You are on page 1of 5

‫الخطبة األولى‬

‫الحمد هلل رب العالمين أغنانا بحاله عن حرامه‪ ،‬وكفنا بفضله عمن سواه‪،‬‬
‫وأش)هد أن ال إل)ه إال هللا وح)ده ال ش)ريك ل)ه وال نعب)د إال إي)اه‪ ،‬وأش)هد أن‬
‫محمدا عبده ورسوله ومصطفاه‪ ،‬صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه ومن‬
‫وااله‪ ،‬وسلم تسليما كثيرا‪ ،‬أما بعد‬
‫أيُّها الناس‪ ،‬اتقوا هللا تعالى‪ ،‬واعلموا أن هللا سبحانه وتع الى أم ر بطلب ال رزق‬
‫وشرع له طُرقا مباحة‪ ،‬كما أنه أمر باإلنفاق‪ ،‬وشرع لإلنفاق طُرقا مباحة ومشروعة‬
‫منها م ا ه و واجب‪ ،‬ومنه ا م ا ه و مس تحب‪ ،‬ومنه ا م ا ه و مب اح‪ ،‬وال واجب على‬
‫المسلم أن يطلب الرزق من الوج وه المباح ة ويقتن ع به ا وال يتع داها إلى الط رق‬
‫المحرمة‪ ،‬ال يحمله حب الم ال على أن يقتحم الط رق المحرم ة للكس ب وال يغ تر‬
‫بما علي ه كث ير من الن اس‪ ،‬علي ه أن يل زم الطري ق الص حيح وال يحمل ه حب الم ال‬
‫والجش ع والطم ع على أن يقتحم الط رق الخط رة علي ه بالقناع ة بم ا أح ل هللا‬
‫م ا أَ ْم َوا ُلك ْ‬
‫ُم‬ ‫م وا أَنَّ َ‬ ‫اعلَ ُ‬‫س بحانه وتع الى‪ ،‬فالم ال مس ئولية ق ال هللا ج ل وعال‪َ ( :‬و ْ‬
‫م)‪ ،‬فالمس لم‬ ‫اس َتطَ ْع ُت ْ‬ ‫م) ( َف اتَّ ُقوا اللَّ َه َم ا ْ‬‫ظي ٌ‬ ‫ج ٌر َع ِ‬ ‫ع ْن َد ُه أَ ْ‬
‫ة َوأَنَّ اللَّ َه ِ‬ ‫ُم فِ ْت َن ٌ‬ ‫َوأَ ْو ُ‬
‫الدك ْ‬
‫يقتصر على ما أحل هللا في طلب المال وينفق فيم ا ش رع هللا فإن ه سيس أل من‬
‫ماله يوم القيامة من أين اكتس به؟ وفيم ا أنفق ه؟ ق ال ص لى هللا علي ه وس لم‪ :‬ال‬
‫ن‬‫م ا أَ ْبال ُه؟ و َع ْ‬ ‫ه فِي َ‬ ‫ش بَابِ ِ‬ ‫ن َ‬‫ن أَ ْربَ عِ‪َ :‬ع ْ‬‫ل َع ْ‬‫س أَ َ‬‫ح َّتى ُي ْ‬ ‫ة َ‬‫م ا ْل ِقيَا َم ِ‬‫ول َق ِد َما َع ْب ٍد يَ ْو َ‬ ‫تَ ُز ُ‬
‫ه َم ا عم ل‬ ‫ن َعلِم ِ‬ ‫َ‬
‫م ا أ ْن َف َق ُه؟ َو َع ْ‬
‫س بَ ُه َوفِي َ‬‫ن ا ْك َت َ‬ ‫َ‬
‫ن أ ْي َ‬‫ه ِم ْ‬ ‫ن َمالِ ِ‬ ‫َ‬
‫ما أ ْف َن ا ُه؟ َو َع ْ‬ ‫م ُر ِه فِي َ‬
‫ُع ُ‬
‫به؟‪ ، ‬فيسأل عن ماله من أين اكتسبه؟ من أي طري ق ج اءك ه ذا الم ال؟ وي دقق‬
‫عليه في ذلك حتى يتمنى أنه من الفقراء‪ ،‬من أين أكسبته؟ كيف دخل عليك هذا‬
‫المال؟ ثم يسأل سؤال آخر‪ ،‬فيما أنفقت هذا المال؟ أنفقته على ه واك‪ ،‬ش هواتك‪،‬‬
‫أو أنفقت ه في طاع ة هللا وفيم ا ش رع هللا اإلنف اق في ه وفي الح ديث‪ :‬أن فق راء‬
‫المهاجرين يدخلون الجنة قبل األغنياء بمده‪ ، ‬ألن األغني اء وهم ص حابة رس ول هللا‬
‫ص لى هللا علي ه وس لم يقف ون للحس اب على أم والهم‪ ،‬فيت أخر دخ ولهم الجن ة‪،‬‬
‫فكيف بغيرهم؟‬
‫فالمسئولية عظيمة يا عباد هللا‪ ،‬ليس المهم أن تجمع المال وأن تصبح لك أرص دته‬
‫في البنوك أو عقارات‪ ،‬المهم أن تسلم من هذا المال دخوال وخروجا‪ ،‬ومن العجيب‬
‫أنك تحاسب عن هذا المال كله‪ ،‬وأنك تتركه كله‪ ،‬تخرج من الدنيا كم ا دخلت ليس‬
‫عليك إال الكفن‪ ،‬خرقة من القماش تدخلها عريان ا وتخ رج منه ا عريان ا وه ذا الم ال‬
‫يبقى تبعتاً عليك ومسئولية عليك‪ ،‬وينتفع به غيرك‪.‬‬
‫فحاسبوا أنفس كم ي ا عب اد هللا‪ ،‬ال نق ول ال تطلب وا ال رزق ال تطلب وا التج ارة؛ ولكن‬
‫نقول عليكم بالطرق المباحة‪ ،‬والكس ب المب اح‪ ،‬وعليكم باإلنف اق كم ا أم ركم هللا‬
‫اإلنفاق فيه‪ ،‬وجوبا أو استحبابا أو حتى مباحا‪ ،‬حتى تسلموا يوم القيامة من تبعت‬
‫هذا المال‪ ،‬ليأتين يوم يتمنى األغني اء أنهم فق راء ليس بأي دهم ش يء من الم ال‪،‬‬
‫فالمال مسئولية عظيمة وخطيرة‪ ،‬فمن الناس من يمشي مع الع الم الس يما في‬
‫هذا الوقت فإن التعامل ص ار حس ب االقتص اد الع المي ال ذي ال يت ورع عن الرب ا ال‬
‫يتورع عن رشوة‪ ،‬ال يتورع عن غش‪ ،‬ال يتورع عن أي كسب‪ ،‬بعض من المؤمنين أو‬
‫كثير من المؤمنين يمشون مع العالم اليوم‪ ،‬واس تجدت مع امالت عالمي ة الب د من‬
‫عرضها على اإلسالم‪ ،‬وأخذ رأي اإلسالم فيها‪ ،‬فم ا ك ان منه ا مباح ا فالحم د هلل‪،‬‬
‫من كان محرما فإن المؤمن يترك ه ويمش ي م ع الطري ق الحالل ألن ه مس ئول عن‬
‫هذا يوم القيامة‪ ،‬ومشدد عليه يوم القيامة‪ ،‬فعلى المس لم أن يتص ور ه ذا‪ ،‬وأن ال‬
‫يدخل مع الناس فيم ا هم علي ه دون أن يتقي د بش رع هللا‪  ‬س بحانه وتع الى‪ ،‬ف إن‬
‫األمر خطير جدا‪ ،‬والناس اليوم يقلدون االقتص اد الع المي وي دخلون م ع الكف ار في‬
‫مع امالتهم ش ركاتهم دون تم يز فيم ا ه و حالل؟ وم ا ه و ح رام وغ الب؟ غ الب‬
‫مكاس ب الكف ار محرم ة ألنهم ال يؤمن ون باهلل ع ز وج ل الس يما اليه ود ف إنهم ال‬
‫يتورعون عن الحرام‪ ،‬واالقتصاد العالمي في الغالب يصدر عن اليه ود‪ ،‬ي أكلون الرب ا‬
‫ت) ه ذا في اليه ود‪،‬‬ ‫ح ِ‬‫لس ْ‬‫ك ِذبِ أَكَّالُونَ لِ ُّ‬ ‫اعونَ لِ ْل َ‬
‫م ُ‬ ‫س َّ‬ ‫ي أكلون الس حت والرش وة‪َ ( :‬‬
‫ل) ه ذا في اليه ود‪ ،‬فال‬ ‫ط ِ‬ ‫م أَ ْم َوا َ‬
‫ل ال َّناسِ بِا ْلبَا ِ‬ ‫الرّبَا َو َق ْد ُن ُه وا َع ْن ُه َوأَ ْكلِ ِه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫( َوأَ ْ‬
‫خ ِذ ِ‬
‫نمشي في ركابهم‪ ،‬ونهلك أنفسنا معهم‪ ،‬بل علينا أن نستحضر العرض والحساب‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وأن نفكر في أموالنا‪ ،‬من أين اكتسبنها؟ وأن نفكر في إنفاقنا‪ ،‬هل هو‬
‫على موجب شرع هللا أو على غير شرع هللا؟ م ا دمن ا في زمن اإلمك ان‪ ،‬س يأتي‬
‫يوم علي ك ال تتمكن من مس ئولية ه ذا الم ال وأخط اره‪ ،‬أم ا الي وم فبإمكان ك ذل ك‬
‫ولكن النفوس في الغالب أمارة بالسوء‪ ،‬ومتعلقة باألطماع‪.‬‬
‫فعليك يا عب د هللا‪ ،‬أن تحاس ب نفس ك في ه ذا ال دنيا وأن تتخلص من المحرم ات‬
‫ن الَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫س بَ َّ‬‫ح َ‬ ‫قبل أن يحال بينك وبين التخلص منها وتكون طوق ا في عنق ك‪َ ( :‬وال يَ ْ‬
‫س ُيطَ َّوقُونَ َم ا بَ ِ‬
‫خ ُل وا‬ ‫م َ‬ ‫ش ٌّر لَ ُه ْ‬
‫ه َو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫خ ْيراً لَ ُه ْ‬
‫ه َو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ضلِ ِ‬‫ن َف ْ‬‫م اللَّ ُه ِم ْ‬ ‫ه ْ‬‫ما آتَا ُ‬ ‫خلُونَ بِ َ‬ ‫يَ ْب َ‬
‫ة) فعليك أن تتص ور ه ذا‪ ،‬وأن تمتن ع عن كث ير مم ا علي ه الن اس وأن‬ ‫م ا ْل ِقيَا َم ِ‬
‫ه يَ ْو َ‬‫بِ ِ‬
‫تنقي مالك من الحرام تكون حسيبا على نفسك من اآلن قبل أن يحال بين ك وبين‬
‫ذلك‪ ،‬فحاسب نفسك وال تغامر‪ ،‬وال يغرن ك حب الم ال أو تقلي د فالن وعالن عن أن‬
‫ترجع إلى الصواب‪ ،‬مر النبي ص لى هللا علي ه بب اع طع ام فأدخ ل الن بي ص لى هللا‬
‫عليه وسلم ي ده في الطع ام ف أدركت في أس فله بالال فق ال‪ :‬م ا ه ذا ي ا ص احب‬
‫الطعام؟‪ ‬قال‪ :‬أصابته السماء يا رسول هللا أي‪ :‬المطر‪ ،‬قال‪ :‬أفال جعلته ظاهرا حتى‬
‫يراه الناس من غشنا فليس منا‪ ‬فالغش ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬تبرأ النبي ص لى هللا علي ه‬
‫وس لم من ص احبه‪ :‬من غش نا فليس منا‪ ‬غ الب الن اس يعت برون الغش أن ه من‬
‫الحذق وأن ه من المعرف ة باالكتس اب فال يب الي في الغش م ع أن ه يخرج ه من أن‬
‫يكون من هذه األمة ليس معن اه أن ه يكف ر لكن معن اه أن ه ال يك ون مس لما كام ل‬
‫اإلسالم أو كامل اإليمان؛ بل يكون عنده نقص بحس ب الغش‪ ،‬سيس أل عن ه ي وم‬
‫القيامة‪ ،‬ويحاسب عليه يوم القيامة وت رد المظ الم إلى أهله ا ح تى يقت اد للش اة‬
‫الجلح اء من الش اة القرن اء ي وم القيام ة‪ ،‬ي وم ال يك ون دين ار وال درهم‪ ،‬يؤخ ذ من‬
‫حسنات الظالم فتعطى للمظل وم ف إن ف نيت حس ناته أخ ذ من س يئات المظل وم‬
‫فطرحت عليه وطرح في النار فاألمر خطير يا عباد هللا‪ ،‬ال تظلم الناس في أموالهم‪،‬‬
‫ُم‬
‫اض ك ْ‬ ‫ُم وأموالكم َوأَ ْع َر َ‬ ‫ال تظلمهم في أعراضهم‪ ،‬ال تظلمهم في دماءهم‪ :‬إِنَّ ِد َما َءك ْ‬
‫هذَا‪ ‬يق ول الرس ول‬ ‫ُم َ‬‫هذَا‪ ،‬فِي بَلَ ِدك ْ‬ ‫ُم َ‬ ‫ش ْه ِرك ْ‬ ‫هذَا‪ ،‬فِي َ‬ ‫ُم َ‬ ‫ة يَ ْو ِمك ْ‬
‫ح ْر َم ِ‬‫م‪َ ،‬ك ُ‬ ‫ح َرا ٌ‬
‫عليكم َ‬
‫ْت‪ ‬ق الوا‪ :‬نعم لق د بلغت‪،‬‬ ‫ل بَلَّغ ُ‬‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫ص لى هللا علي ه وس لم في حج ة ال وداع‪ :‬أال َ َ‬
‫فاش َه ْد‪. ‬‬ ‫ْ‬ ‫قال‪ :‬اللَّ ُه َّ‬
‫م‬
‫ور)‪ ،‬ال‬ ‫ه ا ْل َغ ُر ُ‬
‫ُم بِاللَّ ِ‬
‫حيَ ا ُة ال ُّد ْنيَا َوال يَ ُغ َّرنَّك ْ‬ ‫ُم ا ْل َ‬‫فلنتقي) هللا يا عباد هللا‪َ ( :‬فال تَ ُغ َّرنَّك ْ‬
‫يخدعكم الطمع والجشع في عدم المباالة فيما ت أكلون؛ ب ل عليكم أن ال ت أكلوا إال‬
‫من الحالل الذي أباحه هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬فكيف تأكل من مال الحرام؟ وتؤك ل أو‬
‫تؤكل أهل بيتك من مال ح رام‪ ،‬فتك ون المس ئولية علي ك ي وم القيام ة‪ ،‬ج اء غالم‬
‫ألبي بكر رضي هللا عنه جاءه بطعام فأكله أكله أبو بكر فقال الغالم‪ :‬أت دري من أين‬
‫اكتسبت هذا المال؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬ه ذا أخذت ه من ق وم تكهنت لهم في الجاهلي ة‬
‫ولم أحسن الكهانة فأعطوني هذا أجرا‪ ،‬فأدخل أبو بكر رض ي هللا عن ه أص ابعه في‬
‫حلقه وتقيأ الطعام‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا خليفة رسول هللا لماذا؟ قال رضي هللا عن ه‪ :‬وهللا ل و‬
‫خ رجت نفس ي مع ه ألخرجته ا‪ ،‬إن س معت رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫يقول‪ :‬كل جسم نبت من السحت فالنار أولى به‪. ‬‬
‫فعليكم يا عباد هللا بتنقية أموالكم‪ ،‬تنقيتها من الرب ا‪ ،‬تنقيته ا من الرش وة‪ ،‬تنقيته ا‬
‫من الكذب والغش والمخادعات في المعامالت‪ ،‬أصبح األمين في هذا الوقت أص بح‬
‫قليال في الناس وحتى من يرونه يتورع عن المكاس ب المحرم ة يص فونه بالتغفي ل‬
‫وعدم الحذق‪ ،‬ويصفون الذي ال يبالي بأنه حاذق وأنه ماهر في الكسب وأنه عاق ل‬
‫إلى آخره‪ ،‬فصار األمين يزدرى في هذا الوقت ويستنقص‪.‬‬
‫فعليكم يا عباد هللا‪ ،‬بتنقية أموالكم‪ ،‬عليكم ب التخلص من الح رام‪ ،‬عليكم بالقناع ة‬
‫في الحالل‪ ،‬ف إن الحالل مب ارك‪ ،‬إن أكلت ه وإن تص دقت ب ه وإن ورثت ه فه و مب ارك‬
‫ويكتب لك أجره‪ ،‬أما إذا كان حراما فإنك إن أكلت ه أكلت حرام ا‪ ،‬وإن تص دقت ب ه لم‬
‫يقبل منك‪ ،‬وإن تركته للورثة كان زادك إلى النار‪ ،‬كما في الحديث‪.‬‬
‫فاتقوا هللا يا عباد هللا‪ ،‬خلصوا أنفسكم من المكاس ب المحرم ة‪ ،‬اختص روا على‬
‫ما أباح هللا‪ ،‬فالمباح مبارك ولو كان قليال‪ ،‬والحرام منزوع البركة ول و ك ان قليال‪َ ( :‬فال‬
‫ق‬
‫ه َ‬ ‫م بِ َه ا فِي ا ْل َ‬
‫حيَ ا ِة ال ُّد ْنيَا َوتَ ْز َ‬ ‫م ا ُي ِري ُد اللَّ ُه لِ ُي َع ِّ‬
‫ذبَ ُه ْ‬ ‫م إِنَّ َ‬
‫ه ْ‬ ‫م َوال أَ ْو ُ‬
‫الد ُ‬ ‫ك أَ ْم َوال ُُه ْ‬
‫ُت ْعجِ ْب َ‬
‫م َكافِ ُرونَ )‪ ،‬بارك هللا ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البي ان‬ ‫ه ْ‬ ‫م َو ُ‬ ‫أَن ُف ُ‬
‫س ُه ْ‬
‫والذكر الحكيم‪ ،‬أقول قولي هذا واستغفر هللا لي ولكم ولجميع المسلمين من ك ل‬
‫ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫الحمد هلل على فضله وإحسانه‪ ،‬وأشكره على توفيق))ه وامتنان))ه‪ ،‬وأش))هد‬
‫أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له تعظيما لشأنه‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده‬
‫ورسوله الداعي إلى رضوانه‪ ،‬صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه‪ ،‬وسلم‬
‫تسليماً كثيرا‪  .‬‬
‫ثم اعلموا يا عب))اد هللا‪ ،‬أن الكس ب الح رام ليس مقص ورا على التج ارة‪ ،‬ولكن ه‬
‫ُم أَنْ ُت َؤدُّوا‬ ‫يدخل في األعم ال ال تي يت واله الموظف ون فإن ه أمان ة‪( :‬إِنَّ اللَّ َه يَ ْأ ُم ُرك ْ‬
‫ُم أَنْ‬
‫ه ِل َها) هللا جل وعال يخاطب الوالة والحكام فيقول‪( :‬إِنَّ اللَّ َه يَ ْأ ُم ُرك ْ‬ ‫ت إِلَى أَ ْ‬‫األ َ َمانَا ِ‬
‫م‬ ‫م ُت ْ‬‫ك ْ‬‫ح َ‬
‫هلِ َه ا َوإِذَا َ‬ ‫ُت َؤدُّوا األ َ َمانَاتِ) وهي الوظائف والواليات‪( ،‬أَنْ ُت َؤدُّوا األ َ َمانَ اتِ إِلَى أَ ْ‬
‫ل) هذه وصية للحكام والشاهد منها‪ :‬األمان ات (إِنَّ اللَّ َه‬ ‫موا بِا ْل َع ْد ِ‬ ‫اس أَنْ تَ ْ‬
‫ح ُك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن ال َّن‬ ‫بَ ْي َ‬
‫هلِ َها) يع ني‪ :‬أن تول وا على أعم ال المس لمين من‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُم أنْ ُت َؤدُّوا األ َمانَ اتِ إِلَى أ ْ‬ ‫يَ ْأ ُم ُرك ْ‬
‫فيه نصح وفيه إبراء لذمته بأن يقوم بها على الوجه المطل وب وال تولوه ا لمن يغ در‬
‫ويخون فيها‪ ،‬لمن يأخذ الرشوة على أعمال الوظيفة فال ينج ز من األعم ال إال لمن‬
‫ي دفع ل ه الرش وة ومن ال ي دفع ل ه الرش وة يعرق ل معاملت ه أو أن ه يمنعه ا ويق دم‬
‫الراشي على األمين على صاحب الحق‪.‬‬
‫كذلك من األمانة في العمل أن تقوم به وال تتأخر عنه من غير عذر‪ ،‬أن تبذل وقت ك‬
‫للعمل الذي وليت عليه وال تتأخر عنه‪ ،‬وال تتكاسل عنه‪ ،‬وال تترك الن اس ي أتون وال‬
‫يج دون أح د في المك ان ينج ز لهم أعم الهم في إج ازة في س فر في ك ذا‪ ،‬أنت‬
‫ت) س ماه‬ ‫مسئول عن هذا العمل وه و أمان ة‪ ،‬هللا س ماه أمان ة‪( :‬أَنْ ُت َؤدُّوا األ َ َمانَ ا ِ‬
‫أمانة فعلي ك أن تق وم ب ه على الوج ه المطل وب وإال فإن ك مس ئول عن ه أم ام هللا‬
‫سبحانه وتع الى‪ ،‬إذا لم تؤدي ه في ال دنيا فس تؤديه ي وم القيام ة من أعمال ك‪ ،‬م ا‬
‫تؤديه الدراهم الذي أخذتها ترد دراهم يوم القيام ة م ا في دراهم م ا في دين ار وال‬
‫درهم‪ ،‬تؤدي هذا العمل الذي خنته فيه من أعمالك الصالحة التي أنت أح وج إليه ا‬
‫لتنجو بها من عذاب هللا‪.‬‬
‫ين‬
‫د ُ‬‫ف))اتقوا هللا عب))اد هللا‪ ،‬ال دين النص يحة ق ال ص لى هللا علي ه وس لم‪ :‬ال ِّ‬
‫ح ُة‪ ‬والنص يحة معناه ا ع دم الغش‪ ،‬والش يء الناص ح ه و الخ الص من‬ ‫ص ي َ‬ ‫ال َّن ِ‬
‫ح ُة‪ ‬ب أن تك ون ناص حا‪ ،‬أن تك ون خالي ا من الغش في ك ل‬ ‫ص ي َ‬ ‫ين ال َّن ِ‬
‫د ُ‬ ‫الغش‪ ،‬ال ِّ‬
‫ين‬
‫م َ‬ ‫س لِ ِ‬ ‫ة ا ْل ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه َوألَئِ َّ‬
‫م ِ‬ ‫ه َولِكِ َتابِ ِ‬
‫س ول ِ ِ‬ ‫أم ورك‪ ،‬قلن ا‪ :‬لمن ي ا رس ول هللا؟ ق ال‪ :‬لِلَّ ِ‬
‫ه َولِ َر ُ‬
‫م‪ ‬كل ه ؤالء لهم علي ك ح ق ال ب دأ أن تؤدي ه وال تخن في ه‪ ،‬ق ال ص لى هللا‬ ‫َو َعا َّمتِ ِه ْ‬
‫ك‪ ، ‬ف أنت مس ئول عن‬ ‫خانَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َم ْ‬‫خ ْ‬‫ك َوال َ تَ ُ‬ ‫م َن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫علي ه وس لم‪ :‬أ ِدّ األ َمانَ َة إِلَى َم ِ‬
‫ن ا ْئ َت َ‬
‫اع ونَ ) ه ذا من ص فات المؤم نين‪،‬‬ ‫م َر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫م َو َع ْه ِد ِ‬ ‫م أل َ َمانَ اتِ ِه ْ‬‫ه ْ‬ ‫ين ُ‬ ‫أمانت ك‪َ ( :‬والَّ ِذ َ‬
‫اع ونَ ) يراع ون ويؤدونه ا وال يخن ون فيه ا‪ ،‬فليس ت األمان ة‬ ‫م َر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫م َو َع ْه ِد ِ‬ ‫(أل َ َمانَ اتِ ِه ْ‬
‫مقص ورة كم ا يفهم بعض الن اس مقص ورة على الوديع ة‪ ،‬الوديع ة ن وع يس ير من‬
‫األمانات‪ ،‬األمانات كثيرة‪:‬‬
‫عليك أمانة هلل في طاعته وامتثال أمره‪.‬‬
‫عليك أمانة للرسول صلى هللا عليه سلم في إتباعه والعمل بشرعه‪.‬‬
‫عليك أمانة لكتاب هللا أن تتلوه حق تالوته وأن تعمل به‪.‬‬
‫عليك أمانة لولي األمر أن تسمع له وتطيع بالمعروف‪.‬‬
‫عليك أمانة لجميع الناس‪ ،‬وألئمة المس لمين وع امتهم‪ ،‬لعام ة الن اس أن تتعام ل‬
‫معهم بالعدل واألمانة وعدم الخيانة وعدم الغش وعدم المكر وعدم الخديعة‪ ،‬ه ذه‬
‫ض َنا‬
‫أمانات عظيمة تحملها على رقبتك‪ ،‬ك ل علي ه أمان ة في ه ذه الحي اة‪( :‬إِنَّا َع َر ْ‬
‫ْن ِم ْن َها) خفنا منها‬ ‫ش َفق َ‬‫م ْل َن َها َوأَ ْ‬ ‫ن أَنْ يَ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ال َفأَبَ ْي َ‬ ‫م َواتِ َواأل َ ْر ِ‬
‫ض َوا ْلجِبَ ِ‬ ‫الس َ‬
‫َّ‬ ‫األ َ َمانَ َة َعلَى‬
‫ان إِنَّ ُه َك انَ‬
‫س ُ‬ ‫ملَ َه ا ِ‬
‫اإل ْن َ‬ ‫ح َ‬
‫هذا الذي منعها من تحملها‪ ،‬اإلش فاق منه ا والخ وف‪َ ( ،‬و َ‬
‫ظَلُوماً َ‬
‫ج ُهوال ً)‪.‬‬
‫فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬حافظوا على األمانات وال تظنوها ال وداع فق ط؛ ب ل األعم ال‬
‫التي تتوالها والوظ ائف ه ذه من أعظم األمان ات فعلي ك أن تق وم به ا على الوج ه‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫ي هدي محم د ص لى هللا‬ ‫ثم اعلموا عباد هللا‪ ،‬أنَّ ‪ ‬خير الحديث كتاب هللا‪ ،‬وخير الهد َّ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وش َّر األمور ُمحدثاتها‪ ،‬وكل بدعة ض اللة‪ ،‬وعليكم بالجماع ة‪ ،‬ف إنَّ ي د‬
‫هللا على الجماعة‪ ،‬ومن ش َّذ ش َّذ في النار‪.‬‬
‫موا‬‫س ِل ّ ُ‬ ‫ص لُّوا َعلَ ْي ِ‬
‫ه َو َ‬ ‫ي يَا أَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َم ُنوا َ‬ ‫صلُّونَ َعلَى ال َّن ِب ّ ِ‬ ‫(إِنَّ اللَّ َه َو َمالئِ َ‬
‫ك َت ُه ُي َ‬
‫خلفائِ ه‬ ‫م عن ُ‬ ‫وارض اللَّ ُه َّ‬
‫َ‬ ‫ل وسلِ ّم عبدك ورس ولك نبيَّن ا محم د‪،‬‬ ‫م ص ِّ‬ ‫ما)‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬‫سلِي ً‬
‫تَ ْ‬
‫ي‪ ،‬وعن الص حابة‬
‫ة المه ديين‪ ،‬أبي بك َر‪ ،‬وعم َر‪ ،‬وعثم انَ ‪ ،‬وعل ّ ٍ‬
‫الراش دين‪ ،‬األئم ِ‬
‫بإحسان إلى يو ِم الدين‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم‬
‫م أع ز اإلس الم والمس لمين‪ ،‬وأذل الش رك والمش ركين‪ ،‬ودم ر أع داء‬ ‫اللَّ ُه َّ‬
‫الدين‪ ،‬ونصر عبادك الموحدين‪ ،‬وجعل هذا البلد أمنا مطمئنا وسائر بالد المسلمين‬
‫م أصلح والة أمورنا وجعلهم ه داة مهت دين وأعنهم على‬ ‫عامة يا رب العالمين‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م أنص رهم على ع دوك وع دوهم وع دو‬ ‫م أعنهم على الح ق‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬ ‫الح ق‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م أحفظ هذه البالد آمنة مستقرة وسائر بالد المسلمين‬ ‫اإلسالم والمسلمين‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في ديارنا‪ ،‬وأص لح‬ ‫عامة يا رب العالمين‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫والة أمورنا‪ ،‬وال تسلط علينا بذنوبنا من ال يخافك فين ا وال يرحمن ا برحمت ك ي ا أرحم‬
‫الراحمين‪.‬‬
‫ش ا ِء‬‫ح َ‬ ‫ن ا ْل َف ْ‬
‫ن َوإِي َت ا ِء ِذي ا ْل ُق ْربَى َويَ ْن َهى َع ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫اإل ْ‬
‫ل َو ِ‬‫د هللا‪( ،‬إِنَّ اللَّ َه يَ ْأ ُم ُر بِا ْل َع ْد ِ‬ ‫عبا َ‬
‫ض وا‬ ‫م َوال تَن ُق ُ‬ ‫ه ْد ُت ْ‬ ‫ه إِذَا َعا َ‬ ‫َ‬
‫ُم تَ َذك َُّرونَ )‪َ ( ،‬وأ ْو ُف وا بِ َع ْه ِد اللَّ ِ‬ ‫ُم لَ َعلَّك ْ‬ ‫ظك ْ‬ ‫ك ِر َوا ْلبَغ ِ‬
‫ْي يَ ِع ُ‬ ‫من َ‬‫َوا ْل ُ‬
‫م َما تَ ْف َعلُونَ )‪ ،‬ف ذكروا‬ ‫ُم َك ِفيال ً إِنَّ اللَّ َه يَ ْعلَ ُ‬ ‫م اللَّ َه َعلَ ْيك ْ‬‫ج َع ْل ُت ْ‬ ‫ها َو َق ْد َ‬ ‫مانَ بَ ْع َد تَ ْوكِي ِد َ‬ ‫األ َ ْي َ‬
‫يعلم ما تصنعون‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يز ْدكم‪ ،‬ول ِذ ْك ُر هللا أكب َر‪ ،‬وهللا‬ ‫هللا يذكركم‪ ،‬واشكُروه على نعمه ِ‬
‫‪ ‬‬
‫خطبة الجمعة ‪1435-03-09‬هـ‬

You might also like