Professional Documents
Culture Documents
كما أتق ّدم بالشكر الجزيل إلى أستاذي الفاضل المشرف على هذا البحث
الدكتور أحمد بن محمد –حفظه هللا أل ّمة اإلسالم -على ما استفدت منه ،من
ُخلقه الكريم ،وعلمه الغزير ،ومالحظاته الدقيقة ،وحرصه الشديد على حسن
الصياغـــة واإلتقان في العمـــل ،فكـــان مكمــــّالً لنقصي ،وفاتــحًا لي واسع
اآلفاق لم أكن ألدركها لواله.
كما أشكر ك ّل من ساهم في إنجاز هذا البحث من الذين أم ّدوني بيد العون
والتأييد ،سواء بكالم طيّب مشجّع ،أو بتسهيل الحصول على الكتب والمراجـــع،
أو بتعهّـــــد إخـــراج هذا البحـــث بالكتابة والنسخ .فهـــؤالء جميعـــا ً يضيق
المقــــام عن تعدادهم ،ويعجز اللسان عن كفائهم ،مهما أوتي من عبارات الشكر
والثناء ،فاهلل يتوالّهم بالمثوبة والجزاء.
فلك ّل هؤالء منّي جزيل الشكر ،ووافر االمتنان ،وخالص التقدير.
وما عند هللا خير وأبقى ،وإنّه ال يضيع أجر المحسنين.
اإلهداء
ي العزيزين ..ب ّراً بهما ووال ًء لهما ،فلهما منّي محبّةً ،ودعا ًء أن
*إلى والد ّ
pربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًاi
* إلى أساتذتي ومعلم ّي في جميع مراحل التعليم ..إقرارًا بفضلهم ،وعرفانًا
لجميلهم.
* إلى إخوتي وأخواتي ،وجميع أفراد أسرتي ..إذ كفوني من هموم الحياة،
ويسّروا لي فرص العلم والتحصيل لتحقيق حُلم ظ ّل دو ًما في الخيال.
* إلى جميع أصدقائي الذين كانوا عونًا لي ،تشجيعًا ،وترقّبًا إتمام باكورة
أعمالي.
* إلى ك ّل مسلم غيور على دينه ،راضيًا باهلل ربًا ،وباإلسالم دينًا ومنهاجًا،
وبمح ّمد eنبيّا ً ورسوالً وقدوة ،وبالقرآن نبراسا ً ودليالً.
الباب التمهيدي
مدخل عام إلى الديمقراطية الغربيّة
تعترب الدميقراطيّة الغربيّة من األنظمة البشرية الوضعيّة ،اليت هتتّم بشؤون السياسة واحلكم بالدرجة
اخلاصة و العامة ؛ حىت لقد عريضا ،وشهرة واسعة ،يف أوساط ّ األوىل .وهي من األنظمة اليت نالت قبوالً ً
كل األلسن ،مبا فيها اليت ال تفقه معناه ،وال تدرك حقيقته وجوهره. غدا مصطلح "الدميقراطية" Gتلوكه ّ
تتضمن آليات ع ّدة ،منها :حكم الشعب ،التداول على السلطة ،التع ّدديّة، وهذه الدميقراطية Gالغربيّة ّ
مبدأ األغلبيّة G،الدستور ،االنتخابات ،وغريها من اآلليات.
يتضمن دراسة بعض اآلليات ،ومها( :التع ّدديّة ،ومبدأ األغلبيّة)G،
وموضوع حبثنا هذا ،والذي ّ
وتأصيلها من الناحية الشرعيّة ،يقتضي ّأوالً بيان حقيقة هذه الدميقراطية الغربيّة ،وذلك بدراسة تارخيها،
وتطورها ،وحتديد مفاهيمها ،مع متييزها عن غريها؛ ببيان Gأوصافها وخصائصها ،وحتديد صورها املختلفة. ّ
يتضمن الفصول اآلتية: ولذلك فقد بدأنا هذا البحث هبذا الباب التمهيدي ،والذي ّ
األ ّول :ونتح ّدث فيه عن التط ّـور التـارخيي للدميقراطيـة الغـربيّة. الفصل
الثاني :ونتناول فيه مفاهيـم الدميقراطية Gالغـربيّة ،وخصـائصها. الفصل
الفصل الثالث :ونتـع ّـرض فيـه إىل صـور الدميقـراطيـة الغـربـيّة.
الفصل األول
التط ّور التاريخي للديمقراطية الغربية
أي نظ ( ((ام من األنظمة البش ( ((ريّة( -السياس ( ((يّة( وغيره ( ((ا (-تم ( ( ّ(ر بمراحل مختلف ( ((ة؛ يك ( ((ون من
إ ّن ّ
ص ( (ة ,نتيجة
مما يعطيها ص( ((ورة خا ّ
نتيجتها أن تص( ((بغ تطبيق( ((ات تلك األنظمة بظ( ((روف تلك المرحل( ((ة؛( ّ
أي نظ ((ام
ام ((تزاج النظ ((ام الم ((وروث مع الظ ((روف المحيطة بتلك البالد؛ وه ((ذا هو سر اختالف تط ((بيق ّ
الرغم من أخذها( بنظام واحد.
سياسي( من بلد إلى آخر ,على ّ
فإذا ما حاولنا تأريخ نشأة نظام سياسي معيّن بمرحلة مح ّددة ،أو بحدث تاريخي ذي
ي نظـام بال ،وجدنا بذور تكوينه في فترة س ابقة؛ وله ذا يص عب أن نح ّدد ت اريخ نش أة أ ّ
سيـاسي ،أو نعيّن ف ترات بداي ة ونهاي ة ك ّل مرحل ة من مراح ل تط ّوره ,وه ذه الص ورة
تنطبق أيضا ً حت ّى على تحديد العصور التاريخيّة المعروف ة ,ال تي اختل ف المؤرّخ ون في
تحديد فتراتها الزمنية؛ م ّما ألجأهم إلى االستعانة بحوادث تاريخيّ ة مه ّم ة ،يس تندون إليه ا
ي عصر من العصور. في تحديد بداية ونهاية أ ّ
وفي هذا الفصل عمدنا إلى تتّبع مراحل تط ّور النظ ام ال ديمقراطي حتّى وص ل إلى
ما هو عليه اآلن ،سواء تلك المراحل التي عرفت فيها الديمقراطي ة انتعاش ا ً وازده اراً ,أم
التي عرفت فيها أفوالً وتراجعاً.
فالنظ ام ال ديمقراطي ليس بن ا ًء مص طنعًا من ط رف منظّ رين ،أو ق انونيين ،أو
مف ّكرين سياسيين؛ إنّه نتيجة تط ّور ت اريخي بعي د الم دى ,اس تُم ّدت كث ير من قوانين ه من
األنظمة السياسيّة ال تي س ادت في أورب ا في الق رون الوس طى ،ومن ال تراث الحض اري
اإلنساني ،وتح ّولت تدريجيًا حت ّى أصبحت أساسًا لنظام جديد ,مستفيدة من عناص ر قديم ة
بما يتّفق ومنطقها.1
وح ت ّى نق ف على مراح ل تط ّور النظ ام ال ديمقراطي ،ومالمح ه ،وعوامل ه ،قمن ا
بتقسيم هذا الفصل إلى المباحث اآلتية:
المبحث األول :ونتناول فيـه الديمقـراطيـة في العصـور القديمـة.
المبحث الثاني :ونتعرّض فيـه إلى الديمقراطيـة في العصور الوسطى.
المبحث الثالث :ونتح ّدث فيه عن تط ّور الديمقراطية في العصر الحديث.
المبحث األول
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, éd. P.U. F. Coll., Thémis, paris, p.42 11
الديمقراطية في العصور القديمة
تعتبر العصور القديمة مهد كثير من النظريات واألنظمة السياسيّة؛ وذلك ألنّه ا تعت بر مرحل ة تفتّ ق العق ل البش ري ،وس عيه
لتنظيم شؤون حياته بصورة أفضل؛ فكانت الحضارات القديمة مصد ًرا إلنجازات عظيمة ،وأفكار قيّمة ،ساهم فيها كثير من الفالس فة،
ورجال الحكم ،و كذا الشعوب الواعية.
ومن أشهر احلضارات القدمية يف أوربا :احلضGGارة اليونانيّGة G,واحلضGارة الرومانيّة؛ حيث كGانت األوىل
مهد الدميقراطية Gالغربية ،وسامهت الثانية يف تطوير بعض أفكارها ،وممارسة مظاهرها يف بعض فرتاهتا.
ورغم ما يقGG G Gال عن الدميقراطية يف اليون GG Gان القدمية ,إالّ أ ّن هلا فضل ال ّسG G Gبق يف تط GG Gبيق مب GG Gادئ هGG Gذا
النظ GGام ،ومتيّزها ب GGذلك عن غريها من احلض GGارات؛ ّأما عن احلض GGارة الرومانيّ GGة ,ف GGرغم اختالفها عن اليون GGان
القدمية يف تطبيق هذا النظام ,فإهّن ا سامهت يف إثرائه -وإن كانت قد تراجعت عنه يف آخر مراحل حكمها.
وس GGنحاول – حبول اهلل تع GGاىل – يف ه GGذا املبحث رصد تط Gّ Gور الدميقراطية Gيف ه GGاتني ال GGدولتنيّ ،
وأهم
جتسدها ،وذلك يف املطلبني اآلتيني: مظاهرها ،ومميزاهتا ،واهليئات اليت ّ
إذا ذُكGG Gرت الدميقراطية Gيف اليونGG Gان Gالقدمية ،يتبGG Gادر إىل ذهننا اسم "أثينGG Gا" ,وهي إحGG Gدى املدن
اليونانيّGGة G،اليت سGGاد فيها النظGGام الGGدميقراطي G،ومتيّGGزت به عن غريها من املدن اليونانيّة GاألخGGرى ,وال سGGيّما يف
مواجهة "إسربطة" ,اليت متيّزت بنظامها اإلرستقراطي.2
2اإلرستقراطية ( :)Aristocratieباليونانية سلطة خواص النّاس ،وكفك رة سياس ية تع ود في تكوينه ا ألفالط ون في
"الجمهورية" ،إذ كان يكره الحكم الديمقراطي ،ويرغب أن يحكم البالد طبق ة من اإلرس تقراطيين ،أو كم ا يس ّميهم
الطبق ة الذهبيّ ة ،لكن مفه وم أفالط ون لل رّوح اإلرس تقراطية مفه وم قيمي ال مفه وم طبقي .وق د ص نّف أرس طو
اإلرستقراطية بين النظم السياسية وح ّددها بأنّه ا س لطة الحكم اء ال تي ال تلبث أن تخط ط وتص بح أوليغارش ية ،أي
حكم بعض األسر التي تستأثر بالحكم على الرّغم من عدم أهليّتها .وتاريخي ا ً ترتك ز اإلرس تقراطية على األراض ي
المملوك ة ،وعلى مب دإ الوراث ة ،وق د ترتك ز اإلرس تقراطية على ال ثروة واألرض ،وق د تك ون دينيّ ة .والمب دأ
الديمقراطي عد ّو المبدإ اإلرس تقراطي .الكيEEالي (عب د الوه اب) وآخ رون ،موسEEوعة السياسة ،المؤسّس ة العربي ة
للدراسـات والنشر ،بيروت ،ط1990 ،3.م ،جـ ،1.ص.148-147 .
فعن GGدما نتحّ G Gدث إذن عن الدميقراطية اليوناني GGة ،فإنّنا نقصد ما يع GGرف بالدميقراطية األثينيّ GGة G,واليت هلا
وجهت إليها انتق GGادات كث GGرية ,س GGواء من مظ GGاهر خمتلف GGة ،وهيئ GGات جت ّسG Gد ه GGذه األفك GGار الدميقراطي GGة G،كما ّ
القدامى ،أم من احملدثني.
وقد ك GGانت مرحلة ازده GGار احلض GGارة اليونانيّة – بني الق GGرن الس GGادس والق GGرن الرابع قبل امليالد -هي
الفرتة اليت شهدت نضج النظام الدميقراطي.3G
ولإلحاطة جبوانب ه GG Gذه الدميقراطية من حيث النش GG Gأة G،واخلص GG Gائص G،واهليئ GG Gات G،وكGG Gذا االنتقGG GاداتG
قسمنا هذا املطلب إىل الفروع اآلتيةG: املوجهة إليها ،فقد ّ ّ
3
.MOSCA (G), Histoire des doctrines politiques, Bibliothèques politique et économique, Paris, 1955, p.30
4فقد جاء في موسوعة "تEEاريخ الحضEEارات العEEام" « :كم ا يوج د في بالد الراف دين في العص ور القديم ة ن وع من
الديمقراطية البدائيّة .» تاريخ الحضارات العام ،لمجموعة من المؤلفين الغربيين ،جـ ،1.ص.132.
5ليبسون (لسلي) ،الحضارة الديمقراطية ،ترجمة :فؤاد مويساتي وعباس العمر ،دار اآلف اق ،ب يروت ،د.ط،د.ت،
ص.18 .
ّ
6دولة المدينة ( : )L' Etat-citéنظام ,أوكيان سياسي محوره مدينة مستقلة تنحصر فيه السيادة والعصبيّة بمواطني
المدينة ,ولكن ممارسة السيادة تمت ّد إلى محميات ومستعمرات هذه المدين ة .ويع ود ه ذا النظ ام إلى الت اريخ الق ديم،
حيث نسجت الكيانات السياس ية ح ول الم رافئ ,أو الم دن التجاري ة الق ادرة على حمايـة نفس ها بواس طة الح واجز
الطبيعية ،أو القالع ,والقادرة على ممارسة التجارة ،أو إنتاج السلع ،أو على السيطرة على الطرق التجاري ة ,وأهم
خصائصها :تمتّع المواطنين بالحقوق واالمتيازات دون العبيد ،وص غر حجم المدين ة ،ومحدوديّ ة ع دد المواط نين.
الكيالي(عبد الوهاب)وآخرون ,موسوعة السياسة ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.722 .
بعضها عن البعض اآلخر ,إالّ أنّنا نعرف عن نظام احلكم الGGدميقراطي يف أثينا أكGGثر ممّا نعGGرف عن غريها من
نظم احلكم يف الدويالت اليونانيّة Gاألخرى.
خصها فالسفة اإلغريق بوافر عنايتهم ،وهي اليت تصلح أن تعّ Gد وكذلك فإ ّن حكومة أثينا هي اليت ّ
مبثابة النموذج الذي ميثّل الدميقراطية Gاليونانيّة Gالقدمية.7
وتعترب الدميقراطية Gاألثينيّة Gمن أخصب وأبرز التجارب الدميقراطية يف العصور القدمية؛ ومن هنا نGGرى
ض GGرورة دراسة ه GGذه التجرب GGة ،حىت ميكن إدراك م GGدى تط Gّ Gور الفكر ال GGدميقراطي ،نتيجة اختالف اجملتمع GGات
احلديثة عن اجملتمعات القدمية.8
الفرع الثاني :خصائص الديمقراطية الأثينيّة ( )La démocratie antique
أهم ه GGذه اخلص GGائص تتميّG Gز الدميقراطية Gاألثينيّة Gبعّ G Gدة خص GGائص اش GGتهرت هبا ،وعُ GGرفت عنه GGا ،ومن ّ
املعروفة عن الدميقراطية Gاألثينية Gنذكر ما يأيت:
أوال :الديمقراطية المباش ( ((رة :فلم تكن تعGG G Gرف ما يسGّ G G Gمى بالنظGG G Gام النيGG G Gايب ،أو التمثيل الني GG Gايب ,9وقد
كGG G Gانت الدميقراطية GاملباشGG G G Gرة هي أحد المبGG G G Gادئ األساسGG G G Gية Gاليت قGG G G Gامت عليها الدميقراطية GاألثينيّGG G Gة G,وتعين
الدميقراطية Gاملباشرة :أن حيكم الشعب نفسه بنفسه ،أي أن يباشر الشعب بنفسه مجيع السلطات.10
والواقع أ ّن هنGGاك جمموعة من الظGGروف سGGاعدت على األخذ بأسGGلوب الدميقراطية GاملباشGGرة يف أثينGGا،
وميكن إمجال هذه الظروف فيما يأيت:
-1قلّة عدد السكان.
-2حرمان العبيد والنساء واألجانب من مباشرة احلقوق السياسيّةG.
-3بساطة احلياة يف العصور القدمية ،وسهولة املسائل المعروضة للبحث.
على أ ّن األخذ بأسGG G Gلوب الدميقراطية املباش GG G Gرة ال يعين أن ميارس ك Gّ G G Gل مواطين أثينا مجيع الس GG Gلطات
وزع االختصGGاص Gهبا على هيئGGات متعّ Gددة تنبع كلّها من الشGGعب, بأنفسGGهم؛ وذلك أل ّن هGGذه السGGلطات قد ّ
ّإما بطريق القرعة ،أو بطريق االنتخاب.11
7متولي (عبد الحميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،ط1974 ،5.م ،جـ،1.
ص.97 .
8رسالن (أنور أحمد) ،الديمقراطية بين الفكر الفEEردي والفكEEر االشEEتراكي ،دار النهض ة العربي ة ،الق اهرة ،د.ط،
1971م ،ص.1 .
.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, Dalloz, paris, 1957, p. 51 9
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 93 10
11رسالن (أنور أحمد) ،المرجع السابق ،ص 21 .وما بعدها.
اجلو األفضل الزده GGار هGGذا النمGGوذج احلكمي النGGادر الوج GGود ,وقلّما
كما أ ّن "الدول GGة-املدين GGة" ت GGوفّر ّ
عُرف يف اليونان القدمية خGارج أثينGا ,فGاملواطنون GاألثيGنيون حكمGوا أنفسGهم حكمGاً مباش ًGرا لفGرتة قصGرية من
الزمن ,وكانوا جيتمعون على شGكل هيئGات يف السGاحات العامة ,ويش ّGرعون القGوانني G،وبلغ حكمهم املباشر
أوجه يف عهد "بريكلس".12 ألنفسهم ّ
أقر الدميقراطيون- Gبوجه عام -مبدأ التسGGاوي ,وعلى الGّ Gرغم من أ ّن ثانيا :المساواة أمام القانون :فلقد ّ
األثين GGيني مل يكون GGوا يس GGاوون -نظريG Gاً أو عمليG Gاً -بني األم GGور بص GGورة مطلق GGة ،بل ك GGانوا مييّ GGزون بني امله GGام
السياسيّة املختلفة ،إالّ أهّن م يف مسألة واحGدة مل يقبلGوا هتاونا فيهGGا ,وهي املسGGاواة GأمGام القGانون G,وكما يقGول
يستظلون مجيعاً باملساواة Gحسب القانون.13» ّ اخلاصة فإهّن م
"بريكلس" « :يف منازعاهتم ّ
كما عُGGرفت عنهم احلرية يف التعبري جلميع اآلراء ،حGGول شGGؤون تسGGيري املدينGGة G،وجت ّسGدت املسGGاواة Gيف
14
يهتم بGGدور املواطن يف املشGاركة السياسGGيّة، ّ ةG
ّ ص خا واألثيين ةعام
ّ اليوناين الفكر ن
ّ إ بل , هذا الشأن Gكذلك
يهتم مبصGGاحل وقضGGايا الدولة ويعتربونه GأسGGاس الدميقراطية األثينيّGGة ،حىّت إ ّن "بGGريكلس" يع ّ Gد املواطن الGGذي ال ّ
عدمي الفائدة.15
فه GGذه أب GGرز خص GGائص الدميقراطية Gاألثيني GGة ،وهن GGاك بالتأكيد Gغريه GGا ،ولكن اقتص GGرنا على ما يب GGدو أنّه
عمليا وج GGود هيئ GGاتمهم يف حبثنا هGG Gذا ،ممّا له صGG Gلة بفكGG Gرة الدميقراطية GومبادئهGG Gا ،اليت تتطلّب لتجسGG Gيدها ً ّ
خمتلفة تكون Gتعبرياً عملياً ،وتطبيقاً هلذه األفكار واملبادئ.
الفرع الثالث :هيئات الديمقراطية الأثينية
اش تهرت "أثين ا" بثالث هيئ ات مختلف ة ,لك ّل منه ا اختصاص ات معيّن ة ,تمثّ ل مظه راً من مظ اهر الديمقراطي ة األثينيّ ة ,و
12ماكيفر (روبرت) ،تكوين الدولة ،ترجمة :حسن صعب ،دار العلم للماليين ،بيروت ،ط ،1984 ،2 .ص.208 .
13جونز (أ.هـ.م ،).الديمقراطية األثينية ،ترجمة :عبد المحسن الخشاب ،الدار المصرية العام ة للكت اب ،د.م ،د.ط،
1976م ،ص.73.
.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, p. 50 14
.TOUCHARD (Jean), Histoire des idées politiques, presses universitaire de France, paris, 1959, p.18 15
(اإلكليزيا) أولا :جمعية الشعب
والتي هي مصدر السلطان ،وتعتبر الهيئة الحاكمة ،وتعقد في العام أربعين اجتماعا ً منتظماً ،إلى جانب ما يتطلّبه األم ر
مفص لة في ك ّل مج االت
ّ البت في مس ائل السياس ة العا ّم ة فحس ب ،ب ل ك انت تت ّخ ذ ق رارات
من جلس ات اس تثنائيّة ،ولم تكن مه ّمته ا ّ
الحكومة ،من الشؤون الخارجيّة ،والعمليات الحربيّة ،والشؤون الماليّة ,ومن أه ّم وظائفها ك ذلك :انتخ اب الض بّاط العس كريين ,وعلى
18
.TOUCHARD (Jean), Histoire des idées politiques, op.cit., p.19
جونز (أ.هـ.م ،).الديمقراطية األثينية ,مرجع سابق ،ص.8. 19
لقد ُو ّجهت إىل الدميقراطية Gاألثينيّة Gانتقادات شىّت من قِبل معاصريها ،ومن احملدثني كGGذلك؛ فكGGانت
تلك العيوب سبباً يف هجوم كثري من املف ّGكGرين السياسGGيني والفالسGGفة Gعلى هGGذه الدميقراطيGGة G,بل إ ّن بعضGGهم
رأى أهّن ا ليست من الدميقراطية Gيف شيء .وميكن إمجال هذه االنتقادات Gفيما يأيت:
األغلبية
ّ أوال :أنّها حكومة األقليّة وليست
حق ممارسـة السGGلطة والسيـادة يف أثينا القدمية مل يكن يتجGGاوزون ( وذلك أل ّن األحرار الذين هلم ّ
،) %10أي عشر س ّ G G Gكان املدينة ,20فهنGG G Gاك متيGG G Gيز بني املواطGG G Gنني األثينGG G Gيني األحGG G Gرار ،وغري املواط GG Gنني
(األجانب) الذين يش ّكلون من 10إىل ، % 20والعبيد الذين يش ّكلون %40من جمموع الس ّكان.21G
اجتماعيا إىل فئGG Gتني :فئة األرقّGG Gاء ،وهم
ً إذن ،فقد كGG Gانت "أثين GG Gا" واملدن اليونانيّة األخ GG Gرى مق ّس G Gمة
األغلبيّ Gة السGGاحقة من السكّان ،وفئة املواطGGنني األحGGرار ،وهم القلّة الGGذين كGGانوا يتمتّعGGون GوحGGدهم بGGاحلقوق
السياس GG Gيّة ,وهك GG Gذا اقتص GG Gرت مباش GG Gرة ش GG Gؤون احلكم على الفئة الثانية دون األوىل ،أو على الفئة اليت متثّ G Gل
األقليّة من السكّان ال GG Gذين مل يتج GG Gاوز ع GG Gددهم وقت GG Gذاك عش GG Gرين ألف G Gاً ،دون الغالبيّة Gالس ّG Gاحقة من األرقّ G Gاء
واألجانب املوجودين هبذه املدن.22
صGائيني ثانيا :جهل رجال السياسة :إذ مل يكن يتطلّب يف الدميقراطية األثينيّة وجود أشGGخاص فGGنيّني أخ ّ
Gىت يف العصر احلديث ،ويف أك GGثر تالحظ حّ G Gيف خمتلف مراكز احلكومGG Gة .والواقـع أ ّن هـذه الظGG Gاهرة ال تGG Gزال َ
الGGدول تق ّ Gدماً ,وهي من العيGGوب Gاليت ينسGGبها البعض إىل أنظمة احلكم يف عصGGرنا هGGذا ,ولكن ليس إىل ح ّ Gد
ما هو موج GGود يف الدميقراطية Gالقدمية ،ففي أثينا ك GGان ك Gّ Gل ف GGرد من املواط GGنني غري األرقّ GGاء يبلغ العشـرين من
عمGGره ،يعّ Gد عضـواً يف "مجعية الشGGعب" ،أي أنّه يقGGوم باملهمّGة اليت يقGGوم هبا نGGائب من النGGواب ،كما أنّه جيوز
أي وقت أن خُي تـار موظّـفاً أو قاضياً أو ضابطاً.23 له يف ّ
ثالثا :استبداد الفقراء باألغنياء
حيث اعترب الفالس GGفة أنّه من املآخذ األساس GGيّة Gعلى ه GGذه الدميقراطي GGة G,أهّن ا ك GGانت تعين س GGيادة
الغالبيّة الفقGGرية مبا خيدم مصGGاحلها على حسGGاب األقليّ Gة الغنيّة ,24Gفقد ذهب "أفالطGGون"( 347-427ق.م)
و"إيس GG Gوكراتيس"( 338-436Gق.م) و"أرس GG Gطو"( 322-384ق.م) إىل اعتب GG Gار الدميقراطية Gاس GG Gتبداد
20
.PRELOT (Marcel) , Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, p.51
ط2000 ،1.م ،ص.15.
غزوي (محمد سليم) ،نظرات حول الديمقراطية ،دار وائل للطباعة والنشر ،ع ّمان، 21
شيحا (إبراهيم عبد العزيز) ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،د.ن ،.د.م ،.د.ط1988 ،.م ،ص.282. 22
متولي (عبد الحميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق،جـ ،1.ص.104-103. 23
الهاشمي (طارق علي) ،األحزاب السياسية ،مطابع التعليم العالي ،بغداد1990 ،م ،ص.11. 26
متولي (عبد الحميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.108. 28
العقاد (عباس محمود) ،الديمقراطية في اإلسالم ،دار المعارف ،القاهرة ،ط ،6.د.ت ،ص.14. 29
خلـص أحد البGG G Gاحثني املعاصGG G Gرين مفهGG G Gوم الدميقراطية Gاألثينيّة Gوخصائص GG Gها يف العب GG Gارة اآلتيGG Gة:
ولقد ّ
"دميقراطية سياس GGيّة ،تق GGوم على أس GGاس االش GGرتاك Gاملباشر جلميع املواط GGنني ال GGذكور يف ممارسة احلكم ،وتتمتّع
الدولة فيها بسلطات شاملة".30
ص.31. 30رسالن (أنور أحمد) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق،
31عصفور (سعد) ،المبادئ األساسEEية في القEEانون الدسEEتوري والنظم السياسEEية ،منش أة المع ارف ,اإلس كندرية،
د.ط،د.ت ,ص.149.
32ليلة (محمد كامل) ،النظم السياسية (الدولة والحكومة) ،دار النهضة العربية ،بيروت ،د.ط1969 ،.م ،ص.391.
كل طGGرف ،حيث أخGذت هGGذه العالقة طابعاً جديGداً ،يكGاد يشGGبه والدولة ,وذلك بضبط حقGGوق وواجبGGات ّ
ما هو موجود يف جمتمعنا احلايل.33
وميكننا القول إ ّن العامل اليوم مدين للرومان ,باعتبار الشعب صGGاحب السGGيادة ،وأيضGاً مببGGدإ التعاقGGد،
وعGGدم الGGرتاجع يف مجيع االتّفاقGGات املربمGGة G,كما يعGGود الفضل إليهم يف إسGGناد صGGياغة القGGوانني إىل اخلرباء يف
التشريع ،وجعل املوافقة عليها من اختصاص الشعب ,عن طريق ممثّليه يف اجملالس الشعبيّة.34G
وك GGان من أش GGهر املف ّكGGرين السياس GGيني يف روما القدمية" :بول GGبيوس"201-120() Polybius ( G
ق.م) ،و"شيشرون" ( 106-43( ) Cicéron ق.م).35
ولكن -كما ذكرنا س GGابقاً -ف GGإ ّن الفكر السياسي الروم GGاين مل يكن أص GGيالً عن GGدهم ،ولكنّه نُقل عن
اليون GGان G،وصGG Gيغ باألسGG Gلوب الرومGG Gاين ،مبا يتالءم مع ظGG Gروفهم وأوضGG Gاعهم ،لGG Gذلك ميكن الق GGول إ ّن عبقريّة
الرومGGان عبقريّة ترمجة؛ حيث ح ّققGGوا أجمادهم عن طريق نقل تGGراث احلضGGارة اليونانيّة واحلضGGارات املعاصGGرة
هلم ،واالستفادة منها بعد صقلها.36
الفرع الثاني :مظاهر الديمقراطية الرومانية من خالل هيئاتها السياسية
جتدر اإلشGG G Gارة هنا إىل أ ّن هGG G Gذه املظGG G Gاهر الدميقراطية نلمسGG G Gها من خالل العه GG Gدين امللكي
واجلمه GGوريّ ,أما يف عصر اإلمرباطورية العليا واإلمرباطورية الس GGفلى فقد س GGاد فيها النظ GGام الف GGردي املطل GGق،
املتمثّل يف س GG Gيطرة اإلم GG Gرباطور Gعلى الس GG Gلطتني السياس GG Gيّة Gوالدينيّ GG Gة ،بعد أن س GG Gلب جملس الشGG Gيوخ وجمالس
كل اختصاصاهتما التقليديّة.37 الشعب ّ
أوال :تع ّدد هيئات الحكم في روما
Gوزعت على هيئGات خمتلفGة ،لك ّGل منها
حيث مل تكن تسند إىل شخص واحGد ،أو هيئة واحGدة ,بل ت ّ
اختصاصات وصالحيات معيّنة ،وهذا يف العصرين امللكي ,واجلمهوري.
-1العصر الملكي :وكGG G Gان احلكم فيه يرتكز على وجGG G Gود هيئGG G Gات ثالثGG G Gة :امللGG G Gك ،وجملس الش GG Gيوخ،
قائما على أسGG Gاس الوراثGG Gة G،وإن تعّ G Gذر ذلك
واجملالس الشGG Gعبية G.وكGG Gان امللك يعنَّي خلفGG Gه ,إذ مل يكن احلكم ً
املهمGGة؛ ويت GGوىّل امللك احلكم م GGدى احلي GGاة ،وك GGانت س GGلطاته مطلق GGةّ .أما جملس
يت GGوىّل جملس الش GGيوخ ه GGذه ّ
بوحوش (ع ّمار) ،تط ّور النظريات والنظم السياسيّة ،المؤسّسة الوطنية للكتاب ،الجزائر ،ط1984 ،2.م ،ص.90. 33
ور النظريات والنظم السياسيّة ،مرجع سابق ،ص.105. بوحوش (ع ّمار) ،تط ّ 34
الجرف (طعيمة) ،نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي ،مكتبة القاهرة الحديثة ،القـاهرة ،ط ،1.ص. 37
.206-205
الشGGيوخ فيتكGّ Gون من رؤسGGاء وشGGيوخ العشGGائر ،وهم من األشGGراف ،ويبلغ عGGددهم ثالمثائة عضGGواً G,وكGGانت
مهمته استشاريّة بالنسبة للملGك ،كما يتGوىّل التصGديق على قGرارات اجملالس الشGعبيّةّ G.أما هGذه األخGرية –أي ّ
اجملالس الشGG Gعبيّة -اليت يبلغ عGG Gددها ثالثني جملساً ،وتقتصر العضGG Gويّة Gفيها على الGG Gذكور من األش GGراف ،فإهّن ا
جتتمع بنGGاءً على دعGGوة امللGGك ،ويقتصر اختصاصGGها يف املوافقة Gأو الGGرفض على التعGGديالت Gاملراد إدخاهلا على
نظام املدينة G،أو تكوين العشائر.38
-2العصر الجمه ((وري :ويب GGدأ ه GGذا العصر بعد الث GGورة يف روما ضّ G Gد امللك "ت GGاركوين" () Tarquin
نتيجة سياسGG Gته التع ّس G Gفيّة ،حيث طGG Gرد (سGG Gنة 209ق.م) ف G Gأُلغي بGG Gذلك نظGG Gام احلكم امللكي G،وحGّ G Gل النظGG Gام
Gتمر مخسة قGGرون متواليةّ .39أما عن هيئGGات احلكم يف هGGذا العصر فتتمثّ Gل يف :القنصGGلني اجلمهGGوري الGGذي اسّ G
يتم اختيGG Gارهم باالنتخGG Gاب ،بواسGG Gطة اجملالس الشGG Gعبيّة وجملس الش GGيوخ؛ (لرئاسة الدولGG Gة) ,واملوظّفني الGG Gذين ّ
عدة أنGGواع Gمن اجملالس ،ومتارس تلك اهليئGGات وظGGائف الدولة التشGGريعيّةG واجملالس الشGGعبيّة Gاليت تنGGدرج حتتها ّ
والتنفيذيّة GواإلداريّGة .ومتّ يف هGذا العصر تعGديل جGوهري يف نظGام احلكم ،حيث أصGبحت هنGاك مسGاواة بني
العامة ،وطبقة األشراف ،وكان اختيار احلاكم عن طريق االنتخاب ،وم ّدة حكمه مؤقّتة.40 طبقة ّ
ثانيا :دور المجالس الشعبية في الممارسة الديمقرطية
جتمعGGاهتم املتكGّ Gررة Gملعاجلة
حيث تظهر لنا بعض املظGGاهر الدميقراطية لGGدى الرومGGانيني ,من خالل ّ
متر أسGGابيع قليلة مل يكن جُي مع فيها الشGGعب الرومGGاين ،بل جُي مع فيها ع ّ Gدة مGGرات ,فلم أمGGورهم إذ « مل تكن ّ
يكن ميارس حقوق السيادة فحسب ،بل وجزءًا من حقوق احلكومGGة G،فقد كـان يعGGاجل أمGGوراً معيّنGGة ،وحيكـم
يف قضايـا معيّنة G,فكـان هذا الشعب G-بأكمله -كثيراً ما يكاد يكون Gحاكماً بقدر ما هو مواطن.41»
كل القGGوانني الصGGادرة البّ Gد أن تنGال تصGدي ًقا ،وكGّ Gل احل ّكGام البّد أن يُنتخبـوا يف اجملالس،
كما كانت ّ
Gجالً يف بطن ،أو وحGGدة مئويّGGة ،أو يف قبيلGGة ،ونتيجة لGGذلك مل يكن مثّة كما أنّه ما من مGGواطن إالّ وكGGان مسّ G
حمروما من حGّ G Gق التصGG Gويت؛ فكGG Gان الشGG Gعب الرومGG Gاين حقيقة ذا سGG Gيادة -قانون G Gاً وفعالً -ومل تكن
مGG Gواطن ً
القوانني ,وانتخاب الزعماء ،هي املسائل الوحيدة اخلاضعة حلكم اجملالس الشعبيّة.42G
الجرف(طعيمة) ،نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي ،مرجع سابق ،ص.384. 38
روسو (جان جاك) ،العقد االجتماعي ،ترجمة :ذوقان قرقوط ،دار القلم ،بيروت ،د.ط ،د.ت ،ص.148-147. 41
المبحث الثانيE
الديمقراطية الغربية في العصور الوسطى
ال تGGذكر القGGرون الوسGGطى يف الغGGرب إالّ واقGGرتنت بتلك الظGGروف واألوضGGاع املظلمGGة؛ وذلك نتيجة
ما سGGاد أوربا يف تلك القGGرون من أنظمة حكم مسGGتب ّدة ،وصGGراع بني البابGGاوات GواألبGGاطرة G،إضGGافة إىل نظGGام
اإلقطاع وما صاحبه من ظلم وجور ،هذا زيادة على ما تعيشه شعوب أوربا من جهل وختلّف ومجود.
وطGGبيعي Gإذن ,حتت ظGّ Gل هGGذه الظGGروف ,أن يGGرتاجع امل ّد الGGدميقراطي Gيف هGGذه العصGGور ,ليفسح اجملال
احلق اإلهلي ,اليت
ألنظمة احلكم املس GG Gتب ّدة ،حيث يتمتّع فيها املل GG Gوك بس GG Gلطات مطلق GG Gة ،وتس GG Gود فيها نظريّة ّ
كانت مطيّة إلطالق سGGلطات امللGGوك ،وعGGدم خضGGوعهم أليّة رقابة أو حماسGGبة ,بGGدعوى أ ّن إرادهتم من إرادة
اهلل.
فمنذ عهد اإلمرباطوريّة GالرومانيّGGة ،وطGGوال كGّ Gل العصGGور الوسGGطى ،وحىّت القGGرن السGGابع عشGGر ،ميكن
لكل مظاهر النظام الدميقراطي G,لتبدأ جتربة النظGGام اإلقطGGاعي ّأوالً ،مث النظGGام امللكي احلكم باالختفاء النهائي ّ
املطلق بعد ذلGG G G G G G Gك ,ولكن على الGّ G G G G G G Gرغم من ذلك فقد ُوجد كثري ممّن يGG G G G G G Gدافعون Gعن الفكGG G G G Gرة الدميقراطيةG
ويؤيّدوهنا ,كما شهدت هGذه العصGور ثGورتني دينيّGتني كبGريتني مها املسGيحية واإلسGالم؛ Gحيث قّ Gدمت هاتGان
فكرا وتطبيقاً.44
ضخما وعمي ًقا للمبدإ الدميقراطيً G- الثورتان مرياثًا ً
وسنتناولG-بإذن اهلل تعاىل -وضعية الدميقراطية Gيف هذه العصور يف املطلبني اآلتيني:
43الجرف (طعيمة) ،نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.209.
44الجرف (طعيمة) ،نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي ،مرجع سابق ،ص.209 .
على الGّ Gرغم من أ ّن املسGGيحيّة كGGانت دعGGوة دينيّة حبتGGة ،إالّ أنّـها أحGGدثت تغيGGريين جGGوهريني يف أسس
Gتقرة GقبلهGGا؛ فقد دعت إىل اإلميان بوحGGدة اإلنسGGانيّة Gيف إطGGار تعGGاليم املسيـح ،كما التنظيمGGات السياسGGيّة املسّ G
مرة يف التاريـخ -مبدأ االزدواج يف السلطة ,السلطة الدينيّة من ناحية ،والسلطة السياسيّة من ت-وألول ّ ّ أقر
ّ
45
ناحية أخرى .
كما وض GGعت املس GGيحيّة الن GGواة األوىل ملب GGدإ خض GGوع الدولة للق GGانون ،حيث دعت إىل حرية العقي GGدة،
وميّGGزت بني الفGGرد بوصGGفه إنسGGانًا ،وبوصGGفه مواطنًGGا؛ وبGGذلك تكGGون قد نGGزعت الفGGرد من اجلماعة ,وجعلته
مس GGتقالً بوج GGوده عنه GGا ،وذلك على خالف ما ك GGان عليه احلال يف العص GGور القدمية ,اليت ك GGان الف GGرد فيها
يذوب يف اجلماعة اليت يعيش فيها.46
إالّ أ ّن هGG G G Gذه األفكGG G G Gار مل يظهر مفعوهلا إالّ بعد قGG G Gرون طويلGG G G Gة؛ ذلك أنّه على الGّ G G Gرغم من اعGG G Gرتاف
املسيحيّة باستقالليّة GكيGGان الفGGرد عن كيGGان اجلماعGGة ,إالّ ّأنها مل حت ّدد حقGGوق الفGGرد ،كما أهّن ا بقوهلا بالفصل
بني ما هلل وما لقيصGGر ،فإهّن ا مل حت ّدد ما هو لقيصر وما يGGرتك هلل؛ وألجل هGGذا فقد عاشت أوربا يف العصGGور
الوس GG Gطى حتت ظ Gّ G Gل س GG Gلطان مطلق ال ح GG Gدود فيه لس GG Gلطات احلاكم ،وال يُع GG Gرتف فيه حبري GG Gات وحق GG Gوق
األفراد.47
ولكن رغم هGGذا املوقف السGGليب الGGذي التزمته املسGGيحيّة من مشGGكلة النظم السياسGGيّة ,فGGإ ّن يف تعاليمها
مهد إىل ال GGدعوة الدميقراطي GGة G،اليت ن GGادى هبا بعض احلب واإلخ GGاء واخلري واإلميان؛ وه GGذا كلّه قد ّ دع GGوة إىل ّ
املف ّكرين يف العصور الوسطى.48
وميكننا القGG Gول-من خالل كGّ G Gل ما سGG Gبق -إ ّن املسGG Gيحيّة قد أثّGG Gرت يف املبGG Gدإ الGG Gدميقراطي Gبطريقة غري
مباشGG Gرة؛ وذلك ألهّن ا متيّGG Gزت بتع GG Gاليم هتتّم باجلانب ال GG Gروحي أك GG Gثر ممّا هتتّم باجلانب الGG Gدنيوي ،فهي دعGG Gوة
روحيّ G Gة ،تGG Gدعو إىل احملبّة GواإلخGG Gاء واخلري ،وال شGG Gأن هلا بGG Gأمور السياسة واحلكم49؛ فكGG Gان موقفها من ه GGذه
األمور سلبيًا ,وهبذا ساد احلكم املطلق يف تلك القرون.
45
.PRELOT (Marcel), Histoire des idées politiques, Dalloz, paris, éd.4, 1970, p.230 et suiv
1972م ،ص.153.
46بدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،د.ط،.
47المرجع نفسه ،ص.153.
48الجرف (طعيمة) ،نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.210 .
49ولكن عندما توطّدت المسيحيّة ،وك ثر أتباعه ا ،ب دأ الباب اوات ين ازعون األب اطرة س لطانهم الزم ني ،ويح اولون
االستئثار بالسلطتين الدينيّة والدنيويّة ،والسيطرة في الميدانين الروحي والزمني .انظر :ليلة (محمد كام ل) ،النظم
السياسية ،مرجع سابق ،ص.409.
ولكن هGGذا مل مينع من قيGGام بعض النظريGGات اليت تسGGتند إىل ال ّ Gدين ،وكGGان هلا أثر يف وضع املق ّ Gدمات
األوىل النبعاث الفكر الدميقراطيG.
احلق اإلهلـي غري املباشـر ,اليت بدأهـا "سGG Gانت أوجسGG Gتان"( ,)Saint-Augustinهي نظـرية ّ
فكGG Gانت ّ
املقدمة األوىل هلذا الفكـر ،فقد انتهى منها "سGGانت تومGGاس" ( G) Saint - Tomas إىل أ ّن رضا الشGGعب باحلاكم
هو شGرط جGوهري لتأسGيس Gاحلكومة العادلGة ،كما انتـهى منهـا "مارسيـل دي بـادو" () Marsile De Padoue
ملكا للش GGعب ،كما جيب أن يبقى مهمة إق GGرار التشريـع جيب أن تبقىً G يف أواخر الق GGرن الرابع عش GGر ,إالّ أ ّن ّ
دائما على حسن استعمال امللوك هلذه السلطة.50 الشعب-وهو أساس السلطة -مشرفاً ً
التطور يف اتّجاه النظام الدميقراطي Gاحلديث.
فكانت هذه األفكار وغريها هي اليت قادت ّ
.BURDEAU(Georges), Traité de science politique, L.G.D.J., éd.2, Paris, 1970, t.3, p.465 50
51ليلة (محمد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.418-417.
52المرجع نفسه ،ص.419.
53المرجع نفسه ،ص.418-417.
منو الفرديّة القويّ GGةG،
ومن ناحية أخ GGرى ،فقد س GGاهم يف إث GGراء الفكر ال GGدميقراطي من خالل ت GGأثريه Gيف ّ
اليت ظهGGرت فيما بعد كأحد جGGذور احلريGGة ،كما سGGاهم يف تطGGوير العالقGGات بني النّGGاس بGGالفكرة القائلة بGGأ ّGن
اجملتمع يرتكز قسم كبري منه على تب GG Gادل اخلدمات ,وك GG Gان له دور يف تعظيم اإلحس GG Gاس بالش GG Gرف واألمانةG
حتول إىل والء جتاه األمGGري ،وتطGّ Gور فيما بعد إىل روح املواطنة احلديثGGة ,ويف هGGذا عن طريق الفروسGGية ,الGGذي ّ
النظGGام كGGذلك منا االعتقGGاد بGGأ ّGن الطبقة االجتماعيّة جيب أن تتعGGادل ك ّفتها باإلميان باملسGGاواة بني النّGGاس ,هGGذا
موجودا يف القرون الوسطى ,اليت كانت عهد اإلميان باملساواة Gأمام اهلل.54 ً اإلميان الذي كان
املوجهة إلي GGه ,إالّ أنّه ك GGان لبعض أفك GGاره
فه GGذا النظ GGام االقتص GGادي إذن ,رغم مس GGاوئه واالنتق GGاداتّ G
إس GG Gهام يف بعث النظGG G Gام الGG G Gدميقراطي Gبعد ذلGG G Gك ,وحىّت مظامله وعيوبه GكGG G Gان هلا األثر يف إيق GG Gاظ الش GG Gعوب،
وجعلها تف ّكر يف وسGGيلة للخالص من تلك األوضGGاع؛ ممّا كGGان البGGاعث يف البحث عن نظGGام أفضGGل ،والGGذي
يتمثّل يف النظام الدميقراطيG.
المبحث الثالث
الديمقراطية الغربية في العصر الحديث
تعرض GGنا يف املبحث الس GGابق إىل األوض GGاع اليت س GGادت العص GGور الوس GGطى ،حيث انتش GGرت النظم لقد ّ
احلق اإلهلي ,اليت جتعل امللGG Gوك واحل ّGك GGام
تأسست Gيف معظمها على نظريGG Gات ّ االسGG Gتبداديّة Gوالدكتاتوريّة ,اليت ّ
فوق احملاسبة G,هGذه األوضGاع ّأدت إىل احنسGGار املبGGدإ الGدميقراطي ,حيث اتّسGGعت سGGلطات امللGGوك املطلقGة؛ ممّا
للتخلص من سلطـان امللـوك ّأدى إىل ش GGعور الش GGعوب ب GGالظلم والقهـر ،ودفعها ذلك إىل التفكـري يف وسيـلة ّ
املطلق ،أو على األقلّ التقليل من مداه ,والتخفيف من آثاره.
املهم GGة ،ولبعض الفالسGG Gفة واملفكّ G Gرين السياسGG Gيني ،الGG Gذين شGG Gادوا
فكGG Gان لبعض األحGG Gداث التارخييّ G Gة ّG
بارزا إىل اليوم G,دور فاعل يف االنبعاث Gالدميقراطي Gيف هذا العصر. نظريات سياسيّة ال يزال أثرها ً
لذا ميكن اعتبار مصادر االنبعاث الدميقراطي يف العصور احلديثة تتمثّل يف :نظريات جديGGدة ،وريGGادة
مؤسسات جديدة ،وتغيّرات ثوريّة.55 ّ
54هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،ترجمة :علي مقلد –شفيق حداد -عبد الحسن
سعد ،األهلية للنشر والتوزيع ،بيروت ،ط ،1977 ،2.جـ ،1.ص.54.
55ليبسون (لسلي) ،الحضارة الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.27.
فك GGانت م GGيزة ه GGذا العصر تتمثّ Gل يف ذلك التط Gّ Gور امللح GGوظ يف الفكر السياس GGي G,وذلك من خالل ما
سGGبق ذكGGره من ظهGGور نظريGGات سياسGGيّة جديGGدة ،وما حتمله من أفكGGار دميقراطية تGGدعو إىل التحGّ Gرر ,فكGGانت
أوىل نتائجها تلك الثGG Gورات اليت ظهGG Gرت يف أوربا وأمريكGG Gا ،واليت كGG Gانت بداية عهد جديGG Gد ،من خالل ما
حبق -عصر االنبعاث GالدميقراطيG. حتمله من شعارات ,وما تدعو إليه من مبادئ ,فكان هذا العصر – ّ
التطور الدميقراطي Gيف العصر احلديث ،ومدى مسGامهته يف إثGراء املبGدإ الGدميقراطي ،فقد ولدراسة هذا ّ
قسمنا هذا املبحث إىل املطالب اآلتيةG:
ّ
1 56الثيوقراطية ( :)Théocratieمذهب يقوم على تعليل السلطة لدى الجماعة على أساس االعتقاد الديني ،فالنظام
ق اإللهي" التي تعتبر هللا مصدرًا للسلطة، الثيوقراطي هو النظام الذي يستند إلى فكرة دينيّة ،ومنها "نظرية الح ّ
والحاكم بمثابة ظ ّل هللا في األرض ومفوّض السماء ،فالسلطة الزمنيّة تستم ّد مقوّماتها من المشيئة اإللهية ،ويت ّم
اختيارها بعناية وبتوجيه منها .الكيالي (عبد الوهاب) وآخرون ،موسوعة السياسة ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.
.928
57شيحا (إبراهيم عبد العزيز) ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص.283.
ثابت (عادل) ،النظم السياسية ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،اإلسكندرية ،د.ط ،2001 ،.ص.92. 58
حيث يعترب هGGذا الفيلسGGوف اإلجنلGGيزي من دعGGاة احلكم املقيّGGد ،وأنصGGار األفكGGار الدميقراطية ,Gاليت
Gزعم ثGGورة فكريّة ضّ Gد السGGلطان املطلGGق ،وفتح اجملال
تؤدي إىل محاية حقوق األفراد ،وكفالة حرياهتم .وقد تّ G ّ
لعصر جديد تسGGود فيه أفكGGار فلسGGفيّة حترّريّة ،تنGGادي بضGGرورة احGGرتام احلرية الفرديّGGة ،والعمل على محايتهGGا،
سجل "لوك" أفكGGاره هGGذه يف رئيسا ،وربط بينها وبني القانون الطبيعي G.وقد ّ كما جعل احرتام احلرية هدفاً ً
كتابه الش GGهري يف علم السياسة "احلكومة Gاملدني GGة" ,Gكما تن GGاول فك GGرة "العقد االجتم GGاعي" وحلّله GGا ،ون GGادى
ومربرات GGه ،وذلك ألجل ت GGدعيم مذهبه يف محاية احلري GGات مبب GGدإ الفصل بني الس GGلطات ،وبنّي كيفيّة تطبيق GGهّ ،
الفرديّة ،وتفادي السلطة املطلقة.59
ليلة (محمد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص 498.وما بعدها. 61
أبوراس (محمد الشافعي) ،نظم الحكم المعاصرة ،عالم الكتب ،القاهرة ،د.ط ،.د.ت ،.ص.330. 63
إالّ أنّه يف تعريفه للدميقراطية GحصGGرها بالوضع الGGذي يتGGوىّل فيه الشGGعب احلكم مباشGGرة ،بGGدالً من أن
ممثلني له خيتارهم لذلك.64يتوالّه بواسطة ّ
لذا فقد عُرف عن "روسو" دفاعه عن الدميقراطية املباشرة G،ونقده الشديد للنظام النيايب.
تغيير األوضاع السائدة ،والسير المتواصل نحو حياة أفضل ,وغالبا ً ما يكون ه ذا بع د
طري ق االحتك اك ب األمم والش عوب األخ رى ،ال تي بلغت مبل ًغ ا ذا ش أن في ال وعي
والتحرّر.
كما كان التّصال أوربا بالعالم اإلسالمي ،وما تميّز به من أفكار ساميّة تجس ّدت
واقعياً ،من خالل مب ادئ الع دل ،والمس اواة ،والش ورى ,والحري ة ...أث ر كب ير في
إدراكهم لواقع حالهم المظلم؛ فتط ّورت تل ك المف اهيم ل ديهم ،فك انت مبعثاً للث ورة على
67
68
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, pp.47-48
األوض اع ,والرّغب ة في التغي ير ،وهك ذا أص بحت ه ذه األفك ار م ادة لالنبع اث
وسنتناول -بإذن هللا تعالى -هذه التجارب واألحداث التاريخيّة فيما يأتي:
كم ا ك ان للث ورة الفرنس يّة ال دور الكب ير والمباش ر في إس قاط اإلرس تقراطية
األوربيّة ،وتم ّكن البورجوازي ة من الس يادة على مقالي د الحكم ,وذل ك بحل ول النّص ف
الثاني من القرن التاسع عشر ،كما كان له ا ال دور المباش ر في إعالن حق وق اإلنس ان
واالقتصادي.70
شيحا (إبراهيم عبد العزيز) ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص.283 . 69
70
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp.50-51
وأهم ما يميّز الثورة الفرنسية أنّها وض عت المب دأ ال ديمقراطي موض ع التنفي ذ،
ّ
كما أقرّت نصوص دستـور الثـورة الفرنس يّة حريـة األف راد ,ومساواتهـم في
أحـرارًا ,ومتساوين في الحقوق ،وضمن كذلك حريّة الرّأي لك ّل مواطـن ،بم ا فيه ا م ا
وبهذا وض عت الث ورة الفرنس يّة أس س النظ ام ال ديمقراطي الح ديث ،بإقراره ا
سيادة األ ّمة ،وتبنّي النظام النيابي ،ورفعها لشعار "الحرية واإلخاء والمساواة".
فمع بداية شهر جويلية 1789م ،كانت الثورة قد تمّت من الناحية القانونيّ ة ,ب إقرار
س يادة األ ّم ة ,حيث اجتمعت الهيئ ات العمومي ة ،وال تي ك انت تتش ّكل من ممثّلين من
النبالء ورجال ال ّدين والعا ّمة ,وفرض في األخير ممثّلو الشعب رأيهم الذي يعتنق مب دأ
سلطان األ ّمة ،ووضعوا ه ذا المب دأ موض ع التنفي ذ ،واعت بروا وظيفتهم تمثي ل اإلرادة
العامة لأل ّمة؛ فكان ذلك سببا ً في تحويل المب دإ ال ديمقراطي من مب دإ سياس ي إلى مب دإ
أبوراس (محمد الشافعي) ،نظم الحكم المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.331 . 71
72
.TOUCHARD (Jean), Histoire des idées politiques, op.cit, t.2, pp .461-462
.SOBOUL (Albert), La révolution français 1789-1799, Editions Sociales, paris, 1951, p. 94 et suiv 73
الفرع الثاني :الثورة األمريكية(1776Eم)
لقد انتقلت التجربة الديمقراطية من إنجلترا إلى مس تعمراتها في أمريك ا ,بع د أن
استم ّدت من دع اة المب ادئ الديمقراطي ة أمث ال"ل وك" و"روس و" و"مونتس كيو" ق ّوة
دافعة جديدة ،فأعلنت استقاللها (عـام 1776م)،وحرصت عندما أقامت االتّحاد المركزي
(عام 1787م) على إقرار المبدإ الديمقراطي ،وكفالة ما يقتضيه من أحكام ومبادئ.74
ولم تكن الث ورة األمريكي ة ث ورة ض ّد نظ ام آخ ر ،ب ل ك انت عب ارة عن ث ورة
السكان ض ّد األش راف والش ركات التجارية ,وذل ك بقي ادة بعض المف ّك رين
ّ
والبورجوازيين ,الذين أدرك وا ش روط نج اح الث ورة ،والمتمثّل ة في ض رورة اعتن اق
المجتم ع إليديولوجيّ ة تو ّح دهم ض ّد المحتّ ل اإلنجل يزي ,ووج دوا ذل ك في األفك ار
الفلس فيّة الح رّة المعتنق ة في أورب ا ،ف اعتبرت الحري ة واالس تقالل وتقري ر المص ير
المبادئ األساسية للثورة األمريكية؛ ومن ث ّم أصبحت الثورة عبارة عن مقاومة مجتمع
لذا يمكن اعتبار الثورة األمريكيّة من المن ابع األساس يّة في ظه ور الديمقراطي ة
اللّيبرالية وإرساء قواعدها ,وق د لعبت أس باب داخليّ ة وخارجيّ ة دورًا في ظه ور ه ذه
الثـورة وانتشارها ,والتي من أه ّمها ارتفاع قيمة الضرائب المفروضة على األمريكيين
74الجرف (طعيمة) ،نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي ،مرجع سابق ،ص.223-222.
75
DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp.49-50
من قِبل البرلمان اإلنجليزي ,76إض افة إلى ت ذ ّمر األمريك يين من التبعيّ ة إلى بريطاني ا
وقد أسفرت الثورة األمريكيّة -بع د كف اح مري ر -عن نت ائج إيجابيّ ة من أه ّمه ا:
االنفصال عن بريطانيا وسلطة برلمانها ،وظهور أ ّول دس تور أم ريكي -ال ذي يعدّ من
أقدم الدساتير -والذي نصّ في بنوده األولى على حقوق اإلنسان ،وضرورة احترامها،
ق اختيار الح ّكام ،وجعل حماية األف راد وحق وقهم الش رعية من مه ام
في المساواة ،وح ّ
المحكم ة العليا78؛ وهك ذا ك ان للث ورة األمريكي ة ال دور الف ّع ال في إث راء الفك ر
لقد كان للحضـارة اإلسالمـيّة الدور الفعّـال في التأثير على أفكـار كث ير من
الشعوب؛ وذلك لما تحمله هذه الحضارة من معا ٍن ساميّة ،ومبادئ راقية؛ حيث أعجب
كث ير من الفالس فة والمفكّ رين به ذه األفك ار والمب ادئ ،وس عوا إلى ترجمته ا نظريً ا
76الغEEزال (إس ماعيل) ،القEEانون الدسEEتوري والنظم السياسEEية ،المؤسس ة الجامعي ة للدراس ات والنش ر والتوزي ع،
بيروت ،ط1989 ،4.م ،ص.284 .
77
.TOUCHARD (Jean), Histoire des idées politiques, op.cit., p .451
78
.Ibid., pp. 453-454
بعيد المدى ,اس تُم ّدت كث ير من قوانين ه من األنظم ة السياس يّة ال تي س ادت أورب ا في
القرون الوسطى ،ومن التراث اإلنساني ,وتح ّولت تدريجيًا حتى أصبحت أساسًا لنظ ام
وكان من ثمرات التط ّور في وسـائل النقـل واالتّصال ،أن تع ّرف األوربيون من
خالل حجّهم ,وحروبهم الصليبيّة على العـالم اإلسالمي وحضارتـه العريقـة؛ م ّما ك ان
له وقع الصدمة النفسيّة التي ساهمت في إيقاظ أوربا من غفوة اإلقطاع ،وغيبوبة ال ّدين
الكنس ي ،ودكتاتوريّ ة المل وك اإلرس تقرطيين ،م ّم ا أثّ ر في انقالب البني ان ,والقيم
االجتماعية؛ فكـان النظام الديمقـراطي الح ّر ثمرته ا ،كم ا ك ان له ذا الفك ر النهض وي
-المتأثّر بالحضارة اإلسالميّة -دوره الريادي في الثورة على العه د الق ديم ،ورم وزه،
ومؤسساته ،وقيمه.80
ّ
فك انت ه ذه الحقيق ة الجليّ ة ،س ببًا في اع تراف المنص فين من الغ رب بفض ل
الحضارة اإلسالميّة في تغي ير أوض اعهم ،حيث أق رّوا بأنّه « لم يب دأ ازده ار الغ رب
ولم يكن دور المسلمين يقتصر على نقل التراث اليوناني فقط ،بل ّ
إن مس اهمتهم
النور ،ونشروا لواء المدنيّة أينما ذهبوا ،سواء في آسيا ،أم في إفريقيا ،أم في أوربا.82
الفصل الثاني
مفاهيم الديمقراطية الغربية ،وخصائصها
وإذا كان المدلول اللّغوي لهذا المص طلح ق د اتُّف ق عليه ,إالّ ّ
أن األوص اف ال تي
أُعطيت للنظام الذي يجسّد مبادئه قد تن ّوعت ،واختلفت كذلك األنظمة التي تتبنّاه.
فقد اتّسع ه ذا المص طلح ح ت ّى ش مل أنظم ة سياس يّة متن ّوع ة ,وه و مطّ اط إلى
وفي بحثنا هذا ق د ح ّددنا الديمقراطي ة المقص ودة بالدراس ة وهي "الديمقراطي ة
الغربية"؛ وذلك حتّى نُخ رج األن واع األخ رى من الديمقراطي ة ،ال تي تختل ف اختالفاً
غيرهـا من الديمقراطيات ،وتحديد أه ّم خصائصها ،فقد قسّمنا هذا الفصل إلى المبحثين
اآلتيين:
المبحث األول
مفاهيم الديمقراطية الغربية
تعتبر الديمقراطية الغربية من األنظمة ال تي حظيت باهتم ام ب الغ ،من الب احثين
التاريخيـة ،أم بالبحث عن شروط تحقيقها ،وحت ّى بانتقاده ا وإظه ار م واطن الض عف
فيها.
الباحثـون في تحديد الديمقراطية الغربية ،من حيث تعريفها ،وبيان أوصافها ،و تحدي د
المطلب الرابع :ونتح ّدث فيه عن الديمقراطية كمـذهـب ،وكنظـام للحكـم .
(ذات أصل إغ ريقي أو يون اني ،وتع ني حكم ( Démocratie كلمة "الديمقراطية"
الش عب ,أو س لطة الش عب ،فهي تتك ّون في اللّغ ة اليونانيّ ة القديـمة مـن مقطعـين:
وتعني السيادة أو الحكومة أو السلطة ،فإذا جمعنا و)( Kratos ) ( Demos وتعني الشعب،
المقطعين توصّلنا إلى المعنى اللّغوي للديمقراطية وهو "حكم أو سيادة الشعب".83
فهذه الكلمة اليونانيّة مركّبة تركيبًا مزجيًا ،وقد سرت هذه الكلمة من اليونان إلى
لقد ُع ّرفت الديمقراطية بع ّدة تعاريف مختلفة ،وذلك باختالف زاوية النّظر
إليها؛ إذ ّ
إن الديمقراطية ليست مجرّد شكل من أش كال الحكم ،ب ل هي ن وع من أن واع
83
PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p.49
ص.735-734.
ليلة (محمد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق، 84
أبوراس (أحمد الشافعي) ،نظم الحكم المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.328 . 85
الدول ،كما أنّها نظام من نظم المجتمع ,وتعني كذلك بمعناها الواسع "مكانة سياس يّة"،
و" تص ّور أخالقي " و" حالة اجتماعيّة "و" اإليمان بالرّجل العادي".86
أوال :من السياس يين ال ذين عرّف وا الديمقراطي ة ،ن ذكر ال رئيس األم ريكي
واشتهر ,إلى درجة اعتماده ،واعتباره أفضل تعريف للديمقراطية عند بعض الباحثين.
وقد ق ّدم "لنكولن" هذا التعريف في خطاب عام بتاريخ 19نوفم بر 1863م ،وق ال في ه ّ
إن
الديمقراطية هي « :حكم الشعب ،من قِبَل الشعب ،ومن أجل الشعب.87»
ويعني في تعريف ه ه ذا ّ
أن البل د يك ون ديمقراطياً عن دما يك ون المحكوم ون هم
الح ّكـام ،أو عندما يشترك أكبر عدد من المحكومين في ممارسة السلطة بشكل مباش ر.
وهذا التعريف جيّد ،ألنّه ينطبق أكثر ما يكون على الواقع ،ولكنّه ليس تعريفًا دقيقًا كما
كما ّ
أن الجديد في هذا التعريف هو ما أضافه الرئيس األمريكي إلى الديمقراطية
د.ط1973 ،م ،ص. نصـر (محمد عبد المع ّز) ،في النظـريات والنظـم السياسية ،دار النهـضة العربية ,بيروت، 86
.166-163
جـ ،1.ص.303.
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق، 87
هوريو ( أندريه) ،القانون الدستوري و المؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.303 . 88
ثانيا :ومن تعريفات المف ّكرين السياسيين والفالسفة ,نذكر تعريف المف ّكر
الفرنسي الشهير "مونتسكيو" الذي يع ّرف الديمقراطية بقول ه « :حينم ا يك ون الش عب
ونالحظ في هذا التعريف أنّه أص اب ج وهر الديمقراطي ة؛ حيث اعت بر الش عب
العص ب ال رئيس في الديمقراطي ة ،وأعطى األهميّ ة للش عب بمجموع ه ،دون تحدي ده
ثالثا :كما عبّر الكاتب والفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو" عن الديمقراطية
بقوله « :يستطيع ص احب الس يادة في المق ام األ ّول أن يعه د بأمان ة الحكم إلى الش عب
كلّ ه ،أو إلى الج زء األك بر من ه؛ بحيث يك ون هن اك من المواط نين الحكّ ام أك ثر من
ص.122. عبد الوهاب (محمد رفعت) ،النظم السياسية ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ،د.ط1993 ،.م، 89
السلطة العليا ،على نحو فعّال وحقيقي ،بحيث تكون لل ّشعب الكلمة العليا.92»
شؤون السلطة العليا وبفعّاليّة حقيقيّة ،ويكون للشعب -في عمومه -الكلمة العليا.
خامسا :و ُع ّرفت الديمقراطية كذلك بتعريفات تلقي الضوء على بعض أهدافها
« الديمقراطية هي رقاب ة الش عب على الحكومة ،93» كم ا يعبّ ر "ب يرنز"( )Burnsعن
ويبدو ّ
أن هذين التعريفين يعبّران فق ط عن بعض أه داف الديمقراطي ة ومبادئها,
كالرّقاب ة الش عبيّة ،والمس اواة؛ ل ذلك ال يمكن اعتمادهم ا كتعري ف للديمقراطي ة من
الديمقراطي غير حكم الفرد المطلق ،وغير حكم األشراف ،وغير حكم الكهّ ان ،وغ ير
حكم الق ادة العس كريين ،وم ا ع دا ذل ك من ض روب الحكم ،ال تي ليس للش عب فيه ا
نصيب.95»
فق د نفى ص احب ه ذا التعري ف (العقّ اد) عن الديمقراطي ة م ا ليس منه ا؛ ل ذلك
اعتبره تعريفًا سلبيًا ,فاستبعد من الحكم الديمقراطي ك ّل حكم ليس للشعب في ه نص يب،
سابعا :أ ّما الفقه المعاصر فقد اتّجه إلى تعريف الديمقراطية بأنّها « الحكومة
التي تقوم على أساس السيادة الشعبيّة ،وتحقّق للمواطنين الحرية والمس اواة السياس يّة،
وتخضع السلطة فيها لرقابة رأي عام حرّ ،له من الوسائل القانونيّة ما يكفل خض وعها
لنفوذه.96»
وقريب من ه ذا التعري ف اق ترح الب احث المعاص ر"أن ور أحم د رس الن" -في
الكاملة ,فعرّف الديمقراطي ة بقول ه « :هي نظ ام الحكم ال ذي يق ّر س يادة الش عب ،بم ا
العقّاد (عبّاس محمود) ،الديمقراطية في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.13-12. 95
شيحا (إبراهيم عبد العزيز) ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص.285 . 96
تتض ّمنه من كفالة الحرية الفعليّة للجميع ،وتقرير مشاركة الشعب في ممارسة الس لطة
في كافّ ة المج االت ،السياس يّة واالقتص اديّة واإلداريّ ة ،وإخض اع الس لطة للق انون
ويمكن اعتب ار التع ريفين الس ابقين ق د تض ّمنا أه ّم ج وانب الحكم ال ديمقراطي
القريب من الكمال ،كما تض ّمنا كذلك أه ّم العناص ر األساس يّة للممارس ة الديمقراطي ة،
وشروط نجاحها.
واحد ،وإنّما تع ّددت تسمياتها بتع ّدد أوصافها والجهة المنظور إليها.
فمرة تأخذ وصف الجهة ال تي تطبّ ق فيه ا (الديمقراطي ة الغربي ة) ،وم رّة تأخ ذ
ّ
وصف اإليديولوجيّة التي تتبنّاها (الديمقراطية اللّيبراليّة) ،ومرّة تأخ ذ وص ف الزم ان
ال ذي طبّقت فيه ,وتط ّورت في ه (الديمقراطي ة الحديث ة) ،ومرّة تأخ ذ وص ف طبيع ة
األفك ار والمب ادئ ال تي تتبنّانه ا (الديمقراطي ة التقليديّ ة) ،وم رّة تأخ ذ وص ف حقيق ة
وقد خ ّ
صصنا هذا المطلب لدراسة هذه األوص اف أو التس ميات ،وبي ان حقيقته ا
وأسبابها.
.115 رسالن (أحمد أنور) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص. 97
الفرع األول :تسمية" Eالديمقراطية الغربية"
نُسبت هذه الديمقراطية إلى الغرب ،فس ّميت بالديمقراطية الغربيّة ألنّها
وهي الديمقراطية التي أخذت بها دول أوروبا الغربيّ ة ،كبريطانيا ،وفرنس ا ،وبلجيك ا،
وهذه الديمقراطية هي التي اتّخذتها الثورة الفرنسيّة أساس ًا لدس اتيرها ،واتّبعته ا
باقي الدول األوربيّة ،وحتى خارج أوربا؛ ففي أعقاب الح رب العالمي ة األولى ج اءت
النص على ّ
أن "األمّة" أو "الشعب" مصدر السلطات.99 ّ وإ ّما ب
س ّميت هذه الديمقراطية ك ذلك بالديمقراطي ة الحديثة؛ وذل ك تمي ي ًزا له ا عن
الديمقراطية التي انبعثت في العصور الحديثة .فهناك اختالف بين الديمقراطية القديم ة
والديمقراطية الحديثة ،سواء من جانب طريقة ممارسة الشعب لس لطاته ،أم من ج انب
98بسيوني (عبد الغني) ،النظم السياسية (أسس التنظيم السياسي) ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،د.ط1991،.م،
ص.189.
99غزوي (محمد سليم) ،نظرات حول الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.31.
المفاهيم التي تقوم عليها ك ّل منهم ا ،فالديمقراطي ة القديم ة ال تع رف الحري ة بمعناه ا
ضا اختالف في المذهب الفلسفي الذي تقوم عليه ك ّل منهما ،إض افة
الحديث؛ وهناك أي ً
الديمقراطية الحديثة.100
وتس ّمى هذه الديمقراطية كذلك بالديمقراطي ة السياس يّة ,وهي تع ني حكوم ة
بين األف راد ،أي المس اواة في ف رص الحكم ،واح ترام الحق وق والحري ات العام ة،
االجتماعيّة" التي تزعم أنّها تحكم لصالح الشعب (.101) Gouvernement pour le peuple
فه ذه الديمقراطي ة السياس يّة تنـزع نح و المث ل العلي ا ،وترتب ط بفك رة الحري ة
كما سميّت بالديمقراطية السياسيّة ألنّها مذهب روحاني سياسي ,بعيد عن الم ادة
والفكر المادي؛ فالديمقراطية هذه مس ألة "عق ل وقلب" وليس ت مس ألة "خ بز وزب د",
فالذي تعنى به هو إقرار نظام حكم سياسي يستند إلى إرادة وحرية الشعب ،ويتمتّع في
100متولي (عبد الحميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.108.
101الخطيب (زكريا عبد المنعم) ،نظام الشورى في اإلسالم ونظم الديمقراطية المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.248.
ظلّه األف راد بحري اتهم وحق وقهم األساس يّة على قَ َدم المس اواة ،وهي ال ترتب ط بنظ ام
أن الحكومة "من أج ل الش عب" أنّه الحكم من أج ل تط ّور الش عب بش كل ح رّ،
معنى ّ
وإعطاء الحري ة لك ّل من األف راد ال ذين يشكّلون الش عب؛ ففي الديمقراطي ة اللّيبراليّ ة
يمكن حماية الحرية في مجالين :مجال العمل الحك ومي ،حيث تُت اح الحري ة لآلراء ّ
أن
تتع ّدد ح ول إدارة ورعاي ة الش ؤون العام ة ,وفي مج ال العالق ات بين الح ّك ام
والمحكومين ،حيث يظهر اح ترام ه ذه الحري ة بص ورة أساس يّة بالتّأكي د على حق وق
األفراد ،وبعدم افتئات الدولة عليها ،مهما بلغت ق ّوة األكثريّة المؤيّدة له اّ ،
ألن الحق وق
102
.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit, pp.61-62
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.304-303. 103
وإن تفس ير التن اقض بين الديمقراطي ة اللّيبراليّ ة والديمقراطي ة التس لّطية (أو
ّ
ّ
تفض ل مفه وم الحري ة ،والثاني ة تعطي الماركسيّة) ،تل ّخصه الفكرة القائلة ب ّ
أن األولى
نقول إنّنا نع ّد في عصر كالسيكي ،حين نجد بين مختلف المذاهب وبين مختلف العلماء
أوربا الغربيّة ,على ال ّرغم من بعض الخالفات التي تفصل بين دساتيرها ،إالّ أنّه توجد
مبادئ مشتركة بينها ,كمبدإ الحق وق الفرديّ ة ،أو الحري ات العام ة ،ومب دإ الفص ل بين
الغربيّة اختالفًا جوهريًا ,في اتّجاهها ومبادئه ا وأفكاره ا ,ب ل إنّه ا ظه رت ك ردّ فع ل
105
.VEDEL (Georges), Droit constitutionnel, paris, 1949, p.184
صدد سنتطرّق –بإذن هللا تعالى -إلى الديمقراطي ة االجتماعيّ ة ,ال تي
وفي هذا ال ّ
هي في مقاب ل الديمقراطي ة السياس يّة ،وط بيعي أن يختل ف مض مون ك ّل من
االجتماعيّ ة ،إالّ ّ
أن تطبيقاته ا وأش كالها تختل ف ,فهن اك الديمقراطي ة الماركس يّة،106
وهناك الديمقراطية الش عبيّة ,وك ّل من ه اتين ال ديمقراطيتين له ا تطبيق ات عمليّ ة في
بلدان معيّنة.
إذا كانت الديمقراطية الغربيّة تهتّم بقضيّة الحرية والمساواة السياسيّة ,وذلك
ظهورها نتيجة التط ّور الذي عرفته الص ناعة ،وب روز الطبق ة العامل ة كق ّوة تس تطيع
106لالطّّالع على القواعد الفلسفية للماركسية انظر مثالًVEDEL (Georges), Les démocraties soviétiques et :
.populaires, Université de paris, Institut d' études politiques,1956-1957, t.1, p.3 et suiv
الت أثير في النظ ام السياس ي ،ونتيج ة ض غوط األفك ار االش تراكيّة ،ومب دإ االع تراف
المواطنين في عالقاتهم؛ فهي تعتمد على مبدإ تحقي ق المس اواة الفعليّ ة بين المواط نين
ونظرا ألهميّ ة الج انب االجتم اعي واالقتص ادي لنج اح الديمقراطي ة ،وت أثير
ً
األفكار االشتراكية ،فقد امت ّد األخ ذ ببعض مظ اهر ه ذه الديمقراطي ة إلى ال دول ال تي
تعتن ق الديمقراطي ة السياس يّة كفرنسا ،109فلكي تنجح الديمقراطي ة الب ّد من تقوي ة
الجوانب االقتصاديّة ،فضعف المجتمع اقتصاديًا يخلق ج ًّوا من ع دم االس تقرار ,ومن
والحقيق ة ّ
أن كال الج انبين (السياس ي واالجتم اعي) ض روريان لتحقي ق
الديمقراطية الصّحيحة ،التي تطمح إليه ا الش عوب ،وال يمكن أن تح ّل إح داهما مك ان
األخرى.
-.BURDEAU (Georges), Droit constitutionnel et institutions politiques, L.G.D.J. , éd. 7, paris, 1957, p.148 et suiv 107
ص70.
ليلة (محمد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق،
108هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.304 .
109
.BURDEAU (Georges), op. cit, p.66 et suiv
110
.DUVERGER (Maurice), La démocratie sans le peuple, Edition de Seuil, paris, 1967, p.204
فالديمقراطي ة ال تتل ّخص فق ط على الص عيد السياس ي ،ب ل على الص عيد
االقتص ادي واالجتم اعي ،فهي تمت ّد بحيث تش مل إدارة االقتص اد ،ومج ال األمن
وتس ّمى ه ذه الديمقراطي ة بالماركس يّة نس بة إلى الفيلس وف األلم اني "ك ارل
الحكومي ،وهو مفهوم للديمقراطية تص ّوره "روسو" ،وط ّوره "ماركس" وأتباعه.113
(اإلجم اع)؛ وذل ك يت ّم –حس بهم -عن طري ق خل ق الظ روف الموض وعيّة للحري ة
الحقيقيّة بواسطة الثورة ،أي إلغاء الطبقات وإقرار المساواة الفعليّة بين النّاس ،وعندها
111هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري و المؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.309 .
112ماركس ( )Marxهو فيلسوف اجتماعي ألماني ،ولد عام 1818م ،وقد اشتهر بتحري ره "البي ان الش يوعي" ،وذل ك
أس س "الدوليّ ة األولى" ،ومن أش هر مؤلّفات ه "رأس الم ال" ،وه و دس تور الماركس يّة
بالتعاون مع "إنغلس" ،كما ّ
والنظام الشيوعي ،توفي عام 1883م .عجيل(لويس)وآخرون ،المنجد في األعالم ،مرجع سابق ،ص.511.
113هوريو(أندريه) ،المرجع السابق ،جـ ،1 .ص.305-304 .
114المرجع نفسه ،جـ ،1 .ص.307 .
ويمكن تفسير التناقض بين الديمقراطية الغربيّة والديمقراطية الماركسيّة بالفكرة
إذن ،يمكن إجم ال أه ّم مب ادئ الديمقراطي ة الماركس يّة في :الماديّ ة ،وتفس يرها
للتاريخ وفق هذا المنظور ،والسعي لتحقيق المساواة الفعليّة بين المواطنين ،واإلجم اع
ولكن انهيار األنظمة الشيوعيّة ترك هذه النظريّة الماركسيّة مجرّد أفك ار؛ حيث
تح ّول االتّحاد السوفييتي الذي يتبنّى هذه المبادئ إلى دول ليبراليّة.
التأكي د على فك رة الديمقراطي ة ،وهي تعبّ ر عن فك رة سياس يّة تق وم على الحري ة في
الرأي ،وعن حكومة تشارك فيه ا مختل ف الهيئ ات والطوائ ف المهنيّ ة؛ وذل ك ليك ون
التمثيل الشعبي حقيقيًا ،وتستطيع بذلك خدمة الجميع ،لذا يمكن وصف هذه الديمقراطية
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري و المؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.309 . 115
ولكنّها لم تعتمد النظ ام الش يوعي بك ّل عناص ره ومك ّونات ه ,وعلى ال ّرغم من س يطرة
الش يوعيين على الس لطة في تل ك البل دان ,إالّ أنّ ه في األخ ير اس تطاعت ش عوب ه ذه
الحكم ,وهذه المسألة ال خالف فيها ،ولكن اإلشكال يثور حول مدى االتّفاق واالختالف
في هذين المفهومين ،أي هل هن اك اختالف بين ه ذين االث نين (الم ذهب ال ديمقراطي
ونظ ام الحكم ال ديمقراطي)؟ .والمس ألة ال تي أثاره ا رج ال الفق ه الدس توري في ه ذا
احترامها؟ أم ّ
أن هذا األمر يخصّ أحدهما دون اآلخر؟.
وفيما يأتي نتطرّق –بإذن هللا تعالى -لدراسة هذه المسألة :
الفرع األول :تط ّور الديمقراطية Eمن مذهب سياسي فلسفي إلى نظام للحكم
117من أمثلة الدول ال تي ك انت تحم ل ص فة الديمقراطي ة الش عبيّة :بولوني ا ،وتشيكوس لوفاكيا ،وهنغاري ا (المج ر)،
ورومانيا ،وبلغاريا ،وألبانيا ,وغيرها .انظر :ليلة ( محمد كامل) ،المرجع السابق ،ص.1090 .
118بو الشعير (سعيد) ،القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ،المؤسّسة الوطنية للكتاب ،الجزائر ،ط،2.
د.ت ،جـ ،2.ص.76.
الديمقراطية الغربية ظهرت في بادئ األمـر كم ذهب سياسـي فلس في على ي د
كت اب كب ار في الق رن الث امن عش ر ،مث ل" :ل وك" في إنجل ترا ،و "روس و"
ّ
االستبدادي المطلق الذي س اد في أورب ا ،وبال ّذات في ك ّل من إنجل ترا وفرنس ا ,ل ذلك
األساس اإللهي أو الديني ،وإن ّما السيادة ترج ع إلى األ ّم ة ذاتها ،أو الش عب ذات هّ ،
وأن
الح اكم أو أيّ ة هيئة حاكم ة ال يمكن أن تحكم إالّ بن اءً على اختي ار األ ّم ة ،أو الش عب،
ولكن الديمقراطي ة إذا ك انت ق د ب دأت كم ذهب سياس ي فلس في لمحارب ة الحكم
المطل ق ،إالّ أنّه ا انتقلت إلى مرحل ة التط بيق كنظ ام للحكم في دول ة المؤسّس ات
الديمقراطي ة ،وهك ذا ج اءت الث ورة األمريكي ة على االس تعمار اإلنجل يزي ،وطبّقت
الواليات المتحدة األمريكية النظام الديمقراطي بنا ًء على الدس تور االتّح ادي الصـادر
س نة (1787م) ,وك ذلك فرنس ا بع د ثورته ا (1789م) طبّقت الديمقراطي ة كنظ ام للحكم،
وأيضًا إنجلترا بعد الث ورات المتتالي ة على الملكيّ ة المطلقة ,ح تى اس تق ّر فيه ا النظ ام
الديمقراطي.119
119
.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p.53
تعتبر الديمقراطية مذهبًا من المذاهب الفلسفيّة التي تبحث في النواحي السياسيّة
األم ة
أن ّ واالجتماعيّة ،كما أنّها نظام من أنظم ة الحكم؛ فالم ذهب ال ديمقراطي فح واه ّ
هي مصدر السلطات ،وإرادتها هي أصل الس يادة ومص درها في الدول ة ،وال ش رعيّة
للسيـادة م ا لم تكن منبعث ة من إرادة األ ّم ة ومرتك زة عليه ا؛ أ ّم ا الديمقراطي ة كنظ ام
للحكم فالمراد به النظام الذي يستوحي روح المذهب الديمقراطي ،أي يقوم على أساس
الفرع الثالث :القائلون بالتفرقة بين المذهب الديمقراطي ونظام الحكم الديمقراطي
( )Duguit يرى بعض رجال الفقه الدستوري من أمثال الفقيه الفرنس ي "دوجي"
حريات األفراد ،والذي يقتضي عدم إطالق سلطة الدولة ،نجد بخالف ذلك ّ
أن المذهب
120متولي (عبد الحميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.107-106 .
وليلة (محمد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.751 .
(وهما الفيلسوفان "هوبز" و"روس و") إنّم ا ينتهي إلى الس لطة المطلق ة ،وع دم كفال ة
حري ات األف راد ،ويس تدلّون على ذل ك بوق ائع حص لت في الماضـي وفي الحاضـر؛
حيث انتهى األمر إلى قيام االستبداد وت بريره ,كالديمقراطي ة القيص ريّة في عه د حكم
الفرع الرابع :القائلون بعدم التفرقة بين المذهب الديمقراطي ونظام الحكم الديمقراطي
شائعًا ليـس خطأ في الواقع ,إذ ال فرق بين االصطالحين ,فالمذهب الديمقراطي ,ال ذي
يجعل السيادة لأل ّمة ,ال يمكنه بعد ذلك أن يتجاهل الحرية؛ فالقول ّ
إن األ ّمة هي مص در
السيادة والسلطات ،يقتضي استبعاد فكرة تح ّكم الفرد أو الطائفة ،فنقل السيادة من الفرد
إلى األمّة يجعل من غير المعقول التن ّكر بعد ذلك للحرية ,أو عدم االهتم ام بحمايتهم ا؛
إن الم ذهب ال ديمقراطي عن د أش هر ممثّلي ه (ه وبز ،و روس و) ي ؤ ّدي إلى
أ ّما الق ول ّ
إطالق السلطة ،وانتهاك الحريات الفردية ،فال ّرد على ذلك يكون أ ّوالً باستبعاد وص ف
الديمقراطية عن مذهب "هوبز" ألنهّ صيغ بصورة تؤ ّدي إلى السلطة المطلقة للح اكم،
أما مذهب "روسو" فه و ديمق راطي ،وي ؤ ّدي إلى حماي ة الحري ات ،وأ ّم ا االحتجـاج
ّ
متولي (عبد الحميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ,مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.107 . 121
ببعض التطبيقـات الواقعيّة السيّئة للمذهب الديمقراطـي ,والتي أ ّدت إلى االستبداد ،فهو
مردود ،لكون ّ
أن التطبيق غير السّليم للمذهب ال يعبّر بالضرورة عن حقيقته.122
ويبدو لنا ص ّحة هذا الرأي الثاني؛ وذلك لق ّوة أدلّتـه ،وإب رازه لموض ع االلتب اس
في المسألة ،حيث ف ّرق بين األفكار النظريّة والوقائع التطبيقيّة ،وأوضح كيف ّ
أن سوء
التط بيق لم ذهب معيّن ال ي برّر الطعن في س المة أفك اره النظريّ ة ،كم ا نفى ص فة
على المذهب الديمقراطي الصّحيح ،كما نظر أنصار ه ذا االتّج اه إلى األم ور بمنط ق
وعقالنية ،فأوضحوا استحالة تجاهل الحرية من قِبل مذهب يجع ل السيـادة لأل ّمـة وال
يقبل نسبة السيادة لشخص أو هيئة؛ حتى ال يؤ ّدي ذلك إلى االستبداد.
تتالقى الديمقراطية كمذهب ،مع الديمقراطي ة كنظ ام للحكم ،في االتّف اق ح ول
الشعبية ،وحرية ال ّشعب في اختيار نظام حكمه وح ّكامه ،وتغييرهم متى شاء.
ّ
والنظريّ ة الديمقراطي ة الحديث ة تمّت ص ياغتها اعتم ادًا على راف دين يغ ّذيانها،
األ ّول يتمثّ ل في كتاب ات الفالس فة من أمث ال "روس و" في "العق د االجتم اعي"
و"مونتسكيو" في "روح القوانين" ,أ ّما الثاني فيتمثّ ل في التجرب ة الديمقراطي ة كنظ ام
ليلة (محمد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.753-752 . 122
للحكم؛ وذلك بما أضافته هذه التجربة من مؤسّسات ومبادئ جدي دة ,والس يّما التجرب ة
العمّلية اإلنجليزيّة ،التي كانت األساس األول في ظهور الحكم النيابي والبرلماني.123
المبحث الثاني
ّ
إن للديمقراطية الغربية خصائص تميّزها عن غيرها من أنظمة الحكم األخ رى,
سواء تلك األنظمـة التي تتبنّى أشكـاالً أخـرى من الديمقراطيـة ،أم ال تي تختل ف عن
وهذه الخصائص تشترك فيها مختل ف البل دان ال تي تتبنّى الديمقراطي ة التقليديّ ة
(الغربيّة) ,حت ّى لو اختلف شكل النظام الذي تتبّعـه (برلمانيًا كان أم رئاسيًا) .وتقتـرب
البلـدان من الديمقراطية ال ّ
صحيحة بقدر أخذها بهذه الخصائص.
123
.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp.53-54
وعلى ال ّرغم من االختالف ات ال تي تفص ل بين دس اتير ال دول ال تي تتبنّى
فهذه الديمقراطية ترمي إلى تحقيق الحرية والمساواة السياسيّة ،أي هي ليست
مذهبًا اجتماعيًا أو اقتصاديًا يهدف إلى إصالح المجتمع من الناحية المادية فقط ،وبه ذا
تهدف إلى تحقيق السعادة الماديّة لألفراد ،وال ت ؤمن بوج ود الحري ات في المجتمع ات
الرأسماليّة ،حيث تراها مج ّرد حريات صورية ،بل تعتبرها مج رّد امتي ازات لألقليّ ة.
وهذه الصفة السياسيّة للديمقراطية الغربيّة ال تنفي الص بغة االجتماعيّ ة الماديّ ة ،ال تي
تحاول األنظمة الديمقراطية الكالسيكيّة إدخالها على هذه الديمقراطي ة ،بقص د تقويته ا
السياسيّة كذلك.125
.138 متولي (عبد الحميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص. 124
ليلة (محمد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.756-755 . 125
فقد قامت الديمقراطية الغربيّة -في مبدئها -لمحاربة الحكم المطلق واستئثار
الحكّام بالس لطة من دون أكثريّ ة الش عب ،وك ذا لمن ع االعت داء على حق وق وحري ات
األف راد ،وأيض ا ً به دف كفال ة الحق وق الفرديّ ة وحماي ة مختل ف الحري ات ،والس يّما
الحريات السياسيّة.
والحري ات ،حيث يقتص ر دوره ا في تنظيمه ا دون المس اس بمض مونها ،كم ا تق رّر
فمب دأ الحق وق الفرديّ ة في الديمقراطي ة الغربيّ ة ه و التط بيق العملي للحري ات
العامة127؛ فالنظ ام ال ديمقراطي يقتض ي وج ود حري ة االعتق اد وال رأي واالجتم اع
وتك وين الجمعي ات والتعليم ،وك ذا الحري ة الشخص ية ،وغيره ا من مظ اهر الحري ة.
إذن ،فالب ّد لك ّل حرية من تقييد ،حت ّى ال تتح ّول إلى فوض ى تنته ك النظ ام الع ام
وحقوق الغير ،وتعرّض المصـالح العليا للدول ة للخط ر؛ ولكن من ج انب آخر ،وحتّى
بسيوني (عبد الغني) ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص.192-191 . 126
متولي (عبد الحميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.138 . 127
ليلة (محمد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.757 . 128
تعس فها واس تبدادها بالمحافظ ة على تل ك المص الح ،ك ان الب ّد من أن
ال تبرّر الدول ة ّ
والمقصود بـ "الفرديّة" هنا هو :اعتبار األ ّمة مك ّونة من أفراد متساويـن ،وأنّ
الص دد ّ
أن في ه ذا ّ () Vedel س لطانها ه و حماي ة تل ك الحق وق ،حيث ي رى "فيديل"
الديمقراطية الكالس يكيّة ته دف إلى وض ع الف رد ف وق الدول ة ،وف وق أيّ ة جمعيّ ة من
الحرية والسّعادة.129
وهذا م ا ك انت الحكوم ات االش تراكيّة تفعل ه؛ حيث إنّه ا ت ّدعي خدم ة مص الح
فالديمقراطية الغربية تهدف إلى تمتّع أف راد الش عب بحق وقهم السياس يّة بص فتهم
أو انتمائهم إلى طبقة من الطبقات ،فهي تنظر إلى الفرد ذاته باعتباره إنس انًا ,بص رف
إليها.130
ويطلق على هذه المساواة أحيانًا "المساواة المدنيّة" ،أي أنّها ليست مساواة
فعليّة أو واقعيّة ,والمقصود بالمساواة أمام القانون هو أن يك ون الق انون واحدًا بالنّس بة
للجميع ،فال تمييز بين الطبق ات ،وال بين األف راد ،بس بب أص لهم أو جنس هم أو لغتهم,
وال نقصد هنا المسـاواة الفعليّة التي تتّجـه إليها الم ذاهب االش تراكيّة؛ وإنّم ا نقص د ّ
أن
تلك الم يزات االجتماعيّ ة ال تي ينعم به ا المواطن ون يجب أن يحميه ا الق انون بحماي ة
واح دة ،دون تمي يز بين األف راد والطبق ات ،أي أن يحمي الق انون جمي ع المواط نين
والمالحظ هنا ّ
أن هذه المساواة القانونيّة ,ال تي تعم ل على إقراره ا الديمقراطي ة
الغربية ,هي نتيجة طبيعية العتبار هذه األخيرة مذهبا ً فرديًا ،حيث إنّ ه م ا دام األف راد
يشتركون في شؤون الحكـم بصفتهم أفراداً؛ فالب ّد أن يكون اشتراك هؤالء األفراد على
س بيل المسـاواة ،ودون تمي يز بينهم بس بب األص ل أو الجنس أو اللّغـة أو الدّين أو
شيحا ( إبراهيم عبد العزيز) ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص.286 . 130
متولي (عبد الحميد) ،القانون الدستوري و األنظمة السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.139 . 131
ثالثاً ،وهي :الس يادة الش عبيّة ،والحري ة ،والمش اركة؛ فالس يادة الش عبية هي ج وهر
ت تر ّكز في ّ
أن الش عب ه و ص احب الس يادة والس لطان ،ولكن ممارس ة الش عب له ذه
الفصل الثالث
صور الديمقراطية الغربية
يتميّز نظام الحكم ال ديمقراطي بك ون الش عب ه و ص احب الس يادة ومص درها,
وه ذا ال خالف في ه؛ وإنّم ا االختالف في كيفيّ ة ممارس ة الش عب له ذه الس يادة ،إذ ّ
إن
ففي ك ّل عصر ،وفي ك ّل بلد ،يختار الش عب النظ ام ال ذي ي راه مالئ ًم ا لظروف ه
.45 رسالن (أنور أحمد) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص. 133
فهو إ ّم ا أن ي دير ش ؤونه بنفس ه مباش رة ،وتس ّمى ه ذه الص ورة "الديمقراطي ة
المباشرة" ،وإ ّما أن يلج أ إلى اختي ار ن واب عن ه يص رّفون أم وره باس مه ،وه ذه هي
"الديمقراطية النيابيّ ة" ،وإ ّم ا أن يم زج بين الطريق تين الس ابقتين ،فينتخب نواب ا ً عن ه
تسمـى "
ّ (البرلمان) ،ويشترك معه في بعض االختصاصـات الهامـة ،وهذه الصـورة
ّ
سنفص ل -بح ول هللا تع الى -في ه ذه الص ور ،وذل ك في المب احث وفيم ا ي أتي
اآلتية:
روسو (جان جاك) ،العقد االجتماعي ،مرجع سابق ،ص.119 . 137
.BURDEAU (Georges),Traité de science politique (Les régimes politiques), L.G..D..J, éd. 2, paris, 1970 , t..5, p.249 3138
بدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.201 . 139
Traité de science politique (Les régimes politiques), op. cit , t.5, p. 250. BURDEAU (Georges) ,
أهم مزايا الدميقراطية املباشرة G،اليت وإن كان تطبيقها متعّ Gذ ًرا يف عصGGرنا احلايل ،والسGGيّما
إذن ،فهذه ّ
مع تع ّقد احليـاة وكGثرة عGدد السّ Gكان ،إالّ أ ّن هلا مزايا عديGدة ،والسGيّما من الناحية املعنويGة؛ Gحيث ترفع من
قيمة املواطن العادي وتعت ّد بآرائه ,وجتعل ممارسة الشعب لسيادته حقيقة واقعة.
الموجهة إلى الديمقراطية المباشرة
ّ الفرع الثاني :االنتقادات
املوجهة إىل الدميقراطية املباش GG Gرة اس GG Gتحالة تطبيقها يف البل GG Gدان املعاص GG Gرة142؛
أهم االنتق GG Gادات ّ
من ّ
وذلك لكثرة عدد الس ّكان Gوتع ّقد مسائل احلكم واملشاكل املطروحة.
فالدميقراطية GاملباشGG G G Gرة يف صGG G G Gورهتا الكاملة حتتّم أن ميارس ال ّشG G G G Gعب بنفسه مجيع وظGG G Gائف الدولGG G Gة،
التشريعيّة واإلداريّة والقضائيّة ،ولكن ممارسة الشعب للوظائف اإلدارية يكاد يكون مسGGتحيالً؛ فمن املؤكّ Gد
أ ّن جممGGوع املواطGGنني يعجGGزون عن مباشGGرة الوظيفة اإلداريّة بأنفسGGهم؛ ملا تسGGتلزمه هGGذه الوظيفة من أعمGGال
وقرارات يوميّة.143
املتحمسني للدميقراطية Gاملباش GGرة G،ب GGأن Gينـادي بضـرورة ل GGذلك فقد اكتفى "روس GGو" ،وهو من أشّ G Gد ّ
مهمة التشGGريع ،ووضع القGGوانني الالّزمة للجماعـة؛ فحىّت املدن السياسGGيّة القدمية -اليت أخGGذت تGGويّل الشGGعب ّ
بنظـام الدميقراطية Gاملباشـرة -مل تأخذ هبا على صGG G G Gورهتا الكاملGG G G Gة؛ فقد كGG G G Gانت الوظيفة اإلداريّة والوظيفةG
صG G Gا ل GG Gذلك ،ومن مثّ كGG Gانت
خصي ً
القضGG Gائيّة -يف الغ GG Gالب G-متارس بواس GG Gطة م GG Gوظّفني ،أو ح ّكGG Gام اخت GG Gريوا ّ
أساسا على املسائل التشريعيّة.144G
الدميقراطية Gاملباشرة مقصورة ً
ومن عيGG Gوب الدميقراطيـة املباشـرة كGG Gذلك ,أ ّن كثGG Gرياً من أفـراد الشGG Gعب ليسGG Gوا يف مسGG Gتوى النضج
كثريا من املسGGائل العامة الفنيّة Gواملع ّقGGدة Gال
والوعي واإلدراك ،لكي حيكموا أنفسهم بأنفسهم ،فضالً عن أ ّن ً
ميكن ألفGG G G Gراد الشGG G G Gعب العGG G G Gاديني فهمها وعالجهGG G G Gا ،إضGG G G Gافة إىل أ ّن بعض املسGG G G Gائل العامة تتطلّب السGG G Gريّة؛
ويعرض البالد للمخاطر.145
فمناقشتها باشرتاك Gمجيع املواطنني يكشف السريّةّ ،
ولGGذلك فقد اختفى نظGGام الدميقراطيـة املباشـرة – تقريبًGGا -وال جند تطبي ًقا له إالّ يف بعض املقاطعGGات
Gددا من ال ّس G Gكان يف االحّت اد السويس GG Gري -واليت يقتصر دور اجلمعيّة
السويس GG Gرية الص GG Gغرية G-وهي األق Gّ G Gل ع ً G G
الشعبيّة فيها على رفض أو تصديق ما يقرتحه جملس املقاطعة Gاملنتخب.146
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.441 . 146
وجهت إىل نظGGام الدميقراطية GاملباشGGرة ال تقلّل من شGGأن هGGذا النظـام؛ فهو لكن هGGذه االنتقGGادات Gاليت ّ
أي تزييف أو تزويـر يف إرادة الش GGعب ،إالّ أ ّن ال GGذي جي ّس G Gد السيـادة الشGG Gعبيّة Gعلى حقيقتهGG Gا ،ويقضي Gعلى ّ
مثاليّته جعلت تطبيقـه على أرض الواقـع صعـباً أو مسGG G Gتحيالً ،والسGG G Gيّما يف عص GG G Gرنا احلاض GG Gر ،حيث تع ّقد
شGG Gؤون احلكم ،وتزايد عGG Gدد الس ّ G Gكان ،ولكن هGG Gذا ال يعين غيGG Gاب مجيع مظGG Gاهره يف عصGG Gرنا ،بل هي باقيّة
صG Gورةأي نظ GGام إلرادة الش GGعب مبدى أخ GGذه هبذه املظ GGاهر؛ ألهّن ا ال ّ ومطبّقة يف بعض البالد ,ويق GGاس اح GGرتام ّ
الصادقة للدميقراطية احلقيقيّة G,اليت تعترب الشعب صاحب السيادة ومصدرها. ّ
المبحث الثاني
الديمقراطية النيابية ))La démocratie représentative
149
.PRELOT (Marcel), op.cit., p.77
بدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص 209 .وما بعدها. 150
157
.DUVERGER (Maurice), op. cit., p.88 et suiv
.BURDEAU (Georges), HAMON(Francis), et TROPER(Michel), op. cit, p. 170
.213-212 بدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص. 158
األمة عن إرادة ممثّليها فيه خطGGأ؛ أل ّن املمثّل منفصل عنهGGا،إضGGافة إىل أ ّن القGGول بعGGدم انفصGGال إرادة ّ
صGة بGGه ،دون انتظGGار مشGGاركة وله ذاتيّته وإرادته اجمل ّسGدة يف انفصGGاله GاجلسGGماين ،وقيامه بتصGّ Gرفات قانونيّة خا ّ
األمة اآلخ GGرين ،كما تتع GGارض ه GGذه النظرية مع املب GGدإ ال GGدميقراطي األساس GGي ،واملتمثّل يفأو موافقة أعض GGاء ّ
واألمة إىل مش GG Gيئة الدولة صGG Gانعة
Gؤدي إىل تقرير خض GG Gوع الش GG Gعب ّ حكم الش GG Gعب وس GG Gيادته؛ وذلك ألهّن ا ت ّ G G
لتصرفات أعضائها.159G
القانون ،ومقيّدة ّ
والواضح من ه GG Gذه النظرية واليت س GG Gبقتها G,أهّن ما حتاوالن ت GG Gربير النظ GG Gام الني GG Gايب ،وأ ّن ه GG Gذا األخري ال
يتن GGاقض Gمع املب GGدإ ال GGدميقراطي G،ولكنّهما تقع GGان Gيف بعض التن GGاقض ،وأحيانًا تص GGطدمان مع املنط GGق ،كما أ ّن
عما تقGّ Gره هاتGGان النظريتGGان ,ولكن هGGذا ال ينفي Gجديّة هGGاتني النظريGGتني يف Gريا ما يكGGون GبعيGً Gدا ّ
واقع احلال كثً G
البحث عن أسس للتوفيق بني النظام النيايب واملبدإ GالدميقراطيG.
بوشعير (سعيد) ،القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.85-84 . 159
متولي (عبد الحميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.156-155 . 160
لألمة كلّهGا،
حيث ال يعترب عضو الربملان Gاملنتخب ممثّالً لدائرته االنتخابية فقGط ،بل يُعّ Gد ممثّالً ّ
أي ليس من مهامه رعاية املصاحل احملليّة لدائرته االنتخابيّة G،بل يرعى مصاحل ّأمته القوميّة Gالعليا.161
فعضو الربملان Gيت ّكلم باسم اجملموعة كلّهGG G Gا؛ إذ أص GG G Gبح ممثّل الش GG G Gعب بكامله وليس ممثّل قسم أو فئة
منه.162
ثالثا :االستقالل النسبي ألعضاء البرلمان تجاه الشعب
حق عزله إذا
احلق يف إمالء إرادهتم أو رغباهتم على النائب ،وال ميلكون ّ أي ليس للناخبني ّ
مل ين ّفذ تلك اإلرادة أو الرغب GG G G Gات ,كما ك GG G G Gان حيصل يف فرنسا قبل ثورهتا بالنس GG G G Gبة ألعض GG G Gاء جمالس متثيل
الطبقات املعـروف باسـم (.163) Les Etats généraux
مهم من االسGGتقالل GالGGذايت عن
فهGGذا الGGركن من أركGGان النظGGام النيGGايب يقتضي Gأن يتمتّع النGGواب بقGGدر ّ
األمة كلّها ،فكأنّه نتيجة طبيعيّة للمبدإ السابق.
منتخبيهم ,وهذا ما يقتضيه Gكذلك كون عضو الربملان ميثّل ّ
رابعا :تأقيت النيابة
أي جيب أن يك GGون انتخ GGاب أعض GGاء الربملان مل ّدة معيّنة وحمدودة ،ويعترب ه GGذا وس GGيلة من
وسGG Gائل حتقيق رقابة الGG Gرأي العGG Gام على أعضGG Gاء الربملان؛ Gحيث ميكن للنGG Gاخبني االمتنGG Gاع Gعن جتديد انتخGG Gاب
األعضاء الذين ثبت فشلهم يف مهامهم.164
خامسا :تمتّع البرلمان ببعض خصائص السيادة
يتوىل الربملـان السلطـة التشريعيّة ،أو على األق ّـل أن يشرتك مع احلكومةG
ومعىن ذلك أنّه جيب أن ّ
جمرد هيئة استش GGاريّة ،ويف ه GGذه احلالة ال ميكن اعتب GGار ه GGذه
يف ج GGزء منه GGا؛ وذلك حىت ال يتح Gّ Gول دوره إىل ّ
165
أهم عنصر من عناصر احلكـم النيGGايب ,وهو ممارسة الربملـان للتشريـع
ّ فقد هّنأ GادامGم ، نظـاما نيابيـاً
اجملالس ً
حىت لو توافر عنصر االنتخاب.166
واملراقبة وبطريقة استقالليّة Gعن الشعبّ ،
الفرع األول :نظرية الوكالة اإللزامية () Le mandat impératif
أوال :مضمون هذه النظرية وتطبيقاتها
سGGادت هGGذه النظرية يف بريطانيGGا ،وفرنسا قبل ثورهتا؛ حيث كGGان أعضGGاء اهليئGGات العموميّةG
( ) Etats généraux يتل ّقGGون تعليم GGات ملزمة من الفئ GGات اليت ميثّلوهنا ،واليت خيضGGعون Gهلا ،ويعتGGربون ك GGذلك
لألمة كلّه GGا ،إالّ أ ّن ه GGذه الفك GGرة (الوكالة اإللزاميّ GGة) Gهج GGرت متامG Gاً يف الق GGرن
ممثّلني لتلك الفئ GGات وليس GGوا ّ
الثامن عشر.167
صGة ،ترتبط بالطبقـة أو املدينة Gاليت ميثّلها
وفحوى هذه النظرية أ ّن نGGواب املقاطعGGات ميثّلGGون مصGGاحل خا ّ
كGّ Gل منهم؛ حيث كGGان النGGواب GيرتبطGGون بنGGاخبيهم برابطة وكالة إلزاميّة ختضع ألحكGGام عقد الوكالة املقGّ Gررة
يف القانون Gاملدين ،إذ نقلت هذه العالقة من القانون اخلاص إىل القانون العGGام ،ووفق هGGذه النظرية يصGGبح من
حGّ Gق النGGاخبني حتديد برنGGامج يسري عليه النGGائب ،وتعليمGGاهتم ملزمة لGGه ،وليس له اخلروج عن حGGدود الوكالة
Gىت قبل انته GGاء م ّ Gدة الوكالـة ،ويك GGون Gالن GGائب Gهنا مس GGؤوالً عن أخطائه
املعط GGاة ل GGه ،وللن GGاخبني ح Gّ Gق عزله ح ّ G
وتقصريه يف تنفيذ الوكـالة؛ ممّا يرتتّب Gعنه ح ّقهم يف املطالبـة بGGالتعويض G،كما أ ّن على النGGائب GتقGGدمي حسGGاب
حتمل مصGGاريف الوكالGGة ،ومجيع ما تتطلبّه النيابةGللنGGاخبني عن كيفيّة تنفيذ الوكالGGة ،ويف املقابل على هGGؤالء ّ
من مصاريف.168
ثانيا :تقييم هذه النظرية
على ال Gّ Gرغم ممّا حتمله ه GGذه النظرية من مسات الدميقراطي GGة؛ حيث تق Gّ Gرر ح Gّ Gق الش GGعب يف مراقبة
نوابه وعGGزهلم عند االقتضGGاء ،إالّ أهّن ا مل تسGGلم من انتقGGادات؛ ألهّن ا تكيّف العالقة بني النGGائب GوالشGGعب Gعلى
أهّن ا تعاقديّة ختضع للقGG G G G G G G G Gانون اخلاص ،ولكن األمر ليس كGG G G G G G G G Gذلك؛ إذ العالقة بينهما تنظيميّة قانونيّة ختضع
Gؤدي هـذه النظريـة إىل تGGرجيح املصGGاحل احملليّة على املصGGاحل الوطنيّGGة ،ممّا يعGّ Gزز اجلهويّGGة،
للقGGانون العGGام ،كمـا تّ G
167
.BURDEAU (Georges), Traité de science politique, op. cit., t. 5, p. 283 et suiv
.216 وبدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.
168بدوي (ثروت) ،المرجع السابق ،ص.215 .
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p.87
خادما
كما أهّن ا تسحب من الربملان Gسلطة التقرير ،ممّا يتناىف مع النظGGام الربملاين ،إضGGافة إىل أهّن ا جتعل النGGائب ً
وليس ممثّالً.169
بوشعير (سعيد) ،القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.88-87 . 175
أبورا س (محمد الشافعي) ،نظم الحكم المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.362-361 . 176
أبورا س (محمد الشافعي) ،نظم الحكم المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.362 . 177
179
.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp .78-79
وليلة (محم د كام ل) ،النظم السياسEEية ،مرج ع وبدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص-.222-221 .
سابق ،ص.
.805-804
180بدوي (ثروت) ،المرجع السابق ،ص.222-221 .
181ليلة (محمد كامل) ،المرجع السابق ،ص.805 .
إذن فالدميقراطية شGG Gبه املباشGG Gرة ،جGG Gاءت كحGّ G Gل وسط بني نظGG Gام تع ّ G Gذر تطبيقه عمليً GGا ,والس GGيّما يف
عصرنا احلاضر (الدميقراطية Gاملباشرة) ،وبني نظGGام ظهGGرت عيوبه لكونه ابتعد عن جGGوهر الدميقراطيـة احلقيقيّة
ومثلها العليـا ،واملتمثّلة يف املشاركـة الفعليّة للش GG Gعب يف ممارسة س GG Gيادته (النظ GG Gام الني GG Gايب)؛ فكGG Gان الب ّ G Gد من
األخذ مبظاهر كال النظامني السابقني ،فأبقي Gعلى الربملان GليمGGارس اختصاصGGاته يف متثيله للشGGعب ،ولكن مع
اهلامGGة؛
اإلبق GGاء على بعض مظ GGاهر الدميقراطية املباش GGرة G،ليش GGارك الش GGعب بص GGورة مباش GGرة يف بعض األم GGور ّ
فكانت الدميقراطية Gشبه املباشرةG.
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسّسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1ص. 441 . 183
186ليلة (محمد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص 806 .وما بعدها.
.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p.79 187
DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., pp.94-95
ليلة (محم د كام ل) ،النظم السياسEEية ،مرج ع س ابق، بدوي (ثروت) ،النظم السياسEEية ،مرج ع س ابق ،ص-224.
.808 ص.
للربملان -يف ه GGذه احلال GGة -بوضع مش GGروع ق GGانون يف مقابل املش GGروع املق ّ Gدم من الن GGاخبني ،ويك GGون Gللش GGعب
حرية اختيار أحد هذين املشروعني عند االستفتاء.188
رابعا:ح ّق إقالة الناخبين نائبهم () Revocation-Recall
أُقGّGر هGGذا ّ
احلق حتقي ًقا حلكم الشGGعب ،وارتبGGاط النGGواب GبنGGاخبيهم ،ورقابة الشGGعب ملمثّليه يف أداء
مه GGامهم على أحسن وج GGه؛ ف GGإذا رأى الن GGاخبون Gاحنراف الن GGائب Gعن اهلدف ال GGذي اختري ألجله أثن GGاء عهدته
الربملانيّGGة ,أي قبل انتهGGاء مّ Gدة تلك الGGدورة الربملانيّGGة ،فبإمكGGان عGGدد معنّي من النGGاخبني (كGGالربع ،أو اخلمس،
أو العشر مثالً) طلب إقالة النائب؛ فإذا حاز طلبهم قبول أغلبيّة الناخبني لزم انسGحاب النGائبّ G،أما يف حالة
ما إذا حصل النائب املطلوب عزله على األغلبيّة GملصGلحته ،فإنّه يعـ ّد منتخبًا من جديد وملـ ّدة جديـدة .وهGGذا
Gىت املوظّفني والقض GGاةG
املظهر مطبّق يف الوالي GGات املتحـدة األمريكيـة وال يقتصر على النGG Gواب ،بل يشGG Gمل ح ّ G
املنتخبني.189
الحل الشعبي ()Dissolution populaire
خامساّ :
حل اهليئة Gالنيابيّة بأسرها ،وعزل أعضائها حق عدد معنّي من الناخبني ّ يف هذه احلالة يكون من ّ
كلّهم كوح GGدة ،فيتق ّ Gدم ه GGؤالء الن GGاخبون بطلب ح Gّ Gل اجمللس الني GGايب ،وعندئذ يُع GGرض األمر على الش GGعب يف
Gل اجمللس القGGائم ،وجيب بنGGاءً على ذلك إجGGراء انتخابGGات استفتاء؛ فإذا حصل على موافقة أغلبيّة النGGاخبني ُGح ّ
جديدة لتجديد أعضاء اجمللس النيايبّ ,أما إذا عارض الشعب ذلك باألغلبيّة املطلوبGGة ،فGGإ ّن ذلك مبثابة جتديد
للثقGG Gة .وتأخذ بعض املقاطع GG Gات السويس GG Gرية هبذا املظهر من مظ GG Gاهر الدميقراطية Gش GG Gبه املباشGG Gرة G،كما اتّبعها
كذلك االحّت اد املركزي األملاين.190
سادسا :عزل رئيس الجمهورية
تنص بعض الدسGاتري على إمكانيّة عGزل رئيس اجلمهوريGة ،إذا فقد الثقة الشGعبيّة ،فتعطي هGذا وقد ّ
احلق "دس GGتور
صG Gة ويف ح GGدود معيّن GGة G،ومن أمثلة الدس GGاتري اليت تق Gّ Gر ه GGذا ّ
احلق للش GGعب ،ولكن بش GGروط خا ّ
ّ
صGت (املادة )43من ذلك الدسGتور على فيمGر"( )La Constitution de Weimar الصGGادر سGنة 1919م ،فقد ن ّ
-
.PRELOT (Marcel), op.cit, p.79 DUVERGER (Maurice), op.cit., p .94 188
ص.809-808. بدوي (ثروت) ،المرجع السابق ،ص -225 .ليلة (محمد كامل) ،المرجع السابق،
189
.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel op.cit., p.79
بوشعير (سعيد) ،القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.97-96 .
بدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص- .225 .ليلة (محمد كام ل) ،النظم السياسEEية ،مرج ع س ابق،
ص809 .
190
.PRELOT (Marcel), , op.cit., pp.79-80
.810-809 بدوي (ثروت) ،المرجع السابق ،ص -.226-225 .ليلة (محمد كامل) ،المرجع السابق ،ص.
أنّه ميكن ع GG Gزل رئيس اجلمهورية من منص GG Gبه Gبن GG Gاءً على اق GG Gرتاح من جملس "الريشس GG Gتاج" (اجمللس الشGG Gعيب)،
بأغلبيّة ثلGGثي أعضGGائه ،وموافقة GالشGGعب عن طريق االسGGتفتاء ,ومبجGّ Gرد صGGدور قGGرار الريشسGGتاج يوقف رئيس
اجلمهورية عن العم GGل؛ ولكن إذا مل يوافق الش GGعب (الن GGاخبون) Gعلى ق GGرار اجمللس ،ف GGإ ّن ذلك مبثابة انتخ GGاب
حل "الريشستاج" وإجراء انتخابات جديدة.191
جديد للرئيس ،وجيب ّ
فهذه هي مظاهر الدميقراطية Gشبه املباشرة؛ Gواجلدير بالGGذكر هنا أنّه يكفي Gاألخذ ببعض هGGذه املظGGاهر
Gىت يُع ّ Gد النظGGام آخ ً Gذا هبذه
أي نظGGام إىل هGGذه الدميقراطيGGة G،وال يشGGرتط األخذ بكGّ Gل هGGذه املظGGاهر حّ G لينتسب ّ
الدميقراطيGة G,واملالحظ كGذلك أ ّن هGذه الصGورة قد تقGرتب من النظGام املباشGر ،وقد تقGرتب من النظGام النيGايب
-حبسب درجة األخذ هبذه املظاهر.
كل ما سبق -بGGأ ّن هGGذا النظـام (الدميقراطيـة شGGبه املباشGGرة) أقGGرب إىل الدميقراطيةG وميكن احلكم -بعد ّ
املثاليّة من النظام النيايب؛ ولذلك التجأت إليه كثري من البلدان اليت كانت تأخذ بالنظام النيايب اخلالص؛ هذا
على الGّ Gرغم من أ ّن هGGذه الصGGورة من الدميقراطية GالغربيGGة ،هي كغريها من األنظمة البشGGريّة ،هلا مزايGGا ،ولكن
ال ختلو من عيوب كذلك.
المطلب الخامس :تقييم أساليب الديمقراطية شبه المباشرة
على ال Gّ Gرغم من اإلجيابي GGات Gالكث GGرية اليت قيلت يف ه GGذه الص GGورة للدميقراطية Gالغربي GGة ,إالّ أنّه قد
وجهت إليها انتق GG Gادات عّ G G Gدة؛ فمن مزاياها أهّن ا أق GG Gرب إىل حتقيق املثل األعلى للدميقراطية GأكGG Gثر من النظGG Gام ّ
يؤدي إىل استقرار احلكومة. النيايب ،كما أهّن ا تعترب وسيلة سلميّة يستعملها الشعب لتحقيق مراده ،ممّا ّ
وأما عن س GGلبياهتا ،فتتمثّل يف ك GGون مش GGاركة الش GGعب للربملان يف احلكم ليست جديّ GGة؛ نظ Gً Gرا لع GGدم ّ
كف GG Gاءة أغلبيّة الش GG Gعب يف ح Gّ G Gل تلك امله GG Gام املع ّق GG Gدة ،كما تفتقد تلك االس GG Gتفتاءات Gإىل املناقشة الكافي GG GةG،
والدراسة الوافية -وذلك خالف ما يفعله الربملان -كما أ ّن الش GG G Gعب مع Gّ G G Gرض لالن GG G Gدفاع وس GG Gرعة الت GG Gأثري
ببعض الفئ GG Gات الناف GG Gذة ،إض GG Gافة إىل النفق GG Gات Gالباهظة اليت تتطلّبها االس GG Gتفتاءات املتتالي GG Gة ،وتعطيل أعم GG Gال
الن GGاخبني ،وبعث الس GGأم وامللل يف نفوسهـم ,إالّ أنّه ميكن معاجلة ه GGذه العي GGوب Gبتوعية الش GGعب ،والرفع من
مسGGتواه GالثقGGايف ،وإحساسه باملسGGؤوليّة ،واالهتمGGام باملسGGائل العامGGة ،وأداء وسGGائل اإلعالم Gدورها يف التوعية
191
.PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op.cit., p. 80
-ليلة (محم د كام ل) ،النظم السياسEEية ،مرج ع س ابق، .226 بدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع س ابق ،ص.
ص.810 .
اهلامة ،واستبعاد املسائل التافهGة ،أو املسGائل اخلطGرية اليت ال
والشرح ،والرتكيز يف االستفتاءات Gعلى املسائل ّ
العامة ,كاملسائل املتعلّقة Gبامليزانيّة واملعاهدات.192G
يصح أن ترتك يف أيدي ّ
ّ
وما ميكن مالحظته على هذه الدميقراطية- GشGGبه املباشGGرة -أهّن ا تتطلّب لنجاحها وحتقيق أهGGدافها ,أن
جناحا أكرب يف البلدان القليلة العدد من الس ّكانG. رفيعا يف الوعي ،كما أهّن ا حت ّقق ً يكون الشعب ذا مستوى ً
وإ ّن املظهر الش GG G Gائع للدميقراطية Gش GG G Gبه املباش GG G Gرة Gال GG G Gذي تأخذ به دس GG G Gاتري عّ G G G Gدة دول هو "االس GG Gتفتاء
أهم مظهر من مظGG Gاهر الدميقراطية GشGG Gبه املباشGG Gرة G،والGG Gذي يسGG Gتعمل كثGG Gرياً يف البلGG Gدان الشGG Gعيب" ,فهGG Gذا هو ّ
رد
اهلامGGة؛ وذلك لبسGGاطته وأمهيّت GGه ،ودوره يف ّ الدميقراطي GGة ،بقصد أخذ رأي الش GGعب يف مس GGألة من املسGGائل ّ
تزور أو تزيّف إرادة الشعب فيه. االعتبار لكلمة الشعب ،ولكن إذا طبّق بصورة ش ّفافة ونزيهة ،ومل ّ
الطماوي (سليمان محمد) ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص 174 .وما بعدها. 192
ليلة (محمد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص 817 .وما بعدها.
الباب األول
التعددية في ميزان اإلسالم
التع ّدديّة قبل أن تكون Gشكالً من أشكال املمارسة الدميقراطية Gيف الغرب ،وآلية من آليات هذه
الدميقراطية ،Gهي ظاهرة إنسانيّة وسنّة كونيّة ،جتلّت يف مجيع مظاهر الكـون ،ومن ضمنها اإلنسان Gوما
يتعلّق به أشياء ،سواء أكانت طبيعيّة فطرية ،أم اختياريّة كسبيّة.
األول من التع ّدديّة ،وهو ما أطلقنا عليه اسم "التع ّدديّة السننيّة" ،وهو نوع قدمي ُوجد
فكان النوع ّ
مع اإلنسان ،حيث يعترب سنّة من سنن اهلل يف مجيع خملوقـاته ،أو ُوجـد يف املراحـل األوىل من خالفة
خيل منه شعب من الشعوب القدمية ،أو حضارة من احلضارات املوجودة منذ اإلنسان يف األرض ،إذ مل ُ
"التنوع الفطري".
األول املوجود مع اإلنسانّ G التنوع ّ القدمي ،وهو ما مسّيناه "االختالف الديين" ،كما مسّينا ّ
التنوع
رب اخللق أمجعني ،عن هذا ّ وقد حت ّدث القرآن الكرمي ،وهو الكتاب اخلالد من ّ
وفصل يف أشكاله وأنواعهG.
وصرح باحلكمة منهّ ، واالختالفّ ،
األول ،أنّه حديث الوجود، وهناك نوع آخر من "التع ّدديّة" ميكن اعتباره G،باملقارنة مع النوع ّ
مصطلحا سياسيًا مرتبطًا بالنظام السياسي G،وله صور وأشكال متع ّددة ،وقد تبنّته الدميقراطية الغربية
ً واعتُرب
بالتنوع Gوالتع ّدد جبميع
تتضمن اإلقرار ّ كآلية من آلياهتا ،وشكل من أشكال املمارسة السياسية فيها ،حيث ّ
ألي طرف ،مع إفساح اجملال للجميع للمشاركة السياسية Gالعادلة ،طب ًقا أشكاله وصوره ،دون إقصاء ّ
لقواعد مضبوطة وحمرتمة من اجلميع.
كل صورة من تلك الصور املختلفة وقد كان لإلسالم أحكام ،وكان للمسلمني مواقف من ّ
للتع ّدديّة ،حيث ميكن إدراكها واستنباطها بالرجوع إىل النصوص الشرعية ،أو االحتكام إىل روح الشريعة
الغراء ومقاصدها العامة.
ّ
قسمنا هذا الباب إىل الفصلني اآلتيني:ولتناول هذا املوضوع G،فقد ّ
السننيّة.
الفصل األول :ونتناول فيه احلديث عن التع ّدديّة ُ
ونتعرض فيـه إىل التعـ ّدديّة السياسيّة.
ـّ : الفصل الثاني
األول(
الفصل ّ
السننيّة
التع ّدديّة( ُ
متنوعني
من احلقائق املسلّمة اليت ال ميكن لعاقل إنكارها ،أ ّن اهلل سبحانه وتعاىل قد خلق البشر ّ
التنوع Gو االختالف يعترب حقيقة فطريّة ،و سنّة من سنن اهلل يف اخللق. وخمتلفني ،وأ ّن هذا ّ
وهذه السنّة اإلهليّة ال تقتصر على اإلنسـان وحده ،بل إهّن ا تشمل الكـون كلّه ،وما فيه من خلق
مجيعا من
اهلل ،واإلنسان من ضمنهم؛ لذا فإ ّن هذه السنّة تشمله ،رغم كون البشر من أصل واحـد ،إذ هم ً
ذريّة آدم وحواء.
كل ذلك نعمة إذن ،فهذه التع ّدديّة هي حقيقة فطريّة ،وسنّة كونيّة ،وقانون حيايت ،وهي فوق ّ
اخلاصة به ،واليت ختتلف وتتميّز عن اآلخرين ،كما أ ّن له استعدادات Gخيتّص فكل إنسان له شخصيّته ّ إهليّة؛ ّ
تبعا الختالف األفكار اليت يتبنّاها ،والعقائد واألديان اليت
توجهاته يف احلياة تكون خمتلفةً ، هبا؛ لذا فإ ّن ّ
يعتنقها.
فهذا الشكل من التع ّدد واالختالف هو قدمي إذن ،وموجود مع وجود اإلنسان ،وهو ما ميكن
ختل منه
"التنوع Gالفطري"؛ كما ُوجد نوع آخر من التع ّدد واالختالف يف القدمي كذلك ،إذ مل ُ تسميّته ّ
حضارة من احلضارات القدمية ،أو شعب من الشعوب ،وهو ما ميكن تسميّته "االختالف الديين" ،فهذان
السننيّة" G،واليت ميكن أن نطلق عليها كذلك ،بالنّظر الشكالن من التع ّدديّة قد أطلقنا عليهما اسم "التع ّدديّة ُ
إىل زمن وجودها ،اسم "التع ّدديّة القدمية".
وفيما يأيت سنتناول –بإذن اهلل تعاىل -هذا النوع Gمن أنواع التع ّدديّة ،وذلك يف املبحثني اآلتيني:
المبحث األوّل :ونـتناول فيه مسألـة "التن ّـوع الفطري".
ونتعرض فيه إىل قضيّة "االختالف الديين".
المبحث الثانيّ :
األول
المبحث ّ
التنوع الفطري
ّ
جل شأنه ،وأدرك عبـاده بعضـها ،أن يكون لقد قضت إرادة اهلل سبحانه وتعاىل ،وحلكم يعلمها هو ّ
فردا،
التنوع سنّة أبديّة ،قد فطر اهلل مجيع املخلوقات عليها ،فلم -ولن -يكون Gالنّاس منطًا واحداً ،أو قالبًا ً
ّ
اس أُ َّمةً َوا ِح َدةً َوالَ يَزَالُونَ وإمّن ا كانوا و ال يزالون خمتلفني ،حيث يقولَ : ولَوْ َشا َء َربُّ َ
ك لَ َج َع َل النَّ َ
ُم ْختَلِفِينَ إِالَّ َمن ر َِّح َم َربُّكَ َولِ َذلِكَ خَ لَقَهُ ْم.193
كثريا،
يقر هذه احلقيقة اليت أرادها اهلل سبحانه وتعاىل ،وقد ورد ذلك يف القرآن ً فالقرآن الكرمي ّ
التنوع
بلفظه أو مبعناه ،هذا مع حديثه عن األصل اإلنساين املشرتك G،وإشارته إىل بعض هذه األشكال من ّ
يف عامل اإلنسانG.
الشك فيه أ ّن إرادة اهلل سبحانه
ّ ومع اليقني أ ّن اهلل سبحانه وتعاىل ال خيلق شيئًا عبثًا ،فإنّه ممّا
وتعاىل يف ذلك كانت حلكم كثرية.
تصرفات الناس ومعامـالهتم ،إذ إ ّن أثرا على الواقع العملي ،وعلى ّ التنوع Gواالختالف ً كما أ ّن هلذا ّ
يؤدي إىلوالتوجهات ،وهذا بدوره ّ ّ يؤدي إىل التباين يف اآلراء االختالف يف االستعدادات الفطريّةّ ،
والتصرفات على الصعيد العملي ،والسيّما يف اجملال السياسي G،حيث يكون Gاجملال فيه ّ اختالف املمارسات
وتنوع Gاألهداف ،واالختالف يف ترتيب املتنوعة G،وذلك لتداخل املصاحلّ ، خصبًا لالجتهادات واآلراء ّ
األولويات.
قسمنا هذا املبحث إىل املطالب اآلتيةG: والتطرق إىل هذه املسائل؛ فقد ّ ّ ولتناول هذا املوضوعG،
المطلب األول :ونـتـنـاول فـيـه تـعـريــف الـفـط ــرة.
التنوع Gواالختالف.ونتعرض فيه إىل حديث القرآن الكرمي عن ّ المطلب الثاني ّ :
المطلب الثالث :ونـتـحـ ّدث فيـه عـن َوحـدة األصـل اإلنسـانـي.
المطلب الرابع :ونتـنـاول فيـه أشكـال التن ّـوع Gيف عـالـم اإلنسـان.
المطلب الخامس :ونتـحـ ّدث فيه عـن احلكمـة مـن التن ّـوع Gالفطـري.
الصراع السياسي. ونتعرض فيه إىل أثـر التن ّـوع الفطري يف ّ المطلب السادسّ :
كثريا ما تُذكر كلمة "الفطرة" عند احلديث عن خملوقات اهلل سبحانه وتعاىل ،والسيّما َخلق
ً
جل شأنه فيقال" :فطرة اهلل" .
وكثريا Gما تضاف هذه الكلمة إىل اهلل ّ
ً اإلنسان،
نتعرف –بإذن اهلل تعاىل -إىل معىن هذه الكلمة يف اللّغة واالصطالح:
وفيما يأيت ّ
أوال :الفطرة في اللّغة(
وي ْفطُُره :ش ّقه من معاين "الفطرة" يف اللّغة :الشق ،ومجعه فُطُور ،وفَطَره ي ْف ِطره ِ
وي ْفط ُرهُ َ
َُ ُ ُُ َ ّ
فا ْن َفطََر ،وَت َفطََّر ،والناقة حلبها بالسبابة واإلبـهام ،أو بأطراف أصابعه ،والعجني اختبزه من ساعتـه ومل
فطرا :خلقهم .وذكر أبو العباس أنّه مسع ابن خيمره ،واألمر ابتدأه Gوأنشأه .وفطر اهلل اخللق يفطرهم ً ّ
194
األعرايب يقول :أنا ّأول من فطر هذا ،أي ابتدأه. G
ِ
-والفطرة :اخلِْل َقة.195
مرتشحة لفعل من األفعال ،فقـوله :
-وفطر اهلل اخللق :هو إجياده الشيء وإبداعه على هيئة ّ
اس َعلَ ْيهَا 196إشارة منه تعاىل إىل ما فطر ،أي أبدع ،وركز يف النّاس من فِ ْ
ط َرتَ هَّللا ِ الَّتِي فَطَ َر النَّ َ
قوته على معرفة اإلميان وهو املشار إليه بقولـهَ :ولَئِ ْن معرفته تعـاىل ،و"فطـرة اهلل" هي ما ركز فيه من ّ
ض ،198وقولـه : َْ
َسأ َ ْلتَهُ ْم َم ْن َخلَقَهُ ْم لَيَقُولُ َّن هَّللا ُ ، وقولـه ْ :ال َح ْم ُد هَّلِل ِ فَا ِط ِر ال َّس َما َوا ِ
ت َواْألَرْ ِ
197
الزبيدي (السيد حممد مرتضى احلسيين) ،تاج العروس من جواهر القاموس ،حتقيق :حسني ّ
نصار ،مطبعـة حكومة الكويت ،د .ط، 194
201األص((فهاني (الGGراغب أبو القاسم احلسني بن حممGGد) ،المف((ردات من غ(ريب الق(رآن ،حتقيGGق :حممد سGGيد كيالين ،دار املعرفGGة ،بGGريوت،
د .ط ،د.ت ،ص.381 .
202الك َفوي (أبو البقاء أيوب بن موسي احلسيين) ،الكليات –معجم يف املصطلحات والفروق اللّغويGة ،-مؤسسة الرسGالة ،بGريوت ،ط.
1993 ،2م ،ص.697 .
الفيروز أبادي (جمد الدين حممد بن يعقوب) ،القاموس المحيط ،دار الكتاب العريب ،د.م ،.د.ط،.د.ت ،.جـ ،2 .ص.110 . 203
العسقالني (ابن حجر) ،فتح الباري ،كتاب اجلنائز ،باب ما قيل يف أوالد املشركني ،طبعة دار املعرفة ،جـ ،3 .ص.248 . 205
الموطأ من المعاني واألسانيد ،حتقيـق :سعيـد أمحـد أعـراب ،د .م ،د.
البر (أبو عمر يوسف بن عبد اهلل) ،التمهيد لما في ّ
ابن عبد ّ
206
في غريب الحديث واألثر ،حتقيGGق :طGGاهر أمحد الGGزاوي وحممGGود الطنGGاحي ،دار الفكر للطباعة والنشـر والتوزيـع ،بGGريوت ،د .ط ،د .ت،
جـ ،1 .ص.296 .
208سورة الروم ،اآلية.30 :
Gيب فمGGات ،النسGGخة السGGلطانية ،جـ ،2 .ص .119-118 .و مس((لم يف
رواه البخ((اري يف ص((حيحه ،كتGGاب اجلنGGائز ،بGGاب إذا أسGGلم الصّ G
209
التنوع واالختالف
المطلب الثاني :حديث القرآن الكريم عن ّ
التنوع Gوالتع ّدد يف حياة البشر ،فرغم أ ّن البشر يتساوون
هناك آيات عديدة يف القرآن تتح ّدث عن ّ
يف إنسانيّتهم Gالعامة ،ويف خصائصهم املشرتكة ،إالّ أهّن م يف حقيقة األمر يتمايزون بدرجات خمتلفة داخل
احمليط البشري.
التنوع Gالذي يتح ّدث عنه القرآن الكرمي يف حياة البشر ،إمّن ا هو جزء من ظاهرة كونيّة
وهذا ّ
ومتنوعة G،وعامل النبات حيتوي
فمجرات الفضاء وكواكبه متع ّددة ّ تشمل أصناف املخلوقات والكائناتّ G،
على ألوان Gوأشكال خمتلفة رغم وحدة الرتبة اليت ينبت Gمنها واملاء الذي يسقى به ،يقول َ :وفِي
ص ْن َوا ٍن يُ ْسقَى بِ َما ٍء َوا ِح ٍد ص ْن َو ٍ
ان َو َغ ْي ُر ِ ع َون َِخي ٌل ِ ات ِم ْن أَ ْعنَا ٍ
ب َوزَرْ ٌ ات َو َجنَّ ٌ األَرْ ِ
ض قِطَ ٌع ُّمتَ َج ِ
او َر ٌ
ُْ
ت لِّقَوْ ٍم يَ ْعقِلُونَ ،212ويقـولَ :والنَّ ْخ َل ْض فِي اْألُ ُك ِل إِ َّن فِي َذلِكَ آلَيَا ٍ ضهَا َعلَى بَع ٍ َونُفَضِّ ُل بَ ْع َ
َوال َّزرْ َع ُم ْختَلِفًا أُ ُكلُهُ َوال َّز ْيتُونَ َوالرُّ َّمانَ ُمتَ َشابِهًا َو َغ ْي َر ُمتَ َشابِ ٍه .213
السماء ليست ّأمة واحدة ،وإمّن ا هي
متنوع ،فدواب األرض وطيور ّ وعامل احليوان هو اآلخر عامل ّ
ومتنوعة ،ويف هذا يقول َ :و َما ِم ْن دَابَّ ٍة فِي األَرْ ِ
ض َوالَ طَائِ ٍر يَ ِطي ُر بِ َجنَا َح ْي ِه إِالَّ أُ َم ٌم أمم متع ّددة ّ
أَ ْمثَالُ ُك ْم .214
وحىت املالئكـة ليسوا مجيعاً يف مستوى واحد وعلى شاكلة واحـدة ،بل هنـاك تن ّـوع يف أشكاهلم،
ض َجا ِع ِل ْال َمالَئِ َك ِة ُر ُسالً
ت َواألَرْ ِاط ِر ال َّس َما َوا ِ ومهامهم ،ومقامهم؛ ويف هذا يقول ْ :ال َح ْم ُد هَّلِل ِ فَ ِ
أُوْ لِي أَجْ نِ َح ٍة َم ْثنَى َوثُالَ َ
ث َو ُربَا َع يَ ِزي ُد فِي ْالخ َْل ِق َما يَ َشا ُء إِ َّن هَّللا َ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر .215
212سورة الرعد ،اآلية.4 :
213سورة األنعام ،اآلية.141 :
214سورة األنعام ،اآلية.38 :
215سورة فاطر ،اآلية.1 :
التنوع واالختالف سنّة من السنن الكونيّة اليت إذن فمن خالل هذه اآليات السابقة ،خنلص إىل أ ّن ّ
التنوع Gواالختالف يف عامل اإلنسان Gداخل يف هذه السنّة اإلهليّة األزليّة ،ويف
وجل ،وأ ّن ّ
عز ّ أرادها الباري ّ
هذا يقول َ :ولَوْ َشا َء َربُّكَ لَ َج َع َل النَّ َ
اس أُ َّمةً َوا ِح َدةً َوالَ يَزَالُونَ ُم ْختَلِفِينَ إِالَّ َمن َّر ِح َم َربُّكَ َولِ َذلِكَ
اس أَجْ َم ِعينَ ،216ومعىن هذا أنّه « :لو شاء اهلل َ
ت َكلِ َمةُ َربِّكَ ألَ ْمأل َّن َجهَنَّ َم ِم ْن ْال ِجنَّ ِة َوالنَّ ِ
َخلَقَهُ ْم َوتَ َّم ْ
خللق الناّس كلّهم على نسق واحد ،وباستعداد واحد ،نسخاً مكرورة ال تفاوت بينها ،وال تنويع فيها،
وهذه ليست طبيعة Gهذه احلياة املق ّدرة على هذه األرض ،وليست طبيعة هذا املخلوق البشري الذي
استخلفـه اهلل يف األرض ،ولقد شـاء اهلل أن تتن ّـوع استعدادات هذه املخلوق واجّت اهاته G،وأن يوهب القدرة
على حريّة االجّت اه ( )...شاء اهلل أالّ يكون النّاس ّأمة واحدة؛ فكان من مقتضى Gهذا أن يكونوا خمتلفني،
احلق
وأن يبلغ هذا االختالف أن يكون يف أصول العقيدة ،إالّ الذين أدركتهم رمحة اهلل ،الذين اهتدوا Gإىل ّ
واحلق ال يتع ّدد -فاتّفقوا Gعليه ،وهذا ال ينفي أهّن م خمتلفون مع أهل الضالل.217»
– ّ
وهناك آيات أخرى كذلك تتح ّدث عن هذا املوضوع منها قوله َ :و َما َكانَ النَّاسُ إِالَّ أُ َّمةً
قطب (سيّد) ،في ظالل القرآن ،دار الشروق ،بريوت -القاهرة ،ط 1406 ،12 .هـ 1986 -م ،اجمللّد الرابـع ،جـ ،12 .ص.1933 . 217
الطباطبائي (السيد حممد حسني) ،الميزان في تفسير القرآن ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.120 . 220
جتمعهم ،إذ « ليس جيوز أن يكون النّاس خمتلفني يف ظاهرهم ( )...وال خيتلفون يف باطنهم ( )...وليس
ضم اجلـنس والنـوع وال يأتلفـوا.221»
جيوز يف احلكمة أن يكثروا وال خيتلـفوا ،وليس يـجوز أيضـًا أن يُ ّ
فاملوقف القرآين من هذه التع ّدديّة أنّه يعتربها سنّة إهليّة فطريّة ،فطر اهلل النّاس عليها ،حيث جعلهم
كل إنسان هو بصمة مميّزة يف إطار جنس اإلنسان.222G متع ّددين يف اخللق والفكر والعمل ،حىّت لكأمّن ا ّ
223
املفسرين ،القدامى منهم واحملدثني ،فمن القدامى جند "القرطيب" وقد ذكر هذه احلقيقة Gكثري من ّ
والتنوع Gعلّة يف خلق اهلل للنّاس ،حيث يقول « :ولالختالف خلقهم ،224» ومن جيعل هذا االختالف ّ
دل عليه الكالم Gمن مشيئته تعاىل فيهم (أي النّاس) َخ ْل ُقهم
احملدثني جند صاحب "املنـار" يقول « :والذي ّ
والتفرق يف علومهم ومعارفهم وآرائهم وشعورهم ،وما يتبع ذلك من إراداهتم مستع ّدين لالختالفّ ،
واختيارهم يف أعماهلم ،ومن ذلك ال ّدين واإلميان والطاعة والعصيان ( )...فاالختالف طبيعي يف البشر،
وفيه من الفوائد Gواملنافع العلميّة والعمليّة ما ال تظهر مزايا نوعهم بدونه ( )...وقد شرع اهلل هلم ال ّديـن
لتكميل فطرهتم ،واحلكـم بينهم فيما اختلفوا فيه بكتاب اهلل الذي ال جمال فيه لالختالف.225»
التنوع والختالف يف العامل اإلنساين جند صاحب تفسري ومن هؤالء احملدثني الذين حت ّدثوا عن هذا ّ
نوعا منه (أي االختالف) ال مناص يتطرق إىل هذا املوضوع Gيف قوله « :غري أ ّن ً "امليزان يف تفسري القرآن" ّ
منه يف العامل اإلنساين ،وهو االختالف من حيث الطبائع ،املنتهية إىل اختالف البىن ،فإ ّن الرتكيبات البدنيّةG
والروحيّة ،وبانضمام اختالف األجواء والظروف إىل غري ذلك ،يظهر اختالف السالئق والسنن واآلداب
221التوحي((دي (أبو حيGGان) ،كت((اب اإلمتـاع والمؤانسة ،حتقيGGق :أمحد أمني وأمحد الGGزين ،املكتبة العصGGرية ،بGGريوت –صGGيدا ،د .ط ،د.
ت ،جـ ،3 .ص.99 .
222عمارة (حممد) ،اإلسالم والتع ّدديّة ،مرجع سابق ،ص.25 .
223القرطيب هو حممد بن أمحد بن أيب بكر بن فرح األنصاري اخلزرجي األندلسي G،أبو عبد اهلل القرطيب ،وهومن كبار املف ّسGرين من أهل
وأستقر مبنية ابن خصيب (يف مشالي أسيوط مبصر) ،وتويف فيها عام 671هـ 1273-م ،من كـتبـه " :اجلامع ألحكGGام
ّ قرطبة ،رحل إىل الشرق
القرآن" و "األسىن يف أمساء اهلل احلسىن" ،و غريها .الزركلي (خري الGGدين) ،األعالم ،دار العلم للماليني ،بGGريوت ،ط1980 ،5 .م ،جـ،5.
ص.322 ،
5القرطبي (أبو عبد اهلل حممد بن أمحد) ،الجامع ألحكام القرآن ،دار الكتاب العريب للطباعة والنشر ،القاهرة ، 1967 ،جـ ،9 .ص.
.115
224
رضا (حممد رشيد) ،تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) ،دار املعرفة ،بريوت ،ط ،2.د.ت ،جـ ،12 .ص 194 .و.222 225
واملقاصد واألعمال النوعيّة والشخصية يف اجملتمعات اإلنسانيّة ،وقد أوضحت األحباث االجتماعيّة أن لوال
ذلك مل يعش اجملتمع اإلنساين ولو طرفة عني.226»
املفسرين القدامى واحملدثني حول هذه السنّة اإلهليّة ،اليت قضاها اهلل سبحانه
فهذه مجلة من أقوال ّ
والتنوع Gيف عامل اإلنسان G،بل ويف الكون Gكلّه ،مبا فيه من خمتلف املخلوقات،
وتعاىل ،وهي سنّة االختالف ّ
وكل ذلك حلكم جليلة وعظيمة أرادها اهلل جلّت قدرته.
ّ
التنوع واالختالف يف عامل اإلنسان ،إالّ أهّن م يرجعون إىل أصل واحدة ،وجتمعهم
فرغم ذاك ّ
تنوع يف إطار الوحدة227» ؛ وقد ذكر القرآن الكرمي
رابطة مشرتكة ،هي رابطة اإلنسانيّة G،فهو إذن «ّ
ق ِم ْنهَا َزوْ َجهَا هذه احلقيقة Gيف قوله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي خَ لَقَ ُك ْم ِّمن نَّ ْف ٍ
س َوا ِح َد ٍة َو َخلَ َ
ث ِم ْنهُ َما ِر َجاالً َكثِيرًا َونِ َسا ًء ،228ويف قوله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَ لَ ْقنَا ُكم ِّمن َذ َك ٍر َوأُنثى َوبَ َّ
َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَ َعا َرفُوا إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد هَّللا ِ أَ ْتقَا ُك ْم إِ َّن هَّللا َ َعلِي ٌم َخبِي ٌر .229
مجيعا من أب واحد ،إذ خلقوا « من نفس فنص القرآن الكرمي بأ ّGن أصل البشريّة واحد ،فهم ً ّ
يقر هلم احلصانة والكرامة Gهبذا االعتبار G،وبصرف النّظر عن ملّة اإلنسان
واحدة ،» لذا فإ ّن القرآن الكرمي ّ
أو عرقه ،وقد أشار النيب إىل هذا يف "خطبة الوداع" حيث ورد فيها « :أال ّ
إن ربّكم واحد ،أال ّ
وإن
ّ
230
مجيعا بـ" :يا أيّها النّاس" ،فهو
أباكم واحد ، » فاهلل سبحانه وتعاىل يف كثري من اآليات خياطب البشر ً
يذ ّكرهم دائماً مبنشئهم وأصلهم.
الطباطبائي (السيد حممد حسني) ،الميزان في تفسير القرآن ،مرجع سابق ،جـ ،11 .ص.62 . 226
عمارة (حممد) ،اإلسالم والتع ّدديّة ،مرجع سابق ،ص.25 . 227
أخرجه ابن مردويه عن الGGبيهقي عن جGGابر بن عبد اهلل انظGGر :الس((يوطي (جالل ال ّ Gدين) ،ال( ّ
(در المنث((ور في التفس((ير بالم((أثور ،دار 230
عمارة (حممد) ،اإلسالم والتع ّدديّة ،مرجع سابق ،ص.117 . 233
حيث إ ّن هنGGاك نوعGاً من التميّز الشخصي لكGّ Gل فGGرد من أفGGراد البشGGر؛ فصGGورة اإلنسGGان Gمتيّزه
اخلاصة يف األذهان ،وألجل ذلك اعتُمد التصوير الفوتGGوغرايف لكل فرد صورته ّ عن اآلخرين ،ولذلك تنطبع ّ
للداللة على الشخص ،وإذا كان حيصل شيء من التشابه يف معامل الوجه ،فإنّه أمر نادر يشGGار إليه ،كما أ ّن
متايزا دقي ًقا بني أفراد
تسجل ًوالتأمل ،بيد أ ّن خطوط أطراف أصابع يد اإلنسان ّ ذلك ميكن جتاوزه بالتدقيق ّ
أي إنسGGان ،مهما كGانت درجة القرابة بينهما كل إنسان واخلطوط املوجودة فيه ال تتشGGابه مع ّ البشر ،فإهبام ّ
Gتدل هبا عليGه ،ولع ّGل
Gحا يس ّيف احليّز الوراثي GالواحGد ،ومن هنا يعترب أخذ بصGمات اإلنسGان دليالً ثبوتيGاً واض ً
يف قوله : بَلَى قَا ِد ِرينَ َعلَى أَن ّنُ َس ِّو َي بَنَانَهُ 234إشGGارة إىل هGGذه احلقيقة GالعلميّGGة ،تسGGبق ما أثبته العلم
Gتقل بذاته يسGّ G Gمى "علم البصGG Gمات" ،235إذن فمهما بلغ Gريا يف هGG Gذا اجملال ،حيث أصGG Gبح لGG Gدينا علم مسّ G G أخً G G
التشابه بني اثنني من البشر إالّ أنّه يستحيل علميًا أن يكون أحدمها صورة ُمطابقة لآلخر ،فاختالف الصور
التنوع واالختالف يف عامل اإلنسان. واألشكال بني بين البشر يعترب من أشكال ّ
ثانيا :التفاوت في الذكاء والفطنة
حيث إ ّن مستوى الذكاء والفطنة يتفاوت بني النّاس ،حىّت أصبحت له مقاييس ومع ّدالت يرصد
الرغبة يف العلم واملعرفة ختتلف من شGG Gخص إىل آخGG Gر،
هبا ،وحت ّدد درجاته املتفاوت GG Gة G،ه GG Gذا باإلض GG Gافة إىل أ ّن ّ
كما أ ّن للظروف واألجواء اليت يعيشGها اإلنسGGان أثGًGرا يف إتاحة الفرصة لكسب العلم واملعرفGة ،ونتيجة لكGّ Gل
ذلك يتف GGاوت مس GGتوى العلم واملعرفة عند النّ GGاس ،يق GGول اهلل :نَرْ فَ ُع َد َر َجا ٍ
236
ق ُك ِّل
ت َّمن نَّ َشا ُء َوفَوْ َ
ِذي ِع ْل ٍم َعلِي ٌم ،237وينطبق هGG Gذا التبGG Gاين واالختالف حGG Gىت ما بني الشGG Gعوب واألمم ،حيث جند يف تGG Gاريخ
ّ
فن معنّي ،تفGّ Gوقت فيه على
كل شعب من الشعـوب ،أو ّأمة من األمـم ،قد بGرزت يف علم أو ّ احلضارات أ ّن ّ
غريهGGا ،وعُGGرفت بGGه ،إذ إنّنا جند أ ّن « للفGGرس السياسة واآلداب واحلدود والرسGGوم ،وللGGروم العلم واحلكمGGة،
صGرب والكّ Gد
وللهند الفكر والرويّة واخل ّفة (الشGعوذة) والسGحر واألنGاة ،وللGرتك الشGجاعة واإلقGدام ،وللGزنج ال ّ
والف GGرح ،وللعGG Gرب النجGG Gدة والقGG Gرى والوفGG Gاء والبالء واجلود والGG Gذمام واخلطابـة والبيGG Gان ،238» كما ع GGرفت
الصني يف الصناعة. اليونـان القدميـة بالفلسفـة ،وبرعت ّ
التنوع والتعايش ،دار الصفوة ،بريوت ،ط 1418 ،1 .هـ 1997 -م ،ص.24 .
الصفار (حسن)ّ ،
235
شاف ،مطبعة مصطفى حممد ،مصر ،ط1354 ،1.هـ ،جـ ،3 .ص.201 .
الزمخشري (حممود بن عمر) ،تفسير الك ّ 240
عمارة (حممد) ،اإلسالم والتع ّدديّة ،مرجع سابق ،ص.119-118 . 241
األنصاري (حممد جابر)" ،القومية( في القرآن حقيقة( مؤ ّكدة" ،جملّة "العربي" ،الكويت ،العدد 1403 ،290 :هـ1983 -م ،ص.32 . 243
إذن ،فه GGذا الش GGكل من أش GGكال التن Gّ Gوع واالختالف يف ع GGامل اإلنس GGان يعترب آية من آي GGات اهلل ،س GGواء
ص Gوت بني بين البشGGر ،وهو أكGGان املراد من هGGذا االختالف هو تنGّ Gوع اللّغGGات ،أم اختالف النطق ونGGربات ال ّ
نوع بارز وظاهر من أنواع Gالتع ّدديّة يف عامل اإلنسان.
رابعا :التفاوت( في الناحية( المادية (المعيشية)
Gين والفقGGريG،
كما أ ّن البشر يف حيGGاهتم املعيشGGية املاديّة متفGGاوتون ومتغGGايرون ،حيث يوجد الغّ G
وبينهما توجد درجGG Gات ع ّ G Gدة متفاوتGG Gة G،ويف هGG Gذا يقGG Gول :نَحْ ُن قَ َس ْمنَا بَ ْينَهُ ْم َّم ِعي َشتَهُ ْم فِي ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا
ضهُ ْم بَ ْعضًا س ُْخ ِريًّا. 244
ت لِّيَتَّ ِخ َذ بَ ْع ُ ضهُ ْم فَوْ َ
ق بَعْضٍ َد َر َجا ٍ َو َرفَ ْعنَا بَ ْع َ
ويالحظ يف ه GGذه اآلية أ ّن إح GGداث التفـاوت قد نُسب إىل اهلل َ رفَ ْعنَا ،ومل ّ
يذمه تع GGاىل يف ش GGيء
من كالمه إالّ إذا صحب هوى النّفس ،وخالف هدى العقل.245
ومن أسGGباب هGGذا التفGGاوت يف احليGGاة املاديّة واملعيشGGيّة G،هو التفGGاوت يف املواهب GوالقGGدرات والرغبGGات
بني بين البشر ،وهو الذي يشعرهم حباجتهم إىل بعضهم البعض؛ Gفهذا التفاوت واالختالف هو الGGذي يGدفع
العامل إىل بذل اجلهد لصاحل صGGاحب املال حلاجته إىل املال ،وهو الGGذي يGGدفع صGGاحب املال إىل البحث عن
العامل حلاجته إىل اخلربة الفنيّة Gاملهنيّة G،وهذا األمر يسري يف سائر نواحي احلياة.
وهGGذا التفGGاوت يGGدفع البشر إىل التعامل مع بعضGGهم البعض GوتسGGخري بعضGGهم البعض لصGGاحل اجملمGGوع،
ولتقدّم حركة احلياة ،وهذا بدوره يرتتّب Gعليه التمايز يف مستوى املعيشة ،واختالف أمناطها.246
خامسا :التع ّدديّة في االنتماءات العرقية والقوميّة
ولقد حت ّدث الق GGرآن الك GGرمي عن ه GGذا التم GGايز واالختالف بني اجلماع GGات والش GGعوب والقبائ GGل،
وذلك يف قوله : يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا َخلَ ْقنَ ا ُك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َوأُنثَى َو َج َع ْلنَ ا ُك ْم ُش عُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَ َع ا َرفُوا إِ َّن
أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد هَّللا ِ أَ ْتقَا ُك ْم إِ َّن هَّللا َ َعلِي ٌم َخبِي ٌر.247
وأمة عن ّأم GGة ،وقبيلة عن قبيلة ،وعائلة عن عائل GGة،
مبعىن أن يك GGون Gهن GGاك ش GGعب خيتلف عن ش GGعبّ ،
وإنسان عن إنسان ،فهذا ليس صدفة ،بل هو جعل وتصميم وإرادة وقرار ،وختطيط إهلي.248
سورة الزخرف ،اآلية.32 : 244
الطباطبائي (السيّد حممد حسني) ،الميزان في تفسير القرآن ،مرجع سابق ،جـ 11 .ص.62 . 245
المدرسي (السيّد حممد تقي) « ،التعدديّة( سنّة اهلل -رؤى قرآنية 2002-03-23 » م ،ص،3-2 . 248
.www.almodarresi.com URL
فالتع ّدديّة والتن Gّ G Gوع Gبني األمم والش GG Gعوب جيمعها الرابط اإلنس GG Gاين ،وقد جعل اهلل تع GG Gاىل –من خالل
التنوع Gهو التعارف بني تلك األقوام والشعوب والقبائلG. اآلية السابقة -حكمة هذا ّ
والتنوع Gكذلك طبيعيًا تكوينياً ،إذ وجد النّGاس أنفسGهم ضGمنه ،دون ويعترب هذا النوع من االختالف ّ
اختي GGار منهم ،فهم مل خيتـاروا انتمGG Gاءهم العGG Gرقي أو القومـي ،وال مالمح شGG Gكلهم ومظهGG Gرهم ،ومل يق Gّ Gرروا
السGGاللة اليت احندروا منهGGا ،أو االنتمGGاء إىل القوميّة اليت وجGGدوا أنفسGGهم منتمGGون GإليهGGا ،فهGGذا التنGّ Gوع الطGGبيعي
متنوعني ،يف أعراقهم وقومياهتم وشعوهبم.249 يتم بأمر اهلل ومشيئته ،فاهلل هو الذي جعل البشر ّ ّ
والتنوع GGات،
وينتج عن ه GGذا التن Gّ Gوع Gيف الش GGعوب واألع GGراق Gواألق GGوام ،أن GGواع Gأخ GGرى من االختالف GGات ّ
س GGواء يف الثقاف GGات أم يف األفك GGار أو التقالي GGد ،وحىّت من الناحية البيولوجيّ GGة G،حيث ختتلف الع GGروق املتع ّ Gددة
من هذه الناحية كذلك.
إذ إ ّن هنGGاك عروق Gاً تتميّز من الناحية البيولوجيّة Gبغلبة بعض العناصر التكوينيّة لGGدى أفرادها إحصGGائيًا،
كلون اجللد ،وفتلة الشعر ،وزمر الدم ،وغريها.250
تنوعGGات طبيعيّة تكوينيّGGة G،أي ليست التنوع يف عامل اإلنسان ،وهي يف مجلتها ّ فهذه هي بعض أشكال ّ
وجل ،وحلكم أرادها سبحانه وتعاىل. عز ّ كسبيّة أو اختياريّة ،وهي من مشيئة الباري ّ
ديفرجيه (موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،دون معلومات النشر ،ص.34 . 250
مع أهّن ا ترجع إىل أص GGول ومكوّن GGات واح GGدة ،ففي ذلك أوضح اآلي GGات على ق GGدرة اخلالق وعظمت GGه ،وعلى
إبداعGG Gه؛ إذ يضGG Gفي هGG Gذا التنGّ G Gوع على احليGG Gاة والكGG Gون Gمجاالً وروعGG Gة ،ووراء هGG Gذا التنGّ G Gوع GأسGG Gرار وأسGG Gباب
كل ذلك بالعلم والبحث. حيرك ذهنه ويبذل جهده إلدراكها ،ويتمّ ّ وعوامل ،على اإلنسان Gأن ّ
ويتح ّ G Gدث الق GG Gرآن الك GG Gرمي عن التن Gّ G Gوع يف ع GG Gامل اإلنس GG Gان؛ حيث ختتلف أعراق GG Gه ،وقوميات GG Gه ،ولغاته،
وألوان GG G Gه ،وي GG G Gبنّي أ ّن وراء ك Gّ G G Gل ذلك حق GG G Gائق وأس GG G Gراراً ،ي GG G Gدركها من اجتهد يف البحث العلمي ،إذ يتّضح
للعالِـمني أ ّن ذلك التنGّ Gوع Gما هو إالّ مظهر من مظGGاهر القGGدرة واحلكمة اإلهليّة ،251حيث يقـول اهلل :
ت لِ ْل َع الِ ِمينَ .252 ف أَ ْل ِس نَتِ ُك ْم َوأَ ْل َوانِ ُك ْم إِ َّن فِي َذلِ َ
ك آلَيَ ا ٍ ت َواألَرْ ِ
ض َو ْ
اختِالَ ُ اوا ِ ق َّ
الس َم َ َ و ِم ْن آيَاتِ ِه ْ
خَل ُ
وبGGإدراك اإلنسGGان Gلتلك القـدرة واحلكمـة اإلهليّة ،يعGGرف نعمة اهلل عليه باصطفـائه مبا جبله عليه من اسGGتعداد
فطري للرّت قي يف مدارج الكمال اإلنساين.253
Gرارا،
إذن ،فه GGذا التن Gّ Gوع يُظهر ق GGدرة اهلل ع Gّ Gز وج Gّ Gل يف اخللق واإلب GGداع ،وقد جعل من وراء ذلك أس ً G
بالتأمل يف عجيب خلقه ،وتوظيف العلم للبحث عنها. وحث عباده على البحث عنها واكتشافهاّ ، ّ
254
التنوع Gالعظيم ،فأجاب « :حىت يُري اهلل قدرته
السر وراء هذا ّالصادق عن ّ وقد سئل اإلمام جعفر ّ
كل شيء.255» يف ّ
كل شيء لبيان قدرته.256 فاهلل سبحانه وتعاىل قد خلق اإلنسان Gمتنوّ ًعا يف ّ
األول ،ص. عرج((ون (حممد الصGGادق) ،الموس((وعة في س((ماحة اإلس((الم ،الGGدار السGGعودية للنشر والتوزيـع ،ط 1984 ،2 .مّ ،
اجمللـد ّ
253
.153
صGادق ،وقد ولد عGام 80 هو جعفر بن حممد البGاقر بن علي زين العابGGدين بن احلسني السGبط ،اهلامشي القرشGي ،أبو عبد اهلل املل ّقب Gبال ّ
254
هـ 699 -م ،وهو سGG G Gادس األئمة االثين عشر عند اإلماميّGG G Gة ،وكGG G Gان من أجالّء الت GG Gابعني ،وله منـزلة رفيعة يف العلم ،وقد أخذ عنه العلم
ص Gادق ألنّه مل يُعـرف عنه الكGGذب قGGط ،وله أخبGGار مع خلفGGاء بين العبّGGاس ،وكGGان مجاعGGة ،منهم اإلمامGGان أبو حنيفة ومالGGك ،وقد ل ّقب بال ّ
باحلق ،وله "رسائل" جمموعة يف كتGGاب .وقد تGGويف عGGام 148هـ 765 -م .الزركلي (خري الّ Gدين) ،األعالم ،جـ،2 .
اعا ّ جريئًا عليهم ،ص ّد ً
ص.126 .
المدرسي (السيّد حممد تقي)" ،التع ّدديّة( سنّة اهلل :رؤى قرآنية" 2002-03-23م ،ص.1 . 255
.www.almodarresi.com URL
املرجع نفسه ،ص.2 . 256
ثانيا :التنافس اإليجابي بين البشر
التنوع الطبيعي Gبني البشر جيعل كGّ Gل فGرد ،وكGّ Gل مجاعة تسGGعى لتعزيز موقعهGا ،وتأكيد ذاهتا، فهذا ّ
وتسابق غريها لنيل أعلى املراتبG.
يوجه البشGGريّة إىل االسGGتفادة من واقع التنGّ Gوع يف إذكGGاء روح املنافسة اإلجيابيّGGة؛ Gوذلك
والقرآن الكGGرمي ّ
بGGأن GتسGGعى كGّ Gل جهة لبنGGاء ذاهتا ،وإثبGGات تفوّقهGGا ،عرب ما تنجGGزه من أعمGGال اخلري والصـالح ،وما حت ّققه من
عمGGارة األرض ،وخدمة للحيGGاة ،فهGGذا التنGGافس اإلجيايب والتسGGابق حنو اإلجنازات اخلرّي ة هو البGGديل الصGGحيح
عن اجلدال العقيم ،يقول اهلل : لِ ُكلٍّ َج َع ْلنَا ِم ْن ُك ْم ِشرْ َعةً َو ِم ْنهَاجًا َولَوْ َشا َء هَّللا ُ لَ َج َعلَ ُك ْم أُ َّمةً َو ِ
257
اح َدةً
ت إِلَى هَّللا ِ َمرْ ِج ُع ُك ْم َج ِميعًا فَيُنَبِّئُ ُك ْم بِ َما ُكنتُ ْم فِي ِه ت َْختَلِفُونَ .258َولَ ِك ْن ِّليَ ْبلُ َو ُك ْم فِي َما آتَا ُك ْم فَا ْستَبِقُوا ْال َخي َْرا ِ
وحكمه هو التن GG Gافس اإلجيايب والتسGG G Gابق يف أعمGG G Gال اخلري ،وذلك بقصد إذن ،فمن مثار هGG G Gذا التنGّ G G Gوعِ G
التفوق ،وال خيفى ما يف هذا التسابق من تفجري الطاقGات البشGرية ،وتفعيل كفGاءات اإلنسGان ،إذ إ ّن إثبات ّ
وإنتاجGG Gا .وك GG Gأ ّن اهلل س GG Gبحانه وتع GG Gاىل من خالل اآلية
ً الفGG Gوز والتقّ G G Gدم هو لألك GG Gثر كف GG Gاءة ولألحسن عمالً
والتنوع.
السابقة يريد خلق الفرص ،وإجياد التنافس عرب التع ّدد ّ
ثالثا:التعارف بين المختلفين
لقد صGّ Gرح القGGرآن الكGGرمي هبذه احلكمGGة ،فبعد أن ذكر اهلل سGGبحانه وتعGGاىل التنGّ Gوع Gيف الشGGعوب
والقبائGG G G Gل ،أتبعه باحلكمة من ذلGG G G Gك ،وهو التعGG G G Gارف بني بين اإلنسGG G G Gان « التعGG G G Gارف والوئGG G Gام G،ال التنGG G Gاحر
واخلص GGام ،259» يق GGول اهلل َ : و َج َع ْلنَا ُك ْم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَ َعا َرفُوا .260فه GGذا التن Gّ Gوع ال يقتضي Gالنـزاع
والشقاق ،بل يقتضي التعاون Gللنهوض جبميع التكاليف G،والوفاء جبميع احلاجات.261
وال خيفي ما يف هGG Gذا التعGG Gارف بني الشGG Gعوب والقبائل Gمن عالقة التGG Gأثري والتGG Gأثّر ،حيث يسGG Gتفيد كGّ G Gل
التعصب للجنس ولالنتماء القوميG. منهما من اآلخر جتاربه وخرباته وفضائله ،ولكن مع استبعاد ّ
الصراع السياسي
التنوع الفطري في ّ
المطلب السادس :أثر ّ
رغم ما ذكرن GGاه من حكم جليلة وراء ه GGذا التن Gّ Gوع Gالفط GGري ،وإمك GGان البشر االستفـادة منه مبا
Gاد احلكمة
Gريا ما يوظ ّفونه Gمبا ينGGاقض مصGGاحلهم ويضّ G ينفعهم وخيدم مصGGاحلهم يف حيGGاهتم ال ّ Gدنيا ،إالّ أهّن م كثً G
منه.
عمارة (حممد) ،اإلسالم والتع ّدديّة ،مرجع سابق ،ص.120 . 262
الطباطبائي (السيّد حممد حسني) ،الميزان في تفسير القرآن ،مرجع سابق ،جـ ،11 .ص.62 . 266
صG G G G G G Gورات ،ومن مثّ األفعGG G G G Gال
ومن املعلGG G G G G G Gوم أ ّن ذلك التنGّ G G G G G G Gوع Gواالختالف ينتج عنه التبGG G G G G G Gاين يف الت ّ
أفرادا ومجاعات. والتصرفات ،وذلك الختالف األهداف ،وتداخل املصاحل بني البشر ً ّ
فكلّما خطا اإلنسان خطوات يف سبيل املدنيّة Gواحلضارة ،اتّسعت فرجات اخلالف؛ حىّت تولّدت من
هذا اخلالف املذاهب Gاملختلفة.267
صGراع ،والسGيّما يف اجملال السياسGي؛ Gحيث يعمل ك ّGل Gؤدي إىل ال ّ
Gريا ما ي ّ
وهGذا التن ّGوع Gواالختالف كث ً
حتركه و تق ّدمGGه ،وذلك حىّت ينهGGار هGGذا الطGGرف طGGرف على إضGGعاف اآلخGGر ،وتGGدمري نقGGاط ّقوتGGه ،وإعاقة ّ
Gارزا قويًا يف السـاحة السياس GGيّة ،حيث ال توجـد ق Gّ Gوة أخ GGرى تزامحه أو يف مس GGتوى ويبقى الط GGرف اآلخر ب ً G
268
Gؤدي إىل التشGنّج والعGداء ،وخيلق القطيعة صGراع والنّGGزاع" ،والGذي ي ّ مزامحته ،وهذا ما يس ّGمى "أسGلوب ال ّ
والتناحر بني األفراد واجلماعات.269
Gاعا ،إذا عُمل على إبGراز هGذه الفGوارق Gبني البشGر ،وحصGلت التفرقGGة، صGراع عم ًقا واتّس ً ويGزداد هGذا ال ّ
وانتفى Gالعدل بني املختلفني.
هاما من عوامل العداء السياسي.270 وقد ثبت أ ّن التمييز بني األعراق مثالً ،يعترب عامالً ً
إذ تّ Gدعي بعض النظريGGات العرقيّة أ ّن بعض األعGGراق أقGGدر من بعضGGها اآلخر على تGGويّل القيGGادات ،وأ ّن بعض
هذه األعـراق قد ُخلق بطبيعته للسيطـرة ،وبعضها اآلخر قد ُخلق للخضـوع ،وما دام أنّه ال خيضع من تلقاء
الصراع السياسي األساسي.271G ويستمر ،وذاك هو ّ ّ الصراع بني األعراق الدنيا والعليا يبقىG نفسه ،فإ ّن هذا ّ
وقد ُوجدت فكرة "األمزجة" ،اليت تقوم على االعتقاد بأنّه باإلمكان Gتصنيف النّاس يف منـاذج من أنواعG
السGG Gلوك واملواقGG Gف G،حت ّددها قابليGG Gات فطريّة يف الدرجة األوىل ،272منذ العصGG Gور القدمية ،إذ إنّنا نراها لGG Gدى
"أبقراط" (.273)Hippocrate
أبو زهرة (حممد) ،تاريخ المذاهب اإلسالمية( -يف السياسة والعقائد وتاريخ املذاهب الفقهية ،-دار الفكـر العريب ،القاهـرة ،د .ط، 267
270ديفرجيه (موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.36 .
271املرجع نفسه ،ص.21 .
272املرجع نفسه ،ص.48 .
تعهGGده األطبGGاء يف قسGGمهم بالتقيّد بنهجه
أبقGGراط ( :)Hippocrateطبيب يونGGاين ،من أكرب األطبGGاء األقGGدمني وأشGGهرهم ،عُGGرف عنه ّ
273
األخالقي املعGGروف بقسم "أبقGGراط" ،وقد عGGاش يف الفGGرتة ما بني ( 337 G - 460ق .م) بGGالتقريب .عجيل(لGGويس) وآخGGرون ،المنجد في
األعالم ،مرجع سابق ،ص.3 .
ص G G Gراعات السياسGG G Gيّة ،باسGG G Gتعدادات فرديّة حيملهاففي اجملال السياسي حتاول فكGG G Gرة األمزجة تفسري ال ّ
األفGG Gراد يف أنفس GG Gهم حني يول GG Gدون ،فبعض األص GG Gناف من النّ GG Gاس م GG Gدفوعون مبي GG Gوهلم الشخصGG Gيّة إىل موقف
سياسي معنّي ،جيعلهم يف ص GG Gراع مع أص GG Gناف أخ GG Gرى من النّ GG Gاس ،ت GG Gدفعهم مي GG Gوهلم الشخص GG Gيّة إىل املوقف
السياسي املنGGاقض G،وقد حGGاول علمGGاء النفس اكتشGGاف وجGGود تالزمGGات ممكنة بني أنGGواع GالسGGلوك والنمGGاذج
العامة من األمزجة ،ولكنّهم مل يتّفقوا Gعلى حتديد هذه األمزجة.274
Gحة هGGذه األفكGGار والنظريGGات ،فإنّه ممّا ال ميكن إنكGGاره أ ّن التنGّ Gوع الفطـري إذا مل وبغض النّظر عن صّ G
ّ
Gؤدي إىل التنGGازع حُت رتم فيه االختالفGGات ،وعُمل فيه على إبGGراز الفGGوارق والتعامل على أساسGGها ،فGGإ ّن ذلك يّ G
صG Gراع؛ ل GGذا فإنّه من ال GGواجب يف ه GGذا اإلط GGار اإلق GGرار باحلريّة واالختالف ،والتع GGايش ال ّسG Gلمي يف إط GGاروال ّ
احلريّة واالختالف والتن Gّ G G Gوع G،من غري ضGG G Gرر وال إضGG G Gرار ،وذلك لكي تُنGG G Gال فوائد ذلك التن Gّ G Gوع G،وتُتجنّب
مضاره ،واليت يصنعها Gالبشر بأنفسهم.ّ
ديفرجيه (موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.48 . 274
المبحث الثاني
االخـتالف الـديني
يعتبر ال ّدين ظاهرة عميقة الوجود والجذور في حياة اإلنس ان ،وهي انعك اس لخاص يّة التفك ير واإلدراك ال تي يتميّ ز به ا اإلنس ان عن
سائر الحيوانات ،فتدفعه إلى التساؤل عن أصل وجوده ،وغاية خلقته ،وآفاق مصيره ،وعن القدرة ال تي أنش أته ،وم دى ارتباط ه به ا،
وعالقته معها ،واإلجابات التي يت ّو صل إليها اإلنسان على هذه التساؤالت هي دينه ومعتقده ،سواء أكان مصدرها سماويًا أم أرضيًا.
ونظرا لكون ظGGاهرة "االختالف الGGديين" هي ظGGاهرة طبيعيّة Gيف هGGذه احليGGاة؛ ملا منح اهلل تعGGاىل اإلنسGGانً
والشر.
من حريّة اختيار ،وأودع يف نفسه من نوازع اخلري ّ
اهتمت Gهبا خمتلف الشGGرائع السGGماويّة والوضGGعيّة G،بإقرارها وتنظيمهGGا ،والعمل على االسGGتفادة من فقد ّ
وتنويعا ،وجتنّب ما قد تثريه من نGGزاع وصGراع بني أتـباع األديـان املختلفGة ،والسGيّما إذا ً هذه الظاهرة ،إثراءً
جتاوروا يف بلد واحد.
واقعGGا ،من خاللولقد حت ّدثت النصـوص الشرعيّة عن هGGذه الظاهـرة –كتابًا وسGنّة -وجت ّسGد تنظيمـها ً
عصور اإلسالم Gاملختلفة ،على أفضل ما يكون Gالعدل واالحرتام املتبادل.
فأقرت حريّة االعتقGاد ،وحقGوق ومل هتمل األنظمة الوضعيّة ،والسيّما الدميقراطية Gمنها ،هذه الظاهرة ّ
األقليّات الدينيّة Gيف بلداهنا.
وسنتناول –بإذن اهلل تعاىل -هذا املوضوع Gمن خالل املطالب اآلتيةG:
انظر :ابن منظور ،لسان العرب ،دار املعارف ،مصر ،د.ط ،.د.ت ،.جـ ،2 .ص 1467 .وما بعدها. 276
الصحاح ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط 1415 ،1 .هـ 1994 -م ،ص.269 .
-الرازي (حممد بن أيب بكر) ،مختار ّ
حممد بن أمحد) ،الجامع ألحكام القرآن ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.144-143 .
-القرطبي (أبو عبد اهلل ّ
(حممد عبد اهلل) ،الـ ّديـن –حبوث ّ
ممهدة لدراسة تاريخ األديان ،-دار القلم للنشر والتوزيع ،الكويت ،د .ط، دراز ّ
277
280القفاري (ناصر عبد اهلل) والعقل (ناصر بن عبد الكرمي) ،الموجز في األديان والمذاهب المعاص(رة( ،دار الصGGميعي للنشر والتوزيGGع،
الرياض ،ط 1413 ،1 .هـ 1992 -م ،ص.10 .
دراز ّ
(حممد عبد اهلل) ،املرجع السابق ،ص.33 . 281
القفاري (ناصر عبد اهلل) والعقل (ناصر بن عبد الكرمي) ،الموجز في األديان والمذاهب المعاصرة( ،مرجع سابق ،ص.10 . 286
(حممد عبد اهلل) :ال ّدين ،مرجع سابق ،ص 33 .وما بعدها. دراز ّ
287
288كانط (إمانويGG Gل) ( ،)KantفيلسGG Gوف أملاينُ ،ولد يف "كونيغسGG Gربغ" ع GGام 1724م .ومن فلس GGفته أنّه وضع العقل يف صGG Gلب الوج GGود
وحموره ،كما وضع "كوبرني GGك" الش GGمس وسط النظ GGام الفلكي .والعقل Gعند "كان GGط" يفعل يف اإلط GGار النظ GGري والعملي Gواألخالقي .وقد
ت GG Gويف عGG G Gام 1804م .ومن مؤلّفاته نGG G Gذكر" :نقد العقل العملي" و "نقد احلكم" و "أسس ما ورائيّة األخالق" .عجيل(لGG G Gويس)وآخGG G Gرون،
المنجد في األعالم ،مرجع سابق ،ص.455 .
289دوركهامي (إميGل) ( :)DurkheimعGامل اجتمGاعي فرنسGي ،ولد عGام 1858م ،قGال إ ّن اجملتمع هو مصGGدر األحGGداث األدبيّة والدينيّGGة ،من
مؤلّفات GGه" :يف تقس GGيم العمل االجتم GGاعي" ،وقد ت GGويف ع GGام 1917م .عجيل (ل GGويس) وآخ GGرون ،المنجد في األعالم ،مرجع س GGابق ،ص.
.248
-وعرفه "شيشرون"( 290)Cicéronبأنّه :الرباط الذين يصل اإلنسان Gباهلل. ّ
وما جيمع ه GGذه التع Gاريف أهّن ا تق Gّ Gر ب GGأ ّGن ال ّ Gدين له عالقة مبا يص GGدر عن اهلل ،س GGواء أك GGان ذلك بالتص GGريح ،أم
بGGالتعبري عنها بصGGفة "التقGGديس" ،وسGGواء أكGGان ذلك الصGGدور عن اهلل حقيقة أم ّادعGGاءً .كما يالحظ أهّن ا تقGّ Gر
بأ ّن ال ّدين يشمل االعتقادات (اجلانب النظري) ،واألعمال (اجلانب التطبيقي)G.
-3لفظ "ال ّدين"( في القرآن الكريم:291
وإما
إذا تتّبعنا كلمة "ال ّدين" يف القرآن الكرمي ،فإنّنا جندها ّإما أضيفت إىل اهلل سبحانه وتعاىلّ ،
إىل البشـر ،وإذا أض GG Gيفت إىل البشـر ،فقد يك GG Gون Gه GG Gؤالء ال GG Gذين أض GG Gيفت إليهم من املسلمـني ،أو من أهل
الكتاب (اليهود أو النصارى) ،أو من املشركني .وفيما يأيت بيان لذلك:
أ-إضافة "ال ّدين" إلى اهلل تعالى :وجند ذلك يف هذه النصGGوص القرآنيّGGة ،واليت منهـا قوله : أَفَ َغ ْي َر
ين هَّللا ِ يَبْغُ ونَ ،292وقوله : والتأْ ُخ ْذ ُك ْم بِ ِه َما َر ْأفَ ةٌ فِي ِدي ِن هَّللا ِ 293وهنا تت GG Gواىل على "دين اهلل"
ِد ِ
احلق ،كما يف قوله : هُ َو الَّ ِذي أَرْ َس َل َرسُولَهُ بِ ْالهُدَى َو ِدي ِن ْال َح ِّق،294 أوصاف كث GGرية منه GGا :أنّه دين ّ
ِّين ْالقَيِّ ُم ، وأنّه الّ G Gدين اخلالـص ،كمـا يف قولـه: أَالَ هَّلِل ِ
295
وأنّه الّ G Gدين القيّم كما يف قوله َ :ذلِكَ الد ُ
ين ْالقَيِّ َم ِة.297 ِّين ْالخَ الِصُ وأنه دين القيّمة ،كما يف قوله َ : و َذلِ َ
296
ك ِد ُ الد ُ
ب-إضافة الدّين إلى البشر :وهنا قد يض اف إلى المسلمـين ،كمـا في قول ه َ :وإِ ْن نَّ َكثُوا أَ ْي َمانَهُ ْم ِّم ْن بَ ْع ِد َع ْه ِد ِه ْم
ر إِنَّهُ ْم الَ أَ ْي َمانَ لَهُ ْم لَ َعلَّهُ ْم يَنتَهُونَ .298
َوطَ َعنُوا فِي ِدينِ ُك ْم فَقَاتِلُوا أَئ ّمةَ ْال ُك ْف ِ
. فالضمير في قوله « :دينكم » يعود على المؤمنين من أ ّمة مح ّمد
– 43ق .م ،وهو أكرب خطيب وكGGاتب ومف ّكر عرفته "رومGGا" ،تعGGاطى السياسGGة، 106 شيشGGرون أو قيقGGرون ( :)CicéronعGGاش ما بني 290
من أشهر مؤلّفاته وكتبه" :يف الدولة"" ،يف الشيخوخة" " ،يف الشرائع" .عجيل (لويس) وآخرون ، ،املرجـع السابق ،ص.341 .
19 انظGGر :المس((ير (حممد سGGيّد أمحد) ،المدخـل لدراسـة األدي((ان ،دار الطباعة ّ
احملمديGGة ،القGGاهرة ،ط 1415 ،1 .هـ 1994 -م ،ص. 291
وما بعدها.
292سورة آل عمران ،اآلية.83 :
293سورة النور ،اآلية.2 :
من كفّار قريش .كما أضيفت كلمة "ال ّدين" في القرآن الكريم إلى قوم فرعون ،وذلك في قوله َ : وقَا َل فِرْ عَوْ ُن َذرُونِي أَ ْقتُ لْ
ض ْالفَ َ َاف أَن يُبَد َِّل ِدينَ ُك ْم َو أَ ْن ي ْ
سا َد.302 ُظ ِه َر فِي األَرْ ِ ع َربَّهُ إِنِّي أَخ ُ
ُمو َسى َو ْليَ ْد ُ
أن "ال ّدين" المضاف إلى البشر قد يكون حقًا ،وقد يكون باطالً.
ومن خالل هذه اآليات يتبيّن لنا ّ
إن ه ذه الكلم ة وردت في الق رآن الك ريم بع ّدة مع ان منه ا :الج زاء،
وزيادة على هذه اإلضافات المتع ّددة لل ّدين في الق رآن الك ريم ،ف ّ
والخضوع ،والطاعة ،والشرع ،والمعتقد ،والملّة ،واإليمان ،والشريعة ،والقضاء ،والحكم ،والمل ك ،والمعتق دات ،وأعم ال الج وارح،
وتوحيد هللا ،والحساب ،والسلطان.303
وتنوع الشرائع
الحق ّ
المطلب الثاني :وحدة الدّين ّ
وأن جميع األنبياء والرسل ق د ج اءوا به ذا ال ّدين؛ وذل ك ألنّ ه م ا دام مص دره
أن ال ّدين عند هللا هو "اإلسالم"ّ ،
يبيّن القرآن الكريم ّ
واح د ،وه و "هللا" تب ارك وتع الى ،فال يمكن أن يك ون في ه اختالف؛ وإنّم ا الش يء ال ذي يق ّر الق رآن بتع ّدده وتنوّع ه ه و "الش رائع
:لِ ُك ٍّل َج َع ْلنَا ِم ْن ُك ْم ِش رْ َعةً والمناهج" وذلك بتع ّدد الرسل والرساالت والكتب ،وتع ّدد األمم وتوالي األجيال المختلفة .يق ول
303انظر يف هذه املعاين وآياهتا :زيـدان (عبد الكرمي) ،موجز األديان في القرآن الكريم ،مؤسسة الرسالـة ،بGريوت ،ط 1418 ،1 .هـ -
1998م ،ص 10 .وما بعدها.
304سورة املائدة ،اآلية.48 :
305سورة آل عمران ،اآلية.19 :
306سورة آل عمران ،اآلية.85 :
عبده (حممد) ،األعمال الكاملة ،دراسة وحتقيق :حممد عمارة ،طبعة القاهرة 1993 ،م ،جـ ،4 .ص.251 . 307
وفي اختالف الشرائع والمناهج وتع ّددها يكون التفاضل والتمايز بين النـّاس ،ويتحقّق االختيار واالبتالء ،ويكون هناك تن افس وتس ابق
بين الذين اختلفوا في اختياراتهم.
ولقد أشار المفسّرون إلى هذه الحقيقة عندما قالوا « :ولو شاء هللا لجعلكم جماعة متّفقة ذات مشارب واحدة ،ال تختلف من اهج إرش ادها
في جميع العصور ،ولكنّه جعلكم هكذا ليختبركم فيما آتاكم من الش رائع ،ليت بيّن المطي ع والعاص ي ،ف انتهزوا الف رص ،وس ارعوا إلى
فإن رجوعكم جميعا ً سيكون إلى هللا وحده ،فيخبركم بحقيقة ما كنتم تختلفون فيه ،ويجازي كالً منكم بعمله.314»
عمل الخيراتّ ،
وتختلف وتتنوّع "المناسك" –أي القربات التي يتقرّب به ا إلى هللا -ب اختالف الش رائع والمن اهج ،315وفي ه ذا يق ول: وَلِ ُكلِّ أُ َّم ٍة
اس م هَّللا َعلَى ما َرزَ قَهُ ْم م ْن بَهيم ة َْ
اْألَ ْن َع ِام فَ إِلَهُ ُك ْم إِلَ هٌ َوا ِح ٌد فَلَ هُ أَ ْس لِ ُموا َوبَ ِّش ِر ِّ ِ َ ِ َ َج َع ْلنَا َم ْن َس ًكا لِّيَ ْذ ُكرُوا ْ َ ِ
ك ك إِنَّ َ ك فِي األَ ْم ِر َوا ْد ُ
ع إِلَى َربِّ َ َاز ُعنَّ َ
َاس ُكوهُ فَالَ يُن ِ أيض ا :لِ ُكلِّ أُ َّم ٍة َج َع ْلنَا َمن َس ًكا هُ ْم ن ِ
خبِتِينَ ،316ويقول ً ْال ُم ْ
لَ َعلَى هُدًى ُّم ْستَقِ ٍ
يم.317
وإن الذي يتع ّدد ويتنوّع إنّما هي الش رائع والمن اهج ،ومن
إن ال ّدين عند هللا واحد ،وهو "اإلسالم"ّ ،
إذن ،فمن خالل ما سبق ذكره نقول ّ
خالل اختالف وتنوّع هذه األخيرة (أي الشرائع والمناهج) تتن ّوع المناسك والقربات التي يُتقرَّب بها إلى هللا.
عمارة (حممد) ،اإلسالم والتع ّدديّة ،مرجع سابق ،ص.24 . 309
أحكاما ً وحقوقا ً.318 يُتعبّد بها ويعتقدها أناس كثيرون ،ولقد اعترف اإلسالم بوجود هذه األديان وأق ّر ألصحابها منذ عهد النب ّي
ولقد تح ّدث القرآن الكريم عن تع ّدد الديانات ،وأثبت ذكر أه ّم الديانات السماوية والوثنيّة ،معتبرًا ذلك التع ّدد واالختالف ظاهرة طبيعيّ ة
ألن هللا منح اإلنسان حريّة االختيار ،وأودع في نفسه ن وازع الخ ير والش رّ ،أ ّم ا الحس م والفص ل في أتب اع ه ذه في هذه الحياة ،وذلك ّ
ارى
ص َ الديانات ،فهو مؤ ّجل إلى ما بعد الحياة ال دنيا ،319يق ول : إِ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا َوالَّ ِذينَ هَا ُدوا َو َّ
الص ابِئِينَ َوالنَّ َ
ص ُل بَ ْينَهُ ْم يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة إِ َّن هَّللا َ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء َ
ش ِهي ٌد.320 ُوس َوالَّ ِذينَ أَ ْش َر ُكوا إِ َّن هَّللا َ يَ ْف ِ
َو ْال َمج َ
فهنا في هذه اآلية ،ذكر هللا سبحانه وتعالى أتباع ّ
ست ديانات كانت معروفة وسائدة ،وهم المسلمون « ال ذين آمن وا ،» اليه ود « ال ذين
هادوا ،» والصابئة ،والمسيحيون « النصارى ،» والمجوس ،والمشركون.
ومن خالل التأ ّم ل في ج وهر المع نى الق رآني في ه ذا المج ال ،وض من الس ياق الموض وعي نالح ظ ّ
أن الق رآن الك ريم يق ّر بحقيق ة
االختالف الديني بين البشر.
قطب (سيّد) ،في ظالل القرآن ،مرجع سابق ،اجمللّد الرابع ،جـ ،12 .ص.1933 . 322
(السيد حممد حسني) ،الميزان في تفسير القرآن ،مرجع سابق ،جـ ،11.ص.63-62 .
الطباطبائي ّ
323
وهلذا جند أ ّن األديان السGماوية الثالثة قد تعايشت يف عهد الرسGGول ويف عهد أيب بكر الصGديق يف شGبه اجلزيGرة العربيّة وخارجهGGا، 325
وإذا كGGان الرسGGول قد أخGGرج بعض اليهGGود وقGGاتلهم ،وقضى على بعضGGهم ،فلم يكن ذلك بسGGبب مت ّس Gكهم بGGدينهم ورفضGGهم GاإلسGGالم،
المطلب الرابع :االختالف الديني وضماناته
االختالف الديني حقيقة واقعة ،لذا الب ّد من حسن التعامل مع هذه الظاهرة ،بما يتالءم مع كرامة اإلنسان ،وضرورة احترام
المخالفين في األفكار والعقائد.
صت الشرائع السماويّة-والسيّما اإلس الم -والق وانين الوض عيّة على ض رورة اح ترام حريّ ة االعتق اد ،والتعام ل م ع أتب اع
وقد ن ّ
الديانات المختلفة بعدل وإنصاف ،وكفالة حقوقهم وحرياتهم ،والتع ايش بين األدي ان المختلف ة؛ ه ذا م ع تس جيل بعض االختالف ات في
درجة مراعاة حقوق المخالفين في ال ّدين ،وضمان حرياتهم ،واحترام خصوصياتهم ،بين شريعة وأخرى ونظام وآخر.
وفيما يأتي نتناول –بإذن هللا تعالى -هذه الضمانات لالختالف الديني ،ومدى تجسيدها في الواقع العملي:
الفرع األ ّول :الحرية الدينية (حرية Eاالعتقاد)
326
أ ّوال :المقصود بالحرية الدينية أو حرية االعتقاد
ق اإلنسان في اختيار عقيدته الدينية ،فال يكون لغيره من النّاس سلطان فيما يعتقده ،بل له أن يعتقد ما يشـاء ،وله أالّ
*هي عبارة عن ح ّ
يعتقد في شيء أصالً ،وله إذا اعتقد في شيء أن يرجـع عن اعتقـاده ،وله أن يدعو من يشاء إلى اعتقـاد ما يعتقده ،في حدود م ا تبيح ه
حريّة االعتقـاد ،من الدعوة إلى ما يعتقده بالتي هي أحسن.327
ق في اختيار ما يؤ ّدي إليه اجتهاده في ال ّدين ،فال يك ون لغ يره ح ّ
ق إكراه ه على عقي دة معيّن ة ،أو على *أو هي أن يكون لإلنسان الح ّ
328
تغيير ما يعتقده بوسيلة من وسائل اإلكراه .
*أو هي حريّة الشخص في أن يعتنق ال ّدين أو المبدأ الذي يريده ،وحريّته في ممارسة شعائر ذلك ال ّدين ،س واء في الخف اء أو عالنيّ ة،
ي دين ،وحريّته في أالّ يُفرض عليه دين معيّن ،أو أن يجبر على مباش رة المظ اهر الخارجيّ ة ،أو االش تراك وحريّته في أالّ يعتقد في أ ّ
في الطقوس المختلفة لل ّدين ،وحـريته في تغيير دينه أو عقيدته ،ك ّل ذلك في حدود النظام العام ،وحسن اآلداب ،ومن ث ّم يكون من غ ير
الجائز تعطيل أو منع اجتماع ديني ما لم يكن فيه إخالل بالنظام العام ،أو منافيًا لآلداب.329
ثانيا :مسالك حماية حريّة االعتقاد
لقد كانت الشريعة اإلسالمية عمليّة في إقرارها حريّة االعتقاد ،إذ إنّها لم تكتف فق ط ب إعالن ه ذه الحريّ ة ،وإنّم ا أق رّت مس لكين -أو
طريقين -من أجل حماية حريّة االعتقاد وهما:
-1يتمثّل المسلك األوّل في التزام النّاس احترام ح ّ
ق الغير في اعتقاد ما يشاء ،وفي تركه طبقًا لعقيـدته ،فليس ألح د أن يُكـره آخ ر في
اعتناق عقيدة ما ،أو ترك أخرى ،ومن كان يعارض آخر في اعتقاده ،فليس له إالّ إقناعه بالحسنى ،ودون إكراه .
330
ولكن ألنّهم نقض GG Gوا العه GG Gود ،وخGG Gانوا املس GG Gلمني .انظ GG Gر :الطم( ((اوي (س GG Gليمان حممGG Gد) ،عمر بن الخط( ((اب وأصـول السياسة واإلدارة
الحديثة ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،ط1976 ،2.م ،ص.374 .
326هن GGاك من ي GGرى ب GGأن حريّة االعتق GGاد ختتلف عن احلريّة الدينية باختصاص GGها مبا هو فك GGر ،س GGواء أك GGان دينG Gاً أم مل يكن ،فبينهما عم GGوم
وخص GGوص وجهي ،ل GGذلك ف GGإ ّن حريّة االعتق GGاد ال تش GGمل أك GGثر من اإلعالن ،فليس من متعلّقاهتا ال GGدعوة ،وممارسة النش GGاطات اليت ت GGرتتّب
جمرد فكGGر.
على االعتقGGاد ،إذ تGGدخل هGGذه األمGGور يف احلريّة الدينيّGGة ،وبنGGاءً عليه فGGإ ّن حريّة االعتقGGاد ال ختضع لقيGGود النظGGام أو القGGانون ألهّن ا ّ
انظر :حللي(عبد الرمحن) ،حريّة االعتقـاد في القرآن الكريم ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء-بريوت ،ط2001 ،1.م ،ص.183 .
327الصعيدي (عبد املتعال) ،حريّة الفكر في اإلسالم ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،ط ،2 .د .ت ،ص.7 .
328س((عيد (صGGبحي عبGGده) ،الس((لطة والحرية في النظـام اإلس((المي (دراسة مقارنGGة) ،دار الفـكر العGGريب ،القGGاهرة ،د.ط 1982 ،م ،ص.
.135
329بدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.423-422 .
ال َغ ِّ
ي.331 إذ ال إكراه في ال ّدين ،حيث يقول:الَ إِ ْك َراهَ فِي الدِّي ِن قَ ْد تَّبَيَّنَ الرُّ ْش ُد ِم ْن
-2ويتمثّل المسلك الثاني من مسالك حماية حريّة االعتقاد ،في إلـزام صاحب العقيـدة نفسه أن يعم ل على حماي ة عقيدت ه ،وأن ال يق ف
موقفًا سلبيًّا ،فإذا عجز عن حماية نفسه تحتّم عليه هجر البلدة التي ال تُحترم فيها عقيدته إلى بلد آخ ر يح ترم أهل ه العقي دة ،ويمكن في ه
إعالن ما يعتقد.332
فعلى اإلنسان أالّ يجعل ألحد السيطرة عليه في اعتقاده ،وعليه أن يكافح من أجل حماية اعتقاده ،ولو بهجران الديار إن قدر على ذل ك،
وإن لم يقدر فال يكلّف هللا نفسًا إالّ وسعها .يقول تعالى حاثًا المؤمنين على التمسّك بعقيدتهم ،وع دم طاع ة من يري د التخلّي عنه ا ،ول و
اح ْبهُ َما فِي
ص ِك بِ ِه ِع ْل ٌم فَالَ تُ ِط ْعهُ َما َو َ ك عَلى أَ ْن تُ ْش ِركَ بِي َما لَي َ
ْس لَ َ كان األم ر من الوال دينَ :و ْ
إن َجاهَدَا َ
ال ُّد ْنيَا َم ْعرُوفًا.333
عودة (عبد القادر) ،التشريـع الجنائي اإلسالمي( مقارنًا بالقانون الوضعي ،مؤسسة الرسـالة ،بريوت ،ط 1405 ،6 .هـ1985-م ،جـ. 330
،1ص .31 .وسعيد (صبحي عبده) ،السلطة والحرية في النظام اإلسالمي ،مرجع سابق ،ص.137 .
331سورة البقرة ،اآلية.256 :
332عودة (عبد القادر) ،التشريـع الجنائي اإلسالمي( مقارنًا بالقانون الوضعي( ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.32 .
333سورة لقمان ،اآلية.15 :
Gليما منوكان اإلسالم ّأول من أعلن حريّة االعتقاد ،وعمل على صيانتها ومحايتها ،وجعل األساس يف االعتقاد أن يكون االختيار سً G
334
غري ضGG Gغط أو إغGG Gراء ،وهي مقGّ G Gررة للمس GG Gلمني وغGG Gريهم ،ما دام األمر يف القلب ،دون حت ّد أو حماربة أو تشGG Gهري ،أو نقض اللGG Gتزام التزم G Gه
املسGGلم ،وغري املسGGلم يف البالد اإلسGGالمية أو غريها حGّ Gر يف البقGGاء على دينه ومذهبه وعقيدتGGه ،كما له احلريّة التامة يف الGGدخول إىل اإلسGGالم
بقناعة واختيار .انظر :الزحيلي (وهبة) ،ح ّق الحريّة في اإلسالم ،دار الفكر ،دمشق ،ط 1421 ،1 .هـ 2000 -م ،ص.138 .
ت ويُ ْؤ ِم ْن بِاهَّلل ِ فَقَ ِد ا ْستَ ْم َس َ
ك أ -قوله: الَ إِ ْك َراهَ فِي الدِّي ِن قَ ْد تَّبَيَّنَ الرُّ ْش ُد ِم ْن الغ ِّ
َي فَ َم ْن يَّ ْكفُ رْ بِالطَّا ُغو ِ
علِي ٌم .335فه ذه اآلي ة تعبّ ر ص راحة ،وبمنتهى الوض وح عن حريّ ة االعتق اد، صا َم لَهَا َوهَّللا ُ َس ِمي ٌع َبِ ْالعُرْ َو ِة ْال ُو ْثقَى الَ انفِ َ
والتي كثيرًا ما يُستند إليها كمصدر لهذه الحرية في القرآن الكريم.
فهذه اآلية تتض ّمن نفي اإلكـراه ،وه و نفي للجنس يس تغرق كافّ ة أنواع ه وأف راده ،ومعنـاها :ال تكره وا أح دًا على ال دخول في دين
اإلسـالم؛ فإنّه بيّن واضح ،جل ّي دالئله وبراهينه ،ال يحتـاج إلى أن يكره أحد على ال ّدخول فيه ،بل من هداه هللا لإلسالم وشرح صدره،
ونوّر بصيرته ،ودخل فيه على بيّنة ،ومن أعمى هللا قلبه ،وختم على سمعه وبصره ،فإنّه ال يفيد ال دخول في ال دين مقس وراً .وق د ورد
أن سبب نزول هذه اآلية في قوم من األنصار ،وإن كان حكمها عا ًما.336 ّ
فالنهي عن اإلكراه في ال ّدين في هذه اآلية ال يقتصر على عمليّة اإلكراه فحسب ،بل يتعـ ّداه إلى ك ّل الوسائل والط رق المؤ ّدي ة إلى ه ذا
اإلكراه.
ألن اإليمان ،وه و أص ل ال ّدين وج وهره ،عب ارة عن إذع ان
أن مسألة اإلكراه ألصق بالسياسة منها بال ّدين؛ ّ
وورد في "تفسير المنار" ّ
النفس ،ويستحيل أن يكون اإلذعان باإللزام واإلكراه؛ وإنّما يكون بالبرهان والبيان.337
على إيمان قومه بمثابة اإلكراه؛ ول ذلك أنك ر ذل ك علي ه ،وذل ك من فاهلل سبحانه وتعالى في هذه اآلية اعتبر الحرص الشديد للنب ّي
باب إقرار حرية االعتقاد واإليمان.
يقول لهم « :ال يص ّح قبولكم لها مع الكراهة عليها.342» فكأن نوح
ّ
فَ ْليَ ْكفُرْ .343 َو َمن َشا َء د-قوله َ : وقُ ِل ْال َح ُّ
ق ِمن َّربِّ ُك ْم فَ َمن َشا َء فَ ْلي ُْؤ ِم ْن
ابن كثير (عماد ال ّدين إمساعيل أبو الفداء) ،تفسـير القـرآن العظـيم ،دار األنـدلس ،بريوت ،د.ط ،د.ت ،جـ ،1 .ص.552-551 . 336
رضا (حممد رشيد) ،تفسير المنار ،مرجع سابق ،جـ ،3 .ص.37 . 337
ابن عاشور (حممد الطاهر) ،تفسير التحرير والتنوير ،الدار التونسية للنشر ،تونس ،د.ط1984 ،م ،جـ ،11ص.293 . 339
القرطبي (أبو عبد اهلل بن عمر) ،الجامع ألحكام القرآن ،مرجع سابق ،جـ ،9 .ص.26 . 342
تلك اآليات التي تشير إلى هذا قول ه َ : ولَوْ َشا َء هَّللا ُ لَ َج َعلَ ُك ْم أُ َّمةً َو ِ
اح َدةً َولَ ِك ْن لِيَ ْبلُ َو ُك ْم فِي َما آتَ ا ُك ْم فَ ْ
اس تَبِقُوا
ْالخَ ي َْرا ِ
ت إِلَى هَّللا ِ َمرْ ِج ُع ُك ْم َج ِميعًا فَيُنَبِّئُ ُك ْم بِ َما ُكنتُ ْم فِي ِه ت ْ
َختَلِفُونَ .346
اس أُ َّمةً َوا ِح َدةً وال يَزَالُ ونَ ُم ْختَلِفِين إِالَّ َمن َّر ِح َم َربُّكَ َولِ َذلِكَ َ :ولَ وْ َش ا َء َربُّ َ
ك لَ َج َع َل النَّ َ وقولـه
خلَقَهُ ْم.347
َ
َذرُونَ ،350 حفيظاً ،وال مسيطراً ،وال جبّاراً؛ يقول: قُلْ إنَّما أُن ِذ ُر ُك ْم بِ ْال َوحْ ِي َوالَ يَ ْس َم ُع ُّ
الص ُّم ال ُّدعَا َء إِ َذا َما يُن
ظا.351 ويقول :فَإ ِ ْن أَ ْع َرضُوا فَ َما أَرْ َس ْلنَاكَ َعلَ ْي ِه ْم َحفِي ً
وهناك آيات كثيرة في هذا الشأن تتح ّدث عن وظائف الرسل ،ولم تذكر من هذه الوظائف إرغام النّ اس على اتّب اع الح ّ
ق ال ذي ج اءوا
به ،بل كان األساس في دعوتهم هو "حرية االعتقاد" .
ومن وظائف ال ّرسل المذكورة في القرآن الكريم نذكر :اإلنذار ،التبشير ،البـالغ ،والشهادة على األ ّمة ،التصديق ،البيان ،الدعوة ،تالوة
آيات هللا ،التزكيّة وتعليم الكتاب والحكمة ،التذكير ،الوعظ ،النصح.352
345حللي (عبد الرمحن) ،حرية االعتقاد في القرآن الكريم ،مرجع سابق ،ص.67-66 .
346سورة املائدة ،اآلية.48 :
347سورة هود ،اآلية118 :و.119
348سورة الشورى ،اآلية.8 :
عمارة (حممGGد) ،اإلس(الم وحق(وق اإلنس(ان –ضـرورات..ال حق(وق ،-دار الشـروق ،بGGريوت -القGGاهرة ،ط1989 ،1 .م ،ص-23 . 349
.24
سورة األنبياء ،اآلية.45 : 350
352حللي (عبد الرمحن) ،حرية االعتقاد في القرآن الكريم ،مرجع سابق ،ص.70 .
-وكذلك تعتبر دعوة القرآن الكريم للنّاس إلى التفكير ونبذ التقليد من النصوص التي تؤصّل لحرية االعتقاد بطري ق غ ير مباش ر .ومن
ت بيّن لقد جسّد الرسول " حرية االعتقاد" في حياته العمليّة؛ حيث نجد وقائع من سيرته تؤ ّكد ذلك ،كما وردت أحاديث منه
هذه الحقيقة .وفيما يأتي نتعـرّض-بإذن هّللا تعالى -إلى هذه األقوال والوقائع:
بعد هجرته إلى المدينة المن ّورة ،والتي تعتبر دستورًا للدول ة اإلس المية
أ-وثيقـة المدينـة :ففي هذه الوثيقة التي أصدرها
الناشئة ،إقرار بكيفيّة التعامل مع غير المسلمين ،والسيّما اليهود ال ذين ك انوا يس كنون المدين ة المن وّرة ،وم ّم ا ورد في ه ذه الوثيق ة
كضمان لحرية االعتقاد « :لليهود دينهم ،وللمسلمين دينهم ،مواليهم وأنفسهم إالّ من ظلم وأثم.354»
وهذا نصّ في احترام عقيدة ودين غير المسلمين.
جارية من بني قريظة اسمها "ريحانة" ،اصطفاها لنفسه من نس ائهمب-ق ّصة ريحانة مع الرسول : فلقد كان للرّسول
فكـانت عند الرسولحتّى توفّي عنها وهي ملكه ،وكان الرسول عرض عليها أن يتزوّجها ،فقالت :يا رسول هللا بل تترك ني في
أخف عل ّي وعليك ،وقد كانت حين سباها قد تعصّت باإلسالم (أي امتنعت) ،وأبت إالّ اليهوديّة ،فلم يكرهها ح تى أس لمت
ّ ملكك ،فهو
من تلقاء نفسها.355
فالرسول لم يكره على اعتناق اإلسـالم حت ّى جاريته ،التي هي في ملكه ،بل تركها على اختيارها ،ح ت ّى ارتض ت اإلس الم
دينا ً فاعتنقته.
دخل وا المس جد جـ-النصارى يصلّون صالتهم في مسجد الرسول :وذلك أنّه ل ّما قدم رؤساء "نج ران" على الرس ول
356
حين ص لّى العص ر ،عليهم ثي اب ال َحبِ رات (من ب رود اليمن) ،فل ّم ا ح انت ص التهم قامـوا في مسجـد الرس ول يصـلّون ،فق ال
الرسـول « :د ُ
عوهم ،» فصلّوا إلى المشرق.357
وهذه غاية ما يمكن أن يكون من الحرية الدينيّة ،والسي ّما في ذلك العصر ،وفي تلك الفترة التي لم تكن فيه ا دع ائم اإلس الم
إن هذه الحادثة تعتبر أقصى ما يمكن أن يحدث من تسامح ديني ،واحترام لعقيدة اآلخرين وشعائرهم. قد استقرّت ،358بل ّ
355ابن هشام(أبو حممد عبد امللك) ،السيرة النبوية ،طبعة مكتبة الكليات األزهرية ،مصر ،د.ط ،.د.ت ،.جـ ،3 .ص.149 .
مسيت كذلك نسبة إىل جنران بن زيدان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ،ألنّه كان 356جنران :يف خماليف اليمن من ناحية م ّكةّ ،
ّأول من عمرها ونزهلا .وقد اعتنق أهلها النص GGرانيّة ،مثّ دخلت عليهم األح GGداث اليت دخلت على غGGريهم من أهل دينهم بك Gّ Gل أرض ،فمن
هناك كانت النصرانيّة بنجران من أرض العرب .انظر :الحموي (يGGاقوت) ،معجم البل((دان ،حتقيGGق :فريد عبد العزيز اجلنGGدي ،دار الكتب
العلميّة ،بريوت ،ط1410 ،1 .هـ1990-م ،جـ ،5ص 308 .وما بعدها.
ابن هشام (أبو حممد عبد امللك) ،املرجع السابق ،جـ ،2 .ص.206 . 357
إلى القبائل ال تي أس لمت أو ال تي د-النهي عن الفتنة في الدّين :ويتّضح ذلك فيما نالحظه من الكتب التي يوجّهها الرسول
عاهدها ،حيث يالح ظ فيه ا عب ارة واح دة ،ت تر ّدد في جميعه ا وهي « :ومن كان على يهوديّته أو نصرانيّته ،فإنّه ال
يفتن عنها ،وعليه الجزية.359»
لحري ة االعتق اد؛ حيث نج د ه ذه الوق ائع واألق وال مبثوث ة في كتب الس نّة وهناك أمثلة كثيرة أخرى تؤ ّكد إقرار الرسول
المطهّرة والسيرة النبويّة الشريفة.
-3ال ّ
سوابـق التاريخيـة:
من السّوابق التاريخيّة التي تؤ ّكد حماية المسلمين لحرية االعتقاد ما وقع في عهد الخلفاء الراشدين ،الذين اقتفوا أث ر الن ب ّي
ب -وحينما فتح المسلمون "إيلياء" (القدس) كتب عمر بن الخطاب كتابا ً سنة ( 15هـ) نصّ فيه على أنّ ه « أعط اهم أمان ا ً
ألنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم ،وسقيمها وبريئها ،وس ائر ملّته ا؛ أنّ ه ال تس كن كنائس هم وال ته دم وال ينتقص منه ا ،وال من
حيّزها ،وال من صليبهم ،وال من شيء من أموالهم ،وال يكرهون على دينهم ،وال يضا ّر أحد منهم ،وال يسكن بإيلي اء معهم أح د من
اليهود.362» ...
ولقد مثّلنا فقط بهاتين الحادثين ،وإالّ لو تتّبعنا هذه الحوادث التي تؤ ّكد حماية المسلمين لحرية االعتق اد لوج دناها كث يرة ج داً؛
إن المسلمين استم ّر وا في جميع عهودهم في إعطاء الشعوب التي انضوت تحت حكمهم حرية االعتقاد ،وما يكون قد ح دث في حيث ّ
وأن نصوص الشرع وكتب الفقه اإلسالمي بعض الفترات من خدش لهذه الحرية فهو من باب االستثناء الذي ال يقاس عليه ،والسيّما ّ
تق ّر هذه الحرية من غير نكير.
363
الفرع الثاني :ضمان حقوق وحريات أتباع األديان األخرى
358القاسمي (ظافر) ،نظام الحكم في الشريعة والتاريخ اإلسالمي( –احلياة الدستورية -دار النفGGائس ،بGريوت ،ط1403 ،3.هـ1980-م،
ص.55.
البيهقي (أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي) ،السنن الكبرى ،كتاب اجلزية ،طبعة دار الفكر ،جـ ،9 .ص.194 . 359
القاسمي (ظافر) ،نظام الحكم في الشريعة والتاريخ اإلسالمي(-الحياة الدستورية ،-مرجع سابق ،ص.56 . 360
أبو يوسف (يعقوب بن إبراهيم) ،كتاب الخراج ،دار املعرفة ،بريوت ،د .ط ،د .ت ،ص.138 . 361
362الط((بري (حممد بن جريGGر) ،ت((اريخ الطـبري (ت((اريخ األمم والمل((وك) ،دار الكتب العلميGGة ،بGGريوت ،ط1408 ،2 .هـ 1988م ،جـ،2 .
ص.449 .
الذمGGة" :ابن قيم الجوزي((ة(مشس الGGدين) ،أحك((ام أهل الذمة ،حتقيGGق :صGGبحي الصGGاحل ،دار
انظر يف تفاصGGيل "حقGGوق وواجبGGات أهل ّ
363
زي( ((دان (عبد الكGG G Gرمي)" ،بحث في معاملة األقلي ( ((ات غ ( ((ير المس ( ((لمة واألج( ((انب في الش ( ((ريعة اإلس( ((المية(" ،حبث منشGG G Gور Gيف جملة 364
"الحقوق" ،الكويت ،السنة السابعة ،العدد الثالث ،سبتمرب 1983م ،ص.308-307 .
365املرجع نفسGGه ،ص .310 .ومل يGGرد على لغة اخلطGGاب الفقهي احتمGGال أن يكGGون اآلخر –األجنGGيب -غري حمارب ،أو غري معاهGGد؛ وإمّن ا
هGGذا اآلخر جGGار أو عضو يف األسGGرة الدوليّGGة ،يتبGGادل مع غGGريه احلقGGوق والواجبGGات ،وحيرتم سGGيادة الغGGري ،طبق Gاً ملواثيق دولية متّفق عليهGGا.
حمتميا بذمّGة املسGGلمني،
وأيضاً مل خيطر على بال فقهاء ال ّسGلف أن يكGون اآلخGGر ،غري املسGلم يف الدولة اإلسGالمية ،شGريكاً يف الGوطن وليس ً
Gدو احملارب وموص GGول التابعيّة بوطنه ال GGذي يعيش فيه وليس ب GGاآلخر األجن GGيب .انظ GGر: أو أن يك GGون ه GGذا اآلخر –املواطن -منفصالً عن الع ّ G
هويدي (فهمي) ،اإلسالم والديمقراطية ،مركز األهرام للرتمجة والنشر ،القاهرة ،ط1993 ،1.م ،ص.17 .
القرضاوي (يوسف) ،غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي ،دار الشهاب ،اجلزائر ،د .ط ،ص 7 .وما بعدها. 366
ويقول "ابن حزم" 367في هذا الشأن « :من كان في الذ ّم ة ،وجاء أهل الحرب إلى بالدنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع
».368 والسّالح ،ونموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذ ّمة هللا ،وذ ّمة رسوله
ويتمتّع الذ ّمي كذلك بالحقوق السياسيّة ،حيث يجوز له أن يتول ّى وزارة التنفي ذ؛ و وزي ر التنفي ذ -كم ا ق ال الفقه اء -يبلّ غ أوام ر رئيس
الدولة ،ويقوم بتنفيذها ،ويمضي ما يصدر عنه من أحكام وقرارات.369
كما نصّ الفقهاء على جواز إسناد الوظائف األخرى للذ ّمي مثل جباية الخراج والجزيـة.370
ولكن يستثنى من هذه الحقوق تولّي الوظائف العامة ،مثل رئاسة الدولة ،وقيادة الجيش ،أو كما يس ّميها الفقهاء "اإلم ارة على الجه اد"؛
ألن رئاسة الدولة في عرف الفقه اإلسالمي هي « :خالفة عن صاحب الشرع في حراسة ال ّدين وسياسة ال ّدنيا.371» وذلك ّ
فمن البديهي أن ال يتول ّى هذا المنصب إالّ من يدين باإلسالم؛ أ ّما الجهاد ،ومنه القتال ،فإنّه يق وم على مع نى دي ني ،فمن الب ديهي أن ال
يكلّف به وال تُناط أعماله إالّ بمن يدين باإلسالم ،ومع هذا فإذا رغب الذ ّمي في االشتراك فيه ،واالنخراط بسلك الجنديّة فله ذل ك ،ولكن
ال يكون أميرًا للجيش.372
هذا ،ويتمتّع الذم ّي في دولة اإلسالم بكثير من الحقوق ،العامة منها والخاصة ،حت ّى إنّها تبدو أنّها أكثر م ّما يتمتّ ع ب ه المس لم ،والس يّما
يمس هم ب أذى ،حيث يق ول « :من آذى ذ ّميًا فأنا خصمه ،ومن كنت
وأن الرسول ق د أوص ى بهم خ يرًا ،وتو ّع د من ّ
ّ
خصمه خصمته يوم القيامة.373»
367ابن حزم هو :علي بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري ،أبو حممد ،عامل األندلس يف عصره ،وأحد أئمة اإلسالم ،كان يف األندلس
خلق كثري ينتسGGبون إىل مذهبGGه ،وقد ولد بقرطبة عGGام 384هـ994-م ،وكGGان فقيها حافظ Gاً ،يسGGتنبط األحكGGام من الكتGGاب والسGGنّة ،وانتقد
كثريا من العلماء والفقهاء ،ومن أشهر مصنّفاته" :الفصل يف امللل واألهواء والنحGGل" و"احمللّى" و" الناسخ واملنسGGوخ" ،وغريهGGا ،قد تGGويف
،4ص.255-254. سنة 456هـ 1064-م .الزركلي (خري الدين) ،األعالم ،مرجع سابق،جـ.
.14 القرافي (شهاب الدين أمحد بن إدريس) ،الفروق ،دار إحياء الكتب العربية ،القاهرة ،ط1344 ،1 .هـ ،جـ ،3 .ص. 3
4الماوردي (أبو احلسني علي بن حممد) ،األحكام السلطانية والواليات الدينية ،دار الكتاب العريب ،بريوت ،ط1410 ،1.هـ1990-م،
ص.68-66 .
1403هـ الفرّاء (أبو يعلى حممد بن احلس GG Gني) ،األحك ( ((ام الس ( ((لطانية ،حتقي GG Gق :حممد حامد الفقي ،دار الكتب العلمي GG Gة ،ب GG Gريوت ،د .ط،
1983م ،ص.32-31.
الفراء (أبو يعلى حممد بن احلسني) ،املرجع السابق ،ص.173 .
ّ 5
368
369
370
العالمة ابن خل((دون) ،دار الكتGGاب اللبنGGاين -مكتبة املدرسGGة ،بGGريوت ،د .ط1982 ،م،
371ابن خل((دون (عبد الGGرمحن) ،المق ّدمة (ت((اريخ ّ
ص.338 .
الماوردي (أبو احلسني علي بن حممد) ،األحكام السلطانية والواليات الدينية ،مرجع سابق ،ص.29 .
372زي((دان( ،عبد الكGGرمي)" ،بحث في معاملة( األقليّ((ات غ((ير المس((لمة واألج((انب في الش((ريعة اإلس((المية "مرجع سGGابق ،العGGدد الثGGالث،
للذمي؛ وذلك أل ّن تGويّل الوظGائف العامة يف نظر الشGGريعة ص .312 .وليس هناك ما يدعو إىل االستغراب يف مسألة إسناد الوظائف العامة ّ
حبق له على الدولGG Gة ،فالدولة تكلّف من تGG Gراه أهالً للقي GGام Gهبذه الوظيف GGة ،وهي حGّ G Gرة يف اختيGG Gار من
اإلس GGالمية تكليف للشGG Gخص ،وليس ّ
تكلّفه ،وال يقيّد حريتها إالّ النظر يف املصلحة العامة .املرجع نفسه ،ص.313 .
-أ ّما بالنسبة للمستأمنين ،فإنّه لكونهم أجانب عن دار اإلسالم ،فمن الطبيعي أن ال يكون لهم نص يب في إدارة ش ؤون دار اإلس الم عن
صوا على جواز إسناد الوظائف العامة لهم ،وهذا االتّجاه هو المأخوذ طريق التمتّع بالحقوق السياسيّة؛ ولهذا ّ
فإن الفقهـاء المسلمين لم ين ّ
ّ ّ ّ ّ ّ
به من قِبَل الدول في الوقت الحاضر ،ولكنه فيما يخصّ الحقوق العامة ،فإنهم يتمتعون بما يتمت ع ب ه ال ذ ّميون ،إال في اس تثناءات قليل ة
جدًا ،وهو ما يق ّرره القانون العام لألجانب في الوقت الحاضر.374
-أ ّما فيما يخصّ تمتّعهم بالحقوق الخاصّة ،فإنّهم كالذ ّميين ،ألنّهم ما داموا في داراإلسالم فهم بمنـزلة الذ ّميين.375
ولقد كان لهذا اإلقرار لإلسالم بالتع ّدديّة الدينيّة ،ورعايته لحقوق أتباع األديان األخرى ،والسيّما أهل الكتاب ،نت ائج ها ّم ة على ص عيد
التنظيم القانوني -السياسي.376
إن اإلسالم لم يكتف بإقرار حريّة االعتقاد لغير المس لمين ،ب ل إنّ ه ي وجب لهم حقوقً ا ،على
إذن ،فمن خالل ما سبق ذكره يمكن القول ّ
الدولة والمجتمع اإلسالمي أن يراعوها ،وأبلغ عبارة تل ّخص مدى احترام اإلسالم ألتباع الديانات األخرى ،واعتراف ه بم واطنتهم دون
المساس بعقيدتهم ،هي تلك العبارة المشهورة لدى الفقـهاء "لهم م ا لن ا وعليهم م ا علين ا" ،فهم في مقاب ل م ا يدفعون ه من "جزي ة" أو
"خراج" يدفع المسلمون "الزكاة" التي ال تجب على غير المسلمين .
الفرع الثالث :ضرورة التعايش والتسامح بين األديان
إنّنا نجد في تشريعات اإلسالم وآدابه ما يك ّرس حالة االنسجام والتعايش والتسامح بين المواطنين المتن وّعين دينيً ا ،فالتم ايز ال ديني
ألن البش ر أدرك وا ،من ينبغي أن ال يؤثّر في التكافل االجتماعي واالحترام المتبادل ،وهذا م ا تقـرّه األنظم ة الوض عيّة ك ذلك؛ وذل ك ّ
صراع والتنازع بين أتباع الديانات المختلفة يه ّدد أس س المجتم ع ونظـام الدول ة ،وكث يرًا م ا أ ّدى إلى خـالل تجاربهم وخبراتهمّ ،
أن ال ّ
سفك ال ّدماء ،وإشاعة الفوضى ،وعدم االستقرار.
لذلك نجد القرآن الكريم –وهو يعمل على هذا التق ارب بين المس لمين وغ يرهم -ي بيح المص اهرة من ناحي ة الزوج ات ،بين المس لمين
وحث في آية الممتحنـة :ال َيَ ْنهَا ُك ُم هَّللا ُ َع ِن الَّ ِذينَ لَ ْم يُقَاتِلُو ُك ْم فِي ال د ِ
ِّين َولَ ْم ّ والكتابيين ،كما أباح المؤاكلة إطالقًا بينهم،
طينَ 377على اإلقس اط إلى الم وا ّدين ار ُك ْم أَن تَبَ رُّ وهُ ْم َوتُ ْق ِس طُوا إِلَ ْي ِه ْم إِ َّن هَّللا َ يُ ِحبُّ ْال ُم ْق ِس ِ
ي ُْخ ِر ُج و ُك ْم ِّمن ِديَ ِ
والمسالمين من غير المسلمين إطالقًا ،ومن باب أولى أن يكون هذا لرعايا الدولة اإلسالمية منهم ،وعلى أفضل وجه وأش مله ،وي دخل
في ذلك حسن التعامل والتبادل في مختلف الشؤون.378
وك ان الرس ول ق د أرس ى عن د وص وله إلى المدين ة المن وّرة ،وإنش ائه للدول ة اإلس الميّة ،أس س التع ايش بين األدي ان المختلف ة،
واالعتراف بتع ّد د األديان في إطار الدولة الواحدة ،وذلك من خالل تلك الوثيق ة ال تي تس ّمى "ص حيفة المدين ة" وال تي م ّم ا ورد فيه ا:
وإن يهود بني عوف أ ّمة مع المؤمنين ،لليهود دينهم ،وللمسلمين دينهم ،وم واليهم وأنفس هم ،إالّ من «ّ
وإن ليهود بني النّجار مثل ما ليهود بني عوف ،» وتُعدِّد الصحيفة سـائر ظلم أو أثم ،فإنّه ال يوتغ إالّ نفسهّ ،
وإن بينهم النّصر
وإن اليهود على نفقتهم ،وعلى المس لمين نفقتهمّ ، قبائل اليهـود في نفس السيـاق ،ث ّم تض يفّ « :
وإن بينهم النّصح والنصيحة والبّر دون اإلثم ،وإنّه لم ي أثم ام رؤ
على من حارب أهل هذه الصحيفةّ ،
وإن ي ثرب ح راموإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما دام وا مح اربينّ ،وإن النّصر للمظلومّ ، بحليفهّ ،
جوفها ألهل هذه الصحيفة. »
379
373الهن((دي (عالء ال ّ Gدين بن حسGGام الGGدين) ،كنـز العم((ال في س((نن األق((وال واألفع((ال ،رقم ،10913مؤسسة الرسGGالة ،بGGريوت ،د.ط،
1413هـ 1993 -م ،جـ ،4 .ص.362 .
374زيدان (عبد الكرمي) ،المرجع السابق ،العدد الثالث ،ص.325 .
375الكاس((اني (عالء ال ّ Gدين أبو بكر بن مسGGعود) ،ب((دائع الصنائـع في ت((رتيب الشرائـع ،دار الكتGGاب العـريب ،بGGريوت ،ط 1402 ،2 .هـ-
1982م ،جـ ،7 .ص.110 .
376قرم (جورج) ،تع ّدد األديان وأنظمة الحكم ،دار النهار للنشر ،بريوت ،ط 1998 ،3 .م ،ص.19 .
377سورة املمتحنة ،اآلية.8 :
126 عزة) ،الدستـور القـرآني في شؤون الحيـاة ،دار إحياء الكتب العربيّة ،د.م ،د.ط 1376 ،هـ 1956 -م ،ص. دروزة ّ
(حممد ّ
378
الديانات المختلف ة ،منه ا اعتم اده على الح ّج ة والبره ان ،والموعظ ة الحس نة ،والحكم ة ،والعق ل ،والمنط ق ،يق ول :قُلْ هَاتُوا
ى َوالَ ِكتَ ا ٍ
ب ص ا ِدقِينَ ، ويق ولَ :و ِمنَ النَّ ِ
اس َم ْن يُ َج ا ِد ُل فِي هَّللا ِ بِ َغ ْي ِر ِع ْل ٍم َوالهُ د ً بُرْ هَ انَ ُك ْم إِ ْن ُكنتُ ْم َ
382
يل َربِّكَ بِ ْال ِح ْك َم ِة َو ْال َموْ ِعظَ ِة ْال َح َس نَ ِة َو َج ا ِد ْلهُ ْم بِ الَّتِي ِه َي أَحْ َس ُن إِ َّن َربَّ َ
ك ع إِلَى َسبِ ِ نير 383ويقول :ا ْد ُ ُّم ٍ
384
هتَ ِدينَ ض َّل ع َْن َسبِيلِ ِه َوهُ َو أَ ْعلَ ُم بِ ْال ُم ْ
هُ َو أَ ْعلَ ُم بِ َم ْن َ
تعتبر الحرية –بشكل عام -جوهر النظام الديمقراطي؛ لذلك فإنّها تق ّر "الحريات العامـة" في أوسع نطاق ،ومن بين تل ك الحري ات
توجد الحرية الدينية ،والمتمثّلة في اإلقرار لألفراد –مهما كانت جنسيتهم -بالتعبير عن معتقداتهم الدينيّ ة ،والممارس ة العلنيّ ة للش عائر
والطقوس الدينيّة ،التي يستلزمها ال ّدين المعتنق.
ولقد عرفنا سابقا ً كيف أق ّر اإلسالم هذه الحريّة ،وضمن ألتب اع ال ديانات المختلف ة حق وقهم ،وكف ل مختل ف حري اتهم ،وكي ف أنّ ه أق ّر
بمواطنتهم في المجتمع اإلسالمي ،رغم قيام هذا األخير على أساس العقيدة اإلسالمية.
واإلسالم ،كتشريع رباني ،يختلف عن غيره من األنظمة البشريّة الوضعيّة في أساس اإلقرار بهذه الحقوق والحريات ومصدرها.
وفيما يأتي نتناول هذين الموضوعين :موضوع االختـالف الديني في األنظمـة الديمقراطيـة وما يتعلّق ب ه من حري ات دينيّ ة ،وحق وق
أتب اع األدي ان المختلف ة؛ ث ّم بع دها نتط رّق إلى أس اس اختالف ه ذا الموض وع في النظ ام ال ديمقراطي ،ع ّم ا ه و موج ود في النظ ام
اإلسالمي.
الفرع األول :إقرار االختالف الديني في األنظمة الديمقراطية
تق ّر الدساتير المختلفة للدول الديمقراطية " الحرية الدينيّة" ،والتي تتض ّمن معنى مزدوجاً:
األ ّول :حرية العقيدة ،بمعنى أن يعتقد الفرد ،أو ال يعتقد.
الثاني :حرية العبادة و إقامة الشعائر الدينيّة.385
و المالحظ على إقرار الحرية الدينيّة في األنظم ة الديمقراطي ة ،أنّه ا ج اءت بع د كف اح طوي ل للش عوب ،إذ لم يكن األم ر ك ذلك من ذ
والس ابع عش ر أنش ئت المح اكم الدينيّ ة،
ّ البداية ،ويكفي أن نذكر في هذا السياق أنّه في بريطانيا ،وفي الف ترة بين الق رن الث الث عش ر
.7 قميحة (جابر) ،المعارضة في اإلسالم –بين النظرية والتطبيق -دار اجلالء ،القاهرة ،ط1988 ،1 .م ،ص. 380
381القاسمي (ظافر) ،نظام الحكم في الشريعة والتاريخ اإلسالمي( –الحياة الدستورية ،-مرجع سابق ،ص.37 .
382سورة البقرة ،اآلية.111 :
383سورة احلج ،اآلية.8 :
384سورة النحل ،اآلية.125 :
والتي أطلق عليها فيما بعد اسم "المحاكم الملكيّة" ،لتمارس س لطة التحقي ق في معتق دات النّ اس ،حتّى تكتش ف أولئ ك ال ذين يخ الفون
تعاليم الكنيسة.386
الشيَع الدينيّة في الدول الغربيّة قد أذكى الفتن فيما بينها ،واستم ّرت هذه الفتن ،وبلغت ح ّداً من الش ّدة جعلت النّ اس
ولقد كان التنّوع في ِ
أن االختالف في العقيدة الدينيّ ة ال يح ول دون ّ
يسيرون نحو تجاوز االعتقاد الديني إلى مبدإ "المواطنيّة" ،وأن يسلموا بمبدإ آخر ،وهو ّ
االنتساب لمواطنيّة مشتركة ،وأصبح هذا المبدأ فيما بعد ،هو حجر الزاوية للمذهب الديمقراطي في أوربا الغربيّة.387
وبهذا استُبعد التز ّمت االعتقادي ،وح ّل محلّ ه تع ايش المعتق دات واآلراء ،تعايش ا ً مس تمراً ،واس تُبعد العن ف لف رض االعتق ادات على
إن الديمقراطية ال تقبل التز ّمت االعتقادي ،بل تحترم ح ّ
ق ك ّل إنس ان ب أن يعتق د كم ا يري د ،م ا دام اعتق اده ال يدفع ه إلى اآلخرين ،إذ ّ
388
استعمال الق ّوة للقضاء على اعتقادات مخالفيه .
أن غياب هذا التسامح يؤثّر على الناحية المدنيّة ،حيث يق ول "روس و": ولقد أق ّر المف ّكرون الغربيّون ضرورة التسامح الديني ،وأ ّكدوا ّ
389
« ففي ك ّل مكان يق ّر فيه عدم التسامح الديني يكون من المستحيل أن ال يترك بعض األثر المدني. »
وتضع الدول الديمقراطية بعض الحدود لحرية االعتق اد ،وتتعلّ ق في مجمله ا ب احترام أحك ام الدس تور ،وحماي ة النظ ام الع ام ،وع دم
التع ّد ي على الميادين العامة ،وعدم المساس بكيان الدولة ،وعدم التعرّض لحريات اآلخرين.
كما يالحظ إقرار بعض الدول الديمقراطية بوجود ال ديانات األخ رى ،المخالف ة لديان ة الغالبيّ ة العظمى من س ّكانها ،فنج د مثالً فرنس ا
وألمانيا وهولندا تعلن بأن اإلسالم هو الديانة الثانية فيها.
أن معاملة هذه الدول للّذين ال يدينون بدينهم ،قد تطوّرت إيجابيا ً في العصـر الحالي ،مقارنة بما هي عليه ومجمل القول في هذا المجال ّ
في العصـور السابقة ،وإن كان ق د ح دث بعض االنتكـاس في معامل ة المس لمين في ال دول الغربيّ ة ،بس بب المس تج ّدات على الس احة
الدوليّة مؤ ّخراً.
كما يوجد انتقاص لحقوق األقليات الدينيّة في الدول الديمقراطية ،وذلك راجع إلى فكرة الفصل بين ال ّدين والدولة في هذه الدول.
الفرع الثاني :اختالف أساس اإلقرار بحقوق وحريات أتباع األديان بين اإلسالم
والديمقراطيات الغربيّة
ويمكن رصد هذه االختالفات فيما يأتي:
أوال :مصدر الحقوق والواجبات لغير المسلمين قد تقرّر لهم ش رعاً ،ووف ق نص وص الش ريعة اإلس المية ،وليس مص درها الق انون
الداخلي ،أو ما تقرّه لهم األغلبيّة ،كما هو حاص ل في ال دول الديمقراطي ة؛ ول ذلك فإنّ ه ليس ألح د ،ول و ك ان حاكم اً ،أن يس لبهم تل ك
إن للمسلمين أن يزيدوهم حقوقا ً أخرى ،بشرط أالّ تعارض هذه الزي ادة مب دأ من مب ادئ اإلس الم؛ الحقوق ،أو أن ينقص منها شيئاً ،بل ّ
فإن لألغلبيّة ،التي أق ّرت منح تلك الحقوق لألقليّات ،أن تنقص منها شيئاً ،أو أن تسلبهم إيّاها كاملة؛ ول ذلك
بينما في الدول الديمقراطية ّ
فإن األقليّات في هذه الدول تكون في حقيقة األمر رهن معاملة األغلبيّة لها ،وليس لها ضمان ثابت ،كما هو في النظام اإلسالمي ،الذي ّ
ألن مصدرها هو الشريعة اإلسالمية ،وذلك ضمان أكي د له ذه الحق وق، تُعتبر فيه هذه الحقوق والواجبات لألقليّات غير المسلمة ثابتة؛ ّ
حيث ال يستطيع حاكـم أن يلغيها أو يبطلهاّ ،
ألن ما قرّرته الشريعة اإلسالميـة ال يمكن أن ينسخه إنسان.390
وبهذا يتبيّن لنا الفارق الجوهري في ضمانات حقوق وحريات أتباع األديان المختلفة ،بين ما هو مق ّرر في الشريعة اإلسالمية ،وما هو
موجود في الدول الديمقراطية ،ويتجلّى لنا سم ّو الشريعة اإلسالمية في هذا المجال ،ومدى احترامها للمخالفين لها.
غ((زوي (حممد سGGليم حممGGد) ،الحري((ات العامة( في اإلس((الم مع المقارنة بالمب((ادئ الدس((تورية الغربيّة والماركس((يةّ ،
مؤسسة شGGباب 385
للطباعة والنشر والتوزيGG Gع ،د .ط1389 .هـ 1969-م ،ص G G - G .334 .زي ((دان (عبد الك GGرمي)" ،بحث في معاملة( األقليّ ((ات غ ((ير المس ((لمة
واألجانب في الشريعة اإلسالمية" مرجع سابق ،العدد الثالث ،ص.312-311 .
أن من مصلحة المواطنين غير المسلمين في البالد اإلسالمية ،المشاركة في الدعوة إلى تطبيق الش ريعة ومن خالل هذا األمر يتبيّن لنا ّ
اإلسالمية ،لتكون هي المرجع في تثبيت حقوقهم وواجباتهم.
ثانيا :وفي مجال إقرار حرية االعتقاد ،وحريّة تغيير ال ّدين ،نالحظ أنّه في النظام الديمقراطي يطلق هذا األم ر على عواهن ه ،فال
ي دين شاء ،سواء أكان سماويا ً أم وضعياً ،وله أن يغيّر دينه كما يشاء ،كم ا ّ
أن ل ه يح ّده قيد وال شرط؛ فنجد ّ
أن المواطن له أن يتديّن بأ ّ
أالّ يعتقد في دين مطلقا ً (اإللحاد).
بينما نجد في الفقه اإلسالمي مسألة " قتل المرت ّد " ،391أي الذي يغيّر دينه من اإلسالم إلى دين آخر ،وهذه مسألة كثر فيه ا الكـالم بين
الفقهـاء قديما ً وحديثاً ،بين من يقـرّها ويبرّرها مستنداً إلى النصوص الشرعية في هذا المج ال ،وبين من يتحفّ ظ على ه ذه المس ألة ،أو
يرفضها ،بنا ًء على تأويله لبعض النصوص الواردة في هذا الشأن ،واعتماده على نصوص شرعيّة عامة أخرى ،والس يّما م ا ورد في
القرآن الكريم ،الذي يؤسّس لحرية االعتقاد في كثير من نصوصه.392
كما نجد المسلمين يرفضون فكرة "اإللحاد" وال يقرّون عليها.
أن "االختالف الديني "حقيقة واقعة ،وال يمكن إزالتها؛ فتلك سنّة هللا في خلقه ،وطبيعة بش ريّة،
ومن خالل ك ّل ما سبق ذكره ،يتبيّن لنا ّ
ولذلك سعت الشرائع المختلفة ،سماويّة ووضعيّة ،لإلقرار بهذا الواقع ،ووضع ضمانات مختلف ة لتجنّب م ا ق د ينتج عن ه ذه الظ اهرة
من صراع ونزاع.
ولذلك ُكفلت حرية االعتقاد ،و ُوضعت ضمانات لحمايتها ،وأُق ّرت حقوق و واجبات أتباع مختلف الديانات ،سواء أكانوا أغلبيّة في البلد
أم أقليّة.
ونجد اإلسالم قد فاق األنظمة الوض عيّة في إق راره بحري ات وحق وق مخالفي ه ،واع ترف بم واطنتهم في المجتم ع اإلس المي؛ فك انت
ضماناته ثابتة ال تتأثّر بأمزجة الح ّكام ،أو آراء األغلبيّة.
هذا ،ومع بعض التحفّظـات والتساؤالت التي يثيرها البعض حول مسألـة " الر ّدة " المعروفة في الفق ه اإلس المي ،فإنّ ه باإلض افة إلى
أن هذه المسألة خالفيّة بين الفقهاء ،قديما ً وحديثاً ،فهي مع فرض ثبوتها فإنّه ا أُق رّت حفاظ اً ع ل كرام ة اإلنس ان المسلـم ومص لحته، ّ
وأيضا لحفظ النظـام العـام في دولة اإلسالم ،التي تجعل العقيدة اإلسالمية أساس المجتمع اإلسالمي. ً
بكل تلك الضمانات ،فلماذا ال ومؤداه أنّه :إذ كان اإلسالم يدعو إىل حرية االعتقاد ،وحييطها ّ 391حيث جند تساؤالً يطرح يف هذا اجملال ّ
يرتك للمسلم Gحرية االرتداد عن دينه واعتنGاق دين آخGر ،بل يعاقبه اإلسGالم بالقتGل ،ويف هGذا نGوع من اإلكGراه الGذي نفGاه اإلسGالم بقاعGدة
"ال إكراه يف ال ّدين" .ولكن هذه الشبهة تنمحي إذا وضعنا نصب أعيننا هذه احلقائق اآلتية:
-اإلسGGالم هو أكمل األديGGان وأوفاها وأسGGلمها ،وأكثرها رعاية حلقGGوق اإلنسGGان وكرامتGGه ،فنكGGوص املسGGلم عن اإلسGGالم يعّ Gد إهGGداراً لعقلهG
وشخصيته ،وترك الفاضل إىل املفضول.
نص القGGرآن الكGGرمي-مل جيرب اإلسGGالم أحGGداً على اعتناقGGه ،وإمّن ا كGGان األسGGاس يف دعوته إىل النGGاس يتمثّل يف احلكمة واملوعظة احلسGGنة ،وقد ّ
على أنّه "ال إكـراه يف ال ّدين" ،وترك املسلمـون Gالنصارى واليهود واجملوس يف بالد الشGام والعGراق ومصر على دينهـم ،ومل يفرضGوا اإلسGالم
على أحد منهم.
Gردة يف هGGذا احلال "خيانة Gاداً" بقواعد هGGذا ال ّ Gدين ،ما دام قد اختGGاره مبحض إرادتGGه ،وتعترب الّ G
-اعتنGGاق الشGGخص لإلسGGالم يعين "التزام Gاً جّ G
خسيسا هبذا االلتزام.
ً عظمى" ،وإخالالً
بدعا يف هذا اجملال ،فاملسيحيّة هي األخرى هتدر دم املرت ّد عنها ،وكذلك تفعل األديان األخرى. -واإلسالم ليس ً
أمدا حياسب فيه نفسه ،ويستتاب فيه ،فإن مل يتب ويثب إىل صوابه قُتل. -واإلسالم ال يقتل املرت ّد حال ارتداده؛ وإمّن ا يعطيه ً
انظر يف هGGذا :خالّف (عبد الوهGGاب) ،السياسة الش(رعية ،ص .35-34 .نقالً عن :قميحة (جGGابر) ،المعارضة في اإلس(الم-بين النظرية
والتطبيق ،-مرجع سابق ،ص.34-33 .
انظر يف تفصيل هذا املوضوع :حللي (عبد الرمحن) ،حرية االعتقاد في القرآن الكريم ،مرجع سابق ،ص .105 .وما بعدها. 392
الفصل الثاني
التعدّديّة السياسيّة
تعترب التع ّدديّة السياسGG G G Gيّة من بني اإلطGG G G Gارات لتقGG G G Gنني التعامل مع سGG G G Gنّة االختالف والتنGّ G G Gوع Gيف حيGG G Gاة
وفكرا وممارسة.اإلنسان ،طبيعةً G
كما أ ّن اإلقGG Gرار باحلرية يسGG Gتلزم اعرتاف G Gاً بالتع ّدديّGG Gة ،وأ ّن اإلقGG Gرار هبذه األخGG Gرية يعترب اعرتاف G Gاً GبوجGG Gود
التنوع ،والذي يرتتّب عنه االختالف يف املصاحل وترتيب األولويات وأساليب Gالعمل والتنظيم. ّ
هامة بني اآللي GG Gات األخGG Gرى ،إذ والتع ّدديّة السياس GG Gيّة Gكآلية من آلي GG Gات الدميقراطية الغربيّة حتتّل مكانة ّ
جتسد معىن احلرية اليت هي جوهر النظّام الدميقراطي ،وجتعل آللية التداول معىن حقيقياً. إهّن ا ّ
حيث أصبحت "التع ّدديّة" نظاماً سياسياً يقابل نظام "الواحديّة" ،وأصبح هذا التقسيم لألنظمة بGGديالً
للتقسيم القدمي لألنظمة إىل ملكيّة ومجهوريّة ...والذي مل يعد يعرّب جيّداً عن النظم السياسيّة Gاحلالية.
التوجهGGات والتنظيمGGات يف احليGGاة السياسGGيّةG، وممّا تقتضGGيه "التع ّدديّة السياسGGيّة" GقبGGول مشGGاركة خمتلف ّ
وتنافسها تنافساً حراً وفق ضوابط حيرتمها اجلميع.
وميكن فرز ثالثة أنواع Gمن أنواع التع ّدديّة السياسيّة :تع ّدديّة يف املذاهب Gوما تقوم عليه من اعتقGGادات
وتصورات ،وهو ما يسمى "التع ّدديّة اإليديولوجيّة" G،وتع ّدديّة يف التنظيمات السياسيّة اليت جتتمع يف وأفكار ّ
منظّم GGات سياس GGيّة لروابط مذهبيّة وعقديّة -أو مص GGلحيّة -أو أه GGداف مش GGرتكة ،وهو ما يس Gّ Gمى"التع ّدديّة
احلزبيّGGة" ،ونGGوع آخر من التع ّدديّة اقتض GGته ضGGرورة أداء الدولة ل GGدورها على أحسن وجGGه ،من خالل خدمة
يسمى "التع ّدديّة املؤسّساتيّة". الشعب ومتثيله وحفظ حقوقه وحرياته ،وهو ما ّ
قسمنا هذا الفصل إىل املباحث اآلتيةG: ولذلك فقد ّ
كل ما حييط بGGه ،ويصGGنع لقد خلق اهلل سبحانه وتعاىل اإلنسان Gكائنا مف ّكراً ومبدعاً ،ال يفتأ يف ّكر يف ّ
تصGّ G Gورات عن نفسGG Gه ،وعن بين جنسGG Gه ،وعن الكGG Gون GكلّGG Gه ،وجيعل من كGّ G Gل ذلك عقيGG Gدة يتبنّاهGG Gا ،ويGG Gؤمن
بأفكارها ومبادئهGGا ،ويكGّ Gون Gمن كGّ Gل ذلك مGGذهباً أو منظومة فكريّة يسGGعى لكي يعتنقها اجملتمGGع ،وجي ّس Gدها
النظام احلاكم.
السماء ،اليت نظّمت شؤون احليGGاة بأحكGGام واضGGحة بيّنGGة، وكثرياً ما يفعل اإلنسان ذلك جهالً برسالة ّ
وحّ G Gددت التص Gّ Gورات احلقيقيّة Gالص GGادقة عن الوج GGود كلّ GGه؛ كما قد يتّخذ اإلنس GGان تلك اإلي GGديولوجيات أو
املذاهب Gالوض GGعيّة Gعقي GGدة ومنهاجG Gاً له يف احلي GGاة ،بس GGبب إنكـاره ل GGوحي السمـاء ،أو نتيجة اعتق GGاده Gبع GGدم
كفايته ،وذلك تن ّكب عن الصراط املستقيم.
احلق منهاجGاً
Gيما إذا مل يتّخGGذوا الّ Gدين ّ وطGGبيعي Gأن ختتلف وتتعّ Gدد تصGّ Gورات النGGاس واعتقGGاداهتم ،والسّ G
هلم ،ومرجعاً ألفكارهم واعتقاداهتم.
ولقد كانت اجتهادات مف ّكري اإلسالم وفقهائه خمتلفة حGGول مGGدى قبGGول نظGGام اإلسGGالم Gبتواجد هGGذه
املذاهب Gالوضعيّة واإليديولوجيات Gاملختلفة يف دولة اإلسالم ،وموقفه من التع ّدديّة اإليديولوجيّة.
وفيما يأيت نتناول –حبول اهلل تعاىل -هذه املوضوع يف املطالب اآلتية:
عبـود (عبد الغين) ،العقيدة اإلسالميـة( واإليديولوجيـات المعاصـرة ،دار الفكـر العـريب ،القاهـرة ،ط1976 ،1 .م ،ص.19-18. 394
شيخو (لويس) ،المنجد في اللّغة واألدب والعلوم ،املطبعة الكاثوليكية ،بريوت ،د .ط ،.د .ت ،ص.22 . 396
5397إدريس (سهيل) -عبد النور (جبور) ،المنـهـل (قاموس فرنسي-عربي) ،دار اآلداب -دار العلم للماليني ،بريوت ،ط،9 .
1987م ،ص.9 .
العروي (عبد اهلل) ،مفهوم اإليديولوجيا ،مرجع سابق ،ص.9 . 398
Gؤول الوق GGائع بكيفيّة تظهرها
فيق GGال :إ ّن فالنًا ينظر إىل األش GGياء نظ GGرة أدلوجيّ GGة ،أي يتخرّي األش GGياء وي ّ G
احلق ،ونقGG Gول إ ّن احلزب الفالين حيمل أدلوج GGة ،أي القيم واألخالق واأله GGداف دائمG Gاً مطابقة ملا يعتقد أنّه ّ
اليت ينوي حتقيقها على املدى القريب والبعيد.399
Gريا يف اجملال السياسGي ،ولGدى البGاحثني فهذه بعض اسGتعماالت لفظ "اإليGديوجيا" ،والGذي يُتGداول كث ً
والدارسني.
ثانيا :المعنى االصطالحي
اصطالحا بع ّدة تعاريف ،نذكر منها ما يأيت: ً لقد عُّرفت "اإليديولوجيGا"
عرفتها "موسوعة Gالسياسة" بأهّن ا « :ناتج عملية تكوين نسق فكGGري عGGام ،يف ّسGر الطبيعة Gواجملتمع ّ -1
والفGGرد؛ ممّا حي ّدد موق ًفا فكـريًا وعمليًا ملعتنق هGGذا النسGGق ،الGGذي يربط ويكـامل األفكـار يف خمتلف امليGGادين،
الفكريّة السياسيّة واألخالقيّة والفلسفيّة.400»
وعرفتها موس GGوعة Gفرنس GGيّة بأهّن ا « :جمموعة من األفك GGار ،تؤلّف م GGذهبًا فلس GGفيًا ،وحت ّدد الس GGلوك
ّ -2
الفردي واجلماعي ،» أو كما جاءت يف صيغتها األصليّة بأهنا:
«Système d'idées constituant un corps de doctrine philosophique et
. 401» conditionnant le comportement d'un individu ou d'un groupe
اها
-3ومن تعريفاهتا كGGذلك أهّن ا « :اجّت اه عقائGGدي ،أو منظومة منسGGجمة من األفكGGار ،حت ّدد اجّت ً
معينًا.402»
إنسانيًا ّ
ص.8 .
-4وورد يف "موسGGوعة املورد" أ ّن اإليديولوجيّة GمصGGطلح يقصد بGGه « :كGّ Gل جمموعـة نظاميّة من
املفGG Gاهيم ،يف موضGG Gوع احليGG Gاة أو الثقافة البشGG Gريّة ،كما يُقصد به طريقـة التفكري (أو حمتGG Gوى التفكGG Gري) Gاملميّز
لفـرد أو مجاعة أو ثقاف GG G Gة ،وجمم GG G Gوع النظري GG G Gات واأله GG G Gداف املتكاملة اليت تشّ G G G Gكل ق GG G Gوام برن GG Gامج سياسي
اجتماعي.403»
-5واعترب بعض الب GG Gاحثني املعاص GG Gرين أ ّن لفظ "اإلي GG Gديولوجيا" تعين –فيما هو متّفق علي GG Gه « -فكر
مذهيب ،فيما يتّصل بالبناء االجتماعي والسياسي واالقتصادي.404»
واملالحظ على التعGG G Gاريف ال ّس G G Gابقة لإليGG G Gديولوجيا أهّن ا تشGG G Gرتك يف كلمة "فكGG G Gر" أو "أفكGG G Gار" ،إذن،
نظامGGا- ،أوختص "عGGامل األفكGGار" والGGذي يقابله "العGGامل احملسGGوس" ،وأ ّن هGGذه األفكGGار تشّ Gكل ً فاإليGGديولوجيا ّ
خيص ميادين خمتلفة ،كامليدان Gالسياسي واالجتماعي وغريه. مذهبًاّ -
وذلك ألنّه من الع GGادة أن ينظّم النّ GGاس نش GGاطاهتم السياس GGيّة والدينيّة Gواألخالقيّة والثقافيّة واالقتص GGاديّة
املؤسسGG Gات اجمل ّس G Gدة هلا ،ينتقلGG Gون إىل
بطرائق معيّنGG Gة ،وبعد تفكري طويل يف هGG Gذه النشGG Gاطات املختلفGG Gة ،ويف ّ
واملؤسسGG G Gات ،ومزاياهGG G Gا،
ّ مرحلة أخGG G Gرى ،واملتمثّلة يف تكGG G G Gوين أفكGG G G Gار معيّنة Gعن طبيعة هGG G G Gذه النشGG G G Gاطات
ويعمدون إىل صياغتها يف نظام عقائدي متكامل ،وهو ما يعرف باسم "اإليديولوجيا".405G
كما يالحظ أ ّن اصGGطالح "اإلي GGديولوجيا" تع ّ Gددت معانيGGه؛ وذلك بس GGبب اختالف املدارس الفكريّGGة،
ونتيجة اختالف هذه املدارس يف مواقفها من اإلنسان واحلياة واجملتمع.406
403البعلبكي (منري) ،موسوعة المورد ،دار العلم للماليني ،بريوت ،ط ،1 .ص 1981 .م.
404ثابت (عادل) ،النظم السياسية ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية ،د .ط ،2001 ،ص.85 .
405البعلبكي (منري) ،املرجع السابق ،جـ ،5 .ص.171 .
و "اإليديولوجيا" تتميّز عن عبارات اصطالحيّة أخرى تقرتب منها يف بعض مدلوالهتا ،وهي "الفكر السياسي" و"الفقه السياسي" و
"املذهب السياسي" ،فاألول (الفكر السياسي) يعين :نتاج ذهين بشري جاء منفعالً بعامل السياسة بواقعها ومبثالياهتا ،والثاين (الفقه
السياسي) :يشري إىل الفكر السياسي (مبدلوله املتق ّدم) ،حينما يتبنّاه مجع من املف ّكرين وجيتمعون حوله (حال فقهاء العقد السياسي
"هوبز" و "لوك" و "روسو") ،والثالث (املذهب السياسي) يعين :الفقه السياسي حينما يستهدف به أصحابه تغيري واقع عامل السياسة،
جذريا أو جزئيًا ،أو بعبارة أخرى يشري املذهب السياسي إىل سعي أصحاب الفقه السياسي بوضع هذا الفقه موضع التطبيق ،ومن هنا
جاءت تسميّة "املذهب السياسي" باإليديولوجية،فنقول :اإليديولوجيّة املاركسيّة ،واإليديولوجيّة الليرباليّة ...انظر :ثابت (عادل)،
املرجع السابق ،ص.85 .
406ربيع (حممد حممود) ،آراء في الصحوة اإلسالمية( وموقف اإلسالم من اإليديولوجيات المعاصرة ،عامل الكتب ،القاهرة ،د.ط،
1405هـ 1985 -م ،ص.87 .
وتطوراته
ّ المطلب الثاني :األصول التاريخيّة لمصطلح "اإليديولوجيا"،
يقال إ ّن مصطلح "اإليديولوجيـا" يرجع إىل أصـول يونانيّة قدمية ،وهو مك ّـون عندهم من مقطعني
مها( :أديGG G Gو) مبعGG G Gىن :ما هو متعلّق بGG G Gالفكر ،و(لوجGG G Gوس) مبعGG G Gىن :علم؛ فاإليديولوجيـا فGG G Gرع من الدراس GG Gات
اإلنسانيّة ،اليت تبحث يف طبيعة Gالفكر ،ونشأة Gالصور العقليّة عند اإلنسان.407G
وهنGG G G Gاك رأي آخر يقGG G G Gول إ ّن مصGG G G Gطلح "اإليGG G G Gديولوجيا" التيين األصGG G G Gل ،وإ ّن ّأول من استخدمـه هو
الفيلسGGوف الفرنسي "أنطGGوان GدسGGتوت دوتراسGGي" ( 1754- 1836( )Antone Destutt Detracyم)،
وذلك يف مطلع القGGرن التاسع عشGGر ،ومبعىن "علـم األفكـار" ،وكشGGيء مقابل للعGGامل احملسGGوس ،ورمّب ا منGGاقض
له.408
فمفه GGوم "اإلي GGديولوجيا" Gهبذا االعتب GGار ح GGديث نس GGبيًا؛ حيث ج GGاء إلينا من الفكر الفرنسي بعد ث GGورة
حمل "امليتافيزيق GG Gا" ،409Gواليت ك GG Gانت غري ذات
حيل ّ
1789م ،وقد ك GG Gان اهلدف من املفه GG Gوم اجلديد هو أن ّ
كل شيء؛ وذلك لتأكيد انفصاهلا Gعن النظام القدمي.410 قيمة بعد الثورة الفرنسيّة ،اليت عملت على تغيري ّ
Gىت أحيGGاه الفيلسGGوف األملاين "كGGارل مGGاركس"، وبعد ذلك مGّ Gر هGGذا املصGGطلح بفGGرتة أسGGيء فيها اسGGتعماله ،حّ G
الذي استعمله للتعبري عن جمموعة من األفكGار واملعتقGGدات اليت تسGGود جمتمعGاً مGGا ،بفعل الظGGروف االقتصGاديّة
411
والسياسيّة القائمة ،وذلك يف كتابه "األيديولوجيّة األملانيّة" Gاملنشور سنة 1829م .
407عطيّة (أمحد) ،القاموس السياسي ،ط ،3 .ص ،161 .نقالً عن :عبود (عبد الغين) ،العقيدة اإلسالمية واإليديولوجيات المعاصرة(،
مرجع سابق ،ص.19-18 .
408الكيالي (عبد الوهاب) وآخرون ،موسوعة السياسة ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.421 .
احملركة هلذا العامل،
القوة ّ
4امليتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) " "Metaphysicsشعبة من الفلسفة Gتبحث يف ماهية األشياء وعلّة العلل ،أي ّ
409
وكلمة "امليتافيزيقا" تتألّف يف األصل من لفظتني يونانيتني مها )Meta( :ومعناها (وراء) أو (بعد) ،وكلمة " "Physikaومعناها (الطبيعة).
مرده إىل املصادفة؛ ذلك بأ ّن
والواقع أ ّن إطالق اسم "امليتافيزيقا" على هذا اجلانب من الفلسفة الذي يبحث يف" علّة املوجودات" ّ
مصنّفي مؤلّفات "أرسطو" وضعوا رسائله اخلاصة هبذا املوضوع بعد رسائله اخلاصة بعلم الطبيعة؛ فعُرفت هذه املباحث منذ ذلك احلني
بامليتافيزيقا ،أو ما وراء الطبيعة ،ولعلّهم Gفعلوا ذلك عامدين .انظر :البعلبكي (منري) ،موسوعة المورد العربيّة ،دار العلم للماليني،
بريوت ،ط1990 ،1 .م ،جـ ،2 .ص.1182-1181 .
410أبو شهيوة (مالك عبيد) -خلف (حممود حممد) -خشيم (مصطفى عبد اهلل) ،األيديولوجيا والسياسة ،الدار اجلماهريية للنشر
والتوزيع واإلعالن ،طرابلس ،ط1993 ،1 .م ،ص.21 .
411كتاب "اإليديولوجية األملانية" ( :)L'Idéologie Allemandeمؤلّف Gفلسفي نقدي ملاركس و إنغلز ،ر ّكزا فيه على نقد مثالية "هيغل"
وأنصاره الشبان و "فيورباخ" وللمذهب Gالفردي ،واملذهب الفوضوي ،وجململ الفكر األملاين الفلسفي Gالسائد يف القرن التاسع عشر،
فكرا بورجوازيًا جتريديًا ،وصنّفاه على أنّه فكر معاد للربوليتاريا .الكيالي (عبد الوهاب)و آخرون ،موسوعة( السياسة،
والذي اعترباه ً
وقد نظر "مGG Gاركس" إىل "اإليديولوجيGG Gة" GنظGG Gرة اسGG Gتنكار؛ ملا تنطGG Gوي عليه من جتريد ألفكGG Gار هي يف
احلقيقة نت GGاج العالق GGات االقتص GGاديّة الس GGائدة يف اجملتم GGع ،واس GGتعملها "املاركس GGيون" ّأول األمر لنقد املذاهبG
العقائديّة والفكريّة G،اليت اعتربوها Gجتريديّة وغري متّفقة مع الواقع.412
إذ يGG G Gرى ه GG G Gؤالء أ ّن "اإلي GG G Gديولوجيات" تولّGG G Gدها الطبق GG G Gات االجتماعيّGG G Gة ،بل ليست اإلي GG Gديولوجيات
والطبقات االجتماعيّة –عندهم -إالّ وجهني متكاملني يف واقع واحد.413
ولقد نGGال التعريف املاركسي شGGهرة واسGGعة ،وأثبتته كثري من القGGواميس GاملعتمGGدة ،وهGGذا التعريف يعترب
أ ّن اإليديولوجية هي « :جمموعة أفك GGار وعقائد ونظري GGات ،ي GGدين هبا عصر من األعص GGر ،أو جمتمع م GGا ،أو
طبقة.414»
وميكن اعتب GGار ه GGذه النظرية املاركس GGيّة لإليديولوجيّة أهّن ا تصف -إىل حّ G Gد م GGا -أوض GGاع العصر ال GGذي
كتب فيه مGG G G G Gاركس آراءه؛ فلقد كGG G G G Gانت اإليGG G G G Gديولوجيات يف ذلك العصر تقابل طبقGG G G G Gات اجتماعيّة بوجه
خGG Gاص ،كGG Gاألحزاب السياسGG Gيّة؛ فالنـزاعات بني اإليديولوجيّة احملافظة واإليديولوجيّ G Gة اللّيرباليّة Gمنذ الثGG Gورة
الفرنس GG Gيّة ،تصGّ G G Gور بوضGG G Gوح النـزاع بني األرس GG Gتقراطيّة اليت متلك األرض ،وبني البورجوازيّة اليت تعمل يف
الصناعة والتجارة وأعمال البنوك Gواألعمال الفكريّة ،مث جGاءت اإليديولوجيّة GاالشGرتاكيّة Gلتعرّب عن حاجGات
ورغبات طبقة اجتماعيّة جديدة نشأت عن انتشار الصناعة Gهي "طبقة الربوليتاريا".415
ويالحظ أ ّن النظـرية املاركسGG Gيّة قد غGG Gالت يف ربط اإليديولوجيـا بالطبقGG Gات االجتماعيّة حىّت يف ذلك
العص GGر ،فاإلي GGديولوجيات -والس GGيّما السياس GGيّة منه GGا -وإن ك GGانت تص Gّ Gور األوضـاع الطبقيّ GGة ،إالّ أ ّن هن GGاك
عناصر أخرى كثرية G-غري الطبقات -تؤثّر يف نشوء اإليديولوجيات.416G
فالنظرية املاركس GGيّة إذن ،تربط نش GGوء اإلي GGديولوجيات Gبالطبق GGات االجتماعيّ GGة ،فالن GGاس –حسب ه GGذه
النظرية – ينشئون Gاإليديولوجيات على حسب عالقاهتم االجتماعيّة.
تطور مصطلح "اإليديولوجيا" Gعلى يد علماء االجتمGاع ،الGذين حGاولوا إعطGاء تعGاريف لGه ،ومن وقد ّ
وعرفها آخ GGرون يف ه GGذه التع GGاريف ما ذهب إليه بعض GGهم من أ ّن اإلي GGديولوجيا Gهي "أس GGلوب يف التفك GGري"ّ ،
مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.422 .
صعب (حسن) ،علم السياسة ،دار العلم للماليني ،بريوت ،ط 1985 ،8 .م ،ص.52 . 412
ديفرجيه (موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.111 . 413
.ROBERT (Paul) , Le petit Robert 1 (Dictionnaire de la langue française), op. cit. , p.957 414
ديفرجيه (موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.111 . 415
ديفرجيه (موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.112 . 416
اخلمس GGينيات والس GGتينيات Gمن الق GGرن العش GGرين على أهنّا "دين علم GGاين" ،بينما ذهب آخ GGرون إىل أهّن ا "نظ GGام
لتفسري الظ GGواهر كطريقة لتس GGهيل فهمها للفئ GGات االجتماعية املعيّن GGة"ّ .أما الش GGيوعيّة املعاص GGرة ف GGرتى وج GGود
فGGرق بني اإليديولوجيـا "الزائفـة" –حسب رأيه GGا -اليت تش Gّ Gوه احلقGGائق من خالل تفس GGريها اخلاطئ وابتعادها
عن الواقع ،وبني "اإليديولوجيا السلميّة" اليت تعكس الوعي Gعلى حقائق الصراع الطبقي.417G
اجملردة ،وكGGانت تلك علما للمفGGاهيم واألفكGGار ّ وقد كGGان هGGدف اإليGGديولوجيني جعل "اإليديولوجيّGGة" ً
الصGG Gياغات GتتجGG Gاوز القض GG Gايا املعرفية إىل القض GG Gايا السياس GG Gيّة ،وب GG Gذلك وقفت وراء قGG Gادة الثGG Gورة الفرنسGG Gيّة،
واس GG Gتعملت تلك األفك GG G Gار يف الص GG G Gراع ضّ G G G Gد العقائد السياس GG G Gيّة Gوالدينيّ GG G Gة ،اليت ك GG G Gان يق GG G Gوم عليها النظ GG Gام
السابق.418
ومن خالل ما سGGبق ذكGGره ميكن تلخيص مراحل تطGّ Gور مصGGطلح "اإليGGديولوجيا"؛ حيث ميكن إمجاهلا
األول هلذا املصGG Gطلح –كما أشGG Gرنا سGG Gابقاً -يعين "علم األفكGG Gار" ،وبعد ذلك أخذ معن GGاه يف أ ّن االسGG Gتعمال ّ
يتطGّ Gور ،حيث ارتبط بظGGروف معيّنGGة ،وأسGGيئ فهمه يف بعض الظGGروف كما حGGدث يف بداية القGGرن التاسGGع،
وارتبط مفهومه ك GG Gذلك ببعض Gالنظري GG Gات كالنظرية املاركس GG Gية ،وذلك عن GG Gدما أحي GG Gاه "م GG Gاركس" ،وجعله
جمرد
مرتبطًا ببعض مبادئGGه ،كقضGGية الطبقGGات االجتماعيGGة ،وذلك بعد أن كGGان قبل ذلك يشGGار إليه على أنّه ّ
تصورات مثالية ليس هلا عالقة بالواقع؛ كما حاول علماء االجتماع تطGGوير هGذا املصGطلح وأعطGGوه تعGاريف ّ
خمتلف GGة .و جتدر اإلشGG Gارة كGG Gذلك إىل أ ّن هGG Gذا املصGG Gطلح بعد أن كGG Gانت صGG Gياغته وق ًفا على القض GGايا املعرفية
فقط ،جتاوزها إىل القضايا Gالسياسية .
إ ّن لإلي GGديولوجيات املتع ّ Gددة املوج GGودة على الس GGاحة السياس GGية Gيف اجملتمع GGات املعاص GGرة أه GGدافاً
وتؤدي وظائف خمتلفة ،سواء على املستوى Gالفردي أم اجلماعي. متنوعةّ ،ّ
أهم هذه الوظائف Gواألهداف: سنتطرق –بإذن اهلل تعاىل -إىل ّ ّ وفيما يأيت
أوال :الوظيفة المعرفية
الكيالي (عبد الوهاب) وآخرون ،موسوعة السياسة ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.422-421 . 417
أبو شهيوة (مالك عبيد) -خلف (حممود حممد) -خشيم (مصطفى عبد اهلل) ،األيـديولوجيـا والسياسـة ،مرجع سابق ،ص-21 . 418
.22
تعترب الوظيفة املعرفية من أوىل أهGداف اإليديولوجيّGة؛ وذلك ألهّن ا تشّ Gكل جمموعة من األفكGار يف
نسق منظّم ،حيث يفهم ويف ّسG Gر من خالهلا الع GGامل؛ فهي تشّ G Gكل إط GGاراً مرجعيG Gاً يأخذ منه اإلنس GGان Gمعارفه
وتفسGG G Gرياته حGG G Gول السياسGG G Gة ،كما تعمل على حتديد وتوضGG G Gيح حقGG G Gوق والتزامGG G Gات اجملتمGG G Gع ،وحت ّدد أهدافه
وسلطاته ،وكيفية تنظيم احلياة السياسية فيه.419
توحد التصGّ G Gورات حGG Gول الشGG Gؤون السياسGG Gية وغريها للمنتمني فه GGذه الوظيفة Gاملعرفية لإلي GGديولوجيات ّ
إليديولوجيّة معيّنة؛ ممّا يساعد على االنضباط Gوالسعي املشرتك Gلتحقيق األهداف والربامج املسطّرة.
فالتنظيمGGات اليت تلتقي حGGول إيديولوجيّGGةG-أو عقيGGدة G-واحGGدة ذات فلسGGفة حم ّددة تقيم عليها نظريتها
Gتمد من إيGGديولوجيتها Gتلك تشGGريعاهتا وقوانينها420G؛ فهي تعترب مرجعGاً لتحديد للكون GواإلنسGGان واحليGGاة ،تسّ G
ينجر عنها من تشريعات وقوانني وسياسات. تصورات األنظمة ،ومن مثّ ما ّ ّ
ثانيا :الوظيفة السياسية واالجتماعيّة
أهم أهداف اإليGGديولوجيات G،فاإليGGديولوجيا تعترب حيث تعترب الوظائف السياسية Gواالجتماعية من ّ
آلية لتGGربير السGGلطة وممارسGGتها ،إذ أصGGبحت اإليGGديولوجيات أحد املصGGادر الرئيسة إلضGGفاء الشGGرعية ،وذلك
Gربر الطريقة اليت تنظّم هبا الس GG Gلطة ،وكيفية توزيعها واس GG Gتعماهلا، من خالل التأييد واإلذع GG Gان ،حيث إهّن ا ت ّ G G
Gريا على القGّ Gوة كGGأداة لفGGرض سGGلطاهتا ،بل إهّن ا تغلّف ّقوهتا يف والسGGيّما بعد أن أصGGبحت الدولة ال تعتمد كثً G
إطار إيديولوجي مقبول.421
ضGا لتحقيق اهلويّة والتعبري عنهGGا؛ وذلك ألهّن ا صGراع ،وأي ً كما تعترب اإليGGديولوجيا آلية أساسGGية إلدارة ال ّ
بأفكارها العامة املشرتكة تدمج األفراد يف التكوين أو اجلماعة ،أو حىت حزب أو حركة ،كما تُعترب كذلك
كقوة ديناميكية يف حياة الفرد واجملتمع.422 آلية للتعبئة والسيطرة؛ وذلك ألهّن ا تسعى للعمل ّ
ومتنوع GGة G،وأثرها
إذن ،ف GGإ ّن وظ GGائف وأه GGداف اإلي GGديولوجيات-السياس GGية Gمنها واالجتماعي GGة -كث GGرية ّ
بارز يف هذين اجملالني.
املوجهة أو املشGG G G Gاريع السياسGG G Gية GبصGG G Gورة
وقد لوحظ يف الGG G G Gدميقراطيات الغربيّة بGG G G Gروز دور األفكGG G G Gار ّ
واض GGحة ،كما لوحظ أ ّن األح GGزاب اليت تتبىّن اإليديولوجية Gاالش GGرتاكية Gأو الش GGيوعية ،قد ُوج GGدت ومنت من
أبو شهيوة (مالك عبيد) -خلف (حممود حممد) -خشيم (مصطفى عبد اهلل) ،األيـديولوجيـا والسياسـة ،مرجع سابق ،ص-75 . 419
.76
.23 التصور اإلسالمي( ،دار الثقافة ،الدوحة ،ط1986 ،1 .م ،ص.
ّ الحسن (حممد) ،المذاهب واألفكار المعاصرة في 420
77 أبو شهيوة (مالك عبيد) -خلف (حممود حممد)-خشيم (مصطفى عبد اهلل) ،األيديولوجيا والسياسة ،مرجع سابق ،ص. 1421
لقد ثGGار جGGدل كبري بني املف ّكGGرين والسياسGGيني حGGول مصري اإليGGديولوجيات يف الGGوقت احلاضGGر؛
التطور احلاصل يف حياة اإلنسان G،وال سيّما يف اجملال العلمي.
وذلك مع ّ
فقد ذهب بعض GGهم إىل القGGول بنهاية عصر اإليديولوجي GGة ،أو قGGرب هنايته GGا؛ بينما ذهب اجّت اه آخر إىل
أ ّن هذا الطرح غري علمي ،إذ ال ميكن لإلنسان أن حييا بدون عقيدة أو إيديولوجية.
نتعرض –حبول اهلل تعاىل -إىل هذين االجّت اهني: وفيما يأيت ّ
فلقد ظهر يف الغGG Gرب اللّيGG Gربايل اجّت اه يقGG Gول بنهاية اإليGG Gديولوجيات؛ وذلك بسGG Gبب احنس GGارها
وتراجعها يف حتريك آمGGال اإلنسGGان يف التغيGGري ،ونتيجة لألخذ بGGالتفكري العلمي ،وأسGGاليب اإلدارة العلمية يف
بعيـدا عن
ً مؤسس GG G G Gات الدول GG G G Gة ،فه GG G G Gذا التط Gّ G G G Gور يف التسGG G G G Gيري واملمارسـة السياسيـة ،يتطلّب معاجلة علميّة ّ
425
اإليديولوجيّة .
فهGG G Gذا االجّت اه يGG G Gرى بGG G Gأ ّGن التطGّ G G Gور التقGG G Gين ،والتفكري العلمي الGG G Gذي أثّر يف احليGG G Gاة السياس GG Gيّة يف الدولة
جمرد أفكGGار وتصGّ Gورات ال تسGGتند إىل أسس علميـة ،بل إهّن ا ومؤسسGGاهتا ،قد أبعد اإليGGديولوجيات G،اليت هي ّ ّ
3423هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.245 .
يتزعمه "فرنسيس فوكوياما" ( فقد ظهر يف اآلونة األخرية ،بعد سقوط الشيوعية يف االحّت اد السوفيييت ودول أوروبا الشرقية ،اجّت اه ّ
424
.12 أبو شهيوة (مالك عبيد) -خلف (حممود حممد) -خشيم (مصطفى عبد اهلل) ،األيديولوجيا والسياسة ،مرجع سابق ،ص. 428
كل مكان -بوجود ع ّدة مذاهب تقتضي الدميقراطية احلقيقية Gأن يقرتن وجودها -يف ّ
كل اجّت اه كسب األنصار، كل مذهب عن أفكارهم حبرية ،وحياول ّ حرا ،فيعرّب أصحاب ّ تصارعا ً
ً تتصارع
جتسد أفكار ومبادئ تلك املذاهب G،والتنافس للفوز بتأييد الرأي العام ،وطبع وتكوين املنظّمات اليت ّ
سياسات احلكومة Gبطابعها ،430ولقد أصبحت جمتمعات الدميقراطية الغربيّة منذ اهنيار النظم الفردية يف
مستمرا وحمميًا للنـزاعات اإليديولوجية.431
ً مشهدا
ً القرن الثامن عشر ،توفّر
جتسدها واقعيًا،
فاإليديولوجيات باعتبارها متثّل جمموعة من األفكار واالعتقادات ،فإهّن ا تسعى أن ّ
وذلك بالدعوة إليها وحشد األنصار إىل صفوفها ،وذلك يتأتّى Gعندما تتهيكل Gيف تنظيمات سياسية،
كاألحزاب واجلمعيات ،حىت تكون Gيف إطار قانوين منظّم ،يسمح هلا بالنشاط السياسي هبدف الوصول إىل
يضم أفكارها واعتقاداهتا.
احلكم ،ومن مثّ تعمل على جتسيد برناجمها الذي ّ
ولكن درجة تبيّن األحزاب السياسية Gلإليديولوجيات ختتلف من نظام إىل آخر ،ومن بلد إىل آخر،
إذ إ ّن هناك بعض األحزاب السياسية هتتّم باملسائل اإليديولوجية Gأكثر من غريها.
نتعرض –بإذن اهلل تعاىل -إىل هذين االجّت اهني من األحزاب السياسية: وفيما يأيت ّ
أوالً :األحزاب اإليديولوجيّة
وهتتم كثرياً باملسائل
ونقصد هبا األحزاب اليت تتبىّن إيديولوجيّة معيّنة ،وتقوم عليهاّ ،
اإليديولوجية ،حيث يكون انضمام املناضلني إليها بناءً على إمياهنم بأفكار ومبادئ تلك اإليديولوجيّةG.
وتبدو أمهيّة اإليديولوجية Gلألحزاب السياسية من خالل اعتبار األحزاب السياسية احلقيقية Gهي
األحزاب اليت حتمل عقيدة أو إيديولوجيّة معيّنة ،حيث ورد يف بعض تعريفات األحزاب أهنّا « الناطقة
باسم عقيدة.432»
431أنسار (بيري) ،اإليديولوجيات والمنازعات والسلطة ،ترمجة :إحسان احلصيين ،منشورات وزارة الثقافة واإلرشاد القومي ،دمشق،
1984م ،ص.189 .
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.245 . 432
يهمهواعترب بعض الباحثني أ ّن احلزب الذي ال ميلك إيديولوجية هو حزب انتهازي ،ظريف ،ال ّ
سوى استغالل Gالنفوذ والسلطة.433
وكثريا ما يكون Gدور اإليديولوجيّة Gيف األحزاب يتمثّل يف تسييس اجملتمع ،ألجل أن يعطي مردوديّة ً
434
التامة على اجملتمع . يتم هلا حتقيق السيطرة ّ إجيابيّة ،وذلك حىّت ّ
منوذجا لالهتمام باملسائل اإليديولوجيّة ،وإعطاء األولويّة وتعترب األحزاب السياسية Gيف فرنسا ً
هلا435؛ حىت أثّر ذلك سلبًا على دور تلك األحزاب يف احلياة السياسية ،إذ أصبحت مدفوعة إىل النـزاعات
سهل من جتاوز تلك العقائدية بدالً من العمل ،وإىل تبادل االنتقاد بدالً من تبيّن املسؤوليات G،وذلك ما ّ
بالتوجه املباشر إىل املواطنني ،أي وجود أشكال أخرى من متثيل الرأي العام ّ األحزاب ،واالرتفاع عنها
جبانب األحزاب.436
كما يعترب االحّت اد السGG Gوفيييت (سGG Gابقاً) ،والصG Gنّي ،والGG Gدميقراطيات GالشGG Gعبيّة يف أوربا الشGG Gرقية (سGG Gابقاً)
الرتبة اخلصGG Gبة لألحGG Gزاب اإليديولوجيّGG Gة؛ Gحىت وصGG Gفت تلك اجملتمع GG Gات بأهّن ا جمتمع GG Gات إيديولوجيّGG Gة ،حيث
ازدهرت فيها اإليديولوجيات املاركسية ،فكانت غاية تلك األحزاب السياسGGية Gإقامة جمتمعGGات اشGGرتاكية Gأو
شيوعيّة.437
كما ازدهرت يف العامل الغريب األحزاب اليت تتبىّن اإليديولوجيّة الليربالية G،وهي إيديولوجيّة ذات نزعة
فرديّة حرة ،تستهدف محاية وصيانة حقوق وحريات األفراد الطبيعيّة.438
وجهت إىل اإليديولوجيّة Gالليربالية ،نظGGراً إلغفاهلا اجلوانب االجتماعية ونتيجة لالنتقادات الكثرية Gاليت ّ
والروحيGG G G G G G G G G Gة ،وتركيزها على اجلوانب املاديّGG G G G G G G G G Gة ،وقيامها على أسس علمانيّة صGG G G G G G G G G Gرفة ،إىل غري ذلك من
العروي (عبد اهلل) ،مفهوم اإليديولوجيا ،مرجع سابق ،ص.9 . 433
434العزي (سومي) ،الديكتاتورية االستبدادية والديمقراطية والعالم الثالث ،املركز الثقايف العريب ،بريوت –الدار البيضـاء ،ط،1 .
،1987ص.15 .
ليبسون (لسلي) ،الحضارة الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.152 . 435
2436مابيلو (ألبري) -ميرل (مارسيل) ،األحزاب السياسية في بريطانيا العظمى ،ترمجة :حممد برجاوي ،منشورات عويدات ،بريوت،
ط 1970 ،1 .م ،ص.9 .
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.21 . 437
مابيلو (ألبري) -ميرل (مارسيل) ،األحزاب السياسية في بريطانيا العظمى ،مرجع سابق ،ص.71 . 440
بداية ال بّ Gد من اإلشGGارة إىل أ ّن هGGذا النGGوع Gمن التع ّد ّدية مل ينل نصGGيباً وافGGراً من التأصGGيل على السGGاحة
األكادمييG G G Gة والفكرية Gاإلس GG Gالمية ،مقارنة بالتع ّدديّة احلزبيّة اليت ك GG Gثر اجلدل حوهلا ،حىت كGG G Gاد ينحصر ه GG Gذا
اجلدل يف م GGدى موافقة املب GGادئ اإلس GGالمية Gهلذه التع ّدديّة (أي التع ّدديّة احلزبيّ GGة) ،على ال Gّ Gرغم من أهّن ا ليست
النمط األوحد للتع ّدديّة.443
هذا مع وجود بعض األعمال يف نقد هذه اإليديولوجيات املعاصرة على ضوء مبادئ اإلسالم.444
والذي نقصده هنا هو ما يعرّب عنه بـ "التع ّدديّة خارج الدائرة اإلسالمية" G،أي موقف اإلسالم Gمن هذا
النمط من التع ّدديّة الذي يستوعب ويشمل التنظيمات واجلماعات اليت ال تعترب اإلسGGالم مرجعيّة هلا ،وذلك
مث GG G Gل :العلمانية واالشGG G G G Gرتاكية GواملاركسGG G G G Gية والليربالية Gوالوطنية GوالقوميّGG G G G Gة G،وغريها من املذاهب Gالوض GG G Gعية
واإليديولوجيات األخرى.
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.434 . 442
443عزت (هبة رؤوف)" ،منهج النّظر في التع ّدد والشورى " ،مقال مبجلة "الكلمة" ،الكويت -لبنان ،السنة األوىل ،العدد الثالث،
1414هـ 1994 -م ،ص.58 .
444ونذكر من هذه األعمال على سبيل املثال :قطب (حممد) ،مذاهب فكرية معاصرة( ،دار الشروق ،القاهرة –بريوت ،د.ت.
و يكن (فتحي) ،حركات ومذاهب في ميزان اإلسالم ،مؤسسة الرسالة ،بريوت ،ط 1418 ،12 .هـ1997 -م.
وحنن ال نقصد هنا بالدراسة أن نGG G G G G Gبنّي موقف اإلسGG G G G G Gالم Gمن تلك اإليGG G G G G Gديولوجيات G،وننقد أفكارها
Gب
ومبادئها واعتقاداهتا على ضGG Gوء مب GG Gادئ اإلسGG Gالم G،فهGG Gذا ليس جمال دراسGG Gتنا يف هGG Gذا البحث؛ وإمّن ا ينصGّ G G
اهتمامنا هنا –كما أسلفنا -يف توضيح املوقف من تواجد تلك اإليديولوجيات املتع ّددة يف دولة اإلسالم.
ونستطيع أن نفرز ثالثة مواقف من هذه املسألة G،نتناوهلا –بإذن اهلل تعاىل -فيما يأيت:
األول :موقف القبول المطلق بالتع ّدديّة اإليديولوجيّة
الفرع ّ
ومضGGمون هGGذا االجّت اه أنّه ال يقف يف اإلقGGرار بالتع ّدديّة السياسGGية عند حGGدود التع ّدديّة امللتزمة بسGGيادة
الش GGريعة ،بل يفتح الب GGاب على مص GGراعيه ،وي GGرى أ ّن املذهبيّة اإلس GGالمية Gتس GGتوعب Gإطالق التع ّدديّة إىل أبعد
مدى ،حىت تشمل األحزاب الشيوعية Gاإلحلاديّة والعلمانية وغريها.445
ومن احلجج واألدلّة اليت اس GG Gتند إليها ه GG Gذا الفريق للق GG Gول هبذا ال GG Gرأي هو أ ّن احلكم يف اإلسGG Gالم ليس
أي اجّت اه
ثيوقراطيًا ،بل هو تصGّ Gور شGGوري يقّ Gدم إىل قواعد الشGGعب ،وهGGذا األخري له مطلق احلريّة يف اختيGGار ّ
أراد ،وال سGGلطان ألحد غGGريه ،ولكGّ Gل اجّت اه أن يقّ Gدم أفكGGاره وطروحاته لتم ّكن الشGGعب من االختيGGار ،وليس
ضG Gا ل GGه -أن يقّ G Gدم برنـامـجه ،وك Gّ Gل ما ميلكه ال GGذين يتبنّ GGون
أي ط GGرف -مهما ك GGان مناق ً احلق أن مينع ّ
ألحد ّ
منهاج اإلسالم هو الدفاع عن طروحاهتم وبراجمهم واختيGاراهتم ،وإقنGاع غGريهم هبا ،سGواء أكGان ذلك على
مستوى السلطة السياسية Gأم املعارضة.446
ومن حججهم كGGذلك أ ّن نظGGام اإلسGGالم Gقد اسGGتوعب Gيف داخله اجملوس ،وهم عبGGدة النGGار ،واسGGتوعبG
كGG Gذلك عب GG Gدة األص GG Gنام -عند كثري من أهل العلم ،-كما اس GG Gتوعب أهل الكت GG Gاب؛ فه GG Gذه املرونة الثابتة Gيف
معتنقي خمتلفّ قبGG Gول املخGG G Gالفني من أهل األديGG G Gان األخGG G Gرى ميكنها أن تسGG G Gتوعب GكGG G Gذلك يف داخل إطارها
اإليديولوجيـات األخGGرى؛ وممّا يثبت قبGGول دولة اإلسـالم اسGGتيعاب امللل األخـرى يف إطارها تلك الصGGحيفة
اليت عقGG G Gدها رسGG G Gول اهلل مع أهل املدينGG G Gة G،من املسGG G Gلمني واليهGG G Gود ومن دخل يف عهGG G Gدهم ،وتلك ع GG Gربة
ومنهاج ،وسابقة هلا داللتها احلضارية ،اليت تشهد مبدى مرونة اإلطار السياسي يف دولة اإلسالم. 447
هذا باإلضافة إىل أ ّن مثل هGGذه اإليGGديولوجيات قد أصGبحت واقعGاً مفروضGاً حىت يف البالد اإلسGالمية،
وص GGيغ التعامل معها ّإما أن تك GGون ب GGالتزام خي GGار التص GGادم والص Gّ Gراع ،أو خيـار املقاطعة Gواالنغالق G،أو خي GGار
ص.102. الصاوي (صالح) ،التع ّدديّة( السياسية في الدولة اإلسالمية( ،دار اإلعالم الـدويل ،القاهـرة ،ط 1414 ،2 .هـ1993 -م،
ّ
445
الميالد (زكي) ،الوحدة والتع ّدديّة والحوار في الخطاب اإلسالمي( المعاصر ،دار الصفوة ،بريوت ،ط 1415 ،1 .هـ 1994-م، 448
.82 ص.
1417 ،1هـ1996- مفتي (حممد أمحد) ،أركان وضمانات الحكم اإلسالميّ ،
مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع ،بريوت ،ط. 449
ص.89. عمارة (حممد) ،هل اإلسالم هو الحل؟ لماذا وكيف؟ ،دار الشروق ،القاهرة –بريوت ،ط 1415 ،1 .هـ 1995 -م، 451
حياول أن يكس GG G Gبها الش GG G Gرعية اإلس GG G Gالمية Gحبال من األح GG G Gوال ،بل ال ب ّ G G Gد من تنقية Gالفكر السياسي Gوالواقع
اإلسالمي Gمنها.452
األول املؤيّد للتع ّدديّة
ويعترب ه GGذا هو موقف مجه GGور املف ّكGGرين اإلس GGالميني ،وال GGذين ي GGرون أ ّن املوقف ّ
نابعا من التGأثّر بالثقافة الغربيّة الوافGدة على بالد اإلسGالم، اإليديولوجية جبميع أشGكاهلا هو موقف قد يكGون ً
وقد يك GG Gون Gباعثه هو ال GG Gدفاع عن اإلس GG Gالم يف مواجهة من يتّهمونه باألحاديّة والتسG G Gلّط على اآلخGG Gرين ،أو
الرغبة يف اسGG G Gتمالة أنص GG Gار اإلي GG Gديولوجيات Gاملختلف GG Gة ،ولكن نتج عن كل ذلك التبGG G Gاس يف بعض املفGG Gاهيم،
وال GGذي ّأدى إىل اختالط األوراق ،وغي GGاب بعض احلق GGائق اإلس GGالمية Gاألساس GGية G،ل GGدى الق GGائلني بقب GGول مجيع
اإليديولوجيات بإطالق.453G
املتنوعGGة ،حبقGGوقهم
ومعتنقي اإليGGديولوجياتّ G
ّG فهنا جيب أن نفGّ Gرق بني اإلقGGرار ألتبGGاع األديGGان املختلفGGة،
وحريGGاهتم الشخصGGية ،وصGGيانة دمGGائهم وأمGGواهلم وأعراضGGهم ،وأيضGاً االسGGتفادة من خرباهتـم يف بعض أعمGGال
وأيضا كفالةالذمي لوزارة التنفيذ ،على سبيل املثالً ،- الدولة –وقد أسلفنا الذكر عن إجازة الفقهاء لتويّل ّ
العامGG G G Gة؛ وذلك أل ّن االعGG G Gرتاف بتلك
حريّة اعتقGG G G Gادهم؛ وبني اإلقGG G G Gرار هلم بGG G G Gاحلكم وتGG G G Gويّل منصب Gالوالية ّ
اإليGديولوجيات G،واإلقGرار بتعّ Gددها يف دولة اإلسGGالم ،معنGGاه إعطGاء الفرصة هلا للدعاية ألفكارها ومعتقGداهتا،
متناقضا مع مبادئ اإلسالمG.
ً والسعي للوصول إىل احلكم وتنفيذ برناجمها ،والذي قد يكون
فالقبول هبذه التع ّدديّة يعين القبول املبدئي Gبوالية ومناهج مجيع الGGذين يسGGمح هلم باملشGGاركة فيهGGا؛ أل ّن
تب GG Gادل الس GG Gلطة هو حمور التع ّدديّ GG Gة .فهل املذهبيّة Gاإلس GG Gالميّة تقبل بوالية أهل األدي GG Gان األخ GG Gرى ،واملذاهبG
الوضعيّة املختلفة (اإليديولوجيات) ،وتقبل تطبيق مناهجهم على املسلمني؟.454
لقد أجاب الفريق الرافض هلذه التع ّدديّة اخلارجة عن نطاق اإلسالم مبا يأيت:
أوالً :بقوله : ثُ َّم َج َع ْلنَاكَ َعلَى َش ِري َع ٍة ِّمنَ األَ ْم ِر فَاتَّبِ ْعهَا َوالَ تَتَّبِ ْع أَ ْه َوا َء الَّ ِذينَ الَ يَ ْعلَ ُمونَ،455
َ : وأَن ِاحْ ُك ْم بَ ْينَهُ ْم بِ َما أَنزَ َل هَّللا ُ َوالَ تَتَّبِ ْع أَ ْه َوا َءهُ ْم َواحْ َذرْ هُ ْم أَن يَ ْفتِنُ و َ
ك ع َْن بَع ِ
ْض َما وقولـه
عمارة (حممد) ،هل اإلسالم هو الحل؟ لماذا وكيف؟ ،مرجع سابق ،ص.89 . 452
الصاوي (صالح) ،التع ّددية( السياسية في الدولة اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.104-103. ّ
453
4 458صحيح مسلم بشرح النووي ،باب "وجوب طاعة األمراء يف غري معصيّة وحترميها يف املعصيّة" ،طبعة دار الفكـر ،اجمللّد السادس،
جـ ،12 .ص.229 .
الذمة ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.414 .
ابن قيّم الجوزية (مشس الدين حممد بن أيب بكر) ،أحكام أهل ّ
459
رضا (حممد رشيد) ،تفسير المنار ،مرجع سابق ،جـ ،6 .ص.367 . 460
الصاوي (صالح) ،التع ّدديّة( السياسية في الدولة اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.109.
ّ
461
الصاوي (صالح) ،التع ّدديّة( السياسية في الدولة اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.107-106.
ّ
463
العوا (حممد سليم) ،في النظام السياسي للدولة اإلسالمية ،دار الشروق ،القاهرة-بريوت ،ط1989 ،1.م ،ص.84 . 466
الميالد (زكي) ،الوحدة والتع ّدديّة والحوار في الخطاب اإلسالمي( المعاصر ،مرجع سابق ،ص.97 . 467
468الرفاعي (عبد احلميد) ،الفكر اإلسالمي( المعاصر ،حوار مع :األمين (السيّد حممد حسن) ،دار الفكـر املعاصـر -بريوت ،دار
الفكر -دمشق ،ط 1421 ،1 .هـ 2000م ،ص.212 .
الغنوشي (راشد) ،الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.293 . 469
األصول ،وأن يكون Gالفيصل يف واجبات والتزامGGات كGّ Gل طGGرف مشGGارك يف التع ّدديّة السياسGGية Gوالفكرية هو
الدس GGتور أو العهد املكت GGوب ،470وال GGذي جيب أن يتض Gّ Gمن ع GGدم اخلروج على مب GGادئ اإلس GGالم Gوأص GGوله ،وال
أي جمتمع إس GG G Gالمي
أي تيGG G G G Gار فكGG G G G Gري أو سياسي من أن يثبت حضGG G G G Gوره ،وميارس دوره يف ّميكن أن مينع ّ
معاصر.471
يفرق بني اإليديولوجيـات املختلفة؛ فيميّز بني اإليديولوجيـات اليت ال تناقض وخالصة هذا االجّت اه أنّه ّ
موحGدون باهلل ،ويGGدافعون Gعن احلريّة والعدالGGة ،وإن كGGانوا يتح ّفظGGون من مسGGألةالّ Gدين اإلسGGالمي ،وأتباعهاGّ G
عالقة ال ّدين بالسياسة؛ وهناك Gإيديولوجيات أخرى مرفوضة ،وهي اليت تناقض اإلسالم Gيف أصGGوله ومبادئGGه،
أو تنكر ال ّدين مطل ًقا.
األول من اإليGGديولوجيات Gميكن قبوهلا وإشGGراكها يف احليGGاة السياسGGيّة G،مع حماولة إقنGGاع أتباعهاG فGGالنوع ّ
مبنهـاج اإلسـالم ،والس GGيّما وأهّن م ال يهّ G Gددون قيـم اإلسـالم ومبادئ GGه؛ ّأما النـوع الث GGاين من اإلي GGديولوجياتG
املخاصمة لل ّدين ،فال مكان هلا يف دولة اإلسالم G،والسعي إىل منعها واجب شرعي وسياسي G،وهGGذا املوقف
بدعا يف األنظمGGة ،إذ ال يوجد نظGGام يعطي الشGGرعية هلدم أسسه ومبادئGGه ،وتقGGويض البنيGGان GالGذي أُ ّسGس ليس ً
عليه.
المبحث الثاني
التعدّديّة الحزبيّة
المطلـب األوّل :ونتعرّض فيه إىل مفهوم احلزب ،واستعماالته Gيف القرآن الكريـم.
المطلب الثانـي :ونتناول فيه األصول التارخييّة لألحزاب السياسيّة G،وطرق نشوئها.
المطلب الثالـث :ونبحث فيه عالقـة التعـ ّدديّة الـحزبيّة بالدميقراطيـة الغربيّة.
المطلب الرابـع :ونتحـدّث فيـه عـن أنـواع األحـزاب السـيـاسـيّـة.
المطلب الخامس :وندرس فيه صـور التع ّدديّـة احلزبيّـة يف النظـام الدميقراطي.
مربرات ووظائـف األحـزاب السيـاسيّـة. أهم ّ المطلب السادس :ونتناول فيه ّ
املوجهة إىل التع ّدديّة احلزبيّة.
ونتطرق فيه إىل أه ّـم االنتقـادات ّ
ـ ّ المطلب السابـع:
المطلـب الثامن :ونتع ّـرض فيه إىل موقف نظام اإلسالم Gمن التعـ ّدديّة احلزبيّة.
للفظ "احلزب" الGGذي يقابلGه يف اللغة األجنبيّة Gلفظ " "Partiمعىن لغGGوي ،حيث أوردته قGGواميس اللّغGGة،
Gطلحا سياس GGيًا" ،وال
وأعطت له معىن لغويً GGا ،كما أ ّن له معىن اص GGطالحيًا يف اجملال السياس GGي؛ إذ يعترب "مص ً G
خيفى ما بني املعىن اللّغوي واملعىن االصطالحي من تقارب.
وفيما يأيت نورد هذه املعاين:
األول :الحزب في اللّغة الفرع ّ
أوالً :احلزب يف اللّغة العربيّة
من معاين"احلزب" الواردة يف قواميس اللّغة العربيّة ما يأيت:
*ورد يف معىن "احلزب" أنّه :مجاعة من النّ GGاس ،واألح GGزاب مجعُ GGهُ ،ومَج ْ Gٌ Gع ك GGانوا ت GGألّبوا وتظ GGاهروا على
النيب .472
حرب ّ
*كما ورد أنّه :اجلماعة فيها ّقوة وصالبة ،وك ّGل قGGوم تشGGاكلت أهGGواؤهم وأعمGGاهلم ،ويف التنـزيل قوله
الرجل :أعوانه ،ويف التنـزيل قوله: أُوْ لَئِكَ ِح ْزبُ هَّللا ِ ُ : كلُّ ِح ْز ٍ
ب بِ َما لَ َد ْي ِه ْم فَ ِرحُونَ
473
ّ وحزب ،
زاب.475 ، ومجعه :أ ْ
474
َح ٌ
جتمع الشGG Gيء ،فمن ذلك احلزب اجلماعة من النّGG Gاس ،قGG Gالُ : كلُّ ِح ْز ٍ
ب بِ َما *وورد كGG Gذلك أنّGG Gهّ :
ب.476 ِ
كل شيء :ح ْز ٌ ل َد ْي ِه ْم فَ ِرحُونَ ، والطائفة من ّ
َ
Gزاب ،واألحGG G Gزاب جنGG G Gود الك ّفGG Gار ،تGG GألّبواG ِ
ب :مجاعة النّGG G Gاس ،واجلمع أح ٌ G G
*ويف لسGG G Gان العGG G Gرب :احلGْ G G Gز ُ
اف َعلَ ْي ُك ْموتظ GGاهروا على ح GGرب الن GGيب وهم :ق GGريش ،وغطف GGان ،وبنو قريظ GGة ،يق GGول:يَاقَوْ ِم إنّي أَ َخ ُ
ّ
الر Gج ِGل:
ْ ُ ُ وح زب َّ ب ،477واألحزاب ههنا :قوم نوح وعGGاد ومثود ،ومن أهلك من بعGGدهمGِ ، ِّم ْث َل يَوْ ِم األَحْ زا ِ
صGنف من ِ
ب :ال ّ وكل قGوم تشGاكلت قلGوهبم وأعمGاهلم فهم أحGزاب ،واحل ْGز ُوجنده الذين على رأيهّ ، أصحابه ُ
الناّس ،قGال ابن األعGرايب :احلزب :اجلماعGة ،واحلزب :الطائفGة ،واألحGزاب :الطوائف اليت جتتمع على حماربة
جتمع GGوا وص GGاروا
وحتزب GGواّ :
األنبي GGاء ،ويف احلديث ذكر ي GGوم األح GGزاب ،وهو غ GGزوة اخلن GGدق ،وح GGازب الق GGوم ّ
أحزابًا ،واألحزاب :الطوائف من النّاس ،مجع حزب (بالكسر).478
نسجل املالحظات اآلتيةG:
ومن خالل هذه التعاريف السابقة للحزب يف اللّغة العربيّةّ ،
الفيروز أبادي (جمد الدين حممد بن يعقوب) ،القاموس المحيط ،دار الكتاب العريب ،د.م ،د.ط ،د.ت ،جـ ،1 .ص.54 . 472
أنيس (إبراهيم) وآخرون ،المعجم الوسيط ،دار الفكر ،د.م ،ط ،2.د.ت ،جـ ،1ص.170 . 475
476ابن زكريا (أبو احلسني أمحد بن فارس) ،معجم مقاييس اللّغة ،حتقيق :عبد السالم هارون ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،د.
م ،د.ط 1979 ،م ،جـ ،2 .ص.55 .
477سورة غافر ،اآلية.30 :
ابن منظور(مجال ال ّدين) ،لسان العرب ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.854-853 . 478
-1تتّفق مجيع تلك التعGGاريف على أ ّن لفظ "احلزب" عند إفGGراده يقصد به اجلماعة من النّGGاس من غري
حتديد هلويّتها وطبيعته GGا ،ولكن عنGGدما مُج ع ه GGذا اللّفظ (أحGGزاب) أص GGبح يقصد به ال GGذين ت GGألّبوا Gعلى حGGرب
Gيب ، أو على حماربة األنبيGGاء -عليهم السGGالم ،-وهنا تبGGدو املفارقGGة ،حيث إنّه من املفGGروض أن يكGGونG النّ G
هلويته وطبيعتGGه؛ Gإذ كيف أي موقف ،ودون حتديد ّ مجع احلزب كذلك مثل مفرده ،أي أن يكون مفر ًغا من ّ
Gتخرجا من املعىن الفGGردي ،والسGGيّما يعقل أن يتغرّي معىن اللّفظ عند مجعه ،فالبّ Gد أن يكGGون Gاملعىن اجلمعي مسً G
بعيدا عن املاهية Gواملفهوم.479G أ ّن البحث هنا يف البعد اللغّوي التجريدي ً
Gيب لكGG Gون اسم "األح GGزاب" أُطْلِق رد تفسري األح GGزاب باجتمGG Gاع الك ّف GGار على ح GGرب النّ G G -2ميكن ّ
ألول م ّGرة يف التGاريخ اإلسGالمي على ّأول حلف يتّفق فيه الك ّفGار على حماربة الرسGGول ،480 فالداللة إذن ّ
ترتبط بفلسفة املواقف بعيداً عن اجلانب اللّغوي.
رد االختالف يف تفسري معىن "احلزب" ومعىن "األحGGزاب" إىل أ ّن كلمة "األحGGزاب" ما -3كما ميكن ّ
Gذم ،وما وردت للم GGدح إالّ بص GGيغة املف GGرد ،وه GGذا ما يف ّسG Gر وردت يف الق GGرآن بص GGيغة اجلمع إالّ وك GGانت لل ّ G
Gذم؛ ل GGورود ذلك يف الق GGرآن الك GGرمي،481 اختي GGار تلك املع GGاجم اللّغويّة لكلمة "األح GGزاب"(بص GGيغة اجلم GGع) لل ّ G
والتفرق واالجتماع على الباطل ،وحماربة حيث وردت كلمة"األحزاب" يف معرض احلديث عن االختالف ّ
اختَلَفَ األَحْ َزابُ ِمن بَ ْينِ ِه ْم فَ َو ْي ٌل احلق ،مثل قولهَ : وإِ َّن هَّللا َ َربِّي َو َربُّ ُك ْم فَا ْعبُ ُدوهُ هَ َذا ِ
ص َراطٌ ُّم ْستَقِي ٌم فَ ْ ّ
لِّلَّ ِذينَ َكفَرُوا ِمن َّم ْشهَ ِد يَوْ ٍم َع ِظ ٍيم ، وقولهَ : و َم ْن يَ ْكفُرْ بِ ِه ِمنَ األَحْ زَا ِ
482
ب فَالنَّا ُر َموْ ِع ُدهُ فَالَ تَ ُ
ك
اس الَ ي ُْؤ ِمنُ ونَ ،483إىل غري ذلك من اآلي GG Gات .كما ك َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النَّ ِ فِي ِمرْ يَ ٍة ِّم ْن هُ إِنَّهُ ْال َح ُّ
ق ِمن َّربِّ َ
وردت كلمة "حGGزب" للمGGدح بصGGيغة املفGGرد ،يف آيGGات مجيعها جGاءت بربط احلزب هبويّته يف صGGيغة "حGGزب
ب هَّللا ِ هُ ُم ْال ُم ْفلِحُونَ ، وقوله: فَإ ِ َّن ِح ْز َ
ب هَّللا ِ هُمُ ْالغَالِبُونَ ،485كما اهلل" كقوله : أَالَ إِ َّن ِح ْز َ
484
الميالد (زكي) ،الوحدة والتع ّدديّة والحوار في الخطاب اإلسالمي( المعاصر ،مرجع سابق ،ص.23-22 . 479
الفنجري (أمحد شوقي) ،الحريّة السياسيّة في اإلسالم ،دار القلم ،الكويت ،ط 1403 ،2 .هـ1983 -م ،ص.263 . 480
الغزال (إمساعيل) ،القانون الدستوري و النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.204 . 489
،490ولGG G Gذلك فقد اختلف الفقه حGG G G Gول تعريف احلزب السياسGG G Gي G،وأغلب الدراسGG G Gات املتعلّقة بGG G Gاألحزاب
تكتفي Gبتحليل عقائدها.491
وسنحاول –بإذن اهلل تعاىل -إعطاء بعض التعاريف للحزب بالنّظر إىل جوانبها املختلفة:
أوال :عُ ّGرفت األح GGزاب السياس GGية بأهّن ا « :تنظيم GGات دائم GGة ،تتح Gّ Gرك على مس GGتوى وطين وحملّي ،من
أجل احلصول على ال ّدعم الشعيب ،هبدف الوصول إىل ممارسة السلطة ،بغية حتقيق سياسة معيّنة.492» G
يتضمن طبيعة نشاط األحزاب ،وتنظيمها ،وكذلك أهدافها وغايتها. ونالحظ على التعريف أنّه ّ
ثانيا :وقد ع Gّ Gرف "م GGوريس ديفرجي GGه" احلزب بقول GGه « :احلزب هو جمموعة ذات كي GGان خ GGاص ،» أو
Un parti est une األصGG G G G G Gليّةcommunauté d'une structure « : كما وردت بصGG G G G G Gيغتها
.493» particulière
عرفه بأنّه « :تنظيم للكفاح السياسي.494» ويف موضع آخر ّ
والتعريفGG Gان السGG Gابقان رغم اختصGG Gارمها ،إالّ أهّن ما قد تضGّ G Gمنا طبيعة Gالتنظيم احلزيب ،وتضGّ G Gمن التعريف
الثGاين األهGداف ،واليت خلّصGGها يف عبGارة( :الكفGGاح السياسGGي) .فكـأ ّن "مGوريس ديفرجيGGه" ،من خالل هGGذين
التعريفني ،يعترب أ ّن األحزاب ال تُعرف برباجمها ،أو بطبيعة أتباعهGGا G،بقGGدر ما تُعGGرف بطبيعة تنظيماهتا ،حيث
تتميّز األحزاب املعاصرة عنده بكياناهتا وبنيتها.495
ثالثا :وهنGGاك تعGGاريف أخGGرى للحGGزب السياسGGي ،وهي يف جمملها متقاربة يف مضGGموهنا ،ونGGذكر منها
ما يأيت:
-1ع Gّ Gرف األس GGتاذ "الطم GGاوي" احلزب السياسي بأنّ GGه « :مجاعة ّمتح GGدة من األف GGراد ،تعمل مبختلف
الوسائل الدميقراطية Gللفوز باحلكم ،بقصد تنفيذ برنامج سياسي معنّي .496»
كامل (نبيلة عبد احلليم) ،األحزاب السياسية في العالم المعاصر( ،دار الفكر العريب ،د .م ،د .ط ،د .ت ،ص.71 . 490
491
.DUVERGER (Maurice), Les partis politiques, Librairie Armand Colin, Paris, 1976, P. 19
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.242 . 492
493
.DUVERGER (Maurice), op. cit., P. 20
ديفرجيه (موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.154 . 494
495
.DUVERGER (Maurice), Les partis politiques, op. cit., P. 20
496الطماوي (سليمان حممد) ،السلطات الثالث في الدساتير العربيّة المعاصرة( وفي الفكر اإلسالمـي ،دار الفكر العـريب ،مصـر ،ط.
1996 ،6م ،ص.543 .
جتمعات بني عـ ّدة أشخاص ،تربط بينهم روابط فكـريّة ،أو وحGGدة وعرفه بعض الباحثني بأنّهّ « : ّ -2
اهلدف السياسي.497»
-3ويGG G Gرى بعضGG G Gهم أ ّن األحGG G Gزاب السياسGG G Gيّة Gهي « :تنظيمGG G Gات شGG G Gعبيّة ،تسGG G Gتقطب ال GG Gرأي الع GG Gام،
وتستهدف تويّل السلطة يف الدولة.498»
جتمعG G Gاً معيّنG G Gاً ،يلتقي على مذهبيّة حم ّددة ،وبGG Gرامج ويعرفه البعض اآلخر بكونه « : Gتش GG Gكيالً أو ّ ّ -4
مفصلة.499»
ّ
وال GGذي جيمع ه GGذه التع GGاريف كلّها هو أهّن ا تق Gّ Gر ب GGأ ّن قاع GGدة احلزب هي الش GGعب ،وأ ّن تش GGكيله يك GGونG
بتجمع بعض ه GGذا الش GGعب ،وال GGذين جتمعهم رابطة –يف معظم األحي GGان ،-س GGواء أك GGانت ه GGذه الرابطة هي ّ
العقيدة ،أم املصلحة ،أو اهلدف املشرتك ،وأ ّن اهلدف من هGذه األحGزاب هو تنفيذ برناجمها وتطGبيق أفكارها
بعد أن تستويل على السلطة.
رابعا :وهنا نورد تعريفاً جامعاً للحزب ،جيمع كافّة جوانب احلزب ،ويشGGمل املدلوالت املختلفة لGGه،
رجح ه GGذا التعريف بعض الب GGاحثني ،نظ GGراً لش GGموله ،وإعطائه
وجياري التط Gّ Gور ال GGذي عرفته األح GGزاب ،وقد ّ
صGورة واضGحة وجليّة للحGزب ،500وهGذا التعريف هو تعريف األسGتاذ "بGريدو" ( ،)BurdeauوالGذي يقGول
فيه إنّ احلزب هGG Gو « :تنظيم يضGّ G Gم جمموعة من األفGG Gراد ،وتGG Gدين بنفس الرؤية السياسGG Gيّة ،وتعمل على وضع
أفكارها موضع التنفيGGذ ،وذلك بالعمل يف آن واحد على ضGّ Gم أكرب عGGدد ممكن من املواطGGنني إىل صGGفوفهم،
األقل التأثري يف قرارات السلطة احلاكمة.501»
وعلى تويّل احلكم ،أو على ّ
وميكن ت GGرجيح ه GGذا التعري GGف ،نظ GGراً لالعتب GGارات Gاليت س GGبق أن أش GGرنا إليه GGا ،ولكن مع ذلك ال ميكن
االستغناء عن التعGاريف األخGرى ،ألنّها كGذلك تزيد يف إيضGاح فكGرة األحGزاب ،وتشري إىل جGوانب أخGرى
خمتلفة للحزب.
المتيت (أبو يزيد علي) ،النظم السياسية والحريات العامة ،مؤسسة شباب اجلامعة ،اإلسكندرية ،ط1989 ،4 .م ،ص.142 . 497
4 498الحلو (ماجد راغب) ،الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسيـة) ،دار املطبوعات اجلامعية ،اإلسكندرية ،د.ط1996 ،م ،ص.
.292
قميحة (جابر) ،المعارضة في اإلسالم بين النظرية والتطبيق ،دار اجلالء ،القاهرة ،ط1988 ،1 .م ،ص.79 . 499
كامل(نبيلة عبد احلليم) ،األحزاب السياسية في العالم المعاصر( ،مرجع سابق ،ص.83 . 500
.BURDEAU (Georges), La démocratie, Edition Seuil, Paris, 1956, p.150 501
Gدل على ص GGعوبة وضع تعريف دقيق للح GGزب ضG Gا أ ّن تعّ G Gدد التع GGاريف الس GGابقة للح GGزب ،ي ّ G
ونالحظ أي ً
نظرا لتأثّر ك ّGل حGزب بالوسط السياسي GواالجتمGاعي الGذي ظهر فيGه ،وقد تعّ Gددت لGذلك السياسي ،وذلك ً
أنواع األحزاب يف عصرنا احلاضر.502
كما أ ّن التعGGاريف املختلفة للحGGزب ميكن تصGGنيفها إىل ثالثGGة :تعGGاريف تنظر إىل األحGGزاب من الناحية
التنظيميّة ،وأخرى تنظر إليها من الناحية اإليديولوجيّة ،وأخرى تنظر إليها من الناحية الوظيفيّةG.
األحGGزاب السياسGGية Gكغريها من املفGGاهيم واألنظمGGة ،تنشأ كفكGGرة ،وتظهر يف ّأول أمرها
بتطبيق GGات Gبس GGيطة ،قد ال تتّفق مع ما ت GGؤول إليه بعد ذل GGك ،مثّ تتط Gّ Gور ت GGدرجيياً ،ويك GGون هلا مفه GGوم جدي GGد،
وتطبيقGGات حديثة ،قد ختتلف قليالً أو كثGيراً مع ما كGGانت عليه يف ّأول ظهورهGGا؛ وذلك ألهّن ا تتGGأثّر بعGGاملي
الزمان واملكان ،وما حييط هبما من ظواهر ومالبسات.
وتطوراهتا يف العصر القديـم ،وما آلت وفيما ي GGأيت نتع Gّ Gرض إىل األص GGول التارخييّة لألحـزاب السياس GGيّة ّ
إليه يف العصور احلديثة ،وإىل طرق نشوئها:
األول :األحزاب( السياسية( في العصر القديم
الفرع ّ
مل تكن األحGG G Gزاب السياسGG G Gية Gيف العصGG G Gور القدمية ،أو قبل العصر احلديث عموم G G Gاً ،معروفة مبفهومها
احلديث.
ففي اليونـان Gالقدمية كGG Gان يف "أتيكGG Gا" ما يسGّ G Gمى "أحGG Gزاب اجلبGG Gل" أو "السGG Gهل" أو "السGG Gاحل" ،ويف
"روم GGا" ك GGان هن GGاك ما يس Gّ Gمى "ح GGزب النبالء" Gو "ح GGزب الس GGوقة" ،وع GGرفت بع GGدمها ح GGزيب ال GGدميقراطيني
واجلمه GGوريني .ويف الق GGرون الوس GGطى نش GGأت يف فرنسا بعض األح GGزاب كح GGزيب "اجللف GGيني" و"اجلبالن GGيني"،
واحلزبني "الك GGاثوليكي" Gو "الربوتس GGتنتي" ،ويف إجنل GGرتا ظه GGرت أح GGزاب "الفرس GGان" و"ال GGرؤوس املس GGتديرة"،
وغري ذلك من األحزاب الوسطوية Gاإلجنليزية.503
ولكن هذه األحGزاب املتصGارعة ُوجGدت يف ك ّGل زمGان ومكGان ،وهي أقGرب إىل االنشGقاقات منها إىل
األح GGزاب مبفهومها احلديث ،ألهّن ا مل تنشأ لغاي GGات انتخابيّ GGة ،ومل تؤ ّس Gس يف نط GGاق سياسي ي GGدعو لوجودها
502رسالن (أنور أمحد) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص.98 .
ماكيفر (روبرت) ،تكوين الدولة ،مرجع سابق ،ص.260-259 . 503
ويع GGرتف ب GGه ،فع GGرفت الدميقراطية Gاليونانيّة Gه GGذه االنش GGقاقات يف ش GGكل فئ GGات تلتّف ح GGول مب GGادئ قائ GGدها،
Gؤدي إىل نشGGوء النظGGام احلزيب ،لGGذلك ال جيوز أنوتGGدين بسياسGGاته ،دون أن تصGGبح منظّمGGات دائمGGة ،أو أن تّ G
تسمى أحزاباً باملعىن احلديث.504ّ
فلم تقم يف الدميقراطيّة األثينيّة أح GGزاب تش GGبه يف ش GGيء األحـزاب احلديثـة ،ال بني السياس GGيني وال بني
العامGG Gة ،ففي إحGG Gدى ك ّفيت امليزان قGG Gامت مجاعGG Gات أو تكتّالت بني السياسGG Gيني ،ولكن هGG Gذا التكتّلG
مجهGG Gور ّ
قوامه الشخص GGيات دون املب GGادئ ،كما أنّه يعترب تكتّالً Gغري دائم ،ويف الك ّفة األخ GGرى من امليزان ك GGان هن GGاك
متيGGيز كبري يف مظهر طبقة املالّك وطبقة GالفقGGراء ،ويعتقد "أرسGGطو" أنّه اسGGتطاع أن يلحظ هGGذا الفGGارق طGGوال
التاريخ السياسي Gاألثيين.505
مؤقتGGة ،ميكن
إذن ،فخالصة القول حول طبيعة Gاألحزاب السياسGGية يف القGGدمي ،أهّن ا عبGGارة عن تكتّالت ّ
جتمعGات ألهGداف سياسGية واضGحة ،ولGذلك فإهّن امل تسGاهم يف نشGوء اعتبارها انشقاقات أكثر من أن تكGون ّ
النظام احلزيب ،وأهّن ا ختتلف عن طبيعة Gاألحزاب السياسية املعاصرة يف شكلها ،ومضموهنا.
جونز (أ .هـ .م ،).الديمقراطية األثينية ،مرجع سابق ،ص.187 . 505
ديفرجيه (موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.154 . 506
507
.DUVERGER (Maurice), Les Partis Politiques, op. cit., P. 23
باتس GG Gاع االقGG Gرتاع العGG Gام الشGG Gعيب،
منو األح GG Gزاب مربGG Gوط بنم Gّ G Gو الدميقراطيGG Gة ،أي ّ
حيث يبGG Gدو أ ّن ّ
فكلما رأت اجملالس السياسية Gوظائفها واستقالهلا يكGGربان ،شGGعر األعضGGاء باحلاجة إىل واالمتيازات Gالربملانيّةّ G،
احلق يف االقGG Gرتاع GالعGG Gام والتع ّ G Gدد ،دعت
تكتّل تبع G Gاً للتج GG Gانس ،بغية العمل بص GG Gورة مجاعيّGG Gة ،وكلّما انتشر ّ
احلاجة إىل اإلحاطة بالنGG G G G Gاخبني من قبِل جلان قGG G G G Gادرة على التعريف باملر ّشG G G G Gحني ،وعلى توجيه األص GG G Gوات
حنوهم.508
جتمعـات برملانيّة تضGّ Gم النGGواب GالGGذين حيملGGون آراء واحـدة يف سGGبيل ففي إطـار اجملالس النيابيّة نشGGأت ّ
يؤدي إىل تقGارب جلـاهنم االنتخابيّة Gيف القاعGGدة؛ فكGذلك القمة ّ عمل مشرتك ،وهذا التقـارب بني النـواب يف ّ
نشأت أوىل األحزاب السياسيّة.509
وتعترب نشGGأة األحGGزاب داخل اجمللس التشGGريعي الفرنسي سGGنة 1789م أفضل مثGGال على هGGذه الطريقة
يف نشوء األحزاب.510
ثانيا :دور اللّجان االنتخابيّة في نشوء األحزاب
جتمعات يطلق عليها يف معظم األحوال لقد كان من املعتاد أن يتبع ظهور الكتل الربملانيّة ،ظهور ّ
اسم "اللّجان االنتخابيّة".511G
وب GGذلك ف GGإ ّن قي GGام األح GGزاب السياس GGيّة مل يرتكز فقط على الكتل الربملانيّ GGة ،بل اس GGتند إىل اهليئ GGات ،أو
اللّجGGان االنتخابيّة ،)Les Comités électoraux( Gوهي تلك اهليئGGات اليت تتكGّ Gون بقصد تعريف النGGاخبني
باملر ّشGحني ،وتوجيه النGGاخبني حنو مر ّشGح معنّي ،وقد ارتبط ظهGGور هGGذه اهليئGGات بظهGGور مبGGدإ االقGGرتاع GالعGGام
صG G G G Gعب Gوصف اآللية الدقيقة لعمليّة إنشGG G G G Gاء اللّجنة االنتخابيّGG G G G Gة G،وذلك نظ Gً G G Gرا الختالف
وتط Gّ G G Gوره ،ومن ال ّ
دورا مؤثًّرا.512
الظروف احملليّة ،اليت تلعب يف هذا اجملال ً
بكل بلد ختتلف عن األخGGرى، اخلاصة ّ فهناك اختـالف يف تكوين هذه اهليئـات االنتخـابيّة ،أل ّن الطرق ّ
ولكن رغم ذلك ف GGإ ّن ك Gّ Gل تلك الط GGرق تؤ ّكد أ ّن االق GGرتاع الع GGام يعترب العامل األسـاسي يف ظه GGور اهليئ GGات
دورا يف نشوء األحزاب السياسيّة.513G االنتخابيّة ،واليت لعبت ً
508
.Ibid, P. 24
ديفرجيه (موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.148 . 509
510
.DUVERGER (Maurice), op. cit, P. 25
مصطفى (هالة) ،األحـزاب ،مركز الدراسات السياسية واالسرتاتيجية باألهرام ،القاهرة ،د.ط 2000 ،م ،ص.19 . 511
512
.DUVERGER (Maurice), Les Partis Politiques, op. cit, pp. 28-29
كامل (نبيلة عبد احلليم) ،األحزاب السياسية في العالم المعاصر( ،مرجع سابق ،ص.22 . 513
ثالثًا :دور العوامل( الخارجية في نشوء األحزاب(
Gدخل بعض األجهGG Gزة اخلارجيّGG Gة ،كاجلمعيGG Gات الثقافيّGG Gة ،والن GGوادي الش GGعبيّةG،
ويتمثّل ذلك يف تّ G G
والصGG Gحف وغريهGG Gا ،يف تكGG Gوين اللّجGG Gان االنتخابيّGG Gة ،لGG Gذلك فإنّه عنGG Gدما نفGّ G Gرق بني األحGG Gزاب ذات األصل
الربملاين أو االنتخايب وأحGزاب التكGGوين اخلارجي؛ فGGإ ّن تلك التفرقة ليست قاطعGة ،بقGGدر ما هي حماولة لبيGGان
العنصر الغالب يف تكوين احلزب ،وما إذا كان هذا العنصر داخليًا أم خارجيًا.514
ومتنوعة منها على سبيل املثال :النقابات دورا يف نشأة األحزاب كثرية ّ فالكتل واملنظّمات اليت تلعب ً
(وهي أش GG Gهر هGG Gذه العوامGG Gل) ،واليت تGG Gدين هلا كثري من األحGG Gزاب االش GG Gرتاكيّة بوجودها بصGG Gورة مباشGG Gرة،
وك GGذلك املنظّم GGات الطالبيّ GGة G،والتكتّالت Gاجلامعيّة (يف الق GGرن التاسع عشر يف أوروب GGا) ،واجلمعي GGات الفكريّة
يف القرن الثامن عشر ،وكذا اجلمعيات الدينيّة( Gالكنائس والفرق الدينيّGGة) ،GوالسGGيّما يف بلجيكGGا ،ودورها يف
تكوين األحزاب الكاثوليكيّة ،وكذا اجلمعيات السريّة.515
ردها إىل ثالثة عوامل أساسGG Gية ،أو إىل أص GGول ثالثGG Gة، إذن ،فطGG Gرق نشGG Gوء األحGG Gزاب السياسGG Gيّة Gميكن ّ
وهي :األصل االنتخ GGايب (اللّج GGان االنتخابيّ GGة) G،األصل الربملاين (الكتل الربملانيّGG Gة) ،األصل اخلارجي (وهو ما
عدا األصلني السابقني ،كالنقابات وغريها).
وهذه العوامل Gواألصول تتداخل فيما بينهGGا؛ لGذلك يكGGون اعتبGGار األصل حبسب العنصر الغGالب ،كما
كل بلد. أ ّن دور هذه العوامل ،وطرق النشأة ،خيتلف من بلد إىل آخر ،حبسب ظروف ّ
ونقصد هنا مGGدى ارتبGGاط النظGGام الGGدميقراطي بوجGGود األحGGزاب السياسGGيّة G،وهل أ ّن من
مقتضيات الدميقراطية الغربيّة وجود األحزاب السياسيّة.
بداية الب ّ G Gد من التأكيد على أ ّن التع ّدديّة احلزبيّة من السGG Gمات اليت متيّز احليGG Gاة السياس GGيّة Gيف الدميقراطية
الغربيّ GGة ،حىت إنّه قد ارتبط يف األذه GGان أن ال دميقراطية حقيقيّة دون األح GGزاب السياس GGيّة G.وقد ذهب كثري
من الفقهGGاء والسياسGGيني إىل ربط الدميقراطية GبوجGGود التع ّدديّة احلزبيّGGة ،وأ ّن األحGGزاب السياسGGية هي الطريق
املوصل إىل دميقراطية احلكم.516
514
.DUVERGER (Maurice), op. cit, P. 32
515
Ibid, p.32 et suiv
المتيت (أبو يزيد علي) ،النظم السياسية والحريات العامة ،مرجع سابق ،ص.143 . 516
ولكن هGGذا مل مينع من وجGGود رأي خمالف هلذا االجّت اه ،والGGذي يGGرى بGGأ ّGن الدميقراطية Gال تسGGتلزم وجGGود
األحزاب السياسيّة.
سنتعرض –بإذن اهلل تعاىل -إىل هذين االجّت اهني:
وفيما يأيت ّ
الفرع األ ّول :االتّجاه الذي يرى ضرورة التع ّددية الحزبيّة للديمقراطية
تؤدي وظيفتها دون وجود األحGGزاب فالدميقراطية Gالغربيّة –حسب أنصار هذا االجّت اه -ال ميكن أن ّ
السياسيّة.517
فGGاألحزاب السياسGGية Gهي أداة الGGرأي يف الدميقراطية الغربيّة احلديثGGة ،وهي من األركGGان األساسGGيّة لكGّ Gل
دميقراطي GGة ،رغم أ ّن األح GGزاب السياس GGية Gقائمة –على األغلب -خ GGارج النط GGاق الدس GGتوري للدول GGة ،إالّ أهّن ا
واقعة يف نطاق الدميقراطية Gالشامل.518
Gريا عن احلرة ،هن GG Gاك اقتن GG Gاع بض GG Gرورة تع ّ G Gدد األح GG Gزاب ،وذلك تعب ً G G
ففي ظ Gّ G Gل الدميقراطية احلقيقيّة Gأو ّ
التع ّدديّة السياسGG G G G Gية أو اإليديولوجيّGG G G G Gة G،ويف النظم الدميقراطية Gاحل ّد األدىن للتع ّدديّة احلزبيّة يتمثّل يف وج GG G Gود
األقل ،مع وجGود أحGزاب صGغرية هامشGيّة ليس هلا وزن شGعيب حقيقي ،وهو حزبني كبريين أو رئيسني على ّ
النظGGام الس GGائد يف إجنلGGرتا والواليGGات Gاملتح ّ Gدة األمريكيّ GGة ،ويف دول دميقراطية أخGGرى كفرنسا وإيطاليا توجد
متنوع GGة ،فهن GGاك مثالً ثالث Gة أو أربعة أح GGزاب تتمتّع ب GGوزن ش GGعيب حقيقي، أح GGزاب متع ّ Gددة ذات ق Gّ Gوة ش GGعبيّة ّ
وتتنافس فيما بينها للفوز بأصوات الناخبني للوصول إىل السلطة.519
-فالدميقراطية كما يقول "روبرت ميشيل" ( )Robert Michelsاألستاذ جبامعة "تورين" بإيطاليا ،ال
ميكن تص Gّ Gور وجودها دون تنظيم ،واألح GGزاب هي اليت تت GGوىّل التنظيم ،ف GGالتنظيم –كما يق GGول -هو الوس GGيلة
األمة أو الرأي العام.520يسمى بإرادة ّ الوحيدة خللق ما ّ
ويبلغ هذا اجلانب من الفقه يف درجة اعتداده باألحزاب السياسGGيّة ودورها يف الدميقراطية GالغربيّGGة ،إىل
وصف ه GG Gذه الدميقراطية Gالتقليديّة بأهّن ا دولة األح GG Gزاب ،وذلك إلب GG Gراز ال GG Gدور الكبري ال GG Gذي تلعبه األحGG Gزاب
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.233 . 517
PRELOT (Marcel), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., pp. 76-77.- BURDEAU (Georges), Droit 519
رسالن (أنور أمحد) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص.185 . 521
526الجرف (طعيمة) ،نظرية الدولة واألسس العامة للتنظيم السياسي ،مرجع سابق ،ص.256 .
527ال شك أ ّن أصحاب هذا الرأي قد نظروا إىل األحزاب السياسية املوجودة يف بعض النظم االستبدادية والشمولية ،واليت يعترب دور
وتدعم بقاءها.
تصرفات السلطة القائمةّ ،
تربر ّ األحزاب السياسية فيها شكلياً وصورياً ،بل إ ّن تلك األحزاب ّ
رسالن (أنور أمحد) ،املرجع السابق ،ص.108 . 528
رسالن (أنور أمحد) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص.109-108 . 530
536
.Ibid., P. 101
537
.BURDEAU (Georges), Traité de science politique, op.cit., t.1, P. 432 et suiv
538
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 101
.Ibid., p. 102 539
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 294 et suiv 543
مابيلو (ألبري) -ميرل (مارسيل) ،األحزاب السياسية في بريطانيا العظمى ،مرجع سابق ،ص.6-5 .
544فقد يوجد نظام فيه حزبان كبريان ،ولكن ال يستطيع أحدمها احلصول على األغلبيّة ،ومن مثّ تأليف احلكومة مبفرده ،وهو النظام
الذي يطلق عليه اصطالح ( ،)Para-dualisteويف هذه احلالة يتحالف أحد احلزبني مع احلزب اآلخر ،أو مع حزب صغري إلمكان
تأليف احلكومة ،وهذا الوضع قد وجد يف أملانيا الغربيّة (ساب ًقا) ويف بلجيكا .انظر :رسالن (أنور أمحد) ،الديمقراطية بين الفكر
الفردي االشتراكي ،مرجع سابق ،ص.189-188 .
ليبسون (لسلي) ،الحضارة الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.121 . 545
كل من بريطانيا والواليات املتحدة األمريكية؛ حيث يرون أ ّن نظام احلزبني الربيطاين يوصف
مييّز بعض الباحثني بني نظام احلزبني يف ّ
547
الخطيب (نعمان أمحد) ،الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري ،مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيعّ ،
عمان (األردن) ،ط. 550
الخطيب (نعمان أمحد) ،الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص.421 . 554
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.340 . 557
رسالن (أنور أمحد) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص.103-102 .
الطماوي (سليمان حممد) ،النظم السياسية والقانون الدستوري (دراسة مقارنة) ،مرجع سابق ،ص.266 .
561لذلك فقد قُ ّسم نظام "تع ّدد األحزاب" إىل ثالث جمموعات هي-1 :نظام ثالثية األحزاب ( ،)Le tripartismeوجند هلذا النظام تطبيقاً
يف دولتني مها :بلجيكا ولوكسمبورغ؛ -2نظام تع ّدد األحزاب مع وجود حزب أساسي ميثّل العمود الفقري للنظام السياسي (Le
كثريا
ويتصف هذا النظام بوجود عدد كبري من األحزاب لكن أحد هذه األحزاب يتمتّع بقوّة أكرب ً ّ ،)multipartisme avec parti pivot
من كل حزب من األحزاب األخرى ،ويطلق بعض الفقه على هذا احلزب اسم "احلزب املسيطر" ( ،)Parti-dominantوقد وجد هذا
اعتبارا من سنة 1962م؛ -3
الدول األوربيّة مثل :السويد ،النرويج ،الدامنارك ،إيطاليا ،واجلمهورية اخلامسة يف فرنسا ًالنظام يف بعض ّ
عمال ،ومل يوجد إالّ يف ثالث حاالت فقط ،يف فنلندا، نادرا ما يتح ّقق ً
نظام التع ّدد املطلق ( ،)Le multipartisme purوهذا النظام ً
وهولندا ،واجلمهورية الرابعة يف فرنسا ،ففي هذه البالد الثالث يرتفع عدد األحزاب املمثّلة يف الربملان ،ويرتاوح من ستة إىل مثانية
ظل هذه األنظمة ضرورية .انظر :كامل (نبيلة عبد احلليم) ،األحزاب السياسية في العالم المعاصر،
أحزاب ،وتبدو فكرة االئتالف يف ّ
مرجع سابق ،ص 158.وما بعدها.
.DUVERGER (Maurice), Les partis politiques, op. cit., pp.319-320 562
اخّت اذ قرار هام إالّ بعد مشاورات متع ّددة ،بل وشاقة ومملّة يف كثري من األحيان .الطماوي (سليمان حممد) ،النظم السياسية والقانون
الدستوري (دراسة مقارنة) ،مرجع سابق ،ص.267 .
ماكيفر (روبرت) ،تكوين الدولة ،مرجع سابق ،ص - .266 .الطماوي (سليمان حممد) ،املرجع السابق ،ص.267 . 564
566ويرجع سبب جناح هذا النظام يف االحّت اد السويسري ،وإعطائه نتائج ممتازة إىل مجلة من األسباب ،منها ما يتّصف به السويسريون Gمن
يبسط قضايا السياسة اخلارجية،
جديّة واعتدال ،وكون االحّت اد السويسري بلداً ذا مسؤولية Gحمدودة ،فهو يتمتّع بنظام تقليدي يف احلياد ّ ،
ومشاكل الدفاع الوطين ،وقد وصف بعض الباحثني الدميقراطية السويسرية بأهّن ا ختلط العمل اإلداري= =بالعمل السياسي ،أي أ ّن فيها
تتحول السياسة إىل إدارة خالصة؛ ممّا جيعل هذا النظام –يف رأي بعض الباحثني -غري قابل لالنتقال إىل بلد آخر .انظر :هوريو (أندريه)،
ّ
القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.450 .
مصطفى (هالة) ،األحـزاب ،مرجع سابق ،ص.58-57 . 567
ثانيًا :كما يُعترب تعّ Gدد األحGGزاب السياسGGية GالوسGGيلة األساسGGية للمعارضة احلديثGة ،وذلك سGGواء أكGGان
النظGGام السياسي قد اقتصر على حGزبني كبGGريين أم كGGثرت فيه األحGGزاب ،وسGGواء أكGGانت األحGGزاب متجانسة
Gريا على نوعيةG
Gأثريا Gكب ً G G
التك GG Gوين أم غري متجانس GG Gة ،غري أ ّن لع GG Gدد األح GG Gزاب السياس GG Gية ،وجتانس تكوينها ت ً G G
املعارضة.568
ثالثا :وتعترب التع ّدديّة احلزبيّة يف الدميقراطيـة الغربيّة ض GGمانة أساس GGية ضّ G Gد االستبـداد ،وهي من جهة
أخGرى نتيجة طبيعية GملبGGادئ احلريّة واملسGGاواة ،واعتبGGار GاإلنسGGان الفGGرد هو اخلليّة األوىل للمجتمـع ،وأنّه حيمل
يف ذاته قيمة مسGGتقلّة؛ ولGGذلك فGGإ ّن من حGّ Gق احملكـومني املشرتكـني يف رأي أو مذهـب أو مصGGلحة أن يتكتّلGGواG
يف منظّمة واحGGدة للوصGGول إىل احلكـم ،أو للضغـط عليGGه ،وليس من ح ّقهم أن حيرمGGوا غGGريهم من ذلGGك ،إذ
الدميقراطية Gالغربيّة ال تقبل مبدأ احلزب الواحد ،وتعترب ذلك من املمارسات الدكتاتورية.569
رابعا :إ ّن األح GG G G G G Gزاب السياس GG G G G G Gية Gهي حلقة رئيسة بني احلاكمني واحملك GG G G G G Gومني ،أو مهزة وصل بني
الشGG Gعب والس GG Gلطة؛ وذلك ألهّن ا (أي األح GG Gزاب) تت GG Gوىّل تنظيم ال GG Gرأي الع GG Gام ،وبل GG Gورة إرادته على حنو ميكن
يتم يف رحاهبا التق GGاء الشGG Gعب بنواب GGه G،وتت GGاح له فرصة ملناقشة املس GGائل بس GGهولة التعGّ G Gرف على اجّت اه GGه .كما ّ
العامة ،وال خيفي ما يف هذه الصلة من فائدة لتحقيق مصاحل الدولة.570
خامسا :كما أ ّن األحGGزاب السياسGGية جت ّسGد وتنظّم تعّ Gدد األفكGGار وتغGGاير االتّجاهGGات ،وتؤ ّكد حرية
وتنشط احلياة السياسية Gيف داخل الدولة ،واالختالف بني النّاس أمر طبيعي ُجبلوا عليه.571
الفكرّ ،
سادسا( :وتعترب األحGG G G G Gزاب مدرسة لرتبية اجلمGG G G G Gاهري وتنظيمها يف التعبري عن إرادهتا ،فهي م GG G Gدارس
الشGG Gعوب؛ حيث تعمل بوسGG Gائلها على توضGG Gيح مشGG Gاكل الشGG Gعوب وبسط أسبـاهبا واقGG Gرتاح حلوهلا ،وهبذا
مهمة تب GGدو ش GGاقة -أو
تتك Gّ Gون Gل GGدى األف GGراد ثقافة سياس GGية متكنّهم من املش GGاركة يف املس GGائل العام GGة ،وه GGذه ّ
مستحيلة -بغري وجود األحزاب السياسية.572
295 الحلو (ماجد راغب) ،الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية) ،مرجع سابق ،ص. 568
569أبو طالب (عبد اهلادي) ،المرجع في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،دار الكتاب ،الدار البيضـاء ،د .ط1980 ،م،
ص.152 .
الغنوشي (راشد) ،الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص -.248.الطماوي (سليمان حممد) ،النظم السياسية 570
572الطماي (سليمان حممد) ،السلطات الثالث في الدساتير العربية وفي الفكر السياسي اإلسالمي( ،دار الفكر العريب ،مصـر ،ط،6.
1996م ،ص.247.
يتم التGGأطري السياسي واإليGGديولوجي GللنGGاخبني واملرت ّشGحني ،وكGGذا اختيGGار
كما أنّه بواسطة األحزاب ّ
املرتشحني للمناصب االنتخابية G،وتأطري املنتخبني.573 ّ
Gك أكGثر ممّامربرات وجود األحGزاب السياسGية G،وبعض وظائفها وفوائGدها ،وهي بال ش ّ فهذه بعض ّ
كل تلك املربّرات والوظائف Gوالتفصيل فيها. ذكرناه ،ولكن املقام Gال يتّسع لرصد ّ
ومن خالل ما ذُكر س GG Gاب ًقا تتّضح لنا ض GG Gرورة ه GG Gذه األحـزاب ،س GG Gواء على املس GG Gتوى السياسي Gأم
املستـوى االجتمGG G Gاعي ،وأهّن ا ختدم الشGG G Gعب كما ختـدم السلطـة احلاكمـة .وكGّ G G Gل ذلك يتح ّقق إذا روعيت
احلكمة من هGG Gذه األحGG Gزاب ،واحGG Gرتمت فيها الضGG Gوابط ،ومل تكن وسGG Gيلة للش G Gقاق والنـزاع ،أو أداة لت GGربير
األخطاء وإعطاء الشرعية هلا.
573
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiqueS et droit constitutionnel, oP. cit., p. 105 et suiv
574فقد ارتفع البعض بالشكوى Gمن األحزاب باسم الدميقراطية ونادوا بإلغائها ،وكان من هؤالء كتاب معاصرون كثريون منهم :
"ماديسن" ،و"هربرت كرويل" يف كتابه "الدميقراطية التق ّدمية"؛ ويبدو أ ّن مصدر Gهذه الشكوى هو العجز عن إدراك أمهية احلزب كركن
أساسي من أركان الدميقراطية ،وكسبيل هلا لتنظيم الرأي العام .انظر :ماكيفر (روبرت) ،تكوين الدولة ،مرجع سابـق ،ص.264 .
الحلو (ماجد راغب) ،القانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص.99 . 575
الطماوي (سليمان حممد) ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص.259 . 576
كما أ ّن هGGذا االنتقGGاد قد قيل به عند بGGدء التفكري يف نظGGام تعّ Gدد األحGGزاب ،وقد أثبت Gالواقع العملي
أالّ خط GGورة منها على نظ GGام احلكم ،وأ ّن ما حيدث أحيانG Gاً من ع GGدم االس GGتقرار يرجع إىل عي GGوب يف النظ GGام
األمة وعدم نضجها ووعيها.577 السياسي القائم ،ويف تشتّت أفكار ّ
والتجمع الذي تقوم به األحزاب السياسية. ّ والتفرق ،غري التكتّل
وإ ّن االنشقاق ّ
فإحGG Gداث حGG Gزب ال يعين إالّ وسGG Gيلة لبلGG Gورة األفكGG Gار السياسGG Gية والGG Gربامج ،578والسGG Gعي Gهبا لكسب
األنصار ،ومن مثّ القيام بالوظائف املعروفة ،والوصول إىل السلطة لتجسيد تلك األفكار والربامج.
ثانيا :كما عِيب على األحزاب السياسGية Gأهّن ا تص ّ
Gب احليGGاة السياسGية Gيف قGGالب آيل ،وجتعل األنظمة
الدميقراطية Gأنظمة جوفاء ،إذ إ ّن األحزاب جتعل أعضGGاءها خيضGGعون Gآلراء احلزب ،حىت دون أن يقتنعGGوا Gهبا،
أي جGGانب سGGيكون GصGGوته ،وتصGGبح وهكGGذا تنعGGدم حرية النGGائب ،فيGGذهب إىل الربملان وهو يعلم مسGGبقاً يف ّ
جمرد خطب ال طائل من ورائه GGا ،ما دام قد اتّفق س GGلفاً على مصري التص GGويت،579G املناقش GGات داخل الربملان ّ
حمل املناقشـات العلنية اهلادفة يف الربملان G،وه GGذا ما ي GGؤثّر حتل املنـاورات الس GGريّة واالتّفاق GGات اخللفية ّ وهك GGذا ّ
سلباً على الصاحل العام.580
Gحة ،وذلك ما يالحظ فيما ع GG Gانت منه فرنسا وعلى الGّ G G Gرغم ممّا يف هGG G Gذا االنتقGG G Gادات من بعض الصّ G G G
Gريا ،والس GGيّما بعد احلرب العاملية الثانية ،581Gإالّ أنّه البّ G Gد من اإلق GGرار ب GGأ ّGن ن GGاخيب ك Gّ Gل ح GGزب قد ارتض GGوا كث ً G
برن GGامج حGG Gزهبم ،وانتخبGG Gوا Gنوابه على أساسGG Gه ،وتطGG Gبيق برنGG Gامج احلزب يقتضي اتّبGG Gاع Gتنظيم معنّي يل GGتزم به
نواب احلزب ،والسيّما يف مواجهة ممثّلي األحزاب األخرى ،وهذا وضع طبيعي يقتضيه Gمنطق األمور.582
ثالثًا :وهنGG Gاك انتقGG Gادات وعيGG Gوب أخGG Gرى للتع ّدديّة احلزبيّة قGG Gال هبا الرافضGG Gون Gلفكـرة األح GGزاب ،أو
أنص GGار احلزب الواح GGد ،أو الGG Gذين ال يرفضGG Gون فك GGرة األح GGزاب من األسGG Gاس ولكنّهم يس GGعون Gإلص GGالح ما
بن حمودة (بوعالم) ،الممارسة الديمقراطية للسلطة بين النظرية والواقع ،دار ّ
األمة ،اجلزائر ،د .ط ،د .ت ،ص.133 . 578
صور أحد أعضاء جملس العموم الربيطاين هذا الوضع يف أسلوب ساخر ،لكنّه معرّب ،حيث يقول « :لقد مسعت يف جملس
وقد ّ
579
العموم كثرياً من اخلطب اليت غرّي ت رأيي ،ولكنّين مل أمسع خطبة واحدة غرّي ت صويت » فالين ،األحزاب ض ّد الجمهورية ،باريس،
1948م ،ص ،62 .نقالً عن :الطماوي (سليمان حممد) ،السلطات الثالث ،...مرجع سابق ،ص.546 .
الطماوي (سليمان حممد) ،املرجع السابق ،ص.261-260 . 580
رسالن (أنور أمحد) ،الديمقراطية بين الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص.105 .
الطماوي (سليمان حممد) ،املرجع السابق ،ص.261 . 581
الحلو (ماجد راغب) ،القانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص.99 . 582
يكتنفها Gمن عيGG G G G Gوب ،والسGG G G G Gيّما إذا أسGG G G G Gيء اسGG G G G Gتعماهلا أو مل يُفهم دورها احلقيقي G،وميكن تلخيص ه GG G Gذه
االنتقGادات Gيف كGGون أ ّن األحGزاب السياسGGية تقلّص من دور الربملان Gنتيجة سGGيطرة حGزب أو أحGزاب األغلبيّة
Gأي
Gؤدي إىل إض GGعاف دور املواطـن يف االشتـراك يف احلكـم ،والس GGيّما ال GGذين مل يرتبط GGوا ب ّ G املؤتلف GGة G،وأنّها ت ّ G
Gريا ما تسGGعى
حGGزب سياسGGي ،وأ ّن األحGGزاب السياسGGية قد تعمل على تزييف الGGرأي العGGام وتشGGويهه ،وأهّن ا كثً G
إىل اس GGتبعاد غريها من األح GGزاب من خص GGومها السياس GGيني ،إذا وص GGلت إىل احلكم ،فتقّ G Gدم مص GGلحة احلزب
على حسGG G G G Gاب الكفGG G G G Gاءة واخلربة ،وأ ّن احلزب السياسي Gغالبًا ما تسGG G G G Gيطر عليه أقليّة متتلك النف GG G Gوذ ،وأحيانًا
يسيطر عليه فرد واحد.583
Gريا عن هGGذه االنتقGGادات GمجلGGة ،أهّن ا قد تكGGون حقيقة واقعيّ Gة ،ولكنّها ال ترجع إىل وما ميكن قوله أخً G
التع ّدديّة احلزبية يف ذاهتا ،بل إىل سGG G Gوء تطبيقها وعGG G Gدم احGG G Gرتام الضGG G Gوابط واألهGG G Gداف املس G Gطّرة ،وأنّه مهما
وجدت هذه العيوب يف التع ّدديّة احلزبية ،إالّ أهّن ا ال ميكن أن تُقGَ Gارن حبالة سGGيطرة احلزب الواحGGد ،أو عنGGدما
مُي نع الشعب من تنظيم نفسه يف مجاعات للدفاع عن مصاحله ومبادئه ومقوّماته.
ونقصد هنا أهل االجته GGاد والنّظر من مف ّكGGري اإلس GGالم Gوفقهائ GGه ،ال GGذي يعتم GGدون يف آرائهم
واجتهGGاداهتم على نصGGوص GالGGوحي ،وعلى روح الشGGريعة اإلسGGالمية ومقاصGGدها ،وعلى مصGGادرها األخGGرى،
مثل :املصـاحل املرسـلة ،وسـ ّد الذرائـع ،وغريها من املصـادر اليت تنبين يف حقيقتها على الوحـي -كتابًا وسنّة.
ومن الط GGبيعي أن ختتلف االجته GGادات ح GGول ش GGرعيّة التع ّدديّة احلزبيّة يف اإلس GGالم G،كما اختلفت يف
املواضGG G Gيع األخGG G Gرى ،بل إ ّن هGG G Gذا املوضGG G Gوع Gمن املواضGG G Gيع اليت يتأ ّكد فيها االختالف ويك GG Gثر؛ وذلك نظ Gً G Gرا
تقره أو ترفضه. حلداثته ،ولعدم وجود نصوص Gشرعيّة صرحية ّ
توجه GGات أو مواقـف ،نتناوهلا –ب GGإذن نردها إىل ثالثـة ّومن خالل تتبّع ه GGذه االجته GGادات ميكن أن ّ
اهلل تعاىل -فيما يأيت:
األول :موقف القبول المطلق بالتع ّدديّة الحزبيّة
الفرع ّ
الحلو (ماجد راغب) ،القانون الدستوري ،مرجع سابق ،ص.100-99-98 . 583
توجهاته ،وكيفما
أي تيار من التيارات احلزبيّة ،مهما كانت ّ فهذا املوقف يرى أنّه الب ّد من قبول ّ
ك GGان املذهب ال GGذي يعتنقه ويتبنّ GGاه G،أي س GGواء أك GGان يق GGوم على أرض GGية اإلسـالم ،أم على غ GGريه من املذاهبG
الوضعية واإليديولوجيات Gاملعاصرة ،كاألحزاب العلمانية والليربالية Gواالشرتاكية Gوغريها.
وقد ناقش GGنا ه GGذا االتّج GGاه يف مبحث "التع ّدديّة اإليديولوجي GGة"؛ Gول GGذلك فس GGنكتفي Gهنا بتن GGاول بعض
مربرات هذا االجّت اه ،وهي كاآليت: ّ
أوالً :إ ّن من ح ّGق ّ
أي مGGوطن يف دولة مGا ،أن متنح له احلريّة السياسGGيّة ،مهما كGGانت نزعته ،إسGGالمية
أو غري إس GG Gالمية G،وأ ّن الفك GG Gرة القويّة Gهي اليت تثبت ص GG Gالحها ،وتش Gّ G Gق طريقها إىل قل GG Gوب النّGG Gاس ،وأنّه "ال
إكراه يف ال ّدين".584
ولكن ال خيفي ما يف ه GGذا الت GGربير من خط GGورة ،تتمثّل يف ك GGون أ ّن ه GGذه التي GGارات اليت تتن GGاقض مع
األمـة أو ش GGريعتها ،قد تصل إىل احلكـم ولو عن طريق ش GGراء ال GGذمم أو تزييف األصـوات ،أو خGGداع عقي GGدة ّ
اجلم GGاهري ،فيصGG Gبح أتبGG Gاع هGG Gذه التيGG Gارات Gوالة على املسGG Gلمني ،يطبّقGG Gون عليهم غري شGG Gريعتهم ،زاعمني أهّن م
األمGGة ،ويتحّ Gدثون بامسها ،وتلك جمازفة وصGGلوا إىل هGGذه املواقع عن طريق الشGGرعية الدسGGتورية ،وأهّن م نGGواب ّ
األمة ،وهتديد ملستقبل البالد.585 بأمانة احلكم ،وتغرير بالواليات العامة يف ّ
ثانيا :كما أ ّن وج GGود األح GGزاب غري اإلس GGالمية Gيف دولة اإلس GGالم Gال أثر له على ص GGعيد الواق GGع ،طاملا
تعرضت للعزلة واهلامشGG G Gية،
متردت عليه ّ أ ّن مجلة األحGG G Gزاب العلمانية اليGG G Gوم تعلن انتماءها لإلسGG G Gالم ،فGG G Gإذا ّ
Gررا من عملها يف السGّ G Gر ،وحاهلا لن يكGG Gون Gأفضل من حGG Gال حGG Gزب ووجودها على السGG Gطح عندئذ أقGّ G Gل ضً G G
إسالمي أو شيوعي يف إجنلرتا أو أمريكGGا؛ كما أنّه من الناحية النظرية فGGإ ّن منع قيGGام األحGGزاب غري اإلسGGالمية
حمل إمجاع لدى املعاصرين.586 يف دولة اإلسالم Gليس ّ
ولكن رغم ذلك تبقى خط GG Gورة ه GG Gذه األح GG Gزاب قائم GG Gة ،والس GG Gيّما مع تركها تعلن عن أفكاره GG Gا،
وتعمل دعاية لعقائدها ،وال خيفى ما يف ذلك من خطر على أفكار اجلماهري وعقائدهم.
ثالثًا :إنّه طاملا الGGتزمت هGGذه األحGGزاب غري اإلسGGالمية GبأخالقيGGات احلوار ،وأخلصت الGGوالء للدولGGة،
فمن ح ّقها أن تتمتّع حبماية احلقGG G G Gوق ،فص GG G G Gاحب الفك GG G G Gرة مGG G G Gرتوك أم GG G G Gره للمف ّكGG G G Gرين؛ إذ الَ إِ ْك َراهَ فِي
التصور اإلسالمي( ،دار الثقافة الدوحة (قطر) .ط ،1 .ص 1986 .م ،ص .18
ّ الحسن (حممد) ،المذاهب واألفكار المعاصرة في 584
الصاوي (صالح الدين) ،التع ّدديّة السياسية في الدولة اإلسالمية ،مرجع سابق ،ص.109 .
ّ
585
الغنوشي (راشد) ،الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.294-293 . 586
ِّين ،587ومع ّأنهم خيتلف GGون مع املس GGلمني يف الّ G Gدين ،أي يف أسس اجملتمـع وأهداف GGه ،ف GGإ ّن هلم أن ينظّم GGوا
الد ِ
بالشكل الذي يرتضونه ،لضمان استمرارهم ،وال ّدفاع عن وجودهم ،ولكن ليس هلم أن يستهدفوا أنفسهم ّ
تغيري أسس اجملتمع واإلطاحة هبا.588
ولكن ضمـان حقGG G G Gوقهم ،وكفالة حريGG G G Gاهتم يف دولة اإلسـالم ،ال يعين أن يدعُـوا املسGG G Gلمني إىل
عقائGGدهم ويفتنGGوهم عن دينهـم ،وأن يسGGعوا بواسGGطة أحGGزاهبم إىل أن يصGGبحوا والة أمر املسلمـني ،وال خيفى
ما يف ذلك من خطر ،فضالً عن احلظر الشرعي هلذا األمر.
الفرع الثاني :موقف الرفض المطلق للتع ّدديّة الحزبيّة
عمومGGا ،فGGرفض وجودها مطل ًقGGا ،سGGواء أكGGانت
متشد ًدا من ظGGاهرة األحGGزاب ً
وهنGGاك من اخّت ذ موق ًفا ّ
التحزب واحلزبيّة عند هؤالء هتمة وجريرة.
تتبىّن طروحات إسالمية Gأم غريها؛ فأصبح ّ
املربرات العقلية والواقعيGGة،
وقد اسGGتند هGGؤالء يف رأيهم هGGذا إىل بعض النصGGوص الشGGرعية ومجلة من ّ
واعتربوها Gدليالً على حظر تواجد األحزاب يف دولة اإلسالم.
سنتطرق –بإذن اهلل تعالى -إىل بعض هذه األدلّة واحلجج اليت اعتمد عليها هذا الفريق: ّ وفيما يأيت
أوالً :من القرآن الكريم
لقد اعتمد ه GGذا الفريق على بعض اآلي GGات القرآني GGة ،لالس GGتدالل هبا على النهي Gعن التح Gّ Gزب،
ونذكر منها:
-1قوله: إِ َّن الَّ ِذينَ فَ َّرقُ وا ِدينَهُ ْم َو َك انُوا ِش يَعًا لَّ ْس تَ ِم ْنهُ ْم فِي َش ْي ٍء إِنَّ َما أَ ْم ُرهُمْ إِلَى هَّللا ِ ثُ َّم
يُنَبِّئُهُ ْم بِ َما َكانُوا يَ ْف َعلُونَ .589
-2وقولهُ : منِيبِينَ إِلَ ْي ِه َواتَّقُوهُ َوأَقِي ُموا ال َّ
صالَةَ َوالَ تَ ُكونُوا ِمنَ ْال ُم ْش ِر ِكينَ ِمنَ الَّ ِذينَ فَ َّرقُوا
ب بِ َما لَ َد ْي ِه ْم فَ ِرحُونَ .590 ِدينَهُ ْم َو َكانُوا ِشيَعًا ُكلُّ ِح ْز ٍ
-3وقولهَ : وا ْعتَ ِ
ص ُموا بِ َح ْب ِل هَّللا ِ َج ِميعًا َوالَ تَفَ َّرقُوا.591
ابن تيميGGة ،شGGيخ اإلسGGالم ،ولد يف حGGران عGGام 661هـ 1263 -م ،ورحل إىل كGّ Gل من دمشق ومصGGر ،واعتقل يف كGّ Gل منهمGGا ،وكGGان كثري
البحث يف فن GG Gون احلكم GG Gة ،وداعية إص GG Gالح يف ال GG Gدين ،وهو آية يف التفسري واألص GG Gول ،من مص G Gنّفاته" :الفت GG Gاوى" " ،السياسة الش GG Gرعيّة"،
"منهاج السنة" ،وغريها ،وقد تويف معتقالً بقلعة دمشق ،عام 728هـ 1328 -م .الزركلي (خري الدين) ،األعالم ،جـ ،1 .ص.144 .
ابن تيميّة (أمحد) ،مجموع( الفتاوي ،مجع وترتيب :عبد الرمحن بن حممد بن قاسم العاصمـي النجدي احلنبلي ،دون معلومات 2
.98 عمارة (أمحد) ،اإلسالم وحقوق اإلنسان –ضرورات ..الحقوق ،-دار الشـروق ،القاهرة –بريوت ،ط 1409 ،1 .هـ ،ص. 5596
597
ثانيا :من السنّة النبوية الشريفة
استدل هذا الفريق الرافض لفكرة األحزاب ببعض األحاديث النبويّة Gالشريفة ،نورد منها:
ّ وقد
-1قوله «: من خ رج عن الطاعة وف ارق الجماعة فم ات ،مات ميتة الجاهلي ة ،ومن قاتل
تحت راية عمي ة ،يغضب لعص بيّة ،أو ي دعو إلى عص بيّة ،أو ينصر عص بيّة ،فقُت ل ،فقتله
جاهليّة.598»
-2وقوله يف احلديث الGG Gذي رواه ابن عبGG Gاس –رضي اهلل عنهمGG Gا « : -من رأى من أميره ش يئًا
فكرهه فليصبر ،فإنّه ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا إالّ مات ميتة جاهليّة.599»
Gيب واليت ّ
حتث على الGG G G G Gتزام اجلماعة ونبذ العص GG G Gبيّة، فهGG G G G Gذه بعض األحGG G G G Gاديث الGG G G G Gواردة عن النّ G G G G G
واألحزاب السياسية Gتقوم على أساس العصبيّة Gومفارقة اجلماعة ،لذلك ورد النهي Gعنها ،ويف هذا يقول ابن
Gاحلق والباطGG G Gل،
ص G G Gب Gملن دخل يف حGG G G Gزهبم ب ّ G G G
تيميGG G Gة « :وإن ك GG G Gانوا قد زادوا يف ذلك ونقصGG G G Gوا Gمثل التع ّ
ذمه اهلل تعGاىل عمن مل يGدخل يف حGزهبم ،سGواء كGان على احلق والباطGل ،فهGذا من التف ّGرق الGذي ّ واإلعGراض ّ
ورسوله.600»
Gرد على هGG Gذا االسGG Gتدالل ب GG Gأ ّGن تلك األح GG Gاديث غاية ما فيها األمر بل GG Gزوم اجلماعGG Gة ،والنهي Gعن ويُ ّ G G
وذم العصبيّة ،وحترمي الدعوة إليها والقتال عليها ،واألحزاب السياسية اإلسالمية هتدف إىل حتقيق مفارقتهاّ ،
معGG Gاين اجلماعGG Gة ،ومقاومة الفرقة واالختالف ،وحماربة العصGG Gبيّة ،وتعميق معGG Gاين األخGّ G Gوة بني املسGG Gلمني،601
والس GGيّما إذا اح GGرتمت ه GGذه األح GGزاب الغاية من وجوده GGا ،واحلكمة من نش GGوئها ،واح GGرتم ك Gّ Gل حGGزب رأي
خمالفيه.
ثالثا :من المعقول
ً
وقد اعتمد ه GGذا الفريق ك GGذلك ،على بعض األدلّة العقليّة للت GGدليل على ع GGدم ج GGواز األح GGزاب
السياسية يف دولة اإلسالم ،ومن هذه األدلّة نذكر ما يأيت:
رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب اإلمارة ،باب "وجوب مالزمة مجاعة املسلمني عند ظهور Gالفنت ويف ّ
كل حال وحترمي اخلروج على 598
600ابن تيميّة (أمحد) ،مجموع الفتاوي ،مرجع سابق ،اجمللّد ،11ص.92 .
العوضي (أمحد) ،حكم المعارضة وإقامة األحزاب السياسية في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.37 . 601
نابعا منّا
-1إ ّن التعّ G Gدد احلزيب مب GGدأ مس GGتورد من الدميقراطية Gالغربيّ GGة ،وليس مب GGدأ إس GGالميًا Gأص GGيالً ً
وصادرا عنّا ،وقد هُن ينا أن نتشبّه بغرينا ونفقد ذاتيتنا.602 ً
وحّ G G Gذرنا منه هو التقليد األعمى ،والس GG Gيّما ما يتعلّق Gرد على هGG G Gذا بGG G Gأ ّGن التقليد الGG G Gذي هُن ينا عنه ُ
ويُّ G G G
بالتشGGبّه املمنGGوع بغري املسGGلمني ،ممّا يعترب من عالمGGات متيّGGزهم الGGديينّ ،أما االقتبGGاس منهم فيما عGGدا ذلGGك ،ممّا
هو من شؤون احليGاة املتط ّGورة G،فال حGرج فيGه ،وال جنGاح على فعلGه ،واحلكمة ضGالّة املؤمن أىّن وجGدها فهو
أحق النّاس هبا.603
ّ
Gتخدما فقط بGGاملعىن السGGليب كما أ ّن مصGGطلح "احلزب" ليس غريبًا عن الGGرتاث اإلسGGالمي ،وليس مسً G
املذموم –كما ذهب البعض ،G-بل لقد اسGG G G G Gتُعمل بGG G G G Gاملعىن اإلجيايب املمGG G G G Gدوح ،إذ إ ّن معيGG G G G Gار التميGG G G Gيز ليس
املصطلح؛ وإمّن ا املعيار هو املضمون Gواملقاصد ،والغايات اليت يسعى إليها هذا احلزب أو ذاك.604
-2ومن الش GGبهات املث GGارة Gح GGول التع ّدديّة احلزبيّة ك GGذلك ،أهّن ا تق ّسG Gم والء الف GGرد بني حزبه ال GGذي
ينتمي إليه ،ودولته اليت بايعها على السمع والطاعة والنّصرة Gواملعونة ،605Gوأ ّن اإلسالم يأىب أن يتحGّ Gزب أهل
املشورة ،ويكونوا Gمع أحزاهبم سواء أكانت على حGّ Gق أو على باطGGل ،بل الGGواجب على املسلـم أن يGGدور مع
احلق أينما كان ،وافق ذلك حزبه أو خالفه.606 ّ
Gرد على هGGذا أنّه ال أحد يقGّ Gر بGGأ ّGن على الفGGرد أن يؤيّد رأي حزبه يف كGّ Gل شGGيء ،ويعGGارض الدولة ويُّ G
يف كGّ Gل شGGيء ،وأيض Gاً فGGإ ّن والء الشGGخص للحGGزب ال ينGGايف انتمGGاءه للدولة ووالئه هلا ،607وأ ّن والء املسGGلم
األصGGلي واحلقيقي ،إمّن ا هو هلل ولرسGGوله وجلماعة املؤمGGنني ،حيث يقGGول: إِنَّ َما َولِيُّ ُك ُم هَّللا ُ َو َرسُولُهُ َوالَّ ِذينَ
صاَل ةَ وي ُْؤتونَ ال َّز َكاةَ َوهُ ْم َرا ِكعُونَ .608
آ َمنُوا الَّ ِذينَ يُقِي ُمونَ ال َّ
القرضاوي (يوسف) ،من فقه الدولة في اإلسالم ،دار الشروق ،القاهرة-بريوت ،ط1419 ،2.هـ1999-م ص.154 . 602
عمارة (أمحد) ،هل اإلسالم هو الحل؟ لماذا وكيف؟ ،مرجع سابق ،ص.87-86 . 604
606المودودي (أبو األعلى) ،نظرية اإلسالم السياسية ،ترمجة :جليل حسن اإلصالحي ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،د.م،
د.ط 1389 ،هـ 1969 -م ،ص.61-60 .
6 607القرضاوي (يوسف) ،املرجع السابق ،ص.156 .
608سورة املائدة ،اآلية55 :
ردودا عليهGGا،
فهGGذه بعض أدلّة الرافضني–بGGإطالق -لفكGGرة األحGGزاب والتع ّدديّة احلزبيّGGة ،وقد أوردنا ً
صG Gي املسGG Gألة Gمن مجيع جوانبهGG Gا؛ وقد تGG Gبنّي لنا أ ّن أدلّة هGG Gؤالء ال تGG Gرقى للصGG Gمود أمGG Gام االعرتاض GGات اليت
لتق ّ
وردت على رأيهم ذاك.
ولدراسة هGGذه املسGGألة GأكGGثر ،واإلحاطة هبا من ع ّ Gدة جGGوانب ،الب ّ Gد من التعGّ Gرض إىل املوقف اآليت،
والذي يعترب وسطًا بني االجّت اهني السابقني:
الفرع الثالث :الموقف المشروط لقبول التع ّدديّة الحزبيّة
فه GG Gذا االجّت اه ي GG Gرى القب GG Gول بالتع ّدديّة احلزبيّ GG Gة ،ولكن يقيّد ه GG Gذه التع ّدديّة بعGG Gدم اخلروج عن
املقوم GGات األساس GGية Gللمجتم GGع ،كما حّ G Gددهتا نص GGوص الق GGرآن والس GGنّة؛ حيث ال جيوز مثالً الس GGماح بقي GGام ّ
حGGزب علمGGاين خيلّي مسGGؤولية السGGلطة احلاكمة عن مسGGؤولية رعاية الGGدين ،وال يسGGمح بقيGGام حGGزب ينGGادي
609
أي حGزب يف دولة مببGادئ ختالف األحكGام القطعية يف الكتGاب والسGنّة ،أي أ ّن هGذا االجّت اه يشGرتط لقيGام ّ
يسمى « التع ّدديّة يف الدائرة اإلسالمية.610» اإلسالم أن يكون Gمقيّداً بإطار الشرع ،وهو ما ّ
إذن ،فحسب ه GGذا ال GGرأي ،ف GGإ ّن اإلسـالم يق Gّ Gر فقط وج GGود األح GGزاب اإلسـالمية ،وإن تعـ ّددت ،ما
دامت قائمة وفق ما جGG G G Gاءت به الشGG G G Gريعة ،حىت مع اختالف اآلراء الفقهية والشGG G G Gرعية اليت تتبنّاها GوتGG G Gدعو
يظن البعض.611G
يؤدي إىل ضرر كما قد ّ إليها ،وأ ّن تع ّدد األحزاب لن ّ
أبو طالب (صفي)" ،التعددية الحزبيّة في الفكر اإلسالمي(" ،جملة "المنار" ،العدد ،6 :سنة 1999م ص.13 . 609
U
R
L
.
w
w
w
.
a
l
m
a
n
a
r
.
n
e
t
/
I
s
s
u
e
s
/
0
6
/
I
n
d
e
x
.
h
t
m
.
الميالد (زكي) ،الوحدة والتع ّدديّة والحوار في الخطاب اإلسالمي المعاصر( ،مرجع سابق ،ص.78 . 2610
مفتي (حممد أمحد) ،أركان وضمانات الحكم اإلسالمي ،مرجع سابق ،ص.193 . 611
وقد استند هذا الفريق يف رأيهم هذا إىل مجلة من األدلّة ،نورد بعضها فيما يأيت:
أوالً :من القرآن الكريم
استدل هذا الفريق ببعض اآليات القرآنية لتأييد اجّت اههم هذا ،وإن كانت تلك اآليات ال ّ فقد
حتث على بعض ما هتدف إليه األح GGزاب
تشري صGG Gراحة إىل إقGG Gرار التع ّدديّة احلزبيّGG Gة ،ولكن قد فُهم منها أهّن ا ّ
السياسية ،اليت تتّخذ من اإلسالم Gمرجعية هلا ،ومن هذه اآليات:
اإلث ِم َو ْال ُع ْد َوا ِن.612 -1قولهَ : وتَ َعا َونُوا َعلَى ْالبِرِّ َوالتَّ ْق َوى َوالَ تَ َع َ
اونُوا َعلَى ْ
حتث املؤم GG Gنني على التع GG Gاون Gعلى فعل اخلري وعلى التق GG Gوى ،واجتم GG Gاع النّGG Gاس يف تنظيم
فه GG Gذه اآلية ّ
معنّي على هGGذا األسGGاس يGGدخل يف هGGذا اإلطGGار ،لGGذلك ال جيوز منعهم من ذلGGك ،بل إ ّن منعهم يعترب عGGدوانًا
وإمثًا.
-2وقولهَ :و ْلتَ ُك ْن ِّم ْن ُك ْم أُ َّمةٌ يَ ْد ُعونَ إِلَى ْالخَ ْي ِر َوي أْ ُمرُونَ بِ ْال َم ْعر ِ
ُوف َويَ ْنهَ وْ نَ ع َِن
ْال ُم ْن َك ِر.613
األمة املسGGلمة أن تتشّ Gكل منها مجاعة تباشر الدعـوة إىل األمر فالشGGارع احلكيـم يف هGGذه اآلية قد أمر ّ
باملعروف والنهي Gعن املنكر ،واألمر يف اآلية للوجوب واإللزام.614
وقوهتا وأثـرها يف عصGGرنا،
ولكي يكGGون هلذه الفريضـة (األمر بGGاملعروف والنهي Gعن املنكGGر) معنـاها ّ
فالبّ G Gد من تطGّ G Gور صGG Gورهتا وأن ال تظGّ G Gل فرديGG Gة ،وتكGG Gوين األحGG Gزاب السياسGG Gية GأصGG Gبح وس GGيلة الزمة ملقاومة
الطغيان ،وهي اليت تستطيع حماسبة احلكومة ،والقيام Gبواجب النصGGيحة واألمر بGGاملعروف والنهي عن املنكGGر،
يتم الواجب إالّ به فهو واجب.615 وماال ّ
العوضي (أمحد) ،حكم المعارضة وإقامة األحزاب السياسية في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.76-75 . 614
القرضاوي (يوسف) ،من فقه الدولة في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.149 . 615
ثانيا :من السنّة النبويّة Gالشريفة
تعت((بر األح((اديث ال((تي ت((أمر المس((لمين بالنص((يحة ،والقي((ام ب((واجب األمـر( بالمعـروف والنهي عن
المنك((ر ،والتع((اون على فعل الخ((ير ،هي مجمل األح((اديث ال((تي اس((تند إليها ه((ذا الفريق( للق((ول ب((رأيهم
نتطرق -بإذن اللّه تعالى -إلى( بعض هذه األح((اديث وما تفي((ده من مع((ان متعلّقة به(ذا( ذاك .وفيما يأتي ّ
الموضوع:
-1من ه GGذه األح GGاديث ن GGذكر قوله «: ال ّدين النصيحة ،قلنا :لمن؟ ،قال :هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة
المسلمين وعا ّمتهم.616»
ومن املعلوم أ ّن من أدوار األحGزاب اإلسGالمية Gداخل اجملتمع اإلسGالمي G،هو القيGام Gمبا يس ّGميه اإلسGالم
"النصيحة".617
وعن جGGابر بن عبد اهلل قGGال « :بايعت رسول هللا على إقام الصالة وإيتاء الزكاة والنصح لك ّل
مسلم.618»
ألئمة املسلمني إعانتهم على ما محّلوا القيام بGGه ،وتنGGبيههم
وورد يف شرح هذا احلديث « :والنصيحة ّ
عند الغفلة ،وس ّد خلّتهم عند اهلفوة ( )...ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم باليت هي أحسن.619»
Gؤدي دوره على األمة هبذا الGGواجب الGGذي أُمGGرت به شً G
Gرعا ،ولكي تGGؤتى GمثرتGGه ،ويّ G إذن ،فلكي تقGGوم ّ
جتمعات وتكتّالت( Gاألحزاب) حىت تكون Gله ّقوته. أكمل وجه ،فالب ّد من تنظيم هذا العمل يف شكل ّ
616رواه مسلم (ابن احلجاج) يف صحيحه ،كتاب اإلميان ،باب "بيان أن ال ّدين النّصيحة" ،رقم احلديث ،95 :دار إحياء الرتاث العريب،
بريوت ،د.ط ،د.ت ،جـ ،1 .ص.74 .
مفتي (حممد أمحد) ،أركان وضمانات الحكم اإلسالمي ،مرجع سابق ،ص.195 . 617
618رواه مسلم (ابن احلجاج) يف صحيحه ،كتاب اإلميان ،باب "بيان أن ال ّدين النّصيحة" ،رقم احلديث ،97 :جـ ،1 .ص.75 .
Gيب «: ال ّ Gدين النصGGيحة هلل ولرسGGوله
العس((قالني (ابن حجGGر) ،فتح الب((اري ش((رح ص((حيح البخ((اري ،كتGGاب اإلميان ،بGGاب قGGول النّ G
619
Gامتهم ،» وقوله « : إذا نصGحوا هلل ورسGوله » GحتقيGق :عبد العزيز بن عبد اهلل بن بGاز ،دار املعرفGة ،بGريوت ،د .ط،
وألئمة املسGلمني وع ّ
ّ
د.ت ،جـ ،1 .ص.138 .
-2ويقول الرسول «: ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون ،فمن عرف برئ ،ومن أنكر سلم،
ولكن من رضي وتابع ،قالوا :أفال نقاتلهم؟ ،قال :ال ما صلّوا.620»
ضا « : كالّ وهللا ،لتأمرن بالمعروف ،و لتنهون عن المنكر ،ولتأخذن على يد الظالم،ويقول أي ً
ق قص ًرا ،أو ليضربن هللا بقلوب بعضكم على بعض،ق أط ًرا ،ولتقصرنه على الح ّولتأطرنه على الح ّ
ث ّم ليلعنكم كما لعنهم.621»
وكما أس GGلفنا ال GGذكر ،ف GGإ ّن إقامة ه GGذا ال GGواجب على وجهه يقتضي قي GGام تكتّالت ش GGعبية Gتت GGوىّل ه GGذه
احلق ،ال GGداعني
تسلط أص GGحاب الس GGلطان واس GGتطالتهم على الث GGابتني على ّ املهمّ Gة ،الس GGيّما وقد أثبت الت GGاريخ ّ
إلي GGه؛ ل GGذلك ف GGإ ّن املعارضة الفرديّة ال ت GGؤيت كبري النفع –والس GGيّما يف عص GGرنا ه GGذا -أم GGام ج GGربوت الطغ GGاة،
أثرا ،وأجدى يف باب التغيري حيث انتهت Gالتجارب السياسية املعاصرة إىل أ ّن األحزاب أكثر فاعليّة وأعمق ً
واستصGGالح األحGGوال من املعارضGGات الفردية املتنGGاثرة ،والسGGيّما وأ ّن املتأمّGل يف أحGGاديث احِل سGGبة ،جيد صGGيغة
تتوجه إىل اجملموع ال إىل اآلحاد.622 اخلطاب فيها ّ
كما أ ّن االقتصGG G G Gار على "املعارضة الفرديGG G G Gة" يف جمتمعGG G G Gات كمجتمعاتنا احلديثGG G G Gة ،اليت بلغت يف تع ّقد
األم GG Gور ه GG Gذا ال GG Gذي بلغت؛ إمّن ا جيعل ه GG Gذه املعارضة ص GG Gيحة يف واد ونفخة يف رم GG Gاد ،وذلك أل ّن ش GG Gؤون
مؤسس GG Gات ق GG Gادرة على جعل اجملتمع GG Gات احلديثة قد بلغت من التشعّب والتعقيد إىل احل ّد ال GG Gذي تتطلّب فيه ّ
القرار أقرب ما يكون Gإىل الصواب.623
واملربرات العقليّة ،وغريهاثالثا:األدلّة ّ
Gتدل هGG Gذا الفريق جبملة من األدلّGG Gة ،ميكن تص GG Gنيف بعضGG Gها يف إطGG Gار "األدلّة العقليّGG Gة"،
كما اسّ G G
املربرات األخ GGرى للقب GGول بالتع ّدديّة احلزبيّ GGة ،وفيما ي GGأيت ن GGذكر بعض ه GGذهواعتم GGدوا ك GGذلك على مجلة من ّ
واملربراتG:
األدلّة ّ
620رواه مسلم (ابن احلجاج) يف صحيحه ،كتاب اإلمارة ،باب "وجوب اإلنكار على األمراء فيما خيالف الشرع ،وترك قتاهلـم ما
صلّوا ،وحنو ذلك" ،رقم احلديث ،1854 :دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت ،د.ط ،د.ت ،جـ ،3 .ص.1480 .
621رواه الترمذي (حممد بن عيسى) ،سنن الترمذي ،كتاب الفنت ،باب ما جاء يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر ،رقم احلديث
،2174دار إحياء الرتاث العريب ،بريوت ،د.ط 1415 ،هـ 1995 -م ،جـ ،4 .ص -.468 .ورواه أحمد بن حنبل يف مسنده ،مسند
حذيفة ،دار الفكر ،د.ط ،د.ت ،جـ ،5ص - .388 .وقد أورده األلبـاني (حممد ناصر الدين) يف ضعيـف أبي داود ،كتاب املالحـم،
باب األمـر والنهي ،رقم احلديث ،4336 :من حديث ابن مسعود ،مكتبة املعـارف ،الريـاض ،ط1419 ،1 .هـ 1998-م ،ص.354-353 .
الصاوي (صالح) ،التع ّدديّة( السياسية في الدولة اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.83 .
ّ
622
عمارة (حممد) ،اإلسالم وحقوق اإلنسان- ،ضرورات ..ال حقوق ،-مرجع سابق ،ص.96 . 623
-1إ ّن تعّ Gدد األحGزاب يف السياسة كتعّ Gدد املذاهب يف الفقGه؛ وذلك أل ّن املذهب Gالفقهي هو مدرسة
فكرية ،هلا أصGGوهلا اخلاصة يف مفهGGوم الشGGريعة ،واالسGGتنباط من أدلّتها التفصGGيلية Gيف ضGGوئها ،وأتبGGاع املذاهب
هم يف األصل تالميذ يف هGGذه املدرسGGة ،وهGGذا ما يكGّ Gون ما يشGGبه احلزب الفكGGري ،الGGذي التقى أصGحابه على
هGG Gذه األصGG Gول ،ومثل ذلك احلزب ،فهو مGG Gذهب يف السياسGG Gة ،له فلسGG Gفته وأصGG Gوله ومناهجه املسGG Gتم ّدة من
الرحب ،وأعضاء احلزب أشبه بأتباع Gاملذهب الفقهي G،وهلذا ميكن القول إ ّن األحزاب هي مGGذاهب اإلسالم ّ
يف السياس GG Gة ،كما أ ّن املذاهب هي أح GG Gزاب يف الفقه ،624وما دام قد أُق Gّ G Gر التع ّ G Gدد يف املذاهب Gالفقهية وهي
تتعلّق باألمور الدينيّة ،فإ ّن قبوله يف األحزاب أوىل ،وهي اجتهادات يف كيفية تنظيم األمور الدنيويةG.
-2كما أنّه ال يوجد م GGانع ش GGرعي من وج GGود أك GGثر من حـزب سياسي داخل دولة اإلسـالم ،إذ املنع
625
نص
نص هنا مينع قيGGام التع ّدديّة احلـزبية يف اجملتمـع اإلسGGالمي ،فعGGدم ورود ّ نص ،وال ّ الشGGرعي حيتGGاج إىل ّ
يف ه GGذا اجملال ال يقتضي Gع GGدم اجلواز ،بل إ ّن س GGكوت النص GGوص Gتعين إباحة املس GGكوت Gعن GGه ،ما مل يكن من
Gتقل العقل بإدراكها (كالعب GG Gادات) ،فعندئذ يك GG Gون Gس GG Gكوت النص GG Gوص Gدليالً على عGG Gدم األمGG Gور اليت ال يس ّ G G
Gحة
Gتقل العقل بGإدراك وجه الص ّ مشGروعيتها ،وبGديهي أ ّن مسGألة التع ّدديّة السياسGية Gليست من نGوع ما ال يس ّ
في GGه ،وليست من نGG Gوع العبGG Gادات والك ّفGG Gارات Gواملق ّ G Gدرات وما جGG Gرى جمراها ،حىت يكGG Gون Gالوق GGوف عند ما
ص Gّ Gرحت به النّص GGوص Gهو ال GGواجب فيه GGا ،بل هي من مس GGائل املص GGاحل املتغرّي ة G،اليت مب GGدؤها ومغزاها إىل ما
يقرره العقل البشري.626 ّ
ويف هGGذا يقGGول "ابن قيّم اجلوزيGGة" «:فقGGال شGGافعي :ال سياسة إالّ ما وافق الشGGرع ،فقGGال ابن عقيGGل:
ص Gالح وأبعد عن الفس GGاد ،وإن مل يض GGعه الرس GGول وال السياسة ما ك GGان فعالً يك GGون معه النّ GGاس أق GGرب إىل ال ّ
نGGزل به وحي ،فGGإن أردت بقولGGك" :إالّ ما وافق الشGGرع" ،أي مل خيالف ما نطق به الشGGرع ،فصGGحيح ،وإن
أردت ال سياسة إالّ ما نطق به الشرع ،فغلط وتغليط للصحابة.627»
القرضاوي (يوسف) ،من فقه الدولة في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.153-151 . 624
626العوا (حممد سليم)" ،التعددية( من منظور إسالمي" ،مقال مبجـلّة "منـبر الحـوار" ،بريوت ،العدد ،20 :السنة السادسة 1411 ،هـ-
1991م ،ص.135 .
627ابن قيّم الجوزية (أبو عبد اهلل حممد بن أيب بكر) ،الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ،مراجعة وتصحيح :أمحد عبد احلليم
العسكري ،املؤسسة العربيّة للطباعة والنشر ،القاهرة ،د.ط 1380 ،هـ 1961-م ،ص.15 .
نقرر بأ ّن الضابط يف استحداث األمور الدنيوية G،والسGيّما املتعلّقة ومن خالل هذا القول ،نستطيع أن ّ
منها بالسياس GGة ،هو ع GGدم خمالفتها ملا نطق به الش GGرع ،وال يش GGرتط لش GGرعيّتها Gأن تك GGون ممّا نطق به الش GGرع،
واألحزاب السياسية Gتدخل يف هذا اإلطار.
-3كما أ ّن املصGGلحة الشGGرعية تقتضي GوجGGود التع ّدديّة احلزبيّGGة ،وهGGذا ما مينح هلذه األخGGرية املشGGروعية
اإلسGG Gالمية ،إذ إ ّن من مقاصد الش GG Gريعة اإلس GG Gالمية Gالع GG Gدل ،وقد غ GG Gدا من املعل GG Gوم أ ّن حتقيق هGG Gذا العGG Gدل يف
األمة ف GGرصالسياسة أو يف االقتص GGاد ،أص GGبح صGG Gعب املنGG Gال إذا مل تُتح ألص GGحاب املصGG Gلحة فيه من مجه GGور ّ
االنتظام والتنظيم يف مجاعات وأحزاب ،تسعى عرب الطرق املتميّزة إىل حتقيق العدل املنشود.628
حجة للقGG Gائلني بGG Gأ ّGن عGG Gدم معرفة اإلسGG Gالم Gللتع ّدديّة احلزبيّة خالل تارخيه الطوي GGل ،يعترب -4كما أنّه ال ّ
حجة شGرعية ،فGإ ّن هGذا غري دليالً على عدم شرعيتها؛ وذلك ألنّه فضGالً عن كGGون ال ّسGوابق التارخيية ليست ّ
صGG Gحيح « أل ّن تGG Gاريخ اإلسGG Gالم قد عGG Gرف فِرقًا سياسGG Gية ِعّ G Gدة ،كGG Gاخلوارج والشGG Gيعة GواملعتزلGG Gة G،وكGّ G Gل فرقة
إهنم بتحGّ Gزهبم قد خرجGGوا عن اإلسGGالم أو خGGالفوه ،بل إ ّن صGGدر خGGرجت منها فِGGرق متع ّ Gددة ،ومل يقل أحد ّ
صG Gحيح اإلس GGالم Gقد اتّسع لعش GGرات املذاهب Gالعقيدية واملدارس الفقهي GGة ،ومل يك ّفر أحد -من أهل العلم ال ّ
– أحGً G G G G G G G G G G Gدا ملخالفته يف املذهب GالعقيGG G G G G G G G G G Gدي أو الفقهي ،فكيف ال يتّسع صGG G G G G G G G G G Gدر اإلسGG G G G G G G Gالم الختالف
سياسGGي؟ ،629» ! أي أ ّن ظGGاهرة التع ّدديّة يف األحGGزاب موجGGودة يف أوائل تGGاريخ اإلسGGالم ،630Gوقد ج ّس Gدته
رق إىل صورة احلزب السياسي املوجود يف عصرنا احلايل. الفرق املختلفة يف خمتلف اجملاالت ،وإن مل تَ َ تلك ِ
عمارة (حممد) ،اإلسالم وحقوق اإلنسان ،...مرجع سابق ،ص.106 . 628
العوا (حممد سليم)" ،التع ّدديّة من منظور إسالمي" ،مقال مبجلّة "منبر الحوار" ،بريوت ،العدد ،20السنة السادسة 1411هـ- 629
فيها يف أعقاب الفتنة الكربى بعد مقتل اخلليفة عثمان،وعدم اعرتاف أحزاب األقليّة (الشيعة واخلوارج) بنظام احلكم الذي أقامه أهل
األمة لدرجة مسّي العام الذي قام فيه (41هـ) بعام اجلماعة ،وناصبته العداء عالنية ،األمر الذي
بدءا من عهد معاوية ،وتراضت عنه ّ السنّة ً
فعالة تسمح بتداول السلطة سلماً دفع السلطة احلاكمة إىل اعتبارهم بغاة يستح ّقون العقاب ،بل والقتال ،وعدم وجود آليات وأدوات ّ
بني األحزاب احلاكمة واملعارضة ،وازداد األمر صعوبة بعد تقرير مبدإ توارث احلكم ،مع بقاء سلطـات اخلليفة الواسعة ،وكان من
جزءا من نظام احلكـم ،وال يسمحون بتداول السلطة معهم ،وميكن يف أخطر نتائج هذا الوضع أ ّن احل ّكام كانوا ال يعتربون املعارضـة ً
فعالة ،وهو ما جلأت إليه بعض البالد اإلسالمية اآلن .أبو طالب (صفي)" ،التع ّدديّة( الحزبيّة
العصر احلديث تنظيم هذا املوضوع بصورة ّ
في الفكـر اإلسالمي(" ،مقال يف جملّة " المنـار" ،العدد ،6 :سنة 1999م ،ص.U.R.L.www.almanar.net/Issues/06/Index.htm 13 .
و كGGانت هGGذه املذاهب السياسGية اإلسGGالمية GتGGدور كلّها حGGول اخلالفGGة؛ فقد كGGان اخلالف حوهلا سGGببًا
الفرق واألحزاب.631 يف تكوين خمتلف ِ
بل لقد ذهب بعضGGهم إىل ح ّ Gد اعتبGGار تلك الفGGرق واملذاهب أحزاب Gاً حقيقية بGGاملعىن السياسي املتGGداول
جمرد مGGدارس فكريGGة، "حممد ضGGياء ال ّ Gدين الGّ Gريس" إىل أ ّن « الفGGرق اإلسGGالمية مل تكن ّ حالي Gاً ،حيث يGGذهب ّ
تصل إىل تك GGوين اآلراء مثّ تكتفي بإب GGدائها أو ت GGدوينها ،لكنّها ك GGانت أحزاب Gاً ب GGاملعىن السياسي ال GGذي نفهمه
اليوم يف ميدان السياسة العملي ،فلها مبادئ معيّنة أشبه بالربنامج املرسGGوم ،وهلا نشGGاط ،وفيها نظGGام ،مثّ هي
حىت حت ّقق هلذه املبادئ النّصر ،وجتعل منها-إن استطاعت -منهاج احلكم.632» تسعى وتكافح ّ
ويبGGدو أ ّن يف إعطGGاء صGGفة املطابقGGة ،بني تلك الفGGرق اإلسGGالمية وبني األحGGزاب السياسGGية GاحلديثGGة ،فيه
نوع من املبالغة ،وإن كان األمر ال خيلو من تشابه وتوافق يف بعض األمور.
-5كما أنّه ال ينبغي GالقGGول بعGGدم جGGواز التع ّدديّة احلزبيّة يف إطـار الGGدائرة اإلسGGالمية ،باملقـارنة مبا هي
عليه األح GGزاب األخ GGرى املوج GGودة يف ال GGدميقراطيات الغربيّ GGة ،أو تلك األح GGزاب اليت ال تعتمد على اإلس GGالم
مرجعيّة هلا؛ إذ إ ّن "احلزب اإلسGG G G Gالمي" 633Gخيتلف كثGG G G Gرياً عن تلك األحGG G G Gزاب األخGG G G Gرى يف أهدافه وغاياته
ووسائله.
جمرد الوصGG G Gول إىل السGG G Gلطة ،فهي إض GG Gافة إىل مهامها
فأهGG G Gداف هGG G Gذه األحGG G Gزاب ال تقتصر فقط على ّ
التنظيميGGة ،اليت تتمثّGل يف تنظيم اجلمGGاهري وحGّ Gل مشGGكلة التGGداول على السGGلطة ،فGGإ ّن هلا بعض املهGGام الرتبويGGةG،
مؤسسات لرتبية الشعب ،برفع مستوى الوعي Gوالعلم واخللق فيهGGا ،وهتيئة الشGGعب كل شيء تعترب ّ فهي قبل ّ
صGراع جمرد أدوات لل ّ Gؤهالً حلمل رسGGالة اإلسGGالم G،فهGGذه األحGGزاب اإلسGGالمية ليست ّ حبق شعبًا مّ G
لكي يكون ّ
631متولي (عبد احلميد) ،مبادئ نظام الحكم في اإلسالم ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،د.ط1974 ،م ،ص.134 .
ص. 52-51. الريس (حممد ضياء ال ّدين) ،النظريات السياسية اإلسالمية ،مكتبة دار الرتاث ،القاهرة ،ط ،7.د.ت،
ّ
632
بكل الوسائل
احلزب اإلسالمي :هو جمموعة املسلمني الذين آمنوا مببادئ اإلسالم شريعة صاحلة يقيمون عليها نظام حياهتم ،ويسعون ّ
633
املشروعة ليكون اإلسالم دستور الدولة واملصدر الوحيد لتشريعاهتا ،عن طريق وصول املؤمنني به إىل السلطة؛ فإ ّن اهلل يزع بالسلطان Gما
التصور اإلسالمي ،مرجع سابق ،ص.16 .
ّ ال يزع بالقرآن .انظر :الحسن (حممد) ،المذاهب واألفكار المعاصرة( في
يفسر السلطة على أساس ديين ،فيسند
إن هذا األخري (أي احلزب الديين) ّ
-وخيتلف احلزب اإلسالمي عن احلزب الديين ،حيث ّ
يسمى باحلكم الثيوقراطي الذي يقوم على ذلك املصدر العيين ،وليس على
نص ديين؛ ممّا يش ّكل دعامة ما ّ
حق إهلي أو إىل ّ
مصدرها إىل ّ
مشروعا حضاريًا ،يصوغ الواقع على أساس من تعاليم اإلسالم .انظر:
ً يتبىن
قبول احملكومني ورضاهم؛ بينما احلزب اإلسالمي فهو الذي ّ
هويدي (فهمي) ،اإلسالم والديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.272 .
على احلكم ،أو الضغط على احلاكم فحسب ،بل إ ّن ذلك أضعف أدوارها ،لغلبة السلبيّة عليGGه ،إذ ال تظهر
جمرد مقاومة.634أمهيّته إالّ بظهور احلاجة إليهّ ،أما املهام اإلجيابية فهي فعل وليست ّ
وهبذا تظهر لنا أمهيّة وجGG Gود مثل هGG Gذه األحGG Gزاب يف دولة اإلسGG Gالم ،Gإذا روعيت فيها هGG Gذه األهGG Gداف
التعصب والشقاق. واملقاصد ،ومل تنحرف عنها إىل ّ
تضاد وتناقض.635»
وختصص ال تع ّدد ّ « فال مانع من التع ّدد ،إذا كان تع ّدد تنوّع ّ
يقرها العقل والشGرع ،مGادامت -6كما أنّه من الناحية املبدئية G،فإ ّن االختالف حالة فطرية طبيعيّةّ ،
بأي وسيلة كانت .636يقولَ : ولَوْ َشا َء َربُّكَ لَ َج َع َل يف الفروع واجلزئيات ،وال ميكن أن مننع االختالف ّ
اس أُ َّمةً َو ِ
احدَةً والَ يَزَالُونَ ُم ْختَلِفِينَ إِالَّ َمن َّر ِح َم َربُّكَ َولِ َذلِكَ َخلَقَهُ ْم.637 النَّ َ
وإ ّن التع ّدديّة يف ال ّسG Gبل واملن GGاهج Gوالط GGرق ،هي األمر الط GGبيعي GاحملقّG Gق لذاتية اإلنس GGان ،واحلافز لطاقاته
األمة على مشGروعها احلضGاري مبعامله الرئيسة يعترب من الضGروريات ملواجهة على اإلبداع G،فGإذا كGان اتّفGاق ّ
األمة باحلريّGة ،وبالتعدّديّة يف إطGار الوحGدة ،هو السGبيل اآلمن التح ّديات ،فإ ّن إطالق طاقGات اإلبGداع ألبنGاء ّ
التحديات املفروضة.638 لبلوغ أهداف األمّة احلضارية ،واالنتصار على ّ
ومن ك Gّ Gل ما س GGبق ذك GGره خنلص إىل م GGدى ق Gّ Gوة أدلّة ه GGذا الفريق األخ GGري؛ فهو إض GGافة إىل وس GGطيّته بني
تي GGارين ،أحGG Gدمها يطلق حريّة التع ّدديّة حىت للّGG Gذين ال يسGG Gتندون إىل مرجعية إسGG Gالمية ،واآلخر ي GGرفض ه GGذه
األول من خط GGورة ،وما يف االجّت اه الث GGاين من جتاهل التع ّدديّة احلزبية رفض Gاً مطلق Gاً ،وال خيفى ما يف االتّج GGاه ّ
لكثري من احلقائق.
ل GGذا ف GGإ ّن ال GGرأي املتبىنّ من قبل كثري من املف ّكGGرين اإلس GGالميني املعاص GGرين ،وك GGذا الفقه GGاء احملدثني ،هو
ه GGذا ال GGرأي األخري ال GGذي يقبل بالتع ّدديّة احلزبيّة املقيّ GGدة Gواملض GGبوطة بقواعـد الش GGرع ،وهي التع ّدديّة يف إط GGار
ومربراته املعقول GGة ،وملا يب GGدو يف حتقيقه من مصـاحل الوح GGدة .وقد ف GGرض ه GGذا االجّت اه نفسه حلججه القويّ GGةّ ،
راجحة يف مواجهة التح ّديات ومنع االستبـداد ،كما أنّه يستند إىل سنّة االختالف اليت ال مناص منها.
الغنوشي (راشد) ،الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.298-296 . 634
القرضاوي (يوسف) ،أين الخـلـل ؟ ،مكتبة الرحاب اجلزائر ،ط 1406 ،2 .هـ 1986 -م ،ص.38 . 635
ص.65 . الميالد (زكي) ،الوحدة والتع ّدديّة والحوار في الخطاب اإلسالمي( المعاصر ،مرجع سابق، 636
عمارة (حممد) ،اإلسالم وحقوق اإلنسان ،...مرجع سابق ،ص.115 . 638
المبحث الثالث
المؤسساتيّة
ّ التع ّدديّة
يعتبر تع ّدد المؤسّسات في أنظمة الديمقراطية الغربيّة أحد أنماط التع ّدديّة السياسيّة.
واملقص GG Gود هبذه التع ّدديّة هو تن Gّ G Gوع الس GG Gلطات وتعّ G G Gددها يف الدول GG Gة؛ حيث جند يف ال GG Gدول احلديثة
و"املؤسسة Gالقضائية"G.
ّ و"املؤسسة التنفيذية"
ّ "املؤسّسة التشريعية"G
املؤسسGGات بتاريـخ طويGGل؛ حيث ُوجGGدت أصGGوهلا يف العصـور القدميـة ،مث تطGّ Gورت وقد مGّ Gرت هGGذه ّ
إىل الشكل الذي هي عليه اآلن.
املؤسس GGات حقيقة واقعيّة فرض GGها منطق الواقـع ،كما أ ّن تعّ G Gددها يس GGتند إىل ويعترب ه GGذا التعّ G Gدد يف ّ
مربرات واقعيّة Gكذلك.ّ
وقد ارتبطت هبذا النGGوع Gمن التع ّدديّة السياسGGية Gبعض النظريGGات ،واليت مGّ Gرت كGGذلك مبراحل ع ّ Gدة،
مربرات ،وأثارت جدالً يف األوساط الفكرية والسياسيةG. واستندت إىل ّ
وعمالً مبنهجنا يف هGG G Gذا البحث ،الب ّ G G Gد أن نتطGّ G G Gرق إىل هGG G Gذه التنظيمGG G Gات واألفكGG G Gار من وجهة نظر
إسالمية.
ولذلك فسنتناول -بإذن اللّه تعاىل -هذا املبحث يف املطالب اآلتيةG:
مبرراتها
المؤسساتيّة ،و ّ
ّ المطلب األول :مفهوم التعدّديّة
641البشري (طارق ) " ،مؤسسات الدولة في النظم اإلسالمية( " ،جملّة "منبر الحوار" ،بريوت ،العـدد1410 ،14 :هـ 1989-م ،ص.
.74-73
الطماوي(سليمان حممد) ،السلطات الثالث ،...مرجع سابق ،ص.37 642
مؤسسات الدولة في النظم اإلسالمية(" ،جملة "منبر الحـوار " ،بريوت ،العدد1410 ،14 :هـ1989 -م ،ص.73
البشري (طارق)ّ " ،
649
وتوزعت السلطة فيما بينها ،بعد أن كانت مر ّكزة يف يد شخص واحد ،و هو شخص
اهليئات احلاكمة ّ
امللك. 650
ومؤسساهتا،
ّ الدولة هيئات د د
ّ تع ن
ّ أل وذلك ؛ 651
رابعا :حتقيق املزايا املرتتّبة على تقسيم العمل
مؤسسة ،من رجال أكفاء ميارسون الدور املنوط هبم ،وال خيفى ماكل هيئة أو ّيقتضي اختيار ما يناسب ّ
يف هذا التقسيم يف العمل وحتديد الوظـائف واملسؤوليات من سرعة يف اإلنـجاز ،واالستفـادة من اخلربات
والكفاءات ،وحتديد اجلهة املسؤولة عن اخلطإ و التقصريG.
المؤسساتيّة
ّ المطلب الثاني :األصول التاريخيّة للتعدّديّة
البشري (طارق )" ،مؤسّسات الدولة في النظم اإلسالمية(" ،جملة "منبر الحوار" ،بريوت ،العدد ،14 :سنة 1410هـ 1989 -م ،ص 652
.72
اختالف يف هذا اجملال بني الدولة القدمية و الدولة العصرية ،من حيث الصياغة G،أي أن ختتلف كيفية أداء
هذه الوظائف Gالثالث ومن يعهد إليهم بأدائها ،من وقت آلخر ،ولكن يبقى Gجوهر الوظيفة Gهو نفسه. 653
ّأما بالنسبة لطبيعة هذا التع ّدد وحالته يف أنظمة احلكم القدمي ،فإنّه يالحظ أ ّن األمر خيتلف بني حالة
" توزيع السلطات " وحالة " تقسيم الوظائف"G.
خيص مبدأ "توزيع السلطـات" ،فإ ّن األنظمـة البدائية Gمل تعرف فكرة توزيع السلطـة ,إذ كانت ففيما ّ
خاصة به؛ حيث كانت السلطة حقاً شخصياً للحاكم ،اكتسبه Gبفضل ما ميتاز به من صفات أو مواهب ّ
السلطة ترت ّكز يف يد احلاكم وحده ،ميارس اختصاصاهتا بصورة مطلقة ،وقد يستعني ببعض األشخاص يف
ممارسة اختصاصاته ،إالّ أنّه مل تكن هلؤالء األعوان اختصاصات مستقلّة؛ لذلك ال ميكن وضعهم يف
مصاف احل ّكام ،لدورهم الثانوي احملض .وكان من أسباب هذا الرتكيز للسلطة ،إضافة إىل ارتباطهاG
بشخص احلاكم ,هو أ ّن فكرة توزيع السلطة مل تكن لتثور يف تلك اجملتمعات البدائية؛ لكوهنا جمتمعات
غري متمدينة ،ومشاكلها حمدودة ,و لذلك مل تثر مسألة ما إذا كان األفضل هو تركيز السلطة أم
توزيعها.654
فكان املبدأ الذي ساد أنظمة احلكم ،طوال العصور القدمية وخالل العصور الوسطى ،هو مبدأ تركيز
لكل األنظمة يف ذلك الوقت. 655 السلطات ،حيث كانت قاعدة األساس ّ
األقل منذ
ّأما بالنسبة لفكرة" تقسيم الوظائف Gالقانونية Gللدولة " ،فهي فكرة قدميةُ ،وجدت على ّ
كتب" أرسطو " مميّزاً بني وظيفة التقرير ,أي تقرير القواعد املنظّمة للجماعـة ,ووظيفة األمـر والتنفيذ,
656
املتنوعة Gقد اعرُت ف به منذ وقت طويل ,إذ إ ّن
ّ السلطات أو الوظائف وجود ن
ّ أ أي ، ووظيفة القضاء
"أرسطو" قد ميّز يف كتابه" السياسة " بني وظائف احلكومة" Gالتداولية " و " احلكمية " و" القضائية"؛ وإ ّن
جمال الوظيفة Gالتداولية عنده أوسع كثرياً من وظيفة Gاهليئة التشريعية Gاحلديثة ،فلقد كانت معنية Gمبسائل
متنوعة ،كاحلرب و السالم ،واملعاهدات ،ووضع القوانني G،والشؤون املالية G,وعقوبة Gاإلعـدام ،والنفي ،و ّ
653الطماوي (سليمان حممد) ،عمر بن الخطاب و أصول السياسة و اإلدارة الحديثة ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،ط1976 ،2.م،
ص.140 .
بدوي (ثروت ) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص..303 . 654
رسالن (أنور أمحد) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص.198 . 655
بدوي (ثروت) ،في أصول الفكر السياسي والنظريات والمذاهب السياسية الكبرى ،دار النهضـة العربيـّة ،د.ط1967 ،م ،ص. 656
.80
مصـادرة املمتلكات؛ ّأما جهـازا احلكـومة اآلخـران اللّذان ميّزمها " أرسطو" ،فقد كانا يعادالن -على وجه
العموم -اهليئة التنفيذية والقضائية احلديثة.657
بل إ ّن " أرسطو" قد أدرك ضرورة تع ّدد السلطـات ,وذلك من خـالل قوله « :إنّه يستحيل أن تقوم
دولة بال سلطات تسهر فيها على ضروريات املعـاش ،و يستحيل أن تصلح إدارة شؤوهنا وسياستها Gبال
سلطات تُعىن بضبط نظامها و جتميلها وتنميقها ,وفضالً عن ذلك فإ ّن الضرورة تقتضي Gبأن تقوم سلطات
صغرى يف الدول الصغرية ،وسلطات كربى يف الدول الكبرية ،)...( Gفيرتتّب إذن على الساسة أن ال
أي سلطات جيدر هبم تفريقها والتمييز بينها.658»
ضمها ،أو ّأي سلطات جيدر هبم ّ جيهلوا ّ
هذا من الناحية الفكرية النظريةّ ,أما عن جتسيد هذه السلطات والوظائف على أرض الواقع ،فإ ّن
تنوع وتع ّدد هذه اهليئات على الصعيد العملي يف اجملتمعات القدمية، التطرق إىل مدى ّمعرفة ذلك تقتضيّ G
وذلك ما سنتناوله-بإذن اللّه تعاىل -فيما يأيت:
أوال :تع ّدد الهيئات و الوظائف في أثينا القديمة(
فلقد كانت السلطة السياسية Gيف دولة املدينة" Gأثينا" Gبيد اهليئات اآلتية:
تسمى كذلك مجعية الشعب ( ،) Ecclésiaوتُعترب أعلى سلطة سياسية ّ -1الجمعية العمومية :و
يف دولة املدينة؛ Gوذلك بوصفها صاحبة السيادة اليت متلك الكلمة النهائية يف كافّة األمور ,وختتّص مبسائل
ع ّدة ,منها :اختيار احل ّكام والقضاة G,وضع القوانني ,وذلك عن طريق التصويت Gعلى القوانني املق ّدمة من
اجمللس النيايب بعد مناقشتها ,ومن وظائفها Gكذلك :إعالن احلرب والسالم ,وعقد املعاهدات ,وغريها من
الوظائف األخرى.659
يتكون من مخسمائة - 2المجلس النيابي (مجلس الخمسمائة) :وقد مسّي مبجلس اخلمسمائة ألنّه ّ
كل قبيلة من قبائل "أثينا" العشرة ,وقد كان األعضـاء يصـلون إىل عضواً ،مبع ّدل مخسني عضواً عن ّ
العضوية فيه بوسيلة مر ّكبة جتمع بني االنتخاب واالختيار والقرعة .
املعز) ،في النظريات والنظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.512 . نصر ّ
(حممد عبد ّ
657
658أرسطو (طاليس) ،السياسيات ،ترمجة :أوغسطينس بربارة البولسي ،اللّجنة الدوليّة لرتمجة الروائع اإلنسانية ،بريوت 1957 ،م ،ص.
.341
تطور النظريات واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،ص.56 . بوحوش ّ
(عمار)ّ ،
659
رسالن (أنور أمحد) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص.24-23 .
ومن اختصاصات هذا اجمللس :إعداد مشروعات القوانني ,وحتضري املوضوعات اليت ستعرض على
مجعية الشعب ,االتّصال بالسفارات األجنبية يف" أثينا" ,اإلشراف على أجهزة اإلدارة والشؤون Gاملالية,
اإلشراف على اجليش واألسطول .660ويعترب هذا اجمللس حجر الزاوية يف الدستور.661
- 3المحاكم :حيث كان القضاء من اختصاص احملاكم أساساً ،وباستثناء Gبعض املسائل البسيطة
اليت تفصل فيها حماكم خاصة ,فإ ّن االختصاص القضائي منوطاً باحملاكم الشعبيّة اليت خُي تار أعضاؤهاG
662
مهمة هذه احملاكم هي محاية الدستور؛ حيث مل تقتصر هذه بواسطة مجعية الشعب ،و ميكن اعتبار ّ
البت يف املسائل السياسيّة أيضاً.663
احملاكم على الفصل يف القضايا Gالشخصية ،بل مشل اختصاصها حىت ّ
وتقسيما
ً مؤسساهتا السياسيةG,و هبذا خنلص إىل أ ّن الدول القدمية قد عرفت كذلك تع ّدداً يف ّ
لوظائفها املتع ّددة على خمتلف اهليئات ،التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ثانيا:تع ّدد هيئات نظام الحكم فى روما القديمة(
لقد تع ّددت يف"روما" القدمية كذلك اهليئات والوظائف Gيف أنظمة حكمها ،والسيّما يف العصر
امللكي ،والعصر اجلمهوري.664
-1في العصر الملكي (:كان نظام احلكم يرتكز على وجود هيئات ثالث:
امللك ,وجملس الشيوخ ,واجملالس الشعبيةّ .أما امللك فكانت سلطاته مطلقة ,وكان يُعنّي من قِبل
يتكون Gمن رؤساء
املهمة جملس الشيوخّ .أما هذا األخري فإنّه ّ
سلفه ,فإذا مل خيرت امللك من خيلفه توىّل هذه ّ
مهمته استشاريّة بالنسبة للملك ,و من
وشيوخ العشائر ,ويبلغ عدد أعضائه Gثالمثائة عضواً G,وكانت ّ
تسمى كذلك اختصاصاته كذلك التصديق على قرارات اجملالس الشعبية G.وبالنسبة هلذه األخرية ،واليت ّ
"جمالس الوحدات" ،فقد كان عددها ثالثني ,وهي جتتمع بناء على دعوة امللك ,واختصاصها يتمثّل يف
رسالن (أنور أمحد) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي و الفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص.25-24 . 660
جونز (أ .هـ.م) ،الديمقراطية األثينية ،مرجع سابق ،ص.8 . 661
ّأما يف العصر اإلمرباطوري ،فقد تأ ّكد فيه احلكم الفردي املطلق االستبدادي ،إذ تر ّكزت السلطة السياسية يف يد اإلمرباطور، 664
متاما اختصاصات احل ّكام اآلخرين ،وجملس الشيوخ ،واجملالس الشعبيّة ،حيث ساد نظام اإلدارة املركزية .انظر :ليلة (حممد
واندثرت ً
كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.388 .
املوافقة Gأو عدم املوافقة Gعلى التعديالت Gاملراد إدخاهلا على نظام املدينة ،أو تكوين العشائر ,ومل يكن من
ح ّقها إدخال تعديالت يف املشروعات املق ّدمة هلا.665
-2في العصر الجمهوري :لقد ابتكر الرومان نظاماً جديداً لرئاسة الدولة ،إذ وضعوا مقاليد
كل منهما لقب "قنصـل" ،ومها متساويان من حيث السلطـة و احلكـم يف يد شخصني ،يطلق على ّ
ويتم اختيارمها باالنتخاب مل ّدة عام ,وال جيوز جتديد انتخاهبما؛ وذلك لتفادى االستبداد .و املسؤوليةّ ,
يوجد جبانب هذين القنصلني واملوظّفني املنتخبني "جملس الشيـوخ" ،حسب وضعه السابق تقريباً يف النظام
استمرت اجملالس الشعبية ( Gجمالس الوحدات ) قائمة ,وظهرت جمالس أخرى مثل " :اجملالس امللكي ،كما ّ
كل طبقـة ،و "اجملالس القبليّة " اليت
املئوية ،" Gومُت ثَّل فيها طبقات اجملتمـع ،تبعاً للثـروة اليت ميتلكها أفـراد ّ
ختتّص باختيار املوظّفني ،كما تبدي رأيها يف مشروعـات القوانني G،بالقبول أو الرفض دون تعديل فيها,
العامة " ،وهي مقصورة على طبقة العامة ,وهلا يسمى" جمالس ّ كما ظهر نوع رابع من اجملالس الشعبية ّ
اختصاص تشريعي.666
واملؤسسـات املوجـودة ىف "رومـا" القدميـة ,يف العصـرين امللكي واجلمهوري, ّ وهذاملخص للهيئـات
ّ
وبعض اختصاصاهتا ,وهي كما نالحظ كثرية ومتع ّددة؛ ممّا يثبت Gأ ّن ظاهرة التع ّدد يف اهليئـات و
املؤسسـات هي ظاهرة قدمية ,أدرك البشر منذ القدمي -بفطرهتم وجتارهبم -ضرورهتا وأمهيّتها Gيف تنظيم ّ
شؤوهنم املختلفة ,والسيّما السياسيّة منها.
مع اتّساع نشاط السلطة يف الدولة احلديثة ،وتزايد اختصاصاهتا ،مل يعد ممكنًا تركيز السلطة يف
قسم الفقه التقليدي وظائف الدولة يد حاكم واحد ،بل يلزم توزيعها بني هيئات حاكمة متع ّددة ،ولقد ّ
ومعيارا لتوزيع السلطة ،فقامت هيئة خمتّصة بالتشريع
ً أساسا
إىل ثالث ،جاعالً من هذا التقسيم الثالثي ً
مسيّت "السلطة التشريعية" G،وهيئة خمتّصة بوظيفة Gالتنفيذ مسّيت "السلطة التنفيذية" G،وهيئة ثالثة تقوم بوظيفةG
ليلة (حممد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.384-383 . 665
وتطوره
الفرع األول :نشأة التقسيم الثالثي ّ
يقسم وظائف الدولة إىل وظيفةG منذ أواخر القرن الثامن عشر يسود الفكر السياسي رأي ّ
تشريعيّة ،ووظيفة تنفيذيّة G،ووظيفة قضائيّة ،ولقد أشرنا ساب ًقا إىل أ ّن هذا التقسيم يستم ّد أصوله األوىل من
كتابات "أرسطو" ،إالّ أ ّن مدلوله احلاضر يرتبط باسم "مونتسكيو" G،والذي تأثّر بدوره بأفكار وكتابات
من سبقه يف احلديث عن هذا اجملال وهو "جون لوك" ،ولقد استهدف "مونتسكيو" Gهبذا التقسيم هدفًا
معيّناً ،وهو توزيع الوظائف Gعلى هيئات خمتلفة ،وفصل هذه اهليئات بقصد محاية احملكومني من استبداد
احل ّكام.669
مقسمة –كما ذكرنا -إىل ثالث ،فإ ّن هذه ولئن كانت األجهزة أو السلطات يف الوقت احلاضر ّ
احلالة مل تكن سائدة دائماً ،فقد كانت الوظيفة التنفيذيّة يف بعض األزمان القدمية هي الوظيفة Gالوحيدة
للحكومة ،ومبعىن أوسع ممّا هي عليه اآلن ،ومل يكن تشريع القوانني يع ّد عندئذ من بني وظائف احلكومةG،
جمرد التقاليد القدمية اليت استم ّدت ّقوة
حيث كانت القوانني تش ّكل بواسطة ماحني القانون G،أو كانت ّ
تعود النّاس وسريهم عليها وقتًا طويالً G،وكانت الوظيفة Gالتنفيذيّة Gهي الوظيفة Gالرئيسة والعليا
القانون من ّ
للحكومة.670
667وممّا يقال يف نقد هذا التقسيم الثالثي أنّه يتجاهل الوظيفة احلكومية املتمثّلة يف وضع السياسة العامة للدولة ،وتنظيم عالقاهتا اخلارجية،
ممّا ال يعترب تنفي ًذا للقوانني ،فال يندرج يف إطار الوظيفة التنفيذية .وكذلك انتقد هذا التقسيم الثالثي يف كون أ ّن الوظيفة التشريعية ال
حكرا على جهة واحدة ،وأ ّن اهليئة التنفيذية الب ّد أن تشارك يف وضع القواعد التفصيلية أو اللوائح .وقد ُر ّد على االنتقاد
ميكن أن تكون ً
الرد على االنتقاد الثاين
األول بالقول إ ّن الوظيفة احلكومية تع ّد تنفي ًذا للقانون الدستوري الذي تستم ّد منه سلطات الدولة وظائفهاّ .أما ّ
ّ
خيص تقسيم وظائف حكومة الدولة؛ وإمّن ا يتّصل بتوزيع هذه الوظائف على اهليئات اليت تتوالّها .انظر: فيكون بالقول إ ّن ذلك النقد ال ّ
ص.241-240. الحلو (ماجد راغب) ،الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية) ،مرجع سابق،
بدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.321-320 . 668
املعز) ،في النظريات والنظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.511 . نصر (حممد عبد ّ
670
و نقصد بلفظ احلكومة هنا "نظام احلكم" ،أي كيفية استعمال السلطة العامة وممارستها؛ وذلك أل ّن لفظ "احلكومة" له ع ّدة استعماالت،
ومن استعماالته كذلك :جمموع اهليئات احلاكمة أو املديرة للدولة G،كما يستعمل يف معىن أضيق ،فيقصد به "السلطة=
وأيضا قد يقصد به "الوزارة" .انظر :الطماوي (سليمان حممد) ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،مرجع
=التنفيذية"وحدهاً ،
مقسمة إىل ثالث ،وقد زادت أمهيّة هذا االنقسامG وبتدرج -أصبحت سلطات الدولة ّ وبعد ذلكّ -
الصراع من أجل احلريات يف إجنلرتا وفرنسا ،هذا مع للسلطات وانفصاهلا وإسنادها إىل هيئات خمتلفة مع ّ
املتنوعة قد اعرُت ف به قبل ذلك بوقت طويل ،حيث أشرنا ساب ًقا التذكري بأ ّن وجود الوظائف والسلطات ّ
إىل أ ّن "أرسطو" قد ميّز يف كتابه "السياسـة" بني الوظـيفة "التـداوليّة" Gو "احلكوميّة" و "القضائيّة".671
وقد حدث تراجع يف العصور الوسطى يف جمال التقسيم الثالثي Gللسلطات؛ حيث كانت الوظائفG
املتنوعة Gومجيع السلطات يف هذه العصور مر ّكزة يف شخص امللك. ّ
ّأما يف بداية العهد احلديث ،فقد قام "بودان"( )Bodinبالتمييز بني السلطات الثالث ،وأ ّكد بصفة
خاصة على أمهيّة االحتفاظ بالوظيفة Gالقضائية Gمنفصلة عن التنفيذية G،وبعد ذلك انتهى األمر إىل
واضحا للسلطات ،وليعلن مبدأ الفصل بني هذه السلطات. ً "مونتسكيو" Gليعطي تقسيماً
ضمن أفكـاره هذه يف كتابـه الشهري "روح ولقد بدأ بالتمييز بني هذه الوظـائف الثالث ،وقد ّ
القوانني" (.672)Esprit des lois
التطورات اإليديولوجية اليت طرأت على الفكـر السياسي املعاصـر ،من حيث وبالرغم من ّ وهكذاّ ،
وظـائف الدولـة ،فإ ّن التمييز بني وظائف الدولـة الثالث :تشريعيّة ،وتنفيذيّة G،وقضائيّة ،ما يزال حمتفظًا
بقيمته.673
الرغم ممّا ُو ّجه إليه من انتقادات،وهبذا خنلص إىل أ ّن هذا التقسيم الثالثي لسلطات الدولة ،على ّ
مر مبراحل ع ّدة؛ جعلت أفكاره ترسخ ،وتطبيقاته إالّ أنّه ال يزال معتَ َم ًدا يف األنظمة احلديثة ،وأنّه قد ّ
فأي
ومربرات منطقيّة؛ ّ حيل حملّه؛ وذلك لقيامه على أسس واقعيّةّ G، تثبت ،وال بديل جاهز –إىل اآلنّ G-
دولة تريد تنظيم سلطاهتا ،جتد نفسها مرغمة على حتقيق هذه الوظـائف الثـالث ،وقد حيدث هناك اختالف
بني الدول يف هذا اجملال ،ولكن من حيث الصياغة Gفقط ،دون املساس جبوهر هذه الوظائف.
674غمق (ضو مفتاح حممد) ،السلطة التشريعية في نظام الحكم اإلسالمي والنظم المعاصـرة ،منشورات ( ،)E L G Aمالطا،
2000م ،ص.17 .
عزت) ،النظام السياسي في اإلسالم ،دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع والرتمجة ،القـاهرة ،ط،1 .
2الخيّاط (عبد العزيز ّ
675
فوزي (صالح ال ّدين) ،البرلمان –دراسة مقارنة تحليلية لبرلمانات العالم -دار النهضة العربيّة ،القاهرة ،د .ط1994 ،م ،ص.2 . 679
متولي (عبد احلميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،ص.109 . 688
للتنصل من املسؤولية وحتميلها
كل جملس من اجمللسني يسعى ّ وقد انتُقد هذا النظام لكونه جيعل ّ
يتعرض مبدأ اجمللسني بسهولة إىل العراقيل والتأخري.689
للمجلس اآلخر ،باإلضافة إىل ذلك ّ
فضل بعض الدارسني وباملوازنة بني ما حي ّققه نظام اجمللس الواحد ،وما حي ّققه نظام اجمللسني ،فقد ّ
نظام اجمللس الواحد؛ وذلك لكون أ ّن ما حي ّققه نظام اجمللسني يستطيع أن حي ّققه نظام اجمللس الواحد ،فهذا
األخري يستطيع دراسة القوانني دراسة وافية قبل سنّها ،وميكن للهيئة التشريعية Gأن حتمي نفسها من اخّت اذ
قرارات عاطفية ،أي أنّه ال توجد فائدة ملبدإ اجمللسني ال ميكن حتقيقها بواسطة اجمللس الواحد.690
غري أنّه ال ميكن تفضيل أحد النظامني باالعتماد على اجلانب النّظري البحت ،بل يتعنّي علينا أن ال
ننظر إىل هذه األنظمة مبعزل عن التطبيقات العملية ،فهي اليت حت ّدد النظـام األوىل باالتّبـاع ،إذ هناك دول
تركت نظام اجمللسني إىل اجمللس الواحد ،ودول أخرى قد ع ّدلت من طبيعة اجمللس الثاين ملواكبة Gاحلاجيات
اجلديدة للدولة املعاصرة.691
أقل شهرة وتطبي ًقا
وهناك بعض الدول قد تبنّت يف بعض فرتاهتا نظام اجملالس املتع ّددة ،وهو نظام ّ
السابقني.
من النظامني ّ
جـ -نظام المجالس المتع ّددة :يف هذا النظـام جند أ ّن السلطة التشريعية متارسها ّ
عدة جمالس ،إالّ
دورا تشريعيًا
أ ّن أحد هذه اجملالس يكون ذا اختصاص أساسي يف احلياة النيابيّة G،وباقي اجملالس متارس ً
حم ّد ًدا ،أو يقتصر على جمـاالت حمصورة ،وقد تتوىّل هذه اجملالس القيام باألعمـال التحضريية Gللقوانني،
حق التصويت .ونشهد تطبيق هذا النظـام يف فرنسا يف غضونG واالشرتاك Gيف املناقشات دون أن يكون Gهلا ّ
اإلمرباطورية األوىل النابليونيّة1814-1804( Gم) ،ويف الوقت املعاصر طبّق هذا النظام يف يوغسالفيا
السابقة يف دستور 1963م ،إالّ أهّن ا عدلت عنه إىل نظام اجمللسني يف دستور 1974م.692
أهم وظائف السلطة التشريعيّة (:ميكن إيجاز ّ
أهم وظائف اهليئة التشريعيّة Gيف اآليت: ّ -4
أ -الوظيفة Gاألوىل للهيئة التشريعية -كما ّ
يدل عليها امسها -هي"التشريع" ،أي وضع القواننيG،
مرت هبا هذه الوظيفة األساسية -Gعمل
وتعديلها ،وإلغاؤها؛ فقد أصبح اليوم - Gوبعد مراحل طويلة ّ
التطور احلاصل الذي زاد عملية التشريع زيادة
يؤدى بواسطة اهليئة التشريعية G،ولكن بعد ّ
التشريع األساسيّ G
نصر (حممد عبد املعزّ) ،في النظريات والنظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.536 . 693
نصر (حممد عبد املعز) ،في النظريات والنظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.528 . 697
روسو (جان جاك) ،العقد االجتماعي ،مرجع سابق ،ص.163 . 698
نصر (حممد عبد املعزّ) ،في النظريات والنظم السياسية ،مرجع سابق ،ص 528 .وما بعدها. 700
العائلة بأخذ الثأر واالنتقام701؛ ّأما اليوم فقد أصبح القضاء من األجهزة اليت تتوىّل الدولة تنظيمها
مؤسسات الدولة احلديثة.
ورعايتها ،حيث غدت هيئة القضاء من ّ
-2أهميّة الهيئة القضائيّة (:إ ّن وجود هيئة تشريعية وهيئة Gتنفيذية يف بلد ما ال يُغين عن وجود
هيئة قضائية مستقلّة وغري متحيّزة ،حىت يكمل عمل نظامها الدستوري ،وتعترب هذه اهليئة خري وسيلة
تكونت Gهذه اهليئة Gتكوينًا مناسبًا وحت ّقق فيها شرط
للحماية ض ّد احلكم التح ّكمي ،وذلك إذا ّ
االستقالل ،702فهذه اهليئة هي اليت تُشعر املواطن باألمان واالطمئنان Gعلى حقوقه وحرياته ،والسيّما بعد
ازدياد نفوذ اهليئة التنفيذية ،واتّساع صالحياهتا ونشاطها.
أهم وظائف الهيئة القضائيّة (:تعترب الوظيفة Gاألساسية للهيئة القضائية Gهي تطبيق القانون Gعلى
ّ -3
مهمة ليست سهلة ،والسيّما مع غموض نصوص قضايا معيّنة ،Gوالفصل يف املنازعات املختلفة ،وهي ّ
القانون يف بعض األحيان ،وهذا ما حيتّم على القاضي تفسري معىن القوانني.703
أهم وظائفها Gكذلك تفسري-كما تقوم هذه اهليئة Gبوظيفة محاية الفرد ض ّد اعتداء الدولة ،ومن ّ
الدستور ،وإعالن Gبطالن القوانني اليت ختالفه ،كما تعطي آراء استشارية يف مسائل قانونية ،إىل غري ذلك
من الوظائف املتع ّددة هلذه اهليئة.704
المطلب الرابع :مبدأ الفصل بين السلطات()Le principe de la séparation des pouvoirs
يعترب هذا املبدأ من املبادئ الدستورية اليت تقوم على أساسها أنظمة الدميقراطية Gالغربيّة بوجه عام،
وينسب أصل هذا املبدإ – عادة -إىل الفلسفة السياسية للقرن الثامن عشر ،وجند "مونتسكGيو" يف كتابه
حىت إنّه يف فرنسا ويف غريها
الشهري "روح القوانني" ( )Esprit des loisيعرّب عن هذا املبدإ أكمل تعبريّ ،
من البلدان ال ميكن فصل ذلك املبدإ عن اسم "مونتسكيو" وكتابه ،فهو الذي أذاع ذلك املبدأ عن طريق
الرغم من أ ّن "مونتسكيو" ليس هو ّأول من قال هبذا كتابه الشهري الذي ظهر عـام 1748م ،هذا على ّ
وكل ما هنالك أنّه استطاع أن يضع تلك املبدإ ،ومل تكن األفكار اليت أدىل هبا بصدده من صنعه كلّهاّ ،
كيتيل (راميوند كارفيلد) ،العلوم السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.142-141 . 701
وتطوراته
ثانيًا :نشأة المبدإ ّ
هلذا املبدإ تاريخ قدمي ،فقد ف ّكر الفالسفة Gوالعلماء ،والسيّما أفالطون Gوأرسطو ،منذ أقدم
العصور ،يف تقسيم وظائف الدولة ،وحىت يف فصل هذه الوظائف.708
تقصينا Gحتديد تاريخ نشوء أفكـار هذا املبدإ يف العصر احلديث ،فإنّنا جنـد بأ ّGن "جون لوك"
ّأما إذا ّ
وتفوق -تطويره وبلورته ،وقد سيطر هذا املبدأقد نادى هبذا املبدإ ،وبعدها استأنف "مونتسكيو"G-وبرباعة ّ
على التاريخ السياسي الربيطاين ،709وذلك منذ منتصف القرن السابع عشر ،وعلى مجيع التواريخ
متولي (عبد احلميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،ص.176 . 705
ليلة (حممد كامل) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.861-860 . 716
متولي (عبد احلميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.179 . 721
بداية الب ّ G Gد من التأكيد بأنّه إذا كGG Gانت حيGG Gاة اجملتمعGG Gات البشGG Gرية تقتضي أن يكGG Gون Gهبا تشGG Gريع ينظّم
عالقة أفGGراده ،وهيئة GتقGGوم على تنفيGGذه G،وأخGGرى تتGGوىّل الفصل يف التنGGازع ،فGGإ ّن اإلسGGالم Gليس بعيGً Gدا عن هGGذا
Gيب ه GGذه
Gدرجها ،وقد جـمع الن ّ G اجلمع يف األعم GGال ،ومن مثّ ع GGرف اإلس GGالم Gه GGذه الواليـات النوعية يف ت ّ G
قائما على تنفيذمصدرا للتشريع فيما يGGوحى إليه من ربّGGه ،وكGGان ً ً األعمال يف يده ّأول عهد اإلسالم؛ فكان
شرع اهلل بني النّاس ،وقاضيًا بينهم فيما تشاجروا عليه.724
مؤسسي صGGفة القدسGGيّة؛ إذ ألي شGGكل ّ الصواب أن يعطى ّ كما جتدر اإلشارة كذلك إىل أنّه ليس من ّ
والتوجهGG Gات ،والقواعد األخالقية والتعGG Gاليم GالدينيّGG Gة G،ويف إطGG Gار املب GGادئ ميكن أن
ّ القدسGG Gيّة تكGG Gون للمبGG Gادئ
املؤسسGGات وختتلGGف ،فعنGGدما ننGGاقش –على سGGبيل املثGGال -شGGكل السGGلطة التشGGريعية ،ونبحث يف إقامة تتعّ Gدد ّ
جملس واحد أو جملس GGني ،والعالقة Gبينهم GGا ،أو عن GGدما نن GGاقش ش GGكل الس GGلطة التنفيذية وع GGدد ال GGوزارات ،أو
سعيد (صبحي عبده) ،السلطة والحريّة في النظام اإلسالمي (دراسة مقارنة) ،دار الفكر العـريب ،القاهرة ،د.ط 1982 ،م ،ص. 724
.94
تتم يفعندما نGدرس أشGكال النظم القضGائية املختلفة (كنظGام التقاضي Gواحمللّفني) ،فك ّGل هGذه أمGور ميكن أن ّ
خروجا أو احنرافًا عنها.725 ً إطار نفس التعاليم واملبادئ ،دون أن يكون Gاألخذ بأحد األشكال
املؤسس GGات املتع ّ Gددة ميكنها أن جت ّس Gد مب GGادئ وتع GGاليم وأفك GGار خمتلف GGة ،ب GGاختالف ومعىن ه GGذا أ ّن ه GGذه ّ
األنظمة نفسGGها ،وبGGاختالف ظGGروف الزمGGان واملكـان؛ حيث إ ّن هGGذه املؤ ّسسات –وفق هGGذا املنظGGور -هي
املؤسسGGات
جمرد قوالب تنظيمية ميكن أن تستوعبها أنظمة خمتلفة ،ومن أدلّة هذا أ ّن التاريخ يعلّمنا أ ّن بعض ّ ّ
والتنظيم GGات اليت نطلق عليها ص GGفة "اإلس GGالمية"ُ Gوج GGدت يف جمتمع GGات غري إس GGالميّة ،واس GGتفاد املس GGلمون يف
فاملؤسس GG Gات تنشأ وتتط Gّ G Gور وتتغرّي يف مواجهة ّ مؤسس GG Gاهتم من خ GG Gربة من س GG Gبقوهم ومن عاص GG Gروهم، إقامة ّ
املشGG Gاكل اليت تواجههGG Gا؛ وتلك اليت نشGG Gأت جملتمع بسGG Gيط حمدود األرجGG Gاء لن تكGG Gون GمناسGG Gبة جملتمع مع ّقد
مرتامي األطراف؛ وتلك اليت نشأت يف شعوب صغرية العدد ال تناسب Gاألقوام الكبرية.726
واملؤسس GG Gات Gهي من وضع البش GG Gر ،أي أهّن ا كلّها وض GG Gعيّة هبذا املعGG Gىن ،والعGG Gربة Gيف ّ إذن فالتنظيمـات
املؤسسات هو يف كفاءهتا ،وقدرهتا على حتقيق األهداف اليت أقيمت من أجلها.727 تقييم ّ
ولكن رغم ذلك فإنّه من الثGG G G G Gابت أ ّن مضGG G G G Gمون تلك السGG G G G Gلطات ومصGG G G G Gدرها ،وطريقة تشGG G G Gكيلها،
والشGGروط املتعلّقة بGGذلك ،واختصاصGGاهتا ،والقيGGود الGGواردة على تلك السGGلطات ،ختتلف من نظGGام آلخGGر ،أي
أ ّن اختالف املبGG Gادئ واألحكGG Gام املنظّمة لعمل تلك السGG Gلطات له أثر يف حتديد صGG Gورهتا؛ ولGG Gذلك جند نظGG Gام
اإلسGG G Gالم Gيطبع تلك السGG G G Gلطات بطابعه اخلاص ،مبا يتوافق مع أحكامه وتشGG G G Gريعاته ،حىت ولو تGG G Gوافقت مع
التنظيمات الوضعية يف شكلها.
وفيما يأيت نتعGّGرض –بGGإذن اهلل تعGGاىل -إىل بيGان صGGورة السGGلطات الثالث يف نظـام اإلسـالم ،وما تتميّز
به:
أوالً :السلطة التشريعية Gيف نظام اإلسالم
القاع GGدة األساس GGية املعروفة عن اإلس GGالم Gيف ه GGذا اجملال ،أ ّن التش GGريع املطلق هو هلل وحـده ،وال
واملتفضل على العباد ،مبا يصلحهم يف معاشهم ومعادهم. ّ شريك له يف ذلك ،فهو اخلالق
ص.96. مؤسسات الدولة الحديثة" ،جملّة "منبر الحوار" ،بريوت ،العدد ،14 :سنة 1410هـ1989 -م،
هالل (علي ال ّدين)ّ " ،
725
مؤسسات الدولة الحديثة" ،جملة "منبر الحوار" ،العدد ،14 :مرجع سابق ،ص.97-96 .
هالل (علي ال ّدين)ّ " ،
726
سعيد (صبحي عبده) ،السلطة والحريّة في النظام اإلسالمي (دراسة مقارنة) ،مرجع سابق ،ص.65-64 . 729
730النبهان (حممد فاروق)" ،الدور التشريعي للدولة في نظر اإلسالم" ،مقـال مبجلّـة "العـريب" ،الكويت ،العـدد ،296 :سنـة 1403هـ -
1983م ،ص.25 .
731املرجع نفسه ،ص.26 .
الغنوشي (راشد) ،الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.114 . 732
األمة يف
احلل والعقد عن ّ ولقد اقرتح بعض البGGاحثني تقرير مبGGدإ دسGGتوري هGGام ،واملتمثّل يف نيابة أهل ّ
األمة يف ممارسة الشGGورى يف اإلمجاع، ممارسة الشورى يف النطاق السياسي ،ونيابة العلماء وأهل الّ Gذكر عن ّ
واالجتهاد يف النطاق التشريعي.733
األمGG Gة"؛
كما أضGG Gاف بعض الب GG Gاحثني إىل أنّه الب ّ G Gد أن يتميّز "جملس الش GG Gورى" عن "جملس النيابة Gعن ّ
األمGيني أو غري العلمGGاءاألمة رمّب ا كGGانوا من فئGات خمتلفGة ،وأمناط متعّ Gددة ،ورمّب ا كGGانوا من ّ وذلك أل ّن نواب ّ
األمة لينوبGوا Gعنها يف إبGداء رأيهم فيما يتعلّق مبصGاحلهم ،ونقل والفقهGاء؛ ألهّن م ميثّلGون النّGاس ،وقد اختGارهتم ّ
األمة إىل ح ّكامه GG Gاّ ،أما جملس الش GG Gورى فينبغي Gأن يك GG Gون Gمن العلم GG Gاء ،والفقهGG Gاء العGG Gاملني،
وجهGG Gات نظر ّ
احلل والعقد.734 األمة وعدوهلم ووجهائهم ،وأهل ّ وذوي االختصاص يف شؤون شىت ،ومن أتقياء ّ
وهبذا خنلص إىل أ ّن السGG Gلطة التشGG Gريعية معGG Gرتف هبا يف اإلسGG Gالم ،وهي موجGG Gودة فعالً ،إالّ أهّن ا ختتلف
كل منها وضوابطه ،وتشكيل هذه اهليئةG. عما هي عليه يف األنظمة الوضعيّة G،من حيث مصدر التشريع يف ّ ّ
ثانيًا :السلطة التنفيذية في نظام اإلسالم
إ ّن ما يتعلّق بتنظيم السGلطة التنفيذية Gهو يف حقيقته من اجتهGاد املسGلمني ،وذلك بعكس التشGريع
ال GG Gذي اس GG Gتم ّد من روح اإلسـالم –كما رأين GG Gا ،-وتتبل GG Gور الس GG Gلطة التنفيذية –مبعناها احلديث -يف مركز
اخلليفة ال GGذي مجع بني رئاسة الدولة واحلكـومة ،وف ًقا لالص GGطالحات املعاصـرة ،فك GGان أق GGرب ما يك GGون إىل
النظ GGام الرئاسي مبفهومه احلديث ،ومل خيتلف فقه GGاء املس GGلمني يف أمر ق GGدر اختالفهم ح GGول اخلالف GGة ،حيث
كان هذا اخلالف ّأول صدع يف بناء دولتهم.735
دائما
األمة بالبيعGGة G،والبيعة ً
وتباشر السلطة التنفيذية ،واملتمثّلة يف اخلليفة ،مهامها عند مجهور جمتهGGدي ّ
تصGGدر لإلمGGام على أسGGاس أن يعمل بكتGGاب اهلل وسGGنّة رسGGوله ؛ فهي بيعة مشGGروطة دائمGاً ،وشGGرطها يعين
أ ّن سGGلطة اإلمGGام سGGلطة مقيّGGدة ،وأهّن ا جتري يف إطGGار قGGانوين مضGGروب عليها من أحكGGام التشGGريع اإلسGGالمي
املن ّـزلة.736
الشاوي (توفيق) ،فقـه الشورى واالستشارة ،دار الوفـاء للطباعة والنشر والتوزيع ،مصـر ،ط 1413 ،2 .هـ1992 -م ،ص.80 . 733
الطماوي (سليمان) ،عمر بن الخطاب وأصول السياسة واإلدارة الحديثة –دراسة مقارنة -مرجع سابق ،ص.216 . 735
مؤسسات الدولة في النظم اإلسالمية(" ،جملّة "منبر الحوار" ،بريوت ،العدد ،14 :سنة 1410هـ1989 -م،
البشري (طارق)ّ " ،
736
ص.75 .
وت GGدخل أحك GGام اخلالفة (نظ GGام احلكوم GGة) بطبيعتها يف نط GGاق "علم الف GGروع" ،وعلى وجه التحديد يف
ش ّقه املتعلّق بالقانون Gالعام (القانون الدستوري) ،رغم أ ّن الفقهاء يعتربوهنا من مباحث علم الكالم.737
وهناك من يعترب أهّن ا من مباحث علم الفقه.
ّأما بالنس GGبة مله GGام وص GGالحيات وس GGلطات اإلم GGام ،فإنّنا جندها مبثوثة يف كتب "األحك GGام الس GGلطانية"،
وذلك مثل ما أورده "املاوردي" ،738ال GGذي حّ G Gدد س GGلطات اإلم GGام يف عش GGرة أم GGور ،كما حت ّدث عن ن Gّ G
Gوعي
كل منهما.739 الوزارة ،ومها "وزارة التفويض" Gو "وزارة التنفيذ" ،وح ّدد وظائف ّ
ويالحظ أ ّن تلك السGGلطات اليت ح ّ Gددها "املاوردي" لإلمGGام ،مجيعها سGGلطات تنفيذيGGة G،ممّا تقGGوم به يف
لنوعي الوزارة فيالحظ أ ّن "وزير التفGGويض" ،وهو من ّ عرف النظم احلاضرة "السلطة التنفيذية"؛ ّأما بالنسبة
يفوضه اإلمGGام يف تGGدبري األمGGور حسب تقGGدير الGGوزير ورأيGGه ،فهي أقGGرب إىل نظGGام "جملس الGGوزراء" يف النظGGام ّ
الربملاين احلديث؛ حيث تق GGوم ال GGوزارة برسم السياس GGات ،والن GGوع الث GGاين وهو "وزير التنفي GGذ" هو ال GGذي ين ّفذ
مش GGيئة اإلم GGام ،ويبلّغ قراراته ،ويش GGرف على نفاذها دون أن يك GGون Gهو راسم السياس GGة ،وهي وظيفة أق GGرب
عمال GGه،
إىل وظيفة ال GGوزير يف النظ GGام الرئاسي احلديث .وهك GGذا Gنلحظ أ ّن اجله GGاز كلّ GGه ،من اإلم GGام إىل كب GGار ّ
يدور يف إطار حم ّدد ،ممّا يطلق عليه باملصطلح الدستوري والتنظيمي احلديث "السلطة التنفيذية".740
وهبذا خنلص إىل أ ّن السGG Gلطة التنفيذية Gيف اإلسGG Gالم Gختضع الجتهGG Gاد املسGG Gلمني يف تنظيمه GGا ،فاجملال فيها
واسع لالجتهGGاد واإلبGGداع G،ومل تGGرد صGGيغة حم ّددة لتنظيمهGGا؛ وذلك أل ّن هGGذا األمر خيتلف بGGاختالف الزمGGان
واملك GGان ،وال ب GGأس من االس GGتفادة ممّا وص GGلت إليه البش GGرية يف جمال تنظيم ه GGذه الس GGلطة ،مبا ي GGواكب Gالعصر
وحي ّقق املصلحة ،وال خيالف مبادئ اإلسالم Gومقاصده.
وتطورها لتصبح عص(بة أمم ش((رقيّة ،حتقيGGق :توفيق حممـد الشـاوي وناديـة عبد الGGرزاق السنهوري (عبد الGGرزاق أمحد) ،فقه الخالفة ّ
737
مؤسسة الرسالة ،بريوت ،ط 1422 ،1 .هـ 2001 -م ،ص.59 . السنهوريّ ،
1738املاوردي :هو علي بن حممد بن ح GG Gبيب ،أبو احلسن املاوردي ،أقضى قضGG Gاة عصGG Gره ،وهو من العلمGG Gاء الب GG Gاحثني ،ومن أص GG Gحاب
التصانيف الكثرية ،ولد يف البصرة (عام 364هـ974-م) ،وانتقل إىل بغداد ،وويل القضاء يف بلدان كثGGرية ،وكGان مييل إىل مGGذهب االعGGتزال،
نسبته إىل بيع ماء الورد ،ووفاته ببغداد (عام 450هـ1058-م) .من كتبه" :أدب الدنيا والدين" و"األحكام السلطانية"" ،النكت والعيون" و
جـ ،4.ص.327. "احلاوي" يف فقه الشافعية" ،نصيحة امللوك" ،وغريها .الزركلي(خري الدين) ،األعالم،
الماوردي (أبو احلسن علي بن حممد) ،األحكام السلطانية والواليات الدينية ،مرجع سابق ،ص ،52-51 .ص 61 .وما بعدها. 739
مؤسسات الدولة في النظم اإلسالمية(" ،جملّة "منـبر الحوار" ،بريوت ،العدد ،14 :سنة 1410هـ 1989 -م،
البشري (طارق)ّ " ،
740
ص.76 .
ثالثا :السلطة القضائية يف نظام اإلسالمG
احلق والعGG Gدل
حتظى وظيفة القضGG Gاء مبكانة هامّ G Gة يف نظGG Gام اإلسGG Gالم؛ Gوذلك الرتباطها مبسGG Gألة ّ
Gتظل بظالل هGGذه املبGGادئ
واملساواة G،واليت هي من أهداف اإلسالم Gومبادئه العليا اليت جGاء ليح ّققهGGا .وقد اسّ G
حىت غري املسلمني.
العامة اليت ميارسGها "اإلمGام" ،وذلك حسGبما
يتصور الوظيفة GالقضGائية جGزءًا من الواليةّ G فنظام اإلسالمّ G
نعرف من وقائع النظم اإلسالمية ،وحسبما ُيثبت فقهاء "األحكام السلطانية" ،وقد كGGان اخللفGGاء الراشGGدون
يقضون Gبأنفسهم فيما يتنGGازع فيه النَGGاس من أمGGور ،كما أ ّن لإلمGGام أن يعنّي القضGGاة ،وأن يسGGمح للGGوالة
واألمراء يف األقاليم أن يعيّنوا Gالقضاة يف األقاليم اليت يتولّون Gعليها.741
وفقهاء الشريعة اإلسالمية Gمل يعتربوا الوظيفة القضائية وظيفة Gمستقلّة عن الوظيفة التنفيذيّGة G،بGدليل أنّه
قلّما كGGان القاضي يقتصر على القضGGاء ،بل مل يGGروا غضاضة يف أن جيمع القاضي إىل جGGوار القضGGاء وظGGائف
تنفيذيّة ال عالقة هلا بالقضGG Gاء ،مثل قيGG Gادة اجليGG Gوش ،وغريهGG Gا ،كما أ ّن أص GG Gحاب الوالية Gالعامة من الGG Gوزراء
وح ّكGGام األق GGاليم ك GGان هلم ح Gّ Gق يف تع GGيني القض GGاة وع GGزهلم ،وحتديد اختصاص GGاهتم من حيث الزم GGان واملك GGان
وموض GGوع النـزاع ،ولكن ه GGذا اإلدم GGاج بني الس GGلطة القض GGائية والس GGلطة التنفيذي GGة ،من الناحية العض GGوية G،مل
أي مسGGاس باسGGتقالل القضGGاة Gيف مباشGGرة وظGGائفهم ،بل إ ّن اسGGتقالهلم موفGGور بدرجة ال نظري هلا يف يكن له ّ
كل من رجل اإلدارة والقاضي يف مواجهة التشريع اإلسالمي.742G نظرا ملوقف ّالدول احلديثة؛ وذلك ً
ضG Gح إج GGراءات وليس يف اإلس GGالم Gما مينع من وضع نظ GGام للس GGلطة القض GGائية ،حي ّدد اختصاص GGاهتا ،ويو ّ
تنفيـذ أحكـامها ،ويضمـن للقضـاة استقـالهلم وحريّتهـم يف إقامـة العـدل بني النّGG G G G G G G Gاس.743
فهGGذا هو جهGGاز القضGGاء الGGذي أواله اإلسGGالم Gعناية بالغGGة ،حىت و ّسGع من اختصGGاص القاضي ،والGGذي حيكم
وفق الشرع ،وجيتهد يف ضوء نصوصه وأحكامه ،وقراراته وأحكامه اليت يصدرها تطبّق حىت على احل ّكام.
مؤسسات الدولة في النظم اإلسالمية(" ،جملّة "منبر الحوار" ،العدد ،14 :مرجع سابق ،ص.79 . البشري(طارق)ّ " ،
741
وقد أثار هذا الوضع الكالم حول مشوليّة احلكم اإلسالمي ،وأ ّن القضاء تابع لسلطات احلكم التنفيذي ،حبسبان أ ّن القاضي إمّن ا يستمـ ّد
التصور اإلسالمي ،حىت وإن توىّل وظائفه باإلنابةواليته من إنـابة األمري أو الوايل له .ولكن هذه الشبهة تزول إذا عرفنا أ ّن القاضي يف ّ
من اإلمام أو من الوايل ،إالّ أنّه ال خيضع ملن يعيّنه عندما يستقي أحكامـه مباشرة من القرآن والسنّة وباجتهاده من هذين املصدرين.
املرجع نفسه ،ص.81-79 .
الطماوي (سليمان حممد) ،السلطات الثالث ،...مرجع سابق ،ص.588 . 742
743الصباحي (حيي السيّد) ،النظـام الرئاسي األمريكي والخالفـة اإلسالمية ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،ط 1413 ،1 .هـ 1993 -م،
ص.454 .
تطرقنا –يف حملة موجزة -إىل السGلطات الثالث يف نظGام اإلسGالم ،بقي أن نعGرف مGدى
واآلن بعد أن ّ
قبول نظام اإلسالم ملبدإ الفصل بني هذه السلطات.
لقد عرفت الدميقراطية الغربيّة مبدأ الفصل بني السلطات واعتربته Gمن مبادئ نظامها ،وضمانة من
ضGGمانات محاية احلريGGات السياسGGية G،ولكن هل جند هGGذا املبGGدأ عند البحث يف العالقة بني السGGلطات الثالث
Gودا يف
يف نظGGام اإلسGGالم؟ ،وهل يقبل اإلسGGالم مثل هGGذا الفصل بني السGGلطات ،وإذا كGGان هGGذا الفصل موجً G
عما هو موجود يف النظم الدميقراطية Gاحلديثة؟ نظام اإلسالم Gفهل خيتلف أساسه ّ
وعند البحث يف األمر ميكن أن نربز اجّت اهني ،نتناوهلما –بإذن اهلل تعاىل -يف اآليت:
األول :االتّجاه المنكر لمبدإ الفصل بين السلطات( في نظام اإلسالم
الفرع ّ
حيث يGGرى هGGذا االجّت اه أ ّن نظGGام اخلالفة –وهو بالصGGورة اليت رمسها علمGGاء املسGGلمني -ال يأخذ مببGGدإ
فصل الس GGلطات؛ وذلك خالفًا لألنظمة الدس GGتورية لل GGدميقراطيات Gالغربيّ GGة ،فاخلليفة هو ص GGاحب الس GGلطات
الثالث ،أي أنّه جيمع بينها مجي ًعا.744
ولكن إذا رجعنا إىل تGGاريخ صGGدر اإلسGGالم ،والسGGيّما يف عصر اخللفGGاء الراشGGدين ،جند أ ّن خري ضGGمانة
حلماية احلريات ض ّد االستبداد وإساءة استعمال السلطة هو الوازع الديين لديهم ،ولكن هGGذا الGGوازع الGGديين
قد ضGGعف فيما بعGGد؛ ممّا جعل االسGGتبداد يظهر من جديGGد ،كما أ ّن نظGGام اخلالفة -كما صGّ Gوره علمGGاء الفقه
يصح أن يعّ Gد أصGالً من أصGGول احلكم يف اإلسGالم G،وحىت على فGرض أ ّن هGGذا املبGGدأ مل يُعGGرف اإلسالمي G-ال ّ
ينكر األخذ هبذا املب GGدإ إذا قضت املص GGلحة باألخذ يف نظ GGام اخلالف GGة ،ف GGإ ّن ه GGذا ليس دليالً على أ ّن اإلس GGالم ِ
ب GGه ،ومن ب GGاب أوىل إذا قضت به ض GGرورة كفالة احلري GGات ،ه GGذا باإلضـافة إىل أ ّن اخلالفة تُ َعّ G Gد من املص GGاحل
األمة تنظّمها ملا متليه مص GG G G Gاحلها ،كما أ ّن تنظيم العالق GG G G Gات بني خمتلف الس GG G Gلطات يف العامة اليت ت GG G G Gرتك إىل ّ
Gريعا زمنيًGG Gا ،أي
ملزما جلميع املس GG Gلمني يف ك Gّ G Gل زم GG Gان ومك GG Gان؛ Gوإمّن ا يُعّ G G Gد تشً G G
عاما ً Gريعا ً
الدولة ال يُعّ G G Gد تش ً G G
مؤقتًا.745
كما اس GG Gتند ه GG Gذا االتّج GG Gاه يف رأيهم ذاك إىل ك GG Gون أ ّن مب GG Gدأ الفصل بني الس GG Gلطات قد تبنّته Gاألنظمة
الدميقراطية Gلعالج مشGG Gكلة فيهGG Gا؛ حيث إ ّن تلك البلGG Gدان اليت تبنّته قد مGّ G Gرت بتجربة احلكم املطلق املسGG Gتب ّد،
متولي (عبد احلميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،ص.181 . 744
السيد) ،النظام الرئاسي األمريكي والخالفة اإلسالمية ،مرجع سابق ،ص.493 .
الصباحي (حيي ّ
749
ه GGذا باإلض GGافة إىل أ ّن ه GGذا املب GGدأ يعترب قاع GGدة من قواعد السياسة ،ومب GGدأ متليه احلكم GGة ،وأنّه مس GGألة
تنظيمية فنيّة ،يتوقّف األخذ به أو عدم األخذ به على ما يفرضه واقع احلال.750
وي GG Gرى ه GG Gذا االجّت اه أنّه ليس يف املب GG Gادئ اإلس GG Gالمية ال GG Gواردة يف الق GG Gرآن والس GG Gنة ما خيالف الفصل بني
تعسف السلطة وجورها إذا ما احنرفت.751 السلطات ،أو إجياد الضمانات الضرورية حلماية املواطن من ّ
وأضGGاف هGGذا الفريق أنّه إذا كGGان الفكـر السياسي اإلسGGالمي Gمل يعGGرف مبـدأ الفصـل بني السGGلطات،
ص G Gص ومنع تركGG Gيز فGG Gإ ّن ذلك ال يعين أ ّن إعم GG Gال ه GG Gذا املب GG Gدإ مبدلوله احلقيقي ،ومن حيث كونه يعين التخ ّ
السGGلطة خوفًا من االسGGتبداد ولضGGمان شGGرعية احلكم ،ينGGايف األسس اليت تقGGوم عليها الشGGريعة اإلسGGالمية ،بل
إ ّن هGGذا املبGGدأ الGGذي متليه قواعد السياسة احلكيمة يف احلكم ،هو اجتهGGاد سGGليم للحيلولة دون االسGGتبداد ،بل
لع Gّ Gل عمر بن اخلط GGاب حني اس GGتحدث مب GGدأ تف Gّ Gرغ القضـاة ّ
وختصص GGهم ،ك GGان يف ذهنه االعتب GGارات Gاليت
يقوم عليها مبدأ الفصل بني السلطات.752
أي اختي GGار؛ ومن مثّ فه GGذه
ويف حقيقة األمر فإنّه ليس يف نص GGوص Gاإلس GGالم GالقطعيّG Gة ما حيسم لص GGاحل ّ
املس GGألة تتّسع ألك GGثر من اجته GGاد ،مع التأكيد على أ ّن الس GGلطة التش GGريعية العليا هي هلل من خالل ال GGوحي،
صGراع بني سلطـاتكتابًا وسGنّة؛ وأنّه مهما تبGGاين نGGوع العالقة من فصل تGGام أو نسيب أو دمج ،فGGإ ّن فكGGرة ال ّ
ليحل حملّها التعاون Gوالتآزر ،باعتبـاره ركنًا أساسيًا يف العالقات البشرية.753
متاماّ ، الدولـة ينبغي أن تُستبعد ً
إذن ،فاختصGG G Gاص التشGG G Gريع األصGG G Gلي يف اإلسGG G Gالم Gباهلل جعل هGG G Gذه الوظيفة تنفصل عن الوظيفGG G Gتني
األخGGريني اللّGGتني تعتGGربان من اختصGGاص البشر ،وتنفيً Gذا للتشGGريع اإلهلي ،وأ ّن اإلسGGالم يسGGتبعد فكGGرة الصGّ Gراع
بني هذه السلطات ،كما يستند إىل الوازع الديين كضمانة من ضمانات عدم االستبداد.
سميع (صاحل حسن) ،أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي ،مرجع سابق ،ص.544 . 750
هالل (علي ال ّدين) "،مؤسّسات الدولة الحديثة " ،جملّة "منبر الحوار" ،بريوت ،العدد ،14 :سنة 1410هـ 1989-م ،ص.98 . 751
الطماوي (سليمان حممد) ،عمر بن الخطاب وأصول السياسة واإلدارة الحديثة ،مرجع سابق ،ص.364-363 . 752
الغنوشي (راشد) ،الحريات العامة( في الدولة اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.245-244 . 753
الباب الثاني
مبدأ األغلبيّة في ميزان اإلسالم
حمل دراسGG Gات مستفيضة من قِبل فقهGG Gاء القGG Gانون والسياسGG Gيني واملنظّ GGرين؛ لقد كGG Gان "مبGG Gدأ األغلبيّGG Gة"ّ G
وحىّت املف ّكرون Gالسياسيون Gوالفالسفة Gقد أولوا هذا اجلانب نصيباً من العناية ،Gبالبحث والدراسة.
وذلك أل ّن هGG G G G Gذا املوضGG G G G Gوع فيه من الGG G G G Gثراء والتعقيد ما يثري عّ G G G G G Gدة إشGG G G G Gكاليات يف اجلانب السياسي
والقانوين ،وحىت اجلانب الفكري.
وممّا يؤ ّكد ما سGG G Gبق ذكGG G Gره أ ّن هGG G Gذا املبGG G Gدأ قد انبثقت Gعنه أنظمة خمتلفGG G Gة ،وهي ما يس Gّ G Gمى "األنظمة
االنتخابيّة" ،اليت تقوم على فكرة هذا املبدإ .
فكGG Gان االهتمGG Gام هبذا املبGG Gدإ ،سGG Gواء بGG Gالبحث عن تارخيه وتطGّ G Gوره ،أم بدراسة أقسـامه وتنظيمـاته ،أم
Gدل على أمهيّة ومكانة هGGذا بتقGGييم GنتGGائج تطبيقيه وتأثريها على احليGGاة السياسGGية ،وكGGذا البحث يف ضGGوابطه ،يّ G
املبدإ يف النظام الدميقراطي ،ودوره كآلية من آليات هذا النظام.
قسمنا هذا الفصل إىل املباحث اآلتية: ولدراسة هذا املبدإ من خالل هذه العناصر ،فقد ّ
المبحث األول
مفهوم مبدإ األغلبيّة ،وأصوله التارخييّة
من بني اجلوانب اليت تناولتها Gكتب السياسة والق GG Gانون يف موض GG Gوع "مب GG Gدإ األغلبي GG Gة" هو البحث عن
مفهوم GGه ،وأص GGوله التارخييّ GGة ،ودراسة مراحل تط Gّ Gوره منذ أن ك GGان فك GGرة حىت أص GGبح نظام Gاً ك GGامالً ،منظّم Gاً
ومقننًا ومطبّ ًقا.
ّ
ومصGG Gطلح "األغلبيGG Gة" كغGG Gريه من املصGG Gطلحات األخGG Gرى ،جند له أصGG Gوالً يف جمال اللّغGG Gة ،كما جند له
والفن الذي ينتمي إليه.اصا يف ذلك العلم ّ مفهوما خ ًّ
ً
وك GGذلك فكرت GGه ،جندها ض GGاربة يف ج GGذور الت GGاريخ؛ فكلّما حبثناها يف عصر معنّي جند ،أ ّن هلا أص GGوالً
تارخييّة يف عصر سGG Gابق ،حىت إنّه يصGG Gعب Gحتديد فGG Gرتة ظهورها ونشGG Gأهتا بدقّGG Gة ،وهGG Gذا شGG Gأن غالبيّة األفكGG Gار
واألنظمة.
قسمنـا هذا املبحث إىل املطلبني وتطوراته ،فقد ّ ولدراسة مفهوم مبدإ األغلبيّة G،وتتبّع أصـوله التارخييّةّ ،
اآلتيني:
المطلب األول :ونتـنـاول فيـه مـفهـوم مـبـدإ األغـلبـيـة.
وتطوراته. ـّ :
ونتعرض فيه إىل األصول التارخييّة ملبدإ األغلبيةّ ، المطلب الثاني
أنيس(إبراهيم) ،المعجم الوسيط ،مرجع سابق ،لفظ (غ ل ب) ،جـ ،2 .ص.658 . 754
ومن مشتقاهتا اليت تأيت مبعىن الكGGثرة قGوهلم :غلب على فالن الكGGرم :كGGان أكGGثر خصGGاله ،وغلبت عليه
Gوم :كثُ GGروا .ويق GGال :على األغلب ،ويف
ب الق ُ G
صG Gفرة :ك GGانت أك GGثر في GGه .ويق GGال ك GGذلك ا ْغلَ GGولَ َ
احلم GGرة أو ال ّ
األغلب :أي على األكثر.755
و"الكثرة" ض ّد "القلّة" من ( َكثُGر)( ،يكثُGر) –بالض ّGم( ،-كGثرةً) ،فهو (كثGريٌ) ،و(كGاثروهم فكGثروهم)
صَر ،أي غلبوهم بالكثرة.756 من باب نَ َ
إذن فالتعبري العريب أن يقال :الكثرة أو األكثر (دون نسبة) ومن ذلك قوله:
اطنَ َكثِي َر ٍة َويَوْ َم ُحنَي ٍْن إِ ْذ أَ ْع َجبَ ْت ُك ْم َك ْث َرتُ ُك ْم.757 لَقَ ْد ن َ
َص َر ُك ُم هللاُ في َم َو ِ
وقولهَ : و َج َع ْلنَا ُك ْم أَ ْكثَ َر نَفِيرًا.758
ولفظ "األغلبيّة" مرادف للفظ "األكثريّة"؛ لذا يُغين استعمال أحدمها عن اآلخر.
وقد أكثرنا يف حبثنا هGGذا اسGGتعمال لفظ "األغلبيّGGة"؛ Gوذلك ألنّه األشGGهر واألكثـر استعمـاالً ،وال سGGيّما
يف اجملال السياسي والقانوين ،هذا مع استعمال مرادفه(األكثريّة) يف أحيان أخرى.
ثانيا (:األغلبية في اللّغة األجنبية(
لفظ "األغلبية" أو "األكثرية" هو ترجـمة للكلمـة األجنبية ( )Majoritéبالفـرنسيـة ،و()Majority
باإلجنليزية.
ّأما لفظ (املب GGدأ) فيقابله يف الفرنس GGية لفظ ( )Principeويف اإلجنليزية لفظ ( .)Ruleواللّفظ األجنيب (
)Majoritéمشتّق من لفظ ( ،)Majorوال GG G Gذي يقابله يف اللّغة العربية-يف أحد معاني GG G Gه -لف GG Gظ :أك GG Gرب ،أو
أعظم.759
واألكثري GG G Gة( :)Majoritéم GG G Gأخوذة من الالّتينيّة القروسGG G Gطية ،وأصGG G Gلها )Majoritas( :املشت ّقـة مـن( :
،)MajorواملقصGGود هبا :جممGGوع األصـوات اليت يتغلّب بعGGدده يف انتخـاب ،أو تصGGويت Gعلى قGGرار يف مجعية
ابن منظور(مجال ال ّدين) ،لسان العرب ،لفظ (غ ل ب) ،مرجع سابق ،جـ ،5.ص.3279-3278. 755
السابق (جروان) ،معجـم اللّغات (إجنليزي – فرنسي – عـريب) ،دار السابق للنشـر ،بريوت ،ط ،1984 ،1 .ص.744 . 759
السن القانونيّGGة ،اليت باالسGGتناد
حمل دراستناّ : -
تداوليّة ،أو هيئة انتخابية G.ومن معانيها كذلك –اليت ليست ّ
التامة للممارسة ،ويغدو – قانونًا -مستقالً ومسؤوالً.760
إليها يصل الفرد إىل األهليّة ّ
وهنا نالحظ أ ّن املعىن اللّغوي ،يف اللّغة األجنبية G،يوافق املعنGى االصطالحي للفظ "األغلبية".
ثانيا( :وع Gّ Gرفت "األغلبيّ GGة" Gك GGذلك بأهّن ا « :جممـوع األص GGوات اليت يتغلّب بع GGدده يف انتخـاب ،أو
تصويت على قرار.762»
ونالحظ على هذا التعريف أنّه أوسع وأمشل من التعريف ال ّسGابق؛ وذلك ألنّه يشGGمل جماالت األغلبية
يتضمن تلك األنواع واجملاالت.
وأنواعها G،فهو بإمجاله ّ
ثالثا( :ومن تعريفGGات "األغلبيّGGة" GكGGذلك ،أهّن ا « :جمموعة األصGGوات املتح ّ
ص Gل عليها يف انتخابGGات ،أو
التفوق على منافسيهم.763»
ملرتشحني ّ
ختول حلزب ما أو ّ
جملس ،واليت من شأهنا أن ّ
كورنو (جريار) ،معجم المصطلحات القانونية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.248 . 760
.ROBERT (Paul) : Le petit Robert 1, Les Dictionnaires Robert, Canada – Paris, 1992, pp. 1135-1136
الكيالي (عبد الوهاب)وآخرون ،موسوعة( السياسة ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.247 . 761
كورنو (جريار) ،معجم المصطلحات القانونية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.248 . 762
.182 القرام (ابتسام) ،المصطلحات القانونية ،قصر الكتاب ،البليدة ،د .ط ،اجلزائر 1998 ،م ،ص. 763
وهGG G Gذا التعريف أكGG G Gثر تفصGG G Gيالً Gممّا سGG G Gبقه؛ حيث ذُك GG Gرت فيه الفئGG G Gات أو اهليئGG G Gات اليت تش ّ G Gكل هGG Gذه
"األغلبيّ GGة" G،واملتمثّلة يف املرت ّش Gحني أو األح GGزاب ،وك GGذا الغاية من تط GGبيق ه GGذا املب GGدإ ،وهي حتديد الفائـز أو
املتفوق Gيف االنتخابات أو اجملالس ،وحت ّددت فيه جماالت األغلبيّة Gكذلك. ّ
ومن خالل كGّ G G Gل التعGG G Gاريف ال ّس G G Gابقة ميكن حتديد جماالت تطGG G Gبيق مبGG G Gدإ األغلبيّGG G Gة ،واملتمثّلة يف جمال
(االقرتاع العام) ،ممّا ميكن تسميّته" :األغلبيّة Gالشعبيّة" ،وأيضGاً اجملال اخلاص بأصGGوات أعضGGاء اجملالس النيابيّةG
لألمة ،ممّا ميكن تسميّته" :األغلبيّة الربملانيّة". املمثّلة ّ
ومن خالل تلك التعاريف أيضاً نعرف أ ّن "مبدأ األغلبيّة" يتعلّق بالنظGGام االنتخGGايب؛ وذلك لتطبيقه يف
جمال حتديد نتائج االنتخابات.
وتطوراته
ّ المطلب الثاني :األصول التاريخيّة لمبدإ األغلبية،
بداية نشري إىل أ ّن تاريخ مبGدإ األغلبيّة مل يُعGGرف بصGورة جيّGدة ،والدراسGات يف هGGذا اجملالّ ،إما تكGGون
قدمية ،أو تتعلّ G Gق بأزمنة أو أنظمة خمصوصGG Gة ،ولكنّها مع ذلك ليست عدمية اجلدوى ،بل تشكّل مبجموعها
بعض العناصر اليت تثبت Gتاريخ هذا املبدإ .764
وفكGGرة "األغلبيّGGة" كغريها من األفكGGار السياسGGية Gوالقانونية GاألخGGرى ،متت ّ Gد جGGذورها يف التGGاريخ؛ فبعد
تتطور تدرجيياً حىت تصبح مبدأ مستقالً ،له خصائص مميّزة. جمرد فكرةّ ، أن تكون ّ
و"مبGGدأ األغلبيّGGة" من املبـادئ اليت عرفتها البشGGريّة منذ أقGGدم العصـور ،وعGGرفت أمهيّته ،ودوره يف احليGGاة
خصوصا ،وخضع لتطGّ G Gورات عديGG Gدة حىت أصGG Gبح بالش GG Gكل املع GG Gروف حGG Gديثاً يف اجملال السياسيG
ً السياسGG GيةG
والقانوين.
مر هبا:
والتطورات اليت ّ
ّ وفيما يأيت سنتناول –بإذن اهلل تعاىل -األصول التارخييّة هلذا املبدإ،
,FAVRE (Pierre), La décision de majorité, presses de la fondation national des sciences politiques, paris, 1976 3 764
p.287
مثل ه GG Gذه األفك GG Gار واملب GG Gادئ؛ وذلك لتجس GG Gيدها لبعض مظ GG Gاهر الدميقراطية Gيف أنظمتها السياسGG Gية G،وأيض G Gاً
لإلنتاج الفكري والفلسفي الذي اشتهر به مف ّكرو وفالسفة تلك احلضارات ،والسيّما احلضارة اليونانيةG.
وفيما يأيت سنتناول –حبول اهلل تعاىل -مبدأ األغلبيّة يف هاتني احلضارتني:
أوال :مبدأ األغلبية لدى الحضارة اليونانيّة القديمة(
لقد عGG Gرف اليونGG Gانيون GفكGG Gرة "األغلبيGG Gة" Gمنذ القGG Gدمي ،فهGG Gذا "أرسGG Gطو" ( 322-384ق.م) يشري إليه GGا،
ويق ّسG Gم الس GGلطة العليا -ب GGالنّظر إىل ه GGذا املب GGدإ -إىل ثالثة أقس GGام ،وذلك يف قول GGه « :الس GGلطة العليا ّإما أن
وإما أكثريّ GGة ،وعن GGدما حيكم الف GGرد أو األقليّة أو األكثريّة ابتغ GGاء املص GGلحة العام GGة؛ وإما أقليّ GGةّ ،
Gرداّ ،
تك GGون Gف ً G
فالزم أن تكون Gتلك األحكام السياسية قومية.765»
ويف موضع آخر يق ّس Gم "أرسGGطو" احلكم السياسي Gإىل قسGGمني :احلكم الشGGعيب ،وهو الGGذي حيتكم إىل
الش GGعب أو غالبيّت GGه G،وتك GGون Gالس GGلطة العليا بي GGده ،وحكم األقليّ GGة ،وال GGذي تتمتّع فيه األقليّة بالس GGلطة ،حيث
يق GG Gول « :احلكم السياسي Gيف دولة هو اهليئة احلاكم GG Gة ،ففي احلكم الش GG Gعيب مثالً يتمتّع الش GG Gعب بالس GG Gلطة
العليا ،ويف حكم األقليّة –بعكس ذلك -يتمتّع بالسلطة العليا أفراد قالئل.766»
-كما اعترب "أرس GGطو" أ ّن الف GGرد وح GGده قد ال تك GGون Gله مزيّة جيّ GGدة ،ولكنّه عن GGدما يش ّ Gكل مع غ GGريه
مجاعة ،فإنّه من احملتمل أن تتجGG G G G G G G G G G G G G Gاوز هGG G G G G G G G G G G G G Gذه اجلماعة كمجموعة وجسم املزيّة األحسن اليت تتميّز هبا
األقليّة.767
تسمى "الGGدورة األرسGGطية"؛ حيث يف ّسGر فيها هGGذا الفيلسGGوف تعGGاقب النظم -وهناك Gنظرية ألرسطو ّ
السياس GG Gية G،إذ ي GG Gرى أ ّن حكم األقليّة مرحلة وس GG Gطى –يف م GG Gوكب النظم السياس GG Gية -بني احلكم الف GG Gردي
768
Gتقرت عنGدها ّ س ا اليت Gريةخ األ املرحلة هو G
ة األغلبي
ّ حكم ن
ّ Gأب Gرىي هّنأ أي ، واحلكم الشعيب أو الGدميقراطي
النظم السياسيةG.
عزي (عبد الرمحن)" ،الرأي العام والعصبيّة والشورى :دراسة نقدية" ،مقال مبجلة "المستقبل العربي" ،العدد1991 ،149 :م، 767
.59 ص.
عجلية (عاصم أمحد) ،النظم السياسية ،د.ن ،د.م ،ط 1992 ،5 .م ،ص.27 . 768
-وعُGرف كGGذلك عن النظGGام الGGدميقراطي يف "أثينGGا" أ ّن املواطGGنني يتمتّعGGون حبرية الGGرأي ،ولاسGGيما فيما
يتعلّ G Gق بإبGG Gداء الGG Gرأي حGG Gول ما يتعلّق باملصGG Gلحة العامGG Gة ،وال يوجد يف ذلك النظGG Gام الGG Gدميقراطي وجهة نظر
فكل يبدي رأيه ،ورأي األغلبيّة Gهو الذي تلتزم به الدولة.769 رمسيّةّ ،
عما يلعبه العـدد ،من كونه كل هذا ،فإ ّن مبدأ األغلبية Gيف "أثينا" اليونانيّة كGGان يعرّب أكGGثر ّولكن رغم ّ
مبدأ مييل فقط إىل حترير اإلرادة اجلماعيّة.770
ثانيا :مبدأ األغلبية لدى الرومان
لقد عُرف عن الرومGان نقلهم وتGرمجتهم لفلسGفة اليونGانيني وأفكGارهم ،مثّ تطبيقها عندهـم؛ فقد
اشGGتهروا Gبالنقل أكGGثر ممّا اشGGتهروا باالبتكGGار ،وذلك على عكس اليونGGانيني املعGGروفني باالبتكGGار ،والسGGيّما يف
جمايل الفكر والفلسفة.
ولكن رغم ذلك فقد عGG G G Gرف الرومGG G G Gانيون Gاألوائل "مبGG G G Gدأ األغلبيّGG G G Gة" ،وطبّقGG G G Gوه Gعمليًا لتحديد نتيجة
التصGGويت؛ Gفقد حت ّدث "روسGGو" عن ذلك يف قولGGهّ « :أما فيما يتعلّGق باحتسGGاب األصGGوات ،فقد كGGان لGGدى
ضGا ممّا هو عليه يف "إسGربطة" G،كGان ك ّGل الرومانيني األوائل Gبسيطًا بساطة طبGGاعهم ،وإن كGان أق ّGل بسGGاطة أي ً
فيدونه كGGاتب خمتّص ،وكGGانت أكثريّة األصGGوات يف كGّ Gل قبيلة حت ّدد موافقة واحد يGGديل برأيه بصGGوت مرتفع ّ
القبيلGة ،وأكثرية األصGوات بني القبائل حت ّدد موافقة الشGعب ،واألمر جيري على نفس املنGوال بالنسGبة جملالس
البطون واجملالس املئوية ،وكان التقليد صاحلاً طاملا كانت االستقامة Gتسود بني املواطنني.771»
Gدل على مGG Gدى اسGG Gتيعاب GالرومGG Gانيني ملبGG Gدإ األغلبيّGG Gة ،وكيف أهّن م طبّق GGوه Gوبنظ GGام ،ويف فهGG Gذا النّص يّ G G
جماالت عدي GG Gدة ،حمليًا وإقليميً GG Gا ،ولغاية دميقراطي GG Gة ،وهي معرفة م GG Gدى موافقة الش GG Gعب أو اجملالس املمثّلة له
على شيء ما ،وإن كان تطبيقه –كما وصفه "روسو" – كان بطريقة بسيطة ،وهذا أمر طبيعي بالنّظر إىل
تلك املرحلة البدائية؛ Gحيث مل تتبلور تلك املفاهيم واملبادئ بشكل واضح.
773هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري و المؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.228 .
روسو (جان جاك) ،العقد االجتماعي ،مرجع سابق ،ص.175 . 774
المبحث الثاني
مبرّرات األخذ بمبدإ األغلبيّة في الديمقراطية الغربية
إ ّن الدميقراطية Gتقتضي أن يكGGون GالشGGعب هو صGGاحب السGGيادة؛ حيث تكGGون GأعمGGال السGGلطة احلاكمة
وقراراهتا ،وقبل ذلك اختيGG Gار هGG Gؤالء احل ّGك GGام ،يسGG Gتند إىل املوافقة الشGG Gعبيّة؛ GلGG Gذا كGG Gان ضGG Gروريًا إجياد طريقة
يُكشف هبا عن هذه اإلرادة الشGعبيّة ،حىت يكGون Gحكمها مGربَّ ًرا من الناحية القانونيGة ،والسياسGية G،واألدبيّGة،
وحىت يتس Gىّن تفGGويض GهGGؤالء احل ّكGGام ممارسة احلكم باسم ال ّش Gعب؛ فكGGان االحتكGGام إىل األغلبيّة هو السGGبيل
كل ذلك ،إضافة إىل ذلك فGGإ ّن الدميقراطية تتطلّب بالضGGرورة تنظيم عمليّة التGGداول على الدميقراطي Gلتحقيق ّ
السلطة بطريقة سلميّة ،وحتديد طرق املمارسة السياسGGية ،وتنظيم االنتخابGGات ،وكيفية GالفGGوز فيهGGا ،وضGGمان
تأييد فئGGات من الشGGعب أثنGGاء فGGرتة احلكم؛ فكGGان تطGGبيق هGGذا املبGGدإ (مبGGدأ األغلبيّGGة) هو الكفيل بتحقيق كGّ Gل
ذلك.
Gربرات يفرض GGها الواقع العملي ،ويقبلها املنطق العقلي؛ وعلى ذلك ف GGإ ّن يس GGتند "مب GGدأ األغلبيّ GGة" إىل م ّ G
Gربرات خمتلفGG Gة ،منها تلك اليت تتعلّق هبذين اجملالني (الواقع
األخذ هبذا املبGG Gدإ يسGG Gتند إىل حجج كثGG Gرية ،ومّ G G
واملنطق) ،واليت ميكن تلخيصها فيما يأيت:
أوال :إ ّن احلفاظ على مبGGدإ املوافقة GالشGGعبيّة يتطلّب وجGGود إمجاع ،ولكن هGGذا األخري ال يتح ّقق إالّ يف
حGGاالت نGGادرة جGً Gدا؛ لGGذلك كGGان البّ Gد من إجياد حجج أخGGرى إلنقGGاذ فكGGرة املوافقة GهGGذه ،ومن هGGذه احلجج
Gؤدي إىل وجGG Gود أكثريّة وأقليّ GGة ،والبّ G Gد من ت GGويّل
اإلق GGرار حبقيقة أ ّن ط GGرح االختي GGار بني فئة من املواطGG Gنني ي ّ G
إح GGدى ه GGاتني اجملموع GGتني احلكـم ،وملا ك GGانت الدميقراطية ال تقبل ح Gّ Gق س GGيادة األقليّة على األكثري GGة ،ف GGإ ّن
ّ
االحتم GGال الوحيد هو حكم األكثريّ GGة ،وهبذا خنلص إىل أ ّن احلكومة الدميقراطية هي عمليًا حكم األكثري GGة؛
وذلك ألهّن ا تتمتّع عادة بالقدرة على جعل إرادهتا هي السائدة.777
حبق األغلبيّة يف احلكم ،وك GGذا ض GGرورة العمل هبذا فهنا نالحظ أ ّن الض GGرورة الواقعيّة Gاقتضت التس GGليم ّ
املبGGدإ؛ وذلك يف ظGّ Gل نGGدرة حتقّ Gق اإلمجاع ،وعGGدم تقبّل الدميقراطية حلكم األقليّGGة؛ فيتعنّي بGGذلك العمل مببGGدإ
األغلبيّة.
ثاني ((ا :إ ّن اإلق GGرار مبب GGدإ األغلبيّ GGة G،وارتض GGاء حكمها يف اختاذ الق GGرار يُع Gُّ Gد من الض GGرورات اليت تف GGرض
نفس GG Gها واقعيًا يف خمتلف التنظيمGG G Gات الدميقراطية ،778Gفكما يقGG G Gول "كلسGG G Gن" ( )Kelsenف GG Gإ ّن الق GG Gرارات يف
الدميقراطية GتكGGون نتيجة تصGGاحل بني األغلبيّة واألقليّGGة ،فهGGذه القGGرارات تكGGون وليGGدة رضا األقليّGGة ،كما هي
وليGGدة رضا األغلبيّGGة ،ويف حالة إذا مل تنل موافقة األقليّGGة ،فعندئذ ال مفGّ Gر من اإلقGGرار بGGأ ّن سGGلطة األغلبيّة هي
الحلو (ماجد راغب) ،الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية) ،مرجع سابق ،ص.152 . 778
ض GGرورة اقتض GGاها واقع احلال ،ومهما قيل عن الدميقراطية Gيف ه GGذه احلالة ،من كوهنا تتج GGاوز إرادة الش GGعب،
وحتكم باسم األقليّ GGة-واقعيG Gاً على األق Gّ Gل-؛ فالبّ G Gد من االع GGرتاف بأهّن ا أفضل من النظم األخ GGرى ،اليت تق GGوم
على أسGGاس حكم فGGرد ،أو قلّة ضGGئيلة من األفGGراد الGGذين ميثّلGGون الطبقة األرسGGتقراطية .فحىّت مع التسGGليم بGGأ ّن
أي نظ GG Gام
احلكم يف الدميقراطية Gمتثّله يف واقع احلال األقليّGG G Gة ،فهي أوسع بكثري من األقليّة اليت حتكم يف ظ Gّ G Gل ّ
آخر.779
وخنلص ممّا س GGبق أ ّن الواقع العملي قد ف GGرض التن GGازع بني األقليّة واألغلبيّة Gح GGول أيّهما أح Gّ Gق ب GGاحلكم،
وأ ّن البحث عن املص GG G Gلحة قد ّأدى إىل ف GG G Gرض تص GG G Gاحل بني األغلبيّة واألقليّ GG G Gة؛ فك GG G Gان أن اقتضى Gواقع احلال
ضGGرورة تسGGليم السGلطة لألغلبيّGGة ،واليت تسGGعى بGGدورها لنيل رضى األقليّة واألغلبيّة Gعلى السGGواء؛ وذلك أل ّن
األغلبيّة ليست ثابتة ودائمة يف اجّت اه واحGG G G G Gد؛ فأغلبيّة اليGG G G G Gوم هي أقليّة الغGG G G G Gد ،وهكGG G G G Gذا ،وإن قيل إ ّن حكـم
األغلبيّة هو يف الواقع يف يد فئة قليل GG Gة ،أي هو حكـم األقليّ GG Gة ،قلنا إنّه مهما بلغ من القلّ GG Gة ،فإنّه ال يصل إىل
أي حكم آخر يف األنظمة الفردية أو األرس GGتقراطية G،فحكم األغلبيّة Gهو األق GGرب إىل التمثيل احلقيقيG درجة ّ
للشعب مبختلف فئاته.
يسGGتند مبGGدأ األغلبيّة يف أمهيّته إىل الناحية السياسGGية والقانونية780؛ فاجملال السياسي GوالقGGانوين يفرضGGان
املربرات اآلتية:
األخذ هبذا املبدإ ،والذي يستند-من هذه الناحية -إىل ّ
Gؤدي إىل وجGGود أحGGزاب والتوجهGGات السياسGGية G،يّ G
ّ أوال :إ ّن تبيّن الدميقراطية الغربية للتع ّدديّة يف اآلراء
متنوعة ،ويكGGون Gمن أه Gداف هGGذه الأحGGزاب والتنظيمGGات املختلفة سياسGGية خمتلفGGة ،واليت تتبىّن إيGGديولوجيات ّ
السعي إىل الفوز بالسلطة ،والتGGداول عليها سGGلميّاً؛ فكGGان البّ Gد من وجGGود أسGGلوب حي ّدد الفGGائز الGGذي حيكم،
معارضا ،وهذا األسلوب هو تطبيق مبدإ األغلبيّةG. ً واخلاسر الذي يبقى خارج احلكم
779رسالن (نور أمحد) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص.164 .
يقرون بأمهيّة حصوهلم على األغلبية ،ويفتخـرون بGأ ّن األغلبيّة اليت يستنـدون إليهـا ال تضGGاهيها وحىت الزعماء الذين عُرفوا بالدكتاتورية ّ
780
أيّة أغلبية يف أيّة دميقراطية أخGGرى ،فهGGذا "هتلGGر" قد فGGاخر العGGامل بأنّه يمثّ Gل نسGGبة مئوية من الشGGعب ال يGGدانيها أكGGثر الزعمGGاء الGGدميقراطيني
تأييداً .الطماوي (حممد سليمان) ،النظم السياسية والقانون الدستوري (دراسة مقارنة) ،مرجع سابق ،ص.152 .
فمن مقتضGG G G G G G G G G G Gيات التع ّدديّة وجGG G G G G G G G G G Gود أغلبيّة حتكم ،وأقلية متثّل املعارضة ،واملرجع يف حتديد األغلبيّة
احلاكمة واألقليّة املعارضة ،هو اختيار الشعب.781
إذن ،فرغبة يف تنظيم املنافسة من أجل الوصGG G G Gول إىل السGG G G Gلطة ،فقد أخGG G G Gذت الدميقراطية الغربيّة هبذه
حبق املعارضة.782 مؤداها :اإلقرار حبكم األغلبيّة G،مع االعرتاف لألقليّة ّ القاعدة اجلوهرية ،واليت ّ
فوجGGود األحGGزاب السياسGGية اليت تسGGعى إىل الفGGوز بالسGGلطة ،اقتضى Gاألخذ هبذا املبGGدإ واالحتكGGام Gإليه،
Gتمرة ،تفرضGهابقصد حتديد من يكGون Gيف السGلطة ،ومن يبقى GخارجهGا ،وذلك يف عمليّة تداوليّة سGلميّة مس ّ
مبادئ الدميقراطيةG.
ثاني ((ا :إ ّن الدميقراطية Gالغربية تضع كث ً G
Gريا من املب GGادئ والقواع GGد ،بقصد تنظيم احلي GGاة السياس GGية واجملال
Gرد السGGيادة إىل صGGاحبها وهو "الشGGعب" ،والبحث عن القGGانوين الGGذي يضGGبطها ،وحي ّدد مسGGارها السياسGGي G،بّ G
اآللي GGات احمل ّققة Gهلذا الغ GGرض؛ و "مب GGدأ األغلبيّ GGة" هو من تلك اآللي GGات واألس GGاليب Gاليت تس GGعى لتحقيق تلك
لفض النـزاعات ،وحسم نتيجة املنافسة بني التنظيمGGات عالجا ّ والسلم ،واختاذه ً الغاية ،من ضمان االستقرار ّ
طوعا وعن رضى لرأي األكثرية ،والتسGGليم هلا حب ّقها يف احلكم حيفظ واجلماعات السياسية؛ Gفرضوخ األقلية ً
القوة Gللبقاء واالستمرار واالزدهار.783 اجملتمع من االنشقاق Gواالهنيار ،ويعطي النظام ّ
فلنتص Gّ G G G Gور لو أ ّن هيئة تش GG G G Gريعية دميقراطية مثّلت ك Gّ G G G Gل أقليّة ملموسة يف البالد؛ ف GG G G Gإ ّن النتيجة هي أهّن ا
ستنقس GGم ،وتسري يف متاه GGات كث GGرية ،بحيث يص GGعب تنظيمه GGا .فاهليئة التش GGريعية –إض GGافة إىل كوهنا تق GGوم
مبهمة التمثيGGل -فGGإ ّن هلا مسGGؤولية اإلبقGGاء على احلكومGGة ،وتأييGGدها G،وحفظ اسGGتقرارها ،فالب ّ Gد إذن من مجع ّ
وتنظيم وجه GGات النظر املختلفة لتك GGوين أكثرية كافية ،مت ّكن اهليئة Gالتش GGريعية Gمن احلكم ،784فتك GGوين أغلبيّة
برملانيّة أمر ضGG G G Gروري لقي GG G G Gام احلكومة Gالدميقراطية Gمبس GG G G Gؤوليّتها على أحسن وج GG G G Gه ،ض GG G G Gامنة ب GG G Gذلك التأييد
واالستقرار ،وتلك من أهداف إقرار مبدإ حكم األغلبيّةG.
Gربرات فكل ما سبق ذكره يبنّي مـدى أمهيّة "مبGGدإ األغلبيGGة" لقيـام دميقراطية حقيقيGGة ،وأنّه يستنـد إىل مّ G ّ
أهم آليات الدميقراطية الغربية. قويّة وحجج كثرية ،دعت إىل األخذ به واعتباره من ّ
عبد الوهاب (حممد رفعت) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.130-129 . 781
782رسالن (نور أمحد) ،الديمقراطية بين الفكر الفردي والفكر االشتراكي ،مرجع سابق ،ص.164 .
ح ّداد (إبراهيم) ،الديمقراطية عند العرب ،دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع ،بريوت ،د .ط ،.د .ت ،ص.32 . 783
وقد ظهرت أمهيّة حكم األغلبيّة يف حفظ االستقرار حىت عند القدامى ،فهذا "أرسطو" يقول يف كتابه "السياسيات" « :فاحلكم الشعيب
أقل عرضة للثورات من حكم األقليّة .» مرجع سابق ،ص.246 . (أي حكم األغلبيّة) ّ
ليبسون (لسلي) ،الحضارة الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.178 . 784
وقد بلغ االهتم GG Gام هبذا املب GG Gدإ يف الدميقراطية الغربية أن جعله بعض GG Gهم هو حقيقة الدميقراطي GG Gة G،فنجد
يعرف احلكومة Gالدميقراطية Gبأهّن ا « :حكومة األغلبيّة مع احرتام األقليّة.785» األستاذ "فيدل" (ّ )Vedel
فال ميكن وصف أيّة حكومة بأهّن ا حكومة دميقراطية إذا مل تأخذ مببGGدإ األغلبيGGة ،فهو احل ّد الفاصل بني
النظام الدميقراطي Gاحلقيقي ،وغريه من األنظمة األخرى.
المبحث الثالث
األغلبية ()Système majoritaire نظام
-دراس ـة وتق ـويم-
تق Gّ G Gر الدميقراطية Gالغربية باالنتخاب GG Gات كوس GG Gيلة ش GG Gرعية وقانونية الختي GG Gار ممثّلي الش GG Gعب وح ّكام GG Gه،
ولتحديد االجّت اه السياسي الذي ارتضاه الشعب للحكم لفرتة معيّنة وحم ّددة.
ويGG Gأيت تطGG Gبيق النظGG Gام االنتخGG Gايب املتعلّق بكيفيّة Gحتديد النتGG Gائج بعد إمتام عملية التصGG Gويت؛ حيث تثGG Gور
املرتشحني.
مشكلة كيفية حتديد الفائز ،واألساس الذي يف ضوئه جتري عملية توزيع األصوات بني ّ
معينًGGا ،حبسب ما تريد حتقيقه من أهGGداف ،واالعتبGGارات Gاليت تضGGعها نظاما انتخابيًا ّ
وكGّ Gل دولة تنتهج ً
يف حساهبا.
وفعGGاالً
ونظراً لكون اإلنسان Gذا فكر خالّق ،ونتيجة لسعيه الختيار النظام االنتخايب الذي يراه عادالً ّ
يف آن واحد؛ فقد تع ّددت هذه األنظمة االنتخابية.
كما أ ّن اهلدف األكرب لألنظمة االنتخابية هو اكتش GGاف األكثريّ GGة ،مع إعط GGاء متثيل ك GGاف لألقليّ GGات،
حىت تستطيع محاية نفسها بشكل مناسب.
متولي (عبد احلميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.139 . 785
ويعترب نظGGام االنتخGGاب باألغلبيّة هو أشGGهر هGGذه األنظمة وأقGGدمها ،وهو كغGGريه من األنظمة يتفGّGرع إىل
أقسام ،وله مزايا عديدة ،ولكن ال خيلو من عيوب ،كما أ ّن لتطبيقه آثاراً عديدة على خمتلف املستوياتG.
وفيما يأيت سنتناول –بإذن اهلل تعاىل -هذه األمور ،وذلك يف املطلبني اآلتيني:
(Système majoritaire relative ou لنظGGام األغلبيّة صGGورتان مها :نظGGام األغلبية GالنسGGبيّة Gأو البسGGيطة
،)simpleويطلق عليه ك GGذلك تس GGمية( :االق GGرتاع األك GGثري ذو الـدورة الواحـدة) ،وصـورته :أن ينجح يف
املخصصة للGGدائرة) الGGذين حصGGلوا على أكGGثر
ّ كGّ Gل دائGGرة انتخابية املر ّشGح أو املر ّشGحون (حبسب عGGدد املقاعد
األصGGوات .وهو نظGGام يصGGلح يف أسGGلوب االنتخGGاب الفGGردي واالنتخGGاب بالقائمة .786فGGإذا كGGان االنتخGGاب
فردي Gاً ،فإنّه يفGGوز من املر ّش Gحني املر ّش Gح الGGذي حصل على أكGGثر األصGGوات ،وإذا كGGان االنتخGGاب عن طريق
املخصصة.787
ّ يؤدي إىل فوز القائمة اليت نالت أكثرية األصوات جبميع املقاعد القائمة ،فإ ّن هذا النظام ّ
الص GGورة الثانية هلذا النظ GGام هي :نظ GGام األغلبيّة املطلقة ( ،)Système majoritaire absolueويف GGرتق
GجلنيهGGذا النظGGام عن سGGابقه يف كونه يتطلّب حصGGول املرت ّشGح أو القائمة على أكثـر من نصف أصGGوات املسّ G
املصوتني G،أي ( ،788)1 G+ % 50وهذا ما جعله يتطلّب إعادة االنتخـاب؛ وذلك إلمكانيّة Gعـدم حصـول أو ّ
املرتشـح أو القائمـة علـى هـذه النسبـة ،أي ()1 G + G G% 50؛ وهلذا مسّي هGGذا النظGGام "االقGGرتاع األكGGثري ذا ّ
الدورتني".
وسنتناول هذين النظامني –حبول اهلل تعاىل -فيما يأيت:
واحدا ،فاملنطقة االنتخابية جيب أن تكون صغرية 786عندما يطبّق االقرتاع على أساس الفرد ال جيوز أن حتمل ورقة االقرتاع إالّ امسًا ً
نوعا ما لكي ميكن أن تتمثّل مبنتخب واحد ،وقد جرت العادة يف فرنسا على تسمية هذه املنطقة "الدائرة"ّ ،أما يف االقرتاع الالّئحي ً
مسجلني على نفس الورقة أو الالّئحة .هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات
فيصوت الناخب جلماعة من املرت ّشحني ّ
ّ
السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.264 .
بدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص -.271 .هوريو (أندريه) ،املرجع السابق ،ص.265 . 787
DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 130. 788
الفرع األول :نظام األغلبيّة النسبيّة أو البسيطة ()Système majoritaire relative ou simple
هلذا النظGام خصGائص عُGرف هبا ،جعلته يتميّز عن غGريه من األنظمة األخGرى ،كما أ ّن له تطبيقGات يف
بلGGدان خمتلفة اشGGتهرت بGGه؛ وذلك ملزايGGاه اليت عُGGرفت عنGGه ،واليت تسGGعى تلك البلGGدان اليت تطبّقه إىل حتقيقها
بواسطته ،ولكن رغم ذلك فإنّه ال خيلو من بعض العيوب ،كغريه من األنظمة األخرى.
سنتعرض –بإذن اهلل تعاىل -إىل هذه العناصر: وفيما يأيت ّ
أوال :مضمون نظام األغلبيّة النسبيّة أو البسيطة
املخصصة للدائرة االنتخابيGGة) الGGذين
ّ املرشحون (بقدر عدد املقاعد املرشح ،أو ّيف هذا النظام يفوز ّ
حصGG Gلوا على أكرب ع GG Gدد من األص GG Gوات ،وذلك دون النّظر إىل جمم GG Gوع األص GG Gوات اليت حصل عليها ب GG Gاقي
املر ّشGحني ،أي حىت ولو كGGانت األصGGوات اليت حصل عليها هGGؤالء األخGGريون تزيد يف جمموعها على نصف
789
أوهلم على (80 جمموع األصوات املعطاة يف الدائرة االنتخابية .فلو فرضنا أ ّن دائرة انتخابية Gمعيّنة حصل ّ
األول هو الGGذي يف GGوز ،وذلك على 0صGGوتًا) والث GGاين 700( :ص GGوتًا) ،والث GGالث 500( :صGGوتًا)؛ فGGإ ّن املر ّش Gح ّ
الGرغم من أ ّن بGاقي املر ّشGحني قد حصGلوا على أكGثر من نصف األصGوات املعطGاة .وإذا فرضGنا أ ّن االنتخGاب
ص Gص هلا ثالثة مقاعGGد ،وأ ّن القائمة املق ّدمة من احلزب جيري على أسGGاس القائمGGة ،وأ ّن ال GGدائرة االنتخابيّة خم ّ
(أ) قد حصGG Gلت على 800( :صGG Gوتًا) ،والقائمة املق ّدمـة من احلـزب (ب) قد نالـت ( 700صGG Gوتًا) ،والقائمة
املق ّدمة من احلزب (جـ) قد حص GG Gلت على ( 500ص GG Gوتًا)؛ ف GG Gإن احلزب الف GG Gائز هو احلزب (أ) ،حيث يفGG Gوز
790
يتم يف جولة واحGGدة، ّ Gام
G ظ الن Gذا
G ه Gل
ّ Gظ يف Gاب Gخ االنت نّ أ ةالعملي
ّ Gذه
G ه خالل من ويالحظ ؛ باملقاعد الثالثة
أي يف دورة واحدة (.791)Un tour
789بدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع سGGابق ،ص G-.272 .هوريو (أندريGGه) ،القانون الدس(توري والمؤسس(ات السياس(ية ،مرجع
سابق،جـ ،1.ص.265 .
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 130
.FAVRE (pierre), La décision de majorité, op. cit., p.132
791هوريو (أندريه) ،املرجع السابق ،جـ ،1 .ص -.265 .بسيوني (عبد الغين) ،النظم السياسية (أسس التنظيم السياسي) ،منشأة
املعـارف ،اإلسكندريـة ،د .ط1991 ،.م ،ص.233 .
ثانيا :تقييم نظام األغلبيّة النسبيّة
إ ّن نظام األغلبيّة النسبيّة حي ّقق عند تطبيقه يف بعض البلدان إجيابيات عديدة ،ويف مقابل ذلك فإنّه
قد ُو ّجهت إليه ع ّ Gدة انتقGGادات؛ وذلك للعيGGوب اليت عُGGرف هبا .واجلدير بالGGذكر عند تقGGييم هGGذه اإلجيابيGGاتG
والسGGلبيات أنّه البّد من األخذ بعني االعتبGGار GاألهGGداف اليت تسGGعى إليها أيّة دولGGة ،واالعتبGGارات اليت تضGGعها
أي نظام من هذه األنظمة. يف حساهبا عند تطبيق ّ
ويمكن تلخيص مزايا وعيوب نظام األغلبيّة النسبيّة فيما يأتي:
-1مزايا( نظ((ام األغلبيّة النس((بيّة :لقد اعتُرب اجّت اه هGGذا النظGGام إىل نظGGام احلزبني من املزايا اليت حُت سب
له792؛ وذلك أل ّن الثنائية احلزبية ،مبا تؤدي إليه من فوز أحد احلزبني وتشكيل حكومته؛ تكGGون من نتيجتها
793
تبعا لGGذلك احلكومة Gتقرة ،وال تعطّلها أو تشGلّها مناقشGGات داخلية ،وتكGGون ً وجGGود أكثرية متجانسة ومسّ G
Gؤدي إىل االسGGتقرار السياسGGي G.كما أ ّن النGGاخب يف ظGّ Gل هGGذا النظGGام يGGؤثّر مباشGGرة يف القGGرار متجانسGGة ،ممّا يّ G
السياسي؛ حيث خيتار االجّت اه السياسي الGذي يرتضGيه ،بتصGويته على احلزب الGذي ميثّل ذلك االجّت اه ،وخيتGار
رئيس الوزراء الذي هو رئيس احلزب الذي متّت تزكيّته.794
هذا باإلضافة إىل ما ميتGاز به هGذا النظGام من وضGوح وبسGاطة795؛ إذ إ ّن عملية فGرز األصGوات وحتديد
Gؤدي إىل س GGرعة ظه GGور النتيج GGة، الف GGائز بس GGيطة وس GGهلة ،وال تتطلّب عملي GGات مع ّقGGدة وال وقتًا ط GGويالً؛ Gممّا ي ّ G
والذي قد يقلّل من فرص التالعب Gبالنتائج ،هذا األخري الذي يكون عGادة عنGدما تتع ّقد اإلجGراءات وتطGول
امل ّدة.
-2عي((وب نظ((ام األغلبيّة النس((بيّة :لقد تعGّ Gرض هGGذا النظGGام إىل كثري من االنتقGGادات G،منها أنّه يّ G
Gؤدي
Gديدا ،وحيايب األح GGزاب الكب GGرية على حس GGاب األح GGزاب الص GGغرية ،وقد
ظلما ش ً G
إىل ظلم األقليّ Gات السياس GGيةً G
ثبت أ ّن عدد املقاعد اليت حتصل عليها األحزاب املختلفة يف هذا النظام ال يتناسب مع األصوات اليت حتصل
دائما بنسبة من املقاعد أعلى من نسبة األصوات اليت حصGGلت كل منها؛ فتكاد األحزاب القويّة تفوز ً عليها ّ
عليهGGا ،ويف املقابل جند أ ّن األحGGزاب الصGGغرية GتفGGوز بعGGدد من املقاعد أقGّ Gل من نسGGبة األصGGوات اليت حصGGلت
ديفرجيه (موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.109 . 792
الحلو (ماجد راغب) ،الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية) ،مرجع سابق ،ص.154 . 794
بسيوني (عبد الغين) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.236 . 795
Gؤدي أحيانًG Gا إىل أ ّن احلزب ال GGذي حصل على املقاعد األك GGثر يف الربملان هو عليه GGا ،بل إ ّن ه GGذا النظ GGام قد ي ّ G
احلزب الذي حصل على األصوات ّ
األقل.796
ومن عيGGوب هGGذا النظGGام كGGذلك ،أ ّن احلزب احلاصل على األغلبيّة GالنسGGبيّة G،واليت قد تكGGون أقGّ Gل من
نصف األصوات ،يفوز بك ّGل املقاعد املتنGافس GعليهGا ،وبGذلك حترم األحGزاب من التمثيل النيGGايب ،على ال ّGرغم
من أ ّن جمم GGوع األص GGوات اليت حص GGلت عليها جمتمعة تزيد عن النص GGف.كما أ ّن نتيجة االنتخ GGاب–عمليً GGا-
أي حGزب من احلزبني املتنافسGني؛ فبتصGويتهم لصGاحل أحد تتوقف على موقف النGاخبني الGذين ال ينتمGون Gإىل ّ
يرجحونه على منافسه ،فيحصل بذلك على مقاعد الربملان.797G احلزبني ّ
وميكن الق GGول ،ب GGالنّظر إىل ك GGون ه GGذا النظ GGام ال يعطي األمهيّة لألص GGوات األخ GGرى التي متثّل األح GGزاب
جدا ،بل ميكن أن تفGGوق يف جمموعها األصGGوات اليت حصل عليها احلزب غري الفائزة ،واليت قد تكون كثرية ً
الفGG G Gائز ،إ ّن هGG G G Gذا النظGG G G Gام ال يتّفق مع الدميقراطية GالصGG G G Gحيحة اليت تقتضي أن مُي ثَّل الشGG G G Gعب متثيالً حقيقياً يف
الربملان.
ثالثا :تطبيقات نظام األغلبية النسبيّة
Gريا؛ حيث كGGانت
حىت أواخر القGGرن التاسع عشر مل تكن مسGGألة النظGGام االنتخGGايب تثري جGGدالً كبً G
الGGدول تأخذ بنظGGام األغلبيّGGة G،فكGGانت بريطانيا ومسGGتعمراهتا ،وأمريكا الالتينيGGة ،والسGGويد والGGدمنارك (قبل أن
تتحول إىل النظام النسيب) تأخذ بنظام األغلبيّة النسبيّة.798G
796بدوي (ثروت) ،النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.277 .
ومن أبرز األمثلة على ما أوردناه من أ ّن النتائج يف هذا النظام قد تكون شاذة؛ حيث يكون احلزب احلاكـم هو حـزب األقليّة ،ما حدث
العمال على أصوات أكثر من األصوات اليت حصل فعالً يف االنتخابات الربيطانية اليت أجريت يف (سنة 1951م) ،حيث حصل حزب ّ
"العمال"؛ فكانت
عليها حزب احملافظني ،ومع ذلك فقد كان عدد الدوائر اليت جنح فيها "احملافظون" أكرب من عدد الدوائر اليت جنح فيها ّ
"العمال" قد نالوا أصواتًا أكثر،
هذه النتيجة الشاذة ،وهي أ ّن حزب احملافظني توىّل الوزارة بدالً من حزب العمال ،على الرغم من أ ّن ّ
وعلى الرغم من أ ّن حزب احملافظني مل تكن له أغلبيّة الناخبني .املرجع نفسه ،ص.279 – 278 .
الحلو (ماجد راغب) ،الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية) ،مرجع سابق ،ص.154 . 797
يق GGول "م((وريس ديفرجيه" ح GGول االنتخاب GGات يف بريطانيا اليت تك GGون نتيجتها رهنًا بأص GGوات املنتخ GGبني ال GGذين ال ينتم GGون إىل أحد احلزبني،
العمGال؟
املرتددين « :ولنتسGGاءل :ما هي األصGGوات اليت تكفل النّصر يف االنتخـاب حلـزب احملافظـني ،أو حلزب ّG والGGذين يسGّ Gمون بGGاملنتخبني ّ
املتعصبني ،الذين سيقرتعون هلما مهما يكن من أمر ،لعـدم وجGود حـزب أقGرب إىل اليمني أو حGزب أقGرب إىل إهّن ا ليست أصوات األفراد ّ
اليسGGار؛ وإمّن ا سGGتكفل ألحGGدمها النّصر أصGGوات املليGGون أو املليGGونني من اإلجنلGGيز املعتGGدلني الGGذين يقعGGون GسياسGGيًا يف الوسGGط؛ فتGGارة يقGGرتعون
للمحافظني ،وتارة للعمال . » .مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.108 .
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 129 798
فGGاالقرتاع الفGGردي األكGGثري ذو الGGدورة الواحGGدة هو النظGGام الGGذي تطبّقه بريطانيا ،والواليGGات GاملتحGGدة
األمريكية ،وبلدان الكومنولث.799
معتم ًGدا يف بريطانيا دومنا انقطGاع منذ القGرن
وقد اشتهر النظGام السياسي GاإلجنلGيزي هبذا النظGام؛ فكGان َ
الثGGالث GعشGGر؛ وذلك نظGGراً أل ّن االقGGرتاع GالختيGGار املمثّلني يف الربملان اعتُرب كعبء جيب التخلّص منه بأسGGرع
ما ميكن؛ فك GGان ه GGذا النظ GGام هو املناسب لتحقيق ذل GGك ،إذ فيه تُتجنّب ال GGدورة الثانية Gمن االنتخاب GGات ،وقد
احتُفظ هبذا النظام فيها حفاظًا على الرتاث ،وملا يظهر فيه من حماسن.800
األول ملب GGدإ األغلبيّ GGةG،
إذن ،فنظ GGام األغلبيّة النس GGبيّة Gهو من أق GGدم األنظمة يف ه GGذا اجملال ،وهو التط GGبيق ّ
الGG Gذي أ ُّرخ له ظهGG Gوره -كنظGG Gام مطبّGG Gق -بGG Gالقرن الثGG Gالث Gعشر ،801وهو تGG Gاريخ بداية عمل بريطانيا بنظGG Gام
األغلبيّة النسبيّة G،الذي ال يزال مطبّقاً عندها إىل اآلن.
Gدل لنا بس GGاطته على أنّه من أق GGدم تلك األنظم GGة؛ نظ Gً Gرا أل ّن األنظمة –ع GGادة -تب GGدأ بس GGيطة غريكما ت ّ G
املستمرة.
ّ تبعا للظروف املستج ّدة واالكتشافات تتجه حنو التعقيدً ، مع ّقدة ،مث ّ
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.276 . 799
802التعبري عن األغلبيّة املطلقة بأهّن ا تتطلّب للفGGوز باالنتخابGGات احلصGGول على نصف عGGدد األصGGوات +واحGGد ،أي ()1+ %50صGGوتاً يكGGون
وأما إذا ك GGان الع GGدد فرديً GGا ،فإنّه
Gحيحا إذا ك GGان ع GGدد األص GGوات الص GGحيحة زوجيًا ( 100ص GGوت مثالً) ،إذ يل GGزم للف GGوز Gهنا 51ص GGوتًا؛ ّ
صً G
ن عGدد األصGوات هو ،101فالنّصف هو ½ ،50,ويلGزم 51 يكفي للفوز احلصول على نصف عGدد األصGوات الصGحيحة ( G½ G+لنفرض أ ّ
األدق أن يقGGال يف احلالتني أنّه يلGGزم احلصGGول على أكGGثر من نصف عGGدد األصGGوات الصGGحيحة املعطGGاة .انظGGر :البنّـا (حممGGود
صGGوتًا)؛ لGGذلك ّ
ص.324. عاطف) ،الوسيط في النظم السياسية ،دار الفكر العريب ،مصر ،ط1414 ،2.هـ1994-م،
.FAVRE (pierre), op. cit., p.129 803
مبجGّ Gرد حصGGول أحد املرت ّش Gحني على أكثرية األصGGوات بالنسGGبة لبقيّة املرت ّش Gحني منفGGردين ،بل يلGGزم لفGGوزهم
احلص GGول على أص GGوات تزيد عن جمم GGوع األص GGوات اليت حصل عليها ب GGاقي املرت ّش Gحني جمتمعني .ففي املث GGال
األول
ال ّس Gابق ،ال GGذي ذكرن GGاه عند احلديث عن األغلبيّة Gالنس GGبيّة G،يل GGزم هن GGاك إع GGادة االنتخ GGاب بني املرت ّش Gح ّ
واملرت ّشGح الثGGاين ،أو بني القائمة (أ) والقائمة (ب) ،ويكGGون الفGGوز ملن حيصل منهمGا على أكثرية األصGGوات.
Gؤدي إىل ف GGوز املرت ّش Gح الث GGاين( ،أو القائمة الثاني GGة)؛ وذلك ب GGأنG ه GGذا مع املالحظة ب GGأ ّن إع GGادة االنتخ GGاب قد ت ّ G
املرتشح الثاين؛ فيفوز هذا األخري ،على الGGرغم من أنّه كGGان يف الGGرتتيب GالثGGاين يف املرتشح الثالث مع ّيتحالف ّ
الدورة األوىل.804
ولنض GGرب مث GGاالً آخر للتوض GGيح أك GGثر :إذا ك GGان هن GGاك ثالثة مرت ّشG Gحني (أو ثالث ق GGوائم انتخابي GGة) Gيف
األول على أربعة آالف ( )4000ص GGوتًا ،والث GGاين عـلى ألفني ومخسمائـة ()2500 ال GGدائرة االنتخابي GGة ،وحصل ّ
ص GG Gوتًا ،والثGG G Gالث Gعلى ألف ( )1000صGG G Gوتًا؛ فGG G Gذلك يعين أ ّن املرت ّش G G Gح األول هو الGG G Gذي يف GG Gوز مبقعد ع GG Gدد
األول عـلى ثالثـة آالف ()3000 األصGG Gوات الصGG G Gحيحة املشGG G Gرتكة Gيف االنتخابGG G Gات؛ ّأما لو حصل املرت ّشG G Gح ّ
صGGوتًا ،والثGGاين على ألفني ومخسGGمائة ( )2500صGGوتًا ،والثGGالث على ألف ( )1000صGGوتًا؛ فGGذلك يعين أنّه مل
يفز أحد مبقعد الGGدائرة؛ أل ّن أيّ Gاً من املرت ّش Gحني الثالثة مل يتم ّكن من احلصGGول على األغلبية املطلقGGة ،والGGذي
حيصل يف هذا احلال هو أن يعاد االنتخاب بني املرت ّشGح األول واملرت ّشGح الثGاين ،أي أ ّن عملية االنتخGاب تتـ ّم
يف دورتني (.805)Deux tours
ثانيا :تقييم نظام األغلبية المطلقة
هGGذا النظGGام مثل سGGابقه ،من حيث أنّه يتضGّ Gمن إجيابيGGات تسGGعى البلGGدان اليت تطبّقه إىل حتقيقها يف
وجه إليه الفقهاء والسياسيون عّ Gدة انتقGGادات ،للعيGGوب واآلثGGار السGGلبيّة اليت تنتج عند
ظلّه ،ولكن رغم ذلك ّ
تطبيقه .وفيما يأيت تفصيل يف هذه املزايا والعيوبG:
-1مزايا( نظام األغلبيّة المطلق(ة :يشGGرتك هGGذا النظGGام مع النظGGام ال ّسGابق يف أ ّن كالً منهما يّ G
Gؤدي إىل
806
ظل هGذا النظGامّ ،إما أن تتشّ Gكل من حGزب حاصل على
ّ يف احلكومة ن
ّ أل وذلك ؛ إقامة حكومة متجانسة
وإما أن تتش ّكل من ائتالف أحزاب متقاربة يف االجّت اه.807
أغلبيّة املقاعد يف الربملانّ G،
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 129 811
صG Gا االق GGرتاع
وقد جGّ G Gربت فرنسا كثGG Gرياً من األنظمة االنتخابيGG Gة ،ولكنّها –بوجه عGG Gام -طبّقت Gخصو ً
األكGGثري ذا الGGدورتني (أي نظGGام األغلبيّة GاملطلقGGة)812؛ حيث أخGGذت به يف ظGّ Gل اجلمهورية اخلامسGGة ،وذلك
Gتمر مطب ًقا منذيف انتخابات جملس النGواب( GاجلمعيGة الوطنيGة) G،وأيضGاً يف دسGتور اجلمهورية الثالثGة G،الGذي اس ّ
عام 1875م حىت احلرب العاملية الثانية G.واعتنقت هذا النظام كذلك الدول املاركسية (ساب ًقا) ،حيث حيصل
األول؛ فال حتدث انتخاب GGات إع GGادة ،نظ GGراً لس GGيطرة
فيها املر ّشG Gح على األغلبيّة Gاملطلقة لألص GGوات من ال GGدور ّ
احلزب الشيوعي Gالواحد.813
وقد أخذ املشGّ Gرع اجلـزائري بنظـام األغلبيّة املطلقة بالنسGGبة لالنتخـابات الرئاسGGية والتشGGريعية Gيف قGGانون
االنتخابات رقم 06-91الصادر يف 02 :أفريل 1991م.814
تتزعمه فرنس GGا ،وإن ك GGان تطبيقه فيها مل يكن بص GGفة دائمة ونالحظ ممّا س GGبق ذك GGره ،أ ّن ه GGذا النظ GGام ّ
ومستمرة ،كما نال تطبي ًقا واسعاً يف كثري من الدول األوربيّة G،ولكن بعد ظهور نظGGام التمثيل النسيب جلأت ّ
كثري من هذه الدول إىل هذا النظام.
لتط GGبيق نظ GGام األغلبيّة بص GGورتيه (النس GGبيّة واملطلق GGة) آث GGار واض GGحة على النظ GGام السياس GGي G،وتب GGدو ه GGذه
وضوحا وخطورة يف جمال التمثيل النيايب ،والنظام احلزيب. ً اآلثار أكثر
نتعرض –حبول اهلل تعاىل -إىل هذه اآلثار يف هذين اجملالني: وفيما يأيت ّ
812هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.275 .
ص.153. 813الحلو(ماجد راغب) ،الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية) ،مرجع سابق،
814شريط (األمني) ،الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة ،ديوان املطبوعات اجلامعيـة ،اجلزائـر ،د .ط،
1998م ،ص.231 .
وإ ّن النظGGام الني GGايب (وهو إحGGدى صGGور الدميقراطية الغربيّ GGة) يفGGرتض يف اهليئة املمثّلة للش GGعب (الربملان)
أن تك GGون Gم GGرآة ص GGادقة تعكس ال GGرأي الع GGام ،وتعرّب عن االجّت اه GGات املختلفة للش GGعب ،وما متثّله من أح GGزاب
متنوعة.815G
ومذاهب ّ
Gؤدي إىل قيGG Gام أغلبيّة برملانية ال متثّل األغلبية الشGG Gعبيّة؛ Gوذلك ألنّه يكفي Gيف ولكن نظGG Gام األغلبيّة قد يّ G G
ظGّ Gل هGGذا النظGGام حصGGول حGGزب معنّي على أكGGثر من نصف األصGGوات يف أكGGثر من نصف الGGدوائر االنتخابيةG
حىت يف GGوز باألغلبيّة الربملاني GGة ،في ال GGوقت ال GGذي قد يك GGون Gفيه احلزب املن GGافس قد حصل مثالً على ()% 95
من األصGG Gوات يف بقية الGG Gدوائر ،وال تكGG Gون له مع ذلك أغلبيّة املقاعGG Gد ،أي أ ّن حGG Gزب األقليّة يف الربملان قد
تكون له أغلبيّة من الشعب تزيد عن ( )% 70من جممGوع النGاخبني؛ ففي مثل هGذا النظGام يثGور التسGاؤل عن
مGG Gدى دميقراطيتGG Gه ،وعن مGG Gدى حتقيق القGG Gوانني الصGG Gادرة عن هGG Gذا الربملان ألهGG Gداف الشGG Gعب ،وهنا اجلواب
سGGيكون بGGالنفي G،والسGGيّما إذا كGGان صGدور القGGانون Gبأغلبيّة ضGGعيفة؛ ممّا يدعـو إىل التأكيد يف هGGذه احلالة على
أ ّن هذا القانون Gخيالف رغبات األغلبيّة Gالشعبيّة.816
Gليب على التمثيل النيGGايب ،نظ ًGرا لذلك ميكن القول إ ّن تأثري نظام األغلبيGة بصGورتيه( GالنسGبيّة GواملطلقGة) س ّ
يؤدي إىل تشكيل برملان ال ّميثل بصدق فئGGات الشGGعب ،وال يشّ Gكل صGGورة صGGادقة عن اجملتمع الGGذي ألنّه قد ّ
صG G G Gادرة عن هGG G Gذا الربملان G،واليت جيب أن تكGG G Gون Gموافقة لتطلّعـاتميس بشGG G Gرعية القGG G Gوانني ال ّ
ميثّل GG Gه؛ ممّا قد ّ
Gؤدي إىل االس GG Gتقرار
الش GG Gعب ،ه GG Gذا مع ع GG Gدم إنكـار ما حي ّققه نظـام األغلبية من أكثرية متجانس GG Gة؛ ممّا ي ّ G G
السياسي ،والذي يعترب من أهداف الدميقراطية كGGذلك ،ويبقى ذلك الظلم لألقليّGGات السياسGية Gتعاجله وسGGيلة
التGGداول؛ حيث تبقى األقليّة واألغلبيّة تتبGGادالن األدوار يف السGGلطة واملعارضGGة ،وهكGGذا تكGGون الفGGرص مواتيةG
ومتكافئة لتويّل احلكم بالتداول.
المبحث الرابع
()La représentation proportionnelle نظام التمثيل النسبي
ديفرجيه(موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.158 . 821
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.336 . 823
نظGراً للعيGGوب والسGGلبيات اليت ظهGGرت يف نظـام األغلبيّة Gبصـورتيه (املطلقة والنسGGبيّة) ،منـها ما ذكرنGGاه
يؤدي إىل تكوين برملان ال ميثّل الشGGعب متثيالً صGGادقًا ،وال يعكس من ظلم لألقليّات السياسية ،وإمكانيّة أن ّ
Gريا ما حيدث يف ظGّ Gل هGGذا النظGGام أن ال يكGGون GهنGGاك توافق ثقل األحGGزاب السياسGGية Gيف اجملتمGGع؛ حيث إنّه كثً G
بني عGG G G G Gدد األصGG G G G Gوات اليت حيصل عليها احلزب وبني املقاعد اليت حيصل عليها يف الربملان ،فقد ظهر نظGG G G Gام
التمثيل النسيب بقصد معاجلته تلك العيGGوب ،فكGGان أن ح ّقق بعض ما يُGGراد منGGه ،ولكن -كغGGريه من األنظمة
األخرى -ال خيلو من سلبيات يف جوانب أخرى.
ولدراسة ه GG Gذا النظ GG Gام ،وتن GG Gاول تطبيقات GG Gه G،وص GG Gوره املختلف GG Gة ،وتقوميه ،واإلحاطة باملسGG Gائل األخGG Gرى
قسمنا هذا املبحث على النحو اآليت: ّ
املتعلقة به ،فقد ّ
المطلب األول :ونـتـط ّـرق فـيـه إىل مضـمـون نظـام التمثيـل النسـيب.
المطلب الثاني :ونـتـنـاول فـيـه تـطـبـيق ــات هـذا الـنـظـام.
المطلب الثالث :ونتـعـرّض فيـه إىل الـصـور املخـتـلفة لـهـذا النـظـام.
المطلب الرابع :ونتحدّث فيه عن طرق توزيع املقاعد النيابية Gبني القوائم يف هذا النظام.
حل مشكلة باقي األصـوات يف هذا النظـام . المطلب الخامس :ونتعرّض فيه إىل طرق ّ
أهم مـزايـاه وعيـوبه.
نتطرق إىل تقـومي هذا النظـام ،ببيان ّ المطلب السادس :وفيه ّ
المطلب السابع :ونتح ّدث فيه عن التفاضل بني نظـام األغلبية Gونظـام التمثيل النسيب.
يرتبط نظام التمثيل النسيب باالنتخاب بالقائمGGة ،فهو يتماشى مع هGGذا األسGGلوب فقGGط ،دون أسGGلوب
ويتم تط GG Gبيق نظ GG Gام التمثيل النسيب عن طريق توزيع ع GG Gدد املقاعد يف الGG Gدائرة االنتخابيةG
االنتخGG Gاب الفGG Gرديّ .
الواحدة بنسبة عدد األصوات اليت حصلت عليها ك ّGل قائمة من القGGوائم املتنافسةG؛ فلو افرتضGنا –على سGبيل
معينGGة G،وحصGGلت القائمة األوىل املثGGال -أ ّن هنGGاك ثالث قGGوائم تتنGGافس على عشGGرة مقاعد يف دائGGرة انتخابيةّ G
على ستة آالف ( )6000صوتاً ،والقائمة الثانيـة على ثالثة آالف ( )3000صوتا ً،والثالثة Gعلى ألف ()1000
Gتوزع بنس GGبة ع GGدد األص GGوات اليت حص GGلت عليها ك Gّ Gل قائم GGة ،أي أ ّن القائمة
ص GGوتاً؛ ف GGإ ّن املقاعد العش GGرة س ّ G
األوىل ستفوز بستة ( )6مقاعد ،والقائمة الثانية بثالثة )3( Gمقاعد ،والقائمة الثالثة Gمبقعد واحد.824
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 132 824
وهنا نالحظ الف GG Gرق يف طريقة توزيع املقاعد ،حبسب ع GG Gدد األص GG Gوات ،ما بني نظGG G Gام التمثيل النسيب
األول (احلاصل على أغلبيّة ونظ GG Gام األغلبيّ GG G Gة G،ففي احلالة الس GG G Gابقة لو طبّقنا نظ GG G Gام األغلبيّ GG G Gة ،لك GG G Gان احلزب ّ
األص GGوات) هو الف GGائز باملقاعد العش GGرة كلّه GGا ،ف GGالفرق هنا واضح وكب GGري ،وس GGتكون Gاآلث GGار والنت GGائج– Gتبع Gاً
لذلك -خمتلفة ومتباينة سياسياً وقانونياً.
يف النّصف الث GGاين من الق GGرن التاسع عشر ب GGدأ الفقه GGاء واملنظّ GGرون Gيلفت GGون النّظر إىل فك GGرة التمثيل
ويطوروهنا ،فأخ GG Gذت هبذا النظ GG Gام بعض املقاطع GG Gات السويس GG Gرية ،اليت ب GG Gدأ تطبيقه فيها تباع G Gاً منذ
النس GG Gيبّ ،
وأقرته بلجيكا يف س GG Gنة 1899م ،والس GG Gويد يف س GG Gنة 1908م ،مث انتشر يف كثري من دول أوربا الغربيّة 1891مّ ،
ص Gادر س GGنة 1919م ،وطبّقته ك GGذلك ك Gّ Gل من بعد احلرب العاملية Gاألوىل ،فأخذ به الدس GGتور األملاين (فيم GGر) ال ّ
هولن GGدا ،وال GGنرويج ،وال GGدامنارك ،وسويس GGرا ،وإيطاليا (قبل النظ GGام الفاش GGي) ،وأخ GGذت به بعد احلرب العامليةG
كل من فرنسا (وتراجعت عنـه يف 1958م) ،وأملانيا الغربية ،وإيطاليا؛ ّأما يف أمريكا فإ ّن هذا النظام مل الثانية ّ
رواجا حىت اليوم ،وعلى العموم فإ ّن نظام التمثيل النسيب طُبّق بصفة حمدودة خارج أوربا.825 ً يلق فيها
ومن خالل ما س GGبق ،ميكن الق GGول إ ّن مركز تط GGبيق ه GGذا النظ GGام هو ق GGارة أورب GGا ،الس GGيّما اجلزء الغ GGريب
حتولت إليه بعد أن جGّGربت منها (أوربا الغربيّة) ،وكذا الGGدول اإلسGGكندنافية ،وإ ّن جGّ Gل الGGدول اليت طبّقته قد ّ
نظام األغلبيّة G،وقد نال هذا النظام رواجاً يف الوقت احلاضر ،وأخذت به كثري من الدول النامية.
لنظ GGام التمثيل النسيب ص GGور متعّ G Gددة ،وختتلف فيما بينها حبسب م GGدى احلرية اليت ترتكها للن GGاخب يف
املرشحني ،منها التمثيل النسيب مع القوائم املغلقة ( ، )bloquées Listesوالتمثيل النسيب مع إمكانG اختيار ّ
بس((يوني (عبد الغ GGين) ،النظم السياس((ية ،مرجع سGGابق ،ص - G .235-234بـدوي (ث GGروت) ،النظـم السياسيـة ،مرجع سابـق ،ص-273 .
- .274البنّا (حممود عاطف) ،الوسيط في النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص .325
.DUVERGER (Maurice), op. cit., pp. 129-130 825
بدوي( ثروت) ،املرجع السابق ،ص .276
البنّا (حممود عاطف) ،املرجع السابق ،ص .330
،)Voteوفيما يGG Gأيت التفض GG Gيل(préférentiel املزج بني الق GG Gوائم ،)Panachage( Gوأس GG Gلوب التص GG Gويت مع
نتطرق –بإذن اهلل تعاىل -إىل هذه الصور املختلفة : ّ
المطلب الرابع :طرق توزيع المقاعد النيابية بين القوائم في نظام التمثيل النسبي
من الناحية النّظرية يظهر لنا أ ّن التمثيل النسيب بسGGيط جGً Gدا ،ولكن تطبيقه واقعيًا أمر بGGالغ الدقGGة؛
دائم GGا،
وذلك أل ّن القGG Gوائم املتنافسة Gيف االنتخابGG Gات متع ّ G Gددة ،ونسGG Gبة األصGG Gوات إىل املقاعد ليست بسGG Gيطة ًG
احلل.832
الصعبة ّ إضافة إىل وجود مسألة توزيع األصوات ّ
فهGGذا النظGGام يتطلّب دقّة يف التطGGبيق ،وهو ال خيلو من صGGعوبات عملية يف توزيع املقاعد حبسب عGGدد
احملصل عليها.
األصوات ّ
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.266-265 . 832
تاما.833
حىت إنّه ال ميكن تطبيق نظام التمثيل النسيب تطبي ًقا حسابيًا ً
ولقد ُوجدت طرق متع ّددة لتوزيع املقاعد النيابية Gبني القوائم ،واملتمثّGلة فيما يأيت:
المتوسط االنتخاب(ي ّ أوال :طريقة
املتوسط االنتخايب من قسمة عدد األصوات الصحيحة املعطاة يف الدائرة االنتخابية على يستخرج ّ
عـدد املقاعـد الربملانية املتن GGافس Gعليه GGا .ف GGإذا فرض GGنا مثالً أ ّن ع GGدد ه GGذه األصـوات هو مائة ألف ()100,000
عشـرا؛ فGGإ ّن املتوسـط االنتخـايب يكـون عشـرة آالف ()000,10صGGوتاً ،وحتصل صGGوتًا ،وكGGان عGGدد املقاعد ً
Gوما على هGG G Gذا املتوسط
كGّ G G Gل قائمة على عGG G G Gدد من املقاعد يسGG G G Gاوي ما حصGG G G Gلت عليه من أصGG G G Gوات مقسً G G G G
االنتخايب.834
ثانيا :طريقة المتوسّط القومي
ينتج ه GGذا املتو ّسG Gط من قس GGمة ع GGدد األص GGوات الص GGحيحة اليت أعطيت يف االنتخاب GGات ،يف مجيع
الGG Gدوائر االنتخابية GبالدولGG Gة ،على عGG Gدد املقاعد املراد شGG Gغلها باالنتخGG Gاب .فGG Gإذا فرضGG Gنا مثالً أ ّن عGG Gدد هGG Gذه
األصوات قد بلغ أربعة ماليني صوتًا يف مجيع الدوائر االنتخابيّة G،وكان عGGدد املقاعد الربملانية املتنGGافس Gعليها
املتوسط القومـي Gيكـون مثانيـة آالف ( )8000صGGوتًا ،وحتصل كGّ Gل قائمة مقعدا؛ فإ ّن ّ قد بلغ مخسمائة (ً )500
Gوما على ه GG Gذا املتو ّسG G GطG
من الق GG G Gوائم املتنافسة Gعلى ع GG G Gدد من املقاعد يع GG G Gادل ما مجعت من أص GG G Gوات مقس ً G G G
القومي.835
الموحد (العدد( أو الرقم المطّرد) ّ ثالثا :طريقة العدد
وهGGذا الGGرقم املطGّ Gرد هو رقم حم ّدد سGGل ًفا ،وواحد يف كGّ Gل منGGاطق الدولGGة ،وحتصل كGّ Gل الئحة على
عدد من املر ّشحني املنتخبني مبقدار ما حيتوي ما نالته من أصوات من هذا العدد املطّرد.836
وموحد على مس GGتوى الدولة قبل ّ ولتوض GGيح ه GGذه الطريقة أك GGثر نق GGول :إهّن ا تقتضي Gحتديد ع GGدد معنّي
إجGGراء االنتخاب GGات؛ حيث حتصل كGّ Gل قائمة من الق GGوائم املتنافسة Gعلى ع GGدد من املقاعد الربملانية يس GGاوي ما
البنّا (حممود عاطف) ،الوسيط في النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.325 . 833
الحلو (ماجد راغب) ،الدولة في ميزان الشريعة (النظم السياسية) ،مرجع سابق ،ص.155 . 834
المطلب الخامس :طرق حلّ مشكلةباقي األصوات في التمثيل النسبي (تنسيب البقايا)
إنّـه من النGG Gادر جGً G Gدا –وإن مل يكن مسGG Gتحيالً نظريًGG Gا -أن يقبل عGG Gدد األصGG Gوات ،اليت حص GGلت عليها
Gاق؛ حيث يبقى Gع GGادة ع GGدد من القائم GGة ،القس GGمة على الع GGدد ال GGذي ميثّل املتوسG Gط أو الع GGدد املوحد دون ب ٍ G
ّ ّ
كل قائمة دون أن تستفيد منه يف متثيلها النيايب. األصوات حصلت عليه ّ
وعلى سGG G Gبيل املثGG G Gال ،إذا حصGG G Gلت قائمة على تسGG G Gعة ومخسني ألف صGG G Gوت يف انتخاب GG Gات متوس ّG Gطها
االنتخايب عشرة آالف ( ،)000,10فإهّن ا ستفوز خبمسة مقاعـد ،ويبقى Gمن أصـواهتا تسعـة آالف ( )9000ال
حتسـب هلا ،ألهّن ا مل تبلـغ النصـاب احملـ ّدد ،وهو عشـرة آالف (.)000,10
ص Gله –بGGإذن اهلل تعGGاىل-
فتتم عملية توزيع تلك البقايا من األصGGوات وفق طGGرق متع ّ Gددة ،وهو ما سنف ّ ّ
فيما يأيت:
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.266 . 838
البنّا (حممود عاطف) ،الوسيط في النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.328 . 840
شريط (األمني) ،الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة ،مرجع سابق ،ص.234 . 841
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., pp. 134-135 842
البنّا (حممود عاطف) ،الوسيط في النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.326 . 843
ولتوضيح كيفية تنسيب Gهذه البقايا G،نضرب املثال اآليت:844
ن عشGGرين أل ًفـا (000
إذا افرتضنا وجود مخسة ( )5مقاعد ،ومائة ألف ( )000,100صوتاً؛ فهذا يعين أ ّ
املوحد للحصGول على مقعد واحGد؛ فGإذا افرتضGنا حصGول أحد األحGزاب على مخسني ألف ),20هي العGدد ّ
( )000,50ص GGوتًا ،فإنّه حيصل على مقع GGدين ،ويبقى Gله عش GGرة آالف ( )000,10ص GGوتًا ،وال GGذي حيصل على
املقاعد األخرى هو احلزب الذي حصل على أكثرية األصوات.
ولنفرتض املسألة Gاآلتية:
حزب (أ) = 43000صوتًا ،حزب (ب) = 28000صوتًا ،حGGزب (جـ) = 19000صGGوتًا ،حGGزب (د)
= 10,000صوتًا؛ فمجموع األصوات هو 000,100 :صوتًا.
املوحد هو = 000,20صوتًا؛ وذلك لوجود مخسة مقاعد. والعدد االنتخايب ّ
فالتوزيع يكون Gكاآليت:
حزب (أ) = 43000صوتًا = مقعدان ،ويبقى 3000 Gصوتًا.
حزب (ب) = 28000صوتًا = مقعد واحد ،ويبقى 8000صوتًا.
حزب (جـ) = 19000صوتًا = ال مقعد ،ويبقى العدد كما هو.)19000(:
حزب (د) = 000,10صوتًا = ال مقعد ،ويبقى Gالعدد كما هو.)000,10(:
ونالحظ أ ّن أكثر األصوات الباقية موجودة عند احلزب (جـ) ،الذي نGGال 19000صGGوتًا ،واحلزب (د)
الGGذي نGGال 000,10صGGوتًا ،وبتطGGبيق نظGGام البGGاقي األكGGرب؛ فGGإ ّن احلزبني السGGابقني ،أي (جـ) و (د) حيصل كGّ Gل
املخصصة لتلك الGG G G Gدائرة قد ُو ّزعت كلّها على
ّ منهما على مقعد واحGG G G Gد ،وهكGG G G Gذا تكGG G G Gون املقاعد اخلمسة
صG Gل عليها يف االنتخ GGاب .ونالحظ ك GGذلك يف ه GGذا خمتلف الق GGوائم (األح GGزاب) بنس GGبة ع GGدد األص GGوات احمل ّ
املوحد دون أنالنظ GGام أنّه يف ص GGاحل احلزب ال GGذي حيصل على أق Gّ Gل األص GGوات ،واليت تك GGون قريبة من الع GGدد ّ
تصل إليه ،حيث ترتك له بقيّة كثرية.
إذن ،فه GGذه الطريقة ختدم األح GGزاب الص GGغرى ،اليت ميكنها أن جتمع ع GGدداً من األص GGوات ذات قيم GGة،
ولو مل تصل إىل الرقم احلاصل ،أو الرقم املطّرد.845
844بوشعير (سعيد) ،القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.116 .
845هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.266.
فعيب هGGذه الطريقة هي تشGGجيعها لألحـزاب الصGGغرى على حسGGاب األحـزاب الكبGGرية ،فهي ال حت ّقق
العدالة بني األحزاب.846
ثانيا :نظام المع ّدل( األقوى ( )Système de plus forte moyenne
وهو مثل سGGابقه ،يف كونه يعتمد على أسGGلوب اجلمع يف إطGGار كGّ Gل دائGGرة انتخابيGGة G،ويسGّ Gمى هبذا
االسم ألنّه يعتمد على أسلوب منح املقاعد املتبقية Gحسب املع ّدل األقوى.847
ممثالً
وهGGذا النظGGام أكGGثر حتقي ًقا للعدالة من سGGابقه؛ أل ّن مقتضGGاه Gتوزيع املقاعد حبيث يصGGبح كGّ Gل مقعد ّ
األويل (على أسGGاس القاسم االنتخGGايب) ،كما يف ويتم ذلك بGGإجراء التوزيع ّ ألكرب عدد ممكن من األصGGواتّ ،
تباعGا ،وحبسب متوسط نسGبة النظام ال ّسGابق ،مثّ نفGرتض أ ّن املقعد املعلّق قد أعطي لك ّGل من القGوائم املتق ّدمةً G
متثيل املقعد الواحد يف كGّ Gل قائمة (أي نسGGبة عGGدد األصGGوات املعطGGاة للقائمة إىل عGGدد املقاعد اليت نالتهGGا ،مبا
فيها املقعد االفرتاضي) G،ومينح املقعد املعلّق للقائمة اليت تتميّز بأكرب متوسط لنسبة التمثيGGل ،وإذا ُوجد هنGGاك
يوزع بتلك الطريقة ،وهكذا.848 مقعد معلّق ثان ّ
وإذا طبّقنا Gاملثال السابق على هذا النظام يكون Gتوزيع املقاعد كما يأيت:849
ص G Gل على مقعد ص G Gل احلزب(أ) على مقعGG Gدين ،حلصGG Gوله على 43000صGG Gوتًا ،واحلزب (ب) يتح ّ يتح ّ
األول؛ وذلك أي مقعد يف التوزيع ّ واحGG Gد ،حلص GG Gوله على 28000ص GG Gوتًاّ ،أما احلزب (جـ) فال حيصل على ّ
املوحد لألص GGوات وهو ،000,20وك GGذلك احلال بالنس GGبة للح GGزب (د) .وعند لع GGدم بلوغه الع GGدد االنتخ GGايب ّ
مواصلة عملية التوزيع وفق نظام املع ّدل األقوى نتبّع اخلطوات اآلتية:
نق GGوم بتوزيع مقعد مف GGرتض ،وال GGذي ميلك معّ G Gدالً أق GGوى يف GGوز باملقعد الراب GGع ،مثّ نتبّع العملية نفس GGها
لتوزيع املقعد اخلامس ،وذلك على النحو اآليت:
املوح GGد) زائد
احلزب (أ) احلاصل على 43000صGG Gوتًا يفGG Gوز ّأوالً مبقعGG Gدين (حسب العGG Gدد االنتخGG Gايب ّG
كل مقعد تقريبًا هو( 14333 :بقسمة 43000على .)3 مقعد واحد (املفرتض)؛ Gفيكون مع ّدل ّ
املوحGد)
احلزب (ب) احلاصل على 28000صGGوتًا يفGGوز أوالً مبقعد واحد (حسب العGGدد االنتخGGايب ّG
كل مقعد هو( 14000 :بقسمة 28000على .)2 زائد مقعد واحد (املفرتض)؛ Gفيكون مع ّدل ّ
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 134 846
847
.Ibid., pp. 134-135
البنّا (حممود عاطف) ،الوسيط في النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.327. 848
849بوشعير (سعيد) ،القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.117.
Gأي مقعد (حسب الع GG Gدد االنتخ GG Gايب احلزب (جـ) احلاصل على 19000ص GG Gوتًا ال يف GG Gوز يف البداية Gب ّ G G
(مفرتضا) ،ويبقى Gالعدد كما هو .19000 ً املوحد) ،ونزيد له مقعداً
ّ
Gأي مقعد كGG G G G Gذلك (حسب الع GG G Gدد احلزب (د) احلاصل على 000,10صGG G G G Gوتًا ال يفGG G G G Gوز يف البداية Gبّ G G G G G
(مفرتضا) ،ويبقى Gالعدد كما هو .000,10 ً املوحد) ،ونزيد له مقعداً واحداً
االنتخايب ّ
والنتيجة تك GGون كما ي GGأيت :يف GGوز الحG Gزب (جـ) باملقعد الرابع املتن GGافس Gعلي GGه ،أل ّن له معّ G Gدالً أق GGوى (
،)19000وحيصل على املقعد اخلامس احلزب (أ) ،أل ّن مع ّدله أق GG G Gوى باملقارنة مع غ GG G Gريه من الب GG Gاقني ،وهو
14333تقريبًا.
وهبذا يكGGون Gمن نصGGيب Gاحلزب (أ) ثالثة مقاعGGد ،واحلزب (ب) :مقعد واحGGد ،واحلزب (جـ) :مقعد
بأي مقعد.
واحد ،واحلزب (د) :ال يفوز ّ
واملالحظ على هذا النظام أنّه أكثر تعقيداً ،كما أنّه خيدم األحزاب الكربى.850
ومن خالل تلك النت GGائج ال ّسG Gابقة ،وباملقارنG Gة مع نت GGائج النظ GGام ال ّسG Gابق ،نالحظ م GGدى ما حي ّققه نظ GGام
احملصل عليها.
املع ّدل األقوى من عدالة يف توزيع املقاعد حبسب نسبة األصوات ّ
851شريط (األمني) ،الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة ،مرجع سابق ،ص.236 .
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 135 852
.329-328 البنّا (حممود عاطف) ،الوسيط في النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص . 853
احلزب (د) احلزب (جـ) احلزب (ب) احلزب (أ) التقسيم على
000,10 19000 28000 43000 ...1
5000 9500 14000 21500 ...2
3333 6666 9666 14333 ...3
2500 4750 7000 10750 ...4
فاألعGG G G G Gداد الكGG G G G Gربى املتتالية Gحسب املقاعد اخلمسة هي14333-19000-21500-28000-43000 :؛
فيكون لنا مخسة أعداد ،ويكون Gتوزيع املقاعد كاآليت:
احلزب (أ) = : 14333 / 43000ثالثة مقاعد
احلزب (ب) = : 14333 / 28000مقعد واحد
احلزب (جـ) = : 14333 / 19000مقعد واحد
احلزب (د) = : 14333 / 000,10ال مقعد
والGGذي نالحظه على هGGذه النتGGائج أهّن ا نفس نتGGائج تطGGبيق نظGGام املعّ Gدل األقGGوى؛ وهلذا ميكن القGGول بGGأ ّن
Gؤدي تطبيقها إىل نتGGائج مشGGاهبة لنتGGائج طريقة املعـ ّدل األقـوى ،وختتلف عنها يف الطريقة طريقة "هونGGدت" تّ G
ص Gل عليهGGا .وتعترب طريقة "هونGGدت" مع ّقGGدة نسGGبيّاً ،ولكن ميزهتا تكمن يف كوهنا املتّبعة GحلسGGاب املقاعد احمل ّ
تقوم على حساب قاسم انتخايب جيري على أساسه توزيع املقاعد مGرة واحGGدة على القGوائم G،دون احلاجة –
عادة -إىل إجراء توزيع ّأويل يعقبه توزيع للبواقي.854G
الرغم من أ ّن التمثيل النسيب قد جGاء ملعاجلة سGلبيات وعيGوب نظGام األغلبيّGة G،إالّ أنّه مل يسGلم هو
على ّ
كذلك من االنتقادات ،ومع ذلك فإنّه ال ميكن إنكار حتقيقه لألهداف اليت ُوضع ألجلها.
وفيما يأيت سنتح ّدث –بإذن اهلل تعاىل -عن مزايا هذا النظام ،وعن عيوبه:
مارشيه (جورج) ،التح ّدي الديمقراطي ،دار الفارايب ،بريوت ،د .ط ،د .ت ،ص.124-123 . 855
متولي (عبد احلميد) ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.132 . 856
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.265 . 857
ص.237. 858بدوي (ثروت) ،النظم السياسيـة ،مرجع سابق ،ص -.280-279.بسيوني (عبد الغين) ،النظم السياسيـة ،مرجـع سابق،
.DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p. 146
البنّا (حممود عاطف) ،الوسيط في النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص.335 . 859
أساسا لتحقيق العدالة يف توزيع املقاعد بني األحزاب و االجّت اهات السياسGGية؛
األقليات ،إضافة إىل أنّه ُوجد ً
احملصل عليها.
حبيث يضمن متثيلها مبا يتناسب– Gبقدر اإلمكان –مع أمهيّة األصوات ّ
هوريو (أندريه) ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.273 . 861
بدوي (ثروت) ،النظم السياسيـة ،مرجع سابق ،ص -282-281 .بسيوني (عبد الغين) ،النظم السياسيـة ،مرجع سابق ،ص.238 . 862
املتنوعGGة G،ويصGGعب Gفيها إجياد أغلبيّة
سلبيّة ،وذلك مثل تطبيقه يف فرنسا ،اليت تكثر فيها االجّت اهات السياسGGية ّ
تبعا
برملانية متماسGG Gكة؛ فكGG Gثرت لGG Gذلك األزمGG Gات الوزاريGG Gة .لGG Gذلك فال مGG Gانع من تعGG Gديل النظGG Gام االنتخGG Gايب ً
للظروف.863
ومن خالل عرض GGنا ملزايا وعي GGوب كال النظ GGامني (األغلبيّة والتمثيل النس GGيب) ت GGبنّي لنا أ ّن تفض GGيل أحد
Gدخل عامل الظGروف .وهGذا ما املربرات ،إضGافة إىل تّ G
النظامني على اآلخر خيضع لعّ Gدة معطيGات ،ومجلة من ّ
سنتناوله –بإذن اهلل تعاىل -يف املطلب اآليت:
ميكن القول إ ّن هناك اعتبارين يتح ّكمان يف مسألة التفضيل بني نظام األغلبيّة G،ونظام التمثيل النسيب.
أي النظامني أق GG Gرب إىل الGG G Gروح الدميقراطي GG Gة ،وإىل حتقيق العـدالة واملسـاواة Gيف األول :هو ّ االعتبGG G Gارّ G
العملية االنتخابيّةG.
أي النظ GGامني أك GGثر حتقي ًقا لالس GGتقرار السياسي والثب GGات احلك GGومي ،وكال ه GGذين واالعتب GGار الثاني :هو ّ
الشرطني ضروريان لتحقيق التق ّدم واالزدهار.
وإذا نظرنا إىل نظ GGام التمثيل النس GGيب ،وج GGدنا أنّه يف GGوق نظ GGام األغلبيّة Gمن حيث املنطق وحتقيق العدالة
يف توزيع املقاعد الربملانيّة Gعلى التشكيالت السياسية G،ويعترب كذلك أكثر اتّفاقًا مع املبدإ الGGدميقراطي G،الGGذي
بكل فعالياته واجّت اهاته ،ليكGGون مGGرآة صGGادقة لGGه ،ولكن من جهة أخGرى جند يقضي بأن Gميثّل الربملان الشعب ّ
Gؤدي إىل نت GGائج خط GGرية ،يف كونه يهّ G Gدد االس GGتقرار احلك GGومي ،لع GGدم انس GGجام تش GGكيلة أ ّن ه GGذا النظ GGام قد ي ّ G
Gؤدي إىل ع GG Gدم انس GG Gجام احلكومة Gك GG Gذلك ،فالربملان يف ظ Gّ G Gل ه GG Gذا النظ GG Gام ميثّل اجّت اه GG Gات
الربملان ،وهو ما ي ّ G G
موحد وواضح. عديدة ،يصعب Gمعها حتقيق أغلبيّة منسجمة وقويّة يكون لديها برنامج ّ
بينما جند نظGGام األغلبيّGGة ،وإن كGGان خيدش العدالGGة ،إالّ أنّه يضGGمن –يف الغGGالب -قيGGام أغلبيّة منسGGجمة
Gؤدي إىل قيGGام حكومة قويّGGة ،تقGGوم بGGدورها على أحسن وثابتGGة ،وهGذا ما حي ّقق االسGGتقرار احلكGGومي G،الGGذي يّ G
ومنسجما.864
ً واضحا
ً وجه ،متّبعة برناجمًا
البنّا (حممود عاطف) ،الوسيط في النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص 336 .وما بعدها. 863
المبحث الخامس
ضوابط األغلبيّة في الديمقراطية الغربية
أن الديمقراطية الغربية تؤ ّكد على س يادة الش عبّ ،
وأن جوهره ا ه و س يادة األغلبيّ ة س يادة مطلق ة ،حيث ال ح ّد لس لطاتها من الثابت ّ
الواسعة.
كما تقتضي أن تع GG Gود أمG G Gور احلكم إىل الش GG Gعب أو ممثّلي GG Gه؛ حيث ميارس ص GG Gالحيات اختيGG Gار احل ّGك GGام
ومراقبتهم ،وكذا حتديد االجّت اه السياسي Gللدولة ،وغريها من شؤون احلكم.
ومع اإلق GGرار أ ّن أيّة سGG Gلطة مطلقة ميلكها البشر –غري املعص GGومني -ينج Gّ Gر عنها مفاس GGد ،ف GGإ ّن األغلبيّة
باعتبارها سGGلطة غري معصGGومة Gمن اخلطإ واالحنراف ،فGGإذا ما أطلقت سGGلطاهتا؛ فقد هت ّدد أسا ًس Gا جوهريًا يف
الدميقراطية Gالغربية وهو "احلريات الفردية".
فقضGGية تعGGارض "السGGلطة" حىت ولو كان نابعة من إرادة الشGGعب G-واليت ال غىن عنها لفGGرض النظGGام-
مع " احلرية" اليت هي من أوكد حقوق اإلنسان ،هي قضية مطروحة دائماً.
865
فقد أخ GGذت اجلمهورية الفدرالية األملانية (س GGابقاً) ،وإيطاليا (يف االنتخاب GGات املتعلّقة مبجلس الش GGيوخ) بنظ GGام خمتلط جيمع بني التمثيل
احلق يف ورقGGتني انتخGGابيّتني ،األوىل تسGتعمل النتخGاب نصف النGGواب
النسيب ،واالنتخاب باألغلبيّGGة ،ففي أملانيا الفيدرالية كGان لك ّGل نGاخب ّ
كل حزب من النGGواب، حصة ّ على أساس الاقرتاع الفردي ذي الدورة الواحدة ،واألخرى حمرّرة باسم أحد األحزاب ،وتستعمل إلكمال ّ
وذلك يف إطار النظGام النسيب (الوطGين) ،فGGإذا حصل حGزب ما على زيGGادة يف عGدد نوابه بفضل األوراق االنتخابية األوىل ،فإنّه حيتفظ بك ّGل
املقاعد اليت حصل عليها باألكثري GGة .انظ GGر :هوريو (أندري GGه) ،الق ((انون الدس ((توري والمؤسس ((ات السياس ((ية ،مرجع س GGابق جـ ،1 .ص.
.277-276
DUVERGER (Maurice), Institutions politiques et droit constitutionnel, op. cit., p.137.
إذن ،فمسGألة إطالق GسGلطات األغلبيّة هي إشGGكالية مطروحة من الناحية السياسGية GوالقانونيGGة ،وطGGرح
واردا ،لتحقيق مص GGاحل الش GGعب جبملت GGه ،واحلف GGاظ على ج GGوهر النظ GGام
أمر ض GGبطها وتقيي GGدها أض GGحى أم Gً Gرا ً
الدميقراطيG.
ويف هذا املبحث سنتناول –بإذن اهلل تعاىل -هذا املوضوع ،وذلك يف املطالب اآلتية:
األول :ونتناول فيه إشكالية التعارض بني سلطة األغلبية واحلريات الفرديّة.
المطلب ّ
المطلب الثاني ّ :
ونتعرض فيه إىل مظـاهر طغيـان األغلبيّة يف الدميقراطية Gالغربيّة.
المطلب الثالث :ونتح ّدث فيه عـن مـبّررات إطـالق سلطــان األغلبـيّـة.
المطلب الرابع :ونتناول فيـه اآلثـار السلبيّة إلطـالق سلطــان األغلبـيّـة.
احلر ،الذي يدافع عن حقوق طبيعيّة Gمق ّدسة لإلنسGGان، ميكن بلورة هذه اإلشكالية Gيف كون أ ّن االجّت اه ّ
يعمل على الح ّد من سلطة الدولة ،ولو كانت هذه السلطة مستم ّدة من صGاحب السGيادة ،وهو "الشGعب"؛
Gؤدي إىل بينما جند أ ّن االجّت اه الGGدميقراطي ،يف تأكيGGده البGGالغ على سGGيادة الشGGعب ،والGGذي متثّله األغلبيّGGة ،قد يّ G
قيدا على هذه السيادة.866 املساس باحلريات الفردية ،اليت تع ّد ً
حتما بني أيّة سGGلطة –ولو كGGانت دميقراطيGGة G-وبني احلريGGة؛ وذلك باعتبGGار أ ّن وإ ّن التعGGارض أمر واقع ً
حق GGوق الف GGرد وحرياته ومطالبه هي غاية احلكم ،وأ ّن ه GGذه الس GGلطة هي الوس GGيلة الوحي GGدة للحكم ،فيقع ما
يسمى بالتصGادم بني هGذه الغاية الفردية والوسGيلة اجلماعيGة .والواضGح أ ّن هGذا التعGارض بني السGلطة الشGعبيّةG ّ
واحلريGGات هي مشGGكلة عملية خطGGرية ،وقد حGGاول الفكر والنظGGام الGGدميقراطيان Gأن يوجدا هلا احللGGول النظرية
و الوضعيّة.867
والبّ G G G G Gد من حماولة التوفيق بني الس GG G G Gلطة ،اليت هي بيد األغلبيّ GG G G Gة G،وبني احلري GG G G Gة ،اليت هي من حق GG G Gوق
مجيعGGا ،سGGواء أكGGانوا Gيف اجّت اه السGGلطة أم املعارضGGة ،فينظر إليهم كGGأفراد تعترب حGGريتهم غاية النظـام املواطGGنني ً
23 عصفور (حممد) ،الحرية بين الفكرين الديمقراطي واالشتراكي ،املطبعة العاملية ،القاهرة ،ط1961 ،1.م ،ص. 866
لطغيGGان األغلبيّة يف البلGGدان اليت تتبىّن الدميقراطية الغربيّة مظGGاهر كثGGرية ،وتتفGGاوت درجة هGGذا الطغيGGان
من بلد آلخGG G Gر ،حسب النظGG G Gام املنتهج ،والظGG G Gروف املختلفGG G Gة ،سGG G Gواء منها الظGG G Gروف التارخييّة املوروث GG Gة ،أم
الظروف السياسيّة املؤثّرةG.
وتعترب الوالي GGات املتح GGدة األمريكية Gمن ال GGدول اليت يظهر فيها –وبش GGكل جلّي -ه GGذا الطغي GGانG؛ لق Gّ Gوة
ص Gة ال ميكن األغلبيّة فيها أك GGثر ممّا هو عليه يف غريها من البل GGدان الدميقراطي GGة ،وذلك الجتم GGاع ظ GGروف خا ّ
التغلّب عليها ،واليت ساعدت كثرياً على هذا الطغيان Gلسلطة األغلبيّة Gفيها.869
وجتدر اإلشارة هنا إىل أ ّن السلطة التشريعية Gهي السلطة الوحيGدة اليت تسGGتطيع إرادة األغلبيّة السGGيطرة
مؤسسات السياسية األخرى. عليها ،من بني مجيع ال ّ
868عصفور(حممد) ،الحرية بين الفكرين الديمقراطي واالشتراكي ،مرجع سابق ،ص 25 .وما بعدها.
وقد حاولت نظرية "العقد Gاالجتماعي" إزالة هذا التعارض بتقسيم احلقوق الطبيعية إىل طائفتني :طائفة يهدرها العقد االجتماعي يف
سبيل إنشاء السلطة السياسية ،والطائفة الثانية حيتفظ هبا األفراد ،وتعترب أمسى من هذه السلطة ،وهذا ما جعل فكـرة احلريات الفردية ال
تفقد أمهيّتها حىت بعد انتقال املبدإ الدميقراطي إىل القانون الدستوري الوضعي .املرجع نفسه ،ص.25 .
869دو توكفيل (ألكسGGيس) ،الديمقراطية في أمريكا ،ترمجة :أمني مرسي قنGGديل عن الطبعة السادسة عشGGر ،مطبعة جلنة التGGأليف والرتمجة
والنشر ،القاهرة1962 ،م ،جـ ، 1 .ص.309 .
فكGG Gانت السGG Gلطات اليت تتمتّع هبا اهليئة التشGG Gريعية Gيف أمريكا واسGG Gعة ،ورجGG Gال التشGG Gريع فيها ين ّفGG GذونG
رغب GGاهتم بس GGرعة ،وأض GGحت الق Gّ Gوة Gالتنفيذية Gختضع أله GGواء اجملالس التش GGريعية وتقلّباهتا ،كما أخضع الق GGانون
السلطة القضائيةG-يف كثري من الواليات -النتخGاب األغلبيّGة ،وكGان وجودها يف مجيع الواليGات متوقّ ًفا على
كل سنة.870 مرتبات القضاة ّ خول للنواب صالحيّة تعديل ّ هوى السلطة التشريعية G،حيث ّ
وجممل القGGول عن سGGلطة األغلبيّة الطاغية يف الواليGGات املتحGGدة األمريكية أهّن ا قGGادرة على كGّ Gل شGGيء،
معGGا،
وتنتهج طريقة سريعة لتنفيذ قراراهتا ،وهلا سلطة مطلقة يف وضع القوانني ،ويف اإلشGGراف على تنفيGGذها ً
وحىت اإلشراف على الذين هم يف مراكز احلكم والسلطان ،بل وعلى اجملتمع كلّه.871
ويعترب ما سبق ذكره أمثلة عن مظGGاهر طغيGGان األغلبيّة Gيف الدميقراطية الغربيّGGة ،ومGGدى ما متلكه السGGلطة
املمثّلة هلا (السGG Gلطة التشGG Gريعية) Gمن نفGG Gوذ على نطGG Gاق واسع ج Gً Gدا ،وقد اخرتنا الواليGG Gات املتح GGدة األمريكيةG
كعيّنة على ذلGGك ،نظGً Gرا التّضGGاح هGGذه الصGGورة فيها جليًGGا ،وقGّ Gوة تGGأثري سGGلطة األغلبيّة فيها مقارنة بغريها من
الدول الدميقراطية Gاألخرى.
دو توكفيل (ألكسيس) ،الديمقراطية في أمريكا ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص 309 .وما بعدها. 870
.23 عصفور (حممد) ،الحرية بين الفكرين الديمقراطي واالشتراكي ،مرجع سابق ،ص. 873
Gالقوة اليت متلكها األغلبيّة Gهي بالدرجة
أهم من الكي GGف ،ف ّ G
الكم –عن GGدهمّ -
وس GGداد يف ال GGرأي ،ف GGالكثرة أو ّ
األوىل ّقوة أدبيّة.
ثاني ((ا :إضGG Gافة إىل هGG Gذه القGّ G Gوة األدبيّة اليت تتمتّع هبا األغلبيّGG Gة G،فإهّن ا تسGG Gتند إىل أسGG Gاس آخـر ،وهو أ ّن
ض G Gلة على مصـاحل القلّة ،874وهGG Gذا تGG Gربير واقعي ،حيث يسGG Gتند إىل أ ّن مصGG Gاحل الك GG Gثرة جيب أن تكـون مف ّ
جملرد أهّن ا متثّل مصGGاحل األكثريGGة ،واليت جيب أن تقّ Gدم األغلبيّة تتمتّع بتلك االمتيازات Gوالصالحيات الواسGGعةّ ،
على مصاحل األقليّة.
جملرد كوهنا متثّل مصGG Gاحل
Gربر ظلم األقلية وإمهال مص GG Gاحلهاّ ، وهنا يب GG Gدو لنا خطأ ه GG Gذا املس GG Gتند؛ ألنّه ي ّ G G
أهم األسس املعتمGGدة لإلقGGرار حبكم األغلبيّGGة ،وهو تصGGاحل األغلبيّة Gمع األقليّة يف ظل القلّGGة ،وهGGذا ما ينGGاقض ّ
تع ّذر حت ّقق اإلمجاع.
ثالثا :ويستند هذا األساس كGذلك إىل منطق األحGزاب؛ حيث تق ّGر هبذا السGلطان املطلق لألغلبيّة ألهّن ا
احلق يف يوم من األيام ،عندما يؤول إليها احلكم ،875فGاألحزاب السياسGية ،وهي تسGعى تأمل أن متارس هذا ّ
للحص GGول على األغلبيّة Gاليت توص GGلها إىل احلكم ،تق Gّ Gر بتلك الس GGلطات الواس GGعة لألغلبيّة ،ألهّن ا بوص GGوهلا إىل
دائما يف يد واح GGدة ،بلاحلكم تع GGود إليها تلك الس GGلطات ،فهي تق Gّ Gر ب GGذلك ألهّن ا مطمئنّة إىل أهّن ا ال تك GGونً G
تتداوهلا األحزاب ،إذ إ ّن أغلبيّة اليوم هي أقليّة الغد ،وهكذا .
ولكن رغم كGّ Gل هGذه التGGربيرات ،إالّ أنّه ال ميكن إنكGGار خطGGورة هGGذا اإلطالق GلسGلطان األغلبيّGGة ،وما
ينجر عن ذلك من آثار سلبيّة ،واليت سنتناوهلا Gيف املطلب اآليت: ّ
على ال Gّ G Gرغم من أ ّن الدميقراطية Gالغربيّة تقتضي ض GG Gرورة االحتكـام إىل إرادة األغلبيّ GG Gة G،وذلك ملبّررات
أي قيد أو حت ّف GGظ ،وإىل درجة كث GGرية سGG Gبقت اإلشـارة إليهGG Gا ،إالّ أ ّن إطالق سGG Gلطات هGG Gذه األغلبيّة GبGG Gدون ّ
يؤدي إىل نتائج سلبيّة على كثري من امليادين ،والسيّما ميدان احلريات. الطغيان؛ ّ
سنتعرض –حبول اهلل تعاىل -إىل هذه اآلثار السلبيّة إلطالق سلطان األغلبيّةG: وفيما يأيت ّ
أوال :عدم االستقرار في الديمقراطية(
دو توكفيل (ألكسيس) ،الديمقراطية في أمريكا ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.310 . 874
شديدا
فقد أضاف اجلمهوريون Gالفرنسيون سنة 1884م إىل (املادة )8من قانـون ( 25فرباير 1875م) هذه الفقرة اليت تع ّد إنك ًـارا ً 877
تبGGدو لنا قضGGية التقييد هGGذه كضGGرورة الب ّ Gد منهGGا ،بعد أن استعرضGGنا تلك اآلثGGار السGGلبيّة والنتGGائج
مربرة من الناحية املوضGGوعية ،حفاظًا على جGGوهر النظGGام اخلطرية إلطالق سلطان األغلبيّة G،فهي إذن مسألة ّ
الدميقراطي G،ومراعاة ملصلحة الفرد و اجملتمع؛ لذا كان الب ّد من إجياد آليات قانونية لتحقيق هذا اهلدف.
وسنحاول –بعون اهلل تعاىل -تلخيص هذه املربّرات ،وإمجال تلك اآلليات فيما يأيت:
.314 880دو توكفيل (ألكسيس) ،الديمقراطية في أمريكا ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.
أهم أسس الدميقراطية الغربيّة ،بل هي جوهرها ،فإنّه ال ميكن التنازل عنها ما دامت احلرية هي من ّ
لصGGاحل مبGGدإ آخر ،وهو "مبGGدأ األغلبيّGGة" ،مهما كGGانت ضGGرورة وأمهيّة هGGذا األخGGري ،لGGذلك اعتُرب تقييد إرادة
Gاجزا حيول دون االسGGتبداد باألقليّGGة ،والتعGّGرض الصور املؤ ّGكGدة Gملعىن احلريGGة؛ حبيث تقف ح ً األغلبيّة من أجلى ّ
حلقGGوق األفGGراد وحريGGاهتم .فالدميقراطية Gال جتعل إرادة األغلبيّة- Gيف صGGلتها باحلريGGة -ذات قيمة مطلقGGة ،أل ّن
تقره األغلبيّة تتوقّف مشروعيّته على النتGGائج العمليّة الدميقراطية Gتعىن باجلوهر أكثر ممّا تعىن بالشكل ،وإ ّن ما ّ
مشروعا يف وقت آخر.881 ً مشروعا يف وقت ال يع ّد ً اليت تنتهي إليها ،فما يُع ّد
أهم آلية من آليGG G Gات
ولقد احتGG G G Gاط الفكر الGG G G Gدميقراطي Gحلماية حقGG G Gوق األفGG G Gراد وحريGG G Gاهتم؛ فلم جيعل ّ
الدميقراطية Gالغربية ،واملتمثّلة يف مبGدإ حكم األغلبيّGة ،تلغي أصGالً جوهريًا يف النظGام الGدميقراطي Gوهو احلريGة؛
أقر محاية هذه األخرية بتقييد سلطان األغلبيّةG. لذا ّ
معرضة للخطإ فمادمنا قد خلصGG G G G G Gنا إىل أنّه من الضGG G G G G Gروري محاية احلريGG G G G G Gات الفرديGG G G G G Gة ،وأ ّن األغلبيّةّ G
واالحنراف ،والس GGيّما إذا أطلق س GGلطاهنا ،فإنّه البّ G Gد من البحث عن آلي GGات قانونية لتقييد س GGلطان األغلبي GGة،
وهذا ما سنتناوله– Gبإذن اهلل تعاىل -فيما يأيت :
عصفور (حممد) ،الحرية بين الفكرين الديمقراطي واالشتراكي ،مرجع سابق ،ص.29 . 881
واملقصGGود هنا هGGو :النّص يف دسGGتور الدولة على بعض املعGGامل اليت ال ميكن لألغلبيّة أن تتجاوزهGGا،
مهما بلغت هذه األغلبيّة من ّقوة عدديّة؛ وذلك محاية لالستقرار السياسي G،وحفاظًا على النظام الدميقراطيG
من أن متت ّد إليه أيدي املناوئني له ،وكذا ألجل محاية احلريات ذاهتا.
ص G Gت عليه بعض الدسـاتري يف ومن أبGG Gرز األمثلة على هGG Gذا التقييد الدسGG Gتوري لسGG Gلطان األغلبيّGG Gة G،ما ن ّ
فرنسا وإيطاليا ،من عدم قGGدرة األغلبيّة– Gمهما بلغت ّقوهتا -على تغيري الشGGكل اجلمهGGوري للدولGGة ،ومنعت
حمل مراجعة دستورية882؛ وحىت يف الدميقراطيات اليت ليس هلا دسGGاتري مكتوبة – جمرد االقرتاح لوضعه ّ حىت ّ
كما هو احلال يف إجنلرتا -فإ ّن التقاليد الدسGGتورية هي اليت تقGGوم هبذا الGGدور يف تقييد سGGلطان األغلبيّة ومحاية
احلريات.883
فتلك النصGGوص GالدسGGتورية تعترب تقييGً Gدا إلرادة األغلبيGGة G،وحGGاجزاً حيول دون إطالق سGGلطان األغلبيّGGةG،
وحتديGً Gدا للمعGGامل اليت ال جيوز املسGGاس هبا ،وذلك هبدف محاية املبGGادئ الدميقراطيGGة ،واحلفGGاظ على مكتسGGباتG
الشعب الذي كافح ألجلها طويالً.884 G
ثانياً (:إقامة نظام للحريات
ميس بالدرجة
وذلك ألجل محاية األف GGراد من اس GGتبداد األغلبيّ GGة ،ولك GGون إطالق Gس GGلطان األغلبيّةّ G
األوىل احلري GGات الفردي GGة .ونظ Gً Gرا ملا تث GGريه العالقة بني الس GGلطة واحلرية من إش GGكالية على املس GGتويني الفك GGري
اهلامة للدميقراطيةG
والسياسGG G G Gي؛ فإنّه من الضGG G G Gروري محاية هGG G G Gذه احلريGG G G Gات الفرديGG G G Gة ،واليت تعترب من األسس ّ
الغربية.
ولقد أق GGام الفكر ال GGدميقراطي ه GGذا النظ GGام على أسس متعّ G Gددة ،تس GGعى كلّها إىل احملافظة على احلرية يف
كافّة الميGGادين ،سGGواء يف عالقـة نGGواب الشGGعب بالشGGعب نفسGGه ،أو عالقـة النGGواب GبعضGGهم ببعض ،من حيث
وضعهم كأقليّة أو أغلبيّة.885
عصفور (حممد) ،الحرية بين الفكرين الديمقراطي واالشتراكي ،مرجع سابق ،ص.30-29 . 882
دو توكفيل (ألكسيس) ،الديمقراطية في أمريكا ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.316 . 887
،1ص.280. كيتيل (راميوند كارفيلد) ،العلوم السياسية ،مرجع سابق ،جـ. 889
الصباحي (حيي السيّد) ،النظام الرئاسـي األمريكـي والخالفـة اإلسالمية ،مرجع سابق ،ص.507-506 . 890
ديفرجيه (موريس) ،مدخل إلى علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.159 . 891
893البنّا (حممود عاطف) ،الوسيط في النظم السياسية ،مرجع سابق ،ص .339 .
الفصل الثاني
التأصيل الشرعي لمبدإ األغلبيّة
تطرقنا يف الفصل السGG Gابق إىل "مبGG Gدإ األغلبيّGG Gة" يف الدميقراطية GالغربيّGG Gة ،وعرفنا من خالله أ ّن هGG Gذا
لقد ّ
صG Gلت إليها البش GGرية عرب جتارهبا الطويلة يف أمناط احلكم ،وعرفنا ك GGذلك املب GGدأ يعترب أفضل ص GGيغة نظامية تو ّ
مهماً من أسس الدميقراطيةG املربرات املوض GGوعيّة ،جعلت منه أساساً ّ أ ّن "حكم األغلبيّة" يس GGتند إىل مجلة من ّ
مقوماهتا األساسيةG.
املعاصرة ،ومن ّ
ويقومها Gمبيزانيؤصل لبعض آليGGات الدميقراطيّة ّ لذلك ال ب ّد لنا –عمالً مبسلكنا يف هذا البحث الذي ّ
Gيما ما تعلّق منها بنصGGوص GالGGوحي –كتابGاً اإلسGGالم -أن نتعمGّ Gق يف أصGGول النظGGام السياسي اإلسGGالمي ،والسّ G
وسGنّة -وما اسGGتند إليها من سGGوابق تارخييّة يف عصر اخللفGGاء الراشGGدين ،واجتهGGادات علمائنا األجالّء ،وكGGذا
باقي مصادر التشريع ،كاإلمجاع واملصاحل املرسلة.
صGل هGGذا املبGGدإ يف النظGGام السياسي GاإلسGGالمي G،وهل أ ّن اإلسGGالمG وهGGدفنا من كGّ Gل ذلك معرفة مGGدى تأ ّ
قد سبق الدميقراطية Gالغربيّة املعاصرة بإقرار مبدإ حكم األغلبيّةG.
قسمنا هذا الفصل إىل املباحث اآلتية: ولدراسة هذا املوضوع فقد ّ
المبحث األول :ونتناول فيه االجتاه الرافضِ G
واملنكر ملبـدإ األغلبيّة ،وأدلّتـهـم. ّ ّ
المبحث الثانيّ :
ونتعرض فيه إىل االجّت ـاه املق ّـر مببـدإ األغلبيـّة ،وأدلّتهـم .
المبحث الثالث :ونتح ّدث فيه عن عالقة اإلمجـاع وعصمة ّ
األمة مببـدإ األغلبيّة.
المبحث الرابعّ :
ونتعرض فيه إىل جماالت العمـل مببـدإ األغلبيّة ،وضـوابطـها.
األول
المبحث ّ
االتّجاه الرافض لمبدإ األغلبيّة ،وأدلّتهم
يGG Gذهب عGG Gدد من العلمGG Gاء والكتّGG Gاب GاإلسGG Gالميني إىل الوقGG Gوف موقف الGG Gرفض واإلنكGG Gار للعمل مبب GGدإ
يقرون بشرعية هذا املبدإ يف اإلسالمG. األغلبيّة ،وال ّ
أدلة تقضي ببطالن اتّباع Gاألغلبيّة.
ولالستدالل على رأيهم هذا فقد مجعوا ما يرونه من ّ
ولو سGG Gلمت هلم تلك األدلّة ألخذ مGG Gوقفهم ذاك من مبGG Gدإ األغلبيّGG Gة ،طGG Gابع احلكم الش GGرعي الص GGحيح
امللزم.
واجلدير بالGG G G Gذكر أ ّن من مظGG G G Gان هGG G G Gذا املبحث هو املذهب Gالقائل إ ّن نتيجة الش GG G Gورى معلمة وليست
ملزم GGة ،أي أ ّن احلاكم ليس ملزمG Gاً بالعمل بنتيجة الش GGورى ،فله أن يعمل برأيه الشخصي حىت ولو خ GGالف
بذلك رأي أغلبيّة أهل الشورى ،فهو –حسب رأيهم -غري ملزم مبا تسGGفر عنه عمليّة االستشGGارة ،Gحىت ولو
كانت الشورى واجبة ابتداء وليست مندوبة.
ولقد اسGGتند أصGحاب هGGذا االجّت اه إىل مجلة من األدلّGGة ،مسGGتم ّدة من القGGرآن الكGGرمي ،ومن السGGنّة النبويّة
وتصرفات اخللفاء الراشدين ،كما استندوا كذلك إىل بعض األدلة العقليّة. الشريفة ،ومن مواقف ّ
Gتدل به ه GGؤالء املنك GGرونG
وبعد ك Gّ Gل ع GGرض ل GGدليل من تلك األدلّ GGة ،ال بّ G Gد لنا أن نقف وقفة مع ما اس ّ G
ملبدإ األغلبيّة؛ Gوذلك لتمحيص تلك االستدالالت ومناقشتها ،وبيان Gمكامن اخللل فيها.
قسمنا هذا املبحث إىل املطالب اآلتيةG: ولتناول هذا املوضوع Gفقد ّ
استدل أصحاب هذا االجّت اه ،لتأكيد ما ذهبوا إليه من عدم حجيّة مبGGدإ األغلبيّGGة G،بكGGون أ ّن ّ أوال :لقد
Gذم والقGGدح ،والقـرآن الكـرمي ال يصGّ Gور "أكGGثر الكGGثرة أو األكثريّة ال تGGأيت يف القGGرآن الكGGرمي إالّ يف سGGياق الّ G
الن GGاس" إال جGG Gاهلني ضGG Gالني فاسGG Gقني ،وهGG Gذا يكفي يف عGG Gدم الوثGG Gوق Gباألغلبيّة أو االعتGG Gداد برأيها واالل GGتزام
به.894
ومن مجلة هGG Gذه اآليGG Gات الكرمية الGG Gواردة يف كتGG Gاب اهلل ، كنصGG Gوص عامGG Gة ،تّ G G
Gذم األكثرية ومتدح
األقليّة ،نذكر ما يأيت:
قGG Gال َ : وإِ ْن تُ ِط ْع أ ْكثَ َر َم ْن فِي األَرْ ِ
َ
ُضلُّوكَ ع َْن َس بِي ِل هللاِ َ و َما أَ ْكثَ ُر النّ ا َ ِ
895
س َولَ وْ ضي ِ
س897 لَقَ ْد ِج ْئنَ ا ُك ْم بِ الَ َح ِّ ْ
ص تَ بِ ُم ْؤ ِمنِينَ َ ولَقَ ْد َذ َرأنَا لِ َجهَنَّ َم َكثِ يرًا ِّمنَ ال ِجنِّ واإل ْن ِ
896
ق َولَ ِك َّن َح َر ْ
ث َ 899 ولَ ِك َّن ون898 قُلْ الَّ يَسْتــ َ ِوي الخَ بِ ُ
يث َوالطَّيِّبُ َولَوْ أَ ْع َجبَكَ َك ْثـ َرةُ ال َخبِيـ ِ ارهُ ْ ق َك ِ أَ ْكثَ َر ُك ْم لِ ْل َح ِّ
اس الَ يَ ْش ُكرُونَ902
اس الَي ُْؤ ِمنُ ونَ َ ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النَّ ِ
901
اس الَ يَ ْعلَ ُم ون َ ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النّ ِ
900
أَ ْكثَ َر النَّ ِ
َ وما َيَتَّبِ ُع أَ ْكثَ ُرهُ ْم إِالَّ ظَنًّا.903
894الريس((وني (أمحد) ،نظرية التق((ريب والتغليب وتطبيقها في العل((وم اإلس((المية( ،دار الكلمة للنشر والتوزيGGع ،مص GGر ،ط1997 ،1 .م
ص.409 .
895سورة األنعام ،اآلية.116 :
896سورة يوسف ،اآلية.103 :
897سور األعراف ،اآلية.179 :
898سورة الزخرف ،اآلية.78 :
899سورة املائدة ،اآلية.100 :
900سورة يوسف ،اآلية ،21 :واآلية.40 :
901سورة غافر ،اآلية.59 :
902سورة يوسف ،اآلية.38 :
903سورة يونس ،اآلية.36 :
ي ال َّش ُكورُ إِالَّ الّ ِذينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ
َ ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َرهُ ْم يَجْ هَلُونَ َ وقَلِي ٌل ِّم ْن ِعبَا ِد َ
905 904
ت
َوقَلِي ٌل َّما هُ ْم.906
رد سGGبب الشGGبهات اليت أثGGريت حGGول مبGGدإ األغلبيّة Gإىل تأويل هGGذه اآليGGات ،اليت يُفهم منها أ ّن وميكن ّ
والصالح هم قلّة دائماً؛ فكان أن أصبح مصGGطلح "األغلبيّGGة" صف الباطل ،وأ ّن أهل اخلري ّ األكثريّة تقف يف ّ
السمعة عند بعض شرائح املسلمني.907 سيّء ّ
رد على االستدالل باآليات السابقة إلنكار مبدإ األغلبيّة مبا يأيت: ويُ ّ
-1إ ّن تلك اآلي GG Gات ال ش GG Gأن هلا مبوض GG Gوع "مب GG Gدإ األغلبيّ GG Gة" ،إذ إ ّن بعض GG Gها ورد يف ش GG Gأن الك ّفGG Gار،
وبعضها يف شؤون العقيدة واآلخرة ،وال عالقة هلا مبرافق النّاس ومصاحلهم الدنيوية ،فتلك اآليات اليت ورد
ذم األكثريّة ال عالقة هلا مبسألة االنتخابات ،أو شؤون السياسة واحلكم.908 فيها ّ
-2إ ّن تلك األكثري GGات املذمومة يف الق GGرآن الك GGرمي هي :أكثرية املش GGركني ،أكثرية املن GGافقني ،أكثرية
ذمت اليه GG Gود والنصGG G Gارى ،وأكثرية املعانGG G Gدين واملسGG G Gتكربين؛ لGG G Gذلك فمن الغلط الفGG G Gادح قطع اآلي GG Gات اليت ّ
Gف املسGGلمني ومجـاعة املؤمGGنني ،مثّ االنتقGGال األكثريّة من هGGذه األصGGناف عن سGGياقاهتا ،مثّ االنتقGGال هبا إىل صّ G
هبا إىل إهGGدار الكGGثرة مطلق Gاً ،وتفضGGيل القلّة عليهGGا ،وال أحد ينكر أ ّن الكGGثرة إذا كGGانت ضGGمن دائرة اإلميان
واإلصGGالح ،فهي مطلوبة ومرغـوبة ويُعتّ Gد هبا ،وذلك أل ّن الكثـرة يف دائGGرة اخلري زيGGادة يف اخلري ،والكGGثرة Gيف
الشر زيGGادة يف الشGّ Gر ،كما أ ّن القلّة يف اخلري نقصـان يف ذلك اخلري ،والقلّة يف الشGّ Gر نقصGGان Gفيه أيض Gاً، دائGGرة ّ
الشر أفضل من الكثرة.909» « فالكثرة يف اخلري أفضل من القلّة ،والقلّة يف ّ
-3إ ّن تأويل املنك GGرين ملب GGدإ األغلبيّة Gلتلك اآلي GGات ق GGائم على الغلط أو املغالطة؛ وذلك ألنّنا نتح ّ Gدث
عن الدميقراطية Gيف جمتمع مسGGلم ،الGGذي يفGGرتض أ ّن أكGGثره ممّن يعقلGGون ويؤمنGGون ويشGGكرون؛ ولسGGنا نتحّ Gدث
الضالّني عن سبيـل اهلل ،الGGذين ال يعقلـون وال يشكـرون وال يؤمنGGون G،كما أ ّن هنGGاك عن جمتمع اجلاحدين أو ّ
أمGGوراً ال تGGدخل جمال التصGGويت Gوال تُعGGرض ألخذ األصGGوات عليهGGا ،ألهّن ا من الثGGوابت اليت ال تقبل التغيGGري،
هبا .من أشهر مؤلّفاته" :أخبار الرسل وامللوك" واملعGGروف بتGاريخ الطGربي ،و "جGامع البيGان يف تفسري القGرآن" ،واملعGروف بتفسري الطGربي،
جـ ،6.ص.69. و "اختالف الفقهاء" ،وغريها ،وكانت وفاته عام 310هـ923-م.الزركلي(خري ال ّدين) ،األعالم،
918الط((بري (حممد بن جريGGر) ،ج((امع البي((ان في تفسير الق((رآن ،دار املعرفـة ،بGGريوت ،ط 1403 ،1 .هـ1983-م ،اجمللد الثGGالث ،جـ،4 .
ص.101 .
الزمخشري (حممود بن عمر) ،تفسير الكشاف ،مرجع سابق ،جـ ،1.ص.226. 919
Gيب ّ
احلق يف إنفGGاذ ما عGGزم عليGGه ،بعد أن يتو ّكل على فهGGذه اآلية –حسب هGGذه التفاسGGري G-تعطي للنّ G
اهلل ال على املش GG Gاورة ،فيمضي يف تنفيذ ما ي GG Gراه األفض GG Gل ،حىت ولو خ GG Gالف ذلك رأي من استش GG Gارهم يف
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.120 . 921
922وهي قراءة خالد بن زيد .انظر :اآللوسي (شهاب ال ّدين) ،روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،إدارة الطباعة
املنريية ،مصر ،د .ت ،جـ ،4 .ص.107 .
(ني الرواية والدراية من علم التفس((ير ،دار الكتب العلميّة ،بGGريوت ،ط،1 .
الش((وكاني (حممد بن علي) ،فتح الق((دير الج((امع بين ف( ّ
923
925الرازي (حممد فخر ال ّدين) ،تفسير الفخر الرازي (التفسير الكب(ير ومف(اتيح الغيب) ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيGGع ،بGGريوت،
ط1985 ،3 .م ،اجمللد اخلامس ،جـ ،9 .ص.70 .
حمل الش GGورى ،وه GGذا حسب النص GGوص Gاليت قيلت يف تفسري ب GGالوحي ،وليس باالجته GGاد البش GGري ال GGذي هو ّ
اآلية.
تنص على كيفيّة الوص GGول إىل ال GGرأي األخ GGري ،فاهلل
-3إ ّن اآلية الس GGابقة تق Gّ Gر وج GGوب الش GGورى ،وال ّ
يقول لرسوله « :وشاورهم يف األمر ،» وهذا أمر من اهلل ظاهره الوجوب ،وإذا كGGان واجبGاً يف حGّ Gق
فتوكل على اهلل ،» واهلل مل يGGبنّي هنا مسGGتند هGGذا Gزمت ّ الرسGGول فغGGريه أوىل هبذا ،مثّ يقـول لـه « :فGGإذا عَ G
العزم ،والGGرأي األخري الGذي يكGGون عليه العGزم ،هل هو رأي من استشGGارهم أم رأيه هGو ،بل قGال لGه « :فGإذا
ينص ما هذا الرأي ،هل هو رأي الرسGGول نفسه بعد الشGGورى ،أم هو رأي عزمت » أي على رأي ما ،ومل ّ َ
من استشGارهم ،ومن قGGال هنا إ ّن العGزم يكGون Gعلى رأي الرسGGول الGذي اختGGاره ،ولو كGان رأيGاً خمالفGاً لGرأي
من استشارهم ،فقد حت ّكم على القرآن ،وقال فيه بغري علم ،ومحّل اآلية ما ال حتمل.926
حجة للقائلني بأنّهومن خالل هذا التفسري ميكن القول إ ّن هذا الدليل املستند إىل تلك اآلية ،ال يعترب ّ
نص يف أ ّن احلاكم خمرّي يف األخذ برأي أهل الشورى ،أو أغلبيّتهم ،أو رأي نفسه. ّ
فعب GGارة « فتو ّكل على اهلل » ال تفيد ع GGدم االل GGتزام بنتيجة الش GGورى ،927وال ينقض Gذلك ما يق GGال من
أ ّن معىن « فتو ّكل على اهلل » أن ال يتو ّكل على مشGG G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G G Gاورهتم ،وذلك أل ّن التو ّكل هو طلب التأييد
ظل نظام الحكم اإلسالمي( ،دار القلم ،الكويت ،د .ط1982 ،م ،ص.101-100 .
عبد الخالق (عبد الرمحن) ،الشورى في ّ
926
أبو عزة (عبد اهلل)" ،الشورى أم االستبداد ؟" ،مقال مبجلة "المجتمع" ،الكويت ،العدد ،38 :ديسمرب 1970م. 927
العوا (حممد سليم) ،في النظام السياسي للدولة اإلسالمية ،مرجع سابق ،ص.189 . 928
الخازن (عالء الدين) ،تفسـير الخـازن (لباب التأويل في معـاني التنـزيل) ،دار الفكـر ،د .م ،د.ط ،د.ت ،جـ ،1 .ص.290 . 929
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.121 . 930
-4كما أ ّن ذلك االسGG G G Gتدالل بتلك اآليGG G G Gة ،لالحتجGG G G Gاج على عGG G G Gدم لGG G G Gزوم األخذ بGG G Gرأي أغلبيّة أهل
املروى املن ّقح ،وليس
الشورى ،ال ميكن التسليم بGGه ،بGGالنّظر إىل معىن "العGزم" يف اللّغGGة ،والGGذي هGGو « :األمر ّ
ركوب الرأي دون رويّة عزماً ،ومن معانيه كذلك :قصد اإلمضاء.931»
وبGGذلك قد يكGGون الGGرأي الGGذي عGGزم عليGGه ،أو عُقGGدت عليه النيّGGة G،أو صGّ Gمم على إنفGGاذه ،هو رأي أهل
الشGGورى ،أو رأي احلاكم املخGGالف لGGرأي أهل الشGGورى ،أي أ ّن عبGGارة "العGGزم" اليت وردت يف اآلية ال تفيد
جواز خمالفة أهل الشورى ،كما أهّن ا ال تفيد إلزاميّة الشورى.932
وهبذا يسقط االستدالل هبذه اآلية للقول بأهّن ا تفيد عدم إلزاميّة األخذ بنتيجة الشورى.
فق GGالوا إ ّن ه GGذا احلديث يُفهم منه أنّه يأخذ ب GGرأي أيب بكر ال ّ
صG Gديق وعمر بن اخلط GGاب –رضي اهلل
الصحابة ،أي أنّه ال يُلزم برأي أغلبيّة الصحابة.934
عنهما -حىت ولو خالفا يف الرأي أغلبيّة ّ
و قد نوقش هذا االستدالل مبا يأيت:
القرطبي (حممد بن أمحد األنصاري) ،الجامع ألحكام القرآن ،مرجع سابق ،جـ ،4.ص.252 . 931
933رواه أحمد يف مسنده ،مسند عبد الرمحن بن غنم ،اجمللد الرابع ،طبعة دار الفكر ،ص . 227.وورد احلديث برواية أخرى هي « :لو
أبدا .» فتح الباري ،ابن حجر العسقالني ،كتGGاب االعتصGGام بالكتGGاب والسGGنة ،بGاب قوله
أنّكما تتّفقان على أمر ما عصيتكما يف مشورةً G
تعاىل ":وأمرهم شورى بينهم" "وشاورهم يف األمر" ،اجمللد ،13طبعة دار املعرفة ،بريوت ،ص.341 .
متولي (عبد احلميد) ،مبدأ الشورى في اإلسالم ،عامل الكتب ،مصر ،ط1972 ،2.م ،ص.15 . 934
-1احلديث ضعيف ،أل ّن فيه شGGهر بن حوشGGب ،وعبد الGGرمحن بن غنم ،وعبد احلميد بن هبرام ،حيث
وأما ح GGديث ابن غنم ففيه ثالث بالي GGا :إح GGداها أنّه مرسـل ،والثانيـة عبد احلميد بن يق GGول فيه ابن ح GGزمّ « :
هبرام ،وهو ضعيف ،والثالثة Gشهر بن حوشب ،وهو مرتوك.935»
Gيب
Gدل على أ ّن الن ّ G
Gحة احلديث ،فال ميكن التس GGليم ب GGأ ّGن احلديث ي ّ G
-2وحىت ولو سG Gلّمنا –ج GGدالً -بص ّ G
سGG G Gيأخذ بGG G G Gرأي أيب بكر وعمر –رضي اهلل عنهمGG G G Gا -ولو خالفا يف الGG G G Gرأي أغلبيّة الصGG G G Gحابة؛ وذلك أل ّن
Gيب س GGيأخذ برأيهما إذا اتّفقا فقط يف رأي واح GGد ،مع احتم GGال أن يك GGون رأيهما
ينص على أ ّن الن ّ G
احلديث ّ
ذاك موافق Gاً ملا اتّفق عليه الص GGحابة ،وحينئذ س GGيأخذ الن ّ G
Gيب برأيهم GGا ،وال يأخذ برأيهما إذا خالفتهما
حجيته.936 أغلبيّة الصحابة؛ واملعروف أ ّن االحتمال يف الدليل كاف ليفقد ّ
Gيب سGGين ّفذ رأيهما مع خمالفة الصحـابة ،وذلك ألنّه مل يقـل:
-3كما أنّه ال ميكن التسGGليم بGGأ ّGن النّ G
« لعملت بقولكمـا» ؛ وإمّن ـا قـال « :ما خالفتكمـا ،» فكـأ ّن يف قـوله « :ما خالفتكما » دون « لعملت
وعلو شGGأهنما ،وأ ّن اجتماعهما يف أمر ال يكGGون Gإالّ موافقGاً ملا عند اهلل
بقولكما » إشارة إىل رفعة قدرمها ّ
.937
ينص احلديث على حتميّة العمل بGGرأي Gيب معهما يف الGGرأي ،وال ّوهGGذا ال يعين أكGGثر من أن يتّفق النّ G
الشيخني مطلقاً ،واملسألة اليت حنن بصدد حبثها هي التنفيذ مع خمالفة األغلبيّة.938
-4باإلضGG Gافة إىل أ ّن رأي الشGG Gيخني أيب بكر وعمر –رضي اهلل عنهمGG Gا -ميثّل رأي اجملتمع اإلسGG Gالمي
ال خيالفوهنمGG Gا؛ وذلك ملكانتهما االجتماعية الكب GGرية G.فك GGأ ّن األول ،فGG Gإذا اتّفقا على أمر فGG Gإ ّن الصGG Gحابة
ّ
Gيب بقوله ذاك ،يGG G Gرى بGG G Gأ ّن اتّفGG G Gاق الشGG G Gيخني على رأي واحGG G Gد؛ إمّن ا ميثّل رأي أغلبيّة الص GG Gحابة ،حبكم
الن ّ G G
احلل الوسط املقبGG Gول Gمن اجلميGG Gع،
مكانتهما االجتماعي GG Gة ،وحبكم أ ّن ال GG Gرأي املتّفق عليه –يف الغ GG Gالب G-ميثّل ّ
ص.772. ابن حزم (أبو حممد علي) ،اإلحكام في أصول األحكام ،مطبعة اإلمام ،مصر ،د.ط ،د.ت ،اجمللد الثاين، 935
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.124 . 936
937اآللوسي (شهاب ال ّدين) ،روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،دار الفكر ،بريوت ،د.ط1983 ،م ،جـ ،4.ص.
.107
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.124 . 938
من قGّ G Gوة وتش ّ G Gدد، السGG Gيما مع اتّصGG G Gاف أيب بكر الصّ G G Gديق بGّ G G Gاللني والتسGG G Gامح ،وما عGG G Gرف عن عمر
احلل الوسط الذي تتّفق عليه األغلبيّة.939 فاتّفاقهما على أمر ميثّل ّ
وهبذا ف GGإ ّن االس GGتدالل هبذا احلديث ال يفيد ج GGواز ع GGدم ال GGتزام احلاكم ب GGرأي األغلبيّ GGة G،بق GGدر ما يفيد
Gيب ،وهو الرس GGول املوحى إليه ،يل GGتزم مبا يتّفق عليه الص GGحابيان (أبو بكر وعم GGر)
العكس ،وذلك أل ّن الن ّ G
اللّGGذان ميثّالن أغلبيّة الصGGحابة ،حبكم مكانتهمGGا ،فكأنّهيقGّ Gر النـزول على ما تتّفق عليه األغلبيّGGة ،وهGGذا على
صحة احلديث الذي أوردناه. فرضيّة ّ
ثانيا :من السنّة الفعليّة
940
أهم ما اسGGتند إليه هGGذا الفريق للقGGول إ ّن احلاكم غري ملGGزم
ّ -1تعترب وقGGائع "صGGلح احلديبيّة"
باتّباع رأي األغلبيّة ،وأنّه ميكنه األخذ مبا يراه ،دون االلتفات إىل ما تراه األغلبيّةG.
ويGGرى هGGذا الفريق بGGأ ّGن هGGذه احلادثة واضGGحة وضGGوح الشGGمس يف أ ّن للقائد أو احلاكم أن يسGGتعمل
ح ّقه يف أمر يGG G Gراه صGG G Gوابًا ،وإن خ GG G Gالف رأي األكثريّ GG G Gة ،وذلك دليل على عGG G Gدم إلزاميّة النـزول على رأي
تشريعا.941
ً األغلبيّة ،ومعلوم أ ّن عمل الرسوليعترب
حيث إ ّن الرسولقد عقد العزم على صلح احلديبيّة ،وعزم على إمضائه على النحو الGGذي رآه ،رغم
صGديق فإنّه قد سGلّم بGاألمر ،ليقينه بأنّه من عند اهلل ،وبعد ذلك إمجاع الصGGحابة على خالفGGه ،ما عGGدا ال ّ
احلق ،واس GGتغفروا Gرهّب م على خمالفتهم لن GGبيّهم يف
ع GGاد ه GGؤالء الص GGحابة إىل طاعة اهلل ،بعد أن ه GGداهم اهلل إىل ّ
ّأول األمر.942
صG Gة ،حيث وقد أيّد هGG Gذا االجّت اه اإلمGG Gام ابن قيّم اجلوزيGG Gة ،عند استخالصه للفوائد الفقهية Gيف تلك الق ّ
ق GGال « :ومن هGG Gذه الفوائد GاسGG Gتحباب مشGG Gورة اإلمGG Gام رعيّته وجيشGG Gه ،اسGG Gتخراجاً لوجه ال GGرأي ،واس GGتطابة
وتعرفًا ملصGG Gلحة خيتّص بعلمها بعضGG Gهم دون بعض .943» فهنا يGG Gذهب اإلمGG Gام ابن لنفوسGG Gهم ،وأمنًا لعتبهمّ ،
املرجع نفسه ،ص.125-124 . 939
وقد كانت "غزوة احلديبيّة" سنة ست للهجرة يف ذي القعدة .انظر يف تفاصيل أحداثها :السيرة النبوية لإلمGGام أيب الفGGدا إمساعيل ابن 940
كثير ،حتقيق :مصطفى عبد الواحد ،دار الرائد العريب ،بريوت ،ط1407 ،3.هـ1987-م،جـ ،3.ص 312 .وما بعدها .
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،املرجع السابق ،ص.132 . 941
سميع (صاحل حسن) ،أزمة الحرية السياسة في الوطن العربي ،مرجع سابق ،ص.229-228. 942
943ابن قيّم الجوزيّة (احلافظ أبو عبد اهلل) ،زاد المعاد في هدي خير العباد ،دار الكتGGاب العGGريب ،بGريوت ،د .ط ،د .ت ،جـ ،2 .ص.
.127
حتققه هGGذه املشGGورة من فوائGGد ،وليس لكوهنا واجبGGة ،أو
Gتحب لإلمGGام أن يشGGاور رعيّتGGه؛ ملا ّ
القيّم إىل أنّه يسّ G
أل ّن اإلمام ملزم بالتزام نتيجة هذه املشورة.
ويناقش هذا االستدالل مبا يأيت:
أ -لكي تك GGون Gاألحك GGام املس GGتقاة Gمن تلك الوق GGائع يف"ص GGلح احلديبيّ GGة" ص GGحيحة وس GGليمة ،فالبّد من
النّظر إليها نظرة مشوليّة.944
النيب وأقواله ،من خالل تلك احلوادث املتتابعة Gاليت نتج عنها ّ
الصلح ،نستنتج تصرفات ّ
فإذا رصدنا ّ
أ ّن األمر يف تلك املرحلة قد خرج من ميدان الشورى وحدود االجتهاد ،ودخل دائرة الGGوحي ،اليت ال جمال
فيها للرأي.945
فالشGGورى ال تكGGون يف شGGأن جGGاء من اهلل فيه أمGGر ،وعليه فالاسGGتدالل هبذه احلادثة على عGGدم إلزاميّة
الشورى باطل من أساسه.946
أي مرحلة من مراحلGG G Gه -حمالً للشGG G Gورى؛ وإمّن ا ص GG Gدر فيه
فموضGG G Gوع "صGG G Gلح احلديبيّGG G Gة" مل يكن –يف ّ
الرسول عن الوحي ،من ّأوله إىل آخره.947
الغزالي (حممد) ،اإلسالم واالستبداد السياسي ،دار الكتب احلديثة ،مصر ،د.ط1961 ،م ،ص.51 . 945
.23 عزة (عبد اهلل)" ،الشورى أم االستبداد ؟" ،مقال مبجلّة "المجتمع" ،الكويت ،العدد ،38 :ديسمرب 1970م ،ص.
أبو ّ
946
العوا (حممد سليم) ،في النظام السياسي للدولة اإلسالمية ،مرجع سابق ،ص.190 . 947
ابن كثير (أبو الفداء) ،السيرة النبوية ،مرجع سابق ،جـ ،3 .ص.320 . 948
حمل النـزاع ،إذ إنّنا ال نناقش مسألة كGGون األغلبيّة فالرد على ذلك يكون بالقول :إ ّن هذا خروج عن ّ ّ
على صGGواب أم خطGGإ ،فكGGون الGGوحي يGGأيت مبخالفة األغلبيّة ال يعين عGGدم التزامنا بGGرأي األغلبيّة Gفيما ليس فيه
وحي ،فمع التس GGليم بأنّه ما دام ال GGوحي قد ن GGزل خمال ًفا األغلبيّ GGة ،فال ع GGربة ب GGرأي األكثـريّة –مطل ًقGGا-؛ ف GGإ ّن
ذلك يقتضي GالتسGGليم بإلزاميّة اتّبGGاع Gرأي األغلبيّة إذا نGGزل الGGوحي مؤيًّ Gدا له –مطل ًقGGا ،-وهنGاك حGGوادث نGGزل
فيها ال GGوحي مؤيّ Gً Gدا رأي األغلبيّ GGة .وه GGذا االس GGتدالل مرف GGوض ألنّه اس GGتدالل جبزئيّة واح GGدة ،وي GGراد تعميمها
الكل .949
على ّ
وخالصة القGGول يف كGّ Gل ما سGGبق ،أنّه مع إثبGGات أ ّن األمـر يف حادثة "صGGلح احلديبيّGGة" هو أمـر قد نGGزل
مطروحا للنقGGاش وتGGداول اآلراء ،وعلى هGGذا فإنّه ال عالقة هلذه املسGGألة مبوضGGوع ً فيه الوحي؛ فGGإ ّن األمر ليس
إلزاميّة األخذ برأي األغلبيّة أو عدمه.
استدل هذا الفريق هبذه احلادثة ،للقول إ ّن الرسولمل يأخذ برأي أصحابه
ّ -3أسرى بدر :950وقد
(وهم األغلبيّ GG G G G G Gة) يف حادثة أس GG G G G G Gرى موقعة ب GG G G G G Gدر؛ وإمّن ا أخذ برأيه ال GG G G G G Gذي ك GG G G G G Gان يش GG G G G G Gاركه فيه أبو بكر
الص ّديق.951
ونناقش هذا الدليل فيما يأيت:
أ -إ ّن الرسGG G Gول يف هGG G Gذه احلادثة مل خيالف رأي األكثريGG G Gة ،بل وافقهـم ،إذ األغلبيّة هي اليت رأت
قبGG Gول الفGG Gداء ،والGG Gدليل على ذلك هو قوله « :أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الف داء،»
Gيبقد ّ
وجه اخلطGG G Gاب إىل ك Gّ G Gل من أيب بكر وعمر –رضي اهلل فعلى الGّ G G Gرغم من أنّه يف ّأول األمر كGG G Gان النّ G G G
Gددا آخر من الصGGحابة –ال نعلمهم -قدعنهمGGا -إالّ أنّه يف آخر هGGذا احلديث الGGذي نقلنGGاه ،إشGGارة إىل أ ّن عً G
تدخل وأيّد وجهة نظر أيب بكر ،فكان أن عمل الرسول مبشورهتم.952
ّ
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.137-136 . 949
950يراجع يف تفاصGGيل هGGذه احلادثGGة :ص((حيح مس((لم بشGGرح الن((ووي ،بGGاب "اإلمGGداد باملالئكة يف غGGزوة بGGدر وإباحة الغنGGائم" ،دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع ،د .م ،د .ط1983 ،م ،اجمللد السادس ،جـ ،12 .ص 84 .ومابعدها.
متولي (عبد احلميد) ،مبدأ الشورى في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.16-15 . 951
أبو عزة (عبد اهلل)" ،الشورى أم االستبداد ؟" ،مقال مبجلّة "المجتمع" ،الكويت ،العدد1971 ،43 :م ،ص.13 . 952
واآلية اليت نGG Gزلت معاتبGG Gة ،وموافقة GلقGG Gول عمر ،قد تضGG Gمنّت املؤاخـذة لعامـة املسلمـني تُريِ ُدونَ
ض ال ُّدن ْياَ وهللاُ يُري ُد اآل ِخ َرةَ وهللاُ عَزيِ ٌز َح ِكي ٌم .953 يق GG Gول ابن عاش GG Gور « :واخلط GG Gاب يف قوله
َع َر َ
« تريGدون » للفريق الGذين أشGاروا بأخذ الفGداء ،وفيه إشGارة إىل أ ّن الرسGول غري معGاتب ،ألنّه أخذ بGرأي
اجلمهور.954»
وورد يف تفسري املنGGار أ ّن ما فعله الرسGGول من قبGGول الفGGداء؛ ّإنما كGGان رأي مجهGGور أصGGحابه ،ال
رأي أيب بكر ال ّص Gديق وحGGده ،وأ ّن احلكمة من تGGرجيح الرسGGوللGGرأي اجلمهGGور املرجـوح ،مثّ إنكGGاره
نص فيه من اهلل ،هوذلك عليهم ،كان حلكم منهGا :أ ّن عمل الرسGول بGرأي اجلمهGGور األعظم فيما ال ّ
ركن من أركGGان اإلصGGالح السياسي Gواملدين الGGذي عليه أكGGثر األمم يف دوهلا القويّة يف هGGذا العصGGر ،وأ ّن يف
ذلك بيانًا أ ّن اجلمهور األعظم قد خيطئGون ،والسGيّما يف األمر الGذي هلم فيه هGوى ومنفعGة ،ومنه يعلم أ ّن ما
شرعه اهلل من العمل برأي األكثريّة ،فسببه أنّه هو األمثل يف األمور العامة ،ال أهّن م معصومون Gفيها.955
إذن ،فالرسوليف هذه احلادثة ،قد امتثل لGرأي أغلبيّة أصGحابه ،الGذين كGان على رأسهـم أبو بكر
حجة ص Gديق ،وهبذا ف GGإ ّن ه GGذا ال GGدليل يعترب ّ
حجG Gة على ه GGذا الفريق املنكر للعمل ب GGرأي األغلبيّ GGة G،وليس ّ ال ّ
هلم.
بّ -أما عتاب اللّه لنبيّهيف قولهَ : ما َكانَ لِنَبِ ٍّي أَ ْن يَ ُكونَ لَهُ أَ ْس َرى َحتَّى ي ُْث ِخنَ فِي األَرْ ِ
ض
َزي ٌز َح ِكي ٌم .لَوْ الَ ِكتَابٌ ِّمنَ هللاِ َسبَ َ
ق لَ َم َّس ُك ْم فِي َما أَ َخ ْذتُ ْم ض ال ُّد ْنيَا وهللاُ ي ُِري ُد ِ
اآلخ َرةَ وهللاُ ع ِ تُ ِري ُدونَ َع َر َ
َع َذابٌ ع َِظي ٌم فَ ُكلُوا ِم َّما َغنِ ْمتُ ْم َحالَالً طَيِّبًا واتَّقُوا هللاَ إِ َّن هللاَ َغفُو ٌر ر َِّحي ٌم.956
فGGإ ّن هGGذا العتGGاب ليس بسGGبب أخذ الرسGGولبGGرأي األكثريّة اليت رأت قبGGول الفGGداء ،وذلك بGGدليل أنّه
مل يغرّي حكم أخذ الفدية من األسGG G G G Gرى وإباحة الغنائـم ،إذ إ ّن اآلية تؤيّد حكم األغلبيّة يف قوله:
فَ ُكلُوا ِم َّما َغنِ ْمتُ ْم َحالَالً طَيِّبًا.957
ابن عاشور (حممد الطاهر) ،تفسير التحرير والتنوير ،مرجع سابق ،جـ ،10 .ص.75 . 954
(حممد رشيد) ،تفسير المنار (تفسير القرآن الحكيم) ،مرجع سابق ،اجمللّد العاشر ،ص.94-93 .
رضا ّ
955
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.140 . 958
اإلسالم عقيدة وشريعة ،دار الشروق ،القاهرة –بريوت ،ط 1992 ،16 .م ،ص.440 . 959
960متولي (عبد احلميد) ،مبدأ الشورى في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.15 .
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.143 . 961
962األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.143 .
المطلب الثالث :األدلّة( المستم ّدة من سيرة بعض الخلفاء الراشدين
لقد اعتمد أصحاب هذا االجّت اه كذلك على بعض األدلّة املستم ّدة من سرية بعض اخللفGGاء الراشGGدين؛
وذلك لالس GG Gتالل هبا على ما ذهب GG Gوا إليه من أ ّن رأي األغلبيّة Gغري مل GG Gزم ،ف GG Gاعتربوا أ ّن اخللفGG Gاء الراشGG Gدين مل
يأخذوا برأي األغلبيّة Gيف مواقف كثرية ،نذكر منها:
أوال :بعث جيش أسامة( إلى فلسطين
الصديقعلى إنفاذ جيش أسامة بن زيد إىل فلسطني–وهو اجليش الذي كان
فقد عزم أبو بكر ّ
ص Gديق على الرسGGولقد أع ّ Gده وجهGّ Gزه قبل وفاتGGه -وذلك رغم اعGGرتاض Gأغلبيّة الصGGحابة على أيب بكر ال ّ
هذا األمر.963
Gحابة يف األمر املشGGور بGGه،
ص Gديق مل ينـزل عند رأي الصّ G ووجه الداللة من هGGذه احلـادثة ،أ ّن أبا بكر ال ّ
رجـح رأيه على رأيهـم ،وهم األكثريGGة ،ومضى يف تنفيذ ما عGGزم عليGGه ،وهGGذا وهو عGGدم اخلروج ،بل إنّه قد ّ
ما ي ّدل بوضوح على أ ّن احلاكم غري ملزم باتبّاع رأي األغلبيّة.964G
ويرد على هذا االسGتدالل بGأ ّGن هGذا املوقف من أيب بكر ال ّصGديق إمّن ا كGان تنفيGذاً لوصGيّة الرسGول
ّ
جهز جيش أسGGامة بن زيد و أشGGرف على ذلك بنفسGGه ،مث منعه من اخلروج مGGرض الرسGGول
الGGذي كGGان قد ّ
،فك ّGل ما فعله أبو بكر يف هGGذا الشGGأن إمّن ا هو تنفيذ أمر رسGGول اهلل ،الGذي خGرج اجليش قبل موته من
املدينة فعالً ،مثّ رأى قائ GGده أن يقيم –حني اش GGت ّد م GGرض رس GGول اهلل على مقربة من GGه ،ل GGريوا ما يك GGون Gمن
أمر هذا املرض.965
رد أيب بكر على معارضة الصGGحابة ،حينما لفت نظGGرهم إىل حقيقة األمر يف املسGGألةG
وبGGذلك يُفهم ّ
أحل عقدة عقدها رسول اهلل ولو أ ّن الطرّي ختطّفنا ّ
والسباع من حول املدينة.966» قائالً « :واهلل ال ّ
963ملزيد من التفصGGيل يف هGGذه احلادثة يراجGGع :ابن كثير(أبو الفGGداء إمساعيل) ،البدايـة والنهايـة ،طبعة دار الفكر العGGريب ،ط 2،1387 .هـ ،
اجمللد الثالث ،جـ ،6.ص.343.
زيدان (عبد الكرمي) ،أصول الدعوة ،قصر الكتاب ،البليدة ،د.ط ،د.ت ،ص.222 . 964
ابن كثير (أبو الفداء) ،البداية والنهاية ،مرجع سابق ،اجمللد الثالث ،جـ ،6 .ص.304 . 966
صGديق قد عمل يف هGGذا األمر مبا يعترب من اختصاصGGاته ،وهو تنفيذ ما كGGان الرسGGول
فهنا أبو بكر ال ّ
قد عزم عليه قبل وفاته ،وبذلك يكون قد ن ّفذ ما كان وحياً ،وليس رأياً منه.967
ويل األمر لGGرأي األغلبيّGGة G،مGGادام قد ثبت أ ّن
وبGGذلك يسGGقط االسGGتدالل هبذه احلادثة على جGGواز خمالفة ّ
األمر هنا هو أمر الوحي ،والذي ال جمال للشورى فيه أصالً.
الصديق ألهل الر ّدة( ومانعي( الزكاة
ثانيا :قتال أبي بكر ّ
وذلك ملا ارت ّد كثري من األعراب عن اإلسالم G،وامتنعGوا عن دفع الزكGاة ،فطُGرح األمر للشGورى
صGديق شGGرعيّة قتGGاهلم ،ويف اجلانب املقابل رأى بقيّة املسGGلمني عGGدم
بني املسGGلمني ،فGGرأى اخلليفة أبو بكر ال ّ
شرعيّة قتاهلم ،وعلى رأسهم عمر بن اخلطاب.968
ص Gديق قد عمل مبا ي GGراه ص GGواباً ،دون االلتف GGات ووجه الداللة من ه GGذه احلادثة أ ّن اخلليفة أبا بكر ال ّ
969
ويل األمر غري ملGGزم باتّبGGاع رأي األغلبيّGGة G،وأ ّن
إىل رأي غGGريه من الص Gحابة ،وهم أكثريّة ؛ وهGGذا يعين أ ّن ّ
له أن يعمل برأيه الشخصي ،دون االلتفات إىل ما تراه األغلبيّة.
وهذا االستدالل ميكن مناقشته من جانبني:
صG Gديق قد قاتل ه GGؤالء املرتّ G Gدين ألهّن م أنكGG Gروا ً
معلوما من ال ّ G Gدين بالض GGرورة ،وهو -1إ ّن أبا بكر ال ّ
ص Gحيح الGGذي رواه البخGGاري ومسGGلم ص Gا قطعيًا وصGGرحياً ،وهو احلديث ال ّ "الزكGGاة الواجبGGة" ،فهو هنا يطبّق ن ًّ
أمرت أن أقاتل النّ اس ح تى
ُ Gيبأنّه قGG Gال « :
–وال GGذي رواه عبد اهلل بن عمر –رضي اهلل عنهم GGا -عن النّ G G
الص الة ويؤت وا الزك اة ،ف إن فعل وا ذلكوأن مح ّم دًا رس ول هللا ،ويقيم وا ّ يش هدوا أن ال إله إالّ هللاّ ،
عصموا منّي دماءهم وأموالهم إالّ بحقّها وحس ابهم على هللا970» ويف رواية أخGG Gرى « :أُم ُ
رت أن أقاتل
وأن مح ّم دًا رس ول هللا ،ف إذا قالوها عص موا منّى دم اءهم أن ال إله إالّ هللاّ ،
النّ اس حتّى يش هدوا ّ
وأموالهم إالّ بحقّها.971»
سميع (صاحل حسن) ،أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي ،مرجع سابق ،ص.240 . 967
968ملزيد من التفاصGG Gيل حGG Gول هGG Gذه احلادثـة يراجع مثالً :ابن قتيبة(أبو حممد عبداللّGG Gه) ،اإلمامة( والسياسة ،حتقيGG Gق :طه حممد الزيGG Gين ،دار
املعرفة للطباعة والنشر والتوزيع ،بريوت ،د.ط ،د.ت ،جـ ،1 .ص.23-22 .
زيدان (عبد الكرمي) ،أصول الدعوة ،مرجع سابق ،ص.222 . 969
970رواه البخ((اري يف ص((حيحه ،كتGGاب اإلميان ،بGGاب " فGGإذا تGGابوا وأقGGاموا الصGGالة وآتGGوا الزكGGاة فخلّGGوا سGGبيلهم ،" مطبعة مصGGطفى البGGايب
احلليب وأوالده ،مصر 1345 ،هـ ،جـ ،1 .ص.13 .
النص القطعي عنGGدهم ،أو عGGدم معGGرفتهم بGGه،
الصحابة يف بداية األمر كان بسبب خفGGاء ّ
وإ ّن اختالف ّ
الصديق ،ورجوعهم بعد ذلك دليل تسليمهم هبذا ّ
النص .972 أو نسياهنم له حىّت ذ ّكرهم به أبو بكر ّ
قطعي.
نص ّ ومن هنا فإ ّن األمر ليس جمال الشورى ،ومعلوم أ ّن الشورى ال تكون Gعند وجود ّ
-2وحىت مع افGG Gرتاض أ ّن هGG Gذا األمر من جماالت الشGG Gورى ،وليس داخالً يف دائGG Gرة ال GGوحي ،فال دليل
Gدل على أ ّن الصGG Gحابة قد صG G Gديق ل GG Gرأي أغلبيّة الص GG Gحابة ،بل إ ّن الش GG Gواهد التارخييّة ت ّ G G
على جتاوز أيب بكر ال ّ
صGديق هGGذا األمر خرجوا لقتال املرت ّدين ،وهذا دليل واضح على أهّن م اقتنعوا برأيه ،فعندما عGGرض أبو بكر ال ّ
على الصحابة اقتنعوا Gبوجاهته ،ومن مثّ خرجوا للجهاد بعد أن وافقوا على رأيه.973
إذن ،فاالسGG Gتدالل هبذه احلادثة يسGG Gقط يف كال االحتمGG Gالني ،فGG Gأبو بكر الصّ G Gديق ّإما أنّه قد اسGG Gتند إىل
وإما أنّه عمل باجتهGGاده ،إن كGGانت املسGGألة اجتهاديّGGة؛ قطعي ،حيث ال جمال للشGGورى يف هGGذه احلالGGةّ ، نص ّ ّ
وهنا تثبت الوقائع التارخييّة أ ّن الصGحابة رجعGGوا إىل رأيGه ،وقGاتلوا معGه ،وهنا ال ينتفي العمل بGGرأي األغلبيّGة،
ويل األمر.
مادامت Gهذه األخرية (أي األغلبيّة) Gقد رجعت إىل رأي ّ
ثالثا :قسمة أرض السواد
السابقة أنّه ملا فتح اهلل على املسلمني أرض العGراق والشGGام ،وغريمها من األقطGار، ومضمون هذه ّ
ّ
تقسم بني الفاحتني بعد رفع اخلمس ،ليصGرف البGاقي يف عهد عمر بن اخلطاب كان من رأي الصحابة أن ّ
يف مصارفه الشرعيّة.974
صG Gحابة يف رأيهم ه GGذا على أ ّن الفتح متّ عن GGوة G،وعلى ذلك تطبّق آية الغنيمة يف وقد اس GGتند مجه GGور ال ّ
سGG Gورة األنفGG Gال ،وهي قوله: وا ْعلَ ُموا أَنَّما َغنِ ْمتُ ْم ِّم ْن َش ْي ٍء فأ َ َّن هّلل ِ ُخ ُم َسهُ َولِل َّرسُو ِل َولِ ِذي القُ رْ بَى
يل.975
واليَتَا َمى وال َم َسا ِكي ِن َوا ْب ِن ال َّسبِ ِ
971رواه مس ((لم يف ص ((حيحه ،كت GGاب اإلميان ،ب GGاب "األمر بقت GGال النّ GGاس حىت يقول GGوا ال إله إالّ اهلل حممد رس GGول اهلل" ،دار إحي GGاء ال GGرتاث
العريب ،بريوت ،د.ت ،جـ ،1 .ص.53 .
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص 149 .وما بعدها. 972
سميع (صاحل حسن) ،أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي ،مرجع سابق ،ص.241 . 973
974ملزيد من التفصGGيل يراجGGع :الطم((اوي (سGGليمان حممGGد) ،عمر بن الخط((اب وأص((ول السياسـة واإلدارة الحديثـة ،مرجع سGGابق ،ص.
113وما بعدها.
975سورة األنفال ،اآلية41:
تقسم الغنائم على الفاحتني بعد رفع اخلمس ،976كما استندوا Gكذلك إىل أدلّة من
فاآلية هنا تفيد بأنّ G
السنّة النبويّة Gالشريفة.
فقد ذكر "ابن القيّم" أنّGG Gه « :بعد أن متّ للمسGG Gلمني فتح "خيGG Gرب" عنGG Gوة ،ق ّس G Gم الرسGG Gول غنيمتها بني
املسلمني بعد رفع اخلمس.977»
الصحابة ،فقد رأى عمر بن اخلطاب أن تبقى Gهذه األراضي بيد أهلها، ومقابل هذا الرأي جلمهور ّ
وأن يض GG Gرب عليهم اخلراج ،وقد اس GG Gتند يف رأيه ه GG Gذا على أدلّة من الق GG Gرآن الك GG Gرمي ،كما أ ّن غايته كGG Gانت
العامة ،اليت أملتها ظروف الدولة اإلسالميّة Gوقتئذ.978 حتقيق بعض املصاحل ّ
Gويل األمGGر ،وأ ّن هلذا
ووجه الداللة من هGGذه احلادثة أ ّن رأي األكثريّة يف األمGGور االجتهاديّة غري ملGGزم لّ G
األخري أن ين ّفذ ما ّأداه إليه اجته GGاده ،حىت ولو خ GGالف رأي األغلبيّ GGة ،وه GGذا ما فعله عمر بن اخلط GGاب من
ترجح لديه.979 خالل احلادثة السابقة ،إذ عمل مبا ّ
فه GGذه احلادثة –عند ه GGذا الفري GGق -تعترب أكرب دليل من ال ّسG Gوابق التارخييّة يف عهد اخللف GGاء الراش GGدين،
يؤديه إليه اجتهاده.
تدل على أ ّن احلاكم ميكنه أن يتجاوز رأي األغلبيّة ،ويعمل مبا ّ اليت ّ
ولكن ه GG Gذه احلادثة ،عند الفريق اآلخر يس GG Gتدلّون هبا للوص GG Gول إىل نت GG Gائج مناقضة ملا ذهب إليه ه GG Gذا
Gدل على جتاوز عمر بن اخلط GG Gاب ل GG Gرأي األغلبيّGG Gة G،و ذلك
الفريGG Gق ،فهم ال يسG G Gلّمون ب GG Gأ ّن ه GG Gذه احلادثة ت ّ G G
لسببني:
-1أل ّن عمر بن اخلطGG Gاب قد اعتمد يف اجتهGG Gاده ذاك على أدلّة من كتGG Gاب اهلل تعGG Gاىل ،وبGG Gذلك
بنص ،وليس برأيه الشخصGGي ،وعلى هGGذا ينتفي االسGGتدالل بأنّه مل يلGGزم نفسه مبا ذهبت إليه يكون قد عمل ّ
أغلبيّة الصحابة.980
فأما األربعة األمخاس فهي ملك للغGGامنني من غري خالف بني األمة .» انظGGر :ابن الع(ربي (أبو بكر حممدبن
حيث يقGGول ابن العربيّ « :
976
عبد اهلل) ،أحكام القرآن ،مطبعة السعادة ،مصر ،د .ط 1331 ،هـ ،جـ ،1 .ص.354 .
ابن قيّم الجوزية (احلافظ أبو عبد اهلل) ،زاد المعاد من هدي خير العباد ،مرجع سابق ،جـ ،2 .ص.137 . 977
حممد) ،عمر بن الخطاب وأصول السياسـة واإلدارة الحديثـة ،مرجع سابق ،ص 113 .وما بعدها.
الطماوي (سليمان ّ
978
سميع (صاحل حسن) ،أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي ،مرجع سابق ،ص.233. 979
980سميع (صاحل حسن) ،أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي ،مرجع سابق ،ص.241 .
-2وحىّت لو فرضGG Gنا أ ّن الصGG Gحابةقد اختلفت أفهGG Gامهم حGG Gول هGG Gذه املسGG Gألة G،ويف فهم النّص GGوصG
Gحة ما ذهب Gدل على ص ّ G
الش GGرعية املتعلّقة Gهبذه املس GGألة ،أي أ ّن األمر ص GGار اجتهاديً GGا؛ ف GGإ ّن ه GGذه احلادثة ال ت ّ G
صGحيح؛ وذلك أل ّن الروايGGات جُت مع على أ ّن عمر بن اخلطGGابمل إليه هGGذا من الفريGGق ،بل إ ّن العكس Gهو ال ّ
منفردا ،بل إ ّن أغلبيّة الصحابة وافقته على رأيه ،بعد أن أقنعهم مبا اعتمGده من أدلّة شGرعيّة، يعمل برأيه هذا ً
وبعد أن ش ّ G Gكل جلنة من كب GG Gار األنص GG Gار ،وذلك بإش GG Gارة من الص GG Gحابة أنفس GG Gهم ،وق Gّ G Gررت تلك اللّجنة –
باإلمجاع -تأييد Gرأي عمر بن اخلط GG Gاب يف أ ّن الغن GG Gائم اليت وردت يف اآلي GG Gةَ :وا ْعلَ ُم وا أَنَّ َما َغنِ ْمتُ ْم ِّم ْن
الس بِي ِل ،981 يقصد هبا املنقGG Gول
ُ أن هَّلِل ِ ُخ َم َسهُ َولِل َّرس ِ
ُول َولِ ِذي القُرْ بَى َواليَتَا َمى وال َمسا َ ِكي ِن َوا ْب ِن َّ َش ْي ٍء فَ َّ
من األموال ،وخيرج منها األرض ومن عليها.982
ووف ًقا ملا س GG Gبق يس GG Gقط االس GG Gتدالل بك GG Gون أ ّن عمر بن اخلط GG Gاب قد خ GG Gالف رأي األغلبيّGG Gة ،وعمل
باجتهاده الشخصي ،فموافقة األغلبيّة بعد رفض ،ال يعين انفراد الشخص برأيه مع خمالفة األغلبيّة.
لقد اسGGتند هGGذا الفريق للقGGول بعGGدم إلزاميّة رأي األغلبيّة Gإىل مجلة من األدلّة العقليGGة ،واليت نGGذكر منها
ما يأيت:
أوال :إ ّن الكثرة ليست مناط الصواب
صG Gواب G،أو حىّت دليالً راجحG Gاً علي GGه ،إذ إ ّن حيث يق GGول ه GGذا الفريق إ ّن الك GGثرة ليست من GGاط ال ّ
ص GGواب ال GGرأي أو خط GGأه ال يُس GGتم ّدان من ك GGثرة أو قلّة ،983وأ ّن اإلس GGالم ال جيعل ك GGثرة الع GGدد ميزانًا للح Gّ Gق
والباطل ،إذ إنّه من املمكن أن يكون الرجل الفرد أصوب رأياً من اجلماعة.984
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.155-154 . 982
وملزيد من التفاصGGيل يف هGGذا املوضGGوع يراجGGع :كتـاب الخـراج ،للقاضي أبي يوسف (يعقGGوب بن إبGGراهيم) ،دار املعرفة للطباعـة و النشGGر،
ب GGريوت ،د .ط 1302 ،هـ ،ص 24 .وما بع GGدها -.الطم ((اوي (س GGليمان حمم GGد) ،عمر بن الخط((اب وأص((ول السياسة واإلدارة الحديث (ة،
مرجع سابق ،ص.115 .
العقاد (عباس حممود) ،الديمقراطية في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.78 . 983
المودودي (أبو األعلى) ،نظرية اإلسالم وهديه ،مرجع سابق ،ص.59 . 984
احلق يف احليGG Gاة ال GG Gدنيا ال يتح ّ G Gدد بالعGG Gدد ،وال تقGّ G Gرره كGG Gثرة أو قلّGG Gة؛ ولكنّه يتح ّ G Gدد بالقواعدG
وإ ّن «ّ
السماء.985» واملبادئ ،واملنهاج الربّاين الذي أُنزل من ّ
ونناقش هذا الرأي مبا يأيت:
Gحة ه GGذا األم GGر، إ ّن الق GGول ب GGأ ّGن األغلبيّة قد ختطئ ،وقد يك GGون الص GGواب مع الف GGرد ،فمع التس GGليم بص ّ G
ووقوعه فعالً ،إالّ أنّه يبقى احتم GGال وق GGوع اجلماعة يف اخلطإ أق Gّ Gل ،وذلك أل ّن الف GGرد مهما اتّصف بال GGذكاء
ص Gة كب GGري ،وذلك بعكس اجلماعة اليت يق Gّ Gل احتم GGال ه GGذا الت GGأثري فيه GGا؛ والتق GGوى ،فاحتم GGال ت GGأثّره مبيوله اخلا ّ
حض الرسول يف أحاديث كثرية يقGّ Gوي بعضGGها
أقل ،ومن أجل هذا ّ
لذلك كان احتمال وقوعها يف اخلطإ ّ
بعضا على اتّباع Gالسواد األعظم.986
ً
لولي األمر
ثانيا :القول بإلزاميّة العمل بمبدإ األغلبيّة يؤ ّدي إلى مخالفة الطاعة الواجبة( ّ
فاللّهيقول :يَاأَيُُّهَا الَّ ِذينَ آَ َمنُوا أَ ِطيعُوا هللاَ َوأَ ِطيعُوا ال َّرسُو َل َوأُوْ لِي األَ ْم ِر ِم ْن ُكمْ.987
Gؤدي إىل خمالفة ه GG Gذه الطاع GG Gة؛ وذلك ألهّن ا جتعل ص GG Gوتوإلزاميّة الش GG Gورى والعمل مبب GG Gدإ األغلبيّة ي ّ G G
اخلليفة أو احلاكم صوتًا من مجلة األصوات.988
أي أنّه إذا رأت األغلبيّة GرأيG G G Gاً خيالف رأي احلاكم ،فعلى ه GG G Gذا األخري التن GG G Gازل عن رأيه لص GG Gاحل رأي
نصت عليه اآلية السابقة. األغلبيّة ،وهذا ما يعترب خمال ًفا لواجب الطاعة للحاكم ،الذي ّ
ويل األمGG Gر ،وبني إلزاميّة الشGG Gورى واالمتثGG Gال
Gرد على هGG Gذا االسGG Gتدالل ،بأنّه ال تعGG Gارض بني طاعة ّ ويُّ G G
ل GGرأي األغلبيّ GGة؛ وذلك أل ّن س GGلطات اخلليفة مقيّ GGدة بع GGدم خروجها على أمر اهلل ورس GGوله ،وإالّ فال طاع GGة،
والش GGورى وإلزاميّتها من ض GGمن ما أمر اللّه به ورس GGوله ،ومها ض GGمن القي GGود ال GGواردة على س GGلطات اخلليف GGة؛
فللخليفة السمع والطاعة فيما مل جياوز حدود الشورى وإلزاميّتها G،وإالّ فال مسع وال طاعة.989
النحوي (عدنان علي رضا) ،الشورى ال الديمقراطية ،دار الشهاب ،اجلزائر ،ط 1987 ،2 .م ،ص.103 . 985
986األنص((اري (عبد احلميد إمساعيل)" ،األغلبيّة مب((دأ إس((المي أص((يل" ،مقGGال مبجلّة " الع((ربي" ،الكGGويت ،العGGدد ،286سGGبتمرب 1982م
ص.28 .
987سورة النساء ،اآلية.59:
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.164 . 988
زيدان (عبد الكرمي) ،أصول الدعوة ،مرجع سابق ،ص.222 . 990
.14 عزة (عبد اهلل)" ،الشورى أم االستبداد ؟" ،مقال مبجلّة "المجتمع" ،الكويت ،العدد1970 ،41 :م ،ص.
أبو ّ
992
-2كما أنّه حىت يف البلGG Gدان الدميقراطيGG Gة G،فGG Gإ ّن احلاكم غري مسGG Gؤول وحGG Gده عن القGG Gرارات اليت ُتتّخذ
ب GG Gرأي اجلماعGG G Gة ،بل إنّه مسGG G Gؤول عن طريقة تنفيGG G Gذها ،وإذا حGG G Gدث أن اختلف احلاكم مع اجمللس يف رأي،
فعليه أوالً أن حياول إقناعه ،فإذا مل يقتنع اجمللس ،فعلى هذا احلاكم أن ين ّفذ رأي اجمللس ال رأيه الشخصGGي،
وذلك أل ّن رأي اجلماعة أصوب من رأي الفرد.993
عما يGG Gدخل يف
فاحلاكم س GG Gواء أك GG Gان يف دولة اإلس GG Gالم أم يف ال GG Gدول الدميقراطية ،فإنّه مس GG Gؤول فقط ّ
اختصاصه واختي GGاره ،ومع GGروف أ ّن احلاكم يت GGوىّل أم GGور الس GGلطة التنفيذي GGة؛ ل GGذلك فهو مس GGؤول عن طريقة
التنفيذ ،وليس عن رأي األغلبيّة ونتائجه.
الفنجري (أمحد شوقي) ،الحرية السياسية في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.209 . 993
زيدان (عبد الكرمي) ،أصول الدعوة ،مرجع سابق ،ص.223 . 994
سميع (صاحل حسن) ،أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي ،مرجع سابق ،ص.237 . 995
-2كما أ ّن التسGG G G G G G Gليم هبذا الGG G G G G G Gرأي ليس على إطالقGG G G G G G Gه ،إذ القائد ميلك حرية التصGّ G G G G Gرف فيما يتعلّق
كالتصرف يف ميدان املعارك ،فهذه األمور مرتوكة لقائد اجليش وحسن تصGّ Gرفه؛ وذلك ّ بتفصيالت Gاحلرب،
يؤدي إىل أضرار بالغGة؛ فهGذه األمGور ال يقGاس عليهGا ،ألهّن ا تGدخل يف بGاب الضGرورة، شل يد القائد قد ّ أل ّن ّ
ص Gلح
Gف الض GGررين ،أما العمل السياسي املتعلّق باحلـرب ،ك GGاإلعالن عن احلـرب ،أو قب GGول ال ّ وارتك GGاب أخ ّ G
العامGG Gة ،واليت ختضع إلش GG Gراف ورقابة
مثالً ،فإنّها ال تُ GG Gرتك يف يد قائد اجليش ،ألهّن ا أم GG Gور تتعلّق بالش GG Gورى ّ
الشعب.996
خاصة ،للقول بعدم وهبذا يسقط هذا االستدالل املستند إىل بعض صالحيات قائد اجليش يف ظروف ّ
إلزاميّة رأي األغلبيّة.
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.190 . 996
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.172 . 997
األنص((اري (عبد احلميد إمساعيل)" ،األغلبيّة مب((دأ إس((المي أص((يل" ،مقGGال مبجلّة "الع((ربي" الكGGويت ،العGGدد ،286 :سGGبتمرب 1982م، 1001
27 ص.
1002رضا (حممد رشيد) ،تفسير المنار( تفسير القرآن الحكيم) ،مرجع سابق ،جـ ،4.ص.201 .
1003رواه مسلم (أبو احلسني بن احلجGGاج) ،الجامع الص(حيح ،كتGGاب الفضGGائل ،بGGاب "وجGGوب امتثGGال ما قاله شGGرعاً دون ما ذكGGره صGلّى
اللّه عليه وسلّم من معايش الدنيا على سبيل الرأي" ،طبعة دار الفكر ،بريوت ،اجمللد الرابع ،جـ ،7.ص.95.
اس GGتطاعتنا أن نتالىف أضGGرار الدميقراطية Gيف ه GGذا الش GGأن بع GGدم االعتم GGاد على األكثريّة على إطالقها ويف ك Gّ Gل
ح GGال من األح GGوال ،وأن نضع هلا قي GGوداً متنع س GGلبياهتا وطغياهنا .1004وه GGذا كلّه إذا فرض GGنا أ ّن مب GGدأ األغلبيّةG
مGGأخوذ عن الدميقراطية الغربيّGGة ،وقد ذهب بعض البGGاحثني إىل أ ّن اإلسGGالم قد سGGبق الدميقراطية GاملعاصGGرة يف
إقرار مبدإ حكم األغلبيّة.1005G
حىت لو فرضنا أ ّن مبـدأ األغلبيّة Gمأخوذ عن الدميقراطية Gالغربيّة ،فإ ّن ذلك ال ينفي وهبذا خنلص إىل أنّه ّ
شGGرعيّة العمل بGGه ،ما دام يتماشى مع العGGدل وال يتنGGاقض Gمع مبGGادئ اإلسGGالم وأصGGوله ،كما أ ّن وجGGوده يف
الدميقراطية Gالغربيّة ال ينفي عGG G G Gدم وجGG G G Gوده يف اإلسGG G G Gالم G،بل ذهب بعض البGG G G Gاحثني –كما أسGG G Gلفنا -إىل أ ّن
اإلسالم قد سبق الدميقراطية الغربيّة يف إقرار هذا املبدإ.
حمل حبث من البحGGوث اليت ب -مناقشة الس((بب الث((اني (:وهو يتعلّق ّ
باالدعGGاء أ ّن هGGذا املبGGدأ مل يكن ّ
يتعرضGG Gوا ملا يتعلّق به من
تطGّ G Gرق إليها الفقهGG Gاء املسGG Gلمون يف حبوثهم املختلفGG Gة؛ فهم مل يفGG Gردوه ببحث ،ومل ّ
مسائل ،كتحديد مقدار النصاب أو كيفية إجراء التصويت G،وغريها من املسائل املتعلّقة هبذا املبدإ.
والرد على هذا الرأي يكون Gمبا يأيت:ّ
* إ ّن موضوع مبدإ األغلبيّة ،واألمور املتعلّقة Gبه ،يدخل يف الكيفيات املرتبطة بدرجة الوعي السياسيG
خيصص الفقهاء حبوثاً مسGGتقلّة يف هGGذا الشGGأن، التطور احلضاري لألمم ،وإذا مل ّ واالجتماعي ،واملتناسبة مع ّ
Gرد ذلك عGGدم احلاجGGة ،أو عGGدم املالءمة GالسياسGGية G،والفقيه السياسي Gأدرى بظGGروف عصGGره وما فقد يكGGون Gمّ G
يناسبها.1006
إذن ،فعGGدم تطGّ Gرق الفقهGGاء إىل موضGGوع األغلبيّة Gيف حبوث مسGGتقلّة ،والGGذي قد يكGGون Gله ما يربّره ،ال
حجة على أ ّن هذا املبدأ ليس من مبادئ احلكم يف اإلسالم. يعترب ّ
* بل إ ّن الفقهاء قد عرفوا هذا املبدأ ،وحبثوه Gإىل ح ّد ما .1007
1007املرجع نفسGGه ،ص .63 .وهGGذا عكس ما ّادعGGاه املستشGGرق "مرجوليGGوث" ( ،)MargoliouthالGGذي ّادعى أ ّن الكلمـات" :أكثريّGGة" و
"صوت" و "انتخاب" ،مل تعرف يف الشGرق إالّ حGGديثاً ،حني أدخلت إىل اللغGات اإلسGالمية من اللغGات األوربيGGةD.S.Margoliouth , .
ص.367. ..Muhammedanism, pp. 93-94نقالً عن :الريس(حممد ضياء الدين) ،النظريات السياسية اإلسالمية ،مرجع سابق،
فهGGذا املبGGدأ الGGذي تقGGوم عليه الGGدميقراطيات احلديثGGة ،مبGGدأ معGGروف يف التفكري السياسي اإلسGGالمي منذ
قرون بعيدة.1008
Gدل على مع GG Gرفتهم هبذا املب GG Gدإ ،وكGG Gذا العمل
وهن GG Gاك Gعّ G G Gدة مناذج من أق GG Gوال الفقه GG Gاء واألص GG Gوليني ت ّ G G
واالحتجاج به.
سنتطرق –بإذن اهلل تعاىل -إىل ذكر بعض هذه األقوال: ّ وفيما يأيت
-ورد عن اإلمGGام أيب حامد الغGGزايل 1009يف أحد مؤلّفاتGGه ،عند تناوله ملسGGألة "إذا بويع إلمGGامني" قولGGه:
« إهّن م لو اختلف GGوا يف مب GGدإ األم GGور ،وجب ال GGرتجيح ب GGالكثرة ،وأل ّن الك GGثرة ...أق GGوى مس GGلك من مس GGالك
الرتجيح.1010»
نص واضح ودليل قGGاطع على معرفة اإلمGGام أيب حامد الغGGزايل هلذا املبGGدإ ،وإدراكه ألمهيّته ودوره فهGGذا ّ
يف ترجيح اآلراء املتعارضة.
-كما نُقل عن ابن تيمي GGة-رمحه اللّ GGه -يف مس GGألة مبايعة أيب بكر الص ّ Gديق قول GGه « :وإمّن ا ص GGار ً
إماما
مببايعة مجهور الصحابة.1011»
واملقص GG Gور بلفظ "اجلمه GG Gور" هو "األك GG Gثر"؛ وذلك ألنّه « إذا ك GG Gان لفظ األكثرية واألقليّة مل يGG Gرد يف
كتب ال GGرتاث ،ف GGإ ّن لفظ Gاً آخر يقابله قد اس GGتعمله علم GGاء السياسة الش GGرعية وغ GGريهم ،وهو لفظ "اجلمه GGور"
الذي عنوا به "األكثريّة" ،وهو كثري الورود يف كتب الفقه والتاريخ.1012»
السابق -يؤ ّكد على أ ّن الصحابة قد عرفوا هذا املبدأ ،وعملGGوا به حىت يف فقول اإلمام ابن تيميةّ -
أخطر املسائل ،واملتمثّلة يف تنصيب اخلليفة ،وقد عرّب اإلمGام عن هGذا املبGدإ بلفظ "اجلمهGور" واملقصGود به –
كما أسلفنا -هو "األكثريّة".
ووفاته يف الطGGابران خبرسGGان ،رحل إىل نياسGGبور مثّ إىل بغGGداد ،فاحلجGGاز ،فبالد الشGGام ،فمصGGر ،وعGGاد إىل بلدتGGه .نسGGبته إىل صGGناعة الغGGزل
(عند من يقوله بتشGGديد الGGزاي) ،أو إىل غزالة (من قGGرى طGGوس) ملن قGGال بGالتخفيف .من كتبGGه" :إحيGGاء علGGوم الGGدين"" ،هتافت الفالسGGفة" ،
"املنقذ من الضالل"" ،املستصفى" ،وغريها ،وقد تويف عام 505هـ 1111-م .الزركلي (خري الدين) ،األعالم ،جـ ،7 .ص.22 .
نقالً عن :ال((ريس(حممد ضGGياء الGGدين) ،النظري((ات السياس((ية اإلس((المية ،مرجع ،63 (رد على الباطنية ،ص.
1010الغ((زالي (أبو حامGGد) ،ال( ّ
سابق ،ص.368 .
منهـاج السنّة ،املكتبة العلميّة ،بريوت ،د.ط ،د.ت ،جـ ،1 .ص.142 . 1011
القاسمي (ظافر) ،نظام الحكم في الشريعة والتاريخ اإلسالمي( -الحياة الدستورية ،-مرجع سابق ،ص.276 . 1012
-ويGG G Gذكر املاوردي يف أحد مؤلّفات GG Gه ،مبناس GG Gبة البحث عن احلكم عند اختالف أهل املس GG Gجد ح GG Gول
اختي GG G G G Gار اإلم GG G G G G Gام يف الص GG G G G G Gالة ،قوله « :إذا اختلف أهل املس GG G G G G Gجد يف اختي GG G G G G Gار إم GG G G G G Gام ،عمل على ق GG G G Gول
األكثرين.1013»
Gدل على إدراك فقهائنا ألمهيّة العمل مببGGدإ ص Gالة ،إالّ أنّه يّ G فهGGذا القGGول وإن كGGان متعلّق Gاً باإلمامة يف ال ّ
فض املنازعات. األكثريّة ،ودوره يف ّ
حجGة" ،أي فهي تلي يقـررون بGGأ ّن" :الكGGثرة ّG -أما علمGGاء األصـول ،فإهّن ـم عند حبثهـم ملبـدإ اإلجـماع ّ ّ
1015 1014
اإلمجاع ؛ حيث يذكر "اآلمدي" أ ّن بعض العلماء منهم ابن جرير الطـربي،
وأبو بكر الرازي ،1016وأبو احلسني اخلياط املعتزيل ،1017وأمحد بن حنبل يف رواية عنGGه ،قد ذهبGGوا إىل
حجGGة ،ولكن ال انعق GGاد اإلجـماع بGG Gرأي األكثريّة إذا ق Gّ Gل خمالفوهـم ،وذهب البعض إىل أ ّن قـول األكثريّة ّ
إمجاعا.1018
يسمى ً ّ
Gدل على املكانة اليت حيتلها مبGGدأ األكثريّة عند األصGGوليني؛ حيث ذهب بعضGGهم إىل حّ Gد اعتبGGار فهGGذا يّ G
حجGة ،وإن مل يصل إىل درجة قGGول األكثريّة ممّا ينعقد به اإلمجاع إذا قGّ Gل املخGGالفون G،واعتGGربه Gالبعض اآلخر ّG
اإلمجاع.
الماوردي (علي بن حممد) ،األحكام السلطانية والواليات الدينية ،مرجع سابق ،ص.182 . 1013
1014الريس ( حممد ضياء الدين) ،النظريات السياسية اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.368 .
1015هو علي بن حممد بن سلم التغليب ،أبو احلسن ،سيف الدين اآلمـدي ،أصويل ،باحث ،أصله من آمد (ديار بكر) ،ولد هبا عـام (551
Gدرس هبا واشGGتهر .وقد تGGويف بدمشق عGGام ( 631هـ 1233 -م) ،من مؤلّفاتGGه:
هـ 1156-م) وتعلّم Gيف بغGGداد والشGGام ،وانتقل إىل القGGاهرة ،فّ G
"اإلحك GGام يف أصGG Gول األحكGG Gام" وخمتصGG Gره "منتهى السGG Gول" ،و "لبGG Gاب األلبGG Gاب" و "دق GGائق احلق GGائق" ،وغريه GGا .ال ((زركلي (خري الGG Gدين)،
األعالم ،جـ ،4 .ص.332 .
اجلصاص ،فاضل من أهل الرأي ،سكن بغداد ومات فيها ،انتهت إليه رئاسة احلنفية ،وخوطب يف
هو أمحد بن علي الرازي ،أبو بكر ّ
1016
أن يلي القض GGاء ف GGامتنع ،وألّف كت GGاب "أحك GGام القـرآن" وكتابًا يف "أصـول الفقـه" .وقد ت GGويف عـام ( 370هـ 980-م) .ال ((زركلي (خري
الدين) ،األعالم ،جـ ،1 .ص.171 .
1017هو عبد الGG Gرحيم بن حممد بن عثمGG Gان ،أبو احلسني ابن اخليGG Gاط ،شGG Gيخ املعتزلة ببغ GGداد ،تنسب إليه فرقة منهم ت GGدعى "اخلياطيGG Gة" ،ومن
مؤلّفاتGGه" :االنتصGGار يف الGّ Gرد على ابن الرونGGدي" و "االسGGتدالل" و "نقض نعت احلكمGGة" .وكGGانت وفاته حنو030( :هـ 912 -م) .ال((زركلي
(خري الدين) ،األعالم ،جـ ،3 .ص.347 .
جـ ،1ص.336. اآلمدي (سيف الدين) ،اإلحكام في أصول األحكام ،دار الكتب العلميّة ،يريوت ،د.ط 1403،هـ1983 -م، 1018
Gدل داللة قاطعة على معرفة الفقه GG Gاء واألص GG Gوليني ملبGG Gدإ األكثريّGG Gة، إذن ،فه GG Gذه النص GG Gوص Gوغريه GG Gا ،ت ّ G G
Gتقل ،فGذاك راجع إىل مجلة من األسGباب قد أشGرنا إىل وأما مسألة عدم إفGراده ببحث مس ّ وإدراكهم ألمهيّته؛ ّ
بعضها سابقاً ،وهو ال يعين أنّه ليس من مبادئ احلكم يف اإلسالمG.
صG G G G Gل يف اإلسـالم ،وإذا كGG G G G Gان هGG G G G Gذا املبـدأ معمـوالً به يف
وهبذا خنلص إىل أ ّن مبـدأ األغلبيّة Gمتأ ّ
الدميقراطيات الغربيّة ،فهذا ال يعين أنّه غري معروف يف اإلسالم.1019G
المبحث الثاني
القائلون بإلزام مبدإ األغلبيّة ،وأدلّتهم
لقد ذهب كثري من الفقهاء والباحثني ،والسيّما من املعاصرين ،إىل أ ّن مبدأ األكثريّة ملزم ،وأنّه مبGGدأ
من مب GGادئ نظ GGام احلكم يف اإلس GGالم ،وأ ّكGGدوا على أنّه ال معىن للش GGورى املق Gّ Gررة يف الكت GGاب والس GGنّة ،إذا مل
تقرره األغلبيّة. G ويل األمر مبا ّ
ملزما ،أي إلزاميّة تقيّد احلاكم أو ّ
يكن هذا املبدأ ً
وقد اس GGتندوا يف ق GGوهلم ه GGذا إىل مجلة من األدلّة مس GGتم ّدة من القـرآن الك GGرمي ،ومن سG Gنّة املص GGطفى
السوابق التارخييّة املأخوذة من سرية بعض اخللفاء الراشGGدين ،إضGGافة إىل بعضوسريته العطرة ،وكذا من ّ
األدلّة العقليّة ،وغريها.
تطرقنا إليها عند مناقشة األدلّة اليت
واجلدير بالذكر أ ّن كثرياً من األدلّة اليت اعتمد عليها هذا الفريق قد ّ
استند إليها الفريق السابق ،القائل بعدم إلزاميّة العمل مببدإ األغلبيّة؛ Gولذلك سنتناول يف هذا املبحث -بGإذن
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.181 . 1019
اهلل تعاىل -األدلّة اليت مل نتناوهلا فيما سبق ،على أ ّن هذا ال ينفي اإلشGGارة إىل األدلّة السGGابقة ،نظGراً الشGرتاكG
كل فريق ينظر إليها من الزاوية اليت تؤيّد اجّت اهه. األدلّة املعتمدة بني الفريقني يف بعض األحيان؛ حيث إ ّن ّ
وسنتناول –بعون Gاهلل تعاىل -هذا املبحث يف املطالب اآلتية:
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.191 . 1022
املفسرين يف هذه اآليGGة ،واليت منها ما ورد يف "تفسري املنGGار" ،حيث وممّا يؤيّد هذا االجّت اه أقوال بعض ّ
ترجحه الشورى ،وأعددت له ع ّدته ،فتو ّكل عزمت بعد املشاورة يف األمر على إمضاء ما ّ َ ذكر فيه « :فإذا
على اهلل يف إمضائه. 1023»
ترجحه الشورى هنا يقصد به "األكثريّة". وما ّ
وقد نوقش هذا الرأي من قِبل الفريق القائل بعGGدم إلGGزام رأي األغلبيّة GبGGأ ّGن كلمة "العGGزم" –كما أشGGرنا
Gدل على "قصـد اإلمضـاء" ومل يGرد يف اللّغة Gدل يف أصGلها اللّغGوي على ذلGك ،بل إهّن ا ت ّ إىل ذلك سGاب ًقا -ال ت ّ
أ ّن من معانيها "األخذ باألكثريّة".
وأجيب على هGG Gذا ،بأنّه ال مGG Gانع من أن يك GG Gون Gلكلمة "الع GG Gزم" معىن لغ GG Gوي معنّي ،ويكGG Gون Gهلا معىن
شرعي آخر ،كما هو معهود يف العرف الشرعي.1024
Gدل اللّغة على
فهGG Gذا الفريق يGG Gرى بGG Gأ ّن تفسري كلمة "العGG Gزم" تفيد األخذ مببGG Gدإ األكثريّGG Gة ،حىت لو مل ت ّ G
ذلك ،فمن اجلائز أن يكون التفسري الشرعي هلذه الكلمة يفيد ذلك.
ثانيا :قولهَ : وأَ ْم ُرهُ ْم ُشو َرى بَ ْينَهُ ْم.1025
تتم باملش GG Gاورة فيما بينهم،
فه GG Gذه اآلية ختربنا –على س GG Gبيل الثن GG Gاء والوج GG Gوب -أ ّن أم GG Gور املس GG Gلمني ّ
يتقرر باإلمجاع ،أو األكثريّة.1026 ومقتضى Gاملشاورة احل ّقة أن جتري أمور املسلمني وفق ما ّ
وقد نGGوقش هGGذا االسGGتدالل بGGأ ّن هGGذه اآلية ال تفيد محل اخلرب على الوجGGوب ،وال ت ّ Gدل على وجGGوب
تنفيذ رأي األغلبيّة.1027
Gدل عليه ه GGذه اآلية هو مـدح املؤم GGنني ب GGأهّن م ذو ش GGورى ومراجعة يف اآلراء بينهم ،أي ال فك Gّ Gل ما ت ّ G
أمرا حىت يتشاوروا فيه ،ليساعدوا بآرائهم يف احلروب ،وغريها من مهام األمور.1028 يربمون ً
1023رضا (حممد رشيد) ،تفسير المنار ،مرجع سابق ،جـ ،4 .ص.205 .
1024األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،املرجع السابق ،ص.192 .
1025سورة الشورى ،اآلية.38 :
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.193 . 1026
حممGد) ،الشورى في ضوء القرآن والس(نّة ،دار البحGGوث للدراسـات اإلسالميـة وإحيGGاء الGGرتاث ،ديب ،ط.
1028عتر (حسن ضGGياء الGGدين ّG
1422 ،1هـ 2001 -م ،ص.47 .
يتم التنفيذ بنـاءً على رأي األكثريّة أو وأما مسGG G Gألة هل ّوكGG G Gذا على وجـوب التشGG G Gاور يف األمGG G Gورّ ،
األقليّة ،فإ ّن اآلية ال داللة فيها على ذلك.1029
يدل على األخـذ بGGرأي األكثريّGGة؛ وذلك أنّه ما دام وقد أجيب على هذا االعرتاض ،بأ ّGن مقتضى اآلية ّ
ص Gل إليهيتم على ما تتو ّاملؤمن GGون Gيتش GGاورون يف أم GGورهم ،وال ينف GGرد أح GGدهم ب GGالقرار ،ف GGإ ّن التنفيذ ك GGذلك ّ
جمرد أخذ ال GGرأي دون التقيّد ب GGرأي األكثـريّة ،ملا ك GGان األمراألكثريّ GGة ،وإالّ لو ك GGان "أم GGرهم ش GGورى" هو ّ
يدل على وجوب االلتزام برأي األكثريّة.1030 شورى ح ًقا ،فعموم هذه اآلية ّ
Gدل –إضGGافة إىل مGGدح املؤمGGنني
فهذا الفريق –من خالل ما سبق ذكره -يذهب إىل أ ّن اآلية السGGابقة تّ G
املتشاورين ووجوب التشاور -على لزوم األخذ مببدإ األغلبيّة ،أل ّن ذلك من مقتضيات Gالشورى احل ّقة.
ويل األمر إىل آراء مجيع أهل الش GG Gورى ،مث خيتGG Gار هو ويف ه GG Gذا يق GG Gول "املودودي"ّ « :أما أن يس GG Gتمع ّ
نفسه حبرية تامة؛ فGإ ّن الشGورى يف هGGذه احلالة تفقد معناها وقيمتهGGا ،فاهلل مل يقل (تؤخذ آراؤهم ومشGورهتم
يف أم GGورهم)؛ وإمّن ا ق GGال« :وأم GGرهم ش GGورى بينهم » يعين أن تسري أم GGورهم بتشاورهـم فيما بينهم ،وتط GGبيق
يتم بأخذ ال GGرأي فق GGط؛ وإمّن ا من الض GGروري لتنفي GGذه Gوتطبيق GGه ،أن جتري األم GGور وفق ما ه GGذا األمر اإلهلي ال ّ
يتقرر باإلمجاع ،أو باألكثريّة.1031» ّ
يث َوالطَّيِّبُ َولَوْ أَ ْع َجبَ َك َك ْث َرةُ ْالخَ بِيثِ.1032 ثالثا :قوله: قُلالَّيَ ْست َِوي ْال َخبِ ُ
فهذه اآلية قد اعتمد عليها الفريق السابق يف القول بعدم االعتداد برأي األكثريّة؛ وذلك أل ّن هذه
استنادا إىل هذه اآلية.
ً تضمنت عدم االعتداد بالكثرة اخلبيثة G،فذهبوا Gإىل إهدار األكثريّة مطل ًقا، اآلية ّ
ولكن يف املقابل فقد ا ْسG G G G G Gتُ ِد ّل هبذه اآلية للقGG G G G G Gول إ ّن لألكثريّة اعتبGG G G G G Gاراً Gيف الشGG G G G G Gرع ،فقد ذهب ابن
عرفة 1033إىل أ ّن ه GGذه اآلية دلّت على االعت GGداد ب GGالكثرة وال GGرتجيح هبا ،فقد ق GGال يف تفس GGريه –كما نقل ابن
1031المودودي (أبو األعلى) ،الحكومة اإلسالمية( ،ترمجة :أمحد إدريس ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر،د.ط ،د.ت ،ص.176 .
1032سورة املائدة ،اآلية.100 :
1033ابن عرف GGة :هو حممد بن عرفة ال GGورغمي التونس GGي ،إم GGام املالكية يف وقت GGه ،وص GGفه معاص GGره "ابن فرح GGون" بش GGيخ الش GGيوخ وبقية أهل
رائدا يف العلGوم العقليّة والنقليGة ،وقGال ابن فرحGون :له تGآليف منهGا" :تقييد الكبري يف املذهب" ،وقد ولد سGنة 716هـ وتGويف الرسوخ ،كان ً
337 (ذهب في معرفة( أعي(ان الم(ذهب ،دار الكتب العلميGGة ،بGGريوت ،ص.
سGGنة 803هـ .انظGGر :ابن فرح(ون (برهGGان الGGدين) ،ال(ديباج الم ّ
وما بعدها.
يدل على أ ّن الكثرة هلا اعتبـار ،حبيث إنّـها ما أُسقطت ث ّ « عاشور -إ ّن قولهَ : ولَوْ أَ ْع َجبَ َ
ك َك ْث َرةُ ْالخَ بِي ِ
هنا إالّ للخبث.1034»
ويعترب ه GGذا من ن GGوادر االس GGتنباطات ،إذ استُـعملت ه GGذه اآلية للداللة على ضّ G Gد ما ذهب إليه الفريق
اآلخGGر ،حيث اعتُGGربت GهGGذه اآلية كGGدليل على االعتGGداد بGGالكثرة؛ وإمّن ا أُسGGقط اعتبارها Gهنا التّصGGافها بGGاخلبث
فقGGط ،ومعGGروف عن أهل الشGGورى أهّن م من الصGGفوة G،وأصGGحاب علم وخGGربة؛ لGGذا فGGإ ّن رأي أكGGثريّتهم يعتّ Gد
رجح على رأي احلاكم الفرد ،الذي ليس أكثر منهم علماً وخربة. به ،ويُ ّ
رابعا :ومن اآلي GGات اليت ميكن االسرتش GGاد واالس GGتئناس هبا يف املوض GGوع ما ج GGاء يف ق ّ
صG Gة ملكة س GGبأ،
ي ِكتَ ابٌ َك ِري ٌم إِنَّهُ ِم ْن :قَ الَ ْ
ت يأَيُّهَا ال َمألَُ إنّي أُ ْلقِ َي إِلَ َّ حيث حكى عنها الق GG Gرآن الك GG Gرمي يف قوله
ت يَاأَيُُّهَا ال َمألَ أَ ْفتُ ونِي فِي ي َو ْأتُ ونِي ُم ْس لِ ِمينَ قَ الَ ْ َّح ِيم أَالَّ تَ ْعلُ وا َعلَ َّ
من ال ر ِ ُسلَ ْي َمانَ َوإِنَّهُ بِس ِْم هَّللا ِ الرَّحْ ِ
ون.1035 اط َعةً أَ ْمرًا َحتَّى تَ ْشهَ ُد ِ
نت قَ ِ أَ ْم ِري َما ُك ُ
اط َعةً أَ ْمرًا َحتَّى تَ ْشهَ ُدو ِن. والشاهد يف هذه اآليات هو قوهلاَ :ما ُك ُ
نت قَ ِ
وحىّت يس GG Gتقيم االستش GG Gهاد بق GG Gول "ملكة س GG Gبأ" ال بّ G G Gد من التنبيه إىل أ ّن « :ك Gّ G Gل حكاية وقعت يف
رد ،فال إشكـال يف بطالن القرآن ،فال خيلو أن يقع قبلها ،أو بعدها –وهو األكثر -رد ّهلا ،أوالً :فGGإن وقـع ّ
Gحة احملكي( G)...ف GGإ ّن الق GGرآن مسّي فرقانG Gاً،
رد؛ ف GGذلك دليل على ص ّ G
ذلك احملكي Gوكذب GGه ،وإن مل يقع معها ّ
حجة على اخلل GGق ،على اجلملة والتفص GGيل ،واإلطالق وه GGدى ،وبرهانG Gاً ،وبيانG Gاً ،وتبيانG Gاً Gلك Gّ Gل ش GGيء ،وهو ّ
حبق ،مثّ ال ينبّه عليه.1036»
والعموم ،وهذا املعىن يأىب أن حيكى فيه ما ليس ّ
هذا باإلضافة إىل أ ّن "ملكة سبأ" يف حال كوهنا تسجد للشمس من دون اهلل ،هي وقومـها ،ملا قGGالت
ّ
احلق الGGذي قالتGه ،وذلك يف قوهلا فيما كالماً ح ّقاً ،صGدقها اهلل فيGGه ،ومل يكن كفرها مانعGاً من تصGGديقها يف ّ
ذكر اهلل عنهGG Gا :إِ َّن ْال ُملُو َك إِ َذا َد َخلُوا قَرْ يَةً أَ ْف َس ُدوهَا َو َج َعلُ وا أَ ِع َّزةَ أَ ْهلِهَا أَ ِذلَّةً ،1037فقد ق GGال اهلل
مص ّدقًا هلا يف قولهَ :و َك َذلِ َك يَ ْف َعلُونَ .
ابن عاشور (حممد الطاهر) ،تفسير التحرير والتنوير ،مرجع سابق ،جـ ،7 .ص.64 . 1034
الشاطبي( أبو إسحاق) ،الموافقات في أصول الشريعة ،مطبعة مصطفى حممد ،مصر ،د.ط ،د.ت ،جـ ،3 .ص.354-353 . 1036
1037سGGورة النمGGل ،اآليGGة .34 :انظGGر :الشنقيطي(حممد األمني) ،أضواء البي(ان في إيض(اح الق(رآن ب(القرآن ،دار الكتب العلميGGة ،بGGريوت،
ط1417 ،1.هـ 1996-م ،جـ ،1 .ص.7 .
إذن ،فبن GG Gاء على أ ّن قوهلاَ :ما ُك ُ
نت قَا ِط َع ةً أَ ْم رًا َحتَّى ت َْش هَ ُدون حمكى يف الق GG Gرآن الكGG Gرمي دون ً
ذم ،وبن GGاءً على س GGياق التأييد والرض GGى ،ال GGذي ج GGاء فيه ه GGذا الق GGول؛ ف GGإ ّن قوهلا والتزامهـا ب GGأن Gال إبط GGال أو ّ
تقطع يف أمر من أمGGور الدولGGة ،اليت كGGانت حتكمهGGا ،إالّ بعد استشGGارة ملئها ومGGوافقتهم ،يعترب مثGGاالً يقتGGدى
به ،وذلك يتمثّل يف إمجاعهم ،أو رضاهم ،أو موافقة أكثريّتهم كح ّد أدىن.1038
الريسوني (أمحد) ،نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.401 . 1038
1039العسقالني (ابن حجGGر) ،فتح الباري شرح ص(حيح البخ(اري ،بGGاب "بطانة اإلمGGام وأهل مشGGورته" ،طبعة دار املعرفGGة ،بGGريوت ،جـ.
،13ص.190 .
1040سورة آل عمران ،اآلية.159 :
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.195 – 194 . 1041
ويؤيّد ه GG G G Gذا احلديث ح GG G G Gديث آخر يقاربه يف املعىن وهو احلديث املروي عن خالد بن مع GG G Gدان وعبد
أي ثُ َّم الGG G G G Gرمحن بن أيب حسني أ ّن رجالً قGG G G G G G Gال :يا رسGG G G G G G Gول اهلل ما احلزم؟ فقGG G G G G G Gال « :أَ ْن تُش ِ
او َر ذا َر ٍ
تُطيعهُ.1042»
األول املروي
وقد نGGوقش هGGذا الGGدليل بدايGGة ،من حيث سGGند احلديثني السGGابقني ،فقد ذُكر أ ّن احلديث ّ
عن علي بن أيب طGG G G G Gالب غري صGG G G G Gحيح ،حيث عGG G G G Gزاه ابن كثري يف تفسGG G G G Gريه ، 1043والسGG G G Gيوطي Gيف الّ G G G Gدر
املنثGGور 1044Gالبن مردويGGه ،ومل يGGذكرا إسGGناده؛ لGGذلك قGGال فيه الشGGيخ حممد ناصر ال ّ Gدين األلبGGاين « :وما أراه
يصح ،وليتهما ساقا إسناده ،لننظر فيه ونكشف عن علّته.1045» ّ
1046
وأما حديث "احلزم" ،فهو وإن كان صحيح اإلسناد ،إالّ أنّه مرسل . ّ
واجلمهGG G G G G Gور على أ ّن املرسل هو من أقسGG G G G G Gام الضGG G G G G Gعيف G،هGG G G G G Gذا فضG G G G G Gالً عن أ ّن معىن احلزم غري معىن
العزم.1047
Gحة س GGندمها ،إض GGافة إىل اختالف احلزم عن الع GGزم يف احلديث إذن ،فاحلديثني الس GGابقني مطع GGون يف ص ّ G
الثاين ،هلذا اعرتض الفريق القائل بعدم إلزاميّة رأي األكثريّة على هذا االستدالل.
ولكن على الGّ Gرغم من ذلGGك ،إالّ أ ّن معىن احلديثني صGGحيح ومقبGGول لGGدى العقالء ،وتؤ ّGكGده التجGGارب
Gريا من العلم GG Gاء واملف ّسG G Gرين قد استش GG Gهدوا هبم GG Gا ،حىت ولو مل ي GG Gذكروا سGG Gند احلديث الواقعيّ GG Gة ،كما أ ّن كث ً G G
األول.
ّ
ثانيا :قولهأليب بكر وعمر –رضي اهلل عنهم GG Gا « -لَ ِو اجْ تَ َم ْعتُ َما فِي َم ُش و َر ٍة َما خاَلَ ْفتُ ُك َما.1048»
ويستدل هبذا احلديث على رجحGGان رأي االثGGنني على الواحGGد ،ومن مثّ رجحGGان رأي األكثريّة على األقليّGGة،
ّ
رواه البيهقي يف سننه ،كتاب آداب القاضي ،باب من يشاور ،طبعة دار الفكر ،جـ ،10 .ص.112 . 1042
ابن كثير( أبو الفداء إمساعيل) ،تفسير القرآن العظيم ،مرجع سابق ،جـ ،2.ص.143. 1043
وقد نGGوقش هGGذا االسGGتدالل كGGذلك من ناحية السGGند ،فقد ورد أنّه ضGGعيف؛ وذلك أل ّن يف سGGنده شGGهر بن
حوشب ،وهو ضعيف ،1051وعبد الرمحن بن غنم ،وهو خمتلف يف صحبته.1052
Gدل عليه تؤ ّك GGده س GGرية املص GGطفىيف استش GGاراته الكث GGريةG ولكن رغم ذلك ف GGإ ّن معىن احلديث ،وما ي ّ G
للص GG Gاحبيني اجلليلني أيب بكر وعمر –رضي اهلل عنهم GG G Gا -وأخ GG G Gذه برأيهم GG G Gا ،أو رأي أح GG G Gدمها ،إض GG Gافة إىل
مكانتهما يف اجملتمع اإلس GG G Gالمي G،كما أ ّن س GG G Gريته تؤ ّكد ك GG G Gثرة استش GG G Gاراته Gألص GG G Gحابه ،وأخ GG Gذه مبا تق Gّ G Gره
النيب شاور أصحابه وأعرض عن رأي الغالبيّة.1053G
أغلبيّتهم ،فلم يثبت Gأ ّن ّ
Gتدل به يف هGGذه الغGGزوة ،أنّه ملا وقع عGGدد من أسGGرى املشGGركني يف أيGGدي املسGGلمني ،وكGGانت
وممّا يسّ G
ّ
هذه املرة األوىل اليت حيدث فيها هذا ،كان من أمر الرسول أن جلأ إىل استشارة أصحابه.
وكGG Gان يف مقدمة من أدلGG Gوا بGG Gآرائهم أبو بكر الص ّ G Gديق وعمر بن اخلطGG Gاب –رضي اهلل عنهمGG Gا ،-فقد
العم والعش GGرية G،أرى أن تأخذ منهم فدي GGة،
Gيب اهلل ،هم بنو ّج GGاء يف ص GGحيح مس GGلم « :فق GGال أبو بك GGر :يا ن ّ G
فتكGGون لنا قGّ Gوة على الكفGGار ،فعسى اهلل أن يهGGديهم لإلسGGالم ،فقGGال رسGGول اهلل ما تGGرى يا ابن اخلطGGاب؟
قلت :ال واهلل يا رس GGول اهلل ،ما أرى ال GGذي رأى أبو بك GGر ،ولكىّن أرى أن متكنّا فنض GGرب أعن GGاقهم ...ف GGإ ّن
ُ
لت ،وملا كGGان من الغد أئمة الكفر وصGGناديدها .فهGGوى رسGGول اهلل ما قGGال أبو بكGGر ،ومل يهو ما قُ
هGGؤالء ّ
ُ ّ
أي شGGيء تبكي Gأنتجئت فGGإذا رسGGول اهلل وأبو بكر قاعGGدين يبكيGGان G.قلت :يا رسGGول اهلل ،أخGGربين من ّ
وصGGاحبك؟ فGGإن وجGGدت بكGGاءً بكيت ،وإن مل أجد تبGGاكيت GلبكائكمGGا ،فقGGال رسGGول اهلل :أبكي GللّGGذي
علي عGGذاهبم أدىن من هGGذه الشGGجرة (شGجرة قريبة منعرض على أصGحابك من أخGذهم الفGداء ،لقد عGGرض ّ
املرجع نفسه ،ص.106 . 1054
Gيب إمّن ا أخذ ب GGرأي ص GGحايب واح GGد ،هو أبو بكر ،إالّ أنّها
فه GGذه الرواية وإن ظهر يف أ ّوهلا أ ّن الن ّ G
صGGرحية يف آخرها أ ّن القGGول بأخذ الفدية من األسGGرى كGGان قGGول مجهGGور الصGGحابةمن مثل قولGGه « :أبكي
علي ع ((ذابهم( » فالرس GGول هنا أق Gّ Gر ب GGرأي أيب بكر ليس
للّ GGذي ع GGرض على أص ((حابك( ...وقد ع GGرض ّ
فقط مليله إليه واستحس GGانه ل GGه؛ وإمّن ا هو لكونه رأي مجهـور الصحـابة ،ال GGذين عرض GGوا عليه ه GGذا األم GGر،
وممّا يؤ ّكد ه GGذا أ ّن اآلية اليت ن GGزلت موافقة ل GGرأي عمرقد تض Gّ Gمنت املؤاخ GGذة ّ
لعامة املس GGلمني على تطلّعهم
إىل احلصول على املال.1059
َزي ٌز َح ِكي ٌم لَ وْ الَ ِكتَ ابٌ ِّمنَ هَّللا ِ َس بَ َ
ق اآلخ َرةَ َوهَّللا ُ ع ِ قGG Gال: تُ ِري ُدونَ ع ََر َ
ض ال ُّد ْنيَا َوهَّللا ُ ي ُِري ُد ِ
لَ َم َّس ُك ْم فِي َما أَ َخ ْذتُ ْم َع َذابٌ ع َِظي ٌم.1060
وقد ذكر "ابن عاشGG Gور" أ ّن اخلط GGاب يف قول GGه :تُ ِري ُدونَ للفريق الGG Gذين أشGG Gاروا بأخذ الف GGداء ،وفيه
إشارة إىل أ ّن الرسول غري معاتب؛ ألنّه إمّن ا أخذ برأي اجلمهور.1061
Gيب قد ن GGزل على رأي األغلبيّ GGة G،وأ ّن اهلل يف تلك اآلي GGات مل يعاتبه
Gدل على أ ّن الن ّ G
فه GGذه احلـادثة ت ّ G
على ذلك؛ وإمّن ا عاتب الصحابة الذين آثروا احلصول على املال.
1062
ثانيا :في غزوة أحد
ابن عاشور (حممد الطاهر) ،تفسير التحرير والتنوير ،مرجع سابق ،جـ ،10 .ص.75 . 1061
وقد كانت بسبب رغبة قريش للثأر ملا أصاهبا يوم بGGدر ،وكGانت يف شGوال سGGنة ثالث للهجGرة .انظر يف تفاصGيل هGGذه الغGزوة :ابن 1062
هشام(أبو حممد عبد امللك) ،السيرة النبوية ،طبعة مكتبة الكليات األزهرية ،مرجع سابق ،جـ ،3.ص 14.وما بعدها.
Gيب قد ش GGاور أص GGحابه ،وقد بنّي هلم رأيه
وخالصة ما ميكن أخ GGذه من ه GGذه الغ GGزوة أ ّن الن ّ G
ورمGوا من فGوق الGبيوت ،وإن أقGاموا
اخلاص ،وهو البقGاء يف املدينGة ،فGإذا دخل املشGركون أزقّة املدينة GقوتلGوا ُ
بشر مقام.
خارجا أقاموا ّ
ً
ولكن أغلبيّة الص GGحابة رأت اخلروج ،وذلك حبجج كث GGرية ،منها ش GGوقهم للق GGاء الع ّ G
Gدو ،والس GGيّما ّ
بالنّسبة للّذين مل حيضروا غزوة بدر ،وأيضاً حىّت ال يقال عنهم أهّن م ضعفاء.
ووجه االس GGتدالل من ه GGذه احلادثة أ ّن الرس GGول قد ن GGزل على حكم األغلبيّة Gاليت مل تكن من رأي GGه؛
ومع ما حصل يف هGGذه الغGGزوة من هزمية املسGGلمني ،واستشGGهاد عGGدد كبري من الصGGحابة ،فقد نGGزلت اآلية
اسنت الرسولهذه السنّة، 1063
تأمر باستمرار الشورى ،واالستمرار يف النـزول على حكم األغلبيّة « ، Gوقد ّ
بعد أن استش GGار أص GGحابه ورأى أك GGثرهم اخلروج ألُح GGد ،فك GGان رس GGول اهللّ أول من وضع رأي األكثريّة
موضع التنفي GGذ ،إذ هنض من جملسه ف GGدخل بيته ولبس ألمته وخ GGرج عليهم ليق GGود األقليّة واألكثريّة إىل لق GGاء
Gدو خ GGارج املدين GGة G،وقد س GGارع الرس GGولبتنفيذ Gرأي األغلبيّ GGة ،ب ّ G
Gالرغم من خمالفته لرأيه اخلاص ،ال GGذي الع ّ G
األحق باالتّباع.1064»
ّ أظهرت احلوادث أنّه كان الرأي
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.199 . 1063
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.201 . 1066
النيبمل يكن مؤيّداً ومقتنعاً بGرأي أغلبيّة الصGGحابة ،ورغم ذلك فقد امتثل لGرأيهم
وهذا ما يؤ ّكد بأ ّن ّ
يف اخلروج.
*ولنا أن نسGG G Gأل كGG G Gذلك :كيف يظهر الص GG Gواب Gواخلطأ عنGG G Gدما خيتلف أهل الش GG Gورى ورئيس الدولة
نص فيها وال دليل واضح من كت GGاب اللّه وس GGنّة رس GGول اللّه ،إذا مل يكن رأي أغلبيّة أهل ح GGول قض GGية ال ّ
الش GGورى ،وال GGذين يُف GGرتض فيهم أهّن م كب GGار أهل ال GGرأي يف اجملتمع اإلس GGالمي G،إذا مل يكن رأيهم هو ال GGدليل
احلق حيثما ظهGر،
الظن بGGرئيس الدولGGة ،أنّه يأخذ ّ
الرتجيحي على الصGواب G،فما هو الGدليل؟ وإذا كنّا حنسن ّ
الظن بأغلبيّة Gأهل الرأي والفكر يف اجملتمع اإلسالمي؟.1067 فما الذي جيعلنا نسيء ّ
Gيب املعصGG Gوم قد مسح للصGG Gحابة بإب GGداء *ونضGG Gيف هنا كGG Gذلك أنّه إذا كGG Gان رسGG Gول اهلل وهو النّ G G
Gديرا هلم ،وامتث GGالاً لألمر باملش GGاورة واالل GGتزام هبا ،ومع
آرائهم املخالفة لرأي GGه ،وأخذ ب GGرأيهم وت GGرك رأي GGه ،تق ً G
Gأت القGG G Gرآن بتخطئته إذ أخذ بGG G Gرأي األغلبيّة– Gمع أنّه كGG G Gان خطـأ يف تلك احلـالة -بل أ ّكد دوام ذلك مل يِ G G G
املشGGاورة ودوام االلGGتزام هبا ،فكيف ميكن أن نسGلّم مبخالفة رأي األغلبيّة GلصGGاحل رأي حGGاكم فGGرد ،وهو غري
معصوم؟.1068
1069
ثالثا :غزوة الخندق
Gيب ألصGحابه ،ونزوله عند رأيهم،
وما نأخذه من وقائع هذه الغزوة كشواهد على استشارة الن ّ
Gيب وأصGحابه ما عما كان قد عGزم عليGGه ،أنّGGه :بعد أن ن ّفGذت األحGزاب املتحالفة ضّ Gد النّ G حىت ولو بالرتاجع ّ
عGG Gزمت عليGG Gه ،وجلأ املسGG Gلمون إىل حفر اخلنGG Gدق ،ممّا حGG Gال دون دخGG Gول املشGG Gركني املدينة GاملنGّ G Gورة G،حوصر
املسGGلمون ما يقGGرب من شGGهر ،فاشGGت ّد ذلك عليهم ،وتسGلّل الGGوهن واخلوف إىل بعضGGهم ،والسGGيّما مع تثبيطG
Gيب وهG Gو القائد احلكيم ،والGG Gرؤوف الGG Gرحيم
ص G Gعبة والعسGG Gرية Gجلأ النّ G G
املنGG Gافقني هلم ،ففي هGG Gذه الظGG Gروف ال ّ
ويكسر شوكة أعدائهم ،فأجرى اتّصاالت سريّة مع قائGGدي ّ بأصحابه ،إىل خطوة ليخ ّفف هبا عن أصحابه،
ص G Gل معهم إىل اتّف GGاق يقضي Gبانس GGحاب غطف GGان من غطف GGان (عيينة Gبن حص GGن ،واحلارث بن عGG Gوف) ،وتو ّ
.13 عزة (عبد اهلل)" ،الشورى أم االستبداد ؟" ،مقال مبجلّة "المجتمع" ،الكويت ،العدد ،41 :ديسمرب 1970م ،ص.
أبو ّ
1067
1068األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.204 .
لتحزب األحGزاب حلرب الرسGول –صGلّى اهلل عليه وسGلّم-
1069وقد كانت "غGزوة اخلنGدق" ،واليت تس ّGمى كGذلك "غGزوة األحGزاب" نظGراً ّ
يضم كالً من قGريش ،وغطفGان ،وبين قريظGة ،وبين النضGري ،وبين وائGل .وكGانت فكGرة هGذا احللف
واستئصاله هو وأصحابه ،وكان احللف ّ
لنفر من اليهود .وقد وقعت هذه الغزوة يف عام 3هـ .انظر يف تفاصيل الغزوة :سيرة ابن هشام ،طبعة مكتبة الكليGGات األزهريGGة ،مرجع
سابق ،جـ ،3 .ص.127 .
احللGG Gف ،ورج GG Gوع مقاتليها عن املس GG Gلمني ،مقابل أن يعطيهم املس GG Gلمون ثلث مثار املدين GG Gة G،و َقْبل أن يصGG Gبح
النيب األمر على زعيمي األنصار وممثّليهم (سGGعد بن معGGاذ ،وسGGعد بن عبGGادة)، وملزما ،عرض ّ العقد هنائيًا ً
فقGGاال لGGه « :يا رسGGول اهلل ،أمGً Gرا حتبّه فنصGGنعه ،أم شGGيئًا أمGGرك اهلل بGGه ،الب ّ Gد لنا من العمل بGGه ،أم شGيَئًًَGا تصGGنعه
لن GGا؟ قGG Gال « :بل ش يء أص نعه لكم ،وهللا ما أص نع ذلك إالّ ألنّ ني رأيت الع رب قد رمتكم عن ق وس
أكس ر عنكم من ش وكتهم إلى أمر ما ،» فق GGال له س GGعد بن أردت أن ّ ُ واحد ،وكالبوكم من ك ّل جانب ،ف
معاذ :يا رسول اهلل ،قد كنّا حنن و هؤالء القGوم على الشGرك باهلل ،وعبGادة األوثGان G،ال نعبد اللGه وال نعرفGه،
وأعزنا بك وبGGه، وهم ال يطمعون أن يأكلوا منها إالّ قرى أو بيعاً ،أ فحني أكرمنا اهلل باإلسـالم وهدانا لGGهّ ،
نعطيهم أموالنGG Gا؟ واهلل ما لنا هبذا من حـاجة ،واهلل ال نعطيهم إالّ السGG Gيف حىت حيكم اهلل بيننا وبينهم .قGG Gال
رسGG Gول اهلل «: ف أنت وذاك ،» فتنـاول سGG Gعد بن معGG Gاذ الصGG Gحيفة ،فمحا ما فيها من الكتابGG Gة G،مث قGG Gال:
ليجهدوا علينا.1070»
Gيبعلى رأي س GGعد بن مع GGاذ وص GGاحبه س GGعد بن عب GGادة ،ومها زعيما األوس واخلزرج
وهك GGذا ن GGزل الن ّ G
Gيبدون غGGريهم من املهGGاجرين
(األنصGGار) ،والثمGGار اليت سGGتعطى لغطفGGان هي مثارهم ،ولGGذلك استشGGارهم النّ G
ألنهما ميثّالن األنص GGار (األوس GيببرأيهمGG Gا ،وذلك ّ ك GGأيب بكر وعمر –رضي اهلل عنهمGG Gا ،-وقد اكتفى النّ G G
واخلزرج) ،وك GGان موقفهما كافي Gاً للتعبري عن رأي قومهم GGا ،وهم األكثريّة يف املدينة املن Gّ Gورة G،ول GGذلك ع GGدل
Gيب عن فكرته نGGزوالً على رأيهم .واملسGGألة كما هي واضGGحة من جGGواب الرسGGول ليست وحي Gاً ،بل
النّ G
هي اجتهاد منه ،أو كما ورد يف جوابه هلما « :بل شيء أصنعه لكم.»
ابن هشام(أبو حممد عبد امللك) ،السيرة النبويّة ،طبعة مكتبة الكليات األزهرية ،مرجع سابق ،جـ ،3.ص.134-133 . 1070
اهلامة ك GG Gانت تتّم مبوافقة األغلبيّ GG Gة G،حيث إنّنا « ال جند يف التGG Gاريخ مثGG Gالاً
فك Gّ G Gل احلوادث والق GG Gرارات ّ
أي خطGGوة ض ّ Gد رأي األغلبيّة يف مسGGألة مGGا ،بعد Gدل على أنّهم اتّخGGذوا ّ واحGGداً يف عهد اخللفGGاء الراشGGدين ،يّ G
إجراء املشورة والتوصّل إىل قرار ّمتفق عليه.1071»
وقد ذكرنا يف املبحث السابق ،يف معرض مناقشة أدلّة الفريق القائل بعدم إلزاميّة مبدإ األغلبيّة G،بعض
نكررها هن GGا ،ونكتفي بع GGرض Gدل على ال GGتزام اخللف GGاء الراش GGدين ب GGرأي األغلبيّ GGة G،ل GGذلك فلن ّ احلوادث اليت ت ّ G
Gدل على املنهج العGGام للخلفGGاء الراشGGدين يف هGGذا اجملال ،ونGGورد بعض الوقGGائع اليت مل نGGذكرها سGGاب ًقا ،واليت تّ G
فض املنازعGG Gات؛ ولGG Gذلك فقد عمل GGوا به أثن GGاء ف GGرتة إدراك اخللفGG Gاء الراشGG Gدين ألمهيّ G Gة هGG Gذا املبGG Gدإ ،ودوره يف ّ
خالفتهم.
نتطرق إىل هذه السوابق التارخييّة يف عهد اخللفاء الراشدين: وفيما يأيت ّ
أوال :منهاج أبي بكر وعمر –رضي اهلل عنهما -في الحكم
لقد وصف أحد التابعني –وهو ميمون بن مهران -خطّة احلكم يف عهد اخلليفتني أيب بكر وعمر
ص Gديق إذا ورد عليه حكم ،نظر يف كتGGاب اهلل ،فGGإن وجد
–رضي اهلل عنهمGGا -فقGGال « :كGGان أبو بكر ال ّ
فيه ما يقضي Gبه قضى ب GG Gه ،وإن مل جيد يف كت GG Gاب اهلل نظر يف سG G Gنّة رس GG Gول اهلل ،ف GG Gإن وجد ما يقضي Gبه
قضى ب GGه ،ف GGإن أعي GGاه Gذلك س GGأل الن GGاس :هل علمتم أ ّن رس GGول اهللقضى فيه بقض GGاء؟ فرمّب ا ق GGام إليه الق GGوم
Gيب ،مجع رؤسGGاء النّGGاس فاستشGGارهم ،فGGإذا اجتمع سنة سنّها النّ G
فيقولون :قضى فيه بكذا وكذا ،فإن مل جيد ّ
رأيهم على ش GGيء قضى به » مثّ ق GGال « :وك GGان عمر يفعل ذل GGك ،ف GGإذا أعيـاه أن جيد يف الكت GGاب والس GGنّة،
سGG Gأل :هل كGG Gان أبو بكر قضى فيه بقضGG Gاء؟ فGG Gإن كGG Gان أليب بكر قضـاء قضى به ،وإالّ مجع علمGG Gاء النّGG Gاس
واستشارهم ،فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به.1072»
ص Gاً من القGGرآن فهGGذا النّص يGGدل على أ ّن الصGGحابيني أيب بكر وعمر –رضي اهلل عنهمGGا -إذا مل جيدا ن ّ
أو السGنّة ،فإنّهما ال ينفGGردان باخّت اذ القـرار يف املسـألة ،بل يعرضGGاهنا على رؤسـاء النGGاس ،مثّ يعمالن مبا جيمع
األقل باتّفاق األكثريّة.
هؤالء النّاس؛ وطبيعي أن يكون Gالقرار املتّخذ يكون باإلمجاع ،أو على ّ
ثانيا :عمر بن الخطاب ورأي األغلبيّة
اإلصالحي (أمني أحسن)" ،مكانة( الجماهير في الدولة اإلسالمية(" ،مقال يف جملّة "البعث اإلسالمي(" ،العدد.13-10 : 1071
رب الع((المين ،مكتبـة الكليـات األزهري GGة ،مصـر ،د.ط ،د.ت ،جـ،1.
ابن قيم الجوزية (حممد بن أيب بك GGر) ،أعالم الم((وقعين عن ّ
1072
ص.62 .
يف سرية أمري املؤمنني عمر بن اخلطـاب منـاذج كثـرية تثبت Gعمله بGGرأي األغلبيّGة G،وقد ذكرنا يف
السابق بعضها ،ونشري اآلن إىل وقائع وأقوال أخرى هلذا اخلليفة تؤ ّكد هذا االجّت اه.
فقد كان اجمللس االستشاري يف عهد عمر بن اخلطاب يصدر القرار فيه بأغلبيّة Gاآلراء.1073
ونشري اآلن إىل منوذجني من آراء ابن اخلطاب يؤ ّكدان Gعمله برأي األغلبيّةG:
-1قض(((ية الس(((تّة أص(((حاب الش(((ورى :ففي هGG Gذه القضGG Gيّة Gيتّضح تGG Gرجيح عمر بن اخلطGG Gاب رأي
األغلبيّGGة ،وذلك أنّه ر ّشGح سGGتّة من أصGGحاب الشGGورى لتGGويّل اخلالفة من بعGGده ،وأمGGرهم أن خيتGGاروا باألغلبيّة
مرجح Gاً من
واحGGداً منهم ،وعلى الب GGاقي أن يسGGمعوا ويطيع GGوا ،ف GGإن ك GGانوا ثالثة يف مواجهة ثالث GGة ،اختGGاروا ّ
خ GGارجهم ،وهو عبد اهلل بن عمر –رضي اهلل عنهم GGا -ف GGإن مل يقبل GGوه ،فالثالثة ال GGذين فيهم عبد ال GGرمحن بن
عوف.1074
فهنا يتأ ّكد إدراك عمر ألمهيّة الرتجيح باألكثريّة ،ولو كان ذلك بأغلبيّة صوت واحد.
-2رأي عمرفي اختي( ((ار اإلم( ((ام :فقد أوصىأهل الش GG Gورى ،بعد أن ينته GG Gوا إىل اختيGG Gارهم ،أن
Gجوا رأس من يثب لين GGازعهم األم GGر؛ فهنا أدرك عمرقيمة العمل مبب GGدإ األغلبيّة ،وإلزاميّت GGه؛ وه GGذا دليل يش ّ G
على معرفته مببGG Gدإ الGG Gرتجيح باألكثريّGG Gة ،فكأنّه يريد أن يقGG Gول :إذا اجتمعتم على اختيGG Gار اإلم GGام ،مثّ قGG Gام من
فردوه ،وإن كان نزاعه باحلرب فحاربوه ،فهذا هو البغي أو اخلروج عن اجلماعة.1075 ينازعكم بعد ذلك ّ
فعمر يق Gّ G Gرر هنا أ ّن اختي GG Gار األكثريّة لإلم GG Gام بعد الش GG Gورى ،يعترب ملزمG G Gاً للجمي GG Gع؛ حيث ال جيوز
تقرره اجلماعة. عما ّ اخلروج ّ
المطلب الرابع :األدلّة( المنطقيّة والواقعيّة المعتمدة
لقد اعتمد أص GGحاب ه GGذا االجّت اه ،القائل بإلزاميّة األخذ مبب GGدإ األغلبيّ GGة G،على مجلة من األدلّة املنطقيّ GGة،
وغريها من األدلّGG G Gة ،اليت تثبت Gوتؤ ّكد أ ّن االلGG G Gتزام هبذا املبGG G Gدإ ضGG G Gرورة حيتّمها الواقع والتجرب GG Gة ،ومص GG Gلحة
البشر ،ويتقبلّها العقل ،وتتوافق مع روح الشرع ومقاصده.
نتعرض –حبول اهلل تعاىل -إىل بعض هذه األدلّة: وفيما يأيت ّ
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.205 . 1073
القرضاوي (يوسف) ،من فقه الدولة في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.143 . 1074
الريس (حممد ضياء الدين) ،النظريات السياسية اإلسالمية ،مرجع سابق ،ص.369 . 1075
أوال :جديّة االلتزام( بمبدإ الشورى
إذ ال معىن للشGG G Gورى إذا مل يؤخذ فيها بGG G Gرأي األكثريّة1076؛ حيث إ ّن الشGG G Gورى تفقد معناها
تامة.1077ويل األمر إىل آراء مجيع أهل الشورى ،مثّ خيتار ما يراه هو نفسه حبريّة ّ وقيمتها إذا استمع ّ
والشGGورى اليت ال تُلGGزم من ين ّفGGذها هي شGGورى ال قيمة هلا ،وهي نGGوع من العبث واللّعب ،فالشGGورى
مزورة مرفوضة.1078 الناقصة شورى ّ
إذن ،فلكي يك GGون للش GGورى قيمة ومع GGىن ،وحت ّقق اهلدف من تش GGريعها ،فالبّ G Gد من االل GGتزام بنتيجته GGاG،
واليت تكون بإمجاع أهل الشورى على أمر معنّي ،أو أغلبيّتهم.
احلجة بGGالقول :إ ّن فائGGدة الشGGورى ليست فقط باتّبGGاع رأي األغلبيّGGة ،بل وقد ناقش الفريق اآلخر هذه ّ
إ ّن من فوائدها االستنارة بآراء أهل الشورى ،1079وظهور الرأي الصواب.1080
Gرد على ه GG Gذا االحتج GG Gاج ب GG Gأ ّGن ه GG Gذه املع GG Gاين للش GG Gورى تتحقّ G Gق عن GG Gدما يك GG Gون Gرأي األغلبيّة
ولكن ي ّ G G
ملزماً.1081
يقGGول فتحي الدريين عن رئيس الدولGGة « :عليه األخذ مبا انتهى Gإليه هGGذا اجمللس (جملس الشGGورى) من
جمرد
رأي ،باإلمجاع أو األكثريّ GGة ،إذ ال معىن لوجوبه (أي التش GGاور) ابت GGداء ،مث اطّ GGراح مثرته انته GGاء ،وليس ّ
تط GGييب خGG Gواطر أعضGG Gاء اجمللس باستشGG Gارهتم ،يصGG Gلح مقصGG Gداً شGG Gرعياً ميكن أن يعت ّ G Gد به بGG Gديالً عن احلكمة
التشريعيّة من تشريع مبدإ الشورى يف السياسة واحلكم.1082» ...
وأما القGGول إ ّن الفائGGدة من الشGGورى هي يف ظهGGور الGGرأي الصGGواب ،GواملظنGGون يف اخلليفة أن يأخذ بGGه، ّ
فريد عليه بأنّه ليس من املؤ ّكد أ ّن اخلليفة الذي مل يلGتزم بGGرأي األكثريّة –إذا أخذ بغري األكثريّGGة -فقد أخذ ّ
الصGG Gواب؛ لGG Gذلك عنGG Gدما ينعGG Gدم الGG Gدليل و الوضGG Gوح يف مسGG Gألة معيّنGG Gة G،فال ب ّ G Gد من اخّت اذ األغلبيّة GمعيGG Gاراً
للصواب.1083
عودة (عبد القادر) ،اإلسالم وأوضاعنا السياسية ،مرجع سابق ،ص.202 . 1076
المودودي (أبو األعلى) ،الحكومة( اإلسالمية ،مرجع سابق ،ص.176 . 1077
الغزالي (حممد)" ،الرحمة والشورى :ندوة لواء اإلسالم" ،جملّة "لواء اإلسالم" ،العدد 28 ، 7 :أبريل 1974م ،ص.47 . 1078
متولي (عبد احلميد) ،مبدأ الشورى في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.52 . 1079
زيدان (عبد الكرمي) ،أصول الدعوة ،مرجع سابق ،ص.223 . 1080
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.207 . 1081
عزة (عبد اهلل) " ،الشورى أم االستبداد ؟" ،مقال مبجلّة "المجتمع" الكويت ،العدد1970 ،41 :م ص.13 .
أبو ّ
1083
Gؤدي اهلدف املنش GGود من تش GGريعها ،هو وهبذا خنلص إىل أنّه من مقتض GGيات الش GGورى احلقيقيّ GGة ،اليت ت ّ G
يتم التش GGاور،
ض GGرورة الGG Gتزام احلاكم مبا تقGّ G Gره األكثريّGG Gة ،حىت ولو كGG Gان رأيها خمالف G Gاً لرأيGG Gه ،وهGG Gذا بعد أن ّ
ومناقشة وجهات النظر يف املسألة Gاملعروضة.
ثانيا :داللة التجارب والوقائع التارخييّة
لقد أثبتت الوقGGائع التارخييّة والتجGGارب العمليّGGة ،أ ّن إعطGGاء احلاكم احلرية املطلقة يف اخّت اذ القGGرارات،
يؤدي إىل االستبداد باحلكم. تقره األغلبيّةّ G، ومتتّعه بسلطات واسعة ،دون إلزامه بالتقيّد مبا ّ
وال ميكن االقتصGG G G Gار هنا بGG G G Gالوازع النفسي GكضGG G G Gمان ض ّ G G G Gد االحنراف واالنسGG G G Gداد ،فهو غري كGG G Gاف،
وأما رقابة العلمGاء
فاإلنسGان الصGاحل قبل تولّيه منصب السGلطة غGريه بعGده ،إالّ ما نGدر ،والنGادر ال حكم لGهّ ،
ملزما للحGGاكم ،وإالّ إذا كGGانت وفعالGGة ،إالّ إذا كGGان رأي األغلبيّة فيهم ً من حGGول احلاكم ،فال تكGGون جمديّة ّ
كلمتهم هلا وزهنا وثقلها.1084
الفعالة -كما أثبتتها جتارب التGG G G Gاريخ– هو االل GG G Gتزام باألكثريّة ،1085والسGG G Gيّما مع فالضGG G G Gمانة العمليّة ّ
ضعف الوازع النفسي (الرقابة الداخليّة) ،وصوريّة الرقابة اخلارجيّة يف عصرنا احلايل.
األمة من عصGGور االسGGتبداد وإبGGرام األمGGور يف غيبتها GوإهGGدار آراء علمائها وذوي لGGذا يكفي Gما القت ّ
الرأي فيها.1086
فلو ك GG Gانت الش GG Gورى امللزمة هي القاع GG Gدة املتبّعة يف نظ GG Gام احلكم ،ملا انفتح الطريق أم GG Gام ه GG Gذا العبث
الدامي.1087
إذن ،فGالتزام احلاكم بGرأي األغلبيّة يعترب من ال ُسGبل اليت تقطع الطريق أمGام االسGتبداد ،هGذا مع اعرتافنا
بGGأ ّن لهGGذا األخري أسGGبابًا كثGGرية ،ولكن غيGGاب هGGذا املبGGدإ يعترب من األسGGباب الرئيسة لGGه ،وهGGذا ما أثبته Gالواقع
العملي ،وأ ّكدته التجارب التارخييّة.
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.219 . 1084
.107 عبد الخالق (عبد الرمحن) ،الشورى في ظل نظام الحكم اإلسالمي( ،مرجع سابق ،ص. 1086
عزة (عبد اهلل)" ،الشورى أم االستبداد ؟ " ،مقال مبجلّة "المجتمع" ،الكويت ،العدد 1970 ،41 :م ،ص.28 .
أبو ّ
1087
المبحث الثالث
األمة
عالقة مبدإ األغلبيّة باإلجماع ،وعصمة ّ
تعترب فكGGرة اإلمجاع من خصGGائص الشGGريعة اإلسGGالمية ،واليت انفGGردت بتقريرهGGا ،وذلك لتؤيّد القGGول
أي نظGGام دميقGGراطي؛
صص لألمّة وإرادهتا مكان يف النظGGام اإلسGGالمي ،أرقى ممّا ميكن أن يكGGون يف ّ بأنّه قد ُخ ّ
األمة معصومة ،وأهّن ا من إرادة اهلل ،وذلك قبل أن يأيت "روسGGو" وأمثاله ليتحGGدثّوا فقرر املسلمون أ ّن إرادة ّ ّ
1088
العامة" . يسمى "اإلرادة ّ ّ عما
ّ
األمGGة" ،وذلك نظGً Gرا
وإ ّن احلديث عن مبGGدإ األغلبيّة يقGGود إىل احلديث عن "اإلمجاع" ،وعن "عصGGمة ّ
للرتابط الوثيق بني هذه املبادئ.
فالعمل مببGG G G Gدإ األغلبيّة Gإمّن ا هو يف احلقيقة Gف GG G Gرع عن العمل مببGG G G Gدإ اإلمجاع ،والتقGG G G Gارب والتباعد بني
تبعا لنسGG G Gبة األغلبيّة مع األقليّGG G Gة ،وقد ترتفع األغلبيّة حىت ال يبقى Gبينها وبني
اإلمجاع واألغلبيّة يزيد وينقصً G
اإلمجاع إالّ فارق ضئيل.1089
األمة حممولة على اتّفGG G Gاق األكثريّGG G Gة ،وذلك جـائز وكثري يف كما أ ّن النّصGG G Gوص الدالة على عصGG G Gمة ّ
األسلوب العريب.1090
الريس (حممد ضياء ال ّدين) ،النظريات السياسية اإلسالمية ،مرجع سابق ،ص.380 . 1088
الريسوني (أمحد) ،نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.411 . 1089
اآلمدي (سيف ال ّدين) ،اإلحكام في أصول األحكام ،دار الكتب العـلمية ،بـريوت ،د.ط 1403 ،هـ 1983-م ،جـ ،1 .ص-336 . 1090
.337
األمGG Gة" من جهGG Gة ،وبني "مبGG Gدإ
إذن ،فهن GG Gاك ص GG Gلة وثيقة بني ك Gّ G Gل من "مب GG Gدإ اإلجـماع" و"عصمـة ّ
األغلبيّGG Gة" Gمن جهة أخGG Gرى ،إىل درجة أ ّن هGG Gذا املبGG Gدأ األخري (مبGG Gدأ األغلبيّGG Gة) Gيعترب الصGG Gورة العمليّة الواقعيّةG
للمبدأين اآلخرين .وسنتناول-بإذن اللّه تعاىل -هذه املسألة Gيف املطلبني اآلتيني:
رواه الترمذي يف كتاب "الفنت" جـ ،5 .رقم .7انظر :سنن الترمذي (حممد بن عيسى الرتمGGذي) ،حتقيGGق :عبد الGGرمحن حممد عثمGGان، 1091
دار الفكGGر ،بGGريوت 1983 ،م ،ورواه اإلمGGام أحمد يف المس((ند جـ ،8 .رقم ،26انظGGر :المس((ند ألحمد بن حنبGGل ،شGGرح ووضع فهارسه
أمحد شاكر ،دار املعGGارف ،مصGGر 1975 ،م .ورواه الحاكم يف المستدرك ،كتGGاب العلم ،طبعة دار الكتGGاب العGGريب ،بGGريوت ،جـ ،5 .ص.
.115
رواه أحمد يف مسنده ،مسند أيب ذر الغفاري ،طبعة دار الفكر ،جـ ،5 .ص.145 . 1092
رواه الترمذي يف سننه ،كتاب الفنت ،باب ما جاء يف لزوم اجلماعة ،حديث رقم ،2172قال :حديث غريب. 1093
-4عن ابن عمر عن النGG G Gيبق GG Gال « :ال تجتمع أ ّمة مح ّمد على ض اللة أب دًا ،وعليكم بالس واد
ّ
1094
شذ في النّار. » شذ ّ
األعظم فإنّه من ّ
وعامتهم ،والعدد األكرب منهم.
والسواد األعظم يعين مجهور الناس ّ
-5عن ابن عباس قال :قال رسول اهلل «: يد هللا مع الجماعة.1095»
تدل على االحتجاج برأي اجلماعة الكثرية.1096 بعضاّ ،يقوي بعضها ً فهذه النّصوص ،واليت ّ
األمة حممولة على اتّفGاق األكثريّGة ،وذلك وقد ذهب بعض العلماء إىل أ ّن هذه النصGوص Gال ّدالة على عصGمة ّ
جائز وكثري يف األسلوب العريب.1097
األمGGة ،يف ض GGرورة العمل مبب GGدإ األغلبيّ GGة G،أنّه لوGتدل به من ه GGذه األح GGاديث املق Gّ Gررة لعص GGمة ّ وممّا يس ّ G
األمة وإتالفGاً إلمجاعهGGا ،وهي معصGGومة كGGان األمري غري ملGGزم بGGرأي األغلبيّGGة G،لكGGان هGGذا مGGدعاة إللغGGاء رأي ّ
من اخلط GG G G Gإ ،كما تق Gّ G G G Gرر يف األص GG G G Gول ،واألمري غري معص GG G G Gوم Gمن اخلط GG G G Gإ ،فكيف حيكم غري املعص GG G Gوم على
املعصوم.1098G
Gحة الGGرتجيح هبا ،وال يGGؤثّر على وحىّت مع التسGGليم بGGأ ّن األغلبيّة Gال عصGGمة هلا ،فGGإ ّن هGGذا ال ينقض Gصّ G
ص GG G G Gوابيّة العمل برأيها وقوهلا ،وذلك ألنّنا يف اتّباعنا لألغلبيّة ال نطلب السGG G G G G Gالمة الكاملة من اخلط GG G G Gإ ،وال
Gح إبطGG Gال األغلبيّة Gلكوهنا ميكن أن نلتمس العصGG Gمة؛ وإمّن ا نطلب ما يكGG Gون أكGG Gثر صGG Gوابًا من غGG Gريه ،ولو صّ G G
ختطئ ،أ فليس من باب أوىل أن نبطل قول األقليّة ؟ ومن بGGاب أوىل وأحGرى أن نبطل قGGول الواحد املتفGّGرد،
1099
Gحة س GG Gندّ G G ص على Gات G G ض اعرتا وردت مهما هّن فإ GذاG G ه وعلى ؛ ولو ك GG Gان خليف GG Gة ،ما دام غري معص GG GومG
األحGG Gاديث اليت أوردناهGG Gا ،وعلى مفهGG Gوم "اجلماعGG Gة" املقصGG Gودة ،وحىّت مع التسGG Gليم بعGG Gدم عصGG Gمة األكثريّة
رواه ابن ماجة يف س((ننه ،كتGGاب الفنت ،بGGاب السGGواد األعظم ،قGGال األلبGGاين :حGGديث ضGGعيف جGً Gدا دون اجلملة األوىل فهي صGGحيحة، 1094
انظر :األلباني(حممد ناصر ال ّدين) ،ضعيف سنن ابن ماجة( ، ،املكتب اإلسالمي ،بريوت ،ط 1408 ،1 .هـ 1988 -م ،ص.318 .
1095رواه الترمذي يف سننه ،كتاب الفنت ،باب "ما جاء يف لGزوم اجلماعGة" حGديث رقم ،2171وقGال :حGديث حسن غGريب ال نعرفه من
حديث ابن عباس إالّ من هذا الوجه ،جـ ،4ص.460 .
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.214 . 1096
اآلمدي (سيف الدين) ،اإلحكام في أصول األحكام ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.337 . 1097
عبد الخالق (عبد الرمحن) ،الشورى في ظل نظام الحكم اإلسالمي( ،مرجع سابق ،ص.107 . 1098
الريسوني (أمحد) ،نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.441 . 1099
األمGGة" ،إالّ أنّه ال ميكن إنكGGار أ ّن تGGرجيح رأي األغلبيّة Gأوىل من تGGرجيح رأي األقليّة أو رأي
خالف "إمجاع ّ
الفرد ،والسيّما مع عصمتها بال خالف.
1101الرازي( فخر الدين) ،المحصول في علم أصـول الفقه( ،حتقيGGق :طه جGGابر العلGGواين ،مطبوعGGات جامعة اإلمGGام حممد بن سعـود ،ط.
1400 ،1هـ 1980-م ،جـ ،2.ص.20.
1102البغدادي (أبو الفتح أمحد بن علي) ،الوصول إلى علم األصول ،حتقيGق :عبد احلميد علي أبو زنيGد ،مكتبة املعـارف ،الريGاض ،ط.
1404 ،1هـ 1984 -م ،جـ ،2.ص.67 .
الخطيب (زكريا عبد املنعم) ،نظام الشورى في اإلسالم ونظم الديمقراطية المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.47-46 . 1103
شلتوت(حممود) ،اإلسالم عقيدة وشريعة ،دار الشروق ،القاهرة -بريوت ،ط 1412 ،16.هـ1992-م ،ص.544. 1104
وعلى هGGذا ،فGGإ ّن التعريف الثGGاين يكGGون فيه اجملال أوسع لتطGGبيق مبGGدإ األغلبيّGGة ،نظGGراً التّسGGاع نطGGاق
املسائل املتناولة Gفيه ،واألشخاص الذين يشملهم.
ثانيا :حجيّة اإلجماع ،وإمكان انعقاده
حجة جيب العمل بGG G Gه ،وذهب النّظ GG Gام1105من ّأما عن حجيّة اإلمجاع ،فقد ذهب اجلمهGG G Gور إىل أنّه ّ
املعتزلة ،وبعض اخلوارج ،والشيعة اإلماميّة Gإىل عدم حجيّته.1106
وأما عن إمكان Gانعقاده ،فقد قالت طائفة من العلمGGاء وبعض الشGيعة :إ ّن هGGذا اإلمجاع الGGذي تGبيّنت ّ
أركانه –واملعGG Gروف عند األصGG Gوليني -ال ميكن انعقGG Gاده عGG Gادة؛ وذلك لتعّ G Gذر حت ّقق أركانGG Gه ،حيث ال ميكن
معرفة اجملته GGدين من غري اجملته GGدين ،كما أ ّن الوق GGوع على آراء ك Gّ Gل اجملته GGدين بطريق اليقني متعّ G Gذر؛ وذلك
لتفرقهم يف بالد متباعدة G،إضافة إىل تع ّذر معرفة بقاء اجملتهد على رأيGه ،إذ ميكن أن تعGGرض له شGGبهة فGريجع ّ
Gين ،فمن املس GGتحيل ع GGادة أن Gتندا إىل دليل ظ ّ G
عن رأيه قبل أخذ آراء الب GGاقني ،كما أنّه إذا ك GGان اإلمجاع مس ً G
الظين إمجاع؛ أل ّن الدليل الظيّن الب ّد أن يكون مث ًارا لالختالف.1107 يصدر عن الدليل ّ
وقد نقل ابن حزم عن عبد اهلل بن أمحد بن حنبل قوله :مسعت أيب يقول « :وما ي ّ Gدعي فيه اإلمجاع
كذاب ،لعGّ Gل النّGGاس اختلفGGوا ،ما يدريGGه؟ ومل ينتبه GإليGGه ،فليقGGل :ال نعلم
هو الكGGذب ،من ا ّدعى اإلمجاع فهو ّ
النّاس اختلفوا.1108»
ّأما مجه GGور العلم GGاء ،فقد ذهب GGوا إىل أ ّن اإلمجاع ميكن انعق GGاده ع GGادة ،واعت GGربوا أ ّن ما قاله املنك GGرون
إلمك GGان انعق GGاده هو تش GGكيك يف أمر واق GGع ،وأ ّن أظهر دليل على إمكانه هو انعق GGاده فعالً ،واس GGتدلّوا بأمثلة
منهGG Gا :خالفة أيب بك GG Gر ،وحترمي ش GG Gحم اخلنـزير ،وت GG Gوريث اجل ّدة الس GG Gدس ،وحجب ابن االبن باالبن ،وغري
ذلك من األحكام ،جزئيّة وكليّة.1109
ّأما يف مس GGألة انعق GGاد اإلمجاع فعالً بالص GGورة اليت ذكرها األص GGوليون ،ف GGإ ّن بعض العلم GGاء املعاص GGرين
ي GGذهبون Gإىل أ ّن ذلك لم يتم يف عصر من العص GGور ،ومن رجع إىل الوق GGائع اليت حكم فيها الص GGحابة ،واعترب
تبحر يف علGوم الفلسGفة Gواطّلع على أكGثر ما كتبه أئمة املعتزلGة ،وقد ّ
هو إبراهيم بن سيار بن هGانئ البصGري ،أبو إسGحاق النّظGام ،من ّ
1105
رجاهلا من طبيع GGيني وإهليني ،وانف GGرد ب GGآراء خاص GGة ،تابعته فيها فرقة من املعتزلة مسّيت "النظامي GGة" نس GGبة إلي GGه ،وذكر أ ّن له كتبG Gاً كث GGرية يف
الفلسفة واالعتزال .وقد تويف عام 231هـ 845 -م .الزركلي (خري الدين) ،األعالم ،جـ ،1.ص.43 .
الزحيلي(وهبة) ،أصول الفقه اإلسالمي( ،مرجع سابق ،جـ ،2.ص.539. 1106
خالّف (عبد الوهاب) ،علم أصول الفقه ،الزهراء للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،ط 1993 ،2 .م ،ص.49-48. 1107
ابن حزم (أبو حممد علي) ،اإلحكام في أصول األحكام ،مرجع سابق ،اجمللّد األول ،جـ ،4 .ص.542 . 1108
حممد ّ
خاصة ،على أمر من األمور الدينيّة.1113» "الغزايل" يف تعريفه لإلمجاع إىل أنّه « :اتّفاق ّأمة ّ
1112مدكور (حممد سالم)" ،اإلجـماع في التشريـع اإلسالمي" ،مقال مبجلّة "الوعي اإلسالمي" ،الكويت ،العGدد ،127 :يوليو 1975م،
ص.19.
الغزالي ( أبو حامد) ،المستصفى من علم األصول ،املطبعة األمريية ،مصر ،ط 1322 ،1.هـ ،جـ ،1 .ص.173 . 1113
حيتج بإمجاعهم على خالفة أيب بكر الصGG Gديق، Gح أن ّ ويف ه GG Gذا يق GG Gول اإلم GG Gام أبو زه GG Gرة « :وال يص ّ G G
واتّفGGاقهم على مجع القGGرآن ،وغري ذلGGك ،أل ّن اختيGGارهم أبا بكر خليفة واتّفGGاقهم على مجع املصحـف ال يع ّ Gد
Gردة ،واتّفGGاقهمإمجاعا على حكم تشGGريعي؛ إمّن ا هو اتّفGGاق على تنفيذ أمر عملي ،كاتّفGGاقهم على قتGGال أهل الّ G ً
على إرسGGال اجليGGوش إىل فGGارس والشGGام ،واتّفGGاقهم على إنشGGاء الGGدواوين ،فGGإ ّن هGGذه تنفيGGذات أمGGور عمليّGGة،
إمجاعا على حكم تشGG G G G Gريعي ،وفGG G G G Gرق بني االتّفGG G G G Gاق Gعلى تنفيذ أمر عملي يتعلّق ب GG G Gإدارة الدول GG G Gة،
وليست ً
واإلمجاع على حكم تشGGريعي ،فGGإ ّن احلكم التشGGريعي Gميتّ Gد أثGGره إىل الGGذين خيلفونGGه ،ويطبّق فيهم ،كGGاألمر يف
املرياث ،وكاألمر يف حترمي اجلمع بني احملارم؛ ّأما األمGور العمليّة اليت تكGون GمقصGورة على زمنهم ،واليت هي
Gدل ضGGمناً على أنّه إمجاعا على حكم تشGGريعي ،وإن كGGان اتّفGGاقهم يّ G واقعة ماديّGGة ،فاالتّفGGاق عليها ال يسGّ Gمى ً
مبحرم.1114»
ليس ّ
أعم من أن يكGG G G Gون منصGG G G Gبّاً على األمـور الدينيّة Gأو
-أما االجّت اه الثGG G G Gاين ،فإنّه يعترب أ ّن اإلجـماع ّ ّ 2
حىت األمور الدنيويّة G،كتدبري اجليوش واحلرب وأمور الرعيّة ،وغريها.1115 الشرعيّة فقط؛ فهو يشمل ّ
ويب GGدو أ ّن ه GGذا االجّت اه األخري هو ال Gّ Gراجح؛ وذلك جلملة من األس GGباب منه GGا :أ ّن التخص GGيص ال GGذي
األول مل يقم عليه دليل ش GGرعي ،وأ ّن الص GGحابة يف صGGدر اإلس GGالم ،بعد وفGGاة الرسGGول
ذهب إليه الGGرأي ّ
قد أمجعGG Gوا على كثري من األحكGG Gام اليت ّ
هتم مجاعة املسGG Gلمني ،ومل يGG Gؤثر عنهم مثل هGG Gذا التخص GGيص G،وأ ّن
Gريا من علمGGاء اجلمهGGور الGGذين ذهبGGوا إىل حجيّة اإلمجاع واعتبGGاره دليالً شGGرعيًا بعد الكتGGاب والسGGنّة ،قد
كثً G
دلّل GGوا على حجيّته مبا اجتمع عليه أمر املس GGلمني يف اختي GGار أيب بكر ،إض GGافة إىل ك GGون الش GGريعة اإلس GGالميةG
عامة خالGGدة لتGGدبري أمGGور النّGGاس ،وتنظيم شGGؤوهنم الدينيّة والدنيويّGGة ،فلو قلنا إ ّن اإلمجاع ال يكGGون إالّشريعة ّ
الغراء ،1116وهي الشريعة اليت جاءت لتGGدبري يف األمور الدينيّة Gفقط ،لكان ذلك ختصيصاً تأباه Gهذه الشريعة ّ
ما يصلح النّاس يف دنياهم وأخراهم.
وهبذا تت GGبنّي لنا أمهيّة توس GGيع جمال اإلمجاع ،أو ما يق GGرتب من GGه ،كاتّف GGاق األكثريّ GGة ،وخط GGورة قص GGره
Gىت ال يكGGون GنظGGام احلكم اإلسGGالمي GجامGً Gدا ،ولتكGGون الشGGريعة اإلسGGالميةG
على األمGGور الدينيّة GفقGGط ،وهGGذا حّ G
لتطور البيئات Gواألزمان ،ومستوفية ملصاحل النّاس وحاجاهتم. مواكبة ّ
أبو زهرة (حممد) ،أصول الفقه( ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،د .ط ،د .ت ،ص.196 . 1114
الخطيب (زكريا عبد املنعم) ،نظام الشورى في اإلسالم ونظم الديمقراطية المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.46 . 1115
1117الخطيب (زكريا عبد املنعم) ،نظام الشورى في اإلسالم ونظم الديمقراطية المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.48-47 .
شلتوت (حممود) ،اإلسالم عقيدة وشريعة ،مرجع سابق ،ص.546 . 1118
اآلمدي (سيف ال ّدين) ،اإلحكام في أصول األحكام ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.336 . 1119
1120اآلمدي (سيف ال ّدين) ،اإلحكام في أصول األحكام ،مرجع سابق ،جـ ،1 .ص.337 .
إذن ،فمب GG Gدأ األغلبيّة Gقد اس GG Gتم ّد أمهيّته ودوره من خالل اقرتابه Gمن مب GG Gدإ اإلمجاع ،بل إ ّن بعض GG Gهم
Gدرا من األمة اإلسGالمية؛ Gإذ يعترب مص ً مهم يف ّاكتفى بتح ّقق األكثريّة النعقGاد اإلمجاع ،وهGذا األخري له دور ّ
مصادر التشريع فيها ،بعد الوحي (كتابًا وسنّة).
وقوته من الكGG Gثرة اليت ال خمالف هلا ،أو ال خمالف هلا ممّن يعت ّ G Gد ف GG Gإذا كGG Gان اإلمجاع يسGG Gتم ّد حجيّته ّ
خبالفGGه ،فGGإ ّن هGGذا األسGGاس موج GGود يف مس GGألة األغلبيّGGة G،ولكن بدرجة أقGّ Gل من اإلمجاع ،والتق GGارب والتباعد
تبعا لنس GGبة األغلبيّة مع األقليّ GGة ،وقد ترتفع نس GGبة األغلبيّة حىت ال يبقىG بني اإلمجاع واألغلبيّ GGة G،يزيد وينقص ً
بينها وبني اإلمجاع إالّ فارق ضئيل.1121
Gك في GG Gه ،وأهّن ا من
كما أنّه إذا ك GG Gانت املس GG Gائل واألحك GG Gام اليت تتق Gّ G Gرر باإلمجاع تعترب ص GG Gوابًا الش ّ G G
األحكGG Gام القطعيّة اليت ال تقبل النقض أو االحتمGG Gال ،وذلك لعصGG Gمة اإلمجاع ،فGG Gإ ّن األغلبيّة Gحت ّقق أكرب ق GGدر
ممكن من الصGG Gواب GوالسGG Gالمة من اخلطGG Gإ ،وإ ّن أقGّ G Gل ما يتح ّقق باألغلبيّة هو إدراك الصGG Gواب Gأكرب ممّا يتح ّقق
باألقليّة ،وبدرجة أكرب وأغلب ممّا يتح ّقق برأي الفرد.1122
كل ما سبق ذكره ميكن القول: ومن خالل ّ
Gيبمل يكن ذلك اإلمجاع الGذي قGGال إ ّن اإلمجاع الذي وقع يف عصـور اإلسـالم املختلفة بعد وفGGاة النّ G
به مجه GGور العلم GGاء؛ وإمّن ا هو اإلمجاع الق GGائم على رأي األكثريّ GGة ،أل ّن ه GGذه األكثريّة هي الق GGدر املتي ّقنّ ،أما
األمة اإلس GGالمية Gيف حاض GGرها
اتّف GGاق اجلميع فلم يقم عليه دلي GGل ،وه GGذا اإلمجاع هو ال GGذي ميكن أن تأخذ به ّ
ومستقبلها؛ حيث ثبتت Gاستحالة حت ّقق اإلمجاع بالصورة املثاليّة Gاليت قال هبا اجلمهور.1123
السماح لألقليّة باملعارضGة ،ولكن مع تنفيذ رأي هلذا فإ ّن اإلمجاع يف حقيقته ،هو رأي األكثريّة مع ّ
األكثريّة.1124
وإنّه إذا ك GGان لإلمجاع ،بالص GGورة اليت رآها العلم GGاء ،ه GGذه الدرجة من اإلل GGزام ،فإنّه من األق GGرب إىل
نقرر أ ّن رأي األكثريّة أرجح من رأي الفرد ،ومن رأي األقليّة.1125 روح اإلسالم Gأن ّ
الريسوني (أمحد) ،نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.411 . 1121
الخطيب (زكريا عبد املنعم) ،نظام الشورى في اإلسالم ونظم الديمقراطية المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.45-44 . 1123
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.217 . 1124
األنصاري (عبد احلميد إمساعيل) ،الشورى وأثرها في الديمقراطية ،مرجع سابق ،ص.218 . 1125
احلل والعقGد ،وبني
وهبذا تتّضح العالقة ما بني "اإلمجاع" ،كصورة مثاليّة التّفاق اجملتهGدين ،أو أهل ّ
"األغلبيّة" ،كصورة واقعيّة Gالتّفاقهم.
المبحث الرابع
مجاالت العمل باألغلبيّة ،وضوابطها
ومتنوعGGة ،ومن خالل هGGذه اجملاالت تبGGدو لنا ضGGرورة هGGذا إ ّن اجملاالت اليت يُعمل فيها باألغلبيّة كثGGرية ّ
صG Gة بGG Gه ،واليت ختتلف درجتها
املبGG Gدإ وأمهيّتGG Gه ،ولكGّ G Gل جمال من هGG Gذه اجملاالت أهلGG Gه ،كما أ ّن له األغلبيّة اخلا ّ
حبسب خطGGورة املسGGألة GوأمهيّتهGGا G.وعلى العمGGوم فGGإ ّن جمال العمل باألغلبيّة ال خيرج عن نطGGاق مسGGائل الGGرأي
واالجتهاد.
ّأما املس GGائل القطعيّة الثابتة بأدلّة الش GGرع ،فال جمال فيها لألغلبيّ GGة ،إذ املتبّع فيها هو النص GGوص Gالش GGرعيّة
وما ّقررته وحكمت ب GGه ،أي أ ّن هلذا املب GGدإ (مب GGدأ األغلبيّ GGة) ض GGوابط وقي GGوداً ال ميكن أن يتجاوزه GGا ،فمجاله
حمدود وليس مطل ًقا ،فالشريعة اإلسالمية Gربانيّة املصدر ،والسيادة العليا فيها هي للشرع.
قسمنا هذا املبحث إىل املطلبني اآلتيني: ولتناول هذين األمرين ،فقد ّ
الريسوني (أمحد) ،نظرية التقريب والتغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.446 . 1126
(حممد عبد القادر) ،الشورى وقضايا االجتهاد الجماعي ،شركة الشهاب للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،د .ط ،د .ت ،ص.
أبو فارس ّ
1127
.73
النص ال GGذي رواه ميم GGون بن مه GGران ،وال GGذي أوردن GGاه س GGاب ًقا ،عند احلديث عن كيفيّة احلكم يف
ويف ّ
األمة بأحكGام اهلل
Gدل على أ ّن اخللفGاء الراشGدين ،وهم أعلم ّ عهGدي أيب بكر وعمر -رضي اهلل عنهمGا -ما ي ّ
وسنن نبيّه ،وهم أصلح النّGGاس وأتقGاهم ،ورغم ذلك فGإهّن م أخGذوا مببGGدإ التشGGريع اجلمGGاعي فيما ال ّ
نص
الرغم من أ ّن مشاكلهم ومستج ّداهتم قليلة وبسيطة وال تقارن مبا هي عليه يف زماننا. فيه ،وهذا على ّ
Gوخى االتّفGGاق GالتّGGام أو ما يقاربGGه ،إن أمكن ذلGGك ،وإن تع ّ Gذر حتقيق
والقGGرار اجلمGGاعي هنا ينبغي أن يتّ G
ذلك فاألغلبيّة العظمى ،واليت ميكن تق GGديرها ب GGالثلثني أو مبا زاد عليه GGا ،وعلى ه GGذا تك GGون Gخمالفة الثلث ،أو
أقل ،خمالفة قليلة ال تؤثّر.1128
ّ
ميس يف
العامGGة ،ال ينبغي أن ّ ملزما يف األمGGور ّ
Gريعا ً
واجلدير بال ّذكر هنا ،أ ّن اخّت اذ االجتهاد األكثري تشً G
ميس يف شGGيء حريّة البحث والنّظر والتعبGGري G،كما أنّه ال
شGGيء حGّ Gق املخGGالف يف املخالفة واملعارضGGة ،وال أن ّ
حكما هنائيًا ،ال مراجعة فيه وال مناقضة.1129 يتقرر باالجتهاد األكثري ً ينبغي اعتبار ما ّ
مهم ،والسGG Gيّما يف عص GGرنا احلايل،
األول للعمل باألغلبيّGG Gة ،وهو كما رأينا جمال ّ إذن ،فهGG Gذا هو اجملال ّ
حيث كثرت املستج ّدات والنوازل واملشاكل؛ لذلك أصبح هذا اجملال من أوكد الضروريات.
ثانيا :مجال تولية المناصب والمسؤوليات
وذلك مثل اختيGG Gار أحد املر ّش G Gحني ملنصب GمGG Gا ،ولو كGG Gان هو منصب Gرئيس الدولة ،1130ه GGذا
باإلض GGافة إىل املناصب Gاألخ GGرى األق Gّ Gل درجة كاختي GGار األمن GGاء والنقب GGاء « ...وأعلى م GGراتب الت GGأمري :اختي GGار
خليفة املسGGلمني ،يليه يف املرتبة اختيGGار رؤسGGاء األقطGGار اإلسGGالمية G،اليت أصGGبحت اليGGوم Gدوالً مسGGتقالً بعضGGها
عن بعض ،وقد أمجع أهل السGGنّة على أ ّن اختيGGار اخلليفة شGGورى بني املسGGلمني ،والشGGورى ال يكGGون هلا معىن
وال مثرة إالّ باإلمجاع ،أو األغلبيّة.1131»
املهمة إىل هيئة متثّل عم GGوم الن GGاس ،ومتثّل
وميكن اعتب GGار أ ّن أق GGوم س GGبيل لالختي GGار ،هي أن توكل ه GGذه ّ
احلل والعقGGد" عند خاصة أهل العلم واخلربة والقيادة فيها ،وهذه اهليئة هي ما يطلق عليها اسم " أهل ّ بص ّفة ّ
علمائنا.1132
القرضاوي (يوسف) ،من فقه الدولة في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.142 . 1130
الريسوني (أمحد) ،نظرية التقريب و التغليب و تطبيقها في العلوم اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.449 . 1131
1133ابن سعد(حممد بن سعد) ،الطبقات الكبرى ،حتقيق :حممد عبد القادر عطGا ،دار الكتب العلميGة ،بGريوت ،ط 1410 ،1.هـ 1990-م
جـ ،3 .ص.45.
1134سورة الشورى ،اآلية.38 :
1135الريسوني (أمحد) ،املرجع السابق ،ص.453 .
1136هو عبد العزيز بن عبد السالم بن أيب القاسم بن احلسن السلمي الدمشقي ،عز ال ّدين امللقّب بسGلطان العلمGGاء ،فقيه شGافعي بلغ رتبة
االجته GGاد ،ولد بدمشق عGG Gام 577هـ 1181 -م ،ونشأ فيهGG Gا ،وقد ت G Gوىّل التGG Gدريس بزاوية الغ GGزايل مثّ اخلطابG Gة باجلامع األمـوي ،من كتب GGه:
"التفسري الكبري" و "اإلملام يف أدلّة األحكام" و"قواعد األحكام يف مصاحل األنام" و "بداية السGGول يف تفضGGيل الرسGGول" ،وغريها .وقد تGGويف
بالقاهرة عام 660هـ 1262-م .الزركلي(خري الدين) ،األعالم ،جـ ،4.ص.21.
(عز ال ّدين) ،قواعد األحكام في مصالح األنام ،دار املعرفة ،بريوت ،د.ط ،د.ت ،جـ ،1 .ص.8 .
ابن عبد السالم ّ
1137
يسريا وخاصاً بفئة معيّنةG،وأما عن كيفيّة تطبيق مبدإ األغلبيّة Gيف هذا اجملال فإنّه « :كلّما كان األمر ً ّ
أو مكGGان حمدود ،كلّما كGGانت األغلبيّة Gهي أغلبيّة عمGGوم النGGاس املعنGGيني بGGاألمر ،أو أغلبيّة املق ّ Gدمني عنGGدهم،
يف بل GG Gدهتم أو يف فئتهم؛ وكلّما كGG G Gان األمر جليالً وعام G G Gاً وواسGG G Gعاً ،كلّما كGG G Gانت األغلبيّة Gاملطلوبة فيه هي
املتخصصGG G G G G G G Gة G،املسG G G G G G G G Gلّحة بGG G G G G G G Gالعلم واخلربة وعمق النظر
ّ لألمGG G G G G G G Gة ،وأغلبيّة اجملالس
العامة ّ
أغلبيّة اهليئGG G G G G G G Gات ّ
ومشوليّته.1138»
إذن ،فمجGGال العمل باألغلبيّة يGGدخل حىت يف األمGGور املتعلّقة GبتGGدبري املصGGاحل املشGGرتكة Gبني النGGاس ،واليت
قد تكـون عاديـة ويوميّGG G G G Gة G،ولكن األغلبيّة Gفيه ختتلف حبسب بساطـة األمـور وخصوصGG G G Gيّتها ،أو عظمتها
وعموميّتها.
من املعGGروف عن الشGGريعة اإلسGGالمية Gأ ّن السGGيادة العليا فيها هي للشGGرع؛ لGGذلك فGGإ ّن قطعيّاتـها ال
تقرره األغلبيّة G،ولكن جمال االجتهاد فيها واسGGع ،على الGّGرغم من القيGGود الGGواردة جمال فيها للشورى ،وال ملا ّ
عليه.
نتعرض إىل بعض هذه الضوابط -أو القيود -الواردة على إعمال مبدإ األغلبيّة: وفيما يأيت ّ
أوال :عدم المساس بقطعيّات( الشرع ،وأساسيات الدين (،وما علم منه بالضرورة
فهذه األمور ال جمال لتحكيم رأي األغلبيّة فيها ،وال جمال للتصويت Gفيها؛ وإمّن ا يكون Gيف األمور
االجتهاديّة ،اليت حتتمل أكثر من رأي ،ومن شأن الناس أن خيتلفوا فيها.1139
والتشGG G G G Gريع االجتهGG G G G Gادي ال يعطي لنفسه الفوقيّة على املصGG G G G Gادر األساسGG G G G Gيّة GللتشGG G G G Gريع؛ أل ّن التش GG G Gريع
األمة عليه ،تكون مرتبته دون القرآن والسنّة النبويّة الشريفة.1140 االجتهادي مهما عال ،ومهما اجتمعت ّ
الريسوني (أمحد) ،نظرية التقريب و التغليب وتطبيقها في العلوم اإلسالمية( ،مرجع سابق ،ص.454 . 1138
القرضاوي (يوسف) ،من فقه الدولة في اإلسالم ،مرجع سابق ،ص.142 . 1139
حممد) ،السلطة التشريعية في نظام الحكم اإلسالمي والنظم المعاصرة ،مرجع سابق ،ص.90 .
غمق (ضو مفتاح ّ
1140
األمة أو خارج GGه ،واتّفقت Gعلى رأي واح GGد ،وك GGان فاألمة لو ق GGامت على ص GGعيد واحد داخل جملس ّ ّ
سـن ق GGانون ي GGبيح الزنا حبجة أ ّن ك Gّ Gل ممن GGوع مرغ GGوب ،أو أنه حيـ ّد من جرمية الزن GGا ،أو ال GGرأي ي GGرى ض GGرورة ّ
حبجة حصر الفساد يف مكان عام تراقبه الدولة ،كان هذا الرأي خارجاً على اإلسالم.1141G ّ
حترم حالالً.
حراما أو ّ
حتل ً إذ يناقض ما هو معلوم من ال ّدين بالضرورة ،واألغلبيّة ال متلك أن ّ
وال جيوز ل GG Gرأي األغلبيّة Gأن يص GG Gطدم بقاع GG Gدة ش GG Gرعية ،1142أو أن ي GG Gأيت بش GG Gيء من التغيري يف األمGG Gور
ال GGواردة فيها األحك GGام الواض GGحة القاطعة عن اهلل ورس GGوله ،بل إ ّن هلا أن تضع القواعد واللّ GGوائح لتنفيذ ه GGذه
األحك GG G Gام ،مع مراع GG G Gاة األنسب واألوفق ملص GG G Gاحل الن GG G Gاس ،ولكن بش GG G Gرط أالّ تك GG G Gون منافية حلكم أو مب GG Gدإ
شرعي.1143
Gوخى
فالب ّ Gد أن تكGGون GالقGGرارات الصGGادرة عن األغلبيّة Gموافقة لGGروح الشGGريعة ومبادئها الكليّGGة ،وأن تتّ G
تطبيق النصوص فيها ،وال تعارض ما جاء يف املصدرين األساسيني للتشريع (الكتاب والسنّة).
ثانيا :عدم المساس بحرية األفراد
وذلك أل ّن حGّ Gق األفGGراد املسGGتقلّني ،وحGGريتّهم يف احلوار ويف مناقشة اآلراء وتقييمهGGا ،حGّ Gق فGGردي
بأي حGGال
مق ّدس ،ال متلك األغلبيّة ،سواء أكانت هذه األغلبيّة منتظمة يف حزب واحد أم أحزاب متع ّددةّ ،
من األحوال ،أن حترمهم منه استناداً إىل مبدإ األغلبيّة.1144
املربرات واحلجج اليت يس GG Gتند إليه GG Gا ،إالّ أنّه ال ينبغي أن يك GG Gون ذريعة
فه GG Gذا املب GG Gدأ على ال Gّ G Gرغم من ّ
إلهGGدار حقGGوق األفGGراد ،واملسGGاس حبريّتهم يف الGGرأي والتعبري ومعارضة ما تقGّ Gرره األغلبيّGGة؛ أل ّن ذلك مGGدعاة
للكبت Gواجلمود.
هGGذا باإلضGGافة إىل أ ّن سGGيادة األغلبيّة Gيف الشGGورى اإلسGGالمية GخاضGGعة لسGGيادة أعلى منهGGا ،وهي سGGيادة
عامة ،ال جيوز لألفـراد مهما بلغ ذكاؤهم وخربهتم ،وال للجماعGGات مهما تقرر أصـوالً ّ الشريعـة الغ ّـراء ،اليت ّ
بلغت كGGثرة عGGددها ،وال لألحGGزاب مهما بلغت ّقوهتا ،من أن خترج عن هGGذه األصGGول ،واليت منها (أي من
هذه األصول) محاية حقوق األفراد وحريّاهتم ،وفرض التوازن Gوالتكامل بينها وبني حقوق اجلماعة.1145
1142القرضاوي (يوسف) ،السياسـة الشرعيـة في ضوء نصوص الش((ريعة ومقاص(دها ،مكتبة وهبGGة ،القGGاهرة ،ط1419 ،1.هـ 1998-م،
ص.116 .
.265-263 المودودي (أبو األعلى) ،تدوين الدستور اإلسالمي( ،ترمجة :حممد عاصم احلداد ،دار الفكر ،د .ط1967 ،م ،ص. 1143
1144الشاوي (توفيق) ،فقه الشورى واالستشارة ،دار الوفـاء للطباعة والنشر والتوزيع ،املنصـورة ،ط1413 ،2 .هـ 1992 -م ،ص.351 .
1145املرجع نفسه ،ص.351 .
وهكذا هي الشGريعة اإلسGالمية ،اليت حترتم حرية األفGGراد يف إبGGداء آرائهم ،ومناقشة القGرارات الصGGادرة
نص فيه ال يعين إهدار حقGGوق
تقر أن العمل باألغلبيّة وترجيح رأيها واالحتكام إليها فيما ال ّ عن االجتهادّ ،
األفGGراد املسGGتقلّني بGGآرائهم ،وهGGذا ما هو مالحظ حىّت يف عصر الصGGحابة واخللفGGاء الراشGGدين ،حيث رأينا
أ ّن اتفاق أكثريّة الصحابة على رأي ما ،مل مينع من ظهور آراء أفراد آخـرين من الصحابة مستقلّني برأيهم.
خاتمة البحث
ط
واآلن ،بعد هذا التجوال يف فصول البحث ومباحثه ،دراسة وتأصيالً G،تأيت هذه اخلامتة إيذانًا حب ّ
املتوصل إليها ،واليت نوردها خمتصرة،ّ ألهم نتائج البحثالرحال ،وهناية التجوال ،واليت نسطّرها بياناً ّ
ّ
حمل الدراسة
ونع ّقب ذلك مبقارنة موجزة بني املنهاج اإلسالمي Gوالدميقراطية Gالغربيّة ،فيما يتعلّق باآلليتني ّ
ومعمقة
والبحث ،وبعد ذلك نربز ما يفتحه البحث من آفاق لبحوث جديدة مقاربة ملثل هذا املوضوعّ ،
له.
ّأما من جهة تميّز المنهاج اإلسالمي( –وامتيازه -فإنّنا نستطيع أن نورد ما يأيت:
تقارن بالنظام الدميقراطي G،فهي نظام شامل كامل مصGGدرها إهلي ،تنظّم -1إ ّن الشريعة اإلسالميّة ال َ
خمتلف عالق GGات اإلنس GGان G،س GGواء مع ربّ GGه ،أم مع نفس GGه ،أم مع غ GGريهّ ،أما الدميقراطية Gالغربيّة فهي من وضع
البشر ،واجتهاده يف تنظيم شؤونه املتعلّقة بالسياسة واحلكم ،وأ ّن هذا ال مينع من وجGGود نقGGاط التقGGاء بينهما
يف بعض األمور ،اليت تتّفق فيها الفطرات السليمة والعقول الراجحة.
ولذلك ميكن وصف دولة اإلسالم Gأهّن ا ربانيّة املصدر ،ونبويّة Gالبناء ،وبشريّة املمارسة.
-2إ ّن اإلسGGالم قد أقGّ Gر التع ّدديّة لكوهنا حقيقة فطريّة وسGGنّة كونيّGGة؛ لGGذلك نظّم هGGذه الظGGاهرة ،وأقGّ Gر
حق GGوق خمالفي GGه ،وكفل حريGG Gاهتم بنص GGوص Gالش GGريعة اليت ال جيوز خمالفته GGا ،ومل جيعلها يف يد األغلبيّة أو يد
احلاكم ،كما احلال هو يف األنظمة الدميقراطية؛ ممّا جيعل هGGذه احلقGGوق واحلريGات يف هGGذه األنظمة مهّ Gددة –
باستمرار -بتقلّبات آراء األغلبيّة أو مزاج احلاكم.
الرغم من أ ّن اإلسالم جيعل أساس املواطنة يف دولته هو العقيدة GاإلسالميّةG. هذا على ّ
-3إ ّن األحGG G Gزاب يف نظGG G Gام اإلسGG G Gالم هلا أدوار إجيابيّGG G Gة ،وليست سGG G Gلبيّة فقط تنتهج أس GG Gلوب املقاومةG
السياسيّة ،والسعي GللوصGول إىل السGلطة؛ فهي مGدارس لرتبيّة اجليل أخالقيًا وسياسGيًا واجتماعيًGا ...وإعGداده
لتحمل رسالة اإلسالم Gومواجهة التح ّديات. ّ
-4إ ّن األح GG G Gزاب اإلس GG G Gالميّة Gختتلف كليّة -على عكس ما يعتق GG G Gده بعض املتغ Gّ G G Gربني -عن األح GG Gزاب
جتمعGG Gات ألفGG Gراد هلم
الدينيّة املوجGG G Gودة يف الغGG G Gرب؛ فهي ال تقGG G Gوم على نظريGG G Gات التفGG G Gويض Gاإلهلي ،بل هي ّ
واحلجة والربهGGان G،ويسGGعون لتحكيم ّ مشGGروع رسGGايل ،جيتهGGدون يف نشGGره يف اجملتمGGع ،بالGGدعوة إليه باحلسىن
هذا املشروع عند الوصول إىل السلطة.
متاما عن التنفيذ والقضGGاء ،إذ إ ّن هGGاتني السGGلطتني األخGGريتني
-5إ ّن التشGGريع يف نظGGام اإلسGGالم منفصل ً
تنظيمGGا؛ ّأما س GGلطة التش GGريع األص GGلي فهي هلل ،وال يش GGاركه فيها أح GGد ،وأ ّن الس GGلطتني
من اختص GGاص البشر ً
األخريني حتتكمان إليه ،وما ميلكه البشر من تشريع ،أو ما يسGّ Gمى يف هGGذه احلالة "االستشGGراع" أو "التشGGريع
الفGGرعي" يشGGرتط فيه أن ال ينGGاقض هGGذا التشGGريع األصGGلي ،وأن يكGGون GمعتمGً Gدا على مقاصGGده ،ومسGGتم ّداً من
روح GGه؛ ل GGذلك ف GGإ ّن س GGلطة األغلبيّة Gيف ه GGذا اجملال ليست مطلق GGة ،كما حيدث يف الدميقراطية Gالغربي GGة ،واليت
حGGاولت هي كGGذلك –بإقرارها بعض اآلليGGات -التقييد من سلطـاهنا؛ وذلك حىت تتجنّب مـا يسGّ Gمى "أزمة
يتنـزه عنها
الدميقراطي GGة" ،واليت حتدث عن GGدما تق Gّ Gرر األغلبيّة ما ين GGاقض مب GGادئ الدميقراطي GGة G،ه GGذه األزمة اليت ّ
نظام اإلسالم؛ Gملصدره اإلهلي الذي خيضع ألحكامه اجلميع.
نظاما ع GGادالً ،فك Gّ Gل البشر خيض GGعون ملش Gّ Gرع واح GGد ،وهو اهلل خ GGالقهم وه GGذا ما جيعل نظ GGام اإلس GGالم ً
احلكيم اخلب GG Gري ،العليم مبص GG Gاحل عب GG Gاده ،ممّا جيعل البشر ينق GG Gادون ألحكامه طواعيّ GG Gة ،وليس كما هو احلال يف
يكون GGون
األنظمة الدميقراطيGG Gة ،اليت جتعل البشر يشGّ G Gرعون لغGG Gريهم من البشGG Gر ،لكGG Gوهنم يف مركز القGّ G Gوة (أي ّ
أغلبيّة)؛ ممّا قد يكون Gمدعاة لظلم األقليّات ،اليت تنتقم إذا أصبحت بدورها أغلبيّة يف مرحلة أخرى.
ص G Gراع كليّGG Gة؛ فهو يقGّ G Gر بالتع ّدديّة للتكامل والتع GGاون G،وليس
-6إ ّن نظGG Gام اإلسGG Gالم GيسGG Gتبعد فكGG Gرة ال ّ
للتن GGاقض والتض GGاد ،وأ ّن الس GGلطات فيه ال تتص GGارع ،بل تتع GGاون يف س GGبيل جتس GGيد أحك GGام اإلس GGالم املق Gّ Gررة
بنصGGوص الGGوحي ،واالجتهGGاد املبين عليهGGا ،وال تنظر كGّ Gل سGGلطة فيه إىل األخGGرى بعني الريبGGة ،حماولة انGGتزاعG
بعض صالحياهتا أو سلطاهتا.
رب العالمين
وآخر دعوانا أن الحمد هلل ّ
*
فهرس المصادر والمراجع
أ ّوالً :كتب الوحي
*-1القرآن الكريم (برواية( حفص)
* كتب الحديث الشريف
لقد أمهلت يف ترتيب األمساء "ال" التعريف ،ولفظ "ابن" و"أبو" *
ثانياً :األ ّمهات
:روح املعـاين يف تفسري القـرآن العظيـم والسبـع املثاين، -9اآللوسي( Gشهاب ال ّدين)
إدارة الطباعة املنريية ،مصر ،د.ط ،د.ت.
:اإلحكام يف أصول األحكـام ،دار الكتب العلمية ،بريوت، -10اآلمدي (سيف ال ّدين)
د .ط1403 ،هـ 1983 -م.
:املفـردات من غريب القـرآن ،حتقيق :حممد سيّد كيالين، -11األصفهاين (الراغب)
دار املعرفة ،بريوت ،د.ط ،د.ت.
:الوصـول إىل علـم األصول ،حتقيق :عبد احلميد أبو زنيد، -12البغدادي (أبو الفتح)
مكتبة املعارف ،الرياض ،ط1404 ،1.هـ1984 -م.
:اإلمتـاع واملـؤانسـة ،حتقيق :أمحـد أمني وأمحـد الزين، -13التوحيدي (أبو حيان)
املكتبة Gالعصرية ،بريوت-صيدا ،د.ط ،د.ت.
:جمموع الفتاوى ،مجع وترتيب عبد الرمحن بن حممد احلنبلي، -14ابن تيمية (أمحـد)
اجمللد ،11 :دون معلومات النشر.
:منهـاج السـنّـة ،املكتبـة العلميّة ،بريوت ،د.ط ،د.ت. " " -15
:النهاية يف غريب احلديث و األثر ،حتقيق :طاهر أمحد الزاوي -16اجلزري (جمد ال ّدين)
وحممود الطناحي ،دار الفكر للطباعة و النشر والتوزيع،
بريوت ،د.ط ،د.ت.
:اإلحكام يف أصول األحكام ،مطبعة اإلمام ،مصر،د.ط ،د.ت. -17ابن حزم (أبو حممد علي)
:مـعـجـم البـلـدان ،حتقيق :فريد عبد العزيز اجلنـدي، -18احلموي (ياقوت)
دار الكتب Gالعلميّة ،بريوت ،ط1410 ،1.هـ1990 -م.
:لباب التأويل يف معاين التنـزيل (تفسري اخلازن) ،دار الفكر، -19اخلازن (عالء ال ّدين)
د.م ،د.ط ،د.ت.
:املق ّدمة (تاريخ العالّمة ابن خلدون) ،دار الكتاب اللبناين- -20ابن خلدون (عبد الرمحن)
مكتبة املدرسة ،بريوت ،د.ط1982 ،م.
حجـة اهلل البالغة ،حتقيق ومراجعة :السيّد سابق ،دار الكتبG -21الدهلوي (أمحد بن عبد الرحيم) ّ :
احلديثة ،القاهرة –مطبعة املثىن ببغداد ،د.ط ،د.ت.
ص G G Gحاح ،دار الكتب GالعلميGG G Gة ،بGG G Gريوت،ط1،1415هـ-
:خمتGG G Gار ال ّ -22الGّ G G Gرازي (حممد بن أيب بكGG G Gر)
1994م
-23الرازي (حممد فخر الدين) :التفسري الكبـري ومفاتيـح الغيب (تفسـري الفخـر الرازي)،
ط1985 ،3 .م.
:احملصـول يف علم أصـول الفقه ،حتقيق :طه جابر العلواين، " " -24
مطبوعات جامعـة اإلمـام حممـد بن سـعـود ،ط،1.
1400هـ 1980 -م.
نصار،
-25الزبيدي (السيّد حممد مرتضى) :تاج العـروس من جـواهر القامـوس ،حتقيق :حسني ّ
مطبعة حكومة الكويت G،د.ط1394 ،هـ1974 -م.
:معجـم مقـاييس اللّـغـة ،حتقيق :عبد السـالم هارون، -26زكريا (أبو احلسني)
دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،د.م ،د.ط ،د.ت.
ـشاف عـن حقـائق غوامـض التنـزيـل وعيـونG :الك ّ -27الزخمشري (حممد بن عمر)
الكشـاف)،
األقـاويـل يف وجـوه التأويـل (تفسـري ّ
مطبعة مصطفى حممد ،مصر ،ط1354 ،1 .هـ.
:الطـبقـات الكـربى ،حتقـيق :حممـد عبد القادر عطا، -28ابن سعد (حممد بن سعد)
دار الكتب Gالعلمية ،بريوت ،ط1401 ،1.هـ1990 -م.
ـدر املنثـور يف التـفسـري باملـأثـور ،دار املعـرفة،
:ال ّ -29السيوطي (جالل ال ّدين)
بريوت ،د.ط ،د.ت.
:املـوافقـات يف أصـول الشريعة ،مطبعة مصطفى حممد، -30الشاطيب (أبو إسحاق)
مصر ،د.ط ،د.ت.
:فتح القدير اجلامع بني فيّن الرواية والدراية من علم التفسري، -31الشوكاين (حممد بن علي)
دار الكتب Gالعلمية ،بريوت ،ط ،1.د.ت.
:تاريخ األمم وامللوك (تاريخ الطـربي) ،دار الكتب Gالعلمية، -32الطربي (حممد بن جرير)
بريوت ،ط1408 ،1.هـ1988-م.
:جـامـع البيـان يف تفسري القـرآن ،دار املعرفة ،بريوت، " " -33
ط1403 ،1.هـ1983-م.
:التمهيـد ملـا يف املوطـأ Gمن املعـاين واألسانيد ،حتقيق: -34ابن عبد الرب (أبو عمر)
سعيد أمحد أعراب ،د.م ،د.ط1407 ،هـ1987-م.
:قـواعـد األحكـام يف مـصـاحل األنـام ،دار املعرفة، (عز ال ّدين)
-35ابن عبد السالم ّ
بريوت ،د.ط ،د.ت.
:أحكـام القـرآن،مطبعة السعادة ،مصر ،د.ط1331،هـ. -36ابن العريب (أبو بكر)
:هتـذيب التهـذيب ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع -37العسقالين (ابن حجر)
ط1404 ،1.هـ1984-م.
:فتـح البـاري شرح صحيح البخاري ،حتقيق :عبد العزيز " " -38
بن باز ،دار املعرفة ،بريوت ،د.ط ،د.ت.
:املستصـفى Gمن علم األصـول ،املطبعة Gاألمريية ،مصـر، -39الغزايل (أبو حامد)
ط1322 ،1.هـ.
:األحـكـام السلطـانيـة ،حتقيق :حممد حامـد الفقيG، -الفراء (أبو يعلى)
ّ 40
دار الكتب Gالعلمية ،بريوت ،د.ط1403 ،هـ1983-م.
املذهب Gيف معرفة أعيـان املذهب G،دار الكتبG :الديبـاج ّ -41ابن فرحون (برهان ال ّدين)
العلمية ،بريوت ،د.ط ،د.ت.
:القامـوس احمليـط ،دار الكتاب العريب ،د.م ،د.ط،د.ت. -42الفريوز أبادي (جمد ال ّدين)
:اإلمامـة والسياسـة ،حتقيق :طه حممد الزيين ،دار املعرفة -43ابن قتيبة (أبو حممد عبد اهلل)
للطباعة والنشر والتوزيع ،بريوت ،د.ط ،د.ت.
:الفـروق ،دار إحيـاء الكتب Gالعـربيّة ،القاهرة ،ط،1. -44القرايف (شهاب ال ّدين)
1344هـ.
-45القرطيب (أبو عبد اهلل األنصاري) :اجلامـع ألحكام القرآن ،دار الكتاب العريب للطباعة
والنشر ،القاهرة ،د.ط 1967 ،م
الذمة ،حتقيق :صبحي صاحل ،دار العلم للماليني، -46ابن قيّم اجلوزيّة (مشس ال ّدين) :أحكـام أهل ّ
بريوت ،ط1983 ،3.م.
رب العاملني ،مكتبة الكليات األزهرية،
:أعـالم املوقعـني عن ّ " " -47
مصر ،د.ط ،د.ت.
:زاد املعـاد يف هدي خري العباد ،دار الكتاب العريب ،بريوت، " " -48
د.ط ،د.ت.
:الطرق احلـكميّة يف السياسـة الشرعيّة ،مراجعة وتصحيح: " " -49
املؤسسة Gالعربيّة للطباعة والنشر
أمحد عبد احلليم العسكريّ ،
والتوزيع ،القاهرة ،د.ط1380 ،هـ 1961 -م.
الصنائـع يف ترتيب الشرائـع ،دار الكتاب العريب،
:بدائـع ّ -50الكاساين (عالء ال ّدين)
بريوت ،ط1402 ،2.هـ – 1982م.
:البدايـة والنهاية ،طبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، -51ابن كثري (أبو الفداء)
بريوت ،د.ط ،د.ت .وطبعة Gدار الفكر العريب ،ط1387 ،2.هـ.
:تفسري القـرآن العظيـم ،دار األندلس ،بريوت ،د.ط ،د.ت. " " -52
:السرية النبوية ،حتقيق :مصطفى عبد الواحد ،دار الرائد العريب، " " - 53
بريوت ،ط1407 ،3.هـ 1987 -م.
مؤسسة
:الكليّـات –معجم يف املصطلحات والفروق اللّغويةّ - -54الكفوي( Gأبو البقاء)
الرسالة ،بريوت ،ط1993 ،2.م.
:األحكـام السلطانية والواليات الدينية G،دار الكتاب العريب، -55املاوردي (أبو احلسني)
بريوت ،ط1410 ،1.هـ 1990 -م.
:لسـان الـعـرب ،دار املعـارف ،مصـر ،د.ط ،د.ت. -56ابن منظور (مجال ال ّدين)
-57النووي( Gأبو زكريا حمي ال ّدين) :شـرح صحيح مسلم ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع،
د.م ،د.ط1403 ،هـ1983-م.
:حريّة االعتقاد يف القرآن الكرمي ،املركز الثقايف ،ط ،2.د.ت. -76حللي(عبد الرمحن)
األمة،
:املمارسة الدميقراطية Gللسلطة بني النظرية والواقع ،دار ّ -77ابن محودة (بوعالم)
اجلزائر ،د .ط ،د .ت.
:الدولة يف ميـزان الشريعة (النظم السياسية) G،دار املطبوعاتG -78احللو (ماجد راغب)
اجلامعية ،اإلسكندرية G،د .ط1996 ،م
:القانون الدستوري ،دار املطبوعات Gاجلامعية ،اإلسكندرية، " " -79
د .ط 1995 ،م.
:تط ّـور النظـريات واألنظمة السياسية G،املؤسّسة الوطنية (عمار)
-80بوحوش ّ
للكتاب ،اجلزائر ،ط1984 ،2 .م.
مؤسسة اإلسراء للنشر :قواعـد نظام احلكـم يف اإلسالمّ ، -81اخلالدي (حممود)
والتوزيع ،قسنطينة ،ط1411 ،1.هـ1991-م.
:نظـام الشـورى يف اإلسالم ونظم الدميقراطية املعاصرة، -82اخلطيب (زكريا)
مطبعة السعادة ،د.م ،د.ط1985 ،م.
:الوسيط يف النظم السياسية والقانون الدستوري ،مكتبة دار -83اخلطيب (نعمان أمحد)
عمان (األردن) ،ط 1999 ،1 .م. الثقافة للنشر والتوزيعّ ،
:السلطـات الثالث يف اإلسالم –التشريع .القضاء .التنفيذ- خالف (عبد الوهاب)
ّ -84
دار القلم ،الكويت G،ط 1405 ،2 .هـ 1985 -م.
:علم أصـول الفقه ،الزهراء للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،ط،2 . " " -85
1993م.
:النظـام السياسـي يف اإلسالم G،دار السالم للطباعة والنشر -86اخليّاط (عبد العزيز)
والتوزيع والرتمجة ،القـاهرة ،ط1420 ،1 .هـ1999-م.
ممهدة لدراسة تاريخ األديان ،-دار القلم :الـ ّديـن –حبوث ّ (حممد عبد اهلل)
دراز ّ
ّ -87
للنشر والتوزيع ،الكويت G،د.ط 1410 ،هـ 1990 -م.
:الدستور القرآين يف شؤون احلياة ،دار إحياء الكتب العربيّة، عزة)
(حممد ّ
-88دروزة ّ
د.م ،د.ط 1376 ،هـ 1956-م.
مؤسسة :خصائص التشريع اإلسالمي يف السياسة واحلكمّ ، – 89الدريين (فتحي)
الرسالة ،بريوت ،ط 1407 ،2 .هـ1987 -م.
:نظم احلكم املعاصرة ،عامل الكتب ،القاهرة ،د .ط ،د.ت. -90أبو راس (حممد الشافعي)
:آراء يف الصحـوة اإلسالميـة وموقـف اإلسـالم من -91ربيع (حممد حممود)
اإليديولوجيـات املعاصرة ،عامل الكتب ،القاهرة ،د.ط،
1405هـ 1985 -م.
:الدميقـراطيـة بني الفكـر الفردي والفكر االشرتاكي، -92رسالن (أنور أمحد)
دار النهضة Gالعربيّة ،القاهرة ،د .ط 1971 ،م.
:تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار) ،دار املعرفة ،بريوت، -93رضا (حممد رشيد)
ط ،2.د.ت.
:الفكر اإلسالمي Gاملعاصـر ،حوار مع :األمني (السيّد حممد -94الرفاعي (عبد احلميد)
حسن) ،دار الفكر املعاصر -بريوت ،دار الفكر -دمشق،
ط 1421 ،1 .هـ 2000م.
:النظريات السياسية Gاإلسالمية G،مكتبة دار الرتاث ،القاهرة، -95الريس (حممد ضياء ال ّدين)
ط ،7.د.ت.
:نظرية التقريب والتغليب Gوتطبيقها يف العلوم اإلسـالمية، -96الريسوين (أمحد)
دار الكلمة للنشر والتوزيع ،مصر ،ط 1997 ،1 .م.
:أصـول الفقـه اإلسـالمي ،دار الفكر ،اجلزائر –دمشق، -97الزحيلي (وهبة)
ط 1407 ،1 .هـ 1986م.
:ح ّـق احلـريّة يف اإلسـالم ،دار الفكـر ،دمشق ،ط،1 . " " -98
1421هـ 2000 -م.
:األعـالم ،دار العلـم للماليني ،بريوت ،ط 1980 ،5 .م. -99الزركلي (خري ال ّدين)
:أصـول الفقـه ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،د .ط ،د.ت. -100أبو زهرة (حممد)
:تاريـخ املـذاهب اإلسالمية يف السياسة والعقائد وتاريخ " " -101
املذاهب Gالفقهية ،دار الفكر العريب ،القاهرة د .ط ،د .ت.
:أصـول الدعـوة ،قصـر الكتـاب ،البليدة ،د.ط ،د.ت. -102زيدان (عبد الكرمي)
:موجـز األديـان يف القـرآن الكرمي ،مؤسسة الرسالـة، " " -103
بريوت ،ط 1418 ،1 .هـ 1998-م.
:معجم اللغات (إجنليزي-فرنسي-عريب) ،دار السابق للنشر، السابق (جروان)G
ّ -104
بريوت ،ط1974 ،1 .م.
:اإليديولـوجيـا –حنو نظرة تكاملية -املركز الثقايف العريب، -105سبيال (حممد)
بريوت –الدار البيضاء ،ط ،1 .د.ت.
:السلطـة واحلـريّة يف النظـام اإلسالمي( Gدراسة مقارنة)، -106سعيد (صبحي عبده)
دار الفكر العـريب ،القاهرة ،د.ط 1982 ،م.
:أزمة احلـريّة السيـاسية يف الوطن العريب ،الزهـراء لإلعالمG -107مسيع (صاحل حسن)
العريب ،د .م ،ط 1409 ،1 .هـ 1988 -م.
-108السنهوري (عبد الرزاق أمحد) :فقـه اخلـالفة وتط ّـورها لتصبـح عصبـة أمـم شرقيّة،
حتقيق :توفيق حممد الشاوي ونادية عبد الرزاق السنهوري،
مؤسسة الرسالة ،بريوت ،ط 1422 ،1 .هـ2001 -م. ّ
-118الصباحي (حيي السيّد) :النظـام الرئاسـي األمـريكي واخلالفة اإلسالمية ،دار الفكـر
العـريب ،القاهرة ،ط 1413 ،1 .هـ 1993 -م.
:علـم السيـاسـة ،دار العلم للماليني ،بريوت ،ط 1985 ،8 .م. -119صعب (حسن)
-120الصعيدي (عبد املتعال) :حريّة الفكر يف اإلسالم ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،ط ،2 .د .ت.
التنوع Gوالتعايش ،دار الصفوة ،بريوت ،ط 1418 ،1 .هـ 1997 -م. ّ : -121الصفار (حسن)
واملؤسسات السياسيّةG،
ّ :املرجـع يف القـانون الدستوري -122أبو طالب (عبد اهلادي)
دار الكتاب ،الدار البيضـاء ،د .ط1980 ،م.
-123الطباطبائي( Gالسيد حممد حسني) :املـيـزان يف تفـسـري القـرآن ،مؤسـسة األعلمـي
للمطبوعـات ،بريوت ،ط 1411 ،1 .هـ 1991 -م.
:السلطـات الثـالث يف الدساتري العربيّة املعاصرة ويف الفكر -124الطماوي (سليمان حممد)
اإلسالمـي ،دار الفكر العـريب ،مصـر ،ط1996 ،6 .م.
:عمـر بن اخلطـاب و أصـول السياسة و اإلدارة احلديثة، " " -125
دار الفكر العريب ،القاهرة ،ط1976 ،2.م.
:النظـم السياسيـة والقانون Gالدستوري( ،دراسة مقارنة)، " " -126
دار الفكر العريب ،القاهرة ،د.ط1988 ،م.
:تفسـري التحـرير والتنوير ،الدار التونسية Gللنشر ،تونس، -127ابن عاشور (حممد الطاهر)
د.ط 1984 ،م.
ظل نظام احلكـم اإلسـالمي ،دار القلم، :الشـورى يف ّ -128عبد اخلالق (عبد الرمحن)
الكويت G،د.ط1982 ،م.
:األعمال الكاملة ،دراسة وحتقيق :حممد عمارة ،طبعة القاهرة، -129عبده (حممد)
1993م.
-130عبد الوهاب (حممد رفعت) :النظـم السياسيـة ،دار املطبوعات Gاجلامعية ،اإلسكندرية،
د.ط1993 ،م.
:العقيدة Gاإلسالمية Gواإليديولوجيات املعاصـرة ،دار الفكـر -131عبود (عبد الغين)
العـريب ،القاهرة ،ط1976 ،1 .م.
:الشـورى يف ضوء القرآن والسنّة ،دار البحوث للدراسات -132عرت (حسن)
اإلسالمية Gوإحياء الرتاث ،ديب (اإلمارات) ،ط 1422 ،1.هـ
2001م.
:الـنـظـم السيـاسـيـة ،د.ن ،د.م ،ط 1992 ،5.م. -133عجيلة (عاصم أمحد)
:املنجد يف األعالم G،دار املشرق ،بريوت ،ط 1991 ،17 .م. -134عجيل (لويس) وآخرون
:املوسـوعة Gيف مساحـة اإلسـالم ،الدار السعودية للنشر -135عرجون (حممد الصادق)
والتوزيـع ،ط 1984 ،2 .م.
:مفهـوم اإليديولوجيا G،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء- -136العروي (عبد اهلل)
بريوت -ط1999 ،6 .م.
:الديكتاتورية االستبدادية Gوالدميقراطية Gوالعامل الثالث G،املركز -137العزي (سومي)
الثقايف العريب ،بريوت –الدار البيضـاء ،ط1987 ،1 .م.
:املبادئ األساسية يف القانون الدستوري والنظم السياسيةG، -138عصفور (سعد)
منشأة املعارف ,اإلسكندرية ،د.ط ،د.ت.
:احلرية بني الفكرين الدميقراطي Gواالشرتاكي G،املطبعة العامليةG، -139عصفور (حممد)
القاهرة ،ط1961 ،1.م.
:الدميقراطية يف اإلسالم G،دار املعارف ،القاهرة ،ط ،6.د.ت. -140الع ّقاد (عباس حممود)
والتنوع Gيف إطار الوحدة-
:اإلسـالم والتع ّدديّة-االختالف ّ -141عمارة (حممد)
دار الرشاد ،القاهرة ،ط 1418 ،1.هـ 1997 -م.
:اإلسـالم وحقـوق اإلنسـان –ضرورات..ال حقوق- " " -142
دار الشروق ،بريوت -القاهرة ،ط1989 ،1 .م.
:هل اإلسالم هو احلل؟ ملاذا وكيف؟ ،دار الشروق ،القاهرة- " " -143
بريوت ،ط 1415 ،1.هـ 1995 -م.
:يف النظام السياسي Gللدولة اإلسالمية ،دار الشروق ،القاهرة- -144العوا (حممد سليم)
بريوت ،ط1989 ،1 .م.
:اإلسالم وأوضاعنا السياسية G،مؤسسة الرسالة ،بريوت ،د.ط، -145عودة (عبد القادر)
د.ت.
مؤسسة :التشريع اجلنائي اإلسالمي مقارنًا بالقانون الوضعيّ G، " " -146
الرسالة ،بريوت ،ط 1405 ،6.هـ1985-م.
:حكـم املعارضة وإقامة األحـزاب السياسية يف اإلسـالم، -147العوضي (أمحد)
دار النفائGـس ،األردن ،ط1412 ،1 .هـ 1992 -م.
:القـانون الدستـوري والنظـم السياسية ،املؤسسة اجلامعية -148الغزال (إمساعيل)
للدراسات والنشر والتوزيع ،بريوت ،ط1989 ،4.م.
:اإلسـالم واالستبداد السياسي ،دار الكتب احلديثة ،مصر، -149الغزايل (حممد)
د.ط1961 ،م.
:احلـريات العامة يف اإلسالم Gمع املقارنة باملبادئ الدستورية -150غزوي (حممد سليم)
الغربيّة واملـاركسيّة ،مؤسسة شباب اجلامعة ،اإلسكندريةG،
د.ط ،د .ت.
:نظـرات حـول الدميقراطية ،دار وائل للطباعة والنشر، " " -151
عمان ،ط2000 ،1.م. ّ
:السلطـة التشريعيـة يف نظـام احلكم اإلسالمي والنظم -152غمق (ضو مفتاح حممد)
املعاصـرة ،منشورات ( ،)E L G Aمالطا2000 ،م.
:الـحريات العامة يف الدولة اإلسالمية G،مركز دراسات -153الغنوشي( Gراشد)
الوحدة العربيّة ،بريوت ،د.ط ،د.ت.
:الشـورى وقضايا االجتهاد اجلماعي ،شركة الشهاب -154أبو فارس(حممد عبد القادر)
للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،د.ط ،د.ت.
:تط ّـور اإليديولوجيّة العربيّة الثوريـة (الفكر القومي)، -155فرح (إلياس)
املؤسسـة العـربيّة للـدراسـات والنشـر ،بريوت،
ّ
ط 1979 ،7 .م.
:األديـان املعاصـرة ،دار الكتب Gالوطنية G،ليبيا ،ط،2 . -156الفرحان (راشد)
1406هـ 1985 -م.
:احلـرية السيـاسية يف اإلسـالم ،دار القلم ،الكويتG، -157الفنجري (أمحد شوقي)
ط -1403 ،2.هـ 1983م.
:الـربملـان –دراسـة مقارنة حتليلية لربملانات العامل – -158فوزي (صالح ال ّدين)
دار النهضة Gالعربيّة ،القاهرة ،د.ط1994 ،م.
-170الكيايل (عبد الوهاب) وآخرون :موسـوعة السياسـة ،املؤسسة العربيّة للدراسات والنشر،
بريوت ،ط1990 ،3.م.
:النظـم السياسيـة (الدولة واحلكومة) ،دار النهضة العربيّة، -171ليلة (حممد كامل)
بريوت ،د.ط 1969 ،م.
:التحـ ّدي الدميقراطي G،دار الفارايب ،بريوت ،د .ط ،د.ت. -172مارشيه (جورج)
:القانون الدستـوري واألنظمـة السياسية G،منشأة املعارف، -173متويل (عبد احلميد)
اإلسكندرية ،ط1974 ،5 .م.
:مبادئ نظام احلكم يف اإلسالم G،منشأة املعارف ،اإلسكندرية، " " -174
د.ط 1974 ،م.
:مبـدأ الشـورى يف اإلسـالم ،عامل الكتب ،مصر ،ط،2. " " -175
1972م.
:النظم السياسية Gواحلـريات العامة ،مؤسسة شباب اجلامعة، -176املتيت( Gأبو يزيد)
اإلسكندرية ،ط1989 ،4 .م.
احملمدية ،القاهرة،
:املدخل لدراسة األديان ،دار املطبوعات ّ -177املسري (حممد سيّد)
ط 1415 ،1.هـ1994 -م.
:األحـزاب ،مركـز الدراسـات السياسية واالسرتاتيجية -178مصطفى (هالة)
باألهرام ،القاهرة ،د.ط2000 ،م.
:أركـان وضمانات احلكـم اإلسـالمي G،مؤسسة الريّان -179مفيت (حممد أمحد)
للطباعة والنشر والتوزيع ،بريوت ،ط 1417 ،1.هـ 1996م.
:الوحـدة والتع ّدديّة واحلوار يف اخلطاب اإلسالمي Gاملعاصر، -180امليالد (زكي)
دار الصفوة G،بريوت ،ط 1415 ،1 .هـ 1994 -م.
:الشـورى ال الدميقـراطية G،دار الشهاب ،اجلزائر ،ط،2. -181النحوي (عدنان)
1987م.
:يف النظـريات والنظـم السيـاسية ،دار النهضة Gالعربيّة، املعز)
-182نصر (حممد عبد ّ
بريوت ،د.ط 1973 ،م.
:األحـزاب السيـاسـيـة ،مطابع التعليم العايل ،بغداد، -183اهلامشي (طارق علي)
د.ط 1990 ،م.
:اإلسـالم والدميـقـراطية ،مركز األهرام للرتمجة والنشر -184هويدي (فهمي)
القاهرة ،ط1993 ،1 .م.
:املنتـخـب يف تفسـري القـرآن ،اجمللس األعلى للشؤون -185وزارة األوقاف
اإلسالمية G،القاهرة ،ط 1421 ،19.هـ2000 -م.
،مقال "هل األغلبيّة Gمبدأ إسالمي Gأصيل؟" منشور للعماري " " -227
(عبد القادر بن حممد) ،السنة األوىل ،العدد،7:مايو 1981م.
،مقـال "األغلبيّة Gمبدأ إسالمي Gأصيل" ،منشور لألنصاري -228جملّة "العريب"
(عبد احلميـد) ،الكويت G،العـدد ،286 :سبتمرب 1982م
،موضوع حول "التع ّددية من منظور إسالمي" Gمنشور للعوا " " -232
(حممـد سليـم) ،بريوت ،السنة السـادسة ،العدد،20 :
سنة 1411هـ1991-م.
،مـوضـوع حـول "مؤسسـات الدولـة احلـديثة" " " -233
منشور هلالل (عـلي الـ ّدين) ،بريوت ،العـدد،14 :
سنة 1410هـ1989 -م.
سورة البقرة
ين قُل هاتُوا برهانَ ُكم إِ ْن ُكنتُم ِ ِ
130 111
صادق َ ْ َ ْ َ ُْ َ ْ
122 يل لَهُ ُم اتَّبِعُوا َما أَنزَ َل هَّللا ُ...
َ وإِ َذا قِ َ
17
0
112-92 213 َ كانَ النَّاسُ أُ ّمةً َواح َدةً ...
186-119-117 256 الَ إِ ْك َراهَ فِي الدِّي ِن...
سورة آل عمران
109 19 إِ َّن ال ِّدينَ ِع ْن َد هَّللا ِ ا ِإلسْلاَ ُم
111 73 َ والَ تُ ْؤ ِمنُوا إِالَّ لِ َم ْن تَبِ َع ِدينَ ُك ْم
110 83 أَفَ َغ ْي َر ِدي ِن هَّللا ِ يَ ْب ُغونَ
109-112 85 اإل ْسالَ ِم ِدينًا فَلَ ْن يُ ْقبَ َل
َ و َم ْن يَ ْبت َِغ َغي َْر ِ
ِم ْنهُ...
187 10 َص ُموا بِ َحب ِْل هَّللا ِ َج ِميعًا َوالَ تَفَ َّرقُوا َ وا ْعت ِ
3
192 10 َ و ْلتَ ُك ْن ِّم ْن ُك ْم أُ َّمةٌ يَ ْد ُعونَ إِلَى ْالخَ ي ِْر...
4
ف َع ْنهُ ْم َوا ْستَ ْغفِرْ لَهُ ْم َو َش ِ
اورْ هُ ْم فِي فَا ْع ُ
290-291- 15 األَ ْم ِر فَإ ِ َذا َعزَ ْمتَ فَت ََو َّكلْ َعلَى هَّللا ِ...
315-319- 9
324
سورة النساء
سورة المائدة
اونُوا َعلَى ْالبِ ِّر َوالتَّ ْق َوى َواَل تَ َع َ
اونُوا َ وتَ َع َ
191 2 انَعلَى ا ِإل ْث ِم َو ْال ُع ْد َو ِ
102-112-121 48 لِ ُكلٍّ َج َع ْلنَا ِم ْن ُك ْم ِشرْ َعةً َو ِم ْنهَاجًا...
154 49 بَ ْينَهُ ْم بِ َما أَنزَ َل هَّللا ُ... َ وأَ ِن احْ ُك ْم
190 55 هَّللا ُ َو َرسُولُهُ... إِنَّ َما َولِيُّ ُك ُم
161 56 ب هَّللا ِ هُ ُم ْالغَالِبُونَ
فَإ ِ َّن ِح ْز َ
287-317 100 يث َوالطَّيِّبُ ... قُلْ الَّ يَ ْست َِوي ْالخَ بِ ُ
سورة األنعام
ائِ ٍر ض َوالَ طَ فِي األَرْ ِ َ و َما ِم ْن دَابَّ ٍة
91 38 إالَّ أُ َم ٌم أَ ْمثَالُ ُك ْم يَ ِطي ُر بِ َجنَا َح ْي ِه
288 111 يَجْ هَلُونَ َ ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َرهُ ْم
287 116 ضلُّوكَ
ض يُ َِ وإِ ْن تُ ِط ْع أَ ْكثَ َر َم ْن فِي األَرْ ِ
يل هَّللا ِ
ع َْن َسبِ ِ
91 141 َ والنَّ ْخ َل َوال َّزرْ َع ُم ْختَلِفًا أُ ُكلُهُ...
187 159 إِ َّن الَّ ِذينَ فَ َّرقُوا ِدينَهُ ْم َو َكانُوا ِشيَعًا...
سورة األعراف
287 يرًا ِّمنَ ْال ِجنِّ 179 ْد َذ َر ْأنَا لِ َجهَنَّ َم َكثِ َ ولَقَ
اإل ْن ِ
س َو ِ
سورة األنفال
303-304 41 َ وا ْعلَ ُموا أَنَّ َما َغنِ ْمتُ ْم ِّم ْن َش ْي ٍء...
187 46 َب ِري ُح ُك ْم َ والَ تَنَا َز ُعوا فَتَ ْف َشلُوا َوت َْذه َ
323 67 َ ما َكانَ لِنَبِ ٍّي أَ ْن يَ ُكونَ لَهُ أَس َْرى…
298 67 ض ال ُّد ْنيَا َوهَّللا ُ ي ُِري ُد
تُ ِري ُدونَ ع ََر َ
اآلخ َرةَ...
ِ
67- َ ما َكانَ لِنَبِ ٍّي أَ ْن يَ ُكونَ لَهُ أَس َْرى ...
299-323 68-69
299-322 69 فَ ُكلُوا ِم َّما َغنِ ْمتُ ْم َحالَالً طَيِّبًا
سورة التوبة
111 12 َ وإِ ْن نَّ َكثُوا أَ ْي َمانَهُ ْم ِّم ْن بَ ْع ِد َع ْه ِد ِه ْم...
235 25 ثير ٍة...
اطنَ َك َ ص َر ُك ُم هللاُ في َم َو ِ لَقَ ْد نَ َ
سورة يونس
92 19 اختَلَفُوا َ و َما َكانَ النَّاسُ إِالَّ أُ َّمةً َو ِ
اح َدةً فَ ْ
287 36 َ و َما يَتَّبِ ُع أَ ْكثَ ُرهُ ْم إِالَّ ظَنًّا
119 99 َ ولَوْ َشا َء َربُّكَ آل َمنَ َم ْن فِي األَرْ ِ
ض...
سورة هود
161 17 ب فَالنَّا ُر َ و َم ْن يَ ْكفُ رْ بِ ِه ِمنَ اأْل َحْ زَا ِ
َموْ ِع ُدهُ...
120 28 نت َعلَى بَيِّنَ ٍة ِم ْنقَا َل يَاقَوْ ِم أَ َرأَ ْيتُ ْم إِ ْن ُك ُ
َّربِّي...
87-92-115-121- اس أُ َّمةً َوا ِح َدةً118- ...َ ولَوْ َشا َء َربُّكَ لَ َج َع َل النَّ َ
119
198
سورة يوسف
287 21 النَّ ِ
اس الَ يَ ْعلَ ُمونَ َ ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر
287 38 اس الَ يَ ْش ُكرُونَ النَّ ِ َ ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر
287 40 َّاس الَ َي ْعلَ ُمو َن ول ِ
َك َّن أَ ْك َث َر الن ِ َ
97 76 َّشاءُ َو َف ْو َق ُك ِّل ِذي ِع ْل ٍم َ نرفَع درج ٍ
ات َّمن ن َ ْ ُ ََ َ
يم ِ
َعل ٌ
َّاس ولَو حرص مِب ِ ِ
َ و َما أَ ْكَث ُر الن ِ َ ْ َ َ ْ َ
287 103 ني
ت ُْؤمن َ
سورة الرعد
91 4 ات َو َجنَّ ٌ
ات... او َر ٌ َ وفِي األَرْ ِ
ض قِطَ ٌع ُّمت ََج ِ
سورة النحل
130 ا ْد ُع إِلَى َسبِي ِل َربِّ َك بِ ْال ِح ْك َم ِة َو ْال َموْ ِعظَ ِة 125
ْال َح َسنَ ِة...
سورة اإلسراء
235 6 َ و َج َع ْلنَا ُك ْم أَ ْكثَ َر نَفِيرًا
سورة الكهف
ق ِمن َّربِّ ُك ْم فَ َم ْن َش ا َء فَ ْليُ ْؤ ِم ْن َ وقُ ِل ْال َح ُّ
120 29 َو َمن َشا َء فَ ْليَ ْكفُرْ
سورة مريم
161 36- َ وإِ َّن هَّللا َ َربِّي َو َربُّ ُك ْم فَا ْعبُ ُدوهُ...
37
سورة طه
89 72 َ والَّ ِذي فَطَ َرنَا
سورة األنبياء
121 45 قُلْ إِنَّ َما أُن ِذ ُر ُك ْم بِ ْال َوحْ ِي...
88 56 الَّ ِذي فَطَ َرهُ َّن
الحج
ّ سورة
130 8 اس َم ْن يُ َج ا ِد ُل فِي هَّللا ِ بِ َغ ْي ِر َ و ِمنَ النَّ ِ
ِع ْل ٍم...
115 17 إِ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا َوالَّ ِذينَ هَا ُدوا...
114 34 َ ولِ ُك ِّل أُ َّم ٍة َج َع ْلنَا َم ْن َس ًكا لِّيَ ْذ ُكرُوا ْ
اس َم
هَّللا ِ...
114 67 َاس ُكوهُ... لِ ُكلِّ أُ َّم ٍة َج َع ْلنَا َم ْن َس ًكا هُ ْم ن ِ
سورة المؤمنون
159 53 ُ كلُّ ِح ْز ٍ
ب بِ َما لَ َد ْي ِه ْم فَ ِرحُونَ
سورة النور
110 2 َ والَ تَأْ ُخ ْذ ُك ْم بِ ِه َما َر ْأفَةٌ فِي ِدي ِن هَّللا ِ
107 25 يَوْ َمئِ ٍذ ي َُوفِّي ِه ُم هَّللا ُ ِدينَهُ ُم ْال َح َّ
ق
سورة النمل
قَ الَ ْت يَاأَ ُّيُهَا ال َمأَل ُ إِنِّي أُ ْلقِ َي إِلَ َّي ِكتَ ابٌ 29-
318 َك ِري ٌم إِنَّهُ ِم ْن ُسلَ ْي َمانَ ...
30
31-
32
318 34 إِنَّ ا ْل ُملُو َك إِ َذا د ََخلُوا قَ ْريَةً أَ ْف َ
سدُوهَا...
سورة الروم
97-101 22 ض... ت َواألَرْ ِ اوا ِق ال َّس َم َ َ و ِم ْن آيَاتِ ِه ْ
خَل ُ
ِّين َحنِيفًا فِ ْ
ط َرتَ هَّللا ِ الَّتِي فَأَقِ ْم َوجْ هَكَ لِلد ِ
88-89-90-111 30 فَطَ َر النَّ َ
اس َعلَ ْيهَا...
سورة لقمان
ك عَلى أَن تُ ْش ِركَ بِي َما َ وإِن َجاهَ دَا َ
118 15 ْس لَكَ بِ ِه ِع ْل ٌم فَالَ تُ ِط ْعهُ َما...
لَي َ
سورة سبأ
288 13 ي ال َّش ُكو ُر َ وقَلِي ٌل ِّم ْن ِعبَا ِد َ
95 28 َ و َما أَرْ َس ْلنَاكَ إِالَّ َكافَّةً لِّلنَّ ِ
اس...
سورة فاطر
88-92 1 ت َواألَرْ ِ
ض... ْ ال َح ْم ُد هَّلِل ِ فَ ِ
اط ِر ال َّس َما َوا ِ
سورة ص
288 24 إِالَّ الَّ ِذينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ
ت َوقَلِي ٌل
َّما هُ ْم
سورة الزمر
111 3 ِّين ْال َخالِصُ
أَالَ هَّلِل ِ الد ُ
سورة غافر
111 26 ال فِرْ عَوْ ُن َذرُونِي أَ ْقتُلْ ُمو َسى َو ْليَ ْد ُ
ع َ وقَ َ
َربَّهُ...
160 30 اف َعلَ ْي ُك ْم ِّم ْث َل يَ وْ ِم
ُ يَ اقَوْ ِم إِنِّي أَ َخ
باألَحْ زَا ِ
287 59 َ ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النَّ ِ
اس الَ ي ُْؤ ِمنُونَ
سورة الشورى
121 8 َ ولَوْ َشا َء هَّللا ُ لَ َج َعلَهُ ْم أُ َّمةً َو ِ
اح َدةً...
316-343 38 َ وأَ ْم ُرهُ ْم ُشو َرى بَ ْينَهُ ْم
121 48 فَإ ِ ْن أَ ْع َرضُوا فَ َما أَرْ َس ْلنَاكَ َعلَ ْي ِه ْم َحفِيظًا
سورة الزخرف
سورة الحجرات
94-102 13 يَاأَيُُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَ لَ ْقنَا ُكم ِّمن َذ َك ٍ
ر َوأُنثَى...
سورة المجادلة
161 19 ان فَأَن َساهُ ْم ِذ ْك َر هَّللا ِ...
ا ْستَحْ َو َذ َعلَ ْي ِه ُم ال َّش ْيطَ ُ
159 22 أُوْ لَئِكَ ِح ْزبُ هَّللا ِ
161 22 ب هَّللا ِ هُ ُم ْال ُم ْفلِحُونَ
أَالَ إِ َّن ِح ْز َ
سورة الممتحنة
128 8 اتِلُو ُك ْم فِي ا ُك ُم هَّللا ُ ع َِن الَّ ِذينَ لَ ْم يُقَ الَ يَ ْنهَ
ِّين...الد ِ
صف
سورة ال ّ
110 9 هُ َو الَّ ِذي أَرْ َس َل َرسُولَهُ بِ ْالهُدَى َو ِدي ِن ْال َح ِّ
ق
سورة القيامة
96 4 بَلَى قَا ِد ِرينَ َعلَى أَن نُّ َس ِّو َ
ي بَنَانَهُ
سورة البيّنة
111 5 ين ْالقَيِّ َم ِة
َ و َذلِكَ ِد ُ
سورة الكافرون
109-111 6 لَ ُك ْم ِدينُ ُك ْم َولِ َي ِدي ِن
إيسوكراتيس Isocrates
25
-ب-
بريكلسProclus
22
(مارسيل)Prélot بريلو
47
124-294-295-297-298-300-301-302-321-322-
326-327-328-337-342
أبو بكر الص ّديق
294
ابن هبرام (عبد احلميد)
بودانBodin
210
بولبيوسPolybius
28
(جورج)Burdeau بريدو
163
برينزBurns
48
-ت-
لقد أمهلت يف ترتيب األعالم (ال) التعريف ،ولفظ "ابن" ولفظ "أبو". *
تشارلز Charles
38
توماس(سانت)Tomas
32
-جـ-
332
جابر بن مسرة
193 جابر بن عبد اهلل
-حـ-
325
احلارث بن عوف
126-294-335 ابن حزم (أبو حممد)
95
حواء
294-321 ابن حوشب (شهر)
-خـ-
313-338 اخلياط (أبو احلسني)
-د-
109
دراز(حممد عبد اللّه)
ّ
329
الدريين (فتحي)
113
(ويل اهلل)
الدهلوي ّ
دوتراسي (أنطوان)DetracyG
140
دوجي Duguit
57
دوركهاميDurkheim
110
ديفرجيه(موريس)Duverger G
162
-ذ-
332
أبوذر الغفاري
-ر-
313-338 الرازي (أبو بكر)
49
رسالن (أنور)
روبرت (ميشيل)Robert
169
-ز-
337
أبو زهرة (حممد)
-س-
325-326 سعد بن عبادة
325-326 سعد بن معاذ
319
السيوطي( Gجالل ال ّدين)
-ش-
299-334 شلتوت (حممود)
28-110 شيشرونCicéron
-ط-
290-312-338 الطربي (حممد بن جرير)
163
الطماوي (سليمان حممد)
-ع-
298-317-323 ابن عاشور (حممد الطاهر)
88
أبو العباس
333
ابن عباس (عبد اهلل)
328
عبد الرمحن (بن عوف)
344
(عز ال ّدين)
ابن عبد السالم ّ
335
عبد اهلل بن أمحد
302-328-332 عبد اهلل بن عمر
317
ابن عرفة (حممد)
48
الع ّقاد (عبّاس حممود)
195
ابن عقيل
319
علي بن أيب طالب
عمر بن اخلطاب
124-231-294-295-296-298-
301-303-304-321-322-323-
.326-327-328-332-343
325
عيينة بن حصن
-غ-
311
الغزايل (أبو حامد)
294-321
ابن غنم (عبد الرمحن)
-ف-
فيديل (جورج)Vedel
52-61-245
-ق-
93-290-291
القرطيب (حممد بن علي)
195-296-303
ابن ّقيم اجلوزيّة
-ك-
كانطKant
109
319
ابن كثري (أبو الفداء)
كلسنKelsen
243
-ل-
لنكولن (إبراهام) Lincolin
46
لوك (جون)Locke
36-37-41-56-209-219
-م-
ماركس (كارل)Marx
54-141
227-312
املاوردي
316
املودودي
مونتسكيوMontesquieuG
36-41-47-56-59-209-210-218-219-220
327-342
ميمون بن مهران
-ن-
335
النظّام (أبو إسحاق)
120
نوح
-هـ-
هوبز(توماس)Hobbes
37-57-58
هوندتHondt
268-269
فهرس المحتوياتE
الصفحة الموضــوع
الصفحة الموضــوع
الصفحة الموضــوع
المبحث الثاني :الديمقراطية النيابيّة
68 .....................................................................
77
املباشرة78 ....................................G المطلب الثاني :دواعي اللّجوء إىل الدميقراطية Gشبه
....................................................... المطلب الثالث :انتشار الدميقراطية Gشبه املباشرةG
79
........................................................ المطلب الرابع :مظاهر الدميقراطية شبه املباشرة
79
......................................... المطلب الخامس :تقييم أساليب Gالدميقراطية Gشبه املباشرةG
83
88
.................................
المطلب الثاني( :حديث القرآن الكرمي عن ّ
التنوع واالختالف
91
...................................................................... المطلب الثالث :وحدة األصل اإلنساين
94
.........................................................
المطلب الرابع :أشكال ّ
التنوع Gيف عامل اإلنسانG
96
..........................................................
المطلب الخامس :احلكمة من ّ
التنوع Gالفطري
100
الصفحة الموضــوع
..................................
المطلب الس ( ((ادس( :أثر التنGّ G G Gوع GالفطGG G Gري يف ال ّ
صG G G Gراع السياسيG
103
107
................................................... وتنوع Gالشرائع المطلب الثاني( :وحدة ال ّدين ّ
احلق ّ
112
.................................................................. المطلب الثالث :تع ّدد األديان واختالفها
114
.....………. ..................................... …. المطلب الرابع :االختالف الديين وضماناته
المطلب الخامس :احرتام االختالف الديين بني 116
الدميقراطية130 ....................................................... G اإلسالم واألنظمة
يّة اني :التعدّديّة السياس الفصل الث
135 ..................................................................................
137
وتطوراته140 .................
ّ المطلب الثاني( :األصول التارخييّة ملصطلح "اإليديولوجيا"G،
............................................... المطلب الثالث :أهداف اإليديولوجيات Gووظائفها
143
......................................... المطلب الرابع :اإليديولوجيات بني االستمرار والنهاية
المطلب الخامس :عالقة اإليديولوجيّة بالتنظيمات 144
احلزبيّة146 ....................................
اإليديولوجيّة150 .................... المطلب السادس :مدى قبول نظام اإلسالم Gللتع ّدديّة
159
نشوئها164 ................ المطلب الثاني( :األصول التارخييّة لألحزاب السياسيّة G،وطرق
................................. المطلب الثالث :عالقة التع ّدديّة احلزبيّة بالدميقراطية الغربيّة
168
................................................................. المطلب الرابع :أنواع األحزاب السياسيّةG
171
............................ المطلب الخامس :صور التع ّدديّة احلزبيّة يف النظام الدميقراطي
173
السياسيّة181 .............................G المطلب السادس :أهم ّ
مربرات ووظائف األحزاب
.............................. المطلب السابع :أهم االنتقادات Gاملوجّهة إىل التع ّدديّة احلزبيّة
183
احلزبيّة185 ................................... المطلب الثامن :موقف نظام اإلسالم Gمن التع ّدديّة
المؤسساتيّة 199....................................................................
ّ المبحث الثالث :التعدّديّة
وتقويم246................................................-
المبحث الثالث :نظام األغلبيّة –دراسة
المطلب األول :صور االنتخاب باألغلبية (دراسة وتقومي) ..................................
ّ
246
.............................. المطلب الثاني( :آثار تطبيق نظام األغلبيّة على النظام السياسي
254
النسبي 258......................................................................
المبحث الرابع :نظام التمثيل
المطلب األول :مضمون نظام التمثيل النسيب ...........................................................
258
............................................................ المطلب الثاني( :تطبيقات نظام التمثيل النسيب
259
.............................................................. المطلب الثالث :صور نظام التمثيل النسيب
260
المطلب الرابع :طرق توزيع املقاعد النيابيّة Gبني القوائم يف نظام التمثيل
.................................................................................................... النسيب
262
..............
المطلب الخامس :طرق ّ
حل مشكلة باقي األصوات يف التمثيل النسيب
263
............................................................ المطلب السادس :تقومي نظام التمثيل النسيب
269
النسيب272 ....................... المطلب السابع :التفاضل بني نظام األغلبيّة ونظام التمثيل
287
....................................... المطلب الثاني( :األدلّة املستم ّدة من السنّة النبويّة Gالشريفة
293
الراشدين300 .............................. المطلب الثالث .:األدلّة املستم ّدة من سرية اخللفاء
..................................................................... المطلب الرابع :األدلّة العقليّة املعتمدة.
305
األمة 331........................................
ّ المبحث الثالث :عالقة األغلبيّة باإلجماع وعصمة
المطلب األول :مبدأ األغلبية وعصمة األمة ...............................................................
ّ ّ
332
....................................................................... المطلب الثاني( :مبدأ األغلبيّة Gواإلمجاع
333
........................................................................................................................................... الخاتمة
347
الفهارس
356 ........................................................................... -1فهرس المصادر والمراجع
الكريمة 377 ............................................................... - 2فهرس اآليات القرآنية
الشريفة 387 ............................................................. -3فهرس األحاديث النبويّة
- 4فهرس األعالم .....................................................................................................
389
............................................................................................. -5فهرس المحتويات
396