العداء المجرمين ‪.‬‬
‫‪ -8‬قيام علماء السلم ودعاته ومفكريه بواجبهم في إيقاظ المة وتنبيهها‬
‫للمخاطر‪ ،‬وتقوية عزيمتها‪ ،‬وحفظ إراداتها من أسباب الوهن والحباط‬
‫والستسلم‪ ،‬وكشف طرائق ومخاطر الذين يسعون في جعلها تابعة ذليلة‬
‫خانعة‪ ،‬ومن أوجب واجباتهم وضع التصورات والخطط وبرامج العمال التي‬
‫تستهدف نهضة المة ووحدتها ورفع معنوياتها وزيادة فاعليتها ورسم مستقبلها‬
‫وحفظ حقوق أجيالها وعدم الكتفاء بإلقاء التبعة في ذلك على الحكومات‪.‬‬
‫والله نسأل أن يلم شمل المسلمين ويوحد صفهم ويزيد قوتهم‪ ،‬وأن يدحر‬
‫أعداءهم من اليهود وحلفائهم ‪ ،‬وأن يكتب العاقبة للمؤمنين‪ ،‬ويجعل الدائرة‬
‫على الكافرين ولو بعد حين‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لبد من العمل لله‬


‫عن ثوبان رضي الله عنه‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬إن الله‬
‫زوى لي الرض‪ ،‬فرأيت مشارقها ومغاربها‪ ،‬وإن أمتي سيبلغ ملكها ما ُزوي‬
‫لي منها‪ .‬وُأعطيت الكنزين الحمر والسود‪ .‬وإني سألت ربي لمتي أن ل‬
‫يهلكها بسنة عامة‪ ،‬وأل يسلط عليهم عدوا ً من سوى أنفسهم فيستبيح‬
‫بيضتهم‪ .‬وإن ربي قال‪ :‬يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه ل ُيرد‪ ،‬وإني‬
‫أعطيتك لمتك أن ل أهلكهم بسنة عامة‪ ،‬وأن ل أسلط عليهم عدوا من سوى‬
‫أنفسهم يستبيح بيضتهم‪ ،‬ولو اجتمع عليهم من بأقطارها ) أو قال‪ :‬من بين‬
‫أقطارها (‪ ،‬حتى يكون بعضهم يهلك بعضا‪ ،‬ويسبي بعضهم بعضا‪[1].‬‬
‫قال النووي‪ :‬وهذا الحديث فيه معجزات ظاهرة‪ ,‬وقد وقعت كلها بحمد الله‬
‫كما أخبر به صلى الله عليه وسلم‪[3].‬‬
‫وحاصله أنه طوى له الرض وجعلها مجموعة كهيئة كف في مرآة نظره‪ .‬قال‬
‫السندي‪ :‬وهو يحتمل أن يكون حقيقة‪ ،‬ويحتمل أنه الدراك فيكون مجازا‪ .‬فإنه‬
‫جمعت له حتى رآها‪ .‬والمراد من الرض ما‬ ‫لما أدرك جميعها صار كأنه ُ‬
‫سيبلغها ملك المة ل كلها‪ ،‬يدل عليه ما بعده‪) .‬فرأيت مشارقها ومغاربها (‪:‬‬
‫أي جميعها‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها (‪ :‬أي من الرض‪ .‬والمعنى‪:‬‬
‫أن الرض ُزويت جملتها له مرة واحدة‪ ،‬فرآها‪ .‬ثم هي ُتفتح له جزأ ٌ جزأ ٌ منها‪،‬‬
‫حتى يأتي عليها كلها‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬وُأعطيت الكنزين الحمر والبيض (‪ ) :‬وأعطيت ( على بناء المفعول‬
‫ُ‬
‫وقد أعطاه الله تعالى مفاتيح الخزائن المفتوحة على المة‪ .‬والمراد بـ‬
‫) الكنزين ( ‪ :‬الذهب والفضة‪ ,‬والمراد خزائن كسرى وقيصر ملكي العراق‬
‫والشام‪ .‬وذلك أن الغالب على نقود ممالك كسرى الدنانير‪ ,‬والغالب على‬
‫ملك‬ ‫ملك الشام‪ ،‬والبيض ُ‬ ‫نقود ممالك قيصر الدراهم‪ .‬وفي النهاية‪ :‬فالحمر ُ‬
‫فارس‪ .‬وإنما قال لفارس البيض لبياض ألوانهم ولن الغالب على أموالهم‬
‫الفضة‪ ,‬كما أن الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة وعلى أموالهم الذهب‪.‬‬
‫وفيه إشارة إلى أن ملك هذه المة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق‬
‫والمغرب‪ ,‬وهكذا وقع‪ .‬وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى‬
‫المشرق والمغرب‪ .‬وصلوات الله وسلمه على رسوله الصادق الذي ل ينطق‬
‫عن الهوى‪ ,‬إن هو إل وحي يوحى‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬أن ل يهلكها (‪ :‬أي أن ل يهلك الله المة‪ ) .‬بسنة (‪ :‬السنة‪ :‬القحط‬
‫والجدب وهو من السماء الغالبة‪ ) .‬عامة (‪ :‬يعم الكل‪ .‬أي بقحط شائع لجميع‬
‫بلد المسلمين‪ .‬قال البغوي‪ :‬وإنما جرت الدعوة بأل تعمهم السنة كافة‪،‬‬
‫فيهلكوا عن آخرهم‪ .‬فأما أن ُيجدب قوم‪ ،‬ويخصب آخرون‪ ،‬فإنه خارج عما‬
‫جرت به الدعوة‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬وأن ل يسلط عليهم عدوا (‪ :‬وهم الكفار ) من سوى أنفسهم (‪ ،‬أي‬
‫كائنا من سوى أنفسهم‪ .‬وذلك لن العدو من أنفسهم أهون‪ ،‬ول يحصل به‬
‫الهلك الكلي ول إعلء كلمته السفلى‪ ) .‬فيستبيح بيضتهم (‪ :‬والمعنى‪ :‬أي‬
‫يستأصل جماعتهم وأصلهم‪ .‬والبيضة أيضا العز والملك‪ .‬قال الجزري في‬
‫النهاية‪ :‬أي مجتمعهم‪ ,‬وموضع سلطانهم‪ ,‬ومستقر دعوتهم‪ .‬وبيضة الدار‪:‬‬
‫وسطها ومعظمها‪ .‬أراد إذا ُأهلك أصل البيضة كان هلك كل ما فيها من طعم‬
‫أو فرخ‪ .‬وإذا لم يهلك أصل البيضة ربما سلم بعض فراخها‪ .‬وقيل أراد بالبيضة‬
‫الخوذة‪ ,‬فكأنه شبه مكان اجتماعهم والتئامهم ببيضة الحديد‪ .‬قال القاري‪:‬‬
‫والنفي منصب على السبب والمسبب معا‪ ،‬فُيفهم منه أنه قد يسلط عليهم‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عدو‪ ،‬لكن ل يستأصل شأفتهم‪.‬‬


‫قوله‪ ) :‬إذا قضيت قضاء (‪ :‬قال المظهر‪ :‬اعلم أن لله تعالى في خلقه‬
‫قضاءين مبرما ومعلقا بفعل‪ ,‬كما لو قال‪ :‬إن فعل الشيء الفلني كان كذا‬
‫وكذا‪ ,‬وإن لم يفعله فل يكون كذا وكذا‪ ،‬من قبيل ما يتطرق إليه المحو‬
‫ت[‬‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬
‫ما ي َ َ‬ ‫حوا الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫م ُ‬
‫والثبات‪ ،‬كما قال تعالى في محكم كتابه‪ ] :‬ي َ ْ‬
‫] الرعد‪ . [ 39 :‬وأما القضاء المبرم‪ ،‬فهو عبارة عما قدره سبحانه في الزل‬
‫من غير أن يعلقه بفعل‪ ,‬فهو في الوقوع نافذ غاية النفاذ‪ ,‬بحيث ل يتغير بحال‬
‫ول يتوقف على المقضى عليه ول المقضي له‪ ,‬لنه من علمه بما كان وما‬
‫يكون‪ .‬وخلف معلومه مستحيل قطعا‪ ,‬وهذا من قبيل ما ل يتطرق إليه المحو‬
‫مهِ ] ] الرعد‪ ... [ 41 :‬فقوله سبحانه‬ ‫حك ْ ِ‬
‫ب لِ ُ‬‫ق َ‬
‫معَ ّ‬
‫والثبات‪ .‬قال تعالى‪ [ :‬ل ُ‬
‫وتعالى في الحديث‪ ) :‬إذا قضيت قضاء فل يرد ( من القبيل الثاني‪ ,‬ولذلك لم‬
‫ُيجب إليه‪ .‬وفيه أن النبياء مستجابو الدعوة إل في مثل هذا‪.‬‬
‫قوله سبحانه وتعالى‪ ) :‬وإني أعطيتك (‪ :‬أي عهدي وميثاقي‪ ) .‬لمتك (‪ :‬أي‬
‫لجل أمة إجابتك‪ ) .‬أل أهلكهم بسنة عامة (‪ :‬أي ل أهلكهم بقحط يعمهم‪ ,‬بل‬
‫إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي بلد السلم‪ .‬فلله‬
‫الحمد والشكر على جميع نعمه‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬ولو اجتمع عليهم (‪ :‬أي العداء الذين هم ) من بأقطارها (‪ :‬أي‬
‫بأطرافها‪ ،‬جمع قطر‪ ،‬وهو الجانب والناحية‪ .‬والمعنى فل يستبيح عدو من‬
‫الكفار بيضتهم ولو اجتمع على محاربتهم من أطراف بيضتهم‪ ) .‬حتى ( بمعنى‬
‫كي‪ ،‬أي لكي يكون بعض أمتك يهلك بعضا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫م ب َأ َ‬ ‫ذيقَ ب َعْ َ‬
‫شي ًَعا وَي ُ ِ‬
‫م ِ‬ ‫والحديث مقتبس من قوله تعالى‪ [ :‬أوْ ي َل ْب ِ َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫ض ] ] النعام‪ . [ 65 :‬وقد أفاد الحافظ بن كثير في تفسيره لهذه الية )‬ ‫ب َعْ ٍ‬
‫‪ ،( 689-1/687‬وذكر جميع طرق الحديث الذي يعد طرفا من الحديث‬
‫المذكور‪.‬‬
‫وهذا الحديث يبشر باتساع دولة السلم حتى تشمل المشارق والمغارب‪ ،‬أي‬
‫الرض كلها ‪ ...‬وفي هذا من الخير ما فيه‪.‬‬
‫إن هذا الحديث يطرح علينا تساؤلت عديدة من وحي الحداث الراهنة التي‬
‫تمر بها أمتنا السلمية‪ ،‬نعرضها فيما يلي‪:‬‬
‫* هل ستصمد أمة السلم أمام تلك الهجمة الشرسة التي يقودها التحالف‬
‫المريكي الصهيوني عليها حاليا؟‬
‫والجابة بكل تأكيد هي نعم‪ .‬فلن يتمكن هذا التحالف – وإن بدا للناظر غير‬
‫ذلك – من تفكيك المة السلمية أو تضييع السلم‪ .‬قد يستطيع هذا التحالف‬
‫تحقيق انتصارات مؤقتة وفي أماكن متفرقة من المة السلمية‪ ،‬لكنه لن‬
‫يستطيع ضرب المة كلها في مقتل‪ .‬بل سوف تقوم المة السلمية – حين‬
‫يأذن الله – بضرب هذا التحالف ودحره والنتصار عليه‪.‬‬
‫* كيف تهزم المة السلمية – إذن ‪ -‬هذا التحالف المريكي الصهيوني؟‬
‫بالعتصام بشرع ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم‪ .‬فلن ينجي هذه المة‬
‫من المحنة التي تمر بها حاليا سوى الرجوع إلى الله تعالى‪ ،‬وأن تجعل الله‬
‫تعالى في صفها على عدوها‪ .‬أما أن تعادي المة ربها‪ ،‬ثم تطلب منه النصر‬
‫على عدوها‪ ،‬فهذا من المحال الذي ل يمكن أن يتحقق‪.‬‬
‫لبد من التبصرة بالتاريخ السود للمريكان واليهود‪ ،‬ومحاولة تزييفهم لتاريخ‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المة السلمية ووعيها‪ .‬وتبصرة جميع الناس بذلك‪ ،‬حتى تنجلي الغشاوة عن‬
‫أعين أفراد المة‪ ،‬ويعرفون الحقيقة ناصعة‪ ،‬ويقفون على حقيقة الدور‬
‫المريكي والصهيوني الذي امتد للعبث بتاريخ أمتهم ومقدراتها‪ ،‬ويريد لهذه‬
‫المة أل تقوم لها قائمة أبدا‪.‬‬
‫ويأتي بعد هذه التبصرة مرحلة العمل‪ .‬إن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ‬
‫دينه‪ ،‬فدين الله سيعود ليهيمن بسلطانه من جديد على الكرة الرضية‪ ،‬وينشر‬
‫عدالته وتعاليمه فيما بين أبناء العالم‪ .‬ولن يكون السلم هو السعيد إذا‬
‫اخترت أنت العمل له‪ ،‬بل السعيد هو أنت لنك في هذه الحالة سيكتب لك أن‬
‫قد ْ‬‫ة فَ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن الّنارِ وَأ ُد ْ ِ‬ ‫ح عَ ْ‬ ‫حزِ َ‬ ‫ن ُز ْ‬ ‫م ْ‬ ‫تكون من أصحاب الجنة‪ .‬قال تعالى‪ [ :‬فَ َ‬
‫َفاَز ] ] آل عمران‪. [ 185 :‬‬
‫فينبغي علينا في ضوء هذه البشارة العظيمة التي جاءت في هذا الحديث أن‬
‫نجتهد وأن نشمر سواعدنا لخدمة الدين‪ ،‬وأل ننخذل أو نضعف بسبب أن‬
‫ب‬‫قل ُ‬‫ّ‬ ‫ك تَ َ‬ ‫أعدائنا قد سبقونا وتخطونا‪ .‬فالعمل العمل يا أبناء السلم! و[ ل ي َغُّرن ّ َ‬
‫فُروا ِفي ال ْب ِل َد ِ ] ] آل عمران‪ . [ 196 :‬إنك حينما تعرف أن مصير‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫عدوك هو إلى النار والهوان‪ ،‬لشفقت عليه مما يفعله بنفسه الن‪ .‬كما أن‬
‫من الواجب علينا أن ندرس طبيعة عدونا‪ :‬أفكاره ودعايته واستراتيجيته التي‬
‫يحاربنا بها‪.‬‬
‫وهذا المر مستفاد من القرآن الكريم‪ .‬فقد أخبرنا تعالى عن قصة قارون‪،‬‬
‫أحد الغنياء في قوم نبي الله موسى عليه السلم‪ .‬فقد أغرته ثروته الباهظة‬
‫بعصيان الله تعالى وعدم الستجابة لنبيه عليه السلم‪ .‬فلما ظهر لقومه ورأوا‬
‫ما هو عليه من ثراء وتقدم‪ ،‬تمنى ضعاف النفوس‪ ،‬الذين ل يدركون حقائق‬
‫المور‪ ،‬أن يكون لهم مثل ما لدى قارون‪ ،‬وأن يحرزوا نفس درجة التقدم‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مهِ ِفي ِزين َت ِهِ َقا َ‬ ‫ج عََلى قَوْ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫المادي الذي أحرزه‪ .‬قال تعالى‪ [ :‬فَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ظيم ٍ‬ ‫حظ عَ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫هل ُ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ي َقاُرو ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ت ل ََنا ِ‬ ‫دنَيا َيا ل َي ْ َ‬ ‫حَياة َ ال ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫] ] القصص‪ . [ 79 :‬وأما العلماء فقالوا لهم ل تغتروا بهذه الزينة‪ ،‬لنها ليست‬
‫ن ُأوُتوا‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫في مرضاة الله‪ .‬فمآلها قطعا إلى الزوال‪ .‬قال تعالى‪ } :‬وَقا َ‬
‫َ َ َّ‬
‫ن{‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ها إل ال ّ‬ ‫قا َ‬ ‫حا وَل َ ي ُل ّ‬ ‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬‫خي ٌْر ل ِ َ‬ ‫ب الل ّهِ َ‬ ‫وا ُ‬ ‫م ثَ َ‬ ‫م وَي ْل َك ُ ْ‬ ‫ال ْعِل ْ َ‬
‫] القصص‪ . [ 80 :‬فما كان من الله إل أن خسف به الرض بعد طول إمهاله‬
‫َ‬
‫دارِهِ ا ْلْر َ‬
‫ض‬ ‫فَنا ب ِهِ وَب ِ َ‬ ‫س ْ‬ ‫خ َ‬ ‫له‪ ،‬واستمراره في طغيانه وتجبره‪ .‬قال تعالى‪ [ :‬فَ َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫صُرون َ ُ‬ ‫ن فِئ َةٍ َين ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫فَ َ‬
‫] ] القصص‪ . [ 81 :‬فعلم الذين كانوا يتمنون أن يصبحوا مثله حقيقة المر‪،‬‬
‫ح‬ ‫َ‬
‫صب َ َ‬ ‫وحمدوا الله كثيرا على نعمه أن منعهم َ أن يكونوا مثله‪ .‬قال تعالى‪ [ :‬وَأ ْ‬
‫س ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ه ي َب ْ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن وَي ْك َأ ّ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ه ب ِا ْل ْ‬ ‫م َ‬
‫كان َ ُ‬ ‫وا َ‬ ‫من ّ ْ‬‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ح ال َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كافُِرو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫ه ل يُ ْ‬ ‫ف ب َِنا وَي ْك َأن ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه عَلي َْنا ل َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫قدُِر لوْل َ أ ْ‬ ‫عَبادِهِ وَي َ ْ‬ ‫ِ‬
‫] ] القصص‪. [ 82 :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫كشف الصحفي المريكي البارز سيمور هيرش في محاضرة ألقاها أمام اتحاد‬
‫الحريات المدنية المريكي عن وجود أشرطة فيديو تصور الجنود المريكيين‬
‫يغتصبون أطفال ذكورا عراقيين كانوا يصرخون فزعا وألما‪ ،‬بينما تتعالى‬
‫ضحكات مغتصبيهم وزملئهم الذين كانوا يستمتعون بمشاهدة تلك الفظائع‪]،‬‬
‫‪ [3‬يصبح من الممكن تصور ذلك‪ ،‬وأنه يتم وفق منظومة تاريخية لبلد ل يرى‬
‫سوى الرهاب والستهتار في التعامل مع من يعتبرهم أعداء له!!‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا هو المعنى الذي يفصح عنه توماس باورز‪ ،‬في كتاب حروب‬
‫الستخبارات‪ ،‬حيث يقول‪ " :‬التاريخ السري المريكي يقدم دليل شامل على‬
‫أننا نفتقر إلى الصبر‪ ،‬كما أننا نميل إلى العتقاد بأن لكل مشكلة حل‬
‫تكنولوجيا‪ ،‬وأن أي شيء يمكن إنجازه بأداة ملئمة الضخامة‪ ،‬وأن احترامنا‬
‫لفكار البشر هو مجرد أمر وقتي "‪[4].‬‬
‫أل ترى أن هذه هي نفس العقيدة التي يتعامل بها اليهود مع الفلسطينيين في‬
‫الراضي المحتلة؟! إنها العقيدة التي تعطيهم الحق في ذبح الضحية‪ ،‬ثم‬
‫التعجب منها إذا أظهرت ملمح للمقاومة‪ ،‬أو أبدت اعتراضا على طريقة‬
‫الذبح!!!‬
‫وبدءا من وتزل صار قطع رأس الهندي وسلخ فروة رأسه من الرياضات‬
‫المحببة في أمريكا‪ ،‬بل إن كثيرا منهم يتباهى بأن ملبسه وأحذيته مصنوعة‬
‫من جلود الهنود‪ .‬لذلك فقد كتب الدكتور أولمان مذكرة بعنوان‪ " :‬الصدمة‬
‫والرعب " ) ‪ُ ( shock and awe‬وضعت أمام بوش الصغير ونشرتها الصحافة‬
‫المريكية ) وبينها نيويورك تايمز‪ ،‬وواشنطن بوست‪ ،‬ولوس أنجلوس تايمز (‪،‬‬
‫وفيها يقول بالنص‪ :‬على الوليات المتحدة أن تستعمل أقوى شحنة من القوة‬
‫المكثفة‪ ،‬والمركزة‪ ،‬والكاسحة‪ ،‬بحيث تنهار أعصاب أي عدو يقف أمامها‪،‬‬
‫وتخور عزيمته قبل أن تنقض عليه الصواعق من أول ثانية في الحرب إلى‬
‫آخر ثانية‪ ،‬ويتم تقطيع أوصاله‪ ،‬وتكسير عظمه‪ ،‬وتمزيق لحمه‪ ،‬دون فرصة‬
‫يستوعب فيها ما يجري له‪.‬‬
‫إن حضارة بهذا السجل الجرامي تتوقع منها القيام بأي فعل ل يستند إلى‬
‫الخلق في سبيل إعلء باطلها والتعالي على كل المم التي تعيش بجوارها‪.‬‬
‫وهكذا فيجب عليك عدم التعجب مهما سمعت من ممارسات شاذة مع ضحايا‬
‫الحروب التي تقوم بها الوليات المتحدة‪ .‬ومن هذا القبيل‪ :‬كشف أحد‬
‫السجناء العراقيين الذين ُأطلق سراحهم أن القوات المريكية التي احتجزته‬
‫لشهور طويلة في سجن أبو غريب ) ‪ 40‬كم غرب بغداد ( عذبته في ما‬
‫يسمى " غرفة الديسكو "‪ ،‬وقال‪ " :‬يدخل السجين إلى هذه الغرفة ويطلب‬
‫منه الرقص ‪ 8‬ساعات متواصلة على إيقاعات الغاني الصاخبة‪ ،‬وإذا توقف‬
‫فإنهم يضربونه‪ .‬وأكد السجين العراقي أن كل عمليات الستجواب كانت تتم‬
‫معه بعد إتمام رقصته‪ ،‬مشيرا إلى أن " الموضوع ل يحمل أي فكاهة‪ ،‬فهذه‬
‫الغرفة شكلت أحد أهم أساليب التعامل مع سجناء المقاومة "!!!‬
‫وفي أسلوب ينم عن همجية لم يعرفها التاريخ من قبل قامت القوات‬
‫المريكية باستخدام النساء والطفال كدروع بشرية لحمايتهم ‪ ...‬فيما كان‬
‫ُيسمع صراخ الطفال واستغاثة النساء من فوق رتل الدبابات‪ ،‬وذلك أثناء "‬
‫حرب الشوارع " بالفلوجة‪ .‬واشنطن تستهدف من إزاحة صدام حسين‬
‫ونظامه عن سدة الحكم برغم استجابته لكل متطلبات التركيع والترويض‪،‬‬
‫لكي يكون هذا النظام أمثولة تحمل في طياتها رسالة لمن تريد واشنطن أن‬
‫تبعث لهم برسائل محددة داخل المنطقة وخارجها! إن تعامل الوليات‬
‫المتحدة مع من تعتبره أحد أعدائها لبد أن يمر أول بحملة دعائية ضخمة‬
‫ُيصور فيها العدو المفترض على أنه أحد الوحوش الكاسرة أو الهمجية الذي‬
‫لبد من القضاء عليه حتى ل يعرقل سير الحضارة على الكرة الرضية‪ .‬ثم‬
‫يأتي الدين لخدمة هذه المعركة‪ ،‬فيصور هذا الوحش الكاسر الهمجي على أنه‬
‫أحد الشياطين الماردة أيضا‪ ،‬المر الذي يحتم على الرب من الدخول في‬
‫المعركة بجانب المريكان ضد هذا الوحش‪ .‬وهكذا تصبح المعركة على هذا‬
‫العدو مبررة أخلقيا وعقديا‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن الثقافة وأسلوب الحياة المريكية ليس إل القتل والدموية‪ ،‬وهذا ما أكد‬
‫عليه المؤرخ تشارلز بيرد بقوله‪ " :‬منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية‬
‫وتحقق انتصارنا على اليابان ونحن في دوامة العدو الشهري‪ ،‬وتعني أننا في‬
‫كل شهر نواجه عدوا مرعبا يجب علينا أن نضربه قبل أن يقضي علينا "‪[14].‬‬
‫الملف الثاني‪ :‬الرهاب النووي المريكي‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الملف الثاني الكثر خطورة في هذا الشأن‪ ،‬هو استخدام الوليات المتحدة‬
‫لكل ترسانتها النووية في حروبها‪ ،‬دون أن يردعها رادع في هذا المجال‪ .‬ففي‬
‫حرب الخليج الثانية‪ ،‬استخدم الحلفاء ‪ 300‬طن متري من اليورانيوم المنضب‬
‫في أسلحتهم‪ ،‬المر الذي أدى إلى كوارث في أوساط العراقيين‪ ،‬وإصابة‬
‫أطفالهم بأمراض سرطانية غير مألوفة‪ .‬وتشير التقديرات إلى أن الوليات‬
‫المتحدة استخدمت كمية أكبر بخمس مرات من اليوارنيوم المنضب‪ ،‬أي‬
‫‪ 1500‬طن متري‪ ،‬في حربها على العراق‪ .‬هذا يعني أن الجيلين العراقيين‬
‫المقبلين سيهلكان تقريبا‪ ،‬وسيكونان فريسة المرض والضعف‪ .‬فما هي فائدة‬
‫الديمقراطية إذا كانت تأتي إلى شعب خسر مئات اللف من أبنائه تحت‬
‫) القصف السجادي ( لحرب )التحرير( المريكية‪ ،‬وسيهلك أجياله المقبلة‬
‫بفعل المراض السرطانية؟!‬
‫ولكن القصة ليست وليدة اليوم‪ ،‬بل تعود إلى سنوات بعيدة من التاريخ‪ .‬فقد‬
‫كان وليم برادفورد حاكم مستعمرة بليموث يري أن نشر الوبئة بين الهنود‬
‫عمل يدخل السرور والبهجة علي قلب الله‪ " ،‬فمما يرضي الله ويفرحه أن‬
‫تزور هؤلء الهنود وأنت تحمل إليهم المراض والموت "‪ .‬هكذا يموت ‪950‬‬
‫من كل ألف منهم‪ ،‬وينتن بعضهم فوق الرض دون أن يجد من يدفنه‪ .‬إن علي‬
‫المؤمنين أن يشكروا الله علي فضله هذا ونعمته‪.‬‬
‫كانت هذه " المعجزات " اللهية صورة عن رغبات المستوطنين وطموحاتهم‪.‬‬
‫فلطالما توحدت القدرة اللهية مع الشعب المختار كما يري كوتون ماذر‪ ،‬أحد‬
‫أبرز أنبياء الستعمار‪ " ،‬فبعد أن ظن هؤلء الشياطين " أن بعدهم عن العالم‬
‫سينقذهم من النتقام‪ ،‬استطاع الله أن يحدد مكانهم ويكتشفه‪ ،‬وأرسل‬
‫قديسيه البطال من إنجلترا‪ ،‬وأرسل معهم بعض الوبئة السماوية القاتلة‬
‫التي طهرت الرض منهم‪ .‬إن الله يفسح مكانا لشعبه في هذه المجاهل إذ هو‬
‫يقتل الهنود بأوبئة من أنواع مدمرة ل يعرف لها البشر مثيل إل ما تحدثت عنه‬
‫التوراة‪.‬‬
‫ويستمر السجل الجرامي غير المسبوق‪ .‬ففي عام ‪ 1952‬وجهت الصين‬
‫الشعبية وكوريا الشمالية التهامات إلى الوليات المتحدة بأنها استخدمت‬
‫شكلت لجنة علمية لتقصي‬ ‫الذخائر البيولوجية في أثناء الحرب الكورية‪ .‬و ُ‬
‫الحقائق‪ ،‬حيث كانت الغارات الجوية المريكية على كوريا تسقط قنابل تحوي‬
‫رائحة كريهة تشبه رائحة الجلد المحروق أو القرون المحترقة‪ .‬كما ألقت‬
‫أنواع غير معروفة من الحشرات‪ .‬كما ألقت براغيث ملوثة وفئران الحقول‬
‫المصابة بالطاعون والريش الحامل لجراثيم الجمرة الخبيثة ) النثراكس (‬
‫والمحار الملوث بالبكتريا المسببة لمراض الكوليرا تجاه خزانات المياه‪.‬‬
‫فكنا نرى أجساد المتطوعين العرب وفدائيي صدام بالعين المجردة وهي‬
‫تنصهر وتذوب حتى العظام‪.‬‬
‫يقول " كيم يونغ إيل "‪ " :‬إن أمريكا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القنبلة الذرية أثناء الحرب‪ ،‬وهي تتحمل اليوم المسئولية كاملة عن انتشار‬
‫السلحة النووية‪ .‬أما بقية الدول الخرى الساعية للحصول على السلح‬
‫النووي‪ ،‬فهي تحاول فقط حماية نفسها "‪ .‬وهكذا يشهد شاهد من أهلها على‬
‫حقيقة الوضع الراهن!!‬
‫إن كل هذا ليس إل مثال لما يكون عليه الحال إذا تغطرست القوة ولم تجد‬
‫ما يهذبها أو يردعها من الدين‪ .‬وكل ما حدث من قبل‪ ،‬وما يحدث الن ليس‬
‫إل بسبب تخلف المسلمون عن دورهم المنوط بهم أدائه في قيادة البشرية‬
‫على الكرة الرضية‪ .‬فهل يعود المسلمون إلى ربهم‪ ،‬ويتمسكون بتعاليم‬
‫دينهم؟ وهل يعرف المسلمون زيف الحضارة القائمة من حولهم‪ ،‬والتي ل‬
‫تعرف إل الغدر والخيانة؟!! آمل أن يكون ذلك سريعا‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لتتركوا فراغا ً بعدكم‬


‫سد ّ الفراغ الذي تركه‪ ،‬ولم يجد‬‫مما يمدح به بعض الرجال أنه حين مضى لم ي ُ َ‬
‫الناس من يخلفه‪ ،‬وتكثر هذه الحالة حين يحل بعض طلبة العلم أو الدعاة في‬
‫بلدة مقفرة‪ ،‬فيعمرها بالدعوة والعلم‪ ،‬والغلب أن بقاءه فيها إلى أمد‪.‬‬
‫وترك الفراغ يدل بلشك على قدرة وعطاء متميز‪ ،‬فالناس ألف منهم كواحد‪.‬‬
‫ولكن مع اليمان بتفاوت قدرات الناس وطاقاتهم أل يمكن أن نخفف من أثر‬
‫فقد هؤلء العاملين؟‬
‫إن اتساع الهوة التي يتركها من يذهب قد تكون نتيجة للفارق الكبير في‬
‫القدرة والعطاء بينه وبين من بعده‪ ،‬وقد تكون نتيجة لطبيعة السلوب الداري‬
‫الذي يمارسه‪ ،‬لذا فثمة وسائل يمكن أن تقلل من أثر هذا المر‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن يعتني بالطلب‪ ،‬ويربي طائفة منهم ويعلمهم‪ ،‬حتى يتهيئوا لسد مكانه‪،‬‬
‫وأن يحذر من أن يستهلك ممارسة العمل جهده فل يبقى للتعليم والتربية‬
‫نصيب من ذلك‪.‬‬
‫وقد كان للسلف اعتناء بإعداد التلميذ‪ ،‬قال ابن جماعة‪« :‬واعلم أن الطالب‬
‫الصالح أعود على العالم بخير الدنيا والخرة من أعز الناس عليه‪ ،‬وأقرب‬
‫أهله إليه‪ ،‬ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك‬
‫الجتهاد‪ ،‬لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم‪ ،‬ومن بعدهم‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫للعالم إل طالب واحد ينتفع الناس بعلمه وهديه وإرشاده لكفاه ذلك الطالب‬
‫عند الله تعالى فإنه ل يتصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إل كان له‬
‫نصيب من الجر )]‪.([1‬‬
‫‪ -2‬أن يمارس أسلوب العمل الجماعي‪ ،‬ويعود العاملين معه عليه؛ فقد‬
‫يصعب أن يوجد بعده مثله‪ ،‬لكن حين يدار العمل بطريقة جماعية سيكون‬
‫أكثر نضجًا‪ ،‬ومالم يترب العاملون معه على ممارسة العمل الجماعي فلن‬
‫يجيدوه بعده‪.‬‬
‫‪ – 3‬توزيع المسؤوليات والتفويض‪ ،‬فبعض الناس لفرط حرصه على العمل‬
‫يربط كل صغيرة وكبيرة به شخصيًا‪ ،‬فقد تسير المور حال بقائه‪ ،‬لكنه حين‬
‫ينصرف سرعان ماينفرط عقدها‪.‬‬
‫‪ - 4‬العتناء بالصف الثاني من العاملين‪ ،‬والتفكير باستمرار فيمن يخلفه من‬
‫بعده‪ ،‬وتهيئة المجال له‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ - 5‬العتناء برفع مستوى العاملين‪ ،‬وأن تكون العمال الدعوية ميدانا لتدريب‬
‫الطاقات والرفع من كفاءتها‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ - 6‬تدوين التجارب والجراءات‪ ،‬فقد ليوجد بعده من يستوعب التجربة‬


‫كاملة‪ ،‬أو يرتبط إنجاز بعض المهام والعمال بإجراءات محددة‪ ،‬فتدوين ذلك‬
‫وتنظيمه يسهل المهمة على من بعده‪.‬‬
‫‪ -7‬ومما يعين على ذلك أل يعجل قدر المكان بالنتقال إلى بلده‪ ،‬وأن‬
‫يحتسب بقاءه في سبيل الله عز وجل‪ ،‬والدعوة تستحق منا أكثر من ذلك‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ - ([1‬تذكرة السامع والمتكلم )‪(63‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لتهملوا الموعظة‬
‫إن النفوس تصيبها القسوة والغفلة‪ ،‬وتبتعد القلوب عن الله وتتعلق بالدنيا‬
‫ومافيها‪ ،‬ويلبس الناس الذنب والمعصية‪ ،‬فيحتاجون للتذكير والوعظ‪.‬‬
‫ومن يتأمل سنة النبي صلى الله عليه و سلم يرى أنه كان يعنى بالموعظة‪،‬‬
‫كر أصحابه ويرقق قلوبهم‪ ،‬ولم تكن الموعظة خاصة بأولئك‬ ‫وكان كثيرا ً مايذ ّ‬
‫حديثي العهد بالسلم والتوبة‪ ،‬ول بالمقصرين المخلطلين‪ ،‬إنما كانت هديا ً‬
‫راتبا ً له صلى الله عليه و سلم يتخول بها أصحابه‪.‬‬
‫عن العرباض بن سارية‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬وعظنا رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم موعظة ذرفت منها العيون‪ ،‬ووجلت منها القلوب‪ ،‬فقلنا يارسول‬
‫الله كأنها موعظة مودع فأوصنا)]‪.([1‬‬
‫ويصف حنظلة السيدي وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫مجالسه صلى الله عليه و سلم فيقول‪ :‬لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا‬
‫حنظلة؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نافق حنظلة قال‪ :‬سبحان الله ما تقول؟ قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫نكون عند رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا‬
‫رأي عين‪ ،‬فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم عافسنا‬
‫الزواج والولد والضيعات فنسينا كثيرا‪ ،‬قال أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل‬
‫هذا)]‪.([2‬‬
‫وحين دفن النبي صلى الله عليه و سلم أحد أصحابه جلس على القبر وهو‬
‫لما يلحد فوعظ أصحابه موعظة‬
‫بليغة وذكر لهم مايلقاه العبد بعد موته من أحوال البرزخ وأهواله)]‪.([3‬‬
‫وفي خطبه الجمعة كان يعنى صلى الله عليه و سلم هذا المر؛ فعن أم‬
‫هشام بنت حارثة بن النعمان قالت‪ :‬ماحفظت )ق( إل من في رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم يخطب بها كل جمعة‪ ،‬قالت‪ :‬وكان تنورنا وتنور رسول‬
‫صلى الله عليه و سلم واحدا)]‪.([4‬‬
‫وقد أخبر تبارك وتعالى عن عباده المتقين وأنهم بحاجة إلى تعاهد النفوس‬
‫ورعايتها‪ ،‬فقال )وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات‬
‫والرض أعدت للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين‬
‫الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين* والذين إذا فعلوا فاحشة أو‬
‫ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إل الله ولم‬
‫يصروا على مافعلوا وهم يعلمون(‪.‬‬
‫بل أخبر صلى الله عليه و سلم عن نفسه فقال‪" :‬إنه ليغان على قلبي وإني‬
‫لستغفر الله في اليوم مائة مرة"‪.‬‬
‫فإذا كانت هكذا نفوس المتقين الذين بلغوا الرتب العالية والمنازل الرفيعة‪،‬‬
‫فكيف‪ .‬ممن هم في ون ذلك بكثير؟ كيف بنا اليوم ونحن نعيش عالما مليئا‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالفساد والمنكرات‪ ،‬ونلبس ونواقع كثيرا منها صباح مساء‪ ،‬ناهيك عن‬
‫الستغراق في فضول المباحات والوقوع في المشتبهات‪ ،‬وهذه دائرة ربما لم‬
‫نفكر فيها لنا لم نتجاوز ما قبلها‪.‬‬
‫فلئن كان الرعيل الول وخير القرون يتعاهدهم نبيهم صلى الله عليه و سلم‬
‫بالوعظ والتذكير‪ ،‬ويتخولهم بها‪ ،‬ويسمعون منه كل جمعة ذلك‪ ،‬فكيف بجيلنا‬
‫نحن؟‬
‫بل وكيف نتصور بعد ذلك أن المواعظ إنما هي لفئات خاصة من حديثي العهد‬
‫بالستقامة والتوبة‪ ،‬أما الدعاة ومن قطعوا شوطا في الطريق فهم في غنى‬
‫عن ذلك كله‪ ،‬وهم بحاجة للحديث عن القضايا الفكرية والدعوية والمسائل‬
‫الساخنة‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم )‪(2702‬‬
‫*‬
‫)‪ (1‬رواه الترمذى )‪ (2157‬وأبو داود )‪ (4607‬وابن ماجه )‪(2) .(42‬‬
‫)‪(3‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬رواه الترمذى )‪ (2157‬وأبو داود )‪ (4607‬وابن ماجه )‪(42‬‬
‫)]‪ ([2‬رواه مسلم )‪(2750‬‬
‫)]‪ ([3‬رواه أحمد )‪(18063‬‬
‫)]‪ ([4‬رواه مسلم )‪(873‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لخيار للخليج إل بدعم المقاومة العراقية‬


‫مهنا الحبيل *‬
‫ل شك أنه من أسباب الحبور والسعادة انتشار مشاعر التضامن بين أرجاء‬
‫الوطن العربي لدعم الشعب اللبناني وصمود المقاومة فيه في مواجهتها‬
‫للمعركة الستراتيجية للعدو‪ ،‬هذا الستثناء للبنان وبعد أن أقفل النظام‬
‫الدولي بشدة أبواب الدعم لهلنا في فلسطين وفي العراق يعيد طرح‬
‫السؤال مرة أخرى عن أهمية مشاعر التضامن‪ ،‬وواجب الدعم لقوى‬
‫المقاومة وبنيتها النسانية في جميع الجبهات العربية‪ ،‬وحديثنا هنا عن العراق‬
‫ل يسقط أو يخفف أبدا ً من المسؤولية تجاه فلسطين القضية المركزية‪،‬‬
‫والتي تعاني أيضا ً من حصار دولي ظالم يستهدف روح المقاومة وشخصيتها‬
‫العتبارية لضعافها حتى يتمكن العدو من تنفيذ مشروع الستسلم النهائي‪.‬‬
‫لكن خصوصية المرحلة التي نعيشها هي التي دفعتني لكي أكتب عن‬
‫ضرورات دعم المقاومة العراقية ومسؤولية الشعب العربي في الخليج‪ ،‬بل‬
‫وحتى المؤسسة الرسمية فيه بحكم الجوار والتأثير لو وعت حجم المعركة‪،‬‬
‫وأدركت معنى تراجع المقاومة العراقية أمام المشروع الستراتيجي المعادي‬
‫بطرفيه المريكي واليراني‪ ،‬و تبعات تمكن المشروع من منطقة الخليج‬
‫العربي‪.‬‬
‫ثلث جبهات تقاتل دونها المقاومة‬
‫الحالة العراقية فريدة‪ ،‬وهي تجربة نادرة منذ تشكل العالم الجديد‪ ،‬وإعلن‬
‫عصبة المم‪ ،‬وبعدها هيئة المم المتحدة ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الجبهة الولى ‪ :‬الوقوف في وجه اللة الحربية الغازية‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فلقد واجهت المقاومة العراقية أعنف آلة حرب وأقدرها تقدما ً وتقنية‪،‬‬
‫فذت مشروعها دون‬ ‫وأكثرها وحشية وجراءة على انتهاك القيم النسانية‪ ،‬ون ّ‬
‫أي طرف مقابل في التوازن الدولي أو الصراع القليمي أو النظام الرسمي‬
‫العربي المحيط بالعراق‪ ،‬كل هذه الطراف كانت تخدم معادلة واحدة في‬
‫معركة احتلل العراق هي معادلة المحتل المريكي قبل بدء المعركة وبعد‬
‫الحتلل وحتى هذه الساعة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك كله فقد أثبتت المقاومة الوطنية العراقية أن النسان‬
‫العربي المنتمي لقيم السلم الصيل شخصية نضالية ل نظير لها في تاريخ‬
‫المقاومة الشعبية في العالم الجديد‪ ،‬سواء العالم الثالث المضطهد أو حركات‬
‫مقاومة في مناطق أخرى‪ ،‬كلها استفادت من ميادين أطراف إقليميه أو دولية‬
‫للمواجهة مع الحتلل الجاثم على بلدانها‪ ،‬فيما انفرد العراقيون بالمهمة‬
‫التاريخية الصعبة‪ ،‬بل والمستحيلة‪ ،‬وكسروا قاعدة التحليل الستراتيجي في‬
‫مثل هذه الحالت‪ ،‬وهاهم حتى الن يتقدمون على ساحة المواجهة العسكرية‬
‫المباشرة مع قوات الحتلل المريكي‪ ،‬ويلحقون به الخسائر‪ ،‬ويهرب هو إلى‬
‫ساحات التآمر السياسية مع الطراف الداخلية والقليمية لمحاولة احتواء‬
‫انتصار المقاومة العراقية‪.‬‬
‫الجبهة الثانية‪ :‬إيران الصفوية‬
‫لقد واجه المحتل تصاعد قوى المقاومة بإعطاء الفرصة ليران لتركيع هذه‬
‫النتصارات المتصاعدة‪ ،‬فأصبحت المقاومة في مواجهة مع الطرف اليراني‬
‫على جبهتين ‪:‬‬
‫الجبهة الولى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هي القوى المنية المعدة أيدلوجيا وعسكريا في إيران‪ ،‬والتي تم إدخالها مع‬
‫الحتلل‪ ،‬وانضمت إلى الجيش العراقي الذي أسسه بريمر‪ ،‬وكانت ُتستخدم‬
‫في عمليات القتحام والحصار لمناطق ومدن المقاومة كالفلوجة والرمادي‬
‫وغيرها جنبا ً إلى جنب مع قوى الحتلل‪.‬‬
‫والجبهة الثانية‬
‫هي المؤسسات المنية الداخلية التي كانت تتولى إنهاك وتعذيب وقتل‬
‫المقاومين العراقيين والوصول إلى المعلومات المنية التي تخدم الحتلل في‬
‫حربه الشرسة مع المقاومة العراقية‪ ،‬ومع ذلك كله انتصرت المقاومة‬
‫العراقية على الحتللوحلفائه‪ ،‬وأظهرت بسالة وقوة احتمال منقطعة النظير‪،‬‬
‫كانت الروح الفدائية والتضحية في سبيل المة العربية ومرجعيتها السلمية‬
‫وقودا ً للعراقيين البطال‪.‬‬
‫الجبهة الثالثة الوحدة الوطنية‬
‫وأما الجبهة الخطر فكانت قدرة وقوة المقاومة السلمية الوطنية العراقية‬
‫على توحيد أهداف معركتها على الرغم من الضغوط النفسية الهائلة التي‬
‫ظف لمصلحة الحرب‬ ‫ُتصب عليها‪ ،‬بل والذي يستفّزها لدخول معارك تو ّ‬
‫الهلية في العراق‪ ،‬ومن خلل أجواء خطيرة كانت تسعى لكي تدخل‬
‫المقاومة في هذه اللعبة القذرة إل ّ أن المقاومة حافظت على خطها النضالي‬
‫الشريف‪ ،‬وتجّنبت أن تقع في نفس الفخ الذي زرعه الحتلل لبعض القوى‬
‫العسكرية القادمة من خارج العراق‪ ،‬والتي استخدمت لكي تكون طرفا ً مقابل ً‬
‫للطرف اليراني في إشعال الفتنة وتبادل عمليات القتل ردا ً على جرائم‬
‫مؤسسات المن الداخلي التي أسسها الحتلل ودعمتها إيران‪.‬‬
‫ل خيار للخليج العربي إل بدعم المقاومة العراقية‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إذا ً نحن أمام حالة فريدة في مواجهة مشروع خطير ل يستهدف الهوية‬
‫القومية والسلمية للمنطقة فحسب‪ ،‬بل ويستهدف استقرارها ووحدتها‬
‫الجتماعية والوطنية‪ ،‬ونحن نرى أنه كلما تكّرس مشروع الحتلل المريكي‬
‫على الرض مع الثقافة اليرانية المعادية لوحدة المجتمع العربي في الخليج‬
‫ظهرت لنا أبواق من القنوات تسعى ليقاد الفتنة بين مواطني المنطقة كلها‪،‬‬
‫وليس العراق فحسب‪ ،‬وكلما انتصرت قوى المقاومة وغطاؤها السياسي‬
‫كالمؤتمر السياسي الذي يرأسه الشيخ جواد الخالصي والشيخ حارث الضاري‬
‫مى الخطاب الطائفي ومفاهيم‬ ‫ح ّ‬
‫الزعيم السلمي الوطني الكبير تراجعت ُ‬
‫الطائفية السياسية التي تمّزق المجتمعات العربية في الخليج لمصلحة‬
‫الموقف اليراني والمريكي معًا‪.‬‬
‫أما المنظور المريكي فسيكون من الغباء أن نتصور بأن المريكيين قد أغفلوا‬
‫منطقة الخليج من مشروعهم للشرق الوسط الجديد‪ ،‬وتوقعاتهم التي وردت‬
‫في دراستها‪ ،‬بل إن الخليج هو محور هذا المشروع خاصة مع تداعيات الحرب‬
‫الهلية في العراق على المنطقة‪ ،‬وبالتالي إيجاد قواعد لعبة جديدة كليًا‪،‬‬
‫وإعادة رسم المنطقة على قاعدة لعبة الشطرنج )كش ملك(‪-‬وأشير هنا إلى‬
‫الخريطة الجديدة لتقسيم المنطقة على أساس طائفي بعد تداعيات أحداث‬
‫العراق؛ أي مفاهيم أساسية لمنطقة الولء والحماية بحسب ما ُيفرض حتى‬
‫على الطرف المريكي من تداعيات ضخمة ل يستطيع مواجهتها‪ ،‬ولكن يسعى‬
‫لتأمين مصلحته العليا وإنهاك الخصوم في حروب يعيد بعدها سيطرته على‬
‫المنطقة بتخطيط جديد يقابله المعسكر اليراني وخطته المبراطورية‪.‬‬
‫مام المان للمحافظة أول ً على وحدة العراق‬ ‫إذا ً ننتهي إلى حقيقة هي أن ص ّ‬
‫وإنقاذه من مخطط الحرب الهلية‪ ،‬وبالتالي حماية المنطقة وهويتها القومية‬
‫السلمية يكمن في دعم المقاومة العسكرية والسياسية‪ ،‬والتي تحتاج إلى‬
‫دعم مادي لو ُترك لهل الخليج إيصاله لهذه الطراف الراشدة التي ل تعبث‬
‫بدماء البرياء لكان في هذا الدعم وقاية ل تساوي سياسيا ً ول اجتماعيا ً‬
‫مقابلها الكبير ونتائجها اليجابية‪ ،‬وهنا تبرز مهمة مؤسسات المجتمع المدني‪،‬‬
‫والجمعيات السياسية في الخليج‪.‬‬
‫المر الثاني هو التحصين العلمي الراشد ضد خطاب الفتنة والفرقة الذي‬
‫تتبناه القنوات اليرانية المؤسسة حديثا ً في الخليج‪ ،‬وما تفعله من تفرقة‬
‫الصف وتعزيز جوانب الخلف في قضايا كبرى بين أبناء الطائفيين لتمهيد‬
‫الجواء أمام فتنة ل يعلم مداها إل الله‪ ،‬وهذه المهمة تقوم بها مشاريع‬
‫إعلمية مستقلة ينبغي أن ُيفتح لها المجال لكشف المخطط المريكي‬
‫واليراني على السواء‪ ،‬ويكفي أن ُيعّزز إسناد مثل هذه المهمة إلى مجلس‬
‫يضم كأساس له القوى الشيعية العروبية في العراق‪ ،‬والتي رصدت الفتنة‬
‫الطائفية وآثارها على الوطن العراقي‪ ،‬ومن ثم امتداداته إلى المنطقة‪ ،‬مع‬
‫من يماثلهم في الوعي من الطرف السني‪ ،‬ويستخرج خطابا ً موحدا ً يهدي‬
‫للوحدة ويدعم وحدة الشعب العراقي وصمود مقاومته‪ ،‬واليوم هو يوم‬
‫العمل‪ ،‬أما غدا ً فيلتفت الخر إلى ما قيل وهو يتمتم‪:‬‬
‫ضحى الغدِ‬
‫ل إل ُ‬ ‫منعرِج الّلوى *** فلم يستبينوا القو َ‬
‫م نصحي ب ُ‬ ‫ضُته ُ‬
‫مح ْ‬
‫‪--------------‬‬
‫* كاتب ومحلل سياسي‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫جم ‪ -‬للطغرائي‬ ‫ة العَ َ‬ ‫لمي ُ‬


‫ل‬
‫خط ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫أصال َ ُ‬
‫ي صان َْتني ع ِ‬ ‫ة الّرأ ِ‬
‫ل‬‫دى العَط َ ِ‬ ‫ل زان َْتني ل َ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ة ال َ‬ ‫حلي ُ‬ ‫و ِ‬
‫شَرعٌ‬ ‫ً‬
‫مجدي أخيرا ومجدي أول َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ف ِ‬ ‫ّ‬
‫س في الط َ‬ ‫ضحى كال ّ‬ ‫وال ّ‬
‫شم ِ‬ ‫س رأد َ ال ّ‬ ‫شم ُ‬
‫ملي‬ ‫ج َ‬ ‫سكني ِبها ول ناقتي فيها ول َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة بالّزوراِء ل َ‬ ‫م ُ‬ ‫م القا َ‬ ‫في َ‬
‫ل‬‫خل ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫َ‬
‫مثناه ُ ع ِ‬ ‫ل عُّريَ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫منفرد ٌ كالن ّ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫صفُر الك ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ناٍء عن اله ِ‬
‫ذلي‬ ‫ج َ‬ ‫منتهى َ‬ ‫س إليهِ ُ‬ ‫حَزني ول أني ٌ‬ ‫مشتكى َ‬ ‫َ‬ ‫فل صديقٌ إليهِ ُ‬
‫ل‬ ‫ُ ِ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫َ ّ ِ‬ ‫سال‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫وقنا‬ ‫لها‬ ‫ُ‬ ‫ح‬ ‫َ ْ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫تي‬ ‫َ‬ ‫راحل‬ ‫ن‬
‫َ ّ‬ ‫ح‬ ‫تى‬ ‫يح ّ‬ ‫ل اغتراب َ‬ ‫طا َ‬
‫ذلي‬ ‫ب في عَ َ‬ ‫ج الّرك ُ‬ ‫ج ِلما يلقاه ُ قلبي وَل َ ّ‬ ‫ب ِنضوي وعَ ّ‬ ‫ج من ل َغَ ٍ‬ ‫ض ّ‬ ‫و َ‬
‫ق للُعلى قَِبلي‬ ‫ن بها على قضاِء حقو ٍ‬ ‫ف أستعي ُ‬ ‫ةك ّ‬ ‫أريد ُ َبسط َ‬
‫ل‬ ‫ف ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س آمالي وُيقنُعني من الغنيمةِ بعد َ الك َد ّ بال َ‬ ‫دهُر يعك ِ ُ‬ ‫وال ّ‬
‫ل‬ ‫ب ول وَك َ ِ‬ ‫ل بمثل ِهِ غيرِ هَّيا ٍ‬ ‫ق ٍ‬ ‫معت ِ‬ ‫صدرِ الّرمِح ُ‬ ‫طك َ‬ ‫شطا ٍ‬ ‫وذي َ‬
‫ل‬
‫ة الغََز ِ‬ ‫ه رِقّ ُ‬ ‫س من ُ‬ ‫قسوةِ البأ ِ‬ ‫تب َ‬ ‫ج ْ‬ ‫مز َ‬ ‫جد ّ قد ُ‬ ‫مّر ال ِ‬ ‫فكاهةِ ُ‬ ‫حلوِ ال َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬
‫ق ِ‬ ‫م َ‬ ‫م الّنوم ِ بال ُ‬ ‫سوا َ‬ ‫ل أغَرى َ‬ ‫مقلت ِهِ واللي ُ‬ ‫ّ‬ ‫ح الكَرى عن وِْرد ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫سر َ‬ ‫ت َ‬ ‫طرد ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫م ِ‬ ‫خمرِ الكرى ث َ ِ‬ ‫ب صاٍح وآخَر من َ‬ ‫َ‬
‫ل على الكوارِ من طر ٍ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ب ِ‬ ‫والّرك ُ‬
‫ل‬
‫جل ِ‬ ‫َ‬ ‫ث ال َ‬ ‫ت َتخذ ُلني في الحادِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫صَرني وأن َ‬ ‫ى لَتن ُ‬ ‫َ‬
‫جل ّ‬ ‫ت أدعوك لل ُ‬ ‫فقل ُ‬
‫ل‬
‫ح ِ‬ ‫ل لم ي َ ُ‬ ‫صبغُ اللي ِ‬ ‫لو ِ‬ ‫ن الّنجم ِ ساهرةٌ وتسَتحي ُ‬ ‫عيني وعي ُ‬ ‫م َ‬ ‫تنا ُ‬
‫ل‬ ‫ش ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫فه ْ‬
‫جُر أحيانا عَ ِ‬ ‫ي ي َْز ُ‬ ‫ت به والغَ ّ‬ ‫مم ُ‬ ‫ي هَ َ‬ ‫ن على غ ّ‬ ‫ل ُتعي ُ‬
‫ُ‬
‫ل‬ ‫ه ُرماة ٌ من َبني ث ُعَ ِ‬ ‫مت ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ضم ٍ وقد َ‬ ‫ي من إ َ‬ ‫إّني أريد ُ طروقَ الح ّ‬ ‫ُ‬
‫ل‬
‫حل ِ‬ ‫ي وال ُ‬ ‫حل ِ‬ ‫حمَر ال َ‬ ‫سود َ الَغدائرِ ُ‬ ‫ن بهِ ُ‬ ‫مرِ اللدا ِ‬ ‫ّ‬ ‫س ْ‬ ‫ض وال ّ‬ ‫ن بالبي ِ‬ ‫َيحمو َ‬
‫ل‬ ‫حل ِ‬ ‫َ‬ ‫ب َتهدينا إلى ال ِ‬ ‫حةِ الطي ِ‬ ‫ّ‬ ‫مهتديا بنف َ‬ ‫ً‬ ‫ل ُ‬ ‫سْر ِبنا في ِذمام ِ اللي ِ‬ ‫فَ ِ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ة حو َ‬ ‫ُ‬
‫س ِ‬ ‫ب من ال َ‬ ‫كناس لها غا ٌ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ض ٌ‬ ‫سد ُ راب َ‬ ‫ث الِعدى وال ْ‬ ‫ب حي ُ‬ ‫فالح ّ‬
‫ل‬‫ح ِ‬ ‫ت ِنصاُلها بمياهِ الغُن ِْج والك َ َ‬ ‫سقي ْ‬ ‫جزِع قد ُ‬ ‫ة بال ِ‬ ‫م ناشئ ً‬ ‫ن َؤُ ّ‬
‫ل‬‫خ ِ‬ ‫ن ومن ب َ َ‬ ‫جب ٍ‬ ‫كرام ِ بها ما بالكرائ ِم ِ من ُ‬ ‫ث ال ِ‬ ‫ب أحادي ِ‬ ‫قد زاد َ طي َ‬
‫ل‬ ‫قل ِ‬ ‫َ‬ ‫م على ال ُ‬ ‫قَرى منه ْ‬ ‫حّرى وناُر ال ِ‬ ‫ن في كبد ٍ َ‬ ‫ت ناُر الَهوى منه ّ‬ ‫تبي ُ‬
‫ل‬ ‫ل والب ِ‬ ‫م الخي ِ‬ ‫كرا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫حرو َ‬ ‫م وَين َ‬ ‫ك به ْ‬ ‫حرا َ‬ ‫بل َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن أنضاَء ُ‬ ‫يقُتل َ‬
‫ل‬‫س ِ‬ ‫غديرِ الخمرِ والعَ َ‬ ‫فى لديغُ الَعوالي في بيوِتهم ِ بنهلةٍ من َ‬ ‫ُيش َ‬
‫عللي‬ ‫َ‬ ‫م الُبرِء في ِ‬ ‫ب منها نسي ُ‬ ‫ة ي َدِ ّ‬ ‫ة بالجزِع ثاني ً‬ ‫ل إلمام ً‬ ‫لع ّ‬
‫ل‬ ‫ن الّنج ِ‬ ‫ة الّنجلَء قد ُ‬ ‫ّ‬
‫ل العي ِ‬ ‫ت برشفةٍ من ُزل ِ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ل أكرهُ الطعن َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ل الستارِ في الك ِل ِ‬ ‫خل ِ‬ ‫َ‬ ‫دني باللمِح من َ‬ ‫ّ‬ ‫ض ُتسع ُ‬ ‫ح البي َ‬ ‫صفا َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ول أها ُ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ول ُأخ ّ‬
‫ب بالغي َ ِ‬ ‫هتني أسود ُ الغا ِ‬ ‫ن أغازلها ولو د َ َ‬ ‫ل بغزل ٍ‬
‫ل‬‫س ِ‬ ‫ن المعالي وُيغري المرَء بالك َ َ‬ ‫م صاحِبه ع ِ‬ ‫سلمةِ َيثني ه ّ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ُ‬
‫ل‬
‫سلما في الجوّ فاعتز ِ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ض أو ُ‬ ‫ً‬ ‫ت إليهِ فاّتخذ ْ ن َ َ‬
‫فقا في الر ِ‬ ‫جَنح َ‬ ‫ن َ‬ ‫فإ ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ن بالب َل ِ‬ ‫ن على ُركوِبها واقَتنعْ منه ّ‬ ‫دمي َ‬ ‫مق ِ‬ ‫ود َع ْ ِغماَر الُعلى لل ُ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫الي‬ ‫م‬ ‫رسي‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫وال‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫يخف‬ ‫ش‬ ‫العي‬ ‫ض‬ ‫ذلي ُ‬ ‫َيرضى ال ّ‬
‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ل بخف ِ‬
‫ل‬ ‫جد ُ ِ‬ ‫ت مثاني الّلجم ِ ِبال ُ‬ ‫معارضا ٍ‬ ‫ة ُ‬ ‫فادرأ ْ بها في ُنحورِ البيدِ جافل ً‬
‫ل‬‫ق ِ‬ ‫ن إلعِّز في الن ّ َ‬ ‫ثأ ّ‬ ‫ة فيما ُتحد ّ ُ‬ ‫ي صادق ٌ‬ ‫دثتْني وه َ‬ ‫ن الُعلى ح ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ل‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫س يوما ً دارةَ ال َ‬ ‫شم ُ‬ ‫ى لم تبرِح ال ّ‬ ‫من ً‬ ‫ف المأوى ُبلوغ َ ُ‬ ‫ن في شر ِ‬ ‫لو أ ّ‬
‫ل‬ ‫شغ ِ‬ ‫ل في ُ‬ ‫جّها ِ‬ ‫ي بال ُ‬ ‫مستمعا والحظ عن ّ َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ت ُ‬ ‫ت بالحظ لو نادي ُ‬ ‫ّ‬ ‫أهب ُ‬
‫ه لي‬ ‫م أو تنب ّ َ‬ ‫م عنه ْ‬ ‫م ِلعينهِ نا َ‬ ‫صهُ ُ‬ ‫ن بدا فضلي ونق ُ‬ ‫هإ ْ‬ ‫لعل ّ ُ‬
‫ل‬ ‫ة الم ِ‬ ‫ش لول َفسح ُ‬ ‫ل أرقُُبها ما أضيقَ العي َ‬ ‫س بالما ِ‬ ‫ل الّنف َ‬ ‫ُأعل ّ ُ‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‬
‫ج ِ‬ ‫ت على عَ َ‬ ‫ف أرضى وقد ول ّ ْ‬ ‫ة فكي َ‬ ‫م مقبل ٌ‬ ‫ش واليا ُ‬ ‫ض بالعي ِ‬ ‫لم أر َ‬
‫مبتذ َ ِ‬
‫ل‬ ‫قدرِ ُ‬ ‫ص ال َ‬ ‫صن ُْتها عن رخي ِ‬ ‫عرفاني بقيمِتها ف ُ‬ ‫ي ِ‬ ‫ى بنفس َ‬ ‫غال َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫س يعمل إل في َيديْ ب َط ِ‬ ‫ُ‬ ‫ل أن َيزهو بجوهرِهِ ولي َ‬ ‫ص ِ‬ ‫وعادةُ الن ّ ْ‬
‫ل‬
‫ّ ِ‬ ‫سف‬ ‫وال‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫الوغا‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫دول‬ ‫أرى‬ ‫تى‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫زمني‬ ‫َ‬ ‫بي‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫يمت‬ ‫ن‬
‫ت أوث ِ ُ ْ‬
‫أ‬ ‫ر‬ ‫ما كن ُ‬
‫ل‬‫مهَ ِ‬ ‫م وراَء خطويَ إذ ْ أمشي على َ‬ ‫شوط ُهُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫س كا َ‬ ‫مْتني أنا ٌ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫تَ َ‬
‫ل‬‫ة الج ِ‬ ‫ه د ََرجوا من قبلهِ فتمّنى ُفسح َ‬ ‫هذا جزاُء امريٍء أقران ُ ُ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫س عن ُزح ِ‬ ‫ط الشم ِ‬ ‫ب لي أسوةٌ بانحطا ِ‬ ‫ن دوني فل عج ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ن علن َ‬ ‫وإ ْ‬
‫ل‬
‫دهرِ ما ُيغني عن الحي َ ِ‬ ‫ث ال ّ‬ ‫ضجرٍ في حاد ِ‬ ‫ل ول َ‬ ‫فاصبْر لها غيَر محتا ٍ‬
‫ل‬
‫خ ِ‬ ‫م على د َ َ‬ ‫س واصحبه ْ‬ ‫ت بهِ فحاذِرِ النا َ‬ ‫ن وَثق َ‬ ‫ك أدنى م ْ‬ ‫عدوّ َ‬ ‫دى َ‬ ‫أع َ‬
‫ل‬‫ج ِ‬ ‫دنيا على َر ُ‬ ‫ل في ال ّ‬ ‫ن ل ُيعوّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دها َ‬ ‫دنيا وواح ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫فإّنما رج ُ‬
‫ل‬‫ج ِ‬ ‫ن منها على وَ َ‬ ‫ُ‬
‫ن شّرا وك ْ‬‫ً‬ ‫ُ‬
‫جزةٌ فظ ّ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن ظن ّك باليام ِ َ‬ ‫َ‬ ‫حس ُ‬ ‫و ُ‬
‫ل‬
‫ل والعم ِ‬ ‫قو ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ف بي َ‬ ‫خل ِ‬‫ْ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫ت مساف ُ‬ ‫ض الغدُر وانفرج ْ‬ ‫ض الوفاُء وفا َ‬ ‫غا َ‬
‫ل‬
‫معتد ِ‬ ‫جب ُ‬ ‫معوَ ّ‬ ‫ل ُيطاب َقُ ُ‬ ‫م وه ْ‬ ‫س كذب ُهُ ُ‬ ‫ن النا ِ‬ ‫صد ْقَك بي َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وشا َ‬
‫ل‬ ‫ف للعَذ َ ِ‬ ‫سي ِ‬ ‫سبقُ ال ّ‬ ‫م شيٌء في َثباتهم ِ على الُعهودِ ف َ‬ ‫ن ينج ُ‬ ‫ن كا َ‬ ‫إ ْ‬
‫ل‬ ‫مك الو ِ‬ ‫َ‬ ‫صفوَك في أيا ِ‬ ‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫ه كد ٌّر أنفق َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ش كل ُ‬ ‫ً‬
‫سؤَر عي ٍ‬ ‫يا واِردا ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ة الوَش ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ت تكفيك من ُ‬ ‫َ‬ ‫ه وأن َ‬ ‫ج البحرِ تركب ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫مك ل ّ‬ ‫َ‬ ‫م اقتحا ُ‬ ‫في َ‬
‫ل‬
‫َ َ ِ‬‫و‬ ‫خ‬ ‫وال‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫النصا‬ ‫إلى‬ ‫فيه‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫يحتا‬ ‫ول‬ ‫عليه‬ ‫يخشى‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫القناع‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫مل‬‫ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل‬
‫منتق ِ‬
‫ل غيرِ ُ‬ ‫ت بظ ّ‬‫ل سمع َ‬ ‫ت لها فه ْ‬ ‫ترجو البقاَء بدارٍ ل ثبا َ‬
‫ُ‬
‫ت منجاةٌ من الّزل ّ ِ‬
‫ل‬ ‫صم ِ‬ ‫ت ففي ال ّ‬ ‫طلعا ً أصم ْ‬
‫ْ‬
‫م ّ‬
‫ويا خبيرا ً على السرارِ ُ‬
‫ل‬
‫م ِ‬
‫ن َترعى معَ الهَ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫س َ‬
‫ه فاربأ بنف ِ‬ ‫تل ُ‬
‫طن َ‬‫نف ِ‬ ‫ك لمرٍ إ ْ‬‫شحو َ‬ ‫قد ر ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ة ابن المقري‬ ‫لمي ّ ُ‬


‫ل‬
‫ص في العم ِ‬ ‫ل َتحكي النق َ‬ ‫زيادة ُ القو ِ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ومنطقُ المرِء قد َيهديهِ للّزل ِ‬
‫ه ول َ ُ‬
‫ه‬ ‫م ُ‬‫جر ُ‬ ‫ن صغيٌر ِ‬ ‫ن اللسا َ‬ ‫إ ّ‬
‫مث َ ِ‬
‫ل‬ ‫م كبيٌر كما قد قيل في ال َ‬ ‫جر ٌ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫ن أق ِ‬ ‫ت على ما لم أك ْ‬ ‫ت بهِ وما ندم ُ‬ ‫ت قل ُ‬ ‫ت على ما كن ُ‬ ‫فكم ندم ُ‬
‫ل‬‫سب ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ى ُيعين ُك أو يهديك لل ُ‬ ‫َ‬ ‫ه فت ً‬ ‫م تجد ْ مع ُ‬ ‫وأضيقُ المرِ أمٌر ل ْ‬
‫ل‬
‫ّ ِ‬ ‫رج‬ ‫ال‬ ‫عن‬ ‫تغني‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫الخود‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫كعف‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫مشاور‬ ‫ُ‬ ‫عن‬ ‫يغني‬ ‫ل الفتى ليس ُ‬ ‫عق ُ‬
‫خط َ ِ‬
‫ل‬ ‫ب إلى ال َ‬ ‫ب غََرضا ً أو مخطيٌء غيَر منسو ٍ‬ ‫إن المشاوَر إما صائ ٌ‬
‫ل‬
‫ب طائُر العس ِ‬ ‫ك الحقيُر بهِ فالّنحل وهو ُذبا ٌ‬ ‫قرِ الرأيَ يأتي َ‬ ‫ل تح ِ‬
‫ل‬
‫غيبةِ الم ِ‬ ‫ه في َ‬ ‫ل حتى ُتجّرب ُ‬ ‫ك ود ٌ من أخي أم ٍ‬ ‫ول يغّرن َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ل عادت عداوته عند َ انقضا العِل ِ‬ ‫عل ٌ‬‫ً‬ ‫لخا ِ‬ ‫ها ِ‬ ‫إذا العدوّ أحاجت ُ‬
‫ل‬ ‫جْز عن الحي َ ِ‬ ‫ل ُتغني وإل فل ت َعْ َ‬ ‫حي َ ٌ‬ ‫ب ما به ِ‬ ‫خط ٍ‬ ‫نل َ‬ ‫ل تجزع ّ‬
‫ل‬
‫منتق ِ‬ ‫ب غيرِ ُ‬ ‫ه وخط ٍ‬ ‫ى بصبرِ المرِء في قدرٍ لب ُد ّ من ُ‬ ‫ل شيَء أول َ‬
‫ل‬
‫م ت َن َ ِ‬ ‫ثل ْ‬ ‫ت أمرٍ حي ُ‬ ‫ث مضى ول على فَوْ ِ‬ ‫ت حي ُ‬ ‫ن على ما فا َ‬ ‫ل تجزع ّ‬
‫ل‬
‫مد ّةُ الج ِ‬ ‫ضت عليه ُ‬ ‫ه إذا تق ّ‬ ‫س ُتغني الفتى في المرِ عُد ّت ُ ُ‬ ‫فلي َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫جل ِ‬ ‫ث ال َ‬ ‫قدرِ صبرِ الفتى للحاد ِ‬ ‫هك َ‬ ‫وقدُر شكرِ الفتى لله نعمت َ ُ‬
‫ل‬ ‫عم ِ‬ ‫مرتضى َ‬ ‫ب حريةٍ أو ُ‬ ‫ت بهِ ذها َ‬ ‫ف نهٍج ما خشي ُ‬ ‫ن أخو َ‬ ‫وإ ّ‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‬ ‫دو ِ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫صول َ‬ ‫ك واحذْر َ‬ ‫ل ول تهزأ بغير َ‬ ‫ت الرجا ِ‬ ‫ن بسقطا ِ‬ ‫ل تفرح ّ‬


‫ل‬
‫ف ِ‬ ‫س َ‬ ‫دهَر إن ُيلقيك في ال َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ُيعلي العدوّ ول تستأم ِ‬ ‫ن الدهَر إ ْ‬ ‫ل تأم ِ‬
‫ل‬‫جد َ ِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫م صنع َ‬ ‫ل فاحك ِ ْ‬ ‫ه شهادةُ العق ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫أحقّ شيٍء برد ّ ما تخال ُ‬
‫ل‬‫َ ِ‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫به‬ ‫تعلو‬ ‫ما‬ ‫لنفسك‬ ‫فاطلب‬ ‫سنه‬ ‫ن ُ ِ‬ ‫يح‬ ‫وقيمة المرء ما قد كا َ‬
‫ن إلى الوك َ ِ‬
‫ل‬ ‫س ل ترك َ ْ‬ ‫ة اليأ ِ‬ ‫ملتمسا ً أو راح َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ل لذةَ الدرا ِ‬ ‫ُأطلب ت َن َ ْ‬
‫ل‬ ‫س ِ‬ ‫ج القتاُر بالك َ َ‬ ‫ن أبدا ً إل إذا امتز َ‬ ‫ل داٍء دواه ُ ممك ٌ‬ ‫فك ّ‬
‫ل‬ ‫ن في الك ُ ِ‬ ‫ج حي ّا إلى الخوا ِ‬ ‫ً‬ ‫ه العدوّ ول تحتا َ‬ ‫ه ووّرث ُ‬ ‫صن ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫والما ُ‬
‫ل‬ ‫م ِ‬ ‫ه في صالِح العَ َ‬ ‫ق ُ‬‫ف ُ‬ ‫عرضا وين ُ‬ ‫ً‬ ‫ن بهِ ِ‬ ‫ل َيصو ُ‬ ‫ل الفتى ما ٌ‬ ‫وخيُر ما ِ‬
‫ل‬
‫مط ِ‬ ‫َ‬ ‫ه شيء من ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ن َيتبعه ول ت َ َ‬ ‫ل البّر ما ل م ّ‬ ‫وأفض ُ‬
‫ل‬ ‫صنعا ولم تنتظْر فيه جزا رج ِ‬ ‫ً‬ ‫ف بهِ ُ‬ ‫ل لم ُتكا َ‬ ‫وإنما الجود ُ بذ ٌ‬
‫ل‬‫منتح ِ‬ ‫لل ُ‬ ‫ن فأغل ٌ‬ ‫فر َ‬ ‫ُ‬
‫ت وإن ك ِ‬ ‫شكر ْ‬ ‫إن الصنائعَ أطواق إذا ُ‬
‫ل‬‫س ِ‬ ‫ه شيئا وُيحصُر نطقُ الحّر إن ي َ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ت تسأل ُ‬ ‫صُر مهما جئ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذو اللؤم ِ ي َ ْ‬
‫ل‬ ‫محتف ِ‬ ‫ن إدراك ِهِ بلئيم ٍ غيرِ ُ‬ ‫نم ْ‬ ‫ت الذي َتهوى لهو ُ‬ ‫وإن فو َ‬
‫ل‬
‫ت بالمنِع والُبخ ِ‬ ‫ن من إصابةٍ حصل ْ‬ ‫خطا في الجودِ أحس ُ‬ ‫وإن عندي ال َ‬
‫ل‬
‫خ ِ‬ ‫شّر والد ّ َ‬ ‫شّر أهل ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫مسديهِ إليك كما شٌر من ال ّ‬ ‫َ‬ ‫خيٌر من الخير ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ن الحقدِ في التسديدِ للخل ِ‬ ‫ن من بواط ِ‬ ‫ن أحس ُ‬ ‫ب للخوا ِ‬ ‫ظواهُر الُعت ِ‬
‫ل‬ ‫ج‬ ‫ع‬
‫َ َ َ ِ‬‫ال‬ ‫ة‬ ‫سقط‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫واحذ‬ ‫السمح‬ ‫سوى‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫تصح‬ ‫َ‬ ‫ول‬ ‫ه‬ ‫د‬
‫ُ ُ ِ ْ ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫وسامح‬ ‫ل‬‫داوِ الجهو َ‬
‫ل‬ ‫ن بالعم ِ‬ ‫جّرب َ‬ ‫مّتكل ً على عقاقيَر قد ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ن نقيعَ ال ّ‬ ‫ل تشرب ّ‬
‫ل‬
‫ك مّتص ِ‬ ‫ل من َ‬ ‫ودادِ بحب ٍ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن إن قطعوا حب َ‬ ‫ة والخوا َ‬ ‫والقَ الحب ّ َ‬
‫ل‬
‫حي َ ِ‬ ‫م ي َْرد ُد ْهُ بال ِ‬ ‫ن قد ضاعَ من يدهِ صديقُ وُد ّ فل ْ‬ ‫سم ْ‬ ‫وأعجُز النا ِ‬
‫ل؟‬ ‫ن بالب َد َ ِ‬ ‫ف الم ُ‬ ‫ل وكي َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن من تبدي ِ‬ ‫ه أحس َ‬ ‫خّلك واستخصل ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫استص ِ‬
‫ل‬‫ه وقُ ِ‬ ‫ه فيها ودع ْ ما شئت َ ُ‬ ‫ل من مطالبهِ تحفظ ُ‬ ‫خصا ٍ‬ ‫ث ِ‬ ‫ل ثل َ‬ ‫واحم ْ‬
‫ل‬‫م ِ‬ ‫سط ول ت َ ِ‬ ‫م هفوت ِهِ فاق ِ‬ ‫ُ‬
‫ظ فاعفِهما وظل ُ‬ ‫م الَغي ِ‬ ‫ل وظل ُ‬ ‫ُ‬ ‫دل ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ظل ُ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫ف ِ‬ ‫س َ‬ ‫معاشرةَ الوغادِ وال ّ‬ ‫م واحذْر ُ‬ ‫قهِ ْ‬ ‫ق ما كانوا لخال ِ‬ ‫ن مع ال َ ْ‬ ‫وك ُ ْ‬
‫خل ِ‬
‫ل‬
‫ف ِ‬
‫ح َ‬
‫حّر في َ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ش الذى عند َ إكرام ِ اللئيم كما تخشى الذى إن أهن َ‬ ‫واخ َ‬
‫ل‬
‫ج ِ‬ ‫ن والوَ َ‬ ‫خذ ْ في الم ِ‬ ‫تف ُ‬ ‫ن أبي َ‬ ‫م وإ ْ‬ ‫س طبعٌ ل تث ِقْ به ُ‬ ‫والغدُر في النا ِ‬
‫ل‬ ‫خت َ ِ‬ ‫من يقظةٍ بالفتى إظهاُر غفلتهِ مع التحّرزِ من غدرٍ ومن َ‬‫َ‬
‫ل‬
‫مث ِ‬ ‫ُ‬ ‫ف ال ُ‬ ‫ب فيها أشر ُ‬ ‫ب وانظْر في مراءَتها فللعواق ِ‬ ‫ل الّتجار َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ت عن الوقوِع به في العجزِ والوَك ِ‬ ‫س ما اّتعظ ْ‬ ‫وخيُر ما جّربته النف ُ‬
‫ل‬‫ّّ ِ‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫منه‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ذرع‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ِ َ‬ ‫ضق‬ ‫بما‬ ‫ّ‬ ‫فر‬ ‫بعها‬ ‫ِ‬ ‫توا‬ ‫ن‬
‫فاصبْر لواحدةٍ تأم ْ‬
‫ل‬
‫مهَ ِ‬ ‫ة واحذره ُ عن َ‬ ‫جزا َبغت ً‬ ‫ش ال َ‬ ‫ة فاخ َ‬ ‫ل عاقب ٌ‬ ‫وللمورِ وللعما ِ‬
‫ل‬‫خل َ ِ‬ ‫ك ما يهوى لخشيت ِهِ من العلِج بمكروهٍ من ال َ‬ ‫ل يتر ُ‬ ‫ذو العق ِ‬
‫ت فاحتمل‬ ‫ه فانظر لي ِّهنا آثر َ‬ ‫شهوت َ ُ‬ ‫ك المرِء َ‬ ‫ن المروءةِ تر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ترتذ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫غا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ومن‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫مدح‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫توس‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫يد‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ذ‬ ‫من‬ ‫تحي‬ ‫َ‬ ‫اس‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ َ ْ‬
‫ل‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫موض‬ ‫يراعي‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫الذبا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫مث‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫مشتغ‬ ‫الناس‬ ‫بمساوي‬ ‫شّر الورى‬
‫ل‬
‫س هذا غيَر معتد ِ‬ ‫ت النا ُ‬ ‫ت كالقدِح في التقويم ِ معتدل ً لقال ِ‬ ‫لو كن َ‬
‫ول‬ ‫ص َ‬ ‫ه في ال ّ‬ ‫ل أدنى من ُ‬ ‫م الّنذ ُ‬ ‫ه ويظل ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن يطاول ُ‬ ‫م الحّر إل م ْ‬ ‫ل يظل ُ‬
‫ل‬ ‫مهَ ِ‬ ‫ن ل تغتّر بال َ‬ ‫ه إل المهيم ُ‬ ‫ن ل نصيَر ل ُ‬ ‫يا ظالما جاَر فيم ْ‬ ‫ً‬
‫ل‬
‫مي َ ِ‬ ‫ت ويقضي الله بينكما بحكمةِ الحقّ ل بالزيغ وال َ‬ ‫غدا ً تمو ُ‬
‫ن يظفر بذي َزل َ ِ‬
‫ل‬ ‫م على العقوبةِ إ ْ‬ ‫وإن أولى الوََرى بالعفو قدُرهُ ُ‬
‫ل‬
‫ن الغِي َ ِ‬ ‫ن أنصارهِ وُيوقيهِ م َ‬ ‫ّ‬ ‫م الفتى عن سفيهِ القوم ِ ُيكثُر م ْ‬ ‫حل ُ‬
‫ل(‬ ‫ج ِ‬ ‫ن من عَ َ‬ ‫خلقَ النسا ُ‬ ‫ب يجود ُ به لقول ِهِ ) ُ‬ ‫م طبعٌ فما كس ٌ‬ ‫ْ‬
‫حل ُ‬ ‫وال ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صفدي‬ ‫ة ال ّ‬ ‫لمي ّ ُ‬
‫ل‬
‫ة الم ِ‬‫ب غاي َ‬ ‫ن قري ٍ‬ ‫بع ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫ب تُ ِ‬ ‫ل فانص ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ن في الك َ‬‫َ‬ ‫حرما ُ‬ ‫جد ّ في الجد ّ وال ِ‬ ‫ال َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫دراِع الب َط ِ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫حسام ِ بك ّ‬ ‫ن بهِ صبَر ال ُ‬ ‫واصبْر على كل ما يأتي الّزما ُ‬ ‫ّ‬
‫ل‬
‫َ َ ِ‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫والتأيي‬ ‫ز‬‫ّ‬ ‫الع‬ ‫من‬ ‫ترجو‬ ‫بما‬ ‫ص والطماعَ تح َ‬
‫ظ‬ ‫ب الحر َ‬ ‫وجان ِ‬
‫ُ‬ ‫ن ول تظ ّ‬
‫ل‬ ‫جذ َ ِ‬ ‫ت ذا َ‬ ‫ل بما أوتي َ‬ ‫حَز ٍ‬ ‫ت ذا َ‬ ‫ن على ما فا َ‬ ‫ول تكون َ ْ‬
‫ل‬‫ل المورِ ول ُتسرع ببادرةٍ يوما ً إلى رج ِ‬ ‫م في ك ّ‬ ‫حل َ‬ ‫واستشعرِ ال ِ‬
‫ل‬‫ق ِ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م تسمعْ ول ْ‬ ‫كل ْ‬ ‫ن كأن ّ َ‬ ‫ه فك ُ ْ‬ ‫خلقَ ل ُ‬ ‫صل َ‬ ‫ت بشخ ٍ‬ ‫ن ُبلي َ‬ ‫وإ ْ‬
‫ل‬‫ن الّزل ِ‬ ‫َ‬ ‫ي تنجو م َ‬ ‫ً‬
‫محاوَرةٍ ول حليما لك ْ‬ ‫ول ُتمارِ سفيها في ُ‬ ‫ً‬
‫ل‬
‫س ِ‬ ‫م في العَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫خدعا فإ ّ‬ ‫ً‬ ‫ك ِ‬ ‫ه إلي َ‬ ‫شت َ ُ‬ ‫ن ُيبدي بشا َ‬ ‫كم ْ‬ ‫ول يغّرن َ‬
‫ل‬ ‫منتع ِ‬ ‫فو ُ‬ ‫ك عن حا ٍ‬ ‫م أموَر َ‬ ‫ى فاكت ُ ْ‬ ‫ت َنجاحا أو بلوغ َ ُ‬ ‫ً‬
‫من ً‬ ‫ن أرد َ‬ ‫وإ ْ‬
‫ل‬ ‫ل والعم ِ‬ ‫ص القو ِ‬ ‫ف وما تعوّد َ نق َ‬ ‫مّتص ٌ‬ ‫حْزم ِ ُ‬ ‫ن الفتى من بماضي ال َ‬ ‫إ ّ‬
‫ل‬ ‫جب َ ِ‬ ‫ل وال َ‬ ‫سه ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ب مسكُنها حتى يقد ّ أدي َ‬ ‫ض طا َ‬ ‫م بأر ٍ‬ ‫ول يقي ُ‬
‫ل‬
‫ت من أيامهِ الو ِ‬ ‫ن يعود َ ما فا َ‬ ‫ن فل ْ‬ ‫ت الّزما ِ‬ ‫ول يضيعُ ساعا ِ‬
‫ل‬ ‫ل ذي ن ُب ُ ِ‬ ‫ب إل ك ّ‬ ‫ه ول ُيصاح ُ‬ ‫ن ُيراقِب ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب إل َ‬ ‫ول ُيراقِ ُ‬
‫ل‬ ‫خل ِ‬ ‫َ‬ ‫عيوبا في الوََرى أبدا بل يعتني بالذي فيهِ من ال َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ول يعد ّ ُ‬
‫ل‬‫مهَ ِ‬ ‫ب َتهديهِ على َ‬ ‫سنا بل التجار ُ‬ ‫ً‬ ‫ح َ‬ ‫سوءا ول َ‬ ‫ً‬ ‫م ُ‬ ‫ن به ْ‬ ‫ول يظ ُ ّ‬
‫ل‬‫ل من وثبةِ الج ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ل آمال ً بصبِح غد ٍ إل على وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ول ي ُؤَ ّ‬
‫ل‬‫سب ُ ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫ه لنها للمعالي أوض ُ‬ ‫ول َيصد ّ عن التقوى بصيرت َ ُ‬
‫ل‬‫ش في دهرهِ يوما ً من العَط َ ِ‬ ‫م يخ َ‬ ‫هل ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ل التقوى ملب َ‬ ‫حل ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن تك ْ‬ ‫فم ْ‬
‫ل‬ ‫حل َ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ن مغمورا ً م َ‬ ‫ه عارٍ وإن كا َ‬ ‫ه مما ي ُد َّنس ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫عر َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م يص ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫َ َ ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫مع‬ ‫فليرعى‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫يحاو‬ ‫فيما‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫تجرب‬ ‫الدهر‬ ‫ف‬‫ُ‬ ‫صرو‬ ‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫تفد‬ ‫ُ‬ ‫لم‬ ‫ن‬‫َ ْ‬ ‫م‬
‫ل‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫بال‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫عد‬ ‫ب‬
‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫منها‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ث‬ ‫فلي‬ ‫الليالي‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫لمت‬ ‫َ‬ ‫سا‬ ‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ِ ْ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫بسها‬ ‫رمى‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫وم‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫بحاج‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫يظف‬ ‫لم‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ز‬ ‫ْ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ل‬‫ِ‬ ‫ص‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫ِ ُ‬ ‫ل‬ ‫فع‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫بمد‬ ‫ٍ‬ ‫د‬ ‫حم‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫بدي‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫العالمو‬ ‫وأحيا‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫سا‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫جا‬ ‫ن‬ ‫م ْ‬
‫ن جهلهِ وَُبلي‬ ‫جود ٍ ُبلي م ْ‬ ‫ه من غيرِ ُ‬ ‫ل يجمعُ ُ‬ ‫ل الُعلى بالما ِ‬ ‫م ني َ‬ ‫ن را َ‬ ‫م ْ‬
‫ل‬
‫منَتق ِ‬ ‫ل طب ٍْع لئيم غيرِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ه بك ّ‬ ‫ت خليقت ُ ُ‬ ‫ه ساَء ْ‬ ‫س ُ‬‫ن نف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫مي ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬
‫ل‬
‫جل ِ‬ ‫َ‬ ‫ث ال َ‬ ‫دما لنفسهِ وُرمي بالحاد ِ‬ ‫ً‬ ‫جَنى ن َ َ‬ ‫س الغاغة الّنوكى َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن جال َ‬ ‫م ْ‬
‫ملي‬ ‫خبر في عَ َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫حكما إذ صغُتها بعد َ طو ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫حوى ِ‬ ‫خذ ْ مقال خبيرٍ قد َ‬ ‫َ‬ ‫ف ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وردي‬ ‫لمّية ابن ال َ‬


‫ل‬‫ن هََز ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ل وجان ْ‬ ‫ص َ‬‫ف ْ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ل وق ُ ِ‬ ‫ل ِذكَر الغاني والغََز ْ‬ ‫إعتز ْ‬
‫ل‬‫م أف َ ْ‬ ‫صبا َنج ٌ‬ ‫صبا فليام ِ ال ّ‬ ‫ذكَر ليام ِ ال ّ‬ ‫ود َِع ال ّ‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫ذاُتها والث ْ ُ‬ ‫تل ّ‬ ‫ن أهنا عيشةٍ قضيُتها ذهب ْ‬ ‫إ ْ‬
‫ل‬ ‫ج ّ‬ ‫عّز رفيٍع وت ُ َ‬ ‫س في ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ل بها ت ُ ْ‬ ‫ك الغاد َةَ ل تحف ْ‬ ‫واتُر ِ‬
‫جل ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ت تهواهُ تجد ْ أمرا َ‬ ‫ن الذي أن َ‬ ‫حس ِ‬ ‫وافتكْر في منتهى ُ‬
‫ق ْ‬
‫ل‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جنو ٍ‬ ‫ف يسعى في ُ‬ ‫ى كي َ‬ ‫ت فت ً‬ ‫ن كن َ‬ ‫جرِ الخمرةَ إ ْ‬ ‫واه ُ‬
‫ص ْ‬
‫ل‬ ‫ب امريٍء إل وَ َ‬ ‫ت قل َ‬ ‫ه فتقوى الله ما جاور ْ‬ ‫ق الل َ‬ ‫وات ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن يّتقي الله الب َط ْ‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫ن يقطعُ طرقا َبطل إنما م ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫سم ْ‬ ‫لي َ‬
‫ل يرصد في الليل ُزح ْ‬
‫ل‬ ‫ن إلى رج ٍ‬ ‫شرعَ ول ترك ْ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫صد ّ ِ‬
‫ج ْ‬
‫ل‬ ‫ن قد هدانا سْبلنا عّز و َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت الفكاُر في حكمةِ َ‬ ‫حار ِ‬
‫ل‬‫ش وأفنى من د ُوَ ْ‬ ‫ل من جي ٍ‬ ‫مف ّ‬ ‫َ‬ ‫ق فك ْ‬ ‫خل ِ‬ ‫ب الموت على ال َ‬ ‫كت َ‬ ‫ُ‬
‫ض ووّلى وعََز ْ‬
‫ل‬ ‫ك الر َ‬ ‫مل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن وم ْ‬ ‫ن ُنمرود ُ وكنعا ُ‬ ‫أي َ‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خ ْ‬
‫ل‬ ‫م من يسمعْ ي َ َ‬ ‫ن ومن رفعَ الهرا َ‬ ‫أين عاد ٌ أين فرعو ُ‬
‫قل َلْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ن من سادوا وشادوا وب ََنوا هَلك الكل ولم ُتغ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أي َ‬
‫م الوَلْ‬ ‫ن أهل العلم ِ والقو ُ‬ ‫ُ‬ ‫جى أهل الّنهى أي َ‬ ‫ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ن أربا ُ‬ ‫أي َ‬
‫ل‬‫م وسَيجزي فاعل ً ما قد فَعَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫منه‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫الله‬ ‫س ُ ُ‬
‫د‬ ‫يعي‬
‫مل ْ‬
‫ل‬ ‫ت بها خيُر ال ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫خ ّ‬ ‫حكما ً ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫جمع ْ‬ ‫ي اسمعْ وصايا َ‬ ‫إيْ ُبن ّ‬
‫ل‬‫س ْ‬ ‫ل الك َ َ‬ ‫ل فما أبعد َ الخيَر على أه ِ‬ ‫س ْ‬ ‫م ول تك َ‬ ‫ب الِعل َ‬ ‫أطل ُ‬
‫ل‬ ‫خو َ ْ‬ ‫لو َ‬ ‫ه بما ٍ‬ ‫ل عن ُ‬ ‫دين ول تشتغ ْ‬ ‫ل للفقهِ في ال ّ‬ ‫واحتف ْ‬
‫ل‬‫ب يحقْر ما ب َذ َ ْ‬ ‫ف المطلو َ‬ ‫ن يعر ِ‬ ‫ه فم ْ‬ ‫صل ُ‬ ‫م وح ّ‬ ‫واهجرِ الّنو َ‬
‫ل‬ ‫ب وص ْ‬ ‫در ِ‬ ‫ل من ساَر على ال ّ‬ ‫هك ّ‬ ‫ت أرباب ُ ُ‬ ‫ل قد ذهب ْ‬ ‫ل تق ْ‬
‫ل‬‫ح العم ْ‬ ‫ل العلم ِ إصل ُ‬ ‫م الِعدى وجما ُ‬ ‫في ازديادِ العلم ِ إرغا ُ‬
‫ق اختب ْ‬
‫ل‬ ‫ب بالّنط ِ‬ ‫ن ُيحَرم ِ العرا َ‬ ‫منط ِقَ بالّنحو فم ْ‬ ‫ل ال َ‬ ‫م ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ح ْ‬ ‫م مذهبي في اطراِح الّرفد ل تبِغ الن ّ َ‬ ‫ّ‬ ‫شعَر ولز ْ‬ ‫انظم ِ ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫ن الشعَر إذا لم ُيبتذ ْ‬ ‫ل وما أحس َ‬ ‫ن على الفض ِ‬ ‫فهوَ عنوا ٌ‬
‫ل اّتك ْ‬
‫ل‬ ‫ل لم يبقَ سوى مقرف أو من على الص ِ‬ ‫ل الفض ِ‬ ‫ت أه ُ‬ ‫ما َ‬
‫قبلْ‬ ‫َ‬
‫أنا ل أختاُر تقبيل يد ٍ قطُعها أجمل من تلك ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جلْ‬ ‫خ َ‬ ‫ت في رّقها أو ل فيكفيني ال َ‬ ‫جزتني عن مديحي صر ُ‬ ‫إن َ‬
‫ظ ُنطقي بل َعَ ّْ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫اللف‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫وأ‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫قولي‬ ‫َ‬ ‫ظ‬
‫ِ‬ ‫اللفا‬ ‫ب‬ ‫أعذ ُ‬
‫ِ‬ ‫َ ّ‬
‫ل‬ ‫وش ْ‬ ‫ن البحرِ اجتزاٌء بال َ‬ ‫كسرةٌ وع ِ‬ ‫ه ُتغني ِ‬ ‫ك كسرى عن ُ‬ ‫مل ُ‬ ‫ُ‬
‫ل(‬ ‫ه حقا ً ) وبالحق نز ْ‬ ‫ُ‬ ‫تلق‬ ‫(‬ ‫بينهم‬ ‫قسمنا‬ ‫)نحن‬ ‫اعتبر‬
‫ل‬‫ت يوما ً بالكس ْ‬ ‫َ‬ ‫فا‬ ‫ما‬ ‫ول‬ ‫ل‬ ‫ليس ما يحوي الفتى من عزمه‬
‫ل‬ ‫ف ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي وُتعلي َ‬ ‫ض العال ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن عاداتها تخ ِ‬ ‫اطرِح الدنيا فم ْ‬
‫ل‬‫ل فيها أو أق ْ‬ ‫ة الجاه ِ‬ ‫ب في تحصيِلها عيش ُ‬ ‫ة الّراغ ِ‬ ‫عيش ُ‬
‫ل‬‫عل ْ‬ ‫َ‬ ‫ت منها في ِ‬ ‫مكثرا وعليم ٍ با َ‬ ‫ً‬ ‫ت فيها ُ‬ ‫ل با َ‬ ‫جهو ٍ‬ ‫م َ‬ ‫كَ ْ‬
‫ل‬ ‫ت الم ْ‬ ‫ل غايا ِ‬ ‫ن نا َ‬ ‫منى وجبا ٍ‬ ‫ل فيها ال ُ‬ ‫م شجاٍع لم ين ْ‬ ‫ك ْ‬
‫حي َ ْ‬
‫ل‬ ‫ك ال ِ‬ ‫ة في تر ِ‬ ‫ل إنما الحيل ُ‬ ‫ة فيها وات ّك ِ ْ‬ ‫ك الحيل َ‬ ‫فاتر ِ‬
‫شل ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ه بال ّ‬ ‫ه من ُ‬ ‫منى فرماها الل ُ‬ ‫ل منها ال ُ‬ ‫م تن ْ‬ ‫فل ْ‬ ‫أي ّ ك ّ‬
‫ل‬ ‫ص ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فتى ما قد َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ل أصلي وفصلي أبدا إنما أص ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ل تق ْ‬
‫قى الد ّغّلْ‬ ‫ك قد ْ ُين َ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ب وِبحس ِ‬ ‫نأ ٍ‬ ‫قد ْ يسود ُ المرُء من دو ِ‬
‫صلْ‬ ‫س إل من ب َ َ‬ ‫ت الّنرج ُ‬ ‫ك وما َينب ُ ُ‬ ‫شو ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫إنما الورد ُ م َ‬
‫ل‬ ‫ه على نسبي إذ بأبي بكرِ اّتص ْ‬ ‫َ‬ ‫الل‬ ‫غيَر أني أحم ُ‬
‫د‬
‫م أق َ ْ‬
‫ل‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن من ُ‬ ‫ه أكثَر النسا ُ‬ ‫ن ما ُيحسن ُ ُ‬ ‫ة النسا ِ‬ ‫قيم ُ‬
‫س وحاسب ومن ب َط َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫فل ْ َ‬ ‫سب ال َ‬ ‫ن فقرا ً وغنى واك َ‬ ‫أكتم ِ المري ِ‬
‫ل‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ة الحمقى وأرباب ال َ‬ ‫صحب َ‬ ‫ب ُ‬ ‫واّدرع جدا ً وكدا ً واجتن ْ‬
‫ل‬‫ن زاد َ قَت َ ْ‬ ‫نإ ْ‬ ‫كل هذي ِ‬ ‫ةو ِ‬ ‫ل ُرتب ٌ‬ ‫ن تبذيرٍ وُبخ ٍ‬ ‫بي َ‬
‫ل للّزل ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ضوا إنهم ليسوا بأه ِ‬ ‫م َ‬ ‫ض في حق سادات َ‬ ‫خ ْ‬ ‫لت ُ‬
‫ل‬‫ف ْ‬ ‫فْز بالحمد ِ إل من غَ َ‬ ‫وتغاضى عن أمورٍ إنه لم ي ُ‬
‫س الجب َ ْ‬
‫ل‬ ‫ن ضد ّ ولو حاو َ‬ ‫َ‬
‫ة في را ِ‬ ‫ل الُعزل َ‬ ‫م ْ‬ ‫س يخلو المرُء ِ‬ ‫لي َ‬
‫ل‬ ‫ق ْ‬ ‫جُرهُ فما بلغَ المكروه َ إل من ن َ َ‬ ‫ّ‬ ‫مام ِ واز ُ‬ ‫ل عن الن َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ق ْ‬
‫ل‬ ‫م تجد ْ صبرا فما أحلى الن ّ َ‬ ‫ً‬ ‫نل ْ‬ ‫صبرِ وإ ْ‬ ‫سوِء بال ّ‬ ‫دارِ جاَر ال ّ‬
‫ل‬‫ل فَعَ ْ‬ ‫ن إذا قا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ل ُتعان ِد ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن واحذْر بط َ‬ ‫سلطا َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬
‫ل‬ ‫ن عَذ َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ة فيك وخال ْ‬ ‫َ‬ ‫م سألوا رغب ً‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫مإ ْ‬ ‫ل الحكا َ‬ ‫ل تَ ِ‬
‫م هذا إن عَد َلْ‬ ‫ي الحكا َ‬ ‫ن ول َ‬ ‫س أعداٌء لم ْ‬ ‫ف النا ِ‬ ‫ن نص َ‬ ‫إ ّ‬
‫فيه في الحشر ت ُغَلْ‬ ‫كل ك ّ‬ ‫س عن لذاتهِ و ِ‬ ‫ّ‬ ‫فهو كالمحبو ِ‬
‫مث َ ْ‬
‫ل‬ ‫أو‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫وعظ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫القاضي‬ ‫ة‬ ‫لفظ‬ ‫في‬ ‫ل‬ ‫والستثقا‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن للنق ِ‬ ‫إ ّ‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ص انعز ْ‬
‫ل‬ ‫ص إذا الشخ ُ‬ ‫ه الشخ ُ‬ ‫حكم ِ بما ذاقَ ُ‬ ‫ل ُتوازى لذة ُ ال ُ‬
‫سلْ‬ ‫م في ذاك العَ َ‬ ‫َ‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫ن ذاقها فال ّ‬ ‫ت لم ْ‬ ‫ت وإن طاب ْ‬ ‫فالوليا ُ‬
‫سفلْ‬ ‫مداراةِ ال ّ‬ ‫جلدي وعنائي من ُ‬ ‫َ‬ ‫ب أوهى َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ب المن ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫نَ َ‬
‫ل‬ ‫ل تقصيُر الم ْ‬ ‫ِ‬ ‫العق‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫فدلي‬ ‫ز‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الدنيا‬ ‫في‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫الما‬ ‫قَ ّ ِ‬
‫ر‬ ‫ص‬
‫ل‬‫ج ْ‬ ‫ت على ِغّرةٍ منه جديٌر بالوَ َ‬ ‫ه المو ُ‬ ‫ن يطلب ُ‬ ‫إن م ْ‬
‫ل‬‫مل َ ْ‬ ‫ن أكثَر الّترداد َ أقصاهُ ال َ‬ ‫حب ّا ً فم ْ‬ ‫ب وُزْر ِغب ّا َ تزِد ْ ُ‬ ‫ِغ ْ‬
‫ف ْ‬
‫ل‬ ‫ّ‬
‫س إطباقُ الط َ‬ ‫ل كما ل يضّر الشم َ‬ ‫ل إقل ٌ‬ ‫ل يضّر الفض َ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫حل ْ‬‫ن ال ُ‬ ‫ل الفتى دو َ‬ ‫ك ِغمدهُ واعتبْر فض َ‬ ‫ف واتر ْ‬ ‫سي ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫خذ ْ بنص ِ‬ ‫ُ‬
‫ل ب َد َ ْ‬
‫ل‬ ‫ب تلقَ عن اله ِ‬ ‫ن عجٌز ظاهٌر فاغتر ْ‬ ‫ك الوطا َ‬ ‫حب ّ َ‬ ‫ُ‬
‫سرى البدرِ بهِ البدُر اكتم ْ‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫ث الماِء يبقى آسنا و َ‬ ‫مك ِ‬ ‫فب ُ‬
‫ل‬‫جع ْ‬ ‫ب الوردِ مؤذ ٍ لل ُ‬ ‫ب قولي عبثا إن طي َ‬ ‫ً‬ ‫أّيها العائ ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫م من ث ُعَ ْ‬
‫ل‬ ‫ك سه ٌ‬ ‫عَد ّ عن أسهُم ِ قولي واستت ِْر ل ُيصيبن ّ َ‬
‫ل‬ ‫ت لينا ً ُيعتز ْ‬ ‫ن للحّيا ِ‬‫ىإ ّ‬ ‫ن من فت ً‬ ‫ك لي ٌ‬‫ل يغّرن ّ َ‬
‫ن آذى وقَت َ ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ل الماِء سه ٌ‬ ‫أنا مث ُ‬
‫خ َ‬ ‫ل سائغٌ ومتى أس ِ‬
‫ت انفت َ ْ‬
‫ل‬ ‫ف ما شئ َ‬ ‫ن كي َ‬ ‫سره ُ وهو لد ٌ‬ ‫بك ّ‬ ‫أنا كالخيزور صع ٌ‬
‫ل هو الموَلى الج ّ‬
‫ل‬ ‫ٍ‬ ‫ما‬ ‫ذا‬ ‫فيه‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫يك‬ ‫ن‬
‫ن َ ْ‬
‫م‬ ‫غيَر أّني في زما ٍ‬
‫م ُيستق ْ‬
‫ل‬ ‫ل فيه ْ‬ ‫ل الما ِ‬ ‫ه وقلي ُ‬ ‫م ُ‬
‫ب عند الورى إكرا ُ‬ ‫واج ٌ‬
‫مل‬‫ج َ‬‫ل ال ُ‬ ‫م‪ ،‬فاترك تفاصي َ‬ ‫ل العصرِ غمٌر وأنا منه ُ‬ ‫ل أه ِ‬ ‫ك ّ‬
‫ل‬‫س نهارا ً وأف ْ‬ ‫وصلةُ اللهِ ربي ك ُّلما ط َل َعَ الشم ُ‬
‫للذي حاَز الُعلى من هاشم ٍ أحمد َ المختارِ من ساد َ الوَ ْ‬
‫ل‬
‫ل‬‫م عاجٌز إل ب َط َ ْ‬ ‫س فيه ْ‬ ‫ب سادةٍ لي َ‬ ‫ل وصح ٍ‬ ‫وعلى آ ٍ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫لباس القواعد من النساء و حكم مصافحة الرجال لهن‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫ما هو الحد الذي تعرف به القواعد من النساء ؟‬
‫و هل تجوز مصافحة القواعد من النساء الجنبيات عن الرجل ؟‬
‫و هل هناك فرق بين ما إذا كانت المرأة كافرة أو أعجمية ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬
‫س عَل َي ْهِ ّ‬
‫ن‬ ‫حا فَل َي ْ َ‬ ‫ن نِ َ‬
‫كا ً‬ ‫جو َ‬ ‫ساِء اللِتي ل ي َْر ُ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬‫عد ُ ِ‬ ‫وا ِ‬‫ق َ‬‫يقول الله تعالى ‪ ) :‬وَ ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫جنا َ‬
‫ه‬‫ن وَ الل ّ ُ‬‫خي ٌْر ل َهُ ّ‬
‫ن َ‬ ‫ف َ‬
‫ست َعْفِ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫زين َةٍ وَ أ ْ‬‫ت بِ ِ‬ ‫جا ٍ‬ ‫مت َب َّر َ‬‫ن غَي َْر ُ‬ ‫ن ث َِياب َهُ ّ‬
‫ضعْ َ‬
‫ن يَ َ‬ ‫حأ ْ‬ ‫ُ َ ٌ‬
‫م ( ] النور ‪. [ 60 :‬‬ ‫ٌ‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫مي ٌ‬
‫ع‬ ‫س ِ‬
‫َ‬
‫ن النساء اللئي‬ ‫ّ‬ ‫ه‬ ‫المفسرين‬ ‫جمهور‬ ‫إليه‬ ‫ذهب‬ ‫فيما‬ ‫النساء‬ ‫من‬ ‫القواعد‬ ‫و‬
‫تجاوزن سن النكاح لتقدمهن في العمر أو لياسهن من المحيض ‪.‬‬
‫قعُد ُ ُقعودا ً ‪ ،‬و هي قاعد ‪:‬‬ ‫ت المرأ َة ُ عن الحيض و الولد ِ ت َ ْ‬ ‫قال ابن منظور‪ :‬قَعَد َ ِ‬
‫عد ُ ‪.‬‬ ‫انقطع عنها ‪ ،‬و الجمع َقوا ِ‬
‫ن‬
‫ساِء ( ‪ .‬قال الزجاج في تفسير الية ‪ :‬ه ّ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫عد ُ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ق َ‬‫و في التنزيل ‪ ) :‬وَ ال ْ َ‬
‫عد ٌ ِإذا قعدت عن‬ ‫َ‬
‫كيت ‪ :‬امرأة قا ِ‬ ‫لزواج ‪ .‬و قال ابن الس ّ‬ ‫الّلواتي قعدن عن ا َ‬
‫ت ‪ :‬قاعدة ‪.‬‬ ‫َ‬
‫قعود – بمعنى الجلوس ‪ -‬قل َ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫المحيض ‪ ،‬فِإذا أرد َ‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عد ُ ‪ .‬اهـ من‬ ‫لناث ل يقال ‪ :‬رجال قوا ِ‬ ‫َ‬


‫و قال أبو الهيثم ‪ :‬القواعد من صفات ا ِ‬
‫لسان العرب ‪.‬‬
‫و قال المام الطبري في تفسيره ‪ ) :‬القواعد جمع قاعدة ‪ ،‬يقال للواحدة من‬
‫قواعد البيت قاعدة ‪ ،‬و للواحدة من قواعد النساء و عجائزهن قاعد ‪ ،‬فتلغى‬
‫هاء التأنيث ؛ لنها فاعل من قول القائل ‪ :‬قعدت عن الحيض ‪ ،‬و ل حظ فيه‬
‫للذكور ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬امرأة طاهر و طامث ؛ لنه ل حظ في ذلك للذكور ( ‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق بحد ّ القواعد من النساء و بيان صفتهن التي تترتب عليها‬
‫الحكام الشرعّية الخاصة بهن ‪.‬‬
‫أما عن مصافحتهن فلم يفّرق الشارع الحكيم في تحريم مصافحة المرأة بين‬
‫صغيرة و كبيرة ‪ ،‬بل شملهن في الحكم ؛ و هو تحريم مصافحة الرجل للمرأة‬
‫قول ً واحدا ً تستوي فيه الصغيرة و الكبيرة و المسلمة و الكافرة ‪.‬‬
‫م المؤمنين عائشة رضي الله‬ ‫فقد روى الشيخان ‪ ،‬و اللفظ للبخاري عن أ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مَرأةٍ ِإل‬ ‫م ي َد َ ا ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ت ي َد ُ َر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ما َ‬ ‫عنها قالت ‪َ ) :‬‬
‫مل ِك َُها ( ‪.‬‬ ‫ا َ‬
‫مَرأة ً ي َ ْ‬ ‫ْ‬
‫و روى النسائي و ابن ماجة و أحمد في حديث مبايعة النساء بإسنادٍ صحيح‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه و سّلم‬ ‫عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها أ ّ‬
‫قال لهن ‪ ) :‬إّني ل أصافح النساء ( ‪.‬‬
‫و روى الطبراني في جامعه بإسناد ٍ صححه اللباني عن معقل بن يسار رضي‬
‫الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬لن ُيطعن في رأس‬
‫مخَيط‬ ‫ل له ( ‪ ،‬و ال ِ‬ ‫س امرأة ل تح ّ‬ ‫حديد خير له من أن يم ّ‬ ‫خَيط من ّّ‬ ‫م ْ‬ ‫أحدكم ب ِ‬
‫مسلة ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هو البرة ‪ ،‬أو ال ِ‬
‫عبرة بما يتذّرع به‬ ‫م‪،‬ول ِ‬ ‫ن مصافحة الرجل للمرأة أو العكس حرا ٌ‬ ‫و عليه فإ ّ‬
‫ن الحقّ أحقّ أن‬ ‫بعضهم من تعّرضه للحراج ‪ ،‬أو الضطرار إلى فعل ذلك ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي ُت َّبع ‪ ،‬و على المسلم أن ل ُيعّرض نفسه للفتن ‪ ،‬أو يضع نفسه في موضع‬
‫يضعف فيه عن مقاومة الحرام ‪ ،‬و مجاهدة نفسه عن الوقوع به ‪ ،‬و الله أعلم‬
‫‪.‬‬
‫وز في اللباس ‪ ،‬حيث يرخص‬ ‫أما ما اختصت به القواعد من النكاح فهو التج ّ‬
‫للمرأة الكبيرة ما ل يرخص لغيرها في باب اللباس ‪ ،‬و هو ما دلت عليه آية‬
‫درت بها جوابي هذا ‪ ،‬و ما فهمه أهل الفقه و التفسير‬ ‫سورة النور التي ص ّ‬
‫منها ‪.‬‬
‫واِتي قَد ْ‬ ‫كره ‪ :‬وَ الل ّ َ‬ ‫قول ت ََعاَلى ذِ ْ‬ ‫قال المام الطبري في تفسير آية النور ‪ :‬ي َ ُ‬
‫عد ‪.‬‬ ‫ن َقا ِ‬ ‫دته ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ؛ َوا ِ‬ ‫ن َول ي َل ِد ْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ساء ‪َ ،‬فل ي َ ِ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْك َِبر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْوََلد ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫قَعَد ْ َ‬
‫ن‬ ‫معْ َ‬ ‫ن ال ْب ُُعوَلة ‪َ ،‬فل ي َط ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س َ‬ ‫قول ‪ :‬اللِتي قَد ْ ي َئ ِ ْ‬ ‫حا ( ي َ ُ‬ ‫كا ً‬ ‫ن نِ َ‬ ‫جو َ‬ ‫) اللِتي ل ي َْر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫س عَلي ْهِ ّ‬ ‫قول ‪ :‬فَلي ْ َ‬ ‫ن ( يَ ُ‬ ‫ن ث َِيابه ّ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫جَناح أ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫س عَلي ْهِ ّ‬ ‫ِفي الْزَواج ‪ ) .‬فَلي ْ َ‬
‫َ‬
‫وق‬‫كون فَ ْ‬ ‫ذي ي َ ُ‬ ‫قَناع ال ّ ِ‬ ‫ي ال ْ ِ‬ ‫ن ‪ ،‬وَ ه ِ َ‬ ‫جلِبيبه ّ‬ ‫ن ‪ ،‬ي َعِْني َ‬ ‫ن ث َِيابه ّ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫حَرج وَ ل إ ِْثم أ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫عْند‬ ‫ك ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حَرج عَلي ْهِ ّ‬ ‫وق الث َّياب ‪ ،‬ل َ‬ ‫ذي ي َكون فَ ْ‬ ‫مار وَ الّرَداء ال ِ‬ ‫خ َ‬‫ال ِ‬
‫وله‬‫زين َةٍ ‪ ...‬و قَ ْ‬ ‫جات ب ِ ِ‬ ‫مت َب َّر َ‬ ‫ن الغَُرَباء غَْير ُ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫حاِرم ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫جال وَ غَْير ال َ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م َ‬ ‫حاِرم ِ‬ ‫م َ‬‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن إ َِذا ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ضع أْردَِيته ّ‬ ‫جَناح ِفي وَ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫س عَل َي ْهِ ّ‬ ‫قول ‪ :‬ل َي ْ َ‬ ‫زين َةٍ ( ي َ ُ‬ ‫جات ب ِ ِ‬ ‫مت َب َّر َ‬ ‫) غَْير ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫ل ‪ .‬وَ الت ّب َّرج ‪ :‬هُ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّزيَنة ِللّر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما عَلي ْهِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ي ُب ْ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ضِع ذ َل ِك عَن ْهُ ّ‬ ‫ن ب ِوَ ْ‬ ‫ي ُرِد ْ َ‬
‫سُتره ُ ‪.‬اهـ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫ما ي َن ْب َِغي لَها أ ْ‬ ‫سنَها َ‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مْرأة ِ‬ ‫ن ت ُظِهر ال َ‬ ‫أ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و قال المام القرطبي في تفسير الية ذاتها مبينا ً عّلة الترخيص للقواعد من‬
‫ف‬
‫صَرا ِ‬‫ك لن ْ ِ‬ ‫عد ب ِذ َل ِ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص ال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫النساء في أن يضعن عنهن الجلبيب ‪ ) :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال َن ْ ُ‬
‫ن ‪َ ،‬و‬‫ح ل ِغَي ْرِهِ ّ‬‫م ي ُب َ ْ‬
‫ما ل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ح لهُ ّ‬ ‫ن ‪ ،‬فأِبي َ‬ ‫ل ِفيهِ ّ‬ ‫جا ِ‬
‫هب ِللّر َ‬ ‫مذ ْ َ‬‫ن ؛ إ ِذ ْ ل َ‬ ‫فس عَن ْهُ ّ‬
‫ُ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مت ِْعب ل َهُ ّ‬
‫فظ ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ك ُل ْ َ‬
‫فة الت ّ َ‬ ‫أِزيَلت عَن ْهُ ْ‬
‫قلت ‪ :‬إذا علم أن للقواعد من النساء فسحة في الترخص في اللباس ؛‬
‫فينبغي عدم التوسع في العمل بهذه الرخصة ‪ ،‬بل الواجب قصرها على ما‬
‫ذهب إليه جمهور المفسرين و الفقهاء ‪ ،‬و هو عدم لبس الجلباب ) و هو‬
‫الثوب الفضفاض الساتر الذي ترتديه المرأة فوق ثيابها عند الخروج من‬
‫البيت ‪ ،‬أو لقاء غير المحارم من الرجال ( ‪ ،‬و هذا ما ذكره الطبري و‬
‫القرطبي و ابن كثير و السيوطي ‪ ،‬و عامة المفسرين ‪ ،‬و عزوه إلى السلف‬
‫الصالحين ‪ ،‬و ساقوا بأسانيدهم ما يدل على أنه فهم السلف للمراد من الية‬
‫و أقتصر من ذلك على جملة من الثار في بيان المراد من كلم الملك الجّبار‬
‫اقتبسها من تفسير الجلل السيوطي الموسوم بالدر المنثور في التفسير‬
‫بالمأثور ‪:‬‬
‫• أخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم و البيهقي في السنن عن ابن عباس في‬
‫قوله ) و القواعد من النساء ( قال ‪ :‬هي المرأة ل جناح عليها أن تجلس في‬
‫بيتها بدرع و خمار‪ ،‬و تضع عنها الجلباب ما لم تتبرج ‪.‬‬
‫• و أخرج عبد الرزاق و الفريابي و عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي‬
‫حاتم و الطبراني و البيهقي في السنن عن ابن مسعود في قوله ) فليس‬
‫عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ( ‪ .‬قال ‪ :‬الجلباب و الرداء ‪.‬‬
‫• و أخرج سعيد بن منصور و ابن المنذر عن ابن عمر في الية قال ‪ :‬تضع‬
‫الجلباب ‪.‬‬
‫• و أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) و‬
‫إن يستعففن خير لهن ( قال ‪ :‬يلبسن جلبيبهن ‪.‬‬
‫• و أخرج سعيد بن منصور و ابن المنذر و البيهقي في السنن عن عاصم‬
‫الحول قال ‪ :‬دخلت على حفصة بنت سيرين و قد ألقت عليها ثيابها فقلت‬
‫أليس يقول الله ) و القواعد من النساء اللتي ل يرجون نكاحا ً فليس عليهن‬
‫جناح أن يضعن ثيابهن ( ‪ .‬قالت ‪ :‬اقرأ ما بعده ) و إن يستعففن خير لهن ( و‬
‫هو ثياب الجلباب ‪.‬‬
‫ن من‬ ‫ّ‬ ‫الس‬ ‫في‬ ‫دمن‬ ‫ّ‬ ‫تق‬ ‫اللئي‬ ‫النساء‬ ‫بعض‬ ‫إليه‬ ‫تعمد‬ ‫و بعد ُ فل يسوغ ما‬
‫التساهل في اللباس ‪ ،‬و إن كان الشنع من هذا ما آلت إليه حال الكثيرات‬
‫من فتيات المسلمين في شرق العالم و غربه من التبرج و السفور و‬
‫مجارات الكافرات في اللباس و الزينة و الختلط و اتباع خطوات الشيطان ‪.‬‬
‫فليحذر من رضي بالله رب ّا ً و بالسلم دينا ً و بمحمدا ً صلى الله عليه و سّلم‬
‫نبي ّا ً من النحراف عن شريعة الله تعالى تحت أي ذريعة يتذرع بها‬
‫المتساقطون أمام الشبهات و الشهوات ‪ ،‬فإن من يريد الفلح و النجاح يدعُ‬
‫ما به بأس ‪.‬‬ ‫ما ل بأس به خوفا ً م ّ‬
‫هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ‪ ،‬و بالله التوفيق ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لبنان والمنطقة إلى أين؟‬


‫الطاهر إبراهيم‬
‫كان لفتا للنظر إعلن باريس وواشنطن مساء يوم السبت ‪ 5‬آب "أغسطس"‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ف لطلق النار بين‬ ‫الجاري عن التوصل إلى اتفاق مبدئي‪ ،‬للعلن عن وق ٍ‬


‫إسرائيل وحزب الله‪ ،‬ومن دون أن يعني ذلك وقفا للحرب بين الطرفين‪ .‬ولم‬
‫تكن هذه المعلومة الخيرة هي عجيبة العجائب الوحيدة‪ ،‬بل إن الحكومة‬
‫اللبنانية‪ ،‬على لسان مندوبها في مجلس المن‪ ،‬كانت تقول بأعلى صوتها‪ :‬إنها‬
‫الخاسر الوحيد من بنود وقف إطلق النار هذا التي تم تسريبها إلى الصحافة‪،‬‬
‫قبل أن يصدر قرار عن مجلس المن بذلك‪.‬‬
‫ابتداء يمكننا أن نكتب ونقرأ العلقة السطحية البسيطة لموقف حزب الله‬
‫من كل ما جرى وما يجري حاليا على أرض لبنان‪ ،‬وكذلك موقف الخر‬
‫اللبناني من كل ما جرى ويجري حاليا على أرض لبنان‪ .‬الخر اللبناني كان‬
‫يقول ليس لحد من اللبنانيين مهما كان شأنه أن ينفرد لوحده ويصادر على‬
‫لبنان‪ ،‬ممثل بحكومته‪ ،‬قرار الحرب والسلم‪ .‬وبالتالي فما يجري حاليا هو قيام‬
‫حزب الله بتوريط لبنان في ما ل طاقة له به‪ ،‬وبالتالي فإن هذه الحرب هي‬
‫من اختصاص كل العرب‪ ،‬وكل العرب وكأنهم غير موجودين‪ ،‬وكل التحرك‬
‫ض الريح‪.‬‬
‫الخجول الذي رأيناه من وزراء الخارجية العرب إنما كان قب َ‬
‫أما حزب الله‪ ،‬فيقول هذه قراءة مغلوطة للواقع‪ .‬فنحن نقاتل من أجل‬
‫استعادة أرضنا المحتلة في مزارع شبعا‪ .‬وإذا تخلى بعض اللبنانيين أو أكثرهم‬
‫أو أنهم ل طاقة لهم بقتال إسرائيل‪ ،‬فنحن نستطيع ذلك‪ ،‬وعلى الذين ل‬
‫يقدرون على مساعدتنا أن يمسكوا ـ على القل ـ ألسنتهم عنا‪ ،‬وذلك أضعف‬
‫اليمان‪.‬‬
‫وكما أسلفنا‪ ،‬فإن كلتا القراءتين أبسط من أن تكونا قراءة للواقع الظاهر‬
‫والمختبئ خلف كل ما يجري‪ ،‬وأن وراء الكمة ما وراءها‪ ،‬فما هي هذه‬
‫الكمة؟ وما وراءها؟‬
‫المثل العربي يقول‪" :‬يدك منك ولو كانت شلء"‪ .‬فأعضاء حزب الله هم‬
‫مواطنون لبنانيون‪ ،‬وبالتالي فهم جزء من الشعب العربي‪ ،‬ولهم حق النصرة‬
‫علينا بمفهومها الواسع الذي عبر عنه الحديث النبوي الشريف "أنصر أخاك‬
‫ظالما أو مظلوما"‪.‬‬
‫لكن هناك أمورا أخرى ل يجب تجاهلها‪ .‬فقد كشف القتال الذي يجري حاليا‬
‫على أرض لبنان عدة حقائق‪ ،‬لعل أهمها‪ :‬أن السلح الذي يملكه حزب الله‬
‫يفوق بكثير إمكانية أي حزب في الوطن العربي أن يملك جزءا يسيرا منه‪،‬‬
‫وأن "إيران" هي من تزوده به‪ .‬وإذا كان من حق حزب الله أن يملك هذا‬
‫السلح حسب مفهومه لهذا التملك‪ ،‬فإن من حق اللبنانيين أن يسألوا عن‬
‫حقيقة دوافع إيران في إتاحة هذا الكم الهائل من هذا السلح ليتملكه حزب‬
‫الله؟‬
‫وإذا كنا نعتقد ‪-‬ومن دون أدنى مداهنة أو تزلف‪ -‬بأن لحزب الله الحق بأن‬
‫يكون لديه هذا السلح‪ ،‬فإننا نشك بدوافع إيران من وراء إتاحة هذا السلح‬
‫لكي يتملكه حزب الله‪ ،‬ونؤكد أن مواقف إيران هي تعبير حي للمثل‬
‫المعروف "يكاد المريب أن يقول خذوني"‪ ،‬خصوصا بعد أن رأينا كيف قدمت‬
‫إيران كل التسهيلت أمام واشنطن والتحالف الدولي في احتلل "أفغانستان‪.‬‬
‫وإذا كنا ل نوافق على كثير من سياسات "طالبان" في حكم أفغانستان‪ ،‬فإن‬
‫هذا ل يبرر لنا أن نرضى بأن تقوم أي دولة خصوصا إذا كانت تزعم أنها ترفع‬
‫راية السلم مثل إيران‪ -‬بالمساعدة في إيقاع أي دولة إسلمية أو غير‬
‫إسلمية تحت نير الحتلل‪ .‬وإذا كان التخبط السياسي لدولة ما يعتبر مبررا‬
‫لتقديم المساعدة للجنبي‪ ،‬فهذا يعني —حسب هذه القراءة المغلوطة‪ -‬أن‬
‫كثيرا من الدول العربية أو السلمية تستحق أن ترزح تحت الحتلل الجنبي‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإذا كانت القراءة تبدو مشوشة بعض الشيء عند ما يأتي الحديث عن‬
‫أفغانستان وما قدمته هذه الدولة أو تلك للتحالف الذي قادته أمريكا ضد‬
‫طالبان‪ ،‬فإن ما قدمته "طهران" لواشنطن أثناء احتللها بغداد‪ ،‬وما تفعله‬
‫حاليا أجهزة مخابراتها وما يلوذ بها من ميليشيات تم إنشاؤها وتسليحها‬
‫وتمويلها من قبل إيران من تدمير يلحق بكل شيء في العراق‪ ،‬فإن نوايا‬
‫إيران في سورية ولبنان ل يخفي إل على العمى‪.‬‬
‫على أن هذه المقدمات ل تعني أن نقول إن حزب الله‪ ،‬عندما أسر الجنديين‬
‫السرائيليين‪ ،‬إنما كان بدافع إيراني صرف‪ ،‬لن التسليم بهذه المقولة هو‬
‫تسطيح واضح للموضوع‪ .‬فلم يكن حزب الله‪ ،‬كما المنظمات الفلسطينية‪،‬‬
‫يخفي سعيه وراء أسر جندي أو أكثر للمقايضة به على إطلق سراح معتقلين‬
‫لبنانيين‪ ،‬وربما فلسطينيين أيضا‪.‬‬
‫من يقرأ التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية اليراني "منو شهر متقي"‬
‫أثناء زيارته الخيرة إلى لبنان‪ ،‬وعبر فيها عن تحفظاته "عن خطة الحكومة‬
‫اللبنانية الشاملة لحل النزاع القائم في لبنان"‪ ،‬كما جاء في خطاب الرئيس‬
‫"فؤاد السنيورة" في روما حول المبادئ السبعة التي اعتمدها إجماع‬
‫الحكومة بكامل أعضائها‪ ،‬يتأكد لديه أن "متقي" إنما كان يتكلم وكأن له في‬
‫لبنان أكثر مما للحكومة اللبنانية‪ .‬فقد قال السنيورة‪" :‬إن منوشهر متقي‬
‫تجاوز الحدود وبعض الطراف سارعوا إلى اعتماد موقفه"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ما هو واضح من كلم السنيورة أن هناك لبنانيين‪ ،‬أيضا‪ ،‬يشاركون متقي في‬
‫تحفظاته‪.‬‬
‫اللعبون الكثر‪ ،‬من خارج لبنان‪ ،‬على الساحة اللبنانية‪ ،‬يهمهم بالدرجة الولى‬
‫مصالحهم أو إفشال مصالح اللعبين الخرين‪.‬‬
‫ل له "ليله" التي يغني عليها‪ ،‬وليس للبنان في‬ ‫فواشنطن وباريس ك ٌ‬
‫حساباتهما إل ما يتوفر من الوقت الضائع‪ .‬فرنسا يهمها أن تحفظ بعض ماء‬
‫الوجه الذي يمكن أن تظهر به في مؤتمر "الفرنكفونية" الذي سيعقد لحقا‬
‫هذا العام‪.‬‬
‫أما واشنطن فهي ل تبكي على ماء الوجه‪ ،‬فليس لديها ماء وجه تبكيه‪ ،‬بل‬
‫تريد في جملة ما تريد ‪-‬إضافة إلى مصالح إسرائيل‪ -‬أن تلعب مباراة على‬
‫أرض لبنان لعلها تعوض خسائر تكبدتها على الملعب العراقي الذي هزمتها‬
‫فيه طهران‪ ،‬مع أن واشنطن هي من حدد شروط اللعبة يوم أدخلت حكام‬
‫العراق الجدد على ظهور دباباتها‪.‬‬
‫ل نريد أن نضيف الكثير فوق ما قلناه عن إيران‪ ،‬فما يظهر أن إيران ماضية‬
‫في ما تريد إلى نهاية المباراة‪ .‬ولعل بعض ما تريد هو إضعاف دول المنطقة‬
‫حتى تبقى هي المفاوض الوحيد مع أمريكا‪ .‬ولكن ماذا عن سورية التي بقيت‬
‫جالسة على مقاعد الحتياط منذ بدأت الحرب‪ ،‬مع أنها القرب إلى لبنان؟‬
‫وكأنها ليست لها علقة بما يجري على الملعب اللبناني‪ ،‬وهي البلد الذي خرج‬
‫من لبنان بعد وجود فيه لثلثة عقود‪.‬‬
‫لعلنا ل نبتعد كثيرا عن الحقيقة المؤلمة‪ ،‬وهي أن لبنان أصبح كرة تتقاذفه‬
‫أرجل اللعبين‪ .‬كما أصبح فريق منه يخوض معركة غير لبنان‪ ،‬والبعض الخر‬
‫واقف يتفرج ل حول له ول قوة‪ .‬ويا ويل لبنان إذا لم يدرك أبناؤه ما يدبره له‬
‫اللعبون من غير أبنائه‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لتبلون في أموالكم وأنفسكم‬


‫د‪.‬ناصر بن يحيى الحنيني‬
‫عباد الله يقول ربنا الحكيم الخبير العليم الحليم في محكم التنزيل‪? :‬‬
‫م ? )محمد‪(31:‬‬ ‫خَباَرك ُ ْ‬ ‫ن وَن َب ْل ُوَ أ َ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫حّتى ن َعْل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫ن ? )النبياء‪(35:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ة وَإ ِل َي َْنا ت ُْر َ‬ ‫خي ْرِ فِت ْن َ ً‬ ‫شّر َوال ْ َ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ويقول سبحانه‪? :‬وَن َب ُْلوك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ل‬‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ق ٍ‬ ‫جوِع وَن َ ْ‬ ‫ف َوال ْ ُ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ويقول جل وعل‪ ? :‬وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫ن ?)البقرة‪ (155:‬ويقول المولى جل‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫شرِ ال ّ‬ ‫ت وَب َ ّ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫س َوالث ّ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫َواْل َن ْ ُ‬
‫م ب ِب َْعض ? )محمد‪،(4 :‬‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ن ل ِي َب ْل ُوَ ب َعْ َ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫صَر ِ‬ ‫ه لن ْت َ َ‬ ‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫وعل‪? :‬وَل َوْ ي َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مل ً ?‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أي ّك ُ ْ‬ ‫حَياة َ ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫خل َقَ ال ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ويقول سبحانه‪? :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫معُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م وَل َت َ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي أ ْ‬ ‫)الملك‪ (2:‬ويقول سبحانه‪? :‬ل َت ُب ْل َوُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّذي ُ‬
‫صب ُِروا‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫كوا أذىً ك َِثيرا ً وَإ ِ ْ‬ ‫شَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬
‫مورِ ? )آل عمران‪(186:‬‬ ‫من عَْزم اْل ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫قوا‬ ‫وَت َت ّ ُ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫سأ َ‬ ‫َ‬
‫ج الن ّب ِ ّ‬ ‫ه عَن َْها َزوْ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض ََ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َ‬ ‫وجاء في البخاري‪ :‬عن عروة َ أن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّ َ َ‬
‫م قَد ْ‬ ‫ل وَظّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْأ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫ه‪َ ? :‬‬ ‫ت قَوْل ُ‬ ‫م أَرأي ْ ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫كُ‬
‫قد ْ‬ ‫ت‪َ :‬واللهِ ل َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫م‪.‬‬ ‫ه‬
‫ُ ْ ْ ُ ُ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ذ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ت‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫بوا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫(‬ ‫‪110‬‬ ‫)يوسف‪:‬‬ ‫?‬ ‫بوا‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬
‫ة لَ َ‬ ‫َ‬
‫قُنوا‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫قد ْ ا ْ‬ ‫ت‪َ :‬يا عَُري ّ ُ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ن‪ .‬فَ َ‬ ‫ما هُوَ ِبالظ ّ ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ك َذ ُّبوهُ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫قُنوا أ ّ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِك ب َِرب َّها‪.‬‬ ‫ل ت َظ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م ت َك ِ‬ ‫مَعاذ َ اللهِ ل ْ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫ت‪ :‬فَلعَلَها أوْ كذُِبوا‪َ .‬قال ْ‬ ‫ب ِذ َل ِك‪ .‬قُل ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م وَطا َ‬
‫ل‬ ‫صد ُّقوهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مُنوا ب َِرب ّهِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫م أت َْباعُ الّر ُ‬ ‫ت هُ ْ‬ ‫ة َقال ْ‬ ‫ما هَذِهِ الي َ ُ‬ ‫وَأ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫مهِ ْ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ك َذ ّب َهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ست َي ْأ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫صُر َ‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫خَر عَن ْهُ ْ‬ ‫ست َأ َ‬ ‫م ال ْب ََلُء َوا ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪" .‬‬ ‫صُر الل ّ ِ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ك َذ ُّبوهُ ْ‬ ‫ن أت َْباعَهُ ْ‬ ‫وَظ َّنوا أ ّ‬
‫َ‬
‫س‬
‫ست َي ْأ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫ما ? َ‬ ‫ه عَن ْهُ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ل اب ْ ُ‬ ‫وجاء أيضا ً في البخاري‪َ" :‬قا َ‬
‫َ‬
‫قو َ‬
‫ل‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ك‪ ،‬وَت ََل ? َ‬ ‫ب ب َِها هَُنا َ‬ ‫ة ذ َهَ َ‬ ‫ف ً‬ ‫في َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م قَد ْ ك ُذُِبوا ? َ‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫ب ? ) البقرة‪:‬‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫تى‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫نوا‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫سو‬
‫ِ ِ ٌ‬ ‫ِ ّ َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ْ ُ‬ ‫َ ِ َ َ ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫مَعاذ َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ة َ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ل َقال َ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ه ذ َل ِ َ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ن الّزب َي ْرِ فَذ َك َْر ُ‬ ‫ت عُْروَةَ ب ْ َ‬ ‫قي ُ‬ ‫‪ (214‬فَل َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت وَل َك ِ ْ‬
‫ن‬ ‫مو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ َ‬ ‫كائ ِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ط إ ِّل عَل ِ َ‬ ‫يٍء قَ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ما وَعَد َ الل ّ ُ‬ ‫َوالل ّهِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ها‬ ‫قَرؤُ َ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫م ي ُك َذ ُّبون َهُ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫خاُفوا أ ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ل َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل الب َلُء ِبالّر ُ‬ ‫م ي ََز ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫قل َ ً‬ ‫َ‬
‫ة"‬ ‫مث َ ّ‬ ‫م قَد ْ ك ُذ ُّبوا ُ‬ ‫وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬
‫ي قَب ِْلي‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫وجاء في مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ ) :‬إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫قا عَل َيه أ َن يد ّ ُ‬
‫ه‬
‫م ُ‬ ‫ما ي َعْل ُ‬ ‫شّر َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَي ُن ْذَِرهُ ْ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ي َعْل َ ُ‬ ‫خي ْرِ َ‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ْ ِ ْ َ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫إ ِّل َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫موٌر‬ ‫ها ب ََلٌء وَأ ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫بآ ِ‬ ‫صي ُ‬ ‫سي ُ ِ‬ ‫عافِي َت َُها ِفي أوّل َِها‪ ،‬وَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعِ َ‬ ‫م هَذِهِ ُ‬ ‫مت َك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م‪ ،‬وَإ ِ ّ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ه‬
‫ن هَذِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ة فَي َ ُ‬ ‫فت ْن َ ُ‬ ‫جيُء ال ْ ِ‬ ‫ضا‪ ،‬وَت َ ِ‬ ‫ضَها ب َعْ ً‬ ‫ة فَي َُرقّقُ ب َعْ ُ‬ ‫جيُء فِت ْن َ ٌ‬ ‫ت ُن ْك ُِرون ََها‪ ،‬وَت َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ .‬فَ َ‬ ‫ن هَذِهِ هَذِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ة فَي َ ُ‬ ‫فت ْن َ ُ‬ ‫جيُء ال ِ‬ ‫ف‪ ،‬وَت َ ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ت َن ْك ِ‬ ‫مهْل ِك َِتي ث ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خ َ‬
‫ر‪،‬‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ه وَهُوَ ي ُؤْ ِ‬ ‫من ِي ّت ُ ُ‬ ‫ة فلت َأت ِهِ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن الّنارِ وَي ُد ْ َ‬ ‫ح عَ ْ‬ ‫حَز َ‬ ‫ي َُز ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫ة ي َدِ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ما فأعْطاه ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ما ً‬ ‫ن َباي َعَ إ ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي ُؤَْتى إ ِلْيهِ‪ .‬وَ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬ ‫س ال ِ‬ ‫ت إ ِلى الّنا ِ‬ ‫وَل ْي َأ ِ‬
‫ر‪(.‬‬ ‫خ ِ‬ ‫ضرُِبوا عُن ُقَ اْل َ‬ ‫ه َفا ْ‬ ‫خُر ي َُنازِعُ ُ‬ ‫جاَء آ َ‬ ‫ن َ‬ ‫طاع َ فَإ ِ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫مَرة َ قَل ْب ِهِ فَل ْي ُط ِعْ ُ‬ ‫وَث َ َ‬
‫َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرة َ َقا َ‬ ‫وجاء في الصحيحين واللفظ لمسلم‪ :‬عَ ْ‬
‫ه‪ ،‬وََل‬ ‫ميل ُ ُ‬ ‫ح تُ ِ‬ ‫ل الّري ُ‬ ‫ل الّزْرِع َل ت ََزا ُ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م) َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫َْ َّ َ‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ة‬
‫َ َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫صي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫زا‬ ‫يَ َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ُ َ ِ ِ َ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ِ ُ ُ ِ ُ ُ َ‬
‫صد‪(.‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫تَ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه عَل َي ْهِ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرة َ َقا َ‬ ‫وجاء في صحيح مسلم عَ ْ‬
‫مّرغُ‬ ‫َ‬
‫قب ْرِ في َت َ َ‬ ‫ْ‬
‫جل عَلى ال َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مّر الّر ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ب الد ّن َْيا َ‬ ‫َ‬
‫سي ب ِي َدِهِ ل ت َذ ْهَ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫م‪َ ) :‬وال ّ ِ‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن إ ِل الب َلُء (‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫دي ُ‬ ‫س ب ِهِ ال ّ‬ ‫َ‬
‫قب ْرِ وَلي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ب هَذا ال َ‬ ‫َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مكا َ‬‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫ُ‬
‫قول‪َ :‬يا لي ْت َِني كن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عَل َي ْهِ وَي َ ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ن أِبي ِ‬ ‫سعْد ٍ عَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ب ب َْ ِ‬ ‫صعَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫وجاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري‪) :‬عَ ْ‬
‫ل‬ ‫مث َ ُ‬ ‫َ‬
‫ل َفاْل ْ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م اْل ْ‬ ‫ل اْلن ْب َِياُء ث ُ ّ‬
‫شد ّ ب ََلًء َقا َ َ‬ ‫س أَ َ‬ ‫ل اللهِ أيّ الّنا ِ‬
‫ل قُل ْت يا رسو َ ّ َ‬
‫ُ َ َ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ن ِفي‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫شت َد ّ ب ََلؤُه ُ وَإ ِ ْ‬ ‫صل ًْبا ا ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن ِدين ُ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ب ِدين ِهِ فَإ ِ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل عََلى َ‬ ‫ج ُ‬ ‫فَي ُب ْت ََلى الّر ُ‬
‫َ‬
‫شي عَلى‬ ‫م ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫حّتى ي َت ُْرك َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ح الب َلُء ِبالعَب ْد ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ما ي َب َْر ُ‬ ‫ب ِدين ِهِ فَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ي عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ة اب ْت ُل ِ َ‬ ‫ِدين ِهِ رِقّ ٌ‬
‫ة(‬ ‫طيئ َ ٌ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما عَلي ْهِ َ‬‫َ‬ ‫َْ‬
‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫أيها المؤمنون‪ :‬إننا من خلل هذه النصوص الشرعية والتوجيهات الربانية أمام‬
‫حقيقة شرعية وسنة كونية‪ :‬وهي أن البلء حاصل لهذه المة وخاصة من‬
‫يقوم بأمر الله‪ ،‬ومن خلل هذه النصوص الشرعية يمكن أن نقف بعض‬
‫الوقفات على وجه الختصار‪:‬‬
‫الوقفة الولى‪:‬‬
‫أن البتلء سنة ماضية لكل الناس حتى صفوة الخلق وأحبهم إلى الله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫م قَد ْ كذ ُّبوا‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْأ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫عزوجل وهم أنبياؤه ورسله‪َ ? :‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ? )يوسف‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قوْم ِ ال ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫سَنا عَ ِ‬ ‫شاُء َول ي َُرد ّ ب َأ ُ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ج َ‬ ‫صُرَنا فَن ُ ّ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫َ‬
‫‪ ، (110‬فيا من تمسكت بشرع الله ل تجزع ل تترد ل تنكص على عقبيك‬
‫وأسأل الله الثبات على دينك واصدق مع ربك ‪.‬‬
‫الوقفة الثانية‪:‬‬
‫أن البتلء رحمة بالمة على وجه العموم‪ ،‬وبكل فرد مؤمن على وجه‬
‫م‬‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫حّتى ن َعْل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫الخصوص كما قال جل وعل‪? : :‬وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫م ? )محمد‪ (31:‬فالمة ينقى صفها وتعرف صديقها‬ ‫خَباَرك ُ ْ‬ ‫ن وَن َب ْل ُوَ أ َ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫من عدوها ومؤمنها من منافقها‪ ،‬فتأخذ حذرها ول يبقى معها إل الصفوة‪ ،‬وهنا‬
‫يأتي النصر بعد التصفية وبعد التمحيص فهو خير للمة‪ ،‬وأما الفراد كما قال‬
‫جل وعل‪?:‬الم أ َحسب الناس أ َن يتر ُ َ‬
‫ن?‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كوا أ ْ‬ ‫ّ ُ ْ َُْ‬ ‫َ ِ َ‬
‫)العنكبوت‪ (2-1:‬فالله ثبتنا وارزقنا الصدق في القوال والعمال والنيات‪.‬‬
‫الوقفة الثالثة‪:‬‬
‫أن البتلء يكون بالخير والشر‪ ،‬بما تكره النفوس وبما تحبه كما قال جل‬
‫ن ? )النبياء‪ (35:‬يقول‬ ‫جُعو َ‬ ‫ة وَإ ِل َي َْنا ت ُْر َ‬ ‫خي ْرِ فِت ْن َ ً‬ ‫شّر َوال ْ َ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫وعل‪ ? :‬وَن َب ُْلوك ُ ْ‬
‫عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه مبينا ً خطورة البتلء بالسراء وأنها ل‬
‫تقل خطرا ً وضررا ً على المؤمن من الضراء يقول‪ ":‬ابتلينا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بالضراء فصبرنا ثم ابتلينا بالسراء بعده فلم نصبر‪" .‬‬
‫ض عنا ‪.‬‬ ‫فالمال فتنة والمناصب فتنة فاللهم ثبتنا حتى نلقاك وأنت را ٍ‬
‫الوقفة الرابعة‪:‬‬
‫أن الثبات والنجاة وقت الفتن من عند الله‪ ،‬فل تعلق قلبك بغيره سبحانه ول‬
‫تظنن أن المخلوق يملك لك شيئًا‪ .‬ولتعلم أن المقادير وأن الكون كله بيده‬
‫سبحانه‪ ،‬فهو الذين يثبت المؤمنين‪ ،‬كما قال جل وعل وليس المخلوقين‪? :‬‬
‫خَرةِ ? )إبراهيم‪:‬‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي اْل ِ‬ ‫ت ِفي ال ْ َ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫مُنوا ِبال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ت الل ّ ُ‬ ‫ي ُث َب ّ ُ‬
‫‪ (27‬فعليك بالدعاء‪ ،‬فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتعوذ من الفتن‬
‫ما ظهر منها ومابطن‪ ،‬والله سبحانه يحب من عباده أن يدعوه ويتضرعوا إليه‬
‫قد أ َرسل ْنا إَلى أ ُمم من قَبل َ َ‬
‫خذ َْناهُ ْ‬
‫م‬ ‫ك فَأ َ‬ ‫َ ٍ ِ ْ ِْ‬
‫ْ‬ ‫عند ْ حلول البلء فقال سبحانه‪? :‬وَل َ َ ْ ْ َ َ ِ‬
‫ت‬‫س ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫عوا وَل َك ِ ْ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫سَنا ت َ َ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ول إ ِذ ْ َ‬ ‫ن فَل َ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ضّراِء ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ساِء َوال ّ‬ ‫ِبال ْب َأ َ‬
‫ن ? )النعام‪ (42:‬وقال سبحانه‪? :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫م وََزي ّ َ‬ ‫قُُلوب ُهُ ْ‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ? )المؤمنون‪(76:‬‬
‫عو َ‬
‫ضّر ُ‬
‫ما ي َت َ َ‬
‫م وَ َ‬ ‫ست َ َ‬
‫كاُنوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ب فَ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫م ِبال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬
‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫وَل َ َ‬
‫الوقفة الخامسة‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أن من أقوى العوامل على الثبات على الحق عند حلول البتلء بعد رحمة الله‬
‫وتثبيته للمؤمن‪ :‬هو الصبر‪ ،‬ومن أوتي الصبر فقد أوتي الخير كله‪ ،‬وتدبر معي‬
‫اليات التي ذكرت البتلء كيف نوهت وأشادت بالصبر فالله سبحانه لما‬
‫فسك ُم ول َتسمعن من ال ّذي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫م وَأن ْ ُ ِ ْ َ َ ْ َ ُ ّ ِ َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي أ ْ‬ ‫قال‪? :‬ل َت ُب ْل َوُ ّ‬
‫كوا َأذىً ك َِثيرا ً ? )آل عمران‪ (186:‬قال في آخر الية ?‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مورِ ? وقال سبحانه‪? :‬وَلن َب ْلوَن ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن عَْزم ِ ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫قوا فَإ ِ ّ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ر‬
‫ش ِ‬ ‫ت وَب َ ّ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫س َوالث ّ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل َوالن ْ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬
‫ص ِ‬ ‫ق ٍ‬ ‫جوِع وَن َ ْ‬ ‫ف َوال ُ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ن ? )البقرة‪ ،(155:‬وقال سبحانه مبينا العاقبة الحميدة للصبر حينما‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫م?‬ ‫َ‬
‫م كي ْد ُهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ضّرك ْ‬ ‫قوا ل ي َ ُ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫يبتلى المؤمنون بكيد العداء قال‪? :‬وَإ ِ ْ‬
‫)آل عمران‪ (120 :‬وأنبياء الله هذا منهجهم عند حلول البلء والفتنة الصبر‪? :‬‬
‫ما ك ُذ ُّبوا ? )النعام‪.(34 :‬‬ ‫صب َُروا عََلى َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫قد ْ ك ُذ ّب َ ْ‬ ‫وَل َ َ‬
‫الوقفة السادسة‪:‬‬
‫أن البتلء يدل على صحة المسار وصدق السائر إلى الله الداعي إلى‬
‫رضوانه سبحانه وتعالى‪ ،‬فالنبياء أشد الناس بلء وبقدر إيمان العبد يزاد له‬
‫في البلء‪ ،‬وهو طريق المامة في الدين والتمكين في الرض قال سبحانه‪? :‬‬
‫َ‬ ‫وجعل ْنا منه َ‬
‫ن ? )السجدة‪:‬‬ ‫كاُنوا ِبآيات َِنا ُيوقُِنو َ‬ ‫صب َُروا وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫مرَِنا ل َ ّ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ة ي َهْ ُ‬ ‫م ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫َ َ َ َ ِ ُْ ْ‬
‫‪ (24‬وقال بعض السلف بالصبر واليقين تنال المامة في الدين‪ ،‬وقال المام‬
‫مالك‪ ":‬إن محمد بن المنكدر لما ضرب‪ ،‬فزع لضربه أهل المدينة فاجتمعوا‬
‫إليه فقال‪ :‬ل عليكم إنه لخير فيمن ل يؤذى في هذا المر"‬
‫الوقفة السابعة‪:‬‬
‫أن الدعوة إلى الله والمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل‬
‫الله ونصرة دين الله من أعظم السباب للثبات على الدين وقت نزول المحن‬
‫ع‬
‫م َ‬‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫والبليا‪ ،‬كما قال جل وعل‪َ? :‬وال ّ ِ‬
‫ن ? )العنكبوت‪ (69:‬فبسبب صدقهم وبذلهم وجهادهم ودعوتهم‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وفقوا وهدوا لمايحبه الله وهو الثبات على الدين‪ ،‬وفازوا بمعية الله وتأييده‬
‫لهم ونصرتهم سبحانه لهم‪ ،‬فكيف يهزم ويخذل من كان الله معه نسأل الله‬
‫أن يثبتنا على الحق وأن ل يكلنا إلى أنفسنا أو إلى أحد من خلقه طرفة عين‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لتحكم بين الناس بما أراك الله‬


‫الشيخ عبد العزيز بن باز‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه( هل معنى هذا أن‬ ‫ك الل ُ‬ ‫ما أَرا َ‬ ‫س بِ َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫حك ُ َ‬
‫م ب َي ْ َ‬ ‫س‪ :‬قال الله ‪ -‬تعالى ‪) :-‬ل ِت َ ْ‬
‫الله أمر رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بأن يحكم بكتاب الله ول يجتهد رأيه‬
‫فيما لم ينزل عليه كتاب؟ وهل اجتهد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬؟‬
‫ج‪ :‬الله ‪ -‬جل وعل ‪ -‬أمر رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بأن يحكم بين‬
‫ه(‬ ‫ّ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل الل ُ‬ ‫م بِ َ‬
‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫حك ُ ْ‬‫نا ْ‬
‫َ‬
‫الناس بما أنزل الله عليه‪ ،‬قال ‪ -‬سبحانه ‪) :-‬وَأ ِ‬
‫فكان يحكم بما أنزل الله‪ ،‬فإذا لم يكن هناك نص عنده اجتهد ‪ -‬عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ -‬وحكم بما عنده من الدلة الشرعية كما قال في الحديث الصحيح‪:‬‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"إنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فمن‬
‫قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار فليحملها أو يذرها" متفق‬
‫على صحته من حديث أم سلمة ‪ -‬رضي الله عنها ‪ ،-‬ومعنى هذا أنه قد يجتهد‬
‫في الحكم حسب القواعد الشرعية‪ .‬لنه لم ينزل عليه فيه شيء‪ ،‬فمن عرف‬
‫أن الحكم ليس بمطابق وأن الشهود زور فقد أخذ قطعة من النار‪ ،‬فليحذر‬
‫ذلك وليتق الله في نفسه‪ ،‬ولو كان الرسول هو الحاكم عليه‪.‬‬
‫لن الحاكم ليس له إل الظاهر من ثقة الشهود وعدالتهم‪ ،‬أو يمين المدعى‬
‫عليه‪ ،‬فذا كان المدعي أحضر شهودا يعلم أنهم قد غلطوا ولو كانوا تقاة وأن‬
‫الحق ليس له‪ ،‬أو يعلم أنهم شهود زور ولكن القاضي اعتبرهم عدول؛ لنهم‬
‫عدلوا عنده وزكوا لديه‪ ،‬فان هذا المال الذي يحكم به له أو القصاص كله‬
‫باطل بالنسبة إليه لعلمه ببطلنه‪ ،‬وهو قد تعدى حدود الله وظلم‪ ،‬وإن حكم‬
‫له القاضي‪ .‬لن القاضي ليس له إل الظاهر‪ ،‬ولهذا قال ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :-‬فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار"‬
‫والنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يحكم بما أنزل الله فيما أوصاه الله إليه‪ ،‬وما‬
‫لم يكن فيه نص اجتهد فيه ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬حتى تتأسى به المة‪،‬‬
‫وهو في ذلك كله يعتبر حاكما بما أنزل الله لكونه حكم بالقواعد الشرعية‬
‫التي أمر الله أن يحكم بها‪ ،‬ولهذا قال للزبير بن العوام ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬لما‬
‫ادعى على شخص في أرض‪" :‬شاهداك أو يمينه فقال الزبير إذا يحلف يا‬
‫رسول الله ول يبالي فقال له النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ليس لك إل‬
‫ذلك" متفق عليه‪.‬‬
‫"ولما بعث معاذا وفدا إلى اليمن قال له إن عرض لك قضاء فبم تحكم؟ قال‬
‫أحكم بكتاب الله قال فإن لم تجد قال فسنة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال فإن لم تجد قال أجتهد رأي ول آلو فضربه ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬في صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي‬
‫رسول الله" رواه المام أحمد وجماعة بإسناد حسن‪.‬‬
‫مجموع فتاوى ومقالت بن باز ‪ -‬المجلد السادس‬
‫‪ http://www.islamspirit.com‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لحوم العلماء مسمومة‬


‫فضيلة الشيخ‪ :‬ناصر ابن سليمان الُعمر‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه‪.‬‬
‫ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‬
‫ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريكله‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمدا عبده ورسوله‪،‬‬
‫ً‬
‫صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كثيرا‪.‬‬
‫)يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ول تموتن إل وأنتم مسلمون(‪.‬‬
‫)يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها‬
‫وبث منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والرحام إن الله‬
‫كان عليكم رقيبا(‪.‬‬
‫)يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قول سديدا ‪،‬يصلح لكم أعمالكم ويغفر‬
‫لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما(‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما بعد أيها الخوة المؤمنون‪ ،‬فسلم الله عليكم ورحمته وبركاته‪.‬‬
‫نلتقي في هذه الليلة المباركة‪ ،‬في بيت من بيوت الله مع موضوع من أهم‬
‫الموضوعات التي نحن بأمس الحاجة إلى التفقه فيها‪.‬‬
‫والصحوة اليوم‪ ،‬هذه الصحوة المباركة بحاجة إلى ترشيد وتوجيه حتى ل تأتى‬
‫من داخلها‪ ،‬فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله‪.‬‬
‫إن لم تجد هذه الصحوة من يوجهها ويرشدها فإنني أخشى عليها من نفسها‬
‫قبل خشيتي عليها من أعدائها‪.‬‬
‫ومن هنا جئت هذه الليلة لتحدث لكم وأتحدث معكم عن هذا الموضوع الذي‬
‫استمعتم إلى مقدمته من أخي الفاضل‪.‬‬
‫وأحب أن أنبه أن لهذا الموضوع قصة لبد أن تروى‪:‬‬
‫فقد بلغني في العام الماضي أن هناك بعض الطيبين ينتسبون إلى هذه‬
‫الصحوة يلتقون في مناسبات مختلفة ويكون جل حديثهم عن العلماء‪،‬‬
‫يقيمون العلماء ويقومون العلماء ويذمون ويمدحون‪ ،‬وهم شباب أحسن ما‬
‫نقول فيهم أنهم من طلب العلم ل من العلماء‪.‬‬
‫فتأثرت في هذا الموضوع فقمت وبدأت أجمع وأقرأ في كتب السلف‪:‬‬
‫هل كان شبابهم وعلمائهم يفعلون مثل ما نفعل؟؟‬
‫ثم قمت وألقيت هذا الموضوع في إحدى الجامعات‪ ،‬ولكنني اعتذرت عن‬
‫إخراجه لنه لم يستوي على سوقه بعد‪.‬‬
‫ومرت فترة وأوذي أحد الدعاة إلى الله‪ ،‬بل أحد العلماء وطعن في عرضه‬
‫وكانت تلك الطعنة موجهة إلى كل عالم وإلى كل طالب علم‪،‬فآلمتنا وأحزنتنا‬
‫وأقضت مضاجعنا‪.‬‬
‫وطلب مني بعض الخوة الذين استمعوا إلى هذه المحاضرة أن أقوم‬
‫بإخراجها فاعتذرت لنني قلت أنها لم تكتمل بعد‪.‬‬
‫وجاءت الحداث الخيرة‪ ،‬جاءت الحداث المريرة‪ ،‬جاءت الفتن التي كقطع‬
‫الليل المظلم التي نعيش فيها هذه اليام‪ ،‬فماذا حدث؟‬
‫حدث ما يريده العداء‪ ،‬واستبيحت لحوم العلماء‪ ،‬ولم يقتصر الحديث عن‬
‫العلماء على طلب العلم أو على الدعاة‪ ،‬بل فتح الباب لمن هب ودب حتى‬
‫تطاول العامة وتطاول المنافقون والعلمانيون على علمائنا‪.‬‬
‫وقل أن تدخل إلى مجلس أو منزل إل وتسمع فيه حديثا عن عالم من العلماء‬
‫وإلى اليوم‪.‬‬
‫فقلت إن تأخير البيان عن وقت الحاجة ل يجوز‪.‬‬
‫فجئت إليكم أيها الحبة مذكرا وناصحا ومبينا ومحذرا من عاقبة الحديث في‬
‫لحوم العلماء‪.‬‬
‫وموضحا قدر المكان المنهج الصحيح لمعالجة هذه القضية وفق منهج أهل‬
‫السنة والجماعة‪.‬‬
‫والموضوع طويل وعناصره كثيرة‪ ،‬ولكنني سأحاول الختصار قدر المكان‬
‫ولعلي أكتفي من القلدة بما أحاط بالعنق‪.‬‬
‫فلحوم العلماء مسمومة ورحم الله أبن عساكر حيث يقول‪:‬‬
‫)أعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق‬
‫تقاته أن لحوم العلماء مسمومة‪ ،‬وعادة الله في هتك أستار منتقصهم‬
‫معلومة‪ ،‬وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بله الله قبل موته بموت‬
‫القلب(‪.‬‬
‫)فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم(‪.‬‬
‫ألخص أسباب الحديث عن هذا الموضع بما يلي‪:‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أول أن مكانة العلماء في السلم مكانة عظيمة‪ ،‬فيجب تعظيمهم وإجللهم‪.‬‬


‫ثانيا تساهل كثير من الناس في هذا الجانب‪.‬‬
‫ثالثا وقوع طلب العلم في علمائهم من حيث ل يشعرون‪.‬‬
‫رابعا عدم فهم كثير من الدعاة للمنهج الصحيح في هذه القضية‪.‬‬
‫خامسا وأخيرا وهو مهم جدا الهجمة الشرسة المنظمة من المنافقين‬
‫والعلمانيين على علماءنا تبعا لسيادهم من اليهود والنصارى‪.‬‬
‫من أجل ذلك جئت أتحدث معكم أيها الخوة‪ ،‬وأبين بعض هذه السباب‬
‫فأقول‪:‬‬
‫النقطة الولى مكانة العلماء وفضلهم يقول جل وعل‪:‬‬
‫)قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون(‪.‬‬
‫ويقول سبحانه‪:‬‬
‫ه من عباده العلماء(‪.‬‬
‫)إنما يخشى الل َ‬
‫ويقول جل وعل‪:‬‬
‫)وأطيعوا الله والرسول وأولي المر منكم(‪.‬‬
‫وأولو المر كما قال العلماء هم العلماء‪ ،‬وقال بعض المفسرين أولو المر‬
‫المراء والعلماء‪.‬‬
‫ويقول جل وعل‪:‬‬
‫)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون‬
‫خبير(‪.‬‬
‫وروى البخاري عن النبي )صلى الله عليه وسلم( قال‪:‬‬
‫)من يرد الله به خيرا يفقه في الدين(‪.‬‬
‫قال أبن المنير كما ذكر أبن حجر‪:‬‬
‫) من لم يفقه الله في الدين فلم يرد به خيرا(‪.‬‬
‫وروى أبو الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله )صلى الله عليه وسلم( قال‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫)فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة القدر‪،‬‬
‫العلماء هم ورثة النبياء‪ ،‬إن النبياء لم يورثوا دينارا ول درهم‪ ،‬وإنما ورثوا‬
‫العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر(‪.‬‬
‫وهو حديث حسن أخرجه أبو داوود والترمذي والدارمي‪.‬‬
‫ومن عقيدة أهل السنة والجماعة كما قال المام الشيخ عبد الرحمن أبن‬
‫سعدي رحمه الله‪:‬‬
‫)أنهم يدينون الله باحترام العلماء الهداة(‪.‬‬
‫من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يدينون الله ويتقربون إلى الله جل وعل‬
‫باحترام العلماء الهداة‪.‬‬
‫قال الحسن‪:‬‬
‫)كانوا يقولون موت العالم ثلمة في السلم ل يسدها شيء ما اختلف الليل‬
‫والنهار(‪.‬‬
‫وقال المام الوزاعي‪:‬‬
‫)الناس عندنا أهل العلم ومن سواهم فل شيء(‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري‪:‬‬
‫)لو أن فقيها على رأس جبل لكان هو الجماعة(‪.‬‬
‫لو أن فقيها كان على رأس جبل وحده لكان هو الجماعة‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م أدم والم حواء‬ ‫الناس من جهة التمثال أكفاء…… أبوه ُ‬


‫فإن يكن لهم في أصلهم نسب…‪ ....‬يفاخرون به فالطين والماء‬
‫م…… على الهدى لم استهدى أدل‬ ‫ما الفضل إل لهل العلم إنه ُ‬
‫وقدر كل امرأ ما كان يحسنه…… والجاهلون لهل العلم أعداء‬
‫أما تعظيم العلماء ووجوب تقديرهم واحترامهم‪ ،‬فاسمعوا إلى قوله تعالى‪:‬‬
‫)ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه(‪.‬‬
‫ويقول جل وعل‪:‬‬
‫)ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب(‪.‬‬
‫والشعيرة كما قال العلماء كل ما أذن وأشعر الله بفضله وتعظيمه‪ ،‬إذا‬
‫العلماء قد أذن الله وأشعر الله بفضلهم وتعظيمهم‪:‬‬
‫)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون‬
‫خبير(‬
‫فتعظيمهم واجب‪:‬‬
‫)ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه(‪.‬‬
‫)ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب(‪.‬‬
‫قال أحد العلماء‪:‬‬
‫)أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم(‪.‬‬
‫ل رسول الله‬ ‫وفي صحيح البخاري عن أي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬قال قا َ‬
‫)صلى الله عليه وسلم(‪:‬‬
‫)قال الله عز وجل من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب(‪.‬‬
‫أيها الخوة كلنا ندرك أن من أكل الربى فقد آذنه الله بالحرب‪:‬‬
‫)فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله(‪.‬‬
‫إن لم ينتهي آكل الربى عن أكله الربى فليأذن بحرب من الله ورسوله‪ ،‬كلنا‬
‫يدرك هذه القضية‪.‬‬
‫ولكن هل نحن ندرك أيضا أن من آذى أولياء الله فقد حارب الله جل وعل‪:‬‬
‫)قال الله عز وجل من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب(‪.‬‬
‫روى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي رحمهم الله أنهما قال‪:‬‬
‫)إن لم تكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي(‪.‬‬
‫قال الشافعي‪) :‬الفقهاء العاملون(‪.‬‬
‫وقال ابن عباس رضي الله عنهما‪:‬‬
‫)من آذى فقيها فقد آذى رسول الله )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬ومن آذى‬
‫رسول الله )صلى الله عليه وسلم( فقد آذى الله عز وجل(‪.‬‬
‫إذا أيها المؤمن‪ ،‬أخي الكريم هل ندرك مكانة العلماء ؟‬
‫لعلنا من خلل النصوص التي ذكرتها وتحدثت عنها تبين لنا بعض ما يجب‬
‫علينا في حق علمائنا‪،‬‬
‫ولعلها مناسبة طيبة أن أنبه إلى خطورة اللسان لننا تساهلنا في ألسنتنا‪.‬‬
‫فأذكر أول فضل اللسان‪ ،‬أذكر أيها الخوة امتنان الله عليكم بهذه اللسنة‬
‫هذه الجارحة اليسيرة‪.‬‬
‫يقول جل وعل عن موسى عليه السلم‪:‬‬
‫)واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي(‪ .‬ويقول )ول ينطلق لساني(‪.‬‬
‫ويقول عن أخيه هارون‪) :‬هو أفصح مني لسانا(‪.‬‬
‫ويقول سبحانه وتعالى ممتنا على عبده‪:‬‬
‫)ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين(‪.‬‬
‫ومن أجل أن أوضح قيمة هذا اللسان‪ ،‬والفضل له‪ ،‬لنأخذ مثل واحدا‪:‬‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي نزعت منه هذه النعمة أو البكم‪ ،‬إذا أراد أن يعبر عن ما في نفسه‪،‬‬
‫تتحرك يداه وشفتاه وعيناه ورأسه وجزء من جسمه ول يستطيع أن يعبر عن‬
‫ما في نفسه‪ ،‬وتبقى في نفسه حسرة‪.‬‬
‫وأنت أيها المؤمن بكلمات يسيرة معدودة تعبر عن ما في نفسك‪ ،‬أليست‬
‫هذه نعمة؟‬
‫)ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين(‪.‬‬
‫والصحة تاج على رؤوس الصحاء ل يراه إل المرضى‪.‬‬
‫إذا هل نحن نحافظ على هذا اللسان‪ ،‬أو نطلقه في علمائنا وفي عوام‬
‫الناس‪.‬‬
‫استمعوا إلى خطورة ذلك‪:‬‬
‫يقول جل وعل‪:‬‬
‫) إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا‬
‫وهو عند الله عظيم(‪.‬‬
‫)فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد(‪.‬‬
‫ولذلك جاء المر بحفظه والتحذير من تركه‪:‬‬
‫)يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قول سديدا(‪.‬‬
‫)ما يلفظ من قول إل لديه رقيب عتيد(‪.‬‬
‫)ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه‬
‫مسئول(‪.‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه الترمذي‪:‬‬
‫)وهل يكب الناس في النار على وجوههم إل حصائد ألسنتهم(‪.‬‬
‫ويقول الرسول )صلى الله عليه وسلم( في الحديث المتفق عليه‪:‬‬
‫)من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذية أضمن له الجنة(‪.‬‬
‫عموم الناس وكثير من الناس وأخص الطيبين منهم ل يقع في ما بين فخذيه‪،‬‬
‫أي يضمن ما بين فخذيه‪ ،‬وهذه نعمة من الله جل وعل‪ .‬أي يضمن الفرج وما‬
‫حوله‪.‬‬
‫ولكن هل نحن نضمن ما بين لحيينا؟‬
‫هل يمر علينا يوم بدون أن نتحدث في عرض مسم أو في عرض عالم‪ .‬؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫)من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة(‪.‬‬


‫ويقول الرسول )صلى الله عليه وسلم(‪:‬‬
‫)المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده(‪.‬‬
‫ويقول )صلى الله عليه وسلم(‪ :‬استمعوا إلى هذا الحديث‪:‬‬
‫)إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد ما بين المشرق‬
‫والمغرب(‪.‬‬
‫يصاب الفتى من عثرة في لسانه ‪ .........‬وليس يصاب المرء من عثرة‬
‫الرجل‬
‫فعثرته في القول تذهب رأسه ‪ ..........‬وعثرته بالرجل تبرأ على مهل‬
‫احفظ لسانك أيها النسان ‪ .................‬ل يلدغنك إنه ثعبان‬
‫كم في المقابر من قتيل لسانه ‪ .........‬كانت تهاب لقائه الشجعان‬
‫الصمت زين والسكوت سلمة ‪ ..............‬فإذا نطقت فل تكن مكثارا‬
‫فإذا ندمت على سكوتك مرة ‪ ............‬فلتندمن على الكلم مرارا‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال حاتم الصم‪:‬‬


‫)لو أن صاحب خبر جلس إليك ليكتب كلمك لحترزت منه‪ ،‬وكلمك يعرض‬
‫على الله جل وعل فل تحترز(‪.‬‬
‫هنا يتبادر سؤال‪:‬‬
‫هل لحوم العلماء فقط هي المسمومة؟‬
‫هل لحوم بقية الناس مباحة؟‬
‫يقول جل وعل‪:‬‬
‫)والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما‬
‫مبينا(‪.‬‬
‫ويقول )صلى الله عليه وسلم( مبينا ذلك‪:‬‬
‫)كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله( رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال )صلى الله عليه وسلم( في حجة الوداع‪:‬‬
‫)إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم‬
‫هذا في بلدكم هذا‪..‬أل هل بلغت(‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫فالغيبة أيها الخوة محرمة‪ ،‬وغيبة العلماء من أشد أنواع الغيبة‪ ،‬يقول جل‬
‫وعل‪:‬‬
‫)ول يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه‬
‫واتقوا الله إن الله تواب رحيم(‪.‬‬
‫وقال )صلى الله عليه وسلم(‪:‬‬
‫أتدرون ما الغيبة؟‬
‫قالوا الله ورسوله أعلم‪.‬‬
‫قال ذكرك أخاك بما يكره‪،‬‬
‫قيل افرأيت إن كان في أخي ما أقول‪.‬‬
‫قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته(‪.‬‬
‫مسلم‪.‬‬
‫هذا إذا كان فيه ما يقول وهو من عموم الناس‪ ،‬كيف بالحديث عن العلماء‬
‫بالحق وبالباطل؟‬
‫َ‬
‫وفي سنن أبي داوود عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله )صلى‬
‫الله عليه وسلم(‪:‬‬
‫)لما عرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أضفار من نحاس يخمشون‬
‫وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلء يا جبريل؟ قال هؤلء الذين يأكلون لحوم‬
‫الناس ويقعون في أعراضهم(‪.‬‬
‫كيف بالذي يقع في لحوم العلماء؟‬
‫واسمعوا إلى هذه الكلمة من ابن القيم رحمه الله‪ ،‬والله إنها كلمة تكتب بماء‬
‫الذهب‪ ،‬لماذا؟‬
‫لنها تنطبق على كثير من الناس الطيبين وكثير من طلب العلم‪ ،‬اسمع إلى‬
‫هذا الكلم القيم من ابن القيم قال‪:‬‬
‫) وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض‬
‫الحياء والموات ول يبالي ما يقول(‪.‬‬
‫وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم‪ ،‬لو رأى أن شابا أو إنسانا‬
‫نظر إلى امرأة لقال له حرام ولزجره‪ ،‬ولكن لسانه يفري في لحوم الناس‬
‫عموما والعلماء خصوصا‪ ،‬ول يبالي بما يقول‪.‬‬
‫بعد هذه المقدمات أيها الخوة وهي جزء من الموضوع‪ ،‬ندخل في صلب‬
‫الموضوع في الحديث عن لحوم العلماء‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫********‬
‫النقطة الثانية ما هي السباب التي تجعل الناس يتحدثون عن في لحوم‬
‫العلماء؟‬
‫استمعوا إلى هذه السباب‪:‬‬
‫السبب الول الَغيَرة والِغيرة‪.‬‬
‫الَغيَرة محمودة فهي من الغيَرة على دين الله جل وعل‪ ،‬ولكن قد يكون‬
‫الباعث للحديث غيَرة ولكنها ينجر شيئا فشيئا ً حتى يقع هذا الذي غار على‬
‫دين الله في لحوم العلماء من حيث ل يشعر‪.‬‬
‫وهناك مزيد بيان لهذه القضية‪.‬‬
‫أما الِغيَرة فهي مذمومة وهي قرينة الحسد‪ ،‬قال سعيد ابن جبير رحمه الله‪:‬‬
‫)استمعوا لعلم العلماء ول تصدقوا بعضهم على بعض‪ ،‬فوالذي نفسي بيده‬
‫الهم أشد تغايرا من التيوس في زرابها(‪.‬‬
‫كلم العلماء بعضهم في بعض من القران‪ ،‬يقول المام سعيد ابن جبير انهم‬
‫أشد تغايرا من التيوس في زرابها‪ .‬ألستم ترون التيوس كيف ينطح بعضها‬
‫بعضا ويؤذي بعضها بعضا‪.‬‬
‫فيقول خذوا من كلم العلماء واستفيدوا من علمهم ول تصدقوا كلم بعض‬
‫على بعض من القران‪.‬‬
‫ولذلك قال الذهبي‪:‬‬
‫)كلم القران بعضهم في بعض ل يعبأ به لسيما إذا كان لحسد أو مذهب أو‬
‫هوى‪ ،‬والحسد يعمي ويصم ومنه التنافس للحصول على جاه أو مال‪ ،‬فقد‬
‫يطغى بعضهم على بعض ويطعن بعضهم في بعض من أجل القرب من‬
‫سلطان أو الحصول على جاه أو مال(‪.‬‬
‫أيها الخوة‪ ،‬الحسد‪ ،‬الغيرة‪ ،‬التنافس من أسباب الحديث في لحوم العلماء‪.‬‬
‫السبب الثاني الهوى‪:‬‬
‫قال الله جل وعل‪ ) :‬ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله(‪.‬‬
‫وقال‪ ) :‬فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع‬
‫هواه بغير هدى من الله إن الله ل يهدي القوم الظالمين(‬
‫وقال شيخ السلم‪:‬‬
‫)صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه(‪.‬‬
‫وكان السلف يقولون‪:‬‬
‫)احذروا من الناس صنفين‪ ،‬صاحب هوى قد فتنه هواه‪ ،‬وصاحب دنيا أعمته‬
‫دنياه(‪.‬‬
‫الهوى خطير وبعض الذين يتكلمون في لحوم العلماء لم يتجردوا لله جل‬
‫وعل‪ ،‬بل دفعهم الهوى لهذا المر‪.‬‬
‫السبب الثالث التقليد‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫)إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون(‪.‬‬


‫وأبين أن التقليد ليس مذموما بعمومه‪ ،‬وقد فصل العلماء في قضية التقليد‬
‫ولكنني أحذر من التقليد الذي يؤدي إلى الحديث في لحوم العلماء‪.‬‬
‫قال ابن مسعود رضي الله عنه‪:‬‬
‫ن آمن وإن كفَر كفر فإنه ل أسوة في‬‫)أل ل يقلدنا أحدكم دينه رجل إن آم َ‬
‫الشر(‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال أبو حنيفة‪:‬‬


‫) ل يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت(‪.‬‬
‫وقال أحمد‪:‬‬
‫) من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال(‪.‬‬
‫التقليد يؤدي أيها الخوة إلى الحديث في لحوم العلماء‪ ،‬تقليد لفلن‪.‬‬
‫أحيانا تستمع إلى بعض الناس يتكلم في عرض عالم‪ ،‬تقول له هل استمعت‬
‫إلى هذا العالم؟‬
‫قال ل والله‪ .‬من قال لك؟ قال فلن‪ .‬فهذا تقليد‪.‬‬
‫وأخطر منه السبب الرابع وهو التعصب‪:‬‬
‫ولي وقفة مع موضوع التعصب لحساسيته وعلقته بهذا الموضوع‪.‬‬
‫قال أبو حامد الغزالي‪:‬‬
‫)وهذه عادة ضعفاء العقول يعرفون الحق بالرجال‪ ،‬ل الرجال بالحق(‪.‬‬
‫ومن أشد أنوع التعصب الحزبية‪.‬‬
‫الحزبية لمذهب أو جماعة أو قبيلة أو بلد‪.‬‬
‫ومن خلل سبري لقوال الذين يتحدثون في لحوم العلماء خاصة من الدعاة‬
‫وطلب العلم‪ ،‬من أبرز السباب التعصب وسبب التعصب هو الحزبية‪.‬‬
‫هذه الحزبية الضيقة‪ ،‬هذه الحزبية التي فرقت المسلمين إلى شيع وأحزاب‪،‬‬
‫فأقول إن الحزبية أيها الخوة أودت بالكثير للحديث في لحوم العلماء‪.‬‬
‫وهل أنا إل من غزية إن غوت… غويت إن ترشد غزيت أرشد‬
‫إذا ضل من يتعصب له ضل معهم‪ ،‬وإن اهتدوا اهتدى معهم‪.‬‬
‫إن قال هؤلء في عالم كلما أخذ به‪ ،‬وإن رفعوا الحجاب عنه رفع معهم‪.‬‬
‫أحبتي الكرام تأملوا في خطورة هذه القضية‪ ،‬سمعت أن بعض طلب العلم‬
‫يتكلمون في بعض العلماء‪ ،‬في اليام القريبة الماضية‪ ،‬وفجأة تغير موقف‬
‫هؤلء الطلب‪ ،‬فسألت‪:‬‬
‫ً‬
‫فقالوا أنهم سمعوا أن فلنا من العلماء يثني على هذا العالم فأثنوا عليه‪.‬‬
‫ما الذي تغير ؟ لماذا كنتم تقدحون به منذ أيام والن أصبحتم تمدحونه‪.‬‬
‫اسمحوا لي أن أقول بكل مرارة أن بعض طلب العلم وبعض الدعاة قد‬
‫سلموا عقولهم لغيرهم‪.‬‬
‫قلدوا في دينهم الرجال كما قال المام أحمد‪.‬‬
‫صابوا معهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫أصابوا‬ ‫وإن‬ ‫معهم‬ ‫قلدوا في دينهم الرجال‪ ،‬إن اخطئوا أخطئوا‬
‫التعصب لمذهب أو جماعة أو بلد أو قبيلة خطير جدا‪،‬من الملحظ أن هناك‬
‫من ينتصر لعلماء بلده ويقدح في العلماء الخرين‪.‬‬
‫ل‪ ..‬أيها الحباب كيف نقدح في لحوم العلماء حتى لو كانوا من بلد أخرى‬
‫فبلد المسلمين بلد واحدة‪.‬‬
‫هذا التعصب والفتنة التي نعيش فيها هذه اليام أفرزت أمورا خطيرة يجب‬
‫أن يقف أمامها الدعاة وطلب العلم‪ ،‬كل أهل بلد تعصبوا لعلمائهم‪:‬‬
‫أهل الشرق تعصبوا لعلماء الشرق‪.‬‬
‫وأهل الغرب تعصبوا لعلماء الغرب‪.‬‬
‫وأهل الوسط تعصبوا لعلماء الوسط‪.‬‬
‫ليس هذا هو المنهج الصحيح‪ ،‬نحن ل نعرف الحق بالرجال وإنما نعرف‬
‫الرجال بالحق‪.‬‬
‫نأخذ بالحق مهما كان قائله‪.‬‬
‫أيها الخوة هذه مسألة خطيرة‪ ،‬التعصب‪ ،‬الحزبية الضيقة هي التي أودت بنا‬
‫ه أيها الخوة انتبهوا لهذا السبب فهو سبب‬ ‫إلى كثير من المهالك‪ ،‬فالله الل َ‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خطير‪.‬‬
‫السبب الخامس التعالم‪:‬‬
‫حيث يتكلم في عرض العالم ليفند قوله تقوية لقوله الضعيف‪ ،‬وما أكثر‬
‫المتعالمين في عصرنا‪.‬‬
‫التعالم سبب من أسباب الحديث في لحوم العلماء‪.‬‬
‫السبب السادس النفاق وكره الحق‪:‬‬
‫سبب من أسباب الحديث في لحوم العلماء‪:‬‬
‫)في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا(‪.‬‬
‫)وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء أل إنهم هم‬
‫السفهاء ولكن ل يعلمون(‪.‬‬
‫)وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما‬
‫نحن مستهزئون(‬
‫فالمنافقون والعلمانيون في عصرنا من أسباب الحديث في لحوم العلماء‬
‫والمؤسف أنني استمعت في مجلس من المجالس إلى أحد هؤلء المنافقين‬
‫من القوميين والحداثيين وأمثالهم يتحدث في لحوم العلماء‪ ،‬فقلده بعض‬
‫الطيبين من حيث ل يدري‪ ،‬ووافقه على ما يقول حتى ُرد عليه في مجلسه‪.‬‬
‫الن العلمانيون يتحدثون في علمائنا كلما ننزه أسماعكم عن سماعة‪،‬‬
‫فالنفاق وكره الحق من السباب الرئيسة في الحديث عن لحوم العلماء‪.‬‬
‫السبب السابع تمرير مخططات العداء كالعلمنة ونحوها‪:‬‬
‫أدرك العلمانيون أخزاهم الله أنه ل يمكن أن تقوم لهم قائمة والعلماء لهم‬
‫هيئة وشأن‪ ،‬فماذا يفعلون ؟‬
‫بدئوا في النيل من العلماء‪ ،‬بدئوا في تحطيم صورة العلماء‪ ،‬بدئوا في الغمز‬
‫واللمز‪.‬‬
‫من أجل ماذا؟ من أجل تمرير مخططات العداء‪ ،‬ل أقول لكم هذا من فراغ‪.‬‬
‫لقد استمعت إلى بعض هؤلء فيما نقل لي عن طريق الثقاة‪ ،‬قالوا في‬
‫العلماء كلما والله ل يقبله عاقل فضل عن طالب علم‪ ،‬ل يقبله عامي من‬
‫عوام المسلمين في علمائهم‪.‬‬
‫ماذا يريد هؤلء؟ يريدون أن يحطموا صورة العلماء‪.‬‬
‫ولي وقفة بعد قليل مع هذه القضية مبينا وموضحا ومنبها‪.‬‬
‫النقطة الثالثة الثار المترتبة على الحديث في العلماء؟‪:‬‬
‫إذا تحدثنا في علمائنا وأكلنا لحوم العلماء وأصبح الديدن في مجالسنا أن‬
‫نتحدث في علمائنا ماذا يحدث؟ انظروا ماذا يحدث‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫أول إن جرح العالم سيكون سببا في رد ما يقوله من الحق‪.‬‬


‫جرح العالم ليس جرحا شخصيا‪ ،‬أنت عندما تجرح رجل من عموم الناس‬
‫فإنك تقدح في عرضه فقط‪ ،‬أما جرح العالم فليس جرح شخصيا إنما يكون‬
‫سببا لرد ما يقوله من الحق‪.‬‬
‫ولذلك انتبه المشركون إلى هذه القضية فماذا فعلوا؟‬
‫ما طعنوا في السلم أول…ل‪ ،‬ركزوا في الطعن على شخص الرسول )صلى‬
‫الله عليه وسلم(‪ ،‬على الشخص الطاهر‪ ،‬لماذا ؟ لنهم يعلمون علم اليقين‬
‫أنهم إذا استطاعوا أن يشوهوا صورة رسول الله )صلى الله عليه وسلم( في‬
‫أذهان الناس فلن يقبل ما يقوله من الحق‪ ،‬ولكنهم باءوا بالخسران والحمد‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لله‪.‬‬
‫سؤال يا أحباب‪:‬‬
‫لماذا قبل بعثة الرسول )صلى الله عليه وسلم( كان هو المين‪ ،‬كان هو‬
‫الصادق‪ ،‬هو الحكم‪ ،‬هو الثقة‪ ،‬ما الذي تغير؟‬
‫عندما جاء بهذا الدين أصبح ساحر‪ ،‬كاهن‪ ،‬كذاب‪ ،‬مجنون‪.‬‬
‫إذا هم ل يقصدون شخص محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب‪ ،‬هم يقصدون‬
‫شخص رسول الله )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬لماذا ؟ لنهم يعلمون أنهم إذا‬
‫استطاعوا أن يؤثروا في أذهان الناس عن شخصية الرسول فلن يقبل ما‬
‫معه‪ ،‬ولكنهم باءوا وخسروا‪.‬‬
‫هذا هو أسلوب المنافقين الن‪ ،‬هذا هو أسلوب العلمانيين الن‪.‬‬
‫فلذلك جرح العالم ليس جرحا شخصيا‪.‬‬
‫ثانيا أن جرح العالم جرح للعلم الذي معه وهو ميراث النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم(‪.‬‬
‫لن العلماء هم ورثة النبياء‪ ،‬فجرح العالم جدر لرث النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( وهذا معنى قول أبن عباس أن من آذى فقيها فقد آذى رسول الله‬
‫)صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬ومن آذى رسول الله فقد آذى الله جل وعل‪.‬‬
‫إذا من يجرح في العالم يجرح العلم الذي معه‪ ،‬ومن جرح هذا العلم جرح‬
‫أرث الرسول )صلى الله عليه وسلم(‪،‬إذا هو يطعن بالسلم من حيث ل‬
‫يشعر‪.‬‬
‫ثالثا أن جرح العلماء سيؤدي إلى إبعاد طلب العلم عن علماء المة وسلفها‪.‬‬
‫رابعا أن تجريح العلماء تقليل لهم في نظر العامة‪ ،‬وذهاب لهيبتهم وريحهم ‪.‬‬
‫وهذا ما يسر أعداء الله ويفرحهم‪ ،‬يقول أحد الزعماء الهالكين في دولة‬
‫عربية بعد أن سلط إعلمه على العلماء واستهتر بالعلماء واستهزأ بالعلماء‪،‬‬
‫ماذا قال في النهاية؟ قال‪:‬‬
‫)عالم‪..‬شيخ‪ ..‬أعطه فرختين يفتي لك بالفتوى التي تريد(‪ .‬أخزاه الله‪.‬‬
‫سقطت قيمة العلماء في نظر العامة‪ ،‬والله إن خطورة هذا المر شأن‬
‫عظيم‪.‬‬
‫ذهبت إلى بعض الدول السلمية وسألت عن العلماء فما وجدت علماء‪ ،‬أصبح‬
‫العامة ل ينظرون للعلماء‪ ،‬ل يأبهون بالعلماء‪ ،‬لماذا ؟‬
‫لن العلمنة سلطت أقلمها عليهم ومن هنا استمعوا إلى الثر الخطير الذي‬
‫قلت لكم أنني سأقف معه‪.‬‬
‫رابعا تمرير مخططات العداء‪.‬‬
‫من الثار العظيمة والخطيرة في توجيه السهام إلى العلماء تمرير مخططات‬
‫العداء‪ ..‬كيف؟‬
‫ما فيه داعي للنظريات يا أحباب‪ ،‬اسمعوا إلى قضايا واقعية‪.‬‬
‫الحديث في رجال الحسبة الن وهم من طلب العلم كُثر‪ ،‬أصبحت أعراض‬
‫رجال الحسبة مستباحة‪ ،‬ولم يقتصر هذا المر على عموم الناس وعلى‬
‫المنافقين والعلمانيين‪ ،‬بل وقع فيه بعض طلب العلم من حيث يشعرون أو ل‬
‫يشعرون‪.‬‬
‫تجلس في بعض المجالس فتسمع أخطأت الهيئات‪ ،‬أخطأ رجال الهيئات‪ ،‬فعل‬
‫رجال الهيئات‪.‬‬
‫سبحان الله! ما يخطئ إل رجال الهيئات!‬
‫لماذا ل نتكلم عن أخطاء غيرهم ؟‬
‫اطلعت بالمس على فتوى لسماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم رحمه الله‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجموعة من طلب العلم اشتكوا أحد المسؤولين‪ ،‬ومن خلل الفتوى أو‬
‫الرسالة التي قرأتها لشيخنا محمد ابن إبراهيم يبدوا أنهم زادوا في الشكوى‪.‬‬
‫أتعلمون ماذا حدث؟ أهينوا وسجنوا ‪ ،‬هذا في زمن الشيخ محمد ابن إبراهيم‬
‫رحمه الله‪.‬‬
‫فكتب الشيخ رسالة ينبه إلى خطورة التعرض لطلب العلم‪.‬‬
‫ولكني أسألكم هل رأيتم أحدا سجن عندما تكلم في أعراض رجال الحسبة‬
‫ورجال الهيئات؟‬
‫جاءني بعض شباب الهيئات يقولون‪ ،‬تطاول الرجال والنساء علينا ول نجد من‬
‫يحمينا فنحن المتهمون دائما…ما المقصود؟‬
‫المقصود هو القضاء على الهيئات وتحطيم الهيئات‪.‬‬
‫حتى أصبحنا مع كل أسف نسمع من بعض طلب العلم‪ ،‬وليسو طلب علم‬
‫ولكن المحسوبين على الدعاة أو المحسوبين على طلب العلم أو‬
‫المحسوبين على الشباب الصالحين يطالبون ويتكلمون في أعراض الهيئات‬
‫وأنها تتجاوز وأنها‪..‬وأنها‪.‬‬
‫غيرهم ما يتجاوز! غيرهم ملئكة ! غيرهم رسل!‬
‫من يستطيع يتحدث في غيرهم؟ يقطع لسانه‪.‬‬
‫أما الهيئات‪ ،‬أما رجال الحسبة فهم المتهمون‪ ،‬رجل الحسبة متهم حتى يثبت‬
‫براءته‪.‬‬
‫هذا لغرض يا أحباب‪ ،‬ل نكون أغبياء‪ ،‬ل نكون مغفلين‪.‬‬
‫القضاة‪ ،‬أسمع الحديث عن لحوم القضاة‪ ،‬طلب علم وعلماء‪.‬‬
‫القاضي الفلني فيه كذا‪ ،‬القاضي الفلني فعل كذا‪ ،‬القاضي الفلني اشترى‬
‫أرض‪ ،‬القاضي الفلني اشترى سيارة‪ ،‬القاضي الفلني يؤخر المعاملة‪.‬‬
‫سبحان الله يا إخوان!‬
‫ما يخطئ إل القضاة‪ ،‬لماذا نتحدث عن أخص ما في بيوت قضاتنا؟‬
‫ما دخلنا عن ما في بيوتهم؟ لكن قضايا مقصودة لتحطيم القضاء الشرعي‪.‬‬
‫سبحان الله! ماذا يقصد بهذا الكلم؟ أتدرون ماذا كانت النتيجة؟‬

‫)‪(5 /‬‬

‫قال بعضهم نحن لسنا بحاجة إلى القضاة وتعقيدات القضاة والمحاكم‪،‬‬
‫القانون الفرنسي أرحم لنا من هؤلء‪.‬‬
‫ويا أحباب حتى ل تتصوروا أني أتكلم من فراغ‪ ،‬هناك من يطالب بالقانون‬
‫الفرنسي‪ ،‬وكاد أن يتحقق لهم المر‪.‬‬
‫أذكر لكم مثال‪ ،‬نظام المرافعات الذي الغي‪ ،‬والحمد لله أنه الغي‪ ،‬ويشكر‬
‫من كان سببا في إلغائه‪ ،‬نشكر كل من كان سببا في إلغاء هذا النظام‪.‬‬
‫أتدرون ما هو نظام المرافعات الذي كان على وشك التطبيق؟ مأخوذ من‬
‫النظام المصري حرفا بحرف‪ ،‬والنظام المصري مأخوذ من النظام الفرنسي‪.‬‬
‫ل تتصورون المر صعب‪ ..‬ولكن الحمد لله تدارك العلماء المر واستجاب‬
‫المسؤولون لهذا المر‪ ،‬ونسأل الله أن يستجيبوا لبقية الشياء الخرى التي‬
‫تخالف شريعتنا‪ .‬نسأل الله ونقول لهم هذا ما يجب على العلماء أن يوضحوا‪.‬‬
‫أما الحديث عن الدعاة فحدث ول حرج‪ ،‬الحديث عن الدعاة‪ ،‬عن المتطرفين‪،‬‬
‫عن‪ ..‬عن‪ ..‬خذ اللقاب التي جاءتنا لم نعرفها أبدا‪.‬‬
‫إذا باختصار من آثر الكلم في لحوم العلماء وطلب العلم تمرير مخططات‬
‫العداء فانتبهوا لهذا المر‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫********‬
‫النقطة الرابعة المنهج الصحيح في معالجة هذه القضية‪:‬‬
‫أحبتي الكرام سيسأل بعضكم ويقول هل أنت تريد منا أن نقدس العلماء؟‬
‫ماذا نفعل أمام أخطاء العلماء؟‬
‫أليس العلماء يخطئون؟ نعم أنا قلت أنهم يخطئون‪.‬‬
‫طيب‪ ..‬ما دمت تقول أنهم يخطئون ماذا نفعل؟‬ ‫ّ‬
‫إذا استمعوا إلى المنهج الصحيح في معالجة هذه القضية‪ ،‬باختصار كيف نجمع‬
‫بين احترام علمائنا وتقديرهم ومكانتهم وبين بيان الحق؟‬
‫واقسم هذا الموضوع إلى ثلث نقاط‪:‬‬
‫‪ /1‬أول ما يجب في هذه القضية على العلماء أن يحموا أنفسهم‪.‬‬
‫كيف العلماء يحموا أنفسهم؟ كل واحد يكون معه جنديين أو ثلثة!!؟‬
‫كيف يحمي العلماء أنفسهم؟‬
‫)على رسلكما إنه صفية(‪.‬‬
‫رسول الله )صلى الله عليه وسلم( حمى نفسه‪ ،‬مع من؟ أمام الصحابة‪ ،‬حتى‬
‫استغربوا‪ ،‬لكن الرسول )صلى الله عليه وسلم( بين أن الشيطان يجري من‬
‫ابن أدم مجرى الدم‪.‬‬
‫)على رسلكما إنها صفية(‪ ،‬فدافع عن عرضه )صلى الله عليه وسلم( أمام‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫)رحم الله امرأ دفع الغيبة عن نفسه(‪.‬‬
‫كيف يحمي العلماء أنفسهم؟‬
‫إذا المسؤولية الولى على العلماء أنفسهم أن يحموا أنفسهم‪ ..‬كيف ؟‬
‫يحمون أنفسهم بما يلي‪:‬‬
‫* أن يكون العالم قدوة في علمه وعمله‪.‬‬
‫)أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم(‬
‫* على العالم أن يتثبت في الفتوى ويستكمل شروطها‪.‬‬
‫طلبت منه فتوى ينظر لماذا هذه الفتوى‪ ،‬ما هي آثار هذه الفتوى‪ ،‬ماذا‬ ‫إذا ُ‬
‫يراد بهذه الفتوى‪.‬‬
‫على العالم أن يتثبت‪ ،‬ويستكمل شروط الفتوى‪ ،‬وذلك بفقه الصول وفقه‬
‫الفروع وفقه الواقع‪.‬‬
‫وإل فل يلومن إل نفسه‪ ،‬إن تعرض له الناس‪.‬‬
‫ونحن ل نبرأ الناس من كلمهم في العلماء‪ ،‬لكنه كان سببا في الحديث في‬
‫العلماء‪ ،‬عليه أن يتثبت ول يتعجل‪ ،‬ل يكتفي بأنه قيل له كذا وكذا ثم يفتي‪ ،‬ل‪.‬‬
‫عليه أن يتأكد‪ ،‬يسأل ويتثبت عن ماذا يراد بهذه الفتوى؟‬
‫هل يراد بها استغلل أو غيره‪ .‬عليه أن يتثبت في الفتوى‪.‬‬
‫* أن يحذر العالم من الستدراج‪ ،‬والغفلة والتدليس‪.‬‬
‫فهناك من يستدرج العلماء‪ ،‬هناك من يستغفل العلماء‪ ،‬هناك من يلّبس على‬
‫العلماء‪ ،‬فعلى العلماء أن يكونوا كما قال عمر وهو من أئمة العلماء رضي‬
‫الله عنه ‪):‬لست بالخب ول الخب يخدعني(‪ ،‬يقول أنا ما أخادع ولكن ل أحد‬
‫يخدعني‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫نعم ل ُيخدع العالم‪ ،‬فينتبهوا إلى أن هناك من يريد أن يدلس عليهم‪ ،‬من يريد‬
‫أن يهون لهم المور‪ ،‬من يقول‪ :‬ل… المراد بهذه الفتوى فقط كذا مسألة‬
‫بسيطة‪ .‬ثم تستغل الفتوى لغرض في النفس‪.‬‬
‫* على العالم أن يكون جريئا في الحق ل تأخذه في الله لومة لئم‪.‬‬
‫نحن نطالب ونطلب من علمائنا أن تكون لهم جرأة كأسلفنا رضي الله‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنهم‪.‬‬
‫كجرأة أبس سعيد الخدري عندما وقف أمام مروان أبن الحكم عندما أراد أن‬
‫يقدم الخطبة على الصلة‪ ،‬فقال له‬
‫) يا مروان الصلة قبل الخطبة يوم العيد‪ ،‬فسحبه من ثوبه قال مروان قد‬
‫ترك ما هنالك(‪.‬‬
‫فأنكر عليه علنية ولم يقل نكتب له ورقة ونصيحة سرية بيننا وبينه بعد‪ .‬ل‬
‫أمام العلم‪ ،‬الصلة قبل الخطبة يا مروان‪.‬‬
‫كالعز أبن عبد السلم سلطان العلماء‪ ،‬وقد ذكرت في محاضرة سابقة قصة‬
‫سلطان العلماء‪ ،‬وأعيدها مرة أخرى لتعرفوا كيف يكون العلماء‪ ،‬وكيف يحمي‬
‫العلماء أنفسهم‪.‬‬
‫كان الملك السلطان الصالح أيوب ملكا وواليا لدمشق وللشام عموما‪،‬‬
‫وبسبب خلف بينه وبين أبناء عمه تنازل للنصارى عن بعض الحصون‪.‬‬
‫ماذا فعل العز أبن عبد السلم في هذه القضية عندما تنازل الملك الصالح‬
‫للنصارى عن بعض الحصون؟‬
‫قام على المنبر وخطب في جامع بني أمية ولم يدعو للملك الصالح إنما قال‪:‬‬
‫)اللهم أبرم لهذه المة أمرا رشدا يعز في أهل طاعتك ويذل فيه أهل‬
‫معصيتك‪ ،‬ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر‪ ،‬ونزل من على المنبر(‪.‬‬
‫مجرد الدعاء للسلطان لم يدعو له‪ ..‬ما يستحق‪.‬‬
‫ثم جاء الناس يستفتونه أن النصارى بدءوا يشترون السلح من دمشق‪ ،‬فهل‬
‫نعطيهم السلح؟‬
‫قال ما يجوز أن تبيعوا عليهم السلح‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ماذا فعل السلطان سجنه‪ ،‬ونحن نستغرب أحيانا يا أخوان أن يسجن عالم‪،‬‬
‫طبيعي أن يسجن عالم‪.‬‬
‫سجن المام أحمد أبن حنبل‪ ،‬سجن العز أبن عبد السلم‪ ،‬وسجن أبن تيمية‪.‬‬
‫)ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم ل يفتنون(‪.‬‬
‫فلما سجنه‪ ،‬توقع أنه يعتذر وأن يطلب أن يسامحه‪ ،‬ولم يعتذر العز أبن عبد‬
‫السلم‪.‬‬
‫فأرسل السلطان إليه أحد أعوانه وما أكثرهم‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫يا شيخ سوف أشفع لك عند السلطان أن يخرجك‪ ،‬فقط نريد منك شيئا واحدا‬
‫قبل رأسه‪.‬‬ ‫أن تذهب معي إلى السلطان لتعتذر له وت ّ‬
‫طلب بسيط…ماذا قال العز أبن عبد السلم؟‬
‫قل دعك عني‪ ..‬والله لو طلب مني السلطان أن يقبل يدي ما سمحت له أن‬
‫يقبل يدي‪.‬‬
‫عافني الله مما ابتلكم به يا قوم‪ ..‬أنتم في واد وأنا في واد‪.‬‬
‫رفض‪ ..‬توقيع‪ ،‬تعهد بسيط فتخرج وتعاد إلى الخطبة‪.‬‬
‫ل‪ ..‬العالم ل يمكن أن يكون ذليل في يوم من اليام‪ ،‬ل يمكن أن يكون العالم‬
‫ذليل أمام فاسق‪ ،‬أو أمام ظالم يطلب منه هذا الشيء‪.‬‬
‫الن عندنا سلطانيين‪ ،‬السلطان الحقيقي العز أبن عبد السلم‪ ،‬والسلطان‬
‫الرسمي الملك الصالح أيوب‪.‬‬
‫السلطان ذهب لمقابلة النصارى‪ ،‬فخاف أن يخرج سلطان العلماء بالقوة‪.‬‬
‫فما كان من الملك الصالح إل أن أخذ العز ابن عبد السلم معه وسجنه في‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خيمة‪ ،‬وجلس الملك الصالح أيوب مع النصارى‪ ،‬وبينما هو جالس معهم بدأ‬
‫العز أبن عبد السلم يقرأ القرآن‪.‬‬
‫فسمعه الملك الصالح‪ ،‬أتدرون ماذا قال ؟‬
‫قال الملك الصالح النصارى تستمعون إلى الذي يقرأ‪.‬‬
‫قالوا نعم نستمع‪ ،‬قال تعرفون من هو؟ قالوا ل‪ ،‬ل نعرفه‪.‬‬
‫قال هذا من أكبر قساوستنا وسجنته‪ ،‬جاء بلغتهم مع أكبر أسف ولم يقل أكبر‬
‫علمائنا‪.‬‬
‫أتدرون لماذا سجنته؟ قالوا ل‪.‬‬
‫قال إنه أفتى بعدم جواز بيع السلح إليكم فسجنته من أجلكم‪.‬‬
‫يا للحسرة‪ ،‬ماذا قال النصارى؟‬
‫قالوا والله لو كان هذا قسيسا لنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها‪.‬‬
‫هذا الرجل الذي يقف هذا الموقف الشجاع أمام أعدائه والله يستحق من‬
‫يغسل رجليه ويشرب المرقه‪.‬‬
‫فخجل السلطان وأطرق وأمر بإطلق العز أبن عبد السلم‪.‬‬
‫العالم يجب أن يكون صاحب مواقف شجاعة يا أخوان‪.‬‬
‫الخضر الحسين شيخ الزهر‪ ،‬عندما كانت للزهر مكانة وقوة‪.‬‬
‫عندما تولى محمد نجيب الثورة في مصر‪ ،‬قام وقال‪:‬‬
‫سنساوي الرجل بالمرأة‪.‬‬
‫فما الذي حدث؟ ما الذي حدث؟‬
‫اتصل به الخضر حسين وقال له‪:‬‬
‫أسمع إما أن ترجع عن قولك وإل سوف أنزل غدا وأنا لبس كفني ومعي‬
‫جميع الزهريين إلى الشوارع فإما الحياة وإما الموت‪.‬‬
‫فجاءه محمد نجيب وجاءته الوزارة يقولون‪:‬‬
‫يا شيخنا‪ ،‬يا إمامنا نحن نعتذر لك الن والكلم كان خطأ‪.‬‬
‫قال ل‪ ..‬ل تعتذروا لي بل اعتذروا أمام العامة‪.‬‬
‫قالوا صعب أن نعتذر أمام العامة‪.‬‬
‫قال ل يوجد خيار إما أن تعتذر أنت يا محمد نجيب أمام الناس وإل سأنزل‬
‫للشارع وأنا لبس كفني‪.‬‬
‫فخرج من الغد محمد نجيب وقال الصحافة كذبت علي‪ ،‬أنا لم أقل شيئا‪.‬‬
‫هكذا يكون العالم‪ ..‬إذا السلطان الحقيقي هو العالم‪.‬‬
‫بهذا نحمي أنفسنا أيها الخوة وهو السلوب الول لحماية أعراض العلماء‪.‬‬
‫‪ /2‬ما هو الواجب علينا اتجاه علمائنا ؟‬
‫الواجب علينا اتجاه علمائنا ما يلي‪:‬‬
‫* أن نحفظ للعلماء مكانتهم ودورهم في قيادة المة وأن نتأدب معهم‪.‬‬
‫انظروا إلى آداب طالب العلم كما قال السلف‪:‬‬
‫يقول العراقي‪:‬‬
‫)ل ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك‪ ،‬وكان إبراهيم‬
‫والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء(‪.‬‬
‫وقال أبن الشافعي‪:‬‬
‫)ما سمعت أب ناظر أحدا قط فرفع صوته(‪.‬‬
‫وقال يحيى أبن معين‪:‬‬
‫)الذي يحدث في البلد وفيها من أولى منه بالتحديث فهو أحمق(‪.‬‬
‫وقال الصعلوكي‪:‬‬
‫)من قال لشيخه لما؟ على سبيل الستهزاء لم يفلح أبدا(‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتأدب أبن عباس مع عمر رضي الله عنهما حيث مكن سنة يريد أن يسأله‬
‫عن مسألة من مسائل العلم فلم يفعل‪.‬‬
‫وقال طاووس ابن كيسان‪:‬‬
‫) من السنة أن يوقر العالم(‪.‬‬
‫وقال الزهري‪:‬‬
‫ة يماري أبن عباس فحرم بذلك علما كثيرا(‪.‬‬ ‫)كان سلم َ‬
‫وقال البخاري‪:‬‬
‫) ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى ابن معين(‪.‬‬
‫وقال المغيرة‪:‬‬
‫)كنا نهاب إبراهيم كما نهاب المير(‪.‬‬
‫وقال عطاء ابن أبي رباح‪:‬‬
‫)إن الرجل ليحدثني بالحديث‪ ،‬فأنصت له كأني لم أسمعه أبدا وقد سمعته‬
‫قبل أن يولد(‪.‬‬
‫قال الشافعي‪:‬‬
‫) ما ناظرت أحدا قط إل وتمنيت أن يجري الله الحق على لسانه(‪.‬‬
‫وذكر أحد العلماء‪ ..‬يا شباب استمعوا إلى هذه القصة‪:‬‬
‫ذكر أحد العلماء عند المام أحمد أبن حنبل وكان متكئا ً من علة أي مريض‬ ‫) ُ‬
‫فاستوى جالسا وقال ل ينبغي أن يذكر الصالحون فنتكئ (‬
‫وقال الجزري‪:‬‬
‫)ما خاصم ورع قط(‪.‬‬
‫الدب مع العلماء‪.‬‬
‫* أن نعلم أنه ل معصوم إل من عصمه الله وهم النبياء والملئكة‪.‬‬
‫ما فيه أحد معصوم يا أخوان‪ ،‬ما فيه أحد ما يخطئ‪.‬‬
‫قال المام سفيان الثوري‪:‬‬
‫)ليس يكاد يفلت من الغلط أحد(‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪:‬‬
‫)ومن يعرى من الخطأ والتصحيح(‪.‬‬
‫وقال الترمذي‪:‬‬
‫)لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الئمة مع حفظهم(‪.‬‬
‫وقال ابن حبان‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫) وليس من النصاف ترك حديث شيخ ثبت صحة عدالته بأوهام يهم في‬
‫روايته‪ ،‬ولو سلكنا هذا المسلك ُترك حديث الزهري‪ ،‬وجريج‪ ،‬والزهري‪،‬‬
‫وشعبة لنهم أهل حفظ وإتقان ولم يكونوا معصومين حتى ل يهنوا في‬
‫رواياتهم(‪.‬‬
‫إذا لماذا نحن يا إخوان نتلمس أخطاء العلماء؟ لماذا‪..‬؟ ما أحد يسلم من‬
‫الخطأ‪.‬‬
‫* أن الخلف منذ عهد الصحابة وإلى أن تقوم الساعة‪.‬‬
‫نعم الخلف منذ عهد الصحابة وإلى أن تقوم الساعة سيبقى الخلف‬
‫)ول يزالون مختلفين إل من رحم ربك ولذلك خلقهم(‪.‬‬
‫فطبيعي وجود قضية الخلف يا إخوان‪.‬‬
‫* أن نفوت الفرصة على العداء وأن ننتبه إلى مقاصدهم وأغراضهم وندافع‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن علمائنا‪.‬‬
‫* أن نحمل علمائنا على المحمل الحسن‪ ،‬ول نسيء الظن فيهم حتى ولو لم‬
‫نأخذ بأقوالهم‪.‬‬
‫وأريد أن أوضح يا إخوان أننا لسنا ملزمين بأخذ كل أقول العلماء‪ ..‬ل‪.‬‬
‫يا أحباب هناك فرق كبير بين أن نأخذ بقول عالم وبفتوى العالم‪ ،‬وبين‬
‫التجريح في شخصه‪.‬‬
‫نحن لسنا ملزمين أن نأخذ بفتوى العالم إذا كان هناك دليل يخالفها‪،‬‬
‫الشافعي وغير الشافعي يقول‪:‬‬
‫)إذا صح الحديث فهو مذهبي(‪.‬‬
‫لسنا ملزمين‪ ،‬ولكن هل يعني أنه إذا لم نأخذ بقوله أن نجرحه ونتكلم في‬
‫عرضه؟ ل‪.‬‬
‫قال عمر رضي الله عنه‪:‬‬
‫)ل تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوء وأنت تجد لها في الخير‬
‫محمل(‪.‬‬
‫أن ننتبه إلى أخطائنا وعيوبنا‪ ،‬وننشغل بها عن عيوب الناس عامة وأخطاء‬
‫العلماء خاصة‪.‬‬
‫يا واعظ الناس قد أصبحت متهما إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها‬
‫وأعظم الثم بعد الشرك نعلمه في كل نفس عماها عن مساويها‬
‫عرفنها بعيوب الناس تبصرها منهم ول تبصر العيب الذي فيها‬
‫أقول لمن يتحدث في أعراض العلماء وينسى نفسه ‪:‬‬
‫كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل‬
‫يا ناطح الجبل العالي ليكلمه أشفق على الرأس ل تشفق على الجبل‬
‫أشفق على الرأس ل تشفق على الجبل‪ ،‬قد يقصر العالم‪ ،‬ولكن هل يعني أنه‬
‫إذا قصر نترك علمه وعمله‪.‬‬
‫أعمل بعلمي وإن قصرت في عملي ينفعك علمي ول يضررك تقصيري‬
‫تقصيري علي‪ ،‬وهذا ما يجب علينا اتجاه علمائنا‪.‬‬
‫‪ /3‬وهي مهمة جدا كيف نبين الحق دون أن نقع في علمائنا؟‬
‫وهذا بيت القصيد‪ ،‬إذا أخطأ العالم فكيف نستطيع أن نبين خطأ العالم دون‬
‫أن نقع في عرضه؟‬
‫لنه اختلط المر على الناس‪ ،‬فإما السكوت حتى على الخطأ‪ ،‬أو النيل من‬
‫العلماء‪.‬‬
‫فاللبس الموجود الن أنه إذا قام أحد العلماء أو أحد طلب العلم وبين الحق‬
‫بدليله قالوا‪:‬‬
‫قف أنت تحدثت بأعراض العلماء‪ ،‬أنت تنتقص العلماء‪ ،‬أنت تحدث فتنة بين‬
‫العلماء‪.‬‬
‫والجانب الخر أنه كلما تحدث العلماء بكلمة بدأ الطعن فيهم‪ ،‬العلماء فيهم‪،‬‬
‫والعلماء فيهم‪ ،‬والعلماء فيهم‪ ..‬ل يا إخوان‪.‬‬
‫إذا ما هو المنهج الذي نجمع فيه بين بيان الحق وعدم اللتزام بالفتوى إل إذا‬
‫كانت وفق الدليل دون أن نقع في أعراض علمائنا؟‬
‫يتحقق ذلك وفق النقاط التالية‪:‬‬
‫* التثبت من صحة ما ينسب إلى العلماء‪ ،‬فقد تشاع أقول لغراض ل تخفى‪.‬‬
‫ليس كل ما ينسب إلى العلماء صحيح‪ ،‬أول يجب أن نتثبت هل ما قاله العالم‬
‫صحيح أو غير صحيح‪ ،‬وكم استمعنا لقوال نسبت إلى كبار علمائنا‪ ،‬ولما ذهبنا‬
‫إليهم قالوا والله كذب ما قلنا شيء‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تجد بعض الناس في المجلس‪ :‬الشيخ فلن قال‪ ،‬الله يهديه وفيه وفيهِ وفيه‪.‬‬
‫ماذا قال؟ قال كذا‪ ،‬تذهب وتسأل العلم يقول والله ما قلت شيء‪.‬‬
‫فأول يجب التثبت هل العالم قال أو ما قال‪.‬‬
‫* أن هناك فرق عظيم جدا بين رد القوال ومناقشتها والصدع بالحق‪،‬‬
‫والطعن في العلماء‪.‬‬
‫فرق كبير جدا‪ ،‬فرق بين عدم الخذ بالقول وعدم الخذ بالفتوى والرد على‬
‫الفتوى وبين الطعن في العلماء‪ ،‬فرق كبير جدا‪.‬‬
‫يجوز لنا أن نبين الحق‪.‬‬
‫يجوز لنا أن ل نأخذ بالفتوى إن لم توافق الدليل‪.‬‬
‫ولكن ل يجوز لنا الطعن في العلماء‪.‬‬
‫* أن يقصد المتحدث بكلمه وجه الله جل وعل‪.‬‬
‫الخلص يا إخوان‪ ،‬أن يقصد وجه الله جل وعل والدار الخرة‪ ،‬وأن يحذر من‬
‫الغراض العارضة كالهوى والتشفي وحب الظهور‪.‬‬
‫إذا اضطر أحدنا لقول كلمة الحق ومواجهة العلماء فليتقي الله جل وعل‪:‬‬
‫)فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل صالحا ول يشرك بعبادة ربه أحدا(‪.‬‬
‫أن يخلص لله حتى يقبل منه‪ ،‬وينتبه أنه أحيانا قد يكون رده فعل لله‪ ،‬لكن‬
‫يدخل أعرض بعد ذلك كحب الظهور‪ ،‬فرصة أن فلن يرد على العلماء‪ ،‬يأتيه‬
‫الشيطان‪ ،‬فليحذر من هذه العراض‪.‬‬
‫التشفي‪ ،‬بعض الناس إذا سمع أن أحد العلماء أخطأ سارع بنشر هذا الخطأ‪،‬‬
‫ل‪.‬‬
‫فلننتبه للخطاء العارضة‪ ،‬فعلى من يتولى الرد على العلماء أو على أقوال‬
‫العلماء بعبارة أدق أن يكون مخلصا لله جل وعل‪.‬‬
‫* النصاف والعدل‪.‬‬
‫يا إخوان اعدلوا مع علمائكم‪ ،‬يجب النصاف مع العلماء‪ ،‬ابن تيمية رحمه الله‬
‫يقول‪:‬‬
‫)أهل السنة أعدل مع المبتدعة من المبتدعة بعضهم مع بعض(‪.‬‬
‫يعني الن إما نأخذ كل ما قاله العلم أو نرد كل ما قاله ؟؟؟ إما أنه أسود أو‬
‫أبيض‪.‬‬
‫أين النصاف ؟‬
‫)ول يجرمنكم شنآن قوم على أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله‬
‫إن الله خبير بما تعملون(‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ويتضمن ذلك الثناء على العالم بما هو أهل له‪.‬‬


‫أيضا عدم التجاوز في بيان الخطأ الذي وقع فيه‪.‬‬
‫إذا وقع أحد العلماء في خطأ وأردت أن تبين خطأ العالم‪ ،‬ليست فرصه أن‬
‫تتناول عرضه في كل شيء‪ ،‬وترجع تبحث عن تاريخه كله من ولد حتى توفي‪.‬‬
‫ل تتجاوز النقطة التي أردت‪ ،‬وإذا أراد أحد أن يسحبك إلى هذا فقل أتق الله‪.‬‬
‫ل تتجاوز‪ ،‬عدم التجاوز في بيان الحق‪ ،‬لن النسان إذا انطلقَ انطلق‪.‬‬
‫العدل والنصاف والثناء عليه بما هو أهل له‪.‬‬
‫* أن نسلك مسلك رجال الحديث في تقويم الرجال‪.‬‬
‫إذا أردنا أن نقوم العلماء‪ ،‬أن نتحدث في العلماء أن نسلك مسلك أهل‬
‫الحديث‪ ،‬ومسلك أهل الحديث فسره العلماء‪ ،‬وأدلكم على رسالة جميلة‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مختصرة صغيرة في حجمها كبيرة في قيمتها تبين لكم هذا المنهج لن الوقت‬
‫الن ل يتسع لشرحه‪ ،‬وهي رسالة بعنوان‪:‬‬
‫منهج أهل السنة والجماعة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم‪ /‬للشيخ أحمد‬
‫الصويان‪.‬‬
‫هذه الرسالة مطبوعة حديثة وموجودة في المكتبات وتعالج منهج أهل السنة‬
‫والجماعة في تقويم العلماء ومؤلفاتهم‪.‬‬
‫إذا علينا أن نسلك منهج أهل الحديث‪.‬‬
‫* أن نعلم أن الخطأ على نوعين‪.‬‬
‫خطأ في الفروع وخطأ في الصول‪ ،‬أما مسائل الفروع فهي مسائل اجتهادية‬
‫يجوز فيها الخلف ول تبرر الحديث في لحوم العلماء‪ ،‬ونبين خطأ العالم في‬
‫هذه المسألة دون التعرض لشخصه‪.‬‬
‫دون أن تعرض لشخصه‪ ،‬إنما نقول أخطأ‪ .‬خالفه الصواب ولكن ل نتعرض‬
‫لشخصه وهذا في المسائل الجتهادية في الفروع‪.‬‬
‫أما مسائل الصول وهي العقيدة‪ ،‬فيبين القول الصحيح ويحذر من أهل البدع‬
‫في الجملة‪ ،‬وينبه إلى خطورة الداعي إلى بدعته دون إفراط ول تفريط‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم كما أسلفنا‪:‬‬
‫) أهل السنة أعدل مع المبتدعة من المبتدعة بعضهم مع بعض(‪.‬‬
‫الله أكبر‪ ،‬أهل السنة أعدل مع المبتدعة أعدل من المبتدعة بعضهم مع بعض‪،‬‬
‫لن المبتدعة أكل في لحوم بعضهم البعض‪ ،‬أما أهل السنة فل‪ ،‬ينصفون حتى‬
‫مع الكفار‪.‬‬
‫إذا كيف بمن أخطأ‪ ،‬إذا كان الخطأ في بدعة فيحذر من البدعة‪ ،‬ويحذر من‬
‫المبتدعة‪ ،‬ويحذر من الداعي إلى بدعته‪ ،‬ويبين خطورة هذا المر‪ ،‬لكن إياك‬
‫أن تتعرض لشخصه‪.‬‬
‫استمعت منذ فترة إلى قصة مؤلمة ومحزنة‪ ،‬أحد الدعاة إلى الله المجاهدين‬
‫في أفغانستان اتهمه بعض الناس في أخطاء في العقيدة‪ ،‬ويا ليتهم اقتصروا‬
‫على بيان أخطائه في العقيدة‪.‬‬
‫والله يا إخوان بدءوا يذكرون قصص له في داخل بيته عن بنته وعن زوجته‬
‫وعن أولده‪.‬‬
‫أيجوز هذا يا إخوان؟ أل نتقي الله جل وعل‪ .‬وهذا موجود في شريط‪..‬‬
‫يا أخي إذا كنت صادقا تريد أن تبين أن هذا العالم أو أن هذا المجاهد وهو‬
‫عالم مجاهد رحمه الله وقع في أخطاء‪ ،‬نحن ل نحجر عليك أن تبين الخطأ‪،‬‬
‫لكن ما دخل ابنته وزوجته وأولده؟‬
‫لماذا التعرض للعلماء بهذا الشكل؟ لماذا؟ لماذا؟‬
‫ل نقول ل تقولوا كلمة الحق‪ ،‬قولوا كلمة الحق‪ ،‬بل نحن نقول ل تسكتوا عن‬
‫كلمة الحق‪ ،‬لكن ل يجوز أن يكون بهذا السلوب يا إخوان‪.‬‬
‫التعرض لشخاصهم والطعن فيهم‪ ،‬أسرارهم البيتية والله نشرت‪.‬‬
‫أيجوز هذا ؟ هل هذا من منهج أهل السنة؟ هل هذا من منهج السلف؟‬
‫إذا هذا هو المنهج‪.‬‬
‫* أخيرا إذا أمكن التصال بمن وقع منه الخطأ‪.‬‬
‫لعله أن يرجع عن خطئه سواء كان في الفروع أو الصول‪ ،‬أقول إذا أمكن‪،‬‬
‫لعله أن يرجع‪.‬‬
‫أليس قصدك الحق؟ ألست تريد بيان الحق؟‬
‫يا أخي دعه هو يرجع‪ ،‬أحسن لك وأحسن للحق‪ ،‬دعه يخرج على المل ويقول‬
‫يا إخوان أنا تراجعت عن قولي‪ ،‬هذا أفضل من أن ترد عليه‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لنك إذا رددت عليه قد يقتنع نصف الناس‪ ،‬ولكن إذا رجع هو سيقتنع كل‬
‫الناس الذين أخذوا بفتواه‪ ،‬لكن بعض الناس يقول ل‪ ..‬بسرعة سأرد عليه‬
‫قبل أن يرجع‪.‬‬
‫إذا أخطأ عالم وجدت من يقول بسرعة أرد عليه قبل أن يرجع‪ ،‬نعم ما يجوز‬
‫هذا‪.‬‬
‫إذا أمكن التصال فيه ومناصحته وتخويفه بالله‪ ،‬يرجع هو إلى الحق‪.‬‬
‫ألست تريد الحق؟ دعه يرجع‪.‬‬
‫هذا ما نريده‪ ،‬وقد تناظر اثنان من العلماء في مسألة من المسائل‪ ،‬كل واحد‬
‫قال قول وخطئه الخر‪ ،‬فاجتمعوا يتناظرون وقالوا ليس هناك داع أن نذهب‬
‫نتخطى أما العامة‪ ،‬تعالوا نتناظر‪.‬‬
‫ما الذي حدث ؟‬
‫عندما انتهت المناظرة كل واحد أخذ بقول الثاني‪ ،‬ورجعوا بقولين آخرين‬
‫يحتاجون إلى مناظرة ثانية لنهم يردون الحق‪ ،‬فلما بين الول أدلته قال الخر‬
‫كلمك صحيح‪ ،‬ولما بين الثاني أدلته قال الول كلمك صحيح‪ ،‬فرجعوا بقولين‪،‬‬
‫لن رائدهم الحق‪.‬‬
‫أل نسلك هذا المنهج ؟؟‬
‫********‬
‫النقطة الخامسة أمور لبد من بيانها‪:‬‬
‫‪ /1‬أننا ل ندعو إلى تقديس الشخاص والتغاضي عن الخطاء أو السكوت عن‬
‫الحق‪.‬‬
‫والخلط في ذلك‪ ،‬فل إفراط ول تفريط‪ ،‬ول غلو ول جفاء‪.‬‬
‫ل أدعو في محاضرتي إلى تقديس العلماء‪ ،‬ل أدعو إلى أنه ل يجوز أبدا أن‬
‫نتحدث عن العلماء في أخطائهم‪ ،‬من فهم هذا فقد أخطأ‪.‬‬
‫لكن بينت لكم المنهج والفرق بين الحديث عن العلماء وأعرض العلماء وبين‬
‫بيان كلمة الحق بالسلوب الذي بينت‪.‬‬
‫‪ /2‬مسألة مهمة جدا حدثت في اليام الماضية‪ ،‬ما هي ؟‬

‫)‪(9 /‬‬

‫دعوى الجماع‪ ،‬وهذه جاءتني أسئلة كثيرة حولها‪:‬‬


‫فلن يخالف الجماع إجماع العلماء‪.‬‬
‫من هو فلن يخالف إجماع العلماء‪ ،‬هذا يحدث فتنة‪.‬‬
‫يا إخوان الجماع ليس بالمر البسيط‪ ،‬هناك فرق كبير بين الجماع والجتماع‪.‬‬
‫الجماع كما بينه العلماء أن يجمع علماء المة المعتبرون على مسألة من‬
‫المسائل ولو خالف واحد لم ينعقد الجماع‪.‬‬
‫يجتمع خمسمائة‪ ،‬ستمائة ونقول هذا إجماع الئمة‪ ،‬من قال أن هذا إجماع‬
‫المة؟‬
‫فرق بين الجماع والجتماع‪ ،‬ولذلك انتبهوا‪ ،‬ارجعوا إلى أصول الفقه‪ ،‬ونقرأ ما‬
‫في أصول الفقه حتى ل نأخذ المور خطئ‪.‬‬
‫الجماع له شروط‪ ،‬الجماع له ضوابط‪ ،‬الجماع ليس إجماع علماء بلد فقط‬
‫بل هو إجماع علماء المة جميعا‪ ،‬وإذا خالف واحد من العلماء المعتبرين في‬
‫شرق الرض أو مغربها لم ينعقد الجماع‪.‬‬
‫ولذل قال بعض العلماء أن الجماع لم ينعقد بعد الصحابة‪ ،‬لنه صعب جدا أن‬
‫ينعقد الجماع‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واحد أرسل لي ورقة يقول لي أن فلنا خال إجماع المة‪ ،‬مع أن العلماء‬
‫أجمعوا وزيادة‪.‬‬
‫طّيب‪ ..‬بارك الله فيك نحن نعرف إجماع العلماء فما هي الزيادة؟‬
‫أنا والله ما قرأت ل في كتب الفقه ول أصول الفقه الزيادة‪.‬‬
‫نعم كذا كتبها أن العلماء أجمعوا وزيادة على المسألة الفلنية وخلف فلنا‬
‫وفلنا‪.‬‬
‫طّيب‪ ..‬فقهنا إجماع العلماء فأين الزيادة ؟ الزيادة كالنقص‪.‬‬
‫فيجب أن تفهم هذه الضوابط‪ ،‬ومن هذه الضوابط أن إجماع علماء بد ليس‬
‫إجماع‪.‬‬
‫ثم ناحية أخرى أن العبرة ليست بالكثرة أو القلة‪ ،‬العبرة بالحق‪.‬‬
‫‪ /3‬أن بعض العلماء قد يفتون بفتوى لها أسبابها‪ ،‬فيأتي آخرون ويخالفون هذه‬
‫الفتوى‪.‬‬
‫ثم يبدأ الطعن في المخالف ويتهم بتهم باطلة كالفتنة وحب الخلف وحب‬
‫الظهور وقلة العلم وهلم جرا‪ ،‬فعلينا أن ننتبه أنه قد يقوم العلماء ويفتون‬
‫بفتوى‪.‬‬
‫يأتي بعض طلب العلم ويخالفون هذه الفتوى‪ ،‬فيبدأ الطعن في هذا العالم‬
‫المخالف‪ ،‬يبدأ الطعن بالمخالفين‪ ،‬من أنت حتى تخالف؟ أنت تحب الفتنة‪،‬‬
‫ت أنت‪.‬‬ ‫أن َ‬
‫ولذا علينا أن ننتبه إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أنه كل يأخذ من قوله ويرد إل رسول الله )صلى الله عليه وسلم( وما جاء‬
‫به‪.‬‬
‫َ‬
‫أن المخالفِين علماء يجب احترامهم وتقديرهم‪ ،‬والمخالفين علماء أيضا‪.‬‬
‫لماذا حرام الحديث عن هؤلء وحلل الحديث في هؤلء ؟‬
‫فين ول‬ ‫ل يجوز الحديث ل في أعراض هؤلء ول في أعراض هؤلء‪ ،‬ل المخال ِ‬
‫المخا ََلفين‪.‬‬
‫‪ -‬أننا نعرف الرجال بالحق ول نعرف الحق بالرجال‪.‬‬
‫‪ -‬أن نتثبت من صحة الفتوى واكتمال شروطها عند الموافقين والمخالفين ‪،‬‬
‫المهم من صحة الفتوى‪ ،‬أما من أين جاءت فل يهم‪ .‬المهم هل الفتوى التي‬
‫صدرت من هذا العالم أو ذاك مكتملة الشروط أم ل‪.‬‬
‫‪ -‬أن مسائل الجتهاد يجوز فيها الخلف‪ ،‬فلماذا يا إخوان تضيق أنفسنا‬
‫بالخلف؟ صحابة رسول الله )صلى الله عليه وسلم( اختلفوا‪.‬‬
‫عندما أرسلهم الرسول إلى بني قريظة اختلفوا‪.‬‬
‫اختلفوا بعد رسول الله )صلى الله عليه وسلم( لكن ما أدى بهم ذلك إلى‬
‫الفتنة وإلى طعن بعضهم في بعض‪.‬‬
‫‪ -‬النقطة الخيرة في هذه المسألة أن مجرد المخالفة ليس خطأ‪.‬‬
‫ول عبرة للصغر والكير هنا إذا توافرت الشروط‪ ،‬ما يأتينا واحد يقول هذا‬
‫عالم صغير خالف العالم الكبير‪،‬ل‪ ..‬ل‪ ،‬هذا ما فيه عبرة‪.‬‬
‫العلماء قديما وحديثا الصغير يخالف الكبير وقد يكون الحق مع الصغير في‬
‫سنة‪ ،‬السن ل قيمة له هنا‪ ،‬فالعبرة بتوافر شروط الفتوى وأسباب الفتوى‪.‬‬
‫الشيخ عبد العزيز في حياة الشيخ محمد ابن إبراهيم )رحمهم الله( أفتى‬
‫بفتوى خالف بها الشيخ محمد‪ ،‬وما قال له الشيخ محمد من أنت حتى‬
‫تخالفني‪.‬‬
‫وما قال له الناس من أنت حتى تخالف الشيخ محمد‪ ،‬أو تخالف العلماء‪.‬‬
‫مع أن الراجح هو قول الشيخ عبد العزيز رحمه الله‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبن تيمية خالف علماء بلده‪ ،‬وثبت أن الحق معه رحمه الله‪.‬‬
‫ل عبرة بالصغير والكبير في هذه المسائل‪ ،‬العبرة بمن معه الدليل صغر أو‬
‫كبر‪.‬‬
‫********‬
‫النقطة السادسة لماذا تبرز أخطاء العلماء أكثر من غيرهم‪:‬‬
‫السبب بسيط جدا أن الثوب البيض الناصع لو وجد فيه نقطة سوداء تبين من‬
‫مسافة بعيدة‪.‬‬
‫العلماء كالثوب البيض أي نقطة سواد تبين فيهم‪ ،‬فل نستغرب أن تبرز‬
‫أخطاءهم‪.‬‬
‫أما غيرهم فكالثوب السود لو تضع عليه فحم أو شحما ما بان‪.‬‬
‫ولذلك نحن في الصيف الواحد منا يستبدل ثوبه كل يومين أو ثلثة ثوب‬
‫أبيض‪ ،‬بينما في الشتاء قد يجلس الثوب أسبوعين أو ثلثة مع أن الوسائل‬
‫التي قد تغير الثوب في الشتاء أكثر من الصيف‪.‬‬
‫ولكن الثوب السود ل يبين فيه شيء‪.‬‬
‫فالعلماء كالثوب البيض تبرز أخطاءهم ولو هي صغيرة جدا‪.‬‬
‫فعلى العلماء أن ينتبهوا إلى هذه النقطة كما ننتبه لثيابنا‪ ،‬فكل واحد قبل أن‬
‫يخرج يتفقد ثوبه‪ ،‬بل ول يكتفي بل يسأل أهله النظر إلى ثوبه من الخلف هل‬
‫به شيء‪.‬‬
‫يتفقد أعماله‪ ،‬وعلى الخرين أيضا أن ل يضخموا هذه القضايا‪ ،‬أما غيرهم فل‬
‫يبين فيهم شيء مهم كبر‪ ،‬فحم أو سواد أو زيت ل يبين فيهم شيء‪.‬‬
‫********‬
‫النقطة السابعة نحذر من المدح بما يشبه الذم‪:‬‬
‫يأتي يمدح الشيخ فلن فيقول‪:‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫الشيخ فلن ما شاء الله‪ ،‬فيه وفيه…‪ .‬لكن‪ ،‬ثم حط بعد لكن!!‬
‫يقدم له مدحا ربما لمدة خمس دقائق ومن ثم كلمتين فقط يدخلهما‪ ،‬وهذا‬
‫هو قصده‪.‬‬
‫فأنبه إلى خطورة هؤلء‪ ،‬وأن يخوفوا بالله عجل وعل‪.‬‬
‫الذم بما يشبه المدح كما تكلم البلغيون‪.‬‬
‫********‬
‫النقطة الثامنة أن من أساء الدب مع العلماء سيلقى جزاءه عاجل أو آجل‪:‬‬
‫وقال لمام الذهبي في ترجمة أبن حزم‪:‬‬
‫)وصنف كتبا كثيرا وناظر عليها وبسط لسانه وقلمه‪ ،‬ولم يتأدب مع الئمة في‬
‫الخطاب بل فجج العبارة‪ ،‬وسب وجدع فكان جزاءه من جنس فعله بحيث‬
‫أعرض عن تصانيفه جماعة من الئمة وهجروها ونفروا منها أحرقت في‬
‫وقته(‪.‬‬
‫وما نراه من الواقع المشاهد أن من يسب العلماء يسقط من أعين العامة‬
‫والخاصة‪.‬‬
‫ويقول الحافظ ابن رجب‪:‬‬
‫)والواقع يشهد بذلك‪ ،‬فإن من سبر أخبار الناس وتواريخ العالم وقف على‬
‫أخبار من مكر بأخيه فعاد مكره عليه‪ ،‬وكان ذلك سببا لنجاته وسلمته أي‬
‫الممكور فيه(‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫********‬
‫النقطة التاسعة وهي وقفة أوجهها للعلماء وطلب الذين يبتلون بهذه البلوى‪:‬‬
‫فأقول عليهم بالصبر وأن يتقوا الله جل وعل‪.‬‬
‫وليعلموا أنهم ليسو أفضل من النبياء والرسل‪.‬‬
‫ورسولنا )صلى الله عليه وسلم( ما سلم من الكلم في عرضه‪ ،‬بل حتى في‬
‫داخل بيته )صلى الله عليه وسلم( في قضية الفك وغيرها‪ ,‬فلهم أسوة‬
‫وقدوة برسولنا )صلى الله عليه وسلم(‪ ،‬وليعلموا أن العاقبة للمتقين‪.‬‬
‫فهذا يوسف يقول الله عز وجل عنه‪:‬‬
‫)قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله ل‬
‫يضيع أجر المحسنين(‬
‫وعن موسى يقول الله عز وجل‪:‬‬
‫)قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الرض لله يورثها من يشاء من‬
‫عباده والعاقبة للمتقين(‪.‬‬
‫ويقول سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫)ول يحيق المكر السيء إل بأهله(‪.‬‬
‫وصدق من قال‪:‬‬
‫ولست بناجي من مقالة طاعن ولو كنت في غار على جبل وعر‬
‫ومن الذي ينجو من الناس سالما ولو غاب عنهم بين خافيتي نسر‬
‫********‬
‫النقطة العاشرة والخيرة أقول للمتحدثين في العلماء‪:‬‬
‫اتقوا الله‪ ،‬توبوا إلى الله‪ ،‬انيبوا واثنوا على العلماء بمقدار غيبتكم لهم‪ ،‬وأقول‬
‫لهم العاقبة للمتقين وأنتم الخاسرون‪:‬‬
‫كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل‪.‬‬
‫يا ناطح الجبل العالي ليكلمه أشفق على الرأس ل تشفق على الجبل‬
‫والعالم عالي‪.‬‬
‫فأقول‪:‬‬
‫اتقوا الله واحفظوا لعلمائكم كرامتهم وقيمتهم‪،‬‬
‫وانتبهوا للمنهج الذي بينته في الحديث عن أخطاء العلماء‪.‬‬
‫أسال الله أن ينفعنا بما علمنا‪ ،‬وأن يجعلنا ممن يستمعون القوا فيتبعون‬
‫أحسنه‪.‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫تم بحمد الله وتوفيقه‪.‬‬
‫………………………………………………………‬
‫أخي الحبيب – رعاك الله‬
‫ل نقصد من نشر هذه المادة القراءة فقط أو حفظها في جهاز الحاسب‪،‬‬
‫بل نأمل منك تفاعل أكثر من خلل‪:‬‬
‫إبلغنا عن الخطأ الملئي أو الهجائي كي يتم التعديل‪.‬‬
‫‪ -‬نشر هذه المادة في مواقع أخرى على الشبكة‪.‬‬
‫‪ -‬مراجعتها ومن ثم طباعتها وتغليفها بطريقة جذابة كهدية للحباب‬
‫والصحاب‪.‬‬
‫‪ -‬في حال إمكان ذلك الستاذان من الشيخ لتبني طباعتها ككتيب يكون‬
‫صدقة جارية لك‪.‬‬
‫أخي الحبيب ل تحرمنا من دعوة صالحة في ظهر الغيب‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من خلل اقتراحاتك وتوجيهاتك لخيك يمكن أن تساهم في هذا العمل‬


‫الجليل‪.‬‬
‫اللهم اجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكريم‪.‬‬
‫للتواصل‪:‬‬
‫أخوكم البوراق ‪anaheho@maktoob.com /‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫لخطاب السلمي التربوي بين الحظر والتخويف‬


‫د‪.‬عبدالله بن ناصر الصبيح * ‪8/4/1424‬‬
‫‪08/06/2003‬‬
‫"الخطاب التربوي الوعظي" سواء كان في شريط أو كتيب‪ ،‬وسواء كان‬
‫خطبة أو محاضرة؛ استفاد منه كثيرون فتعلموا منه بعض ما جهلوه من دين‬
‫الله عز وجل‪ ،‬وقرب لهم ماخفي عليهم من علوم السلم وتاريخ المة‪،‬‬
‫فجعلها ميسرة سهلة المأتى‪ .‬ولكن يلحظ على بعض المتحدثين أو الواعظين‬
‫ملحظتان ‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أنهم ضيقوا مساحة المباح في حديثهم‪ ،‬ووسعوا من دائرة المحظور‬
‫فصار ل فعل يباح عندهم إل بدليل‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أنهم بالغوا في التحذير من المعصية‪ ،‬حتى أنساهم ذلك سعة رحمة‬
‫الله عزوجل‪ ،‬وعظيم عفوه‪ ،‬وشفقته على عباده‪.‬‬
‫ومن مبالغة بعضهم في التحذير‪ :‬أنه استجلب ما ل يصح من القصص‬
‫والخبار‪ ،‬وبحث عن الغرائب‪ .‬والبحث عن الغرائب كما هو معروف مدعاة‬
‫للكذب من حيث يشعر المرء أو ل يشعر‪.‬‬
‫ومن المبالغات أن بعضهم رتب على صغائر الذنوب فظائع العقوبات ردعا‬
‫للعامة‪ .‬وربما كان هذا مجديا مع البعض ولكنه ليس مجديا مع آخرين‪ ،‬وأهم‬
‫من ذلك أنه مخالف لسنة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الذي كان يضع‬
‫الخطأ في حجمه الطبيعي‪.‬‬
‫و هذا السلوب الدائر بين الحظر والتخويف –فقط‪ -‬نتج عنه أمور منها‪ :‬أنه‬
‫أعاد صياغة بعض أذهان الشباب بما ليتفق مع سماحة السلم وعفويته‪،‬‬
‫هم أحدهم التنقير عما يظنه من المحظورات‪ ،‬واستصدار فتاوى‬ ‫فصار ّ‬
‫المفتين فيها منعا وتحريما‪ ،‬وربما كان ما منعه يقع في دائرة المباح‪ .‬ول شك‬
‫أن هذا من الفراط الذي يذمه الله ورسوله ‪ ،‬ومن حرم شيئا مما أباح الله‬
‫عزوجل لعباده كان كمن أباح شيئا مما حرمه الله سبحانه‪.‬‬
‫وهذا الخلل ليقتصر على صاحبه‪ ،‬بل يتعداه إلى غيره في صورة فعل‬
‫اجتماعي ينافي الصواب‪ ،‬وفي صورة صراع اجتماعي حول المباح والممنوع‪،‬‬
‫وفي صورة خلل علمي ومعرفي يختزل الخلف الفقهي‪ ،‬ويلغي المعتبر منه‬
‫ويسيء الظن بمن أخذ به لنه لم يتفق مع رأي الواعظ‪.‬‬
‫ومنها أن هذا الخطاب ربما نتج عنه سوء ظن البعض بدين الله عزوجل‪ ،‬حيث‬
‫يرى أن الشريعة الطاهرة المبرأة من كل نقص عاجزة عن مستجدات‬
‫الحياة‪ ،‬وعن تقديم حلول عملية لما يعانيه الناس من شؤون حياتهم‪.‬‬
‫ومنها أن بعض الشباب ‪ -‬لما ضيقت عليه سبل المباح وألجم بالخوف‪ -‬نفر‬
‫من دين الله سبحانه فبعضهم تذرع بالشك‪ ،‬وآخرون تلبسوا بالتمرد‪ ،‬وصاحب‬
‫ذلك نفور من كل ذي دين‪ .‬وما بهؤلء النفرة من دين الله سبحانه‪ ،‬ولكنه‬
‫الجهل في الخطاب الذي أودى بهم إلى هذا السبيل‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد تحدث معي بعض هؤلء الشباب فاستمعت إلى حديثهم‪ ،‬وكنت أجد‬
‫أحدهم ربما بكى من خشية الله‪ ،‬ولكن الخطاب الذي سد عليه المنافذ جعله‬
‫يسلك غير الجادة‪ ،‬وينفر كالجمل الشرود ليلوي على شيء‪.‬‬
‫وبعض هؤلء لما حدثته عن سعة رحمة الله‪ ،‬وشفقته بعباده حتى أولئك الذين‬
‫عصوه‪ ،‬بعضهم دمعت عيناه واستعبر‪ ،‬وكان كمن يسمع ذلك أول مرة‪.‬‬
‫إننا بحاجة إلى أن نعيد صياغة خطابنا التربوي بما يتفق مع فطرة السلم فل‬
‫يكون خطابنا سببا في إيقاعهم في الحرج‪.‬‬
‫إن الله عزوجل خلق النسان ذا فطرة سليمة متوازنة‪ ،‬والفكار التي نتلقاها‬
‫تسهم في نضج الفطرة‪ ،‬أو في انحرافها وتشوهها‪ .‬ومن مسؤوليات الخطاب‬
‫التربوي المحافظة على الفطرة وإنضاجها‪ ،‬ولكن حينما يكون الخطاب نفسه‬
‫مشوها قاصرا عن حقيقة الفطرة فإن نتيجته سوف تكون تشويها للفطرة‪.‬‬
‫تأمل حديث الفطرة الذي يقول فيه الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪":-‬كل‬
‫مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"‪ ،‬تأمل كيف‬
‫كان خطاب البوين وتنشئتهما المنحرفة جعلت من المولود منحرفا في دينه‪،‬‬
‫وكذلك الخطاب التربوي قد يحرف الناشيء عن السلم الصحيح‪.‬‬
‫إن من يتأمل السنة يعجب من العمال الكثيرة التي ورد النص عليها بأنها‬
‫تكفر الخطايا والذنوب بالجملة‪ ،‬فالوضوء و أداء الصلة في جماعة يكفر‬
‫الذنوب‪،‬وأداء صلة الجمعة يكفر ما بين الجمعتين وصيام يوم عرفة يكفر‬
‫خطايا سنتين كاملتين وغير ذلك كثير‪ .‬إن المعنى العظيم الذي تغرسه هذه‬
‫النصوص في نفس المسلم هو أنه في كنف الله ورعايته وأنه مشمول‬
‫برحمته ما أقبل عليه‪ ،‬حتى وإن عصاه عزوجل‪ .‬والرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬قرب هذا المعنى لصحابته في صورة فريدة فقال لهم وقد رأى امرأة‬
‫تحتضن ولدها وترضعه‪ ":‬أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قالوا‪ :‬ل‬
‫و الله! فقال‪" :‬لله أرحم بعباده من هذه بولدها"‪).‬رواه البخاري ومسلم(‪.‬‬
‫إن الحديث عن عظمة الله ينشىء التقوى في القلب‪ ،‬وإذا تأملت سورة‬
‫الخلص لتجد فيها ذكرا لثواب أو عقاب وإنما تجد فيها عظمة الله سبحانه‬
‫ووحدانيته واستغناءه عن خلقه‪ .‬وهذا المعنى في سورة الفاتحة واضح جلي‬
‫فهو عزوجل الرحمن الرحيم وهو رب العالمين‪ ،‬وهذا المعنى يتكرر على قلب‬
‫المسلم وسمعه في كل ركعة من ركعات صلته في اليوم والليلة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومع العناية بهذه المعاني العظيمة في الخطاب التربوي فإن مما ينبغي التنبه‬
‫له أل يكون خطابنا كالخطاب المسيحي ليتحدث إل عن المحبة فقط ويغفل‬
‫جانب العقوبة فالله سبحانه إنما ُيعبد بالحب والخشية معا‪.‬‬
‫وهذا الخطاب المتوازن هو الذي ينشئ نفسا متوازنة مستقيمة الفطرة‪.‬‬
‫واستجابة الناس للخطاب التربوي تتباين فمنهم من يبعد ومنهم من يقرب‪،‬‬
‫ومهمة الخطاب التربوي أل يقيم العزلة مع من نفروا‪ ،‬ول يدخل اليأس في‬
‫قلوب من قصروا‪ ،‬بل يحتوي الجميع‪ ،‬ويشعرهم برحمة الله عزوجل‪ ،‬مستمرا‬
‫في خطابهم مبلغا إياهم دين الله سبحانه‪.‬‬
‫وخطابنا التربوي المعاصر ربما كان قصير النفس‪ ،‬يجنح إلى التصنيف‪،‬‬
‫ومفاصلة المخالفين‪ ،‬وإنزالهم منزلة الرافضين لصل الخطاب المناوئين‬
‫للتوحيد‪ .‬وهذا من بذورالفشل الذاتية التي تعيق الخطاب وتحول بين القلوب‬
‫وبينه‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في موقعة القادسية كان من ضمن جيش الفتح السلمي )أبو محجن( ‪،‬‬
‫وماأدراك من أبو محجن! أبو محجن رجل حده عمر رضي الله عنه في الخمر‬
‫في سنة واحدة سبع مرات كما يقول ابن كثير‪ ،‬ومع ذلك خرج مع جيش‬
‫المسلمين ينصر الله ورسوله‪ ،‬فشرب الخمر في الجيش فسجنه سعد رضي‬
‫الله عنه‪ .‬ولما دارت المعركة وحمي وطيسها شعر أن المعركة تعنيه‪ ،‬وأن‬
‫واجبه نصرة دين الله حتى وإن كان هذا الدين هو الذي سجنه‪ ،‬وقال متحسرا‬
‫متشوقا للجهاد‪:‬‬
‫كفى حزنا أن تدحم الخيل بالقنا ‪... ...‬‬
‫ي وثاقيا‬ ‫ُ‬
‫و أترك مشدودا عل ّ‬
‫إذا قمت عناني الحدي وأغلقت ‪... ...‬‬
‫مصارع من دوني تصم المناديا‬
‫ه وتعيره فرس سعد‪ ،‬وحلف لها‬ ‫ق ُ‬ ‫ْ‬
‫ودعا أبو محجن زوجة سعد‪ ،‬وسألها أن ت ُطل ِ َ‬
‫إن سلمه الله أن يرجع في آخر النهار ويضع رجله في القيد‪ ،‬ففعلت وخرج‬
‫وقاتل قتال شديدا ثم رجع في آخر النهار‪ ،‬ووضع رجله في القيد كما وعد‬
‫رضي الله عنه وأرضاه‪ ،‬ولما علم سعد أطلقه وما حده‪ ،‬وقال له اذهب‪ ،‬فقال‬
‫أبو محجن‪ :‬والله ل أشربها أبدا‪.‬‬
‫وفي رواية أوردها الطبري أن أبا محجن ماشرب الخمر بعد إسلمه قط‪،‬‬
‫ولكنه كان صاحب شراب في الجاهلية‪ ،‬وهو شاعر ربما تغنى بالخمر ولذلك‬
‫حبسه سعد‪ ،‬ومن شعره في الخمر قوله‪:‬‬
‫إذا مت فادفني إلى أصل كرمة ‪... ...‬‬
‫تروي عظامي بعد موتي عروُقها‬
‫ول تدفنني بالفلة فإنني ‪... ...‬‬
‫أخاف إذا ما مت أل أذوقها‬
‫أبو محجن هو أحد الذين تأثروا بالخطاب التربوي في عصر الصحابة‪ ،‬بل هو‬
‫أحد مخرجاته‪ ،‬وقد قررنا من قبل أن مخرجات الخطاب لبد أن تتفاوت‪ .‬ومع‬
‫أن أبا محجن كان مغرما بالخمر ليصبر عنها وجلد بسببها عدة مرات أو أنه‬
‫تغنى بها في شعره إل أنه لم يتخل عن النتماء لهذا الدين فنصره بنفسه‬
‫وماله‪ .‬والخطاب التربوي لم يقس عليه فيقصيه‪ ،‬بل أفسح له المجال للجهاد‬
‫وهو على ماهوعليه من شرب الخمر أو التغني بها‪.‬‬
‫ومن يعيش في أجواء خطابنا التربوي المعاصر ل يفتأ من العجب من أبي‬
‫محجن الذي لم تلحقه حمية الجاهلية والنتصار للنفس‪ ،‬فيحارب هذا الدين‬
‫الذي جلده عدة مرات أو سجنه على التغني بالخمر‪ ،‬ول يفتأ من العجب من‬
‫المجتمع المسلم الذي لم يناصب أبا محجن العداء فيقصيه كجمل أجرب بل‬
‫رضي بمصاحبته إلى الجهاد وما رأينا مستنكرا لذلك‪ ،‬ول يفتأ من العجب من‬
‫الخطاب التربوي الراشد الذي ما شحن نفوس الناس على أمثال أبي محجن‪،‬‬
‫بل كان يعلم الناس أن الحدود كفارة للذنوب‪.‬‬
‫إن كثيرين في عصرنا بأثر من خطابنا التربوي ربما ضاق بمن اختلف معه‪،‬‬
‫فل يشترك معه في عمل ينصر الدين‪ ،‬وكي يكون للخلف مسوغا تجده يسبغ‬
‫على المخالف أسماء من التصنيف‪ ،‬إما تصم المخالف بالبدعة والضللة أو‬
‫بالكفر أو بالجهل والقصور عن المسؤولية‪.‬‬
‫إن الخطاب التربوي الراشد ينبغي أن يستوعب كل من نطق بالشهادتين‬
‫ويقربهم من دين الله عزوجل بدل من تنفيرهم منه‪.‬‬
‫*أستاذ علم النفس بجامعة المام محمد بن سعود السل‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫سلف‬ ‫لذة التعبد عند ال ّ‬


‫فلله در أقوام ؛ شغلهم تحصيل زادهم عن أهليهم وأولدهم ‪ ,‬ومال بهم ذكر‬
‫المآل عن المال في معادهم ‪ ،‬وصاحت بهم الدنيا فما أجابوا شغًل بمرادهم ‪,‬‬
‫كا لجهادهم‬ ‫وتوسدوا أحزانهم بدًل عن وسادهم ‪ ,‬واتخذوا الليل مسل ً‬
‫واجتهادهم ‪ ,‬وحرسوا جوارحهم من النار عن غيهم وفسادهم ‪ ,‬فيا طالب‬
‫حة من البين ماُتوا‬ ‫صي َ‬ ‫ؤاِدي ! ول َك ِّنهم عَلى َ‬ ‫الهوى جز بناديهم ونادهم ‪َ :‬أحَيوا فُ َ‬
‫طول‬ ‫عا ‪ُ ,‬‬ ‫ضلو َ‬ ‫فوا عَلى الزفرات ال ّ‬ ‫فانهم ‪ ,‬وَل َ ّ‬ ‫موا َراحة الّنوم َأج َ‬ ‫جميًعا ‪ ,‬حر ُ‬
‫صول ‪ ,‬وطاُبوا فُروعا ‪ ,‬أقبلت قلوبهم تراعي‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫سواعد ُ‬
‫م النوف ؛ فطاُبوا أ ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫حق الحق ‪ ,‬فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق ‪ 0‬فالبدان بين أهل الدنيا‬
‫قلوب في رياض الملكوت ترعى ‪ ,‬نازلهم الخوف فصاروا والهين ‪,‬‬ ‫تسعى ‪ ,‬وال ُ‬
‫ن عليهم الليل فباتوا ساهرين ‪ ,‬وناداهم‬ ‫ج ّ‬ ‫وناجاهم الفكر فعادوا خائفين ‪ ,‬و َ‬
‫َ‬
‫ى على الفلح فقاموا متهجدين ‪ ,‬وهبت عليهم ريح السحار‬ ‫صلح ح ّ‬ ‫منادى ال ّ‬
‫ما رجعوا‬ ‫فتيقظوا مستغفرين ‪ ,‬وقطعوا بند المجاهدة فأصبحوا واصلين ‪ ,‬فل ّ‬
‫لجر نادى الهجر ‪ :‬يا خيبة النائمين ‪.‬‬ ‫وقت الفجر با َ‬
‫سُهم‬ ‫ف َ‬ ‫ن الله ‪ii‬أ َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شُروا ِ‬ ‫م َ‬ ‫لله قَوْ ٌ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ماَنا‬ ‫ها ب ِذِكرِ اللهِ ‪ii‬أْز َ‬ ‫فَأت ْعَُبو َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫مهُ ُ‬ ‫صيا َ‬ ‫قد ْ َواَفوا ‪ِ ii‬‬ ‫ما الن َّهاُر فَ َ‬ ‫أ ّ‬
‫م ِفيهِ ‪ُii‬رهَْباَنا‬ ‫وَِفي الظ َّلم ِ ت ََراهُ ْ‬
‫سَهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫ت ِفي اللهِ ‪ii‬أن ْ ُ‬ ‫دان ُُهم أت ْعَب َ ْ‬ ‫أب ْ َ‬
‫داَنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَأ َن ْ ُ‬
‫ت ِفي اللهِ أب ْ َ‬ ‫س أت ْعَب َ ْ‬ ‫ف ٌ‬
‫دا‬ ‫ب غَ ً‬ ‫ذا ِ‬ ‫ف العَ َ‬ ‫خو ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫حو ُ‬ ‫ت لُ ُ‬ ‫َذاب َ ْ‬
‫حا وَقْرآَنا‬ ‫ُ‬ ‫سِبي ً‬ ‫وَقَطُعوا الليل ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فلله در أقوام هجروا لذيذ المنام ‪ ,‬وتنصلوا لما نصبوا له القدام ‪ ,‬وانتصبوا‬
‫ن الليل سهروا ‪ ,‬وإذا جاء‬ ‫للنصب في الظلم يطلبون نصيًبا من النعام ‪ِ ,‬إذا ج ّ‬
‫الّنهار اعتبروا ‪ ,‬وإذا نظروا في عيوبهم استغفروا ‪ ,‬وإذا تفكروا في ذنوبهم‬
‫بكوا وانكسروا ‪.‬‬
‫ضا من صورهم ‪ ,‬ونماذج من هديهم ‪ ,‬عسى أن نحذو حذوهم ‪,‬‬ ‫وإليك بع ً‬
‫ونتأسى بهديهم ‪.‬‬
‫لذة ُ التعبد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ونبدأ بسيد المرسلين ‪ ,‬وإمام المتقين ‪ ,‬وخاتم النبيين نبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ,‬الذي ما اكتحلت العيون بمثل رؤيته ‪ ,‬ول شرفت النفوس بمثل‬
‫ماهُ أ َْو‬ ‫م قَد َ َ‬ ‫حّتى ت َرِ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫صل ّ َ‬
‫م ل ِي ُ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م ل َي َ ُ‬‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫صحبته ‪ ,‬إ ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شكوًرا ‪.‬‬ ‫دا َ‬ ‫ن عَب ْ ً‬ ‫ل أفَل أكو ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه فَي َ ُ‬ ‫لل ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ساَقاه ُ فَي ُ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خا‬
‫نأ ً‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫صهِ ي َذ ْكُر الن ّب ِ ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن أَبي هَُري َْرةَ ِفي قَ َ‬ ‫وَعَ ْ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ة ‪ -‬قا َ‬‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َرَوا َ‬ ‫ذاك اب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ث ‪ -‬ي َعِْني ب ِ َ‬ ‫ل الّرف َ‬‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م ل يَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ل الل ّهِ ي َت ُْلو ‪ii‬ك َِتاب َ ُ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫وَِفيَنا َر ُ‬
‫ع‬
‫ساط ِ ُ‬ ‫جرِ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ْ‬
‫ف من ال َ‬ ‫معُْرو ٌ‬ ‫شق ّ َ‬ ‫إ َِذا ان ْ َ‬
‫قُلوب َُنا‬ ‫َ‬
‫مى ‪ii‬فَ ُ‬ ‫دى ب َعْد َ ال ْعَ َ‬ ‫أَراَنا ال ْهُ َ‬
‫ع‬ ‫ما َقا َ‬ ‫َ‬
‫ل َواقِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫تأ ّ‬ ‫موقَِنا ٌ‬ ‫ب ِهِ ُ‬
‫ه‬
‫ش ِ‬ ‫ن ‪ii‬فَِرا ِ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫جن ْب َ ُ‬ ‫جاِفي َ‬ ‫ت يُ َ‬ ‫ي َِبي ُ‬
‫ع‬
‫ج ُ‬‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ‪ii‬ال ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ت ِبال ْ َ‬ ‫قل َ ْ‬ ‫ست َث ْ َ‬ ‫إ َِذا ا ْ‬
‫دا ‪ ,‬أو ذاكًرا ‪ ,‬في أي ساعة‬ ‫ما ‪ ,‬أو راكًعا ‪ ,‬أو ساج ً‬ ‫بل إن شئت أن تراه قائ ً‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما ‪ ,‬ولعبادة الله‬ ‫من ليل أو نهار وجدته صلى الله عليه وسلم بأمر الله قائ ً‬
‫ما ‪ ,‬فقد كان عمله صلى الله عليه وسلم ديمة ‪.‬‬ ‫ملز ً‬
‫صلى‬ ‫ّ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه عَن َْها ‪ :‬هَل كا َ‬ ‫ّ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫َ‬
‫ت ل َِعائ ِش َ‬ ‫ْ‬
‫ة قال ‪ :‬قل ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن عَل َ‬ ‫ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫ة ‪ ,‬وَأ َي ّك ُْ‬
‫م‬ ‫م‬ ‫دي‬
‫َ َ َ ُ ِ َ ً‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫‪,‬‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫؟‬ ‫ئا‬‫ً‬ ‫ي‬‫ش‬
‫ّ ِ ْ‬‫َ‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫من‬ ‫الل ّ ُ َ ْ ِ َ َ َ َ ْ َ ّ‬
‫ص‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫طيقُ ؟!‪.‬‬ ‫م يُ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫طيقُ َ‬ ‫يُ ِ‬
‫ي‬
‫صحابة رضي الله عنهم ما رأت عيونهم ول سمعت آذانهم الن ّب ِ ّ‬ ‫ولذلك نرى ال ّ‬
‫م إل وهو على طاعة ‪.‬‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫صّلي‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫ل ‪ :‬رأ َ‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫خي‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫عَ ْ‬
‫م‪.‬‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫كاِء َ‬ ‫ْ‬
‫حى ‪ ,‬من الب ُ َ‬ ‫صد ْرِهِ أِزيٌز ك َأِزيزِ الّر َ‬ ‫وَِفي َ‬
‫َ‬
‫ت لي ْلةٍ ‪,‬‬ ‫َ‬ ‫م َذا َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫قد ْ ُ‬ ‫ت ‪ :‬فَ َ‬ ‫َ‬
‫ة َقال ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جد ٌ ‪,‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ه فَإ َِذا هُوَ َراك ِعٌ أوْ َ‬ ‫ست ُ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫سائ ِهِ ‪ ,‬فَت َ َ‬ ‫ض نِ َ‬ ‫ب إ ِلى ب َعْ ِ‬ ‫ه ذ َهَ َ‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫فَظ َن َن ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي ‪,‬‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫ت ‪ :‬ب ِأِبي أن ْ َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ت ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ه إ ِّل أن ْ َ‬ ‫ك ‪َ ,‬ل إ ِل َ َ‬ ‫مد ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫م وَب ِ َ‬ ‫ك الل ّهُ ّ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫خَر ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫في َ‬ ‫َ‬
‫في آ َ‬ ‫ن وَإ ِن ّك ل ِ‬ ‫شأ ٍ‬ ‫إ ِّني ل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫صلة ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن إ َِذا فات َت ْ ُ‬ ‫م كا َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ة‪:‬أ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ْ‬
‫شَرةَ َركعَ ً‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫ن الن َّهارِ ث ِن ْت َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صلى ِ‬ ‫جٍع أوْ غي ْرِهِ ‪َ ,‬‬ ‫َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل؛ ِ‬ ‫الل ّي ْ ِ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫ت ل َي ْل َةٍ َفافْت َت َ َ‬
‫ح‬ ‫م َذا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫معَ الن ّب ِ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫صل ّي ْ ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ة َقا َ‬ ‫ف َ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وع َ ْ‬
‫صّلي ب َِها ِفي َرك ْعَ ٍ‬
‫ة‬ ‫ت ‪ :‬يُ َ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ضى ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫مائ َةِ ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫عن ْد َ ال ْ ِ‬ ‫ت ‪ :‬ي َْرك َعُ ِ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫قَرة َ ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫ال ْب َ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫حآ َ‬ ‫م افْت َت َ َ‬ ‫ها ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫قَرأ َ‬ ‫ساَء فَ َ‬ ‫ح الن ّ َ‬ ‫م افْت َت َ َ‬ ‫ت ‪ :‬ي َْرك َعُ ب َِها ث ُ ّ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ضى ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‪,‬‬ ‫سأ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ؤا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫مّر ب ِ ُ‬ ‫ح ‪ ,‬وَإ َِذا َ‬ ‫سب ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫سِبي ٌ‬ ‫مّر ِبآي َةٍ ِفيَها ت َ ْ‬ ‫سًل ‪ ,‬إ َِذا َ‬ ‫مت ََر ّ‬ ‫قَرأ ُ‬ ‫ها ‪ ,‬ي َ ْ‬ ‫قَرأ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ظيم ِ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ي العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ل يَ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م َرك َعَ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫مّر ب ِت َعَوّذٍ ت َعَوّذ َ ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫وَإ َِذا َ‬
‫ريًبا‬ ‫ويل قَ ِ‬ ‫ً‬ ‫مط ِ‬ ‫َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫مد َه ُ ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ّ‬
‫معَ الل ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫مهِ ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫ن قَِيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ح ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫كوعُ ُ‬ ‫ُر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ريًبا ِ‬ ‫جود ُه ُ قَ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ي العْلى ‪ ,‬فَكا َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫جد َ ‪ ,‬ف َ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ما َركعَ ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫مهِ ‪.‬‬ ‫قَِيا ِ‬
‫بل نرى عند الشدائد والصعاب وتغير الزمان ‪ ,‬يكون هو أقرب الخلق من‬
‫الرحمن ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫دادِ ب ْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬‫م َبدرٍ غي َْر ال ِ‬ ‫س َيو َ‬ ‫ن ِفيَنا فارِ ٌ‬ ‫ما كا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ب قا َ‬ ‫ن أِبي طال ِ ٍ‬ ‫ن عَِلي ب ْ ِ‬ ‫فَعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ح َ‬ ‫م ؛ تَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م إ ِّل َر ُ‬ ‫ما ِفيَنا َقائ ِ ٌ‬ ‫قد ْ َرأي ْت َُنا وَ َ‬ ‫سوَد ِ ‪ ,‬وَل َ َ‬ ‫ال ْ‬
‫َ‬
‫ح‪.‬‬ ‫صب َ َ‬ ‫حّتى أ ْ‬ ‫كي َ‬ ‫صّلي وَي َب ْ ِ‬ ‫جَرةٍ ي ُ َ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫دا‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫بي‬ ‫َ‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ِّ ّ َ‬ ‫ُ َْ ُ‬ ‫ّْ َ َ ِ َ‬ ‫و َ ْ ِ‬
‫أ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫شد ّ ِ‬ ‫سهِ من ِ‬ ‫ل ي َد َه ُ عََلى َرأ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ضعَ الّر ُ‬ ‫حّتى ي َ َ‬ ‫حاّر ‪َ ,‬‬ ‫فارِهِ ِفي ي َوْم ٍ َ‬ ‫س َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ِفي ب َعْ ِ‬
‫ة‬
‫ح َ‬ ‫ن َرَوا َ‬ ‫م ‪َ ,‬واب ْ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫صائ ِ ٌ‬ ‫ما ِفيَنا َ‬ ‫حّر ‪ ,‬وَ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪.‬‬
‫سماعه القرآن ‪:‬‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يحب سماع القرآن من غيره ‪.‬‬
‫ل ‪ِ :‬لي النبي صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم اقْرأ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ ّ َ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫سُعود ٍ َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ّهِ ب ْ َ‬ ‫فَعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ه من‬ ‫معَ ُ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ‪ :‬فَإ ِّني أ ِ‬ ‫ل ؟! َقا َ‬ ‫َ‬
‫ت ‪ :‬آقَْرأ عَلي ْك وَعَلي ْك أن ْزِ َ‬ ‫َ‬ ‫ي ‪ ,‬قُل ُ‬ ‫عَل َ ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫جئ َْنا من ك ُ ّ‬ ‫ف إ َِذا ِ‬ ‫ت ]فَك َي ْ َ‬ ‫حّتى ب َل َغْ ُ‬ ‫ساِء ؛ َ‬ ‫سوَرةَ الن ّ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬ ‫قَرأ ُ‬ ‫ري ‪ ,‬فَ َ‬ ‫غَي ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫سك فَإ َِذا عَي َْناه ُ ت َذ ْرَِفا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ل‪:‬أ ْ‬ ‫دا[َقا َ‬ ‫شِهي ً‬ ‫جئ َْنا ب ِك عَلى هَؤُلِء َ‬ ‫شِهيد ٍ وَ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫سى ‪ :‬لوَْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫سى َقا َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫م ِلِبي ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن أِبي ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫ل َداوَُد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ميرِ آ ِ‬ ‫مَزا ِ‬ ‫ماًرا من َ‬ ‫مْز َ‬ ‫ت ِ‬ ‫قد ْ أوِتي َ‬ ‫ة؛ل َ‬ ‫ح َ‬ ‫قَراَءت ِك الَبارِ َ‬ ‫مع ُ ل ِ ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫َرأي ْت َِني وَأَنا أ ْ‬
‫لذة التعبد عند الصحابة رضي الله عنهم‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل لسان ؛ فإن سير هؤلء يعجز عن‬ ‫طر البنان ‪ ,‬وتكلم العلماء بك ّ‬ ‫فمهما س ّ‬
‫وصفها إنسان ‪.‬‬
‫فهم أولى بالحديث من قول العباس بن الحنف عن محبوبته ‪:‬‬
‫سعْد ُ‬ ‫ك َيا َ‬ ‫ديث ِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جُنوًنا فَزِد ِْني ِ‬ ‫سعْد ُ عَن ًْها فَزِد ْت َِني ُ‬ ‫حد ّث ْت َِني َيا َ‬ ‫وَ َ‬
‫دجى ‪ ,‬وينابيع الرشد والحجى ‪ ,‬خصوا بخفي الختصاص ‪,‬‬ ‫فهم مصابيح ال ّ‬
‫ونقوا من التصنع بالخلص ‪ ,‬وهم الواصلون بالحبل ‪ ,‬والباذلون للفضل ‪,‬‬
‫والحاكمون بالعدل ‪ ,‬هم المبادرون إلى الحقوق من غير تسويف ‪ ,‬والموفون‬
‫طاعات من غير تطفيف ‪.‬‬ ‫لل ّ‬
‫ن‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬ ‫جا ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل ‪ii‬ل ِ َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ل وَعَي ْ ٌ‬ ‫هم الّر َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫ج ُ‬ ‫فهم َر ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫ي وَ ْ‬ ‫مَعان ِ َ‬ ‫ف بِ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫م ي َت ّ ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫أبو بكر الصديق ‪:‬‬
‫ي اث ْن َي ْ ِ‬
‫ن‬ ‫سابق إلى الّتصديق ‪ ,‬الملقب بالعتيق المؤيد من الله بالتوفيق ‪َ} ,‬ثان ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ما ِفي الَغاِر{ ]سورة التوبة ‪[40 :‬‬ ‫ْ‬ ‫إ ِذ ْ هُ َ‬
‫ض‬
‫مرِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت‪:‬ل ّ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه عَن َْها قال ْ‬ ‫ي الل ُ‬‫ّ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دمع ‪ ,‬عَ ْ‬ ‫كان رقيق القلب غزير ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ص لة ِ ‪,‬‬ ‫ه ِبال ّ‬ ‫ٌ‬
‫ت ِفيهِ ‪ ,‬أَتاه ُ ب ِلل ُيوذِن ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫مَر َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫مكَ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ف إِ ْ‬ ‫سي ٌ‬ ‫جل أ ِ‬ ‫ن أَبا ب َكرٍ َر ُ‬ ‫ت ‪ :‬إِ ّ‬ ‫صل ‪ ,‬قل ُ‬ ‫مُروا أَبا ب َكرٍ فلي ُ َ‬ ‫ل‪ُ :‬‬
‫قَراَءةِ ‪.‬‬ ‫قدُِر عََلى ال ْ ِ‬ ‫كي ‪ ,‬فََل ي َ ْ‬ ‫ي َب ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ َر ِ‬ ‫وَعَ ْ‬
‫جن ّةِ ‪َ :‬يا عَب ْد َ الل ّهِ هَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر ‪,‬‬ ‫ذا َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ ُنودِيَ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫جي ْ َ ِ‬ ‫فقَ َزوْ َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جَهاِد‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫َ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫ن‬ ‫َ َ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫صلة‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫با‬
‫ُ َ ِ ْ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫صلة‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫َ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫ن‬‫فَ َ ْ‬ ‫م‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن ‪ ,‬وَ َ‬ ‫ب الّرّيا ِ‬ ‫ن َبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ع َ‬ ‫صَيام ِ د ُ ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَهاد ِ ‪ ,‬وَ َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ن َبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ع َ‬ ‫دُ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪:‬‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ل أُبو ب َك ْرٍ َر ِ‬ ‫قا َ‬ ‫صد َقَةِ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ع َ‬ ‫صد َقَةِ د ُ ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ضُروَرةٍ ‪,‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ي من ت ِل َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ك ال ب ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ن دُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما عَلى َ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫مي َيا َر ُ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫ب ِأِبي أن ْ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب كلَها ؟ َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فَهَ ْ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ت َكو َ‬ ‫جو أ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ل ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ت ِلك الب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٌ ِ‬ ‫عى أ َ‬ ‫ل ي ُد ْ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ه عَن َْها َزوِْج‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قا ما اهتز إيمانه ول تزعزع وجدانه ‪ ,‬عَ ْ‬ ‫دي ً‬ ‫ص ّ‬ ‫كان ِ‬
‫َ‬
‫ت وَأُبو‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م‪,‬أ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ‪َ :‬واللهِ ‪َ ,‬‬ ‫ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫مُر ي َ ُ‬ ‫م عُ َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫سن ِْح ‪ -‬ي َعِْني ِبالَعال ِي َةِ ‪ -‬ف َ‬ ‫ْ‬ ‫ب َك ْرٍ ِبال ّ‬
‫سي إ ِّل‬ ‫ف ِ‬ ‫قعُ ِفي ن َ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫مُر ‪َ :‬والل ّهِ َ‬ ‫ل عُ َ‬ ‫ت ‪ :‬وََقا َ‬ ‫م ‪َ ,‬قال َ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ف عَ ْ‬ ‫جاَء أُبو ب َكرٍ فكش َ‬ ‫م‪,‬ف َ‬ ‫جلهُ ْ‬ ‫ل وَأْر ُ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ن أي ْدِيَ رِ َ‬ ‫قطعَ ّ‬ ‫ه فلي َ ْ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫َذاك ‪ ,‬وَلي َب ْعَثن ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حّيا‬ ‫ت َ‬ ‫مي ‪ ,‬ط ِب ْ َ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫ل ‪ :‬ب ِأِبي أن ْ َ‬ ‫ه ‪َ ,‬قا َ‬ ‫قب ّل َ ُ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬أي َّها‬ ‫قا َ‬ ‫ج ‪ ,‬فَ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م َ‬ ‫دا ‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫ن أب َ ً‬ ‫موْت َت َي ْ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ذي ُ‬ ‫سي ب ِي َدِهِ َل ي ُ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫مي ًّتا ‪َ ,‬وال ّ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه أُبو ب َك ْ ٍ‬
‫ر‬ ‫مد َ الل ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫مُر ‪ ,‬فَ َ‬ ‫س عُ َ‬ ‫جل َ َ‬ ‫م أُبو ب َك ْرٍ َ‬ ‫ما ت َك َل ّ َ‬ ‫ك ! فَل َ ّ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫ف عََلى رِ ْ‬ ‫حال ِ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَأ َث َْنى عَلي ْهِ ‪ ,‬وََقا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م فَإ ِ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫دا َ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ‪ :‬أل َ‬
‫ت‬‫مي ّ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫ل ]إ ِن ّ َ‬ ‫ت ‪ ,‬وََقا َ‬ ‫مو ُ‬ ‫ي َل ي َ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه فَإ ِ ّ‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ الل ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ‪ ,‬وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫دا قَد ْ َ‬ ‫م ً‬‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫]‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ن[‬ ‫تو‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ِ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ ّ ِ َ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وَ ِ ُ ْ َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫شي ًْئا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َوْ قُت ِ َ‬
‫ه َ‬ ‫ضّر الل َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قب َي ْهِ فَل ْ‬ ‫ب عَلى عَ ِ‬ ‫قل ِ ْ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫قاب ِك ْ‬ ‫م عَلى أع ْ َ‬ ‫قلب ْت ُ ْ‬ ‫ل ان ْ َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫كو َ‬ ‫ج الّناس ي َب ْ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ل فَن َ َ‬ ‫ن[ َقا َ‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫زي الل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫عمر بن الخطاب ‪:‬‬
‫صادق المصدوق ‪,‬‬ ‫الفاروق ‪ ,‬ذو المقام الثابت المأنوق ‪ ,‬أعلن الله به دعوة ال ّ‬
‫ضا‬ ‫دولة ‪ ,‬كان معار ً‬ ‫صولة ؛ ما نشأت لهم به ال ّ‬ ‫فجمع الله له بما منحه من ال ّ‬
‫قا في الحكام لرب العالمين ‪ ,‬كان فارقا بين الحق‬ ‫ً‬ ‫للمبطلين ‪ ,‬مواف ً‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والباطل ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ‪ :‬أِفي القَوْم ِ‬ ‫فَيا َ‬ ‫س ْ‬ ‫ما قال أُبو ُ‬ ‫َ‬ ‫ما ل ّ‬ ‫ه عَن ْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫عازِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ث الب ََراِء ب ْ ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫في َ‬ ‫فَ ِ‬
‫َ‬
‫جيُبوه ُ ‪ ,‬ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫ت ‪ -‬فَن ََهاهُ ْ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫مد ٌ ؟‪ -‬ث ََل َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫‪-‬‬ ‫ت‬ ‫را‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫؟‪-‬‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫حا‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫بي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫ْ ِ ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ ّ ٍ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ِ ْ ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ قُت ُِلوا ‪ ,‬فَ َ‬
‫ما‬ ‫ما هَؤَُلِء فَ َ‬ ‫ل‪:‬أ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫حاب ِهِ فَ َ‬ ‫ص َ‬ ‫جعَ إ َِلى أ ْ‬ ‫م َر َ‬ ‫ت ‪-‬ث ُ ّ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫ب ؟‪-‬ث ََل َ‬ ‫طا ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ت َل ْ‬ ‫َ‬
‫حَياٌء‬ ‫ن اّلذين عَد َد ْ َ‬ ‫ت َوالل ّهِ َيا عَد ُوّ الل ّهِ ‪ ,‬إ ِ ّ‬ ‫ل ‪ :‬ك َذ َب ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫مُر ن َ ْ‬ ‫ك عُ َ‬ ‫مل َ َ‬ ‫َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫سوُء َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫م‬‫ك ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫دمع ‪.‬‬ ‫فار كان على إخوانه رقيق القلب سريع ال ّ‬ ‫ورغم شدته على الك ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عَ َ‬
‫ه‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫عن ْد َ الن ّب ِ ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫جال ِ ً‬ ‫ت َ‬ ‫ل ‪ :‬ك ُن ْ ُ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن أِبي الد ّْرَداِء َر ِ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫دى‬ ‫ب‬ ‫ذا بط َرف ث َوبه ؛ حتى أ َ‬ ‫ً‬ ‫خ‬ ‫ِ‬ ‫آ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫بو‬ ‫ل أَ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫وسل ّم إذ ْ أ َ‬
‫ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ب َي ِْني‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬إ ِّني كا َ‬ ‫م ‪ ,‬وََقا َ‬ ‫سل َ‬ ‫مَر ‪ ,‬فَ َ‬ ‫غا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ُ‬
‫حب ُك ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ما َ َ‬ ‫م‪:‬أ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فَر ِلي‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫ت ‪ ,‬فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ن َدِ ْ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ث ُ ّ‬ ‫سَرعْ ُ‬ ‫يٌء ‪ ,‬فَأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫طا‬ ‫ّ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫وَب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت إ ِلي ْك فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَر‬ ‫ن عُ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه لك َيا أَبا ب َكرٍ ‪ -‬ث َلًثا ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫فُر الل ُ‬ ‫ل ‪ :‬ي َغْ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ي ‪ ,‬فَأقْب َل ُ‬ ‫فَأَبى عَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫قالوا ‪ :‬ل ‪ ,‬فأَتى إ ِلى الن ّب ِ ّ‬ ‫م أُبو ب َكرٍ ؟ ف َ‬ ‫ل ‪ :‬أث ّ َ‬ ‫سأ َ‬ ‫ل أِبي ب َكرٍ ف َ‬ ‫من ْزِ َ‬ ‫م ‪ ,‬فَأَتى َ‬ ‫ن َدِ َ‬
‫معُّر ‪,‬‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ه الن ّب ِ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫جعَل وَ ْ‬ ‫َ‬ ‫م‪,‬ف َ‬ ‫َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫مف َ‬ ‫َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سول اللهِ ! َواللهِ أَنا كن ْ ُ‬ ‫قال ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫جثا عَلى ُركب َت َي ْهِ ‪ ,‬ف َ‬ ‫فقَ أُبو ب َكرٍ ‪ ,‬ف َ‬ ‫حّتى أش َ‬ ‫َ‬
‫م‪,‬‬ ‫ه ب َعَث َِني إ ِل َي ْك ُْ‬ ‫ن الل َّ‬ ‫إ‬ ‫‪:‬‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫‪-‬‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫أَ‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ ِ ّ‬ ‫ِّ ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ّ َْ‬ ‫َ‬
‫م َتارِ ُ‬ ‫فسه ومال ِه ‪ ,‬فَه ْ َ‬ ‫قل ْتم ‪ :‬ك َذ َبت ‪ ,‬وَقا َ َ‬
‫كو‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ساِني ب ِن َ ْ ِ ِ َ َ ِ‬ ‫صد َقَ وََوا َ‬ ‫ل أُبو ب َك ْرٍ ‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫فَ ُ ُ ْ‬
‫ُ‬
‫ها ‪.‬‬ ‫ما أوذِيَ ب َعْد َ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫حِبي َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ِلي َ‬
‫ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ص َقا َ‬ ‫ن عَل ْ َ‬
‫قَرأ ِفي‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ضي الله عَن ْ ُ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫طا ِ‬ ‫مُر ب ْ ُ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَّقا ٍ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ق َ‬ ‫وَعَ ْ‬
‫سف ؛‬ ‫جاَء ِذكُر ُيو ُ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ف‪َ ,‬‬ ‫فو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫خرِ ال ّ‬ ‫مؤ َ ّ‬ ‫سف ‪ ,‬وأنا في ُ‬ ‫سوَرةِ ُيو ُ‬ ‫مةِ ب ُ‬ ‫العَت َ َ‬
‫ف‪.‬‬ ‫ص ّ‬ ‫خرِ ال ّ‬ ‫مؤ َ ّ‬ ‫ه ِفي ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫شي َ‬ ‫ت نَ ِ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫رْ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫أى‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫عَ ْ‬
‫صُر ‪.‬‬ ‫معُ َوالب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ل ‪ :‬هَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫مَر فَ َ‬ ‫وَعُ َ‬
‫عثمان رضي الله عنه ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ظه من الّنهار‬ ‫القانت الحيي ذو الهجرتين ‪ ,‬الكريم الجواد ذو النورين ‪ ,‬كان ح ّ‬


‫الجود والصيام ‪ ,‬ومن الليل السجود والقيام ‪ ,‬مبشر بالجنة على بلوى تصيبه ‪.‬‬
‫كان رضي الله عنه يحيي الليل بالقرآن ‪ ,‬وثبت أنه قرأ القرآن في ركعة ‪.‬‬
‫ن َل ي َغْل ِب َِني‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫قام ِ وَأَنا أرُِيد أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ‪ :‬قُ ْ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن عُث ْ َ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن عَب ْدِ الّر ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫مَزِني َفال ْت َ َ‬ ‫َ‬
‫ت ‪ ,‬فَإ َِذا‬ ‫ف ّ‬ ‫م غَ َ‬ ‫ت ‪ ,‬ثُ ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫م أل ْت َ ِ‬ ‫مُزِني فَل َ ْ‬ ‫ل ي َغْ ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ك الّليلة ‪ ,‬فَإ َِذا َر ُ‬ ‫حد ٌ ت ِل ْ َ‬ ‫عََليهِ أ َ‬
‫ن ِفي َرك ْعَةٍ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ت فَت َ َ‬
‫قْرآ َ‬ ‫قَرأ ال ُ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ه فَت َن َ ّ‬ ‫ضي الله عَن ْ ُ‬ ‫فان َر ِ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫عُث ْ َ‬
‫وكان رضي الله عنه رقيق القلب ‪ ,‬غزير الدمع ‪ ,‬كان أذا رأى قبًرا بكى حتى‬
‫يرحم ‪.‬‬
‫ه إ َِذا‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن عُث ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫موْلى عُث ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ئ َ‬ ‫هان ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫كي ‪,‬‬ ‫َ‬
‫ة َوالّناَر فَل ت َب ْ ِ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ه ت َذ ْكُر ال َ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫لل ُ‬ ‫قي َ‬ ‫ه ‪ ,‬فَ ِ‬ ‫حي َت َ ُ‬ ‫ل لِ ْ‬ ‫حّتى ي َب ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ف عَلى قَب ْرٍ ب َكى َ‬ ‫َ‬ ‫وَقَ َ‬
‫َ‬
‫قب ُْر أوّ ُ‬
‫ل‬ ‫ْ‬
‫ل ‪ :‬ال َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫قا َ‬ ‫ذا ‪ ,‬فَ َ‬ ‫كي من هَ َ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫وَت َب ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما ب َعْد َهُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ي َن ْ ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫ه ‪ ,‬وَإ ِ ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫سُر ِ‬ ‫ما ب َعْد َه ُ أي ْ َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ج ِ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫خَرةِ ‪ ,‬فَإ ِ ْ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫مَنازِ ِ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ‪ :‬وََقا َ‬ ‫ه ‪َ ,‬قا َ‬ ‫أَ َ‬
‫ما َرأي ْ ُ‬ ‫م ‪َ :‬واللهِ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شد ّ ِ‬
‫َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫قب ُْر أفْظ َعُ ِ‬ ‫ط إ ِّل َوال ْ َ‬ ‫من ْظ ًَرا قَ ّ‬ ‫َ‬
‫شره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبه ؛ فكان صابًرا‬ ‫ب ّ‬
‫محتسًبا حتى لقي ربه ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫َ‬ ‫شعري أ َنه تو َ‬ ‫عَ َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل ‪َ :‬لل َْز َ‬
‫م‬ ‫قا َ‬ ‫ج ‪ ,‬فَ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م َ‬ ‫ضأ ِفي ب َي ْت ِهِ ث ُ ّ‬ ‫سى اْل َ ْ َ ِ ّ ّ ُ َ َ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ن أِبي ُ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫سأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪.‬‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫مي‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫الل ّهِ صّلى الل ّه عَل َي ْهِ وسل ّم ‪ ,‬وَل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫َ ُ‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫‪,‬‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫َ َ َ‬ ‫ج‬‫ّ‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫‪:‬‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫ن الن ِ ّ َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ‪ -‬وََباب َُها من‬ ‫عن ْد َ الَبا ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫س ُ‬ ‫جل ْ‬ ‫س ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ل ب ِئ َْر أِري ٍ‬ ‫خ َ‬ ‫حّتى د َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل عَن ْ ُ‬ ‫سأ ُ‬ ‫عََلى إ ِث ْرِهِ أ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬‫م ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ضأ ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫ه فَت َوَ ّ‬ ‫جت َ ُ‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ضى َر ُ‬ ‫حّتى قَ َ‬ ‫ريدٍ ‪َ -‬‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فَها وَك َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ساقي ْهِ ؛‬ ‫ن َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫سط ق ّ‬ ‫س ‪ ,‬وَت َوَ ّ‬ ‫س عَلى ب ِئرِ أِري ٍ‬ ‫جال ِ ٌ‬ ‫إ ِلي ْهِ فإ َِذا هُوَ َ‬
‫ت‪:‬‬ ‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب‪,‬ف ُ‬ ‫َ‬ ‫عن ْد َ الَبا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫س ُ‬ ‫جل ْ‬ ‫َ‬ ‫تف َ‬ ‫َ‬ ‫صَرف ُ‬ ‫ْ‬ ‫م ان ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ت عَلي ْهِ ث ّ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما ِفي الب ِئرِ ‪ ,‬ف َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وَد َّلهُ َ‬
‫َ‬ ‫َل َ ُ‬
‫جاَء أُبو ب َك ْرٍ فَد َفَ َ‬
‫ع‬ ‫م ‪ ,‬فَ َ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫وا َ‬ ‫ن بَ ّ‬ ‫كون َ ّ‬
‫ت‬ ‫م ذ َهَب ْ ُ‬ ‫ك ‪ ,‬ثُ ّ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫ت ‪ :‬عََلى رِ ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ل ‪ :‬أ َُبو ب َك ْرٍ ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ذا ؟! فَ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ب ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫ال َْبا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫جن ّةِ ‪,‬‬ ‫شْرهُ ِبال ْ َ‬ ‫ه وَب َ ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ل ‪ :‬ائ ْذ َ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ن ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ست َأذِ ُ‬ ‫ذا أُبو ب َك ْرٍ ي َ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ! هَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل وََر ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ت ِلِبي ب َك ْرٍ ‪ :‬اد ْ ُ‬ ‫حّتى قُل ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫فَأقْب َل ْ ُ‬
‫خ َ َ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مي ِ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫جل َ َ‬ ‫ل أُبو ب َك ْرٍ فَ َ‬ ‫جن ّةِ ‪ ,‬فَد َ َ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫شُر َ‬ ‫ي ُب َ ّ‬
‫ه‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫صن َعَ الن ّب ِ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫جلي ْهِ ِفي الب ِئ ْر ك َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف ‪ ,‬وَد َلى ر ْ‬ ‫ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫ْ‬
‫ه ِفي ال ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫وَ َ‬
‫خي يتوضأ ُ‬ ‫ف عَن ساقَيه ‪ ,‬ث ُ ِم رجعت فَجل َ ِست وقَد ترك ْت أ َِ‬ ‫ش َ‬ ‫م ‪ ,‬وَك َ َ‬ ‫ّ‬
‫ََ َ ّ‬ ‫َ ْ ُ َ ْ ََ ُ‬ ‫ّ َ َ ْ ُ‬ ‫ْ َ ْ ِ‬ ‫سل َ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫سا ٌ‬ ‫ت ب ِهِ ‪ ,‬فَإ َِذا إ ِن ْ َ‬ ‫خاه ُ ‪ -‬ي َأ ِ‬ ‫ريد ُ أ َ‬ ‫خي ًْرا ‪ -‬ي ُ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫فل ٍ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ن ي ُرِد ْ الل ُ‬ ‫ت ‪ :‬إِ ْ‬ ‫قل ُ‬ ‫قِني ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫وَي َل ْ َ‬
‫ت ‪ :‬عََلى‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ب ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مُر ب ْ ُ‬ ‫ل ‪ :‬عُ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ذا ؟ فَ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ب ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫ك ال َْبا َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ت‬
‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ت عَلي ْهِ ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ْ‬ ‫ّ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ت إ ِلى َر ُ‬ ‫َ‬ ‫جئ ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫سل ِك ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫رِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫جئ ْ ُ‬ ‫جن ّةِ ‪ ,‬فَ ِ‬ ‫شْره ُ ِبال َ‬ ‫ه وَب َ ّ‬ ‫نل ُ‬ ‫ل ‪ :‬ائ ْذ َ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ن ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ست َأذِ ُ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫خطا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫مُر ب ْ ُ‬ ‫ذا عُ َ‬ ‫‪ :‬هَ َ‬
‫ل‬ ‫خ َ‬ ‫جن ّةِ ‪ ,‬فَد َ َ‬ ‫م ِبال َ‬ ‫ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫شَرك َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ ,‬وَب َ ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫ت ‪ :‬اد ْ ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫سارِهِ ‪ ,‬وَد َلى‬ ‫ّ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ق ّ‬ ‫م ِفي ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫جل َ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫ْ‬
‫ه‬
‫ت بِ ِ‬ ‫خي ًْرا ي َأ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫فَل ٍ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ن ي ُرِد ْ الل ّ ُ‬ ‫ت ‪ :‬إِ ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ت ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫م َر َ‬ ‫جل َي ْهِ ِفي ال ْب ِئ ْرِ ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫رِ ْ‬
‫ن‪,‬‬ ‫فا َ‬ ‫ن ب ْن عَ ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫قال ‪ :‬عُث َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من هَذا ؟ ف َ‬ ‫َ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب‪,‬ف ُ‬ ‫َ‬ ‫حّرك الَبا َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫سا ٌ‬ ‫جاَء إ ِن ْ َ‬ ‫‪,‬ف َ‬ ‫َ‬
‫ك ‪ ,‬فَجئ ْت إَلى رسول ْ الل ّه صّلى الل ّه عل َيه وس ُل ّم فَأ َ‬ ‫َ‬
‫ه‪,‬‬ ‫ْ َْ ُ ُ‬‫ت‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫خ‬ ‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ِ ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ِ ْ ِ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫خ ْ‬
‫ل‬ ‫ه ‪ :‬اد ْ ُ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ه ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫ه ‪ ,‬فَ ِ‬ ‫صيب ُ ُ‬ ‫وى ت ُ ِ‬ ‫جن ّةِ عََلى ب َل ْ َ‬ ‫شْرهُ ِبال ْ َ‬ ‫ه وَب َ ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ل ‪ :‬ائ ْذ َ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫خ َ‬
‫ل‬ ‫ك ‪ ,‬فَد َ َ‬ ‫صيب ُ َ‬ ‫وى ت ُ ِ‬ ‫جن ّةِ عََلى ب َل ْ َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫شَر َ‬ ‫وَب َ ّ‬
‫ن‬ ‫سِعيد ُ ب ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫خرِ ‪َ .‬قا َ‬ ‫ش ق ّ ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ه من ال ّ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫س وِ َ‬ ‫جل َ‬ ‫َ‬ ‫ئ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫مل ِ َ‬ ‫ف قَد ْ ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ْ‬
‫جد َ ال ُ‬ ‫فَوَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ب ‪ :‬فَأوّلت َُها قُُبوَرهُ ْ‬ ‫سي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫علي بن أبي طالب رضي الله عنه ‪:‬‬
‫ُنور المطيعين ‪ ,‬وولي المتقين ‪ ,‬وإمام العابدين ‪ ,‬من أسرع الصحابة إجابة ‪,‬‬
‫حرمنا علمه بسبب غلو‬ ‫وأعظمهم حلما ‪ ,‬وأوفرهم علما ‪ ,‬وأقومهم قضية ‪ُ ,‬‬
‫شيعة فيه وكذبهم عليه ‪-‬وإلى الله المشتكى ‪ ,‬وأما فضائله فقد لحت في‬ ‫ال ّ‬
‫الفق ‪ ,‬وإليك ما قيل بحضرة خصمه ومن لحت بينهما السيوف ‪ -‬معاوية‬
‫رضي الله عنه ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ف لي علًيا ‪ ,‬فقال‬‫ص ْ‬
‫كناني على معاوية ‪ ,‬فقال له ‪ِ :‬‬ ‫دخل ضرار بن ضمرة ال ِ‬
‫ل ‪ :‬أما إذ ل بد ؛ فإنه كان‬‫ل ‪ :‬ل أعفيك ‪َ ,‬قا َ‬
‫أو تعفيني يا أمير المؤمنين ‪َ ,‬قا َ‬
‫والله بعيد المدى ‪ ,‬شديد القوى ‪ ,‬يقول فصل ‪ ,‬ويحكم عدل ‪ ,‬يتفجر العلم من‬
‫جوانبه ‪ ,‬وتنطق الحكمة من نواحيه ‪ ,‬يستوحش من الدنيا وزهرتها ‪,‬‬
‫ويستأنس بالليل وظلمته ‪ ,‬كان والله غزير العبرة ‪ ,‬طويل الفكرة ‪ ,‬يقلب كفه‬
‫‪ ,‬ويخاطب نفسه ‪ ,‬يعجبه من اللباس ما قصر ‪ ,‬ومن الطعام ما جشب ‪ ,‬كان‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ‪ ,‬ويجيبنا إذا سألناه ‪ ,‬وكان مع تقربه إلينا وقربه‬
‫منا ؛ ل نكلمه هيبة له ‪ ,‬فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ‪ ,‬يعظم أهل‬
‫الدين ويحب المساكين ‪ ,‬ل يطمع القوي في باطله ‪ ,‬ول ييأس الضعيف من‬
‫عدله ‪ ,‬فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه ؛ وقد أرخى الليل سدوله ‪,‬‬
‫سليم ‪,‬‬ ‫ضا على لحيته يتململ تململ ال ّ‬ ‫وغارت نجومه يميل في محرابه قاب ً‬
‫ويبكي بكاء الحزين ‪ ,‬فكأني أسمعه الن وهو يقول ‪ :‬يا ربنا يا ربنا يتضرع إليه‬
‫ي تشوفت ‪ ,‬هيهات هيهات ‪ ,‬غُّري غَْيري ‪ ,‬قد‬ ‫ت ‪ ,‬إل َ ّ‬ ‫ي تغرّر ِ‬ ‫ثم يقول للدنيا ‪ :‬إل َ ّ‬
‫بنتك ثلًثا ‪ ,‬فعمرك قصير ‪ ,‬ومجلسك حقير ‪ ,‬وخطرك يسير ‪ ,‬آه آه من قلة‬
‫سفر ‪ ,‬ووحشة الطريق ‪.‬‬ ‫الزاد ‪ ,‬وبعد ال ّ‬
‫فوكفت دموع معاوية على لحيته ؛ ما يملكها ‪ ,‬وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق‬
‫دك‬ ‫ج ُ‬ ‫ف وَ ْ‬ ‫ل ‪ :‬ك َي ْ َ‬ ‫القوم بالبكاء ‪ ,‬فقال ‪ :‬كذا كان أبو الحسن رحمه الله ‪ ,‬ثم َقا َ‬
‫معَت َُها ‪ ,‬وَلَ‬ ‫ُ‬
‫ها ؛ َل ت َْرقَأ د َ ْ‬ ‫جرِ َ‬
‫ح ْ‬‫ها ِفي َ‬ ‫حد ُ َ‬ ‫ح َوا ِ‬ ‫ن ذ ُب ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫ل ‪ :‬وَ ْ‬ ‫عليه يا ضرار ؟ َقا َ‬
‫ج‪.‬‬ ‫خَر َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫حْزُنها ‪ -‬ث ُ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫أبو عبيدة ابن الجراح ‪:‬‬
‫سديد اختاره عمر ؛ وهو يتمنى مل مكانه‬ ‫أبو عبيدة المين الّرشيد ‪ ,‬والقائد ال ّ‬
‫رجاًل كأبي عبيدة ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ن ل ِك ُ ّ‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كأ ّ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫س بْ‬
‫ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫جّراِح ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫بو‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫نا‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ُ ُ‬ ‫َِ ّ ِ ََ َُّ‬ ‫مي ً‬ ‫أ ِ‬
‫دخل عمر بن الخطاب على أبي عبيدة بن الجراح ‪ ,‬فإذا هو مضطجع على‬
‫دا الحقيبة ‪ ,‬فقال له عمر ‪ :‬أل اتخذت ما اتخذ‬ ‫طنفسة رحله متوس ً‬
‫أصحابك ؟! فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقيل ‪.‬‬
‫مّنوا ‪ ,‬فقال رجل ‪ :‬أتمنى لو أن‬ ‫وعن عمر بن الخطاب أنه َقا َ َ‬
‫حاب ِهِ ‪ :‬ت َ َ‬ ‫ص َ‬ ‫لل ْ‬
‫مّنوا ‪ ,‬فقال رجل‬ ‫ل ‪ :‬تَ َ‬ ‫لي هذه الدار مملوءة ذهًبا أنفقه في سبيل الله ‪ ,‬ثم َقا َ‬
‫دا وجوهًرا ؛ أنفقه في سبيل الله وأتصدق‬ ‫‪ :‬أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرج ً‬
‫مّنوا ‪ ,‬فقالوا ‪ :‬ما ندري يا أمير المؤمنين ‪ ,‬فقال عمر ‪ :‬أتمنى لو‬ ‫ل ‪ :‬تَ َ‬ ‫‪ ,‬ثم َقا َ‬
‫دار مملوءة رجال مثل أبي عبيدة بن الجراح ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أن هذه ال ّ‬
‫معاذ بن جبل ‪:‬‬
‫مقدام العلماء ‪ ,‬وإمام الحكماء !!!‬
‫ل ابن مسعود رضي الله ت ََعاَلى عنه ‪ :‬إن معاذ بن جبل رضي الله ت ََعالى‬
‫َ‬ ‫َقا َ‬
‫فا !‬ ‫فا ‪ ,‬فقيل له ‪ :‬إن إبراهيم كان أمة قانًتا لله حني ً‬ ‫عنه كان أمة قانًتا لله حني ً‬
‫فقال ‪ :‬ما نسيت ‪ ,‬هل تدرون ما المة وما القانت ؟ ! المة الذي ي ُعَّلم‬
‫الخير ‪ ,‬والقانت المطيع لله وللرسول ‪ ,‬وكان معاذ ي ُعَّلم الّناس الخير ‪,‬‬
‫ومطيًعا لله ولرسوله ‪.‬‬
‫حا من خير شباب قومه ‪ ,‬ل ُيسأل شيئا إل‬ ‫ً‬
‫وكان معاذ بن جبل شاًبا جميل سم ً‬
‫أعطاه ‪ ,‬حتى أدان دينا أغلق ماله ‪ ,‬فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أن يكلم غرماءه ففعل ‪ ,‬فلم يضعوا له شيًئا ‪ ,‬فلو ترك لحد لكلم أحد لترك‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫لمعاذ لكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فدعاه الن ّب ِ ّ‬
‫م فلم يبرح حتى باع ماله وقسمه بين غرمائه ‪ ,‬فقام معاذ ل مال له ‪,‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫م إلى اليمن ليجبره ‪ ,‬وكان أول من‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ج بعثه الن ّب ِ ّ‬ ‫فلما ح ّ‬
‫ه من‬ ‫َ‬
‫حجز عليه في هذا المال معاذ ‪ ,‬فقدم على أبي بكر رضي الله ت ََعالى عَن ْ ُ‬
‫اليمن وقد ُتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ً‬
‫غرماء معاذ كانوا يهوًدا فلهذا لم يضعوا عنه شيئا ‪.‬‬ ‫ل أبو نعيم ‪ :‬و ُ‬ ‫َقا َ‬
‫م واستخلفوا أبا بكر ‪ ,‬فاستعمل أبو بكر‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫فلما قبض الن ّب ِ ّ‬
‫عمر على الموسم فلقي معاًذا بمكة ومعه رقيق ‪ ,‬فقال ‪ :‬هؤلء أهدوا لي‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قيه من‬ ‫ل فَل َ ِ‬


‫وهؤلء لبي بكر ‪ ,‬فقال عمر ‪ :‬إني أرى لك أن تأتي أبا بكر ‪َ ,‬قا َ‬
‫الغد ‪ ,‬فقال ‪ :‬يا ابن الخطاب ! لقد رأيتني البارحة وأنا أنزوي إلى النار وأنت‬
‫آخذ بحجزتي ‪ ,‬وما أراني إل مطيعك ‪ ,‬فأتى بهم أبا بكر ‪ ,‬فقال ‪ :‬هؤلء أهدوا‬
‫صلة ؛‬‫ل ‪ :‬فإنا قد سلمنا لك هديتك ‪ ,‬فخرج معاذ إلى ال ّ‬ ‫لي وهؤلء لك ‪َ ,‬قا َ‬
‫صلة ؟ قالوا لله عز وجل ‪,‬‬ ‫فإذا هم ُيصلون خلفه ‪ ,‬فقال ‪ :‬لمن تصلون هذه ال ّ‬
‫َقا َ‬
‫ل ‪ :‬فأنتم لله فأعتقهم ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ل ‪ :‬انظروا أصبحنا ؟‬ ‫ما أن حضره الموت ‪َ ,‬قا َ‬ ‫وعن معاذ رحمه الله ت ََعاَلى ل َ ّ‬
‫ل ‪ :‬انظروا أصبحنا ؟ فأتي فقيل ‪:‬لم تصبح حتى‬ ‫فأتى ‪ ,‬فقيل ‪ :‬لم تصبح ‪َ ,‬قا َ‬
‫عوذ ُ بالله من ليلة صباحها‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬أ ُ‬ ‫أتى في بعض ذلك ‪ ,‬فقيل له ‪ :‬قد أصبحت ‪َ ,‬قا َ‬
‫إلى النار ‪ ,‬مرحًبا بالموت ‪ ,‬مرحًبا زائر مغيب ‪ ,‬حبيب جاء على فاقة ‪ ,‬اللهم‬
‫إني قد كنت أخافك ‪ ,‬فأنا اليوم أرجوك ‪ ,‬اللهم أن كنت تعلم أني لم أكن‬
‫شجر ‪ ,‬ولكن لظمأ‬ ‫دنيا وطول البقاء فيها لكرى النهار ‪ ,‬ول لغرس ال ّ‬ ‫أحب ال ّ‬
‫ساعات ‪ ,‬ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر‪.‬‬ ‫الهواجر ‪ ,‬ومكابدة ال ّ‬
‫بين أبي عبيدة ومعاذ ‪:‬‬
‫وقد أراد عمر رضي الله عنه أن يوقع اختباًرا ‪ -‬بعد أن فتحت الدنيا ‪ ,‬على أبي‬
‫عبيدة ومعاذ رضي الله عنهما ‪ ,‬ليختبر حال المراء والعلماء ‪.‬‬
‫وروي أن عمر رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار ‪ ,‬فقال لغلم له ‪ :‬أذهب بها‬
‫ل ‪ :‬فذهب‬ ‫إلى أبي عبيدة ‪ ,‬ثم تله ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع ‪َ ,‬قا َ‬
‫بها الغلم ‪ ,‬فقال ‪ :‬يقول لك أمير المؤمنين ‪ :‬خذ هذه ‪ ,‬فقال ‪ :‬وصله الله‬
‫سبعة إلى فلن ‪ ,‬وبهذه‬ ‫ل ‪ :‬تعالي يا جارية ! اذهبي بهذه ال ّ‬ ‫ورحمه ‪ ,‬ثم َقا َ‬
‫الخمسة إلى فلن ‪ ,‬حتى أنفذها ‪ ,‬فرجع الغلم إلى عمر وأخبره فوجده قد‬
‫أعد مثلها لمعاذ بن جبل ؛ فأرسله بها إليه ‪ ,‬فقال معاذ ‪ :‬وصله الله ‪ ,‬يا جارية‬
‫! اذهبي إلى بيت فلن بكذا ‪ ,‬ولبيت فلن بكذا ‪ ,‬فاطلعت امرأة معاذ ‪ ,‬فقالت‬
‫‪ :‬ونحن والله مساكين فأعطنا ‪ ,‬ولم يبق في الخرقة إل ديناران ‪ ,‬فدحا بهما‬
‫إليها ‪ ,‬ورجع الغلم فأخبر عمر فسر بذلك ‪ ,‬وقال ‪ :‬إنهم إخوة بعضهم من‬
‫بعض ‪.‬‬
‫وهذه القصة تبين فطنة عمر في اختباره لحال المراء والعلماء ‪ ,‬فبهم صلح‬
‫المة إن صلحوا ‪ ,‬وفسادها إن فسدوا ‪.‬‬
‫أبو موسى الشعري ‪:‬‬
‫ما ‪,‬‬ ‫كان رحمه الله بالقرآن مترنما وقائما ‪ ,‬وفي طول اليام طاوًيا وصائ ً‬
‫صاحب القراءة والمزمار ‪.‬‬
‫كرنا يا‬ ‫ه ذَ ّ‬ ‫ل لَ ُ‬‫عن أبي سلمة ‪ :‬كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى ‪ ,‬ربما َقا َ‬
‫أبا موسى ‪ ,‬فيقرأ ‪.‬‬
‫م أبو موسى الشعري حتى عاد كأنه خلل‬ ‫صا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫عن أبي إدريس عائذ الله َقا َ‬
‫ل ‪ :‬إجمامها أريد ‪ ,‬أني رأيت‬ ‫‪ ,‬فقيل له ‪ :‬يا أبا موسى لو أجممت نفسك ‪َ ,‬قا َ‬
‫دي‬ ‫ش ّ‬ ‫سابق من الخيل المضمر ‪ ,‬وربما خرج من منزله فيقول لمرأته ُ‬ ‫ال ّ‬
‫رحلك ‪ ,‬ليس على جهنم معبر ‪.‬‬
‫سا ول يعبأ بعدو ‪.‬‬ ‫عا بطًل مغواًرا ل يخشى بأ ً‬ ‫وكان رحمه الله شجا ً‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عَ َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ما فََرغ الن ّب ِ ّ‬ ‫ل‪:‬ل ّ‬ ‫ه َقا َ‬‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫سى َر ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن أِبي ُ‬ ‫ْ‬
‫مةِ ‪,‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ي د َُري ْد َ ب ْ َ‬ ‫ق َ‬‫س فل ِ‬ ‫ش َإ ِلى أوْطا ٍ‬ ‫جي ْ ٍ‬ ‫مرٍ عَلى َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ث أَبا َ‬ ‫ن ‪ ,‬ب َعَ َ‬ ‫حن َي ْ ٍ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فَ ُ‬
‫م َ‬ ‫مرٍ فُر ِ‬ ‫عا ِ‬‫معَ أِبي َ‬ ‫سى ‪ :‬وَب َعَثِني َ‬ ‫مو َ‬‫ه ‪ ,‬قال أُبو ُ‬ ‫حاب َ ُ‬
‫ص َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫قت ِل د َُري ْد ٌ وَهََز َ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ت إ ِل َي ْهِ ‪,‬‬ ‫ه ِفي ُرك ْب َت ِهِ ‪َ ,‬فان ْت َهَي ْ ُ‬ ‫سهْم ٍ فَأث ْب َت َ ُ‬ ‫ي بِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ش ِ‬‫ج َ‬ ‫ماه ُ ُ‬ ‫مرٍ ِفي ُرك ْب َت ِهِ ‪َ ,‬ر َ‬ ‫عا ِ‬ ‫أ َُبو َ‬
‫ماِني‬ ‫ذي َر َ‬ ‫ك َقات ِِلي ال ّ ِ‬ ‫ل ‪َ :‬ذا َ‬ ‫قا َ‬ ‫ى ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ّ‬
‫شاَر إ ِل َ‬ ‫ك ؟ فَأ َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َر َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا عَ ّ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫ل ل َه ‪ :‬أَلَ‬ ‫َ‬
‫ت أُقو ُ ُ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫ه ‪ ,‬وَ َ‬ ‫ما َرآِني وَّلى َفات ّب َعْت ُ ُ‬ ‫ه ‪ ,‬فَل َ ّ‬ ‫قت ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه فَل َ ِ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫صد ْ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ِلِبي‬ ‫م قُل ْ ُ‬ ‫ه ‪ ,‬ثُ ّ‬ ‫قت َل ْت ُ ُ‬‫ف فَ َ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫ضْرب َت َي ْ ِ‬ ‫فَنا َ‬ ‫خت َل َ ْ‬ ‫ف ‪َ ,‬فا ْ‬ ‫ت ؟ فَك َ ّ‬ ‫حِيي ؟ أَل ت َث ْب ُ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫ماُء ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ه فَن ََزا ِ‬ ‫م فَن ََزعْت ُ ُ‬ ‫سهْ َ‬ ‫ذا ال ّ‬ ‫ل ‪َ :‬فان ْزِع ْ هَ َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫حب َ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫مرٍ ‪ :‬قَت َ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فْر‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه‪:‬ا ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫م ‪ ,‬وَقُ ْ‬ ‫سَل َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫خي ! أقْرِئْ الن ّب ِ ّ‬ ‫نأ ِ‬ ‫‪َ :‬يا اب ْ َ‬
‫مك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫جعْ ُ‬ ‫ت ‪ ,‬فََر َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫سيًرا ث ُ ّ‬ ‫ث يَ ِ‬ ‫مرٍ عَلى الّناس ‪ ,‬فَ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫فِني أُبو َ‬ ‫خل َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ِلي ‪َ .‬وا ْ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ل وَعَلي ْ ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫مْر َ‬ ‫ريرٍ ُ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫م ِفي ب َي ْت ِهِ عَلى َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ت عَلى الن ّب ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫فَد َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خب َرِ أِبي‬ ‫خب َرَِنا وَ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫خب َْرت ُ ُ‬ ‫جن ْب َي ْهِ ‪ ,‬فَأ ْ‬ ‫ريرِ ب ِظهْرِهِ وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫ش ؛ قَد ْ أث َّر رِ َ‬ ‫فَِرا ٌ‬
‫م َرفَعَ ي َد َي ْهِ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫ضأ ث ُ ّ‬ ‫ماٍء فَت َوَ ّ‬ ‫عا ب ِ َ‬ ‫فْر ِلي ‪ ,‬فَد َ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫لل ُ‬ ‫ل ‪ :‬قُ ْ‬ ‫مرٍ ‪ ,‬وََقا َ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫ه ي َوْ َ‬ ‫جعَل ُ‬ ‫ما ْ‬ ‫ل ‪ :‬اللهُ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ض إ ِب ْطي ْهِ ث ُ ّ‬ ‫ت ب ََيا َ‬ ‫مرٍ ‪ ,‬وََرأي ْ ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫فْر ل ِعُب َي ْد ٍ أِبي َ‬ ‫م اغْ ِ‬ ‫اللهُ ّ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫فْر ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ت ‪ :‬وَِلي َفا ْ‬ ‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫قك من الّناس ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫َ‬ ‫خل ِ‬‫ْ‬ ‫مةِ فَوْقَ كِثيرٍ من َ‬ ‫َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬
‫ما ‪.‬‬ ‫ري ً‬ ‫خًل ك َ ِ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫مةِ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ه ‪ ,‬وَأد ْ ِ‬ ‫س ذ َن ْب َ ُ‬ ‫ن قَي ْ ٍ‬
‫ّ‬
‫فْر ل ِعَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫م اغْ ِ‬ ‫الل ّهُ ّ‬
‫دا ‪ ,‬فقيل له لو أمسكت ! ورفقت‬ ‫واجتهد الشعري قبل موته اجتهاًدا شدي ً‬
‫ل ‪ :‬إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها ‪,‬‬ ‫بنفسك بعض الرفق ‪َ ,‬قا َ‬
‫أخرجت جميع ما عندها ‪ ,‬والذي بقي من أجلي أقل من ذلك ‪ ,‬فلم يزل على‬
‫ذلك حتى مات ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫دا ‪ ,‬ممن جمع‬ ‫دا عاب ً‬ ‫ما ‪ ,‬ربانًيا زاه ً‬ ‫وا ً‬ ‫ما ق ّ‬ ‫وا ً‬ ‫ذهبي ‪ :‬وكان أبو موسى ص ّ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫َقا َ‬
‫دنيا ‪.‬‬ ‫صدر ‪ ,‬لم ُتغيره المارة ول اغتر بال ّ‬ ‫م والعمل والجهاد ‪ ,‬وسلمة ال ّ‬ ‫العِل ْ َ‬
‫بين معاذ بن جبل وأبي موسى الشعري ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َِبي ب ُْرد َة َ َقا َ‬
‫مَعاذ َ‬ ‫سى وَ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م أَبا ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫ل ‪ :‬ب َعَ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن‬‫م ُ‬ ‫ل َوالي َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ف ‪َ-‬قا َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما عَلى ِ‬ ‫َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ثك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ل ‪ :‬وَب َعَ َ‬ ‫ن ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ل إ ِلى الي َ َ‬ ‫جب َ ٍ‬‫ن َ‬ ‫بْ َ‬
‫حد ٍ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ُ‬
‫فَرا ‪َ ,‬فان ْطلقَ ك ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شَرا وَل ت ُن َ ّ‬ ‫سَرا ‪ ,‬وَب َ ّ‬ ‫سَرا وَل ت ُعَ ّ‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ :‬يَ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ن ‪ -‬ثُ ّ‬ ‫خلَفا ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ريًبا من‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫ضهِ كا َ‬ ‫ساَر ِفي أْر ِ‬
‫َ‬
‫ما إ َِذا َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫نك ّ‬ ‫مل ِهِ ‪ ,‬وَكا َ‬ ‫ما إ ِلى عَ َ‬
‫َ‬
‫من ْهُ َ‬ ‫ِ‬
‫ه‬
‫حب ِ ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ريًبا من َ‬ ‫ضهِ قَ ِ‬ ‫مَعاذ ٌ ِفي أْر ِ‬ ‫ساَر ُ‬ ‫م عَلي ْهِ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫دا فَ َ‬ ‫ث ب ِهِ عَهْ ً‬ ‫حد َ َ‬ ‫حب ِهِ أ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ؟ قا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فوّق ُ‬ ‫ل ‪ :‬أت َ َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫قَرأ ال ُ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫ل ‪َ :‬يا عَب ْد َ اللهِ ! كي ْ َ‬ ‫جاَء ف َ‬ ‫سى ‪ ,‬ف َ‬ ‫مو َ‬ ‫أِبي ُ‬
‫َ‬ ‫م أ َوّ َ‬ ‫قرأ ُ أ َنت يا معاذ ُ ؟ َقا َ َ‬
‫م وَقَد ْ‬ ‫ل فَأُقو ُ‬ ‫ل الل ّي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬أَنا ُ‬ ‫ف تَ ْ َ ْ َ َ ُ َ‬
‫َ‬
‫ل ‪ :‬فَك َي ْ َ‬ ‫فوًّقا ‪َ ,‬قا َ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫س ُ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫مِتي ك َ‬ ‫ب ن َوْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ه ِلي فأ ْ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ما كت َ َ‬ ‫جْزِئي من الن ّوْم ِ ‪ ,‬فأقَرأ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ضي ْ ُ‬ ‫قَ َ‬
‫مِتي ‪.‬‬ ‫قَوْ َ‬
‫عبد الله بن عمر ‪:‬‬
‫دد ‪ ,‬كادت أن تكون له الخلفة فصانه الله‬ ‫المتعبد المتهجد المتتبع للثر المتش ّ‬
‫ل َنافِعٌ ‪ :‬دخل ابن عمر الكعبة فسمعته يقول وهو‬ ‫وحفظه من الفتن ‪َ ,‬قا َ‬
‫ساجد ‪ :‬قد تعلم ما يمنعني من مزاحمةِ قريش على هذه الدنيا إل خوفك ‪.‬‬
‫ت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد وغيرهم كانوا‬ ‫َ‬ ‫وعن سعيد بن جبير َقا َ‬
‫ل ‪َ :‬رأي ْ ُ‬
‫يرون أنه ليس أحد منهم على الحال التي فارق عليها محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ؛ غير ابن عمر ‪.‬‬
‫در له ‪ ,‬ثم يصير إلى‬ ‫س فيه ماء ‪ ,‬فيصلى ما قُ ّ‬ ‫مهَْرا ٌ‬ ‫وكان لعبد الله بن عمر ِ‬
‫طائر ‪ ,‬ثم يقوم فيتوضأ ‪ ,‬ثم يصلي ‪ ,‬ثم يرجع إلى‬ ‫فراشه فيغفى إغفاء ال ّ‬
‫طائر ‪ ,‬ثم يثب فيتوضأ ‪ ,‬ثم يصلي ‪ ,‬فيفعل ذلك في‬ ‫فراشه ‪ ,‬فيغفى إغفاء ال ّ‬
‫سا ‪.‬‬ ‫الليلة أربع مرات ‪ ,‬أو خم ً‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫جئَنا من كل أ ّ‬ ‫ف إ َِذا ِ‬ ‫وعن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تل ‪} :‬فكي ْ َ‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫د{ ]سورة النساء ‪ [41 :‬فجعل ابن عمر يبكي حتى لصقت لحيته وجيبه‬ ‫شِهي ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫من دموعه ‪ ,‬فأراد رجل أن يقول لبي ‪ :‬أقصر فقد آذيت الشيخ ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫شعَ قلوب ُهُ ْ‬ ‫خ َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫وعن نافع ‪ ,‬كان ابن عمر إذا قرأ ‪} :‬أل َ ْ‬
‫ه{ ]سورة الحديد ‪ [16 :‬بكى حتى يغلبه البكاء ‪.‬‬ ‫ل ِذِك ْرِ الل ّ ِ‬
‫طيقونه ‪ ,‬الوضوء‬ ‫ل ‪ :‬ل تُ ِ‬ ‫وقيل لنافع ‪ :‬ما كان يصنع ابن عمر في منزله ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل صلة ‪ ,‬والمصحف فيما بينهما ‪.‬‬ ‫لك ّ‬
‫ل‪:‬‬ ‫عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما َقا َ‬
‫ن{ ]سورة آل عمران‬ ‫حّبو َ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫قوا ِ‬ ‫حّتى ت ُن ْفِ ُ‬ ‫ن ت ََناُلوا ال ْب ِّر َ‬ ‫ت هذه الية ‪}:‬ل َ ْ‬ ‫ت َل َوْ ُ‬
‫ب إلي من جاريتي‬ ‫‪ [3/92‬فذكرت ما أعطاني الله ت ََعاَلى ‪ ,‬فما وجدت شيًئا أح ّ‬
‫رضية ‪ ,‬فقلت ‪ :‬هي حرة لوجه الله عّز وجل ؛ فلول أني ل أعود في شيء‬
‫جعلته لله عز وجل لنكحتها ؛ فأنكحها نافع فهي أم ولده ‪.‬‬
‫ن ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قّربه لربه عّز‬ ‫كا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫عن نافع َقا َ‬
‫ل نافع ‪ :‬وكان رقيقه قد عرفوا ذلك منه ‪ ,‬فربما شمر أحدهم فيلزم‬ ‫وجل ‪َ .‬قا َ‬
‫المسجد ؛ فإذا رآه ابن عمر رضي الله ت ََعالى عنه على تلك الحالةِ الحسنة‬ ‫َ‬
‫أعتقه فيقول ‪ :‬له أصحابه يا أبا عبد الرحمن ! والله ما بهم إل أن يخدعوك ‪,‬‬
‫ل نافع ‪ :‬فلقد‬ ‫دعنا له ‪َ ,‬قا َ‬ ‫فيقول ابن عمر ‪ :‬فمن خدعنا بالله عز وجل تخ ّ‬
‫ل عظيم ؛ فلما‬ ‫ٍ‬ ‫بما‬ ‫أخذه‬ ‫قد‬ ‫رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له‬
‫أعجبه سيره أناخه مكانه ‪ ,‬ثم نزل عنه ‪ ,‬فقال ‪ :‬يا نافع انزعوا ِزمامه ورحله ‪,‬‬
‫وجللوه وأشعروه ‪ ,‬وأدخلوه في البدن ‪.‬‬
‫ل ‪ :‬وما هو ؟‬ ‫واِرش ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ل ‪ :‬لبن عمر أعمل لك َ‬ ‫وعن ابن سيرين أن رجًل َقا َ‬
‫طعام فأصبت منه سهل ‪ ,‬فقال ‪ :‬ما شبعت منذ أربعة‬ ‫ظك ال ّ‬ ‫ل ‪ :‬شيء إذا ك َ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫ما يشبعون مرة ‪,‬‬ ‫أشهر ‪ ,‬وما ذاك أن ل أكون له واجدا ‪ ,‬ولكن عهدت قو ً‬
‫ويجوعون مرة ‪.‬‬
‫ذهبي ‪ :‬وأين مثل ابن عمر في دينه ‪ ,‬وورعه ‪ ,‬وعلمه ‪ ,‬وتألهه ‪,‬‬ ‫ل ال ّ‬ ‫َقا َ‬
‫وخوفه ‪ ,‬من رجل تعرض عليه الخلفة فيأباها ‪ ,‬والقضاء من مثل عثمان‬
‫شام لعلي فيهرب منه ‪ ,‬فالله يجتبي إليه من يشاء ويهدي‬ ‫فيرده ‪ ,‬ونيابة ال ّ‬
‫إليه من ينيب ‪.‬‬
‫عبد الله بن عباس ‪:‬‬
‫م بالفقه‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫بدر الحبار ‪ ,‬والبحر الّزخار ‪ ,‬دعوة الن ّب ِ ّ‬
‫والتفسير ‪.‬‬
‫م‬‫ل ‪ :‬الل ّهُ ّ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫مِني َر ُ‬ ‫ض ّ‬‫ل‪َ :‬‬ ‫س َقا َ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ه ال ْك َِتا َ‬ ‫م ُ‬ ‫عَل ّ ْ‬
‫َ‬
‫ت لَ ُ‬
‫ه‬ ‫ضعْ ُ‬ ‫خَلَء فَوَ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫م دَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫سأ ّ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫وع َ ْ‬
‫م فَ ّ‬ ‫ّ‬ ‫خب َِر ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‪.‬‬ ‫دي ِ‬‫ه ِفي ال ّ‬ ‫قهْ ُ‬ ‫ل ‪ :‬اللهُ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ذا ؟ فَأ ْ‬ ‫ضعَ هَ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ضوًءا ‪َ ,‬قا َ‬ ‫وَ ُ‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ل ‪ :‬خطبنا ابن عباس وهو أمير على الموسم ‪ ,‬فافتتح سورة‬ ‫ل َقا َ‬ ‫وعن أبي وائ ٍ‬
‫الّنور ‪ ,‬فجعل يقرأ ويفسر ‪ ,‬فجعلت أقول ‪ :‬ما رأيت ول سمعت كلم رجل‬
‫مثل هذا ‪ ,‬لو سمعته فارس والّروم والترك ؛ لسلمت ‪.‬‬
‫حبت ابن عباس من مكة إلى المدينة ‪ ,‬فكان إذا‬ ‫ص ِ‬‫ل‪َ :‬‬ ‫مليكة َقا َ‬ ‫عن ابن أبي ُ‬
‫ل قََرأ ‪:‬‬
‫خِتياني كيف كانت قراءته ؟ َقا َ‬ ‫س ْ‬ ‫نزل قام شطر الليل ‪ ,‬فسأله أيوب ال ّ‬
‫حيد ُ { ]سورة ق ‪[19 :‬‬‫ه تَ ِ‬
‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْ َ‬ ‫حقّ ذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ت ِبال ْ َ‬ ‫سك َْرةُ ال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫ت َ‬
‫جاَء ْ‬
‫}وَ َ‬
‫فجعل يرتل ‪ ,‬ويكثر في ذلك الّنشيج ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل ‪ :‬صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة ‪ ,‬فكان‬ ‫عن ابن أبي مليكة َقا َ‬
‫قران حرًفا حرًفا ‪ ,‬ويكثر‬ ‫يصلي ركعتين ؛ فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل ال ُ‬
‫في ذلك من الّنشيج والّنحيب ‪.‬‬
‫شراك البالي‬ ‫ل ‪ :‬رأيت ابن عباس وأسفل من عينيه مثل ال ّ‬ ‫عن أبي رجاء َقا َ‬
‫من البكاء ‪.‬‬
‫أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ‪:‬‬
‫ي‬‫م وأخوه من الّرضاعة ‪ ,‬ولقد أحبه الن ّب ِ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫ابن عَ ّ‬
‫م بعد طول عداء ؛ وشهد له بالجنة ‪ ,‬وقال ‪ :‬أرجو أن‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬‫َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫فا من حمزة ‪ ,‬وقيل ‪ :‬إنه لم يرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله‬ ‫يكون خل ً‬
‫عليه وسلم حياًء منه منذ أسلم ‪.‬‬
‫ل ‪ :‬ل تبكوا علي فإني لم أتنطف بخطيئة منذ‬ ‫ولما احتضر أبو سفيان َقا َ‬
‫أسلمت ‪.‬‬
‫صيف‬ ‫وعن سعيد بن المسيب ‪ :‬أن أبا سفيان بن الحارث كان يصلي في ال ّ‬
‫صلة ‪ ,‬ثم يصلي من الظهر إلى العصر ‪.‬‬ ‫نصف النهار حتى تكره ال ّ‬
‫ت أبا سفيان يوم الطائف فأصبت عينه‬ ‫ّ‬ ‫مي ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن سعيد بن عبيد الثقفي قال ‪َ :‬ر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فأتى النبي فقال ‪ :‬هذه عيني أصيبت في سبيل الله ‪ ,‬قال ‪ :‬إن شئت دعوت‬
‫ل ‪ :‬الجنة ‪.‬‬ ‫فَُرّدت عليك ‪ ,‬وإن شئت فالجنة ‪َ ,‬قا َ‬
‫عبد الله بن رواحة ‪:‬‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ي َ‬ ‫المتفكر عند نزول اليات المتصبر عند تناول الّرايات ‪ ,‬نعاه الن ّب ِ ّ‬
‫م يوم قتل ؛ وهو على منبره صلى الله عليه وسلم بالمدينة ‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫شام ؛ أتاه المسلمون‬ ‫لما أراد ابن رواحة الخروج إلى أرض مؤتة من ال ّ‬
‫ل ‪ :‬أما والله ما بي حب الدنيا ‪,‬‬ ‫يودعونه فبكى ‪ ,‬فقالوا له ‪ :‬ما يبكيك ؟! َقا َ‬
‫ول صبابة لكم ‪ ,‬ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه‬
‫ضّيا )‪] {(71‬سورة‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬‫حت ْ ً‬ ‫ك َ‬ ‫ن عََلى َرب ّ َ‬ ‫ها َ‬
‫كا َ‬ ‫م إ ِل ّ َوارِد ُ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫الية ‪} :‬وَإ ِ ْ‬
‫صدور بعد الورود ‪.‬‬ ‫مريم ‪ [71 :‬فقد علمت أني وارد النار ‪ ,‬ول أدري كيف ال ّ‬
‫وقيل تزوج رجل امرأة ابن رواحة ‪ ,‬فقال لها ‪ :‬تدرين لم تزوجتك ؟! لتخبريني‬
‫عن صنيع عبد الله في بيته ‪ ,‬فذكرت له شيًئا ل أحفظه غير أنها قالت ‪ :‬كان‬
‫إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين ‪ ,‬وإذا دخل صلى ركعتين ؛ ل يدع ذلك‬
‫دا ‪.‬‬ ‫أب ً‬
‫ث ابن رواحة‬ ‫ع‬
‫َ ََْ ُ‬ ‫ب‬‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫ِّ ّ َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫أن‬ ‫يسار‬ ‫بن‬ ‫سليمان‬ ‫وعن‬
‫ذا‬ ‫ساِئهم ‪ ,‬فقالوا ‪ :‬هَ َ‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ُ ِّ ِ ْ ِ َ‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫عوا‬ ‫م‬
‫َ َ ُ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫ن ي َُهود‬ ‫ه وَب َي ْ َ‬ ‫خّرص ب َي ْن َ ُ‬ ‫خي َْبر ‪ ,‬فَي ُ َ‬ ‫إلى َ‬
‫ق الله‬ ‫ف عَّنا ‪ ,‬فقال ‪ :‬يا معشر يهود ! والله إنكم لمن أبغض َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫َ‬
‫ف ْ‬ ‫خ ّ‬‫لك و َ‬
‫سحت ‪ ,‬فقالوا ‪ :‬بهذا‬ ‫حيف عليكم ‪ ,‬والّرشوة ُ‬ ‫ملي على أن أ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫إلي ‪ ,‬وما ذاك ب ِ َ‬
‫سماء والرض ‪.‬‬ ‫قامت ال ّ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ت هذه الية ‪" :‬وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ما ن ََزل ْ‬ ‫ل‪:‬ل ّ‬‫َ‬ ‫وعن بكر بن عبد الله المزني َقا َ‬
‫ها" ذهب عبد الله بن رواحة إلى بيته فبكى ‪ ,‬فجاءت امرأته فبكت ‪,‬‬ ‫َوارِد ُ َ‬
‫وجاءت الخادم فبكت ‪ ,‬وجاء أهل البيت فجعلوا يبكون ‪ ,‬فلما انقطعت عبرته‬
‫كم ؟! قالوا ‪ :‬ل ندري ! ولكن رأيناك بكيت فبكينا ‪,‬‬ ‫كا ُ‬ ‫ل ‪ :‬يا أهله ما الذي أ َب ْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ‪ :‬إ ِّنه أنزلت على رسول الله آية ‪ُ ,‬ينبئني فيها ربي عز وجل أني وارد‬ ‫َقا َ‬
‫الّنار ‪ ,‬ولم ينبئني أني صادر عنها ‪ ,‬فذلك الذي أبكاني ‪.‬‬
‫معه‬ ‫س ِ‬ ‫م وهو يخطب ‪ ,‬ف َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫وإن عبد الله بن رواحة أتى الن ّب ِ ّ‬
‫وهو يقول ‪ :‬اجلسوا فجلس مكانه خارج المسجد ؛ حتى فرغ من خطبته ‪,‬‬
‫عية‬ ‫طوا ِ‬ ‫صا عََلى َ‬ ‫حْر ً‬ ‫ل ‪َ :‬زاَدك الله ِ‬ ‫قا َ‬ ‫م ‪ ,‬فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫فبلغ ذلك الن ّب ِ ّ‬
‫الله ورسوله ‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن أَ َ‬
‫خذ َ الّراية يومئذ ‪:‬‬ ‫حي َ‬
‫ل ِ‬ ‫وإن عبد الله بن رواحة َقا َ‬
‫س ل َت َن ْزِل َّنه‬ ‫َ‬
‫ف ُ‬ ‫ت َيا ن َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س ْ‬ ‫أقْ َ‬
‫ة أ َوْ ‪ii‬ل َت ُك ْرِهَّنه‬ ‫طائ ِعَ ً‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫دوا الّرّنه‬ ‫ش ّ‬ ‫ب الّناس وَ َ‬ ‫جل َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫جّنه‬‫ن ‪ii‬ال ْ َ‬ ‫هي َ‬ ‫ك ت َك َْر ِ‬ ‫ما ِلي أَرا ِ‬ ‫َ‬
‫مئ ِّنه‬ ‫مط َْ‬ ‫ت‬
‫ْ ْ ِ ُ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫طا‬ ‫َ‬ ‫قَ ْ‬
‫د‬
‫شّنه‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ت إ ِّل ن ُط ْ َ‬ ‫َ‬ ‫هَ ْ‬
‫ل أن ْ ِ‬
‫ضا ‪:‬‬‫ل ابن إسحاق وقال أي ً‬ ‫َقا َ‬
‫موِتي‬ ‫قت َِلي ‪ii‬ت َ ُ‬ ‫س إ ِل ت ُ ْ‬‫ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫َيا ن َ ْ‬
‫ت‬‫قي ِ‬ ‫َ‬
‫ت قَد ْ ل ِ‬ ‫موْ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫هَ َ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ت فَ َ‬
‫طي ِ‬ ‫قد ْ ‪ii‬أعْ ِ‬ ‫من ّي ْ ِ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ت‬ ‫دي ِ‬ ‫ما ‪ii‬هُ ِ‬ ‫َ‬
‫فعَِلي فِعْلهُ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ت‬ ‫قد ْ ‪َ ii‬‬ ‫ت فَ َ‬ ‫َ‬
‫قي ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫خْر ِ‬ ‫ن ت َأ ّ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫دا رضي الله عنهما ‪ ,‬ثم أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى ُقتل ‪.‬‬ ‫ُيريد جعفًرا وزي ً‬

‫)‪(9 /‬‬

‫شد ّ بهذا صلبك فإنك قد‬ ‫وقبل أن ينزل أتاه ابن عمه بعظم من لحم ‪ ,‬فقال ‪ُ :‬‬
‫لقيت من أيامك هذه ما قد لقيت ‪ ,‬فأخذه من يده ثم انتهش منه نهشة ‪ ,‬ثم‬
‫سمع الحطمة في ناحية الّناس ‪ ,‬فقال ‪ :‬وأنت في الدنيا ‪ ,‬ثم ألقاه من يده ثم‬
‫أخذ سيفه ؛ فتقدم فقاتل حتى قتل رضي الله ت ََعاَلى عنه ‪.‬‬
‫تميم بن أوس الداري ‪:‬‬
‫ب اّلذين‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة حتى أصبح أو كاد يقرأ آية يرددها ويبكي ‪} :‬أ ْ‬ ‫صلى ليل ً‬
‫َ‬
‫م‬
‫حَياهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫واًء َ‬ ‫س َ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬ ‫ا ْ‬
‫ن )‪] {(21‬سورة الجاثية ‪[21 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫مات ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫عائشة رضي الله عنها ‪:‬‬
‫صديقة بنت الصديق ‪ ,‬أفقه نساء المة على الطلق ‪ ,‬المبرأة من كل عيب‬ ‫ال ّ‬
‫ونقص رضي الله عنها ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عَ َ‬
‫ي‬
‫ن عَل ّ‬ ‫ن ي َكو ُ‬‫ُ‬ ‫ل ‪ :‬كا َ‬‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه عَن َْها ت َ ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ة َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫‪,‬‬ ‫ن‬ ‫با‬ ‫ع‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫في‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫الصوم من رمضان ‪ ,‬فَما أ َستطيع أ َن أ َ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كان َِها‬ ‫م َ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫تأ ّ‬ ‫م ‪.‬وقال أحد الرواة ‪ :‬فَظ َن َن ْ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫أوْ ِبالن ّب ِ ّ‬
‫م‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫من الن ّب ِ ّ‬
‫دهر ‪.‬‬ ‫م كانت تصوم ال ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫فلما ُتوفي الن ّب ِ ّ‬
‫ن ك ُّنا ل َن َن ْظ ُُر إ َِلى‬ ‫إ‬ ‫‪:‬‬ ‫تها‬ ‫خ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫عائ ِ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ْ ِ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ِ‬ ‫ُ ََْ َّ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ِ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ت ِفي أب َْيا ِ‬ ‫ما أوقِد َ ْ‬ ‫ن ‪ ,‬وَ َ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫ة أهِل ّةٍ ِفي َ‬ ‫ل ‪ ,‬ث ََلث َ َ‬ ‫م ال ْهَِل ِ‬ ‫ل ‪ ,‬ثُ ّ‬ ‫ال ْهَِل ِ‬
‫ت‪:‬‬ ‫م ؟ َقال َ ْ‬ ‫شك ُ ْ‬ ‫ن ي ُِعي ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة! َ‬ ‫خال َ ُ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫م َناٌر ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ل‬
‫ْ ِ َ َ َ‬‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ص‬
‫ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ل‬
‫َ َ ُ ِ‬‫سو‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ِ ّ ُ ْ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫؛‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫ّ ْ ُ َ َ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫‪:‬‬ ‫ن‬ ‫اْ ْ َ َ ِ‬
‫دا‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ل‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ح ‪ ,‬وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صارِ ‪َ ,‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫حو َ‬ ‫من َ ُ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫مَنائ ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن من الن ْ َ‬ ‫جيَرا ٌ‬ ‫ِ‬
‫قيَنا ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫س ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫م‬
‫ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫َ َ َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫فا ‪ ,‬وهي ترقع درعها‬ ‫ل ‪ :‬كانت عائشة تقسم سبعين أل ً‬ ‫عن عروة بن الزبير َقا َ‬
‫‪.‬‬
‫ل في غرارتين ‪ ,‬يكون مائة‬ ‫عن أم ذ َّرة قالت ‪ :‬بعث ابن الزبير إلى عائشة بما ٍ‬
‫ألف ‪ ,‬فدعت بطبق ؛ فجعلت تقسم في الّناس ‪ ,‬فلما أمست قالت ‪ :‬هاتي يا‬
‫طوري ‪ ,‬فقالت أم ذرة ‪ :‬يا أم المؤمنين ! أما استطعت أن تشتري لنا‬ ‫جارية فَ ُ‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما بدرهم ‪ ,‬قالت ‪ :‬ل تعنفيني لو ذكرتيني لفعلت ‪.‬‬ ‫لح ً‬


‫ب‬ ‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي َْنا وَوَقاَنا عَ َ‬ ‫َ‬ ‫ن الل ُ‬‫ّ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫ومرت عائشة رضي الله عنها بهذه الية ‪} :‬ف َ‬
‫موم ِ )‪] {(27‬سورة الطور ‪ [27 :‬فقالت ‪ :‬اللهم من علينا وقنا عذاب‬ ‫س ُ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة ‪ ,‬فقال ‪ :‬في‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫‪:‬‬ ‫للعمش‬ ‫فقيل‬ ‫‪,‬‬ ‫الرحيم‬ ‫البر‬ ‫أنت‬ ‫إنك‬ ‫‪,‬‬ ‫سموم‬ ‫ال ّ‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫أسماء بنت أبي بكر ‪:‬‬
‫ذات الّنطاقين العابدة الصابرة المحتسبة ‪ ,‬جعلت من نطاقها سفرة للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ه‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫فَرةَ َر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫صن َعْ ُ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫ه عَن َْها َقال ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ماَء َر ِ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حين أ َراد أ َ‬ ‫ْ‬ ‫وسل ّم في بيت أ َ‬
‫جد ْ‬‫م ن َِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ل‬‫قا‬ ‫‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫دي‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫إ‬
‫َ ِ َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫ها‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫بي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ‬
‫شي ًْئا أ َْرب ِطُ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫ما أ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت ِلِبي ب َكرٍ ‪َ :‬واللهِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ما ب ِهِ ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫ُ‬
‫ما ن َْرب ِطهُ َ‬ ‫قائ ِهِ َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫فَرت ِهِ وَل ل ِ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫لِ ُ‬
‫ْ‬ ‫ن َفاْرب ِ ِ‬ ‫ل ‪ :‬فَ ُ‬ ‫ب ِهِ إ ِل ن ِطاِقي ‪َ ,‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫فَرة َ ‪,‬‬ ‫س ْ‬
‫خرِ ال ّ‬ ‫قاَء ‪ ,‬وَِبال َ‬ ‫س َ‬ ‫حدٍ ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫طيهِ ب ِ َ‬ ‫قيهِ ِباث ْن َي ْ ِ‬ ‫ش ّ‬
‫َ‬ ‫ت ‪ .‬فَل ِذ َل ِ َ‬ ‫فعَل ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ت الن ّطاقَي ْ ِ‬ ‫ت َذا َ‬ ‫مي َ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ك ُ‬ ‫فَ َ‬
‫مها حتى تعلم أيرضى‬ ‫وكانت عظيمة الولء شديدة التباع ‪ ,‬منعت نفسها عن أ ّ‬
‫رسول الله أم ل !!‬
‫ي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫مي وَهِ َ‬ ‫يأ ّ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ‪ :‬قدِ َ‬ ‫ما قال ْ‬ ‫ه عَن ْهُ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ت أِبي ب َكرٍ َر ِ‬ ‫ماَء ب ِن ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬
‫ل الل ِّ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫ر‬
‫ْ َ َْ ُ َ ُ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫‪,‬‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫َ ْ ِ َ ُ ِ‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫في‬ ‫م ْ ِ ٌ ِ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ُ‬
‫صِلي‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫؟‬ ‫مي‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫غ‬ ‫را‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫‪,‬‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫ََ ْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ َ َ ِ َ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬ ‫أ ّ‬
‫ل هشام بن عروة ‪ :‬كثر الّلصوص‬ ‫سا ‪َ ,‬قا َ‬ ‫وكانت شجاعة مهيبة ‪ ,‬ل تخشى بأ ً‬
‫جًرا زمن سعيد بن العاص ‪ :‬كانت تجعله تحت‬ ‫خن ْ َ‬ ‫بالمدينة ‪ ,‬فاتخذت أسماء ِ‬
‫ص بعجت بطنه ‪-‬‬ ‫رأسها ‪ ,‬فقيل لها ما تصنعين بهذا ؟ قالت ‪ :‬إن دخل علي ل ٌ‬
‫مياء ‪.‬‬ ‫وكانت عَ ْ‬
‫وكانت عظيمة القدر شديدة المراس ‪ ,‬احتسبت ولدها قبل قتله عند الله‬
‫سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ل ‪ :‬دخلت أنا وعبد الله بن الزبير على أسماء قبل قتل‬ ‫عروة بن الزبير َقا َ‬ ‫عن ُ‬
‫ة ‪ ,‬فقال عبد الله ‪ :‬كيف تجدينك قالت ‪:‬‬ ‫جعَ ٌ‬ ‫ابن الزبير بعشرِ ليال ‪ ,‬وإنها وَ ِ‬
‫شت َِهي موتي فلذلك‬ ‫ن في الموت لعافية ‪ .‬قالت ‪ :‬لعلك ت َ ْ‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫وجعة ‪َ ,‬قا َ‬
‫تتمناه ؟! فل تفعل ! فالتفتت إلى عبد الله فضحكت ‪ ,‬وقالت ‪ :‬والله ما‬
‫قَتل فأحتسبك ‪ ,‬وإما‬ ‫أشتهي أن أموت حتى يأتي على أحد طرفيك ‪ :‬إما أن ت ُ ْ‬
‫أن تظفر فتقر عيني عليك ‪ ,‬وإياك أن تعرض خطة فل توافق ‪ ,‬فتقبلها كراهية‬
‫قَتل فيحزنها ذلك ‪ -‬وكانت ابنة مائة سنة ‪.‬‬ ‫الموت ‪ ,‬وإنما عني ابن الزبير أن ي ُ ْ‬
‫ولما ُقتل وصلب كانت صابرةً محتسبة ‪ ,‬ولم تخش من صولة الحجاج وبطشه‬
‫‪ ,‬بل واجهته بما ل يحب ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ت‬ ‫جعَل ْ‬ ‫دين َةِ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قب َةِ ال َ‬ ‫ن الّزب َي ْرِ عَلى عَ َ‬ ‫ت عَب ْد َ اللهِ ب ْ َ‬ ‫ل ‪َ :‬رأي ْ ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ن أِبي ن َوْفَ ٍ‬ ‫ْ‬
‫ت أ َِبي ب َك ْرٍ ‪,‬‬ ‫ماَء ب ِن ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ْ‬
‫ل ال ْحجاج إَلى أ ُمه أ َ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫قُريش تمر عَل َيه والناس ‪..‬ث ُم أ َ‬
‫ّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ل ل َت َأ ْت ِي َّني أ َو َل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَأ َ َبت ٌأ َن ت ّأ ْتيه ‪ ,‬فَأ َ َ‬
‫حب ُ ِ‬ ‫س َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬
‫ّ ِ‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قُروِني ‪:‬‬ ‫حب ُِني ب ِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ث إ ِل ّ‬ ‫حّتى ت َب ْعَ َ‬ ‫ت ‪َ :‬واللهِ ل آِتيك َ‬ ‫ت ‪ ,‬وََقال ْ‬ ‫ك ‪ ,‬فَأب َ ْ‬ ‫قُرون ِ ِ‬ ‫بِ ُ‬
‫َ‬
‫ل عَلي َْها ‪ ,‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫خ َ‬ ‫حّتى د َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ان ْطلقَ ي َت َوَذ ّ ُ‬ ‫خذ َ ن َعْلي ْهِ ث ُ ّ‬ ‫ي فَأ َ‬ ‫سب ْت َ ّ‬ ‫ل ‪ :‬أُروِني ِ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫سد َ‬ ‫ت عَلي ْهِ د ُن َْياه ُ ‪ ,‬وَأف َ‬ ‫سد ْ َ‬ ‫ت ‪َ :‬رأي ْت ُك أف َ‬ ‫ت ب ِعَد ُوّ اللهِ ؟ قال ْ‬ ‫صن َعْ ُ‬ ‫ف َرأي ْت ِِني َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ن ! أَنا َوالل ّهِ َذا ُ‬ ‫ت الن ّطاقَي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ن َذا ِ‬ ‫ه َيا اب ْ َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ك تَ ُ‬ ‫ك ‪ .‬ب َل َغَِني أن ّ َ‬ ‫خَرت َ َ‬ ‫كآ ِ‬ ‫عَل َي ْ َ‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫طاقَين ‪ ,‬أ َ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ت أْرفَعُ ب ِهِ ط ََعا َ‬ ‫ما ‪ :‬فَك ُن ْ ُ‬ ‫حد ُهُ َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ِ‬
‫الن ّ َ‬
‫مْرأةِ ال ِّتي َل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طاقُ ال ْ َ‬ ‫خُر ‪ :‬فَن ِ َ‬ ‫ما اْل َ‬ ‫ب ‪ ,‬وَأ ّ‬ ‫م أِبي ب َك ْرٍ من الد َّوا ّ‬ ‫م وَط ََعا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قي ٍ‬ ‫ن ِفي ث ِ‬ ‫حد ّثَنا ‪ :‬أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫ه‪,‬أ َ‬ ‫ست َغِْني عَن ْ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذابا ومبيرا ‪ .‬فَأ َ‬
‫م عَن َْها‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫ه‬ ‫يا‬
‫ِ ِّ ُ‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خا‬‫ِ َ‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫بي‬
‫ُ ِ ُ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫أ‬ ‫و‬
‫ُ َ َْ ُ َ ّ‬ ‫‪,‬‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ما‬‫ّ‬ ‫كَ ّ ً َ ُ ِ ً‬
‫جعَْها ‪.‬‬ ‫م ي َُرا ِ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن الّزبير‬ ‫ب اب ْ ُ‬ ‫صل ِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جد ‪ -‬وَذ َل ِ َ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫حيةِ ال ْ َ‬ ‫ماَء ِفي َنا ِ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫عمر ‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل ِلب ْ ِ‬ ‫وَِقي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل إ ِلي َْها ‪ ,‬فَ َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ الله ‪,‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ما الْرَوا ُ‬ ‫شيٍء ‪ ,‬وَإ ِن ّ َ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ث لي ْ َ‬ ‫جث َ ُ‬ ‫ذه ال ُ‬ ‫ن هَ ِ‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪-‬ف َ َ‬
‫ن َزك َرِّيا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حيى ب ْ ِ‬ ‫س يَ ْ‬ ‫دي َرأ ُ‬ ‫من َعُِني وَقَد ْ أهْ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ت‪:‬و َ‬ ‫قال ْ‬ ‫ري ‪ ,‬فَ َ‬ ‫صب ِ ِ‬ ‫قي الله َوا ْ‬ ‫َفات ّ ِ‬
‫سَراِئيل ‪.‬‬ ‫ن ب ََغايا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫إ َِلى ب َِغي ِ‬
‫وقد جاءت أسماء حتى وقفت عليه ؛ فدعت له طويل ‪ ,‬ول يقطر من عينها‬
‫دمعة ‪ ,‬ثم انصرفت رضي الله عنها ‪ ,‬وماتت بعده بليال ‪.‬‬
‫وامة قوامة ‪ ,‬ل تفتر من العبادة حتى ماتت ‪.‬‬ ‫ص ّ‬ ‫وكانت رضي الله عنها َ‬
‫َ‬
‫ه عَلي َْنا‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ‪ :‬دخلت على أسماء وهي تقرأ ‪} :‬فَ َ‬ ‫عن عّباد بن حمزة َقا َ‬
‫ل ‪ :‬فوقفت عليها ؛‬ ‫َ‬
‫موم ِ )‪] {(27‬سورة الطور ‪ [27 :‬قا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَوََقاَنا عَ َ‬
‫سوق فقضيت حاجتي ؛ ثم‬ ‫ل عَّباد ‪ :‬فذهبت إلى ال ّ‬ ‫فجعلت تستعيذ وتدعو ‪َ ,‬قا َ‬
‫رجعت وهي فيها بعد تستعيذ وتدعو ‪.‬‬
‫عمر بن عبد العزيز ‪:‬‬
‫مته في الفضل ‪ ,‬ونجيب عشيرته في العدل ‪ ,‬جمع‬ ‫أمير المؤمنين كان أوحد أ ّ‬
‫عا وكفاًفا ‪ ,‬شغله آجل العيش عن عاجله ‪ ,‬كان رحمه الله‬ ‫دا وعفاًفا وور ً‬ ‫زه ً‬
‫ما ‪.‬‬ ‫ما حكي ً‬ ‫دا مفه ً‬ ‫ما عاب ً‬ ‫للرعية أمًنا وأماًنا ‪ ,‬كان عال ِ ً‬
‫واقة ‪ ,‬لم تعط من‬ ‫ذه ت َ ّ‬ ‫سي هَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫مُر ‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫ل عُ َ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫عن جويرية بن أسماء َقا َ‬
‫ُ‬
‫ما أعطيت الخلفة التي ل شيء‬ ‫الدنيا شيًئا إل تاقت إلى ما هو أفضل منه ‪ ,‬فل ّ‬
‫أفضل منها ‪ ,‬تاقت إلى ما هو أفضل منها !! أي ‪ -‬الجنة أفضل من الخلفة ‪.‬‬
‫وكان رحمه الله قد اجتهد بالعبادة حتى أصبح ل ُيغاَلب عليها ‪.‬‬
‫صور أبو أمية خادم عمر بن عبد العزيز ‪ :‬رأيت عمر بن عبد العزيز‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫فط في كوة ‪ ,‬مفتاحه في إزاره ‪ ,‬فكان يتغفلني ‪ ,‬فإذا‬ ‫س ْ‬ ‫رضي الله عنه وله َ‬
‫سفط فأخرج منه جبية شعر ورداء شعر ؛ فصلى‬ ‫نظر إلي قد نمت ؛ فتح ال ّ‬
‫فيهما الليل ك ُّله ‪ ,‬فإذا نودي بالصبح نزعهما ‪.‬‬
‫صّله‬ ‫م َ‬ ‫وقالت فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز ‪ :‬أنها دخلت عليه فإذا هو في ُ‬
‫يده على خده سائلة دموعه ‪ :‬فقالت ‪ :‬يا أمير المؤمنين أشيء حدث ؟!‬
‫ل ‪ :‬يا فاطمة إني تقّلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فتفكرت‬ ‫َقا َ‬
‫ضائع ‪ ,‬والعاري المجهود ‪ ,‬والمظلوم المقهور ‪,‬‬ ‫في الفقير الجائع والمريض ال ّ‬
‫والغريب المأسور ‪ ,‬والكبير ‪ ,‬وذي العيال في أقطار الرض ‪ ,‬فعلمت أن ربي‬
‫سيسألني عنهم ‪ ,‬وأن خصمهم دونهم محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فخشيت‬
‫أل تثبت لي حجة عند خصومته ! فرحمت نفسي ؛ فبكيت ‪.‬‬
‫وكان رحمه الله عفيف الّنفس ‪ ,‬أجهد نفسه وضّيق عليها ؛ حتى كان حاله‬
‫ل من عامة المسلمين ‪.‬‬ ‫كحال أي رج ٍ‬
‫)‪(11 /‬‬

‫ل ‪ :‬كان لعمر بن عبد العزيز غلم يعمل على بغل‬ ‫عن أبي عثمان الثقفي َقا َ‬
‫ما بدرهم ونصف ‪ ,‬فقال ‪ :‬ما بدالك ؟ فقال‬ ‫ل يوم ٍ ‪ ,‬فجاءه يو ً‬ ‫له يأتيه بدرهم ك ُ ّ‬
‫ل ‪ :‬ل ولكنك أتعبت البغل ‪ ,‬أرحه ثلثة أيام ‪.‬‬ ‫سوق ‪َ ,‬قا َ‬ ‫‪ :‬نفقت ال ّ‬
‫س الجمعة ؛ ثم جلس وعليه قميص مرقوع‬ ‫ّ‬
‫صلى عمر بن عبد العزيز بالّنا ِ‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الله قد‬ ‫الجيب من بين يديه ومن خلفه ‪ ,‬فقال له رجل ‪ :‬يا أمير المؤمنين إ ِ ّ‬
‫أعطاك ؛ فلو لبست ‪ ,‬فقال ‪ :‬أفضل القصد عند الجدة ‪ ,‬وأفضل العفو عند‬
‫المقدرة ‪.‬‬
‫حا ‪ ,‬فقال ‪ :‬لو أن عندنا شيئا من‬ ‫ً‬ ‫تفا‬ ‫عمر‬ ‫هى‬ ‫ََ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫ا‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫مهاجر‬ ‫بن‬ ‫عمرو‬ ‫وعن‬
‫ما جاء به‬ ‫حا ‪ ,‬فل ّ‬ ‫تفاح ‪ ,‬فإنه طيب ‪ ,‬فقام رجل من أهله فأهدى إليه تفا ً‬
‫ل ‪ :‬ما أطيبه وأطيب ريحه وأحسنه ‪ ,‬ارفع يا غلم واقرأ على‬ ‫الّرسول ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل عمرو‬ ‫سلم ‪ ,‬وقل له ‪ :‬إن هديتك قد وقعت عندنا بحيث تحب ‪َ ,‬قا َ‬ ‫فلن ال ّ‬
‫بن مهاجر ‪ :‬فقلت له يا أمير المؤمنين ‪ :‬ابن عمك رجل من أهل بيتك ‪ ,‬وقد‬
‫م كان يأكل الهدية ‪ ,‬ول يأكل الصدقة ‪,‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫بلغك أن الن ّب ِ ّ‬
‫وة ‪.‬‬ ‫ش َ‬‫ن الهدية كانت للنبي صلى الله عليه وسلم هدية ‪ ,‬وهي لنا رِ ْ‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫وكان رحمه الله متواضًعا لم تغيره الخلفة ‪ ,‬بل زادته حسًنا ‪ ,‬وديًنا ‪ ,‬وتواضًعا‬
‫‪.‬‬
‫سراج‬ ‫ل ‪ :‬سمرت ليلة عند عمر بن عبد العزيز فاعتل ال ّ‬ ‫فعن رجاء بن حيوة َقا َ‬
‫‪ ,‬فذهبت أقوم أصلحه ؛ فأمرني عمر بالجلوس ثم قام فأصلحه ثم عاد‬
‫فجلس ‪ ,‬فقال ‪ :‬قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ‪ ,‬وجلست وأنا عمر بن عبد‬
‫فه ‪.‬‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫م بالرجل إن استخدم َ‬ ‫العزيز ‪ ,‬ولؤ ٌ‬
‫ومن حلمه وسعة صدرة ملطفته لشاعر يقول الرفث ‪.‬‬
‫فقد أتى فتيان إلى عمر بن عبد العزيز وقالوا ‪ :‬إن أبانا توفي وترك مال عند‬
‫ل أنت القائل ‪:‬‬ ‫ما دخل َقا َ‬ ‫عمنا حميد المجي ‪ ,‬فأحضره عمر فل ّ‬
‫شربت ال ْمدام فَل َ ُ‬
‫م أقْل ِ ْ‬
‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ ِْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ‪ii‬أ ْ‬ ‫ت ِفيَها فَل ْ‬ ‫عوت ِب ْ ُ‬ ‫وَ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ج ‪َii‬داُرهُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ذي أ َ‬ ‫مي ْد ُ ال ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ُ‬
‫صلعَ‬ ‫ْ‬
‫شي ْب َةِ ال َ‬ ‫مرِ ُذو ال ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫ْ‬
‫خو ال َ‬ ‫أَ ُ‬
‫ب عََلى ‪ُ ii‬‬ ‫َ‬
‫شْرب َِها‬ ‫شي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫أَتاهُ ال ْ َ‬
‫م ‪ii‬ي َن َْزع‬ ‫ما فَل َ ْ‬ ‫ري ً‬ ‫ن كَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫دك ‪ ,‬إنك أقررت بشرب الخمر ‪,‬‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ :‬نعم ‪َ ,‬قا َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ‪ :‬ما أراني إل سوف أح ّ‬
‫ل ‪ :‬إيهات ! أين ُيذهب بك ؟ ألم تسمع الله يقول ‪:‬‬ ‫وأنك لم تنزع عنها ‪َ ,‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(225‬‬ ‫مو َ‬
‫ل َواد ٍ ي َِهي ُ‬ ‫ُ‬
‫م ِفي ك ّ‬‫م ت ََر أن ّهُ ْ‬ ‫ن )‪ (224‬أل ْ‬ ‫م ال َْغاُوو َ‬ ‫شعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ْ‬ ‫}َوال ّ‬
‫ن )‪ ] { (226‬سورة الشعراء ‪ [ 226-224 :‬فقال ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فعَلو َ‬ ‫ما ل ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫وَأن ّهُ ْ‬
‫أولى لك يا حميد ! ما أراك إل قد أفلت ‪ ,‬ويحك يا حميد كان أبوك رجًل‬
‫ل ‪ :‬أصلحك الله وأينا يشبه أباه ‪ ,‬كان أبوك رجل‬ ‫صالحا ‪ ,‬وأنت رجل سوء ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل ‪ :‬إن هؤلء زعموا أن أباهم توفي وترك مال‬ ‫سوء ‪ ,‬وأنت رجل صالح ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل ‪ :‬صدقوا وأحضره بختم أبيهم ‪ ,‬وقال ‪ :‬أنفقت عليهم من مالي ‪,‬‬ ‫عندك ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل ‪ :‬ما أحد أحق أن يكون هذا عنده منك ‪ ,‬فقال ‪ :‬أيعود إلي‬ ‫وهذا مالهم ‪َ ,‬قا َ‬
‫وقد خرج مني ؟!‪.‬‬
‫دار ول يدري‬ ‫ما ‪ ,‬فبكت فاطمة ‪ ,‬فبكى أهل ال ّ‬ ‫وبكى عمر بن عبد العزيز يو ً‬
‫هؤلء ما أبكى هؤلء ‪ ,‬فلما تجلى عنهم العبر ‪ ,‬قالت له فاطمة ‪ :‬بأبي أنت يا‬
‫منصرف القوم من بين‬ ‫ل ‪ :‬ذكرت يا فاطمة ُ‬ ‫أمير المؤمنين ! مم بكيت ؟! َقا َ‬
‫ل ‪ :‬ثم صرخ‬ ‫يدي الله عز وجل ‪ ,‬فريق في الجنة وفريق في السعير ‪َ ,‬قا َ‬
‫وغشي عليه ‪.‬‬
‫قالت فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز ‪ :‬إنه قد يكون في الّناس من هو أكثر‬
‫ما من عمر بن عبد العزيز ‪ ,‬وما رأيت أحدا أشد فرقا من ربه‬ ‫صلة وصيا ً‬
‫منه ‪ ,‬كان إذا صلى العشاء قعد في مسجده ؛ ثم يرفع يديه فلم يزل يبكي‬
‫حتى تغلبه عينه ‪ ,‬ثم يتنبه فل يزال يدعو رافًعا يديه يبكي حتى تغلبه عينه ‪,‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يفعل ذلك ليله أجمع ‪.‬‬


‫ذهبي ‪ :‬قد كان هذا الرجل حسن الخلق والخلق ‪ ,‬كامل العقل حسن‬ ‫ل ال ّ‬‫َقا َ‬
‫صا على العدل بكل ممكن ‪ ,‬وافر العلم فقيه‬ ‫سياسة ‪ ,‬حري ً‬ ‫سمت جيد ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫دا مع الخلفة ‪,‬‬ ‫ً‬ ‫زاه‬ ‫فا‬‫ً‬ ‫حني‬ ‫لله‬ ‫تا‬‫ً‬ ‫قان‬ ‫با‬
‫ً‬ ‫مني‬ ‫ها‬
‫ً‬ ‫أوا‬ ‫‪,‬‬ ‫والفهم‬ ‫الذكاء‬ ‫ظاهر‬ ‫النفس‬
‫ظلمة اّلذين مّلوه ‪ ,‬وكرهوا‬ ‫قا بالحق مع قِّلة المعين وكثرة المراء ال ّ‬ ‫ناط ً‬
‫محاققته لهم ‪ ,‬ونقصه أعطياتهم ‪ ,‬وأخذه كثيًرا مما في أيديهم مما أخذوه‬
‫سعادة ‪,‬‬ ‫شهادة وال ّ‬ ‫سم ‪ ,‬فحصلت له ال ّ‬ ‫سقوه ال ّ‬ ‫بغير حق ‪ ,‬فما زالوا به حتى َ‬
‫وعد عند أهل العلم من الخلفاء الّراشدين ‪ ,‬والعلماء العاملين ‪.‬‬
‫أبو مسلم الخولني ‪:‬‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫سيد التابعين ‪ ,‬وزاهد العصر ‪ ,‬أسلم في أيام ِ الن ّب ِ ّ‬
‫دا ‪ ,‬آمًرا‬ ‫دا مجاه ً‬ ‫ودخل المدينة في خلفة أبي بكر رضي الله عنه ‪ ,‬كان عاب ً‬
‫بالمعروف ناهًيا عن المنكر ‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫مسلم الخولني في‬ ‫سا من أهل دمشق أتوا أبا ُ‬ ‫عن عطية بن قيس ‪ :‬أن أنا ً‬
‫منزله ؛ وكان غازًيا بأرض الّروم فوجدوه قد احتفر في فسطاطه حفرة ‪,‬‬
‫ووضع في الحفرة نطًعا وأفرغ ماًء فهو يتصلق فيه وهو صائم ‪ ,‬فقال له النفر‬
‫خص الله ت ََعاَلى لك الفطر في‬ ‫صيام وأنت مسافر ‪ ,‬وقد َر ّ‬ ‫ما يحملك على ال ّ‬
‫سفر والغزو ‪ ,‬فقال ‪ :‬لو حضر قتال أفطرت ؛ وتقويت للقتال ‪ ,‬إن الخيل ل‬ ‫ال ّ‬
‫ما لها‬ ‫دنى ‪ ,‬إنما تجري وهي ضمرات ‪ ,‬إن بين أيدينا أيا ً‬ ‫تجري الغايات وهي ب ُ ْ‬
‫نعمل ‪.‬‬
‫وكان رحمه الله يجتهد في العبادة ‪ ,‬حتى كان ُيكلف نفسه فوق ما تريد ‪.‬‬
‫سِلم الخولني أن عَّلق‬ ‫م ْ‬‫ل ‪ :‬كان من أمر أبي ُ‬ ‫عن عثمان بن أبي العاتكة َقا َ‬
‫سوط من الدواب ‪ ,‬فإذا دخلته فترة‬ ‫طا في مسجده ‪ ,‬ويقول ‪ :‬أنا أولى بال ّ‬ ‫سو ً‬
‫طا أو سوطين ‪ ,‬وكان يقول ‪ :‬لو رأيت الجنة عياًنا ما كان‬ ‫مشق ساقه سو ً‬
‫عندي مستزاد ‪ ,‬ولو رأيت النار عياًنا ما كان عندي مستزاد ‪.‬‬
‫وقد جاء رجلن إلى أبي مسلم فلم يجداه في منزله ‪ ,‬فأتيا المسجد فوجداه‬
‫يركع فانتظراه ‪ ,‬فأحصى أحدهما أنه ركع ثلث مائة ركعة ‪.‬‬
‫ل أبو مسلم ‪ :‬يا أم مسلم سوي رحلك‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫وعن سليمان بن يزيد العدوى َقا َ‬
‫؛ فإنه ليس على جهنم معبرة ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬ألقاه السود العنسي الكذاب في النار ‪ ,‬فخرج منها ناجيا سالما رحمه‬
‫الله ‪.‬‬
‫ل ‪ :‬بينا السود العنسي باليمن فأرسل إلى أبي‬ ‫عن شرحبيل الخولني َقا َ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم رسول الله ؟‬ ‫مسلم ‪ ,‬فقال له ‪ :‬أتشهد أن محم ً‬
‫ل ‪ :‬نعم‬‫َقا َ‬
‫ل ‪ :‬ما أسمع !‬ ‫ل ‪ :‬فتشهد أني رسول الله ؟ َقا َ‬ ‫َقا َ‬
‫جت ‪ ,‬وطرح فيها أبو مسلم ‪ ,‬فلم تضره ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ج َ‬
‫ل ‪ :‬فأمر بنار عظيمة فأ ّ‬
‫فقال له أهل مملكته ‪ :‬إن تركت هذا في بلدك أفسدها عليك ؛ فأمره‬
‫بالّرحيل فقدم المدينة ‪ ,‬وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪,‬‬
‫واستخلف أبو بكر ‪ ,‬فعقل راحلته على باب المسجد ‪ ,‬وقام إلى سارية من‬
‫سواري المسجد يصلي إليها ‪ ,‬فبصره به عمر ابن الخطاب رضي الله ت ََعاَلى‬
‫ل ‪ :‬فما فعل عدو‬ ‫ن اليمن ‪َ ,‬قا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ِ :‬‬ ‫عنه ‪ ,‬فأتاه فقال ‪ :‬من أين الرجل ؟ َقا َ‬
‫ل ‪ :‬ذاك عبد الله بن ثوب ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل‬ ‫الله بصاحبنا الذي حّرقه بالّنار فلم تضره ؟ َقا َ‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل ‪ :‬فقبل ما بين عينيه ‪ ,‬ثم جاء‬ ‫ل ‪ :‬الّلهم نعم ‪َ ,‬قا َ‬ ‫‪َ :‬نشدتك بالله أنت هو ؟ َقا َ‬
‫به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر ‪ ,‬وقال ‪ :‬الحمد لله الذي لم يمتني من‬
‫الدنيا حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل‬
‫بإبراهيم خليل الرحمن عليه السلم ‪.‬‬
‫دادين اّلذين مدوا من‬ ‫ما من الم ّ‬ ‫ماعيل ‪ :‬فأنا أدركت قو ً‬ ‫س َ‬‫ل إِ ْ‬‫ل الحوطي ‪َ :‬قا َ‬ ‫َقا َ‬
‫اليمن ‪ ,‬يقولون لقوم من عنس ‪ :‬صاحبكم الذي حّرق صاحبنا بالّنار فلم‬
‫تضره ‪.‬‬
‫وربما وصل به المر إلى معارضة الخليفة نفسه ‪ ,‬فيحلم عليه ‪ ,‬ويصبر ؛‬
‫ة لله ‪.‬‬ ‫لعلمه أنه يفعل ذلك حسب ً‬
‫عن أبي مسلم الخولني ‪ ,‬أن معاوية بن أبي سفيان خطب الّناس ‪ ,‬وقد‬
‫حبس العطاء شهرين أو ثلثة ‪ ,‬فقال له أبو مسلم ‪ :‬يا معاوية إن هذا المال‬
‫ليس بمالك ول مال أبيك ول مال أمك ‪ ,‬فأشار معاوية إلى الّناس أن امكثوا ‪,‬‬
‫ونزل فاغتسل ثم رجع ‪ ,‬فقال ‪ :‬أيها الّناس إن أبا مسلم ذكر أن هذا المال‬
‫ليس بمالي ول بمال أبي ول أمي وصدق أبو مسلم ‪ ,‬إني سمعت رسول الله‬
‫شيطان من النار ‪,‬‬ ‫شيطان ‪ ,‬وال ّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم يقول ‪ :‬الغضب من ال ّ‬
‫والماء يطفىء النار ‪ ,‬فإذا غضب أحدكم فليغتسل ‪ ,‬أغدوا على عطاياكم على‬
‫بركة الله عز وجل ‪.‬‬
‫صلة ابن أشيم ‪:‬‬
‫كان من العّباد ‪ ,‬والمجاهدين المحتسبين ‪ ,‬زوج العالمة العابدة ‪ ,‬معاذة‬
‫العدوية ‪.‬‬
‫قالت معاذة العدوية ‪ :‬ما كان صلة يجيء من مسجد بيته إلى فراشه إل‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫فتر في ال ّ‬ ‫وا ‪ ,‬يقوم حتى ي َ ْ‬‫حب ً‬
‫جنا في غزوةِ إلى كابل ‪,‬‬ ‫خَر ْ‬
‫ل‪َ :‬‬ ‫وعن حماد بن زيد العبدي ‪ ,‬أن أباه أخبره ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل ‪ :‬فترك الّناس عند العتمة ثم اضطجع ‪,‬‬ ‫وفي الجيش صلة بن الشيم ‪َ ,‬قا َ‬
‫فالتمس غفلة الّناس ‪ ,‬حتى إذا قلت هدأت العيون ‪ ,‬وثب فدخل ِغيضة قريًبا‬
‫ل ‪ :‬وجاء أسد ٌ حتى‬ ‫منه ‪ ,‬ودخلت في إثره ‪ ,‬فتوضأ ثم قام يصلي فافتتح ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل ‪ :‬أفتراه التفت إليه أو عذبه حتى سجد ‪,‬‬ ‫دنا منه ‪ ,‬فصعدت في شجرة ‪َ ,‬قا َ‬
‫سبع ‪,‬‬‫سّلم ‪ ,‬فقال ‪ :‬أيها ال ّ‬ ‫فقلت ‪ :‬الن يفترسه ‪ ,‬فل شيء ! فجلس ثم َ‬
‫اطلب الرزق من مكان آخر ؛ َفوّلى وإن له زئير ‪ ,‬أقول ‪ :‬تصدع الجبال منه ‪,‬‬
‫فما زال كذلك يصلي حتى إذا كان عند الصبح ‪ ,‬جلس فحمد الله بمحامد لم‬
‫ل ‪ :‬اللهم إني أسألك أن تجرني من النار ‪,‬‬ ‫أسمع بمثلها إل ما شاء الله ‪ ,‬ثم َقا َ‬
‫أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة ‪ ,‬ثم رجع فأصبح ‪ ,‬كأنه بات على الحشايا ‪,‬‬
‫وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم ‪.‬‬
‫وقد ضرب أعظم المثل في الصبر ‪ ,‬والحتساب رحمه الله ‪.‬‬
‫صَلة بن أشيم كان في مغزى له ومعه ابن له ‪,‬‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬‫عن ثابت البناني َقا َ‬
‫فقال ‪ :‬أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك ‪ ,‬فحمل فقاتل حتى قتل ‪,‬‬
‫فاجتمعت الّنساء عند امرأته معاذة العدوية ‪ ,‬فقالت ‪ :‬مرحًبا إن كنتن جئتن‬
‫لتهنئنني ! فمرحًبا بكن ‪ ,‬وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن ‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫خث َْيم ‪:‬‬


‫الربيع بن ُ‬
‫المخبت الورع ‪ ,‬المعترف بذنبه ‪ ,‬المفتقر لربه ‪ ,‬أحد العّباد الزهاد ‪.‬‬
‫خث َْيم ‪ :‬إذا دخل على عبد الله بن مسعود ‪ ,‬لم يكن عليه إذن‬ ‫وكان الربيع بن ُ‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لحد حتى يفرغ كل واحد من صاحبه ‪ ,‬فقال له عبد الله ‪ :‬يا أبا يزيد لو رآك‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبك ‪ ,‬وما رأيتك إل ذكرت المخبتين ‪.‬‬
‫وكان رحمه الله عظيم الصبر ‪ ,‬سريع الحتساب ‪.‬‬
‫خث َْيم يوما فلما انتهى إلى مسجد قومه ‪ ,‬قالوا له ‪ :‬يا ربيع لو‬ ‫خرج الربيع بن ُ‬
‫قَعد ‪ ,‬فجاء حجر فشجه ‪ ,‬فقال ‪ :‬فمن جاءه‬ ‫ل ‪ :‬فَ َ‬ ‫قعدت فحدثتنا اليوم ‪َ ,‬قا َ‬
‫موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ‪.‬‬
‫ضعفاء‬ ‫وكان الّربيع إذا قيل له ‪ :‬كيف أصبحت يا أبا يزيد ؟ يقول ‪ :‬أصبحنا ُ‬
‫مذنبين ‪ ,‬نأكل أرزاقنا ‪ ,‬وننتظر آجالنا ‪.‬‬
‫وكان رحمه الله عظيم التأثر ‪ ,‬سريع العتبار ‪.‬‬
‫خث َْيم عشرين سنة ‪ ,‬أنه ما‬ ‫ل إبراهيم التيمي ‪ :‬حدثني من صحب ربيع بن ُ‬ ‫َقا َ‬
‫تكلم بكلم منذ عشرين سنة ‪ ,‬إل بكلمة تصعد ‪ ,‬وما سمع منه كلمة عتاب ‪.‬‬
‫شقه ؛ يهادي بين رجلين إلى مسجد قومه ‪ ,‬وكان‬ ‫ط ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫وكان الّربيع بعدما َ‬
‫أصحاب عبد الله يقولون ‪ :‬يا أبا يزيد ‪ ,‬لقد رخص الله لك ‪ ,‬لو صليت في‬
‫بيتك ؟! فيقول ‪ :‬إنه كما تقولون ‪ ,‬ولكني سمعته ينادي حي على الفلح ‪,‬‬
‫فا ‪ ,‬ولو حبوا‪.‬‬ ‫فمن سمع منكم ينادي حي على الفلح ؛ فليجبه ‪ ,‬ولو زح ً‬
‫خث َْيم تنادي ابنها الربيع ‪ ,‬فتقول ‪ :‬يا بني ! يا ربيع ! أل‬ ‫وكانت أم الربيع بن ُ‬
‫ماه من جن عليه الليل وهو يخاف البيات ؛ حق له أن ل‬ ‫تنام ؟! فيقول ‪ :‬يا أ ّ‬
‫سهر نادته ‪ ,‬فقالت ‪ :‬يا بني‬ ‫ما بلغ ورأت ما يلقى من البكاء ‪ ,‬وال ّ‬ ‫ينام ‪ ,‬فل ّ‬
‫لعلك قتلت قتيًل ؟ فقال ‪ :‬نعم يا والدة ‪ ,‬قد قتلت قتيًل ‪ ,‬قالت ‪ :‬ومن هذا‬
‫القتيل يا بني حتى ُيتحمل على أهله فيعفون ؟ والله لو يعلمون ما تلقى من‬
‫سهر بعد ؛ لقد رحموك ‪ ,‬فيقول ‪ :‬يا والده ! هي نفسي ‪.‬‬ ‫البكاء ‪ ,‬وال ّ‬
‫وقالت ابنة الربيع للربيع ‪ :‬يا أبت لم ل تنام والناس ينامون ؟ فقال ‪ :‬إن‬
‫البيات في النار ؛ ل يدع أباك أن ينام ‪.‬‬
‫ل‪:‬‬ ‫ظروني فتفكر ثم َقا َ‬ ‫َ‬ ‫خث َْيم ‪ :‬أل ندعوا لك طبيًبا ؟! َقا َ‬
‫ل ‪ :‬أن ْ ِ‬ ‫قيل للربيع ابن ُ‬
‫َ‬
‫ن ذ َل ِك كِثيًرا " َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬فذكر حرصهم‬ ‫س وَقُُروًنا ب َي ْ َ‬ ‫ب الّر ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫مود َ وَأ ْ‬ ‫عاًدا وَث َ ُ‬‫" وَ َ‬
‫دنيا ورغبتهم ‪ ,‬وما كانوا فيها ‪ ,‬وقال ‪ :‬قد كانت فيهم أطباء ‪ ,‬وكان‬ ‫على ال ّ‬
‫فيهم مرضى ‪ ,‬فل أرى المداوي بقى ‪ ,‬ول أرى المداوى ‪ ,‬وأهلك الّناعت‬
‫والمنعوت ‪ ,‬ل حاجة لي فيه ‪.‬‬
‫خثْيم ‪,‬‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ :‬خرجنا مع عبد الله بن مسعود ‪ ,‬ومعنا الّربيع بن ُ‬ ‫عن أبي وائل َقا َ‬
‫فمررنا على حداد ‪ ,‬فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في الّنار ‪ ,‬فنظر ربيع إليها‬
‫فَرات ؛‬ ‫فتمايل ليسقط ‪ ,‬فمضى عبد الله حتى أتينا على أتون على شاطئ ال ُ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كا ٍ‬ ‫ما رأى عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الية }إ َِذا َرأت ُْهم من َ‬ ‫فل ّ‬
‫وا‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ظا وََزِفيًرا )‪ (12‬وَإ َِذا أل ْ ُ‬ ‫مُعوا ل ََها ت َغَي ّ ً‬
‫ن د َعَ ْ‬ ‫قّرِني َ‬‫م َ‬‫قا ُ‬ ‫ضي ّ ً‬‫كاًنا َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫قوا ِ‬ ‫س ِ‬‫ب َِعيد ٍ َ‬
‫ل ‪ :‬فصعق الّربيع ؛‬ ‫ك ث ُُبوًرا )‪ ] { (13‬سورة الفرقان ‪َ [ 13-12 :‬قا َ‬ ‫هَُنال ِ َ‬
‫ل ‪ :‬ثم َرابطه إلى المغرب فلم يفق ‪ ,‬ثم إنه‬ ‫فاحتملناه فجئنا به إلى أهله ‪َ ,‬قا َ‬
‫أفاق ؛ فرجع عبد الله إلى أهله ‪.‬‬
‫خث َْيم ذات ليلة ‪ ,‬فقام‬ ‫ت عند الّربيع بن ُ‬ ‫ل ‪ :‬بِ ّ‬ ‫وعن عبد الرحمن بن عجلن َقا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫م كال ِ‬ ‫َ‬ ‫جعَلهُ ْ‬‫ن نَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬ ‫ب الذين ا ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫صّلي فمر بهذه الية ‪} :‬أ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫ن )‪{ (21‬‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ‬‫ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫مات ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حَياهُ ْ‬‫م ْ‬ ‫واًء َ‬ ‫س َ‬‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫آ َ‬
‫] سورة الجاثية ‪[ 21 :‬‬
‫فمكث ليلته حتى أصبح ‪ ,‬ما جاوز هذه الية إلى غيرها ببكاٍء شديد ‪.‬‬
‫وكان الّربيع يقول ‪ :‬أكثروا ذكر هذا الموت الذي لم تذوقوا قبله مثله ‪ ,‬ولما‬
‫احتضر الربيع ؛ بكت ابنته ‪ ,‬فقال ‪ :‬يا بنية ‪ ,‬لم تبكين ؟ قولي ‪ :‬يا بشراي أتى‬
‫الخير ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عطاء بن أبي رباح ‪:‬‬


‫ّ‬
‫المام العلم ‪ ,‬فقيه الحرم ‪ ,‬مفترش الجنبين ل يعبأ باللم ‪ ,‬الذي د َل عليه ابن‬
‫عمر لما نزل البيت مستلم ‪.‬‬
‫م ابن عمر مكة ‪ ,‬فسألوه ‪ .‬فقال‬ ‫ِ َ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫البصري‬ ‫عن سعيد بن أبي الحسن‬
‫‪ :‬تجمعون لي المسائل ؛ وفيكم عطاء بن أبي رباح ‪.‬‬
‫ل ابن جريج ‪ :‬كان المسجد ِفراش عطاء عشرين سنة ‪ ,‬وكان من أحسن‬ ‫َقا َ‬
‫صلة ‪.‬‬
‫الّناس َ‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ل الصمعي ‪ :‬دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك ‪ ,‬وهو جالس على‬ ‫َقا َ‬
‫سرير ‪ ,‬وحوله الشراف ‪ ,‬وذلك بمكة في وقت حجه في خلفته ‪ ,‬فلما بصر‬ ‫ال ّ‬
‫سرير ‪ ,‬وقعد بين‬ ‫به عبد الملك ‪ ,‬قام إليه وسلم عليه ‪ ,‬وأجلسه معه على ال ّ‬
‫ل ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ,‬اتق الله في‬ ‫يديه ‪ ,‬وقال ‪ :‬يا أبا محمد ما حاجتك ؟ َقا َ‬
‫حرم الله ‪ ,‬وحرم رسوله ‪ ,‬فتعاهده بالعمارة ‪ ,‬واتق الله في أولد المهاجرين‬
‫والنصار ‪ ,‬فإنك بهم جلست هذا المجلس ‪ ,‬واتق الله في أهل الثغور ‪ ,‬فإنهم‬
‫حصن المسلمين ‪ ,‬وتفقد أمور المسلمين ‪ ,‬فإنك وحدك المسئول عنهم ‪,‬‬
‫واتق الله فيمن على بابك فل تغفل عنهم ‪ ,‬ول تغلق دونهم بابك ‪ ,‬فقال له ‪:‬‬
‫أفعل ‪ ,‬ثم نهض وقام ‪ ,‬فقبض عليه عبد الملك ‪ ,‬وقال ‪ :‬يا أبا محمد ‪ ,‬إنما‬
‫ل ‪ :‬ما لي إلى مخلوق‬ ‫سألتنا حوائج غيرك ‪ ,‬وقد قضيناها ‪ ,‬فما حاجتك ؟ َقا َ‬
‫سؤدد ‪.‬‬ ‫شَرف ‪ ,‬هذا وأبيك ال ّ‬ ‫حاجة ‪ ,‬ثم خرج ‪ ,‬فقال عبد الملك ‪ :‬هذا وأبيك ال ّ‬
‫سي على‬ ‫ف ِ‬‫ل لكنت أميًنا ‪ ,‬ول آمن ن َ ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ت َ‬‫ل ‪ :‬لو ائتمنت عََلى ب َي ْ ِ‬ ‫طاٍء َقا َ‬ ‫وعن عَ ِ‬
‫وهاء ‪.‬‬ ‫مةٍ َ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬ ‫أ َ‬
‫ل با َ‬ ‫ذهبي ‪ :‬صدق رحمه الله ففي الحديث ؛ "أ ََل َل ي َ ْ‬
‫ة‬
‫مَرأ ٍ‬ ‫ج ٌ ِ ْ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫خل ُوَ ّ‬ ‫ُقلت ‪-‬أي ال ّ‬
‫ن‪.‬‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫ن َثال ِث َهُ َ‬
‫زمت عطاء ثماني عشرة سنة ‪ ,‬وكان بعد ما كبر‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬ل ِ‬ ‫وعن ابن جريج َقا َ‬
‫صلة فيقرأ مئتي آية من البقرة ‪ ,‬وهو قائم ل يزول منه‬ ‫وضعف ‪ ,‬يقوم إلى ال ّ‬
‫شيء ول يتحرك ‪.‬‬
‫صا‬‫مي ً‬ ‫َ‬
‫ل عمر بن ذر ‪ :‬ما رأيت مثل عطاء بن أبي رباح ‪ ,‬وما رأيت عليه ق ِ‬ ‫َقا َ‬
‫قط ‪ ,‬ول رأيت عليه ثوًبا يساوي خمسة دراهم ‪.‬‬
‫السود بن يزيد ‪:‬‬
‫دا في العبادة ‪ ,‬يصوم حتى يخضر جسده ويصفر ‪ ,‬وكان علقمة بن‬ ‫كان مجته ً‬
‫ما‬‫ذب هذا الجسد ؟! فيقول ‪ :‬راحة هذا الجسد أريد ‪ ,‬فل ّ‬ ‫قيس يقول له ‪:‬لم تع ّ‬
‫ماِلي ل أجزع ؟! ومن أحق‬ ‫ل‪َ :‬‬‫احتضر بكى ‪ ,‬فقيل له ‪ :‬ما هذا الجزع ؟ َقا َ‬
‫بذلك مني ؟! والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل ؛ لهمني الحياء منه‬
‫مما قد صنعته ‪ ,‬إن الرجل ليكون بينه وبين الّرجل الذنب الصغير ‪ ,‬فيعفو عنه‬
‫ج السود ثمانين حجة ‪.‬‬ ‫؛ فل يزال مستحًيا منه ‪ .‬ولقد ح ّ‬
‫طاوس بن كيسان ‪:‬‬
‫الفقيه إمام أهل اليمن الّنجباء ‪ ,‬طاوس الّزهاد والعلماء ‪.‬‬
‫عن داود بن إبراهيم ‪ ,‬أن السد حبس الّناس ليلة في طريق الحج ‪ ,‬فدق‬
‫سحر ذهب عنهم ؛ فنزل الّناس يميًنا‬ ‫ما كان في ال ّ‬ ‫ضا ‪ ,‬فل ّ‬ ‫الّناس بعضهم بع ً‬
‫ّ‬
‫س أنفسهم فناموا ‪ ,‬وقام طاووس ُيصلي ‪ ,‬فقال رجل‬ ‫وشمال ‪ ,‬وألقى الّنا ُ‬
‫سحر ‪.‬‬ ‫م ال ّ‬ ‫ل ي ََنا ُ‬‫ل طاووس ‪ :‬وهَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لطاووس ‪ :‬أل تنام فإنك نصبت الليلة ؟ قا َ‬
‫سوق ‪ ,‬وطريق آخر ‪,‬‬ ‫وكان لطاووس طريقان إلى المسجد ‪ ,‬طريق في ال ّ‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سوق فرأى تلك‬ ‫ما ‪ ,‬فإذا مّر في طريق ال ّ‬ ‫ما وفي هذا يو ً‬ ‫فكان يأخذ في هذا يو ً‬
‫الرؤس المشوية ؛ لم ينعس تلك الليلة ‪.‬‬
‫وكان طاوس يجلس في بيته ‪ ,‬فقيل له في ذلك فقال ‪ :‬حيف الئمة وفساد‬
‫الّناس‪.‬‬
‫ل مجاهد لطاوس ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن ! رأيتك تصّلي في الكعبة ‪ ,‬والنبي‬ ‫َقا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫عليه السلم على بابها ‪ ,‬يقول لك ‪ :‬اكشف قناعك ‪ ,‬وبين قراءتك ‪َ ,‬قا َ‬
‫اسكت ل يسمعن هذا منك أحد ‪ ,‬حتى تخيل اليه أنه انبسط من الحديث ‪.‬‬
‫ل ‪ :‬ما كنت أرى أن أحدا‬ ‫أتى طاوس رجل في السحر ‪ ,‬فقالوا ‪ :‬هو نائم ‪َ ,‬قا َ‬
‫ينام في السحر ‪.‬‬
‫ل ‪ :‬ما أجد في قلبي خشية فأدعو لك ‪.‬‬ ‫ل رجل لطاوس ‪ :‬ادع الله لنا ‪َ ,‬قا َ‬ ‫َقا َ‬
‫توفي طاوس بالمزدلفة أو بمنى ‪ ,‬فلما حمل أخذ عبد الله بن الحسن بن‬
‫سرير ‪ ,‬فما زايله حتى بلغ القبر ‪.‬‬ ‫علي بن أبي طالب بقائمة ال ّ‬
‫محمد بن واسع ‪:‬‬
‫المام العامل ‪ ,‬والخاضع الخامل ‪ ,‬أدمى الحزن قلبه ‪ ,‬ما قعد ول قام مقام‬
‫سوء حتى لقي ربه ‪.‬‬
‫سليمان التيمي ‪ :‬ما أحد أحب أن ألقى الله بمثل صحيفته ‪ ,‬مثل محمد‬ ‫ل ُ‬ ‫َقا َ‬
‫بن واسع ‪.‬‬
‫وعن ابن واسع ‪ :‬إن الّرجل ليبكي عشرين سنة ‪ ,‬وامرأته معه ل تعلم ‪.‬‬
‫وقال جعفر بن سليمان ‪ :‬كنت إذا وجدت من قلبي قسوة ؛ غدوت فنظرت‬
‫إلى وجه محمد بن واسع ‪ ,‬كان كأنه ثكلى ‪.‬‬
‫صيك أن‬ ‫ُ‬ ‫ل رجل لمحمد بن واسع ‪ :‬أوصني ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ل حماد بن زيد ‪َ :‬قا َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ‪ :‬أو ِ‬
‫دنيا ‪.‬‬
‫ل ‪ :‬ازهد في ال ّ‬ ‫ل ‪ :‬كيف ؟ َقا َ‬ ‫كا في الدنيا والخرة ‪َ ,‬قا َ‬ ‫تكون مل ً‬
‫ل ‪ :‬طوبى لمن وجد عشاء ولم يجد غداء ‪ ,‬ووجد غداء ولم يجد عشاء‬ ‫ُ‬ ‫وعنه َقا َ‬
‫ض‪.‬‬ ‫‪ ,‬والله عنه را ٍ‬
‫سم أمير البصرة على قرائها ‪ ,‬فبعث إلى مالك بن دينار ؛‬ ‫ل ابن شوذب ‪ :‬قَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫سائي ‪ ,‬قالوا ‪ :‬يا‬ ‫َ‬
‫جل َ‬ ‫س ْ‬
‫ل ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫فأخذ ‪ ,‬فقال له ابن واسع ‪ :‬قبلت جوائزهم ؟ َقا َ‬
‫ساعة على ما‬ ‫ل ‪ :‬أنشدك الله أقلبك ال ّ‬ ‫قا فأعتقهم ‪َ ,‬قا َ‬ ‫أبا بكر اشتر بها رقي ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كان عليه قبل أن يجيزك ؟! قال ‪ :‬اللهم ل ‪ ,‬قال ‪ :‬أيّ شيء دخل عليك ؟‬
‫فقال مالك لجلسائه ‪ :‬إنما مالك حمار ‪ ,‬إنما يعبد الله محمد بن واسع ‪.‬‬
‫ي أحد ‪.‬‬ ‫ل ابن واسع ‪ :‬لو كان للذنوب ريح ما جلس إل ّ‬ ‫ل ابن عيينة ‪َ :‬قا َ‬ ‫َقا َ‬

‫)‪(15 /‬‬

‫ل الصمعي ‪ :‬لما صاف قتيبة بن مسلم للترك ‪ ,‬وهاله أمرهم ‪ ,‬سأل عن‬ ‫َقا َ‬
‫محمد بن واسع ‪ ,‬فقيل ‪ :‬هو ذاك في الميمنة ‪ ,‬جامح على قوسه ‪ُ ,‬يبصبص‬
‫ف شهير ‪,‬‬ ‫ل ‪ :‬تلك الصبع أحب إلي من مائة ألف سي ٍ‬ ‫سماء ‪َ ,‬قا َ‬‫بأصبعه نحو ال ّ‬
‫ب طرير ‪.‬‬‫وشا ٍ‬
‫ل ابن واسع وهو في الموت ‪ :‬يا إخوتاه تدرون أين ُيذهب بي ؟ والله إلى‬ ‫َقا َ‬
‫الّنار ‪ ,‬أو يعفو الله عني ‪.‬‬
‫دعاء مع الورع ‪ ,‬يسير العمل ‪.‬‬ ‫وقال ‪ :‬يكفي من ال ّ‬
‫دا‬ ‫ل ‪ :‬قَ ِ‬
‫ريًبا أجلي ‪ ,‬بعي ً‬ ‫وعن محمد بن واسع ‪ ,‬وقيل له ‪ :‬كيف أصبحت ؟ َقا َ‬
‫أملي ‪ ,‬سيًئا عملي ‪.‬‬
‫وقيل اشتكى رجل من ولد محمد بن واسع إليه ‪ ,‬فقال لولده ‪ :‬تستطيل على‬
‫الّناس ‪ ,‬وأمك اشتريتها بأربع مائة درهم ‪ ,‬وأبوك فل كثر الله في المسلمين‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عْلم الله ِفيك ؟!‬ ‫ساِبق ِ‬ ‫ك َقط َ‬ ‫كا َ‬ ‫ل أ َب ْ َ‬ ‫ل ‪ :‬هَ ْ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ل ل َِر ُ‬ ‫مثله ‪ ,‬وقيل ‪ :‬إنه َقا َ‬
‫ل ‪ :‬صحبت محمد بن واسع إلى مكة ‪,‬‬ ‫وعن أبي الطيب موسى بن يسار ‪َ ,‬قا َ‬
‫فكان يصلي الليل أجمعه ‪ ,‬يصلي في المحمل جالسا ‪ ,‬ويومئ‬
‫رم بن حيان ‪:‬‬ ‫هَ ِ‬
‫دمع ‪ ,‬عظيم الخوف من الله سبحانه وتعالى ‪.‬‬ ‫كان دائم الحزن ‪ ,‬سريع ال ّ‬
‫بات هرم بن حيان العبدى عند حممة صاحب رسول الله صلى الله عليه‬
‫هَ‬
‫لل ُ‬ ‫ل ‪ :‬فبات حممة ليلته يبكي كلها حتى أصبح ‪ ,‬فلما أصبح ‪َ ,‬قا َ‬ ‫وسلم ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل ‪ :‬ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر القبور ‪ ,‬فتخرج‬ ‫هرم ‪ :‬يا حممة ! ما أبكاك ؟ َقا َ‬
‫سماء ؛ فأبكاني ذلك ‪ ,‬وكانا يصطحبان أحياًنا بالّنهار ‪,‬‬ ‫من فيها ‪ ,‬وتناثر نجوم ال ّ‬
‫عوان ‪ ,‬ثم يأتيان‬ ‫َ‬
‫فيأتيان سوق الريحان ‪ ,‬فيسألن الله ت ََعالى الجنة ‪ ,‬وي َد ْ ُ‬
‫دادين ‪ ,‬فيتعوذان من النار ‪ ,‬ثم يفترقان إلى منازلهما ‪.‬‬ ‫الح ّ‬
‫كان هرم بن حيان يخرج في بعض الليل ‪ ,‬وينادي بأعلى صوته عجبت من‬
‫الجنة ‪ ,‬كيف ينام طالبها ؟ وعجبت من النار ‪ ,‬كيف ينام هاربها ؟ ثم قرأ ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬‫ن أ َهْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ن { ]سورة العراف ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م َنائ ِ ُ‬ ‫سَنا ب ََياًتا وَهُ ْ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫ن ي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫قَرى أ ْ‬ ‫م َ‬‫}أفَأ ِ‬
‫‪[97‬‬
‫مل هرم بن حيان ‪ ,‬فظن أن قومه سيأتونه ‪,‬‬ ‫ست ُعْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن مالك بن دينار ‪ ,‬قال ‪ :‬ا ْ‬
‫سّلمون عليه‬ ‫ُ َ‬ ‫ي‬ ‫قومه‬ ‫فجاءه‬ ‫‪,‬‬ ‫القوم‬ ‫من‬ ‫يأتيه‬ ‫من‬ ‫فأمر بنار فأوقدت بينه وبين‬
‫من بعيد ‪ ,‬فقال ‪ :‬مرحًبا بقومي ‪ ,‬ادنوا ‪ ,‬قالوا ‪ :‬والله ما نستطيع أن ندنو‬
‫وني في نار‬ ‫ل ‪ :‬وأنتم تريدون أن ت َل ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫منك ‪ ,‬لقد حالت النار بيننا وبينك ‪َ ,‬قا َ‬
‫جُعوا ‪.‬‬ ‫ل ‪ :‬فََر َ‬ ‫أعظم منها ؛ في نار جهنم ‪َ ,‬قا َ‬
‫ثابت البناني ‪:‬‬
‫صلة بعد‬ ‫صلة حتى تمنى ال ّ‬ ‫ذابل ‪ ,‬قد أحب ال ّ‬ ‫المتعبد الّناحل ‪ ,‬المتهجد ال ّ‬
‫انقطاع العمل ‪.‬‬
‫صلي لك‬ ‫ّ‬ ‫دا من خلقك أن ي ُ َ‬ ‫كان ثابت البناني يقول ‪ :‬اللهم إن كنت أعطيت أح ً‬
‫في قبره فأعطنيه ‪.‬‬
‫ذهبي ‪ :‬فيقال ‪ :‬إن هذه الدعوة استجيبت له ‪ ,‬وإنه ُرِئي بعد موته‬ ‫ل ال ّ‬ ‫َقا َ‬
‫يصلي في قبره ‪ -‬فيما قيل ‪.‬‬
‫وكان يقول ثابت رحمه الله ‪ :‬ما أكثر أحد ذكر الموت ‪ ,‬إل ُرئي ذلك في عمله‬
‫‪.‬‬
‫صلة عشرين سنة ‪ ,‬وتنعمت بها عشرين‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫كابدت‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫رحمه‬ ‫ثابت‬ ‫وقال‬
‫سنة ‪.‬‬
‫دهر ‪.‬‬ ‫ل يوم وليلة ‪ ,‬ويصوم ال ّ‬ ‫ل شعبة ‪ :‬كان ثابت البناني يقرأ القرآن في ك ُ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫وقال حماد بن زيد ‪ :‬رأيت ثابًتا يبكي حتى تختلف أضلعه ‪.‬‬
‫حال‬ ‫سليمان ‪ :‬بكى ثابت حتى كادت عينه تذهب ‪ ,‬فنهاه الك ّ‬ ‫وقال جعفر بن ُ‬
‫عن البكاء ‪ ,‬فقال ‪ :‬فما خيرهما إذا لم يبكيا ؟! وأبى أن يعالج ‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ثُ ّ‬
‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ق َ‬‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ِبال ّ ِ‬ ‫فْر َ‬ ‫وقال حماد بن سلمة ‪ :‬قرأ ثابت ‪} :‬أ َك َ َ‬
‫جًل{ ]سورة الكهف‪ [ 37 :‬وهو يصلي صلة الليل ينتحب‬ ‫ك َر ُ‬ ‫وا َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫فةٍ ث ُ ّ‬ ‫ن ُط ْ َ‬
‫وي َُرّددها ‪.‬‬
‫عبد الله بن عون ‪:‬‬
‫سانه ‪ ,‬الضابط لركانه ‪ ,‬كان للقرآن تالًيا ‪ ,‬ولعراض‬ ‫المام العلم ‪ ,‬الحافظ ل ِل ِ َ‬
‫المسلمين عافيا ‪.‬‬
‫ت ابن عون أربًعا وعشرين سنة ‪ ,‬ما سمعت منه‬ ‫حب ْ ُ‬
‫ص ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫عن خارجة ‪َ ,‬قا َ‬
‫جَناح ‪.‬‬ ‫كلمة أظن عليه فيها ُ‬
‫ساِنه ‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫هم‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ون‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ب‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫‪,‬‬ ‫مطيع‬ ‫وعن سلم بن أبي‬
‫ْ ُ ِِ َ‬ ‫َ ْ ُ َ ْ‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن معاذ بن معاذ ‪-‬واحد من أصحاب يونس بن عبيد ‪-‬أنه َقا َ‬


‫ل ‪ :‬إ ِّني لعرف‬
‫م له يوم من أيام ابن عون ‪ ,‬فما يقدر‬ ‫سل َ َ‬
‫رجًل منذ عشرين سنة ‪ ,‬يتمنى أن ي َ ْ‬
‫عليه ‪.‬‬
‫صّليا مثل ابن عون ‪.‬‬ ‫م‬
‫ُ َ‬ ‫رأيت‬ ‫ما‬ ‫‪:‬‬ ‫المبارك‬ ‫ابن‬ ‫وقال‬
‫وعن ابن عون ‪ ,‬أن أمه نادته فأجابها ‪ ,‬فعل صوته صوتها ؛ فأعتق رقبتين ‪.‬‬
‫فا على يمين ‪,‬‬‫ل بكار السيريني ‪ :‬صحبت ابن عون دهًرا ‪ ,‬فما سمعته حال ً‬ ‫َقا َ‬
‫برة ً ول فاجرة ‪.‬‬
‫وكان ابن عون إذا صلى الغداة ‪ ,‬يمكث مستقبل القبلة في مجلسه ‪ ,‬يذكر‬
‫الله ‪ ,‬فإذا طلعت الشمس صّلى ‪ ,‬ثم أقبل على أصحابه ‪.‬‬
‫ل قُّرة بن خالد ‪ :‬كنا نعجب من ورع محمد بن سيرين ‪ ,‬فأنساناه ابن‬ ‫َقا َ‬
‫عون ‪.‬‬
‫ما ‪.‬‬
‫ما ‪ ,‬ويفطر يو ً‬‫ل بكار بن محمد ‪ :‬كان ابن عون يصوم يو ً‬ ‫َقا َ‬
‫ً‬
‫ل معاذ بن معاذ ‪ :‬ما رأيت رجل أعظم رجاء لهل السلم من ابن عون ‪,‬‬ ‫َقا َ‬
‫جاج وأنا شاهد ‪ ,‬فقيل ‪ :‬يزعمون أنك تستغفر له ؟ فقال ‪:‬‬ ‫لقد ذ ُك َِر عنده الح ّ‬
‫جاج من بين الّناس ؟ وما بيني وبينه ؟ وما كنت أبالي أن‬ ‫مالي ل أستغفر للح ّ‬
‫ساعة ‪.‬‬‫استغفر له ال ّ‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ل بكار بن محمد ‪ :‬كان ابن عون إن وصل إنساًنا بشيء ؛ وصله سًرا ‪ ,‬وإن‬ ‫َقا َ‬
‫طلع عليه أحد ‪.‬‬ ‫صنع شيًئا صنعه سّرا ‪ ,‬يكره أن ي ّ‬
‫عامر بن عبد قيس ‪:‬‬
‫ضّر ببدنه ليتنعم به في الخرة ‪.‬‬ ‫العابد العالم ‪ ,‬الخائف الوجل ‪ ,‬أ َ‬
‫مُر بن عبد قيس ‪ :‬لجتهدن فإن نجوت فبرحمة الله ‪ ,‬وإن دخلت الّنار‬ ‫عا ِ‬‫ل َ‬‫َقا َ‬
‫دي ‪.‬‬ ‫جهْ ِ‬ ‫فلبعد َ‬
‫وكان يقول ‪ :‬ما أبكي على دنياكم رغبة فيها ‪ ,‬ولكن أبكي على ظمأ الهواجر ‪,‬‬
‫شتاء ‪ ,‬وقيل له ‪ :‬إن الجنة تدرك بدون ما تصنع ! وإن النار تتقى‬ ‫وقيام ليل ال ّ‬
‫بدون ما تصنع ! فيقول ‪ :‬ل حتى ل ألوم نفسي ‪ ,‬ومرض فبكى ‪ ,‬فقيل له ‪ :‬ما‬
‫يبكيك وقد كنت وقد كنت ‪ ..‬فيقول ‪ :‬مالي ل أبكي ! ومن أحق بالبكاء مني !‬
‫عا من الموت ‪ ,‬ولكن لبعد سفري ‪,‬‬ ‫صا على الدنيا ‪ ,‬ول جز ً‬ ‫والله ما أبكي حر ً‬
‫ط ‪ ,‬جنةٍ أو نار ‪ ,‬فل أدري إلى أيهما‬ ‫وقلة زادي ‪ ,‬وإني أمسيت في صعود ٍ وهبو ٍ‬
‫أصير ‪.‬‬
‫ُ‬
‫وعن الحسن أن عامًرا كان يقول ‪ :‬من أقرئ ؟ فيأتيه ناس فيقرئهم القرآن ‪,‬‬
‫صّلي إلى العصر ‪ ,‬ثم ُيقرئ الّناس إلى‬ ‫ثم يقوم فيصّلي إلى ال ّ‬
‫ظهر ‪ ,‬ثم ي ُ َ‬
‫فا‬‫المغرب ‪ ,‬ثم يصلي ما بين العشاءين ‪ ,‬ثم ينصرف إلى منزله ‪ ,‬فيأكل رغي ً‬
‫فا ويخرج ‪.‬‬
‫ة خفيفة ‪ ,‬ثم يقوم لصلته ‪ ,‬ثم يتسحر رغي ً‬ ‫وينام نوم ً‬
‫صلي من طلوع الشمس إلى العصر ‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫وكان عامر بن عبد قيس ل يزال ي ُ َ‬
‫سوء إنما خلقت للعبادة ‪,‬‬ ‫فينصرف وقد انفتحت ساقاه ‪ ,‬فيقول ‪ :‬يا أمارة بال ّ‬
‫وهبط وادًيا به عابد حبشي فانفرد يصلي في ناحية ؛ والحبشي في ناحية‬
‫ما ل يجتمعان إل في فريضة‪.‬‬ ‫أربعين يو ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫مّر عامر بن عبد قيس في الّرحبة ‪ ,‬وإذا برجل ي ُظلم ‪ ,‬فألقى رداءه ‪,‬‬ ‫و َ‬
‫وقال ‪ :‬ل أرى ذمة الله تخفر وأنا حي ؛ فاستنقذه ‪ ,‬وي ُْروى أن سبب إبعاده‬
‫سير عامر بن عبد الله ؛ شيعه‬ ‫ذمي ‪ ,‬ولما ُ‬ ‫شام كونه أنكر وخّلص هذا ال ّ‬ ‫إلى ال ّ‬
‫إخوانه ‪ ,‬وكان بظهر المربد ‪ ,‬فقال ‪ :‬إني داٍع فأمنوا ‪ :‬اللهم من وشي بي ‪,‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب عََلي وأخرجني من مصري ‪ ,‬وفرق بيني وبين إخواني ‪ ,‬فأكثر ماله ‪,‬‬ ‫وك َذ َ َ‬
‫ح جسمه ‪ ,‬وأطل عمره ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ص ّ‬
‫وأ ِ‬
‫عا‬
‫كي جز ً‬ ‫َ‬ ‫ل قتادة ‪ :‬لما احتضر عامر بكى ‪ ,‬فقيل ‪ :‬ما ُيبكيك ‪َ ,‬قا َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ‪ :‬ما أب ْ ِ‬
‫صا على الدنيا ‪ ,‬ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام‬ ‫من الموت ‪ ,‬ول حر ً‬
‫الليل ‪.‬‬
‫منصور بن المعتمر ‪:‬‬
‫حليف الصيام والقيام ‪ ,‬من أحسن الّناس صلة ‪ ,‬و أسردهم صياما ‪.‬‬
‫ل ‪ :‬لو رأيت منصوًرا يصلي لقلت يموت الساعة ‪.‬‬ ‫عن الثوري َقا َ‬
‫وكان منصور من العُّباد صام ستين سنة وقامها ‪ ,‬وكان جيرانه يحسبونه بالليل‬
‫ة قائمة ‪ ,‬فلما مات كانوا يقولون الخشبة ما فعلت !‬ ‫في الصيف خشب ً‬
‫قالت ابنة لجار منصور بن المعتمر لبيها ‪ :‬يا أبت ! أين الخشبة التي كانت‬
‫ل ‪ :‬يا بنية ! ذاك منصور كان يقوم بالليل ‪.‬‬ ‫في سطح منصور قائمة ؟! َقا َ‬
‫م لمه ‪ :‬يا أمه الجذع‬ ‫ما مات ‪َ ،‬قا َ‬
‫ل غل ٌ‬ ‫وكان منصور يصلي في سطحه فل ّ‬
‫عا ؛ ذاك‬ ‫الذي كان في سطح آل فلن ليس أراه ‪ ،‬قالت ‪ :‬يا بني ليس ذاك جذ ً‬
‫منصور قد مات ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وصام منصور وقام ‪ ,‬وكان يأكل الطعام ؛ وُيرى الطعام في مجراه ‪.‬‬
‫وعن زائدة أن منصور بن المعتمر ‪ :‬صام ستين سنة ‪ ,‬يقوم ليلها ‪ ,‬ويصوم‬
‫نهارها ‪ ,‬وكان يبكي ‪ ،‬فتقول له أمه ‪ :‬يا بني قتلت قتيل ! فيقول ‪ :‬أنا أعلم بما‬
‫صبح كحل عينيه ‪ ,‬ودهن رأسه ‪ ,‬وفرق شفتيه ‪,‬‬ ‫صنعت بنفسي ‪ ,‬فإذا كان ال ّ‬
‫وخرج إلى الّناس ‪.‬‬
‫وعن سفيان وذكر منصوًرا بن المعتمر ‪ ,‬فقال ‪ :‬قد كان عمش من البكاء ‪.‬‬
‫سا فتصيح‬ ‫ل ‪ :‬ربما كنت مع منصور في منزله جال ً‬ ‫عن أبي بكر بن عياش َقا َ‬
‫به أمه وكانت فظة غليظة ‪ ،‬فتقول ‪ :‬يا منصور ! يريدك ابن هبيرة على‬
‫القضاء فتأبي عليه ! وهو واضع لحيته على صدره ؛ ما يرفع طرفه إليها ‪,‬‬
‫وكان يقول للم ثلثة أرباع البر ‪.‬‬
‫قا ‪ ,‬ولجسمك عليك‬ ‫وكانت أم منصور تقول له ‪ :‬يا بني إن لعينك عليك ح ً‬
‫ما‬
‫قا ‪ ،‬فكان يقول لها منصور ‪ :‬دعي عنك منصوًرا ‪ ,‬فإن بين النفختين نو ً‬ ‫ح ً‬
‫طويل ‪.‬‬
‫سفيان الثوري ‪:‬‬
‫لقد ضرب سفيان المثل في العبادة ‪ ,‬حتى ترأس على أهل زمانه ‪ -‬رحمه‬
‫ما بأمر الله ‪ ،‬ل يعيقه عائق ‪ ,‬ول يخشى‬ ‫كا ‪ ،‬قائ ً‬ ‫دا متنس ً‬ ‫الله ‪ .‬فلقد كان عاب ً‬
‫في الله لومة لئم ‪.‬‬
‫فَيان بن عيينة ‪ :‬ما رأيت رجًل أعلم بالحلل والحرام من سفيان‬ ‫س ْ‬‫ل ُ‬ ‫َقا َ‬
‫الثوري ‪.‬‬
‫ل ‪ :‬سمعت سفيان يقول ‪ :‬كان الّرجل إذا أراد أن‬ ‫وعن أبي عاصم النبيل َقا َ‬
‫يطلب العلم ؛ تعبد قبل ذلك عشرين سنة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫م سفيان مكة فكان ُيصلي الغداة ويجلس يذكر‬ ‫ل مؤمل بن إسماعيل ‪ :‬قَدِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫الله حتى ترتفع الشمس ‪ ,‬ثم يطوف سبعة أسابع ‪ -‬أشواط ‪ُ -‬يصلي بعد‬
‫سبوع ركعتين يطولهما ‪ ,‬ثم يصلي إلى نصف الّنهار ‪ ,‬ثم ينصرف إلى البيت ‪,‬‬
‫فيأخذ المصحف فيقرأ ‪ ,‬فربما نام كذلك ‪ ,‬ثم يخرج لنداء الظهر ‪ ,‬ثم يتطوع‬
‫إلى العصر ‪ ,‬فإذا صلى العصر أتاه أصحاب الحديث فاشتغل معهم إلى‬
‫المغرب ‪ ,‬فيصلي ثم ينتقل إلى العشاء ؛ فإذا صّلى فربما يقرأ ثم ينام ‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سفيان بعد العشاء ‪ :‬ناولني المطهرة‬ ‫ل لي ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬


‫وعن يوسف بن أسباط ‪َ ,‬قا َ‬
‫ده ‪ ,‬فبقي مفكًرا‬ ‫أتوضأ ‪ ,‬فناولته فأخذها بيمينه ‪ ,‬ووضع يساره على خ ّ‬
‫ونمت ‪ ,‬ثم قمت وقت الفجر ‪ ,‬فإذا المطهرة في يده كما هي ‪ ,‬فقلت ‪ :‬هذا‬
‫الفجر قد طلع ‪ ,‬فقال ‪ :‬لم أزل منذ ناولتني المطهرة أتفكر في الخرة حتى‬
‫ساعة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وقال عبدالرزاق ‪ :‬دعا الثوري بطعام ٍ ولحم ‪ ,‬فأكله ثم دعا بتمر وزبد فأكله ‪,‬‬
‫ثم قام يصلي ‪ ,‬وقال ‪ :‬أحسن إلى الّزنجي وَك ُ ّ‬
‫ده ‪.‬‬
‫سك َْباج فأكل ‪,‬‬ ‫ضا ‪ :‬لما قدم سفيان علينا ‪ ,‬طبخت له قدر َ‬ ‫وقال عبد الّرزاق أي ً‬
‫َ‬
‫ده ‪,‬‬ ‫ل ‪ :‬يا عبد الّرزاق أعِْلف الحمار وَك ُ ّ‬ ‫ثم أتيته بزبيب الطائف فأكل ‪ ,‬ثم َقا َ‬
‫ثم قام يصلي ‪.‬‬
‫صلة فصلى ما بين الظهر‬ ‫ّ‬ ‫دى ‪ ,‬وأتى برطب فأكل ‪ ,‬ثم قام إلى ال ّ‬ ‫وكان قد تغ ّ‬
‫مِله ‪.‬‬
‫زد في عَ َ‬ ‫ضيم الحمار ‪ ,‬ف ِ‬ ‫ل ‪ :‬يقال ‪ :‬إذا ِزدت في قَ ِ‬ ‫والعصر ‪ ,‬ثم َقا َ‬
‫ة فشبع فقال ‪ :‬إن الحمار إذا زيد‬ ‫ل ‪ :‬أكل سفيان ليل ً‬ ‫وعن أبي خالد الحمر َقا َ‬
‫فه زيد في عمله ‪ ,‬فقام حتى أصبح ‪.‬‬ ‫في عَل َ ِ‬
‫عبد الله بن المبارك ‪:‬‬
‫سخي الجواد ‪ ,‬أليف القرآن والحج والجهاد ‪.‬‬ ‫المام ال ّ‬
‫ل إسماعيل بن عياش ‪ :‬ما على وجه الرض مثل عبد الله بن المبارك ‪ ,‬ول‬ ‫َقا َ‬
‫ة من خصال الخير إل وقد جعلها في عبد الله بن‬ ‫صل َ ً‬
‫خ ْ‬ ‫اعلم أن الله خلق َ‬
‫المبارك ‪ ,‬ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان‬
‫ُيطعمهم الخبيص ‪ ,‬وهو الدهر صائم ‪.‬‬
‫في ذلك ما استطاع ‪.‬‬ ‫خ ِ‬
‫عا ‪ ,‬ي ُ ْ‬ ‫دا ور ً‬‫دا زاه ً‬ ‫وكان عاب ً‬
‫ل محمد بن الوزير ‪-‬وصي ابن المبارك ‪ : -‬كنت مع عبد الله في المحمل‬ ‫َقا َ‬
‫ل ‪ :‬فنزل ابن المبارك ‪ ,‬وركب‬ ‫فانتهينا إلى موضٍع بالليل وكان ثم خوف ‪َ ،‬قا َ‬
‫دابته حتى جاوزنا الموضع فانتهينا إلى نهر ‪ ,‬فنزل عن دابته وأخذت أنا‬
‫مقودته واضطجعت ‪ ,‬فجعل يتوضأ ويصلي ‪ ,‬حتى طلع الفجر ؛ وأنا أنظر‬
‫ل ‪ :‬قلت ‪ :‬أنا على وضوء‬ ‫م فتوضأ ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ل ‪ :‬قُ ْ‬ ‫إليه ‪ ,‬فلما طلع الفجر ناداني ‪َ ،‬قا َ‬
‫‪ ,‬فركبه الحزن حيث علمت أنا بقيامه ‪ ,‬فلم ُيكلمني حتى انتصف النهار ‪,‬‬
‫وبلغت المنزل معه ‪.‬‬
‫شام‬ ‫ما بأرض ال ّ‬ ‫َ‬
‫وقال الحسن بن عرفة ‪ :‬قال ِلي ابن المبارك ‪ :‬استعرت قل ً‬‫َ‬
‫ما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي ‪,‬‬ ‫فذهبت على أن أرده إلى صاحبه ‪ ,‬فل ّ‬
‫شام حتى رددته على صاحبه ‪.‬‬ ‫فرجعت إلى ال ّ‬
‫لقد ملك ابن المبارك القلوب بدينه وسخائه حتى فاقت شهرته الّرشيد ‪.‬‬
‫قدم أمير المؤمنين الّرشيد الرقة ‪ ,‬فانجفل الّناس خلف ابن المبارك ‪,‬‬
‫وتقطعت الّنعال ‪ ,‬وارتفعت الغبرة ‪ ,‬فأشرفت أم ولد ٍ لمير المؤمنين من برج‬
‫دم ‪،‬‬ ‫من قصر الخشب ‪ ،‬فقالت ‪ :‬من هذا ؟ قالوا ‪ :‬عالم من أهل خراسان قَ ِ‬
‫ط‬
‫قالت ‪ :‬هذا والله الملك ؛ ل ملك هارون الذي ل يجمع الّناس إل بشر ٍ‬
‫وأعوان ‪.‬‬
‫حسان بن أبي سنان ‪:‬‬
‫ضا ‪,‬‬ ‫دا مري ً‬ ‫حافظ الطرف واللسان ‪ ,‬ثابت القلب و الجنان ‪ ,‬من رآه خاله أب ً‬
‫طاعة ‪.‬‬ ‫خفي العبادة دائم ال ّ‬
‫سان بن أبي سنان ‪ :‬كان يجيئني فيدخل معي في فراشي ثم‬ ‫قالت امرأة ح ّ‬
‫سل نفسه فخرج ‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫يخادعني كما تخادع المرأة صبيها ‪ ,‬فإذا عَِلم أني قد نمت َ‬
‫ثم يقوم فيصلي ‪ ،‬قالت ‪ :‬فقلت له ‪ :‬يا أبا عبد الله ! كم ُتعذب نفسك ! ارفق‬
‫ك أن أرقد رقدة ل أقوم منها زماًنا ‪.‬‬ ‫ش ُ‬ ‫ل ‪ :‬اسكتي ! ويحك ‪ُ ,‬يو ِ‬ ‫بنفسك ‪َ ،‬قا َ‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما رجع قالت له امرأته ‪ :‬كم من امرأة حسنة‬ ‫سان يوم العيد ‪ ,‬فل ّ‬ ‫وخرج ح ّ‬
‫ما أكثرت ‪ ,‬قال ‪ :‬ويحك ! ما نظرت إل في‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نظرت إليها اليوم ورأيتها ‪ ,‬فل ّ‬
‫إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك ‪.‬‬
‫ل ‪ :‬بخيرٍ إن نجوت من‬ ‫قيل له ‪ :‬في مرضه الذي مات فيه كيف تجدك ؟! َقا َ‬
‫ل ‪ :‬ليلة بعيدة ما بين الطرفين ؛ ُأحيى ما‬ ‫النار ‪ ،‬فقيل ‪ :‬له فما تشتهي ؟ َقا َ‬
‫بين طرفيها ‪.‬‬
‫الحسن بن صالح حي ‪:‬‬
‫الفقيه العابد ‪ ,‬والعالم الزاهد ‪ ,‬محيي الليل بالقرآن طارت بسيرته الّركبان ‪.‬‬
‫دا الخوف والخشوع أظهر على‬ ‫ل ‪ :‬ما رأيت أح ً‬ ‫داراني َقا َ‬ ‫فعن أبي سليمان ال ّ‬
‫ن{ ]سورة‬ ‫ُ‬
‫ساَءلو َ‬‫م ي َت َ َ‬
‫وجهه من الحسن بن حي ‪ ,‬قام ليلة حتى أصبح ب }عَ ّ‬
‫النبأ ‪ُ [ 1 :‬يردد آية فغشي عليه ؛ ثم عاد إليها فغشي عليه ‪ ,‬فلم يختمها حتى‬
‫طلع الفجر ‪.‬‬
‫وكان لهم ‪ -‬يعني لل الحسن بن صالح بن حي ‪-‬خادم يخدمهم ‪ ,‬فاحتاجوا إلى‬
‫بيعها فباعوها ‪ ,‬فلما كان في أول الليل ذهبت وألحت على مولها تقيمه ‪,‬‬
‫ما‬‫وتقول ‪ :‬ذهب الليل ! مرة بعد مرة ‪ ,‬حتى أضجرته فصاح بها ‪ ,‬قالت ‪ :‬فل ّ‬
‫أصبحت ذهبت إلى عند الحسن ‪ ,‬فقالت ‪ :‬يا سبحان الله ! ما كان يجب‬
‫عليكم فيما خدمتكم أن تبيعوني من مسلم ! فقال الحسن ‪ :‬سبحان الله !‬
‫وما له ؟ َقاَلت ‪ :‬انتظرت ليقوم ليتهجد فلم يفعل ‪ ,‬فألححت عليه فزبرني‬
‫ح يا علي ! وقال ‪ :‬ما تعجب من هذه ! اذهب فتسلف‬ ‫ل ‪ :‬فَ َ‬
‫صا َ‬ ‫وشتمني ‪َ ,‬قا َ‬
‫ثمنها من بعض إخواننا وأعتقها ‪.‬‬
‫ل وكيع بن الجراح ‪ :‬كان علي والحسن ابنا صالح بن حي وأمهم قد جّزؤوا‬ ‫َقا َ‬
‫ي يقوم الثلث ‪ ,‬ثم ينام ‪ ,‬ويقوم الحسن الثلث ‪,‬‬ ‫الليل ثلثة أجزاء ‪ ,‬فكان عل ّ‬
‫ثم ينام ‪ ,‬وتقوم أمهما الثلث ‪ ,‬فماتت أمهما ‪ ,‬فجزءا الليل بينهما ‪ ,‬فكانا‬
‫صباح ‪ ,‬ثم مات علي ‪ ,‬فقام الحسن به كله ‪.‬‬ ‫يقومان به حتى ال ّ‬

‫)‪(18 /‬‬

‫أبو سليمان الداراني ‪:‬‬


‫ل هم ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ما للطاعة ‪ ,‬شغله هم الخرة عن ك ّ‬ ‫ما على العبادة ‪ ,‬ملز ً‬ ‫كان مداو ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دراني قال ‪ :‬إنما هانوا عليه فعصوه ‪ ,‬ولو كرموا عليه‬ ‫عن أبي سليمان ال ّ‬
‫لمنعهم منها ‪.‬‬
‫طريق ‪.‬‬ ‫دا ‪ ,‬إنما رجع من رجع من ال ّ‬ ‫ً‬ ‫أب‬ ‫عنه‬ ‫يرجعوا‬ ‫لم‬ ‫إليه‬ ‫وصلوا‬ ‫وقال ‪ :‬إذا‬
‫دراني يقول ‪ :‬بينا أنا ساجد إذ ذهب بي الّنوم ‪ ,‬فإذا أنا بها‬ ‫وعن أبي سليمان ال ّ‬
‫يعني الحوراء قد ركضتني برجلها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬حبيبي ترقد عيناك والملك يقظان‬
‫ذة نومة على لذة مناجاة‬ ‫ن آثرت ل ّ‬
‫ينظر إلى المتهجدين وتهجدهم ‪ ,‬بؤسى لعي ٍ‬
‫العزيز ‪ ,‬قم فقد دنا الفراغ ‪ ,‬ولقي المحبون بعضهم ببعض فما هذا الّرقاد ‪,‬‬
‫حبيبي وقرة عيني أترقد عيناك وأنا أ َُرّبى لك في الخدور منذ كذا وكذا ‪,‬‬
‫عا ‪ ,‬وقد عرقت استحياًء من توبيخها إياي ‪ ,‬وإن حلوة منطقها لفي‬ ‫فوثبت فز ً‬
‫سمعي وقلبي ‪.‬‬
‫]من كتاب العبادة واجتهاد السلف فيها للشيخ[‬

‫)‪(19 /‬‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لسان حال الخونة والمارقين ‪...‬‬


‫لماذا أنت محتار في شأنهم أيها المسلم الحائر؟‬
‫لسان حالهم يدلك عليهم‪..‬‬
‫لسان حالهم يعرفك بهم‪ ..‬تعرفهم بسيماهم‪ ..‬وتعرفهم في لحن القول‪.‬‬
‫بل تعرفهم بأقوالهم الواضحة وأفعالهم الفاضحة‪ ..‬ومع ذلك لن يقولوا لك‬
‫صراحة أنهم منافقون أو خونة أو مارقون‪.‬‬
‫لسان حالهم يتوجه إلى بوش‪ ..‬إلى فرعون العصر الذي قال لهم بلسان‬
‫حاله‪ ) :‬هل لكم من إله غيري ؟‪ ..‬ل أحد يضركم غيري‪ ,‬ول أحد ينفعكم‬
‫مثلي‪ ...‬أنا الغني والجميع فقراء إلي (‪.‬‬
‫ردوا عليه قائلين ولو بلسان حالهم‪:‬‬
‫) ل اله إل أنت ‪ ..‬أنت النافع وأنت الضار‪ ،‬أنت المدمر وأنت المهلك وأنت‬
‫المحيي وأنت المميت‪ ،‬أنت القابض وأنت الباسط‪ ..‬من ينفع غيرك ومن يضر‬
‫سواك؟‬
‫أنت ربنا ‪ ..‬ل ملجأ ول منجا لنا منك إل إليك ‪ ...‬نرجو رحمتك ونخشى عذابك‬
‫إن عذابك للعرب والمسلمين ماحق‪.‬‬
‫لقد قرأنا رسائلك وفهمنا الدروس‪.‬‬
‫ق‬
‫ِ‬ ‫تب‬ ‫لم‬ ‫عندك‪..‬‬ ‫الدنيا‬ ‫مشاكل‬ ‫حلول‬ ‫من‬ ‫بالمئة‬ ‫عرفنا وآمنا أن تسعة وتسعون‬
‫شيئا ً لله العرب والمسلمين‪.‬‬
‫لقد وصلت القمر والمريخ‪ ..‬غزوت الفضاء ‪ ..‬تستنسخ ما تشاء ‪ ..‬تخلق ما‬
‫تشاء‪ ,‬تصنع ما تشاء‪ ,‬بيدك العلم والتقنية والصناعة والثروة والقوة‪ ,‬ليس‬
‫كمثلك شيء‪ ،‬تعلم ما يدور في الدنيا ول أحد يعلم ما تريد‪ ،‬ل علم إل علمك‪،‬‬
‫ول حكم إل حكمك‪ ،‬ول حول ول قوة لنا إل بك‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫أنت يا بوش ويا خليفة بوش‪ ..‬أنت فرعون عصرنا‪ ...‬أنت ربنا‪ ,‬لك نصلي ‪...‬‬
‫لك نركع ‪ ...‬لك نسجد‪ ,‬باسمك نهتف ونسبح حتى ترضى ويرضى غلمانك‬
‫وفتيانك وحواريوك ورعاة بقرك‪ ،‬وبيتك البيض يا بوش قبلتنا‪ ،‬نحج إلى بيتك‬
‫البيض الجديد ونترك البيت العتيق‪ ،‬به نطوف ونسعى‪ ,‬نرجو رحمتك ونخشى‬
‫عذابك الشديد‪.‬‬
‫نحج إليك كل عام مرة‪ ...‬ونعتمر كل عام مرة أو مرتين‪.‬‬
‫نأتيك حجاجا ً ومعتمرين ‪ ..‬منادين ‪:‬‬
‫لبيك بوشا ً لبيك‪.‬‬
‫لبيك ل شريك لك لبيك‪.‬‬
‫فيتهم ‪ ..‬ليبقى الملك كله بيديك‪.‬‬ ‫لقد انتصرت على شركائك‪ ..‬خنقتهم ‪ ..‬ص ّ‬
‫تتصرف فيه كما تشاء‪.‬‬
‫تدني إليك من تشاء‪.‬‬
‫وتبعد من تشاء‪.‬‬
‫لبيك بوشا ً لبيك‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫ونخرج الزكاة كلها إليك‪ ...‬إلى بيت مال البوشيين‪.‬‬
‫بل كل أموالنا وخيرات بلدنا ونفطنا وكنوز أراضينا كلها بين يديك‪.‬‬
‫تصّرف فيها كما تشاء‪.‬‬
‫صنع ما تشاء‪ ...‬بع واشتر ما تشاء بأي سعر تشاء‪.‬‬ ‫أنتج منها ما تشاء‪ّ ...‬‬
‫كل المال مالك‪ ...‬وكل الناس عبيدك‪.‬‬
‫خذ مالنا كله فهو مالك‪ ،‬ثم تصدق علينا منه بما تشاء ‪ ,‬فأنت كريم وابن‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كريم‪ ،‬وكل من يخلفك على أمريكا من أمثالك كريم‪.‬‬


‫وكلنا في خدمة اقتصادك يا بوش‪ ..‬ل نشتري ول نستعمل ول نقتني إل ما‬
‫خلقت‪ ...‬إل ما صنعت وما صنع غلمانك وفتيانك ورعاة بقرك وحواريوك يا‬
‫بوش‪.‬‬
‫أليست صناعتك صناعة أمريكية بوشية؟!‪...‬أل ما أعظمها‪ ,‬أل ما أجملها‪ ,‬أل ما‬
‫ألطفها‪ ,‬أل ما أظرفها؟!!!‬
‫ما أجمل سياراتكم!!! ‪ ...‬ما أحسن ملبسكم!!! ‪ ...‬ما أطيب مشروباتكم !!!‪,‬‬
‫سنسميها الكوثر وزمزم وسلسبيل وزنجبيل‪ ..‬من شربها دخل جنتك‪ ،‬ومن‬
‫امتنع عن شربها دخل نارك يا بوش‪.‬‬
‫نعم للتغيير الذي تريد!!‬
‫ّ‬
‫نغّير قيمنا‪ ...‬نغير أخلقنا‪ ...‬نغير سلوكنا وسلوك الناس عندنا‪ ،‬ونتبع ملتك‬
‫ومنهجك وشريعتك حتى ترضى عنا‪ .‬كل همنا هو أن ترضى عنا يا بوش‪ ،‬ويا‬
‫خليفة بوش‪.‬‬
‫سنأمر نسائهم وبناتهم أن يلبسن ويسلكن كما تشاء‪ ،‬وكما تحب وكما يحب‬
‫حواريوك وغلمانك ورعاة بقرك حتى يرضوا وترضى عنا برضاهم‪.‬‬
‫لقد كفرنا بكرم العرب‪ ،‬وشرف العرب‪ ،‬وأخلق العرب‪.‬‬
‫لم نعد نؤمن بقيم السلم‪ ،‬وأخلق السلم‪ ،‬وتعاليم السلم‪ ..‬تلك قيم‬
‫وأخلق وتعاليم عفا عنها الزمان‪.‬‬
‫الزمن زمنك يا فرعون‪ ..‬والعصر عصرك يا فرعون‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فهل أنت راض عنا؟؟‪.‬‬ ‫الحق ما تراه حقًا‪ ,‬والباطل ما تراه باط ً‬
‫نحلل ما تحلل‪ ,‬ونحرم ما تحرم‪.‬‬
‫فليشربوا الخمور كما تشاء‪ ,‬ويلعبوا القمار ويأكلوا الربا‪ ،‬ليلهوا ويمرحوا كما‬
‫تشاء‪ ..‬ليذوقوا السعادة في جنتك والهناء‪ ,‬وينعموا بعبادتك وحبك والرضا‪.‬‬
‫نغير مناهجنا؟! ‪ ...‬هل هذا ما تريد منا؟! ‪ ...‬هل هذا ما يرضيك عنا؟!‬
‫فلنغير مناهجنا ول ضير ‪!!!..‬‬
‫بل شرعنا في تغييرها وفق أمرك سيدي‪ ..‬كما يرضيك‪.‬‬
‫شرعنا في التغيير رغم أنف علمائهم‪.‬‬
‫سجنا من سجنا‪ ,‬وعذبنا من عذبنا‪ ,‬وأغرينا من أغرينا‪ ،‬والكثير منهم بالتدريج‬
‫إليك راجعون‪..‬‬
‫لقد بدأوا يفهمون الحاجة إلى التغيير‪ ..‬بدأ الكثير منهم يفهمون أن الزمن‬
‫زمنك يا فرعون‪ ,‬وأن العصر عصرك يا فرعون‪ ،‬وأن الدنيا دنياك يا فرعون‪،‬‬
‫دعون كما‬ ‫بدأ الكثير منهم بالدنيا يهتمون أكثر من اهتمامهم بالخرة التي ي ّ‬
‫كانوا في الحقيقية من قبل ذلك يفعلون‪.‬‬
‫بدأوا يهتمون بعطائك‪ ،‬بدولراتك‪ ،‬بمناصب وجاه دولتك‪.‬‬
‫وعهم حتى يسود دينك إل فئة قليلون هم لنا غائضون‪،‬‬ ‫لقد عرفنا كيف نط ّ‬
‫سنرضيك فيهم عما قليل يا فرعون‪.‬‬
‫كن لنا في قومنا ‪ ...‬مكن لنا في أرض العرب والمسلمين ‪...‬‬ ‫بوش ربنا ‪ ...‬م ّ‬
‫مكن لنا في رقاب العرب والمسلمين ‪...‬‬
‫لكي نحشرهم إليك‪.‬‬
‫لكي نسوقهم إليك كما تريد‪.‬‬
‫لكي تنشر فيهم دينك الذي تريد‪.‬‬
‫ولكي نسوق إليك أموالهم وكنوزهم كما تريد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فرعون عصرنا ‪ ...‬ربنا ‪ ...‬ل حول ول قوة لنا إل بك‪.‬‬


‫ل يذل من واليت‪ ،‬ول يعز من عاديت ‪ ...‬والشواهد كلها بين يديك‪.‬‬
‫ألم يروا كيف فعلت باليابان والتحاد السوفيتي وفيتنام؟ وألمانيا وكوبا‬
‫والعراق وأفغانستان؟؟‪..‬‬
‫ألم تدمر الخضر واليابس؟ ‪ ...‬ألم تدمر المدن والدول والشعوب؟‪ ...‬ألم‬
‫تقتل المليين؟؟‪..‬‬
‫ألم يروا ماذا فعلت للكويت وقطر وسنغافورة ودبي؟‪..‬‬
‫أل يروا حال من أنت غاضب عليه؟؟‪..‬‬
‫أل يروا سعادة ورخاء من أنت منعم عليه ؟؟‪..‬‬
‫نحن معك يا بوش‪.‬‬
‫نحن عيونك ‪ ...‬نتجسس من أجلك على إخوتنا وأصدقائنا وأقاربنا ‪ ...‬لترضى‬
‫عنا يا بوش‪.‬‬
‫نحن جنودك ‪ ...‬نخوض البحر من أجلك‪ ,‬ونتسلق الجبال من أجلك ‪ ...‬نطارد‬
‫آبائنا وأبنائنا وإخواننا من أجلك ‪ ...‬ونسجنهم ونعذبهم ونقتلهم قرابين لك يا‬
‫بوش حتى ترضى ‪.‬‬
‫ول تخش عساكرهم وشرطتهم ورجال أمنهم ‪ ...‬لقد دربناهم على الطاعة‬
‫العمياء لنا ‪ ...‬لقد أصبح الكثير منهم مرتزقة يعيشون ويتصرفون بعقلية‬
‫ونفسية المرتزقة الذين يعبدون السلطان‪ ،‬ونقود السلطان‪ ،‬من يدفع لهم‬
‫فهو سيدهم‪ ،‬من ينهرهم ويحتقرهم فهو سيدهم‪.‬‬
‫لقد اختصرنا لهم الله والدين والوطن والشرف والعرض في السلطان الذي‬
‫يجب أن يعبد ويقدر ويحترم قبل كل شيء‪ ،‬وبعد كل شيء‪ ،‬بذلك يسهل علينا‬
‫كثيرا ً أن نقنعهم من هو السلطان الكبر الذي يجب أن يعبدوه ويسهروا على‬
‫العمل لرضائه‪.‬‬
‫ً‬
‫يسهل علينا أن نقنعهم بأننا وإياهم عبيد لكم‪ ،‬ومن مصلحتنا جميعا الخلص‬
‫في العبادة لكي تتوالى الترقيات والرتب والدرجات ‪ ..‬وتتوالى النياشين‬
‫والمزايا والهبات‪ ،‬ومن كان يقال لهم أرصدوا وحاربوا الخونة عملء أمريكا‬
‫سيقال لهم كونوا عملء وخدم وجواسيس لمريكا وإله أمريكا‪ ،‬سيقال لهم‬
‫أرصدوا وحاربوا واسجنوا وعذبوا من يكره أمريكا وإله أمريكا‪.‬‬
‫ومن رحمتك بعبيدك – سيدي‪ -‬أنك قد أمرت بتحريرهم من ربقة الطغاة‪،‬‬
‫فنرحب كل الترحيب بالنموذج الديمقراطي الذي تريدون‪ ،‬سنعمل على‬
‫تطبيقه كما تشاء‪.‬‬
‫وسنضمن أن يطمس النموذج كل من يكرهك أو يتمنى الشر لك ولدولتك‬
‫الفاضلة‪.‬‬
‫سنزرع الفتن بينهم بكل الوسائل الممكنة لنمنع توحدهم وتعاونهم ضدنا ‪...‬‬
‫ونمنعهم من تحقيق أهدافهم المريبة‪ ,‬ونمهد الطريق لحوارييك لتحكم بهم‬
‫العالم كما تشاء‪.‬‬
‫سنضمن من خلل الديمقراطية البوشية العظيمة توفير الحرية‪ ,‬ولكن فقط‬
‫لتباعك وأحبابك وعملئك وجواسيسك وحوارييك يا بوش‪ ،‬سنضمن أن يفرز‬
‫النموذج القيادات الموالية لك سيدي ‪ ...‬ليكون لك حواريون في كل مكان‬
‫يقودون الشعوب باسمكم سيدي‪.‬‬
‫كن مطمئن البال يا سيدي ‪ ...‬نحن جنودك الوفياء‪ ,‬في العلن وفي الخفاء‪,‬‬
‫نغير ما تشاء كما تشاء‪.‬‬
‫نحن عبيدك ‪ ...‬نحن جنودك ‪ ...‬لك المر وعلينا السمع والطاعة‪.‬‬
‫نكره من يكرهك‪ ،‬ونحب من يحبك‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نعبدك ونشكرك حتى ترضى‬


‫نرجو رضاك ربنا ‪ ...‬وبعد الرضا نرجو العطاء‪.‬‬
‫أجزل لنا العطاء ‪ ...‬أنت الغني ونحن الفقراء‪.‬‬
‫أمنحنا من الدولر ما نعيش به في جنتك سعداء‪.‬‬
‫الغني من أغنيت‪ ،‬والفقير من أفقرت‪.‬‬
‫من ترضى عنه فقد استغنى‪ ,‬ومن غضبت عنه فقد افتقر وشقى‪ ،‬ول حول ول‬
‫قوة لنا إل بك (‪.‬‬
‫هذا هو لسان حال الخونة والمارقين ‪...‬‬
‫فماذا بقي لهؤلء من السلم؟؟!‬
‫وماذا بقي لهم من الشرف؟؟!‬
‫بل ماذا بقي لهم من النسانية؟؟!‬
‫ما أنت أيها المسلم المحتار في أمرك لبد لك من مواجهة الخيار‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫إن الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ل يقبل أن ُيعبد معه أحد‪.‬‬
‫وإن فرعون أمريكا ل يقبل أن ُيعبد معه أحد‪.‬‬
‫فلم تترك بل خيار‪ ,‬ولن تترك بل خيار‪:‬‬
‫ما عبادة الخالق ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬وفق كتابه العزيز‪ ،‬وسنة رسوله الكريم ‪-‬‬ ‫إ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬للفوز برضاه وجنته‪ ،‬والسعادة الحقيقية في الدنيا‬
‫ما عبادة فرعون وزمرته طمعا ً في جنة زائفة حقيقتها الشقاء في‬ ‫والخرة‪ ،‬وإ ّ‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬ول أضنك تحار في الختيار ما بقي لك بقية من عقل وإرادة‬
‫وحرية قرار‪.‬‬
‫ما المسلمون المخلصون فهم على طريق الحق سائرون‪ ,‬يعرفون الحق‬ ‫أ ّ‬
‫وأهله‪ ,‬ويعرفون المنكر وأهله‪ ,‬ويجاهدون في الله حق جهاده‪ ،‬ل يضرهم من‬
‫خذلهم‪ ،‬ل يضرهم من خانهم‪ ،‬ل يضرهم من والى الكفار والمشركين عليهم‪،‬‬
‫ل يضرهم من عاداهم‪ ،‬ول يضرهم من حاربهم إل أذىً يوشك أن ينتهي إلى‬
‫فتح مبين أو جنة نعيم‪.‬‬
‫الهادي المشعال‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لست أول ول آخر من تزوج زوجها‬


‫مفكرة السلم ‪ :‬إن تعدد الزوجات معروف في الشرائع السابقة‪ ,‬فلم يكن‬
‫السلم أول من شرع تعدد الزوجات‪ ,‬ألم يخبرنا الشرع أنه كان لسليمان‬
‫عليه السلم تسع وتسعون زوجة؟‬
‫وهذا غيلن الثقفي رضي الله عنه أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية‬
‫فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربع زوجات‪,‬‬
‫وهذا دليل على وجود التعدد في الجاهلية وقبل بعثة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وقد وردت نصوص الشريعة بضبطه وتهذيبه إقامة للعدل والحق‪.‬‬
‫موقف عظيم لزوجة عظيمة‬
‫قال لها زوجها‪ :‬أريد الزواج بثانية ‪ ...‬ففكرت الزوجة ثم رأت أنه من دواعي‬
‫الحكمة والعقل أن تبحث لزوجها عن الزوجة التي تناسبها كند وشريكة في‬
‫ما لخوة أولدها بعد ذلك ‪...‬فبالفعل بحثت له عن زوجة حتى‬ ‫زوجها وتكون أ ّ‬
‫اطمأن قلبها إلى المرأة المناسبة وكانت بالفعل زوجته الثانية‪.‬‬
‫هذا حقيقة موقف عظيم لزوجة عظيمة ‪..‬لنها فطنت لحال زوجها‪ .‬فإذا طلب‬
‫الرجل الزواج الثاني فهو في حاجة حقيقية لهذا الزواج‪ ,‬ومن الغريب أن‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هناك من النساء من ترضى أن يصاحب زوجها غيرها المهم أن ل يتزوج‬


‫غيرها‪.‬‬
‫ومن الظلم الواقع على المرأة في هذا العصر غياب 'التعدد' في كثير من‬
‫المجتمعات؟ وهنا يبدو المر مستغرًبا‪ ,‬وغير متوازن‪ ,‬ولكنه يستقيم على‬
‫الجادة إن رفعنا عن بصائرنا غبش التقاليد الغامضة‪ ,‬والعراف المتسلطة‪,‬‬
‫وإن خلصنا كذلك من النظرة الذاتية التي تجنح إلى الثرة والنانية‪.‬‬
‫وتتصور المرأة أن التعدد إجحاف في حق ذاتها وحط من شخصيتها‪ ,‬وإلغاء‬
‫لستقللها‪ ,‬وأنه يسلبها كثيًرا من الحترام والتملك ‪ ...‬وهذا تصور صحيح من‬
‫زاوية المرأة الفرد‪ ،‬ولكنه في ذات الوقت تصور ُيلقي بعدوانه الصارخ على‬
‫حرمن الزوج أو فقدنه‬ ‫ما حين تفتش بعض النساء اللئي ُ‬ ‫جنس المرأة عمو ً‬
‫عن زوج آخر فل يجدن‪.‬‬
‫والسلم حين يشرع وحين يبيح أمًرا ينظر إلى مصلحة العموم ويقدمها على‬
‫مصلحة الذات جلًبا للمنافع العامة ودرًءا للمفاسد الهالكة ‪....‬وهو في هذه‬
‫الحالة يتفق والمنطق السليم‪ ,‬والعقل الحكيم‪.‬‬
‫ولبد أن ينتبه القارئ إلى قاعدة هامة ‪...‬وهي أنه ليس معنى أن الصل في‬
‫الزواج التعدد أن ذلك واجب على كل الرجال‪ ,‬ولكن المر في الية‪:‬‬
‫ساِء{ ]النساء‪ [3:‬المر فيها الباحة وهو سنة‬ ‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬
‫م ِ‬‫ب ل َك ُ ْ‬‫طا َ‬‫ما َ‬ ‫حوا َ‬‫}َفان ْك ِ ُ‬
‫ضا عن الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ,‬كما أن المر بالوجوب فيه حرج‬ ‫أي ً‬
‫عا‪ ,‬وقد ل يستطيع النسان أن يتزوج بامرأة واحدة فكيف‬ ‫ومشقة منتفية شر ً‬
‫يؤمر بتعدد الزوجات‪.‬‬
‫وقد تسأل سائلة كيف أتقبل أن يتزوج زوجي وماذا أفعل في مشاعر الغيرة‬
‫التي تقتلني؟ فنحن نقول أول ً لبد من اليمان بالقضاء والقدر‪ ،‬والصبر على‬
‫البتلء وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم‪' :‬عجًبا لمر المؤمن‬
‫إن أمره كله خير‪ ,‬وليس ذلك لحد إل المؤمن‪ ,‬إن أصابته سراء شكر فكان‬
‫خيًرا له‪ ,‬وإن أصابته ضراء صبر فكان خيًرا له' فلبد من الصبر الجميل على‬
‫ب{‬ ‫مثل هذه المواقف يقول تعالى‪} :‬إنما يوّفى الصابرو َ‬
‫سا ٍ‬‫ح َ‬‫م ب ِغَي ْرِ ِ‬‫جَرهُ ْ‬
‫نأ ْ‬‫ّ ُِ َ‬ ‫ِّ َ ُ َ‬
‫]الزمر‪[10:‬‬
‫ضا أن تشغلي نفسك بأولدك وتربيتهم‪ ,‬وبالهتمام بالبيت‪,‬‬ ‫ومن المفيد أي ً‬
‫وحفظ كتاب الله‪ ,‬وصلة الرحام وبر الوالدين وطلب العلم النافع ومتابعته‬
‫ل‪ ,‬وهذا أجدى بكثير من‬ ‫بالعمل الصالح‪ ,‬وفي كل وجوه العبادة وإن فيها شغ ًَ‬
‫النشغال بالقيل والقال والكلم عن الضرائر مما يوغر الصدر ول طائل ورائه‬
‫ول نفع‪.‬‬
‫واعلمي أن هذا حق أعطاه الشرع لزوجك فقفي عند حدود الدب في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫خل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬‫التعامل مع الشرع الذي يتفق مع طبيعة البشر قال تعالى }أل ي َعْل َ ُ‬
‫خِبيُر{ ]الملك‪[14:‬‬ ‫ف ال ْ َ‬
‫طي ُ‬‫وَهُوَ الل ّ ِ‬
‫'فلست أول ول آخر من تزوج زوجها‪ ,‬ولست بأفضل من أم المؤمنين عائشة‬
‫أو زينب بنت جحش أو أم سلمة رضي الله عنهن‪.‬‬
‫ت معنا كيف شاع هذا المر في الجاهلية وفي المم السابقة‪ ،‬بل‬ ‫وقد قرأ ِ‬
‫ً‬
‫صار يطالب الغرب والشرق بإباحته بدل من اتخاذ العشيقات والصديقات‬

‫)‪(1 /‬‬

‫' لست وحدك '‬


‫سلح متعدد الستخدامات‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫' لست وحدك ' ' الذي تقاوم بل الكثير يقاوم وينجح '‬
‫' لست وحدك ' الذي تفعل الخطأ بل كل الناس كذلك '‬
‫كثيرة هي النداءات الداخلية المتصاعدة داخل النفس البشرية تنتقل بها‬
‫صعودا وهبوطا ‪ ,‬حزنا وسرورا ‪ ,‬نشاطا وفتورا ‪ ,‬أمل وقنوطا‪ ,‬وتفاؤل‬
‫وتشاؤما تنقل النسان من حال إلى حال‪.‬‬
‫وأثر هذه النداءات الداخلية على حياة الشخص أكبر بكثير من كونها مجرد‬
‫خطابات داخلية ل أثر لها فالواقع يشهد أن تصرفات وسلوكيات النسان ما‬
‫هو إل حصيلة لمجموع الفكار التي تدور في ذهنه طوال حياته وأن مواقفنا‬
‫التي نتخذها مما حولنا إنما منبعها الساسي الفكرة التي تسيطر على عقولنا‬
‫والتي هي في المقام الول ناتج وحصيلة مجموعة الخطابات الداخلية للنفس‬
‫حول هذا الموضوع‪.‬‬
‫إن موقفنا من الخرين بالحب أو الكره أو القرب أو البعد يتحدد بناء على ما‬
‫نحدث به أنفسنا من كلمات داخلية حول هذا الخر ‪ ,‬والحال كذلك بالنسبة‬
‫لما نحب ونكره من العمال وهذا الخطاب الداخلي ل يراه أحد ممن حولنا‬
‫حتى أننا في بعض الحيان إذا حاولنا أن نعبر عنه ونخرجه على صورة كلمات‬
‫تعجزنا اللفاظ ‪ ,‬إن الخطاب الداخلي للنفس البشرية هو أساس حركتها‬
‫وسكونها ‪ ,‬أساس نشاطها وفتورها ‪ ,‬أساس ولئها وعدائها ‪ ,‬أساس كل‬
‫موقف وقرار نتخذه سواء على مستوى أنفسنا أو على مستوى تعاملتنا‬
‫وعلقاتنا مع الخرين‪.‬‬
‫ونحن نستخدم الكلمات في حوارنا مع أنفسنا ومع غيرنا ففي لحظات خلوتنا‬
‫ننعزل عن الخرين ونفكر مع أنفسنا فيما نريد وندير حوارا ذاتيا ونسأل‬
‫أنفسنا ‪ :‬ماذا نريد؟ وهذا يعني أن لكل منا لغتين أو مستويين من الحوار‬
‫يستخدمهما في حياته ولهما أبلغ الثر على سلوكه تجاه نفسه وتجاه الخرين‬
‫وهما‪:‬‬
‫‪ -1-‬لغة مع نفسك ونسميها اللغة الداخلية‪.‬‬
‫‪ -2-‬لغة مع الخرين ونسميها اللغة الخارجية‪.‬‬
‫وبناء على طبيعة مفردات كل لغة تتحدد تصرفاتنا وسلوكياتنا تجاه الخرين‬
‫وتجاه أنفسنا وبالتالي فعلينا أن نتعلم كيف نتكلم لنتمكن من توجيه أنفسنا‬
‫وتوجيه غيرنا من بعد ذلك‪.‬‬
‫إن الكلمة سواء كانت داخلية أو خارجية لها وقع مهم للغاية علينا وعلى من‬
‫حولنا ‪ ,‬فنحن عندما نتكلم مع الخرين إنما نحاول مطالبتهم بما نريد ‪ ,‬ولكننا‬
‫باختيار أسلوبنا في الكلم معهم نختار أيضا أسلوبنا في الحصول على ما نريد‬
‫‪ ,‬فكلماتنا تعبر دائما عن طريقتنا في الفعل والتنفيذ ‪ ,‬وعن تجاهلنا التام لكل‬
‫الطرق البديلة التي يمكن أن تتوفر لتحصيل ما نريد ‪ ,‬كلماتنا في الحقيقة‬
‫تعكس توجهاتنا واستعداداتنا ‪ ,‬وما يغيب عن أذهاننا فهو في الواقع غائب من‬
‫قاموس كلماتنا وبالتالي فهو ساقط من حساباتنا لن الكلمات هي تحضير‬
‫للفعال التي ننوي القيام بها أو بمعنى أوضح إنما نعرف الرجل من كلمه أي‬
‫نعرف ما الذي يريده وكيف يريد الحصول عليه لن الكلم ما هو إل مرآة‬
‫الداخل فنحن نعبر بألفاظنا عن رغباتنا وأحلمنا وآمالنا‪.‬‬
‫لقد أثبتت بعض البحاث والدراسات أن الشخص الذي يصرح بأنه جائع يأكل‬
‫أكثر من الذي ل يجاهر بجوعه ‪ ,‬وأن الذي يهدد بالعنف يلجأ إليه في الواقع‬
‫أكثر من الذي يعبر عن كرهه للعنف ‪ ,‬وتبين أن الذين يتحدثون كثيرا عن‬
‫السعادة يكونون أكثر مرحا من الذين يتحدثون عن التعاسة والسى أي أن‬
‫النسان يكتسب الحالة العضوية من حالته النفسية والتي بدورها يكتسبها من‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مفردات الكلم وطبيعة هذا الكلم من حيث السرعة والبطء والوضوح‬


‫والغموض وغيرها من التفاعلت الداخلية‪.‬‬
‫إن تأثير الكلمات على من يقولها أقوى بكثير من تأثيرها على من يسمعها ‪,‬‬
‫فالكلمات تسبق الفعال ‪ ,‬وهي تعبر عن الستعدادات النفسية وتحدد‬
‫الخيارات التي يجعلها الشخص محورا لتفكيره فإذا استطعنا تغيير كلماتنا ‪,‬‬
‫فسنتمكن في النهاية من تغيير أفعالنا ‪ ,‬فالتغيير يبدأ بالكلم وينتهي بالفعال‬
‫وهذا هو طريق كل إنسان لبدء التغيير الحقيقي في نفسه وكذا فيمن حوله‪.‬‬
‫وكلما نضج النسان كلما فهم وأدرك أهمية الكلمات وتأثيرها وأصبح أكثر دقة‬
‫وحرصا في استخدامها ‪ ,‬فمن المعروف أن الوعد الذي نقطعه على أنفسنا‬
‫هو في الصل كلم ‪ ,‬لكنه يدفعنا إلى الوفاء به فعليا واللتزام بأدائه ‪ ,‬والقائد‬
‫يحفز أتباعه على النجازات من خلل شحنهم بالكلمات ‪ ,‬ونحن دائما ما‬
‫نصف القائد بأن كلمته مسموعة قبل أن نقول إن أفعاله نافذة ‪ ,‬فالقائد‬
‫الحق هو من يتميز بالقدرة على القناع ‪ ,‬ل من يجبر أتباعه على النصياع‪.‬‬
‫بناء على كل ما سبق دعونا في هذا اللقاء نركز على الجانب الهم من الكلم‬
‫أل وهو ما أسميناه سابقا باللغة الداخلية ‪ ,‬حيث أنه على الحقيقة المسؤول‬
‫الول عن صياغة فكر النسان وسلوكه وكذلك يحدد ملمح تصوره عن‬
‫نفسه ‪ ,‬وعن الخرين وصورة التعامل المثلى معهم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫' لست وحدك ' هذا الخطاب الداخلي كمثال يعتبر كغيره من الخطابات‬
‫الداخلية أحد السلحة متعددة الستخدامات حيث يمكنه أن يدفع النسان نحو‬
‫التفاؤل والطموح والعمل ويمكنه كذلك القعود بهمته عن النظر إلى العلى‬
‫وتبرير القعود والتخاذل والمر كالتالي‪:‬‬
‫' لست وحدك الذي تفعل الخطأ بل كل الناس كذلك ' ‪ :‬الشخص في العادة‬
‫ل يرضى أن يرى نفسه على خطأ أو مصرا على باطل ول يحب بالتأكيد أن‬
‫يراه الناس كذلك ولكنه في الوقت ذاته يرتبط بالخطأ ارتباطا وثيقا فهو ل‬
‫يملك – تبعا لوجهة نظره – النفكاك عنه إذن فما الحل ؟ الحل السهل‬
‫والذي سرعان ما تلجأ إليه النفس أن كل الناس كذلك ‪,‬أنني لست الوحيد‬
‫الذي يفعل الخطأ وانظر حولك ‪ ,‬ففي مجال المعاصي مثل ‪ ,‬يتحدد الخطاب‬
‫الداخلي لمرتكب المعصية بقوله أنا أفضل من كثير من الخرين ويقيس‬
‫نفسه على من هو أكثر منه في نوع المعاصي أو درجتها أو عدد مرات‬
‫حدوثها وتكرارها بل وقد تلجأ النفس إلى التأكيد على أن الكل يفعل ذلك‬
‫لبيان أن من يخالف ليسوا إل أقلية ‪ ,‬هذا النوع من الخطاب النفسي لن يولد‬
‫إل مزيدا من الستقرار على المعصية ‪ ,‬والكثير من المخزون الحتياطي‬
‫لتمويل الشعور بالفشل والحباط والنهزام النفسي عند أول تجربة أو‬
‫محاولة فهي محكوم عليها بالفشل من البداية لماذا ؟ لن الخطاب النفسي‬
‫الداخلي يغذي هذا النوع من الفشل ‪ ,‬فشخص يخاطب نفسه بخطاب داخلي‬
‫مستمر مؤداه أنه لن ينجح ولن يحقق ما يريد ثم هو بعد ذلك يضحك على‬
‫نفسه وعلى من حوله بدعوى أنه مع هذا الكم من الحباط واليقين الداخلي‬
‫بالفشل إل أنه سيبذل ما عليه ويؤدي العمل لكي يقوم بما يلزم القيام به ‪,‬‬
‫ولست بحاجة هنا للحديث عن نوع النتائج التي سنحصل عليها عند تنفيذ أي‬
‫عمل بهذه النفسية إن المصير هو الفشل المحتوم بل جدال‪.‬‬
‫وفي المقابل تأمل في أثر الخطاب الداخلي المعنون‪ ' :‬لست وحدك الذي‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تقاوم بل الكثير يقاوم وينجح ' على كل المستويين الديني والدنيوي ‪ ,‬إنها‬
‫نفسية وروح المقاتل التي ل تفتر ول تلين ‪ ,‬روح ملؤها التفاؤل والبذل ‪ ,‬هذه‬
‫الروح هي التي نرجو لها النجاح ‪ ,‬إنه لست وحدك الذي تتعرض للفشل في‬
‫المرات الولى من بداية أي عمل فكم من شخص فشل ثم نال النجاح بعد‬
‫ذلك بالصبر وتكرار المحاولة ‪ ,‬ولو كان استسلم للفشل الول ونادى كما‬
‫يفعل الجهال بأعلى صوته ‪ :‬هذا قدري ول مفر لي منه – لو فعل ذلك‬
‫– لما نال ما ناله من النجاح وتحقيق المراد ‪ ,‬وأن العبد منا إنما خلقه رب‬
‫العالمين ليعمر الرض كلها ولتكون مسخرة لمره فكيف والحال كذلك أن‬
‫يصغر قدر العبد عند نفسه وتنخذل قواه وتتكسر طموحاته مع أول موقف‬
‫يشتم منه رائحة الفشل أو النكسار ‪ ,‬إنه لست وحدك فطابور النجاح‬
‫والتفوق وتحقيق الطموح طويل ومليء بالنماذج وكلهم شعارهم الصبر‬
‫والدأب لتحقيق المراد ل غير‪.‬‬
‫إنه ل يمكن لك عزيزي القارئ أن تحقق في عالم الواقع ما تعجز عن تصور‬
‫نفسك وأنت تحققه ‪ ,‬والمشكلة أن ظروف العالم المعاصر تربط الشخص‬
‫إلى عجلة دائرة ل تتوقف من التنفيذ داخل نظام ثابت فتسلبه لحظات‬
‫الخيال التي تمكنه من تصور نفسه وهو ينجح أو حتى أن يفكر أن يضع هدفا‬
‫لنفسه يريد تحقيقه ‪ ,‬وهكذا يمضي أكثر الناس حياتهم في قوالب ينتجها‬
‫الخرون ‪ ,‬فهذا يكتفي بأن يكون موظفا وذلك ل يأمل في أن يصبح أكثر من‬
‫عامل ‪ ,‬ويندر أن تجد من يرتقي بطموحه وأفكاره فوق هذه الدوار المحددة‬
‫سلفا ‪ ,‬إل أن الذهن البشري يمكنه أن يتغير ‪ ,‬بل إنه الشيء الوحيد الذي‬
‫يتغير تغيرا مؤثرا فيما حوله ‪ ,‬وبتغيره تتغير حياة صاحبه وبدونه ل يحدث أي‬
‫تغيير وعلى صاحبه ‪ -‬أي أنت ‪ -‬أن يؤمن بأن‪:‬‬
‫التغيير ممكن وليس مستحيل‪.‬‬
‫التغيير شخصي يبدأ من الذات ل من الخارج‪.‬‬
‫التغيير مفيد ول يتحتم أن يكون مؤلما‪.‬‬
‫يقول رب البرية جل وعل‪ ':‬إن الله ل يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ‪,‬‬
‫وإذا أراد الله بقوم سوءا فل مرد له وما لهم من دونه من وال ' وفي هذه‬
‫الية ملمحان رئيسيان‪:‬‬
‫الول‪ :‬التغيير الحقيقي في المم كاملة إنما ينشأ عن تغيير الفراد لذواتهم ‪,‬‬
‫وسبحان الله ما أوضح المنهج القرآني في بيان طبائع الفنوس وحقيقة‬
‫قدراتها وطرق التعامل المثلى معها ‪ ,‬فالله تعالى يخبر عن نفسه أنه لن يغير‬
‫حال قوم أو أمة حتى يبدأ أفراد هذه المة بالتغيير من داخل ذواتهم لن‬
‫لفظة ' ما بأنفسهم ' تؤكد ذلك ‪ ,‬وهي إشارة لبيان المدخل الفعال لحداث‬
‫التغيير الحقيقي للمة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬من لم يغير فل يلم إل نفسه لن الله تعالى أمر بالتغيير ‪ ,‬تغيير‬
‫الباطل إلى الحق ‪ ,‬والهوى إلى التباع ‪ ,‬والكسل إلى النشاط ‪ ,‬والتشاؤم إلى‬
‫التفاؤل ‪ ,‬والحزن إلى السرور ‪ ,‬ومن أبى أن يجاهد نفسه في سبيل التغيير‬
‫وما ينشأ عنه من نعيم الدنيا والخرة فليستعد فل مرد لعقاب الله تعالى لمن‬
‫أبى الرتقاء والرفعة وتحمل المسؤولية‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عزيزي الشاب‪ :‬إنها ثورة أدعوك إليها ‪ ,‬ثورة على روتين الحياة ‪ ,‬وعلى‬
‫الثوابت التي ل يقرها الشرع وتخنق الطاقات وتعطل المواهب ‪ ,‬ثورة للتغيير‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فانطلق ول تتخاذل ول تتهاون ‪ ,‬انطلق وارفع درجة الخطاب الداخلي إلى‬


‫أقصى درجات التفاؤل والمل والبهجة والسرور فأنا والله على يقين من‬
‫امتلكك لبركان متفجر من الطاقات الكامنة تنتظر أن تثور ‪ ,‬فهلم إلى التغيير‬
‫الداخلي ‪ ,‬فهذا أوان أن يراك الخرون كما ينبغي أن تكون‪.‬‬
‫جزاك الله عن نفسك وعن السلم والمسلمين خير الجزاء والسلم عليكم‬
‫ورحمة الله وبركاته‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫طرف الضعف في صراٍع ُيفرض علينا‬ ‫لسنا ال ّ‬


‫د‪ .‬محمد بن سعود البشر ‪28/12/1425‬‬
‫‪08/02/2005‬‬
‫لسنا مع القائلين بالصراع بين الحضارات‪ ،‬ولسنا مأمورين في شريعتنا‬
‫السلمية التي جاءت رحمة للعالمين بالدخول في صراع من أي نوع مع من‬
‫قنا لكننا رغم ذلك‬ ‫ضا‪ -‬مترّبصين بمن أخطأ في ح ّ‬ ‫لم يعتد علينا‪ ،‬ولسنا –أي ً‬
‫لسنا الطرف الضعف في أي صراع قد ُيفرض علينا‪.‬‬
‫لطروحات والمقالت وحتى الرسائل‬ ‫أقول هذا بعد ما هالني الكم الكبير من ا ُ‬
‫العلمية التي قدمها المفكرون والمثقفون من العرب والمسلمين في إعلن‬
‫موقف السلم الرافض لنظرّية )صمويل هنتجتون( والقائلة بصراع‬
‫جحة أن الصراع القادم أو لنقل الحالي هو بين حضارة‬ ‫الحضارات‪ ،‬والمر ّ‬
‫الغرب والحضارة السلمّية‪.‬‬
‫ومع كل الحترام للكتابات القّيمة والموضوعّية التي تعرض الدلة العقلّية‬
‫والنقلّية على أن الحضارات ل تتصارع بل تتفاعل وتتلقى وتتلقح لخير‬
‫لطروحات وضعتنا‬ ‫النسانية‪ ،‬إل أنه مما ُيؤسف له أن كثيرا ً من الكتابات وا ُ‬
‫ي في موقف المتهم الذي يقبع‬ ‫ووضعت حضارتنا السلمّية وديننا السلم ّ‬
‫ّ‬
‫خلف ا لقضبان‪ ،‬ويجتهد قدر استطاعته لتقديم أدلة براءته‪.‬‬
‫وإذا كانت القاعدة الفقهّية والقانونّية تقول‪ :‬إن البينة على من اّدعى فإن‬
‫)صمويل هنتجتون( ومن يقول مثل قوله هم المطالبون بأن يقدموا الدلة‬
‫ي مع غيرها‬ ‫ي أو مستقبل ّ‬ ‫التي تفيد توّرط الحضارة السلمّية في أي صراع آن ّ‬
‫من الحضارات‪ ،‬أو حتى وجود نوايا لدى المسلمين لقهر حضارة الغرب‪ ،‬عبر‬
‫صراع من أيّ نوع‪ ،‬ولتكن دعوتنا نحن المسلمين بعد ذلك‪ ،‬للعالم أن يصدر‬
‫في موضوعّية ومصداقّية هذه الدلة‪ ،‬وهل تديننا أم تدين قائلها‪ ،‬وتكشف‬
‫نواياه ونوايا بعض المنتسبين لحضارة الغرب في إشعال نار صراع بين‬
‫ب‪ ...‬لكن ما‬ ‫المسلمين والغرب؛ لسباب لن تبدو ساعتها بخافية على ذي ل ّ‬
‫صراع دون دليل‪ ،‬وانساق‬ ‫دعي ألقى تهمته وأشعل قتيل ال ّ‬ ‫حدث أن الم ّ‬
‫المتحمسون من أبناء أمتنا لدفعها قبل أن يطالبوا بإثبات صحة الّتهام‪..‬‬
‫والدلئل التي ل بد أن تتوافر لقبول الدعوى شكل ً أو موضو ً‬
‫عا‪.‬‬
‫وإنما كان من البدهّيات أن الصراع بين أي طرفين ل يعني أن كليهما راغب‬
‫فيه‪ ،‬فيكفي أن يكون أحدهما هو الساعي إليه مغتًرا بقوته‪ ،‬أو باحثا ً عن‬
‫عا بأحقاد ٍ انتقامية‪ ،‬أو غير ذلك من أسباب الصراع‪ ،‬فعندها‬ ‫مصلحة‪ ،‬أو مدفو ً‬
‫وة‪.‬‬‫لن يجد الطرف الخر سوى الدفاع عن نفسه بكل ما أوتي من ق ّ‬
‫ن الترويج لنظرّية الصراع بين الحضارات‪ ،‬وجعل الحضارة السلمية الخصم‬ ‫إ ّ‬
‫مة محاولت جاّدة لتوريطنا في‬ ‫الرئيس لحضارة الغرب‪ ،‬نذير سوء بأن ث ّ‬
‫رض هذا الصراع علينا‪ ،‬ظًنا من القائلين بالصراع‬ ‫صراع مع الغرب‪ ،‬أو بالدق فُ ِ‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أننا الطرف الضعف‪ ،‬وأن هزيمتنا وانكسارنا نتيجة حتمية مسّلم بها‪.‬‬
‫جح –بالمفهموم المادي‬ ‫ول شك أن التفوق للحضارة الغربّية المادّية ُير ّ‬
‫الصرف‪ -‬هزيمتنا الحضارّية لو أصبح هذا الصراع حتمًيا ومباشًرا وهو ما دفع‬
‫كرينا ومثقفينا إلى السراع في دفع هذه التهمة‪.‬‬ ‫بكثير من مف ّ‬
‫وق الغرب أو لنقل تفوق‬ ‫لكن القارئ المدقق لوقائع التاريخ يدرك أن تف ّ‬
‫الحضارة المريكّية ‪-‬إن جاز التعبير‪ -‬ل يجعلنا الطرف الضعف في حالة‬
‫نشوب الصراع‪ .‬ول يجب أن توهم بذلك‪ ،‬فصراع الحضارات ليس معركة‬
‫مرت مظاهرها؛ لن‬ ‫عسكرّية‪ ،‬وقوة السلح ل تبيد حضارة إنسانّية‪ ،‬وإن د ّ‬
‫الحضارة هي النسان بتاريخه وأفكاره وثقافته قبل أن تكون بمنجزاته‬
‫المادّية‪.‬‬
‫وميراثنا من هذه الحضارة يتجاوز أربعة عشر قرًنا تشكلت خللها قواعد‬
‫سخت من جيل إلى جيل‪ ،‬ربما دون وعي أو التفات‬ ‫الشخصّية السلمّية وتر ّ‬
‫إلى ملمح هذه الشخصّية‪ ،‬لكن في لحظات الخطر والتحدي تظهر الملمح‬
‫القوّية لشخصّية المسلم رغم كل محاولت تشويهها‪ ،‬وفصلها عن قواعدها‬
‫الحضارّية لتقول لكل من أرادها بسوء‪ :‬إّننا لسنا الطرف الضعف‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لصعود نحو الهجرة‬


‫‪ ... 2006/01/25‬عبد الحميد الكبتي**‬
‫في كل عام وبعد موسم الحج المبارك‪ ،‬موسم المغفرة والرحمات‪ ،‬يبدأ العام‬
‫الهجري الجديد‪ ،‬ويتجدد معه تذكر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬تلك‬
‫الهجرة التي أنجبت دولة حضارية في زمن قياسي في تاريخ المم‪ ،‬وسادت‬
‫قوانين السماء الربانية أرجاء المعمورة‪ ،‬وأينع البناء الحضاري في كل روضة‬
‫وربوة من فيحاء هذه الدنيا‪.‬‬
‫ً‬
‫ومع إشراقة كل عام جديد يقف المسلم بين يدي هذا الحدث‪ ،‬متأمل معتبًرا‬
‫ل‪ ،‬عّله يرتقي بنفسه وبمن حوله إلى مستوى الحدث الضخم في تاريخ‬ ‫محل ً‬
‫البشرية‪ ،‬يستمطر الرحمات لواقع مؤلم ونفس جموح‪ ،‬وتشتت في الجهود‬
‫والمكانات‪.‬‬
‫وللهجرة معنيان‪ :‬حسي ومعنوي‪ ،‬وفي معناها اللغوي هي النتقال‪ ،‬وقد يكون‬
‫النتقال حسّيا بترك مكان لخر‪ ،‬وقد يكون معنوّيا بالنتقال من ثقافة إلى‬
‫أخرى‪.‬‬
‫جْر{ )المدثر‪ ،(5 :‬وقوله‬ ‫جَز َفاهْ ُ‬
‫ومن معاني هذا الخير قول الله تعالى‪} :‬والّر ْ‬
‫ل{ )المزمل‪(10 :‬؛ فهي مراجعة لكافة‬ ‫مي ً‬
‫ج ِ‬
‫جًرا َ‬‫م هَ ْ‬
‫جْرهُ ْ‬
‫عز وجل‪} :‬واهْ ُ‬
‫الموروثات الثقافية والبنائية‪ ،‬واكتشاف الجوانب التي عدا عليها الخطأ أو‬
‫الفساد في الفهم والتطبيق‪ ،‬مراجعة عملية فاعلة‪.‬‬
‫والهجرة إن هي إل رديف لمعنى التزكية‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل‬
‫تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة‪ ،‬ول تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من‬
‫مغربها" ]أبو داود بسند صحيح[‪.‬‬
‫إن الحديث عن الهجرة يجب أل نقف فيه عند مظاهر هجرة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ونسرد التفاصيل التي وردت عنها‪ ،‬بل نحن مطالبون بالغوص‬
‫في عميق جذرها‪ ،‬وتحليل نفسية الهجرة وفلسفتها؛ كي نعي وندرك منها‬
‫ضا من سبل الخلص لنفسنا وأمتنا الكريمة‪.‬‬ ‫بع ً‬
‫ما ما دام‬
‫إن التلزم بين معنيي الهجرة ‪-‬الجسدي والنفسي‪ -‬ل يزال قائ ً‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المؤمنون لم يمسكوا بزمام الستاذية العالمية‪ ،‬ول يزالون حتى ذلك الوقت‬
‫دا المعنى‬ ‫يحتاجون إلى المعين المزدوج للهجرة النبوية العطرة‪ ،‬ول يتوقف أب ً‬
‫النفسي أو المعنوي؛ لنه بمثابة الزاد والتزكية للنفس والمجتمعات‪.‬‬
‫فالهجرة النبوية نهر جاري العطاء في كل حين بإذن ربه‪ ،‬يغرف منه المؤمن‬
‫رواء له حيًنا بعد حين‪ ،‬يربط الحداثة بالواقع‪ ،‬ويتلقط منها ما يريد‪.‬‬
‫أهمية الهجرة‬
‫تكمن أهمية الهجرة في‪:‬‬
‫وز وقلة المن‪ ،‬ومن ثم إطلق قدراتهم‬ ‫‪ -‬تخليص المؤمنين من حالة الع َ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬‫جْر ِفي َ‬ ‫من ي َُها ِ‬ ‫النتاجية في حالَتي السلم والحرب مًعا‪ ،‬قال تعالى‪} :‬و َ‬
‫َ‬
‫ة{ )النساء‪ ،(100 :‬والمراغم هو‬ ‫سعَ ً‬ ‫ما ك َِثيًرا و َ‬ ‫مَراغَ ً‬ ‫ض ُ‬‫جد ْ ِفي الْر ِ‬ ‫الل ّهِ ي َ ِ‬
‫المنعة والقوة‪ ،‬أو ما يرِغم به المؤمنون أعداءهم على مساومتهم ومنعهم من‬
‫جُروا ِفي‬ ‫ها َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫العدوان عليهم‪ ،‬والسعة هي سعة العيش‪ ،‬وقال تعالى‪} :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫خَرةِ أك ْب َُر ل َوْ َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ة ول َ ْ‬
‫جُر ال ِ‬ ‫سن َ ً‬
‫ح َ‬
‫م ِفي الد ّن َْيا َ‬‫موا ل َن ُب َوّئ َن ّهُ ْ‬
‫ما ظ ُل ِ ُ‬
‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫الل ّهِ ِ‬
‫ن{ )النحل‪.(41 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫فالمهاجر في سبيل الله اليوم إنما يهاجر ليطلق لنفسه قدراتها‪ ،‬ويتحلل من‬
‫كل قيد يلزمه بالقعود‪ ،‬والمهاجر في سبيل الله اليوم مطاَلب بأن يطلق‬
‫لفكره وعقله وعلمه كل الفاق الرحبة الواسعة‪.‬‬
‫والمة تقف أمام أمر إطلق الطاقات هذا وتتمعن في نفسها‪ ،‬وما يكبلها من‬
‫آسار الغلل الثقيلة التي جعلتها في آخر المم‪ ،‬وتمعن المة النظر في المن‬
‫والحريات التي هي أول مدارج الصعود نحو الهجرة؛ لتعي الهوة الكبيرة بينها‬
‫وبين الهجرة النبوية العطرة‪.‬‬
‫كذا المسلم ‪-‬بله الداعية‪ -‬يقف ليراجع فكره ونفسه‪ ،‬ويستخرج الغلل التي‬
‫تحيط به أن ينطلق النطلقة المباركة وفق شرع ربنا الحكيم‪ ،‬وقدوته صاحب‬
‫الهجرة عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫إن العداد الكبيرة من المسلمين التي تهاجر اليوم الهجرة العكسية إلى بلد‬
‫الغرب‪ ،‬ثم تظل تدور حول نفسها متأثرة بالمحيط الذي تعيش فيه‪ ،‬غاب عنها‬
‫معنى إطلق الطاقات هذا‪ ،‬وفات عليها ُلباب المر في فقه الهجرة‪.‬‬
‫‪ -‬والهجرة بمعناها الشامل حركة تجديد مستمر‪ ،‬وعامل من عوامل قوة المة‬
‫الفكرية والمادية؛ كونها تتمحور حول المثل العلى عليه الصلة والسلم‪ ،‬ول‬
‫تزال المة بعافية ما دامت على صلة قوية بهذا المثل العلى‪ ،‬سواء في‬
‫إنضاج فكرها أو تقدم مدنيتها‪ ،‬ومن تدّبر أحداث الهجرة ودقائقها أدرك أهمية‬
‫دا‬
‫حركة التجديد‪ ،‬وترك البيئات المغلقة إلى البيئات المفتوحة‪ ،‬سواء أكانت بل ً‬
‫ما على‬ ‫أو مؤسسة‪ ،‬أو حتى نفس المؤمن ذاته؛ إذ المثل العلى يحث دائ ً‬
‫دد‬
‫أسمى الغايات‪ ،‬ويدفع لنجاز أرقى الحضارات‪ ،‬ولن يتحقق ذلك إل بالتج ّ‬
‫المنفتح‪ ،‬المتعلق بالمثل العلى عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫‪ -‬والهجرة مطلب قوي لتماسك الجبهة الداخلية في المة؛ إذ هي المراجعة‬
‫والمحاسبة‪ ،‬سواء الذاتية أو الجماعية أو المؤسسية‪.‬‬
‫جر كل ما ل يليق‪ ،‬وبهذه النظرة الواعية لمعنى‬ ‫إذ جوهر الهجرة يقوم على هَ ْ‬
‫سْير‪ ،‬والتفرس في‬ ‫الهجرة يكون النقد البناء‪ ،‬وتكون المراجعات الربانية لل ّ‬
‫الخطاء‪ ،‬وهذا من أقوى عوامل النهوض الحضاري‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن حالة المة اليوم ‪-‬وحال أفرادها في الغالب‪ -‬لفي أشد الحاجة إلى إطلق‬
‫الطاقات الكبيرة التي تحوزها في أبنائها‪ ،‬وتوفير المن والستقرار لهم؛ فما‬
‫سعى النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة إل بعد سنوات من الكبت‬
‫والتضييق؛ فكانت المدينة المنورة البيئة التي انطلق فيها البناء الحضاري‪،‬‬
‫ونلمس اليوم إما كبًتا لمجتمعات كاملة‪ ،‬أو فقداًنا للدور في كثرة من أفراد‬
‫المة‪.‬‬
‫وحركة التجديد التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الله تعالى‬
‫يبعث لهذه المة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" )أبو داود بسند‬
‫صحيح( هذه الحركة تحتاج إلى تجديد في الفراد والمؤسسات‪.‬‬
‫والنقد الداخلي والتوبة والمراجعة قوة تتماسك بها المة‪ ،‬وتسترد بها عافيتها‪،‬‬
‫ويتنفس بها كل فرد أنسام البناء الحضاري‪.‬‬
‫وما أصدق قول شاعر الدعوة وليد العظمي حين قال‪:‬‬
‫ة والدمع يجري غزيًرا من مآقيها‬ ‫يا هجرة المصطفى والعين باكي ٌ‬
‫ة من الجوارح كاد اليأس يطويها‬ ‫يا هجرة المصطفى هّيجت ساكن ً‬
‫هيجت أشجاننا والله فانطلقت منا حناجرنا بالحزن تأويها‬
‫إنها دموع الداعية تنهمر من مآقيه على واقع أمته‪ ،‬وتعطل منابع الخيرات‬
‫ما بهجرة الحبيب محمد عليه الصلة والسلم مصدر‬ ‫فيها‪ ،‬لكن المل يتجدد دائ ً‬
‫القتداء في المحن والمنح‪.‬‬
‫وى معه مراحل في‬ ‫وى اليأس‪ ،‬وُتط َ‬ ‫ومع إدراك فقه الهجرة وأبعادها ُيط َ‬
‫صَرهُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫صُروه ُ فَ َ‬ ‫النفس وفي الفاق الدعوية‪ ،‬وما ثمة مكان للحزن‪ِ} :‬إل َتن ُ‬
‫حب ِهِ ل‬‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ِفي ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ‬ ‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ي اث ْن َي ْ‬ ‫فُروا َثان ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬
‫ج ُ‬ ‫ه إ ِذ ْ أ َ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ل ك َل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنود ٍ ل ّ ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ‬‫كين َت َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫معََنا فَأنَز َ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫م{ ]التوبة ‪.[40‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ي العُلَيا َوالل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ة اللهِ هِ َ‬ ‫ّ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫فلى وَكل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫س ْ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ال ّ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫‪-----------‬‬
‫** كاتب ليبي مقيم بسويسرا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لطائف في سورة النازعات ‪... ... ...‬‬


‫لقد اختلف في تفسير أوائل تلك السورة لن‪ ) :‬الموصفات المقسم بها‬
‫محذوفات وأقيمت صفاتها مقامها‪ ،‬وكان لهذه الصفات تعلقات مختلفة‬
‫اختلفوا في المراد بها ( ]البحر المحيط ‪.[194 /10:‬‬
‫ونحن نريد أن نصل إلى جمع بين تلك القوال يعطي للسورة كلها معنى غير‬
‫المعنى الظاهر أمامك‪ ،‬وسأذكر لك أقوال المفسرين في هذه اليات‬
‫] مقتبسة من البحر المحيط‪[ 10/394 :‬‬
‫ت‬
‫عا ِ‬
‫الّنازِ َ‬
‫الملئكة تنزع نفوس بني لدم‪.‬‬
‫وقال الحسن وقتادة والخفش‪ :‬هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق ‪.‬‬
‫وقال السدي وجماعة‪ :‬تنزع بالموت إلى ربها‪ ،‬وغرقا ً إغراقا في الصدر‪ ،‬وقال‬
‫أيضا‪ :‬النفوس تحن إلى أوطانها وتنزع إلى مذاهبها‪ ،‬ولها نزع عند الموت ‪.‬‬
‫وقال عطاء وعكرمة‪ :‬القسي أنفسها تنزع بالسهام‪ .‬وقال عطاء أيضًا‪:‬‬
‫الجماعات النازعات بالقسي وغيرها إغراقا ً ‪.‬‬
‫وقال مجاهد‪ :‬المنايا تنزع النفوس‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬النازعات‪ :‬الوحوش تنزع إلى الكل‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقيل‪ :‬جعل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه العنة لطول أعناقها‬
‫لنها عراب‪ ،‬والتي تخرج من دار السلم إلى دار الحرب‪ ،‬قاله في الكشاف ‪.‬‬
‫غَْرقا ً‬
‫أي‪ :‬إغراقًا‪ ،‬وهي المبالغة في الفعل‪.‬‬
‫وقال ابن عباس وعلي‪ :‬أو غرقا ً في جهنم‪ ،‬يعني نفوس الكفار ‪.‬‬
‫ت‬‫طا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫َوالّنا ِ‬
‫ي‪ :‬تحلها‬ ‫قال ابن عباس ومجاهد‪ :‬الملئكة تنشط النفوس عند الموت‪ ،‬أ ْ‬
‫وتنشط بأمر الله حيث كان‪.‬‬
‫وقال ابن عباس أيضا ً وقتادة والحسن والخفش‪ :‬النجوم تنشط من أفق إلى‬
‫أفق‪ ،‬تذهب وتسير بسرعة‪.‬‬
‫وقال مجاهد أيضًا‪ :‬المنايا ‪.‬‬
‫وقال عطاء‪ :‬البقر الوحشية وما جرى مجراها من الحيوانات الذي ينشط من‬
‫قطر إلى قطر‪.‬‬
‫وقال ابن عباس أيضا‪ :‬النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج‪.‬‬ ‫ً‬
‫وقيل‪ :‬التي تنشط للزهاق‪.‬‬
‫ت‬ ‫حا ِ‬ ‫ساب ِ َ‬ ‫َوال ّ‬
‫ي ومجاهد‪ :‬الملئكة تتصّرف في الفاق بأمر الله‪ ،‬تجيء وتذهب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عل‬ ‫قال‬
‫قال قتادة والحسن‪ :‬النجوم تسبح في الفلك‪.‬‬
‫وقال أبو روق‪ :‬الشمس والقمر والليل والنهار‪.‬‬
‫وقال عطاء وجماعة‪ :‬الخيل‪ ،‬يقال للفرس سابح‪.‬‬
‫وقيل السحاب لنها كالعائمة في الهواء‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الحيتان دواب البحر فما دونها وذلك من عظم المخلوقات‪.‬‬
‫وقال عطاء أيضًا‪ :‬السفن‪.‬‬
‫وقال مجاهد أيضًا‪ :‬المنايا تسبح في نفوس الحيوان‪.‬‬
‫ت‬ ‫قا ِ‬ ‫ساب ِ َ‬ ‫َفال ّ‬
‫قال مجاهد‪ :‬الملئكة سبقت بني آدم بالخير والعمل الصالح‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود‪ :‬أنفس المؤمنين تسبق إلى الملئكة الذين يقبضونها‪ ،‬وقد‬
‫عاينت السرور شوقا ً إلى لقاء الله تعالى‪.‬‬
‫وقال عطاء‪ :‬الخيل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬النجوم‪.‬‬
‫وقيل المنايا تسبق المال‪.‬‬
‫ت‬ ‫مد َب َّرا ِ‬ ‫َفال ْ ُ‬
‫قال ابن عطية‪ :‬ل أحفظ خلفا ً أنها الملئكة‪ ،‬ومعناها أنها تدبر المور التي‬
‫سخرها الله تعالى وصرفها فيها‪ ،‬كالرياح والسحاب وسائر المخلوقات‪.‬‬
‫وقيل الملئكة الموكلون بالحوال‪ :‬جبريل للوحي وميكائيل للمطر وإسرافيل‬
‫للنفخ في الصور وعزرائيل لقبض الرواح‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬تدبيرها‪ :‬نزولها بالحلل والحرام ‪.‬‬
‫ي‪ :‬يظهر تقلب‬ ‫وقال معاذ‪ :‬هي الكواكب السبعة‪ ،‬وإضافة التدبير إليها مجاز‪ ،‬أ ْ‬
‫الحوال عند قرانها وتربيعها وتسديسها وغير ذلك ‪.‬‬
‫وإذا نظرنا في سياق السورة وجدناها تحفل بسياق عنيف وسريع‪ ،‬وهم ل‬
‫خَرةً َقاُلوا ت ِل ْكَ‬ ‫ظاما ً ن ّ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ذا ك ُّنا ِ‬ ‫حافَِرةِ أ َئ ِ َ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫مْرُدوُدو َ‬
‫قوُلو َ‬
‫ن أئ ِّنا ل َ َ‬
‫َ‬ ‫يزالون } ي َ ُ‬
‫ساهَِرةِ‬ ‫هم ِبال ّ‬ ‫َ‬
‫حد َة ٌ فإ َِذا ُ‬ ‫جَرةٌ َوا ِ‬ ‫ي َز ْ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫َ‬
‫سَرةٌ { يجدون أمامهم } فإ ِن ّ َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ِإذا ً ك َّرةٌ َ‬
‫{ فسياق السورة يخطف البصار ويسوق النسان بسرعة هائلة إلى مصيره‬
‫ة أ َْو‬ ‫َ‬
‫شي ّ ً‬ ‫م ي َل ْب َُثوا إ ِّل عَ ِ‬
‫م ي ََروْن ََها ل َ ْ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫الذي يتساءل عن وقته فيجد الجابة } ك َأن ّهُ ْ‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ها{ ‪.‬‬ ‫حا َ‬ ‫ض َ‬‫ُ‬


‫ووسط كل هذا العنف تخرج إلينا قصة موسى وفرعون ليضرب الله لك مثل‬
‫عمليا سريعا عمن تحدى الله بقوته واعتقد أن القيامة سراب كيف أخذه الله‬
‫َ‬ ‫قا َ َ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬ ‫ل اْل ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه نَ َ‬‫خذ َهُ الل ّ ُ‬ ‫م اْل َعَْلى فَأ َ‬ ‫ل أَنا َرب ّك ُ ُ‬ ‫شَر فََناَدى فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫بسرعة وعنف } فَ َ‬
‫وا ْ ُ‬
‫شى {‪.‬‬ ‫خ َ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ك ل َعِب َْرة ً ل ّ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫لوَلى إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ثم ينقلك من قصص القرون الماضية إلى شيء تراه عيناك ولكن قلبك غافل‬
‫شد ّ‬ ‫م أَ َ‬ ‫ََ‬
‫عن تدبره‪ ،‬فجأة تراه أمامك مما يجعلك فعل تنظر إليه وبإمعان‪ } :‬أأنت ُ ْ‬
‫ها‬
‫حا َ‬ ‫ض َ‬‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬‫ش ل َي ْل ََها وَأ َ ْ‬ ‫ها وَأغْط َ َ‬
‫ها رفَع سمك َها فَسوا َ َ‬
‫َ ّ‬ ‫ماء ب ََنا َ َ َ َ ْ َ‬ ‫س َ‬
‫َ‬
‫خْلقا ً أم ِ ال ّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مَتاعا لك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ها َ‬ ‫سا َ‬ ‫ل أْر َ‬ ‫جَبا َ‬ ‫ها َوال ِ‬ ‫عا َ‬‫مْر َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ماء َ‬ ‫من َْها َ‬‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫ض ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬‫َوالْر َ‬
‫ة الكب َْرى { ساعتها‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ّ‬
‫ت الطا ّ‬ ‫جاء ِ‬ ‫م {‪ .‬وفجأة تقوم القيامة } فَإ َِذا َ‬ ‫ُ‬
‫مك ْ‬ ‫وَِل َن َْعا ِ‬
‫تتذكر كل ما فعلت في حياتك‪ ،‬ولكن المشكلة أنك تبدأ وأنت في قراءة تلك‬
‫سَعى {‪ .‬وأنت‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ُ‬ ‫لن َ‬‫م ي َت َذ َك ُّر ا ْ ِ‬‫اليات بتسير شريط حياتك أمامك } ي َوْ َ‬
‫من ي ََرى { ‪.‬‬ ‫م لِ َ‬ ‫حي ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫في حال تذكرك هذا تفاجأ }وَب ُّرَز ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أما أوائل السورة إذا دققنا في كل ما قيل من معاني حوله – ولحظ أنها‬
‫ليست السورة الوحيدة التي تحتفل بكثرة التأويل لياتها ‪ -‬وجدناها تجمع بين‬
‫الشدة والسرعة والذهاب بقوة وعنف إلى مكان معلوم‪ .‬إن تلك الكلمات‬
‫أشبه بدوال مجهولة الهوية أو كثيرة المعاني تدل على مدلول واحد‪ ،‬وهو قوة‬
‫الله في الكون‪ ،‬وأن النسان حتما سينقضي أجله‪ ،‬بل فعل يشعر النسان في‬
‫سورة النازعات بأنه سينتقل إلى العالم الخر فور إنتهائه من السورة‪... ... .‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لطائف قرآنية‬
‫‪ 1‬ــ أن معرفة سبب النزول تورث العلم بالمسبب‪ ،‬قال الزركشي في‬
‫البرهان ) ج ‪ / 1‬ص ‪ :( 45‬وأخطأ من قال أنه ل طائل تحته‪ ،‬مثل‪ } :‬فل جناح‬
‫‪ ،{ .....‬إل أن العبرة بعموم اللفظ‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ قد ينزل الشيء مرتين‪ ،‬كما قيل في الفاتحة‪ ،‬وقوله تعالى‪ } :‬إنك ل‬
‫تهدي من أحببت‪.{ ....‬‬
‫‪ 3‬ــ من علوم القرآن‪ :‬علم الوجوه والنظائر‪ ،‬ألف فيه ابن الجوزي وابن‬
‫فارس‪ ،‬مثل‪ :‬لفظ المة يأتي على معان كثيرة‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ لبد من معرفة مراحل التنزيل والتدرج في التشريع‪ ،‬مثل‪ :‬مراحل تحريم‬
‫الخمر‪ ،‬والربا‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصوم‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ معرفة المكي والمدني فالمكي أكثر من المدني‪ ،‬ومن الفروق‪:‬‬
‫* ــ أن ما نزل قبل الهجرة فهو مكي‪ ،‬والمدني خلفه‪.‬‬
‫* ــ أن كل سورة فيها } يا أيها الناس‪ { ...‬وليس فيها } يا أيها الذين آمنوا‪...‬‬
‫{ فهي مكية‬
‫* ــ أن كل سورة فيها } كل‪ { ...‬فهي مكية‪.‬‬
‫* ــ أن كل سورة فيها ذكر قصة آدم عليه السلم فهي مكية سوى سورة‬
‫البقرة‪.‬‬
‫* ــ أن كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية سوى سورة العنكبوت‪.‬‬
‫* ــ أن السور المكية قصيرة اليات‪ ،‬وتركز على العقيدة‪ ،‬واليوم الخر‪،‬‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمدنية بخلفها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ 6‬ــ أن النبي عليه الصلة والسلم لم يفسر القرآن تفسيرا تاما‪ ،‬ذكره‬
‫الزركشي في البرهان‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ مما ينفع في الترجيح معرفة رجال التفسير‪ ،‬فأعلمهم الصحابة‪ ،‬ومن‬
‫أعلمهم ابن عباس‪ ،‬قال بعض تلميذ ابن عباس‪ ) :‬خطب ابن عباس في‬
‫الموسم بسورة البقرة لو سمعته الروم والترك والديلم لسلموا (‬
‫وذلك ببركة دعاء رسول الله له‪ ،‬وكان كثير الرجوع إلى أشعار الجاهلية‪ ،‬فمن‬
‫ذلك ما ذكره السيوطي في التقان في مناظرته لرجلين من الخوارج فسأله‬
‫عن مائة وخمسين كلمة من القرآن‪ ،‬وفي كل كلمة يذكر لهم شاهدها من‬
‫ل‪ :‬قالوا له‪ :‬الوسيلة‪ ،‬قال‪ :‬الحاجة‪ ،‬قالوا وهل تعرفها‬ ‫شعر العرب‪ ،‬فمث ً‬
‫العرب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أما سمعت عنترة يقول‪ :‬إن الرجال لهم إليك وسيلة *** إن يأخذوك تكحلي‬
‫و تخضبي‬
‫ومن أعلم التابعين مجاهد تلميذه‪ ،‬قال سفيان‪ :‬إذا جاءك التفسير عن مجاهد‬
‫فحسبك به‪ ،‬وأعلم الناس بالتفسير أهل مكة لنهم تلميذ ابن عباس‪.‬‬
‫‪ 8‬ــ من التفسير ما هو نافع‪ ،‬وهو الغلب‪ ،‬أما غير النافع من السرائيليات‪،‬‬
‫فهي ل تصدق ول تكذب‪ ،‬بل‬
‫يستأنس بها‪ ،‬وتذكر للستشهاد ل للعتقاد كما قرره ابن كثير‪.‬‬
‫وقد تكون السرائيليات محرم إقرارها‪ ،‬مثل‪ :‬الفاضة في ذكر مرض أيوب‬
‫عليه السلم‪ ،‬وأنهم نبذوه حتى ُألقي على المزابل‪ ،‬ولم تبق معه إل زوجته‪.‬‬
‫ومثل تفسيرهم‪ ) :‬ولقد همت ‪ ( ....‬فذكروا أن يوسف حل الزار‪ ،‬وجلس‬
‫منها مجلس الرجل من امرأته‪ ،‬ثم قام عنها‪.‬‬
‫ومنها خلفات ل فائدة فيها مثل لون كلب أهل الكهف‪ ،‬وشجرة آدم‪ ،‬ونوع‬
‫عصا موسى عليه السلم‪.‬‬
‫أحسن الطرق في التفسير‪ ،‬تفسير القرآن بالقرآن‪ ،‬وقد فسر النبي‪ :‬الظلم‬
‫بأنه الشرك‪ ،‬لما قالوا‪ :‬أينا لم يظلم نفسه‪ ،‬في قوله‪ } :‬الذين آمنوا‪{ .....‬‬
‫ثم بالسنة‪ ،‬مثل‪ } :‬أل إن القوة‪ ،{ ...‬الوحي‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬
‫ومثل‪ } :‬للذين أحسنوا‪ { ....‬فسرها بالرؤية‪.‬‬
‫ومثل‪ } :‬طبقا ً عن طبق‪ { ....‬حال ً بعد حال‪ ،‬رواه البخاري‪.‬‬
‫ثم بأقوال الصحابة‪ ،‬ثم باللغة العربية‪ ،‬وأقوال التابعين‪.‬‬
‫‪ 9‬ــ أمور يجب الحذر منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ نقل أقوال المفسرين في العقيدة والصفات من غير نظر وتأمل في‬
‫معتقد السلف‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ الخوض فيما استأثر الله بعلمه‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ التهجم على التفسير من غير آلة مع الجهل بأقوال الشريعة واللغة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬والتفسير تابعا ً له‪.‬‬ ‫‪ 4‬ــ العتقاد مثل الستدلل‪ ،‬وجعل المذاهب أص ً‬
‫س‬
‫‪ 5‬ــ الحذر من تفسير العوام للقرآن‪ ،‬مثل } وقل اعملوا‪ ،{ ...‬و } ول تن َ‬
‫نصيبك‪ { ...‬ومن جهلهم يزيدون في القرآن‪ ) :‬وكفى الله المؤمنين شر‪( .....‬‬
‫بل يضعون آية من عندهم‪ ) :‬قد جعل الله لكل شيء سببا ً (‬
‫بعض المعاني اللطيفة‪:‬‬
‫ــ قد يعبر عن شيئين‪ ،‬والمقصود واحد‪ ،‬مثل‪ } :‬نسيا حوتهما {‪ ،‬والذي نسي‬
‫واحد‪.‬‬
‫ــ } يا معشر الجن والنس ألم يأتكم رسل منكم {‪ ،‬والرسل من النس‪.‬‬
‫ــ } يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان {‪ ،‬وهو الملح‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ } :‬والسارق‪ ،{ ....‬فختم الية بغفور‬ ‫ــ بين اليات و خواتيمها تناسب‪ ،‬فمث ً‬
‫رحيم‪ ،‬فقال أعرابي‪:‬‬
‫هذا ل يصح‪....‬‬
‫ــ لكن قد يكون الختم في نظرنا غير مناسب‪ ،‬لكن أعظم مما نظن‪ ،‬مثل‬
‫قول عيسى عليه السلم‪} ،‬إن تعذبهم‬
‫‪ ...‬العزيز الحكيم {‪ ،‬فهذا مقام تبرؤ من عملهم‪ ،‬وليس استشفاعًا‪.‬‬
‫ــ قد يذكر الشيء من غير مقابلة‪ ،‬مثل‪ } :‬أصحاب الجنة‪ } ،{ ...‬خير‬
‫لكم‪.{ ...‬‬
‫ن‪،{ ..‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ــ من الخبر ما يكون إنشاًء و طلبا‪ ،‬أمرا و نهيا‪ } :‬والوالدات يرضع ّ‬
‫} ومن دخله كان أمنًا‪{ .‬‬
‫} فل رفث‪ } ،{ .....‬فإمساك بمعروف‪ } ،{ ...‬عليكم أنفسكم‪{ ...‬‬
‫ــ ليس كل أسلوب موجود عند العرب يجوز وقوعه في القرآن‪ ،‬مثل‪ :‬الهجاء‬
‫والمدح المفرط والهزل‪ ،‬فالجماع‬
‫يسمى في القرآن ملمسة أو مس أو دخول‪ } :‬فلما تغشاها‪ ،{ ...‬وكذا قضاء‬
‫الحاجة يسمى غائطًا‪.‬‬
‫ــ فرق بين خاطىء ومخطىء‪ ،‬فالول‪ :‬آثم‪ } ،‬إنك كنت من الخاطئين‪،{ ..‬‬
‫والثاني‪ :‬معفو عنه‪:‬‬
‫}و ليس عليكم‪.{ ....‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ــ لبد من معرفة المحذوف‪ ،‬مثل } لكن الراسخون‪ .....‬والمقيمين الصلة {‪،‬‬
‫والسبب في النصب على ستة أقوال‪ ،‬ونقل النحاس عن سيبويه‪ :‬أن النصب‬
‫على المدح‪ ،‬أو على الذم‪ ،‬مثل‪ } :‬وامرأته حمالة‪{ ..‬‬
‫ــ من الكتب النافعة في هذا كتاب المسائل السفرية‪ ،‬سئل عنها ابن هشام‪،‬‬
‫وهو مسافر‪ ،‬ومنه قال تعالى‪:‬‬
‫}من شفع شفاعة‪ ،{ ...‬والكفل‪ :‬النصيب‪ ،‬فلم غاير بينهما‪ ،‬فالجواب‪ :‬أن‬
‫تنويع اللفظ أعذب من تكراره‪ ،‬فقيل زعم بعضهم أن النصيب من الخير‪،‬‬
‫والكفل من الشر‪ ،‬فكان ذكره أنسب‪ ،‬فقال‪ :‬هذا مردود بقوله‪} :‬يؤتكم‬
‫كفلين من رحمته‪.{ ..‬‬
‫‪ http://www.abdslam.com‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لطيفة في سورة النازعات ‪...‬‬


‫طريق القرآن‬
‫لقد اختلف في تفسير أوائل تلك السورة لن‪ ) :‬الموصفات المقسم بها‬
‫محذوفات وأقيمت صفاتها مقامها‪ ،‬وكان لهذه الصفات تعلقات مختلفة‬
‫اختلفوا في المراد بها ( ]البحر المحيط ‪.[194 /10:‬‬
‫ونحن نريد أن نصل إلى جمع بين تلك القوال يعطي للسورة كلها معنى غير‬
‫المعنى الظاهر أمامك‪ ،‬وسأذكر لك أقوال المفسرين في هذه اليات‬
‫ت الملئكة تنزع نفوس بني‬ ‫عا ِ‬
‫] مقتبسة من البحر المحيط‪ [ 10/394 :‬الّنازِ َ‬
‫لدم‪.‬‬
‫وقال الحسن وقتادة والخفش‪ :‬هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال السدي وجماعة‪ :‬تنزع بالموت إلى ربها‪ ،‬وغرقا ً إغراقا في الصدر‪ ،‬وقال‬
‫أيضا‪ :‬النفوس تحن إلى أوطانها وتنزع إلى مذاهبها‪ ،‬ولها نزع عند الموت ‪.‬‬
‫وقال عطاء وعكرمة‪ :‬القسي أنفسها تنزع بالسهام‪ .‬وقال عطاء أيضًا‪:‬‬
‫الجماعات النازعات بالقسي وغيرها إغراقا ً ‪.‬وقال مجاهد‪ :‬المنايا تنزع‬
‫النفوس‪.‬وقيل‪ :‬النازعات‪ :‬الوحوش تنزع إلى الكل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬جعل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه العنة لطول أعناقها‬
‫لنها عراب‪ ،‬والتي تخرج من دار السلم إلى دار الحرب‪ ،‬قاله في الكشاف ‪.‬‬
‫غَْرقا ً أي‪ :‬إغراقًا‪ ،‬وهي المبالغة في الفعل‪.‬‬
‫وقال ابن عباس وعلي‪ :‬أو غرقا ً في جهنم‪ ،‬يعني نفوس الكفار ‪.‬‬
‫ت قال ابن عباس ومجاهد‪ :‬الملئكة تنشط النفوس عند الموت‪،‬‬ ‫طا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫َوالّنا ِ‬
‫ي‪ :‬تحلها وتنشط بأمر الله حيث كان‪.‬‬ ‫أ ْ‬
‫وقال ابن عباس أيضا وقتادة والحسن والخفش‪ :‬النجوم تنشط من أفق إلى‬ ‫ً‬
‫أفق‪ ،‬تذهب وتسير بسرعة‪.‬‬
‫وقال مجاهد أيضًا‪ :‬المنايا ‪.‬وقال عطاء‪ :‬البقر الوحشية وما جرى مجراها من‬
‫الحيوانات الذي ينشط من قطر إلى قطر‪.‬وقال ابن عباس أيضًا‪ :‬النفوس‬
‫المؤمنة تنشط عند الموت للخروج‪.‬وقيل‪ :‬التي تنشط للزهاق‪.‬‬
‫ي ومجاهد‪ :‬الملئكة تتصّرف في الفاق بأمر الله‪ ،‬تجيء‬ ‫ت قال عل ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ساب ِ َ‬ ‫َوال ّ‬
‫وتذهب‪.‬‬
‫قال قتادة والحسن‪ :‬النجوم تسبح في الفلك‪ .‬وقال أبو روق‪ :‬الشمس‬
‫والقمر والليل والنهار‪.‬‬
‫وقال عطاء وجماعة‪ :‬الخيل‪ ،‬يقال للفرس سابح‪ .‬وقيل السحاب لنها‬
‫كالعائمة في الهواء‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الحيتان دواب البحر فما دونها وذلك من عظم المخلوقات‪.‬وقال عطاء‬
‫أيضًا‪ :‬السفن‪.‬‬
‫وقال مجاهد أيضًا‪ :‬المنايا تسبح في نفوس الحيوان‪.‬‬
‫ت قال مجاهد‪ :‬الملئكة سبقت بني آدم بالخير والعمل الصالح‪.‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ساب ِ َ‬‫َفال ّ‬
‫وقال ابن مسعود‪ :‬أنفس المؤمنين تسبق إلى الملئكة الذين يقبضونها‪ ،‬وقد‬
‫عاينت السرور شوقا ً إلى لقاء الله تعالى‪.‬وقال عطاء‪ :‬الخيل‪.‬وقيل‪:‬‬
‫النجوم‪.‬وقيل المنايا تسبق المال‪.‬‬
‫ت قال ابن عطية‪ :‬ل أحفظ خلفا ً أنها الملئكة‪ ،‬ومعناها أنها تدبر‬ ‫مد َب َّرا ِ‬ ‫َفال ْ ُ‬
‫المور التي سخرها الله تعالى وصرفها فيها‪ ،‬كالرياح والسحاب وسائر‬
‫المخلوقات‪.‬‬
‫وقيل الملئكة الموكلون بالحوال‪ :‬جبريل للوحي وميكائيل للمطر وإسرافيل‬
‫للنفخ في الصور وعزرائيل لقبض الرواح‪.‬وقيل‪ :‬تدبيرها‪ :‬نزولها بالحلل‬
‫والحرام ‪.‬‬
‫ي‪ :‬يظهر تقلب‬ ‫وقال معاذ‪ :‬هي الكواكب السبعة‪ ،‬وإضافة التدبير إليها مجاز‪ ،‬أ ْ‬
‫الحوال عند قرانها وتربيعها وتسديسها وغير ذلك ‪.‬‬
‫وإذا نظرنا في سياق السورة وجدناها تحفل بسياق عنيف وسريع‪ ،‬وهم ل‬
‫خَرة ً َقاُلوا ت ِل ْكَ‬ ‫ظاما ً ن ّ ِ‬‫ع َ‬ ‫ذا ك ُّنا ِ‬‫حافَِرةِ أ َئ ِ َ‬‫ن ِفي ال ْ َ‬
‫قوُلو َ‬
‫ن أئ ِّنا ل َ َ‬
‫مْرُدوُدو َ‬ ‫َ‬ ‫يزالون ? ي َ ُ‬
‫هم‬ ‫حد َة ٌ فَإ َِذا ُ‬ ‫جَرةٌ َوا ِ‬ ‫ي َز ْ‬ ‫ما هِ َ‬‫سَرةٌ ? يجدون أمامهم ? فَإ ِن ّ َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ِإذا ً ك َّرةٌ َ‬
‫ساهَِرةِ ? فسياق السورة يخطف البصار ويسوق النسان بسرعة هائلة‬ ‫ِبال ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م ي َلب َثوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ي ََروْن ََها ل ْ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫إلى مصيره الذي يتساءل عن وقته فيجد الجابة ? كأن ّهُ ْ‬
‫ها ? ‪.‬‬ ‫حا َ‬ ‫إّل عَشي ً َ‬
‫ض َ‬
‫ة أوْ ُ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ِ‬
‫ووسط كل هذا العنف تخرج إلينا قصة موسى وفرعون ليضرب الله لك مثل‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عمليا سريعا عمن تحدى الله بقوته واعتقد أن القيامة سراب كيف أخذه الله‬
‫َ‬ ‫قا َ َ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬ ‫ل اْل ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه نَ َ‬‫خذ َهُ الل ّ ُ‬ ‫م اْل َعَْلى فَأ َ‬ ‫ل أَنا َرب ّك ُ ُ‬ ‫شَر فََناَدى فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫بسرعة وعنف ? فَ َ‬
‫وا ْ ُ‬
‫شى ?‪.‬‬ ‫خ َ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ك ل َعِب َْرة ً ل ّ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫لوَلى إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ثم ينقلك من قصص القرون الماضية إلى شيء تراه عيناك ولكن قلبك غافل‬
‫شد ّ‬ ‫م أَ َ‬ ‫ََ‬
‫عن تدبره‪ ،‬فجأة تراه أمامك مما يجعلك فعل تنظر إليه وبإمعان‪ ? :‬أأنت ُ ْ‬
‫ها‬‫حا َ‬ ‫ض َ‬‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬‫ش ل َي ْل ََها وَأ َ ْ‬ ‫ها وَأغْط َ َ‬
‫ها رفَع سمك َها فَسوا َ َ‬
‫َ ّ‬ ‫ماء ب ََنا َ َ َ َ ْ َ‬ ‫س َ‬
‫َ‬
‫خْلقا ً أم ِ ال ّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مَتاعا لك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ها َ‬ ‫سا َ‬ ‫ل أْر َ‬ ‫جَبا َ‬ ‫ها َوال ِ‬ ‫عا َ‬
‫مْر َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ماء َ‬ ‫من َْها َ‬‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫ض ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬
‫َوالْر َ‬
‫ة الك ُب َْرى ? ساعتها‬ ‫ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ّ‬
‫ت الطا ّ‬ ‫جاء ِ‬ ‫م ?‪ .‬وفجأة تقوم القيامة ? فَإ َِذا َ‬ ‫وَِل َن َْعا ِ‬
‫مك ُ ْ‬
‫تتذكر كل ما فعلت في حياتك‪ ،‬ولكن المشكلة أنك تبدأ وأنت في قراءة تلك‬
‫سَعى ?‪ .‬وأنت في‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ُ‬ ‫لن َ‬ ‫م ي َت َذ َك ُّر ا ْ ِ‬‫اليات بتسير شريط حياتك أمامك ? ي َوْ َ‬
‫من ي ََرى ? ‪.‬‬ ‫م لِ َ‬ ‫حي ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬‫حال تذكرك هذا تفاجأ ?وَب ُّرَز ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أما أوائل السورة إذا دققنا في كل ما قيل من معاني حوله – ولحظ أنها‬
‫ليست السورة الوحيدة التي تحتفل بكثرة التأويل لياتها ‪ -‬وجدناها تجمع بين‬
‫الشدة والسرعة والذهاب بقوة وعنف إلى مكان معلوم‪ .‬إن تلك الكلمات‬
‫أشبه بدوال مجهولة الهوية أو كثيرة المعاني تدل على مدلول واحد‪ ،‬وهو قوة‬
‫الله في الكون‪ ،‬وأن النسان حتما سينقضي أجله‪ ،‬بل فعل يشعر النسان في‬
‫سورة النازعات بأنه سينتقل إلى العالم الخر فور إنتهائه من السورة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لعبة نقل المتاعب‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عماد الدين خليل ‪21/8/1426‬‬
‫‪25/09/2005‬‬
‫‪-1-‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫في الشرق السلمي كثيرون ممن كلفوا أنفسهم‪ ،‬ولعلهم كلفوا‪ ،‬بحمل‬
‫أسفار المتاعب والعقد الحضارية المستعصية من عالم الغرب إلى عالم‬
‫السلم والدعاء بأنها من صنع السلم‪.‬‬
‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل إنهم يضيفون إليها‪ ،‬وينفخون فيها من أجل تضخيمها‬
‫ومنحها حجما ً أكبر من حجمها الحقيقي‪ ،‬مع إضافة بعض الصباغ المحلية لكي‬
‫ذج من الناس بأن هذا من صنع السلم‪،‬‬ ‫تتحقق القناعة المطلوبة‪ ،‬ويعتقد الس ّ‬
‫أو على القل من صنع المسلمين والبيئة السلمية‪.‬‬
‫‪-2-‬‬
‫إننا نتذكر هنا ‪ -‬على سبيل المثال ‪ -‬نموذجا ً من عشرات بل من مئات وألوف‪،‬‬
‫تلك الصحفية المصرية المعروفة وهي ) تكافح ( لمدى يقرب من نصف‬
‫القرن‪ ،‬من أجل تصوير المرأة الشرقية كما لو كانت تعاني من متاعب‬
‫ومآس ومعضلت معقدة مستعصية متشابكة‪ ،‬ل تعاني المرأة الغربية عشر‬
‫معشارها‪ ،‬بل ل تعاني منها على الطلق‪ .‬بل إنها ‪ -‬المرأة الغربية ‪ -‬يجب أن‬
‫ت ُّتخذ مثل ً أعلى يتحتم أن تحذو المرأة الشرقية حذوه إذا ما أرادت فعل ً‬
‫تحقيق النقلة المرجوة من الجحيم إلى النعيم‪.‬‬
‫ً‬
‫خرت لمحاولتها حشدا من الصحف‬ ‫وكانت هذه الصحفّية المثابرة التي س ّ‬
‫والمجلت وحتى الكتاب والدباء‪ ،‬تسعى إلى تغطية المحاولة واللتفاف على‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مراميها الحقيقية بصيغ وأساليب عدة أبرزها ‪-‬ول ريب‪ -‬محاولة تعليق المعاناة‬
‫القاسية للمرأة الشرقية على الرجل المسلم الجاهل‪ ،‬ولكنها من وراء هذا‬
‫التعليق كانت تشير بإصبع التهام‪ -‬ومن طرف خفي‪ -‬إلى السلم نفسه‪،‬‬
‫والبيئة السلمية التي صاغها هذا الدين‪.‬‬
‫‪-3-‬‬
‫ومضت الصحفّية المذكورة فيما أسمته معركة تحرير المرأة إلى هدفها‬
‫المرسوم دون كلل أو ملل ‪ ..‬عقود عديدة والصحف المصرية‪ ،‬وعدد من‬
‫الصحف العربية تتبارى بالدعوة المترعة حماسًا‪ ،‬وتؤكد القول شهرا ً بشهر‬
‫ُ‬
‫ج في‬ ‫خّيل للناس‪ ،‬لكثرة ما أعيد القول ول ُ ّ‬ ‫وأسبوعا ً بأسبوع ويوما ً بيوم‪ ،‬حتى ُ‬
‫الطلب‪ ،‬أن المرأة المسلمة تعاني فعل ً من الويلت‪ ،‬وأنه قد آن الوان‬
‫لتخليصها ‪-‬وبأسرع وقت‪ -‬مما تعانيه‪.‬‬
‫ولم يكن المر صعبا ً إذا خلصت النية وصدق العزم‪ ،‬فما على هذه المرأة‬
‫سوى أن تنظر إلى ما تفعله أختها في عالم الغرب فتحذو حذوه‪ ،‬هناك حيث‬
‫تسترد ّ سعادتها الضائعة وكرامتها الممتهنة وحقها المسلوب‪.‬‬
‫والصوات المخلصة التي نبهت إلى خطورة اللعبة‪ ،‬وخبثها ‪ ،‬بل إلى خطئها‬
‫ل‪ -‬إلى أن يصمت‪ ،‬أما أولئك‬ ‫وى عليها‪ ،‬واضطر بعضها –فع ً‬ ‫ابتداء‪ ،‬كاد ُيط َ‬
‫الذين واصلوا المجابهة فإن الصخب والضجيج الذي أحاط بدعوى )الصحفّية(‬
‫طى على أصواتهم؛ فلم يعد ُيعرف ما الذي تريد أن تقول‪.‬‬ ‫غ ّ‬
‫‪-4-‬‬
‫وتدور اليام دورتها‪ ،‬وتزداد قنوات التصال بالحياة الغربية قوة وسرعة‬
‫وانتشارًا‪ ،‬ويعرف الشرقيون من خلل الصحف والمجلت والسينما والذاعة‬
‫والتلفاز والدراسات والعمال الدبية المترجمة‪ ،‬كم تعاني المرأة الغربية‬
‫هناك‪ ،‬وكم تتعذب ‪ ..‬ويعرفون ‪ -‬كذلك ‪ -‬مقدار ماتتخبط فيه من مشاكل‬
‫س ومنّغصات ‪ ..‬ثم هم يعرفون ان المرأة المسلمة‪ ،‬على ماتعانيه من‬ ‫ومآ ٍ‬
‫متاعب بسبب الرجل المسلم الجاهل‪ ،‬ل السلم نفسه‪ ،‬إنما تحيا حالة أقرب‬
‫إلى إنسانيتها‪ ،‬وتكوينها‪ ،‬ومطامحها‪ ،‬من شقيقتها في الغرب بما ل يقبل‬
‫قياسًا!!‬
‫وتدور اليام دورتها فاذا أصوات قادمة من الغرب‪ ،‬من نسوة غربيات‬
‫عالمات ومتخصصات‪ ،‬لمجرد دعّيات أو مهّرجات‪ ،‬تشير بالحرف الواحد إلى‬
‫أن الهندسة السلمية لدور المرأة في العالم هي الهندسة الوحيدة‬
‫المنسجمة بإعجاز باهر مع تكوين المرأة ومطالبها‪ ،‬ورغائبها الجسدية‬
‫والنفسية‪ ،‬وأن ماعداها ليس سوى الفوضى والتخبط والضلل وأن حصيلته‬
‫لن تكون سوى الشقاء الذي يلف المرأة الغربية رغم مايبدو ظاهرا ً من أنها‬
‫تعيش سعيدة‪ ،‬ولكنه ليس سوى الديكور الذي يخفي وراءه الوجه القبيح‪.‬‬
‫‪-5-‬‬
‫وتدور اليام دورتها فإذا عالم الغرب يشهد من الوقائع والحداث في دائرة‬
‫المرأة‪ ،‬مايؤكد صدق هذه المقولت جميعًا‪ ،‬فيتجاوز نطاق الجدل إلى ساحة‬
‫الرؤية المشهودة التي تحمل إقناعها المبين‪.‬‬
‫ونحن نعرف جميعا ً ‪ -‬على سبيل المثال فحسب ‪ -‬ماحدث في إيطاليا‪ .‬فبعد‬
‫كفاح دام أكثر من عقد من الزمن قدر البرلمان اليطالي أن ينتزع بأغلبية‬
‫ساحقة حق الطلق بالنسبة لطرفي المعادلة الزوجية‪ :‬الرجل والمرأة‪،‬‬
‫واعتبرت الصحف اليسارية ذلك انتصارا كبيرا لقضية النسان‪.‬‬
‫بينما كان )الطلق( بالنسبة للصحفية إياها واحدا ً من الهداف التي تسترت‬
‫وب عليها أعيرتها النارية دون كلل او ملل لمدى ثلثين أو‬ ‫وراءها‪ ،‬وظلت تص ّ‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أربعين عامًا!!‬
‫ترى‪ ،‬أل تزال هذه المرأة المثابرة تصر على استمرار الحرب ضد الطلق‪،‬‬
‫الذي هو بمثابة صمام أمان لما قد يصيب الحياة الزوجية من مشاكل وشروخ‬
‫مستعصية‪ ،‬والذي لم ُيمارس في عالم السلم‪ ،‬رغم حّليته‪ ،‬إل في نطاق‬
‫محدود إذا ما قورن بما شهدته الساحة الغربية نفسها‪ ،‬بما فيه المعسكر‬
‫الشيوعي‪ ،‬المر الذي تؤكده الحصائيات التي لتميل يمينا ً أو شما ً‬
‫ل؟‬
‫‪-6-‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وغير الطلق مسائل أخرى كثيرة تصورتها صاحبتنا مشاكل ومعضلت‬


‫ددت إليها سهامها‬ ‫مرت عن ساعد الجد سعيا ً لحلها‪ ،‬واتخذتها أهدافا ً س ّ‬ ‫وش ّ‬
‫دون كلل أو ملل‪ ،‬لكنها في حقيقة المر لتعدو أن تكون الوضع الطبيعي‬
‫ذبت‪،‬‬ ‫الصحيح‪ ،‬المرسوم بعناية‪ ،‬والذي شذت عنه المرأة الغربية فشقيت وتع ّ‬
‫وهاهي الصحفّية إياها تبذل جهودا ً استثنائية مضاعفة لكي تدفع المرأة‬
‫المسلمة إلى الخروج من هذا الوضع أسوة بما فعلته زميلتها الغربية‪ ،‬مهما‬
‫تكن النتائج‪ ،‬وبغض النظر عن المصير الذي ستؤول إليه‪.‬‬
‫قوامة‪ِ ،‬قوامة الرجل على المرأة في‬ ‫طم حاجز ال ِ‬ ‫فهي ‪ -‬مثل ً ‪ -‬تريد أن تح ّ‬
‫مؤسسة السرة ‪ ..‬لماذا؟‬
‫إذا كان السلم قد منح الزوجة من الحقوق المادية والدبية والقانونية مالم‬
‫تتمتع به امرأة في العالم ‪ ..‬إذا فهمنا )الحق( طبعا ً على أنه قيمة إيجابية‬
‫ترتبط ارتباطا ً عميقا ً بالنظام‪ ،‬وتشكل جانبا ً بنائيا ً في صيرورته‪ ،‬ل مجرد‬
‫تسّيب وتفّلت وفوضى وضرب على غير هدى‪.‬‬
‫وإذا كان السلم قد رّتب على الزوج من الواجبات تجاه زوجته ما يمنح‬
‫حقوقها تلك مزيدا ً من الحصانة والضمانات ‪ ..‬فماذا لو منح حق قيادة‬
‫مؤسسة السرة للرجل باعتباره أكثر قدرة على ممارسة هذه الوظيفة بحكم‬
‫موقعه الجتماعي‪ ،‬وربما ‪ -‬اللهم دون حسم أو جزم ‪ -‬بحكم عقلنيته وعدم‬
‫استجابته المبكرة للدوافع والمؤثرات العاطفية؟!‬
‫ومعلوم أنه مامن تنظيم أو مؤسسة في حضارة مامن الحضارات إل‬
‫واختيرت لها )القيادة( المتفردة التي تعرف ‪ -‬بحكم كفاءتها وإمكاناتها‬
‫وارتباطاتها ‪ -‬كيف تسوسها وتسير بها صوب النمو‪ ،‬وتجتاز المشاكل‬
‫والعقابيل‪ ،‬ومعلوم كذلك أن ازدواج السلطة يعني التفكك والدمار‪ ،‬وهو‬
‫يتمخض عن حشود من السلبيات تفوق كثيًرا مايمكن أن يتأتى عنها من‬
‫إيجابيات‪.‬‬
‫الصحفّية تأبى الذعان لهذه البداهات وتصر على استيراد الصيغة الغربية التي‬
‫تضيع فيها المرأة والرجل معا ً حيث تضيع القيادة‪ ،‬وحيث تصبح مؤسسة‬
‫السرة مركبا ً بدون قبطان‪.‬‬
‫‪-7-‬‬
‫وماذا عن تفرغ المرأة للبيت؟ ماذا عن دورها الكبير هناك؛ الدور الواسع‬
‫المتشعب الخطير الذي اعترفت به التجربة الواقعية قبل وبعد تأكيدات‬
‫الديان‪ ،‬والشرائع؟‬
‫إن السلم ‪ -‬طبعا ً ‪ -‬ليرفض خروج المرأة‪ ،‬ليرفض توظيفها هنا أو هناك‪،‬‬
‫ليقف بمواجهة الفادة من كفاءاتها في هذه الدائرة أو تلك من دوائر الدولة‬
‫أو النشاط العام ومؤسساتها‪ ،‬لكنه يرفض أل ّ تكون هناك ضوابط ومعايير‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخرائط دقيقة تتحرك المرأة على ضوئها‪ ،‬فل تهدر طاقاتها أو تضيع‪.‬‬
‫والسلم‪ -‬كما هو شأنه في كل مسائل الحياة‪ -‬يرتب سلما ً للولويات هو‬
‫بمثابة ضرورة من الضرورات الجتماعية بل الحضارية‪ ،‬وهو هنا بصدد وظيفة‬
‫المرأة‪ ،‬يجعل مهمتها في مؤسسة السرة هي القاعدة‪ ،‬أو الضرورة‪ ،‬أو‬
‫المهمة الولى في وجودها‪ ،‬وبعدها تتسلسل الوظائف والمهمات‪ ،‬على ضوء‬
‫الحاجة الجتماعية‪ ،‬ووفق الظرف التاريخي الذي يعيشه شعب من الشعوب‪.‬‬
‫فعندما كانت الدولة السلمية الفتية تقاتل خصومها في كل مكان‪ ،‬عندما‬
‫كانت مهمتها تعزيز مكانتها في الرض بأيد لم تكن تكفي لتنفيذ هذا الهدف‬
‫الكبير كان لبد للمرأة أن تدخل طرفا ً في المعادلة‪ ،‬وأن تقف إلى جانب‬
‫الرجل تحمل السلح وتقاتل‪.‬‬
‫وعندما كانت المة السلمية تجابه التحديات الحضارية‪ ،‬بعد الفتح‪ ،‬وتعمل‬
‫عقلها لتنفيذ قيمها العقدية في واقع الحياة‪ ،‬وتشكيل التيار الثقافي الذي‬
‫يحمل صبغتها‪ ،‬كان لبد للمرأة كذلك أن تدخل طرفا ً في المهمة‪ ،‬وأن تكتب‬
‫دث وتعّلم وتتعلم ‪ ..‬إلى آخره ‪..‬‬ ‫وتح ّ‬
‫لم يقل أحد في الحالتين بأن المرأة خرجت عن دورها المرسوم‪ ،‬وأن عليها‬
‫أن ترجع لكي تظل في البيت‪ .‬ولكن كانت مهمتها كربة بيت ‪ ..‬كزوجة ‪..‬‬
‫وأم ‪ ..‬ومربية ‪ ..‬هي القاعدة التي أكد عليها السلم‪ ،‬وغدت في حس‬
‫المسلمين بمثابة بداهة من البداهات‪ .‬وكانت المعادلة بهذه الصيغة واضحة‬
‫ومقنعة‪ ،‬ولم يترتب عليها ‪-‬كما يتوهم عشاق جلب المتاعب الحضارية أي‬
‫معضلة تقتضي دراسة أو حل ً ‪..‬‬
‫ً‬
‫وتجيء الصحفّية المثابرة لكي تصرخ على مدى أربعين عاما بأن على المرأة‬
‫أن ترفض عبوديتها للبيت‪ ،‬وأن تخرج لكي تحقق أنوثتها وحريتها وتكسب‬
‫حقها المهدور دون أن تدرك ‪ -‬هذه الصحفّية ‪ -‬أو لعلها تدرك وتتعمد التجاهل‪،‬‬
‫أن أنوثة المرأة لن تتحقق إل من خلل وظيفتها الساسية كزوجة وأم‬
‫ومربية‪ ،‬وإل من خلل كونها طرفا ً في معادلة الحياة والتخلق‪ ،‬تلك التي تضم‬
‫الرجل والمرأة والطفال‪ ،‬منذ كان هنالك تقابل بين الرجل والمرأة من أجل‬
‫استمرار الحياة‪.‬‬
‫‪-8-‬‬
‫ومسألة التحجب‪ ،‬كانت هي الخرى الساحة التي قدمت فيها صاحبتنا فنونا ً‬
‫من الثارة بالكلمة الحادة التي تجرح وتدمي‪ ،‬وبالصورة التي تكاد الحرف‬
‫فيها تصرخ حتى تبح أصواتها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فما دامت المرأة الغربية قد كشفت عن ساقيها فإنه يتحتم على المرأة‬
‫الشرقية المسلمة أن تكشف هي الخرى عن ساقيها ‪ ..‬ومادامت المرأة‬
‫الغربية قد عرضت جانبا ً من ثدييها فإن لزميلتها المسلمة أن تحذو حذوها ‪..‬‬
‫مادامت المرأة الغربية قد لطخت وجهها وهي تغادر البيت بحفنات من‬
‫شت على جسدها حفنات أخرى من العطور فإن للمرأة‬ ‫الحمر والبيض ور ّ‬
‫المسلمة أن تلطخ وترش هي الخرى ‪ ..‬مادامت المرأة الغربية تلهث وراء‬
‫)الموضات( الجديدة في عالم الزياء فإن المرأة الشرقية يجب أن تلهث هي‬
‫الخرى‪ ،‬وترغم زوجها على أن يلهث هو الخر لكي يغطي مطالبها جميعا ً ‪..‬‬
‫لماذا؟ هل ثمة أي قيمة )حضارية( تكمن في الطبيعة المتعهرة التي تكون‬
‫عليها المرأة في الشارع أو الدائرة أو المعمل؟ هل ثمة أي عرقلة أو إعاقة‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للصيرورة الحضارية في كون المرأة ترفض التبّرج‪ ،‬وتأبى التزين إل لزوجها‬


‫وزميلتها؟‬
‫‪-9-‬‬
‫جب أو التبّرج يطول‪ ،‬ومن أجل‬ ‫ّ‬ ‫التح‬ ‫لمسألة‬ ‫الحضاري‬ ‫البعد‬ ‫عن‬ ‫الحديث‬ ‫إن‬
‫القتصاد في الكلمات أحب أن أشير إلى واحدة من الظواهر المشهورة‬
‫تستمد قدرتها على القناع من كونها أمرا ً معيشا ً شهدناه بأم أعيننا في هذا‬
‫البلد أو ذاك من بلدان السلم‪.‬‬
‫إن إقبال الشباب على الفتاة المحجبة أخذ يتصاعد حتى كاد يسجل أرقاما ً‬
‫قياسية‪ .‬ويستطيع المرء أن يستخلص في هذا المجال المحصلة التالية‪ :‬إذا‬
‫حدث وإن تساوت امرأتان في الجمال‪ ،‬وربما في الحسب والموقع‬
‫الجتماعي‪ ،‬فإن حظ المرأة المحجبة من الخطبة يزيد بنسبة ملحوظة عن‬
‫حظ السافرة ‪ ..‬لماذا؟‬
‫الجواب واضح قد لتدركه صاحبتنا بسهولة بعد إذ التوى تكوينها‪ ،‬وغابت عنها‬
‫بداهات الشياء‪.‬‬
‫ً‬
‫إن الفتاة المحجبة أكثر قبول للحياة الزوجية حتى بالنسبة لبعض الباحيين‬
‫والمتحللين أنفسهم؛ لنهم يعرفون جيدا ً أن هذه الحياة التي تتطلب ثقة وأمنا ً‬
‫واستقرارا ً شيء‪ ،‬والبهيمية التي تتوخى إشباع الشهوة العابرة شيء آخر‪.‬‬
‫فالتجربة الجنسية المحضة مسألة بسيطة قد تلبي نداءها هذه المرأة أو تلك‪،‬‬
‫ولكن الزواج تجربة معقدة وممارسة مركبة تتضمن أكثر من وجه‪ ،‬وتتداخل‬
‫فيها دوافع شتى لتقتصر على المساحة الجنسية الصرفة‪ .‬ولن تصلح لهذه‬
‫التجربة مطلق أنثى كما يقول المناطقة‪ ،‬بغض النظر عن كافة الجوانب‬
‫المعقدة المتشابكة‪ ،‬بل لبد من توفر حد أدنى من الشروط لكي يستقيم‬
‫البناء ويتماسك ويتجاوز صيغته الكرتونية التي تنادي بها الصحفّية إياها والتي‬
‫تجعل من مسألة بناء العائلة وإشباع حاجة البوة والمومة وتنفيذ وظيفة‬
‫استمرارية الحياة‪ ،‬أمرا ً ثانويا ً بالنسبة للتحقق الشكلي للمرأة المتحررة‪.‬‬
‫‪-10 -‬‬
‫إن نقل المعضلت الغربية إلى عالم الشرق ومحاولة وضع رداء إسلمي على‬
‫جسدها المتقرح‪ ،‬إن كان مقبول ً قبل أربعة عقود أو خمسة‪ ،‬فإنه ليس‬
‫بمقبول الن بعد أن أصبح بمقدور قنوات التصال اليومي في الحياة الغربية‪،‬‬
‫أن تنقل إلينا دقيقة بدقيقة مايجري هناك‪.‬‬
‫ولن يكون بمستطاع ألف أخرى من الصحفّية المذكورة أن تطمس على هذا‬
‫الذي يشهده الجميع لكي ترمي به السلم والمسلمين‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لعشاق المناظر الباحية ما رأيكم بهذا المنظر ‪...‬‬


‫الرسالة الولى‪:‬‬
‫لعشاق المناظر الباحية ما رأيكم بهذا المنظر؟؟؟ مع العتذار مسبقا!‬
‫بدر شاب في مقتبل العمر طالب في الجامعة وحين يعود لمنزله يقضي‬
‫وقت فراغه أمام شاشة الكمبيوتر يعرف كل شيء عن عالم النترنت ولكنه‬
‫ل يعرف سوى الجانب السود منه‪ ..‬هو أمام الناس وأهله شابا مستقيما‬
‫وسامته جعلته فارس أحلم كل بنت ولكنه حين يدخل غرفته يتحول إلى عبد‬
‫لشهوته‪..‬‬
‫عبد الرحمن صديقه المقرب ولكنه من عباد الله ومن شباب الدعوة‪..‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خرج الثنان في سيارة الول وأثناء سيرهم صادفتهم نقطة تفتيش‪ ..‬بادر عبد‬
‫الرحمن بفتح درج السيارة ليخرج دفتر بيانات السيارة وإذا به يرى تلك‬
‫الصور العارية!‬
‫صمت رهيب يلف السيارة يتبعه زفير قوي من بدر الذي مل العرق وجهه بعد‬
‫أن أشار له الشرطي بمواصلة السير‪ ..‬يلتفت على عبد الرحمن فإذا به‬
‫يستغفر الله ويحمده ليدور هذا الحوار‪..‬‬
‫عبد الرحمن‪ :‬ما هذه الصور يا بدر؟‬
‫بدر‪ :‬لقد طلبها أحد الطلبة مني و أنا ذاهب لعطيها إياه‪.‬‬
‫عبد الرحمن‪ :‬أل تعلم أنك ترتكب معصية؟ أل تعلم أن من دل على ضللة فله‬
‫آثام من تبعه ل ينقص من آثامهم شيئا؟ أل تخاف الله؟ أتخاف الشرطي‬
‫المخلوق ول تخاف الخالق؟ أ‪..‬‬
‫بدر مقاطعا بتهكم يكفي خلص دع خطبك للمسجد أنا ما زلت شابا وما أفعله‬
‫أهون من أن أزني وسأتوب عندما يهديني الله ولست بحاجة لخطبتك‪.‬‬
‫عبد الرحمن‪ :‬أنزلني هنا فلن أشاركك في الثم‪.‬‬
‫يعود بدر للمنزل يغلق باب غرفته‪ ..‬يشغل الكمبيوتر‪ ..‬ويبدأ بمزاولة هوايته‬
‫في البحث عن المواقع الباحية‪ ..‬صور ماجنة وأفلم هذا ما أحتاجه لرفه عن‬
‫نفسي بعد كلم ذلك المتخلف‪ ..‬ما أجملها‪ ..‬يقوم فيوصد الباب‪ ..‬نعم‬
‫سأجلس عاريا وأتخيل نفسي معهم‪ ..‬إنه شعور جميل‪ ..‬ولو مارست العادة‬
‫السرية فسيكون أجمل وأكثر واقعية‪ ..‬نعم إنها النشوة التي تسعد النسان‬
‫حقا‪..‬‬
‫وما هي إل لحظات حتى أنهى شهوته الشيطانية ولكن ما هذا اللم الشديد‬
‫في صدري‪ ..‬آه يصرخ وقد تلوثت يده‪ ..‬يا رب‪ ..‬يا رب‪ ..‬آه يشتد اللم يفتح‬
‫الباب وإذا بوالديه أمامه‪ ..‬لقد أنساه اللم لبس ملبسه إنها حلوة الروح بل‬
‫إنها الفضيحة‪.‬‬
‫يحاول تبرير المنظر ولكن ملك الموت كان أسرع منه ليموت على تلك‬
‫الصورة‪...‬‬
‫إنها قصة خيالية ولكن هل يستطيع أحد مدمني المواقع الباحية أن يضمن‬
‫عدم تكرار هذا المشهد فيكون مكان بدر؟ وهل يتمنى أحدنا أن يموت مثل‬
‫تلك الميتة؟‬
‫بالطبع‪ ..‬ل إذن بادر أخي بالتوبة قبل أن تختم حياتك بخاتمة سوء وتذكر أن‬
‫الله يفرح بتوبة العبد وهو القائل‪ " :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم‬
‫ل تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا"‬
‫إخواني لقد كتبت ملخص هذه القصة في ذلك الموقع و لله الحمد تأثر بها‬
‫عدد من رواد تلك المواقع إنه أسلوب من أساليب الدعوة أتركه لمن أراد‬
‫إتباعه‪.‬‬
‫هم يستخدمون العناوين الجذابة للفساد فلم ل نستخدمها للدعوة؟؟‬
‫الرسالة الثانية‪:‬‬
‫أخي الكريم‪ ..‬أختي الكريمة‪...‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد‪:‬‬
‫اجعل هذه الرسالة حجة لك ل عليك‪.‬‬
‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪) -‬إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم‬
‫عذاب أليم في الدنيا والخرة( سورة النور‪.‬‬
‫هل تعلم‪ :‬أن ما تقوم به من تبادل الصور الفاضحة يعتبر سيئة جارية‪.‬‬
‫)أي أن إثمها وإثم من نشرها جار معك حتى تتوب إلى الله(‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ترضى لمك وأختك مشاهدة هذه الصور؟؟ أليس المسلمون إخوانك؟؟‬


‫بأي شيء تجيب ربك عندما يسألك عن )نشر الصور المحرمة( يوم القيامة؟؟‬
‫هل تعلم‪ :‬أنك تتحمل آثام كل من شاهد هذه الصور التي قمت بتبادلها‪.‬‬
‫هل تعلم‪ :‬أن رصيدك من السيئات يزداد بازدياد متبادلي هذه الصور حتى بعد‬
‫مماتك‪.‬‬
‫هل تعلم‪ :‬أن تبادل هذه الصور بين الناس بعد مماتك قد يسبب عذابك في‬
‫القبر حتى قيام الساعة‪.‬‬
‫هل تعلم‪ :‬بأن الله ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ -‬يغار ومن غيرته أنه حرم الفواحش ما‬
‫ظهر منها وما بطن‪.‬‬
‫أخي الكريم تذكر‪...‬‬
‫قول الله ‪ -‬تعالى ‪) :-‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم‬
‫ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون(‪.‬‬
‫أخي الكريم تذكر‪...‬‬
‫ً‬
‫قول الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) :-‬اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن‬
‫لكم الجنة‪ ،‬اصدقوا إذا حدثتم‪ ،‬وأوفوا إذا وعدتم‪ ،‬وأدوا إذا ائتمنتم‪ ،‬واحفظوا‬
‫فروجكم‪ ،‬وغضوا أبصاركم‪ ،‬وكفوا أيديكم(‪.‬‬
‫أخي إن ما تقوم به يعد نشر للفساد‪ ،‬وإماتة للقلوب‪ ،‬ولهو للناس عن ذكر‬
‫الله وأعلم أن النظر سبب الزنا‪ ،‬فأحذر من الوقوع فيه‪ ،‬وإن من وقع به‬
‫بسبب تلك الصور فأثمه يقع عليك‪.‬‬
‫فتوبوا إلى الله قبل فوات الوان‪.‬‬
‫ثم إذا كنت بارعا ً في استخدام النترنت لماذا ل تنصر دين السلم وتنكر‬
‫المنكر أينما كان‪ ،‬ففرصتك باقية‪ .‬فهل تفعل؟‪.‬‬
‫نسأل الله لك الهداية‪ .‬والله من وراء القصد‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لعشرة الواخر والدعاء‬


‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫التاريخ ‪23/10/2005 :‬‬
‫الكاتب ‪ :‬إبراهيم بن محمد الحقيل ‪ ...‬الزوار ‪2369 :‬‬
‫> ‪<tr‬‬
‫الحمد لله ‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فعندما تنزل الحاجة بالعبد فإنه ينزلها بأهلها الذين يقضونها ‪،‬‬
‫وحاجات العباد ل تنتهي ‪ .‬يسألون قضاءها المخلوقين ؛ فيجابون تارة ويردون‬
‫أخرى ‪ .‬وقد يعجز من أنزلت به الحاجة عن قضائها ‪ .‬لكن العباد يغفلون عن‬
‫سؤال من يقضي الحاجات كلها؛ بل ل تقضى حاجة دونه ‪ ،‬ول يعجزه شيء ‪،‬‬
‫غني عن العالمين وهم مفتقرون إليه ‪ .‬إليه ترفع الشكوى ‪ ،‬وهو منتهى كل‬
‫يٍء إ َِذا‬ ‫ش ْ‬ ‫ما قَوْل َُنا ل ِ َ‬ ‫نجوى ‪ ،‬خزائنه ملى ‪ ،‬ل تغيضها نفقه ‪ ،‬يقول لعباده } إ ِن ّ َ‬
‫ن{‬ ‫كن فَي َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫أ ََرد َْناه ُ َأن ن ّ ُ‬
‫قو َ‬
‫ل‬ ‫ك وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ذي ب ِي َدِهِ ال ْ ُ‬‫ك ال ّ ِ‬
‫كل الخزائن عنده ‪ ،‬والملك بيده } ت ََباَر َ‬
‫قد ٍَر‬ ‫ما ن ُن َّزل ُ ُ‬
‫ه إ ِل ّ ب ِ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫خَزائ ِن ُ ُ‬
‫عند ََنا َ‬‫يٍء إ ِل ّ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫من َ‬
‫ديٌر {] الملك[ }وَِإن ّ‬ ‫يٍء قَ ِ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معُْلوم ٍ {] الحجر [ ‪ ،‬يخاطب عباده في حديث قدسي فيقول ‪ )) :‬يا عبادي لو‬ ‫ّ‬
‫أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت‬
‫كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إل كما ينقص المخيط إذا ًأدخل‬
‫قَراء‬ ‫ف َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س أنت ُ ُ‬ ‫البحر (( ] رواه مسلم ‪ [2577‬ويقول سبحانه ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ميد ُ {] فاطر[ ‪.‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَن ِ ّ‬ ‫إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫ل ينقص خزائنه من كثرة العطايا ‪ ،‬ول ينفد ما عنده ‪ ،‬وهو يعطي العطاء‬
‫ق { ] النحل ‪ [96 :‬قال النبي عليه‬ ‫عند َ الل ّهِ َبا ٍ‬ ‫ما ِ‬ ‫فد ُ و َ َ‬ ‫م َين َ‬ ‫عند َك ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫الجزيل } َ‬
‫الصلة والسلم )) يد ُ الله ملى ل تغيضها نفقه سحاُء الليل والنهار ‪ ،‬أرأيتم ما‬
‫أنفق منذ خلق السماء والرض ؟ فإنه لم يغض ما في يده ‪ ،‬وكان عرشه‬
‫على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع (( ] رواه البخاري ‪ 684‬ومسلم‬
‫‪. [993‬‬
‫هذا غنى الله ‪ ،‬وهذا عطاؤه ‪ ،‬وهذه خزائنه ‪ ،‬يعطي العطاء الكثير ‪ ،‬ويجود في‬
‫هذا الشهر العظيم ؛ لكن أين السائلون ؟ وأين من يحولون حاجاتهم من‬
‫المخلوقين إلى الخالق ؟ أين من طرقوا البواب فأوصدت دونهم ؟ وأين من‬
‫ة ! يحب‬ ‫سألوا المخلوقين فُردوا ؟ أين هم ؟ دونكم أبواب الخالق مفتوح ً‬
‫السائلين فلماذا ل تسألون ؟ ‪.‬‬
‫لماذا الدعاء ؟!‬
‫ل يوجد مؤمن إل ويعلم أن النافع الضار هو الله سبحانه ‪ ،‬وأنه تعالى يعطي‬
‫من يشاء ‪ ،‬ويمنع من يشاء ‪ ،‬ويرزق من يشاء بغير حساب ‪ ،‬وأن خزائن كل‬
‫شيء بيده ‪ ،‬وأنه تعالى لو أراد نفع عبد فلن يضره أحد ولو تمال أهل الرض‬
‫كلهم عليه ‪ ،‬وأنه لو أراد الضر بعبد لما نفعه أهل الرض ولو كانوا معه ‪ .‬ل‬
‫يوجد مؤمن إل وهو يؤمن بهذا كله ؛ لن من شك في شيء من ذلك فليس‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ وَِإن‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ضّر فَل َ َ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫بمؤمن ‪ ،‬قال الله تعالى ‪} :‬وَِإن ي َ ْ‬
‫م{‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫عَبادِهِ وَهُوَ الغَ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫ضل ِهِ ي ُ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫خي ْرٍ فَل َ َرآد ّ ل ِ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ي ُرِد ْ َ‬
‫] يونس ‪. [107 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن{‬ ‫جأُرو َ‬ ‫ضّر فَإ ِلي ْهِ ت َ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫سك ُ‬ ‫م ّ‬ ‫نعم والله ل ينفع ول يضر إل الله تعالى } إ َِذا َ‬
‫] النحل ‪[53 :‬‬
‫ن إ ِل إ ِّياه ُ { ] السراء ‪[67 :‬‬ ‫ّ‬ ‫عو َ‬ ‫من ت َد ْ ُ‬ ‫ضل َ‬‫ّ‬ ‫حرِ َ‬ ‫ْ‬
‫ضّر ِفي الب َ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫} وَإ َِذا َ‬
‫ضلّ‬ ‫سقطت كل اللهة ‪ ،‬وتلشت كل المعبودات وما بقي إل الله تعالى } َ‬
‫ن‬
‫شْيئا ِ ْ‬
‫إ‬ ‫ً‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ن إ ِل ّ إ ِّياه ُ {] السراء ‪} [67 :‬قُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫من ت َد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫فعا ً { ]الفتح ‪[11:‬‬ ‫م نَ ْ‬ ‫َ‬
‫ضّرا ً أوْ أَراد َ ب ِك ُْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أَ َ ِ ْ َ‬
‫م‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫را‬
‫ل يسمع دعاء الغريق في لجة البحر إل الله ‪ .‬ول يسمع تضرع الساجد في‬
‫خلوته إل ‪ .‬ول يسمع نجوى الموتور المظلوم وعبرته تتردد في صدره ‪،‬‬
‫وصوته يتحشرج في جوفه إل الله ‪ .‬ول يرى عبرة الخاشع في زاويته والليل‬
‫هّ‬
‫فى }‪ {7‬الل ُ‬ ‫خ َ‬ ‫سّر وَأ َ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫ل فَإ ِن ّ ُ‬ ‫قو ْ ِ‬‫جهَْر ِبال ْ َ‬ ‫قد أسدل ستاره إل الله }وَِإن ت َ ْ‬
‫ماء ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سَنى {]طه‪ [8:‬يغضب إذا لم ُيسأل ‪ ،‬ويحب كثرة‬ ‫ح ْ‬ ‫س َ‬ ‫ه اْل ْ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ ل َ ُ‬ ‫َل إ ِل َ َ‬
‫اللحاح والتضرع ‪ ،‬ويحب دعوة المضطر إذا دعاه ‪ ،‬ويكشف كرب المكروب‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫فاء‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل ُك ُ ْ‬ ‫سوَء وَي َ ْ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫عاه ُ وَي َك ْ ِ‬ ‫ضط َّر إ َِذا د َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫إذا سأله }أ ّ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن {]النمل‪. [62:‬‬ ‫ما ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫معَ الل ّهِ قَِليل ً ّ‬ ‫ه ّ‬ ‫ض أإ ِل َ ٌ‬ ‫الْر ِ‬
‫روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫)) يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل‬
‫الخر فيقول ‪ :‬من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من‬
‫يستغفرني فأغفر له ؟(( ] رواه البخاري ‪ 7494‬ومسلم ‪[758‬‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الله أكبر ‪ ،‬فضل عظيم ‪ ،‬وثواب جزيل من رب رحيم ‪ ،‬فهل يليق بعد هذا أن‬
‫يسأل السائلون سواه ؟ وأن يلوذ اللئذون بغير حماه ؟ وأن يطلب العباد ُ‬
‫حاجاتهم من غيره ؟ أيسألون عبيدا ً مثلهم ‪ ،‬ويتركون خالقهم ؟! أيلجأون إلى‬
‫ضعفاء عاجزين ‪ ،‬ويتحولون عن القوي القاهر القادر ؟! هذا ل يليق بمن‬
‫تشرف بالعبودية لله تعالى ‪ ،‬يقول النبي صلى الله عليه وسلم )) من نزلت‬
‫به فاقة فأنزلها بالناس لم ُتسد ّ فاقته ‪ ،‬ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله‬
‫فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل (( ] رواه أبو داود ‪1645‬والترمذي‬
‫وصححه ‪. [ 2326‬‬
‫فضل الدعاء‬
‫ل العبادات ؛ بل هو العبادة كما قال النبي صلى الله عليه‬ ‫إن الدعاء من أج ّ‬
‫ل الحاجة والفتقار لله تعالى‬ ‫ل السؤال ‪ ،‬وذ ّ‬ ‫وسلم ؛ ذلك لن فيه من ذ ّ‬
‫والتضرع له ‪ ،‬والنكسار بين يديه ‪ ،‬ما يظهر حقيقة العبودية لله تعالى ؛‬
‫ولذلك كان أكرم شيء على الله تعالى كما قال النبي عليه الصلة والسلم‬
‫)) ليس شيء أكرم على الله من الدعاء (( ] رواه الترمذي وحسنه ‪3370‬‬
‫وابن ماجه ‪. [3829‬‬
‫عَباِدي عَّني فَإ ِّني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سألك ِ‬ ‫ب إليه من نفسه } وَإ َِذا َ‬ ‫وإذا دعا العبد ربه فربه أقر ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫مُنوا ِبي لعَلهُ ْ‬ ‫جيُبوا ِلي وَلي ُؤْ ِ‬ ‫ن فَلي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫عا ِ‬‫داِع إ َِذا د َ َ‬
‫ب د َعْوَةَ ال ّ‬‫جي ُ‬
‫بأ ِ‬ ‫ري ٌ‬‫قَ ِ‬
‫ن{] البقرة ‪ ، [186 :‬قال ابن كثير رحمه الله تعالى ‪ )) :‬في ذكره‬ ‫دو َ‬‫ش ُ‬‫ي َْر ُ‬
‫تعالى هذه الية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى‬
‫الجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر كما روى ابن ماجه‬
‫عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ )) :‬إن للصائم عند فطره دعوة ً ما ترد (( ]رواه ابن ماجه ‪، 1753‬‬
‫وانظر تفسير ابن كثير ‪ [ 328 /1‬دعوة ٌ عند الفطر ما ترد ‪ ،‬ودعاء في ثلث‬
‫ة خير من ألف شهر ‪ ،‬فالدعاء فيها خير من الدعاء في‬ ‫الخر مستجاب ‪ ،‬وليل ٌ‬
‫ل معدودات ‪.‬‬ ‫ألف شهر ‪ .‬ما أعظمه من فضل ! وأجزله من عطاء في ليا ٍ‬
‫فمن يملك نفسه وشهوته ‪ ،‬ويستزيد من الخيرات ‪ ،‬وينافس في الطاعات ‪،‬‬
‫ويكثُر التضرع والدعاء ‪.‬‬
‫ليالي الدعاء‬
‫ل تعظم فيها الهبات ‪ ،‬وتنزل الرحمات ‪ ،‬وتقال‬ ‫ُ‬ ‫نحن نعيش أفضل الليالي ‪ ،‬ليا ٍ‬
‫العثرات ‪ ،‬وترفع الدرجات ‪.‬‬
‫ب العالمين‬ ‫فهل يعقل أن تقضى تلك الليالي في مجالس الجهل والزور ‪ ،‬ور ُ‬
‫ينزل فيها ليقضي الحوائج ‪ .‬يطلع على المصلين في محاريبهم ‪ ،‬قانتين‬
‫خاشعين ‪ ،‬مستغفرين سائلين داعين مخلصين‪ُ ،‬يلحون في المسألة ‪،‬‬
‫ويرددون دعاءهم ‪ :‬ربنا ربنا ‪ .‬لنت قلوبهم من سماع القرآن ‪ ،‬واشرأبت‬
‫نفوسهم إلى لقاء الملك العلم ‪ ،‬واغرورقت عيونهم من خشية الرحمن ‪.‬‬
‫فهل هؤلء أقرب إلى رحمة الله وأجدر بعطاياه أم قوم قضوا ليلهم فيما‬
‫حرم الله ‪ ،‬وغفلوا عن دعائه وسؤاله؟ كم يخسرون زمن الرباح ؟ وساء ما‬
‫عملوا ؟ ما أضعف هممهم ‪ ،‬وما أحط نفوسهم ‪ ،‬ل يستطيعون الصبر ليالي‬
‫معدودات !!‬
‫من يستثمر زمن الربح ؟!‬
‫هذا زمن الربح ‪ ،‬وفي تلك الليالي تقضى الحوائج ؛ فعلق – أخي المسلم –‬
‫حوائجك بالله العظيم ‪ ،‬فالدعاء من أجل العبادات وأشرفها ‪ ،‬والله ل يخيب‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫م { ] غافر ‪[60 :‬‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫عوِني أ ْ‬ ‫م اد ْ ُ‬‫ل َرب ّك ُ ُ‬‫من دعاه قال سبحانه ‪ } :‬وََقا َ‬
‫ن }‪ {55‬وَل َ‬ ‫دي َ‬‫معْت َ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ة إ ِن ّ ُ‬‫في َ ً‬ ‫ضّرعا ً وَ ُ‬
‫خ ْ‬ ‫م تَ َ‬ ‫عوا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬اد ْ ُ‬
‫ب‬‫ري ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ ْ‬
‫ت اللهِ ق ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫معا إ ِ ّ‬ ‫وفا وَط َ‬ ‫خ ْ‬
‫عوه ُ َ‬ ‫حَها َواد ْ ُ‬ ‫صل ِ‬ ‫ض ب َعْد َ إ ِ ْ‬‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫ن{] العراف ‪. [56:‬‬ ‫ني‬ ‫س‬ ‫ح‬
‫ُ ْ ِ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫م َ‬ ‫ّ‬
‫العلقة بين الصيام والدعاء‬
‫ب‬‫ري ٌ‬ ‫عَباِدي عَّني فَإ ِّني قَ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫سأ َل َ َ‬ ‫آيات الصيام جاء عقبها ذكُر الدعاء } وَإ َِذا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ي َْر ُ‬
‫مُنوا ِبي لعَلهُ ْ‬ ‫جيُبوا ْ ِلي وَلي ُؤْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ن فَل ْي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫داِع إ َِذا د َ َ‬‫ب د َعْوَةَ ال ّ‬ ‫جي ُ‬ ‫أ ِ‬
‫] البقرة ‪ [186 :‬قال بعض المفسرين ‪ )) :‬وفي هذه الية إيماٌء إلى أن‬
‫الصائم مرجو الجابة ‪ ،‬وإلى أن شهر رمضان مرجوة دعواته ‪ ،‬وإلى‬
‫مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان (( ] التحرير والتنوير‬
‫‪ [2/179‬والله تعالى يغضب إذا لم يسأل قال النبي عليه الصلة والسلم‬
‫)) من لم يسأل الله يغضب عليه (( ] رواه أحمد ‪ 2/442‬والترمذي ‪. [ 3373‬‬
‫الله تعالى أغنى وأكرم‬
‫مهما سأل العبد فالله يعطيه أكثر ‪ ،‬عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي‬
‫عليه الصلة والسلم قال ‪ )) :‬ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم‬
‫ول قطيعة رحم إل أعطاه الله بها إحدى ثلث ‪ :‬إما أن تعجل له دعوته ‪ ،‬وإما‬
‫أن يدخرها له في الخرة ‪ ،‬وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ‪ .‬قالوا ‪ :‬إذا ً‬
‫نكثر ‪ ،‬قال ‪ :‬الله أكثر (( ] رواه أحمد ‪.[3/18‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫والدعاء يرد القضاء كما قال النبي عليه الصلة والسلم )) ل يرد القضاء إل‬
‫الدعاء ‪ ،‬ول يزيد في العمر إل البر (( ] رواه الترمذي وحسنه ‪ 2139‬والحاكم‬
‫وصححه ‪ . [1/493‬وفي حديث آخر قال عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬الدعاء‬
‫ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء (( ] رواه أحمد ‪5/234‬‬
‫والحاكم ‪ [1/493‬فالله تعالى أكثر إجابة ‪ ،‬وأكثر عطاًء ‪.‬‬
‫الذل لله تعالى حال الدعاء‬
‫ل وخضوع لله تعالى وانكسار وانطراح بين يديه ‪ ،‬قال ابن‬ ‫إن الدعاء فيه ذ ٌ‬
‫رجب رحمه الله تعالى ‪ :‬وقد كان بعض الخائفين يجلس بالليل ساكنا ً مطرقا ً‬
‫برأسه ويمد يديه كحال السائل ‪ ،‬وهذا من أبلغ صفات الذل وإظهار المسكنة‬
‫والفتقار ‪ ،‬ومن افتقار القلب في الدعاء ‪ ،‬وانكساره لله عز وجل ‪،‬‬
‫واستشعاره شدة الفاقةِ ‪ ،‬والحاجة لديه ‪ .‬وعلى قدر الحرقةِ والفاقةِ تكون‬
‫إجابة الدعاء ‪ ،‬قال الوزاعي ‪ :‬كان يقال ‪ :‬أفضل الدعاء اللحاح على الله‬
‫والتضرع إليه (( ] الخشوع في الصلة ص ‪. [72‬‬
‫أيها الداعي ‪ :‬أحسن الظن بالله تعالى‬
‫والله تعالى يعطي عبده على قدر ظنه به ؛ فإن ظن أن ربه غني كريم‬
‫جواد ‪ ،‬وأيقن بأنه تعالى ل يخيب من دعاه ورجاه ‪ ،‬مع التزامه بآداب الدعاء‬
‫أعطاء الله تعالى كل ما سأل وزيادة ‪ ،‬ومن ظن بالله غير ذلك فبئس ما ظن‬
‫‪ ،‬يقول الله تعالى في الحديث القدسي ‪ )) :‬أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه‬
‫إذا دعاني (( ] رواه البخاري ‪ 7505‬ومسلم ‪. [2675‬‬
‫الدعاء في الرخاء من أسباب الجابة‬
‫إذا أكثر العبد ُ الدعاء في الرخاء فإنه مع ما يحصل له من الخير العاجل‬
‫والجل يكون أحرى بالجابة إذا دعا في حال شدته من عبد ل يعرف الدعاء‬
‫إل في الشدائد ‪ .‬روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم‪ )) :‬من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في‬
‫الرخاء (( ] رواه الترمذي وحسنه ‪ 3282‬والحاكم وصححه ‪. [544 /1‬‬
‫ومع أن الله تعالى خلق عبده ورزقه ‪ ،‬وأنعم عليه وهو غني عنه ؛ فإنه تعالى‬
‫يستحي أن يرده خائبا ً إذا دعاه ‪ ،‬وهذا غاية الكرم ‪ ،‬والله تعالى أكرم‬
‫الكرمين ‪.‬‬
‫روى سلمان رضي الله عنه فقال ‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬إن‬
‫ي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا ً خالتين (( ]‬ ‫الله حي ّ‬
‫رواه أبو داود ‪1488‬والترمذي وحسنه ‪. [3556‬‬
‫العبرة بالصلح ل بالقوة‬
‫قد يوجد من ل يؤبه به لفقره وضعفه وذلته ؛ لكنه عزيز على الله تعالى ل‬
‫يرد له سؤال ً ‪ ،‬ول يخيب له دعوة ‪ ،‬كالمذكور في قول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم )) رب أشعث مدفوع بالبواب لو أقسم على الله لبره (( ] رواه‬
‫مسلم ‪. [2622‬‬
‫أيها الداعي ‪ :‬ل تعجل‬
‫إن من الخطأ أن يترك المرء الدعاء ؛ لنه يرى أنه لم يستجب له ورسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ )) :‬يستجاب لحدكم ما لم يعجل فيقول ‪:‬‬
‫قد دعوت فلم يستجب لي (( ] رواه البخاري ‪ 6340‬ومسلم ‪. [2735‬‬
‫موّرقٌ العجلي ‪ )) :‬ما امتلت غضبا ً قط ‪ ،‬ولقد سألت الله حاجة منذ‬ ‫قال ُ‬
‫عشرين سنة فما شفعني فيها وما سئمت من الدعاء (( ] نزهة الفضلء ص‬
‫‪. [398‬‬
‫وكان السلف يحبون الطالة في الدعاء قال مالك ‪ )) :‬ربما انصرف عامر بن‬
‫عبد الله بن الزبير من العتمة فيعرض له الدعاء فل يزال يدعو إلى الفجر ((]‬
‫نزهة الفضلء ‪ . [484‬ودخل موسى بن جعفر بن محمد مسجد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فسجد سجدة في أول الليل فسمع وهو يقول في‬
‫ب عندي فليحسن العفو عندك يا أهل التقوى ويا أهل‬ ‫م الذن ُ‬
‫سجوده ‪ )) :‬عظ ُ‬
‫المغفرة ‪ ،‬فما زال يرددها حتى أصبح (( ] نزهة الفضلء ‪. [538‬‬
‫الصيغة الحسنة في الدعاء‬
‫ينبغي – أيها المسلم – أن تقتفي أثر النبياء في الدعاء ‪ ،‬سئل المام مالك‬
‫عن الداعي يقول ‪ :‬يا سيدي فقال ‪ )) :‬يعجبني دعاء النبياء ‪ :‬ربنا ربنا ((‬
‫] نزهة الفضلء ‪. [621‬‬
‫هذه أيام الدعاء‬
‫هذا بعض ما يقال في الدعاء ‪ ،‬ونحن في أيام الدعاء وإن كان الدعاء في كل‬
‫وقت ؛ لكنه في هذه اليام آكد ؛ لشرف الزمان ‪ ،‬وكثرة القيام ‪ .‬فاجتهد في‬
‫هذه اليام الفاضلة فلقد النبي صلى الله عليه وسلم يشد فيها مئزره ‪،‬‬
‫وُيحيي ليله ‪ ،‬ويوقظ أهله ‪ .‬كان يقضيها في طاعة الله تعالى ؛ إذ فيها ليلة‬
‫القدر لو أحيا العبد السنة كلها من أجل إدراكها لما كان ذلك غريبا ً أو كثيرا ً‬
‫لشرفها وفضلها ‪ ،‬فكيف ل ُيصّبر العبد نفسه ليالي معدودة ‪.‬‬
‫فاحرص – أخي المسلم – على اغتنام هذه العشر ‪ ،‬وأر الله تعالى من‬
‫نفسك خيرا ً ‪ .‬فلربما جاهد العبد ُ نفسه في هذه اليام القلئل فقبل الله منه ‪،‬‬
‫وكتب له سعادة ل يشقى بعدها أبدا ً ‪ ،‬وهي تمّر على المجتهدين واللهين‬
‫سواء بسواء ؛ لكن أعمالهم تختلف ‪ ،‬كما أن المدون في صحائفهم يختلف ‪،‬‬
‫فل يغرنك الشيطان فتضيع هذه اليام كما ضاع مثيلتها من قبل ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪203‬‬

You might also like