Professional Documents
Culture Documents
حيث كان الحاكم في تلك الوالية التابعة لذلك امللك يظلم الناس ويسيء استعمال الحكم ،مما ترتب على ذلك كثرة
الشكاوى
وأعلمه بدقة بالتشريعات التي عليه تنفيذها كي يعم العدل ويرفع الظلم
وحين وصل لتلك الوالية تسلم زمام األمور كلها من ذلك الحاكم فيها بحيث كان له مطلق الصالحية في التصرف بكل
شيء! وبدون أي مضايقة من الوالي الحاكم! بل بتعاون تام تم فيه الحرص على مصلحة الرعية!
ُ
الوزير بتنفيذ أوامر امللك العادل الحكيم املنصف وبدال من أن يقوم
قام بتنفيذ عين التشريعات السابقة التي كان الحاكم الوالي الظالم يطبقها بال تغيير فيها
وتجاهل تماما تعليمات امللك! وتجاهل تشريعاته ،وتجاهل بيان امللك العادل له كيف أفضت تلك التشريعات للمظالم،
وكان امللك على علم بالتفاصيل الدقيقة لكل ما عمله الوزير في السنوات السبع بدقة متناهية!
ثم انتهت املهمة في سبع سنين وعاد الوزير إلى امللك وقدم تقريره حل مهمته
فقام بشكر امللك على ما أنعم عليه من التمكين ،وإعطائه الفرصة لرد الحقوق ألصحابها،
الوزير َ
امللك أيضا ألنه أرشده للصواب من الخطأ ،وعلمه مساوئ التشريعات السابقة ومحاسن التشريعات ُ وشكر
التي كان من املفروض أن يعمل بها،
ورغم أن التشريعات التي عمل بها هي هي التشريعات التي أنتجت الظلم والفساد وضياع الحقوق ،ولم يكن تنفيذ ذلك
الوزير لعين تلك التشريعات كفيال بمحو الظلم ألن طبيعة التشريعات فاسدة وال يمكن أن يجنى من الشوك العنب!
انتهت القصة
ولم يطبق االحكام التي شرعها هللا له وأرسله بها ليقيم على أساسها ميزان العدل واإلنصاف،
قال تعالى:
َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ َ ْ َ ّ َ ْ ُ َ َ ْ َ َّ الن ُ ُ ً َ َ ً َ َ َ َّ ُ َّ َ َ ّ َ َ َ
﴿ك َ
ان َّ
اس ِف َيما اس أ َّمة و ِاحدة ف َبعث الله الن ِب ِّيين ُمب ِش ِرين و ُم ِ
نذ ِرين وأنزل معهم ال ِكتاب ِبالح ِق ِليحكم بين الن ِ
ْ َ ْ
اخ َتل ُفوا ِف ِيه﴾ البقرة ،213
ويوسف عليه السالم نبي ،كان الكتاب الذي لديه صحف إبراهيم ،شريعة وظيفتها أن يقوم الناس بالقسط
َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َ َ ْ َ ّ َ َ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ مْل َ َ َ ُ َ َّ ُ ْ
اس ِبال ِق ْس ِط﴾ 25الحديد، ات وأنزلنا معهم ال ِكتاب وا ِ يزان ِليقوم الن
﴿لقد أرسلنا رسلنا ِبالب ِين ِ
َ ُ َ َّ ُ ْ
اس ِبال ِق ْس ِط﴾ هي الم التعليل، ﴿ليقوم الن ََ ْ
وقوله﴿،لقد ﴾ :الالم واقعة في جواب قسم محذوف ،والالم في قوله ِ
فأحد أهم املقاصد الكلية من إنزال البينات مع الرسل هي أن يقوم الناس بالقسط وفق األحكام التي نزلت مع هؤالء
الرسل واألنبياء،
فحسب االدعاء بأن يوسف عليه السالم لم يحكم بتلك الشريعة وال بشريعة يعقوب عليه السالم ،بل حكم بأحكام
امللك املصري التي لم تكن بالطبع قائمة على الشريعة ،ولقد أرسل الرسل لنقض تلك الشرائع ليقوم الناس بالقسط!
بدأت القصة بوصف يوسف عليه السالم بأنه حين جعله امللك على خزائن األرض قال تعالى
ّ َ ٌ
يظ َع ِل ٌ
يم ض ِإ ِني ح ِف َْ َ َ ْ َْ ََ َ َ
قال اجعل ِني على خزا ِئ ِن األر ِ
َ مْل ُ َ ُ َّ َ األ ْرض َي َت َب َّو ُأ ِم ْن َها َح ْي ُث َي َشاء ُنص ُ
َ َ َ َ َ َ َّ َّ ُ ُ َ
يب ِب َر ْح َم ِت َنا َمن نشاء َوال ن ِض ُيع أ ْج َر ا ْح ِس ِن َين ِ ِ وسف ِفي وكذ ِلك مكنا ِلي
إذن ،فهو تمكين ،والتمكين الذي يتبوأ معه من األرض ما يشاء هو تصرف مطلق ،فهو لم يكن مجرد وزير تابع!
وكان هذا التمكين في إطار (نصيب برحمتنا من نشاء) ،فهو مظلل برحمة هللا تعالى مغمور بها ،وفي هذه إشارة صريحة
إلى رضا هللا تعالى عن هذا التمكين ،بل :وكذلك مكنا ليوسف ،والفاعل هو هللا سبحانه وتعالى ،فهو تمكين رباني!
ثم مضت القصة فوجدنا أن نبي هللا يوسف عليه السالم هو عزيز مصر حين أتاه إخوته بأخيهم فقرر سجنه ،أي أنه
وزير
َ َ َ ً َ َ ُ ْ َ ْ
قالوا َيا أ ُّي َها ال َع ِز ُيز ِإ َّن ل ُه أ ًبا ش ْيخا ك ِب ًيرا
حتى لحظة تعرفهم عليه وهي اللحظة التي سبقت رحلة عودتهم ألبيهم كي يجلبوه معهم ثانية كان وصف يوسف عليه
السالم :العزيز!
رجعوا إليه بأبيهم ورفع أبويه على العرش ،فإذا به ال يوصف بالعزيز حينها ،بل يوصف بال ُـملك!
ولم يعرفنا القرآن بالضبط هل أصبح هو امللك أم فقط كانت لديه صالحيات امللك كاملة للتصرف في الحكم؟
قال تعالى:
َّ َ َ َ َّ َ َ ُ ْ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ ُ ْ
ص َر ِإن شاء الل ُه ِآم ِن َين وا م ْ
ال ادخل ِ فلما دخلوا على يوسف آوى ِإلي ِه أبوي ِه وق
ْ َ َ َ َ َ ال َيا َأ َب ِت َه َذا َت ْأو ُ
يل ُر ْؤ َي َ َو َر َف َع َأ َب َو ْي ِه َع َلى ْال َع ْرش َو َخ ُّر ْوا َل ُه ُس َّج ًدا َو َق َ
اي ِمن ق ْب ُل ق ْد َج َعل َها َر ِّبي َح ًّقا َوق ْد أ ْح َس َن ِبي ِإذ ِ ِ
يف َا َي َشاء إ َّن ُه ُهوَ َّ َ ّ َ ٌ َ َ ْ َ َّ َ َ َّ ْ َ ُ َ ْ َ َ ْ َ ْ ْ َ َ ّ ْ َ َ َ ُ ّ َ ْ َ ْ َ
ِ السج ِن وجاء ِبكم ِمن البد ِو ِمن بع ِد أن نزغ الشيطان بي ِني وبين ِإخو ِتي ِإن ر ِبي ل ِط مِّل أخ َرج ِني ِمن ِ
يميم ْال َح ِك ُ ْال َع ِل ُ
مْل ُ ْ َ َ
َر ِ ّب ق ْد آت ْي َت ِني ِم َن ا ل ِك
اآلخ َرة َت َو َّفني ُم ْس ِل ًما َو َأ ْل ِح ْقني ب َّ
الص ِال ِح َين. والد ْن َيا َ األ ْرض َأ َ
نت َول ّيي في ُّ َ َ َّ َ َ َ َ
و ات
ِ او مالس ر اط ف يث
ِ اد
ِ ح
َ
األ َ يل و
َْ
أ
َّ
َو َعل ْم َت ِني ِمن ت
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
إذن :بعد أن رفع أبويه على العرش قال :رب قد آتيتني من امللك!
فإما أن يكون حل مكان امللك ،أو أن يكون امللك قد خوله بصالحيات التصرف التام في امللك من البداية حين مكن هللا
له في األرض يتبوأ منها حيث يشاء!
إن وصف امللك هنا مفصلي للفهم ،مشفوعا بوصف التمكين املطلق ،وبالتالي ال يكون أوتي من ال ُـملك إال أن تكون له
صالحيات التصرف التام ،وإال لبقي وصف العزيز له!
وحين قدم "تقريره" (مجازا) هلل تعالى شاكرا له على أنعمه ،أي
قدم حمده هلل تعالى على أن آتاه هللا امللك (لم يقل آتاني ملك مصر امللك ،بل قال :رب قد آتيتني من امللك
فحمد هللا على ذلك (هللا هو الفاعل في التمكين ،وهو الفاعل في إيتاء امللك)،
لنرجع لالدعاء الذي قيل فيه بأنه لم يحكم بالشريعة ،فنسأل هل نسي وهو يقدم شكره هلل تعالى أن يقدم له تقريرا
ملاذا لم يحكم شريعة يعقوب؟ ملاذا حكم -وهو النبي -بشريعة مخالفة لشرع هللا؟
ثم األعجب من هذا ،في هذا املقام ،نجد أن هللا تعالى لم يعاتبه على عدم تطبيق شريعة يعقوب رغم أنه أوتي امللك
والحق املطلق في التصرف!
إذن ،فلم يحكم يوسف عليه السالم بشريعة غير شريعة هللا تعالى في مصر ،ولم يطبق أحكام ملك مصر السابقة
الوضعية.
والذي حصل هو أنه استرق السارق ،أي لم يعمل بشريعة امللك السابقة!
ثانيا :شريعة امللك السابقة تقضي بضرب وتغريم السارق ضعفي ما سرق ،ولم يفعل ذلك!
الجواب قطعا ال ،ألنه لم يطبق شريعة امللك ال بمبرر أن أخاه سرق وال بأي مبرر آخر ،فلم تكن شريعة امللك في باله
أن يتحايل عليها ويتجاوزها بأي ذريعة!
إنما كاد هللا له بأن أجرى نطق حكم شريعة يعقوب عليه السالم على لسان إخوته حين وضعهم على املحك ،فأخبروا
بحكم شريعة يعقوب عليه السالم في استرقاق السارق ،فعمل بها ،ولو عمل بها قبل سؤالهم لتساءل قائلهم :من أين
عرفت بهذا الحكم؟ وهل أنت نبي؟ ولكن في تلك املرحلة لم يكن مطلوبا من إخوة يوسف أن يعرفوا حقيقته قبل أن
يرجعوا ألبيهم فيزداد صبرا جميال وتوكال على هللا ويطلب منهم أن يرجعوا ليتحسسوا من يوسف وأخيه.
ثالثا :يستحيل أن يكيد هللا تعالى له ليطبق حكما مخالفا لحكم هللا ،ويرفعه بهذا التطبيق درجات!
إذن ،فهو أخذ أخاه في حين أن دين امللك يمنع من أخذه له بأي صورة
فاآلية تشير إلى تجاهله لحكم وشريعة امللك السابقة ،وعمله بشريعة يعقوب عليه السالم ،فلماذا لم يراجعه امللك
املصري؟ ألنه مخول بالحكم بما يشاء،
وملاذا امتدحه هللا تعالى على فعله كله؟ ألنه يحكم بشرعه ،فال يكون موضع الثناء إال لذلك.
وعليه ،فتسقط شبهة أن يوسف عليه السالم قد حكم بالكفر أو امتنع عن تحكيم الشرع وهو وزير كليا،