You are on page 1of 380

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬


‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫كلية أصول الدين والشريعة‬ ‫جامعة األمير عبد القادر‬


‫والحضارة اإلسالمية‬ ‫للعلوم اإلسالمية –قسنطينة‪-‬‬
‫قسم الشريعة والقانون‬ ‫‪/‬‬
‫‪.............. ...............‬‬ ‫الرقم الترتيبي ‪:‬‬
‫‪/‬‬
‫‪............. ................‬‬ ‫رقم التسجيل ‪:‬‬

‫آليات الديمقراطية الغربية‬


‫في ميزان اإلسالم‬
‫عينتين)‬
‫(التعددية واألغلبية ّ‬
‫بحث مقدم لنيل درجة الماجستير‬
‫شعبة الشريعة والقانون‬
‫إعداد الطالب‪ :‬يوسفي محمد( أكلي‬
‫الجامعة األصلية‬ ‫الرتبة‬ ‫االسم و اللقب‬ ‫أمام اللجنة‬
‫بـاتنـــة‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أ‪.‬د‪.‬سعيد فكرة‬ ‫الرئيس‬
‫بـاتنـــة‬ ‫أستاذ محاضر‬ ‫د‪.‬أحمد بن محمد‬ ‫المقرر‬
‫جامعة األمير عبد القادر‬ ‫أستاذ محاضر‬ ‫د‪.‬كمال لدرع‬ ‫العضو‬
‫جامعة األمير عبد القادر‬ ‫أستاذ مساعد م‪.‬د‬ ‫أ‪.‬عمار بوجالل‬ ‫العضو‬

‫نوقش يوم ‪ 09 :‬ربيع األول ‪1425‬هـ‪/‬الموافق لـ‪ 29‬أفريل ‪ 2004‬م‬

‫السنة الجامعية ‪1425-1424:‬هـ ‪2004-2003 /‬م‬


‫شكر وتقدير‬
‫عل ّي إتمام هذا البحث بعونه وتسديده‪ ،‬ال يسعني إالّ أن أحمــــــده وأشكــره ع ّز وجلّ‪ ،‬وهو الغن ّي الحميـــــد‬ ‫بعد أن َم ّن ‪I Q‬‬
‫على ما أسبـــــغ عل ّي من نعمه‪ ،‬وما أم ّده من عون وتوفيق‪.‬‬

‫كما أتق ّدم بالشكر الجزيل إلى أستاذي الفاضل المشرف على هذا البحث‬
‫الدكتور أحمد بن محمد –حفظه هللا أل ّمة اإلسالم‪ -‬على ما استفدت منه‪ ،‬من‬
‫ُخلقه الكريم‪ ،‬وعلمه الغزير‪ ،‬ومالحظاته الدقيقة‪ ،‬وحرصه الشديد على حسن‬
‫الصياغـــة واإلتقان في العمـــل‪ ،‬فكـــان مكمــــّالً لنقصي‪ ،‬وفاتــحًا لي واسع‬
‫اآلفاق لم أكن ألدركها لواله‪.‬‬
‫كما أشكر ك ّل من ساهم في إنجاز هذا البحث من الذين أم ّدوني بيد العون‬
‫والتأييد‪ ،‬سواء بكالم طيّب مشجّع‪ ،‬أو بتسهيل الحصول على الكتب والمراجـــع‪،‬‬
‫أو بتعهّـــــد إخـــراج هذا البحـــث بالكتابة والنسخ‪ .‬فهـــؤالء جميعـــا ً يضيق‬
‫المقــــام عن تعدادهم‪ ،‬ويعجز اللسان عن كفائهم‪ ،‬مهما أوتي من عبارات الشكر‬
‫والثناء‪ ،‬فاهلل يتوالّهم بالمثوبة والجزاء‪.‬‬
‫فلك ّل هؤالء منّي جزيل الشكر‪ ،‬ووافر االمتنان‪ ،‬وخالص التقدير‪.‬‬
‫وما عند هللا خير وأبقى‪ ،‬وإنّه ال يضيع أجر المحسنين‪.‬‬
‫اإلهداء‬
‫ي العزيزين‪ ..‬ب ّراً بهما ووال ًء لهما‪ ،‬فلهما منّي محبّةً‪ ،‬ودعا ًء أن‬
‫*إلى والد ّ‬
‫‪ p‬ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا‪i‬‬
‫* إلى أساتذتي ومعلم ّي في جميع مراحل التعليم‪ ..‬إقرارًا بفضلهم‪ ،‬وعرفانًا‬
‫لجميلهم‪.‬‬
‫* إلى إخوتي وأخواتي‪ ،‬وجميع أفراد أسرتي‪ ..‬إذ كفوني من هموم الحياة‪،‬‬
‫ويسّروا لي فرص العلم والتحصيل لتحقيق حُلم ظ ّل دو ًما في الخيال‪.‬‬
‫* إلى جميع أصدقائي الذين كانوا عونًا لي‪ ،‬تشجيعًا‪ ،‬وترقّبًا إتمام باكورة‬
‫أعمالي‪.‬‬
‫* إلى ك ّل مسلم غيور على دينه‪ ،‬راضيًا باهلل ربًا‪ ،‬وباإلسالم دينًا ومنهاجًا‪،‬‬
‫وبمح ّمد‪ e‬نبيّا ً ورسوالً وقدوة‪ ،‬وبالقرآن نبراسا ً ودليالً‪.‬‬
‫الباب التمهيدي‬
‫مدخل عام إلى الديمقراطية الغربيّة‬
‫تعترب الدميقراطيّة الغربيّة من األنظمة البشرية الوضعيّة‪ ،‬اليت هتتّم بشؤون السياسة واحلكم بالدرجة‬
‫اخلاصة و العامة ؛ حىت لقد‬ ‫عريضا‪ ،‬وشهرة واسعة‪ ،‬يف أوساط ّ‬ ‫األوىل‪ .‬وهي من األنظمة اليت نالت قبوالً ً‬
‫كل األلسن‪ ،‬مبا فيها اليت ال تفقه معناه‪ ،‬وال تدرك حقيقته وجوهره‪.‬‬ ‫غدا مصطلح "الدميقراطية"‪ G‬تلوكه ّ‬
‫تتضمن آليات ع ّدة‪ ،‬منها‪ :‬حكم الشعب‪ ،‬التداول على السلطة‪ ،‬التع ّدديّة‪،‬‬ ‫وهذه الدميقراطية‪ G‬الغربيّة ّ‬
‫مبدأ األغلبيّة‪ G،‬الدستور‪ ،‬االنتخابات‪ ،‬وغريها من اآلليات‪.‬‬
‫يتضمن دراسة بعض اآلليات‪ ،‬ومها‪( :‬التع ّدديّة‪ ،‬ومبدأ األغلبيّة)‪G،‬‬
‫وموضوع حبثنا هذا‪ ،‬والذي ّ‬
‫وتأصيلها من الناحية الشرعيّة‪ ،‬يقتضي ّأوالً بيان حقيقة هذه الدميقراطية الغربيّة‪ ،‬وذلك بدراسة تارخيها‪،‬‬
‫وتطورها‪ ،‬وحتديد مفاهيمها‪ ،‬مع متييزها عن غريها؛ ببيان‪ G‬أوصافها وخصائصها‪ ،‬وحتديد صورها املختلفة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يتضمن الفصول اآلتية‪:‬‬ ‫ولذلك فقد بدأنا هذا البحث هبذا الباب التمهيدي‪ ،‬والذي ّ‬

‫األ ّول‪ :‬ونتح ّدث فيه عن التط ّـور التـارخيي للدميقراطيـة الغـربيّة‪.‬‬ ‫الفصل‬
‫الثاني‪ :‬ونتناول فيه مفاهيـم الدميقراطية‪ G‬الغـربيّة‪ ،‬وخصـائصها‪.‬‬ ‫الفصل‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ونتـع ّـرض فيـه إىل صـور الدميقـراطيـة الغـربـيّة‪.‬‬
‫الفصل األول‬
‫التط ّور التاريخي للديمقراطية الغربية‬
‫أي نظ ( ((ام من األنظمة البش ( ((ريّة( ‪ -‬السياس ( ((يّة( وغيره ( ((ا‪ (-‬تم ( ( ّ(ر بمراحل مختلف ( ((ة؛ يك ( ((ون من‬
‫إ ّن ّ‬
‫ص ( (ة‪ ,‬نتيجة‬
‫مما يعطيها ص( ((ورة خا ّ‬
‫نتيجتها أن تص( ((بغ تطبيق( ((ات تلك األنظمة بظ( ((روف تلك المرحل( ((ة؛( ّ‬
‫أي نظ ((ام‬
‫ام ((تزاج النظ ((ام الم ((وروث مع الظ ((روف المحيطة بتلك البالد؛ وه ((ذا هو سر اختالف تط ((بيق ّ‬
‫الرغم من أخذها( بنظام واحد‪.‬‬
‫سياسي( من بلد إلى آخر‪ ,‬على ّ‬
‫فإذا ما حاولنا تأريخ نشأة نظام سياسي معيّن بمرحلة مح ّددة‪ ،‬أو بحدث تاريخي ذي‬
‫ي نظـام‬ ‫بال‪ ،‬وجدنا بذور تكوينه في فترة س ابقة؛ وله ذا يص عب أن نح ّدد ت اريخ نش أة أ ّ‬
‫سيـاسي‪ ،‬أو نعيّن ف ترات بداي ة ونهاي ة ك ّل مرحل ة من مراح ل تط ّوره‪ ,‬وه ذه الص ورة‬
‫تنطبق أيضا ً حت ّى على تحديد العصور التاريخيّة المعروف ة‪ ,‬ال تي اختل ف المؤرّخ ون في‬
‫تحديد فتراتها الزمنية؛ م ّما ألجأهم إلى االستعانة بحوادث تاريخيّ ة مه ّم ة‪ ،‬يس تندون إليه ا‬
‫ي عصر من العصور‪.‬‬ ‫في تحديد بداية ونهاية أ ّ‬
‫وفي هذا الفصل عمدنا إلى تتّبع مراحل تط ّور النظ ام ال ديمقراطي حتّى وص ل إلى‬
‫ما هو عليه اآلن‪ ،‬سواء تلك المراحل التي عرفت فيها الديمقراطي ة انتعاش ا ً وازده اراً‪ ,‬أم‬
‫التي عرفت فيها أفوالً وتراجعاً‪.‬‬
‫فالنظ ام ال ديمقراطي ليس بن ا ًء مص طنعًا من ط رف منظّ رين‪ ،‬أو ق انونيين‪ ،‬أو‬
‫مف ّكرين سياسيين؛ إنّه نتيجة تط ّور ت اريخي بعي د الم دى‪ ,‬اس تُم ّدت كث ير من قوانين ه من‬
‫األنظمة السياسيّة ال تي س ادت في أورب ا في الق رون الوس طى‪ ،‬ومن ال تراث الحض اري‬
‫اإلنساني‪ ،‬وتح ّولت تدريجيًا حت ّى أصبحت أساسًا لنظام جديد‪ ,‬مستفيدة من عناص ر قديم ة‬
‫بما يتّفق ومنطقها‪.1‬‬
‫وح ت ّى نق ف على مراح ل تط ّور النظ ام ال ديمقراطي‪ ،‬ومالمح ه‪ ،‬وعوامل ه‪ ،‬قمن ا‬
‫بتقسيم هذا الفصل إلى المباحث اآلتية‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ونتناول فيـه الديمقـراطيـة في العصـور القديمـة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ونتعرّض فيـه إلى الديمقراطيـة في العصور الوسطى‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ونتح ّدث فيه عن تط ّور الديمقراطية في العصر الحديث‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, éd. P.U. F. Coll., Thémis, paris, p.42 11‬‬
‫الديمقراطية في العصور القديمة‬

‫تعتبر العصور القديمة مهد كثير من النظريات واألنظمة السياسيّة؛ وذلك ألنّه ا تعت بر مرحل ة تفتّ ق العق ل البش ري‪ ،‬وس عيه‬
‫لتنظيم شؤون حياته بصورة أفضل؛ فكانت الحضارات القديمة مصد ًرا إلنجازات عظيمة‪ ،‬وأفكار قيّمة‪ ،‬ساهم فيها كثير من الفالس فة‪،‬‬
‫ورجال الحكم‪ ،‬و كذا الشعوب الواعية‪.‬‬

‫ومن أشهر احلضارات القدمية يف أوربا‪ :‬احلض‪GG‬ارة اليونانيّ‪G‬ة‪ G,‬واحلض‪G‬ارة الرومانيّة؛ حيث ك‪G‬انت األوىل‬
‫مهد الدميقراطية‪ G‬الغربية‪ ،‬وسامهت الثانية يف تطوير بعض أفكارها‪ ،‬وممارسة مظاهرها يف بعض فرتاهتا‪.‬‬
‫ورغم ما يق‪GG G G‬ال عن الدميقراطية يف اليون ‪GG G‬ان القدمية‪ ,‬إالّ أ ّن هلا فضل ال ّس‪G G G‬بق يف تط ‪GG G‬بيق مب ‪GG G‬ادئ ه‪GG G‬ذا‬
‫النظ ‪GG‬ام‪ ،‬ومتيّزها ب ‪GG‬ذلك عن غريها من احلض ‪GG‬ارات؛ ّأما عن احلض ‪GG‬ارة الرومانيّ ‪GG‬ة‪ ,‬ف ‪GG‬رغم اختالفها عن اليون ‪GG‬ان‬
‫القدمية يف تطبيق هذا النظام‪ ,‬فإهّن ا سامهت يف إثرائه‪ -‬وإن كانت قد تراجعت عنه يف آخر مراحل حكمها‪.‬‬
‫وس ‪GG‬نحاول – حبول اهلل تع ‪GG‬اىل – يف ه ‪GG‬ذا املبحث رصد تط ‪Gّ G‬ور الدميقراطية‪ G‬يف ه ‪GG‬اتني ال ‪GG‬دولتني‪ّ ،‬‬
‫وأهم‬
‫جتسدها‪ ،‬وذلك يف املطلبني اآلتيني‪:‬‬ ‫مظاهرها‪ ،‬ومميزاهتا‪ ،‬واهليئات اليت ّ‬

‫األول‪ :‬ونتح ّدث فيه عن الدميقراطية يف اليونان‪ G‬القدمية‪.‬‬


‫المطلب ّ‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ونتناول فيهـا الدميقراطية‪ G‬لـدى الرومـان‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الديمقراطية في اليونان القديمة‬

‫إذا ذُك‪GG G‬رت الدميقراطية‪ G‬يف اليون‪GG G‬ان‪ G‬القدمية‪ ،‬يتب‪GG G‬ادر إىل ذهننا اسم "أثين‪GG G‬ا"‪ ,‬وهي إح‪GG G‬دى املدن‬
‫اليونانيّ‪GG‬ة‪ G،‬اليت س‪GG‬اد فيها النظ‪GG‬ام ال‪GG‬دميقراطي‪ G،‬ومتيّ‪GG‬زت به عن غريها من املدن اليونانيّة‪ G‬األخ‪GG‬رى‪ ,‬وال س‪GG‬يّما يف‬
‫مواجهة "إسربطة"‪ ,‬اليت متيّزت بنظامها اإلرستقراطي‪.2‬‬

‫‪ 2‬اإلرستقراطية ( ‪ :)Aristocratie‬باليونانية سلطة خواص النّاس‪ ،‬وكفك رة سياس ية تع ود في تكوينه ا ألفالط ون في‬
‫"الجمهورية"‪ ،‬إذ كان يكره الحكم الديمقراطي‪ ،‬ويرغب أن يحكم البالد طبق ة من اإلرس تقراطيين‪ ،‬أو كم ا يس ّميهم‬
‫الطبق ة الذهبيّ ة‪ ،‬لكن مفه وم أفالط ون لل رّوح اإلرس تقراطية مفه وم قيمي ال مفه وم طبقي‪ .‬وق د ص نّف أرس طو‬
‫اإلرستقراطية بين النظم السياسية وح ّددها بأنّه ا س لطة الحكم اء ال تي ال تلبث أن تخط ط وتص بح أوليغارش ية‪ ،‬أي‬
‫حكم بعض األسر التي تستأثر بالحكم على الرّغم من عدم أهليّتها‪ .‬وتاريخي ا ً ترتك ز اإلرس تقراطية على األراض ي‬
‫المملوك ة‪ ،‬وعلى مب دإ الوراث ة‪ ،‬وق د ترتك ز اإلرس تقراطية على ال ثروة واألرض‪ ،‬وق د تك ون دينيّ ة‪ .‬والمب دأ‬
‫الديمقراطي عد ّو المبدإ اإلرس تقراطي‪ .‬الكي‪EE‬الي (عب د الوه اب) وآخ رون‪ ،‬موس‪EE‬وعة السياسة‪ ،‬المؤسّس ة العربي ة‬
‫للدراسـات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1990 ،3.‬م‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.148-147 .‬‬
‫فعن ‪GG‬دما نتح‪ّ G G‬دث إذن عن الدميقراطية اليوناني ‪GG‬ة‪ ،‬فإنّنا نقصد ما يع ‪GG‬رف بالدميقراطية األثينيّ ‪GG‬ة‪ G,‬واليت هلا‬
‫وجهت إليها انتق ‪GG‬ادات كث ‪GG‬رية‪ ,‬س ‪GG‬واء من‬ ‫مظ ‪GG‬اهر خمتلف ‪GG‬ة‪ ،‬وهيئ ‪GG‬ات جت ّس‪G G‬د ه ‪GG‬ذه األفك ‪GG‬ار الدميقراطي ‪GG‬ة‪ G،‬كما ّ‬
‫القدامى‪ ،‬أم من احملدثني‪.‬‬
‫وقد ك ‪GG‬انت مرحلة ازده ‪GG‬ار احلض ‪GG‬ارة اليونانيّة – بني الق ‪GG‬رن الس ‪GG‬ادس والق ‪GG‬رن الرابع قبل امليالد‪ -‬هي‬
‫الفرتة اليت شهدت نضج النظام الدميقراطي‪.3G‬‬
‫ولإلحاطة جبوانب ه ‪GG G‬ذه الدميقراطية من حيث النش ‪GG G‬أة‪ G،‬واخلص ‪GG G‬ائص‪ G،‬واهليئ ‪GG G‬ات‪ G،‬وك‪GG G‬ذا االنتق‪GG G‬ادات‪G‬‬
‫قسمنا هذا املطلب إىل الفروع اآلتية‪G:‬‬ ‫املوجهة إليها‪ ،‬فقد ّ‬ ‫ّ‬

‫الفرع األول‪ :‬ونـتـحـ ّدث فـيـه عـن نـشـأة الـديـمـقـراطـية‪.‬‬


‫الفرع الثاين‪ :‬ونتنـاول فـيـه خصـائـص الدميقـراطيـة األثـيـنـيـة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬ونتع ّـرض فيه إىل أبـرز هيئـات الدميقراطيـة األثـيـنـيـة‪.‬‬
‫املوجهة إىل الدميقراطية األثينية‪.‬‬
‫خصصناه لتناول أهم االنتقادات ّ‬ ‫الفرع الرابع‪ :‬وقد ّ‬
‫الفرع األول‪ :‬نشأة الديمقراطية‬
‫ونظاما‪ ،‬فقد نشأ ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام‬ ‫ً‬ ‫تعترب اليون‪GG‬ان القدمية املك‪GG‬ان‪ G‬ال‪GG‬ذي ُوض‪GG‬عت فيه أسس الدميقراطي‪GG‬ة‪ G،‬تس‪GG‬ميّة‬
‫ّأوالً بني اإلغري‪GG G G G‬ق‪ ،‬ونضج بني الق‪GG G G G‬رنني الس‪GG G G G‬ادس والرابع قبل امليالد‪ ,‬والس‪GG G G G‬يّما يف الدولة املدينيّة‪" G‬أثين‪GG G G‬ا"‪.‬‬
‫‪G‬ك ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن دوالً أخ‪GG‬رى ل‪GG‬ديها بعض امليزات الدميقراطية‪ ,4‬ك‪GG‬انت موج‪GG‬ودة قبل "أثين‪GG‬ا"؛ ألنّه ما من ش‪GG‬يء‬ ‫والش‪ّ G‬‬
‫سياسي جديد بكامله‪ ,‬يبزغ يف زمن أو مكان واحد‪.5‬‬
‫وقد أُطلقت تس ‪GG‬ميّة "الدميقراطية األثينيّ ‪GG‬ة"‪ G‬نس ‪GG‬بة إىل دولة املدينة (‪" 6)L' Etat-cité‬أثين ‪GG‬ا"‪ ,‬اليت تعترب‬
‫أش ‪GG‬هر املدن اليونانيّة القدمية‪ ،‬وقد اختلفت أنظمة تلك ال ‪GG‬دويالت اليونانيّة ب ‪GG‬اختالف العص ‪GG‬ور‪ ،‬وب ‪GG‬اختالف‬

‫‪3‬‬
‫‪.MOSCA (G), Histoire des doctrines politiques, Bibliothèques politique et économique, Paris, 1955, p.30‬‬
‫‪ 4‬فقد جاء في موسوعة "ت‪EE‬اريخ الحض‪EE‬ارات الع‪EE‬ام"‪ « :‬كم ا يوج د في بالد الراف دين في العص ور القديم ة ن وع من‬
‫الديمقراطية البدائيّة‪ .» ‬تاريخ الحضارات العام‪ ،‬لمجموعة من المؤلفين الغربيين‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.132.‬‬
‫‪ 5‬ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬ترجمة‪ :‬فؤاد مويساتي وعباس العمر‪ ،‬دار اآلف اق‪ ،‬ب يروت‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ص‪.18 .‬‬
‫ّ‬
‫‪ 6‬دولة المدينة (‪ : )L' Etat-cité‬نظام‪ ,‬أوكيان سياسي محوره مدينة مستقلة تنحصر فيه السيادة والعصبيّة بمواطني‬
‫المدينة‪ ,‬ولكن ممارسة السيادة تمت ّد إلى محميات ومستعمرات هذه المدين ة‪ .‬ويع ود ه ذا النظ ام إلى الت اريخ الق ديم‪،‬‬
‫حيث نسجت الكيانات السياس ية ح ول الم رافئ‪ ,‬أو الم دن التجاري ة الق ادرة على حمايـة نفس ها بواس طة الح واجز‬
‫الطبيعية‪ ،‬أو القالع‪ ,‬والقادرة على ممارسة التجارة‪ ،‬أو إنتاج السلع‪ ،‬أو على السيطرة على الطرق التجاري ة‪ ,‬وأهم‬
‫خصائصها‪ :‬تمتّع المواطنين بالحقوق واالمتيازات دون العبيد‪ ،‬وص غر حجم المدين ة‪ ،‬ومحدوديّ ة ع دد المواط نين‪.‬‬
‫الكيالي(عبد الوهاب)وآخرون‪ ,‬موسوعة السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.722 .‬‬
‫بعضها عن البعض اآلخر‪ ,‬إالّ أنّنا نعرف عن نظام احلكم ال‪GG‬دميقراطي يف أثينا أك‪GG‬ثر ممّا نع‪GG‬رف عن غريها من‬
‫نظم احلكم يف الدويالت اليونانيّة‪ G‬األخرى‪.‬‬
‫خصها فالسفة اإلغريق بوافر عنايتهم‪ ،‬وهي اليت تصلح أن تع‪ّ G‬د‬ ‫وكذلك فإ ّن حكومة أثينا هي اليت ّ‬
‫مبثابة النموذج الذي ميثّل الدميقراطية‪ G‬اليونانيّة‪ G‬القدمية‪.7‬‬

‫وتعترب الدميقراطية‪ G‬األثينيّة‪ G‬من أخصب وأبرز التجارب الدميقراطية يف العصور القدمية؛ ومن هنا ن‪GG‬رى‬
‫ض ‪GG‬رورة دراسة ه ‪GG‬ذه التجرب ‪GG‬ة‪ ،‬حىت ميكن إدراك م ‪GG‬دى تط ‪Gّ G‬ور الفكر ال ‪GG‬دميقراطي‪ ،‬نتيجة اختالف اجملتمع ‪GG‬ات‬
‫احلديثة عن اجملتمعات القدمية‪.8‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬خصائص الديمقراطية الأثينيّة ( ‪)La démocratie antique‬‬
‫أهم ه ‪GG‬ذه اخلص ‪GG‬ائص‬ ‫تتميّ‪G G‬ز الدميقراطية‪ G‬األثينيّة‪ G‬بع‪ّ G G‬دة خص ‪GG‬ائص اش ‪GG‬تهرت هبا‪ ،‬وعُ ‪GG‬رفت عنه ‪GG‬ا‪ ،‬ومن ّ‬
‫املعروفة عن الدميقراطية‪ G‬األثينية‪ G‬نذكر ما يأيت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الديمقراطية المباش ( ((رة‪ :‬فلم تكن تع‪GG G G‬رف ما يس‪Gّ G G G‬مى بالنظ‪GG G G‬ام الني‪GG G G‬ايب‪ ،‬أو التمثيل الني ‪GG G‬ايب‪ ,9‬وقد‬
‫ك‪GG G G‬انت الدميقراطية‪ G‬املباش‪GG G G G‬رة هي أحد المب‪GG G G G‬ادئ األساس‪GG G G G‬ية‪ G‬اليت ق‪GG G G G‬امت عليها الدميقراطية‪ G‬األثينيّ‪GG G G‬ة‪ G,‬وتعين‬
‫الدميقراطية‪ G‬املباشرة‪ :‬أن حيكم الشعب نفسه بنفسه‪ ،‬أي أن يباشر الشعب بنفسه مجيع السلطات‪.10‬‬
‫والواقع أ ّن هن‪GG‬اك جمموعة من الظ‪GG‬روف س‪GG‬اعدت على األخذ بأس‪GG‬لوب الدميقراطية‪ G‬املباش‪GG‬رة يف أثين‪GG‬ا‪،‬‬
‫وميكن إمجال هذه الظروف فيما يأيت‪:‬‬
‫‪ -1‬قلّة عدد السكان‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمان العبيد والنساء واألجانب من مباشرة احلقوق السياسيّة‪G.‬‬
‫‪ -3‬بساطة احلياة يف العصور القدمية‪ ،‬وسهولة املسائل المعروضة للبحث‪.‬‬
‫على أ ّن األخذ بأس‪GG G G‬لوب الدميقراطية املباش ‪GG G G‬رة ال يعين أن ميارس ك ‪Gّ G G G‬ل مواطين أثينا مجيع الس ‪GG G‬لطات‬
‫وزع االختص‪GG‬اص‪ G‬هبا على هيئ‪GG‬ات متع‪ّ G‬ددة تنبع كلّها من الش‪GG‬عب‪,‬‬ ‫بأنفس‪GG‬هم؛ وذلك أل ّن ه‪GG‬ذه الس‪GG‬لطات قد ّ‬
‫ّإما بطريق القرعة‪ ،‬أو بطريق االنتخاب‪.11‬‬

‫‪ 7‬متولي (عبد الحميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ط‪1974 ،5.‬م‪ ،‬جـ‪،1.‬‬
‫ص‪.97 .‬‬
‫‪ 8‬رسالن (أنور أحمد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الف‪EE‬ردي والفك‪EE‬ر االش‪EE‬تراكي‪ ،‬دار النهض ة العربي ة‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫‪1971‬م‪ ،‬ص‪.1 .‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, Dalloz, paris, 1957, p. 51 9‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 93 10‬‬
‫‪ 11‬رسالن (أنور أحمد)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 21 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫اجلو األفضل الزده ‪GG‬ار ه‪GG‬ذا النم‪GG‬وذج احلكمي الن‪GG‬ادر الوج ‪GG‬ود‪ ,‬وقلّما‬
‫كما أ ّن "الدول ‪GG‬ة‪-‬املدين ‪GG‬ة" ت ‪GG‬وفّر ّ‬
‫عُرف يف اليونان القدمية خ‪G‬ارج أثين‪G‬ا‪ ,‬ف‪G‬املواطنون‪ G‬األثي‪G‬نيون حكم‪G‬وا أنفس‪G‬هم حكم‪G‬اً مباش ً‪G‬را لف‪G‬رتة قص‪G‬رية من‬
‫الزمن‪ ,‬وكانوا جيتمعون على ش‪G‬كل هيئ‪G‬ات يف الس‪G‬احات العامة‪ ,‬ويش ّ‪G‬رعون الق‪G‬وانني‪ G،‬وبلغ حكمهم املباشر‬
‫أوجه يف عهد "بريكلس"‪.12‬‬ ‫ألنفسهم ّ‬
‫أقر الدميقراطيون‪- G‬بوجه عام‪ -‬مبدأ التس‪GG‬اوي‪ ,‬وعلى ال‪Gّ G‬رغم من أ ّن‬ ‫ثانيا‪ :‬المساواة أمام القانون‪ :‬فلقد ّ‬
‫األثين ‪GG‬يني مل يكون ‪GG‬وا يس ‪GG‬اوون ‪-‬نظري‪G G‬اً أو عملي‪G G‬اً‪ -‬بني األم ‪GG‬ور بص ‪GG‬ورة مطلق ‪GG‬ة‪ ،‬بل ك ‪GG‬انوا مييّ ‪GG‬زون بني امله ‪GG‬ام‬
‫السياسيّة املختلفة‪ ،‬إالّ أهّن م يف مسألة واح‪G‬دة مل يقبل‪G‬وا هتاونا فيه‪GG‬ا‪ ,‬وهي املس‪GG‬اواة‪ G‬أم‪G‬ام الق‪G‬انون‪ G,‬وكما يق‪G‬ول‬
‫يستظلون مجيعاً باملساواة‪ G‬حسب القانون‪.13» ‬‬ ‫ّ‬ ‫اخلاصة فإهّن م‬
‫"بريكلس"‪ « :‬يف منازعاهتم ّ‬
‫كما عُ‪GG‬رفت عنهم احلرية يف التعبري جلميع اآلراء‪ ،‬ح‪GG‬ول ش‪GG‬ؤون تس‪GG‬يري املدين‪GG‬ة‪ G،‬وجت ّس‪G‬دت املس‪GG‬اواة‪ G‬يف‬
‫‪14‬‬
‫يهتم ب‪GG‬دور املواطن يف املش‪G‬اركة السياس‪GG‬يّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ة‬‫‪G‬‬
‫ّ‬ ‫ص‬ ‫خا‬ ‫واألثيين‬ ‫ة‬‫عام‬
‫ّ‬ ‫اليوناين‬ ‫الفكر‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫بل‬ ‫‪,‬‬ ‫هذا الشأن‪ G‬كذلك‬
‫يهتم مبص‪GG‬احل وقض‪GG‬ايا الدولة‬ ‫ويعتربونه‪ G‬أس‪GG‬اس الدميقراطية األثينيّ‪GG‬ة‪ ،‬حىّت إ ّن "ب‪GG‬ريكلس" يع ‪ّ G‬د املواطن ال‪GG‬ذي ال ّ‬
‫عدمي الفائدة‪.15‬‬
‫فه ‪GG‬ذه أب ‪GG‬رز خص ‪GG‬ائص الدميقراطية‪ G‬األثيني ‪GG‬ة‪ ،‬وهن ‪GG‬اك بالتأكيد‪ G‬غريه ‪GG‬ا‪ ،‬ولكن اقتص ‪GG‬رنا على ما يب ‪GG‬دو أنّه‬
‫عمليا وج ‪GG‬ود هيئ ‪GG‬ات‬‫مهم يف حبثنا ه‪GG G‬ذا‪ ،‬ممّا له ص‪GG G‬لة بفك‪GG G‬رة الدميقراطية‪ G‬ومبادئه‪GG G‬ا‪ ،‬اليت تتطلّب لتجس‪GG G‬يدها ً‬ ‫ّ‬
‫خمتلفة تكون‪ G‬تعبرياً عملياً‪ ،‬وتطبيقاً هلذه األفكار واملبادئ‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬هيئات الديمقراطية الأثينية‬
‫اش تهرت "أثين ا" بثالث هيئ ات مختلف ة‪ ,‬لك ّل منه ا اختصاص ات معيّن ة‪ ,‬تمثّ ل مظه راً من مظ اهر الديمقراطي ة األثينيّ ة‪ ,‬و‬

‫سنتناولها‪-‬بإذن هّللا تعالى‪ -‬فيما يأتي‪:‬‬

‫‪ 12‬ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬ترجمة‪ :‬حسن صعب‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1984 ،2 .‬ص‪.208 .‬‬
‫‪ 13‬جونز (أ‪.‬هـ‪.‬م‪ ،).‬الديمقراطية األثينية‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد المحسن الخشاب‪ ،‬الدار المصرية العام ة للكت اب‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫‪1976‬م‪ ،‬ص‪.73.‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, p. 50 14‬‬
‫‪.TOUCHARD (Jean), Histoire des idées politiques, presses universitaire de France, paris, 1959,  p.18 15‬‬
‫(اإلكليزيا)‬ ‫أولا‪ :‬جمعية الشعب‬

‫والتي هي مصدر السلطان‪ ،‬وتعتبر الهيئة الحاكمة‪ ،‬وتعقد في العام أربعين اجتماعا ً منتظماً‪ ،‬إلى جانب ما يتطلّبه األم ر‬

‫مفص لة في ك ّل مج االت‬
‫ّ‬ ‫البت في مس ائل السياس ة العا ّم ة فحس ب‪ ،‬ب ل ك انت تت ّخ ذ ق رارات‬
‫من جلس ات اس تثنائيّة‪ ،‬ولم تكن مه ّمته ا ّ‬

‫الحكومة‪ ،‬من الشؤون الخارجيّة‪ ،‬والعمليات الحربيّة‪ ،‬والشؤون الماليّة‪ ,‬ومن أه ّم وظائفها ك ذلك‪ :‬انتخ اب الض بّاط العس كريين‪ ,‬وعلى‬

‫رأسهم القواد العشرة‪ ،‬وانتخاب بعض كبار الموظّفين‪.16‬‬

‫ثانيا‪ :‬مجلس الخمسمائة‬


‫ويعترب هذا اجمللس حجر الزاوية يف الدستور‪ ,‬ويُنتخب سنوياً باالقرتاع‪ G‬من مجيع القرى يف "أثينا"‬
‫و "أتيك ‪GG G‬ا"‪ ،‬بنس ‪GG G‬بة اتّس ‪GG G‬اعها‪ ,‬حىت تش ‪ّ G G‬كل هيئة متثّل الش ‪GG G‬عب كلّه متثيالً ع ‪GG G‬ادالً‪ .‬ومن مه ‪GG G‬ام ه ‪GG G‬ذا اجمللس‪:‬‬
‫اإلش ‪GG‬راف على نش ‪GG‬اط احل ّك‪GG‬ام وتنس ‪GG‬يق جه ‪GG‬ودهم‪ ،‬وإع ‪GG‬داد ج ‪GG‬دول أعم ‪GG‬ال اجلمعيّ ‪GG‬ة‪ ,‬كما ك ‪GG‬ان الرؤس ‪GG‬اء يف‬
‫اجمللس ويف اجلمعيّة يُنتخب ‪GG G G G G‬ون يومياً بالقرعة من اجمللس؛ تفادي‪G G G G G G‬اً ملا يكتس ‪GG G G G G‬بونه‪ G‬من نف ‪GG G G G G‬وذ بغري ح‪Gّ G G G G‬ق من‬
‫مراكزهم‪.17‬‬
‫وممّا يؤخذ على هذا اجمللس اقتصاره على ذوي املال واخلربة‪ّ ,‬أما الفقراء فإهّن م ع‪GG‬ادة ما ينف‪GG‬رون من‪GG‬ه‪,‬‬
‫ختوفهم ممّا ينتج عن حالة اخلطإ من حماكمة‪ ,‬وهك‪GG G‬ذا اس‪GG G‬تحوذت الطبقة الغنيّة على‬ ‫ّإما بس‪GG G‬بب جهلهم‪ ،‬أو ّ‬
‫جل مناصب هذا اجمللس‪.18‬‬ ‫ّ‬
‫ثالثا‪ :‬المحاكم الشعبية‬
‫ومهمتها احلماية األساسيّة‪ G‬للدستور‪ ,‬وكان احمللّفون‪ G‬خُي ت‪G‬ارون لك ّ‪G‬ل دع‪G‬وى ب‪G‬االقرتاع‪ G‬من بني س‪G‬تّة‬ ‫ّ‬
‫آالف مواطناً‪ ،‬ينتخبون‪ G‬بالقرعة سنوياً‪ ،‬ومل تقتصر هذه احملاكم على الفصل يف القض‪GG‬ايا الشخص‪GG‬يّة‪ ،‬بل مشل‬
‫احمللفني هو الفصل يف اهّت ام‪GG G‬ات‬
‫البت يف املس‪GG G‬ائل السياس‪GG G‬يّة‪ G‬أيض‪G G‬اً‪ ,‬وك‪GG G‬ان العمل املعت‪GG G‬اد هلؤالء ّ‬
‫اختصاص‪GG G‬ها ّ‪G‬‬
‫أي‬
‫توجه ض ‪ّ G‬د احل ّك‪GG‬ام عنـد تركهـم اخلدم ‪GG‬ة‪ ،‬وهم يبتّ ‪GG‬ون ك ‪GG‬ذلك يف مصري ّ‬ ‫االختالس وس ‪GG‬وء التص ‪Gّ G‬رف‪ ،‬اليت ّ‬
‫م ‪GG‬واطن يُتّهم باخليانة العظمى أو تض‪GG G‬ليل الش‪GG G‬عب مبا يلقيه من خطب يف اجلمعيّ‪GG G‬ة‪ ،‬كما أ ّن من ص ‪GG‬الحياهتم‬
‫حبج ‪G G G‬ة تعارضه مع الق‪GG G G‬وانني‪ ،‬وهلم ك‪GG G G‬ذلك أن يع ‪GG G‬اقبوا‪G‬‬
‫أي اق‪GG G G‬رتاح متّ التص‪GG G G‬ويت عليه يف اجلمعيّ‪GG G G‬ة‪ّ ،‬‬
‫إبط ‪GG G‬ال ّ‬
‫صاحبه‪.19‬‬
‫الموجهة إلى الديمقراطية األثينيّة‬
‫ّ‬ ‫الفرع الرابع‪ :‬االنتقادات‬
‫جونز (أ‪.‬هـ‪.‬م‪ ،).‬الديمقراطية األثينية‪ ,‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.7.‬‬ ‫‪16‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.8.‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪18‬‬
‫‪.TOUCHARD (Jean), Histoire des idées politiques, op.cit., p.19‬‬
‫جونز (أ‪.‬هـ‪.‬م‪ ،).‬الديمقراطية األثينية‪ ,‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8.‬‬ ‫‪19‬‬
‫لقد ُو ّجهت إىل الدميقراطية‪ G‬األثينيّة‪ G‬انتقادات شىّت من قِبل معاصريها‪ ،‬ومن احملدثني ك‪GG‬ذلك؛ فك‪GG‬انت‬
‫تلك العيوب سبباً يف هجوم كثري من املف ّ‪G‬ك‪G‬رين السياس‪GG‬يني والفالس‪GG‬فة‪ G‬على ه‪GG‬ذه الدميقراطي‪GG‬ة‪ G,‬بل إ ّن بعض‪GG‬هم‬
‫رأى أهّن ا ليست من الدميقراطية‪ G‬يف شيء‪ .‬وميكن إمجال هذه االنتقادات‪ G‬فيما يأيت‪:‬‬
‫األغلبية‬
‫ّ‬ ‫أوال‪ :‬أنّها حكومة األقليّة وليست‬
‫حق ممارسـة الس‪GG‬لطة والسيـادة يف أثينا القدمية مل يكن يتج‪GG‬اوزون (‬ ‫وذلك أل ّن األحرار الذين هلم ّ‬
‫‪ ،) %10‬أي عشر س ‪ّ G G G‬كان املدينة‪ ,20‬فهن‪GG G G‬اك متي‪GG G G‬يز بني املواط‪GG G G‬نني األثين‪GG G G‬يني األح‪GG G G‬رار‪ ،‬وغري املواط ‪GG G‬نني‬
‫(األجانب) الذين يش ّكلون من ‪ 10‬إىل ‪ ، % 20‬والعبيد الذين يش ّكلون ‪ %40‬من جمموع الس ّكان‪.21G‬‬
‫اجتماعيا إىل فئ‪GG G‬تني‪ :‬فئة األرقّ‪GG G‬اء‪ ،‬وهم‬
‫ً‬ ‫إذن‪ ،‬فقد ك‪GG G‬انت "أثين ‪GG G‬ا" واملدن اليونانيّة األخ ‪GG G‬رى مق ّس ‪G G‬مة‬
‫األغلبيّ ‪G‬ة الس‪GG‬احقة من السكّان‪ ،‬وفئة املواط‪GG‬نني األح‪GG‬رار‪ ،‬وهم القلّة ال‪GG‬ذين ك‪GG‬انوا يتمتّع‪GG‬ون‪ G‬وح‪GG‬دهم ب‪GG‬احلقوق‬
‫السياس ‪GG G‬يّة‪ ,‬وهك ‪GG G‬ذا اقتص ‪GG G‬رت مباش ‪GG G‬رة ش ‪GG G‬ؤون احلكم على الفئة الثانية دون األوىل‪ ،‬أو على الفئة اليت متثّ ‪G G‬ل‬
‫األقليّة من السكّان ال ‪GG G‬ذين مل يتج ‪GG G‬اوز ع ‪GG G‬ددهم وقت ‪GG G‬ذاك عش ‪GG G‬رين ألف ‪G G‬اً‪ ،‬دون الغالبيّة‪ G‬الس ‪ّG G‬احقة من األرقّ ‪G G‬اء‬
‫واألجانب املوجودين هبذه املدن‪.22‬‬
‫ص‪G‬ائيني‬ ‫ثانيا‪ :‬جهل رجال السياسة‪ :‬إذ مل يكن يتطلّب يف الدميقراطية األثينيّة وجود أش‪GG‬خاص ف‪GG‬نيّني أخ ّ‬
‫‪G‬ىت يف العصر احلديث‪ ،‬ويف أك ‪GG‬ثر‬ ‫تالحظ ح‪ّ G G‬‬‫يف خمتلف مراكز احلكوم‪GG G‬ة‪ .‬والواقـع أ ّن هـذه الظ‪GG G‬اهرة ال ت‪GG G‬زال َ‬
‫ال‪GG‬دول تق ‪ّ G‬دماً‪ ,‬وهي من العي‪GG‬وب‪ G‬اليت ينس‪GG‬بها البعض إىل أنظمة احلكم يف عص‪GG‬رنا ه‪GG‬ذا‪ ,‬ولكن ليس إىل ح ‪ّ G‬د‬
‫ما هو موج ‪GG‬ود يف الدميقراطية‪ G‬القدمية‪ ،‬ففي أثينا ك ‪GG‬ان ك ‪Gّ G‬ل ف ‪GG‬رد من املواط ‪GG‬نني غري األرقّ ‪GG‬اء يبلغ العشـرين من‬
‫عم‪GG‬ره‪ ،‬يع‪ّ G‬د عضـواً يف "مجعية الش‪GG‬عب"‪ ،‬أي أنّه يق‪GG‬وم باملهمّ‪G‬ة اليت يق‪GG‬وم هبا ن‪GG‬ائب من الن‪GG‬واب‪ ،‬كما أنّه جيوز‬
‫أي وقت أن خُي تـار موظّـفاً أو قاضياً أو ضابطاً‪.23‬‬ ‫له يف ّ‬
‫ثالثا‪ :‬استبداد الفقراء باألغنياء‬
‫حيث اعترب الفالس ‪GG‬فة أنّه من املآخذ األساس ‪GG‬يّة‪ G‬على ه ‪GG‬ذه الدميقراطي ‪GG‬ة‪ G,‬أهّن ا ك ‪GG‬انت تعين س ‪GG‬يادة‬
‫الغالبيّة الفق‪GG‬رية مبا خيدم مص‪GG‬احلها على حس‪GG‬اب األقليّ ‪G‬ة الغنيّة‪ ,24G‬فقد ذهب "أفالط‪GG‬ون"(‪ 347-427‬ق‪.‬م)‬
‫و"إيس ‪GG G‬وكراتيس"(‪ 338-436G‬ق‪.‬م) و"أرس ‪GG G‬طو"(‪ 322-384‬ق‪.‬م) إىل اعتب ‪GG G‬ار الدميقراطية‪ G‬اس ‪GG G‬تبداد‬

‫‪20‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel) , Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, p.51‬‬
‫ط‪2000 ،1.‬م‪ ،‬ص‪.15.‬‬
‫غزوي (محمد سليم)‪ ،‬نظرات حول الديمقراطية‪ ،‬دار وائل للطباعة والنشر‪ ،‬ع ّمان‪،‬‬ ‫‪21‬‬

‫شيحا (إبراهيم عبد العزيز)‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬د‪.‬ن‪ ،.‬د‪.‬م‪ ،.‬د‪.‬ط‪1988 ،.‬م‪ ،‬ص‪.282.‬‬ ‫‪22‬‬

‫متولي (عبد الحميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.104-103.‬‬ ‫‪23‬‬

‫جونز (أ‪.‬هـ‪.‬م‪ ،).‬الديمقراطية األثينيّة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.83.‬‬ ‫‪24‬‬


‫الفق ‪GG G G‬راء باألغني ‪GG G G G‬اء‪ ,25‬ولكن ه ‪GG G G G‬ذا احلكم ليس على إطالق ‪GG G G G‬ه‪ ,‬فهن ‪GG G G G‬اك يف الدميقراطية األثينيّة بعض املراكز‬
‫واملس ‪GG‬ؤوليات ك‪GG G‬انت حك‪Gً G G‬را على األغني‪GG G‬اء دون الفق‪GG G‬راء‪ ،‬ممّا اعتربن‪GG G‬اه من عي‪GG G‬وب ه‪GG G‬ذه الدميقراطي ‪GG‬ة‪ ،‬حيث‬
‫عامة على املناصب‪ G‬احلسّاس‪GG‬ة‪ ،‬وأُعطيت‪ G‬املناصب ذات األمهيّة‬ ‫استحوذ األغنياء والطبقة اإلرس‪GG‬تقراطية‪ G‬بص‪GG‬فة ّ‬
‫القليلة إىل الفقراء‪.26‬‬
‫رابعا‪:‬عدم قيامها على نظرية سياسية‬
‫تتطرق إىل ذكر النظريّة السياسيّة‪ G‬الدميقراطية؛‬ ‫وممّا يؤخذ على الدميقراطية األثينيّة‪ G‬كذلك‪ ,‬أهّن ا مل ّ‬
‫ل ‪GG‬ذلك فليس من الس‪GG G‬هل حتديد املزايـا احلقّ ‪G G‬ة اليت اقتنع هبا األثي‪GG G‬نيون يف الدميقراطي‪GG G‬ة‪ G،‬أو حىّت ما هي األسس‬
‫اليت اعتق‪GG‬دوا‪ G‬أن يق‪GG‬وم عليها الدس‪GG‬تور الق‪GG‬ومي‪ G,‬فالنظريّة السياس‪GG‬يّة‪ G‬الدميقراطية‪ G‬عن‪GG‬دهم ميكن حماولة مجع ش‪GG‬تاهتا‬
‫متفرق‪GG‬ة‪ ،‬وأفضل مص‪GG‬در لألسس املثاليّة اليت ق‪GG‬امت عليها الدميقراطية األثينيّة هو جمموعة املدائح‬ ‫من إش‪GG‬ارات ّ‬
‫اليت صيغت عن "أثينا"‪.27‬‬
‫والدميقراطية القدمية –بشكل عام‪ -‬عُرفت فقط كنظام للحكم‪ ،‬ومل تُعرف كمذهب فلس‪GG‬في؛ إذ مل‬
‫عما هو أصل الس‪GG‬لطة‪ ،‬أو‬ ‫يُعرف عن أحد من فالسفة أو مفكّري اليونان‪ ،‬أو روما القدمية أنّه عين بالبحث ّ‬
‫مىت تكون هذه السلطة مشروعة‪ ,‬وذلك خبالف الدميقراطية احلديثة‪ ,‬فهي مذهب فلسفي ونظام للحكم‪.28‬‬
‫فدميقراطية‪ G‬أثينا إذن‪ ,‬هي نظ ‪GG‬ام عملي ق ‪GG‬ائم على ض ‪GG‬رورات الواق ‪GG‬ع‪ ،‬وليس بالنّظ ‪GG‬ام الفك ‪GG‬ري الق ‪GG‬ائم‬
‫على توضيح املبادئ ومتحيص اآلراء‪.29‬‬
‫االدع‪GG G‬اء أ ّن الدميقراطية األثينيّة ليست‬
‫‪G‬حة ّ‬ ‫ونس‪GG G‬تخلص ممّ ‪G G‬ا س ‪GG‬بق‪ ،‬أنّه على ال ‪Gّ G‬رغم من أنّنا نس ‪G G‬لّم بص‪ّ G G‬‬
‫صحيحا للنظام الدميقراطي‪ G‬السليـم‪ ,‬ملا شاهبا من قصور وعيوب‪ ,‬إالّ أنّه الب ّد من االع‪GG‬رتاف أ ّن ه‪GG‬ذه‬ ‫ً‬ ‫منوذجا‬
‫ً‬
‫التجربة تعترب أب‪GG‬رز وأخصب التج‪GG‬ارب الدميقراطية يف العص‪GG‬ور القدمية‪ ،‬وأ ّن دراس‪GG‬تها ض‪GG‬روريّة إلدراك م‪GG‬دى‬
‫تطور الفكر الدميقراطي‪ ،‬كما أ ّن االختالفات اجلوهريّة بني الدميقراطية األثينيّة‪ G‬والدميقراطية املعاصرة ال متنع‬ ‫ّ‬
‫أصال تارخيياً للثانية‪.‬‬
‫من اعتبار األوىل ً‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.117.‬‬ ‫‪25‬‬

‫الهاشمي (طارق علي)‪ ،‬األحزاب السياسية‪ ،‬مطابع التعليم العالي‪ ،‬بغداد‪1990 ،‬م‪ ،‬ص‪.11.‬‬ ‫‪26‬‬

‫جونز (أ‪.‬هـ‪.‬م‪ ،).‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.70-69.‬‬ ‫‪27‬‬

‫متولي (عبد الحميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.108.‬‬ ‫‪28‬‬

‫العقاد (عباس محمود)‪ ،‬الديمقراطية في اإلسالم‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،6.‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.14.‬‬ ‫‪29‬‬
‫خلـص أحد الب‪GG G G‬احثني املعاص‪GG G G‬رين مفه‪GG G G‬وم الدميقراطية‪ G‬األثينيّة‪ G‬وخصائص ‪GG G‬ها يف العب ‪GG G‬ارة اآلتي‪GG G‬ة‪:‬‬
‫ولقد ّ‬
‫"دميقراطية سياس ‪GG‬يّة‪ ،‬تق ‪GG‬وم على أس ‪GG‬اس االش ‪GG‬رتاك‪ G‬املباشر جلميع املواط ‪GG‬نني ال ‪GG‬ذكور يف ممارسة احلكم‪ ،‬وتتمتّع‬
‫الدولة فيها بسلطات شاملة"‪.30‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الديمقراطية لدى الرومان‬


‫تعترب الدميقراطية يف روما من ال‪GG G‬دميقراطيات القدمية‪ ,‬اليت ترجع الدميقراطية الغربية يف أصل نش‪GG G‬أهتا‬
‫وتطورها إليها‪ ,‬وإن كانت ال تتّفق مع املدلول الذي انتهت إليه الدميقراطية‪ G‬الغربية‪.31‬‬ ‫ّ‬
‫‪G‬رد الدميقراطية الغربية احلديثة يف بعض مظاهرها إىل أص‪GG G G‬ول رومانيّ ‪GG G‬ة‪ ,‬حىّت ولو‬
‫وإنّنا نس‪GG G G‬تطيع أن ن‪ّ G G G‬‬
‫ب‪GG G‬دت لنا يف ص ‪GG G‬ورة مغ ‪GG G‬ايرة هلا‪ ،‬من حيث املدلول والتط ‪GG G‬بيق؛ ذلك أل ّن تط ‪Gّ G G‬ور الفكر البش‪GG G‬ري‪ ،‬من خالل‬
‫التجارب واألحداث التارخييّة‪ ،‬إضافة إىل عاملي الزمان واملكان‪ ،‬أحدث ذلك التباين يف التجربتني‪.‬‬
‫وأهم مظاهره ‪GG‬ا‪ ،‬وخصائص ‪GG‬ها‪ ,‬وذلك فيما‬ ‫وهلذا حاولنا إعطـاء صـورة عن الدميقراطية‪ G‬يف "روم ‪GG‬ا"‪ّ ،‬‬
‫يأيت‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مظاهر الديمقراطية الرومانيّة من خالل فكرها السياسي‬
‫أدل‬
‫لقد اش‪GG‬تُهر عن الروم‪GG‬ان نب‪GG‬وغهم يف الق‪GG‬انون‪ G،‬حىّت إهّن م ك‪GG‬انوا ق‪GG‬دوة لغ‪GG‬ريهم يف ه‪GG‬ذا اجملال‪ ,‬وال ّ‬
‫على ذلك من كون آثارهم القانونيّة‪ G‬ال تزال قائمة حىّت يف عصرنا هذا‪.‬‬
‫احلر‪ ،‬ومن‬ ‫ويف مقابل ذلك‪ ,‬فإهّن م من الناحية الفلسفيّة مل تكن لديهم فلسفة أصيلة تنبع من فك‪GG‬رهم ّ‬
‫ظ ‪GG‬روف ب ‪GG‬يئتهم؛ وإمّن ا ك ‪GG‬ان اعتم ‪GG‬ادهم يف ه ‪GG‬ذا اجملال على الفلس ‪GG‬فة اليونانيّ ‪GG‬ة‪ ،‬حيث يظهر ت ‪GG‬أثّرهم بكثري من‬
‫مبادئها‪.32‬‬
‫املشرعون‪ ،‬والفقهاء القانونيون‪ G‬يف إنعاش الفكر السياسي الروماين؛ حيث برع هؤالء يف‬ ‫وقد ساهم ّ‬
‫تنظيم وتدوين القوانني التحضرييّة‪ G‬للحياة اإلنسانيّة‪ ،‬كما تبنّوا‪ G‬مفهوماً جديداً خالصته أ ّن الشعب ص‪GG‬احب‬
‫الس‪GG G‬يادة‪ ,‬ولكن يف احلقيقة‪ G‬ه‪GG G‬ذه النظريّة ك‪GG G‬انت جتريديّة أك‪GG G‬ثر ممّا هي واقعيّ‪GG G‬ة؛‪ G‬أل ّن الش‪GG G‬عب‪G-‬حسب نظريّة‬
‫الس ‪GG‬يادة الرومانيّ ‪GG‬ة‪ G-‬قد أعطى احلاكم احلرية املطلقة لكي يك ‪GG‬ون‪ G‬ص ‪GG‬احب الس ‪GG‬لطة املطلق ‪GG‬ة‪ ،‬وليس من ح ‪Gّ G‬ق‬
‫الش‪GG G‬عب أن ين ‪GG G‬تزع ه‪GG G‬ذه الس‪GG G‬لطة من ‪GG G‬ه؛ كما س ‪GG G‬اهم الفكر السياسي الروم ‪GG G‬اين يف حتديد العالقة بني الف ‪GG G‬رد‬

‫ص‪.31.‬‬‫‪ 30‬رسالن (أنور أحمد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ 31‬عصفور (سعد)‪ ،‬المبادئ األساس‪EE‬ية في الق‪EE‬انون الدس‪EE‬توري والنظم السياس‪EE‬ية‪ ،‬منش أة المع ارف‪ ,‬اإلس كندرية‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪ ,‬ص‪.149.‬‬
‫‪ 32‬ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية (الدولة والحكومة)‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪1969 ،.‬م‪ ،‬ص‪.391.‬‬
‫كل ط‪GG‬رف‪ ،‬حيث أخ‪G‬ذت ه‪GG‬ذه العالقة طابعاً جدي‪G‬داً‪ ،‬يك‪G‬اد يش‪GG‬به‬ ‫والدولة‪ ,‬وذلك بضبط حق‪GG‬وق وواجب‪GG‬ات ّ‬
‫ما هو موجود يف جمتمعنا احلايل‪.33‬‬
‫وميكننا القول إ ّن العامل اليوم مدين للرومان‪ ,‬باعتبار الشعب ص‪GG‬احب الس‪GG‬يادة‪ ،‬وأيض‪G‬اً مبب‪GG‬دإ التعاق‪GG‬د‪،‬‬
‫وع‪GG‬دم ال‪GG‬رتاجع يف مجيع االتّفاق‪GG‬ات املربم‪GG‬ة‪ G,‬كما يع‪GG‬ود الفضل إليهم يف إس‪GG‬ناد ص‪GG‬ياغة الق‪GG‬وانني إىل اخلرباء يف‬
‫التشريع‪ ،‬وجعل املوافقة عليها من اختصاص الشعب‪ ,‬عن طريق ممثّليه يف اجملالس الشعبيّة‪.34G‬‬
‫وك ‪GG‬ان من أش ‪GG‬هر املف ّك‪GG‬رين السياس ‪GG‬يني يف روما القدمية‪" :‬بول ‪GG‬بيوس"‪201-120() Polybius ( G‬‬
‫ق‪.‬م)‪ ،‬و"شيشرون" (‪ 106-43( ) Cicéron ‬ق‪.‬م)‪.35‬‬
‫ولكن ‪-‬كما ذكرنا س ‪GG‬ابقاً‪ -‬ف ‪GG‬إ ّن الفكر السياسي الروم ‪GG‬اين مل يكن أص ‪GG‬يالً عن ‪GG‬دهم‪ ،‬ولكنّه نُقل عن‬
‫اليون ‪GG‬ان‪ G،‬وص‪GG G‬يغ باألس‪GG G‬لوب الروم‪GG G‬اين‪ ،‬مبا يتالءم مع ظ‪GG G‬روفهم وأوض‪GG G‬اعهم‪ ،‬ل‪GG G‬ذلك ميكن الق ‪GG‬ول إ ّن عبقريّة‬
‫الروم‪GG‬ان عبقريّة ترمجة؛ حيث ح ّقق‪GG‬وا أجمادهم عن طريق نقل ت‪GG‬راث احلض‪GG‬ارة اليونانيّة واحلض‪GG‬ارات املعاص‪GG‬رة‬
‫هلم‪ ،‬واالستفادة منها بعد صقلها‪.36‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مظاهر الديمقراطية الرومانية من خالل هيئاتها السياسية‬
‫جتدر اإلش‪GG G G‬ارة هنا إىل أ ّن ه‪GG G G‬ذه املظ‪GG G G‬اهر الدميقراطية نلمس‪GG G G‬ها من خالل العه ‪GG G‬دين امللكي‬
‫واجلمه ‪GG‬وري‪ّ ,‬أما يف عصر اإلمرباطورية العليا واإلمرباطورية الس ‪GG‬فلى فقد س ‪GG‬اد فيها النظ ‪GG‬ام الف ‪GG‬ردي املطل ‪GG‬ق‪،‬‬
‫املتمثّل يف س ‪GG G‬يطرة اإلم ‪GG G‬رباطور‪ G‬على الس ‪GG G‬لطتني السياس ‪GG G‬يّة‪ G‬والدينيّ ‪GG G‬ة‪ ،‬بعد أن س ‪GG G‬لب جملس الش‪GG G‬يوخ وجمالس‬
‫كل اختصاصاهتما التقليديّة‪.37‬‬ ‫الشعب ّ‬
‫أوال‪ :‬تع ّدد هيئات الحكم في روما‬
‫‪G‬وزعت على هيئ‪G‬ات خمتلف‪G‬ة‪ ،‬لك ّ‪G‬ل منها‬
‫حيث مل تكن تسند إىل شخص واح‪G‬د‪ ،‬أو هيئة واح‪G‬دة‪ ,‬بل ت ّ‬
‫اختصاصات وصالحيات معيّنة‪ ،‬وهذا يف العصرين امللكي‪ ,‬واجلمهوري‪.‬‬
‫‪-1‬العصر الملكي‪ :‬وك‪GG G G‬ان احلكم فيه يرتكز على وج‪GG G G‬ود هيئ‪GG G G‬ات ثالث‪GG G G‬ة‪ :‬املل‪GG G G‬ك‪ ،‬وجملس الش ‪GG G‬يوخ‪،‬‬
‫قائما على أس‪GG G‬اس الوراث‪GG G‬ة‪ G،‬وإن تع‪ّ G G‬ذر ذلك‬
‫واجملالس الش‪GG G‬عبية‪ G.‬وك‪GG G‬ان امللك يعنَّي خلف‪GG G‬ه‪ ,‬إذ مل يكن احلكم ً‬
‫املهم‪GG‬ة؛ ويت ‪GG‬وىّل امللك احلكم م ‪GG‬دى احلي ‪GG‬اة‪ ،‬وك ‪GG‬انت س ‪GG‬لطاته مطلق ‪GG‬ة‪ّ .‬أما جملس‬
‫يت ‪GG‬وىّل جملس الش ‪GG‬يوخ ه ‪GG‬ذه ّ‬

‫بوحوش (ع ّمار)‪ ،‬تط ّور النظريات والنظم السياسيّة‪ ،‬المؤسّسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪1984 ،2.‬م‪ ،‬ص‪.90.‬‬ ‫‪33‬‬

‫ور النظريات والنظم السياسيّة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.105.‬‬ ‫بوحوش (ع ّمار)‪ ،‬تط ّ‬ ‫‪34‬‬

‫ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.395-392.‬‬ ‫‪35‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.399.‬‬ ‫‪36‬‬

‫الجرف (طعيمة)‪ ،‬نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي‪ ،‬مكتبة القاهرة الحديثة‪ ،‬القـاهرة‪ ،‬ط‪ ،1.‬ص‪.‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪.206-205‬‬
‫الش‪GG‬يوخ فيتك‪Gّ G‬ون من رؤس‪GG‬اء وش‪GG‬يوخ العش‪GG‬ائر‪ ،‬وهم من األش‪GG‬راف‪ ،‬ويبلغ ع‪GG‬ددهم ثالمثائة عض‪GG‬واً‪ G,‬وك‪GG‬انت‬
‫مهمته استشاريّة بالنسبة للمل‪G‬ك‪ ،‬كما يت‪G‬وىّل التص‪G‬ديق على ق‪G‬رارات اجملالس الش‪G‬عبيّة‪ّ G.‬أما ه‪G‬ذه األخ‪G‬رية –أي‬ ‫ّ‬
‫اجملالس الش‪GG G‬عبيّة‪ -‬اليت يبلغ ع‪GG G‬ددها ثالثني جملساً‪ ،‬وتقتصر العض‪GG G‬ويّة‪ G‬فيها على ال‪GG G‬ذكور من األش ‪GG‬راف‪ ،‬فإهّن ا‬
‫جتتمع بن‪GG‬اءً على دع‪GG‬وة املل‪GG‬ك‪ ،‬ويقتصر اختصاص‪GG‬ها يف املوافقة‪ G‬أو ال‪GG‬رفض على التع‪GG‬ديالت‪ G‬املراد إدخاهلا على‬
‫نظام املدينة‪ G،‬أو تكوين العشائر‪.38‬‬
‫‪ -2‬العصر الجمه ((وري‪ :‬ويب ‪GG‬دأ ه ‪GG‬ذا العصر بعد الث ‪GG‬ورة يف روما ض‪ّ G G‬د امللك "ت ‪GG‬اركوين" (‪) Tarquin ‬‬
‫نتيجة سياس‪GG G‬ته التع ّس ‪G G‬فيّة‪ ،‬حيث ط‪GG G‬رد (س‪GG G‬نة ‪ 209‬ق‪.‬م) ف ‪G G‬أُلغي ب‪GG G‬ذلك نظ‪GG G‬ام احلكم امللكي‪ G،‬وح‪Gّ G G‬ل النظ‪GG G‬ام‬
‫‪G‬تمر مخسة ق‪GG‬رون متوالية‪ّ .39‬أما عن هيئ‪GG‬ات احلكم يف ه‪GG‬ذا العصر فتتمثّ ‪G‬ل يف‪ :‬القنص‪GG‬لني‬ ‫اجلمه‪GG‬وري ال‪GG‬ذي اس‪ّ G‬‬
‫يتم اختي‪GG G‬ارهم باالنتخ‪GG G‬اب‪ ،‬بواس‪GG G‬طة اجملالس الش‪GG G‬عبيّة وجملس الش ‪GG‬يوخ؛‬ ‫(لرئاسة الدول‪GG G‬ة)‪ ,‬واملوظّفني ال‪GG G‬ذين ّ‬
‫عدة أن‪GG‬واع‪ G‬من اجملالس‪ ،‬ومتارس تلك اهليئ‪GG‬ات وظ‪GG‬ائف الدولة التش‪GG‬ريعيّة‪G‬‬ ‫واجملالس الش‪GG‬عبيّة‪ G‬اليت تن‪GG‬درج حتتها ّ‬
‫والتنفيذيّة‪ G‬واإلداريّ‪G‬ة‪ .‬ومتّ يف ه‪G‬ذا العصر تع‪G‬ديل ج‪G‬وهري يف نظ‪G‬ام احلكم‪ ،‬حيث أص‪G‬بحت هن‪G‬اك مس‪G‬اواة بني‬
‫العامة‪ ،‬وطبقة األشراف‪ ،‬وكان اختيار احلاكم عن طريق االنتخاب‪ ،‬وم ّدة حكمه مؤقّتة‪.40‬‬ ‫طبقة ّ‬
‫ثانيا‪ :‬دور المجالس الشعبية في الممارسة الديمقرطية‬
‫جتمع‪GG‬اهتم املتك‪Gّ G‬ررة‪ G‬ملعاجلة‬
‫حيث تظهر لنا بعض املظ‪GG‬اهر الدميقراطية ل‪GG‬دى الروم‪GG‬انيني‪ ,‬من خالل ّ‬
‫متر أس‪GG‬ابيع قليلة مل يكن جُي مع فيها الش‪GG‬عب الروم‪GG‬اين‪ ،‬بل جُي مع فيها ع ‪ّ G‬دة م‪GG‬رات‪ ,‬فلم‬ ‫أم‪GG‬ورهم إذ «‪ ‬مل تكن ّ‬
‫يكن ميارس حقوق السيادة فحسب‪ ،‬بل وجزءًا من حقوق احلكوم‪GG‬ة‪ G،‬فقد كـان يع‪GG‬اجل أم‪GG‬وراً معيّن‪GG‬ة‪ ،‬وحيكـم‬
‫يف قضايـا معيّنة‪ G,‬فكـان هذا الشعب‪ G-‬بأكمله‪ -‬كثيراً ما يكاد يكون‪ G‬حاكماً بقدر ما هو مواطن‪.41» ‬‬
‫كل الق‪GG‬وانني الص‪GG‬ادرة الب‪ّ G‬د أن تن‪G‬ال تص‪G‬دي ًقا‪ ،‬وك‪Gّ G‬ل احل ّك‪G‬ام البّد أن يُنتخبـوا يف اجملالس‪،‬‬
‫كما كانت ّ‬
‫‪G‬جالً يف بطن‪ ،‬أو وح‪GG‬دة مئويّ‪GG‬ة‪ ،‬أو يف قبيل‪GG‬ة‪ ،‬ونتيجة ل‪GG‬ذلك مل يكن مثّة‬ ‫كما أنّه ما من م‪GG‬واطن إالّ وك‪GG‬ان مس‪ّ G‬‬
‫حمروما من ح‪Gّ G G‬ق التص‪GG G‬ويت؛ فك‪GG G‬ان الش‪GG G‬عب الروم‪GG G‬اين حقيقة ذا س‪GG G‬يادة ‪-‬قانون ‪G G‬اً وفعالً‪ -‬ومل تكن‬
‫م‪GG G‬واطن ً‬
‫القوانني‪ ,‬وانتخاب الزعماء‪ ،‬هي املسائل الوحيدة اخلاضعة حلكم اجملالس الشعبيّة‪.42G‬‬

‫الجرف(طعيمة)‪ ،‬نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.384.‬‬ ‫‪38‬‬

‫ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.384.‬‬ ‫‪39‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.386-385.‬‬ ‫‪40‬‬

‫روسو (جان جاك)‪ ،‬العقد االجتماعي‪ ،‬ترجمة‪ :‬ذوقان قرقوط‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.148-147.‬‬ ‫‪41‬‬

‫روسو (جان جاك)‪ ،‬العقد االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.185-184.‬‬ ‫‪42‬‬


‫غري أ ّن ه‪GG‬ذه التجربة الدميقراطية يف روما س‪GG‬رعان ما اهنارت مع قي‪GG‬ام النظ‪GG‬ام اإلم‪GG‬رباطوري س‪GG‬نة (‪27‬‬
‫ق‪.‬م)‪.43‬‬

‫المبحث الثاني‪E‬‬
‫الديمقراطية الغربية في العصور الوسطى‬

‫ال ت‪GG‬ذكر الق‪GG‬رون الوس‪GG‬طى يف الغ‪GG‬رب إالّ واق‪GG‬رتنت بتلك الظ‪GG‬روف واألوض‪GG‬اع املظلم‪GG‬ة؛ وذلك نتيجة‬
‫ما س‪GG‬اد أوربا يف تلك الق‪GG‬رون من أنظمة حكم مس‪GG‬تب ّدة‪ ،‬وص‪GG‬راع بني الباب‪GG‬اوات‪ G‬واألب‪GG‬اطرة‪ G،‬إض‪GG‬افة إىل نظ‪GG‬ام‬
‫اإلقطاع وما صاحبه من ظلم وجور‪ ،‬هذا زيادة على ما تعيشه شعوب أوربا من جهل وختلّف ومجود‪.‬‬
‫وط‪GG‬بيعي‪ G‬إذن‪ ,‬حتت ظ‪Gّ G‬ل ه‪GG‬ذه الظ‪GG‬روف‪ ,‬أن ي‪GG‬رتاجع امل ّد ال‪GG‬دميقراطي‪ G‬يف ه‪GG‬ذه العص‪GG‬ور‪ ,‬ليفسح اجملال‬
‫احلق اإلهلي‪ ,‬اليت‬
‫ألنظمة احلكم املس ‪GG G‬تب ّدة‪ ،‬حيث يتمتّع فيها املل ‪GG G‬وك بس ‪GG G‬لطات مطلق ‪GG G‬ة‪ ،‬وتس ‪GG G‬ود فيها نظريّة ّ‬
‫كانت مطيّة إلطالق س‪GG‬لطات املل‪GG‬وك‪ ،‬وع‪GG‬دم خض‪GG‬وعهم أليّة رقابة أو حماس‪GG‬بة‪ ,‬ب‪GG‬دعوى أ ّن إرادهتم من إرادة‬
‫اهلل‪.‬‬
‫فمنذ عهد اإلمرباطوريّة‪ G‬الرومانيّ‪GG‬ة‪ ،‬وط‪GG‬وال ك‪Gّ G‬ل العص‪GG‬ور الوس‪GG‬طى‪ ،‬وحىّت الق‪GG‬رن الس‪GG‬ابع عش‪GG‬ر‪ ،‬ميكن‬
‫لكل مظاهر النظام الدميقراطي‪ G,‬لتبدأ جتربة النظ‪GG‬ام اإلقط‪GG‬اعي ّأوالً‪ ،‬مث النظ‪GG‬ام امللكي‬ ‫احلكم باالختفاء النهائي ّ‬
‫املطلق بعد ذل‪GG G G G G G G‬ك‪ ,‬ولكن على ال‪Gّ G G G G G G G‬رغم من ذلك فقد ُوجد كثري ممّن ي‪GG G G G G G G‬دافعون‪ G‬عن الفك‪GG G G G G‬رة الدميقراطية‪G‬‬
‫ويؤيّدوهنا‪ ,‬كما شهدت ه‪G‬ذه العص‪G‬ور ث‪G‬ورتني دينيّ‪G‬تني كب‪G‬ريتني مها املس‪G‬يحية واإلس‪G‬الم؛‪ G‬حيث ق‪ّ G‬دمت هات‪G‬ان‬
‫فكرا وتطبيقاً‪.44‬‬
‫ضخما وعمي ًقا للمبدإ الدميقراطي‪ً G-‬‬ ‫الثورتان مرياثًا ً‬
‫وسنتناول‪G-‬بإذن اهلل تعاىل‪ -‬وضعية الدميقراطية‪ G‬يف هذه العصور يف املطلبني اآلتيني‪:‬‬

‫المطلب األوّل‪ :‬ونتناول فيـه أثر املسيحيـة على املبـدإ الدميقراطـي‪.‬‬


‫ونتعرض فيه إىل دور نظام اإلقطاع يف الفكر الدميقراطي‪G.‬‬ ‫المطلب الثاني‪ّ :‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أثر المسيحيّة على المبدإ الديمقراطي‬

‫‪ 43‬الجرف (طعيمة)‪ ،‬نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.209.‬‬
‫‪ 44‬الجرف (طعيمة)‪ ،‬نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.209 .‬‬
‫على ال‪Gّ G‬رغم من أ ّن املس‪GG‬يحيّة ك‪GG‬انت دع‪GG‬وة دينيّة حبت‪GG‬ة‪ ،‬إالّ أنّـها أح‪GG‬دثت تغي‪GG‬ريين ج‪GG‬وهريني يف أسس‬
‫‪G‬تقرة‪ G‬قبله‪GG‬ا؛ فقد دعت إىل اإلميان بوح‪GG‬دة اإلنس‪GG‬انيّة‪ G‬يف إط‪GG‬ار تع‪GG‬اليم املسيـح‪ ،‬كما‬ ‫التنظيم‪GG‬ات السياس‪GG‬يّة املس‪ّ G‬‬
‫مرة يف التاريـخ‪ -‬مبدأ االزدواج يف السلطة‪ ,‬السلطة الدينيّة من ناحية‪ ،‬والسلطة السياسيّة من‬ ‫ت‪-‬وألول ّ‬ ‫ّ‬ ‫أقر‬
‫ّ‬
‫‪45‬‬
‫ناحية أخرى ‪.‬‬
‫كما وض ‪GG‬عت املس ‪GG‬يحيّة الن ‪GG‬واة األوىل ملب ‪GG‬دإ خض ‪GG‬وع الدولة للق ‪GG‬انون‪ ،‬حيث دعت إىل حرية العقي ‪GG‬دة‪،‬‬
‫وميّ‪GG‬زت بني الف‪GG‬رد بوص‪GG‬فه إنس‪GG‬انًا‪ ،‬وبوص‪GG‬فه مواطنً‪GG‬ا؛ وب‪GG‬ذلك تك‪GG‬ون قد ن‪GG‬زعت الف‪GG‬رد من اجلماعة‪ ,‬وجعلته‬
‫مس ‪GG‬تقالً بوج ‪GG‬وده عنه ‪GG‬ا‪ ،‬وذلك على خالف ما ك ‪GG‬ان عليه احلال يف العص ‪GG‬ور القدمية‪ ,‬اليت ك ‪GG‬ان الف ‪GG‬رد فيها‬
‫يذوب يف اجلماعة اليت يعيش فيها‪.46‬‬
‫إالّ أ ّن ه‪GG G G G‬ذه األفك‪GG G G G‬ار مل يظهر مفعوهلا إالّ بعد ق‪GG G G‬رون طويل‪GG G G G‬ة؛ ذلك أنّه على ال‪Gّ G G G‬رغم من اع‪GG G G‬رتاف‬
‫املسيحيّة باستقالليّة‪ G‬كي‪GG‬ان الف‪GG‬رد عن كي‪GG‬ان اجلماع‪GG‬ة‪ ,‬إالّ ّأنها مل حت ّدد حق‪GG‬وق الف‪GG‬رد‪ ،‬كما أهّن ا بقوهلا بالفصل‬
‫بني ما هلل وما لقيص‪GG‬ر‪ ،‬فإهّن ا مل حت ّدد ما هو لقيصر وما ي‪GG‬رتك هلل؛ وألجل ه‪GG‬ذا فقد عاشت أوربا يف العص‪GG‬ور‬
‫الوس ‪GG G‬طى حتت ظ ‪Gّ G G‬ل س ‪GG G‬لطان مطلق ال ح ‪GG G‬دود فيه لس ‪GG G‬لطات احلاكم‪ ،‬وال يُع ‪GG G‬رتف فيه حبري ‪GG G‬ات وحق ‪GG G‬وق‬
‫األفراد‪.47‬‬
‫ولكن رغم ه‪GG‬ذا املوقف الس‪GG‬ليب ال‪GG‬ذي التزمته املس‪GG‬يحيّة من مش‪GG‬كلة النظم السياس‪GG‬يّة‪ ,‬ف‪GG‬إ ّن يف تعاليمها‬
‫مهد إىل ال ‪GG‬دعوة الدميقراطي ‪GG‬ة‪ G،‬اليت ن ‪GG‬ادى هبا بعض‬ ‫احلب واإلخ ‪GG‬اء واخلري واإلميان؛ وه ‪GG‬ذا كلّه قد ّ‬ ‫دع ‪GG‬وة إىل ّ‬
‫املف ّكرين يف العصور الوسطى‪.48‬‬
‫وميكننا الق‪GG G‬ول‪-‬من خالل ك‪Gّ G G‬ل ما س‪GG G‬بق‪ -‬إ ّن املس‪GG G‬يحيّة قد أثّ‪GG G‬رت يف املب‪GG G‬دإ ال‪GG G‬دميقراطي‪ G‬بطريقة غري‬
‫مباش‪GG G‬رة؛ وذلك ألهّن ا متيّ‪GG G‬زت بتع ‪GG G‬اليم هتتّم باجلانب ال ‪GG G‬روحي أك ‪GG G‬ثر ممّا هتتّم باجلانب ال‪GG G‬دنيوي‪ ،‬فهي دع‪GG G‬وة‬
‫روحيّ ‪G G‬ة‪ ،‬ت‪GG G‬دعو إىل احملبّة‪ G‬واإلخ‪GG G‬اء واخلري‪ ،‬وال ش‪GG G‬أن هلا ب‪GG G‬أمور السياسة واحلكم‪49‬؛ فك‪GG G‬ان موقفها من ه ‪GG‬ذه‬
‫األمور سلبيًا‪ ,‬وهبذا ساد احلكم املطلق يف تلك القرون‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), Histoire des idées politiques, Dalloz, paris, éd.4, 1970, p.230 et suiv‬‬
‫‪1972‬م‪ ،‬ص‪.153.‬‬
‫‪ 46‬بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪،.‬‬
‫‪ 47‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.153.‬‬
‫‪ 48‬الجرف (طعيمة)‪ ،‬نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.210 .‬‬
‫‪ 49‬ولكن عندما توطّدت المسيحيّة‪ ،‬وك ثر أتباعه ا‪ ،‬ب دأ الباب اوات ين ازعون األب اطرة س لطانهم الزم ني‪ ،‬ويح اولون‬
‫االستئثار بالسلطتين الدينيّة والدنيويّة‪ ،‬والسيطرة في الميدانين الروحي والزمني ‪ .‬انظر‪ :‬ليلة (محمد كام ل)‪ ،‬النظم‬
‫السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.409.‬‬
‫ولكن ه‪GG‬ذا مل مينع من قي‪GG‬ام بعض النظري‪GG‬ات اليت تس‪GG‬تند إىل ال ‪ّ G‬دين‪ ،‬وك‪GG‬ان هلا أثر يف وضع املق ‪ّ G‬دمات‬
‫األوىل النبعاث الفكر الدميقراطي‪G.‬‬
‫احلق اإلهلـي غري املباشـر‪ ,‬اليت بدأهـا "س‪GG G‬انت أوجس‪GG G‬تان"(‪ ,)Saint-Augustin‬هي‬ ‫نظـرية ّ‬
‫فك‪GG G‬انت ّ‬
‫املقدمة األوىل هلذا الفكـر‪ ،‬فقد انتهى منها "س‪GG‬انت توم‪GG‬اس" (‪ G) Saint - Tomas ‬إىل أ ّن رضا الش‪GG‬عب باحلاكم‬
‫هو ش‪G‬رط ج‪G‬وهري لتأس‪G‬يس‪ G‬احلكومة العادل‪G‬ة‪ ،‬كما انتـهى منهـا "مارسيـل دي بـادو" (‪) Marsile De Padoue ‬‬
‫ملكا للش ‪GG‬عب‪ ،‬كما جيب أن يبقى‬ ‫مهمة إق ‪GG‬رار التشريـع جيب أن تبقى‪ً G‬‬ ‫يف أواخر الق ‪GG‬رن الرابع عش ‪GG‬ر‪ ,‬إالّ أ ّن ّ‬
‫دائما على حسن استعمال امللوك هلذه السلطة‪.50‬‬ ‫الشعب‪-‬وهو أساس السلطة‪ -‬مشرفاً ً‬
‫التطور يف اتّجاه النظام الدميقراطي‪ G‬احلديث‪.‬‬
‫فكانت هذه األفكار وغريها هي اليت قادت ّ‬

‫المطلب الثاني‪ :‬دور نظام اإلقطاع في الفكر الديمقراطي‬


‫لق ‪GG‬د‪ ‬ظهر ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام يف أوربا الغربيّ ‪G‬ة يف الق ‪GG‬رنني التاسع والعاش ‪GG‬ر‪ ،‬واكتمل تط ‪Gّ G‬وره يف الق ‪GG‬رن الث ‪GG‬اين‬
‫عش‪GG‬ر‪ ،‬وبعد اكتماله ونض‪GG‬جه‪ ،‬ونتيجة لبعض األح‪GG‬داث والظ‪GG‬روف‪ ,‬ب‪GG‬دأ يف االهني‪GG‬ار إىل أن متّ ذلك يف هناية‬
‫القرون الوسطى‪.51‬‬
‫نظاما اجتماعيًا واقتص ‪GG‬ادياً؛ فقد‬ ‫نظاما سياس‪GG G‬يًا من أنظمة احلكم‪ ،‬إض‪GG G‬افة إىل كونه ً‬ ‫وك‪GG G‬ان اإلقط‪GG G‬اع ً‬
‫ك‪GG‬ان ح‪GG‬اكم اإلقليم ال‪GG‬ذي يطلق عليه "الس‪GG‬يّد اإلقط‪GG‬اعي" له ح‪Gّ G‬ق مباش‪GG‬رة مجيع س‪GG‬لطات احلكم من تش‪GG‬ريع‪،‬‬
‫وإدارة‪ ،‬وقضاء‪ ,‬وتنظيم الشؤون‪ G‬املاليّة يف اإلقليم‪.52...‬‬
‫شىت املظ ‪GG G‬امل‬
‫وعلى ال ‪Gّ G G G‬رغم من أ ّن النظ ‪GG G G‬ام اإلقط ‪GG G G‬اعي قد ُوصف بأس ‪GG G G‬وإ‪ G‬األوص ‪GG G G‬اف‪ ،‬ونُس ‪GG G G‬بت‪ G‬إليه ّ‬
‫تعرض إىل نقد ع‪GG‬نيف من املؤرّخني واملف ّ‪G‬ك‪G‬رين‪ G,‬إالّ‬ ‫والظلمات‪ ,‬اليت سادت أوربا يف القرون الوسطى‪ ،‬كما ّ‬
‫متاما من احلسنات‪ ،‬ومن جوانب اخلري فيه‪.‬‬ ‫أي نظام خيلو ً‬
‫أنّه من باب اإلنصاف القول إنّه ال يوجد ّ‬
‫فالنظام اإلقطاعي قد نشأ نتيجة عوامل وظروف سياسيّة‪ ،‬واجتماعيّة‪ ،‬واقتص‪G‬اديّة‪ ,‬كما ك‪G‬ان وس‪G‬يلة‬
‫ملعاجلة االحنالل‪ ،‬والفوضى‪ G‬اليت اجتاحت اإلمرباطورية‪ G‬الرومانيّة نتيجة أسباب أخ‪GG‬رى؛ فنجح ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام يف‬
‫املهمة إىل ح ّد كبري‪.53‬‬ ‫هذه ّ‬

‫‪.BURDEAU(Georges), Traité de science politique, L.G.D.J., éd.2, Paris, 1970, t.3, p.465 50‬‬
‫‪ 51‬ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.418-417.‬‬
‫‪ 52‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.419.‬‬
‫‪ 53‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.418-417.‬‬
‫منو الفرديّة القويّ ‪GG‬ة‪G،‬‬
‫ومن ناحية أخ ‪GG‬رى‪ ،‬فقد س ‪GG‬اهم يف إث ‪GG‬راء الفكر ال ‪GG‬دميقراطي من خالل ت ‪GG‬أثريه‪ G‬يف ّ‬
‫اليت ظه‪GG‬رت فيما بعد كأحد ج‪GG‬ذور احلري‪GG‬ة‪ ،‬كما س‪GG‬اهم يف تط‪GG‬وير العالق‪GG‬ات بني النّ‪GG‬اس ب‪GG‬الفكرة القائلة ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن‬
‫اجملتمع يرتكز قسم كبري منه على تب ‪GG G‬ادل اخلدمات‪ ,‬وك ‪GG G‬ان له دور يف تعظيم اإلحس ‪GG G‬اس بالش ‪GG G‬رف واألمانة‪G‬‬
‫حتول إىل والء جتاه األم‪GG‬ري‪ ،‬وتط‪Gّ G‬ور فيما بعد إىل روح املواطنة احلديث‪GG‬ة‪ ,‬ويف ه‪GG‬ذا‬ ‫عن طريق الفروس‪GG‬ية‪ ,‬ال‪GG‬ذي ّ‬
‫النظ‪GG‬ام ك‪GG‬ذلك منا االعتق‪GG‬اد ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن الطبقة االجتماعيّة جيب أن تتع‪GG‬ادل ك ّفتها باإلميان باملس‪GG‬اواة بني النّ‪GG‬اس‪ ,‬ه‪GG‬ذا‬
‫موجودا يف القرون الوسطى‪ ,‬اليت كانت عهد اإلميان باملساواة‪ G‬أمام اهلل‪.54‬‬ ‫ً‬ ‫اإلميان الذي كان‬
‫املوجهة إلي ‪GG‬ه‪ ,‬إالّ أنّه ك ‪GG‬ان لبعض أفك ‪GG‬اره‬
‫فه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام االقتص ‪GG‬ادي إذن‪ ,‬رغم مس ‪GG‬اوئه واالنتق ‪GG‬ادات‪ّ G‬‬
‫إس ‪GG G‬هام يف بعث النظ‪GG G G‬ام ال‪GG G G‬دميقراطي‪ G‬بعد ذل‪GG G G‬ك‪ ,‬وحىّت مظامله وعيوبه‪ G‬ك‪GG G G‬ان هلا األثر يف إيق ‪GG G‬اظ الش ‪GG G‬عوب‪،‬‬
‫وجعلها تف ّكر يف وس‪GG‬يلة للخالص من تلك األوض‪GG‬اع؛ ممّا ك‪GG‬ان الب‪GG‬اعث يف البحث عن نظ‪GG‬ام أفض‪GG‬ل‪ ،‬وال‪GG‬ذي‬
‫يتمثّل يف النظام الدميقراطي‪G.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫الديمقراطية الغربية في العصر الحديث‬

‫تعرض ‪GG‬نا يف املبحث الس ‪GG‬ابق إىل األوض ‪GG‬اع اليت س ‪GG‬ادت العص ‪GG‬ور الوس ‪GG‬طى‪ ،‬حيث انتش ‪GG‬رت النظم‬ ‫لقد ّ‬
‫احلق اإلهلي‪ ,‬اليت جتعل املل‪GG G‬وك واحل ّ‪G‬ك ‪GG‬ام‬
‫تأسست‪ G‬يف معظمها على نظري‪GG G‬ات ّ‬ ‫االس‪GG G‬تبداديّة‪ G‬والدكتاتوريّة‪ ,‬اليت ّ‬
‫فوق احملاسبة‪ G,‬ه‪G‬ذه األوض‪G‬اع ّأدت إىل احنس‪GG‬ار املب‪GG‬دإ ال‪G‬دميقراطي‪ ,‬حيث اتّس‪GG‬عت س‪GG‬لطات املل‪GG‬وك املطلق‪G‬ة؛ ممّا‬
‫للتخلص من سلطـان امللـوك‬ ‫ّأدى إىل ش ‪GG‬عور الش ‪GG‬عوب ب ‪GG‬الظلم والقهـر‪ ،‬ودفعها ذلك إىل التفكـري يف وسيـلة ّ‬
‫املطلق‪ ،‬أو على األقلّ التقليل من مداه‪ ,‬والتخفيف من آثاره‪.‬‬
‫املهم ‪GG‬ة‪ ،‬ولبعض الفالس‪GG G‬فة واملفكّ ‪G G‬رين السياس‪GG G‬يني‪ ،‬ال‪GG G‬ذين ش‪GG G‬ادوا‬
‫فك‪GG G‬ان لبعض األح‪GG G‬داث التارخييّ ‪G G‬ة ّ‪G‬‬
‫بارزا إىل اليوم‪ G,‬دور فاعل يف االنبعاث‪ G‬الدميقراطي‪ G‬يف هذا العصر‪.‬‬ ‫نظريات سياسيّة ال يزال أثرها ً‬
‫لذا ميكن اعتبار مصادر االنبعاث الدميقراطي يف العصور احلديثة تتمثّل يف‪ :‬نظريات جدي‪GG‬دة‪ ،‬وري‪GG‬ادة‬
‫مؤسسات جديدة‪ ،‬وتغيّرات ثوريّة‪.55‬‬ ‫ّ‬

‫‪ 54‬هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬ترجمة‪ :‬علي مقلد –شفيق حداد‪ -‬عبد الحسن‬
‫سعد‪ ،‬األهلية للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1977 ،2.‬جـ‪ ،1.‬ص‪.54.‬‬
‫‪ 55‬ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.27.‬‬
‫فك ‪GG‬انت م ‪GG‬يزة ه ‪GG‬ذا العصر تتمثّ ‪G‬ل يف ذلك التط ‪Gّ G‬ور امللح ‪GG‬وظ يف الفكر السياس ‪GG‬ي‪ G,‬وذلك من خالل ما‬
‫س‪GG‬بق ذك‪GG‬ره من ظه‪GG‬ور نظري‪GG‬ات سياس‪GG‬يّة جدي‪GG‬دة‪ ،‬وما حتمله من أفك‪GG‬ار دميقراطية ت‪GG‬دعو إىل التح‪Gّ G‬رر‪ ,‬فك‪GG‬انت‬
‫أوىل نتائجها تلك الث‪GG G‬ورات اليت ظه‪GG G‬رت يف أوربا وأمريك‪GG G‬ا‪ ،‬واليت ك‪GG G‬انت بداية عهد جدي‪GG G‬د‪ ،‬من خالل ما‬
‫حبق‪ -‬عصر االنبعاث‪ G‬الدميقراطي‪G.‬‬ ‫حتمله من شعارات‪ ,‬وما تدعو إليه من مبادئ‪ ,‬فكان هذا العصر – ّ‬
‫التطور الدميقراطي‪ G‬يف العصر احلديث‪ ،‬ومدى مس‪G‬امهته يف إث‪G‬راء املب‪G‬دإ ال‪G‬دميقراطي‪ ،‬فقد‬ ‫ولدراسة هذا ّ‬
‫قسمنا هذا املبحث إىل املطالب اآلتية‪G:‬‬
‫ّ‬

‫المطلب األول‪ :‬ونتناول فيه دور الفالسفة‪ G‬واملفكّـرين السياسيني‪.‬‬


‫ونتعرض فيـه إىل دور املؤسّسـات السيـاسيّة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ّ :‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬ونتح ّدث فيه عن أثر التجارب واألحداث التارخييّة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬دور الفالسفة والمف ّكرين السياسيين‬


‫فلقد أش ‪GG G‬ار الفقه الدس ‪GG G‬توري إىل أ ّن مع ‪GG G‬امل املب ‪GG G‬دإ ال ‪GG G‬دميقراطي‪ G‬مل تتّضح إالّ بفضل أقالم الكتّ‪G G G‬اب‪،‬‬
‫‪G‬الحا ض‪ّ G‬د امللكيّة‪ G‬املطلق‪GG‬ة‪ ,‬بُغية تقيي‪GG‬دها‪ G‬واحل ّد من س‪GG‬لطاهنا‪،‬‬
‫وأفكار الفالسفة‪ G،‬الذين اخّت ذوا من ه‪GG‬ذا املب‪GG‬دإ س‪ً G‬‬
‫يتذرع هبا امللوك أنذاك يف تشييد سلطاهنم‪.57‬‬ ‫‪56‬‬
‫وكذا هدم النظريات الثيوقراطية ‪ ,‬اليت كان ّ‬
‫وك ‪GG G‬انت فلس ‪GG G‬فة الق ‪GG G‬رنني الس ‪GG G‬ابع عشر والث ‪GG G‬امن عشر يف غ ‪GG G‬رب أوربا لك ‪Gّ G G‬ل من‪" :‬ج ‪GG G‬ون ل ‪GG G‬وك" و‬
‫"مونتس‪G‬كيو " و "روس‪GG‬و" هتدف إىل غاية واح‪GG‬دة‪ ,‬هي محاية وص‪GG‬يانة حق‪G‬وق وحريّ‪GG‬ات األف‪G‬راد‪ ،‬وه‪GG‬ذه الغاية‬
‫ط العريض لتلك الفلسفات‪.58‬‬ ‫هي اخل ّ‬
‫وباعتب‪GG‬ار ه‪GG‬ؤالء الثالثة من أب‪GG‬رز دع‪GG‬اة املب‪GG‬ادئ الدميقراطي‪GG‬ة‪ ،‬وك‪GG‬ان ألفك‪GG‬ارهم ال‪GG‬دور الكبري لالنبع‪GG‬اث‬
‫فسنتطرق –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل أثر أفكارهم يف املبدإ الدميقراطي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الدميقراطي‪ G‬احلديث‪,‬‬
‫أوال‪ :‬جون لوك ( ‪1632-1704 ( )John-locke‬م)‬

‫‪ 1 56‬الثيوقراطية (‪ :)Théocratie‬مذهب يقوم على تعليل السلطة لدى الجماعة على أساس االعتقاد الديني‪ ،‬فالنظام‬
‫ق اإللهي" التي تعتبر هللا مصدرًا للسلطة‪،‬‬ ‫الثيوقراطي هو النظام الذي يستند إلى فكرة دينيّة‪ ،‬ومنها "نظرية الح ّ‬
‫والحاكم بمثابة ظ ّل هللا في األرض ومفوّض السماء‪ ،‬فالسلطة الزمنيّة تستم ّد مقوّماتها من المشيئة اإللهية‪ ،‬ويت ّم‬
‫اختيارها بعناية وبتوجيه منها‪ .‬الكيالي (عبد الوهاب) وآخرون‪ ،‬موسوعة السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.‬‬
‫‪.928‬‬
‫‪ 57‬شيحا (إبراهيم عبد العزيز)‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.283.‬‬

‫ثابت (عادل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،2001 ،.‬ص‪.92.‬‬ ‫‪58‬‬
‫حيث يعترب ه‪GG‬ذا الفيلس‪GG‬وف اإلجنل‪GG‬يزي من دع‪GG‬اة احلكم املقيّ‪GG‬د‪ ،‬وأنص‪GG‬ار األفك‪GG‬ار الدميقراطية‪ ,G‬اليت‬
‫‪G‬زعم ث‪GG‬ورة فكريّة ض‪ّ G‬د الس‪GG‬لطان املطل‪GG‬ق‪ ،‬وفتح اجملال‬
‫تؤدي إىل محاية حقوق األفراد‪ ،‬وكفالة حرياهتم‪ .‬وقد ت‪ّ G‬‬ ‫ّ‬
‫لعصر جديد تس‪GG‬ود فيه أفك‪GG‬ار فلس‪GG‬فيّة حترّريّة‪ ،‬تن‪GG‬ادي بض‪GG‬رورة اح‪GG‬رتام احلرية الفرديّ‪GG‬ة‪ ،‬والعمل على محايته‪GG‬ا‪،‬‬
‫سجل "لوك" أفك‪GG‬اره ه‪GG‬ذه يف‬ ‫رئيسا‪ ،‬وربط بينها وبني القانون الطبيعي‪ G.‬وقد ّ‬ ‫كما جعل احرتام احلرية هدفاً ً‬
‫كتابه الش ‪GG‬هري يف علم السياسة "احلكومة‪ G‬املدني ‪GG‬ة"‪ ,G‬كما تن ‪GG‬اول فك ‪GG‬رة "العقد االجتم ‪GG‬اعي" وحلّله ‪GG‬ا‪ ،‬ون ‪GG‬ادى‬
‫ومربرات ‪GG‬ه‪ ،‬وذلك ألجل ت ‪GG‬دعيم مذهبه يف محاية احلري ‪GG‬ات‬ ‫مبب ‪GG‬دإ الفصل بني الس ‪GG‬لطات‪ ،‬وبنّي كيفيّة تطبيق ‪GG‬ه‪ّ ،‬‬
‫الفرديّة‪ ،‬وتفادي السلطة املطلقة‪.59‬‬

‫ثانيا‪ :‬مونتسكيو ( ‪1689-1755 ( )Montesquieu‬م)‬


‫وهو فيلس‪GG‬وف سياسي فرنس‪GG‬ي‪ ،‬ع‪GG‬اش يف الق‪GG‬رن الث‪GG‬امن عشر‪ ،60‬وهو تلميذ لـ "ج‪GG‬ون ل‪GG‬وك"‪ ،‬ويعترب‬
‫كذلك من أل ّد أعداء السلطة املطلقة‪ ،‬كما عمل جاه‪Gً G‬دا على تقييد الس‪GG‬لطة‪ ,‬وإض‪GG‬عافها لص‪GG‬احل محاية حق‪GG‬وق‬
‫األفراد وحرياهتم‪ ,‬وميتاز بالواقعيّة يف التفكري؛ ولذلك عارض النظريات اخلياليّة‪ ،‬واملذاهب‪ G‬الثيوقراطية‪ ,‬وقد‬
‫ارتبط امسه مبب ‪GG‬دإ الفصل بني الس ‪GG‬لطات ال ‪GG‬ذي بل ‪GG‬وره وش ‪GG‬رحه‪ ،‬واعت ‪GG‬ربه‪ G‬الض ‪GG‬مان حلماية احلرية الفردي ‪GG‬ة‪ ،‬وقد‬
‫ب ‪GG‬رزت ك ‪Gّ G‬ل ه ‪GG‬ذه االجّت اه ‪GG‬ات يف كتابه الش ‪GG‬هري "روح الق ‪GG‬وانني" ( ‪ ) Esprit des lois‬ال ‪GG‬ذي أص ‪GG‬دره ع ‪GG‬ام‬
‫‪1748‬م‪.61‬‬
‫ثالثا‪ (:‬جان جاك روسو ( ‪1712-1778 ( )Jean Jack-Rousseau‬م)‬
‫تعرض ‪GG‬وا لنظرية‬
‫وهو فيلس ‪GG‬وف فرنس ‪GG‬ي‪ ،‬ومن أش ‪GG‬هر فالس ‪GG‬فة الق ‪GG‬رن الث ‪GG‬امن عش ‪GG‬ر‪ ،‬وهو أحد ال ‪GG‬ذين ّ‬
‫‪G‬رز ه ‪GG‬ذه‬
‫العقد االجتم ‪GG‬اعي‪ ،‬بل إ ّن ه ‪GG‬ذه النظريّة قد اق ‪GG‬رتنت بامسه‪ ،‬ونُس ‪GG‬بت‪ G‬إليه دون غ ‪GG‬ريه؛ وذلك ألنّ‪G G‬ه أب ‪َ G‬‬
‫((‬ ‫(ومها‪:‬ه ‪GG G G‬وبز‪Hobbes‬‬ ‫النظرية يف ث ‪GG G G‬وب جدي ‪GG G G‬د‪ ،‬ووصل هبا إىل نت ‪GG G G‬ائج مغ ‪GG G G‬ايرة مل يصل إليها أس ‪GG G G‬الفه‬
‫جمرد أفكار فلسفيّة‪.62‬‬ ‫‪ – 1679-1588‬و لوك)‪ ،‬واكتسبت‪ً G‬‬
‫طابعا عمليًا تطبيقيًا بعد أن كانت ّ‬
‫كما اعتُرب "روس ‪GG‬و" من أب ‪GG‬رز أنص‪GG G‬ار املب‪GG G‬دإ ال ‪GG‬دميقراطي‪ ،‬حىت إ ّن ق‪GG G‬ادة الث ‪GG‬ورة الفرنس ‪GG‬يّة قد اعتنقت‬
‫أفك ‪GG‬اره الدميقراطي ‪GG‬ة‪ G،‬واعت ‪GG‬ربوا‪ G‬كتابه الش ‪GG‬هري "العقد االجتم ‪GG‬اعي" ال ‪GG‬ذي حيوي آراءه السياس ‪GG‬يّة "إجنيل الث ‪GG‬ورة‬
‫الفرنسية"‪.63‬‬
‫‪59‬‬
‫‪.TOUCHARD (Jean), Histoire des idées politiques, op.cit., t.1, p.374 et suiv‬‬
‫ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25.‬‬ ‫‪60‬‬

‫ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 498.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪61‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.506.‬‬ ‫‪62‬‬

‫أبوراس (محمد الشافعي)‪ ،‬نظم الحكم المعاصرة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،.‬د‪.‬ت‪ ،.‬ص‪.330.‬‬ ‫‪63‬‬
‫إالّ أنّه يف تعريفه للدميقراطية‪ G‬حص‪GG‬رها بالوضع ال‪GG‬ذي يت‪GG‬وىّل فيه الش‪GG‬عب احلكم مباش‪GG‬رة‪ ،‬ب‪GG‬دالً من أن‬
‫ممثلني له خيتارهم لذلك‪.64‬‬‫يتوالّه بواسطة ّ‬
‫لذا فقد عُرف عن "روسو" دفاعه عن الدميقراطية املباشرة‪ G،‬ونقده الشديد للنظام النيايب‪.‬‬

‫المؤسسات السياسيّة (البرلمان اإلنجليزي)‬ ‫ّ‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬دور‬


‫املؤسس‪GG G G G‬ات‪ ،‬واهليئ ‪GG G G G‬ات السياس ‪GG G G G‬يّة اليت متثّل ال ّش‪G G G G G‬عب‪ ،‬وتوس ‪GG G G G‬يع نط‪GG G G G‬اق اختصاص‪GG G G‬اهتا‬
‫إ ّن تط ‪Gّ G G G G‬ور ّ‬
‫املؤسس‪GG G‬ات‪,‬‬
‫وص‪GG G‬الحياهتا‪ ،‬يعترب مكس‪GG G‬بًا دميقراطيً‪GG G‬ا؛ ل‪GG G‬ذا ميكن ربط تط‪Gّ G G‬ور املب‪GG G‬دإ ال‪GG G‬دميقراطي بتط‪Gّ G G‬ور ه‪GG G‬ذه ّ‬
‫الشعب‪ ،‬وعلى حساب امللوك والطبقات اإلرستقراطية‪.‬‬ ‫وانتزاعها لصالحيات لفائدة ّ‬
‫يتم ذلك إالّ بعد كف‪GG‬اح طوي‪GG‬ل‪ ،‬بل وث‪GG‬ورات عس‪GG‬رية‪ ،‬ألجل افتك‪GG‬اك‪ G‬احلق‪GG‬وق‪ ,‬ونقل الس‪GG‬يادة من‬ ‫وال ّ‬
‫امللوك إىل الشعوب‪.‬‬
‫كل طبقات الشعب اإلجنليزي‪.‬‬ ‫تطور ليمثّل ّ‬ ‫منوذجا يف هذا اجملال‪ ،‬حيث ّ‬ ‫ً‬ ‫ويعترب الربملان اإلجنليزي‬
‫فقد ظه ‪GG‬رت الدميقراطية‪ G‬مبعىن متط ‪Gّ G‬ور وازده ‪GG‬رت فكرهتا‪ ،‬منذ الق ‪GG‬رن الس ‪GG‬ابع عش ‪GG‬ر‪ ,‬والس ‪GG‬يّما بعد‬
‫نش‪GG‬وب الث‪GG‬ورة اإلجنليزية (‪1649-1642‬م) اليت ظف‪GG‬رت ب‪GG‬احلقوق الدس‪GG‬توريّة‪ ،‬بعد مع‪GG‬ارك برملانيّة وسياس‪GG‬يّة‪G‬‬
‫وعسكريّة‪ ،‬انتهت هبزمية امللك "تشارلز"‪ 65‬وحماكمته وإعدامه‪.66‬‬
‫التطور ال‪GG‬دميقراطي‪- G‬خالفًا للمج‪G‬الس والربملان‪GG‬ات األوربية األخ‪GG‬رى‪،-‬‬ ‫وكان للربملان اإلجنليزي دور يف ّ‬
‫أل ّن هذه األخرية ال تعدو جمّرد كوهنا هيئات قض‪GG‬ائيّة‪ ،‬أو تنفيذيّ‪GG‬ة‪ ،‬تت‪GG‬ألّف من وجه‪GG‬اء خمت‪GG‬ارين‪ ،‬ومل يكتسب‬
‫وجودها املعىن الت ‪GG‬ارخيي ال ‪GG‬ذي اكتس ‪GG‬به‪ G‬الربملان اإلجنل ‪GG‬يزي؛ وذلك أل ّن دع ‪GG‬وة ممثّلي املقاطع ‪GG‬ات لالش ‪GG‬رتاك‪ G‬يف‬
‫أي برملان آخ ‪GG G‬ر؛ فك ‪GG G‬انت ه ‪GG G‬ذه بداية ألط ‪GG G‬ول سري يف طريق‬ ‫الربملان اإلجنل ‪GG G‬يزي يعترب سابقـة مل يس ‪GG G‬بقه إليها ّ‬
‫منو "جملس العم‪GG G‬وم"؛ فك‪GG G‬ان‬ ‫‪G‬ىت أص‪GG G‬بح ت‪GG G‬اريخ الدميقراطية‪ G‬الغربيّ‪GG G‬ة‪-‬لق‪GG G‬رون‪ -‬مرادفًا لت‪GG G‬اريخ ّ‬ ‫الدميقراطي‪GG G‬ة‪ ,‬ح‪ّ G G‬‬
‫وأهم خطواته يف ه‪GG‬ذا االجّت اه انفص‪GG‬اله عن جملس النبالء‪ G‬األعلى‪ ،‬وانتزاعه‬ ‫خبطواته ه‪GG‬ذه ق‪GG‬دوة لس‪GG‬ائر اجملالس‪ّ .‬‬
‫ح‪Gّ G G‬ق ف‪GG G G‬رض الض‪GG G G‬رائب‪ G،‬وفرضه الرقابة على سياسة احلكومة‪ G‬املاليّ‪GG G G‬ة‪ ،‬وناضل ك‪GG G G‬ذلك ض ‪ّ G G G‬د ج ‪GG G‬ور املل ‪GG G‬وك‪،‬‬

‫‪ 64‬ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25.‬‬


‫‪ 165‬والمقصود هنا هو الملك "شارل األوّل"(‪1649-1600‬م)‪ ،‬وهو ملك إنجلترا (‪1625‬م)‪ ،‬وقد استب ّد في حكمه تحت‬
‫تأثير زوجته"هنريت" الفرنسية وبعض وزرائه‪ ،‬فاندلعت الثورة بقيادة "كرومويل"‪ ،‬وأعدم‪.‬‬
‫عجيل(لويس)وآخرون‪ ،‬المنجد في األعالم‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1991 ،17.‬م‪ ،‬ص‪.326.‬‬
‫‪ 66‬الخطيب (زكريا عبد المنعم)‪ ،‬نظام الشورى في اإلسالم ونظم الديمقراطية المعاصرة‪ ،‬مطبعة السعـادة‪ ،‬د‪.‬م‪،.‬‬
‫د‪.‬ط‪1985 ،.‬م‪ ،‬ص‪.247‬‬
‫‪ 3‬ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.232-231.‬‬
‫وج ‪Gّ G‬ردهم ت ‪GG‬درجييًا من الس ‪GG‬لطة‪ ،‬كما ق ‪Gّ G‬وض االمتي ‪GG‬ازات الطبقيّ ‪GG‬ة‪ ،‬وقضى على ما ك ‪GG‬ان جمللس اللّ ‪GG‬وردات من‬
‫الغين والفقري‪ ،‬وتعادل يف األخري النساء والرجال‪.67‬‬ ‫ووسع احلقوق السياسيّة حىّت تساوى فيها ّ‬ ‫رقابة عليه‪ّ ،‬‬
‫‪G‬دخل من‬‫فقد ق‪GG‬وي نف‪GG‬وذ الربملان اإلجنل‪GG‬يزي‪ ،‬فأص‪GG‬بح ميارس س‪GG‬لطاته احمل ّددة ب‪GG‬النّص أو الع‪GG‬رف دون ت‪ّ G‬‬
‫املل‪GG G‬ك‪ ،‬وتأ ّكد ذلك يف الق‪GG G‬رن الس‪GG G‬ابع عشر (‪1649-1640‬م)‪ ،‬حيث ب‪GG G‬دأ الن‪GG G‬واب‪ G‬جيتمع‪GG G‬ون يف ش‪GG G‬كل‬
‫جلان‪ ,‬وأخرياً استحوذ الربملان هنائياً على االختصاص التشريعي‪ G‬ابتداء ًمن سنة ‪1707‬م‪.68‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أثر التجارب واألحداث التاريخية‬


‫كثيرا ما يكون لألحداث التاريخيّة المه ّمة‪ ،‬والتجارب العمليّة‪ ،‬األثر الكبير في‬
‫ً‬

‫تغيير األوضاع السائدة‪ ،‬والسير المتواصل نحو حياة أفضل‪ ,‬وغالبا ً ما يكون ه ذا بع د‬

‫انتشار أفكار ونظريات تنتقد األوضاع الفاسدة‪ ،‬وتطرح البديل المالئم‪.‬‬

‫وقد يكون مصـدر ه ذه األفكـار إ ّم ا من كتاب ات الفالسفـة والمفكّـرين‪ ،‬أو عن‬

‫طري ق االحتك اك ب األمم والش عوب األخ رى‪ ،‬ال تي بلغت مبل ًغ ا ذا ش أن في ال وعي‬

‫والتحرّر‪.‬‬

‫وكان للثورتين الفرنسيّة واألمريكيّة‪ ،‬األثر البارز في وضع المب دإ ال ديمقراطي‬

‫موضع التنفيذ‪ ،‬بعد أن كان مج ّرد أفكار ونظريات‪.‬‬

‫كما كان التّصال أوربا بالعالم اإلسالمي‪ ،‬وما تميّز به من أفكار ساميّة تجس ّدت‬

‫واقعياً‪ ،‬من خالل مب ادئ الع دل‪ ،‬والمس اواة‪ ،‬والش ورى‪ ,‬والحري ة‪ ...‬أث ر كب ير في‬

‫إدراكهم لواقع حالهم المظلم؛ فتط ّورت تل ك المف اهيم ل ديهم‪ ،‬فك انت مبعثاً للث ورة على‬

‫‪67‬‬
‫‪68‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, pp.47-48‬‬
‫األوض اع‪ ,‬والرّغب ة في التغي ير‪ ،‬وهك ذا أص بحت ه ذه األفك ار م ادة لالنبع اث‬

‫الديمقراطي الذي حصل مع بداية العصر الحديث‪.‬‬

‫وسنتناول ‪-‬بإذن هللا تعالى‪ -‬هذه التجارب واألحداث التاريخيّة فيما يأتي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الثورة الفرنسية‪1789( E‬م)‬

‫إن الفك رة الديمقراطي ة لم يق ّدر له ا أن تك ون مب دأ وض عيًا للحكم‪ ،‬إالّ بفض ل‬


‫ّ‬

‫فهيأوا ل ه المن اخ الص حّي لتطبيق ه‪ ،‬بع د أن ك ان مب دأ نظريً ا‬


‫رجال الثورة الفرنسية؛ ّ‬

‫بحتًا‪ ،‬في عقول المفكّرين وبطون المؤلّفات‪.69‬‬

‫كم ا ك ان للث ورة الفرنس يّة ال دور الكب ير والمباش ر في إس قاط اإلرس تقراطية‬

‫األوربيّة‪ ،‬وتم ّكن البورجوازي ة من الس يادة على مقالي د الحكم‪ ,‬وذل ك بحل ول النّص ف‬

‫الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬كما كان له ا ال دور المباش ر في إعالن حق وق اإلنس ان‬

‫والمواطن‪ ،‬وكذا ظهور البرلمان ات في أورب ا‪ ،‬واعتنقت اللّيبرالي ة بمعنييها‪ -‬السياس ي‬

‫واالقتصادي‪.70‬‬

‫شيحا (إبراهيم عبد العزيز)‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.283 .‬‬ ‫‪69‬‬

‫‪70‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp.50-51‬‬
‫وأهم ما يميّز الثورة الفرنسية أنّها وض عت المب دأ ال ديمقراطي موض ع التنفي ذ‪،‬‬
‫ّ‬

‫وخرجت به من المجال الفلسفي‪ ،‬ليصبح مبدأ قانونيًا‪.71‬‬

‫كما أقرّت نصوص دستـور الثـورة الفرنس يّة حريـة األف راد‪ ,‬ومساواتهـم في‬

‫الحق وق‪ ،‬حيث نصّ الدس تور في مادت ه األولى على ّ‬


‫أن الرّج ال ينش أون ويبق ون‬

‫أحـرارًا‪ ,‬ومتساوين في الحقوق‪ ،‬وضمن كذلك حريّة الرّأي لك ّل مواطـن‪ ،‬بم ا فيه ا م ا‬

‫يتعلّق بمسائل ال ّدين‪.72‬‬

‫وبهذا وض عت الث ورة الفرنس يّة أس س النظ ام ال ديمقراطي الح ديث‪ ،‬بإقراره ا‬

‫سيادة األ ّمة‪ ،‬وتبنّي النظام النيابي‪ ،‬ورفعها لشعار "الحرية واإلخاء والمساواة"‪.‬‬

‫فمع بداية شهر جويلية ‪1789‬م‪ ،‬كانت الثورة قد تمّت من الناحية القانونيّ ة‪ ,‬ب إقرار‬

‫س يادة األ ّم ة‪ ,‬حيث اجتمعت الهيئ ات العمومي ة‪ ،‬وال تي ك انت تتش ّكل من ممثّلين من‬

‫النبالء ورجال ال ّدين والعا ّمة‪ ,‬وفرض في األخير ممثّلو الشعب رأيهم الذي يعتنق مب دأ‬

‫سلطان األ ّمة‪ ،‬ووضعوا ه ذا المب دأ موض ع التنفي ذ‪ ،‬واعت بروا وظيفتهم تمثي ل اإلرادة‬

‫العامة لأل ّمة؛ فكان ذلك سببا ً في تحويل المب دإ ال ديمقراطي من مب دإ سياس ي إلى مب دإ‬

‫قانوني‪ ,‬وكان لتحالف النواب دور في القضاء على الملكية المطلقة‪.73‬‬

‫أبوراس (محمد الشافعي)‪ ،‬نظم الحكم المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.331 .‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪72‬‬
‫‪.TOUCHARD (Jean), Histoire des idées politiques, op.cit, t.2, pp .461-462‬‬
‫‪.SOBOUL (Albert), La révolution français 1789-1799, Editions Sociales, paris, 1951, p. 94 et suiv 73‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الثورة األمريكية(‪1776E‬م)‬

‫لقد انتقلت التجربة الديمقراطية من إنجلترا إلى مس تعمراتها في أمريك ا‪ ,‬بع د أن‬

‫استم ّدت من دع اة المب ادئ الديمقراطي ة أمث ال"ل وك" و"روس و" و"مونتس كيو" ق ّوة‬

‫دافعة جديدة‪ ،‬فأعلنت استقاللها (عـام ‪1776‬م)‪،‬وحرصت عندما أقامت االتّحاد المركزي‬

‫(عام ‪1787‬م) على إقرار المبدإ الديمقراطي‪ ،‬وكفالة ما يقتضيه من أحكام ومبادئ‪.74‬‬

‫ولم تكن الث ورة األمريكي ة ث ورة ض ّد نظ ام آخ ر‪ ،‬ب ل ك انت عب ارة عن ث ورة‬

‫السكان ض ّد األش راف والش ركات التجارية‪ ,‬وذل ك بقي ادة بعض المف ّك رين‬
‫ّ‬

‫والبورجوازيين‪ ,‬الذين أدرك وا ش روط نج اح الث ورة‪ ،‬والمتمثّل ة في ض رورة اعتن اق‬

‫المجتم ع إليديولوجيّ ة تو ّح دهم ض ّد المحتّ ل اإلنجل يزي‪ ,‬ووج دوا ذل ك في األفك ار‬

‫الفلس فيّة الح رّة المعتنق ة في أورب ا‪ ،‬ف اعتبرت الحري ة واالس تقالل وتقري ر المص ير‬

‫المبادئ األساسية للثورة األمريكية؛ ومن ث ّم أصبحت الثورة عبارة عن مقاومة مجتمع‬

‫ليبرالي جديد لنظام ملكي و إرستقراطي قديم‪.75‬‬

‫لذا يمكن اعتبار الثورة األمريكيّة من المن ابع األساس يّة في ظه ور الديمقراطي ة‬

‫اللّيبرالية وإرساء قواعدها‪ ,‬وق د لعبت أس باب داخليّ ة وخارجيّ ة دورًا في ظه ور ه ذه‬

‫الثـورة وانتشارها‪ ,‬والتي من أه ّمها ارتفاع قيمة الضرائب المفروضة على األمريكيين‬

‫‪ 74‬الجرف (طعيمة)‪ ،‬نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.223-222.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp.49-50‬‬
‫من قِبل البرلمان اإلنجليزي‪ ,76‬إض افة إلى ت ذ ّمر األمريك يين من التبعيّ ة إلى بريطاني ا‬

‫عا ّمة‪ ،‬وإلى سلطة برلمانها خاصّة‪.77‬‬

‫وقد أسفرت الثورة األمريكيّة‪ -‬بع د كف اح مري ر‪ -‬عن نت ائج إيجابيّ ة من أه ّمه ا‪:‬‬

‫االنفصال عن بريطانيا وسلطة برلمانها‪ ،‬وظهور أ ّول دس تور أم ريكي ‪-‬ال ذي يعدّ من‬

‫أقدم الدساتير‪ -‬والذي نصّ في بنوده األولى على حقوق اإلنسان‪ ،‬وضرورة احترامها‪،‬‬

‫ق السعي والعمل لتحقيق السعادة‪ ،‬والح ّ‬


‫ق‬ ‫ق اإلنسان في الحياة والحرية‪ ،‬وح ّ‬
‫والسيّما ح ّ‬

‫ق اختيار الح ّكام‪ ،‬وجعل حماية األف راد وحق وقهم الش رعية من مه ام‬
‫في المساواة‪ ،‬وح ّ‬

‫المحكم ة العليا‪78‬؛ وهك ذا ك ان للث ورة األمريكي ة ال دور الف ّع ال في إث راء الفك ر‬

‫الديمقراطي‪ ,‬من خالل نتائجها وما نصّ عليه دستورها‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اتّصال أوربا بالعالم اإلسالمي‬

‫لقد كان للحضـارة اإلسالمـيّة الدور الفعّـال في التأثير على أفكـار كث ير من‬

‫الشعوب؛ وذلك لما تحمله هذه الحضارة من معا ٍن ساميّة‪ ،‬ومبادئ راقية؛ حيث أعجب‬

‫كث ير من الفالس فة والمفكّ رين به ذه األفك ار والمب ادئ‪ ،‬وس عوا إلى ترجمته ا نظريً ا‬

‫وواقعيًا‪ .‬واألوربيون أنفسهم يقرّون ّ‬


‫بأن النظام الديمقراطي هو «‪ ‬نتيجة تط ّور تاريخي‬

‫‪ 76‬الغ‪EE‬زال (إس ماعيل)‪ ،‬الق‪EE‬انون الدس‪EE‬توري والنظم السياس‪EE‬ية‪ ،‬المؤسس ة الجامعي ة للدراس ات والنش ر والتوزي ع‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1989 ،4.‬م‪ ،‬ص‪.284 .‬‬
‫‪77‬‬
‫‪.TOUCHARD (Jean), Histoire des idées politiques, op.cit., p .451‬‬
‫‪78‬‬
‫‪.Ibid., pp. 453-454‬‬
‫بعيد المدى‪ ,‬اس تُم ّدت كث ير من قوانين ه من األنظم ة السياس يّة ال تي س ادت أورب ا في‬

‫القرون الوسطى‪ ،‬ومن التراث اإلنساني‪ ,‬وتح ّولت تدريجيًا حتى أصبحت أساسًا لنظ ام‬

‫جديد‪ ،‬مستفيدة من عناصر قديمة بما يتّفق ومنطقها‪.79» ‬‬

‫وكان من ثمرات التط ّور في وسـائل النقـل واالتّصال‪ ،‬أن تع ّرف األوربيون من‬

‫خالل حجّهم‪ ,‬وحروبهم الصليبيّة على العـالم اإلسالمي وحضارتـه العريقـة؛ م ّما ك ان‬

‫له وقع الصدمة النفسيّة التي ساهمت في إيقاظ أوربا من غفوة اإلقطاع‪ ،‬وغيبوبة ال ّدين‬

‫الكنس ي‪ ،‬ودكتاتوريّ ة المل وك اإلرس تقرطيين‪ ،‬م ّم ا أثّ ر في انقالب البني ان‪ ,‬والقيم‬

‫االجتماعية؛ فكـان النظام الديمقـراطي الح ّر ثمرته ا‪ ،‬كم ا ك ان له ذا الفك ر النهض وي‬

‫‪-‬المتأثّر بالحضارة اإلسالميّة‪ -‬دوره الريادي في الثورة على العه د الق ديم‪ ،‬ورم وزه‪،‬‬

‫ومؤسساته‪ ،‬وقيمه‪.80‬‬
‫ّ‬

‫فك انت ه ذه الحقيق ة الجليّ ة‪ ،‬س ببًا في اع تراف المنص فين من الغ رب بفض ل‬

‫الحضارة اإلسالميّة في تغي ير أوض اعهم‪ ،‬حيث أق رّوا بأنّه «‪ ‬لم يب دأ ازده ار الغ رب‬

‫ونهضته‪ ،‬إالّ حين بدأ احتكاكه بالعرب سياسيًا‪ ,‬وعلميًا‪ ,‬وتجاريًا‪.81» ‬‬

‫ولم يكن دور المسلمين يقتصر على نقل التراث اليوناني فقط‪ ،‬بل ّ‬
‫إن مس اهمتهم‬

‫إن المسلمين ظلّوا ثماني ة ق رون يش عّون على‬


‫فاقت ما تركته "أثينا" و "روما"‪ ،‬حيث ّ‬
‫‪79‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p.42‬‬
‫‪ 80‬الغنوشي (راشد)‪ ،‬الحريات العامة في الدولة اإلس‪EE‬المية‪ ،‬مرك ز دراس ات الوح دة العربي ة‪ ،‬ب يروت‪،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ص‪.76-75 .‬‬
‫‪ 81‬هونكه (زيغريد)‪ ،‬شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬ترجمة‪ :‬فاروق بيضون وكمال دسوقي‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1981 ،5‬م‪،‬ص ‪.541‬‬
‫العالم عل ًما‪ ،‬وفنّا ً‪ ،‬وأدبًا‪ ،‬وحضارة‪ ،‬كما أخذوا بيد أوربا‪ ،‬وأخرجوها من الظلم ات إلى‬

‫النور‪ ،‬ونشروا لواء المدنيّة أينما ذهبوا‪ ،‬سواء في آسيا‪ ،‬أم في إفريقيا‪ ،‬أم في أوربا‪.82‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫مفاهيم الديمقراطية الغربية‪ ،‬وخصائصها‬

‫مصطلح "الديمقراطية" من المصطلحات التي راجت كثيرًا في مجال السياس ة‪،‬‬

‫والقانون‪ ،‬وحتّى في األوساط الشعبيّة؛ وهي من المصطلحات ال تي ك ثر فيه ا الج دل‪،‬‬

‫وتن ّوعت فيها اآلراء‪ ،‬واختلفت فيها التطبيقات‪.‬‬

‫وإذا كان المدلول اللّغوي لهذا المص طلح ق د اتُّف ق عليه‪ ,‬إالّ ّ‬
‫أن األوص اف ال تي‬

‫أُعطيت للنظام الذي يجسّد مبادئه قد تن ّوعت‪ ،‬واختلفت كذلك األنظمة التي تتبنّاه‪.‬‬

‫فقد اتّسع ه ذا المص طلح ح ت ّى ش مل أنظم ة سياس يّة متن ّوع ة‪ ,‬وه و مطّ اط إلى‬

‫درجة أنّه يتح ّمل أنظمة ذات توجّهات مختلفة‪.‬‬


‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.12-11.‬‬ ‫‪82‬‬
‫ورغم ك ّل هذا‪ ،‬تبقى هناك سمات مش تركة تميّ ز النظ ام ال ديمقراطي عن غ يره‬

‫من األنظمة األخرى‪ -‬نظرياً وعملياً‪.‬‬

‫وفي بحثنا هذا ق د ح ّددنا الديمقراطي ة المقص ودة بالدراس ة وهي "الديمقراطي ة‬

‫الغربية"؛ وذلك حتّى نُخ رج األن واع األخ رى من الديمقراطي ة‪ ،‬ال تي تختل ف اختالفاً‬

‫جوهريا ً عن الديمقراطية الغربيّة‪.‬‬

‫ولدراسة المفاهيم المختلفة للديمقراطية الغربيّة‪ ،‬وتعيين أوصافها‪ ،‬وتمييزها عن‬

‫غيرهـا من الديمقراطيات‪ ،‬وتحديد أه ّم خصائصها‪ ،‬فقد قسّمنا هذا الفصل إلى المبحثين‬

‫اآلتيين‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ونتناول فيـه مفـاهيـم الديمقراطيـة الغربيـة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬ونتح ّدث فيه عن خصائص الديمقراطية الغربيـة ‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫مفاهيم الديمقراطية الغربية‬
‫تعتبر الديمقراطية الغربية من األنظمة ال تي حظيت باهتم ام ب الغ‪ ،‬من الب احثين‬

‫والمفكّرين والفالسفة والسياسيين‪ ,‬سواء بالبحث عن ماهيّتها وتحديد مدلولها وأصولها‬

‫التاريخيـة‪ ،‬أم بالبحث عن شروط تحقيقها‪ ،‬وحت ّى بانتقاده ا وإظه ار م واطن الض عف‬

‫فيها‪.‬‬

‫ونظرا لكثرة من ي ّدعي تط بيق الديمقراطي ة‪ ،‬وح ت ّى من خص ومها‪ ،‬فق د اجته د‬


‫ً‬

‫الباحثـون في تحديد الديمقراطية الغربية‪ ،‬من حيث تعريفها‪ ،‬وبيان أوصافها‪ ،‬و تحدي د‬

‫التسميات المختلف ة له ا‪ ،‬وتمييزه ا عن غيره ا من ال ديمقراطيات‪ ،‬وك ذا تحدي د معنى‬

‫الديمقراطية كمذهب‪ ،‬وكنظام للحكم‪.‬‬

‫قسمنا هذا المبحث إلى المطالب اآلتية‪:‬‬


‫ولدراسة هذه العناصر ّ‬

‫المطلـب األول‪ :‬وفيـه نتعـرّض إلى التعـاريـف المختـلفـة للديمقـراطيـة‪.‬‬

‫المطلب الثـاني‪ :‬ونتناول فيـه األوصـاف المتعـ ّددة للديمقـراطيـة الغربـيـة‪.‬‬

‫ونتعرض فيه إلى الديمقراطيات المختلفـة عن الديمقراطيـة الغربيـة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫المطلب الثالث‪:‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬ونتح ّدث فيه عن الديمقراطية كمـذهـب‪ ،‬وكنظـام للحكـم ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التعاريف المختلفة للديمقراطية‬


‫الفرع األول‪ :‬األصل اللّغوي لمصطلح "الديمقراطية"‬

‫(ذات أصل إغ ريقي أو يون اني‪ ،‬وتع ني حكم‬ ‫(‪ Démocratie ‬‬ ‫كلمة "الديمقراطية"‬

‫الش عب‪ ,‬أو س لطة الش عب‪ ،‬فهي تتك ّون في اللّغ ة اليونانيّ ة القديـمة مـن مقطعـين‪:‬‬

‫وتعني السيادة أو الحكومة أو السلطة‪ ،‬فإذا جمعنا‬ ‫و)‪( Kratos ‬‬ ‫)‪ ( Demos ‬وتعني الشعب‪،‬‬

‫المقطعين توصّلنا إلى المعنى اللّغوي للديمقراطية وهو "حكم أو سيادة الشعب"‪.83‬‬

‫فهذه الكلمة اليونانيّة مركّبة تركيبًا مزجيًا‪ ،‬وقد سرت هذه الكلمة من اليونان إلى‬

‫جميع اللّغات قديمها وحديثها‪.84‬‬

‫فنيا أو اصطالحيًا خالف هذا المفهوم اللّغ وي‪ ،‬وظ ّل‬


‫ولم تأخذ هذه الكلمة معنى ًّ‬

‫هذا المعنى إلى اآلن‪.85‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التعريف االصطالحي للديمقراطية‬

‫لقد ُع ّرفت الديمقراطية بع ّدة تعاريف مختلفة‪ ،‬وذلك باختالف زاوية النّظر‬

‫إليها؛ إذ ّ‬
‫إن الديمقراطية ليست مجرّد شكل من أش كال الحكم‪ ،‬ب ل هي ن وع من أن واع‬

‫‪83‬‬
‫‪PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p.49‬‬
‫ص‪.735-734.‬‬
‫ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫‪84‬‬

‫أبوراس (أحمد الشافعي)‪ ،‬نظم الحكم المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.328 .‬‬ ‫‪85‬‬
‫الدول‪ ،‬كما أنّها نظام من نظم المجتمع‪ ,‬وتعني كذلك بمعناها الواسع "مكانة سياس يّة"‪،‬‬

‫و" تص ّور أخالقي " و" حالة اجتماعيّة "و" اإليمان بالرّجل العادي"‪.86‬‬

‫ومن التعاريف الكثيرة للديمقراطية نذكر‪:‬‬

‫أوال‪ :‬من السياس يين ال ذين عرّف وا الديمقراطي ة‪ ،‬ن ذكر ال رئيس األم ريكي‬

‫(‪1809-1865‬م)‪ ،‬ال ذي ع رّف الديمقراطي ة بتعري ف ش اع‬ ‫ولن"(‪)Lincolin‬‬ ‫"إبراه ام لنك‬

‫واشتهر‪ ,‬إلى درجة اعتماده‪ ،‬واعتباره أفضل تعريف للديمقراطية عند بعض الباحثين‪.‬‬

‫وقد ق ّدم "لنكولن" هذا التعريف في خطاب عام بتاريخ ‪ 19‬نوفم بر ‪1863‬م‪ ،‬وق ال في ه ّ‬
‫إن‬

‫الديمقراطية هي‪ « :‬حكم الشعب‪ ،‬من قِبَل الشعب‪ ،‬ومن أجل الشعب‪.87» ‬‬

‫ويعني في تعريف ه ه ذا ّ‬
‫أن البل د يك ون ديمقراطياً عن دما يك ون المحكوم ون هم‬

‫الح ّكـام‪ ،‬أو عندما يشترك أكبر عدد من المحكومين في ممارسة السلطة بشكل مباش ر‪.‬‬

‫وهذا التعريف جيّد‪ ،‬ألنّه ينطبق أكثر ما يكون على الواقع‪ ،‬ولكنّه ليس تعريفًا دقيقًا كما‬

‫د ّل على ذلك تط ّور األنظمة الجديدة خالل السنوات الخمسين الماضية‪.88‬‬

‫كما ّ‬
‫أن الجديد في هذا التعريف هو ما أضافه الرئيس األمريكي إلى الديمقراطية‬

‫من معنى جديد‪ ،‬يتمثّل في كون ّ‬


‫أن غاية السلطة فيها "ألجل الشعب"‪.‬‬

‫د‪.‬ط‪1973 ،‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫نصـر (محمد عبد المع ّز)‪ ،‬في النظـريات والنظـم السياسية‪ ،‬دار النهـضة العربية‪ ,‬بيروت‪،‬‬ ‫‪86‬‬

‫‪.166-163‬‬
‫جـ‪ ،1.‬ص‪.303.‬‬
‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫‪87‬‬

‫هوريو ( أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري و المؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.303 .‬‬ ‫‪88‬‬
‫ثانيا‪ :‬ومن تعريفات المف ّكرين السياسيين والفالسفة‪ ,‬نذكر تعريف المف ّكر‬

‫الفرنسي الشهير "مونتسكيو" الذي يع ّرف الديمقراطية بقول ه‪ « :‬حينم ا يك ون الش عب‬

‫في مجموعه السلطة السيادية العليا‪ ,‬فهذه هي الديمقراطية‪.89» ‬‬

‫ونالحظ في هذا التعريف أنّه أص اب ج وهر الديمقراطي ة؛ حيث اعت بر الش عب‬

‫العص ب ال رئيس في الديمقراطي ة‪ ،‬وأعطى األهميّ ة للش عب بمجموع ه‪ ،‬دون تحدي ده‬

‫بالشعب السياسي فقط‪.‬‬


‫ّ‬

‫ثالثا‪ :‬كما عبّر الكاتب والفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو" عن الديمقراطية‬

‫بقوله‪ « :‬يستطيع ص احب الس يادة في المق ام األ ّول أن يعه د بأمان ة الحكم إلى الش عب‬

‫كلّ ه‪ ،‬أو إلى الج زء األك بر من ه؛ بحيث يك ون هن اك من المواط نين الحكّ ام أك ثر من‬

‫المواطنين األفراد‪ ،‬ويطلق على هذا الشكل من الحكومة اسم "الديمقراطية"‪.90» ‬‬

‫أن ص احبه يع ترف بأنّه لم تقم‪ ,‬ولن تق وم ً‬


‫أبدا‬ ‫والمالح ظ على ه ذا التعري ف ّ‬

‫ديمقراطية صحيحة بمعناها الدقيق‪ ،‬وخلص إلى الق ول ب ّ‬


‫أن البش ر ال يس تطيعون حكم‬

‫أنفسهم ديمقراطيًا‪ ،‬إالّ إذا كانوا آلهة‪.91‬‬

‫ص‪.122.‬‬ ‫عبد الوهاب (محمد رفعت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪1993 ،.‬م‪،‬‬ ‫‪89‬‬

‫روسو (جان جاك)‪ ،‬العقد االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.116.‬‬ ‫‪90‬‬

‫ليبسون (ليسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25.‬‬ ‫‪91‬‬


‫رابعا‪ :‬ويع ّرفها العالم الفرنسي المعاصر "مارسيل بريلو" (‪ )Prélot‬بقولـه‪ّ  « :‬‬
‫إن‬

‫النظام ال ديمقراطي ه و ذل ك النظ ام ال ذي يحقّ ق مش اركة غالبيّ ة ّ‬


‫الش عب في ش ؤون‬

‫السلطة العليا‪ ،‬على نحو فعّال وحقيقي‪ ،‬بحيث تكون لل ّشعب الكلمة العليا‪.92» ‬‬

‫ونالح ظ على ه ذا التعري ف ّ‬


‫أن ص احبه ق د أعطى األهميّ ة القص وى لعنص ر‬

‫غالبي ة الش عب مش اركة في‬


‫ّ‬ ‫"الش عب" وب األخصّ المش اركة الش عبيّة؛ بحيث تك ون‬

‫شؤون السلطة العليا وبفعّاليّة حقيقيّة‪ ،‬ويكون للشعب‪ -‬في عمومه‪ -‬الكلمة العليا‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬و ُع ّرفت الديمقراطية كذلك بتعريفات تلقي الضوء على بعض أهدافها‬

‫ومبادئه ا‪ ،‬ومن ه ذه التعريف ات ن ذكر تعري ف "م اكيفر"(‪ )MacIver‬ال ذي يق ول ّ‬


‫إن‬

‫«‪ ‬الديمقراطية هي رقاب ة الش عب على الحكومة‪ ،93» ‬كم ا يعبّ ر "ب يرنز"(‪ )Burns‬عن‬

‫أن جمي ع النّ اس متس اوون‪ ،‬لِيُس تعمل من أج ل‬


‫الديمقراطية بقول ه‪ « :‬هي االف تراض ّ‬

‫اكتشاف من هم خير النّاس‪.94» ‬‬

‫ويبدو ّ‬
‫أن هذين التعريفين يعبّران فق ط عن بعض أه داف الديمقراطي ة ومبادئها‪,‬‬

‫كالرّقاب ة الش عبيّة‪ ،‬والمس اواة؛ ل ذلك ال يمكن اعتمادهم ا كتعري ف للديمقراطي ة من‬

‫الناحية القانونيّة أو السياسيّة‪.‬‬

‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, p.59 92‬‬


‫ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ,‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.220.‬‬ ‫‪93‬‬

‫نصر (محمد عبد المع ّ‬


‫ز)‪ ،‬في النظريات والنظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.220 .‬‬ ‫‪94‬‬
‫سادسا‪ :‬واعتبر بعض الباحثين الديمقراطية تسميّة سلبيّة يراد بها ّ‬
‫أن «‪ ‬الحكم‬

‫الديمقراطي غير حكم الفرد المطلق‪ ،‬وغير حكم األشراف‪ ،‬وغير حكم الكهّ ان‪ ،‬وغ ير‬

‫حكم الق ادة العس كريين‪ ،‬وم ا ع دا ذل ك من ض روب الحكم‪ ،‬ال تي ليس للش عب فيه ا‬

‫نصيب‪.95» ‬‬

‫فق د نفى ص احب ه ذا التعري ف (العقّ اد) عن الديمقراطي ة م ا ليس منه ا؛ ل ذلك‬

‫اعتبره تعريفًا سلبيًا‪ ,‬فاستبعد من الحكم الديمقراطي ك ّل حكم ليس للشعب في ه نص يب‪،‬‬

‫وك ّل حكم تستأثر به طبقة معيّنة‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬أ ّما الفقه المعاصر فقد اتّجه إلى تعريف الديمقراطية بأنّها «‪ ‬الحكومة‬

‫التي تقوم على أساس السيادة الشعبيّة‪ ،‬وتحقّق للمواطنين الحرية والمس اواة السياس يّة‪،‬‬

‫وتخضع السلطة فيها لرقابة رأي عام حرّ‪ ،‬له من الوسائل القانونيّة ما يكفل خض وعها‬

‫لنفوذه‪.96» ‬‬

‫وقريب من ه ذا التعري ف اق ترح الب احث المعاص ر"أن ور أحم د رس الن"‪ -‬في‬

‫أطروحته للدكتوراه‪ -‬تعريفًا يتعلّ ق بالديمقراطي ة الكامل ة أو المثاليّ ة‪ ،‬أي الديمقراطي ة‬

‫كم ا يجب أن تك ون‪ ،‬واعت بر ّ‬


‫أن الحكم على أ ّ‬
‫ي نظ ام سياس ي‪ ،‬وإس باغ الص فة‬

‫الديمقراطي ة عليه‪ّ ،‬إنم ا يك ون بق در اق تراب ه ذا النظ ام من مقتض يات الديمقراطي ة‬

‫الكاملة‪ ,‬فعرّف الديمقراطي ة بقول ه‪ « :‬هي نظ ام الحكم ال ذي يق ّر س يادة الش عب‪ ،‬بم ا‬
‫العقّاد (عبّاس محمود)‪ ،‬الديمقراطية في اإلسالم ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.13-12.‬‬ ‫‪95‬‬

‫شيحا (إبراهيم عبد العزيز)‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.285 .‬‬ ‫‪96‬‬
‫تتض ّمنه من كفالة الحرية الفعليّة للجميع‪ ،‬وتقرير مشاركة الشعب في ممارسة الس لطة‬

‫في كافّ ة المج االت‪ ،‬السياس يّة واالقتص اديّة واإلداريّ ة‪ ،‬وإخض اع الس لطة للق انون‬

‫ولرقابة الرأي العام‪.97» ‬‬

‫ويمكن اعتب ار التع ريفين الس ابقين ق د تض ّمنا أه ّم ج وانب الحكم ال ديمقراطي‬

‫القريب من الكمال‪ ،‬كما تض ّمنا كذلك أه ّم العناص ر األساس يّة للممارس ة الديمقراطي ة‪،‬‬

‫وشروط نجاحها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أوصاف الديمقراطية الغربية‬


‫لقد ُعرفت الديمقراطية الغربية بع ّدة أوص اف وتس ميات‪ ,‬وكلّه ا ذات مض مون‬

‫واحد‪ ،‬وإنّما تع ّددت تسمياتها بتع ّدد أوصافها والجهة المنظور إليها‪.‬‬

‫فمرة تأخذ وصف الجهة ال تي تطبّ ق فيه ا (الديمقراطي ة الغربي ة)‪ ،‬وم رّة تأخ ذ‬
‫ّ‬

‫وصف اإليديولوجيّة التي تتبنّاها (الديمقراطية اللّيبراليّة)‪ ،‬ومرّة تأخ ذ وص ف الزم ان‬

‫ال ذي طبّقت فيه‪ ,‬وتط ّورت في ه (الديمقراطي ة الحديث ة)‪ ،‬ومرّة تأخ ذ وص ف طبيع ة‬

‫األفك ار والمب ادئ ال تي تتبنّانه ا (الديمقراطي ة التقليديّ ة)‪ ،‬وم رّة تأخ ذ وص ف حقيق ة‬

‫أهدافها وخصائصها (الديمقراطية السياسيّة)‪.‬‬

‫وقد خ ّ‬
‫صصنا هذا المطلب لدراسة هذه األوص اف أو التس ميات‪ ،‬وبي ان حقيقته ا‬

‫وأسبابها‪.‬‬

‫‪.115‬‬ ‫رسالن (أحمد أنور)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪97‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تسمية‪" E‬الديمقراطية الغربية"‬

‫نُسبت هذه الديمقراطية إلى الغرب‪ ،‬فس ّميت بالديمقراطية الغربيّة ألنّها‬

‫ظهرت وطبّقت في الدول الغربية؛ ولهذا أصبحت تعرف بـ "الديمقراطي ة الغربية"‪،98‬‬

‫وهي الديمقراطية التي أخذت بها دول أوروبا الغربيّ ة‪ ،‬كبريطانيا‪ ،‬وفرنس ا‪ ،‬وبلجيك ا‪،‬‬

‫وغيرها من الدول األوربيّة‪ ،‬وكذا الواليات المتّحدة األمريكيّة‪.‬‬

‫وهذه الديمقراطية هي التي اتّخذتها الثورة الفرنسيّة أساس ًا لدس اتيرها‪ ،‬واتّبعته ا‬

‫باقي الدول األوربيّة‪ ،‬وحتى خارج أوربا؛ ففي أعقاب الح رب العالمي ة األولى ج اءت‬

‫بالنص على ذلك صراحة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫دساتير كثير من الدول مق ّررة لنظام الحكم الديمقراطي‪ ,‬إ ّما‬

‫النص على ّ‬
‫أن "األمّة" أو "الشعب" مصدر السلطات‪.99‬‬ ‫ّ‬ ‫وإ ّما ب‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تسمية‪" E‬الديمقراطية الحديثة"‬

‫س ّميت هذه الديمقراطية ك ذلك بالديمقراطي ة الحديثة؛ وذل ك تمي ي ًزا له ا عن‬

‫الديمقراطي ة القديم ة‪ ،‬المطبّق ة في ك ّل من م دن اليون ان القديم ة والروم ان؛ فهي‬

‫الديمقراطية التي انبعثت في العصور الحديثة‪ .‬فهناك اختالف بين الديمقراطية القديم ة‬

‫والديمقراطية الحديثة‪ ،‬سواء من جانب طريقة ممارسة الشعب لس لطاته‪ ،‬أم من ج انب‬

‫‪ 98‬بسيوني (عبد الغني)‪ ،‬النظم السياسية (أسس التنظيم السياسي)‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪1991،.‬م‪،‬‬
‫ص‪.189.‬‬
‫‪ 99‬غزوي (محمد سليم)‪ ،‬نظرات حول الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.31.‬‬
‫المفاهيم التي تقوم عليها ك ّل منهم ا‪ ،‬فالديمقراطي ة القديم ة ال تع رف الحري ة بمعناه ا‬

‫ضا اختالف في المذهب الفلسفي الذي تقوم عليه ك ّل منهما‪ ،‬إض افة‬
‫الحديث؛ وهناك أي ً‬

‫أن الديمقراطي ة القديم ة ال تع رف الديمقراطي ة إالّ كنظ ام للحكم –خالف‬


‫إلى ّ‬

‫الديمقراطية الحديثة‪.100‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تسمية "الديمقراطية‪ E‬السياسية"‬

‫وتس ّمى هذه الديمقراطية كذلك بالديمقراطي ة السياس يّة‪ ,‬وهي تع ني حكوم ة‬

‫بواسطة الشعب (‪ ،) Gouvernement par le peuple ‬وهي تستهدف أساسًا المساواة السياسيّة‬

‫بين األف راد‪ ،‬أي المس اواة في ف رص الحكم‪ ،‬واح ترام الحق وق والحري ات العام ة‪،‬‬

‫ومحاولة التوفيق بينها وبين مقتضيات النظام وال ّ‬


‫صالح العام؛ فهي مقابل "الديمقراطية‬

‫االجتماعيّة" التي تزعم أنّها تحكم لصالح الشعب (‪.101) Gouvernement pour le peuple ‬‬

‫فه ذه الديمقراطي ة السياس يّة تنـزع نح و المث ل العلي ا‪ ،‬وترتب ط بفك رة الحري ة‬

‫السياسيّة والحريات الفرديّة؛ فهي مسألة عقيدة وإيمان بفكرة سياسيّة‪.‬‬

‫كما سميّت بالديمقراطية السياسيّة ألنّها مذهب روحاني سياسي‪ ,‬بعيد عن الم ادة‬

‫والفكر المادي؛ فالديمقراطية هذه مس ألة "عق ل وقلب" وليس ت مس ألة "خ بز وزب د"‪,‬‬

‫فالذي تعنى به هو إقرار نظام حكم سياسي يستند إلى إرادة وحرية الشعب‪ ،‬ويتمتّع في‬

‫‪ 100‬متولي (عبد الحميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.108.‬‬
‫‪ 101‬الخطيب (زكريا عبد المنعم)‪ ،‬نظام الشورى في اإلسالم ونظم الديمقراطية المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.248.‬‬
‫ظلّه األف راد بحري اتهم وحق وقهم األساس يّة على قَ َدم المس اواة‪ ،‬وهي ال ترتب ط بنظ ام‬

‫اقتصادي أو مادي معيّن‪.102‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬تسمية "الديمقراطية‪ E‬الليبراليّة"‬

‫تس ّمى هذه الديمقراطية ك ذلك بالديمقراطي ة اللّيبراليّة؛ ّ‬


‫ألن ال دول المطبّق ة له ذه‬

‫الديمقراطية تتبنّى النظام اللّيبرالي‪.‬‬

‫ففي هذا الشكل من الديمقراطية تُعتبر الحرية في ه العنص ر األساسي‪ ,‬ويفهم في ه‬

‫أن الحكومة "من أج ل الش عب" أنّه الحكم من أج ل تط ّور الش عب بش كل ح رّ‪،‬‬
‫معنى ّ‬

‫وإعطاء الحري ة لك ّل من األف راد ال ذين يشكّلون الش عب؛ ففي الديمقراطي ة اللّيبراليّ ة‬

‫يمكن حماية الحرية في مجالين‪ :‬مجال العمل الحك ومي‪ ،‬حيث تُت اح الحري ة لآلراء ّ‬
‫أن‬

‫تتع ّدد ح ول إدارة ورعاي ة الش ؤون العام ة‪ ,‬وفي مج ال العالق ات بين الح ّك ام‬

‫والمحكومين‪ ،‬حيث يظهر اح ترام ه ذه الحري ة بص ورة أساس يّة بالتّأكي د على حق وق‬

‫األفراد‪ ،‬وبعدم افتئات الدولة عليها‪ ،‬مهما بلغت ق ّوة األكثريّة المؤيّدة له ا‪ّ ،‬‬
‫ألن الحق وق‬

‫هي التي تحفظ لألفراد استقاللهم الذاتي‪.103‬‬

‫‪102‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, pp.61-62‬‬
‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.304-303.‬‬ ‫‪103‬‬
‫وإن تفس ير التن اقض بين الديمقراطي ة اللّيبراليّ ة والديمقراطي ة التس لّطية (أو‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫تفض ل مفه وم الحري ة‪ ،‬والثاني ة تعطي‬ ‫الماركسيّة)‪ ،‬تل ّخصه الفكرة القائلة ب ّ‬
‫أن األولى‬

‫األفضليّة لمفهوم المساواة‪.104‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬تسمية‪" E‬الديمقراطية التقليديّة" (الكالسيكيّة)‪E‬‬

‫أنّه في علم من العلـوم أو في ّ‬


‫فن من الفن ون‪ ،‬نس تطيع أن‬ ‫(‪)Vedel‬‬ ‫يرى "فيديل"‬

‫نقول إنّنا نع ّد في عصر كالسيكي‪ ،‬حين نجد بين مختلف المذاهب وبين مختلف العلماء‬

‫والباحثين بعض المبادئ أو األفكار األساسيّة نجحت وسادت‪.105‬‬

‫فهذه الدول التي تتبنّى في دس اتيرها الديمقراطي ة التقليديّ ة‪ ،‬وبوج ه خ اص دول‬

‫أوربا الغربيّة‪ ,‬على ال ّرغم من بعض الخالفات التي تفصل بين دساتيرها‪ ،‬إالّ أنّه توجد‬

‫مبادئ مشتركة بينها‪ ,‬كمبدإ الحق وق الفرديّ ة‪ ،‬أو الحري ات العام ة‪ ،‬ومب دإ الفص ل بين‬

‫السلطات‪ ،‬والنظام النيابي‪...‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الديمقراطيات المختلفة عن الديمقراطية الغربية‬


‫إن مص طلح "الديمقراطي ة" تتبنّ اه أنظم ة أخ رى‪ ,‬تختل ف عن الديمقراطي ة‬
‫ّ‬

‫الغربيّة اختالفًا جوهريًا‪ ,‬في اتّجاهها ومبادئه ا وأفكاره ا‪ ,‬ب ل إنّه ا ظه رت ك ردّ فع ل‬

‫على مبادئ الديمقراطية الغربيّة‪ ،‬واشتهرت بانتقادها لها‪.‬‬


‫المرجع نفسه‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.309.‬‬ ‫‪104‬‬

‫‪105‬‬
‫‪.VEDEL (Georges), Droit constitutionnel, paris, 1949, p.184‬‬
‫صدد سنتطرّق –بإذن هللا تعالى‪ -‬إلى الديمقراطي ة االجتماعيّ ة‪ ,‬ال تي‬
‫وفي هذا ال ّ‬

‫هي في مقاب ل الديمقراطي ة السياس يّة‪ ،‬وط بيعي أن يختل ف مض مون ك ّل من‬

‫الديمقراطيتين باختالف تسميّتها‪:‬‬

‫وحت ّى الديمقراطية االجتماعية له ا ص ور مختلف ة‪ ,‬فهي وإن تبنّت ه ذه األفك ار‬

‫االجتماعيّ ة‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن تطبيقاته ا وأش كالها تختل ف‪ ,‬فهن اك الديمقراطي ة الماركس يّة‪،106‬‬

‫وهناك الديمقراطية الش عبيّة‪ ,‬وك ّل من ه اتين ال ديمقراطيتين له ا تطبيق ات عمليّ ة في‬

‫بلدان معيّنة‪.‬‬

‫وسنتط ّرق فيما يأتي إلى هذه الديمقراطيات ‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الديمقراطية االجتماعية‬

‫إذا كانت الديمقراطية الغربيّة تهتّم بقضيّة الحرية والمساواة السياسيّة‪ ,‬وذلك‬

‫لنشأتها في ظ ّل ظروف االستبداد والطغيان؛ فك ان من أولى أه دافها التخلّص من ه ذه‬

‫األوضاع‪ ,‬لذلك أقرّت الح ّ‬


‫ق في الحرية والمساواة السياسيّة‪ ،‬من أجل تمكين أكبر ع دد‬

‫من أفراد الشعب من االش تراك في ش ؤون الحكم‪ ،‬ف ّ‬


‫إن الديمقراطي ة االجتماعيّ ة ك ان‬

‫ظهورها نتيجة التط ّور الذي عرفته الص ناعة‪ ،‬وب روز الطبق ة العامل ة كق ّوة تس تطيع‬

‫‪ 106‬لالطّّالع على القواعد الفلسفية للماركسية انظر مثالً‪VEDEL (Georges), Les démocraties soviétiques et :‬‬
‫‪.populaires, Université de paris, Institut d' études politiques,1956-1957, t.1, p.3 et suiv‬‬
‫الت أثير في النظ ام السياس ي‪ ،‬ونتيج ة ض غوط األفك ار االش تراكيّة‪ ،‬ومب دإ االع تراف‬

‫ببعض الحقوق االقتصاديّة واالجتماعيّة إلى جانب الحقوق السياسيّة‪.107‬‬

‫ومن أه ّم خص ائص ه ذه الديمقراطي ة تركيزهـا على المس اواة الفعليـة بين‬

‫المواطنين في عالقاتهم؛ فهي تعتمد على مبدإ تحقي ق المس اواة الفعليّ ة بين المواط نين‬

‫وليس المساواة السياسيّة فقط ‪-‬كما هو الحال في الديمقراطية الغربية‪.108‬‬

‫ونظرا ألهميّ ة الج انب االجتم اعي واالقتص ادي لنج اح الديمقراطي ة‪ ،‬وت أثير‬
‫ً‬

‫األفكار االشتراكية‪ ،‬فقد امت ّد األخ ذ ببعض مظ اهر ه ذه الديمقراطي ة إلى ال دول ال تي‬

‫تعتن ق الديمقراطي ة السياس يّة كفرنسا‪ ،109‬فلكي تنجح الديمقراطي ة الب ّد من تقوي ة‬

‫الجوانب االقتصاديّة‪ ،‬فضعف المجتمع اقتصاديًا يخلق ج ًّوا من ع دم االس تقرار‪ ,‬ومن‬

‫ث ّم فمن الواجب وجود قاعدة اقتصاديّة صلبة‪.110‬‬

‫والحقيق ة ّ‬
‫أن كال الج انبين (السياس ي واالجتم اعي) ض روريان لتحقي ق‬

‫الديمقراطية الصّحيحة‪ ،‬التي تطمح إليه ا الش عوب‪ ،‬وال يمكن أن تح ّل إح داهما مك ان‬

‫األخرى‪.‬‬

‫‪-.BURDEAU (Georges), Droit constitutionnel et institutions politiques, L.G.D.J. , éd. 7, paris, 1957, p.148 et suiv‬‬ ‫‪107‬‬

‫ص‪70.‬‬
‫ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ 108‬هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.304 .‬‬
‫‪109‬‬
‫‪.BURDEAU (Georges), op. cit, p.66 et suiv‬‬
‫‪110‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), La démocratie sans le peuple, Edition de Seuil, paris, 1967, p.204‬‬
‫فالديمقراطي ة ال تتل ّخص فق ط على الص عيد السياس ي‪ ،‬ب ل على الص عيد‬

‫االقتص ادي واالجتم اعي‪ ،‬فهي تمت ّد بحيث تش مل إدارة االقتص اد‪ ،‬ومج ال األمن‬

‫الوطني‪ ،‬والعدالة‪ ،‬والشؤون الخارجيّة‪.111‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الديمقراطية الماركسية‬

‫وتس ّمى ه ذه الديمقراطي ة بالماركس يّة نس بة إلى الفيلس وف األلم اني "ك ارل‬

‫ماركس"(‪ ,112)Marx‬وتدرج هذه الديمقراطية ضمن الديمقراطية االجتماعيّة‪ ،‬وبصورة‬

‫متطرّفة‪ ،‬حتى ُوصفت بالديمقراطية التسلّطيّة‪.‬‬

‫وه ذا الش كل من الديمقراطي ة ير ّك ز على الس لطة‪ ،‬وعلى اإلجم اع في العم ل‬

‫الحكومي‪ ،‬وهو مفهوم للديمقراطية تص ّوره "روسو"‪ ،‬وط ّوره "ماركس" وأتباعه‪.113‬‬

‫ويعت بر اله دف األمث ل للديمقراطي ة الماركس يّة هو البحث عن التواف ق الكام ل‬

‫(اإلجم اع)؛ وذل ك يت ّم –حس بهم‪ -‬عن طري ق خل ق الظ روف الموض وعيّة للحري ة‬

‫الحقيقيّة بواسطة الثورة‪ ،‬أي إلغاء الطبقات وإقرار المساواة الفعليّة بين النّاس‪ ،‬وعندها‬

‫تزول تدريجيًا التناقضات بين المصالح واآلراء‪.114‬‬

‫‪ 111‬هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري و المؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.309 .‬‬
‫‪ 112‬ماركس (‪ )Marx‬هو فيلسوف اجتماعي ألماني‪ ،‬ولد عام ‪1818‬م‪ ،‬وقد اشتهر بتحري ره "البي ان الش يوعي"‪ ،‬وذل ك‬
‫أس س "الدوليّ ة األولى"‪ ،‬ومن أش هر مؤلّفات ه "رأس الم ال"‪ ،‬وه و دس تور الماركس يّة‬
‫بالتعاون مع "إنغلس"‪ ،‬كما ّ‬
‫والنظام الشيوعي‪ ،‬توفي عام ‪1883‬م‪ .‬عجيل(لويس)وآخرون‪ ،‬المنجد في األعالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.511.‬‬
‫‪ 113‬هوريو(أندريه)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.305-304 .‬‬
‫‪ 114‬المرجع نفسه‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.307 .‬‬
‫ويمكن تفسير التناقض بين الديمقراطية الغربيّة والديمقراطية الماركسيّة بالفكرة‬

‫ضل مفهوم الحرية‪ ،‬والثانية تعطي األفضليّة لمفهوم المساواة‪.115‬‬ ‫القائلة ّ‬


‫بأن األولى تف ّ‬

‫إذن‪ ،‬يمكن إجم ال أه ّم مب ادئ الديمقراطي ة الماركس يّة في‪ :‬الماديّ ة‪ ،‬وتفس يرها‬

‫للتاريخ وفق هذا المنظور‪ ،‬والسعي لتحقيق المساواة الفعليّة بين المواطنين‪ ،‬واإلجم اع‬

‫الحكومي‪ ،‬واالهتمام بالجوانب االجتماعيّة‪ ،‬والثورة لتحقيق مبادئها وأهدافها‪.‬‬

‫ولكن انهيار األنظمة الشيوعيّة ترك هذه النظريّة الماركسيّة مجرّد أفك ار؛ حيث‬

‫تح ّول االتّحاد السوفييتي الذي يتبنّى هذه المبادئ إلى دول ليبراليّة‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الديمقراطية الشعبية‬

‫إلى هذه الديمقراطية هو‬ ‫(‪)Popularisme‬‬ ‫المراد من إضافة صفة "الشعبيّة"‬

‫التأكي د على فك رة الديمقراطي ة‪ ،‬وهي تعبّ ر عن فك رة سياس يّة تق وم على الحري ة في‬

‫الرأي‪ ،‬وعن حكومة تشارك فيه ا مختل ف الهيئ ات والطوائ ف المهنيّ ة؛ وذل ك ليك ون‬

‫التمثيل الشعبي حقيقيًا‪ ،‬وتستطيع بذلك خدمة الجميع‪ ،‬لذا يمكن وصف هذه الديمقراطية‬

‫بأنّها ديمقراطية اجتماعيّة متط ّورة‪.116‬‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري و المؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.309 .‬‬ ‫‪115‬‬

‫ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1092-1091.‬‬ ‫‪116‬‬


‫والديمقراطية الشعبيّة مرتبط ة أصالً بتل ك ال دول في أورب ا الش رقية‪ ,117‬وال تي‬

‫سابقا)‪ ،‬والتي نبذت النظام اللّي برالي‪،‬‬


‫كانـت معظمها تسير في فلك االتّحاد السوفييتي ( ً‬

‫ولكنّها لم تعتمد النظ ام الش يوعي بك ّل عناص ره ومك ّونات ه‪ ,‬وعلى ال ّرغم من س يطرة‬

‫الش يوعيين على الس لطة في تل ك البل دان‪ ,‬إالّ أنّ ه في األخ ير اس تطاعت ش عوب ه ذه‬

‫األنظمة في سنتي (‪1989‬و ‪1990‬م) أن تطيح بالشيوعيّة‪ ،‬وتقيم أنظمة حرّة‪.118‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬الديمقراطية كمذهب‪ ،‬وكنظام للحكم‬


‫ّ‬
‫إن الديمقراطية الغربيّة تعت بر م ذهبًا سياس يًا فلس فيًا‪ ،‬ونظاماً من أنظم ة‬

‫الحكم‪ ,‬وهذه المسألة ال خالف فيها‪ ،‬ولكن اإلشكال يثور حول مدى االتّفاق واالختالف‬

‫في هذين المفهومين‪ ،‬أي هل هن اك اختالف بين ه ذين االث نين (الم ذهب ال ديمقراطي‬

‫ونظ ام الحكم ال ديمقراطي)؟‪ .‬والمس ألة ال تي أثاره ا رج ال الفق ه الدس توري في ه ذا‬

‫الموض وع هي م دى اح ترام ه ذين االتّج اهين للحري ات‪ ،‬فه ل ّ‬


‫أن كليهم ا ينصّ على‬

‫احترامها؟ أم ّ‬
‫أن هذا األمر يخصّ أحدهما دون اآلخر؟‪.‬‬

‫وفيما يأتي نتطرّق –بإذن هللا تعالى‪ -‬لدراسة هذه المسألة ‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تط ّور الديمقراطية‪ E‬من مذهب سياسي فلسفي إلى نظام للحكم‬

‫‪ 117‬من أمثلة الدول ال تي ك انت تحم ل ص فة الديمقراطي ة الش عبيّة‪ :‬بولوني ا‪ ،‬وتشيكوس لوفاكيا‪ ،‬وهنغاري ا (المج ر)‪،‬‬
‫ورومانيا‪ ،‬وبلغاريا‪ ،‬وألبانيا‪ ,‬وغيرها‪ .‬انظر‪ :‬ليلة ( محمد كامل)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.1090 .‬‬
‫‪ 118‬بو الشعير (سعيد)‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة‪ ،‬المؤسّسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪،2.‬‬
‫د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،2.‬ص‪.76.‬‬
‫الديمقراطية الغربية ظهرت في بادئ األمـر كم ذهب سياسـي فلس في على ي د‬

‫كت اب كب ار في الق رن الث امن عش ر‪ ،‬مث ل‪" :‬ل وك" في إنجل ترا‪ ،‬و "روس و"‬
‫ّ‬

‫و"مونتسكيو" في فرنسا‪ ,‬وكانت غاية المذهب الفلسفي الديمقراطي هو محارب ة الحكم‬

‫االستبدادي المطلق الذي س اد في أورب ا‪ ،‬وبال ّذات في ك ّل من إنجل ترا وفرنس ا‪ ,‬ل ذلك‬

‫سعى هؤالء الكتّاب إلى إبراز ّ‬


‫أن السيادة ال ترج ع للملك‪ ،‬ال ذي يحتكره ا اس تناداً إلى‬

‫األساس اإللهي أو الديني‪ ،‬وإن ّما السيادة ترج ع إلى األ ّم ة ذاتها‪ ،‬أو الش عب ذات ه‪ّ ،‬‬
‫وأن‬

‫الح اكم أو أيّ ة هيئة حاكم ة ال يمكن أن تحكم إالّ بن اءً على اختي ار األ ّم ة‪ ،‬أو الش عب‪،‬‬

‫الذي يجوز له تغيير الحكّام في ك ّل وقت‪.‬‬

‫ولكن الديمقراطي ة إذا ك انت ق د ب دأت كم ذهب سياس ي فلس في لمحارب ة الحكم‬

‫المطل ق‪ ،‬إالّ أنّه ا انتقلت إلى مرحل ة التط بيق كنظ ام للحكم في دول ة المؤسّس ات‬

‫الديمقراطي ة‪ ،‬وهك ذا ج اءت الث ورة األمريكي ة على االس تعمار اإلنجل يزي‪ ،‬وطبّقت‬

‫الواليات المتحدة األمريكية النظام الديمقراطي بنا ًء على الدس تور االتّح ادي الصـادر‬

‫س نة (‪1787‬م)‪ ,‬وك ذلك فرنس ا بع د ثورته ا (‪1789‬م) طبّقت الديمقراطي ة كنظ ام للحكم‪،‬‬

‫وأيضًا إنجلترا بعد الث ورات المتتالي ة على الملكيّ ة المطلقة‪ ,‬ح تى اس تق ّر فيه ا النظ ام‬

‫الديمقراطي‪.119‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬فحوى المذهب الديمقراطي ونظام الحكم الديمقراطي‬

‫‪119‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p.53‬‬
‫تعتبر الديمقراطية مذهبًا من المذاهب الفلسفيّة التي تبحث في النواحي السياسيّة‬

‫األم ة‬
‫أن ّ‬ ‫واالجتماعيّة‪ ،‬كما أنّها نظام من أنظم ة الحكم؛ فالم ذهب ال ديمقراطي فح واه ّ‬

‫هي مصدر السلطات‪ ،‬وإرادتها هي أصل الس يادة ومص درها في الدول ة‪ ،‬وال ش رعيّة‬

‫للسيـادة م ا لم تكن منبعث ة من إرادة األ ّم ة ومرتك زة عليه ا؛ أ ّم ا الديمقراطي ة كنظ ام‬

‫للحكم فالمراد به النظام الذي يستوحي روح المذهب الديمقراطي‪ ،‬أي يقوم على أساس‬

‫صف بالشرعيّة‪ ،‬حيث يض من ذل ك النظ ام‬


‫إرادة األ ّمة ويجعلها عماد هيئاته‪ ,‬وبذلك يو َ‬

‫حماية الحقوق والحريات‪ ،‬ويكفل استخدامها‪.120‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬القائلون بالتفرقة بين المذهب الديمقراطي ونظام الحكم الديمقراطي‬

‫(‪ )Duguit‬‬ ‫يرى بعض رجال الفقه الدستوري من أمثال الفقيه الفرنس ي "دوجي"‬

‫أن ث ّمة فارق ا ً هاماً بين‬


‫الذي يتز ّعم هذا االتّجاه‪ ،‬والفقيه المصري "عبد الحميد متولي" ّ‬

‫الم ذهب ال ديمقراطي ونظ ام الحكم ال ديمقراطي؛ فبينم ا نج د ّ‬


‫أن النظ ام ال ديمقراطي‬

‫الغربي من خصائصه أنّه نظ ام ح ّر (‪ ،) Libéral ‬بمع نى أنّ ه يق وم على أس اس اح ترام‬

‫حريات األفراد‪ ،‬والذي يقتضي عدم إطالق سلطة الدولة‪ ،‬نجد بخالف ذلك ّ‬
‫أن المذهب‬

‫الديمقراطي ال يشترط كفالة تلك الحرية‪ .‬ويرى أنص ار ه ذا االتّج اه ّ‬


‫أن ث ّم ة خط أ في‬

‫أن المذهب الديمقراطي والحرية ال يختلف ان‪ ،‬أو ّ‬


‫أن نش أتهما تاريخيا‬ ‫فكرة شهيرة ترى ّ‬

‫كانت واحدة‪ ،‬ويرى هؤالء ك ذلك ّ‬


‫أن الم ذهب ال ديمقراطي ل دى أك بر وأش هر ممثّلي ه‬

‫‪ 120‬متولي (عبد الحميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.107-106 .‬‬
‫وليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.751 .‬‬
‫(وهما الفيلسوفان "هوبز" و"روس و") إنّم ا ينتهي إلى الس لطة المطلق ة‪ ،‬وع دم كفال ة‬

‫حري ات األف راد‪ ،‬ويس تدلّون على ذل ك بوق ائع حص لت في الماضـي وفي الحاضـر؛‬

‫حيث انتهى األمر إلى قيام االستبداد وت بريره‪ ,‬كالديمقراطي ة القيص ريّة في عه د حكم‬

‫نابليون قدي ًما‪ ،‬والديمقراطيات الشعبيّة حديثًا‪.121‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬القائلون بعدم التفرقة بين المذهب الديمقراطي ونظام الحكم الديمقراطي‬

‫في الجانب اآلخر يوجد فريق يرى ّ‬


‫أن الخطأ في هذا الخالف الفكري في‬

‫جانب أنصار التفرقة‪ ،‬حيث يرى أنصار هذا االتّجاه ّ‬


‫أن ما يس ّميه الفري ق األ ّول خط أ‬

‫شائعًا ليـس خطأ في الواقع‪ ,‬إذ ال فرق بين االصطالحين‪ ,‬فالمذهب الديمقراطي‪ ,‬ال ذي‬

‫يجعل السيادة لأل ّمة‪ ,‬ال يمكنه بعد ذلك أن يتجاهل الحرية؛ فالقول ّ‬
‫إن األ ّمة هي مص در‬

‫السيادة والسلطات‪ ،‬يقتضي استبعاد فكرة تح ّكم الفرد أو الطائفة‪ ،‬فنقل السيادة من الفرد‬

‫إلى األمّة يجعل من غير المعقول التن ّكر بعد ذلك للحرية‪ ,‬أو عدم االهتم ام بحمايتهم ا؛‬

‫إن الم ذهب ال ديمقراطي عن د أش هر ممثّلي ه (ه وبز‪ ،‬و روس و) ي ؤ ّدي إلى‬
‫أ ّما الق ول ّ‬

‫إطالق السلطة‪ ،‬وانتهاك الحريات الفردية‪ ،‬فال ّرد على ذلك يكون أ ّوالً باستبعاد وص ف‬

‫الديمقراطية عن مذهب "هوبز" ألنهّ صيغ بصورة تؤ ّدي إلى السلطة المطلقة للح اكم‪،‬‬

‫أما مذهب "روسو" فه و ديمق راطي‪ ،‬وي ؤ ّدي إلى حماي ة الحري ات‪ ،‬وأ ّم ا االحتجـاج‬
‫ّ‬

‫متولي (عبد الحميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ,‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.107 .‬‬ ‫‪121‬‬
‫ببعض التطبيقـات الواقعيّة السيّئة للمذهب الديمقراطـي‪ ,‬والتي أ ّدت إلى االستبداد‪ ،‬فهو‬

‫مردود‪ ،‬لكون ّ‬
‫أن التطبيق غير السّليم للمذهب ال يعبّر بالضرورة عن حقيقته‪.122‬‬

‫ويبدو لنا ص ّحة هذا الرأي الثاني؛ وذلك لق ّوة أدلّتـه‪ ،‬وإب رازه لموض ع االلتب اس‬

‫في المسألة‪ ،‬حيث ف ّرق بين األفكار النظريّة والوقائع التطبيقيّة‪ ،‬وأوضح كيف ّ‬
‫أن سوء‬

‫التط بيق لم ذهب معيّن ال ي برّر الطعن في س المة أفك اره النظريّ ة‪ ،‬كم ا نفى ص فة‬

‫الديمقراطية عن مذهب "هوبز" الذي يبرّر الحكم المطلق؛ وذلك ح ت ّى ال يك ون ح ّج ة‬

‫على المذهب الديمقراطي الصّحيح‪ ،‬كما نظر أنصار ه ذا االتّج اه إلى األم ور بمنط ق‬

‫وعقالنية‪ ،‬فأوضحوا استحالة تجاهل الحرية من قِبل مذهب يجع ل السيـادة لأل ّمـة وال‬

‫يقبل نسبة السيادة لشخص أو هيئة؛ حتى ال يؤ ّدي ذلك إلى االستبداد‪.‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬نقاط التقاء المذهب الديمقراطي مع نظام الحكم الديمقراطي‬

‫تتالقى الديمقراطية كمذهب‪ ،‬مع الديمقراطي ة كنظ ام للحكم‪ ،‬في االتّف اق ح ول‬

‫أس اس نظ ري واح د يجمعهم ا‪ ،‬أال وه و س يادة األمّ ة أو ّ‬


‫الش عب‪ ،‬أي مب دأ الس يادة‬

‫الشعبية‪ ،‬وحرية ال ّشعب في اختيار نظام حكمه وح ّكامه‪ ،‬وتغييرهم متى شاء‪.‬‬
‫ّ‬

‫والنظريّ ة الديمقراطي ة الحديث ة تمّت ص ياغتها اعتم ادًا على راف دين يغ ّذيانها‪،‬‬

‫األ ّول يتمثّ ل في كتاب ات الفالس فة من أمث ال "روس و" في "العق د االجتم اعي"‬

‫و"مونتسكيو" في "روح القوانين"‪ ,‬أ ّما الثاني فيتمثّ ل في التجرب ة الديمقراطي ة كنظ ام‬

‫ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.753-752 .‬‬ ‫‪122‬‬
‫للحكم؛ وذلك بما أضافته هذه التجربة من مؤسّسات ومبادئ جدي دة‪ ,‬والس يّما التجرب ة‬

‫العمّلية اإلنجليزيّة‪ ،‬التي كانت األساس األول في ظهور الحكم النيابي والبرلماني‪.123‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫خصائص الديمقراطية الغربية‬

‫ّ‬
‫إن للديمقراطية الغربية خصائص تميّزها عن غيرها من أنظمة الحكم األخ رى‪,‬‬

‫سواء تلك األنظمـة التي تتبنّى أشكـاالً أخـرى من الديمقراطيـة‪ ،‬أم ال تي تختل ف عن‬

‫الديمقراطية تسميّة ومضمونًا‪.‬‬

‫وهذه الخصائص تشترك فيها مختل ف البل دان ال تي تتبنّى الديمقراطي ة التقليديّ ة‬

‫(الغربيّة)‪ ,‬حت ّى لو اختلف شكل النظام الذي تتبّعـه (برلمانيًا كان أم رئاسيًا)‪ .‬وتقتـرب‬

‫البلـدان من الديمقراطية ال ّ‬
‫صحيحة بقدر أخذها بهذه الخصائص‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp.53-54‬‬
‫وعلى ال ّرغم من االختالف ات ال تي تفص ل بين دس اتير ال دول ال تي تتبنّى‬

‫الديمقراطية الغربية‪ ,‬إالّ ّ‬


‫أن هناك مبادئ عامة مش تركة فيم ا بينه ا‪ ،‬ووح دة في المث ل‬

‫العليا التي تستلهمها هذه األنظمة‪.124‬‬

‫وتتل ّخص هذه الخصائص فيما يأتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الديمقراطية الغربية مذهب سياسي‬

‫فهذه الديمقراطية ترمي إلى تحقيق الحرية والمساواة السياسيّة‪ ،‬أي هي ليست‬

‫مذهبًا اجتماعيًا أو اقتصاديًا يهدف إلى إصالح المجتمع من الناحية المادية فقط‪ ،‬وبه ذا‬

‫تختلف الديمقراطية الغربيّة عن الديمقراطي ة االجتماعيّ ة ال تي ظه رت ح ديثاً‪ ,‬وال تي‬

‫تهدف إلى تحقيق السعادة الماديّة لألفراد‪ ،‬وال ت ؤمن بوج ود الحري ات في المجتمع ات‬

‫الرأسماليّة‪ ،‬حيث تراها مج ّرد حريات صورية‪ ،‬بل تعتبرها مج رّد امتي ازات لألقليّ ة‪.‬‬

‫وهذه الصفة السياسيّة للديمقراطية الغربيّة ال تنفي الص بغة االجتماعيّ ة الماديّ ة‪ ،‬ال تي‬

‫تحاول األنظمة الديمقراطية الكالسيكيّة إدخالها على هذه الديمقراطي ة‪ ،‬بقص د تقويته ا‬

‫وتدعيمها‪ ,‬حتّى تحقّق الحرية والمساواة بين األفراد‪ّ ،‬‬


‫ألن هذا من أه داف الديمقراطي ة‬

‫السياسيّة كذلك‪.125‬‬

‫ثانيا‪ :‬كفالة الديمقراطية الغربية للحقوق والحريات الفردية‬

‫‪.138‬‬ ‫متولي (عبد الحميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.‬‬ ‫‪124‬‬

‫ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.756-755 .‬‬ ‫‪125‬‬
‫فقد قامت الديمقراطية الغربيّة ‪-‬في مبدئها‪ -‬لمحاربة الحكم المطلق واستئثار‬

‫الحكّام بالس لطة من دون أكثريّ ة الش عب‪ ،‬وك ذا لمن ع االعت داء على حق وق وحري ات‬

‫األف راد‪ ،‬وأيض ا ً به دف كفال ة الحق وق الفرديّ ة وحماي ة مختل ف الحري ات‪ ،‬والس يّما‬

‫الحريات السياسيّة‪.‬‬

‫كم ا تتضمّن ه ذه الحماي ة وض ع ح ّد لت د ّخل الدول ة في ممارس ة ه ذه الحق وق‬

‫والحري ات‪ ،‬حيث يقتص ر دوره ا في تنظيمه ا دون المس اس بمض مونها‪ ،‬كم ا تق رّر‬

‫ضمانات لحمايتها ض ّد أيّ اعتداء أو انتهاك من جانب الطبقة الحاكمة‪.126‬‬

‫فمب دأ الحق وق الفرديّ ة في الديمقراطي ة الغربيّ ة ه و التط بيق العملي للحري ات‬

‫العامة‪127‬؛ فالنظ ام ال ديمقراطي يقتض ي وج ود حري ة االعتق اد وال رأي واالجتم اع‬

‫وتك وين الجمعي ات والتعليم‪ ،‬وك ذا الحري ة الشخص ية‪ ،‬وغيره ا من مظ اهر الحري ة‪.‬‬

‫والب ّد هنا من التنبيه إلى ضرورة وجود قيود ِ‬


‫ترد على هذه الحري ات بقص د تنظيمه ا؛‬

‫وذلك للمحافظة على مصالح الدولة‪ ،‬وحقوق الغير‪ ،‬والنظام العام‪.128‬‬

‫إذن‪ ،‬فالب ّد لك ّل حرية من تقييد‪ ،‬حت ّى ال تتح ّول إلى فوض ى تنته ك النظ ام الع ام‬

‫وحقوق الغير‪ ،‬وتعرّض المصـالح العليا للدول ة للخط ر؛ ولكن من ج انب آخر‪ ،‬وحتّى‬

‫بسيوني (عبد الغني)‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.192-191 .‬‬ ‫‪126‬‬

‫متولي (عبد الحميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.138 .‬‬ ‫‪127‬‬

‫ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.757 .‬‬ ‫‪128‬‬
‫تعس فها واس تبدادها بالمحافظ ة على تل ك المص الح‪ ،‬ك ان الب ّد من أن‬
‫ال تبرّر الدول ة ّ‬

‫يقتصر دورها على تنظيمها حتى تسير في االتّجاه السّليم‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬فردية الديمقراطية الغربية (‪) Individualiste  ‬‬

‫والمقصود بـ "الفرديّة" هنا هو‪ :‬اعتبار األ ّمة مك ّونة من أفراد متساويـن‪ ،‬وأنّ‬

‫وأن الغاية من وجود الدولة‪ ،‬وعلّ ة‬


‫للفرد حقوقاً كان وجودها سابقًا على وجود الدولة‪ّ ،‬‬

‫الص دد ّ‬
‫أن‬ ‫في ه ذا ّ‬ ‫(‪) Vedel ‬‬ ‫س لطانها ه و حماي ة تل ك الحق وق‪ ،‬حيث ي رى "فيديل"‬

‫الديمقراطية الكالس يكيّة ته دف إلى وض ع الف رد ف وق الدول ة‪ ،‬وف وق أيّ ة جمعيّ ة من‬

‫الجمعيات؛ فالجماعة في خدمة الفرد ال العكس‪ّ ،‬‬


‫وأن على الدولة أن تحترم الفرد‪ ،‬وال‬

‫أن ذلك االنتهاك يهيّئ له في الغد قسطًا أوف ر من‬


‫تستطيع أن تنتهك حقوقه اليوم بحجّة ّ‬

‫الحرية والسّعادة‪.129‬‬

‫وهذا م ا ك انت الحكوم ات االش تراكيّة تفعل ه؛ حيث إنّه ا ت ّدعي خدم ة مص الح‬

‫الجماعة‪ ،‬وتتّخذ ذلك مطيّة لالعتداء على حقوق األفراد وحرياتهم‪.‬‬

‫فالديمقراطية الغربية تهدف إلى تمتّع أف راد الش عب بحق وقهم السياس يّة بص فتهم‬

‫ي اعتبار آخر يتعلّق بعضويّتهم في أيّة جماعة من الجماعـات‬


‫أفرادًا‪ ،‬دون النّظر إلى أ ّ‬

‫أو انتمائهم إلى طبقة من الطبقات‪ ،‬فهي تنظر إلى الفرد ذاته باعتباره إنس انًا‪ ,‬بص رف‬

‫‪.141‬‬ ‫متولي (عبد الحميد)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.‬‬ ‫‪129‬‬


‫النّظر عن المصالح التي يمثلّها‪ ،‬أو النقابة التي يتمتّع بعضويّتها‪ ،‬أو الطبقة التي ينتمي‬

‫إليها‪.130‬‬

‫رابعا‪ :‬تقرير الديمقراطية الغربية للمساواة القانونية‬

‫ويطلق على هذه المساواة أحيانًا "المساواة المدنيّة"‪ ،‬أي أنّها ليست مساواة‬

‫فعليّة أو واقعيّة‪ ,‬والمقصود بالمساواة أمام القانون هو أن يك ون الق انون واحدًا بالنّس بة‬

‫للجميع‪ ،‬فال تمييز بين الطبق ات‪ ،‬وال بين األف راد‪ ،‬بس بب أص لهم أو جنس هم أو لغتهم‪,‬‬

‫وال نقصد هنا المسـاواة الفعليّة التي تتّجـه إليها الم ذاهب االش تراكيّة؛ وإنّم ا نقص د ّ‬
‫أن‬

‫تلك الم يزات االجتماعيّ ة ال تي ينعم به ا المواطن ون يجب أن يحميه ا الق انون بحماي ة‬

‫واح دة‪ ،‬دون تمي يز بين األف راد والطبق ات‪ ،‬أي أن يحمي الق انون جمي ع المواط نين‬

‫بدرجة متساوية‪ ,‬سواء ما تعلّق بأشخاصهم أم ممتلكاتهم‪.131‬‬

‫والمالحظ هنا ّ‬
‫أن هذه المساواة القانونيّة‪ ,‬ال تي تعم ل على إقراره ا الديمقراطي ة‬

‫الغربية‪ ,‬هي نتيجة طبيعية العتبار هذه األخيرة مذهبا ً فرديًا‪ ،‬حيث إنّ ه م ا دام األف راد‬

‫يشتركون في شؤون الحكـم بصفتهم أفراداً؛ فالب ّد أن يكون اشتراك هؤالء األفراد على‬

‫س بيل المسـاواة‪ ،‬ودون تمي يز بينهم بس بب األص ل أو الجنس أو اللّغـة أو الدّين أو‬

‫االنتماء إلى جماعة أو إلى طبقة معيّنة‪.132‬‬

‫شيحا ( إبراهيم عبد العزيز)‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.286 .‬‬ ‫‪130‬‬

‫متولي (عبد الحميد)‪ ،‬القانون الدستوري و األنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.139 .‬‬ ‫‪131‬‬

‫شيحا ( إبراهيم عبد العزيز)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.287-286 .‬‬ ‫‪132‬‬


‫وقد عبّر بعض الب احثين عن المق ّوم ات األساس يّة للديمقراطي ة الغربي ة فجعله ا‬

‫ثالثاً‪ ،‬وهي‪ :‬الس يادة الش عبيّة‪ ،‬والحري ة‪ ،‬والمش اركة؛ فالس يادة الش عبية هي ج وهر‬

‫الديمقراطية‪ ،‬والحرية هي هدفها‪ ،‬والمشاركة هي وسيلتها‪.133‬‬

‫إذن‪ ،‬فمن خالل ما سبق يمكننا القول ّ‬


‫إن الميزة الجوهريّ ة للديمقراطي ة الغربيّ ة‬

‫ت تر ّكز في ّ‬
‫أن الش عب ه و ص احب الس يادة والس لطان‪ ،‬ولكن ممارس ة الش عب له ذه‬

‫السيادة تكون بصور مختلفة‪ ،‬وهذا ما يعرف بـ "صور الديمقراطية الغربية"‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫صور الديمقراطية الغربية‬

‫يتميّز نظام الحكم ال ديمقراطي بك ون الش عب ه و ص احب الس يادة ومص درها‪,‬‬

‫وه ذا ال خالف في ه؛ وإنّم ا االختالف في كيفيّ ة ممارس ة الش عب له ذه الس يادة‪ ،‬إذ ّ‬
‫إن‬

‫طرق ممارسة الشعب لسيادته تتّخذ صورًا متع ّددة‪.‬‬

‫ففي ك ّل عصر‪ ،‬وفي ك ّل بلد‪ ،‬يختار الش عب النظ ام ال ذي ي راه مالئ ًم ا لظروف ه‬

‫وأحواله‪ ،‬فيمارس سيادته وفق إحدى الصور المعروفة عن الديمقراطية‪.‬‬

‫‪.45‬‬ ‫رسالن (أنور أحمد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪133‬‬
‫فهو إ ّم ا أن ي دير ش ؤونه بنفس ه مباش رة‪ ،‬وتس ّمى ه ذه الص ورة "الديمقراطي ة‬

‫المباشرة"‪ ،‬وإ ّما أن يلج أ إلى اختي ار ن واب عن ه يص رّفون أم وره باس مه‪ ،‬وه ذه هي‬

‫"الديمقراطية النيابيّ ة"‪ ،‬وإ ّم ا أن يم زج بين الطريق تين الس ابقتين‪ ،‬فينتخب نواب ا ً عن ه‬

‫تسمـى "‬
‫ّ‬ ‫(البرلمان)‪ ،‬ويشترك معه في بعض االختصاصـات الهامـة‪ ،‬وهذه الصـورة‬

‫الديمقراطية شبـه المباشـرة " أو "الديمقراطية نصف المباشرة"‪.‬‬

‫ولك ّل صورة من هذه الصور مظاهر وخصائص‪ ،‬كما ّ‬


‫أن لك ّل صورة إيجابيات‪،‬‬

‫ولها عيوب كذلك‪.‬‬

‫ّ‬
‫سنفص ل ‪-‬بح ول هللا تع الى‪ -‬في ه ذه الص ور‪ ،‬وذل ك في المب احث‬ ‫وفيم ا ي أتي‬

‫اآلتية‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :E‬ونتـنـاول فيـه الديمـقـراطيـة المبـاشـرة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :E‬ونتعرّض فيه إلى الديمقراطية النيابيّة (النظام النيابي)‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬ونتح ّدث فيه عن الديمقراطيـة شبـه المباشـرة‪.‬‬


‫المبحث األول‬

‫‪( La‬‬ ‫الديمقراطية المباشرة) ‪démocratie directe  ‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الديمقراطية المباشرة‪ ،‬وتطبيقاتها‬


‫تعترب هذه الص‪G‬ورة أق‪G‬دم صـور الدميقراطي‪G‬ة؛ حيث سـاد ه‪G‬ذا النـوع من احلكم يف الق‪G‬دمي‪ ،‬إذ ك‪G‬ان‬
‫هو السائد يف اليونان القدمية (أثينا)‪ ,‬وه‪GG‬ذه الص‪G‬ورة تعين مش‪GG‬اركة الش‪G‬عب يف تس‪G‬يري ش‪GG‬ؤون احلكم مباش‪GG‬رة‪,‬‬
‫دون وس‪GG‬اطة ن‪GG‬واب أو ممثّلني عن‪GG‬ه‪ ،‬وجيتمع املواطن‪GG‬ون‪ G‬األح‪GG‬رار يف ش‪GG‬كل مجعي‪GG‬ات‪ ،‬كاجلمعيّة الش‪GG‬عبيّة‪ ،‬الخّت اذ‬
‫القرارات الضروريّة‪ ،‬واملتعلّقة‪ G‬خصوصاً مبجال التشريع‪.134‬‬
‫وجند هلذه الدميقراطية‪ G‬القدمية تطبيق‪G‬ات هلا ح‪G‬ديثًا‪ ،‬وذلك يف بعض املقاطع‪G‬ات السويس‪G‬رية وهي‪:‬‬
‫"أنرتولد"‪ ، Unterwalden ‬و"كالريس"‪ ، Glaris ‬و"ابنـزل"‪ . Appenzell ‬فاجلمعيات الشعبية‪ G‬هن‪G‬اك جتتمع م ّ‪G‬رة‬
‫وتصوت على القوانني والتعديالت‪ G‬الدستورية‪ .‬واملالحظ يف هذا التط‪GG‬بيق للدميقراطية‪ G‬املباش‪GG‬رة أهّن ا‬ ‫يف السنة‪ّ ،‬‬
‫ض ‪G G G G G G‬ر العمل يف اجلمعي‪GG G G G G G‬ات الش‪GG G G G G G‬عبيّة بدقّة من قِبَل جملس املقاطعة‬
‫تقتصر على اجملال التش‪GG G G G G G‬ريعي؛ حيث حُي ّ‬
‫املنتخب‪ ،‬ويقتصر عمل اجلمعية على التص ‪GG G‬ديق أو ال ‪GG G‬رفض‪ ،‬وال تس ‪GG G‬تطيع اجلمعيّة مناقشة أو ت‪GG G‬ربير رفض‪GG G‬ها‬
‫عن‪GG G‬دما يتعلّق األمر بقض ‪GG G‬ايا تقنيّة‪ G‬أو حقوقيّ ‪GG G‬ة؛ وهلذا فهي ‪-‬بوجه ع ‪GG G‬ام‪ -‬توافق على املقرتح‪GG G‬ات املقدمة هلا‪.‬‬
‫األقل عدداً يف السكان يف االحّت اد السويسري‪.135‬‬
‫كما يالحظ على هذه املقاطعات الثالث أهّن ا ّ‬
‫ويعترب "روس ‪GG‬و" من أب ‪GG‬رز املدافعني عن ه ‪GG‬ذه الدميقراطية يف الق ‪GG‬رن الث ‪GG‬امن عش ‪GG‬ر؛ حيث ه ‪GG‬اجم نظ ‪GG‬ام‬
‫الدميقراطية‪ G‬غري املباش‪GG G G G‬رة‪ ،‬أو النيابيّ‪GG G G G‬ة‪ ,‬ولكنّه مع ذلك أدرك ص‪GG G G G‬عوبة حتقيق الدميقراطية‪ G‬املباش‪GG G G‬رة‪ G‬يف ظ‪Gّ G G G‬ل‬
‫الظروف احلديثة‪.136‬‬
‫إذ يق‪GG G G G‬ول يف "العقد االجتم‪GG G G G‬اعي"‪ « :‬إذا أخ‪GG G G‬ذنا عب‪GG G G‬ارة الدميقراطية بك‪Gّ G G G G‬ل معناها ال‪GG G G‬دقيق‪ ،‬جند أ ّن‬
‫فمما خيالف النظـام الط ‪GG‬بيعي‪ G‬أن حيكم الع ‪GG‬دد األك ‪GG‬رب‪،‬‬ ‫الدميقراطية‪ G‬احلقيقيّة مل توجد أب ‪Gً G‬دا‪ ،‬ولن توجد أب ‪Gً G‬دا‪ّ ،‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, pp.53-54 1134‬‬
‫‪BURDEAU (Georges), HAMON(Francis), et TROPER(Michel), Droit constitutionnel, L.G.D.J, éd.24, 1995, paris,‬‬
‫‪.p.132‬‬
‫‪. 441‬‬ ‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.‬‬ ‫‪135‬‬

‫‪.BURDEAU (Georges), HAMON(Francis), et TROPER(Michel), op.cit., p.132‬‬


‫نصر (محمد عبد المعزّ)‪ ،‬في النظريات والنظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.165 .‬‬ ‫‪136‬‬
‫جمتمعا على ال‪GG G‬دوام للنّظر يف‬
‫وأن يك ‪GG G‬ون الع ‪GG G‬دد الص ‪GG G‬غري هو احملك ‪GG G‬وم‪ G،‬وال ميكن أن نتص ‪Gّ G G‬ور بق ‪GG G‬اء ال ّش‪G G G‬عب ً‬
‫الشؤون العامة‪.137» ‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تقييم الديمقراطية المباشرة‬

‫الفرع األول‪ :‬مزايا الديمقراطية المباشرة‬


‫تعترب هذه الصورة للدميقراطية أقرب النظم إىل الدميقراطية‪ G‬املثاليّة‪ ،‬فهي حت ّقق سيادة الشعب باملعىن‬
‫الكام ‪GG‬ل؛ إذ الدميقراطية الص ‪GG‬حيحة تف ‪GG‬رتض أن يت ‪GG‬وىّل الش ‪GG‬عب الس ‪GG‬يادة بنفس ‪GG‬ه‪ ،‬فيباشر مجيع الس ‪GG‬لطات دون‬
‫وسيط أو نائب‪.138‬‬
‫كل نظام ال يأخذ ب‪GG‬احلكم‬
‫املتحمسني للدميقراطية املباشرة‪ G,‬يرى أ ّن ّ‬ ‫ّ‬ ‫فـ "روسو"‪ ,‬الذي يعترب من أبرز‬
‫نظاما دميقراطيً‪GG G G G‬ا؛ أل ّن الدميقراطية‪ - G‬يف نظ‪GG G G G‬ره ‪ -‬تق‪GG G G G‬وم على اإلرادة العامـة للجماعـة‪،‬‬
‫املباشر ال يك‪GG G G G‬ون‪ً G‬‬
‫واإلرادة العامـة ال ميكن متثيله‪GG G G‬ا‪ ،‬وال تقبل التفويـض‪ G‬أو اإلنابة‪ ،139G‬حيث يق‪GG G G‬ول‪ « :‬ب ‪GG G‬النّظر إىل أ ّن الس‪GG G‬يادة‬
‫أبـدا التن‪GG‬ازل عن ذاهتا‪ ،‬وأ ّن ص‪GG‬احب الس‪GG‬يادة ‪-‬ال‪GG‬ذي‬
‫ليست س‪GG‬وى ممارسة اإلرادة العام‪GG‬ة‪ ،‬فإهّن ا ال تس‪GG‬تطيع ً‬
‫ليس سوى كائن مجـاعي‪ -‬ال ميكن أن يكون ممثّالً إالّ بنفسه‪.140» ‬‬
‫حتمل‬
‫ّأما القيمة املعنويّة‪ G‬للنّظ‪GG G G G G G G G‬ام املباشر فتتمثّل يف‪ :‬رفعه لقيمة املواطن‪ ،‬حيـث جيعلـه يشتـرك يف ّ‬
‫املس ‪GG G‬ؤولية‪ G‬العامة بصـورة مباشـرة‪ ،‬ويشعـر بأمهيّة اآلراء اليت يب‪GG G G‬ديها يف املس‪GG G G‬ائل املختلف‪GG G G‬ة‪ ،‬كما أنّه خيلّص‬
‫األح ‪GG G‬زاب من ال ‪GG G‬دعايات املض ‪G G‬لّلة‪ ،‬وذلك للحرية احلقيقيّة‪ G‬اليت يتمتّع هبا أنص ‪GG G‬ارها‪ ،‬كما جيعل ه ‪GG G‬ذا النظ ‪GG G‬ام‬
‫الش‪GG G‬عب واقعيً ‪GG G‬ا‪ ،‬يلتمس احلل ‪GG G‬ول العمليّ ‪GG G‬ة‪ ،‬ويرفع من معنويات ‪GG G‬ه‪ ،‬وحيميه من اخلض ‪GG G‬وع لل ‪GG G‬دعايات املغرض‪GG G‬ة؛‬
‫ف‪GG‬الفرق واضح بني أن يطلب من الش ‪GG‬عب اختي‪GG‬ار ممثّليه (كما يف النظّ‪GG‬ام النيّ ‪GG‬ايب)‪ ،‬وبني أن يطلب منه ال‪GG‬رأي‬
‫يف مس‪GG‬ائل معيّنة‪ G‬وواض‪GG‬حة؛ حيث يك‪GG‬ون يف ه‪GG‬ذه احلالة عمليًا وواقعيً‪GG‬ا‪ ،‬ال خيضع لل‪GG‬دعايات واالن‪GG‬دفاع كما‬
‫يف احلالة األوىل‪.141‬‬

‫روسو (جان جاك)‪ ،‬العقد االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.119 .‬‬ ‫‪137‬‬

‫‪.BURDEAU (Georges),Traité de science politique (Les régimes politiques), L.G..D..J, éd. 2, paris, 1970 , t..5, p.249 3138‬‬
‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.201 .‬‬ ‫‪139‬‬

‫روسو (جان جاك)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.63 .‬‬ ‫‪140‬‬

‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪203..‬‬ ‫‪141‬‬

‫‪Traité de science politique (Les régimes politiques), op. cit , t.5, p. 250. BURDEAU (Georges) ,‬‬
‫أهم مزايا الدميقراطية املباشرة‪ G،‬اليت وإن كان تطبيقها متع‪ّ G‬ذ ًرا يف عص‪GG‬رنا احلايل‪ ،‬والس‪GG‬يّما‬
‫إذن‪ ،‬فهذه ّ‬
‫مع تع ّقد احليـاة وك‪G‬ثرة ع‪G‬دد الس‪ّ G‬كان‪ ،‬إالّ أ ّن هلا مزايا عدي‪G‬دة‪ ،‬والس‪G‬يّما من الناحية املعنوي‪G‬ة؛‪ G‬حيث ترفع من‬
‫قيمة املواطن العادي وتعت ّد بآرائه‪ ,‬وجتعل ممارسة الشعب لسيادته حقيقة واقعة‪.‬‬
‫الموجهة إلى الديمقراطية المباشرة‬
‫ّ‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬االنتقادات‬
‫املوجهة إىل الدميقراطية املباش ‪GG G‬رة اس ‪GG G‬تحالة تطبيقها يف البل ‪GG G‬دان املعاص ‪GG G‬رة‪142‬؛‬
‫أهم االنتق ‪GG G‬ادات ّ‬
‫من ّ‬
‫وذلك لكثرة عدد الس ّكان‪ G‬وتع ّقد مسائل احلكم واملشاكل املطروحة‪.‬‬
‫فالدميقراطية‪ G‬املباش‪GG G G G‬رة يف ص‪GG G G G‬ورهتا الكاملة حتتّم أن ميارس ال ّش‪G G G G G‬عب بنفسه مجيع وظ‪GG G G‬ائف الدول‪GG G G‬ة‪،‬‬
‫التشريعيّة واإلداريّة والقضائيّة‪ ،‬ولكن ممارسة الشعب للوظائف اإلدارية يكاد يكون مس‪GG‬تحيالً؛ فمن املؤك‪ّ G‬د‬
‫أ ّن جمم‪GG‬وع املواط‪GG‬نني يعج‪GG‬زون عن مباش‪GG‬رة الوظيفة اإلداريّة بأنفس‪GG‬هم؛ ملا تس‪GG‬تلزمه ه‪GG‬ذه الوظيفة من أعم‪GG‬ال‬
‫وقرارات يوميّة‪.143‬‬
‫املتحمسني للدميقراطية‪ G‬املباش ‪GG‬رة‪ G،‬ب ‪GG‬أن‪ G‬ينـادي بضـرورة‬ ‫ل ‪GG‬ذلك فقد اكتفى "روس ‪GG‬و"‪ ،‬وهو من أش‪ّ G G‬د ّ‬
‫مهمة التش‪GG‬ريع‪ ،‬ووضع الق‪GG‬وانني الالّزمة للجماعـة؛ فحىّت املدن السياس‪GG‬يّة القدمية ‪-‬اليت أخ‪GG‬ذت‬ ‫ت‪GG‬ويّل الش‪GG‬عب ّ‬
‫بنظـام الدميقراطية‪ G‬املباشـرة‪ -‬مل تأخذ هبا على ص‪GG G G G‬ورهتا الكامل‪GG G G G‬ة؛ فقد ك‪GG G G G‬انت الوظيفة اإلداريّة والوظيفة‪G‬‬
‫ص‪G G G‬ا ل ‪GG G‬ذلك‪ ،‬ومن مثّ ك‪GG G‬انت‬
‫خصي ً‬
‫القض‪GG G‬ائيّة ‪ -‬يف الغ ‪GG G‬الب‪ G-‬متارس بواس ‪GG G‬طة م ‪GG G‬وظّفني‪ ،‬أو ح ّك‪GG G‬ام اخت ‪GG G‬ريوا ّ‬
‫أساسا على املسائل التشريعيّة‪.144G‬‬
‫الدميقراطية‪ G‬املباشرة مقصورة ً‬
‫ومن عي‪GG G‬وب الدميقراطيـة املباشـرة ك‪GG G‬ذلك‪ ,‬أ ّن كث‪GG G‬رياً من أفـراد الش‪GG G‬عب ليس‪GG G‬وا يف مس‪GG G‬توى النضج‬
‫كثريا من املس‪GG‬ائل العامة الفنيّة‪ G‬واملع ّق‪GG‬دة‪ G‬ال‬
‫والوعي واإلدراك‪ ،‬لكي حيكموا أنفسهم بأنفسهم‪ ،‬فضالً عن أ ّن ً‬
‫ميكن ألف‪GG G G G‬راد الش‪GG G G G‬عب الع‪GG G G G‬اديني فهمها وعالجه‪GG G G G‬ا‪ ،‬إض‪GG G G G‬افة إىل أ ّن بعض املس‪GG G G G‬ائل العامة تتطلّب الس‪GG G G‬ريّة؛‬
‫ويعرض البالد للمخاطر‪.145‬‬
‫فمناقشتها باشرتاك‪ G‬مجيع املواطنني يكشف السريّة‪ّ ،‬‬
‫ول‪GG‬ذلك فقد اختفى نظ‪GG‬ام الدميقراطيـة املباشـرة – تقريبً‪GG‬ا‪ -‬وال جند تطبي ًقا له إالّ يف بعض املقاطع‪GG‬ات‬
‫‪G‬ددا من ال ّس ‪G G‬كان يف االحّت اد السويس ‪GG G‬ري‪ -‬واليت يقتصر دور اجلمعيّة‬
‫السويس ‪GG G‬رية الص ‪GG G‬غرية‪ G-‬وهي األق ‪Gّ G G‬ل ع ‪ً G G‬‬
‫الشعبيّة فيها على رفض أو تصديق ما يقرتحه جملس املقاطعة‪ G‬املنتخب‪.146‬‬

‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, p.84 142‬‬


‫بدوي (ثروت)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.BURDEAU (Georges), op. cit, t..5. pp. 250 -251 202.‬‬ ‫‪143‬‬

‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, p.74‬‬


‫ص‪.202.‬‬
‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫‪144‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.204..‬‬ ‫‪145‬‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.441 .‬‬ ‫‪146‬‬
‫وجهت إىل نظ‪GG‬ام الدميقراطية‪ G‬املباش‪GG‬رة ال تقلّل من ش‪GG‬أن ه‪GG‬ذا النظـام؛ فهو‬ ‫لكن ه‪GG‬ذه االنتق‪GG‬ادات‪ G‬اليت ّ‬
‫أي تزييف أو تزويـر يف إرادة الش ‪GG‬عب‪ ،‬إالّ أ ّن‬ ‫ال ‪GG‬ذي جي ّس ‪G G‬د السيـادة الش‪GG G‬عبيّة‪ G‬على حقيقته‪GG G‬ا‪ ،‬ويقضي‪ G‬على ّ‬
‫مثاليّته جعلت تطبيقـه على أرض الواقـع صعـباً أو مس‪GG G G‬تحيالً‪ ،‬والس‪GG G G‬يّما يف عص ‪GG G G‬رنا احلاض ‪GG G‬ر‪ ،‬حيث تع ّقد‬
‫ش‪GG G‬ؤون احلكم‪ ،‬وتزايد ع‪GG G‬دد الس ‪ّ G G‬كان‪ ،‬ولكن ه‪GG G‬ذا ال يعين غي‪GG G‬اب مجيع مظ‪GG G‬اهره يف عص‪GG G‬رنا‪ ،‬بل هي باقيّة‬
‫ص‪G G‬ورة‬‫أي نظ ‪GG‬ام إلرادة الش ‪GG‬عب مبدى أخ ‪GG‬ذه هبذه املظ ‪GG‬اهر؛ ألهّن ا ال ّ‬ ‫ومطبّقة يف بعض البالد‪ ,‬ويق ‪GG‬اس اح ‪GG‬رتام ّ‬
‫الصادقة للدميقراطية احلقيقيّة‪ G,‬اليت تعترب الشعب صاحب السيادة ومصدرها‪.‬‬ ‫ّ‬

‫المبحث الثاني‬
‫الديمقراطية النيابية ‪))La démocratie représentative‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الديمقراطية النيابية‪ ،‬وظروف ظهورها‬


‫الفرع األول‪ :‬مفهوم( الديمقراطية النيابيّة (النظام النيابي)‬
‫نقصد بالدميقراطية النيابيّة ذلك النظّ‪G‬ام السياسي ال‪G‬ذي ينتخب فيه املواطن‪G‬ون‪ G‬ح ّكام‪G‬ه‪ ،‬ومن ميثّلونه يف‬
‫تسيري شؤون احلكم‪.147‬‬
‫فالشعب يف هذا النظام ال ميارس وظائف الدولة بنفسه‪ ,‬ومنها وظيفة التشريع؛ وإمّن ا يكتفي‪ G‬بانتخاب‬ ‫ّ‬
‫يشرعون بامسه وميثّلونه‪ ،‬وميارسون شؤون احلكم نيابة عنه‪.‬‬ ‫ممثّلني عنه‪ّ ,‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ظروف ظهور النظام النيابي‬
‫لقد ظهر النظام النيايب كح ّـل للحفـاظ على مبدإ حكم الشعب؛ وذلك الستحالة تطبيق الدميقراطية‬
‫املباش ‪GG‬رة‪ G‬بص ‪GG‬ورهتا الكامل ‪GG‬ة‪ ،‬كما ظهر نتيجة ظ ‪GG‬روف وتط ‪Gّ G‬ورات تارخييّة ك ‪GG‬انت "إجنل ‪GG‬رتا" مه ‪GG‬دها‪ ،‬ومل ينشأ‬
‫رد هذا النظام إىل أص‪GG‬ول إجنليزيّ‪G‬ة؛ نظ ً‪G‬را أل ّن ص‪G‬ورته األوىل‬
‫فلسفي‪ .‬ويُ ّ‬
‫ّ‬ ‫نتيجة أفكار ونظريات معيّنة أو مبدإ‬
‫ظه ‪GG‬رت فيه‪GG G‬ا‪ ،‬حيث ك‪GG G‬انت اجملالس االستش‪GG G‬اريّة تق ‪ّ G G‬دم االستش‪GG G‬ارة للمل‪GG G‬ك‪ ،‬وإن مل تكن هلا اختصاص‪GG G‬ات‬
‫حم ّددة يف البداي ‪GG‬ة‪ G،‬وذلك أل ّن امللك يتمتّع بس ‪GG‬لطات مطلق ‪GG‬ة‪ ,‬ومع م ‪GG‬رور ال ‪GG‬زمن وتع ّقد أوجه احليـاة اس ‪GG‬تلزم‬
‫‪G‬تقرت وأص ‪GG‬بحت متارس اختصاص ‪GG‬ات معيّن ‪GG‬ة‪ G،‬مثّ‬ ‫على امللك اللّج ‪GG‬وء باس ‪GG‬تمرار ملثل ه ‪GG‬ذه اجملالس‪ ،‬إىل أن اس ‪ّ G‬‬
‫انتقلت السلطة من امللك إىل هذه اجملالس‪.148‬‬
‫‪147‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, p.92‬‬
‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسّسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.202 .‬‬ ‫‪148‬‬

‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, p.76‬‬


‫‪.BURDEAU (Georges), HAMON(Francis), et TROPER(Michel), Droit constitutionnel, op, cit., pp. 116-117‬‬
‫كما القت الدميقراطيـة النيابيّة ونظريـة التمثيل اهتماماً بالغًا ‪-‬عمليًا وتارخييً‪GG G G G G G G G G G‬ا‪ -‬من قِبَل الث‪GG G G G G G G‬ورة‬
‫وروادها‪ ،‬والدساتري واملواثيق املستوحاة‪ G‬منها‪.149‬‬
‫الفرنسية ّ‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مدى اتّفاق النظام النيابي مع منطق الديمقراطية‬
‫إنّه من الث‪GG‬ابت‪ G‬أ ّن احلكم ال‪GG‬دميقراطي‪ G‬جيعل الس‪GG‬لطة للش‪GG‬عب؛ بينما جند النظ‪GG‬ام الني‪GG‬ايب يق‪GG‬وم على أ ّن‬
‫الش ‪GG‬عب خيت ‪GG‬ار ح ّكام ‪GG‬ه‪ ,‬مبعىن أ ّن الش ‪GG‬عب ال ميارس الس ‪GG‬لطة بنفس ‪GG‬ه‪ ,‬فهل يتّفق ذلك مع منطق الدميقراطي ‪GG‬ة؟‬
‫وكيف ميكن التوفيق بني النظام النيايب واملبدإ‪ G‬الدميقراطي؟ وكيف ميكن أن نع ّد الشعب صاحب السيادة يف‬
‫ال ‪GG‬وقت ال ‪GG‬ذي ال ميارس ‪GG‬ها بنفس ‪GG‬ه؟ وهل نس ‪GG‬تطيع أن حنسب اإلرادة اليت يعرّب عنها ن ‪GG‬واب الش ‪GG‬عب هي إرادة‬
‫جمرد أدوات للتعبري عن إرادته؟‬ ‫الشعب نفسه؛ ومن مثّ يبقى‪ G‬الشعب صاحب السلطة األصيل‪ ،‬والنواب‪ّ G‬‬
‫لتفسري ذلك جلأ الفقه إىل نظريتني خمتلفتني‪ :‬نظرية النيابة‪ ،‬ونظرية العضو‪.150G‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نظرية النيابة‬
‫أوال‪ :‬مضمون نظرية النيابة‬
‫تبىن هذه النظرية غالبيّة الفقه الفرنسي‪ ،‬وال سيّما فقهاء الثورة الفرنسية‪.151‬‬
‫لقد ّ‬
‫وتق‪GG G‬وم ه‪GG G‬ذه النظرية على فك‪GG G‬رة النيابة القانونيّ‪GG G‬ة‪ ،‬وهي فك‪GG G‬رة مس‪GG G‬تم ّدة من الق‪GG G‬انون‪ G‬اخلاص‪ ،‬وفحواها أ ّن‬
‫ذمة ش‪GG‬خص‬ ‫ذمته ه‪GG‬و‪ ،‬ولكن يف ّ‬ ‫ص ‪G‬ا‪ ,‬وهو الن‪GG‬ائب‪ G‬أو الوكي‪GG‬ل‪ ،‬ي‪GG‬أيت بتص‪Gّ G‬رفات قانونيّة تنتج أثرها ال يف ّ‬ ‫شخ ً‬
‫التصرفات صادرة عن املو ِّّّ‪ِG‬كل مباشرة‪.152‬‬ ‫املوكل أو املنيب‪ ،‬أي كما لو كانت تلك ّ‬ ‫آخر‪ ,‬هو ِّ‬
‫ثانيا‪ :‬تقييم نظرية النيابة‬
‫ص‪G‬عب نقـل هـذه النظريـة من الق‪G‬انون‪ G‬اخلاص وتطبيقها‪ G‬يف الق‪GG‬انون‬
‫بداية الب ّد من اإلق‪G‬رار أنّه من ال ّ‬
‫العام‪.153‬‬
‫ص ‪G‬ا‬
‫األمة شخ ً‬
‫ومن عيوب هذه النظرية كذلك أهّن ا تقوم على شيء ال ميكن التس‪G‬ليم ب‪G‬ه‪ ،‬وهو اعتب‪G‬ار ّ‬
‫األمة والدولة بالشخص‪GG‬يّة املعنوية‪ G‬يف وقت واح‪GG‬د‪ ،‬ه‪GG‬ذا فض ‪G‬الً‬ ‫معنويً‪GG‬ا‪ G،‬فمن غري املمكن االع‪GG‬رتاف لك‪Gّ G‬ل من ّ‬
‫جمر ًدا؛ حيث ال ميكن أن يك‪GG‬ون حمـالًّ للنيابـة أو التوكيـل‪ ،‬ألنّه ال إرادة حقيقيّة ل‪GG‬ه‪,‬‬
‫األمة شخص ‪G‬اً ّ‬
‫عن ك‪GG‬ون ّ‬

‫‪149‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), op.cit., p.77‬‬
‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 209 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪150‬‬

‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, p.77 151‬‬


‫بدوي (ثروت)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.210.‬‬ ‫‪152‬‬

‫‪.PRELOT (Marcel), op. cit., P. 76‬‬


‫‪.BURDEAU (Georges), HAMON(Francis), et TROPER(Michel), Droit constitutionnel, op. cit., p. 168‬‬
‫‪.BURDEAU (Georges), HAMON(Francis), et TROPER(Michel), op, cit, p. 169 153‬‬
‫األمة تنشأ فقط بعد اختي‪GG G G G‬ار‬
‫أحـدا يف التعبري عن إرادت ‪GG G G G G‬ه‪ ،‬والنتيجة‪ G‬أ ّن إرادة ّ‬
‫ً‬ ‫ومن مثّ ال ميكن أن ي ‪GG G G G G‬نيب‬
‫ويكوهنا‪.154‬‬
‫األمة ال تسبق وجود الربملان‪ G,‬فهذا األخري هو الذي خيلقها ّ‬
‫ح ّكامها‪ ,‬فإرادة ّ‬
‫كما أنّه ال وج ‪GG G‬ود لش ‪GG G‬خص ث ‪GG G‬الث يف ‪GG G‬رتض أن ميـارس النائـب أو الوكيـل نيابته‪ G‬يف مواجهت‪GG G‬ه‪ ،‬كما‬
‫تفرتضه نظرية النياب ‪GG‬ة‪ G،‬فال ميكن أن يك ‪GG‬ون ه ‪GG‬ذا الش ‪GG‬خص هو الس ‪GG‬لطة التنفيذي ‪GG‬ة‪ G,‬أل ّن الربملان‪ G‬يس ‪GG‬مو عليه ‪GG‬ا؛‬
‫لألمة‬
‫لألمة يف مواجهة ه‪GG‬ذه الس‪GG‬لطة‪ ،‬ومن غري املعق‪GG‬ول ك‪GG‬ذلك أن يك‪GG‬ون‪ G‬ممثّالً ّ‬ ‫حيث يتع‪ّ G‬ذر أن يك‪GG‬ون ممثّالً ّ‬
‫األمة‪.155‬‬
‫يف مواجهة ّ‬
‫األم‪GG‬ة‪ ,‬وال‪GG‬ذي يتن‪GG‬اىف مع القـول ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن‬
‫ه‪GG‬ذا فض ‪G‬الً عن قي‪GG‬ام ه‪GG‬ذه النظرية على أ ّن الن‪GG‬واب‪ G‬يري‪GG‬دون ب‪GG‬دل ّ‬
‫الشخـص ال ميكن أن يريد ب ‪GG‬دالً من غ ‪GG‬ريه‪ ،‬فال نيـابة يف اإلرادة‪ ،‬وه ‪GG‬ذا ما يق ‪Gّ G‬رره "روس ‪GG‬و" يف قول ‪GG‬ه‪ « :‬إ ّن‬
‫السلطة ميكن أن تنتقل‪ّ ،‬أما اإلرادة فال‪.156» ‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نظرية العضو (‪) Théorie d' organe  ‬‬
‫أوال‪ :‬مضمون نظرية العضو‬
‫ص ‪G‬ا معنويً ‪GG‬ا‪ G،‬وهو الش ‪GG‬خص اجلم ‪GG‬اعي املتك ‪Gّ G‬ون من‬
‫األمة شخ ً‬
‫تق ‪GG‬وم ه ‪GG‬ذه النظرية على اعتب ‪GG‬ار ّ‬
‫جمم ‪GG‬وع أفراده ‪GG‬ا‪ ,‬وه ‪GG‬ذا الش ‪GG‬خص املعن ‪GG‬وي له إرادة مجاعيّة واح ‪GG‬دة‪ ,‬يعرّب عنها بواس ‪GG‬طة أعض ‪GG‬ائه‪ G،‬ووفق ه ‪GG‬ذه‬
‫النظرية فإنّه ال وج ‪GG‬ود للنياب ‪GG‬ة‪ ،‬أل ّن أعض ‪GG‬اء الربملان هنا يعت ‪GG‬ربون أعض ‪GG‬اء يف جسم العض ‪GG‬و‪ G،‬ويش ‪GG‬بهون‪ G‬ب ‪GG‬ذلك‬
‫عضوا‪ G‬يف جسم‬ ‫جسم اإلنسان‪ G‬الذي له أعضاء تش ّكل جسمه‪ ،‬ولكن ال تنفصم عنه؛ فكذلك الربملـان يعترب ً‬
‫األم‪GG‬ة؛ ومن مثّ تعترب‬
‫األمة أو الدولـة‪ ،‬ولذلك فال يوجد تع ّدد اإلرادات؛ وإمّن ا هناك إرادة واح‪GG‬دة‪ ،‬هي إرادة ّ‬ ‫ّ‬
‫اهليئات املوجودة يف الدولة أعضاء من الدولة‪.157‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقييم هذه النظرية‬
‫من عي‪GG G‬وب ه‪GG G‬ذه النظرية ما س‪GG G‬بق أن أش‪GG G‬رنا إليه يف "نظرية النياب‪GG G‬ة"‪ G‬من اع‪GG G‬رتاف ه‪GG G‬ذه النظرية‬
‫‪G‬ؤدي إىل االستبـداد؛ وذلك ألهّن ا ال متيّز بني إرادة احل ّك‪GG‬ام‬ ‫ض ‪G‬ا أهّن ا ت ‪ّ G‬‬
‫لألم‪GG‬ة‪ ،‬وما يعيبها‪ G‬أي ً‬
‫بالشخص ‪GG‬يّة املعنويّة‪ّ G‬‬
‫وإرادة احملك‪GG G‬ومني‪ ،‬حيث جتعل اجلماعة املنظّمة شخص‪GG G‬يّة واح‪GG G‬دة‪ ,‬دون متي‪GG G‬يز بني أعض‪GG G‬اء الس‪GG G‬لطة احلاكمة‬
‫األمة‪ ,‬وال خيفى ما يف هذا الرأي من خطر على احلريات‪.158‬‬
‫وأفراد ّ‬
‫‪.BURDEAU (Georges), HAMON(Francis), et TROPER(Michel),Droit constitutionnel, op, cit., p. 169 154‬‬
‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 210 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪155‬‬

‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p.89‬‬


‫روسو (جان جاك)‪ ،‬العقد االجتماعي‪ ,‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.63 .‬‬ ‫‪156‬‬

‫‪157‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), op. cit., p.88 et suiv‬‬
‫‪.BURDEAU (Georges), HAMON(Francis), et TROPER(Michel), op. cit, p. 170‬‬
‫‪.213-212‬‬ ‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪158‬‬
‫األمة عن إرادة ممثّليها فيه خط‪GG‬أ؛ أل ّن املمثّل منفصل عنه‪GG‬ا‪،‬‬‫إض‪GG‬افة إىل أ ّن الق‪GG‬ول بع‪GG‬دم انفص‪GG‬ال إرادة ّ‬
‫ص‪G‬ة ب‪GG‬ه‪ ،‬دون انتظ‪GG‬ار مش‪GG‬اركة‬ ‫وله ذاتيّته وإرادته اجمل ّس‪G‬دة يف انفص‪GG‬اله‪ G‬اجلس‪GG‬ماين‪ ،‬وقيامه بتص‪Gّ G‬رفات قانونيّة خا ّ‬
‫األمة اآلخ ‪GG‬رين‪ ،‬كما تتع ‪GG‬ارض ه ‪GG‬ذه النظرية مع املب ‪GG‬دإ ال ‪GG‬دميقراطي األساس ‪GG‬ي‪ ،‬واملتمثّل يف‬‫أو موافقة أعض ‪GG‬اء ّ‬
‫واألمة إىل مش ‪GG G‬يئة الدولة ص‪GG G‬انعة‬
‫‪G‬ؤدي إىل تقرير خض ‪GG G‬وع الش ‪GG G‬عب ّ‬ ‫حكم الش ‪GG G‬عب وس ‪GG G‬يادته؛ وذلك ألهّن ا ت ‪ّ G G‬‬
‫لتصرفات أعضائها‪.159G‬‬
‫القانون‪ ،‬ومقيّدة ّ‬
‫والواضح من ه ‪GG G‬ذه النظرية واليت س ‪GG G‬بقتها‪ G,‬أهّن ما حتاوالن ت ‪GG G‬ربير النظ ‪GG G‬ام الني ‪GG G‬ايب‪ ،‬وأ ّن ه ‪GG G‬ذا األخري ال‬
‫يتن ‪GG‬اقض‪ G‬مع املب ‪GG‬دإ ال ‪GG‬دميقراطي‪ G،‬ولكنّهما تقع ‪GG‬ان‪ G‬يف بعض التن ‪GG‬اقض‪ ،‬وأحيانًا تص ‪GG‬طدمان مع املنط ‪GG‬ق‪ ،‬كما أ ّن‬
‫عما تق‪Gّ G‬ره هات‪GG‬ان النظريت‪GG‬ان‪ ,‬ولكن ه‪GG‬ذا ال ينفي‪ G‬جديّة ه‪GG‬اتني النظري‪GG‬تني يف‬ ‫‪G‬ريا ما يك‪GG‬ون‪ G‬بعي‪Gً G‬دا ّ‬
‫واقع احلال كث‪ً G‬‬
‫البحث عن أسس للتوفيق بني النظام النيايب واملبدإ‪ G‬الدميقراطي‪G.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أركان النظام النيابي‬


‫يق‪GG‬وم النظـام الني‪GG‬ايب (الدميقراطية النيابي‪GG‬ة) على أرك‪GG‬ان أساس‪GG‬يّة‪ ,‬متيّ‪GG‬زه عن غ‪GG‬ريه من األنظم‪GG‬ة‪ ،‬وعن‬
‫الص ‪GG G G‬ورتني األخ ‪GG G G G‬ريني للدميقراطية‪ G‬الغربية (املباشـرة‪ ،‬وش ‪GG G G G‬به املباشـرة) مع حمافظته على املب ‪GG G G‬دإ األساسي‪G‬‬
‫للدميقراطي‪GG‬ة‪ G،‬وهو "حكم الش‪GG‬عب"‪ ،‬حىّت ولو ك‪GG‬انت ممارسة الش‪GG‬عب لس‪GG‬يادته عن طريق ن‪GG‬واب عنه ينتخبهم‬
‫بنفسه‪.‬‬
‫وميكن تلخيص هذه األركان فيما يأيت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬وجود برلمان منتخب‬
‫ويكون الشعب هو ال‪G‬ذي ينتخب ه‪G‬ذا الربملان‪ G‬كلّه أو بعض‪G‬ه؛ إذ االنتخ‪G‬اب هو ج‪G‬وهر النظ‪G‬ام‬
‫جمرد مسألة صوريّة‪.160‬‬
‫النيايب‪ ،‬وبدونه يكون النظام النيايب ّ‬
‫األمة كلّها‬
‫ثانيا‪ :‬عضو البرلمان يمثّل ّ‬

‫بوشعير (سعيد)‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.85-84 .‬‬ ‫‪159‬‬

‫متولي (عبد الحميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.156-155 .‬‬ ‫‪160‬‬
‫لألمة كلّه‪G‬ا‪،‬‬
‫حيث ال يعترب عضو الربملان‪ G‬املنتخب ممثّالً لدائرته االنتخابية فق‪G‬ط‪ ،‬بل يُع‪ّ G‬د ممثّالً ّ‬
‫أي ليس من مهامه رعاية املصاحل احملليّة لدائرته االنتخابيّة‪ G،‬بل يرعى مصاحل ّأمته القوميّة‪ G‬العليا‪.161‬‬
‫فعضو الربملان‪ G‬يت ّكلم باسم اجملموعة كلّه‪GG G G‬ا؛ إذ أص ‪GG G G‬بح ممثّل الش ‪GG G G‬عب بكامله وليس ممثّل قسم أو فئة‬
‫منه‪.162‬‬
‫ثالثا‪ :‬االستقالل النسبي ألعضاء البرلمان تجاه الشعب‬
‫حق عزله إذا‬
‫احلق يف إمالء إرادهتم أو رغباهتم على النائب‪ ،‬وال ميلكون ّ‬ ‫أي ليس للناخبني ّ‬
‫مل ين ّفذ تلك اإلرادة أو الرغب ‪GG G G G‬ات‪ ,‬كما ك ‪GG G G G‬ان حيصل يف فرنسا قبل ثورهتا بالنس ‪GG G G G‬بة ألعض ‪GG G G‬اء جمالس متثيل‬
‫الطبقات املعـروف باسـم (‪.163) Les Etats généraux ‬‬
‫مهم من االس‪GG‬تقالل‪ G‬ال‪GG‬ذايت عن‬
‫فه‪GG‬ذا ال‪GG‬ركن من أرك‪GG‬ان النظ‪GG‬ام الني‪GG‬ايب يقتضي‪ G‬أن يتمتّع الن‪GG‬واب بق‪GG‬در ّ‬
‫األمة كلّها‪ ،‬فكأنّه نتيجة طبيعيّة للمبدإ السابق‪.‬‬
‫منتخبيهم‪ ,‬وهذا ما يقتضيه‪ G‬كذلك كون عضو الربملان ميثّل ّ‬
‫رابعا‪ :‬تأقيت النيابة‬
‫أي جيب أن يك ‪GG‬ون انتخ ‪GG‬اب أعض ‪GG‬اء الربملان مل ّدة معيّنة وحمدودة‪ ،‬ويعترب ه ‪GG‬ذا وس ‪GG‬يلة من‬
‫وس‪GG G‬ائل حتقيق رقابة ال‪GG G‬رأي الع‪GG G‬ام على أعض‪GG G‬اء الربملان؛‪ G‬حيث ميكن للن‪GG G‬اخبني االمتن‪GG G‬اع‪ G‬عن جتديد انتخ‪GG G‬اب‬
‫األعضاء الذين ثبت فشلهم يف مهامهم‪.164‬‬
‫خامسا‪ :‬تمتّع البرلمان ببعض خصائص السيادة‬
‫يتوىل الربملـان السلطـة التشريعيّة‪ ،‬أو على األق ّـل أن يشرتك مع احلكومة‪G‬‬
‫ومعىن ذلك أنّه جيب أن ّ‬
‫جمرد هيئة استش ‪GG‬اريّة‪ ،‬ويف ه ‪GG‬ذه احلالة ال ميكن اعتب ‪GG‬ار ه ‪GG‬ذه‬
‫يف ج ‪GG‬زء منه ‪GG‬ا؛ وذلك حىت ال يتح ‪Gّ G‬ول دوره إىل ّ‬
‫‪165‬‬
‫أهم عنصر من عناصر احلكـم الني‪GG‬ايب‪ ,‬وهو ممارسة الربملـان للتشريـع‬
‫ّ‬ ‫فقد‬ ‫ه‬‫ّ‬‫ن‬‫أ‬ ‫‪G‬ادام‬‫‪G‬‬‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫نظـاما نيابيـاً‬
‫اجملالس ً‬
‫حىت لو توافر عنصر االنتخاب‪.166‬‬
‫واملراقبة وبطريقة استقالليّة‪ G‬عن الشعب‪ّ ،‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تكييف العالقة بين البرلمان والشعب‬

‫‪ 161‬المرجع نفسه‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.157-156 .‬‬


‫‪ 162‬هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسّسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص‪.221 .‬‬
‫‪ 163‬متولي (عبد الحميد)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.157 .‬‬
‫‪ 164‬متولي (عبد الحميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.157 .‬‬
‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسّسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص‪.63 .‬‬
‫‪ 165‬متولي (عبد الحميد)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.157 .‬‬
‫‪ 166‬بوشعير (سعيد)‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.86 .‬‬
‫إذا ك‪GG‬ان من املع‪GG‬روف أ ّن الربملان هو املعرّب عن إرادة الش‪GG‬عب‪ ،‬إذ هو ممثّله ونائب‪GG‬ه‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن العالقة‬
‫حمل اتّف ‪GG‬اق الفقه ‪GG‬اء يف تكييفه ‪GG‬ا‪ G،‬فقد رأى بعض ‪GG‬هم أهّن ا وكـالة إلزاميّ ‪GG‬ة‪ ،‬ورأى‬
‫بني الربملان والش ‪GG‬عب مل تكن ّ‬
‫جمرد اختيار‪.‬‬
‫البعض اآلخر بأهّن ا وكـالة عامة‪ ،‬ورأى آخـرون أ ّن العالقة هي ّ‬

‫الفرع األول‪ :‬نظرية الوكالة اإللزامية (‪)  Le mandat impératif  ‬‬
‫أوال‪ :‬مضمون هذه النظرية وتطبيقاتها‬
‫س‪GG‬ادت ه‪GG‬ذه النظرية يف بريطاني‪GG‬ا‪ ،‬وفرنسا قبل ثورهتا؛ حيث ك‪GG‬ان أعض‪GG‬اء اهليئ‪GG‬ات العموميّة‪G‬‬
‫(‪ ) Etats généraux ‬يتل ّق‪GG‬ون تعليم ‪GG‬ات ملزمة من الفئ ‪GG‬ات اليت ميثّلوهنا‪ ،‬واليت خيض‪GG‬عون‪ G‬هلا‪ ،‬ويعت‪GG‬ربون ك ‪GG‬ذلك‬
‫لألمة كلّه ‪GG‬ا‪ ،‬إالّ أ ّن ه ‪GG‬ذه الفك ‪GG‬رة (الوكالة اإللزاميّ ‪GG‬ة)‪ G‬هج ‪GG‬رت متام‪G G‬اً يف الق ‪GG‬رن‬
‫ممثّلني لتلك الفئ ‪GG‬ات وليس ‪GG‬وا ّ‬
‫الثامن عشر‪.167‬‬
‫ص‪G‬ة‪ ،‬ترتبط بالطبقـة أو املدينة‪ G‬اليت ميثّلها‬
‫وفحوى هذه النظرية أ ّن ن‪GG‬واب املقاطع‪GG‬ات ميثّل‪GG‬ون مص‪GG‬احل خا ّ‬
‫ك‪Gّ G‬ل منهم؛ حيث ك‪GG‬ان الن‪GG‬واب‪ G‬يرتبط‪GG‬ون بن‪GG‬اخبيهم برابطة وكالة إلزاميّة ختضع ألحك‪GG‬ام عقد الوكالة املق‪Gّ G‬ررة‬
‫يف القانون‪ G‬املدين‪ ،‬إذ نقلت هذه العالقة من القانون اخلاص إىل القانون الع‪GG‬ام‪ ،‬ووفق ه‪GG‬ذه النظرية يص‪GG‬بح من‬
‫ح‪Gّ G‬ق الن‪GG‬اخبني حتديد برن‪GG‬امج يسري عليه الن‪GG‬ائب‪ ،‬وتعليم‪GG‬اهتم ملزمة ل‪GG‬ه‪ ،‬وليس له اخلروج عن ح‪GG‬دود الوكالة‬
‫‪G‬ىت قبل انته ‪GG‬اء م ‪ّ G‬دة الوكالـة‪ ،‬ويك ‪GG‬ون‪ G‬الن ‪GG‬ائب‪ G‬هنا مس ‪GG‬ؤوالً عن أخطائه‬
‫املعط ‪GG‬اة ل ‪GG‬ه‪ ،‬وللن ‪GG‬اخبني ح ‪Gّ G‬ق عزله ح ‪ّ G‬‬
‫وتقصريه يف تنفيذ الوكـالة؛ ممّا يرتتّب‪ G‬عنه ح ّقهم يف املطالبـة ب‪GG‬التعويض‪ G،‬كما أ ّن على الن‪GG‬ائب‪ G‬تق‪GG‬دمي حس‪GG‬اب‬
‫حتمل مص‪GG‬اريف الوكال‪GG‬ة‪ ،‬ومجيع ما تتطلبّه النيابة‪G‬‬‫للن‪GG‬اخبني عن كيفيّة تنفيذ الوكال‪GG‬ة‪ ،‬ويف املقابل على ه‪GG‬ؤالء ّ‬
‫من مصاريف‪.168‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقييم هذه النظرية‬
‫على ال ‪Gّ G‬رغم ممّا حتمله ه ‪GG‬ذه النظرية من مسات الدميقراطي ‪GG‬ة؛ حيث تق ‪Gّ G‬رر ح ‪Gّ G‬ق الش ‪GG‬عب يف مراقبة‬
‫نوابه وع‪GG‬زهلم عند االقتض‪GG‬اء‪ ،‬إالّ أهّن ا مل تس‪GG‬لم من انتق‪GG‬ادات؛ ألهّن ا تكيّف العالقة بني الن‪GG‬ائب‪ G‬والش‪GG‬عب‪ G‬على‬
‫أهّن ا تعاقديّة ختضع للق‪GG G G G G G G G G‬انون اخلاص‪ ،‬ولكن األمر ليس ك‪GG G G G G G G G G‬ذلك؛ إذ العالقة بينهما تنظيميّة قانونيّة ختضع‬
‫‪G‬ؤدي هـذه النظريـة إىل ت‪GG‬رجيح املص‪GG‬احل احملليّة على املص‪GG‬احل الوطنيّ‪GG‬ة‪ ،‬ممّا يع‪Gّ G‬زز اجلهويّ‪GG‬ة‪،‬‬
‫للق‪GG‬انون الع‪GG‬ام‪ ،‬كمـا ت‪ّ G‬‬
‫‪167‬‬
‫‪.BURDEAU (Georges), Traité de science politique, op. cit., t. 5, p. 283 et suiv‬‬
‫‪.216‬‬ ‫وبدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪ 168‬بدوي (ثروت)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.215 .‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p.87‬‬
‫خادما‬
‫كما أهّن ا تسحب من الربملان‪ G‬سلطة التقرير‪ ،‬ممّا يتناىف مع النظ‪GG‬ام الربملاين‪ ،‬إض‪GG‬افة إىل أهّن ا جتعل الن‪GG‬ائب ً‬
‫وليس ممثّالً‪.169‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نظرية الوكالة العامة للبرلمان‬


‫أوال‪ :‬مضمون هذه النظرية‬
‫تَعترب ه‪GG‬ذه النظرية أ ّن أعض‪GG‬اء الربملان‪ G‬ال ميثّل‪GG‬ون –بعد انتخ‪GG‬اهبم‪ -‬دوائ‪GG‬رهم االنتخابيّة‪ G‬اليت‬
‫واألمة يف جمموعه‪GG‬ا‪ ،‬وليس بني‬‫األمة مجيع‪G‬اً‪ ،‬فعقد الوكالة موج‪G‬ود هنا بني الن‪G‬ائب‪ّ G‬‬ ‫انتخبوا فيه‪GG‬ا؛ وإمّن ا ميثّل‪G‬ون ّ‬
‫األمة‪.170‬‬
‫األمة؛ وهذه النظرية تنبع من نظريّة سيادة ّ‬
‫النائب ودائرته االنتخابيّة‪ ،‬فجميع النواب‪ G‬ميثّلون مجيع ّ‬
‫جمردة‪ ،‬ومس ‪GG G‬تقلّة عن األف ‪GG G‬راد ال ‪GG G‬داخلني فيه ‪GG G‬ا‪ ،‬وإرادهتا‬‫األمة وح ‪GG G‬دة ّ‬ ‫وتقتضي ه ‪GG G‬ذه النظرية اعتب ‪GG G‬ار ّ‬
‫لألمـة بأس ‪GG G G G‬رها؛ ممّا ينتج عنه ع ‪GG G G‬دم خض ‪GG G G‬وعه‬
‫احلقيقيّة هي اليت يعرّب عنها الربملان‪ G،‬كما يُعترب الن ‪GG G G G‬ائب ممثّالً ّ‬
‫لتوجيهات ناخبيه‪ ،‬وعدم جواز عزل الن‪G‬اخبني يف دائ‪GG‬رة معيّنة لن‪GG‬ائبهم‪ ،‬وح ّ‪G‬ق الن‪G‬ائب‪ G‬يف مناقشة مجيع األم‪G‬ور‬
‫العام ‪GG G‬ة‪ ,‬مراعي ‪G G‬اً‪ G‬املص ‪GG G‬لحة العامة وليس مص ‪GG G‬لحة دائرته االنتخابيّ ‪GG G‬ة‪ ،‬كما ال يل ‪GG G‬زم الن ‪GG G‬ائب بتق ‪GG G‬دمي حس ‪GG G‬اب‬
‫للناخبني؛ إذ ليس مسؤوالً أمامهم‪.171‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقييم هذه النظرية‬
‫األمة إىل الربملان‪،‬‬
‫من االنتقـادات اليت ُو ّجهت إىل ه‪GG‬ذه النظريـة أهّن ا تنقل –واقعي ‪G‬اً‪ G-‬السيـادة من ّ‬
‫وذلك ما هتدف إليه البورجوازي‪GG‬ة؛ حيث إ ّن تقييد ح‪Gّ G‬ق االنتخ‪GG‬اب جبعله وظيف‪GG‬ة‪ ،‬ومنح الس‪GG‬يادة للربملان‪ ،‬قيّد‬
‫من سلطة الشعب‪ ،‬ووضعها بني يدي فئة قليلة من األفراد‪ ،‬هم أعضاء الربملان‪.172‬‬
‫وعلى ال ‪Gّ G G G G‬رغم من ذل ‪GG G G G‬ك‪ ،‬ف ‪GG G G G‬إ ّن هلذه النظرية ش ‪GG G G G‬عبيّة كب ‪GG G G G‬رية؛ وذلك أل ّن الربملان يع ‪GG G G‬ارض ويواجه‬
‫احلكوم ‪GG‬ات امللكيّة‪ G‬أو اإلرس ‪GG‬تقراطية‪ G،‬وألنّه ك ‪GG‬ذلك يلعب دور الرقابة الش ‪GG‬عبيّة للق ‪GG‬رارات احلكوميّ ‪GG‬ة‪ G،‬ويعترب‬
‫فعالة يف الدميقراطيات الغربيّة‪.173‬‬
‫ّقوة ّ‬
‫جمردة متجانس ‪GG‬ة‪ ،‬ولكن التط ‪Gّ G‬ور االجتم ‪GG‬اعي أثبت‬
‫األمة وح ‪GG‬دة ّ‬
‫وانتق ‪GG‬دت ه ‪GG‬ذه النظرية بكوهنا تعترب ّ‬
‫اخلاصة‪.174‬‬
‫كل منها إىل حتقيق مصاحلها ّ‬
‫األمة إىل طبقات وفئات خمتلفة‪ ,‬تسعى ّ‬
‫انقسام ّ‬
‫بوشعير (سعيد)‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.89-88 .‬‬ ‫‪169‬‬

‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.217 .‬‬ ‫‪170‬‬

‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, p.88‬‬


‫)‪op.cit., p.88. , DUVERGER (Maurice‬‬ ‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪- . 218-217 .‬‬ ‫بدوي (ثروت)‪،‬‬ ‫‪171‬‬

‫‪.DUVERGER (Maurice), op.cit., p.88 172‬‬


‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp.88-89 173‬‬
‫‪.219‬‬ ‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪174‬‬
‫إض‪GG‬افة إىل أ ّن الن‪GG‬واب‪ G‬ال يزال‪GG‬ون يت‪GG‬أثّرون ب‪GG‬آراء منتخ‪GG‬بيهم يف دوائ‪GG‬رهم االنتخابيّ‪GG‬ة‪ G,‬والس‪GG‬يّما إذا رغب‪GG‬وا‬
‫األمة كامل ‪GG G‬ة‪ ،‬وتص ‪Gّ G G‬رفاته ليست كلّها تعرّب عن‬
‫يف الرت ّش‪G G G‬ح م ‪Gّ G G‬رة أخ ‪GG G‬رى‪ ،‬كما أ ّن الربملان‪ G‬يف احلقيقة‪ G‬ال ميثّل ّ‬
‫األمة‪ ،‬بل تعارضها أحيانًا‪. 175‬‬
‫إرادة ّ‬
‫مجرد اختيار ( ‪)Théorie de l'élection simple choix‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬نظرية االنتخاب ّ‬
‫أوال‪ :‬مضمون هذه النظرية‬
‫وتدور فكرة هذه النظرية على أساس أنّه ال جمال لوجود عالقة تربط النائب‪ G‬بالناخبني؛ ومن‬
‫جمرد‬
‫حمل للبحث يف تك ‪GG G‬ييف‪ G‬ه ‪GG G‬ذه العالقة غري املوج ‪GG G‬ودة أسا ًس ‪G G‬ا‪ ,‬فحسب ه ‪GG G‬ذه النظرية ف ‪GG G‬إ ّن األمر ّ‬ ‫مثّ فال ّ‬
‫اختيار الناخبني ألحسن املر ّشحني لعض‪GG‬ويّة الربملان‪ G،‬وينتهي‪ G‬ك‪Gّ G‬ل ش‪GG‬يء مبج‪GّG‬رد متام االختي‪GG‬ار باالنتخ‪GG‬اب‪ ،‬وال‬
‫توجد أيّة رابطة بني الن ‪GG G‬اخبني والن ‪GG G‬واب‪ G،‬والن ‪GG G‬ائب‪ G‬يباشر أعماله الربملانيّة‪ G‬بك ‪Gّ G G‬ل اس ‪GG G‬تقالليّة‪ ,‬دون أن يك ‪GG G‬ون‬
‫ملتزما جتاه الناخبني‪.176‬‬
‫تابعا‪ ،‬أو ً‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬تقييم هذه النظرية‬
‫على ال‪Gّ G‬رغم من متيّز ه‪GG‬ذه النظرية عن س‪GG‬ابقتيها‪ G,‬خبروجها من دائ‪GG‬رة تك‪GG‬ييف‪ G‬العالقة بني الن‪GG‬ائب‪G‬‬
‫والن‪GG‬اخبني بأهّن ا وكال‪GG‬ة‪ ,‬إالّ أنّه يعيبها أهّن ا فص‪GG‬مت بني الن‪GG‬ائب والن‪GG‬اخبني بالكام‪GG‬ل؛ فقضت ب‪GG‬ذلك على ك‪Gّ G‬ل‬
‫عالقة بني الربملان ومجه ‪GG G‬ور الن ‪GG G‬اخبني‪ ،‬رغم أ ّن الواقع العملي مل يش ‪GG G‬هد ه ‪GG G‬ذا االس ‪GG G‬تقالل التّ ‪GG G‬ام واملطلق بني‬
‫الربملان والناخبني؛ وهذا ما جعل هذه النظرية بعيدة عن الواقع‪ ،‬و أفقدها قيمتها وأمهيّتها‪.177‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬مدى أخذ النظام النيابي الحديث بهذه النظريات‬


‫قائما على نظري‪GG‬ات جام‪GG‬دة‪،‬‬ ‫ميكن الق‪GG‬ول إ ّن النظـام النيـايب ‪ -‬يف ص‪GG‬ورته املعاصـرة‪ -‬مل يعد ً‬
‫يهمه األخذ مبا يتّفق مع فلس ‪GG G G‬فته‬ ‫كالنظريـات الس ‪GG G G‬ابقة‪ ،‬ومل يعد يهتّم مبا ي ‪GG G G‬رتتّب عليها من نت ‪GG G G‬ائج؛ وإمّن ا ّ‬
‫يهمهم ما‬ ‫وطبيعت‪GG‬ه‪ G،‬دون اعتب‪GG‬ار ملدى املوافقة‪ G‬لتلك النظريـات أو املخالفة هلا‪ ،‬وإ ّن واض‪GG‬عي الدس‪GG‬اتري مل يعد ّ‬
‫يهمهم إقامة أنظمة حم ّددة وتقرير أحك‪GG G G G G‬ام معيّن‪GG G G G‬ة؛ فهو يهتّم‬ ‫متثّله األنظمة من نظري‪GG G G G G‬ات علميّة بق‪GG G G G G‬در ما ّ‬
‫بالتطبيق ‪GG G‬ات‪ G‬العمليّة دون االعتب‪GG G G‬ارات‪ G‬النظري ‪GG G‬ة‪ ،‬كما أص ‪GG G‬بحت األنظمة النيابيّة تتط‪Gّ G G G‬ور باجّت اه متثيل حقيقي‬
‫توجهاته؛ ألجل ذلك التجأت كثري من األنظمة إىل األخذ ببعض‪ G‬مظ‪GG‬اهر‬ ‫وتنوع‪ّ G‬‬
‫للشعب‪ ،‬باختالف طبقاته ّ‬
‫‪178‬‬
‫الدميقراطية‪ G‬املباشرة‬

‫بوشعير (سعيد)‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.88-87 .‬‬ ‫‪175‬‬

‫أبورا س (محمد الشافعي)‪ ،‬نظم الحكم المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.362-361 .‬‬ ‫‪176‬‬

‫أبورا س (محمد الشافعي)‪ ،‬نظم الحكم المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.362 .‬‬ ‫‪177‬‬

‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.221-220 .‬‬ ‫‪178‬‬


‫المبحث الثالث‬
‫الديمقراطية شبه المباشرة (‪ )La démocratie Semi-directe  ‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الديمقراطية شبه المباشرة‬


‫ه‪GG G‬ذه الص‪GG G‬ورة من ص‪GG G‬ور الدميقراطية الغربيّ‪GG G‬ة‪ ،‬هي نظ‪GG G‬ام وسط بني الدميقراطية املباش‪GG G‬رة‪G‬‬
‫والدميقراطية‪ G‬النيابيّة‪( G‬النظ ‪GG‬ام الني ‪GG‬ايب)؛ فالدميقراطيـة ش ‪GG‬به املباش ‪GG‬رة تقتضي‪ G‬وج ‪GG‬ود برملان منتخب من الش ‪GG‬عب‪،‬‬
‫ميارس الس ‪GG G G G‬لطة بامسه وحلس ‪GG G G G‬ابه (كما هو احلال يف النظ ‪GG G G G‬ام الني ‪GG G G G‬ايب)‪ ،‬ولكن الش ‪GG G G G‬عب حيتفظ لنفسه ببعض‪G‬‬
‫الس ‪GG‬لطات ميارس ‪GG‬ها مباش ‪GG‬رة‪ ،‬ووف ًقا لوس ‪GG‬ائل معيّنة ختتلف من نظ ‪GG‬ام إىل آخ ‪GG‬ر‪ ،‬فمش ‪GG‬اركة الش ‪GG‬عب يف بعض‬
‫اهلام‪GG‬ة‪ ،‬وتص‪Gّ G‬رفه فيها مبا ي‪GG‬راه حم ّق ًقا ملص‪GG‬احله‪ -‬على أس‪GG‬اس أنّه ص‪GG‬احب الش‪GG‬أن ومص‪GG‬در الس‪GG‬لطات‪-‬‬ ‫املسائـل ّ‬
‫يعترب أخ ًذا جبوهر الدميقراطية املباشرة‪.179G‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬دواعي اللّجوء إلى الديمقراطية شبه المباشرة‬


‫مادام قد ثبت – عمالً‪ -‬استحالة تطبيق الدميقراطية املباشرة‪ G‬بصورهتا الكاملة‪ ،‬من حيث ت‪GG‬ويّل‬
‫الش‪GG‬عب الس‪GG‬لطة بأكمله‪GG‬ا‪ ،‬من تش‪GG‬ريع‪ ،‬وإدارة‪ ،‬وقض‪GG‬اء‪ ،‬ودون وساطـة؛ فقد ق‪GG‬ام النظ‪GG‬ام الني‪GG‬ايب‪ ،‬ال‪GG‬ذي ي‪GG‬رتك‬
‫فيه الشعب نوابه‪ G‬املنتخبني يتولّون عنه شؤونه‪ ،‬وميارسون السلطات العام‪G‬ة‪ ,‬إالّ أ ّن النظ‪G‬ام الني‪G‬ايب ك‪G‬ان بعي‪G‬داً‬
‫عن املثل العليا للدميقراطية‪ ،‬اليت جوهرها ممارسة الشعب س‪GG‬لطات حقيقيّ‪GG‬ة‪ ،‬كما يش‪G‬رتك يف الس‪G‬لطة اش‪GG‬رتا ًكا‬
‫فعليً‪GG G G‬ا؛ وألجل ه‪GG G G G‬ذه الغاية أخ‪GG G G G‬ذت األنظمة احلديثة ببعض‪ G‬مظ‪GG G G G‬اهر الدميقراطية‪ G‬املباش‪GG G G G‬رة‪ ،‬مع إبقائها على‬
‫اهليئ ‪GG G‬ات النيابيّة‪ G‬املنتخبة اليت متثّل الش‪GG G G‬عب‪ ،‬ومتارس الس‪GG G G‬لطات بامسه‪ ،‬ولكن مع الرج‪GG G G‬وع يف بعض األم ‪GG G‬ور‬
‫اهلامـة إىل الشعب ليمارسـها بنفسه‪180‬؛ فأصبح الشعب يف هذه الدميقراطيـة ‪ -‬شبه املباش‪GG‬رة‪ -‬يعترب‬
‫واملسائـل ّ‬
‫س ‪GG‬لطة رابع ‪GG‬ة‪ ،‬جبوار الس ‪GG‬لطات الثالث األخ ‪GG‬رى (التش ‪GG‬ريعيّة والتنفيذيّة والقض ‪GG‬ائيّة)‪ G،‬كما أ ّن ه ‪GG‬ذا االش ‪GG‬رتاك‬
‫للش‪GG G‬عب ‪-‬بطريقة مباش‪GG G‬رة‪ -‬يف إدارة الش‪GG G‬ؤون العام‪GG G‬ة‪ ،‬حي ّد من س‪GG G‬لطات الربملان ومينع اس‪GG G‬تبداده وطغيان‪GG G‬ه؛‪G‬‬
‫فكانت هذه الدميقراطية ختفي ًفا من عيوب النظام النيايب البحت‪.181‬‬

‫‪179‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp .78-79‬‬
‫وليلة (محم د كام ل)‪ ،‬النظم السياس‪EE‬ية‪ ،‬مرج ع‬ ‫وبدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-.222-221 .‬‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.805-804‬‬
‫‪ 180‬بدوي (ثروت)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.222-221 .‬‬
‫‪ 181‬ليلة (محمد كامل)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.805 .‬‬
‫إذن فالدميقراطية ش‪GG G‬به املباش‪GG G‬رة‪ ،‬ج‪GG G‬اءت كح‪Gّ G G‬ل وسط بني نظ‪GG G‬ام تع ‪ّ G G‬ذر تطبيقه عمليً ‪GG‬ا‪ ,‬والس ‪GG‬يّما يف‬
‫عصرنا احلاضر (الدميقراطية‪ G‬املباشرة)‪ ،‬وبني نظ‪GG‬ام ظه‪GG‬رت عيوبه لكونه ابتعد عن ج‪GG‬وهر الدميقراطيـة احلقيقيّة‬
‫ومثلها العليـا‪ ،‬واملتمثّلة يف املشاركـة الفعليّة للش ‪GG G‬عب يف ممارسة س ‪GG G‬يادته (النظ ‪GG G‬ام الني ‪GG G‬ايب)؛ فك‪GG G‬ان الب ‪ّ G G‬د من‬
‫األخذ مبظاهر كال النظامني السابقني‪ ،‬فأبقي‪ G‬على الربملان‪ G‬ليم‪GG‬ارس اختصاص‪GG‬اته يف متثيله للش‪GG‬عب‪ ،‬ولكن مع‬
‫اهلام‪GG‬ة؛‬
‫اإلبق ‪GG‬اء على بعض مظ ‪GG‬اهر الدميقراطية املباش ‪GG‬رة‪ G،‬ليش ‪GG‬ارك الش ‪GG‬عب بص ‪GG‬ورة مباش ‪GG‬رة يف بعض األم ‪GG‬ور ّ‬
‫فكانت الدميقراطية‪ G‬شبه املباشرة‪G.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬انتشار الديمقراطية شبه المباشرة‬


‫‪G‬ريا‪ ،‬وازدهـرت كث‪GG G‬رياً يف عديد من ال‪GG G‬دول‬ ‫رواجا كب‪ً G G‬‬
‫لقد القت الدميقراطية‪ G‬ش‪GG G‬به املباش‪GG G‬رة‪ً G‬‬
‫األوربيّ ‪GG‬ة‪ G،‬بعد احلرب العاملية‪ G‬األوىل والثاني ‪GG‬ة؛ وذلك لزي ‪GG‬ادة ان ‪GG‬دفاع امل ّد ال ‪GG‬دميقراطي‪ G,‬والس ‪GG‬يّما بعد انتص ‪GG‬ار‬
‫الدول اليت تتبىّن مبدأ الدميقراطية‪ G،‬وكذا انتشار التعليم‪ ،‬وزيادة وعي الشعوب ونضجها سياسياً‪ ،‬إض‪GG‬افة إىل‬
‫الرغبة يف إصالح عيوب النظام النيايب‪ ،‬اليت ظهرت بعد تطبيقه سنني طويلة‪.182‬‬
‫ّ‬
‫وقد طبّق هذا النـوع من الدميقراطية يف سويسرا‪ ،‬وذلك منذ زمن بعيد‪ ،‬سـواء يف الدس‪G‬تور االحّت ادي‬
‫فمؤسس‪GG G‬ات الدميقراطية‪ G‬املباش‪GG G‬رة‪ G‬كب‪GG G‬رية ج ‪ّ G G‬داً على الص‪GG G‬عيد الفي‪GG G‬درايل وعلى ص‪GG G‬عيد‬
‫أم دس‪GG G‬اتري الوالي‪GG G‬ات‪ّ ،‬‬
‫املقاطع ‪GG‬ات‪183‬؛ كما أخ ‪GG‬ذت هبذا النظ ‪GG‬ام واليـات كث ‪GG‬رية يف االحّت اد املرك ‪GG‬زي األم ‪GG‬ريكي‪( G‬أمريكا الش ‪GG‬ماليّة)‪,‬‬
‫وانتشرت واتّسع نطاقها بعد احلرب العاملية األوىل يف أوربا وخارجها‪.184‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة‬


‫تُع‪GG‬رف الدميقراطية ش‪GG‬به املباش‪GG‬رة مبظ‪GG‬اهر خمتلف‪GG‬ة‪ ،‬ولكن الفقه اختلف يف حتديد ه‪GG‬ذه املظ‪GG‬اهر‪،‬‬
‫ف‪GG‬ات ّفق مجه‪GG‬ور الفقه على ثالثة مظ‪GG‬اهر (االس‪GG‬تفتاء الش‪GG‬عيب‪ ،‬واالع‪GG‬رتاض‪ G‬الش‪GG‬عيب‪ ،‬واالق‪GG‬رتاح الش‪GG‬عيب)؛ وذلك‬
‫لتنافيها مع النظ‪GG‬ام الني‪GG‬ايب اخلالص‪ ،‬واختلف على مظ‪GG‬اهر ثالثة أخ‪GG‬رى (ح‪Gّ G‬ق الن‪GG‬اخبني يف إقالة الن‪GG‬ائب‪ G،‬وح‪Gّ G‬ق‬
‫االق‪GG‬رتاح على ح‪Gّ G‬ل الربملان‪ G،‬وح‪Gّ G‬ق ع‪GG‬زل رئيس اجلمهوري‪GG‬ة)؛ فه‪GG‬ذه املظ‪GG‬اهر الثالثة األخ‪GG‬رية هن‪GG‬اك من الفقه‪GG‬اء‬
‫من يع ّدها من مظاهر الدميقراطية شبه املباشرة‪ ،‬وهناك‪ G‬من ال يع ّدها من مظاهرها ‪-‬وهم الغالبيّة‪.‬‬
‫كل هذه املظاهر‪ ،‬سواء املتّفق عليها أم املختلف فيها‪:185‬‬
‫نتطرق‪ -‬فيما يأيت‪ -‬إىل ّ‬
‫وحنن ّ‬
‫ليلة(محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.805 .‬‬ ‫‪182‬‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسّسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص‪. 441 .‬‬ ‫‪183‬‬

‫ليلة (محمد كامل)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.811 .‬‬ ‫‪184‬‬

‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222 .‬‬ ‫‪185‬‬


‫أوال‪ :‬االستفتاء الشعبي (‪)Referendum populaire  ‬‬
‫وهو احتك ‪GG‬ام إىل الش ‪GG‬عب‪ ،‬حيث يك ‪GG‬ون املقص ‪GG‬ود منه التع ‪Gّ G‬رف على رأي الش ‪GG‬عب يف أمر معنّي ‪.‬‬
‫وينقسم ب ‪GG G‬النّظر إىل موض‪GG G‬وعه‪ ،‬وطبيعة املش‪GG G‬روع املع ‪GG G‬روض لالس‪GG G‬تفتاء إىل‪ :‬اس ‪GG G‬تفتاء دس ‪GG G‬توري‪ ،‬واس‪GG G‬تفتاء‬
‫تش‪GG‬ريعي‪ ،‬واس‪GG‬تفتاء سياس‪GG‬ي‪ .‬وله ص‪GG‬ور خمتلف‪GG‬ة‪ ،‬فمن حيث وقت اس‪GG‬تعماله ينقسم إىل‪ :‬اس‪GG‬تفتاء س‪GG‬ابق (قبل‬
‫إقراره من الربملان)‪ G،‬واستفتاء الحق (بعد إقراره من الربملان)‪.‬‬
‫ومن حيث ق ّ‪G‬وة إلزامه ينقسم إىل‪ :‬اس‪GG‬تفتاء مل‪G‬زم (عن‪GG‬دما يتقيّد الربملان‪ G‬بنتيجت‪G‬ه)‪ ،‬واس‪GG‬تفتاء استش‪GG‬اري‬
‫ينص‬
‫(عن‪GG‬دما ال يتقيّد الربملان‪ G‬بنتيجت‪GG‬ه)‪ .‬ومن حيث وجوبه أو ج‪GG‬وازه ينقسم إىل‪ :‬اس‪GG‬تفتاء إجب‪GG‬اري (عن‪GG‬دما ّ‬
‫ينص الدستور على وجوب ذلك)‪.186‬‬
‫الدستور على وجوب إجرائه)‪ ،‬واستفتاء اختياري (عندما ال ّ‬
‫ثانيا‪ :‬االعتراض الشعبي (‪) Le veto populaire  ‬‬
‫واملقص‪GG‬ود به ه‪GG‬و‪ :‬ح‪Gّ G‬ق ع‪GG‬دد معنّي من الن‪GG‬اخبني االع‪GG‬رتاض على ق‪GG‬انون صـادر من الربملان خالل‬
‫م ‪ّ G‬دة معينّة من ت ‪GG‬اريخ نش‪GG‬ره‪ ،‬وال يعين ه ‪GG‬ذا س ‪GG‬قوط ه ‪GG‬ذا الق ‪GG‬انون املع ‪GG‬رتض عليه مباش‪GG‬رة؛ وإمّن ا يوقف تنفي ‪GG‬ذه‬
‫فق‪GG‬ط‪ ،‬مثّ يع‪GG‬رض على الش‪GG‬عب الس‪GG‬تفتائه في‪GG‬ه‪ ،‬ويتح‪ّ G‬دد مصري ه‪GG‬ذا الق‪GG‬انون بعد ظه‪GG‬ور نتيجة ه‪GG‬ذا االس‪GG‬تفتاء‪،‬‬
‫ف ‪GG‬إذا وافق عليه الش ‪GG‬عب تأ ّكد الق ‪GG‬انون‪ّ G،‬أما إذا اع ‪GG‬رتض‪ G‬علي ‪GG‬ه‪ ،‬فإنّه يس ‪GG‬قط بأثـر رجعي‪ ،‬أي يص ‪GG‬بح كأنّه مل‬
‫يوجـد إطالقً‪GG‬ا‪ ،‬وتـزول اآلثـار اليت ت‪GG‬رتّبت عليه قبل االع‪GG‬رتاض‪ .‬واجلديـر بال ّذكـر هنا أنّه ال تكـفي ‪-‬يف حالة‬
‫االع‪GG G‬رتاض‪ G-‬أغلبيّة األص‪GG G‬وات املعط‪GG G‬اة‪ ،‬بل الب ‪ّ G G‬د من اع‪GG G‬رتاض أغلبيّة الن‪GG G‬اخبني املقيّ‪GG G‬دين‪ ،‬أل ّن املتخلّفني عن‬
‫التصويـت‪ G‬يُعـ ّدون موافقـني على القانون‪.187G‬‬
‫ثالثا‪ :‬االقتراح الشعبي (‪)  L' initiative populaire  ‬‬
‫يف ه‪GG G‬ذه احلالة تتح ّقق مش‪GG G‬اركة الش‪GG G‬عب يف التش‪GG G‬ريع بص‪GG G‬وره أوض‪GG G‬ح؛ حيث إنه يف ه ‪GG‬ذه احلالة‬
‫‪-‬خالف احلالتني الس‪GG‬ابقتني‪ -‬تك‪GG‬ون‪ G‬جمموعة من الن‪GG‬اخبني‪ -‬حي ّدد ع‪GG‬ددهم الدس‪GG‬تور‪ -‬هم مق‪GG‬رتحو مش‪GG‬روع‬
‫القانون وليس الربملان‪ ,‬سواء بطرح فكرة مشروع القانون‪ G‬املرغوب التشريع فيها‪ ،‬أم بطرح مش‪GG‬روع ق‪GG‬انون‬
‫كامل مص ‪GG‬اغ ومب ‪Gّ G‬وب‪ ،‬ويتحتّم على الربملان بعد ذلك مناقشة ه ‪GG‬ذا الق ‪GG‬انون‪ G،‬مثّ يق ‪Gّ G‬رر قبوله أو رفض ‪GG‬ه؛ ففي‬
‫حالة اإلق‪GG‬رار قد يع ‪GG‬رض على الش‪GG‬عب لالس ‪GG‬تفتاء فيه وقد ال يع‪GG‬رض ‪-‬حسب ما يس ‪GG‬تلزمه الدس‪GG‬تور املعم‪GG‬ول‬
‫ب‪G‬ه‪ّ -‬أما يف حالة ال‪G‬رفض‪ ،‬ف‪G‬الواجب ع‪G‬رض الق‪GG‬انون على الش‪G‬عب لالس‪GG‬تفتاء في‪GG‬ه‪ ،‬وقد تس‪GG‬مح بعض الدس‪GG‬اتري‬

‫‪ 186‬ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 806 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p.79 187‬‬
‫‪DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp.94-95‬‬
‫ليلة (محم د كام ل)‪ ،‬النظم السياس‪EE‬ية‪ ،‬مرج ع س ابق‪،‬‬ ‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياس‪EE‬ية‪ ،‬مرج ع س ابق‪ ،‬ص‪-224.‬‬
‫‪.808‬‬ ‫ص‪.‬‬
‫للربملان ‪-‬يف ه ‪GG‬ذه احلال ‪GG‬ة‪ -‬بوضع مش ‪GG‬روع ق ‪GG‬انون يف مقابل املش ‪GG‬روع املق ‪ّ G‬دم من الن ‪GG‬اخبني‪ ،‬ويك ‪GG‬ون‪ G‬للش ‪GG‬عب‬
‫حرية اختيار أحد هذين املشروعني عند االستفتاء‪.188‬‬
‫رابعا‪:‬ح ّق إقالة الناخبين نائبهم (‪)  Revocation-Recall  ‬‬

‫أُق‪GّG‬ر ه‪GG‬ذا ّ‬
‫احلق حتقي ًقا حلكم الش‪GG‬عب‪ ،‬وارتب‪GG‬اط الن‪GG‬واب‪ G‬بن‪GG‬اخبيهم‪ ،‬ورقابة الش‪GG‬عب ملمثّليه يف أداء‬
‫مه ‪GG‬امهم على أحسن وج ‪GG‬ه؛ ف ‪GG‬إذا رأى الن ‪GG‬اخبون‪ G‬احنراف الن ‪GG‬ائب‪ G‬عن اهلدف ال ‪GG‬ذي اختري ألجله أثن ‪GG‬اء عهدته‬
‫الربملانيّ‪GG‬ة‪ ,‬أي قبل انته‪GG‬اء م‪ّ G‬دة تلك ال‪GG‬دورة الربملانيّ‪GG‬ة‪ ،‬فبإمك‪GG‬ان ع‪GG‬دد معنّي من الن‪GG‬اخبني (ك‪GG‬الربع‪ ،‬أو اخلمس‪،‬‬
‫أو العشر مثالً) طلب إقالة النائب؛ فإذا حاز طلبهم قبول أغلبيّة الناخبني لزم انس‪G‬حاب الن‪G‬ائب‪ّ G،‬أما يف حالة‬
‫ما إذا حصل النائب املطلوب عزله على األغلبيّة‪ G‬ملص‪G‬لحته‪ ،‬فإنّه يعـ ّد منتخبًا من جديد وملـ ّدة جديـدة‪ .‬وه‪GG‬ذا‬
‫‪G‬ىت املوظّفني والقض ‪GG‬اة‪G‬‬
‫املظهر مطبّق يف الوالي ‪GG‬ات املتحـدة األمريكيـة وال يقتصر على الن‪GG G‬واب‪ ،‬بل يش‪GG G‬مل ح ‪ّ G‬‬
‫املنتخبني‪.189‬‬
‫الحل الشعبي (‪)Dissolution populaire  ‬‬
‫خامسا‪ّ :‬‬
‫حل اهليئة‪ G‬النيابيّة بأسرها‪ ،‬وعزل أعضائها‬ ‫حق عدد معنّي من الناخبني ّ‬ ‫يف هذه احلالة يكون من ّ‬
‫كلّهم كوح ‪GG‬دة‪ ،‬فيتق ‪ّ G‬دم ه ‪GG‬ؤالء الن ‪GG‬اخبون بطلب ح ‪Gّ G‬ل اجمللس الني ‪GG‬ايب‪ ،‬وعندئذ يُع ‪GG‬رض األمر على الش ‪GG‬عب يف‬
‫‪G‬ل اجمللس الق‪GG‬ائم‪ ،‬وجيب بن‪GG‬اءً على ذلك إج‪GG‬راء انتخاب‪GG‬ات‬ ‫استفتاء؛ فإذا حصل على موافقة أغلبيّة الن‪GG‬اخبني ُ‪G‬ح ّ‬
‫جديدة لتجديد أعضاء اجمللس النيايب‪ّ ,‬أما إذا عارض الشعب ذلك باألغلبيّة املطلوب‪GG‬ة‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن ذلك مبثابة جتديد‬
‫للثق‪GG G‬ة‪ .‬وتأخذ بعض املقاطع ‪GG G‬ات السويس ‪GG G‬رية هبذا املظهر من مظ ‪GG G‬اهر الدميقراطية‪ G‬ش ‪GG G‬به املباش‪GG G‬رة‪ G،‬كما اتّبعها‬
‫كذلك االحّت اد املركزي األملاين‪.190‬‬
‫سادسا‪ :‬عزل رئيس الجمهورية‬
‫تنص بعض الدس‪G‬اتري على إمكانيّة ع‪G‬زل رئيس اجلمهوري‪G‬ة‪ ،‬إذا فقد الثقة الش‪G‬عبيّة‪ ،‬فتعطي ه‪G‬ذا‬ ‫وقد ّ‬
‫احلق "دس ‪GG‬تور‬
‫ص‪G G‬ة ويف ح ‪GG‬دود معيّن ‪GG‬ة‪ G،‬ومن أمثلة الدس ‪GG‬اتري اليت تق ‪Gّ G‬ر ه ‪GG‬ذا ّ‬
‫احلق للش ‪GG‬عب‪ ،‬ولكن بش ‪GG‬روط خا ّ‬
‫ّ‬
‫ص‪G‬ت (املادة ‪ )43‬من ذلك الدس‪G‬تور على‬ ‫فيم‪G‬ر"(‪ )La Constitution de Weimar  ‬الص‪GG‬ادر س‪G‬نة ‪1919‬م‪ ،‬فقد ن ّ‬
‫‪-‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), op.cit, p.79 DUVERGER (Maurice), op.cit., p .94‬‬ ‫‪188‬‬

‫ص‪.809-808.‬‬ ‫بدوي (ثروت)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ -225 .‬ليلة (محمد كامل)‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫‪189‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel op.cit., p.79‬‬
‫بوشعير (سعيد)‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.97-96 .‬‬
‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪- .225 .‬ليلة (محمد كام ل)‪ ،‬النظم السياس‪EE‬ية‪ ،‬مرج ع س ابق‪،‬‬
‫ص‪809 .‬‬
‫‪190‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), , op.cit., pp.79-80‬‬
‫‪.810-809‬‬ ‫بدوي (ثروت)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ -.226-225 .‬ليلة (محمد كامل)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫أنّه ميكن ع ‪GG G‬زل رئيس اجلمهورية من منص ‪GG G‬به‪ G‬بن ‪GG G‬اءً على اق ‪GG G‬رتاح من جملس "الريشس ‪GG G‬تاج" (اجمللس الش‪GG G‬عيب)‪،‬‬
‫بأغلبيّة ثل‪GG‬ثي أعض‪GG‬ائه‪ ،‬وموافقة‪ G‬الش‪GG‬عب عن طريق االس‪GG‬تفتاء‪ ,‬ومبج‪Gّ G‬رد ص‪GG‬دور ق‪GG‬رار الريشس‪GG‬تاج يوقف رئيس‬
‫اجلمهورية عن العم ‪GG‬ل؛ ولكن إذا مل يوافق الش ‪GG‬عب (الن ‪GG‬اخبون)‪ G‬على ق ‪GG‬رار اجمللس‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن ذلك مبثابة انتخ ‪GG‬اب‬
‫حل "الريشستاج" وإجراء انتخابات جديدة‪.191‬‬
‫جديد للرئيس‪ ،‬وجيب ّ‬
‫فهذه هي مظاهر الدميقراطية‪ G‬شبه املباشرة؛‪ G‬واجلدير بال‪GG‬ذكر هنا أنّه يكفي‪ G‬األخذ ببعض ه‪GG‬ذه املظ‪GG‬اهر‬
‫‪G‬ىت يُع ‪ّ G‬د النظ‪GG‬ام آخ ‪ً G‬ذا هبذه‬
‫أي نظ‪GG‬ام إىل ه‪GG‬ذه الدميقراطي‪GG‬ة‪ G،‬وال يش‪GG‬رتط األخذ بك‪Gّ G‬ل ه‪GG‬ذه املظ‪GG‬اهر ح‪ّ G‬‬ ‫لينتسب ّ‬
‫الدميقراطي‪G‬ة‪ G,‬واملالحظ ك‪G‬ذلك أ ّن ه‪G‬ذه الص‪G‬ورة قد تق‪G‬رتب من النظ‪G‬ام املباش‪G‬ر‪ ،‬وقد تق‪G‬رتب من النظ‪G‬ام الني‪G‬ايب‬
‫‪-‬حبسب درجة األخذ هبذه املظاهر‪.‬‬
‫كل ما سبق‪ -‬ب‪GG‬أ ّن ه‪GG‬ذا النظـام (الدميقراطيـة ش‪GG‬به املباش‪GG‬رة) أق‪GG‬رب إىل الدميقراطية‪G‬‬ ‫وميكن احلكم ‪-‬بعد ّ‬
‫املثاليّة من النظام النيايب؛ ولذلك التجأت إليه كثري من البلدان اليت كانت تأخذ بالنظام النيايب اخلالص؛ هذا‬
‫على ال‪Gّ G‬رغم من أ ّن ه‪GG‬ذه الص‪GG‬ورة من الدميقراطية‪ G‬الغربي‪GG‬ة‪ ،‬هي كغريها من األنظمة البش‪GG‬ريّة‪ ،‬هلا مزاي‪GG‬ا‪ ،‬ولكن‬
‫ال ختلو من عيوب كذلك‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬تقييم أساليب الديمقراطية شبه المباشرة‬
‫على ال ‪Gّ G‬رغم من اإلجيابي ‪GG‬ات‪ G‬الكث ‪GG‬رية اليت قيلت يف ه ‪GG‬ذه الص ‪GG‬ورة للدميقراطية‪ G‬الغربي ‪GG‬ة‪ ,‬إالّ أنّه قد‬
‫وجهت إليها انتق ‪GG G‬ادات ع‪ّ G G G‬دة؛ فمن مزاياها أهّن ا أق ‪GG G‬رب إىل حتقيق املثل األعلى للدميقراطية‪ G‬أك‪GG G‬ثر من النظ‪GG G‬ام‬ ‫ّ‬
‫يؤدي إىل استقرار احلكومة‪.‬‬ ‫النيايب‪ ،‬كما أهّن ا تعترب وسيلة سلميّة يستعملها الشعب لتحقيق مراده‪ ،‬ممّا ّ‬
‫وأما عن س ‪GG‬لبياهتا‪ ،‬فتتمثّل يف ك ‪GG‬ون مش ‪GG‬اركة الش ‪GG‬عب للربملان يف احلكم ليست جديّ ‪GG‬ة؛ نظ ‪Gً G‬را لع ‪GG‬دم‬ ‫ّ‬
‫كف ‪GG G‬اءة أغلبيّة الش ‪GG G‬عب يف ح ‪Gّ G G‬ل تلك امله ‪GG G‬ام املع ّق ‪GG G‬دة‪ ،‬كما تفتقد تلك االس ‪GG G‬تفتاءات‪ G‬إىل املناقشة الكافي ‪GG G‬ة‪G،‬‬
‫والدراسة الوافية ‪ -‬وذلك خالف ما يفعله الربملان‪ -‬كما أ ّن الش ‪GG G G‬عب مع ‪Gّ G G G‬رض لالن ‪GG G G‬دفاع وس ‪GG G‬رعة الت ‪GG G‬أثري‬
‫ببعض الفئ ‪GG G‬ات الناف ‪GG G‬ذة‪ ،‬إض ‪GG G‬افة إىل النفق ‪GG G‬ات‪ G‬الباهظة اليت تتطلّبها االس ‪GG G‬تفتاءات املتتالي ‪GG G‬ة‪ ،‬وتعطيل أعم ‪GG G‬ال‬
‫الن ‪GG‬اخبني‪ ،‬وبعث الس ‪GG‬أم وامللل يف نفوسهـم‪ ,‬إالّ أنّه ميكن معاجلة ه ‪GG‬ذه العي ‪GG‬وب‪ G‬بتوعية الش ‪GG‬عب‪ ،‬والرفع من‬
‫مس‪GG‬تواه‪ G‬الثق‪GG‬ايف‪ ،‬وإحساسه باملس‪GG‬ؤوليّة‪ ،‬واالهتم‪GG‬ام باملس‪GG‬ائل العام‪GG‬ة‪ ،‬وأداء وس‪GG‬ائل اإلعالم‪ G‬دورها يف التوعية‬

‫‪191‬‬
‫‪.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p. 80‬‬
‫‪-‬ليلة (محم د كام ل)‪ ،‬النظم السياس‪EE‬ية‪ ،‬مرج ع س ابق‪،‬‬ ‫‪.226‬‬ ‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع س ابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫ص‪.810 .‬‬
‫اهلامة‪ ،‬واستبعاد املسائل التافه‪G‬ة‪ ،‬أو املس‪G‬ائل اخلط‪G‬رية اليت ال‬
‫والشرح‪ ،‬والرتكيز يف االستفتاءات‪ G‬على املسائل ّ‬
‫العامة‪ ,‬كاملسائل املتعلّقة‪ G‬بامليزانيّة واملعاهدات‪.192G‬‬
‫يصح أن ترتك يف أيدي ّ‬
‫ّ‬
‫وما ميكن مالحظته على هذه الدميقراطية‪- G‬ش‪GG‬به املباش‪GG‬رة‪ -‬أهّن ا تتطلّب لنجاحها وحتقيق أه‪GG‬دافها‪ ,‬أن‬
‫جناحا أكرب يف البلدان القليلة العدد من الس ّكان‪G.‬‬ ‫رفيعا يف الوعي‪ ،‬كما أهّن ا حت ّقق ً‬ ‫يكون الشعب ذا مستوى ً‬
‫وإ ّن املظهر الش ‪GG G G‬ائع للدميقراطية‪ G‬ش ‪GG G G‬به املباش ‪GG G G‬رة‪ G‬ال ‪GG G G‬ذي تأخذ به دس ‪GG G G‬اتري ع‪ّ G G G G‬دة دول هو "االس ‪GG G‬تفتاء‬
‫أهم مظهر من مظ‪GG G‬اهر الدميقراطية‪ G‬ش‪GG G‬به املباش‪GG G‬رة‪ G،‬وال‪GG G‬ذي يس‪GG G‬تعمل كث‪GG G‬رياً يف البل‪GG G‬دان‬ ‫الش‪GG G‬عيب"‪ ,‬فه‪GG G‬ذا هو ّ‬
‫رد‬
‫اهلام‪GG‬ة؛ وذلك لبس‪GG‬اطته وأمهيّت ‪GG‬ه‪ ،‬ودوره يف ّ‬ ‫الدميقراطي ‪GG‬ة‪ ،‬بقصد أخذ رأي الش ‪GG‬عب يف مس ‪GG‬ألة من املس‪GG‬ائل ّ‬
‫تزور أو تزيّف إرادة الشعب فيه‪.‬‬ ‫االعتبار لكلمة الشعب‪ ،‬ولكن إذا طبّق بصورة ش ّفافة ونزيهة‪ ،‬ومل ّ‬

‫الطماوي (سليمان محمد)‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 174 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪192‬‬

‫ليلة (محمد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 817 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫الباب األول‬
‫التعددية في ميزان اإلسالم‬

‫التع ّدديّة قبل أن تكون‪ G‬شكالً من أشكال املمارسة الدميقراطية‪ G‬يف الغرب‪ ،‬وآلية من آليات هذه‬
‫الدميقراطية‪ ،G‬هي ظاهرة إنسانيّة وسنّة كونيّة‪ ،‬جتلّت يف مجيع مظاهر الكـون‪ ،‬ومن ضمنها اإلنسان‪ G‬وما‬
‫يتعلّق به أشياء‪ ،‬سواء أكانت طبيعيّة فطرية‪ ،‬أم اختياريّة كسبيّة‪.‬‬
‫األول من التع ّدديّة‪ ،‬وهو ما أطلقنا عليه اسم "التع ّدديّة السننيّة"‪ ،‬وهو نوع قدمي ُوجد‬
‫فكان النوع ّ‬
‫مع اإلنسان‪ ،‬حيث يعترب سنّة من سنن اهلل يف مجيع خملوقـاته‪ ،‬أو ُوجـد يف املراحـل األوىل من خالفة‬
‫خيل منه شعب من الشعوب القدمية‪ ،‬أو حضارة من احلضارات املوجودة منذ‬ ‫اإلنسان يف األرض‪ ،‬إذ مل ُ‬
‫"التنوع الفطري"‪.‬‬
‫األول املوجود مع اإلنسان‪ّ G‬‬ ‫التنوع ّ‬ ‫القدمي‪ ،‬وهو ما مسّيناه "االختالف الديين"‪ ،‬كما مسّينا ّ‬
‫التنوع‬
‫رب اخللق أمجعني‪ ،‬عن هذا ّ‬ ‫وقد حت ّدث القرآن الكرمي‪ ،‬وهو الكتاب اخلالد من ّ‬
‫وفصل يف أشكاله وأنواعه‪G.‬‬
‫وصرح باحلكمة منه‪ّ ،‬‬ ‫واالختالف‪ّ ،‬‬
‫األول‪ ،‬أنّه حديث الوجود‪،‬‬ ‫وهناك نوع آخر من "التع ّدديّة" ميكن اعتباره‪ G،‬باملقارنة مع النوع ّ‬
‫مصطلحا سياسيًا مرتبطًا بالنظام السياسي‪ G،‬وله صور وأشكال متع ّددة‪ ،‬وقد تبنّته الدميقراطية الغربية‬
‫ً‬ ‫واعتُرب‬
‫بالتنوع‪ G‬والتع ّدد جبميع‬
‫تتضمن اإلقرار ّ‬ ‫كآلية من آلياهتا‪ ،‬وشكل من أشكال املمارسة السياسية فيها‪ ،‬حيث ّ‬
‫ألي طرف‪ ،‬مع إفساح اجملال للجميع للمشاركة السياسية‪ G‬العادلة‪ ،‬طب ًقا‬ ‫أشكاله وصوره‪ ،‬دون إقصاء ّ‬
‫لقواعد مضبوطة وحمرتمة من اجلميع‪.‬‬
‫كل صورة من تلك الصور املختلفة‬ ‫وقد كان لإلسالم أحكام‪ ،‬وكان للمسلمني مواقف من ّ‬
‫للتع ّدديّة‪ ،‬حيث ميكن إدراكها واستنباطها بالرجوع إىل النصوص الشرعية‪ ،‬أو االحتكام إىل روح الشريعة‬
‫الغراء ومقاصدها العامة‪.‬‬
‫ّ‬
‫قسمنا هذا الباب إىل الفصلني اآلتيني‪:‬‬‫ولتناول هذا املوضوع‪ G،‬فقد ّ‬

‫السننيّة‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ونتناول فيه احلديث عن التع ّدديّة ُ‬
‫ونتعرض فيـه إىل التعـ ّدديّة السياسيّة‪.‬‬
‫ـ‪ّ :‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫األول(‬
‫الفصل ّ‬
‫السننيّة‬
‫التع ّدديّة( ُ‬

‫متنوعني‬
‫من احلقائق املسلّمة اليت ال ميكن لعاقل إنكارها‪ ،‬أ ّن اهلل سبحانه وتعاىل قد خلق البشر ّ‬
‫التنوع‪ G‬و االختالف يعترب حقيقة فطريّة‪ ،‬و سنّة من سنن اهلل يف اخللق‪.‬‬ ‫وخمتلفني‪ ،‬وأ ّن هذا ّ‬
‫وهذه السنّة اإلهليّة ال تقتصر على اإلنسـان وحده‪ ،‬بل إهّن ا تشمل الكـون كلّه‪ ،‬وما فيه من خلق‬
‫مجيعا من‬
‫اهلل‪ ،‬واإلنسان من ضمنهم؛ لذا فإ ّن هذه السنّة تشمله‪ ،‬رغم كون البشر من أصل واحـد‪ ،‬إذ هم ً‬
‫ذريّة آدم وحواء‪.‬‬
‫كل ذلك نعمة‬ ‫إذن‪ ،‬فهذه التع ّدديّة هي حقيقة فطريّة‪ ،‬وسنّة كونيّة‪ ،‬وقانون حيايت‪ ،‬وهي فوق ّ‬
‫اخلاصة به‪ ،‬واليت ختتلف وتتميّز عن اآلخرين‪ ،‬كما أ ّن له استعدادات‪ G‬خيتّص‬ ‫فكل إنسان له شخصيّته ّ‬ ‫إهليّة؛ ّ‬
‫تبعا الختالف األفكار اليت يتبنّاها‪ ،‬والعقائد واألديان اليت‬
‫توجهاته يف احلياة تكون خمتلفة‪ً ،‬‬ ‫هبا؛ لذا فإ ّن ّ‬
‫يعتنقها‪.‬‬
‫فهذا الشكل من التع ّدد واالختالف هو قدمي إذن‪ ،‬وموجود مع وجود اإلنسان‪ ،‬وهو ما ميكن‬
‫ختل منه‬
‫"التنوع‪ G‬الفطري"؛ كما ُوجد نوع آخر من التع ّدد واالختالف يف القدمي كذلك‪ ،‬إذ مل ُ‬ ‫تسميّته ّ‬
‫حضارة من احلضارات القدمية‪ ،‬أو شعب من الشعوب‪ ،‬وهو ما ميكن تسميّته "االختالف الديين"‪ ،‬فهذان‬
‫السننيّة"‪ G،‬واليت ميكن أن نطلق عليها كذلك‪ ،‬بالنّظر‬ ‫الشكالن من التع ّدديّة قد أطلقنا عليهما اسم "التع ّدديّة ُ‬
‫إىل زمن وجودها‪ ،‬اسم "التع ّدديّة القدمية"‪.‬‬
‫وفيما يأيت سنتناول –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬هذا النوع‪ G‬من أنواع التع ّدديّة‪ ،‬وذلك يف املبحثني اآلتيني‪:‬‬
‫المبحث األوّل‪ :‬ونـتناول فيه مسألـة "التن ّـوع الفطري"‪.‬‬
‫ونتعرض فيه إىل قضيّة "االختالف الديين"‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ّ :‬‬
‫األول‬
‫المبحث ّ‬
‫التنوع الفطري‬
‫ّ‬
‫جل شأنه‪ ،‬وأدرك عبـاده بعضـها‪ ،‬أن يكون‬ ‫لقد قضت إرادة اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وحلكم يعلمها هو ّ‬
‫فردا‪،‬‬
‫التنوع سنّة أبديّة‪ ،‬قد فطر اهلل مجيع املخلوقات عليها‪ ،‬فلم‪ -‬ولن‪ -‬يكون‪ G‬النّاس منطًا واحداً‪ ،‬أو قالبًا ً‬
‫ّ‬
‫اس أُ َّمةً َوا ِح َدةً َوالَ يَزَالُونَ‬ ‫وإمّن ا كانوا و ال يزالون خمتلفني‪ ،‬حيث يقول‪َ : ‬ولَوْ َشا َء َربُّ َ‬
‫ك لَ َج َع َل النَّ َ‬
‫ُم ْختَلِفِينَ إِالَّ َمن ر َِّح َم َربُّكَ َولِ َذلِكَ خَ لَقَهُ ْم‪.193‬‬
‫كثريا‪،‬‬
‫يقر هذه احلقيقة اليت أرادها اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وقد ورد ذلك يف القرآن ً‬ ‫فالقرآن الكرمي ّ‬
‫التنوع‬
‫بلفظه أو مبعناه‪ ،‬هذا مع حديثه عن األصل اإلنساين املشرتك‪ G،‬وإشارته إىل بعض هذه األشكال من ّ‬
‫يف عامل اإلنسان‪G.‬‬
‫الشك فيه أ ّن إرادة اهلل سبحانه‬
‫ّ‬ ‫ومع اليقني أ ّن اهلل سبحانه وتعاىل ال خيلق شيئًا عبثًا‪ ،‬فإنّه ممّا‬
‫وتعاىل يف ذلك كانت حلكم كثرية‪.‬‬
‫تصرفات الناس ومعامـالهتم‪ ،‬إذ إ ّن‬ ‫أثرا على الواقع العملي‪ ،‬وعلى ّ‬ ‫التنوع‪ G‬واالختالف ً‬ ‫كما أ ّن هلذا ّ‬
‫يؤدي إىل‬‫والتوجهات‪ ،‬وهذا بدوره ّ‬ ‫ّ‬ ‫يؤدي إىل التباين يف اآلراء‬ ‫االختالف يف االستعدادات الفطريّة‪ّ ،‬‬
‫والتصرفات على الصعيد العملي‪ ،‬والسيّما يف اجملال السياسي‪ G،‬حيث يكون‪ G‬اجملال فيه‬ ‫ّ‬ ‫اختالف املمارسات‬
‫وتنوع‪ G‬األهداف‪ ،‬واالختالف يف ترتيب‬ ‫املتنوعة‪ G،‬وذلك لتداخل املصاحل‪ّ ،‬‬ ‫خصبًا لالجتهادات واآلراء ّ‬
‫األولويات‪.‬‬
‫قسمنا هذا املبحث إىل املطالب اآلتية‪G:‬‬ ‫والتطرق إىل هذه املسائل؛ فقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولتناول هذا املوضوع‪G،‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬ونـتـنـاول فـيـه تـعـريــف الـفـط ــرة‪.‬‬
‫التنوع‪ G‬واالختالف‪.‬‬‫ونتعرض فيه إىل حديث القرآن الكرمي عن ّ‬ ‫المطلب الثاني ‪ّ :‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬ونـتـحـ ّدث فيـه عـن َوحـدة األصـل اإلنسـانـي‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬ونتـنـاول فيـه أشكـال التن ّـوع‪ G‬يف عـالـم اإلنسـان‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬ونتـحـ ّدث فيه عـن احلكمـة مـن التن ّـوع‪ G‬الفطـري‪.‬‬
‫الصراع السياسي‪.‬‬ ‫ونتعرض فيه إىل أثـر التن ّـوع الفطري يف ّ‬ ‫المطلب السادس‪ّ :‬‬

‫سورة هود‪ ،‬اآلية‪118 :‬و ‪.119‬‬ ‫‪193‬‬


‫األول‪ :‬تعـريف الفـطـرة‬
‫المطلب ّ‬

‫كثريا ما تُذكر كلمة "الفطرة" عند احلديث عن خملوقات اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬والسيّما َخلق‬
‫ً‬
‫جل شأنه فيقال‪" :‬فطرة اهلل" ‪.‬‬
‫وكثريا‪ G‬ما تضاف هذه الكلمة إىل اهلل ّ‬
‫ً‬ ‫اإلنسان‪،‬‬
‫نتعرف –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل معىن هذه الكلمة يف اللّغة واالصطالح‪:‬‬
‫وفيما يأيت ّ‬
‫أوال‪ :‬الفطرة في اللّغة(‬
‫وي ْفطُُره‪ :‬ش ّقه‬ ‫من معاين "الفطرة" يف اللّغة‪ :‬الشق‪ ،‬ومجعه فُطُور‪ ،‬وفَطَره ي ْف ِطره ِ‬
‫وي ْفط ُرهُ َ‬
‫َُ ُ ُُ َ‬ ‫ّ‬
‫فا ْن َفطََر‪ ،‬وَت َفطََّر‪ ،‬والناقة حلبها بالسبابة واإلبـهام‪ ،‬أو بأطراف أصابعه‪ ،‬والعجني اختبزه من ساعتـه ومل‬
‫فطرا‪ :‬خلقهم‪ .‬وذكر أبو العباس أنّه مسع ابن‬ ‫خيمره‪ ،‬واألمر ابتدأه‪ G‬وأنشأه‪ .‬وفطر اهلل اخللق يفطرهم ً‬ ‫ّ‬
‫‪194‬‬
‫األعرايب يقول‪ :‬أنا ّأول من فطر هذا‪ ،‬أي ابتدأه‪. G‬‬
‫ِ‬
‫‪-‬والفطرة‪ :‬اخلِْل َقة‪.195‬‬
‫مرتشحة لفعل من األفعال‪ ،‬فقـوله ‪:‬‬
‫‪-‬وفطر اهلل اخللق‪ :‬هو إجياده الشيء وإبداعه على هيئة ّ‬
‫اس َعلَ ْيهَا ‪ 196‬إشارة منه تعاىل إىل ما فطر‪ ،‬أي أبدع‪ ،‬وركز يف النّاس من‬ ‫فِ ْ‬
‫ط َرتَ هَّللا ِ الَّتِي فَطَ َر النَّ َ‬
‫قوته على معرفة اإلميان وهو املشار إليه بقولـه‪َ :‬ولَئِ ْن‬ ‫معرفته تعـاىل‪ ،‬و"فطـرة اهلل" هي ما ركز فيه من ّ‬
‫ض ‪ ،198‬وقولـه ‪ :‬‬ ‫َْ‬
‫َسأ َ ْلتَهُ ْم َم ْن َخلَقَهُ ْم لَيَقُولُ َّن هَّللا ُ ‪ ، ‬وقولـه ‪ْ  :‬ال َح ْم ُد هَّلِل ِ فَا ِط ِر ال َّس َما َوا ِ‬
‫ت َواْألَرْ ِ‬
‫‪197‬‬

‫‪ ‬الَّ ِذي فَطَ َرهُ َّن ‪.199‬‬

‫الزبيدي (السيد حممد مرتضى احلسيين)‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسني ّ‬
‫نصار‪ ،‬مطبعـة حكومة الكويت‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬ ‫‪194‬‬

‫‪ 1394‬هـ‪ 1974-‬م‪ ،‬جـ‪ ،13 .‬ص‪.237-326-325 .‬‬


‫‪ 195‬ابن زكريا (أبو احلسني أمحد بن ف‪GG G‬ارس)‪ ،‬معجم مق(((اييس اللّغة‪ ،‬حتقي‪GG G‬ق‪ :‬عبد الس‪GG G‬الم ه ‪GG‬ارون‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزي‪GG G‬ع‪،‬‬
‫د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،4 .‬ص‪.510 .‬‬
‫‪ 196‬سورة الروم‪ ،‬اآلية‪.30 :‬‬
‫‪ 197‬سورة الزخرف اآلية‪.87 :‬‬
‫‪ 198‬سورة فاطر‪ ،‬اآلية‪.1:‬‬
‫‪ 199‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‪.56 :‬‬
‫وقوله ‪َ  :‬والَّ ِذي فَطَ َرنَا ‪200‬؛ أي أبدعنا وأوجدنا‪.201‬‬
‫كل موجود يف ّأول زمان خلقته‪.202» ‬‬ ‫الصفة اليت يتّصف هبا ّ‬ ‫والفطرة هي «‪ّ  ‬‬
‫"الفطْرة" فِ ِطَرات‪ ،‬بفتح الطاء وسكوهنا وكسرها(بالثالثة)‪ِ .‬‬
‫والفطرة‪ :‬اخلِلقة اليت خلق عليها‬ ‫ومجع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫املولود يف رحم ّأمه‪.203‬‬
‫ومن خالل التعاريف السابقة نستنتج أ ّن املقصود بالفطرة‪ ،‬والذي يتوافق مع موضوعنا هذا‪ ،‬هو‬
‫مرتشحة لفعل من األفعال‪ ،‬أو الصفة اليت يتّصف هبا‬‫األول‪ ،‬أو إجياد الشيء وإبداعه على هيئة ّ‬ ‫خلق اهلل ّ‬
‫"التنوع‬
‫كل موجود يف ّأول زمان خلقته‪ ،‬فهذه التعاريف ‪ -‬واليت أوردناه سـاب ًقا‪ -‬تنطبق عـلى ما مسّيناه ّ‬ ‫ّ‬
‫وكل خملوق على هيئة خيتّص هبا‪ ،‬ويتميّز هبا عن غريه‪.‬‬
‫كل إنسان‪ ،‬بل ّ‬ ‫الفطري"‪ ،‬فاهلل تعاىل قد فطر ّ‬
‫ثانيا‪ :‬الفطرة في االصطالح‬
‫النيب‬
‫لقد استند كثري من علماء اإلسالم إىل بعض اآليات من القرآن الكرمي‪ ،‬وبعض أحاديث ّ‬
‫‪ ‬إلعطاء تعريف اصطالحي للفطرة‪ ،‬فذهبوا‪ G‬إىل اعتبار أ ّن الفطرة املراد هبا‪ :‬اإلسالم‪ G،‬وذلك من خالل‬
‫اس َعلَ ْيهَا الَ تَ ْب ِدي َل لِخ َْل ِ‬
‫ق هَّللا ِ َذلِكَ الد ُ‬
‫ِّين‬ ‫ِّين َحنِيفًا فِ ْ‬
‫ط َرتَ هَّللا ِ الَّتِي فَطَ َر النَّ َ‬ ‫قوله ‪  : ‬فَأَقِ ْم َوجْ هَ َ‬
‫ك لِلد ِ‬
‫اس الَ يَ ْعلَ ُمونَ ‪« ،204‬وملا‪ ‬أمر اهلل نبيه بلزومها‪ ،‬فعلم أهّن ا "اإلسالم"‪ ،205» ‬وقد ذهب‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْالقَيِّ ُم َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النَّ ِ‬
‫ّ‬
‫السلف إىل أ ّن الفطرة املذكورة يف قوله ‪  : ‬فِ ْط َرةَ هَّللا ِ ‪ ‬هي دين اهلل اإلسالم‪. » ‬‬
‫‪206‬‬
‫جل علماء ّ‬
‫ّ‬
‫ّأما األحاديث النبويّة‪ G‬الشريفة اليت استندوا‪ G‬إليها للقول بأ ّن الفطرة هي اإلسالم‪ ،‬فتتمثّل باخلصوص‬
‫«‪ ‬ما من مولود إالّ‬ ‫يف احلديث الذي ُروي عن أيب هريرة ‪ ‬والذي كان يقول‪ :‬قال رسـول اهلل ‪:‬‬

‫سورة طه‪ ،‬اآلية‪.72 :‬‬ ‫‪200‬‬

‫‪ 201‬األص((فهاني (ال‪GG‬راغب أبو القاسم احلسني بن حمم‪GG‬د)‪ ،‬المف((ردات من غ(ريب الق(رآن‪ ،‬حتقي‪GG‬ق‪ :‬حممد س‪GG‬يد كيالين‪ ،‬دار املعرف‪GG‬ة‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪،‬‬
‫د‪ .‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.381 .‬‬
‫‪ 202‬الك َفوي (أبو البقاء أيوب بن موسي احلسيين)‪ ،‬الكليات –معجم يف املصطلحات والفروق اللّغوي‪G‬ة‪ ،-‬مؤسسة الرس‪G‬الة‪ ،‬ب‪G‬ريوت‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪ 1993 ،2‬م‪ ،‬ص‪.697 .‬‬
‫الفيروز أبادي (جمد الدين حممد بن يعقوب)‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬د‪.‬م‪ ،.‬د‪.‬ط‪،.‬د‪.‬ت‪ ،.‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.110 .‬‬ ‫‪203‬‬

‫سورة الروم‪ ،‬اآلية‪.30 :‬‬ ‫‪204‬‬

‫العسقالني (ابن حجر)‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬باب ما قيل يف أوالد املشركني‪ ،‬طبعة دار املعرفة‪ ،‬جـ‪ ،3 .‬ص‪.248 .‬‬ ‫‪205‬‬

‫الموطأ من المعاني واألسانيد‪ ،‬حتقيـق‪ :‬سعيـد أمحـد أعـراب‪ ،‬د‪ .‬م‪ ،‬د‪.‬‬
‫البر (أبو عمر يوسف بن عبد اهلل)‪ ،‬التمهيد لما في ّ‬
‫ابن عبد ّ‬
‫‪206‬‬

‫ط‪ 1407 ،‬هـ‪ 1987 -‬م‪ ،‬جـ‪ ،18 .‬ص‪.72 .‬‬


‫يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يه ّودانه‪ ،‬أو يُنصّرانه‪ ،‬أو يُمجّسانه‪ ،‬كما تُنْـتَـ ُج البهيمة بهيمة جمعاء‪ ،207‬هلْ‬
‫تُحسُّون فيـها من ج ْدعا َء‪ » ‬مث يقول أبو هريرة ‪ ‬اآلية‪ :‬فِ ْ‬
‫ط َرتَ هَّللا ِ الَّتِي فَطَ َر النَّ َ‬
‫اس َعلَ ْيهَا الَ تَ ْب ِدي َل‬ ‫ّ‬
‫‪.‬‬ ‫‪209-208‬‬
‫ِّين ا ْلقَيِّمُ ‪‬‬
‫ق هَّللا ِ َذلِكَ الد ُ‬ ‫لِ ْ‬
‫خَل ِ‬
‫ولذلك يقال إ ّن اإلسالم‪ G‬دين الفطرة‪ ،‬أي جبلّة املعرفة باهلل تعاىل‪ ،‬وطبيعة اإلميان به سبحانه‬
‫وكل إنسان يولد على الفطرة‪ ،‬أي براءة اخللقة األوىل‪ ،‬جمبوالً ومطبوعاً على اإلميان الفطري‬ ‫وتعاىل‪ّ ،‬‬
‫جل شأنه‪. 210‬‬ ‫باخلالق ّ‬
‫"فطرة اهلل" معناه‪ « :‬الزم الفطرة‪ ،‬ففيه إشارة إىل أ ّن هذا ال ّدين الذي جيب إقامة الوجه له هو‬
‫الذي هتتف به اخللقة‪ ،‬وهتدي إليه الفطرة اإلهليّة اليت ال تبديل هلا‪.211» ‬‬
‫ويبدو من خالل هذه األقوال اليت تعترب أ ّن "الفطرة" املقصودة يف تلك النصوص‪ G‬الشرعية هي‬
‫اإلسالم‪ ،‬أ ّن هؤالء العلماء ال يقصدون بذلك املعىن االصطالحي لإلسالم واملتمثّل يف النطق بالشهادتني‪،‬‬
‫والصالة‪ ،‬وغريها من أركان اإلسالم األخرى‪ ،‬وإمّن ا قصدوا بذلك أ ّن املولود فُطر على أمـور هتيّئه لكي‬
‫ومق ًّـرا له باأللوهيّة‪ G‬والربوبيّة‪ ،‬وعنده القابليّة واالستعداد لذلك‪ ،‬إذ إ ّن‬
‫يكون مؤمنًا باهلل تعاىل‪ ،‬وعاب ًـدا له‪ُ ،‬‬
‫الفطرة تستلزم اإلقرار باخلالق‪ ،‬وإخالص الدين له‪ ،‬وذلك إذا سلمت هذه الفطـرة من التشويه والتحريف‪،‬‬
‫يتعرف‬‫والذي حيصل عادة من الوسط الذي يعيش فيه اإلنسان‪ ،‬والسيّما من األبوين‪ ،‬باعتبارمها ّأول من ّ‬
‫عليهما املولود‪ ،‬وأهّن ما األقرب إليه‪.‬‬

‫كي‪ .‬انظر‪ :‬الجزري (جمد الدين املبارك بن حممد)‪ ،‬النهاية‬


‫مجعاء‪ :‬أي سليمة من العيوب‪ ،‬جمتمعة األعضاء كاملتها‪ ،‬فال جدع هبا وال ّ‬
‫‪207‬‬

‫في غريب الحديث واألثر‪ ،‬حتقي‪GG‬ق‪ :‬ط‪GG‬اهر أمحد ال‪GG‬زاوي وحمم‪GG‬ود الطن‪GG‬احي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشـر والتوزيـع‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪،‬‬
‫جـ‪ ،1 .‬ص‪.296 .‬‬
‫‪ 208‬سورة الروم‪ ،‬اآلية‪.30 :‬‬
‫‪G‬يب فم‪GG‬ات‪ ،‬النس‪GG‬خة الس‪GG‬لطانية‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪ .119-118 .‬و مس((لم يف‬
‫رواه البخ((اري يف ص((حيحه‪ ،‬كت‪GG‬اب اجلن‪GG‬ائز‪ ،‬ب‪GG‬اب إذا أس‪GG‬لم الص‪ّ G‬‬
‫‪209‬‬

‫صحيحه‪ ،‬كتاب القدر‪ ،‬باب معىن ّ‬


‫كل مولود يولد على فطرة‪ ،‬وحكم م‪G‬وت أطف‪G‬ال الك ّف‪GG‬ار و أطف‪G‬ال املس‪G‬لمني‪ G،‬ح‪G‬ديث رقم ‪ ،2658‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬جـ‪ ،4 .‬ص‪.2047 .‬‬
‫‪ 1418‬هـ‪ 1997 -‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪،1‬‬ ‫‪ 210‬عمـارة (حممـد)‪ ،‬اإلس((الم والتع ّدديّة –االختالف والتن‪Gّ G‬وع يف إط‪GG‬ار الوح‪GG‬دة‪ ،-‬دار الرش‪GG‬اد‪ ،‬الق‪GG‬اهرة‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ 211‬الطباطبائي (الس‪GG‬يد حممد حس‪GG‬ني)‪ ،‬الميـزان في تفسـير القـرآن‪ ،‬مؤسـسة األعلمـي للمطبوعـات‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬ط‪ 1411 ،1 .‬هـ‪ 1991-‬م‪،‬‬
‫جـ‪ ،16 .‬ص‪.183 .‬‬
‫وللتوفيق بني هذا القول بأ ّ‪G‬ن الناس كلّهم قد فطروا على اإلميان به سبحانه وتعاىل وعلى ملّة‬
‫بالتنوع نقول‪ :‬إ ّن اهلل جلّت قدرته قد جعل البشر كلّهم مشرتكني يف هذه الفطرة يف‬ ‫اإلسالم وبني القول ّ‬
‫ّأول خلقهم‪ ،‬ولكنّه سبحانه وتعاىل قد ّنوع يف خلقتهم واستعداداهتم وهيئتهم‪ ،‬وغريها من األمور اليت‬
‫وتوجهاهتم يف احلياة‪ ،‬إضافة إىل‬
‫تتنوع‪ G‬مشارهبم ّ‬ ‫يتفاوت فيها البشر وخيتلفون‪ ،‬وهذا ما جيعل هؤالء البشر ّ‬
‫تأثري خمتلف العوامل‪ G‬اخلارجيّة عليهم‪ ،‬والسيّما مع ما وهبهم اهلل من حريّة االختيار‪.‬‬

‫التنوع واالختالف‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حديث القرآن الكريم عن ّ‬
‫التنوع‪ G‬والتع ّدد يف حياة البشر‪ ،‬فرغم أ ّن البشر يتساوون‬
‫هناك آيات عديدة يف القرآن تتح ّدث عن ّ‬
‫يف إنسانيّتهم‪ G‬العامة‪ ،‬ويف خصائصهم املشرتكة‪ ،‬إالّ أهّن م يف حقيقة األمر يتمايزون بدرجات خمتلفة داخل‬
‫احمليط البشري‪.‬‬
‫التنوع‪ G‬الذي يتح ّدث عنه القرآن الكرمي يف حياة البشر‪ ،‬إمّن ا هو جزء من ظاهرة كونيّة‬
‫وهذا ّ‬
‫ومتنوعة‪ G،‬وعامل النبات حيتوي‬
‫فمجرات الفضاء وكواكبه متع ّددة ّ‬ ‫تشمل أصناف املخلوقات والكائنات‪ّ G،‬‬
‫على ألوان‪ G‬وأشكال خمتلفة رغم وحدة الرتبة اليت ينبت‪ G‬منها واملاء الذي يسقى به‪ ،‬يقول ‪َ  :‬وفِي‬
‫ص ْن َوا ٍن يُ ْسقَى بِ َما ٍء َوا ِح ٍد‬ ‫ص ْن َو ٍ‬
‫ان َو َغ ْي ُر ِ‬ ‫ع َون َِخي ٌل ِ‬ ‫ات ِم ْن أَ ْعنَا ٍ‬
‫ب َوزَرْ ٌ‬ ‫ات َو َجنَّ ٌ‬ ‫األَرْ ِ‬
‫ض قِطَ ٌع ُّمتَ َج ِ‬
‫او َر ٌ‬
‫ُْ‬
‫ت لِّقَوْ ٍم يَ ْعقِلُونَ ‪ ،212‬ويقـول‪َ :‬والنَّ ْخ َل‬ ‫ْض فِي اْألُ ُك ِل إِ َّن فِي َذلِكَ آلَيَا ٍ‬ ‫ضهَا َعلَى بَع ٍ‬ ‫َونُفَضِّ ُل بَ ْع َ‬
‫َوال َّزرْ َع ُم ْختَلِفًا أُ ُكلُهُ َوال َّز ْيتُونَ َوالرُّ َّمانَ ُمتَ َشابِهًا َو َغ ْي َر ُمتَ َشابِ ٍه ‪.213‬‬
‫السماء ليست ّأمة واحدة‪ ،‬وإمّن ا هي‬
‫متنوع‪ ،‬فدواب األرض وطيور ّ‬ ‫وعامل احليوان هو اآلخر عامل ّ‬
‫ومتنوعة‪ ،‬ويف هذا يقول ‪َ  :‬و َما ِم ْن دَابَّ ٍة فِي األَرْ ِ‬
‫ض َوالَ طَائِ ٍر يَ ِطي ُر بِ َجنَا َح ْي ِه إِالَّ أُ َم ٌم‬ ‫أمم متع ّددة ّ‬
‫أَ ْمثَالُ ُك ْم ‪.214‬‬
‫وحىت املالئكـة ليسوا مجيعاً يف مستوى واحد وعلى شاكلة واحـدة‪ ،‬بل هنـاك تن ّـوع يف أشكاهلم‪،‬‬
‫ض َجا ِع ِل ْال َمالَئِ َك ِة ُر ُسالً‬
‫ت َواألَرْ ِ‬‫اط ِر ال َّس َما َوا ِ‬ ‫ومهامهم‪ ،‬ومقامهم؛ ويف هذا يقول ‪ْ  :‬ال َح ْم ُد هَّلِل ِ فَ ِ‬
‫أُوْ لِي أَجْ نِ َح ٍة َم ْثنَى َوثُالَ َ‬
‫ث َو ُربَا َع يَ ِزي ُد فِي ْالخ َْل ِق َما يَ َشا ُء إِ َّن هَّللا َ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر ‪.215‬‬
‫‪ 212‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية‪.4 :‬‬
‫‪ 213‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.141 :‬‬
‫‪ 214‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.38 :‬‬
‫‪ 215‬سورة فاطر‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬
‫التنوع واالختالف سنّة من السنن الكونيّة اليت‬ ‫إذن فمن خالل هذه اآليات السابقة‪ ،‬خنلص إىل أ ّن ّ‬
‫التنوع‪ G‬واالختالف يف عامل اإلنسان‪ G‬داخل يف هذه السنّة اإلهليّة األزليّة‪ ،‬ويف‬
‫وجل‪ ،‬وأ ّن ّ‬
‫عز ّ‬ ‫أرادها الباري ّ‬
‫هذا يقول ‪َ  :‬ولَوْ َشا َء َربُّكَ لَ َج َع َل النَّ َ‬
‫اس أُ َّمةً َوا ِح َدةً َوالَ يَزَالُونَ ُم ْختَلِفِينَ إِالَّ َمن َّر ِح َم َربُّكَ َولِ َذلِكَ‬
‫اس أَجْ َم ِعينَ ‪ ،216‬ومعىن هذا أنّه‪ « :‬لو شاء اهلل‬ ‫َ‬
‫ت َكلِ َمةُ َربِّكَ ألَ ْمأل َّن َجهَنَّ َم ِم ْن ْال ِجنَّ ِة َوالنَّ ِ‬
‫َخلَقَهُ ْم َوتَ َّم ْ‬
‫خللق الناّس كلّهم على نسق واحد‪ ،‬وباستعداد واحد‪ ،‬نسخاً مكرورة ال تفاوت بينها‪ ،‬وال تنويع فيها‪،‬‬
‫وهذه ليست طبيعة‪ G‬هذه احلياة املق ّدرة على هذه األرض‪ ،‬وليست طبيعة هذا املخلوق البشري الذي‬
‫استخلفـه اهلل يف األرض‪ ،‬ولقد شـاء اهلل أن تتن ّـوع استعدادات هذه املخلوق واجّت اهاته‪ G،‬وأن يوهب القدرة‬
‫على حريّة االجّت اه (‪ )...‬شاء اهلل أالّ يكون النّاس ّأمة واحدة؛ فكان من مقتضى‪ G‬هذا أن يكونوا خمتلفني‪،‬‬
‫احلق‬
‫وأن يبلغ هذا االختالف أن يكون يف أصول العقيدة‪ ،‬إالّ الذين أدركتهم رمحة اهلل‪ ،‬الذين اهتدوا‪ G‬إىل ّ‬
‫واحلق ال يتع ّدد‪ -‬فاتّفقوا‪ G‬عليه‪ ،‬وهذا ال ينفي أهّن م خمتلفون مع أهل الضالل‪.217» ‬‬
‫– ّ‬
‫وهناك آيات أخرى كذلك تتح ّدث عن هذا املوضوع منها قوله ‪َ  :‬و َما َكانَ النَّاسُ إِالَّ أُ َّمةً‬

‫اختَلَفُوا فِي ِه ‪.219‬‬ ‫اختَلَفُوا ‪ ، ‬وقوله ‪  :‬لِيَحْ ُك َم بَ ْينَ النَّ ِ‬


‫‪218‬‬
‫اس فِي َما ْ‬ ‫اح َدةً فَ ْ‬
‫َو ِ‬
‫الختالف اخلِلقة‬
‫فهذا االختالف إذن‪ « ،‬ضروري الوقوع بني أفراد اجملتمعني من اإلنسان‪ْ G‬‬
‫باختالف املواد‪ ،‬وإن كان اجلميع إنسانًا حبسب الصورة اإلنسانيّة‪ G‬الواحدة‪ ،‬والوحدة يف الصورة تقتضي‬
‫يؤدي إىل اختالف اإلحساسات واإلدراكات‬ ‫الوحدة من حيث األفكار واألفعال بوجه‪ ،‬واختالف املواد ّ‬
‫يؤدي إىل اختالف األغراض واملقاصد واآلمال‪،‬‬ ‫واألحوال‪ ،‬يف حني أهّن ا متّحدة بنحو‪ ،‬واختالفها ّ‬
‫املؤدي إىل اختالل نظام االجتماع‪ ،‬وظهور هذا االختالف‬ ‫يؤدي إىل اختالف األفعال‪ ،‬وهو ّ‬ ‫واختالفها ّ‬
‫كل ذي‬
‫هو الذي استدعى‪ G‬التشريع‪ ،‬وهو جعل قوانني كلّيّة يوجب العمل هبا ارتفاع االختالف‪ ،‬ونيل ّ‬
‫حق ح ّقه‪ ،‬وحتميلها النّاس‪.220» ‬‬ ‫ّ‬
‫وتنوعهم يف ظاهرهم‪ ،‬يعترب مدعاة الختالف بواطنهم‪ ،‬ومن مثّ سلوكاهتم‬ ‫فاختالف النّاس ّ‬
‫فالتنوع‪ ،‬وكذلك الكثرة‪ ،‬من دواعي ومقتضيات‪ G‬االختالف‪ ،‬وإن كانت الرابطة اإلنسانيّة‬ ‫وأفعاهلم؛ ّ‬

‫سورة هود‪ ،‬اآلية‪ 118 :‬و‪.119‬‬ ‫‪216‬‬

‫قطب (سيّد)‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬بريوت‪ -‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 1406 ،12 .‬هـ‪ 1986 -‬م‪ ،‬اجمللّد الرابـع‪ ،‬جـ‪ ،12 .‬ص‪.1933 .‬‬ ‫‪217‬‬

‫سورة يونس‪ ،‬اآلية‪.19 :‬‬ ‫‪218‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.213 :‬‬ ‫‪219‬‬

‫الطباطبائي (السيد حممد حسني)‪ ،‬الميزان في تفسير القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.120 .‬‬ ‫‪220‬‬
‫جتمعهم‪ ،‬إذ «‪ ‬ليس جيوز أن يكون النّاس خمتلفني يف ظاهرهم (‪ )...‬وال خيتلفون يف باطنهم (‪ )...‬وليس‬
‫ضم اجلـنس والنـوع وال يأتلفـوا‪.221» ‬‬
‫جيوز يف احلكمة أن يكثروا وال خيتلـفوا‪ ،‬وليس يـجوز أيضـًا أن يُ ّ‬
‫فاملوقف القرآين من هذه التع ّدديّة أنّه يعتربها سنّة إهليّة فطريّة‪ ،‬فطر اهلل النّاس عليها‪ ،‬حيث جعلهم‬
‫كل إنسان هو بصمة مميّزة يف إطار جنس اإلنسان‪.222G‬‬ ‫متع ّددين يف اخللق والفكر والعمل‪ ،‬حىّت لكأمّن ا ّ‬
‫‪223‬‬
‫املفسرين‪ ،‬القدامى منهم واحملدثني‪ ،‬فمن القدامى جند "القرطيب"‬ ‫وقد ذكر هذه احلقيقة‪ G‬كثري من ّ‬
‫والتنوع‪ G‬علّة يف خلق اهلل للنّاس‪ ،‬حيث يقول‪ « :‬ولالختالف خلقهم‪ ،224» ‬ومن‬ ‫جيعل هذا االختالف ّ‬
‫دل عليه الكالم‪ G‬من مشيئته تعاىل فيهم (أي النّاس) َخ ْل ُقهم‬
‫احملدثني جند صاحب "املنـار" يقول‪ « :‬والذي ّ‬
‫والتفرق يف علومهم ومعارفهم وآرائهم وشعورهم‪ ،‬وما يتبع ذلك من إراداهتم‬ ‫مستع ّدين لالختالف‪ّ ،‬‬
‫واختيارهم يف أعماهلم‪ ،‬ومن ذلك ال ّدين واإلميان والطاعة والعصيان (‪ )...‬فاالختالف طبيعي يف البشر‪،‬‬
‫وفيه من الفوائد‪ G‬واملنافع العلميّة والعمليّة ما ال تظهر مزايا نوعهم بدونه (‪ )...‬وقد شرع اهلل هلم ال ّديـن‬
‫لتكميل فطرهتم‪ ،‬واحلكـم بينهم فيما اختلفوا فيه بكتاب اهلل الذي ال جمال فيه لالختالف‪.225» ‬‬
‫التنوع والختالف يف العامل اإلنساين جند صاحب تفسري‬ ‫ومن هؤالء احملدثني الذين حت ّدثوا عن هذا ّ‬
‫نوعا منه (أي االختالف) ال مناص‬ ‫يتطرق إىل هذا املوضوع‪ G‬يف قوله‪ « :‬غري أ ّن ً‬ ‫"امليزان يف تفسري القرآن" ّ‬
‫منه يف العامل اإلنساين‪ ،‬وهو االختالف من حيث الطبائع‪ ،‬املنتهية إىل اختالف البىن‪ ،‬فإ ّن الرتكيبات البدنيّة‪G‬‬
‫والروحيّة‪ ،‬وبانضمام اختالف األجواء والظروف إىل غري ذلك‪ ،‬يظهر اختالف السالئق والسنن واآلداب‬

‫‪ 221‬التوحي((دي (أبو حي‪GG‬ان)‪ ،‬كت((اب اإلمتـاع والمؤانسة‪ ،‬حتقي‪GG‬ق‪ :‬أمحد أمني وأمحد ال‪GG‬زين‪ ،‬املكتبة العص‪GG‬رية‪ ،‬ب‪GG‬ريوت –ص‪GG‬يدا‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪.‬‬
‫ت‪ ،‬جـ‪ ،3 .‬ص‪.99 .‬‬
‫‪ 222‬عمارة (حممد)‪ ،‬اإلسالم والتع ّدديّة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25 .‬‬
‫‪ 223‬القرطيب هو حممد بن أمحد بن أيب بكر بن فرح األنصاري اخلزرجي األندلسي‪ G،‬أبو عبد اهلل القرطيب‪ ،‬وهومن كبار املف ّس‪G‬رين من أهل‬
‫وأستقر مبنية ابن خصيب (يف مشالي أسيوط مبصر)‪ ،‬وتويف فيها عام ‪671‬هـ ‪1273-‬م‪ ،‬من كـتبـه‪ " :‬اجلامع ألحك‪GG‬ام‬
‫ّ‬ ‫قرطبة‪ ،‬رحل إىل الشرق‬
‫القرآن" و "األسىن يف أمساء اهلل احلسىن" ‪ ،‬و غريها‪ .‬الزركلي (خري ال‪GG‬دين)‪ ،‬األعالم‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬ط‪1980 ،5 .‬م‪ ،‬جـ‪،5.‬‬
‫ص‪.322 ،‬‬
‫‪ 5‬القرطبي (أبو عبد اهلل حممد بن أمحد)‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬دار الكتاب العريب للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ، 1967 ،‬جـ‪ ،9 .‬ص‪.‬‬
‫‪.115‬‬
‫‪224‬‬

‫رضا (حممد رشيد)‪ ،‬تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2.‬د‪.‬ت ‪ ،‬جـ‪ ،12 .‬ص‪ 194 .‬و‪.222‬‬ ‫‪225‬‬
‫واملقاصد واألعمال النوعيّة والشخصية يف اجملتمعات اإلنسانيّة‪ ،‬وقد أوضحت األحباث االجتماعيّة أن لوال‬
‫ذلك مل يعش اجملتمع اإلنساين ولو طرفة عني‪.226» ‬‬
‫املفسرين القدامى واحملدثني حول هذه السنّة اإلهليّة‪ ،‬اليت قضاها اهلل سبحانه‬
‫فهذه مجلة من أقوال ّ‬
‫والتنوع‪ G‬يف عامل اإلنسان‪ G،‬بل ويف الكون‪ G‬كلّه‪ ،‬مبا فيه من خمتلف املخلوقات‪،‬‬
‫وتعاىل‪ ،‬وهي سنّة االختالف ّ‬
‫وكل ذلك حلكم جليلة وعظيمة أرادها اهلل جلّت قدرته‪.‬‬
‫ّ‬

‫المطلب الثالث‪ :‬وحدة األصل اإلنساني‬

‫التنوع واالختالف يف عامل اإلنسان‪ ،‬إالّ أهّن م يرجعون إىل أصل واحدة‪ ،‬وجتمعهم‬
‫فرغم ذاك ّ‬
‫تنوع يف إطار الوحدة‪227» ‬؛ وقد ذكر القرآن الكرمي‬
‫رابطة مشرتكة‪ ،‬هي رابطة اإلنسانيّة‪ G،‬فهو إذن «‪ّ  ‬‬
‫ق ِم ْنهَا َزوْ َجهَا‬ ‫هذه احلقيقة‪ G‬يف قوله ‪  : ‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي خَ لَقَ ُك ْم ِّمن نَّ ْف ٍ‬
‫س َوا ِح َد ٍة َو َخلَ َ‬
‫ث ِم ْنهُ َما ِر َجاالً َكثِيرًا َونِ َسا ًء‪ ،228‬ويف قوله ‪  : ‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَ لَ ْقنَا ُكم ِّمن َذ َك ٍر َوأُنثى‬ ‫َوبَ َّ‬
‫َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَ َعا َرفُوا إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد هَّللا ِ أَ ْتقَا ُك ْم إِ َّن هَّللا َ َعلِي ٌم َخبِي ٌر ‪.229‬‬
‫مجيعا من أب واحد‪ ،‬إذ خلقوا «‪ ‬من نفس‬ ‫فنص القرآن الكرمي بأ ّ‪G‬ن أصل البشريّة واحد‪ ،‬فهم ً‬ ‫ّ‬
‫يقر هلم احلصانة والكرامة‪ G‬هبذا االعتبار‪ G،‬وبصرف النّظر عن ملّة اإلنسان‬
‫واحدة‪ ،» ‬لذا فإ ّن القرآن الكرمي ّ‬
‫أو عرقه‪ ،‬وقد أشار النيب ‪ ‬إىل هذا يف "خطبة الوداع" حيث ورد فيها‪ « :‬أال ّ‬
‫إن ربّكم واحد‪ ،‬أال ّ‬
‫وإن‬
‫ّ‬
‫‪230‬‬
‫مجيعا بـ‪" :‬يا أيّها النّاس"‪ ،‬فهو‬
‫أباكم واحد‪ ، » ‬فاهلل سبحانه وتعاىل يف كثري من اآليات خياطب البشر ً‬
‫يذ ّكرهم دائماً مبنشئهم وأصلهم‪.‬‬

‫الطباطبائي (السيد حممد حسني)‪ ،‬الميزان في تفسير القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،11 .‬ص‪.62 .‬‬ ‫‪226‬‬

‫عمارة (حممد)‪ ،‬اإلسالم والتع ّدديّة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25 .‬‬ ‫‪227‬‬

‫سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬ ‫‪228‬‬

‫سورة احلجرات‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬ ‫‪229‬‬

‫أخرجه ابن مردويه عن ال‪GG‬بيهقي عن ج‪GG‬ابر بن عبد اهلل ‪ ‬انظ‪GG‬ر‪ :‬الس((يوطي (جالل ال ‪ّ G‬دين)‪ ،‬ال( ّ‬
‫(در المنث((ور في التفس((ير بالم((أثور‪ ،‬دار‬ ‫‪230‬‬

‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،.‬د‪.‬ت‪ ،.‬جـ‪ ،6 .‬ص‪.98 .‬‬


‫ومن هنا ك‪GG‬انت نظ‪GG‬رة اإلس‪GG‬الم إىل البش‪GG‬ريّة نظ‪GG‬رة إنس‪GG‬انيّة‪ ،‬ودعـوته دعـوة إنس‪GG‬انيّة‪ G‬ش‪GG‬املة‪ ،‬فهي ال متيّز‬
‫بني ش‪GG G‬عب وش‪GG G‬عب‪ ،‬وال ختتّص بأمة دون أم‪GG G‬ة‪ ،‬ق‪GG G‬ال ‪ ‬خماطبا نبيّه حمم‪Gً G G‬دا ‪َ  : ‬و َما أَرْ َس ْلنَاكَ إِالَّ َكافَّةً‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اس َرسُوالً ‪.232‬‬ ‫أيضا ‪َ  : ‬وأَرْ َس ْلنَا َ‬
‫اس بَ ِشيراً َونَ ِذيرًا ‪ ، ‬ويقول ً‬
‫‪231‬‬
‫ك لِلنَّ ِ‬ ‫لِّلنَّ ِ‬
‫إذن‪ ،‬ففي التص ‪Gّ G‬ور اإلس ‪GG‬المي‪ G‬لبداية البش ‪GG‬ريّة واإلنس ‪GG‬انيّة‪ G:‬أهّن ا ب ‪GG‬دأت ب ‪GG‬آدم ‪ ،‬وأ ّن ه ‪GG‬ذه البش ‪GG‬ريّة قد‬
‫تكاثرت من آدم وزوجه حواء‪ ،‬فالتكاثر البشري قد جـاء من "نفس واحدة" كما ورد يف القرآن الكرمي‪.‬‬
‫«‪ ‬ويف إط‪GG‬ار ه‪GG‬ذه الوح‪GG‬دة تع‪ّ G‬ددت ومتايزت واختلفت األجن‪GG‬اس واألل‪GG‬وان‪ G‬واألمم والش‪GG‬عوب والقبائل‬
‫واأللسنة واللّغات والقوميات واحلض‪GG‬ارات ‪...‬إخل ‪ ..‬أن‪GG‬واع وأل‪GG‬وان من التع ّدديّة يف إط‪GG‬ار اإلنس‪GG‬انيّة الواح‪GG‬دة‪،‬‬
‫والبشريّة اليت يرجع إليها وينتسب إليها اجلميع‪.233» ‬‬
‫ومن خالل ما س ‪GG‬بق ذك ‪GG‬ره‪ ،‬خنلص إىل أنّه ما من تن ‪Gّ G‬وع وتع‪ّ G G‬دد إالّ ووجد بني أجزائه وأص ‪GG‬نافه رابط‬
‫جيمع بينها‪ ،‬وأصل واحد ترجع إلي‪GG‬ه‪ ،‬ف‪G‬رغم ك‪Gّ G‬ل ه‪G‬ذا ال‪G‬ذي ذكرن‪GG‬اه‪ ،‬من تن ّ‪G‬وع يف ع‪G‬امل اإلنس‪GG‬ان‪ ،‬واختـالف‬
‫يف طبائع‪GG‬ه‪ ،‬واس‪GG‬تعداداته‪ G‬وميول‪GG‬ه‪ ،‬ومن مثّ أفعاله وس‪GG‬لوكاته‪ ،‬وغريها من املظ‪GG‬اهر األخ‪GG‬رى‪ ،‬إالّ أهّن م يرجع‪GG‬ون‬
‫يسمى "وحدة األصل اإلنساين"‪.‬‬ ‫إىل أصل واحد جيمعهم‪ ،‬وهو ما ّ‬

‫التنوع في عالم اإلنسان‬


‫المطلب الرابع‪ :‬أشكال ّ‬

‫ومتنوع‪GG‬ة‪ ،‬إذ ك‪Gّ G‬ل إنس‪G‬ان يعترب عاملا‬


‫ّ‬ ‫إ ّن ع‪GG‬امل اإلنس‪G‬ان‪ G‬ع‪G‬امل متن‪Gّ G‬وع ومتع‪ّ G‬دد‪ ،‬وذلك يف أش‪GG‬كال كث‪GG‬رية‬
‫ً‬
‫مكررة له‪.‬‬
‫مستقالً بذاته‪ ،‬مبا فيه من خصائص ومميّزات؛ فال جند صورة ّ‬
‫وهن ‪GG‬اك‪ G‬ع‪ّ G G‬دة ج ‪GG‬وانب من ه ‪GG‬ذا التن ‪Gّ G‬وع واالختالف والتف ‪GG‬اوت يف ع ‪GG‬امل اإلنس ‪GG‬ان؛ وقد حت ّدث الق ‪GG‬رآن‬
‫التنوع‪ G‬يف حياة اإلنسان‪.‬‬
‫الكرمي عن كثري من جوانب ّ‬
‫نتطرق –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل بعض هذه اجلوانب‪G:‬‬ ‫وفيما يأيت ّ‬
‫أوالً‪ :‬االختالف في الصورة والشكل‬

‫سورة سبأ‪ ،‬اآلية‪.28 :‬‬ ‫‪231‬‬

‫سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.79 :‬‬ ‫‪232‬‬

‫عمارة (حممد)‪ ،‬اإلسالم والتع ّدديّة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.117 .‬‬ ‫‪233‬‬
‫حيث إ ّن هن‪GG‬اك نوع‪G‬اً من التميّز الشخصي لك‪Gّ G‬ل ف‪GG‬رد من أف‪GG‬راد البش‪GG‬ر؛ فص‪GG‬ورة اإلنس‪GG‬ان‪ G‬متيّزه‬
‫اخلاصة يف األذهان‪ ،‬وألجل ذلك اعتُمد التصوير الفوت‪GG‬وغرايف‬ ‫لكل فرد صورته ّ‬ ‫عن اآلخرين‪ ،‬ولذلك تنطبع ّ‬
‫للداللة على الشخص‪ ،‬وإذا كان حيصل شيء من التشابه يف معامل الوجه‪ ،‬فإنّه أمر نادر يش‪GG‬ار إليه‪ ،‬كما أ ّن‬
‫متايزا دقي ًقا بني أفراد‬
‫تسجل ً‬‫والتأمل‪ ،‬بيد أ ّن خطوط أطراف أصابع يد اإلنسان ّ‬ ‫ذلك ميكن جتاوزه بالتدقيق ّ‬
‫أي إنس‪GG‬ان‪ ،‬مهما ك‪G‬انت درجة القرابة بينهما‬ ‫كل إنسان واخلطوط املوجودة فيه ال تتش‪GG‬ابه مع ّ‬ ‫البشر‪ ،‬فإهبام ّ‬
‫‪G‬تدل هبا علي‪G‬ه‪ ،‬ولع ّ‪G‬ل‬
‫‪G‬حا يس ّ‬‫يف احليّز الوراثي‪ G‬الواح‪G‬د‪ ،‬ومن هنا يعترب أخذ بص‪G‬مات اإلنس‪G‬ان دليالً ثبوتي‪G‬اً واض ً‬
‫يف قوله ‪ : ‬بَلَى قَا ِد ِرينَ َعلَى أَن ّنُ َس ِّو َي بَنَانَهُ ‪ 234‬إش‪GG‬ارة إىل ه‪GG‬ذه احلقيقة‪ G‬العلميّ‪GG‬ة‪ ،‬تس‪GG‬بق ما أثبته العلم‬
‫‪G‬تقل بذاته يس‪Gّ G G‬مى "علم البص‪GG G‬مات"‪ ،235‬إذن فمهما بلغ‬ ‫‪G‬ريا يف ه‪GG G‬ذا اجملال‪ ،‬حيث أص‪GG G‬بح ل‪GG G‬دينا علم مس‪ّ G G‬‬ ‫أخ‪ً G G‬‬
‫التشابه بني اثنني من البشر إالّ أنّه يستحيل علميًا أن يكون أحدمها صورة ُمطابقة لآلخر‪ ،‬فاختالف الصور‬
‫التنوع واالختالف يف عامل اإلنسان‪.‬‬ ‫واألشكال بني بين البشر يعترب من أشكال ّ‬
‫ثانيا‪ :‬التفاوت في الذكاء والفطنة‬
‫حيث إ ّن مستوى الذكاء والفطنة يتفاوت بني النّاس‪ ،‬حىّت أصبحت له مقاييس ومع ّدالت يرصد‬
‫الرغبة يف العلم واملعرفة ختتلف من ش‪GG G‬خص إىل آخ‪GG G‬ر‪،‬‬
‫هبا‪ ،‬وحت ّدد درجاته املتفاوت ‪GG G‬ة‪ G،‬ه ‪GG G‬ذا باإلض ‪GG G‬افة إىل أ ّن ّ‬
‫كما أ ّن للظروف واألجواء اليت يعيش‪G‬ها اإلنس‪GG‬ان أث‪GًG‬را يف إتاحة الفرصة لكسب العلم واملعرف‪G‬ة‪ ،‬ونتيجة لك‪Gّ G‬ل‬
‫ذلك يتف ‪GG‬اوت مس ‪GG‬توى العلم واملعرفة عند النّ ‪GG‬اس ‪ ،‬يق ‪GG‬ول اهلل ‪  :‬نَرْ فَ ُع َد َر َجا ٍ‬
‫‪236‬‬
‫ق ُك ِّل‬
‫ت َّمن نَّ َشا ُء َوفَوْ َ‬
‫ِذي ِع ْل ٍم َعلِي ٌم ‪ ،237‬وينطبق ه‪GG G‬ذا التب‪GG G‬اين واالختالف ح‪GG G‬ىت ما بني الش‪GG G‬عوب واألمم‪ ،‬حيث جند يف ت‪GG G‬اريخ‬
‫ّ‬
‫فن معنّي ‪ ،‬تف‪Gّ G‬وقت فيه على‬
‫كل شعب من الشعـوب‪ ،‬أو ّأمة من األمـم‪ ،‬قد ب‪G‬رزت يف علم أو ّ‬ ‫احلضارات أ ّن ّ‬
‫غريه‪GG‬ا‪ ،‬وعُ‪GG‬رفت ب‪GG‬ه‪ ،‬إذ إنّنا جند أ ّن «‪ ‬للف‪GG‬رس السياسة واآلداب واحلدود والرس‪GG‬وم‪ ،‬ولل‪GG‬روم العلم واحلكم‪GG‬ة‪،‬‬
‫ص‪G‬رب والك‪ّ G‬د‬
‫وللهند الفكر والرويّة واخل ّفة (الش‪G‬عوذة) والس‪G‬حر واألن‪G‬اة‪ ،‬ولل‪G‬رتك الش‪G‬جاعة واإلق‪G‬دام‪ ،‬ولل‪G‬زنج ال ّ‬
‫والف ‪GG‬رح‪ ،‬وللع‪GG G‬رب النج‪GG G‬دة والق‪GG G‬رى والوف‪GG G‬اء والبالء واجلود وال‪GG G‬ذمام واخلطابـة والبي‪GG G‬ان‪ ،238» ‬كما ع ‪GG‬رفت‬
‫الصني يف الصناعة‪.‬‬ ‫اليونـان القدميـة بالفلسفـة‪ ،‬وبرعت ّ‬

‫سورة القيامة‪ ،‬اآلية‪.4 :‬‬ ‫‪234‬‬

‫التنوع والتعايش‪ ،‬دار الصفوة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1418 ،1 .‬هـ‪ 1997 -‬م‪ ،‬ص‪.24 .‬‬
‫الصفار (حسن)‪ّ ،‬‬
‫‪235‬‬

‫التنوع والتعايش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25 .‬‬


‫الصفار(حسن)‪ّ ،‬‬
‫‪236‬‬

‫‪ 237‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪.76 :‬‬


‫عمارة (حممد)‪ ،‬اإلسالم والتع ّدديّة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.120 .‬‬ ‫‪238‬‬
‫ثالثا‪ :‬االختالف في اللّغات والنطق (اختالف األلسنة)‬
‫حيث إ ّن البشر خيتلف ‪GG‬ون يف طريقة نطقهم‪ ،‬ون ‪GG‬ربات ص ‪GG‬وهتم‪ ،‬ويف اللّغ ‪GG‬ات اليت يتح ‪ّ G‬دثون هبا‪،‬‬
‫ويتواص ‪GG‬لون بينهم بواس ‪GG‬طتها‪ G،‬وهو ما عرّب عنه الق ‪GG‬رآن الك ‪GG‬رمي ب ‪GG‬اختالف األلس ‪GG‬نة‪ ،‬حيث يقـول ‪َ  : ‬و ِم ْن‬
‫ت لِّ ْل َعالِ ِمينَ ‪.239‬‬ ‫ف أَ ْل ِسنَتِ ُك ْم َوأَ ْل َوانِ ُكمْ إِ َّن فِي َذلِ َ‬
‫ك آلَيَا ٍ‬ ‫ض َو ْ‬
‫اختِالَ ُ‬ ‫ق ال َّس َما َوا ِ ْ‬ ‫آيَاتِ ِه ْ‬
‫خَل ُ‬
‫ت َواألرْ ِ‬
‫وهنا قد يك‪GG‬ون املراد باأللس‪GG‬نة "أعض‪GG‬اء النط‪GG‬ق" ‪-‬كما هو رأي بعض املف ّس ‪G‬رين‪ ،-‬ويعترب ه‪GG‬ذا التم‪GG‬ايز‬
‫واالختالف يف النطق آية من آي ‪GG‬ات اهلل س ‪GG‬بحانه وتع ‪GG‬اىل‪ ،‬حيث إنّ ‪GG‬ه‪ « :‬ال تك ‪GG‬اد تس ‪GG‬مع منطقني متّفقني يف‬
‫مهس واح ‪GG‬د‪ ،‬وال جه ‪GG‬ار واح ‪GG‬د‪ ،‬وال ح ‪ّ G‬دة وال رخ ‪GG‬اوة‪ ،‬وال فصـاحة وال لكن ‪GG‬ة‪ ،‬وال نظـم وال أس ‪GG‬لوب‪ ،‬وال‬
‫غري ذلك من صفات النطق وأحواله‪ ،‬وكذلك الصور وختطيطها‪ ،‬واألل‪GG‬وان‪ G‬وتنويعه‪GG‬ا‪ ،‬والختالف ذلك وقع‬
‫التع‪GG‬ارف‪ ،‬وإالّ فلو اتّفقت وتش ‪G‬اكلت‪ ،‬وك‪GG‬انت ض‪GG‬ربًا واح‪Gً G‬دا‪ ،‬لوقع التجاهل وااللتب‪GG‬اس‪ ،‬ولتعطّلت مص‪GG‬احل‬
‫كث ‪GG‬رية‪ ،‬ورمّب ا رأيت ت‪GG G‬وأمني يش‪GG G‬تبهان‪ G‬يف احللي‪GG G‬ة‪ ،‬فيع‪GG G‬روك اخلطأ يف التمي‪GG G‬يز بينهم‪GG G‬ا‪ ،‬وتع‪GG G‬رف حكمة اهلل يف‬
‫وتفرع‪GG‬وا من أصل ف‪ّ G‬ذ‪ ،‬وهم على الك‪GG‬ثرة‬ ‫احللي‪ ،‬ويف ذلك آية بيّنة‪ ،‬حيث ول‪GG‬دوا من أب واحد ّ‬ ‫املخالفة بني ّ‬
‫اليت ال يعلمها إالّ اهلل‪ ،‬خمتلفون متفاوتون‪.240» G‬‬
‫وقد يكون املراد باالختالف يف األلس‪G‬نة ه‪G‬و‪" :‬التن ّ‪G‬وع‪ G‬والتع‪ّ G‬دد يف اللّغ‪G‬ات"‪ ،‬اليت ترسم ح‪G‬دودها دوائر‬
‫األمم والقومي‪GG G‬ات‪ G،‬وه‪GG G‬ذا أمر واضح للعي‪GG G‬ان‪ ،‬وهو تن‪Gّ G G‬وع ال ينفي االختالف يف األلس‪GG G‬نة عند ك ‪Gّ G‬ل ف ‪GG‬رد من‬
‫األفراد‪.241‬‬
‫حيث يتميّز ك‪Gّ G‬ل ف‪GG‬رد بص‪GG‬وته ال‪GG‬ذي مييّ‪GG‬زه عن غ‪GG‬ريه‪ ،‬ول‪GG‬ذلك ينطبع ص‪GG‬وته اخلاص يف األذه‪GG‬ان‪ ،‬وألجل‬
‫تمد التسجيل الصويت للداللة على الشخص‪.242‬‬ ‫ذلك ُاعْ ِ‬
‫كما أ ّن اختالف األلس‪GG G G‬نة يعين بطبيعة احلال اختالف اللّغ‪GG G G‬ات‪ ،‬ومن مثّ اختالف الثقاف ‪GG G‬ات واآلداب‬
‫‪G‬أثريا نوعيًا وعض‪GG‬ويًا‪ ،‬فاللّغة‬
‫والفن‪GG‬ون والفلس‪GG‬فات‪ ،‬باعتب‪GG‬ار اللّغة هي الوع‪GG‬اء احلاوي ل‪GG‬ذلك كلّه‪ ،‬واملؤثّر فيه ت‪ً G‬‬
‫كل ما يُكتب هبا مبيسمها‪ ،‬وتطبعه بطابعها‪.243‬‬ ‫جمرد ألفاظ؛ وإمّن ا هي حقيقة نفسيّة وعقليّة تسم ّ‬ ‫ليست ّ‬

‫سورة الروم‪ ،‬اآلية‪.22:‬‬ ‫‪239‬‬

‫شاف‪ ،‬مطبعة مصطفى حممد‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1354 ،1.‬هـ ‪ ،‬جـ‪ ،3 .‬ص‪.201 .‬‬
‫الزمخشري (حممود بن عمر)‪ ،‬تفسير الك ّ‬ ‫‪240‬‬

‫عمارة (حممد)‪ ،‬اإلسالم والتع ّدديّة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.119-118 .‬‬ ‫‪241‬‬

‫التنوع والتعايش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24 .‬‬


‫الصفار (حسن)‪ّ ،‬‬
‫‪242‬‬

‫األنصاري (حممد جابر)‪" ،‬القومية( في القرآن حقيقة( مؤ ّكدة"‪ ،‬جملّة "العربي"‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ 1403 ،290 :‬هـ‪1983 -‬م‪ ،‬ص‪.32 .‬‬ ‫‪243‬‬
‫إذن‪ ،‬فه ‪GG‬ذا الش ‪GG‬كل من أش ‪GG‬كال التن ‪Gّ G‬وع واالختالف يف ع ‪GG‬امل اإلنس ‪GG‬ان يعترب آية من آي ‪GG‬ات اهلل‪ ،‬س ‪GG‬واء‬
‫ص ‪G‬وت بني بين البش‪GG‬ر‪ ،‬وهو‬ ‫أك‪GG‬ان املراد من ه‪GG‬ذا االختالف هو تن‪Gّ G‬وع اللّغ‪GG‬ات‪ ،‬أم اختالف النطق ون‪GG‬ربات ال ّ‬
‫نوع بارز وظاهر من أنواع‪ G‬التع ّدديّة يف عامل اإلنسان‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التفاوت( في الناحية( المادية (المعيشية)‬
‫‪G‬ين والفق‪GG‬ري‪G،‬‬
‫كما أ ّن البشر يف حي‪GG‬اهتم املعيش‪GG‬ية املاديّة متف‪GG‬اوتون ومتغ‪GG‬ايرون‪ ،‬حيث يوجد الغ‪ّ G‬‬
‫وبينهما توجد درج‪GG G‬ات ع ‪ّ G G‬دة متفاوت‪GG G‬ة‪ G،‬ويف ه‪GG G‬ذا يق‪GG G‬ول ‪  :‬نَحْ ُن قَ َس ْمنَا بَ ْينَهُ ْم َّم ِعي َشتَهُ ْم فِي ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا‬
‫ضهُ ْم بَ ْعضًا س ُْخ ِريًّا‪. 244 ‬‬
‫ت لِّيَتَّ ِخ َذ بَ ْع ُ‬ ‫ضهُ ْم فَوْ َ‬
‫ق بَعْضٍ َد َر َجا ٍ‬ ‫َو َرفَ ْعنَا بَ ْع َ‬

‫ويالحظ يف ه ‪GG‬ذه اآلية أ ّن إح ‪GG‬داث التفـاوت قد نُسب إىل اهلل ‪َ  ‬رفَ ْعنَا‪ ،‬ومل ّ‬
‫يذمه تع ‪GG‬اىل يف ش ‪GG‬يء‬
‫من كالمه إالّ إذا صحب هوى النّفس‪ ،‬وخالف هدى العقل‪.245‬‬
‫ومن أس‪GG‬باب ه‪GG‬ذا التف‪GG‬اوت يف احلي‪GG‬اة املاديّة واملعيش‪GG‬يّة‪ G،‬هو التف‪GG‬اوت يف املواهب‪ G‬والق‪GG‬درات والرغب‪GG‬ات‬
‫بني بين البشر‪ ،‬وهو الذي يشعرهم حباجتهم إىل بعضهم البعض؛‪ G‬فهذا التفاوت واالختالف هو ال‪GG‬ذي ي‪G‬دفع‬
‫العامل إىل بذل اجلهد لصاحل ص‪GG‬احب املال حلاجته إىل املال‪ ،‬وهو ال‪GG‬ذي ي‪GG‬دفع ص‪GG‬احب املال إىل البحث عن‬
‫العامل حلاجته إىل اخلربة الفنيّة‪ G‬املهنيّة‪ G،‬وهذا األمر يسري يف سائر نواحي احلياة‪.‬‬
‫وه‪GG‬ذا التف‪GG‬اوت ي‪GG‬دفع البشر إىل التعامل مع بعض‪GG‬هم البعض‪ G‬وتس‪GG‬خري بعض‪GG‬هم البعض لص‪GG‬احل اجملم‪GG‬وع‪،‬‬
‫ولتقدّم حركة احلياة‪ ،‬وهذا بدوره يرتتّب‪ G‬عليه التمايز يف مستوى املعيشة‪ ،‬واختالف أمناطها‪.246‬‬
‫خامسا‪ :‬التع ّدديّة في االنتماءات العرقية والقوميّة‬
‫ولقد حت ّدث الق ‪GG‬رآن الك ‪GG‬رمي عن ه ‪GG‬ذا التم ‪GG‬ايز واالختالف بني اجلماع ‪GG‬ات والش ‪GG‬عوب والقبائ ‪GG‬ل‪،‬‬
‫وذلك يف قوله ‪ : ‬يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا َخلَ ْقنَ ا ُك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َوأُنثَى َو َج َع ْلنَ ا ُك ْم ُش عُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَ َع ا َرفُوا إِ َّن‬
‫أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد هَّللا ِ أَ ْتقَا ُك ْم إِ َّن هَّللا َ َعلِي ٌم َخبِي ٌر‪.247‬‬
‫وأمة عن ّأم ‪GG‬ة‪ ،‬وقبيلة عن قبيلة‪ ،‬وعائلة عن عائل ‪GG‬ة‪،‬‬
‫مبعىن أن يك ‪GG‬ون‪ G‬هن ‪GG‬اك ش ‪GG‬عب خيتلف عن ش ‪GG‬عب‪ّ ،‬‬
‫وإنسان عن إنسان‪ ،‬فهذا ليس صدفة‪ ،‬بل هو جعل وتصميم وإرادة وقرار‪ ،‬وختطيط إهلي‪.248‬‬
‫سورة الزخرف‪ ،‬اآلية‪.32 :‬‬ ‫‪244‬‬

‫الطباطبائي (السيّد حممد حسني)‪ ،‬الميزان في تفسير القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ 11 .‬ص‪.62 .‬‬ ‫‪245‬‬

‫التنوع والتعايش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.26 .‬‬


‫الصفار (حسن)‪ّ ،‬‬
‫‪246‬‬

‫سورة احلجرات‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬ ‫‪247‬‬

‫المدرسي (السيّد حممد تقي)‪ « ،‬التعدديّة( سنّة اهلل‪ -‬رؤى قرآنية‪ 2002-03-23 » ‬م‪ ،‬ص‪،3-2 .‬‬ ‫‪248‬‬

‫‪.www.almodarresi.com‬‬ ‫‪URL‬‬
‫فالتع ّدديّة والتن ‪Gّ G G‬وع‪ G‬بني األمم والش ‪GG G‬عوب جيمعها الرابط اإلنس ‪GG G‬اين‪ ،‬وقد جعل اهلل تع ‪GG G‬اىل –من خالل‬
‫التنوع‪ G‬هو التعارف بني تلك األقوام والشعوب والقبائل‪G.‬‬ ‫اآلية السابقة‪ -‬حكمة هذا ّ‬
‫والتنوع‪ G‬كذلك طبيعيًا تكوينياً‪ ،‬إذ وجد النّ‪G‬اس أنفس‪G‬هم ض‪G‬منه‪ ،‬دون‬ ‫ويعترب هذا النوع من االختالف ّ‬
‫اختي ‪GG‬ار منهم‪ ،‬فهم مل خيتـاروا انتم‪GG G‬اءهم الع‪GG G‬رقي أو القومـي‪ ،‬وال مالمح ش‪GG G‬كلهم ومظه‪GG G‬رهم‪ ،‬ومل يق ‪Gّ G‬رروا‬
‫الس‪GG‬اللة اليت احندروا منه‪GG‬ا‪ ،‬أو االنتم‪GG‬اء إىل القوميّة اليت وج‪GG‬دوا أنفس‪GG‬هم منتم‪GG‬ون‪ G‬إليه‪GG‬ا‪ ،‬فه‪GG‬ذا التن‪Gّ G‬وع الط‪GG‬بيعي‬
‫متنوعني‪ ،‬يف أعراقهم وقومياهتم وشعوهبم‪.249‬‬ ‫يتم بأمر اهلل ومشيئته‪ ،‬فاهلل هو الذي جعل البشر ّ‬ ‫ّ‬
‫والتنوع ‪GG‬ات‪،‬‬
‫وينتج عن ه ‪GG‬ذا التن ‪Gّ G‬وع‪ G‬يف الش ‪GG‬عوب واألع ‪GG‬راق‪ G‬واألق ‪GG‬وام‪ ،‬أن ‪GG‬واع‪ G‬أخ ‪GG‬رى من االختالف ‪GG‬ات ّ‬
‫س ‪GG‬واء يف الثقاف ‪GG‬ات أم يف األفك ‪GG‬ار أو التقالي ‪GG‬د‪ ،‬وحىّت من الناحية البيولوجيّ ‪GG‬ة‪ G،‬حيث ختتلف الع ‪GG‬روق املتع ‪ّ G‬ددة‬
‫من هذه الناحية كذلك‪.‬‬
‫إذ إ ّن هن‪GG‬اك عروق ‪G‬اً تتميّز من الناحية البيولوجيّة‪ G‬بغلبة بعض العناصر التكوينيّة ل‪GG‬دى أفرادها إحص‪GG‬ائيًا‪،‬‬
‫كلون اجللد‪ ،‬وفتلة الشعر‪ ،‬وزمر الدم‪ ،‬وغريها‪.250‬‬
‫تنوع‪GG‬ات طبيعيّة تكوينيّ‪GG‬ة‪ G،‬أي ليست‬ ‫التنوع يف عامل اإلنسان‪ ،‬وهي يف مجلتها ّ‬ ‫فهذه هي بعض أشكال ّ‬
‫وجل‪ ،‬وحلكم أرادها سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫عز ّ‬ ‫كسبيّة أو اختياريّة‪ ،‬وهي من مشيئة الباري ّ‬

‫المطلب الخامس‪ :‬الحكمة من التن ّوع الفطري‬


‫لقد س‪GG‬بقت‪ G‬اإلش‪GG‬ارة إىل أ ّن اهلل س‪GG‬بحانه وتع‪GG‬اىل أراد البشر متن‪Gّ G‬وعني وخمتلفني‪ ،‬وخلقهم ل‪GG‬ذلك‪،‬‬
‫وسرا من أسرار الوجود‪.‬‬ ‫وجعل ذلك سنّة يف خلقه‪ً ،‬‬
‫وك‪Gّ G G‬ل ذلك حلكم أرادها اهلل س‪GG G‬بحانه وتع‪GG G‬اىل‪ ،‬وقد ص‪Gّ G G‬رح ببعض‪GG G‬ها‪ G‬يف كتابه الك‪GG G‬رمي‪ ،‬وأدرك البشر‬
‫بعضها‪ ،‬مبا وهبهم اهلل من عقول‪.‬‬
‫التنوع‪G:‬‬
‫نتعرض –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل بعض هذه احلكم من هذا ّ‬ ‫وفيما يأيت ّ‬
‫أوالً‪ :‬إظهار قدرة هللا ع ّز وج ّل‬
‫يوجه أنظار‬
‫التنوع‪ G‬واالختالف من مظاهر القدرة واحلكمة اإلهليّة؛ والقرآن الكرمي ّ‬ ‫حيث يعترب ّ‬
‫التأمل‪ G‬والتفكري يف دالالت ه‪GG‬ذا التن‪Gّ G‬وع والتغ‪GG‬اير يف املخلوق‪GG‬ات‪ ،‬ومن ض‪GG‬منها اإلنس‪GG‬ان‪،‬‬
‫البشر وعق‪GG‬وهلم إىل ّ‬

‫التنوع والتعايش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.43 .‬‬


‫الصفار (حسن)‪ّ ،‬‬
‫‪249‬‬

‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬دون معلومات النشر‪ ،‬ص‪.34 .‬‬ ‫‪250‬‬
‫مع أهّن ا ترجع إىل أص ‪GG‬ول ومكوّن ‪GG‬ات واح ‪GG‬دة‪ ،‬ففي ذلك أوضح اآلي ‪GG‬ات على ق ‪GG‬درة اخلالق وعظمت ‪GG‬ه‪ ،‬وعلى‬
‫إبداع‪GG G‬ه؛ إذ يض‪GG G‬في ه‪GG G‬ذا التن‪Gّ G G‬وع على احلي‪GG G‬اة والك‪GG G‬ون‪ G‬مجاالً وروع‪GG G‬ة‪ ،‬ووراء ه‪GG G‬ذا التن‪Gّ G G‬وع‪ G‬أس‪GG G‬رار وأس‪GG G‬باب‬
‫كل ذلك بالعلم والبحث‪.‬‬ ‫حيرك ذهنه ويبذل جهده إلدراكها‪ ،‬ويتمّ ّ‬ ‫وعوامل‪ ،‬على اإلنسان‪ G‬أن ّ‬
‫ويتح ‪ّ G G‬دث الق ‪GG G‬رآن الك ‪GG G‬رمي عن التن ‪Gّ G G‬وع يف ع ‪GG G‬امل اإلنس ‪GG G‬ان؛ حيث ختتلف أعراق ‪GG G‬ه‪ ،‬وقوميات ‪GG G‬ه‪ ،‬ولغاته‪،‬‬
‫وألوان ‪GG G G‬ه‪ ،‬وي ‪GG G G‬بنّي أ ّن وراء ك ‪Gّ G G G‬ل ذلك حق ‪GG G G‬ائق وأس ‪GG G G‬راراً‪ ،‬ي ‪GG G G‬دركها من اجتهد يف البحث العلمي‪ ،‬إذ يتّضح‬
‫للعالِـمني أ ّن ذلك التن‪Gّ G‬وع‪ G‬ما هو إالّ مظهر من مظ‪GG‬اهر الق‪GG‬درة واحلكمة اإلهليّة‪ ،251‬حيث يقـول اهلل ‪:‬‬
‫ت لِ ْل َع الِ ِمينَ ‪.252‬‬ ‫ف أَ ْل ِس نَتِ ُك ْم َوأَ ْل َوانِ ُك ْم إِ َّن فِي َذلِ َ‬
‫ك آلَيَ ا ٍ‬ ‫ت َواألَرْ ِ‬
‫ض َو ْ‬
‫اختِالَ ُ‬ ‫اوا ِ‬ ‫ق َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫‪َ ‬و ِم ْن آيَاتِ ِه ْ‬
‫خَل ُ‬
‫وب‪GG‬إدراك اإلنس‪GG‬ان‪ G‬لتلك القـدرة واحلكمـة اإلهليّة‪ ،‬يع‪GG‬رف نعمة اهلل عليه باصطفـائه مبا جبله عليه من اس‪GG‬تعداد‬
‫فطري للرّت قي يف مدارج الكمال اإلنساين‪.253‬‬
‫‪G‬رارا‪،‬‬
‫إذن‪ ،‬فه ‪GG‬ذا التن ‪Gّ G‬وع يُظهر ق ‪GG‬درة اهلل ع ‪Gّ G‬ز وج ‪Gّ G‬ل يف اخللق واإلب ‪GG‬داع‪ ،‬وقد جعل من وراء ذلك أس ‪ً G‬‬
‫بالتأمل يف عجيب خلقه‪ ،‬وتوظيف العلم للبحث عنها‪.‬‬ ‫وحث عباده على البحث عنها واكتشافها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫‪254‬‬
‫التنوع‪ G‬العظيم‪ ،‬فأجاب‪ « :‬حىت يُري اهلل قدرته‬
‫السر وراء هذا ّ‬‫الصادق عن ّ‬ ‫وقد سئل اإلمام جعفر ّ‬
‫كل شيء‪.255» ‬‬ ‫يف ّ‬
‫كل شيء لبيان قدرته‪.256‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل قد خلق اإلنسان‪ G‬متنوّ ًعا يف ّ‬

‫التنوع والتعايش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.42-41 .‬‬


‫الصفار (حسن)‪ّ ،‬‬
‫‪251‬‬

‫سورة الروم‪ ،‬اآلية‪.22 :‬‬ ‫‪252‬‬

‫األول‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫عرج((ون (حممد الص‪GG‬ادق)‪ ،‬الموس((وعة في س((ماحة اإلس((الم‪ ،‬ال‪GG‬دار الس‪GG‬عودية للنشر والتوزيـع‪ ،‬ط‪ 1984 ،2 .‬م‪ّ ،‬‬
‫اجمللـد ّ‬
‫‪253‬‬

‫‪.153‬‬
‫ص‪G‬ادق‪ ،‬وقد ولد ع‪G‬ام ‪80‬‬ ‫هو جعفر بن حممد الب‪G‬اقر بن علي زين العاب‪GG‬دين بن احلسني الس‪G‬بط‪ ،‬اهلامشي القرش‪G‬ي‪ ،‬أبو عبد اهلل املل ّقب‪ G‬بال ّ‬
‫‪254‬‬

‫هـ‪ 699 -‬م‪ ،‬وهو س‪GG G G‬ادس األئمة االثين عشر عند اإلماميّ‪GG G G‬ة‪ ،‬وك‪GG G G‬ان من أجالّء الت ‪GG G‬ابعني‪ ،‬وله منـزلة رفيعة يف العلم‪ ،‬وقد أخذ عنه العلم‬
‫ص ‪G‬ادق ألنّه مل يُعـرف عنه الك‪GG‬ذب ق‪GG‬ط‪ ،‬وله أخب‪GG‬ار مع خلف‪GG‬اء بين العبّ‪GG‬اس‪ ،‬وك‪GG‬ان‬ ‫مجاع‪GG‬ة‪ ،‬منهم اإلمام‪GG‬ان أبو حنيفة ومال‪GG‬ك‪ ،‬وقد ل ّقب بال ّ‬
‫باحلق ‪ ،‬وله "رسائل" جمموعة يف كت‪GG‬اب‪ .‬وقد ت‪GG‬ويف ع‪GG‬ام ‪ 148‬هـ‪ 765 -‬م‪ .‬الزركلي (خري ال‪ّ G‬دين)‪ ،‬األعالم‪ ،‬جـ‪،2 .‬‬
‫اعا ّ‬ ‫جريئًا عليهم‪ ،‬ص ّد ً‬
‫ص‪.126 .‬‬
‫المدرسي (السيّد حممد تقي)‪" ،‬التع ّدديّة( سنّة اهلل‪ :‬رؤى قرآنية" ‪ 2002-03-23‬م‪ ،‬ص‪.1 .‬‬ ‫‪255‬‬

‫‪.www.almodarresi.com‬‬ ‫‪URL‬‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.2 .‬‬ ‫‪256‬‬
‫ثانيا‪ :‬التنافس اإليجابي بين البشر‬
‫التنوع الطبيعي‪ G‬بني البشر جيعل ك‪Gّ G‬ل ف‪G‬رد‪ ،‬وك‪Gّ G‬ل مجاعة تس‪GG‬عى لتعزيز موقعه‪G‬ا‪ ،‬وتأكيد ذاهتا‪،‬‬ ‫فهذا ّ‬
‫وتسابق غريها لنيل أعلى املراتب‪G.‬‬
‫يوجه البش‪GG‬ريّة إىل االس‪GG‬تفادة من واقع التن‪Gّ G‬وع يف إذك‪GG‬اء روح املنافسة اإلجيابيّ‪GG‬ة؛‪ G‬وذلك‬
‫والقرآن الك‪GG‬رمي ّ‬
‫ب‪GG‬أن‪ G‬تس‪GG‬عى ك‪Gّ G‬ل جهة لبن‪GG‬اء ذاهتا‪ ،‬وإثب‪GG‬ات تفوّقه‪GG‬ا‪ ،‬عرب ما تنج‪GG‬زه من أعم‪GG‬ال اخلري والصـالح‪ ،‬وما حت ّققه من‬
‫عم‪GG‬ارة األرض‪ ،‬وخدمة للحي‪GG‬اة‪ ،‬فه‪GG‬ذا التن‪GG‬افس اإلجيايب والتس‪GG‬ابق حنو اإلجنازات اخلرّي ة هو الب‪GG‬ديل الص‪GG‬حيح‬
‫عن اجلدال العقيم ‪ ،‬يقول اهلل ‪ : ‬لِ ُكلٍّ َج َع ْلنَا ِم ْن ُك ْم ِشرْ َعةً َو ِم ْنهَاجًا َولَوْ َشا َء هَّللا ُ لَ َج َعلَ ُك ْم أُ َّمةً َو ِ‬
‫‪257‬‬
‫اح َدةً‬
‫ت إِلَى هَّللا ِ َمرْ ِج ُع ُك ْم َج ِميعًا فَيُنَبِّئُ ُك ْم بِ َما ُكنتُ ْم فِي ِه ت َْختَلِفُونَ ‪.258‬‬‫َولَ ِك ْن ِّليَ ْبلُ َو ُك ْم فِي َما آتَا ُك ْم فَا ْستَبِقُوا ْال َخي َْرا ِ‬
‫وحكمه هو التن ‪GG G‬افس اإلجيايب والتس‪GG G G‬ابق يف أعم‪GG G G‬ال اخلري‪ ،‬وذلك بقصد‬ ‫إذن‪ ،‬فمن مثار ه‪GG G G‬ذا التن‪Gّ G G G‬وع‪ِ G‬‬
‫التفوق‪ ،‬وال خيفى ما يف هذا التسابق من تفجري الطاق‪G‬ات البش‪G‬رية‪ ،‬وتفعيل كف‪G‬اءات اإلنس‪G‬ان‪ ،‬إذ إ ّن‬ ‫إثبات ّ‬
‫وإنتاج‪GG G‬ا‪ .‬وك ‪GG G‬أ ّن اهلل س ‪GG G‬بحانه وتع ‪GG G‬اىل من خالل اآلية‬
‫ً‬ ‫الف‪GG G‬وز والتق‪ّ G G G‬دم هو لألك ‪GG G‬ثر كف ‪GG G‬اءة ولألحسن عمالً‬
‫والتنوع‪.‬‬
‫السابقة يريد خلق الفرص‪ ،‬وإجياد التنافس عرب التع ّدد ّ‬
‫ثالثا‪:‬التعارف بين المختلفين‬
‫لقد ص‪Gّ G‬رح الق‪GG‬رآن الك‪GG‬رمي هبذه احلكم‪GG‬ة‪ ،‬فبعد أن ذكر اهلل س‪GG‬بحانه وتع‪GG‬اىل التن‪Gّ G‬وع‪ G‬يف الش‪GG‬عوب‬
‫والقبائ‪GG G G G‬ل‪ ،‬أتبعه باحلكمة من ذل‪GG G G G‬ك‪ ،‬وهو التع‪GG G G G‬ارف بني بين اإلنس‪GG G G G‬ان «‪ ‬التع‪GG G G G‬ارف والوئ‪GG G G‬ام‪ G،‬ال التن‪GG G G‬احر‬
‫واخلص ‪GG‬ام‪ ،259» ‬يق ‪GG‬ول اهلل ‪َ  : ‬و َج َع ْلنَا ُك ْم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَ َعا َرفُوا‪ .260‬فه ‪GG‬ذا التن ‪Gّ G‬وع ال يقتضي‪ G‬النـزاع‬
‫والشقاق‪ ،‬بل يقتضي التعاون‪ G‬للنهوض جبميع التكاليف‪ G،‬والوفاء جبميع احلاجات‪.261‬‬
‫وال خيفي ما يف ه‪GG G‬ذا التع‪GG G‬ارف بني الش‪GG G‬عوب والقبائل‪ G‬من عالقة الت‪GG G‬أثري والت‪GG G‬أثّر‪ ،‬حيث يس‪GG G‬تفيد ك‪Gّ G G‬ل‬
‫التعصب للجنس ولالنتماء القومي‪G.‬‬ ‫منهما من اآلخر جتاربه وخرباته وفضائله‪ ،‬ولكن مع استبعاد ّ‬

‫التنوع والتعايش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50-49 .‬‬


‫الصفار (حسن)‪ّ ،‬‬
‫‪257‬‬

‫‪ 258‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.48 :‬‬


‫قطب (سيّد)‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬اجمللّد السادس‪ ،‬جـ‪ ،26 .‬ص‪.3348 .‬‬ ‫‪259‬‬

‫سورة احلجرات‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬ ‫‪260‬‬

‫قطب (سيّد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،26 .‬ص‪.3348 .‬‬ ‫‪261‬‬


‫فلك‪Gّ G‬ل ّأمة أو ش‪GG‬عب االحتف‪GG‬اظ خبصوص‪GG‬ياته‪ ،‬اليت متيّ‪GG‬زه عن غ‪GG‬ريه‪ ،‬ولكن مع االنفت‪GG‬اح على بقيّة األمـم‬
‫حبق ك ‪Gّ G‬ل ّأمة أو ش ‪GG‬عب يف «‪ ‬االع ‪GG‬تزاز‬
‫والشعـوب‪ ،‬والتع ‪GG‬ارف معهم‪ ،‬واالستفـادة منهم‪ ،‬وذلك مع اإلق ‪GG‬رار ّ‬
‫باخلصائص واملميّزات‪ ،‬دون إنكار خلصائص ومميّزات اآلخرين‪.262» ‬‬
‫‪G‬ربرات وج‪GG G‬وب ه‪GG G‬ذا التع‪GG G‬ارف‪ ،‬ال‪GG G‬ذي هو حكمة التن‪Gّ G G‬وع واالختالف بني الش‪GG G‬عوب والقبائل‬
‫ومن م‪ّ G G‬‬
‫كل النقائص‪ G،‬بل إ ّن الفضائل والنق‪GG‬ائص‬ ‫كل الفضائل‪ ،‬واستبعد ّ‬ ‫واألمم‪ ،‬أنّه ال توجد ّأمة أو شعب قد مجع ّ‬
‫قد تقامستها األمم والشعوب‪ ،‬لذا يتعنّي التعارف بينها الستكمال الفضائل واستبعاد النقائص‪.263‬‬
‫رابعا‪ :‬استمرار المجتمع اإلنساني‬
‫كل إنسان يف حاجة إىل اآلخر‪ ،‬وتعنّي التعامل‬ ‫التنوع‪ G‬والتفاوت بني البشر جعل ّ‬
‫حيث إ ّن ذلك ّ‬
‫ْض‬
‫ق بَع ٍ‬ ‫بينهم‪ ،‬بإعط‪GG G‬اء اإلنس‪GG G‬ان‪ G‬ملا ميلكه وجلب ما يفتقر إلي‪GG G‬ه‪ ،‬حيث يق‪GG G‬ول ‪َ  : ‬و َرفَ ْعنَا بَع َ‬
‫ْضهُ ْم فَوْ َ‬
‫ضهُ ْم بَ ْعضًا س ُْخ ِريًّا‪.264‬‬
‫ت لِّيَتَّ ِخ َذ بَ ْع ُ‬
‫د ََر َجا ٍ‬
‫فالتفاوت بني النّاس يف مواهبهم وقدراهتم‪ ،‬هو الذي يشعرهم حباجتهم إىل بعضهم البعض‪ ،265G‬وه‪GG‬ذا‬
‫أي إنس ‪GG‬ان‬
‫‪G‬تمر‪ ،‬حيث ال يس ‪GG‬تطيع ّ‬ ‫ملص ‪GG‬لحة اجملتمع اإلنس ‪GG‬اين ال ‪GG‬ذي يتق‪ّ G G‬دم بفضل ه ‪GG‬ذا التب ‪GG‬ادل للمن ‪GG‬افع ويس ‪ّ G‬‬
‫االس‪GG G G‬تغناء عن غ‪GG G G‬ريه ممّن خيتلف معهم يف ج‪GG G G G‬وانب ع ‪ّ G G G‬دة‪ ،‬س‪GG G G‬واء يف الن‪GG G G‬واحي‪ G‬املاديّة أو املعنويّ‪GG G G‬ة‪ « ،‬وقد‬
‫أوضحت الأحباث االجتماعيّة أن لوال ذلك مل يعش اجملتمع اإلنساين ولو طرفة عني‪.266» ‬‬
‫التنوع‪ G‬واالختالف والتفاوت بني البشر‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬فاستمرار اجملتمع اإلنساين وتق ّدمه‪ ،‬يتطلّب ّ‬

‫الصراع السياسي‬
‫التنوع الفطري في ّ‬
‫المطلب السادس‪ :‬أثر ّ‬

‫رغم ما ذكرن ‪GG‬اه من حكم جليلة وراء ه ‪GG‬ذا التن ‪Gّ G‬وع‪ G‬الفط ‪GG‬ري‪ ،‬وإمك ‪GG‬ان البشر االستفـادة منه مبا‬
‫‪G‬اد احلكمة‬
‫‪G‬ريا ما يوظ ّفونه‪ G‬مبا ين‪GG‬اقض مص‪GG‬احلهم ويض‪ّ G‬‬ ‫ينفعهم وخيدم مص‪GG‬احلهم يف حي‪GG‬اهتم ال ‪ّ G‬دنيا‪ ،‬إالّ أهّن م كث‪ً G‬‬
‫منه‪.‬‬

‫عمارة (حممد)‪ ،‬اإلسالم والتع ّدديّة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.120 .‬‬ ‫‪262‬‬

‫عمارة(حممد)‪ ،‬اإلسالم والتع ّدديّة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.120 .‬‬ ‫‪263‬‬

‫سورة الزخرف‪ ،‬اآلية‪.32 :‬‬ ‫‪264‬‬

‫التنوع والتعايش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25 .‬‬


‫الصفار (حسن)‪ّ ،‬‬
‫‪265‬‬

‫الطباطبائي (السيّد حممد حسني)‪ ،‬الميزان في تفسير القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،11 .‬ص‪.62 .‬‬ ‫‪266‬‬
‫ص‪G G G G G G G‬ورات‪ ،‬ومن مثّ األفع‪GG G G G G‬ال‬
‫ومن املعل‪GG G G G G G G‬وم أ ّن ذلك التن‪Gّ G G G G G G G‬وع‪ G‬واالختالف ينتج عنه التب‪GG G G G G G G‬اين يف الت ّ‬
‫أفرادا ومجاعات‪.‬‬ ‫والتصرفات‪ ،‬وذلك الختالف األهداف‪ ،‬وتداخل املصاحل بني البشر ً‬ ‫ّ‬
‫فكلّما خطا اإلنسان خطوات يف سبيل املدنيّة‪ G‬واحلضارة‪ ،‬اتّسعت فرجات اخلالف؛ حىّت تولّدت من‬
‫هذا اخلالف املذاهب‪ G‬املختلفة‪.267‬‬
‫ص‪G‬راع‪ ،‬والس‪G‬يّما يف اجملال السياس‪G‬ي؛‪ G‬حيث يعمل ك ّ‪G‬ل‬ ‫‪G‬ؤدي إىل ال ّ‬
‫‪G‬ريا ما ي ّ‬
‫وه‪G‬ذا التن ّ‪G‬وع‪ G‬واالختالف كث ً‬
‫حتركه و تق ّدم‪GG‬ه‪ ،‬وذلك حىّت ينه‪GG‬ار ه‪GG‬ذا الط‪GG‬رف‬ ‫ط‪GG‬رف على إض‪GG‬عاف اآلخ‪GG‬ر‪ ،‬وت‪GG‬دمري نق‪GG‬اط ّقوت‪GG‬ه‪ ،‬وإعاقة ّ‬
‫‪G‬ارزا قويًا يف السـاحة السياس ‪GG‬يّة‪ ،‬حيث ال توجـد ق ‪Gّ G‬وة أخ ‪GG‬رى تزامحه أو يف مس ‪GG‬توى‬ ‫ويبقى الط ‪GG‬رف اآلخر ب ‪ً G‬‬
‫‪268‬‬
‫‪G‬ؤدي إىل التش‪G‬نّج والع‪G‬داء‪ ،‬وخيلق القطيعة‬ ‫ص‪G‬راع والنّ‪GG‬زاع" ‪ ،‬وال‪G‬ذي ي ّ‬ ‫مزامحته‪ ،‬وهذا ما يس ّ‪G‬مى "أس‪G‬لوب ال ّ‬
‫والتناحر بني األفراد واجلماعات‪.269‬‬
‫‪G‬اعا‪ ،‬إذا عُمل على إب‪G‬راز ه‪G‬ذه الف‪G‬وارق‪ G‬بني البش‪G‬ر‪ ،‬وحص‪G‬لت التفرق‪GG‬ة‪،‬‬ ‫ص‪G‬راع عم ًقا واتّس ً‬ ‫وي‪G‬زداد ه‪G‬ذا ال ّ‬
‫وانتفى‪ G‬العدل بني املختلفني‪.‬‬
‫هاما من عوامل العداء السياسي‪.270‬‬ ‫وقد ثبت أ ّن التمييز بني األعراق مثالً‪ ،‬يعترب عامالً ً‬
‫إذ ت‪ّ G‬دعي بعض النظري‪GG‬ات العرقيّة أ ّن بعض األع‪GG‬راق أق‪GG‬در من بعض‪GG‬ها اآلخر على ت‪GG‬ويّل القي‪GG‬ادات‪ ،‬وأ ّن بعض‬
‫هذه األعـراق قد ُخلق بطبيعته للسيطـرة‪ ،‬وبعضها اآلخر قد ُخلق للخضـوع‪ ،‬وما دام أنّه ال خيضع من تلقاء‬
‫الصراع السياسي األساسي‪.271G‬‬ ‫ويستمر‪ ،‬وذاك هو ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصراع بني األعراق الدنيا والعليا يبقى‪G‬‬ ‫نفسه‪ ،‬فإ ّن هذا ّ‬
‫وقد ُوجدت فكرة "األمزجة"‪ ،‬اليت تقوم على االعتقاد بأنّه باإلمكان‪ G‬تصنيف النّاس يف منـاذج من أنواع‪G‬‬
‫الس‪GG G‬لوك واملواق‪GG G‬ف‪ G،‬حت ّددها قابلي‪GG G‬ات فطريّة يف الدرجة األوىل‪ ،272‬منذ العص‪GG G‬ور القدمية‪ ،‬إذ إنّنا نراها ل‪GG G‬دى‬
‫"أبقراط" (‪.273)Hippocrate‬‬
‫أبو زهرة (حممد)‪ ،‬تاريخ المذاهب اإلسالمية( ‪-‬يف السياسة والعقائد وتاريخ املذاهب الفقهية‪ ،-‬دار الفكـر العريب‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬ ‫‪267‬‬

‫د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.7 .‬‬


‫التنوع والتعايش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.48 .‬‬
‫الصفار (حسن)‪ّ ،‬‬
‫‪268‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.87 .‬‬ ‫‪269‬‬

‫‪ 270‬ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.36 .‬‬
‫‪ 271‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21 .‬‬
‫‪ 272‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.48 .‬‬
‫تعه‪GG‬ده األطب‪GG‬اء يف قس‪GG‬مهم بالتقيّد بنهجه‬
‫أبق‪GG‬راط (‪ :)Hippocrate‬طبيب يون‪GG‬اين‪ ،‬من أكرب األطب‪GG‬اء األق‪GG‬دمني وأش‪GG‬هرهم‪ ،‬عُ‪GG‬رف عنه ّ‬
‫‪273‬‬

‫األخالقي املع‪GG‬روف بقسم "أبق‪GG‬راط"‪ ،‬وقد ع‪GG‬اش يف الف‪GG‬رتة ما بني (‪ 337 G - 460‬ق‪ .‬م) ب‪GG‬التقريب‪ .‬عجيل(ل‪GG‬ويس) وآخ‪GG‬رون‪ ،‬المنجد في‬
‫األعالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.3 .‬‬
‫ص ‪G G G‬راعات السياس‪GG G G‬يّة‪ ،‬باس‪GG G G‬تعدادات فرديّة حيملها‬‫ففي اجملال السياسي حتاول فك‪GG G G‬رة األمزجة تفسري ال ّ‬
‫األف‪GG G‬راد يف أنفس ‪GG G‬هم حني يول ‪GG G‬دون‪ ،‬فبعض األص ‪GG G‬ناف من النّ ‪GG G‬اس م ‪GG G‬دفوعون مبي ‪GG G‬وهلم الشخص‪GG G‬يّة إىل موقف‬
‫سياسي معنّي ‪ ،‬جيعلهم يف ص ‪GG G‬راع مع أص ‪GG G‬ناف أخ ‪GG G‬رى من النّ ‪GG G‬اس‪ ،‬ت ‪GG G‬دفعهم مي ‪GG G‬وهلم الشخص ‪GG G‬يّة إىل املوقف‬
‫السياسي املن‪GG‬اقض‪ G،‬وقد ح‪GG‬اول علم‪GG‬اء النفس اكتش‪GG‬اف وج‪GG‬ود تالزم‪GG‬ات ممكنة بني أن‪GG‬واع‪ G‬الس‪GG‬لوك والنم‪GG‬اذج‬
‫العامة من األمزجة‪ ،‬ولكنّهم مل يتّفقوا‪ G‬على حتديد هذه األمزجة‪.274‬‬
‫‪G‬حة ه‪GG‬ذه األفك‪GG‬ار والنظري‪GG‬ات‪ ،‬فإنّه ممّا ال ميكن إنك‪GG‬اره أ ّن التن‪Gّ G‬وع الفطـري إذا مل‬ ‫وبغض النّظر عن ص‪ّ G‬‬
‫ّ‬
‫‪G‬ؤدي إىل التن‪GG‬ازع‬ ‫حُت رتم فيه االختالف‪GG‬ات‪ ،‬وعُمل فيه على إب‪GG‬راز الف‪GG‬وارق والتعامل على أساس‪GG‬ها‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن ذلك ي‪ّ G‬‬
‫ص‪G G‬راع؛ ل ‪GG‬ذا فإنّه من ال ‪GG‬واجب يف ه ‪GG‬ذا اإلط ‪GG‬ار اإلق ‪GG‬رار باحلريّة واالختالف‪ ،‬والتع ‪GG‬ايش ال ّس‪G G‬لمي يف إط ‪GG‬ار‬‫وال ّ‬
‫احلريّة واالختالف والتن ‪Gّ G G G‬وع‪ G،‬من غري ض‪GG G G‬رر وال إض‪GG G G‬رار‪ ،‬وذلك لكي تُن‪GG G G‬ال فوائد ذلك التن ‪Gّ G G‬وع‪ G،‬وتُتجنّب‬
‫مضاره‪ ،‬واليت يصنعها‪ G‬البشر بأنفسهم‪.‬‬‫ّ‬

‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.48 .‬‬ ‫‪274‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫االخـتالف الـديني‬

‫يعتبر ال ّدين ظاهرة عميقة الوجود والجذور في حياة اإلنس ان‪ ،‬وهي انعك اس لخاص يّة التفك ير واإلدراك ال تي يتميّ ز به ا اإلنس ان عن‬
‫سائر الحيوانات‪ ،‬فتدفعه إلى التساؤل عن أصل وجوده‪ ،‬وغاية خلقته‪ ،‬وآفاق مصيره‪ ،‬وعن القدرة ال تي أنش أته‪ ،‬وم دى ارتباط ه به ا‪،‬‬
‫وعالقته معها‪ ،‬واإلجابات التي يت ّو صل إليها اإلنسان على هذه التساؤالت هي دينه ومعتقده‪ ،‬سواء أكان مصدرها سماويًا أم أرضيًا‪.‬‬

‫ونظرا لكون ظ‪GG‬اهرة "االختالف ال‪GG‬ديين" هي ظ‪GG‬اهرة طبيعيّة‪ G‬يف ه‪GG‬ذه احلي‪GG‬اة؛ ملا منح اهلل تع‪GG‬اىل اإلنس‪GG‬ان‬‫ً‬
‫والشر‪.‬‬
‫من حريّة اختيار‪ ،‬وأودع يف نفسه من نوازع اخلري ّ‬
‫اهتمت‪ G‬هبا خمتلف الش‪GG‬رائع الس‪GG‬ماويّة والوض‪GG‬عيّة‪ G،‬بإقرارها وتنظيمه‪GG‬ا‪ ،‬والعمل على االس‪GG‬تفادة من‬ ‫فقد ّ‬
‫وتنويعا‪ ،‬وجتنّب ما قد تثريه من ن‪GG‬زاع وص‪G‬راع بني أتـباع األديـان املختلف‪G‬ة‪ ،‬والس‪G‬يّما إذا‬ ‫ً‬ ‫هذه الظاهرة‪ ،‬إثراءً‬
‫جتاوروا يف بلد واحد‪.‬‬
‫واقع‪GG‬ا‪ ،‬من خالل‬‫ولقد حت ّدثت النصـوص الشرعيّة عن ه‪GG‬ذه الظاهـرة –كتابًا وس‪G‬نّة‪ -‬وجت ّس‪G‬د تنظيمـها ً‬
‫عصور اإلسالم‪ G‬املختلفة‪ ،‬على أفضل ما يكون‪ G‬العدل واالحرتام املتبادل‪.‬‬
‫فأقرت حريّة االعتق‪G‬اد‪ ،‬وحق‪G‬وق‬ ‫ومل هتمل األنظمة الوضعيّة‪ ،‬والسيّما الدميقراطية‪ G‬منها‪ ،‬هذه الظاهرة ّ‬
‫األقليّات الدينيّة‪ G‬يف بلداهنا‪.‬‬
‫وسنتناول –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬هذا املوضوع‪ G‬من خالل املطالب اآلتية‪G:‬‬

‫المطلـب األوّل‪ :‬ونتناول فيه تعريـف ال ّديـن يف اللّغـة واالصـطـالح‪.‬‬


‫احلق‪ ،‬وتن ّـوع الشرائـع‪.‬‬
‫المطلب الثـاني‪ :‬ونتح ّدث فيه عن وحدة ال ّديـن ّ‬
‫المطلب الـثالث‪ :‬ونتع ّـرض فيـه إىل تـعـ ّدد األديـان واخـتـالفـها‪.‬‬
‫المطلب الرابـع‪ :‬ونتناول فيه اإلقـرار باالختالف ال ّديـين‪ ،‬وضمـانـاتـه‪.‬‬
‫ونتحدث فيه عن مسألة احرتام االختالف ال ّديين بني اإلسالم‪G‬‬ ‫ّ‬ ‫المطلب الخامس‪:‬‬
‫واألنظمة الوضعيّة‪.‬‬

‫األول‪ :‬تعـريف الدّيـن‬


‫المطلب ّ‬
‫أوالً‪ :‬تعريف ال ّدين في اللّغة‬
‫فقد وردت كلمة "ال ّدين" (بكسر ال ّدال)‪ ،‬ومجعها "أدي‪G‬ان" يف اللّغة العربيّة بع‪ّ G‬دة مع‪G‬ان‪ ،‬ن‪G‬ذكر‬
‫منها ما يأيت‪:‬‬
‫‪G‬دل عليه قوله ‪ : ‬يَوْ َمئِ ٍذ يُ َوفِّي ِهمُ هَّللا ُ‬
‫‪-1‬الج ((زاء؛ حيث يق ‪GG‬ال‪ :‬دانه يدينه دينً ‪GG‬ا‪ ،‬أي ج ‪GG‬ازاه‪ ،‬وي ‪ّ G‬‬
‫ِدينَهُ ُم ْال َح َّق ‪ ،275‬أي حساهبم‪.‬‬
‫وجل‪ ،‬ويعين اجملازي‪.‬‬
‫عز ّ‬‫ومنه "الديّان(" من صفات اهلل ّ‬
‫‪-2‬الطاعة؛ حيث يقال دان له‪ ،‬يدين دينًا‪ ،‬أي أطاعه‪.‬‬
‫‪-3‬العادة( والشأن‪.‬‬
‫ويقال أيضاً‪ :‬دانه يدينه دينًا (بالكسر)‪ ،‬أي أذلّه واستعبده(‪.276‬‬
‫واملس‪GG G G‬تخلص من مع‪GG G G‬اين كلمة "ال ‪ّ G G G‬دين" يف اللّغة أنّ‪GG G G‬ه‪ :‬إذا قلن‪GG G G‬ا‪" :‬دانه دينً‪GG G G‬ا"‪ ،‬أردنا ب ‪GG G‬ذلك أنّه ملكه‬
‫وحكمه‪ ،‬وساس ‪GG‬ه‪ ،‬ودبّ ‪GG‬ره‪ ،‬وقه ‪GG‬ره‪ ،‬وحاس ‪GG‬به‪ ،‬وج ‪GG‬ازاه‪ ،‬وكاف ‪GG‬أه؛ فال ‪ّ G‬دين هبذه الص ‪GG‬يغة‪ G‬يف االس ‪GG‬تعمال ي ‪GG‬دور‬
‫على معىن امللك والتص‪Gّ G G G G‬رف مبا هو من ش‪GG G G G‬أن املل‪GG G G G‬وك من السياسة والت‪GG G G G‬دبري‪ ،‬واحلكم والقه‪GG G G‬ر‪ ،‬واحملاس‪GG G G‬بة‪G‬‬
‫واجملازاة‪ ،‬ومن ذلك‪ « :‬مالك يوم ال ّدين‪ ،» ‬أي ي‪G‬وم احملاس‪G‬بة واجلزاء‪ .‬وإذا قلنا "دان ل‪G‬ه" ك‪G‬ان املع‪G‬ىن‪ :‬أطاعه‬
‫‪G‬ح‬
‫وخضع له؛ فال‪ّ G‬دين هبذه الص‪G‬يغة‪ G‬من االس‪G‬تعمال يعين اخلض‪GG‬وع والطاعة والعب‪G‬ادة‪ ،‬وقولن‪GG‬ا‪" :‬ال‪ّ G‬دين هلل"‪ ،‬يص‪ّ G‬‬
‫فيه كال املعن‪GG‬يني‪ :‬احلكم هلل‪ ،‬أو اخلض‪GG‬وع ل‪GG‬ه‪ .‬وإذا قلن‪GG‬ا‪" :‬دان بالش‪GG‬يء"‪ ،‬أي اخّت ذه دينًا وم‪GG‬ذهبًا‪ ،‬أي اعتق‪GG‬ده‬
‫واعت‪GG G G G‬اده‪ ،‬أو ختلّق ب‪GG G G G G‬ه؛ فال‪ّ G G G G G G‬دين هبذا االس‪GG G G G G‬تعمال يعين املذهب والطريق‪G G G G G G‬ة اليت يسري عليها املرء نظريًا أو‬
‫عمليًا‪.277‬‬
‫وجممل الق‪GG‬ول يف ه‪GG‬ذه املع‪GG‬اين املختلفة لكلمة "ال ‪ّ G‬دين" عند الع‪GG‬رب أهّن ا‪ « :‬تشري إىل عالقة بني ط‪GG‬رفني‬
‫‪G‬ادا‪ ،‬وإذا ُوصف هبا‬ ‫‪G‬وعا وانقي ‪ً G‬‬
‫األول‪ ،‬ك ‪GG‬انت خض ‪ً G‬‬ ‫يعظّم أح ‪GG‬دمها اآلخر وخيضع ل ‪GG‬ه؛ ف ‪GG‬إذا ُوصف هبا الط ‪GG‬رف ّ‬

‫سورة النور‪ ،‬اآلية‪.25 :‬‬ ‫‪275‬‬

‫انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،.‬د‪.‬ت‪ ،.‬جـ‪ ،2 .‬ص‪ 1467 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪276‬‬

‫الصحاح‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1415 ،1 .‬هـ‪ 1994 -‬م‪ ،‬ص‪.269 .‬‬
‫‪ -‬الرازي (حممد بن أيب بكر)‪ ،‬مختار ّ‬
‫حممد بن أمحد)‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.144-143 .‬‬
‫‪ -‬القرطبي (أبو عبد اهلل ّ‬
‫(حممد عبد اهلل)‪ ،‬الـ ّديـن –حبوث ّ‬
‫ممهدة لدراسة تاريخ األديان‪ ،-‬دار القلم للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬ ‫دراز ّ‬
‫‪277‬‬

‫‪ 1410‬هـ‪ 1990 -‬م‪ ،‬ص‪.31-30 .‬‬


‫وإلزام‪GG‬ا‪ ،‬وإذا نظر هبا إىل الرب‪GG‬اط اجلامع بني الط‪GG‬رفني‪ ،‬ك‪GG‬انت‬
‫وحكما ً‬ ‫ً‬ ‫الط‪GG‬رف الث‪GG‬اين‪ ،‬ك‪GG‬انت أم‪Gً G‬را وس‪GG‬لطانًا‬
‫هي الدستور املنظّم لتلك العالقة‪ ،‬أو املظهر الذي يعرّب عنها‪.278» ‬‬
‫األول لكلمة "ال ‪ّ G‬دين"‬‫كما أ ّن ك ‪Gّ G‬ل تلك املع ‪GG‬اين ت ‪GG‬دور على معىن "ل ‪GG‬زوم االنقي ‪GG‬اد"؛ إذ إ ّن االس ‪GG‬تعمال ّ‬
‫يفيد إل‪GG‬زام االنقي‪GG‬اد‪ ،‬واالس‪GG‬تعمال الث‪GG‬اين يفيد ال‪GG‬تزام االنقي‪GG‬اد‪ ،‬واالس‪GG‬تعمال الث‪GG‬الث يقصد به املب‪GG‬دأ ال‪GG‬ذي يل‪GG‬زم‬
‫االنقياد له‪.279‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف ال ّدين( في االصطالح‬
‫اصطالحا من ناحيتني‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ميكن تعريف ال ّدين‬
‫األولى‪ :‬تعريفه يف االصطالح الشرعي اإلسالمي‪ ،‬وهو الذي نعتربه‪ G‬ال ّدين ّ‬
‫احلق الصحيح‪.‬‬
‫الثانية‪ (:‬تعريفه يف االصطالح العام‪ ،‬وسواء أكان ذلك حقاً أم باطالً‪.‬‬
‫نتعرض إىل هاتني الناحيتني‪:‬‬ ‫وفيما يأيت ّ‬
‫‪ -1‬ال ّدين في االصطالح الشرعي اإلسالمي‪:‬‬
‫فلقد عُّرف "الدين" من هذه الناحية بع ّدة تعاريف‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫*هو التس ‪GG‬ليم هلل تع ‪GG‬اىل‪ ،‬واالنقي ‪GG‬اد ل ‪GG‬ه‪ ،‬وال‪ّ G G‬دين هو ملّة اإلس ‪GG‬الم وعقي ‪GG‬دة‪ G‬التوحيد‪ ،‬اليت هي دين مجيع‬
‫حممد ‪.280 ‬‬ ‫املرسلني من لدن آدم ونوح إىل خامت النبيّني ّ‬
‫ص‪G G G‬الح يف احلـال‪ ،‬والفـالح يف‬
‫*هو وضع إهلي‪ ،‬س ‪GG G‬ائق ل ‪GG G‬ذوي العق ‪GG G‬ول الس ‪GG G‬ليمة‪ ،‬باختي ‪GG G‬ارهم إىل ال ّ‬
‫املآل‪.281‬‬
‫احلق يف االعتقادات‪ G،‬وإىل اخلري يف السلوك واملعامالت‪.282G‬‬ ‫*هو وضع إهلي‪ ،‬يرشد إىل ّ‬
‫وهذه التعاريف هي من وضع املسلمني؛ لذلك فإهّن م يقصدون‪ G‬هبا ال‪ّ G‬دين الص‪G‬حيح‪ ،‬ال‪G‬ذي ارتض‪G‬اه‬
‫اهلل تعاىل لعباده‪ ،‬وهلذا فإ ّن هذه التعاريف تنطبق بشكل خ‪G‬اص على دين اهلل اإلس‪G‬الم‪ ،‬وال‪G‬ذي ي‪G‬ذكره اهلل ‪‬‬

‫(حممد عبد اهلل)‪ ،‬ال ّدين ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.31 .‬‬


‫دراز ّ‬
‫‪278‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.31 .‬‬ ‫‪279‬‬

‫‪ 280‬القفاري (ناصر عبد اهلل) والعقل (ناصر بن عبد الكرمي)‪ ،‬الموجز في األديان والمذاهب المعاص(رة(‪ ،‬دار الص‪GG‬ميعي للنشر والتوزي‪GG‬ع‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬ط‪ 1413 ،1 .‬هـ‪ 1992 -‬م‪ ،‬ص‪.10 .‬‬
‫دراز ّ‬
‫(حممد عبد اهلل)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.33 .‬‬ ‫‪281‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.33 .‬‬ ‫‪282‬‬


‫اإل ْسالَ ُم‪ ،283‬ويف قوله ‪َ  : ‬و َم ْن يَ ْبت َِغ َغ ْي َر ا ِإل ْس الَ ِم ِدينًا فَلَ ْن يُ ْقبَ َل ِم ْن هُ‬
‫يف قول‪GG G‬ه‪ :‬إِ َّن ال ِّدينَ ِع ْن َد هَّللا ِ ِ‬
‫اس ِرينَ‪.َ284‬‬ ‫اآلخ َر ِة ِمنَ ْالخَ ِ‬ ‫َوهُ َو فِي ِ‬
‫كـذلك‪  :‬لَ ُك ْم ِدينُ ُك ْم َولِ َي‬ ‫ولكـن يالحـظ من خـالل ه ‪GG‬ذه اآليـة األخ ‪GG‬رية‪ ،‬ومن خالل قـول اهلل ‪‬‬
‫ين‪ ،285‬أ ّن اهلل سبحانه وتعاىل يطلق لفـظ "ال ّدين" على ال ّدين الصحيـح‪ ،‬وعلى ال ّدين الباطل‪.‬‬
‫ِد ِ‬
‫‪ -2‬ال ّدين في االصطالح العام‪:‬‬
‫عرفه كثري من املف ّ‪G‬ك‪G‬رين والكتّ‪GG‬اب والفالس‪GG‬فة‪ G‬وعلم‪GG‬اء ال ‪ّ G‬دين؛ وذلك حسب فهمهم لل ‪ّ G‬دين‬ ‫لقد ّ‬
‫أي دين يعتنقه‬ ‫ووظيفته‪ G‬ومض‪GG G G G G‬مونه‪ ،‬وتلك التع‪GG G G G G‬اريف ال تنطبق على دين معنّي خمص‪GG G G G G‬وص‪ ،‬بل أرادوا هبا ّ‬
‫اإلنسان سواء أكان ح ًقا أم باطالً‪.‬‬
‫ونورد هنا بعض تلك التعريفات‪:‬‬
‫* ال ّدين هو ما يعتنقه اإلنسان‪ G‬ويعتقده‪ ،‬ويدين به‪ ،‬من أمور الغيب والشهادة‪.286‬‬
‫دراز" تعريف ‪GG‬ات ملف ّك‪GG‬رين غرب ‪GG‬يني لل‪ّ G G‬دين‪ ،‬وال ‪GG‬ذي تقابله كلمة «‪ » Religion ‬ن ‪GG‬ذكر‬ ‫*ولقد أورد " ّ‬
‫بعضها‪:287‬‬
‫عرفه "كانط"(‪ 288)Kant‬بأنّه‪ :‬الشعور بواجباتنا‪ G‬من حيث كوهنا قائمة على أوامر إهليّة‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫وعرفه "دوركه ‪G G‬امي"(‪ 289)Durkheim‬بأنّ‪GG G‬ه‪ :‬جمموعة متس‪GG G‬اندة من االعتق‪GG G‬ادات‪ G‬واألعم‪GG G‬ال املتعلّقة‪G‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫تسمى "امللّة"‪.‬‬
‫تضم أتباعها يف وحدة معنويّة ّ‬ ‫باألشياء املق ّدسة‪ ،‬اعتقادات وأعمال ّ‬

‫سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.19 :‬‬ ‫‪283‬‬

‫سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.85 :‬‬ ‫‪284‬‬

‫سورة الكافرون‪ ،‬اآلية‪.6 :‬‬ ‫‪285‬‬

‫القفاري (ناصر عبد اهلل) والعقل (ناصر بن عبد الكرمي)‪ ،‬الموجز في األديان والمذاهب المعاصرة(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10 .‬‬ ‫‪286‬‬

‫(حممد عبد اهلل)‪ :‬ال ّدين ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 33 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫دراز ّ‬
‫‪287‬‬

‫‪ 288‬كانط (إمانوي‪GG G‬ل) (‪ ،)Kant‬فيلس‪GG G‬وف أملاين‪ُ ،‬ولد يف "كونيغس‪GG G‬ربغ" ع ‪GG‬ام ‪ 1724‬م‪ .‬ومن فلس ‪GG‬فته أنّه وضع العقل يف ص‪GG G‬لب الوج ‪GG‬ود‬
‫وحموره‪ ،‬كما وضع "كوبرني ‪GG‬ك" الش ‪GG‬مس وسط النظ ‪GG‬ام الفلكي‪ .‬والعقل‪ G‬عند "كان ‪GG‬ط" يفعل يف اإلط ‪GG‬ار النظ ‪GG‬ري والعملي‪ G‬واألخالقي‪ .‬وقد‬
‫ت ‪GG G‬ويف ع‪GG G G‬ام ‪ 1804‬م‪ .‬ومن مؤلّفاته ن‪GG G G‬ذكر‪" :‬نقد العقل العملي" و "نقد احلكم" و "أسس ما ورائيّة األخالق"‪ .‬عجيل(ل‪GG G G‬ويس)وآخ‪GG G G‬رون‪،‬‬
‫المنجد في األعالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.455 .‬‬
‫‪ 289‬دوركهامي (إمي‪G‬ل) (‪ :)Durkheim‬ع‪G‬امل اجتم‪G‬اعي فرنس‪G‬ي‪ ،‬ولد ع‪G‬ام ‪ 1858‬م‪ ،‬ق‪G‬ال إ ّن اجملتمع هو مص‪GG‬در األح‪GG‬داث األدبيّة والدينيّ‪GG‬ة‪ ،‬من‬
‫مؤلّفات ‪GG‬ه‪" :‬يف تقس ‪GG‬يم العمل االجتم ‪GG‬اعي"‪ ،‬وقد ت ‪GG‬ويف ع ‪GG‬ام ‪ 1917‬م‪ .‬عجيل (ل ‪GG‬ويس) وآخ ‪GG‬رون‪ ،‬المنجد في األعالم‪ ،‬مرجع س ‪GG‬ابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.248‬‬
‫‪-‬وعرفه "شيشرون"(‪ 290)Cicéron‬بأنّه‪ :‬الرباط الذين يصل اإلنسان‪ G‬باهلل‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وما جيمع ه ‪GG‬ذه التع ‪G‬اريف أهّن ا تق ‪Gّ G‬ر ب ‪GG‬أ ّ‪G‬ن ال ‪ّ G‬دين له عالقة مبا يص ‪GG‬در عن اهلل‪ ،‬س ‪GG‬واء أك ‪GG‬ان ذلك بالتص ‪GG‬ريح‪ ،‬أم‬
‫ب‪GG‬التعبري عنها بص‪GG‬فة "التق‪GG‬ديس"‪ ،‬وس‪GG‬واء أك‪GG‬ان ذلك الص‪GG‬دور عن اهلل حقيقة أم ّادع‪GG‬اءً‪ .‬كما يالحظ أهّن ا تق‪Gّ G‬ر‬
‫بأ ّن ال ّدين يشمل االعتقادات (اجلانب النظري)‪ ،‬واألعمال (اجلانب التطبيقي)‪G.‬‬
‫‪-3‬لفظ "ال ّدين"( في القرآن الكريم‪:291‬‬
‫وإما‬
‫إذا تتّبعنا كلمة "ال ّدين" يف القرآن الكرمي‪ ،‬فإنّنا جندها ّإما أضيفت إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ّ ،‬‬
‫إىل البشـر‪ ،‬وإذا أض ‪GG G‬يفت إىل البشـر‪ ،‬فقد يك ‪GG G‬ون‪ G‬ه ‪GG G‬ؤالء ال ‪GG G‬ذين أض ‪GG G‬يفت إليهم من املسلمـني‪ ،‬أو من أهل‬
‫الكتاب (اليهود أو النصارى)‪ ،‬أو من املشركني‪ .‬وفيما يأيت بيان لذلك‪:‬‬
‫أ‪-‬إضافة "ال ّدين" إلى اهلل تعالى‪ :‬وجند ذلك يف هذه النص‪GG‬وص القرآنيّ‪GG‬ة‪ ،‬واليت منهـا قوله‪ : ‬أَفَ َغ ْي َر‬
‫ين هَّللا ِ يَبْغُ ونَ ‪ ،292‬وقوله‪ : ‬والتأْ ُخ ْذ ُك ْم بِ ِه َما َر ْأفَ ةٌ فِي ِدي ِن هَّللا ِ‪ 293‬وهنا تت ‪GG G‬واىل على "دين اهلل"‬
‫ِد ِ‬
‫احلق‪ ،‬كما يف قوله ‪ : ‬هُ َو الَّ ِذي أَرْ َس َل َرسُولَهُ بِ ْالهُدَى َو ِدي ِن ْال َح ِّق‪،294‬‬ ‫أوصاف كث ‪GG‬رية منه ‪GG‬ا‪ :‬أنّه دين ّ‬
‫ِّين ْالقَيِّ ُم ‪ ، ‬وأنّه ال‪ّ G G‬دين اخلالـص‪ ،‬كمـا يف قولـه‪: ‬أَالَ هَّلِل ِ‬
‫‪295‬‬
‫وأنّه ال‪ّ G G‬دين القيّم كما يف قوله ‪َ  :‬ذلِكَ الد ُ‬
‫ين ْالقَيِّ َم ِة‪.297‬‬ ‫ِّين ْالخَ الِصُ ‪ ‬وأنه دين القيّمة‪ ،‬كما يف قوله ‪َ : ‬و َذلِ َ‬
‫‪296‬‬
‫ك ِد ُ‬ ‫الد ُ‬
‫ب‪-‬إضافة الدّين إلى البشر‪ :‬وهنا قد يض اف إلى المسلمـين‪ ،‬كمـا في قول ه ‪َ :‬وإِ ْن نَّ َكثُوا أَ ْي َمانَهُ ْم ِّم ْن بَ ْع ِد َع ْه ِد ِه ْم‬
‫ر إِنَّهُ ْم الَ أَ ْي َمانَ لَهُ ْم لَ َعلَّهُ ْم يَنتَهُونَ ‪.298‬‬
‫َوطَ َعنُوا فِي ِدينِ ُك ْم فَقَاتِلُوا أَئ ّمةَ ْال ُك ْف ِ‬
‫‪.‬‬ ‫فالضمير في قوله‪ « :‬دينكم‪ » ‬يعود على المؤمنين من أ ّمة مح ّمد ‪‬‬
‫–‪ 43‬ق‪ .‬م‪ ،‬وهو أكرب خطيب وك‪GG‬اتب ومف ّكر عرفته "روم‪GG‬ا"‪ ،‬تع‪GG‬اطى السياس‪GG‬ة‪،‬‬ ‫‪106‬‬ ‫شيش‪GG‬رون أو قيق‪GG‬رون (‪ :)Cicéron‬ع‪GG‬اش ما بني‬ ‫‪290‬‬

‫من أشهر مؤلّفاته وكتبه‪" :‬يف الدولة"‪" ،‬يف الشيخوخة" ‪" ،‬يف الشرائع"‪ .‬عجيل (لويس) وآخرون‪ ، ،‬املرجـع السابق‪ ،‬ص‪.341 .‬‬
‫‪19‬‬ ‫انظ‪GG‬ر‪ :‬المس((ير (حممد س‪GG‬يّد أمحد)‪ ،‬المدخـل لدراسـة األدي((ان‪ ،‬دار الطباعة ّ‬
‫احملمدي‪GG‬ة‪ ،‬الق‪GG‬اهرة‪ ،‬ط‪ 1415 ،1 .‬هـ‪ 1994 -‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪291‬‬

‫وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 292‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.83 :‬‬
‫‪ 293‬سورة النور‪ ،‬اآلية‪.2 :‬‬

‫‪ 294‬سورة الصف‪ ،‬اآلية‪.9 :‬‬


‫‪ 295‬سورة الروم‪ ،‬اآلية‪.30 :‬‬
‫‪ 296‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية‪.3 :‬‬
‫‪ 297‬سورة البيّنة‪ ،‬اآلية‪.5 :‬‬
‫‪ 298‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.12 :‬‬
‫وقد يضاف "ال ّدين" في القرآن الكريم إلى النصارى‪ ،‬كما قوله ‪: ‬يَا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬
‫ب الَ تَ ْغلُ وا فِي ِدينِ ُك ْم َوالَ تَقُولُ وا َعلَى‬
‫هَّللا ِ إِالَّ ْال َح َّق إِنَّ َما ْال َم ِسي ُح ِعي َسى اب ُْن َمرْ يَ َم َرسُو ُل هَّللا ِ َو َكلِ َمتُهُ ‪ ، 299 ‬كم ا ق د يض اف إلى اليه ود‪ ،‬مث ل قول ه ‪:‬‬
‫‪َ ‬والَ تُ ْؤ ِمنُوا إِالَّ لِ َم ْن تَبِ َ‬
‫ع ِدينَ ُك ْم‪ ،300‬فهذا الكالم صادر من اليهود‪.‬‬

‫ن ‪ ،301‬فـ "دينكم" المقصود بها هو دين المشركين‬


‫ِدي ِ‬ ‫‪‬لَ ُك ْم ِدينُ ُك ْم َولِ َي‬ ‫وقد يضـاف "ال ّدين" إلى المشركين‪ ،‬كما في قولـه ‪: ‬‬

‫من كفّار قريش‪ .‬كما أضيفت كلمة "ال ّدين" في القرآن الكريم إلى قوم فرعون‪ ،‬وذلك في قوله ‪َ : ‬وقَا َل فِرْ عَوْ ُن َذرُونِي أَ ْقتُ لْ‬
‫ض ْالفَ َ‬ ‫َاف أَن يُبَد َِّل ِدينَ ُك ْم َو أَ ْن ي ْ‬
‫سا َد‪.302‬‬ ‫ُظ ِه َر فِي األَرْ ِ‬ ‫ع َربَّهُ إِنِّي أَخ ُ‬
‫ُمو َسى َو ْليَ ْد ُ‬
‫أن "ال ّدين" المضاف إلى البشر قد يكون حقًا‪ ،‬وقد يكون باطالً‪.‬‬
‫ومن خالل هذه اآليات يتبيّن لنا ّ‬
‫إن ه ذه الكلم ة وردت في الق رآن الك ريم بع ّدة مع ان منه ا‪ :‬الج زاء‪،‬‬
‫وزيادة على هذه اإلضافات المتع ّددة لل ّدين في الق رآن الك ريم‪ ،‬ف ّ‬
‫والخضوع‪ ،‬والطاعة‪ ،‬والشرع‪ ،‬والمعتقد‪ ،‬والملّة‪ ،‬واإليمان‪ ،‬والشريعة‪ ،‬والقضاء‪ ،‬والحكم‪ ،‬والمل ك‪ ،‬والمعتق دات‪ ،‬وأعم ال الج وارح‪،‬‬
‫وتوحيد هللا‪ ،‬والحساب‪ ،‬والسلطان‪.303‬‬

‫وتنوع الشرائع‬
‫الحق ّ‬
‫المطلب الثاني‪ :‬وحدة الدّين ّ‬

‫وأن جميع األنبياء والرسل ق د ج اءوا به ذا ال ّدين؛ وذل ك ألنّ ه م ا دام مص دره‬
‫أن ال ّدين عند هللا هو "اإلسالم"‪ّ ،‬‬
‫يبيّن القرآن الكريم ّ‬
‫واح د‪ ،‬وه و "هللا" تب ارك وتع الى‪ ،‬فال يمكن أن يك ون في ه اختالف؛ وإنّم ا الش يء ال ذي يق ّر الق رآن بتع ّدده وتنوّع ه ه و "الش رائع‬
‫‪:‬لِ ُك ٍّل َج َع ْلنَا ِم ْن ُك ْم ِش رْ َعةً‬ ‫والمناهج" وذلك بتع ّدد الرسل والرساالت والكتب‪ ،‬وتع ّدد األمم وتوالي األجيال المختلفة‪ .‬يق ول ‪‬‬

‫‪َ :‬و َمن يَّ ْبت َِغ َغ ْي َر ا ِ ِْ‬


‫ْإل ْس الَ ِم ِدينًا فَلَن يُّ ْقبَ َل‬ ‫سالَ ُم‪ ،305‬ويق ول ‪‬‬ ‫ِ ِْ‬
‫اْإل ْ‬ ‫َو ِم ْنهَاجًا‪ ،304‬ويقول ‪: ‬إِ َّن ال ِّدينَ ِع ْن َد هَّللا ِ‬
‫رينَ ‪.306‬‬ ‫ِم ْنهُ َوهُ َو فِي ْ‬
‫اآل ِخ َر ِة ِمن َْالخَ ِ‬
‫اس ِ‬
‫‪ ،‬حيث يق ول ‪:‬‬ ‫‪307‬‬
‫أن بداية البشريّة كانت باأل ّمة الواحدة‪ ،‬أي «‪ ‬الملّة المتّحدة في العقائد وأصول الشرائع‪» ‬‬
‫ولقد صرّح القرآن الكريم ّ‬
‫اح َدةً‪ ،308‬وبعد ذلك تلت مرحلة التع ّدد في الشرائع في إط ار وح دة ال ّدين‪ ،‬وذل ك ليحكم هللا‪ -‬من خالل الكتب‬
‫َو ِ‬ ‫‪َ ‬كانَ النَّاسُ أُ َّمةً‬

‫سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.171 :‬‬ ‫‪299‬‬

‫سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.73 :‬‬ ‫‪300‬‬

‫سورة الكافرون‪ ،‬اآلية‪.6 :‬‬ ‫‪301‬‬

‫سورة غافر‪ ،‬اآلية‪.26 :‬‬ ‫‪302‬‬

‫‪ 303‬انظر يف هذه املعاين وآياهتا‪ :‬زيـدان (عبد الكرمي)‪ ،‬موجز األديان في القرآن الكريم‪ ،‬مؤسسة الرسالـة‪ ،‬ب‪G‬ريوت‪ ،‬ط‪ 1418 ،1 .‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1998‬م‪ ،‬ص‪ 10 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 304‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.48 :‬‬
‫‪ 305‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.19 :‬‬
‫‪ 306‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.85 :‬‬
‫عبده (حممد)‪ ،‬األعمال الكاملة‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد عمارة‪ ،‬طبعة القاهرة‪ 1993 ،‬م‪ ،‬جـ‪ ،4 .‬ص‪.251 .‬‬ ‫‪307‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.213 :‬‬ ‫‪308‬‬


‫‪ ،‬حيث يق ول‪:‬‬ ‫‪309‬‬
‫المتع ّددة بالشرائع المتعـ ّددة –بين األمم المتع ّددة فيما اختلفت في ه ه ذه األمم‪ ،‬واالختالف هن ا ط بيعي وغ ير م ذموم‬
‫فِي ِه‪. ‬‬
‫‪310‬‬
‫اختَلَفُوا‬
‫اس فِي َما ْ‬ ‫َاب بِ ْال َح ِّ‬
‫ق لِيَحْ ُك َم بَ ْينَ النَّ ِ‬ ‫ث هَّللا ُ النَّبِيِّينَ ُمبَ ِّش ِرينَ َو ُمن ِذ ِرينَ َوأَن َز َل َم َعهُ ُم ْال ِكت َ‬
‫‪‬فَبَ َع َ‬
‫وهذا هو االختالف في الشرائع‪ ،‬وقد جاءت "فاء العطف" في عبارة "فبعث"‪ ،‬لتجعل مرحلة التع ّدديّة هذه‪ ،‬تالية لمرحلة األ ّمة أو الملّة‬
‫الواحدة؛ فاختالف الشرائع هو تن ّوع طبيعي في إطار جامع ال ّدين الواحد‪.311‬‬
‫وهذه الحقيقة قد أجمع عليها المسلمون‪ ،‬بل وجعلوها بابًا من أبواب أصول االعتق اد اإلس المي‪ ،‬حيث نج د "ول ّي هللا ال دهلوي"‪312‬يعق د‬
‫أن أص ل‬ ‫أن أصل ال ّدين واحد والشرائع والمن اهج مختلف ة"‪ ،‬وي ذكر في ه ّ‬
‫لذلك بابًا في كتابه "ح ّجة هللا البالغة"‪ ،‬ويقول فيه‪" :‬باب بيان ّ‬
‫ال ّدين واحـد‪ ،‬اتّفـق عليه األنبياء –عليهم السالم‪ -‬وإنّما االختالف في الشرائع والمناهج" ‪.‬‬
‫‪313‬‬

‫وفي اختالف الشرائع والمناهج وتع ّددها يكون التفاضل والتمايز بين النـّاس‪ ،‬ويتحقّق االختيار واالبتالء‪ ،‬ويكون هناك تن افس وتس ابق‬
‫بين الذين اختلفوا في اختياراتهم‪.‬‬
‫ولقد أشار المفسّرون إلى هذه الحقيقة عندما قالوا‪ « :‬ولو شاء هللا لجعلكم جماعة متّفقة ذات مشارب واحدة‪ ،‬ال تختلف من اهج إرش ادها‬
‫في جميع العصور‪ ،‬ولكنّه جعلكم هكذا ليختبركم فيما آتاكم من الش رائع‪ ،‬ليت بيّن المطي ع والعاص ي‪ ،‬ف انتهزوا الف رص‪ ،‬وس ارعوا إلى‬
‫فإن رجوعكم جميعا ً سيكون إلى هللا وحده‪ ،‬فيخبركم بحقيقة ما كنتم تختلفون فيه‪ ،‬ويجازي كالً منكم بعمله‪.314» ‬‬
‫عمل الخيرات‪ّ ،‬‬

‫وتختلف وتتنوّع "المناسك" –أي القربات التي يتقرّب به ا إلى هللا‪ -‬ب اختالف الش رائع والمن اهج‪ ،315‬وفي ه ذا يق ول‪: ‬وَلِ ُكلِّ أُ َّم ٍة‬
‫اس م هَّللا َعلَى ما َرزَ قَهُ ْم م ْن بَهيم ة َْ‬
‫اْألَ ْن َع ِام فَ إِلَهُ ُك ْم إِلَ هٌ َوا ِح ٌد فَلَ هُ أَ ْس لِ ُموا َوبَ ِّش ِر‬ ‫ِّ ِ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َج َع ْلنَا َم ْن َس ًكا لِّيَ ْذ ُكرُوا ْ َ ِ‬
‫ك‬ ‫ك إِنَّ َ‬ ‫ك فِي األَ ْم ِر َوا ْد ُ‬
‫ع إِلَى َربِّ َ‬ ‫َاز ُعنَّ َ‬
‫َاس ُكوهُ فَالَ يُن ِ‬ ‫أيض ا‪ :‬لِ ُكلِّ أُ َّم ٍة َج َع ْلنَا َمن َس ًكا هُ ْم ن ِ‬
‫خبِتِينَ ‪ ،316‬ويقول ً‬ ‫ْال ُم ْ‬
‫لَ َعلَى هُدًى ُّم ْستَقِ ٍ‬
‫يم‪.317‬‬
‫وإن الذي يتع ّدد ويتنوّع إنّما هي الش رائع والمن اهج‪ ،‬ومن‬
‫إن ال ّدين عند هللا واحد‪ ،‬وهو "اإلسالم"‪ّ ،‬‬
‫إذن‪ ،‬فمن خالل ما سبق ذكره نقول ّ‬
‫خالل اختالف وتنوّع هذه األخيرة (أي الشرائع والمناهج) تتن ّوع المناسك والقربات التي يُتقرَّب بها إلى هللا‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تعدّد األديان واختالفها‬

‫عمارة (حممد)‪ ،‬اإلسالم والتع ّدديّة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24 .‬‬ ‫‪309‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.213 :‬‬ ‫‪310‬‬

‫‪ 311‬عمارة (حممد)‪ ،‬اإلسالم والتع ّددية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25-24 .‬‬


‫‪ 312‬هو أمحد بن عبد ال‪GG‬رحيم الف‪GG‬اروقي ال‪GG‬دهلوي اهلن‪GG‬دي‪ ،‬أبو عبد العزي‪GG‬ز‪ ،‬املل ّقب ش‪GG‬اه ويل اهلل‪ ،‬فقيه حنفي من املح‪ّ G‬دثني‪ ،‬من أهل دهلي‬
‫باهلند‪ ،‬وقد ولد عام ‪ 1110‬هـ‪ 1699 -‬م‪ ،‬وزار احلج‪G‬از س‪G‬نة ‪ 1143‬هـ‪ 1145 -‬هـ وقد ت‪G‬ويف ع‪G‬ام ‪ 1176‬هـ‪ 1762 -‬م‪ ،‬وقيل يف وفات‪G‬ه‪1179 :‬‬

‫مهم‪G‬ات اإلس‪GG‬ناد و"اإلنص‪GG‬اف يف أس‪GG‬باب اخلالف"‪،‬‬


‫"حجة اهلل البالغ‪GG‬ة" و "اإلرش‪GG‬اد إىل ّ‪G‬‬
‫هـ‪ .‬من كتب‪GG‬ه‪" :‬الف‪GG‬وز‪ G‬الكبري يف أص‪GG‬ول التفس‪GG‬ري" و ّ‬
‫وغريها ‪ .‬الزركلي (خري ال ّدين)‪ ،‬األعالم‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص‪.149 .‬‬
‫‪ 313‬الدهلوي (أمحد بن عبد الرحيم)‪ ،‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬حتقيق ومراجعة‪ :‬السيّد سابق‪ ،‬دار الكتب احلديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ومكتبة املثىن ببغداد‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.182 .‬‬
‫‪ 314‬المنتخب في تفس ((ير الق ((رآن‪ ،‬وزارة األوق ‪GG‬اف –المجلس األعلى للش ((ؤون اإلس ((المية‪ -‬مجهورية مصر العربي ‪GG‬ة‪ ،‬الق ‪GG‬اهرة‪ ،‬ط‪،19 .‬‬
‫‪ 1421‬هـ‪ 2000 -‬م‪ ،‬ص‪.155 .‬‬
‫عمارة (حممد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.66 .‬‬ ‫‪315‬‬

‫سورة احلج‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬ ‫‪316‬‬

‫سورة احلج‪ ،‬اآلية‪.67 :‬‬ ‫‪317‬‬


‫أن اإلسالم قد نسخ جميع الرساالت السابقة‪ ،‬وجعل االعتقاد بها باطالً وغير مقب ول عن د هللا‪ ،‬وذل ك بنصّ الق رآن‬ ‫على الرّغم من ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكريم‪ ،‬ولكون دعوة نب ّي اإلسالم جاءت للناس كافة؛ حيث أصبح من غير الجائز أن يكون للبشر عدة أديان يدينون بها‪ ،‬بل دين واحد‪،‬‬
‫وربّ واحد‪ ،‬ونب ّي واحد‪ ،‬ومن ال يدين بدين اإلسالم يُ َع ُّد كافرًا‪.‬‬
‫أن أعدادًا كثيرة من البشر ال تزال تص ّر ‪-‬حتى في زماننا هذا‪ -‬على اتّب اع م ا ي دين ب ه آب اؤهم وأج دادهم‪ ،‬تقلي دًا لهم بغ ير علم وال‬ ‫إالّ ّ‬
‫هدى‪.‬‬
‫ومن هذه الديانات تلك التي كانت في األصل ديانات سماويّة صحيحة مـنـ ّزلة من عند هللا‪ ،‬لكن بمرور الزمن ُحرّفت و ُغيّرت‪ ،‬ولكن ال‬
‫يزال أصحابها متمسّكين بها‪ ،‬ويجتهدون في الزيادة والنقصان فيها‪ ،‬وذلك كاليهودية والنصرانية‪ ،‬والتي رغم تحريفها إالّ أنّ ه ال ي زال‬

‫أحكاما ً وحقوقا ً‪.318‬‬ ‫يُتعبّد بها ويعتقدها أناس كثيرون‪ ،‬ولقد اعترف اإلسالم بوجود هذه األديان وأق ّر ألصحابها منذ عهد النب ّي ‪‬‬
‫ولقد تح ّدث القرآن الكريم عن تع ّدد الديانات‪ ،‬وأثبت ذكر أه ّم الديانات السماوية والوثنيّة‪ ،‬معتبرًا ذلك التع ّدد واالختالف ظاهرة طبيعيّ ة‬
‫ألن هللا منح اإلنسان حريّة االختيار‪ ،‬وأودع في نفسه ن وازع الخ ير والش رّ‪ ،‬أ ّم ا الحس م والفص ل في أتب اع ه ذه‬ ‫في هذه الحياة‪ ،‬وذلك ّ‬

‫ارى‬
‫ص َ‬ ‫الديانات‪ ،‬فهو مؤ ّجل إلى ما بعد الحياة ال دنيا‪ ،319‬يق ول ‪ : ‬إِ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا َوالَّ ِذينَ هَا ُدوا َو َّ‬
‫الص ابِئِينَ َوالنَّ َ‬
‫ص ُل بَ ْينَهُ ْم يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة إِ َّن هَّللا َ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء َ‬
‫ش ِهي ٌد‪.320‬‬ ‫ُوس َوالَّ ِذينَ أَ ْش َر ُكوا إِ َّن هَّللا َ يَ ْف ِ‬
‫َو ْال َمج َ‬
‫فهنا في هذه اآلية‪ ،‬ذكر هللا سبحانه وتعالى أتباع ّ‬
‫ست ديانات كانت معروفة وسائدة‪ ،‬وهم المسلمون «‪ ‬ال ذين آمن وا‪ ،» ‬اليه ود «‪ ‬ال ذين‬
‫هادوا‪ ،» ‬والصابئة‪ ،‬والمسيحيون «‪ ‬النصارى‪ ،» ‬والمجوس‪ ،‬والمشركون‪.‬‬
‫ومن خالل التأ ّم ل في ج وهر المع نى الق رآني في ه ذا المج ال‪ ،‬وض من الس ياق الموض وعي نالح ظ ّ‬
‫أن الق رآن الك ريم يق ّر بحقيق ة‬
‫االختالف الديني بين البشر‪.‬‬

‫اس أُ َّمةً َوا ِح َدةً َوالَ يَزَالُ ونَ‬


‫ك لَ َج َع َل النَّ َ‬‫ه ذا وق د ش اء هللا أالّ يك ون النّ اس أ ّم ة واح دة‪ ،‬حيث يقـول‪َ : ‬ولَوْ َشا َء َربُّ َ‬
‫اس أَجْ َم ِعينَ ‪321‬؛‬ ‫َ َ‬
‫ت َكلِ َم ةُ َربِّكَ أل ْمأل َّن َجهَنَّ َم ِمنَ ال ِجنَّ ِة َوالنَّ ِ‬ ‫ُم ْختَلِفِينَ إِالَّ َمن ر ِ‬
‫َّح َم َربُّكَ َولِ َذلِكَ َخلَقَهُ ْم َوتَ َّم ْ‬
‫فكان من مقتضى هذا أن يكونوا مختلفين‪ ،‬وأن يبلغ هذا االختالف أن يك ون في أص ول العقي دة – إالّ ال ذين أدركتهم رحم ة هللا‪ -‬ال ذين‬
‫ق ال يتع ّدد‪ ،‬فاتّفقوا عليه‪ ،‬وهذا ال ينفي أنّهم مختلفون مع أهل الضالل‪.322‬‬
‫ق‪ ،‬والح ّ‬
‫اهتدوا إلى الح ّ‬
‫أن هللا سبحانه وتعالى قد فطر النّاس على معرفت ه وتوحي ده‪ ،‬وس وّى النفس اإلنس انية‪ ،‬فألهمه ا فجوره ا وتقواه ا‪،‬‬
‫هذا على الرّغم من ّ‬
‫وال ّدين هو الفطرة التي فطر النّاس عليه ا‪ ،‬ال تب ديل لخل ق هللا‪ ،‬ول ذلك نس ب هللا س بحانه وتع الى االختالف في ال ّدين في مواض ع من‬
‫كالمه إلى بغي المختلفين فيه وظلمهم‪ ،323‬حيث يقول ‪ ‬في كتابه‪ :‬فَ َما ْ‬
‫اختَلَفُوا إِالَّ ِمن بَ ْع ِد َما َج ا َءهُ ُم ْال ِع ْل ُم بَ ْغيًا بَ ْينَهُ ْم‬
‫ضي بَ ْينَهُ ْم يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة فِي َما َكانُوا فِي ِه يَ ْ‬
‫ختَلِفُونَ ‪.324‬‬ ‫ك يَ ْق ِ‬
‫إِ َّن َربَّ َ‬
‫ق‪ ،‬إالّ أنّه ُمقَ ّر به‪ ،‬و ُمعت َرف بوج وده؛ ل ذا الب ّد‬
‫فاالختالف الديني‪ ،‬وإن كان ناتجًا عن ضالل كثير من النّاس‪ ،‬وعدم إدراكهم لل ّدين الحـ ّ‬
‫من التعامل مع هذا الواقع بالعدل‪ ،‬واالحترام المتبادل‪.325‬‬
‫الفرحان (راشد عبد اهلل)‪ ،‬األديان المعاصرة(‪ ،‬دار الكتب الوطنية‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ط‪ 1406 ،2 .‬هـ‪ 1985 -‬م‪ ،‬ص‪.5.‬‬ ‫‪318‬‬

‫التنوع والتعايش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.36 .‬‬


‫الصفار (حسن)‪ّ ،‬‬
‫‪319‬‬

‫سورة احلج‪ ،‬اآلية‪.17 :‬‬ ‫‪320‬‬

‫سورة هود‪ ،‬اآلية‪ 118 :‬و‪.119‬‬ ‫‪321‬‬

‫قطب (سيّد)‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬اجمللّد الرابع‪ ،‬جـ‪ ،12 .‬ص‪.1933 .‬‬ ‫‪322‬‬

‫(السيد حممد حسني)‪ ،‬الميزان في تفسير القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،11.‬ص‪.63-62 .‬‬
‫الطباطبائي ّ‬
‫‪323‬‬

‫سورة اجلاثية‪ ،‬اآلية‪.17 :‬‬ ‫‪324‬‬

‫وهلذا جند أ ّن األديان الس‪G‬ماوية الثالثة قد تعايشت يف عهد الرس‪GG‬ول‪ ‬ويف عهد أيب بكر الص‪G‬ديق‪ ‬يف ش‪G‬به اجلزي‪G‬رة العربيّة وخارجه‪GG‬ا‪،‬‬ ‫‪325‬‬

‫وإذا ك‪GG‬ان الرس‪GG‬ول‪ ‬قد أخ‪GG‬رج بعض اليه‪GG‬ود وق‪GG‬اتلهم‪ ،‬وقضى على بعض‪GG‬هم‪ ،‬فلم يكن ذلك بس‪GG‬بب مت ّس ‪G‬كهم ب‪GG‬دينهم ورفض‪GG‬هم‪ G‬اإلس‪GG‬الم‪،‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬االختالف الديني وضماناته‬

‫االختالف الديني حقيقة واقعة‪ ،‬لذا الب ّد من حسن التعامل مع هذه الظاهرة‪ ،‬بما يتالءم مع كرامة اإلنسان‪ ،‬وضرورة احترام‬
‫المخالفين في األفكار والعقائد‪.‬‬
‫صت الشرائع السماويّة‪-‬والسيّما اإلس الم‪ -‬والق وانين الوض عيّة على ض رورة اح ترام حريّ ة االعتق اد‪ ،‬والتعام ل م ع أتب اع‬
‫وقد ن ّ‬
‫الديانات المختلفة بعدل وإنصاف‪ ،‬وكفالة حقوقهم وحرياتهم‪ ،‬والتع ايش بين األدي ان المختلف ة؛ ه ذا م ع تس جيل بعض االختالف ات في‬
‫درجة مراعاة حقوق المخالفين في ال ّدين‪ ،‬وضمان حرياتهم‪ ،‬واحترام خصوصياتهم‪ ،‬بين شريعة وأخرى ونظام وآخر‪.‬‬
‫وفيما يأتي نتناول –بإذن هللا تعالى‪ -‬هذه الضمانات لالختالف الديني‪ ،‬ومدى تجسيدها في الواقع العملي‪:‬‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬الحرية الدينية (حرية‪ E‬االعتقاد)‬
‫‪326‬‬
‫أ ّوال‪ :‬المقصود بالحرية الدينية أو حرية االعتقاد‬
‫ق اإلنسان في اختيار عقيدته الدينية‪ ،‬فال يكون لغيره من النّاس سلطان فيما يعتقده‪ ،‬بل له أن يعتقد ما يشـاء‪ ،‬وله أالّ‬
‫*هي عبارة عن ح ّ‬
‫يعتقد في شيء أصالً‪ ،‬وله إذا اعتقد في شيء أن يرجـع عن اعتقـاده‪ ،‬وله أن يدعو من يشاء إلى اعتقـاد ما يعتقده‪ ،‬في حدود م ا تبيح ه‬
‫حريّة االعتقـاد‪ ،‬من الدعوة إلى ما يعتقده بالتي هي أحسن‪.327‬‬
‫ق في اختيار ما يؤ ّدي إليه اجتهاده في ال ّدين‪ ،‬فال يك ون لغ يره ح ّ‬
‫ق إكراه ه على عقي دة معيّن ة‪ ،‬أو على‬ ‫*أو هي أن يكون لإلنسان الح ّ‬
‫‪328‬‬
‫تغيير ما يعتقده بوسيلة من وسائل اإلكراه ‪.‬‬
‫*أو هي حريّة الشخص في أن يعتنق ال ّدين أو المبدأ الذي يريده‪ ،‬وحريّته في ممارسة شعائر ذلك ال ّدين‪ ،‬س واء في الخف اء أو عالنيّ ة‪،‬‬
‫ي دين‪ ،‬وحريّته في أالّ يُفرض عليه دين معيّن‪ ،‬أو أن يجبر على مباش رة المظ اهر الخارجيّ ة‪ ،‬أو االش تراك‬ ‫وحريّته في أالّ يعتقد في أ ّ‬
‫في الطقوس المختلفة لل ّدين‪ ،‬وحـريته في تغيير دينه أو عقيدته‪ ،‬ك ّل ذلك في حدود النظام العام‪ ،‬وحسن اآلداب‪ ،‬ومن ث ّم يكون من غ ير‬
‫الجائز تعطيل أو منع اجتماع ديني ما لم يكن فيه إخالل بالنظام العام‪ ،‬أو منافيًا لآلداب‪.329‬‬
‫ثانيا‪ :‬مسالك حماية حريّة االعتقاد‬
‫لقد كانت الشريعة اإلسالمية عمليّة في إقرارها حريّة االعتقاد‪ ،‬إذ إنّها لم تكتف فق ط ب إعالن ه ذه الحريّ ة‪ ،‬وإنّم ا أق رّت مس لكين ‪-‬أو‬
‫طريقين‪ -‬من أجل حماية حريّة االعتقاد وهما‪:‬‬
‫‪-1‬يتمثّل المسلك األوّل في التزام النّاس احترام ح ّ‬
‫ق الغير في اعتقاد ما يشاء‪ ،‬وفي تركه طبقًا لعقيـدته‪ ،‬فليس ألح د أن يُكـره آخ ر في‬
‫اعتناق عقيدة ما‪ ،‬أو ترك أخرى‪ ،‬ومن كان يعارض آخر في اعتقاده‪ ،‬فليس له إالّ إقناعه بالحسنى‪ ،‬ودون إكراه ‪.‬‬
‫‪330‬‬

‫ولكن ألنّهم نقض ‪GG G‬وا العه ‪GG G‬ود‪ ،‬وخ‪GG G‬انوا املس ‪GG G‬لمني ‪ .‬انظ ‪GG G‬ر‪ :‬الطم( ((اوي (س ‪GG G‬ليمان حمم‪GG G‬د)‪ ،‬عمر بن الخط( ((اب وأصـول السياسة واإلدارة‬
‫الحديثة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1976 ،2.‬م‪ ،‬ص‪.374 .‬‬
‫‪ 326‬هن ‪GG‬اك من ي ‪GG‬رى ب ‪GG‬أن حريّة االعتق ‪GG‬اد ختتلف عن احلريّة الدينية باختصاص ‪GG‬ها مبا هو فك ‪GG‬ر‪ ،‬س ‪GG‬واء أك ‪GG‬ان دين‪G G‬اً أم مل يكن‪ ،‬فبينهما عم ‪GG‬وم‬
‫وخص ‪GG‬وص وجهي‪ ،‬ل ‪GG‬ذلك ف ‪GG‬إ ّن حريّة االعتق ‪GG‬اد ال تش ‪GG‬مل أك ‪GG‬ثر من اإلعالن‪ ،‬فليس من متعلّقاهتا ال ‪GG‬دعوة‪ ،‬وممارسة النش ‪GG‬اطات اليت ت ‪GG‬رتتّب‬
‫جمرد فك‪GG‬ر‪.‬‬
‫على االعتق‪GG‬اد‪ ،‬إذ ت‪GG‬دخل ه‪GG‬ذه األم‪GG‬ور يف احلريّة الدينيّ‪GG‬ة‪ ،‬وبن‪GG‬اءً عليه ف‪GG‬إ ّن حريّة االعتق‪GG‬اد ال ختضع لقي‪GG‬ود النظ‪GG‬ام أو الق‪GG‬انون ألهّن ا ّ‬
‫انظر‪ :‬حللي(عبد الرمحن)‪ ،‬حريّة االعتقـاد في القرآن الكريم‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪-‬بريوت‪ ،‬ط‪2001 ،1.‬م‪ ،‬ص‪.183 .‬‬
‫‪ 327‬الصعيدي (عبد املتعال)‪ ،‬حريّة الفكر في اإلسالم‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،2 .‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.7 .‬‬
‫‪ 328‬س((عيد (ص‪GG‬بحي عب‪GG‬ده)‪ ،‬الس((لطة والحرية في النظـام اإلس((المي (دراسة مقارن‪GG‬ة)‪ ،‬دار الفـكر الع‪GG‬ريب‪ ،‬الق‪GG‬اهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1982 ،‬م‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.135‬‬
‫‪ 329‬بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.423-422 .‬‬
‫ال َغ ِّ‬
‫ي‪.331‬‬ ‫إذ ال إكراه في ال ّدين‪ ،‬حيث يقول‪:‬الَ إِ ْك َراهَ فِي الدِّي ِن قَ ْد تَّبَيَّنَ الرُّ ْش ُد ِم ْن‬

‫‪-2‬ويتمثّل المسلك الثاني من مسالك حماية حريّة االعتقاد‪ ،‬في إلـزام صاحب العقيـدة نفسه أن يعم ل على حماي ة عقيدت ه‪ ،‬وأن ال يق ف‬
‫موقفًا سلبيًّا‪ ،‬فإذا عجز عن حماية نفسه تحتّم عليه هجر البلدة التي ال تُحترم فيها عقيدته إلى بلد آخ ر يح ترم أهل ه العقي دة‪ ،‬ويمكن في ه‬
‫إعالن ما يعتقد‪.332‬‬
‫فعلى اإلنسان أالّ يجعل ألحد السيطرة عليه في اعتقاده‪ ،‬وعليه أن يكافح من أجل حماية اعتقاده‪ ،‬ولو بهجران الديار إن قدر على ذل ك‪،‬‬
‫وإن لم يقدر فال يكلّف هللا نفسًا إالّ وسعها‪ .‬يقول تعالى حاثًا المؤمنين على التمسّك بعقيدتهم‪ ،‬وع دم طاع ة من يري د التخلّي عنه ا‪ ،‬ول و‬
‫اح ْبهُ َما فِي‬
‫ص ِ‬‫ك بِ ِه ِع ْل ٌم فَالَ تُ ِط ْعهُ َما َو َ‬ ‫ك عَلى أَ ْن تُ ْش ِركَ بِي َما لَي َ‬
‫ْس لَ َ‬ ‫كان األم ر من الوال دين‪َ  :‬و ْ‬
‫إن َجاهَدَا َ‬
‫ال ُّد ْنيَا َم ْعرُوفًا‪.333‬‬

‫ثالثا‪ :‬حريّة االعتقاد في اإلسالم من خالل النصوص الشرعية والسوابق التاريخية‬


‫لقد أق ّر اإلسالم منذ ظهوره حريّة االعتقاد‪ ،334‬وأعطى ضمانات لذلك‪ ،‬وأوضح مسالك عمليّة لحمايتها؛ فنجد مصادر هذه الحريّة‬
‫في نصوص الوحي‪ ،‬كتابًا وسنّة‪ ،‬كما نجد تجسيدًا لها في الواقع‪ ،‬خالل عصور اإلسالم المختلفة‪ ،‬والذي يعتبر تطبيقًا لنصوص الشرع‬
‫التي تق ّر بهذه الحريّة وتحميها‪.‬‬
‫وفيما يأتي نتعرّض إلى مصادر ه ذه الحريّ ة‪ ،‬من خالل نص وص الكت اب والس نّة‪ ،‬والس وابق التاريخيّ ة ال تي ح دثت في عص ور‬
‫اإلسالم المزدهرة والمحتكمة إلى كتاب ربّها‪.‬‬
‫‪ -1‬القرآن الكريم‪ :‬لقد وردت نصوص كثيرة من القرآن الكريم إلرساء حريّة االعتقاد‪ ،‬وإقرارها‪ ،‬نتعرّض إلى بعضها فيما يأتي‪:‬‬

‫عودة (عبد القادر)‪ ،‬التشريـع الجنائي اإلسالمي( مقارنًا بالقانون الوضعي‪ ،‬مؤسسة الرسـالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1405 ،6 .‬هـ‪1985-‬م‪ ،‬جـ‪.‬‬ ‫‪330‬‬

‫‪ ،1‬ص‪ .31 .‬وسعيد (صبحي عبده)‪ ،‬السلطة والحرية في النظام اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.137 .‬‬
‫‪ 331‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.256 :‬‬
‫‪ 332‬عودة (عبد القادر)‪ ،‬التشريـع الجنائي اإلسالمي( مقارنًا بالقانون الوضعي(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.32 .‬‬
‫‪ 333‬سورة لقمان‪ ،‬اآلية‪.15 :‬‬
‫‪G‬ليما من‬‫وكان اإلسالم ّأول من أعلن حريّة االعتقاد‪ ،‬وعمل على صيانتها ومحايتها‪ ،‬وجعل األساس يف االعتقاد أن يكون االختيار س‪ً G‬‬
‫‪334‬‬

‫غري ض‪GG G‬غط أو إغ‪GG G‬راء‪ ،‬وهي مق‪Gّ G G‬ررة للمس ‪GG G‬لمني وغ‪GG G‬ريهم‪ ،‬ما دام األمر يف القلب‪ ،‬دون حت ّد أو حماربة أو تش‪GG G‬هري‪ ،‬أو نقض الل‪GG G‬تزام التزم ‪G G‬ه‬
‫املس‪GG‬لم‪ ،‬وغري املس‪GG‬لم يف البالد اإلس‪GG‬المية أو غريها ح‪Gّ G‬ر يف البق‪GG‬اء على دينه ومذهبه وعقيدت‪GG‬ه‪ ،‬كما له احلريّة التامة يف ال‪GG‬دخول إىل اإلس‪GG‬الم‬
‫بقناعة واختيار‪ .‬انظر‪ :‬الزحيلي (وهبة)‪ ،‬ح ّق الحريّة في اإلسالم‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ 1421 ،1 .‬هـ ‪ 2000 -‬م‪ ،‬ص‪.138 .‬‬
‫ت ويُ ْؤ ِم ْن بِاهَّلل ِ فَقَ ِد ا ْستَ ْم َس َ‬
‫ك‬ ‫أ‪ -‬قوله‪: ‬الَ إِ ْك َراهَ فِي الدِّي ِن قَ ْد تَّبَيَّنَ الرُّ ْش ُد ِم ْن الغ ِّ‬
‫َي فَ َم ْن يَّ ْكفُ رْ بِالطَّا ُغو ِ‬
‫علِي ٌم‪ .335‬فه ذه اآلي ة تعبّ ر ص راحة‪ ،‬وبمنتهى الوض وح عن حريّ ة االعتق اد‪،‬‬ ‫صا َم لَهَا َوهَّللا ُ َس ِمي ٌع َ‬‫بِ ْالعُرْ َو ِة ْال ُو ْثقَى الَ انفِ َ‬
‫والتي كثيرًا ما يُستند إليها كمصدر لهذه الحرية في القرآن الكريم‪.‬‬
‫فهذه اآلية تتض ّمن نفي اإلكـراه‪ ،‬وه و نفي للجنس يس تغرق كافّ ة أنواع ه وأف راده‪ ،‬ومعنـاها‪ :‬ال تكره وا أح دًا على ال دخول في دين‬
‫اإلسـالم؛ فإنّه بيّن واضح‪ ،‬جل ّي دالئله وبراهينه‪ ،‬ال يحتـاج إلى أن يكره أحد على ال ّدخول فيه‪ ،‬بل من هداه هللا لإلسالم وشرح صدره‪،‬‬
‫ونوّر بصيرته‪ ،‬ودخل فيه على بيّنة‪ ،‬ومن أعمى هللا قلبه‪ ،‬وختم على سمعه وبصره‪ ،‬فإنّه ال يفيد ال دخول في ال دين مقس وراً‪ .‬وق د ورد‬
‫أن سبب نزول هذه اآلية في قوم من األنصار‪ ،‬وإن كان حكمها عا ًما‪.336‬‬ ‫ّ‬
‫فالنهي عن اإلكراه في ال ّدين في هذه اآلية ال يقتصر على عمليّة اإلكراه فحسب‪ ،‬بل يتعـ ّداه إلى ك ّل الوسائل والط رق المؤ ّدي ة إلى ه ذا‬
‫اإلكراه‪.‬‬
‫ألن اإليمان‪ ،‬وه و أص ل ال ّدين وج وهره‪ ،‬عب ارة عن إذع ان‬
‫أن مسألة اإلكراه ألصق بالسياسة منها بال ّدين؛ ّ‬
‫وورد في "تفسير المنار" ّ‬
‫النفس‪ ،‬ويستحيل أن يكون اإلذعان باإللزام واإلكراه؛ وإنّما يكون بالبرهان والبيان‪.337‬‬

‫ُم ْؤ ِمنِينَ ‪.338‬‬ ‫ض ُكلُّهُ ْم َج ِميعًا أَفَأ َ ْنتَ تُ ْك ِرهُ النَّ َ‬


‫اس َحتَّى يَ ُكونُوا‬ ‫ب‪ -‬قوله‪َ : ‬ولَوْ َشا َء َربُّ َ‬
‫ك آلَ َمنَ َم ْن فِي األَرْ ِ‬
‫لحرص ه على إيم ان أه ل مك ة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫إن‪ « ‬االستفهام في"أ فأنت تكره النـاس" إنكـاري‪ ،‬فنـ ّزل الن ب ّي‬
‫ويقول المفسّرون في هذه اآلية ّ‬
‫وحثيث سعيه لذلك بك ّل وسيلة صالحة‪ ،‬منـزلة من يحاول إكراههم على اإليمان؛ حت ّى ترتّب على ذلك التـنـزيل إنكاره عليه‪. » ‬‬
‫‪339‬‬

‫على إيمان قومه بمثابة اإلكراه؛ ول ذلك أنك ر ذل ك علي ه‪ ،‬وذل ك من‬ ‫فاهلل سبحانه وتعالى في هذه اآلية اعتبر الحرص الشديد للنب ّي ‪‬‬
‫باب إقرار حرية االعتقاد واإليمان‪.‬‬

‫َّبي َوآتَانِي َرحْ َمةً ِم ْن ِع ْن ِد ِه فَ ُع ِّميَ ْ‬


‫ت‬ ‫نت َعلَى بَيِّنَ ٍة ِم ْن ر ِ‬ ‫جـ‪-‬قوله ‪‬حكاية عن نوح ‪: ‬قَ َ‬
‫ال يَاقَوْ ِم أَ َرأَ ْيتُ ُم إِ ْن ُك ُ‬
‫ارهُونَ‪ ،340‬والشاهد هنا قوله‪" :‬أنلزمكموها وأنتم لها ك ارهون" ومعنـاه‪ « :‬أنكرهكـم على‬
‫‪341‬‬
‫َعلَ ْي ُك ْم أَنُ ْل ِز ُم ُك ُموهَا َوأَ ْنتُ ْم لَهَا َك ِ‬
‫قبولها ونقسركم على االهتـداء بها‪ ،‬وأنتم تكرهونـها وال تختارونها‪ ،‬وال إكراه في الدين‪ . » ‬فهنا أنكر اإلكـراه على اإليم ان‪ ،‬م ا دام‬
‫القوم قد أعرضـوا ولم يتدبّروا في بيّنات األنبياء وحججهم‪.‬‬

‫يقول لهم‪ « :‬ال يص ّح قبولكم لها مع الكراهة عليها‪.342» ‬‬ ‫فكأن نوح ‪‬‬
‫ّ‬

‫فَ ْليَ ْكفُرْ ‪.343‬‬ ‫َو َمن َشا َء‬ ‫د‪-‬قوله ‪َ : ‬وقُ ِل ْال َح ُّ‬
‫ق ِمن َّربِّ ُك ْم فَ َمن َشا َء فَ ْلي ُْؤ ِم ْن‬

‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.256 :‬‬ ‫‪335‬‬

‫ابن كثير (عماد ال ّدين إمساعيل أبو الفداء)‪ ،‬تفسـير القـرآن العظـيم‪ ،‬دار األنـدلس‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.552-551 .‬‬ ‫‪336‬‬

‫رضا (حممد رشيد)‪ ،‬تفسير المنار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،3 .‬ص‪.37 .‬‬ ‫‪337‬‬

‫سورة يونس‪ ،‬اآلية‪.99 :‬‬ ‫‪338‬‬

‫ابن عاشور (حممد الطاهر)‪ ،‬تفسير التحرير والتنوير‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬د‪.‬ط‪1984 ،‬م‪ ،‬جـ ‪ ،11‬ص‪.293 .‬‬ ‫‪339‬‬

‫سورة هود‪ ،‬اآلية‪.28 :‬‬ ‫‪340‬‬

‫شاف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.213 .‬‬


‫الزمخشري (حممود بن عمر)‪ ،‬الك ّ‬ ‫‪341‬‬

‫القرطبي (أبو عبد اهلل بن عمر)‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،9 .‬ص‪.26 .‬‬ ‫‪342‬‬

‫سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.29 :‬‬ ‫‪343‬‬


‫ق وزاحت العلل فلم يبق إالّ اختياركم ألنفسكم ما شئتم من األخذ في طري ق النج اة أو في‬ ‫وم ّما ورد في تفسير هذه اآلية‪ « :‬جاء الح ّ‬
‫طري ق الهالك؛ وجيء بلف ظ األمـر والتخي ير ألنّ ه ل ّم ا م ّكن من اختي ار أيّهم ا ش اء‪ ،‬فكأنّ ه مخ ي ّر م أمور ب أن يتخيّ ر م ا ش اء من‬
‫النجدين‪.344» ‬‬
‫ي طريق أرادوا‪ ،‬سواء طريق اإليـمان أو طريق الكفر‪ ،‬دون إجبار أو إك راه‪،‬‬‫فهذه اآلية تعطي الحرية للنّاس وتخيّرهم في أن يسلكوا أ ّ‬
‫وهذا واضح في داللته على حرية االعتقاد المكفولة للنّاس‪.‬‬
‫صل لحرية االعتقاد بطريقة مباشرة‪ ،‬منها تلك اآليات التي تفيد ّ‬
‫بأن إرادة هللا في خلقه‪ ،‬اقتضت أن‬ ‫هـ‪-‬وهناك نصوص قرآنيّة أخرى تؤ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يكونوا مختلفين في الرأي‪ ،‬إذ خلقهم مختارين‪ ،‬وابتالهم بالتكليف‪ ،‬فتلك اآليات تفيد بأن هللا تعالى لم يشأ أن يكون الناس أ ّمة واحدة‪ ،‬بل‬
‫ألن هللا تع الى –لحكم ة من ه س بحانه‪ -‬أراد أن يك ون اإلنس ان مخت اراً‪ ،‬وأن يبتلي ه بنـا ًء على م ا وهبـه من حري ة‬
‫أرادهم مختلفين‪ّ ،‬‬
‫‪345‬‬
‫االختيار؛ بينما يؤ ّج ل حسم الخالف العقدي والمحاسبة عليه إلى يوم القيامة‪ ،‬حيث يكون هللا تعالى فيه هو ال ذي يحكم ويفصل ‪ .‬ومن‬

‫تلك اآليات التي تشير إلى هذا قول ه ‪َ : ‬ولَوْ َشا َء هَّللا ُ لَ َج َعلَ ُك ْم أُ َّمةً َو ِ‬
‫اح َدةً َولَ ِك ْن لِيَ ْبلُ َو ُك ْم فِي َما آتَ ا ُك ْم فَ ْ‬
‫اس تَبِقُوا‬
‫ْالخَ ي َْرا ِ‬
‫ت إِلَى هَّللا ِ َمرْ ِج ُع ُك ْم َج ِميعًا فَيُنَبِّئُ ُك ْم بِ َما ُكنتُ ْم فِي ِه ت ْ‬
‫َختَلِفُونَ ‪.346‬‬

‫اس أُ َّمةً َوا ِح َدةً وال يَزَالُ ونَ ُم ْختَلِفِين إِالَّ َمن َّر ِح َم َربُّكَ َولِ َذلِكَ‬ ‫‪َ :‬ولَ وْ َش ا َء َربُّ َ‬
‫ك لَ َج َع َل النَّ َ‬ ‫وقولـه ‪‬‬
‫خلَقَهُ ْم‪.347‬‬
‫َ‬

‫وقولـه ‪َ  : ‬ولَوْ َشا َء هَّللا ُ لَ َج َعلَهُ ْم أُ َّمةً َو ِ‬


‫اح َدةً َولَ ِك ْن يُ ْد ِخ ُل َم ْن ي ََّش ا ُء فِي َرحْ َمتِ ِه َوالظَّالِ ُمونَ َما لَهُ ْم ِّمن‬
‫ير‪.348‬‬
‫ص ٍ‬‫َّولِ ٍّي َوالَ نَ ِ‬
‫هذا‪ ،‬وتعتبر وظائف الرسل كما ح ّددها القرآن الكريم من األسس التي اُ ْعتمد عليها في تأصيل حرية االعتقاد‪.349‬‬
‫ق‪ ،‬وأوضح أنّ ه ليس وكيالً عليهم‪ ،‬وال‬
‫ألن القرآن الكريم ّحدد وظائف الرسل‪ ،‬ونفى مسؤوليّة الرّسول عن اختيار قومه غير الح ّ‬
‫وذلك ّ‬

‫َذرُونَ ‪،350‬‬ ‫حفيظاً‪ ،‬وال مسيطراً‪ ،‬وال جبّاراً؛ يقول‪: ‬قُلْ إنَّما أُن ِذ ُر ُك ْم بِ ْال َوحْ ِي َوالَ يَ ْس َم ُع ُّ‬
‫الص ُّم ال ُّدعَا َء إِ َذا َما يُن‬
‫ظا‪.351‬‬ ‫ويقول ‪:‬فَإ ِ ْن أَ ْع َرضُوا فَ َما أَرْ َس ْلنَاكَ َعلَ ْي ِه ْم َحفِي ً‬
‫وهناك آيات كثيرة في هذا الشأن تتح ّدث عن وظائف الرسل‪ ،‬ولم تذكر من هذه الوظائف إرغام النّ اس على اتّب اع الح ّ‬
‫ق ال ذي ج اءوا‬
‫به‪ ،‬بل كان األساس في دعوتهم هو "حرية االعتقاد" ‪.‬‬
‫ومن وظائف ال ّرسل المذكورة في القرآن الكريم نذكر‪ :‬اإلنذار‪ ،‬التبشير‪ ،‬البـالغ‪ ،‬والشهادة على األ ّمة‪ ،‬التصديق‪ ،‬البيان‪ ،‬الدعوة‪ ،‬تالوة‬
‫آيات هللا‪ ،‬التزكيّة وتعليم الكتاب والحكمة‪ ،‬التذكير‪ ،‬الوعظ‪ ،‬النصح‪.352‬‬

‫الزمخشري (حممود بن عمر)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.388 .‬‬ ‫‪344‬‬

‫‪ 345‬حللي (عبد الرمحن)‪ ،‬حرية االعتقاد في القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.67-66 .‬‬
‫‪ 346‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.48 :‬‬
‫‪ 347‬سورة هود‪ ،‬اآلية‪118 :‬و‪.119‬‬
‫‪ 348‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية‪.8 :‬‬
‫عمارة (حمم‪GG‬د)‪ ،‬اإلس(الم وحق(وق اإلنس(ان –ضـرورات‪..‬ال حق(وق‪ ،-‬دار الشـروق‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ -‬الق‪GG‬اهرة‪ ،‬ط‪1989 ،1 .‬م‪ ،‬ص‪-23 .‬‬ ‫‪349‬‬

‫‪.24‬‬
‫سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‪.45 :‬‬ ‫‪350‬‬

‫سورة الشورى‪ ،‬اآلية‪.48 :‬‬ ‫‪351‬‬

‫‪ 352‬حللي (عبد الرمحن)‪ ،‬حرية االعتقاد في القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.70 .‬‬
‫‪-‬وكذلك تعتبر دعوة القرآن الكريم للنّاس إلى التفكير ونبذ التقليد من النصوص التي تؤصّل لحرية االعتقاد بطري ق غ ير مباش ر‪ .‬ومن‬

‫هذه اآلي ات ن ذكر قول ه ‪َ :‬وإِ َذا قِ َ‬


‫يل لَهُ ُم اتَّبِعُوا َما أَن َز َل هَّللا ُ قَالُوا بَ لْ نَتَّبِ ُع َما أَ ْلفَ ْينَا َعلَ ْي ِه آبَا َءنَا أَ َولَ وْ َك انَ‬
‫آبَا ُؤهُ ْم الَ يَ ْعقِلُونَ َش ْيئًا َوالَ يَ ْ‬
‫هتَ ُدونَ ‪.353‬‬
‫أن الق رآن الك ريم ق د أرس ى حري ة االعتق اد‪ ،‬وذل ك من خالل نص وص تتح ّدث عن ه ذه المس ألة‬
‫ومن خالل ك ّل ما سبق نخلص إلى ّ‬
‫ّ‬
‫بطريقة مباشرة‪ ،‬أو من خالل نصوص يُفهم منها بطريق غير مباشر أنها تؤصّل لحرية االعتقاد‪.‬‬
‫‪ -2‬من السنّة النبويّة الشريفة‪:‬‬

‫ت بيّن‬ ‫لقد جسّد الرسول ‪" ‬حرية االعتقاد" في حياته العمليّة؛ حيث نجد وقائع من سيرته ‪ ‬تؤ ّكد ذلك‪ ،‬كما وردت أحاديث منه ‪‬‬
‫هذه الحقيقة‪ .‬وفيما يأتي نتعـرّض‪-‬بإذن هّللا تعالى‪ -‬إلى هذه األقوال والوقائع‪:‬‬

‫بعد هجرته إلى المدينة المن ّورة‪ ،‬والتي تعتبر دستورًا للدول ة اإلس المية‬ ‫‪‬‬
‫أ‪-‬وثيقـة المدينـة‪ :‬ففي هذه الوثيقة التي أصدرها‬
‫الناشئة‪ ،‬إقرار بكيفيّة التعامل مع غير المسلمين‪ ،‬والسيّما اليهود ال ذين ك انوا يس كنون المدين ة المن وّرة‪ ،‬وم ّم ا ورد في ه ذه الوثيق ة‬
‫كضمان لحرية االعتقاد‪ « :‬لليهود دينهم‪ ،‬وللمسلمين دينهم‪ ،‬مواليهم وأنفسهم إالّ من ظلم وأثم‪.354» ‬‬
‫وهذا نصّ في احترام عقيدة ودين غير المسلمين‪.‬‬

‫جارية من بني قريظة اسمها "ريحانة"‪ ،‬اصطفاها لنفسه من نس ائهم‬‫ب‪-‬ق ّصة ريحانة مع الرسول ‪ : ‬فلقد كان للرّسول‪‬‬
‫فكـانت عند الرسول‪‬حتّى توفّي عنها وهي ملكه‪ ،‬وكان الرسول‪ ‬عرض عليها أن يتزوّجها‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول هللا بل تترك ني في‬
‫أخف عل ّي وعليك‪ ،‬وقد كانت حين سباها قد تعصّت باإلسالم (أي امتنعت)‪ ،‬وأبت إالّ اليهوديّة‪ ،‬فلم يكرهها ح تى أس لمت‬
‫ّ‬ ‫ملكك‪ ،‬فهو‬
‫من تلقاء نفسها‪.355‬‬

‫فالرسول لم يكره على اعتناق اإلسـالم حت ّى جاريته‪ ،‬التي هي في ملكه‪ ،‬بل تركها على اختيارها‪ ،‬ح ت ّى ارتض ت اإلس الم‬ ‫‪‬‬
‫دينا ً فاعتنقته‪.‬‬

‫دخل وا المس جد‬ ‫جـ‪-‬النصارى يصلّون صالتهم في مسجد الرسول‪ :‬وذلك أنّه ل ّما قدم رؤساء "نج ران" على الرس ول‪‬‬
‫‪356‬‬

‫حين ص لّى العص ر‪ ،‬عليهم ثي اب ال َحبِ رات (من ب رود اليمن)‪ ،‬فل ّم ا ح انت ص التهم قامـوا في مسجـد الرس ول ‪ ‬يصـلّون‪ ،‬فق ال‬
‫الرسـول‪ « :‬د ُ‬
‫عوهم‪ ،» ‬فصلّوا إلى المشرق‪.357‬‬
‫وهذه غاية ما يمكن أن يكون من الحرية الدينيّة‪ ،‬والسي ّما في ذلك العصر‪ ،‬وفي تلك الفترة التي لم تكن فيه ا دع ائم اإلس الم‬
‫إن هذه الحادثة تعتبر أقصى ما يمكن أن يحدث من تسامح ديني‪ ،‬واحترام لعقيدة اآلخرين وشعائرهم‪.‬‬ ‫قد استقرّت‪ ،358‬بل ّ‬

‫‪ 353‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.170 :‬‬


‫النبي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬د‪.‬م‪1401 ،‬هـ‪1981-‬م‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.121 .‬‬
‫ابن هشام (أبو حممد عبد امللك)‪ ،‬سـيرة ّ‬
‫‪354‬‬

‫‪ 355‬ابن هشام(أبو حممد عبد امللك)‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬طبعة مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،.‬د‪.‬ت‪ ،.‬جـ‪ ،3 .‬ص‪.149 .‬‬
‫مسيت كذلك نسبة إىل جنران بن زيدان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‪ ،‬ألنّه كان‬ ‫‪ 356‬جنران‪ :‬يف خماليف اليمن من ناحية م ّكة‪ّ ،‬‬
‫ّأول من عمرها ونزهلا‪ .‬وقد اعتنق أهلها النص ‪GG‬رانيّة‪ ،‬مثّ دخلت عليهم األح ‪GG‬داث اليت دخلت على غ‪GG‬ريهم من أهل دينهم بك ‪Gّ G‬ل أرض‪ ،‬فمن‬
‫هناك كانت النصرانيّة بنجران من أرض العرب‪ .‬انظر‪ :‬الحموي (ي‪GG‬اقوت)‪ ،‬معجم البل((دان‪ ،‬حتقي‪GG‬ق‪ :‬فريد عبد العزيز اجلن‪GG‬دي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلميّة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1410 ،1 .‬هـ‪1990-‬م‪ ،‬جـ ‪ ،5‬ص‪ 308 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫ابن هشام (أبو حممد عبد امللك)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.206 .‬‬ ‫‪357‬‬
‫إلى القبائل ال تي أس لمت أو ال تي‬ ‫د‪-‬النهي عن الفتنة في الدّين‪ :‬ويتّضح ذلك فيما نالحظه من الكتب التي يوجّهها الرسول‪‬‬
‫عاهدها‪ ،‬حيث يالح ظ فيه ا عب ارة واح دة‪ ،‬ت تر ّدد في جميعه ا وهي‪ « :‬ومن كان على يهوديّته أو نصرانيّته‪ ،‬فإنّه ال‬
‫يفتن عنها‪ ،‬وعليه الجزية‪.359» ‬‬

‫ض رورة عـدم إكـراه غ ير‬ ‫‪ ،‬فهن ا يؤ ّك د الرس ول‪‬‬ ‫‪360‬‬


‫والمقصود بعبارة "ال يفتن" أنّ ه ال يحم ل باإلكـراه على الخ روج عن دينه‬
‫الرّاغبين في الدخـول إلى اإلسالم على دخوله‪ ،‬بل ال ب ّد من أن يترك لهم هذا األمر اختياراً‪.‬‬

‫لحري ة االعتق اد؛ حيث نج د ه ذه الوق ائع واألق وال مبثوث ة في كتب الس نّة‬ ‫وهناك أمثلة كثيرة أخرى تؤ ّكد إقرار الرسول‪‬‬
‫المطهّرة والسيرة النبويّة الشريفة‪.‬‬

‫‪ -3‬ال ّ‬
‫سوابـق التاريخيـة‪:‬‬
‫من السّوابق التاريخيّة التي تؤ ّكد حماية المسلمين لحرية االعتقاد ما وقع في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬الذين اقتفوا أث ر الن ب ّي‬

‫في هذه المسألة‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫يأمر أسامة بن زيد –رضي هللا عنهما‪ -‬بترك النّاس أحراراً في عقائدهم‪ ،‬وأمره أالّ يقت ل‬ ‫‪‬‬
‫أن أبا بكر الص ّديق‬
‫أ‪ -‬حيث نجد ّ‬
‫الرهبان‪ ،‬وأن يتركهم أحراراً في أديرتهم وصوامعهم ‪.‬‬
‫‪361‬‬

‫‪‬‬
‫ب‪ -‬وحينما فتح المسلمون "إيلياء" (القدس) كتب عمر بن الخطاب كتابا ً سنة (‪ 15‬هـ) نصّ فيه على أنّ ه «‪ ‬أعط اهم أمان ا ً‬
‫ألنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم‪ ،‬وسقيمها وبريئها‪ ،‬وس ائر ملّته ا؛ أنّ ه ال تس كن كنائس هم وال ته دم وال ينتقص منه ا‪ ،‬وال من‬
‫حيّزها‪ ،‬وال من صليبهم‪ ،‬وال من شيء من أموالهم‪ ،‬وال يكرهون على دينهم‪ ،‬وال يضا ّر أحد منهم‪ ،‬وال يسكن بإيلي اء معهم أح د من‬
‫اليهود‪.362» ...‬‬
‫ولقد مثّلنا فقط بهاتين الحادثين‪ ،‬وإالّ لو تتّبعنا هذه الحوادث التي تؤ ّكد حماية المسلمين لحرية االعتق اد لوج دناها كث يرة ج داً؛‬
‫إن المسلمين استم ّر وا في جميع عهودهم في إعطاء الشعوب التي انضوت تحت حكمهم حرية االعتقاد‪ ،‬وما يكون قد ح دث في‬ ‫حيث ّ‬
‫وأن نصوص الشرع وكتب الفقه اإلسالمي‬ ‫بعض الفترات من خدش لهذه الحرية فهو من باب االستثناء الذي ال يقاس عليه‪ ،‬والسيّما ّ‬
‫تق ّر هذه الحرية من غير نكير‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ضمان حقوق وحريات أتباع األديان األخرى‬

‫‪ 358‬القاسمي (ظافر)‪ ،‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ اإلسالمي( –احلياة الدستورية‪ -‬دار النف‪GG‬ائس‪ ،‬ب‪G‬ريوت‪ ،‬ط‪1403 ،3.‬هـ‪1980-‬م‪،‬‬
‫ص‪.55.‬‬
‫البيهقي (أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي)‪ ،‬السنن الكبرى‪ ،‬كتاب اجلزية‪ ،‬طبعة دار الفكر‪ ،‬جـ‪ ،9 .‬ص‪.194 .‬‬ ‫‪359‬‬

‫القاسمي (ظافر)‪ ،‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ اإلسالمي(‪-‬الحياة الدستورية‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.56 .‬‬ ‫‪360‬‬

‫أبو يوسف (يعقوب بن إبراهيم)‪ ،‬كتاب الخراج‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.138 .‬‬ ‫‪361‬‬

‫‪ 362‬الط((بري (حممد بن جري‪GG‬ر)‪ ،‬ت((اريخ الطـبري (ت((اريخ األمم والمل((وك)‪ ،‬دار الكتب العلمي‪GG‬ة‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬ط‪1408 ،2 .‬هـ ‪1988‬م‪ ،‬جـ‪،2 .‬‬
‫ص‪.449 .‬‬
‫الذم‪GG‬ة"‪ :‬ابن قيم الجوزي((ة(مشس ال‪GG‬دين)‪ ،‬أحك((ام أهل الذمة‪ ،‬حتقي‪GG‬ق‪ :‬ص‪GG‬بحي الص‪GG‬احل‪ ،‬دار‬
‫انظر يف تفاص‪GG‬يل "حق‪GG‬وق وواجب‪GG‬ات أهل ّ‬
‫‪363‬‬

‫العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1983 ،3 .‬م‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪ 74 .‬وما بعدها‪.‬‬


‫من مستلزمات اإلقرار باالختالف الديني وتنوّع األدي ان واختالفه ا‪ ،‬ض رورة االع تراف واإلق رار بحق وق وحري ات أتب اع ال ديانات‬
‫األخرى‪ ،‬من الذين ال يدينون بدين غالبيّة أهل البلد الذي يعيشون فيه‪ ،‬والذين يطلق عليهم في القانون اسم "األقليّات الدينيّة" ‪.‬‬
‫والمجتمع اإلسالمي على الرّغم من أنّه يقوم على أساس العقيدة اإلسالمية‪ ،‬حيث يعتبر المس لمون أعض اءه بحكم عقي دتهم اإلس المية‪،‬‬
‫التي تعتبرهم إخوة في ال ّدين‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن هذا المجتمع مجتم ع مفت وح لغ ير المس لمين؛ ألنّ ه ليس من ل وازم اعتن اق اإلس الم رفض العيش‬
‫إن هؤالء يكفل لهم المجتمع اإلسالمي العيش الكريم والمعاملة الحسنة؛ حيث تعتبر أحكام اإلس الم في‬‫المشترك مع غير المسلمين‪ ،‬بل ّ‬
‫هذا المجال نموذجا ً رائعا ً ودليالً قاطعا على إمكان العيش المشترك بين غير المسلم والمسلم في المجتم ع اإلس المي‪ ،‬على نح و يحف ظ‬
‫ً‬
‫لغير المسلم حقوقه دون التعرّض لعقيدته‪.364‬‬
‫وهكذا نجد فقهاءنا –عند بحثهم في حقوق واجبات غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي‪ -‬يقسّمون هؤالء إلى قسمين وهما‪:‬‬
‫* الذ ّميون‪ :‬وهم األقليّة غير المسلمة في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬إالّ أنّهم مواطنون وليسوا أجانب فيه؛ ألنّهم يحملون جنسيّة دار اإلس الم‪،‬‬
‫أي الجنسيّة اإلسالمية‪.‬‬
‫* المستأمنون‪ :‬وهم األجانب الذين يعيشون في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬وهم من غير المس لمين ال ذين دخل وا دار اإلس الم بأم ان م ؤقّت‪،‬‬
‫ويتبعون دولة أجنبيّة عن دار اإلسالم‪.365‬‬
‫ومن الطبيعي هنا أن تختلف حقوق وواجبات ك ّل من القسمين السابقين؛ وذلك الختالف طبيعة عالقتهما بدولة اإلسالم‪.‬‬
‫والقاعدة العامة في حقوق وواجبات الذميّين في دار اإلسالم‪ ،‬هي أنّهم في هذه الحقوق والواجبات كالمسلمين‪ ،‬إالّ في اس تثناءات قليل ة‪،‬‬
‫حتى شـاع بين الفقهـاء المسلمين القول المشهور "لهم مالنا وعليهم ما علينا"‪.‬‬
‫حيث ّ‬
‫إن عق د األم ان أو عق د الذ ّم ة‪ ،‬ي وجب على المس لمين حماي ة ال ذميّين من الع دوان الخ ارجي‪ ،‬ومن الظلم ال داخلي‪ ،‬وحماي ة‬
‫‪366‬‬
‫أموالهم‪ ،‬وتأمينهم عند العجز والشيخوخة والفقر‪ ،‬وكفالة حرية التديّن‪ ،‬والعمل‪ ،‬والكسب ‪.‬‬

‫زي( ((دان (عبد الك‪GG G G‬رمي)‪" ،‬بحث في معاملة األقلي ( ((ات غ ( ((ير المس ( ((لمة واألج( ((انب في الش ( ((ريعة اإلس( ((المية("‪ ،‬حبث منش‪GG G G‬ور‪ G‬يف جملة‬ ‫‪364‬‬

‫"الحقوق"‪ ،‬الكويت‪ ،‬السنة السابعة‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬سبتمرب ‪1983‬م‪ ،‬ص‪.308-307 .‬‬
‫‪ 365‬املرجع نفس‪GG‬ه‪ ،‬ص‪ .310 .‬ومل ي‪GG‬رد على لغة اخلط‪GG‬اب الفقهي احتم‪GG‬ال أن يك‪GG‬ون اآلخر –األجن‪GG‬يب‪ -‬غري حمارب‪ ،‬أو غري معاه‪GG‬د؛ وإمّن ا‬
‫ه‪GG‬ذا اآلخر ج‪GG‬ار أو عضو يف األس‪GG‬رة الدوليّ‪GG‬ة‪ ،‬يتب‪GG‬ادل مع غ‪GG‬ريه احلق‪GG‬وق والواجب‪GG‬ات‪ ،‬وحيرتم س‪GG‬يادة الغ‪GG‬ري‪ ،‬طبق ‪G‬اً ملواثيق دولية متّفق عليه‪GG‬ا‪.‬‬
‫حمتميا بذمّ‪G‬ة املس‪GG‬لمني‪،‬‬
‫وأيضاً مل خيطر على بال فقهاء ال ّس‪G‬لف أن يك‪G‬ون اآلخ‪GG‬ر‪ ،‬غري املس‪G‬لم يف الدولة اإلس‪G‬المية‪ ،‬ش‪G‬ريكاً يف ال‪G‬وطن وليس ً‬
‫‪G‬دو احملارب وموص ‪GG‬ول التابعيّة بوطنه ال ‪GG‬ذي يعيش فيه وليس ب ‪GG‬اآلخر األجن ‪GG‬يب‪ .‬انظ ‪GG‬ر‪:‬‬ ‫أو أن يك ‪GG‬ون ه ‪GG‬ذا اآلخر –املواطن‪ -‬منفصالً عن الع ‪ّ G‬‬
‫هويدي (فهمي)‪ ،‬اإلسالم والديمقراطية‪ ،‬مركز األهرام للرتمجة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1993 ،1.‬م‪ ،‬ص‪.17 .‬‬
‫القرضاوي (يوسف)‪ ،‬غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬دار الشهاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬ص‪ 7 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪366‬‬
‫ويقول "ابن حزم"‪ 367‬في هذا الشأن‪ « :‬من كان في الذ ّم ة‪ ،‬وجاء أهل الحرب إلى بالدنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع‬

‫»‪.368‬‬ ‫والسّالح‪ ،‬ونموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذ ّمة هللا‪ ،‬وذ ّمة رسوله‪‬‬
‫ويتمتّع الذ ّمي كذلك بالحقوق السياسيّة‪ ،‬حيث يجوز له أن يتول ّى وزارة التنفي ذ؛ و وزي ر التنفي ذ ‪-‬كم ا ق ال الفقه اء‪ -‬يبلّ غ أوام ر رئيس‬
‫الدولة‪ ،‬ويقوم بتنفيذها‪ ،‬ويمضي ما يصدر عنه من أحكام وقرارات‪.369‬‬
‫كما نصّ الفقهاء على جواز إسناد الوظائف األخرى للذ ّمي مثل جباية الخراج والجزيـة‪.370‬‬
‫ولكن يستثنى من هذه الحقوق تولّي الوظائف العامة‪ ،‬مثل رئاسة الدولة‪ ،‬وقيادة الجيش‪ ،‬أو كما يس ّميها الفقهاء "اإلم ارة على الجه اد"؛‬
‫ألن رئاسة الدولة في عرف الفقه اإلسالمي هي‪ « :‬خالفة عن صاحب الشرع في حراسة ال ّدين وسياسة ال ّدنيا‪.371» ‬‬ ‫وذلك ّ‬
‫فمن البديهي أن ال يتول ّى هذا المنصب إالّ من يدين باإلسالم؛ أ ّما الجهاد‪ ،‬ومنه القتال‪ ،‬فإنّه يق وم على مع نى دي ني‪ ،‬فمن الب ديهي أن ال‬
‫يكلّف به وال تُناط أعماله إالّ بمن يدين باإلسالم‪ ،‬ومع هذا فإذا رغب الذ ّمي في االشتراك فيه‪ ،‬واالنخراط بسلك الجنديّة فله ذل ك‪ ،‬ولكن‬
‫ال يكون أميرًا للجيش‪.372‬‬
‫هذا‪ ،‬ويتمتّع الذم ّي في دولة اإلسالم بكثير من الحقوق‪ ،‬العامة منها والخاصة‪ ،‬حت ّى إنّها تبدو أنّها أكثر م ّما يتمتّ ع ب ه المس لم‪ ،‬والس يّما‬

‫يمس هم ب أذى‪ ،‬حيث يق ول‪ « :‬من آذى ذ ّميًا فأنا خصمه‪ ،‬ومن كنت‬
‫وأن الرسول‪ ‬ق د أوص ى بهم خ يرًا‪ ،‬وتو ّع د من ّ‬
‫ّ‬
‫خصمه خصمته يوم القيامة‪.373» ‬‬

‫‪ 367‬ابن حزم هو‪ :‬علي بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬عامل األندلس يف عصره‪ ،‬وأحد أئمة اإلسالم‪ ،‬كان يف األندلس‬
‫خلق كثري ينتس‪GG‬بون إىل مذهب‪GG‬ه‪ ،‬وقد ولد بقرطبة ع‪GG‬ام ‪384‬هـ‪994-‬م‪ ،‬وك‪GG‬ان فقيها حافظ ‪G‬اً‪ ،‬يس‪GG‬تنبط األحك‪GG‬ام من الكت‪GG‬اب والس‪GG‬نّة‪ ،‬وانتقد‬
‫كثريا من العلماء والفقهاء ‪ ،‬ومن أشهر مصنّفاته‪" :‬الفصل يف امللل واألهواء والنح‪GG‬ل" و"احمللّى" و" الناسخ واملنس‪GG‬وخ"‪ ،‬وغريه‪GG‬ا‪ ،‬قد ت‪GG‬ويف‬
‫‪ ،4‬ص‪.255-254.‬‬ ‫سنة ‪456‬هـ ‪1064-‬م‪ .‬الزركلي (خري الدين)‪ ،‬األعالم‪ ،‬مرجع سابق‪،‬جـ‪.‬‬
‫‪.14‬‬ ‫القرافي (شهاب الدين أمحد بن إدريس)‪ ،‬الفروق‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1344 ،1 .‬هـ‪ ،‬جـ‪ ،3 .‬ص‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬الماوردي (أبو احلسني علي بن حممد)‪ ،‬األحكام السلطانية والواليات الدينية‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1410 ،1.‬هـ‪1990-‬م‪،‬‬
‫ص‪.68-66 .‬‬
‫‪1403‬هـ‬ ‫الفرّاء (أبو يعلى حممد بن احلس ‪GG G‬ني)‪ ،‬األحك ( ((ام الس ( ((لطانية‪ ،‬حتقي ‪GG G‬ق‪ :‬حممد حامد الفقي‪ ،‬دار الكتب العلمي ‪GG G‬ة‪ ،‬ب ‪GG G‬ريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫‪1983‬م‪ ،‬ص‪.32-31.‬‬
‫الفراء (أبو يعلى حممد بن احلسني)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.173 .‬‬
‫ّ‬ ‫‪5‬‬

‫‪368‬‬

‫‪369‬‬

‫‪370‬‬

‫العالمة ابن خل((دون)‪ ،‬دار الكت‪GG‬اب اللبن‪GG‬اين‪ -‬مكتبة املدرس‪GG‬ة‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪1982 ،‬م‪،‬‬
‫‪ 371‬ابن خل((دون (عبد ال‪GG‬رمحن)‪ ،‬المق ّدمة (ت((اريخ ّ‬
‫ص‪.338 .‬‬
‫الماوردي (أبو احلسني علي بن حممد)‪ ،‬األحكام السلطانية والواليات الدينية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29 .‬‬
‫‪ 372‬زي((دان‪( ،‬عبد الك‪GG‬رمي)‪" ،‬بحث في معاملة( األقليّ((ات غ((ير المس((لمة واألج((انب في الش((ريعة اإلس((المية "مرجع س‪GG‬ابق‪ ،‬الع‪GG‬دد الث‪GG‬الث‪،‬‬
‫للذمي؛ وذلك أل ّن ت‪G‬ويّل الوظ‪G‬ائف العامة يف نظر الش‪GG‬ريعة‬ ‫ص‪ .312 .‬وليس هناك ما يدعو إىل االستغراب يف مسألة إسناد الوظائف العامة ّ‬
‫حبق له على الدول‪GG G‬ة‪ ،‬فالدولة تكلّف من ت‪GG G‬راه أهالً للقي ‪GG‬ام‪ G‬هبذه الوظيف ‪GG‬ة‪ ،‬وهي ح‪Gّ G G‬رة يف اختي‪GG G‬ار من‬
‫اإلس ‪GG‬المية تكليف للش‪GG G‬خص‪ ،‬وليس ّ‬
‫تكلّفه‪ ،‬وال يقيّد حريتها إالّ النظر يف املصلحة العامة‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.313 .‬‬
‫‪ -‬أ ّما بالنسبة للمستأمنين‪ ،‬فإنّه لكونهم أجانب عن دار اإلسالم‪ ،‬فمن الطبيعي أن ال يكون لهم نص يب في إدارة ش ؤون دار اإلس الم عن‬
‫صوا على جواز إسناد الوظائف العامة لهم‪ ،‬وهذا االتّجاه هو المأخوذ‬ ‫طريق التمتّع بالحقوق السياسيّة؛ ولهذا ّ‬
‫فإن الفقهـاء المسلمين لم ين ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫به من قِبَل الدول في الوقت الحاضر‪ ،‬ولكنه فيما يخصّ الحقوق العامة‪ ،‬فإنهم يتمتعون بما يتمت ع ب ه ال ذ ّميون‪ ،‬إال في اس تثناءات قليل ة‬
‫جدًا‪ ،‬وهو ما يق ّرره القانون العام لألجانب في الوقت الحاضر‪.374‬‬
‫‪-‬أ ّما فيما يخصّ تمتّعهم بالحقوق الخاصّة‪ ،‬فإنّهم كالذ ّميين‪ ،‬ألنّهم ما داموا في داراإلسالم فهم بمنـزلة الذ ّميين‪.375‬‬
‫ولقد كان لهذا اإلقرار لإلسالم بالتع ّدديّة الدينيّة‪ ،‬ورعايته لحقوق أتباع األديان األخرى‪ ،‬والسيّما أهل الكتاب‪ ،‬نت ائج ها ّم ة على ص عيد‬
‫التنظيم القانوني‪ -‬السياسي‪.376‬‬
‫إن اإلسالم لم يكتف بإقرار حريّة االعتقاد لغير المس لمين‪ ،‬ب ل إنّ ه ي وجب لهم حقوقً ا‪ ،‬على‬
‫إذن‪ ،‬فمن خالل ما سبق ذكره يمكن القول ّ‬
‫الدولة والمجتمع اإلسالمي أن يراعوها‪ ،‬وأبلغ عبارة تل ّخص مدى احترام اإلسالم ألتباع الديانات األخرى‪ ،‬واعتراف ه بم واطنتهم دون‬
‫المساس بعقيدتهم‪ ،‬هي تلك العبارة المشهورة لدى الفقـهاء "لهم م ا لن ا وعليهم م ا علين ا"‪ ،‬فهم في مقاب ل م ا يدفعون ه من "جزي ة" أو‬
‫"خراج" يدفع المسلمون "الزكاة" التي ال تجب على غير المسلمين ‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬ضرورة التعايش والتسامح بين األديان‬
‫إنّنا نجد في تشريعات اإلسالم وآدابه ما يك ّرس حالة االنسجام والتعايش والتسامح بين المواطنين المتن وّعين دينيً ا‪ ،‬فالتم ايز ال ديني‬
‫ألن البش ر أدرك وا‪ ،‬من‬ ‫ينبغي أن ال يؤثّر في التكافل االجتماعي واالحترام المتبادل‪ ،‬وهذا م ا تقـرّه األنظم ة الوض عيّة ك ذلك؛ وذل ك ّ‬
‫صراع والتنازع بين أتباع الديانات المختلفة يه ّدد أس س المجتم ع ونظـام الدول ة‪ ،‬وكث يرًا م ا أ ّدى إلى‬ ‫خـالل تجاربهم وخبراتهم‪ّ ،‬‬
‫أن ال ّ‬
‫سفك ال ّدماء‪ ،‬وإشاعة الفوضى‪ ،‬وعدم االستقرار‪.‬‬
‫لذلك نجد القرآن الكريم –وهو يعمل على هذا التق ارب بين المس لمين وغ يرهم‪ -‬ي بيح المص اهرة من ناحي ة الزوج ات‪ ،‬بين المس لمين‬
‫وحث في آية الممتحنـة‪ :‬ال َيَ ْنهَا ُك ُم هَّللا ُ َع ِن الَّ ِذينَ لَ ْم يُقَاتِلُو ُك ْم فِي ال د ِ‬
‫ِّين َولَ ْم‬ ‫ّ‬ ‫والكتابيين‪ ،‬كما أباح المؤاكلة إطالقًا بينهم‪،‬‬
‫طينَ ‪ 377‬على اإلقس اط إلى الم وا ّدين‬ ‫ار ُك ْم أَن تَبَ رُّ وهُ ْم َوتُ ْق ِس طُوا إِلَ ْي ِه ْم إِ َّن هَّللا َ يُ ِحبُّ ْال ُم ْق ِس ِ‬
‫ي ُْخ ِر ُج و ُك ْم ِّمن ِديَ ِ‬
‫والمسالمين من غير المسلمين إطالقًا‪ ،‬ومن باب أولى أن يكون هذا لرعايا الدولة اإلسالمية منهم‪ ،‬وعلى أفضل وجه وأش مله‪ ،‬وي دخل‬
‫في ذلك حسن التعامل والتبادل في مختلف الشؤون‪.378‬‬

‫وك ان الرس ول ق د أرس ى عن د وص وله إلى المدين ة المن وّرة‪ ،‬وإنش ائه للدول ة اإلس الميّة‪ ،‬أس س التع ايش بين األدي ان المختلف ة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫واالعتراف بتع ّد د األديان في إطار الدولة الواحدة‪ ،‬وذلك من خالل تلك الوثيق ة ال تي تس ّمى "ص حيفة المدين ة" وال تي م ّم ا ورد فيه ا‪:‬‬
‫وإن يهود بني عوف أ ّمة مع المؤمنين‪ ،‬لليهود دينهم‪ ،‬وللمسلمين دينهم‪ ،‬وم واليهم وأنفس هم‪ ،‬إالّ من‬ ‫«‪ّ  ‬‬
‫وإن ليهود بني النّجار مثل ما ليهود بني عوف‪ ،» ‬وتُعدِّد الصحيفة سـائر‬ ‫ظلم أو أثم‪ ،‬فإنّه ال يوتغ إالّ نفسه‪ّ ،‬‬
‫وإن بينهم النّصر‬
‫وإن اليهود على نفقتهم‪ ،‬وعلى المس لمين نفقتهم‪ّ ،‬‬ ‫قبائل اليهـود في نفس السيـاق‪ ،‬ث ّم تض يف‪ّ  « :‬‬
‫وإن بينهم النّصح والنصيحة والبّر دون اإلثم‪ ،‬وإنّه لم ي أثم ام رؤ‬
‫على من حارب أهل هذه الصحيفة‪ّ ،‬‬
‫وإن ي ثرب ح رام‬‫وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما دام وا مح اربين‪ّ ،‬‬‫وإن النّصر للمظلوم‪ّ ،‬‬ ‫بحليفه‪ّ ،‬‬
‫جوفها ألهل هذه الصحيفة‪. » ‬‬
‫‪379‬‬

‫‪ 373‬الهن((دي (عالء ال ‪ّ G‬دين بن حس‪GG‬ام ال‪GG‬دين)‪ ،‬كنـز العم((ال في س((نن األق((وال واألفع((ال‪ ،‬رقم ‪ ،10913‬مؤسسة الرس‪GG‬الة‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫‪ 1413‬هـ‪ 1993 -‬م‪ ،‬جـ‪ ،4 .‬ص‪.362 .‬‬
‫‪ 374‬زيدان (عبد الكرمي)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬ص‪.325 .‬‬
‫‪ 375‬الكاس((اني (عالء ال ‪ّ G‬دين أبو بكر بن مس‪GG‬عود)‪ ،‬ب((دائع الصنائـع في ت((رتيب الشرائـع‪ ،‬دار الكت‪GG‬اب العـريب‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬ط‪ 1402 ،2 .‬هـ‪-‬‬
‫‪ 1982‬م‪ ،‬جـ‪ ،7 .‬ص‪.110 .‬‬
‫‪ 376‬قرم (جورج)‪ ،‬تع ّدد األديان وأنظمة الحكم‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1998 ،3 .‬م‪ ،‬ص‪.19 .‬‬
‫‪ 377‬سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية‪.8 :‬‬
‫‪126‬‬ ‫عزة)‪ ،‬الدستـور القـرآني في شؤون الحيـاة‪ ،‬دار إحياء الكتب العربيّة‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1376 ،‬هـ‪ 1956 -‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫دروزة ّ‬
‫(حممد ّ‬
‫‪378‬‬

‫النبي‪ ، ‬طبعة دار الفكر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.123-119 .‬‬


‫ابن هشام (أبو حممد عبد امللك)‪ ،‬سيرة ّ‬
‫‪379‬‬
‫فمن خالل هذه الصحيفة يتبيّن لنا عنصر التنوّع الديني في المجتمع‪ ،‬حيث تتش ّكل األ ّمة الواح دة (من الناحي ة السياس يّة) من انتم اءات‬
‫دينيّة متن ّوعة‪ ،‬يحترم أتباعها بعضهم البعض ويتعاونون‪.‬‬

‫إن لم يكن أطولها على‬ ‫‪،‬‬


‫وقد ذهب بعض الباحثين إلى تسمية هذه الصحيفة "دستور المعايشة" واعتبره أنّه من أطول كتب النب ّي‬
‫اإلطالق‪ ،‬وقد نُظّمت فيه العالقات االجتماعيّة والقانونيّة وأساليب التعامل‪ ،‬وتح ّددت فيه الحقوق والواجبات في حالتي الحـرب والس لم‬
‫في هذا المجتمع الجديد‪ ،‬بما فيه من مهاجرين وأنصار وجماعات وقبائل اليهود‪.380‬‬
‫أن اإلسالم قد اعتبر أهل الكتاب‪ ،‬ال ذين يعيش ون في أرجائ ه‪ ،‬مواط نين‪ ،‬وأنّهم أ ّم ة م ع المؤم نين‪ ،‬م ا‬
‫ومن خالل هذه الصحيفة نرى ّ‬
‫داموا قائـمين بالواجبات المترتّبة عليهم؛ فاختالف الـ ّدين ليس‪ -‬بمقتضى أحكام الصحيفة‪ -‬س ببًا للحرم ان من مب دإ "المواطنيّ ة"‪ ،‬كم ا‬
‫كان ذلك مطبّقًا في الدول التي عاصرت الدولة اإلسالمية في تكوينها األوّل‪. 381‬‬
‫و ّمما أقرّه اإلسـالم كبديل للنـزاع والتصـادم ما بين أتباع األديان المختلفة هو الدعـوة إلى الح وار‪ ،‬ومقارع ة الح ّج ة بالح ّج ة وال رأي‬
‫إن القرآن الكريم قد أق ّر منهاجا ً للحوار ما بين أتب اع‬
‫بالرأي اآلخر‪ ،‬واستثمار الفكـر والمناقشـة في البحث عن الحقيقة‪ ،‬ونبذ التقليد‪ ،‬بل ّ‬

‫الديانات المختلف ة‪ ،‬منه ا اعتم اده على الح ّج ة والبره ان‪ ،‬والموعظ ة الحس نة‪ ،‬والحكم ة‪ ،‬والعق ل‪ ،‬والمنط ق‪ ،‬يق ول‪ :‬قُلْ هَاتُوا‬
‫ى َوالَ ِكتَ ا ٍ‬
‫ب‬ ‫ص ا ِدقِينَ ‪ ، ‬ويق ول‪َ :‬و ِمنَ النَّ ِ‬
‫اس َم ْن يُ َج ا ِد ُل فِي هَّللا ِ بِ َغ ْي ِر ِع ْل ٍم َوالهُ د ً‬ ‫بُرْ هَ انَ ُك ْم إِ ْن ُكنتُ ْم َ‬
‫‪382‬‬

‫يل َربِّكَ بِ ْال ِح ْك َم ِة َو ْال َموْ ِعظَ ِة ْال َح َس نَ ِة َو َج ا ِد ْلهُ ْم بِ الَّتِي ِه َي أَحْ َس ُن إِ َّن َربَّ َ‬
‫ك‬ ‫ع إِلَى َسبِ ِ‬ ‫نير‪ 383‬ويقول‪ :‬ا ْد ُ‬ ‫ُّم ٍ‬
‫‪384‬‬
‫هتَ ِدينَ ‪‬‬ ‫ض َّل ع َْن َسبِيلِ ِه َوهُ َو أَ ْعلَ ُم بِ ْال ُم ْ‬
‫هُ َو أَ ْعلَ ُم بِ َم ْن َ‬

‫المطلب الخامس‪ :‬احترام االختالف الديني بين اإلسالم واألنظمة الديمقراطية‬

‫تعتبر الحرية –بشكل عام‪ -‬جوهر النظام الديمقراطي؛ لذلك فإنّها تق ّر "الحريات العامـة" في أوسع نطاق‪ ،‬ومن بين تل ك الحري ات‬
‫توجد الحرية الدينية‪ ،‬والمتمثّلة في اإلقرار لألفراد –مهما كانت جنسيتهم‪ -‬بالتعبير عن معتقداتهم الدينيّ ة‪ ،‬والممارس ة العلنيّ ة للش عائر‬
‫والطقوس الدينيّة‪ ،‬التي يستلزمها ال ّدين المعتنق‪.‬‬
‫ولقد عرفنا سابقا ً كيف أق ّر اإلسالم هذه الحريّة‪ ،‬وضمن ألتب اع ال ديانات المختلف ة حق وقهم‪ ،‬وكف ل مختل ف حري اتهم‪ ،‬وكي ف أنّ ه أق ّر‬
‫بمواطنتهم في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬رغم قيام هذا األخير على أساس العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫واإلسالم‪ ،‬كتشريع رباني‪ ،‬يختلف عن غيره من األنظمة البشريّة الوضعيّة في أساس اإلقرار بهذه الحقوق والحريات ومصدرها‪.‬‬
‫وفيما يأتي نتناول هذين الموضوعين‪ :‬موضوع االختـالف الديني في األنظمـة الديمقراطيـة وما يتعلّق ب ه من حري ات دينيّ ة‪ ،‬وحق وق‬
‫أتب اع األدي ان المختلف ة؛ ث ّم بع دها نتط رّق إلى أس اس اختالف ه ذا الموض وع في النظ ام ال ديمقراطي‪ ،‬ع ّم ا ه و موج ود في النظ ام‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬إقرار االختالف الديني في األنظمة الديمقراطية‬
‫تق ّر الدساتير المختلفة للدول الديمقراطية " الحرية الدينيّة"‪ ،‬والتي تتض ّمن معنى مزدوجاً‪:‬‬
‫األ ّول‪ :‬حرية العقيدة‪ ،‬بمعنى أن يعتقد الفرد‪ ،‬أو ال يعتقد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حرية العبادة و إقامة الشعائر الدينيّة‪.385‬‬
‫و المالحظ على إقرار الحرية الدينيّة في األنظم ة الديمقراطي ة‪ ،‬أنّه ا ج اءت بع د كف اح طوي ل للش عوب‪ ،‬إذ لم يكن األم ر ك ذلك من ذ‬
‫والس ابع عش ر أنش ئت المح اكم الدينيّ ة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫البداية‪ ،‬ويكفي أن نذكر في هذا السياق أنّه في بريطانيا‪ ،‬وفي الف ترة بين الق رن الث الث عش ر‬

‫‪.7‬‬ ‫قميحة (جابر)‪ ،‬المعارضة في اإلسالم –بين النظرية والتطبيق‪ -‬دار اجلالء‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1988 ،1 .‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪380‬‬

‫‪ 381‬القاسمي (ظافر)‪ ،‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ اإلسالمي( –الحياة الدستورية‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37 .‬‬
‫‪ 382‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.111 :‬‬
‫‪ 383‬سورة احلج‪ ،‬اآلية‪.8 :‬‬
‫‪ 384‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.125 :‬‬
‫والتي أطلق عليها فيما بعد اسم "المحاكم الملكيّة"‪ ،‬لتمارس س لطة التحقي ق في معتق دات النّ اس‪ ،‬حتّى تكتش ف أولئ ك ال ذين يخ الفون‬
‫تعاليم الكنيسة‪.386‬‬
‫الشيَع الدينيّة في الدول الغربيّة قد أذكى الفتن فيما بينها‪ ،‬واستم ّرت هذه الفتن‪ ،‬وبلغت ح ّداً من الش ّدة جعلت النّ اس‬
‫ولقد كان التنّوع في ِ‬
‫أن االختالف في العقيدة الدينيّ ة ال يح ول دون‬ ‫ّ‬
‫يسيرون نحو تجاوز االعتقاد الديني إلى مبدإ "المواطنيّة"‪ ،‬وأن يسلموا بمبدإ آخر‪ ،‬وهو ّ‬
‫االنتساب لمواطنيّة مشتركة‪ ،‬وأصبح هذا المبدأ فيما بعد‪ ،‬هو حجر الزاوية للمذهب الديمقراطي في أوربا الغربيّة‪.387‬‬
‫وبهذا استُبعد التز ّمت االعتقادي‪ ،‬وح ّل محلّ ه تع ايش المعتق دات واآلراء‪ ،‬تعايش ا ً مس تمراً‪ ،‬واس تُبعد العن ف لف رض االعتق ادات على‬
‫إن الديمقراطية ال تقبل التز ّمت االعتقادي‪ ،‬بل تحترم ح ّ‬
‫ق ك ّل إنس ان ب أن يعتق د كم ا يري د‪ ،‬م ا دام اعتق اده ال يدفع ه إلى‬ ‫اآلخرين‪ ،‬إذ ّ‬
‫‪388‬‬
‫استعمال الق ّوة للقضاء على اعتقادات مخالفيه ‪.‬‬
‫أن غياب هذا التسامح يؤثّر على الناحية المدنيّة‪ ،‬حيث يق ول "روس و"‪:‬‬ ‫ولقد أق ّر المف ّكرون الغربيّون ضرورة التسامح الديني‪ ،‬وأ ّكدوا ّ‬
‫‪389‬‬
‫«‪ ‬ففي ك ّل مكان يق ّر فيه عدم التسامح الديني يكون من المستحيل أن ال يترك بعض األثر المدني‪. » ‬‬
‫وتضع الدول الديمقراطية بعض الحدود لحرية االعتق اد‪ ،‬وتتعلّ ق في مجمله ا ب احترام أحك ام الدس تور‪ ،‬وحماي ة النظ ام الع ام‪ ،‬وع دم‬
‫التع ّد ي على الميادين العامة‪ ،‬وعدم المساس بكيان الدولة‪ ،‬وعدم التعرّض لحريات اآلخرين‪.‬‬
‫كما يالحظ إقرار بعض الدول الديمقراطية بوجود ال ديانات األخ رى‪ ،‬المخالف ة لديان ة الغالبيّ ة العظمى من س ّكانها‪ ،‬فنج د مثالً فرنس ا‬
‫وألمانيا وهولندا تعلن بأن اإلسالم هو الديانة الثانية فيها‪.‬‬
‫أن معاملة هذه الدول للّذين ال يدينون بدينهم‪ ،‬قد تطوّرت إيجابيا ً في العصـر الحالي‪ ،‬مقارنة بما هي عليه‬ ‫ومجمل القول في هذا المجال ّ‬
‫في العصـور السابقة‪ ،‬وإن كان ق د ح دث بعض االنتكـاس في معامل ة المس لمين في ال دول الغربيّ ة‪ ،‬بس بب المس تج ّدات على الس احة‬
‫الدوليّة مؤ ّخراً‪.‬‬
‫كما يوجد انتقاص لحقوق األقليات الدينيّة في الدول الديمقراطية‪ ،‬وذلك راجع إلى فكرة الفصل بين ال ّدين والدولة في هذه الدول‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬اختالف أساس اإلقرار بحقوق وحريات أتباع األديان بين اإلسالم‬
‫والديمقراطيات الغربيّة‬
‫ويمكن رصد هذه االختالفات فيما يأتي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مصدر الحقوق والواجبات لغير المسلمين قد تقرّر لهم ش رعاً‪ ،‬ووف ق نص وص الش ريعة اإلس المية‪ ،‬وليس مص درها الق انون‬
‫الداخلي‪ ،‬أو ما تقرّه لهم األغلبيّة‪ ،‬كما هو حاص ل في ال دول الديمقراطي ة؛ ول ذلك فإنّ ه ليس ألح د‪ ،‬ول و ك ان حاكم اً‪ ،‬أن يس لبهم تل ك‬
‫إن للمسلمين أن يزيدوهم حقوقا ً أخرى‪ ،‬بشرط أالّ تعارض هذه الزي ادة مب دأ من مب ادئ اإلس الم؛‬ ‫الحقوق‪ ،‬أو أن ينقص منها شيئاً‪ ،‬بل ّ‬
‫فإن لألغلبيّة‪ ،‬التي أق ّرت منح تلك الحقوق لألقليّات‪ ،‬أن تنقص منها شيئاً‪ ،‬أو أن تسلبهم إيّاها كاملة؛ ول ذلك‬
‫بينما في الدول الديمقراطية ّ‬
‫فإن األقليّات في هذه الدول تكون في حقيقة األمر رهن معاملة األغلبيّة لها‪ ،‬وليس لها ضمان ثابت‪ ،‬كما هو في النظام اإلسالمي‪ ،‬الذي‬ ‫ّ‬
‫ألن مصدرها هو الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وذلك ضمان أكي د له ذه الحق وق‪،‬‬ ‫تُعتبر فيه هذه الحقوق والواجبات لألقليّات غير المسلمة ثابتة؛ ّ‬
‫حيث ال يستطيع حاكـم أن يلغيها أو يبطلها‪ّ ،‬‬
‫ألن ما قرّرته الشريعة اإلسالميـة ال يمكن أن ينسخه إنسان‪.390‬‬
‫وبهذا يتبيّن لنا الفارق الجوهري في ضمانات حقوق وحريات أتباع األديان المختلفة‪ ،‬بين ما هو مق ّرر في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وما هو‬
‫موجود في الدول الديمقراطية‪ ،‬ويتجلّى لنا سم ّو الشريعة اإلسالمية في هذا المجال‪ ،‬ومدى احترامها للمخالفين لها‪.‬‬

‫غ((زوي (حممد س‪GG‬ليم حمم‪GG‬د)‪ ،‬الحري((ات العامة( في اإلس((الم مع المقارنة بالمب((ادئ الدس((تورية الغربيّة والماركس((ية‪ّ ،‬‬
‫مؤسسة ش‪GG‬باب‬ ‫‪385‬‬

‫اجلامعة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،.‬ص‪.202 .‬‬


‫‪ 386‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.203 .‬‬
‫ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.229-228 .‬‬ ‫‪387‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.255 .‬‬ ‫‪388‬‬

‫‪ 389‬روسو (جان جاك)‪ ،‬العقد االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.212 .‬‬


‫الم((ودودي (أبو األعلى)‪ ،‬نظرية اإلس((الم وهديه (حق((وق أهل الذمة في الدولة اإلس((المية)‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد ك‪GG‬اظم س‪GG‬باق‪ ،‬دار الفكر‬ ‫‪390‬‬

‫للطباعة والنشر والتوزي‪GG G‬ع‪ ،‬د‪ .‬ط‪1389 .‬هـ ‪1969-‬م‪ ،‬ص‪ G G - G .334 .‬زي ((دان (عبد الك ‪GG‬رمي)‪" ،‬بحث في معاملة( األقليّ ((ات غ ((ير المس ((لمة‬
‫واألجانب في الشريعة اإلسالمية" مرجع سابق‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬ص‪.312-311 .‬‬
‫أن من مصلحة المواطنين غير المسلمين في البالد اإلسالمية‪ ،‬المشاركة في الدعوة إلى تطبيق الش ريعة‬ ‫ومن خالل هذا األمر يتبيّن لنا ّ‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لتكون هي المرجع في تثبيت حقوقهم وواجباتهم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وفي مجال إقرار حرية االعتقاد‪ ،‬وحريّة تغيير ال ّدين‪ ،‬نالحظ أنّه في النظام الديمقراطي يطلق هذا األم ر على عواهن ه‪ ،‬فال‬
‫ي دين شاء‪ ،‬سواء أكان سماويا ً أم وضعياً‪ ،‬وله أن يغيّر دينه كما يشاء‪ ،‬كم ا ّ‬
‫أن ل ه‬ ‫يح ّده قيد وال شرط؛ فنجد ّ‬
‫أن المواطن له أن يتديّن بأ ّ‬
‫أالّ يعتقد في دين مطلقا ً (اإللحاد)‪.‬‬
‫بينما نجد في الفقه اإلسالمي مسألة " قتل المرت ّد "‪ ،391‬أي الذي يغيّر دينه من اإلسالم إلى دين آخر‪ ،‬وهذه مسألة كثر فيه ا الكـالم بين‬
‫الفقهـاء قديما ً وحديثاً‪ ،‬بين من يقـرّها ويبرّرها مستنداً إلى النصوص الشرعية في هذا المج ال‪ ،‬وبين من يتحفّ ظ على ه ذه المس ألة‪ ،‬أو‬
‫يرفضها‪ ،‬بنا ًء على تأويله لبعض النصوص الواردة في هذا الشأن‪ ،‬واعتماده على نصوص شرعيّة عامة أخرى‪ ،‬والس يّما م ا ورد في‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬الذي يؤسّس لحرية االعتقاد في كثير من نصوصه‪.392‬‬
‫كما نجد المسلمين يرفضون فكرة "اإللحاد" وال يقرّون عليها‪.‬‬
‫أن "االختالف الديني "حقيقة واقعة‪ ،‬وال يمكن إزالتها؛ فتلك سنّة هللا في خلقه‪ ،‬وطبيعة بش ريّة‪،‬‬
‫ومن خالل ك ّل ما سبق ذكره‪ ،‬يتبيّن لنا ّ‬
‫ولذلك سعت الشرائع المختلفة‪ ،‬سماويّة ووضعيّة‪ ،‬لإلقرار بهذا الواقع‪ ،‬ووضع ضمانات مختلف ة لتجنّب م ا ق د ينتج عن ه ذه الظ اهرة‬
‫من صراع ونزاع‪.‬‬
‫ولذلك ُكفلت حرية االعتقاد‪ ،‬و ُوضعت ضمانات لحمايتها‪ ،‬وأُق ّرت حقوق و واجبات أتباع مختلف الديانات‪ ،‬سواء أكانوا أغلبيّة في البلد‬
‫أم أقليّة‪.‬‬
‫ونجد اإلسالم قد فاق األنظمة الوض عيّة في إق راره بحري ات وحق وق مخالفي ه‪ ،‬واع ترف بم واطنتهم في المجتم ع اإلس المي؛ فك انت‬
‫ضماناته ثابتة ال تتأثّر بأمزجة الح ّكام‪ ،‬أو آراء األغلبيّة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ومع بعض التحفّظـات والتساؤالت التي يثيرها البعض حول مسألـة " الر ّدة " المعروفة في الفق ه اإلس المي‪ ،‬فإنّ ه باإلض افة إلى‬
‫أن هذه المسألة خالفيّة بين الفقهاء‪ ،‬قديما ً وحديثاً‪ ،‬فهي مع فرض ثبوتها فإنّه ا أُق رّت حفاظ اً ع ل كرام ة اإلنس ان المسلـم ومص لحته‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وأيضا لحفظ النظـام العـام في دولة اإلسالم‪ ،‬التي تجعل العقيدة اإلسالمية أساس المجتمع اإلسالمي‪.‬‬ ‫ً‬

‫بكل تلك الضمانات‪ ،‬فلماذا ال‬ ‫ومؤداه أنّه‪ :‬إذ كان اإلسالم يدعو إىل حرية االعتقاد‪ ،‬وحييطها ّ‬ ‫‪ 391‬حيث جند تساؤالً يطرح يف هذا اجملال ّ‬
‫يرتك للمسلم‪ G‬حرية االرتداد عن دينه واعتن‪G‬اق دين آخ‪G‬ر‪ ،‬بل يعاقبه اإلس‪G‬الم بالقت‪G‬ل‪ ،‬ويف ه‪G‬ذا ن‪G‬وع من اإلك‪G‬راه ال‪G‬ذي نف‪G‬اه اإلس‪G‬الم بقاع‪G‬دة‬
‫"ال إكراه يف ال ّدين"‪ .‬ولكن هذه الشبهة تنمحي إذا وضعنا نصب أعيننا هذه احلقائق اآلتية‪:‬‬
‫‪-‬اإلس‪GG‬الم هو أكمل األدي‪GG‬ان وأوفاها وأس‪GG‬لمها‪ ،‬وأكثرها رعاية حلق‪GG‬وق اإلنس‪GG‬ان وكرامت‪GG‬ه‪ ،‬فنك‪GG‬وص املس‪GG‬لم عن اإلس‪GG‬الم يع‪ّ G‬د إه‪GG‬داراً لعقله‪G‬‬
‫وشخصيته‪ ،‬وترك الفاضل إىل املفضول‪.‬‬
‫نص الق‪GG‬رآن الك‪GG‬رمي‬‫‪-‬مل جيرب اإلس‪GG‬الم أح‪GG‬داً على اعتناق‪GG‬ه‪ ،‬وإمّن ا ك‪GG‬ان األس‪GG‬اس يف دعوته إىل الن‪GG‬اس يتمثّل يف احلكمة واملوعظة احلس‪GG‬نة‪ ،‬وقد ّ‬
‫على أنّه "ال إكـراه يف ال ّدين"‪ ،‬وترك املسلمـون‪ G‬النصارى واليهود واجملوس يف بالد الش‪G‬ام والع‪G‬راق ومصر على دينهـم‪ ،‬ومل يفرض‪G‬وا اإلس‪G‬الم‬
‫على أحد منهم‪.‬‬
‫‪G‬ردة يف ه‪GG‬ذا احلال "خيانة‬ ‫‪G‬اداً" بقواعد ه‪GG‬ذا ال ‪ّ G‬دين‪ ،‬ما دام قد اخت‪GG‬اره مبحض إرادت‪GG‬ه‪ ،‬وتعترب ال‪ّ G‬‬
‫‪-‬اعتن‪GG‬اق الش‪GG‬خص لإلس‪GG‬الم يعين "التزام ‪G‬اً ج‪ّ G‬‬
‫خسيسا هبذا االلتزام‪.‬‬
‫ً‬ ‫عظمى"‪ ،‬وإخالالً‬
‫بدعا يف هذا اجملال‪ ،‬فاملسيحيّة هي األخرى هتدر دم املرت ّد عنها‪ ،‬وكذلك تفعل األديان األخرى‪.‬‬ ‫‪-‬واإلسالم ليس ً‬
‫أمدا حياسب فيه نفسه‪ ،‬ويستتاب فيه‪ ،‬فإن مل يتب ويثب إىل صوابه قُتل‪.‬‬ ‫‪-‬واإلسالم ال يقتل املرت ّد حال ارتداده؛ وإمّن ا يعطيه ً‬
‫انظر يف ه‪GG‬ذا‪ :‬خالّف (عبد الوه‪GG‬اب)‪ ،‬السياسة الش(رعية‪ ،‬ص‪ .35-34 .‬نقالً عن‪ :‬قميحة (ج‪GG‬ابر)‪ ،‬المعارضة في اإلس(الم‪-‬بين النظرية‬
‫والتطبيق‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.34-33 .‬‬
‫انظر يف تفصيل هذا املوضوع‪ :‬حللي (عبد الرمحن)‪ ،‬حرية االعتقاد في القرآن الكريم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .105 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪392‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫التعدّديّة السياسيّة‬

‫تعترب التع ّدديّة السياس‪GG G G G‬يّة من بني اإلط‪GG G G G‬ارات لتق‪GG G G G‬نني التعامل مع س‪GG G G G‬نّة االختالف والتن‪Gّ G G G‬وع‪ G‬يف حي‪GG G G‬اة‬
‫وفكرا وممارسة‪.‬‬‫اإلنسان‪ ،‬طبيعة‪ً G‬‬
‫كما أ ّن اإلق‪GG G‬رار باحلرية يس‪GG G‬تلزم اعرتاف ‪G G‬اً بالتع ّدديّ‪GG G‬ة‪ ،‬وأ ّن اإلق‪GG G‬رار هبذه األخ‪GG G‬رية يعترب اعرتاف ‪G G‬اً‪ G‬بوج‪GG G‬ود‬
‫التنوع‪ ،‬والذي يرتتّب عنه االختالف يف املصاحل وترتيب األولويات وأساليب‪ G‬العمل والتنظيم‪.‬‬ ‫ّ‬
‫هامة بني اآللي ‪GG G‬ات األخ‪GG G‬رى‪ ،‬إذ‬ ‫والتع ّدديّة السياس ‪GG G‬يّة‪ G‬كآلية من آلي ‪GG G‬ات الدميقراطية الغربيّة حتتّل مكانة ّ‬
‫جتسد معىن احلرية اليت هي جوهر النظّام الدميقراطي‪ ،‬وجتعل آللية التداول معىن حقيقياً‪.‬‬ ‫إهّن ا ّ‬
‫حيث أصبحت "التع ّدديّة" نظاماً سياسياً يقابل نظام "الواحديّة"‪ ،‬وأصبح هذا التقسيم لألنظمة ب‪GG‬ديالً‬
‫للتقسيم القدمي لألنظمة إىل ملكيّة ومجهوريّة‪ ...‬والذي مل يعد يعرّب جيّداً عن النظم السياسيّة‪ G‬احلالية‪.‬‬
‫التوجه‪GG‬ات والتنظيم‪GG‬ات يف احلي‪GG‬اة السياس‪GG‬يّة‪G،‬‬ ‫وممّا تقتض‪GG‬يه "التع ّدديّة السياس‪GG‬يّة"‪ G‬قب‪GG‬ول مش‪GG‬اركة خمتلف ّ‬
‫وتنافسها تنافساً حراً وفق ضوابط حيرتمها اجلميع‪.‬‬
‫وميكن فرز ثالثة أنواع‪ G‬من أنواع التع ّدديّة السياسيّة‪ :‬تع ّدديّة يف املذاهب‪ G‬وما تقوم عليه من اعتق‪GG‬ادات‬
‫وتصورات‪ ،‬وهو ما يسمى "التع ّدديّة اإليديولوجيّة"‪ G،‬وتع ّدديّة يف التنظيمات السياسيّة اليت جتتمع يف‬ ‫وأفكار ّ‬
‫منظّم ‪GG‬ات سياس ‪GG‬يّة لروابط مذهبيّة وعقديّة ‪ -‬أو مص ‪GG‬لحيّة‪ -‬أو أه ‪GG‬داف مش ‪GG‬رتكة‪ ،‬وهو ما يس ‪Gّ G‬مى"التع ّدديّة‬
‫احلزبيّ‪GG‬ة"‪ ،‬ون‪GG‬وع آخر من التع ّدديّة اقتض ‪GG‬ته ض‪GG‬رورة أداء الدولة ل ‪GG‬دورها على أحسن وج‪GG‬ه‪ ،‬من خالل خدمة‬
‫يسمى "التع ّدديّة املؤسّساتيّة"‪.‬‬ ‫الشعب ومتثيله وحفظ حقوقه وحرياته‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫قسمنا هذا الفصل إىل املباحث اآلتية‪G:‬‬ ‫ولذلك فقد ّ‬

‫المبحث األوّل‪ :‬ونتناول فيه التعـ ّدديّة اإليديولوجيّة‪.‬‬


‫ونتعرض فيه إىل التع ـ ّدديّة احلزبيّة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ّ :‬‬
‫املؤسساتيّة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ونتح ّدث فيه عن التع ّدديّة ّ‬
‫األول‬
‫المبحث ّ‬
‫التعدّديّة اإليديولوجيّة‬

‫كل ما حييط ب‪GG‬ه‪ ،‬ويص‪GG‬نع‬ ‫لقد خلق اهلل سبحانه وتعاىل اإلنسان‪ G‬كائنا مف ّكراً ومبدعاً‪ ،‬ال يفتأ يف ّكر يف ّ‬
‫تص‪Gّ G G‬ورات عن نفس‪GG G‬ه‪ ،‬وعن بين جنس‪GG G‬ه‪ ،‬وعن الك‪GG G‬ون‪ G‬كلّ‪GG G‬ه‪ ،‬وجيعل من ك‪Gّ G G‬ل ذلك عقي‪GG G‬دة يتبنّاه‪GG G‬ا‪ ،‬وي‪GG G‬ؤمن‬
‫بأفكارها ومبادئه‪GG‬ا‪ ،‬ويك‪Gّ G‬ون‪ G‬من ك‪Gّ G‬ل ذلك م‪GG‬ذهباً أو منظومة فكريّة يس‪GG‬عى لكي يعتنقها اجملتم‪GG‬ع‪ ،‬وجي ّس ‪G‬دها‬
‫النظام احلاكم‪.‬‬
‫السماء‪ ،‬اليت نظّمت شؤون احلي‪GG‬اة بأحك‪GG‬ام واض‪GG‬حة بيّن‪GG‬ة‪،‬‬ ‫وكثرياً ما يفعل اإلنسان ذلك جهالً برسالة ّ‬
‫وح‪ّ G G‬ددت التص ‪Gّ G‬ورات احلقيقيّة‪ G‬الص ‪GG‬ادقة عن الوج ‪GG‬ود كلّ ‪GG‬ه؛ كما قد يتّخذ اإلنس ‪GG‬ان تلك اإلي ‪GG‬ديولوجيات أو‬
‫املذاهب‪ G‬الوض ‪GG‬عيّة‪ G‬عقي ‪GG‬دة ومنهاج‪G G‬اً له يف احلي ‪GG‬اة‪ ،‬بس ‪GG‬بب إنكـاره ل ‪GG‬وحي السمـاء‪ ،‬أو نتيجة اعتق ‪GG‬اده‪ G‬بع ‪GG‬دم‬
‫كفايته‪ ،‬وذلك تن ّكب عن الصراط املستقيم‪.‬‬
‫احلق منهاج‪G‬اً‬
‫‪G‬يما إذا مل يتّخ‪GG‬ذوا ال‪ّ G‬دين ّ‬ ‫وط‪GG‬بيعي‪ G‬أن ختتلف وتتع‪ّ G‬دد تص‪Gّ G‬ورات الن‪GG‬اس واعتق‪GG‬اداهتم‪ ،‬والس‪ّ G‬‬
‫هلم‪ ،‬ومرجعاً ألفكارهم واعتقاداهتم‪.‬‬
‫ولقد كانت اجتهادات مف ّكري اإلسالم وفقهائه خمتلفة ح‪GG‬ول م‪GG‬دى قب‪GG‬ول نظ‪GG‬ام اإلس‪GG‬الم‪ G‬بتواجد ه‪GG‬ذه‬
‫املذاهب‪ G‬الوضعيّة واإليديولوجيات‪ G‬املختلفة يف دولة اإلسالم‪ ،‬وموقفه من التع ّدديّة اإليديولوجيّة‪.‬‬
‫وفيما يأيت نتناول –حبول اهلل تعاىل‪ -‬هذه املوضوع يف املطالب اآلتية‪:‬‬

‫المطلب األوّل ‪ :‬ونـتـنـاول فيــه مفـهـوم اإليـديـولـوج ـيــا‪.‬‬


‫"اإليديولوجيا"وتطوراته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬ونتح ّدث فيه عن األصول التارخييّة ملصطلح‬
‫ونتعرض فيه إىل أهـداف اإليـديـولوجيـات ووظـائـفـها‪.‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ّ :‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬ونتح ّدث فيه عن اإليـديـولوجيـات بني االستمـرار والنهايـة‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬ونتناول فيه عالقـة اإليـديولوجيـات بالتنظيمـات الـحزبيّة‪.‬‬
‫ونتعرض فيه إىل مدى قبول نظام اإلسالم‪ G‬للتـع ّدديّة اإليديولوجيّة‪G.‬‬ ‫المطلب السادس‪ّ :‬‬
‫( ‪)Idéologie‬‬ ‫األول‪ :‬مفهوم اإليديولوجيا‬
‫المطلب ّ‬
‫أوال‪ :‬المعنى اللّغوي‬
‫‪G‬ؤدي‬
‫"اإليديولوجي‪GG‬ة" كلمة مس‪GG‬توردة غري عربيّ‪GG‬ة‪ ،‬وليس هلا إىل اآلن م‪GG‬رادف دقيق باللّغة العربيّة ي‪ّ G‬‬
‫معناه ‪GG G‬ا‪ .‬ولقد عجز الكتّ ‪GG G‬اب الع ‪GG G‬رب عن ترمجتها بكيفيّة‪ُ G‬مرض ‪GG G‬ية‪ ،‬والعب ‪GG G‬ارات اليت تقابلها –مث‪GG G‬ل‪ :‬منظومة‬
‫فكريّة‪ ،‬عقيدة‪ ،‬ذهنيّة‪ ،‬وغريها‪ -‬تشري فقط إىل معىن واحد من بني معانيها‪.393‬‬
‫ولفظ "اإلي ‪GG G G G G‬ديولوجيا"‪ G‬يتك ‪Gّ G G G G G‬ون من مقطعني مها‪ "Idea" :‬مبعىن (فك ‪GG G G G G‬رة)‪ ،‬و "‪ "Ology‬مبعىن (علم)‬
‫والتصورات‪.394G‬‬
‫ّ‬ ‫يهتم باألفكار واآلراء‬ ‫ومعىن ذلك أ ّن "اإليديولوجيا"‪ G‬هي العلم الذي ّ‬
‫واحلقيقة أ ّن كلمة "إي‪GG‬ديولوجيا" دخيلة على مجيع اللّغ‪GG‬ات احليّ‪GG‬ة‪ ،‬وتعين لغوي ‪G‬اً ‪-‬يف أص ‪GG‬لها الفرنس‪GG‬ي‪-‬‬
‫علم األفك‪GG G‬ار‪ ،‬لكنّها مل حتتفظ ب‪GG G‬املعىن اللّغ‪GG G‬وي‪ ،‬إذ اس‪GG G‬تعارها‪ G‬األملـان وض‪Gّ G G‬منوها معىن آخ‪GG G‬ر‪ ،‬مثّ رجعت إىل‬
‫حىت يف لغتها األصليّة‪.395‬‬ ‫الفرنسيّة‪ ،‬فأصبحت دخيلة ّ‬
‫وقد أصبح هذا املصطلح كثري االستعمال يف معظم اللّغات‪ ،‬حىّت إنّه ميكن اعتباره مصطلحاً عاملياً‪.‬‬
‫خيص اللغة العربيّة ف‪GG G G‬إ ّن ه‪GG G G‬ذا املص‪GG G G‬طلح ميكن اعتب‪GG G G‬اره‪ G‬كلمة مس‪GG G G‬تعربة؛ ول‪GG G G‬ذلك ورد يف بعض‬
‫وفيما ّ‬
‫التصورات‪ G‬واأللفاظ‪.396» ‬‬‫فن البحث يف ّ‬ ‫القواميس‪ G‬العربيّة هبذا اللفظ‪ ،‬وعُّرف فيها بأنّه‪ّ  «:‬‬
‫ولقد ح ‪GG‬اول بعض الب ‪GG‬احثني تع ‪GG‬ريب ه ‪GG‬ذه الكلم ‪GG‬ة‪ ،‬وإجياد م ‪GG‬رادف هلا يف اللّغة العربيّ ‪GG‬ة‪ ،‬حيث ورد يف‬
‫بعض القواميس‪ G‬أ ّن مرادفها هو لفظ "املذهبيّة"‪.397‬‬

‫ص‪G‬رف الع‪GG‬ريب؛ وذلك ب‪GG‬أن تس‪GG‬تعمل‬‫متام‪GG‬ا‪ ،‬وإدخاهلا يف ق‪GG‬الب من ق‪GG‬والب ال ّ‬


‫كما اق‪GG‬رتح بعض‪GG‬هم تعريبها ً‬
‫كلمة " أدلوج‪GG‬ة" على وزن "أفعول‪GG‬ة"‪ ،‬وتص‪Gّ G‬رف حسب قواعد اللّغة العربيّ‪GG‬ة؛ فيق‪GG‬ال‪ :‬أدلوجة ومجعها أداليج‬
‫تدليجا‪ ،‬وأدلوجي مجعه أدلوجيون‪.398‬‬
‫ً‬ ‫إدالجا ودجّل‬
‫أو أدلوجات‪ ،‬وأدجل ً‬
‫‪.9‬‬ ‫العروي (عبد اهلل)‪ ،‬مفهوم اإليديولوجيا‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪-‬بريوت‪ -‬ط‪1999 ،6 .‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪393‬‬

‫عبـود (عبد الغين)‪ ،‬العقيدة اإلسالميـة( واإليديولوجيـات المعاصـرة‪ ،‬دار الفكـر العـريب‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬ط‪1976 ،1 .‬م‪ ،‬ص‪.19-18.‬‬ ‫‪394‬‬

‫‪.9‬‬ ‫العروي (عبد اهلل)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪395‬‬

‫شيخو (لويس)‪ ،‬المنجد في اللّغة واألدب والعلوم‪ ،‬املطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،.‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.22 .‬‬ ‫‪396‬‬

‫‪ 5397‬إدريس (سهيل)‪ -‬عبد النور (جبور)‪ ،‬المنـهـل (قاموس فرنسي‪-‬عربي)‪ ،‬دار اآلداب‪ -‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،9 .‬‬
‫‪1987‬م‪ ،‬ص‪.9 .‬‬
‫العروي (عبد اهلل)‪ ،‬مفهوم اإليديولوجيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9 .‬‬ ‫‪398‬‬
‫‪G‬ؤول الوق ‪GG‬ائع بكيفيّة تظهرها‬
‫فيق ‪GG‬ال‪ :‬إ ّن فالنًا ينظر إىل األش ‪GG‬ياء نظ ‪GG‬رة أدلوجيّ ‪GG‬ة‪ ،‬أي يتخرّي األش ‪GG‬ياء وي ‪ّ G‬‬
‫احلق‪ ،‬ونق‪GG G‬ول إ ّن احلزب الفالين حيمل أدلوج ‪GG‬ة‪ ،‬أي القيم واألخالق واأله ‪GG‬داف‬ ‫دائم‪G G‬اً مطابقة ملا يعتقد أنّه ّ‬
‫اليت ينوي حتقيقها على املدى القريب والبعيد‪.399‬‬
‫‪G‬ريا يف اجملال السياس‪G‬ي‪ ،‬ول‪G‬دى الب‪G‬احثني‬ ‫فهذه بعض اس‪G‬تعماالت لفظ "اإلي‪G‬ديوجيا"‪ ،‬وال‪G‬ذي يُت‪G‬داول كث ً‬
‫والدارسني‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المعنى االصطالحي‬
‫اصطالحا بع ّدة تعاريف‪ ،‬نذكر منها ما يأيت‪:‬‬ ‫ً‬ ‫لقد عُّرفت "اإليديولوجي‪G‬ا"‬
‫عرفتها "موسوعة‪ G‬السياسة" بأهّن ا‪ « :‬ناتج عملية تكوين نسق فك‪GG‬ري ع‪GG‬ام‪ ،‬يف ّس‪G‬ر الطبيعة‪ G‬واجملتمع‬ ‫‪ّ -1‬‬
‫والف‪GG‬رد؛ ممّا حي ّدد موق ًفا فكـريًا وعمليًا ملعتنق ه‪GG‬ذا النس‪GG‬ق‪ ،‬ال‪GG‬ذي يربط ويكـامل األفكـار يف خمتلف املي‪GG‬ادين‪،‬‬
‫الفكريّة السياسيّة واألخالقيّة والفلسفيّة‪.400» ‬‬
‫وعرفتها موس ‪GG‬وعة‪ G‬فرنس ‪GG‬يّة بأهّن ا‪ « :‬جمموعة من األفك ‪GG‬ار‪ ،‬تؤلّف م ‪GG‬ذهبًا فلس ‪GG‬فيًا‪ ،‬وحت ّدد الس ‪GG‬لوك‬
‫‪ّ -2‬‬
‫الفردي واجلماعي‪ ،» ‬أو كما جاءت يف صيغتها األصليّة بأهنا‪:‬‬
‫«‪Système d'idées constituant un corps de doctrine philosophique et   ‬‬
‫‪. 401» conditionnant le comportement d'un individu ou d'un groupe‬‬

‫اها‬
‫‪ -3‬ومن تعريفاهتا ك‪GG‬ذلك أهّن ا‪ « :‬اجّت اه عقائ‪GG‬دي‪ ،‬أو منظومة منس‪GG‬جمة من األفك‪GG‬ار‪ ،‬حت ّدد اجّت ً‬
‫معينًا‪.402» ‬‬
‫إنسانيًا ّ‬

‫‪ 399‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.10-9 .‬‬


‫وهناك من يتح ّفظ يف استعمال "مفهوم‪ G‬اإليديولوجيا"؛ وذلك ألنّه مفهوم مشكل‪ ،‬لذلك جيب استعماله حبذر‪ ،‬بل يتحتّم االستغناء عنه‬
‫يف أكثر احلاالت‪ ،‬بعكس ما يقع عندنا؛ وكذلك فإ ّن هذا املفهوم غري برئ‪ ،‬حيث حيمل يف طيّاته اختيارات فكريّة جيب الوعي هبا لكي‬
‫ال يتناقض صريح الكالم مع مدلوله الضمين‪ ،‬وكذلك فإنّه مفهوم قد يصلح أداة للتحليل السياسي واالجتماعي والتارخيي‪ ،‬ولكن بعد‬
‫كل باحث وفيًا ملنهج املادة اليت يبحث فيها‪ .‬انظر‪ :‬العـروي (عـبد اهلل)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.127 .‬‬
‫فرزه وجتريده‪ ،‬لكي يبقى ّ‬
‫الكيالي (عبد الوهاب) وآخرون‪ ،‬موسوعة السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.422-421 .‬‬ ‫‪400‬‬

‫‪.Dictionnaire Encyclopédique, LAROUSSE, Paris, 1998, p. 779 401‬‬

‫تطور اإليديولوجيّة العربيّة الثورية (الفكر القومي)‪ّ ،‬‬


‫املؤسسـة العربيّة للدراسات والنشـر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1979 ،7 .‬م‪،‬‬ ‫فرح (إلياس)‪ّ ،‬‬
‫‪402‬‬

‫ص‪.8 .‬‬
‫‪ -4‬وورد يف "موس‪GG‬وعة املورد" أ ّن اإليديولوجيّة‪ G‬مص‪GG‬طلح يقصد ب‪GG‬ه‪ « :‬ك‪Gّ G‬ل جمموعـة نظاميّة من‬
‫املف‪GG G‬اهيم‪ ،‬يف موض‪GG G‬وع احلي‪GG G‬اة أو الثقافة البش‪GG G‬ريّة‪ ،‬كما يُقصد به طريقـة التفكري (أو حمت‪GG G‬وى التفك‪GG G‬ري)‪ G‬املميّز‬
‫لفـرد أو مجاعة أو ثقاف ‪GG G G‬ة‪ ،‬وجمم ‪GG G G‬وع النظري ‪GG G G‬ات واأله ‪GG G G‬داف املتكاملة اليت تش‪ّ G G G G‬كل ق ‪GG G G‬وام برن ‪GG G‬امج سياسي‬
‫اجتماعي‪.403» ‬‬
‫‪ -5‬واعترب بعض الب ‪GG G‬احثني املعاص ‪GG G‬رين أ ّن لفظ "اإلي ‪GG G‬ديولوجيا" تعين –فيما هو متّفق علي ‪GG G‬ه‪ « -‬فكر‬
‫مذهيب‪ ،‬فيما يتّصل بالبناء االجتماعي والسياسي واالقتصادي‪.404» ‬‬
‫واملالحظ على التع‪GG G G‬اريف ال ّس ‪G G G‬ابقة لإلي‪GG G G‬ديولوجيا أهّن ا تش‪GG G G‬رتك يف كلمة "فك‪GG G G‬ر" أو "أفك‪GG G G‬ار"‪ ،‬إذن‪،‬‬
‫نظام‪GG‬ا‪- ،‬أو‬‫ختص "ع‪GG‬امل األفك‪GG‬ار" وال‪GG‬ذي يقابله "الع‪GG‬امل احملس‪GG‬وس"‪ ،‬وأ ّن ه‪GG‬ذه األفك‪GG‬ار تش‪ّ G‬كل ً‬ ‫فاإلي‪GG‬ديولوجيا ّ‬
‫خيص ميادين خمتلفة‪ ،‬كامليدان‪ G‬السياسي واالجتماعي وغريه‪.‬‬ ‫مذهبًا‪ّ -‬‬
‫وذلك ألنّه من الع ‪GG‬ادة أن ينظّم النّ ‪GG‬اس نش ‪GG‬اطاهتم السياس ‪GG‬يّة والدينيّة‪ G‬واألخالقيّة والثقافيّة واالقتص ‪GG‬اديّة‬
‫املؤسس‪GG G‬ات اجمل ّس ‪G G‬دة هلا‪ ،‬ينتقل‪GG G‬ون إىل‬
‫بطرائق معيّن‪GG G‬ة‪ ،‬وبعد تفكري طويل يف ه‪GG G‬ذه النش‪GG G‬اطات املختلف‪GG G‬ة‪ ،‬ويف ّ‬
‫واملؤسس‪GG G G‬ات‪ ،‬ومزاياه‪GG G G‬ا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مرحلة أخ‪GG G G‬رى‪ ،‬واملتمثّلة يف تك‪GG G G G‬وين أفك‪GG G G G‬ار معيّنة‪ G‬عن طبيعة ه‪GG G G G‬ذه النش‪GG G G G‬اطات‬
‫ويعمدون إىل صياغتها يف نظام عقائدي متكامل‪ ،‬وهو ما يعرف باسم "اإليديولوجيا"‪.405G‬‬
‫كما يالحظ أ ّن اص‪GG‬طالح "اإلي ‪GG‬ديولوجيا" تع ‪ّ G‬ددت معاني‪GG‬ه؛ وذلك بس ‪GG‬بب اختالف املدارس الفكريّ‪GG‬ة‪،‬‬
‫ونتيجة اختالف هذه املدارس يف مواقفها من اإلنسان واحلياة واجملتمع‪.406‬‬

‫‪ 403‬البعلبكي (منري)‪ ،‬موسوعة المورد‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1 .‬ص‪ 1981 .‬م‪.‬‬
‫‪ 404‬ثابت (عادل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،2001 ،‬ص‪.85 .‬‬
‫‪ 405‬البعلبكي (منري)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،5 .‬ص‪.171 .‬‬
‫و "اإليديولوجيا" تتميّز عن عبارات اصطالحيّة أخرى تقرتب منها يف بعض مدلوالهتا‪ ،‬وهي "الفكر السياسي" و"الفقه السياسي" و‬
‫"املذهب السياسي"‪ ،‬فاألول (الفكر السياسي) يعين‪ :‬نتاج ذهين بشري جاء منفعالً بعامل السياسة بواقعها ومبثالياهتا‪ ،‬والثاين (الفقه‬
‫السياسي)‪ :‬يشري إىل الفكر السياسي (مبدلوله املتق ّدم)‪ ،‬حينما يتبنّاه مجع من املف ّكرين وجيتمعون حوله (حال فقهاء العقد السياسي‬
‫"هوبز" و "لوك" و "روسو")‪ ،‬والثالث (املذهب السياسي) يعين‪ :‬الفقه السياسي حينما يستهدف به أصحابه تغيري واقع عامل السياسة‪،‬‬
‫جذريا أو جزئيًا‪ ،‬أو بعبارة أخرى يشري املذهب السياسي إىل سعي أصحاب الفقه السياسي بوضع هذا الفقه موضع التطبيق‪ ،‬ومن هنا‬
‫جاءت تسميّة "املذهب السياسي" باإليديولوجية‪،‬فنقول‪ :‬اإليديولوجيّة املاركسيّة‪ ،‬واإليديولوجيّة الليرباليّة ‪ ...‬انظر‪ :‬ثابت (عادل)‪،‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.85 .‬‬
‫‪ 406‬ربيع (حممد حممود)‪ ،‬آراء في الصحوة اإلسالمية( وموقف اإلسالم من اإليديولوجيات المعاصرة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫‪ 1405‬هـ‪ 1985 -‬م‪ ،‬ص‪.87 .‬‬
‫وتطوراته‬
‫ّ‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬األصول التاريخيّة لمصطلح "اإليديولوجيا"‪،‬‬

‫يقال إ ّن مصطلح "اإليديولوجيـا" يرجع إىل أصـول يونانيّة قدمية‪ ،‬وهو مك ّـون عندهم من مقطعني‬
‫مها‪( :‬أدي‪GG G G‬و) مبع‪GG G G‬ىن‪ :‬ما هو متعلّق ب‪GG G G‬الفكر‪ ،‬و(لوج‪GG G G‬وس) مبع‪GG G G‬ىن‪ :‬علم؛ فاإليديولوجيـا ف‪GG G G‬رع من الدراس ‪GG G‬ات‬
‫اإلنسانيّة‪ ،‬اليت تبحث يف طبيعة‪ G‬الفكر‪ ،‬ونشأة‪ G‬الصور العقليّة عند اإلنسان‪.407G‬‬
‫وهن‪GG G G G‬اك رأي آخر يق‪GG G G G‬ول إ ّن مص‪GG G G G‬طلح "اإلي‪GG G G G‬ديولوجيا" التيين األص‪GG G G G‬ل‪ ،‬وإ ّن ّأول من استخدمـه هو‬
‫الفيلس‪GG‬وف الفرنسي "أنط‪GG‬وان‪ G‬دس‪GG‬توت دوتراس‪GG‬ي" (‪ 1754- 1836( )Antone Destutt Detracy‬م)‪،‬‬
‫وذلك يف مطلع الق‪GG‬رن التاسع عش‪GG‬ر‪ ،‬ومبعىن "علـم األفكـار"‪ ،‬وكش‪GG‬يء مقابل للع‪GG‬امل احملس‪GG‬وس‪ ،‬ورمّب ا من‪GG‬اقض‬
‫له‪.408‬‬
‫فمفه ‪GG‬وم "اإلي ‪GG‬ديولوجيا"‪ G‬هبذا االعتب ‪GG‬ار ح ‪GG‬ديث نس ‪GG‬بيًا؛ حيث ج ‪GG‬اء إلينا من الفكر الفرنسي بعد ث ‪GG‬ورة‬
‫حمل "امليتافيزيق ‪GG G‬ا"‪ ،409G‬واليت ك ‪GG G‬انت غري ذات‬
‫حيل ّ‬
‫‪1789‬م‪ ،‬وقد ك ‪GG G‬ان اهلدف من املفه ‪GG G‬وم اجلديد هو أن ّ‬
‫كل شيء؛ وذلك لتأكيد انفصاهلا‪ G‬عن النظام القدمي‪.410‬‬ ‫قيمة بعد الثورة الفرنسيّة‪ ،‬اليت عملت على تغيري ّ‬
‫‪G‬ىت أحي‪GG‬اه الفيلس‪GG‬وف األملاين "ك‪GG‬ارل م‪GG‬اركس"‪،‬‬ ‫وبعد ذلك م‪Gّ G‬ر ه‪GG‬ذا املص‪GG‬طلح بف‪GG‬رتة أس‪GG‬يء فيها اس‪GG‬تعماله‪ ،‬ح‪ّ G‬‬
‫الذي استعمله للتعبري عن جمموعة من األفك‪G‬ار واملعتق‪GG‬دات اليت تس‪GG‬ود جمتمع‪G‬اً م‪GG‬ا‪ ،‬بفعل الظ‪GG‬روف االقتص‪G‬اديّة‬
‫‪411‬‬
‫والسياسيّة القائمة‪ ،‬وذلك يف كتابه "األيديولوجيّة األملانيّة"‪ G‬املنشور سنة ‪1829‬م ‪.‬‬

‫‪ 407‬عطيّة (أمحد)‪ ،‬القاموس السياسي‪ ،‬ط‪ ،3 .‬ص‪ ،161 .‬نقالً عن‪ :‬عبود (عبد الغين)‪ ،‬العقيدة اإلسالمية واإليديولوجيات المعاصرة(‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19-18 .‬‬
‫‪ 408‬الكيالي (عبد الوهاب) وآخرون‪ ،‬موسوعة السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.421 .‬‬
‫احملركة هلذا العامل‪،‬‬
‫القوة ّ‬
‫‪ 4‬امليتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) "‪ "Metaphysics‬شعبة من الفلسفة‪ G‬تبحث يف ماهية األشياء وعلّة العلل‪ ،‬أي ّ‬
‫‪409‬‬

‫وكلمة "امليتافيزيقا" تتألّف يف األصل من لفظتني يونانيتني مها‪ )Meta( :‬ومعناها (وراء) أو (بعد)‪ ،‬وكلمة "‪ "Physika‬ومعناها (الطبيعة)‪.‬‬
‫مرده إىل املصادفة؛ ذلك بأ ّن‬
‫والواقع أ ّن إطالق اسم "امليتافيزيقا" على هذا اجلانب من الفلسفة الذي يبحث يف" علّة املوجودات" ّ‬
‫مصنّفي مؤلّفات "أرسطو" وضعوا رسائله اخلاصة هبذا املوضوع بعد رسائله اخلاصة بعلم الطبيعة؛ فعُرفت هذه املباحث منذ ذلك احلني‬
‫بامليتافيزيقا‪ ،‬أو ما وراء الطبيعة‪ ،‬ولعلّهم‪ G‬فعلوا ذلك عامدين‪ .‬انظر‪ :‬البعلبكي (منري)‪ ،‬موسوعة المورد العربيّة‪ ،‬دار العلم للماليني‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1990 ،1 .‬م‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.1182-1181 .‬‬

‫‪ 410‬أبو شهيوة (مالك عبيد) ‪ -‬خلف (حممود حممد) ‪ -‬خشيم (مصطفى عبد اهلل)‪ ،‬األيديولوجيا والسياسة‪ ،‬الدار اجلماهريية للنشر‬
‫والتوزيع واإلعالن‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ط‪1993 ،1 .‬م‪ ،‬ص‪.21 .‬‬
‫‪ 411‬كتاب "اإليديولوجية األملانية" (‪ :)L'Idéologie Allemande‬مؤلّف‪ G‬فلسفي نقدي ملاركس و إنغلز‪ ،‬ر ّكزا فيه على نقد مثالية "هيغل"‬
‫وأنصاره الشبان و "فيورباخ" وللمذهب‪ G‬الفردي‪ ،‬واملذهب الفوضوي‪ ،‬وجململ الفكر األملاين الفلسفي‪ G‬السائد يف القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫فكرا بورجوازيًا جتريديًا‪ ،‬وصنّفاه على أنّه فكر معاد للربوليتاريا‪ .‬الكيالي (عبد الوهاب)و آخرون‪ ،‬موسوعة( السياسة‪،‬‬
‫والذي اعترباه ً‬
‫وقد نظر "م‪GG G‬اركس" إىل "اإليديولوجي‪GG G‬ة"‪ G‬نظ‪GG G‬رة اس‪GG G‬تنكار؛ ملا تنط‪GG G‬وي عليه من جتريد ألفك‪GG G‬ار هي يف‬
‫احلقيقة نت ‪GG‬اج العالق ‪GG‬ات االقتص ‪GG‬اديّة الس ‪GG‬ائدة يف اجملتم ‪GG‬ع‪ ،‬واس ‪GG‬تعملها "املاركس ‪GG‬يون" ّأول األمر لنقد املذاهب‪G‬‬
‫العقائديّة والفكريّة‪ G،‬اليت اعتربوها‪ G‬جتريديّة وغري متّفقة مع الواقع‪.412‬‬
‫إذ ي‪GG G G‬رى ه ‪GG G G‬ؤالء أ ّن "اإلي ‪GG G G‬ديولوجيات" تولّ‪GG G G‬دها الطبق ‪GG G G‬ات االجتماعيّ‪GG G G‬ة‪ ،‬بل ليست اإلي ‪GG G‬ديولوجيات‬
‫والطبقات االجتماعيّة –عندهم‪ -‬إالّ وجهني متكاملني يف واقع واحد‪.413‬‬
‫ولقد ن‪GG‬ال التعريف املاركسي ش‪GG‬هرة واس‪GG‬عة‪ ،‬وأثبتته كثري من الق‪GG‬واميس‪ G‬املعتم‪GG‬دة‪ ،‬وه‪GG‬ذا التعريف يعترب‬
‫أ ّن اإليديولوجية هي ‪ « :‬جمموعة أفك ‪GG‬ار وعقائد ونظري ‪GG‬ات‪ ،‬ي ‪GG‬دين هبا عصر من األعص ‪GG‬ر‪ ،‬أو جمتمع م ‪GG‬ا‪ ،‬أو‬
‫طبقة‪.414» ‬‬
‫وميكن اعتب ‪GG‬ار ه ‪GG‬ذه النظرية املاركس ‪GG‬يّة لإليديولوجيّة أهّن ا تصف ‪-‬إىل ح‪ّ G G‬د م ‪GG‬ا‪ -‬أوض ‪GG‬اع العصر ال ‪GG‬ذي‬
‫كتب فيه م‪GG G G G G‬اركس آراءه؛ فلقد ك‪GG G G G G‬انت اإلي‪GG G G G G‬ديولوجيات يف ذلك العصر تقابل طبق‪GG G G G G‬ات اجتماعيّة بوجه‬
‫خ‪GG G‬اص‪ ،‬ك‪GG G‬األحزاب السياس‪GG G‬يّة؛ فالنـزاعات بني اإليديولوجيّة احملافظة واإليديولوجيّ ‪G G‬ة اللّيرباليّة‪ G‬منذ الث‪GG G‬ورة‬
‫الفرنس ‪GG G‬يّة‪ ،‬تص‪Gّ G G G‬ور بوض‪GG G G‬وح النـزاع بني األرس ‪GG G‬تقراطيّة اليت متلك األرض‪ ،‬وبني البورجوازيّة اليت تعمل يف‬
‫الصناعة والتجارة وأعمال البنوك‪ G‬واألعمال الفكريّة‪ ،‬مث ج‪G‬اءت اإليديولوجيّة‪ G‬االش‪G‬رتاكيّة‪ G‬لتعرّب عن حاج‪G‬ات‬
‫ورغبات طبقة اجتماعيّة جديدة نشأت عن انتشار الصناعة‪ G‬هي "طبقة الربوليتاريا"‪.415‬‬
‫ويالحظ أ ّن النظـرية املاركس‪GG G‬يّة قد غ‪GG G‬الت يف ربط اإليديولوجيـا بالطبق‪GG G‬ات االجتماعيّة حىّت يف ذلك‬
‫العص ‪GG‬ر‪ ،‬فاإلي ‪GG‬ديولوجيات ‪-‬والس ‪GG‬يّما السياس ‪GG‬يّة منه ‪GG‬ا‪ -‬وإن ك ‪GG‬انت تص ‪Gّ G‬ور األوضـاع الطبقيّ ‪GG‬ة‪ ،‬إالّ أ ّن هن ‪GG‬اك‬
‫عناصر أخرى كثرية‪ G-‬غري الطبقات‪ -‬تؤثّر يف نشوء اإليديولوجيات‪.416G‬‬
‫فالنظرية املاركس ‪GG‬يّة إذن‪ ،‬تربط نش ‪GG‬وء اإلي ‪GG‬ديولوجيات‪ G‬بالطبق ‪GG‬ات االجتماعيّ ‪GG‬ة‪ ،‬فالن ‪GG‬اس –حسب ه ‪GG‬ذه‬
‫النظرية – ينشئون‪ G‬اإليديولوجيات على حسب عالقاهتم االجتماعيّة‪.‬‬
‫تطور مصطلح "اإليديولوجيا"‪ G‬على يد علماء االجتم‪G‬اع‪ ،‬ال‪G‬ذين ح‪G‬اولوا إعط‪G‬اء تع‪G‬اريف ل‪G‬ه‪ ،‬ومن‬ ‫وقد ّ‬
‫وعرفها آخ ‪GG‬رون يف‬ ‫ه ‪GG‬ذه التع ‪GG‬اريف ما ذهب إليه بعض ‪GG‬هم من أ ّن اإلي ‪GG‬ديولوجيا‪ G‬هي "أس ‪GG‬لوب يف التفك ‪GG‬ري"‪ّ ،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.422 .‬‬
‫صعب (حسن)‪ ،‬علم السياسة‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1985 ،8 .‬م‪ ،‬ص‪.52 .‬‬ ‫‪412‬‬

‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.111 .‬‬ ‫‪413‬‬

‫‪.ROBERT (Paul) , Le petit Robert 1 (Dictionnaire de la langue française), op. cit. , p.957‬‬ ‫‪414‬‬

‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.111 .‬‬ ‫‪415‬‬

‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.112 .‬‬ ‫‪416‬‬
‫اخلمس ‪GG‬ينيات والس ‪GG‬تينيات‪ G‬من الق ‪GG‬رن العش ‪GG‬رين على أهنّا "دين علم ‪GG‬اين"‪ ،‬بينما ذهب آخ ‪GG‬رون إىل أهّن ا "نظ ‪GG‬ام‬
‫لتفسري الظ ‪GG‬واهر كطريقة لتس ‪GG‬هيل فهمها للفئ ‪GG‬ات االجتماعية املعيّن ‪GG‬ة"‪ّ .‬أما الش ‪GG‬يوعيّة املعاص ‪GG‬رة ف ‪GG‬رتى وج ‪GG‬ود‬
‫ف‪GG‬رق بني اإليديولوجيـا "الزائفـة" –حسب رأيه ‪GG‬ا‪ -‬اليت تش ‪Gّ G‬وه احلق‪GG‬ائق من خالل تفس ‪GG‬ريها اخلاطئ وابتعادها‬
‫عن الواقع‪ ،‬وبني "اإليديولوجيا السلميّة" اليت تعكس الوعي‪ G‬على حقائق الصراع الطبقي‪.417G‬‬
‫اجملردة‪ ،‬وك‪GG‬انت تلك‬ ‫علما للمف‪GG‬اهيم واألفك‪GG‬ار ّ‬ ‫وقد ك‪GG‬ان ه‪GG‬دف اإلي‪GG‬ديولوجيني جعل "اإليديولوجيّ‪GG‬ة" ً‬
‫الص‪GG G‬ياغات‪ G‬تتج‪GG G‬اوز القض ‪GG G‬ايا املعرفية إىل القض ‪GG G‬ايا السياس ‪GG G‬يّة‪ ،‬وب ‪GG G‬ذلك وقفت وراء ق‪GG G‬ادة الث‪GG G‬ورة الفرنس‪GG G‬يّة‪،‬‬
‫واس ‪GG G‬تعملت تلك األفك ‪GG G G‬ار يف الص ‪GG G G‬راع ض‪ّ G G G G‬د العقائد السياس ‪GG G G‬يّة‪ G‬والدينيّ ‪GG G G‬ة‪ ،‬اليت ك ‪GG G G‬ان يق ‪GG G G‬وم عليها النظ ‪GG G‬ام‬
‫السابق‪.418‬‬
‫ومن خالل ما س‪GG‬بق ذك‪GG‬ره ميكن تلخيص مراحل تط‪Gّ G‬ور مص‪GG‬طلح "اإلي‪GG‬ديولوجيا"؛ حيث ميكن إمجاهلا‬
‫األول هلذا املص‪GG G‬طلح –كما أش‪GG G‬رنا س‪GG G‬ابقاً‪ -‬يعين "علم األفك‪GG G‬ار"‪ ،‬وبعد ذلك أخذ معن ‪GG‬اه‬ ‫يف أ ّن االس‪GG G‬تعمال ّ‬
‫يتط‪Gّ G‬ور‪ ،‬حيث ارتبط بظ‪GG‬روف معيّن‪GG‬ة‪ ،‬وأس‪GG‬يئ فهمه يف بعض الظ‪GG‬روف كما ح‪GG‬دث يف بداية الق‪GG‬رن التاس‪GG‬ع‪،‬‬
‫وارتبط مفهومه ك ‪GG G‬ذلك ببعض‪ G‬النظري ‪GG G‬ات كالنظرية املاركس ‪GG G‬ية‪ ،‬وذلك عن ‪GG G‬دما أحي ‪GG G‬اه "م ‪GG G‬اركس"‪ ،‬وجعله‬
‫جمرد‬
‫مرتبطًا ببعض مبادئ‪GG‬ه‪ ،‬كقض‪GG‬ية الطبق‪GG‬ات االجتماعي‪GG‬ة‪ ،‬وذلك بعد أن ك‪GG‬ان قبل ذلك يش‪GG‬ار إليه على أنّه ّ‬
‫تصورات مثالية ليس هلا عالقة بالواقع؛ كما حاول علماء االجتماع تط‪GG‬وير ه‪G‬ذا املص‪G‬طلح وأعط‪GG‬وه تع‪G‬اريف‬ ‫ّ‬
‫خمتلف ‪GG‬ة‪ .‬و جتدر اإلش‪GG G‬ارة ك‪GG G‬ذلك إىل أ ّن ه‪GG G‬ذا املص‪GG G‬طلح بعد أن ك‪GG G‬انت ص‪GG G‬ياغته وق ًفا على القض ‪GG‬ايا املعرفية‬
‫فقط‪ ،‬جتاوزها إىل القضايا‪ G‬السياسية ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أهداف اإليديولوجيات ووظائفها‬

‫إ ّن لإلي ‪GG‬ديولوجيات املتع ‪ّ G‬ددة املوج ‪GG‬ودة على الس ‪GG‬احة السياس ‪GG‬ية‪ G‬يف اجملتمع ‪GG‬ات املعاص ‪GG‬رة أه ‪GG‬دافاً‬
‫وتؤدي وظائف خمتلفة‪ ،‬سواء على املستوى‪ G‬الفردي أم اجلماعي‪.‬‬ ‫متنوعة‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫أهم هذه الوظائف‪ G‬واألهداف‪:‬‬ ‫سنتطرق –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫وفيما يأيت‬
‫أوال‪ :‬الوظيفة المعرفية‬

‫الكيالي (عبد الوهاب) وآخرون‪ ،‬موسوعة السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.422-421 .‬‬ ‫‪417‬‬

‫أبو شهيوة (مالك عبيد)‪ -‬خلف (حممود حممد)‪ -‬خشيم (مصطفى عبد اهلل)‪ ،‬األيـديولوجيـا والسياسـة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-21 .‬‬ ‫‪418‬‬

‫‪.22‬‬
‫تعترب الوظيفة املعرفية من أوىل أه‪G‬داف اإليديولوجيّ‪G‬ة؛ وذلك ألهّن ا تش‪ّ G‬كل جمموعة من األفك‪G‬ار يف‬
‫نسق منظّم‪ ،‬حيث يفهم ويف ّس‪G G‬ر من خالهلا الع ‪GG‬امل؛ فهي تش‪ّ G G‬كل إط ‪GG‬اراً مرجعي‪G G‬اً يأخذ منه اإلنس ‪GG‬ان‪ G‬معارفه‬
‫وتفس‪GG G G‬رياته ح‪GG G G‬ول السياس‪GG G G‬ة‪ ،‬كما تعمل على حتديد وتوض‪GG G G‬يح حق‪GG G G‬وق والتزام‪GG G G‬ات اجملتم‪GG G G‬ع‪ ،‬وحت ّدد أهدافه‬
‫وسلطاته‪ ،‬وكيفية تنظيم احلياة السياسية فيه‪.419‬‬
‫توحد التص‪Gّ G G‬ورات ح‪GG G‬ول الش‪GG G‬ؤون السياس‪GG G‬ية وغريها للمنتمني‬ ‫فه ‪GG‬ذه الوظيفة‪ G‬املعرفية لإلي ‪GG‬ديولوجيات ّ‬
‫إليديولوجيّة معيّنة؛ ممّا يساعد على االنضباط‪ G‬والسعي املشرتك‪ G‬لتحقيق األهداف والربامج املسطّرة‪.‬‬
‫فالتنظيم‪GG‬ات اليت تلتقي ح‪GG‬ول إيديولوجيّ‪GG‬ة‪G-‬أو عقي‪GG‬دة‪ G-‬واح‪GG‬دة ذات فلس‪GG‬فة حم ّددة تقيم عليها نظريتها‬
‫‪G‬تمد من إي‪GG‬ديولوجيتها‪ G‬تلك تش‪GG‬ريعاهتا وقوانينها‪420G‬؛ فهي تعترب مرجع‪G‬اً لتحديد‬ ‫للكون‪ G‬واإلنس‪GG‬ان واحلي‪GG‬اة‪ ،‬تس‪ّ G‬‬
‫ينجر عنها من تشريعات وقوانني وسياسات‪.‬‬ ‫تصورات األنظمة‪ ،‬ومن مثّ ما ّ‬ ‫ّ‬
‫ثانيا‪ :‬الوظيفة السياسية واالجتماعيّة‬
‫أهم أهداف اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ G،‬فاإلي‪GG‬ديولوجيا تعترب‬ ‫حيث تعترب الوظائف السياسية‪ G‬واالجتماعية من ّ‬
‫آلية لت‪GG‬ربير الس‪GG‬لطة وممارس‪GG‬تها‪ ،‬إذ أص‪GG‬بحت اإلي‪GG‬ديولوجيات أحد املص‪GG‬ادر الرئيسة إلض‪GG‬فاء الش‪GG‬رعية‪ ،‬وذلك‬
‫‪G‬ربر الطريقة اليت تنظّم هبا الس ‪GG G‬لطة‪ ،‬وكيفية توزيعها واس ‪GG G‬تعماهلا‪،‬‬ ‫من خالل التأييد واإلذع ‪GG G‬ان‪ ،‬حيث إهّن ا ت ‪ّ G G‬‬
‫‪G‬ريا على الق‪Gّ G‬وة ك‪GG‬أداة لف‪GG‬رض س‪GG‬لطاهتا‪ ،‬بل إهّن ا تغلّف ّقوهتا يف‬ ‫والس‪GG‬يّما بعد أن أص‪GG‬بحت الدولة ال تعتمد كث‪ً G‬‬
‫إطار إيديولوجي مقبول‪.421‬‬
‫ض‪G‬ا لتحقيق اهلويّة والتعبري عنه‪GG‬ا؛ وذلك ألهّن ا‬ ‫ص‪G‬راع‪ ،‬وأي ً‬ ‫كما تعترب اإلي‪GG‬ديولوجيا آلية أساس‪GG‬ية إلدارة ال ّ‬
‫بأفكارها العامة املشرتكة تدمج األفراد يف التكوين أو اجلماعة‪ ،‬أو حىت حزب أو حركة‪ ،‬كما تُعترب كذلك‬
‫كقوة ديناميكية يف حياة الفرد واجملتمع‪.422‬‬ ‫آلية للتعبئة والسيطرة؛ وذلك ألهّن ا تسعى للعمل ّ‬
‫ومتنوع ‪GG‬ة‪ G،‬وأثرها‬
‫إذن‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن وظ ‪GG‬ائف وأه ‪GG‬داف اإلي ‪GG‬ديولوجيات‪-‬السياس ‪GG‬ية‪ G‬منها واالجتماعي ‪GG‬ة‪ -‬كث ‪GG‬رية ّ‬
‫بارز يف هذين اجملالني‪.‬‬
‫املوجهة أو املش‪GG G G G‬اريع السياس‪GG G G‬ية‪ G‬بص‪GG G G‬ورة‬
‫وقد لوحظ يف ال‪GG G G G‬دميقراطيات الغربيّة ب‪GG G G G‬روز دور األفك‪GG G G G‬ار ّ‬
‫واض ‪GG‬حة‪ ،‬كما لوحظ أ ّن األح ‪GG‬زاب اليت تتبىّن اإليديولوجية‪ G‬االش ‪GG‬رتاكية‪ G‬أو الش ‪GG‬يوعية‪ ،‬قد ُوج ‪GG‬دت ومنت من‬

‫أبو شهيوة (مالك عبيد) ‪ -‬خلف (حممود حممد) ‪ -‬خشيم (مصطفى عبد اهلل)‪ ،‬األيـديولوجيـا والسياسـة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-75 .‬‬ ‫‪419‬‬

‫‪.76‬‬
‫‪.23‬‬ ‫التصور اإلسالمي(‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدوحة‪ ،‬ط‪1986 ،1 .‬م‪ ،‬ص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الحسن (حممد)‪ ،‬المذاهب واألفكار المعاصرة في‬ ‫‪420‬‬

‫‪77‬‬ ‫أبو شهيوة (مالك عبيد)‪ -‬خلف (حممود حممد)‪-‬خشيم (مصطفى عبد اهلل)‪ ،‬األيديولوجيا والسياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪1421‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 77 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2422‬‬


‫أجل تعديل النظام االجتم‪G‬اعي الق‪GG‬ائم‪ ،‬وأ ّن أح‪G‬زاب اليمني والوسط تعترب أ ّن اإلبق‪G‬اء على النظ‪G‬ام الرأمسايل –‬
‫كما هو‪ ،‬أو بعد تعديله‪ -‬من األهداف السياسية‪.423‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬اإليديولوجيات بين االستمرار والنهاية‬

‫لقد ث‪GG‬ار ج‪GG‬دل كبري بني املف ّك‪GG‬رين والسياس‪GG‬يني ح‪GG‬ول مصري اإلي‪GG‬ديولوجيات يف ال‪GG‬وقت احلاض‪GG‬ر؛‬
‫التطور احلاصل يف حياة اإلنسان‪ G،‬وال سيّما يف اجملال العلمي‪.‬‬
‫وذلك مع ّ‬
‫فقد ذهب بعض ‪GG‬هم إىل الق‪GG‬ول بنهاية عصر اإليديولوجي ‪GG‬ة‪ ،‬أو ق‪GG‬رب هنايته ‪GG‬ا؛ بينما ذهب اجّت اه آخر إىل‬
‫أ ّن هذا الطرح غري علمي‪ ،‬إذ ال ميكن لإلنسان أن حييا بدون عقيدة أو إيديولوجية‪.‬‬
‫نتعرض –حبول اهلل تعاىل‪ -‬إىل هذين االجّت اهني‪:‬‬ ‫وفيما يأيت ّ‬

‫ّأوال‪ :‬القائلون بنهاية عصر اإليديولوجيات(‬


‫‪424‬‬

‫فلقد ظهر يف الغ‪GG G‬رب اللّي‪GG G‬ربايل اجّت اه يق‪GG G‬ول بنهاية اإلي‪GG G‬ديولوجيات؛ وذلك بس‪GG G‬بب احنس ‪GG‬ارها‬
‫وتراجعها يف حتريك آم‪GG‬ال اإلنس‪GG‬ان يف التغي‪GG‬ري‪ ،‬ونتيجة لألخذ ب‪GG‬التفكري العلمي‪ ،‬وأس‪GG‬اليب اإلدارة العلمية يف‬
‫بعيـدا عن‬
‫ً‬ ‫مؤسس ‪GG G G G‬ات الدول ‪GG G G G‬ة‪ ،‬فه ‪GG G G G‬ذا التط ‪Gّ G G G G‬ور يف التس‪GG G G G G‬يري واملمارسـة السياسيـة‪ ،‬يتطلّب معاجلة علميّة‬ ‫ّ‬
‫‪425‬‬
‫اإليديولوجيّة ‪.‬‬
‫فه‪GG G G‬ذا االجّت اه ي‪GG G G‬رى ب‪GG G G‬أ ّ‪G‬ن التط‪Gّ G G G‬ور التق‪GG G G‬ين‪ ،‬والتفكري العلمي ال‪GG G G‬ذي أثّر يف احلي‪GG G G‬اة السياس ‪GG G‬يّة يف الدولة‬
‫جمرد أفك‪GG‬ار وتص‪Gّ G‬ورات ال تس‪GG‬تند إىل أسس علميـة‪ ،‬بل إهّن ا‬ ‫ومؤسس‪GG‬اهتا‪ ،‬قد أبعد اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ G،‬اليت هي ّ‬ ‫ّ‬

‫‪ 3423‬هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.245 .‬‬
‫يتزعمه "فرنسيس فوكوياما" (‬ ‫فقد ظهر يف اآلونة األخرية‪ ،‬بعد سقوط الشيوعية يف االحّت اد السوفيييت ودول أوروبا الشرقية‪ ،‬اجّت اه ّ‬
‫‪424‬‬

‫للتطور‪ G‬اإليديولوجي للبشرية‪ ،‬وتعميم الليربالية و‬


‫‪ ) Francis Fukuyama‬يقول إ ّن البشرية تشهد هناية التاريخ مبا هو نقطة النهاية ّ‬
‫حتول ع ّدة دول مشولية وديكتاتورية إىل النموذج‬ ‫الدميقراطية الغربيّة على مستوى العامل كشكل هنائي للحكومة‪ G‬اإلنسانية؛ وذلك نتيجة ّ‬
‫الليربايل‪ ،‬ونتيجة جناح اليابان كعمالق اقتصادي والنمور األسيوية بعد اتّباعها النموذج الرأمسايل‪ ،‬وهذه الفكرة بعيدة عن الواقع؛ أل ّن‬
‫الدميقراطية الليربالية مل تصبح عاملية بعد‪ ،‬ولن تصبح يف املستقبل املنظور‪ ،‬فهناك شعوب أخرى هلا حضاراهتا وثقافاهتا املتباينة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫إسماعيل (حممود)‪ ،‬دراسات في العلوم السياسية ص‪ ،227-160 .‬نقالً عن‪ :‬ثابت (عادل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سـابق‪ ،‬ص‪.91 .‬‬
‫وانظر كذلك‪ :‬سبيال (حممد)‪ ،‬اإليديولوجيا – نحو نظرة تكاملية‪ -‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت –الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،1 .‬ص‪.203 .‬‬
‫ثابت (عادل)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.91 .‬‬ ‫‪2425‬‬
‫«‪ ‬تس ‪GG‬تند يف قسم كبري منه على االنطباع ‪GG‬ات‪ G‬الذاتي ‪GG‬ة‪ ،‬واملالحظ ‪GG‬ات الس ‪GG‬طحيّة‪ ،‬والتفس ‪GG‬ريات‪ G‬املتميّ ‪GG‬زة‪426» ‬؛‬
‫دورا فاعالً يف حياة الفرد أو الدولة‪.‬‬ ‫تؤدي ً‬ ‫فكل هذا قد ّأدى إىل هذا اإلبعاد لإليديولوجيات من أن ّ‬ ‫ّ‬
‫ثانيًا‪ :‬القائلون باستمرار دور اإليديولوجيات‬
‫السابق غري علمي؛ وذلك أل ّن اإلنسان عقيدي بطبعه‪،‬‬ ‫حيث يرى أصحاب هذا االجّت اه أ ّن الطرح ّ‬
‫تؤديه اإليديولوجيـة يف حي‪GG‬اة اإلنس‪GG‬ان‬ ‫فهو ال يستطيـع أن حييا دون عقي‪GG‬دة أو إيديولوجيّ‪GG‬ة‪ ،‬وأ ّن ال‪GG‬دور ال‪GG‬ذي ّ‬
‫يؤدي‪GG G G‬ه؛ ل‪GG G G‬ذا فاإليديولوجيـات مل ختتف يف املاض ‪GG G‬ي‪ ،‬ولن ختتفي‬ ‫–ف ‪GG G‬رداً أو مجاعـة‪ -‬ال يس‪GG G G‬تطيع العلـم أن ّ‬
‫اآلن‪.427‬‬
‫فأطروحة "هناية اإلي‪GG G‬ديولوجيات"‪ G‬تغفل ما يتعلّق ب‪GG G‬اجلوانب األخالقية واملعنوية داخل اجملتم‪GG G‬ع‪ ،‬وتغفل‬
‫والتطورات اجلارية يف أحناء العامل املعاصر‪.428‬‬ ‫ّ‬ ‫كذلك احلركات االجتماعية‪،‬‬
‫ص ‪G‬راع‪،‬‬ ‫ض ‪G‬ا من أمهيّتها كعنصر من عناصر ال ّ‬ ‫ه‪GG‬ذا مع اإلق‪GG‬رار بأنّه من املمكن أن تفقد اإلي‪GG‬ديولوجيا‪ G‬بع ً‬
‫ولكنّها مع ذلك تبقى‪ G‬قائمة‪ ،‬وحتتفظ بعض عناصرها األخرى جبزء من ه‪GG‬ذه األمهيّ‪GG‬ة‪ ،‬بل إنّه ميكن الق‪GG‬ول –‬
‫‪G‬حة الط‪GG‬رح القائل بنهاية اإلي‪GG‬ديولوجيا‪ G-‬إ ّن ه‪GG‬ذه األخ‪GG‬رية قد اس‪GG‬تعادت نش‪GG‬اطها؛ وذلك من‬ ‫إلثب‪GG‬ات ع‪GG‬دم ص‪ّ G‬‬
‫خالل ما يالحظ من ظه‪GG G‬ور حلرك‪GG G‬ات ليربالية‪ G‬جدي‪GG G‬دة‪ ،‬وحرك‪GG G‬ات حمافظة جدي‪GG G‬دة‪ ،‬وأخ‪GG G‬رى فاش ‪GG‬ية ونازية‬
‫جديدة‪.429‬‬
‫ومن خالل ما سبق ذك‪G‬ره‪ ،‬ميكننا الق‪G‬ول إ ّن اإلي‪G‬ديولوجيات‪ G‬قد تفقد بعض نش‪G‬اطها‪ ،‬ويق ّ‪G‬ل دورها يف‬
‫األول يق‪GG‬ول بنهاية عص‪GG‬رها؛‬ ‫ف‪GG‬رتة من الف‪GG‬رتات‪ G،‬وحتت ظ‪Gّ G‬ل ظ‪GG‬روف معيّن‪GG‬ة‪ ،‬وه‪GG‬ذا ما جعل أص‪GG‬حاب االجّت اه ّ‬
‫‪G‬ادا على أوض‪GG‬اع اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ G‬يف ف‪GG‬رتة من ف‪GG‬رتات ض‪GG‬عفها‪ ،‬وحتت ظ‪Gّ G‬ل ظ‪GG‬روف معيّن‪GG‬ة‪ G،‬ولكن‬ ‫وذلك اعتم‪ً G‬‬
‫من اخلطإ القول بنهاية عصرها‪ ،‬أو أن نسلّم بسيطرة إيديولوجية معيّنة‪ G‬وإلغائها لغريه‪GG‬ا؛ وذلك أل ّن اإلنس‪GG‬ان‪G‬‬
‫ال يستطيع االستغناء عن عقيدة أو إيديولوجيّة يتبنّاها‪ G،‬ويستم ّد منها تص‪Gّ G‬وراته‪ G‬وآرائه وتص‪Gّ G‬رفاته‪ ،‬ويعيش يف‬
‫مهما‪ ،‬س‪G‬واء على املس‪G‬توى الف‪G‬ردي أم اجلم‪G‬اعي‪ ،‬من‬ ‫دورا ًّ‬
‫خدمة اعتقادات‪G‬ه‪ G،‬فالعقي‪G‬دة أو اإليديولوجيّة‪ G‬تلعب ً‬
‫تنوعها واختالفها ال ميكن إزالت‪GG G G G G‬ه؛ وذلك أل ّن التن‪Gّ G G G G‬وع‪G‬‬‫خالل التنظيم‪GG G G G G‬ات السياس‪GG G G G G‬ية‪ G‬املختلف‪GG G G G G‬ة‪ ،‬كما أ ّن ّ‬
‫والتصورات فطرة بشريّة‪ ،‬وسنّة أبديّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫واالختالف يف االعتقادات‪G‬‬
‫‪ 3426‬ديفرجيه( (موريس)‪ ،‬علم اجتمـاع السياسة‪ ،‬ترمجة‪ :‬سليـم ح ّداد‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1 .‬‬
‫‪ 1411‬هـ‪ 1991 -‬م‪ ،‬ص‪.17 .‬‬
‫ثابت (عادل)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.91 .‬‬ ‫‪427‬‬

‫‪.12‬‬ ‫أبو شهيوة (مالك عبيد)‪ -‬خلف (حممود حممد)‪ -‬خشيم (مصطفى عبد اهلل)‪ ،‬األيديولوجيا والسياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪428‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13 .‬‬ ‫‪429‬‬


‫المطلب الخامس‪ :‬عالقة اإليديولوجية بالتنظيمات الحزبيّة‬

‫كل مكان‪ -‬بوجود ع ّدة مذاهب‬ ‫تقتضي الدميقراطية احلقيقية‪ G‬أن يقرتن وجودها ‪-‬يف ّ‬
‫كل اجّت اه كسب األنصار‪،‬‬ ‫كل مذهب عن أفكارهم حبرية‪ ،‬وحياول ّ‬ ‫حرا‪ ،‬فيعرّب أصحاب ّ‬ ‫تصارعا ً‬
‫ً‬ ‫تتصارع‬
‫جتسد أفكار ومبادئ تلك املذاهب‪ G،‬والتنافس للفوز بتأييد الرأي العام‪ ،‬وطبع‬ ‫وتكوين املنظّمات اليت ّ‬
‫سياسات احلكومة‪ G‬بطابعها‪ ،430‬ولقد أصبحت جمتمعات الدميقراطية الغربيّ‍ة منذ اهنيار النظم الفردية يف‬
‫مستمرا وحمميًا للنـزاعات اإليديولوجية‪.431‬‬
‫ً‬ ‫مشهدا‬
‫ً‬ ‫القرن الثامن عشر‪ ،‬توفّر‬
‫جتسدها واقعيًا‪،‬‬
‫فاإليديولوجيات باعتبارها متثّل جمموعة من األفكار واالعتقادات‪ ،‬فإهّن ا تسعى أن ّ‬
‫وذلك بالدعوة إليها وحشد األنصار إىل صفوفها‪ ،‬وذلك يتأتّى‪ G‬عندما تتهيكل‪ G‬يف تنظيمات سياسية‪،‬‬
‫كاألحزاب واجلمعيات‪ ،‬حىت تكون‪ G‬يف إطار قانوين منظّم‪ ،‬يسمح هلا بالنشاط السياسي هبدف الوصول إىل‬
‫يضم أفكارها واعتقاداهتا‪.‬‬
‫احلكم‪ ،‬ومن مثّ تعمل على جتسيد برناجمها الذي ّ‬
‫ولكن درجة تبيّن األحزاب السياسية‪ G‬لإليديولوجيات ختتلف من نظام إىل آخر‪ ،‬ومن بلد إىل آخر‪،‬‬
‫إذ إ ّن هناك بعض األحزاب السياسية هتتّم باملسائل اإليديولوجية‪ G‬أكثر من غريها‪.‬‬
‫نتعرض –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل هذين االجّت اهني من األحزاب السياسية‪:‬‬ ‫وفيما يأيت ّ‬
‫أوالً‪ :‬األحزاب اإليديولوجيّة‬
‫وهتتم كثرياً باملسائل‬
‫ونقصد هبا األحزاب اليت تتبىّن إيديولوجيّة معيّنة‪ ،‬وتقوم عليها‪ّ ،‬‬
‫اإليديولوجية‪ ،‬حيث يكون انضمام املناضلني إليها بناءً على إمياهنم بأفكار ومبادئ تلك اإليديولوجيّة‪G.‬‬
‫وتبدو أمهيّة اإليديولوجية‪ G‬لألحزاب السياسية من خالل اعتبار األحزاب السياسية احلقيقية‪ G‬هي‬
‫األحزاب اليت حتمل عقيدة أو إيديولوجيّة معيّنة‪ ،‬حيث ورد يف بعض تعريفات األحزاب أهنّا «‪ ‬الناطقة‬
‫باسم عقيدة‪.432» ‬‬

‫ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.248 .‬‬ ‫‪430‬‬

‫‪ 431‬أنسار (بيري)‪ ،‬اإليديولوجيات والمنازعات والسلطة‪ ،‬ترمجة‪ :‬إحسان احلصيين‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪1984‬م‪ ،‬ص‪.189 .‬‬
‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.245 .‬‬ ‫‪432‬‬
‫يهمه‬‫واعترب بعض الباحثني أ ّن احلزب الذي ال ميلك إيديولوجية هو حزب انتهازي‪ ،‬ظريف‪ ،‬ال ّ‬
‫سوى استغالل‪ G‬النفوذ والسلطة‪.433‬‬
‫وكثريا ما يكون‪ G‬دور اإليديولوجيّة‪ G‬يف األحزاب يتمثّل يف تسييس اجملتمع‪ ،‬ألجل أن يعطي مردوديّة‬ ‫ً‬
‫‪434‬‬
‫التامة على اجملتمع ‪.‬‬ ‫يتم هلا حتقيق السيطرة ّ‬ ‫إجيابيّة‪ ،‬وذلك حىّت ّ‬
‫منوذجا لالهتمام باملسائل اإليديولوجيّة‪ ،‬وإعطاء األولويّة‬ ‫وتعترب األحزاب السياسية‪ G‬يف فرنسا ً‬
‫هلا‪435‬؛ حىت أثّر ذلك سلبًا على دور تلك األحزاب يف احلياة السياسية‪ ،‬إذ أصبحت مدفوعة إىل النـزاعات‬
‫سهل من جتاوز تلك‬ ‫العقائدية بدالً من العمل‪ ،‬وإىل تبادل االنتقاد بدالً من تبيّن املسؤوليات‪ G،‬وذلك ما ّ‬
‫بالتوجه املباشر إىل املواطنني‪ ،‬أي وجود أشكال أخرى من متثيل الرأي العام‬ ‫ّ‬ ‫األحزاب‪ ،‬واالرتفاع عنها‬
‫جبانب األحزاب‪.436‬‬
‫كما يعترب االحّت اد الس‪GG G‬وفيييت (س‪GG G‬ابقاً)‪ ،‬والص‪G G‬نّي ‪ ،‬وال‪GG G‬دميقراطيات‪ G‬الش‪GG G‬عبيّة يف أوربا الش‪GG G‬رقية (س‪GG G‬ابقاً)‬
‫الرتبة اخلص‪GG G‬بة لألح‪GG G‬زاب اإليديولوجيّ‪GG G‬ة؛‪ G‬حىت وص‪GG G‬فت تلك اجملتمع ‪GG G‬ات بأهّن ا جمتمع ‪GG G‬ات إيديولوجيّ‪GG G‬ة‪ ،‬حيث‬
‫ازدهرت فيها اإليديولوجيات املاركسية‪ ،‬فكانت غاية تلك األحزاب السياس‪GG‬ية‪ G‬إقامة جمتمع‪GG‬ات اش‪GG‬رتاكية‪ G‬أو‬
‫شيوعيّة‪.437‬‬
‫كما ازدهرت يف العامل الغريب األحزاب اليت تتبىّن اإليديولوجيّة الليربالية‪ G،‬وهي إيديولوجيّة ذات نزعة‬
‫فرديّة حرة‪ ،‬تستهدف محاية وصيانة حقوق وحريات األفراد الطبيعيّة‪.438‬‬
‫وجهت إىل اإليديولوجيّة‪ G‬الليربالية‪ ،‬نظ‪GG‬راً إلغفاهلا اجلوانب االجتماعية‬ ‫ونتيجة لالنتقادات الكثرية‪ G‬اليت ّ‬
‫والروحي‪GG G G G G G G G G G‬ة‪ ،‬وتركيزها على اجلوانب املاديّ‪GG G G G G G G G G G‬ة‪ ،‬وقيامها على أسس علمانيّة ص‪GG G G G G G G G G G‬رفة‪ ،‬إىل غري ذلك من‬

‫العروي (عبد اهلل)‪ ،‬مفهوم اإليديولوجيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9 .‬‬ ‫‪433‬‬

‫‪ 434‬العزي (سومي)‪ ،‬الديكتاتورية االستبدادية والديمقراطية والعالم الثالث‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت –الدار البيضـاء‪ ،‬ط‪،1 .‬‬
‫‪ ،1987‬ص‪.15 .‬‬
‫ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.152 .‬‬ ‫‪435‬‬

‫‪ 2436‬مابيلو (ألبري)‪ -‬ميرل (مارسيل)‪ ،‬األحزاب السياسية في بريطانيا العظمى‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد برجاوي‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪ 1970 ،1 .‬م‪ ،‬ص‪.9 .‬‬
‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.21 .‬‬ ‫‪437‬‬

‫ثابت (عادل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.89 .‬‬ ‫‪438‬‬


‫‪G‬رد على ه‪G‬ذه االنتق‪G‬ادات‪ G،‬كما ظه‪G‬رت‬ ‫االنتق‪G‬ادات؛‪ G‬فقد ظه‪G‬رت أح‪G‬زاب وحرك‪GG‬ات ليربالية متع‪ّ G‬ددة حتاول ال‪ّ G‬‬
‫إيديولوجيات مشوليّة جاءت على أنقاض الليربالية‪ ،‬كالنازية والفاشية والشيوعية‪.439‬‬
‫ومن خالل ما س ‪GG‬بق ذك ‪GG‬ره نس ‪GG‬تنج أ ّن تع ‪ّ G‬دد اإلي ‪GG‬ديولوجيات‪ G‬يس ‪GG‬تلزم تع ‪ّ G‬دد األح ‪GG‬زاب‪ ،‬أو على األق ‪Gّ G‬ل‬
‫يس‪GG‬اهم يف ذل‪GG‬ك‪ ،‬وأنّه كلّما ك‪GG‬انت هن‪GG‬اك حريّة يف تع ‪ّ G‬دد اآلراء‪ ،‬كلّما تع ‪ّ G‬ددت اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ G،‬وأ ّن ك‪GG‬ثرة‬
‫يؤثر سلباً يف دور تلك األحزاب يف احلياة السياسية‪G.‬‬ ‫اهتمام األحزاب باملسائل اإليديولوجية‪ G‬قد ّ‬

‫ثانيا‪ :‬األحزاب غير اإليديولوجيّة (أحزاب البرامج)‬


‫‪G‬ىن الدميقراطية‪ G‬الغربيّة األح‪GG G‬زاب اليت ال تقيم كبري اعتب‪GG G‬ار للمس‪GG G‬ائل‬ ‫تنتشر يف كثري من ال ‪GG G‬دول اليت تتب‪ّ G G‬‬
‫تتبىن إيديولوجيّة معيّنة‪.‬‬
‫اإليديولوجيّة‪ ،‬حىت بعض األحزاب اليت يظهر من امسها أهّن ا ّ‬
‫"العم‪GG‬ال" الربيط ‪GG‬اين مثالً‪ ،‬وال ‪GG‬ذي يُنتظر منه أن يق‪ّ G G‬دم نظرية متالئمة مس ‪GG‬تندة إىل إيديولوجيّة‬ ‫فح ‪GG‬زب ّ‬
‫ص‪GG‬لبة التخطي‪GG‬ط‪ ،‬ال يقيم وزن ‪G‬اً للمس‪GG‬ائل اإليديولوجيّ‪GG‬ة‪ G،‬وال يس‪GG‬اهم يف إظه‪GG‬ار طبيعة االش‪GG‬رتاكية الربيطاني‪GG‬ة‪G،‬‬
‫هذا على الرغم من أنّه ينتمي إىل العائلة الكبرية‪ G‬لالشرتاكيني الدميقراطيني‪ ،‬وهو عضو يف العاملية‪ G‬االشرتاكية‪G‬‬
‫املش ّكلة عام ‪1951‬م‪.440‬‬
‫ويالحظ أ ّن ه‪GG‬ذا الن‪GG‬وع من األح‪GG‬زاب (أح‪GG‬زاب ال‪GG‬ربامج) ينتشر يف جمتمع‪GG‬ات الثقافة األجنلوسكس‪GG‬ونية‪G،‬‬
‫احلل العملي"؛ وذلك مثل ما هو موج ‪GG G‬ود يف ك ‪Gّ G G‬ل من الوالي ‪GG G‬ات املتح‪ّ G G G‬دة األمريكية‪G‬‬ ‫أو ما يس ‪Gّ G G‬مى " ثقافة ّ‬
‫وبريطاني‪GG G G‬ا‪ ،‬ففي ه‪GG G G‬ذه ال‪GG G G‬دول ال تتع ‪ّ G G G‬دد اإلي‪GG G G‬ديولوجيات‪ G،‬إذ اإليديولوجيّة واح‪GG G G‬دة‪ ،‬ويس ‪GG G‬يطر على احلي ‪GG G‬اة‬
‫السياسية حزبان كبريان؛‪ G‬ففي هذين البلدين ترتبط ثنائية األحزاب بوقوف األحزاب على الوسائل (الربامج‬
‫أي ح‪GG G G‬زب منهما ال إيديولوجيّة له يف مواجهة اآلخر‬ ‫والسياس‪GG G G‬ات) دون اإلي‪GG G G‬ديولوجيات‪ ،‬ومعىن ذلك أ ّن ّ‬
‫(كاحلزب اجلمهوري واحلزب الدميقراطي يف الواليات املتح ّدة األمريكية‪ ،‬وحزب العم‪GG‬ال وح‪GG‬زب احملافظني‬
‫يف بريطاني ‪GG‬ا)‪ ،‬ومن مثّ ال يس ‪GG‬عيان إىل تغيري إيديولوجيّة اجملتم ‪GG‬ع؛ وإمّن ا يقف ‪GG‬ان عند الوس ‪GG‬ائل يف حتقيق أه ‪GG‬داف‬
‫ص ّورت يف إيديولوجيّته‪.441G‬‬ ‫اجملتمع العليا كما ُ‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.90 .‬‬ ‫‪439‬‬

‫مابيلو (ألبري)‪ -‬ميرل (مارسيل)‪ ،‬األحزاب السياسية في بريطانيا العظمى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.71 .‬‬ ‫‪440‬‬

‫ثابت (عادل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.143 .‬‬ ‫‪441‬‬


‫ففي الوالي ‪GG‬ات املتح‪ّ G G‬دة األمريكية‪ G‬مثالً‪ ،‬جند احلزب اجلمه ‪GG‬وري واحلزب ال ‪GG‬دميقراطي‪ G‬اللّ ‪GG‬ذين يتقامسان‬
‫الرأي العام‪ ،‬ال خيتصمان بصورة جذريّة‪ ،‬فهما بدالً من الرتكيب‪GG‬ات اإليديولوجيّة‪ G‬يكتفي‪GG‬ان‪ G‬بتنظيم‪GG‬ات غايتها‬
‫الرئيسة احلص‪GG G G G G‬ول على املراك‪GG G G G G‬ز‪ ،‬وهك‪GG G G G G‬ذا ال يعترب خروجهما على االنض‪GG G G G G‬باطيّة خيانة للمعتق ‪GG G G‬د‪ ،‬وع ‪GG G G‬دم‬
‫انضباطيّتهم تبدو عادية طبيعيّة‪.442‬‬
‫وعلى ه‪GG G G G‬ذا ميكن الق‪GG G G‬ول إ ّن األح‪GG G G‬زاب غري اإليديولوجيّة هتتّم أك‪GG G G‬ثر باجلانب العملي على حس‪GG G G‬اب‬
‫اجلانب االعتق‪GG‬ادي‪ ،‬وعلى ال‪Gّ G‬رغم ممّا يف ه‪GG‬ذا األمـر من أثر إيـجايب يف جتنّب حـ ّدة الصـراعـات‪ -‬أو تقليله‪GG‬ا‪-‬‬
‫وانصراف األحزاب إىل املسائل العمليّة‪ ،‬إالّ أنّه يؤثّر يف االنضباط احلزيب‪.‬‬
‫األول من األح‪GG G‬زاب ينتشر يف اجملتمع‪GG G‬ات الالتيني‪GG G‬ة‪ G،‬وهي دول غ‪GG G‬رب أورب‪GG G‬ا‪،‬‬ ‫كما يالحظ أ ّن الن‪GG G‬وع‪ّ G‬‬
‫كفرنسا وإيطاليا وغريمها‪ّ ،‬أما الن‪GG G‬وع الث‪GG G‬اين من األح‪GG G‬زاب (أي األح‪GG G‬زاب غري اإليديولوجيّ ‪GG‬ة)‪ G‬فإنّه ينتشر يف‬
‫اجملتمعات األنكلوسكسونية‪ ،‬كربيطانيا والواليات‪ G‬املتح ّدة األمريكية‪.‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬مدى قبول نظام اإلسالم للتعدّديّة اإليديولوجيّة‬

‫بداية ال ب‪ّ G‬د من اإلش‪GG‬ارة إىل أ ّن ه‪GG‬ذا الن‪GG‬وع‪ G‬من التع ّد ّدية مل ينل نص‪GG‬يباً واف‪GG‬راً من التأص‪GG‬يل على الس‪GG‬احة‬
‫األكادميي‪G G G G‬ة والفكرية‪ G‬اإلس ‪GG G‬المية‪ ،‬مقارنة بالتع ّدديّة احلزبيّة اليت ك ‪GG G‬ثر اجلدل حوهلا‪ ،‬حىت ك‪GG G G‬اد ينحصر ه ‪GG G‬ذا‬
‫اجلدل يف م ‪GG‬دى موافقة املب ‪GG‬ادئ اإلس ‪GG‬المية‪ G‬هلذه التع ّدديّة (أي التع ّدديّة احلزبيّ ‪GG‬ة)‪ ،‬على ال ‪Gّ G‬رغم من أهّن ا ليست‬
‫النمط األوحد للتع ّدديّة‪.443‬‬
‫هذا مع وجود بعض األعمال يف نقد هذه اإليديولوجيات املعاصرة على ضوء مبادئ اإلسالم‪.444‬‬
‫والذي نقصده هنا هو ما يعرّب عنه بـ "التع ّدديّة خارج الدائرة اإلسالمية"‪ G،‬أي موقف اإلسالم‪ G‬من هذا‬
‫النمط من التع ّدديّة الذي يستوعب ويشمل التنظيمات واجلماعات اليت ال تعترب اإلس‪GG‬الم مرجعيّة هلا‪ ،‬وذلك‬
‫مث ‪GG G G‬ل‪ :‬العلمانية واالش‪GG G G G G‬رتاكية‪ G‬واملاركس‪GG G G G G‬ية والليربالية‪ G‬والوطنية‪ G‬والقوميّ‪GG G G G G‬ة‪ G،‬وغريها من املذاهب‪ G‬الوض ‪GG G G‬عية‬
‫واإليديولوجيات األخرى‪.‬‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.434 .‬‬ ‫‪442‬‬

‫‪ 443‬عزت (هبة رؤوف)‪" ،‬منهج النّظر في التع ّدد والشورى "‪ ،‬مقال مبجلة "الكلمة"‪ ،‬الكويت‪ -‬لبنان‪ ،‬السنة األوىل‪ ،‬العدد الثالث‪،‬‬
‫‪1414‬هـ ‪1994 -‬م‪ ،‬ص‪.58 .‬‬
‫‪ 444‬ونذكر من هذه األعمال على سبيل املثال‪ :‬قطب (حممد)‪ ،‬مذاهب فكرية معاصرة(‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة –بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫و يكن (فتحي)‪ ،‬حركات ومذاهب في ميزان اإلسالم‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1418 ،12 .‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫وحنن ال نقصد هنا بالدراسة أن ن‪GG G G G G G‬بنّي موقف اإلس‪GG G G G G G‬الم‪ G‬من تلك اإلي‪GG G G G G G‬ديولوجيات‪ G،‬وننقد أفكارها‬
‫‪G‬ب‬
‫ومبادئها واعتقاداهتا على ض‪GG G‬وء مب ‪GG G‬ادئ اإلس‪GG G‬الم‪ G،‬فه‪GG G‬ذا ليس جمال دراس‪GG G‬تنا يف ه‪GG G‬ذا البحث؛ وإمّن ا ينص‪Gّ G G‬‬
‫اهتمامنا هنا –كما أسلفنا‪ -‬يف توضيح املوقف من تواجد تلك اإليديولوجيات املتع ّددة يف دولة اإلسالم‪.‬‬
‫ونستطيع أن نفرز ثالثة مواقف من هذه املسألة‪ G،‬نتناوهلا –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬فيما يأيت‪:‬‬
‫األول‪ :‬موقف القبول المطلق بالتع ّدديّة اإليديولوجيّة‬
‫الفرع ّ‬
‫ومض‪GG‬مون ه‪GG‬ذا االجّت اه أنّه ال يقف يف اإلق‪GG‬رار بالتع ّدديّة السياس‪GG‬ية عند ح‪GG‬دود التع ّدديّة امللتزمة بس‪GG‬يادة‬
‫الش ‪GG‬ريعة‪ ،‬بل يفتح الب ‪GG‬اب على مص ‪GG‬راعيه‪ ،‬وي ‪GG‬رى أ ّن املذهبيّة اإلس ‪GG‬المية‪ G‬تس ‪GG‬توعب‪ G‬إطالق التع ّدديّة إىل أبعد‬
‫مدى‪ ،‬حىت تشمل األحزاب الشيوعية‪ G‬اإلحلاديّة والعلمانية وغريها‪.445‬‬
‫ومن احلجج واألدلّة اليت اس ‪GG G‬تند إليها ه ‪GG G‬ذا الفريق للق ‪GG G‬ول هبذا ال ‪GG G‬رأي هو أ ّن احلكم يف اإلس‪GG G‬الم ليس‬
‫أي اجّت اه‬
‫ثيوقراطيًا‪ ،‬بل هو تص‪Gّ G‬ور ش‪GG‬وري يق‪ّ G‬دم إىل قواعد الش‪GG‬عب‪ ،‬وه‪GG‬ذا األخري له مطلق احلريّة يف اختي‪GG‬ار ّ‬
‫أراد‪ ،‬وال س‪GG‬لطان ألحد غ‪GG‬ريه‪ ،‬ولك‪Gّ G‬ل اجّت اه أن يق‪ّ G‬دم أفك‪GG‬اره وطروحاته لتم ّكن الش‪GG‬عب من االختي‪GG‬ار‪ ،‬وليس‬
‫ض‪G G‬ا ل ‪GG‬ه‪ -‬أن يق‪ّ G G‬دم برنـامـجه‪ ،‬وك ‪Gّ G‬ل ما ميلكه ال ‪GG‬ذين يتبنّ ‪GG‬ون‬
‫أي ط ‪GG‬رف ‪-‬مهما ك ‪GG‬ان مناق ً‬ ‫احلق أن مينع ّ‬
‫ألحد ّ‬
‫منهاج اإلسالم هو الدفاع عن طروحاهتم وبراجمهم واختي‪G‬اراهتم‪ ،‬وإقن‪G‬اع غ‪G‬ريهم هبا‪ ،‬س‪G‬واء أك‪G‬ان ذلك على‬
‫مستوى السلطة السياسية‪ G‬أم املعارضة‪.446‬‬
‫ومن حججهم ك‪GG‬ذلك أ ّن نظ‪GG‬ام اإلس‪GG‬الم‪ G‬قد اس‪GG‬توعب‪ G‬يف داخله اجملوس‪ ،‬وهم عب‪GG‬دة الن‪GG‬ار‪ ،‬واس‪GG‬توعب‪G‬‬
‫ك‪GG G‬ذلك عب ‪GG G‬دة األص ‪GG G‬نام ‪-‬عند كثري من أهل العلم‪ ،-‬كما اس ‪GG G‬توعب أهل الكت ‪GG G‬اب؛ فه ‪GG G‬ذه املرونة الثابتة‪ G‬يف‬
‫معتنقي خمتلف‬‫ّ‬ ‫قب‪GG G‬ول املخ‪GG G G‬الفني من أهل األدي‪GG G G‬ان األخ‪GG G G‬رى ميكنها أن تس‪GG G G‬توعب‪ G‬ك‪GG G G‬ذلك يف داخل إطارها‬
‫اإليديولوجيـات األخ‪GG‬رى؛ وممّا يثبت قب‪GG‬ول دولة اإلسـالم اس‪GG‬تيعاب امللل األخـرى يف إطارها تلك الص‪GG‬حيفة‬
‫اليت عق‪GG G G‬دها رس‪GG G G‬ول اهلل ‪ ‬مع أهل املدين‪GG G G‬ة‪ G،‬من املس‪GG G G‬لمني واليه‪GG G G‬ود ومن دخل يف عه‪GG G G‬دهم‪ ،‬وتلك ع ‪GG G‬ربة‬
‫ومنهاج‪ ،‬وسابقة هلا داللتها احلضارية‪ ،‬اليت تشهد مبدى مرونة اإلطار السياسي يف دولة اإلسالم‪. 447‬‬
‫هذا باإلضافة إىل أ ّن مثل ه‪GG‬ذه اإلي‪GG‬ديولوجيات قد أص‪G‬بحت واقع‪G‬اً مفروض‪G‬اً حىت يف البالد اإلس‪G‬المية‪،‬‬
‫وص ‪GG‬يغ التعامل معها ّإما أن تك ‪GG‬ون ب ‪GG‬التزام خي ‪GG‬ار التص ‪GG‬ادم والص ‪Gّ G‬راع‪ ،‬أو خيـار املقاطعة‪ G‬واالنغالق‪ G،‬أو خي ‪GG‬ار‬

‫ص‪.102.‬‬ ‫الصاوي (صالح)‪ ،‬التع ّدديّة( السياسية في الدولة اإلسالمية(‪ ،‬دار اإلعالم الـدويل‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬ط‪ 1414 ،2 .‬هـ‪1993 -‬م‪،‬‬
‫ّ‬
‫‪445‬‬

‫‪ 2446‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.103-102 .‬‬


‫‪ 3447‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.103.‬‬
‫احلوار والتع ‪GG‬ايش‪ G.‬وال شك أ ّن ه ‪GG‬ذا األخري هو اخلي ‪GG‬ار األمث ‪GG‬ل؛ وذلك أل ّن اإلس ‪GG‬الم‪ G‬يرتكز على قاع ‪GG‬دة ق ‪Gّ G‬وة‬
‫القوة‪ G،‬وعلى قاعدة اجملادلة باليت هي أحسن‪.448‬‬ ‫املنطق ال منطق ّ‬

‫الفرع الثاني‪ (:‬موقف الرفض المطلق للتع ّدديّة اإليديولوجية‬


‫ومض ‪GG‬مون ه ‪GG‬ذا املوقف أ ّن اإلس ‪GG‬الم ال يس ‪GG‬مح مطل ًقا ‪-‬بل وحيارب‪ -‬قي ‪GG‬ام تكتّالت غري إس ‪GG‬المية‪G‬‬
‫منكـرا يف نظر‬
‫تع‪GG‬ارض األسس اليت يق‪GG‬وم عليها اجملتمـع اإلس‪GG‬المي‪ G،‬نظ‪Gً G‬را لك‪GG‬ون ه‪GG‬ذه التكتّالت تعترب عندئذ ً‬
‫اإلس ‪GG‬الم؛ ل ‪GG‬ذا ف ‪GG‬إ ّن دولة اإلس ‪GG‬الم ال تقبل وال تق ‪Gّ G‬ر ب ‪GG‬التكتّالت‪ G‬القومية أو الش ‪GG‬يوعية‪ G‬أو العلماني ‪GG‬ة‪ ،‬وغريه ‪GG‬ا؛‬
‫وذلك لتناقضها مع مبادئ اإلسالم‪.449‬‬
‫وإ ّن ذلك من قَبيل تأمني اجملتمع‪ ،‬والدفاع عن قيمه اإلسالمية‪ ،‬وعافيّته اإلميانيّة‪.450‬‬
‫واعترب أنص ‪GG‬ار ه ‪GG‬ذا االجّت اه أ ّن ه ‪GG‬ذا النمط من التع ّدديّة (التع ّدديّة اإليديولوجي ‪GG‬ة)‪ G‬يعترب غ ‪GG‬زواً للحض ‪GG‬ارة‬
‫الغربيّة لبالد اإلس‪GG G G G‬الم‪ G،‬واليت أح‪GG G G G‬دثت يف فكر املس‪GG G G G‬لمني وواقعهم –مبي‪GG G G G‬دان التع ّدديّ‪GG G G G‬ة‪ -‬مس‪GG G G‬تج ّدات غري‬
‫إس‪GG‬الميّة‪ ،‬واملتمثّلة يف ه‪GG‬ذه اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ G،‬اليت ال حتتكم إىل ما هو معل‪GG‬وم من ال‪ّ G‬دين بالض‪GG‬رورة‪ ،‬وال تل‪GG‬تزم‬
‫يف مش‪GG G‬اريعها وبراجمها باملرجعيّة اإلس‪GG G‬المية‪ G،‬ومن املعل ‪GG‬وم أ ّن ثوابـت‪ G‬اإلسـالم ال ت‪GG G‬بيح التع ّدديّة واالختالف‬
‫واالفرتاق يف أصول ال ّدين املعلومة منه بالضرورة‪.451‬‬
‫وتعترب ه ‪GG‬ذه التع ّدديّة من املس ‪GG‬تج ّدات اليت أح ‪GG‬دثتها الغ ‪GG‬زوة احلض ‪GG‬ارية الغربيّة يف فكر الع ‪GG‬امل اإلس ‪GG‬المي‬
‫وواقع ‪GG‬ه‪ ،‬وال ميكن أن تكسب ص ‪GG‬فة "اإلس ‪GG‬المية" وص ‪GG‬بغتها ومش ‪GG‬روعيتها؛ وذلك ألهّن ا خارجة عن ث ‪GG‬وابت‬
‫اإلس ‪GG‬الم‪ ،‬م ‪GG‬ادامت ت ‪GG‬رفض االحتك ‪GG‬ام إىل املعل ‪GG‬وم من ال‪ّ G G‬دين بالض ‪GG‬رورة‪ ،‬وذلك س ‪GG‬واء يف جمال العقي ‪GG‬دة‪ ،‬مثل‬
‫تفسر الكون باملاديّة اجلدليّ‪G‬ة‪ ،‬والت‪G‬اريخ باملاديّة التارخيي‪GG‬ة‪ ،‬والواقع بالعوامل املاديّ‪G‬ة‪ ،‬واليت تنكر‬ ‫التوجهات اليت ّ‬ ‫ّ‬
‫التوجه‪GG G‬ات اليت تأخذ من اإلس‪GG G‬الم‪ G‬عقيدت ‪GG‬ه‪ ،‬وتنكر ‪-‬أو‬ ‫اإلميان ال‪GG G‬ديين ب‪GG G‬إطالق‪ G،‬أو يف جمال الش‪GG G‬ريعة‪ ،‬مثل ّ‬
‫موضوعا الجته‪G‬اد‬
‫ً‬ ‫هتمل‪ -‬الشريعة اإلسالمية‪ G،‬كالعلمانية؛ فهذه التع ّدديّة ال تسعها ثوابت اإلسالم‪ G،‬وليست‬

‫الميالد (زكي)‪ ،‬الوحدة والتع ّدديّة والحوار في الخطاب اإلسالمي( المعاصر‪ ،‬دار الصفوة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1415 ،1 .‬هـ ‪1994-‬م‪،‬‬ ‫‪448‬‬

‫‪.82‬‬ ‫ص‪.‬‬
‫‪ 1417 ،1‬هـ‪1996-‬‬ ‫مفتي (حممد أمحد)‪ ،‬أركان وضمانات الحكم اإلسالمي‪ّ ،‬‬
‫مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.‬‬ ‫‪449‬‬

‫م‪ ،‬ص‪.193 .‬‬


‫هويدي (فهمي)‪ ،‬اإلسالم والديمقراطية –كلمة مصطفى مشهور‪ G‬يف ندوة التع ّدديّة‪ -‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84 .‬‬ ‫‪450‬‬

‫ص‪.89.‬‬ ‫عمارة (حممد)‪ ،‬هل اإلسالم هو الحل؟ لماذا وكيف؟‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة –بريوت‪ ،‬ط‪ 1415 ،1 .‬هـ‪ 1995 -‬م‪،‬‬ ‫‪451‬‬
‫حياول أن يكس ‪GG G G‬بها الش ‪GG G G‬رعية اإلس ‪GG G G‬المية‪ G‬حبال من األح ‪GG G G‬وال‪ ،‬بل ال ب ‪ّ G G G‬د من تنقية‪ G‬الفكر السياسي‪ G‬والواقع‬
‫اإلسالمي‪ G‬منها‪.452‬‬
‫األول املؤيّد للتع ّدديّة‬
‫ويعترب ه ‪GG‬ذا هو موقف مجه ‪GG‬ور املف ّك‪GG‬رين اإلس ‪GG‬الميني‪ ،‬وال ‪GG‬ذين ي ‪GG‬رون أ ّن املوقف ّ‬
‫نابعا من الت‪G‬أثّر بالثقافة الغربيّة الواف‪G‬دة على بالد اإلس‪G‬الم‪،‬‬ ‫اإليديولوجية جبميع أش‪G‬كاهلا هو موقف قد يك‪G‬ون ً‬
‫وقد يك ‪GG G‬ون‪ G‬باعثه هو ال ‪GG G‬دفاع عن اإلس ‪GG G‬الم يف مواجهة من يتّهمونه باألحاديّة والتس‪G G G‬لّط على اآلخ‪GG G‬رين‪ ،‬أو‬
‫الرغبة يف اس‪GG G G‬تمالة أنص ‪GG G‬ار اإلي ‪GG G‬ديولوجيات‪ G‬املختلف ‪GG G‬ة‪ ،‬ولكن نتج عن كل ذلك التب‪GG G G‬اس يف بعض املف‪GG G‬اهيم‪،‬‬
‫وال ‪GG‬ذي ّأدى إىل اختالط األوراق‪ ،‬وغي ‪GG‬اب بعض احلق ‪GG‬ائق اإلس ‪GG‬المية‪ G‬األساس ‪GG‬ية‪ G،‬ل ‪GG‬دى الق ‪GG‬ائلني بقب ‪GG‬ول مجيع‬
‫اإليديولوجيات بإطالق‪.453G‬‬
‫املتنوع‪GG‬ة‪ ،‬حبق‪GG‬وقهم‬
‫ومعتنقي اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ّ G‬‬
‫ّ‪G‬‬ ‫فهنا جيب أن نف‪Gّ G‬رق بني اإلق‪GG‬رار ألتب‪GG‬اع األدي‪GG‬ان املختلف‪GG‬ة‪،‬‬
‫وحري‪GG‬اهتم الشخص‪GG‬ية‪ ،‬وص‪GG‬يانة دم‪GG‬ائهم وأم‪GG‬واهلم وأعراض‪GG‬هم‪ ،‬وأيض‪G‬اً االس‪GG‬تفادة من خرباهتـم يف بعض أعم‪GG‬ال‬
‫وأيضا كفالة‬‫الذمي لوزارة التنفيذ‪ ،‬على سبيل املثال‪ً ،-‬‬ ‫الدولة –وقد أسلفنا الذكر عن إجازة الفقهاء لتويّل ّ‬
‫العام‪GG G G G‬ة؛ وذلك أل ّن االع‪GG G G‬رتاف بتلك‬
‫حريّة اعتق‪GG G G G‬ادهم؛ وبني اإلق‪GG G G G‬رار هلم ب‪GG G G G‬احلكم وت‪GG G G G‬ويّل منصب‪ G‬الوالية ّ‬
‫اإلي‪G‬ديولوجيات‪ G،‬واإلق‪G‬رار بتع‪ّ G‬ددها يف دولة اإلس‪GG‬الم‪ ،‬معن‪GG‬اه إعط‪G‬اء الفرصة هلا للدعاية ألفكارها ومعتق‪G‬داهتا‪،‬‬
‫متناقضا مع مبادئ اإلسالم‪G.‬‬
‫ً‬ ‫والسعي للوصول إىل احلكم وتنفيذ برناجمها‪ ،‬والذي قد يكون‬
‫فالقبول هبذه التع ّدديّة يعين القبول املبدئي‪ G‬بوالية ومناهج مجيع ال‪GG‬ذين يس‪GG‬مح هلم باملش‪GG‬اركة فيه‪GG‬ا؛ أل ّن‬
‫تب ‪GG G‬ادل الس ‪GG G‬لطة هو حمور التع ّدديّ ‪GG G‬ة‪ .‬فهل املذهبيّة‪ G‬اإلس ‪GG G‬الميّة تقبل بوالية أهل األدي ‪GG G‬ان األخ ‪GG G‬رى‪ ،‬واملذاهب‪G‬‬
‫الوضعيّة املختلفة (اإليديولوجيات)‪ ،‬وتقبل تطبيق مناهجهم على املسلمني؟‪.454‬‬
‫لقد أجاب الفريق الرافض هلذه التع ّدديّة اخلارجة عن نطاق اإلسالم مبا يأيت‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬بقوله‪ : ‬ثُ َّم َج َع ْلنَاكَ َعلَى َش ِري َع ٍة ِّمنَ األَ ْم ِر فَاتَّبِ ْعهَا َوالَ تَتَّبِ ْع أَ ْه َوا َء الَّ ِذينَ الَ يَ ْعلَ ُمونَ‪،455‬‬
‫‪َ : ‬وأَن ِاحْ ُك ْم بَ ْينَهُ ْم بِ َما أَنزَ َل هَّللا ُ َوالَ تَتَّبِ ْع أَ ْه َوا َءهُ ْم َواحْ َذرْ هُ ْم أَن يَ ْفتِنُ و َ‬
‫ك ع َْن بَع ِ‬
‫ْض َما‬ ‫وقولـه‬

‫عمارة (حممد)‪ ،‬هل اإلسالم هو الحل؟ لماذا وكيف؟‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.89 .‬‬ ‫‪452‬‬

‫الصاوي (صالح)‪ ،‬التع ّددية( السياسية في الدولة اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.104-103.‬‬ ‫ّ‬
‫‪453‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.107.‬‬ ‫‪454‬‬

‫سورة اجلاثية‪ ،‬اآلية‪.18 :‬‬ ‫‪455‬‬


‫ْض ُذنُوبِ ِه ْم َوإِ َّن َكثِيرًا ِّمن َالنَّ ِ‬
‫اس لَفَا ِسقُونَ ‪‬‬ ‫أَن َز َل هَّللا ُ إِلَ ْيكَ فَإِن ت ََولَّوْ ا فَا ْعلَ ْم أَنَّ َما ي ُِري ُد هَّللا ُ أَن يُ ِ‬
‫صيبَهُم بِبَع ِ‬
‫‪.456‬‬
‫وقوله‪َ  : ‬ولَ ْن يَجْ َع َل هَّللا ُ لِ ْل َكافِ ِرينَ َعلَى ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َسبِيالً‪.457‬‬
‫األمة يف خمتلف األعصار واألمصار على اشرتاط اإلسالم‪ G‬واحلكـم باإلسـالم يف اإلمامة‬ ‫ولقد أمجعت ّ‬
‫العظمى‪ ،‬وأ ّن من ارت ‪ّ G G‬د عن اإلس‪GG G‬الم‪ G‬أو حكم بغري اإلسـالم فمص‪GG G‬ريه الع‪GG G‬زل من الوالي‪GG G‬ة‪ ،‬ويف ه‪GG G‬ذا يق‪GG G‬ول‬
‫القاضي عياض‪ « :‬أمجع العلماء على أ ّن اإلمامة ال تنعقد لكافر‪ ،‬وعلى أنّه لو طرأ عليه الكفر انع‪GG‬زل‪،458» ‬‬
‫كل من حُي فظ عنه من أهل العلم أ ّن الكافر ال والية له على مسلم حبال‪.459» ‬‬ ‫وقال ابن املنذر‪ « :‬أمجع ّ‬
‫واعتقـادا أنّه ال طـاعة ملخل‪GG‬وق يف معص‪GG‬ية‪G‬‬
‫ً‬ ‫وورد يف "تفسري املن‪GG‬ار"‪ « :‬ومن املس‪GG‬ائل اجملمع عليها قـوالً‬
‫اخلالق؛ وإمّن ا الطاعة يف املعروف‪ ،‬وأ ّن اخلروج على احلاكم املس‪GG‬لم إذا ارت‪ّ G‬د عن اإلس‪GG‬الم واجب‪ ،‬وأ ّن إباحة‬
‫وردة‪.460» ‬‬ ‫اجملمع على حترميه‪ ،‬كالزنا والسكر‪ ،‬واستباحة إبطال احلدود‪ ،‬وشرع ما مل يأذن به اهلل‪ ،‬كفر ّ‬
‫وأما االس‪GG G‬تدالل بص‪GG G‬حيفة املدين‪GG G‬ة‪ ،‬ف‪GG G‬إ ّن ه‪GG G‬ذه الص‪GG G‬حيفة مل ِجتز لليه‪GG G‬ود أن يكون ‪GG‬وا‪ G‬ح ّك ًاما على‬
‫ثانيًا‪ّ :‬‬
‫أقرت هلم حقوقهم‪ ،‬واليت منها األم‪GG‬ان‪ G‬على أنفس‪GG‬هم يف إق‪GG‬امتهم بني املس‪GG‬لمني؛ بينما‬ ‫املسلمني يف املدينة‪ ،‬بل ّ‬
‫السيادة للشريعة اإلسالمية‪ ،‬والتحاكم إىل اهلل ورسوله‪ ،461‬وهذا ما ورد يف تلك الصحيفة وبعبارة واض‪GG‬حة‬
‫إن م ر ّده إلى هللا ‪ ،‬وإلى‬
‫جليّة ال حتتمل التأوي‪GG G‬ل‪ ،‬وهي قول‪GG G‬ه‪ « :‬وإنّكم مهما اختلفتم فيه من ش يء‪ ،‬ف ّ‬

‫مح ّمد‪.462» ‬‬


‫ثالثا‪ّ :‬أما بالنس‪GG‬بة الحتج‪GG‬اج الق‪GG‬ائلني بقب‪GG‬ول التع ّدديّة مطل ًقا ‪-‬حىت تلك اخلارجة عن نط‪GG‬اق اإلس‪GG‬الم‪G-‬‬
‫األمة كبري لتلفظ‬
‫ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن الواقـع ف‪GG‬رض ه‪GG‬ذا‪ ،‬والس‪GG‬يّما مع االستض‪GG‬عاف احلاصل ملنهـاج اإلس‪GG‬الم‪ ،‬وأ ّن األمـل يف ّ‬
‫تلك اإلي‪G‬ديولوجيات وترفض‪G‬ها‪ ،‬وأنّه الب‪ّ G‬د من ت‪G‬ألّف وم‪G‬داراة اآلخ‪G‬رين من أنص‪G‬ار اإلي‪G‬ديولوجيات األخ‪G‬رى‪،‬‬
‫الرد على ذلك يكون بالقول‪:‬‬
‫فإ ّن ّ‬
‫سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.49 :‬‬ ‫‪456‬‬

‫سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.141 :‬‬ ‫‪457‬‬

‫‪ 4 458‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬باب "وجوب طاعة األمراء يف غري معصيّة وحترميها يف املعصيّة"‪ ،‬طبعة دار الفكـر‪ ،‬اجمللّد السادس‪،‬‬
‫جـ‪ ،12 .‬ص‪.229 .‬‬
‫الذمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.414 .‬‬
‫ابن قيّم الجوزية (مشس الدين حممد بن أيب بكر)‪ ،‬أحكام أهل ّ‬
‫‪459‬‬

‫رضا (حممد رشيد)‪ ،‬تفسير المنار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،6 .‬ص‪.367 .‬‬ ‫‪460‬‬

‫الصاوي (صالح)‪ ،‬التع ّدديّة( السياسية في الدولة اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.109.‬‬
‫ّ‬
‫‪461‬‬

‫النبي ‪ ،‬طبعة دار الفكر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.121 .‬‬


‫ابن هشام (أبو عبد امللك)‪ ،‬سيرة ّ‬
‫‪462‬‬
‫إ ّن ه‪GG‬ذه املن‪GG‬اورة‪ G‬ال ت‪GG‬بيح الك‪GG‬ذب على اهلل‪ ،‬أو الك‪GG‬ذب على النّ‪GG‬اس يف مق‪GG‬ام البي‪GG‬ان والبالغ؛‪ G‬ف‪GG‬إ ّن ه‪GG‬ذا‬
‫‪G‬رب ًرا لتغيري‬
‫ن‪GG‬وع من التغرير والكتم‪GG‬ان‪ G‬والتل‪GG‬بيس‪ G،‬بل واخليانة حلق‪GG‬ائق اإلس‪GG‬الم‪ ،‬وأ ّن االستض‪GG‬عاف ال يعطي م‪ّ G‬‬
‫احلق ‪GG G‬ائق وتب‪GG G G‬ديل املف‪GG G G‬اهيم واالهنزام أم‪GG G G‬ام العقائد واإلي‪GG G G‬ديولوجيات‪ G‬األخ‪GG G G‬رى‪ ،‬أو الك‪GG G G‬ذب على اهلل وعلى‬
‫النّاس‪.463‬‬
‫رابعا‪ :‬إ ّن التع ّدديّة املطلق ‪GG G G‬ة‪ ،‬وبال ض ‪GG G G‬وابط‪ ،‬ودون حتديد س ‪GG G G‬قف هلا‪ ،‬غري موج‪GG G G‬ودة حىت يف األنظمة‬
‫الدميقراطية‪ G،‬اليت تأثّر هبا القائلون هبذه التع ّدديّة املطلقة‪.‬‬
‫فما من دولة إالّ وتقيّد احلري ‪GG G‬ات السياس‪GG G G‬ية‪ G‬وغريها مبا يس ‪Gّ G G‬مى "النظـام العـام واآلداب العام ‪GG G‬ة"‪ ،‬أو‬
‫واملقومـات‪ G‬األساس‪GG‬ية للمجتمـع‪ ،‬وختتلف ه‪GG‬ذه القي‪GG‬ود من نظـام إىل آخ‪G‬ر‪ ،‬ومن دولة إىل أخ‪GG‬رى‪ ،‬إالّ‬ ‫املب‪GG‬ادئ ّ‬
‫حيق لدولة‬ ‫تقر بوجود إطار تتقيّد به ه‪G‬ذه التع ّدديّة وت‪G‬دور يف فلك‪G‬ه؛ ول‪G‬ذلك –ووفق ه‪G‬ذا املنط‪G‬ق‪ّ -‬‬ ‫أهّن ا كلّها ّ‬
‫باملقومات‪ G‬واملبادئ األساسية‪ G‬للشريعة اإلسالمية‪.464G‬‬ ‫اإلسالم ‪-‬ودون حرج‪ -‬أن تقيّد التع ّدديّة ّ‬
‫وخالصة ه‪GG‬ذا االجّت اه أنّه مـع إق‪GG‬راره بض‪GG‬رورة التع ّدديّ‪GG‬ة‪ ،‬وكـوهنا حقيقة ال ميكن إنكـارها أو جتاوزه‪GG‬ا‪،‬‬
‫إالّ أ ّن أنص ‪GG‬ار ه ‪GG‬ذا االجّت اه يق ‪Gّ G‬رون بأنّه الب‪ّ G G‬د من وضع س ‪GG‬قف هلذه التع ّدديّة املسمـوح هبا يف دولة اإلس ‪GG‬الم‪G،‬‬
‫وحتديد ض‪GG G‬وابط هلا‪ ،‬حبيث ال ميكن االع‪GG G‬رتاف‪ G‬بالتع ّدديّة اخلارجة عن إط‪GG G‬ار اإلس‪GG G‬الم‪ ،‬واليت تن ‪GG‬اقض مب ‪GG‬ادئ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وما علم من ال ّدين بالض‪GG‬رورة‪ ،‬فهم يع‪GG‬رتفون‪ G‬بالتع ّدديّة اليت جتمعها رابطة اإلس‪GG‬الم؛‪ G‬وعلى ه‪GG‬ذا ف‪GG‬إ ّن‬
‫مرجعا هلا يف أفكارها واعتقاداهتا ال يس ‪GG G‬مح هلا بال‪GG G‬دعوة إىل‬ ‫خمتلف اإلي ‪GG G‬ديولوجيات اليت ال تتّخذ اإلس ‪GG G‬الم‪ً G‬‬
‫معتنقي ه‪GG G G‬ذه‬
‫ّ‬ ‫براجمه‪GG G G G‬ا‪ ،‬أو تطبيقها على املس‪GG G G G‬لمني‪ ،‬ه‪GG G G G‬ذا على ال‪Gّ G G G G‬رغم من االع‪GG G G G‬رتاف‪ G‬حبق‪GG G G G‬وق وحري‪GG G G G‬ات‬
‫اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ G‬يف اجلوانب‪ G‬اخلاصة من حي‪GG‬اهتم‪ ،‬كض‪GG‬مان حريّة التفكري واالعتق‪GG‬اد‪ ،‬والعيش‪ G‬الك‪GG‬رمي‪ ،‬وبعض‬
‫احلقوق السياسية‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬موقف القبول بالتع ّدديّة اإليديولوجية بشروط‬


‫ميكن اعتب‪GG G G‬ار ه ‪GG G G‬ذا املوقف هو املوقف الوسط بني االجّت اهني ال ّس‪G G G G‬ابقني‪ ،‬إذ إنّه ال ي‪GG G G‬رفض كليّ‪G G G‬اً‬
‫اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ G‬املختلفة يف دولة اإلس‪GG‬الم‪ G،‬ولكنّه يضع ش‪GG‬روطًا للقب‪GG‬ول هبذه اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ ،‬والس‪GG‬ماح هلا‬
‫يف املشاركة السياسية‪ G‬جبانب التنظيمات األخرى اليت تتبىّن منهاج اإلسالم‪.‬‬

‫الصاوي (صالح)‪ ،‬التع ّدديّة( السياسية في الدولة اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.107-106.‬‬
‫ّ‬
‫‪463‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.111-110 .‬‬ ‫‪464‬‬


‫فه‪GG‬ذا املوقف يف‪Gّ G‬رق بني اإلي‪GG‬ديولوجيات امللح‪GG‬دة أو اليت تع‪GG‬ادي اإلس‪GG‬الم وتنكر تعاليمه وأص‪GG‬وله‪ ،‬وبني‬
‫اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ G‬األخ‪GG‬رى اليت ال تقف على كامل أرض‪GG‬ية اإلس‪GG‬الم‪ G،‬وال تقف على كامل أرض‪GG‬ية املع‪GG‬ادين هلل‬
‫ولإلسالم‪.465‬‬
‫فه ‪GG‬ذا االجّت اه يشتـرط لالع ‪GG‬رتاف مبختلف اإليديولوجيـات االل ‪GG‬تزام بقيم اإلسـالم وتعاليم ‪GG‬ه‪ ،‬مثّ تركها‬
‫بعد ذلك لتدعو إىل ما تشاء من برامج سياسية واقتصادية واجتماعية‪. 466‬‬
‫ولكن املالحظ أ ّن يف ه ‪GG‬ذا ال ‪GG‬رأي بعض الغم ‪GG‬وض يف حتديد معىن االل ‪GG‬تزام بقيم اإلس ‪GG‬الم‪ G‬وأحكام ‪GG‬ه‪ ،‬مثّ‬
‫ترك احلريّة للدعوة إىل خمتلف الربامج األخرى‪ ،‬فهل يعين االلتزام هنا‪ ‬عدم معاداة ال‪ّ G‬دين من غري العمل وفق‬
‫هديه وأحكام ‪GG‬ه‪ ،‬وال ‪GG‬دعوة إىل عقي ‪GG‬دة أخ ‪GG‬رى‪ ،‬أم يعين االل ‪GG‬تزام بالتم ّس‪G G‬ك بقيم اإلس ‪GG‬الم‪ G‬وأحكام ‪GG‬ه‪ ،‬ومن مثّ‬
‫يرتفع الف‪GG‬ارق بينها وبني األح‪GG‬زاب اإلس ‪GG‬المية‪ G،‬أم يعين أ ّن ه ‪GG‬ذه األح ‪GG‬زاب ال تتم ّس ‪G‬ك بأيّة عقي‪GG‬دة‪ ،‬إس ‪GG‬المية‬
‫كانت أم غري إسالمية‪.467 ‬‬
‫كما ذهب بعض الب ‪GG G G G‬احثني‪-‬ض‪GG G G G‬من ه ‪GG G G G‬ذا املوق ‪GG G G G‬ف‪ -‬إىل أ ّن اإلي ‪GG G G G‬ديولوجيات غري املقبولة‪ G‬يف اجملتمع‬
‫اإلس‪GG‬المي‪ G‬هي اليت ت‪GG‬دعو إىل اإلحلاد؛ أل ّن يف ذلك اعت‪GG‬داء على اجملتمع وعلى عقيدت‪GG‬ه‪ ،‬وباس‪GG‬تثناء‪ G‬ذل‪GG‬ك‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن‬
‫للتي‪GG‬ارات املختلفة يف اجملتمع اإلس‪GG‬المي‪ G‬أن متارس املعارضة ض‪ّ G‬د الس‪GG‬لطة‪ ،‬وأن يك‪GG‬ون هلا أفكـارها يف التغي‪GG‬ري‪G،‬‬
‫وأفكارها يف فهم اإلس‪GG G G G‬الم‪ G،‬وأفكارها حىت يف إقامة نظ‪GG G G G‬ام علم‪GG G G G‬اين؛ وذلك ألنّه ما دام اجملتمع اإلس‪GG G G‬المي‬
‫مربر للخوف من تيار يدعـو لرأي مـخالف‪ ،‬ما دام اإلسالم يتيح‬ ‫بأكثريّته الساحقة خيتار نظام اإلسالم‪ G،‬فال ّ‬
‫وس‪GG G‬ائل احلوار واإلقن ‪GG G‬اع‪ ،‬فاإلس ‪GG G‬الم ال يف ‪GG G‬رض معتقداته على النّ ‪GG G‬اس بالقسر واإلك ‪GG G‬راه؛ وإمّن ا يريد منهم أن‬
‫يأخذوا هبا بعد الربهان‪ G‬عليها والقناعة‪ G‬هبا‪.468‬‬
‫احلق‪ ،‬من خ ‪GG‬وض املع ‪GG‬ارك الفكرية مع خمتلف التي ‪GG‬ارات‪G‬‬ ‫كما أنّه ال خ ‪GG‬وف على اإلس ‪GG‬الم‪ G،‬وهو ال ‪ّ G‬دين ّ‬
‫واملذاهب‪ G‬الفاسدة‪.469‬‬
‫ولقد اش‪GG‬رتط ه‪GG‬ذا الفري‪GG‬ق‪ ،‬للقب‪GG‬ول بتلك اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ G،‬أن يظ‪Gّ G‬ل اخلالف معها يف الف‪GG‬روع وليس يف‬
‫األص ‪GG‬ول اإلس ‪GG‬المية‪ ،‬مع العلم ب ‪GG‬أ ّن مس ‪GG‬ألة احلكم ‪-‬على ض ‪GG‬رورهتا وأمهيّته ‪GG‬ا‪ -‬هي من الف ‪GG‬روع‪ ،‬وليست من‬

‫هويدي (فهمي)‪ ،‬اإلسالم والديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.94 .‬‬ ‫‪465‬‬

‫العوا (حممد سليم)‪ ،‬في النظام السياسي للدولة اإلسالمية‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪-‬بريوت‪ ،‬ط‪1989 ،1.‬م‪ ،‬ص‪.84 .‬‬ ‫‪466‬‬

‫الميالد (زكي)‪ ،‬الوحدة والتع ّدديّة والحوار في الخطاب اإلسالمي( المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.97 .‬‬ ‫‪467‬‬

‫‪ 468‬الرفاعي (عبد احلميد)‪ ،‬الفكر اإلسالمي( المعاصر‪ ،‬حوار مع‪ :‬األمين (السيّد حممد حسن)‪ ،‬دار الفكـر املعاصـر‪ -‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ -‬دمشق‪ ،‬ط‪ 1421 ،1 .‬هـ ‪2000‬م‪ ،‬ص‪.212 .‬‬
‫الغنوشي (راشد)‪ ،‬الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.293 .‬‬ ‫‪469‬‬
‫األصول‪ ،‬وأن يكون‪ G‬الفيصل يف واجبات والتزام‪GG‬ات ك‪Gّ G‬ل ط‪GG‬رف مش‪GG‬ارك يف التع ّدديّة السياس‪GG‬ية‪ G‬والفكرية هو‬
‫الدس ‪GG‬تور أو العهد املكت ‪GG‬وب‪ ،470‬وال ‪GG‬ذي جيب أن يتض ‪Gّ G‬من ع ‪GG‬دم اخلروج على مب ‪GG‬ادئ اإلس ‪GG‬الم‪ G‬وأص ‪GG‬وله‪ ،‬وال‬
‫أي جمتمع إس ‪GG G G‬المي‬
‫أي تي‪GG G G G G‬ار فك‪GG G G G G‬ري أو سياسي من أن يثبت حض‪GG G G G G‬وره‪ ،‬وميارس دوره يف ّ‬‫ميكن أن مينع ّ‬
‫معاصر‪.471‬‬
‫يفرق بني اإليديولوجيـات املختلفة؛ فيميّز بني اإليديولوجيـات اليت ال تناقض‬ ‫وخالصة هذا االجّت اه أنّه ّ‬
‫موح‪G‬دون باهلل‪ ،‬وي‪GG‬دافعون‪ G‬عن احلريّة والعدال‪GG‬ة‪ ،‬وإن ك‪GG‬انوا يتح ّفظ‪GG‬ون من مس‪GG‬ألة‬‫ال‪ّ G‬دين اإلس‪GG‬المي‪ ،‬وأتباعها‪Gّ G‬‬
‫عالقة ال ّدين بالسياسة؛ وهناك‪ G‬إيديولوجيات أخرى مرفوضة‪ ،‬وهي اليت تناقض اإلسالم‪ G‬يف أص‪GG‬وله ومبادئ‪GG‬ه‪،‬‬
‫أو تنكر ال ّدين مطل ًقا‪.‬‬
‫األول من اإلي‪GG‬ديولوجيات‪ G‬ميكن قبوهلا وإش‪GG‬راكها يف احلي‪GG‬اة السياس‪GG‬يّة‪ G،‬مع حماولة إقن‪GG‬اع أتباعها‪G‬‬ ‫ف‪GG‬النوع ّ‬
‫مبنهـاج اإلسـالم‪ ،‬والس ‪GG‬يّما وأهّن م ال يه‪ّ G G‬ددون قيـم اإلسـالم ومبادئ ‪GG‬ه؛ ّأما النـوع الث ‪GG‬اين من اإلي ‪GG‬ديولوجيات‪G‬‬
‫املخاصمة لل ّدين‪ ،‬فال مكان هلا يف دولة اإلسالم‪ G،‬والسعي إىل منعها واجب شرعي وسياسي‪ G،‬وه‪GG‬ذا املوقف‬
‫بدعا يف األنظم‪GG‬ة‪ ،‬إذ ال يوجد نظ‪GG‬ام يعطي الش‪GG‬رعية هلدم أسسه ومبادئ‪GG‬ه‪ ،‬وتق‪GG‬ويض البني‪GG‬ان‪ G‬ال‪G‬ذي أُ ّس‪G‬س‬ ‫ليس ً‬
‫عليه‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫التعدّديّة الحزبيّة‬

‫التجمع والتكتّل يف‬


‫توجه‪GG‬ات مش‪GG‬رتكة ووجه‪GG‬ات نظر متقارب‪GG‬ة‪ ،‬إىل ّ‬
‫‪G‬ريا ما ينـزع النّ‪GG‬اس‪ ،‬ال‪GG‬ذين هلم ّ‬
‫كث‪ً G‬‬
‫إطار منظّم‪ ،‬خدمة ألهدافهم‪ ،‬وسعيًا لتجسيد براجمهم يف الواقع‪.‬‬

‫هويدي (فهمي)‪ ،‬اإلسالم والديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.94 .‬‬ ‫‪470‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.94 .‬‬ ‫‪471‬‬


‫ونظ‪Gً G G G‬را لتب‪GG G G‬اين اآلراء‪ ،‬واختالف االجّت اه‪GG G G‬ات‪ ،‬وتع ‪ّ G G G‬دد الس‪GG G G‬بل واملن‪GG G G‬اهج‪ G،‬إض‪GG G G‬افة إىل ذلك االختالف‬
‫الط‪GG‬بيعي بني البش‪GG‬ر‪ ،‬وال‪GG‬ذي هو س‪GG‬نّة اهلل يف خلق‪GG‬ه؛ فقد تن‪Gّ G‬وعت‪ G‬التنظيم‪GG‬ات وتع‪ّ G‬ددت اجلماع‪GG‬ات‪ ،‬اليت جتمع‬
‫بني هؤالء الذين يتّفقون‪ G‬يف املقاصد والغايات وسبل حتقيقها‪.‬‬
‫وتنوعها وتع ‪ّ G G‬ددها هو ما يس‪Gّ G G‬مى "التع ّدديّ‪GG G‬ة"؛‬
‫وه‪GG G‬ذا التنظيم هو ما اص‪GG G‬طلح على تس‪GG G‬ميّته "احلزب"‪ّ ،‬‬
‫يسمى يف االصطالح السياسي‪" G‬التع ّدديّة احلزبيّة"‪.‬‬ ‫فنكون بصدد ما ّ‬
‫ولدراسة ه ‪GG‬ذا املوض ‪GG‬وع الب ‪ّ G‬د من التط ‪Gّ G‬رق إىل مفه ‪GG‬وم احلزب‪ ،‬وإىل أص ‪GG‬وله التارخييّ ‪GG‬ة‪ ،‬وط ‪GG‬رق نش ‪GG‬وئه‪،‬‬
‫وإىل م ‪GG‬دى ارتب ‪GG‬اط وعالقة التع ّدديّة احلزبيّة بالدميقراطية الغربيّ ‪GG‬ة‪ ،‬مثّ التط ‪Gّ G‬رق إىل أن ‪GG‬واع‪ G‬األح ‪GG‬زاب السياس ‪GG‬يّة‪،‬‬
‫املوجهة إليها‪.‬‬
‫أهم االنتقادات‪ّ G‬‬ ‫ومربرات وجودها‪ ،‬وإىل ّ‬ ‫وأهم وظائفها‪ّ G‬‬‫وصور تع ّددها‪ّ ،‬‬
‫وبعد ذلك الب ّد من دراسة هذه التع ّدديّة على ضوء أحكام الش‪GG‬ريعة اإلس‪GG‬المية‪ ،‬واجته‪GG‬ادات مف ّكريها‬
‫وأهم االجتهادات واالجّت اهات يف هذا الشأن‪ .‬ونتناول هذه العناصر يف اآليت‪:‬‬ ‫وفقهائها‪ّ ،‬‬

‫المطلـب األوّل ‪ :‬ونتعرّض فيه إىل مفهوم احلزب‪ ،‬واستعماالته‪ G‬يف القرآن الكريـم‪.‬‬
‫المطلب الثانـي‪ :‬ونتناول فيه األصول التارخييّة لألحزاب السياسيّة‪ G،‬وطرق نشوئها‪.‬‬
‫المطلب الثالـث‪ :‬ونبحث فيه عالقـة التعـ ّدديّة الـحزبيّة بالدميقراطيـة الغربيّة‪.‬‬
‫المطلب الرابـع‪ :‬ونتحـدّث فيـه عـن أنـواع األحـزاب السـيـاسـيّـة‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬وندرس فيه صـور التع ّدديّـة احلزبيّـة يف النظـام الدميقراطي‪.‬‬
‫مربرات ووظائـف األحـزاب السيـاسيّـة‪.‬‬ ‫أهم ّ‬ ‫المطلب السادس‪ :‬ونتناول فيه ّ‬
‫املوجهة إىل التع ّدديّة احلزبيّة‪.‬‬
‫ونتطرق فيه إىل أه ّـم االنتقـادات ّ‬
‫ـ ّ‬ ‫المطلب السابـع‪:‬‬
‫المطلـب الثامن ‪ :‬ونتع ّـرض فيه إىل موقف نظام اإلسالم‪ G‬من التعـ ّدديّة احلزبيّة‪.‬‬

‫األول‪ :‬مفهوم الحزب‬


‫المطلب ّ‬

‫للفظ "احلزب" ال‪GG‬ذي يقابل‪G‬ه يف اللغة األجنبيّة‪ G‬لفظ "‪ "Parti‬معىن لغ‪GG‬وي‪ ،‬حيث أوردته ق‪GG‬واميس اللّغ‪GG‬ة‪،‬‬
‫‪G‬طلحا سياس ‪GG‬يًا"‪ ،‬وال‬
‫وأعطت له معىن لغويً ‪GG‬ا‪ ،‬كما أ ّن له معىن اص ‪GG‬طالحيًا يف اجملال السياس ‪GG‬ي؛ إذ يعترب "مص ‪ً G‬‬
‫خيفى ما بني املعىن اللّغوي واملعىن االصطالحي من تقارب‪.‬‬
‫وفيما يأيت نورد هذه املعاين‪:‬‬
‫األول‪ :‬الحزب في اللّغة‬ ‫الفرع ّ‬
‫أوالً‪ :‬احلزب يف اللّغة العربيّة‬
‫من معاين"احلزب" الواردة يف قواميس اللّغة العربيّة ما يأيت‪:‬‬
‫*ورد يف معىن "احلزب" أنّه‪ :‬مجاعة من النّ ‪GG‬اس‪ ،‬واألح ‪GG‬زاب مجعُ ‪GG‬هُ‪ ،‬ومَج ْ ‪Gٌ G‬ع ك ‪GG‬انوا ت ‪GG‬ألّبوا وتظ ‪GG‬اهروا على‬
‫النيب ‪.472 ‬‬
‫حرب ّ‬
‫*كما ورد أنّه‪ :‬اجلماعة فيها ّقوة وصالبة‪ ،‬وك ّ‪G‬ل ق‪GG‬وم تش‪GG‬اكلت أه‪GG‬واؤهم وأعم‪GG‬اهلم‪ ،‬ويف التنـزيل قوله‬
‫الرجل‪ :‬أعوانه‪ ،‬ويف التنـزيل قوله‪: ‬أُوْ لَئِكَ ِح ْزبُ هَّللا ِ‬ ‫‪ُ  : ‬كلُّ ِح ْز ٍ‬
‫ب بِ َما لَ َد ْي ِه ْم فَ ِرحُونَ ‪‬‬
‫‪473‬‬
‫ّ‬ ‫وحزب‬ ‫‪،‬‬
‫زاب‪.475‬‬ ‫‪ ، ‬ومجعه‪ :‬أ ْ‬
‫‪474‬‬
‫َح ٌ‬
‫جتمع الش‪GG G‬يء‪ ،‬فمن ذلك احلزب اجلماعة من النّ‪GG G‬اس‪ ،‬ق‪GG G‬ال‪ُ  : ‬كلُّ ِح ْز ٍ‬
‫ب بِ َما‬ ‫*وورد ك‪GG G‬ذلك أنّ‪GG G‬ه‪ّ :‬‬
‫ب‪.476‬‬ ‫ِ‬
‫كل شيء‪ :‬ح ْز ٌ‬ ‫ل َد ْي ِه ْم فَ ِرحُونَ ‪ ، ‬والطائفة من ّ‬
‫َ‬
‫‪G‬زاب‪ ،‬واألح‪GG G G‬زاب جن‪GG G G‬ود الك ّف‪GG G‬ار‪ ،‬ت‪GG G‬ألّبوا‪G‬‬ ‫ِ‬
‫ب‪ :‬مجاعة النّ‪GG G G‬اس‪ ،‬واجلمع أح ‪ٌ G G‬‬
‫*ويف لس‪GG G G‬ان الع‪GG G G‬رب‪ :‬احل‪Gْ G G G‬ز ُ‬
‫اف َعلَ ْي ُك ْم‬‫وتظ ‪GG‬اهروا على ح ‪GG‬رب الن ‪GG‬يب ‪ ‬وهم‪ :‬ق ‪GG‬ريش‪ ،‬وغطف ‪GG‬ان‪ ،‬وبنو قريظ ‪GG‬ة‪ ،‬يق ‪GG‬ول‪:‬يَاقَوْ ِم إنّي أَ َخ ُ‬
‫ّ‬
‫الر ‪G‬ج ِ‪G‬ل‪:‬‬
‫ْ ُ ُ‬ ‫وح زب َّ‬ ‫ب ‪ ،477‬واألحزاب ههنا‪ :‬قوم نوح وع‪GG‬اد ومثود‪ ،‬ومن أهلك من بع‪GG‬دهم‪Gِ ،‬‬ ‫ِّم ْث َل يَوْ ِم األَحْ زا ِ‬
‫ص‪G‬نف من‬ ‫ِ‬
‫ب‪ :‬ال ّ‬ ‫وكل ق‪G‬وم تش‪G‬اكلت قل‪G‬وهبم وأعم‪G‬اهلم فهم أح‪G‬زاب‪ ،‬واحل ْ‪G‬ز ُ‬‫وجنده الذين على رأيه‪ّ ،‬‬ ‫أصحابه ُ‬
‫الناّس‪ ،‬ق‪G‬ال ابن األع‪G‬رايب‪ :‬احلزب‪ :‬اجلماع‪G‬ة‪ ،‬واحلزب‪ :‬الطائف‪G‬ة‪ ،‬واألح‪G‬زاب‪ :‬الطوائف اليت جتتمع على حماربة‬
‫جتمع ‪GG‬وا وص ‪GG‬اروا‬
‫وحتزب ‪GG‬وا‪ّ :‬‬
‫األنبي ‪GG‬اء‪ ،‬ويف احلديث ذكر ي ‪GG‬وم األح ‪GG‬زاب‪ ،‬وهو غ ‪GG‬زوة اخلن ‪GG‬دق‪ ،‬وح ‪GG‬ازب الق ‪GG‬وم ّ‬
‫أحزابًا‪ ،‬واألحزاب‪ :‬الطوائف من النّاس‪ ،‬مجع حزب (بالكسر)‪.478‬‬
‫نسجل املالحظات اآلتية‪G:‬‬
‫ومن خالل هذه التعاريف السابقة للحزب يف اللّغة العربيّة‪ّ ،‬‬

‫الفيروز أبادي (جمد الدين حممد بن يعقوب)‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.54 .‬‬ ‫‪472‬‬

‫سورة املؤمنون‪ G،‬اآلية‪.53 :‬‬ ‫‪473‬‬

‫سورة اجملادلة‪ ،‬اآلية‪.22 :‬‬ ‫‪474‬‬

‫أنيس (إبراهيم) وآخرون‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬ط‪ ،2.‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص‪.170 .‬‬ ‫‪475‬‬

‫‪ 476‬ابن زكريا (أبو احلسني أمحد بن فارس)‪ ،‬معجم مقاييس اللّغة‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬د‪.‬‬
‫م‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1979 ،‬م‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.55 .‬‬
‫‪ 477‬سورة غافر‪ ،‬اآلية‪.30 :‬‬
‫ابن منظور(مجال ال ّدين)‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.854-853 .‬‬ ‫‪478‬‬
‫‪ -1‬تتّفق مجيع تلك التع‪GG‬اريف على أ ّن لفظ "احلزب" عند إف‪GG‬راده يقصد به اجلماعة من النّ‪GG‬اس من غري‬
‫حتديد هلويّتها وطبيعته ‪GG‬ا‪ ،‬ولكن عن‪GG‬دما مُج ع ه ‪GG‬ذا اللّفظ (أح‪GG‬زاب) أص ‪GG‬بح يقصد به ال ‪GG‬ذين ت ‪GG‬ألّبوا‪ G‬على ح‪GG‬رب‬
‫‪G‬يب ‪ ، ‬أو على حماربة األنبي‪GG‬اء ‪ -‬عليهم الس‪GG‬الم‪ ،-‬وهنا تب‪GG‬دو املفارق‪GG‬ة‪ ،‬حيث إنّه من املف‪GG‬روض أن يك‪GG‬ون‪G‬‬ ‫الن‪ّ G‬‬
‫هلويته وطبيعت‪GG‬ه؛‪ G‬إذ كيف‬ ‫أي موقف‪ ،‬ودون حتديد ّ‬ ‫مجع احلزب كذلك مثل مفرده‪ ،‬أي أن يكون مفر ًغا من ّ‬
‫‪G‬تخرجا من املعىن الف‪GG‬ردي‪ ،‬والس‪GG‬يّما‬ ‫يعقل أن يتغرّي معىن اللّفظ عند مجعه‪ ،‬فالب‪ّ G‬د أن يك‪GG‬ون‪ G‬املعىن اجلمعي مس‪ً G‬‬
‫بعيدا عن املاهية‪ G‬واملفهوم‪.479G‬‬ ‫أ ّن البحث هنا يف البعد اللغّوي التجريدي ً‬
‫‪G‬يب ‪ ‬لك‪GG G‬ون اسم "األح ‪GG‬زاب" أُطْلِق‬ ‫رد تفسري األح ‪GG‬زاب باجتم‪GG G‬اع الك ّف ‪GG‬ار على ح ‪GG‬رب الن‪ّ G G‬‬ ‫‪-2‬ميكن ّ‬
‫ألول م ّ‪G‬رة يف الت‪G‬اريخ اإلس‪G‬المي على ّأول حلف يتّفق فيه الك ّف‪G‬ار على حماربة الرس‪GG‬ول ‪ ،480 ‬فالداللة إذن‬ ‫ّ‬
‫ترتبط بفلسفة املواقف بعيداً عن اجلانب اللّغوي‪.‬‬
‫رد االختالف يف تفسري معىن "احلزب" ومعىن "األح‪GG‬زاب" إىل أ ّن كلمة "األح‪GG‬زاب" ما‬ ‫‪-3‬كما ميكن ّ‬
‫‪G‬ذم‪ ،‬وما وردت للم ‪GG‬دح إالّ بص ‪GG‬يغة املف ‪GG‬رد‪ ،‬وه ‪GG‬ذا ما يف ّس‪G G‬ر‬ ‫وردت يف الق ‪GG‬رآن بص ‪GG‬يغة اجلمع إالّ وك ‪GG‬انت لل ‪ّ G‬‬
‫‪G‬ذم؛ ل ‪GG‬ورود ذلك يف الق ‪GG‬رآن الك ‪GG‬رمي‪،481‬‬ ‫اختي ‪GG‬ار تلك املع ‪GG‬اجم اللّغويّة لكلمة "األح ‪GG‬زاب"(بص ‪GG‬يغة اجلم ‪GG‬ع) لل ‪ّ G‬‬
‫والتفرق واالجتماع على الباطل‪ ،‬وحماربة‬ ‫حيث وردت كلمة"األحزاب" يف معرض احلديث عن االختالف ّ‬
‫اختَلَفَ األَحْ َزابُ ِمن بَ ْينِ ِه ْم فَ َو ْي ٌل‬ ‫احلق‪ ،‬مثل قوله‪َ  : ‬وإِ َّن هَّللا َ َربِّي َو َربُّ ُك ْم فَا ْعبُ ُدوهُ هَ َذا ِ‬
‫ص َراطٌ ُّم ْستَقِي ٌم فَ ْ‬ ‫ّ‬
‫لِّلَّ ِذينَ َكفَرُوا ِمن َّم ْشهَ ِد يَوْ ٍم َع ِظ ٍيم‪ ، ‬وقوله‪َ : ‬و َم ْن يَ ْكفُرْ بِ ِه ِمنَ األَحْ زَا ِ‬
‫‪482‬‬
‫ب فَالنَّا ُر َموْ ِع ُدهُ فَالَ تَ ُ‬
‫ك‬
‫اس الَ ي ُْؤ ِمنُ ونَ ‪ ،483‬إىل غري ذلك من اآلي ‪GG G‬ات‪ .‬كما‬ ‫ك َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النَّ ِ‬ ‫فِي ِمرْ يَ ٍة ِّم ْن هُ إِنَّهُ ْال َح ُّ‬
‫ق ِمن َّربِّ َ‬
‫وردت كلمة "ح‪GG‬زب" للم‪GG‬دح بص‪GG‬يغة املف‪GG‬رد‪ ،‬يف آي‪GG‬ات مجيعها ج‪G‬اءت بربط احلزب هبويّته يف ص‪GG‬يغة "ح‪GG‬زب‬
‫ب هَّللا ِ هُ ُم ْال ُم ْفلِحُونَ ‪ ، ‬وقوله‪: ‬فَإ ِ َّن ِح ْز َ‬
‫ب هَّللا ِ هُمُ ْالغَالِبُونَ ‪ ،485‬كما‬ ‫اهلل" كقوله‪ : ‬أَالَ إِ َّن ِح ْز َ‬
‫‪484‬‬

‫الميالد (زكي)‪ ،‬الوحدة والتع ّدديّة والحوار في الخطاب اإلسالمي( المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.23-22 .‬‬ ‫‪479‬‬

‫الفنجري (أمحد شوقي)‪ ،‬الحريّة السياسيّة في اإلسالم‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ 1403 ،2 .‬هـ‪1983 -‬م‪ ،‬ص‪.263 .‬‬ ‫‪480‬‬

‫الميالد (زكي)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ 27 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪481‬‬

‫سورة مرمي‪ ،‬اآلية‪ 36 :‬و‪.37‬‬ ‫‪482‬‬

‫سورة هود‪ ،‬اآلية‪.17 :‬‬ ‫‪483‬‬

‫سورة اجملادلة‪ ،‬اآلية‪.22 :‬‬ ‫‪484‬‬

‫سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.56 :‬‬ ‫‪485‬‬


‫ج‪GG‬اءت كلمة "ح‪GG‬زب" لل ‪ّ G‬ذم بص‪GG‬يغة‪ G‬املف‪GG‬رد‪ ،‬وذلك يف قوله‪ِ : ‬ا ْستَحْ َو َذ َعلَ ْي ِهمُ ال َّش ْيطَ ُ‬
‫ان فَأَن َساهُ ْم ِذ ْك َر هَّللا ِ‬
‫اسرُونَ ‪.486‬‬
‫ان هُمُ ْال َخ ِ‬
‫ط ِ‬ ‫ان أَالَ إِ َّن ِح ْز َ‬
‫ب ال َّش ْي َ‬ ‫ط ِ‬ ‫أُوْ لَئِ َ‬
‫ك ِح ْزبُ ال َّش ْي َ‬
‫وخالصة ما س‪GG G G‬بق ذك‪GG G G‬ره أ ّن اللّغ‪GG G G‬ويني واملف ّس‪G G G G‬رين قد ت‪GG G G‬أثّروا باس‪GG G G‬تعماالت الق‪GG G G‬رآن الك ‪GG G‬رمي لكلمة‬
‫وأول اس‪GG‬تعمال هلا‬‫ض‪G‬ا ما يتّفق ّ‬ ‫‪G‬ريا يتّفق مع م‪GG‬دلوهلا الق‪GG‬رآين‪ ،‬وأي ً‬ ‫"األحزاب" (بصيغة اجلمع)؛ فأعطوا هلا تفس‪ً G‬‬
‫أي حتديد هلويّتها وطبيعته‪G‬ا‪ G،‬والس‪G‬يّما‬ ‫جمردة من ّ‬ ‫يف الت‪GG‬اريخ اإلس‪GG‬المي؛‪ G‬بينما بقيت‪ G‬كلمة "ح‪G‬زب" (املف‪G‬ردة) ّ‬
‫‪G‬ذم (ح‪G‬زب الش‪G‬يطان)؛ فبقيت‪ G‬يف اس‪G‬تعماهلا اللّغ‪G‬وي يف‬ ‫وأ ّن القرآن الك‪G‬رمي اس‪G‬تعملها للم‪G‬دح (ح‪G‬زب اهلل) ولل ّ‬
‫الذم‪.‬‬
‫أي وصف‪ ،‬سواء للمدح أم ّ‬ ‫جمردة من ّ‬
‫املعاجم ّ‬
‫ثانيًا‪:‬الحزب في اللّغة األجنبيّة(‬
‫كلمة "احلزب" يف اللّغة العربيّة يقابلها يف اللّغة األجنبيّة(الفرنسيّة)‪ G‬كلمة "‪ ،"Parti‬وهو اسم مفعول‬
‫قسم‪.‬‬
‫متخذ كاسم من الفعل (‪ )Partir‬مبعىن‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫جتمع‬
‫فيسمى "احلزب السياس‪GG‬ي" (‪ )Parti Politique‬ويقص‪GG‬دون‪ G‬ب‪GG‬ه‪ّ  « :‬‬ ‫وهو عادة ما يقرن بالسياسة ّ‬
‫أش ‪GG G‬خاص هلم اآلراء السياس‪GG G G‬يّة عينه‪GG G G‬ا‪ ،‬ينتظم‪GG G G‬ون ملتابعة‪ G‬حتقيقها بعمل مش‪GG G G‬رتك‪ ،‬من أجل تس‪G G G‬لّم الس ‪GG G‬لطة‬
‫وممارستها‪.487» ‬‬
‫ويقصد بلفظ "احلزب" (‪ )Parti‬يف اللّغة األجنبيّة‪ G‬ك ‪GG G G‬ذلك‪ « :‬جمموعة من األش ‪GG G G‬خاص يدافعـون عن‬
‫نفس ال‪GG G G G G G‬رأي‪ ،‬أو هو مجعيّة من األشخـاص املتّح‪GG G G G G G‬دين من أجل أه‪GG G G G G G‬داف مش‪GG G G G G G‬رتكة‪ ،‬أو هو منظّمـة من‬
‫األشخاص‪.488» ‬‬
‫الفرع الثاني‪ (:‬تعريف الحزب في االصطالح‬
‫موحد وج ‪GG‬امع للح ‪GG‬زب؛ وذلك‬ ‫ص‪G G‬عوبة مبك ‪GG‬ان إعط ‪GG‬اء تعريف ّ‬ ‫بداية ال ب‪ّ G G‬د من اإلش ‪GG‬ارة إىل أن ‪GG‬هّ من ال ّ‬
‫كل ح‪GG‬زب‪ ،‬وتن‪Gّ G‬وع األدوار اليت يق‪GG‬وم هبا احلزب السياسي‪ ،489G‬كما يص‪GG‬عب‬ ‫نظراً الختالف عقائد ومقاصد ّ‬
‫النّظر إىل األحـزاب السياس‪GG G‬يّة من زاوية واح‪GG G‬دة‪ ،‬وأن نعطـي هلا من مثّ تعريفـاً شامـالً‪ ،‬إذ األح‪GG G‬زاب مثل‬
‫أغلب الظواهر السياسيّة‪ G،‬ميكن أن يكون‪ G‬هلا مدلوالت متع‪ّ G‬ددة‪ ،‬وميكن ل‪GG‬ذلك دراس‪GG‬تها من ج‪GG‬وانب متع‪ّ G‬ددة‬

‫سورة اجملادلة‪ ،‬اآلية‪.19 :‬‬ ‫‪486‬‬

‫‪ 6‬كورنو (جريار)‪ ،‬معجم المصطلحات القانونية‪ ،‬ترمجة‪ :‬منصور القاضي‪ّ ،‬‬


‫املؤسسة اجلامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪487‬‬

‫بريوت‪ ،‬ط‪1998 ،1.‬م‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص‪.679 .‬‬


‫‪.ROBERT (Paul), Le petit Robert 1 (Dictionnaire de la langue française), op.cit., p.1365‬‬ ‫‪488‬‬

‫الغزال (إمساعيل)‪ ،‬القانون الدستوري و النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.204 .‬‬ ‫‪489‬‬
‫‪ ،490‬ول‪GG G G‬ذلك فقد اختلف الفقه ح‪GG G G G‬ول تعريف احلزب السياس‪GG G G‬ي‪ G،‬وأغلب الدراس‪GG G G‬ات املتعلّقة ب‪GG G G‬األحزاب‬
‫تكتفي‪ G‬بتحليل عقائدها‪.491‬‬
‫وسنحاول –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إعطاء بعض التعاريف للحزب بالنّظر إىل جوانبها املختلفة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬عُ ‪ّG‬رفت األح ‪GG‬زاب السياس ‪GG‬ية بأهّن ا‪ « :‬تنظيم ‪GG‬ات دائم ‪GG‬ة‪ ،‬تتح ‪Gّ G‬رك على مس ‪GG‬توى وطين وحملّي‪ ،‬من‬
‫أجل احلصول على ال ّدعم الشعيب‪ ،‬هبدف الوصول إىل ممارسة السلطة‪ ،‬بغية حتقيق سياسة معيّنة‪.492» G‬‬
‫يتضمن طبيعة نشاط األحزاب‪ ،‬وتنظيمها‪ ،‬وكذلك أهدافها وغايتها‪.‬‬ ‫ونالحظ على التعريف أنّه ّ‬
‫ثانيا‪ :‬وقد ع ‪Gّ G‬رف "م ‪GG‬وريس ديفرجي ‪GG‬ه" احلزب بقول ‪GG‬ه‪ « :‬احلزب هو جمموعة ذات كي ‪GG‬ان خ ‪GG‬اص‪ ،» ‬أو‬
‫‪Un parti est‬‬ ‫‪une‬‬ ‫األص‪GG G G G G G‬ليّة‪communauté d'une structure « :‬‬ ‫كما وردت بص‪GG G G G G G‬يغتها‬
‫‪.493» particulière‬‬
‫عرفه بأنّه‪ « :‬تنظيم للكفاح السياسي‪.494» ‬‬ ‫ويف موضع آخر ّ‬
‫والتعريف‪GG G‬ان الس‪GG G‬ابقان رغم اختص‪GG G‬ارمها‪ ،‬إالّ أهّن ما قد تض‪Gّ G G‬منا طبيعة‪ G‬التنظيم احلزيب‪ ،‬وتض‪Gّ G G‬من التعريف‬
‫الث‪G‬اين األه‪G‬داف‪ ،‬واليت خلّص‪GG‬ها يف عب‪G‬ارة‪( :‬الكف‪GG‬اح السياس‪GG‬ي)‪ .‬فكـأ ّن "م‪G‬وريس ديفرجي‪GG‬ه"‪ ،‬من خالل ه‪GG‬ذين‬
‫التعريفني‪ ،‬يعترب أ ّن األحزاب ال تُعرف برباجمها‪ ،‬أو بطبيعة أتباعه‪GG‬ا‪ G،‬بق‪GG‬در ما تُع‪GG‬رف بطبيعة تنظيماهتا‪ ،‬حيث‬
‫تتميّز األحزاب املعاصرة عنده بكياناهتا وبنيتها‪.495‬‬
‫ثالثا‪ :‬وهن‪GG‬اك تع‪GG‬اريف أخ‪GG‬رى للح‪GG‬زب السياس‪GG‬ي‪ ،‬وهي يف جمملها متقاربة يف مض‪GG‬موهنا‪ ،‬ون‪GG‬ذكر منها‬
‫ما يأيت‪:‬‬
‫‪ -1‬ع ‪Gّ G‬رف األس ‪GG‬تاذ "الطم ‪GG‬اوي" احلزب السياسي بأنّ ‪GG‬ه‪ « :‬مجاعة ّمتح ‪GG‬دة من األف ‪GG‬راد‪ ،‬تعمل مبختلف‬
‫الوسائل الدميقراطية‪ G‬للفوز باحلكم‪ ،‬بقصد تنفيذ برنامج سياسي معنّي ‪.496» ‬‬

‫كامل (نبيلة عبد احلليم)‪ ،‬األحزاب السياسية في العالم المعاصر(‪ ،‬دار الفكر العريب ‪ ،‬د‪ .‬م‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.71 .‬‬ ‫‪490‬‬

‫‪491‬‬
‫‪ .DUVERGER (Maurice), Les partis politiques, Librairie Armand Colin, Paris, 1976, P. 19‬‬
‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.242 .‬‬ ‫‪492‬‬

‫‪493‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), op. cit., P. 20‬‬
‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.154 .‬‬ ‫‪494‬‬

‫‪495‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Les partis politiques, op. cit., P. 20‬‬
‫‪ 496‬الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬السلطات الثالث في الدساتير العربيّة المعاصرة( وفي الفكر اإلسالمـي‪ ،‬دار الفكر العـريب‪ ،‬مصـر‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪1996 ،6‬م‪ ،‬ص‪.543 .‬‬
‫جتمعات بني عـ ّدة أشخاص‪ ،‬تربط بينهم روابط فكـريّة‪ ،‬أو وح‪GG‬دة‬ ‫وعرفه بعض الباحثني بأنّه‪ّ  « :‬‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫اهلدف السياسي‪.497» ‬‬
‫‪ -3‬وي‪GG G G‬رى بعض‪GG G G‬هم أ ّن األح‪GG G G‬زاب السياس‪GG G G‬يّة‪ G‬هي‪ « :‬تنظيم‪GG G G‬ات ش‪GG G G‬عبيّة‪ ،‬تس‪GG G G‬تقطب ال ‪GG G‬رأي الع ‪GG G‬ام‪،‬‬
‫وتستهدف تويّل السلطة يف الدولة‪.498» ‬‬
‫جتمع‪G G G‬اً معيّن‪G G G‬اً‪ ،‬يلتقي على مذهبيّة حم ّددة‪ ،‬وب‪GG G‬رامج‬ ‫ويعرفه البعض اآلخر بكونه‪ « : G‬تش ‪GG G‬كيالً أو ّ‬ ‫‪ّ -4‬‬
‫مفصلة‪.499» ‬‬
‫ّ‬
‫وال ‪GG‬ذي جيمع ه ‪GG‬ذه التع ‪GG‬اريف كلّها هو أهّن ا تق ‪Gّ G‬ر ب ‪GG‬أ ّن قاع ‪GG‬دة احلزب هي الش ‪GG‬عب‪ ،‬وأ ّن تش ‪GG‬كيله يك ‪GG‬ون‪G‬‬
‫بتجمع بعض ه ‪GG‬ذا الش ‪GG‬عب‪ ،‬وال ‪GG‬ذين جتمعهم رابطة –يف معظم األحي ‪GG‬ان‪ ،-‬س ‪GG‬واء أك ‪GG‬انت ه ‪GG‬ذه الرابطة هي‬ ‫ّ‬
‫العقيدة‪ ،‬أم املصلحة‪ ،‬أو اهلدف املشرتك‪ ،‬وأ ّن اهلدف من ه‪G‬ذه األح‪G‬زاب هو تنفيذ برناجمها وتط‪G‬بيق أفكارها‬
‫بعد أن تستويل على السلطة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬وهنا نورد تعريفاً جامعاً للحزب‪ ،‬جيمع كافّة جوانب احلزب‪ ،‬ويش‪GG‬مل املدلوالت املختلفة ل‪GG‬ه‪،‬‬
‫رجح ه ‪GG‬ذا التعريف بعض الب ‪GG‬احثني‪ ،‬نظ ‪GG‬راً لش ‪GG‬موله‪ ،‬وإعطائه‬
‫وجياري التط ‪Gّ G‬ور ال ‪GG‬ذي عرفته األح ‪GG‬زاب‪ ،‬وقد ّ‬
‫ص‪G‬ورة واض‪G‬حة وجليّة للح‪G‬زب‪ ،500‬وه‪G‬ذا التعريف هو تعريف األس‪G‬تاذ "ب‪G‬ريدو" (‪ ،)Burdeau‬وال‪G‬ذي يق‪G‬ول‬
‫فيه إنّ احلزب ه‪GG G‬و‪ « :‬تنظيم يض‪Gّ G G‬م جمموعة من األف‪GG G‬راد‪ ،‬وت‪GG G‬دين بنفس الرؤية السياس‪GG G‬يّة‪ ،‬وتعمل على وضع‬
‫أفكارها موضع التنفي‪GG‬ذ‪ ،‬وذلك بالعمل يف آن واحد على ض‪Gّ G‬م أكرب ع‪GG‬دد ممكن من املواط‪GG‬نني إىل ص‪GG‬فوفهم‪،‬‬
‫األقل التأثري يف قرارات السلطة احلاكمة‪.501» ‬‬
‫وعلى تويّل احلكم‪ ،‬أو على ّ‬
‫وميكن ت ‪GG‬رجيح ه ‪GG‬ذا التعري ‪GG‬ف‪ ،‬نظ ‪GG‬راً لالعتب ‪GG‬ارات‪ G‬اليت س ‪GG‬بق أن أش ‪GG‬رنا إليه ‪GG‬ا‪ ،‬ولكن مع ذلك ال ميكن‬
‫االستغناء عن التع‪G‬اريف األخ‪G‬رى‪ ،‬ألنّها ك‪G‬ذلك تزيد يف إيض‪G‬اح فك‪G‬رة األح‪G‬زاب‪ ،‬وتشري إىل ج‪G‬وانب أخ‪G‬رى‬
‫خمتلفة للحزب‪.‬‬

‫المتيت (أبو يزيد علي)‪ ،‬النظم السياسية والحريات العامة‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ط‪1989 ،4 .‬م‪ ،‬ص‪.142 .‬‬ ‫‪497‬‬

‫‪ 4 498‬الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسيـة)‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪1996 ،‬م‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.292‬‬
‫قميحة (جابر)‪ ،‬المعارضة في اإلسالم بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار اجلالء‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1988 ،1 .‬م‪ ،‬ص‪.79 .‬‬ ‫‪499‬‬

‫كامل(نبيلة عبد احلليم)‪ ،‬األحزاب السياسية في العالم المعاصر(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.83 .‬‬ ‫‪500‬‬

‫‪  .BURDEAU (Georges), La démocratie, Edition Seuil, Paris, 1956, p.150‬‬ ‫‪501‬‬
‫‪G‬دل على ص ‪GG‬عوبة وضع تعريف دقيق للح ‪GG‬زب‬ ‫ض‪G G‬ا أ ّن تع‪ّ G G‬دد التع ‪GG‬اريف الس ‪GG‬ابقة للح ‪GG‬زب‪ ،‬ي ‪ّ G‬‬
‫ونالحظ أي ً‬
‫نظرا لتأثّر ك ّ‪G‬ل ح‪G‬زب بالوسط السياسي‪ G‬واالجتم‪G‬اعي ال‪G‬ذي ظهر في‪G‬ه‪ ،‬وقد تع‪ّ G‬ددت ل‪G‬ذلك‬ ‫السياسي‪ ،‬وذلك ً‬
‫أنواع األحزاب يف عصرنا احلاضر‪.502‬‬
‫كما أ ّن التع‪GG‬اريف املختلفة للح‪GG‬زب ميكن تص‪GG‬نيفها إىل ثالث‪GG‬ة‪ :‬تع‪GG‬اريف تنظر إىل األح‪GG‬زاب من الناحية‬
‫التنظيميّة‪ ،‬وأخرى تنظر إليها من الناحية اإليديولوجيّة‪ ،‬وأخرى تنظر إليها من الناحية الوظيفيّة‪G.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األصول التاريخيّة لألحزاب السياسيّة‪ ،‬وطرق نشوئها‬

‫األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية‪ G‬كغريها من املف‪GG‬اهيم واألنظم‪GG‬ة‪ ،‬تنشأ كفك‪GG‬رة‪ ،‬وتظهر يف ّأول أمرها‬
‫بتطبيق ‪GG‬ات‪ G‬بس ‪GG‬يطة‪ ،‬قد ال تتّفق مع ما ت ‪GG‬ؤول إليه بعد ذل ‪GG‬ك‪ ،‬مثّ تتط ‪Gّ G‬ور ت ‪GG‬درجيياً‪ ،‬ويك ‪GG‬ون هلا مفه ‪GG‬وم جدي ‪GG‬د‪،‬‬
‫وتطبيق‪GG‬ات حديثة‪ ،‬قد ختتلف قليالً أو كث‪G‬يراً مع ما ك‪GG‬انت عليه يف ّأول ظهوره‪GG‬ا؛ وذلك ألهّن ا تت‪GG‬أثّر بع‪GG‬املي‬
‫الزمان واملكان‪ ،‬وما حييط هبما من ظواهر ومالبسات‪.‬‬
‫وتطوراهتا يف العصر القديـم‪ ،‬وما آلت‬ ‫وفيما ي ‪GG‬أيت نتع ‪Gّ G‬رض إىل األص ‪GG‬ول التارخييّة لألحـزاب السياس ‪GG‬يّة ّ‬
‫إليه يف العصور احلديثة‪ ،‬وإىل طرق نشوئها‪:‬‬
‫األول‪ :‬األحزاب( السياسية( في العصر القديم‬
‫الفرع ّ‬
‫مل تكن األح‪GG G G‬زاب السياس‪GG G G‬ية‪ G‬يف العص‪GG G G‬ور القدمية‪ ،‬أو قبل العصر احلديث عموم ‪G G G‬اً‪ ،‬معروفة مبفهومها‬
‫احلديث‪.‬‬
‫ففي اليونـان‪ G‬القدمية ك‪GG G‬ان يف "أتيك‪GG G‬ا" ما يس‪Gّ G G‬مى "أح‪GG G‬زاب اجلب‪GG G‬ل" أو "الس‪GG G‬هل" أو "الس‪GG G‬احل"‪ ،‬ويف‬
‫"روم ‪GG‬ا" ك ‪GG‬ان هن ‪GG‬اك ما يس ‪Gّ G‬مى "ح ‪GG‬زب النبالء"‪ G‬و "ح ‪GG‬زب الس ‪GG‬وقة"‪ ،‬وع ‪GG‬رفت بع ‪GG‬دمها ح ‪GG‬زيب ال ‪GG‬دميقراطيني‬
‫واجلمه ‪GG‬وريني‪ .‬ويف الق ‪GG‬رون الوس ‪GG‬طى نش ‪GG‬أت يف فرنسا بعض األح ‪GG‬زاب كح ‪GG‬زيب "اجللف ‪GG‬يني" و"اجلبالن ‪GG‬يني"‪،‬‬
‫واحلزبني "الك ‪GG‬اثوليكي"‪ G‬و "الربوتس ‪GG‬تنتي"‪ ،‬ويف إجنل ‪GG‬رتا ظه ‪GG‬رت أح ‪GG‬زاب "الفرس ‪GG‬ان" و"ال ‪GG‬رؤوس املس ‪GG‬تديرة"‪،‬‬
‫وغري ذلك من األحزاب الوسطوية‪ G‬اإلجنليزية‪.503‬‬
‫ولكن هذه األح‪G‬زاب املتص‪G‬ارعة ُوج‪G‬دت يف ك ّ‪G‬ل زم‪G‬ان ومك‪G‬ان‪ ،‬وهي أق‪G‬رب إىل االنش‪G‬قاقات منها إىل‬
‫األح ‪GG‬زاب مبفهومها احلديث‪ ،‬ألهّن ا مل تنشأ لغاي ‪GG‬ات انتخابيّ ‪GG‬ة‪ ،‬ومل تؤ ّس ‪G‬س يف نط ‪GG‬اق سياسي ي ‪GG‬دعو لوجودها‬

‫‪ 502‬رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.98 .‬‬
‫ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.260-259 .‬‬ ‫‪503‬‬
‫ويع ‪GG‬رتف ب ‪GG‬ه‪ ،‬فع ‪GG‬رفت الدميقراطية‪ G‬اليونانيّة‪ G‬ه ‪GG‬ذه االنش ‪GG‬قاقات يف ش ‪GG‬كل فئ ‪GG‬ات تلتّف ح ‪GG‬ول مب ‪GG‬ادئ قائ ‪GG‬دها‪،‬‬
‫‪G‬ؤدي إىل نش‪GG‬وء النظ‪GG‬ام احلزيب‪ ،‬ل‪GG‬ذلك ال جيوز أن‬‫وت‪GG‬دين بسياس‪GG‬اته‪ ،‬دون أن تص‪GG‬بح منظّم‪GG‬ات دائم‪GG‬ة‪ ،‬أو أن ت‪ّ G‬‬
‫تسمى أحزاباً باملعىن احلديث‪.504‬‬‫ّ‬
‫فلم تقم يف الدميقراطيّة األثينيّة أح ‪GG‬زاب تش ‪GG‬به يف ش ‪GG‬يء األحـزاب احلديثـة‪ ،‬ال بني السياس ‪GG‬يني وال بني‬
‫العام‪GG G‬ة‪ ،‬ففي إح‪GG G‬دى ك ّفيت امليزان ق‪GG G‬امت مجاع‪GG G‬ات أو تكتّالت بني السياس‪GG G‬يني‪ ،‬ولكن ه‪GG G‬ذا التكتّل‪G‬‬
‫مجه‪GG G‬ور ّ‬
‫قوامه الشخص ‪GG‬يات دون املب ‪GG‬ادئ‪ ،‬كما أنّه يعترب تكتّالً‪ G‬غري دائم‪ ،‬ويف الك ّفة األخ ‪GG‬رى من امليزان ك ‪GG‬ان هن ‪GG‬اك‬
‫متي‪GG‬يز كبري يف مظهر طبقة املالّك وطبقة‪ G‬الفق‪GG‬راء‪ ،‬ويعتقد "أرس‪GG‬طو" أنّه اس‪GG‬تطاع أن يلحظ ه‪GG‬ذا الف‪GG‬ارق ط‪GG‬وال‬
‫التاريخ السياسي‪ G‬األثيين‪.505‬‬
‫مؤقت‪GG‬ة‪ ،‬ميكن‬
‫إذن‪ ،‬فخالصة القول حول طبيعة‪ G‬األحزاب السياس‪GG‬ية يف الق‪GG‬دمي‪ ،‬أهّن ا عب‪GG‬ارة عن تكتّالت ّ‬
‫جتمع‪G‬ات أله‪G‬داف سياس‪G‬ية واض‪G‬حة‪ ،‬ول‪G‬ذلك فإهّن امل تس‪G‬اهم يف نش‪G‬وء‬ ‫اعتبارها انشقاقات أكثر من أن تك‪G‬ون ّ‬
‫النظام احلزيب‪ ،‬وأهّن ا ختتلف عن طبيعة‪ G‬األحزاب السياسية املعاصرة يف شكلها‪ ،‬ومضموهنا‪.‬‬

‫وتطور األحزاب السياسية في العصر الحديث‬


‫الفرع الثاني‪ (:‬نشأة ّ‬
‫يرتبط نش‪GG G G G G‬وء األح‪GG G G G G‬زاب السياس‪GG G G G G‬ية (مبفهومها احلديث) بنش‪GG G G G G‬وء الدميقراطية الغربيّة احلديث ‪GG G G‬ة‪ ،‬فقبل‬
‫الدميقراطية‪ G‬الغربيّة احلديثة ال جند أحزاباً مبعىن كلمة "األحزاب" إالّ يف صورة جنينيّة‪.506‬‬
‫ويع ‪GG‬ود ت ‪GG‬اريخ األح ‪GG‬زاب السياس ‪GG‬ية‪ G‬احلقيقية إىل ما يزيد عن ق ‪GG‬رن ونصف ق ‪GG‬رن‪ ،‬ففي سنـة ‪1850‬م مل‬
‫املتحدة األمريكيّة)‪ G‬يعرف األحزاب باملعىن العص‪G‬ري للكلم‪G‬ة؛ ففي‬ ‫أي بلد يف العامل (باستثناء الواليات ّ‬ ‫يكن ّ‬
‫الق‪GG‬دمي –أي قبل ه‪GG‬ذا الت‪GG‬اريخ‪ -‬ك‪GG‬انت هن‪GG‬اك اختالف‪GG‬ات يف اآلراء‪ ،‬ون‪GG‬واد ش‪GG‬عبيّة‪ ،‬وتكتّالت‪ G‬فكريّ‪GG‬ة‪ ،‬وكتل‬
‫برملانيّ‪GG‬ة‪ ،‬ومل تكن أحزاب‪G‬اً ب‪GG‬املعىن الص‪GG‬حيح‪ ،‬ويف س‪GG‬نة ‪1950‬م أخ‪GG‬ذت ه‪GG‬ذه األح‪GG‬زاب تظهر يف غالبيّة األمم‬
‫املتحضرة‪ ،‬يف حني كانت الدول األخرى تعمل على تقليدها يف ذلك‪.507‬‬ ‫ّ‬
‫متنوع‪GG G‬ة‪ G،‬يف نش‪GG G‬أة األح‪GG G‬زاب السياس‪GG G‬ية احلديث‪GG G‬ة‪ ،‬واليت ميكن‬
‫ولقد س‪GG G‬امهت عوامل ع ‪ّ G G‬دة ‪ ،‬وظ‪GG G‬روف ّ‬
‫تلخيصها فيما يأيت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬دور الكتل البرلمانيّة في نشوء األحزاب‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.260 .‬‬ ‫‪504‬‬

‫جونز (أ‪ .‬هـ‪ .‬م‪ ،).‬الديمقراطية األثينية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.187 .‬‬ ‫‪505‬‬

‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.154 .‬‬ ‫‪506‬‬

‫‪507‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Les Partis Politiques, op. cit., P. 23‬‬
‫باتس ‪GG G‬اع االق‪GG G‬رتاع الع‪GG G‬ام الش‪GG G‬عيب‪،‬‬
‫منو األح ‪GG G‬زاب مرب‪GG G‬وط بنم ‪Gّ G G‬و الدميقراطي‪GG G‬ة‪ ،‬أي ّ‬
‫حيث يب‪GG G‬دو أ ّن ّ‬
‫فكلما رأت اجملالس السياسية‪ G‬وظائفها واستقالهلا يك‪GG‬ربان‪ ،‬ش‪GG‬عر األعض‪GG‬اء باحلاجة إىل‬ ‫واالمتيازات‪ G‬الربملانيّة‪ّ G،‬‬
‫احلق يف االق‪GG G‬رتاع‪ G‬الع‪GG G‬ام والتع ‪ّ G G‬دد‪ ،‬دعت‬
‫تكتّل تبع ‪G G‬اً للتج ‪GG G‬انس‪ ،‬بغية العمل بص ‪GG G‬ورة مجاعيّ‪GG G‬ة‪ ،‬وكلّما انتشر ّ‬
‫احلاجة إىل اإلحاطة بالن‪GG G G G G‬اخبني من قبِل جلان ق‪GG G G G G‬ادرة على التعريف باملر ّش‪G G G G G‬حني‪ ،‬وعلى توجيه األص ‪GG G G‬وات‬
‫حنوهم‪.508‬‬
‫جتمعـات برملانيّة تض‪Gّ G‬م الن‪GG‬واب‪ G‬ال‪GG‬ذين حيمل‪GG‬ون آراء واحـدة يف س‪GG‬بيل‬ ‫ففي إطـار اجملالس النيابيّة نش‪GG‬أت ّ‬
‫يؤدي إىل تق‪G‬ارب جلـاهنم االنتخابيّة‪ G‬يف القاع‪GG‬دة؛ فك‪G‬ذلك‬ ‫القمة ّ‬ ‫عمل مشرتك‪ ،‬وهذا التقـارب بني النـواب يف ّ‬
‫نشأت أوىل األحزاب السياسيّة‪.509‬‬
‫وتعترب نش‪GG‬أة األح‪GG‬زاب داخل اجمللس التش‪GG‬ريعي الفرنسي س‪GG‬نة ‪1789‬م أفضل مث‪GG‬ال على ه‪GG‬ذه الطريقة‬
‫يف نشوء األحزاب‪.510‬‬
‫ثانيا‪ :‬دور اللّجان االنتخابيّة في نشوء األحزاب‬
‫جتمعات يطلق عليها يف معظم األحوال‬ ‫لقد كان من املعتاد أن يتبع ظهور الكتل الربملانيّة‪ ،‬ظهور ّ‬
‫اسم "اللّجان االنتخابيّة"‪.511G‬‬
‫وب ‪GG‬ذلك ف ‪GG‬إ ّن قي ‪GG‬ام األح ‪GG‬زاب السياس ‪GG‬يّة مل يرتكز فقط على الكتل الربملانيّ ‪GG‬ة‪ ،‬بل اس ‪GG‬تند إىل اهليئ ‪GG‬ات‪ ،‬أو‬
‫اللّج‪GG‬ان االنتخابيّة‪ ،)Les Comités électoraux( G‬وهي تلك اهليئ‪GG‬ات اليت تتك‪Gّ G‬ون بقصد تعريف الن‪GG‬اخبني‬
‫باملر ّش‪G‬حني‪ ،‬وتوجيه الن‪GG‬اخبني حنو مر ّش‪G‬ح معنّي ‪ ،‬وقد ارتبط ظه‪GG‬ور ه‪GG‬ذه اهليئ‪GG‬ات بظه‪GG‬ور مب‪GG‬دإ االق‪GG‬رتاع‪ G‬الع‪GG‬ام‬
‫ص‪G G G G G‬عب‪ G‬وصف اآللية الدقيقة لعمليّة إنش‪GG G G G G‬اء اللّجنة االنتخابيّ‪GG G G G G‬ة‪ G،‬وذلك نظ ‪Gً G G G‬را الختالف‬
‫وتط ‪Gّ G G G‬وره‪ ،‬ومن ال ّ‬
‫دورا مؤثًّرا‪.512‬‬
‫الظروف احملليّة‪ ،‬اليت تلعب يف هذا اجملال ً‬
‫بكل بلد ختتلف عن األخ‪GG‬رى‪،‬‬ ‫اخلاصة ّ‬ ‫فهناك اختـالف يف تكوين هذه اهليئـات االنتخـابيّة‪ ،‬أل ّن الطرق ّ‬
‫ولكن رغم ذلك ف ‪GG‬إ ّن ك ‪Gّ G‬ل تلك الط ‪GG‬رق تؤ ّكد أ ّن االق ‪GG‬رتاع الع ‪GG‬ام يعترب العامل األسـاسي يف ظه ‪GG‬ور اهليئ ‪GG‬ات‬
‫دورا يف نشوء األحزاب السياسيّة‪.513G‬‬ ‫االنتخابيّة‪ ،‬واليت لعبت ً‬

‫‪508‬‬
‫‪.Ibid, P. 24‬‬

‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.148 .‬‬ ‫‪509‬‬

‫‪510‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), op. cit, P. 25‬‬
‫مصطفى (هالة)‪ ،‬األحـزاب‪ ،‬مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ 2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.19 .‬‬ ‫‪511‬‬

‫‪512‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Les Partis Politiques, op. cit, pp. 28-29‬‬
‫كامل (نبيلة عبد احلليم)‪ ،‬األحزاب السياسية في العالم المعاصر(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22 .‬‬ ‫‪513‬‬
‫ثالثًا‪ :‬دور العوامل( الخارجية في نشوء األحزاب(‬
‫‪G‬دخل بعض األجه‪GG G‬زة اخلارجيّ‪GG G‬ة‪ ،‬كاجلمعي‪GG G‬ات الثقافيّ‪GG G‬ة‪ ،‬والن ‪GG‬وادي الش ‪GG‬عبيّة‪G،‬‬
‫ويتمثّل ذلك يف ت‪ّ G G‬‬
‫والص‪GG G‬حف وغريه‪GG G‬ا‪ ،‬يف تك‪GG G‬وين اللّج‪GG G‬ان االنتخابيّ‪GG G‬ة‪ ،‬ل‪GG G‬ذلك فإنّه عن‪GG G‬دما نف‪Gّ G G‬رق بني األح‪GG G‬زاب ذات األصل‬
‫الربملاين أو االنتخايب وأح‪G‬زاب التك‪GG‬وين اخلارجي؛ ف‪GG‬إ ّن تلك التفرقة ليست قاطع‪G‬ة‪ ،‬بق‪GG‬در ما هي حماولة لبي‪GG‬ان‬
‫العنصر الغالب يف تكوين احلزب‪ ،‬وما إذا كان هذا العنصر داخليًا أم خارجيًا‪.514‬‬
‫ومتنوعة منها على سبيل املثال‪ :‬النقابات‬ ‫دورا يف نشأة األحزاب كثرية ّ‬ ‫فالكتل واملنظّمات اليت تلعب ً‬
‫(وهي أش ‪GG G‬هر ه‪GG G‬ذه العوام‪GG G‬ل)‪ ،‬واليت ت‪GG G‬دين هلا كثري من األح‪GG G‬زاب االش ‪GG G‬رتاكيّة بوجودها بص‪GG G‬ورة مباش‪GG G‬رة‪،‬‬
‫وك ‪GG‬ذلك املنظّم ‪GG‬ات الطالبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬والتكتّالت‪ G‬اجلامعيّة (يف الق ‪GG‬رن التاسع عشر يف أوروب ‪GG‬ا)‪ ،‬واجلمعي ‪GG‬ات الفكريّة‬
‫يف القرن الثامن عشر‪ ،‬وكذا اجلمعيات الدينيّة‪( G‬الكنائس والفرق الدينيّ‪GG‬ة)‪ ،G‬والس‪GG‬يّما يف بلجيك‪GG‬ا‪ ،‬ودورها يف‬
‫تكوين األحزاب الكاثوليكيّة‪ ،‬وكذا اجلمعيات السريّة‪.515‬‬
‫ردها إىل ثالثة عوامل أساس‪GG G‬ية‪ ،‬أو إىل أص ‪GG‬ول ثالث‪GG G‬ة‪،‬‬ ‫إذن‪ ،‬فط‪GG G‬رق نش‪GG G‬وء األح‪GG G‬زاب السياس‪GG G‬يّة‪ G‬ميكن ّ‬
‫وهي‪ :‬األصل االنتخ ‪GG‬ايب (اللّج ‪GG‬ان االنتخابيّ ‪GG‬ة)‪ G،‬األصل الربملاين (الكتل الربملانيّ‪GG G‬ة)‪ ،‬األصل اخلارجي (وهو ما‬
‫عدا األصلني السابقني‪ ،‬كالنقابات وغريها)‪.‬‬
‫وهذه العوامل‪ G‬واألصول تتداخل فيما بينه‪GG‬ا؛ ل‪G‬ذلك يك‪GG‬ون اعتب‪GG‬ار األصل حبسب العنصر الغ‪G‬الب‪ ،‬كما‬
‫كل بلد‪.‬‬ ‫أ ّن دور هذه العوامل‪ ،‬وطرق النشأة‪ ،‬خيتلف من بلد إىل آخر‪ ،‬حبسب ظروف ّ‬

‫المطلب الثالث‪ :‬عالقة التعدّديّة الحزبيّة بالديمقراطية الغربيّة‬

‫ونقصد هنا م‪GG‬دى ارتب‪GG‬اط النظ‪GG‬ام ال‪GG‬دميقراطي بوج‪GG‬ود األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬يّة‪ G،‬وهل أ ّن من‬
‫مقتضيات الدميقراطية الغربيّة وجود األحزاب السياسيّة‪.‬‬
‫بداية الب ‪ّ G G‬د من التأكيد على أ ّن التع ّدديّة احلزبيّة من الس‪GG G‬مات اليت متيّز احلي‪GG G‬اة السياس ‪GG‬يّة‪ G‬يف الدميقراطية‬
‫الغربيّ ‪GG‬ة‪ ،‬حىت إنّه قد ارتبط يف األذه ‪GG‬ان أن ال دميقراطية حقيقيّة دون األح ‪GG‬زاب السياس ‪GG‬يّة‪ G.‬وقد ذهب كثري‬
‫من الفقه‪GG‬اء والسياس‪GG‬يني إىل ربط الدميقراطية‪ G‬بوج‪GG‬ود التع ّدديّة احلزبيّ‪GG‬ة‪ ،‬وأ ّن األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية هي الطريق‬
‫املوصل إىل دميقراطية احلكم‪.516‬‬

‫‪514‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), op. cit, P. 32‬‬
‫‪515‬‬
‫‪Ibid, p.32 et suiv‬‬
‫المتيت (أبو يزيد علي)‪ ،‬النظم السياسية والحريات العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.143 .‬‬ ‫‪516‬‬
‫ولكن ه‪GG‬ذا مل مينع من وج‪GG‬ود رأي خمالف هلذا االجّت اه‪ ،‬وال‪GG‬ذي ي‪GG‬رى ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن الدميقراطية‪ G‬ال تس‪GG‬تلزم وج‪GG‬ود‬
‫األحزاب السياسيّة‪.‬‬
‫سنتعرض –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل هذين االجّت اهني‪:‬‬
‫وفيما يأيت ّ‬
‫الفرع األ ّول‪ :‬االتّجاه الذي يرى ضرورة التع ّددية الحزبيّة للديمقراطية‬
‫تؤدي وظيفتها دون وجود األح‪GG‬زاب‬ ‫فالدميقراطية‪ G‬الغربيّة –حسب أنصار هذا االجّت اه‪ -‬ال ميكن أن ّ‬
‫السياسيّة‪.517‬‬
‫ف‪GG‬األحزاب السياس‪GG‬ية‪ G‬هي أداة ال‪GG‬رأي يف الدميقراطية الغربيّة احلديث‪GG‬ة‪ ،‬وهي من األرك‪GG‬ان األساس‪GG‬يّة لك‪Gّ G‬ل‬
‫دميقراطي ‪GG‬ة‪ ،‬رغم أ ّن األح ‪GG‬زاب السياس ‪GG‬ية‪ G‬قائمة –على األغلب‪ -‬خ ‪GG‬ارج النط ‪GG‬اق الدس ‪GG‬توري للدول ‪GG‬ة‪ ،‬إالّ أهّن ا‬
‫واقعة يف نطاق الدميقراطية‪ G‬الشامل‪.518‬‬
‫‪G‬ريا عن‬ ‫احلرة‪ ،‬هن ‪GG G‬اك اقتن ‪GG G‬اع بض ‪GG G‬رورة تع ‪ّ G G‬دد األح ‪GG G‬زاب‪ ،‬وذلك تعب ‪ً G G‬‬
‫ففي ظ ‪Gّ G G‬ل الدميقراطية احلقيقيّة‪ G‬أو ّ‬
‫التع ّدديّة السياس‪GG G G G G‬ية أو اإليديولوجيّ‪GG G G G G‬ة‪ G،‬ويف النظم الدميقراطية‪ G‬احل ّد األدىن للتع ّدديّة احلزبيّة يتمثّل يف وج ‪GG G G‬ود‬
‫األقل‪ ،‬مع وج‪G‬ود أح‪G‬زاب ص‪G‬غرية هامش‪G‬يّة ليس هلا وزن ش‪G‬عيب حقيقي‪ ،‬وهو‬ ‫حزبني كبريين أو رئيسني على ّ‬
‫النظ‪GG‬ام الس ‪GG‬ائد يف إجنل‪GG‬رتا والوالي‪GG‬ات‪ G‬املتح ‪ّ G‬دة األمريكيّ ‪GG‬ة‪ ،‬ويف دول دميقراطية أخ‪GG‬رى كفرنسا وإيطاليا توجد‬
‫متنوع ‪GG‬ة‪ ،‬فهن ‪GG‬اك مثالً ثالث ‪G‬ة أو أربعة أح ‪GG‬زاب تتمتّع ب ‪GG‬وزن ش ‪GG‬عيب حقيقي‪،‬‬ ‫أح ‪GG‬زاب متع ‪ّ G‬ددة ذات ق ‪Gّ G‬وة ش ‪GG‬عبيّة ّ‬
‫وتتنافس فيما بينها للفوز بأصوات الناخبني للوصول إىل السلطة‪.519‬‬
‫‪-‬فالدميقراطية كما يقول "روبرت ميشيل" (‪ )Robert Michels‬األستاذ جبامعة "تورين" بإيطاليا‪ ،‬ال‬
‫ميكن تص ‪Gّ G‬ور وجودها دون تنظيم‪ ،‬واألح ‪GG‬زاب هي اليت تت ‪GG‬وىّل التنظيم‪ ،‬ف ‪GG‬التنظيم –كما يق ‪GG‬ول‪ -‬هو الوس ‪GG‬يلة‬
‫األمة أو الرأي العام‪.520‬‬‫يسمى بإرادة ّ‬ ‫الوحيدة خللق ما ّ‬
‫ويبلغ هذا اجلانب من الفقه يف درجة اعتداده باألحزاب السياس‪GG‬يّة ودورها يف الدميقراطية‪ G‬الغربيّ‪GG‬ة‪ ،‬إىل‬
‫وصف ه ‪GG G‬ذه الدميقراطية‪ G‬التقليديّة بأهّن ا دولة األح ‪GG G‬زاب‪ ،‬وذلك إلب ‪GG G‬راز ال ‪GG G‬دور الكبري ال ‪GG G‬ذي تلعبه األح‪GG G‬زاب‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.233 .‬‬ ‫‪517‬‬

‫ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.259 .‬‬ ‫‪518‬‬

‫‪PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., pp. 76-77.- BURDEAU (Georges), Droit‬‬ ‫‪519‬‬

‫‪constitutionnel et institutions politiques, op. cit., p. 199‬‬


‫متولي (عبد احلميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.188 .‬‬ ‫‪520‬‬
‫املؤسس‪GG G‬ات الدس‪GG G‬توريّة‪ ،521‬حيث اكتس‪GG G‬بت ه‪GG G‬ذه األح‪GG G‬زاب‬ ‫السياس‪GG G‬يّة يف ال‪GG G‬دول الدميقراطيّ‪GG G‬ة‪ G،‬وتأثريها‪ G‬يف ّ‬
‫القدرة على تنظيم وجتنيد اجلماهري‪ ،‬وتعترب كذلك أداة وسيطة بني اجلماهري والسلطة‪.522‬‬
‫وأما الس ‪Gّ G‬ر يف ض ‪GG‬رورة التع ّدديّة احلزبيّة للدميقراطي ‪GG‬ة‪ G،‬فيتمثّل يف تلك املزايا اليت حت ّققها ه ‪GG‬ذه األح ‪GG‬زاب‬
‫ّ‬
‫السياس‪G‬ية‪ G،‬من كوهنا تق‪G‬وم بتنظيم األفك‪GG‬ار واملب‪GG‬ادئ االجتماعيّة والسياس‪GG‬يّة المختلف‪G‬ة‪ ،‬وتق‪G‬وم ك‪GG‬ذلك بتوجيه‬
‫الفنّ ‪GG‬يني لتحقيق تلك املب ‪GG‬ادئ واألفك ‪GG‬ار‪ ،‬وتس ‪GG‬اعد الن ‪GG‬اخبني على تك ‪GG‬وين آرائهم السياس ‪GG‬يّة‪ ،‬ومن مثّ تك ‪GG‬وين‬
‫رأي عام‪ ،‬إضافة إىل ما تقوم به األحزاب من دور احلائل ال‪G‬ذي حيول دون اس‪GG‬تبداد احلكوم‪G‬ة‪ G،‬ف‪G‬إذا مل توجد‬
‫املتذمرين واملعارضني للحكومة‪.523‬‬ ‫تضم ّ‬‫أحزاب ال توجد هيئة ّ‬
‫إذن‪ ،‬فخالصة ما ميكن قوله ح ‪GG G‬ول ه ‪GG G‬ذا االجّت اه‪ ،‬أنّه ي ‪GG G‬رى ض ‪GG G‬رورة األح ‪GG G‬زاب السياس ‪GG G‬يّة للدميقراطية‬
‫الغربيّ ‪GG‬ة‪ ،‬وأنّه ال ميكن تص‪Gّ G G‬ور دميقراطية ب‪GG G‬دون أح‪GG G‬زاب‪ ،524‬وذلك ملا حت ّققه األح‪GG G‬زاب السياس ‪GG‬يّة‪ G‬يف ال ‪GG‬دول‬
‫فعالة‪.‬‬
‫الدميقراطية‪ G‬من أدوار ّ‬
‫االتجاه الذي ال يرى ضرورة األحزاب السياسيّ(ة للديمقراطية(‬
‫الفرع الثاني‪ّ (:‬‬
‫حيث يرى أنصار هذا االجتّاه أنّه ال يوجد هناك ترابط بني الدميقراطيّة الغربيّة واألحزاب السياسيّة‪.‬‬
‫بل إ ّن بعض ه ‪GG‬ؤالء ي ‪GG‬رون أ ّن الربط بني الدميقراطيّة واألحـزاب السياسيـة ي ‪GG‬ؤدّي إىل تناقـض ال ميكن‬
‫إنكـاره‪ ،‬وهو ما يس ‪Gّ G‬مى "التن ‪GG‬اقض‪ G‬ال ‪GG‬دميقراطي"‪ ،)L'antinomie démocratique( G‬فالقـول إنّه ال ميكن‬
‫تكوين رأي عام‪ ،‬والقيام‪ G‬باختيار حقيقي يف االنتخاب‪GG‬ات‪ ،‬وقي‪GG‬ام حكومة تعرّب عن ذلك كلّ‪GG‬ه‪ ،‬ب‪GG‬دون أح‪G‬زاب‬
‫سياس‪GG G‬ية‪ ،‬يتن‪GG G‬اقض مع التط‪Gّ G G‬ور املعاصر لألح‪GG G‬زاب السياس‪GG G‬ية‪ G،‬ومن هنا فإنّه ال يوجد ارتب‪GG G‬اط بني الدميقراطية‬
‫املتصور‪ G‬قيام دميقراطيّة بدون أحزاب‪.525‬‬ ‫واألحزاب السياسية‪ G،‬كما أنّه من ّ‬

‫رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.185 .‬‬ ‫‪521‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.97 .‬‬ ‫‪522‬‬

‫‪ 5523‬متولي (عبد احلميد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.120-119 .‬‬


‫‪ 6524‬وممّا يربز عدم إمكان استغناء الدميقراطية الغربيّة عن األحزاب السياسية أ ّن مؤسّسي مجهورية الواليات املتحدة األمريكية كانوا‬
‫يرون أ ّن األحزاب السياسية هي شيء خطري‪ ،‬وأنّه جيب عدم تشجيعها‪ ،‬ومع ذلك مل ميض وقت طويل حىت ظهرت األحزاب السياسيّة‬
‫فيها‪ .‬واحلالة الثانية أ ّن رجال الثورة الفرنسية (‪1789‬م) كانوا يفخرون بأهّن م ال ينتسبون إىل حزب من األحزاب‪ ،‬فقد= =كانوا مييلون‬
‫املتطرفة املعروفة عن رجال الثورة الفرنسية‪،‬‬
‫إىل التفكري كأفراد ال كجماعات‪ ،‬وهي صورة من تلك الروح الفردية (‪ّ )Individualiste‬‬
‫ولكن التجربة أثبتت أ ّن تلك النـزعة ال ميكن حتقيقها عمالً‪ ،‬أي أهّن ا أثبتت حاجة الناخب إىل ضرورة وجود األحزاب‪ .‬انظر‪ :‬متولي‬
‫‪119-118‬‬ ‫(عبد احلميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.108-107 .‬‬ ‫‪525‬‬
‫وك‪GG G‬ذلك ف‪GG G‬إ ّن الدميقراطية يف ص‪GG G‬ورهتا املطلق‪GG G‬ة‪ ،‬وكما ن‪GG G‬ادى هبا "روس‪GG G‬و" ال تستقيـم إالّ يف جمتمع ال‬
‫حزيب‪.526‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإ ّن التاريخ والواقع يؤ ّكدان وجود أنظمة هبا أحزاب سياس‪GG‬ية متع‪ّ G‬ددة‪ ،‬ولكنّها ال‬
‫تعترب نظم‪G G‬اً غري دميقراطيّة فق ‪GG‬ط‪ ،‬بل تعترب نظم‪G G‬اً ض‪ّ G G‬د الدميقراطية‪ ،527)Antidémocratique( G‬وأ ّن وج ‪GG‬ود‬
‫األحزاب ال يعين وجود الدميقراطية‪.528‬‬
‫احلر –الذي يعترب من مصادر الدميقراطيّة‪ G‬الغربيّة‪ -‬يتناىف مع االع‪GG‬رتاف‬ ‫كما أ ّن منطق املذهب الفردي ّ‬
‫هبيئات وسيطة بني الفرد والس‪GG‬لطة‪ ،‬وينكر قي‪G‬ام ه‪G‬ذه الوس‪G‬اطة‪ G،‬س‪G‬واء أك‪GG‬انت يف ش‪GG‬كل نقاب‪GG‬ات أم يف ش‪G‬كل‬
‫احلر‪.529‬‬
‫أحزاب سياسيّة‪ ،‬ومن مثّ فإ ّن قيام األحزاب السياسيّة ال يتّفق وفلسفة املذهب الفردي ّ‬
‫ولكن يف احلقيق‪GG‬ة‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن ه‪GG‬ذا اخلـالف الفقهـي‪ G‬ال حيجب عنّا ما هو واقـع يف احلي‪GG‬اة العمليّ‪GG‬ة‪ ،‬إذ احلقيقة‬
‫الواقعيّة‪ G‬أ ّن األحزاب موج‪G‬ودة بالفع‪GG‬ل‪ ،‬وأهّن ا أمر مس‪G‬لّم به من ج‪G‬انب ك ّ‪G‬ل ال‪GG‬دميقراطيات املعاص‪GG‬رة‪ ،‬س‪G‬واء يف‬
‫ذلك ال‪GG G‬دميقراطيات الغربيّ‪GG G‬ة‪ ،‬أم ال‪GG G‬دميقراطيات املاركس‪GG G‬يّة‪ ،‬أم التجـارب الدميقراطية يف الع‪GG G‬امل الث‪GG G‬الث‪ G،‬وأ ّن‬
‫ال‪GG G‬ذي يف‪Gّ G G‬رق بني ال‪GG G‬دميقراطيات املعاص‪GG G‬رة ذات االجّت اه‪GG G‬ات املختلفة هو موقف ك‪Gّ G G‬ل منها من مس‪GG G‬ألة تع ‪ّ G G‬دد‬
‫األح‪GG G‬زاب السياس‪GG G‬ية‪530‬؛ كما أنّه من ال‪GG G‬واجب علينا يف إط‪GG G‬ار احلديث عن م‪GG G‬دى تطلّب الدميقراطية‪ G‬لتع ‪ّ G G‬دد‬
‫األح ‪GG G‬زاب السياس‪GG G G‬يّة واالقتص‪GG G G‬اديّة‪ G‬واالجتماعيّة والفكريّة لك‪Gّ G G G‬ل جمتم‪GG G G‬ع‪ ،‬النظـر إىل االعتب‪GG G G‬ارات‪ G‬والظ ‪GG G‬روف‬
‫ص‪G‬ة بك ّ‪G‬ل بل‪G‬د‪ ،‬فعلى ض‪GG‬وء تلك االعتب‪G‬ارات ميكن احلكم على م‪G‬دى ض‪G‬رورة تع‪ّ G‬دد األح‪GG‬زاب‪،‬‬ ‫املوضوعيّة‪ G‬اخلا ّ‬
‫وأ ّن األمر اهلام يف ه ‪GG‬ذا اجملال‪ ،‬وال ‪GG‬ذي جيب التأكيد عليه لكونه ج ‪GG‬وهر التع ّدديّ ‪GG‬ة‪ ،‬هو ض ‪GG‬رورة اش ‪GG‬رتاك مجيع‬
‫أف‪GG G‬راد الش‪GG G‬عب يف ممارسة الس‪GG G‬لطة‪ ،‬وإتاحة الف‪GG G‬رص لتك‪GG G‬وين ال‪GG G‬رأي والتعبري عن‪GG G‬ه‪ ،‬وإمكانية‪ G‬التغيري الس‪GG G‬لمي‬
‫للحكّام‪ ،531‬إذ ال معىن إلقرار تع ّدديّة شكليّة ال حت ّقق هذه الغايات‪ ،‬وهتمل جوهر التع ّدديّة وأهدافها‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أنواع األحزاب السياسية (‪)Les types de partis‬‬

‫‪ 526‬الجرف (طعيمة)‪ ،‬نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.256 .‬‬
‫‪ 527‬ال شك أ ّن أصحاب هذا الرأي قد نظروا إىل األحزاب السياسية املوجودة يف بعض النظم االستبدادية والشمولية‪ ،‬واليت يعترب دور‬
‫وتدعم بقاءها‪.‬‬
‫تصرفات السلطة القائمة‪ّ ،‬‬
‫تربر ّ‬ ‫األحزاب السياسية فيها شكلياً وصورياً‪ ،‬بل إ ّن تلك األحزاب ّ‬
‫رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.108 .‬‬ ‫‪528‬‬

‫الجرف (طعيمة)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.256 .‬‬ ‫‪529‬‬

‫رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.109-108 .‬‬ ‫‪530‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.111 .‬‬ ‫‪531‬‬


‫هن ‪GG‬اك اعتب ‪GG‬ارات‪ G‬عدي ‪GG‬دة للتمي ‪GG‬يز بني األح ‪GG‬زاب السياس ‪GG‬ية؛‪ G‬ول ‪GG‬ذلك ختتلف تقس ‪GG‬يمات األح ‪GG‬زاب‬
‫السياسية حبسب االعتبار املنظور إليه‪.‬‬
‫ومن التقسيمات األساسية لألحزاب السياسية‪ G‬تصنيفها إىل نوعني ومها‪ :‬أحزاب اإلطارات‪ ،‬وأح‪GG‬زاب‬
‫اجلماهري‪.‬‬
‫حيث يتميّز ك ‪Gّ G‬ل ن ‪GG‬وع من ه ‪GG‬ذين الن ‪GG‬وعني عن اآلخر يف ش ‪GG‬كل التنظيم‪ ،‬وال ‪GG‬ذي يقابله االختالف يف‬
‫يؤدي إىل نتائج خمتلفة على االنتخابات والتمثيل الربملاين‪.532‬‬ ‫البنية االجتماعية‪ ،‬والذي بدوره ّ‬
‫سنتطرق –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل هذين النوعني‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وفيما يأيت‬

‫األول‪ :‬أحزاب اإلطارات( (‪)Les partis de cadres‬‬


‫الفرع ّ‬
‫األول ظهوراً‪ ،‬وهذه البنية‪ G‬من األحـزاب هي املعتمـدة من جانب احملافظني‬ ‫وهذا النوع من األحـزاب هو ّ‬
‫املتح ‪GG G‬دة األمريكية‪ .533‬وميكن مالحظة‬
‫واألح‪GG G G‬رار يف أوربا يف الق‪GG G G‬رن التاسع عش‪GG G G‬ر‪ ،‬وأح‪GG G G‬زاب الوالي‪GG G G‬ات ّ‪G‬‬
‫صنفني من هذا النوع‪ G‬من األحزاب ومها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أحزاب( اإلطارات التقليدية ( ‪)Les partis de cadres traditionnels‬‬
‫وعلية الق‪G‬وم؛ ذلك ألنّه يعطي األمهيّة يف تك‪G‬وين‬ ‫وهذا النوع‪ G‬من األحـزاب يتوجه إىل مجـع الوجه‪G‬اء ِ‬
‫ّ‬
‫‪534‬‬
‫الكم أو العدد ‪ ،‬وبنية‪ G‬هذه األحزاب تتوافق مع ال‪GG‬دول الليرباليـة يف الق‪GG‬رن التاسع‬ ‫احلزب للنوعيّة‪ G‬أكثر من ّ‬
‫عش ‪GG‬ر‪ ،‬حيث ك ‪GG‬انت ه‪GG G‬ذه األح‪GG G‬زاب يف بريطاني‪GG G‬ا‪ ،‬وك‪GG G‬انت تتميّز مبركزيّتها الش‪GG G‬ديدة‪ ،‬وميثّلها حزب ‪GG‬ان مها‪:‬‬
‫‪G‬م أعي ‪GG‬ان البورجوازي ‪GG‬ة‪ ،‬وح ‪GG‬زب "احملافظني" (‪Partis‬‬ ‫"ح ‪GG‬زب األح ‪GG‬رار" (‪ ،)Partis libéraux‬وال ‪GG‬ذي يض ‪ّ G‬‬
‫يضم الطبقة اإلرستقراطي‪G‬ة‪.535‬‬ ‫‪ ،)conservateurs‬والذي ّ‬
‫ثانيا‪:‬األنواع الجديدة ألحزاب اإلطارات( ( ‪)Les nouveaux types de partis de cadres‬‬
‫يعترب احلزب العم‪GG‬ايل الربيط‪GG‬اين هو مبتكر الن‪GG‬وع‪ G‬اجلديد من ح‪GG‬زب اإلط‪GG‬ارات يف ع‪GG‬ام ‪1900‬م‪،‬‬
‫حيث ك ‪GG G‬انت اهليئ ‪GG G‬ات مش‪ّ G G G‬كلة من الوجه ‪GG G‬اء الوظيف ‪GG G‬يني (‪ ،) Fonctionnels‬إذ ميكن الق‪GG G‬ول إ ّن هيئ‪GG G‬ات‬
‫القاعـدة تش ‪ّ G G‬كلت من ممّثلني للنقاب‪GG G‬ات‪ ،‬والتعاوني‪GG G‬ات‪ G،‬واجلمعي‪GG G‬ات الفكري‪GG G‬ة‪ ،‬واليت تقبل العمل املش ‪GG‬رتك‪ G‬يف‬
‫‪.DUVERGER (Maurice),  Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp. 99-100 3532‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice),  Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., P100 533‬‬
‫‪.BARILARI (André) - JOZE GUEDON (Marie), Institutions politiques, Dalloz, paris, éd. 4, 1998, p. 130 534‬‬
‫‪DUVERGER (Maurice), op. cit., p 100 535‬‬
‫اجملال السياس‪GG G G G G‬ي‪ G،‬وه‪GG G G G G‬ذه اهليئ‪GG G G G G‬ات تعنّي املر ّش‪G G G G G G‬حني يف االنتخاب‪GG G G G G‬ات‪ ،‬وت‪GG G G G G‬دير خزينة الدعاية املنظّمة هلذا‬
‫التجمع‪.536‬‬
‫ّ‬
‫الفرع الثاني‪ (:‬األحزاب( الجماهيرية (‪)Les partis de masses‬‬
‫ففي الـحزب اجلم ‪GG‬اهريي تك ‪GG‬ون االختي ‪GG‬ارات السياس ‪GG‬يّة‪ G‬حم ّددة وفق ‪G‬اً إليديولوجيّة احلزب‪ ،‬وليس من‬
‫مه‪GG‬ام الف‪GG‬رد من أعض‪GG‬اء احلزب اجلم‪GG‬اهريي حتديد االختي‪GG‬ارات السياس‪GG‬يّة‪ ،‬ويوصف احلزب بأنّه مجاهريي ألنّه‬
‫بالروح النقدية أو الرقابة الذاتي‪G‬ة‪ G،‬فأعض‪G‬اء احلزب هم جمموع‪GG‬ات‬ ‫احلر‪ ،‬وال ّ‬ ‫اجملرد ّ‬
‫ال يعرتف ألعضائه باحلكم ّ‬
‫موحدة(‪ ) Uniformisés‬بروح الطبقة‪ ،‬حيث ال ينظر إىل الفرد إالّ باعتباره ذاتيّة عدديّ‪GG‬ة‪ ،‬خاض‪GG‬عة للتط‪GG‬ابق‬ ‫ّ‬
‫‪537‬‬
‫(‪ )Conformisme‬مع اجلماهري وتوجيهات اإلدارة املركزية للحزب ‪.‬‬
‫ّأما عن بنية األح‪GG‬زاب اجلماهريي‪GG‬ة‪ ،‬فإهّن ا من اكتش‪GG‬اف األح‪GG‬زاب االش‪GG‬رتاكية يف بداية الق‪GG‬رن العش‪GG‬رين‪،‬‬
‫وهي متغرّي ة حتت أش ‪GG G‬كال خمتلفة‪ ،‬من األح ‪GG G‬زاب الش ‪GG G‬يوعية‪ G‬واألح ‪GG G‬زاب الفاش ‪GG G‬ية‪ G،‬وحتاكي بعض أح ‪GG G‬زاب‬
‫احملافظني األحرار اليت حتاول جتاوز بنية حزب اإلطارات إىل األحزاب اجلماهريية‪.538‬‬
‫وميكن متييز ثالثة أنواع‪ G‬من األحزاب اجلماهريية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬النوع االشتراكي( (‪)Le type Socialiste‬‬
‫حيث إ ّن أغلب األح ‪GG G‬زاب االش ‪GG G‬رتاكية تتبىّن بنية األح ‪GG G‬زاب اجلماهريي ‪GG G‬ة‪ ،‬حىت احلزب العم‪GG G‬ايل‬
‫طور االنتسابات (االخنراطات) بداية من عام ‪ 1927‬م‪.539‬‬ ‫الربيطاين قد ّ‬
‫‪ -2‬النوع الشيوعي(‪)Le type Communiste‬‬
‫حيث إ ّن األح‪GG‬زاب الش‪GG‬يوعية‪ G‬األوىل يف ال‪GG‬دول الغربيّة قد ول‪GG‬دت باالنش‪GG‬قاق داخل األح‪GG‬زاب‬
‫االش ‪GG G‬رتاكية‪ G،‬واألحـزاب الش ‪GG G G‬يوعية‪ G‬مثل األحـزاب االش ‪GG G G‬رتاكية‪ ،‬تبحث عن كسب أكرب ع ‪GG G‬دد ممكن من‬
‫املنخرطني‪.540‬‬
‫‪ -3‬النوع الفاشي (‪)Le type Fasciste‬‬
‫وأهم شكل هلذا النـوع من األحزاب‬ ‫تطور هذا النـوع من األحـزاب بني احلربني العامليتني‪ّ ،‬‬ ‫وقد ّ‬
‫هو احلزب الفاشي‪ G‬اإليط ‪GG‬ايل‪ ،‬وبع ‪GG‬ده ي ‪GG‬أيت احلزب الوطين االش ‪GG‬رتاكي‪ G‬األملاين (الن ‪GG‬ازي)؛ واألحـزاب الفاش ‪GG‬ية‪G‬‬

‫‪536‬‬
‫‪.Ibid., P. 101‬‬
‫‪537‬‬
‫‪.BURDEAU (Georges), Traité de science politique, op.cit., t.1, P. 432 et suiv‬‬
‫‪538‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice),  Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 101‬‬
‫‪.Ibid., p. 102‬‬ ‫‪539‬‬

‫‪.Ibid., p. 103‬‬ ‫‪540‬‬


‫هي أحـزاب مجاهريية مثل األح ‪GG‬زاب االش ‪GG‬رتاكية‪ G‬والش ‪GG‬يوعية‪ G،‬أي أهّن ا تبحث عن ض ‪Gّ G‬م أكرب ع ‪GG‬دد ممكن من‬
‫املنخرطني‪.541‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬صور التعدّديّة الحزبيّة في النظام الديمقراطي‬


‫لقد أس‪GG‬لفنا الق‪GG‬ول يف ض‪GG‬رورة التع ّدديّة احلزبيّة للنظ‪GG‬ام ال‪GG‬دميقراطي‪ ،‬وك‪GG‬ون ه‪GG‬ذا األخري يرتبط ارتباطًا‬
‫وثي ًقا هبذه التعدّديّة‪ ،‬اليت تعترب أحد مبادئه األساسية‪ G‬وآلياته املعتمدة‪.‬‬
‫لقد أص‪GG‬بحت "التع ّدديّ‪GG‬ة" مرادفة للدميقراطي‪GG‬ة‪ ،‬كما أص‪GG‬بحت "الواحديّ‪GG‬ة" مرادفة للدكتاتوري‪GG‬ة‪ ،‬وه‪GG‬ذا‬
‫يدل على أمهيّة هذه التع ّدديّة يف الدميقراطية‪ G‬الغربيّة‪.‬‬
‫ّ‬
‫والتع ّدديّة احلزبيّة تقتضي‪ G‬وج‪GG‬ود ح‪GG‬زبني على األق‪Gّ G‬ل‪ ،‬أي أك‪GG‬ثر من ح‪G‬زب واحد‪ ،542‬ه‪GG‬ذا مع اإلق‪GG‬رار‬
‫‪G‬ؤدي إىل تع ‪ّ G‬دد األح‪GG‬زاب‬
‫‪G‬احلق يف إنش‪GG‬اء األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية‪ ،‬وفق ض‪GG‬وابط قانونية معروف‪GG‬ة؛ وه‪GG‬ذا ما قد ي‪ّ G‬‬ ‫ب‪ّ G‬‬
‫السياسية‪ ،‬اليت قد تكون ثالثة أو أكثر‪.‬‬
‫األول هو "نظ‪GG‬ام احلزبني"‪ ،‬والث‪GG‬اين‬
‫تصور حالتني لتع ّدد األح‪GG‬زاب أو نظ‪GG‬امني‪ّ :‬‬ ‫ومن خالل هذا ميكن ّ‬
‫هو "نظام تع ّدد األحزاب"‪.‬‬
‫سنتطرق –حبول اهلل تعاىل‪ -‬إىل هذين النظامني‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وفيما يأيت‬
‫األول‪ :‬نظام الحزبين (‪)Le régime de deux partis‬‬
‫الفرع ّ‬

‫‪.Ibid., p. 104 541‬‬


‫‪ 542‬ويطلق على هذا النظام الذي يعرتف حبزب واحد فقط تسميّة "نظام احلزب الواحد" (‪ ،)Le parti unique‬والذي يعين الوجود‬
‫الفعلي والرمسي حلزب وحيد حيتكر النشاط السياسي يف الدولة‪ ،‬وال يسمح بقيام أحزاب معارضة جبواره‪ ،‬وهو يتناىف مع التع ّدديّة احلزبية‬
‫األقل؛ ذلك أل ّن األحزاب جيب أن تكون متع ّددة بتعريفها نفسه؛ إذ هي تنظيمات للكفاح‪G‬‬
‫اليت تتطلّب وجود حزبني سياسيني على ّ‬
‫األقل‪ ،‬كما أ ّن كلمة "النظام" عند احلديث عن‬‫السياسي‪ ،‬فمن أجل أن يكون هناك كفاح وتنافس الب ّد أن يكون مثّة خصمان على ّ‬
‫تناقضا‪ ،‬فال ب ّد للنظام‬
‫األنظمة احلزبيّة‪ ،‬فإهّن ا تعين تع ّدد األحزاب‪ ،‬والعالقات بينها ؛ لذلك فإ ّن احلديث عن نظام احلزب الواحد يش ّكل ً‬
‫يضم أكثر من حزب واحد‪ .‬وقد ارتبط احلزب الواحد بالدكتاتورية واالستبداد‪ ،‬حيث عرفته البلدان املاركسية والفاشية‬ ‫احلزيب أن ّ‬
‫والنازية‪ ،‬والدول املتخلّفة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Les partis politiques, op. cit, p. 350 et suiv‬‬
‫ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.119 .‬‬
‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.154 .‬‬
‫‪ ،1‬ص‪225-224.‬‬ ‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪.‬‬
‫(‪Le‬‬ ‫ويس ‪Gّ G‬مى ك ‪GG‬ذلك "نظـام ثنائيـة األحـزاب" ويف اللّغة األجنبيّ ‪GG‬ة(الفرنس ‪GG‬يّة)‪ G‬يطلق عليه ك ‪GG‬ذلك‪:‬‬
‫‪.)Bipartisme( - )dualisme des partis‬‬
‫ونتناول هذا النظام يف اآليت‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬مفهوم( نظام الحزبين‬
‫يقصد به النظ‪GG G‬ام ال‪GG G‬ذي يوجد فيه حزب‪GG G‬ان كب‪GG G‬ريان‪ ،‬يتب‪GG G‬ادالن القي‪GG G‬ام‪ G‬بوظيفيت احلكم واملعارض ‪GG‬ة‪،‬‬
‫حسب األغلبيّة اليت حيصل عليها ك ‪Gّ G G‬ل ح‪GG G‬زب يف االنتخاب‪GG G‬ات العام ‪GG G‬ة‪ ،‬وال ينفي‪" G‬ثنائية األح ‪GG G‬زاب" وج‪GG G‬ود‬
‫‪G‬ىت إهّن ا ال‬
‫أح ‪GG‬زاب ص ‪GG‬غرية إىل ج ‪GG‬انب احلزبني الكب ‪GG‬ريين‪ ،‬ولكن ليس هلا ت ‪GG‬أثري كبري على احلي ‪GG‬اة السياس ‪GG‬ية‪ ،‬ح ‪ّ G‬‬
‫جترؤ على جماهبة الناخبني‪.543‬‬
‫وهناك بعض الش‪G‬روط إذا ت‪G‬وافرت يف دولة ما نك‪G‬ون‪ G‬بص‪G‬دد "نظ‪G‬ام احلزبني" وهي‪ :‬أالّ يك‪G‬ون ألك‪G‬ثر‬
‫أي وقت‪ ،‬أمل باستـالم احلكـم‪ ،‬كما جيب أن يتم ّكن أحد ه‪GG G G G G‬ذين احلزبني من كسب‬ ‫من ح‪GG G G G G‬زبني‪ ،‬يف ّ‬
‫األكثريّة الالّزم ‪GG‬ة‪ ،‬ويبقى يف احلكم دون مس ‪GG‬اندة ح ‪GG‬زب ث ‪GG‬الث‪ ،544‬وجيب أن يتن ‪GG‬اوب ه ‪GG‬ذان احلزب ‪GG‬ان على‬
‫احلكم خالل ع‪G‬دد من العق‪G‬ود‪ .‬فه‪G‬ذه الش‪G‬روط الثالثة واقعية‪ G‬سياس‪G‬يًا‪ ،‬فهي تع‪G‬رتف بوج‪G‬ود مجاع‪G‬ات ص‪G‬غرية‪،‬‬
‫ض‪G‬ا تقلّص ح‪G‬زب كب‪G‬ري‪ ،‬وحل‪G‬ول ح‪G‬زب آخر نشأ‬ ‫رغم س‪G‬يطرة ح‪G‬زبني ق‪G‬ويني‪ ،‬وت‪G‬تيح ش‪G‬روط نظ‪G‬ام احلزبني أي ً‬
‫حديثًا مكانه‪ ،‬وهذا ما حدث عندما َح َّل حزب العمال مكان حزب األحرار سنة ‪ 1929‬م‪.545‬‬
‫ثانيا‪ :‬تطبيقات نظام الثنائية الحزبيّة‬
‫يسود هذا النظ‪G‬ام يف البل‪G‬دان األنكلوسكس‪G‬ونية؛‪ G‬حيث تعترب ك ّ‪G‬ل من بريطانيا والوالي‪G‬ات املتح‪ّ G‬دة‬
‫األمريكية من أش ‪GG‬هر ال ‪GG‬دول اليت تتبىّن ه ‪GG‬ذا النظـام‪ ،546‬ففي بريطانيا يتن ‪GG‬افس على الس ‪GG‬لطة ك ‪Gّ G‬ل من "ح ‪GG‬زب‬
‫العم ‪GG‬ال"‪ ،‬ويف الوالي‪GG G‬ات املتح ‪ّ G G‬دة األمريكية يتن‪GG G‬افس فيها ك‪Gّ G G‬ل من احلزب ال ‪GG‬دميقراطي‬
‫احملافظني"‪ ،‬و"ح‪GG G‬زب ّ‪G‬‬
‫واحلزب اجلمهوري‪.547‬‬

‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 294 et suiv‬‬ ‫‪543‬‬

‫مابيلو (ألبري)‪ -‬ميرل (مارسيل)‪ ،‬األحزاب السياسية في بريطانيا العظمى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6-5 .‬‬
‫‪ 544‬فقد يوجد نظام فيه حزبان كبريان‪ ،‬ولكن ال يستطيع أحدمها احلصول على األغلبيّة‪ ،‬ومن مثّ تأليف احلكومة مبفرده‪ ،‬وهو النظام‬
‫الذي يطلق عليه اصطالح (‪ ،)Para-dualiste‬ويف هذه احلالة يتحالف أحد احلزبني مع احلزب اآلخر‪ ،‬أو مع حزب صغري إلمكان‬
‫تأليف احلكومة‪ ،‬وهذا الوضع قد وجد يف أملانيا الغربيّة (ساب ًقا) ويف بلجيكا ‪ .‬انظر‪ :‬رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر‬
‫الفردي االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.189-188 .‬‬
‫ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.121 .‬‬ ‫‪545‬‬

‫والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.249 .‬‬


‫ّ‬ ‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري‬ ‫‪546‬‬
‫كما أخ‪GG G G G‬ذت دول أخ‪GG G G G‬رى يف أوربا وخارجها هبذا النظ‪GG G G G‬ام‪ ،‬وذلك مث‪GG G G G‬ل‪ :‬نيوزلن‪GG G G‬دا‪ ،‬وأس‪GG G G‬رتاليا‪،‬‬
‫وإيرلندا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تقويم نظام الحزبين‬
‫كع‪GG‬ادة األنظمة اليت يب ‪GG‬دعها البش‪GG‬ر‪ ،‬خدمة ملص ‪GG‬لحته وض‪GG‬مانًا حلريّت‪GG‬ه‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن هلذا النظ ‪GG‬ام ك‪GG‬ذلك مزايـا‬
‫‪G‬ربرات‪ ،‬كما أنّه ال خيلو من عيـوب وانتقـادات‪ ،‬وفيما ي‪GG G G‬أيت نتع‪Gّ G G G‬رض –ب‪GG G G‬إذن اهلل تع ‪GG G‬اىل‪ -‬إىل ه ‪GG G‬ذين‬
‫وم ‪ّ G G‬‬
‫اجلانبني‪:‬‬
‫للمربرات اآلتية‪G:‬‬ ‫‪ -1‬مزايا( نظام الحزبين‪ّ :‬‬
‫يفضل بعض الفقهاء والسياسيني "نظام احلزبني" ّ‬
‫أهم‬
‫* إ ّن وجود حزبني كبريين فقط‪ ،‬أو مع عدد من األحـزاب الصغرية‪ G‬القليلة العدد‪ ،‬يعترب من ّ‬
‫‪548‬‬
‫‪G‬ؤدي إىل ت‪GG‬ويّل أحد‬
‫دواعي‪ G‬جناح النظ‪GG‬ام احلزيب وحتقيقه للدميقراطية واالس‪GG‬تقرار ؛ وذلك أل ّن ه‪GG‬ذا النظـام ي‪ّ G‬‬
‫احلزبني للس ‪GG G‬لطة مبف ‪GG G‬رده‪ ،‬ومن مثّ يش‪ّ G G G‬كل وزارة متجانسة ال تق ‪GG G‬وم على ائتالف معيب؛ بينما يق‪GG G‬وم احلزب‬
‫حمل احلزب‬
‫حيل ّ‬ ‫مبهمته ه‪GG‬ذه بنجـاح وجديّ‪GG‬ة‪ ،‬وميكنه أن ّ‬ ‫اآلخر (ح‪GG‬زب األقليّ‪GG‬ة) يف املعارض‪GG‬ة‪ ،‬حيث يض‪GG‬طلع ّ‬
‫احلاكم يف حالة ت ‪GG‬رك ه ‪GG‬ذا األخري للس ‪GG‬لطة‪ ،549‬وه ‪GG‬ذا التج ‪GG‬انس للحكومة يعطي انعكا ًس‪G G‬ا إجيابيًَا على رئيس‬
‫األول واألخري هو حتقيق الوع‪GG‬ود العامة اليت قطعها احلزب على نفسه جلمه‪GG‬ور‬ ‫احلكـومة‪ ،‬ال‪GG‬ذي يص‪GG‬بح هدفه ّ‬
‫الن ‪GG‬اخبني يف إط ‪GG‬ار السياسة العامة للدول ‪GG‬ة‪ ،‬وليس التف ‪Gّ G‬رغ جلمع ش ‪GG‬تات الت ‪GG‬آلف ال ‪GG‬وزاري‪ ،‬كما هو احلال يف‬
‫نظام تع ّدد األحزاب‪.550‬‬
‫* كما أ ّن النظ ‪GG‬ام احلزيب ال يس ‪GG‬تطيع أن يق ‪GG‬وم بوظيفته بفعاليّة‪ G‬إالّ إذا ر ّكز اختالف ‪GG‬ات ال ‪GG‬رأي‪ ،‬وعرّب‬
‫مهمة‬
‫عنها يف ص ‪GG‬يغ مب ّس ‪G‬طة تبس ‪GG‬يطًا نس ‪GG‬بيًا‪ ،‬وه ‪GG‬ذا ما يك ‪GG‬ون مي ّس ‪ًG‬را يف النظ ‪GG‬ام احلزيب الثن ‪GG‬ائي‪ G،‬ال ‪GG‬ذي يس ‪Gّ G‬هل ّ‬

‫كل من بريطانيا والواليات املتحدة األمريكية؛ حيث يرون أ ّن نظام احلزبني الربيطاين يوصف‬
‫مييّز بعض الباحثني بني نظام احلزبني يف ّ‬
‫‪547‬‬

‫كل حزب على نوابه أن يتقيّدوا باالقرتاع الذي‬


‫بأنّه "صلب"؛ بينما نظام احلزبني األمريكي فإنّه "مرن"‪ ،‬حيث إنّه يف بريطانيا يفرض ّ‬
‫يؤدي إليها نظام تع ّدد األحزاب؛ لذلك يرون‬
‫يؤدي عمليًا إىل عني النتائج اليت ّ‬
‫يقرره احلزب؛ بينما يف الواليات املتح ّدة األمريكية فإنّه ّ‬
‫ّ‬
‫‪.133‬‬ ‫بأنّه ليس بنظام احلزبني حقاً‪ .‬انظر‪ :‬ديفرجيه( (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.BURDEAU (Georges), Traité de science politique, op.cit., t..1, p.422 et suiv 548‬‬
‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬القانون الدستوري‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪.92 .‬‬ ‫‪549‬‬

‫الخطيب (نعمان أمحد)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫عمان (األردن)‪ ،‬ط‪.‬‬ ‫‪550‬‬

‫‪ 1999 ،1‬م‪ ،‬ص‪.421 .‬‬


‫الن‪GG‬اخبني وحيصر اختي‪GG‬اره بني برن‪GG‬اجمني سياس‪GG‬يني متعارض‪GG‬ني‪ .‬وه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام الثن‪GG‬ائي‪ G‬هو منطلق النظ‪GG‬ام احلزيب‪،‬‬
‫واستقرارا‪.552G‬‬
‫ً‬ ‫ا‬‫جناح‬
‫ً‬ ‫فيها‬ ‫ق‬ ‫ق‬
‫ّ‬ ‫ح‬ ‫وقد‬ ‫‪،‬‬ ‫‪551‬‬
‫سائدا فيها إىل اآلن‬
‫استمر يف إجنلرتا لقرون‪ ،‬وما يزال ً‬ ‫وقد ّ‬
‫* ونظ ‪GG G G‬ام احلزبني ك ‪GG G G‬ذلك يزيل النـزاعات الثانوي ‪GG G G‬ة‪ ،‬وجيرب مجيع الفئ ‪GG G G‬ات املعارضة على التعبري عن‬
‫نفسها يف إطار معارضة رئيسة‪553‬؛ فهو يقلّل من االنقسامات‪ G‬داخل اجملتمع‪.‬‬
‫ولتجميع ه‪GG G G‬ذه االجّت اه‪GG G G‬ات املتقاربة‪ G‬داخل ه‪GG G G‬ذين احلزبني الكب‪GG G G‬ريين أثر مباشر يف اتّس ‪GG G‬امها باملرونة‬
‫الواس‪GG‬عة اليت تكسب املناقش‪GG‬ات الداخليّة للح‪GG‬زب‪ ،‬وأحيانًا اخلارجية (التص‪GG‬ويت‪ G‬يف الربملان)‪ G،‬ص‪GG‬فة احلرية يف‬
‫التعبري‪.554‬‬
‫وانتشارا‪ ،‬إالّ يف البالد اليت يتن‪GG‬افس فيها‬
‫ً‬ ‫جناحا‬
‫ينم ويرتعرع ويالقي ً‬ ‫* وكذلك فإ ّن النظام النيايب مل ُ‬
‫ونزيها‪.555‬‬
‫حرا وشري ًفا ً‬ ‫تنافسا ً‬
‫حزبان ً‬
‫* كما ال خيفى ما ميتاز به هذا النظام من بساطة ظاهرة وعدم تعقيد‪.556‬‬
‫فهذه بعض املظاهر اإلجيابيّة اليت أثبتتها أحياناً التجارب العمليّة لتطبيق هذا النظام (نظام احلزبني)‪،‬‬
‫ولكن رغم ذلك فإنّه قد انتقد لبعض السلبيات اليت تظهر عند تطبيقه‪.‬‬
‫‪ -2‬عيوب نظام الحزبين‪:‬كما قلنا سابقاً‪ ،‬فإ ّن هلذا النظام بعض السلبيات‪ ،‬واليت ّ‬
‫نلخصها فيما يأيت‪:‬‬

‫‪ 551‬ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.266-265 .‬‬


‫‪ 552‬والواقع أ ّن جناح هذا النظام يف إجنلرتا يرجع إىل أسباب ع ّدة‪ ،‬منها أ ّن اإلجنليز يتميّزون بالواقعيّة يف السياسة؛ حيث ال يعلّقون‪ G‬أمهيّة‬
‫أبدا‬
‫إالّ على التجربة‪ ،‬وقد تعلّقوا بنظام احلزبني ألنّه أظهر جدواه‪ ،‬وح ّقق منذ أمد بعيد االستقرار احلكومي‪ ،‬كما أهّن م ال يعنون ً‬
‫للتوصل إىل السلطة‬
‫ّ‬ ‫تتمسك فيها األحزاب مبذهب حقيقي؛ وإمّن ا قصرت نشاطها يف مفهوم‪ G‬واقعي‬ ‫باملناقشات اإليديولوجيّة‪ ،‬ومل ّ‬
‫تفسر ذكاء اللعبة السياسية الربيطانية= =وهو ما‬
‫والتمرس هبا‪ ،‬كما علّمتهم التجربة أ ّن االعتدال هو الوسيلة األسلم للحكم‪ ،‬وهي ّ‬ ‫ّ‬
‫لب السياسة‬ ‫التطرف فال أثر له يف احلياة السياسية‪ ،‬حيث إ ّن احرتام اآلخر هو ّ‬ ‫يسميه الكتّاب اإلجنليز عن جدارة "عبقرية التسوية"؛ ّأما ّ‬
‫أبدا للخطر احلكم أو االنسجام الوطين‪ ،‬ولكن احرتام‬ ‫تعرض ً‬ ‫جو تبقى فيه املنافسات واخلصومات متوافقة‪ ،‬وال ّ‬ ‫يف اللّعبة الدميقراطية‪ ،‬يف ّ‬
‫التقاليد يبقى الطابع الغالب للسيكولوجية االجتماعية والسياسية‪ .‬انظر‪ :‬مابيلو (ألبري)‪ -‬ميرل (مارسيل)‪ ،‬األحزاب السياسية في‬
‫بريطانيا العظمى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8-7 .‬‬
‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.107 .‬‬ ‫‪553‬‬

‫الخطيب (نعمان أمحد)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.421 .‬‬ ‫‪554‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.422 .‬‬ ‫‪555‬‬

‫ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.135 .‬‬ ‫‪556‬‬


‫* على الص ‪GG‬عيد احلزيب‪ ،‬ي ‪GG‬رى الفقه أ ّن ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام حيتمل مق ‪GG‬داراً كب ‪GG‬رياً من قلّة العدال ‪GG‬ة؛ وذلك ملا‬
‫يلحقه من غنب لبعض األح‪GG G G G‬زاب‪ ،‬فالنظ‪GG G G G‬ام احلزيب ال‪GG G G G‬ذي تالزمه الثنائية‪ G‬احلزبي‪GG G G G‬ة‪ ،‬وال‪GG G G G‬ذي يعترب ض ‪GG G G‬روريًا‬
‫للمحافظة عليها‪ ،‬يبدو جمح ًفا بالنسبة لألحزاب اليت ال تأيت يف املرتبة األوىل أو الثانية‪.557G‬‬
‫* أما على الصعيد السياسي‪ G،‬فيؤخذ على نظام احلزبني بأنّه ال يعرّب عن اجملموع احلقيقي لالجّت اهات‬
‫احلساسة غالبًا ما يتجاذهبا اجّت اه‪GG‬ان‪ G‬واس‪GG‬عان يض‪Gّ G‬مان‬ ‫املختلفة داخل الرأي العام؛ صحيح أن املسائل املص‪GG‬ريية ّ‬
‫يربر‪ ،‬عند هذا الرأي‪ ،‬إمهال هذه االجّت اه‪GG‬ات يف مس‪GG‬ائل أخ‪GG‬رى‬ ‫داخلهما فروقًا ثانوية خمتلفة‪ ،‬إالّ أ ّن ذلك ال ّ‬
‫هي أحرى بإبراز نفسها دائماً‪.558‬‬
‫* كما ميكن أن نضيف بأ ّن جناح هذا النظام يف بعض البلدان‪ ،‬وال‪GG‬ذي قد يك‪GG‬ون لظ‪GG‬روف وأس‪GG‬باب‬
‫جناحا يف ك ‪Gّ G‬ل بلد مهما تع ‪ّ G‬ددت اجّت اهاهتا وتن ‪Gّ G‬وعت خصائص ‪GG‬ها؛ فكل بلد له ما‬ ‫ص ‪G‬ة‪ ،‬ال يعين أنّه س ‪GG‬يلقى ً‬
‫خا ّ‬
‫يوافقه من األنظمة‪ ،‬ممّا يتناسب‪ G‬مع ظروفه وطبيعة تشكيالته‪ G‬املختلفة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ (:‬نظام تع ّدد األحزاب( (‪)Le régime à partis multiples‬‬
‫الفرنس‪GG G‬ية(‪Le‬‬ ‫ويسمـى ه ‪GG G‬ذا النظـام ك ‪GG G‬ذلك "نظـام األح ‪GG G‬زاب املتع‪ّ G G G‬ددة"‪ ،‬كما يطلق عليه يف اللّغة‬
‫ّ‬
‫‪.)multipartisme‬‬
‫ونتناول هذا النظام يف اآليت‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬مفهوم نظام تعدّد األحزاب‬
‫يقوم هذا النظام على وجود ثالثة أحزاب فأكثر‪ ،‬يف البلد الواحد‪ ،‬أي أ ّن األحزاب تتع ّدد‬
‫فيه‪ ،‬فيزيد عددها أو ينقص حسب األحوال‪ ،‬كما يدخل يف هذا النظام وجود ع‪GG‬دد كبري من األح‪GG‬زاب مع‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.340 .‬‬ ‫‪557‬‬

‫الخطيب (نعمان أمحد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.423-422 .‬‬


‫‪ 558‬هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.340 .‬‬
‫الخطيب (نعمان أمحد)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.423 .‬‬
‫ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.266 .‬‬
‫‪559‬‬
‫يتم تش ‪GG‬كيل‬
‫متتّع ح ‪GG‬زب واحد من بينها مبركز احلزب املسيـطر (‪ ، )Parti-dominant‬ويف ه‪GG G‬ذا النظ ‪GG‬ام ّ‬
‫احلكومة عن طريق حتالف بني األحـزاب؛ حيث ال يستطيع حزب واحد احلصـول على األغلبيّة‪ G‬املطلقة‪.560‬‬
‫ثانيا‪ :‬تطبيقات نظام تع ّدد األحزاب‬
‫مجيع‪GG‬ا‪ .‬وعلى العم‪GG‬وم‬
‫إ ّن البل‪GG‬دان اليت تأخذ بنظـام تع‪ّ G‬دد األحـزاب كث‪GG‬رية‪ ،‬وال يتّسع املقـام لإلملام هبا ً‬
‫ف‪GG‬إ ّن نظ‪GG‬ام تع‪ّ G‬دد األح‪GG‬زاب من خص‪GG‬ائص دميقراطي‪GG‬ات أوربا الغربيّ‪GG‬ة‪ ،‬وال‪GG‬دول اإلس‪GG‬كندنافية‪ G،‬ه‪GG‬ذا مع اإلش‪GG‬ارة‬
‫مجيع‪GG‬ا؛ وذلك أل ّن النظـام احلزيب ال‪GG‬ذي‬
‫إىل أ ّن أنظمة األح‪GG‬زاب اليت تش‪GG‬مل أك‪GG‬ثر من ح‪GG‬زبني‪ ،‬غري متش‪GG‬اهبة ً‬
‫يق‪GG G G G‬وم على التعـ ّدديّة يتض‪Gّ G G G G G G‬من داخله العديد من األنظم‪GG G G G G G‬ة؛ حيث ميكن إطالقه على البالد اليت هبا ثالثة‬
‫أحـزاب‪ ،‬أو أربعة أحـزاب‪ ،‬أو أك‪GG‬ثر من ذلك‪ ،561‬ويف داخل ك‪Gّ G‬ل نظـام من أنظمة التع ‪ّ G‬دد تتع ‪ّ G‬دد الص‪GG‬ور و‬
‫املكونة‪ G‬للنظ ‪GG‬ام؛ ومن هنا تب ‪GG‬دو ص ‪GG‬عوبة وضع مجيع‬‫التقس ‪GG‬يمات ب ‪GG‬دورها‪ ،‬وذلك ب ‪GG‬النّظر إىل طبيعة‪ G‬األح ‪GG‬زاب ّ‬
‫أنظمة تع ّدد األحزاب يف إطار واحد‪.562‬‬

‫مستقل عن النظامني السابقني؛ حيث‬


‫ّ‬ ‫‪ 559‬يذهب بعض الفقهاء والباحثني‪ ،‬ومنهم "أندريه هوريو" إىل اعتبار أ ّن احلزب املسيطر هو نظام‬
‫يقسم األنظمة احلزبيّة إىل ثالثة‪ :‬التعددية احلزبية‪ ،‬والثنائية احلزبية‪ ،‬واحلزب املسيطر‪ ،‬ويعترب أ ّن هذا األخري ال يعارض بصورة قانونية قيام‬
‫ّ‬
‫تشكيالت سياسية أخرى‪ ،‬وال حىت يف استيالء أحزاب أخرى على احلكم؛ وهلذا خيتلف "احلزب املسيطر" عن "احلزب الواحد"؛ حيث‬
‫إ ّن هذا األخري حيتكر احلياة السياسية‪ ،‬وال يرتك لغريه فرصة التعايش معه؛ بينما احلزب املسيطر فإنّه ال حيتكر احلياة السياسية‪ ،‬وإن كان‬
‫تامة‪ ،‬ويرتك لغريه فرصة التواجد‪ ،‬ولكنّه ال يعطيه فرصة لتح ّديه‪ .‬انظر‪ :‬هوريو (أندريه)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬جـ‪،1 .‬‬
‫يسيطر عليها سيطرة ّ‬
‫ص‪ -.249 .‬ثابت (عادل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.72 .‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Les partis politiques, op. cit., p. 318 et suiv‬‬ ‫‪560‬‬

‫رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.103-102 .‬‬
‫الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري (دراسة مقارنة)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.266 .‬‬
‫‪ 561‬لذلك فقد قُ ّسم نظام "تع ّدد األحزاب" إىل ثالث جمموعات هي‪-1 :‬نظام ثالثية األحزاب (‪ ،)Le tripartisme‬وجند هلذا النظام تطبيقاً‬
‫يف دولتني مها‪ :‬بلجيكا ولوكسمبورغ؛ ‪-2‬نظام تع ّدد األحزاب مع وجود حزب أساسي ميثّل العمود الفقري للنظام السياسي (‪Le‬‬

‫كثريا‬
‫ويتصف هذا النظام بوجود عدد كبري من األحزاب لكن أحد هذه األحزاب يتمتّع بقوّة أكرب ً‬ ‫‪ّ ،)multipartisme avec parti pivot‬‬
‫من كل حزب من األحزاب األخرى‪ ،‬ويطلق بعض الفقه على هذا احلزب اسم "احلزب املسيطر" (‪ ،)Parti-dominant‬وقد وجد هذا‬
‫اعتبارا من سنة ‪ 1962‬م؛ ‪-3‬‬
‫الدول األوربيّة مثل‪ :‬السويد‪ ،‬النرويج‪ ،‬الدامنارك‪ ،‬إيطاليا‪ ،‬واجلمهورية اخلامسة يف فرنسا ً‬‫النظام يف بعض ّ‬
‫عمال‪ ،‬ومل يوجد إالّ يف ثالث حاالت فقط‪ ،‬يف فنلندا‪،‬‬ ‫نادرا ما يتح ّقق ً‬
‫نظام التع ّدد املطلق (‪ ،)Le multipartisme pur‬وهذا النظام ً‬
‫وهولندا‪ ،‬واجلمهورية الرابعة يف فرنسا‪ ،‬ففي هذه البالد الثالث يرتفع عدد األحزاب املمثّلة يف الربملان‪ ،‬ويرتاوح من ستة إىل مثانية‬
‫ظل هذه األنظمة ضرورية‪ .‬انظر‪ :‬كامل (نبيلة عبد احلليم)‪ ،‬األحزاب السياسية في العالم المعاصر‪،‬‬
‫أحزاب‪ ،‬وتبدو فكرة االئتالف يف ّ‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 158.‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Les partis politiques, op. cit., pp.319-320‬‬ ‫‪562‬‬

‫كامل (نبيلة عبد احلليم)‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.148.‬‬


‫ثالثًا‪ :‬تقويم نظام تع ّدد األحزاب(‬
‫وجه إىل نظـام احلزبني‪ ،‬ه‪GG‬ذا األخري‬ ‫لقد ُو ّجهت إىل نظـام تع‪ّ G‬دد األحـزاب انتق‪GG‬ادات أك‪GG‬ثر وأش‪ّ G‬د ممّا ّ‬
‫فضله كثري من أهل الفقه والفكر والسياسة؛ وذلك للمزايا اليت سبقت اإلشارة إليها‪.‬‬ ‫الذي ّ‬
‫التوجه‪GG G‬ات يف‬
‫ّأما بالنس ‪GG G‬بة إلجيابي ‪GG G‬ات نظ ‪GG G‬ام تع‪ّ G G G‬دد األحـزاب‪ ،‬فمنها أنّه يعمل على متثيل كثري من ّ‬
‫اجملتم‪GG‬ع‪ ،‬وإعط‪GG‬اء الفرصة هلا لتمثيل نفس‪GG‬ها يف اجملالس الش ‪GG‬عبية واملش ‪GG‬اركة يف احلكم‪ ،‬كما مينع نظ ‪GG‬ام التع ‪ّ G‬دد‬
‫من اس ‪GG G‬تبداد األغلبيّ ‪GG G‬ة‪ ،‬نظ ‪Gً G G‬را ملش ‪GG G‬اركة كثري من االتّجاه ‪GG G‬ات يف احلكم؛ ويس ‪GG G‬اهم ب ‪GG G‬ذلك يف تلطيف احلي‪GG G‬اة‬
‫التوجهات املختلفة‪.‬‬
‫السياسية‪ ،‬وإحداث التوازن‪ G‬بني ّ‬
‫ّأما بالنسبة لعيوب هذا النظام‪ ،‬فيمكن إمجاهلا فيما يأيت‪:‬‬
‫ظل هذا النظام ضعيفة‪ ،‬وعمرها قصري‪563‬؛ وذلك أل ّن هذا التع ّدد يتع ّذر معه‬ ‫‪ -1‬إ ّن احلكومات يف ّ‬
‫فوز أحد األح‪GG‬زاب باألغلبيّة يف الربملان‪ G،‬ممّا يس‪G‬تلزم تك‪GG‬وين وزارات ائتالفي‪GG‬ة‪ G،‬حيث تتك‪Gّ G‬ون‪ G‬فيها ال‪GG‬وزارة من‬
‫ع‪ّ G‬دة أح‪G‬زاب متقاربة يف املب‪G‬ادئ‪ ،‬ولكن ه‪G‬ذه احلكومة‪ G‬تظ ّ‪G‬ل يف احلكم طاملا س‪G‬اندهتا األغلبيّة‪ G‬الربملاني‪G‬ة‪ G،‬وه‪G‬ذه‬
‫األخ‪GG‬رية يف ظ‪Gّ G‬ل ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام غري متجانس‪GG‬ة‪ ،‬وغري قويّة كما هو احلال يف ظ‪Gّ G‬ل نظ‪GG‬ام احلزبني‪ ،‬ال‪GG‬ذي تس‪GG‬تند فيه‬
‫مستقرة تؤيّدها‪.564‬‬
‫ّ‬ ‫احلكومة إىل أغلبيّة برملانية‬
‫‪-2‬كما أ ّن األح ‪GG‬زاب يف ظ ‪Gّ G‬ل ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام متيل إىل أن تص ‪GG‬بح أحزابًا جام ‪GG‬دة‪ ،‬أي إىل ع ‪GG‬دم خض ‪GG‬وع‬
‫الن ‪GG‬ائب‪ G‬القتناعه الشخص ‪GG‬ي‪ ،‬بل للح ‪GG‬زب ال ‪GG‬ذي ينتمي إلي ‪GG‬ه‪ ،‬وض ‪GG‬رر ه ‪GG‬ذا األمر يتمثّل يف ك ‪GG‬ون عمل الربملان‬
‫ينتقل يف ه‪GG‬ذه احلالة إىل اللّج‪GG‬ان العليا للح‪GG‬زب‪ ،‬وه‪GG‬ذا األمر ميت‪ّ G‬د إىل ال‪GG‬وزراء أنفس‪GG‬هم‪ ،‬ال‪GG‬ذين ميتثل‪GG‬ون ألوامر‬
‫ح‪GG‬زهبم‪ ،‬فيعم‪GG‬دون إىل ملء املناصب يف ال‪GG‬وزارة من أنص‪GG‬ار ح‪GG‬زهبم‪ ،‬وه‪GG‬ذا ما قد ي‪GG‬ؤدّي إىل تن‪GG‬ازع األح‪GG‬زاب‬
‫على ال ‪GG‬وزارات‪ ،‬وال ‪GG‬ذي ينتج عنه تعطيل تش ‪GG‬كيل ال ‪GG‬وزارات مل ّدة طويل ‪GG‬ة‪ ،‬وه ‪GG‬ذا ب ‪GG‬دوره ي ‪GG‬ؤثّر س ‪GG‬لبًا على سري‬
‫نظام احلكم‪.565‬‬

‫شهورا‪ ،‬وال ميكنها‬


‫ظل اجلمهوريتني الثالثة والرابعة؛ حيث مل تكـن الوزارات متكث يف احلكـم إالّ ً‬
‫واضحا يف فرنسا يف ّ‬
‫ً‬ ‫ويتجلّى هذا‬ ‫‪563‬‬

‫اخّت اذ قرار هام إالّ بعد مشاورات متع ّددة‪ ،‬بل وشاقة ومملّة يف كثري من األحيان ‪ .‬الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬النظم السياسية والقانون‬
‫الدستوري (دراسة مقارنة)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.267 .‬‬
‫ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ - .266 .‬الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.267 .‬‬ ‫‪564‬‬

‫الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.268-267 .‬‬ ‫‪3565‬‬


‫الفرع الثالث‪ :‬التفاضل بين نظام الحزبين ونظام تع ّدد‬
‫األحزاب‬
‫أي نظ ‪GG G G G G G G‬ام من األنظمة ال ميكن احلكم عليه مع اس ‪GG G G G G G G‬تبعاد مجلة من الظ ‪GG G G G G G G‬روف واملالبس ‪GG G G G G‬ات‬
‫إ ّن ّ‬
‫أي نظ‪GG G G‬ام يتوقّ ‪G G G‬ف جناحه ‪-‬إىل ح‪ّ G G G‬د كب‪GG G G‬ري‪ -‬على م‪GG G G‬زاج الش‪GG G G‬عوب‪ ،‬ودرجة وعيها‬ ‫واخلص‪GG G G‬ائص؛‪ G‬حيث إ ّن ّ‬
‫وثقافتها‪.‬‬
‫جناحا يف بريطانيا –كما أش‪GG‬رنا س‪GG‬اب ًقا‪ ،-‬ف‪GG‬إ ّن نظ‪GG‬ام تع‪ّ G‬دد األح‪GG‬زاب‬ ‫فإذا كان نظام احلزبني قد حقّ‪G‬ق ً‬
‫جناحا‪ ،‬وح ّققت تطبيقاته ع ّدة إجيابيات‪ ،‬منها االستقرار رغم االئتالف‪ G‬احلكومي‪ G،‬وهذا‬ ‫قد ح ّقق هو اآلخر ً‬
‫‪566‬‬
‫حكما‬
‫ً‬ ‫ليس‬ ‫ه‬‫ّ‬‫ن‬‫أ‬ ‫ال‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫احلزبني‪،‬‬ ‫‪G‬ام‬‫ظ‬ ‫لن‬ ‫الكثريين‬ ‫تفضيل‬ ‫رغم‬ ‫ه‬‫ّ‬‫ن‬‫فإ‬ ‫ولذلك‬ ‫؛‬ ‫ما يتجلّى يف دولة مثل "سويسرا"‬
‫أي نظ‪GG‬ام –كما ذكرن‪GG‬ا‪ -‬خيضع جلملة من الش‪GG‬روط والظ‪GG‬روف؛ فحىت نظ‪GG‬ام احلزبني‬ ‫مطل ًق‪GG‬ا‪ ،‬ما دام أ ّن جناح ّ‬
‫املفضل لدى الكثريين‪ -‬قد فشل تطبيقه يف كثري من البلدان‪.‬‬ ‫– ّ‬

‫مبررات ووظائف األحزاب السياسية‬


‫المطلب السادس‪ :‬أهمّ ّ‬
‫‪G‬ربرات موض‪GG‬وعية اس‪GG‬تلزمت‬
‫إ ّن لوج‪GG‬ود األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية يف األنظمة الدميقراطية ع ‪ّ G‬دة م‪ّ G‬‬
‫املربرات‬
‫‪G‬ؤدي وظ ‪GG‬ائف كث ‪GG‬رية يف جمال احلكم‪ ،‬وحىت يف اجملتم ‪GG‬ع‪ ،‬وميكن تلخيص ه ‪GG‬ذه ّ‬ ‫وجوده ‪GG‬ا‪ ،‬كما أهّن ا ت ‪ّ G‬‬
‫والوظائف فيما يأيت‪:‬‬
‫هاما يف إدارة الص‪G‬راع السياسي‪ G‬يف اجملتم‪G‬ع‪ ،‬بش‪G‬كل يبع‪G‬ده عن‬ ‫أوالً‪ :‬تلعب األحزاب السياس‪G‬ية‪ً G‬‬
‫دورا ً‬
‫ك‪Gّ G‬ل أشكـال العنف والتط‪Gّ G‬رف‪ ،‬وه‪GG‬ذه اإلدارة العمليّة للصـراع السياسي بش‪GG‬كل س‪GG‬لمي‪ ،‬تتح ّقق إذا ت‪GG‬وفّرت‬
‫هلذه األح‪GG‬زاب قي‪GG‬ادات ذات كف‪GG‬اءة ومه‪GG‬ارة‪ ،‬وك‪GG‬انت قاع‪GG‬دة األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية واس‪GG‬عة ومنتش‪GG‬رة يف أحناء‬
‫البالد‪ ،‬وانتهجت‪ G‬فيه هذه األحزاب أسلوب احلكمة يف عالقتها مع اهلياكل احلكومية‪ G‬القائمة‪.567‬‬

‫‪ 566‬ويرجع سبب جناح هذا النظام يف االحّت اد السويسري‪ ،‬وإعطائه نتائج ممتازة إىل مجلة من األسباب‪ ،‬منها ما يتّصف به السويسريون‪ G‬من‬
‫يبسط قضايا السياسة اخلارجية‪،‬‬
‫جديّة واعتدال‪ ،‬وكون االحّت اد السويسري بلداً ذا مسؤولية‪ G‬حمدودة‪ ،‬فهو يتمتّع بنظام تقليدي يف احلياد ‪ّ ،‬‬
‫ومشاكل الدفاع الوطين‪ ،‬وقد وصف بعض الباحثني الدميقراطية السويسرية بأهّن ا ختلط العمل اإلداري= =بالعمل السياسي‪ ،‬أي أ ّن فيها‬
‫تتحول السياسة إىل إدارة خالصة؛ ممّا جيعل هذا النظام –يف رأي بعض الباحثني‪ -‬غري قابل لالنتقال إىل بلد آخر‪ .‬انظر‪ :‬هوريو (أندريه)‪،‬‬
‫ّ‬
‫القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.450 .‬‬
‫مصطفى (هالة)‪ ،‬األحـزاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.58-57 .‬‬ ‫‪567‬‬
‫ثانيًا‪ :‬كما يُعترب تع‪ّ G‬دد األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية‪ G‬الوس‪GG‬يلة األساس‪GG‬ية للمعارضة احلديث‪G‬ة‪ ،‬وذلك س‪GG‬واء أك‪GG‬ان‬
‫النظ‪GG‬ام السياسي قد اقتصر على ح‪G‬زبني كب‪GG‬ريين أم ك‪GG‬ثرت فيه األح‪GG‬زاب‪ ،‬وس‪GG‬واء أك‪GG‬انت األح‪GG‬زاب متجانسة‬
‫‪G‬ريا على نوعية‪G‬‬
‫‪G‬أثريا‪ G‬كب ‪ً G G‬‬
‫التك ‪GG G‬وين أم غري متجانس ‪GG G‬ة‪ ،‬غري أ ّن لع ‪GG G‬دد األح ‪GG G‬زاب السياس ‪GG G‬ية‪ ،‬وجتانس تكوينها ت ‪ً G G‬‬
‫املعارضة‪.568‬‬
‫ثالثا‪ :‬وتعترب التع ّدديّة احلزبيّة يف الدميقراطيـة الغربيّة ض ‪GG‬مانة أساس ‪GG‬ية ض‪ّ G G‬د االستبـداد‪ ،‬وهي من جهة‬
‫أخ‪G‬رى نتيجة طبيعية‪ G‬ملب‪GG‬ادئ احلريّة واملس‪GG‬اواة‪ ،‬واعتب‪GG‬ار‪ G‬اإلنس‪GG‬ان الف‪GG‬رد هو اخلليّة األوىل للمجتمـع‪ ،‬وأنّه حيمل‬
‫يف ذاته قيمة مس‪GG‬تقلّة؛ ول‪GG‬ذلك ف‪GG‬إ ّن من ح‪Gّ G‬ق احملكـومني املشرتكـني يف رأي أو مذهـب أو مص‪GG‬لحة أن يتكتّل‪GG‬وا‪G‬‬
‫يف منظّمة واح‪GG‬دة للوص‪GG‬ول إىل احلكـم‪ ،‬أو للضغـط علي‪GG‬ه‪ ،‬وليس من ح ّقهم أن حيرم‪GG‬وا غ‪GG‬ريهم من ذل‪GG‬ك‪ ،‬إذ‬
‫الدميقراطية‪ G‬الغربيّة ال تقبل مبدأ احلزب الواحد‪ ،‬وتعترب ذلك من املمارسات الدكتاتورية‪.569‬‬
‫رابعا‪ :‬إ ّن األح ‪GG G G G G G‬زاب السياس ‪GG G G G G G‬ية‪ G‬هي حلقة رئيسة بني احلاكمني واحملك ‪GG G G G G G‬ومني‪ ،‬أو مهزة وصل بني‬
‫الش‪GG G‬عب والس ‪GG G‬لطة؛ وذلك ألهّن ا (أي األح ‪GG G‬زاب) تت ‪GG G‬وىّل تنظيم ال ‪GG G‬رأي الع ‪GG G‬ام‪ ،‬وبل ‪GG G‬ورة إرادته على حنو ميكن‬
‫يتم يف رحاهبا التق ‪GG‬اء الش‪GG G‬عب بنواب ‪GG‬ه‪ G،‬وتت ‪GG‬اح له فرصة ملناقشة املس ‪GG‬ائل‬ ‫بس ‪GG‬هولة التع‪Gّ G G‬رف على اجّت اه ‪GG‬ه‪ .‬كما ّ‬
‫العامة‪ ،‬وال خيفي ما يف هذه الصلة من فائدة لتحقيق مصاحل الدولة‪.570‬‬
‫خامسا‪ :‬كما أ ّن األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية جت ّس‪G‬د وتنظّم تع‪ّ G‬دد األفك‪GG‬ار وتغ‪GG‬اير االتّجاه‪GG‬ات‪ ،‬وتؤ ّكد حرية‬
‫وتنشط احلياة السياسية‪ G‬يف داخل الدولة‪ ،‬واالختالف بني النّاس أمر طبيعي ُجبلوا عليه‪.571‬‬
‫الفكر‪ّ ،‬‬
‫سادسا(‪ :‬وتعترب األح‪GG G G G G‬زاب مدرسة لرتبية اجلم‪GG G G G G‬اهري وتنظيمها يف التعبري عن إرادهتا‪ ،‬فهي م ‪GG G G‬دارس‬
‫الش‪GG G‬عوب؛ حيث تعمل بوس‪GG G‬ائلها على توض‪GG G‬يح مش‪GG G‬اكل الش‪GG G‬عوب وبسط أسبـاهبا واق‪GG G‬رتاح حلوهلا‪ ،‬وهبذا‬
‫مهمة تب ‪GG‬دو ش ‪GG‬اقة ‪-‬أو‬
‫تتك ‪Gّ G‬ون‪ G‬ل ‪GG‬دى األف ‪GG‬راد ثقافة سياس ‪GG‬ية متكنّهم من املش ‪GG‬اركة يف املس ‪GG‬ائل العام ‪GG‬ة‪ ،‬وه ‪GG‬ذه ّ‬
‫مستحيلة‪ -‬بغري وجود األحزاب السياسية‪.572‬‬

‫‪295‬‬ ‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪568‬‬

‫‪ 569‬أبو طالب (عبد اهلادي)‪ ،‬المرجع في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬الدار البيضـاء‪ ،‬د‪ .‬ط‪1980 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.152 .‬‬
‫الغنوشي (راشد)‪ ،‬الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ -.248.‬الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬النظم السياسية‬ ‫‪570‬‬

‫والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.262-261 .‬‬


‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬القانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.96 .‬‬ ‫‪571‬‬

‫‪ 572‬الطماي (سليمان حممد)‪ ،‬السلطات الثالث في الدساتير العربية وفي الفكر السياسي اإلسالمي(‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬مصـر‪ ،‬ط‪،6.‬‬
‫‪1996‬م‪ ،‬ص‪.247.‬‬
‫يتم الت‪GG‬أطري السياسي واإلي‪GG‬ديولوجي‪ G‬للن‪GG‬اخبني واملرت ّش‪G‬حني‪ ،‬وك‪GG‬ذا اختي‪GG‬ار‬
‫كما أنّه بواسطة األحزاب ّ‬
‫املرتشحني للمناصب االنتخابية‪ G،‬وتأطري املنتخبني‪.573‬‬ ‫ّ‬
‫‪G‬ك أك‪G‬ثر ممّا‬‫مربرات وجود األح‪G‬زاب السياس‪G‬ية‪ G،‬وبعض وظائفها وفوائ‪G‬دها‪ ،‬وهي بال ش ّ‬ ‫فهذه بعض ّ‬
‫كل تلك املربّرات والوظائف‪ G‬والتفصيل فيها‪.‬‬ ‫ذكرناه‪ ،‬ولكن املقام‪ G‬ال يتّسع لرصد ّ‬
‫ومن خالل ما ذُكر س ‪GG G‬اب ًقا تتّضح لنا ض ‪GG G‬رورة ه ‪GG G‬ذه األحـزاب‪ ،‬س ‪GG G‬واء على املس ‪GG G‬توى السياسي‪ G‬أم‬
‫املستـوى االجتم‪GG G G‬اعي‪ ،‬وأهّن ا ختدم الش‪GG G G‬عب كما ختـدم السلطـة احلاكمـة‪ .‬وك‪Gّ G G G‬ل ذلك يتح ّقق إذا روعيت‬
‫احلكمة من ه‪GG G‬ذه األح‪GG G‬زاب‪ ،‬واح‪GG G‬رتمت فيها الض‪GG G‬وابط‪ ،‬ومل تكن وس‪GG G‬يلة للش ‪G G‬قاق والنـزاع‪ ،‬أو أداة لت ‪GG‬ربير‬
‫األخطاء وإعطاء الشرعية هلا‪.‬‬

‫المطلب السابع‪ :‬أهمّ االنتقادات الموجّهة إلى التعدّديّة الحزبيّة‬


‫املربرات اليت حتظى هبا األحـزاب السياسية‪ ،‬إالّ أهّن ا‬
‫كل تلك األدوار والوظائف‪ G‬و ّ‬ ‫على الرغم من ّ‬
‫األمة‬
‫‪G‬ديدا‪ ،‬ذهب به إىل ح‪ّ G G‬د اعتبارها خط ‪Gً G‬را على ّ‬
‫‪G‬ادا ش ‪ً G‬‬
‫مل تس ‪GG‬لم من النق ‪GG‬د‪ ،‬بل إ ّن هن ‪GG‬اك من انتق ‪GG‬دها‪ G‬انتق ‪ً G‬‬
‫شرها أكرب من نفعها؛ لذلك فقد ُوجد من نـادى بإلغائها‪ ،‬حىت من الدميقراطيني‪.574‬‬ ‫وعلى وحدهتا‪ ،‬وأ ّن ّ‬
‫وفيما يأيت نتناول –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬بعض هذه االنتقادات‪ G،‬مع مناقشتها‪:‬‬
‫األمة للخط‪GG‬ر‪،‬‬ ‫أوالً‪ :‬من أخطر ه‪GG‬ذه االنتق‪GG‬ادات ّ‬
‫املوجهة إىل التع ّدديّة احلزبيّة أهّن ا تع‪Gّ G‬رض وح‪GG‬دة ّ‬
‫‪575‬‬
‫‪G‬يعا‪ ،‬يعمل‬ ‫األمة ش‪ً G‬‬
‫ونظ‪G‬ام احلكم لالض‪GG‬طراب ‪ ،‬وأهّن ا تزيد عوامل الش‪G‬قاق واالض‪GG‬طراب يف الدولة؛ فتق ّس‪G‬م ّ‬
‫حمل الس ‪GG G‬الم‬
‫وحيل النـزاع والش‪GG G G‬قاق ّ‬
‫ك ‪Gّ G G‬ل منها على أن يه‪GG G G‬اجم اآلخر إلض‪GG G G‬عافه‪ ،‬فتك‪GG G G‬ثر االض‪GG G G‬طرابات‪ّ ،‬‬
‫االجتماعي‪ ،‬وتتّضح هذه املظاهر بصفة خاصة يف الدول احلديثة العهد بالدميقراطية‪.576‬‬
‫‪G‬رد على ه‪GG‬ذا االنتق‪GG‬اد ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن ه‪GG‬ذه املخ‪GG‬اطر حتدث إذا مل ت‪GG‬درك األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية‪ G‬دورها واحلكمة‬ ‫ويُ‪ّ G‬‬
‫التعصب‪ G‬لل ّذات واملصاحل الشخصية واحلزبيّة الضيّقة‪G.‬‬ ‫غلبت ّ‬ ‫من وجودها؛ وإمّن ا ّ‬

‫‪573‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiqueS et droit constitutionnel, oP. cit., p. 105 et suiv‬‬
‫‪ 574‬فقد ارتفع البعض بالشكوى‪ G‬من األحزاب باسم الدميقراطية ونادوا بإلغائها‪ ،‬وكان من هؤالء كتاب معاصرون كثريون منهم ‪:‬‬
‫"ماديسن"‪ ،‬و"هربرت كرويل" يف كتابه "الدميقراطية التق ّدمية"؛ ويبدو أ ّن مصدر‪ G‬هذه الشكوى هو العجز عن إدراك أمهية احلزب كركن‬
‫أساسي من أركان الدميقراطية‪ ،‬وكسبيل هلا لتنظيم الرأي العام‪ .‬انظر‪ :‬ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬مرجع سابـق‪ ،‬ص‪.264 .‬‬
‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬القانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.99 .‬‬ ‫‪575‬‬

‫الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.259 .‬‬ ‫‪576‬‬
‫كما أ ّن ه‪GG‬ذا االنتق‪GG‬اد قد قيل به عند ب‪GG‬دء التفكري يف نظ‪GG‬ام تع‪ّ G‬دد األح‪GG‬زاب‪ ،‬وقد أثبت‪ G‬الواقع العملي‬
‫أالّ خط ‪GG‬ورة منها على نظ ‪GG‬ام احلكم‪ ،‬وأ ّن ما حيدث أحيان‪G G‬اً من ع ‪GG‬دم االس ‪GG‬تقرار يرجع إىل عي ‪GG‬وب يف النظ ‪GG‬ام‬
‫األمة وعدم نضجها ووعيها‪.577‬‬ ‫السياسي القائم‪ ،‬ويف تشتّت أفكار ّ‬
‫والتجمع الذي تقوم به األحزاب السياسية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والتفرق‪ ،‬غري التكتّل‬
‫وإ ّن االنشقاق ّ‬
‫فإح‪GG G‬داث ح‪GG G‬زب ال يعين إالّ وس‪GG G‬يلة لبل‪GG G‬ورة األفك‪GG G‬ار السياس‪GG G‬ية وال‪GG G‬ربامج‪ ،578‬والس‪GG G‬عي‪ G‬هبا لكسب‬
‫األنصار‪ ،‬ومن مثّ القيام بالوظائف املعروفة‪ ،‬والوصول إىل السلطة لتجسيد تلك األفكار والربامج‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬كما عِيب على األحزاب السياس‪G‬ية‪ G‬أهّن ا تص ّ‬
‫‪G‬ب احلي‪GG‬اة السياس‪G‬ية‪ G‬يف ق‪GG‬الب آيل‪ ،‬وجتعل األنظمة‬
‫الدميقراطية‪ G‬أنظمة جوفاء‪ ،‬إذ إ ّن األحزاب جتعل أعض‪GG‬اءها خيض‪GG‬عون‪ G‬آلراء احلزب‪ ،‬حىت دون أن يقتنع‪GG‬وا‪ G‬هبا‪،‬‬
‫أي ج‪GG‬انب س‪GG‬يكون‪ G‬ص‪GG‬وته‪ ،‬وتص‪GG‬بح‬ ‫وهك‪GG‬ذا تنع‪GG‬دم حرية الن‪GG‬ائب‪ ،‬في‪GG‬ذهب إىل الربملان وهو يعلم مس‪GG‬بقاً يف ّ‬
‫جمرد خطب ال طائل من ورائه ‪GG‬ا‪ ،‬ما دام قد اتّفق س ‪GG‬لفاً على مصري التص ‪GG‬ويت‪،579G‬‬ ‫املناقش ‪GG‬ات داخل الربملان ّ‬
‫حمل املناقشـات العلنية اهلادفة يف الربملان‪ G،‬وه ‪GG‬ذا ما ي ‪GG‬ؤثّر‬ ‫حتل املنـاورات الس ‪GG‬ريّة واالتّفاق ‪GG‬ات اخللفية ّ‬ ‫وهك ‪GG‬ذا ّ‬
‫سلباً على الصاحل العام‪.580‬‬
‫‪G‬حة‪ ،‬وذلك ما يالحظ فيما ع ‪GG G‬انت منه فرنسا‬ ‫وعلى ال‪Gّ G G G‬رغم ممّا يف ه‪GG G G‬ذا االنتق‪GG G G‬ادات من بعض الص‪ّ G G G‬‬
‫‪G‬ريا‪ ،‬والس ‪GG‬يّما بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،581G‬إالّ أنّه الب‪ّ G G‬د من اإلق ‪GG‬رار ب ‪GG‬أ ّ‪G‬ن ن ‪GG‬اخيب ك ‪Gّ G‬ل ح ‪GG‬زب قد ارتض ‪GG‬وا‬ ‫كث ‪ً G‬‬
‫برن ‪GG‬امج ح‪GG G‬زهبم‪ ،‬وانتخب‪GG G‬وا‪ G‬نوابه على أساس‪GG G‬ه‪ ،‬وتط‪GG G‬بيق برن‪GG G‬امج احلزب يقتضي اتّب‪GG G‬اع‪ G‬تنظيم معنّي يل ‪GG‬تزم به‬
‫نواب احلزب‪ ،‬والسيّما يف مواجهة ممثّلي األحزاب األخرى‪ ،‬وهذا وضع طبيعي يقتضيه‪ G‬منطق األمور‪.582‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وهن‪GG G‬اك انتق‪GG G‬ادات وعي‪GG G‬وب أخ‪GG G‬رى للتع ّدديّة احلزبيّة ق‪GG G‬ال هبا الرافض‪GG G‬ون‪ G‬لفكـرة األح ‪GG‬زاب‪ ،‬أو‬
‫أنص ‪GG‬ار احلزب الواح ‪GG‬د‪ ،‬أو ال‪GG G‬ذين ال يرفض‪GG G‬ون فك ‪GG‬رة األح ‪GG‬زاب من األس‪GG G‬اس ولكنّهم يس ‪GG‬عون‪ G‬إلص ‪GG‬الح ما‬

‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.99 .‬‬ ‫‪577‬‬

‫بن حمودة (بوعالم)‪ ،‬الممارسة الديمقراطية للسلطة بين النظرية والواقع‪ ،‬دار ّ‬
‫األمة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.133 .‬‬ ‫‪578‬‬

‫صور أحد أعضاء جملس العموم الربيطاين هذا الوضع يف أسلوب ساخر‪ ،‬لكنّه معرّب ‪ ،‬حيث يقول ‪ « :‬لقد مسعت يف جملس‬
‫وقد ّ‬
‫‪579‬‬

‫العموم كثرياً من اخلطب اليت غرّي ت رأيي‪ ،‬ولكنّين مل أمسع خطبة واحدة غرّي ت صويت‪ » ‬فالين‪ ،‬األحزاب ض ّد الجمهورية‪ ،‬باريس‪،‬‬
‫‪1948‬م‪ ،‬ص‪ ،62 .‬نقالً عن‪ :‬الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬السلطات الثالث‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.546 .‬‬
‫الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.261-260 .‬‬ ‫‪580‬‬

‫رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.105 .‬‬
‫الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.261 .‬‬ ‫‪581‬‬

‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬القانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.99 .‬‬ ‫‪582‬‬
‫يكتنفها‪ G‬من عي‪GG G G G G‬وب‪ ،‬والس‪GG G G G G‬يّما إذا أس‪GG G G G G‬يء اس‪GG G G G G‬تعماهلا أو مل يُفهم دورها احلقيقي‪ G،‬وميكن تلخيص ه ‪GG G G‬ذه‬
‫االنتق‪G‬ادات‪ G‬يف ك‪GG‬ون أ ّن األح‪G‬زاب السياس‪GG‬ية تقلّص من دور الربملان‪ G‬نتيجة س‪GG‬يطرة ح‪G‬زب أو أح‪G‬زاب األغلبيّة‬
‫‪G‬أي‬
‫‪G‬ؤدي إىل إض ‪GG‬عاف دور املواطـن يف االشتـراك يف احلكـم‪ ،‬والس ‪GG‬يّما ال ‪GG‬ذين مل يرتبط ‪GG‬وا ب ‪ّ G‬‬ ‫املؤتلف ‪GG‬ة‪ G،‬وأنّها ت ‪ّ G‬‬
‫‪G‬ريا ما تس‪GG‬عى‬
‫ح‪GG‬زب سياس‪GG‬ي‪ ،‬وأ ّن األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية قد تعمل على تزييف ال‪GG‬رأي الع‪GG‬ام وتش‪GG‬ويهه‪ ،‬وأهّن ا كث‪ً G‬‬
‫إىل اس ‪GG‬تبعاد غريها من األح ‪GG‬زاب من خص ‪GG‬ومها السياس ‪GG‬يني‪ ،‬إذا وص ‪GG‬لت إىل احلكم‪ ،‬فتق‪ّ G G‬دم مص ‪GG‬لحة احلزب‬
‫على حس‪GG G G G G‬اب الكف‪GG G G G G‬اءة واخلربة‪ ،‬وأ ّن احلزب السياسي‪ G‬غالبًا ما تس‪GG G G G G‬يطر عليه أقليّة متتلك النف ‪GG G G‬وذ‪ ،‬وأحيانًا‬
‫يسيطر عليه فرد واحد‪.583‬‬
‫‪G‬ريا عن ه‪GG‬ذه االنتق‪GG‬ادات‪ G‬مجل‪GG‬ة‪ ،‬أهّن ا قد تك‪GG‬ون حقيقة واقعيّ ‪G‬ة‪ ،‬ولكنّها ال ترجع إىل‬ ‫وما ميكن قوله أخ‪ً G‬‬
‫التع ّدديّة احلزبية يف ذاهتا‪ ،‬بل إىل س‪GG G G‬وء تطبيقها وع‪GG G G‬دم اح‪GG G G‬رتام الض‪GG G G‬وابط واأله‪GG G G‬داف املس ‪G G‬طّرة‪ ،‬وأنّه مهما‬
‫وجدت هذه العيوب يف التع ّدديّة احلزبية‪ ،‬إالّ أهّن ا ال ميكن أن تُق‪Gَ G‬ارن حبالة س‪GG‬يطرة احلزب الواح‪GG‬د‪ ،‬أو عن‪GG‬دما‬
‫مُي نع الشعب من تنظيم نفسه يف مجاعات للدفاع عن مصاحله ومبادئه ومقوّماته‪.‬‬

‫المطلب الثامن‪ :‬موقف نظام اإلسالم من التعدّديّة الحزبيّة‬

‫ونقصد هنا أهل االجته ‪GG‬اد والنّظر من مف ّك‪GG‬ري اإلس ‪GG‬الم‪ G‬وفقهائ ‪GG‬ه‪ ،‬ال ‪GG‬ذي يعتم ‪GG‬دون يف آرائهم‬
‫واجته‪GG‬اداهتم على نص‪GG‬وص‪ G‬ال‪GG‬وحي‪ ،‬وعلى روح الش‪GG‬ريعة اإلس‪GG‬المية ومقاص‪GG‬دها‪ ،‬وعلى مص‪GG‬ادرها األخ‪GG‬رى‪،‬‬
‫مثل‪ :‬املصـاحل املرسـلة‪ ،‬وسـ ّد الذرائـع‪ ،‬وغريها من املصـادر اليت تنبين يف حقيقتها على الوحـي‪ -‬كتابًا وسنّة‪.‬‬
‫ومن الط ‪GG‬بيعي أن ختتلف االجته ‪GG‬ادات ح ‪GG‬ول ش ‪GG‬رعيّة التع ّدديّة احلزبيّة يف اإلس ‪GG‬الم‪ G،‬كما اختلفت يف‬
‫املواض‪GG G G‬يع األخ‪GG G G‬رى‪ ،‬بل إ ّن ه‪GG G G‬ذا املوض‪GG G G‬وع‪ G‬من املواض‪GG G G‬يع اليت يتأ ّكد فيها االختالف ويك ‪GG G‬ثر؛ وذلك نظ ‪Gً G G‬را‬
‫تقره أو ترفضه‪.‬‬ ‫حلداثته‪ ،‬ولعدم وجود نصوص‪ G‬شرعيّة صرحية ّ‬
‫توجه ‪GG‬ات أو مواقـف‪ ،‬نتناوهلا –ب ‪GG‬إذن‬ ‫نردها إىل ثالثـة ّ‬‫ومن خالل تتبّع ه ‪GG‬ذه االجته ‪GG‬ادات ميكن أن ّ‬
‫اهلل تعاىل‪ -‬فيما يأيت‪:‬‬
‫األول‪ :‬موقف القبول المطلق بالتع ّدديّة الحزبيّة‬
‫الفرع ّ‬

‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬القانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.100-99-98 .‬‬ ‫‪583‬‬
‫توجهاته‪ ،‬وكيفما‬
‫أي تيار من التيارات احلزبيّة‪ ،‬مهما كانت ّ‬ ‫فهذا املوقف يرى أنّه الب ّد من قبول ّ‬
‫ك ‪GG‬ان املذهب ال ‪GG‬ذي يعتنقه ويتبنّ ‪GG‬اه‪ G،‬أي س ‪GG‬واء أك ‪GG‬ان يق ‪GG‬وم على أرض ‪GG‬ية اإلسـالم‪ ،‬أم على غ ‪GG‬ريه من املذاهب‪G‬‬
‫الوضعية واإليديولوجيات‪ G‬املعاصرة‪ ،‬كاألحزاب العلمانية والليربالية‪ G‬واالشرتاكية‪ G‬وغريها‪.‬‬
‫وقد ناقش ‪GG‬نا ه ‪GG‬ذا االتّج ‪GG‬اه يف مبحث "التع ّدديّة اإليديولوجي ‪GG‬ة"؛‪ G‬ول ‪GG‬ذلك فس ‪GG‬نكتفي‪ G‬هنا بتن ‪GG‬اول بعض‬
‫مربرات هذا االجّت اه‪ ،‬وهي كاآليت‪:‬‬ ‫ّ‬
‫أوالً‪ :‬إ ّن من ح ّ‪G‬ق ّ‬
‫أي م‪GG‬وطن يف دولة م‪G‬ا‪ ،‬أن متنح له احلريّة السياس‪GG‬يّة‪ ،‬مهما ك‪GG‬انت نزعته‪ ،‬إس‪GG‬المية‬
‫أو غري إس ‪GG G‬المية‪ G،‬وأ ّن الفك ‪GG G‬رة القويّة‪ G‬هي اليت تثبت ص ‪GG G‬الحها‪ ،‬وتش ‪Gّ G G‬ق طريقها إىل قل ‪GG G‬وب النّ‪GG G‬اس‪ ،‬وأنّه "ال‬
‫إكراه يف ال ّدين"‪.584‬‬
‫ولكن ال خيفي ما يف ه ‪GG‬ذا الت ‪GG‬ربير من خط ‪GG‬ورة‪ ،‬تتمثّل يف ك ‪GG‬ون أ ّن ه ‪GG‬ذه التي ‪GG‬ارات اليت تتن ‪GG‬اقض مع‬
‫األمـة أو ش ‪GG‬ريعتها‪ ،‬قد تصل إىل احلكـم ولو عن طريق ش ‪GG‬راء ال ‪GG‬ذمم أو تزييف األصـوات‪ ،‬أو خ‪GG‬داع‬ ‫عقي ‪GG‬دة ّ‬
‫اجلم ‪GG‬اهري‪ ،‬فيص‪GG G‬بح أتب‪GG G‬اع ه‪GG G‬ذه التي‪GG G‬ارات‪ G‬والة على املس‪GG G‬لمني‪ ،‬يطبّق‪GG G‬ون عليهم غري ش‪GG G‬ريعتهم‪ ،‬زاعمني أهّن م‬
‫األم‪GG‬ة‪ ،‬ويتح‪ّ G‬دثون بامسها‪ ،‬وتلك جمازفة‬ ‫وص‪GG‬لوا إىل ه‪GG‬ذه املواقع عن طريق الش‪GG‬رعية الدس‪GG‬تورية‪ ،‬وأهّن م ن‪GG‬واب ّ‬
‫األمة‪ ،‬وهتديد ملستقبل البالد‪.585‬‬ ‫بأمانة احلكم‪ ،‬وتغرير بالواليات العامة يف ّ‬
‫ثانيا‪ :‬كما أ ّن وج ‪GG‬ود األح ‪GG‬زاب غري اإلس ‪GG‬المية‪ G‬يف دولة اإلس ‪GG‬الم‪ G‬ال أثر له على ص ‪GG‬عيد الواق ‪GG‬ع‪ ،‬طاملا‬
‫تعرضت للعزلة واهلامش‪GG G G‬ية‪،‬‬
‫متردت عليه ّ‬ ‫أ ّن مجلة األح‪GG G G‬زاب العلمانية الي‪GG G G‬وم تعلن انتماءها لإلس‪GG G G‬الم‪ ،‬ف‪GG G G‬إذا ّ‬
‫‪G‬ررا من عملها يف الس‪Gّ G G‬ر‪ ،‬وحاهلا لن يك‪GG G‬ون‪ G‬أفضل من ح‪GG G‬ال ح‪GG G‬زب‬ ‫ووجودها على الس‪GG G‬طح عندئذ أق‪Gّ G G‬ل ض‪ً G G‬‬
‫إسالمي أو شيوعي يف إجنلرتا أو أمريك‪GG‬ا؛ كما أنّه من الناحية النظرية ف‪GG‬إ ّن منع قي‪GG‬ام األح‪GG‬زاب غري اإلس‪GG‬المية‬
‫حمل إمجاع لدى املعاصرين‪.586‬‬ ‫يف دولة اإلسالم‪ G‬ليس ّ‬
‫ولكن رغم ذلك تبقى خط ‪GG G‬ورة ه ‪GG G‬ذه األح ‪GG G‬زاب قائم ‪GG G‬ة‪ ،‬والس ‪GG G‬يّما مع تركها تعلن عن أفكاره ‪GG G‬ا‪،‬‬
‫وتعمل دعاية لعقائدها‪ ،‬وال خيفى ما يف ذلك من خطر على أفكار اجلماهري وعقائدهم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إنّه طاملا ال‪GG‬تزمت ه‪GG‬ذه األح‪GG‬زاب غري اإلس‪GG‬المية‪ G‬بأخالقي‪GG‬ات احلوار‪ ،‬وأخلصت ال‪GG‬والء للدول‪GG‬ة‪،‬‬
‫فمن ح ّقها أن تتمتّع حبماية احلق‪GG G G G‬وق‪ ،‬فص ‪GG G G G‬احب الفك ‪GG G G G‬رة م‪GG G G G‬رتوك أم ‪GG G G G‬ره للمف ّك‪GG G G G‬رين؛ إذ ‪‬الَ إِ ْك َراهَ فِي‬

‫التصور اإلسالمي(‪ ،‬دار الثقافة الدوحة (قطر)‪ .‬ط‪ ،1 .‬ص‪ 1986 .‬م‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫ّ‬ ‫الحسن (حممد)‪ ،‬المذاهب واألفكار المعاصرة في‬ ‫‪584‬‬

‫الصاوي (صالح الدين)‪ ،‬التع ّدديّة السياسية في الدولة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.109 .‬‬
‫ّ‬
‫‪585‬‬

‫الغنوشي (راشد)‪ ،‬الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.294-293 .‬‬ ‫‪586‬‬
‫ِّين‪ ،587‬ومع ّأنهم خيتلف ‪GG‬ون مع املس ‪GG‬لمني يف ال‪ّ G G‬دين‪ ،‬أي يف أسس اجملتمـع وأهداف ‪GG‬ه‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن هلم أن ينظّم ‪GG‬وا‬
‫الد ِ‬
‫بالشكل الذي يرتضونه‪ ،‬لضمان استمرارهم‪ ،‬وال ّدفاع عن وجودهم‪ ،‬ولكن ليس هلم أن يستهدفوا‬ ‫أنفسهم ّ‬
‫تغيري أسس اجملتمع واإلطاحة هبا‪.588‬‬
‫ولكن ضمـان حق‪GG G G G‬وقهم‪ ،‬وكفالة حري‪GG G G G‬اهتم يف دولة اإلسـالم‪ ،‬ال يعين أن يدعُـوا املس‪GG G G‬لمني إىل‬
‫عقائ‪GG‬دهم ويفتن‪GG‬وهم عن دينهـم‪ ،‬وأن يس‪GG‬عوا بواس‪GG‬طة أح‪GG‬زاهبم إىل أن يص‪GG‬بحوا والة أمر املسلمـني‪ ،‬وال خيفى‬
‫ما يف ذلك من خطر‪ ،‬فضالً عن احلظر الشرعي هلذا األمر‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬موقف الرفض المطلق للتع ّدديّة الحزبيّة‬
‫عموم‪GG‬ا‪ ،‬ف‪GG‬رفض وجودها مطل ًق‪GG‬ا‪ ،‬س‪GG‬واء أك‪GG‬انت‬
‫متشد ًدا من ظ‪GG‬اهرة األح‪GG‬زاب ً‬
‫وهن‪GG‬اك من اخّت ذ موق ًفا ّ‬
‫التحزب واحلزبيّة عند هؤالء هتمة وجريرة‪.‬‬
‫تتبىّن طروحات إسالمية‪ G‬أم غريها؛ فأصبح ّ‬
‫املربرات العقلية والواقعي‪GG‬ة‪،‬‬
‫وقد اس‪GG‬تند ه‪GG‬ؤالء يف رأيهم ه‪GG‬ذا إىل بعض النص‪GG‬وص الش‪GG‬رعية ومجلة من ّ‬
‫واعتربوها‪ G‬دليالً على حظر تواجد األحزاب يف دولة اإلسالم‪.‬‬
‫سنتطرق –بإذن اهلل تعالى‪ -‬إىل بعض هذه األدلّة واحلجج اليت اعتمد عليها هذا الفريق‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وفيما يأيت‬
‫أوالً‪ :‬من القرآن الكريم‬
‫لقد اعتمد ه ‪GG‬ذا الفريق على بعض اآلي ‪GG‬ات القرآني ‪GG‬ة‪ ،‬لالس ‪GG‬تدالل هبا على النهي‪ G‬عن التح ‪Gّ G‬زب‪،‬‬
‫ونذكر منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله‪: ‬إِ َّن الَّ ِذينَ فَ َّرقُ وا ِدينَهُ ْم َو َك انُوا ِش يَعًا لَّ ْس تَ ِم ْنهُ ْم فِي َش ْي ٍء إِنَّ َما أَ ْم ُرهُمْ إِلَى هَّللا ِ ثُ َّم‬
‫يُنَبِّئُهُ ْم بِ َما َكانُوا يَ ْف َعلُونَ ‪.589‬‬
‫‪ -2‬وقوله‪ُ : ‬منِيبِينَ إِلَ ْي ِه َواتَّقُوهُ َوأَقِي ُموا ال َّ‬
‫صالَةَ َوالَ تَ ُكونُوا ِمنَ ْال ُم ْش ِر ِكينَ ِمنَ الَّ ِذينَ فَ َّرقُوا‬
‫ب بِ َما لَ َد ْي ِه ْم فَ ِرحُونَ ‪.590‬‬ ‫ِدينَهُ ْم َو َكانُوا ِشيَعًا ُكلُّ ِح ْز ٍ‬
‫‪ -3‬وقوله‪َ : ‬وا ْعتَ ِ‬
‫ص ُموا بِ َح ْب ِل هَّللا ِ َج ِميعًا َوالَ تَفَ َّرقُوا‪.591‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.256 :‬‬ ‫‪587‬‬

‫الغنوشي (راشد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.294 .‬‬ ‫‪588‬‬

‫سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.159 :‬‬ ‫‪589‬‬

‫سورة الروم‪ ،‬اآلية‪ 31 :‬و ‪.32‬‬ ‫‪590‬‬

‫سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.103 :‬‬ ‫‪591‬‬


‫‪ -4‬وقوله‪َ : ‬والَ تَنَا َز ُعوا فَتَ ْف َشلُوا َوت َْذه َ‬
‫َب ِري ُح ُك ْم‪.592‬‬
‫أي‬
‫حتث املؤم ‪GG‬نني على الوح ‪GG‬دة ول ‪GG‬زوم اجلماع ‪GG‬ة‪ ،‬وتنه ‪GG‬اهم عن التف ‪Gّ G‬رق يف ّ‬ ‫فه ‪GG‬ذه بعض اآلي ‪GG‬ات اليت ّ‬
‫أهم مظ‪GG G G‬اهر التف ‪Gّ G G‬رق‪ ،‬ول‪GG G‬ذلك‬
‫ش ‪GG G‬أن من الش‪GG G G‬ؤون؛ وذلك إلطالق النهي‪ G،‬واألح ‪GG G‬زاب السياس ‪GG G‬ية‪ G‬تعترب من ّ‬
‫يشملها النهي‪G.‬‬
‫يق‪GG G‬ول ابن تيميّة‪ « :593‬ف‪GG G‬إ ّن اهلل ورس‪GG G‬وله أم‪GG G‬را باجلماعة واالئتالف‪ G،‬وهنيا عن التفرقة واالختالف‪،‬‬
‫الرب والتقوى‪ ،‬وهنيا عن التعاون‪ G‬على اإلمث والعدوان‪. 594» G‬‬‫وأمرا بالتعاون‪ G‬على ّ‬
‫ولكن االستدالل هبذه اآليات على حترمي األحزاب السياسية‪ G،‬ال ميكن التسليم به‪ ،‬إذ الفَِرق والشيع‬
‫ص‪G‬ب‪ G‬لل‪GG‬رأي بالباط‪GG‬ل‪،‬‬ ‫اليت هنت النص‪GG‬وص عنه‪GG‬ا‪ ،‬هي تلك اليت تنشأ على أس‪GG‬اس االف‪GG‬رتاق يف العقي‪GG‬دة‪ G،‬أو التع ّ‬
‫أو م ‪GG‬واالة أحد بغري ح ‪Gّ G‬ق‪ّ ،‬أما االختالف يف االجته ‪GG‬ادات‪ ،‬ممّا جيـوز فيه االختـالف‪ ،‬أو التن ‪GG‬افس لعمل اخلري‬
‫‪G‬املودة واملواالة‪،595‬‬
‫ميس ب‪ّ G‬‬‫ومص‪GG‬لحة املس‪GG‬لمني‪ ،‬ف‪GG‬ذلك ممّا ال يتن‪GG‬اىف مع أحك‪GG‬ام اإلسـالم وأخالقه وآداب‪GG‬ه‪ ،‬وال ّ‬
‫وابن تيميّة نفسه يق‪GG‬ول‪ « :‬ف‪GG‬إن ك‪GG‬انوا جمتمعني على ما أمر به اهلل ورس‪GG‬وله‪ ،‬من غري زي‪GG‬ادة وال نقص‪GG‬ان‪ ،‬فهم‬
‫مؤمنون‪ ،596» ‬كما أ ّن الفـرقة يف ال‪ّ G‬دين غري التعـ ّدديّة السياسيـة‪ ،‬وإذا ك‪GG‬انت األوىل مذموم‪GG‬ة‪ ،‬لوح‪GG‬دة ال‪ّ G‬دين‬
‫وثب ‪GG‬ات عقائ ‪GG‬ده وأص ‪GG‬وله واكتمال ‪GG‬ه‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن شـؤون السياسـة ال تس ‪GG‬تقيم ع ‪GG‬ادة بوحدانية الفك ‪GG‬ر‪ ،‬و الفردية يف‬
‫االجتهاد‪.597‬‬

‫‪ 592‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪.46 :‬‬


‫احلراين الدمش‪GG‬قي احلنبلي‪ ،‬أبو العب‪GG‬اس‪ ،‬تقي ال‪GG‬دين‬ ‫هو أمحد بن عبد احلليم بن عبد الس‪GG‬الم بن عبد اهلل بن أيب القاسم اخلض‪GG‬ري النم‪GG‬ريي ّ‬
‫‪593‬‬

‫ابن تيمي‪GG‬ة‪ ،‬ش‪GG‬يخ اإلس‪GG‬الم‪ ،‬ولد يف ح‪GG‬ران ع‪GG‬ام ‪ 661‬هـ ‪ 1263 -‬م‪ ،‬ورحل إىل ك‪Gّ G‬ل من دمشق ومص‪GG‬ر‪ ،‬واعتقل يف ك‪Gّ G‬ل منهم‪GG‬ا‪ ،‬وك‪GG‬ان كثري‬
‫البحث يف فن ‪GG G‬ون احلكم ‪GG G‬ة‪ ،‬وداعية إص ‪GG G‬الح يف ال ‪GG G‬دين‪ ،‬وهو آية يف التفسري واألص ‪GG G‬ول‪ ،‬من مص ‪G G‬نّفاته‪" :‬الفت ‪GG G‬اوى" ‪" ،‬السياسة الش ‪GG G‬رعيّة"‪،‬‬
‫"منهاج السنة"‪ ،‬وغريها‪ ،‬وقد تويف معتقالً بقلعة دمشق‪ ،‬عام ‪ 728‬هـ‪ 1328 -‬م‪ .‬الزركلي (خري الدين)‪ ،‬األعالم‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.144 .‬‬
‫ابن تيميّة (أمحد)‪ ،‬مجموع( الفتاوي‪ ،‬مجع وترتيب‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن قاسم العاصمـي النجدي احلنبلي‪ ،‬دون معلومات‬ ‫‪2‬‬

‫النشر‪ ،‬اجمللّـد ‪ ،11‬ص‪.92 .‬‬


‫‪ 3594‬العوضي( (أمحد)‪ ،‬حكم المعارضة وإقامة األحزاب السياسية في اإلسالم‪ ،‬دار النفائـس‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ 1412 ،1 .‬هـ‪ 1992‬م‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.36-35‬‬
‫ابن تيميّة (أمحد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬اجمللّد ‪ ،11‬ص‪.92 .‬‬ ‫‪4595‬‬

‫‪.98‬‬ ‫عمارة (أمحد)‪ ،‬اإلسالم وحقوق اإلنسان –ضرورات‪ ..‬الحقوق‪ ،-‬دار الشـروق‪ ،‬القاهرة –بريوت‪ ،‬ط‪ 1409 ،1 .‬هـ‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪5596‬‬

‫‪597‬‬
‫ثانيا‪ :‬من السنّة النبوية الشريفة‬
‫استدل هذا الفريق الرافض لفكرة األحزاب ببعض األحاديث النبويّة‪ G‬الشريفة‪ ،‬نورد منها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقد‬
‫‪ -1‬قوله‪ «: ‬من خ رج عن الطاعة وف ارق الجماعة فم ات‪ ،‬مات ميتة الجاهلي ة‪ ،‬ومن قاتل‬
‫تحت راية عمي ة‪ ،‬يغضب لعص بيّة‪ ،‬أو ي دعو إلى عص بيّة‪ ،‬أو ينصر عص بيّة‪ ،‬فقُت ل‪ ،‬فقتله‬
‫جاهليّة‪.598» ‬‬
‫‪ -2‬وقوله‪ ‬يف احلديث ال‪GG G‬ذي رواه ابن عب‪GG G‬اس –رضي اهلل عنهم‪GG G‬ا‪ « : -‬من رأى من أميره ش يئًا‬
‫فكرهه فليصبر‪ ،‬فإنّه ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا إالّ مات ميتة جاهليّة‪.599» ‬‬
‫‪G‬يب ‪ ‬واليت ّ‬
‫حتث على ال‪GG G G G G‬تزام اجلماعة ونبذ العص ‪GG G G‬بيّة‪،‬‬ ‫فه‪GG G G G G‬ذه بعض األح‪GG G G G G‬اديث ال‪GG G G G G‬واردة عن الن‪ّ G G G G G‬‬
‫واألحزاب السياسية‪ G‬تقوم على أساس العصبيّة‪ G‬ومفارقة اجلماعة‪ ،‬لذلك ورد النهي‪ G‬عنها‪ ،‬ويف هذا يقول ابن‬
‫‪G‬احلق والباط‪GG G G‬ل‪،‬‬
‫ص ‪G G G‬ب‪ G‬ملن دخل يف ح‪GG G G G‬زهبم ب ‪ّ G G G‬‬
‫تيمي‪GG G G‬ة‪ « :‬وإن ك ‪GG G G‬انوا قد زادوا يف ذلك ونقص‪GG G G G‬وا‪ G‬مثل التع ّ‬
‫ذمه اهلل تع‪G‬اىل‬ ‫عمن مل ي‪G‬دخل يف ح‪G‬زهبم‪ ،‬س‪G‬واء ك‪G‬ان على احلق والباط‪G‬ل‪ ،‬فه‪G‬ذا من التف ّ‪G‬رق ال‪G‬ذي ّ‬ ‫واإلع‪G‬راض ّ‬
‫ورسوله‪.600» ‬‬
‫‪G‬رد على ه‪GG G‬ذا االس‪GG G‬تدالل ب ‪GG G‬أ ّ‪G‬ن تلك األح ‪GG G‬اديث غاية ما فيها األمر بل ‪GG G‬زوم اجلماع‪GG G‬ة‪ ،‬والنهي‪ G‬عن‬ ‫ويُ ‪ّ G G‬‬
‫وذم العصبيّة‪ ،‬وحترمي الدعوة إليها والقتال عليها‪ ،‬واألحزاب السياسية اإلسالمية هتدف إىل حتقيق‬ ‫مفارقتها‪ّ ،‬‬
‫مع‪GG G‬اين اجلماع‪GG G‬ة‪ ،‬ومقاومة الفرقة واالختالف‪ ،‬وحماربة العص‪GG G‬بيّة‪ ،‬وتعميق مع‪GG G‬اين األخ‪Gّ G G‬وة بني املس‪GG G‬لمني‪،601‬‬
‫والس ‪GG‬يّما إذا اح ‪GG‬رتمت ه ‪GG‬ذه األح ‪GG‬زاب الغاية من وجوده ‪GG‬ا‪ ،‬واحلكمة من نش ‪GG‬وئها‪ ،‬واح ‪GG‬رتم ك ‪Gّ G‬ل ح‪GG‬زب رأي‬
‫خمالفيه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬من المعقول‬
‫ً‬
‫وقد اعتمد ه ‪GG‬ذا الفريق ك ‪GG‬ذلك‪ ،‬على بعض األدلّة العقليّة للت ‪GG‬دليل على ع ‪GG‬دم ج ‪GG‬واز األح ‪GG‬زاب‬
‫السياسية يف دولة اإلسالم‪ ،‬ومن هذه األدلّة نذكر ما يأيت‪:‬‬

‫رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلمارة‪ ،‬باب "وجوب مالزمة مجاعة املسلمني عند ظهور‪ G‬الفنت ويف ّ‬
‫كل حال وحترمي اخلروج على‬ ‫‪598‬‬

‫الطاعة ومفارقة‪ G‬اجلماعة"‪ ،‬رقم احلديث‪ ،1849-1848 :‬جـ‪ ،3.‬ص‪.1478-1476‬‬


‫رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب األحكام‪ ،‬باب"السمع و الطاعة لإلمام ما مل تكن معصية"‪ ،‬جـ‪ ،9.‬ص‪.78.‬‬ ‫‪599‬‬

‫‪ 600‬ابن تيميّة (أمحد)‪ ،‬مجموع الفتاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬اجمللّد ‪ ،11‬ص‪.92 .‬‬
‫العوضي (أمحد)‪ ،‬حكم المعارضة وإقامة األحزاب السياسية في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37 .‬‬ ‫‪601‬‬
‫نابعا منّا‬
‫‪ -1‬إ ّن التع‪ّ G G‬دد احلزيب مب ‪GG‬دأ مس ‪GG‬تورد من الدميقراطية‪ G‬الغربيّ ‪GG‬ة‪ ،‬وليس مب ‪GG‬دأ إس ‪GG‬الميًا‪ G‬أص ‪GG‬يالً ً‬
‫وصادرا عنّا‪ ،‬وقد هُن ينا أن نتشبّه بغرينا ونفقد ذاتيتنا‪.602‬‬ ‫ً‬
‫وح‪ّ G G G‬ذرنا منه هو التقليد األعمى‪ ،‬والس ‪GG G‬يّما ما يتعلّق‬ ‫‪G‬رد على ه‪GG G G‬ذا ب‪GG G G‬أ ّ‪G‬ن التقليد ال‪GG G G‬ذي هُن ينا عنه ُ‬
‫ويُ‪ّ G G G‬‬
‫بالتش‪GG‬بّه املمن‪GG‬وع بغري املس‪GG‬لمني‪ ،‬ممّا يعترب من عالم‪GG‬ات متيّ‪GG‬زهم ال‪GG‬ديين‪ّ ،‬أما االقتب‪GG‬اس منهم فيما ع‪GG‬دا ذل‪GG‬ك‪ ،‬ممّا‬
‫هو من شؤون احلي‪G‬اة املتط ّ‪G‬ورة‪ G،‬فال ح‪G‬رج في‪G‬ه‪ ،‬وال جن‪G‬اح على فعل‪G‬ه‪ ،‬واحلكمة ض‪G‬الّة املؤمن أىّن وج‪G‬دها فهو‬
‫أحق النّاس هبا‪.603‬‬
‫ّ‬
‫‪G‬تخدما فقط ب‪GG‬املعىن الس‪GG‬ليب‬ ‫كما أ ّن مص‪GG‬طلح "احلزب" ليس غريبًا عن ال‪GG‬رتاث اإلس‪GG‬المي‪ ،‬وليس مس‪ً G‬‬
‫املذموم –كما ذهب البعض‪ ،G-‬بل لقد اس‪GG G G G G‬تُعمل ب‪GG G G G G‬املعىن اإلجيايب املم‪GG G G G G‬دوح‪ ،‬إذ إ ّن معي‪GG G G G G‬ار التمي‪GG G G G‬يز ليس‬
‫املصطلح؛ وإمّن ا املعيار هو املضمون‪ G‬واملقاصد‪ ،‬والغايات اليت يسعى إليها هذا احلزب أو ذاك‪.604‬‬
‫‪ -2‬ومن الش ‪GG‬بهات املث ‪GG‬ارة‪ G‬ح ‪GG‬ول التع ّدديّة احلزبيّة ك ‪GG‬ذلك‪ ،‬أهّن ا تق ّس‪G G‬م والء الف ‪GG‬رد بني حزبه ال ‪GG‬ذي‬
‫ينتمي إليه‪ ،‬ودولته اليت بايعها على السمع والطاعة والنّصرة‪ G‬واملعونة‪ ،605G‬وأ ّن اإلسالم يأىب أن يتح‪Gّ G‬زب أهل‬
‫املشورة‪ ،‬ويكونوا‪ G‬مع أحزاهبم سواء أكانت على ح‪Gّ G‬ق أو على باط‪GG‬ل‪ ،‬بل ال‪GG‬واجب على املسلـم أن ي‪GG‬دور مع‬
‫احلق أينما كان‪ ،‬وافق ذلك حزبه أو خالفه‪.606‬‬ ‫ّ‬
‫‪G‬رد على ه‪GG‬ذا أنّه ال أحد يق‪Gّ G‬ر ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن على الف‪GG‬رد أن يؤيّد رأي حزبه يف ك‪Gّ G‬ل ش‪GG‬يء‪ ،‬ويع‪GG‬ارض الدولة‬ ‫ويُ‪ّ G‬‬
‫يف ك‪Gّ G‬ل ش‪GG‬يء‪ ،‬وأيض ‪G‬اً ف‪GG‬إ ّن والء الش‪GG‬خص للح‪GG‬زب ال ين‪GG‬ايف انتم‪GG‬اءه للدولة ووالئه هلا‪ ،607‬وأ ّن والء املس‪GG‬لم‬
‫األص‪GG‬لي واحلقيقي‪ ،‬إمّن ا هو هلل ولرس‪GG‬وله وجلماعة املؤم‪GG‬نني‪ ،‬حيث يق‪GG‬ول‪: ‬إِنَّ َما َولِيُّ ُك ُم هَّللا ُ َو َرسُولُهُ َوالَّ ِذينَ‬
‫صاَل ةَ وي ُْؤتونَ ال َّز َكاةَ َوهُ ْم َرا ِكعُونَ ‪.608‬‬
‫آ َمنُوا الَّ ِذينَ يُقِي ُمونَ ال َّ‬

‫القرضاوي (يوسف)‪ ،‬من فقه الدولة في اإلسالم‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪-‬بريوت‪ ،‬ط‪1419 ،2.‬هـ‪1999-‬م ص‪.154 .‬‬ ‫‪602‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.155 .‬‬ ‫‪603‬‬

‫عمارة (أمحد)‪ ،‬هل اإلسالم هو الحل؟ لماذا وكيف؟‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.87-86 .‬‬ ‫‪604‬‬

‫القرضاوي (يوسف)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.156 .‬‬ ‫‪605‬‬

‫‪ 606‬المودودي (أبو األعلى)‪ ،‬نظرية اإلسالم السياسية‪ ،‬ترمجة‪ :‬جليل حسن اإلصالحي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬د‪.‬م‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ 1389 ،‬هـ‪ 1969 -‬م‪ ،‬ص‪.61-60 .‬‬
‫‪ 6 607‬القرضاوي (يوسف)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.156 .‬‬
‫‪ 608‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪55 :‬‬
‫ردودا عليه‪GG‬ا‪،‬‬
‫فه‪GG‬ذه بعض أدلّة الرافضني–ب‪GG‬إطالق‪ -‬لفك‪GG‬رة األح‪GG‬زاب والتع ّدديّة احلزبيّ‪GG‬ة‪ ،‬وقد أوردنا ً‬
‫ص‪G G‬ي املس‪GG G‬ألة‪ G‬من مجيع جوانبه‪GG G‬ا؛ وقد ت‪GG G‬بنّي لنا أ ّن أدلّة ه‪GG G‬ؤالء ال ت‪GG G‬رقى للص‪GG G‬مود أم‪GG G‬ام االعرتاض ‪GG‬ات اليت‬
‫لتق ّ‬
‫وردت على رأيهم ذاك‪.‬‬
‫ولدراسة ه‪GG‬ذه املس‪GG‬ألة‪ G‬أك‪GG‬ثر‪ ،‬واإلحاطة هبا من ع ‪ّ G‬دة ج‪GG‬وانب‪ ،‬الب ‪ّ G‬د من التع‪Gّ G‬رض إىل املوقف اآليت‪،‬‬
‫والذي يعترب وسطًا بني االجّت اهني السابقني‪:‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الموقف المشروط لقبول التع ّدديّة الحزبيّة‬
‫فه ‪GG G‬ذا االجّت اه ي ‪GG G‬رى القب ‪GG G‬ول بالتع ّدديّة احلزبيّ ‪GG G‬ة‪ ،‬ولكن يقيّد ه ‪GG G‬ذه التع ّدديّة بع‪GG G‬دم اخلروج عن‬
‫املقوم ‪GG‬ات األساس ‪GG‬ية‪ G‬للمجتم ‪GG‬ع‪ ،‬كما ح‪ّ G G‬ددهتا نص ‪GG‬وص الق ‪GG‬رآن والس ‪GG‬نّة؛ حيث ال جيوز مثالً الس ‪GG‬ماح بقي ‪GG‬ام‬ ‫ّ‬
‫ح‪GG‬زب علم‪GG‬اين خيلّي مس‪GG‬ؤولية الس‪GG‬لطة احلاكمة عن مس‪GG‬ؤولية رعاية ال‪GG‬دين‪ ،‬وال يس‪GG‬مح بقي‪GG‬ام ح‪GG‬زب ين‪GG‬ادي‬
‫‪609‬‬
‫أي ح‪G‬زب يف دولة‬ ‫مبب‪G‬ادئ ختالف األحك‪G‬ام القطعية يف الكت‪G‬اب والس‪G‬نّة ‪ ،‬أي أ ّن ه‪G‬ذا االجّت اه يش‪G‬رتط لقي‪G‬ام ّ‬
‫يسمى «‪ ‬التع ّدديّة يف الدائرة اإلسالمية‪.610» ‬‬ ‫اإلسالم أن يكون‪ G‬مقيّداً بإطار الشرع‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫إذن‪ ،‬فحسب ه ‪GG‬ذا ال ‪GG‬رأي‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن اإلسـالم يق ‪Gّ G‬ر فقط وج ‪GG‬ود األح ‪GG‬زاب اإلسـالمية‪ ،‬وإن تعـ ّددت‪ ،‬ما‬
‫دامت قائمة وفق ما ج‪GG G G G‬اءت به الش‪GG G G G‬ريعة‪ ،‬حىت مع اختالف اآلراء الفقهية والش‪GG G G G‬رعية اليت تتبنّاها‪ G‬وت‪GG G G‬دعو‬
‫يظن البعض‪.611G‬‬
‫يؤدي إىل ضرر كما قد ّ‬ ‫إليها‪ ،‬وأ ّن تع ّدد األحزاب لن ّ‬
‫أبو طالب (صفي)‪" ،‬التعددية الحزبيّة في الفكر اإلسالمي("‪ ،‬جملة "المنار"‪ ،‬العدد‪ ،6 :‬سنة ‪1999‬م ص‪.13 .‬‬ ‫‪609‬‬

‫‪U‬‬
‫‪R‬‬
‫‪L‬‬
‫‪.‬‬

‫‪w‬‬
‫‪w‬‬
‫‪w‬‬
‫‪.‬‬
‫‪a‬‬
‫‪l‬‬
‫‪m‬‬
‫‪a‬‬
‫‪n‬‬
‫‪a‬‬
‫‪r‬‬
‫‪.‬‬
‫‪n‬‬
‫‪e‬‬
‫‪t‬‬

‫‪/‬‬
‫‪I‬‬
‫‪s‬‬
‫‪s‬‬
‫‪u‬‬
‫‪e‬‬
‫‪s‬‬
‫‪/‬‬
‫‪0‬‬
‫‪6‬‬
‫‪/‬‬
‫‪I‬‬
‫‪n‬‬
‫‪d‬‬
‫‪e‬‬
‫‪x‬‬
‫‪.‬‬
‫‪h‬‬
‫‪t‬‬
‫‪m‬‬
‫‪.‬‬
‫الميالد (زكي)‪ ،‬الوحدة والتع ّدديّة والحوار في الخطاب اإلسالمي المعاصر(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78 .‬‬ ‫‪2610‬‬

‫مفتي (حممد أمحد)‪ ،‬أركان وضمانات الحكم اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.193 .‬‬ ‫‪611‬‬
‫وقد استند هذا الفريق يف رأيهم هذا إىل مجلة من األدلّة‪ ،‬نورد بعضها فيما يأيت‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬من القرآن الكريم‬
‫استدل هذا الفريق ببعض اآليات القرآنية لتأييد اجّت اههم هذا‪ ،‬وإن كانت تلك اآليات ال‬ ‫ّ‬ ‫فقد‬
‫حتث على بعض ما هتدف إليه األح ‪GG‬زاب‬
‫تشري ص‪GG G‬راحة إىل إق‪GG G‬رار التع ّدديّة احلزبيّ‪GG G‬ة‪ ،‬ولكن قد فُهم منها أهّن ا ّ‬
‫السياسية‪ ،‬اليت تتّخذ من اإلسالم‪ G‬مرجعية هلا‪ ،‬ومن هذه اآليات‪:‬‬
‫اإلث ِم َو ْال ُع ْد َوا ِن‪.612‬‬ ‫‪ -1‬قوله‪َ  : ‬وتَ َعا َونُوا َعلَى ْالبِرِّ َوالتَّ ْق َوى َوالَ تَ َع َ‬
‫اونُوا َعلَى ْ‬
‫حتث املؤم ‪GG G‬نني على التع ‪GG G‬اون‪ G‬على فعل اخلري وعلى التق ‪GG G‬وى‪ ،‬واجتم ‪GG G‬اع النّ‪GG G‬اس يف تنظيم‬
‫فه ‪GG G‬ذه اآلية ّ‬
‫معنّي على ه‪GG‬ذا األس‪GG‬اس ي‪GG‬دخل يف ه‪GG‬ذا اإلط‪GG‬ار‪ ،‬ل‪GG‬ذلك ال جيوز منعهم من ذل‪GG‬ك‪ ،‬بل إ ّن منعهم يعترب ع‪GG‬دوانًا‬
‫وإمثًا‪.‬‬
‫‪ -2‬وقوله‪َ :‬و ْلتَ ُك ْن ِّم ْن ُك ْم أُ َّمةٌ يَ ْد ُعونَ إِلَى ْالخَ ْي ِر َوي أْ ُمرُونَ بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫ُوف َويَ ْنهَ وْ نَ ع َِن‬
‫ْال ُم ْن َك ِر‪.613‬‬
‫األمة املس‪GG‬لمة أن تتش‪ّ G‬كل منها مجاعة تباشر الدعـوة إىل األمر‬ ‫فالش‪GG‬ارع احلكيـم يف ه‪GG‬ذه اآلية قد أمر ّ‬
‫باملعروف والنهي‪ G‬عن املنكر‪ ،‬واألمر يف اآلية للوجوب واإللزام‪.614‬‬
‫وقوهتا وأثـرها يف عص‪GG‬رنا‪،‬‬
‫ولكي يك‪GG‬ون هلذه الفريضـة (األمر ب‪GG‬املعروف والنهي‪ G‬عن املنك‪GG‬ر) معنـاها ّ‬
‫فالب‪ّ G G‬د من تط‪Gّ G G‬ور ص‪GG G‬ورهتا وأن ال تظ‪Gّ G G‬ل فردي‪GG G‬ة‪ ،‬وتك‪GG G‬وين األح‪GG G‬زاب السياس‪GG G‬ية‪ G‬أص‪GG G‬بح وس ‪GG‬يلة الزمة ملقاومة‬
‫الطغيان‪ ،‬وهي اليت تستطيع حماسبة احلكومة‪ ،‬والقيام‪ G‬بواجب النص‪GG‬يحة واألمر ب‪GG‬املعروف والنهي عن املنك‪GG‬ر‪،‬‬
‫يتم الواجب إالّ به فهو واجب‪.615‬‬ ‫وماال ّ‬

‫سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.2 :‬‬ ‫‪612‬‬

‫سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.104 :‬‬ ‫‪613‬‬

‫العوضي (أمحد)‪ ،‬حكم المعارضة وإقامة األحزاب السياسية في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.76-75 .‬‬ ‫‪614‬‬

‫القرضاوي (يوسف)‪ ،‬من فقه الدولة في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.149 .‬‬ ‫‪615‬‬
‫ثانيا‪ :‬من السنّة النبويّة‪ G‬الشريفة‬
‫تعت((بر األح((اديث ال((تي ت((أمر المس((لمين بالنص((يحة‪ ،‬والقي((ام ب((واجب األمـر( بالمعـروف والنهي عن‬
‫المنك((ر‪ ،‬والتع((اون على فعل الخ((ير‪ ،‬هي مجمل األح((اديث ال((تي اس((تند إليها ه((ذا الفريق( للق((ول ب((رأيهم‬
‫نتطرق ‪-‬بإذن اللّه تعالى‪ -‬إلى( بعض هذه األح((اديث وما تفي((ده من مع((ان متعلّقة به(ذا(‬ ‫ذاك‪ .‬وفيما يأتي ّ‬
‫الموضوع‪:‬‬
‫‪ -1‬من ه ‪GG‬ذه األح ‪GG‬اديث ن ‪GG‬ذكر قوله‪ «: ‬ال ّدين النصيحة‪ ،‬قلنا‪ :‬لمن؟‪ ،‬قال‪ :‬هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة‬
‫المسلمين وعا ّمتهم‪.616» ‬‬
‫ومن املعلوم أ ّن من أدوار األح‪G‬زاب اإلس‪G‬المية‪ G‬داخل اجملتمع اإلس‪G‬المي‪ G،‬هو القي‪G‬ام‪ G‬مبا يس ّ‪G‬ميه اإلس‪G‬الم‬
‫"النصيحة"‪.617‬‬
‫وعن ج‪GG‬ابر بن عبد اهلل ق‪GG‬ال‪ « :‬بايعت رسول هللا‪ ‬على إقام الصالة وإيتاء الزكاة والنصح لك ّل‬
‫مسلم‪.618» ‬‬
‫ألئمة املسلمني إعانتهم على ما محّلوا القيام ب‪GG‬ه‪ ،‬وتن‪GG‬بيههم‬
‫وورد يف شرح هذا احلديث‪ « :‬والنصيحة ّ‬
‫عند الغفلة‪ ،‬وس ّد خلّتهم عند اهلفوة (‪ )...‬ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم باليت هي أحسن‪.619» ‬‬
‫‪G‬ؤدي دوره على‬ ‫األمة هبذا ال‪GG‬واجب ال‪GG‬ذي أُم‪GG‬رت به ش‪ً G‬‬
‫‪G‬رعا‪ ،‬ولكي ت‪GG‬ؤتى‪ G‬مثرت‪GG‬ه‪ ،‬وي‪ّ G‬‬ ‫إذن‪ ،‬فلكي تق‪GG‬وم ّ‬
‫جتمعات وتكتّالت‪( G‬األحزاب) حىت تكون‪ G‬له ّقوته‪.‬‬ ‫أكمل وجه‪ ،‬فالب ّد من تنظيم هذا العمل يف شكل ّ‬

‫‪ 616‬رواه مسلم (ابن احلجاج) يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب "بيان أن ال ّدين النّصيحة"‪ ،‬رقم احلديث‪ ،95 :‬دار إحياء الرتاث العريب‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.74 .‬‬
‫مفتي (حممد أمحد)‪ ،‬أركان وضمانات الحكم اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.195 .‬‬ ‫‪617‬‬

‫‪ 618‬رواه مسلم (ابن احلجاج) يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب "بيان أن ال ّدين النّصيحة"‪ ،‬رقم احلديث‪ ،97 :‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.75 .‬‬
‫‪G‬يب ‪ «: ‬ال ‪ّ G‬دين النص‪GG‬يحة هلل ولرس‪GG‬وله‬
‫العس((قالني (ابن حج‪GG‬ر)‪ ،‬فتح الب((اري ش((رح ص((حيح البخ((اري‪ ،‬كت‪GG‬اب اإلميان‪ ،‬ب‪GG‬اب ق‪GG‬ول الن‪ّ G‬‬
‫‪619‬‬

‫‪G‬امتهم‪ ،» ‬وقوله‪ « : ‬إذا نص‪G‬حوا هلل ورس‪G‬وله‪ » G‬حتقي‪G‬ق‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن ب‪G‬از‪ ،‬دار املعرف‪G‬ة‪ ،‬ب‪G‬ريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫وألئمة املس‪G‬لمني وع ّ‬
‫ّ‬
‫د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.138 .‬‬
‫‪ -2‬ويقول الرسول‪ «: ‬ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون‪ ،‬فمن عرف برئ‪ ،‬ومن أنكر سلم‪،‬‬
‫ولكن من رضي وتابع‪ ،‬قالوا‪ :‬أفال نقاتلهم؟‪ ،‬قال‪ :‬ال ما صلّوا‪.620» ‬‬
‫ضا ‪ « : ‬كالّ وهللا‪ ،‬لتأمرن بالمعروف‪ ،‬و لتنهون عن المنكر‪ ،‬ولتأخذن على يد الظالم‪،‬‬‫ويقول أي ً‬
‫ق قص ًرا‪ ،‬أو ليضربن هللا بقلوب بعضكم على بعض‪،‬‬‫ق أط ًرا‪ ،‬ولتقصرنه على الح ّ‬‫ولتأطرنه على الح ّ‬
‫ث ّم ليلعنكم كما لعنهم‪.621» ‬‬
‫وكما أس ‪GG‬لفنا ال ‪GG‬ذكر‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن إقامة ه ‪GG‬ذا ال ‪GG‬واجب على وجهه يقتضي قي ‪GG‬ام تكتّالت ش ‪GG‬عبية‪ G‬تت ‪GG‬وىّل ه ‪GG‬ذه‬
‫احلق‪ ،‬ال ‪GG‬داعني‬
‫تسلط أص ‪GG‬حاب الس ‪GG‬لطان واس ‪GG‬تطالتهم على الث ‪GG‬ابتني على ّ‬ ‫املهمّ ‪G‬ة‪ ،‬الس ‪GG‬يّما وقد أثبت الت ‪GG‬اريخ ّ‬
‫إلي ‪GG‬ه؛ ل ‪GG‬ذلك ف ‪GG‬إ ّن املعارضة الفرديّة ال ت ‪GG‬ؤيت كبري النفع –والس ‪GG‬يّما يف عص ‪GG‬رنا ه ‪GG‬ذا‪ -‬أم ‪GG‬ام ج ‪GG‬ربوت الطغ ‪GG‬اة‪،‬‬
‫أثرا‪ ،‬وأجدى يف باب التغيري‬ ‫حيث انتهت‪ G‬التجارب السياسية املعاصرة إىل أ ّن األحزاب أكثر فاعليّة وأعمق ً‬
‫واستص‪GG‬الح األح‪GG‬وال من املعارض‪GG‬ات الفردية املتن‪GG‬اثرة‪ ،‬والس‪GG‬يّما وأ ّن املتأمّ‪G‬ل يف أح‪GG‬اديث احِل س‪GG‬بة‪ ،‬جيد ص‪GG‬يغة‬
‫تتوجه إىل اجملموع ال إىل اآلحاد‪.622‬‬ ‫اخلطاب فيها ّ‬
‫كما أ ّن االقتص‪GG G G G‬ار على "املعارضة الفردي‪GG G G G‬ة" يف جمتمع‪GG G G G‬ات كمجتمعاتنا احلديث‪GG G G G‬ة‪ ،‬اليت بلغت يف تع ّقد‬
‫األم ‪GG G‬ور ه ‪GG G‬ذا ال ‪GG G‬ذي بلغت؛ إمّن ا جيعل ه ‪GG G‬ذه املعارضة ص ‪GG G‬يحة يف واد ونفخة يف رم ‪GG G‬اد‪ ،‬وذلك أل ّن ش ‪GG G‬ؤون‬
‫مؤسس ‪GG G‬ات ق ‪GG G‬ادرة على جعل‬ ‫اجملتمع ‪GG G‬ات احلديثة قد بلغت من التشعّب والتعقيد إىل احل ّد ال ‪GG G‬ذي تتطلّب فيه ّ‬
‫القرار أقرب ما يكون‪ G‬إىل الصواب‪.623‬‬
‫واملربرات العقليّة‪ ،‬وغريها‬‫ثالثا‪:‬األدلّة ّ‬
‫‪G‬تدل ه‪GG G‬ذا الفريق جبملة من األدلّ‪GG G‬ة‪ ،‬ميكن تص ‪GG G‬نيف بعض‪GG G‬ها يف إط‪GG G‬ار "األدلّة العقليّ‪GG G‬ة"‪،‬‬
‫كما اس‪ّ G G‬‬
‫املربرات األخ ‪GG‬رى للقب ‪GG‬ول بالتع ّدديّة احلزبيّ ‪GG‬ة‪ ،‬وفيما ي ‪GG‬أيت ن ‪GG‬ذكر بعض ه ‪GG‬ذه‬‫واعتم ‪GG‬دوا ك ‪GG‬ذلك على مجلة من ّ‬
‫واملربرات‪G:‬‬
‫األدلّة ّ‬

‫‪ 620‬رواه مسلم (ابن احلجاج) يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلمارة‪ ،‬باب "وجوب اإلنكار على األمراء فيما خيالف الشرع‪ ،‬وترك قتاهلـم ما‬
‫صلّوا‪ ،‬وحنو ذلك"‪ ،‬رقم احلديث‪ ،1854 :‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،3 .‬ص‪.1480 .‬‬
‫‪ 621‬رواه الترمذي (حممد بن عيسى)‪ ،‬سنن الترمذي‪ ،‬كتاب الفنت‪ ،‬باب ما جاء يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬رقم احلديث‬
‫‪ ،2174‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1415 ،‬هـ‪ 1995 -‬م‪ ،‬جـ‪ ،4 .‬ص‪ -.468 .‬ورواه أحمد بن حنبل يف مسنده‪ ،‬مسند‬
‫حذيفة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،5‬ص‪ - .388 .‬وقد أورده األلبـاني (حممد ناصر الدين) يف ضعيـف أبي داود‪ ،‬كتاب املالحـم‪،‬‬
‫باب األمـر والنهي‪ ،‬رقم احلديث‪ ،4336 :‬من حديث ابن مسعود‪ ،‬مكتبة املعـارف‪ ،‬الريـاض‪ ،‬ط‪1419 ،1 .‬هـ ‪ 1998-‬م‪ ،‬ص‪.354-353 .‬‬
‫الصاوي (صالح)‪ ،‬التع ّدديّة( السياسية في الدولة اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.83 .‬‬
‫ّ‬
‫‪622‬‬

‫عمارة (حممد)‪ ،‬اإلسالم وحقوق اإلنسان‪- ،‬ضرورات ‪ ..‬ال حقوق‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.96 .‬‬ ‫‪623‬‬
‫‪ -1‬إ ّن تع‪ّ G‬دد األح‪G‬زاب يف السياسة كتع‪ّ G‬دد املذاهب يف الفق‪G‬ه؛ وذلك أل ّن املذهب‪ G‬الفقهي هو مدرسة‬
‫فكرية‪ ،‬هلا أص‪GG‬وهلا اخلاصة يف مفه‪GG‬وم الش‪GG‬ريعة‪ ،‬واالس‪GG‬تنباط من أدلّتها التفص‪GG‬يلية‪ G‬يف ض‪GG‬وئها‪ ،‬وأتب‪GG‬اع املذاهب‬
‫هم يف األصل تالميذ يف ه‪GG‬ذه املدرس‪GG‬ة‪ ،‬وه‪GG‬ذا ما يك‪Gّ G‬ون ما يش‪GG‬به احلزب الفك‪GG‬ري‪ ،‬ال‪GG‬ذي التقى أص‪G‬حابه على‬
‫ه‪GG G‬ذه األص‪GG G‬ول‪ ،‬ومثل ذلك احلزب‪ ،‬فهو م‪GG G‬ذهب يف السياس‪GG G‬ة‪ ،‬له فلس‪GG G‬فته وأص‪GG G‬وله ومناهجه املس‪GG G‬تم ّدة من‬
‫الرحب‪ ،‬وأعضاء احلزب أشبه بأتباع‪ G‬املذهب الفقهي‪ G،‬وهلذا ميكن القول إ ّن األحزاب هي م‪GG‬ذاهب‬ ‫اإلسالم ّ‬
‫يف السياس ‪GG G‬ة‪ ،‬كما أ ّن املذاهب هي أح ‪GG G‬زاب يف الفقه‪ ،624‬وما دام قد أُق ‪Gّ G G‬ر التع ‪ّ G G‬دد يف املذاهب‪ G‬الفقهية وهي‬
‫تتعلّق باألمور الدينيّة‪ ،‬فإ ّن قبوله يف األحزاب أوىل‪ ،‬وهي اجتهادات يف كيفية تنظيم األمور الدنيوية‪G.‬‬
‫‪-2‬كما أنّه ال يوجد م ‪GG‬انع ش ‪GG‬رعي من وج ‪GG‬ود أك ‪GG‬ثر من حـزب سياسي داخل دولة اإلسـالم‪ ،‬إذ املنع‬
‫‪625‬‬
‫نص‬
‫نص هنا مينع قي‪GG‬ام التع ّدديّة احلـزبية يف اجملتمـع اإلس‪GG‬المي ‪ ،‬فع‪GG‬دم ورود ّ‬ ‫نص‪ ،‬وال ّ‬ ‫الش‪GG‬رعي حيت‪GG‬اج إىل ّ‬
‫يف ه ‪GG‬ذا اجملال ال يقتضي‪ G‬ع ‪GG‬دم اجلواز‪ ،‬بل إ ّن س ‪GG‬كوت النص ‪GG‬وص‪ G‬تعين إباحة املس ‪GG‬كوت‪ G‬عن ‪GG‬ه‪ ،‬ما مل يكن من‬
‫‪G‬تقل العقل بإدراكها (كالعب ‪GG G‬ادات)‪ ،‬فعندئذ يك ‪GG G‬ون‪ G‬س ‪GG G‬كوت النص ‪GG G‬وص‪ G‬دليالً على ع‪GG G‬دم‬ ‫األم‪GG G‬ور اليت ال يس ‪ّ G G‬‬
‫‪G‬حة‬
‫‪G‬تقل العقل ب‪G‬إدراك وجه الص ّ‬ ‫مش‪G‬روعيتها‪ ،‬وب‪G‬ديهي أ ّن مس‪G‬ألة التع ّدديّة السياس‪G‬ية‪ G‬ليست من ن‪G‬وع ما ال يس ّ‬
‫في ‪GG‬ه‪ ،‬وليست من ن‪GG G‬وع العب‪GG G‬ادات والك ّف‪GG G‬ارات‪ G‬واملق ‪ّ G G‬درات وما ج‪GG G‬رى جمراها‪ ،‬حىت يك‪GG G‬ون‪ G‬الوق ‪GG‬وف عند ما‬
‫ص ‪Gّ G‬رحت به النّص ‪GG‬وص‪ G‬هو ال ‪GG‬واجب فيه ‪GG‬ا‪ ،‬بل هي من مس ‪GG‬ائل املص ‪GG‬احل املتغرّي ة‪ G،‬اليت مب ‪GG‬دؤها ومغزاها إىل ما‬
‫يقرره العقل البشري‪.626‬‬ ‫ّ‬
‫ويف ه‪GG‬ذا يق‪GG‬ول "ابن قيّم اجلوزي‪GG‬ة" ‪ «:‬فق‪GG‬ال ش‪GG‬افعي‪ :‬ال سياسة إالّ ما وافق الش‪GG‬رع‪ ،‬فق‪GG‬ال ابن عقي‪GG‬ل‪:‬‬
‫ص ‪G‬الح وأبعد عن الفس ‪GG‬اد‪ ،‬وإن مل يض ‪GG‬عه الرس ‪GG‬ول وال‬ ‫السياسة ما ك ‪GG‬ان فعالً يك ‪GG‬ون معه النّ ‪GG‬اس أق ‪GG‬رب إىل ال ّ‬
‫ن‪GG‬زل به وحي‪ ،‬ف‪GG‬إن أردت بقول‪GG‬ك‪" :‬إالّ ما وافق الش‪GG‬رع"‪ ،‬أي مل خيالف ما نطق به الش‪GG‬رع‪ ،‬فص‪GG‬حيح‪ ،‬وإن‬
‫أردت ال سياسة إالّ ما نطق به الشرع‪ ،‬فغلط وتغليط للصحابة‪.627» ‬‬

‫القرضاوي (يوسف)‪ ،‬من فقه الدولة في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.153-151 .‬‬ ‫‪624‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.147 .‬‬ ‫‪625‬‬

‫‪ 626‬العوا (حممد سليم)‪" ،‬التعددية( من منظور إسالمي"‪ ،‬مقال مبجـلّة "منـبر الحـوار"‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد‪ ،20 :‬السنة السادسة‪ 1411 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪ 1991‬م‪ ،‬ص‪.135 .‬‬
‫‪ 627‬ابن قيّم الجوزية (أبو عبد اهلل حممد بن أيب بكر)‪ ،‬الطرق الحكمية في السياسة الشرعية‪ ،‬مراجعة وتصحيح‪ :‬أمحد عبد احلليم‬
‫العسكري‪ ،‬املؤسسة العربيّة للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1380 ،‬هـ‪ 1961-‬م‪ ،‬ص‪.15 .‬‬
‫نقرر بأ ّن الضابط يف استحداث األمور الدنيوية‪ G،‬والس‪G‬يّما املتعلّقة‬ ‫ومن خالل هذا القول‪ ،‬نستطيع أن ّ‬
‫منها بالسياس ‪GG‬ة‪ ،‬هو ع ‪GG‬دم خمالفتها ملا نطق به الش ‪GG‬رع‪ ،‬وال يش ‪GG‬رتط لش ‪GG‬رعيّتها‪ G‬أن تك ‪GG‬ون ممّا نطق به الش ‪GG‬رع‪،‬‬
‫واألحزاب السياسية‪ G‬تدخل يف هذا اإلطار‪.‬‬
‫‪-3‬كما أ ّن املص‪GG‬لحة الش‪GG‬رعية تقتضي‪ G‬وج‪GG‬ود التع ّدديّة احلزبيّ‪GG‬ة‪ ،‬وه‪GG‬ذا ما مينح هلذه األخ‪GG‬رية املش‪GG‬روعية‬
‫اإلس‪GG G‬المية‪ ،‬إذ إ ّن من مقاصد الش ‪GG G‬ريعة اإلس ‪GG G‬المية‪ G‬الع ‪GG G‬دل‪ ،‬وقد غ ‪GG G‬دا من املعل ‪GG G‬وم أ ّن حتقيق ه‪GG G‬ذا الع‪GG G‬دل يف‬
‫األمة ف ‪GG‬رص‬‫السياسة أو يف االقتص ‪GG‬اد‪ ،‬أص ‪GG‬بح ص‪GG G‬عب املن‪GG G‬ال إذا مل تُتح ألص ‪GG‬حاب املص‪GG G‬لحة فيه من مجه ‪GG‬ور ّ‬
‫االنتظام والتنظيم يف مجاعات وأحزاب‪ ،‬تسعى عرب الطرق املتميّزة إىل حتقيق العدل املنشود‪.628‬‬
‫حجة للق‪GG G‬ائلني ب‪GG G‬أ ّ‪G‬ن ع‪GG G‬دم معرفة اإلس‪GG G‬الم‪ G‬للتع ّدديّة احلزبيّة خالل تارخيه الطوي ‪GG‬ل‪ ،‬يعترب‬ ‫‪-4‬كما أنّه ال ّ‬
‫حجة ش‪G‬رعية‪ ،‬ف‪G‬إ ّن ه‪G‬ذا غري‬ ‫دليالً على عدم شرعيتها؛ وذلك ألنّه فض‪G‬الً عن ك‪GG‬ون ال ّس‪G‬وابق التارخيية ليست ّ‬
‫ص‪GG G‬حيح «‪ ‬أل ّن ت‪GG G‬اريخ اإلس‪GG G‬الم قد ع‪GG G‬رف فِرقًا سياس‪GG G‬ية ِع‪ّ G G‬دة‪ ،‬ك‪GG G‬اخلوارج والش‪GG G‬يعة‪ G‬واملعتزل‪GG G‬ة‪ G،‬وك‪Gّ G G‬ل فرقة‬
‫إهنم بتح‪Gّ G‬زهبم قد خرج‪GG‬وا عن اإلس‪GG‬الم أو خ‪GG‬الفوه‪ ،‬بل إ ّن ص‪GG‬در‬ ‫خ‪GG‬رجت منها فِ‪GG‬رق متع ‪ّ G‬ددة‪ ،‬ومل يقل أحد ّ‬
‫ص‪G G‬حيح‬ ‫اإلس ‪GG‬الم‪ G‬قد اتّسع لعش ‪GG‬رات املذاهب‪ G‬العقيدية واملدارس الفقهي ‪GG‬ة‪ ،‬ومل يك ّفر أحد ‪-‬من أهل العلم ال ّ‬
‫– أح‪Gً G G G G G G G G G G G‬دا ملخالفته يف املذهب‪ G‬العقي‪GG G G G G G G G G G G‬دي أو الفقهي‪ ،‬فكيف ال يتّسع ص‪GG G G G G G G G G G G‬در اإلس‪GG G G G G G G G‬الم الختالف‬
‫سياس‪GG‬ي؟‪ ،629» ! ‬أي أ ّن ظ‪GG‬اهرة التع ّدديّة يف األح‪GG‬زاب موج‪GG‬ودة يف أوائل ت‪GG‬اريخ اإلس‪GG‬الم‪ ،630G‬وقد ج ّس ‪G‬دته‬
‫رق إىل صورة احلزب السياسي املوجود يف عصرنا احلايل‪.‬‬ ‫الفرق املختلفة يف خمتلف اجملاالت‪ ،‬وإن مل تَ َ‬ ‫تلك ِ‬

‫عمارة (حممد)‪ ،‬اإلسالم وحقوق اإلنسان‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.106 .‬‬ ‫‪628‬‬

‫العوا (حممد سليم)‪" ،‬التع ّدديّة من منظور إسالمي"‪ ،‬مقال مبجلّة "منبر الحوار"‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد ‪ ،20‬السنة السادسة ‪ 1411‬هـ‪-‬‬ ‫‪629‬‬

‫‪ 1991‬م‪ ،‬ص‪.135 .‬‬


‫والتطور‪ -‬على خالف ما حدث يف الدميقراطية الغربيّة‪ -‬لعدة أسباب‪ ،‬أمهّها‪ :‬الظروف اليت نشأت‬ ‫ّ‬ ‫النمو‬
‫ومل يكتب هلذا النظام احلزيب ّ‬
‫‪630‬‬

‫فيها يف أعقاب الفتنة الكربى بعد مقتل اخلليفة عثمان‪،‬وعدم اعرتاف أحزاب األقليّة (الشيعة واخلوارج) بنظام احلكم الذي أقامه أهل‬
‫األمة لدرجة مسّي العام الذي قام فيه (‪41‬هـ) بعام اجلماعة‪ ،‬وناصبته العداء عالنية‪ ،‬األمر الذي‬
‫بدءا من عهد معاوية‪ ،‬وتراضت عنه ّ‬ ‫السنّة ً‬
‫فعالة تسمح بتداول السلطة سلماً‬ ‫دفع السلطة احلاكمة إىل اعتبارهم بغاة يستح ّقون العقاب‪ ،‬بل والقتال‪ ،‬وعدم وجود آليات وأدوات ّ‬
‫بني األحزاب احلاكمة واملعارضة‪ ،‬وازداد األمر صعوبة بعد تقرير مبدإ توارث احلكم‪ ،‬مع بقاء سلطـات اخلليفة الواسعة‪ ،‬وكان من‬
‫جزءا من نظام احلكـم‪ ،‬وال يسمحون بتداول السلطة معهم‪ ،‬وميكن يف‬ ‫أخطر نتائج هذا الوضع أ ّن احل ّكام كانوا ال يعتربون املعارضـة ً‬
‫فعالة‪ ،‬وهو ما جلأت إليه بعض البالد اإلسالمية اآلن‪ .‬أبو طالب (صفي)‪" ،‬التع ّدديّة( الحزبيّة‬
‫العصر احلديث تنظيم هذا املوضوع بصورة ّ‬
‫في الفكـر اإلسالمي("‪ ،‬مقال يف جملّة " المنـار"‪ ،‬العدد‪ ،6 :‬سنة ‪1999‬م‪ ،‬ص‪.U.R.L.www.almanar.net/Issues/06/Index.htm 13 .‬‬
‫و ك‪GG‬انت ه‪GG‬ذه املذاهب السياس‪G‬ية اإلس‪GG‬المية‪ G‬ت‪GG‬دور كلّها ح‪GG‬ول اخلالف‪GG‬ة؛ فقد ك‪GG‬ان اخلالف حوهلا س‪GG‬ببًا‬
‫الفرق واألحزاب‪.631‬‬ ‫يف تكوين خمتلف ِ‬
‫بل لقد ذهب بعض‪GG‬هم إىل ح ‪ّ G‬د اعتب‪GG‬ار تلك الف‪GG‬رق واملذاهب أحزاب ‪G‬اً حقيقية ب‪GG‬املعىن السياسي املت‪GG‬داول‬
‫جمرد م‪GG‬دارس فكري‪GG‬ة‪،‬‬ ‫"حممد ض‪GG‬ياء ال ‪ّ G‬دين ال‪Gّ G‬ريس" إىل أ ّن‪ « ‬الف‪GG‬رق اإلس‪GG‬المية مل تكن ّ‬ ‫حالي ‪G‬اً‪ ،‬حيث ي‪GG‬ذهب ّ‬
‫تصل إىل تك ‪GG‬وين اآلراء مثّ تكتفي بإب ‪GG‬دائها أو ت ‪GG‬دوينها‪ ،‬لكنّها ك ‪GG‬انت أحزاب ‪G‬اً ب ‪GG‬املعىن السياسي ال ‪GG‬ذي نفهمه‬
‫اليوم يف ميدان السياسة العملي‪ ،‬فلها مبادئ معيّنة أشبه بالربنامج املرس‪GG‬وم‪ ،‬وهلا نش‪GG‬اط‪ ،‬وفيها نظ‪GG‬ام‪ ،‬مثّ هي‬
‫حىت حت ّقق هلذه املبادئ النّصر‪ ،‬وجتعل منها‪-‬إن استطاعت‪ -‬منهاج احلكم‪.632» ‬‬ ‫تسعى وتكافح ّ‬
‫ويب‪GG‬دو أ ّن يف إعط‪GG‬اء ص‪GG‬فة املطابق‪GG‬ة‪ ،‬بني تلك الف‪GG‬رق اإلس‪GG‬المية وبني األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية‪ G‬احلديث‪GG‬ة‪ ،‬فيه‬
‫نوع من املبالغة‪ ،‬وإن كان األمر ال خيلو من تشابه وتوافق يف بعض األمور‪.‬‬
‫‪-5‬كما أنّه ال ينبغي‪ G‬الق‪GG‬ول بع‪GG‬دم ج‪GG‬واز التع ّدديّة احلزبيّة يف إطـار ال‪GG‬دائرة اإلس‪GG‬المية‪ ،‬باملقـارنة مبا هي‬
‫عليه األح ‪GG‬زاب األخ ‪GG‬رى املوج ‪GG‬ودة يف ال ‪GG‬دميقراطيات الغربيّ ‪GG‬ة‪ ،‬أو تلك األح ‪GG‬زاب اليت ال تعتمد على اإلس ‪GG‬الم‬
‫مرجعيّة هلا؛ إذ إ ّن "احلزب اإلس‪GG G G G‬المي"‪ 633G‬خيتلف كث‪GG G G G‬رياً عن تلك األح‪GG G G G‬زاب األخ‪GG G G G‬رى يف أهدافه وغاياته‬
‫ووسائله‪.‬‬
‫جمرد الوص‪GG G G‬ول إىل الس‪GG G G‬لطة‪ ،‬فهي إض ‪GG G‬افة إىل مهامها‬
‫فأه‪GG G G‬داف ه‪GG G G‬ذه األح‪GG G G‬زاب ال تقتصر فقط على ّ‬
‫التنظيمي‪GG‬ة‪ ،‬اليت تتمثّ‪G‬ل يف تنظيم اجلم‪GG‬اهري وح‪Gّ G‬ل مش‪GG‬كلة الت‪GG‬داول على الس‪GG‬لطة‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن هلا بعض امله‪GG‬ام الرتبوي‪GG‬ة‪G،‬‬
‫مؤسسات لرتبية الشعب‪ ،‬برفع مستوى الوعي‪ G‬والعلم واخللق فيه‪GG‬ا‪ ،‬وهتيئة الش‪GG‬عب‬ ‫كل شيء تعترب ّ‬ ‫فهي قبل ّ‬
‫ص‪G‬راع‬ ‫جمرد أدوات لل ّ‬ ‫‪G‬ؤهالً حلمل رس‪GG‬الة اإلس‪GG‬الم‪ G،‬فه‪GG‬ذه األح‪GG‬زاب اإلس‪GG‬المية ليست ّ‬ ‫حبق شعبًا م‪ّ G‬‬
‫لكي يكون ّ‬

‫‪ 631‬متولي (عبد احلميد)‪ ،‬مبادئ نظام الحكم في اإلسالم‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪1974 ،‬م‪ ،‬ص‪.134 .‬‬
‫ص‪. 52-51.‬‬ ‫الريس (حممد ضياء ال ّدين)‪ ،‬النظريات السياسية اإلسالمية‪ ،‬مكتبة دار الرتاث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،7.‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ّ‬
‫‪632‬‬

‫بكل الوسائل‬
‫احلزب اإلسالمي‪ :‬هو جمموعة املسلمني الذين آمنوا مببادئ اإلسالم شريعة صاحلة يقيمون عليها نظام حياهتم‪ ،‬ويسعون ّ‬
‫‪633‬‬

‫املشروعة ليكون اإلسالم دستور الدولة واملصدر الوحيد لتشريعاهتا‪ ،‬عن طريق وصول املؤمنني به إىل السلطة؛ فإ ّن اهلل يزع بالسلطان‪ G‬ما‬
‫التصور اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.16 .‬‬
‫ّ‬ ‫ال يزع بالقرآن‪ .‬انظر‪ :‬الحسن (حممد)‪ ،‬المذاهب واألفكار المعاصرة( في‬
‫يفسر السلطة على أساس ديين‪ ،‬فيسند‬
‫إن هذا األخري (أي احلزب الديين) ّ‬
‫‪ -‬وخيتلف احلزب اإلسالمي عن احلزب الديين‪ ،‬حيث ّ‬
‫يسمى باحلكم الثيوقراطي الذي يقوم على ذلك املصدر العيين‪ ،‬وليس على‬
‫نص ديين؛ ممّا يش ّكل دعامة ما ّ‬
‫حق إهلي أو إىل ّ‬
‫مصدرها إىل ّ‬
‫مشروعا حضاريًا‪ ،‬يصوغ الواقع على أساس من تعاليم اإلسالم‪ .‬انظر‪:‬‬
‫ً‬ ‫يتبىن‬
‫قبول احملكومني ورضاهم؛ بينما احلزب اإلسالمي فهو الذي ّ‬
‫هويدي (فهمي)‪ ،‬اإلسالم والديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.272 .‬‬
‫على احلكم‪ ،‬أو الضغط على احلاكم فحسب‪ ،‬بل إ ّن ذلك أضعف أدوارها‪ ،‬لغلبة السلبيّة علي‪GG‬ه‪ ،‬إذ ال تظهر‬
‫جمرد مقاومة‪.634‬‬‫أمهيّته إالّ بظهور احلاجة إليه‪ّ ،‬أما املهام اإلجيابية فهي فعل وليست ّ‬
‫وهبذا تظهر لنا أمهيّة وج‪GG G‬ود مثل ه‪GG G‬ذه األح‪GG G‬زاب يف دولة اإلس‪GG G‬الم‪ ،G‬إذا روعيت فيها ه‪GG G‬ذه األه‪GG G‬داف‬
‫التعصب والشقاق‪.‬‬ ‫واملقاصد‪ ،‬ومل تنحرف عنها إىل ّ‬
‫تضاد وتناقض‪.635» ‬‬
‫وختصص ال تع ّدد ّ‬ ‫«‪ ‬فال مانع من التع ّدد‪ ،‬إذا كان تع ّدد تنوّع ّ‬
‫يقرها العقل والش‪G‬رع‪ ،‬م‪G‬ادامت‬ ‫‪ -6‬كما أنّه من الناحية املبدئية‪ G،‬فإ ّن االختالف حالة فطرية طبيعيّة‪ّ ،‬‬
‫بأي وسيلة كانت‪ .636‬يقول‪َ : ‬ولَوْ َشا َء َربُّكَ لَ َج َع َل‬ ‫يف الفروع واجلزئيات‪ ،‬وال ميكن أن مننع االختالف ّ‬
‫اس أُ َّمةً َو ِ‬
‫احدَةً والَ يَزَالُونَ ُم ْختَلِفِينَ إِالَّ َمن َّر ِح َم َربُّكَ َولِ َذلِكَ َخلَقَهُ ْم‪.637‬‬ ‫النَّ َ‬
‫وإ ّن التع ّدديّة يف ال ّس‪G G‬بل واملن ‪GG‬اهج‪ G‬والط ‪GG‬رق‪ ،‬هي األمر الط ‪GG‬بيعي‪ G‬احملقّ‪G G‬ق لذاتية اإلنس ‪GG‬ان‪ ،‬واحلافز لطاقاته‬
‫األمة على مش‪G‬روعها احلض‪G‬اري مبعامله الرئيسة يعترب من الض‪G‬روريات ملواجهة‬ ‫على اإلبداع‪ G،‬ف‪G‬إذا ك‪G‬ان اتّف‪G‬اق ّ‬
‫األمة باحلريّ‪G‬ة‪ ،‬وبالتعدّديّة يف إط‪G‬ار الوح‪G‬دة‪ ،‬هو الس‪G‬بيل اآلمن‬ ‫التح ّديات‪ ،‬فإ ّن إطالق طاق‪G‬ات اإلب‪G‬داع ألبن‪G‬اء ّ‬
‫التحديات املفروضة‪.638‬‬ ‫لبلوغ أهداف األمّة احلضارية‪ ،‬واالنتصار على ّ‬
‫ومن ك ‪Gّ G‬ل ما س ‪GG‬بق ذك ‪GG‬ره خنلص إىل م ‪GG‬دى ق ‪Gّ G‬وة أدلّة ه ‪GG‬ذا الفريق األخ ‪GG‬ري؛ فهو إض ‪GG‬افة إىل وس ‪GG‬طيّته بني‬
‫تي ‪GG‬ارين‪ ،‬أح‪GG G‬دمها يطلق حريّة التع ّدديّة حىت للّ‪GG G‬ذين ال يس‪GG G‬تندون إىل مرجعية إس‪GG G‬المية‪ ،‬واآلخر ي ‪GG‬رفض ه ‪GG‬ذه‬
‫األول من خط ‪GG‬ورة‪ ،‬وما يف االجّت اه الث ‪GG‬اين من جتاهل‬ ‫التع ّدديّة احلزبية رفض ‪G‬اً مطلق ‪G‬اً‪ ،‬وال خيفى ما يف االتّج ‪GG‬اه ّ‬
‫لكثري من احلقائق‪.‬‬
‫ل ‪GG‬ذا ف ‪GG‬إ ّن ال ‪GG‬رأي املتبىنّ من قبل كثري من املف ّك‪GG‬رين اإلس ‪GG‬الميني املعاص ‪GG‬رين‪ ،‬وك ‪GG‬ذا الفقه ‪GG‬اء احملدثني‪ ،‬هو‬
‫ه ‪GG‬ذا ال ‪GG‬رأي األخري ال ‪GG‬ذي يقبل بالتع ّدديّة احلزبيّة املقيّ ‪GG‬دة‪ G‬واملض ‪GG‬بوطة بقواعـد الش ‪GG‬رع‪ ،‬وهي التع ّدديّة يف إط ‪GG‬ار‬
‫ومربراته املعقول ‪GG‬ة‪ ،‬وملا يب ‪GG‬دو يف حتقيقه من مصـاحل‬ ‫الوح ‪GG‬دة‪ .‬وقد ف ‪GG‬رض ه ‪GG‬ذا االجّت اه نفسه حلججه القويّ ‪GG‬ة‪ّ ،‬‬
‫راجحة يف مواجهة التح ّديات ومنع االستبـداد‪ ،‬كما أنّه يستند إىل سنّة االختالف اليت ال مناص منها‪.‬‬

‫الغنوشي (راشد)‪ ،‬الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.298-296 .‬‬ ‫‪634‬‬

‫القرضاوي (يوسف)‪ ،‬أين الخـلـل ؟‪ ،‬مكتبة الرحاب اجلزائر‪ ،‬ط‪ 1406 ،2 .‬هـ‪ 1986 -‬م‪ ،‬ص‪.38 .‬‬ ‫‪635‬‬

‫ص‪.65 .‬‬ ‫الميالد (زكي)‪ ،‬الوحدة والتع ّدديّة والحوار في الخطاب اإلسالمي( المعاصر‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫‪636‬‬

‫سورة هود‪ ،‬اآلية‪118 :‬و‪.119‬‬ ‫‪637‬‬

‫عمارة (حممد)‪ ،‬اإلسالم وحقوق اإلنسان‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.115 .‬‬ ‫‪638‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫المؤسساتيّة‬
‫ّ‬ ‫التع ّدديّة‬

‫يعتبر تع ّدد المؤسّسات في أنظمة الديمقراطية الغربيّة أحد أنماط التع ّدديّة السياسيّة‪.‬‬

‫واملقص ‪GG G‬ود هبذه التع ّدديّة هو تن ‪Gّ G G‬وع الس ‪GG G‬لطات وتع‪ّ G G G‬ددها يف الدول ‪GG G‬ة؛ حيث جند يف ال ‪GG G‬دول احلديثة‬
‫و"املؤسسة‪ G‬القضائية"‪G.‬‬
‫ّ‬ ‫و"املؤسسة التنفيذية"‬
‫ّ‬ ‫"املؤسّسة التشريعية"‪G‬‬
‫املؤسس‪GG‬ات بتاريـخ طوي‪GG‬ل؛ حيث ُوج‪GG‬دت أص‪GG‬وهلا يف العصـور القدميـة‪ ،‬مث تط‪Gّ G‬ورت‬ ‫وقد م‪Gّ G‬رت ه‪GG‬ذه ّ‬
‫إىل الشكل الذي هي عليه اآلن‪.‬‬
‫املؤسس ‪GG‬ات حقيقة واقعيّة فرض ‪GG‬ها منطق الواقـع‪ ،‬كما أ ّن تع‪ّ G G‬ددها يس ‪GG‬تند إىل‬ ‫ويعترب ه ‪GG‬ذا التع‪ّ G G‬دد يف ّ‬
‫مربرات واقعيّة‪ G‬كذلك‪.‬‬‫ّ‬
‫وقد ارتبطت هبذا الن‪GG‬وع‪ G‬من التع ّدديّة السياس‪GG‬ية‪ G‬بعض النظري‪GG‬ات‪ ،‬واليت م‪Gّ G‬رت ك‪GG‬ذلك مبراحل ع ‪ّ G‬دة‪،‬‬
‫مربرات‪ ،‬وأثارت جدالً يف األوساط الفكرية والسياسية‪G.‬‬ ‫واستندت إىل ّ‬
‫وعمالً مبنهجنا يف ه‪GG G G‬ذا البحث‪ ،‬الب ‪ّ G G G‬د أن نتط‪Gّ G G G‬رق إىل ه‪GG G G‬ذه التنظيم‪GG G G‬ات واألفك‪GG G G‬ار من وجهة نظر‬
‫إسالمية‪.‬‬
‫ولذلك فسنتناول ‪-‬بإذن اللّه تعاىل‪ -‬هذا املبحث يف املطالب اآلتية‪G:‬‬

‫ـربراتـها‪.‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬ونتناول فيه مفهـوم التع ّدديّـة ّ‬


‫املؤسسـاتية‪ G‬وم ّ‬
‫املؤسساتية‪.G‬‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬و ّ‬
‫نتطرق فيه إىل األصـول التارخييّـة للتعـ ّدديّة ّ‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬ونتح ّدث فيه عن التقسيم الثالثي للسلطات يف الدولة احلديثة‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬ونـدرس فيـه مبـدأ الفـصـل بـيـن السـلطـات‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬ونتناول فيه التـع ّدديّـة ّ‬
‫املؤسسـاتية‪ G‬يف نظـام اإلسـالم‪.‬‬
‫المطلب السادس‪ّ :‬‬
‫ونتعرض فيه إىل مبدإ الفصل بني السلطات يف نظام اإلسالم‪.G‬‬

‫مبرراتها‬
‫المؤسساتيّة ‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫المطلب األول ‪:‬مفهوم التعدّديّة‬

‫حمل الدراسة‪ ،‬و كذا طبيعة‪ G‬التع ّدديّة فيها‪،‬‬


‫باملؤسسات ّ‬
‫وهنا نتناول – بإذن اهلل تعاىل – املقصود ّ‬
‫مربراهتا ‪.‬‬
‫نتطرق إىل ّ‬
‫و املقصود منها‪ ،‬مع التمييز بني املفاهيم املتعلّقة‪ G‬هبا ‪ ،‬مث ّ‬
‫المؤسساتيّة‬
‫ّ‬ ‫الفرع األول‪ :‬مفهوم التع ّدديّة‬
‫مؤسسات الدولة(‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم ّ‬
‫باملؤسسة هنا‪ « :‬جمموعة من األدوار و الوظائف اليت ينتظمها إطـار قانـوين و تنظيمي‬ ‫املقصود ّ‬
‫واحد‪ ،‬و هي جمموعة من القواعد و اإلجراءات اليت تنظّم العالقـات بني شاغلي األدوار و الوظائف؛‬
‫كل منهم بدوره أو وظيفته‪ G‬ضمن اختصاصات حم ّددة‪ ،‬و خيضع اجلميع لنظم من املراجعة و‬ ‫حبيث يقوم ّ‬
‫الرقابة و احملاسبة‪.639» G‬‬
‫حمل دراستنا – هي ‪ :‬إطار عملي لرتتيب‪ G‬أمور معيّنة‪ G،‬أو‬ ‫فاملؤسسة أو التنظيم – الذي هو ّ‬ ‫ّ‬ ‫إذن‪،‬‬
‫املؤسسات‪ ،‬السياسية منها و االجتماعية‪،‬‬‫مواجهة بعض املشاكل ؛ و ألجل ذلك ختتلف أشكال ّ‬
‫قي الذي يصلون إليه‪،‬‬ ‫الر ّ‬
‫باختالف طبيعة‪ G‬املشاكل اليت يواجهها البشر‪ ،‬و أيضاً باختالف مستوى التق ّدم و ّ‬
‫املؤسسات هي ناتج اجتماعي تارخيي‪ ،‬من حيث الشكل و التنظيم ‪ .‬ولقد عرف العصر‬ ‫كما أ ّن هذه ّ‬
‫متخصصة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مؤسسات‬‫التطورات‪ّ ،‬أوهلما يتعلّق بالدولة عموماً‪ ،‬و هو االجّت اه إىل إقامة ّ‬
‫احلديث نوعني من ّ‬
‫التخصص‪ ،‬وثانيهما يتّصل بالدولة الدميقراطية‪ G‬ختصيصاً‪ ،‬ويتعلّق باحلدود على سلطة‬ ‫ّ‬ ‫وفقاً لتقسيم العمل و‬
‫الدولة ‪ ،‬و الرقابة على اهليئات العامة ‪.640‬‬
‫املؤسسات ال يعين تكرارها‪ ،‬أو أن توجد كلّها على مواصفات واحدة‪،‬‬ ‫و املالحظ هنا أ ّن تع ّدد ّ‬
‫كل منها إمكانات ممارسة العمل العام‪ ،‬إقراراً و تنفيذاً له‪ ،‬و‬
‫مؤسسات متلك ّ‬ ‫أل ّن التكرار يعين إجياد ع ّدة ّ‬
‫مؤسسات الدولة الحديثة"‪ ،‬جملة " منـبر الحوار " ‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد‪1410 ،14 :‬هـ‪1989 -‬م‪ ،‬ص‪.96.‬‬
‫هالل (علي الدين )‪ّ " ،‬‬
‫‪639‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.97-96‬‬ ‫‪640‬‬


‫املؤسسات فيما‬
‫يؤدي إىل التنازع بني هذه ّ‬ ‫يؤدي إىل التضارب والتشتّت ‪ ،‬كما أ ّن من شأنه أن ّ‬
‫هذا ما ّ‬
‫يوزع هذه‬
‫بعد؛ وإمنّا التع ّدد الذي نقصده هو الذي يُعىن بتثبيت سلطة واحدة إلصدار القرار العام‪ ،‬ولكنّه ّ‬
‫املؤسسات‪ ،‬حبيث ال تكتمل ممارسة السلطة الواحدة‪ ،‬و ال يكتمل قيام العمل‬‫السلطة على عديد من ّ‬
‫املؤسسات جمتمعة‪ ،‬فالتع ّدد هنا أقرب إىل التقسيم املوضوعي‪ G‬ألمناط العمل‬
‫كل هذه ّ‬‫الواحد إالّ عن طريق ّ‬
‫مؤسسة يف بعض مراحل العمل العام‪.641‬‬ ‫لكل ّ‬
‫ختصصاً ّ‬
‫املختلفة؛ حبيث يفيد ّ‬
‫المؤسساتيّة(‬
‫ّ‬ ‫ثانيا ‪ :‬المقصود بالتع ّدديّة‬
‫املؤسساتيّة ‪ :‬التقسيم الثالثي للسلطات يف الدولة و التمييز بني وظائفها‬ ‫نقصد هنا بالتعدّديّة ّ‬
‫الثالث‪ ،‬التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ .‬و قد احتفظ هذا التقسيم بأمهيّته و قيمته يف مجيع الدول ‪ ،‬مهما‬
‫التطور اإليديولوجي‪ G‬الذي طرأ على الفكر السياسي‪G‬‬ ‫اختلفت طبيعتها و تع ّددت أنظمتها ‪ ،‬وحىت بعد ّ‬
‫املعاصر من حيث وظائف الدولة‪.642‬‬
‫واملؤسسات‪ G،‬فال‬
‫ّ‬ ‫املؤسساتيّة‪ G‬على مبدإ توزيع العمل الواحد بني عديد من األجهزة‬ ‫وتقوم فكرة التع ّدديّة ّ‬
‫مؤسسة واحدة بالعمل العام؛ وإمّن ا يتناول العمل العام الواحد عدداً من األجهـزة و‬ ‫يستقل فرد أو ّ‬
‫ّ‬
‫كل واحد منها يف مرحلة حم ّددة من مراحل تكوينه‪ G،‬حىت تصدر يف النهاية‪G،‬‬ ‫املؤسسات‪ ،‬حبيث يتداوله ّ‬ ‫ّ‬
‫املؤسسات نصيب‪ G‬يف تكوينه‪ G‬وإصداره‪ ،‬وهذا التوزيع للعمل الواحد على عديد‬ ‫ولكل من هذه األجهزة و ّ‬ ‫ّ‬
‫يؤدي إىل شيء من التباطؤ و التعقيد‪ G‬يف اإلجراءات‪ ،‬ويف حتريك‬ ‫املؤسسات ميكن أن ّ‬ ‫من األجهزة و ّ‬
‫ومتنوعة يف إعداد العمل‬
‫ختصصـات فنيّة كثرية ّ‬ ‫األعمال‪ ،‬ولكنّه من ناحية أخرى مي ّكن من مشاركة ّ‬
‫ودراسته من وجوهه املتع ّددة‪ ،‬كما أنّه حيفظ العمل العام من أن تستب ّد به إرادة فرديّة‪ ،‬أو يف إطار النظرة‬
‫املؤسسات‪.643‬‬‫موزعة على عديد من ّ‬ ‫احملدودة جلهاز واحد‪ ،‬و جيعل جماالت السلطة ّ‬
‫املؤسسات‪ ،‬إضافة إىل أن الضرورة اقتضته‪ ،‬فإ ّن إقراره حي ّقق مصاحل كثرية‪.‬‬ ‫فهذا التع ّدد يف ّ‬
‫المؤسساتيّة‬
‫ّ‬ ‫الفرع الثاني( ‪ :‬التمييز بين المفاهيم المتعلّقة بالتع ّدديّة(‬
‫املؤسساتيّة‪ G،‬فإنّه تتبادر إىل الذهن بعض املفاهيم املتشاهبة‪ ،‬واملتعلّقة‪ G‬هبذه‬
‫عندما نتح ّدث عن التع ّدديّة ّ‬
‫التعددية؛ و لذلك الب ّد من التمييز بني هذه املصطلحات و املفاهيم‪.‬‬

‫‪ 641‬البشري (طارق )‪ " ،‬مؤسسات الدولة في النظم اإلسالمية( "‪ ،‬جملّة "منبر الحوار"‪ ،‬بريوت‪ ،‬العـدد‪1410 ،14 :‬هـ ‪1989-‬م‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.74-73‬‬
‫الطماوي(سليمان حممد)‪ ،‬السلطات الثالث ‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37‬‬ ‫‪642‬‬

‫البشرى(طارق)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬العدد‪ ،14 :‬ص‪.73 .‬‬ ‫‪643‬‬


‫بكل من " توزيع السلطة " و " تقسيم الوظائف " و " الفصل بني السلطات"‪.‬‬
‫و يتعلّق األمر ّ‬
‫فتوزيع السلطة‪ :‬يعين تع ّدد اهليئات احلاكمة‪ ،‬مبا مينع تركيز السلطة يف يد شخص واحد أو هيئة‬
‫أي معيار‬
‫واحدة‪ ،‬و يستوي يف ذلك أن يكون‪ G‬معيار التوزيع هو التقسيم التقليدي لوظائف الدولة‪ ،‬أو ّ‬
‫لكل منها اختصاصات معيّنة من اختصاصات‬‫فاملهم هنا هو وجود أكثر من هيئة حاكمة‪ ،‬تكون ّ‬ ‫آخر‪ّ ،‬‬
‫السلطة العامة‪.644‬‬
‫تتوىل زمام السلطة‪ ،‬و هو ما يناقض فكرة‬
‫أي أ ّن املقصود بتوزيع السلطة هو تع ّدد اهليئات اليت ّ‬
‫يهم يف فكرة توزيع السلطة معيار ذلك التوزيع‪.‬‬
‫تركيز السلطة‪ ،‬وال ّ‬
‫ّأما تقسيم الوظائف‪ :‬فهي فكرة قدمية ُوجدت قبل وجود فكرة توزيع السلطة‪ ،‬هذا مع وجود‬
‫ارتباط بني األمرين‪ ،‬إذ إنّه من الناحية املنطقيّة‪ G‬يقتضي توزيع السلطة بني هيئات متع ّددة‪ ،‬حتديد وظيفة‪ G‬أو‬
‫كل هيئة من تلك اهليئات‪ ،‬ومن الناحية العمليّة كان من الالّزم وضع املعيار الذي يقوم عليه‬ ‫اختصاص ّ‬
‫توزيع االختصاص‪ G‬بني تلك اهليئات‪ ،‬وهذا املعيار – كما وجده مف ّكرو القرن الثامن عشر – هو التمييز‬
‫كل منها بإحدى تلك‬ ‫بني وظائف الدولة‪ ،‬وأ ّن توزيع السلطة بني اهليئات العامة يكون بتخصيص ّ‬
‫الوظائف‪ ،‬ومن هنا نشأ الربط بني فكرة توزيع السلطة وفكرة تقسيم الوظائف‪645G‬؛ وهبذا يتّضح لنا ذلك‬
‫التالزم بني الفكرتني‪ ،‬وإن كان هذا التالزم ليس حتميّاً دائماً‪.‬‬
‫جمرد تع ّدد احل ّكام أو‬
‫ّ‬ ‫تعين‬ ‫السلطة‬ ‫توزيع‬ ‫فكرة‬ ‫كانت‬ ‫إذا‬ ‫ه‬‫ّ‬‫ن‬‫فإ‬ ‫‪:‬‬ ‫‪646‬‬
‫أما بالنسبة للفصل بين السلطات‬
‫املؤسسات‪ ،‬فإ ّن الفصل بني السلطات يعين أمراً أبعد من ذلك‪ ،‬ألنّه يفرتض سلفاً تع ّدد احلكـّام‪ ،‬مثّ ينظّم‬
‫ّ‬
‫العالقة اليت تقوم بينهم‪ ،‬و جيعلها على أساس الفصل‪ ،‬أو إقامة احلواجز بينهم‪ ،‬أي أ ّن مبدأ الفصل بني‬
‫السلطات ال يكتفي‪ G‬بتوزيع السلطة بني هيئات خمتلفة‪ ،‬بل يعطي حالّ ًمعيّناً ملشكلة حتديد العالقة بني تلك‬

‫‪ 644‬بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.308-307 .‬‬


‫ويُالحظ أ ّن فكرة توزيع السلطة‪ ،‬بقصد احل ّد منها‪ُ ،‬وجدت يف وقت كان احلاكم ال ميثّل الشعب وال ينبثق منه‪ ،‬وقد وجد دعاة املبادئ‬
‫احلرة يف ذلك الوقت أ ّن الوسيلة ملنع احلاكم من االستبداد واالعتداء على احلريات تكون بتوزيع سلطاته املطلقة بينه وبني ممثّلي الشعب‪.‬‬
‫ّ‬
‫انظر‪ :‬بدوي(ثروت)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.311 .‬‬
‫‪ 645‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.314 -313.‬‬
‫غري أنّه يالحظ أ ّن التالزم بني الفكرتني ليس حتمياً‪ ،‬فليس مثّة مانع من قيام متييز بني وظائف الدولة املختلفة‪ ،‬مع تركيز هذه الوظائف‬
‫مجيعاً يف يد واحدة‪ ،‬كما أنّه من ناحية أخرى ليس من الالّزم أن يقوم توزيع السلطة بني هيئات خمتلفة على أساس متييز الوظائف‬
‫املختلفة للدولة‪ G،‬فتقسيم الوظائف ليس إالّ وسيلة من بني وسائل أخرى لتوزيع السلطة ‪ .‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.314‬‬
‫‪ 646‬سيأيت احلديث عن هذه املسالة بالتفصيل‪ G‬يف بعض املطالب اآلتية‪.‬‬
‫اهليئات املختلفة‪ ،‬فيقيم بينها فصالً عضوياً‪ ،‬جيعلها مجيعاًَ على قدم املساواة‪ ،‬ومينـع من طغيان إحدامها على‬
‫األخريات‪647‬؛ و هبذا يكون‪ G‬مبدأ الفصل بني السلطات أعمـق بعداً من املبدأين السابقني‪ ،‬وهو مرحلة‬
‫ويتضمن أهدافاً سياسية و قانونية أكثر من السابقني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫متطورة عنهما‪،‬‬
‫ّ‬
‫المؤسساتيّة‬
‫ّ‬ ‫مبررات التع ّدديّة(‬
‫الفرع الثالث ‪ّ :‬‬
‫املربرات نتناوهلا – بإذن اهلل تعاىل – يف‬
‫لقد استند وجود مثل هذه التع ّدديّة يف الدولة إىل مجلة من ّ‬
‫اآليت ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إ ّن ممارسة السيادة اليت هي للشعب (أو ّ‬
‫األمة)‪ ،‬وفقاً للمبادئ الدميقراطية‪ G،‬توكل ممارسة‬
‫مظاهرها‪ ،‬و السيّما يف الدميقراطية‪ G‬النيابية‪ G،‬لسلطات الدولة الثالث؛ حيث يكون‪ G‬إصدار القواعد العامة‬
‫امللزمة للجماعة من مهام السلطة التشريعية‪ G،‬واحملافظة على النظام العام يف الدولة‪ ،‬وتقدمي اخلدمات‬
‫وحل املنازعات سلمياً بني املواطنني عن‬
‫ظل تلك القواعد العامة من مهـام السلطة التنفيذية‪ّ ،‬‬ ‫للمواطنني يف ّ‬
‫مستقل من مهام السلطة القضائية‪. 648 G‬‬
‫ّ‬ ‫طريق قضاء‬
‫أي أ ّن متثيل سيادة الشعب ال يكفي‪ G‬أن توكل ممارسة مظاهرها إىل هيئة واحدة‪ ،‬بل الب ّد أن توكل‬
‫إىل سلطات ثالث حىت ميكن استيعاهبا ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إ ّن تر ّكز سلطة إصدار القرار العام يف ّ‬
‫مؤسسة وحيدة أو فرد واحد؛ تولّد عنه ميل لدى هذه‬
‫(مؤسسة كانت أو فرداً )‪ ،‬وكثرة الضغط عليها؛ ممّا يؤثّر على مكنتها يف إنشاء العمل العام‪ ،‬و هذا‬
‫اجلهة ّ‬
‫ما يؤثّر بدوره يف مدى رعايتها للصاحل العام للجماعة كلّها‪.649‬‬
‫الضغط عليها؛ ممّا‬
‫فتويل سلطة واحدة ملقاليد األمور يعترب فوق طاقتها‪ ،‬و إن حدث ذلك يكثر ّ‬ ‫إذن‪ّ ،‬‬
‫الصاحل العام‪.‬‬
‫يؤثّر على ّ‬
‫ثالثا‪ :‬درءاً خلطر االستبداد و الطغيان‪ G،‬كان الب ّد من توزيع السلطة بني هيئات حاكمة خمتلفة‪ ،‬و‬
‫واملؤسسات‪ G‬األخرى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مؤسسة رقيباً على اهليئات‬‫مؤسسات متع ّددة؛ وذلك ألنّه جيعل من كل هيئة أو ّ‬ ‫ّ‬
‫فيمنعها من اخلروج على حدود وظيفتها‪ ،‬و حيول بينها وبني االستبداد مبا يف أيديها من اختصاصات‪ ،‬و‬
‫لقد لعبت الدميقراطية‪ G‬الغربية دوراً كبرياً يف حتقيق هذه الغاية؛ إذ إ ّن االعرتاف‪ G‬للشعب حب ّقه يف السلطة قد‬
‫الشعب‪ ،‬وتشارك امللوك يف احلكم باسم الشعب ونيابة عنه‪ ،‬وبذلك تع ّددت‬ ‫ّأدى إىل قيام هيئات متثّل ّ‬

‫بدوي (ثروت )‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.309-308 .‬‬ ‫‪647‬‬

‫الطماوي (سليمان حممد )‪ ،‬السلطات الثالث ‪ ،....‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37‬‬ ‫‪648‬‬

‫مؤسسات الدولة في النظم اإلسالمية("‪ ،‬جملة "منبر الحـوار "‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد‪1410 ،14 :‬هـ‪1989 -‬م‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫البشري (طارق)‪ّ " ،‬‬
‫‪649‬‬
‫وتوزعت السلطة فيما بينها‪ ،‬بعد أن كانت مر ّكزة يف يد شخص واحد‪ ،‬و هو شخص‬
‫اهليئات احلاكمة ّ‬
‫امللك‪. 650‬‬
‫ومؤسساهتا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدولة‬ ‫هيئات‬ ‫د‬ ‫د‬
‫ّ‬ ‫تع‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أل‬ ‫وذلك‬ ‫؛‬ ‫‪651‬‬
‫رابعا ‪ :‬حتقيق املزايا املرتتّبة على تقسيم العمل‬
‫مؤسسة‪ ،‬من رجال أكفاء ميارسون الدور املنوط هبم‪ ،‬وال خيفى ما‬‫كل هيئة أو ّ‬‫يقتضي اختيار ما يناسب ّ‬
‫يف هذا التقسيم يف العمل وحتديد الوظـائف واملسؤوليات من سرعة يف اإلنـجاز‪ ،‬واالستفـادة من اخلربات‬
‫والكفاءات‪ ،‬وحتديد اجلهة املسؤولة عن اخلطإ و التقصري‪G.‬‬

‫المؤسساتيّة‬
‫ّ‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬األصول التاريخيّة للتعدّديّة‬

‫املؤسساتيّة‪ G‬مل تكن مطروحة بإحلاح يف اجملتمعات‬


‫بداية الب ّد من اإلشارة إىل أ ّن فكرة التع ّدديّة ّ‬
‫ختصصات كثرية‪ ،‬فقد كانت اجلماعات حمدودة العدد‬ ‫القدمية؛ و ذلك ألنّه مل تكن تقوم مشاكل كبرية و ّ‬
‫تنوعها احمل ّدد‪ ،‬و‬
‫نسبياً‪ ،‬و كان اجلهد البشري الفردي يسع إىل ‪-‬ح ّد كبري‪ -‬إمكانية إدراك املشاكل على ّ‬
‫يسع املعرفة بوجوه املسائل‪ ،‬ووجوه الناس املهتّمني هبا‪ ،‬وكان للوجود القبلي و العشريي القدرة على‬
‫إدراك نوع من أنواع‪ G‬التسيري الذايت لشؤون اجلماعات احمل ّددة‪ ،‬وكذلك كان الشأن بالنّسبة للجماعات‬
‫احملليّة‪ ،‬كالقرية أو احلي السكين يف املدن القليلة القائمة؛ لذلك فإ ّن اجلانب التنظيمي ألوضاع اجلماعات‪،‬‬
‫كان يراعي إدراك مشاكلها يف إطار تلك الظروف‪ ،‬ومبا يستجيب ألوضاع اجملتمع و احتياجاته‪.652‬‬
‫تستحق وصف الدولة‪ ،‬إالّ إذا‬
‫ّ‬ ‫ولكن رغم ذلك فإنّه يالحظ أ ّن أيّة مجاعة منظّمة ال ميكن أن‬
‫ح ّققت الوظائف‪ G‬الثالث ( التشريعية و التنفيذية و القضائية ) على حنو أو آخر‪ ،‬نعم قد يكون‪ G‬هناك‬

‫‪ 650‬بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.304 .‬‬


‫املؤسسات ال يعين حتماً اختفاء التح ّكم و االستبداد‪ ،‬إذ إنّه ال يكفي تع ّدد اهليئات احلاكمة للقول‪ G‬بوجود‬
‫غري أ ّن هذا التع ّدد للهيئات و ّ‬
‫نظام يكفل للمحكومني حريتهم و حقوقهم‪ ،‬بل يلزم فوق ذلك أن تكون ممارسة السلطة شركة بني تلك اهليـئات‪ ،‬حبيث ال يكون أليّة‬
‫التصرف منفردة‪ .‬انظر‪ :‬بدوي(ثروت)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.304.‬‬
‫هيئة القدرة‪ G‬على ّ‬
‫‪. 453‬‬ ‫الطماوى (سليمان حممد )‪ ،‬السلطات الثالث ‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪651‬‬

‫البشري (طارق )‪" ،‬مؤسّسات الدولة في النظم اإلسالمية("‪ ،‬جملة "منبر الحوار"‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد‪ ،14 :‬سنة ‪1410‬هـ ‪1989 -‬م‪ ،‬ص‬ ‫‪652‬‬

‫‪.72‬‬
‫اختالف يف هذا اجملال بني الدولة القدمية و الدولة العصرية‪ ،‬من حيث الصياغة‪ G،‬أي أن ختتلف كيفية أداء‬
‫هذه الوظائف‪ G‬الثالث ومن يعهد إليهم بأدائها‪ ،‬من وقت آلخر‪ ،‬ولكن يبقى‪ G‬جوهر الوظيفة‪ G‬هو نفسه‪. 653‬‬
‫ّأما بالنسبة لطبيعة هذا التع ّدد وحالته يف أنظمة احلكم القدمي‪ ،‬فإنّه يالحظ أ ّن األمر خيتلف بني حالة‬
‫" توزيع السلطات " وحالة " تقسيم الوظائف"‪G.‬‬
‫خيص مبدأ "توزيع السلطـات"‪ ،‬فإ ّن األنظمـة البدائية‪ G‬مل تعرف فكرة توزيع السلطـة‪ ,‬إذ كانت‬ ‫ففيما ّ‬
‫خاصة به؛ حيث كانت‬ ‫السلطة حقاً شخصياً للحاكم‪ ،‬اكتسبه‪ G‬بفضل ما ميتاز به من صفات أو مواهب ّ‬
‫السلطة ترت ّكز يف يد احلاكم وحده‪ ،‬ميارس اختصاصاهتا بصورة مطلقة‪ ،‬وقد يستعني ببعض األشخاص يف‬
‫ممارسة اختصاصاته‪ ،‬إالّ أنّه مل تكن هلؤالء األعوان اختصاصات مستقلّة؛ لذلك ال ميكن وضعهم يف‬
‫مصاف احل ّكام‪ ،‬لدورهم الثانوي احملض‪ .‬وكان من أسباب هذا الرتكيز للسلطة‪ ،‬إضافة إىل ارتباطها‪G‬‬
‫بشخص احلاكم‪ ,‬هو أ ّن فكرة توزيع السلطة مل تكن لتثور يف تلك اجملتمعات البدائية؛ لكوهنا جمتمعات‬
‫غري متمدينة‪ ،‬ومشاكلها حمدودة‪ ,‬و لذلك مل تثر مسألة ما إذا كان األفضل هو تركيز السلطة أم‬
‫توزيعها‪.654‬‬
‫فكان املبدأ الذي ساد أنظمة احلكم‪ ،‬طوال العصور القدمية وخالل العصور الوسطى‪ ،‬هو مبدأ تركيز‬
‫لكل األنظمة يف ذلك الوقت‪. 655‬‬ ‫السلطات‪ ،‬حيث كانت قاعدة األساس ّ‬
‫األقل منذ‬
‫ّأما بالنسبة لفكرة" تقسيم الوظائف‪ G‬القانونية‪ G‬للدولة "‪ ،‬فهي فكرة قدمية‪ُ ،‬وجدت على ّ‬
‫كتب" أرسطو " مميّزاً بني وظيفة التقرير‪ ,‬أي تقرير القواعد املنظّمة للجماعـة‪ ,‬ووظيفة األمـر والتنفيذ‪,‬‬
‫‪656‬‬
‫املتنوعة‪ G‬قد اعرُت ف به منذ وقت طويل‪ ,‬إذ إ ّن‬
‫ّ‬ ‫السلطات‬ ‫أو‬ ‫الوظائف‬ ‫وجود‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أي‬ ‫‪،‬‬ ‫ووظيفة القضاء‬
‫"أرسطو" قد ميّز يف كتابه" السياسة " بني وظائف احلكومة‪" G‬التداولية " و " احلكمية " و" القضائية"؛ وإ ّن‬
‫جمال الوظيفة‪ G‬التداولية عنده أوسع كثرياً من وظيفة‪ G‬اهليئة التشريعية‪ G‬احلديثة‪ ،‬فلقد كانت معنية‪ G‬مبسائل‬
‫متنوعة‪ ،‬كاحلرب و السالم‪ ،‬واملعاهدات‪ ،‬ووضع القوانني‪ G،‬والشؤون املالية‪ G,‬وعقوبة‪ G‬اإلعـدام‪ ،‬والنفي‪ ،‬و‬ ‫ّ‬

‫‪ 653‬الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬عمر بن الخطاب و أصول السياسة و اإلدارة الحديثة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1976 ،2.‬م‪،‬‬
‫ص‪.140 .‬‬
‫بدوي (ثروت )‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪..303 .‬‬ ‫‪654‬‬

‫رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.198 .‬‬ ‫‪655‬‬

‫بدوي (ثروت)‪ ،‬في أصول الفكر السياسي والنظريات والمذاهب السياسية الكبرى‪ ،‬دار النهضـة العربيـّة‪ ،‬د‪.‬ط‪1967 ،‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪656‬‬

‫‪.80‬‬
‫مصـادرة املمتلكات؛ ّأما جهـازا احلكـومة اآلخـران اللّذان ميّزمها " أرسطو"‪ ،‬فقد كانا يعادالن‪ -‬على وجه‬
‫العموم‪ -‬اهليئة التنفيذية والقضائية احلديثة‪.657‬‬
‫بل إ ّن " أرسطو" قد أدرك ضرورة تع ّدد السلطـات‪ ,‬وذلك من خـالل قوله‪ « :‬إنّه يستحيل أن تقوم‬
‫دولة بال سلطات تسهر فيها على ضروريات املعـاش‪ ،‬و يستحيل أن تصلح إدارة شؤوهنا وسياستها‪ G‬بال‬
‫سلطات تُعىن بضبط نظامها و جتميلها وتنميقها‪ ,‬وفضالً عن ذلك فإ ّن الضرورة تقتضي‪ G‬بأن تقوم سلطات‬
‫صغرى يف الدول الصغرية‪ ،‬وسلطات كربى يف الدول الكبرية‪ ،)...( G‬فيرتتّب إذن على الساسة أن ال‬
‫أي سلطات جيدر هبم تفريقها والتمييز بينها‪.658» ‬‬
‫ضمها‪ ،‬أو ّ‬‫أي سلطات جيدر هبم ّ‬ ‫جيهلوا ّ‬
‫هذا من الناحية الفكرية النظرية‪ّ ,‬أما عن جتسيد هذه السلطات والوظائف على أرض الواقع‪ ،‬فإ ّن‬
‫تنوع وتع ّدد هذه اهليئات على الصعيد العملي يف اجملتمعات القدمية‪،‬‬ ‫التطرق إىل مدى ّ‬‫معرفة ذلك تقتضي‪ّ G‬‬
‫وذلك ما سنتناوله‪-‬بإذن اللّه تعاىل‪ -‬فيما يأيت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تع ّدد الهيئات و الوظائف في أثينا القديمة(‬
‫فلقد كانت السلطة السياسية‪ G‬يف دولة املدينة"‪ G‬أثينا"‪ G‬بيد اهليئات اآلتية‪:‬‬
‫تسمى كذلك مجعية الشعب ( ‪ ،) Ecclésia‬وتُعترب أعلى سلطة سياسية‬ ‫ّ‬ ‫‪ -1‬الجمعية العمومية‪ :‬و‬
‫يف دولة املدينة؛‪ G‬وذلك بوصفها صاحبة السيادة اليت متلك الكلمة النهائية يف كافّة األمور‪ ,‬وختتّص مبسائل‬
‫ع ّدة‪ ,‬منها‪ :‬اختيار احل ّكام والقضاة‪ G,‬وضع القوانني‪ ,‬وذلك عن طريق التصويت‪ G‬على القوانني املق ّدمة من‬
‫اجمللس النيايب بعد مناقشتها‪ ,‬ومن وظائفها‪ G‬كذلك‪ :‬إعالن احلرب والسالم‪ ,‬وعقد املعاهدات‪ ,‬وغريها من‬
‫الوظائف األخرى‪.659‬‬
‫يتكون من مخسمائة‬ ‫‪ - 2‬المجلس النيابي (مجلس الخمسمائة)‪ :‬وقد مسّي مبجلس اخلمسمائة ألنّه ّ‬
‫كل قبيلة من قبائل "أثينا" العشرة‪ ,‬وقد كان األعضـاء يصـلون إىل‬ ‫عضواً‪ ،‬مبع ّدل مخسني عضواً عن ّ‬
‫العضوية فيه بوسيلة مر ّكبة جتمع بني االنتخاب واالختيار والقرعة ‪.‬‬

‫املعز)‪ ،‬في النظريات والنظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.512 .‬‬ ‫نصر ّ‬
‫(حممد عبد ّ‬
‫‪657‬‬

‫‪ 658‬أرسطو (طاليس)‪ ،‬السياسيات‪ ،‬ترمجة‪ :‬أوغسطينس بربارة البولسي‪ ،‬اللّجنة الدوليّة لرتمجة الروائع اإلنسانية‪ ،‬بريوت‪ 1957 ،‬م‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.341‬‬
‫تطور النظريات واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.56 .‬‬ ‫بوحوش ّ‬
‫(عمار)‪ّ ،‬‬
‫‪659‬‬

‫رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24-23 .‬‬
‫ومن اختصاصات هذا اجمللس‪ :‬إعداد مشروعات القوانني‪ ,‬وحتضري املوضوعات اليت ستعرض على‬
‫مجعية الشعب‪ ,‬االتّصال بالسفارات األجنبية يف" أثينا"‪ ,‬اإلشراف على أجهزة اإلدارة والشؤون‪ G‬املالية‪,‬‬
‫اإلشراف على اجليش واألسطول‪ .660‬ويعترب هذا اجمللس حجر الزاوية يف الدستور‪.661‬‬
‫‪ - 3‬المحاكم‪ :‬حيث كان القضاء من اختصاص احملاكم أساساً‪ ،‬وباستثناء‪ G‬بعض املسائل البسيطة‬
‫اليت تفصل فيها حماكم خاصة‪ ,‬فإ ّن االختصاص القضائي منوطاً باحملاكم الشعبيّة اليت خُي تار أعضاؤها‪G‬‬
‫‪662‬‬
‫مهمة هذه احملاكم هي محاية الدستور؛ حيث مل تقتصر هذه‬ ‫بواسطة مجعية الشعب ‪ ،‬و ميكن اعتبار ّ‬
‫البت يف املسائل السياسيّة أيضاً‪.663‬‬
‫احملاكم على الفصل يف القضايا‪ G‬الشخصية‪ ،‬بل مشل اختصاصها حىت ّ‬
‫وتقسيما‬
‫ً‬ ‫مؤسساهتا السياسية‪G,‬‬‫و هبذا خنلص إىل أ ّن الدول القدمية قد عرفت كذلك تع ّدداً يف ّ‬
‫لوظائفها املتع ّددة على خمتلف اهليئات‪ ،‬التشريعية والتنفيذية والقضائية‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬تع ّدد هيئات نظام الحكم فى روما القديمة(‬
‫لقد تع ّددت يف"روما" القدمية كذلك اهليئات والوظائف‪ G‬يف أنظمة حكمها‪ ،‬والسيّما يف العصر‬
‫امللكي‪ ،‬والعصر اجلمهوري‪.664‬‬
‫‪ -1‬في العصر الملكي‪ (:‬كان نظام احلكم يرتكز على وجود هيئات ثالث‪:‬‬
‫امللك‪ ,‬وجملس الشيوخ‪ ,‬واجملالس الشعبية‪ّ .‬أما امللك فكانت سلطاته مطلقة‪ ,‬وكان يُعنّي من قِبل‬
‫يتكون‪ G‬من رؤساء‬
‫املهمة جملس الشيوخ‪ّ .‬أما هذا األخري فإنّه ّ‬
‫سلفه‪ ,‬فإذا مل خيرت امللك من خيلفه توىّل هذه ّ‬
‫مهمته استشاريّة بالنسبة للملك‪ ,‬و من‬
‫وشيوخ العشائر‪ ,‬ويبلغ عدد أعضائه‪ G‬ثالمثائة عضواً‪ G,‬وكانت ّ‬
‫تسمى كذلك‬ ‫اختصاصاته كذلك التصديق على قرارات اجملالس الشعبية‪ G.‬وبالنسبة هلذه األخرية‪ ،‬واليت ّ‬
‫"جمالس الوحدات"‪ ،‬فقد كان عددها ثالثني‪ ,‬وهي جتتمع بناء على دعوة امللك‪ ,‬واختصاصها يتمثّل يف‬

‫رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي و الفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25-24 .‬‬ ‫‪660‬‬

‫جونز (أ‪ .‬هـ‪.‬م)‪ ،‬الديمقراطية األثينية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8 .‬‬ ‫‪661‬‬

‫‪.26‬‬ ‫رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪662‬‬

‫جونز (أ‪ .‬هـ‪.‬م)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.8 .‬‬ ‫‪663‬‬

‫ّأما يف العصر اإلمرباطوري‪ ،‬فقد تأ ّكد فيه احلكم الفردي املطلق االستبدادي‪ ،‬إذ تر ّكزت السلطة السياسية يف يد اإلمرباطور‪،‬‬ ‫‪664‬‬

‫متاما اختصاصات احل ّكام اآلخرين‪ ،‬وجملس الشيوخ‪ ،‬واجملالس الشعبيّة‪ ،‬حيث ساد نظام اإلدارة املركزية‪ .‬انظر‪ :‬ليلة (حممد‬
‫واندثرت ً‬
‫كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.388 .‬‬
‫املوافقة‪ G‬أو عدم املوافقة‪ G‬على التعديالت‪ G‬املراد إدخاهلا على نظام املدينة‪ ،‬أو تكوين العشائر‪ ,‬ومل يكن من‬
‫ح ّقها إدخال تعديالت يف املشروعات املق ّدمة هلا‪.665‬‬
‫‪ -2‬في العصر الجمهوري‪ :‬لقد ابتكر الرومان نظاماً جديداً لرئاسة الدولة‪ ،‬إذ وضعوا مقاليد‬
‫كل منهما لقب "قنصـل"‪ ،‬ومها متساويان من حيث السلطـة و‬ ‫احلكـم يف يد شخصني‪ ،‬يطلق على ّ‬
‫ويتم اختيارمها باالنتخاب مل ّدة عام‪ ,‬وال جيوز جتديد انتخاهبما؛ وذلك لتفادى االستبداد‪ .‬و‬ ‫املسؤولية‪ّ ,‬‬
‫يوجد جبانب هذين القنصلني واملوظّفني املنتخبني "جملس الشيـوخ"‪ ،‬حسب وضعه السابق تقريباً يف النظام‬
‫استمرت اجملالس الشعبية‪ ( G‬جمالس الوحدات ) قائمة‪ ,‬وظهرت جمالس أخرى مثل‪ " :‬اجملالس‬ ‫امللكي‪ ،‬كما ّ‬
‫كل طبقـة‪ ،‬و "اجملالس القبليّة " اليت‬
‫املئوية‪ ،" G‬ومُت ثَّل فيها طبقات اجملتمـع‪ ،‬تبعاً للثـروة اليت ميتلكها أفـراد ّ‬
‫ختتّص باختيار املوظّفني‪ ،‬كما تبدي رأيها يف مشروعـات القوانني‪ G،‬بالقبول أو الرفض دون تعديل فيها‪,‬‬
‫العامة "‪ ،‬وهي مقصورة على طبقة العامة‪ ,‬وهلا‬ ‫يسمى" جمالس ّ‬ ‫كما ظهر نوع رابع من اجملالس الشعبية ّ‬
‫اختصاص تشريعي‪.666‬‬
‫واملؤسسـات املوجـودة ىف "رومـا" القدميـة‪ ,‬يف العصـرين امللكي واجلمهوري‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫وهذاملخص للهيئـات‬
‫ّ‬
‫وبعض اختصاصاهتا‪ ,‬وهي كما نالحظ كثرية ومتع ّددة؛ ممّا يثبت‪ G‬أ ّن ظاهرة التع ّدد يف اهليئـات و‬
‫املؤسسـات هي ظاهرة قدمية‪ ,‬أدرك البشر منذ القدمي ‪-‬بفطرهتم وجتارهبم‪ -‬ضرورهتا وأمهيّتها‪ G‬يف تنظيم‬ ‫ّ‬
‫شؤوهنم املختلفة‪ ,‬والسيّما السياسيّة منها‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التقسيم الثالثي للسلطات في الدولة الحديثة‬

‫مع اتّساع نشاط السلطة يف الدولة احلديثة‪ ،‬وتزايد اختصاصاهتا‪ ،‬مل يعد ممكنًا تركيز السلطة يف‬
‫قسم الفقه التقليدي وظائف الدولة‬ ‫يد حاكم واحد‪ ،‬بل يلزم توزيعها بني هيئات حاكمة متع ّددة‪ ،‬ولقد ّ‬
‫ومعيارا لتوزيع السلطة‪ ،‬فقامت هيئة خمتّصة بالتشريع‬
‫ً‬ ‫أساسا‬
‫إىل ثالث‪ ،‬جاعالً من هذا التقسيم الثالثي ً‬
‫مسيّت "السلطة التشريعية"‪ G،‬وهيئة خمتّصة بوظيفة‪ G‬التنفيذ مسّيت "السلطة التنفيذية"‪ G،‬وهيئة ثالثة تقوم بوظيفة‪G‬‬

‫ليلة (حممد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.384-383 .‬‬ ‫‪665‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.386-385 .‬‬ ‫‪666‬‬


‫وتسمى "السلطة القضائية"‪ ،‬ومهما قيل يف انتقاد هذا التقسيم الثالثي‪ ،667‬فإنّـه ال يزال يعترب‬
‫القضاء‪ّ ،‬‬
‫التقسيم السائد يف الفكر السياسي‪ G،‬ويف النظم الوضعية‪.668‬‬
‫وفيما يأيت نتناول‪-‬بإذن اللّه تعاىل‪ -‬جوانب هذا املوضوع‪ G‬بالتفصيل والتحليل‪:‬‬

‫وتطوره‬
‫الفرع األول‪ :‬نشأة التقسيم الثالثي ّ‬
‫يقسم وظائف الدولة إىل وظيفة‪G‬‬ ‫منذ أواخر القرن الثامن عشر يسود الفكر السياسي رأي ّ‬
‫تشريعيّة‪ ،‬ووظيفة تنفيذيّة‪ G،‬ووظيفة قضائيّة‪ ،‬ولقد أشرنا ساب ًقا إىل أ ّن هذا التقسيم يستم ّد أصوله األوىل من‬
‫كتابات "أرسطو"‪ ،‬إالّ أ ّن مدلوله احلاضر يرتبط باسم "مونتسكيو"‪ G،‬والذي تأثّر بدوره بأفكار وكتابات‬
‫من سبقه يف احلديث عن هذا اجملال وهو "جون لوك"‪ ،‬ولقد استهدف "مونتسكيو"‪ G‬هبذا التقسيم هدفًا‬
‫معيّناً‪ ،‬وهو توزيع الوظائف‪ G‬على هيئات خمتلفة‪ ،‬وفصل هذه اهليئات بقصد محاية احملكومني من استبداد‬
‫احل ّكام‪.669‬‬
‫مقسمة –كما ذكرنا‪ -‬إىل ثالث‪ ،‬فإ ّن هذه‬ ‫ولئن كانت األجهزة أو السلطات يف الوقت احلاضر ّ‬
‫احلالة مل تكن سائدة دائماً‪ ،‬فقد كانت الوظيفة التنفيذيّة يف بعض األزمان القدمية هي الوظيفة‪ G‬الوحيدة‬
‫للحكومة‪ ،‬ومبعىن أوسع ممّا هي عليه اآلن‪ ،‬ومل يكن تشريع القوانني يع ّد عندئذ من بني وظائف احلكومة‪G،‬‬
‫جمرد التقاليد القدمية اليت استم ّدت ّقوة‬
‫حيث كانت القوانني تش ّكل بواسطة ماحني القانون‪ G،‬أو كانت ّ‬
‫تعود النّاس وسريهم عليها وقتًا طويالً‪ G،‬وكانت الوظيفة‪ G‬التنفيذيّة‪ G‬هي الوظيفة‪ G‬الرئيسة والعليا‬
‫القانون من ّ‬
‫للحكومة‪.670‬‬
‫‪ 667‬وممّا يقال يف نقد هذا التقسيم الثالثي أنّه يتجاهل الوظيفة احلكومية املتمثّلة يف وضع السياسة العامة للدولة‪ ،‬وتنظيم عالقاهتا اخلارجية‪،‬‬
‫ممّا ال يعترب تنفي ًذا للقوانني‪ ،‬فال يندرج يف إطار الوظيفة التنفيذية‪ .‬وكذلك انتقد هذا التقسيم الثالثي يف كون أ ّن الوظيفة التشريعية ال‬
‫حكرا على جهة واحدة‪ ،‬وأ ّن اهليئة التنفيذية الب ّد أن تشارك يف وضع القواعد التفصيلية أو اللوائح‪ .‬وقد ُر ّد على االنتقاد‬
‫ميكن أن تكون ً‬
‫الرد على االنتقاد الثاين‬
‫األول بالقول إ ّن الوظيفة احلكومية تع ّد تنفي ًذا للقانون الدستوري الذي تستم ّد منه سلطات الدولة وظائفها‪ّ .‬أما ّ‬
‫ّ‬
‫خيص تقسيم وظائف حكومة الدولة؛ وإمّن ا يتّصل بتوزيع هذه الوظائف على اهليئات اليت تتوالّها‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫فيكون بالقول إ ّن ذلك النقد ال ّ‬
‫ص‪.241-240.‬‬ ‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية)‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.321-320 .‬‬ ‫‪668‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.315-314 .‬‬ ‫‪669‬‬

‫املعز)‪ ،‬في النظريات والنظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.511 .‬‬ ‫نصر (حممد عبد ّ‬
‫‪670‬‬

‫و نقصد بلفظ احلكومة هنا "نظام احلكم"‪ ،‬أي كيفية استعمال السلطة العامة وممارستها؛ وذلك أل ّن لفظ "احلكومة" له ع ّدة استعماالت‪،‬‬
‫ومن استعماالته كذلك‪ :‬جمموع اهليئات احلاكمة أو املديرة للدولة‪ G،‬كما يستعمل يف معىن أضيق‪ ،‬فيقصد به "السلطة=‬
‫وأيضا قد يقصد به "الوزارة" ‪.‬انظر‪ :‬الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع‬
‫=التنفيذية"وحدها‪ً ،‬‬
‫مقسمة إىل ثالث‪ ،‬وقد زادت أمهيّة هذا االنقسام‪G‬‬ ‫وبتدرج‪ -‬أصبحت سلطات الدولة ّ‬ ‫وبعد ذلك‪ّ -‬‬
‫الصراع من أجل احلريات يف إجنلرتا وفرنسا‪ ،‬هذا مع‬ ‫للسلطات وانفصاهلا وإسنادها إىل هيئات خمتلفة مع ّ‬
‫املتنوعة قد اعرُت ف به قبل ذلك بوقت طويل‪ ،‬حيث أشرنا ساب ًقا‬ ‫التذكري بأ ّن وجود الوظائف والسلطات ّ‬
‫إىل أ ّن "أرسطو" قد ميّز يف كتابه "السياسـة" بني الوظـيفة "التـداوليّة"‪ G‬و "احلكوميّة" و "القضائيّة"‪.671‬‬
‫وقد حدث تراجع يف العصور الوسطى يف جمال التقسيم الثالثي‪ G‬للسلطات؛ حيث كانت الوظائف‪G‬‬
‫املتنوعة‪ G‬ومجيع السلطات يف هذه العصور مر ّكزة يف شخص امللك‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّأما يف بداية العهد احلديث‪ ،‬فقد قام "بودان"(‪ )Bodin‬بالتمييز بني السلطات الثالث‪ ،‬وأ ّكد بصفة‬
‫خاصة على أمهيّة االحتفاظ بالوظيفة‪ G‬القضائية‪ G‬منفصلة عن التنفيذية‪ G،‬وبعد ذلك انتهى األمر إىل‬
‫واضحا للسلطات‪ ،‬وليعلن مبدأ الفصل بني هذه السلطات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫"مونتسكيو"‪ G‬ليعطي تقسيماً‬
‫ضمن أفكـاره هذه يف كتابـه الشهري "روح‬ ‫ولقد بدأ بالتمييز بني هذه الوظـائف الثالث‪ ،‬وقد ّ‬
‫القوانني" (‪.672)Esprit des lois‬‬
‫التطورات اإليديولوجية اليت طرأت على الفكـر السياسي املعاصـر‪ ،‬من حيث‬ ‫وبالرغم من ّ‬ ‫وهكذا‪ّ ،‬‬
‫وظـائف الدولـة‪ ،‬فإ ّن التمييز بني وظائف الدولـة الثالث‪ :‬تشريعيّة‪ ،‬وتنفيذيّة‪ G،‬وقضائيّة‪ ،‬ما يزال حمتفظًا‬
‫بقيمته‪.673‬‬
‫الرغم ممّا ُو ّجه إليه من انتقادات‪،‬‬‫وهبذا خنلص إىل أ ّن هذا التقسيم الثالثي لسلطات الدولة‪ ،‬على ّ‬
‫مر مبراحل ع ّدة؛ جعلت أفكاره ترسخ‪ ،‬وتطبيقاته‬ ‫إالّ أنّه ال يزال معتَ َم ًدا يف األنظمة احلديثة‪ ،‬وأنّه قد ّ‬
‫فأي‬
‫ومربرات منطقيّة؛ ّ‬ ‫حيل حملّه؛ وذلك لقيامه على أسس واقعيّة‪ّ G،‬‬ ‫تثبت‪ ،‬وال بديل جاهز –إىل اآلن‪ّ G-‬‬
‫دولة تريد تنظيم سلطاهتا‪ ،‬جتد نفسها مرغمة على حتقيق هذه الوظـائف الثـالث‪ ،‬وقد حيدث هناك اختالف‬
‫بني الدول يف هذا اجملال‪ ،‬ولكن من حيث الصياغة‪ G‬فقط‪ ،‬دون املساس جبوهر هذه الوظائف‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ (:‬أنواع السلطات في الدول الحديثة‬

‫سابق‪ ،‬ص‪.58-57 .‬‬


‫املعز)‪ ،‬في النظريات والنظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.512-511 .‬‬
‫نصر (حممد عبد ّ‬
‫‪671‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.513-512 .‬‬ ‫‪672‬‬

‫حممد)‪ ،‬السلطات الثالث‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37 .‬‬


‫الطماوي (سليمان ّ‬
‫‪673‬‬
‫نتعرض فيما يأيت إىل التعـريف هبذه السلطـات الثـالث‪ ،‬مع بيـان أمهّيتها‪ ،‬والشكـل‪ ،‬أو األشكال‪،‬‬
‫و ّ‬
‫تتجسد يف أكثر من هيئة واحدة‪،‬‬
‫كل سلطة من هذه السلطات؛ وذلك أل ّن بعض السلطات ّ‬ ‫اليت تأخذها ّ‬
‫كل هيئة من تلك اهليئات‪.‬‬
‫أهم الوظائف‪ G‬اليت تقوم هبا ّ‬‫نتطرق إىل ّ‬
‫كما ّ‬
‫أوالً‪ :‬السلطة التشريعية(‬
‫ونتناول دراسة هذه السلطة يف اآليت‪:‬‬
‫سن‬
‫حيق هلا ّ‬‫‪ -1‬التعريف بالسلطة التشريعية‪ (:‬يقصد بالسلطة التشريعية‪ G‬األعضاء أو اهليئات اليت ّ‬
‫مهمة التشريع امللزم للنّاس‬
‫القواعد أو القوانني اليت يلتزم الكافّة مبراعاهتا‪ ،‬أو‪-‬مبعىن أقرب‪ -‬هي‪ :‬من يتوىّل ّ‬
‫يف إقليم الدولة‪.674‬‬
‫والسلطة التشريعية يف احلكومات الدستوريّة احلديثة هي اجملالس النيابيّة‪.675G‬‬
‫أهمية السلطة التشريعية‪ (:‬تعترب السلطة التشريعية هي الوسيلة األساسية‪ G‬للتعبري عن اإلرادة‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫متثيال‪ ،‬بل هي اهليئة الوحيدة اليت‬‫الشعبيّة يف الوقت احلاضر يف مجيع البالد الدميقراطية‪ ،‬فهي أكثر اهليئات ً‬
‫ككل‪ ،‬وهي يف نظر بعض املف ّكرين السياسيني تع ّد اجلهاز األساسي‬ ‫تستطيع أن تتكلّم باسم الشعب ّ‬
‫الرغم من أ ّن اهليئات التشريعية‪ G‬يف السنني األخرية‪ ،‬ويف معظم بالد العامل‪ ،‬قد‬ ‫وصاحب النفوذ‪ ،‬وذلك على ّ‬
‫أخذت تضعف يف ّقوهتا ونفوذها‪.676‬‬
‫ولقد عرّب "روسو" عن أمهّية هذه السلطـة بقوله‪« :‬إ ّن مبدأ احلياة السياسية‪ G‬هو السلطة السيادية‪،‬‬
‫تكون‪ G‬السلطة التنفيذية‪ G‬عقلها الذي يأمر مجيع األطراف‬ ‫والسلطة التشريعية هي قلب الدولة؛ بينما ّ‬
‫باحلركة‪.677» ‬‬
‫يدل على املكانة اليت حتظى هبا السلطة التشريعية‪ ،G‬حىت لدى املف ّكرين السياسيني‪ ،‬وال‬ ‫وهذا النّص ّ‬
‫اجملسدة لسيادته الفعليّة‪.‬‬
‫غرو يف ذلك مادامت‪ G‬هذه السلطة هي املعرّب ة‪ G‬عن إرادة الشعب‪ ،‬وهي ّ‬

‫‪ 674‬غمق (ضو مفتاح حممد)‪ ،‬السلطة التشريعية في نظام الحكم اإلسالمي والنظم المعاصـرة‪ ،‬منشورات (‪ ،)E L G A‬مالطا‪،‬‬
‫‪2000‬م‪ ،‬ص‪.17 .‬‬
‫عزت)‪ ،‬النظام السياسي في اإلسالم‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع والرتمجة‪ ،‬القـاهرة‪ ،‬ط‪،1 .‬‬
‫‪ 2‬الخيّاط (عبد العزيز ّ‬
‫‪675‬‬

‫‪1420‬هـ‪1999-‬م‪ ،‬ص‪.233 .‬‬


‫املعز)‪ ،‬في النظريات والنظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.536 .‬‬
‫نصر (حممد عبد ّ‬
‫‪676‬‬

‫‪ 677‬رو سو (جان جاك)‪ ،‬العقد االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.146-145 .‬‬


‫أهم خمتلف فروع احلكم يف دولة دميقراطية‪ ،‬فبعد أن أصبح من املتعذّر على‬‫فاهليئة التشريعية ّ‬
‫ليقرر السياسة بنفسه‪ ،‬نتيجة الزدياد املساحة وعدد الس ّكان‪ ،G‬أصبحت اهليئة‪ G‬التشريعية‬
‫الشعب االجتماع ّ‬
‫مهمتها كانت وال تزال متثيل الشعب والتح ّدث بامسه‪.678‬‬‫أهم وكالة يف الدولة الدميقراطية‪G‬؛ أل ّن ّ‬
‫ّ‬
‫المجسدة للسلطة التشريعية‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬تع ّدد أنظمة المجالس‬
‫تتكون عادة من جملس واحد‪ ،‬أو جملسني‪ ،‬أو‬‫إ ّن الربملـانات –اليت متثّل السلطة التشريعية‪ّ G-‬‬
‫جمالس متع ّددة‪.679‬‬
‫نتعرض –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل هذه األنظمة املختلفة ‪ -‬بالدراسة والتقومي‪:‬‬
‫وفيما يأيت ّ‬
‫أ‪-‬نظام المجلس الواحد‪ (:‬حيث يقوم جملس واحد يف هذا النظام باملهام التشريعية‪ G،‬ويأخذ هذا‬
‫األمة" أو "اجلمعية الوطنية" أو "اجلمعية‬
‫فيسمى "جملس الشعب" أو "جملس ّ‬ ‫اجمللس تسميات خمتلفة‪ّ ،‬‬
‫املسميات األخرى‪.680‬‬‫الشعبيّة"‪ ،‬وغريها من ّ‬
‫مربرات األخذ هبذا النظام‪ ،‬كما يذكر أنصار هذا النظام‪ ،‬أنّه يتطابق مع مبدإ سيادة الشعب‪،‬‬ ‫ومن ّ‬
‫تتجزأ اهليئة املعرّب ة‪ G‬عن إرادة الشعب‪ ،‬كما أنّه يتميّز بالسرعة‬
‫تتجزأ‪ ،‬فال جيوز أن ّ‬ ‫فما دامت السيادة ال ّ‬
‫والسيما إذا كان اختيار‬
‫ّ‬ ‫مربر إلنشاء جملسني‪،‬‬
‫والبساطة يف شأن العملية التشريعية‪ G،‬إضافة إىل أنّه ال ّ‬
‫مربر‪.681‬‬
‫يتم بنفس األسلوب واإلجراءات؛ أل ّن ذلك سوف يع ّد مبثابة نوع من االزدواج بدون ّ‬ ‫أعضائهما ّ‬
‫وقد ذهب بعضهم إىل أ ّن أفضل طريقة خلدمة قضية الدميقراطية تكمن يف هيئة تشريعية من جملس‬
‫واحد‪ ،‬وتُنتخب انتخابًا دميقراطيًا حقيقيًا‪.682‬‬
‫فهذه بعض حجج أنصار نظام اجمللس الواحد‪ ،‬ولكن هناك اجّت اه آخر يرى ضرورة إنشاء جملس‬
‫تؤدي اهليئة التشريعية‪ G‬وظيفتها على أحسن وجه‪ ،‬وأ ّن اجمللس الواحد ال يكفي‪ G‬للقيام بذلك‪،‬‬ ‫ثان‪ ،‬حىت ّ‬
‫يؤدي‬
‫وانتقدوا‪ G‬نظام اجمللس الواحد بكونه‪ G‬قد يكون‪ G‬مدعاة لسيطرة هذا اجمللس على احلياة النيابيّة‪ G،‬وهذا ما ّ‬
‫يؤدي إىل عمل تشريعي سريع‪ ،‬مع نقصان‪ G‬يف‬ ‫إىل انعدام التوازن‪ G‬بني السلطات العامة يف الدولة‪ ،‬وأنّه قد ّ‬

‫ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.172 .‬‬ ‫‪678‬‬

‫فوزي (صالح ال ّدين)‪ ،‬البرلمان –دراسة مقارنة تحليلية لبرلمانات العالم‪ -‬دار النهضة العربيّة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‪.2 .‬‬ ‫‪679‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.2 .‬‬ ‫‪680‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.2 .‬‬ ‫‪681‬‬

‫ليبسون (لسلي)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.179 .‬‬ ‫‪682‬‬


‫حل النـزاع الذي‬
‫يتضمن كيفية ّ‬
‫اإلجراءات الفنيّة‪ G‬الالّزمة لعملية التشريع‪ ،‬كما أ ّن نظام اجمللس الواحد ال ّ‬
‫قد ينشب بني السلطتني التشريعية‪ G‬والتنفيذية‪.683G‬‬
‫ب‪-‬نظام المجلسين‪ :‬وهو ذلك النظام الذي مُت ارس فيه الوظيفة‪ G‬التشريعية بواسطة جملسني‪ ،‬ولقد‬
‫ظهرهذا النظام يف مرحلة املرور من امللكية‪ G‬املطلقة إىل امللكية‪ G‬املقيّدة‪ .‬وهكذا ظهر يف إجنلتـرا يف العصور‬
‫يضم خنبة من املوالني للملك (جملس اللّوردات)‪ ،‬ويف غضون القرن السابع‬ ‫الوسطى جملس‪ ‬إرستقراطي ّ‬
‫عشر ظهر جملس آخر ُمثّلت فيه الطبقات الشعبيّة‪( G‬جملس العموم)‪ ،‬وهذا األخري أصبح هو الذي حيوز‬
‫معظم الصالحيات الدستورية باملقارنة مع "جملس اللّوردات"‪.684‬‬
‫الشعب تتمثّل يف جملس‪ ،‬ويتمثّل النبالء يف‬ ‫إذن‪ ،‬فقد متّ اللّجوء إىل نظام اجمللسني جلعل مجاهري ّ‬
‫اجمللس الثاين‪.685‬‬
‫خيص "الدول املر ّكبة"‪ ،‬فإ ّن اجمللس األعلى‬
‫مربرات هذا النظام يف الوقت احلايل‪ ،‬ففيما ّ‬ ‫ّأما عن ّ‬
‫يتم‬
‫كل دويالت االحتّاد على قدم املساواة‪ G،‬حيث إنّ اإلرادة الشعبيّة ّ‬ ‫هاما ألنّه يسمح بتمثيل ّ‬‫دورا ً‬
‫يلعب ً‬
‫يتم التعبري عنها من خالل اجمللس‬ ‫التعبري عنها من خالل اجمللس األدىن‪ ،‬يف حني أ ّن إرادة دويالت االحتّاد ّ‬
‫األعلى‪.686‬‬
‫املوحدة‪ ،‬فيعترب نظام اجمللسني‪ -‬عند أنصار هذا النظام‪ -‬ضرورة‬ ‫خيص الدول البسيطة أو ّ‬ ‫ّأما فيما ّ‬
‫يتم عادة عن‬
‫حىت يضمن إمتام العملية التشريعية‪ G‬على أكمل وجه‪ ،‬كما أ ّن اختيار أعضاء اجمللس األعلى ّ‬
‫طريق االقرتاع العام غري املباشر‪ ،‬حىت يسمح بالتمثيل احلقيقي‪ G‬للمحليات وضمان الدفاع عن مصاحلها‪،‬‬
‫هذا باإلضافة إىل أ ّن اجمللس األعلى بالنّظر إىل طريقة تكوينه واختصاصه وم ّدة عمله‪ ،‬يعترب مبثابة عامل‬
‫دورا ال يُنكر يف أوقات األزمات السياسية‪ G،‬النامجة عن النـزاع‬ ‫استقرار وثبات للدولة‪ ،‬كما أ ّن هلذا اجمللس ً‬
‫والصدام بني السلطة التنفيذية وجملس النواب‪ ،687G‬فهذا النظام يكفل عدم استبداد الربملان‪ ،‬ومتحيص‬
‫القوانني وإتقاهنا‪ ،‬وإدخال الكفاءات‪ G‬إىل الربملان عن طريق التعيني يف اجمللس الثاين‪.688‬‬

‫فوزي (صالح ال ّدين)‪ ،‬البرلمـان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.2 .‬‬ ‫‪683‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.5 .‬‬ ‫‪684‬‬

‫ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.178 .‬‬ ‫‪685‬‬

‫فوزي (صالح ال ّدين)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.5 .‬‬ ‫‪686‬‬

‫فوزي (صالح ال ّدين)‪ ،‬البرلمـان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6 .‬‬ ‫‪687‬‬

‫متولي (عبد احلميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.109 .‬‬ ‫‪688‬‬
‫للتنصل من املسؤولية وحتميلها‬
‫كل جملس من اجمللسني يسعى ّ‬ ‫وقد انتُقد هذا النظام لكونه جيعل ّ‬
‫يتعرض مبدأ اجمللسني بسهولة إىل العراقيل والتأخري‪.689‬‬
‫للمجلس اآلخر‪ ،‬باإلضافة إىل ذلك ّ‬
‫فضل بعض الدارسني‬ ‫وباملوازنة بني ما حي ّققه نظام اجمللس الواحد‪ ،‬وما حي ّققه نظام اجمللسني‪ ،‬فقد ّ‬
‫نظام اجمللس الواحد؛ وذلك لكون أ ّن ما حي ّققه نظام اجمللسني يستطيع أن حي ّققه نظام اجمللس الواحد‪ ،‬فهذا‬
‫األخري يستطيع دراسة القوانني دراسة وافية قبل سنّها‪ ،‬وميكن للهيئة التشريعية‪ G‬أن حتمي نفسها من اخّت اذ‬
‫قرارات عاطفية‪ ،‬أي أنّه ال توجد فائدة ملبدإ اجمللسني ال ميكن حتقيقها بواسطة اجمللس الواحد‪.690‬‬
‫غري أنّه ال ميكن تفضيل أحد النظامني باالعتماد على اجلانب النّظري البحت‪ ،‬بل يتعنّي علينا أن ال‬
‫ننظر إىل هذه األنظمة مبعزل عن التطبيقات العملية‪ ،‬فهي اليت حت ّدد النظـام األوىل باالتّبـاع‪ ،‬إذ هناك دول‬
‫تركت نظام اجمللسني إىل اجمللس الواحد‪ ،‬ودول أخرى قد ع ّدلت من طبيعة اجمللس الثاين ملواكبة‪ G‬احلاجيات‬
‫اجلديدة للدولة املعاصرة‪.691‬‬
‫أقل شهرة وتطبي ًقا‬
‫وهناك بعض الدول قد تبنّت يف بعض فرتاهتا نظام اجملالس املتع ّددة‪ ،‬وهو نظام ّ‬
‫السابقني‪.‬‬
‫من النظامني ّ‬
‫جـ‪ -‬نظام المجالس المتع ّددة‪ :‬يف هذا النظـام جند أ ّن السلطة التشريعية متارسها ّ‬
‫عدة جمالس‪ ،‬إالّ‬
‫دورا تشريعيًا‬
‫أ ّن أحد هذه اجملالس يكون ذا اختصاص أساسي يف احلياة النيابيّة‪ G،‬وباقي اجملالس متارس ً‬
‫حم ّد ًدا‪ ،‬أو يقتصر على جمـاالت حمصورة‪ ،‬وقد تتوىّل هذه اجملالس القيام باألعمـال التحضريية‪ G‬للقوانني‪،‬‬
‫حق التصويت‪ .‬ونشهد تطبيق هذا النظـام يف فرنسا يف غضون‪G‬‬ ‫واالشرتاك‪ G‬يف املناقشات دون أن يكون‪ G‬هلا ّ‬
‫اإلمرباطورية األوىل النابليونيّة‪1814-1804( G‬م)‪ ،‬ويف الوقت املعاصر طبّق هذا النظام يف يوغسالفيا‬
‫السابقة يف دستور ‪1963‬م‪ ،‬إالّ أهّن ا عدلت عنه إىل نظام اجمللسني يف دستور ‪1974‬م‪.692‬‬
‫أهم وظائف السلطة التشريعيّة‪ (:‬ميكن إيجاز ّ‬
‫أهم وظائف اهليئة التشريعيّة‪ G‬يف اآليت‪:‬‬ ‫‪ّ -4‬‬
‫أ‪ -‬الوظيفة‪ G‬األوىل للهيئة التشريعية ‪-‬كما ّ‬
‫يدل عليها امسها‪ -‬هي"التشريع"‪ ،‬أي وضع القوانني‪G،‬‬
‫مرت هبا هذه الوظيفة األساسية‪ -G‬عمل‬
‫وتعديلها‪ ،‬وإلغاؤها؛ فقد أصبح اليوم‪ - G‬وبعد مراحل طويلة ّ‬
‫التطور احلاصل الذي زاد عملية التشريع زيادة‬
‫يؤدى بواسطة اهليئة التشريعية‪ G،‬ولكن بعد ّ‬
‫التشريع األساسي‪ّ G‬‬

‫ليبسون (ليسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.108 .‬‬ ‫‪689‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.180 .‬‬ ‫‪690‬‬

‫فوزي (صالح ال ّدين)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.7-6 .‬‬ ‫‪691‬‬

‫فوزي (صالح ال ّدين)‪ ،‬البرلمـان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8.‬‬ ‫‪692‬‬


‫املفصل والفيّن الفعلي خلـرباء يف الـدواوين احلكـومية‪ G‬أو للجان‬
‫كبرية يف احلجم والتعقيد أسند العمل ّ‬
‫متخصصة‪ ،‬واقتصر عمل اهليئة التشريعية‪ G‬على املوافقة على السياسات العامة‪ ،‬ومناقشة املبادئ األساسية‪،G‬‬
‫ّ‬
‫‪693‬‬
‫وكفالة مصاحل الشعب العامة واخلاصة ‪.‬‬
‫ب‪-‬كما ّ‬
‫تتوىل اهليئة التشريعية‪ G‬عمليات املداولة‪ ،‬واليت يُقصد منها التداول بشأن‪ G‬حاجات الشعب‬
‫ويتم هذا عن طريق القرارات‪ ،‬حيث إ ّن املناقشة واملناظرة والتصويت هي املناهج اليت‬
‫ومشاكله‪ّ ،‬‬
‫تستخدمها الدميقراطية‪ G،‬وتعترب اهليئة‪ G‬التشريعية هي مسرحها الرئيس‪.694‬‬
‫جـ‪ -‬وتعترب مراقبة ماليّة الدولة من وظائف اهليئة‪ G‬التشريعية‪ .‬هذا باإلضافة إىل وظائف أخرى مثل‬
‫يسمى "الوظيفة التعبرييّة"‪ ،‬حيث تق ّدم األسئلة لكشف‬
‫حق االستفسار‪ ،‬وهو ما ّ‬ ‫ما متلكه هذه اهليئة من ّ‬
‫اخلاصة بعمل احلكومة‪ G‬ودواوينها‪.695‬‬
‫املعلومات ّ‬
‫فهذه هي أبرز وظائف اهليئة‪ G‬التشريعية‪ ،‬واليت تشرتك فيها كثري من اهليئات التشريعية يف معظم‬
‫بلدان العامل‪ ،‬مع املالحظة أ ّن هذه الصالحيات قد تزيد وقد تنقص‪ G‬حبسب األنظمة املختلفة وطبيعتها‪،‬‬
‫ومدى ما حتظى به هذه اهليئة‪ G‬من صالحيات‪ ،‬باملقارنة مع اهليئات األخرى‪ ،‬والسيّما اهليئة التنفيذية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬السلطة التنفيذية‬
‫ونتناول دراسة هذه السلطة يف اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬التعريف( بالسلطة التنفيذية‪ُ :‬يقصد بالسلطة التنفيذية تلك السلطة اليت تنعقد بناصية شخص‬
‫واحـد‪ ،‬كامللك أو رئيس اجلمهورية (ويف النظام الربملاين تكون له هذه السلطة امسًا‪ ،‬ولكنّه يباشرها فعالً‬
‫بواسطة وزرائه)‪ .‬وهذه الوحدة يف تكوين السلطة التنفيذية‪ G‬هي القاعدة السائدة‪ ،‬وهي عامل من عوامل‬
‫وقوة‪.696‬‬
‫ّقوة هذه السلطة وسرعة تصريف األمور‪ ،‬مع ما جيب لوظيفة‪ G‬التنفيذ من حزم ّ‬
‫‪-2‬أهميّة الهيئة التنفيذية‪ (:‬تعترب هذه اهليئة‪ G‬إحدى أجهزة احلكومـة الثالث‪ ،‬ويعتربها‪ G‬املواطن‬
‫يوحد بينها وبني احلكومة‪ G‬ذاهتا؛ وذلك أل ّن رئيس اهليئة‪G‬‬
‫أهم جزء يف احلكومة‪ G،‬فهو ّ‬
‫‪-‬على العموم‪ّ -‬‬
‫وقوة الدولة مُت ارس عـادة عن طريق‬
‫أيضا رئيس الدولة‪ ،‬وهو رمز وحـدة الدولة وسلطتها‪ّ ،‬‬
‫التنفيذية‪ G‬هو ً‬

‫نصر (حممد عبد املعزّ)‪ ،‬في النظريات والنظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.536 .‬‬ ‫‪693‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.537 .‬‬ ‫‪694‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.541-540 .‬‬ ‫‪695‬‬

‫حممد)‪ ،‬النّظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.268 .‬‬


‫الطماوي (سليمان ّ‬
‫‪696‬‬
‫أيضا حبكومة‬
‫اهليئة التنفيذية‪ ،‬حيث إ ّن قوات الدفاع والبوليس حتت سيطرة اهليئة‪ G‬التنفيذية‪ G،‬اليت تُعرف ً‬
‫البالد‪. 697‬‬
‫عقدا‪ ،‬بل هو‬
‫يؤسس احلكومة ليس ً‬ ‫‪-3‬طبيعة الهيئة التنفيذية‪ :‬لقد اعترب "روسو" ّ‬
‫التصرف الذي ّ‬
‫الشعب؛ وإمّن ا هم موظّفوه‪ ،‬وأنّه يستطيع‬
‫قانون‪ ،‬وأ ّن من يؤمتنون على السلطة التنفيذية ليسوا مطل ًقا سادة ّ‬
‫إقامتهم وعزلهم مىت شاء‪ ،‬وأ ّن املسألة‪ G‬بالنسبة هلم ليست مسألة تعاقد؛ وإمّن ا طاعة‪.698‬‬
‫وأما ما تشمله اهليئة التنفيذية ‪-‬يف أوسع معانيها‪ G-‬فهم مجيع املوظّفني احلكوميني ما عدا أولئك‬ ‫ّ‬
‫وتتضمن مجيع ُشعب احلكومة‪ G‬اليت هلا صلة بتنفيذ‪ G‬سياسة‬
‫ّ‬ ‫الذين يعملون يف اهليئة‪ G‬التشريعية أو القضائية‪G،‬‬
‫الدولة‪.699‬‬
‫أهم وظائف الهيئة التنفيذية(‪ :‬للهيئة التنفيذية ع ّدة وظائف‪ ،‬ولقد منت واتّسعت ً‬
‫كثريا يف‬ ‫‪ّ -4‬‬
‫الوقت احلاضر‪.‬‬
‫ومن بني هذه الوظائف‪ G‬اليت تضطلع هبا هذه اهليئة‪ G:‬إدارة العالقات اخلارجيّة مع الدول األجنبية‬
‫القوات‪ G‬املسلّحة؛ حيث إ ّن رئيس اهليئة التنفيذية‬
‫(العالقات اخلارجيّة)‪ ،‬كما أهّن ا متارس سيطرهتا على تنظيم ّ‬
‫كل البالد هو القائد األعلى لقوّات الدولة املسلّحة (الشؤون‪ G‬العسكريّة)‪ ،‬كما تتوىّل تنفيـذ القـانون‬ ‫يف ّ‬
‫كثريا يف الدولة احلديثة‪ ،‬هذا‬
‫واإلدارة‪ ،‬وهي الوظيفـة األوليّة‪ G‬أو األساسيّة‪ G‬للهيئة التنفيذيّة‪ ،‬واليت اتّسعت‪ً G‬‬
‫أيضا بعض السلطات القضائية‪.700‬‬ ‫باإلضافة إىل ما تقوم به من دور هام يف جمال التشريع‪ ،‬كما متلك ً‬
‫ثالثًا‪ :‬السلطة القضائيّة(‬
‫ونتناول دراسة هذه السلطة يف اآليت‪:‬‬
‫تطور الهيئة القضائيّة‪ (:‬لقد كانت إدارة القضاء‪ ،‬اليت تع ّد اليوم ‪-‬بوجه عام‪ -‬من واجبات‬
‫‪ّ -1‬‬
‫خاصة‪ ،‬ومل يكن للدولة جهاز معنّي إلدارهتا؛ حيث كانت يف الدولة البدائية‬
‫الدولة‪ ،‬يف األصل تع ّد مسألة ّ‬
‫املنازعات واخلروج عن العرف والتقاليد‪ G‬حُت سم بالصلح بني الطرفني‪ ،‬أو بتوسيط بعض األفراد‪ ،‬أو حتسمها‬

‫نصر (حممد عبد املعز)‪ ،‬في النظريات والنظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.528 .‬‬ ‫‪697‬‬

‫روسو (جان جاك)‪ ،‬العقد االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.163 .‬‬ ‫‪698‬‬

‫كيتيل (راميوند كارفيلد)‪ ،‬العلوم السياسية‪ ،‬ترمجة‪ :‬فاضل زكي ّ‬


‫حممـد‪ ،‬مكتبة النهضة‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪ 1964 ،2 .‬م‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.114 .‬‬ ‫‪699‬‬

‫نصر (حممد عبد املعزّ)‪ ،‬في النظريات والنظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 528 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪700‬‬
‫العائلة بأخذ الثأر واالنتقام‪701‬؛ ّأما اليوم فقد أصبح القضاء من األجهزة اليت تتوىّل الدولة تنظيمها‬
‫مؤسسات الدولة احلديثة‪.‬‬
‫ورعايتها‪ ،‬حيث غدت هيئة القضاء من ّ‬
‫‪ -2‬أهميّة الهيئة القضائيّة‪ (:‬إ ّن وجود هيئة تشريعية وهيئة‪ G‬تنفيذية يف بلد ما ال يُغين عن وجود‬
‫هيئة قضائية مستقلّة وغري متحيّزة‪ ،‬حىت يكمل عمل نظامها الدستوري‪ ،‬وتعترب هذه اهليئة خري وسيلة‬
‫تكونت‪ G‬هذه اهليئة‪ G‬تكوينًا مناسبًا وحت ّقق فيها شرط‬
‫للحماية ض ّد احلكم التح ّكمي‪ ،‬وذلك إذا ّ‬
‫االستقالل‪ ،702‬فهذه اهليئة هي اليت تُشعر املواطن باألمان واالطمئنان‪ G‬على حقوقه وحرياته‪ ،‬والسيّما بعد‬
‫ازدياد نفوذ اهليئة التنفيذية‪ ،‬واتّساع صالحياهتا ونشاطها‪.‬‬
‫أهم وظائف الهيئة القضائيّة‪ (:‬تعترب الوظيفة‪ G‬األساسية للهيئة القضائية‪ G‬هي تطبيق القانون‪ G‬على‬
‫‪ّ -3‬‬
‫مهمة ليست سهلة‪ ،‬والسيّما مع غموض نصوص‬ ‫قضايا معيّنة‪ ،G‬والفصل يف املنازعات املختلفة‪ ،‬وهي ّ‬
‫القانون يف بعض األحيان‪ ،‬وهذا ما حيتّم على القاضي تفسري معىن القوانني‪.703‬‬
‫أهم وظائفها‪ G‬كذلك تفسري‬‫‪-‬كما تقوم هذه اهليئة‪ G‬بوظيفة محاية الفرد ض ّد اعتداء الدولة‪ ،‬ومن ّ‬
‫الدستور‪ ،‬وإعالن‪ G‬بطالن القوانني اليت ختالفه‪ ،‬كما تعطي آراء استشارية يف مسائل قانونية‪ ،‬إىل غري ذلك‬
‫من الوظائف املتع ّددة هلذه اهليئة‪.704‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬مبدأ الفصل بين السلطات(‪)Le principe de la séparation des pouvoirs‬‬

‫يعترب هذا املبدأ من املبادئ الدستورية اليت تقوم على أساسها أنظمة الدميقراطية‪ G‬الغربيّة بوجه عام‪،‬‬
‫وينسب أصل هذا املبدإ – عادة ‪ -‬إىل الفلسفة السياسية للقرن الثامن عشر‪ ،‬وجند "مونتسك‪G‬يو" يف كتابه‬
‫حىت إنّه يف فرنسا ويف غريها‬
‫الشهري "روح القوانني" (‪ )Esprit des lois‬يعرّب عن هذا املبدإ أكمل تعبري‪ّ ،‬‬
‫من البلدان ال ميكن فصل ذلك املبدإ عن اسم "مونتسكيو" وكتابه‪ ،‬فهو الذي أذاع ذلك املبدأ عن طريق‬
‫الرغم من أ ّن "مونتسكيو" ليس هو ّأول من قال هبذا‬ ‫كتابه الشهري الذي ظهر عـام ‪ 1748‬م‪ ،‬هذا على ّ‬
‫وكل ما هنالك أنّه استطاع أن يضع تلك‬ ‫املبدإ‪ ،‬ومل تكن األفكار اليت أدىل هبا بصدده من صنعه كلّها‪ّ ،‬‬

‫كيتيل (راميوند كارفيلد)‪ ،‬العلوم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.142-141 .‬‬ ‫‪701‬‬

‫نصر (حممد عبد املعزّ)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.544-543 .‬‬ ‫‪702‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.544 .‬‬ ‫‪703‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.547-545 .‬‬ ‫‪704‬‬


‫األفكار (أو ذلك املبدأ) يف أبلغ وأروع قالب؛ حيث ملع هذا املبدأ بفضله ملعانًا جعل منه‪-‬ومن تلك‬
‫األفكار‪ -‬مبدأ من املبادئ األساسية ألنظمة الدميقراطية الغربيّة‪.705‬‬
‫نتعرض –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل دراسة هذا املبدإ ‪:‬‬
‫وفيما يأيت ّ‬
‫أوالً‪ :‬مضمون مبدإ الفصل بين السلطات‬
‫فن السياسة‪ ،‬ومبدأ متليه احلكمة السياسيّة؛‪G‬‬‫يعتربهذا املبدأ ‪-‬يف تفسريه السليم‪ -‬قاعدة من قواعد ّ‬
‫سريا حسنًا‪ ،‬وحىت نضمن احلريات الفرديّة‪ ،‬وحنول دون استبداد‬ ‫وذلك أنّه لكي تسري مصاحل الدولة ً‬
‫احل ّكام‪ ،‬فإنّه من الالّزم أالّ تر ّكز السلطات كلّها يف هيئة واحدة‪ ،‬ولو كانت هيئة نيابيّة‪ G‬تعمل باسم‬
‫يتلخص يف دعامتني‪ :‬األوىل تتمثّل يف تقسيم وظائف الدولة إىل ثالث وظائف‬ ‫الشعب‪ ،‬فجوهر هذا املبدإ ّ‬
‫هي‪ :‬الوظيفة‪ G‬التشريعية‪ ،‬والوظيفة التنفيذية‪ ،‬والوظيفة القضائية؛ والثانيّة‪ G‬تتمثّل يف عدم جتميع هذه الوظائف‬
‫الشق الثاين هو الذي أبرزه "مونتسكيو" ونُسب إليه‪ ،‬وهبذا املعىن ال يع ّد هذا املبدأ‬
‫يف هيئة واحدة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الفن السياسي‪.706‬‬
‫جمرد قاعدة من قواعد ّ‬‫األمة‪ ،‬ولكن هو ّ‬‫فكرة قانونية مثل سيادة ّ‬
‫كما اعتُرب هذا املبدأ تقنية تنظيم دستورية‪.707‬‬

‫وتطوراته‬
‫ثانيًا‪ :‬نشأة المبدإ ّ‬
‫هلذا املبدإ تاريخ قدمي‪ ،‬فقد ف ّكر الفالسفة‪ G‬والعلماء‪ ،‬والسيّما أفالطون‪ G‬وأرسطو‪ ،‬منذ أقدم‬
‫العصور‪ ،‬يف تقسيم وظائف الدولة‪ ،‬وحىت يف فصل هذه الوظائف‪.708‬‬
‫تقصينا‪ G‬حتديد تاريخ نشوء أفكـار هذا املبدإ يف العصر احلديث‪ ،‬فإنّنا جنـد بأ ّ‪G‬ن "جون لوك"‬
‫ّأما إذا ّ‬
‫وتفوق‪ -‬تطويره وبلورته‪ ،‬وقد سيطر هذا املبدأ‬‫قد نادى هبذا املبدإ‪ ،‬وبعدها استأنف "مونتسكيو"‪G-‬وبرباعة ّ‬
‫على التاريخ السياسي الربيطاين‪ ،709‬وذلك منذ منتصف القرن السابع عشر‪ ،‬وعلى مجيع التواريخ‬
‫متولي (عبد احلميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.176 .‬‬ ‫‪705‬‬

‫حممد)‪ ،‬السلطات الثالث‪ ، ...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.452-451 .‬‬


‫الطماوي (سليمان ّ‬
‫‪706‬‬

‫‪HERMET (Guy), BADIC(Bertrand), BIRNBAUM(Pierre) et BRAUD(Philipe), Dictionnaire de la science politique et 707‬‬


‫‪.des institutions politiques, Dalloz, Armand Colin, éd. 5, Paris, 1994, p. 285‬‬
‫‪ 708‬ليلة (حممد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.849 .‬‬
‫‪ 709‬فقد استوحى "مونتسكيو" فكرته عن الفصل بني السلطات من واقع النظام السياسي اإلجنليزي يف عصره‪ ،‬فمن ثنايا املالحظة كشف‬
‫القوة‪ ،‬وتأ ّكد له ذلك من خالل املقارنة بني النظام اإلجنليزي‬
‫القوة إالّ ّ‬
‫عن حقيقة أ ّن السلطة ّقوة‪ ،‬وأنّه طبقاً لطبيعة األشياء ال يوقف ّ‬
‫والنظام الفرنسي يف عصره‪ ،‬حيث انتهى إىل فكرة الفصل بني السلطات‪ ،‬واليت تعين ضرورة تفتيت السلطة بني ّقوتني متوازنتني مها‪:‬‬
‫املتحدة األمريكية‪ G‬بداية من عام ‪ 1776‬م‪ ،‬وفرنسا بداية من عام ‪1789‬م‪ ،‬ومجيع‬ ‫الدستورية للواليات ّ‬
‫كل من "لوك"‬ ‫احلرة والدميقراطية‪ ،‬حيث كانت الثورة الفرنسيّة كثرية االستعمال ألفكار ونظريات ّ‬ ‫البلدان ّ‬
‫و "مونتسكيو"‪.710G‬‬
‫الرغم من تبيّن كثري من دساتري العامل هلذا املبدإ‪ ،‬إالّ أ ّن هناك اجّت اهاً‬‫ويف العصر احلاضر‪ ،‬وعلى ّ‬
‫تدرج السلطات‪،711‬‬ ‫يرى أ ّن هذا املبدأ يف سبيله إىل االهنيار‪ ،‬وأ ّن القاعدة يف النظم السياسية‪ G‬املعاصرة هي ّ‬
‫ال املساواة‪ G‬بينها‪ ،‬واهنيار هذا املبدإ يف النظم السياسية‪ G‬املعاصرة كان نتيجة حتميّة النتشار الدميقراطية‪،‬‬
‫ممثليه‪ ،‬ووضع الثقة يف اهليئة‪ G‬احلاكمة األقرب إىل الشعب‬ ‫وجعل السيادة للشعب‪ ،‬ميارسها عن طريق ّ‬
‫واألكثر متثيالً له‪.712‬‬
‫ولكن رغم هذا الرأي إالّ أ ّن االجّت اه الغالب ال يزال ينظر إىل هذا املبدإ ‪-‬حىت يف عصرنا احلاضر‪-‬‬
‫على أنّه من الضمانات القانونيّة اهلامّة للحريّة السياسيّة‪.713G‬‬
‫ويبدو أ ّن هذا صحيح من الناحية النظرية‪ّ ،‬أما من الناحية العملية فإ ّن هذا املبدأ مل يرق بعد إىل ما‬
‫كان يتغيّاه‪G.‬‬
‫مبررات وأهداف مبدإ الفصل بين السلطات‬ ‫ثالثًا‪ّ :‬‬
‫أقروا هذا املبدأ‪ ،‬والذين تبنّوه يف أنظمتهم‪ ،‬يهدفون من ورائه إىل حتقيق مجلة‬
‫لقد كان الذين ّ‬
‫املربرات واألهداف‪:‬‬
‫مربرات لألخذ به‪ ،‬وفيما يأيت ذكر لبعض هذه ّ‬ ‫من األهداف‪ ،‬كما استندوا إىل ّ‬
‫مربرات هذا املبـدإ هو منع االستبداد وصيانة احلريّة‪ ،‬حيث أجـمع املفكّ‪G‬رون يف خمتلف‬
‫أهم ّ‬
‫‪-1‬من ّ‬
‫العصور على أ ّن السلطة املطلقة من شأهنا أن تغري بإساءة استعماهلا‪ ،‬حىت قيل إ ّن السلطة املطلقة مفسدة‬

‫القوة بني السلطات يف ثنايا تبادل‬


‫الربملان الذي يقوم على وظيفة التشريع‪ ،‬وامللك الذي يقوم على وظيفة التنفيذ‪ ،‬فجاء بفكرة التوازن يف ّ‬
‫التأثري والتأثّر‪ .‬انظر‪ :‬ثابت (عادل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.101 .‬‬
‫‪.CADART (Jaques), Institutions politiques et droit constitutionnel, L.G.D.J, paris, 1975, p.280 710‬‬
‫"تدرج السلطات"‪ ،‬الذي هتيمن فيه هيئة معيّنة على غريها من هيئات الدولة‪ ،‬خيتلط يف الواقع مع نظام "تركيز‬
‫ويُالحظ أ ّن نظام ّ‬
‫‪711‬‬

‫يسوي بني تلك اهليئات يف االختصاصات؛ وإمّن ا يضع‬


‫السلطة"‪ ،‬ألنّه ال يأخذ من فكرة توزيع السلطة إالّ فكرة تع ّدد اهليئات‪ ،‬دون أن ّ‬
‫جمرد هيئـات تابعة أو ثانوية‪.‬‬
‫السلطة احلقيقية واالختصاصات اهلامّة يف يد هيئة واحدة أو حاكم واحد‪ ،‬جاعالً من اهليئـات األخرى ّ‬
‫انظر‪ :‬بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.310 .‬‬
‫‪ 712‬بدوي (ثروت)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.348-347 .‬‬
‫‪ 713‬سميع (صاحل حسن)‪ ،‬أزمة الحريّة السياسية في الوطن العربي‪ ،‬الزهـراء لإلعالم العريب‪ ،‬د‪ .‬م‪ ،‬ط‪ 1409 ،1 .‬هـ‪ 1988 -‬م‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪.537‬‬
‫مطلقة؛ ولذلك فإ ّن أفضل وسيلة جملاهبة هذا اخلطر هي تقسيم السلطات‪ ،‬حىت توقف السلطة السلطة كما‬
‫عرّب عن ذلك "مونتسكيو"‪.714G‬‬
‫‪-2‬ضمان مبدإ الشرعية؛ وذلك أل ّن مبدأ الشرعية يقتضي‪ G‬بأن ّتتسم القواعد التشريعية بالعموميّة‬
‫املشرع‬
‫والتجريد‪ ،‬فتصدر التشريعات دون نظر إىل احلاالت الفرديّة‪ ،‬وهذا ال يتح ّقق إالّ إذا فصلنا بني ّ‬
‫يتم هذا الفصل‪ ،‬فإ ّن املن ّفذ سوف يصدر التشريعات على ضوء ما لديه من اعتبارات‬ ‫واملن ّفذ؛ ّأما إذا لم ّ‬
‫عمليّة‪ ،‬فيفقد بذلك التشريع حياده‪.715‬‬
‫املربرات الواقعية‪ G،‬واألهـداف احمل ّققة ملصلحة الشـعب‪ ،‬إالّ أ ّن هذا املبـدأ مل يسلم‬
‫ولكن رغم هذه ّ‬
‫نتعرض إىل هذه االنتقادات‪ ،‬مع مناقشاهتا‪:‬‬ ‫من االنتقادات‪ ،‬وفيما يأيت ّ‬
‫الموجهة إلى مبدإ الفصل بين السلطات‬ ‫ّ‬ ‫رابعا‪ :‬االنتقادات‬
‫لقد انتقد بعض الفقهاء هذا املبدأ؛ ملا رأوه من عيوب تكتنف هذا املبدأ‪ ،‬والسيّما من ناحية‬
‫التطبيق‪ ،‬ومن هذه االنتقادات‪ G‬نذكر ما قيل يف كون هذا املبدإ غري ممكن التطبيق؛ وذلك أل ّن مباشرة‬
‫خصائص السيادة بواسطة هيئات مستقلّة بعضها عن بعض أمر غري مستطاع‪ ،‬أل ّن هذه اخلصائص‪G‬‬
‫كأعضاء اجلسم البشري متّصلة ببعضها اتّصاالً طبيعيًا‪.716‬‬
‫التهرب منها‪،‬‬
‫كل هيئة على ّ‬ ‫ويشجع ّ‬
‫ّ‬ ‫كما قيل إ ّن توزيع السلطات يقضي على فكرة املسؤولية‪،‬‬
‫الصعب معرفة املسؤول احلقيقي‪ G‬يف الدولة‪ ،‬وحتديد‬ ‫وإلقائها على اهليئات األخرى؛ وبذلك يصبح من ّ‬
‫مسؤوليّته‪ ،717‬هذا باإلضافة إىل ما قيل من كون أ ّن هذا املبدأ أمر ومهي‪ ،‬إذ ال تلبث إحدى السلطـات أن‬
‫تسيطر على بقيّة السلطات وتسرّي ها كما تشاء‪ ،‬رغم احلواجز اليت يضعها الدستـور يف خمتلف‬
‫السلطات‪ ،718‬وهذا ما جعل بعض األنظمة اليت حاولت األخذ هبذا املبدإ ‪-‬والسيّما يف صورة الفصل التام‬
‫اضطر العمل على إقامة‬‫بني السلطات‪ -‬تواجه صعوبات عملية ّأدت إىل اهنيار النظام‪ ،‬ويف أحيان أخرى ّ‬
‫نوع من التعاون بينها للتغلّب على مشاكل الفصل‪ ،‬كما هو احلال يف الواليات املتّحدة األمريكية‪.719G‬‬

‫حممد)‪ ،‬السلطات الثالث‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.452 .‬‬


‫الطماوي (سليمان ّ‬
‫‪714‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.453-452 .‬‬ ‫‪715‬‬

‫ليلة (حممد كامل)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.861-860 .‬‬ ‫‪716‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.861 .‬‬ ‫‪717‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.861 .‬‬ ‫‪718‬‬

‫حممد)‪ ،‬السلطات الثالث‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.453 .‬‬


‫الطماوي (سليمان ّ‬
‫‪719‬‬
‫تصوره الناقدون‪ ،‬فقد اعتقدوا‪ G‬أ ّن‬
‫السابقة بأ ّ‪G‬ن املقصود باملبدإ ليس كما ّ‬
‫ويرد على االنتقادات ّ‬
‫ّ‬
‫الرغم من انفصال‬
‫املراد به الفصل املطلق بني السلطات‪ ،‬وهذا االعتقاد غري صحيح؛ إذ إنّه على ّ‬
‫السلطات‪ ،‬إالّ أنّه الب ّد من قيام عالقة تعاون وتضامن بينها‪ ،‬حىت تستطيع أداء وظائفها‪ G‬على الوجه‬
‫األكمل‪ ،‬فاملدلول احلقيقي ملبدإ الفصل بني السلطات هو أن تكون‪ G‬هذه السلطات متساوية ومستقلّة عن‬
‫بعضها‪ ،‬حبيث ال تستطيع إحداها أن تعزل األخرى وتستب ّد هبا‪.720‬‬
‫املوجهة إليه؛ وذلك أل ّن تطبيقه بالصورة‬
‫وعلى هذا فإ ّن قيمة هذا املبدإ ال تتالشى رغم االنتقادات‪ّ G‬‬
‫أهم األهداف وأفضل الضمانات حلماية احلقوق واحلريات‪ ،‬وإن كان ليس هو الضمان‬ ‫الصحيحة حي ّقق ّ‬
‫الوحيد لتحقيق ذلك‪.‬‬
‫خامسا‪ (:‬أثر تع ّدد تطبيقات مبدإ الفصل بين السلطات على تع ّدد( أنظمة الحكم‬ ‫ً‬
‫إ ّن دساتري الدول املختلفة قد اختلف واضعوها يف تفسري مبدإ فصل السلطات‪ ،‬ويف مدى تطبيقه‬
‫كل دولة؛ لذلك جند أ ّن الروابط بني السلطات‪ -‬والسيّما بني السلطتني‬ ‫تبعا لظروف ّ‬ ‫على تلك الدساتري‪ً ،‬‬
‫التشريعية والتنفيذية‪ -‬قد اختلف من دولة ألخرى؛ ومن ذلك نشأت صور ‪-‬أو نظم‪ -‬خمتلفة متع ّددة‬
‫نقسمها إىل جمموعتني كبريتني‪ ،‬األوىل تتمثّل يف نظم العزلة بني السلطتني‬ ‫لتلك الروابط‪ ،‬نستطيع أن ّ‬
‫التشريعية والتنفيذية‪ ،‬والثانية‪ G‬تتمثّل يف نظم التعاون بني السلطتني التشريعية‪ G‬والتنفيذية‪.721G‬‬
‫فاجملموعة األوىل اليت متثّل نظم العزلة‪ ،‬أو الفصل التام بني السلطتني التشريعية‪ G‬والتنفيذية‪ G،‬جند مثاالً‬
‫هلا يف الدستور امللكي الفرنسي لسنة ‪1791‬م‪ ،‬وكذلك يف دستور السنة الثالثة (ومها من دساتري عصـر‬
‫الثـورة الفرنسيّة)‪ ،‬وقد فشل هذا النظـام (نظـام العـزلة)؛ حيث ّأدى إىل انقالبـات‪ ،‬و إىل الفوضى‪ ،‬ومل‬
‫يصبح هلذا النظام أمهيّة إالّ من الناحية التارخييّة؛ وذلك أل ّن التشريعات الدستورية احلديثة قد هجرته‪.722‬‬
‫تتجسد يف‬
‫ّأما اجملموعة الثانية‪ G،‬واملتمثّلة يف نظـم التعاون بني السلطتني (التشريعية‪ G‬والتنفيذية)‪ ،G‬فهي ّ‬
‫نظـام حكومة اجلمعية النيابية‪ G،‬والنظام الرئاسي‪ ،‬والنظام الربملاين؛ حيث تنظّم معظم الدساتري تعاونًا بني‬
‫هاتني السلطتني‪ ،‬على أ ّن التعاون يبدو يف صور خمتلفة‪ ،‬فإذا كان الدستور جيعل الك ّفة الراجحة يف جانب‬
‫اجلمعيّة النيابية‪ ،‬فإ ّن نظام احلكم يف هذه احلالة يطلق عليه نظام "حكومة اجلمعيّة النيابيّة"‪ G‬أو "النظام‬
‫اجمللسي"‪ّ ،‬أما إذ كان الدستور جيعل الك ّفة‪ G‬الراجحة لرئيس السلطة التنفيذية‪ G‬يف البالد اجلمهورية‪ ،‬فإ ّن نظام‬

‫ليلة (حممد كامل)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.863 .‬‬ ‫‪720‬‬

‫متولي (عبد احلميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.179 .‬‬ ‫‪721‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.180-179 .‬‬ ‫‪722‬‬


‫يقرر توازنًا وتعاونًا بني‬
‫احلكم يطلق عليه "احلكومة‪ G‬الرئاسية" (نسبة إىل الرئيس)‪ّ ،‬أما إذا كان الدستور ّ‬
‫هاتني السلطتني (التشريعية‪ G‬والتنفيذيّة)‪ ،G‬فإ ّن نظام احلكم يف هذه احلالة يطلق عليه "النظـام الربملـاين"‪ ،‬أي أنّه‬
‫النظام الذي ال يعمل على ترجيح ك ّفة إحدى هاتني السلطتني على األخرى‪ ،‬ويف هذه احلالة وحدها جند‬
‫مبدأ فصل السلطات يطبّق طب ًقا للتفسري الصحيح‪ .‬وهذه الصور الثالث من األنظمة هي السائدة يف‬
‫الدميقراطية‪ G‬الغربيّة يف العصر احلديث‪.723‬‬
‫وهبذا نكون قد وقفنا على بعض احلقائق املتعلّقة‪ G‬باملؤسّسات األساسيّة اليت تقوم عليها األنظمة‬
‫السياسية املختلفة‪ ،‬وتتمثّل هذه املؤسّ‪G‬سات اليت قصدنا دراستها يف السلطات الثالث‪ ،‬واليت عرّب نا عنها‬
‫يسمى "املؤسّ‪G‬سة التشريعية" و"املؤسّسة التنفيذية" و "املؤسّ‪G‬سة القضائية"‪G،‬‬
‫املؤسسات‪ ،‬فيكون لدينا ما ّ‬ ‫بلفظ ّ‬
‫املؤسسات‪ ،‬واملتمثّل يف "مبدإ الفصل بني السلطات"‪.‬‬ ‫مهم يتعلّق بالعالقة بني هذه ّ‬ ‫تطرقنا كذلك ملبدإ ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫ؤسساتية‬
‫التطرق إىل هذين املوضوعني‪ ،‬أي التع ّدديّة الم ّ‬
‫ويبقى لنا اآلن –عمالً مبنهاج البحث‪ّ -‬‬
‫ومبدأ الفصل بني السلطات‪ ،‬من منظور إسالمي‪.‬‬

‫المؤسساتيّة في نظام اإلسالم‬


‫ّ‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬التعدّديّة‬

‫بداية الب ‪ّ G G‬د من التأكيد بأنّه إذا ك‪GG G‬انت حي‪GG G‬اة اجملتمع‪GG G‬ات البش‪GG G‬رية تقتضي أن يك‪GG G‬ون‪ G‬هبا تش‪GG G‬ريع ينظّم‬
‫عالقة أف‪GG‬راده‪ ،‬وهيئة‪ G‬تق‪GG‬وم على تنفي‪GG‬ذه‪ G،‬وأخ‪GG‬رى تت‪GG‬وىّل الفصل يف التن‪GG‬ازع‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن اإلس‪GG‬الم‪ G‬ليس بعي‪Gً G‬دا عن ه‪GG‬ذا‬
‫‪G‬يب ‪ ‬ه ‪GG‬ذه‬
‫‪G‬درجها‪ ،‬وقد جـمع الن ‪ّ G‬‬ ‫اجلمع يف األعم ‪GG‬ال‪ ،‬ومن مثّ ع ‪GG‬رف اإلس ‪GG‬الم‪ G‬ه ‪GG‬ذه الواليـات النوعية يف ت ‪ّ G‬‬
‫قائما على تنفيذ‬‫مصدرا للتشريع فيما ي‪GG‬وحى إليه من ربّ‪GG‬ه‪ ،‬وك‪GG‬ان ً‬ ‫ً‬ ‫األعمال يف يده ّأول عهد اإلسالم؛ فكان‬
‫شرع اهلل بني النّاس‪ ،‬وقاضيًا بينهم فيما تشاجروا عليه‪.724‬‬
‫مؤسسي ص‪GG‬فة القدس‪GG‬يّة؛ إذ‬ ‫ألي ش‪GG‬كل ّ‬ ‫الصواب أن يعطى ّ‬ ‫كما جتدر اإلشارة كذلك إىل أنّه ليس من ّ‬
‫والتوجه‪GG G‬ات‪ ،‬والقواعد األخالقية والتع‪GG G‬اليم‪ G‬الدينيّ‪GG G‬ة‪ G،‬ويف إط‪GG G‬ار املب ‪GG‬ادئ ميكن أن‬
‫ّ‬ ‫القدس‪GG G‬يّة تك‪GG G‬ون للمب‪GG G‬ادئ‬
‫املؤسس‪GG‬ات وختتل‪GG‬ف‪ ،‬فعن‪GG‬دما نن‪GG‬اقش –على س‪GG‬بيل املث‪GG‬ال‪ -‬ش‪GG‬كل الس‪GG‬لطة التش‪GG‬ريعية‪ ،‬ونبحث يف إقامة‬ ‫تتع‪ّ G‬دد ّ‬
‫جملس واحد أو جملس ‪GG‬ني‪ ،‬والعالقة‪ G‬بينهم ‪GG‬ا‪ ،‬أو عن ‪GG‬دما نن ‪GG‬اقش ش ‪GG‬كل الس ‪GG‬لطة التنفيذية وع ‪GG‬دد ال ‪GG‬وزارات‪ ،‬أو‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.181 -180.‬‬ ‫‪723‬‬

‫سعيد (صبحي عبده)‪ ،‬السلطة والحريّة في النظام اإلسالمي (دراسة مقارنة)‪ ،‬دار الفكر العـريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1982 ،‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪724‬‬

‫‪.94‬‬
‫تتم يف‬‫عندما ن‪G‬درس أش‪G‬كال النظم القض‪G‬ائية املختلفة (كنظ‪G‬ام التقاضي‪ G‬واحمللّفني)‪ ،‬فك ّ‪G‬ل ه‪G‬ذه أم‪G‬ور ميكن أن ّ‬
‫خروجا أو احنرافًا عنها‪.725‬‬ ‫ً‬ ‫إطار نفس التعاليم واملبادئ‪ ،‬دون أن يكون‪ G‬األخذ بأحد األشكال‬
‫املؤسس ‪GG‬ات املتع ‪ّ G‬ددة ميكنها أن جت ّس ‪G‬د مب ‪GG‬ادئ وتع ‪GG‬اليم وأفك ‪GG‬ار خمتلف ‪GG‬ة‪ ،‬ب ‪GG‬اختالف‬ ‫ومعىن ه ‪GG‬ذا أ ّن ه ‪GG‬ذه ّ‬
‫األنظمة نفس‪GG‬ها‪ ،‬وب‪GG‬اختالف ظ‪GG‬روف الزم‪GG‬ان واملكـان؛ حيث إ ّن ه‪GG‬ذه املؤ ّسسات –وفق ه‪GG‬ذا املنظ‪GG‬ور‪ -‬هي‬
‫املؤسس‪GG‬ات‬
‫جمرد قوالب تنظيمية ميكن أن تستوعبها أنظمة خمتلفة‪ ،‬ومن أدلّة هذا أ ّن‪ ‬التاريخ يعلّمنا أ ّن بعض ّ‬ ‫ّ‬
‫والتنظيم ‪GG‬ات اليت نطلق عليها ص ‪GG‬فة "اإلس ‪GG‬المية"‪ُ G‬وج ‪GG‬دت يف جمتمع ‪GG‬ات غري إس ‪GG‬الميّة‪ ،‬واس ‪GG‬تفاد املس ‪GG‬لمون يف‬
‫فاملؤسس ‪GG G‬ات تنشأ وتتط ‪Gّ G G‬ور وتتغرّي يف مواجهة‬ ‫ّ‬ ‫مؤسس ‪GG G‬اهتم من خ ‪GG G‬ربة من س ‪GG G‬بقوهم ومن عاص ‪GG G‬روهم‪،‬‬ ‫إقامة ّ‬
‫املش‪GG G‬اكل اليت تواجهه‪GG G‬ا؛ وتلك اليت نش‪GG G‬أت جملتمع بس‪GG G‬يط حمدود األرج‪GG G‬اء لن تك‪GG G‬ون‪ G‬مناس‪GG G‬بة جملتمع مع ّقد‬
‫مرتامي األطراف؛ وتلك اليت نشأت يف شعوب صغرية العدد ال تناسب‪ G‬األقوام الكبرية‪.726 ‬‬
‫واملؤسس ‪GG G‬ات‪ G‬هي من وضع البش ‪GG G‬ر‪ ،‬أي أهّن ا كلّها وض ‪GG G‬عيّة هبذا املع‪GG G‬ىن‪ ،‬والع‪GG G‬ربة‪ G‬يف‬ ‫ّ‬ ‫إذن فالتنظيمـات‬
‫املؤسسات هو يف كفاءهتا‪ ،‬وقدرهتا على حتقيق األهداف اليت أقيمت من أجلها‪.727‬‬ ‫تقييم ّ‬
‫ولكن رغم ذلك فإنّه من الث‪GG G G G G‬ابت أ ّن مض‪GG G G G G‬مون تلك الس‪GG G G G G‬لطات ومص‪GG G G G G‬درها‪ ،‬وطريقة تش‪GG G G G‬كيلها‪،‬‬
‫والش‪GG‬روط املتعلّقة ب‪GG‬ذلك‪ ،‬واختصاص‪GG‬اهتا‪ ،‬والقي‪GG‬ود ال‪GG‬واردة على تلك الس‪GG‬لطات‪ ،‬ختتلف من نظ‪GG‬ام آلخ‪GG‬ر‪ ،‬أي‬
‫أ ّن اختالف املب‪GG G‬ادئ واألحك‪GG G‬ام املنظّمة لعمل تلك الس‪GG G‬لطات له أثر يف حتديد ص‪GG G‬ورهتا؛ ول‪GG G‬ذلك جند نظ‪GG G‬ام‬
‫اإلس‪GG G G‬الم‪ G‬يطبع تلك الس‪GG G G G‬لطات بطابعه اخلاص‪ ،‬مبا يتوافق مع أحكامه وتش‪GG G G G‬ريعاته‪ ،‬حىت ولو ت‪GG G G‬وافقت مع‬
‫التنظيمات الوضعية يف شكلها‪.‬‬
‫وفيما يأيت نتع‪GّG‬رض –ب‪GG‬إذن اهلل تع‪GG‬اىل‪ -‬إىل بي‪G‬ان ص‪GG‬ورة الس‪GG‬لطات الثالث يف نظـام اإلسـالم‪ ،‬وما تتميّز‬
‫به‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬السلطة التشريعية‪ G‬يف نظام اإلسالم‬
‫القاع ‪GG‬دة األساس ‪GG‬ية املعروفة عن اإلس ‪GG‬الم‪ G‬يف ه ‪GG‬ذا اجملال‪ ،‬أ ّن التش ‪GG‬ريع املطلق هو هلل وحـده‪ ،‬وال‬
‫واملتفضل على العباد‪ ،‬مبا يصلحهم يف معاشهم ومعادهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫شريك له يف ذلك‪ ،‬فهو اخلالق‬

‫ص‪.96.‬‬ ‫مؤسسات الدولة الحديثة"‪ ،‬جملّة "منبر الحوار"‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد‪ ،14 :‬سنة ‪ 1410‬هـ‪1989 -‬م‪،‬‬
‫هالل (علي ال ّدين)‪ّ " ،‬‬
‫‪725‬‬

‫مؤسسات الدولة الحديثة"‪ ،‬جملة "منبر الحوار"‪ ،‬العدد‪ ،14 :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.97-96 .‬‬
‫هالل (علي ال ّدين)‪ّ " ،‬‬
‫‪726‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.100 .‬‬ ‫‪727‬‬


‫فمص ‪GG‬در الق ‪GG‬انون‪ G‬األساسي هو اهلل س ‪GG‬بحانه وتع ‪GG‬اىل مبا أنزله من الق ‪GG‬رآن‪ ،‬ومـا أق ‪Gّ G‬ر عليه الرس ‪GG‬ول‪ ‬من‬
‫اجته ‪GG‬اد‪ ،‬وأ ّن ه ‪GG‬ذا الق ‪GG‬انون األساسي‪ G‬هو عم ‪GG‬اد التش ‪GG‬ريع يف اإلس ‪GG‬الم‪ G‬ومرجع ك ‪Gّ G‬ل مش ‪Gّ G‬رعيه‪ ،‬أي أ ّن مص ‪GG‬در‬
‫التشريع اإلسالمي هو اهلل تعاىل وحده‪.728‬‬
‫والتش‪GG G‬ريع املقص‪GG G‬ود هن‪GG G‬ا‪ ،‬وال‪GG G‬ذي هو ح‪Gّ G G‬ق خ‪GG G‬الص هلل تع‪GG G‬اىل‪ ،‬هو "التش‪GG G‬ريع االبت‪GG G‬دائي"(أي‪ G‬التش ‪GG‬ريع‬
‫يسمى "التشريع االبتنائي"(أي‪ G‬االستشراع)‪ ،‬وهذا األخري‬ ‫األصلي)‪ ،‬ذلك ألنّه يوجد نوع آخر من التشريع ّ‬
‫احلق للبشر عند الس ‪GG‬عي لتنظيم دائ ‪GG‬رة‬ ‫‪G‬ريعا منش ‪GG‬ئًا‪ ،‬بل هو تش ‪GG‬ريع كاش ‪GG‬ف؛ وعلى ذلك يثبت‪ G‬ه ‪GG‬ذا ّ‬ ‫ليس تش ‪ً G‬‬
‫املباح الواس‪GG‬عة‪ G،‬وعند تنفيذ ما وردت به النص‪GG‬وص الش‪GG‬رعية‪ ،‬أو عند الس‪GG‬عي لتنظيم األحك‪GG‬ام الظنيّ‪GG‬ة‪ ،‬اليت مل‬
‫نص قطـعي وال إمجاع‪ ،‬فمثل ه ‪GG G‬ذه األحك ‪GG G‬ام املراد تنظيمها هي بطبيعتها قابلة للتغيري والتب ‪GG G‬ديل‪،‬‬ ‫ي‪GG G‬رد فيها ّ‬
‫خلضوعها لظروف البيئات‪ G‬واألزمنة واألعراف‪.729‬‬
‫همة املستش ‪GG‬رع البش ‪GG‬ري يف نظر اإلس ‪GG‬الم‪ G‬تنحصر يف إط ‪GG‬ار االجته ‪GG‬اد‪ ،‬س ‪GG‬واء أك ‪GG‬ان ذلك االجته ‪GG‬اد‬ ‫فم ّ‬
‫‪G‬تفادا من‪G‬ه‪ ،‬وفق طريق من ط‪G‬رق االجته‪G‬اد املتع‪ّ G‬ددة‪ ،‬وجيوز االجته‪G‬اد فيما ال‬ ‫حكما مس ً‬ ‫نص‪ ،‬أم ً‬ ‫استنباطًا‪ G‬من ّ‬
‫مقررة‪.730‬‬ ‫نص فيه‪ ،‬على أن يكون‪ G‬ذلك حم ّق ًقا ملصلحة عامة‪ ،‬أو مراعيًا ملقاصد شرعية ّ‬ ‫ّ‬
‫واإلس‪GG‬الم ال ي‪GG‬رفض مب‪GG‬دأ قي‪GG‬ام س‪GG‬لطة تش‪GG‬ريعية؛ وإمّن ا ي‪GG‬رفض أن تتج‪GG‬اوز تلك الس‪GG‬لطة الص‪GG‬الحيات اليت‬
‫خيوهلا اإلسالم‪ G‬هلا‪ ،‬وبناءً على هذا؛ فإ ّن اإلسالم حي ّدد اختصاصات هذه السلطة ب‪GG‬أن‪ G‬يك‪GG‬ون‪ G‬تش‪GG‬ريعها‪-‬س‪GG‬واء‬ ‫ّ‬
‫أقرها اإلس ‪GG G‬الم‪ G،‬س ‪GG G‬واء يف جمال التش ‪GG G‬ريعات القانونية أم‬
‫معب‪Gً G G‬را عن املب ‪GG G‬ادئ اليت ّ‬
‫‪G‬تورا أم قانونً ‪GG G‬ا‪ّ -‬‬
‫أك‪GG G‬ان دس ‪ً G G‬‬
‫املقررة‪.731‬‬
‫االقتصادية‪ ،‬أو يف جمال احرتام قواعد ومبادئ احلكم ّ‬
‫وإذا ك ‪GG‬ان اإلمجاع حاص‪G G‬الً بني املس ‪GG‬لمني على أ ّن التش ‪GG‬ريع األص ‪GG‬لي هو ح ‪Gّ G‬ق خ ‪GG‬الص هلل تع ‪GG‬اىل‪ ،‬ألنّه‬
‫تنظيما ل ‪GG‬دائرة املب ‪GG‬اح ولألحك ‪GG‬ام الظنيّة يف إط ‪GG‬ار‬
‫مالك املل ‪GG‬ك‪ ،‬فقد اختلف ‪GG‬وا يف التش ‪GG‬ريع الف ‪GG‬رعي (االجته ‪GG‬اد) ً‬
‫ألم‪GG G‬ة‪ ،‬أو لطائفة منها‬‫احلق هل هو ل ّ‬ ‫األحك ‪GG G‬ام القطعية واملقاصد الش ‪GG G‬رعية‪ ،‬واختلف ‪GG G‬وا ح ‪GG G‬ول ص ‪GG G‬احب ه ‪GG G‬ذا ّ‬
‫لويل األمر‪.732‬‬
‫حق ّ‬ ‫منتخبة‪ ،‬أم للعلماء أهل االجتهاد‪ ،‬أم هو ّ‬
‫‪ 728‬خالّف (عبد الوهاب)‪ ،‬السلطات الثالث في اإلسالم –التشريع‪ .‬القضاء‪ .‬التنفيذ‪ -‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ 1405 ،2 .‬هـ ‪1985‬م‪،‬‬
‫ص‪.7-6 .‬‬

‫سعيد (صبحي عبده)‪ ،‬السلطة والحريّة في النظام اإلسالمي (دراسة مقارنة)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.65-64 .‬‬ ‫‪729‬‬

‫‪ 730‬النبهان (حممد فاروق)‪" ،‬الدور التشريعي للدولة في نظر اإلسالم"‪ ،‬مقـال مبجلّـة "العـريب"‪ ،‬الكويت‪ ،‬العـدد‪ ،296 :‬سنـة ‪ 1403‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1983‬م‪ ،‬ص‪.25 .‬‬
‫‪ 731‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.26 .‬‬
‫الغنوشي (راشد)‪ ،‬الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.114 .‬‬ ‫‪732‬‬
‫األمة يف‬
‫احلل والعقد عن ّ‬ ‫ولقد اقرتح بعض الب‪GG‬احثني تقرير مب‪GG‬دإ دس‪GG‬توري ه‪GG‬ام‪ ،‬واملتمثّل يف نيابة أهل ّ‬
‫األمة يف ممارسة الش‪GG‬ورى يف اإلمجاع‪،‬‬ ‫ممارسة الشورى يف النطاق السياسي‪ ،‬ونيابة العلماء وأهل ال‪ّ G‬ذكر عن ّ‬
‫واالجتهاد يف النطاق التشريعي‪.733‬‬
‫األم‪GG G‬ة"؛‬
‫كما أض‪GG G‬اف بعض الب ‪GG G‬احثني إىل أنّه الب ‪ّ G G‬د أن يتميّز "جملس الش ‪GG G‬ورى" عن "جملس النيابة‪ G‬عن ّ‬
‫األم‪G‬يني أو غري العلم‪GG‬اء‬‫األمة رمّب ا ك‪GG‬انوا من فئ‪G‬ات خمتلف‪G‬ة‪ ،‬وأمناط متع‪ّ G‬ددة‪ ،‬ورمّب ا ك‪GG‬انوا من ّ‬ ‫وذلك أل ّن نواب ّ‬
‫األمة لينوب‪G‬وا‪ G‬عنها يف إب‪G‬داء رأيهم فيما يتعلّق مبص‪G‬احلهم‪ ،‬ونقل‬ ‫والفقه‪G‬اء؛ ألهّن م ميثّل‪G‬ون النّ‪G‬اس‪ ،‬وقد اخت‪G‬ارهتم ّ‬
‫األمة إىل ح ّكامه ‪GG G‬ا‪ّ ،‬أما جملس الش ‪GG G‬ورى فينبغي‪ G‬أن يك ‪GG G‬ون‪ G‬من العلم ‪GG G‬اء‪ ،‬والفقه‪GG G‬اء الع‪GG G‬املني‪،‬‬
‫وجه‪GG G‬ات نظر ّ‬
‫احلل والعقد‪.734‬‬ ‫األمة وعدوهلم ووجهائهم‪ ،‬وأهل ّ‬ ‫وذوي االختصاص يف شؤون شىت‪ ،‬ومن أتقياء ّ‬
‫وهبذا خنلص إىل أ ّن الس‪GG G‬لطة التش‪GG G‬ريعية مع‪GG G‬رتف هبا يف اإلس‪GG G‬الم‪ ،‬وهي موج‪GG G‬ودة فعال‍ً‪ ،‬إالّ أهّن ا ختتلف‬
‫كل منها وضوابطه‪ ،‬وتشكيل هذه اهليئة‪G.‬‬ ‫عما هي عليه يف األنظمة الوضعيّة‪ G،‬من حيث مصدر التشريع يف ّ‬ ‫ّ‬
‫ثانيًا‪ :‬السلطة التنفيذية في نظام اإلسالم‬
‫إ ّن ما يتعلّق بتنظيم الس‪G‬لطة التنفيذية‪ G‬هو يف حقيقته من اجته‪G‬اد املس‪G‬لمني‪ ،‬وذلك بعكس التش‪G‬ريع‬
‫ال ‪GG G‬ذي اس ‪GG G‬تم ّد من روح اإلسـالم –كما رأين ‪GG G‬ا‪ ،-‬وتتبل ‪GG G‬ور الس ‪GG G‬لطة التنفيذية –مبعناها احلديث‪ -‬يف مركز‬
‫اخلليفة ال ‪GG‬ذي مجع بني رئاسة الدولة واحلكـومة‪ ،‬وف ًقا لالص ‪GG‬طالحات املعاصـرة‪ ،‬فك ‪GG‬ان أق ‪GG‬رب ما يك ‪GG‬ون إىل‬
‫النظ ‪GG‬ام الرئاسي مبفهومه احلديث‪ ،‬ومل خيتلف فقه ‪GG‬اء املس ‪GG‬لمني يف أمر ق ‪GG‬در اختالفهم ح ‪GG‬ول اخلالف ‪GG‬ة‪ ،‬حيث‬
‫كان هذا اخلالف ّأول صدع يف بناء دولتهم‪.735‬‬
‫دائما‬
‫األمة بالبيع‪GG‬ة‪ G،‬والبيعة ً‬
‫وتباشر السلطة التنفيذية‪ ،‬واملتمثّلة يف اخلليفة‪ ،‬مهامها عند مجهور جمته‪GG‬دي ّ‬
‫تص‪GG‬در لإلم‪GG‬ام على أس‪GG‬اس أن يعمل بكت‪GG‬اب اهلل وس‪GG‬نّة رس‪GG‬وله‪ ‬؛ فهي بيعة مش‪GG‬روطة دائم‪G‬اً‪ ،‬وش‪GG‬رطها يعين‬
‫أ ّن س‪GG‬لطة اإلم‪GG‬ام س‪GG‬لطة مقيّ‪GG‬دة‪ ،‬وأهّن ا جتري يف إط‪GG‬ار ق‪GG‬انوين مض‪GG‬روب عليها من أحك‪GG‬ام التش‪GG‬ريع اإلس‪GG‬المي‬
‫املن ّـزلة‪.736‬‬

‫الشاوي (توفيق)‪ ،‬فقـه الشورى واالستشارة‪ ،‬دار الوفـاء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬مصـر‪ ،‬ط‪ 1413 ،2 .‬هـ‪1992 -‬م‪ ،‬ص‪.80 .‬‬ ‫‪733‬‬

‫عزت)‪ ،‬النظام السياسي في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.242 .‬‬


‫الخيّاط (عبد العزيز ّ‬
‫‪734‬‬

‫الطماوي (سليمان)‪ ،‬عمر بن الخطاب وأصول السياسة واإلدارة الحديثة –دراسة مقارنة‪ -‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.216 .‬‬ ‫‪735‬‬

‫مؤسسات الدولة في النظم اإلسالمية("‪ ،‬جملّة "منبر الحوار"‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد‪ ،14 :‬سنة ‪ 1410‬هـ‪1989 -‬م‪،‬‬
‫البشري (طارق)‪ّ " ،‬‬
‫‪736‬‬

‫ص‪.75 .‬‬
‫وت ‪GG‬دخل أحك ‪GG‬ام اخلالفة (نظ ‪GG‬ام احلكوم ‪GG‬ة) بطبيعتها يف نط ‪GG‬اق "علم الف ‪GG‬روع"‪ ،‬وعلى وجه التحديد يف‬
‫ش ّقه املتعلّق بالقانون‪ G‬العام (القانون الدستوري)‪ ،‬رغم أ ّن الفقهاء يعتربوهنا من مباحث علم الكالم‪.737‬‬
‫وهناك من يعترب أهّن ا من مباحث علم الفقه‪.‬‬
‫ّأما بالنس ‪GG‬بة مله ‪GG‬ام وص ‪GG‬الحيات وس ‪GG‬لطات اإلم ‪GG‬ام‪ ،‬فإنّنا جندها مبثوثة يف كتب "األحك ‪GG‬ام الس ‪GG‬لطانية"‪،‬‬
‫وذلك مثل ما أورده "املاوردي"‪ ،738‬ال ‪GG‬ذي ح‪ّ G G‬دد س ‪GG‬لطات اإلم ‪GG‬ام يف عش ‪GG‬رة أم ‪GG‬ور‪ ،‬كما حت ّدث عن ن ‪Gّ G‬‬
‫‪G‬وعي‬
‫كل منهما‪.739‬‬ ‫الوزارة‪ ،‬ومها "وزارة التفويض"‪ G‬و "وزارة التنفيذ"‪ ،‬وح ّدد وظائف ّ‬
‫ويالحظ أ ّن تلك الس‪GG‬لطات اليت ح ‪ّ G‬ددها "املاوردي" لإلم‪GG‬ام‪ ،‬مجيعها س‪GG‬لطات تنفيذي‪GG‬ة‪ G،‬ممّا تق‪GG‬وم به يف‬
‫لنوعي الوزارة فيالحظ أ ّن "وزير التف‪GG‬ويض"‪ ،‬وهو من‬ ‫ّ‬ ‫عرف النظم احلاضرة "السلطة التنفيذية"؛ ّأما بالنسبة‬
‫يفوضه اإلم‪GG‬ام يف ت‪GG‬دبري األم‪GG‬ور حسب تق‪GG‬دير ال‪GG‬وزير ورأي‪GG‬ه‪ ،‬فهي أق‪GG‬رب إىل نظ‪GG‬ام "جملس ال‪GG‬وزراء" يف النظ‪GG‬ام‬ ‫ّ‬
‫الربملاين احلديث؛ حيث تق ‪GG‬وم ال ‪GG‬وزارة برسم السياس ‪GG‬ات‪ ،‬والن ‪GG‬وع الث ‪GG‬اين وهو "وزير التنفي ‪GG‬ذ" هو ال ‪GG‬ذي ين ّفذ‬
‫مش ‪GG‬يئة اإلم ‪GG‬ام‪ ،‬ويبلّغ قراراته‪ ،‬ويش ‪GG‬رف على نفاذها دون أن يك ‪GG‬ون‪ G‬هو راسم السياس ‪GG‬ة‪ ،‬وهي وظيفة أق ‪GG‬رب‬
‫عمال ‪GG‬ه‪،‬‬
‫إىل وظيفة ال ‪GG‬وزير يف النظ ‪GG‬ام الرئاسي احلديث‪ .‬وهك ‪GG‬ذا‪ G‬نلحظ أ ّن اجله ‪GG‬از كلّ ‪GG‬ه‪ ،‬من اإلم ‪GG‬ام إىل كب ‪GG‬ار ّ‬
‫يدور يف إطار حم ّدد‪ ،‬ممّا يطلق عليه باملصطلح الدستوري والتنظيمي احلديث "السلطة التنفيذية"‪.740‬‬
‫وهبذا خنلص إىل أ ّن الس‪GG G‬لطة التنفيذية‪ G‬يف اإلس‪GG G‬الم‪ G‬ختضع الجته‪GG G‬اد املس‪GG G‬لمني يف تنظيمه ‪GG‬ا‪ ،‬فاجملال فيها‬
‫واسع لالجته‪GG‬اد واإلب‪GG‬داع‪ G،‬ومل ت‪GG‬رد ص‪GG‬يغة حم ّددة لتنظيمه‪GG‬ا؛ وذلك أل ّن ه‪GG‬ذا األمر خيتلف ب‪GG‬اختالف الزم‪GG‬ان‬
‫واملك ‪GG‬ان‪ ،‬وال ب ‪GG‬أس من االس ‪GG‬تفادة ممّا وص ‪GG‬لت إليه البش ‪GG‬رية يف جمال تنظيم ه ‪GG‬ذه الس ‪GG‬لطة‪ ،‬مبا ي ‪GG‬واكب‪ G‬العصر‬
‫وحي ّقق املصلحة‪ ،‬وال خيالف مبادئ اإلسالم‪ G‬ومقاصده‪.‬‬

‫وتطورها لتصبح عص(بة أمم ش((رقيّة‪ ،‬حتقي‪GG‬ق‪ :‬توفيق حممـد الشـاوي وناديـة عبد ال‪GG‬رزاق‬ ‫السنهوري (عبد ال‪GG‬رزاق أمحد)‪ ،‬فقه الخالفة ّ‬
‫‪737‬‬

‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1422 ،1 .‬هـ‪ 2001 -‬م‪ ،‬ص‪.59 .‬‬ ‫السنهوري‪ّ ،‬‬
‫‪ 1738‬املاوردي‪ :‬هو علي بن حممد بن ح ‪GG G‬بيب‪ ،‬أبو احلسن املاوردي‪ ،‬أقضى قض‪GG G‬اة عص‪GG G‬ره‪ ،‬وهو من العلم‪GG G‬اء الب ‪GG G‬احثني‪ ،‬ومن أص ‪GG G‬حاب‬
‫التصانيف الكثرية‪ ،‬ولد يف البصرة (عام ‪364‬هـ‪974-‬م)‪ ،‬وانتقل إىل بغداد‪ ،‬وويل القضاء يف بلدان كث‪GG‬رية‪ ،‬وك‪G‬ان مييل إىل م‪GG‬ذهب االع‪GG‬تزال‪،‬‬
‫نسبته إىل بيع ماء الورد‪ ،‬ووفاته ببغداد (عام ‪450‬هـ‪1058-‬م)‪ .‬من كتبه‪" :‬أدب الدنيا والدين" و"األحكام السلطانية"‪" ،‬النكت والعيون" و‬
‫جـ‪ ،4.‬ص‪.327.‬‬ ‫"احلاوي" يف فقه الشافعية‪" ،‬نصيحة امللوك"‪ ،‬وغريها‪ .‬الزركلي(خري الدين)‪ ،‬األعالم‪،‬‬
‫الماوردي (أبو احلسن علي بن حممد)‪ ،‬األحكام السلطانية والواليات الدينية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،52-51 .‬ص‪ 61 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪739‬‬

‫مؤسسات الدولة في النظم اإلسالمية("‪ ،‬جملّة "منـبر الحوار"‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد‪ ،14 :‬سنة ‪ 1410‬هـ‪ 1989 -‬م‪،‬‬
‫البشري (طارق)‪ّ " ،‬‬
‫‪740‬‬

‫ص‪.76 .‬‬
‫ثالثا‪ :‬السلطة القضائية يف نظام اإلسالم‪G‬‬
‫احلق والع‪GG G‬دل‬
‫حتظى وظيفة القض‪GG G‬اء مبكانة هامّ ‪G G‬ة يف نظ‪GG G‬ام اإلس‪GG G‬الم؛‪ G‬وذلك الرتباطها مبس‪GG G‬ألة ّ‬
‫‪G‬تظل بظالل ه‪GG‬ذه املب‪GG‬ادئ‬
‫واملساواة‪ G،‬واليت هي من أهداف اإلسالم‪ G‬ومبادئه العليا اليت ج‪G‬اء ليح ّققه‪GG‬ا‪ .‬وقد اس‪ّ G‬‬
‫حىت غري املسلمني‪.‬‬
‫العامة اليت ميارس‪G‬ها "اإلم‪G‬ام"‪ ،‬وذلك حس‪G‬بما‬
‫يتصور الوظيفة‪ G‬القض‪G‬ائية ج‪G‬زءًا من الوالية‪ّ G‬‬ ‫فنظام اإلسالم‪ّ G‬‬
‫نعرف من وقائع النظم اإلسالمية‪ ،‬وحسبما ُيثبت فقهاء "األحكام السلطانية"‪ ،‬وقد ك‪GG‬ان اخللف‪GG‬اء الراش‪GG‬دون‬
‫‪ ‬يقضون‪ G‬بأنفسهم فيما يتن‪GG‬ازع فيه النَ‪GG‬اس من أم‪GG‬ور‪ ،‬كما أ ّن لإلم‪GG‬ام أن يعنّي القض‪GG‬اة‪ ،‬وأن يس‪GG‬مح لل‪GG‬والة‬
‫واألمراء يف األقاليم أن يعيّنوا‪ G‬القضاة يف األقاليم اليت يتولّون‪ G‬عليها‪.741‬‬
‫وفقهاء الشريعة اإلسالمية‪ G‬مل يعتربوا الوظيفة القضائية وظيفة‪ G‬مستقلّة عن الوظيفة التنفيذيّ‪G‬ة‪ G،‬ب‪G‬دليل أنّه‬
‫قلّما ك‪GG‬ان القاضي يقتصر على القض‪GG‬اء‪ ،‬بل مل ي‪GG‬روا غضاضة يف أن جيمع القاضي إىل ج‪GG‬وار القض‪GG‬اء وظ‪GG‬ائف‬
‫تنفيذيّة ال عالقة هلا بالقض‪GG G‬اء‪ ،‬مثل قي‪GG G‬ادة اجلي‪GG G‬وش‪ ،‬وغريه‪GG G‬ا‪ ،‬كما أ ّن أص ‪GG G‬حاب الوالية‪ G‬العامة من ال‪GG G‬وزراء‬
‫وح ّك‪GG‬ام األق ‪GG‬اليم ك ‪GG‬ان هلم ح ‪Gّ G‬ق يف تع ‪GG‬يني القض ‪GG‬اة وع ‪GG‬زهلم‪ ،‬وحتديد اختصاص ‪GG‬اهتم من حيث الزم ‪GG‬ان واملك ‪GG‬ان‬
‫وموض ‪GG‬وع النـزاع‪ ،‬ولكن ه ‪GG‬ذا اإلدم ‪GG‬اج بني الس ‪GG‬لطة القض ‪GG‬ائية والس ‪GG‬لطة التنفيذي ‪GG‬ة‪ ،‬من الناحية العض ‪GG‬وية‪ G،‬مل‬
‫أي مس‪GG‬اس باس‪GG‬تقالل القض‪GG‬اة‪ G‬يف مباش‪GG‬رة وظ‪GG‬ائفهم‪ ،‬بل إ ّن اس‪GG‬تقالهلم موف‪GG‬ور بدرجة ال نظري هلا يف‬ ‫يكن له ّ‬
‫كل من رجل اإلدارة والقاضي يف مواجهة التشريع اإلسالمي‪.742G‬‬ ‫نظرا ملوقف ّ‬‫الدول احلديثة؛ وذلك ً‬
‫ض‪G G‬ح إج ‪GG‬راءات‬ ‫وليس يف اإلس ‪GG‬الم‪ G‬ما مينع من وضع نظ ‪GG‬ام للس ‪GG‬لطة القض ‪GG‬ائية‪ ،‬حي ّدد اختصاص ‪GG‬اهتا‪ ،‬ويو ّ‬
‫تنفيـذ أحكـامها‪ ،‬ويضمـن للقضـاة استقـالهلم وحريّتهـم يف إقامـة العـدل بني النّ‪GG G G G G G G G‬اس‪.743‬‬
‫فه‪GG‬ذا هو جه‪GG‬از القض‪GG‬اء ال‪GG‬ذي أواله اإلس‪GG‬الم‪ G‬عناية بالغ‪GG‬ة‪ ،‬حىت و ّس‪G‬ع من اختص‪GG‬اص القاضي‪ ،‬وال‪GG‬ذي حيكم‬
‫وفق الشرع‪ ،‬وجيتهد يف ضوء نصوصه وأحكامه‪ ،‬وقراراته وأحكامه اليت يصدرها تطبّق حىت على احل ّكام‪.‬‬

‫مؤسسات الدولة في النظم اإلسالمية("‪ ،‬جملّة "منبر الحوار"‪ ،‬العدد‪ ،14 :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.79 .‬‬ ‫البشري(طارق)‪ّ " ،‬‬
‫‪741‬‬

‫وقد أثار هذا الوضع الكالم حول مشوليّة احلكم اإلسالمي‪ ،‬وأ ّن القضاء تابع لسلطات احلكم التنفيذي‪ ،‬حبسبان أ ّن القاضي إمّن ا يستمـ ّد‬
‫التصور اإلسالمي‪ ،‬حىت وإن توىّل وظائفه باإلنابة‬‫واليته من إنـابة األمري أو الوايل له‪ .‬ولكن هذه الشبهة تزول إذا عرفنا أ ّن القاضي يف ّ‬
‫من اإلمام أو من الوايل‪ ،‬إالّ أنّه ال خيضع ملن يعيّنه عندما يستقي أحكامـه مباشرة من القرآن والسنّة وباجتهاده من هذين املصدرين‪.‬‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.81-79 .‬‬
‫الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬السلطات الثالث‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.588 .‬‬ ‫‪742‬‬

‫‪ 743‬الصباحي (حيي السيّد)‪ ،‬النظـام الرئاسي األمريكي والخالفـة اإلسالمية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 1413 ،1 .‬هـ‪ 1993 -‬م‪،‬‬
‫ص‪.454 .‬‬
‫تطرقنا –يف حملة موجزة‪ -‬إىل الس‪G‬لطات الثالث يف نظ‪G‬ام اإلس‪G‬الم‪ ،‬بقي أن نع‪G‬رف م‪G‬دى‬
‫واآلن بعد أن ّ‬
‫قبول نظام اإلسالم ملبدإ الفصل بني هذه السلطات‪.‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬الفصل بين السلطات في نظام اإلسالم‬

‫لقد عرفت الدميقراطية الغربيّة مبدأ الفصل بني السلطات واعتربته‪ G‬من مبادئ نظامها‪ ،‬وضمانة من‬
‫ض‪GG‬مانات محاية احلري‪GG‬ات السياس‪GG‬ية‪ G،‬ولكن هل جند ه‪GG‬ذا املب‪GG‬دأ عند البحث يف العالقة بني الس‪GG‬لطات الثالث‬
‫‪G‬ودا يف‬
‫يف نظ‪GG‬ام اإلس‪GG‬الم؟‪ ،‬وهل يقبل اإلس‪GG‬الم مثل ه‪GG‬ذا الفصل بني الس‪GG‬لطات‪ ،‬وإذا ك‪GG‬ان ه‪GG‬ذا الفصل موج‪ً G‬‬
‫عما هو موجود يف النظم الدميقراطية‪ G‬احلديثة؟‬ ‫نظام اإلسالم‪ G‬فهل خيتلف أساسه ّ‬
‫وعند البحث يف األمر ميكن أن نربز اجّت اهني‪ ،‬نتناوهلما –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬يف اآليت‪:‬‬
‫األول‪ :‬االتّجاه المنكر لمبدإ الفصل بين السلطات( في نظام اإلسالم‬
‫الفرع ّ‬
‫حيث ي‪GG‬رى ه‪GG‬ذا االجّت اه أ ّن نظ‪GG‬ام اخلالفة –وهو بالص‪GG‬ورة اليت رمسها علم‪GG‬اء املس‪GG‬لمني‪ -‬ال يأخذ مبب‪GG‬دإ‬
‫فصل الس ‪GG‬لطات؛ وذلك خالفًا لألنظمة الدس ‪GG‬تورية لل ‪GG‬دميقراطيات‪ G‬الغربيّ ‪GG‬ة‪ ،‬فاخلليفة هو ص ‪GG‬احب الس ‪GG‬لطات‬
‫الثالث‪ ،‬أي أنّه جيمع بينها مجي ًعا‪.744‬‬
‫ولكن إذا رجعنا إىل ت‪GG‬اريخ ص‪GG‬در اإلس‪GG‬الم‪ ،‬والس‪GG‬يّما يف عصر اخللف‪GG‬اء الراش‪GG‬دين‪ ،‬جند أ ّن خري ض‪GG‬مانة‬
‫حلماية احلريات ض ّد االستبداد وإساءة استعمال السلطة هو الوازع الديين لديهم‪ ،‬ولكن ه‪GG‬ذا ال‪GG‬وازع ال‪GG‬ديين‬
‫قد ض‪GG‬عف فيما بع‪GG‬د؛ ممّا جعل االس‪GG‬تبداد يظهر من جدي‪GG‬د‪ ،‬كما أ ّن نظ‪GG‬ام اخلالفة ‪-‬كما ص‪Gّ G‬وره علم‪GG‬اء الفقه‬
‫يصح أن يع‪ّ G‬د أص‪G‬الً من أص‪GG‬ول احلكم يف اإلس‪G‬الم‪ G،‬وحىت على ف‪G‬رض أ ّن ه‪GG‬ذا املب‪GG‬دأ مل يُع‪GG‬رف‬ ‫اإلسالمي‪ G-‬ال ّ‬
‫ينكر األخذ هبذا املب ‪GG‬دإ إذا قضت املص ‪GG‬لحة باألخذ‬ ‫يف نظ ‪GG‬ام اخلالف ‪GG‬ة‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن ه ‪GG‬ذا ليس دليالً على أ ّن اإلس ‪GG‬الم ِ‬
‫ب ‪GG‬ه‪ ،‬ومن ب ‪GG‬اب أوىل إذا قضت به ض ‪GG‬رورة كفالة احلري ‪GG‬ات‪ ،‬ه ‪GG‬ذا باإلضـافة إىل أ ّن اخلالفة تُ َع‪ّ G G‬د من املص ‪GG‬احل‬
‫األمة تنظّمها ملا متليه مص ‪GG G G G‬احلها‪ ،‬كما أ ّن تنظيم العالق ‪GG G G G‬ات بني خمتلف الس ‪GG G G‬لطات يف‬ ‫العامة اليت ت ‪GG G G G‬رتك إىل ّ‬
‫‪G‬ريعا زمنيً‪GG G‬ا‪ ،‬أي‬
‫ملزما جلميع املس ‪GG G‬لمني يف ك ‪Gّ G G‬ل زم ‪GG G‬ان ومك ‪GG G‬ان؛‪ G‬وإمّن ا يُع‪ّ G G G‬د تش‪ً G G‬‬
‫عاما ً‬ ‫‪G‬ريعا ً‬
‫الدولة ال يُع‪ّ G G G‬د تش ‪ً G G‬‬
‫مؤقتًا‪.745‬‬
‫كما اس ‪GG G‬تند ه ‪GG G‬ذا االتّج ‪GG G‬اه يف رأيهم ذاك إىل ك ‪GG G‬ون أ ّن مب ‪GG G‬دأ الفصل بني الس ‪GG G‬لطات قد تبنّته‪ G‬األنظمة‬
‫الدميقراطية‪ G‬لعالج مش‪GG G‬كلة فيه‪GG G‬ا؛ حيث إ ّن تلك البل‪GG G‬دان اليت تبنّته قد م‪Gّ G G‬رت بتجربة احلكم املطلق املس‪GG G‬تب ّد‪،‬‬
‫متولي (عبد احلميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.181 .‬‬ ‫‪744‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 182 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪745‬‬


‫ول‪GG‬ذلك ج‪GG‬اء التنظري معاجلًا لواقع حم ّدد‪ ،‬بغية إرس‪GG‬اء ض‪GG‬مانات حتول دون حص‪GG‬ول االس‪GG‬تبداد الف‪GG‬ردي‪ ،‬وب‪GG‬رز‬
‫مب‪GG‬دأ الفصل بني الس‪GG‬لطات كح‪Gّ G‬ل ملش‪GG‬كلة االس‪GG‬تبداد‪ ،‬ومحاية احلري‪GG‬ات الفردية من س‪GG‬وء اس‪GG‬تغالل‪ G‬الس‪GG‬لطة؛‬
‫وأ ّن الكتّ‪GG G‬اب املس‪GG G‬لمني املعاص‪GG G‬رين قد اس‪GG G‬تندوا‪ G‬خطأ إىل ه‪GG G‬ذا املب‪GG G‬دإ‪ ،‬ونقل‪GG G‬وه ملعاجلة واقع خيتلف كليّة عن‬
‫نظريه يف الغرب‪ ،‬فمشكلة االستبداد مل تنشأ لوج‪G‬ود مش‪G‬كلة تر ّكز الس‪G‬لطات؛ وإمّن ا وج‪G‬دت أسا ًس‪G‬ا النع‪G‬دام‬
‫القواعد الشرعية الثابتة‪ G‬يف الفكر الغريب‪.746‬‬
‫واعترب ه‪GG‬ذا الفريق ك‪GG‬ذلك أ ّن اس‪GG‬تقالل القض‪GG‬اء يف املمارسة ال يعترب فص ‪G‬الً للس‪GG‬لطات؛ وإمّن ا هو تنفيذ‬
‫لألحك‪GG‬ام الش‪GG‬رعية اليت ت‪GG‬بنّي هيمنة القض‪GG‬اء على احلاكم واحملك‪GG‬وم‪ ،‬ووج‪GG‬وب ال‪GG‬تزام الدولة باس‪GG‬تقالليّة‪ G‬القض‪GG‬اء‬
‫لضمان نزاهته‪ ،‬والتزام القضـاة بتنفيذ‪ G‬أحكـام الشرع دون ضغوط أو اضطرار إىل احملاباة‪.747‬‬
‫واعترب ه‪GG‬ذا الفريق أ ّن ت‪GG‬ويّل اإلم‪GG‬ام للس‪GG‬لطات الثالث ي‪GG‬أيت من الس‪GG‬نّة النبوي‪GG‬ة‪ G،‬واليت ظهر فيها بوض‪GG‬وح‬
‫ممارسة الرس ‪GG‬ول‪ ‬واخللفـاء الراش ‪GG‬دين‪ ‬لتلك السلطـات كافّة بال تفـريق‪ ،‬كما ي ‪GG‬أيت من إمجاع الص ‪GG‬حابة‬
‫ض‪G‬ا من طبيعة التش‪GG‬ريع اإلس‪GG‬المي‪ G‬ال‪G‬ذي يل‪G‬زم املس‪GG‬لم باتّب‪G‬اع ال‪GG‬دليل‬‫‪ ‬وم‪GG‬وافقتهم على ذل‪GG‬ك‪ ،‬ويثبت ه‪GG‬ذا أي ً‬
‫الشرعي الثابت لديه‪ ،‬حىت لو خالف غريه‪.748‬‬
‫فه ‪GG‬ذه مجلة من احلجج‪ ،‬اليت اس ‪GG‬تند إليها ه ‪GG‬ذا الفريق للق ‪GG‬ول ب ‪GG‬رأيهم ذاك‪ ،‬وهن ‪GG‬اك‪ G‬اجّت اه آخر ي ‪GG‬رى غري‬
‫ذلك‪.‬‬
‫المقر بمبدإ الفصل بين السلطات في نظام اإلسالم‬
‫الفرع الثاني‪ (:‬االتّجاه ّ‬
‫ي ‪GG G‬رى ه ‪GG G‬ذا االجّت اه أ ّن اخلليفة يف الفكر السياسي –طب ًقا لنظرية اخلالفة ومبادئه‪GG G‬ا‪ -‬ليست له‬
‫يتصور البعض‪ G‬خطأ‪ ،‬بس‪GG‬بب س‪GG‬وء التط‪GG‬بيق يف عص‪GG‬ور الحقة لعصر اخللف‪GG‬اء الراش‪GG‬دين‪،‬‬ ‫سلطات مطلقة‪ ،‬كما ّ‬
‫أهم‬
‫وأنّه ال يس‪GG G G‬تب ّد بالس‪GG G G‬لطة‪ ،‬ألنّه ال جيمع الس‪GG G G‬لطات الثالث يف ي‪GG G G‬ده‪ ،‬فليست له س‪GG G G‬لطة التش‪GG G‬ريع‪ ،‬وهي ّ‬
‫الس‪GG‬لطات‪ ،‬وأ ّن الس‪GG‬يادة –أي احلاكمي‪GG‬ة‪ -‬هلل‪ ،‬وأ ّن الش‪GG‬عب ميارس مظ‪GG‬اهر ه‪GG‬ذه الس‪GG‬يادة يف ح‪GG‬دود الش‪GG‬ريعة‬
‫متاما‬
‫اإلس ‪GG‬المية‪ ،‬ومن أجل ذلك جند أ ّن مب ‪GG‬دأ الفصل بني الس ‪GG‬لطات ‪-‬مع الت ‪GG‬وازن‪ G‬والتع ‪GG‬اون بينه ‪GG‬ا‪ -‬متح ّقق ً‬
‫كل من السلطات الثالث من زاوية االتّصال أو االنفصال‪ ،‬وإذا نظرنا إليها‬ ‫يف دولـة اإلسـالم‪ ،‬إذا نظرنا إىل ّ‬
‫ظل مبدإ "السيادة هلل"‪.749‬‬ ‫من زاوية التوازن والتعاون‪ ،‬وإذا ما نظرنا إىل ذلك كلّه يف ّ‬
‫مفتي (حممد أمحد)‪ ،‬أركان وضمانات الحكم اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.129 .‬‬ ‫‪746‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.133 .‬‬ ‫‪747‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.133 .‬‬ ‫‪748‬‬

‫السيد)‪ ،‬النظام الرئاسي األمريكي والخالفة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.493 .‬‬
‫الصباحي (حيي ّ‬
‫‪749‬‬
‫ه ‪GG‬ذا باإلض ‪GG‬افة إىل أ ّن ه ‪GG‬ذا املب ‪GG‬دأ يعترب قاع ‪GG‬دة من قواعد السياسة‪ ،‬ومب ‪GG‬دأ متليه احلكم ‪GG‬ة‪ ،‬وأنّه مس ‪GG‬ألة‬
‫تنظيمية فنيّة‪ ،‬يتوقّف األخذ به أو عدم األخذ به على ما يفرضه واقع احلال‪.750‬‬
‫وي ‪GG G‬رى ه ‪GG G‬ذا االجّت اه أنّه ليس يف املب ‪GG G‬ادئ اإلس ‪GG G‬المية ال ‪GG G‬واردة يف الق ‪GG G‬رآن والس ‪GG G‬نة ما خيالف الفصل بني‬
‫تعسف السلطة وجورها إذا ما احنرفت‪.751‬‬ ‫السلطات‪ ،‬أو إجياد الضمانات الضرورية حلماية املواطن من ّ‬
‫وأض‪GG‬اف ه‪GG‬ذا الفريق أنّه إذا ك‪GG‬ان الفكـر السياسي اإلس‪GG‬المي‪ G‬مل يع‪GG‬رف مبـدأ الفصـل بني الس‪GG‬لطات‪،‬‬
‫ص ‪G G‬ص ومنع ترك‪GG G‬يز‬ ‫ف‪GG G‬إ ّن ذلك ال يعين أ ّن إعم ‪GG G‬ال ه ‪GG G‬ذا املب ‪GG G‬دإ مبدلوله احلقيقي‪ ،‬ومن حيث كونه يعين التخ ّ‬
‫الس‪GG‬لطة خوفًا من االس‪GG‬تبداد ولض‪GG‬مان ش‪GG‬رعية احلكم‪ ،‬ين‪GG‬ايف األسس اليت تق‪GG‬وم عليها الش‪GG‬ريعة اإلس‪GG‬المية‪ ،‬بل‬
‫إ ّن ه‪GG‬ذا املب‪GG‬دأ ال‪GG‬ذي متليه قواعد السياسة احلكيمة يف احلكم‪ ،‬هو اجته‪GG‬اد س‪GG‬ليم للحيلولة دون االس‪GG‬تبداد‪ ،‬بل‬

‫لع ‪Gّ G‬ل عمر بن اخلط ‪GG‬اب ‪ ‬حني اس ‪GG‬تحدث مب ‪GG‬دأ تف ‪Gّ G‬رغ القضـاة ّ‬
‫وختصص ‪GG‬هم‪ ،‬ك ‪GG‬ان يف ذهنه االعتب ‪GG‬ارات‪ G‬اليت‬
‫يقوم عليها مبدأ الفصل بني السلطات‪.752‬‬
‫أي اختي ‪GG‬ار؛ ومن مثّ فه ‪GG‬ذه‬
‫ويف حقيقة األمر فإنّه ليس يف نص ‪GG‬وص‪ G‬اإلس ‪GG‬الم‪ G‬القطعيّ‪G G‬ة ما حيسم لص ‪GG‬احل ّ‬
‫املس ‪GG‬ألة تتّسع ألك ‪GG‬ثر من اجته ‪GG‬اد‪ ،‬مع التأكيد على أ ّن الس ‪GG‬لطة التش ‪GG‬ريعية العليا هي هلل‪ ‬من خالل ال ‪GG‬وحي‪،‬‬
‫ص‪G‬راع بني سلطـات‬‫كتابًا وس‪G‬نّة؛ وأنّه مهما تب‪GG‬اين ن‪GG‬وع العالقة من فصل ت‪GG‬ام أو نسيب أو دمج‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن فك‪GG‬رة ال ّ‬
‫ليحل حملّها التعاون‪ G‬والتآزر‪ ،‬باعتبـاره ركنًا أساسيًا يف العالقات البشرية‪.753‬‬
‫متاما‪ّ ،‬‬ ‫الدولـة ينبغي أن تُستبعد ً‬
‫إذن‪ ،‬فاختص‪GG G G‬اص التش‪GG G G‬ريع األص‪GG G G‬لي يف اإلس‪GG G G‬الم‪ G‬باهلل‪ ‬جعل ه‪GG G G‬ذه الوظيفة تنفصل عن الوظيف‪GG G G‬تني‬
‫األخ‪GG‬ريني اللّ‪GG‬تني تعت‪GG‬ربان من اختص‪GG‬اص البشر‪ ،‬وتنفي‪ً G‬ذا للتش‪GG‬ريع اإلهلي‪ ،‬وأ ّن اإلس‪GG‬الم يس‪GG‬تبعد فك‪GG‬رة الص‪Gّ G‬راع‬
‫بني هذه السلطات‪ ،‬كما يستند إىل الوازع الديين كضمانة من ضمانات عدم االستبداد‪.‬‬

‫سميع (صاحل حسن)‪ ،‬أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.544 .‬‬ ‫‪750‬‬

‫هالل (علي ال ّدين)‪ "،‬مؤسّسات الدولة الحديثة "‪ ،‬جملّة "منبر الحوار" ‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد‪ ،14 :‬سنة ‪1410‬هـ ‪1989-‬م‪ ،‬ص‪.98 .‬‬ ‫‪751‬‬

‫الطماوي (سليمان حممد)‪ ،‬عمر بن الخطاب وأصول السياسة واإلدارة الحديثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.364-363 .‬‬ ‫‪752‬‬

‫الغنوشي (راشد)‪ ،‬الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.245-244 .‬‬ ‫‪753‬‬
‫الباب الثاني‬
‫مبدأ األغلبيّة في ميزان اإلسالم‬

‫أهم اآللي ‪GG‬ات املعت ‪GG‬ربة‪ G‬يف الدميقراطية‬


‫يعترب "مب ‪GG‬دأ األغلبيّ ‪GG‬ة"‪ )Principe de la majorité( G‬من بني ّ‬
‫‪G‬أهم أسس الدميقراطي‪G‬ة‪ G،‬وهو "حكم الش‪G‬عب"‪ ،‬فتط‪G‬بيق ه‪G‬ذا املب‪G‬دإ هو ترمجة‬ ‫الغربيّة؛ وذلك لعالقته الوطي‪G‬دة ب ّ‬
‫وتنص يف دس ‪GG G‬اتريها على ه‪GG G‬ذا املب‪GG G‬دإ‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫عمليّة ل ‪GG G‬ذلك األس ‪GG G‬اس‪ ،‬وما من دولة تتبىّن الدميقراطية‪ G‬الغربيّة إالّ‬
‫أهم عنصر تتض‪Gّ G G G‬منه األنظمة االنتخابيّ ‪G G G‬ة ب‪GG G G‬اختالف أنواعها وص‪GG G G‬ورها‪ ،‬والس‪GG G‬يّما يف اجلزء‬‫تشري إلي‪GG G G‬ه‪ ،‬وهو ّ‬
‫ص ‪G‬لة هبذا املوض‪GG‬وع‪ G،‬بل هو أب ‪GG‬رز عناص‪GG‬ره‪ ،‬وأك‪GG‬ثر أمهيّة‬ ‫اخلاص بكيفيّة حتديد نت ‪GG‬ائج االنتخ ‪GG‬اب‪ ،‬فهو وثيق ال ّ‬
‫ألي بلد دميقـراطي‪ G‬يف ف‪GG G‬رتة من الف‪GG G‬رتات‬ ‫وخط‪GG G‬ورة؛ وذلك ملا له من أثر مباشر يف حتديد االجّت ـاه السياسي‪ّ G‬‬
‫أي‬
‫(الدورة االنتخابية)‪ G.‬فهذا املبدأ إذن‪ ،‬هو من أجلى الصور اليت حت ّدد مدى احرتام املب‪GG‬ادئ الدميقراطية‪ G‬يف ّ‬
‫بلد‪ ،‬والتأكيد على سيادة الشعب‪ ،‬وح ّقه يف اختيار ح ّكامه ونظام حكمه‪.‬‬
‫أي ش‪GG‬يء ممّا يعترب ص‪GG‬احلاً للعب‪GG‬اد‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬جند اإلسالم‪ G،‬وهو ال‪ّ G‬دين الش‪GG‬امل اخلال‪GG‬د‪ ،‬ال يفوته ّ‬
‫يف معاش‪GG‬هم ومع‪GG‬ادهم؛ فهو يف خمتلف مصـادره وتش‪GG‬ريعاته‪ ،‬يس‪GG‬عى إىل تنظيـم ش‪GG‬ؤون العبـاد مبا يكفل رقيّهم‬
‫وازدهارهم واستقرارهم‪.‬‬
‫إالّ أ ّن املسلمني– يف حال ختلّفهم وتقص‪GG‬ريهم‪ -‬قد يف‪GG‬وهتم ما يف ه‪GG‬ذا ال‪ّ G‬دين العظيم من وس‪GG‬ائل تكفل‬
‫هلم س‪GG G‬عادهتم يف ال‪GG G‬دارين؛ ل‪GG G‬ذلك فال غ‪GG G‬رو إذا ما انبهروا مبا عند غ‪GG G‬ريهم‪ ،‬ممّا قد يك‪GG G‬ون دينهم أس ‪GG‬بق إلي ‪GG‬ه‪.‬‬
‫ومب‪GG‬دأ األغلبيّة من األم‪GG‬ور اليت وردت س‪GG‬وابق تارخييّة ‪ -‬عند املس‪GG‬لمني‪ -‬يف ش‪GG‬أنه‪ ،‬إالّ أهّن م اختلف‪GG‬وا يف ش‪GG‬أن‬
‫أصالته عندهم‪ ،‬واعتماده يف حياهتم السياسية‪ G‬على اخلصوص‪G.‬‬
‫وللبحث يف موض ‪GG G‬وع "مب ‪GG G‬دإ األغلبيّ ‪GG G‬ة" عند الغ ‪GG G‬رب (الدميقراطية‪ G‬الغربي ‪GG G‬ة)‪ ،‬وتأصيـل ه ‪GG G‬ذا املبـدإ يف‬
‫قسمنا هذا الباب إىل فصلني‪:‬‬ ‫اإلسالم‪ ،‬فقد ّ‬
‫نتناول فيه مبدأ األغلبيّة يف الدميقراطية الغربية‪.‬‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬
‫نتعرض فيه إىل تأصيل مبدإ األغلبيّة يف اإلسالم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫الفصل األول‬
‫مبدأ األغلبيّة في الديمقراطية الغربية‬

‫حمل دراس‪GG G‬ات مستفيضة من قِبل فقه‪GG G‬اء الق‪GG G‬انون والسياس‪GG G‬يني واملنظّ ‪GG‬رين؛‬ ‫لقد ك‪GG G‬ان "مب‪GG G‬دأ األغلبيّ‪GG G‬ة"‪ّ G‬‬
‫وحىّت املف ّكرون‪ G‬السياسيون‪ G‬والفالسفة‪ G‬قد أولوا هذا اجلانب نصيباً من العناية‪ ،G‬بالبحث والدراسة‪.‬‬
‫وذلك أل ّن ه‪GG G G G G‬ذا املوض‪GG G G G G‬وع فيه من ال‪GG G G G G‬ثراء والتعقيد ما يثري ع‪ّ G G G G G G‬دة إش‪GG G G G G‬كاليات يف اجلانب السياسي‬
‫والقانوين‪ ،‬وحىت اجلانب الفكري‪.‬‬
‫وممّا يؤ ّكد ما س‪GG G G‬بق ذك‪GG G G‬ره أ ّن ه‪GG G G‬ذا املب‪GG G G‬دأ قد انبثقت‪ G‬عنه أنظمة خمتلف‪GG G G‬ة‪ ،‬وهي ما يس ‪Gّ G G‬مى "األنظمة‬
‫االنتخابيّة"‪ ،‬اليت تقوم على فكرة هذا املبدإ ‪.‬‬
‫فك‪GG G‬ان االهتم‪GG G‬ام هبذا املب‪GG G‬دإ‪ ،‬س‪GG G‬واء ب‪GG G‬البحث عن تارخيه وتط‪Gّ G G‬وره‪ ،‬أم بدراسة أقسـامه وتنظيمـاته‪ ،‬أم‬
‫‪G‬دل على أمهيّة ومكانة ه‪GG‬ذا‬ ‫بتق‪GG‬ييم‪ G‬نت‪GG‬ائج تطبيقيه وتأثريها على احلي‪GG‬اة السياس‪GG‬ية‪ ،‬وك‪GG‬ذا البحث يف ض‪GG‬وابطه‪ ،‬ي‪ّ G‬‬
‫املبدإ يف النظام الدميقراطي‪ ،‬ودوره كآلية من آليات هذا النظام‪.‬‬
‫قسمنا هذا الفصل إىل املباحث اآلتية‪:‬‬ ‫ولدراسة هذا املبدإ من خالل هذه العناصر‪ ،‬فقد ّ‬

‫المبحث األول ‪ :‬وفيه نتناول مفهوم مبدإ األغلبيّة وأصوله التارخيية‪.‬‬


‫المبحث الثاني ‪ :‬ونتعرّض فيه إىل ّ‬
‫مربرات األخـذ مببدإ األغلبيّة ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬ونتحدّث فيه عن نظــام االنتخاب باألغلبيّة ‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬ونتناول فيه نـظـام التـمثيـل النـسـيب ‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬ونتعرّض فيه إىل ضـوابـط مبـدإ األغلبيّـة‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫مفهوم مبدإ األغلبيّة‪ ،‬وأصوله التارخييّة‬
‫من بني اجلوانب اليت تناولتها‪ G‬كتب السياسة والق ‪GG G‬انون يف موض ‪GG G‬وع "مب ‪GG G‬دإ األغلبي ‪GG G‬ة" هو البحث عن‬
‫مفهوم ‪GG‬ه‪ ،‬وأص ‪GG‬وله التارخييّ ‪GG‬ة‪ ،‬ودراسة مراحل تط ‪Gّ G‬وره منذ أن ك ‪GG‬ان فك ‪GG‬رة حىت أص ‪GG‬بح نظام ‪G‬اً ك ‪GG‬امالً‪ ،‬منظّم ‪G‬اً‬
‫ومقننًا ومطبّ ًقا‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومص‪GG G‬طلح "األغلبي‪GG G‬ة" كغ‪GG G‬ريه من املص‪GG G‬طلحات األخ‪GG G‬رى‪ ،‬جند له أص‪GG G‬والً يف جمال اللّغ‪GG G‬ة‪ ،‬كما جند له‬
‫والفن الذي ينتمي إليه‪.‬‬‫اصا يف ذلك العلم ّ‬ ‫مفهوما خ ًّ‬
‫ً‬
‫وك ‪GG‬ذلك فكرت ‪GG‬ه‪ ،‬جندها ض ‪GG‬اربة يف ج ‪GG‬ذور الت ‪GG‬اريخ؛ فكلّما حبثناها يف عصر معنّي جند‪ ،‬أ ّن هلا أص ‪GG‬والً‬
‫تارخييّة يف عصر س‪GG G‬ابق‪ ،‬حىت إنّه يص‪GG G‬عب‪ G‬حتديد ف‪GG G‬رتة ظهورها ونش‪GG G‬أهتا بدقّ‪GG G‬ة‪ ،‬وه‪GG G‬ذا ش‪GG G‬أن غالبيّة األفك‪GG G‬ار‬
‫واألنظمة‪.‬‬
‫قسمنـا هذا املبحث إىل املطلبني‬ ‫وتطوراته‪ ،‬فقد ّ‬ ‫ولدراسة مفهوم مبدإ األغلبيّة‪ G،‬وتتبّع أصـوله التارخييّة‪ّ ،‬‬
‫اآلتيني‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ونتـنـاول فيـه مـفهـوم مـبـدإ األغـلبـيـة‪.‬‬
‫وتطوراته‪.‬‬ ‫ـ‪ّ :‬‬
‫ونتعرض فيه إىل األصول التارخييّة ملبدإ األغلبية‪ّ ،‬‬ ‫المطلب الثاني‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم مبدإ األغلبية‬


‫نتط‪Gّ G‬رق يف ه‪GG‬ذا املطلب إىل تعريف مص‪GG‬طلح "األغلبيّ‪GG‬ة" من الناحيّة اللّغوي‪GG‬ة‪ ،‬سـواء يف اللّغـة العربيـة‪ ،‬أم‬
‫اللّغة األجنبيّة(الفرنسية‪ G‬واإلجنليزية)‪ ،‬ونتناول أيضاً تعريف هذا املبدإ يف االصطالح‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف األغلبيّة في اللّغة‬

‫أوال‪ :‬األغلبية في اللّغة العربية‬


‫لفظ "األغلبيّ ‪GG G‬ة"‪ G‬غري مع‪GG G G‬روف يف اللّغة العربية هبذا االش‪GG G G‬تقاق‪ ،‬فهي كلمة حمدث‪GG G‬ة‪ ،‬ومعناه‪GG G‬ا‪:‬‬
‫(الكثرة)‪.754‬‬

‫أنيس(إبراهيم)‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬لفظ (غ ل ب)‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.658 .‬‬ ‫‪754‬‬
‫ومن مشتقاهتا اليت تأيت مبعىن الك‪GG‬ثرة ق‪G‬وهلم‪ :‬غلب على فالن الك‪GG‬رم‪ :‬ك‪GG‬ان أك‪GG‬ثر خص‪GG‬اله‪ ،‬وغلبت عليه‬
‫‪G‬وم‪ :‬كثُ ‪GG‬روا‪ .‬ويق ‪GG‬ال‪ :‬على األغلب‪ ،‬ويف‬
‫ب الق ‪ُ G‬‬
‫ص‪G G‬فرة‪ :‬ك ‪GG‬انت أك ‪GG‬ثر في ‪GG‬ه‪ .‬ويق ‪GG‬ال ك ‪GG‬ذلك ا ْغلَ ‪GG‬ولَ َ‬
‫احلم ‪GG‬رة أو ال ّ‬
‫األغلب‪ :‬أي على األكثر‪.755‬‬
‫و"الكثرة" ض ّد "القلّة" من ( َكثُ‪G‬ر)‪( ،‬يكثُ‪G‬ر) –بالض ّ‪G‬م‪( ،-‬ك‪G‬ثرةً)‪ ،‬فهو (كث‪G‬ريٌ)‪ ،‬و(ك‪G‬اثروهم فك‪G‬ثروهم)‬
‫صَر‪ ،‬أي غلبوهم بالكثرة‪.756‬‬ ‫من باب نَ َ‬
‫إذن فالتعبري العريب أن يقال‪ :‬الكثرة أو األكثر (دون نسبة) ومن ذلك قوله‪:‬‬
‫اطنَ َكثِي َر ٍة َويَوْ َم ُحنَي ٍْن إِ ْذ أَ ْع َجبَ ْت ُك ْم َك ْث َرتُ ُك ْم‪.757‬‬ ‫‪‬لَقَ ْد ن َ‬
‫َص َر ُك ُم هللاُ في َم َو ِ‬
‫وقوله‪َ : ‬و َج َع ْلنَا ُك ْم أَ ْكثَ َر نَفِيرًا‪.758‬‬
‫ولفظ "األغلبيّة" مرادف للفظ "األكثريّة"؛ لذا يُغين استعمال أحدمها عن اآلخر‪.‬‬
‫وقد أكثرنا يف حبثنا ه‪GG‬ذا اس‪GG‬تعمال لفظ "األغلبيّ‪GG‬ة"؛‪ G‬وذلك ألنّه األش‪GG‬هر واألكثـر استعمـاالً‪ ،‬وال س‪GG‬يّما‬
‫يف اجملال السياسي والقانوين‪ ،‬هذا مع استعمال مرادفه(األكثريّة) يف أحيان أخرى‪.‬‬
‫ثانيا‪ (:‬األغلبية في اللّغة األجنبية(‬
‫لفظ "األغلبية" أو "األكثرية" هو ترجـمة للكلمـة األجنبية (‪ )Majorité‬بالفـرنسيـة‪ ،‬و(‪)Majority‬‬
‫باإلجنليزية‪.‬‬
‫ّأما لفظ (املب ‪GG‬دأ) فيقابله يف الفرنس ‪GG‬ية لفظ (‪ )Principe‬ويف اإلجنليزية لفظ (‪ .)Rule‬واللّفظ األجنيب (‬
‫‪ )Majorité‬مشتّق من لفظ (‪ ،)Major‬وال ‪GG G G‬ذي يقابله يف اللّغة العربية‪-‬يف أحد معاني ‪GG G G‬ه‪ -‬لف ‪GG G‬ظ‪ :‬أك ‪GG G‬رب‪ ،‬أو‬
‫أعظم‪.759‬‬
‫واألكثري ‪GG G G‬ة(‪ :)Majorité‬م ‪GG G G‬أخوذة من الالّتينيّة القروس‪GG G G‬طية‪ ،‬وأص‪GG G G‬لها‪ )Majoritas( :‬املشت ّقـة مـن‪( :‬‬
‫‪ ،)Major‬واملقص‪GG‬ود هبا‪ :‬جمم‪GG‬وع األصـوات اليت يتغلّب بع‪GG‬دده يف انتخـاب‪ ،‬أو تص‪GG‬ويت‪ G‬على ق‪GG‬رار يف مجعية‬

‫ابن منظور(مجال ال ّدين)‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬لفظ (غ ل ب)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،5.‬ص‪.3279-3278.‬‬ ‫‪755‬‬

‫أنيس(إبراهيم)‪ ،‬لفظ (غ ل ب)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬جـ ‪ ،2 .‬ص‪.658-657 .‬‬


‫الصحاح‪ ،‬لفـظ (كـ ث ر)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.668 .‬‬
‫الرازي (حممد بن أيب بكر)‪ ،‬مختار ّ‬
‫‪756‬‬

‫سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.25 :‬‬ ‫‪757‬‬

‫سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.6 :‬‬ ‫‪758‬‬

‫السابق (جروان)‪ ،‬معجـم اللّغات (إجنليزي – فرنسي – عـريب)‪ ،‬دار السابق للنشـر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1984 ،1 .‬ص‪.744 .‬‬ ‫‪759‬‬
‫السن القانونيّ‪GG‬ة‪ ،‬اليت باالس‪GG‬تناد‬
‫حمل دراستنا‪ّ : -‬‬
‫تداوليّة‪ ،‬أو هيئة انتخابية‪ G.‬ومن معانيها كذلك –اليت ليست ّ‬
‫التامة للممارسة‪ ،‬ويغدو – قانونًا‪ -‬مستقالً ومسؤوالً‪.760‬‬
‫إليها يصل الفرد إىل األهليّة ّ‬
‫وهنا نالحظ أ ّن املعىن اللّغوي‪ ،‬يف اللّغة األجنبية‪ G،‬يوافق املعن‪G‬ى االصطالحي للفظ "األغلبية"‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تعريف األغلبيّة في االصطالح‬


‫تقدم يف التعـريف اللّغـوي أ ّن "األغلبي‪G‬ة"‪ G‬لفـظ م‪G‬رادف لـ "األكثري‪G‬ة"؛ ول‪G‬ذلك نالحـظ يف التع‪G‬اريف أهّن ا‬
‫ّ‬
‫اللفظني‪ ،‬وال ضرر يف ذلك ما دام املعىن واحداً‪.‬‬ ‫تأيت لتعريف أحد هذين ّ‬
‫ولقد ُعّرف مصطلح "األغلبيّة" أو "األكثريّة" بتعاريف عديدة‪ ،‬نذكر منها ‪:‬‬
‫‪ )Majorité‬هي‪ « :‬مص ‪GG‬طلح سياس ‪GG‬ي‪،‬‬ ‫(‪- Majority‬‬ ‫أوال‪ :‬ورد يف "موس ‪GG‬وعة السياس ‪GG‬ة" أنّ األكثريّة‬
‫يُس‪GG‬تعمل للداللة على تكتّل أو ائتالف‪ ،‬أو جمموعة تف‪GG‬وز ب‪GG‬أكثر من نصف أص‪GG‬وات املق‪GG‬رتعني‪ ،‬أو ب‪GG‬أكثر من‬
‫نصف املقاعد يف هيئة شعبيّة أو متثيليّة‪.761» ‬‬
‫ونالحظ يف ه‪GG G G G‬ذا التعريف أنّه يشري إىل جمالني لتط‪GG G G G‬بيق مب‪GG G G G‬دإ األغلبي‪GG G G G‬ة‪ ،‬ومها‪ :‬جمال االق‪GG G G‬رتاع الع‪GG G G‬ام‬
‫ولكن التعريف قاصر عن اإلحاطة جبميع‬ ‫(أص‪GG G G‬وات املق‪GG G G G‬رتعني)‪ ،‬وجمال اجملالس (هيئة ش‪GG G G G‬عبيّة‪ G‬أو متثيليّ‪GG G G G‬ة)‪ّ ،‬‬
‫أن‪GG G‬واع األغلبيّ‪GG G‬ة؛‪ G‬فهو يقص‪GG G‬رها بن‪GG G‬وع واحد من أن‪GG G‬واع‪ G‬األغلبيّ‪GG G‬ة‪ ،‬وهو ما يس‪Gّ G G‬مى "األغلبيّة املطلق‪GG G‬ة"‪ ،‬واليت‬
‫سنتطرق إليها –حبول اهلل تعاىل‪ -‬فيما يأيت من حبثنا هذا‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ثانيا(‪ :‬وع ‪Gّ G‬رفت "األغلبيّ ‪GG‬ة"‪ G‬ك ‪GG‬ذلك بأهّن ا‪ « :‬جممـوع األص ‪GG‬وات اليت يتغلّب بع ‪GG‬دده يف انتخـاب‪ ،‬أو‬
‫تصويت على قرار‪.762» ‬‬
‫ونالحظ على هذا التعريف أنّه أوسع وأمشل من التعريف ال ّس‪G‬ابق؛ وذلك ألنّه يش‪GG‬مل جماالت األغلبية‬
‫يتضمن تلك األنواع واجملاالت‪.‬‬
‫وأنواعها‪ G،‬فهو بإمجاله ّ‬
‫ثالثا(‪ :‬ومن تعريف‪GG‬ات "األغلبيّ‪GG‬ة"‪ G‬ك‪GG‬ذلك‪ ،‬أهّن ا‪ « :‬جمموعة األص‪GG‬وات املتح ّ‬
‫ص ‪G‬ل عليها يف انتخاب‪GG‬ات‪ ،‬أو‬
‫التفوق على منافسيهم‪.763» ‬‬
‫ملرتشحني ّ‬
‫ختول حلزب ما أو ّ‬
‫جملس‪ ،‬واليت من شأهنا أن ّ‬
‫كورنو (جريار)‪ ،‬معجم المصطلحات القانونية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.248 .‬‬ ‫‪760‬‬

‫‪.ROBERT (Paul) : Le petit Robert 1, Les Dictionnaires Robert, Canada – Paris, 1992, pp. 1135-1136‬‬
‫الكيالي (عبد الوهاب)وآخرون‪ ،‬موسوعة( السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.247 .‬‬ ‫‪761‬‬

‫كورنو (جريار)‪ ،‬معجم المصطلحات القانونية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.248 .‬‬ ‫‪762‬‬

‫‪.182‬‬ ‫القرام (ابتسام)‪ ،‬المصطلحات القانونية‪ ،‬قصر الكتاب‪ ،‬البليدة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬اجلزائر‪ 1998 ،‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪763‬‬
‫وه‪GG G G‬ذا التعريف أك‪GG G G‬ثر تفص‪GG G G‬يالً‪ G‬ممّا س‪GG G G‬بقه؛ حيث ذُك ‪GG G‬رت فيه الفئ‪GG G G‬ات أو اهليئ‪GG G G‬ات اليت تش ‪ّ G G‬كل ه‪GG G‬ذه‬
‫"األغلبيّ ‪GG‬ة"‪ G،‬واملتمثّلة يف املرت ّش ‪G‬حني أو األح ‪GG‬زاب‪ ،‬وك ‪GG‬ذا الغاية من تط ‪GG‬بيق ه ‪GG‬ذا املب ‪GG‬دإ‪ ،‬وهي حتديد الفائـز أو‬
‫املتفوق‪ G‬يف االنتخابات أو اجملالس‪ ،‬وحت ّددت فيه جماالت األغلبيّة‪ G‬كذلك‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ومن خالل ك‪Gّ G G G‬ل التع‪GG G G‬اريف ال ّس ‪G G G‬ابقة ميكن حتديد جماالت تط‪GG G G‬بيق مب‪GG G G‬دإ األغلبيّ‪GG G G‬ة‪ ،‬واملتمثّلة يف جمال‬
‫(االقرتاع العام)‪ ،‬ممّا ميكن تسميّته‪" :‬األغلبيّة‪ G‬الشعبيّة"‪ ،‬وأيض‪G‬اً اجملال اخلاص بأص‪GG‬وات أعض‪GG‬اء اجملالس النيابيّة‪G‬‬
‫لألمة‪ ،‬ممّا ميكن تسميّته‪" :‬األغلبيّة الربملانيّة"‪.‬‬ ‫املمثّلة ّ‬
‫ومن خالل تلك التعاريف أيضاً نعرف أ ّن "مبدأ األغلبيّة" يتعلّق بالنظ‪GG‬ام االنتخ‪GG‬ايب؛ وذلك لتطبيقه يف‬
‫جمال حتديد نتائج االنتخابات‪.‬‬

‫وتطوراته‬
‫ّ‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬األصول التاريخيّة لمبدإ األغلبية‪،‬‬

‫بداية نشري إىل أ ّن تاريخ مب‪G‬دإ األغلبيّة مل يُع‪GG‬رف بص‪G‬ورة جيّ‪G‬دة‪ ،‬والدراس‪G‬ات يف ه‪GG‬ذا اجملال‪ّ ،‬إما تك‪GG‬ون‬
‫قدمية‪ ،‬أو تتعلّ ‪G G‬ق بأزمنة أو أنظمة خمصوص‪GG G‬ة‪ ،‬ولكنّها مع ذلك ليست عدمية اجلدوى‪ ،‬بل تشكّل مبجموعها‬
‫بعض العناصر اليت تثبت‪ G‬تاريخ هذا املبدإ ‪.764‬‬
‫وفك‪GG‬رة "األغلبيّ‪GG‬ة" كغريها من األفك‪GG‬ار السياس‪GG‬ية‪ G‬والقانونية‪ G‬األخ‪GG‬رى‪ ،‬متت ‪ّ G‬د ج‪GG‬ذورها يف الت‪GG‬اريخ؛ فبعد‬
‫تتطور تدرجيياً حىت تصبح مبدأ مستقالً‪ ،‬له خصائص مميّزة‪.‬‬ ‫جمرد فكرة‪ّ ،‬‬ ‫أن تكون ّ‬
‫و"مب‪GG‬دأ األغلبيّ‪GG‬ة" من املبـادئ اليت عرفتها البش‪GG‬ريّة منذ أق‪GG‬دم العصـور‪ ،‬وع‪GG‬رفت أمهيّته‪ ،‬ودوره يف احلي‪GG‬اة‬
‫خصوصا‪ ،‬وخضع لتط‪Gّ G G‬ورات عدي‪GG G‬دة حىت أص‪GG G‬بح بالش ‪GG G‬كل املع ‪GG G‬روف ح‪GG G‬ديثاً يف اجملال السياسي‪G‬‬
‫ً‬ ‫السياس‪GG G‬ية‪G‬‬
‫والقانوين‪.‬‬
‫مر هبا‪:‬‬
‫والتطورات اليت ّ‬
‫ّ‬ ‫وفيما يأيت سنتناول –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬األصول التارخييّة هلذا املبدإ‪،‬‬

‫األول ‪:‬مبدأ األغلبيّة في العصور القديمة‬


‫الفرع ّ‬
‫تعترب العص‪GG G G G‬ور القدمية مهد كثري من األفك‪GG G G G‬ار واملب‪GG G G G‬ادئ القانوني‪GG G G G‬ة‪ G،‬والسيّما يف احلض‪GG G G‬ارات العريقة‬
‫املعروفة يف تلك العصور‪ ،‬وتعترب احلضارة اليونانيّة‪ G‬واحلضارة الرومانيّة من أب‪GG‬رز تلك احلض‪GG‬ارات اليت ع‪GG‬رفت‬

‫‪,FAVRE (Pierre), La décision de majorité, presses de la fondation national des sciences politiques, paris, 1976 3 764‬‬
‫‪p.287‬‬
‫مثل ه ‪GG G‬ذه األفك ‪GG G‬ار واملب ‪GG G‬ادئ؛ وذلك لتجس ‪GG G‬يدها لبعض مظ ‪GG G‬اهر الدميقراطية‪ G‬يف أنظمتها السياس‪GG G‬ية‪ G،‬وأيض ‪G G‬اً‬
‫لإلنتاج الفكري والفلسفي الذي اشتهر به مف ّكرو وفالسفة تلك احلضارات‪ ،‬والسيّما احلضارة اليونانية‪G.‬‬
‫وفيما يأيت سنتناول –حبول اهلل تعاىل‪ -‬مبدأ األغلبيّة يف هاتني احلضارتني‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مبدأ األغلبية لدى الحضارة اليونانيّة القديمة(‬
‫لقد ع‪GG G‬رف اليون‪GG G‬انيون‪ G‬فك‪GG G‬رة "األغلبي‪GG G‬ة"‪ G‬منذ الق‪GG G‬دمي‪ ،‬فه‪GG G‬ذا "أرس‪GG G‬طو" (‪ 322-384‬ق‪.‬م) يشري إليه ‪GG‬ا‪،‬‬
‫ويق ّس‪G G‬م الس ‪GG‬لطة العليا ‪-‬ب ‪GG‬النّظر إىل ه ‪GG‬ذا املب ‪GG‬دإ‪ -‬إىل ثالثة أقس ‪GG‬ام‪ ،‬وذلك يف قول ‪GG‬ه‪ « :‬الس ‪GG‬لطة العليا ّإما أن‬
‫وإما أكثريّ ‪GG‬ة‪ ،‬وعن ‪GG‬دما حيكم الف ‪GG‬رد أو األقليّة أو األكثريّة ابتغ ‪GG‬اء املص ‪GG‬لحة العام ‪GG‬ة؛‬ ‫وإما أقليّ ‪GG‬ة‪ّ ،‬‬
‫‪G‬ردا‪ّ ،‬‬
‫تك ‪GG‬ون‪ G‬ف ‪ً G‬‬
‫فالزم أن تكون‪ G‬تلك األحكام السياسية قومية‪.765» ‬‬
‫ويف موضع آخر يق ّس ‪G‬م "أرس‪GG‬طو" احلكم السياسي‪ G‬إىل قس‪GG‬مني‪ :‬احلكم الش‪GG‬عيب‪ ،‬وهو ال‪GG‬ذي حيتكم إىل‬
‫الش ‪GG‬عب أو غالبيّت ‪GG‬ه‪ G،‬وتك ‪GG‬ون‪ G‬الس ‪GG‬لطة العليا بي ‪GG‬ده‪ ،‬وحكم األقليّ ‪GG‬ة‪ ،‬وال ‪GG‬ذي تتمتّع فيه األقليّة بالس ‪GG‬لطة‪ ،‬حيث‬
‫يق ‪GG G‬ول‪ « :‬احلكم السياسي‪ G‬يف دولة هو اهليئة احلاكم ‪GG G‬ة‪ ،‬ففي احلكم الش ‪GG G‬عيب مثالً يتمتّع الش ‪GG G‬عب بالس ‪GG G‬لطة‬
‫العليا‪ ،‬ويف حكم األقليّة –بعكس ذلك‪ -‬يتمتّع بالسلطة العليا أفراد قالئل‪.766» ‬‬
‫‪ -‬كما اعترب "أرس ‪GG‬طو" أ ّن الف ‪GG‬رد وح ‪GG‬ده قد ال تك ‪GG‬ون‪ G‬له مزيّة جيّ ‪GG‬دة‪ ،‬ولكنّه عن ‪GG‬دما يش ‪ّ G‬كل مع غ ‪GG‬ريه‬
‫مجاعة‪ ،‬فإنّه من احملتمل أن تتج‪GG G G G G G G G G G G G G G‬اوز ه‪GG G G G G G G G G G G G G G‬ذه اجلماعة كمجموعة وجسم املزيّة األحسن اليت تتميّز هبا‬
‫األقليّة‪.767‬‬
‫تسمى "ال‪GG‬دورة األرس‪GG‬طية"؛ حيث يف ّس‪G‬ر فيها ه‪GG‬ذا الفيلس‪GG‬وف تع‪GG‬اقب النظم‬ ‫‪ -‬وهناك‪ G‬نظرية ألرسطو ّ‬
‫السياس ‪GG G‬ية‪ G،‬إذ ي ‪GG G‬رى أ ّن حكم األقليّة مرحلة وس ‪GG G‬طى –يف م ‪GG G‬وكب النظم السياس ‪GG G‬ية‪ -‬بني احلكم الف ‪GG G‬ردي‬
‫‪768‬‬
‫‪G‬تقرت عن‪G‬دها‬ ‫ّ‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫اليت‬ ‫‪G‬رية‬‫خ‬ ‫األ‬ ‫املرحلة‬ ‫هو‬ ‫‪G‬‬
‫ة‬ ‫األغلبي‬
‫ّ‬ ‫حكم‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫‪G‬أ‬‫ب‬ ‫‪G‬رى‬‫ي‬ ‫ه‬‫ّ‬‫ن‬‫أ‬ ‫أي‬ ‫‪،‬‬ ‫واحلكم الشعيب أو ال‪G‬دميقراطي‬
‫النظم السياسية‪G.‬‬

‫أرسطو (طاليس)‪ ،‬السياسيات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.134 .‬‬ ‫‪765‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.131 .‬‬ ‫‪766‬‬

‫عزي (عبد الرمحن)‪" ،‬الرأي العام والعصبيّة والشورى‪ :‬دراسة نقدية"‪ ،‬مقال مبجلة "المستقبل العربي"‪ ،‬العدد‪1991 ،149 :‬م‪،‬‬ ‫‪767‬‬

‫‪.59‬‬ ‫ص‪.‬‬
‫عجلية (عاصم أمحد)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬د‪.‬ن‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬ط‪ 1992 ،5 .‬م‪ ،‬ص‪.27 .‬‬ ‫‪768‬‬
‫‪ -‬وعُ‪G‬رف ك‪GG‬ذلك عن النظ‪GG‬ام ال‪GG‬دميقراطي يف "أثين‪GG‬ا" أ ّن املواط‪GG‬نني يتمتّع‪GG‬ون حبرية ال‪GG‬رأي‪ ،‬ولاس‪GG‬يما فيما‬
‫يتعلّ ‪G G‬ق بإب‪GG G‬داء ال‪GG G‬رأي ح‪GG G‬ول ما يتعلّق باملص‪GG G‬لحة العام‪GG G‬ة‪ ،‬وال يوجد يف ذلك النظ‪GG G‬ام ال‪GG G‬دميقراطي وجهة نظر‬
‫فكل يبدي رأيه‪ ،‬ورأي األغلبيّة‪ G‬هو الذي تلتزم به الدولة‪.769‬‬ ‫رمسيّة‪ّ ،‬‬
‫عما يلعبه العـدد‪ ،‬من كونه‬ ‫كل هذا‪ ،‬فإ ّن مبدأ األغلبية‪ G‬يف "أثينا" اليونانيّة ك‪GG‬ان يعرّب أك‪GG‬ثر ّ‬‫ولكن رغم ّ‬
‫مبدأ مييل فقط إىل حترير اإلرادة اجلماعيّة‪.770‬‬
‫ثانيا‪ :‬مبدأ األغلبية لدى الرومان‬
‫لقد عُرف عن الروم‪G‬ان نقلهم وت‪G‬رمجتهم لفلس‪G‬فة اليون‪G‬انيني وأفك‪G‬ارهم‪ ،‬مثّ تطبيقها عندهـم؛ فقد‬
‫اش‪GG‬تهروا‪ G‬بالنقل أك‪GG‬ثر ممّا اش‪GG‬تهروا باالبتك‪GG‬ار‪ ،‬وذلك على عكس اليون‪GG‬انيني املع‪GG‬روفني باالبتك‪GG‬ار‪ ،‬والس‪GG‬يّما يف‬
‫جمايل الفكر والفلسفة‪.‬‬
‫ولكن رغم ذلك فقد ع‪GG G G G‬رف الروم‪GG G G G‬انيون‪ G‬األوائل "مب‪GG G G G‬دأ األغلبيّ‪GG G G G‬ة"‪ ،‬وطبّق‪GG G G G‬وه‪ G‬عمليًا لتحديد نتيجة‬
‫التص‪GG‬ويت؛‪ G‬فقد حت ّدث "روس‪GG‬و" عن ذلك يف قول‪GG‬ه‪ّ  « :‬أما فيما يتعلّ‪G‬ق باحتس‪GG‬اب األص‪GG‬وات‪ ،‬فقد ك‪GG‬ان ل‪GG‬دى‬
‫ض‪G‬ا ممّا هو عليه يف "إس‪G‬ربطة"‪ G،‬ك‪G‬ان ك ّ‪G‬ل‬ ‫الرومانيني األوائل‪ G‬بسيطًا بساطة طب‪GG‬اعهم‪ ،‬وإن ك‪G‬ان أق ّ‪G‬ل بس‪GG‬اطة أي ً‬
‫فيدونه ك‪GG‬اتب خمتّص‪ ،‬وك‪GG‬انت أكثريّة األص‪GG‬وات يف ك‪Gّ G‬ل قبيلة حت ّدد موافقة‬ ‫واحد ي‪GG‬ديل برأيه بص‪GG‬وت مرتفع ّ‬
‫القبيل‪G‬ة‪ ،‬وأكثرية األص‪G‬وات بني القبائل حت ّدد موافقة الش‪G‬عب‪ ،‬واألمر جيري على نفس املن‪G‬وال بالنس‪G‬بة جملالس‬
‫البطون واجملالس املئوية‪ ،‬وكان التقليد صاحلاً طاملا كانت االستقامة‪ G‬تسود بني املواطنني‪.771» ‬‬
‫‪G‬دل على م‪GG G‬دى اس‪GG G‬تيعاب‪ G‬الروم‪GG G‬انيني ملب‪GG G‬دإ األغلبيّ‪GG G‬ة‪ ،‬وكيف أهّن م طبّق ‪GG‬وه‪ G‬وبنظ ‪GG‬ام‪ ،‬ويف‬ ‫فه‪GG G‬ذا النّص ي‪ّ G G‬‬
‫جماالت عدي ‪GG G‬دة‪ ،‬حمليًا وإقليميً ‪GG G‬ا‪ ،‬ولغاية دميقراطي ‪GG G‬ة‪ ،‬وهي معرفة م ‪GG G‬دى موافقة الش ‪GG G‬عب أو اجملالس املمثّلة له‬
‫على شيء ما‪ ،‬وإن كان تطبيقه –كما وصفه "روسو" – كان بطريقة بسيطة‪ ،‬وهذا أمر طبيعي بالنّظر إىل‬
‫تلك املرحلة البدائية؛‪ G‬حيث مل تتبلور تلك املفاهيم واملبادئ بشكل واضح‪.‬‬

‫تطور مبدإ األغلبيّة يف العصور احلديثة‬


‫الفرع الثاين‪ّ :‬‬
‫لقد كانت العصور احلديثة املرحلة اليت تط ّ‪G‬ور فيها "مب‪G‬دأ األغلبيّ‪G‬ة"‪ G‬بش‪G‬كل ملح‪G‬وظ‪ ،‬والس‪GG‬يّما مع‬
‫أهم الفالس‪GG‬فة الغرب‪GG‬يني ال‪GG‬ذين حت ّدثوا‬
‫ظه‪GG‬ور نظرية "العقد االجتم‪GG‬اعي" عند "روس‪GG‬و"‪ ،‬فه‪GG‬ذا األخري ك‪GG‬ان من ّ‬
‫‪ 769‬رسالن (أنور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.14 .‬‬
‫‪.FAVRE (pierre), La décision de majorité, op. cit., p.11‬‬ ‫‪770‬‬

‫‪ 771‬روسو (جان جاك)‪ ،‬العقد االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.190-189 .‬‬


‫تتمة للعقد االجتم‪G‬اعي‪،‬‬ ‫عن ه‪G‬ذا املب‪G‬دإ وأث‪G‬ره‪ ،‬وأعط‪G‬وه نص‪G‬يبًا من االهتم‪G‬ام‪ ،‬ودليل ذلك أنّه اعترب ه‪G‬ذا املب‪G‬دأ ّ‬
‫ملزم ‪GG G‬ا‪ ،‬واعترب ك‪GG G G‬ذلك أ ّن اإلرادة العامة اليت تس‪GG G G‬ود اجملتمع ما هي إالّ إرادة اجملتمع متمثّلة يف إرادة‬ ‫وع ‪ّ G G‬ده ً‪G‬‬
‫األغلبيّ‪GG G‬ة‪ G،‬حيث يق‪GG G‬ول‪ « :‬ومن خالل ه‪GG G‬ذا العقد األويل (العقد االجتم‪GG G‬اعي) يك‪GG G‬ون ص‪GG G‬وت الع‪GG G‬دد األكرب‬
‫تتمة للعقد نفسه (‪ )...‬إ ّن اإلرادة الثابتة جلميع أعض‪GG G G G G G‬اء الدولة هي اإلرادة‬ ‫ملزما لآلخ‪GG G G G G G‬رين مجيعهم‪ ،‬إهّن ا ّ‬
‫ً‬
‫العامة‪ ،‬فبمقتضاها هم مواطنون وأحرار‪.772» ‬‬
‫وعند حتليل أقوال "روس‪GG‬و"ح‪GG‬ول مب‪GG‬دإ األغلبيّة‪ G‬جند أنّه يعين ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن األكثريّة يف جمتمـع املتسـاوين ال ميكن‬
‫أن هتدف إىل كبت األقليّة اليت تتك ‪Gّ G G‬ون من أف ‪GG G‬راد يعت ‪GG G‬ربون‪– G‬بداه ‪GG G‬ة‪ -‬مثل ال ‪GG G‬ذين ميثّل ‪GG G‬ون األكثريّ‪GG G‬ة؛ حيث‬
‫تس ‪GG G‬تطيع األقليّة أن ت‪GG G G‬رى يف إرادة األكثريّة إرادهتا؛ أل ّن خالف‪GG G G‬ات ال‪GG G G‬رأي بني الف‪GG G G‬ريقني ليست عميقة وال‬
‫دائمة‪ ،‬فيمكن –نظرياً‪ -‬أن نشبّه إرادة األكثريّة بأهّن ا إرادة إمجاعيّة‪.773‬‬
‫‪G‬دل على تط‪Gّ G G‬ور ه‪GG G‬ذا املب‪GG G‬دإ يف العص‪GG G‬ور احلديثة إش‪GG G‬ارات "روس‪GG G‬و" إىل أن‪GG G‬واع‪ G‬األغلبيّ‪GG G‬ة؛ حيث‬ ‫وممّا ي‪ّ G G‬‬
‫يستشف من بعض أقواله إدراكه ألقسام األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬والظ‪GG‬روف واحلاالت اليت يطبّق فيها كل ّن‪GG‬وع‪ ،‬فهو ي‪GG‬رى‬ ‫ّ‬
‫أ ّن فرق‪G G‬اً من ص ‪GG‬وت واحد يقضي على تسـاوي األصـوات‪ ،‬كما أ ّن معارض‪G G‬اً واح ‪GG‬داً يقضي‪ G‬على اإلمجاع‪،‬‬
‫وبني اإلمجاع والتس ‪GG G‬اوي هن ‪GG G‬اك ع ‪ّ G G‬دة تقس ‪GG G‬يمات غري متس ‪GG G‬اوية‪ ،‬حيث ميكن حتديد ه ‪GG G‬ذا الع ‪GG G‬دد ل ّكل منها‬
‫حبسب حالة اهليئة‪ G‬السياسية‪ ،‬وحاجاهتا‪.774‬‬
‫كل منها فيما يأيت‪:‬‬ ‫ويتح ّدث "روسو" عن هذه التقسيمات‪ ،‬وظروف استعمال ّ‬
‫هامة وخط ‪GG G G‬رية‪ ،‬كلّما وجب أن يك ‪GG G G‬ون‪ G‬ال ‪Gّ G G G‬رأي ال‪GG G G‬ذي يتغلّب مقرتبًا من‬ ‫«‪ ‬كلّما ك ‪GG G G‬انت املداوالت‪ّ G‬‬
‫وكلما ك‪GG G‬انت املس‪GG G‬ألة‪ G‬املث‪GG G‬ارة‪ G‬تتطلّب س‪GG G‬رعة أك‪GG G‬ثر‪ ،‬كلّما جيب تض‪GG G‬ييق الف‪GG G‬ارق املعنّي يف تقس‪GG G‬يم‬‫اإلمجاع‪ّ ،‬‬
‫اآلراء‪ّ ،‬أما يف اجملاالت اليت جيب إمتامها يف احلال‪ ،‬ف‪GG G‬إ ّن زي‪GG G‬ادة ص‪GG G‬وت واحد جيب أن تكفي‪ G.‬ويل ‪GG‬وح يل أ ّن‬
‫األول أك ‪GG‬ثر مالءمة للق ‪GG‬وانني‪ ،‬وأ ّن الث ‪GG‬اين أك ‪GG‬ثر مالءمة لتص ‪GG‬ريف األم ‪GG‬ور‪ ،‬ومهما يكن من أم ‪GG‬ر‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن‬ ‫املب ‪GG‬دأ ّ‬
‫املزج بينهما يبين أفضل النسب‪ G‬اليت ميكن منحها لألكثريّة من أجل إصدار القرارات‪.775» ‬‬
‫وواضح من ه‪GG‬ذا الكالم‪ G‬إدراك "روس‪GG‬و" ل‪GG‬دور مب‪GG‬دإ األغلبيّة‪ G‬يف احلي‪GG‬اة السياس‪GG‬ية‪ G،‬ويف اجملال الق‪GG‬انوين‪،‬‬
‫وأنّه قد أسهم يف تطوير هذا املبدإ من خالل إشاراته إىل تقسيماته‪ ،‬وجماالت تطبيقه‪.‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.174 .‬‬ ‫‪772‬‬

‫‪ 773‬هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري و المؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.228 .‬‬
‫روسو (جان جاك)‪ ،‬العقد االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.175 .‬‬ ‫‪774‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.175 .‬‬ ‫‪775‬‬


‫املتأمل يف "مب‪GG‬دإ األغلبيّ‪GG‬ة"‪-‬بص‪GG‬ورته املعاص‪GG‬رة‪ -‬جيد أنّه جت ّس ‪G‬د تطبيقه عملي ‪G‬اً بص‪GG‬ورة‬
‫ويف األخ‪GG‬ري‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن ّ‬
‫تنص عليه يف دس‪GG‬اتريها أو قوانينه‪GG‬ا‪ ،‬وتتبىّن نوع‪G‬اً‬
‫نظ‪GG‬ام واضح املع‪GG‬امل‪ ،‬وأص‪GG‬بحت ك‪Gّ G‬ل البل‪GG‬دان تعرف‪GG‬ه‪ ،‬وجلّها ّ‬
‫من أنظمته‪.‬‬
‫وهذا ما قد يدفع إىل القول إ ّن "مبدأ األغلبيّة"‪ G‬املعاصـر قد ظهر باالكتشاف‪ ،‬وليس وراثـة أو استئنافًا‪G‬‬
‫للتقاليد األثينيّ‪GG G G‬ة‪ ،‬أو غريه‪GG G G‬ا؛ حيث ظهر يف ال‪GG G G‬وقت ال‪GG G G‬ذي أمكن فيه االتّص‪GG G G‬ال بني األنظم‪GG G‬ة‪ ،‬وب‪GG G‬زغت فيه‬
‫اإلبداعات‪.776‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫مبرّرات األخذ بمبدإ األغلبيّة في الديمقراطية الغربية‬
‫إ ّن الدميقراطية‪ G‬تقتضي أن يك‪GG‬ون‪ G‬الش‪GG‬عب هو ص‪GG‬احب الس‪GG‬يادة؛ حيث تك‪GG‬ون‪ G‬أعم‪GG‬ال الس‪GG‬لطة احلاكمة‬
‫وقراراهتا‪ ،‬وقبل ذلك اختي‪GG G‬ار ه‪GG G‬ؤالء احل ّ‪G‬ك ‪GG‬ام‪ ،‬يس‪GG G‬تند إىل املوافقة الش‪GG G‬عبيّة؛‪ G‬ل‪GG G‬ذا ك‪GG G‬ان ض‪GG G‬روريًا إجياد طريقة‬
‫يُكشف هبا عن هذه اإلرادة الش‪G‬عبيّة‪ ،‬حىت يك‪G‬ون‪ G‬حكمها م‪G‬ربَّ ًرا من الناحية القانوني‪G‬ة‪ ،‬والسياس‪G‬ية‪ G،‬واألدبيّ‪G‬ة‪،‬‬
‫وحىت يتس ‪G‬ىّن تف‪GG‬ويض‪ G‬ه‪GG‬ؤالء احل ّك‪GG‬ام ممارسة احلكم باسم ال ّش ‪G‬عب؛ فك‪GG‬ان االحتك‪GG‬ام إىل األغلبيّة هو الس‪GG‬بيل‬
‫كل ذلك‪ ،‬إضافة إىل ذلك ف‪GG‬إ ّن الدميقراطية تتطلّب بالض‪GG‬رورة تنظيم عمليّة الت‪GG‬داول على‬ ‫الدميقراطي‪ G‬لتحقيق ّ‬
‫السلطة بطريقة سلميّة‪ ،‬وحتديد طرق املمارسة السياس‪GG‬ية‪ ،‬وتنظيم االنتخاب‪GG‬ات‪ ،‬وكيفية‪ G‬الف‪GG‬وز فيه‪GG‬ا‪ ،‬وض‪GG‬مان‬
‫تأييد فئ‪GG‬ات من الش‪GG‬عب أثن‪GG‬اء ف‪GG‬رتة احلكم؛ فك‪GG‬ان تط‪GG‬بيق ه‪GG‬ذا املب‪GG‬دإ (مب‪GG‬دأ األغلبيّ‪GG‬ة) هو الكفيل بتحقيق ك‪Gّ G‬ل‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪FAVRE (pierre),  La décision de majorité, op. cit., p.11 776‬‬


‫وب ‪GG‬النّظر إىل طبيعة ه ‪GG‬ذا املب ‪GG‬دإ‪ ،‬واألسس اليت يس ‪GG‬تند إليه ‪GG‬ا‪ ،‬واآلث ‪GG‬ار املرتتّبة عن تطبيق ‪GG‬ه‪ ،‬ميكن تص ‪GG‬نيف‬
‫املربرات اليت حتّمت األخذ به إىل قسمني‪ ،‬نتناوهلما‪-‬بإذن اللّه تعاىل‪-‬يف املطلبني اآلتيني‪:‬‬ ‫ّ‬

‫المطلب األول‪ّ :‬‬


‫املربرات املنطقيّة‪ G‬والواقعيّة‪ G‬لألخذ مببـدإ األغلبيّة‪.‬‬
‫املربرات السياسيّة والقانونيّة لألخذ مببدإ األغلبيّة‪.‬‬‫المطلب الثاني‪ّ :‬‬

‫والواقعية لألخذ بمبدإ األغلبيّة‬


‫ّ‬ ‫المبررات المنطقيّة‬
‫المطلب األول‪ّ :‬‬

‫‪G‬ربرات يفرض ‪GG‬ها الواقع العملي‪ ،‬ويقبلها املنطق العقلي؛ وعلى ذلك ف ‪GG‬إ ّن‬ ‫يس ‪GG‬تند "مب ‪GG‬دأ األغلبيّ ‪GG‬ة" إىل م ‪ّ G‬‬
‫‪G‬ربرات خمتلف‪GG G‬ة‪ ،‬منها تلك اليت تتعلّق هبذين اجملالني (الواقع‬
‫األخذ هبذا املب‪GG G‬دإ يس‪GG G‬تند إىل حجج كث‪GG G‬رية‪ ،‬وم‪ّ G G‬‬
‫واملنطق)‪ ،‬واليت ميكن تلخيصها فيما يأيت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إ ّن احلفاظ على مب‪GG‬دإ املوافقة‪ G‬الش‪GG‬عبيّة يتطلّب وج‪GG‬ود إمجاع‪ ،‬ولكن ه‪GG‬ذا األخري ال يتح ّقق إالّ يف‬
‫ح‪GG‬االت ن‪GG‬ادرة ج‪Gً G‬دا؛ ل‪GG‬ذلك ك‪GG‬ان الب‪ّ G‬د من إجياد حجج أخ‪GG‬رى إلنق‪GG‬اذ فك‪GG‬رة املوافقة‪ G‬ه‪GG‬ذه‪ ،‬ومن ه‪GG‬ذه احلجج‬
‫‪G‬ؤدي إىل وج‪GG G‬ود أكثريّة وأقليّ ‪GG‬ة‪ ،‬والب‪ّ G G‬د من ت ‪GG‬ويّل‬
‫اإلق ‪GG‬رار حبقيقة أ ّن ط ‪GG‬رح االختي ‪GG‬ار بني فئة من املواط‪GG G‬نني ي ‪ّ G‬‬
‫إح ‪GG‬دى ه ‪GG‬اتني اجملموع ‪GG‬تني احلكـم‪ ،‬وملا ك ‪GG‬انت الدميقراطية ال تقبل ح ‪Gّ G‬ق س ‪GG‬يادة األقليّة على األكثري ‪GG‬ة‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن‬
‫ّ‬
‫االحتم ‪GG‬ال الوحيد هو حكم األكثريّ ‪GG‬ة‪ ،‬وهبذا خنلص إىل أ ّن احلكومة الدميقراطية هي عمليًا حكم األكثري ‪GG‬ة؛‬
‫وذلك ألهّن ا تتمتّع عادة بالقدرة على جعل إرادهتا هي السائدة‪.777‬‬
‫حبق األغلبيّة يف احلكم‪ ،‬وك ‪GG‬ذا ض ‪GG‬رورة العمل هبذا‬ ‫فهنا نالحظ أ ّن الض ‪GG‬رورة الواقعيّة‪ G‬اقتضت التس ‪GG‬ليم ّ‬
‫املب‪GG‬دإ؛ وذلك يف ظ‪Gّ G‬ل ن‪GG‬درة حتقّ ‪G‬ق اإلمجاع‪ ،‬وع‪GG‬دم تقبّل الدميقراطية حلكم األقليّ‪GG‬ة؛ فيتعنّي ب‪GG‬ذلك العمل مبب‪GG‬دإ‬
‫األغلبيّة‪.‬‬
‫ثاني ((ا‪ :‬إ ّن اإلق ‪GG‬رار مبب ‪GG‬دإ األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬وارتض ‪GG‬اء حكمها يف اختاذ الق ‪GG‬رار يُع ‪Gُّ G‬د من الض ‪GG‬رورات اليت تف ‪GG‬رض‬
‫نفس ‪GG G‬ها واقعيًا يف خمتلف التنظيم‪GG G G‬ات الدميقراطية‪ ،778G‬فكما يق‪GG G G‬ول "كلس‪GG G G‬ن" (‪ )Kelsen‬ف ‪GG G‬إ ّن الق ‪GG G‬رارات يف‬
‫الدميقراطية‪ G‬تك‪GG‬ون نتيجة تص‪GG‬احل بني األغلبيّة واألقليّ‪GG‬ة‪ ،‬فه‪GG‬ذه الق‪GG‬رارات تك‪GG‬ون ولي‪GG‬دة رضا األقليّ‪GG‬ة‪ ،‬كما هي‬
‫ولي‪GG‬دة رضا األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬ويف حالة إذا مل تنل موافقة األقليّ‪GG‬ة‪ ،‬فعندئذ ال مف‪Gّ G‬ر من اإلق‪GG‬رار ب‪GG‬أ ّن س‪GG‬لطة األغلبيّة هي‬

‫ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.223 .‬‬ ‫‪777‬‬

‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.152 .‬‬ ‫‪778‬‬
‫ض ‪GG‬رورة اقتض ‪GG‬اها واقع احلال‪ ،‬ومهما قيل عن الدميقراطية‪ G‬يف ه ‪GG‬ذه احلالة‪ ،‬من كوهنا تتج ‪GG‬اوز إرادة الش ‪GG‬عب‪،‬‬
‫وحتكم باسم األقليّ ‪GG‬ة‪-‬واقعي‪G G‬اً على األق ‪Gّ G‬ل‪-‬؛ فالب‪ّ G G‬د من االع ‪GG‬رتاف بأهّن ا أفضل من النظم األخ ‪GG‬رى‪ ،‬اليت تق ‪GG‬وم‬
‫على أس‪GG‬اس حكم ف‪GG‬رد‪ ،‬أو قلّة ض‪GG‬ئيلة من األف‪GG‬راد ال‪GG‬ذين ميثّل‪GG‬ون الطبقة األرس‪GG‬تقراطية‪ .‬فحىّت مع التس‪GG‬ليم ب‪GG‬أ ّن‬
‫أي نظ ‪GG G‬ام‬
‫احلكم يف الدميقراطية‪ G‬متثّله يف واقع احلال األقليّ‪GG G G‬ة‪ ،‬فهي أوسع بكثري من األقليّة اليت حتكم يف ظ ‪Gّ G G‬ل ّ‬
‫آخر‪.779‬‬
‫وخنلص ممّا س ‪GG‬بق أ ّن الواقع العملي قد ف ‪GG‬رض التن ‪GG‬ازع بني األقليّة واألغلبيّة‪ G‬ح ‪GG‬ول أيّهما أح ‪Gّ G‬ق ب ‪GG‬احلكم‪،‬‬
‫وأ ّن البحث عن املص ‪GG G G‬لحة قد ّأدى إىل ف ‪GG G G‬رض تص ‪GG G G‬احل بني األغلبيّة واألقليّ ‪GG G G‬ة؛ فك ‪GG G G‬ان أن اقتضى‪ G‬واقع احلال‬
‫ض‪GG‬رورة تس‪GG‬ليم الس‪G‬لطة لألغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬واليت تس‪GG‬عى ب‪GG‬دورها لنيل رضى األقليّة واألغلبيّة‪ G‬على الس‪GG‬واء؛ وذلك أل ّن‬
‫األغلبيّة ليست ثابتة ودائمة يف اجّت اه واح‪GG G G G G‬د؛ فأغلبيّة الي‪GG G G G G‬وم هي أقليّة الغ‪GG G G G G‬د‪ ،‬وهك‪GG G G G G‬ذا‪ ،‬وإن قيل إ ّن حكـم‬
‫األغلبيّة هو يف الواقع يف يد فئة قليل ‪GG G‬ة‪ ،‬أي هو حكـم األقليّ ‪GG G‬ة‪ ،‬قلنا إنّه مهما بلغ من القلّ ‪GG G‬ة‪ ،‬فإنّه ال يصل إىل‬
‫أي حكم آخر يف األنظمة الفردية أو األرس ‪GG‬تقراطية‪ G،‬فحكم األغلبيّة‪ G‬هو األق ‪GG‬رب إىل التمثيل احلقيقي‪G‬‬ ‫درجة ّ‬
‫للشعب مبختلف فئاته‪.‬‬

‫المبررات السياسية والقانونيّة لألخذ بمبدإ األغلبيّة‬


‫المطلب الثاني‪ّ :‬‬

‫يس‪GG‬تند مب‪GG‬دأ األغلبيّة يف أمهيّته إىل الناحية السياس‪GG‬ية والقانونية‪780‬؛ فاجملال السياسي‪ G‬والق‪GG‬انوين يفرض‪GG‬ان‬
‫املربرات اآلتية‪:‬‬
‫األخذ هبذا املبدإ‪ ،‬والذي يستند‪-‬من هذه الناحية‪ -‬إىل ّ‬
‫‪G‬ؤدي إىل وج‪GG‬ود أح‪GG‬زاب‬ ‫والتوجه‪GG‬ات السياس‪GG‬ية‪ G،‬ي‪ّ G‬‬
‫ّ‬ ‫أوال‪ :‬إ ّن تبيّن الدميقراطية الغربية للتع ّدديّة يف اآلراء‬
‫متنوعة‪ ،‬ويك‪GG‬ون‪ G‬من أه ‪G‬داف ه‪GG‬ذه الأح‪GG‬زاب والتنظيم‪GG‬ات املختلفة‬ ‫سياس‪GG‬ية خمتلف‪GG‬ة‪ ،‬واليت تتبىّن إي‪GG‬ديولوجيات ّ‬
‫السعي إىل الفوز بالسلطة‪ ،‬والت‪GG‬داول عليها س‪GG‬لميّاً؛ فك‪GG‬ان الب‪ّ G‬د من وج‪GG‬ود أس‪GG‬لوب حي ّدد الف‪GG‬ائز ال‪GG‬ذي حيكم‪،‬‬
‫معارضا‪ ،‬وهذا األسلوب هو تطبيق مبدإ األغلبيّة‪G.‬‬ ‫ً‬ ‫واخلاسر الذي يبقى خارج احلكم‬

‫‪ 779‬رسالن (نور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.164 .‬‬
‫يقرون بأمهيّة حصوهلم على األغلبية‪ ،‬ويفتخـرون ب‪G‬أ ّن األغلبيّة اليت يستنـدون إليهـا ال تض‪GG‬اهيها‬ ‫وحىت الزعماء الذين عُرفوا بالدكتاتورية ّ‬
‫‪780‬‬

‫أيّة أغلبية يف أيّة دميقراطية أخ‪GG‬رى‪ ،‬فه‪GG‬ذا "هتل‪GG‬ر" قد ف‪GG‬اخر الع‪GG‬امل بأنّه يمثّ ‪G‬ل نس‪GG‬بة مئوية من الش‪GG‬عب ال ي‪GG‬دانيها أك‪GG‬ثر الزعم‪GG‬اء ال‪GG‬دميقراطيني‬
‫تأييداً‪ .‬الطماوي (حممد سليمان)‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري (دراسة مقارنة)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.152 .‬‬
‫فمن مقتض‪GG G G G G G G G G G G‬يات التع ّدديّة وج‪GG G G G G G G G G G G‬ود أغلبيّة حتكم‪ ،‬وأقلية متثّل املعارضة‪ ،‬واملرجع يف حتديد األغلبيّة‬
‫احلاكمة واألقليّة املعارضة‪ ،‬هو اختيار الشعب‪.781‬‬
‫إذن‪ ،‬فرغبة يف تنظيم املنافسة من أجل الوص‪GG G G G‬ول إىل الس‪GG G G G‬لطة‪ ،‬فقد أخ‪GG G G G‬ذت الدميقراطية الغربيّة هبذه‬
‫حبق املعارضة‪.782‬‬ ‫مؤداها‪ :‬اإلقرار حبكم األغلبيّة‪ G،‬مع االعرتاف لألقليّة ّ‬ ‫القاعدة اجلوهرية‪ ،‬واليت ّ‬
‫فوج‪GG‬ود األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية اليت تس‪GG‬عى إىل الف‪GG‬وز بالس‪GG‬لطة‪ ،‬اقتضى‪ G‬األخذ هبذا املب‪GG‬دإ واالحتك‪GG‬ام‪ G‬إليه‪،‬‬
‫‪G‬تمرة‪ ،‬تفرض‪G‬ها‬‫بقصد حتديد من يك‪G‬ون‪ G‬يف الس‪G‬لطة‪ ،‬ومن يبقى‪ G‬خارجه‪G‬ا‪ ،‬وذلك يف عمليّة تداوليّة س‪G‬لميّة مس ّ‬
‫مبادئ الدميقراطية‪G.‬‬
‫ثاني ((ا‪ :‬إ ّن الدميقراطية‪ G‬الغربية تضع كث ‪ً G‬‬
‫‪G‬ريا من املب ‪GG‬ادئ والقواع ‪GG‬د‪ ،‬بقصد تنظيم احلي ‪GG‬اة السياس ‪GG‬ية واجملال‬
‫‪G‬رد الس‪GG‬يادة إىل ص‪GG‬احبها وهو "الش‪GG‬عب"‪ ،‬والبحث عن‬ ‫الق‪GG‬انوين ال‪GG‬ذي يض‪GG‬بطها‪ ،‬وحي ّدد مس‪GG‬ارها السياس‪GG‬ي‪ G،‬ب‪ّ G‬‬
‫اآللي ‪GG‬ات احمل ّققة‪ G‬هلذا الغ ‪GG‬رض؛ و "مب ‪GG‬دأ األغلبيّ ‪GG‬ة" هو من تلك اآللي ‪GG‬ات واألس ‪GG‬اليب‪ G‬اليت تس ‪GG‬عى لتحقيق تلك‬
‫لفض النـزاعات‪ ،‬وحسم نتيجة املنافسة بني التنظيم‪GG‬ات‬ ‫عالجا ّ‬ ‫والسلم‪ ،‬واختاذه ً‬ ‫الغاية‪ ،‬من ضمان االستقرار ّ‬
‫طوعا وعن رضى لرأي األكثرية‪ ،‬والتس‪GG‬ليم هلا حب ّقها يف احلكم حيفظ‬ ‫واجلماعات السياسية؛‪ G‬فرضوخ األقلية ً‬
‫القوة‪ G‬للبقاء واالستمرار واالزدهار‪.783‬‬ ‫اجملتمع من االنشقاق‪ G‬واالهنيار‪ ،‬ويعطي النظام ّ‬
‫فلنتص ‪Gّ G G G G‬ور لو أ ّن هيئة تش ‪GG G G G‬ريعية دميقراطية مثّلت ك ‪Gّ G G G G‬ل أقليّة ملموسة يف البالد؛ ف ‪GG G G G‬إ ّن النتيجة هي أهّن ا‬
‫ستنقس ‪GG‬م‪ ،‬وتسري يف متاه ‪GG‬ات كث ‪GG‬رية‪ ،‬بحيث يص ‪GG‬عب تنظيمه ‪GG‬ا‪ .‬فاهليئة التش ‪GG‬ريعية –إض ‪GG‬افة إىل كوهنا تق ‪GG‬وم‬
‫مبهمة التمثي‪GG‬ل‪ -‬ف‪GG‬إ ّن هلا مس‪GG‬ؤولية اإلبق‪GG‬اء على احلكوم‪GG‬ة‪ ،‬وتأيي‪GG‬دها‪ G،‬وحفظ اس‪GG‬تقرارها‪ ،‬فالب ‪ّ G‬د إذن من مجع‬ ‫ّ‬
‫وتنظيم وجه ‪GG‬ات النظر املختلفة لتك ‪GG‬وين أكثرية كافية‪ ،‬مت ّكن اهليئة‪ G‬التش ‪GG‬ريعية‪ G‬من احلكم‪ ،784‬فتك ‪GG‬وين أغلبيّة‬
‫برملانيّة أمر ض‪GG G G G‬روري لقي ‪GG G G G‬ام احلكومة‪ G‬الدميقراطية‪ G‬مبس ‪GG G G G‬ؤوليّتها على أحسن وج ‪GG G G G‬ه‪ ،‬ض ‪GG G G G‬امنة ب ‪GG G G‬ذلك التأييد‬
‫واالستقرار‪ ،‬وتلك من أهداف إقرار مبدإ حكم األغلبيّة‪G.‬‬
‫‪G‬ربرات‬ ‫فكل ما سبق ذكره يبنّي مـدى أمهيّة "مب‪GG‬دإ األغلبي‪GG‬ة" لقيـام دميقراطية حقيقي‪GG‬ة‪ ،‬وأنّه يستنـد إىل م‪ّ G‬‬ ‫ّ‬
‫أهم آليات الدميقراطية الغربية‪.‬‬ ‫قويّة وحجج كثرية‪ ،‬دعت إىل األخذ به واعتباره من ّ‬
‫عبد الوهاب (حممد رفعت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.130-129 .‬‬ ‫‪781‬‬

‫‪ 782‬رسالن (نور أمحد)‪ ،‬الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.164 .‬‬
‫ح ّداد (إبراهيم)‪ ،‬الديمقراطية عند العرب‪ ،‬دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،.‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.32 .‬‬ ‫‪783‬‬

‫وقد ظهرت أمهيّة حكم األغلبيّة يف حفظ االستقرار حىت عند القدامى‪ ،‬فهذا "أرسطو" يقول يف كتابه "السياسيات"‪ « :‬فاحلكم الشعيب‬
‫أقل عرضة للثورات من حكم األقليّة‪ .» ‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.246 .‬‬ ‫(أي حكم األغلبيّة) ّ‬
‫ليبسون (لسلي)‪ ،‬الحضارة الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.178 .‬‬ ‫‪784‬‬
‫وقد بلغ االهتم ‪GG G‬ام هبذا املب ‪GG G‬دإ يف الدميقراطية الغربية أن جعله بعض ‪GG G‬هم هو حقيقة الدميقراطي ‪GG G‬ة‪ G،‬فنجد‬
‫يعرف احلكومة‪ G‬الدميقراطية‪ G‬بأهّن ا‪ « :‬حكومة األغلبيّة مع احرتام األقليّة‪.785» ‬‬ ‫األستاذ "فيدل" (‪ّ )Vedel‬‬
‫فال ميكن وصف أيّة حكومة بأهّن ا حكومة دميقراطية إذا مل تأخذ مبب‪GG‬دإ األغلبي‪GG‬ة‪ ،‬فهو احل ّد الفاصل بني‬
‫النظام الدميقراطي‪ G‬احلقيقي‪ ،‬وغريه من األنظمة األخرى‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫األغلبية (‪)Système majoritaire‬‬ ‫نظام‬
‫‪ -‬دراس ـة وتق ـويم‪-‬‬

‫تق ‪Gّ G G‬ر الدميقراطية‪ G‬الغربية باالنتخاب ‪GG G‬ات كوس ‪GG G‬يلة ش ‪GG G‬رعية وقانونية الختي ‪GG G‬ار ممثّلي الش ‪GG G‬عب وح ّكام ‪GG G‬ه‪،‬‬
‫ولتحديد االجّت اه السياسي الذي ارتضاه الشعب للحكم لفرتة معيّنة وحم ّددة‪.‬‬
‫وي‪GG G‬أيت تط‪GG G‬بيق النظ‪GG G‬ام االنتخ‪GG G‬ايب املتعلّق بكيفيّة‪ G‬حتديد النت‪GG G‬ائج بعد إمتام عملية التص‪GG G‬ويت؛ حيث تث‪GG G‬ور‬
‫املرتشحني‪.‬‬
‫مشكلة كيفية حتديد الفائز‪ ،‬واألساس الذي يف ضوئه جتري عملية توزيع األصوات بني ّ‬
‫معينً‪GG‬ا‪ ،‬حبسب ما تريد حتقيقه من أه‪GG‬داف‪ ،‬واالعتب‪GG‬ارات‪ G‬اليت تض‪GG‬عها‬ ‫نظاما انتخابيًا ّ‬
‫وك‪Gّ G‬ل دولة تنتهج ً‬
‫يف حساهبا‪.‬‬
‫وفع‪GG‬االً‬
‫ونظراً لكون اإلنسان‪ G‬ذا فكر خالّق‪ ،‬ونتيجة لسعيه الختيار النظام االنتخايب الذي يراه عادالً ّ‬
‫يف آن واحد؛ فقد تع ّددت هذه األنظمة االنتخابية‪.‬‬
‫كما أ ّن اهلدف األكرب لألنظمة االنتخابية هو اكتش ‪GG‬اف األكثريّ ‪GG‬ة‪ ،‬مع إعط ‪GG‬اء متثيل ك ‪GG‬اف لألقليّ ‪GG‬ات‪،‬‬
‫حىت تستطيع محاية نفسها بشكل مناسب‪.‬‬
‫متولي (عبد احلميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.139 .‬‬ ‫‪785‬‬
‫ويعترب نظ‪GG‬ام االنتخ‪GG‬اب باألغلبيّة هو أش‪GG‬هر ه‪GG‬ذه األنظمة وأق‪GG‬دمها‪ ،‬وهو كغ‪GG‬ريه من األنظمة يتف‪GّG‬رع إىل‬
‫أقسام‪ ،‬وله مزايا عديدة‪ ،‬ولكن ال خيلو من عيوب‪ ،‬كما أ ّن لتطبيقه آثاراً عديدة على خمتلف املستويات‪G.‬‬
‫وفيما يأيت سنتناول –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬هذه األمور‪ ،‬وذلك يف املطلبني اآلتيني‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ونتناول فيه صور االنتخاب باألغلبيّة (دراسة وتقوميًا)‪.‬‬


‫ونتعرّض فيه إلى آثـار تطبيـق نـظـام األغلبيـّة‪.‬‬ ‫المطلب الثاني‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬صور االنتخاب باألغلبيّة (دراسة وتقويم)‬

‫(‪Système majoritaire relative ou‬‬ ‫لنظ‪GG‬ام األغلبيّة ص‪GG‬ورتان مها‪ :‬نظ‪GG‬ام األغلبية‪ G‬النس‪GG‬بيّة‪ G‬أو البس‪GG‬يطة‬
‫‪ ،)simple‬ويطلق عليه ك ‪GG‬ذلك تس ‪GG‬مية‪( :‬االق ‪GG‬رتاع األك ‪GG‬ثري ذو الـدورة الواحـدة)‪ ،‬وصـورته‪ :‬أن ينجح يف‬
‫املخصصة لل‪GG‬دائرة) ال‪GG‬ذين حص‪GG‬لوا على أك‪GG‬ثر‬
‫ّ‬ ‫ك‪Gّ G‬ل دائ‪GG‬رة انتخابية املر ّش‪G‬ح أو املر ّش‪G‬حون (حبسب ع‪GG‬دد املقاعد‬
‫األص‪GG‬وات‪ .‬وهو نظ‪GG‬ام يص‪GG‬لح يف أس‪GG‬لوب االنتخ‪GG‬اب الف‪GG‬ردي واالنتخ‪GG‬اب بالقائمة‪ .786‬ف‪GG‬إذا ك‪GG‬ان االنتخ‪GG‬اب‬
‫فردي ‪G‬اً‪ ،‬فإنّه يف‪GG‬وز من املر ّش ‪G‬حني املر ّش ‪G‬ح ال‪GG‬ذي حصل على أك‪GG‬ثر األص‪GG‬وات‪ ،‬وإذا ك‪GG‬ان االنتخ‪GG‬اب عن طريق‬
‫املخصصة‪.787‬‬
‫ّ‬ ‫يؤدي إىل فوز القائمة اليت نالت أكثرية األصوات جبميع املقاعد‬ ‫القائمة‪ ،‬فإ ّن هذا النظام ّ‬
‫الص ‪GG‬ورة الثانية هلذا النظ ‪GG‬ام هي‪ :‬نظ ‪GG‬ام األغلبيّة املطلقة (‪ ،)Système majoritaire absolue‬ويف ‪GG‬رتق‬
‫‪G‬جلني‬‫ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام عن س‪GG‬ابقه يف كونه يتطلّب حص‪GG‬ول املرت ّش‪G‬ح أو القائمة على أكثـر من نصف أص‪GG‬وات املس‪ّ G‬‬
‫املصوتني‪ G،‬أي (‪ ،788)1 G+ % 50‬وهذا ما جعله يتطلّب إعادة االنتخـاب؛ وذلك إلمكانيّة‪ G‬عـدم حصـول‬ ‫أو ّ‬
‫املرتشـح أو القائمـة علـى هـذه النسبـة‪ ،‬أي (‪)1 G + G G% 50‬؛ وهلذا مسّي ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام "االق‪GG‬رتاع األك‪GG‬ثري ذا‬ ‫ّ‬
‫الدورتني"‪.‬‬
‫وسنتناول هذين النظامني –حبول اهلل تعاىل‪ -‬فيما يأيت‪:‬‬

‫واحدا‪ ،‬فاملنطقة االنتخابية جيب أن تكون صغرية‬ ‫‪ 786‬عندما يطبّق االقرتاع على أساس الفرد ال جيوز أن حتمل ورقة االقرتاع إالّ امسًا ً‬
‫نوعا ما لكي ميكن أن تتمثّل مبنتخب واحد‪ ،‬وقد جرت العادة يف فرنسا على تسمية هذه املنطقة "الدائرة"‪ّ ،‬أما يف االقرتاع الالّئحي‬ ‫ً‬
‫مسجلني على نفس الورقة أو الالّئحة‪ .‬هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات‬
‫فيصوت الناخب جلماعة من املرت ّشحني ّ‬
‫ّ‬
‫السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.264 .‬‬
‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ -.271 .‬هوريو (أندريه)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.265 .‬‬ ‫‪787‬‬

‫‪DUVERGER‬‬ ‫‪(Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 130.‬‬ ‫‪788‬‬

‫‪.FAVRE (Pierre),  La décision de majorité, op. cit., p.129‬‬


‫الفرع األول ‪ :‬ونتناول فيه نظـام األغلبيّة‪ G‬النـسبيّة‪.‬‬
‫ونتعرض فيه إىل نظام األغلبيّة املطلقة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ّ :‬‬

‫الفرع األول‪ :‬نظام األغلبيّة النسبيّة أو البسيطة (‪)Système majoritaire relative ou simple‬‬
‫هلذا النظ‪G‬ام خص‪G‬ائص عُ‪G‬رف هبا‪ ،‬جعلته يتميّز عن غ‪G‬ريه من األنظمة األخ‪G‬رى‪ ،‬كما أ ّن له تطبيق‪G‬ات يف‬
‫بل‪GG‬دان خمتلفة اش‪GG‬تهرت ب‪GG‬ه؛ وذلك ملزاي‪GG‬اه اليت عُ‪GG‬رفت عن‪GG‬ه‪ ،‬واليت تس‪GG‬عى تلك البل‪GG‬دان اليت تطبّقه إىل حتقيقها‬
‫بواسطته‪ ،‬ولكن رغم ذلك فإنّه ال خيلو من بعض العيوب‪ ،‬كغريه من األنظمة األخرى‪.‬‬
‫سنتعرض –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل هذه العناصر‪:‬‬ ‫وفيما يأيت ّ‬
‫أوال‪ :‬مضمون نظام األغلبيّة النسبيّة أو البسيطة‬
‫املخصصة للدائرة االنتخابي‪GG‬ة) ال‪GG‬ذين‬
‫ّ‬ ‫املرشحون (بقدر عدد املقاعد‬ ‫املرشح‪ ،‬أو ّ‬‫يف هذا النظام يفوز ّ‬
‫حص‪GG G‬لوا على أكرب ع ‪GG G‬دد من األص ‪GG G‬وات‪ ،‬وذلك دون النّظر إىل جمم ‪GG G‬وع األص ‪GG G‬وات اليت حصل عليها ب ‪GG G‬اقي‬
‫املر ّش‪G‬حني‪ ،‬أي حىت ولو ك‪GG‬انت األص‪GG‬وات اليت حصل عليها ه‪GG‬ؤالء األخ‪GG‬ريون تزيد يف جمموعها على نصف‬
‫‪789‬‬
‫أوهلم على (‪80‬‬ ‫جمموع األصوات املعطاة يف الدائرة االنتخابية ‪ .‬فلو فرضنا أ ّن دائرة انتخابية‪ G‬معيّنة حصل ّ‬
‫األول هو ال‪GG‬ذي يف ‪GG‬وز‪ ،‬وذلك على‬ ‫‪ 0‬ص‪GG‬وتًا) والث ‪GG‬اين‪ 700( :‬ص ‪GG‬وتًا)‪ ،‬والث ‪GG‬الث‪ 500( :‬ص‪GG‬وتًا)؛ ف‪GG‬إ ّن املر ّش ‪G‬ح ّ‬
‫ال‪G‬رغم من أ ّن ب‪G‬اقي املر ّش‪G‬حني قد حص‪G‬لوا على أك‪G‬ثر من نصف األص‪G‬وات املعط‪G‬اة‪ .‬وإذا فرض‪G‬نا أ ّن االنتخ‪G‬اب‬
‫ص ‪G‬ص هلا ثالثة مقاع‪GG‬د‪ ،‬وأ ّن القائمة املق ّدمة من احلزب‬ ‫جيري على أس‪GG‬اس القائم‪GG‬ة‪ ،‬وأ ّن ال ‪GG‬دائرة االنتخابيّة خم ّ‬
‫(أ) قد حص‪GG G‬لت على‪ 800( :‬ص‪GG G‬وتًا)‪ ،‬والقائمة املق ّدمـة من احلـزب (ب) قد نالـت (‪ 700‬ص‪GG G‬وتًا)‪ ،‬والقائمة‬
‫املق ّدمة من احلزب (جـ) قد حص ‪GG G‬لت على (‪ 500‬ص ‪GG G‬وتًا)؛ ف ‪GG G‬إن احلزب الف ‪GG G‬ائز هو احلزب (أ)‪ ،‬حيث يف‪GG G‬وز‬
‫‪790‬‬
‫يتم يف جولة واح‪GG‬دة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪G‬ام‬
‫‪G‬‬ ‫ظ‬ ‫الن‬ ‫‪G‬ذا‬
‫‪G‬‬ ‫ه‬ ‫‪G‬ل‬
‫ّ‬ ‫‪G‬‬‫ظ‬ ‫يف‬ ‫‪G‬اب‬ ‫‪G‬‬‫خ‬ ‫االنت‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ة‬‫العملي‬
‫ّ‬ ‫‪G‬ذه‬
‫‪G‬‬ ‫ه‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫ويالحظ‬ ‫؛‬ ‫باملقاعد الثالثة‬
‫أي يف دورة واحدة (‪.791)Un tour‬‬
‫‪ 789‬بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع س‪GG‬ابق‪ ،‬ص‪ G-.272 .‬هوريو (أندري‪GG‬ه)‪ ،‬القانون الدس(توري والمؤسس(ات السياس(ية‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.265 .‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 130‬‬
‫‪.FAVRE (pierre), La décision de majorité, op. cit., p.132‬‬

‫بدوي (ثروت)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪،272 .‬‬ ‫‪790‬‬

‫‪ 791‬هوريو (أندريه)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪ -.265 .‬بسيوني (عبد الغين)‪ ،‬النظم السياسية (أسس التنظيم السياسي)‪ ،‬منشأة‬
‫املعـارف‪ ،‬اإلسكندريـة‪ ،‬د‪ .‬ط‪1991 ،.‬م‪ ،‬ص‪.233 .‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقييم نظام األغلبيّة النسبيّة‬
‫إ ّن نظام األغلبيّة النسبيّة حي ّقق عند تطبيقه يف بعض البلدان إجيابيات عديدة‪ ،‬ويف مقابل ذلك فإنّه‬
‫قد ُو ّجهت إليه ع ‪ّ G‬دة انتق‪GG‬ادات؛ وذلك للعي‪GG‬وب اليت عُ‪GG‬رف هبا‪ .‬واجلدير بال‪GG‬ذكر عند تق‪GG‬ييم ه‪GG‬ذه اإلجيابي‪GG‬ات‪G‬‬
‫والس‪GG‬لبيات أنّه البّد من األخذ بعني االعتب‪GG‬ار‪ G‬األه‪GG‬داف اليت تس‪GG‬عى إليها أيّة دول‪GG‬ة‪ ،‬واالعتب‪GG‬ارات اليت تض‪GG‬عها‬
‫أي نظام من هذه األنظمة‪.‬‬ ‫يف حساهبا عند تطبيق ّ‬
‫ويمكن تلخيص مزايا وعيوب نظام األغلبيّة النسبيّة فيما يأتي‪:‬‬

‫‪ -1‬مزايا( نظ((ام األغلبيّة النس((بيّة‪ :‬لقد اعتُرب اجّت اه ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام إىل نظ‪GG‬ام احلزبني من املزايا اليت حُت سب‬
‫له‪792‬؛ وذلك أل ّن الثنائية احلزبية‪ ،‬مبا تؤدي إليه من فوز أحد احلزبني وتشكيل حكومته؛ تك‪GG‬ون من نتيجتها‬
‫‪793‬‬
‫تبعا ل‪GG‬ذلك احلكومة‬ ‫‪G‬تقرة‪ ،‬وال تعطّلها أو تش‪G‬لّها مناقش‪GG‬ات داخلية ‪ ،‬وتك‪GG‬ون ً‬ ‫وج‪GG‬ود أكثرية متجانسة ومس‪ّ G‬‬
‫‪G‬ؤدي إىل االس‪GG‬تقرار السياس‪GG‬ي‪ G.‬كما أ ّن الن‪GG‬اخب يف ظ‪Gّ G‬ل ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام ي‪GG‬ؤثّر مباش‪GG‬رة يف الق‪GG‬رار‬ ‫متجانس‪GG‬ة‪ ،‬ممّا ي‪ّ G‬‬
‫السياسي؛ حيث خيتار االجّت اه السياسي ال‪G‬ذي يرتض‪G‬يه‪ ،‬بتص‪G‬ويته على احلزب ال‪G‬ذي ميثّل ذلك االجّت اه‪ ،‬وخيت‪G‬ار‬
‫رئيس الوزراء الذي هو رئيس احلزب الذي متّت تزكيّته‪.794‬‬
‫هذا باإلضافة إىل ما ميت‪G‬از به ه‪G‬ذا النظ‪G‬ام من وض‪G‬وح وبس‪G‬اطة‪795‬؛ إذ إ ّن عملية ف‪G‬رز األص‪G‬وات وحتديد‬
‫‪G‬ؤدي إىل س ‪GG‬رعة ظه ‪GG‬ور النتيج ‪GG‬ة‪،‬‬ ‫الف ‪GG‬ائز بس ‪GG‬يطة وس ‪GG‬هلة‪ ،‬وال تتطلّب عملي ‪GG‬ات مع ّق‪GG‬دة وال وقتًا ط ‪GG‬ويالً؛‪ G‬ممّا ي ‪ّ G‬‬
‫والذي قد يقلّل من فرص التالعب‪ G‬بالنتائج‪ ،‬هذا األخري الذي يكون ع‪G‬ادة عن‪G‬دما تتع ّقد اإلج‪G‬راءات وتط‪G‬ول‬
‫امل ّدة‪.‬‬
‫‪ -2‬عي((وب نظ((ام األغلبيّة النس((بيّة‪ :‬لقد تع‪Gّ G‬رض ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام إىل كثري من االنتق‪GG‬ادات‪ G،‬منها أنّه ي‪ّ G‬‬
‫‪G‬ؤدي‬
‫‪G‬ديدا‪ ،‬وحيايب األح ‪GG‬زاب الكب ‪GG‬رية على حس ‪GG‬اب األح ‪GG‬زاب الص ‪GG‬غرية‪ ،‬وقد‬
‫ظلما ش ‪ً G‬‬
‫إىل ظلم األقليّ ‪G‬ات السياس ‪GG‬ية‪ً G‬‬
‫ثبت أ ّن عدد املقاعد اليت حتصل عليها األحزاب املختلفة يف هذا النظام ال يتناسب مع األصوات اليت حتصل‬
‫دائما بنسبة من املقاعد أعلى من نسبة األصوات اليت حص‪GG‬لت‬ ‫كل منها؛ فتكاد األحزاب القويّة تفوز ً‬ ‫عليها ّ‬
‫عليه‪GG‬ا‪ ،‬ويف املقابل جند أ ّن األح‪GG‬زاب الص‪GG‬غرية‪ G‬تف‪GG‬وز بع‪GG‬دد من املقاعد أق‪Gّ G‬ل من نس‪GG‬بة األص‪GG‬وات اليت حص‪GG‬لت‬

‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.109 .‬‬ ‫‪792‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.133 .‬‬ ‫‪793‬‬

‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.154 .‬‬ ‫‪794‬‬

‫بسيوني (عبد الغين)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.236 .‬‬ ‫‪795‬‬
‫‪G‬ؤدي أحيانً‪G G‬ا إىل أ ّن احلزب ال ‪GG‬ذي حصل على املقاعد األك ‪GG‬ثر يف الربملان هو‬ ‫عليه ‪GG‬ا‪ ،‬بل إ ّن ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام قد ي ‪ّ G‬‬
‫احلزب الذي حصل على األصوات ّ‬
‫األقل‪.796‬‬
‫ومن عي‪GG‬وب ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام ك‪GG‬ذلك‪ ،‬أ ّن احلزب احلاصل على األغلبيّة‪ G‬النس‪GG‬بيّة‪ G،‬واليت قد تك‪GG‬ون أق‪Gّ G‬ل من‬
‫نصف األصوات‪ ،‬يفوز بك ّ‪G‬ل املقاعد املتن‪G‬افس‪ G‬عليه‪G‬ا‪ ،‬وب‪G‬ذلك حترم األح‪G‬زاب من التمثيل الني‪GG‬ايب‪ ،‬على ال ّ‪G‬رغم‬
‫من أ ّن جمم ‪GG‬وع األص ‪GG‬وات اليت حص ‪GG‬لت عليها جمتمعة تزيد عن النص ‪GG‬ف‪.‬كما أ ّن نتيجة االنتخ ‪GG‬اب–عمليً ‪GG‬ا‪-‬‬
‫أي ح‪G‬زب من احلزبني املتنافس‪G‬ني؛ فبتص‪G‬ويتهم لص‪G‬احل أحد‬ ‫تتوقف على موقف الن‪G‬اخبني ال‪G‬ذين ال ينتم‪G‬ون‪ G‬إىل ّ‬
‫يرجحونه على منافسه‪ ،‬فيحصل بذلك على مقاعد الربملان‪.797G‬‬ ‫احلزبني ّ‬
‫وميكن الق ‪GG‬ول‪ ،‬ب ‪GG‬النّظر إىل ك ‪GG‬ون ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام ال يعطي األمهيّة لألص ‪GG‬وات األخ ‪GG‬رى التي متثّل األح ‪GG‬زاب‬
‫جدا‪ ،‬بل ميكن أن تف‪GG‬وق يف جمموعها األص‪GG‬وات اليت حصل عليها احلزب‬ ‫غري الفائزة‪ ،‬واليت قد تكون كثرية ً‬
‫الف‪GG G G‬ائز‪ ،‬إ ّن ه‪GG G G G‬ذا النظ‪GG G G G‬ام ال يتّفق مع الدميقراطية‪ G‬الص‪GG G G G‬حيحة اليت تقتضي أن مُي ثَّل الش‪GG G G G‬عب متثيالً حقيقياً يف‬
‫الربملان‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تطبيقات نظام األغلبية النسبيّة‬
‫‪G‬ريا؛ حيث ك‪GG‬انت‬
‫حىت أواخر الق‪GG‬رن التاسع عشر مل تكن مس‪GG‬ألة النظ‪GG‬ام االنتخ‪GG‬ايب تثري ج‪GG‬دالً كب‪ً G‬‬
‫ال‪GG‬دول تأخذ بنظ‪GG‬ام األغلبيّ‪GG‬ة‪ G،‬فك‪GG‬انت بريطانيا ومس‪GG‬تعمراهتا‪ ،‬وأمريكا الالتيني‪GG‬ة‪ ،‬والس‪GG‬ويد وال‪GG‬دمنارك (قبل أن‬
‫تتحول إىل النظام النسيب) تأخذ بنظام األغلبيّة النسبيّة‪.798G‬‬
‫‪ 796‬بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.277 .‬‬
‫ومن أبرز األمثلة على ما أوردناه من أ ّن النتائج يف هذا النظام قد تكون شاذة؛ حيث يكون احلزب احلاكـم هو حـزب األقليّة‪ ،‬ما حدث‬
‫العمال على أصوات أكثر من األصوات اليت حصل‬ ‫فعالً يف االنتخابات الربيطانية اليت أجريت يف (سنة ‪1951‬م)‪ ،‬حيث حصل حزب ّ‬
‫"العمال"؛ فكانت‬
‫عليها حزب احملافظني‪ ،‬ومع ذلك فقد كان عدد الدوائر اليت جنح فيها "احملافظون" أكرب من عدد الدوائر اليت جنح فيها ّ‬
‫"العمال" قد نالوا أصواتًا أكثر‪،‬‬
‫هذه النتيجة الشاذة‪ ،‬وهي أ ّن حزب احملافظني توىّل الوزارة بدالً من حزب العمال‪ ،‬على الرغم من أ ّن ّ‬
‫وعلى الرغم من أ ّن حزب احملافظني مل تكن له أغلبيّة الناخبني‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.279 – 278 .‬‬
‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.154 .‬‬ ‫‪797‬‬

‫يق ‪GG‬ول "م((وريس ديفرجيه" ح ‪GG‬ول االنتخاب ‪GG‬ات يف بريطانيا اليت تك ‪GG‬ون نتيجتها رهنًا بأص ‪GG‬وات املنتخ ‪GG‬بني ال ‪GG‬ذين ال ينتم ‪GG‬ون إىل أحد احلزبني‪،‬‬
‫العم‪G‬ال؟‬
‫املرتددين‪ « :‬ولنتس‪GG‬اءل‪ :‬ما هي األص‪GG‬وات اليت تكفل النّصر يف االنتخـاب حلـزب احملافظـني‪ ،‬أو حلزب ّ‪G‬‬ ‫وال‪GG‬ذين يس‪Gّ G‬مون ب‪GG‬املنتخبني ّ‬
‫املتعصبني‪ ،‬الذين سيقرتعون هلما مهما يكن من أمر‪ ،‬لعـدم وج‪G‬ود حـزب أق‪G‬رب إىل اليمني أو ح‪G‬زب أق‪G‬رب إىل‬ ‫إهّن ا ليست أصوات األفراد ّ‬
‫اليس‪GG‬ار؛ وإمّن ا س‪GG‬تكفل ألح‪GG‬دمها النّصر أص‪GG‬وات امللي‪GG‬ون أو امللي‪GG‬ونني من اإلجنل‪GG‬يز املعت‪GG‬دلني ال‪GG‬ذين يقع‪GG‬ون‪ G‬سياس‪GG‬يًا يف الوس‪GG‬ط؛ فت‪GG‬ارة يق‪GG‬رتعون‬
‫للمحافظني‪ ،‬وتارة للعمال‪ . » .‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.108 .‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 129 798‬‬
‫ف‪GG‬االقرتاع الف‪GG‬ردي األك‪GG‬ثري ذو ال‪GG‬دورة الواح‪GG‬دة هو النظ‪GG‬ام ال‪GG‬ذي تطبّقه بريطانيا‪ ،‬والوالي‪GG‬ات‪ G‬املتح‪GG‬دة‬
‫األمريكية‪ ،‬وبلدان الكومنولث‪.799‬‬
‫معتم ً‪G‬دا يف بريطانيا دومنا انقط‪G‬اع منذ الق‪G‬رن‬
‫وقد اشتهر النظ‪G‬ام السياسي‪ G‬اإلجنل‪G‬يزي هبذا النظ‪G‬ام؛ فك‪G‬ان َ‬
‫الث‪GG‬الث‪ G‬عش‪GG‬ر؛ وذلك نظ‪GG‬راً أل ّن االق‪GG‬رتاع‪ G‬الختي‪GG‬ار املمثّلني يف الربملان اعتُرب كعبء جيب التخلّص منه بأس‪GG‬رع‬
‫ما ميكن؛ فك ‪GG‬ان ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام هو املناسب لتحقيق ذل ‪GG‬ك‪ ،‬إذ فيه تُتجنّب ال ‪GG‬دورة الثانية‪ G‬من االنتخاب ‪GG‬ات‪ ،‬وقد‬
‫احتُفظ هبذا النظام فيها حفاظًا على الرتاث‪ ،‬وملا يظهر فيه من حماسن‪.800‬‬
‫األول ملب ‪GG‬دإ األغلبيّ ‪GG‬ة‪G،‬‬
‫إذن‪ ،‬فنظ ‪GG‬ام األغلبيّة النس ‪GG‬بيّة‪ G‬هو من أق ‪GG‬دم األنظمة يف ه ‪GG‬ذا اجملال‪ ،‬وهو التط ‪GG‬بيق ّ‬
‫ال‪GG G‬ذي أ ُّرخ له ظه‪GG G‬وره ‪-‬كنظ‪GG G‬ام مطبّ‪GG G‬ق‪ -‬ب‪GG G‬القرن الث‪GG G‬الث‪ G‬عشر‪ ،801‬وهو ت‪GG G‬اريخ بداية عمل بريطانيا بنظ‪GG G‬ام‬
‫األغلبيّة النسبيّة‪ G،‬الذي ال يزال مطبّقاً عندها إىل اآلن‪.‬‬
‫‪G‬دل لنا بس ‪GG‬اطته على أنّه من أق ‪GG‬دم تلك األنظم ‪GG‬ة؛ نظ ‪Gً G‬را أل ّن األنظمة –ع ‪GG‬ادة‪ -‬تب ‪GG‬دأ بس ‪GG‬يطة غري‬‫كما ت ‪ّ G‬‬
‫املستمرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تبعا للظروف املستج ّدة واالكتشافات‬ ‫تتجه حنو التعقيد‪ً ،‬‬ ‫مع ّقدة‪ ،‬مث ّ‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نظام األغلبيّة المطلقة ( ‪)Système de la majorité absolue‬‬


‫يتميّز ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام ك ‪GG‬ذلك بع‪ّ G G‬دة خص ‪GG‬ائص ‪ ،‬وله تطبيق ‪GG‬ات يف بل ‪GG‬دان خمتلف ‪GG‬ة؛ وذلك للمحاسن اليت‬
‫وجهت إليه بسبب بعض سلبياته‪.‬‬ ‫عُرف هبا‪ ،‬رغم االنتقادات‪ G‬اليت ّ‬
‫وفيما يأيت حديث عن هذا النظام‪ ،‬من حيث مضمونه‪ ،‬وتقوميه‪ ،‬وتطبيقاته‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬مضمون نظام األغلبيّة المطلقة‬
‫يف ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام يُش ‪GG‬رتط لف ‪GG‬وز املرت ّش‪G G‬ح (أو القائمة االنتخابي ‪GG‬ة) احلص ‪GG‬ول على أك ‪GG‬ثر من نصف‬
‫األص‪GG‬وات الص‪GG‬حيحة املعط‪GG‬اة (أي ‪ ،802)1 G+ % 50‬مهما ك‪GG‬ان ع‪GG‬دد املرت ّش‪G‬حني ‪803‬؛ فه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام ال يكتفي‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.276 .‬‬ ‫‪799‬‬

‫والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.334 .‬‬


‫ّ‬ ‫‪ 800‬هوريو(أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري‬
‫‪.FAVRE (Pierre), La décision de majorité, op. cit., p.292‬‬ ‫‪801‬‬

‫‪ 802‬التعبري عن األغلبيّة املطلقة بأهّن ا تتطلّب للف‪GG‬وز باالنتخاب‪GG‬ات احلص‪GG‬ول على نصف ع‪GG‬دد األص‪GG‬وات‪ +‬واح‪GG‬د‪ ،‬أي (‪)1+ %50‬ص‪GG‬وتاً يك‪GG‬ون‬
‫وأما إذا ك ‪GG‬ان الع ‪GG‬دد فرديً ‪GG‬ا‪ ،‬فإنّه‬
‫‪G‬حيحا إذا ك ‪GG‬ان ع ‪GG‬دد األص ‪GG‬وات الص ‪GG‬حيحة زوجيًا (‪ 100‬ص ‪GG‬وت مثالً)‪ ،‬إذ يل ‪GG‬زم للف ‪GG‬وز‪ G‬هنا ‪ 51‬ص ‪GG‬وتًا؛ ّ‬
‫ص‪ً G‬‬
‫ن ع‪G‬دد األص‪G‬وات هو ‪ ،101‬فالنّصف هو ½‪ ،50,‬ويل‪G‬زم ‪51‬‬ ‫يكفي للفوز احلصول على نصف ع‪G‬دد األص‪G‬وات الص‪G‬حيحة ‪( G½ G+‬لنفرض أ ّ‬
‫األدق أن يق‪GG‬ال يف احلالتني أنّه يل‪GG‬زم احلص‪GG‬ول على أك‪GG‬ثر من نصف ع‪GG‬دد األص‪GG‬وات الص‪GG‬حيحة املعط‪GG‬اة‪ .‬انظ‪GG‬ر‪ :‬البنّـا (حمم‪GG‬ود‬
‫ص‪GG‬وتًا)؛ ل‪GG‬ذلك ّ‬
‫ص‪.324.‬‬ ‫عاطف)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1414 ،2.‬هـ‪1994-‬م‪،‬‬
‫‪.FAVRE (pierre),  op. cit., p.129‬‬ ‫‪803‬‬
‫مبج‪Gّ G‬رد حص‪GG‬ول أحد املرت ّش ‪G‬حني على أكثرية األص‪GG‬وات بالنس‪GG‬بة لبقيّة املرت ّش ‪G‬حني منف‪GG‬ردين‪ ،‬بل يل‪GG‬زم لف‪GG‬وزهم‬
‫احلص ‪GG‬ول على أص ‪GG‬وات تزيد عن جمم ‪GG‬وع األص ‪GG‬وات اليت حصل عليها ب ‪GG‬اقي املرت ّش ‪G‬حني جمتمعني‪ .‬ففي املث ‪GG‬ال‬
‫األول‬
‫ال ّس ‪G‬ابق‪ ،‬ال ‪GG‬ذي ذكرن ‪GG‬اه عند احلديث عن األغلبيّة‪ G‬النس ‪GG‬بيّة‪ G،‬يل ‪GG‬زم هن ‪GG‬اك إع ‪GG‬ادة االنتخ ‪GG‬اب بني املرت ّش ‪G‬ح ّ‬
‫واملرت ّش‪G‬ح الث‪GG‬اين‪ ،‬أو بني القائمة (أ) والقائمة (ب)‪ ،‬ويك‪GG‬ون الف‪GG‬وز ملن حيصل منهم‪G‬ا على أكثرية األص‪GG‬وات‪.‬‬
‫‪G‬ؤدي إىل ف ‪GG‬وز املرت ّش ‪G‬ح الث ‪GG‬اين‪( ،‬أو القائمة الثاني ‪GG‬ة)؛ وذلك ب ‪GG‬أن‪G‬‬ ‫ه ‪GG‬ذا مع املالحظة ب ‪GG‬أ ّن إع ‪GG‬ادة االنتخ ‪GG‬اب قد ت ‪ّ G‬‬
‫املرتشح الثاين؛ فيفوز هذا األخري‪ ،‬على ال‪GG‬رغم من أنّه ك‪GG‬ان يف ال‪GG‬رتتيب‪ G‬الث‪GG‬اين يف‬ ‫املرتشح الثالث مع ّ‬‫يتحالف ّ‬
‫الدورة األوىل‪.804‬‬
‫ولنض ‪GG‬رب مث ‪GG‬االً آخر للتوض ‪GG‬يح أك ‪GG‬ثر‪ :‬إذا ك ‪GG‬ان هن ‪GG‬اك ثالثة مرت ّش‪G G‬حني (أو ثالث ق ‪GG‬وائم انتخابي ‪GG‬ة)‪ G‬يف‬
‫األول على أربعة آالف (‪ )4000‬ص ‪GG‬وتًا‪ ،‬والث ‪GG‬اين عـلى ألفني ومخسمائـة (‪)2500‬‬ ‫ال ‪GG‬دائرة االنتخابي ‪GG‬ة‪ ،‬وحصل ّ‬
‫ص ‪GG G‬وتًا‪ ،‬والث‪GG G G‬الث‪ G‬على ألف (‪ )1000‬ص‪GG G G‬وتًا؛ ف‪GG G G‬ذلك يعين أ ّن املرت ّش ‪G G G‬ح األول هو ال‪GG G G‬ذي يف ‪GG G‬وز مبقعد ع ‪GG G‬دد‬
‫األول عـلى ثالثـة آالف (‪)3000‬‬ ‫األص‪GG G‬وات الص‪GG G G‬حيحة املش‪GG G G‬رتكة‪ G‬يف االنتخاب‪GG G G‬ات؛ ّأما لو حصل املرت ّش‪G G G‬ح ّ‬
‫ص‪GG‬وتًا‪ ،‬والث‪GG‬اين على ألفني ومخس‪GG‬مائة (‪ )2500‬ص‪GG‬وتًا‪ ،‬والث‪GG‬الث على ألف (‪ )1000‬ص‪GG‬وتًا؛ ف‪GG‬ذلك يعين أنّه مل‬
‫يفز أحد مبقعد ال‪GG‬دائرة؛ أل ّن أيّ ‪G‬اً من املرت ّش ‪G‬حني الثالثة مل يتم ّكن من احلص‪GG‬ول على األغلبية املطلق‪GG‬ة‪ ،‬وال‪GG‬ذي‬
‫حيصل يف هذا احلال هو أن يعاد االنتخاب بني املرت ّش‪G‬ح األول واملرت ّش‪G‬ح الث‪G‬اين‪ ،‬أي أ ّن عملية االنتخ‪G‬اب تتـ ّم‬
‫يف دورتني (‪.805)Deux tours‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقييم نظام األغلبية المطلقة‬
‫ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام مثل س‪GG‬ابقه‪ ،‬من حيث أنّه يتض‪Gّ G‬من إجيابي‪GG‬ات تس‪GG‬عى البل‪GG‬دان اليت تطبّقه إىل حتقيقها يف‬
‫وجه إليه الفقهاء والسياسيون ع‪ّ G‬دة انتق‪GG‬ادات‪ ،‬للعي‪GG‬وب واآلث‪GG‬ار الس‪GG‬لبيّة اليت تنتج عند‬
‫ظلّه‪ ،‬ولكن رغم ذلك ّ‬
‫تطبيقه‪ .‬وفيما يأيت تفصيل يف هذه املزايا والعيوب‪G:‬‬
‫‪ -1‬مزايا( نظام األغلبيّة المطلق(ة‪ :‬يش‪GG‬رتك ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام مع النظ‪GG‬ام ال ّس‪G‬ابق يف أ ّن كالً منهما ي‪ّ G‬‬
‫‪G‬ؤدي إىل‬
‫‪806‬‬
‫ظل ه‪G‬ذا النظ‪G‬ام‪ّ ،‬إما أن تتش‪ّ G‬كل من ح‪G‬زب حاصل على‬
‫ّ‬ ‫يف‬ ‫احلكومة‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أل‬ ‫وذلك‬ ‫؛‬ ‫إقامة حكومة متجانسة‬
‫وإما أن تتش ّكل من ائتالف أحزاب متقاربة يف االجّت اه‪.807‬‬
‫أغلبيّة املقاعد يف الربملان‪ّ G،‬‬

‫‪ 804‬بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.273-272 .‬‬


‫‪ 805‬بسيوني (عبد الغين)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.234 .‬‬
‫‪ 806‬ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.133 .‬‬
‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.152 .‬‬ ‫‪807‬‬
‫أي نظ‪GG‬ام آخ‪G‬ر‪،‬‬ ‫ظل هذا النظام يؤثّر يف القرار السياسي أكثر ممّا هو عليه يف ّ‬ ‫إضافة إىل أ ّن الناخب يف ّ‬
‫األول‪ ،‬حيث يص‪Gّ G‬وت الن‪GG‬اخب لص‪GG‬احل حزبه بك‪Gّ G‬ل حري‪GG‬ة‪ ،‬ف‪GG‬إذا ما ف‪GG‬از ه‪GG‬ذا‬ ‫ويظهر ذلك يف انتخاب‪GG‬ات ال‪GG‬دور ّ‬
‫وأما يف انتخاب ‪GG‬ات ال ‪GG‬دور الث ‪GG‬اين‬
‫احلزب باألغلبيّة الربملاني ‪GG‬ة‪ ،‬يك ‪GG‬ون ت ‪GG‬أثريه يف الق ‪GG‬رار السياسي قد ظهر جليً ‪GG‬ا؛ ّ‬
‫فيك‪GG G‬ون الن ‪GG G‬اخب فيها مضطًّرا –إذا اس ‪GG G‬تُبعد‪ G‬حزبه من االنتخاب ‪GG G‬ات‪ -‬الختي ‪GG G‬ار احلزب الق ‪GG G‬ريب من اجّت اه‪GG G‬ه‪،‬‬
‫وذلك حىت يستبعد احلزب اآلخر‪.808‬‬
‫فيك‪GG G‬ون‪ G‬الن‪GG G‬اخب يف ه‪GG G‬ذا النظ‪GG G‬ام له دور مباشر أو غري مباشر يف الق‪GG G‬رار السياس‪GG G‬ي‪ ،‬ويك‪GG G‬ون إس‪GG G‬هامه‬
‫واضحا يف حتديد االجّت اه السياسي‪ G‬الذي يريد أن تنتهجه احلكومة‪ G‬املقبلة‪.‬‬ ‫ً‬
‫وكما هو الش‪GG‬أن يف نظ‪GG‬ام األغلبي ‪G‬ة النس‪GG‬بيّة‪ G،‬ف‪GG‬إ ّن نظ‪GG‬ام األغلبية املطلقة ك‪GG‬ذلك ميت‪GG‬از بالبس‪GG‬اطة‪ ،‬وع‪GG‬دم‬
‫يؤدي إىل حتقيق االستقرار احلكومي‪.809G‬‬ ‫التعقيد‪ ،‬ويهيّئ‪ G‬السبيل لقيام أغلبيّة متماسكة يف الربملان؛‪ G‬ممّا ّ‬
‫‪ -2‬عي ((وب نظ ((ام األغلبيّة المطلق ((ة‪ :‬لقد ُو ّجهت إىل ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام ك ‪GG‬ذلك انتق ‪GG‬ادات عدي ‪GG‬دة‪ ،‬كتلك‬
‫املوجهة إىل النظام السابق (نظام األغلبيّة النسبيّة)‪ G،‬وإن كانت عي‪GG‬وب ه‪GG‬ذا األخري أش‪ّ G‬د؛ حيث يتطلب فقط‬ ‫ّ‬
‫حص‪GG‬ول املرت ّش ‪G‬ح (أو القائمة االنتخابيّ‪GG‬ة)‪ G‬على أك‪GG‬ثر األص‪GG‬وات مقارنة بب‪GG‬اقي التش‪GG‬كيالت‪ G‬السياس‪GG‬ية منف‪GG‬ردة؛‬
‫بينما يتطلّب نظ‪GG G‬ام األغلبيّة‪ G‬املطلقة احلص‪GG G‬ول على أك‪GG G‬ثر من نصف األص‪GG G‬وات الص‪GG G‬حيحة املعط ‪GG‬اة‪ .‬ومن هنا‬
‫يتجلّى الفرق بني النظامني‪.‬‬
‫وت ‪GG‬رت ّكز عي ‪GG‬وب األغلبيّة‪ G‬املطلقة يف أهّن ا تقتضي أن يك ‪GG‬ون احلزب احلاصل على أك ‪GG‬ثر من (‪ G )% 50‬من‬
‫األص ‪GG G‬وات الص‪GG G G‬حيحة للن‪GG G G‬اخبني يف خمتلف ال‪GG G G‬دوائر االنتخابية هو وح‪GG G G‬ده ال‪GG G G‬ذي ميثّلها يف الربملان‪ّ ،‬أما بقية‬
‫األص‪GG G‬وات اليت قد تصل إىل (‪ )% ,5 49‬فتح‪GG G‬رم من التمثيل الربملاين؛ وذلك ما يع ‪ّ G G‬د مناف‪GG G‬اة ملب‪GG G‬دإ العدالة يف‬
‫توزيع املقاعد الربملانية‪.810‬‬
‫فه‪GG G‬ذا النظ‪GG G‬ام ك‪GG G‬ذلك يتن‪GG G‬اىف مع ما تفرضه الدميقراطية‪ G‬من متثيل حقيقي لل ّش ‪G G‬عب‪ ،‬وأن يك ‪GG‬ون‪ G‬الربملان‬
‫مرآة صادقة للمجتمع؛ حيث متثّل فيه مجيع الفئات متثيالً عادالً‪ ،‬يتناسب‪ G‬وثقلها يف اجملتمع‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تطبيقات نظام األغلبيّة المطلقة‬
‫لقد كانت فرنسا ومعظم دول أوربا األخرى تأخذ بنظام األغلبية املطلقة‪.811‬‬
‫الحلو(ماجد راغب)‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة(النظم السياسية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.152 .‬‬ ‫‪808‬‬

‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.276 .‬‬ ‫‪809‬‬

‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.152 .‬‬ ‫‪810‬‬

‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 129‬‬ ‫‪811‬‬
‫ص‪G G‬ا االق ‪GG‬رتاع‬
‫وقد ج‪Gّ G G‬ربت فرنسا كث‪GG G‬رياً من األنظمة االنتخابي‪GG G‬ة‪ ،‬ولكنّها –بوجه ع‪GG G‬ام‪ -‬طبّقت‪ G‬خصو ً‬
‫األك‪GG‬ثري ذا ال‪GG‬دورتني (أي نظ‪GG‬ام األغلبيّة‪ G‬املطلق‪GG‬ة)‪812‬؛ حيث أخ‪GG‬ذت به يف ظ‪Gّ G‬ل اجلمهورية اخلامس‪GG‬ة‪ ،‬وذلك‬
‫‪G‬تمر مطب ًقا منذ‬‫يف انتخابات جملس الن‪G‬واب‪( G‬اجلمعي‪G‬ة الوطني‪G‬ة)‪ G،‬وأيض‪G‬اً يف دس‪G‬تور اجلمهورية الثالث‪G‬ة‪ G،‬ال‪G‬ذي اس ّ‬
‫عام ‪1875‬م حىت احلرب العاملية الثانية‪ G.‬واعتنقت هذا النظام كذلك الدول املاركسية (ساب ًقا)‪ ،‬حيث حيصل‬
‫األول؛ فال حتدث انتخاب ‪GG‬ات إع ‪GG‬ادة‪ ،‬نظ ‪GG‬راً لس ‪GG‬يطرة‬
‫فيها املر ّش‪G G‬ح على األغلبيّة‪ G‬املطلقة لألص ‪GG‬وات من ال ‪GG‬دور ّ‬
‫احلزب الشيوعي‪ G‬الواحد‪.813‬‬
‫وقد أخذ املش‪Gّ G‬رع اجلـزائري بنظـام األغلبيّة املطلقة بالنس‪GG‬بة لالنتخـابات الرئاس‪GG‬ية والتش‪GG‬ريعية‪ G‬يف ق‪GG‬انون‬
‫االنتخابات رقم ‪ 06-91‬الصادر يف‪ 02 :‬أفريل ‪ 1991‬م‪.814‬‬
‫تتزعمه فرنس ‪GG‬ا‪ ،‬وإن ك ‪GG‬ان تطبيقه فيها مل يكن بص ‪GG‬فة دائمة‬ ‫ونالحظ ممّا س ‪GG‬بق ذك ‪GG‬ره‪ ،‬أ ّن ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام ّ‬
‫ومستمرة‪ ،‬كما نال تطبي ًقا واسعاً يف كثري من الدول األوربيّة‪ G،‬ولكن بعد ظهور نظ‪GG‬ام التمثيل النسيب جلأت‬ ‫ّ‬
‫كثري من هذه الدول إىل هذا النظام‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آثار تطبيق نظام األغلبيّة على النظام السياسي‬

‫لتط ‪GG‬بيق نظ ‪GG‬ام األغلبيّة بص ‪GG‬ورتيه (النس ‪GG‬بيّة واملطلق ‪GG‬ة) آث ‪GG‬ار واض ‪GG‬حة على النظ ‪GG‬ام السياس ‪GG‬ي‪ G،‬وتب ‪GG‬دو ه ‪GG‬ذه‬
‫وضوحا وخطورة يف جمال التمثيل النيايب‪ ،‬والنظام احلزيب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اآلثار أكثر‬
‫نتعرض –حبول اهلل تعاىل‪ -‬إىل هذه اآلثار يف هذين اجملالني‪:‬‬ ‫وفيما يأيت ّ‬

‫األول‪ :‬آثار تطبيق نظام األغلبية على التمثيل النيابي‬


‫الفرع ّ‬
‫إ ّن لنظ ‪GG‬ام األغلبيّة عالقة مباش ‪GG‬رة بالتمثيل الني ‪GG‬ايب؛ حيث إنّه بواس ‪GG‬طة ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام تتح ‪ّ G‬دد ص ‪GG‬ورة‬
‫اجملالس املمثّلة للشعب‪ ،‬وبواسطته ك‪G‬ذلك تص‪G‬در الق‪G‬رارات عن تلك اجملالس؛ وهلذا ك‪G‬ان ملب‪G‬دإ األغلبيّة ذلك‬
‫الدور اخلطري‪ ،‬من حيث متثيله احلقيقي للشعب واحرتامه إلرادته‪.‬‬

‫‪ 812‬هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.275 .‬‬
‫ص‪.153.‬‬ ‫‪ 813‬الحلو(ماجد راغب)‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية)‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ 814‬شريط (األمني)‪ ،‬الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعيـة‪ ،‬اجلزائـر‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫‪1998‬م‪ ،‬ص‪.231 .‬‬
‫وإ ّن النظ‪GG‬ام الني ‪GG‬ايب (وهو إح‪GG‬دى ص‪GG‬ور الدميقراطية الغربيّ ‪GG‬ة) يف‪GG‬رتض يف اهليئة املمثّلة للش ‪GG‬عب (الربملان)‬
‫أن تك ‪GG‬ون‪ G‬م ‪GG‬رآة ص ‪GG‬ادقة تعكس ال ‪GG‬رأي الع ‪GG‬ام‪ ،‬وتعرّب عن االجّت اه ‪GG‬ات املختلفة للش ‪GG‬عب‪ ،‬وما متثّله من أح ‪GG‬زاب‬
‫متنوعة‪.815G‬‬
‫ومذاهب ّ‬
‫‪G‬ؤدي إىل قي‪GG G‬ام أغلبيّة برملانية ال متثّل األغلبية الش‪GG G‬عبيّة؛‪ G‬وذلك ألنّه يكفي‪ G‬يف‬ ‫ولكن نظ‪GG G‬ام األغلبيّة قد ي‪ّ G G‬‬
‫ظ‪Gّ G‬ل ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام حص‪GG‬ول ح‪GG‬زب معنّي على أك‪GG‬ثر من نصف األص‪GG‬وات يف أك‪GG‬ثر من نصف ال‪GG‬دوائر االنتخابية‪G‬‬
‫حىت يف ‪GG‬وز باألغلبيّة الربملاني ‪GG‬ة‪ ،‬في ال ‪GG‬وقت ال ‪GG‬ذي قد يك ‪GG‬ون‪ G‬فيه احلزب املن ‪GG‬افس قد حصل مثالً على (‪)% 95‬‬
‫من األص‪GG G‬وات يف بقية ال‪GG G‬دوائر‪ ،‬وال تك‪GG G‬ون له مع ذلك أغلبيّة املقاع‪GG G‬د‪ ،‬أي أ ّن ح‪GG G‬زب األقليّة يف الربملان قد‬
‫تكون له أغلبيّة من الشعب تزيد عن (‪ )% 70‬من جمم‪G‬وع الن‪G‬اخبني؛ ففي مثل ه‪G‬ذا النظ‪G‬ام يث‪G‬ور التس‪G‬اؤل عن‬
‫م‪GG G‬دى دميقراطيت‪GG G‬ه‪ ،‬وعن م‪GG G‬دى حتقيق الق‪GG G‬وانني الص‪GG G‬ادرة عن ه‪GG G‬ذا الربملان أله‪GG G‬داف الش‪GG G‬عب‪ ،‬وهنا اجلواب‬
‫س‪GG‬يكون ب‪GG‬النفي‪ G،‬والس‪GG‬يّما إذا ك‪GG‬ان ص‪G‬دور الق‪GG‬انون‪ G‬بأغلبيّة ض‪GG‬عيفة؛ ممّا يدعـو إىل التأكيد يف ه‪GG‬ذه احلالة على‬
‫أ ّن هذا القانون‪ G‬خيالف رغبات األغلبيّة‪ G‬الشعبيّة‪.816‬‬
‫‪G‬ليب على التمثيل الني‪GG‬ايب‪ ،‬نظ ً‪G‬را‬ ‫لذلك ميكن القول إ ّن تأثري نظام األغلبي‪G‬ة بص‪G‬ورتيه‪( G‬النس‪G‬بيّة‪ G‬واملطلق‪G‬ة) س ّ‬
‫يؤدي إىل تشكيل برملان ال ّميثل بصدق فئ‪GG‬ات الش‪GG‬عب‪ ،‬وال يش‪ّ G‬كل ص‪GG‬ورة ص‪GG‬ادقة عن اجملتمع ال‪GG‬ذي‬ ‫ألنّه قد ّ‬
‫ص‪G G G G‬ادرة عن ه‪GG G G‬ذا الربملان‪ G،‬واليت جيب أن تك‪GG G G‬ون‪ G‬موافقة لتطلّعـات‬‫ميس بش‪GG G G‬رعية الق‪GG G G‬وانني ال ّ‬
‫ميثّل ‪GG G‬ه؛ ممّا قد ّ‬
‫‪G‬ؤدي إىل االس ‪GG G‬تقرار‬
‫الش ‪GG G‬عب‪ ،‬ه ‪GG G‬ذا مع ع ‪GG G‬دم إنكـار ما حي ّققه نظـام األغلبية من أكثرية متجانس ‪GG G‬ة؛ ممّا ي ‪ّ G G‬‬
‫السياسي‪ ،‬والذي يعترب من أهداف الدميقراطية ك‪GG‬ذلك‪ ،‬ويبقى ذلك الظلم لألقليّ‪GG‬ات السياس‪G‬ية‪ G‬تعاجله وس‪GG‬يلة‬
‫الت‪GG‬داول؛ حيث تبقى األقليّة واألغلبيّة تتب‪GG‬ادالن األدوار يف الس‪GG‬لطة واملعارض‪GG‬ة‪ ،‬وهك‪GG‬ذا تك‪GG‬ون الف‪GG‬رص مواتية‪G‬‬
‫ومتكافئة لتويّل احلكم بالتداول‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬آثار تطبيق نظام األغلبيّة على النظام الحزبي‬


‫لقد ن‪GG G‬الت مس‪GG G‬ألة ت‪GG G‬أثري األنظمة االنتخابي ‪G G‬ة على النظ‪GG G‬ام احلزيب نص‪GG G‬يبًا‪ G‬من الدراس‪GG G‬ة‪ ،‬من قِبَل الفقه ‪GG‬اء‬
‫السياسيني والباحثني‪.‬‬

‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.279 .‬‬ ‫‪815‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.279 .‬‬ ‫‪816‬‬


‫حيث ي ‪GG‬رى بعض ه ‪GG‬ؤالء أ ّن االق ‪GG‬رتاع‪ G‬األك ‪GG‬ثري ذا ال ‪GG‬دورتني (األغلبيّة‪ G‬املطلق ‪GG‬ة) ي ‪GG‬دفع إىل قي ‪GG‬ام تع ّدديّة‬
‫حزبيّ ‪GG‬ة‪ ،‬ولكن األحالف خت ّفف من ح‪ّ G G‬دهتا؛ بينما يس ‪GG‬اعد االق ‪GG‬رتاع‪ G‬األك ‪GG‬ثري ذو ال ‪GG‬دورة الواح ‪GG‬دة (األغلبيّة‪G‬‬
‫النسبيّة) على قيام الثنائية احلزبيّة‪.817‬‬
‫وميكن تفسري كيفية إس ‪GG‬هام نظ ‪GG‬ام األغلبية‪ G‬املطلقة يف تع‪ّ G G‬دد األح ‪GG‬زاب‪ ،‬مع تعاوهنا وتقليل ع ‪GG‬ددها‪ ،‬أ ّن‬
‫األح‪G‬زاب املتقاربة‪ G‬يف االجّت اه واملب‪GG‬ادئ تعمل يف ال‪G‬دور الث‪GG‬اين من االنتخاب‪GG‬ات على التح‪GG‬الف؛ وذلك باالتّف‪G‬اق‬
‫فيما بينها لتجميع أص‪GG G G G‬وات أنص‪GG G G G‬ارها أو مؤيّ‪GG G G G‬ديها للحص‪GG G G G‬ول على األغلبية املطلقة يف مواجهة األح‪GG G G‬زاب‬
‫‪G‬ؤدي إىل‬ ‫األول‪ ،‬ي‪ّ G G‬‬
‫املنافس‪GG G‬ة‪ ،‬فتكتّل ه‪GG G‬ذه األح‪GG G‬زاب وحتالفها فيما بينها يف مواجهة احلزب الف‪GG G‬ائز يف ال‪GG G‬دور ّ‬
‫التقليل من عدد األحزاب يف الدور الثاين‪ ،‬وحتقيق التعاون فيما بينها‪.‬‬
‫ّأما عن كيفية إس‪GG‬هام نظ‪GG‬ام األغلبيّة النس‪GG‬بيّة‪ G‬يف قي‪GG‬ام احلزبني الكب‪GG‬ريين‪ ،‬وإض‪GG‬عاف أو إزالة غريمها‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن‬
‫اقتض‪GG‬اء ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام ف‪GG‬وز احلزب مبج‪Gّ G‬رد حص‪GG‬وله على أكثـر األص‪GG‬وات اليت قد ال تصل يف العـادة إىل (‪)% 50‬‬
‫‪G‬ؤدي ب‪GG‬األحزاب األخ‪GG‬رى اليت حص‪GG‬لت يف جمموعها على أك‪GG‬ثر من احلزب‬ ‫من األص‪GG‬وات الص‪GG‬حيحة؛ فه‪GG‬ذا ي‪ّ G‬‬
‫الف‪G‬ائز إىل االحتّ‪G‬اد ملنافسة ه‪GG‬ذا احلزب واس‪GG‬تحقاق الف‪G‬وز؛ وب‪G‬ذلك يبقى يف الس‪G‬احة السياس‪GG‬ية حزب‪G‬ان كب‪G‬ريان‪G،‬‬
‫يتبادالن األغلبية الربملانية وف ًقا إلرادة الناخبني‪.‬‬
‫فاألصح القول إ ّن االقرتاع األكثري ذا‬ ‫ّ‬ ‫جمرد افرتاضات وليس حتميًا‪،‬‬ ‫ولكن الواقع أ ّن هذا االجّت اه هو ّ‬
‫ال ‪GG‬دورة الواح ‪GG‬دة (نظ ‪GG‬ام األغلبيّة‪ G‬النس ‪GG‬بيّة)‪ G‬يتميّز عن غ ‪GG‬ريه من األنظمة احلزبيّة بأنّه حيفظ الثنائية‪ G‬احلزبية أك ‪GG‬ثر‬
‫ممّا خيلقها أو يعمل على حتقيقها‪.818‬‬
‫فه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام ال يس ‪GG‬تطيع أن يق ّس‪G G‬م ال ‪GG‬رأي الع ‪GG‬ام إىل ح ‪GG‬زبني‪ ،‬والس ‪GG‬يّما عن ‪GG‬دما تك ‪GG‬ون‪ G‬التع ّدديّة احلزبيّة‬
‫تستند إىل أسباب عميقة‪ ،‬ولكنّه يساعد فقط على االحتفاظ بقسمة الرأي الع‪G‬ام إىل ح‪G‬زبني‪819‬؛ إذ إنّه ليس‬
‫املشرع نظام االنتخاب باألغلبيّة النسبيّة ميكن أن يهدم نظ‪GG‬ام تع‪ّ G‬دد األح‪GG‬زاب الق‪GG‬ائم‪،‬‬ ‫من املؤكّد عندما يتبىّن ّ‬
‫يرد األحزاب الفرنسية أو األحزاب اإليطالية مثالً إىل حزبني اثنني‪.820‬‬ ‫كأن ّ‬
‫معينًا؛ ولكنّه يستطيع فقط أن يدفع إىل هذا‬ ‫نظاما حزبيًا ّ‬ ‫فنظام انتخايب معنّي ليس بالضرورة أن يولّد ً‬
‫النظ‪GG G G‬ام احلزيب‪ ،‬كما أ ّن العالقة بينهما ليست وحي‪GG G G G‬دة االجّت اه‪ ،‬ف‪GG G G G‬إذا ك‪GG G G G‬ان االنتخ‪GG G G G‬اب على دورة واح‪GG G G‬دة‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 131‬‬ ‫‪817‬‬

‫ديفرجيه(موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.158 .‬‬


‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.273 .‬‬ ‫‪818‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.334.‬‬ ‫‪819‬‬

‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.161 .‬‬ ‫‪820‬‬


‫(األغلبيّة النس‪GG G‬بيّة)‪ G‬ي‪GG G‬دفع إىل نظ‪GG G‬ام احلزبني‪ ،‬ف‪GG G‬إ ّن نظ‪GG G‬ام الح ‪G G‬زبني ي‪GG G‬دفع أيضاً إىل تبيّن االنتخ‪GG G‬اب على دورة‬
‫واحدة‪.821‬‬
‫آليا‪ ،‬بل ميكن وص‪GG‬فه بأنّه‬ ‫وخالصة ما س‪GG‬بق ذك‪GG‬ره أ ّن ت‪GG‬أثري النظ‪GG‬ام االنتخ‪GG‬ايب على النظ‪GG‬ام الح‪G‬زيب ليس ً‬
‫تأثري ثانوي‪ ،‬إذ هن‪GG‬اك عوامل أخ‪G‬رى اجتماعية واقتص‪GG‬ادية وثقافية هلا أكرب دور يف ه‪GG‬ذا الش‪GG‬أن‪ ،822G‬أي هن‪GG‬اك‬
‫تأثريا‪ G‬على النظام احلزيب من النظام االنتخايب‪.‬‬
‫عوامل أخرى أش ّد ً‬
‫ص‪G‬ة ت‪G‬أثري نظ‪G‬ام االنتخ‪G‬اب‬ ‫وهناك تأثري آخر للنظام االنتخابي على النظام احلزيب‪ ،‬ون‪G‬ذكر هنا بص‪G‬فة خا ّ‬
‫باألغلبية النس‪GG‬بيّة يف تنظيم األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية‪ G،‬فه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام االنتخ‪GG‬ابي‪ -‬حبكم ال‪GG‬دورة الواح‪GG‬دة‪ -‬يقتضي أن‬
‫‪G‬حا؛ إذ إ ّن‬‫‪G‬ب األص ‪GG G‬وات دفعة واح‪GG G‬دة‪ ،‬ويتطلّب ك ‪GG G‬ذلك‪-‬من جهة الن‪GG G‬اخبني‪ -‬ح ًّس‪G G G‬ا انض‪GG G‬باطيًا‪ G‬واض‪ً G G‬‬ ‫تنص‪Gّ G G‬‬
‫حتم‪GG G‬ا‪ .‬كما جيعل ه‪GG G‬ذا النظ‪GG G‬ام‬‫‪G‬طر إىل اإلع ‪GG G‬راض عن األح‪GG G G‬زاب الص ‪GG G‬غرية‪ G‬اليت ختسر ص‪GG G G‬وته ً‬‫الن ‪GG G‬اخب مض‪ّ G G G‬‬
‫دوما يف الوس‪GG‬ط‪،‬‬ ‫األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية تق‪GG‬رتب من الوسط بقصد اس‪GG‬تمالة الن‪GG‬اخبني املرتدّدين‪ ،‬ال‪GG‬ذين يكون‪GG‬ون ً‬
‫فهم يص‪Gّ G‬وتون أحيانًا لص‪GG‬احل ه‪GG‬ذا احلزب‪ ،‬وأحياناً لص‪GG‬احل ح‪GG‬زب آخ‪GG‬ر‪ ،‬فهم يت‪GG‬أرجحون بني اليمني واليس‪GG‬ار‪،‬‬
‫وهك ‪GG‬ذا يعمل ك ‪Gّ G‬ل حـزب على االق ‪GG‬رتاب من الوسط هلذا الغ ‪GG‬رض‪ .‬ففي بريطانيا مثالً ال يوجد ح ‪GG‬زب ميني‬
‫وحزب يسار‪ ،‬بل حزب وسط ميني‪ ،‬وحزب وسط يسار‪.823‬‬
‫وهذا جممل ما ميكن رص‪GG‬ده من آث‪GG‬ار تط‪GG‬بيق نظ‪GG‬ام األغلبية‪ G‬على النظ‪GG‬ام احلزيب؛ حيث خلص‪GG‬نا إىل أ ّن له‬
‫تأثريا ال ميكن إنكاره‪ ،‬ولكن باالشرتاك‪ G‬مع العوامل الأخرى‪ ،‬اليت ال يق‪Gّ G‬ل دورها عن دور النظ‪GG‬ام االنتخ‪GG‬ايب‪،‬‬ ‫ً‬
‫وأيضاً فإ ّن التأثري متبادل بني النظام احلزيب والنظام االنتخايب‪.‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫(‪)La représentation proportionnelle‬‬ ‫نظام التمثيل النسبي‬

‫ديفرجيه(موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.158 .‬‬ ‫‪821‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.161-160 .‬‬ ‫‪822‬‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.336 .‬‬ ‫‪823‬‬
‫نظ‪G‬راً للعي‪GG‬وب والس‪GG‬لبيات اليت ظه‪GG‬رت يف نظـام األغلبيّة‪ G‬بصـورتيه (املطلقة والنس‪GG‬بيّة)‪ ،‬منـها ما ذكرن‪GG‬اه‬
‫يؤدي إىل تكوين برملان ال ميثّل الش‪GG‬عب متثيالً ص‪GG‬ادقًا‪ ،‬وال يعكس‬ ‫من ظلم لألقليّات السياسية‪ ،‬وإمكانيّة أن ّ‬
‫‪G‬ريا ما حيدث يف ظ‪Gّ G‬ل ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام أن ال يك‪GG‬ون‪ G‬هن‪GG‬اك توافق‬ ‫ثقل األح‪GG‬زاب السياس‪GG‬ية‪ G‬يف اجملتم‪GG‬ع؛ حيث إنّه كث‪ً G‬‬
‫بني ع‪GG G G G G‬دد األص‪GG G G G G‬وات اليت حيصل عليها احلزب وبني املقاعد اليت حيصل عليها يف الربملان‪ ،‬فقد ظهر نظ‪GG G G G‬ام‬
‫التمثيل النسيب بقصد معاجلته تلك العي‪GG‬وب‪ ،‬فك‪GG‬ان أن ح ّقق بعض ما يُ‪GG‬راد من‪GG‬ه‪ ،‬ولكن ‪-‬كغ‪GG‬ريه من األنظمة‬
‫األخرى‪ -‬ال خيلو من سلبيات يف جوانب أخرى‪.‬‬
‫ولدراسة ه ‪GG G‬ذا النظ ‪GG G‬ام‪ ،‬وتن ‪GG G‬اول تطبيقات ‪GG G‬ه‪ G،‬وص ‪GG G‬وره املختلف ‪GG G‬ة‪ ،‬وتقوميه‪ ،‬واإلحاطة باملس‪GG G‬ائل األخ‪GG G‬رى‬
‫قسمنا هذا املبحث على النحو اآليت‪:‬‬ ‫ّ‬
‫املتعلقة به‪ ،‬فقد ّ‬

‫المطلب األول ‪ :‬ونـتـط ّـرق فـيـه إىل مضـمـون نظـام التمثيـل النسـيب‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬ونـتـنـاول فـيـه تـطـبـيق ــات هـذا الـنـظـام‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬ونتـعـرّض فيـه إىل الـصـور املخـتـلفة لـهـذا النـظـام‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬ونتحدّث فيه عن طرق توزيع املقاعد النيابية‪ G‬بني القوائم يف هذا النظام‪.‬‬
‫حل مشكلة باقي األصـوات يف هذا النظـام ‪.‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬ونتعرّض فيه إىل طرق ّ‬
‫أهم مـزايـاه وعيـوبه‪.‬‬
‫نتطرق إىل تقـومي هذا النظـام‪ ،‬ببيان ّ‬ ‫المطلب السادس‪ :‬وفيه ّ‬
‫المطلب السابع ‪ :‬ونتح ّدث فيه عن التفاضل بني نظـام األغلبية‪ G‬ونظـام التمثيل النسيب‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مضمون نظام التمثيل النسبي‬

‫يرتبط نظام التمثيل النسيب باالنتخاب بالقائم‪GG‬ة‪ ،‬فهو يتماشى مع ه‪GG‬ذا األس‪GG‬لوب فق‪GG‬ط‪ ،‬دون أس‪GG‬لوب‬
‫ويتم تط ‪GG G‬بيق نظ ‪GG G‬ام التمثيل النسيب عن طريق توزيع ع ‪GG G‬دد املقاعد يف ال‪GG G‬دائرة االنتخابية‪G‬‬
‫االنتخ‪GG G‬اب الف‪GG G‬ردي‪ّ .‬‬
‫الواحدة بنسبة عدد األصوات اليت حصلت عليها ك ّ‪G‬ل قائمة من الق‪GG‬وائم املتنافسة‪G‬؛ فلو افرتض‪G‬نا –على س‪G‬بيل‬
‫معين‪GG‬ة‪ G،‬وحص‪GG‬لت القائمة األوىل‬ ‫املث‪GG‬ال‪ -‬أ ّن هن‪GG‬اك ثالث ق‪GG‬وائم تتن‪GG‬افس على عش‪GG‬رة مقاعد يف دائ‪GG‬رة انتخابية‪ّ G‬‬
‫على ستة آالف (‪ )6000‬صوتاً‪ ،‬والقائمة الثانيـة على ثالثة آالف (‪ )3000‬صوتا‪ ً،‬والثالثة‪ G‬على ألف (‪)1000‬‬
‫‪G‬توزع بنس ‪GG‬بة ع ‪GG‬دد األص ‪GG‬وات اليت حص ‪GG‬لت عليها ك ‪Gّ G‬ل قائم ‪GG‬ة‪ ،‬أي أ ّن القائمة‬
‫ص ‪GG‬وتاً؛ ف ‪GG‬إ ّن املقاعد العش ‪GG‬رة س ‪ّ G‬‬
‫األوىل ستفوز بستة (‪ )6‬مقاعد‪ ،‬والقائمة الثانية بثالثة‪ )3( G‬مقاعد‪ ،‬والقائمة الثالثة‪ G‬مبقعد واحد‪.824‬‬

‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 132‬‬ ‫‪824‬‬
‫وهنا نالحظ الف ‪GG G‬رق يف طريقة توزيع املقاعد‪ ،‬حبسب ع ‪GG G‬دد األص ‪GG G‬وات‪ ،‬ما بني نظ‪GG G G‬ام التمثيل النسيب‬
‫األول (احلاصل على أغلبيّة‬ ‫ونظ ‪GG G‬ام األغلبيّ ‪GG G G‬ة‪ G،‬ففي احلالة الس ‪GG G G‬ابقة لو طبّقنا نظ ‪GG G G‬ام األغلبيّ ‪GG G G‬ة‪ ،‬لك ‪GG G G‬ان احلزب ّ‬
‫األص ‪GG‬وات) هو الف ‪GG‬ائز باملقاعد العش ‪GG‬رة كلّه ‪GG‬ا‪ ،‬ف ‪GG‬الفرق هنا واضح وكب ‪GG‬ري‪ ،‬وس ‪GG‬تكون‪ G‬اآلث ‪GG‬ار والنت ‪GG‬ائج‪– G‬تبع ‪G‬اً‬
‫لذلك‪ -‬خمتلفة ومتباينة سياسياً وقانونياً‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تطبيقات نظام التمثيل النسبي‬

‫يف النّصف الث ‪GG‬اين من الق ‪GG‬رن التاسع عشر ب ‪GG‬دأ الفقه ‪GG‬اء واملنظّ ‪GG‬رون‪ G‬يلفت ‪GG‬ون النّظر إىل فك ‪GG‬رة التمثيل‬
‫ويطوروهنا‪ ،‬فأخ ‪GG G‬ذت هبذا النظ ‪GG G‬ام بعض املقاطع ‪GG G‬ات السويس ‪GG G‬رية‪ ،‬اليت ب ‪GG G‬دأ تطبيقه فيها تباع ‪G G‬اً منذ‬
‫النس ‪GG G‬يب‪ّ ،‬‬
‫وأقرته بلجيكا يف س ‪GG G‬نة ‪1899‬م‪ ،‬والس ‪GG G‬ويد يف س ‪GG G‬نة ‪1908‬م‪ ،‬مث انتشر يف كثري من دول أوربا الغربيّة‬ ‫‪1891‬م‪ّ ،‬‬
‫ص ‪G‬ادر س ‪GG‬نة ‪1919‬م‪ ،‬وطبّقته ك ‪GG‬ذلك ك ‪Gّ G‬ل من‬ ‫بعد احلرب العاملية‪ G‬األوىل‪ ،‬فأخذ به الدس ‪GG‬تور األملاين (فيم ‪GG‬ر) ال ّ‬
‫هولن ‪GG‬دا‪ ،‬وال ‪GG‬نرويج‪ ،‬وال ‪GG‬دامنارك‪ ،‬وسويس ‪GG‬را‪ ،‬وإيطاليا (قبل النظ ‪GG‬ام الفاش ‪GG‬ي)‪ ،‬وأخ ‪GG‬ذت به بعد احلرب العاملية‪G‬‬
‫كل من فرنسا (وتراجعت عنـه يف ‪1958‬م)‪ ،‬وأملانيا الغربية‪ ،‬وإيطاليا؛ ّأما يف أمريكا فإ ّن هذا النظام مل‬ ‫الثانية ّ‬
‫رواجا حىت اليوم‪ ،‬وعلى العموم فإ ّن نظام التمثيل النسيب طُبّق بصفة حمدودة خارج أوربا‪.825‬‬ ‫ً‬ ‫يلق فيها‬
‫ومن خالل ما س ‪GG‬بق‪ ،‬ميكن الق ‪GG‬ول إ ّن مركز تط ‪GG‬بيق ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام هو ق ‪GG‬ارة أورب ‪GG‬ا‪ ،‬الس ‪GG‬يّما اجلزء الغ ‪GG‬ريب‬
‫حتولت إليه بعد أن ج‪GّG‬ربت‬ ‫منها (أوربا الغربيّة)‪ ،‬وكذا ال‪GG‬دول اإلس‪GG‬كندنافية‪ ،‬وإ ّن ج‪Gّ G‬ل ال‪GG‬دول اليت طبّقته قد ّ‬
‫نظام األغلبيّة‪ G،‬وقد نال هذا النظام رواجاً يف الوقت احلاضر‪ ،‬وأخذت به كثري من الدول النامية‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪:‬صور نظام التمثيل النسبي‬

‫لنظ ‪GG‬ام التمثيل النسيب ص ‪GG‬ور متع‪ّ G G‬ددة‪ ،‬وختتلف فيما بينها حبسب م ‪GG‬دى احلرية اليت ترتكها للن ‪GG‬اخب يف‬
‫املرشحني‪ ،‬منها التمثيل النسيب مع القوائم املغلقة (‪ ، )bloquées Listes‬والتمثيل النسيب مع إمكان‪G‬‬ ‫اختيار ّ‬

‫بس((يوني (عبد الغ ‪GG‬ين)‪ ،‬النظم السياس((ية‪ ،‬مرجع س‪GG‬ابق‪ ،‬ص ‪- G .235-234‬بـدوي (ث ‪GG‬روت)‪ ،‬النظـم السياسيـة‪ ،‬مرجع سابـق‪ ،‬ص‪-273 .‬‬
‫‪ - .274‬البنّا (حممود عاطف)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.325‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), op. cit., pp. 129-130 825‬‬
‫بدوي( ثروت)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.276‬‬
‫البنّا (حممود عاطف)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.330‬‬
‫‪ ،)Vote‬وفيما ي‪GG G‬أيت‬ ‫التفض ‪GG G‬يل(‪préférentiel‬‬ ‫املزج بني الق ‪GG G‬وائم‪ ،)Panachage( G‬وأس ‪GG G‬لوب التص ‪GG G‬ويت مع‬
‫نتطرق –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل هذه الصور املختلفة ‪:‬‬ ‫ّ‬

‫الفرع األول ‪:‬نظام التمثيل النسبي مع القوائم المغلقة( (‪)Listes bloquées‬‬


‫يف ه ‪GG G‬ذه الص ‪GG G‬ورة يك ‪GG G‬ون‪ G‬للن ‪GG G‬اخب التص ‪GG G‬ويت‪ G‬على إح ‪GG G‬دى الق ‪GG G‬وائم‪ ،‬دون إمك ‪GG G‬ان التغيري أو التع‪GG G‬ديل‬
‫فيها‪ ،826‬فللن‪GG G G G G‬اخب هنا أن يأخذ القائمة االنتخابية‪ G‬بكامله‪GG G G G G‬ا‪ ،‬وكما هي مع‪ّ G G G G G G‬دة من قِبل احلزب‪ ،‬دون أن‬
‫مرشحني من قائمة أخرى‪.‬‬ ‫املرشحني‪ ،‬أو إدخال ّ‬ ‫احلق يف إعادة ترتيب ّ‬ ‫يكون له ّ‬
‫ّأما عن كيفية ح ‪Gّ G‬ل إش ‪GG‬كالية حتديد الف ‪GG‬ائزين يف ك ‪Gّ G‬ل قائم ‪GG‬ة‪ ،‬ففي ه ‪GG‬ذه الص ‪GG‬ورة من الواضح أ ّن مجيع‬
‫ألي ن‪GG‬اخب‬‫حيق ّ‬ ‫مر ّش‪G‬حي القائمة الواح‪GG‬دة حيص‪GG‬لون على نفس الع‪GG‬دد من األص‪GG‬وات‪ ،‬أل ّن القوائم مغلقة وال ّ‬
‫‪G‬وزع املقاعد حبسب ت‪GG‬رتيب‬ ‫أن يع‪ّ G‬دل فيه‪GG‬ا‪ ،‬بل جيب أن خيت‪GG‬ار قائمة بكامله‪GG‬ا‪ .‬والوس‪GG‬يلة املتّبعة هنا هي أن ت‪ّ G‬‬
‫متكونة من مخسة‬ ‫املر ّش ‪G‬حني يف القائم ‪GG‬ة‪ ،‬أي أ ّن احلزب هو ال ‪GG‬ذي حي ّدد كيفية التوزي ‪GG‬ع‪ ،‬ف ‪GG‬إذا حص ‪GG‬لت قائمة ّ‬
‫مر ّشحني مثالً على مقعدين‪ ،‬يكون الفائزان‪ G‬مها املر ّشحان األول والثاين يف ترتيب قائمة احلزب‪.827‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نظام التمثيل النسبي مع التفضيل (‪)Vote préférentiel‬‬


‫يف ه‪GG G G G‬ذه الص‪GG G G G‬ورة يس‪GG G G‬تطيع الن‪GG G G‬اخب ت‪GG G G G‬رتيب أمساء املر ّش‪G G G G‬حني يف القائمة اليت اختاره‪GG G G‬ا‪ ،‬وف ًقا لرأيه‬
‫الشخصي جتاه املر ّش‪G‬حني‪ ،‬وليس طب ًقا لل‪GG‬رتتيب ال‪GG‬ذي وض‪GG‬عه احلـزب ص‪GG‬احب القائمة‪ ،828‬فالنـاخب يف ه‪GG‬ذه‬
‫ض ‪G G‬له‪ ،‬أي أ ّن الن ‪GG G‬اخب وإن ك ‪GG G‬ان‬
‫احلالة هو ال ‪GG G‬ذي حي ّدد ت ‪GG G‬رتيب أمساء املر ّش ‪G G‬حني يف القائم ‪GG G‬ة‪ ،‬حبسب ما يف ّ‬
‫يص‪Gّ G‬وت لقائمة كامل‪GG‬ة‪ ،‬إالّ أنّه يس‪GG‬تطيع أن يعيد النّظر يف مس‪GG‬ألة ت‪GG‬رتيب أمساء املر ّش‪G‬حني‪ ،‬فيك‪Gّ G‬ون‪ G‬قائمة مرتّبة‬
‫حسب ما يراه‪ ،‬وليس حسب ما يره احلزب صاحب القائمة‪.‬‬
‫لذلك ميكن القول هنا إ ّن هذه الصورة تعطي احلرية للناخب أكثر ممّا تعطيه الصورة السابقة‪.‬‬
‫املرشحون‬‫مرشحي القائمة‪ ،‬أو ّ‬ ‫خيص طريقة تـحديد الفائزين يف هذه الصـورة‪ ،‬فإنّه يفـوز من ّ‬ ‫ّأما فيما ّ‬
‫(حبسب عدد املقاعد اليت فازت هبا القائمة) ال‪GG‬ذي يأخذ املرتبة األوىل يف القائمة (من حيث ع‪GG‬دد األص‪GG‬وات‬
‫حمل ‪ ...‬وهكذا‪.829‬‬ ‫احملصل عليها)‪ ،‬ويليه صاحب املرتبة الثانية إن كان له ّ‬ ‫ّ‬

‫‪ 826‬بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.274 .‬‬


‫‪ 2827‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.275-274 .‬‬
‫بسيوني (عبد الغين)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.235 .‬‬ ‫‪828‬‬

‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.275 .‬‬ ‫‪829‬‬


‫الفرع الثالث‪ :‬نظام التمثيل النسبي مع المزج بين القوائم (‪)Panachage‬‬
‫فيكوهنا من أمساء املر ّش‪G G‬حني ال ‪GG‬ذين‬ ‫يف ه‪GG G‬ذه الص‪GG G‬ورة يك‪GG G‬ون للن‪GG G‬اخب أن يعمل قائمة حسب م‪GG G‬راده‪ّ ،‬‬
‫خيت ‪GG G‬ارهم‪ ،‬ولو ك ‪GG G‬انوا يف ق ‪GG G‬وائم خمتلف ‪GG G‬ة‪ ،‬أي أ ّن الن ‪GG G‬اخب يف ه ‪GG G‬ذه الص ‪GG G‬ورة ال يتقيّد ب ‪GG G‬القوائم اليت تق ‪ّ G G‬دمها‬
‫خاصة تشمل أمساء من أحزاب خمتلفة‪.830‬‬ ‫األحزاب‪ ،‬بل يستطيع أن يعمل قائمة ّ‬
‫فاملالحظ هنا أ ّن الن ‪GG G G G‬اخب يف ه ‪GG G G G‬ذه الص ‪GG G G G‬ورة يتمتّع حبرية كب ‪GG G G G‬رية أك ‪GG G G G‬ثر ممّا هو عليه يف الص ‪GG G G‬ورتني‬
‫جمرد التع‪GG‬ديل يف ت‪GG‬رتيب أمساء املر ّش ‪G‬حني يف قائمة معيّن‪GG‬ة‪ ،‬بل له أن‬ ‫الس‪GG‬ابقتني‪ ،‬ففي ه‪GG‬ذه احلالة ليس له فقط ّ‬
‫اصة به‪ ،‬خيتار أمساءها من ق‪G‬وائم خمتلف‪G‬ة‪ ،‬ويرتّبها حسب رغبت‪G‬ه؛ ول‪G‬ذلك عُ‪G‬رفت ه‪G‬ذه الص‪G‬ورة‬ ‫يكون قائمة خ ّ‬
‫ّ‬
‫حبق الناخب يف املزج‪ ،‬فهو يقوم باملزج بني القوائم‪ G‬املختلفة‪ ،‬ليخرج منها بقائمة جديدة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّأما عن طريق ‪G‬ة ح‪Gّ G‬ل مش‪GG‬كلة حتديد املر ّش‪G‬حني الف‪GG‬ائزين يف حالة األخذ بنظ‪GG‬ام املزج بني الق‪GG‬وائم‪ ،‬حيث‬
‫يتفاوت يف غالب األحي‪GG‬ان ع‪G‬دد األص‪G‬وات اليت حيصل عليها مر ّش‪G‬حو القائمة الواح‪GG‬دة‪ ،‬ف‪G‬إذا فرض‪G‬نا أ ّن قائمة‬
‫احلق يف مقعدين؛ فإنّه ميكن إعالن انتخاب املر ّش ‪G‬حني‬ ‫مكونة من مخسة مر ّشحني قد نالت أصواتًا تعطي هلا ّ‬ ‫ّ‬
‫‪831‬‬
‫مرشحي القائمة ‪.‬‬ ‫اللّذين حصال على أكثرية األصوات بالنسبة إىل بقية ّ‬

‫المطلب الرابع‪ :‬طرق توزيع المقاعد النيابية بين القوائم في نظام التمثيل النسبي‬

‫من الناحية النّظرية يظهر لنا أ ّن التمثيل النسيب بس‪GG‬يط ج‪Gً G‬دا‪ ،‬ولكن تطبيقه واقعيًا أمر ب‪GG‬الغ الدق‪GG‬ة؛‬
‫دائم ‪GG‬ا‪،‬‬
‫وذلك أل ّن الق‪GG G‬وائم املتنافسة‪ G‬يف االنتخاب‪GG G‬ات متع ‪ّ G G‬ددة‪ ،‬ونس‪GG G‬بة األص‪GG G‬وات إىل املقاعد ليست بس‪GG G‬يطة ً‪G‬‬
‫احلل‪.832‬‬
‫الصعبة ّ‬ ‫إضافة إىل وجود مسألة توزيع األصوات ّ‬
‫فه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام يتطلّب دقّة يف التط‪GG‬بيق‪ ،‬وهو ال خيلو من ص‪GG‬عوبات عملية يف توزيع املقاعد حبسب ع‪GG‬دد‬
‫احملصل عليها‪.‬‬
‫األصوات ّ‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.274 .‬‬ ‫‪830‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.275-274 .‬‬ ‫‪831‬‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.266-265 .‬‬ ‫‪832‬‬
‫تاما‪.833‬‬
‫حىت إنّه ال ميكن تطبيق نظام التمثيل النسيب تطبي ًقا حسابيًا ً‬
‫ولقد ُوجدت طرق متع ّددة لتوزيع املقاعد النيابية‪ G‬بني القوائم‪ ،‬واملتمثّ‪G‬لة فيما يأيت‪:‬‬
‫المتوسط االنتخاب(ي‬ ‫ّ‬ ‫أوال‪ :‬طريقة‬
‫املتوسط االنتخايب من قسمة عدد األصوات الصحيحة املعطاة يف الدائرة االنتخابية على‬ ‫يستخرج ّ‬
‫عـدد املقاعـد الربملانية املتن ‪GG‬افس‪ G‬عليه ‪GG‬ا‪ .‬ف ‪GG‬إذا فرض ‪GG‬نا مثالً أ ّن ع ‪GG‬دد ه ‪GG‬ذه األصـوات هو مائة ألف (‪)100,000‬‬
‫عشـرا؛ ف‪GG‬إ ّن املتوسـط االنتخـايب يكـون عشـرة آالف (‪)000,10‬ص‪GG‬وتاً‪ ،‬وحتصل‬ ‫ص‪GG‬وتًا‪ ،‬وك‪GG‬ان ع‪GG‬دد املقاعد ً‬
‫‪G‬وما على ه‪GG G G‬ذا املتوسط‬
‫ك‪Gّ G G G‬ل قائمة على ع‪GG G G G‬دد من املقاعد يس‪GG G G G‬اوي ما حص‪GG G G G‬لت عليه من أص‪GG G G G‬وات مقس‪ً G G G G‬‬
‫االنتخايب‪.834‬‬
‫ثانيا‪ :‬طريقة المتوسّط القومي‬
‫ينتج ه ‪GG‬ذا املتو ّس‪G G‬ط من قس ‪GG‬مة ع ‪GG‬دد األص ‪GG‬وات الص ‪GG‬حيحة اليت أعطيت يف االنتخاب ‪GG‬ات‪ ،‬يف مجيع‬
‫ال‪GG G‬دوائر االنتخابية‪ G‬بالدول‪GG G‬ة‪ ،‬على ع‪GG G‬دد املقاعد املراد ش‪GG G‬غلها باالنتخ‪GG G‬اب‪ .‬ف‪GG G‬إذا فرض‪GG G‬نا مثالً أ ّن ع‪GG G‬دد ه‪GG G‬ذه‬
‫األصوات قد بلغ أربعة ماليني صوتًا يف مجيع الدوائر االنتخابيّة‪ G،‬وكان ع‪GG‬دد املقاعد الربملانية املتن‪GG‬افس‪ G‬عليها‬
‫املتوسط القومـي‪ G‬يكـون مثانيـة آالف (‪ )8000‬ص‪GG‬وتًا‪ ،‬وحتصل ك‪Gّ G‬ل قائمة‬ ‫مقعدا؛ فإ ّن ّ‬ ‫قد بلغ مخسمائة (‪ً )500‬‬
‫‪G‬وما على ه ‪GG G‬ذا املتو ّس‪G G G‬ط‪G‬‬
‫من الق ‪GG G G‬وائم املتنافسة‪ G‬على ع ‪GG G G‬دد من املقاعد يع ‪GG G G‬ادل ما مجعت من أص ‪GG G G‬وات مقس ‪ً G G G‬‬
‫القومي‪.835‬‬
‫الموحد (العدد( أو الرقم المطّرد)‬ ‫ّ‬ ‫ثالثا‪ :‬طريقة العدد‬
‫وه‪GG‬ذا ال‪GG‬رقم املط‪Gّ G‬رد هو رقم حم ّدد س‪GG‬ل ًفا‪ ،‬وواحد يف ك‪Gّ G‬ل من‪GG‬اطق الدول‪GG‬ة‪ ،‬وحتصل ك‪Gّ G‬ل الئحة على‬
‫عدد من املر ّشحني املنتخبني مبقدار ما حيتوي ما نالته من أصوات من هذا العدد املطّرد‪.836‬‬
‫وموحد على مس ‪GG‬توى الدولة قبل‬ ‫ّ‬ ‫ولتوض ‪GG‬يح ه ‪GG‬ذه الطريقة أك ‪GG‬ثر نق ‪GG‬ول‪ :‬إهّن ا تقتضي‪ G‬حتديد ع ‪GG‬دد معنّي‬
‫إج‪GG‬راء االنتخاب ‪GG‬ات؛ حيث حتصل ك‪Gّ G‬ل قائمة من الق ‪GG‬وائم املتنافسة‪ G‬على ع ‪GG‬دد من املقاعد الربملانية يس ‪GG‬اوي ما‬

‫البنّا (حممود عاطف)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.325 .‬‬ ‫‪833‬‬

‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.155 .‬‬ ‫‪834‬‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.266 .‬‬


‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬الدولة في ميزان الشريعة(النظم السياسية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.156 .‬‬ ‫‪835‬‬

‫والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.266 .‬‬


‫ّ‬ ‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري‬ ‫‪836‬‬
‫تش‪GG‬تمل عليه أص‪GG‬واهتا من ه‪GG‬ذا الع‪GG‬دد‪ ،‬ويزيد ه‪GG‬ذا الع‪GG‬دد أو ينقص‪ G‬حبسب رغبة الدولة يف زي‪GG‬ادة ع‪GG‬دد أعض‪GG‬اء‬
‫الربملان أو تقليله‪.837‬‬
‫أهم الط ‪GG‬رق املتّبعة‪ G‬يف توزيع املقاعد النيابية‪ G‬بني الق ‪GG‬وائم االنتخابيّة‪ G‬املتنافسة يف االنتخاب ‪GG‬ات‪،‬‬
‫فه ‪GG‬ذه هي ّ‬
‫ونالحظ أ ّن هذه العملية ليست بس‪GG‬يطة من الناحية العملي‪GG‬ة‪ ،‬وتتطلّب القي‪G‬ام‪ G‬بعملي‪G‬ات حس‪G‬ابية دقيق‪G‬ة‪ ،‬بقصد‬
‫ض‪G‬مان التوزيع الع‪GG‬ادل للمقاعد بني األح‪GG‬زاب السياس‪G‬ية‪ G‬املختلف‪G‬ة‪ ،‬وإعط‪G‬اء ك ّ‪G‬ل منها ح ّقها يف متثي‪G‬ل أنص‪GG‬ارها‬
‫ومؤيّديها؛ حىت يكون الربملان‪ G‬صورة صادقة للمجتمع مبختلف فئاته‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬طرق حلّ مشكلةباقي األصوات في التمثيل النسبي (تنسيب البقايا)‬

‫إنّـه من الن‪GG G‬ادر ج‪Gً G G‬دا –وإن مل يكن مس‪GG G‬تحيالً نظريً‪GG G‬ا‪ -‬أن يقبل ع‪GG G‬دد األص‪GG G‬وات‪ ،‬اليت حص ‪GG‬لت عليها‬
‫‪G‬اق؛ حيث يبقى‪ G‬ع ‪GG‬ادة ع ‪GG‬دد من‬ ‫القائم ‪GG‬ة‪ ،‬القس ‪GG‬مة على الع ‪GG‬دد ال ‪GG‬ذي ميثّل املتوس‪G G‬ط أو الع ‪GG‬دد املوحد دون ب ‪ٍ G‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل قائمة دون أن تستفيد منه يف متثيلها النيايب‪.‬‬ ‫األصوات حصلت عليه ّ‬
‫وعلى س‪GG G G‬بيل املث‪GG G G‬ال‪ ،‬إذا حص‪GG G G‬لت قائمة على تس‪GG G G‬عة ومخسني ألف ص‪GG G G‬وت يف انتخاب ‪GG G‬ات متوس ‪ّG G‬طها‬
‫االنتخايب عشرة آالف (‪ ،)000,10‬فإهّن ا ستفوز خبمسة مقاعـد‪ ،‬ويبقى‪ G‬من أصـواهتا تسعـة آالف (‪ )9000‬ال‬
‫حتسـب هلا‪ ،‬ألهّن ا مل تبلـغ النصـاب احملـ ّدد‪ ،‬وهو عشـرة آالف (‪.)000,10‬‬
‫ص ‪G‬له –ب‪GG‬إذن اهلل تع‪GG‬اىل‪-‬‬
‫فتتم عملية توزيع تلك البقايا من األص‪GG‬وات وفق ط‪GG‬رق متع ‪ّ G‬ددة‪ ،‬وهو ما سنف ّ‬ ‫ّ‬
‫فيما يأيت‪:‬‬

‫األول‪ :‬تمثيل باقي األصوات قوميًا (وطنيًا)‬


‫الفرع ّ‬
‫الشامل" (‪)R.P. Intégrale‬‬ ‫ويسمى هذا النظام "نظام التمثيل النسيب‬ ‫ّ‬
‫يتم توزيع املقاعد املمثّلة لألص‪GG G G‬وات املتبقيّة‪ G‬على املس‪GG G G‬توى الوطين (الق ‪GG G‬ومي)‪ G،‬أي‬
‫ففي ه‪GG G G‬ذه الطريقة ّ‬
‫على مستوى كافّة الدوائر االنتخابيّة‪G.‬‬
‫ومفاد هذه الطريقة‪ :‬مجع بقايا األصوات على صعيد وطين‪ ،‬أي مجع األصوات غري المس‪GG‬تعملة‪ ،‬واليت‬
‫ناهلا ك‪Gّ G‬ل ح‪GG‬زب يف ك‪Gّ G‬ل املن‪GG‬اطق اليت تر ّش‪G‬ح فيه‪GG‬ا‪ ،‬وال‪GG‬رقم احلاصل هو حص‪GG‬يلة ل‪GG‬وائح تش‪GG‬مل ال‪GG‬وطن بأكمل‪GG‬ه‪،‬‬

‫الحلو (ماجد راغب)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.156 .‬‬ ‫‪837‬‬


‫ويقسم هذا ال‪G‬رقم على "حاص‪G‬ل" مس‪G‬تخلص من قس‪G‬مة جمم‪G‬وع األص‪G‬وات غري املس‪G‬تعملة اليت حص‪G‬لت عليها‬ ‫ّ‬
‫‪838‬‬
‫كل األحزاب على عدد املقاعد الشاغرة ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪G‬ؤدي إىل تش ‪GG‬جيع األح ‪GG‬زاب‬ ‫وحت ّقق ه ‪GG‬ذه الطريقة ما يس ‪Gّ G‬مى أحياناً "التمثيل النسيب املتكام ‪GG‬ل"‪ ،‬وهي ت ‪ّ G‬‬
‫على التك ‪GG G‬اثر؛ حبيث يك ‪GG G‬ون‪ G‬بإمك ‪GG G‬ان بعض األح ‪GG G‬زاب الص ‪GG G‬غرية‪ G‬احلص ‪GG G‬ول على بعض املقاع‪GG G‬د‪ ،‬بفضل ض‪Gّ G G‬م‬
‫أص ‪GG‬واهتا من خمتلف املن ‪GG‬اطق‪ G‬اليت تر ّش‪G G‬حت فيها‪839‬؛ وب ‪GG‬ذلك تب ‪GG‬دو أهّن ا عادلة ودقيقة يف تط ‪GG‬بيق مب ‪GG‬دإ التمثيل‬
‫النسيب‪.840‬‬
‫‪G‬ؤدي إىل وج ‪GG‬ود ن ‪GG‬وعني من الن ‪GG‬واب‪ G،‬بعض ‪GG‬هم منتخب على مس ‪GG‬توى‬ ‫ِ‬
‫وعيب على ه ‪GG‬ذه الطريقة أهّن ا ت ‪ّ G‬‬
‫ميس بقيمة بعض ‪GG‬هم‪ ،‬إض ‪GG‬افة إىل أ ّن ه ‪GG‬ذه الطريقة ال‬ ‫حملّي‪ ،‬وبعض ‪GG‬هم منتخب على مس ‪GG‬توى وط ‪GG‬ين‪ ،‬وه ‪GG‬ذا ما ّ‬
‫تقبل التط‪GG G‬بيق على مس‪GG G‬توى ال‪GG G‬دوائر االنتخابي‪GG G‬ة‪ ،‬وال تص‪GG G‬لح لالنتخاب‪GG G‬ات احملليّ‪GG G‬ة‪ ،‬بل ميكن تطبيقها بالنس ‪GG‬بة‬
‫لالنتخابات التشريعية‪ G،‬أو االنتخابات ذات الطابع الوطين فقط‪.841‬‬
‫ول‪GG G‬ذلك فقد ظه‪GG G‬رت طريقة أخ‪GG G‬رى أفضل من ه‪GG G‬ذه الطريقة لتنس‪GG G‬يب بقايا األص‪GG G‬وات‪ ،‬وهي الطريقة‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫كل دائرة انتخابيّة)‬


‫الفرع الثاني‪ :‬تمثيل باقي األصوات محلياً (على مستوى ّ‬
‫تعتبر هذه الطريقة هي المفضّلة على سابقتها‪ ،‬وفيها يت ّم تنسيب البقايا على الصّعيد المحل ّي‪ ،‬وفقا ً ألساليب ثالثة‪ ،‬نتناولها في اآلتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬نظام الباقي األكبر ( ‪)Système de plus grand reste‬‬


‫وه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام –كما أش‪GG‬رنا س‪GG‬اب ًقا‪ -‬يعتمد على أس‪GG‬لوب اجلمع يف إط‪GG‬ار ك‪Gّ G‬ل دائ‪GG‬رة انتخابيّ‪GG‬ة‪ ،‬وفيه‬
‫مُت نح املقاعد املتبقيّة حسب نظام الباقي األكرب‪.842‬‬
‫ويس‪Gّ G‬مى ك‪GG‬ذلك "نظ‪GG‬ام أكرب الب‪GG‬واقي" (‪)Système de plus grand reste‬؛ حيث تعطى فيه املقاعد‬
‫املعلّقة للقائمة اليت هلا أكرب باق‪ ،‬مثّ اليت تليها‪ ،‬وهكذا ‪.843‬‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.266 .‬‬ ‫‪838‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.266 .‬‬ ‫‪839‬‬

‫البنّا (حممود عاطف)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.328 .‬‬ ‫‪840‬‬

‫شريط (األمني)‪ ،‬الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.234 .‬‬ ‫‪841‬‬

‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., pp. 134-135‬‬ ‫‪842‬‬

‫البنّا (حممود عاطف)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.326 .‬‬ ‫‪843‬‬
‫ولتوضيح كيفية تنسيب‪ G‬هذه البقايا‪ G،‬نضرب املثال اآليت‪:844‬‬
‫ن عش‪GG‬رين أل ًفـا (‪000‬‬
‫إذا افرتضنا وجود مخسة (‪ )5‬مقاعد‪ ،‬ومائة ألف (‪ )000,100‬صوتاً؛ فهذا يعين أ ّ‬
‫املوحد للحص‪G‬ول على مقعد واح‪G‬د؛ ف‪G‬إذا افرتض‪G‬نا حص‪G‬ول أحد األح‪G‬زاب على مخسني ألف‬ ‫‪ ),20‬هي الع‪G‬دد ّ‬
‫(‪ )000,50‬ص ‪GG‬وتًا‪ ،‬فإنّه حيصل على مقع ‪GG‬دين‪ ،‬ويبقى‪ G‬له عش ‪GG‬رة آالف (‪ )000,10‬ص ‪GG‬وتًا‪ ،‬وال ‪GG‬ذي حيصل على‬
‫املقاعد األخرى هو احلزب الذي حصل على أكثرية األصوات‪.‬‬
‫ولنفرتض املسألة‪ G‬اآلتية‪:‬‬
‫حزب (أ) = ‪ 43000‬صوتًا‪ ،‬حزب (ب) = ‪ 28000‬صوتًا‪ ،‬ح‪GG‬زب (جـ) = ‪ 19000‬ص‪GG‬وتًا‪ ،‬ح‪GG‬زب (د)‬
‫=‪ 10,000‬صوتًا؛ فمجموع األصوات هو‪ 000,100 :‬صوتًا‪.‬‬
‫املوحد هو = ‪ 000,20‬صوتًا؛ وذلك لوجود مخسة مقاعد‪.‬‬ ‫والعدد االنتخايب ّ‬
‫فالتوزيع يكون‪ G‬كاآليت‪:‬‬
‫حزب (أ) = ‪ 43000‬صوتًا = مقعدان‪ ،‬ويبقى‪ 3000 G‬صوتًا‪.‬‬
‫حزب (ب) = ‪ 28000‬صوتًا = مقعد واحد‪ ،‬ويبقى ‪ 8000‬صوتًا‪.‬‬
‫حزب (جـ) = ‪ 19000‬صوتًا = ال مقعد‪ ،‬ويبقى العدد كما هو‪.)19000(:‬‬
‫حزب (د) = ‪ 000,10‬صوتًا = ال مقعد‪ ،‬ويبقى‪ G‬العدد كما هو‪.)000,10(:‬‬
‫ونالحظ أ ّن أكثر األصوات الباقية موجودة عند احلزب (جـ)‪ ،‬الذي ن‪GG‬ال ‪ 19000‬ص‪GG‬وتًا‪ ،‬واحلزب (د)‬
‫ال‪GG‬ذي ن‪GG‬ال ‪ 000,10‬ص‪GG‬وتًا‪ ،‬وبتط‪GG‬بيق نظ‪GG‬ام الب‪GG‬اقي األك‪GG‬رب؛ ف‪GG‬إ ّن احلزبني الس‪GG‬ابقني‪ ،‬أي (جـ) و (د) حيصل ك‪Gّ G‬ل‬
‫املخصصة لتلك ال‪GG G G G‬دائرة قد ُو ّزعت كلّها على‬
‫ّ‬ ‫منهما على مقعد واح‪GG G G G‬د‪ ،‬وهك‪GG G G G‬ذا تك‪GG G G G‬ون املقاعد اخلمسة‬
‫ص‪G G‬ل عليها يف االنتخ ‪GG‬اب‪ .‬ونالحظ ك ‪GG‬ذلك يف ه ‪GG‬ذا‬ ‫خمتلف الق ‪GG‬وائم (األح ‪GG‬زاب) بنس ‪GG‬بة ع ‪GG‬دد األص ‪GG‬وات احمل ّ‬
‫املوحد دون أن‬‫النظ ‪GG‬ام أنّه يف ص ‪GG‬احل احلزب ال ‪GG‬ذي حيصل على أق ‪Gّ G‬ل األص ‪GG‬وات‪ ،‬واليت تك ‪GG‬ون قريبة من الع ‪GG‬دد ّ‬
‫تصل إليه‪ ،‬حيث ترتك له بقيّة كثرية‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬فه ‪GG‬ذه الطريقة ختدم األح ‪GG‬زاب الص ‪GG‬غرى‪ ،‬اليت ميكنها أن جتمع ع ‪GG‬دداً من األص ‪GG‬وات ذات قيم ‪GG‬ة‪،‬‬
‫ولو مل تصل إىل الرقم احلاصل‪ ،‬أو الرقم املطّرد‪.845‬‬

‫‪ 844‬بوشعير (سعيد)‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.116 .‬‬
‫‪ 845‬هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.266.‬‬
‫فعيب ه‪GG‬ذه الطريقة هي تش‪GG‬جيعها لألحـزاب الص‪GG‬غرى على حس‪GG‬اب األحـزاب الكب‪GG‬رية‪ ،‬فهي ال حت ّقق‬
‫العدالة بني األحزاب‪.846‬‬
‫ثانيا‪ :‬نظام المع ّدل( األقوى ( ‪)Système de plus forte moyenne‬‬
‫وهو مثل س‪GG‬ابقه‪ ،‬يف كونه يعتمد على أس‪GG‬لوب اجلمع يف إط‪GG‬ار ك‪Gّ G‬ل دائ‪GG‬رة انتخابي‪GG‬ة‪ G،‬ويس‪Gّ G‬مى هبذا‬
‫االسم ألنّه يعتمد على أسلوب منح املقاعد املتبقية‪ G‬حسب املع ّدل األقوى‪.847‬‬
‫ممثالً‬
‫وه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام أك‪GG‬ثر حتقي ًقا للعدالة من س‪GG‬ابقه؛ أل ّن مقتض‪GG‬اه‪ G‬توزيع املقاعد حبيث يص‪GG‬بح ك‪Gّ G‬ل مقعد ّ‬
‫األويل (على أس‪GG‬اس القاسم االنتخ‪GG‬ايب)‪ ،‬كما يف‬ ‫ويتم ذلك ب‪GG‬إجراء التوزيع ّ‬ ‫ألكرب عدد ممكن من األص‪GG‬وات‪ّ ،‬‬
‫تباع‪G‬ا‪ ،‬وحبسب متوسط نس‪G‬بة‬ ‫النظام ال ّس‪G‬ابق‪ ،‬مثّ نف‪G‬رتض أ ّن املقعد املعلّق قد أعطي لك ّ‪G‬ل من الق‪G‬وائم املتق ّدمة‪ً G‬‬
‫متثيل املقعد الواحد يف ك‪Gّ G‬ل قائمة (أي نس‪GG‬بة ع‪GG‬دد األص‪GG‬وات املعط‪GG‬اة للقائمة إىل ع‪GG‬دد املقاعد اليت نالته‪GG‬ا‪ ،‬مبا‬
‫فيها املقعد االفرتاضي)‪ G،‬ومينح املقعد املعلّق للقائمة اليت تتميّز بأكرب متوسط لنسبة التمثي‪GG‬ل‪ ،‬وإذا ُوجد هن‪GG‬اك‬
‫يوزع بتلك الطريقة‪ ،‬وهكذا‪.848‬‬ ‫مقعد معلّق ثان ّ‬
‫وإذا طبّقنا‪ G‬املثال السابق على هذا النظام يكون‪ G‬توزيع املقاعد كما يأيت‪:849‬‬
‫ص ‪G G‬ل على مقعد‬ ‫ص ‪G G‬ل احلزب(أ) على مقع‪GG G‬دين‪ ،‬حلص‪GG G‬وله على ‪ 43000‬ص‪GG G‬وتًا‪ ،‬واحلزب (ب) يتح ّ‬ ‫يتح ّ‬
‫األول؛ وذلك‬ ‫أي مقعد يف التوزيع ّ‬ ‫واح‪GG G‬د‪ ،‬حلص ‪GG G‬وله على ‪ 28000‬ص ‪GG G‬وتًا‪ّ ،‬أما احلزب (جـ) فال حيصل على ّ‬
‫املوحد لألص ‪GG‬وات وهو ‪ ،000,20‬وك ‪GG‬ذلك احلال بالنس ‪GG‬بة للح ‪GG‬زب (د)‪ .‬وعند‬ ‫لع ‪GG‬دم بلوغه الع ‪GG‬دد االنتخ ‪GG‬ايب ّ‬
‫مواصلة عملية التوزيع وفق نظام املع ّدل األقوى نتبّع اخلطوات اآلتية‪:‬‬
‫نق ‪GG‬وم بتوزيع مقعد مف ‪GG‬رتض‪ ،‬وال ‪GG‬ذي ميلك مع‪ّ G G‬دالً أق ‪GG‬وى يف ‪GG‬وز باملقعد الراب ‪GG‬ع‪ ،‬مثّ نتبّع العملية نفس ‪GG‬ها‬
‫لتوزيع املقعد اخلامس‪ ،‬وذلك على النحو اآليت‪:‬‬
‫املوح ‪GG‬د) زائد‬
‫احلزب (أ) احلاصل على ‪ 43000‬ص‪GG G‬وتًا يف‪GG G‬وز ّأوالً مبقع‪GG G‬دين (حسب الع‪GG G‬دد االنتخ‪GG G‬ايب ّ‪G‬‬
‫كل مقعد تقريبًا هو‪( 14333 :‬بقسمة ‪ 43000‬على ‪.)3‬‬ ‫مقعد واحد (املفرتض)؛‪ G‬فيكون مع ّدل ّ‬
‫املوح‪G‬د)‬
‫احلزب (ب) احلاصل على ‪ 28000‬ص‪GG‬وتًا يف‪GG‬وز أوالً مبقعد واحد (حسب الع‪GG‬دد االنتخ‪GG‬ايب ّ‪G‬‬
‫كل مقعد هو‪( 14000 :‬بقسمة ‪ 28000‬على ‪.)2‬‬ ‫زائد مقعد واحد (املفرتض)؛‪ G‬فيكون مع ّدل ّ‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 134‬‬ ‫‪846‬‬

‫‪847‬‬
‫‪.Ibid., pp. 134-135‬‬
‫البنّا (حممود عاطف)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.327.‬‬ ‫‪848‬‬

‫‪ 849‬بوشعير (سعيد)‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.117.‬‬
‫‪G‬أي مقعد (حسب الع ‪GG G‬دد االنتخ ‪GG G‬ايب‬ ‫احلزب (جـ) احلاصل على ‪ 19000‬ص ‪GG G‬وتًا ال يف ‪GG G‬وز يف البداية‪ G‬ب ‪ّ G G‬‬
‫(مفرتضا)‪ ،‬ويبقى‪ G‬العدد كما هو ‪.19000‬‬ ‫ً‬ ‫املوحد)‪ ،‬ونزيد له مقعداً‬
‫ّ‬
‫‪G‬أي مقعد ك‪GG G G G G‬ذلك (حسب الع ‪GG G G‬دد‬ ‫احلزب (د) احلاصل على ‪ 000,10‬ص‪GG G G G G‬وتًا ال يف‪GG G G G G‬وز يف البداية‪ G‬ب‪ّ G G G G G‬‬
‫(مفرتضا)‪ ،‬ويبقى‪ G‬العدد كما هو ‪.000,10‬‬ ‫ً‬ ‫املوحد)‪ ،‬ونزيد له مقعداً واحداً‬
‫االنتخايب ّ‬
‫والنتيجة تك ‪GG‬ون كما ي ‪GG‬أيت‪ :‬يف ‪GG‬وز الح‪G G‬زب (جـ) باملقعد الرابع املتن ‪GG‬افس‪ G‬علي ‪GG‬ه‪ ،‬أل ّن له مع‪ّ G G‬دالً أق ‪GG‬وى (‬
‫‪ ،)19000‬وحيصل على املقعد اخلامس احلزب (أ)‪ ،‬أل ّن مع ّدله أق ‪GG G G‬وى باملقارنة مع غ ‪GG G G‬ريه من الب ‪GG G‬اقني‪ ،‬وهو‬
‫‪ 14333‬تقريبًا‪.‬‬
‫وهبذا يك‪GG‬ون‪ G‬من نص‪GG‬يب‪ G‬احلزب (أ) ثالثة مقاع‪GG‬د‪ ،‬واحلزب (ب)‪ :‬مقعد واح‪GG‬د‪ ،‬واحلزب (جـ)‪ :‬مقعد‬
‫بأي مقعد‪.‬‬
‫واحد‪ ،‬واحلزب (د)‪ :‬ال يفوز ّ‬
‫واملالحظ على هذا النظام أنّه أكثر تعقيداً‪ ،‬كما أنّه خيدم األحزاب الكربى‪.850‬‬
‫ومن خالل تلك النت ‪GG‬ائج ال ّس‪G G‬ابقة‪ ،‬وباملقارن‪G G‬ة مع نت ‪GG‬ائج النظ ‪GG‬ام ال ّس‪G G‬ابق‪ ،‬نالحظ م ‪GG‬دى ما حي ّققه نظ ‪GG‬ام‬
‫احملصل عليها‪.‬‬
‫املع ّدل األقوى من عدالة يف توزيع املقاعد حبسب نسبة األصوات ّ‬

‫ض‪G G G G‬لة‪ G،‬واألك ‪GG G G‬ثر اس‪GG G G‬تعماالً يف توزيع‬


‫وهك ‪GG G G‬ذا ميكن الق ‪GG G G‬ول إ ّن ه ‪GG G G‬ذه الطريقة هي الطريقة املثلى واملف ّ‬
‫البقايا‪.851‬‬
‫ثالثا‪ :‬نظام هوندت ( ‪)Hondt‬‬
‫وهذا النظام قريب جداً من نظام املع ّدل األقوى‪ ،‬فهو تعديل هلذا النظام األخري يف طريقة حساب‬
‫احملصل عليها‪ ،‬وقد وضعه الرياضي البلجيكي "هوندت" (‪.852)Hondt‬‬ ‫املقاعد ّ‬
‫ومقتضى‪ G‬طريقة "هون‪GG G‬دت" هو اس‪GG G‬تخراج القاسم االنتخ‪GG G‬ايب ال‪GG G‬ذي جيري على أساسه التوزي ‪GG‬ع‪،‬‬
‫بقس ‪GG‬مة ع ‪GG‬دد األص ‪GG‬وات الص ‪GG‬حيحة اليت حص ‪GG‬لت عليها ك ‪Gّ G‬ل قائمة على األرق ‪GG‬ام من واحد إىل ع ‪GG‬دد مقاعد‬
‫ال‪GG‬دائرة‪ ،‬مث ت‪GG‬رتّب ه‪GG‬ذه املتو ّس ‪G‬طات‪ G‬ترتيباً تنازليًا بع ‪GG‬دد املقاعد املطل‪GG‬وب ش ‪G‬غلها‪ ،‬ويك‪GG‬ون‪ G‬آخرها هو القاسم‬
‫يتم على أساسه توزيع مقاعد الدائرة‪.853‬‬ ‫االنتخايب املشرتك الذي ّ‬
‫وبتطبيق املثال السابق على هذا النظام حنصل على العملية اآلتية‪:‬‬
‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.267-266 .‬‬ ‫‪850‬‬

‫‪ 851‬شريط (األمني)‪ ،‬الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.236 .‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 135 852‬‬
‫‪.329-328‬‬ ‫البنّا (حممود عاطف)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.‬‬ ‫‪853‬‬
‫احلزب (د)‬ ‫احلزب (جـ)‬ ‫احلزب (ب)‬ ‫احلزب (أ)‬ ‫التقسيم على‬
‫‪000,10‬‬ ‫‪19000‬‬ ‫‪28000‬‬ ‫‪43000‬‬ ‫‪...1‬‬
‫‪5000‬‬ ‫‪9500‬‬ ‫‪14000‬‬ ‫‪21500‬‬ ‫‪...2‬‬
‫‪3333‬‬ ‫‪6666‬‬ ‫‪9666‬‬ ‫‪14333‬‬ ‫‪...3‬‬
‫‪2500‬‬ ‫‪4750‬‬ ‫‪7000‬‬ ‫‪10750‬‬ ‫‪...4‬‬
‫فاألع‪GG G G G G‬داد الك‪GG G G G G‬ربى املتتالية‪ G‬حسب املقاعد اخلمسة هي‪14333-19000-21500-28000-43000 :‬؛‬
‫فيكون لنا مخسة أعداد‪ ،‬ويكون‪ G‬توزيع املقاعد كاآليت‪:‬‬
‫احلزب (أ) = ‪ : 14333 / 43000‬ثالثة مقاعد‬
‫احلزب (ب) = ‪ : 14333 / 28000‬مقعد واحد‬
‫احلزب (جـ) = ‪ : 14333 / 19000‬مقعد واحد‬
‫احلزب (د) = ‪ : 14333 / 000,10‬ال مقعد‬
‫وال‪GG‬ذي نالحظه على ه‪GG‬ذه النت‪GG‬ائج أهّن ا نفس نت‪GG‬ائج تط‪GG‬بيق نظ‪GG‬ام املع‪ّ G‬دل األق‪GG‬وى؛ وهلذا ميكن الق‪GG‬ول ب‪GG‬أ ّن‬
‫‪G‬ؤدي تطبيقها إىل نت‪GG‬ائج مش‪GG‬اهبة لنت‪GG‬ائج طريقة املعـ ّدل األقـوى‪ ،‬وختتلف عنها يف الطريقة‬ ‫طريقة "هون‪GG‬دت" ت‪ّ G‬‬
‫ص ‪G‬ل عليه‪GG‬ا‪ .‬وتعترب طريقة "هون‪GG‬دت" مع ّق‪GG‬دة نس‪GG‬بيّاً‪ ،‬ولكن ميزهتا تكمن يف كوهنا‬ ‫املتّبعة‪ G‬حلس‪GG‬اب املقاعد احمل ّ‬
‫تقوم على حساب قاسم انتخايب جيري على أساسه توزيع املقاعد م‪G‬رة واح‪GG‬دة على الق‪G‬وائم‪ G،‬دون احلاجة –‬
‫عادة‪ -‬إىل إجراء توزيع ّأويل يعقبه توزيع للبواقي‪.854G‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬تقويم نظام التمثيل النسبي‬

‫الرغم من أ ّن التمثيل النسيب قد ج‪G‬اء ملعاجلة س‪G‬لبيات وعي‪G‬وب نظ‪G‬ام األغلبيّ‪G‬ة‪ G،‬إالّ أنّه مل يس‪G‬لم هو‬
‫على ّ‬
‫كذلك من االنتقادات‪ ،‬ومع ذلك فإنّه ال ميكن إنكار حتقيقه لألهداف اليت ُوضع ألجلها‪.‬‬
‫وفيما يأيت سنتح ّدث –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬عن مزايا هذا النظام‪ ،‬وعن عيوبه‪:‬‬

‫األول‪ :‬مزايا نظام التمثيل النسبي‬


‫الفرع ّ‬
‫ملحة وأساس ‪GG‬ية على طريق تعزيز الدميقراطي ‪GG‬ة؛‬ ‫ي ‪GG‬رى أنص ‪GG‬ار ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام أ ّن تطبيقه يُع‪ّ G G‬د ض ‪GG‬رورة ّ‬
‫لألم‪G‬ة‪ ،‬ولك‪G‬ون‪G‬‬
‫للتنوع‪ G‬يف اجملتمع‪ ،‬وللعدالة االجتماعي‪GG‬ة‪ ،‬وحىت يك‪GG‬ون الربملان‪ G‬انعكا ًس‪G‬ا‪ G‬ص‪G‬ادقًا ّ‬ ‫احرتاما ّ‬
‫ً‬ ‫وذلك‬
‫البنّا (حممود عاطف)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.328 .‬‬ ‫‪854‬‬
‫‪G‬ؤمن التس‪GG‬اوي يف االق‪GG‬رتاع‪ G،‬واملواجهة الش‪GG‬ريفة بني ال‪GG‬ربامج املختلف‪GG‬ة‪ ،‬كما أنّه يعترب ض‪GG‬مانة من‬ ‫ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام ي‪ّ G‬‬
‫أجل احرتام حقوق األقليّات‪ ،‬واحلريات الدميقراطية‪.855G‬‬
‫باإلض ‪GG G G G‬افة إىل ما حي ّققه نظ ‪GG G G G‬ام التمثيل النسيب من رفع الظلم الواقع على األقليّ ‪GG G G G‬ات السياس ‪GG G G‬ية‪ ،‬ومينع‬
‫احلق‬
‫األغلبيّة من سحق األقليّات‪ ،‬كما أنّه يعمل على حتقيق املساواة‪ G‬يف التمثيل النيايب‪ ،‬فيك‪GG‬ون لك‪Gّ G‬ل ح‪G‬زب ّ‬
‫يف املقاعد الربملانية حبسب ّقوته العدديّة‪ ،‬وعدد أتباعه من الناخبني‪ ،‬وثقله يف اجملتمع‪.856‬‬
‫ص ‪G‬ل عليها‪ ،857‬أي أنّه يف‬ ‫فه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام حي ّقق التناسب بني ع‪GG‬دد املمثّلني املنتخ‪GG‬بني وع‪GG‬دد األص‪GG‬وات احمل ّ‬
‫ص‪G‬ل عليها من خالل املقاعد اليت يف‪GG‬وز هبا احلزب؛ حبيث ال ت‪GG‬ذهب فيه‬ ‫هذا النظ‪GG‬ام تظهر أمهيّة األص‪GG‬وات احمل ّ‬
‫لكل صوت أمهيّته‪.‬‬ ‫األصوات سدى‪ ،‬بل يكون ّ‬
‫ومن مزايا ه‪GG G‬ذا النظ‪GG G‬ام ك‪GG G‬ذلك أنّه يس‪GG G‬مح بتك‪GG G‬وين معارضة قويّة يف الربملان؛‪ G‬وذلك ألنّه يفتح اجملال‬
‫أم‪GG‬ام األح‪GG‬زاب الص‪GG‬غرية‪ G‬واالجّت اه‪GG‬ات املختلفة للف‪GG‬وز مبقاعد يف الربملان‪ ،‬إض‪GG‬افة إىل متثيله الع‪GG‬ادل لألح‪GG‬زاب يف‬
‫‪G‬طر يف ظ ‪Gّ G‬ل ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام إىل‬ ‫ص‪G G‬ة‪ ،‬لكوهنا ال تض ‪ّ G‬‬
‫الربملان‪ ،‬وحفظه الس ‪GG‬تقالل األح ‪GG‬زاب الص ‪GG‬غرية‪ G‬وبراجمها اخلا ّ‬
‫التحالف مع األحزاب الكبرية‪ G‬لضمان الفوز ببعض املقاعد‪.858‬‬
‫ويشجع نظ ‪GG‬ام التمثيل النسيب الن ‪GG‬اخبني على ممارسة ح ّقهم االنتخ ‪GG‬ايب؛ وذلك أل ّن أنص ‪GG‬ار ك ‪Gّ G‬ل ح ‪GG‬زب‬ ‫ّ‬
‫فع‪GG‬ال؛ ول‪GG‬ذلك‬ ‫يهمه أن يك‪GG‬ون لص‪GG‬وته أثر ّ‬ ‫يعلم‪GG‬ون أنّه س‪GG‬وف ميثّ ‪G‬ل مبا يتناسب مع أمهيّته العدديّ‪GG‬ة‪ ،‬والن‪GG‬اخب ّ‬
‫يش‪GG‬ارك أنص‪GG‬ار األح‪GG‬زاب الص‪GG‬غرية يف االنتخاب‪GG‬ات إلدراكهم بقيمة أص‪GG‬واهتم‪ ،‬وأهّن ا ال ت‪GG‬ذهب س‪GG‬دى‪ ،‬وذلك‬
‫‪G‬جعهم على املش ‪GG G‬اركة يف االنتخ ‪GG G‬اب‪ ،‬لعلمهم أ ّن أص ‪GG G‬واهتم قد ت ‪GG G‬ذهب‬ ‫بعكس نظ ‪GG G‬ام األغلبيّة‪ G‬ال ‪GG G‬ذي ال يش ‪ّ G G‬‬
‫أي أثر‪.859‬‬
‫سدى‪ ،‬وال يكون‪ G‬هلا ّ‬
‫وجممل الق‪GG G‬ول يف مزايا ه ‪G G‬ذا النظ‪GG G‬ام أنّه يعطي ص‪GG G‬ورة دميقراطية ص‪GG G‬ادقة للنظ‪GG G‬ام الني‪GG G‬ايب‪ ،‬من حيث إ ّن‬
‫الربملان ميثّل الشعب جبميع اجّت اهاته املختلفة‪ ،‬ويعترب صورة صادقة للرأي العام‪ ،‬وأنّه وس‪GG‬يلة من وس‪GG‬ائل متثيل‬

‫مارشيه (جورج)‪ ،‬التح ّدي الديمقراطي‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.124-123 .‬‬ ‫‪855‬‬

‫متولي (عبد احلميد)‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.132 .‬‬ ‫‪856‬‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.265 .‬‬ ‫‪857‬‬

‫ص‪.237.‬‬ ‫‪ 858‬بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسيـة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ -.280-279.‬بسيوني (عبد الغين)‪ ،‬النظم السياسيـة‪ ،‬مرجـع سابق‪،‬‬
‫‪.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 146‬‬
‫البنّا (حممود عاطف)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.335 .‬‬ ‫‪859‬‬
‫أساسا لتحقيق العدالة يف توزيع املقاعد بني األحزاب و االجّت اهات السياس‪GG‬ية؛‬
‫األقليات‪ ،‬إضافة إىل أنّه ُوجد ً‬
‫احملصل عليها‪.‬‬
‫حبيث يضمن متثيلها مبا يتناسب‪– G‬بقدر اإلمكان –مع أمهيّة األصوات ّ‬

‫الفرع الثاني‪ :‬عيوب نظام التمثيل النسبي‬


‫وجه منتق‪GG G‬دو نظ‪GG G‬ام التمثيل النسيب‪ ،‬من أنص‪GG G‬ار األغلبيّ‪GG G‬ة‪ G،‬ع ‪ّ G G‬دة انتق‪GG G‬ادات إىل ه‪GG G‬ذا النظ ‪GG‬ام (نظ ‪GG‬ام‬ ‫لقد ّ‬
‫التمثيل النس‪GG‬يب) إىل ح‪ّ G‬د َج ْعل عيوبه أك‪GG‬ثر من مزاي‪GG‬اه‪ ،‬فوص‪GG‬فوه ب‪GG‬الغموض والتعقي‪GG‬د‪ ،‬والس‪GG‬يّما ل‪GG‬دى مجه‪GG‬ور‬
‫الن ‪GG‬اخبني‪ ،‬وبالص ‪GG‬عوبة‪ G‬يف التط ‪GG‬بيق‪ ،‬ممّا قد يطيل من أمد ظه ‪GG‬ور نت ‪GG‬ائج االنتخاب ‪GG‬ات‪ ،‬وه ‪GG‬ذا ما ي ‪GG‬ورد احتم ‪GG‬ال‬
‫توخينا الدقّة يف‬‫تع ‪Gّ G G‬رض االنتخاب ‪GG G‬ات خالل تلك امل ّدة إىل ال ‪GG G‬تزييف والتش‪GG G G‬ويه‪ ،‬وي‪GG G G‬زداد األمر تعقي ‪Gً G G‬دا‪ G‬كلّما ّ‬
‫احملصل عليها وعدد املقاعد املستح ّقة‪.860‬‬ ‫التوفيق بني نسبة األصوات ّ‬
‫‪G‬ؤدي إىل ك‪GG‬ثرة األح‪GG‬زاب وتع‪ّ G‬ددها‪861‬؛ وذلك‬ ‫ومن أب‪GG‬رز االنتق‪GG‬ادات اليت ُو ّجهت إىل ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام أنّه ي‪ّ G‬‬
‫أل ّن األح‪GG G‬زاب الص ‪GG‬غرية‪ G‬يف ظ‪Gّ G G‬ل ه‪GG G‬ذا النظ‪GG G‬ام هلا إمكانية دخ ‪GG‬ول الربملان‪ ،‬والف‪GG G‬وز مبقاعد في ‪GG‬ه‪ ،‬حبسب نس ‪GG‬بة‬
‫ص‪G G‬عب‪ G‬قي ‪GG‬ام أغلبيّة برملانية‬
‫ص‪G G‬ل عليها يف االنتخ ‪GG‬اب‪ ،‬وه ‪GG‬ذه الك ‪GG‬ثرة من األح ‪GG‬زاب جتعل من ال ّ‬ ‫األص ‪GG‬وات احمل ّ‬
‫يؤدي إىل عدم االستقرار احلكومي‪.862G‬‬ ‫متجانسة وقويّة وثابتة‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫املوجه ‪G‬ة إىل نظ‪GG‬ام التمثيل النسيب أهّن ا تتعلّ‪GG‬ق‪-‬يف معظمه‪GG‬ا‪ -‬ب‪GG‬التطبيق‪،‬‬ ‫واملالحظ على ه‪GG‬ذه االنتق‪GG‬ادات ّ‬
‫وبأثر متثيل األقليّات من الوجهة العملية‪.‬‬
‫املوجهة إليه هي انتق‪GG G G G‬ادات واهية يف مجلته‪GG G G‬ا‪،‬‬ ‫ولقد اعترب أنص‪GG G G G‬ار ه‪GG G G G‬ذا النظ‪GG G G G‬ام أ ّن تلك االنتق‪GG G G G‬ادات‪ّ G‬‬
‫للرد عليها مبختلف احلجج والتربيرات‪G.‬‬ ‫وتص ّدوا ّ‬
‫ختص اللّج ‪GG G G‬ان االنتخابية ال الن ‪GG G G‬اخبني‪ ،‬وأ ّن ع ‪GG G G‬دم جتانس األغلبيّة‬ ‫ص‪G G G G‬عوبة‪ G‬يف تطبيقه ّ‬ ‫حيث اعت ‪GG G G‬ربوا ال ّ‬
‫وأما تع‪ّ G‬دد األح‪G‬زاب‬ ‫ض‪G‬ا حىت يف ظ ّ‪G‬ل نظ‪G‬ام األغلبيّ‪G‬ة؛‪ّ G‬‬ ‫الربملانية‪ ،G‬وما يرتتّب‪ G‬عليه من أزم‪GG‬ات وزاري‪G‬ة‪ ،‬حيدث أي ً‬
‫وكثرهتا واس‪GG‬تقالل براجمه‪GG‬ا‪ ،‬فهو ما يتّفق مع املب‪GG‬دإ ال‪GG‬دميقراطي‪ ،‬ال‪GG‬ذي يقضي بالتمثيل احلقيقي‪ G‬للش‪GG‬عب بك‪Gّ G‬ل‬
‫املتطرفة‪ ،‬بإعطائها‬
‫مهدئًا و ملطّفاً للحياة السياسية‪ ،‬ويقلّل من خطورة األحزاب ّ‬ ‫اجّت اهاته‪ ،‬كما يعترب عامالً ّ‬
‫حق املمارسة السياس‪G‬ية بق‪G‬در حجمها احلقيقي‪ G‬مع مش‪G‬اركة األح‪G‬زاب األخ‪G‬رى‪ ،‬كما يعمل ه‪G‬ذا النظ‪G‬ام على‬ ‫ّ‬
‫شعور األحزاب الصغرية‪ G‬بالعدل‪ ،‬وال تثار لديها األحقاد‪ ،‬حىت ال تلجأ إىل وسائل أخ‪GG‬رى غري دميقراطية إذا‬
‫ش‪GG‬عرت بأهّن ا ض‪GG‬حيّة‪ .‬ه ‪G‬ذا مع إق‪GG‬رار أنص‪GG‬ار ه‪GG‬ذا النظ‪GG‬ام ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن تطبيقه يف بعض الظ‪GG‬روف قد تك‪GG‬ون لديه نت‪GG‬ائج‬
‫بدوي (ثروت)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ - 281 .‬بسيوني (عبد الغين)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.238 .‬‬ ‫‪860‬‬

‫هوريو (أندريه)‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.273 .‬‬ ‫‪861‬‬

‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسيـة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ -282-281 .‬بسيوني (عبد الغين)‪ ،‬النظم السياسيـة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.238 .‬‬ ‫‪862‬‬
‫املتنوع‪GG‬ة‪ G،‬ويص‪GG‬عب‪ G‬فيها إجياد أغلبيّة‬
‫سلبيّة‪ ،‬وذلك مثل تطبيقه يف فرنسا‪ ،‬اليت تكثر فيها االجّت اهات السياس‪GG‬ية ّ‬
‫تبعا‬
‫برملانية متماس‪GG G‬كة؛ فك‪GG G‬ثرت ل‪GG G‬ذلك األزم‪GG G‬ات الوزاري‪GG G‬ة‪ .‬ل‪GG G‬ذلك فال م‪GG G‬انع من تع‪GG G‬ديل النظ‪GG G‬ام االنتخ‪GG G‬ايب ً‬
‫للظروف‪.863‬‬
‫ومن خالل عرض ‪GG‬نا ملزايا وعي ‪GG‬وب كال النظ ‪GG‬امني (األغلبيّة والتمثيل النس ‪GG‬يب) ت ‪GG‬بنّي لنا أ ّن تفض ‪GG‬يل أحد‬
‫‪G‬دخل عامل الظ‪G‬روف‪ .‬وه‪G‬ذا ما‬ ‫املربرات‪ ،‬إض‪G‬افة إىل ت‪ّ G‬‬
‫النظامني على اآلخر خيضع لع‪ّ G‬دة معطي‪G‬ات‪ ،‬ومجلة من ّ‬
‫سنتناوله –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬يف املطلب اآليت‪:‬‬

‫المطلب السابع‪ :‬التفاضل بين نظام األغلبيّة ونظام التمثيل النسبي‬

‫ميكن القول إ ّن هناك اعتبارين يتح ّكمان يف مسألة التفضيل بني نظام األغلبيّة‪ G،‬ونظام التمثيل النسيب‪.‬‬
‫أي النظامني أق ‪GG G‬رب إىل ال‪GG G G‬روح الدميقراطي ‪GG G‬ة‪ ،‬وإىل حتقيق العـدالة واملسـاواة‪ G‬يف‬ ‫األول‪ :‬هو ّ‬ ‫االعتب‪GG G G‬ار‪ّ G‬‬
‫العملية االنتخابيّة‪G.‬‬
‫أي النظ ‪GG‬امني أك ‪GG‬ثر حتقي ًقا لالس ‪GG‬تقرار السياسي والثب ‪GG‬ات احلك ‪GG‬ومي‪ ،‬وكال ه ‪GG‬ذين‬ ‫واالعتب ‪GG‬ار الثاني‪ :‬هو ّ‬
‫الشرطني ضروريان لتحقيق التق ّدم واالزدهار‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إىل نظ ‪GG‬ام التمثيل النس ‪GG‬يب‪ ،‬وج ‪GG‬دنا أنّه يف ‪GG‬وق نظ ‪GG‬ام األغلبيّة‪ G‬من حيث املنطق وحتقيق العدالة‬
‫يف توزيع املقاعد الربملانيّة‪ G‬على التشكيالت السياسية‪ G،‬ويعترب كذلك أكثر اتّفاقًا مع املبدإ ال‪GG‬دميقراطي‪ G،‬ال‪GG‬ذي‬
‫بكل فعالياته واجّت اهاته‪ ،‬ليك‪GG‬ون م‪GG‬رآة ص‪GG‬ادقة ل‪GG‬ه‪ ،‬ولكن من جهة أخ‪G‬رى جند‬ ‫يقضي بأن‪ G‬ميثّل الربملان الشعب ّ‬
‫‪G‬ؤدي إىل نت ‪GG‬ائج خط ‪GG‬رية‪ ،‬يف كونه يه‪ّ G G‬دد االس ‪GG‬تقرار احلك ‪GG‬ومي‪ ،‬لع ‪GG‬دم انس ‪GG‬جام تش ‪GG‬كيلة‬ ‫أ ّن ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام قد ي ‪ّ G‬‬
‫‪G‬ؤدي إىل ع ‪GG G‬دم انس ‪GG G‬جام احلكومة‪ G‬ك ‪GG G‬ذلك‪ ،‬فالربملان يف ظ ‪Gّ G G‬ل ه ‪GG G‬ذا النظ ‪GG G‬ام ميثّل اجّت اه ‪GG G‬ات‬
‫الربملان‪ ،‬وهو ما ي ‪ّ G G‬‬
‫موحد وواضح‪.‬‬ ‫عديدة‪ ،‬يصعب‪ G‬معها حتقيق أغلبيّة منسجمة وقويّة يكون لديها برنامج ّ‬
‫بينما جند نظ‪GG‬ام األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬وإن ك‪GG‬ان خيدش العدال‪GG‬ة‪ ،‬إالّ أنّه يض‪GG‬من –يف الغ‪GG‬الب‪ -‬قي‪GG‬ام أغلبيّة منس‪GG‬جمة‬
‫‪G‬ؤدي إىل قي‪GG‬ام حكومة قويّ‪GG‬ة‪ ،‬تق‪GG‬وم ب‪GG‬دورها على أحسن‬ ‫وثابت‪GG‬ة‪ ،‬وه‪G‬ذا ما حي ّقق االس‪GG‬تقرار احلك‪GG‬ومي‪ G،‬ال‪GG‬ذي ي‪ّ G‬‬
‫ومنسجما‪.864‬‬
‫ً‬ ‫واضحا‬
‫ً‬ ‫وجه‪ ،‬متّبعة برناجمًا‬

‫البنّا (حممود عاطف)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 336 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪863‬‬

‫‪ 864‬بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.282 .‬‬


‫ص ‪G G G‬عب‪ G‬احلكم ب‪GG G G‬إطالق على أفض‪GG G G‬ليّة أحد النظ ‪GG G‬امني على‬
‫ومن خالل ما س‪GG G G‬بق ذك‪GG G G‬ره‪ ،‬جند أنّه من ال ّ‬
‫اآلخر‪ ،‬كما يتع ّذر اجلزم –نتيجة لذلك‪ -‬بضرورة تطبيق أحدمها واس‪GG‬تبعاد اآلخ‪GG‬ر؛ وذلك أل ّن األمر خاض‪G‬ع‬
‫كل منها من إجيابيـات‬ ‫لكل بلد‪ ،‬وللتجربة العملية هلذين النظامني‪ ،‬ملعرفة مدى ما حي ّققه ّ‬ ‫للظروف السياسية ّ‬
‫عند تطبيق‪GG‬ه‪ ،‬أل ّن ما يص‪GG‬لح لبلد ما قد ال يص‪GG‬لح لبلد آخ‪GG‬ر‪ ،‬وما يص‪GG‬لح يف زمـن معنّي قد ال يص‪GG‬لح يف زمن‬
‫مغ‪GG‬اير‪ .‬وميكن هنا إدخ‪GG‬ال عامل آخ‪GG‬ر‪ ،‬وهو نوعيّة‪ G‬االنتخاب‪GG‬ات (رئاس‪GG‬ية أم تش‪GG‬ريعية أم حملي‪GG‬ة)‪ .‬وقد انتهجت‬
‫بعض البل‪GG G G‬دان يف بعض انتخاباهتا طري ًقا وس‪G G G G‬طًا‪ ،‬ميزج بني نظ‪GG G G‬ام األغلبيّة ونظ ‪GG G G‬ام التمثيل النس ‪GG G‬يب‪ ،‬وهو ما‬
‫يسمى " النظام املختلط "‪.865‬‬ ‫ّ‬

‫المبحث الخامس‬
‫ضوابط األغلبيّة في الديمقراطية الغربية‬
‫أن الديمقراطية الغربية تؤ ّكد على س يادة الش عب‪ّ ،‬‬
‫وأن جوهره ا ه و س يادة األغلبيّ ة س يادة مطلق ة‪ ،‬حيث ال ح ّد لس لطاتها‬ ‫من الثابت ّ‬
‫الواسعة‪.‬‬

‫كما تقتضي أن تع ‪GG G‬ود أم‪G G G‬ور احلكم إىل الش ‪GG G‬عب أو ممثّلي ‪GG G‬ه؛ حيث ميارس ص ‪GG G‬الحيات اختي‪GG G‬ار احل ّ‪G‬ك ‪GG‬ام‬
‫ومراقبتهم‪ ،‬وكذا حتديد االجّت اه السياسي‪ G‬للدولة‪ ،‬وغريها من شؤون احلكم‪.‬‬
‫ومع اإلق ‪GG‬رار أ ّن أيّة س‪GG G‬لطة مطلقة ميلكها البشر –غري املعص ‪GG‬ومني‪ -‬ينج ‪Gّ G‬ر عنها مفاس ‪GG‬د‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن األغلبيّة‬
‫باعتبارها س‪GG‬لطة غري معص‪GG‬ومة‪ G‬من اخلطإ واالحنراف‪ ،‬ف‪GG‬إذا ما أطلقت س‪GG‬لطاهتا؛ فقد هت ّدد أسا ًس ‪G‬ا جوهريًا يف‬
‫الدميقراطية‪ G‬الغربية وهو "احلريات الفردية"‪.‬‬
‫فقض‪GG‬ية تع‪GG‬ارض "الس‪GG‬لطة" حىت ولو كان نابعة من إرادة الش‪GG‬عب‪ G-‬واليت ال غىن عنها لف‪GG‬رض النظ‪GG‬ام‪-‬‬
‫مع " احلرية" اليت هي من أوكد حقوق اإلنسان‪ ،‬هي قضية مطروحة دائماً‪.‬‬

‫‪865‬‬
‫فقد أخ ‪GG‬ذت اجلمهورية الفدرالية األملانية (س ‪GG‬ابقاً)‪ ،‬وإيطاليا (يف االنتخاب ‪GG‬ات املتعلّقة مبجلس الش ‪GG‬يوخ) بنظ ‪GG‬ام خمتلط جيمع بني التمثيل‬
‫احلق يف ورق‪GG‬تني انتخ‪GG‬ابيّتني‪ ،‬األوىل تس‪G‬تعمل النتخ‪G‬اب نصف الن‪GG‬واب‬
‫النسيب‪ ،‬واالنتخاب باألغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬ففي أملانيا الفيدرالية ك‪G‬ان لك ّ‪G‬ل ن‪G‬اخب ّ‬
‫كل حزب من الن‪GG‬واب‪،‬‬ ‫حصة ّ‬ ‫على أساس الاقرتاع الفردي ذي الدورة الواحدة‪ ،‬واألخرى حمرّرة باسم أحد األحزاب‪ ،‬وتستعمل إلكمال ّ‬
‫وذلك يف إطار النظ‪G‬ام النسيب (الوط‪G‬ين)‪ ،‬ف‪GG‬إذا حصل ح‪G‬زب ما على زي‪GG‬ادة يف ع‪G‬دد نوابه بفضل األوراق االنتخابية األوىل‪ ،‬فإنّه حيتفظ بك ّ‪G‬ل‬
‫املقاعد اليت حصل عليها باألكثري ‪GG‬ة‪ .‬انظ ‪GG‬ر‪ :‬هوريو (أندري ‪GG‬ه)‪ ،‬الق ((انون الدس ((توري والمؤسس ((ات السياس ((ية‪ ،‬مرجع س ‪GG‬ابق جـ‪ ،1 .‬ص‪.‬‬
‫‪.277-276‬‬
‫‪DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p.137.‬‬
‫إذن‪ ،‬فمس‪G‬ألة إطالق‪ G‬س‪G‬لطات األغلبيّة هي إش‪GG‬كالية مطروحة من الناحية السياس‪G‬ية‪ G‬والقانوني‪GG‬ة‪ ،‬وط‪GG‬رح‬
‫واردا‪ ،‬لتحقيق مص ‪GG‬احل الش ‪GG‬عب جبملت ‪GG‬ه‪ ،‬واحلف ‪GG‬اظ على ج ‪GG‬وهر النظ ‪GG‬ام‬
‫أمر ض ‪GG‬بطها وتقيي ‪GG‬دها أض ‪GG‬حى أم ‪Gً G‬را ً‬
‫الدميقراطي‪G.‬‬
‫ويف هذا املبحث سنتناول –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬هذا املوضوع‪ ،‬وذلك يف املطالب اآلتية‪:‬‬

‫األول ‪ :‬ونتناول فيه إشكالية التعارض بني سلطة األغلبية واحلريات الفرديّة‪.‬‬
‫المطلب ّ‬
‫المطلب الثاني ‪ّ :‬‬
‫ونتعرض فيه إىل مظـاهر طغيـان األغلبيّة يف الدميقراطية‪ G‬الغربيّة‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬ونتح ّدث فيه عـن مـبّررات إطـالق سلطــان األغلبـيّـة‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬ونتناول فيـه اآلثـار السلبيّة إلطـالق سلطــان األغلبـيّـة‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ّ :‬‬


‫ونتعرض فيه إىل تقييد سلطـان األغلبيّة‪ G‬يف الدميقراطيـة الغربيّة‪.‬‬

‫األول‪ :‬إشكالية التعارض بين السلطة والحرية‬


‫المطلب ّ‬

‫احلر‪ ،‬الذي يدافع عن حقوق طبيعيّة‪ G‬مق ّدسة لإلنس‪GG‬ان‪،‬‬ ‫ميكن بلورة هذه اإلشكالية‪ G‬يف كون أ ّن االجّت اه ّ‬
‫يعمل على الح ّد من سلطة الدولة‪ ،‬ولو كانت هذه السلطة مستم ّدة من ص‪G‬احب الس‪G‬يادة‪ ،‬وهو "الش‪G‬عب"؛‬
‫‪G‬ؤدي إىل‬ ‫بينما جند أ ّن االجّت اه ال‪GG‬دميقراطي‪ ،‬يف تأكي‪GG‬ده الب‪GG‬الغ على س‪GG‬يادة الش‪GG‬عب‪ ،‬وال‪GG‬ذي متثّله األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬قد ي‪ّ G‬‬
‫قيدا على هذه السيادة‪.866‬‬ ‫املساس باحلريات الفردية‪ ،‬اليت تع ّد ً‬
‫حتما بني أيّة س‪GG‬لطة –ولو ك‪GG‬انت دميقراطي‪GG‬ة‪ G-‬وبني احلري‪GG‬ة؛ وذلك باعتب‪GG‬ار أ ّن‬ ‫وإ ّن التع‪GG‬ارض أمر واقع ً‬
‫حق ‪GG‬وق الف ‪GG‬رد وحرياته ومطالبه هي غاية احلكم‪ ،‬وأ ّن ه ‪GG‬ذه الس ‪GG‬لطة هي الوس ‪GG‬يلة الوحي ‪GG‬دة للحكم‪ ،‬فيقع ما‬
‫يسمى بالتص‪G‬ادم بني ه‪G‬ذه الغاية الفردية والوس‪G‬يلة اجلماعي‪G‬ة‪ .‬والواض‪G‬ح أ ّن ه‪G‬ذا التع‪G‬ارض بني الس‪G‬لطة الش‪G‬عبيّة‪G‬‬ ‫ّ‬
‫واحلري‪GG‬ات هي مش‪GG‬كلة عملية خط‪GG‬رية‪ ،‬وقد ح‪GG‬اول الفكر والنظ‪GG‬ام ال‪GG‬دميقراطيان‪ G‬أن يوجدا هلا احلل‪GG‬ول النظرية‬
‫و الوضعيّة‪.867‬‬
‫والب‪ّ G G G G G‬د من حماولة التوفيق بني الس ‪GG G G G‬لطة‪ ،‬اليت هي بيد األغلبيّ ‪GG G G G‬ة‪ G،‬وبني احلري ‪GG G G G‬ة‪ ،‬اليت هي من حق ‪GG G G‬وق‬
‫مجيع‪GG‬ا‪ ،‬س‪GG‬واء أك‪GG‬انوا‪ G‬يف اجّت اه الس‪GG‬لطة أم املعارض‪GG‬ة‪ ،‬فينظر إليهم ك‪GG‬أفراد تعترب ح‪GG‬ريتهم غاية النظـام‬ ‫املواط‪GG‬نني ً‬
‫‪23‬‬ ‫عصفور (حممد)‪ ،‬الحرية بين الفكرين الديمقراطي واالشتراكي‪ ،‬املطبعة العاملية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1961 ،1.‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪866‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.24 .‬‬ ‫‪867‬‬


‫جمرد وس‪GG‬يلة خلدمة الف‪GG‬رد‪ ،‬إضـافة إىل اعتب‪GG‬ار ه‪GG‬ذه‬‫ال‪GG‬دميقراطي‪ ،‬وأ ّن ه‪GG‬ذه الس‪GG‬لطة اليت تتمتّع هبا األغلبيّة هي ّ‬
‫الس‪GG G‬لطة ذات قيمة نس ‪GG G‬بيّة‪ ،‬بينما تعترب قيمة احلرية مطلق ‪GG G‬ة‪ ،‬وألجل ه ‪GG G‬ذا أوث ‪GG G‬رت احلـرية عند تعارض‪GG G‬ها مع‬
‫ص ‪G G‬ة يف تقييد إرادة األغلبيّة‪ G‬حبق ‪GG‬وق ال جيوز‬
‫الس ‪GG‬لطة الش‪GG G‬عبيّة اليت ّمتثلها األغلبيّ‪GG G‬ة‪ ،‬ويتج ّس ‪G G‬د ذلك بص‪GG G‬فة خا ّ‬
‫املساس هبا‪.868‬‬
‫إذن‪ ،‬فإشكالية التع‪GG‬ارض بني الس‪GG‬لطة واحلرية هي قض‪GG‬ية مطروحة على املس‪GG‬تويني الفك‪GG‬ري والسياس‪GG‬ي‪،‬‬
‫‪G‬ؤدي الس ‪GG‬لطة دورها يف احلكم‬ ‫واملناقش ‪GG‬ات اجلارية يف ه ‪GG‬ذا اإلط ‪GG‬ار تتمثّل يف كيفية التوفيق بينهم ‪GG‬ا‪ ،‬حبيث ت ‪ّ G‬‬
‫لب املش ‪GG‬كلة ال ‪GG‬ذي يط ‪GG‬رح جماالً‬
‫ومتثيل س ‪GG‬يادة الش ‪GG‬عب‪ ،‬ولكن دون املس ‪GG‬اس مبس ‪GG‬ألة احلري ‪GG‬ات الفردي ‪GG‬ة‪ ،‬وهنا ّ‬
‫واسعا للنقاش‪ ،‬سواء من الناحية الفكرية‪ ،‬أم من الناحية السياسية و القانونية‪.‬‬ ‫ً‬
‫وس‪GG‬نحاول –ب‪GG‬إذن اهلل تع‪GG‬اىل‪ -‬يف املط‪GG‬الب اآلتية التط‪Gّ G‬رق إىل بعض جوانـب ه‪GG‬ذا املوضـوع‪ ،‬وما يث‪GG‬ريه‪G‬‬
‫من مسائل‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مظاهر طغيان األغلبيّة في الديمقراطية الغربيّة‬

‫لطغي‪GG‬ان األغلبيّة يف البل‪GG‬دان اليت تتبىّن الدميقراطية الغربيّة مظ‪GG‬اهر كث‪GG‬رية‪ ،‬وتتف‪GG‬اوت درجة ه‪GG‬ذا الطغي‪GG‬ان‬
‫من بلد آلخ‪GG G G‬ر‪ ،‬حسب النظ‪GG G G‬ام املنتهج‪ ،‬والظ‪GG G G‬روف املختلف‪GG G G‬ة‪ ،‬س‪GG G G‬واء منها الظ‪GG G G‬روف التارخييّة املوروث ‪GG G‬ة‪ ،‬أم‬
‫الظروف السياسيّة املؤثّرة‪G.‬‬
‫وتعترب الوالي ‪GG‬ات املتح ‪GG‬دة األمريكية‪ G‬من ال ‪GG‬دول اليت يظهر فيها –وبش ‪GG‬كل جلّي‪ -‬ه ‪GG‬ذا الطغي ‪GG‬ان‪G‬؛ لق ‪Gّ G‬وة‬
‫ص ‪G‬ة ال ميكن‬ ‫األغلبيّة فيها أك ‪GG‬ثر ممّا هو عليه يف غريها من البل ‪GG‬دان الدميقراطي ‪GG‬ة‪ ،‬وذلك الجتم ‪GG‬اع ظ ‪GG‬روف خا ّ‬
‫التغلّب عليها‪ ،‬واليت ساعدت كثرياً على هذا الطغيان‪ G‬لسلطة األغلبيّة‪ G‬فيها‪.869‬‬
‫وجتدر اإلشارة هنا إىل أ ّن السلطة التشريعية‪ G‬هي السلطة الوحي‪G‬دة اليت تس‪GG‬تطيع إرادة األغلبيّة الس‪GG‬يطرة‬
‫مؤسسات السياسية األخرى‪.‬‬ ‫عليها‪ ،‬من بني مجيع ال ّ‬

‫‪ 868‬عصفور(حممد)‪ ،‬الحرية بين الفكرين الديمقراطي واالشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 25 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫وقد حاولت نظرية "العقد‪ G‬االجتماعي" إزالة هذا التعارض بتقسيم احلقوق الطبيعية إىل طائفتني‪ :‬طائفة يهدرها العقد االجتماعي يف‬
‫سبيل إنشاء السلطة السياسية‪ ،‬والطائفة الثانية حيتفظ هبا األفراد‪ ،‬وتعترب أمسى من هذه السلطة‪ ،‬وهذا ما جعل فكـرة احلريات الفردية ال‬
‫تفقد أمهيّتها حىت بعد انتقال املبدإ الدميقراطي إىل القانون الدستوري الوضعي‪ .‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.25 .‬‬

‫‪ 869‬دو توكفيل (ألكس‪GG‬يس)‪ ،‬الديمقراطية في أمريكا‪ ،‬ترمجة‪ :‬أمني مرسي قن‪GG‬ديل عن الطبعة السادسة عش‪GG‬ر‪ ،‬مطبعة جلنة الت‪GG‬أليف والرتمجة‬
‫والنشر‪ ،‬القاهرة‪1962 ،‬م‪ ،‬جـ‪ ، 1 .‬ص‪.309 .‬‬
‫فك‪GG G‬انت الس‪GG G‬لطات اليت تتمتّع هبا اهليئة التش‪GG G‬ريعية‪ G‬يف أمريكا واس‪GG G‬عة‪ ،‬ورج‪GG G‬ال التش‪GG G‬ريع فيها ين ّف‪GG G‬ذون‪G‬‬
‫رغب ‪GG‬اهتم بس ‪GG‬رعة‪ ،‬وأض ‪GG‬حت الق ‪Gّ G‬وة‪ G‬التنفيذية‪ G‬ختضع أله ‪GG‬واء اجملالس التش ‪GG‬ريعية وتقلّباهتا‪ ،‬كما أخضع الق ‪GG‬انون‬
‫السلطة القضائية‪G-‬يف كثري من الواليات‪ -‬النتخ‪G‬اب األغلبيّ‪G‬ة‪ ،‬وك‪G‬ان وجودها يف مجيع الوالي‪G‬ات متوقّ ًفا على‬
‫كل سنة‪.870‬‬ ‫مرتبات القضاة ّ‬ ‫خول للنواب صالحيّة تعديل ّ‬ ‫هوى السلطة التشريعية‪ G،‬حيث ّ‬
‫وجممل الق‪GG‬ول عن س‪GG‬لطة األغلبيّة الطاغية يف الوالي‪GG‬ات املتح‪GG‬دة األمريكية أهّن ا ق‪GG‬ادرة على ك‪Gّ G‬ل ش‪GG‬يء‪،‬‬
‫مع‪GG‬ا‪،‬‬
‫وتنتهج طريقة سريعة لتنفيذ قراراهتا‪ ،‬وهلا سلطة مطلقة يف وضع القوانني‪ ،‬ويف اإلش‪GG‬راف على تنفي‪GG‬ذها ً‬
‫وحىت اإلشراف على الذين هم يف مراكز احلكم والسلطان‪ ،‬بل وعلى اجملتمع كلّه‪.871‬‬
‫ويعترب ما سبق ذكره أمثلة عن مظ‪GG‬اهر طغي‪GG‬ان األغلبيّة‪ G‬يف الدميقراطية الغربيّ‪GG‬ة‪ ،‬وم‪GG‬دى ما متلكه الس‪GG‬لطة‬
‫املمثّلة هلا (الس‪GG G‬لطة التش‪GG G‬ريعية)‪ G‬من نف‪GG G‬وذ على نط‪GG G‬اق واسع ج ‪Gً G‬دا‪ ،‬وقد اخرتنا الوالي‪GG G‬ات املتح ‪GG‬دة األمريكية‪G‬‬
‫كعيّنة على ذل‪GG‬ك‪ ،‬نظ‪Gً G‬را التّض‪GG‬اح ه‪GG‬ذه الص‪GG‬ورة فيها جليً‪GG‬ا‪ ،‬وق‪Gّ G‬وة ت‪GG‬أثري س‪GG‬لطة األغلبيّة فيها مقارنة بغريها من‬
‫الدول الدميقراطية‪ G‬األخرى‪.‬‬

‫مبررات إطالق سلطان األغلبيّة في الديمقراطية الغربيّة‬


‫المطلب الثالث‪ّ :‬‬
‫‪G‬ربرات اعتم ‪GG G‬اد مب ‪GG G‬دإ األغلبيّة كأس ‪GG G‬اس وآلية من آلي‪GG G‬ات الدميقراطية‪G‬‬
‫حمل احلديث هنا ليس يف م ‪ّ G G‬‬
‫ّ‬
‫الغربيّة‪ ،‬بل يف التربيرات‪ G‬اليت استُند إليها إلطالق سلطان األغلبيّة‪ ،‬واليت ميكن إمجاهلا فيما يأيت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬املس‪GG G‬تند ّ‬
‫األول يتمثّل يف اعتب‪GG G‬ار األغلبيّة‪ G‬متلك من ال‪GG G‬ذ ّكاء ومن احلكم‪GG G‬ة‪ ،‬أك‪GG G‬ثر ممّا يوجد ل‪GG G‬دى‬
‫أهم من كيفهم‪ ،872‬وأ ّن ه‪GG G‬ذه األغلبيّة‪ G‬تش‪GG G‬عر أهّن ا املعرّب ة‪ G‬عن س‪GG G‬يادة‬
‫وكمهم ّ‬
‫األف‪GG G‬راد‪ ،‬وأ ّن ع‪GG G‬دد املش‪ّG G G‬رعني ّ‬
‫الشعب ومصالـحه‪ ،‬فرتى أهّن ا هبذا الوصف أقدر على حتقيق اخلري العـام بنظرة متس‪G‬امية ال يس‪G‬تطيع أن يبلغها‬
‫متحيًزا ملصلحته الشخصية‪.873‬‬
‫الفرد‪ ،‬الذي يكون ّ‬
‫تقرره األغلبية‪ G‬أقرب إىل الكمال؛ لذلك‬ ‫ويُستنتج من هذا الكالم‪ G‬أ ّن أصحاب هذا الرأي يعتربون‪ G‬ما ّ‬
‫ال ميكن التن ‪GG‬ازل عن رأيها لص ‪GG‬احل األف ‪GG‬راد‪ ،‬ال ‪GG‬ذين لن يص ‪GG‬لوا إىل بل ‪GG‬وغ ما بلغته األغلبيّة‪ G‬من حكمة وذك ‪GG‬اء‬

‫دو توكفيل (ألكسيس)‪ ،‬الديمقراطية في أمريكا‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪ 309 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪870‬‬

‫املرجع نفسه ‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.317-312 .‬‬ ‫‪871‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.309 .‬‬ ‫‪872‬‬

‫‪.23‬‬ ‫عصفور (حممد)‪ ،‬الحرية بين الفكرين الديمقراطي واالشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪873‬‬
‫‪G‬القوة اليت متلكها األغلبيّة‪ G‬هي بالدرجة‬
‫أهم من الكي ‪GG‬ف‪ ،‬ف ‪ّ G‬‬
‫الكم –عن ‪GG‬دهم‪ّ -‬‬
‫وس ‪GG‬داد يف ال ‪GG‬رأي‪ ،‬ف ‪GG‬الكثرة أو ّ‬
‫األوىل ّقوة أدبيّة‪.‬‬
‫ثاني ((ا‪ :‬إض‪GG G‬افة إىل ه‪GG G‬ذه الق‪Gّ G G‬وة األدبيّة اليت تتمتّع هبا األغلبيّ‪GG G‬ة‪ G،‬فإهّن ا تس‪GG G‬تند إىل أس‪GG G‬اس آخـر‪ ،‬وهو أ ّن‬
‫ض ‪G G‬لة على مصـاحل القلّة‪ ،874‬وه‪GG G‬ذا ت‪GG G‬ربير واقعي‪ ،‬حيث يس‪GG G‬تند إىل أ ّن‬ ‫مص‪GG G‬احل الك ‪GG G‬ثرة جيب أن تكـون مف ّ‬
‫جملرد أهّن ا متثّل مص‪GG‬احل األكثري‪GG‬ة‪ ،‬واليت جيب أن تق‪ّ G‬دم‬ ‫األغلبيّة تتمتّع بتلك االمتيازات‪ G‬والصالحيات الواس‪GG‬عة‪ّ ،‬‬
‫على مصاحل األقليّة‪.‬‬
‫جملرد كوهنا متثّل مص‪GG G‬احل‬
‫‪G‬ربر ظلم األقلية وإمهال مص ‪GG G‬احلها‪ّ ،‬‬ ‫وهنا يب ‪GG G‬دو لنا خطأ ه ‪GG G‬ذا املس ‪GG G‬تند؛ ألنّه ي ‪ّ G G‬‬
‫أهم األسس املعتم‪GG‬دة لإلق‪GG‬رار حبكم األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬وهو تص‪GG‬احل األغلبيّة‪ G‬مع األقليّة يف ظل‬ ‫القلّ‪GG‬ة‪ ،‬وه‪GG‬ذا ما ين‪GG‬اقض ّ‬
‫تع ّذر حت ّقق اإلمجاع‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ويستند هذا األساس ك‪G‬ذلك إىل منطق األح‪G‬زاب؛ حيث تق ّ‪G‬ر هبذا الس‪G‬لطان املطلق لألغلبيّة ألهّن ا‬
‫احلق يف يوم من األيام‪ ،‬عندما يؤول إليها احلكم‪ ،875‬ف‪G‬األحزاب السياس‪G‬ية‪ ،‬وهي تس‪G‬عى‬ ‫تأمل أن متارس هذا ّ‬
‫للحص ‪GG‬ول على األغلبيّة‪ G‬اليت توص ‪GG‬لها إىل احلكم‪ ،‬تق ‪Gّ G‬ر بتلك الس ‪GG‬لطات الواس ‪GG‬عة لألغلبيّة‪ ،‬ألهّن ا بوص ‪GG‬وهلا إىل‬
‫دائما يف يد واح ‪GG‬دة‪ ،‬بل‬‫احلكم تع ‪GG‬ود إليها تلك الس ‪GG‬لطات‪ ،‬فهي تق ‪Gّ G‬ر ب ‪GG‬ذلك ألهّن ا مطمئنّة إىل أهّن ا ال تك ‪GG‬ون‪ً G‬‬
‫تتداوهلا األحزاب‪ ،‬إذ إ ّن أغلبيّة اليوم هي أقليّة الغد‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬
‫ولكن رغم ك‪Gّ G‬ل ه‪G‬ذه الت‪GG‬ربيرات‪ ،‬إالّ أنّه ال ميكن إنك‪GG‬ار خط‪GG‬ورة ه‪GG‬ذا اإلطالق‪ G‬لس‪G‬لطان األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬وما‬
‫ينجر عن ذلك من آثار سلبيّة‪ ،‬واليت سنتناوهلا‪ G‬يف املطلب اآليت‪:‬‬ ‫ّ‬

‫المطلب الرابع‪ :‬اآلثار السلبيّة إلطالق سلطان األغلبيّة‬

‫على ال ‪Gّ G G‬رغم من أ ّن الدميقراطية‪ G‬الغربيّة تقتضي ض ‪GG G‬رورة االحتكـام إىل إرادة األغلبيّ ‪GG G‬ة‪ G،‬وذلك ملبّررات‬
‫أي قيد أو حت ّف ‪GG‬ظ‪ ،‬وإىل درجة‬ ‫كث ‪GG‬رية س‪GG G‬بقت اإلشـارة إليه‪GG G‬ا‪ ،‬إالّ أ ّن إطالق س‪GG G‬لطات ه‪GG G‬ذه األغلبيّة‪ G‬ب‪GG G‬دون ّ‬
‫يؤدي إىل نتائج سلبيّة على كثري من امليادين‪ ،‬والسيّما ميدان احلريات‪.‬‬ ‫الطغيان؛ ّ‬
‫سنتعرض –حبول اهلل تعاىل‪ -‬إىل هذه اآلثار السلبيّة إلطالق سلطان األغلبيّة‪G:‬‬ ‫وفيما يأيت ّ‬
‫أوال‪ :‬عدم االستقرار في الديمقراطية(‬

‫دو توكفيل (ألكسيس)‪ ،‬الديمقراطية في أمريكا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.310 .‬‬ ‫‪874‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.311 .‬‬ ‫‪875‬‬


‫‪G‬تمر‬
‫املهم‪GG‬ة‪ ،‬فال تس ‪ّ G‬‬
‫حيث يفسح إطالق س ‪GG‬لطان األغلبيّة اجملال لأله ‪GG‬واء‪ G‬والتقلّب ‪GG‬ات يف الش ‪GG‬ؤون‪ّ G‬‬
‫‪G‬تقرة‪ ،‬ويك‪GG‬ون الت‪GG‬أثري نفسه على تنفيذ الق‪GG‬وانني‪ G،‬وتص‪GG‬ريف‬
‫الق‪GG‬وانني ل‪GG‬وقت طوي‪GG‬ل؛ ممّا جيعل الق‪GG‬وانني غري مس‪ّ G‬‬
‫‪876‬‬
‫‪G‬ؤدي‬
‫ش‪GG‬ؤون اإلدارة ‪ ،‬بل إ ّن ع‪GG‬دم االس‪GG‬تقرار قد يش‪GG‬مل حىت النظ‪GG‬ام نفس‪GG‬ه؛ ف‪GG‬إطالق س‪GG‬لطان األغلبيّة قد ي‪ّ G‬‬
‫املؤسسات القائمة يف الدولة‪.‬‬
‫يؤدي نتيجة لذلك إىل تغيري حىت منط ّ‬ ‫إىل تغيري طبيعة النظـام املتّبع‪ ،‬ممّا ّ‬
‫فأقروا ع‪GG‬دم‬
‫املشرعون والسياسيون الفرنسيون‪ G‬إىل خطورة عدم االستقرار يف نظام احلكم‪ّ ،‬‬ ‫وقد تفطّن ّ‬
‫إمكان األغلبيّة‪ G‬تغيري طبيعة النظام‪ ،‬والذي كان مجهوريًا ‪.877‬‬
‫ثانيا‪ :‬المساس بحريّة الرأي‬
‫ً‬
‫‪G‬ؤدي إىل إقامة ح‪G‬واجز منيعة ح‪GG‬ول حرية ال‪G‬رأي‪ ،878‬حيث يتخ ّ‪G‬وف‬ ‫فإطالق سلطان األغلبيّة قد ي ّ‬
‫–يف ظ ‪Gّ G G‬ل طغي ‪GG G‬ان س ‪GG G‬لطان األغلبيّ‪GG G G‬ة‪ G-‬ال‪GG G G‬ذين هلم آراء ال توافق األغلبيّة‪ G‬من إب‪GG G G‬داء آرائهم‪ ،‬س ‪GG G‬واء من أهل‬
‫السياسة أم أهل الفكر أو األدب‪ ،‬وجتعلهم يتن ‪GG‬ازلون‪ G‬عن حق ‪GG‬وقهم وحري ‪GG‬اهتم‪ ،‬للسري يف االجّت اه ال ‪GG‬ذي ترمسه‬
‫األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬وذلك ما ميكن تس‪GG‬ميّته "االس‪GG‬تبداد املقن‪GG‬ع"‪ ،‬وك‪GG‬أ ّ‪G‬ن الدميقراطية‪ G‬الغربيّ‪GG‬ة‪-‬هبذا األم‪GG‬ر‪ -‬قد رجعت إىل‬
‫ما كانت تعيبه على امللكيات املطلقة واألنظمة الدكتاتورية‪ ،‬من استبدادها‪ G‬وطغياهنا ‪.‬‬
‫األقليات ودفعها إلى الثورة‬
‫ّ‬ ‫ثالثا‪ :‬ظلم‬
‫حتما على حس ‪GG‬اب األقليّ ‪GG‬ة‪ ،‬اليت تكـون ع ‪GG‬ادة مفرتقة عن‬ ‫إ ّن إطالق س ‪GG‬لطان األغلبيّة سيكـون ً‬
‫األغلبيّة‪ ،‬سواء يف اجّت اهها السياسي‪ ،‬أم يف أمور أخرى أكثر خطورة‪ ،‬كاملعتقدات‪.‬‬
‫‪G‬طرها‬‫وإ ّن هذا الطغي‪G‬ان‪ G‬قد ي‪G‬دفع تلك األقليّ‪G‬ات إىل اليـأس‪ ،‬والس‪G‬يّما إذا ش‪G‬عرت بالظّلـم‪ ،‬وهـذا ما يض ّ‬
‫إىل االلتج‪GG G‬اء حنو الق‪Gّ G G‬وة املاديّة (الث‪GG G‬ورة والتم‪Gّ G G‬رد)‪ ،‬وهك‪GG G‬ذا يك‪GG G‬ون‪ G‬اس‪GG G‬تبداد األغلبيّة‪ G‬قد تس‪GG G‬بّب يف إح‪GG G‬داث‬
‫والتمزق يف اجملتمع‪.879‬‬ ‫ّ‬ ‫الفوضى‬
‫ونتيجة هلذه اآلثار السلبية إلطالق سلطان األغلبيّة‪ ،‬كان البّد من إثارة قض‪GG‬ية تقييد س‪GG‬لطان األغلبيّ‪GG‬ة‪،‬‬
‫استنادا إىل مربّرات موضوعيّة‪ G،‬واعتماداً على آليات قانونية لتحقيق ذلك‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪.312‬‬ ‫دو توكفيل (ألكسيس)‪ ،‬الديمقراطية في أمريكا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.‬‬ ‫‪876‬‬

‫شديدا‬
‫فقد أضاف اجلمهوريون‪ G‬الفرنسيون سنة ‪ 1884‬م إىل (املادة ‪ )8‬من قانـون (‪ 25‬فرباير ‪ 1875‬م) هذه الفقرة اليت تع ّد إنك ًـارا ً‬ ‫‪877‬‬

‫موضوعا القرتاح باملراجعة‪ .» ‬عصفور (حممد)‪ ،‬الحرية بين‬


‫ً‬ ‫لسلطان األغلبيّة‪ ،‬وهي تقضي بأنّه‪ « :‬ال جيوز أن يكون الشكل اجلمهوري‬
‫الفكرين الديمقراطي واالشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29 .‬‬
‫‪.319‬‬ ‫دو توكفيل (ألكسيس)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.‬‬ ‫‪878‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.327 .‬‬ ‫‪879‬‬


‫وهذا ما سنتناوله‪– G‬حبول اهلل تعاىل‪ -‬يف املطلب اآليت‪:‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬تقييد سلطان األغلبيّة في الديمقراطية الغربيّة‬

‫تب‪GG‬دو لنا قض‪GG‬ية التقييد ه‪GG‬ذه كض‪GG‬رورة الب ‪ّ G‬د منه‪GG‬ا‪ ،‬بعد أن استعرض‪GG‬نا تلك اآلث‪GG‬ار الس‪GG‬لبيّة والنت‪GG‬ائج‬
‫مربرة من الناحية املوض‪GG‬وعية‪ ،‬حفاظًا على ج‪GG‬وهر النظ‪GG‬ام‬ ‫اخلطرية إلطالق سلطان األغلبيّة‪ G،‬فهي إذن مسألة ّ‬
‫الدميقراطي‪ G،‬ومراعاة ملصلحة الفرد و اجملتمع؛ لذا كان الب ّد من إجياد آليات قانونية لتحقيق هذا اهلدف‪.‬‬
‫وسنحاول –بعون اهلل تعاىل‪ -‬تلخيص هذه املربّرات‪ ،‬وإمجال تلك اآلليات فيما يأيت‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مبرّرات تقييد سلطان األغلبيّة‬


‫مربرات كثرية‪ ،‬من أمهّها‪:‬‬
‫استنادا إىل ّ‬
‫ً‬ ‫ُقر هذا التقييد‬
‫لقد أ ّ‬
‫أوالً‪ :‬عدم عصمة األغلبيّة من اخلطإ‬
‫فليس بمستبعد أن تقع األغلبيّة –بقصد أو بغير قصد‪ -‬في الظلـم‪ ،‬فعندما( ي(رفض األفـراد‪ ،‬أو ت(رفض األقليّ(ة‪،‬‬
‫اإلذع((ان ل((ذلك الظلم‪ ،‬فليس مع((نى ذلك أنّهم قد ن((ازعوا ح( ّق األغلبيّة في الحكـم‪ ،‬بل يمكن اعتب((اره أنّه لج((وء من‬
‫(يرا ما ال تتّفق مص((الحه وآراؤه‬
‫س((يادة الش((عب إلى س((يادة البشر أجمعين‪ ،‬فاألغلبيّة في جملتها هي مج( ّ(رد ف((رد‪ ،‬كث( ً‬
‫يسمى "األقليّة"‪ ،‬فإذا كان من غير المستبعد وقوع الفرد الواحد –‬ ‫مع شخص آخر‪ ،‬وهذا الشخص اآلخر هو ما ّ‬
‫إذا ما ملك سلطة مطلقة‪ (-‬في ظلم غيره‪ ،‬فاألمر نفسه يمكن أن يحدث لألغلبيّة‪ ،‬فال شيء يمنعها من الوقوع في‬
‫الخطإ‪ ،‬فأخالق الناس فرادى ال تتغيّر باتّحادهم‪.880‬‬
‫إذن‪ ،‬فمادامت األغلبيّة غري معصومة من اخلطإ‪ ،‬وإمكانية ظلمها واحنرافها واردة‪ ،‬كما هي واردة عن‬
‫رد بعض ‪GG G‬هم للبعض اآلخر إىل‬
‫األش ‪GG G‬خاص ف ‪GG G‬رادى‪ ،‬مع التس ‪GG G‬ليم بأن ‪ّG G‬ه يف األكثريّة أق ‪Gّ G G‬ل احتم ‪GG G‬االً‪ ،‬إلمك ‪GG G‬ان‪ّ G‬‬
‫الصواب‪ ،‬فإ ّن ضرورة التقييد تبقى‪ G‬قائمة لتلك األسباب‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ثانيا‪ :‬حماية الحريات( الفردية(‬

‫‪.314‬‬ ‫‪ 880‬دو توكفيل (ألكسيس)‪ ،‬الديمقراطية في أمريكا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.‬‬
‫أهم أسس الدميقراطية الغربيّة‪ ،‬بل هي جوهرها‪ ،‬فإنّه ال ميكن التنازل عنها‬ ‫ما دامت احلرية هي من ّ‬
‫لص‪GG‬احل مب‪GG‬دإ آخر‪ ،‬وهو "مب‪GG‬دأ األغلبيّ‪GG‬ة"‪ ،‬مهما ك‪GG‬انت ض‪GG‬رورة وأمهيّة ه‪GG‬ذا األخ‪GG‬ري‪ ،‬ل‪GG‬ذلك اعتُرب تقييد إرادة‬
‫‪G‬اجزا حيول دون االس‪GG‬تبداد باألقليّ‪GG‬ة‪ ،‬والتع‪GّG‬رض‬ ‫الصور املؤ ّ‪G‬ك‪G‬دة‪ G‬ملعىن احلري‪GG‬ة؛ حبيث تقف ح ً‬ ‫األغلبيّة من أجلى ّ‬
‫حلق‪GG‬وق األف‪GG‬راد وحري‪GG‬اهتم‪ .‬فالدميقراطية‪ G‬ال جتعل إرادة األغلبيّة‪- G‬يف ص‪GG‬لتها باحلري‪GG‬ة‪ -‬ذات قيمة مطلق‪GG‬ة‪ ،‬أل ّن‬
‫تقره األغلبيّة تتوقّف مشروعيّته على النت‪GG‬ائج العمليّة‬ ‫الدميقراطية‪ G‬تعىن باجلوهر أكثر ممّا تعىن بالشكل‪ ،‬وإ ّن ما ّ‬
‫مشروعا يف وقت آخر‪.881‬‬ ‫ً‬ ‫مشروعا يف وقت ال يع ّد‬ ‫ً‬ ‫اليت تنتهي إليها‪ ،‬فما يُع ّد‬
‫أهم آلية من آلي‪GG G G‬ات‬
‫ولقد احت‪GG G G G‬اط الفكر ال‪GG G G G‬دميقراطي‪ G‬حلماية حق‪GG G G‬وق األف‪GG G G‬راد وحري‪GG G G‬اهتم؛ فلم جيعل ّ‬
‫الدميقراطية‪ G‬الغربية‪ ،‬واملتمثّلة يف مب‪G‬دإ حكم األغلبيّ‪G‬ة‪ ،‬تلغي أص‪G‬الً جوهريًا يف النظ‪G‬ام ال‪G‬دميقراطي‪ G‬وهو احلري‪G‬ة؛‬
‫أقر محاية هذه األخرية بتقييد سلطان األغلبيّة‪G.‬‬ ‫لذا ّ‬
‫معرضة للخطإ‬ ‫فمادمنا قد خلص‪GG G G G G G‬نا إىل أنّه من الض‪GG G G G G G‬روري محاية احلري‪GG G G G G G‬ات الفردي‪GG G G G G G‬ة‪ ،‬وأ ّن األغلبيّة‪ّ G‬‬
‫واالحنراف‪ ،‬والس ‪GG‬يّما إذا أطلق س ‪GG‬لطاهنا‪ ،‬فإنّه الب‪ّ G G‬د من البحث عن آلي ‪GG‬ات قانونية لتقييد س ‪GG‬لطان األغلبي ‪GG‬ة‪،‬‬
‫وهذا ما سنتناوله‪– G‬بإذن اهلل تعاىل‪ -‬فيما يأيت ‪:‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬آليات تقييد سلطان األغلبيّة‬


‫لقد خلص ‪GG‬نا إىل أنّه الب‪ّ G G‬د من تقييد س ‪GG‬لطة احلكم ال ‪GG‬دميقراطي‪ G،‬واملعرّب عنها بـ "حكم األغلبيّ ‪GG‬ة"‪ G،‬وذلك‬
‫أهم مب ‪GG‬ادئ‬
‫باس ‪GG‬تعمال وس‪GG G‬ائل دميقراطية ال تن‪GG G‬اهض الغاي‪GG G‬ات العليا للدميقراطي‪GG G‬ة‪ G،‬إذ الب ‪ّ G G‬د من احلف‪GG G‬اظ على ّ‬
‫الدميقراطي‪GG G‬ة‪ ،‬واملتمثّ‪G‬لة يف محاية احلري‪GG G‬ات الفردي‪GG G‬ة‪ ،‬وإقامة الت‪GG G‬وازن‪ G‬بني الس‪GG G‬لطة واحلري‪GG G‬ة‪ ،‬وحفـظ االس‪GG G‬تقرار‬
‫األول للدميقراطية‪ G‬الغربيّ‪GG G‬ة‪ ،‬وهو "س‪GG G‬يادة‬
‫السياسي يف احلكومة الدميقراطي‪GG G‬ة‪ G،‬وذلك دون املس‪GG G‬اس باألسـاس ّ‬
‫الشعب"؛ ووضع آليات لتقييد إرادة األغلبيّة يُعترب من ضمانات حتقيق تلك األهداف‪.‬‬
‫وميكن إمجال تلك اآلليات فيما يأيت‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تقييد اختصاصات األغلبيّة دستوريًا‬

‫عصفور (حممد)‪ ،‬الحرية بين الفكرين الديمقراطي واالشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29 .‬‬ ‫‪881‬‬
‫واملقص‪GG‬ود هنا ه‪GG‬و‪ :‬النّص يف دس‪GG‬تور الدولة على بعض املع‪GG‬امل اليت ال ميكن لألغلبيّة أن تتجاوزه‪GG‬ا‪،‬‬
‫مهما بلغت هذه األغلبيّة من ّقوة عدديّة؛ وذلك محاية لالستقرار السياسي‪ G،‬وحفاظًا على النظام الدميقراطي‪G‬‬
‫من أن متت ّد إليه أيدي املناوئني له‪ ،‬وكذا ألجل محاية احلريات ذاهتا‪.‬‬
‫ص ‪G G‬ت عليه بعض الدسـاتري يف‬ ‫ومن أب‪GG G‬رز األمثلة على ه‪GG G‬ذا التقييد الدس‪GG G‬توري لس‪GG G‬لطان األغلبيّ‪GG G‬ة‪ G،‬ما ن ّ‬
‫فرنسا وإيطاليا‪ ،‬من عدم ق‪GG‬درة األغلبيّة‪– G‬مهما بلغت ّقوهتا‪ -‬على تغيري الش‪GG‬كل اجلمه‪GG‬وري للدول‪GG‬ة‪ ،‬ومنعت‬
‫حمل مراجعة دستورية‪882‬؛ وحىت يف الدميقراطيات اليت ليس هلا دس‪GG‬اتري مكتوبة –‬ ‫جمرد االقرتاح لوضعه ّ‬ ‫حىت ّ‬
‫كما هو احلال يف إجنلرتا‪ -‬فإ ّن التقاليد الدس‪GG‬تورية هي اليت تق‪GG‬وم هبذا ال‪GG‬دور يف تقييد س‪GG‬لطان األغلبيّة ومحاية‬
‫احلريات‪.883‬‬
‫فتلك النص‪GG‬وص‪ G‬الدس‪GG‬تورية تعترب تقيي‪Gً G‬دا إلرادة األغلبي‪GG‬ة‪ G،‬وح‪GG‬اجزاً حيول دون إطالق س‪GG‬لطان األغلبيّ‪GG‬ة‪G،‬‬
‫وحتدي‪Gً G‬دا للمع‪GG‬امل اليت ال جيوز املس‪GG‬اس هبا‪ ،‬وذلك هبدف محاية املب‪GG‬ادئ الدميقراطي‪GG‬ة‪ ،‬واحلف‪GG‬اظ على مكتس‪GG‬بات‪G‬‬
‫الشعب الذي كافح ألجلها طويالً‪.884 G‬‬
‫ثانياً‪ (:‬إقامة نظام للحريات‬
‫ميس بالدرجة‬
‫وذلك ألجل محاية األف ‪GG‬راد من اس ‪GG‬تبداد األغلبيّ ‪GG‬ة‪ ،‬ولك ‪GG‬ون إطالق‪ G‬س ‪GG‬لطان األغلبيّة‪ّ G‬‬
‫األوىل احلري ‪GG‬ات الفردي ‪GG‬ة‪ .‬ونظ ‪Gً G‬را ملا تث ‪GG‬ريه العالقة بني الس ‪GG‬لطة واحلرية من إش ‪GG‬كالية على املس ‪GG‬تويني الفك ‪GG‬ري‬
‫اهلامة للدميقراطية‪G‬‬
‫والسياس‪GG G G G‬ي؛ فإنّه من الض‪GG G G G‬روري محاية ه‪GG G G G‬ذه احلري‪GG G G G‬ات الفردي‪GG G G G‬ة‪ ،‬واليت تعترب من األسس ّ‬
‫الغربية‪.‬‬
‫ولقد أق ‪GG‬ام الفكر ال ‪GG‬دميقراطي ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام على أسس متع‪ّ G G‬ددة‪ ،‬تس ‪GG‬عى كلّها إىل احملافظة على احلرية يف‬
‫كافّة المي‪GG‬ادين‪ ،‬س‪GG‬واء يف عالقـة ن‪GG‬واب الش‪GG‬عب بالش‪GG‬عب نفس‪GG‬ه‪ ،‬أو عالقـة الن‪GG‬واب‪ G‬بعض‪GG‬هم ببعض‪ ،‬من حيث‬
‫وضعهم كأقليّة أو أغلبيّة‪.885‬‬

‫عصفور (حممد)‪ ،‬الحرية بين الفكرين الديمقراطي واالشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30-29 .‬‬ ‫‪882‬‬

‫‪ 883‬ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.253 .‬‬


‫‪ 884‬غري أننّا نرى ما يراه كثري من الفقهاء الدميقراطيني يف أ ّن أصـول الدميقراطية تكفـل للشعب حىت تغيري نظامـه السياسـي أو االجتماعي‪،‬‬
‫حسبما يريد‪ ،‬وأ ّن ذلك لن يتاح للشعب‪ G‬إالّ إذا خلي بينه وبني من ينادون هبذا التغيري‪ ،‬مهما ك‪GG‬انت دع‪GG‬وهتم‪ ،‬طاملا أهّن م ال يقوم‪GG‬ون بعمل‬
‫‪G‬تنادا إىل أس ‪GG‬اس‬
‫ع ‪GG‬دواين ع ‪GG‬نيف تك ‪GG‬ون له آث ‪GG‬ار مادية ملموس ‪GG‬ة‪ ،‬وطاملا أهّن م يلج ‪GG‬أون يف الدعاية ملذهبهم بالطريقة الس ‪GG‬لمية‪ ،‬وك ‪Gّ G‬ل ه ‪GG‬ذا اس ‪ً G‬‬
‫احلري ‪GG‬ة‪ ،‬وأص ‪GG‬ول الدميقراطية ومبادئها ومنطقه ‪GG‬ا‪ ،‬واليت تقضي ب ‪GG‬أ ّن الس ‪GG‬يادة للش ‪GG‬عب‪ G،‬فهو ال ‪GG‬ذي خيت ‪GG‬ار النظ ‪GG‬ام ال ‪GG‬ذي يريد و احل ّك‪GG‬ام ال ‪GG‬ذين‬
‫يريدهم‪ .‬انظر‪ :‬عصفور(حممد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.39 .‬‬
‫عصفور (حممد)‪ ،‬الحرية بين الفكرين الديمقراطي واالشتراكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28 .‬‬ ‫‪885‬‬
‫وإ ّن الدميقراطية احلقيقية‪ G‬هي اليت توفّق بني إرادة األغلبيّة وحق‪GG‬وق األف‪GG‬راد‪ ،‬ومن املؤ ّكد أ ّن الدميقراطية‪G‬‬
‫يتضمن يف ذات الوقت إهدار باقي احلريات‪ ،‬كما‬ ‫ظل احلريّة‪ ،‬وأن إهدار حرية من احلريات ّ‬ ‫ال تقوم إالّ يف ّ‬
‫‪G‬ؤدي إىل إه ‪GG G‬دار حرية اجلمي ‪GG G‬ع‪ ،‬وال ميكن اس ‪GG G‬تخالص إرادة األغلبيّة ما مل تتق ‪Gّ G G‬رر‬ ‫أ ّن إه ‪GG G‬دار حرية البعض ي ‪ّ G G‬‬
‫احلرية للجميع‪ ،‬مهما اختلفت مذاهبهم واجّت اهاهتم وفئاهتم‪.886‬‬
‫فعدم إقامة نظام للحريات يكفل للفرد محاية حرياته؛ جيعل الفرد يتوه يف اللّجوء إىل اجلهة اليت تنص‪GG‬فه‬
‫عن‪GG‬دما يقع عليه ظلم أو اعت‪GG‬داء على حريات‪GG‬ه‪ ،‬ف‪GG‬إذا هو جلأ إىل ال‪GG‬رأي الع‪GG‬ام‪ ،‬ف‪GG‬الرأي الع‪GG‬ام هو األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬وإن‬
‫هو جلأ إىل اهليئ ‪GG‬ات التش‪GG G‬ريعية‪ ،‬فإهّن ا متثّل األغلبيّة‪ G‬وختضع هلا ض ‪GG‬منًا‪ ،‬وإن التجأ إىل الس ‪GG‬لطة التنفيذي ‪GG‬ة‪ G،‬ف ‪GG‬إ ّن‬
‫األغلبيّة هي اليت تعنّي هذه السلطة‪ ،‬وهي بذلك خاضعة هلا‪.‬‬
‫وحىت القضاة‪ G‬ينتخبون من قِبل األغلبيّة‪ G‬يف بعض املناطق‪ G‬من الواليات املتحدة األمريكية‪.887‬‬
‫األول على ما ي ‪GG G‬أيت‪ « :‬ليس للك‪GG G‬ونغرس أن‬ ‫نص دس ‪GG G‬تور الوالي ‪GG G‬ات املتح ‪GG G‬دة األمريكية‪ G‬يف تعديله ّ‬‫لقد ّ‬
‫يسن قانونًا يقيم دينًا‪ ،‬أو مينع ممارسة دين قائم ممارسة حرة‪ ،‬أو يضيّق حرية التعبري والصحافة‪ ،‬أو يقيّد حقّ‬ ‫ّ‬
‫التجمع الس ‪GG‬لمي‪ ،‬أو يف التق‪ّ G G‬دم بع ‪GG‬رائض للحكومة اللتم ‪GG‬اس رفع احليف‪ ،888» ‬فنالحظ هنا أ ّن‬ ‫الش ‪GG‬عب يف ّ‬
‫الدستور قيّد من صالحيات الس‪GG‬لطة التش‪GG‬ريعية‪ G-‬املمثّلة لألغلبيّ‪GG‬ة‪ G-‬محاية حلري‪GG‬ات األف‪GG‬راد يف التعبري واالعتق‪GG‬اد‬
‫والتجم‪GG‬ع‪ ،‬وك ‪GG‬ذا الس ‪GG‬عي لرفع الظلم؛ فإقامة ه ‪GG‬ذا النظ ‪GG‬ام للحري ‪GG‬ات ي ‪GG‬تيح لألف ‪GG‬راد اللّج ‪GG‬وء إليه طلبًا‬
‫ّ‬ ‫وال ‪GG‬رأي‬
‫احلق يف احلريّة‪.‬‬
‫لإلنصاف‪ ،‬واسرتجاعاً للحقوق األساسية‪ G،‬واليت من أمهّها ّ‬
‫ثالثا‪ :‬اعتماد مبدإ الفصل بين السلطات(‬
‫املهمة ملنع اس ‪GG‬تبداد األغلبي ‪GG‬ة‪ ،‬فه ‪GG‬ذا املب ‪GG‬دأ يكفل مراقبة الس ‪GG‬لطتني‬
‫يعترب ه ‪GG‬ذا املب ‪GG‬دأ من الض ‪GG‬مانات ّ‬
‫التنفيذية‪ G‬والقضائية‪ G‬للس‪G‬لطة التش‪G‬ريعية –واليت متثّل األغلبيّ‪G‬ة‪ ،-‬كما أ ّن ه‪G‬ذا الفصل بني تلك الس‪G‬لطات حيول‬
‫دون اس‪G‬تيالء إح‪G‬دى تلك الس‪G‬لطات‪-‬ومنها الس‪G‬لطة التش‪G‬ريعية‪ -‬على ك ّ‪G‬ل االختصاص‪G‬ات والص‪G‬الحيات؛ ممّا‬
‫‪G‬ؤدي هبا إىل االس‪GG G G G‬تبداد‪ ،‬ول‪GG G G G‬ذلك ك‪GG G G G‬ان ه‪GG G G G‬ذا الفصل بني الس‪GG G G G‬لطات أداة لتوزيع تلك االختصاص‪GG G G‬ات‬
‫ي‪ّ G G G‬‬
‫كل سلطة للسلطـات األخرى‪ ،‬ومنعها من االستبداد أو االحنراف‪.‬‬ ‫والصالحيات‪ ،‬وضماناً ملراقبة ّ‬

‫بدوي (ثروت)‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.365 .‬‬ ‫‪886‬‬

‫دو توكفيل (ألكسيس)‪ ،‬الديمقراطية في أمريكا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.316 .‬‬ ‫‪887‬‬

‫ماكيفر (روبرت)‪ ،‬تكوين الدولة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.252 .‬‬ ‫‪888‬‬


‫أي هيئة من‬ ‫وقد أص‪GG G G‬بح االعتق‪GG G G‬اد ب‪GG G G‬أ ّن ه‪GG G G‬ذا الفصل من الوس‪GG G G‬ائل والت‪GG G G‬دابري اليت حتول دون اس‪GG G G‬تبداد ّ‬
‫اهليئات‪ ،‬ومن وسائل محاية احلريات كذلك‪.889‬‬
‫وذلك أل ّن الواقع والت‪GG G‬اريخ يؤ ّ‪G‬ك ‪GG‬دان‪ G‬وج‪GG G‬ود اس‪GG G‬تبداد حقيقي من ج‪GG G‬انب بعض اهليئ‪GG G‬ات النيابيّ ‪GG‬ة‪ ،‬ففي‬
‫النظ ‪GG‬ام الني ‪GG‬ايب الربملاين –وهو أحد أش ‪GG‬كال النظ ‪GG‬ام ال ‪GG‬دميقراطي‪ G-‬جند أ ّن احلزب ص ‪GG‬احب األغلبيّة‪ G‬هو ال ‪GG‬ذي‬
‫‪G‬ريا ما جتعل أص‪GG G‬حاهبا يقوم ‪GG G‬ون بأعم ‪GG G‬ال اس ‪GG G‬تبدادية ض ‪ّ G G‬د‬
‫حيكم‪ ،‬والنـزعة احلزبية –كما هو مع ‪GG G‬روف‪ -‬كث ‪ً G G‬‬
‫اخلص‪G‬وم‪ ،‬وإ ّن احلكومة الش‪G‬عبيّة‪ G‬هي أك‪G‬ثر احلكوم‪G‬ات ميالً إىل االعتق‪G‬اد ب‪G‬أ ّ‪G‬ن س‪G‬لطاهنا جيب أن يك‪G‬ون‪ G‬مطلق‪G‬اً‪،‬‬
‫لكوهنا متثّل الس ‪GG‬يادة الش ‪GG‬عبيّة‪ ،‬وألجل ه ‪GG‬ذا ك ‪GG‬ان من الض ‪GG‬روري االحتي ‪GG‬اط من اس ‪GG‬تبدادها‪ ،‬واخّت اذ ض ‪GG‬مانات‬
‫وأهم الض ‪GG‬مانات –كما أس ‪GG‬لفنا‪ -‬هي تط ‪GG‬بيق نظرية الفصل بني الس ‪GG‬لطات‪ ،‬فتجميع‬ ‫قويّة ل ‪GG‬دفع اس ‪GG‬تبدادها‪ّ ،‬‬
‫‪G‬ؤدي هبا إىل االس‪GG G‬تبداد‪ ،‬ل‪GG G‬ذلك يتعنّي الفصل بني‬ ‫‪G‬ردا أم هيئة‪ ،‬ي‪ّ G G‬‬‫الس ‪GG‬لطات يف يد واح‪GG G‬دة‪ ،‬س‪GG G‬واء أك‪GG G‬انت ف‪ً G G‬‬
‫الس ‪GG‬لطات الثالث‪ :‬التش ‪GG‬ريعية‪ ،‬والتنفيذي ‪GG‬ة‪ G،‬والقض ‪GG‬ائية؛ حىت تق ‪GG‬وم ك ‪Gّ G‬ل س ‪GG‬لطة مبراقب ‪G‬ة األخ ‪GG‬رى‪ ،‬فتمنعها من‬
‫االس‪GG‬تبداد‪ ،‬ف‪GG‬إذا مل تس‪GG‬تطع مثالً الس‪GG‬لطة التنفيذية‪ G‬إيق‪GG‬اف عمل الس‪GG‬لطة التش‪GG‬ريعية‪ G،‬ف‪GG‬إ ّن ه‪GG‬ذه األخ‪GG‬رية –واليت‬
‫متثّل األغلبيّة‪ -‬قد تصبح مستب ّدة‪.890‬‬
‫ولكل ما سبق ذكره ميكننا أن نعترب الفصل بني السلطات آلية من آليات تقييد سلطان األغلبيّة‪G.‬‬ ‫ّ‬
‫رابعا‪ (:‬اعتماد نظام التمثيل النسبي في االنتخاب‬
‫‪G‬جع على نش ‪GG‬وء أح ‪GG‬زاب سياس ‪GG‬ية‬ ‫على ال ‪Gّ G‬رغم من أن نظ ‪GG‬ام التمثيل النسيب قد انتُقد لكونه يش ‪ّ G‬‬
‫جدي ‪GG‬دة‪ ،891‬حيث يعمل على أن يتش‪ّ G G‬كل الربملان من ق ‪GG‬وى سياس ‪GG‬ية متع‪ّ G G‬ددة‪ ،‬وه ‪GG‬ذا ب ‪GG‬دوره جيعل األكثريّة‬
‫‪892‬‬
‫تتك ‪Gّ G‬ون من حتالف ع ‪ّ G‬دة أح ‪GG‬زاب‪ ،‬ممّا جيعلها غري منس ‪GG‬جمة وغري متجانسة ‪ ،‬إالّ أ ّن ه ‪GG‬ذا ال ‪GG‬ذي اعتُرب أم ‪GG‬راً‬
‫توجه‪GG‬ات‬ ‫املتكونة من ّ‬ ‫س‪GG‬لبيًا‪ ،‬له أثر إجيايب من جهة أخ‪GG‬رى‪ ،‬وه‪GG‬ذا األثر اإلجيايب يتمثّل يف ك‪GG‬ون أ ّن األغلبيّة ّ‬
‫التوجه الواحد‪.‬‬
‫خمتلفة وأحزاب سياسية متع ّددة‪ ،‬حتول دون استبداد األغلبيّة ذات ّ‬
‫التوجه‪GG‬ات املختلفة اليت يتش‪ّ G‬كل منه‪GG‬ا‪ ،‬وهو ما يعترب من آث‪GG‬ار تط‪GG‬بيق نظ‪GG‬ام‬ ‫فه‪GG‬ذا التن‪Gّ G‬وع للربملان‪ ،‬وتلك ّ‬
‫التمثيل النس ‪GG‬يب؛ خي ّفف من طغي ‪GG‬ان األغلبيّة‪ G‬اليت قد تس ‪GG‬تب ّد فيما لو ك ‪GG‬انت من اجّت اه واح ‪GG‬د‪ ،‬ف ‪GG‬ذلك التع ‪ّ G‬دد يف‬
‫التوجهات قد خيلق نوعاً من الرقابة بني األحزاب السياسية‪ G‬املش ّكلة للربملان‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪ ،1‬ص‪.280.‬‬ ‫كيتيل (راميوند كارفيلد)‪ ،‬العلوم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪.‬‬ ‫‪889‬‬

‫الصباحي (حيي السيّد)‪ ،‬النظام الرئاسـي األمريكـي والخالفـة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.507-506 .‬‬ ‫‪890‬‬

‫ديفرجيه (موريس)‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.159 .‬‬ ‫‪891‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.133 .‬‬ ‫‪892‬‬


‫ل‪GG G G G‬ذا ميكن الق‪GG G G G‬ول إ ّن التمثيل النسيب يش ‪ّ G G G G‬كل عامل هتدئة وتلطيف للحيـاة السياس ‪GG G G‬ية‪ ،‬وذلك أنّـه لو‬
‫افرتض‪GG‬نا س‪GG‬يطرة ح‪GG‬زب متط‪Gّ G‬رف‪ ،‬ك‪GG‬احلزب الش‪GG‬يوعي مثالً؛ ف‪GG‬إ ّن التمثيل النسيب يقلّل من خطورت‪GG‬ه‪ ،‬أل ّن ه‪GG‬ذا‬
‫النظام يسمح له مبمارسة احلكم بق‪G‬در حجم‪GG‬ه‪ ،‬مع مش‪G‬اركة األح‪GG‬زاب األخ‪G‬رى له يف احلكم‪ ،893‬وه‪G‬ذا مينعه‬
‫من االستبداد باحلكم‪ ،‬أل ّن القرار ال يعود إليه وحده‪ ،‬بل له شركاء يف احلكم‪.‬‬
‫وهبذا خنلص إىل أ ّن التمثيل النسيب يعترب ع‪GG G G G‬امالً من العوامل‪ G‬اليت هلا دور غري مباشر يف تقييد س‪GG G G‬لطان‬
‫‪G‬ؤدي‬
‫األغلبيّ‪GG‬ة؛‪ G‬وذلك ألن ‪ّG‬ه حيول –بطبيعت‪GG‬ه‪ G-‬دون تض‪GG‬خيم األغلبيّة‪ G‬وجعلها يف يد اجّت اه واح‪GG‬د‪ ،‬وال‪GG‬ذي قد ي‪ّ G‬‬
‫إىل طغيان هذه األغلبيّة واستبدادها‪G.‬‬

‫‪ 893‬البنّا (حممود عاطف)‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.339 .‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫التأصيل الشرعي لمبدإ األغلبيّة‬

‫تطرقنا يف الفصل الس‪GG G‬ابق إىل "مب‪GG G‬دإ األغلبيّ‪GG G‬ة" يف الدميقراطية‪ G‬الغربيّ‪GG G‬ة‪ ،‬وعرفنا من خالله أ ّن ه‪GG G‬ذا‬
‫لقد ّ‬
‫ص‪G G‬لت إليها البش ‪GG‬رية عرب جتارهبا الطويلة يف أمناط احلكم‪ ،‬وعرفنا ك ‪GG‬ذلك‬ ‫املب ‪GG‬دأ يعترب أفضل ص ‪GG‬يغة نظامية تو ّ‬
‫مهماً من أسس الدميقراطية‪G‬‬ ‫املربرات املوض ‪GG‬وعيّة‪ ،‬جعلت منه أساساً ّ‬ ‫أ ّن "حكم األغلبيّة" يس ‪GG‬تند إىل مجلة من ّ‬
‫مقوماهتا األساسية‪G.‬‬
‫املعاصرة‪ ،‬ومن ّ‬
‫ويقومها‪ G‬مبيزان‬‫يؤصل لبعض آلي‪GG‬ات الدميقراطيّة ّ‬ ‫لذلك ال ب ّد لنا –عمالً مبسلكنا يف هذا البحث الذي ّ‬
‫‪G‬يما ما تعلّق منها بنص‪GG‬وص‪ G‬ال‪GG‬وحي –كتاب‪G‬اً‬ ‫اإلس‪GG‬الم‪ -‬أن نتعم‪Gّ G‬ق يف أص‪GG‬ول النظ‪GG‬ام السياسي اإلس‪GG‬المي‪ ،‬والس‪ّ G‬‬
‫وس‪G‬نّة‪ -‬وما اس‪GG‬تند إليها من س‪GG‬وابق تارخييّة يف عصر اخللف‪GG‬اء الراش‪GG‬دين‪ ،‬واجته‪GG‬ادات علمائنا األجالّء‪ ،‬وك‪GG‬ذا‬
‫باقي مصادر التشريع‪ ،‬كاإلمجاع واملصاحل املرسلة‪.‬‬
‫ص‪G‬ل ه‪GG‬ذا املب‪GG‬دإ يف النظ‪GG‬ام السياسي‪ G‬اإلس‪GG‬المي‪ G،‬وهل أ ّن اإلس‪GG‬الم‪G‬‬ ‫وه‪GG‬دفنا من ك‪Gّ G‬ل ذلك معرفة م‪GG‬دى تأ ّ‬
‫قد سبق الدميقراطية‪ G‬الغربيّة املعاصرة بإقرار مبدإ حكم األغلبيّة‪G.‬‬
‫قسمنا هذا الفصل إىل املباحث اآلتية‪:‬‬ ‫ولدراسة هذا املوضوع فقد ّ‬
‫المبحث األول ‪ :‬ونتناول فيه االجتاه الرافض‪ِ G‬‬
‫واملنكر ملبـدإ األغلبيّة‪ ،‬وأدلّتـهـم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المبحث الثاني‪ّ :‬‬
‫ونتعرض فيه إىل االجّت ـاه املق ّـر مببـدإ األغلبيـّة‪ ،‬وأدلّتهـم ‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ونتح ّدث فيه عن عالقة اإلمجـاع وعصمة ّ‬
‫األمة مببـدإ األغلبيّة‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ّ :‬‬
‫ونتعرض فيه إىل جماالت العمـل مببـدإ األغلبيّة‪ ،‬وضـوابطـها‪.‬‬
‫األول‬
‫المبحث ّ‬
‫االتّجاه الرافض لمبدإ األغلبيّة‪ ،‬وأدلّتهم‬

‫ي‪GG G‬ذهب ع‪GG G‬دد من العلم‪GG G‬اء والكتّ‪GG G‬اب‪ G‬اإلس‪GG G‬الميني إىل الوق‪GG G‬وف موقف ال‪GG G‬رفض واإلنك‪GG G‬ار للعمل مبب ‪GG‬دإ‬
‫يقرون بشرعية هذا املبدإ يف اإلسالم‪G.‬‬ ‫األغلبيّة‪ ،‬وال ّ‬
‫أدلة تقضي ببطالن اتّباع‪ G‬األغلبيّة‪.‬‬
‫ولالستدالل على رأيهم هذا فقد مجعوا ما يرونه من ّ‬
‫ولو س‪GG G‬لمت هلم تلك األدلّة ألخذ م‪GG G‬وقفهم ذاك من مب‪GG G‬دإ األغلبيّ‪GG G‬ة‪ ،‬ط‪GG G‬ابع احلكم الش ‪GG‬رعي الص ‪GG‬حيح‬
‫امللزم‪.‬‬
‫واجلدير بال‪GG G G G‬ذكر أ ّن من مظ‪GG G G G‬ان ه‪GG G G G‬ذا املبحث هو املذهب‪ G‬القائل إ ّن نتيجة الش ‪GG G G‬ورى معلمة وليست‬
‫ملزم ‪GG‬ة‪ ،‬أي أ ّن احلاكم ليس ملزم‪G G‬اً بالعمل بنتيجة الش ‪GG‬ورى‪ ،‬فله أن يعمل برأيه الشخصي حىت ولو خ ‪GG‬الف‬
‫بذلك رأي أغلبيّة أهل الشورى‪ ،‬فهو –حسب رأيهم‪ -‬غري ملزم مبا تس‪GG‬فر عنه عمليّة االستش‪GG‬ارة‪ ،G‬حىت ولو‬
‫كانت الشورى واجبة ابتداء وليست مندوبة‪.‬‬
‫ولقد اس‪GG‬تند أص‪G‬حاب ه‪GG‬ذا االجّت اه إىل مجلة من األدلّ‪GG‬ة‪ ،‬مس‪GG‬تم ّدة من الق‪GG‬رآن الك‪GG‬رمي‪ ،‬ومن الس‪GG‬نّة النبويّة‬
‫وتصرفات اخللفاء الراشدين‪ ،‬كما استندوا كذلك إىل بعض األدلة العقليّة‪.‬‬ ‫الشريفة‪ ،‬ومن مواقف ّ‬
‫‪G‬تدل به ه ‪GG‬ؤالء املنك ‪GG‬رون‪G‬‬
‫وبعد ك ‪Gّ G‬ل ع ‪GG‬رض ل ‪GG‬دليل من تلك األدلّ ‪GG‬ة‪ ،‬ال ب‪ّ G G‬د لنا أن نقف وقفة مع ما اس ‪ّ G‬‬
‫ملبدإ األغلبيّة؛‪ G‬وذلك لتمحيص تلك االستدالالت ومناقشتها‪ ،‬وبيان‪ G‬مكامن اخللل فيها‪.‬‬
‫قسمنا هذا املبحث إىل املطالب اآلتية‪G:‬‬ ‫ولتناول هذا املوضوع‪ G‬فقد ّ‬

‫المطلب األوّل‪ :‬ونتنـاول فيـه األدلّـة املستقـاة‪ G‬من القـرآن الكـريـم‪.‬‬


‫ونتعرض فيه األدلّـة املستمـ ّدة من السنّة النبويّة‪ G‬الشريفـة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ّ :‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬ونتح ّدث فيه عن األدلّة املستم ّدة من مواقف اخللفاء الراشدين‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬ونتنـاول فيـه بعـض األدلّـة الـعـقـليّـة املعتمـدة‪.‬‬
‫األول‪ :‬األدلّة المستقاة من القرآن الكريم‬
‫المطلب ّ‬

‫استدل أصحاب هذا االجّت اه‪ ،‬لتأكيد ما ذهبوا إليه من عدم حجيّة مب‪GG‬دإ األغلبيّ‪GG‬ة‪ G،‬بك‪GG‬ون أ ّن‬ ‫ّ‬ ‫أوال‪ :‬لقد‬
‫‪G‬ذم والق‪GG‬دح‪ ،‬والقـرآن الكـرمي ال يص‪Gّ G‬ور "أك‪GG‬ثر‬ ‫الك‪GG‬ثرة أو األكثريّة ال ت‪GG‬أيت يف الق‪GG‬رآن الك‪GG‬رمي إالّ يف س‪GG‬ياق ال‪ّ G‬‬
‫الن ‪GG‬اس" إال ج‪GG G‬اهلني ض‪GG G‬الني فاس‪GG G‬قني‪ ،‬وه‪GG G‬ذا يكفي يف ع‪GG G‬دم الوث‪GG G‬وق‪ G‬باألغلبيّة أو االعت‪GG G‬داد برأيها واالل ‪GG‬تزام‬
‫به‪.894‬‬

‫ومن مجلة ه‪GG G‬ذه اآلي‪GG G‬ات الكرمية ال‪GG G‬واردة يف كت‪GG G‬اب اهلل ‪ ، ‬كنص‪GG G‬وص عام‪GG G‬ة‪ ،‬ت‪ّ G G‬‬
‫‪G‬ذم األكثرية ومتدح‬
‫األقليّة‪ ،‬نذكر ما يأيت‪:‬‬
‫ق‪GG G‬ال ‪َ  : ‬وإِ ْن تُ ِط ْع أ ْكثَ َر َم ْن فِي األَرْ ِ‬
‫َ‬
‫ُضلُّوكَ ع َْن َس بِي ِل هللاِ ‪َ  ‬و َما أَ ْكثَ ُر النّ ا َ ِ‬
‫‪895‬‬
‫س َولَ وْ‬ ‫ضي ِ‬
‫س‪897 ‬لَقَ ْد ِج ْئنَ ا ُك ْم بِ الَ َح ِّ‬ ‫ْ‬
‫ص تَ بِ ُم ْؤ ِمنِينَ ‪َ  ‬ولَقَ ْد َذ َرأنَا لِ َجهَنَّ َم َكثِ يرًا ِّمنَ ال ِجنِّ واإل ْن ِ‬
‫‪896‬‬
‫ق َولَ ِك َّن‬ ‫َح َر ْ‬
‫ث ‪َ 899 ‬ولَ ِك َّن‬ ‫ون‪898 ‬قُلْ الَّ يَسْتــ َ ِوي الخَ بِ ُ‬
‫يث َوالطَّيِّبُ َولَوْ أَ ْع َجبَكَ َك ْثـ َرةُ ال َخبِيـ ِ‬ ‫ارهُ ْ‬ ‫ق َك ِ‬ ‫أَ ْكثَ َر ُك ْم لِ ْل َح ِّ‬
‫اس الَ يَ ْش ُكرُونَ‪902‬‬
‫اس الَي ُْؤ ِمنُ ونَ ‪َ  ‬ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النَّ ِ‬
‫‪901‬‬
‫اس الَ يَ ْعلَ ُم ون ‪َ  ‬ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النّ ِ‬
‫‪900‬‬
‫أَ ْكثَ َر النَّ ِ‬
‫‪َ ‬وما َيَتَّبِ ُع أَ ْكثَ ُرهُ ْم إِالَّ ظَنًّا‪.903‬‬

‫‪ 894‬الريس((وني (أمحد)‪ ،‬نظرية التق((ريب والتغليب وتطبيقها في العل((وم اإلس((المية(‪ ،‬دار الكلمة للنشر والتوزي‪GG‬ع‪ ،‬مص ‪GG‬ر‪ ،‬ط‪1997 ،1 .‬م‬
‫ص‪.409 .‬‬
‫‪ 895‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.116 :‬‬
‫‪ 896‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪.103 :‬‬
‫‪ 897‬سور األعراف‪ ،‬اآلية‪.179 :‬‬
‫‪ 898‬سورة الزخرف‪ ،‬اآلية‪.78 :‬‬
‫‪ 899‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.100 :‬‬
‫‪ 900‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪ ،21 :‬واآلية‪.40 :‬‬
‫‪ 901‬سورة غافر‪ ،‬اآلية‪.59 :‬‬
‫‪ 902‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪.38 :‬‬
‫‪ 903‬سورة يونس‪ ،‬اآلية‪.36 :‬‬
‫ي ال َّش ُكورُ‪ ‬إِالَّ الّ ِذينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫‪َ ‬ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َرهُ ْم يَجْ هَلُونَ ‪َ  ‬وقَلِي ٌل ِّم ْن ِعبَا ِد َ‬
‫‪905‬‬ ‫‪904‬‬
‫ت‬
‫َوقَلِي ٌل َّما هُ ْم‪.906‬‬
‫رد س‪GG‬بب الش‪GG‬بهات اليت أث‪GG‬ريت ح‪GG‬ول مب‪GG‬دإ األغلبيّة‪ G‬إىل تأويل ه‪GG‬ذه اآلي‪GG‬ات‪ ،‬اليت يُفهم منها أ ّن‬ ‫وميكن ّ‬
‫والصالح هم قلّة دائماً؛ فكان أن أصبح مص‪GG‬طلح "األغلبيّ‪GG‬ة"‬ ‫صف الباطل‪ ،‬وأ ّن أهل اخلري ّ‬ ‫األكثريّة تقف يف ّ‬
‫السمعة عند بعض شرائح املسلمني‪.907‬‬ ‫سيّء ّ‬
‫رد على االستدالل باآليات السابقة إلنكار مبدإ األغلبيّة مبا يأيت‪:‬‬ ‫ويُ ّ‬
‫‪ -1‬إ ّن تلك اآلي ‪GG G‬ات ال ش ‪GG G‬أن هلا مبوض ‪GG G‬وع "مب ‪GG G‬دإ األغلبيّ ‪GG G‬ة"‪ ،‬إذ إ ّن بعض ‪GG G‬ها ورد يف ش ‪GG G‬أن الك ّف‪GG G‬ار‪،‬‬
‫وبعضها يف شؤون العقيدة واآلخرة‪ ،‬وال عالقة هلا مبرافق النّاس ومصاحلهم الدنيوية‪ ،‬فتلك اآليات اليت ورد‬
‫ذم األكثريّة ال عالقة هلا مبسألة االنتخابات‪ ،‬أو شؤون السياسة واحلكم‪.908‬‬ ‫فيها ّ‬
‫‪ -2‬إ ّن تلك األكثري ‪GG‬ات املذمومة يف الق ‪GG‬رآن الك ‪GG‬رمي هي‪ :‬أكثرية املش ‪GG‬ركني‪ ،‬أكثرية املن ‪GG‬افقني‪ ،‬أكثرية‬
‫ذمت‬ ‫اليه ‪GG G‬ود والنص‪GG G G‬ارى‪ ،‬وأكثرية املعان‪GG G G‬دين واملس‪GG G G‬تكربين؛ ل‪GG G G‬ذلك فمن الغلط الف‪GG G G‬ادح قطع اآلي ‪GG G‬ات اليت ّ‬
‫‪G‬ف املس‪GG‬لمني ومجـاعة املؤم‪GG‬نني‪ ،‬مثّ االنتق‪GG‬ال‬ ‫األكثريّة من ه‪GG‬ذه األص‪GG‬ناف عن س‪GG‬ياقاهتا‪ ،‬مثّ االنتق‪GG‬ال هبا إىل ص‪ّ G‬‬
‫هبا إىل إه‪GG‬دار الك‪GG‬ثرة مطلق ‪G‬اً‪ ،‬وتفض‪GG‬يل القلّة عليه‪GG‬ا‪ ،‬وال أحد ينكر أ ّن الك‪GG‬ثرة إذا ك‪GG‬انت ض‪GG‬من دائرة اإلميان‬
‫واإلص‪GG‬الح‪ ،‬فهي مطلوبة ومرغـوبة ويُعت‪ّ G‬د هبا‪ ،‬وذلك أل ّن الكثـرة يف دائ‪GG‬رة اخلري زي‪GG‬ادة يف اخلري‪ ،‬والك‪GG‬ثرة‪ G‬يف‬
‫الشر زي‪GG‬ادة يف الش‪Gّ G‬ر‪ ،‬كما أ ّن القلّة يف اخلري نقصـان يف ذلك اخلري‪ ،‬والقلّة يف الش‪Gّ G‬ر نقص‪GG‬ان‪ G‬فيه أيض ‪G‬اً‪،‬‬ ‫دائ‪GG‬رة ّ‬
‫الشر أفضل من الكثرة‪.909» ‬‬ ‫«‪ ‬فالكثرة يف اخلري أفضل من القلّة‪ ،‬والقلّة يف ّ‬
‫‪ -3‬إ ّن تأويل املنك ‪GG‬رين ملب ‪GG‬دإ األغلبيّة‪ G‬لتلك اآلي ‪GG‬ات ق ‪GG‬ائم على الغلط أو املغالطة؛ وذلك ألنّنا نتح ‪ّ G‬دث‬
‫عن الدميقراطية‪ G‬يف جمتمع مس‪GG‬لم‪ ،‬ال‪GG‬ذي يف‪GG‬رتض أ ّن أك‪GG‬ثره ممّن يعقل‪GG‬ون ويؤمن‪GG‬ون ويش‪GG‬كرون؛ ولس‪GG‬نا نتح‪ّ G‬دث‬
‫الضالّني عن سبيـل اهلل‪ ،‬ال‪GG‬ذين ال يعقلـون وال يشكـرون وال يؤمن‪GG‬ون‪ G،‬كما أ ّن هن‪GG‬اك‬ ‫عن جمتمع اجلاحدين أو ّ‬
‫أم‪GG‬وراً ال ت‪GG‬دخل جمال التص‪GG‬ويت‪ G‬وال تُع‪GG‬رض ألخذ األص‪GG‬وات عليه‪GG‬ا‪ ،‬ألهّن ا من الث‪GG‬وابت اليت ال تقبل التغي‪GG‬ري‪،‬‬

‫‪ 904‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.111 :‬‬


‫‪ 905‬سورة سبأ‪ ،‬اآلية‪.13 :‬‬
‫‪ 906‬سورة ص‪ ،‬اآلية‪.24 :‬‬
‫‪ 907‬هويدي (فهمي)‪ ،‬اإلسالم والديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.209-208 .‬‬
‫األم(ة" القطري‪GG‬ة‪ ،‬الع‪GG‬دد‪ :‬الث‪GG‬الث‪ ،‬الس‪GG‬نة األوىل‪،‬‬
‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪" ،‬هل األغلبيّة مب(دأ إس(المي أص(يل؟"‪ ،‬مق‪GG‬ال مبجلّة " ّ‬
‫‪908‬‬

‫يناير ‪1981‬م‪ ،‬ص‪.64 .‬‬


‫‪ 909‬الريسوني (أمحد)‪ ،‬نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 413 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫إالّ إذا تغرّي اجملتمع ذاته ومل يعد مسلماً‪ ،‬فال جمال للتصويت‪ G‬يف قطعيات الشرع‪ ،‬وأساسيات ال ّدين وثوابت‪GG‬ه‪،‬‬
‫وما علم منه بالضرورة؛ وإمنّا يكون التصويت يف األمور "االجتهاديّة" اليت حتتمل أكثر من رأي‪ ،‬ومن شأن‬
‫النّ ‪GG‬اس أن خيتلف ‪GG‬وا فيه ‪GG‬ا‪ ،‬كاختي ‪GG‬ار أحد املر ّش‪G G‬حني ملنصب م ‪GG‬ا‪ ،‬أو تنظيم بعض األم ‪GG‬ور الدنيويّ ‪GG‬ة‪ ،‬كالتج ‪GG‬ارة‬
‫‪G‬رجح‪ ،‬وال‪G‬ذي‬‫والص‪G‬ناعة‪ G‬والتن ّق‪G‬ل‪ ،‬إىل غري ذل‪G‬ك‪ ،‬فه‪G‬ذه القض‪G‬ايا إذا اختلفت فيها اآلراء‪ ،‬فال ب‪ّ G‬د من وج‪G‬ود م ّ‬
‫هو "مبدأ األغلبيّة"‪.910‬‬
‫ومن هنا يس‪GG G‬قط اس‪GG G‬تدالل ه‪GG G‬ذا الفريق –املنكر ملب‪GG G‬دإ األغلبيّ‪GG G‬ة‪ G-‬بتلك اآلي‪GG G‬ات الس‪GG G‬ابقة؛ وذلك ألهّن م‬
‫قطعوها عن س ‪GG‬ياقها ال ‪GG‬ذي وردت في ‪GG‬ه‪ ،‬إذ ال ش ‪GG‬أن للمواض ‪GG‬يع اليت وردت فيها تلك اآلي ‪GG‬ات مع املوض ‪GG‬وع‬
‫ذم الك‪GG‬ثرة يف‬
‫الذي حنن بصدده‪ ،‬وال عالقة بينهما ال من قريب وال من بعيد‪ ،‬فتلك اآليات ال تتح ّدث عن ّ‬
‫مسألة االنتخابات‪ ،‬أو شؤون السياسة واحلكم‪.‬‬
‫‪-4‬وأمّ ‪G‬ا بالنس‪GG‬بة لقوله‪: ‬قُلْ الَّ يَ ْست َِوي ال َخبِ ُ‬
‫يث والطّيّبُ َو لَوْ أَ ْع َجبَ َك َك ْث َرةُ ال َخبِيثِ‪ ،911 ‬فقد‬
‫استدل هبذه اآلية الفريق املنكر ملب‪GG‬دإ األغلبيّ‪GG‬ة؛ ملا تض ّ‪G‬منته من ع‪GG‬دم االعت‪GG‬داد ب‪G‬الكثرة اخلبيث‪GG‬ة‪ ،‬فاعتم‪GG‬دوا عليها‬ ‫ّ‬
‫للحق والباطل؛ فإنّ‪G‬ه‬
‫إلهدار األكثرية مطلقاً‪ ،‬حيث يقول أحدهم‪ « :‬إ ّن‪ ‬اإلسالم ال جيعل كثرة العدد ميزاناً ّ‬
‫من املمكن يف نظر اإلس ‪GG‬الم أن يك ‪GG‬ون الرجل الف ‪GG‬رد أص ‪GG‬وب رأي‪G G‬اً وأح ‪ّ G‬د بص ‪GG‬راً يف مس ‪GG‬ألة من املس ‪GG‬ائل‪ ،‬من‬
‫احلق أن ي ‪GG‬رمى برأيه ألنّه ال‬
‫س‪GG‬ائر أعض ‪GG‬اء اجمللس (أي جملس الش ‪GG‬ورى)‪ ،‬ف ‪GG‬إن ك ‪GG‬ان األمر ك‪GG‬ذلك‪ ،‬فليس من ّ‬
‫احلق أ ّن يوافق األقليّة أو األغلبيّة‪ G‬يف رأيها‪ ،‬وكذلك له أن خيالف أعض‪GG‬اء اجمللس‬ ‫يؤيّده مجع غفري‪ ،‬فاألمري له ّ‬
‫كلّهم ويقضي‪ G‬برأيه‪.912» ‬‬
‫خيص ه‪GG‬ذه اآلية اليت اعتمد عليها ه‪GG‬ذا الفريق إلنك‪GG‬ار العمل‬ ‫فال ب‪ّ G‬د هنا من توض‪GG‬يح ه‪GG‬ذه املس‪GG‬ألة فيما ّ‬
‫مبب‪GG G‬دإ األغلبيّ‪GG G‬ة؛ فاآلية هنا إمنّا تنفي املس‪GG G‬اواة‪ G‬بني الطيّب واخلبيث‪ ،‬وهي تشري إىل أفض‪GG G‬ليّة الطيّب ولو ك‪GG G‬ان‬
‫قليالً‪ ،‬على اخلبيث‪ G‬ولو كان كثرياً‪ ،‬وأ ّن الذي أهدرته اآلية هو اخلبث ال الكثرة‪.913‬‬

‫‪ 910‬هويدي (فهمي)‪ ،‬اإلسالم والديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.145 .‬‬


‫‪ 911‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.100 :‬‬
‫‪ 912‬الم((ودودي (أبو األعلى)‪ ،‬نظرية اإلس((الم وهديه‪ ،‬ترمجة‪ :‬جليل حسن اإلص‪GG‬الحي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزي‪GG‬ع‪ ،‬د‪ .‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫‪1969‬م‪ ،‬ص‪.59-58 ،‬‬
‫ولكن "املودودي" ال ينكر األغلبيّة كليّة‪ ،‬حيث يقول متحدّثاً عن "جملس الشورى"‪ « :‬واألمور تُقضى يف هذا اجمللس بكثرة آراء أعضائه‬
‫للحق والباطل‪ .» ‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.58 .‬‬
‫عامة األحوال‪ ،‬إالّ أ ّن اإلسالم ال جيعل كثرة العدد ميزاناً ّ‬
‫يف ّ‬
‫الريسوني (أمحد)‪ ،‬نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.411-410 .‬‬ ‫‪913‬‬
‫‪G‬رتوا‪ G‬بك ‪GG‬ثرة الباطل وانتش ‪GG‬اره‪ ،‬إذ إ ّن الش ‪GG‬يء إذا ك ‪GG‬ان خبيث ‪G‬اً يف‬
‫فه ‪GG‬ذه اآلية حت ّذر أهل العقل من أن يغ ‪ّ G‬‬
‫أصله‪ ،‬فكثرته وانتشاره‪ G‬ال جتعله طيّباً‪ ،‬بل يبقى‪ G‬على خبثه‪.914‬‬
‫حمل البحث هنا‬‫‪G‬حته وطيبته‪ .‬كما أ ّن ّ‬ ‫وال ميكن لعاقل أن ي ‪ّ G‬دعي ب ‪GG‬أ ّن ك ‪GG‬ثرة ش ‪GG‬يء دليل مطلق على ص‪ّ G‬‬
‫حمل تع ّدد اآلراء‪.‬‬
‫يف شرعيّة مبدإ األغلبيّة‪ G،‬يتعلّق بأكثريّة املؤمنني حول مسألة خالفية هي ّ‬
‫‪G‬حة م‪GG‬ذهبهم‪ ،‬إىل قوله‪:‬فَا ْع ُ‬
‫ف َع ْنهُ ْم وا ْستَ ْغفِرْ‬ ‫ثانيا‪:‬اس‪GG‬تند ه‪GG‬ذا الفريق ك‪GG‬ذلك‪ ،‬لالحتج‪GG‬اج على ص‪ّ G‬‬
‫لَهُ ْم َو َشا ِورْ هُ ْم فِي األَ ْم ِر فإِ َذا َعزَ ْمتَ فَتَ َو َّكلْ َعلَى هللاِ إِ َّن هللاَ يُ ِحبُّ ال ُمت ََو ِّكلِينَ ‪.915‬‬
‫حمم‪GG‬داً ‪ ‬مبش ‪GG‬اورة‬
‫ففي ه ‪GG‬ذه اآلية أس ‪GG‬ند اهلل ‪ ‬الع ‪GG‬زم إىل الرس ‪GG‬ول ‪ ،‬فقد أمر س ‪GG‬بحانه وتع ‪GG‬اىل نبيّه ّ‬
‫أص‪G‬حابه‪ ،‬ولكن عند عزمه على تنفيذ األمر املش‪G‬ور ب‪GG‬ه‪ ،‬فليتو ّكـل على اهلل يف تنفي‪GG‬ذه‪ ،‬ولو مل يوافق عزمه‬
‫ذاك رأي غريه من الذين كان قد استشارهم‪.‬‬
‫املفسرين‪:‬‬
‫ويفهم هذا من أقوال بعض ّ‬
‫فقد نقل اإلمام القرطيب يف تفسريه عن قتادة قوله يف تفس ‪GG G‬ريه لقوله‪:‬فَإ ِ َذا َع َز ْمتَ فَتَ َوكَّلْ َعلَى هللاِ‬
‫‪ ‬أ ّن اهلل أمر نبيّه ‪ «‬إذا عزم على أمر أن ميضي فيه ويتو ّكل على اهلل‪ ،‬ال على مشاورهتم‪.916» ‬‬
‫كما يؤخذ ه‪G‬ذا املعىن من ظ‪GG‬اهر ما ورد يف تفسري اإلم‪GG‬ام الط‪G‬ربي‪ ،917‬حيث يق‪GG‬ول إ ّن اهلل‪ ‬خياطب‬

‫نبيّه ‪ ‬مبا معن‪GG G G‬اه‪ « :‬ف‪GG G G‬إذا ص‪ّ G G G‬‬


‫‪G‬ح عزمك بتثبيتنا‪ G‬إيّ‪GG G G‬اك وتس‪GG G G G‬ديدنا ل‪GG G G G‬ك‪ ،‬فيما نابك وحزبك من أمر دينك‬
‫‪G‬امض ملا أمرن ‪GG G‬اك به على ما أمرن ‪GG G‬اك ب ‪GG G‬ه‪ ،‬وافق ذلك آراء أص ‪GG G‬حابك وما أش ‪GG G‬اروا به عليك أو‬ ‫ودني ‪GG G‬اك‪ ،‬ف ‪ِ G G‬‬
‫خالفها‪ ،918» ‬ويف "الك ّش‪G G‬اف" ورد‪ « :‬ف ‪GG‬إذا قطعت ال ‪GG‬رأي على ش ‪GG‬يء بعد الش ‪GG‬ورى (فتو ّكل على اهلل) يف‬
‫إمضاء أمرك على األرشد األصلح؛ فإ ّن ما هو أصلح لك ال يعلمه إالّ اهلل‪ ،‬ال أنت وال من تشاور‪. 919» ‬‬
‫األنص((اري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الش((ورى وأثرها في الديمقراطية (دراسة مقارن‪GG‬ة)‪ ،‬منش‪GG‬ورات املكتبة العص‪GG‬رية‪ ،‬ص‪GG‬يدا‪-‬ب‪GG‬ريوت‪،‬‬ ‫‪914‬‬

‫ط‪ ،3.‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.185 .‬‬


‫‪ 915‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.159 :‬‬
‫‪ 916‬القرطبي (حممد األنصاري)‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،4.‬ص‪.252 .‬‬
‫املفسر اإلمام‪ ،‬ولد يف آمل طربستان‪ ،‬واستوطن بغداد‪ ،‬وت‪G‬ويف‬‫املؤرخ ّ‬
‫اإلمام الطربي‪ :‬هو حممد بن جرير بن يزيد الطربي‪ ،‬أبو جعفر‪ّ ،‬‬
‫‪917‬‬

‫هبا‪ .‬من أشهر مؤلّفاته‪" :‬أخبار الرسل وامللوك" واملع‪GG‬روف بت‪G‬اريخ الط‪G‬ربي‪ ،‬و "ج‪G‬امع البي‪G‬ان يف تفسري الق‪G‬رآن"‪ ،‬واملع‪G‬روف بتفسري الط‪G‬ربي‪،‬‬
‫جـ‪ ،6.‬ص‪.69.‬‬ ‫و "اختالف الفقهاء"‪ ،‬وغريها‪ ،‬وكانت وفاته عام ‪310‬هـ‪923-‬م‪.‬الزركلي(خري ال ّدين)‪ ،‬األعالم‪،‬‬
‫‪ 918‬الط((بري (حممد بن جري‪GG‬ر)‪ ،‬ج((امع البي((ان في تفسير الق((رآن‪ ،‬دار املعرفـة‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬ط‪ 1403 ،1 .‬هـ‪1983-‬م‪ ،‬اجمللد الث‪GG‬الث‪ ،‬جـ‪،4 .‬‬
‫ص‪.101 .‬‬
‫الزمخشري (حممود بن عمر)‪ ،‬تفسير الكشاف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.226.‬‬ ‫‪919‬‬
‫‪G‬يب ‪ّ ‬‬
‫احلق يف إنف‪GG‬اذ ما ع‪GG‬زم علي‪GG‬ه‪ ،‬بعد أن يتو ّكل على‬ ‫فه‪GG‬ذه اآلية –حسب ه‪GG‬ذه التفاس‪GG‬ري‪ G-‬تعطي للن‪ّ G‬‬
‫اهلل ال على املش ‪GG G‬اورة‪ ،‬فيمضي يف تنفيذ ما ي ‪GG G‬راه األفض ‪GG G‬ل‪ ،‬حىت ولو خ ‪GG G‬الف ذلك رأي من استش ‪GG G‬ارهم يف‬

‫النيب ‪ ‬غري ملزم يف تنفيذ ما ّ‬


‫يقره أصحابه‪ ،‬مهما كانت كثرهتم‪.‬‬ ‫البداية‪ ،‬أي أ ّن ّ‬
‫‪920‬‬
‫وميكن مناقشة هذه النصوص‪ G‬اليت قيلت يف تفسري قوله‪: ‬فَإِ َذا َع َز ْمتَ فَتَ َو َّكلْ علَى هللاِ‪‬‬
‫مبا يأيت‪:‬‬
‫‪ -1‬إ ّن النّصوص‪ G‬املنقولة‪ G‬عن تفسري الطربي‪ ،‬والقرطيب‪ ،‬والكش‪G‬اف‪ ،‬تتعلّق مبوض‪GG‬وع ن‪GG‬زل فيه ال‪G‬وحي‪،‬‬
‫وال عالقة هلا مبوض ‪GG‬وع الش ‪GG‬ورى‪ ،‬ومع ‪GG‬روف أ ّن املواض ‪GG‬يع اليت ن ‪GG‬زل فيها ال ‪GG‬وحي ال جمال للش ‪GG‬ورى فيها‪،921‬‬
‫فامض ملا أمرناك على ما أمرناك به‪ ،» ‬اليت وردت يف تفسري الطربي‪.‬‬ ‫وهذا ما يؤخذ من عبارة‪ِ  « :‬‬
‫ت‪ » ‬بض‪Gّ G‬م التّ‪GG‬اء‪،922‬‬ ‫‪-2‬وممّا يؤيّد الق‪GG‬ول الس‪G‬ابق ما روي أ ّن بعض‪GG‬هم قد ق‪GG‬رأ ه‪GG‬ذه اآلي‪GG‬ة‪ « :‬فَإ ِ َذا َع َز ْم ُ‬
‫ّ‬
‫‪G‬زمت لك على ش ‪GG‬يء وأرش ‪GG‬دتك إلي ‪GG‬ه‪،‬‬ ‫ت‪ » ‬بنس ‪GG‬بة الع ‪GG‬زم إىل اهلل ‪ ،‬فيص ‪GG‬بح املع ‪GG‬ىن‪ :‬إذا ع ‪ُ G‬‬ ‫أي «‪ ‬فَإ ِ َذا َعزَ ْم ُ‬
‫فتو ّكل على اهلل‪.923‬‬
‫واس‪GG‬تناداً‪ G‬إىل ه‪GG‬ذا املع‪GG‬ىن‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن األمر خيرج من دائ‪GG‬رة الش‪GG‬ورى‪ ،‬وي‪GG‬دخل يف دائ‪GG‬رة األمر اإلهلي‪ ،‬وهو ممّا‬
‫صحت هذه القراءة‪ ،‬فإنّه ال عالقة هلا بإلزاميّة الشورى‪.924‬‬ ‫ال جتوز فيه الشورى‪ ،‬فحىت ولو ّ‬
‫إالّ أ ّن ه‪GG‬ذه الق‪GG‬راءة ض‪GG‬عيفة‪ ،‬وذلك أل ّن وصف اهلل ب‪GG‬العزم غري ج‪G‬ائز‪ ،‬كما أ ّن ه‪GG‬ذه الق‪GG‬راءة مل يق‪GG‬رأ هبا‬
‫أحد من الصحابة‪ ،‬ولذلك فال جيوز إحلاقها بالقرآن الكرمي‪.925‬‬
‫‪G‬تدل به ه ‪GG‬ذا الفريق من ع ‪GG‬دم إلزاميّة االحتك ‪GG‬ام إىل‬
‫وهبذا خنلص‪ ،‬من خالل ما س ‪GG‬بق ذك ‪GG‬ره‪ ،‬أ ّن ما اس ‪ّ G‬‬
‫حمل له هن‪GG G G‬ا‪ ،‬ما دام أ ّن األمر هنا يتعلّق‬
‫رأي أهل الش‪GG G G‬ورى‪ ،‬أو أغل‪GG G G‬بيّتهم‪ ،‬اعتم‪GG G G‬اداً على اآلية الس‪GG G G‬ابقة‪ ،‬ال ّ‬

‫سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.159 :‬‬ ‫‪920‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.120 .‬‬ ‫‪921‬‬

‫‪ 922‬وهي قراءة خالد بن زيد‪ .‬انظر ‪ :‬اآللوسي (شهاب ال ّدين)‪ ،‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪ ،‬إدارة الطباعة‬
‫املنريية‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬جـ‪ ،4 .‬ص‪.107 .‬‬
‫(ني الرواية والدراية من علم التفس((ير‪ ،‬دار الكتب العلميّة‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬ط‪،1 .‬‬
‫الش((وكاني (حممد بن علي)‪ ،‬فتح الق((دير الج((امع بين ف( ّ‬
‫‪923‬‬

‫جـ‪ ،1 .‬ص‪.496 .‬‬


‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.121-120 .‬‬ ‫‪924‬‬

‫‪ 925‬الرازي (حممد فخر ال ّدين)‪ ،‬تفسير الفخر الرازي (التفسير الكب(ير ومف(اتيح الغيب)‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزي‪GG‬ع‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪،‬‬
‫ط‪1985 ،3 .‬م‪ ،‬اجمللد اخلامس‪ ،‬جـ‪ ،9 .‬ص‪.70 .‬‬
‫حمل الش ‪GG‬ورى‪ ،‬وه ‪GG‬ذا حسب النص ‪GG‬وص‪ G‬اليت قيلت يف تفسري‬ ‫ب ‪GG‬الوحي‪ ،‬وليس باالجته ‪GG‬اد البش ‪GG‬ري ال ‪GG‬ذي هو ّ‬
‫اآلية‪.‬‬
‫تنص على كيفيّة الوص ‪GG‬ول إىل ال ‪GG‬رأي األخ ‪GG‬ري‪ ،‬فاهلل‬
‫‪ -3‬إ ّن اآلية الس ‪GG‬ابقة تق ‪Gّ G‬ر وج ‪GG‬وب الش ‪GG‬ورى‪ ،‬وال ّ‬
‫‪ ‬يقول لرسوله‪ « :‬وشاورهم يف األمر‪ ،» ‬وهذا أمر من اهلل ظاهره الوجوب‪ ،‬وإذا ك‪GG‬ان واجب‪G‬اً يف ح‪Gّ G‬ق‬
‫فتوكل على اهلل‪ ،» ‬واهلل ‪‬مل ي‪GG‬بنّي هنا مس‪GG‬تند ه‪GG‬ذا‬ ‫‪G‬زمت ّ‬ ‫الرس‪GG‬ول‪ ‬فغ‪GG‬ريه أوىل هبذا‪ ،‬مثّ يقـول لـه‪ « :‬ف‪GG‬إذا ع‪َ G‬‬
‫العزم‪ ،‬وال‪GG‬رأي األخري ال‪G‬ذي يك‪GG‬ون عليه الع‪G‬زم‪ ،‬هل هو رأي من استش‪GG‬ارهم أم رأيه ه‪G‬و‪ ،‬بل ق‪G‬ال ل‪G‬ه‪ « :‬ف‪G‬إذا‬
‫ينص ما هذا الرأي‪ ،‬هل هو رأي الرس‪GG‬ول نفسه بعد الش‪GG‬ورى‪ ،‬أم هو رأي‬ ‫عزمت‪ » ‬أي على رأي ما‪ ،‬ومل ّ‬ ‫َ‬
‫من استش‪G‬ارهم‪ ،‬ومن ق‪GG‬ال هنا إ ّن الع‪G‬زم يك‪G‬ون‪ G‬على رأي الرس‪GG‬ول ال‪G‬ذي اخت‪GG‬اره‪ ،‬ولو ك‪G‬ان رأي‪G‬اً خمالف‪G‬اً ل‪G‬رأي‬
‫من استشارهم‪ ،‬فقد حت ّكم على القرآن‪ ،‬وقال فيه بغري علم‪ ،‬ومحّل اآلية ما ال حتمل‪.926‬‬
‫حجة للقائلني بأنّه‬‫ومن خالل هذا التفسري ميكن القول إ ّن هذا الدليل املستند إىل تلك اآلية‪ ،‬ال يعترب ّ‬
‫نص يف أ ّن احلاكم خمرّي يف األخذ برأي أهل الشورى‪ ،‬أو أغلبيّتهم‪ ،‬أو رأي نفسه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فعب ‪GG‬ارة «‪ ‬فتو ّكل على اهلل‪ » ‬ال تفيد ع ‪GG‬دم االل ‪GG‬تزام بنتيجة الش ‪GG‬ورى‪ ،927‬وال ينقض‪ G‬ذلك ما يق ‪GG‬ال من‬
‫أ ّن معىن‪ « ‬فتو ّكل على اهلل‪ » ‬أن ال يتو ّكل على مش‪GG G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G‬اورهتم‪ ،‬وذلك أل ّن التو ّكل هو طلب التأييد‬

‫والتسديد‪ ،‬وذلك ال يكون‪ G‬إالّ من اهلل‪ّ ،‬‬


‫وأما دور الشورى فمحص‪G‬ور يف بي‪G‬ان أق‪G‬رب اآلراء إىل الص‪G‬واب‪G،‬‬
‫وأحراها باالتّباع‪.928G‬‬
‫فاملقص ‪GG‬ود من قوله‪ « :‬فتو ّكل على اهلل‪ ،» ‬أي فاس ‪GG‬تعن باهلل يف أم ‪GG‬ورك كلّه ‪GG‬ا‪ ...‬واملقص ‪GG‬ود أن ال‬
‫يكون للعبد اعتماد على شيء إالّ على اهلل ‪ ‬يف مجيع أموره‪ ،‬وأ ّن املشاورة ال تنايف التو ّكل‪.929‬‬
‫بل إ ّن التو ّكل يؤكّ‪G G G G G G G‬د إلزاميّة املش ‪GG G G G G G‬ورة من ناحية أ ّن حقيقة التو ّكل تتض ‪Gّ G G G G G G‬من األخذ باألس ‪GG G G G‬باب‪،‬‬
‫شك أ ّن االلتزام برأي أهل الشورى‪ ،‬أو أكثريّتهم‪ ،‬هو أحد هذه األسباب‪.930‬‬ ‫واالحتياط و التدبري‪ ،‬وال ّ‬

‫ظل نظام الحكم اإلسالمي(‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪ ،‬د‪ .‬ط‪1982 ،‬م‪ ،‬ص‪.101-100 .‬‬
‫عبد الخالق (عبد الرمحن)‪ ،‬الشورى في ّ‬
‫‪926‬‬

‫أبو عزة (عبد اهلل)‪" ،‬الشورى أم االستبداد ؟"‪ ،‬مقال مبجلة "المجتمع"‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ ،38 :‬ديسمرب ‪1970‬م‪.‬‬ ‫‪927‬‬

‫العوا (حممد سليم)‪ ،‬في النظام السياسي للدولة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.189 .‬‬ ‫‪928‬‬

‫الخازن (عالء الدين)‪ ،‬تفسـير الخـازن (لباب التأويل في معـاني التنـزيل)‪ ،‬دار الفكـر‪ ،‬د‪ .‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.290 .‬‬ ‫‪929‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.121 .‬‬ ‫‪930‬‬
‫‪-4‬كما أ ّن ذلك االس‪GG G G G‬تدالل بتلك اآلي‪GG G G G‬ة‪ ،‬لالحتج‪GG G G G‬اج على ع‪GG G G G‬دم ل‪GG G G G‬زوم األخذ ب‪GG G G‬رأي أغلبيّة أهل‬
‫املروى املن ّقح‪ ،‬وليس‬
‫الشورى‪ ،‬ال ميكن التسليم ب‪GG‬ه‪ ،‬ب‪GG‬النّظر إىل معىن "الع‪G‬زم" يف اللّغ‪GG‬ة‪ ،‬وال‪GG‬ذي ه‪GG‬و‪ « :‬األمر ّ‬
‫ركوب الرأي دون رويّة عزماً‪ ،‬ومن معانيه كذلك‪ :‬قصد اإلمضاء‪.931» ‬‬
‫وب‪GG‬ذلك قد يك‪GG‬ون ال‪GG‬رأي ال‪GG‬ذي ع‪GG‬زم علي‪GG‬ه‪ ،‬أو عُق‪GG‬دت عليه النيّ‪GG‬ة‪ G،‬أو ص‪Gّ G‬مم على إنف‪GG‬اذه‪ ،‬هو رأي أهل‬
‫الش‪GG‬ورى‪ ،‬أو رأي احلاكم املخ‪GG‬الف ل‪GG‬رأي أهل الش‪GG‬ورى‪ ،‬أي أ ّن عب‪GG‬ارة "الع‪GG‬زم" اليت وردت يف اآلية ال تفيد‬
‫جواز خمالفة أهل الشورى‪ ،‬كما أهّن ا ال تفيد إلزاميّة الشورى‪.932‬‬
‫وهبذا يسقط االستدالل هبذه اآلية للقول بأهّن ا تفيد عدم إلزاميّة األخذ بنتيجة الشورى‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األدلّة المستمدّة من السنّة النبويّة الشريفة‬

‫‪G‬يب ‪ ،‬واعتربوها متّكأ‪G‬‬


‫فقد اعتمد ه‪GG G‬ذا االجّت اه ك‪GG G‬ذلك على بعض الوق‪GG G‬ائع اليت حص ‪GG G‬لت يف عهد الن ‪ّ G G‬‬
‫شرعياً للقول بعدم إلزاميّة العمل برأي األغلبيّة‪G.‬‬
‫وفيما يأيت سنستعرض –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬هذه األدلّة والوقائع‪ ،‬ونناقشها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬من السنّة القوليّة‬


‫قوله ‪ ‬أليب بكر وعمر‪-‬رضي اللّه عنهما‪ « : -‬لَ ِو اتَّفَ ْقتُ َما فِي َم ُشو َر ٍة َما خَالَ ْفتُ ُك َما‪.933» ‬‬

‫فق ‪GG‬الوا إ ّن ه ‪GG‬ذا احلديث يُفهم منه أنّه‪ ‬يأخذ ب ‪GG‬رأي أيب بكر ال ّ‬
‫ص‪G G‬ديق وعمر بن اخلط ‪GG‬اب –رضي اهلل‬
‫الصحابة‪ ،‬أي أنّه ال يُلزم برأي أغلبيّة الصحابة‪.934‬‬
‫عنهما‪ -‬حىت ولو خالفا يف الرأي أغلبيّة ّ‬
‫و قد نوقش هذا االستدالل مبا يأيت‪:‬‬

‫القرطبي (حممد بن أمحد األنصاري)‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،4.‬ص‪.252 .‬‬ ‫‪931‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.118 .‬‬ ‫‪932‬‬

‫‪ 933‬رواه أحمد يف مسنده‪ ،‬مسند عبد الرمحن بن غنم‪ ،‬اجمللد الرابع‪ ،‬طبعة دار الفكر‪ ،‬ص‪ . 227.‬وورد احلديث برواية أخرى هي‪ « :‬لو‬
‫أبدا‪ .» ‬فتح الباري‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬كت‪GG‬اب االعتص‪GG‬ام بالكت‪GG‬اب والس‪GG‬نة‪ ،‬ب‪G‬اب قوله‬
‫أنّكما تتّفقان على أمر ما عصيتكما يف مشورة‪ً G‬‬
‫تعاىل ‪":‬وأمرهم شورى بينهم" "وشاورهم يف األمر"‪ ،‬اجمللد ‪ ،13‬طبعة دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ص‪.341 .‬‬
‫متولي (عبد احلميد)‪ ،‬مبدأ الشورى في اإلسالم‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1972 ،2.‬م‪ ،‬ص‪.15 .‬‬ ‫‪934‬‬
‫‪-1‬احلديث ضعيف‪ ،‬أل ّن فيه ش‪GG‬هر بن حوش‪GG‬ب‪ ،‬وعبد ال‪GG‬رمحن بن غنم‪ ،‬وعبد احلميد بن هبرام‪ ،‬حيث‬
‫وأما ح ‪GG‬ديث ابن غنم ففيه ثالث بالي ‪GG‬ا‪ :‬إح ‪GG‬داها أنّه مرسـل‪ ،‬والثانيـة عبد احلميد بن‬ ‫يق ‪GG‬ول فيه ابن ح ‪GG‬زم‪ّ  « :‬‬
‫هبرام‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬والثالثة‪ G‬شهر بن حوشب‪ ،‬وهو مرتوك‪.935» ‬‬
‫‪G‬يب‬
‫‪G‬دل على أ ّن الن ‪ّ G‬‬
‫‪G‬حة احلديث‪ ،‬فال ميكن التس ‪GG‬ليم ب ‪GG‬أ ّ‪G‬ن احلديث ي ‪ّ G‬‬
‫‪-2‬وحىت ولو س‪G G‬لّمنا –ج ‪GG‬دالً‪ -‬بص ‪ّ G‬‬
‫‪‬س‪GG G G‬يأخذ ب‪GG G G G‬رأي أيب بكر وعمر –رضي اهلل عنهم‪GG G G G‬ا‪ -‬ولو خالفا يف ال‪GG G G G‬رأي أغلبيّة الص‪GG G G G‬حابة؛ وذلك أل ّن‬
‫‪G‬يب ‪‬س ‪GG‬يأخذ برأيهما إذا اتّفقا فقط يف رأي واح ‪GG‬د‪ ،‬مع احتم ‪GG‬ال أن يك ‪GG‬ون رأيهما‬
‫ينص على أ ّن الن ‪ّ G‬‬
‫احلديث ّ‬
‫ذاك موافق ‪G‬اً ملا اتّفق عليه الص ‪GG‬حابة ‪ ،‬وحينئذ س ‪GG‬يأخذ الن ‪ّ G‬‬
‫‪G‬يب ‪ ‬برأيهم ‪GG‬ا‪ ،‬وال يأخذ برأيهما إذا خالفتهما‬
‫حجيته‪.936‬‬ ‫أغلبيّة الصحابة؛ واملعروف أ ّن االحتمال يف الدليل كاف ليفقد ّ‬
‫‪G‬يب ‪ ‬س‪GG‬ين ّفذ رأيهما مع خمالفة الصحـابة‪ ،‬وذلك ألنّه ‪‬مل يقـل‪:‬‬
‫‪-3‬كما أنّه ال ميكن التس‪GG‬ليم ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن الن‪ّ G‬‬
‫«‪ ‬لعملت بقولكمـا‪» ‬؛ وإمّن ـا قـال‪ « :‬ما خالفتكمـا‪ ،» ‬فكـأ ّن يف قـوله‪ « :‬ما خالفتكما‪ » ‬دون «‪ ‬لعملت‬
‫وعلو ش‪GG‬أهنما‪ ،‬وأ ّن اجتماعهما يف أمر ال يك‪GG‬ون‪ G‬إالّ موافق‪G‬اً ملا عند اهلل ‪‬‬
‫بقولكما‪ » ‬إشارة إىل رفعة قدرمها ّ‬
‫‪.937‬‬
‫ينص احلديث على حتميّة العمل ب‪GG‬رأي‬ ‫‪G‬يب ‪ ‬معهما يف ال‪GG‬رأي‪ ،‬وال ّ‬‫وه‪GG‬ذا ال يعين أك‪GG‬ثر من أن يتّفق الن‪ّ G‬‬
‫الشيخني مطلقاً‪ ،‬واملسألة اليت حنن بصدد حبثها هي التنفيذ مع خمالفة األغلبيّة‪.938‬‬
‫‪-4‬باإلض‪GG G‬افة إىل أ ّن رأي الش‪GG G‬يخني أيب بكر وعمر –رضي اهلل عنهم‪GG G‬ا‪ -‬ميثّل رأي اجملتمع اإلس‪GG G‬المي‬
‫ال خيالفوهنم‪GG G‬ا؛ وذلك ملكانتهما االجتماعية الكب ‪GG‬رية‪ G.‬فك ‪GG‬أ ّن‬ ‫األول‪ ،‬ف‪GG G‬إذا اتّفقا على أمر ف‪GG G‬إ ّن الص‪GG G‬حابة ‪‬‬
‫ّ‬
‫‪G‬يب ‪ ‬بقوله ذاك‪ ،‬ي‪GG G G‬رى ب‪GG G G‬أ ّن اتّف‪GG G G‬اق الش‪GG G G‬يخني على رأي واح‪GG G G‬د؛ إمّن ا ميثّل رأي أغلبيّة الص ‪GG G‬حابة‪ ،‬حبكم‬
‫الن ‪ّ G G‬‬
‫احلل الوسط املقب‪GG G‬ول‪ G‬من اجلمي‪GG G‬ع‪،‬‬
‫مكانتهما االجتماعي ‪GG G‬ة‪ ،‬وحبكم أ ّن ال ‪GG G‬رأي املتّفق عليه –يف الغ ‪GG G‬الب‪ G-‬ميثّل ّ‬

‫ص‪.772.‬‬ ‫ابن حزم (أبو حممد علي)‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬مطبعة اإلمام‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬اجمللد الثاين‪،‬‬ ‫‪935‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.124 .‬‬ ‫‪936‬‬

‫‪ 937‬اآللوسي (شهاب ال ّدين)‪ ،‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪1983 ،‬م‪ ،‬جـ‪ ،4.‬ص‪.‬‬
‫‪.107‬‬
‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.124 .‬‬ ‫‪938‬‬
‫من ق‪Gّ G G‬وة وتش ‪ّ G G‬دد‪،‬‬ ‫الس‪GG G‬يما مع اتّص‪GG G G‬اف أيب بكر الص‪ّ G G G‬ديق ‪ ‬ب‪Gّ G G G‬اللني والتس‪GG G G‬امح‪ ،‬وما ع‪GG G G‬رف عن عمر ‪‬‬
‫احلل الوسط الذي تتّفق عليه األغلبيّة‪.939‬‬ ‫فاتّفاقهما على أمر ميثّل ّ‬
‫وهبذا ف ‪GG‬إ ّن االس ‪GG‬تدالل هبذا احلديث ال يفيد ج ‪GG‬واز ع ‪GG‬دم ال ‪GG‬تزام احلاكم ب ‪GG‬رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬بق ‪GG‬در ما يفيد‬
‫‪G‬يب ‪ ،‬وهو الرس ‪GG‬ول املوحى إليه‪ ،‬يل ‪GG‬تزم مبا يتّفق عليه الص ‪GG‬حابيان (أبو بكر وعم ‪GG‬ر)‬
‫العكس‪ ،‬وذلك أل ّن الن ‪ّ G‬‬
‫اللّ‪GG‬ذان ميثّالن أغلبيّة الص‪GG‬حابة‪ ،‬حبكم مكانتهم‪GG‬ا‪ ،‬فكأنّه‪‬يق‪Gّ G‬ر النـزول على ما تتّفق عليه األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬وه‪GG‬ذا على‬
‫صحة احلديث الذي أوردناه‪.‬‬ ‫فرضيّة ّ‬
‫ثانيا‪ :‬من السنّة الفعليّة‬
‫‪940‬‬
‫أهم ما اس‪GG‬تند إليه ه‪GG‬ذا الفريق للق‪GG‬ول إ ّن احلاكم غري مل‪GG‬زم‬
‫ّ‬ ‫‪ -1‬تعترب وق‪GG‬ائع "ص‪GG‬لح احلديبيّة"‬
‫باتّباع رأي األغلبيّة‪ ،‬وأنّه ميكنه األخذ مبا يراه‪ ،‬دون االلتفات إىل ما تراه األغلبيّة‪G.‬‬
‫وي‪GG‬رى ه‪GG‬ذا الفريق ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن ه‪GG‬ذه احلادثة واض‪GG‬حة وض‪GG‬وح الش‪GG‬مس يف أ ّن للقائد أو احلاكم أن يس‪GG‬تعمل‬
‫ح ّقه يف أمر ي‪GG G G‬راه ص‪GG G G‬وابًا‪ ،‬وإن خ ‪GG G G‬الف رأي األكثريّ ‪GG G G‬ة‪ ،‬وذلك دليل على ع‪GG G G‬دم إلزاميّة النـزول على رأي‬
‫تشريعا‪.941‬‬
‫ً‬ ‫األغلبيّة‪ ،‬ومعلوم أ ّن عمل الرسول‪‬يعترب‬
‫حيث إ ّن الرسول‪‬قد عقد العزم على صلح احلديبيّة‪ ،‬وعزم على إمضائه على النحو ال‪GG‬ذي رآه‪ ،‬رغم‬
‫ص‪G‬ديق‪ ‬فإنّه قد س‪G‬لّم ب‪G‬األمر‪ ،‬ليقينه بأنّه من عند اهلل ‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫إمجاع الص‪GG‬حابة على خالف‪GG‬ه‪ ،‬ما ع‪GG‬دا ال ّ‬
‫احلق‪ ،‬واس ‪GG‬تغفروا‪ G‬رهّب م على خمالفتهم لن ‪GG‬بيّهم يف‬
‫ع ‪GG‬اد ه ‪GG‬ؤالء الص ‪GG‬حابة إىل طاعة اهلل‪ ،‬بعد أن ه ‪GG‬داهم اهلل إىل ّ‬
‫ّأول األمر‪.942‬‬
‫ص‪G G‬ة‪ ،‬حيث‬ ‫وقد أيّد ه‪GG G‬ذا االجّت اه اإلم‪GG G‬ام ابن قيّم اجلوزي‪GG G‬ة‪ ،‬عند استخالصه للفوائد الفقهية‪ G‬يف تلك الق ّ‬
‫ق ‪GG‬ال‪ « :‬ومن ه‪GG G‬ذه الفوائد‪ G‬اس‪GG G‬تحباب مش‪GG G‬ورة اإلم‪GG G‬ام رعيّته وجيش‪GG G‬ه‪ ،‬اس‪GG G‬تخراجاً لوجه ال ‪GG‬رأي‪ ،‬واس ‪GG‬تطابة‬
‫وتعرفًا ملص‪GG G‬لحة خيتّص بعلمها بعض‪GG G‬هم دون بعض‪ .943» ‬فهنا ي‪GG G‬ذهب اإلم‪GG G‬ام ابن‬ ‫لنفوس‪GG G‬هم‪ ،‬وأمنًا لعتبهم‪ّ ،‬‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.125-124 .‬‬ ‫‪939‬‬

‫وقد كانت "غزوة احلديبيّة" سنة ست للهجرة يف ذي القعدة ‪ .‬انظر يف تفاصيل أحداثها‪ :‬السيرة النبوية لإلم‪GG‬ام أيب الف‪GG‬دا إمساعيل ابن‬ ‫‪940‬‬

‫كثير‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى عبد الواحد‪ ،‬دار الرائد العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1407 ،3.‬هـ‪1987-‬م‪،‬جـ‪ ،3.‬ص‪ 312 .‬وما بعدها ‪.‬‬
‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.132 .‬‬ ‫‪941‬‬

‫سميع (صاحل حسن)‪ ،‬أزمة الحرية السياسة في الوطن العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.229-228.‬‬ ‫‪942‬‬

‫‪ 943‬ابن قيّم الجوزيّة (احلافظ أبو عبد اهلل)‪ ،‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬دار الكت‪GG‬اب الع‪GG‬ريب‪ ،‬ب‪G‬ريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.‬‬
‫‪.127‬‬
‫حتققه ه‪GG‬ذه املش‪GG‬ورة من فوائ‪GG‬د‪ ،‬وليس لكوهنا واجب‪GG‬ة‪ ،‬أو‬
‫‪G‬تحب لإلم‪GG‬ام أن يش‪GG‬اور رعيّت‪GG‬ه؛ ملا ّ‬
‫القيّم إىل أنّه يس‪ّ G‬‬
‫أل ّن اإلمام ملزم بالتزام نتيجة هذه املشورة‪.‬‬
‫ويناقش هذا االستدالل مبا يأيت‪:‬‬
‫أ‪ -‬لكي تك ‪GG‬ون‪ G‬األحك ‪GG‬ام املس ‪GG‬تقاة‪ G‬من تلك الوق ‪GG‬ائع يف"ص ‪GG‬لح احلديبيّ ‪GG‬ة" ص ‪GG‬حيحة وس ‪GG‬ليمة‪ ،‬فالبّد من‬
‫النّظر إليها نظرة مشوليّة‪.944‬‬

‫النيب ‪‬وأقواله‪ ،‬من خالل تلك احلوادث املتتابعة‪ G‬اليت نتج عنها ّ‬
‫الصلح‪ ،‬نستنتج‬ ‫تصرفات ّ‬
‫فإذا رصدنا ّ‬
‫أ ّن األمر يف تلك املرحلة قد خرج من ميدان الشورى وحدود االجتهاد‪ ،‬ودخل دائرة ال‪GG‬وحي‪ ،‬اليت ال جمال‬
‫فيها للرأي‪.945‬‬
‫فالش‪GG‬ورى ال تك‪GG‬ون يف ش‪GG‬أن ج‪GG‬اء من اهلل‪ ‬فيه أم‪GG‬ر‪ ،‬وعليه فالاس‪GG‬تدالل هبذه احلادثة على ع‪GG‬دم إلزاميّة‬
‫الشورى باطل من أساسه‪.946‬‬
‫أي مرحلة من مراحل‪GG G G‬ه‪ -‬حمالً للش‪GG G G‬ورى؛ وإمّن ا ص ‪GG G‬در فيه‬
‫فموض‪GG G G‬وع "ص‪GG G G‬لح احلديبيّ‪GG G G‬ة" مل يكن –يف ّ‬
‫الرسول‪ ‬عن الوحي‪ ،‬من ّأوله إىل آخره‪.947‬‬

‫إذن‪ ،‬فالرس‪GG‬ول‪ ‬ك‪GG‬ان يت ّ‬


‫ص ‪G‬رف يف تلك الظ‪GG‬روف متّبع ‪G‬اً توجيه‪GG‬ات ربّ‪GG‬ه‪ ،‬حىت ولو ك‪GG‬ان ذلك خمالف ‪G‬اً‬
‫رده على معارضة عمر‪ « : ‬أنا عبد هللا ورسوله‪ ،‬لن‬
‫ل‪GG‬رأي الص‪GG‬حابة‪ ،‬ومن هنا يفهم ق‪GG‬ول الرس‪GG‬ول‪ ‬يف ّ‬
‫أخالف أمره‪ ،‬ولن يضيعّني‪ ،948» ‬فه‪GG‬ذا احلديث دليل ق‪GG‬اطع على أ ّن األمر هو أمر اهلل‪ ،‬فهو ال‪GG‬وحي ال‪GG‬ذي‬
‫حمل للشورى فيه‪ ،‬وإمّن ا الطاعة واالنقياد‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وهبذا يس‪GG G G‬قط االس‪GG G G‬تدالل بتلك الواقعة (ص‪GG G G‬لح احلديبيّ‪GG G G‬ة) للق‪GG G G‬ول إ ّن للح‪GG G G‬اكم أو القائد خمالفة رأي‬
‫األغلبيّة‪ ،‬والعمل برأيه الشخصي دون اعتبار ملا تراه األغلبيّة‪G.‬‬
‫ب‪ -‬فإن قيل‪ :‬إنّه مع التّسليم بأ ّن هذا األمر هو أمر الوحي‪ ،‬ولو كان غري متلو‪ ،‬فإ ّن ه‪GG‬ذا ال‪GG‬وحي قد‬
‫جاء مبخالفة األكثريّة‪ ،‬وعدم إلزاميّة الشورى‪.‬‬

‫سميع (صاحل حسن)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.238 .‬‬ ‫‪944‬‬

‫الغزالي (حممد)‪ ،‬اإلسالم واالستبداد السياسي‪ ،‬دار الكتب احلديثة‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪1961 ،‬م‪ ،‬ص‪.51 .‬‬ ‫‪945‬‬

‫‪.23‬‬ ‫عزة (عبد اهلل)‪" ،‬الشورى أم االستبداد ؟"‪ ،‬مقال مبجلّة "المجتمع"‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ ،38 :‬ديسمرب ‪ 1970‬م‪ ،‬ص‪.‬‬
‫أبو ّ‬
‫‪946‬‬

‫العوا (حممد سليم)‪ ،‬في النظام السياسي للدولة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.190 .‬‬ ‫‪947‬‬

‫ابن كثير (أبو الفداء)‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،3 .‬ص‪.320 .‬‬ ‫‪948‬‬
‫حمل النـزاع‪ ،‬إذ إنّنا ال نناقش مسألة ك‪GG‬ون األغلبيّة‬ ‫فالرد على ذلك يكون بالقول‪ :‬إ ّن هذا خروج عن ّ‬ ‫ّ‬
‫على ص‪GG‬واب أم خط‪GG‬إ‪ ،‬فك‪GG‬ون ال‪GG‬وحي ي‪GG‬أيت مبخالفة األغلبيّة ال يعين ع‪GG‬دم التزامنا ب‪GG‬رأي األغلبيّة‪ G‬فيما ليس فيه‬
‫وحي‪ ،‬فمع التس ‪GG‬ليم بأنّه ما دام ال ‪GG‬وحي قد ن ‪GG‬زل خمال ًفا األغلبيّ ‪GG‬ة‪ ،‬فال ع ‪GG‬ربة ب ‪GG‬رأي األكثـريّة –مطل ًق‪GG‬ا‪-‬؛ ف ‪GG‬إ ّن‬
‫ذلك يقتضي‪ G‬التس‪GG‬ليم بإلزاميّة اتّب‪GG‬اع‪ G‬رأي األغلبيّة إذا ن‪GG‬زل ال‪GG‬وحي مؤيّ‪ً G‬دا له –مطل ًق‪GG‬ا‪ ،-‬وهن‪G‬اك ح‪GG‬وادث ن‪GG‬زل‬
‫فيها ال ‪GG‬وحي مؤيّ ‪Gً G‬دا رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪ .‬وه ‪GG‬ذا االس ‪GG‬تدالل مرف ‪GG‬وض ألنّه اس ‪GG‬تدالل جبزئيّة واح ‪GG‬دة‪ ،‬وي ‪GG‬راد تعميمها‬
‫الكل ‪.949‬‬
‫على ّ‬
‫وخالصة الق‪GG‬ول يف ك‪Gّ G‬ل ما س‪GG‬بق‪ ،‬أنّه مع إثب‪GG‬ات أ ّن األمـر يف حادثة "ص‪GG‬لح احلديبيّ‪GG‬ة" هو أمـر قد ن‪GG‬زل‬
‫مطروحا للنق‪GG‬اش وت‪GG‬داول اآلراء‪ ،‬وعلى ه‪GG‬ذا فإنّه ال عالقة هلذه املس‪GG‬ألة مبوض‪GG‬وع‬ ‫ً‬ ‫فيه الوحي؛ ف‪GG‬إ ّن األمر ليس‬
‫إلزاميّة األخذ برأي األغلبيّة أو عدمه‪.‬‬
‫استدل هذا الفريق هبذه احلادثة‪ ،‬للقول إ ّن الرسول‪‬مل يأخذ برأي أصحابه‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬أسرى بدر‪ :950‬وقد‬
‫(وهم األغلبيّ ‪GG G G G G G‬ة) يف حادثة أس ‪GG G G G G G‬رى موقعة ب ‪GG G G G G G‬در؛ وإمّن ا أخذ برأيه ال ‪GG G G G G G‬ذي ك ‪GG G G G G G‬ان يش ‪GG G G G G G‬اركه فيه أبو بكر‬
‫الص ّديق‪.951‬‬
‫ونناقش هذا الدليل فيما يأيت‪:‬‬
‫أ‪ -‬إ ّن الرس‪GG G G‬ول‪ ‬يف ه‪GG G G‬ذه احلادثة مل خيالف رأي األكثري‪GG G G‬ة‪ ،‬بل وافقهـم‪ ،‬إذ األغلبيّة هي اليت رأت‬
‫قب‪GG G‬ول الف‪GG G‬داء‪ ،‬وال‪GG G‬دليل على ذلك هو قوله‪ « :‬أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الف داء‪،» ‬‬

‫‪G‬يب‪‬قد ّ‬
‫وجه اخلط‪GG G G‬اب إىل ك ‪Gّ G G‬ل من أيب بكر وعمر –رضي اهلل‬ ‫فعلى ال‪Gّ G G G‬رغم من أنّه يف ّأول األمر ك‪GG G G‬ان الن‪ّ G G G‬‬
‫‪G‬ددا آخر من الص‪GG‬حابة –ال نعلمهم‪ -‬قد‬‫عنهم‪GG‬ا‪ -‬إالّ أنّه يف آخر ه‪GG‬ذا احلديث ال‪GG‬ذي نقلن‪GG‬اه‪ ،‬إش‪GG‬ارة إىل أ ّن ع‪ً G‬‬
‫تدخل وأيّد وجهة نظر أيب بكر‪ ،‬فكان أن عمل الرسول‪ ‬مبشورهتم‪.952‬‬
‫ّ‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.137-136 .‬‬ ‫‪949‬‬

‫‪ 950‬يراجع يف تفاص‪GG‬يل ه‪GG‬ذه احلادث‪GG‬ة‪ :‬ص((حيح مس((لم بش‪GG‬رح الن((ووي‪ ،‬ب‪GG‬اب "اإلم‪GG‬داد باملالئكة يف غ‪GG‬زوة ب‪GG‬در وإباحة الغن‪GG‬ائم"‪ ،‬دار الفكر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬د‪ .‬م‪ ،‬د‪ .‬ط‪1983 ،‬م‪ ،‬اجمللد السادس‪ ،‬جـ‪ ،12 .‬ص‪ 84 .‬ومابعدها‪.‬‬
‫متولي (عبد احلميد)‪ ،‬مبدأ الشورى في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.16-15 .‬‬ ‫‪951‬‬

‫أبو عزة (عبد اهلل)‪" ،‬الشورى أم االستبداد ؟"‪ ،‬مقال مبجلّة "المجتمع"‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪1971 ،43 :‬م‪ ،‬ص‪.13 .‬‬ ‫‪952‬‬
‫واآلية اليت ن‪GG G‬زلت معاتب‪GG G‬ة‪ ،‬وموافقة‪ G‬لق‪GG G‬ول عمر‪ ،‬قد تض‪GG G‬منّت املؤاخـذة لعامـة املسلمـني ‪‬تُريِ ُدونَ‬
‫ض ال ُّدن ْياَ وهللاُ يُري ُد اآل ِخ َرةَ وهللاُ عَزيِ ٌز َح ِكي ٌم‪ .953 ‬يق ‪GG G‬ول ابن عاش ‪GG G‬ور‪ « :‬واخلط ‪GG G‬اب يف قوله‬
‫َع َر َ‬
‫«‪ ‬تري‪G‬دون‪ » ‬للفريق ال‪G‬ذين أش‪G‬اروا بأخذ الف‪G‬داء‪ ،‬وفيه إش‪G‬ارة إىل أ ّن الرس‪G‬ول‪ ‬غري مع‪G‬اتب‪ ،‬ألنّه أخذ ب‪G‬رأي‬
‫اجلمهور‪.954» ‬‬
‫وورد يف تفسري املن‪GG‬ار أ ّن ما فعله الرس‪GG‬ول‪ ‬من قب‪GG‬ول الف‪GG‬داء؛ ّإنما ك‪GG‬ان رأي مجه‪GG‬ور أص‪GG‬حابه‪ ،‬ال‬
‫رأي أيب بكر ال ّص ‪G‬ديق‪ ‬وح‪GG‬ده‪ ،‬وأ ّن احلكمة من ت‪GG‬رجيح الرس‪GG‬ول‪‬ل‪GG‬رأي اجلمه‪GG‬ور املرجـوح‪ ،‬مثّ إنك‪GG‬اره‪‬‬
‫نص فيه من اهلل ‪ ،‬هو‬‫ذلك عليهم‪ ،‬كان حلكم منه‪G‬ا‪ :‬أ ّن عمل الرس‪G‬ول‪ ‬ب‪G‬رأي اجلمه‪GG‬ور األعظم فيما ال ّ‬
‫ركن من أرك‪GG‬ان اإلص‪GG‬الح السياسي‪ G‬واملدين ال‪GG‬ذي عليه أك‪GG‬ثر األمم يف دوهلا القويّة يف ه‪GG‬ذا العص‪GG‬ر‪ ،‬وأ ّن يف‬
‫ذلك بيانًا أ ّن اجلمهور األعظم قد خيطئ‪G‬ون‪ ،‬والس‪G‬يّما يف األمر ال‪G‬ذي هلم فيه ه‪G‬وى ومنفع‪G‬ة‪ ،‬ومنه يعلم أ ّن ما‬
‫شرعه اهلل‪ ‬من العمل برأي األكثريّة‪ ،‬فسببه أنّه هو األمثل يف األمور العامة‪ ،‬ال أهّن م معصومون‪ G‬فيها‪.955‬‬
‫إذن‪ ،‬فالرسول‪‬يف هذه احلادثة‪ ،‬قد امتثل ل‪G‬رأي أغلبيّة أص‪G‬حابه‪ ،‬ال‪G‬ذين ك‪G‬ان على رأسهـم أبو بكر‬
‫حجة‬ ‫ص ‪G‬ديق‪ ،‬وهبذا ف ‪GG‬إ ّن ه ‪GG‬ذا ال ‪GG‬دليل يعترب ّ‬
‫حج‪G G‬ة على ه ‪GG‬ذا الفريق املنكر للعمل ب ‪GG‬رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬وليس ّ‬ ‫ال ّ‬
‫هلم‪.‬‬
‫ب‪ّ -‬أما عتاب اللّه‪ ‬لنبيّه‪‬يف قوله‪َ : ‬ما َكانَ لِنَبِ ٍّي أَ ْن يَ ُكونَ لَهُ أَ ْس َرى َحتَّى ي ُْث ِخنَ فِي األَرْ ِ‬
‫ض‬
‫َزي ٌز َح ِكي ٌم ‪ .‬لَوْ الَ ِكتَابٌ ِّمنَ هللاِ َسبَ َ‬
‫ق لَ َم َّس ُك ْم فِي َما أَ َخ ْذتُ ْم‬ ‫ض ال ُّد ْنيَا وهللاُ ي ُِري ُد ِ‬
‫اآلخ َرةَ وهللاُ ع ِ‬ ‫تُ ِري ُدونَ َع َر َ‬
‫َع َذابٌ ع َِظي ٌم فَ ُكلُوا ِم َّما َغنِ ْمتُ ْم َحالَالً طَيِّبًا واتَّقُوا هللاَ إِ َّن هللاَ َغفُو ٌر ر َِّحي ٌم‪.956‬‬
‫ف‪GG‬إ ّن ه‪GG‬ذا العت‪GG‬اب ليس بس‪GG‬بب أخذ الرس‪GG‬ول‪‬ب‪GG‬رأي األكثريّة اليت رأت قب‪GG‬ول الف‪GG‬داء‪ ،‬وذلك ب‪GG‬دليل أنّه‬
‫‪‬مل يغرّي حكم أخذ الفدية من األس‪GG G G G G‬رى وإباحة الغنائـم‪ ،‬إذ إ ّن اآلية تؤيّد حكم األغلبيّة يف قوله‪: ‬‬
‫فَ ُكلُوا ِم َّما َغنِ ْمتُ ْم َحالَالً طَيِّبًا‪.957‬‬

‫سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪.67 :‬‬ ‫‪953‬‬

‫ابن عاشور (حممد الطاهر)‪ ،‬تفسير التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،10 .‬ص‪.75 .‬‬ ‫‪954‬‬

‫(حممد رشيد)‪ ،‬تفسير المنار (تفسير القرآن الحكيم)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬اجمللّد العاشر‪ ،‬ص‪.94-93 .‬‬
‫رضا ّ‬
‫‪955‬‬

‫‪ 956‬سورة األنفال‪ ،‬اآليات‪ 67 :‬و‪68‬و‪.69‬‬


‫‪ 957‬األنفال‪ ،‬اآلية‪.69 :‬‬
‫أقرهم اهلل‪ ‬على رأيهم‪ ،‬وملا أباح هلم الغنائم‪ ،‬وألمر‬ ‫إذ لو كان العتاب داالً على خطإ األكثريّة‪ ،‬ملا ّ‬
‫اهلل رسوله بعدم قبول الفدية‪.958‬‬
‫ذم األخذ ب ‪GG‬رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬ما دام أ ّن ه ‪GG‬ذا العت ‪GG‬اب مل ي ‪GG‬أت بس ‪GG‬بب ه ‪GG‬ذا‬
‫حجة على ّ‬
‫إذن فالعت ‪GG‬اب ليس ّ‬
‫األمر‪ ،‬بل جاء بسبب آخر‪ ،‬وهو إيثار الدنيا على اآلخرة‪.‬‬
‫‪G‬يب‪‬قد خ ‪GG‬الف يف ه ‪GG‬ذه احلادثة رأي أغلبيّة الص ‪GG‬حابة ال ‪GG‬ذين رأوا قتل‬ ‫جـ‪ -‬وحىّت مع التس ‪GG‬ليم ب ‪GG‬أ ّ‪G‬ن الن ‪ّ G‬‬
‫األسرى‪ ،‬وأخذ برأي األقليّة اليت رأت قبول الفداء‪ ،‬وهلذا ن‪GG‬زلت اآلي‪GG‬ات تعاتبه يف أخ‪G‬ذه ب‪GG‬رأي األقليّة وت‪GG‬رك‬
‫رأي األكثري ‪GG‬ة؛ ف ‪GG‬إ ّن ه ‪GG‬ذا يؤ ّكد إلزاميّة األخذ ب ‪GG‬رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G.‬ويف ه ‪GG‬ذا يق ‪GG‬ول الش ‪GG‬يخ حمم ‪GG‬ود ش ‪GG‬لتوت‪:959‬‬
‫‪G‬يب‪‬يف أنّـه مل يأخذ ب‪GG‬رأي اآلخ‪GG‬رين‪ ،» ‬وإن قيل إ ّن «‪ ‬ه‪GG‬ذا العتب‪ G‬مل‬ ‫«‪ ‬فنـزلت آي‪GG‬ات ش‪GG‬ديدة العتب على الن‪ّ G‬‬
‫يكن لع‪GG‬دم أخ‪GG‬ذه ب‪GG‬رأي األغلبيّة من أص‪GG‬حابه؛ وإمّن ا أل ّن رأيهم ك‪GG‬ان األص‪GG‬لح يف ذلك احلني‪ ،960» ‬ف‪GG‬إ ّن ال‪Gّ G‬رد‬
‫على ذلك يكون باآليت‪:‬‬
‫*إ ّن قصر عتاب اهلل‪ ‬لنبيّه‪ ‬بسبب عـدم أخـذه بالرأي األصلـح ال ميكن التس‪GG‬ليم ب‪GG‬ه؛ وذلك ألنّه كما‬
‫ض ‪G‬ا‪ ،‬وأم ‪GG‬ام ه ‪GG‬ذه‬
‫أ ّن ه ‪GG‬ذا االحتم ‪GG‬ال ق ‪GG‬ائم‪ ،‬فك ‪GG‬ذلك ف ‪GG‬إ ّن احتم ‪GG‬ال العت ‪GG‬اب بس ‪GG‬بب تركه رأي األغلبيّة ق ‪GG‬ائم أي ً‬
‫االحتماالت ال تستقيم هذه الدعوى‪.961‬‬
‫*هذا باإلضافة إىل أ ّن حتديد الصواب من اخلطإ يف األمور االجتهاديّ‪G‬ة‪ ،‬ال يتّم مع اس‪G‬تبعاد العمل مبب‪G‬دإ‬
‫األغلبيّة؛ فهذا املبدأ هو املعيار والدليل الرتجيحي‪.962‬‬
‫‪G‬يب ‪‬قد عمل ب‪GG‬رأي أغلبيّة الصحـابة أم ب‪GG‬رأي األقليّ‪GG‬ة‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن اآلي‪GG‬ات‬
‫وهبذا خنلص إىل أنّه س‪GG‬واء أك‪GG‬ان الن‪ّ G‬‬
‫املعاتبة‪ G‬ال تنكر العمل برأي األغلبيّة‪ G‬يف كال االحتمالني‪ .‬فعلى فرضيّة أنّه‪‬قد عمل ب‪GG‬رأي األقليّ‪GG‬ة‪ ،‬وهو ق‪GG‬ول‬
‫مرج ‪GG‬وح؛ ف ‪GG‬إ ّن اآلي ‪GG‬ات قد عاتبته على تركه األخذ ب ‪GG‬رأي اآلخ ‪GG‬رين‪ ،‬وعلى فرض ‪GG‬يّة أنّه عمل ب ‪GG‬رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪،‬‬
‫حمل العتاب ليس بسبب أخذه برأي األغلبيّة‪ ،‬بل لتطلّع املسلمني إىل احلصول على املال‪.‬‬ ‫وهو الراجح؛ فإ ّن ّ‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.140 .‬‬ ‫‪958‬‬

‫اإلسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة –بريوت‪ ،‬ط‪ 1992 ،16 .‬م‪ ،‬ص‪.440 .‬‬ ‫‪959‬‬

‫‪ 960‬متولي (عبد احلميد)‪ ،‬مبدأ الشورى في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15 .‬‬
‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.143 .‬‬ ‫‪961‬‬

‫‪ 962‬األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.143 .‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬األدلّة( المستم ّدة من سيرة بعض الخلفاء الراشدين‬

‫لقد اعتمد أصحاب هذا االجّت اه كذلك على بعض األدلّة املستم ّدة من سرية بعض اخللف‪GG‬اء الراش‪GG‬دين؛‬
‫وذلك لالس ‪GG G‬تالل هبا على ما ذهب ‪GG G‬وا إليه من أ ّن رأي األغلبيّة‪ G‬غري مل ‪GG G‬زم‪ ،‬ف ‪GG G‬اعتربوا أ ّن اخللف‪GG G‬اء الراش‪GG G‬دين مل‬
‫يأخذوا برأي األغلبيّة‪ G‬يف مواقف كثرية‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬بعث جيش أسامة( إلى فلسطين‬
‫الصديق‪‬على إنفاذ جيش أسامة بن زيد إىل فلسطني–وهو اجليش الذي كان‬
‫فقد عزم أبو بكر ّ‬
‫ص ‪G‬ديق‪ ‬على‬ ‫الرس‪GG‬ول‪‬قد أع ‪ّ G‬ده وجه‪Gّ G‬زه قبل وفات‪GG‬ه‪ -‬وذلك رغم اع‪GG‬رتاض‪ G‬أغلبيّة الص‪GG‬حابة على أيب بكر ال ّ‬
‫هذا األمر‪.963‬‬
‫‪G‬حابة يف األمر املش‪GG‬ور ب‪GG‬ه‪،‬‬
‫ص ‪G‬ديق مل ينـزل عند رأي الص‪ّ G‬‬ ‫ووجه الداللة من ه‪GG‬ذه احلـادثة‪ ،‬أ ّن أبا بكر ال ّ‬
‫رجـح رأيه على رأيهـم‪ ،‬وهم األكثري‪GG‬ة‪ ،‬ومضى يف تنفيذ ما ع‪GG‬زم علي‪GG‬ه‪ ،‬وه‪GG‬ذا‬ ‫وهو ع‪GG‬دم اخلروج‪ ،‬بل إنّه قد ّ‬
‫ما ي ّدل بوضوح على أ ّن احلاكم غري ملزم باتبّاع رأي األغلبيّة‪.964G‬‬
‫ويرد على هذا االس‪G‬تدالل ب‪G‬أ ّ‪G‬ن ه‪G‬ذا املوقف من أيب بكر ال ّص‪G‬ديق‪ ‬إمّن ا ك‪G‬ان تنفي‪G‬ذاً لوص‪G‬يّة الرس‪G‬ول‪‬‬
‫ّ‬
‫جهز جيش أس‪GG‬امة بن زيد و أش‪GG‬رف على ذلك بنفس‪GG‬ه‪ ،‬مث منعه من اخلروج م‪GG‬رض الرس‪GG‬ول‬
‫ال‪GG‬ذي ك‪GG‬ان قد ّ‬
‫‪ ،‬فك ّ‪G‬ل ما فعله أبو بكر يف ه‪GG‬ذا الش‪GG‬أن إمّن ا هو تنفيذ أمر رس‪GG‬ول اهلل‪ ،‬ال‪G‬ذي خ‪G‬رج اجليش قبل موته من‬
‫املدينة فعالً‪ ،‬مثّ رأى قائ ‪GG‬ده أن يقيم –حني اش ‪GG‬ت ّد م ‪GG‬رض رس ‪GG‬ول اهلل‪ ‬على مقربة من ‪GG‬ه‪ ،‬ل ‪GG‬ريوا ما يك ‪GG‬ون‪ G‬من‬
‫أمر هذا املرض‪.965‬‬
‫رد أيب بكر على معارضة الص‪GG‬حابة‪ ،‬حينما لفت نظ‪GG‬رهم إىل حقيقة األمر يف املس‪GG‬ألة‪G‬‬
‫وب‪GG‬ذلك يُفهم ّ‬
‫أحل عقدة عقدها رسول اهلل‪ ‬ولو أ ّن الطرّي ختطّفنا ّ‬
‫والسباع من حول املدينة‪.966» ‬‬ ‫قائالً ‪ « :‬واهلل ال ّ‬

‫‪ 963‬ملزيد من التفص‪GG‬يل يف ه‪GG‬ذه احلادثة يراج‪GG‬ع‪ :‬ابن كثير(أبو الف‪GG‬داء إمساعيل)‪ ،‬البدايـة والنهايـة‪ ،‬طبعة دار الفكر الع‪GG‬ريب‪ ،‬ط‪ 2،1387 .‬هـ ‪،‬‬
‫اجمللد الثالث‪ ،‬جـ‪ ،6.‬ص‪.343.‬‬

‫زيدان (عبد الكرمي)‪ ،‬أصول الدعوة‪ ،‬قصر الكتاب‪ ،‬البليدة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.222 .‬‬ ‫‪964‬‬

‫جـ‪ ،4.‬ص‪.328.‬‬ ‫النبي‪ ، ‬طبعة دار الفكر‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬


‫ابن هشام (أبو حممد عبد امللك )‪ ،‬سيرة ّ‬
‫‪965‬‬

‫ابن كثير (أبو الفداء)‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬اجمللد الثالث‪ ،‬جـ‪ ،6 .‬ص‪.304 .‬‬ ‫‪966‬‬
‫ص‪G‬ديق‪ ‬قد عمل يف ه‪GG‬ذا األمر مبا يعترب من اختصاص‪GG‬اته‪ ،‬وهو تنفيذ ما ك‪GG‬ان الرس‪GG‬ول‬
‫فهنا أبو بكر ال ّ‬
‫‪ ‬قد عزم عليه قبل وفاته‪ ،‬وبذلك يكون قد ن ّفذ ما كان وحياً‪ ،‬وليس رأياً منه‪.967‬‬
‫ويل األمر ل‪GG‬رأي األغلبيّ‪GG‬ة‪ G،‬م‪GG‬ادام قد ثبت أ ّن‬
‫وب‪GG‬ذلك يس‪GG‬قط االس‪GG‬تدالل هبذه احلادثة على ج‪GG‬واز خمالفة ّ‬
‫األمر هنا هو أمر الوحي‪ ،‬والذي ال جمال للشورى فيه أصالً‪.‬‬
‫الصديق ألهل الر ّدة( ومانعي( الزكاة‬
‫ثانيا‪ :‬قتال أبي بكر ّ‬
‫وذلك ملا ارت ّد كثري من األعراب عن اإلسالم‪ G،‬وامتنع‪G‬وا عن دفع الزك‪G‬اة‪ ،‬فطُ‪G‬رح األمر للش‪G‬ورى‬
‫ص‪G‬ديق‪ ‬ش‪GG‬رعيّة قت‪GG‬اهلم‪ ،‬ويف اجلانب املقابل رأى بقيّة املس‪GG‬لمني ع‪GG‬دم‬
‫بني املس‪GG‬لمني‪ ،‬ف‪GG‬رأى اخلليفة أبو بكر ال ّ‬
‫شرعيّة قتاهلم‪ ،‬وعلى رأسهم عمر بن اخلطاب‪.968 ‬‬
‫ص ‪G‬ديق‪ ‬قد عمل مبا ي ‪GG‬راه ص ‪GG‬واباً‪ ،‬دون االلتف ‪GG‬ات‬ ‫ووجه الداللة من ه ‪GG‬ذه احلادثة أ ّن اخلليفة أبا بكر ال ّ‬
‫‪969‬‬
‫ويل األمر غري مل‪GG‬زم باتّب‪GG‬اع رأي األغلبيّ‪GG‬ة‪ G،‬وأ ّن‬
‫إىل رأي غ‪GG‬ريه من الص ‪G‬حابة‪ ،‬وهم أكثريّة ؛ وه‪GG‬ذا يعين أ ّن ّ‬
‫له أن يعمل برأيه الشخصي‪ ،‬دون االلتفات إىل ما تراه األغلبيّة‪.‬‬
‫وهذا االستدالل ميكن مناقشته من جانبني‪:‬‬

‫ص‪G G‬ديق‪ ‬قد قاتل ه ‪GG‬ؤالء املرت‪ّ G G‬دين ألهّن م أنك‪GG G‬روا ً‬
‫معلوما من ال ‪ّ G G‬دين بالض ‪GG‬رورة‪ ،‬وهو‬ ‫‪-1‬إ ّن أبا بكر ال ّ‬
‫ص ‪G‬حيح ال‪GG‬ذي رواه البخ‪GG‬اري ومس‪GG‬لم‬ ‫ص ‪G‬ا قطعيًا وص‪GG‬رحياً‪ ،‬وهو احلديث ال ّ‬ ‫"الزك‪GG‬اة الواجب‪GG‬ة"‪ ،‬فهو هنا يطبّق ن ًّ‬
‫أمرت أن أقاتل النّ اس ح تى‬
‫ُ‬ ‫‪G‬يب‪‬أنّه ق‪GG G‬ال‪ « :‬‬
‫–وال ‪GG‬ذي رواه عبد اهلل بن عمر –رضي اهلل عنهم ‪GG‬ا‪ -‬عن الن‪ّ G G‬‬
‫الص الة ويؤت وا الزك اة‪ ،‬ف إن فعل وا ذلك‬‫وأن مح ّم دًا رس ول هللا‪ ،‬ويقيم وا ّ‬ ‫يش هدوا أن ال إله إالّ هللا‪ّ ،‬‬
‫عصموا منّي دماءهم وأموالهم إالّ بحقّها وحس ابهم على هللا‪970» ‬ويف رواية أخ‪GG G‬رى‪ « :‬أُم ُ‬
‫رت أن أقاتل‬
‫وأن مح ّم دًا رس ول هللا‪ ،‬ف إذا قالوها عص موا منّى دم اءهم‬ ‫أن ال إله إالّ هللا‪ّ ،‬‬
‫النّ اس حتّى يش هدوا ّ‬
‫وأموالهم إالّ بحقّها‪.971» ‬‬

‫سميع (صاحل حسن)‪ ،‬أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.240 .‬‬ ‫‪967‬‬

‫‪ 968‬ملزيد من التفاص‪GG G‬يل ح‪GG G‬ول ه‪GG G‬ذه احلادثـة يراجع مثالً‪ :‬ابن قتيبة(أبو حممد عبداللّ‪GG G‬ه)‪ ،‬اإلمامة( والسياسة‪ ،‬حتقي‪GG G‬ق‪ :‬طه حممد الزي‪GG G‬ين‪ ،‬دار‬
‫املعرفة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.23-22 .‬‬
‫زيدان (عبد الكرمي)‪ ،‬أصول الدعوة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222 .‬‬ ‫‪969‬‬

‫‪ 970‬رواه البخ((اري يف ص((حيحه‪ ،‬كت‪GG‬اب اإلميان‪ ،‬ب‪GG‬اب "‪ ‬ف‪GG‬إذا ت‪GG‬ابوا وأق‪GG‬اموا الص‪GG‬الة وآت‪GG‬وا الزك‪GG‬اة فخلّ‪GG‬وا س‪GG‬بيلهم‪ ،" ‬مطبعة مص‪GG‬طفى الب‪GG‬ايب‬
‫احلليب وأوالده‪ ،‬مصر‪ 1345 ،‬هـ‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.13 .‬‬
‫النص القطعي عن‪GG‬دهم‪ ،‬أو ع‪GG‬دم مع‪GG‬رفتهم ب‪GG‬ه‪،‬‬
‫الصحابة يف بداية األمر كان بسبب خف‪GG‬اء ّ‬
‫وإ ّن اختالف ّ‬
‫الصديق‪ ،‬ورجوعهم بعد ذلك دليل تسليمهم هبذا ّ‬
‫النص ‪.972‬‬ ‫أو نسياهنم له حىّت ذ ّكرهم به أبو بكر ّ‬
‫قطعي‪.‬‬
‫نص ّ‬ ‫ومن هنا فإ ّن األمر ليس جمال الشورى‪ ،‬ومعلوم أ ّن الشورى ال تكون‪ G‬عند وجود ّ‬
‫‪-2‬وحىت مع اف‪GG G‬رتاض أ ّن ه‪GG G‬ذا األمر من جماالت الش‪GG G‬ورى‪ ،‬وليس داخالً يف دائ‪GG G‬رة ال ‪GG‬وحي‪ ،‬فال دليل‬
‫‪G‬دل على أ ّن الص‪GG G‬حابة قد‬ ‫ص‪G G G‬ديق ل ‪GG G‬رأي أغلبيّة الص ‪GG G‬حابة‪ ،‬بل إ ّن الش ‪GG G‬واهد التارخييّة ت ‪ّ G G‬‬
‫على جتاوز أيب بكر ال ّ‬
‫ص‪G‬ديق ه‪GG‬ذا األمر‬ ‫خرجوا لقتال املرت ّدين‪ ،‬وهذا دليل واضح على أهّن م اقتنعوا برأيه‪ ،‬فعندما ع‪GG‬رض أبو بكر ال ّ‬
‫على الصحابة اقتنعوا‪ G‬بوجاهته‪ ،‬ومن مثّ خرجوا للجهاد بعد أن وافقوا على رأيه‪.973‬‬
‫إذن‪ ،‬فاالس‪GG G‬تدالل هبذه احلادثة يس‪GG G‬قط يف كال االحتم‪GG G‬الني‪ ،‬ف‪GG G‬أبو بكر الص‪ّ G G‬ديق ّإما أنّه قد اس‪GG G‬تند إىل‬
‫وإما أنّه عمل باجته‪GG‬اده‪ ،‬إن ك‪GG‬انت املس‪GG‬ألة اجتهاديّ‪GG‬ة؛‬ ‫قطعي‪ ،‬حيث ال جمال للش‪GG‬ورى يف ه‪GG‬ذه احلال‪GG‬ة‪ّ ،‬‬ ‫نص ّ‬ ‫ّ‬
‫وهنا تثبت الوقائع التارخييّة أ ّن الص‪G‬حابة رجع‪GG‬وا إىل رأي‪G‬ه‪ ،‬وق‪G‬اتلوا مع‪G‬ه‪ ،‬وهنا ال ينتفي العمل ب‪GG‬رأي األغلبيّ‪G‬ة‪،‬‬
‫ويل األمر‪.‬‬
‫مادامت‪ G‬هذه األخرية (أي األغلبيّة)‪ G‬قد رجعت إىل رأي ّ‬
‫ثالثا‪ :‬قسمة أرض السواد‬
‫السابقة أنّه ملا فتح اهلل‪ ‬على املسلمني أرض الع‪G‬راق والش‪GG‬ام‪ ،‬وغريمها من األقط‪G‬ار‪،‬‬ ‫ومضمون هذه ّ‬
‫ّ‬
‫تقسم بني الفاحتني بعد رفع اخلمس‪ ،‬ليص‪G‬رف الب‪G‬اقي‬ ‫يف عهد عمر بن اخلطاب‪ ‬كان من رأي الصحابة أن ّ‬
‫يف مصارفه الشرعيّة‪.974‬‬
‫ص‪G G‬حابة يف رأيهم ه ‪GG‬ذا على أ ّن الفتح متّ عن ‪GG‬وة‪ G،‬وعلى ذلك تطبّق آية الغنيمة يف‬ ‫وقد اس ‪GG‬تند مجه ‪GG‬ور ال ّ‬
‫س‪GG G‬ورة األنف‪GG G‬ال‪ ،‬وهي قوله‪:  ‬وا ْعلَ ُموا أَنَّما َغنِ ْمتُ ْم ِّم ْن َش ْي ٍء فأ َ َّن هّلل ِ ُخ ُم َسهُ َولِل َّرسُو ِل َولِ ِذي القُ رْ بَى‬
‫يل‪.975 ‬‬
‫واليَتَا َمى وال َم َسا ِكي ِن َوا ْب ِن ال َّسبِ ِ‬

‫‪ 971‬رواه مس ((لم يف ص ((حيحه‪ ،‬كت ‪GG‬اب اإلميان‪ ،‬ب ‪GG‬اب "األمر بقت ‪GG‬ال النّ ‪GG‬اس حىت يقول ‪GG‬وا ال إله إالّ اهلل حممد رس ‪GG‬ول اهلل"‪ ،‬دار إحي ‪GG‬اء ال ‪GG‬رتاث‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.53 .‬‬
‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 149 .‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪972‬‬

‫سميع (صاحل حسن)‪ ،‬أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.241 .‬‬ ‫‪973‬‬

‫‪ 974‬ملزيد من التفص‪GG‬يل يراج‪GG‬ع‪ :‬الطم((اوي (س‪GG‬ليمان حمم‪GG‬د)‪ ،‬عمر بن الخط((اب وأص((ول السياسـة واإلدارة الحديثـة‪ ،‬مرجع س‪GG‬ابق‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪ 113‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 975‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪41:‬‬
‫تقسم الغنائم على الفاحتني بعد رفع اخلمس‪ ،976‬كما استندوا‪ G‬كذلك إىل أدلّة من‬
‫فاآلية هنا تفيد بأن‪ّ G‬‬
‫السنّة النبويّة‪ G‬الشريفة‪.‬‬
‫فقد ذكر "ابن القيّم" أنّ‪GG G‬ه‪ « :‬بعد أن متّ للمس‪GG G‬لمني فتح "خي‪GG G‬رب" عن‪GG G‬وة‪ ،‬ق ّس ‪G G‬م الرس‪GG G‬ول‪ ‬غنيمتها بني‬
‫املسلمني بعد رفع اخلمس‪.977» ‬‬
‫الصحابة‪ ،‬فقد رأى عمر بن اخلطاب‪ ‬أن تبقى‪ G‬هذه األراضي بيد أهلها‪،‬‬ ‫ومقابل هذا الرأي جلمهور ّ‬
‫وأن يض ‪GG G‬رب عليهم اخلراج‪ ،‬وقد اس ‪GG G‬تند يف رأيه ه ‪GG G‬ذا على أدلّة من الق ‪GG G‬رآن الك ‪GG G‬رمي‪ ،‬كما أ ّن غايته ك‪GG G‬انت‬
‫العامة‪ ،‬اليت أملتها ظروف الدولة اإلسالميّة‪ G‬وقتئذ‪.978‬‬ ‫حتقيق بعض املصاحل ّ‬
‫‪G‬ويل األم‪GG‬ر‪ ،‬وأ ّن هلذا‬
‫ووجه الداللة من ه‪GG‬ذه احلادثة أ ّن رأي األكثريّة يف األم‪GG‬ور االجتهاديّة غري مل‪GG‬زم ل‪ّ G‬‬
‫األخري أن ين ّفذ ما ّأداه إليه اجته ‪GG‬اده‪ ،‬حىت ولو خ ‪GG‬الف رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪ ،‬وه ‪GG‬ذا ما فعله عمر بن اخلط ‪GG‬اب‪ ‬من‬
‫ترجح لديه‪.979‬‬ ‫خالل احلادثة السابقة‪ ،‬إذ عمل مبا ّ‬
‫فه ‪GG‬ذه احلادثة –عند ه ‪GG‬ذا الفري ‪GG‬ق‪ -‬تعترب أكرب دليل من ال ّس‪G G‬وابق التارخييّة يف عهد اخللف ‪GG‬اء الراش ‪GG‬دين‪،‬‬
‫يؤديه إليه اجتهاده‪.‬‬
‫تدل على أ ّن احلاكم ميكنه أن يتجاوز رأي األغلبيّة‪ ،‬ويعمل مبا ّ‬ ‫اليت ّ‬
‫ولكن ه ‪GG G‬ذه احلادثة‪ ،‬عند الفريق اآلخر يس ‪GG G‬تدلّون هبا للوص ‪GG G‬ول إىل نت ‪GG G‬ائج مناقضة ملا ذهب إليه ه ‪GG G‬ذا‬
‫‪G‬دل على جتاوز عمر بن اخلط ‪GG G‬اب‪ ‬ل ‪GG G‬رأي األغلبيّ‪GG G‬ة‪ G،‬و ذلك‬
‫الفري‪GG G‬ق‪ ،‬فهم ال يس‪G G G‬لّمون ب ‪GG G‬أ ّن ه ‪GG G‬ذه احلادثة ت ‪ّ G G‬‬
‫لسببني‪:‬‬
‫‪ -1‬أل ّن عمر بن اخلط‪GG G‬اب‪ ‬قد اعتمد يف اجته‪GG G‬اده ذاك على أدلّة من كت‪GG G‬اب اهلل تع‪GG G‬اىل‪ ،‬وب‪GG G‬ذلك‬
‫بنص‪ ،‬وليس برأيه الشخص‪GG‬ي‪ ،‬وعلى ه‪GG‬ذا ينتفي االس‪GG‬تدالل بأنّه مل يل‪GG‬زم نفسه مبا ذهبت إليه‬ ‫يكون قد عمل ّ‬
‫أغلبيّة الصحابة‪.980‬‬

‫فأما األربعة األمخاس فهي ملك للغ‪GG‬امنني من غري خالف بني األمة‪ .» ‬انظ‪GG‬ر‪ :‬ابن الع(ربي (أبو بكر حممدبن‬
‫حيث يق‪GG‬ول ابن العربي‪ّ  « :‬‬
‫‪976‬‬

‫عبد اهلل)‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ 1331 ،‬هـ ‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.354 .‬‬
‫ابن قيّم الجوزية (احلافظ أبو عبد اهلل)‪ ،‬زاد المعاد من هدي خير العباد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2 .‬ص‪.137 .‬‬ ‫‪977‬‬

‫حممد)‪ ،‬عمر بن الخطاب وأصول السياسـة واإلدارة الحديثـة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 113 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫الطماوي (سليمان ّ‬
‫‪978‬‬

‫سميع (صاحل حسن)‪ ،‬أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.233.‬‬ ‫‪979‬‬

‫‪ 980‬سميع (صاحل حسن)‪ ،‬أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.241 .‬‬
‫‪ -2‬وحىّت لو فرض‪GG G‬نا أ ّن الص‪GG G‬حابة‪‬قد اختلفت أفه‪GG G‬امهم ح‪GG G‬ول ه‪GG G‬ذه املس‪GG G‬ألة‪ G،‬ويف فهم النّص ‪GG‬وص‪G‬‬
‫‪G‬حة ما ذهب‬ ‫‪G‬دل على ص ‪ّ G‬‬
‫الش ‪GG‬رعية املتعلّقة‪ G‬هبذه املس ‪GG‬ألة‪ ،‬أي أ ّن األمر ص ‪GG‬ار اجتهاديً ‪GG‬ا؛ ف ‪GG‬إ ّن ه ‪GG‬ذه احلادثة ال ت ‪ّ G‬‬
‫ص‪G‬حيح؛ وذلك أل ّن الرواي‪GG‬ات جُت مع على أ ّن عمر بن اخلط‪GG‬اب‪‬مل‬ ‫إليه ه‪GG‬ذا من الفري‪GG‬ق‪ ،‬بل إ ّن العكس‪ G‬هو ال ّ‬
‫منفردا‪ ،‬بل إ ّن أغلبيّة الصحابة وافقته على رأيه‪ ،‬بعد أن أقنعهم مبا اعتم‪G‬ده من أدلّة ش‪G‬رعيّة‪،‬‬ ‫يعمل برأيه هذا ً‬
‫وبعد أن ش ‪ّ G G‬كل جلنة من كب ‪GG G‬ار األنص ‪GG G‬ار‪ ،‬وذلك بإش ‪GG G‬ارة من الص ‪GG G‬حابة أنفس ‪GG G‬هم‪ ،‬وق ‪Gّ G G‬ررت تلك اللّجنة –‬
‫باإلمجاع‪ -‬تأييد‪ G‬رأي عمر بن اخلط ‪GG G‬اب‪ ‬يف أ ّن الغن ‪GG G‬ائم اليت وردت يف اآلي ‪GG G‬ة‪َ   :‬وا ْعلَ ُم وا أَنَّ َما َغنِ ْمتُ ْم ِّم ْن‬
‫الس بِي ِل‪ ،981 ‬يقصد هبا املنق‪GG G‬ول‬
‫ُ‬ ‫أن هَّلِل ِ ُخ َم َسهُ َولِل َّرس ِ‬
‫ُول َولِ ِذي القُرْ بَى َواليَتَا َمى وال َمسا َ ِكي ِن َوا ْب ِن َّ‬ ‫َش ْي ٍء فَ َّ‬
‫من األموال‪ ،‬وخيرج منها األرض ومن عليها‪.982‬‬
‫ووف ًقا ملا س ‪GG G‬بق يس ‪GG G‬قط االس ‪GG G‬تدالل بك ‪GG G‬ون أ ّن عمر بن اخلط ‪GG G‬اب‪ ‬قد خ ‪GG G‬الف رأي األغلبيّ‪GG G‬ة‪ ،‬وعمل‬
‫باجتهاده الشخصي‪ ،‬فموافقة األغلبيّة بعد رفض‪ ،‬ال يعين انفراد الشخص برأيه مع خمالفة األغلبيّة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬األدلّة( العقلية المعتمدة‬

‫لقد اس‪GG‬تند ه‪GG‬ذا الفريق للق‪GG‬ول بع‪GG‬دم إلزاميّة رأي األغلبيّة‪ G‬إىل مجلة من األدلّة العقلي‪GG‬ة‪ ،‬واليت ن‪GG‬ذكر منها‬
‫ما يأيت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إ ّن الكثرة ليست مناط الصواب‬
‫ص‪G G‬واب‪ G،‬أو حىّت دليالً راجح‪G G‬اً علي ‪GG‬ه‪ ،‬إذ إ ّن‬ ‫حيث يق ‪GG‬ول ه ‪GG‬ذا الفريق إ ّن الك ‪GG‬ثرة ليست من ‪GG‬اط ال ّ‬
‫ص ‪GG‬واب ال ‪GG‬رأي أو خط ‪GG‬أه ال يُس ‪GG‬تم ّدان من ك ‪GG‬ثرة أو قلّة‪ ،983‬وأ ّن اإلس ‪GG‬الم ال جيعل ك ‪GG‬ثرة الع ‪GG‬دد ميزانًا للح ‪Gّ G‬ق‬
‫والباطل‪ ،‬إذ إنّه من املمكن أن يكون الرجل الفرد أصوب رأياً من اجلماعة‪.984‬‬

‫سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪.41 :‬‬ ‫‪981‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.155-154 .‬‬ ‫‪982‬‬

‫وملزيد من التفاص‪GG‬يل يف ه‪GG‬ذا املوض‪GG‬وع يراج‪GG‬ع‪ :‬كتـاب الخـراج‪ ،‬للقاضي أبي يوسف (يعق‪GG‬وب بن إب‪GG‬راهيم)‪ ،‬دار املعرفة للطباعـة و النش‪GG‬ر‪،‬‬
‫ب ‪GG‬ريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ 1302 ،‬هـ‪ ،‬ص‪ 24 .‬وما بع ‪GG‬دها‪ -.‬الطم ((اوي (س ‪GG‬ليمان حمم ‪GG‬د)‪ ،‬عمر بن الخط((اب وأص((ول السياسة واإلدارة الحديث (ة‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.115 .‬‬

‫العقاد (عباس حممود)‪ ،‬الديمقراطية في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78 .‬‬ ‫‪983‬‬

‫المودودي (أبو األعلى)‪ ،‬نظرية اإلسالم وهديه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.59 .‬‬ ‫‪984‬‬
‫احلق يف احلي‪GG G‬اة ال ‪GG G‬دنيا ال يتح ‪ّ G G‬دد بالع‪GG G‬دد‪ ،‬وال تق‪Gّ G G‬رره ك‪GG G‬ثرة أو قلّ‪GG G‬ة؛ ولكنّه يتح ‪ّ G G‬دد بالقواعد‪G‬‬
‫وإ ّن «‪ّ  ‬‬
‫السماء‪.985» ‬‬ ‫واملبادئ‪ ،‬واملنهاج الربّاين الذي أُنزل من ّ‬
‫ونناقش هذا الرأي مبا يأيت‪:‬‬
‫‪G‬حة ه ‪GG‬ذا األم ‪GG‬ر‪،‬‬ ‫إ ّن الق ‪GG‬ول ب ‪GG‬أ ّ‪G‬ن األغلبيّة قد ختطئ‪ ،‬وقد يك ‪GG‬ون الص ‪GG‬واب مع الف ‪GG‬رد‪ ،‬فمع التس ‪GG‬ليم بص ‪ّ G‬‬
‫ووقوعه فعالً‪ ،‬إالّ أنّه يبقى احتم ‪GG‬ال وق ‪GG‬وع اجلماعة يف اخلطإ أق ‪Gّ G‬ل‪ ،‬وذلك أل ّن الف ‪GG‬رد مهما اتّصف بال ‪GG‬ذكاء‬
‫ص ‪G‬ة كب ‪GG‬ري‪ ،‬وذلك بعكس اجلماعة اليت يق ‪Gّ G‬ل احتم ‪GG‬ال ه ‪GG‬ذا الت ‪GG‬أثري فيه ‪GG‬ا؛‬ ‫والتق ‪GG‬وى‪ ،‬فاحتم ‪GG‬ال ت ‪GG‬أثّره مبيوله اخلا ّ‬
‫حض الرسول‪ ‬يف أحاديث كثرية يق‪Gّ G‬وي بعض‪GG‬ها‬
‫أقل‪ ،‬ومن أجل هذا ّ‬
‫لذلك كان احتمال وقوعها يف اخلطإ ّ‬
‫بعضا على اتّباع‪ G‬السواد األعظم‪.986‬‬
‫ً‬

‫لولي األمر‬
‫ثانيا‪ :‬القول بإلزاميّة العمل بمبدإ األغلبيّة يؤ ّدي إلى مخالفة الطاعة الواجبة( ّ‬
‫فاللّه‪‬يقول‪  :‬يَاأَيُُّهَا الَّ ِذينَ آَ َمنُوا أَ ِطيعُوا هللاَ َوأَ ِطيعُوا ال َّرسُو َل َوأُوْ لِي األَ ْم ِر ِم ْن ُكمْ‪.987‬‬

‫‪G‬ؤدي إىل خمالفة ه ‪GG G‬ذه الطاع ‪GG G‬ة؛ وذلك ألهّن ا جتعل ص ‪GG G‬وت‬‫وإلزاميّة الش ‪GG G‬ورى والعمل مبب ‪GG G‬دإ األغلبيّة ي ‪ّ G G‬‬
‫اخلليفة أو احلاكم صوتًا من مجلة األصوات‪.988‬‬
‫أي أنّه إذا رأت األغلبيّة‪ G‬رأي‪G G G G‬اً خيالف رأي احلاكم‪ ،‬فعلى ه ‪GG G G‬ذا األخري التن ‪GG G G‬ازل عن رأيه لص ‪GG G‬احل رأي‬
‫نصت عليه اآلية السابقة‪.‬‬ ‫األغلبيّة‪ ،‬وهذا ما يعترب خمال ًفا لواجب الطاعة للحاكم‪ ،‬الذي ّ‬
‫ويل األم‪GG G‬ر‪ ،‬وبني إلزاميّة الش‪GG G‬ورى واالمتث‪GG G‬ال‬
‫‪G‬رد على ه‪GG G‬ذا االس‪GG G‬تدالل‪ ،‬بأنّه ال تع‪GG G‬ارض بني طاعة ّ‬ ‫ويُ‪ّ G G‬‬
‫ل ‪GG‬رأي األغلبيّ ‪GG‬ة؛ وذلك أل ّن س ‪GG‬لطات اخلليفة مقيّ ‪GG‬دة بع ‪GG‬دم خروجها على أمر اهلل ورس ‪GG‬وله‪ ،‬وإالّ فال طاع ‪GG‬ة‪،‬‬
‫والش ‪GG‬ورى وإلزاميّتها من ض ‪GG‬من ما أمر اللّه به ورس ‪GG‬وله‪ ،‬ومها ض ‪GG‬من القي ‪GG‬ود ال ‪GG‬واردة على س ‪GG‬لطات اخلليف ‪GG‬ة؛‬
‫فللخليفة السمع والطاعة فيما مل جياوز حدود الشورى وإلزاميّتها‪ G،‬وإالّ فال مسع وال طاعة‪.989‬‬

‫النحوي (عدنان علي رضا)‪ ،‬الشورى ال الديمقراطية‪ ،‬دار الشهاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ 1987 ،2 .‬م‪ ،‬ص‪.103 .‬‬ ‫‪985‬‬

‫‪ 986‬األنص((اري (عبد احلميد إمساعيل)‪" ،‬األغلبيّة مب((دأ إس((المي أص((يل"‪ ،‬مق‪GG‬ال مبجلّة " الع((ربي"‪ ،‬الك‪GG‬ويت‪ ،‬الع‪GG‬دد ‪ ،286‬س‪GG‬بتمرب ‪1982‬م‬
‫ص‪.28 .‬‬
‫‪ 987‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.59:‬‬
‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.164 .‬‬ ‫‪988‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.164 .‬‬ ‫‪989‬‬


‫ويل األمر وبني العمل مببدإ األغلبيّة‪ ،‬ما دامت سلطات ه‪GG‬ذا احلاكم مقيّ‪GG‬دة‬ ‫إذن‪ ،‬فال تناقض بني طاعة ّ‬
‫حبدود الش‪GG G‬رع‪ ،‬ومعل‪GG G‬وم أ ّن الش‪GG G‬ورى واالل‪GG G‬تزام بنتيجتها‪ G‬هي من ض‪GG G‬من ه‪GG G‬ذا الش‪GG G‬رع‪ ،‬ومن مثّ فال جيوز له‬
‫‪G‬وما من اخلط ‪GG G G G‬إ‪ ،‬وأ ّن رأي اجلماعة واملتمثّلة يف أعض‪GG G G‬اء جملس‬
‫خمالفته‪GG G G G‬ا‪ ،‬كما أ ّن ه ‪GG G G G‬ذا احلاكم ليس معص‪ً G G G G‬‬
‫الش ‪GG‬ورى أق ‪GG‬رب إىل الص ‪GG‬واب ‪-‬يف الغ ‪GG‬الب‪ G-‬والس ‪GG‬يّما وأ ّن ه ‪GG‬ؤالء األعض ‪GG‬اء ال يقلّ ‪GG‬ون عن احلاكم يف العلم‬
‫واخلربة‪.‬‬

‫ولي األمر‬ ‫ثالثا‪ :‬مسؤولية ّ‬


‫‪G‬ويل األم‪GG‬ر‪ ،‬إىل أ ّن ه‪GG‬ذا األخري‬
‫يس‪GG‬تند ه‪GG‬ذا الفريق ك‪GG‬ذلك‪ ،‬يف الق‪GG‬ول إ ّن رأي األغلبيّة‪ G‬غري مل‪GG‬زم ل‪ّ G‬‬
‫مس ‪GG‬ؤول مس ‪GG‬ؤوليّة كاملة عن أعمال ‪GG‬ه‪ ،‬فال جيـوز إلزامـه بتنفيذ‪ G‬رأي غ ‪GG‬ريه من أهل الشـورى إذا مل يكن هو‬
‫مقتنعاً به وبصوابه‪ ،‬وذلك أل ّن ك‪G‬ون اإلنس‪G‬ان مس‪G‬ؤوالً عن عمله يعين أنّه يعمل باختيـاره‪ ،‬ومبا ي‪G‬راه ص‪G‬واباً‪،‬‬
‫يتحمل هو مسؤوليّة هذا الرأي ونتائجه‪.990‬‬ ‫ال أن يُلزم بتنفيذ‪ G‬رأي غريه‪ ،‬وهو غري مقتنع به‪ ،‬مثّ ّ‬
‫ويناقش هذا الرأي مبا يأيت‪:‬‬
‫‪ -1‬إنّه مل يقل أحد ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن احلاكم أو اخلليفة إذا ال‪GG‬تزم ب‪GG‬رأي األكثريّة املخ‪GG‬الف لرأي‪GG‬ه؛ س‪GG‬يكون‪ G‬مس‪GG‬ؤوالً‬
‫عن نتائجه‪ ،‬وذلك أل ّن اهلل‪‬يف وصفـه للمؤمنني يقـول‪:‬‬
‫ويتحمل‪GG‬ون نتائجه‪G‬ا ك‪GG‬ذلك بص‪GG‬ورة‬ ‫ّ‬ ‫‪َ ‬وأَ ْم ُرهُ ْم ُش َ‬
‫ورى بَ ْينَهُ ْم‪ ،991‬أي أهّن م يبحث‪GG‬ون أم‪GG‬ورهم بص‪GG‬فة مجاعيّ‪GG‬ة‪،‬‬
‫األمة وأعض‪GG‬اء جملس الش‪GG‬ورى لن يلوم‪GG‬وا احلاكم أو اخلليفة عن‪GG‬دما يت‪GG‬بنّي أ ّن الض‪GG‬رر‬ ‫مجاعيّ‪GG‬ة؛ وعلى ذلك ف‪GG‬إ ّن ّ‬
‫جاء من رأي أغلبيّتهم ال من رأيه هو‪.‬‬
‫ويل األمر أو اخلليفة س‪G‬تكون‪ G‬مس‪G‬ؤوليّته بق‪G‬در مـاله من حرية اختي‪G‬ار‪ّ ،‬أما اهلل ‪ ،‬وهو‬‫وعلى ذلك ف‪G‬إ ّن ّ‬
‫حتمل مس ‪GG‬ؤوليّة نت ‪GG‬ائج األخذ ب ‪GG‬رأي م ‪GG‬ا‪ ،‬مل‬
‫أع ‪GG‬دل الع ‪GG‬ادلني‪ ،‬فلن يع ‪GG‬اقب اخلليفة على خطإ مل يرتكبه‪ ،‬وعلى ّ‬
‫يكن هو صاحبه؛ وبذلك يثبت‪ G‬بطالن االحتجاج بأ ّ‪G‬ن اخلليفة مسؤول وحده‪.992‬‬
‫ويل األمر وحده‪ ،‬ي‪GG‬ؤدي إىل س‪GG‬قوط االس‪GG‬تدالل هبذه‬ ‫وعلى هذا فإ ّن بطالن هذا االحتجاج مبسؤولية ّ‬
‫احلجة يف القول إ ّن رأي األغلبيّة غري ملزم للخليفة‪.‬‬
‫ّ‬

‫زيدان (عبد الكرمي)‪ ،‬أصول الدعوة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222 .‬‬ ‫‪990‬‬

‫سورة الشورى‪ ،‬اآلية‪.38 :‬‬ ‫‪991‬‬

‫‪.14‬‬ ‫عزة (عبد اهلل)‪" ،‬الشورى أم االستبداد ؟"‪ ،‬مقال مبجلّة "المجتمع"‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪1970 ،41 :‬م‪ ،‬ص‪.‬‬
‫أبو ّ‬
‫‪992‬‬
‫‪-2‬كما أنّه حىت يف البل‪GG G‬دان الدميقراطي‪GG G‬ة‪ G،‬ف‪GG G‬إ ّن احلاكم غري مس‪GG G‬ؤول وح‪GG G‬ده عن الق‪GG G‬رارات اليت ُتتّخذ‬
‫ب ‪GG G‬رأي اجلماع‪GG G G‬ة‪ ،‬بل إنّه مس‪GG G G‬ؤول عن طريقة تنفي‪GG G G‬ذها‪ ،‬وإذا ح‪GG G G‬دث أن اختلف احلاكم مع اجمللس يف رأي‪،‬‬
‫فعليه أوالً أن حياول إقناعه‪ ،‬فإذا مل يقتنع اجمللس‪ ،‬فعلى هذا احلاكم أن ين ّفذ رأي اجمللس ال رأيه الشخص‪GG‬ي‪،‬‬
‫وذلك أل ّن رأي اجلماعة أصوب من رأي الفرد‪.993‬‬
‫عما ي‪GG G‬دخل يف‬
‫فاحلاكم س ‪GG G‬واء أك ‪GG G‬ان يف دولة اإلس ‪GG G‬الم أم يف ال ‪GG G‬دول الدميقراطية‪ ،‬فإنّه مس ‪GG G‬ؤول فقط ّ‬
‫اختصاصه واختي ‪GG‬اره‪ ،‬ومع ‪GG‬روف أ ّن احلاكم يت ‪GG‬وىّل أم ‪GG‬ور الس ‪GG‬لطة التنفيذي ‪GG‬ة؛ ل ‪GG‬ذلك فهو مس ‪GG‬ؤول عن طريقة‬
‫التنفيذ‪ ،‬وليس عن رأي األغلبيّة ونتائجه‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬القياس على حالة( الحرب‬


‫األم‪GG‬ة‪ ،‬يف ‪Gّ G‬وض األمر‬
‫من املع ‪GG‬روف أنّه يف حالة احلرب‪ ،‬وهي من أخطر احلاالت اليت تتع‪Gّ G‬رض هلا ّ‬
‫إىل قائد اجليش لتنفيذ ما ي‪GG‬راه مناس‪GG‬باً لتلك املرحل‪GG‬ة‪ ،‬وذلك بعد استش‪GG‬ارة مس‪GG‬اعديه‪ ،‬ولكنّه غري مل‪GG‬زم بتنفيذ‪G‬‬
‫‪G‬دل على إدراك البشر –بفط‪G‬رهتم‪ -‬ب‪G‬أ ّ‪G‬ن خري ح ّ‪G‬ل عند‬ ‫رأيهم مطلقاً‪ ،‬وإن كان ملزماً باستشارهتم‪ ،‬وهذا ما ي ّ‬
‫احلل يف حالة احلرب‪،‬‬ ‫اختالف الرئيس مع مستشاريه هو ت‪GG‬رك األمر له ليق‪GّG‬رر ما ي‪GG‬راه‪ ،‬وهلذا يتّم األخـذ هبذا ّ‬
‫احلل هو‬
‫يؤدي رأيه إىل أوخم العواقب‪ ،‬إالّ أ ّن هذا ّ‬ ‫الرغم من عدم عصمة القائد‪ ،‬واحتمال أن ّ‬ ‫وذلك على ّ‬
‫أفضل احللول عند اختالف الرئيس مع من يشاورهم‪.994‬‬
‫ويناقش هذا االستدالل مبا يأيت‪:‬‬
‫‪ -1‬إ ّن الق ‪GG G‬ول ب ‪GG G‬أ ّ‪G‬ن للقائد احلريب جتاهل آراء مستش ‪GG G‬اريه‪ ،‬والعمل برأي ‪GG G‬ه‪ ،‬على ال ‪Gّ G G‬رغم من خط ‪GG G‬ورة‬
‫ص‪G G‬فة‬
‫‪G‬ح االستش‪GG G‬هاد به واالس‪GG G‬تناد إليه‪ ،‬إالّ إذا ك‪GG G‬انت الوظ ‪GG‬ائف مو ّ‬
‫املس ‪GG‬ؤوليّة‪ ،‬وص‪GG G‬عوبة الظ‪GG G‬روف‪ ،‬ال يص‪ّ G G‬‬
‫توصيفاً دقيقاً‪ ،‬واالختصاصات قد ُح ّددت كذلك بدقّة‪.995‬‬
‫ففي هذه احلالة‪ ،‬فإنّه حفاظاً على النظام والدقّة –وهو ما تتطلّبه ح‪GG‬االت احلرب والش‪GG‬ؤون‪ G‬العس‪GG‬كريّة‬
‫عام‪GG‬ة‪ -‬فعلى ك‪Gّ G‬ل قائد االل‪GG‬تزام مبا عُهد إليه من مه‪GG‬ام‪ ،‬كما أ ّن ظ‪GG‬روف احلرب تتطلّب س‪GG‬رعة الق‪GG‬رار وحسم‬ ‫ّ‬
‫األمور‪ ،‬إذ املواقف يف تلك الظروف ال ترتك جماالً للمناقشة‪.‬‬

‫الفنجري (أمحد شوقي)‪ ،‬الحرية السياسية في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.209 .‬‬ ‫‪993‬‬

‫زيدان (عبد الكرمي)‪ ،‬أصول الدعوة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.223 .‬‬ ‫‪994‬‬

‫سميع (صاحل حسن)‪ ،‬أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.237 .‬‬ ‫‪995‬‬
‫‪-2‬كما أ ّن التس‪GG G G G G G G‬ليم هبذا ال‪GG G G G G G G‬رأي ليس على إطالق‪GG G G G G G G‬ه‪ ،‬إذ القائد ميلك حرية التص‪Gّ G G G G G‬رف فيما يتعلّق‬
‫كالتصرف يف ميدان املعارك‪ ،‬فهذه األمور مرتوكة لقائد اجليش وحسن تص‪Gّ G‬رفه؛ وذلك‬ ‫ّ‬ ‫بتفصيالت‪ G‬احلرب‪،‬‬
‫يؤدي إىل أضرار بالغ‪G‬ة؛ فه‪G‬ذه األم‪G‬ور ال يق‪G‬اس عليه‪G‬ا‪ ،‬ألهّن ا ت‪G‬دخل يف ب‪G‬اب الض‪G‬رورة‪،‬‬ ‫شل يد القائد قد ّ‬ ‫أل ّن ّ‬
‫ص ‪G‬لح‬
‫‪G‬ف الض ‪GG‬ررين‪ ،‬أما العمل السياسي املتعلّق باحلـرب‪ ،‬ك ‪GG‬اإلعالن عن احلـرب‪ ،‬أو قب ‪GG‬ول ال ّ‬ ‫وارتك ‪GG‬اب أخ ‪ّ G‬‬
‫العام‪GG G‬ة‪ ،‬واليت ختضع إلش ‪GG G‬راف ورقابة‬
‫مثالً‪ ،‬فإنّها ال تُ ‪GG G‬رتك يف يد قائد اجليش‪ ،‬ألهّن ا أم ‪GG G‬ور تتعلّق بالش ‪GG G‬ورى ّ‬
‫الشعب‪.996‬‬
‫خاصة‪ ،‬للقول بعدم‬ ‫وهبذا يسقط هذا االستدالل املستند إىل بعض صالحيات قائد اجليش يف ظروف ّ‬
‫إلزاميّة رأي األغلبيّة‪.‬‬

‫خامسا‪ (:‬مبدأ األغلبيّة مبدأ غير إسالمي‬


‫‪G‬حة م‪GG‬ذهبهم‬
‫لقد اعتمد ه‪GG‬ذا الفريق القائل بع‪GG‬دم إلزاميّة العمل مبب‪GG‬دإ األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬يف االس‪GG‬تدالل على ص‪ّ G‬‬
‫ه‪GG‬ذا‪ ،‬على الق‪GG‬ول ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن ه‪GG‬ذا املب‪GG‬دأ غري إس‪GG‬المي‪ ،‬أي ليس مس‪GG‬تمدّاً من نص‪GG‬وص الش‪GG‬ريعة وقواع‪GG‬دها‪ ،‬بل هو‬
‫نظام غريب‪ ،‬مأخوذ عن الدميقراطية‪ G‬الغربيّة‪.‬‬
‫وذلك لسببني مها‪:‬‬
‫‪ -1‬لو ك‪GG‬ان مب‪GG‬دأ األغلبيّة‪ G‬مب‪G‬دأ إس‪G‬المياً‪ G‬وملزم‪G‬اً؛ لوضع الرس‪GG‬ول‪ ‬له نظام‪G‬اً معيّن‪G‬اً‪ ،‬وألخذ هبذا املب‪G‬دإ‬
‫قبل غريه‪.997‬‬
‫‪ -2‬ولو ك ‪GG‬ان احلكم ب ‪GG‬رأي األغلبيّة‪ G‬ش ‪GG‬يئاً مق ‪Gّ G‬رراً يف الش ‪GG‬ريعة اإلس ‪GG‬المية‪ G،‬لك ‪GG‬ان موض ‪GG‬وعه أحد حبوث‬
‫الفقهاء املسلمني‪ ،‬ولكانوا‪ G‬قد وضعوا له قوانينه‪ G‬ونظمه‪ ،‬كما فعلوا مع بقيّة حبوث الفقه‪.998‬‬
‫ونناقش –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬هذا االحتجاج فيما يأيت‪:‬‬
‫‪G‬يب ‪‬مل يضع ملب‪GG‬دإ األغلبيّة‪ G‬نظام ‪G‬اً معيّن ‪G‬اً‪ ،‬ومل‬
‫االدع‪GG‬اء ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن الن‪ّ G‬‬
‫خيص ّ‬‫األول‪ :‬ففيما ّ‬
‫أ‪ -‬مناقشة الس((بب ّ‬
‫الرد على ذلك يكون‪ G‬بالقول‪:‬‬
‫يأخذ به‪ ،‬فإ ّن ّ‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.190 .‬‬ ‫‪996‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.172 .‬‬ ‫‪997‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.174 ،‬‬ ‫‪998‬‬


‫* إنّه مل يثبت‪ G‬أ ّن الرس ‪GG‬ول‪ ‬مل يأخذ ب ‪GG‬رأي األكثريّ ‪GG‬ة‪ ،‬بل إنّه ك ‪GG‬ان يف معظم استش ‪GG‬اراته يأخذ ب ‪GG‬رأي‬
‫األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬وأوضح األمثلة على ذلك ما ك ‪GG‬ان حيدث يف غزوات ‪GG‬ه‪ ،‬الس ‪GG‬يّما يف "غ ‪GG‬زة أح ‪GG‬د"‪ ،‬وهي ما يص ‪GG‬دق‬
‫النيب ‪‬أخذ برأي األقليّة مطلقاً‪.1000‬‬
‫ّ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫يثبت‬ ‫مل‬ ‫بل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪999‬‬
‫العامة"‬
‫عليها اسم "املسائل ّ‬
‫*وأم ‪G G G‬اّ أ ّن الرس‪GG G G‬ول‪ ‬مل يضع نظام ‪G G G‬اً معيّن ‪G G G‬اً ملبـدإ األغلبيّ‪GG G G‬ة‪ G،‬فه‪GG G G‬ذا ال يضـرّ‪ ،‬إذ املع ‪GG G‬روف أ ّن األطر‬
‫التنظيميّة س ‪GG G‬ريعة التغرّي عرب الزم ‪GG G‬ان واملك ‪GG G‬ان؛ ل ‪GG G‬ذلك فمن األوفق ع ‪GG G‬دم وضع نظ ‪GG G‬ام جام ‪GG G‬د‪ ،‬ويكفي أنّه‪‬‬
‫وصحابته‪ ‬أرسوا أساس هذا املبدإ‪ ،‬قوالً وفعالً ‪.1001‬‬
‫قواعد‬ ‫األمة االجتماعيّة يف الزم ‪GG‬ان واملك ‪GG‬ان‪ G،‬فلو وضع الن ‪Gّ G‬يب‪‬‬
‫فه ‪GG‬ذا األمر خيتلف ب ‪GG‬اختالف أح ‪GG‬وال ّ‬
‫للشورى موافقة لزمنه‪ ،‬ملا كانت صاحلة لألزمان اآلتية‪.1002‬‬
‫وقد اخّت ذ النّاس كالمه‪ ‬يف كثري من أمور الدنيا ديناً مع قوله‪ «:‬أَ ْنتُ ْم أَ ْعلَ ُم بِ ِ‬
‫أمر ُد ْنيا ُك ْم‪.1003 » ‬‬
‫االدع‪GG‬اء ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن الن‪Gّ G‬يب ‪ ‬مل يأخذ مبب‪GG‬دإ األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬وي‪Gّ G‬ربر س‪GG‬بب ع‪GG‬دم وض‪GG‬عه‪‬‬
‫فما س ‪GG‬بق ذك ‪GG‬ره ي ‪GG‬دحض ّ‬
‫لنظام معنّي ‪ -‬أو إطار تنظيمي‪ -‬ملبدإ األغلبيّة‪.‬‬
‫‪G‬رد‬
‫*أما فيما يتعلّق مبسألة كون مبدإ األغلبيّة يعترب نظاماً غربياً مأخوذاً عن الدميقراطية الغربيّة‪ ،‬ف‪G‬إ ّن ال ّ‬ ‫ّ‬
‫على ذلك يكون بالقول إنّنا إذا أخذنا وس‪GG‬يلة وطريقة للحكم مل تكن موج‪GG‬ودة يف الت‪GG‬اريخ اإلس‪GG‬المي‪ ،‬فه‪GG‬ذا‬
‫ال يعين أنّنا خرجنا عن حكم اإلس‪GG G G G‬الم‪ G،‬فالدميقراطية الغربيّة ليست تراث‪G G G G‬اً ديني‪G G G G‬اً حىت نتح‪Gّ G G G‬رج من أخذ ما‬
‫يص‪GG‬لح منها لن‪GG‬ا‪ ،‬بل العكس هو الص‪GG‬حيح‪ ،‬فهي قد ق‪GG‬امت ض‪ّ G‬د تس‪G‬لّط الكنيس‪GG‬ة‪ G،‬وض‪ّ G‬د الظلم والتع ّس‪G‬ف من‬
‫قِبل املل‪GG‬وك ال‪GG‬ذين تؤيّ‪GG‬دهم الكنيس‪GG‬ة؛ واإلس‪GG‬الم‪ G‬إمّن ا ج‪GG‬اء بالعدالة وإنص‪GG‬اف املظل‪GG‬ومني والض‪GG‬عفاء‪ ،‬ل‪GG‬ذلك فهو‬
‫يشيد هبا ممّن ك‪GG‬انت وأين ك‪GG‬انت‪ .‬ف‪GG‬إذا أخ‪G‬ذنا من الدميقراطية‪ G‬ما يق‪GّG‬رره اإلس‪GG‬الم‪ G‬وما حي ّقق الع‪GG‬دل واملس‪GG‬اواة‪،‬‬
‫فثم ش‪GG G‬رع اهلل‪ ،‬ويف‬
‫فليس يف ذلك ما يش‪GG G‬ني‪ ،‬ف‪GG G‬إ ّن الع‪GG G‬دل ح‪Gّ G G‬ق ش‪GG G‬ائع جلميع النّ‪GG G‬اس‪ ،‬وأينما ك‪GG G‬انت العدالة ّ‬
‫‪ 999‬األنص((اري (عبد احلميد إمساعيل)‪" ،‬األغلبيّة مب((دأ إس((المي أص((يل"مق‪GG‬ال بمجلّة "الع((ربي"‪ ،‬الك‪GG‬ويت‪ ،‬الع‪GG‬دد‪ ،286 :‬س‪GG‬بتمرب ‪1982‬م‪،‬‬
‫ص‪.27 .‬‬
‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.173 .‬‬ ‫‪1000‬‬

‫األنص((اري (عبد احلميد إمساعيل)‪" ،‬األغلبيّة مب((دأ إس((المي أص((يل"‪ ،‬مق‪GG‬ال مبجلّة "الع((ربي" الك‪GG‬ويت‪ ،‬الع‪GG‬دد‪ ،286 :‬س‪GG‬بتمرب ‪1982‬م‪،‬‬ ‫‪1001‬‬

‫‪27‬‬ ‫ص‪.‬‬
‫‪ 1002‬رضا (حممد رشيد)‪ ،‬تفسير المنار( تفسير القرآن الحكيم)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،4.‬ص‪.201 .‬‬
‫‪ 1003‬رواه مسلم (أبو احلسني بن احلج‪GG‬اج)‪ ،‬الجامع الص(حيح‪ ،‬كت‪GG‬اب الفض‪GG‬ائل‪ ،‬ب‪GG‬اب "وج‪GG‬وب امتث‪GG‬ال ما قاله ش‪GG‬رعاً دون ما ذك‪GG‬ره ص‪G‬لّى‬
‫اللّه عليه وسلّم من معايش الدنيا على سبيل الرأي"‪ ،‬طبعة دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬اجمللد الرابع‪ ،‬جـ‪ ،7.‬ص‪.95.‬‬
‫اس ‪GG‬تطاعتنا أن نتالىف أض‪GG‬رار الدميقراطية‪ G‬يف ه ‪GG‬ذا الش ‪GG‬أن بع ‪GG‬دم االعتم ‪GG‬اد على األكثريّة على إطالقها ويف ك ‪Gّ G‬ل‬
‫ح ‪GG‬ال من األح ‪GG‬وال‪ ،‬وأن نضع هلا قي ‪GG‬وداً متنع س ‪GG‬لبياهتا وطغياهنا‪ .1004‬وه ‪GG‬ذا كلّه إذا فرض ‪GG‬نا أ ّن مب ‪GG‬دأ األغلبيّة‪G‬‬
‫م‪GG‬أخوذ عن الدميقراطية الغربيّ‪GG‬ة‪ ،‬وقد ذهب بعض الب‪GG‬احثني إىل أ ّن اإلس‪GG‬الم قد س‪GG‬بق الدميقراطية‪ G‬املعاص‪GG‬رة يف‬
‫إقرار مبدإ حكم األغلبيّة‪.1005G‬‬
‫حىت لو فرضنا أ ّن مبـدأ األغلبيّة‪ G‬مأخوذ عن الدميقراطية‪ G‬الغربيّة‪ ،‬فإ ّن ذلك ال ينفي‬ ‫وهبذا خنلص إىل أنّه ّ‬
‫ش‪GG‬رعيّة العمل ب‪GG‬ه‪ ،‬ما دام يتماشى مع الع‪GG‬دل وال يتن‪GG‬اقض‪ G‬مع مب‪GG‬ادئ اإلس‪GG‬الم وأص‪GG‬وله‪ ،‬كما أ ّن وج‪GG‬وده يف‬
‫الدميقراطية‪ G‬الغربيّة ال ينفي ع‪GG G G G‬دم وج‪GG G G G‬وده يف اإلس‪GG G G G‬الم‪ G،‬بل ذهب بعض الب‪GG G G G‬احثني –كما أس‪GG G G‬لفنا‪ -‬إىل أ ّن‬
‫اإلسالم قد سبق الدميقراطية الغربيّة يف إقرار هذا املبدإ‪.‬‬
‫حمل حبث من البح‪GG‬وث اليت‬ ‫ب‪ -‬مناقشة الس((بب الث((اني‪ (:‬وهو يتعلّق ّ‬
‫باالدع‪GG‬اء أ ّن ه‪GG‬ذا املب‪GG‬دأ مل يكن ّ‬
‫يتعرض‪GG G‬وا ملا يتعلّق به من‬
‫تط‪Gّ G G‬رق إليها الفقه‪GG G‬اء املس‪GG G‬لمون يف حبوثهم املختلف‪GG G‬ة؛ فهم مل يف‪GG G‬ردوه ببحث‪ ،‬ومل ّ‬
‫مسائل‪ ،‬كتحديد مقدار النصاب أو كيفية إجراء التصويت‪ G،‬وغريها من املسائل املتعلّقة هبذا املبدإ‪.‬‬
‫والرد على هذا الرأي يكون‪ G‬مبا يأيت‪:‬‬‫ّ‬
‫* إ ّن موضوع مبدإ األغلبيّة‪ ،‬واألمور املتعلّقة‪ G‬به‪ ،‬يدخل يف الكيفيات املرتبطة بدرجة الوعي السياسي‪G‬‬
‫خيصص الفقهاء حبوثاً مس‪GG‬تقلّة يف ه‪GG‬ذا الش‪GG‬أن‪،‬‬ ‫التطور احلضاري لألمم‪ ،‬وإذا مل ّ‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬واملتناسبة مع ّ‬
‫‪G‬رد ذلك ع‪GG‬دم احلاج‪GG‬ة‪ ،‬أو ع‪GG‬دم املالءمة‪ G‬السياس‪GG‬ية‪ G،‬والفقيه السياسي‪ G‬أدرى بظ‪GG‬روف عص‪GG‬ره وما‬ ‫فقد يك‪GG‬ون‪ G‬م‪ّ G‬‬
‫يناسبها‪.1006‬‬
‫إذن‪ ،‬فع‪GG‬دم تط‪Gّ G‬رق الفقه‪GG‬اء إىل موض‪GG‬وع األغلبيّة‪ G‬يف حبوث مس‪GG‬تقلّة‪ ،‬وال‪GG‬ذي قد يك‪GG‬ون‪ G‬له ما يربّره‪ ،‬ال‬
‫حجة على أ ّن هذا املبدأ ليس من مبادئ احلكم يف اإلسالم‪.‬‬ ‫يعترب ّ‬
‫* بل إ ّن الفقهاء قد عرفوا هذا املبدأ‪ ،‬وحبثوه‪ G‬إىل ح ّد ما ‪.1007‬‬

‫األمة" القطري‪GG‬ة‪ ،‬الع‪GG‬دد الس‪GG‬ابع‪ ،‬الس‪GG‬نة‬


‫العم((اري (عبد الق‪GG‬ادر بن حمم‪GG‬د)‪" ،‬هل مب((دأ األغلبيّة مب((دأ إس((المي أص((يل؟ "‪ ،‬مق‪GG‬ال مبجلّة " ّ‬
‫ّ‬
‫‪1004‬‬

‫األوىل‪ ،‬مايو ‪1981‬م‪ ،‬ص‪.54-53 .‬‬


‫األمة‬
‫وقد ذهب إىل ه ‪GG‬ذا ال ‪GG‬رأي عبد احلميد إمساعيل األنص ((اري يف مق ‪GG‬ال له بعن ‪GG‬وان‪" :‬هل األغلبيّة مب ((دأ إس ((المي أص ((يل؟ " مبجلّة ّ‬
‫‪1005‬‬

‫القطرية‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬السنة األوىل‪ ،‬يناير ‪1981‬م‪ ،‬ص‪.63 .‬‬


‫األمة" القطرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.63 .‬‬ ‫األنصاري(عبد احلميد إمساعيل)‪" ،‬هل األغلبيّة مبدأ إسالمي أصيل ؟"‪ ،‬مقال مبجلّة " ّ‬
‫‪1006‬‬

‫‪ 1007‬املرجع نفس‪GG‬ه‪ ،‬ص‪ .63 .‬وه‪GG‬ذا عكس ما ّادع‪GG‬اه املستش‪GG‬رق "مرجولي‪GG‬وث" ( ‪ ،)Margoliouth‬ال‪GG‬ذي ّادعى أ ّن الكلمـات‪" :‬أكثريّ‪GG‬ة" و‬
‫"صوت" و "انتخاب"‪ ،‬مل تعرف يف الش‪G‬رق إالّ ح‪GG‬ديثاً‪ ،‬حني أدخلت إىل اللغ‪G‬ات اإلس‪G‬المية من اللغ‪G‬ات األوربي‪GG‬ة‪D.S.Margoliouth , .‬‬

‫ص‪.367.‬‬ ‫‪ ..Muhammedanism, pp. 93-94‬نقالً عن‪ :‬الريس(حممد ضياء الدين)‪ ،‬النظريات السياسية اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫فه‪GG‬ذا املب‪GG‬دأ ال‪GG‬ذي تق‪GG‬وم عليه ال‪GG‬دميقراطيات احلديث‪GG‬ة‪ ،‬مب‪GG‬دأ مع‪GG‬روف يف التفكري السياسي اإلس‪GG‬المي منذ‬
‫قرون بعيدة‪.1008‬‬
‫‪G‬دل على مع ‪GG G‬رفتهم هبذا املب ‪GG G‬دإ ‪ ،‬وك‪GG G‬ذا العمل‬
‫وهن ‪GG G‬اك‪ G‬ع‪ّ G G G‬دة مناذج من أق ‪GG G‬وال الفقه ‪GG G‬اء واألص ‪GG G‬وليني ت ‪ّ G G‬‬
‫واالحتجاج به‪.‬‬
‫سنتطرق –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬إىل ذكر بعض هذه األقوال‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وفيما يأيت‬
‫‪-‬ورد عن اإلم‪GG‬ام أيب حامد الغ‪GG‬زايل‪ 1009‬يف أحد مؤلّفات‪GG‬ه‪ ،‬عند تناوله ملس‪GG‬ألة "إذا بويع إلم‪GG‬امني" قول‪GG‬ه‪:‬‬
‫«‪ ‬إهّن م لو اختلف ‪GG‬وا يف مب ‪GG‬دإ األم ‪GG‬ور‪ ،‬وجب ال ‪GG‬رتجيح ب ‪GG‬الكثرة‪ ،‬وأل ّن الك ‪GG‬ثرة ‪ ...‬أق ‪GG‬وى مس ‪GG‬لك من مس ‪GG‬الك‬
‫الرتجيح‪.1010» ‬‬
‫نص واضح ودليل ق‪GG‬اطع على معرفة اإلم‪GG‬ام أيب حامد الغ‪GG‬زايل هلذا املب‪GG‬دإ‪ ،‬وإدراكه ألمهيّته ودوره‬ ‫فه‪GG‬ذا ّ‬
‫يف ترجيح اآلراء املتعارضة‪.‬‬

‫‪-‬كما نُقل عن ابن تيمي ‪GG‬ة‪-‬رمحه اللّ ‪GG‬ه‪ -‬يف مس ‪GG‬ألة مبايعة أيب بكر الص ‪ّ G‬ديق‪ ‬قول ‪GG‬ه‪ « :‬وإمّن ا ص ‪GG‬ار ً‬
‫إماما‬
‫مببايعة مجهور الصحابة‪.1011» ‬‬
‫واملقص ‪GG G‬ور بلفظ "اجلمه ‪GG G‬ور" هو "األك ‪GG G‬ثر"؛ وذلك ألنّه « إذا ك ‪GG G‬ان‪ ‬لفظ األكثرية واألقليّة مل ي‪GG G‬رد يف‬
‫كتب ال ‪GG‬رتاث‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن لفظ ‪G‬اً آخر يقابله قد اس ‪GG‬تعمله علم ‪GG‬اء السياسة الش ‪GG‬رعية وغ ‪GG‬ريهم‪ ،‬وهو لفظ "اجلمه ‪GG‬ور"‬
‫الذي عنوا به "األكثريّة"‪ ،‬وهو كثري الورود يف كتب الفقه والتاريخ‪.1012» ‬‬
‫السابق‪ -‬يؤ ّكد على أ ّن الصحابة‪ ‬قد عرفوا هذا املبدأ‪ ،‬وعمل‪GG‬وا به حىت يف‬ ‫فقول اإلمام ابن تيمية‪ّ -‬‬
‫أخطر املسائل‪ ،‬واملتمثّلة يف تنصيب اخلليفة‪ ،‬وقد عرّب اإلم‪G‬ام عن ه‪G‬ذا املب‪G‬دإ بلفظ "اجلمه‪G‬ور" واملقص‪G‬ود به –‬
‫كما أسلفنا‪ -‬هو "األكثريّة"‪.‬‬

‫‪ 1008‬الريس (حممد ضياء الدين)‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.368 .‬‬


‫حجة اإلس ‪GG‬الم‪ ،‬وهو فيلس ‪GG‬وف متص ‪Gّ G‬وف‪ ،‬له حنو م ‪GG‬ائيت مص ‪G G‬نّف‪ ،‬مول ‪GG‬ده‪G‬‬‫هو حممد بن حممد بن حممد الغ‪GG G‬زايل الطوس ‪GG‬ي‪ ،‬أبو حام ‪GG‬د‪ّ ،‬‬
‫‪1009‬‬

‫ووفاته يف الط‪GG‬ابران خبرس‪GG‬ان‪ ،‬رحل إىل نياس‪GG‬بور مثّ إىل بغ‪GG‬داد‪ ،‬فاحلج‪GG‬از‪ ،‬فبالد الش‪GG‬ام‪ ،‬فمص‪GG‬ر‪ ،‬وع‪GG‬اد إىل بلدت‪GG‬ه‪ .‬نس‪GG‬بته إىل ص‪GG‬ناعة الغ‪GG‬زل‬
‫(عند من يقوله بتش‪GG‬ديد ال‪GG‬زاي)‪ ،‬أو إىل غزالة (من ق‪GG‬رى ط‪GG‬وس) ملن ق‪GG‬ال ب‪G‬التخفيف‪ .‬من كتب‪GG‬ه‪" :‬إحي‪GG‬اء عل‪GG‬وم ال‪GG‬دين"‪" ،‬هتافت الفالس‪GG‬فة" ‪،‬‬
‫"املنقذ من الضالل"‪" ،‬املستصفى"‪ ،‬وغريها‪ ،‬وقد تويف عام ‪ 505‬هـ ‪ 1111-‬م‪ .‬الزركلي (خري الدين)‪ ،‬األعالم‪ ،‬جـ‪ ،7 .‬ص‪.22 .‬‬
‫نقالً عن‪ :‬ال((ريس(حممد ض‪GG‬ياء ال‪GG‬دين)‪ ،‬النظري((ات السياس((ية اإلس((المية‪ ،‬مرجع‬ ‫‪،63‬‬ ‫(رد على الباطنية‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪ 1010‬الغ((زالي (أبو حام‪GG‬د)‪ ،‬ال( ّ‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.368 .‬‬
‫منهـاج السنّة‪ ،‬املكتبة العلميّة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.142 .‬‬ ‫‪1011‬‬

‫القاسمي (ظافر)‪ ،‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ اإلسالمي(‪ -‬الحياة الدستورية‪ ،-‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.276 .‬‬ ‫‪1012‬‬
‫‪-‬وي‪GG G G‬ذكر املاوردي يف أحد مؤلّفات ‪GG G‬ه‪ ،‬مبناس ‪GG G‬بة البحث عن احلكم عند اختالف أهل املس ‪GG G‬جد ح ‪GG G‬ول‬
‫اختي ‪GG G G G G‬ار اإلم ‪GG G G G G G‬ام يف الص ‪GG G G G G G‬الة‪ ،‬قوله‪ « :‬إذا اختلف أهل املس ‪GG G G G G G‬جد يف اختي ‪GG G G G G G‬ار إم ‪GG G G G G G‬ام‪ ،‬عمل على ق ‪GG G G G‬ول‬
‫األكثرين‪.1013» ‬‬
‫‪G‬دل على إدراك فقهائنا ألمهيّة العمل مبب‪GG‬دإ‬ ‫ص ‪G‬الة‪ ،‬إالّ أنّه ي‪ّ G‬‬ ‫فه‪GG‬ذا الق‪GG‬ول وإن ك‪GG‬ان متعلّق ‪G‬اً باإلمامة يف ال ّ‬
‫فض املنازعات‪.‬‬ ‫األكثريّة‪ ،‬ودوره يف ّ‬
‫حج‪G‬ة"‪ ،‬أي فهي تلي‬ ‫يقـررون ب‪GG‬أ ّن‪" :‬الك‪GG‬ثرة ّ‪G‬‬ ‫‪-‬أما علم‪GG‬اء األصـول‪ ،‬فإهّن ـم عند حبثهـم ملبـدإ اإلجـماع ّ‬ ‫ّ‬
‫‪1015‬‬ ‫‪1014‬‬
‫اإلمجاع ؛ حيث يذكر "اآلمدي" أ ّن بعض العلماء منهم ابن جرير الطـربي‪،‬‬

‫وأبو بكر الرازي‪ ،1016‬وأبو احلسني اخلياط املعتزيل‪ ،1017‬وأمحد بن حنبل يف رواية عن‪GG‬ه‪ ،‬قد ذهب‪GG‬وا إىل‬
‫حج‪GG‬ة‪ ،‬ولكن ال‬ ‫انعق ‪GG‬اد اإلجـماع ب‪GG G‬رأي األكثريّة إذا ق ‪Gّ G‬ل خمالفوهـم‪ ،‬وذهب البعض إىل أ ّن قـول األكثريّة ّ‬
‫إمجاعا‪.1018‬‬
‫يسمى ً‬ ‫ّ‬
‫‪G‬دل على املكانة اليت حيتلها مب‪GG‬دأ األكثريّة عند األص‪GG‬وليني؛ حيث ذهب بعض‪GG‬هم إىل ح‪ّ G‬د اعتب‪GG‬ار‬ ‫فه‪GG‬ذا ي‪ّ G‬‬
‫حج‪G‬ة‪ ،‬وإن مل يصل إىل درجة‬ ‫ق‪GG‬ول األكثريّة ممّا ينعقد به اإلمجاع إذا ق‪Gّ G‬ل املخ‪GG‬الفون‪ G،‬واعت‪GG‬ربه‪ G‬البعض اآلخر ّ‪G‬‬
‫اإلمجاع‪.‬‬

‫الماوردي (علي بن حممد)‪ ،‬األحكام السلطانية والواليات الدينية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.182 .‬‬ ‫‪1013‬‬

‫‪ 1014‬الريس ( حممد ضياء الدين)‪ ،‬النظريات السياسية اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.368 .‬‬
‫‪ 1015‬هو علي بن حممد بن سلم التغليب‪ ،‬أبو احلسن‪ ،‬سيف الدين اآلمـدي‪ ،‬أصويل‪ ،‬باحث‪ ،‬أصله من آمد (ديار بكر)‪ ،‬ولد هبا عـام (‪551‬‬

‫‪G‬درس هبا واش‪GG‬تهر‪ .‬وقد ت‪GG‬ويف بدمشق ع‪GG‬ام (‪ 631‬هـ‪ 1233 -‬م)‪ ،‬من مؤلّفات‪GG‬ه‪:‬‬
‫هـ‪ 1156-‬م) وتعلّم‪ G‬يف بغ‪GG‬داد والش‪GG‬ام‪ ،‬وانتقل إىل الق‪GG‬اهرة‪ ،‬ف‪ّ G‬‬
‫"اإلحك ‪GG‬ام يف أص‪GG G‬ول األحك‪GG G‬ام" وخمتص‪GG G‬ره "منتهى الس‪GG G‬ول"‪ ،‬و "لب‪GG G‬اب األلب‪GG G‬اب" و "دق ‪GG‬ائق احلق ‪GG‬ائق"‪ ،‬وغريه ‪GG‬ا‪ .‬ال ((زركلي (خري ال‪GG G‬دين)‪،‬‬
‫األعالم‪ ،‬جـ‪ ،4 .‬ص‪.332 .‬‬
‫اجلصاص‪ ،‬فاضل من أهل الرأي‪ ،‬سكن بغداد ومات فيها‪ ،‬انتهت إليه رئاسة احلنفية‪ ،‬وخوطب يف‬
‫هو أمحد بن علي الرازي‪ ،‬أبو بكر ّ‬
‫‪1016‬‬

‫أن يلي القض ‪GG‬اء ف ‪GG‬امتنع‪ ،‬وألّف كت ‪GG‬اب "أحك ‪GG‬ام القـرآن" وكتابًا يف "أصـول الفقـه"‪ .‬وقد ت ‪GG‬ويف عـام (‪ 370‬هـ ‪ 980-‬م)‪ .‬ال ((زركلي (خري‬
‫الدين)‪ ،‬األعالم‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.171 .‬‬
‫‪ 1017‬هو عبد ال‪GG G‬رحيم بن حممد بن عثم‪GG G‬ان‪ ،‬أبو احلسني ابن اخلي‪GG G‬اط‪ ،‬ش‪GG G‬يخ املعتزلة ببغ ‪GG‬داد‪ ،‬تنسب إليه فرقة منهم ت ‪GG‬دعى "اخلياطي‪GG G‬ة"‪ ،‬ومن‬
‫مؤلّفات‪GG‬ه‪" :‬االنتص‪GG‬ار يف ال‪Gّ G‬رد على ابن الرون‪GG‬دي" و "االس‪GG‬تدالل" و "نقض نعت احلكم‪GG‬ة"‪ .‬وك‪GG‬انت وفاته حنو‪030( :‬هـ ‪912 -‬م)‪ .‬ال((زركلي‬
‫(خري الدين)‪ ،‬األعالم‪ ،‬جـ‪ ،3 .‬ص‪.347 .‬‬
‫جـ‪ ،1‬ص‪.336.‬‬ ‫اآلمدي (سيف الدين)‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬دار الكتب العلميّة‪ ،‬يريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1403،‬هـ‪1983 -‬م‪،‬‬ ‫‪1018‬‬
‫‪G‬دل داللة قاطعة على معرفة الفقه ‪GG G‬اء واألص ‪GG G‬وليني ملب‪GG G‬دإ األكثريّ‪GG G‬ة‪،‬‬ ‫إذن‪ ،‬فه ‪GG G‬ذه النص ‪GG G‬وص‪ G‬وغريه ‪GG G‬ا‪ ،‬ت ‪ّ G G‬‬
‫‪G‬تقل‪ ،‬ف‪G‬ذاك راجع إىل مجلة من األس‪G‬باب قد أش‪G‬رنا إىل‬ ‫وأما مسألة عدم إف‪G‬راده ببحث مس ّ‬ ‫وإدراكهم ألمهيّته؛ ّ‬
‫بعضها سابقاً‪ ،‬وهو ال يعين أنّه ليس من مبادئ احلكم يف اإلسالم‪G.‬‬
‫ص‪G G G G G‬ل يف اإلسـالم‪ ،‬وإذا ك‪GG G G G G‬ان ه‪GG G G G G‬ذا املبـدأ معمـوالً به يف‬
‫وهبذا خنلص إىل أ ّن مبـدأ األغلبيّة‪ G‬متأ ّ‬
‫الدميقراطيات الغربيّة‪ ،‬فهذا ال يعين أنّه غري معروف يف اإلسالم‪.1019G‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫القائلون بإلزام مبدإ األغلبيّة‪ ،‬وأدلّتهم‬

‫لقد ذهب كثري من الفقهاء والباحثني‪ ،‬والسيّما من املعاصرين‪ ،‬إىل أ ّن مبدأ األكثريّة ملزم‪ ،‬وأنّه مب‪GG‬دأ‬
‫من مب ‪GG‬ادئ نظ ‪GG‬ام احلكم يف اإلس ‪GG‬الم‪ ،‬وأ ّك‪GG‬دوا على أنّه ال معىن للش ‪GG‬ورى املق ‪Gّ G‬ررة يف الكت ‪GG‬اب والس ‪GG‬نّة‪ ،‬إذا مل‬
‫تقرره األغلبيّة‪. G‬‬ ‫ويل األمر مبا ّ‬
‫ملزما‪ ،‬أي إلزاميّة تقيّد احلاكم أو ّ‬
‫يكن هذا املبدأ ً‬
‫وقد اس ‪GG‬تندوا يف ق ‪GG‬وهلم ه ‪GG‬ذا إىل مجلة من األدلّة مس ‪GG‬تم ّدة من القـرآن الك ‪GG‬رمي‪ ،‬ومن س‪G G‬نّة املص ‪GG‬طفى‪‬‬
‫السوابق التارخييّة املأخوذة من سرية بعض اخللفاء الراش‪GG‬دين‪ ،‬إض‪GG‬افة إىل بعض‬‫وسريته العطرة‪ ،‬وكذا من ّ‬
‫األدلّة العقليّة‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫تطرقنا إليها عند مناقشة األدلّة اليت‬
‫واجلدير بالذكر أ ّن كثرياً من األدلّة اليت اعتمد عليها هذا الفريق قد ّ‬
‫استند إليها الفريق السابق‪ ،‬القائل بعدم إلزاميّة العمل مببدإ األغلبيّة؛‪ G‬ولذلك سنتناول يف هذا املبحث ‪-‬ب‪G‬إذن‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.181 .‬‬ ‫‪1019‬‬
‫اهلل تعاىل‪ -‬األدلّة اليت مل نتناوهلا فيما سبق‪ ،‬على أ ّن هذا ال ينفي اإلش‪GG‬ارة إىل األدلّة الس‪GG‬ابقة‪ ،‬نظ‪G‬راً الش‪G‬رتاك‪G‬‬
‫كل فريق ينظر إليها من الزاوية اليت تؤيّد اجّت اهه‪.‬‬ ‫األدلّة املعتمدة بني الفريقني يف بعض األحيان؛ حيث إ ّن ّ‬
‫وسنتناول –بعون‪ G‬اهلل تعاىل‪ -‬هذا املبحث يف املطالب اآلتية‪:‬‬

‫ونتعرض فيـه إىل األدلّـة املستمـ ّدة من القـرآن الكـريـم‪.‬‬


‫المطلب األول‪ّ :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ونتناول فيـه األدلّـة املستمـ ّدة من السنّـة النبويّة الشريفـة‪.‬‬
‫ونتطرق فيه إىل األدلّة املأخوذة من سرية بعض اخللفاء الراشدين ‪.‬‬ ‫المطلب الثالث‪ّ :‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬ونتناول فيـه بعـض األدلّـة املنطقيّة والواقـعيّة‪ G‬املعتـمـدة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األدلّة المستمدّة من القرآن الكريم‬


‫لقد اعتمد ه ‪GG G‬ذا الفريق على بعض اآلي ‪GG G‬ات‪ ،‬واس ‪GG G‬تدلّوا هبا لالحتج ‪GG G‬اج على وج ‪GG G‬وب االل ‪GG G‬تزام ب ‪GG G‬رأي‬
‫األول ال يسلّم هلم بداللة تلك اآليات على رأيهم ذاك‪.‬‬ ‫األغلبيّة‪ ،‬وإن كان الفريق ّ‬
‫وفيما يأيت نتع‪GّG‬رض إىل تلك اآلي‪GG‬ات‪ ،‬مع بي‪G‬ان وجه الداللة فيه‪G‬ا‪ ،‬وما ي‪GG‬رد على تلك االس‪G‬تدالالت من‬
‫اعرتاضات‪.‬‬
‫أوال‪ :‬قال‪َ : ‬و َش ِ‬
‫اورْ هُ ْم فِي األَ ْم ِر فَإِ َذا َعزَ ْمتَ فَتَ َو َّكلْ َعلَى هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ يُ ِحبُّ ْال ُمت ََو ِّكلِينَ ‪.1020‬‬
‫‪G‬دل على ذلك ح ‪GG‬ديث‬ ‫‪G‬دل على األخذ ب ‪GG‬رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬وممّا ي ‪ّ G‬‬ ‫ولفظ "الع ‪GG‬زم" ال ‪GG‬وارد يف اآلية الس ‪GG‬ابقة ي ‪ّ G‬‬
‫‪G‬ريا ملض‪GG‬مون الع‪GG‬زم‪ ،‬فهو كثري‬
‫اليت تعترب تفس‪ً G‬‬ ‫النيب ‪‬‬
‫ّ‬ ‫فات‬ ‫تصر‬
‫ّ‬ ‫كذلك‬ ‫التفسري‬ ‫هذا‬ ‫دات‬‫ّ‬‫مؤي‬ ‫ومن‬ ‫‪،‬‬ ‫‪1021‬‬
‫العزم‬
‫االستش‪GG G‬ارة‪ G‬ألص‪GG G‬حابه‪ ،‬بل وينـزل على رأيهم‪ ،‬والس‪GG G‬يّما يف غ‪GG G‬زوة "أح‪GG G‬د"‪ ،‬اليت ن‪GG G‬زلت يف أعقاهبا ه ‪GG‬ذه‬
‫‪G‬دل على أ ّن املقص ‪GG‬ود‬
‫اآلي ‪GG‬ة؛ حيث إ ّن ن ‪GG‬زول ه ‪GG‬ذه اآلية عقب اهلزمية اليت ك ‪GG‬انت بن ‪GG‬اءً على رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬ي ‪ّ G‬‬
‫ودم على‬ ‫ب‪GG‬العزم هو األخذ برأيها (أي األكثريّ‪GG‬ة)‪ ،‬فك‪GG‬أ ّ‪G‬ن اآلية تق‪GG‬ول‪ُ :‬دم على استش‪GG‬ارة أصحـابك يا حمم‪ّ G‬د‪ُ ،‬‬
‫أخذ رأيهم‪ ،‬وال جتعل ه‪GG‬ذه النتيجة لغ‪GG‬زوة "أح‪GG‬د" مانعة لك من األخذ بالش‪GG‬ورى واالل‪GG‬تزام‪ G‬ب‪GG‬رأي األغلبيّة يف‬
‫املستقبل‪.1022‬‬

‫سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.159 :‬‬ ‫‪1020‬‬

‫التعرض إىل األدلّة املستم ّدة من السنّة النبويّة الشريفة‪.‬‬


‫سنورد هذا احلديث ونناقشه عند ّ‬
‫‪1021‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.191 .‬‬ ‫‪1022‬‬
‫املفسرين يف هذه اآلي‪GG‬ة‪ ،‬واليت منها ما ورد يف "تفسري املن‪GG‬ار"‪ ،‬حيث‬ ‫وممّا يؤيّد هذا االجّت اه أقوال بعض ّ‬
‫ترجحه الشورى‪ ،‬وأعددت له ع ّدته‪ ،‬فتو ّكل‬ ‫عزمت بعد املشاورة يف األمر على إمضاء ما ّ‬ ‫َ‬ ‫ذكر فيه‪ « :‬فإذا‬
‫على اهلل يف إمضائه‪. 1023» ‬‬
‫ترجحه الشورى هنا يقصد به "األكثريّة"‪.‬‬ ‫وما ّ‬
‫وقد نوقش هذا الرأي من قِبل الفريق القائل بع‪GG‬دم إل‪GG‬زام رأي األغلبيّة‪ G‬ب‪GG‬أ ّ‪G‬ن كلمة "الع‪GG‬زم" –كما أش‪GG‬رنا‬
‫‪G‬دل على "قصـد اإلمضـاء" ومل ي‪G‬رد يف اللّغة‬ ‫‪G‬دل يف أص‪G‬لها اللّغ‪G‬وي على ذل‪G‬ك‪ ،‬بل إهّن ا ت ّ‬ ‫إىل ذلك س‪G‬اب ًقا‪ -‬ال ت ّ‬
‫أ ّن من معانيها "األخذ باألكثريّة"‪.‬‬
‫وأجيب على ه‪GG G‬ذا‪ ،‬بأنّه ال م‪GG G‬انع من أن يك ‪GG G‬ون‪ G‬لكلمة "الع ‪GG G‬زم" معىن لغ ‪GG G‬وي معنّي ‪ ،‬ويك‪GG G‬ون‪ G‬هلا معىن‬
‫شرعي آخر‪ ،‬كما هو معهود يف العرف الشرعي‪.1024‬‬
‫‪G‬دل اللّغة على‬
‫فه‪GG G‬ذا الفريق ي‪GG G‬رى ب‪GG G‬أ ّن تفسري كلمة "الع‪GG G‬زم" تفيد األخذ مبب‪GG G‬دإ األكثريّ‪GG G‬ة‪ ،‬حىت لو مل ت ‪ّ G‬‬
‫ذلك‪ ،‬فمن اجلائز أن يكون التفسري الشرعي هلذه الكلمة يفيد ذلك‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قوله‪َ : ‬وأَ ْم ُرهُ ْم ُشو َرى بَ ْينَهُ ْم‪.1025‬‬
‫تتم باملش ‪GG G‬اورة فيما بينهم‪،‬‬
‫فه ‪GG G‬ذه اآلية ختربنا –على س ‪GG G‬بيل الثن ‪GG G‬اء والوج ‪GG G‬وب‪ -‬أ ّن أم ‪GG G‬ور املس ‪GG G‬لمني ّ‬
‫يتقرر باإلمجاع‪ ،‬أو األكثريّة‪.1026‬‬ ‫ومقتضى‪ G‬املشاورة احل ّقة أن جتري أمور املسلمني وفق ما ّ‬
‫وقد ن‪GG‬وقش ه‪GG‬ذا االس‪GG‬تدالل ب‪GG‬أ ّن ه‪GG‬ذه اآلية ال تفيد محل اخلرب على الوج‪GG‬وب‪ ،‬وال ت ‪ّ G‬دل على وج‪GG‬وب‬
‫تنفيذ رأي األغلبيّة‪.1027‬‬
‫‪G‬دل عليه ه ‪GG‬ذه اآلية هو مـدح املؤم ‪GG‬نني ب ‪GG‬أهّن م ذو ش ‪GG‬ورى ومراجعة يف اآلراء بينهم‪ ،‬أي ال‬ ‫فك ‪Gّ G‬ل ما ت ‪ّ G‬‬
‫أمرا حىت يتشاوروا فيه‪ ،‬ليساعدوا بآرائهم يف احلروب‪ ،‬وغريها من مهام األمور‪.1028‬‬ ‫يربمون ً‬

‫‪ 1023‬رضا (حممد رشيد)‪ ،‬تفسير المنار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،4 .‬ص‪.205 .‬‬
‫‪ 1024‬األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.192 .‬‬
‫‪ 1025‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية‪.38 :‬‬
‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.193 .‬‬ ‫‪1026‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.193 .‬‬ ‫‪1027‬‬

‫حمم‪G‬د)‪ ،‬الشورى في ضوء القرآن والس(نّة‪ ،‬دار البح‪GG‬وث للدراسـات اإلسالميـة وإحي‪GG‬اء ال‪GG‬رتاث‪ ،‬ديب‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪ 1028‬عتر (حسن ض‪GG‬ياء ال‪GG‬دين ّ‪G‬‬
‫‪ 1422 ،1‬هـ‪ 2001 -‬م‪ ،‬ص‪.47 .‬‬
‫يتم التنفيذ بنـاءً على رأي األكثريّة أو‬ ‫وأما مس‪GG G G‬ألة هل ّ‬‫وك‪GG G G‬ذا على وجـوب التش‪GG G G‬اور يف األم‪GG G G‬ور‪ّ ،‬‬
‫األقليّة‪ ،‬فإ ّن اآلية ال داللة فيها على ذلك‪.1029‬‬
‫يدل على األخـذ ب‪GG‬رأي األكثريّ‪GG‬ة؛ وذلك أنّه ما دام‬ ‫وقد أجيب على هذا االعرتاض‪ ،‬بأ ّ‪G‬ن مقتضى اآلية ّ‬
‫ص ‪G‬ل إليه‬‫يتم على ما تتو ّ‬‫املؤمن ‪GG‬ون‪ G‬يتش ‪GG‬اورون يف أم ‪GG‬ورهم‪ ،‬وال ينف ‪GG‬رد أح ‪GG‬دهم ب ‪GG‬القرار‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن التنفيذ ك ‪GG‬ذلك ّ‬
‫جمرد أخذ ال ‪GG‬رأي دون التقيّد ب ‪GG‬رأي األكثـريّة‪ ،‬ملا ك ‪GG‬ان األمر‬‫األكثريّ ‪GG‬ة‪ ،‬وإالّ لو ك ‪GG‬ان "أم ‪GG‬رهم ش ‪GG‬ورى" هو ّ‬
‫يدل على وجوب االلتزام برأي األكثريّة‪.1030‬‬ ‫شورى ح ًقا‪ ،‬فعموم هذه اآلية ّ‬
‫‪G‬دل –إض‪GG‬افة إىل م‪GG‬دح املؤم‪GG‬نني‬
‫فهذا الفريق –من خالل ما سبق ذكره‪ -‬يذهب إىل أ ّن اآلية الس‪GG‬ابقة ت‪ّ G‬‬
‫املتشاورين ووجوب التشاور‪ -‬على لزوم األخذ مببدإ األغلبيّة‪ ،‬أل ّن ذلك من مقتضيات‪ G‬الشورى احل ّقة‪.‬‬
‫ويل األمر إىل آراء مجيع أهل الش ‪GG G‬ورى‪ ،‬مث خيت‪GG G‬ار هو‬ ‫ويف ه ‪GG G‬ذا يق ‪GG G‬ول "املودودي"‪ّ  « :‬أما أن يس ‪GG G‬تمع ّ‬
‫نفسه حبرية تامة؛ ف‪G‬إ ّن الش‪G‬ورى يف ه‪GG‬ذه احلالة تفقد معناها وقيمته‪GG‬ا‪ ،‬فاهلل مل يقل (تؤخذ آراؤهم ومش‪G‬ورهتم‬
‫يف أم ‪GG‬ورهم)؛ وإمّن ا ق ‪GG‬ال‪« :‬وأم ‪GG‬رهم ش ‪GG‬ورى بينهم‪ » ‬يعين أن تسري أم ‪GG‬ورهم بتشاورهـم فيما بينهم‪ ،‬وتط ‪GG‬بيق‬
‫يتم بأخذ ال ‪GG‬رأي فق ‪GG‬ط؛ وإمّن ا من الض ‪GG‬روري لتنفي ‪GG‬ذه‪ G‬وتطبيق ‪GG‬ه‪ ،‬أن جتري األم ‪GG‬ور وفق ما‬ ‫ه ‪GG‬ذا األمر اإلهلي ال ّ‬
‫يتقرر باإلمجاع‪ ،‬أو باألكثريّة‪.1031» ‬‬ ‫ّ‬
‫يث َوالطَّيِّبُ َولَوْ أَ ْع َجبَ َك َك ْث َرةُ ْالخَ بِيثِ‪.1032‬‬ ‫ثالثا‪ :‬قوله‪: ‬قُلالَّيَ ْست َِوي ْال َخبِ ُ‬
‫فهذه اآلية قد اعتمد عليها الفريق السابق يف القول بعدم االعتداد برأي األكثريّة؛ وذلك أل ّن هذه‬
‫استنادا إىل هذه اآلية‪.‬‬
‫ً‬ ‫تضمنت عدم االعتداد بالكثرة اخلبيثة‪ G،‬فذهبوا‪ G‬إىل إهدار األكثريّة مطل ًقا‪،‬‬ ‫اآلية ّ‬
‫ولكن يف املقابل فقد ا ْس‪G G G G G G‬تُ ِد ّل هبذه اآلية للق‪GG G G G G G‬ول إ ّن لألكثريّة اعتب‪GG G G G G G‬اراً‪ G‬يف الش‪GG G G G G G‬رع‪ ،‬فقد ذهب ابن‬
‫عرفة‪ 1033‬إىل أ ّن ه ‪GG‬ذه اآلية دلّت على االعت ‪GG‬داد ب ‪GG‬الكثرة وال ‪GG‬رتجيح هبا‪ ،‬فقد ق ‪GG‬ال يف تفس ‪GG‬ريه –كما نقل ابن‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.193 .‬‬ ‫‪1029‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.193 .‬‬ ‫‪1030‬‬

‫‪ 1031‬المودودي (أبو األعلى)‪ ،‬الحكومة اإلسالمية(‪ ،‬ترمجة‪ :‬أمحد إدريس‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.176 .‬‬
‫‪ 1032‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.100 :‬‬
‫‪ 1033‬ابن عرف ‪GG‬ة‪ :‬هو حممد بن عرفة ال ‪GG‬ورغمي التونس ‪GG‬ي‪ ،‬إم ‪GG‬ام املالكية يف وقت ‪GG‬ه‪ ،‬وص ‪GG‬فه معاص ‪GG‬ره "ابن فرح ‪GG‬ون" بش ‪GG‬يخ الش ‪GG‬يوخ وبقية أهل‬
‫رائدا يف العل‪G‬وم العقليّة والنقلي‪G‬ة‪ ،‬وق‪G‬ال ابن فرح‪G‬ون‪ :‬له ت‪G‬آليف منه‪G‬ا‪" :‬تقييد الكبري يف املذهب"‪ ،‬وقد ولد س‪G‬نة ‪716‬هـ وت‪G‬ويف‬ ‫الرسوخ‪ ،‬كان ً‬
‫‪337‬‬ ‫(ذهب في معرفة( أعي(ان الم(ذهب‪ ،‬دار الكتب العلمي‪GG‬ة‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬ص‪.‬‬
‫س‪GG‬نة ‪ 803‬هـ‪ .‬انظ‪GG‬ر‪ :‬ابن فرح(ون (بره‪GG‬ان ال‪GG‬دين)‪ ،‬ال(ديباج الم ّ‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫يدل على أ ّن الكثرة هلا اعتبـار‪ ،‬حبيث إنّـها ما أُسقطت‬ ‫ث ‪ّ  « ‬‬ ‫عاشور‪ -‬إ ّن قوله‪َ : ‬ولَوْ أَ ْع َجبَ َ‬
‫ك َك ْث َرةُ ْالخَ بِي ِ‬
‫هنا إالّ للخبث‪.1034» ‬‬
‫ويعترب ه ‪GG‬ذا من ن ‪GG‬وادر االس ‪GG‬تنباطات‪ ،‬إذ استُـعملت ه ‪GG‬ذه اآلية للداللة على ض‪ّ G G‬د ما ذهب إليه الفريق‬
‫اآلخ‪GG‬ر‪ ،‬حيث اعتُ‪GG‬ربت‪ G‬ه‪GG‬ذه اآلية ك‪GG‬دليل على االعت‪GG‬داد ب‪GG‬الكثرة؛ وإمّن ا أُس‪GG‬قط اعتبارها‪ G‬هنا التّص‪GG‬افها ب‪GG‬اخلبث‬
‫فق‪GG‬ط‪ ،‬ومع‪GG‬روف عن أهل الش‪GG‬ورى أهّن م من الص‪GG‬فوة‪ G،‬وأص‪GG‬حاب علم وخ‪GG‬ربة؛ ل‪GG‬ذا ف‪GG‬إ ّن رأي أك‪GG‬ثريّتهم يعت‪ّ G‬د‬
‫رجح على رأي احلاكم الفرد‪ ،‬الذي ليس أكثر منهم علماً وخربة‪.‬‬ ‫به‪ ،‬ويُ ّ‬
‫رابعا‪ :‬ومن اآلي ‪GG‬ات اليت ميكن االسرتش ‪GG‬اد واالس ‪GG‬تئناس هبا يف املوض ‪GG‬وع ما ج ‪GG‬اء يف ق ّ‬
‫ص‪G G‬ة ملكة س ‪GG‬بأ‪،‬‬
‫ي ِكتَ ابٌ َك ِري ٌم إِنَّهُ ِم ْن‬ ‫‪:‬قَ الَ ْ‬
‫ت يأَيُّهَا ال َمألَُ إنّي أُ ْلقِ َي إِلَ َّ‬ ‫حيث حكى عنها الق ‪GG G‬رآن الك ‪GG G‬رمي يف قوله‪‬‬
‫ت يَاأَيُُّهَا ال َمألَ أَ ْفتُ ونِي فِي‬ ‫ي َو ْأتُ ونِي ُم ْس لِ ِمينَ قَ الَ ْ‬ ‫َّح ِيم أَالَّ تَ ْعلُ وا َعلَ َّ‬
‫من ال ر ِ‬ ‫ُسلَ ْي َمانَ َوإِنَّهُ بِس ِْم هَّللا ِ الرَّحْ ِ‬
‫ون‪.1035 ‬‬ ‫اط َعةً أَ ْمرًا َحتَّى تَ ْشهَ ُد ِ‬
‫نت قَ ِ‬ ‫أَ ْم ِري َما ُك ُ‬
‫اط َعةً أَ ْمرًا َحتَّى تَ ْشهَ ُدو ِن‪.‬‬ ‫والشاهد يف هذه اآليات هو قوهلا‪َ  :‬ما ُك ُ‬
‫نت قَ ِ‬
‫وحىّت يس ‪GG G‬تقيم االستش ‪GG G‬هاد بق ‪GG G‬ول "ملكة س ‪GG G‬بأ" ال ب‪ّ G G G‬د من التنبيه إىل أ ّن‪ « :‬ك ‪Gّ G G‬ل حكاية وقعت يف‬
‫رد‪ ،‬فال إشكـال يف بطالن‬ ‫القرآن‪ ،‬فال خيلو أن يقع قبلها‪ ،‬أو بعدها –وهو األكثر‪ -‬رد ّهلا‪ ،‬أوالً‪ :‬ف‪GG‬إن وقـع ّ‬
‫‪G‬حة احملكي(‪ G)...‬ف ‪GG‬إ ّن الق ‪GG‬رآن مسّي فرقان‪G G‬اً‪،‬‬
‫رد؛ ف ‪GG‬ذلك دليل على ص ‪ّ G‬‬
‫ذلك احملكي‪ G‬وكذب ‪GG‬ه‪ ،‬وإن مل يقع معها ّ‬
‫حجة على اخلل ‪GG‬ق‪ ،‬على اجلملة والتفص ‪GG‬يل‪ ،‬واإلطالق‬ ‫وه ‪GG‬دى‪ ،‬وبرهان‪G G‬اً‪ ،‬وبيان‪G G‬اً‪ ،‬وتبيان‪G G‬اً‪ G‬لك ‪Gّ G‬ل ش ‪GG‬يء‪ ،‬وهو ّ‬
‫حبق‪ ،‬مثّ ال ينبّه عليه‪.1036» ‬‬
‫والعموم‪ ،‬وهذا املعىن يأىب أن حيكى فيه ما ليس ّ‬
‫هذا باإلضافة إىل أ ّن "ملكة سبأ" يف حال كوهنا تسجد للشمس من دون اهلل‪ ،‬هي وقومـها‪ ،‬ملا ق‪GG‬الت‬
‫ّ‬
‫احلق ال‪GG‬ذي قالت‪G‬ه‪ ،‬وذلك يف قوهلا فيما‬ ‫كالماً ح ّقاً‪ ،‬ص‪G‬دقها اهلل في‪GG‬ه‪ ،‬ومل يكن كفرها مانع‪G‬اً من تص‪GG‬ديقها يف ّ‬
‫ذكر اهلل ‪‬عنه‪GG G‬ا‪ :‬إِ َّن ْال ُملُو َك إِ َذا َد َخلُوا قَرْ يَةً أَ ْف َس ُدوهَا َو َج َعلُ وا أَ ِع َّزةَ أَ ْهلِهَا أَ ِذلَّةً‪ ،1037‬فقد ق ‪GG‬ال اهلل ‪‬‬
‫مص ّدقًا هلا يف قوله‪َ  :‬و َك َذلِ َك يَ ْف َعلُونَ ‪.‬‬

‫ابن عاشور (حممد الطاهر)‪ ،‬تفسير التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،7 .‬ص‪.64 .‬‬ ‫‪1034‬‬

‫سورة النمل‪ ،‬اآليات‪ 29 :‬و‪ 30‬و‪ 31‬و‪.32‬‬ ‫‪1035‬‬

‫الشاطبي( أبو إسحاق)‪ ،‬الموافقات في أصول الشريعة‪ ،‬مطبعة مصطفى حممد‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،3 .‬ص‪.354-353 .‬‬ ‫‪1036‬‬

‫‪ 1037‬س‪GG‬ورة النم‪GG‬ل‪ ،‬اآلي‪GG‬ة‪ .34 :‬انظ‪GG‬ر‪ :‬الشنقيطي(حممد األمني)‪ ،‬أضواء البي(ان في إيض(اح الق(رآن ب(القرآن‪ ،‬دار الكتب العلمي‪GG‬ة‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪،‬‬
‫ط‪1417 ،1.‬هـ‪ 1996-‬م‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.7 .‬‬
‫إذن‪ ،‬فبن ‪GG G‬اء على أ ّن قوهلا‪َ  :‬ما ُك ُ‬
‫نت قَا ِط َع ةً أَ ْم رًا َحتَّى ت َْش هَ ُدون‪ ‬حمكى يف الق ‪GG G‬رآن الك‪GG G‬رمي دون‬ ‫ً‬
‫ذم‪ ،‬وبن ‪GG‬اءً على س ‪GG‬ياق التأييد والرض ‪GG‬ى‪ ،‬ال ‪GG‬ذي ج ‪GG‬اء فيه ه ‪GG‬ذا الق ‪GG‬ول؛ ف ‪GG‬إ ّن قوهلا والتزامهـا ب ‪GG‬أن‪ G‬ال‬ ‫إبط ‪GG‬ال أو ّ‬
‫تقطع يف أمر من أم‪GG‬ور الدول‪GG‬ة‪ ،‬اليت ك‪GG‬انت حتكمه‪GG‬ا‪ ،‬إالّ بعد استش‪GG‬ارة ملئها وم‪GG‬وافقتهم‪ ،‬يعترب مث‪GG‬االً يقت‪GG‬دى‬
‫به‪ ،‬وذلك يتمثّل يف إمجاعهم‪ ،‬أو رضاهم‪ ،‬أو موافقة أكثريّتهم كح ّد أدىن‪.1038‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األدلّة المستمدّة من السنّة النبويّة الشريفة‬


‫صحة مذهبهم وحجيّته‪ ،‬على مجلة من األدلّة املستم ّدة‬
‫لقد اعتمد هذا الفريق كذلك‪ ،‬لالستدالل على ّ‬
‫النيب ‪‬وسنّته القولية‪ ،‬والفعلية (العمليّة)‪ .‬وفيما يأيت عرض هلذه األدلّة‪:‬‬
‫من سرية ّ‬
‫األول‪ :‬من السنّة القوليّـة‬
‫الفرع ّ‬
‫أوال‪ :‬قوله‪‬يف احلديث املروي عن علي بن أيب طالب‪ « :‬سُئل رسول هللا‪‬عن العزم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫مشاورة أهل الرأي ث ّم اتّباعهم‪.1039» ‬‬
‫س‪G‬ر كلمة "الع‪GG‬زم" ال‪GG‬واردة يف قوله‪َ : ‬و َش ِ‬
‫اورْ هُ ْم فِي األَ ْم ِر‬ ‫ووجه االس‪GG‬تدالل من ه‪GG‬ذا احلديث أنّه‪‬ف ّ‬
‫فَإِ َذا َع َز ْمتَ فَت ََو َّكلْ َعلَى هَّللا ِ‪ 1040 ‬مبش ‪GG‬اورة أهل ال ‪GG‬رأي‪ ،‬واألخذ مبا ينته ‪GG‬ون إلي ‪GG‬ه‪ ،‬ويقصد ب ‪GG‬ذلك ما ينتهي‬
‫تدل على األخذ برأي األكثريّة‪.1041‬‬
‫إليه غالبيّتهم‪ G،‬فهذا ما تفيده صيغة "اتّباعهم"‪ ،‬فهذه اآلية إذن ّ‬

‫الريسوني (أمحد)‪ ،‬نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.401 .‬‬ ‫‪1038‬‬

‫‪ 1039‬العسقالني (ابن حج‪GG‬ر)‪ ،‬فتح الباري شرح ص(حيح البخ(اري‪ ،‬ب‪GG‬اب "بطانة اإلم‪GG‬ام وأهل مش‪GG‬ورته"‪ ،‬طبعة دار املعرف‪GG‬ة‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬جـ‪.‬‬
‫‪ ،13‬ص‪.190 .‬‬
‫‪ 1040‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.159 :‬‬
‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.195 – 194 .‬‬ ‫‪1041‬‬
‫ويؤيّد ه ‪GG G G G‬ذا احلديث ح ‪GG G G G‬ديث آخر يقاربه يف املعىن وهو احلديث املروي عن خالد بن مع ‪GG G G‬دان وعبد‬
‫أي ثُ َّم‬ ‫ال‪GG G G G G‬رمحن بن أيب حسني أ ّن رجالً ق‪GG G G G G G G‬ال‪ :‬يا رس‪GG G G G G G G‬ول اهلل ما احلزم؟ فق‪GG G G G G G G‬ال‪ « :‬أَ ْن تُش ِ‬
‫او َر ذا َر ٍ‬
‫تُطيعهُ‪.1042» ‬‬
‫األول املروي‬
‫وقد ن‪GG‬وقش ه‪GG‬ذا ال‪GG‬دليل بداي‪GG‬ة‪ ،‬من حيث س‪GG‬ند احلديثني الس‪GG‬ابقني‪ ،‬فقد ذُكر أ ّن احلديث ّ‬
‫عن علي بن أيب ط‪GG G G G G‬الب‪ ‬غري ص‪GG G G G G‬حيح‪ ،‬حيث ع‪GG G G G G‬زاه ابن كثري يف تفس‪GG G G G G‬ريه‪ ، 1043‬والس‪GG G G G‬يوطي‪ G‬يف ال‪ّ G G G G‬در‬
‫املنث‪GG‬ور‪ 1044G‬البن مردوي‪GG‬ه‪ ،‬ومل ي‪GG‬ذكرا إس‪GG‬ناده؛ ل‪GG‬ذلك ق‪GG‬ال فيه الش‪GG‬يخ حممد ناصر ال ‪ّ G‬دين األلب‪GG‬اين‪ « :‬وما أراه‬
‫يصح‪ ،‬وليتهما ساقا إسناده‪ ،‬لننظر فيه ونكشف عن علّته‪.1045» ‬‬ ‫ّ‬
‫‪1046‬‬
‫وأما حديث "احلزم"‪ ،‬فهو وإن كان صحيح اإلسناد‪ ،‬إالّ أنّه مرسل ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫واجلمه‪GG G G G G G‬ور على أ ّن املرسل هو من أقس‪GG G G G G G‬ام الض‪GG G G G G G‬عيف‪ G،‬ه‪GG G G G G G‬ذا فض‪G G G G G G‬الً عن أ ّن معىن احلزم غري معىن‬
‫العزم‪.1047‬‬
‫‪G‬حة س ‪GG‬ندمها‪ ،‬إض ‪GG‬افة إىل اختالف احلزم عن الع ‪GG‬زم يف احلديث‬ ‫إذن‪ ،‬فاحلديثني الس ‪GG‬ابقني مطع ‪GG‬ون يف ص ‪ّ G‬‬
‫الثاين‪ ،‬هلذا اعرتض الفريق القائل بعدم إلزاميّة رأي األكثريّة على هذا االستدالل‪.‬‬
‫ولكن على ال‪Gّ G‬رغم من ذل‪GG‬ك‪ ،‬إالّ أ ّن معىن احلديثني ص‪GG‬حيح ومقب‪GG‬ول ل‪GG‬دى العقالء‪ ،‬وتؤ ّ‪G‬ك‪G‬ده التج‪GG‬ارب‬
‫‪G‬ريا من العلم ‪GG G‬اء واملف ّس‪G G G‬رين قد استش ‪GG G‬هدوا هبم ‪GG G‬ا‪ ،‬حىت ولو مل ي ‪GG G‬ذكروا س‪GG G‬ند احلديث‬ ‫الواقعيّ ‪GG G‬ة‪ ،‬كما أ ّن كث ‪ً G G‬‬
‫األول‪.‬‬
‫ّ‬
‫ثانيا‪ :‬قوله‪‬أليب بكر وعمر –رضي اهلل عنهم ‪GG G‬ا‪ « -‬لَ ِو اجْ تَ َم ْعتُ َما فِي َم ُش و َر ٍة َما خاَلَ ْفتُ ُك َما‪.1048» ‬‬
‫ويستدل هبذا احلديث على رجح‪GG‬ان رأي االث‪GG‬نني على الواح‪GG‬د‪ ،‬ومن مثّ رجح‪GG‬ان رأي األكثريّة على األقليّ‪GG‬ة‪،‬‬
‫ّ‬

‫رواه البيهقي يف سننه‪ ،‬كتاب آداب القاضي‪ ،‬باب من يشاور‪ ،‬طبعة دار الفكر‪ ،‬جـ‪ ،10 .‬ص‪.112 .‬‬ ‫‪1042‬‬

‫ابن كثير( أبو الفداء إمساعيل)‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2.‬ص‪.143.‬‬ ‫‪1043‬‬

‫‪ ،2‬ص‪. 90.‬‬ ‫الدر المنثور في التفسير بالمأثور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪.‬‬


‫السيوطي( جالل الدين)‪ّ ،‬‬
‫‪1044‬‬

‫األمة‪ ،‬منش ‪GG‬ورات املكتب اإلس ‪GG‬المي‪،‬‬


‫األلب ((اني (حممد ناصر ال‪ّ G G‬دين)‪ ،‬سلس ((لة األح ((اديث الض ((عيفة( والموض ((وعة( وأثرها الس((يّئ في ّ‬
‫‪1045‬‬

‫دمشق‪ ،‬حديث رقم ‪.4855‬‬


‫‪ 1046‬املرجع نفسه‪ ،‬رقم احلديث‪.4855 :‬‬
‫‪ 1047‬األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.196 .‬‬
‫‪ 1048‬رواه أحمد يف مسنده‪ ،‬مسند عبد الرمحن بن غنم‪ ،‬اجمللد الرابع‪ ،‬طبعة دار الفكر‪ ،‬ص‪.227 .‬‬
‫‪G‬يب ‪،‬ما دام‬
‫إذ إ ّن معىن ذلك أ ّن ص ‪GG‬وتني يرجح ‪GG‬ان ص ‪GG‬وتاً واح ‪GG‬داً‪ ،‬وإن ك ‪GG‬ان ص ‪GG‬احب ذلك الص ‪GG‬وت هو الن ‪ّ G‬‬
‫بعيدا عن التشريع والتبليغ عن اهلل تعاىل‪.1049‬‬ ‫ذلك ً‬
‫‪G‬تدل هبذا احلديث للق‪GG‬ول إ ّن الرس‪GG‬ول‪ّ ‬‬
‫خص ه‪GG‬ذا األمر بالش‪GG‬يخني‪ ،‬أي أيب بكر وعمر –‬ ‫كما أنّه يس‪ّ G‬‬
‫الصحـابة‪‬؛ وهلذا‬
‫رضي اهلل عنهم‪GG G G G G G G G‬ا‪ ،-‬وذلك أل ّن اتفاقهما على أمر معنّي ميثّل اتّف‪GG G G G G G G G‬اق األكثريّة من ّ‬
‫يدل على األخذ برأي األكثريّة‪.1050‬‬ ‫فاحلديث ّ‬

‫وقد ن‪GG‬وقش ه‪GG‬ذا االس‪GG‬تدالل ك‪GG‬ذلك من ناحية الس‪GG‬ند‪ ،‬فقد ورد أنّه ض‪GG‬عيف؛ وذلك أل ّن يف س‪GG‬نده ش‪GG‬هر بن‬
‫حوشب‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،1051‬وعبد الرمحن بن غنم‪ ،‬وهو خمتلف يف صحبته‪.1052‬‬
‫‪G‬دل عليه تؤ ّك ‪GG‬ده س ‪GG‬رية املص ‪GG‬طفى‪‬يف استش ‪GG‬اراته الكث ‪GG‬رية‪G‬‬ ‫ولكن رغم ذلك ف ‪GG‬إ ّن معىن احلديث‪ ،‬وما ي ‪ّ G‬‬
‫للص ‪GG G‬احبيني اجلليلني أيب بكر وعمر –رضي اهلل عنهم ‪GG G G‬ا‪ -‬وأخ ‪GG G G‬ذه برأيهم ‪GG G G‬ا‪ ،‬أو رأي أح ‪GG G G‬دمها‪ ،‬إض ‪GG G‬افة إىل‬
‫مكانتهما يف اجملتمع اإلس ‪GG G G‬المي‪ G،‬كما أ ّن س ‪GG G G‬ريته‪ ‬تؤ ّكد ك ‪GG G G‬ثرة استش ‪GG G G‬اراته‪ G‬ألص ‪GG G G‬حابه‪ ،‬وأخ ‪GG G‬ذه مبا تق ‪Gّ G G‬ره‬
‫النيب ‪ ‬شاور أصحابه وأعرض عن رأي الغالبيّة‪.1053G‬‬
‫أغلبيّتهم‪ ،‬فلم يثبت‪ G‬أ ّن ّ‬

‫‪ 1049‬هويدي (فهمي)‪ ،‬اإلسالم والديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.210 .‬‬


‫‪ 1050‬األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.196 .‬‬
‫‪ 1051‬حيث ق‪GG‬ال فيه موسى بن ه‪GG‬ارون‪ :‬ض‪GG‬عيف‪ ،‬وق‪GG‬ال النس‪GG‬ائي‪ :‬ليس ب‪GG‬القوي‪ .‬وق‪GG‬ال ال‪GG‬بيهقي‪ :‬ض‪GG‬عيف‪ ،‬وق‪GG‬ال ابن حـزم‪ :‬س‪GG‬اقط‪ .‬انظ‪GG‬ر‪:‬‬
‫كتـاب تهذيب التهذيب البن حجـر العسقـالني‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزي‪GG‬ع‪ ،‬ط‪ 1404 ،1.‬هـ‪ 1984 -‬م‪ ،‬جـ‪ ،4 .‬ص‪ 324 .‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪ 1052‬عبد ال‪GG‬رمحن بن غنم (بفتح املعجمة وس‪GG‬كون الن‪GG‬ون) األش‪GG‬عري‪ ،‬حيث ق‪GG‬ال يف العجلي‪ « :‬ش‪GG‬امي ت‪GG‬ابعي ثقة من كب‪GG‬ار الت‪GG‬ابعني (‪)...‬‬
‫وذك‪GG‬ره ابن حب‪GG‬ان يف الثق‪GG‬ات الت‪GG‬ابعني وق‪GG‬ال زعم‪GG‬وا أ ّن له ص‪GG‬حبة وليس ذلك بص‪GG‬حيح عن‪GG‬دي‪ ،» ‬وق‪GG‬ال ابن عبد الرب «‪ ‬ك‪GG‬ان مس‪GG‬لماً على‬
‫عهد الرس‪GG‬ول‪ ‬ومل ي‪GG‬ره‪ ،‬الزم مع‪GG‬اذ بن جبل إىل أن م‪GG‬ات ومسع من عمر وك‪GG‬ان أفقه أهل الش‪GG‬ام‪ » ‬انظ‪GG‬ر‪ :‬كت‪GG‬اب ته((ذيب الته((ذيب البن‬
‫حجر العسقالني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬جـ‪ ،6 .‬ص‪.226-225 .‬‬
‫ظل نظام الحكم اإلسالمي(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.103 .‬‬
‫عبد الخالق (عبد الرمحن)‪ ،‬الشورى في ّ‬
‫‪1053‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬من السنّة العمليّة‬
‫‪G‬يب‪‬ك ‪GG‬ان يش ‪GG‬اور أص ‪GG‬حابه‪ ،‬ويعمل مبا‬ ‫هن ‪GG‬اك كثري من احلوادث يف س ‪GG‬رية الرس ‪GG‬ول‪ ‬ت ‪ّ G‬‬
‫‪G‬دل على أ ّن الن ‪ّ G‬‬
‫تقره أغلبيّتهم‪ ،‬إىل درجة أنّه كان يتنازل أحياناً عن رأيه اخلاص لصاحل رأي أكثريّة الصحابة‪ ،‬حيث إنّه‬
‫ّ‬
‫متسك برأيه يف أمر شورى‪.1054» ‬‬ ‫تدل على أ ّن الرسول ‪ّ ‬‬‫«‪ ‬مل ترد حادثة واحدة ّ‬
‫وسنستعرض –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬بعض احلوادث اليت تؤيّد هذا االجّت اه ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬في غزوة بدر‬


‫‪1055‬‬

‫‪G‬تدل به يف ه‪GG‬ذه الغ‪GG‬زوة‪ ،‬أنّه ملا وقع ع‪GG‬دد من أس‪GG‬رى املش‪GG‬ركني يف أي‪GG‬دي املس‪GG‬لمني‪ ،‬وك‪GG‬انت‬
‫وممّا يس‪ّ G‬‬
‫ّ‬
‫هذه املرة األوىل اليت حيدث فيها هذا‪ ،‬كان من أمر الرسول‪ ‬أن جلأ إىل استشارة أصحابه‪.‬‬
‫وك‪GG G‬ان يف مقدمة من أدل‪GG G‬وا ب‪GG G‬آرائهم أبو بكر الص ‪ّ G G‬ديق وعمر بن اخلط‪GG G‬اب –رضي اهلل عنهم‪GG G‬ا‪ ،-‬فقد‬
‫العم والعش ‪GG‬رية‪ G،‬أرى أن تأخذ منهم فدي ‪GG‬ة‪،‬‬
‫‪G‬يب اهلل‪ ،‬هم بنو ّ‬‫ج ‪GG‬اء يف ص ‪GG‬حيح مس ‪GG‬لم‪ « :‬فق ‪GG‬ال أبو بك ‪GG‬ر‪ :‬يا ن ‪ّ G‬‬
‫فتك‪GG‬ون لنا ق‪Gّ G‬وة على الكف‪GG‬ار‪ ،‬فعسى اهلل أن يه‪GG‬ديهم لإلس‪GG‬الم‪ ،‬فق‪GG‬ال رس‪GG‬ول اهلل ‪ ‬ما ت‪GG‬رى يا ابن اخلط‪GG‬اب؟‬
‫قلت‪ :‬ال واهلل يا رس ‪GG‬ول اهلل‪ ،‬ما أرى ال ‪GG‬ذي رأى أبو بك ‪GG‬ر‪ ،‬ولكىّن أرى أن متكنّا فنض ‪GG‬رب أعن ‪GG‬اقهم ‪ ...‬ف ‪GG‬إ ّن‬
‫ُ‬
‫لت‪ ،‬وملا ك‪GG‬ان من الغد‬ ‫أئمة الكفر وص‪GG‬ناديدها‪ .‬فه‪GG‬وى رس‪GG‬ول اهلل ‪ ‬ما ق‪GG‬ال أبو بك‪GG‬ر‪ ،‬ومل يهو ما قُ‬
‫ه‪GG‬ؤالء ّ‬
‫ُ ّ‬
‫أي ش‪GG‬يء تبكي‪ G‬أنت‬‫جئت ف‪GG‬إذا رس‪GG‬ول اهلل ‪ ‬وأبو بكر قاع‪GG‬دين يبكي‪GG‬ان‪ G.‬قلت‪ :‬يا رس‪GG‬ول اهلل‪ ،‬أخ‪GG‬ربين من ّ‬
‫وص‪GG‬احبك؟ ف‪GG‬إن وج‪GG‬دت بك‪GG‬اءً بكيت‪ ،‬وإن مل أجد تب‪GG‬اكيت‪ G‬لبكائكم‪GG‬ا‪ ،‬فق‪GG‬ال رس‪GG‬ول اهلل ‪ :‬أبكي‪ G‬للّ‪GG‬ذي‬
‫علي ع‪GG‬ذاهبم أدىن من ه‪GG‬ذه الش‪GG‬جرة (ش‪G‬جرة قريبة من‬‫عرض على أص‪G‬حابك من أخ‪G‬ذهم الف‪G‬داء‪ ،‬لقد ع‪GG‬رض ّ‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.106 .‬‬ ‫‪1054‬‬

‫األمة اإلس‪GG‬المية‪ ،‬ومصري‬


‫وقد ك‪GG‬انت يف الس‪GG‬ابع عشر من رمض‪GG‬ان يف الس‪GG‬نة الثانية للهج‪GG‬رة‪ ،‬وهي املعركة احلامسة اليت تق‪Gّ G‬رر فيها مصري ّ‬
‫‪1055‬‬

‫النبي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬جـ‪ ،2.‬ص‪ 143.‬وما بعدها‪.‬‬


‫الدعوة اإلسالمية‪ .‬انظر يف تفاصيل الغزوة‪ :‬ابن هشـام(أبو حممد عبد امللك)‪ ،‬سـيرة ّ‬
‫) وأنزل اهلل ‪َ  ‬ما َكانَ لِنَبِ ٍّي أَ ْن يَ ُكونَ لَهُ أَس َْرى َحتَّى ي ُْث ِخنَ فِي األَرْ ِ‬
‫ض ‪ 1056‬إىل قوله‪ :‬فَ ُكلُ وا‬ ‫النيب ‪‬‬
‫ّ‬
‫فأحل اهلل الغنيمة هلم‪.1058‬‬ ‫ً َ‬
‫ِم َّما َغنِ ْمت ْم َحالال طيِّبًا‪ ‬؛ ّ‬
‫‪1057‬‬
‫ُ‬

‫‪G‬يب ‪ ‬إمّن ا أخذ ب ‪GG‬رأي ص ‪GG‬حايب واح ‪GG‬د‪ ،‬هو أبو بكر ‪ ،‬إالّ أنّها‬
‫فه ‪GG‬ذه الرواية وإن ظهر يف أ ّوهلا أ ّن الن ‪ّ G‬‬
‫ص‪GG‬رحية يف آخرها أ ّن الق‪GG‬ول بأخذ الفدية من األس‪GG‬رى ك‪GG‬ان ق‪GG‬ول مجه‪GG‬ور الص‪GG‬حابة‪‬من مثل قول‪GG‬ه‪ « :‬أبكي‬
‫علي ع ((ذابهم(‪ » ‬فالرس ‪GG‬ول‪ ‬هنا أق ‪Gّ G‬ر ب ‪GG‬رأي أيب بكر ‪ ‬ليس‬
‫للّ ‪GG‬ذي ع ‪GG‬رض على أص ((حابك(‪ ...‬وقد ع ‪GG‬رض ّ‬
‫فقط مليله إليه واستحس ‪GG‬انه ل ‪GG‬ه؛ وإمّن ا هو لكونه رأي مجهـور الصحـابة‪ ،‬ال ‪GG‬ذين عرض ‪GG‬وا عليه ه ‪GG‬ذا األم ‪GG‬ر‪،‬‬

‫وممّا يؤ ّكد ه ‪GG‬ذا أ ّن اآلية اليت ن ‪GG‬زلت موافقة ل ‪GG‬رأي عمر‪‬قد تض ‪Gّ G‬منت املؤاخ ‪GG‬ذة ّ‬
‫لعامة املس ‪GG‬لمني على تطلّعهم‬
‫إىل احلصول على املال‪.1059‬‬
‫َزي ٌز َح ِكي ٌم لَ وْ الَ ِكتَ ابٌ ِّمنَ هَّللا ِ َس بَ َ‬
‫ق‬ ‫اآلخ َرةَ َوهَّللا ُ ع ِ‬ ‫ق‪GG G‬ال‪: ‬تُ ِري ُدونَ ع ََر َ‬
‫ض ال ُّد ْنيَا َوهَّللا ُ ي ُِري ُد ِ‬
‫لَ َم َّس ُك ْم فِي َما أَ َخ ْذتُ ْم َع َذابٌ ع َِظي ٌم‪.1060‬‬
‫وقد ذكر "ابن عاش‪GG G‬ور" أ ّن اخلط ‪GG‬اب يف قول ‪GG‬ه‪ :‬تُ ِري ُدونَ ‪ ‬للفريق ال‪GG G‬ذين أش‪GG G‬اروا بأخذ الف ‪GG‬داء‪ ،‬وفيه‬
‫إشارة إىل أ ّن الرسول ‪ ‬غري معاتب؛ ألنّه إمّن ا أخذ برأي اجلمهور‪.1061‬‬
‫‪G‬يب ‪ ‬قد ن ‪GG‬زل على رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬وأ ّن اهلل ‪ ‬يف تلك اآلي ‪GG‬ات مل يعاتبه‬
‫‪G‬دل على أ ّن الن ‪ّ G‬‬
‫فه ‪GG‬ذه احلـادثة ت ‪ّ G‬‬
‫على ذلك؛ وإمّن ا عاتب الصحابة الذين آثروا احلصول على املال‪.‬‬
‫‪1062‬‬
‫ثانيا‪ :‬في غزوة أحد‬

‫‪ 1056‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪.67 :‬‬


‫‪ 1057‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪.69 :‬‬
‫‪ 1058‬ص((حيح مس((لم بش ‪GG‬رح الن((ووي‪ ،‬ب ‪GG‬اب "اإلم ‪GG‬داد باملالئكة يف غ ‪GG‬زوة ب ‪GG‬در وإباحة الغن ‪GG‬ائم"‪ ،‬اجمللّد الس ‪GG‬ادس‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪1403 ،‬هـ ‪ 1983 -‬م‪ ،‬جـ‪ ،12.‬ص‪.87-86 .‬‬
‫الريسوني (أمحد)‪ ،‬نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.403 .‬‬ ‫‪1059‬‬

‫سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪ 67 :‬و‪.68‬‬ ‫‪1060‬‬

‫ابن عاشور (حممد الطاهر)‪ ،‬تفسير التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،10 .‬ص‪.75 .‬‬ ‫‪1061‬‬

‫وقد كانت بسبب رغبة قريش للثأر ملا أصاهبا يوم ب‪GG‬در‪ ،‬وك‪G‬انت يف ش‪G‬وال س‪GG‬نة ثالث للهج‪G‬رة ‪ .‬انظر يف تفاص‪G‬يل ه‪GG‬ذه الغ‪G‬زوة ‪ :‬ابن‬ ‫‪1062‬‬

‫هشام(أبو حممد عبد امللك)‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬طبعة مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،3.‬ص‪ 14.‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪G‬يب‪ ‬قد ش ‪GG‬اور أص ‪GG‬حابه‪ ،‬وقد بنّي هلم رأيه‬
‫وخالصة ما ميكن أخ ‪GG‬ذه من ه ‪GG‬ذه الغ ‪GG‬زوة أ ّن الن ‪ّ G‬‬
‫ورم‪G‬وا من ف‪G‬وق ال‪G‬بيوت‪ ،‬وإن أق‪G‬اموا‬
‫اخلاص‪ ،‬وهو البق‪G‬اء يف املدين‪G‬ة‪ ،‬ف‪G‬إذا دخل املش‪G‬ركون أزقّة املدينة‪ G‬قوتل‪G‬وا ُ‬
‫بشر مقام‪.‬‬
‫خارجا أقاموا ّ‬
‫ً‬
‫ولكن أغلبيّة الص ‪GG‬حابة‪ ‬رأت اخلروج‪ ،‬وذلك حبجج كث ‪GG‬رية‪ ،‬منها ش ‪GG‬وقهم للق ‪GG‬اء الع ‪ّ G‬‬
‫‪G‬دو‪ ،‬والس ‪GG‬يّما‬ ‫ّ‬
‫بالنّسبة للّذين مل حيضروا غزوة بدر‪ ،‬وأيضاً حىّت ال يقال عنهم أهّن م ضعفاء‪.‬‬
‫ووجه االس ‪GG‬تدالل من ه ‪GG‬ذه احلادثة أ ّن الرس ‪GG‬ول ‪ ‬قد ن ‪GG‬زل على حكم األغلبيّة‪ G‬اليت مل تكن من رأي ‪GG‬ه؛‬
‫ومع ما حصل يف ه‪GG‬ذه الغ‪GG‬زوة من هزمية املس‪GG‬لمني‪ ،‬واستش‪GG‬هاد ع‪GG‬دد كبري من الص‪GG‬حابة‪ ،‬فقد ن‪GG‬زلت اآلية‬
‫اسنت الرسول‪‬هذه السنّة‪،‬‬ ‫‪1063‬‬
‫تأمر باستمرار الشورى‪ ،‬واالستمرار يف النـزول على حكم األغلبيّة‪ « ، G‬وقد ّ‬
‫بعد أن استش ‪GG‬ار أص ‪GG‬حابه ورأى أك ‪GG‬ثرهم اخلروج ألُح ‪GG‬د‪ ،‬فك ‪GG‬ان رس ‪GG‬ول اهلل‪ّ ‬أول من وضع رأي األكثريّة‬
‫موضع التنفي ‪GG‬ذ‪ ،‬إذ هنض من جملسه ف ‪GG‬دخل بيته ولبس ألمته وخ ‪GG‬رج عليهم ليق ‪GG‬ود األقليّة واألكثريّة إىل لق ‪GG‬اء‬

‫‪G‬دو خ ‪GG‬ارج املدين ‪GG‬ة‪ G،‬وقد س ‪GG‬ارع الرس ‪GG‬ول‪‬بتنفيذ‪ G‬رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪ ،‬ب ‪ّ G‬‬
‫‪G‬الرغم من خمالفته لرأيه اخلاص‪ ،‬ال ‪GG‬ذي‬ ‫الع ‪ّ G‬‬
‫األحق باالتّباع‪.1064» ‬‬
‫ّ‬ ‫أظهرت احلوادث أنّه كان الرأي‬

‫‪G‬يب ‪ ‬على رأي أغلبيّة ال ّ‬


‫ص‪G‬حابة‪ ،‬على الرغـم أنّه مل يكن ذاك‬ ‫فهذه احلـادثة دليل واضـح على ن‪GG‬زول الن‪ّ G‬‬
‫حتث‬
‫رأيه يف البداي ‪GG‬ة‪ G،‬ومع ما ت ‪GG‬رتّب على ه ‪GG‬ذا ال ‪GG‬رأي من هزمية املس ‪GG‬لمني‪ ،‬إالّ أنّ اآلي ‪GG‬ات ن ‪GG‬زلت بعد ذلك ّ‬
‫اورْ هُ ْم فِي األَ ْم ِر‪.1065‬‬ ‫على ضرورة االلتزام بالشورى‪ ،‬حيث يقول‪: ‬فَا ْع ُ‬
‫ف َع ْنهُ ْم َوا ْستَ ْغفِرْ لَهُ ْم َو َش ِ‬
‫‪G‬يب ‪ ‬أخذ ب‪GG‬رأي األكثريّة لكونه اقتنع‬‫‪G‬‬‫ن‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫‪G‬وهلم‬
‫‪G‬‬ ‫ق‬‫ب‬ ‫اآلخر‪،‬‬ ‫الفريق‬ ‫بل‬‫وقد نوقش هذا االستدالل من قِ‬
‫ّ‬
‫احلق‪ ،‬وليس لكونه رأي األغلبيّة‪ G،‬وأ ّن رأي هذه األخرية غري ملزم للحاكم‪.‬‬
‫بأنّه ّ‬
‫الرد على هذا االعرتاض مبا يأيت‪:‬‬
‫وميكن ّ‬
‫*إ ّن الروايات يف هذه الغزوة قد أ ّكدت أ ّن الرسول‪‬خرج وهو كاره للخروج‪ ،‬وذلك بناءً على ما‬
‫رآه من الرؤيا‪.1066‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.199 .‬‬ ‫‪1063‬‬

‫عودة (عبد القادر)‪ ،‬اإلسالم وأوضاعنا السياسية‪ّ ،‬‬


‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.203 .‬‬ ‫‪1064‬‬

‫سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.159 :‬‬ ‫‪1065‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.201 .‬‬ ‫‪1066‬‬
‫النيب‪‬مل يكن مؤيّداً ومقتنعاً ب‪G‬رأي أغلبيّة الص‪GG‬حابة‪ ،‬ورغم ذلك فقد امتثل ل‪G‬رأيهم‬
‫وهذا ما يؤ ّكد بأ ّن ّ‬
‫يف اخلروج‪.‬‬
‫*ولنا أن نس‪GG G G‬أل ك‪GG G G‬ذلك‪ :‬كيف يظهر الص ‪GG G‬واب‪ G‬واخلطأ عن‪GG G G‬دما خيتلف أهل الش ‪GG G‬ورى ورئيس الدولة‬
‫نص فيها وال دليل واضح من كت ‪GG‬اب اللّه وس ‪GG‬نّة رس ‪GG‬ول اللّه‪ ،‬إذا مل يكن رأي أغلبيّة أهل‬ ‫ح ‪GG‬ول قض ‪GG‬ية ال ّ‬
‫الش ‪GG‬ورى‪ ،‬وال ‪GG‬ذين يُف ‪GG‬رتض فيهم أهّن م كب ‪GG‬ار أهل ال ‪GG‬رأي يف اجملتمع اإلس ‪GG‬المي‪ G،‬إذا مل يكن رأيهم هو ال ‪GG‬دليل‬
‫احلق حيثما ظه‪G‬ر‪،‬‬
‫الظن ب‪GG‬رئيس الدول‪GG‬ة‪ ،‬أنّه يأخذ ّ‬
‫الرتجيحي على الص‪G‬واب‪ G،‬فما هو ال‪G‬دليل؟ وإذا كنّا حنسن ّ‬
‫الظن بأغلبيّة‪ G‬أهل الرأي والفكر يف اجملتمع اإلسالمي؟‪.1067‬‬ ‫فما الذي جيعلنا نسيء ّ‬
‫‪G‬يب املعص‪GG G‬وم قد مسح للص‪GG G‬حابة‪ ‬بإب ‪GG‬داء‬ ‫*ونض‪GG G‬يف هنا ك‪GG G‬ذلك أنّه إذا ك‪GG G‬ان رس‪GG G‬ول اهلل ‪ ‬وهو الن‪ّ G G‬‬
‫‪G‬ديرا هلم‪ ،‬وامتث ‪GG‬الاً لألمر باملش ‪GG‬اورة واالل ‪GG‬تزام هبا‪ ،‬ومع‬
‫آرائهم املخالفة لرأي ‪GG‬ه‪ ،‬وأخذ ب ‪GG‬رأيهم وت ‪GG‬رك رأي ‪GG‬ه‪ ،‬تق ‪ً G‬‬
‫‪G‬أت الق‪GG G G‬رآن بتخطئته إذ أخذ ب‪GG G G‬رأي األغلبيّة‪– G‬مع أنّه ك‪GG G G‬ان خطـأ يف تلك احلـالة‪ -‬بل أ ّكد دوام‬ ‫ذلك مل ي‪ِ G G G‬‬
‫املش‪GG‬اورة ودوام االل‪GG‬تزام هبا‪ ،‬فكيف ميكن أن نس‪G‬لّم مبخالفة رأي األغلبيّة‪ G‬لص‪GG‬احل رأي ح‪GG‬اكم ف‪GG‬رد‪ ،‬وهو غري‬
‫معصوم؟‪.1068‬‬
‫‪1069‬‬
‫ثالثا‪ :‬غزوة الخندق‬
‫‪G‬يب ‪ ‬ألص‪G‬حابه‪ ،‬ونزوله عند رأيهم‪،‬‬
‫وما نأخذه من وقائع هذه الغزوة كشواهد على استشارة الن ّ‬
‫‪G‬يب ‪‬وأص‪G‬حابه ما‬ ‫عما كان قد ع‪G‬زم علي‪GG‬ه‪ ،‬أنّ‪GG‬ه‪ :‬بعد أن ن ّف‪G‬ذت األح‪G‬زاب املتحالفة ض‪ّ G‬د الن‪ّ G‬‬ ‫حىت ولو بالرتاجع ّ‬
‫ع‪GG G‬زمت علي‪GG G‬ه‪ ،‬وجلأ املس‪GG G‬لمون إىل حفر اخلن‪GG G‬دق‪ ،‬ممّا ح‪GG G‬ال دون دخ‪GG G‬ول املش‪GG G‬ركني املدينة‪ G‬املن‪Gّ G G‬ورة‪ G،‬حوصر‬
‫املس‪GG‬لمون ما يق‪GG‬رب من ش‪GG‬هر‪ ،‬فاش‪GG‬ت ّد ذلك عليهم‪ ،‬وتس‪G‬لّل ال‪GG‬وهن واخلوف إىل بعض‪GG‬هم‪ ،‬والس‪GG‬يّما مع تثبيط‪G‬‬
‫‪G‬يب ‪ ‬وه‪G G‬و القائد احلكيم‪ ،‬وال‪GG G‬رؤوف ال‪GG G‬رحيم‬
‫ص ‪G G‬عبة والعس‪GG G‬رية‪ G‬جلأ الن‪ّ G G‬‬
‫املن‪GG G‬افقني هلم‪ ،‬ففي ه‪GG G‬ذه الظ‪GG G‬روف ال ّ‬
‫ويكسر شوكة أعدائهم‪ ،‬فأجرى اتّصاالت سريّة مع قائ‪GG‬دي‬ ‫ّ‬ ‫بأصحابه‪ ،‬إىل خطوة ليخ ّفف هبا عن أصحابه‪،‬‬
‫ص ‪G G‬ل معهم إىل اتّف ‪GG‬اق يقضي‪ G‬بانس ‪GG‬حاب غطف ‪GG‬ان من‬ ‫غطف ‪GG‬ان (عيينة‪ G‬بن حص ‪GG‬ن‪ ،‬واحلارث بن ع‪GG G‬وف)‪ ،‬وتو ّ‬
‫‪.13‬‬ ‫عزة (عبد اهلل)‪" ،‬الشورى أم االستبداد ؟"‪ ،‬مقال مبجلّة "المجتمع"‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ ،41 :‬ديسمرب ‪1970‬م‪ ،‬ص‪.‬‬
‫أبو ّ‬
‫‪1067‬‬

‫‪ 1068‬األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.204 .‬‬
‫لتحزب األح‪G‬زاب حلرب الرس‪G‬ول –ص‪G‬لّى اهلل عليه وس‪G‬لّم‪-‬‬
‫‪ 1069‬وقد كانت "غ‪G‬زوة اخلن‪G‬دق"‪ ،‬واليت تس ّ‪G‬مى ك‪G‬ذلك "غ‪G‬زوة األح‪G‬زاب" نظ‪G‬راً ّ‬
‫يضم كالً من ق‪G‬ريش‪ ،‬وغطف‪G‬ان‪ ،‬وبين قريظ‪G‬ة‪ ،‬وبين النض‪G‬ري‪ ،‬وبين وائ‪G‬ل‪ .‬وك‪G‬انت فك‪G‬رة ه‪G‬ذا احللف‬
‫واستئصاله هو وأصحابه‪ ،‬وكان احللف ّ‬
‫لنفر من اليهود‪ .‬وقد وقعت هذه الغزوة يف عام ‪ 3‬هـ‪ .‬انظر يف تفاصيل الغزوة ‪ :‬سيرة ابن هشام ‪ ،‬طبعة مكتبة الكلي‪GG‬ات األزهري‪GG‬ة‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬جـ‪ ،3 .‬ص‪.127 .‬‬
‫احلل‪GG G‬ف‪ ،‬ورج ‪GG G‬وع مقاتليها عن املس ‪GG G‬لمني‪ ،‬مقابل أن يعطيهم املس ‪GG G‬لمون ثلث مثار املدين ‪GG G‬ة‪ G،‬و َقْبل أن يص‪GG G‬بح‬
‫النيب ‪ ‬األمر على زعيمي األنصار وممثّليهم (س‪GG‬عد بن مع‪GG‬اذ‪ ،‬وس‪GG‬عد بن عب‪GG‬ادة)‪،‬‬ ‫وملزما‪ ،‬عرض ّ‬ ‫العقد هنائيًا ً‬
‫فق‪GG‬اال ل‪GG‬ه‪ « :‬يا رس‪GG‬ول اهلل‪ ،‬أم‪Gً G‬را حتبّه فنص‪GG‬نعه‪ ،‬أم ش‪GG‬يئًا أم‪GG‬رك اهلل ب‪GG‬ه‪ ،‬الب ‪ّ G‬د لنا من العمل ب‪GG‬ه‪ ،‬أم ش‪G‬يَئً‪ًَG‬ا تص‪GG‬نعه‬
‫لن ‪GG‬ا؟ ق‪GG G‬ال‪ « :‬بل ش يء أص نعه لكم‪ ،‬وهللا ما أص نع ذلك إالّ ألنّ ني رأيت الع رب قد رمتكم عن ق وس‬
‫أكس ر عنكم من ش وكتهم إلى أمر ما‪ ،» ‬فق ‪GG‬ال له س ‪GG‬عد بن‬ ‫أردت أن ّ‬ ‫ُ‬ ‫واحد‪ ،‬وكالبوكم من ك ّل جانب‪ ،‬ف‬
‫معاذ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬قد كنّا حنن و هؤالء الق‪G‬وم على الش‪G‬رك باهلل‪ ،‬وعب‪G‬ادة األوث‪G‬ان‪ G،‬ال نعبد الل‪G‬ه وال نعرف‪G‬ه‪،‬‬
‫وأعزنا بك وب‪GG‬ه‪،‬‬ ‫وهم ال يطمعون أن يأكلوا منها إالّ قرى أو بيعاً‪ ،‬أ فحني أكرمنا اهلل باإلسـالم وهدانا ل‪GG‬ه‪ّ ،‬‬
‫نعطيهم أموالن‪GG G‬ا؟ واهلل ما لنا هبذا من حـاجة‪ ،‬واهلل ال نعطيهم إالّ الس‪GG G‬يف حىت حيكم اهلل بيننا وبينهم‪ .‬ق‪GG G‬ال‬
‫رس‪GG G‬ول اهلل ‪ «: ‬ف أنت وذاك‪ ،» ‬فتنـاول س‪GG G‬عد بن مع‪GG G‬اذ الص‪GG G‬حيفة‪ ،‬فمحا ما فيها من الكتاب‪GG G‬ة‪ G،‬مث ق‪GG G‬ال‪:‬‬
‫ليجهدوا علينا‪.1070» ‬‬
‫‪G‬يب‪‬على رأي س ‪GG‬عد بن مع ‪GG‬اذ وص ‪GG‬احبه س ‪GG‬عد بن عب ‪GG‬ادة‪ ،‬ومها زعيما األوس واخلزرج‬
‫وهك ‪GG‬ذا ن ‪GG‬زل الن ‪ّ G‬‬
‫‪G‬يب‪‬دون غ‪GG‬ريهم من امله‪GG‬اجرين‬
‫(األنص‪GG‬ار)‪ ،‬والثم‪GG‬ار اليت س‪GG‬تعطى لغطف‪GG‬ان هي مثارهم‪ ،‬ول‪GG‬ذلك استش‪GG‬ارهم الن‪ّ G‬‬
‫ألنهما ميثّالن األنص ‪GG‬ار (األوس‬ ‫‪G‬يب‪‬برأيهم‪GG G‬ا‪ ،‬وذلك ّ‬ ‫ك ‪GG‬أيب بكر وعمر –رضي اهلل عنهم‪GG G‬ا‪ ،-‬وقد اكتفى الن‪ّ G G‬‬
‫واخلزرج)‪ ،‬وك ‪GG‬ان موقفهما كافي ‪G‬اً للتعبري عن رأي قومهم ‪GG‬ا‪ ،‬وهم األكثريّة يف املدينة املن ‪Gّ G‬ورة‪ G،‬ول ‪GG‬ذلك ع ‪GG‬دل‬
‫‪G‬يب ‪ ‬عن فكرته ن‪GG‬زوالً على رأيهم‪ .‬واملس‪GG‬ألة كما هي واض‪GG‬حة من ج‪GG‬واب الرس‪GG‬ول ‪ ‬ليست وحي ‪G‬اً‪ ،‬بل‬
‫الن‪ّ G‬‬
‫هي اجتهاد منه‪ ،‬أو كما ورد يف جوابه هلما‪ « :‬بل شيء أصنعه لكم‪.» ‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬األدلّة المستمدّة من سيرة بعض الخلفاء الراشدين‬

‫الراش ‪GG‬دين‪ ،‬أثبتت أ ّن‬


‫‪G‬تدل ه ‪GG‬ذا الفريق جبملة من الوق ‪GG‬ائع والتصرّفات ح ‪GG‬دثت يف عهد اخللف ‪GG‬اء ّ‬
‫لقد اس ‪ّ G‬‬
‫ه‪GG‬ؤالء األخ‪GG‬ريين قد انتهج‪GG‬وا الطريق ال‪GG‬ذي رمسه الرس‪GG‬ول‪ ،‬حيث ك‪GG‬انوا يتش‪GG‬اورون فيما بينهم‪ ،‬مث يعمل‪GG‬ون‬
‫تقره أغلبيّتهم‪.‬‬
‫مبا جيمعون عليه‪ ،‬أو ّ‬

‫ابن هشام(أبو حممد عبد امللك)‪ ،‬السيرة النبويّة‪ ،‬طبعة مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،3.‬ص‪.134-133 .‬‬ ‫‪1070‬‬
‫اهلامة ك ‪GG G‬انت تتّم مبوافقة األغلبيّ ‪GG G‬ة‪ G،‬حيث إنّنا «‪ ‬ال جند يف الت‪GG G‬اريخ مث‪GG G‬الاً‬
‫فك ‪Gّ G G‬ل احلوادث والق ‪GG G‬رارات ّ‬
‫أي خط‪GG‬وة ض ‪ّ G‬د رأي األغلبيّة يف مس‪GG‬ألة م‪GG‬ا‪ ،‬بعد‬ ‫‪G‬دل على أنّهم اتّخ‪GG‬ذوا ّ‬ ‫واح‪GG‬داً يف عهد اخللف‪GG‬اء الراش‪GG‬دين‪ ،‬ي‪ّ G‬‬
‫إجراء املشورة والتوصّل إىل قرار ّمتفق عليه‪.1071» ‬‬
‫وقد ذكرنا يف املبحث السابق‪ ،‬يف معرض مناقشة أدلّة الفريق القائل بعدم إلزاميّة مبدإ األغلبيّة‪ G،‬بعض‬
‫نكررها هن ‪GG‬ا‪ ،‬ونكتفي بع ‪GG‬رض‬ ‫‪G‬دل على ال ‪GG‬تزام اخللف ‪GG‬اء الراش ‪GG‬دين ب ‪GG‬رأي األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬ل ‪GG‬ذلك فلن ّ‬ ‫احلوادث اليت ت ‪ّ G‬‬
‫‪G‬دل على‬ ‫املنهج الع‪GG‬ام للخلف‪GG‬اء الراش‪GG‬دين يف ه‪GG‬ذا اجملال‪ ،‬ون‪GG‬ورد بعض الوق‪GG‬ائع اليت مل ن‪GG‬ذكرها س‪GG‬اب ًقا‪ ،‬واليت ت‪ّ G‬‬
‫فض املنازع‪GG G‬ات؛ ول‪GG G‬ذلك فقد عمل ‪GG‬وا به أثن ‪GG‬اء ف ‪GG‬رتة‬ ‫إدراك اخللف‪GG G‬اء الراش‪GG G‬دين ألمهيّ ‪G G‬ة ه‪GG G‬ذا املب‪GG G‬دإ‪ ،‬ودوره يف ّ‬
‫خالفتهم‪.‬‬
‫نتطرق إىل هذه السوابق التارخييّة يف عهد اخللفاء الراشدين‪:‬‬ ‫وفيما يأيت ّ‬
‫أوال‪ :‬منهاج أبي بكر وعمر –رضي اهلل عنهما‪ -‬في الحكم‬
‫لقد وصف أحد التابعني –وهو ميمون بن مهران‪ -‬خطّة احلكم يف عهد اخلليفتني أيب بكر وعمر‬
‫ص ‪G‬ديق إذا ورد عليه حكم‪ ،‬نظر يف كت‪GG‬اب اهلل‪ ،‬ف‪GG‬إن وجد‬
‫–رضي اهلل عنهم‪GG‬ا‪ -‬فق‪GG‬ال‪ « :‬ك‪GG‬ان أبو بكر ال ّ‬
‫فيه ما يقضي‪ G‬به قضى ب ‪GG G‬ه‪ ،‬وإن مل جيد يف كت ‪GG G‬اب اهلل نظر يف س‪G G G‬نّة رس ‪GG G‬ول اهلل‪ ،‬ف ‪GG G‬إن وجد ما يقضي‪ G‬به‬
‫قضى ب ‪GG‬ه‪ ،‬ف ‪GG‬إن أعي ‪GG‬اه‪ G‬ذلك س ‪GG‬أل الن ‪GG‬اس‪ :‬هل علمتم أ ّن رس ‪GG‬ول اهلل‪‬قضى فيه بقض ‪GG‬اء؟ فرمّب ا ق ‪GG‬ام إليه الق ‪GG‬وم‬
‫‪G‬يب‪ ،‬مجع رؤس‪GG‬اء النّ‪GG‬اس فاستش‪GG‬ارهم‪ ،‬ف‪GG‬إذا اجتمع‬ ‫سنة سنّها الن‪ّ G‬‬
‫فيقولون‪ :‬قضى فيه بكذا وكذا‪ ،‬فإن مل جيد ّ‬
‫رأيهم على ش ‪GG‬يء قضى به‪ » ‬مثّ ق ‪GG‬ال‪ « :‬وك ‪GG‬ان عمر يفعل ذل ‪GG‬ك‪ ،‬ف ‪GG‬إذا أعيـاه أن جيد يف الكت ‪GG‬اب والس ‪GG‬نّة‪،‬‬
‫س‪GG G‬أل‪ :‬هل ك‪GG G‬ان أبو بكر قضى فيه بقض‪GG G‬اء؟ ف‪GG G‬إن ك‪GG G‬ان أليب بكر قضـاء قضى به‪ ،‬وإالّ مجع علم‪GG G‬اء النّ‪GG G‬اس‬
‫واستشارهم‪ ،‬فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به‪.1072» ‬‬
‫ص ‪G‬اً من الق‪GG‬رآن‬ ‫فه‪GG‬ذا النّص ي‪GG‬دل على أ ّن الص‪GG‬حابيني أيب بكر وعمر –رضي اهلل عنهم‪GG‬ا‪ -‬إذا مل جيدا ن ّ‬
‫أو الس‪G‬نّة‪ ،‬فإنّهما ال ينف‪GG‬ردان باخّت اذ القـرار يف املسـألة‪ ،‬بل يعرض‪GG‬اهنا على رؤسـاء الن‪GG‬اس‪ ،‬مثّ يعمالن مبا جيمع‬
‫األقل باتّفاق األكثريّة‪.‬‬
‫هؤالء النّاس؛ وطبيعي أن يكون‪ G‬القرار املتّخذ يكون باإلمجاع‪ ،‬أو على ّ‬
‫ثانيا‪ :‬عمر بن الخطاب ‪ ‬ورأي األغلبيّة‬

‫اإلصالحي (أمني أحسن)‪" ،‬مكانة( الجماهير في الدولة اإلسالمية("‪ ،‬مقال يف جملّة "البعث اإلسالمي("‪ ،‬العدد‪.13-10 :‬‬ ‫‪1071‬‬

‫رب الع((المين‪ ،‬مكتبـة الكليـات األزهري ‪GG‬ة‪ ،‬مصـر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪،1.‬‬
‫ابن قيم الجوزية (حممد بن أيب بك ‪GG‬ر)‪ ،‬أعالم الم((وقعين عن ّ‬
‫‪1072‬‬

‫ص‪.62 .‬‬
‫يف سرية أمري املؤمنني عمر بن اخلطـاب‪ ‬منـاذج كثـرية تثبت‪ G‬عمله ب‪GG‬رأي األغلبيّ‪G‬ة‪ G،‬وقد ذكرنا يف‬
‫السابق بعضها‪ ،‬ونشري اآلن إىل وقائع وأقوال أخرى هلذا اخلليفة تؤ ّكد هذا االجّت اه‪.‬‬
‫فقد كان اجمللس االستشاري يف عهد عمر بن اخلطاب يصدر القرار فيه بأغلبيّة‪ G‬اآلراء‪.1073‬‬
‫ونشري اآلن إىل منوذجني من آراء ابن اخلطاب يؤ ّكدان‪ G‬عمله برأي األغلبيّة‪G:‬‬
‫‪ -1‬قض(((ية الس(((تّة أص(((حاب الش(((ورى‪ :‬ففي ه‪GG G‬ذه القض‪GG G‬يّة‪ G‬يتّضح ت‪GG G‬رجيح عمر بن اخلط‪GG G‬اب‪ ‬رأي‬
‫األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬وذلك أنّه ر ّش‪G‬ح س‪GG‬تّة من أص‪GG‬حاب الش‪GG‬ورى لت‪GG‬ويّل اخلالفة من بع‪GG‬ده‪ ،‬وأم‪GG‬رهم أن خيت‪GG‬اروا باألغلبيّة‬
‫مرجح ‪G‬اً من‬
‫واح‪GG‬داً منهم‪ ،‬وعلى الب ‪GG‬اقي أن يس‪GG‬معوا ويطيع ‪GG‬وا‪ ،‬ف ‪GG‬إن ك ‪GG‬انوا ثالثة يف مواجهة ثالث ‪GG‬ة‪ ،‬اخت‪GG‬اروا ّ‬
‫خ ‪GG‬ارجهم‪ ،‬وهو عبد اهلل بن عمر –رضي اهلل عنهم ‪GG‬ا‪ -‬ف ‪GG‬إن مل يقبل ‪GG‬وه‪ ،‬فالثالثة ال ‪GG‬ذين فيهم عبد ال ‪GG‬رمحن بن‬
‫عوف‪.1074‬‬
‫فهنا يتأ ّكد إدراك عمر‪ ‬ألمهيّة الرتجيح باألكثريّة‪ ،‬ولو كان ذلك بأغلبيّة صوت واحد‪.‬‬
‫‪ -2‬رأي عمر‪‬في اختي( ((ار اإلم( ((ام‪ :‬فقد أوصى‪‬أهل الش ‪GG G‬ورى‪ ،‬بعد أن ينته ‪GG G‬وا إىل اختي‪GG G‬ارهم‪ ،‬أن‬
‫‪G‬جوا رأس من يثب لين ‪GG‬ازعهم األم ‪GG‬ر؛ فهنا أدرك عمر‪‬قيمة العمل مبب ‪GG‬دإ األغلبيّة‪ ،‬وإلزاميّت ‪GG‬ه؛ وه ‪GG‬ذا دليل‬ ‫يش ‪ّ G‬‬
‫على معرفته مبب‪GG G‬دإ ال‪GG G‬رتجيح باألكثريّ‪GG G‬ة‪ ،‬فكأنّه يريد أن يق‪GG G‬ول‪ :‬إذا اجتمعتم على اختي‪GG G‬ار اإلم ‪GG‬ام‪ ،‬مثّ ق‪GG G‬ام من‬
‫فردوه‪ ،‬وإن كان نزاعه باحلرب فحاربوه‪ ،‬فهذا هو البغي أو اخلروج عن اجلماعة‪.1075‬‬ ‫ينازعكم بعد ذلك ّ‬
‫فعمر‪ ‬يق ‪Gّ G G‬رر هنا أ ّن اختي ‪GG G‬ار األكثريّة لإلم ‪GG G‬ام بعد الش ‪GG G‬ورى‪ ،‬يعترب ملزم‪G G G‬اً للجمي ‪GG G‬ع؛ حيث ال جيوز‬
‫تقرره اجلماعة‪.‬‬ ‫عما ّ‬ ‫اخلروج ّ‬
‫المطلب الرابع‪ :‬األدلّة( المنطقيّة والواقعيّة المعتمدة‬

‫لقد اعتمد أص ‪GG‬حاب ه ‪GG‬ذا االجّت اه‪ ،‬القائل بإلزاميّة األخذ مبب ‪GG‬دإ األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬على مجلة من األدلّة املنطقيّ ‪GG‬ة‪،‬‬
‫وغريها من األدلّ‪GG G G‬ة‪ ،‬اليت تثبت‪ G‬وتؤ ّكد أ ّن االل‪GG G G‬تزام هبذا املب‪GG G G‬دإ ض‪GG G G‬رورة حيتّمها الواقع والتجرب ‪GG G‬ة‪ ،‬ومص ‪GG G‬لحة‬
‫البشر‪ ،‬ويتقبلّها العقل‪ ،‬وتتوافق مع روح الشرع ومقاصده‪.‬‬
‫نتعرض –حبول اهلل تعاىل‪ -‬إىل بعض هذه األدلّة‪:‬‬ ‫وفيما يأيت ّ‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.205 .‬‬ ‫‪1073‬‬

‫القرضاوي (يوسف)‪ ،‬من فقه الدولة في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.143 .‬‬ ‫‪1074‬‬

‫الريس (حممد ضياء الدين)‪ ،‬النظريات السياسية اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.369 .‬‬ ‫‪1075‬‬
‫أوال‪ :‬جديّة االلتزام( بمبدإ الشورى‬
‫إذ ال معىن للش‪GG G G‬ورى إذا مل يؤخذ فيها ب‪GG G G‬رأي األكثريّة‪1076‬؛ حيث إ ّن الش‪GG G G‬ورى تفقد معناها‬
‫تامة‪.1077‬‬‫ويل األمر إىل آراء مجيع أهل الشورى‪ ،‬مثّ خيتار ما يراه هو نفسه حبريّة ّ‬ ‫وقيمتها إذا استمع ّ‬
‫والش‪GG‬ورى اليت ال تُل‪GG‬زم من ين ّف‪GG‬ذها هي ش‪GG‬ورى ال قيمة هلا‪ ،‬وهي ن‪GG‬وع من العبث واللّعب‪ ،‬فالش‪GG‬ورى‬
‫مزورة مرفوضة‪.1078‬‬ ‫الناقصة شورى ّ‬
‫إذن‪ ،‬فلكي يك ‪GG‬ون للش ‪GG‬ورى قيمة ومع ‪GG‬ىن‪ ،‬وحت ّقق اهلدف من تش ‪GG‬ريعها‪ ،‬فالب‪ّ G G‬د من االل ‪GG‬تزام بنتيجته ‪GG‬ا‪G،‬‬
‫واليت تكون بإمجاع أهل الشورى على أمر معنّي ‪ ،‬أو أغلبيّتهم‪.‬‬
‫احلجة ب‪GG‬القول‪ :‬إ ّن فائ‪GG‬دة الش‪GG‬ورى ليست فقط باتّب‪GG‬اع رأي األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬بل‬ ‫وقد ناقش الفريق اآلخر هذه ّ‬
‫إ ّن من فوائدها االستنارة بآراء أهل الشورى‪ ،1079‬وظهور الرأي الصواب‪.1080‬‬
‫‪G‬رد على ه ‪GG G‬ذا االحتج ‪GG G‬اج ب ‪GG G‬أ ّ‪G‬ن ه ‪GG G‬ذه املع ‪GG G‬اين للش ‪GG G‬ورى تتحقّ ‪G G‬ق عن ‪GG G‬دما يك ‪GG G‬ون‪ G‬رأي األغلبيّة‬
‫ولكن ي ‪ّ G G‬‬
‫ملزماً‪.1081‬‬
‫يق‪GG‬ول فتحي الدريين عن رئيس الدول‪GG‬ة‪ « :‬عليه األخذ مبا انتهى‪ G‬إليه ه‪GG‬ذا اجمللس (جملس الش‪GG‬ورى) من‬
‫جمرد‬
‫رأي‪ ،‬باإلمجاع أو األكثريّ ‪GG‬ة‪ ،‬إذ ال معىن لوجوبه (أي التش ‪GG‬اور) ابت ‪GG‬داء‪ ،‬مث اطّ ‪GG‬راح مثرته انته ‪GG‬اء‪ ،‬وليس ّ‬
‫تط ‪GG‬ييب خ‪GG G‬واطر أعض‪GG G‬اء اجمللس باستش‪GG G‬ارهتم‪ ،‬يص‪GG G‬لح مقص‪GG G‬داً ش‪GG G‬رعياً ميكن أن يعت ‪ّ G G‬د به ب‪GG G‬ديالً عن احلكمة‬
‫التشريعيّة من تشريع مبدإ الشورى يف السياسة واحلكم‪.1082» ...‬‬
‫وأما الق‪GG‬ول إ ّن الفائ‪GG‬دة من الش‪GG‬ورى هي يف ظه‪GG‬ور ال‪GG‬رأي الص‪GG‬واب‪ ،G‬واملظن‪GG‬ون يف اخلليفة أن يأخذ ب‪GG‬ه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فريد عليه بأنّه ليس من املؤ ّكد أ ّن اخلليفة الذي مل يل‪G‬تزم ب‪GG‬رأي األكثريّة –إذا أخذ بغري األكثريّ‪GG‬ة‪ -‬فقد أخذ‬ ‫ّ‬
‫الص‪GG G‬واب؛ ل‪GG G‬ذلك عن‪GG G‬دما ينع‪GG G‬دم ال‪GG G‬دليل و الوض‪GG G‬وح يف مس‪GG G‬ألة معيّن‪GG G‬ة‪ G،‬فال ب ‪ّ G G‬د من اخّت اذ األغلبيّة‪ G‬معي‪GG G‬اراً‬
‫للصواب‪.1083‬‬

‫عودة (عبد القادر)‪ ،‬اإلسالم وأوضاعنا السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.202 .‬‬ ‫‪1076‬‬

‫المودودي (أبو األعلى)‪ ،‬الحكومة( اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.176 .‬‬ ‫‪1077‬‬

‫الغزالي (حممد)‪" ،‬الرحمة والشورى‪ :‬ندوة لواء اإلسالم"‪ ،‬جملّة "لواء اإلسالم"‪ ،‬العدد‪ 28 ، 7 :‬أبريل ‪ 1974‬م‪ ،‬ص‪.47 .‬‬ ‫‪1078‬‬

‫متولي (عبد احلميد)‪ ،‬مبدأ الشورى في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.52 .‬‬ ‫‪1079‬‬

‫زيدان (عبد الكرمي)‪ ،‬أصول الدعوة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.223 .‬‬ ‫‪1080‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.207 .‬‬ ‫‪1081‬‬

‫خصائص التشريع اإلسالمي في السياسة والحكم‪ّ ،‬‬


‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1407 ،2 .‬هـ‪1987-‬م‪ ،‬ص‪.454-453 .‬‬ ‫‪1082‬‬

‫عزة (عبد اهلل)‪ " ،‬الشورى أم االستبداد ؟"‪ ،‬مقال مبجلّة "المجتمع" الكويت‪ ،‬العدد‪1970 ،41 :‬م ص‪.13 .‬‬
‫أبو ّ‬
‫‪1083‬‬
‫‪G‬ؤدي اهلدف املنش ‪GG‬ود من تش ‪GG‬ريعها‪ ،‬هو‬ ‫وهبذا خنلص إىل أنّه من مقتض ‪GG‬يات الش ‪GG‬ورى احلقيقيّ ‪GG‬ة‪ ،‬اليت ت ‪ّ G‬‬
‫يتم التش ‪GG‬اور‪،‬‬
‫ض ‪GG‬رورة ال‪GG G‬تزام احلاكم مبا تق‪Gّ G G‬ره األكثريّ‪GG G‬ة‪ ،‬حىت ولو ك‪GG G‬ان رأيها خمالف ‪G G‬اً لرأي‪GG G‬ه‪ ،‬وه‪GG G‬ذا بعد أن ّ‬
‫ومناقشة وجهات النظر يف املسألة‪ G‬املعروضة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬داللة التجارب والوقائع التارخييّة‬
‫لقد أثبتت الوق‪GG‬ائع التارخييّة والتج‪GG‬ارب العمليّ‪GG‬ة‪ ،‬أ ّن إعط‪GG‬اء احلاكم احلرية املطلقة يف اخّت اذ الق‪GG‬رارات‪،‬‬
‫يؤدي إىل االستبداد باحلكم‪.‬‬ ‫تقره األغلبيّة‪ّ G،‬‬ ‫ومتتّعه بسلطات واسعة‪ ،‬دون إلزامه بالتقيّد مبا ّ‬
‫وال ميكن االقتص‪GG G G G‬ار هنا ب‪GG G G G‬الوازع النفسي‪ G‬كض‪GG G G G‬مان ض ‪ّ G G G G‬د االحنراف واالنس‪GG G G G‬داد‪ ،‬فهو غري ك‪GG G G‬اف‪،‬‬
‫وأما رقابة العلم‪G‬اء‬
‫فاإلنس‪G‬ان الص‪G‬احل قبل تولّيه منصب الس‪G‬لطة غ‪G‬ريه بع‪G‬ده‪ ،‬إالّ ما ن‪G‬در‪ ،‬والن‪G‬ادر ال حكم ل‪G‬ه‪ّ ،‬‬
‫ملزما للح‪GG‬اكم‪ ،‬وإالّ إذا ك‪GG‬انت‬ ‫وفعال‪GG‬ة‪ ،‬إالّ إذا ك‪GG‬ان رأي األغلبيّة فيهم ً‬ ‫من ح‪GG‬ول احلاكم‪ ،‬فال تك‪GG‬ون جمديّة ّ‬
‫كلمتهم هلا وزهنا وثقلها‪.1084‬‬
‫الفعالة ‪-‬كما أثبتتها جتارب الت‪GG G G G‬اريخ– هو االل ‪GG G G‬تزام باألكثريّة‪ ،1085‬والس‪GG G G‬يّما مع‬ ‫فالض‪GG G G G‬مانة العمليّة ّ‬
‫ضعف الوازع النفسي (الرقابة الداخليّة)‪ ،‬وصوريّة الرقابة اخلارجيّة يف عصرنا احلايل‪.‬‬
‫األمة من عص‪GG‬ور االس‪GG‬تبداد وإب‪GG‬رام األم‪GG‬ور يف غيبتها‪ G‬وإه‪GG‬دار آراء علمائها وذوي‬ ‫ل‪GG‬ذا يكفي‪ G‬ما القت ّ‬
‫الرأي فيها‪.1086‬‬
‫فلو ك ‪GG G‬انت الش ‪GG G‬ورى امللزمة هي القاع ‪GG G‬دة املتبّعة يف نظ ‪GG G‬ام احلكم‪ ،‬ملا انفتح الطريق أم ‪GG G‬ام ه ‪GG G‬ذا العبث‬
‫الدامي‪.1087‬‬
‫إذن‪ ،‬ف‪G‬التزام احلاكم ب‪G‬رأي األغلبيّة يعترب من ال ُس‪G‬بل اليت تقطع الطريق أم‪G‬ام االس‪G‬تبداد‪ ،‬ه‪G‬ذا مع اعرتافنا‬
‫ب‪GG‬أ ّن له‪GG‬ذا األخري أس‪GG‬بابًا كث‪GG‬رية‪ ،‬ولكن غي‪GG‬اب ه‪GG‬ذا املب‪GG‬دإ يعترب من األس‪GG‬باب الرئيسة ل‪GG‬ه‪ ،‬وه‪GG‬ذا ما أثبته‪ G‬الواقع‬
‫العملي‪ ،‬وأ ّكدته التجارب التارخييّة‪.‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.219 .‬‬ ‫‪1084‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.219 .‬‬ ‫‪1085‬‬

‫‪.107‬‬ ‫عبد الخالق (عبد الرمحن)‪ ،‬الشورى في ظل نظام الحكم اإلسالمي(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪1086‬‬

‫عزة (عبد اهلل)‪" ،‬الشورى أم االستبداد ؟ "‪ ،‬مقال مبجلّة "المجتمع"‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ 1970 ،41 :‬م‪ ،‬ص‪.28 .‬‬
‫أبو ّ‬
‫‪1087‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫األمة‬
‫عالقة مبدإ األغلبيّة باإلجماع‪ ،‬وعصمة ّ‬

‫تعترب فك‪GG‬رة اإلمجاع من خص‪GG‬ائص الش‪GG‬ريعة اإلس‪GG‬المية‪ ،‬واليت انف‪GG‬ردت بتقريره‪GG‬ا‪ ،‬وذلك لتؤيّد الق‪GG‬ول‬
‫أي نظ‪GG‬ام دميق‪GG‬راطي؛‬
‫صص لألمّة وإرادهتا مكان يف النظ‪GG‬ام اإلس‪GG‬المي‪ ،‬أرقى ممّا ميكن أن يك‪GG‬ون يف ّ‬ ‫بأنّه قد ُخ ّ‬
‫األمة معصومة‪ ،‬وأهّن ا من إرادة اهلل‪ ،‬وذلك قبل أن يأيت "روس‪GG‬و" وأمثاله ليتح‪GG‬دثّوا‬ ‫فقرر املسلمون أ ّن إرادة ّ‬ ‫ّ‬
‫‪1088‬‬
‫العامة" ‪.‬‬ ‫يسمى "اإلرادة ّ‬ ‫ّ‬ ‫عما‬
‫ّ‬
‫األم‪GG‬ة"‪ ،‬وذلك نظ‪Gً G‬را‬
‫وإ ّن احلديث عن مب‪GG‬دإ األغلبيّة يق‪GG‬ود إىل احلديث عن "اإلمجاع"‪ ،‬وعن "عص‪GG‬مة ّ‬
‫للرتابط الوثيق بني هذه املبادئ‪.‬‬
‫فالعمل مبب‪GG G G G‬دإ األغلبيّة‪ G‬إمّن ا هو يف احلقيقة‪ G‬ف ‪GG G G‬رع عن العمل مبب‪GG G G G‬دإ اإلمجاع‪ ،‬والتق‪GG G G G‬ارب والتباعد بني‬
‫تبعا لنس‪GG G G‬بة األغلبيّة مع األقليّ‪GG G G‬ة‪ ،‬وقد ترتفع األغلبيّة حىت ال يبقى‪ G‬بينها وبني‬
‫اإلمجاع واألغلبيّة يزيد وينقص‪ً G‬‬
‫اإلمجاع إالّ فارق ضئيل‪.1089‬‬
‫األمة حممولة على اتّف‪GG G G‬اق األكثريّ‪GG G G‬ة‪ ،‬وذلك جـائز وكثري يف‬ ‫كما أ ّن النّص‪GG G G‬وص الدالة على عص‪GG G G‬مة ّ‬
‫األسلوب العريب‪.1090‬‬

‫الريس (حممد ضياء ال ّدين)‪ ،‬النظريات السياسية اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.380 .‬‬ ‫‪1088‬‬

‫الريسوني (أمحد)‪ ،‬نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.411 .‬‬ ‫‪1089‬‬

‫اآلمدي (سيف ال ّدين)‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬دار الكتب العـلمية‪ ،‬بـريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1403 ،‬هـ‪ 1983-‬م‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪-336 .‬‬ ‫‪1090‬‬

‫‪.337‬‬
‫األم‪GG G‬ة" من جه‪GG G‬ة‪ ،‬وبني "مب‪GG G‬دإ‬
‫إذن‪ ،‬فهن ‪GG G‬اك ص ‪GG G‬لة وثيقة بني ك ‪Gّ G G‬ل من "مب ‪GG G‬دإ اإلجـماع" و"عصمـة ّ‬
‫األغلبيّ‪GG G‬ة"‪ G‬من جهة أخ‪GG G‬رى‪ ،‬إىل درجة أ ّن ه‪GG G‬ذا املب‪GG G‬دأ األخري (مب‪GG G‬دأ األغلبيّ‪GG G‬ة)‪ G‬يعترب الص‪GG G‬ورة العمليّة الواقعيّة‪G‬‬
‫للمبدأين اآلخرين‪ .‬وسنتناول‪-‬بإذن اللّه تعاىل‪ -‬هذه املسألة‪ G‬يف املطلبني اآلتيني‪:‬‬

‫األول ‪ :‬ونتناول فيه عالقة مبدإ األغلبيّة‪ G‬بعصمة ّ‬


‫األمة‪.‬‬ ‫المطلب ّ‬
‫المطلب الثاني‪ّ (:‬‬
‫ونتعرض فيه إىل عالقة مبدإ األغلبيّة باإلمجاع‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مبدأ األغلبيّة وعصمة األمّة‬


‫‪G‬يب ‪ ،‬تفيد أ ّن ّأمته‪‬معص‪GG‬ومة‪ ،‬وال جتتمع على ض‪GG‬اللة‪ّ ،‬‬
‫وحتث‬ ‫لقد وردت نص‪GG‬وص من أح‪GG‬اديث الن‪ّ G‬‬
‫على االلتزام برأي اجلماعة أو بالسواد األعظم‪ ،‬واليت منها‪:‬‬
‫‪ -1‬عن ج ‪GG‬ابر بن مسرة ق ‪GG‬ال‪ :‬خطبنا عمر بن اخلط ‪GG‬اب فق ‪GG‬ال‪ :‬ق ‪GG‬ام فينا رس ‪GG‬ول اهلل‪‬كقي ‪GG‬امي فيكم‪،‬‬
‫إن الش يطان مع الواح د‪ ،‬وهو من االث نين‬ ‫فق ‪GG‬ال‪ « :‬من أحبّ منكم بحبوحة الجنّة؛ يل تزم الجماع ة‪ ،‬ف ّ‬
‫أبعد‪.1091» ‬‬
‫مرفوعا أنّه ق‪GG G‬ال‪ « :‬اثن ان خ ير من واحد وثالثة خ ير من‬ ‫ً‬ ‫‪ -2‬روى أمحد يف مس‪GG G‬نده عن أيب ذر‬
‫إن هللا ع ّز وج ّل لن – أولم‪ -‬يجمع أ ّم تي إالّ على‬
‫اثنين وأربعة خير من ثالث ة‪ ،‬فعليكم بالجماعة ‪ ،‬ف ّ‬
‫هدى‪.1092» ‬‬
‫‪ -3‬عن ابن عمر عن النيب‪‬قال‪ّ  « :‬‬
‫إن هللا ال يجمع أ ّمتي –أو قال أ ّمة مح ّمد‪ -‬على ضاللة‪ ،‬ويد‬
‫ّ‬
‫‪1093‬‬
‫شذ في النار‪. » ‬‬ ‫شذ ّ‬
‫هللا على الجماعة ومن ّ‬

‫رواه الترمذي يف كتاب "الفنت" جـ‪ ،5 .‬رقم ‪ .7‬انظر‪ :‬سنن الترمذي (حممد بن عيسى الرتم‪GG‬ذي)‪ ،‬حتقي‪GG‬ق‪ :‬عبد ال‪GG‬رمحن حممد عثم‪GG‬ان‪،‬‬ ‫‪1091‬‬

‫دار الفك‪GG‬ر‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ 1983 ،‬م‪ ،‬ورواه اإلم‪GG‬ام أحمد يف المس((ند جـ‪ ،8 .‬رقم ‪ ،26‬انظ‪GG‬ر‪ :‬المس((ند ألحمد بن حنب‪GG‬ل‪ ،‬ش‪GG‬رح ووضع فهارسه‬
‫أمحد شاكر‪ ،‬دار املع‪GG‬ارف‪ ،‬مص‪GG‬ر‪ 1975 ،‬م‪ .‬ورواه الحاكم يف المستدرك‪ ،‬كت‪GG‬اب العلم‪ ،‬طبعة دار الكت‪GG‬اب الع‪GG‬ريب‪ ،‬ب‪GG‬ريوت‪ ،‬جـ‪ ،5 .‬ص‪.‬‬
‫‪.115‬‬
‫رواه أحمد يف مسنده‪ ،‬مسند أيب ذر الغفاري‪ ،‬طبعة دار الفكر‪ ،‬جـ‪ ،5 .‬ص‪.145 .‬‬ ‫‪1092‬‬

‫رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬كتاب الفنت‪ ،‬باب ما جاء يف لزوم اجلماعة‪ ،‬حديث رقم ‪ ،2172‬قال‪ :‬حديث غريب‪.‬‬ ‫‪1093‬‬
‫‪ -4‬عن ابن عمر عن الن‪GG G G‬يب‪‬ق ‪GG G‬ال‪ « :‬ال تجتمع أ ّمة مح ّمد على ض اللة أب دًا‪ ،‬وعليكم بالس واد‬
‫ّ‬
‫‪1094‬‬
‫شذ في النّار‪. » ‬‬ ‫شذ ّ‬
‫األعظم فإنّه من ّ‬
‫وعامتهم‪ ،‬والعدد األكرب منهم‪.‬‬
‫والسواد األعظم يعين مجهور الناس ّ‬

‫‪ -5‬عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ «: ‬يد هللا مع الجماعة‪.1095» ‬‬
‫تدل على االحتجاج برأي اجلماعة الكثرية‪.1096‬‬ ‫بعضا‪ّ ،‬‬‫يقوي بعضها ً‬ ‫فهذه النّصوص‪ ،‬واليت ّ‬
‫األمة حممولة على اتّف‪G‬اق األكثريّ‪G‬ة‪ ،‬وذلك‬ ‫وقد ذهب بعض العلماء إىل أ ّن هذه النص‪G‬وص‪ G‬ال ّدالة على عص‪G‬مة ّ‬
‫جائز وكثري يف األسلوب العريب‪.1097‬‬
‫األم‪GG‬ة‪ ،‬يف ض ‪GG‬رورة العمل مبب ‪GG‬دإ األغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬أنّه لو‬‫‪G‬تدل به من ه ‪GG‬ذه األح ‪GG‬اديث املق ‪Gّ G‬ررة لعص ‪GG‬مة ّ‬ ‫وممّا يس ‪ّ G‬‬
‫األمة وإتالف‪G‬اً إلمجاعه‪GG‬ا‪ ،‬وهي معص‪GG‬ومة‬ ‫ك‪GG‬ان األمري غري مل‪GG‬زم ب‪GG‬رأي األغلبيّ‪GG‬ة‪ G،‬لك‪GG‬ان ه‪GG‬ذا م‪GG‬دعاة إللغ‪GG‬اء رأي ّ‬
‫من اخلط ‪GG G G G‬إ‪ ،‬كما تق ‪Gّ G G G G‬رر يف األص ‪GG G G G‬ول‪ ،‬واألمري غري معص ‪GG G G G‬وم‪ G‬من اخلط ‪GG G G G‬إ‪ ،‬فكيف حيكم غري املعص ‪GG G G‬وم على‬
‫املعصوم‪.1098G‬‬
‫‪G‬حة ال‪GG‬رتجيح هبا‪ ،‬وال ي‪GG‬ؤثّر على‬ ‫وحىّت مع التس‪GG‬ليم ب‪GG‬أ ّن األغلبيّة‪ G‬ال عص‪GG‬مة هلا‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن ه‪GG‬ذا ال ينقض‪ G‬ص‪ّ G‬‬
‫ص ‪GG G G G‬وابيّة العمل برأيها وقوهلا‪ ،‬وذلك ألنّنا يف اتّباعنا لألغلبيّة ال نطلب الس‪GG G G G G G‬المة الكاملة من اخلط ‪GG G G G‬إ‪ ،‬وال‬
‫‪G‬ح إبط‪GG G‬ال األغلبيّة‪ G‬لكوهنا ميكن أن‬ ‫نلتمس العص‪GG G‬مة؛ وإمّن ا نطلب ما يك‪GG G‬ون أك‪GG G‬ثر ص‪GG G‬وابًا من غ‪GG G‬ريه‪ ،‬ولو ص‪ّ G G‬‬
‫ختطئ‪ ،‬أ فليس من باب أوىل أن نبطل قول األقليّة ؟ ومن ب‪GG‬اب أوىل وأح‪G‬رى أن نبطل ق‪GG‬ول الواحد املتف‪GّG‬رد‪،‬‬
‫‪1099‬‬
‫‪G‬حة س ‪GG G‬ند‬‫ّ‬ ‫‪G‬‬ ‫‪G‬‬ ‫ص‬ ‫على‬ ‫‪G‬ات‬ ‫‪G‬‬ ‫‪G‬‬ ‫ض‬ ‫اعرتا‬ ‫وردت‬ ‫مهما‬ ‫ه‬‫ّ‬‫ن‬ ‫فإ‬ ‫‪G‬ذا‬‫‪G‬‬ ‫‪G‬‬ ‫ه‬ ‫وعلى‬ ‫؛‬ ‫ولو ك ‪GG G‬ان خليف ‪GG G‬ة‪ ،‬ما دام غري معص ‪GG G‬وم‪G‬‬
‫األح‪GG G‬اديث اليت أوردناه‪GG G‬ا‪ ،‬وعلى مفه‪GG G‬وم "اجلماع‪GG G‬ة" املقص‪GG G‬ودة‪ ،‬وحىّت مع التس‪GG G‬ليم بع‪GG G‬دم عص‪GG G‬مة األكثريّة‬

‫رواه ابن ماجة يف س((ننه‪ ،‬كت‪GG‬اب الفنت‪ ،‬ب‪GG‬اب الس‪GG‬واد األعظم‪ ،‬ق‪GG‬ال األلب‪GG‬اين‪ :‬ح‪GG‬ديث ض‪GG‬عيف ج‪Gً G‬دا دون اجلملة األوىل فهي ص‪GG‬حيحة‪،‬‬ ‫‪1094‬‬

‫انظر‪ :‬األلباني(حممد ناصر ال ّدين)‪ ،‬ضعيف سنن ابن ماجة(‪ ، ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1408 ،1 .‬هـ‪ 1988 -‬م‪ ،‬ص‪.318 .‬‬
‫‪ 1095‬رواه الترمذي يف سننه‪ ،‬كتاب الفنت‪ ،‬باب "ما جاء يف ل‪G‬زوم اجلماع‪G‬ة" ح‪G‬ديث رقم ‪ ،2171‬وق‪G‬ال‪ :‬ح‪G‬ديث حسن غ‪G‬ريب ال نعرفه من‬
‫حديث ابن عباس إالّ من هذا الوجه‪ ،‬جـ ‪ ،4‬ص‪.460 .‬‬
‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.214 .‬‬ ‫‪1096‬‬

‫اآلمدي (سيف الدين)‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.337 .‬‬ ‫‪1097‬‬

‫عبد الخالق (عبد الرمحن)‪ ،‬الشورى في ظل نظام الحكم اإلسالمي(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.107 .‬‬ ‫‪1098‬‬

‫الريسوني (أمحد)‪ ،‬نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.441 .‬‬ ‫‪1099‬‬
‫األم‪GG‬ة"‪ ،‬إالّ أنّه ال ميكن إنك‪GG‬ار أ ّن ت‪GG‬رجيح رأي األغلبيّة‪ G‬أوىل من ت‪GG‬رجيح رأي األقليّة أو رأي‬
‫خالف "إمجاع ّ‬
‫الفرد‪ ،‬والسيّما مع عصمتها بال خالف‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ األغلبيّة واإلجماع‬


‫لتن‪GG G G‬اول ه‪GG G G‬ذه املس‪GG G G‬ألة‪ G‬الب‪ّ G G G‬د من التع‪Gّ G G G‬رض إىل مجلة من العناصر املتعلّقة باإلمجاع‪ ،‬س‪GG G‬واء فيما يتعلّق‬
‫مبفهومه‪ ،‬أو جماله‪ ،‬أو حجيّته‪ ،‬أو مسألة انعقاده باتّفاق األكثريّة‪ ،‬إىل غريها من املسائل املتعلّقة به‪.‬‬
‫وسنتناول –بإذن اهلل تعاىل‪ -‬هذه املسائل يف اآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف اإلجماع‬
‫أش‪GG‬هر تعريف لإلمجاع‪ ،‬وال‪GG‬ذي عليه مجه‪GG‬ور العلم‪GG‬اء ه‪GG‬و‪ « :‬اتّف‪GG‬اق مجيع اجملته‪GG‬دين من ّأمة حممد‬
‫‪ ‬بعد وفاته‪ ،‬يف عصر من العصور‪ ،‬على حكم شرعي »‪.1100‬‬
‫حممد ‪ ‬على أمر من‬ ‫احلل والعقد من ّأمة ّ‬ ‫كما عُ‪Gّ G G G G G G G G G‬رف ك‪GG G G G G G G G G‬ذلك بأنّ‪GG G G G G G G G G‬ه‪ « :‬اتّف‪GG G G G G G G G G‬اق مجلة أهل ّ‬
‫احلل و العقد على حكم حادثة‪.1102» ‬‬ ‫ّ‬ ‫أهل‬ ‫فاق‬ ‫ّ‬‫ت‬ ‫ا‬ ‫‪ ‬‬ ‫«‬ ‫هو‪:‬‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫‪1101‬‬
‫األمور‪» ‬‬
‫األول‪ ،‬وذلك يف مس ‪GG G‬ألتني‪ :‬األوىل تتمثّل‬ ‫ويالحظ يف التعريف الث ‪GG G‬اين أنّه أمشل وأوسع من التعريف ّ‬
‫األول حصر االتّف‪GG‬اق‪ G‬بني اجملته‪GG‬دين‪ ،‬وهم ال‪GG‬ذين تت‪GG‬وفّر فيهم ش‪GG‬روط االجته‪GG‬اد املعروف‪GG‬ة؛ بينما‬ ‫يف أ ّن التعريف ّ‬
‫احلل والعق ‪GG G‬د‪ ،‬ول‪GG G G‬ذلك ي ‪GG G‬دخل فيه املكلّف‪GG G G‬ون‪ G‬وأرب ‪GG G‬اب االختص ‪GG G‬اص‪G‬‬
‫التعريف الث ‪GG G‬اين و ّس‪G G G‬عه ليش ‪GG G‬مل أهل ّ‬
‫األول قد حصر املس‪GG G G G G‬ائل اليت يتناوهلا اإلمجاع يف‬ ‫وأما املس‪GG G G G G‬ألة‪ G‬الثانية فتتمثّل يف أ ّن التعريف ّ‬ ‫ص ‪G G G G G‬ص؛ ّ‬ ‫والتخ ّ‬
‫األحك‪GG‬ام الش‪GG‬رعيّة العمليّ‪GG‬ة؛ بينما التعريف الث‪GG‬اين أطلقها لتش‪GG‬مل حكم أيّة واقع‪GG‬ة‪ ،‬س‪GG‬واء من األم‪GG‬ور الدينيّة‪ G‬أم‬
‫الدنيويّة‪ .1103‬وه‪GG G‬ذا ما مييل إليه اإلم‪GG G‬ام "حمم‪G G‬ود ش‪GG G‬لتوت" ال‪GG G‬ذي اعترب أ ّن اإلمجاع ال‪GG G‬ذي يعترب يف اإلس‪GG G‬الم‬
‫نص فيه‪ ،‬هو اتّفاق أهل النظر يف املصاحل‪.1104‬‬ ‫مصدرا من مصادر التشريع فيما ال ّ‬ ‫ً‬
‫جـ‪ ،1.‬ص‪.539 .‬‬ ‫الزحيلي (وهبة)‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي(‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬اجلزائر‪ -‬دمشق‪ ،‬ط‪ 1407 ،1.‬هـ ‪ 1986 -‬م‪،‬‬ ‫‪1100‬‬

‫‪ 1101‬الرازي( فخر الدين)‪ ،‬المحصول في علم أصـول الفقه(‪ ،‬حتقي‪GG‬ق‪ :‬طه ج‪GG‬ابر العل‪GG‬واين‪ ،‬مطبوع‪GG‬ات جامعة اإلم‪GG‬ام حممد بن سعـود‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪ 1400 ،1‬هـ‪ 1980-‬م‪ ،‬جـ‪ ،2.‬ص‪.20.‬‬
‫‪ 1102‬البغدادي (أبو الفتح أمحد بن علي)‪ ،‬الوصول إلى علم األصول‪ ،‬حتقي‪G‬ق‪ :‬عبد احلميد علي أبو زني‪G‬د‪ ،‬مكتبة املعـارف‪ ،‬الري‪G‬اض‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪ 1404 ،1‬هـ‪ 1984 -‬م‪ ،‬جـ‪ ،2.‬ص‪.67 .‬‬
‫الخطيب (زكريا عبد املنعم)‪ ،‬نظام الشورى في اإلسالم ونظم الديمقراطية المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.47-46 .‬‬ ‫‪1103‬‬

‫شلتوت(حممود)‪ ،‬اإلسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1412 ،16.‬هـ‪1992-‬م‪ ،‬ص‪.544.‬‬ ‫‪1104‬‬
‫وعلى ه‪GG‬ذا‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن التعريف الث‪GG‬اين يك‪GG‬ون فيه اجملال أوسع لتط‪GG‬بيق مب‪GG‬دإ األغلبيّ‪GG‬ة‪ ،‬نظ‪GG‬راً التّس‪GG‬اع نط‪GG‬اق‬
‫املسائل املتناولة‪ G‬فيه‪ ،‬واألشخاص الذين يشملهم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حجيّة اإلجماع‪ ،‬وإمكان انعقاده‬
‫حجة جيب العمل ب‪GG G G‬ه‪ ،‬وذهب النّظ ‪GG G‬ام‪1105‬من‬ ‫ّأما عن حجيّة اإلمجاع‪ ،‬فقد ذهب اجلمه‪GG G G‬ور إىل أنّه ّ‬
‫املعتزلة‪ ،‬وبعض اخلوارج‪ ،‬والشيعة اإلماميّة‪ G‬إىل عدم حجيّته‪.1106‬‬
‫وأما عن إمكان‪ G‬انعقاده‪ ،‬فقد قالت طائفة من العلم‪GG‬اء وبعض الش‪G‬يعة‪ :‬إ ّن ه‪GG‬ذا اإلمجاع ال‪GG‬ذي ت‪G‬بيّنت‬ ‫ّ‬
‫أركانه –واملع‪GG G‬روف عند األص‪GG G‬وليني‪ -‬ال ميكن انعق‪GG G‬اده ع‪GG G‬ادة؛ وذلك لتع‪ّ G G‬ذر حت ّقق أركان‪GG G‬ه‪ ،‬حيث ال ميكن‬
‫معرفة اجملته ‪GG‬دين من غري اجملته ‪GG‬دين‪ ،‬كما أ ّن الوق ‪GG‬وع على آراء ك ‪Gّ G‬ل اجملته ‪GG‬دين بطريق اليقني متع‪ّ G G‬ذر؛ وذلك‬
‫لتفرقهم يف بالد متباعدة‪ G،‬إضافة إىل تع ّذر معرفة بقاء اجملتهد على رأي‪G‬ه‪ ،‬إذ ميكن أن تع‪GG‬رض له ش‪GG‬بهة ف‪G‬ريجع‬ ‫ّ‬
‫‪G‬ين‪ ،‬فمن املس ‪GG‬تحيل ع ‪GG‬ادة أن‬ ‫‪G‬تندا إىل دليل ظ ‪ّ G‬‬
‫عن رأيه قبل أخذ آراء الب ‪GG‬اقني‪ ،‬كما أنّه إذا ك ‪GG‬ان اإلمجاع مس ‪ً G‬‬
‫الظين إمجاع؛ أل ّن الدليل الظيّن الب ّد أن يكون مث ًارا لالختالف‪.1107‬‬ ‫يصدر عن الدليل ّ‬
‫وقد نقل ابن حزم عن عبد اهلل بن أمحد بن حنبل قوله‪ :‬مسعت أيب يقول‪ « :‬وما ي ‪ّ G‬دعي فيه اإلمجاع‬
‫كذاب‪ ،‬لع‪Gّ G‬ل النّ‪GG‬اس اختلف‪GG‬وا‪ ،‬ما يدري‪GG‬ه؟ ومل ينتبه‪ G‬إلي‪GG‬ه‪ ،‬فليق‪GG‬ل‪ :‬ال نعلم‬
‫هو الك‪GG‬ذب‪ ،‬من ا ّدعى اإلمجاع فهو ّ‬
‫النّاس اختلفوا‪.1108» ‬‬
‫ّأما مجه ‪GG‬ور العلم ‪GG‬اء‪ ،‬فقد ذهب ‪GG‬وا إىل أ ّن اإلمجاع ميكن انعق ‪GG‬اده ع ‪GG‬ادة‪ ،‬واعت ‪GG‬ربوا أ ّن ما قاله املنك ‪GG‬رون‬
‫إلمك ‪GG‬ان انعق ‪GG‬اده هو تش ‪GG‬كيك يف أمر واق ‪GG‬ع‪ ،‬وأ ّن أظهر دليل على إمكانه هو انعق ‪GG‬اده فعالً‪ ،‬واس ‪GG‬تدلّوا بأمثلة‬
‫منه‪GG G‬ا‪ :‬خالفة أيب بك ‪GG G‬ر‪ ،‬وحترمي ش ‪GG G‬حم اخلنـزير‪ ،‬وت ‪GG G‬وريث اجل ّدة الس ‪GG G‬دس‪ ،‬وحجب ابن االبن باالبن‪ ،‬وغري‬
‫ذلك من األحكام‪ ،‬جزئيّة وكليّة‪.1109‬‬
‫ّأما يف مس ‪GG‬ألة انعق ‪GG‬اد اإلمجاع فعالً بالص ‪GG‬ورة اليت ذكرها األص ‪GG‬وليون‪ ،‬ف ‪GG‬إ ّن بعض العلم ‪GG‬اء املعاص ‪GG‬رين‬
‫ي ‪GG‬ذهبون‪ G‬إىل أ ّن ذلك لم يتم يف عصر من العص ‪GG‬ور‪ ،‬ومن رجع إىل الوق ‪GG‬ائع اليت حكم فيها الص ‪GG‬حابة‪ ،‬واعترب‬

‫تبحر يف عل‪G‬وم الفلس‪G‬فة‪ G‬واطّلع على أك‪G‬ثر ما كتبه‬ ‫أئمة املعتزل‪G‬ة‪ ،‬وقد ّ‬
‫هو إبراهيم بن سيار بن ه‪G‬انئ البص‪G‬ري‪ ،‬أبو إس‪G‬حاق النّظ‪G‬ام‪ ،‬من ّ‬
‫‪1105‬‬

‫رجاهلا من طبيع ‪GG‬يني وإهليني‪ ،‬وانف ‪GG‬رد ب ‪GG‬آراء خاص ‪GG‬ة‪ ،‬تابعته فيها فرقة من املعتزلة مسّيت "النظامي ‪GG‬ة" نس ‪GG‬بة إلي ‪GG‬ه‪ ،‬وذكر أ ّن له كتب‪G G‬اً كث ‪GG‬رية يف‬
‫الفلسفة واالعتزال‪ .‬وقد تويف عام ‪ 231‬هـ‪ 845 -‬م‪ .‬الزركلي (خري الدين)‪ ،‬األعالم‪ ،‬جـ‪ ،1.‬ص‪.43 .‬‬
‫الزحيلي(وهبة)‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،2.‬ص‪.539.‬‬ ‫‪1106‬‬

‫خالّف (عبد الوهاب)‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬الزهراء للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ 1993 ،2 .‬م‪ ،‬ص‪.49-48.‬‬ ‫‪1107‬‬

‫ابن حزم (أبو حممد علي)‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬اجمللّد األول‪ ،‬جـ‪ ،4 .‬ص‪.542 .‬‬ ‫‪1108‬‬

‫‪ 1109‬خالّف (عبد الوهاب)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.49 .‬‬


‫جمرد اتّف‪GG‬اق من احلاض‪GG‬رين‪ ،‬من أويل العلم وال‪G‬رأي‪ ،‬على حكم‬ ‫حكمهم فيها باإلمجاع‪ ،‬يت‪GG‬بنّي أ ّن ما وقع هو ّ‬
‫يف احلادثة املعروضة؛ فهو يف احلقيقة‪ G‬حكم صادر عن شورى اجلماعة ال عن رأي الفرد‪.1110‬‬
‫األمة يف عصـر‪ ،‬هو تفسري نظـري حبت‪ ،‬ال يقـع وال يتح ّقق‬ ‫وإ ّن «‪ ‬تفسري اإلمجاع باتّف ‪GG‬اق جمته‪GG‬دي ّ‬
‫به تشريع‪ ،‬نعم‪ :‬ميكن فهمه وقبوله على معىن "ع‪GG‬دم العلم باملخ‪GG‬الف" أو على معىن "اتّف‪GG‬اق الك‪GG‬ثرة" وكالمها‬
‫يصلح أن يكون أسا ًس‪G‬ا للتش‪G‬ريع الع‪G‬ام املل‪G‬زم يف املس‪G‬ائل ذات البحث والنّظ‪G‬ر‪ ،‬إذ هو غاية ما يف الوس‪G‬ع‪ ،‬وال‬
‫نفسا إالّ وسعها(‪ )...‬وهذا هو االجتهاد اجلماعي‪.1111» ‬‬ ‫يكلّف اهلل ً‬
‫وإنّه حىت يف عصر الص ‪GG G G G G‬حابة‪ ،‬بل ويف عصر اخللف ‪GG G G G G‬اء الراش ‪GG G G G G‬دين‪ ،‬ف ‪GG G G G G‬إ ّن اإلمجاع باص‪GG G G G‬طالح‬
‫األم‪GG‬ة‪ ..‬مل ينعقد فعالً‪ ،‬إذ الوق‪GG‬ائع اليت حكم فيها الص‪GG‬حابة‪،‬‬ ‫األصوليني‪ ،‬والذي هو اتّف‪GG‬اق مجيع اجملته‪GG‬دين يف ّ‬
‫واعترب الفقه‪GG G G G G G‬اء حكمهم فيها من قبيل اإلمجاع‪ ،‬ليست يف الواقع ك‪GG G G G G G‬ذلك؛ وإمّن ا هي من قبيل االجته ‪GG G G G‬اد‬
‫اجلماعي‪ ...‬إذ كان اتّفاقًا من احلاضرين من أويل العلم وال‪GG‬رأي على احلكم يف احلادثة املعروض‪GG‬ة؛ فهو حكم‬
‫صادر عن شورى اجلماعة‪.1112‬‬
‫وهبذا خنلص يف ه‪GG G G‬ذه املس‪GG G G‬ألة أ ّن انعق‪GG G G‬اد اإلمجاع بالص‪GG G G‬ورة املذكورة عند األص‪GG G G‬وليني‪ ،‬ويف املس ‪GG G‬ائل‬
‫بكل تلك الشروط املذكورة؛ ول‪GG‬ذا ف‪GG‬إ ّن أقصى‬ ‫االجتهاديّة اليت ال تستند إىل دليل قطعي‪ ،‬ال ميكن أن حيصل ّ‬
‫ما ميكن اعتباره‪ G‬يف هذه املسائل هي أهّن ا‪" :‬اتّفاق‪ G‬الكثرة" أو "عدم العلم باملخالف" أو "اجتهاد مجاعي"‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬األمور التي يتناولها اإلجماع‬
‫من خالل التع‪G‬ريفني الس‪G‬ابقني اللّ‪G‬ذين أوردنامها لإلمجاع‪ ،‬يت‪G‬بنّي أ ّن هن‪G‬اك من حيصر جمال اإلمجاع‬
‫يف األم‪GG‬ور الدينيّ‪GG‬ة‪ G،‬ومنهم من يو ّس ‪G‬ع جماله ليش‪GG‬مل حىّت األم‪GG‬ور الدنيويّ‪GG‬ة‪ ،‬وفيما ي‪GG‬أيت ع‪GG‬رض هلذين االجّت اهني‬
‫مع الرتجيح‪:‬‬
‫‪G‬ب على أمر من األم‪GG G G G‬ور الدينيّ‪GG G G G‬ة؛‪ G‬حيث ي‪GG G G‬ذهب‬
‫‪-1‬ي‪GG G G G‬ذهب بعض العلم‪GG G G G‬اء إىل أ ّن اإلمجاع ينص‪Gّ G G G G‬‬

‫حممد ‪ّ ‬‬
‫خاصة‪ ،‬على أمر من األمور الدينيّة‪.1113» ‬‬ ‫"الغزايل" يف تعريفه لإلمجاع إىل أنّه‪ « :‬اتّفاق ّأمة ّ‬

‫‪ 1110‬خالّف(عبد الوهاب)‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50 .‬‬


‫شلتوت (حممود)‪ ،‬اإلسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.546 -545.‬‬ ‫‪1111‬‬

‫‪ 1112‬مدكور (حممد سالم)‪" ،‬اإلجـماع في التشريـع اإلسالمي"‪ ،‬مقال مبجلّة "الوعي اإلسالمي"‪ ،‬الكويت‪ ،‬الع‪G‬دد‪ ،127 :‬يوليو ‪ 1975‬م‪،‬‬
‫ص‪.19.‬‬
‫الغزالي ( أبو حامد)‪ ،‬المستصفى من علم األصول‪ ،‬املطبعة األمريية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ 1322 ،1.‬هـ‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.173 .‬‬ ‫‪1113‬‬
‫حيتج بإمجاعهم على خالفة أيب بكر الص‪GG G‬ديق‪،‬‬ ‫‪G‬ح أن ّ‬ ‫ويف ه ‪GG G‬ذا يق ‪GG G‬ول اإلم ‪GG G‬ام أبو زه ‪GG G‬رة‪ « :‬وال يص ‪ّ G G‬‬
‫واتّف‪GG‬اقهم على مجع الق‪GG‬رآن‪ ،‬وغري ذل‪GG‬ك‪ ،‬أل ّن اختي‪GG‬ارهم أبا بكر خليفة واتّف‪GG‬اقهم على مجع املصحـف ال يع ‪ّ G‬د‬
‫‪G‬ردة‪ ،‬واتّف‪GG‬اقهم‬‫إمجاعا على حكم تش‪GG‬ريعي؛ إمّن ا هو اتّف‪GG‬اق على تنفيذ أمر عملي‪ ،‬كاتّف‪GG‬اقهم على قت‪GG‬ال أهل ال‪ّ G‬‬ ‫ً‬
‫على إرس‪GG‬ال اجلي‪GG‬وش إىل ف‪GG‬ارس والش‪GG‬ام‪ ،‬واتّف‪GG‬اقهم على إنش‪GG‬اء ال‪GG‬دواوين‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن ه‪GG‬ذه تنفي‪GG‬ذات أم‪GG‬ور عمليّ‪GG‬ة‪،‬‬
‫إمجاعا على حكم تش‪GG G G G G‬ريعي‪ ،‬وف‪GG G G G G‬رق بني االتّف‪GG G G G G‬اق‪ G‬على تنفيذ أمر عملي يتعلّق ب ‪GG G G‬إدارة الدول ‪GG G G‬ة‪،‬‬
‫وليست ً‬
‫واإلمجاع على حكم تش‪GG‬ريعي‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن احلكم التش‪GG‬ريعي‪ G‬ميت‪ّ G‬د أث‪GG‬ره إىل ال‪GG‬ذين خيلفون‪GG‬ه‪ ،‬ويطبّق فيهم‪ ،‬ك‪GG‬األمر يف‬
‫املرياث‪ ،‬وكاألمر يف حترمي اجلمع بني احملارم؛ ّأما األم‪G‬ور العمليّة اليت تك‪G‬ون‪ G‬مقص‪G‬ورة على زمنهم‪ ،‬واليت هي‬
‫‪G‬دل ض‪GG‬مناً على أنّه‬ ‫إمجاعا على حكم تش‪GG‬ريعي‪ ،‬وإن ك‪GG‬ان اتّف‪GG‬اقهم ي‪ّ G‬‬ ‫واقعة ماديّ‪GG‬ة‪ ،‬فاالتّف‪GG‬اق عليها ال يس‪Gّ G‬مى ً‬
‫مبحرم‪.1114» ‬‬
‫ليس ّ‬
‫أعم من أن يك‪GG G G G‬ون منص‪GG G G G‬بّاً على األمـور الدينيّة‪ G‬أو‬
‫‪-‬أما االجّت اه الث‪GG G G G‬اين‪ ،‬فإنّه يعترب أ ّن اإلجـماع ّ‬ ‫‪ّ 2‬‬
‫حىت األمور الدنيويّة‪ G،‬كتدبري اجليوش واحلرب وأمور الرعيّة‪ ،‬وغريها‪.1115‬‬ ‫الشرعيّة فقط؛ فهو يشمل ّ‬
‫ويب ‪GG‬دو أ ّن ه ‪GG‬ذا االجّت اه األخري هو ال ‪Gّ G‬راجح؛ وذلك جلملة من األس ‪GG‬باب منه ‪GG‬ا‪ :‬أ ّن التخص ‪GG‬يص ال ‪GG‬ذي‬
‫األول مل يقم عليه دليل ش ‪GG‬رعي‪ ،‬وأ ّن الص ‪GG‬حابة ‪ ‬يف ص‪GG‬در اإلس ‪GG‬الم‪ ،‬بعد وف‪GG‬اة الرس‪GG‬ول‬
‫ذهب إليه ال‪GG‬رأي ّ‬
‫‪‬قد أمجع‪GG G‬وا على كثري من األحك‪GG G‬ام اليت ّ‬
‫هتم مجاعة املس‪GG G‬لمني‪ ،‬ومل ي‪GG G‬ؤثر عنهم مثل ه‪GG G‬ذا التخص ‪GG‬يص‪ G،‬وأ ّن‬
‫‪G‬ريا من علم‪GG‬اء اجلمه‪GG‬ور ال‪GG‬ذين ذهب‪GG‬وا إىل حجيّة اإلمجاع واعتب‪GG‬اره دليالً ش‪GG‬رعيًا بعد الكت‪GG‬اب والس‪GG‬نّة‪ ،‬قد‬
‫كث‪ً G‬‬
‫دلّل ‪GG‬وا على حجيّته مبا اجتمع عليه أمر املس ‪GG‬لمني يف اختي ‪GG‬ار أيب بكر‪ ،‬إض ‪GG‬افة إىل ك ‪GG‬ون الش ‪GG‬ريعة اإلس ‪GG‬المية‪G‬‬
‫عامة خال‪GG‬دة لت‪GG‬دبري أم‪GG‬ور النّ‪GG‬اس‪ ،‬وتنظيم ش‪GG‬ؤوهنم الدينيّة والدنيويّ‪GG‬ة‪ ،‬فلو قلنا إ ّن اإلمجاع ال يك‪GG‬ون إالّ‬‫شريعة ّ‬
‫الغراء‪ ،1116‬وهي الشريعة اليت جاءت لت‪GG‬دبري‬ ‫يف األمور الدينيّة‪ G‬فقط‪ ،‬لكان ذلك ختصيصاً تأباه‪ G‬هذه الشريعة ّ‬
‫ما يصلح النّاس يف دنياهم وأخراهم‪.‬‬
‫وهبذا تت ‪GG‬بنّي لنا أمهيّة توس ‪GG‬يع جمال اإلمجاع‪ ،‬أو ما يق ‪GG‬رتب من ‪GG‬ه‪ ،‬كاتّف ‪GG‬اق األكثريّ ‪GG‬ة‪ ،‬وخط ‪GG‬ورة قص ‪GG‬ره‬
‫‪G‬ىت ال يك‪GG‬ون‪ G‬نظ‪GG‬ام احلكم اإلس‪GG‬المي‪ G‬جام‪Gً G‬دا‪ ،‬ولتك‪GG‬ون الش‪GG‬ريعة اإلس‪GG‬المية‪G‬‬
‫على األم‪GG‬ور الدينيّة‪ G‬فق‪GG‬ط‪ ،‬وه‪GG‬ذا ح‪ّ G‬‬
‫لتطور البيئات‪ G‬واألزمان‪ ،‬ومستوفية ملصاحل النّاس وحاجاهتم‪.‬‬ ‫مواكبة ّ‬

‫أبو زهرة (حممد)‪ ،‬أصول الفقه(‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.196 .‬‬ ‫‪1114‬‬

‫الخطيب (زكريا عبد املنعم)‪ ،‬نظام الشورى في اإلسالم ونظم الديمقراطية المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.46 .‬‬ ‫‪1115‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.47 .‬‬ ‫‪1116‬‬


‫رابعا‪ :‬التكييف القانوني لإلجماع‬
‫احلل والعق‪G‬د‪ ،‬أو‬ ‫إ ّن اإلمجاع‪ ،‬سواء أك‪G‬ان نتيجة اتّف‪G‬اق مجيع اجملته‪GG‬دين‪ ،‬أم ك‪GG‬ان نتيجة اتّف‪G‬اق أهل ّ‬
‫تقررها س‪GG G G G‬لطة التش‪GG G G G‬ريع يف الدول‪GG G G G‬ة؛ وذلك أل ّن ه‪GG G G‬ذه‬
‫أك‪GG G G‬ثريّتهم‪ ،‬يعترب من قبيل التش‪GG G G G‬ريعات العادية اليت ّ‬
‫األمة اإلس ‪GG‬المية‪ ،‬من حيث الغ ‪GG‬رض ال ‪GG‬ذي ق ‪GG‬امت ألجل ‪GG‬ه‪ ،‬ومن حيث‬ ‫احلل والعقد يف ّ‬ ‫الس ‪GG‬لطات متاثل أهل ّ‬
‫األس ‪GG‬اس ال ‪GG‬ذي ق ‪GG‬امت علي ‪GG‬ه‪ ،‬وهو التص ‪Gّ G‬رف نيابة عن الش ‪GG‬عب‪ ،‬ومبا حي ّقق مص ‪GG‬احله‪ ،‬ه ‪GG‬ذا مع وج ‪GG‬ود بعض‬
‫االختالف‪GG‬ات‪ ،‬من حيث بعض األم‪GG‬ور الش‪GG‬كليّة والق‪GG‬والب التنظيميّ‪GG‬ة‪ ،‬ه‪GG‬ذا من ج‪GG‬انب‪ ،‬ومن ج‪GG‬انب آخر فإنّه‬
‫أي وقت‪ ،‬م‪GG‬ادامت هن‪GG‬اك ض‪GG‬رورة‬ ‫من املع‪GG‬روف قانونًا وعرفًا أ ّن التش‪GG‬ريعات العادية قابلة للتغيري والتب‪GG‬ديل يف ّ‬
‫ت‪GG‬دعو إىل ذل‪GG‬ك‪ ،‬وما دام أ ّن ذلك خيدم الش‪GG‬عب وحي ّقق مص‪GG‬احله‪ ،‬ويف ه‪GG‬ذا ال خيتلف اإلمجاع‪1117‬؛ ففي ه‪GG‬ذا‬
‫األول‪ ،‬أن‬ ‫األخري ك‪GG G‬ذلك «‪ ‬جيوز للمجته‪GG G‬دين أنفس‪GG G‬هم‪ ،‬أو ملن ي‪GG G‬أيت بع‪GG G‬دهم‪ ،‬إذا تغرّي ت ظ‪GG G‬روف اإلمجاع ّ‬
‫يعي‪GG G‬دوا النّظر يف املس‪GG G‬ألة‪ G‬على ض‪GG G‬وء الظ‪GG G‬روف اجلدي‪GG G‬دة‪ ،‬وأن يق‪Gّ G G‬رروا ما حي ّقق املص‪GG G‬لحة اليت تقتض‪GG G‬يها تلك‬
‫احلجة اليت جيب اتّباعه‪GG G G‬ا‪ ،‬وإذا‬‫األول‪ ،‬ويصري هو ّ‬ ‫الظ‪GG G G‬روف‪ ،‬ويك‪GG G G G‬ون االتّف‪GG G G G‬اق‪ G‬الث‪GG G G G‬اين منهيًا ألثر اإلمجاع ّ‬
‫فثم شرع اللّه‪.1118» ‬‬ ‫وجدت املصلحة ّ‬
‫وهبذا تتّضح الص‪GG G G G G G G‬ورة العمليّة لإلمجاع من خالل مقارنته مبا يقابله يف األنظمة السياسة احلديث‪GG G G G G‬ة‪،‬‬
‫يسمى "السلطة التشريعية"‪ G،‬واليت تكون القرارات الصادرة منها باإلمجاع أو األغلبيّة‪G.‬‬ ‫واملتمثّلة فيما ّ‬
‫خام ًسا‪ :‬مس ألة انعق اد اإلجم اع ب رأي األكثريّ ة‪،‬‬
‫وحجيّته‬
‫األمة يف مس ‪GG‬ألة انعق ‪GG‬اد اإلمجـاع مع خمالفة األق ‪Gّ G‬ل‪ ،‬ف‪GG‬ذهب األك ‪GG‬ثرون‪ G‬إىل أنّه ال‬ ‫لقد اختلف علم ‪GG‬اء ّ‬
‫ينعقد‪ ،‬وذهب حممد بن جرير الطربي‪ ،‬وأبو بكر الرازي‪ ،‬وأبو احلسني اخلياط من املعتزل‪GG‬ة‪ ،‬وأمحد بن حنبل‬
‫حج ‪GG G‬ة‪ ،‬ولكن ال يعترب‬
‫يف إح‪GG G G‬دى الرواي‪GG G G‬تني عن‪GG G G‬ه‪ ،‬إىل انعق‪GG G G‬اده‪ ،‬ومنهم من ق‪GG G G‬ال أ ّن ق‪GG G G‬ول األك‪GG G G‬ثر يك‪GG G G‬ون‪Gّ G‬‬
‫إمجاعا‪.1119‬‬
‫ً‬
‫أي عصر‬ ‫"األم‪GG‬ة" يف األخب ‪GG‬ار‪ ،‬حيتمل أنّه أراد به ك ‪Gّ G‬ل املوج ‪GG‬ودين من املس ‪GG‬لمني‪ ،‬يف ّ‬ ‫وذلك أل ّن لفظ ّ‬
‫كان‪ ،‬وحيتمل أنّه أراد به األكثر‪.1120‬‬

‫‪ 1117‬الخطيب (زكريا عبد املنعم)‪ ،‬نظام الشورى في اإلسالم ونظم الديمقراطية المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.48-47 .‬‬
‫شلتوت (حممود)‪ ،‬اإلسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.546 .‬‬ ‫‪1118‬‬

‫اآلمدي (سيف ال ّدين)‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.336 .‬‬ ‫‪1119‬‬

‫‪ 1120‬اآلمدي (سيف ال ّدين)‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.337 .‬‬
‫إذن‪ ،‬فمب ‪GG G‬دأ األغلبيّة‪ G‬قد اس ‪GG G‬تم ّد أمهيّته ودوره من خالل اقرتابه‪ G‬من مب ‪GG G‬دإ اإلمجاع‪ ،‬بل إ ّن بعض ‪GG G‬هم‬
‫‪G‬درا من‬ ‫األمة اإلس‪G‬المية؛‪ G‬إذ يعترب مص ً‬ ‫مهم يف ّ‬‫اكتفى بتح ّقق األكثريّة النعق‪G‬اد اإلمجاع‪ ،‬وه‪G‬ذا األخري له دور ّ‬
‫مصادر التشريع فيها‪ ،‬بعد الوحي (كتابًا وسنّة)‪.‬‬
‫وقوته من الك‪GG G‬ثرة اليت ال خمالف هلا‪ ،‬أو ال خمالف هلا ممّن يعت ‪ّ G G‬د‬ ‫ف ‪GG G‬إذا ك‪GG G‬ان اإلمجاع يس‪GG G‬تم ّد حجيّته ّ‬
‫خبالف‪GG‬ه‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن ه‪GG‬ذا األس‪GG‬اس موج ‪GG‬ود يف مس ‪GG‬ألة األغلبيّ‪GG‬ة‪ G،‬ولكن بدرجة أق‪Gّ G‬ل من اإلمجاع‪ ،‬والتق ‪GG‬ارب والتباعد‬
‫تبعا لنس ‪GG‬بة األغلبيّة مع األقليّ ‪GG‬ة‪ ،‬وقد ترتفع نس ‪GG‬بة األغلبيّة حىت ال يبقى‪G‬‬ ‫بني اإلمجاع واألغلبيّ ‪GG‬ة‪ G،‬يزيد وينقص ً‬
‫بينها وبني اإلمجاع إالّ فارق ضئيل‪.1121‬‬
‫‪G‬ك في ‪GG G‬ه‪ ،‬وأهّن ا من‬
‫كما أنّه إذا ك ‪GG G‬انت املس ‪GG G‬ائل واألحك ‪GG G‬ام اليت تتق ‪Gّ G G‬رر باإلمجاع تعترب ص ‪GG G‬وابًا الش ‪ّ G G‬‬
‫األحك‪GG G‬ام القطعيّة اليت ال تقبل النقض أو االحتم‪GG G‬ال‪ ،‬وذلك لعص‪GG G‬مة اإلمجاع‪ ،‬ف‪GG G‬إ ّن األغلبيّة‪ G‬حت ّقق أكرب ق ‪GG‬در‬
‫ممكن من الص‪GG G‬واب‪ G‬والس‪GG G‬المة من اخلط‪GG G‬إ‪ ،‬وإ ّن أق‪Gّ G G‬ل ما يتح ّقق باألغلبيّة هو إدراك الص‪GG G‬واب‪ G‬أكرب ممّا يتح ّقق‬
‫باألقليّة‪ ،‬وبدرجة أكرب وأغلب ممّا يتح ّقق برأي الفرد‪.1122‬‬
‫كل ما سبق ذكره ميكن القول‪:‬‬ ‫ومن خالل ّ‬
‫‪G‬يب‪‬مل يكن ذلك اإلمجاع ال‪G‬ذي ق‪GG‬ال‬ ‫إ ّن اإلمجاع الذي وقع يف عصـور اإلسـالم املختلفة بعد وف‪GG‬اة الن‪ّ G‬‬
‫به مجه ‪GG‬ور العلم ‪GG‬اء؛ وإمّن ا هو اإلمجاع الق ‪GG‬ائم على رأي األكثريّ ‪GG‬ة‪ ،‬أل ّن ه ‪GG‬ذه األكثريّة هي الق ‪GG‬در املتي ّقن‪ّ ،‬أما‬
‫األمة اإلس ‪GG‬المية‪ G‬يف حاض ‪GG‬رها‬
‫اتّف ‪GG‬اق اجلميع فلم يقم عليه دلي ‪GG‬ل‪ ،‬وه ‪GG‬ذا اإلمجاع هو ال ‪GG‬ذي ميكن أن تأخذ به ّ‬
‫ومستقبلها؛ حيث ثبتت‪ G‬استحالة حت ّقق اإلمجاع بالصورة املثاليّة‪ G‬اليت قال هبا اجلمهور‪.1123‬‬
‫السماح لألقليّة باملعارض‪G‬ة‪ ،‬ولكن مع تنفيذ رأي‬ ‫هلذا فإ ّن اإلمجاع يف حقيقته‪ ،‬هو رأي األكثريّة مع ّ‬
‫األكثريّة‪.1124‬‬
‫وإنّه إذا ك ‪GG‬ان لإلمجاع‪ ،‬بالص ‪GG‬ورة اليت رآها العلم ‪GG‬اء‪ ،‬ه ‪GG‬ذه الدرجة من اإلل ‪GG‬زام‪ ،‬فإنّه من األق ‪GG‬رب إىل‬
‫نقرر أ ّن رأي األكثريّة أرجح من رأي الفرد‪ ،‬ومن رأي األقليّة‪.1125‬‬ ‫روح اإلسالم‪ G‬أن ّ‬

‫الريسوني (أمحد)‪ ،‬نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.411 .‬‬ ‫‪1121‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.441 .‬‬ ‫‪1122‬‬

‫الخطيب (زكريا عبد املنعم)‪ ،‬نظام الشورى في اإلسالم ونظم الديمقراطية المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.45-44 .‬‬ ‫‪1123‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.217 .‬‬ ‫‪1124‬‬

‫األنصاري (عبد احلميد إمساعيل)‪ ،‬الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.218 .‬‬ ‫‪1125‬‬
‫احلل والعق‪G‬د‪ ،‬وبني‬
‫وهبذا تتّضح العالقة ما بني "اإلمجاع"‪ ،‬كصورة مثاليّة التّفاق اجملته‪G‬دين‪ ،‬أو أهل ّ‬
‫"األغلبيّة"‪ ،‬كصورة واقعيّة‪ G‬التّفاقهم‪.‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫مجاالت العمل باألغلبيّة‪ ،‬وضوابطها‬
‫ومتنوع‪GG‬ة‪ ،‬ومن خالل ه‪GG‬ذه اجملاالت تب‪GG‬دو لنا ض‪GG‬رورة ه‪GG‬ذا‬ ‫إ ّن اجملاالت اليت يُعمل فيها باألغلبيّة كث‪GG‬رية ّ‬
‫ص‪G G‬ة ب‪GG G‬ه‪ ،‬واليت ختتلف درجتها‬
‫املب‪GG G‬دإ وأمهيّت‪GG G‬ه‪ ،‬ولك‪Gّ G G‬ل جمال من ه‪GG G‬ذه اجملاالت أهل‪GG G‬ه‪ ،‬كما أ ّن له األغلبيّة اخلا ّ‬
‫حبسب خط‪GG‬ورة املس‪GG‬ألة‪ G‬وأمهيّته‪GG‬ا‪ G.‬وعلى العم‪GG‬وم ف‪GG‬إ ّن جمال العمل باألغلبيّة ال خيرج عن نط‪GG‬اق مس‪GG‬ائل ال‪GG‬رأي‬
‫واالجتهاد‪.‬‬
‫ّأما املس ‪GG‬ائل القطعيّة الثابتة بأدلّة الش ‪GG‬رع‪ ،‬فال جمال فيها لألغلبيّ ‪GG‬ة‪ ،‬إذ املتبّع فيها هو النص ‪GG‬وص‪ G‬الش ‪GG‬رعيّة‬
‫وما ّقررته وحكمت ب ‪GG‬ه‪ ،‬أي أ ّن هلذا املب ‪GG‬دإ (مب ‪GG‬دأ األغلبيّ ‪GG‬ة) ض ‪GG‬وابط وقي ‪GG‬وداً ال ميكن أن يتجاوزه ‪GG‬ا‪ ،‬فمجاله‬
‫حمدود وليس مطل ًقا‪ ،‬فالشريعة اإلسالمية‪ G‬ربانيّة املصدر‪ ،‬والسيادة العليا فيها هي للشرع‪.‬‬
‫قسمنا هذا املبحث إىل املطلبني اآلتيني‪:‬‬ ‫ولتناول هذين األمرين‪ ،‬فقد ّ‬

‫المطلب األول‪ :‬ونتناول فيه جماالت العمل باألغلبيّة يف نظام اإلسالم‪.‬‬


‫المطلب الثاني‪ّ :‬‬
‫ونتعرض فيه إىل ضوابـط األغلبيّة يف نظام اإلسالم‪.‬‬

‫المطلب األ ّول‪ :‬مجاالت العمل باألغلبيّة في نظام اإلسالم‬


‫ميكن إمجال جماالت العمل باألغلبيّة وتلخيص‪GG‬ها يف ثالثة جماالت‪ ،‬ونتناوهلا‪– G‬ب‪GG‬إذن اهلل تع‪GG‬اىل‪ -‬يف‬
‫اآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مجال التشريع االجتهادي العام‬
‫األمة ملواكبة‪ G‬التط‪Gّ G G G‬ورات والتح ‪Gّ G G‬والت‪،‬‬
‫واملقص‪GG G G‬ود هبذه التش‪GG G G‬ريعات‪ ،‬هي تلك اليت حتتاجها ّ‬
‫والستيعاب املستج ّدات والنوازل‪.‬‬
‫األم‪GG‬ة‪ ،‬وعلى مجهـور النّ ‪GG‬اس‪ ،‬أو أن‬ ‫واملقص ‪GG‬ود بلفظ "الع ‪GG‬ام" هنا أن يك ‪GG‬ون‪ G‬األمر ممّا له أثر واسع على ّ‬
‫ملزما يتحـاكم إليه النّ‪GG‬اس‬‫‪G‬ريعا ً‬ ‫‪G‬دخل فيه القض‪GG‬اء؛ حبيث يتعنّي أن يك‪GG‬ون‪ G‬تش‪ً G‬‬
‫تتدخل فيه الدول‪GG‬ة‪ ،‬ويت‪ّ G‬‬
‫يكون ممـّا ّ‬
‫‪1126‬‬
‫واقعا يف ش‪GG‬أن من الش‪GG‬ؤون‪ G‬العام‪GG‬ة‪ ،‬ف‪GG‬إ ّن‬
‫يف منازع‪GG‬اهتم ‪ .‬فاالجته‪GG‬اد اجلم‪GG‬اعي املبين على الش‪GG‬ورى إذا ك‪GG‬ان ً‬
‫رأي األغلبيّة ملزم حىّت للمخالفني من أهل الشورى‪.1127‬‬

‫الريسوني (أمحد)‪ ،‬نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.446 .‬‬ ‫‪1126‬‬

‫(حممد عبد القادر)‪ ،‬الشورى وقضايا االجتهاد الجماعي‪ ،‬شركة الشهاب للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.‬‬
‫أبو فارس ّ‬
‫‪1127‬‬

‫‪.73‬‬
‫النص ال ‪GG‬ذي رواه ميم ‪GG‬ون بن مه ‪GG‬ران‪ ،‬وال ‪GG‬ذي أوردن ‪GG‬اه س ‪GG‬اب ًقا‪ ،‬عند احلديث عن كيفيّة احلكم يف‬
‫ويف ّ‬
‫األمة بأحك‪G‬ام اهلل‬
‫‪G‬دل على أ ّن اخللف‪G‬اء الراش‪G‬دين‪ ،‬وهم أعلم ّ‬ ‫عه‪G‬دي أيب بكر وعمر ‪-‬رضي اهلل عنهم‪G‬ا‪ -‬ما ي ّ‬

‫‪ ‬وسنن نبيّه ‪ ،‬وهم أصلح النّ‪GG‬اس وأتق‪G‬اهم‪ ،‬ورغم ذلك ف‪G‬إهّن م أخ‪G‬ذوا مبب‪GG‬دإ التش‪GG‬ريع اجلم‪GG‬اعي فيما ال ّ‬
‫نص‬
‫الرغم من أ ّن مشاكلهم ومستج ّداهتم قليلة وبسيطة وال تقارن مبا هي عليه يف زماننا‪.‬‬ ‫فيه‪ ،‬وهذا على ّ‬
‫‪G‬وخى االتّف‪GG‬اق‪ G‬التّ‪GG‬ام أو ما يقارب‪GG‬ه‪ ،‬إن أمكن ذل‪GG‬ك‪ ،‬وإن تع ‪ّ G‬ذر حتقيق‬
‫والق‪GG‬رار اجلم‪GG‬اعي هنا ينبغي أن يت‪ّ G‬‬
‫ذلك فاألغلبيّة العظمى‪ ،‬واليت ميكن تق ‪GG‬ديرها ب ‪GG‬الثلثني أو مبا زاد عليه ‪GG‬ا‪ ،‬وعلى ه ‪GG‬ذا تك ‪GG‬ون‪ G‬خمالفة الثلث‪ ،‬أو‬
‫أقل‪ ،‬خمالفة قليلة ال تؤثّر‪.1128‬‬
‫ّ‬
‫ميس يف‬
‫العام‪GG‬ة‪ ،‬ال ينبغي أن ّ‬ ‫ملزما يف األم‪GG‬ور ّ‬
‫‪G‬ريعا ً‬
‫واجلدير بال ّذكر هنا‪ ،‬أ ّن اخّت اذ االجتهاد األكثري تش‪ً G‬‬
‫ميس يف ش‪GG‬يء حريّة البحث والنّظر والتعب‪GG‬ري‪ G،‬كما أنّه ال‬
‫ش‪GG‬يء ح‪Gّ G‬ق املخ‪GG‬الف يف املخالفة واملعارض‪GG‬ة‪ ،‬وال أن ّ‬
‫حكما هنائيًا‪ ،‬ال مراجعة فيه وال مناقضة‪.1129‬‬ ‫يتقرر باالجتهاد األكثري ً‬ ‫ينبغي اعتبار ما ّ‬
‫مهم‪ ،‬والس‪GG G‬يّما يف عص ‪GG‬رنا احلايل‪،‬‬
‫األول للعمل باألغلبيّ‪GG G‬ة‪ ،‬وهو كما رأينا جمال ّ‬ ‫إذن‪ ،‬فه‪GG G‬ذا هو اجملال ّ‬
‫حيث كثرت املستج ّدات والنوازل واملشاكل؛ لذلك أصبح هذا اجملال من أوكد الضروريات‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مجال تولية المناصب والمسؤوليات‬
‫وذلك مثل اختي‪GG G‬ار أحد املر ّش ‪G G‬حني ملنصب‪ G‬م‪GG G‬ا‪ ،‬ولو ك‪GG G‬ان هو منصب‪ G‬رئيس الدولة‪ ،1130‬ه ‪GG‬ذا‬
‫باإلض ‪GG‬افة إىل املناصب‪ G‬األخ ‪GG‬رى األق ‪Gّ G‬ل درجة كاختي ‪GG‬ار األمن ‪GG‬اء والنقب ‪GG‬اء‪ « ...‬وأعلى م ‪GG‬راتب الت ‪GG‬أمري‪ :‬اختي ‪GG‬ار‬
‫خليفة املس‪GG‬لمني‪ ،‬يليه يف املرتبة اختي‪GG‬ار رؤس‪GG‬اء األقط‪GG‬ار اإلس‪GG‬المية‪ G،‬اليت أص‪GG‬بحت الي‪GG‬وم‪ G‬دوالً مس‪GG‬تقالً بعض‪GG‬ها‬
‫عن بعض‪ ،‬وقد أمجع أهل الس‪GG‬نّة على أ ّن اختي‪GG‬ار اخلليفة ش‪GG‬ورى بني املس‪GG‬لمني‪ ،‬والش‪GG‬ورى ال يك‪GG‬ون هلا معىن‬
‫وال مثرة إالّ باإلمجاع‪ ،‬أو األغلبيّة‪.1131» ‬‬
‫املهمة إىل هيئة متثّل عم ‪GG‬وم الن ‪GG‬اس‪ ،‬ومتثّل‬
‫وميكن اعتب ‪GG‬ار أ ّن أق ‪GG‬وم س ‪GG‬بيل لالختي ‪GG‬ار‪ ،‬هي أن توكل ه ‪GG‬ذه ّ‬
‫احلل والعق‪GG‬د" عند‬ ‫خاصة أهل العلم واخلربة والقيادة فيها‪ ،‬وهذه اهليئة هي ما يطلق عليها اسم " أهل ّ‬ ‫بص ّفة ّ‬
‫علمائنا‪.1132‬‬

‫الريسوني (أمحد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.447 .‬‬ ‫‪1128‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.480 .‬‬ ‫‪1129‬‬

‫القرضاوي (يوسف)‪ ،‬من فقه الدولة في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.142 .‬‬ ‫‪1130‬‬

‫الريسوني (أمحد)‪ ،‬نظرية التقريب و التغليب و تطبيقها في العلوم اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.449 .‬‬ ‫‪1131‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.450-449 .‬‬ ‫‪1132‬‬


‫وأهم الس ‪GG‬وابق التارخييّة يف ه ‪GG‬ذا اجملال‪ ،‬هي تلك الطريقة اليت ح‪ّ G G‬ددها عمر بن اخلط ‪GG‬اب‪ ‬ألعض ‪GG‬اء‬ ‫ّ‬
‫جملس الش‪GG G‬ورى ال‪GG G‬ذي ش‪ّ G G G‬كله الختي ‪GG G‬ار اخلليف‪GG G‬ة‪ ،‬حيث ورد يف رواي ‪GG G‬ة‪ « :‬ق‪GG G‬ال عمر ألص‪GG G‬حاب الش‪GG G‬ورى‪:‬‬
‫تش ‪GG‬اوروا يف أم ‪GG‬ركم‪ ،‬ف ‪GG‬إن ك ‪GG‬ان اثن ‪GG‬ان‪ G‬اثن ‪GG‬ان ف ‪GG‬ارجعوا يف الش ‪GG‬ورى‪ ،‬وإن ك ‪GG‬ان أربعة واثن ‪GG‬ان‪ G‬فخ ‪GG‬ذوا ص ‪GG‬نف‬
‫األكثر‪ 1133» ‬فهنا جعل عمر‪ ‬احلكم لألغلبيّة‪.‬‬
‫وخالصة ما س ‪GG‬بق ذك ‪GG‬ره هن ‪GG‬ا‪ ،‬أنّه على ال ‪Gّ G‬رغم من أ ّن ه ‪GG‬ذا اجملال مل ت ‪GG‬رد فيه طريقة واح ‪GG‬دة معيّنة‪ G‬ورد‬
‫نص بش‪GG G G‬أهنا إلج‪GG G G‬راء الش‪GG G G‬ورى‪ ،‬واخّت اذ ق‪GG G G‬رار التنص‪GG G G‬يب‪ G،‬وأ ّن األمر داخل يف قوله‪َ : ‬وأَ ْم ُرهُ ْم ُش و َرى‬
‫ّ‬
‫بَ ْينَهُ ْم‪ ،1134‬إالّ أ ّن ق ‪GG G‬رار اهليئة جيب أن يك ‪GG G‬ون‪– G‬بعد التش ‪GG G‬اور والت ‪GG G‬داول‪ -‬باإلمجاع أو باألغلبيّ‪GG G‬ة‪ ،‬وما دام‬
‫احلل‪.‬‬
‫اإلمجاع بعيد املنال‪ ،‬فإ ّن اللّجوء إىل العمل باألغلبيّة هو ّ‬
‫ثالثا‪ :‬تدبير مصالح النّاس وشؤونهم‬
‫ويتم فيه التع‪GG‬اون‪ G‬على االض‪GG‬طالع به‬ ‫وه‪GG‬ذا ج‪GG‬انب واسع ممّا ميكن أن يتش‪GG‬اور فيه عم‪GG‬وم الن‪GG‬اس‪ّ ،‬‬
‫بش‪GG G‬كل مجاعي؛ وهلذا فال مف ‪Gّ G G‬ر من اللّج ‪GG G‬وء فيه إىل حكم األكثريّ ‪GG G‬ة‪ ،‬عن‪GG G‬دما يتع ‪ّ G G‬ذر التف‪GG G‬اهم والرتاضي بني‬
‫الناس‪.1135‬‬

‫عام‪GG‬ة‪ -‬ت‪G‬دبري النّ‪G‬اس ملص‪GG‬احلهم الدنيويّ‪GG‬ة‪ ،‬اليت‬


‫و جمال هذا اجلانب من جوانب العمل باألغلبيّة‪G-‬بص‪G‬فة ّ‬
‫‪1136‬‬
‫وأما مص‪GG‬احل ال‪GG‬دنيا وأس‪GG‬باهبا ومفاس‪GG‬دها‪،‬‬‫السالم ‪ّ  « :‬‬ ‫يدركوهنا خبربهتم وجتارهبم‪ ،‬ويف هذا يقول ابن عبد ّ‬
‫فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون‪.1137» ‬‬

‫‪ 1133‬ابن سعد(حممد بن سعد)‪ ،‬الطبقات الكبرى‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد القادر عط‪G‬ا‪ ،‬دار الكتب العلمي‪G‬ة‪ ،‬ب‪G‬ريوت‪ ،‬ط‪ 1410 ،1.‬هـ‪ 1990-‬م‬
‫جـ‪ ،3 .‬ص‪.45.‬‬
‫‪ 1134‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية‪.38 :‬‬
‫‪ 1135‬الريسوني (أمحد)‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.453 .‬‬
‫‪ 1136‬هو عبد العزيز بن عبد السالم بن أيب القاسم بن احلسن السلمي الدمشقي‪ ،‬عز ال ّدين امللقّب بس‪G‬لطان العلم‪GG‬اء‪ ،‬فقيه ش‪G‬افعي بلغ رتبة‬
‫االجته ‪GG‬اد‪ ،‬ولد بدمشق ع‪GG G‬ام ‪ 577‬هـ‪ 1181 -‬م‪ ،‬ونشأ فيه‪GG G‬ا‪ ،‬وقد ت ‪G G‬وىّل الت‪GG G‬دريس بزاوية الغ ‪GG‬زايل مثّ اخلطاب‪G G‬ة باجلامع األمـوي‪ ،‬من كتب ‪GG‬ه‪:‬‬
‫"التفسري الكبري" و "اإلملام يف أدلّة األحكام" و"قواعد األحكام يف مصاحل األنام" و "بداية الس‪GG‬ول يف تفض‪GG‬يل الرس‪GG‬ول"‪ ،‬وغريها‪ .‬وقد ت‪GG‬ويف‬
‫بالقاهرة عام ‪ 660‬هـ‪ 1262-‬م‪ .‬الزركلي(خري الدين)‪ ،‬األعالم‪ ،‬جـ‪ ،4.‬ص‪.21.‬‬
‫(عز ال ّدين)‪ ،‬قواعد األحكام في مصالح األنام‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬جـ‪ ،1 .‬ص‪.8 .‬‬
‫ابن عبد السالم ّ‬
‫‪1137‬‬
‫يسريا وخاصاً بفئة معيّنة‪G،‬‬‫وأما عن كيفيّة تطبيق مبدإ األغلبيّة‪ G‬يف هذا اجملال فإنّه ‪ « :‬كلّما كان األمر ً‬ ‫ّ‬
‫أو مك‪GG‬ان حمدود‪ ،‬كلّما ك‪GG‬انت األغلبيّة‪ G‬هي أغلبيّة عم‪GG‬وم الن‪GG‬اس املعن‪GG‬يني ب‪GG‬األمر‪ ،‬أو أغلبيّة املق ‪ّ G‬دمني عن‪GG‬دهم‪،‬‬
‫يف بل ‪GG G‬دهتم أو يف فئتهم؛ وكلّما ك‪GG G G‬ان األمر جليالً وعام ‪G G G‬اً وواس‪GG G G‬عاً‪ ،‬كلّما ك‪GG G G‬انت األغلبيّة‪ G‬املطلوبة فيه هي‬
‫املتخصص‪GG G G G G G G G‬ة‪ G،‬املس‪G G G G G G G G G‬لّحة ب‪GG G G G G G G G‬العلم واخلربة وعمق النظر‬
‫ّ‬ ‫لألم‪GG G G G G G G G‬ة‪ ،‬وأغلبيّة اجملالس‬
‫العامة ّ‬
‫أغلبيّة اهليئ‪GG G G G G G G G‬ات ّ‬
‫ومشوليّته‪.1138» ‬‬
‫إذن‪ ،‬فمج‪GG‬ال العمل باألغلبيّة ي‪GG‬دخل حىت يف األم‪GG‬ور املتعلّقة‪ G‬بت‪GG‬دبري املص‪GG‬احل املش‪GG‬رتكة‪ G‬بني الن‪GG‬اس‪ ،‬واليت‬
‫قد تكـون عاديـة ويوميّ‪GG G G G G‬ة‪ G،‬ولكن األغلبيّة‪ G‬فيه ختتلف حبسب بساطـة األمـور وخصوص‪GG G G G‬يّتها‪ ،‬أو عظمتها‬
‫وعموميّتها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ضوابط األغلبيّة في نظام اإلسالم‬

‫من املع‪GG‬روف عن الش‪GG‬ريعة اإلس‪GG‬المية‪ G‬أ ّن الس‪GG‬يادة العليا فيها هي للش‪GG‬رع؛ ل‪GG‬ذلك ف‪GG‬إ ّن قطعيّاتـها ال‬
‫تقرره األغلبيّة‪ G،‬ولكن جمال االجتهاد فيها واس‪GG‬ع‪ ،‬على ال‪GّG‬رغم من القي‪GG‬ود ال‪GG‬واردة‬ ‫جمال فيها للشورى‪ ،‬وال ملا ّ‬
‫عليه‪.‬‬
‫نتعرض إىل بعض هذه الضوابط ‪-‬أو القيود‪ -‬الواردة على إعمال مبدإ األغلبيّة‪:‬‬ ‫وفيما يأيت ّ‬

‫أوال‪ :‬عدم المساس بقطعيّات( الشرع‪ ،‬وأساسيات الدين‪ (،‬وما علم منه بالضرورة‬
‫فهذه األمور ال جمال لتحكيم رأي األغلبيّة فيها‪ ،‬وال جمال للتصويت‪ G‬فيها؛ وإمّن ا يكون‪ G‬يف األمور‬
‫االجتهاديّة‪ ،‬اليت حتتمل أكثر من رأي‪ ،‬ومن شأن الناس أن خيتلفوا فيها‪.1139‬‬
‫والتش‪GG G G G G‬ريع االجته‪GG G G G G‬ادي ال يعطي لنفسه الفوقيّة على املص‪GG G G G G‬ادر األساس‪GG G G G G‬يّة‪ G‬للتش‪GG G G G G‬ريع؛ أل ّن التش ‪GG G G‬ريع‬
‫األمة عليه‪ ،‬تكون مرتبته دون القرآن والسنّة النبويّة الشريفة‪.1140‬‬ ‫االجتهادي مهما عال‪ ،‬ومهما اجتمعت ّ‬

‫الريسوني (أمحد)‪ ،‬نظرية التقريب و التغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية(‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.454 .‬‬ ‫‪1138‬‬

‫القرضاوي (يوسف)‪ ،‬من فقه الدولة في اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.142 .‬‬ ‫‪1139‬‬

‫حممد)‪ ،‬السلطة التشريعية في نظام الحكم اإلسالمي والنظم المعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.90 .‬‬
‫غمق (ضو مفتاح ّ‬
‫‪1140‬‬
‫األمة أو خارج ‪GG‬ه‪ ،‬واتّفقت‪ G‬على رأي واح ‪GG‬د‪ ،‬وك ‪GG‬ان‬ ‫فاألمة لو ق ‪GG‬امت على ص ‪GG‬عيد واحد داخل جملس ّ‬ ‫ّ‬
‫سـن ق ‪GG‬انون ي ‪GG‬بيح الزنا حبجة أ ّن ك ‪Gّ G‬ل ممن ‪GG‬وع مرغ ‪GG‬وب‪ ،‬أو أنه حيـ ّد من جرمية الزن ‪GG‬ا‪ ،‬أو‬ ‫ال ‪GG‬رأي ي ‪GG‬رى ض ‪GG‬رورة ّ‬
‫حبجة حصر الفساد يف مكان عام تراقبه الدولة‪ ،‬كان هذا الرأي خارجاً على اإلسالم‪.1141G‬‬ ‫ّ‬
‫حترم حالالً‪.‬‬
‫حراما أو ّ‬
‫حتل ً‬ ‫إذ يناقض ما هو معلوم من ال ّدين بالضرورة‪ ،‬واألغلبيّة ال متلك أن ّ‬
‫وال جيوز ل ‪GG G‬رأي األغلبيّة‪ G‬أن يص ‪GG G‬طدم بقاع ‪GG G‬دة ش ‪GG G‬رعية‪ ،1142‬أو أن ي ‪GG G‬أيت بش ‪GG G‬يء من التغيري يف األم‪GG G‬ور‬
‫ال ‪GG‬واردة فيها األحك ‪GG‬ام الواض ‪GG‬حة القاطعة عن اهلل ورس ‪GG‬وله‪ ،‬بل إ ّن هلا أن تضع القواعد واللّ ‪GG‬وائح لتنفيذ ه ‪GG‬ذه‬
‫األحك ‪GG G G‬ام‪ ،‬مع مراع ‪GG G G‬اة األنسب واألوفق ملص ‪GG G G‬احل الن ‪GG G G‬اس‪ ،‬ولكن بش ‪GG G G‬رط أالّ تك ‪GG G G‬ون منافية حلكم أو مب ‪GG G‬دإ‬
‫شرعي‪.1143‬‬
‫‪G‬وخى‬
‫فالب ‪ّ G‬د أن تك‪GG‬ون‪ G‬الق‪GG‬رارات الص‪GG‬ادرة عن األغلبيّة‪ G‬موافقة ل‪GG‬روح الش‪GG‬ريعة ومبادئها الكليّ‪GG‬ة‪ ،‬وأن تت‪ّ G‬‬
‫تطبيق النصوص فيها‪ ،‬وال تعارض ما جاء يف املصدرين األساسيني للتشريع (الكتاب والسنّة)‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عدم المساس بحرية األفراد‬
‫وذلك أل ّن ح‪Gّ G‬ق األف‪GG‬راد املس‪GG‬تقلّني‪ ،‬وح‪GG‬ريتّهم يف احلوار ويف مناقشة اآلراء وتقييمه‪GG‬ا‪ ،‬ح‪Gّ G‬ق ف‪GG‬ردي‬
‫بأي ح‪GG‬ال‬
‫مق ّدس‪ ،‬ال متلك األغلبيّة‪ ،‬سواء أكانت هذه األغلبيّة منتظمة يف حزب واحد أم أحزاب متع ّددة‪ّ ،‬‬
‫من األحوال‪ ،‬أن حترمهم منه استناداً إىل مبدإ األغلبيّة‪.1144‬‬
‫املربرات واحلجج اليت يس ‪GG G‬تند إليه ‪GG G‬ا‪ ،‬إالّ أنّه ال ينبغي أن يك ‪GG G‬ون ذريعة‬
‫فه ‪GG G‬ذا املب ‪GG G‬دأ على ال ‪Gّ G G‬رغم من ّ‬
‫إله‪GG‬دار حق‪GG‬وق األف‪GG‬راد‪ ،‬واملس‪GG‬اس حبريّتهم يف ال‪GG‬رأي والتعبري ومعارضة ما تق‪Gّ G‬رره األغلبيّ‪GG‬ة؛ أل ّن ذلك م‪GG‬دعاة‬
‫للكبت‪ G‬واجلمود‪.‬‬
‫ه‪GG‬ذا باإلض‪GG‬افة إىل أ ّن س‪GG‬يادة األغلبيّة‪ G‬يف الش‪GG‬ورى اإلس‪GG‬المية‪ G‬خاض‪GG‬عة لس‪GG‬يادة أعلى منه‪GG‬ا‪ ،‬وهي س‪GG‬يادة‬
‫عامة‪ ،‬ال جيوز لألفـراد مهما بلغ ذكاؤهم وخربهتم‪ ،‬وال للجماع‪GG‬ات مهما‬ ‫تقرر أصـوالً ّ‬ ‫الشريعـة الغ ّـراء‪ ،‬اليت ّ‬
‫بلغت ك‪GG‬ثرة ع‪GG‬ددها‪ ،‬وال لألح‪GG‬زاب مهما بلغت ّقوهتا‪ ،‬من أن خترج عن ه‪GG‬ذه األص‪GG‬ول‪ ،‬واليت منها (أي من‬
‫هذه األصول) محاية حقوق األفراد وحريّاهتم‪ ،‬وفرض التوازن‪ G‬والتكامل بينها وبني حقوق اجلماعة‪.1145‬‬

‫الخالدي (حممود)‪ ،‬قواعد نظام الحكم في اإلسالم‪ّ ،‬‬


‫مؤسسة اإلسراء للنشر والتوزيع‪ ،‬قسنطينـة‪ ،‬ط‪1411 ،1.‬هـ‪1991-‬م‪ ،‬ص‪.80.‬‬ ‫‪1141‬‬

‫‪ 1142‬القرضاوي (يوسف)‪ ،‬السياسـة الشرعيـة في ضوء نصوص الش((ريعة ومقاص(دها‪ ،‬مكتبة وهب‪GG‬ة‪ ،‬الق‪GG‬اهرة‪ ،‬ط‪1419 ،1.‬هـ‪ 1998-‬م‪،‬‬
‫ص‪.116 .‬‬
‫‪.265-263‬‬ ‫المودودي (أبو األعلى)‪ ،‬تدوين الدستور اإلسالمي(‪ ،‬ترمجة ‪ :‬حممد عاصم احلداد‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪ .‬ط‪1967 ،‬م‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪1143‬‬

‫‪ 1144‬الشاوي (توفيق)‪ ،‬فقه الشورى واالستشارة‪ ،‬دار الوفـاء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬املنصـورة‪ ،‬ط‪1413 ،2 .‬هـ ‪1992 -‬م‪ ،‬ص‪.351 .‬‬
‫‪ 1145‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.351 .‬‬
‫وهكذا هي الش‪G‬ريعة اإلس‪G‬المية‪ ،‬اليت حترتم حرية األف‪GG‬راد يف إب‪GG‬داء آرائهم‪ ،‬ومناقشة الق‪G‬رارات الص‪GG‬ادرة‬
‫نص فيه ال يعين إهدار حق‪GG‬وق‬
‫تقر أن العمل باألغلبيّة وترجيح رأيها واالحتكام إليها فيما ال ّ‬ ‫عن االجتهاد‪ّ ،‬‬
‫األف‪GG‬راد املس‪GG‬تقلّني ب‪GG‬آرائهم‪ ،‬وه‪GG‬ذا ما هو مالحظ حىّت يف عصر الص‪GG‬حابة واخللف‪GG‬اء الراش‪GG‬دين‪ ،‬حيث رأينا‬
‫أ ّن اتفاق أكثريّة الصحابة على رأي ما‪ ،‬مل مينع من ظهور آراء أفراد آخـرين من الصحابة مستقلّني برأيهم‪.‬‬
‫خاتمة البحث‬
‫ط‬
‫واآلن‪ ،‬بعد هذا التجوال يف فصول البحث ومباحثه‪ ،‬دراسة وتأصيالً‪ G،‬تأيت هذه اخلامتة إيذانًا حب ّ‬
‫املتوصل إليها‪ ،‬واليت نوردها خمتصرة‪،‬‬‫ّ‬ ‫ألهم نتائج البحث‬‫الرحال‪ ،‬وهناية التجوال‪ ،‬واليت نسطّرها بياناً ّ‬
‫ّ‬
‫حمل الدراسة‬
‫ونع ّقب ذلك مبقارنة موجزة بني املنهاج اإلسالمي‪ G‬والدميقراطية‪ G‬الغربيّة‪ ،‬فيما يتعلّق باآلليتني ّ‬
‫ومعمقة‬
‫والبحث‪ ،‬وبعد ذلك نربز ما يفتحه البحث من آفاق لبحوث جديدة مقاربة ملثل هذا املوضوع‪ّ ،‬‬
‫له‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬نتائج البحث‬


‫إ ّن البحث يف موضوع "آليات الدميقراطية‪ G‬الغربيّة يف ميزان اإلسـالم"‪ ،‬وحتديد "التع ّدديّة" و‬
‫"مبدأ األغلبيّة"‪ G‬عيّنتني لذلك‪ ،‬قادنا إىل استخالص مجلة من نتائج علميّة‪ ،‬نق ّدمها على النحو اآليت‪:‬‬
‫يخص الباب التمهيدي بيّنا‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ففيما‬
‫‪-1‬أ ّن الدميقراطية‪ G‬الغربيّة أرقى ما وصل إليه الفكر اإلنساين يف جمال نظـام احلكم‪ ،‬وأهّن ـا مل تكن‬
‫التطور مبختلف البيئات‪G‬‬
‫لتطور طويل‪ ،‬وتأثّرت خالل هذا ّ‬ ‫بشكلها احلايل منذ نشأهتا‪ ،‬بل خضعت ّ‬
‫التطور واالزدهار أحياناً‪ ،‬وإىل الرتاجع واألفول يف‬‫تعرضت مبادئها إىل ّ‬ ‫التطور ّ‬
‫واألزمان‪ ،‬وأهّن ا خالل هذا ّ‬
‫أحيان أخرى‪.‬‬
‫‪-2‬وأ ّن الدميقراطية‪ G‬الغـربيّة احلديثـة‪ ،‬وإن كانت ترجع يف أصوهلا إىل الدميقراطية‪ G‬القدمية املوجودة‬
‫خاصة يف اليونان‪ G‬القدمية (الدميقراطية‪ G‬األثينيّة)‪ G،‬إالّ أ ّن هناك اختالفات جوهريّة يف مبـادئ‬
‫بصفة ّ‬
‫الدميقراطيتني‪ ،‬هذا مع ورود رأي يقول إ ّن أقـدم دميقراطيـة ليست –كما هو شائع‪ -‬الدميقراطية األثينيّة‪،‬‬
‫بل هي الدميقراطية‪ G‬اليت عرفتها بالد الرافدين‪.‬‬
‫‪-3‬وأ ّن ازدهار املبادئ الدميقراطية يف بعض العصور‪ ،‬والسيّما يف العصر احلديث‪ ،‬قد استفاد من‬
‫الساميـة‪ ،‬كالعدل والشورى‪...‬‬ ‫اتّصال الغربيني بالعـامل اإلسـالمي‪ G،‬وإدراكهم واكتشافهم لبعض مبادئـه ّ‬
‫تتجسد يف صور ثالث‪ ،‬إحداها قد هجرت تقريباً؛ لتع ّذر تطبيقها يف‬ ‫‪-4‬إ ّن الدميقراطية‪ G‬الغربيّة ّ‬
‫الوقت احلاضر مع تع ّقد احلياة وتزايد السكان‪ G،‬ويتعلّق األمر بالدميقراطية املباشرة‪ G،‬والصورة الثانية‪ G‬منها‬
‫وهي الدميقراطية‪ G‬النيابيّة‪ G،‬قد تراجعت قيمتها يف العصر احلاضر جلملة من العيوب‪ G‬اليت ظهرت فيها‪ ،‬أمهّها‬
‫متس بأشهر مبادئ الدميقراطية‪ G‬الغربيّة‪ ،‬واملتمثّل يف "حكم الشعب"‪ ،‬ولذلك عوجل هذا األمر بالصورة‬ ‫أهّن ا ّ‬
‫الثالثة للدميقراطية الغربيّة‪ ،‬واليت جتمع بني الصورتني السابقتني‪ ،‬وهي كثرية التطبيق يف العصر احلاضر‪،‬‬
‫وتسمى "الدميقراطية شبه املباشرة"‪.‬‬
‫ّ‬
‫األول( الخاص بالتع ّدديّة ‪:‬‬
‫ّأما يف الباب ّ‬
‫التنوع واالختالف بصورته القدمية هو سنّة اهلل يف خلقه‪ ،‬ومن ضمنهم اإلنسان‪G،‬‬ ‫‪ -1‬فقد بيّنا أ ّن ّ‬
‫الرغم من‬ ‫ومتنوعني‪ G،‬حلكم منه سبحانه وتعاىل‪ ،‬هذا على ّ‬ ‫وقد قضت سنّة اهلل أن يكون‪ G‬البشر خمتلفني ّ‬
‫األصل اإلنساين الواحد‪.‬‬
‫ختل ّأمة من األمم‬ ‫‪-2‬كما أوضحنا أ ّن االختالف الديين هو نوع من أنواع التع ّدديّة القدمية‪ ،‬إذ مل ُ‬
‫القدمية‪ ،‬أو شعب من الشعوب‪ ،‬أو حضارة من احلضارات‪ ،‬من مظاهر التديّن لديها‪ ،‬مع اختالف هذه‬
‫احلق‬
‫الرغم من أ ّن ال ّدين ّ‬ ‫املظاهر باختالف الديانات املعتنقة‪ ،‬سواء السماويّة منها أم الوضعيّة‪ ،‬هذا على ّ‬
‫املتنوع هو الشرائع‪.‬‬ ‫عند اهلل واحد‪ ،‬وهو "اإلسالم"‪ G،‬لوحدة املصدر؛ وإمّن ا الشيء ّ‬
‫‪ -3‬وبيّنا كذلك كيف عاجل نظام اإلسالم‪ ،‬وكيف عاجلت نظم الدميقراطية الغربيّة قضيّة‬
‫للتنوع‪G‬‬
‫احرتاما ّ‬
‫ً‬ ‫وحريات املخالفني؛ وذلك‬ ‫االختالف الديين‪ ،‬سواء بكفالة حرية االعتقاد‪ ،‬أم محاية حقوق ّ‬
‫ومنعا للتصادم والنـزاع بني أتباع األديان املختلفة‪.‬‬ ‫وإقرارا به‪ً ،‬‬
‫واالختالف‪ً ،‬‬
‫خيص التع ّدديّة السياسيّة‪( G‬وهي التع ّدديّة احلديثة)‪ ،‬فقد أظهرنا –من خالل مباحث‬ ‫‪ّ -4‬أما فيما ّ‬
‫الفصل‪ -‬أهّن ا تظهر يف ثالثة أشكال‪ ،‬واملتمثّلة يف‪ :‬التع ّدديّة اإليديولوجيّة‪ G‬والتع ّدديّة احلزبيّة‪ ،‬والتع ّدديّة‬
‫األول والشكل الثاين‪ ،‬أي بني التع ّدديّة اإليديولوجيّة‪G،‬‬ ‫املؤسّساتيّة‪ ،‬وأ ّن مثّة عالقة وطيدة بني الشكل ّ‬
‫ـريا ما تنتظـم اإليديولوجيـات يف أحـزاب‪ ،‬كما تتبىّن ‪-‬يف الغالب‪ -‬هذه األخرية‬ ‫والتع ّدديّة الـحزبيّة‪ ،‬إذ كث ً‬
‫(أي األحزاب) إحدى اإليديولوجيات‪G.‬‬
‫‪ -5‬وقد أوضحنا أ ّن التع ّدديّة اإليديولوجيّة‪ G،‬وإن ظهـر رأي يقول بنهاية عصـرها‪ ،‬إالّ أنّها ال تزال‬
‫تصورات النّاس وأفكارهم حول الكون‪ G‬واإلنسان واحلياة‪ ،‬والسيّما‬ ‫مستمرة‪ ،‬وأهّن ا جاءت نتيجة اختالف ّ‬ ‫ّ‬
‫احلق (اإلسالم)‪G.‬‬
‫إذ ضلّوا الطريق إىل دين اهلل ّ‬
‫‪ -6‬وبالنسبة آلراء مف ّكري اإلسالم‪ G‬وعلمائه‪ ،‬حول مدى قبول دولة اإلسالم لتواجد مثل هذه‬
‫اإليديولوجيـات فيها‪ ،‬وهي اليت ال تتّخذ من اإلسـالم مرجعيّة هلا‪ ،‬فقد بيّنا أ ّن هنـاك ثالثة اجّت اهات يف هذا‬
‫كل املذاهب‪ G‬واإليديولوجيات‪،‬‬ ‫الشأن‪ ،‬ففريق خضع لألمر الواقع‪ ،‬وتأثّر بروح العصر؛ فقال جبواز تواجد ّ‬
‫احلق يف املشاركة السياسيّة‪ ،G‬والدعوة إىل أفكـارها ومذاهبـها؛‬ ‫وبإطالق‪ ،‬ودون شروط أو ضوابط‪ ،‬وإ ّن هلا ّ‬
‫وفريـق آخر رفض رفضاً مطلقاً تواجد مثل هذه املذاهب واإليديولوجيات‪ G‬اليت ال تستند إىل مرجعيّة‬
‫إسالميّة؛ وذلك خوفًا على عقائد اجلماهري‪ ،‬ومن تويّل أصحاب هذه املذاهب‪ G‬أمر املسلمني‪ ،‬وإ ّن كفالة‬
‫النيب ‪ ‬يفعل مع أهل األديان األخرى‪ ،‬ال يعين أن يسمح‬ ‫حقوقهم الشخصيّة يف دولة اإلسالم‪ G،‬كما كان ّ‬
‫هلم بالدعوة إىل مذاهبهم وتويّل أمر املسلمني‪.‬‬
‫وفريق ثالث قبِل ببعض هذه اإليديولوجيات‪ ،‬وهي اليت ال ختاصم ال ّدين‪ ،‬وال تدعو إىل اإلحلـاد‪،‬‬
‫وال تنكر املعلوم من ال ّدين بالضـرورة‪ ،‬فأصحاهبا يعتقدون بعقيدة اإلسـالم‪ ،‬وإن كانوا يتح ّفظون حول‬
‫عالقة ال ّدين بالسياسة‪ ،‬فهذا الفريق يرى السماح هلؤالء باملشاركة السياسيّة‪ ،‬وذلك أل ّن عملهم يف العلن‬
‫األمة املسلمـة كفيلة بتهميشهم‪ ،‬وأ ّن اإلسالم ال خيشى من‬ ‫السر‪ ،‬وأ ّن مجـاهري ّ‬
‫أفضـل من عملهم يف ّ‬
‫مواجهة أفكار املذاهب واإليديولوجيات‪ G‬األخرى‪.‬‬
‫‪ّ -7‬أما فيما يتعلّق بالتع ّدديّة احلزبيّة‪ ،‬فقد بيّنا أ ّن األحزاب السياسيّة ضروريّة للدميقراطية الغربيّة؛‬
‫تصور قيام هذه األخرية دون وجود التع ّدديّة احلزبيّة‪ ،‬وأ ّن نظام احلزب الواحد يُناقض التع ّدديّة‬ ‫حيث ال يُ ّ‬
‫تصور‬
‫احلزبيّة‪ ،‬بل ينايف حىّت الدميقراطية‪ ،‬وذلك لأ ّن مصطلح احلزب نفسه‪ ،‬يقتضي‪ G‬تع ّدد األحزاب‪ ،‬إذ ال يُ ّ‬
‫احلر بني خمتلف االجّت اهات دون وجود حزبـني أو أكثر‪ ،‬والسيّما وأ ّن نظام‬ ‫الصراع السياسي والتنافس‪ّ G‬‬ ‫ّ‬
‫احلزب الواحد قد اقرتن باألنظمة الفاشيّة والدكتاتوريّة‪G.‬‬
‫الرغم من‬ ‫ِ‬
‫‪ -8‬وأظهرنا كذلك أ ّن التع ّدديّة احلزبيّة قد انتُقدت حىت من قبل الغربيني أنفسهم‪ ،‬على ّ‬
‫تؤديهـا‪ ،‬سواء على املستـوى السيـاسي أم االجتماعي‪،‬‬ ‫املربرات اليت اقتضت وجودها‪ ،‬واخلدمـة اليت ّ‬ ‫تلك ّ‬
‫وقد أظهرنا أ ّن تلك االنتقادات‪ G‬تأيت يف الغالب ليس من طبيعة‪ G‬التع ّدديّة يف ح ّد ذاهتا‪ ،‬بل من التطبيق السيّئ‬
‫هلا‪.‬‬
‫خيص موقف اإلسالم‪ G‬من التع ّدديّة احلزبيّة‪ ،‬فقد أفرزنا ثالثة اتّجاهات للفقهاء‬ ‫‪ّ -9‬أما فيما ّ‬
‫والتحزب مطلقاً‪ ،‬ويعتمد يف رأيه ذاك على مجلة من النّصوص‬ ‫ّ‬ ‫واملف ّكرين اإلسالميني‪:‬فريق يرفض احلزبيّة‬
‫مربراهتم املنطقيّة والواقعيّة‪ ،‬واليت‬
‫وأما عن ّ‬
‫تدل صراحة على املنع‪ّ ،‬‬ ‫الشرعيّة‪ ،‬وإن كانت هذه األخرية ال ّ‬
‫والشقاق الذي قد تسبّبه التع ّدديّة احلزبيّة‪ ،‬فهي –كما أسلفنا الذكر‪ -‬ليست من طبيعة‬ ‫التفرق ّ‬ ‫تتلخص يف ّ‬
‫ّ‬
‫التع ّدديّة يف ح ّد ذاهتا‪ ،‬بل من التطبيق السيّئ هلا‪ ،‬وعدم إدراك أهدافها واحلكمة من وجودها‪.‬‬
‫تقر باملرجعيّة اإلسالميّة‪ G،‬وهذا‬ ‫ٍ‬
‫بينما يرى فريق ثان جواز التع ّدديّة احلزبيّة‪ ،‬وبإطالق‪ ،‬حىت اليت ال ّ‬
‫الرأي قد أوردناه عند احلديث عن التع ّدديّة اإليديولوجيّة‪.‬‬
‫ويبقى الفريق الثالث‪ ،‬وهو الفريق الوسط‪ ،‬والذي يُعترب موقفه من أشهر املواقف وأكثرها قبوالً‪،‬‬
‫ويتمثّل رأيهم يف القبول بالتع ّدديّة احلزبيّة يف إطار اإلسالم‪ ،‬ويرى هذا الفريق أ ّن النصوص الشرعيّة اليت‬
‫دل على هذا اجلواز‪ ،‬بل ع ّدها‬ ‫حتث على النصيحة والقيام بواجب األمر باملعروف والنهي‪ G‬عن املنكر‪ ،‬ت ّ‬ ‫ّ‬
‫بعضهم أهّن ا من فروض الكفاية‪ ،‬والسيّما وأ ّن الدعوة الفرديّة دون تكتّل مجاعات قويّة ال تؤيت مثرهتا يف‬
‫تدل النّصوص‪ G‬على جواز التع ّدديّة احلزبيّة‪ ،‬فهي تدخل يف‬ ‫هذا العصر للقيام هبذا الواجب؛ وحىت لو مل ّ‬
‫نص صريح مينعها‪.‬‬ ‫إطار املسكوت‪ G‬عنه‪ ،‬إذ ال ّ‬
‫وأما عن تقييد طبيعة األحزاب اليت ميكن اإلقرار بوجودها يف دولة اإلسالم‪ ،‬فهذا ما تفعله حىت‬ ‫ّ‬
‫دستورا‪ ،‬ال ميكن ألحد جتاوزها‪،‬‬
‫ً‬ ‫املقررة‬
‫كل دولة تضع بعض املبادئ العامة ّ‬ ‫الدول الدميقراطية‪ G،‬إذ إ ّن ّ‬
‫تقرر دولة اإلسالم يف‬ ‫وغالبًا ما تضعها حتت عنوان "النظام العام والآداب العامة "‪ ،‬لذلك فال عجب أن ّ‬
‫هذا الصدد عدم جتاوز "املرجعيّة اإلسالميّة"‪.‬‬
‫املؤسساتيّة‪ G،‬فقد بيّنا أهّن ا موجودة منذ قدمي العصور‪ ،‬وهي ضرورة تقتضيها‬ ‫‪ّ -10‬أما عن التع ّدديّة ّ‬
‫األقل‪ -‬من فرص‬ ‫تؤدي وظائفها‪ G‬على أحسـن وجـه‪ ،‬ومتنع ‪-‬أو تقلّل على ّ‬ ‫طبيعة وظيفة‪ G‬الدولـة‪ ،‬وحىت ّ‬
‫التح ّكم واالستبداد‪ ،‬الذي تسبّبه جتميع السلطات يف يد فرد واحد أو هيئة واحدة‪.‬‬
‫أهم مبادئ هذه التع ّدديّة ونظامها هو التقسيم الثالثي للسلطات‪ ،‬والذي ال يزال إىل اآلن‬ ‫وأ ّن ّ‬
‫حيتفظ بقيمته‪ ،‬إضافة إىل مبدإ الفصل بني السلطات‪ ،‬وأ ّن نظام اإلسالم‪ G‬قد عرف مثل هذا التع ّدد يف‬
‫عما هي يف النظام الدميقراطي‪.‬‬‫املؤسسات‪ ،‬وإن اختلفت طبيعتها‪ ،‬ومصدرها‪ ،‬واختصاصاهتا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وأما مبدأ الفصل بني السلطات‪ ،‬فقد أظهرنا فيه اتّجاهني للفقهاء واملف ّكرين‪ G‬اإلسالميني‪ :‬اتّجاه‬ ‫ّ‬
‫أقره الغرب‬‫يرى عدم وجوده يف نظام اإلسالم‪ G،‬بدعوى أ ّن اخلليفة جيمع يف يده مجيع السلطات‪ ،‬وأنّه مبدأ ّ‬
‫خاصة هبم‪ ،‬فال ميكن تعميمه على نظام اإلسالم؛ بينما يرى اجّت اه آخر أ ّن نظام اإلسالم قد عرف‬ ‫لظروف ّ‬
‫مستقل عن السلطـة‬
‫ّ‬ ‫مثل هذا الفصل‪ ،‬إذ التشريع منفصل عن اخلليفة‪ ،‬فهو خالص هلل تعاىل‪ ،‬والقضاء‬
‫التنفيذيّة‪ G،‬فحىت ولو كان تعيني القضـاة من قِبل اخللفـاء والوالة‪ ،‬إالّ أهّن ـم ال خيضعون‪ G‬هلم‪ ،‬فهم يطبّقون‬
‫أحكام الشرع اليت خيضع هلا اجلميع‪ ،‬إضافة إىل أ ّن عمر بن اخلطاب‪ ‬قد عمل على توزيع اختصاصات‬
‫القضاة؛ فهذا املبدأ ليس غريبًا يف ذهنه‪ ،‬كما أ ّن إقراره منوط بواقع احلال‪ ،‬فهو قاعدة من قواعد السياسة‪،‬‬
‫جمرد مسألة تنظيميّة فنّية‪.‬‬
‫ومبدأ متليه احلكمة‪ ،‬وهو ّ‬
‫ّأما في الباب( الثاني( الخاص بمبدإ األغلبيّة‪:‬‬
‫تتجسد يف شكل نظام وتطبّق على‬ ‫‪ -1‬فقد بيّنا أ ّن فكرة األغلبيّة‪ G‬هي فكرة قدمية‪ ،‬وإن كانت مل ّ‬
‫صعيد واسـع‪ ،‬إالّ يف العصـور احلديثة‪ ،‬حيث أصبح "مبدأ األغلبيّة" القاعـدة املتبّعة‪ G‬يف جمال التصويت‪،‬‬
‫وحتديد الفائز‪.‬‬
‫مربرات هذا املبدإ‪ ،‬ومن أسباب إقراره‪ ،‬هو تع ّذر حت ّقق اإلمجاع‪ ،‬وأنّه‬ ‫أهم ّ‬‫‪ -2‬وأوضحنا أ ّن من ّ‬
‫الرغم من االنتقادات‪ G‬اليت ُو ّجهت إليه‪ ،‬إالّ أنّه أفضل من حكم الفرد‪ ،‬ومن حكم األقليّة‪.‬‬ ‫على ّ‬
‫نظرا لبعض السلبيات اليت ظهرت يف آثـار تطبيق نظـام األغلبيّة‪ G‬بنوعيها (املطلقة‬ ‫‪ -3‬وأنّه ً‬
‫والنسبيّة)‪ G،‬فقد ظهر نظام آخر يطلق عليه اسم "نظام التمثيل النسيب"‪ ،‬الذي تبنّته‪ G‬كثري من البلدان‪ ،‬وإن‬
‫كل من النظامني آثاراً على التمثيل النيايب والنظام‬ ‫كان ال خيلو هو اآلخر من بعض العيوب‪ ،‬وأ ّن لتطبيق ّ‬
‫احلزيب‪ ،‬وأنّه عند التفاضل بينهما يتّضح أ ّن نظام األغلبيّة‪ G‬أدعى لتحقيق االستقرار؛ بينما نظام التمثيل‬
‫ألي بلد خيضع لظروف هذا األخري‬ ‫النسيب أقرب إىل العدالة والروح الدميقراطية‪ ،‬وأ ّن حتديد األفضل ّ‬
‫وخصائصه‪.‬‬
‫‪-4‬وعند تأص‪GG‬يلنا هلذا املب‪GG‬دإ يف الش‪GG‬ريعة اإلس‪GG‬الميّة‪ ،‬اتّضح لنا أنّه على ال‪GّG‬رغم من ع‪GG‬دم وج‪GG‬ود نص‪GG‬وص‬
‫‪G‬دل بطريقة غري مباش ‪GG‬رة على االعت ‪GG‬داد هبذا‬ ‫‪G‬ريا من النص ‪GG‬وص‪ G‬ت ‪ّ G‬‬
‫ص ‪GG‬رحية تق ‪Gّ G‬ر ه ‪GG‬ذا املب ‪GG‬دأ أو ترفض ‪GG‬ه‪ ،‬إالّ أ ّن كث ‪ً G‬‬
‫النيب ‪ ‬وكذا يف عهد اخلالفـة الراش‪GG‬دة‪ ،‬قد دلّت على العمل‬ ‫املبدإ‪ ،‬وأ ّن مجلة من السوابق التارخييّة يف عهد ّ‬
‫‪G‬ربرات عقليّة ومنطقيّ ‪GG‬ة‪ ،‬وحتقي ًقا للمص ‪GG‬لحة‪ ،‬جعل ه ‪GG‬ذا املب ‪GG‬دأ‬ ‫هبذا املب ‪GG‬دإ‪ ،‬واالعت ‪GG‬داد ب ‪GG‬ه؛ ه ‪GG‬ذا باإلض ‪GG‬افة إىل م ‪ّ G‬‬
‫معم‪GG G‬والً ب ‪GG G‬ه‪ ،‬وأ ّن األغلبيّة املذمومة‪ G‬يف الق ‪GG G‬رآن ال عالقة هلا باألغلبيّة املقص ‪GG G‬ودة‪ G‬يف البحث‪ ،‬واملتعلّقة‪ G‬مبج‪GG G‬ال‬
‫السياسة واحلكم‪.‬‬
‫ينكر ل‪G‬زوم العمل مبب‪G‬دإ األغلبيّ‪G‬ة‪ ،‬وش‪G‬رعيّته‪ ،‬معتم ً‪G‬دا هو ك‪G‬ذلك على مجلة من‬ ‫‪-5‬كما أ ّن هناك اجّت اهاً ِ‬
‫واملربرات‪ G،‬وال ّس‪G G G‬وابق‪ G‬التارخييّة يف عص‪GG G G‬ري النب‪Gّ G G G‬وة واخلالفة الراش‪GG G G‬دة‪ ،‬وإن ك‪GG G G‬انت اس ‪GG G‬تدالالهتم‬
‫النص‪GG G‬وص ّ‬
‫األول‪ .‬وقد لوحظ أ ّن الفريق القائل ب‪GG‬إلزام رأي األغلبيّة ووج ‪GG‬وب العمل هبذا‬ ‫ِ‬
‫‪G‬ردودا عليها من قبل الفريق ّ‬ ‫م‪ً G‬‬
‫املب ‪GG‬دإ هو الفريق القائل بل ‪GG‬زوم نتيجة الش ‪GG‬ورى؛ ّأما الفريق اآلخر ال ‪GG‬رافض هلذا املب ‪GG‬دإ‪ ،‬فهو الفريق القائل إ ّن‬
‫نتيجة الشورى معلمة وليست ملزم‪G‬ة‪ ،‬وقد ظهر لنا أ ّن ه‪G‬ذا الفريق قد ت‪G‬أثّر ببعض أق‪G‬وال املف ّس‪G‬رين الق‪G‬دامى‪G،‬‬
‫‪G‬يب ‪ ‬على مش‪GG‬اورة أص‪GG‬حابه‪ ،‬على‬ ‫حتث الن‪ّ G‬‬
‫ال‪GG‬ذين يف ّس ‪G‬رون معىن الش‪GG‬ورى ال‪GG‬واردة يف الق‪GG‬رآن الك‪GG‬رمي‪ ،‬واليت ّ‬
‫يعممون هذا التفسري حىت على احل ّكام يف عص‪GG‬رنا‪ ،‬فق‪GG‬الوا‬
‫أهّن ا لتطييب قلوب أصحابه؛ فراح هؤالء احملدثون‪ّ G‬‬
‫نيب يوحى إليه‪ ،‬وهو مستغ ٍن عن مش‪GG‬اورة غ‪GG‬ريه‪ ،‬وبني‬ ‫يفرقوا بني ّ‬‫إهّن م غري ملزمني بنتيجة الشورى‪ ،‬دون أن ّ‬
‫حاكم غري معصوم تتنازعه األهواء‪ G‬واملصاحل‪.‬‬
‫كل ما سبق‪ ،‬إىل أ ّن مبدأ األغلبيّة‪ G‬مبدأ إسالمي‪ G‬أصيل أشارت إليه بعض‬ ‫‪ -6‬ولذلك فقد خلصنا من ّ‬
‫يف كثري من الوق‪GG‬ائع الثابتة‪ G‬يف س‪GG‬ريته‪ ‬وك‪GG‬ذا ص‪GG‬حابته‬ ‫النّص‪GG‬وص‪ G،‬ولو من غري تص‪GG‬ريح‪ ،‬وعمل به الن‪Gّ G‬يب ‪‬‬
‫‪ .‬كما بيّنا أ ّن الفقه ‪GG‬اء املس ‪GG‬لمني قد عرف ‪GG‬وا ه ‪GG‬ذا املب ‪GG‬دأ‪ ،‬وذك ‪GG‬روه يف بعض كتبهم‪ ،‬ولكنّهم مل يف ‪GG‬ردوا له‬
‫مؤلّف‪G‬اً مس‪GG‬تقالً‪ ،‬ومل يص‪GG‬يغوه‪ G‬يف ش‪GG‬كل نظ‪GG‬ام له قواع‪GG‬د‪ ،‬كما هو مع‪GG‬روف اآلن‪ ،‬ولع‪Gّ G‬ل ذلك يرجع إىل طبيعة‬
‫حجة من ّادعى أ ّن ه‪GG‬ذا املب‪GG‬دأ مس‪GG‬تورد من‬ ‫عص‪GG‬رهم‪ ،‬ال‪GG‬ذي مل تتبل‪GG‬ور فيه ه‪GG‬ذه الفك‪GG‬رة بع‪GG‬د‪ ،‬وب‪GG‬ذلك تس‪GG‬قط ّ‬
‫األنظمة الغربيّة‪.‬‬
‫‪ -7‬وأوضحنا كذلك أ ّن إقرار هذا املبدإ حتتّمه املصلحة‪ ،‬والس‪GG‬يّما مع ض‪GG‬عف ال‪GG‬وازع ال‪ّ G‬ديين‪ ،‬وال‪GG‬ذي‬
‫ميثّل الرقابة الداخليّة ل ‪GG‬دى احل ّك‪GG‬ام؛ ول ‪GG‬ذلك الب ‪ّ G‬د من تقوية الرقابة اخلارجيّ ‪GG‬ة‪ ،‬واليت تتمثّل يف إل ‪GG‬زامهم ب ‪GG‬رأي‬
‫جمرد صورة شكليّة‪.‬‬ ‫شرعا معىن‪ ،‬وال تكون‪ّ G‬‬ ‫املقررة ً‬ ‫األغلبيّة؛ وحىت يكون ملعىن الشورى ّ‬
‫‪ -8‬وبيّنا ك‪GG‬ذلك أ ّن مب‪GG‬دأ األغلبيّة ت ‪ِ G‬رد عليه ض‪GG‬وابط وقي‪GG‬ود‪ ،‬حىت ال تطغى س‪GG‬لطة األغلبيّ‪GG‬ة‪ G،‬وتتج‪GG‬اوز‬
‫صالحياهتا‪ ،‬وكذلك حلماية احلريات‪ ،‬وحفاظًا على السيادة العليا للشرع‪.‬‬

‫ّأما من جهة تميّز المنهاج اإلسالمي( –وامتيازه‪ -‬فإنّنا نستطيع أن نورد ما يأيت‪:‬‬
‫تقارن بالنظام الدميقراطي‪ G،‬فهي نظام شامل كامل مص‪GG‬درها إهلي‪ ،‬تنظّم‬ ‫‪ -1‬إ ّن الشريعة اإلسالميّة ال َ‬
‫خمتلف عالق ‪GG‬ات اإلنس ‪GG‬ان‪ G،‬س ‪GG‬واء مع ربّ ‪GG‬ه‪ ،‬أم مع نفس ‪GG‬ه‪ ،‬أم مع غ ‪GG‬ريه‪ّ ،‬أما الدميقراطية‪ G‬الغربيّة فهي من وضع‬
‫البشر‪ ،‬واجتهاده يف تنظيم شؤونه املتعلّقة بالسياسة واحلكم‪ ،‬وأ ّن هذا ال مينع من وج‪GG‬ود نق‪GG‬اط التق‪GG‬اء بينهما‬
‫يف بعض األمور‪ ،‬اليت تتّفق فيها الفطرات السليمة والعقول الراجحة‪.‬‬
‫ولذلك ميكن وصف دولة اإلسالم‪ G‬أهّن ا ربانيّة املصدر‪ ،‬ونبويّة‪ G‬البناء‪ ،‬وبشريّة املمارسة‪.‬‬
‫‪ -2‬إ ّن اإلس‪GG‬الم قد أق‪Gّ G‬ر التع ّدديّة لكوهنا حقيقة فطريّة وس‪GG‬نّة كونيّ‪GG‬ة؛ ل‪GG‬ذلك نظّم ه‪GG‬ذه الظ‪GG‬اهرة‪ ،‬وأق‪Gّ G‬ر‬
‫حق ‪GG‬وق خمالفي ‪GG‬ه‪ ،‬وكفل حري‪GG G‬اهتم بنص ‪GG‬وص‪ G‬الش ‪GG‬ريعة اليت ال جيوز خمالفته ‪GG‬ا‪ ،‬ومل جيعلها يف يد األغلبيّة أو يد‬
‫احلاكم‪ ،‬كما احلال هو يف األنظمة الدميقراطية؛ ممّا جيعل ه‪GG‬ذه احلق‪GG‬وق واحلري‪G‬ات يف ه‪GG‬ذه األنظمة مه‪ّ G‬ددة –‬
‫باستمرار‪ -‬بتقلّبات آراء األغلبيّة أو مزاج احلاكم‪.‬‬
‫الرغم من أ ّن اإلسالم جيعل أساس املواطنة يف دولته هو العقيدة‪ G‬اإلسالميّة‪G.‬‬ ‫هذا على ّ‬
‫‪-3‬إ ّن األح‪GG G G‬زاب يف نظ‪GG G G‬ام اإلس‪GG G G‬الم هلا أدوار إجيابيّ‪GG G G‬ة‪ ،‬وليست س‪GG G G‬لبيّة فقط تنتهج أس ‪GG G‬لوب املقاومة‪G‬‬
‫السياسيّة‪ ،‬والسعي‪ G‬للوص‪G‬ول إىل الس‪G‬لطة؛ فهي م‪G‬دارس لرتبيّة اجليل أخالقيًا وسياس‪G‬يًا واجتماعيً‪G‬ا‪ ...‬وإع‪G‬داده‬
‫لتحمل رسالة اإلسالم‪ G‬ومواجهة التح ّديات‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪-4‬إ ّن األح ‪GG G G‬زاب اإلس ‪GG G G‬الميّة‪ G‬ختتلف كليّة ‪-‬على عكس ما يعتق ‪GG G G‬ده بعض املتغ ‪Gّ G G G‬ربني‪ -‬عن األح ‪GG G‬زاب‬
‫جتمع‪GG G‬ات ألف‪GG G‬راد هلم‬
‫الدينيّة املوج‪GG G G‬ودة يف الغ‪GG G G‬رب؛ فهي ال تق‪GG G G‬وم على نظري‪GG G G‬ات التف‪GG G G‬ويض‪ G‬اإلهلي‪ ،‬بل هي ّ‬
‫واحلجة والربه‪GG‬ان‪ G،‬ويس‪GG‬عون لتحكيم‬ ‫ّ‬ ‫مش‪GG‬روع رس‪GG‬ايل‪ ،‬جيته‪GG‬دون يف نش‪GG‬ره يف اجملتم‪GG‬ع‪ ،‬بال‪GG‬دعوة إليه باحلسىن‬
‫هذا املشروع عند الوصول إىل السلطة‪.‬‬
‫متاما عن التنفيذ والقض‪GG‬اء‪ ،‬إذ إ ّن ه‪GG‬اتني الس‪GG‬لطتني األخ‪GG‬ريتني‬
‫‪-5‬إ ّن التش‪GG‬ريع يف نظ‪GG‬ام اإلس‪GG‬الم منفصل ً‬
‫تنظيم‪GG‬ا؛ ّأما س ‪GG‬لطة التش ‪GG‬ريع األص ‪GG‬لي فهي هلل‪ ،‬وال يش ‪GG‬اركه فيها أح ‪GG‬د‪ ،‬وأ ّن الس ‪GG‬لطتني‬
‫من اختص ‪GG‬اص البشر ً‬
‫األخريني حتتكمان إليه‪ ،‬وما ميلكه البشر من تشريع‪ ،‬أو ما يس‪Gّ G‬مى يف ه‪GG‬ذه احلالة "االستش‪GG‬راع" أو "التش‪GG‬ريع‬
‫الف‪GG‬رعي" يش‪GG‬رتط فيه أن ال ين‪GG‬اقض ه‪GG‬ذا التش‪GG‬ريع األص‪GG‬لي‪ ،‬وأن يك‪GG‬ون‪ G‬معتم‪Gً G‬دا على مقاص‪GG‬ده‪ ،‬ومس‪GG‬تم ّداً من‬
‫روح ‪GG‬ه؛ ل ‪GG‬ذلك ف ‪GG‬إ ّن س ‪GG‬لطة األغلبيّة‪ G‬يف ه ‪GG‬ذا اجملال ليست مطلق ‪GG‬ة‪ ،‬كما حيدث يف الدميقراطية‪ G‬الغربي ‪GG‬ة‪ ،‬واليت‬
‫ح‪GG‬اولت هي ك‪GG‬ذلك –بإقرارها بعض اآللي‪GG‬ات‪ -‬التقييد من سلطـاهنا؛ وذلك حىت تتجنّب مـا يس‪Gّ G‬مى "أزمة‬
‫يتنـزه عنها‬
‫الدميقراطي ‪GG‬ة"‪ ،‬واليت حتدث عن ‪GG‬دما تق ‪Gّ G‬رر األغلبيّة ما ين ‪GG‬اقض مب ‪GG‬ادئ الدميقراطي ‪GG‬ة‪ G،‬ه ‪GG‬ذه األزمة اليت ّ‬
‫نظام اإلسالم؛‪ G‬ملصدره اإلهلي الذي خيضع ألحكامه اجلميع‪.‬‬
‫نظاما ع ‪GG‬ادالً‪ ،‬فك ‪Gّ G‬ل البشر خيض ‪GG‬عون ملش ‪Gّ G‬رع واح ‪GG‬د‪ ،‬وهو اهلل‪ ‬خ ‪GG‬القهم‬ ‫وه ‪GG‬ذا ما جيعل نظ ‪GG‬ام اإلس ‪GG‬الم ً‬
‫احلكيم اخلب ‪GG G‬ري‪ ،‬العليم مبص ‪GG G‬احل عب ‪GG G‬اده‪ ،‬ممّا جيعل البشر ينق ‪GG G‬ادون ألحكامه طواعيّ ‪GG G‬ة‪ ،‬وليس كما هو احلال يف‬
‫يكون ‪GG‬ون‬
‫األنظمة الدميقراطي‪GG G‬ة‪ ،‬اليت جتعل البشر يش‪Gّ G G‬رعون لغ‪GG G‬ريهم من البش‪GG G‬ر‪ ،‬لك‪GG G‬وهنم يف مركز الق‪Gّ G G‬وة (أي ّ‬
‫أغلبيّة)؛ ممّا قد يكون‪ G‬مدعاة لظلم األقليّات‪ ،‬اليت تنتقم إذا أصبحت بدورها أغلبيّة يف مرحلة أخرى‪.‬‬
‫ص ‪G G‬راع كليّ‪GG G‬ة؛ فهو يق‪Gّ G G‬ر بالتع ّدديّة للتكامل والتع ‪GG‬اون‪ G،‬وليس‬
‫‪ -6‬إ ّن نظ‪GG G‬ام اإلس‪GG G‬الم‪ G‬يس‪GG G‬تبعد فك‪GG G‬رة ال ّ‬
‫للتن ‪GG‬اقض والتض ‪GG‬اد‪ ،‬وأ ّن الس ‪GG‬لطات فيه ال تتص ‪GG‬ارع‪ ،‬بل تتع ‪GG‬اون يف س ‪GG‬بيل جتس ‪GG‬يد أحك ‪GG‬ام اإلس ‪GG‬الم املق ‪Gّ G‬ررة‬
‫بنص‪GG‬وص ال‪GG‬وحي‪ ،‬واالجته‪GG‬اد املبين عليه‪GG‬ا‪ ،‬وال تنظر ك‪Gّ G‬ل س‪GG‬لطة فيه إىل األخ‪GG‬رى بعني الريب‪GG‬ة‪ ،‬حماولة ان‪GG‬تزاع‪G‬‬
‫بعض صالحياهتا أو سلطاهتا‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬اقتراحات وآفاق البحث‬


‫ويف هناية ه‪GG‬ذه اخلامتة‪ ،‬نضع ه‪GG‬ذه االقرتاح‪GG‬ات لالس‪GG‬تفادة منه‪GG‬ا‪ ،‬ولفتح آف‪GG‬اق لبح‪GG‬وث جدي‪GG‬دة مقاربة‬
‫ومعمقة له‪:‬‬
‫هلذا املوضوع‪ّ G،‬‬
‫الساسة واملنظّ‪GG‬رين يف اجملال السياسي والق‪GG‬انوين لالس‪GG‬تفادة من مب‪GG‬ادئ الش‪GG‬ريعة اإلس‪GG‬المية‪G،‬‬
‫‪ -1‬دع‪GG‬وة ّ‬
‫وتنظيما وتطبي ًقا؛ وذلك ملا ثبت من صالحها عقالً وجتربة‪.‬‬‫ً‬ ‫فقها‬
‫ً‬
‫معمقة له أك‪GG‬ثر‪ ،‬وتن‪GG‬اول جزئي‪GG‬ات‬‫مكملة ل‪GG‬ه‪ ،‬أو ّ‬‫‪ -2‬دع‪GG‬وة الب‪GG‬احثني إىل إث‪GG‬راء ه‪GG‬ذا املوض‪GG‬وع ببح‪GG‬وث ّ‬
‫أخ ‪GG‬رى من مب ‪GG‬ادئ الدميقراطي ‪GG‬ة‪ G،‬دراسة وتأص ‪GG‬يالً‪ G،‬إذ إ ّن هن ‪GG‬اك آلي ‪GG‬ات أخ ‪GG‬رى للدميقراطية الغربيّة حتت ‪GG‬اج هلذا‬
‫الن‪GG‬وع‪ G‬من الدراسة والتأص‪GG‬يل‪ ،‬مث‪GG‬ل‪ :‬االنتخاب‪GG‬ات‪ ،‬الدس‪GG‬تور‪ ،‬حكم الش‪GG‬عب‪ ،‬الت‪GG‬داول على الس‪GG‬لطة‪ ،‬وغريها‬
‫من اآلليات األخ‪G‬رى‪ ،‬وذلك لرفع اللّبس عن حقيقة ه‪GG‬ذه اآللي‪GG‬ات‪ ،‬وإعط‪G‬اء ص‪G‬ورة حقيقيّة هلذه املس‪GG‬ائل اليت‬
‫ك ‪GG‬ثر اجلدل حوهلا‪ ،‬ولتعريف املس ‪GG‬لمني مبوقف دينهم من ه ‪GG‬ذه اآللي ‪GG‬ات‪ ،‬وما إذا ك ‪GG‬انت موج ‪GG‬ودة حقيقة يف‬
‫املنهاج اإلسالمي‪ G،‬ولكن متـّت تغطيتها خالل عهود اجلمود وعصور االستبداد‪.‬‬
‫* * * *‬
‫ويبقى يل يف األخري أن أق‪GG G G‬ول إنيّن ال أزعم اس ‪GG G G‬تيفائي املوض ‪GG G G‬وع ح ّق‪GG G G‬ه‪ ،‬بل هو جهد مق ‪Gّ G G‬ل‪ ،‬وعمل‬
‫بشري يكتنفه القصور والنقصان –طاملا أنّه خارج النب ّ‪G‬وة‪ ،-‬إذ الب‪GG‬احث هو إنس‪GG‬ان ن‪G‬اقص‪ ،‬يس‪G‬عى دائم‪G‬اً إىل‬
‫س ّد ذلك النقص‪ G،‬وإن صعُب عليه –أو استحال‪ -‬الوصول إىل الكمال‪.‬‬
‫ويف هذا املقام‪ G‬أتذ ّكر ق‪G‬ول العم‪GG‬اد األص‪G‬فهاين «‪ ‬إيّن رأيت أنّه ال يكتب أحد كتابًا يف يوم‪G‬ه‪ ،‬إالّ ق‪GG‬ال‬
‫يف غ‪GG‬ده‪ :‬لو غُرّي ه‪GG‬ذا لك‪GG‬ان أحس‪GG‬ن‪ ،‬ولو زيد ه‪GG‬ذا لك‪GG‬ان أحسـن‪ ،‬ولو قُ‪ّ G‬دم ه‪GG‬ذا لك‪GG‬ان أفضـل‪ ،‬ولو تُ‪GG‬رك ه‪GG‬ذا‬
‫لكان أمجل‪ ،‬وهذا من أعظم العرب‪ ،‬وهو دليل على استيالء‪ G‬النقص على مجلة البشر‪.» ‬‬
‫إذ املعرفة ال ميكن أن تبلغ درجة الكم ‪GG‬ال‪ ،‬وك ‪Gّ G‬ل ما نس ‪GG‬تطيع الوص ‪GG‬ول إليه هو أن يك ‪GG‬ون‪ G‬النقص فيها‬
‫أقل ما ميكن‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأس ‪GG‬أل اهلل ‪ ‬أن يكـون عرضي هلذه األفكـار بعي ‪Gً G‬دا عن جتانف اإلمث‪ ،‬وخاليًا من املغـاالة يف الق ‪GG‬ول‪،‬‬
‫ريب األجر الواحد من بذل اجلهد وعرض الفكر‪.‬‬ ‫وإالّ فحسيب عند ّ‬
‫ص‪G G G‬الة وال ّس‪G G G‬الم على أش‪GG G‬رف الن‪GG G‬بيّني‬
‫رب الع ‪GG G‬املني‪ ،‬وال ّ‬
‫وآخر كلم ‪GG G‬ايت يف ه ‪GG G‬ذا البحث‪ ،‬أن احلمد هلل ّ‬
‫األم‪GG‬ة‪ ،‬وجاهد‬‫وأدى األمان‪GG‬ة‪ ،‬ونصح ّ‬ ‫واملرس‪GG‬لني س‪GG‬يّدنا حمم‪GG‬د‪ ،‬وعلى آله وص‪GG‬حبه أمجعني‪ ،‬ال‪GG‬ذي بلّغ الرس‪GG‬الة ّ‬
‫حق اجلهاد‪ ،‬وأقام دولة اإلسالم‪G.‬‬ ‫يف اهلل ّ‬
‫هم إينّ أبتغي هبذا العمل وجهك الك‪GG G G‬رمي‪ ،‬وص ‪GG G‬احل اإلس ‪GG G‬الم واملس ‪GG G‬لمني‪ ،‬فتقبّله ميّن ‪ ،‬واكتبـه يل يف‬ ‫اللّ ّ‬
‫ص ‪GG‬حيفيت ي ‪GG‬وم ال‪ّ G G‬دين‪ ،‬واجعل لك ‪Gّ G‬ل من أع ‪GG‬انين علي ‪GG‬ه‪ ،‬وذلّل الص ‪GG‬عاب ألجت ‪GG‬ازه‪ ،‬ولك ‪Gّ G‬ل من أج ‪GG‬ازه‪ ،‬ج ‪GG‬زاء‬
‫هم به ّأمة اإلسالم‪ G‬واملسلمني‪ ،‬آمني‪.‬‬ ‫رب العاملني‪ ،‬وانفع اللّ ّ‬ ‫الصاحلني‪ ،‬يا ّ‬

‫رب العالمين‪‬‬
‫‪‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل ّ‬
‫*‬
‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫أ ّوالً‪ :‬كتب الوحي‬
‫‪ *-1‬القرآن الكريم (برواية( حفص)‬
‫* كتب الحديث الشريف‬

‫‪:‬صحيح البخـاري‪ ،‬مطبعة مصطفىالبـايب احللـيب‬ ‫‪ -2‬البخاري (أبو عبد اهلل)‬


‫وأوالده‪ ،‬مصر‪ 1345 ،‬هـ ‪-‬والنسخة السلطانية‪.‬‬
‫‪:‬السنـن الكـربى‪ ،‬طبعـة دار الفـكـر‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬ ‫‪ -3‬البيهقي (أبو بكر أمحد بن احلسني)‬
‫‪ :‬الس‪G‬نن (س‪G‬نن الرتم‪G‬ذي)‪ ،‬دار إحي‪G‬اء ال‪G‬رتاث الع‪G‬ريب‪ ،‬ب‪G‬ريوت‪،‬‬ ‫‪-4‬الرتمذي (حممد بن عيسى)‬
‫ط‪1415 .‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫ونسخة من حتقيق‪ :‬عبد الرحـمن حممـد عثمـان‪ ،‬دار الفك‪GG‬ر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1983 .‬م‪.‬‬
‫‪:‬املستـدرك‪ ،‬دار الكتـاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪-5‬احلاكم (أبو عبد اهلل النيسابوري)‪G‬‬
‫‪:‬املسنـد‪ ،‬ش‪GG G G G G G‬رح ووضع فهارسه أمحد ش ‪GG G G G‬اكر‪ ،‬طبعة دار‬ ‫‪-6‬ابن حنبل (أمحد)‬
‫املعارف‪ ،‬مصر‪1975 ،‬م‪ -.‬وطبعة دار الفكـر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬صحيـح مسلـم‪ ،‬دار إحيـاء التـراث العـريب‪،‬‬ ‫‪-7‬مسلم (أبو احلسني بن احلجاج)‬
‫بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ - .‬واجلامع الصحيح‪ ،‬طبعة دار الفكر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪:‬كنـز العـمـال يف سـنـن األقـوال واألفـعـال‪،‬‬ ‫‪-8‬اهلندي (عالء ال ّدين)‬


‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1413 .‬هـ ‪1993-‬م‪.‬‬ ‫ّ‬

‫لقد أمهلت يف ترتيب األمساء "ال" التعريف‪ ،‬ولفظ "ابن" و"أبو"‬ ‫*‬
‫ثانياً‪ :‬األ ّمهات‬
‫‪:‬روح املعـاين يف تفسري القـرآن العظيـم والسبـع املثاين‪،‬‬ ‫‪-9‬اآللوسي‪( G‬شهاب ال ّدين)‬
‫إدارة الطباعة املنريية‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪:‬اإلحكام يف أصول األحكـام‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪-10‬اآلمدي (سيف ال ّدين)‬
‫د‪ .‬ط‪1403 ،‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪:‬املفـردات من غريب القـرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد سيّد كيالين‪،‬‬ ‫‪-11‬األصفهاين (الراغب)‬
‫دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪:‬الوصـول إىل علـم األصول‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد احلميد أبو زنيد‪،‬‬ ‫‪-12‬البغدادي (أبو الفتح)‬
‫مكتبة املعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1404 ،1.‬هـ‪1984 -‬م‪.‬‬
‫‪:‬اإلمتـاع واملـؤانسـة‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحـد أمني وأمحـد الزين‪،‬‬ ‫‪-13‬التوحيدي (أبو حيان)‬
‫املكتبة‪ G‬العصرية‪ ،‬بريوت‪-‬صيدا‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مجع وترتيب عبد الرمحن بن حممد احلنبلي‪،‬‬ ‫‪-14‬ابن تيمية (أمحـد)‬
‫اجمللد‪ ،11 :‬دون معلومات النشر‪.‬‬
‫‪:‬منهـاج السـنّـة‪ ،‬املكتبـة العلميّة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫"‬ ‫‪" -15‬‬
‫‪ :‬النهاية يف غريب احلديث و األثر‪ ،‬حتقيق‪ :‬طاهر أمحد الزاوي‬ ‫‪-16‬اجلزري (جمد ال ّدين)‬
‫وحممود الطناحي‪ ،‬دار الفكر للطباعة و النشر والتوزيع‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪:‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬مطبعة اإلمام‪ ،‬مصر‪،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪-17‬ابن حزم (أبو حممد علي)‬
‫‪:‬مـعـجـم البـلـدان‪ ،‬حتقيق‪ :‬فريد عبد العزيز اجلنـدي‪،‬‬ ‫‪-18‬احلموي (ياقوت)‬
‫دار الكتب‪ G‬العلميّة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1410 ،1.‬هـ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪:‬لباب التأويل يف معاين التنـزيل (تفسري اخلازن)‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫‪-19‬اخلازن (عالء ال ّدين)‬
‫د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪:‬املق ّدمة (تاريخ العالّمة ابن خلدون)‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪-‬‬ ‫‪-20‬ابن خلدون (عبد الرمحن)‬
‫مكتبة املدرسة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫حجـة اهلل البالغة‪ ،‬حتقيق ومراجعة‪ :‬السيّد سابق‪ ،‬دار الكتب‪G‬‬ ‫‪-21‬الدهلوي (أمحد بن عبد الرحيم) ‪ّ :‬‬
‫احلديثة‪ ،‬القاهرة –مطبعة املثىن ببغداد‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ص ‪G G G‬حاح‪ ،‬دار الكتب‪ G‬العلمي‪GG G G‬ة‪ ،‬ب‪GG G G‬ريوت‪،‬ط‪1،1415‬هـ‪-‬‬
‫‪:‬خمت‪GG G G‬ار ال ّ‬ ‫‪-22‬ال‪Gّ G G G‬رازي (حممد بن أيب بك‪GG G G‬ر)‬
‫‪1994‬م‬
‫‪-23‬الرازي (حممد فخر الدين) ‪:‬التفسري الكبـري ومفاتيـح الغيب (تفسـري الفخـر الرازي)‪،‬‬
‫ط‪1985 ،3 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬احملصـول يف علم أصـول الفقه‪ ،‬حتقيق‪ :‬طه جابر العلواين‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -24‬‬
‫مطبوعات جامعـة اإلمـام حممـد بن سـعـود‪ ،‬ط‪،1.‬‬
‫‪ 1400‬هـ ‪1980 -‬م‪.‬‬
‫نصار‪،‬‬
‫‪-25‬الزبيدي (السيّد حممد مرتضى) ‪:‬تاج العـروس من جـواهر القامـوس‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسني ّ‬
‫مطبعة حكومة الكويت‪ G،‬د‪.‬ط‪1394 ،‬هـ‪1974 -‬م‪.‬‬
‫‪:‬معجـم مقـاييس اللّـغـة‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السـالم هارون‪،‬‬ ‫‪-26‬زكريا (أبو احلسني)‬
‫دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ـشاف عـن حقـائق غوامـض التنـزيـل وعيـون‪G‬‬ ‫‪:‬الك ّ‬ ‫‪-27‬الزخمشري (حممد بن عمر)‬
‫الكشـاف)‪،‬‬
‫األقـاويـل يف وجـوه التأويـل (تفسـري ّ‬
‫مطبعة مصطفى حممد‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1354 ،1 .‬هـ‪.‬‬
‫‪:‬الطـبقـات الكـربى‪ ،‬حتقـيق‪ :‬حممـد عبد القادر عطا‪،‬‬ ‫‪-28‬ابن سعد (حممد بن سعد)‬
‫دار الكتب‪ G‬العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1401 ،1.‬هـ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫ـدر املنثـور يف التـفسـري باملـأثـور‪ ،‬دار املعـرفة‪،‬‬
‫‪:‬ال ّ‬ ‫‪-29‬السيوطي (جالل ال ّدين)‬
‫بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪:‬املـوافقـات يف أصـول الشريعة‪ ،‬مطبعة مصطفى حممد‪،‬‬ ‫‪-30‬الشاطيب (أبو إسحاق)‬
‫مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬فتح القدير اجلامع بني فيّن الرواية والدراية من علم التفسري‪،‬‬ ‫‪-31‬الشوكاين (حممد بن علي)‬
‫دار الكتب‪ G‬العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1.‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪:‬تاريخ األمم وامللوك (تاريخ الطـربي)‪ ،‬دار الكتب‪ G‬العلمية‪،‬‬ ‫‪-32‬الطربي (حممد بن جرير)‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1408 ،1.‬هـ‪1988-‬م‪.‬‬
‫‪:‬جـامـع البيـان يف تفسري القـرآن‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -33‬‬
‫ط‪1403 ،1.‬هـ‪1983-‬م‪.‬‬
‫‪:‬التمهيـد ملـا يف املوطـأ‪ G‬من املعـاين واألسانيد‪ ،‬حتقيق‪:‬‬ ‫‪-34‬ابن عبد الرب (أبو عمر)‬
‫سعيد أمحد أعراب‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪1407 ،‬هـ‪1987-‬م‪.‬‬
‫‪:‬قـواعـد األحكـام يف مـصـاحل األنـام‪ ،‬دار املعرفة‪،‬‬ ‫(عز ال ّدين)‬
‫‪-35‬ابن عبد السالم ّ‬
‫بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪:‬أحكـام القـرآن‪،‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪1331،‬هـ‪.‬‬ ‫‪-36‬ابن العريب (أبو بكر)‬
‫‪:‬هتـذيب التهـذيب‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‬ ‫‪-37‬العسقالين (ابن حجر)‬
‫ط‪1404 ،1.‬هـ‪1984-‬م‪.‬‬
‫‪:‬فتـح البـاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد العزيز‬ ‫"‬ ‫‪" -38‬‬
‫بن باز‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪:‬املستصـفى‪ G‬من علم األصـول‪ ،‬املطبعة‪ G‬األمريية‪ ،‬مصـر‪،‬‬ ‫‪-39‬الغزايل (أبو حامد)‬
‫ط‪1322 ،1.‬هـ‪.‬‬
‫‪:‬األحـكـام السلطـانيـة‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حامـد الفقي‪G،‬‬ ‫‪-‬الفراء (أبو يعلى)‬
‫‪ّ 40‬‬
‫دار الكتب‪ G‬العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪1403 ،‬هـ‪1983-‬م‪.‬‬
‫املذهب‪ G‬يف معرفة أعيـان املذهب‪ G،‬دار الكتب‪G‬‬ ‫‪:‬الديبـاج ّ‬ ‫‪-41‬ابن فرحون (برهان ال ّدين)‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬القامـوس احمليـط‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪-42‬الفريوز أبادي (جمد ال ّدين)‬
‫‪:‬اإلمامـة والسياسـة‪ ،‬حتقيق‪ :‬طه حممد الزيين‪ ،‬دار املعرفة‬ ‫‪-43‬ابن قتيبة (أبو حممد عبد اهلل)‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬الفـروق‪ ،‬دار إحيـاء الكتب‪ G‬العـربيّة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1.‬‬ ‫‪-44‬القرايف (شهاب ال ّدين)‬
‫‪1344‬هـ‪.‬‬
‫‪-45‬القرطيب (أبو عبد اهلل األنصاري) ‪:‬اجلامـع ألحكام القرآن‪ ،‬دار الكتاب العريب للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1967 ،‬م‬
‫الذمة‪ ،‬حتقيق‪ :‬صبحي صاحل‪ ،‬دار العلم للماليني‪،‬‬ ‫‪-46‬ابن قيّم اجلوزيّة (مشس ال ّدين) ‪:‬أحكـام أهل ّ‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1983 ،3.‬م‪.‬‬
‫رب العاملني‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية‪،‬‬
‫‪:‬أعـالم املوقعـني عن ّ‬ ‫"‬ ‫‪" -47‬‬
‫مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬زاد املعـاد يف هدي خري العباد‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -48‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬الطرق احلـكميّة يف السياسـة الشرعيّة‪ ،‬مراجعة وتصحيح‪:‬‬ ‫"‬ ‫‪" -49‬‬
‫املؤسسة‪ G‬العربيّة للطباعة والنشر‬
‫أمحد عبد احلليم العسكري‪ّ ،‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪1380 ،‬هـ ‪1961 -‬م‪.‬‬
‫الصنائـع يف ترتيب الشرائـع‪ ،‬دار الكتاب العريب‪،‬‬
‫‪:‬بدائـع ّ‬ ‫‪-50‬الكاساين (عالء ال ّدين)‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1402 ،2.‬هـ – ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪:‬البدايـة والنهاية‪ ،‬طبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪-51‬ابن كثري (أبو الفداء)‬
‫بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ .‬وطبعة‪ G‬دار الفكر العريب‪ ،‬ط‪1387 ،2.‬هـ‪.‬‬
‫‪:‬تفسري القـرآن العظيـم‪ ،‬دار األندلس‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫"‬ ‫‪" -52‬‬
‫‪ :‬السرية النبوية‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى عبد الواحد‪ ،‬دار الرائد العريب‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" - 53‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1407 ،3.‬هـ ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫مؤسسة‬
‫‪ :‬الكليّـات –معجم يف املصطلحات والفروق اللّغوية‪ّ -‬‬ ‫‪-54‬الكفوي‪( G‬أبو البقاء)‬
‫الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1993 ،2.‬م‪.‬‬
‫‪:‬األحكـام السلطانية والواليات الدينية‪ G،‬دار الكتاب العريب‪،‬‬ ‫‪-55‬املاوردي (أبو احلسني)‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1410 ،1.‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪:‬لسـان الـعـرب‪ ،‬دار املعـارف‪ ،‬مصـر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪-56‬ابن منظور (مجال ال ّدين)‬
‫‪-57‬النووي‪( G‬أبو زكريا حمي ال ّدين) ‪ :‬شـرح صحيح مسلم‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪1403 ،‬هـ‪1983-‬م‪.‬‬

‫النيب ‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬د‪.‬م‪،‬‬


‫‪-58‬ابن هشام (أبو حممد عبد املالك) ‪ :‬سرية ّ‬
‫‪ 1401‬هـ ‪1981-‬م‪.‬‬
‫وطبعة‪ G‬مكتبة الكـليـات األزهـرية‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪-59‬أبو يوسف (يعقوب بن إبراهيم) ‪:‬اخلـراج‪ ،‬دار الـمعـرفـة‪ ،‬بـريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪1302 ،‬هـ‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الكتب الحديثة‬


‫(جبور)‪:‬املنهـل (قاموس فرنسي‪-‬عريب)‪ ،‬دار اآلداب –دار العلم‬
‫‪-60‬إدريس (سهيل) وعبد النور ّ‬
‫للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1987 ،9.‬م‪.‬‬
‫‪:‬سلسلة األحـاديث الضعيفـة واملوضوعـة وأثرها السيّئ‪G‬‬ ‫‪-61‬األلباين (حممد ناصر ال ّدين)‬
‫األمة‪ ،‬منشـورات املكتب اإلسالمـي‪ G،‬دمشق‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫يف ّ‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪:‬ضعيف أيب داود‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ 1419 ،1.‬هـ‬ ‫"‬ ‫‪" -62‬‬
‫‪ 1998‬م‪.‬‬
‫‪:‬ضعيف سنن ابن ماجة‪ ،‬املكتب‪ G‬اإلسالمي‪ G،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1.‬‬ ‫"‬ ‫‪" -63‬‬
‫‪ 1408‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪:‬الشورى وأثرها يف الدميقراطية (دراسة مقارنة)‪ ،‬منشورات‬ ‫‪-64‬األنصاري (عبد احلميد)‬
‫املكتبة العصرية‪ ،‬صيدا –بريوت‪ -‬ط‪ ،3.‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬املعجـم الوسيـط‪ ،‬دار الفـكـر‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬ط‪ ،2.‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪-65‬أنيس (إبراهيم)‬
‫‪:‬يف أصـول الفكر السياسي‪ G‬والنظريات واملذاهب السياسية‪G‬‬ ‫‪-66‬بدوي (ثروت)‬
‫الكربى‪ ،‬دار النهضة العربيّة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪1967 ،‬م‪.‬‬
‫‪:‬النظم السياسية‪ G،‬دار النهضة‪ G‬العربيّة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪1972 ،‬م‪.‬‬ ‫"‬ ‫‪" -67‬‬
‫‪:‬النظم السياسية‪( G‬أسس التنظيم السياسي)‪ G،‬منشأة املعارف‪،‬‬ ‫‪-68‬بسيوين (عبد الغين)‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪:‬موسوعة املورد‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1981 ،1.‬م‪.‬‬ ‫‪-69‬البعلبكي (منري)‬
‫‪:‬موسـوعة املورد العربيّة‪،‬دار العلم للماليني‪،‬بريوت‪1990،‬م‪.‬‬ ‫"‬ ‫‪" -70‬‬
‫‪:‬الوسيط يف النظم السياسية‪ G،‬دار الفكر العريب‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،2 .‬‬ ‫‪ -71‬البنّا (حممود عاطف)‬
‫‪ 1414‬هـ‪ 1994-‬م‪.‬‬
‫‪:‬النظـم السياسية‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة اإلسكندرية‪ G،‬د‪ .‬ط‪،‬‬ ‫‪ -72‬ثابت (عادل)‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫‪:‬نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي‪ G،‬مكتبة القاهرة‬ ‫‪ -73‬اجلرف (طعيمة)‬
‫احلديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1 .‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪:‬الدميقراطية عند العرب‪ ،‬دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪ -74‬ح ّداد (إبراهيم)‬
‫بريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،.‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫التصور اإلسالمي‪ G،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫‪:‬املذاهب واألفكار املعاصرة يف ّ‬ ‫‪ -75‬احلسن (حممد)‬
‫الدوحة (قطر)‪ ،‬ط‪1986 ،1 .‬م‪.‬‬

‫‪ :‬حريّة االعتقاد يف القرآن الكرمي‪ ،‬املركز الثقايف‪ ،‬ط‪ ،2.‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ -76‬حللي(عبد الرمحن)‬
‫األمة‪،‬‬
‫‪ :‬املمارسة الدميقراطية‪ G‬للسلطة بني النظرية والواقع‪ ،‬دار ّ‬ ‫‪-77‬ابن محودة (بوعالم)‬
‫اجلزائر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪:‬الدولة يف ميـزان الشريعة (النظم السياسية)‪ G،‬دار املطبوعات‪G‬‬ ‫‪ -78‬احللو (ماجد راغب)‬
‫اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ G،‬د‪ .‬ط‪1996 ،‬م‬
‫‪ :‬القانون الدستوري‪ ،‬دار املطبوعات‪ G‬اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪-79‬‬
‫د‪ .‬ط‪ 1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬تط ّـور النظـريات واألنظمة السياسية‪ G،‬املؤسّسة الوطنية‬ ‫(عمار)‬
‫‪ -80‬بوحوش ّ‬
‫للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪1984 ،2 .‬م‪.‬‬
‫مؤسسة اإلسراء للنشر‬‫‪ :‬قواعـد نظام احلكـم يف اإلسالم‪ّ ،‬‬ ‫‪ -81‬اخلالدي (حممود)‬
‫والتوزيع‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬ط‪1411 ،1.‬هـ‪1991-‬م‪.‬‬
‫‪ :‬نظـام الشـورى يف اإلسالم ونظم الدميقراطية املعاصرة‪،‬‬ ‫‪ -82‬اخلطيب (زكريا)‬
‫مطبعة السعادة‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الوسيط يف النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬مكتبة دار‬ ‫‪ -83‬اخلطيب (نعمان أمحد)‬
‫عمان (األردن)‪ ،‬ط‪ 1999 ،1 .‬م‪.‬‬ ‫الثقافة للنشر والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫‪ :‬السلطـات الثالث يف اإلسالم –التشريع‪ .‬القضاء‪ .‬التنفيذ‪-‬‬ ‫خالف (عبد الوهاب)‬
‫‪ّ -84‬‬
‫دار القلم‪ ،‬الكويت‪ G،‬ط‪ 1405 ،2 .‬هـ ‪ 1985 -‬م‪.‬‬
‫‪:‬علم أصـول الفقه‪ ،‬الزهراء للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪،2 .‬‬ ‫"‬ ‫‪" -85‬‬
‫‪ 1993‬م‪.‬‬
‫‪ :‬النظـام السياسـي يف اإلسالم‪ G،‬دار السالم للطباعة والنشر‬ ‫‪ -86‬اخليّاط (عبد العزيز)‬
‫والتوزيع والرتمجة‪ ،‬القـاهرة‪ ،‬ط‪1420 ،1 .‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫ممهدة لدراسة تاريخ األديان‪ ،-‬دار القلم‬‫‪ :‬الـ ّديـن –حبوث ّ‬ ‫(حممد عبد اهلل)‬
‫دراز ّ‬
‫‪ّ -87‬‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت‪ G،‬د‪.‬ط‪ 1410 ،‬هـ‪ 1990 -‬م‪.‬‬
‫‪:‬الدستور القرآين يف شؤون احلياة‪ ،‬دار إحياء الكتب العربيّة‪،‬‬ ‫عزة)‬
‫(حممد ّ‬
‫‪ -88‬دروزة ّ‬
‫د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1376 ،‬هـ‪ 1956-‬م‪.‬‬
‫مؤسسة‬‫‪ :‬خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكم‪ّ ،‬‬ ‫‪ – 89‬الدريين (فتحي)‬
‫الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1407 ،2 .‬هـ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬نظم احلكم املعاصرة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ -90‬أبو راس (حممد الشافعي)‬
‫‪ :‬آراء يف الصحـوة اإلسالميـة وموقـف اإلسـالم من‬ ‫‪ -91‬ربيع (حممد حممود)‬
‫اإليديولوجيـات املعاصرة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫‪ 1405‬هـ‪ 1985 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الدميقـراطيـة بني الفكـر الفردي والفكر االشرتاكي‪،‬‬ ‫‪ -92‬رسالن (أنور أمحد)‬
‫دار النهضة‪ G‬العربيّة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ 1971 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪ -93‬رضا (حممد رشيد)‬
‫ط‪ ،2.‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬الفكر اإلسالمي‪ G‬املعاصـر‪ ،‬حوار مع‪ :‬األمني (السيّد حممد‬ ‫‪ -94‬الرفاعي (عبد احلميد)‬
‫حسن)‪ ،‬دار الفكر املعاصر‪ -‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ -‬دمشق‪،‬‬
‫ط‪ 1421 ،1 .‬هـ ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪:‬النظريات السياسية‪ G‬اإلسالمية‪ G،‬مكتبة دار الرتاث‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪ -95‬الريس (حممد ضياء ال ّدين)‬
‫ط‪ ،7.‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬نظرية التقريب والتغليب‪ G‬وتطبيقها يف العلوم اإلسـالمية‪،‬‬ ‫‪ -96‬الريسوين (أمحد)‬
‫دار الكلمة للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ 1997 ،1 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬أصـول الفقـه اإلسـالمي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬اجلزائر –دمشق‪،‬‬ ‫‪ -97‬الزحيلي (وهبة)‬
‫ط‪ 1407 ،1 .‬هـ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ :‬ح ّـق احلـريّة يف اإلسـالم‪ ،‬دار الفكـر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪،1 .‬‬ ‫"‬ ‫‪" -98‬‬
‫‪ 1421‬هـ ‪ 2000 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬األعـالم‪ ،‬دار العلـم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1980 ،5 .‬م‪.‬‬ ‫‪ -99‬الزركلي (خري ال ّدين)‬
‫‪:‬أصـول الفقـه‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ -100‬أبو زهرة (حممد)‬
‫‪ :‬تاريـخ املـذاهب اإلسالمية يف السياسة والعقائد وتاريخ‬ ‫"‬ ‫‪" -101‬‬
‫املذاهب‪ G‬الفقهية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪:‬أصـول الدعـوة‪ ،‬قصـر الكتـاب‪ ،‬البليدة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ -102‬زيدان (عبد الكرمي)‬
‫‪ :‬موجـز األديـان يف القـرآن الكرمي‪ ،‬مؤسسة الرسالـة‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -103‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪ 1418 ،1 .‬هـ ‪ 1998-‬م‪.‬‬
‫‪ :‬معجم اللغات (إجنليزي‪-‬فرنسي‪-‬عريب)‪ ،‬دار السابق للنشر‪،‬‬ ‫السابق (جروان)‪G‬‬
‫‪ّ -104‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1974 ،1 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬اإليديولـوجيـا –حنو نظرة تكاملية‪ -‬املركز الثقايف العريب‪،‬‬ ‫‪ -105‬سبيال (حممد)‬
‫بريوت –الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،1 .‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬السلطـة واحلـريّة يف النظـام اإلسالمي‪( G‬دراسة مقارنة)‪،‬‬ ‫‪ -106‬سعيد (صبحي عبده)‬
‫دار الفكر العـريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬أزمة احلـريّة السيـاسية يف الوطن العريب‪ ،‬الزهـراء لإلعالم‪G‬‬ ‫‪ -107‬مسيع (صاحل حسن)‬
‫العريب‪ ،‬د‪ .‬م‪ ،‬ط‪ 1409 ،1 .‬هـ‪ 1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ -108‬السنهوري (عبد الرزاق أمحد)‪ :‬فقـه اخلـالفة وتط ّـورها لتصبـح عصبـة أمـم شرقيّة‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬توفيق حممد الشاوي ونادية عبد الرزاق السنهوري‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1422 ،1 .‬هـ‪2001 -‬م‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪ :‬فقه الشـورى واالستشـارة‪ ،‬دار الوفـاء للطباعة والنشر‬ ‫‪ -109‬الشاوي (توفيق)‬


‫والتوزيع‪ ،‬مصـر‪ ،‬ط‪ 1413 ،2 .‬هـ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫واملؤسسات‪ G‬السياسية املقارنة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ :‬الوجيز يف القانون‪ G‬الدستوري‬ ‫‪ -110‬شريط (األمني)‬
‫ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪ .‬ط‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫املؤسسة‪ G‬الوطنية‪G‬‬
‫‪ :‬القانون‪ G‬الدستوري والنظم السياسية املقارنة‪ّ ،‬‬ ‫‪ -111‬بوشعري (سعيد)‬
‫للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ ،2 .‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬اإلسـالم عقيدة وشريعة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ -‬بريوت‪،‬‬ ‫‪ -112‬شلتوت (حممود)‬
‫ط‪ 1992 ،16 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬أضواء البيان‪ G‬يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪ -113‬الشنقيطي (حممد األمني)‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪ 1417 ،1 .‬هـ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ -114‬أبو شهيوة (مالك عبيد)‬
‫وخلف (حممود حممد)‬
‫وخشيم (مصطفى عبد اهلل) ‪ :‬األيديولوجيـا والسياسـة‪ ،‬الدار اجلماهريية للنشر والتوزيع‬
‫واإلعالن‪ G،‬طرابلس‪ ،‬ط‪1993 ،1 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬النظـم السيـاسية والقانـون الدستوري‪ ،‬د‪.‬ن‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪ -115‬شيحا (إبراهيم)‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ :‬املنجـد يف اللّغة واألدب والعلوم‪ ،‬املطبعة‪ G‬الكاثوليكية‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪ -116‬شيخو (لويس)‬
‫د‪ .‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الصاوي (صالح ال ّدين) ‪ :‬التع ّدديّة السيـاسية يف الدولـة اإلسالميـة‪ ،‬دار اإلعالم الدويل‪،‬‬‫‪ّ -117‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪ 1414 ،2 .‬هـ ‪ 1993‬م‪.‬‬

‫‪ -118‬الصباحي (حيي السيّد) ‪ :‬النظـام الرئاسـي األمـريكي واخلالفة اإلسالمية‪ ،‬دار الفكـر‬
‫العـريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 1413 ،1 .‬هـ‪ 1993 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬علـم السيـاسـة‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1985 ،8 .‬م‪.‬‬ ‫‪ -119‬صعب (حسن)‬
‫‪ -120‬الصعيدي (عبد املتعال) ‪ :‬حريّة الفكر يف اإلسالم‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،2 .‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫التنوع‪ G‬والتعايش‪ ،‬دار الصفوة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1418 ،1 .‬هـ‪ 1997 -‬م‪.‬‬ ‫‪ّ :‬‬ ‫‪ -121‬الصفار (حسن)‬
‫واملؤسسات السياسيّة‪G،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ :‬املرجـع يف القـانون الدستوري‬ ‫‪ -122‬أبو طالب (عبد اهلادي)‬
‫دار الكتاب‪ ،‬الدار البيضـاء‪ ،‬د‪ .‬ط‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -123‬الطباطبائي‪( G‬السيد حممد حسني)‪ :‬املـيـزان يف تفـسـري القـرآن‪ ،‬مؤسـسة األعلمـي‬
‫للمطبوعـات‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1411 ،1 .‬هـ‪ 1991 -‬م‪.‬‬
‫‪:‬السلطـات الثـالث يف الدساتري العربيّة املعاصرة ويف الفكر‬ ‫‪ -124‬الطماوي (سليمان حممد)‬
‫اإلسالمـي‪ ،‬دار الفكر العـريب‪ ،‬مصـر‪ ،‬ط‪1996 ،6 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬عمـر بن اخلطـاب و أصـول السياسة و اإلدارة احلديثة‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -125‬‬
‫دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1976 ،2.‬م‪.‬‬
‫‪ :‬النظـم السياسيـة والقانون‪ G‬الدستوري‪( ،‬دراسة مقارنة)‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -126‬‬
‫دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬تفسـري التحـرير والتنوير‪ ،‬الدار التونسية‪ G‬للنشر‪ ،‬تونس‪،‬‬ ‫‪ -127‬ابن عاشور (حممد الطاهر)‬
‫د‪.‬ط‪ 1984 ،‬م‪.‬‬
‫ظل نظام احلكـم اإلسـالمي‪ ،‬دار القلم‪،‬‬ ‫‪ :‬الشـورى يف ّ‬ ‫‪ -128‬عبد اخلالق (عبد الرمحن)‬
‫الكويت‪ G،‬د‪.‬ط‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬األعمال الكاملة‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬حممد عمارة‪ ،‬طبعة القاهرة‪،‬‬ ‫‪ -129‬عبده (حممد)‬
‫‪ 1993‬م‪.‬‬
‫‪ -130‬عبد الوهاب (حممد رفعت) ‪ :‬النظـم السياسيـة‪ ،‬دار املطبوعات‪ G‬اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬العقيدة‪ G‬اإلسالمية‪ G‬واإليديولوجيات املعاصـرة‪ ،‬دار الفكـر‬ ‫‪ -131‬عبود (عبد الغين)‬
‫العـريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1976 ،1 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الشـورى يف ضوء القرآن والسنّة‪ ،‬دار البحوث للدراسات‬ ‫‪ -132‬عرت (حسن)‬
‫اإلسالمية‪ G‬وإحياء الرتاث‪ ،‬ديب (اإلمارات)‪ ،‬ط‪ 1422 ،1.‬هـ‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الـنـظـم السيـاسـيـة‪ ،‬د‪.‬ن‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬ط‪ 1992 ،5.‬م‪.‬‬ ‫‪ -133‬عجيلة (عاصم أمحد)‬
‫‪ :‬املنجد يف األعالم‪ G،‬دار املشرق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1991 ،17 .‬م‪.‬‬ ‫‪ -134‬عجيل (لويس) وآخرون‬
‫‪ :‬املوسـوعة‪ G‬يف مساحـة اإلسـالم‪ ،‬الدار السعودية للنشر‬ ‫‪ -135‬عرجون (حممد الصادق)‬
‫والتوزيـع‪ ،‬ط‪ 1984 ،2 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬مفهـوم اإليديولوجيا‪ G،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪-‬‬ ‫‪ -136‬العروي (عبد اهلل)‬
‫بريوت‪ -‬ط‪1999 ،6 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الديكتاتورية االستبدادية‪ G‬والدميقراطية‪ G‬والعامل الثالث‪ G،‬املركز‬ ‫‪ -137‬العزي (سومي)‬
‫الثقايف العريب‪ ،‬بريوت –الدار البيضـاء‪ ،‬ط‪1987 ،1 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬املبادئ األساسية يف القانون الدستوري والنظم السياسية‪G،‬‬ ‫‪ -138‬عصفور (سعد)‬
‫منشأة املعارف‪ ,‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬احلرية بني الفكرين الدميقراطي‪ G‬واالشرتاكي‪ G،‬املطبعة العاملية‪G،‬‬ ‫‪ -139‬عصفور (حممد)‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1961 ،1.‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الدميقراطية يف اإلسالم‪ G،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،6.‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ -140‬الع ّقاد (عباس حممود)‬
‫والتنوع‪ G‬يف إطار الوحدة‪-‬‬
‫‪ :‬اإلسـالم والتع ّدديّة‪-‬االختالف ّ‬ ‫‪ -141‬عمارة (حممد)‬
‫دار الرشاد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 1418 ،1.‬هـ‪ 1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬اإلسـالم وحقـوق اإلنسـان –ضرورات‪..‬ال حقوق‪-‬‬ ‫"‬ ‫‪" -142‬‬
‫دار الشروق‪ ،‬بريوت‪ -‬القاهرة‪ ،‬ط‪1989 ،1 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬هل اإلسالم هو احلل؟ ملاذا وكيف؟‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪-‬‬ ‫"‬ ‫‪" -143‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪ 1415 ،1.‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬يف النظام السياسي‪ G‬للدولة اإلسالمية‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪-‬‬ ‫‪ -144‬العوا (حممد سليم)‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1989 ،1 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬اإلسالم وأوضاعنا السياسية‪ G،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪-145‬عودة (عبد القادر)‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫مؤسسة‬ ‫‪:‬التشريع اجلنائي اإلسالمي مقارنًا بالقانون الوضعي‪ّ G،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -146‬‬
‫الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1405 ،6.‬هـ‪1985-‬م‪.‬‬
‫‪ :‬حكـم املعارضة وإقامة األحـزاب السياسية يف اإلسـالم‪،‬‬ ‫‪ -147‬العوضي (أمحد)‬
‫دار النفائ‪G‬ـس‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪1412 ،1 .‬هـ‪ 1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬القـانون الدستـوري والنظـم السياسية‪ ،‬املؤسسة اجلامعية‬ ‫‪ -148‬الغزال (إمساعيل)‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1989 ،4.‬م‪.‬‬
‫‪ :‬اإلسـالم واالستبداد السياسي‪ ،‬دار الكتب احلديثة‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪ -149‬الغزايل (حممد)‬
‫د‪.‬ط‪1961 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬احلـريات العامة يف اإلسالم‪ G‬مع املقارنة باملبادئ الدستورية‬ ‫‪ -150‬غزوي (حممد سليم)‬
‫الغربيّة واملـاركسيّة‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة‪ ،‬اإلسكندرية‪G،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬نظـرات حـول الدميقراطية‪ ،‬دار وائل للطباعة والنشر‪،‬‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪-151‬‬
‫عمان‪ ،‬ط‪2000 ،1.‬م‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪ :‬السلطـة التشريعيـة يف نظـام احلكم اإلسالمي والنظم‬ ‫‪ -152‬غمق (ضو مفتاح حممد)‬
‫املعاصـرة‪ ،‬منشورات (‪ ،)E L G A‬مالطا‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الـحريات العامة يف الدولة اإلسالمية‪ G،‬مركز دراسات‬ ‫‪ -153‬الغنوشي‪( G‬راشد)‬
‫الوحدة العربيّة‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬الشـورى وقضايا االجتهاد اجلماعي‪ ،‬شركة الشهاب‬ ‫‪ -154‬أبو فارس(حممد عبد القادر)‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬تط ّـور اإليديولوجيّة العربيّة الثوريـة (الفكر القومي)‪،‬‬ ‫‪ -155‬فرح (إلياس)‬
‫املؤسسـة العـربيّة للـدراسـات والنشـر‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ّ‬
‫ط‪ 1979 ،7 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬األديـان املعاصـرة‪ ،‬دار الكتب‪ G‬الوطنية‪ G،‬ليبيا‪ ،‬ط‪،2 .‬‬ ‫‪ -156‬الفرحان (راشد)‬
‫‪ 1406‬هـ‪ 1985 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬احلـرية السيـاسية يف اإلسـالم‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪G،‬‬ ‫‪ -157‬الفنجري (أمحد شوقي)‬
‫ط‪ -1403 ،2.‬هـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الـربملـان –دراسـة مقارنة حتليلية لربملانات العامل –‬ ‫‪ -158‬فوزي (صالح ال ّدين)‬
‫دار النهضة‪ G‬العربيّة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪1994 ،‬م‪.‬‬

‫‪ :‬نظـام احلكـم يف الشـريعة والتـاريخ اإلسـالمي‪G‬‬ ‫‪ -159‬القامسي (ظافر)‬


‫‪-‬احليـاة الدستـوريـة‪ -‬دار النفائس‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،3.‬‬
‫‪1400‬هـ‪1980 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬املصطلحـات القـانونية‪ G،‬قصر الكتاب‪ ،‬البليدة‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪ -160‬القرام (ابتسام)‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ :‬أين اخلـلل؟‪ ،‬مكتبة رحاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ 1406 ، 2.‬هـ‪-‬‬ ‫‪ -161‬القرضاوي (يوسف)‬
‫‪ 1986‬م‪.‬‬
‫‪ :‬السياسة الشرعية يف ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -162‬‬
‫مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 1419 ،1 .‬هـ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬غري املسلمني يف اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬دار الشهاب‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -163‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ :‬من فقه الدولة يف اإلسالم‪ ،‬دار الشروق القاهرة‪ -‬بريوت‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -164‬‬
‫ط‪ 1419 ،2.‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫‪ :‬تع ّدد األديان وأنظمة احلكم‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪ -165‬قرم (جورج)‬
‫ط‪ 1998 ،3 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬يف ظالل القرآن‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬بريوت –القاهرة‪ ،‬ط‪،12.‬‬ ‫‪ -166‬قطب (سيّد)‬
‫‪ 1406‬هـ‪ 1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ -167‬القفاري (ناصر)‬
‫‪ :‬املوجز يف األديان واملذاهب املعاصرة‪ ،‬دار الصميعي للنشر‬ ‫والعقل (ناصر)‬
‫والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ 1413 ،1 .‬هـ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬املعارضة يف اإلسالم‪ G-‬بني النظرية والتطبيق – ‪ ،‬دار اجلالء‪،‬‬ ‫‪ -168‬قميحة (جابر)‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1988 ،1 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬األحـزاب السياسية‪ G‬يف العامل املعـاصر‪ ،‬دار الفكر العريب‪،‬‬ ‫‪-169‬كامل (نبيلة عبد احلليم)‬
‫د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪ -170‬الكيايل (عبد الوهاب) وآخرون ‪ :‬موسـوعة السياسـة‪ ،‬املؤسسة العربيّة للدراسات والنشر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1990 ،3.‬م‪.‬‬
‫‪ :‬النظـم السياسيـة (الدولة واحلكومة)‪ ،‬دار النهضة العربيّة‪،‬‬ ‫‪ -171‬ليلة (حممد كامل)‬
‫بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1969 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬التحـ ّدي الدميقراطي‪ G،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ -172‬مارشيه (جورج)‬
‫‪ :‬القانون الدستـوري واألنظمـة السياسية‪ G،‬منشأة املعارف‪،‬‬ ‫‪-173‬متويل (عبد احلميد)‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬ط‪1974 ،5 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬مبادئ نظام احلكم يف اإلسالم‪ G،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -174‬‬
‫د‪.‬ط‪ 1974 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬مبـدأ الشـورى يف اإلسـالم‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،2.‬‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪-175‬‬
‫‪ 1972‬م‪.‬‬
‫‪ :‬النظم السياسية‪ G‬واحلـريات العامة‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة‪،‬‬ ‫‪ -176‬املتيت‪( G‬أبو يزيد)‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬ط‪1989 ،4 .‬م‪.‬‬
‫احملمدية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ :‬املدخل لدراسة األديان‪ ،‬دار املطبوعات ّ‬ ‫‪ -177‬املسري (حممد سيّد)‬
‫ط‪ 1415 ،1.‬هـ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬األحـزاب‪ ،‬مركـز الدراسـات السياسية واالسرتاتيجية‬ ‫‪-178‬مصطفى (هالة)‬
‫باألهرام‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬أركـان وضمانات احلكـم اإلسـالمي‪ G،‬مؤسسة الريّان‬ ‫‪ -179‬مفيت (حممد أمحد)‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1417 ،1.‬هـ ‪ 1996‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الوحـدة والتع ّدديّة واحلوار يف اخلطاب اإلسالمي‪ G‬املعاصر‪،‬‬ ‫‪ -180‬امليالد (زكي)‬
‫دار الصفوة‪ G،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1415 ،1 .‬هـ‪ 1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الشـورى ال الدميقـراطية‪ G،‬دار الشهاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪،2.‬‬ ‫‪ -181‬النحوي (عدنان)‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ :‬يف النظـريات والنظـم السيـاسية‪ ،‬دار النهضة‪ G‬العربيّة‪،‬‬ ‫املعز)‬
‫‪ -182‬نصر (حممد عبد ّ‬
‫بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1973 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬األحـزاب السيـاسـيـة‪ ،‬مطابع التعليم العايل‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪-183‬اهلامشي (طارق علي)‬
‫د‪.‬ط‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬اإلسـالم والدميـقـراطية‪ ،‬مركز األهرام للرتمجة والنشر‬ ‫‪ -184‬هويدي (فهمي)‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1993 ،1 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬املنتـخـب يف تفسـري القـرآن‪ ،‬اجمللس األعلى للشؤون‬ ‫‪ -185‬وزارة األوقاف‬
‫اإلسالمية‪ G،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 1421 ،19.‬هـ‪2000 -‬م‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬األعمال المترجمة‬


‫‪ :‬السياسيـات‪ ،‬ترمجة‪ :‬أوغسطينس بربارة البولسي‪ G،‬اللّجنة‬ ‫‪-186‬أرسطو (طاليس)‬
‫الدولية لرتمجة الروائع اإلنسانية‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ 1957 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬اإليديولوجيّات واملنازعـات والسلطـة‪ ،‬ترمجة‪ :‬إحسان‬ ‫‪ -187‬أنسار (بيري)‬
‫احلصيين‪ ،‬منشورات وزارة الثقافـة واإلرشـاد القـومي‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬د‪.‬ط ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الدميـقـراطيـة األثينيـة‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد احملسن اخلشاب‪،‬‬ ‫‪ -188‬جونز (أ‪.‬هـ‪.‬م‪).‬‬
‫الدار املصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :‬الدميقـراطـيـة يف أمـريكا‪ ،‬ترمجة‪ :‬أمني مرسي قنديل‬ ‫‪ -189‬دوتوكفيل (ألكسيس)‬
‫عن الطبعة السادسة عشر‪ ،‬مطبعة جلنة التأليف‪ G‬والرتمجـة‬
‫والنشر‪ ،‬القاهرة‪ 1962 ،‬م‪.‬‬
‫املؤسسة‪ G‬اجلامعيّة‬
‫‪ :‬علم اجتماع السياسة‪ ،‬ترمجة‪:‬سليم ح ّداد‪ّ ،‬‬ ‫‪ -190‬ديفرجيه (موريس)‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪،‬ط‪1411 ،1.‬هـ‪1991-‬م‪.‬‬
‫‪:‬مدخـل إىل علـم السياسـة‪ ،‬دون معلومـات النشـر‪.‬‬ ‫"‬ ‫‪" -191‬‬
‫‪ :‬العقـد االجتمـاعـي‪ ،‬ترمجة‪ :‬ذوقان قرقوط‪ ،‬دار القلم‪،‬‬ ‫‪ -192‬روسو (جان جاك)‬
‫بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪ :‬معجـم املصطلحـات القـانونية‪ ،‬ترمجة منصور القاضي‪،‬‬ ‫‪ -193‬كورنو (جريار)‬


‫املؤسسة اجلـامعية للدراسـات والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ّ‬
‫ط‪1998 ،1 .‬م‪.‬‬
‫حممـد‪،‬‬
‫‪ :‬العـلـوم السيـاسيـة‪ ،‬ترمجة‪ :‬فاضـل زكـي ّ‬ ‫‪ -194‬كيتيل (راميوند كارفيلد)‬
‫مكتبة النهضة‪ G،‬بغداد‪ ،‬ط‪ 1963 ،2 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬احلضـارة الدميقراطية‪ ،‬ترمجة‪ :‬فؤاد مويسايت وعباس العمر‪،‬‬ ‫‪ -195‬ليبسون (لسلي)‬
‫دار اآلفاق‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -196‬مابيلو (ألبري) ومريل (مارسيل) ‪ :‬األحـزاب السيـاسية يف بريطـانيا العظمى‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد‬
‫برجاوي‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1970 ،1 .‬م‪.‬‬
‫‪ :‬تكـوين الـدولة‪ ،‬ترمجة‪ :‬حسن صعب‪ ،‬دار العلم للماليني‪،‬‬ ‫‪ -197‬ماكيفر (روبرت)‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1984 ،2 .‬م‪.‬‬
‫‪:‬تدوين الدستـور اإلسـالمي‪ G،‬ترمجة‪ :‬حممد عاصم احلداد‪،‬‬ ‫‪ -198‬املودودي (أبو األعلى)‬
‫دار الفكر‪ ،‬د‪ .‬ط‪1967 ،‬م‪.‬‬

‫‪:‬حـقـوق أهـل الذمـة يف الـدولـة اإلسـالمـيـة‪،‬‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪-199‬‬


‫ترمجة‪ :‬حممد كاظم سباق‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‬
‫د‪.‬ط‪ 1389 ،‬هـ‪1969 -‬م‪.‬‬
‫‪ :‬احلكومة‪ G‬اإلسالمية‪ G،‬ترمجة‪ :‬أمحد إدريس‪ ،‬ديوان املطبوعات‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪-200‬‬
‫اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪:‬نظـرية اإلسـالم وهديه‪ ،‬ترمجة‪ :‬جليل حسن اإلصالحي‪،‬‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪-201‬‬
‫دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1969 ،‬م‪.‬‬
‫‪:‬نظرية اإلسـالم السياسية‪ G،‬ترمجة‪ :‬جليل حسن اإلصالحي‪،‬‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪-202‬‬
‫دار الفكـر للطبـاعة والنشـر والتـوزيـع‪ ،‬د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫‪ 1389‬هـ‪1969-‬م‪.‬‬

‫‪ :‬القانون‪ G‬الدستـوري واملؤسسـات السياسية‪ ، G‬ترمجة‪ :‬علي‬ ‫‪ -203‬هوريو (أندريه)‬


‫مقلد –شفيق حداد‪ -‬احلسن سعد‪ ،‬األهلية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1977 ،2.‬م‪.‬‬
‫‪ :‬مشس العـرب تسطـع على الغرب‪ ،‬ترمجة‪ :‬فاروق بيضون‪G‬‬ ‫‪ -204‬هونكه‪( G‬زيغريد)‬
‫وكمال دسوقي‪ ،‬دار اآلفاق اجلديدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1981 ،5.‬م‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬كتب باللّغة األجنبيّة‬

‫‪Barilari (André), Jozé Guédon (Marie): Institutions politiques, -205‬‬


‫‪.Dalloz, paris, éd.4, 1998‬‬
‫‪Burdeau (Georges): Droit constitutionnel et institutions politiques, -206‬‬
‫‪.L.G.D.J.,éd. 7, Paris, 1957‬‬
.Burdeau (Georges): La démocratie, Edition Seuil, Paris, 1956 -207
Burdeau (Georges), Hamon (Francis) -208
et Troper (michel): Droit constitutionnel, L.G.D.J.,éd. 7 Paris,
.1995
Burdeau (Georges): Traité de science politique, L.G.D.J.,éd. 2 -209
.Paris, 1970
Cadart (Jaques) : Institutions politiques et droit constitutionnel, -210
.L.G.D.J, paris, 1975
Duverger(Maurice): Institutions politiques et droit constitutionnel, -211
.P.U.F. Coll, Thémis, Paris
.Duverger (Maurice): La démocratie , Edition de Seuil,Paris,1967 -212
Duverger (Maurice): Les partis politiques, Librairie Armand Colin,-213
 .Paris, 1976
Favre (pierre) : La décision de majorité, presses de la fondation -214
.national des sciences politiques, paris, 1976
Hermet (Guy), Badic(Bertrand), Birnbaum(Pierre) et -215
Braud(Philipe) : Dictionnaire de la science politique et des institutions
.politiques, Dalloz, Armand Colin, éd. 5, paris, 1994
.LAROUSSE, Dictionnaire Encyclopédique, Paris, 1998-216
MOSCA (G): Histoire des doctrines politiques, -217
.Bibliothèques politique et économique, paris, 1955
Prélot (Marcel): Histoire des idées politiques ,Dalloz, paris, --218
éd.4,1970
Prélot (Marcel) : Institutions politiques et droit constitutionnel, 219
.Dalloz, Paris, 1957
Robert (Paul): Le petit Robert 1 (Dictionnaire de la langue -220
.française),Canada - Paris, 1992
Soboul (Albert): La révolution français 1789-1799, Editions -221
.Sociales, paris, 1951
Touchard (Jean): Histoire des idées politiques, presses -222
.universitaire de France, paris, 1959
.Vedel (Georges): Droit constitutionnel, paris, 1949 -223
‫‪Vedel (Georges): Les démocraties soviétiques et populaires, 224‬‬
‫‪.Université de paris, Institut d’ études politiques,1956-1957‬‬

‫سا‪ :‬المجالت والدوريات‪ ،‬ومواقع في األنترنيت‪E‬‬


‫ساد ً‬
‫‪،‬موضـوع حـول "مكـانة اجلماهري يف الدولة اإلسالمية"‬ ‫‪-225‬جملّة "البعث اإلسالمي"‬
‫لإلصالحي (أمني أحسن) العدد‪.13-10 :‬‬

‫‪،‬مقـال "هل األغلبيّة‪ G‬مبـدأ إسالمي‪ G‬أصيـل؟"‪ ،‬منشور‬ ‫األمة" القطرية‬


‫‪-226‬جملّة " ّ‬
‫لألنـصـاري (عبـد الـحميـد)‪ ،‬السـنـة األوىل‪،‬‬
‫العدد الثالث‪ ،‬يناير ‪1981‬م‪.‬‬

‫‪،‬مقال "هل األغلبيّة‪ G‬مبدأ إسالمي‪ G‬أصيل؟" منشور للعماري‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫‪-227‬‬
‫(عبد القادر بن حممد)‪ ،‬السنة األوىل‪ ،‬العدد‪،7:‬مايو ‪ 1981‬م‪.‬‬
‫‪،‬مقـال "األغلبيّة‪ G‬مبدأ إسالمي‪ G‬أصيل"‪ ،‬منشور لألنصاري‬ ‫‪-228‬جملّة "العريب"‬
‫(عبد احلميـد)‪ ،‬الكويت‪ G،‬العـدد‪ ،286 :‬سبتمرب ‪1982‬م‬

‫‪،‬مقـال "القـوميـة يف القـرآن حقيقـة مـؤ ّكـدة"‪،‬‬ ‫"‬ ‫‪" -229‬‬


‫منشـور لألنصـاري (حممـد جـابر)‪ ،‬الكـويت‪G،‬‬
‫العدد‪ ،290 :‬سنة‪ 1403 :‬هـ‪1983-‬م‪.‬‬

‫‪،‬موضـوع حول "الدور التشريعي للدولة يف نظر اإلسالم"‬ ‫‪-230‬جملّة "العريب"‬


‫منشـور للنبهان‪( G‬حممد فاروق)‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪،296 :‬‬
‫سنة ‪ 1403‬هـ‪1983-‬م‬

‫"مؤسسات الدولة يف النظم اإلسالمية"‪G‬‬


‫‪،‬موضـوع حـول ّ‬ ‫‪-231‬جملّة "منرب احلوار"‬
‫مـنشـور للبشـري (طـارق)‪ ،‬بريوت‪ ،‬العـدد‪،14 :‬‬
‫سنة ‪ 1410‬هـ‪1989 -‬م‬

‫‪،‬موضوع حول "التع ّددية من منظور إسالمي"‪ G‬منشور للعوا‬ ‫"‬ ‫‪" -232‬‬
‫(حممـد سليـم)‪ ،‬بريوت‪ ،‬السنة السـادسة‪ ،‬العدد‪،20 :‬‬
‫سنة ‪ 1411‬هـ‪1991-‬م‪.‬‬
‫‪،‬مـوضـوع حـول "مؤسسـات الدولـة احلـديثة"‬ ‫"‬ ‫‪" -233‬‬
‫منشور هلالل (عـلي الـ ّدين)‪ ،‬بريوت‪ ،‬العـدد‪،14 :‬‬
‫سنة ‪ 1410‬هـ‪1989 -‬م‪.‬‬

‫‪ ،‬حبث يف "معاملة األقليّات غري املسلمة‪ ‬واألجانب يف الشريعة‬ ‫‪-234‬جملّة "احلقوق"‬


‫اإلسـالمية" منشـور لزيدان (عبد الكرمي)‪ ،‬الكـويت‪G،‬‬
‫السنة السابعة‪ ،‬العدد‪ ،3 :‬سبتمبر ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪،‬موضـوع حـول "الرأي العـام والعـصبيّة‪ G‬والشورى"‬ ‫‪-235‬جملّة "املستقبل العريب"‬
‫منشور لعزي (عبد الرمحن)‪ ،‬العدد‪ ،149 :‬سنة ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪،‬موضـوع حـول "الرمحة والشورى‪ :‬ندوة لواء اإلسالم"‬ ‫‪-236‬جملّة "لواء اإلسالم"‪G‬‬
‫للغزايل (حممد)‪ ،‬العدد‪ 28 ،7 :‬أفريل ‪1974‬م‪.‬‬
‫‪،‬موضـوع حول "اإلجـماع يف التشريع اإلسالمي" منشور‬ ‫‪-237‬جملّة "الوعي اإلسالمي"‬
‫ملدكور (حممد سالم)‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ ،127 :‬يوليو ‪1975‬م‪.‬‬
‫‪،‬مقـال حـول "منهـج النظـر يف التعـ ّدد والشـورى"‬ ‫‪-238‬جملّة "الكلمة"‬
‫منشـور لعـزت (هبـة عبد الرؤوف)‪ ،‬الكويت‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫السنة األوىل‪ ،‬العدد الثالث‪ G،‬سنة ‪ 1414‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬

‫‪،‬موضـوع "الشـورى أم االسـتـبـداد؟"‪ ،‬منشـور‬ ‫‪-239‬جملّة "اجملتمع"‬


‫عزة (عبد اهلل) العـدد‪ ،38 :‬سنة ‪ 1970‬والعـدد‪41 :‬‬
‫أليب ّ‬
‫سنة ‪1970‬م‪ ،‬والعدد‪ 43 :‬سنة ‪1971‬م‪.‬‬
‫‪،‬موضـوع حـول "التع ّدديّة يف الفكر اإلسالمي"‪ ،‬منشور‬ ‫‪-240‬جملّة "املنار"‬
‫أليب طالـب (صفـي) العـدد‪ ،6 :‬سنـة ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪U.R.L.www.almanar.net/Issues/06/Index.htm‬‬
‫‪2002-03-23‬م‪.‬‬ ‫‪" ،‬التعـ ّدديـة سنّـة اهلل –رؤى قرآنية"‪،‬‬ ‫‪ -241‬املدرسي (السيّد حممد تقي)‬
‫‪U.R.L. www.almodarresi.com‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية‬
‫الصفحة‬ ‫رقم‬ ‫اآليات‬
‫اآلية‬

‫سورة البقرة‬
‫ين‪‬‬ ‫‪‬قُل هاتُوا برهانَ ُكم إِ ْن ُكنتُم ِ ِ‬
‫‪130‬‬ ‫‪111‬‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ ُْ َ ْ‬
‫‪122‬‬ ‫يل لَهُ ُم اتَّبِعُوا َما أَنزَ َل هَّللا ُ‪...‬‬
‫‪َ ‬وإِ َذا قِ َ‬
‫‪17‬‬
‫‪0‬‬
‫‪112-92‬‬ ‫‪213‬‬ ‫‪َ ‬كانَ النَّاسُ أُ ّمةً َواح َدةً ‪...‬‬
‫‪186-119-117‬‬ ‫‪256‬‬ ‫‪‬الَ إِ ْك َراهَ فِي الدِّي ِن‪...‬‬

‫سورة آل عمران‬
‫‪109‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪‬إِ َّن ال ِّدينَ ِع ْن َد هَّللا ِ ا ِإلسْلاَ ُم‪‬‬
‫‪111‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪َ ‬والَ تُ ْؤ ِمنُوا إِالَّ لِ َم ْن تَبِ َع ِدينَ ُك ْم‪‬‬
‫‪110‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪‬أَفَ َغ ْي َر ِدي ِن هَّللا ِ يَ ْب ُغونَ ‪‬‬
‫‪109-112‬‬ ‫‪85‬‬ ‫اإل ْسالَ ِم ِدينًا فَلَ ْن يُ ْقبَ َل‬
‫‪َ ‬و َم ْن يَ ْبت َِغ َغي َْر ِ‬
‫ِم ْنهُ‪...‬‬
‫‪187‬‬ ‫‪10‬‬ ‫َص ُموا بِ َحب ِْل هَّللا ِ َج ِميعًا َوالَ تَفَ َّرقُوا‪‬‬ ‫‪َ ‬وا ْعت ِ‬
‫‪3‬‬
‫‪192‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪َ ‬و ْلتَ ُك ْن ِّم ْن ُك ْم أُ َّمةٌ يَ ْد ُعونَ إِلَى ْالخَ ي ِْر‪...‬‬

‫‪4‬‬
‫ف َع ْنهُ ْم َوا ْستَ ْغفِرْ لَهُ ْم َو َش ِ‬
‫اورْ هُ ْم فِي‬ ‫‪‬فَا ْع ُ‬
‫‪290-291- 15‬‬ ‫األَ ْم ِر فَإ ِ َذا َعزَ ْمتَ فَت ََو َّكلْ َعلَى هَّللا ِ‪...‬‬
‫‪315-319- 9‬‬
‫‪324‬‬

‫سورة النساء‬

‫‪‬يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي خَ لَقَ ُك ْم ِّم ْن‬


‫‪94‬‬ ‫‪1‬‬ ‫نَّ ْف ٍ‬
‫س َوا ِح َد ٍة‪...‬‬

‫‪305‬‬ ‫‪‬يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا أَ ِطيعُوا هَّللا َ َوأَ ِطيعُوا‬


‫‪59‬‬ ‫ُول‪...‬‬ ‫ال َّرس َ‬
‫‪95‬‬ ‫اس َرسُوالً‪‬‬‫‪َ ‬وأَرْ َس ْلنَاكَ لِلنَّ ِ‬
‫‪79‬‬
‫‪154‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪َ ‬ولَ ْن يَجْ َع َل هَّللا ُ لِ ْل َكافِ ِرينَ َعلَى ْال ُم ْؤ ِمنِينَ‬
‫َسبِيالً‪‬‬
‫‪111‬‬ ‫‪171‬‬ ‫ب الَ تَ ْغلُوا فِي ِدينِ ُك ْم‪...‬‬ ‫‪‬يَا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬

‫سورة المائدة‬
‫اونُوا َعلَى ْالبِ ِّر َوالتَّ ْق َوى َواَل تَ َع َ‬
‫اونُوا‬ ‫‪َ ‬وتَ َع َ‬
‫‪191‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ان‪‬‬‫َعلَى ا ِإل ْث ِم َو ْال ُع ْد َو ِ‬
‫‪102-112-121‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪‬لِ ُكلٍّ َج َع ْلنَا ِم ْن ُك ْم ِشرْ َعةً َو ِم ْنهَاجًا‪...‬‬
‫‪154‬‬ ‫‪49‬‬ ‫بَ ْينَهُ ْم بِ َما أَنزَ َل هَّللا ُ‪...‬‬ ‫‪َ ‬وأَ ِن احْ ُك ْم‬
‫‪190‬‬ ‫‪55‬‬ ‫هَّللا ُ َو َرسُولُهُ‪...‬‬ ‫‪‬إِنَّ َما َولِيُّ ُك ُم‬
‫‪161‬‬ ‫‪56‬‬ ‫ب هَّللا ِ هُ ُم ْالغَالِبُونَ ‪‬‬
‫‪‬فَإ ِ َّن ِح ْز َ‬
‫‪287-317‬‬ ‫‪100‬‬ ‫يث َوالطَّيِّبُ ‪...‬‬ ‫‪‬قُلْ الَّ يَ ْست َِوي ْالخَ بِ ُ‬
‫سورة األنعام‬
‫ائِ ٍر‬ ‫ض َوالَ طَ‬ ‫فِي األَرْ ِ‬ ‫‪َ ‬و َما ِم ْن دَابَّ ٍة‬
‫‪91‬‬ ‫‪38‬‬ ‫إالَّ أُ َم ٌم أَ ْمثَالُ ُك ْم‪‬‬ ‫يَ ِطي ُر بِ َجنَا َح ْي ِه‬
‫‪288‬‬ ‫‪111‬‬ ‫يَجْ هَلُونَ ‪‬‬ ‫‪َ ‬ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َرهُ ْم‬
‫‪287‬‬ ‫‪116‬‬ ‫ضلُّوكَ‬
‫ض يُ ِ‬‫‪َ ‬وإِ ْن تُ ِط ْع أَ ْكثَ َر َم ْن فِي األَرْ ِ‬
‫يل هَّللا ِ‪‬‬
‫ع َْن َسبِ ِ‬
‫‪91‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪َ ‬والنَّ ْخ َل َوال َّزرْ َع ُم ْختَلِفًا أُ ُكلُهُ‪...‬‬
‫‪187‬‬ ‫‪159‬‬ ‫‪‬إِ َّن الَّ ِذينَ فَ َّرقُوا ِدينَهُ ْم َو َكانُوا ِشيَعًا‪...‬‬

‫سورة األعراف‬
‫‪287‬‬ ‫يرًا ِّمنَ ْال ِجنِّ ‪179‬‬ ‫ْد َذ َر ْأنَا لِ َجهَنَّ َم َكثِ‬ ‫‪َ ‬ولَقَ‬
‫اإل ْن ِ‬
‫س‪‬‬ ‫َو ِ‬

‫سورة األنفال‬
‫‪303-304‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪َ ‬وا ْعلَ ُموا أَنَّ َما َغنِ ْمتُ ْم ِّم ْن َش ْي ٍء‪...‬‬
‫‪187‬‬ ‫‪46‬‬ ‫َب ِري ُح ُك ْم‪‬‬ ‫‪َ ‬والَ تَنَا َز ُعوا فَتَ ْف َشلُوا َوت َْذه َ‬
‫‪323‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪َ ‬ما َكانَ لِنَبِ ٍّي أَ ْن يَ ُكونَ لَهُ أَس َْرى…‪‬‬
‫‪298‬‬ ‫‪67‬‬ ‫ض ال ُّد ْنيَا َوهَّللا ُ ي ُِري ُد‬
‫‪‬تُ ِري ُدونَ ع ََر َ‬
‫اآلخ َرةَ‪...‬‬
‫ِ‬
‫‪67-‬‬ ‫‪َ ‬ما َكانَ لِنَبِ ٍّي أَ ْن يَ ُكونَ لَهُ أَس َْرى ‪...‬‬
‫‪299-323‬‬ ‫‪68-69‬‬
‫‪299-322‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪‬فَ ُكلُوا ِم َّما َغنِ ْمتُ ْم َحالَالً طَيِّبًا‪‬‬

‫سورة التوبة‬
‫‪111‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪َ ‬وإِ ْن نَّ َكثُوا أَ ْي َمانَهُ ْم ِّم ْن بَ ْع ِد َع ْه ِد ِه ْم‪...‬‬
‫‪235‬‬ ‫‪25‬‬ ‫ثير ٍة‪...‬‬
‫اطنَ َك َ‬ ‫ص َر ُك ُم هللاُ في َم َو ِ‬ ‫‪‬لَقَ ْد نَ َ‬

‫سورة يونس‬
‫‪92‬‬ ‫‪19‬‬ ‫اختَلَفُوا‪‬‬ ‫‪َ ‬و َما َكانَ النَّاسُ إِالَّ أُ َّمةً َو ِ‬
‫اح َدةً فَ ْ‬

‫‪287‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪َ ‬و َما يَتَّبِ ُع أَ ْكثَ ُرهُ ْم إِالَّ ظَنًّا‪‬‬
‫‪119‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪َ ‬ولَوْ َشا َء َربُّكَ آل َمنَ َم ْن فِي األَرْ ِ‬
‫ض‪...‬‬

‫سورة هود‬
‫‪161‬‬ ‫‪17‬‬ ‫ب فَالنَّا ُر‬ ‫‪َ ‬و َم ْن يَ ْكفُ رْ بِ ِه ِمنَ اأْل َحْ زَا ِ‬
‫َموْ ِع ُدهُ‪...‬‬
‫‪120‬‬ ‫‪28‬‬ ‫نت َعلَى بَيِّنَ ٍة ِم ْن‬‫‪‬قَا َل يَاقَوْ ِم أَ َرأَ ْيتُ ْم إِ ْن ُك ُ‬
‫َّربِّي‪...‬‬
‫‪87-92-115-121-‬‬ ‫اس أُ َّمةً َوا ِح َدةً‪118- ...‬‬‫‪َ ‬ولَوْ َشا َء َربُّكَ لَ َج َع َل النَّ َ‬
‫‪‬‬
‫‪119‬‬
‫‪198‬‬

‫سورة يوسف‬
‫‪287‬‬ ‫‪21‬‬ ‫النَّ ِ‬
‫اس الَ يَ ْعلَ ُمونَ ‪‬‬ ‫‪َ ‬ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر‬
‫‪287‬‬ ‫‪38‬‬ ‫اس الَ يَ ْش ُكرُونَ‪‬‬ ‫النَّ ِ‬ ‫‪َ ‬ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر‬
‫‪287‬‬ ‫‪40‬‬ ‫َّاس الَ َي ْعلَ ُمو َن‪‬‬ ‫‪‬ول ِ‬
‫َك َّن أَ ْك َث َر الن ِ‬ ‫َ‬
‫‪97‬‬ ‫‪76‬‬ ‫َّشاءُ َو َف ْو َق ُك ِّل ِذي ِع ْل ٍم‬ ‫‪َ ‬نرفَع درج ٍ‬
‫ات َّمن ن َ‬ ‫ْ ُ ََ َ‬
‫يم‪‬‬ ‫ِ‬
‫َعل ٌ‬
‫َّاس ولَو حرص مِب ِ ِ‬
‫‪َ ‬و َما أَ ْكَث ُر الن ِ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫‪287‬‬ ‫‪103‬‬ ‫ني‪‬‬
‫ت ُْؤمن َ‬

‫سورة الرعد‬
‫‪91‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ات َو َجنَّ ٌ‬
‫ات‪...‬‬ ‫او َر ٌ‬ ‫‪َ ‬وفِي األَرْ ِ‬
‫ض قِطَ ٌع ُّمت ََج ِ‬

‫سورة النحل‬
‫‪130‬‬ ‫‪‬ا ْد ُع إِلَى َسبِي ِل َربِّ َك بِ ْال ِح ْك َم ِة َو ْال َموْ ِعظَ ِة ‪125‬‬
‫ْال َح َسنَ ِة‪...‬‬

‫سورة اإلسراء‬
‫‪235‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪َ ‬و َج َع ْلنَا ُك ْم أَ ْكثَ َر نَفِيرًا‪‬‬

‫سورة الكهف‬
‫ق ِمن َّربِّ ُك ْم فَ َم ْن َش ا َء فَ ْليُ ْؤ ِم ْن‬ ‫‪َ ‬وقُ ِل ْال َح ُّ‬
‫‪120‬‬ ‫‪29‬‬ ‫َو َمن َشا َء فَ ْليَ ْكفُرْ ‪‬‬

‫سورة مريم‬
‫‪161‬‬ ‫‪36-‬‬ ‫‪َ ‬وإِ َّن هَّللا َ َربِّي َو َربُّ ُك ْم فَا ْعبُ ُدوهُ‪...‬‬

‫‪37‬‬

‫سورة طه‬
‫‪89‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪َ ‬والَّ ِذي فَطَ َرنَا‪‬‬

‫سورة األنبياء‬
‫‪121‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪‬قُلْ إِنَّ َما أُن ِذ ُر ُك ْم بِ ْال َوحْ ِي‪...‬‬
‫‪88‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪‬الَّ ِذي فَطَ َرهُ َّن‪‬‬
‫الحج‬
‫ّ‬ ‫سورة‬
‫‪130‬‬ ‫‪8‬‬ ‫اس َم ْن يُ َج ا ِد ُل فِي هَّللا ِ بِ َغ ْي ِر‬ ‫‪َ ‬و ِمنَ النَّ ِ‬
‫ِع ْل ٍم‪...‬‬
‫‪115‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪‬إِ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا َوالَّ ِذينَ هَا ُدوا‪...‬‬
‫‪114‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪َ ‬ولِ ُك ِّل أُ َّم ٍة َج َع ْلنَا َم ْن َس ًكا لِّيَ ْذ ُكرُوا ْ‬
‫اس َم‬
‫هَّللا ِ‪...‬‬
‫‪114‬‬ ‫‪67‬‬ ‫َاس ُكوهُ‪...‬‬ ‫‪‬لِ ُكلِّ أُ َّم ٍة َج َع ْلنَا َم ْن َس ًكا هُ ْم ن ِ‬

‫سورة المؤمنون‬
‫‪159‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪ُ ‬كلُّ ِح ْز ٍ‬
‫ب بِ َما لَ َد ْي ِه ْم فَ ِرحُونَ ‪‬‬

‫سورة النور‬
‫‪110‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪َ ‬والَ تَأْ ُخ ْذ ُك ْم بِ ِه َما َر ْأفَةٌ فِي ِدي ِن هَّللا ِ‪‬‬
‫‪107‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪‬يَوْ َمئِ ٍذ ي َُوفِّي ِه ُم هَّللا ُ ِدينَهُ ُم ْال َح َّ‬
‫ق‪‬‬

‫سورة النمل‬
‫‪‬قَ الَ ْت يَاأَ ُّيُهَا ال َمأَل ُ إِنِّي أُ ْلقِ َي إِلَ َّي ِكتَ ابٌ ‪29-‬‬
‫‪318‬‬ ‫َك ِري ٌم إِنَّهُ ِم ْن ُسلَ ْي َمانَ ‪...‬‬
‫‪30‬‬

‫‪31-‬‬

‫‪32‬‬
‫‪318‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪‬إِنَّ ا ْل ُملُو َك إِ َذا د ََخلُوا قَ ْريَةً أَ ْف َ‬
‫سدُوهَا‪...‬‬
‫سورة الروم‬
‫‪97-101‬‬ ‫‪22‬‬ ‫ض‪...‬‬ ‫ت َواألَرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬‫ق ال َّس َم َ‬ ‫‪َ ‬و ِم ْن آيَاتِ ِه ْ‬
‫خَل ُ‬
‫ِّين َحنِيفًا فِ ْ‬
‫ط َرتَ هَّللا ِ الَّتِي‬ ‫‪‬فَأَقِ ْم َوجْ هَكَ لِلد ِ‬
‫‪88-89-90-111‬‬ ‫‪30‬‬ ‫فَطَ َر النَّ َ‬
‫اس َعلَ ْيهَا‪...‬‬

‫‪187‬‬ ‫‪31-32‬‬ ‫‪ُ ‬منِيبِينَ إِلَ ْي ِه َواتَّقُوهُ َوأَقِي ُموا ال َّ‬


‫صالَةَ‪...‬‬

‫سورة لقمان‬
‫ك عَلى أَن تُ ْش ِركَ بِي َما‬ ‫‪َ ‬وإِن َجاهَ دَا َ‬
‫‪118‬‬ ‫‪15‬‬ ‫ْس لَكَ بِ ِه ِع ْل ٌم فَالَ تُ ِط ْعهُ َما‪...‬‬
‫لَي َ‬

‫سورة سبأ‬
‫‪288‬‬ ‫‪13‬‬ ‫ي ال َّش ُكو ُر‪‬‬ ‫‪َ ‬وقَلِي ٌل ِّم ْن ِعبَا ِد َ‬
‫‪95‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪َ ‬و َما أَرْ َس ْلنَاكَ إِالَّ َكافَّةً لِّلنَّ ِ‬
‫اس‪...‬‬

‫سورة فاطر‬
‫‪88-92‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ت َواألَرْ ِ‬
‫ض‪...‬‬ ‫‪ْ ‬ال َح ْم ُد هَّلِل ِ فَ ِ‬
‫اط ِر ال َّس َما َوا ِ‬

‫سورة ص‬
‫‪288‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪‬إِالَّ الَّ ِذينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫ت َوقَلِي ٌل‬
‫َّما هُ ْم‪‬‬

‫سورة الزمر‬
‫‪111‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ِّين ْال َخالِصُ ‪‬‬
‫‪‬أَالَ هَّلِل ِ الد ُ‬
‫سورة غافر‬
‫‪111‬‬ ‫‪26‬‬ ‫ال فِرْ عَوْ ُن َذرُونِي أَ ْقتُلْ ُمو َسى َو ْليَ ْد ُ‬
‫ع‬ ‫‪َ ‬وقَ َ‬
‫َربَّهُ‪...‬‬
‫‪160‬‬ ‫‪30‬‬ ‫اف َعلَ ْي ُك ْم ِّم ْث َل يَ وْ ِم‬
‫ُ‬ ‫‪‬يَ اقَوْ ِم إِنِّي أَ َخ‬
‫ب‪‬‬‫األَحْ زَا ِ‬
‫‪287‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪َ ‬ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النَّ ِ‬
‫اس الَ ي ُْؤ ِمنُونَ ‪‬‬

‫سورة الشورى‬
‫‪121‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪َ ‬ولَوْ َشا َء هَّللا ُ لَ َج َعلَهُ ْم أُ َّمةً َو ِ‬
‫اح َدةً‪...‬‬
‫‪316-343‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪َ ‬وأَ ْم ُرهُ ْم ُشو َرى بَ ْينَهُ ْم‪‬‬
‫‪121‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪‬فَإ ِ ْن أَ ْع َرضُوا فَ َما أَرْ َس ْلنَاكَ َعلَ ْي ِه ْم َحفِيظًا‬
‫‪‬‬

‫سورة الزخرف‬

‫‪98-103‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪‬نَحْ ُن قَ َس ْمنَا بَ ْينَهُ ْم َّم ِعي َشتَهُ ْم‪...‬‬


‫ق َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر ُك ْم لِ ْل َح ِّ‬
‫ق‬ ‫‪‬لَقَ ْد ِج ْئنَ ا ُك ْم بِ ْال َح ِّ‬
‫‪287‬‬ ‫‪78‬‬ ‫ارهُونَ ‪‬‬ ‫َك ِ‬
‫‪88‬‬ ‫سأ َ ْلتَ ُه ْم َّمنْ َخلَقَ ُه ْم لَيَقُولُنَّ هَّللا ُ‪‬‬
‫‪َ ‬ولَئِنْ َ‬
‫‪87‬‬
‫سورة الجاثية‬
‫‪115‬‬ ‫‪17‬‬ ‫اختَلَفُ وا إِالَّ ِمن بَ ْع ِد َما َج ا َءهُ ُم‬
‫‪‬فَ َما ْ‬
‫ْال ِع ْل ُم‪...‬‬
‫‪154‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪‬ثُ َّم َج َع ْلنَ اكَ َعلَى َش ِري َع ٍة ِّمنَ األَ ْم ِر‬
‫فَاتَّبِ ْعهَا‪...‬‬

‫سورة الحجرات‬
‫‪94-102‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪‬يَاأَيُُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَ لَ ْقنَا ُكم ِّمن َذ َك ٍ‬
‫ر َوأُنثَى‪...‬‬

‫سورة المجادلة‬
‫‪161‬‬ ‫‪19‬‬ ‫ان فَأَن َساهُ ْم ِذ ْك َر هَّللا ِ‪...‬‬
‫‪‬ا ْستَحْ َو َذ َعلَ ْي ِه ُم ال َّش ْيطَ ُ‬
‫‪159‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪‬أُوْ لَئِكَ ِح ْزبُ هَّللا ِ‪‬‬
‫‪161‬‬ ‫‪22‬‬ ‫ب هَّللا ِ هُ ُم ْال ُم ْفلِحُونَ ‪‬‬
‫‪‬أَالَ إِ َّن ِح ْز َ‬

‫سورة الممتحنة‬
‫‪128‬‬ ‫‪8‬‬ ‫اتِلُو ُك ْم فِي‬ ‫ا ُك ُم هَّللا ُ ع َِن الَّ ِذينَ لَ ْم يُقَ‬ ‫‪‬الَ يَ ْنهَ‬
‫ِّين‪...‬‬‫الد ِ‬

‫صف‬
‫سورة ال ّ‬
‫‪110‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪‬هُ َو الَّ ِذي أَرْ َس َل َرسُولَهُ بِ ْالهُدَى َو ِدي ِن ْال َح ِّ‬
‫ق‪‬‬

‫سورة القيامة‬
‫‪96‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪‬بَلَى قَا ِد ِرينَ َعلَى أَن نُّ َس ِّو َ‬
‫ي بَنَانَهُ‪‬‬

‫سورة البيّنة‬
‫‪111‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ين ْالقَيِّ َم ِة‪‬‬
‫‪َ ‬و َذلِكَ ِد ُ‬
‫سورة الكافرون‬
‫‪109-111‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪‬لَ ُك ْم ِدينُ ُك ْم َولِ َي ِدي ِن‪‬‬

‫فهرس األحاديث النبويّة الشريفة‬


‫الصفحة‬ ‫أخرجه‬ ‫طرف الحديث‬
‫‪322‬‬ ‫مسلم‬ ‫(أبكي‪ G‬للذي عرض على أصحابك‪)...‬‬
‫‪332‬‬ ‫أمحد‬ ‫(اثنان‪ G‬خري من واحد‪ ،‬وثالثة خري من اثنني‪)...‬‬
‫‪95‬‬ ‫البيهقي‬ ‫(أال إ ّن ربّكم واحد‪)...‬‬
‫‪302‬‬ ‫البخاري‬ ‫حمم ً‪G‬دا‬
‫(أمرت أن أقاتل النّاس حىت يشهدوا أن ال إله إالّ اهلل وأ ّن ّ‪G‬‬
‫رسول اهلل ويقيموا‪ G‬الصالة ويؤتوا‪ G‬الزكاة‪)...‬‬
‫‪302‬‬ ‫مسلم‬ ‫حمم ً‪G‬دا‬
‫(أُمرت أن أقاتل النّاس حىت يشهدوا أن ال إله إالّ اهلل وأ ّن ّ‪G‬‬
‫رسول اهلل فإذا قالوها‪)...‬‬
‫‪319‬‬ ‫البيهقي‬ ‫(أن تشاور ذا رأي مثّ تطبيعه)‬
‫‪309‬‬ ‫مسلم‬ ‫(أنتم أعلم بأمر دنياكم)‬
‫‪332‬‬ ‫الرتمذي‬ ‫(إ ّن اهلل ال جيمع ّأميت على ضاللة‪)...‬‬
‫‪193‬‬ ‫مسلم‬ ‫(بايعت‪ G‬رسول اهلل ‪ ‬على إقامة الصالة‪)...‬‬
‫‪192‬‬ ‫مسلم‬ ‫(ال ّدين النّصيحة‪)...‬‬
‫‪319‬‬ ‫البيهقي‬ ‫(سئل رسول اهلل ‪ ‬عن العزم‪ ،‬قال‪ :‬مشاورة أهل الرأي‪)...‬‬
‫‪193‬‬ ‫مسلم‬ ‫(ستكون‪ G‬أمراء فتعرفون وتنكرون‪G)...‬‬
‫‪193‬‬ ‫الرتمذي وأمحد‬ ‫(كالّ واهلل‪ ،‬لتأمر ّن باملعروف ولتنهو ّ‪G‬ن عن املنكر‪)...‬‬
‫‪332‬‬ ‫ابن ماجة‬ ‫أبدا‪)...‬‬
‫(ال جتتمع ّأمة حممد على ضاللة ً‬
‫‪294‬‬ ‫أمحد‬ ‫(لو اتّفقتما يف مشورة ما خالفتكما)‬
‫‪320‬‬ ‫أمحد‬ ‫(لو اجتمعتما يف مشورة ما خالفتكما)‬
‫‪90‬‬ ‫البخاري‬ ‫(ما من مولود إالّ يولد على الفطرة‪)...‬‬
‫ومسلم‬
‫الصفحة‬ ‫أخرجه‬ ‫طرف الحديث الشريف‬
‫‪127‬‬ ‫اهلندي‬ ‫ذميًا فأنا خصمه‪)...‬‬
‫(من آذى ّ‬
‫‪332‬‬ ‫الرتمذي وأمحد‬ ‫أحب منكم حببوحة اجلنّة‪)...‬‬
‫(من ّ‬
‫واحلاكم‬
‫‪189‬‬ ‫مسلم‬ ‫(من خرج عن الطاعة وفارق اجلماعة‪)...‬‬
‫‪189‬‬ ‫البخاري‬ ‫(من رأى من أمريه شيئا فكرهه‪)...‬‬
‫‪123‬‬ ‫البيهقي‬ ‫(ومن كان على يهوديّته‪ ،‬أو نصرانيّته‪)...‬‬
‫‪333‬‬ ‫الرتمذي‬ ‫(يد اهلل مع اجلماعة)‬
‫*‬
‫فهرس األعـالم‬
‫الصفحة‬ ‫االعلم(‬
‫‪-‬أ‪-‬‬
‫‪95‬‬
‫آدم‪‬‬
‫‪312‬‬
‫اآلمدي (سيف ال ّدين)‬
‫أبقراط‪Hippocrate‬‬
‫‪104‬‬

‫‪313-332-338‬‬ ‫أمحد بن حنبل‬


‫(طاليس)‪Aristote‬‬ ‫أرسطو‬
‫‪25-165-205-206-209-210-219-238-239‬‬

‫‪124-300‬‬ ‫أسامة بن زيد‬


‫‪25-219‬‬ ‫أفالطون‪Platon‬‬
‫‪320‬‬
‫األلباين (حممد ناصر الدين)‬
‫(سانت)‪Augustin‬‬ ‫أوجستان‬
‫‪32‬‬

‫إيسوكراتيس ‪Isocrates‬‬
‫‪25‬‬

‫‪-‬ب‪-‬‬
‫بريكلس‪Proclus‬‬
‫‪22‬‬

‫(مارسيل)‪Prélot‬‬ ‫بريلو‬
‫‪47‬‬

‫‪124-294-295-297-298-300-301-302-321-322-‬‬
‫‪326-327-328-337-342‬‬
‫أبو بكر الص ّديق‬
‫‪294‬‬
‫ابن هبرام (عبد احلميد)‬
‫بودان‪Bodin‬‬
‫‪210‬‬

‫بولبيوس‪Polybius‬‬
‫‪28‬‬

‫(جورج)‪Burdeau‬‬ ‫بريدو‬
‫‪163‬‬

‫برينز‪Burns‬‬
‫‪48‬‬

‫‪-‬ت‪-‬‬

‫لقد أمهلت يف ترتيب األعالم (ال) التعريف‪ ،‬ولفظ "ابن" ولفظ "أبو"‪.‬‬ ‫*‬
‫تشارلز ‪Charles‬‬
‫‪38‬‬

‫توماس(سانت)‪Tomas‬‬
‫‪32‬‬

‫‪188-312‬‬ ‫ابن تيمية (أمحد)‬

‫‪-‬جـ‪-‬‬
‫‪332‬‬
‫جابر بن مسرة‬
‫‪193‬‬ ‫جابر بن عبد اهلل‬

‫‪-‬حـ‪-‬‬
‫‪325‬‬
‫احلارث بن عوف‬
‫‪126-294-335‬‬ ‫ابن حزم (أبو حممد)‬
‫‪95‬‬
‫حواء‬
‫‪294-321‬‬ ‫ابن حوشب (شهر)‬

‫‪-‬خـ‪-‬‬
‫‪313-338‬‬ ‫اخلياط (أبو احلسني)‬

‫‪-‬د‪-‬‬
‫‪109‬‬
‫دراز(حممد عبد اللّه)‬
‫ّ‬
‫‪329‬‬
‫الدريين (فتحي)‬
‫‪113‬‬
‫(ويل اهلل)‬
‫الدهلوي ّ‬
‫دوتراسي (أنطوان)‪DetracyG‬‬
‫‪140‬‬

‫دوجي ‪Duguit‬‬
‫‪57‬‬

‫دوركهامي‪Durkheim‬‬
‫‪110‬‬

‫دي بادو ‪De padoue‬‬


‫‪32‬‬

‫ديفرجيه(موريس)‪Duverger G‬‬
‫‪162‬‬
‫‪-‬ذ‪-‬‬
‫‪332‬‬
‫أبوذر الغفاري‬

‫‪-‬ر‪-‬‬
‫‪313-338‬‬ ‫الرازي (أبو بكر)‬
‫‪49‬‬
‫رسالن (أنور)‬
‫روبرت (ميشيل)‪Robert‬‬
‫‪169‬‬

‫روسو (جان جاك)‪Rousseau‬‬


‫‪36-37-41-47-54-56-57-58-59-65-66-70-170-‬‬
‫‪211-216-239-240-241-331‬‬
‫‪122‬‬
‫رحيانة‬

‫‪-‬ز‪-‬‬
‫‪337‬‬
‫أبو زهرة (حممد)‬

‫‪-‬س‪-‬‬
‫‪325-326‬‬ ‫سعد بن عبادة‬
‫‪325-326‬‬ ‫سعد بن معاذ‬
‫‪319‬‬
‫السيوطي‪( G‬جالل ال ّدين)‬

‫‪-‬ش‪-‬‬
‫‪299-334‬‬ ‫شلتوت (حممود)‬
‫‪28-110‬‬ ‫شيشرون‪Cicéron‬‬

‫‪-‬ط‪-‬‬
‫‪290-312-338‬‬ ‫الطربي (حممد بن جرير)‬
‫‪163‬‬
‫الطماوي (سليمان حممد)‬
‫‪-‬ع‪-‬‬
‫‪298-317-323‬‬ ‫ابن عاشور (حممد الطاهر)‬
‫‪88‬‬
‫أبو العباس‬
‫‪333‬‬
‫ابن عباس (عبد اهلل)‬
‫‪328‬‬
‫عبد الرمحن (بن عوف)‬
‫‪344‬‬
‫(عز ال ّدين)‬
‫ابن عبد السالم ّ‬
‫‪335‬‬
‫عبد اهلل بن أمحد‬
‫‪302-328-332‬‬ ‫عبد اهلل بن عمر‬
‫‪317‬‬
‫ابن عرفة (حممد)‬
‫‪48‬‬
‫الع ّقاد (عبّاس حممود)‬
‫‪195‬‬
‫ابن عقيل‬
‫‪319‬‬
‫علي بن أيب طالب‬
‫عمر بن اخلطاب‬
‫‪124-231-294-295-296-298-‬‬
‫‪301-303-304-321-322-323-‬‬
‫‪.326-327-328-332-343‬‬
‫‪325‬‬
‫عيينة بن حصن‬

‫‪-‬غ‪-‬‬
‫‪311‬‬
‫الغزايل (أبو حامد)‬
‫‪294-321‬‬
‫ابن غنم (عبد الرمحن)‬

‫‪-‬ف‪-‬‬
‫فيديل (جورج)‪Vedel‬‬
‫‪52-61-245‬‬
‫‪-‬ق‪-‬‬
‫‪93-290-291‬‬
‫القرطيب (حممد بن علي)‬
‫‪195-296-303‬‬
‫ابن ّقيم اجلوزيّة‬

‫‪-‬ك‪-‬‬
‫كانط‪Kant‬‬
‫‪109‬‬

‫‪319‬‬
‫ابن كثري (أبو الفداء)‬
‫كلسن‪Kelsen‬‬
‫‪243‬‬

‫‪-‬ل‪-‬‬
‫لنكولن (إبراهام) ‪Lincolin‬‬
‫‪46‬‬

‫لوك (جون)‪Locke‬‬
‫‪36-37-41-56-209-219‬‬

‫‪-‬م‪-‬‬
‫ماركس (كارل)‪Marx‬‬
‫‪54-141‬‬

‫ماكيفر (روبرت)‪Mac Iver‬‬


‫‪48‬‬

‫‪227-312‬‬
‫املاوردي‬
‫‪316‬‬
‫املودودي‬
‫مونتسكيو‪MontesquieuG‬‬
‫‪36-41-47-56-59-209-210-218-219-220‬‬

‫‪327-342‬‬
‫ميمون بن مهران‬

‫‪-‬ن‪-‬‬
‫‪335‬‬
‫النظّام (أبو إسحاق)‬
‫‪120‬‬
‫نوح ‪‬‬
‫‪-‬هـ‪-‬‬
‫هوبز(توماس)‪Hobbes‬‬
‫‪37-57-58‬‬

‫هوندت‪Hondt‬‬
‫‪268-269‬‬
‫فهرس المحتويات‪E‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضــوع‬

‫‪*.............................................................................. .........................................................‬‬ ‫اإلهداء‬


‫‪*.............................................. ..................................................................................‬‬ ‫شكر وتقدير(‬
‫‪*...................................................... ....................................................................................‬‬ ‫مقدمة‬
‫الغربيّة(‪16..............................‬‬ ‫الباب التمهيدي‪ :‬مدخل عام إلى الديمقراطية(‬

‫الغربية ‪17 .........................................‬‬ ‫التطورالتاريخي للديمقراطية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪18‬‬ ‫‪...............................................‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬الديمقراطية في العصور القديمة‬


‫المطلب األول‪ :‬الديمقراطية في اليونان‬
‫‪19‬‬ ‫القديمة‬ ‫‪........................................................‬‬

‫‪26 .............................................................‬‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬الدميقراطية لدى الرومان‬

‫‪30‬‬ ‫‪............................‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬الديمقراطية الغربيّة في العصور الوسطى‬


‫المطلب األول‪ :‬أثر المسيحيّة على المبدإ‬
‫‪31‬‬ ‫الديمقراطي‬ ‫‪..............................................‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬دور نظام اإلقطاع في‬


‫‪33‬‬ ‫الفكر الديمقراطي‬
‫‪.....................................‬‬

‫‪34 .............................‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬الديمقراطية الغربيّة في العصر الحديث‬


‫المطلب األول ‪ :‬دور الفالسفة والمف ّكرين‬
‫‪35‬‬ ‫السياسيين‬ ‫‪..........................................‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬دور المؤسّسات السياسيّة‬


‫‪37‬‬ ‫(البرلمان اإلنجليزي)‬ ‫‪...........................‬‬

‫‪......................................................‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬أثر التجارب واألحداث التارخييّة‬


‫‪39‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضــوع‬

‫‪44 ...........................................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬مفاهيم الديمقراطية الغربيّة‪ ،‬وخصائصها‬

‫الغربيّة ‪45 ..........................................................‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مفاهيم الديمقراطية‬


‫المطلب األول‪ :‬التعاريف المختلفة‬
‫‪45‬‬ ‫للديمقراطية‬ ‫‪.......................................................‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬أوصاف الديمقراطية‬


‫‪49‬‬ ‫الغربيّة‬ ‫‪...........................................................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الديمقراطيات المختلفة عن‬


‫‪52‬‬ ‫الديمقراطية الغربية‬ ‫‪.............................‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬الديمقراطية كمذهب‪،‬‬


‫‪56‬‬ ‫وكنظام للحكم‬ ‫‪.......................................‬‬

‫الغربيّة ‪59 .....................................................‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬خصائص الديمقراطية‬


‫أوالً ‪ :‬الديمقراطية الغربيّة مذهب‬
‫‪60 ...........................................................‬‬ ‫سياسي‬
‫ثانيًا‪ : E‬كفالة الديمقراطية الغربيّة للحقوق‬
‫‪60 ...........................................‬‬ ‫والحريات‬
‫ثالثًا‪ :E‬فرديّة الديمقراطية‬
‫‪61 .............................................................................‬‬ ‫الغربيّة‬
‫راب ًعا ‪ :‬تقرير الديمقراطية الغربيّة للمساواة‬
‫‪62 ..........................................‬‬ ‫القانونيّة‬
‫‪63 .............................................................‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬صور الديمقراطية الغربيّة‬

‫المبحث األول‪ :‬الديمقراطية‬


‫‪64‬‬ ‫المباشرة‬
‫‪......................................................................‬‬

‫‪................................................‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الدميقراطية املباشرة‪ G‬وتطبيقاهتا‬


‫‪64‬‬
‫‪........................................................................‬‬ ‫المطلب الثاني(‪ :‬تقييم الدميقراطية‪ G‬املباشرة‬
‫‪65‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضــوع‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الديمقراطية النيابيّة‬
‫‪68 .....................................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الديمقراطية النيابيّة‬


‫‪68‬‬ ‫وظروف ظهورها‬ ‫‪................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مدى اتّفاق النظام النيابي‬


‫‪69‬‬ ‫مع منطق الديمقراطية‬ ‫‪.............................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أركان النظام‬


‫‪72‬‬ ‫النيابي‬ ‫‪......................................................................‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تكييف العالقة بين البرلمان‬


‫‪73‬‬ ‫والشعب‬ ‫‪............................................‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬مدى أخذ النظام النيابي‬


‫‪77‬‬ ‫الحديث بهذه النظريات‬ ‫‪.......................‬‬

‫المباشرة ‪77 .........................................................‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬الديمقراطية شبه‬


‫المطلب األول( ‪ :‬مفهوم الدميقراطية‪ G‬شبه املباشرة ‪........................................................‬‬

‫‪77‬‬
‫املباشرة‪78 ....................................G‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬دواعي اللّجوء إىل الدميقراطية‪ G‬شبه‬
‫‪.......................................................‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬انتشار الدميقراطية‪ G‬شبه املباشرة‪G‬‬
‫‪79‬‬
‫‪........................................................‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬مظاهر الدميقراطية شبه املباشرة‬
‫‪79‬‬
‫‪.........................................‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬تقييم أساليب‪ G‬الدميقراطية‪ G‬شبه املباشرة‪G‬‬
‫‪83‬‬

‫‪85 ..............................................................‬‬ ‫األول‪ :‬التعدّدية في ميزان اإلسالم‬


‫الباب ّ‬

‫‪86 ...................................................................................‬‬ ‫السننيّة‬


‫األول‪ :‬التعدّديّة ُ‬
‫الفصل ّ‬
‫‪87 ..................................................................................‬‬‫التنوع الفطري‬
‫األول‪ّ :‬‬
‫المبحث ّ‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعريف الفطرة ‪......................................................................................‬‬

‫‪88‬‬
‫‪.................................‬‬
‫المطلب الثاني( ‪ :‬حديث القرآن الكرمي عن ّ‬
‫التنوع واالختالف‬
‫‪91‬‬
‫‪......................................................................‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬وحدة األصل اإلنساين‬
‫‪94‬‬
‫‪.........................................................‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬أشكال ّ‬
‫التنوع‪ G‬يف عامل اإلنسان‪G‬‬
‫‪96‬‬
‫‪..........................................................‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬احلكمة من ّ‬
‫التنوع‪ G‬الفطري‬
‫‪100‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضــوع‬

‫‪..................................‬‬
‫المطلب الس ( ((ادس( ‪ :‬أثر التن‪Gّ G G G‬وع‪ G‬الفط‪GG G G‬ري يف ال ّ‬
‫ص‪G G G G‬راع السياسي‪G‬‬
‫‪103‬‬

‫الديني ‪106.............................................................................‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬االختالف‬


‫المطلب األول ‪ :‬تعريف ال ّ‬
‫دين ‪......................................................................................‬‬

‫‪107‬‬
‫‪...................................................‬‬ ‫وتنوع‪ G‬الشرائع‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬وحدة ال ّدين ّ‬
‫احلق ّ‬
‫‪112‬‬
‫‪..................................................................‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬تع ّدد األديان واختالفها‬
‫‪114‬‬
‫‪.....………. ..................................... ….‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬االختالف الديين وضماناته‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬احرتام االختالف الديين بني‬ ‫‪116‬‬
‫الدميقراطية‪130 ....................................................... G‬‬ ‫اإلسالم واألنظمة‬
‫يّة‬ ‫اني‪ :‬التعدّديّة السياس‬ ‫الفصل الث‬
‫‪135 ..................................................................................‬‬

‫اإليديولوجيّة ‪136...................................................................‬‬ ‫األول‪ :‬التعدّديّة‬


‫المبحث ّ‬
‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم اإليديولوجيا‪.......................................................................... G‬‬

‫‪137‬‬
‫وتطوراته‪140 .................‬‬
‫ّ‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬األصول التارخييّة ملصطلح "اإليديولوجيا"‪G،‬‬
‫‪...............................................‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬أهداف اإليديولوجيات‪ G‬ووظائفها‬
‫‪143‬‬
‫‪.........................................‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬اإليديولوجيات بني االستمرار والنهاية‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬عالقة اإليديولوجيّة بالتنظيمات‬ ‫‪144‬‬
‫احلزبيّة‪146 ....................................‬‬
‫اإليديولوجيّة‪150 ....................‬‬ ‫المطلب السادس ‪ :‬مدى قبول نظام اإلسالم‪ G‬للتع ّدديّة‬

‫الحزبيّة ‪158...........................................................................‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬التعدّديّة‬


‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم احلزب ‪....................................................................................‬‬

‫‪159‬‬
‫نشوئها‪164 ................‬‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬األصول التارخييّة لألحزاب السياسيّة‪ G،‬وطرق‬
‫‪.................................‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬عالقة التع ّدديّة احلزبيّة بالدميقراطية الغربيّة‬
‫‪168‬‬
‫‪.................................................................‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬أنواع األحزاب السياسيّة‪G‬‬
‫‪171‬‬
‫‪............................‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬صور التع ّدديّة احلزبيّة يف النظام الدميقراطي‬
‫‪173‬‬
‫السياسيّة‪181 .............................G‬‬ ‫المطلب السادس ‪ :‬أهم ّ‬
‫مربرات ووظائف األحزاب‬
‫‪..............................‬‬ ‫المطلب السابع ‪ :‬أهم االنتقادات‪ G‬املوجّهة إىل التع ّدديّة احلزبيّة‬
‫‪183‬‬
‫احلزبيّة‪185 ...................................‬‬ ‫المطلب الثامن ‪ :‬موقف نظام اإلسالم‪ G‬من التع ّدديّة‬

‫المؤسساتيّة ‪199....................................................................‬‬
‫ّ‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬التعدّديّة‬

‫‪.............................................‬‬ ‫ومربراهتا‬ ‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم التعدّديّة ّ‬


‫املؤسساتيّة‪ّ ،‬‬
‫‪200‬‬
‫‪.............................................‬‬
‫المطلب الثاني( ‪ :‬األصول التارخييّة للتع ّدديّة ّ‬
‫املؤسساتيّة‬
‫‪204‬‬
‫‪208 .............................‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬التقسيم الثالثي‪ G‬للسلطات يف الدولة احلديثة‬
‫‪...............................................................‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬مبدأ الفصل بني السلطات‬
‫‪218‬‬
‫‪........................................‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬التع ّدديّة ّ‬
‫املؤسساتيّة يف نظام اإلسالم‪G‬‬
‫‪223‬‬
‫اإلسالم‪229 ....................................G‬‬ ‫المطلب السادس ‪ :‬الفصل بني السلطات يف نظام‬

‫‪232 ......................................................‬‬ ‫الباب الثاني‪ :‬مبدأ األغلبيّة في ميزان اإلسالم‬

‫الغربيّة ‪233 .................................................‬‬ ‫األول‪ :‬مبدأ األغلبيّة في الديمقراطية‬


‫الفصل ّ‬

‫التاريخيّة‪234.....................................‬‬ ‫األول‪ :‬مفهوم مبدإ األغلبيّة وأصوله‬ ‫المبحث ّ‬


‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم مبدإ األغلبية ‪...........................................................................‬‬
‫ّ‬
‫‪234‬‬
‫‪......................................‬‬
‫المطلب الثاني( ‪ :‬األصول التارخييّة ملبدإ األغلبيّة‪ّ ،‬‬
‫وتطوراته‬
‫‪237‬‬

‫الديمقراطية‪242..................‬‬ ‫مبررات األخذ بمبدإ األغلبيّة في‬ ‫المبحث الثاني‪ّ :‬‬


‫المطلب األول ‪ّ :‬‬
‫املربرات املنطقيّة‪ G‬والواقعيّة‪ G‬لألخذ مببدإ األغلبيّة‪242 ...........................G‬‬
‫‪..........................‬‬
‫المطلب الثاني( ‪ّ :‬‬
‫املربرات السياسيّة والقانونيّة لألخذ مببدإ األغلبيّة‬
‫‪244‬‬

‫وتقويم‪246................................................-‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬نظام األغلبيّة –دراسة‬
‫المطلب األول ‪ :‬صور االنتخاب باألغلبية (دراسة وتقومي) ‪..................................‬‬
‫ّ‬
‫‪246‬‬
‫‪..............................‬‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬آثار تطبيق نظام األغلبيّة على النظام السياسي‬
‫‪254‬‬

‫النسبي ‪258......................................................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬نظام التمثيل‬
‫المطلب األول ‪ :‬مضمون نظام التمثيل النسيب ‪...........................................................‬‬

‫‪258‬‬
‫‪............................................................‬‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬تطبيقات نظام التمثيل النسيب‬
‫‪259‬‬
‫‪..............................................................‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬صور نظام التمثيل النسيب‬
‫‪260‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬طرق توزيع املقاعد النيابيّة‪ G‬بني القوائم يف نظام التمثيل‬
‫‪....................................................................................................‬‬ ‫النسيب‬
‫‪262‬‬
‫‪..............‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬طرق ّ‬
‫حل مشكلة باقي األصوات يف التمثيل النسيب‬
‫‪263‬‬
‫‪............................................................‬‬ ‫المطلب السادس ‪ :‬تقومي نظام التمثيل النسيب‬
‫‪269‬‬
‫النسيب‪272 .......................‬‬ ‫المطلب السابع ‪ :‬التفاضل بني نظام األغلبيّة ونظام التمثيل‬

‫الغربيّة ‪273............................‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬ضوابط األغلبيّة في الديمقراطية‬


‫‪..........................................‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬إشكاليّة‪ G‬التعارض بني السلطة واحلريّة‬
‫‪274‬‬
‫‪.................................‬‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬مظاهر طغيان األغلبيّة‪ G‬يف الدميقراطية الغربيّة‬
‫‪275‬‬
‫الغربيّة‪276 .............‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ّ :‬‬
‫مربرات إطالق‪ G‬سلطان األغلبيّة يف الدميقراطية‪G‬‬
‫‪..........................................‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬اآلثار السلبيّة إلطالق سلطان األغلبيّة‪G‬‬
‫‪277‬‬
‫‪.............................‬‬ ‫المطلب الخامس ‪ :‬تقييد سلطان األغلبيّة يف الدميقراطية الغربيّة‬
‫‪279‬‬

‫األغلبيّة ‪285 ...............................................................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬التأصيل الشرعي لمبدإ‬

‫وأدلّتهم ‪286....................................‬‬ ‫األول‪ :‬االتّجاه الرافض لمبدإ األغلبيّة‬


‫المبحث ّ‬
‫المطلب األول ‪ :‬األدلّة املستقاة‪ G‬من القرآن الكرمي ‪.....................................................‬‬

‫‪287‬‬
‫‪.......................................‬‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬األدلّة املستم ّدة من السنّة النبويّة‪ G‬الشريفة‬
‫‪293‬‬
‫الراشدين‪300 ..............................‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ .:‬األدلّة املستم ّدة من سرية اخللفاء‬
‫‪.....................................................................‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬األدلّة العقليّة املعتمدة‪.‬‬
‫‪305‬‬

‫وأدلّتهم ‪314...................................‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬القائلون بإلزام مبدإ األغلبيّة‬


‫دة من القرآن الكرمي ‪...................................................‬‬‫المطلب األول ‪ :‬األدلّة املستم ّ‬
‫‪314‬‬
‫‪.......................................‬‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬األدلّة املستم ّدة من السنّة النبويّة‪ G‬الشريفة‬
‫‪319‬‬
‫‪................................‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ .:‬األدلّة املستم ّدة من سرية اخللفاء الراشدين‬
‫‪326‬‬
‫‪................................................................‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬األدلّة املنطقيّة‪ G‬و الواقعيّة‪G‬‬
‫‪328‬‬

‫األمة ‪331........................................‬‬
‫ّ‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬عالقة األغلبيّة باإلجماع وعصمة‬
‫المطلب األول ‪ :‬مبدأ األغلبية وعصمة األمة ‪...............................................................‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪332‬‬
‫‪.......................................................................‬‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬مبدأ األغلبيّة‪ G‬واإلمجاع‬
‫‪333‬‬

‫وضوابطها‪341............................................‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬مجاالت العمل باألغلبيّة‪،‬‬


‫المطلب األول ‪ :‬جماالت العمل باألغلبية يف نظام اإلسالم ‪......................................‬‬
‫ّ‬
‫‪341‬‬
‫‪..................................................‬‬ ‫المطلب الثاني( ‪ :‬ضوابط األغلبيّة‪ G‬يف نظام اإلسالم‬
‫‪344‬‬

‫‪...........................................................................................................................................‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪347‬‬
‫الفهارس‬
‫‪356 ...........................................................................‬‬ ‫‪-1‬فهرس المصادر والمراجع‬
‫الكريمة ‪377 ...............................................................‬‬ ‫‪- 2‬فهرس اآليات القرآنية‬
‫الشريفة ‪387 .............................................................‬‬ ‫‪-3‬فهرس األحاديث النبويّة‬
‫‪- 4‬فهرس األعالم ‪.....................................................................................................‬‬

‫‪389‬‬
‫‪.............................................................................................‬‬ ‫‪-5‬فهرس المحتويات‬
‫‪396‬‬

You might also like