You are on page 1of 5

‫األمانة‪ -‬خطبة الجمعة ‪1435-02-17‬هـ‬

‫الخطبة األولى‬
‫الحمد هلل على فضله وإحسانه‪ ،‬وأشكره على توفيقه وامتنانه‪ ،‬أمر بــأداء‬
‫األمانة ونهى عن الخيانة‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبــده ورســوله الصــادق في‬
‫إبالغه وبيانه‪  ،‬صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه أهل الصــدق والديانــة‪،‬‬
‫وسلم تسليما كثيرا‪  ،‬أما بعد‬
‫أيُّها الناس‪ ،‬اتقوا هللا تعالى‪ ،‬واعلموا أن كل عبد فهو محمل باألمانة فيم ا بين ه‬
‫وبين هللا‪ ،‬وفيما بينه وبين والة األمور‪ ،‬وفيما بينه وبين الناس‪ ،‬فليكن أميناً محافظ ا‬
‫ُم أَنْ ُت َؤدُّوا األ َ َمانَاتِ إِلَى أَ ْ‬
‫هلِ َها)‪.‬‬ ‫على أمانته‪( :‬إِنَّ اللَّ َه يَ ْأ ُم ُرك ْ‬
‫واألمانات كثيرة وثقيلة‪ ،‬ولها حساب عند هللا عز وجل يوم القيام ة فمن ته اون به ا‬
‫في الدنيا وسلم من العقوبة فلن يسلم من عقوبة هللا له في اآلخرة‪.‬‬
‫فحافظوا على أمانتكم وأدوها كما أمركم هللا عز وج ل ق ال هللا ج ل وعال‪( :‬يَ ا أَيُّ َه ا‬
‫ما‬‫م وا أَنَّ َ‬ ‫اعلَ ُ‬
‫م ونَ * َو ْ‬ ‫ُم َوأَ ْن ُت ْ‬
‫م تَ ْعلَ ُ‬ ‫خو ُن وا أَ َمانَ اتِك ْ‬ ‫ل َوتَ ُ‬
‫سو َ‬ ‫خو ُنوا اللَّ َه َو َّ‬
‫الر ُ‬ ‫الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َم ُنوا ال تَ ُ‬
‫م)‪ ،‬هللا يبتلي به ذه األمان ة عب اده‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ج ٌر َع ِ‬ ‫َ‬
‫ع ْن َد ُه أ ْ‬ ‫َ‬
‫ة َوأنَّ اللَّ َه ِ‬ ‫ُم فِ ْت َن ٌ‬
‫الدك ْ‬ ‫َ‬
‫ُم َوأ ْو ُ‬ ‫أَ ْم َوا ُلك ْ‬
‫ليتميز المحافظ عليها من المض يع له ا‪ ،‬والمته اون بش أنها‪ ،‬واألمان ات كث يرة ولكن‬
‫منها‪:‬‬
‫األمان ة في أداء األعم ال ال تي أتمن عليه ا ولي األم ر لبعض الن اس لألف راد أو‬
‫للشركات فعليهم أن يحافظوا عليها‪ ،‬فمن ولي على عم ل فإن ه أمان ة في عنق ه‪،‬‬
‫يبادر بأدائها كما أمره هللا سبحانه وتع الى وي نزه نفس ه وكس به ومأكل ه ومش ربه‬
‫من الخيانة في األمانة‪ ،‬فهي ابتالء وامتحان‪ ،‬فمن حاف ظ عليه ا وأداه ا ن ال الج زء‬
‫من هللا عز وحل‪ ،‬ومن خانه ا فإنم ا يخ ون نفس ه‪ ،‬وإنم ا يرج ع ض رر الخيان ة علي ه‬
‫وسيحاسب عن ذلك ي وم القيام ة‪ ،‬فيجب على من ت ولى عمال وظيفي ا أن يؤديه ا‬
‫بالوفاء والتمام وأن يحاف ظ على ال دوام الرس مي وال يتخل ف إال لع ذر ش رعي م ع‬
‫طلب اإلذن من المرجع المسئول حتى تبرأ ذمت ه ويس لم من الل وم والعت اب‪ ،‬ف إن‬
‫تخلفه عن الدوام يسجل عليه ويحسب عليه قد يكون متراكم ا ثم ي ؤثر ذل ك على‬
‫مستقبله وقد يطرد من الوظيف ة فين ال الخ زي والخس ارة‪ ،‬ال تحاف ظ على ال دوام‬
‫خوفا من الناس؛ ولكن حافظ على الدوام خوفا من هللا س بحانه وتع الى‪ ،‬فإن ه وإن‬
‫تغاضى عنك المس ئول أو ك ذبت علي ه وب ررت ع ذرا ف إن هللا س بحانه وتع الى لن‬
‫يتركك بال حساب وال عقاب‪.‬‬
‫وكذلك من تولى ماال من أموال المسلمين فعليه أن يحاف ظ علي ه وأن يحفظ ه وأن‬
‫يؤديه بالوفاء والتمام ال يبخس من ه ش يئا‪ ،‬ف إن ال ذين يأخ ذون من األم وال العام ة‬
‫يأخذون غلوال‪ ،‬والغلو كبيرة من كبائر الذنوب‪ ،‬فعلي ه أن يحاف ظ على م ا ولي علي ه‬
‫من األموال وأن يؤديها بالوفاء والتم ام‪ ،‬وال يتس اهل فيه ا في حفظه ا وفي أداءه ا‬
‫فإن ه محاس ب على ذل ك في ال دنيا واآلخ رة‪ ،‬وإن فات ه حس اب ال دنيا فلن يفوت ه‬
‫حس اب اآلخ رة‪ ،‬ك ان رج ل من الص حابة ق د ولي على عم ل فأت اه المفتش ون‬
‫والمراقب ون لحاس بوه فق ال لهم‪ :‬حس اب في ال دنيا وحس ب في اآلخ رة لكم‬
‫عملكم‪ ،‬وترك العمل خوفا من الحساب‪.‬‬
‫فاتقوا هلل عباد هللا‪ ،‬كان رجل مع الصحابة يجاهد مع رسول هللا ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم وكان شجاعا في الحرب أعجب الصحابة‪ ،‬فقالوا يا رسول هللا‪ :‬م ا أبلى أح د‬
‫مثل ما أبلى فالن؟ قال‪ :‬هو في النار‪ ‬فأشكل ذلك على الص حابة ففتش وا في م ا‬
‫معه‪ ،‬فوجدوا عنده شملة غلة من الغنيمة‪ ،‬قالوا‪ :‬صدق رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫ة) يحمل ه على‬ ‫م ا ْل ِقيَا َم ِ‬‫ل يَ ْو َ‬‫م ا غَ َّ‬‫ل يَ ْأتِ بِ َ‬
‫ن يَ ْغ ُل ْ‬
‫وسلم‪ ،‬وهللا جل وعال يقول‪َ ( :‬و َم ْ‬
‫ْ‬
‫ُل يَ أتِ‬
‫ن يَ ْغل ْ‬
‫رقبته إن كان بعيرا‪ ،‬إن كان شاة‪ ،‬إن كان ماال يأتي به يوم القيامة‪َ ( :‬و َم ْ‬
‫مونَ )؛ ولكن كما ج اء‬ ‫ظلَ ُ‬ ‫م ال ُي ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َو ُ‬
‫سبَ ْ‬ ‫س َما َك َ‬‫ل نَ ْف ٍ‬ ‫م ُت َوفَّى ُك ُّ‬ ‫م ا ْل ِقيَا َم ِ‬
‫ة ُث َّ‬ ‫ل يَ ْو َ‬
‫ما غَ َّ‬
‫بِ َ‬
‫في الحديث‪ :‬في آخر الزمان تتخ ذ األمان ة مغنما‪ ‬فمن اس ترعيا على م ال اعت بره‬
‫غنيمة يأخذه له ألنه ال يخاف من هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وكذلك في المقولين الذين يتولون المقاوالت ويتعهدون بها ل ولي األم ر ثم يخون ون‬
‫ويغشون في األعمال وينقصونه وقد يسلمون منها بأس باب منه ا الرش وة‪ ،‬والغش‬
‫للمراقبين فيشتركون في اآلثم والعدوان‪ ،‬المراقب الذي أعطاه ش هادة على تم ام‬
‫العمل والعامل الذي غش في عمله كلهم خانوا األمانة وسيحاس بون عن ذل ك إن‬
‫سلموا في الدنيا وزوروا فلن يس لموا في اآلخ رة ف إن هللا ج ل عال ال يخفى علي ه‬
‫ش يئا ول ه كت اب مس جل ك ل أعمال ه وتص رفاته ومنه ا الخيان ة في األمان ة وهي‬
‫حقوق الخلق أيضا‪ ،‬حقوق الخلق ال تس قط إال إذا س محوا عنه ا فل و س مح عن ك‬
‫المراقب فلن تسمح عنك الرعية التي لها حق في هذا المشروع بأن تؤديه بالوفاء‬
‫والتمام‪ ،‬فعلى المقاولين وعلى المراقبين المراق بين عليهم أن يتق وا هللا س بحانه‬
‫وتع الى فيم ا ول و علي ه وأتمن وا علي ه وال يخ ون هللا والرس ول ويخون وا ولي األم ر‬
‫ويخونوا المسلمين في مالهم العام‪ ،‬فعليهم أن يتقوا هللا فيؤدوا العمل كما تعه دوا‬
‫ب ه‪ ،‬وعلى الم راقين عليهم أن ال يمنح وهم ش هادات م زورة؛ ب ل الب د أن تك ون‬
‫الشهادة على حق‪ ،‬على وف اء العم ل وتم ام العم ل‪ ،‬ومطابق ة المقاول ة على م ا‬
‫ل‬‫ن يَ ْغ ُل ْ‬
‫تعهد به المقاول وإال فإنه مسئول أمام هللا سبحانه وتعالى وهو غالوا‪َ ( :‬و َم ْ‬
‫ة) سيأتي هذا المقاول الخائن بكل األموال ال تي غش فيه ا‬ ‫م ا ْل ِقيَا َم ِ‬
‫ل يَ ْو َ‬
‫ما َغ َّ‬‫يَ ْأتِ بِ َ‬
‫وأخذ مقابل لها‪ ،‬سيأتي به يوم القيامة يحمله على رقبته‪ ،‬فضيحة له وعقوب ة ل ه‬
‫أم ام هللا وأم ام الخالئ ق ي وم القيام ة فال يظن أن ه إذا أخ ف ه ذا عن الن اس أن ه‬
‫سيخفى على هللا‪ ،‬ال يطن أنه إذا سجل له المراقب شهادة وزك اه به ا في عمل ه‬
‫ملك سجل عليه خيانة وكتبها في ديوانه في سجله‪ ،‬ثم يوم القيام ة ي دفع‬ ‫لكن ال َ‬
‫له هذا السجل ويحاسب على ما فيه‪ ،‬فليتقي هللا هؤالء الذين يتول ون المق اوالت‬
‫ويعتبرونها مغنما وال يؤدونها على وجهه وي زورون ويغش ون في العم ل أو ينقص ونه‬
‫فعليهم أن يتقوا هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫كذلك من ولي على مال ع ام ف إن علي ه أن يحاف ظ علي ه‪ ،‬فمن ك ان على خزين ة‬
‫الدولة فإن هذه أمانة عظيمة‪ ،‬أنت لو كان عندك أمانة عش رة ري االت أو أق ل فإنه ا‬
‫أمانة ثقيلة‪ ،‬فكيف بالذي عنده الماليين والمليارات اس تحفظ عليه ا؟ أال يخ اف هللا‬
‫ين إِذَا ا ْك َتالُوا‬ ‫مطَ ِ ّف ِف َ‬
‫ين* الَّ ِذ َ‬ ‫ل لِ ْل ُ‬
‫م َم ْب ُعوثُونَ )‪َ ( ،‬و ْي ٌ‬ ‫ك أَنَّ ُه ْ‬
‫سبحانه وتعالى‪( :‬أَال يَظُنُّ ُأولَئِ َ‬
‫س ُرونَ ) فهذا المقاول ه ذا طف ف‬ ‫خ ِ‬ ‫م ُي ْ‬ ‫م أَ ْو َو َز ُن ُ‬
‫وه ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫س َت ْوفُونَ * َوإِذَا َكالُو ُ‬ ‫اس يَ ْ‬
‫ِ‬ ‫َعلَى ال َّن‬
‫الميزان والكيل كيل العمل ما هو كيل الطعام كيل العمل عند هللا سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫ين)‬
‫م َ‬ ‫ب ا ْل َع الَ ِ‬
‫اس لِ َر ّ ِ‬
‫م يَ ُق و ُم ال َّن ُ‬ ‫يم* يَ ْو َ‬ ‫ظ ٍ‬‫م َم ْب ُعو ُث ونَ * لِيَ ْو ٍم َع ِ‬ ‫ك أَنَّ ُه ْ‬
‫(أَال يَظُنُّ ُأولَئِ َ‬
‫فليتقي هللا ه ؤالء وعلى من اس تحفظ على عم ل س واء للدول ة أو لألف راد أو‬
‫للش ركات أو ألي أح د علي ه أن يحاف ظ علي ه‪ ،‬ويس لمه بالوف اء والتم ام‪ ،‬وإال فإن ه‬
‫ه َدايَا‬
‫سيأتي ب ه ي وم القيام ة يحمل ه على رقبت ه وق ال ص لى هللا علي ه وس لم‪َ  :‬‬
‫ل‪ ‬ف إذا ك ان ع امال أو متولي ا على عم ل وأعطي ا رش وة ف إن ه ذا‬ ‫ال ُغ ُل و ٌ‬ ‫ا ْل ُع َّ‬
‫م ِ‬
‫ل‪ ‬أي ما يه دى إليهم من قب ل الن اس من أج ل أن يخون وا‬ ‫ل ُغلُو ٌ‬ ‫ه َدايَا ا ْل ُع َّ‬
‫ما ِ‬ ‫غلول‪َ  :‬‬
‫األمانة لهم فإن هذا هو الغلول ‪ -‬والعياذ باهلل‪.-‬‬
‫فعلى المسلم أن يكون أمينا في عمل ه ووظيفت ه‪ ،‬يك ون أمين ا على م ا اس تحفظ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫اس أَ ْ‬
‫ش يَا َء ُ‬ ‫س وا ال َّن َ‬
‫خ ُ‬
‫عليه فيحفظه ويسلمه تماما وال يبخس منه شيئا‪َ ( :‬وال تَ ْب َ‬
‫ين) نعم هؤالء مفسدون‪ ،‬ول ذلك يس مى الجه از ال ذي‬ ‫س ِد َ‬ ‫َوال تَ ْع َث ْوا فِي األ َ ْر ِ‬
‫ض ُم ْف ِ‬
‫وكيل إليه النظر في هذه الخيانات يسمى بالنزاه ة ألن ه يري د أن ي نزه الن اس عن‬
‫هذه الخيانات وهذه االختالسات التي يعيشون عليها‪.‬‬
‫يا عباد هللا‪ ،‬كيف يأكل هذا الخائن‪ ،‬يأكل من األموال التي خانه ا أو األم وال ال تي‬
‫تسامح فيها مع غيره م ع أص دقاءه تس امح فيه ا ألج ل الرش وة‪ ،‬كي ف يأك ل ه ذا‬
‫ش َعثَ أَغْ بَ َر‬ ‫الس َف َر أَ ْ‬
‫َّ‬ ‫يل‬ ‫ط ُ‬ ‫المال؟ وقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬في الرجل ُي ِ‬
‫م ُه‬‫ط َع ُ‬‫ب‪ ‬مض طر ق ال ص لى هللا علي ه وس لم‪َ  :‬و َم ْ‬ ‫ب يَ ا َر ّ ِ‬ ‫ما ِء يَ ا َر ّ ِ‬ ‫الس َ‬
‫َّ‬ ‫ه إِلَى‬ ‫م ُّد يَ َد ْي ِ‬‫يَ ُ‬
‫ك‪ ‬يعني ال يس تجاب ل ه وإن‬ ‫اب لِ َذلِ َ‬‫ج ُ‬ ‫س َت َ‬ ‫َ‬
‫م َفأنَّى ُي ْ‬ ‫ح َرا ٌ‬
‫س ُه َ‬ ‫م َو َم ْلبَ ُ‬ ‫ح َرا ٌ‬
‫ش َر ُب ُه َ‬‫م َو َم ْ‬ ‫ح َرا ٌ‬‫َ‬
‫اجتهد في الدعاء والتضرع والفقر والحاجة إلى هللا ال يستجاب دعاءه‪ ،‬وق ال ص لى‬
‫هللا عليه وسلم‪ :‬كل جس م نبت على الس حت الن ار أولى به‪ ‬فعلى ه ؤالء ال ذين‬
‫ابتلوا في األموال العامة أو الخاصة عليهم أن يتق وا هللا فيه ا‪ ،‬وأن يس لموها وافي ة‬
‫تامة ليس لموا من المس ئولية والحس اب أم ام هللا س بحانه وتع الى ال يخ ون في‬
‫العمل وينقصوه ويظهروه بمظهر العمل التام ويزوق وه وهم غاش ون في ه مخ ادعون‬
‫فيه ال تدخل في هذه المقاوالت وهذه األم ور إال وأنت ص ادق في أن تقيمه ا على‬
‫الحق والعدل أو أن تتركها أطلب ال رزق في غيره ا‪ ،‬ال ت دخل م ع فيم ا دخ ل فيه ا‬
‫كثير من الناس وتقلد الناس تقول كل الناس على هذا‪ ،‬أو فالن يس وي ك ذا وفالن‬
‫أنت مسئول عن نفسك فعليك بأنجاء نفسك وال تغتر بكثير من خانوا هللا والرس ول‬
‫وخ انوا أمان اتهم وهم يعلم ون‪ ،‬ال تغ تر بهم ف إن لهم يوم ا يقف ون في ه أم ام رب‬
‫ين) وسيحاس بون عن ال دقيق والجلي ل‬ ‫م َ‬ ‫ب ا ْل َع الَ ِ‬ ‫اس لِ َر ّ ِ‬‫وم ال َّن ُ‬ ‫م يَ ُق ُ‬ ‫الع المين‪( :‬يَ ْو َ‬
‫ج ُدوا َم ا‬ ‫ها َو َو َ‬ ‫صا َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ص ِغي َر ًة َوال َك ِب ي َر ًة إِال َّ أ ْ‬ ‫هذَا ا ْلكِ َتابِ ال ُيغَا ِد ُر َ‬ ‫ل َ‬ ‫والكبير والصغير‪َ ( :‬ما ِ‬
‫حداً )‪ ،‬بارك هللا ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما في ه‬ ‫كأ َ‬ ‫َ‬ ‫م َربُّ َ‬ ‫ظ ِل ُ‬ ‫ضراً َوال يَ ْ‬ ‫حا ِ‬‫ملُوا َ‬ ‫َع ِ‬
‫من البي ان وال ذكر الحكيم‪ ،‬أق ول ق ولي ه ذا واس تغفر هللا لي ولكم ولجمي ع‬
‫المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫الحمد هلل على فضله وإحسانه‪ ،‬وأشهد أن ال إلــه إال هللا وحــده ال شــريك‬
‫له تعظيما لشـأنه‪ ،‬وأشـهد أن محمـ ًدا عبــده ورســوله بلـغ البالغ المـبين‪،‬‬
‫صلى هللا عليــه وعلى آلــه وأصــحابه والتــابعين ومن تبعهم بإحســان إلى‬
‫يوم الدين‪     ،‬أما بعد‪:‬‬
‫أيهــا النــاس‪ ،‬اتق وا هللا تع الى‪ ،‬ومن ت ولى على عم ل وظيفي أو على مقال ة أو‬
‫أوتمن على شيء فعليه أن يحافظ عليه ويعتب ه ذه مس ئولية أم ام هللا س بحانه‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫م أل َ َمانَ اتِ ِه ْ‬
‫م َو َع ْه ِد ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫وتعالى قبل الناس‪ ،‬فعليه أن يحافظ على أمانت ه‪َ ( :‬والَّ ِذ َ‬
‫ين ُ‬
‫اعونَ ) ويحفظها كما يحفظ ماله‪ ،‬لو أن إنسانا أخذ من مالك ش يئا بغ ير ح ق ه ل‬
‫َر ُ‬
‫ترضى وتس كت أو تش تكي وتحس به وتخاص م؟ كي ف ال ترض ى بالخيان ة لنفس ه‬
‫وترضى بالخيانة للناس‪.‬‬
‫فاتقوا هللا‪ ،‬عباد هللا‪ ،‬ومن علمتموه يخ ون في عمل ه يخ ون في أم اتهم‪ ،‬يخ ون‬
‫ك ًرا َف ْل ُي َغ ِي ّ ْر ُه بِيَ ِد ِه َف إِنْ لَ ْ‬
‫م‬ ‫ن َرأَى ِم ْنك ْ‬
‫ُم ُم ْن َ‬ ‫في مقاولته فال يسعكم السكوت عليه‪َ  :‬م ْ‬
‫ه‪ ‬أنت ال تقدر أن تغيره بيدك ولكن بلغ عنه‪،‬‬ ‫ط ْع َفبِ َق ْلبِ ِ‬
‫س َت ِ‬ ‫ه َف ِإنْ لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ط ْع َفبِلِ َ‬
‫سانِ ِ‬ ‫س َت ِ‬
‫يَ ْ‬
‫بلغ عنه والة األمور أبرأ ذمتك وذمته هو أيضا فإن س كوتك علي ه يض ره ه و قب ل أن‬
‫يضرك فبلع عنه حتى يطهر من هذه الجريمة البشعة‪ ،‬حتى يتطهر المجتمع كل ه‪،‬‬
‫فل و أن الن اس تتناص ح فيم ا بينهم لم ا وج د بينهم خ ائن؛ ولكن إذا دلس الن اس‬
‫وسكتوا انتشر الخونة ونشطوا وصار لهم رواج عند الناس‪.‬‬
‫إن هذا المال هلل عز وجل‪ ،‬وهذا المال إنما هو أمانة عندكم هلل ع ز وج ل فأحس نوا‬
‫فيه وحافظوا عليه‪ ،‬ومن تولى منه شيئا فال يبخس من ه ش يئا‪ ،‬على المس لم أن‬
‫يكون أمينا فيما أوتمن عليه‪ ،‬يحافظ على أمانته ويؤديها بالوفاء والتم ام ق ال ص لى‬
‫هللا عليه وسلم‪ :‬أدي األمانة إلى من أتمنك وال تخن من خانك‪. ‬‬
‫فعلى المسلمين أن يتنزهوا عن هذه الخيان ات المالي ة واالختالس ات‪ ،‬وأن ي نزهوا‬
‫إخوانهم بالنصيحة والموعظ ة أو ب الرفع في ش أنهم إلى من يأخ ذ بأي ديهم لينج و‬
‫وينجوا الجميع‪ ،‬فإن الخيانة إذا أهملت استشرت وانتش رت ونش ط الخون ة أم ا إذا‬
‫علموا أن هناك من يرصد أعم الهم ف إنهم ينكف ون عن ه ذا إن لم يكن بهم إيم ان‬
‫يردهم فسينكفون خوفا من العقوبة‪ ،‬وينكفون خوفا من الفضيحة؛ ولكن لما س كت‬
‫الناس وتركوا هؤالء العابثين في أموال المسلمين وفي المجتم ع‪  ‬نش طوا وتخ ذوا‬
‫هذه الخيانة مصدرا للكسب يتبارون فيها ويتسابقون فيها خائن من وراء خائن‪.‬‬
‫فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬نزه وا مجتمعكم من ه ذه الخيان ات في المس ئوليات‪ ،‬من‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ين ُ‬‫ه ذه الخيان ات في األعم ال‪ ،‬في األم وال‪ ،‬ح افظوا على أمان اتكم‪َ ( :‬والَّ ِذ َ‬
‫اعونَ ) هذه الصفات من صفات المؤمنين الذين يدخلون الجن ة‪:‬‬ ‫م َر ُ‬ ‫ه ْ‬
‫م َو َع ْه ِد ِ‬‫أل َ َمانَاتِ ِه ْ‬
‫م فِي َه ا‬‫ه ْ‬
‫س ُ‬ ‫ين يَ ِر ُث ونَ ا ْل ِف ْر َد ْو َ‬ ‫م ا ْل َو ِ‬
‫ار ُث ونَ * الَّ ِذ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج َّناتٍ ُم ْك َر ُمونَ )‪ُ ( ،‬أ ْولَئِ َ‬
‫ك ُ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫( ُأ ْولَئِ َ‬
‫خالِ ُدونَ )‪.‬‬ ‫َ‬
‫إن األمانة عظيمة يا عباد هللا‪ ،‬وليس هناك أحد ليس عليه أمانة‪ ،‬ليس هن اك أح د‬
‫إن سلم من األمان ة أمان ات الن اس لن يس لم من األمان ة فيم ا بين ه وبين هللا ع ز‬
‫وجل‪ ،‬فيما بين ه وبين والة األم ور أم ور المس لمين فكون وا ناص حين ألنفس كم أوال‬
‫ولعوائلكم هؤالء الذين يخزنون هذه األموال بالخيانة والغش هؤالء يطعمون أوالدهم‬
‫زوجاتهم ضيوفهم يطعم ونهم من الح رام ويغ ذونهم ب الحرام‪ ،‬والمس ئولية ليس ت‬
‫على ه ؤالء‪ ،‬المس ئولية على القيم على ال بيت ال ذي يخ ون أم انتهم فيتحم ل‬
‫األمانة يتحمل إثم ضياع األمانة ويتحمل هؤالء الذين أطعمهم من الحرام‪.‬‬
‫فــاتقوا هللا عبــاد هللا‪ ،‬واعمل وا أن المس ئولية عظيم ة ليس ت من أج ل الن اس‬
‫والمراقبين فقط عليك رقيب ال يغادر وال يغفل وال ينام‪ ،‬عليك مالئكة حفظة يراقبون‬
‫أعمالك ويكتبونها يسجلونها عليك وس تجدها ي وم القيام ة في أص عب موق ف‪ ،‬وال‬
‫م ال‬
‫يمكنك أن تتخلص منها أو أن تكذب‪ ،‬أو أن تستعين بج اهن يخلص ك منه ا‪( :‬يَ ْو َ‬
‫يم)‪.‬‬
‫سلِ ٍ‬ ‫ن أَتَى اللَّ َه بِ َق ْل ٍ‬
‫ب َ‬ ‫ل َوال بَ ُنونَ * إِال َّ َم ْ‬
‫يَ ْن َف ُع َما ٌ‬
‫ي هدي‬ ‫فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬واعلموا‪ ‬أنَّ خير الحديث كتاب هللا‪ ،‬وخير الهد َّ‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وش َّر األم ور ُمح دثاتها‪ ،‬وك ل بدع ة ض اللة‪ ،‬وعليكم‬
‫بالجماع ة‪ ،‬ف إنَّ ي د هللا على الجماع ة‪ ،‬ومن ش َّذ ش َّذ في الن ار‪ ،‬من ش ذ عن‬
‫ه‪ ‬كما في الح ديث‪،‬‬ ‫سال َ ِم ِم ْ‬
‫ن ُع ُن ِق ِ‬ ‫اإل ْ‬‫ع ِر ْب َق َة ِ‬ ‫خلَ َ‬ ‫الجماعة شذ في النار والعياذ باهلل‪َ  ،‬‬
‫فعليكم بلزوم جماعة المسلمين وإم ام المس لمين ف إن ه ذا طري ق النج اة ال ذي‬
‫أرشد إليه النبي ص لى هللا علي ه وس لم عن د االختالف‪ ،‬عن د الش قاق والنزاع ات‬
‫والثورات‪ ،‬عند الفتن‪ ،‬ألزموا جماعة المسلمين وإمام المسلمين كما أوص اكم ه ذا‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬‬
‫س ِل ّ ُ‬
‫موا‬ ‫ه َو َ‬‫ص لُّوا َعلَ ْي ِ‬
‫ين آ َم ُنوا َ‬ ‫ي يَا أَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫صلُّونَ َعلَى ال َّن ِب ّ ِ‬ ‫(إِنَّ اللَّ َه َو َمالئِ َ‬
‫ك َت ُه ُي َ‬
‫ل وسلِ ّم على نبيَّنا محمد‪ ،‬وعلى أهل ه وأص حابه أجمعين وعن‬ ‫م ص ِّ‬ ‫ما)‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬‫سلِي ً‬
‫تَ ْ‬
‫بإحسان إلى يو ِم الدين وخص منهم الخلفاء الراشدين أب ا بك ر‬ ‫ٍ‬ ‫التابعين ومن تبعهم‬
‫وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين‪.‬‬
‫م أع ز اإلس الم والمس لمين‪ ،‬وأذل الش رك والمش ركين‪ ،‬ودم ر أع داء‬ ‫اللَّ ُه َّ‬
‫م أحف ظ ه ذه‬ ‫م أحف ظ ه ذا البل د‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬ ‫الدين‪ ،‬وجعل هذا البل د آمن ا مس تقرا‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م‬ ‫البالد بالد الحرمين الش ريفين م أوى أفئ دة المس لمين حجاج ا ومعتم رين‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م‪  ‬أحفظها بحفظ تولها برعايتك‪ ،‬وأمده بنص رك‬ ‫أحفظ هذه البالد آمنة مستقرة‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م دمر أع داء ال دين‬ ‫م أحفظ بالد المسلمين عامة يا رب العالمين اللَّ ُه َّ‬ ‫وتوفيقك‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م شتت‬ ‫من اليهود والنصارى وسائر الكفرة والمشركين والمنافقين والمرتدين‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫شملهم‪ ،‬وخاف بين كلمتهم وجع ل ت دميرهم في ت دبيرهم إن ك على ك ل ش يء‬
‫م أحف ظ‬ ‫م كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أش د بأس ا وأش د تنكيال‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬ ‫قدير‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م أخ رجهم من الظلم ات إلى الن ور‪،‬‬ ‫م أهدهم سبيل السالم‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬ ‫والة أمورنا‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬
‫م أنص ر بهم دين ك وحف ظ‬ ‫م‪  ‬أجعلهم هداة مهتدين غير ضالين وال مظلين‪ ،‬اللَّ ُه َّ‬ ‫اللَّ ُه َّ‬
‫بهم أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطانن ا وال تس لط علين ا ب ذنوبنا م ا ال يخاف ك وال‬
‫يرحمنا يا أرحم الراحمين‪ ،‬يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا حي يا قي وم ي ا ذا‬
‫يم)‪.‬‬ ‫يع ا ْل َعلِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫الس ِ‬
‫َّ‬ ‫ك أَ ْن َ‬
‫ت‬ ‫ل ِم َّنا إِنَّ َ‬ ‫الجالل واإلكرام يا سميع الدعاء ( َربَّ َنا تَقَبَّ ْ‬
‫ش ا ِء‬ ‫ح َ‬ ‫ن ا ْل َف ْ‬ ‫ن َوإِي َت ا ِء ِذي ا ْل ُق ْربَى َويَ ْن َهى َع ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫اإل ْ‬‫ل َو ِ‬ ‫د هللا‪( ،‬إِنَّ اللَّ َه يَ ْأ ُم ُر بِا ْل َع ْد ِ‬ ‫عبا َ‬
‫ض وا‬ ‫م َوال تَن ُق ُ‬ ‫ه ْد ُت ْ‬ ‫ه إِذَا َعا َ‬ ‫َ‬
‫ُم تَ َذك َُّرونَ )‪َ ( ،‬وأ ْو ُف وا بِ َع ْه ِد اللَّ ِ‬ ‫ُم لَ َعلَّك ْ‬ ‫ظك ْ‬ ‫ْي يَ ِع ُ‬ ‫ك ِر َوا ْلبَغ ِ‬ ‫من َ‬ ‫َوا ْل ُ‬
‫م َما تَ ْف َعلُونَ )‪ ،‬ف ذكروا‬ ‫ُم َك ِفيال ً إِنَّ اللَّ َه يَ ْعلَ ُ‬ ‫م اللَّ َه َعلَ ْيك ْ‬ ‫ج َع ْل ُت ْ‬
‫ها َو َق ْد َ‬ ‫مانَ بَ ْع َد تَ ْو ِكي ِد َ‬ ‫األ َ ْي َ‬
‫يعلم ما تصنعون‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يز ْدكم‪ ،‬ول ِذ ْك ُر هللا أكب َر‪ ،‬وهللا‬ ‫هللا يذكركم‪ ،‬واشكُروه على نعمه ِ‬
‫‪ ‬‬
‫خطبة الجمعة ‪1435-02-17‬هـ‬

You might also like