You are on page 1of 55

‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬

‫‪‬‬

‫التيارات الفكرية‬

‫(المفهوم‪ -‬مراحل النشأة – عوامل التطور – فقه المواجهة)‬

‫إعداد‬
‫د‪ .‬أحمد اإلمام إبراهيم‬

‫‪631‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫ملخص الدراسة‬

‫التيارات الفكرية من صور الغزو الخارجي‪ ،‬الوافد على األمة اإلسالمية‪ ،‬ترجو‬
‫أن تحل محل النظم اإلسالمية‪ ،‬وتنزل منزلها‪ ،‬وتتبوأ مكانها‪ ،‬وتطلب مكانتها‪.‬‬
‫وقد مرت بمجموعة من مراحل النشأة‪ ،‬حتى أسفرت عن وجهها على يد دعاتها‬
‫وعمالئها‪ ،‬وال تزال تسري في األمة‪ ،‬وتستهدف مصادرها وعلماءها‪ ،‬حتى ذاع‬
‫صيتها‪ ،‬وانتشر فكرها‪ ،‬وقد أخذت بأساليب ووسائل التطور‪ ،‬حتى التبس الحق‬
‫نظر لندرة تصنيع وإعداد‬
‫بالباطل عند عدد غفير من الناس‪ ،‬وروادها في ازدياد‪ً ،‬ا‬
‫فضال عن غفلتهم وغفوتهم‪ ،‬باإلضافة لضعف وسائلهم وأساليبهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫دعاة الحق‪،‬‬
‫وال ريب أن الباطل ال قرار له‪ ،‬وأن الزبد يذهب جفاء‪ ،‬وما ينفع الناس يمكث‬
‫في األرض‪ ،‬وال تزال طائفة من األمة ظاهرة على الحق‪ ،‬تسعى لمواجهة هذه‬
‫التيارات‪ ،‬وتطلب إنقاذ الناس من سمومها‪ ،‬بفقه الدعوة‪ ،‬وآليات البالغ‪ .‬وقد جاء‬
‫البحث يبرز مفهوم التيارات الفكرية‪ ،‬ومراحل نشأتها‪ ،‬وعوامل تطورها‪ ،‬وفقه‬
‫مواجهتها‪ ،‬انطالًقا من رسالة األزهر العالمية‪ ،‬في بالغ دين الله للعالمين‪.‬‬

‫‪631‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬

Intellectual currents
(Concept - stages of formation - factors of development -
jurisprudence of confrontation)
Ahmed Imam Ibrahim Ali
Department of Religions and Doctrines, Faculty of Islamic Call, Al-
Azhar University, Cairo, Egypt
Email: ahmedali.31@azhar.edu.eg
Summary:
Intellectual currents from the images of the external invasion, which
are coming to the Islamic nation, hope to replace the Islamic systems,
move their house, take their place, and demand their position. She has
gone through a set of stages of formation, until she resulted in her face
at the hands of her preachers and clients, and still goes in the nation,
targeting its sources and scholars, until her reputation became public,
and her thoughts spread, and she took methods and means of
development, until the right to falsehood is confused when a large
number of people and her pioneers Increasingly, due to the scarcity of
the manufacture and preparation of the advocates of truth, as well as
their neglect and negligence, in addition to the weakness of their means
and methods. There is no doubt that falsehood has no decision, and that
butter goes hollow, and what benefits people stays on the ground, and
a group of the nation is still visible on the right, seeking to confront
these currents, and asking to save people from its toxins, jurisprudence
of the call, and the mechanisms of communication. The research
highlights the concept of intellectual currents, the stages of their
development, the factors of their development, and the jurisprudence
of their confrontation, starting from the global message of Al-Azhar in
the communication of God's religion to the worlds.

631 ‫ المجلد األول‬-3131/3102 )23( ‫العدد‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫المقدمة‬

‫‪ -‬وبعد‪:‬‬ ‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نبي بعده ‪-‬‬

‫فال ريب أن التيارات الفكرية من صور الغزو الخارجي‪ ،‬الوافد على‬


‫األمة اإلسالمية‪ ،‬ترجو أن تحل محل النظم اإلسالمية‪ ،‬وتنزل منزلها‪ ،‬وتتبوأ‬
‫مكانها‪ ،‬وتطلب مكانتها‪.‬‬

‫وقد مرت التيارات الفكرية بمجموعة من مراحل النشأة‪ ،‬حتى أسفرت عن‬
‫وجهها على يد دعاتها وعمالئها‪ ،‬وال تزال تسري في األمة‪ ،‬وتستهدف مصادرها‬
‫وعلماءها‪ ،‬حتى ذاع صيتها‪ ،‬وانتشر فكرها‪ ،‬وقد أخذت بأساليب ووسائل التطور‪،‬‬
‫نظر‬
‫حتى التبس الحق بالباطل عند عدد غفير من الناس‪ ،‬وروادها في ازدياد‪ً ،‬ا‬
‫فضال عن غفلتهم وغفوتهم‪ ،‬باإلضافة لضعف‬
‫ً‬ ‫لندرة تصنيع وإعداد دعاة الحق‪،‬‬
‫وسائلهم وأساليبهم‪.‬‬

‫وال شك أن الباطل ال قرار له‪ ،‬وأن الزبد يذهب جفاء‪ ،‬وما ينفع الناس‬
‫يمكث في األرض(‪ ،)1‬وال تزال طائفة من األمة ظاهرة على الحق‪ ،‬تسعى لمواجهة‬
‫هذه التيارات‪ ،‬وتطلب إنقاذ الناس من سمومها‪ ،‬بفقه الدعوة‪ ،‬وآليات البالغ‪.‬‬

‫وقد جاء البحث‪ :‬يبرز مفهوم التيارات الفكرية‪ ،‬ومراحل نشأتها‪ ،‬وعوامل‬
‫تطورها‪ ،‬وفقه مواجهتها‪ ،‬انطالًقا من رسالة األزهر العالمية‪ ،‬في بالغ دين الله‬
‫للعالمين‪.‬‬

‫وتكمن أهمية البحث وأسباب اختياري إياه في النقاط التالية‪:‬‬

‫[أواًل]‪ :‬اإللمام بأصول دراسة التيارات الفكرية‪ ،‬فمن غفل المدخل تنكب‬

‫" [الرعد‪.]31:‬‬ ‫(‪ )3‬يقول الله تعالى‪" :‬‬


‫‪631‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫الطريق‪ ،‬وتشعبت به السبل ال محالة‪.‬‬


‫[ثانيا]‪ :‬إدراك أهمية دراسة التيارات الفكرية‪ ،‬ومدى خطورتها‪ ،‬مما ِّ‬
‫يرسخ‬ ‫ا‬
‫ضرورة تعلمها وتعليمها‪.‬‬

‫طمعا في‬
‫ً‬ ‫[ثال اثا]‪ :‬الوقوف على سبل فقه مواجهة التيارات الفكرية‪،‬‬
‫وطلبا للنجاة‪.‬‬
‫اإلعداد‪ً ،‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ثم‬ ‫ثم التحليلي‬ ‫وأما عن المنهج المستخدم فهو المنهج االستقرائي‬
‫االستنباطي(‪ .)3‬وقد جاءت خطة البحث مشتملة على مقدمة وتمهيد يتناول أبرز‬
‫مصطلحات عنوان البحث‪ ،‬وثالثة مباحث على النحو التالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مراحل نشأة التيار الفكري‪.‬‬

‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أين ومتى ولماذا وكيف ينشأ التيار الفكري؟‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نسب التيار الفكري‪ ،‬وعالقته بغيره‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬عوامل تطور التيار الفكري وآثاره‪.‬‬

‫(‪ )3‬هو عملية االستدالل غير المباشر التي تبدأ بعدد محدود من المفردات الجزئية‪ ،‬بغرض‬
‫تعميم الحكم المنطبق عليها في حكم عام يشملها هي وغيرها من المفردات األخرى‬
‫ا‬
‫مستقبًل‪[ .‬ينظر‪ :‬االستقراء‬ ‫المماثلة‪ ،‬سواء ما هو قائم منها اآلن أو ما يمكن أن نصادفه‬
‫والمنهج العلمي‪ ،‬محمود زيدان‪ ،‬ص‪ ،42‬دار النهضة العربية‪ .‬مناهج البحث العلمي‪،‬‬
‫عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ص‪ ،31‬دار النهضة العربية‪3691 ،‬م]‪.‬‬
‫(‪ )4‬هو منهج يقوم على دراسة اإلشكاالت العلمية المختلفة تفكي اكا أو تركيباا أو تقوي اما [أبجديات‬
‫البحث‪ :‬فريد األنصاري‪ ،‬ص‪ ،69:‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪3661‬م]‪.‬‬
‫(‪ )1‬هو السير بالعقل من قضايا يقينية‪ ،‬أو من مبادئ ثابتة مسلم بها‪ ،‬حتى يستخلص العقل منها‬
‫قضايا أخرى دون االلتجاء إلى التجربة‪[ .‬ينظر‪ :‬مناهج البحث عند مفكري اإلسًلم‪،‬‬
‫علي سامي النشار‪ ،‬ص‪ ،123‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪3632 ،‬م‪ .‬المنطق ومناهج‬
‫البحث‪ .‬محمد عبد الله الشرقاوي‪ ،‬ص‪ ،319‬دار الثقافة العربية‪ ،‬مصر‪3663 ،‬م]‪.‬‬
‫‪641‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬كيف يتطور‪ ،‬وينتشر‪ ،‬وينتقل التيار الفكري؟‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أسباب قبول التيار الفكري‪ ،‬وآثاره‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬خطورة التيار الفكري‪ ،‬ومنهجية دراسته‪ ،‬وفقه‬


‫مواجهته‪.‬‬

‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أهمية وحكم دراسة التيار الفكري‪ ،‬وشروط دارسه ِّ‬
‫ومدرسه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬منهجية دراسة التيار الفكري‪ ،‬وخطورته‪ ،‬وفقه مواجهته‪.‬‬

‫وقد ختمت البحث بخاتمة تلم شمله‪ ،‬وتجمع ثماره‪ ،‬ورصدت بعض التوصيات‪،‬‬
‫وفهرست الموضوعات والمراجع‪ ،‬جرًيا على سنة البحوث األكاديمية‪.‬‬

‫والله الموفق‪.‬‬

‫‪646‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫التمهيد‬

‫تحديد المفاهيم‬

‫ال ريب أن تحديد المفاهيم يزيل اللبس‪ ،‬ويرفع الغموض‪ ،‬ويحدد مصطلح‬
‫البحث‪ ،‬وفيما يلي بيان ألبرز مصطلحات عنوان البحث‪.‬‬

‫أواًل‪ :‬مفهوم مصطلح "التيارات" من حيث الدًللة اللغوية‬


‫واًلصطالحية‪:‬‬
‫(أ) مصطلح "التيارات" من حيث األصل اًلشتقاقي‪:‬‬

‫عال من تار يتور‪ ،‬مثل القيام من قام يقوم(‪.)1‬‬


‫التيارات‪ :‬جمع تيار‪ ،‬والتيار َف ْي ٌ‬
‫(ب) مصطلح "التيارات" من حيث المفهوم اللغوي‪:‬‬

‫التيارات في اللغة‪ :‬حرك ٌة سطحية في ماء المحيط تتأثر باتجاهات الرياح‪،‬‬


‫وتنقل المياه الدافئة إلى المناطق الباردة وبالعكس(‪.)2‬‬

‫وقد تكون هذه الحركة‪:‬‬


‫تيارا‪ ،‬أي‪ :‬سريع الجرية(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬سريعة‪ :‬يقال قطع عراقا ا‬
‫‪ ‬شديدة وعميقة‪ :‬كما في حديث علي ‪" :--‬ثم أقبل ُم ْز ا‬
‫بدا كالتيار"‪،‬‬
‫َّته(‪.)4‬‬
‫هو موج البحر وُلج ُ‬
‫‪ ‬تدريجية‪ ،‬تحدث مرة بعد مرة‪ :‬كما في قوله تعالى‪ِ " :‬منها َخَل ُ‬
‫قناكم َوفيها‬

‫(‪ )3‬لسان العرب‪ ،‬أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ابن منظور)‪ ،‬حرف التاء – تير‬
‫– (‪ ،)61/2‬دار صادر‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪3232 ،1:‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق (‪.)61/2‬‬
‫(‪ )1‬المصدر السابق (‪.)61/2‬‬
‫(‪ )2‬النهاية في غريب الحديث واألثر البن األثير (‪ ،)414/3‬ت‪ :‬الطناحي‪ ،‬ط‪3131 ،3:‬هـ‬
‫‪3691 -‬م‪.‬‬
‫‪641‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫تاراة أُخرى"(‪ ،)1‬أي‪ :‬مرة أخرى‪ ،‬ويقال‪ :‬تارة وتارة‪،‬‬ ‫عيد ُكم َو ِمنها ُن ِ‬
‫خر ُج ُكم َ‬ ‫ُن ُ‬
‫ويقبض‬
‫أي‪ :‬مرة ومرة‪ ،‬وكذا تيار الهواء يأتي ويذهب‪ ،‬ويعلو ويهبط‪ُ ،‬‬
‫وفقا ًلتجاهات الرياح‪.‬‬ ‫ويبسط‪ ،‬ويثبت ويتغير‪ ،‬ويؤثر ويتأثر ا‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كثيرة متتابعة‪ :‬كما في قوله تعالى‪ُ " :‬ث َّم أَْر َسْلَنا ُرُسَلَنا َت ْتَرى" ‪ ،‬أي‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫احدا بعد اآلخر‪.‬‬


‫متواترين متتابعين‪ ،‬و ا‬

‫إذن التيارات لغة‪" :‬حركة وافدة تتأثر باتجاهات الريح فتتباين خصائصها‬
‫تبعا لذلك"‪.‬‬
‫وصفاتها ً‬
‫(ج) مصطلح "التيارات" من حيث الدًللة اًلصطالحية‪:‬‬

‫تبعا للبيئات واألهداف‬


‫تعددت التعريفات االصطالحية لمفهوم التيارات ً‬
‫فضال عن الرموز وعوامل النشأة والتطور‪ ،‬ومن جملة الدًلًلت‬
‫ً‬ ‫والجذور‪،‬‬
‫اًلصطالحية أنها‪:‬‬

‫"مجموعة من اآلراء والنظريات الفلسفية الفكرية الوافدة‪ ،‬ارتبط بعضها ببعض‬


‫منطقيا‪ ،‬حتى صارت ذات وحدة عضوية منسقة ومتماسكة"(‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫طا‬
‫ارتبا ً‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم مصطلح "الفكرية" من حيث الدًللة اللغوية‬


‫واًلصطالحية‪:‬‬
‫(أ) مصطلح "الفكرية" من حيث األصل اًلشتقاقي‪:‬‬

‫تفكيرا‪ ،‬إذا أعمل خاطره في الشيء(‪.)4‬‬


‫األفكار‪ :‬جمع فكر‪ ،‬يقال‪ :‬فكر يفكر ً‬

‫(‪ )3‬سورة طه‪.55:‬‬


‫(‪ )4‬سورة المؤمنون‪.22:‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬أحمد الزيات‪ ،‬حامد عبد القادر‪ ،‬محمد النجار‬
‫(‪ ،)131/3‬دار الدعوة‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬لسان العرب (‪.)1253/5‬‬
‫‪643‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫(ب) مصطلح "الفكرية" من حيث المفهوم اللغوي‪:‬‬

‫تنسب كلمة "فكرية" إلى الفكر‪ ،‬والفكر هو‪ :‬إعمال الخاطر في الشيء‪،‬‬
‫والتفكير هو‪ :‬إعمال العقل في قضية من القضايا للوصول إلى الحقيقة‬
‫فيها(‪.)1‬‬
‫(ج) مصطلح "الفكرية" من حيث الدًللة اًلصطالحية‪:‬‬

‫وأما عن الداللة االصطالحية لكلمة "فكر" فال تدرك إال بالقيد‪ ،‬فالفكر‬
‫العام إعمال الخاطر في الشيء بال قيد وال شرط‪ ،‬وال ريب أن الخاطر غير‬
‫معصوم‪ ،‬ومن ثم فالنتائج تحتمل الصواب والخطأ‪ ،‬وتحتاج المعالجة‬
‫والتقويم‪ ،‬ولذا قرر أهل العلم أن نتاج الخاطر في مقام الظن‪ ،‬فما يقر اليوم‬
‫ينقض في الغد‪ ،‬ويستمر في إطار المعالجة والتقويم‪ ،‬والجانب التجريبي خير‬
‫أنموذج على هذا‪ ،‬ونتاجه مقيد ألنه صادر عن مقيد –الخاطر‪ ،-‬والمقيد‬
‫في مقام الظن‪ ،‬والظن ال يبلغ رتبة اليقين بحال‪.‬‬

‫األمر الذي حتَّم على الخاطر البحث عن المعصوم‪ ،‬فجاء الوحي‬


‫الصحيح ينادي بإعمال الخاطر‪ ،‬ويؤكد على ذلك‪ِّ ،‬‬
‫ويحذر من التغافل عنه‬
‫وش َرط ذلك بعدم تجاوز حده‪ ،‬والخروج عن الدور الذي خلق له‪،‬‬ ‫وإهماله‪َ ،‬‬
‫ألن طاقته مقيدة‪ ،‬وال يليق بالمقيد أن يطلب المطلق لضعف أدواته‪ ،‬ويستحيل‬
‫أن يتعارض الوحي الصريح مع العقل الصحيح‪ ،‬ألنهما من مشكاة واحدة‪.‬‬

‫وعليه فمصطلح الفكر‪ :‬إعمال العقل في أمر‪ ،‬وإف ارزه للمعرفة‪.‬‬

‫وإن قيل الفكر اإلسالمي‪ :‬فهو كل ما أنتجه المسلمون في ظل اإلسالم من‬


‫أفكار اجتهادية بشرية تتعلق بالعلوم اإلنسانية‪ ،‬في إطار ضوابط وقواعد‬
‫الفهم اإلسالمي‪.‬‬

‫(‪ )3‬المصدر السابق (‪.)1253/5‬‬


‫‪644‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫وال ريب أن كل نتاج علمي‪ ،‬محل بحث ودرس‪ ،‬فيؤخذ منه ويرد عليه‪،‬‬
‫شيئا"(‪ ،)2‬ولذا قال‬ ‫(‪)1‬‬
‫"والحق أحق أن يتبع" ‪" ،‬والظن ال يغني من الحق ً‬
‫األوائل‪" :‬قولي صواب يحتمل الخطأ‪ ،‬وقول غيري خطأ يحتمل الصواب"(‪.)3‬‬

‫وإن قيل المذاهب الفكرية فهي‪" :‬آراء وأفكار اجتهادية‪ ،‬فيما يخص‬
‫شئون الكون وخالقه واإلنسان والمجتمع‪ ،‬يؤخذ منها‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ظهرت‬
‫كحلول مؤقتة‪ ،‬استجابة لتحديات حضارية‪ ،‬أوجدتها ظروف تاريخية‬
‫معينة"(‪.)4‬‬

‫أو "هي صناعة العقل‪ ،‬ومسرح نشاطه الذهني وعطاؤه الفكري‪ ،‬فيما‬
‫يعرض له من قضايا الوجود والحياة سواء أكان صو ًابا أو خطأ"(‪.)5‬‬

‫أيضا‬
‫وصح نسبة المذاهب إلى الفكر ألن الفكر مصدرها‪ ،‬ومن ثم فهي ً‬
‫تحتمل الخطأ والصواب‪ ،‬وتحتاج المعالجة والتقويم‪ ،‬ومرد هذا كله للمعصوم‪،‬‬
‫وال عصمة إال للوحي الصحيح الصريح‪.‬‬

‫[ثال اثا] مفهوم كلمة "المعاصرة" من حيث الدًللة اللغوية‬


‫واًلصطالحية‪:‬‬
‫(أ) مفهوم كلمة (المعاصرة) من حيث األصل اًلشتقاقي‪:‬‬

‫تنسب المعاصرة إلى العصر‪ ،‬والعصر‪ :‬مصدر عصرت‪ ،‬والمعصور الشيء‬

‫(‪ )3‬يقول الله تعالى‪" :‬‬


‫" [يونس‪.]15:‬‬
‫" [يونس‪.]19:‬‬ ‫(‪ )4‬يقول الله تعالى‪" :‬‬
‫(‪ )1‬القول منسوب لإلمام الشافعي ‪ ،-~-‬ولم يثبت عنه سنداا –على حد علمي‪ ،-‬وإن صح‬
‫ى‪.‬‬
‫معن ا‬
‫(‪ )2‬تجديد الفكر اإلسًلمي‪ ،‬محسن عبد الحميد (ص‪ )14‬بتصرف غير يسير‪ ،‬الناشر‪ :‬المعهد‬
‫العالمي للفكر اإلسًلمي‪ ،‬ط‪3669 ،3:‬م‪.‬‬
‫(‪ )5‬االتجاهات الفكرية المعاصرة‪ ،‬لعلي جريشة (ص‪ ،)33‬دار الوفاء‪ -‬المنصورة‪.‬‬
‫‪641‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬
‫العصير‪ ،‬والعصارة‪ :‬نفاية ما يعصر‪ ،‬قال تعالى‪ِّ " :‬إني أَراني أ ِّ‬
‫َعصر‬
‫مر"(‪ ،)1‬واالعتصار أن يغص الماء فينعصر بالماء‪ ،‬ومنه‪ :‬العصر‪،‬‬ ‫َخ ًا‬
‫صر‪ :‬الدهر‪ ،‬والجمع العصور(‪.)2‬‬ ‫ِّ‬
‫العصر والع ْ‬
‫والعصر‪ :‬الملجأ‪ ،‬و ْ‬
‫(ب) كلمة (المعاصرة) من حيث الدًللة اللغوية‪:‬‬

‫المعاصرة في اللغة تطلق على‪" :‬مدة معلومة لوجود جيل من الناس‪ ،‬أو‬
‫ملك‪ ،‬أو نبي‪ ،‬أو دين‪ ،‬ويعين باإلضافة‪ ،‬فيقال‪ :‬عصر إبراهيم‪ ،‬وعصر‬
‫النبوة‪ ،‬وعصر الجاهلية‪ ،‬وعصر االنفتاح ‪..‬إلخ"(‪.)3‬‬

‫ويذهب الحافظ ابن كثير (ت‪774:‬هـ)‪ ،‬في تفسيره إلى أن المراد‬


‫بالعصر‪" :‬هو الزمان الذي تقع فيه حركات بني آدم من خير وشر –أي هو‬
‫الزمان‪.)4("-‬‬

‫وفي تفسير الخازن‪" :‬هو الدهر والزمن الذي تجري فيه صنوف الحياة‬
‫الدنيا من حلوها ومرها‪ ،‬وخيرها وشرها"(‪.)5‬‬

‫إذن المعاصرة من حيث الدًللة اللغوية تعني‪ :‬حوادث الزمان‪.‬‬


‫(ج) كلمة (المعاصرة) من حيث الدًللة اًلصطالحية‪:‬‬

‫حيا في‬
‫المعاصرة في اًلصطالح‪" :‬كل ما كتب له البقاء من القديم‪ ،‬وال يزال ً‬

‫(‪ )3‬سورة يوسف‪.19:‬‬


‫(‪ )4‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬الراغب األصفهاني‪ ،‬ت‪ :‬صفوان عدنان‪( ،‬ص‪ ،)596‬دار‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪ ،‬محمد الطاهر ابن عاشور (‪ ،)511/35‬الدار التونسية للنشر‪.‬‬
‫(‪ ،)551/2‬ت‪ :‬سامي بن محمد السًلمة‪ ،‬دار طيبة‪3241،‬هـ‪-‬‬ ‫(‪ )2‬تفسير القرآن العظيم البن كثير‬
‫‪3666‬م‪.‬‬
‫(‪ )5‬لباب التأويل في معاني التنزيل‪ ،‬لإلمام عًلء الدين البغدادي‪ ،‬المعروف بالخازن‬
‫(‪ ،)211/2‬ت‪ :‬عبد السًلم محمد شاهين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪641‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫الحديث‪ ،‬ويقبل التطور في الواقع"(‪.)1‬‬

‫وبالجملة‪ :‬فالتيارات الفكرية المعاصرة‪" :‬عواصف وافدة هادفة في صورة‬


‫آراء ونظريات‪ ،‬وهي نتاج عقول وأفكار وفالسفة ومفكرين‪ ،‬يؤخذ منها‪ ،‬ويرد‬
‫عليها‪ ،‬وقد تعصف بثوابت المعقول والمنقول والمتواتر والمعلوم بالضرورة‬
‫من كل اتجاه‪ ،‬وفًقا ألهداف كلية وجزئية معلومة‪ ،‬وخطة مرصودة‪ ،‬فتغير‬
‫مسار الفطرة المستقيمة‪ ،‬فتحرفها أو تعطلها"(‪.)2‬‬

‫(‪ )3‬التعريف المرصود من وجهة نظر الباحث‪.‬‬


‫(‪ )4‬التعريف كذلك من وجهة نظر الباحث‪.‬‬
‫‪641‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫المبحث األول‬

‫مراحل نشأة التيار الفكري‬


‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أين ومتى ولماذا وكيف ينشأ التيار الفكري؟‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نسب التيار الفكري‪ ،‬وعالقته بغيره‪.‬‬

‫يمر التيار الفكري بمجموعة من مراحل النشأة‪ ،‬وال يتأتى رصد هذه المراحل إال‬
‫بإجابة التساؤالت التالية‪ ،‬وسأتناولها في مطلبين‪ ،‬لنصل من خاللها لبيان مرحلة‬
‫نشأة التيار الفكري‪:‬‬

‫‪641‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أين ومتى ولماذا وكيف ينشأ التيار الفكري؟‪.‬‬

‫أين ينشأ التيار الفكري‪:‬‬


‫هناك بيئة أم‪ ،‬نشأت سائر التيارات في رحابها‪ ،‬وتغذت في أرضها‪،‬‬
‫وصِّنعت على يدها من خالل رموزها وأعالمها‪.‬‬

‫والبيئات إما إسالمية‪ ،‬أو غير إسالمية(‪ ،)1‬وال شك أن البيئة اإلسالمية‬


‫تدين بمنهجية نظامية وأصول وقواعد ترجع إليها‪ ،‬ومنهجيتها اتسمت بالشمول‬
‫والعموم‪ ،‬واستوعبت الزمان والمكان‪ ،‬وشملت مطالب الروح والجسد بتوازن تام‪،‬‬
‫واكتملت وتم بها النعمة‪ ،‬فما عاد لها أن تطلب منهجية سواها‪ ،‬أو ِّشرعة عداها‪،‬‬
‫إذ ال حاجة لها تتطلب إنشاء تيارات فكرية تحيا في رحابها‪ ،‬إذ كفلت منهجيتهم‬
‫ذلك‪ ،‬وصارت حريتهم في التزام منهجيتهم‪ ،‬إذ ال ضرر وال ضرار‪ ،‬ومنهجيتهم‬
‫هذه هي (اإلسالم) المتمثل في الكتاب والسنة الصحيحة‪ ،‬والمتأمل في مصادره‬
‫تفصيال‪ ،‬وما فرط في صغير وال كبير‪ ،‬حتى قيل‬ ‫ً‬ ‫يدرك أنه فصل كل شيء‬
‫وسلم ك َّل ٍ‬ ‫َّ‬ ‫"قد عَّلمكم نِّبيُّكم َّ َّ‬
‫شيء حتَّى‬ ‫صلى الله عليه َ‬ ‫لسلمان الفارسي ‪َ ْ َ ْ َ َ ْ :--‬‬
‫ِّ ِّ ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫أن َن ْستَْقِّب َل القْبَل َة لغائط‪ْ ،‬أو َب ْو ٍل‪ْ ،‬أو ْ‬
‫أن َن ْستَْن ِّجي‬ ‫أج ْل لَق ْد َنهانا ْ‬
‫فقال‪َ :‬‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫اء َة َ‬ ‫الخر َ‬
‫ظ ٍم"‬
‫بع ْ‬ ‫أن َن ْستَْن ِّجي َبرِّج ٍ‬ ‫أح ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫بالي ِّم ِّ‬
‫يع‪ْ ،‬أو َ‬ ‫َ‬ ‫جار‪ْ ،‬أو ْ‬ ‫أن َن ْستَ ْنج َي بأََق َّل من ثَالثَة ْ‬
‫ين‪ْ ،‬أو ْ‬ ‫َ‬
‫(‪ ،)2‬فمن ابتغى غيره أو طلب سواه فقد ارتد عنه‪ ،‬وصار من الجاهلين الخاسرين‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫ض َعن‬ ‫َعر َ‬
‫داي َفال َيض ُّل َوال َيشقى ﴿‪َ ﴾123‬و َمن أ َ‬ ‫قال تعالى‪َ" :‬ف َم ِّن ات َب َع ه َ‬
‫اإل ْس َال ِّم ِّد ًينا َفَلن يْقَب َل‬
‫نكا"(‪ ،)3‬وقال‪" :‬ومن َي ْبتَ ِّغ َغ ْير ِّْ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ضً‬ ‫عيش ًة َ‬ ‫ِّذكري َفِّإ َّن َله َم َ‬

‫(‪ )3‬ألن الناس إما مسلم أو غير مسلم‪ ،‬والبيئات تبعاا لذلك‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب االستطابة‪ ،‬حديث (‪.)233‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫(‪ )1‬سورة طه‪.342-341:‬‬


‫‪641‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫م ْنه َوه َو في ْاآلخ َ ِّرة م َن اْل َخاس ِّر َ‬
‫ين"(‪ ،)1‬وإذا كانت البيئة اإلسالمية لها ظهير‬
‫منهجي‪ ،‬وقانون يضبط حركتها في كل شيء‪ ،‬فال يمكن بحال أن تسعى إلنشاء‬
‫بديال إال تحت عاملي الغزو الداخلي والخارجي‪ ،‬وفي سائر‬
‫تيار‪ ،‬أو تطلب ً‬
‫األحوال ينسب التيار للغازي‪ ،‬سواء أكان غزوه من الداخل أو من الخارج‪.‬‬

‫وأما عن البيئة غير اإلسالمية‪ ،‬فهي بيئة قابلة إلنشاء التيارات وتنميتها‪،‬‬
‫والعمل على نشرها بكل قوة‪ ،‬ذلك الفتقارها لمنهجية اتسمت بخصائص تغنيها‬
‫فضال عن افتقارها لمصادر موثوقة تعتمد عليها‪ ،‬وتنطلق‬
‫عن البحث هنا وهناك‪ً ،‬‬
‫من خاللها‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فال مانع مطلًقا من العمل على إنشاء تيارات‬
‫فكرية مستمدة من وحي العقل الذي ال سقف له‪ ،‬وال يضيرها بحال أن تأخذ نتًَفا‬
‫من شتى األمم بما يوافق ويتفق مع هواها‪ ،‬سواء أكانت هذه األمم غارقة في‬
‫القدم‪ ،‬أو هالكة في الحداثة‪ ،‬مما جعل منهجها البشري يتطور بتطور الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬ليس في وسائله فحسب‪ ،‬بل في أصوله وقواعده‪ ،‬مما وسمها بالتحريف‬
‫والتزييف‪ ،‬ومنحها شعار الهوى في كل شيء‪ ،‬فصار الهوى معبودها‪ ،‬ولو بلغ‬
‫وعقال‪.‬‬ ‫الهوى مبلغه‪َّ ،‬‬
‫وتنكر للمعلوم بالضرورة‪ ،‬والثابت بداهة وفطرة ً‬
‫باطنا‪،‬‬
‫ظاهرا‪ ،‬وتنكروا له ً‬
‫ً‬ ‫وفي فترة من الزمان رفعوا شعار المسيحية‬
‫العتقادهم أنه إلى الصورة والشكل‪ ،‬أقرب منه إلى الحقيقة والواقع‪ ،‬فهو عبارة‬
‫عن طقوس تؤدى داخل جدران مقطوعة الصلة بالواقع الحياتي‪ ،‬فراق لهم ذلك‬
‫َعطوا َما لِ َقْي َصَر لِ َقْي َصَر َو َما لِّل ِه لِّل ِه"(‪.)2‬‬
‫حتى قالوا‪" :‬أ ْ‬
‫حرصا‬
‫مما دفع بعض رجال الكنيسة التخاذ ق اررات في الواقع المعاصر‪ً ،‬‬
‫منهجا‪ ،‬فكان رد الفعل الخروج‬
‫ً‬ ‫على صورتهم‪ ،‬وبقاء لسلطتهم‪ ،‬واتخذوا السطوة‬
‫على الكنيسة‪ ،‬مما ترتب عليه انشطار الكنيسة‪ ،‬وانشقاق األتباع‪.‬‬

‫(‪ )3‬سورة آل عمران‪.35:‬‬


‫(‪ )4‬إنجيل مرقس ‪.31-34‬‬
‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫وبناء عليه‪ :‬فال مانع مطلًقا من إنشاء تيارات في البيئات التي ال تعرف‬
‫لها منهجية مقدسة‪ ،‬وال مصادر معتمدة‪ ،‬مما جعل الكلمة تتفق على أن البيئة‬
‫التي تصنَّع فيها التيارات‪ ،‬وتنشأ بها‪ ،‬وتنمو في رحابها‪ ،‬هي بيئة الغرب غير‬
‫المسلم‪.‬‬

‫‪616‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫متى نشأ التيار الفكري؟‪.‬‬


‫وأما عن زمان نشأة التيار الفكري‪ ،‬فال يعرف بدقة‪ ،‬وال يحدد بزمن‪،‬‬
‫وإنما يقال‪ :‬ينشأ التيار الفكري وقت معاداة المنهجية الربانية الشاملة‪ ،‬إما بالجهل‬
‫أو التغافل أو التعدي‪ ،‬وقد ينشأ التيار الفكري للغزو واالعتداء‪.‬‬

‫فمن تمكن من تحديد حوادث الغزو واالعتداء على مر األيام والعصور‪،‬‬


‫استطاع أن يحدد بدقة زمن نشأة التيار الفكري‪.‬‬

‫وال ريب أن قانون الصراع قائم ومستمر إلى أن يرث الله األرض ومن‬
‫عليها‪ ،‬ومن طالع التاريخ أدرك‪ ،‬ومن تأمل الحقائق تبين‪.‬‬

‫فينشأ التيار في البيئة غير المسلمة‪ ،‬وفي الوقت الذي تعادى فيه‬
‫المنهجية الربانية الشاملة‪ ،‬حتى يكون الجهل والجهال‪ ،‬والغفلة والتغافل‪ ،‬والغزو‬
‫واالعتداء‪ ،‬هو الشعار والراية‪ ،‬حينها وفقط ينشأ التيار الفكري‪ ،‬ففي أمة موسى‬
‫‪ -#-‬تنكر القوم للمنهجية الربانية‪ ،‬وقتلوا األنبياء‪ ،‬وعادوا الحق وأهله‪ ،‬وقاسوا‬
‫"(‪ ،)1‬فبرز اإللحاد‬ ‫الغائب على الشاهد‪ ،‬وقالوا قولتهم الشهيرة‪" :‬‬
‫ونما وترعرع وتطور بتطور الزمان‪ ،‬وعلى هذا فقس‪.‬‬

‫رموزا‪ ،‬والتنكر للمنهجية‬


‫مسلكا‪ ،‬والجهال ً‬
‫ً‬ ‫منهجا‪ ،‬والغفلة‬
‫أيت الجهل ً‬
‫فإن ر َ‬
‫مطلبا‪ ،‬فاعلم علم اليقين أن التيار قد بدأت‬
‫ً‬ ‫قانونا‪ ،‬والغزو واالعتداء‬
‫ومعاداتها ً‬
‫نشأته‪ ،‬وقامت صناعته‪ ،‬واستعد صَّناعه‪.‬‬

‫(‪ )3‬سورة النساء‪.351:‬‬


‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫لماذا ينشأ التيار الفكري؟‪.‬‬


‫سعيا‬
‫يولد المرء ويخرج إلى الواقع‪ ،‬وتعتريه أسئلة وتساؤالت‪ ،‬ويسعى ً‬
‫حثيثًا إلجابتها‪ ،‬وال يهدأ له بال حتى يأخذ بوسائل إجابتها‪ ،‬وفي نهاية المطاف‬
‫إما أن يقلِّد ويتعايش‪ ،‬وإما أن يستمر في رحلة البحث‪ ،‬وال عاصم له إال الحق‪،‬‬
‫ور َف َما‬
‫اللـه َله ن ًا‬ ‫والحق يضيء ظالم الباطن‪ ،‬وله وسائل وأسباب‪َّ " ،‬لم يجع ِّل َّ‬
‫ْ ََْ‬
‫ور"(‪ ،)1‬وحجج الله بالغة‪ ،‬ومنهجه يسري في الوجود بسنن إلهية ال‬ ‫َله ِّمن ُّن ٍ‬
‫ظ َّال ٍم ِّلْل َعِّب ِّيد"(‪.)2‬‬
‫ُّك ِّب َ‬
‫يعلمها إال الله‪ ،‬إذ قد تكفل الله ببالغه وبيانه‪َ " ،‬و َما َرب َ‬
‫فإن بلغ الحق الناس‪ ،‬فمنهم المستجيب ألن الحق بلغ قلبه‪ ،‬واستقر في‬
‫ظاهرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫باطنا‪ ،‬ومنهم الكافر به‬ ‫ً‬ ‫ظاهرا‪ ،‬المتنكر له‬ ‫ً‬ ‫فؤاده‪ ،‬ومنهم المؤمن به‬
‫استَْيَق َن ْت َها أَنفسه ْم ظْل ًما َوعل اوا"(‪،)3‬‬ ‫ِّ‬
‫باطنا‪ ،‬كما قال الله " َو َج َحدوا ب َها َو ْ‬
‫والمستيقن به ً‬
‫وباطنا‪ ،‬ومنهم الجاهل‪ ،‬والغافل‪ ،‬والمتغافل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ظاهر‬
‫ًا‬ ‫ومنهم الكافر‬

‫وكل منهج له دعاة وأتباع ووسائل وأساليب‪ ،‬وبمقدار اكتمال هذه المعالم‬
‫يصل المنهج للقاصي والداني‪ ،‬وجنود الله تترى‪ ،‬فإذا بلغت الدعوة‪ ،‬وقامت‬
‫َحًدا"(‪.)4‬‬ ‫ِّ‬
‫ُّك أ َ‬
‫الحجة‪ ،‬وانتفت الشبهة‪ ،‬انتهى دور الدعاة‪َ " ،‬وال َيظلم َرب َ‬
‫ومن خالل هذه التقدمة والتوطئة السابقة‪ ،‬تتضح أسباب نشأة التيار الفكري‪،‬‬
‫وتتبلور فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬غياب المنهجية الربانية‪ ،‬والجهل بها‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم القناعة بالمنهجية الربانية‪.‬‬
‫‪ -3‬الظن بعجز المنهجية الربانية عن تفسير شئون الكون والحياة‪،‬‬

‫(‪ )3‬سورة النور‪.21:‬‬


‫(‪ )4‬سورة فصلت‪.29:‬‬
‫(‪ )1‬سورة النمل‪.32:‬‬
‫(‪ )2‬سورة الكهف‪.26:‬‬
‫‪613‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫وإجابة التساؤًلت‪ ،‬ومعالجة اًلضطرابات النفسية والحياتية‪.‬‬


‫وهم تعارض المنهجية الربانية مع الحقائق التجريبية‪.‬‬
‫‪ْ -4‬‬
‫‪ -5‬تصديق أولياء الشيطان بال تبين في تشويه المنهجية الربانية‪.‬‬
‫‪ -6‬الخلط بين نصوص المنهجية الربانية‪ ،‬وسلوك األتباع‪.‬‬
‫‪ -7‬الحيلولة بين الناس وبالغهم المنهجية الربانية‪ ،‬عبر الدعاة المعتبرين‬
‫أرباب البصيرة والحكمة‪ ،‬مما أورث الفهم المغلوط‪ ،‬والبناء على الباطل‪،‬‬
‫وما بني على باطل فهو باطل‪.‬‬
‫‪ -8‬غياب فقه مواجهة أولياء الشيطان‪ ،‬من أرباب التيارات الفكرية‬
‫الهدامة‪ ،‬مما يورث انتشار باطلهم‪ ،‬وزخم الواقع بهم‪.‬‬
‫‪ -9‬إعالء شأن العقل وتأليهه‪ ،‬واستبدال المنهج الرباني بغيره من المناهج‬
‫الوضعية‪.‬‬
‫‪ -11‬الرغبة في الغزو واًلستعالء في األرض واًلعتداء‪.‬‬

‫وبمجموع هذا كله ينشأ التيار الفكري‪ ،‬في ظل استبدال المنهج الرباني‬
‫المعصوم بالمنهج الوضعي‪.‬‬

‫‪614‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫كيف ينشأ التيار الفكري؟‪.‬‬


‫هناك جملة من العوامل تؤدي بمجموعها لنشأة التيار الفكري‪ ،‬تكمن فيما يلي‪:‬‬
‫(أ) منهج ُم ْحكم له رؤية ورسالة‪ ،‬وغاية مقصودة‪ ،‬وهدف كلي‪ ،‬وأهداف‬
‫جزئية‪.‬‬
‫تم تصنيعهم‪ ،‬ورصدت تخصصاتهم‪ ،‬وتوافرت كفاءتهم‪،‬‬
‫(ب) دعاة ورموز ّ‬
‫وتعاظمت خبرتهم‪.‬‬
‫(ج) بيئة مدروسة‪.‬‬
‫(د) مدعو مستهدف‪.‬‬
‫(ه) قوة أساليب‪ ،‬ومناهج تعامل‪.‬‬
‫(و) وفرة الوسائل‪.‬‬

‫وبمجموع هذه العوامل ينشأ التيار الفكري‪ ،‬وبمقدار ضعفها يضعف‬


‫التيار‪ ،‬وبمقدار التمكن منها يتمكن التيار ويرتفع ويشيد‪ ،‬ويسري في الداخل‬
‫والخارج‪ ،‬ويخرج من حيز الظاهرة والقضية‪ ،‬إلى دائرة المنهج والقانون‪.‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نسب التيار الفكري‪ ،‬وعالقته بغيره‪.‬‬

‫نسب التيار الفكري‪:‬‬


‫ينسب التيار الفكري بعدة اعتبارات‪:‬‬
‫(أ) باعتبار المؤسس‪ ،‬فيقال‪ :‬الفكر الماركسي‪.‬‬
‫(ب) باعتبار البيئة والنشأة‪ ،‬فيقال‪ :‬الفكر اليوناني‪.‬‬
‫(ج) باعتبار اًلتجاه والمنهج‪ ،‬فيقال‪ :‬الفكر المادي‪ ،‬أو العقلي‪ ،‬أو‬
‫اإلشراقي‪.‬‬
‫(د) باعتبار المبادئ‪ ،‬فيقال‪ :‬الفكر اإللحادي‪.‬‬

‫وهكذا ينسب التيار الفكري باعتبار نشأته‪ ،‬وفًقا لالعتبارات السابقة‪.‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫عالقة التيار الفكري بغيره‪.‬‬


‫ال ريب أن العالقة بين التيار الفكري وغيره عالقة ترابط أو تنافر‪ ،‬سواء‬
‫أكانت في دائرة العموم أو الخصوص‪.‬‬
‫(أ) عالقة التيار الفكري بالدين الحق‪:‬‬

‫يسعى التيار الفكري لهدم الدين الحق‪ ،‬ويطلب أن يحل محله‪ ،‬ويتبوأ مكانه‬
‫ومنزلته‪ ،‬فعدو التيار الفكري على اإلطالق هو الدين الحق‪.‬‬
‫(ب) عالقة التيار الفكري بالفرق‪:‬‬

‫الفرق من صور الغزو الداخلي‪ ،‬بينما التيار من صور الغزو الخارجي ثم‬
‫الداخلي‪.‬‬

‫فالفرق انشقاق داخلي‪ ،‬بينما التيار وافد خارجي باعتبار النشأة‪.‬‬


‫(ج) عالقة التيار الفكري بالدين الوضعي‪:‬‬

‫وأما عن العالقة بين التيار الفكري والدين الوضعي‪ ،‬فهي عالقة منافع‪،‬‬
‫فيأخذ منه التيار ويترك‪ ،‬ويتخذه وسيلة لترسيخ أقدامه‪ ،‬ثم يجعله صورة‬
‫وشكال‪ ،‬ثم يهلكه ويبيده بعد الوصول لهدفه وغرضه‪.‬‬
‫ً‬
‫(د) عالقة التيار الفكري بالمذاهب‪.‬‬

‫التيار أخص‪ ،‬والمذهب أعم‪ ،‬والعالقة بينهما كالعالقة بين التيار الفكري‬
‫والدين الوضعي‪.‬‬

‫وحاصل ما تقدم‪ :‬أن التيار الفكري يستفيد من الجميع‪ ،‬ثم يقضي عليه في‬
‫الوقت المالئم له‪ ،‬وال يعادي سوى الدين الحق‪ ،‬والصراع في حقيقته بينهما‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫َّ ِّ‬ ‫َّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫نوره‬ ‫وصدق الله‪" :‬يريدو َن أَن يطفئوا َ‬
‫نور اللـه بأَفواههم َوَي َأبى اللـه إال أَن يت َّم َ‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬
‫وَلو َك ِّره ِّ‬
‫الكافرو َن"(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ومن خالل العرض السابق‪ :‬يتضح مراحل نشأة التيار الفكري‪ ،‬فالتيار‬
‫ينشأ في البيئة الغربية غير المسلمة‪ ،‬وفي الوقت الذي تعادى فيه المنهجية‬
‫الربانية الشاملة‪ ،‬ومن أسباب نشأته الرغبة في الغزو واالستعالء في األرض‬
‫فضال عن إعالء شأن العقل وتأليهه‪ ،‬ويعتمد على منهج محكم‪،‬‬
‫ً‬ ‫واالعتداء‪،‬‬
‫ودعاة مص َّنعين‪ ،‬وبيئة مدروسة‪ ،‬ومدعو مستهدف‪ ،‬وقوة أساليب‪ ،‬ومناهج‬
‫تعامل‪ ،‬ووفرة وسائل‪ ،‬وينسب باعتبار المؤسس‪ ،‬أو البيئة والنشأة‪ ،‬أو االتجاه‬
‫والمنهج‪ ،‬أو المبادئ‪ ،‬ويستفيد من الفرق والدين الوضعي والمذاهب‪ ،‬ثم‬
‫يقضي عليهم في الوقت المالئم له‪ ،‬وال يعادي سوى الدين الحق‪.‬‬

‫(‪ )3‬سورة التوبة‪.14:‬‬


‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫عوامل تطور التيار الفكري وآثاره‬

‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬كيف يتطور‪ ،‬وينتشر‪ ،‬وينتقل التيار‬
‫الفكري؟‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أسباب قبول التيار الفكري‪ ،‬وآثاره‪.‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫التيار الفكري يخضع لعوامل تطور بعد مرحلة النشأة‪ ،‬وتتضح عوامل تطور‬
‫التيار الفكري من خالل إجابة التساؤالت التالية‪ ،‬وقد رصدتها في مطلبين ضب ً‬
‫طا‬
‫للفائدة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬كيف يتطور‪ ،‬وينتقل‪ ،‬وينتشر التيار الفكري؟‪.‬‬

‫كيف يتطور التيار الفكري‪:‬‬


‫يرجع تطور التيار الفكري لجملة عوامل تعود إلى‪:‬‬
‫‪ -1‬إيمان المصِّنع بالتيار الفكري‪.‬‬

‫‪ -2‬قبول البيئة للتيار الفكري‪ ،‬بزعم احتياجها له‪.‬‬

‫‪ -3‬القوة المادية والمعنوية الخادمة للتيار الفكري‪.‬‬

‫فبمقدار إيمان القائمين على التيار الفكري بفكرتهم‪ ،‬وإتاحة الفرصة‬


‫واستغالل المناسبة‪ ،‬وقبول البيئة وشدة اًلحتياج‪ ،‬وتوافر الجهات والمؤسسات‬
‫ومعنويا‪ ،‬يتطور التيار الفكري‪ ،‬ويشتد وتثبت جذوره‪ ،‬وتتشرب‬
‫ا‬ ‫ماديا‬
‫الداعمة ا‬
‫عروقه‪ ،‬وتنضج ثماره‪ ،‬ويستمر ويتصل سنده‪ ،‬وًل يزال التطور يحدوه من كل‬
‫جانب واتجاه‪ ،‬حتى تتحول الخاطرة إلى فكرة‪ ،‬والفكرة إلى مبدأ‪ ،‬والمبدأ إلى‬
‫مذهب‪ ،‬والمذهب إلى تيار‪ ،‬والتيار إلى مدارس وطوائف متشعبة من شجرة‬
‫التيار‪.‬‬
‫ذلك ألن التيارات تنسب لألفكار‪ ،‬والفكر البشري ًل يقف عند حد‪ ،‬وًل يزال‬
‫يتشعب ويتشابك‪ ،‬إلى أن يهدم نفسه بنفسه‪ ،‬مما يجعل آلية دراسته والحكم‬
‫عليه من الصعوبة بمكان‪ ،‬لتشعبه وكثرة مدارسه ومذاهبه وآرائه‪ ،‬وتحرير‬
‫ئذ في الحكم على المبدأ األم‪ ،‬والوقوف على الجذر التاريخي‪ ،‬وتتبع‬
‫النزاع حين ٍ‬
‫المسيرة التاريخية له‪ ،‬وإجراء قواعد النقد الذاتي والشمولي والخارجي على‬
‫المبادئ واألفكار‪ ،‬مع تحديد الزمان وتأريخه ألنه متطور‪ ،‬وما يقال في وقت‪،‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫قد ًل يقال في وقت آخر‪ ،‬بل قد يقال غيره وأكثر منه في وقت ًلحق‪ ،‬ولكل‬
‫حادثة حديث‪ ،‬ولكل حكم أسباب وعلل‪.‬‬
‫وبناء على ما تقدم‪ :‬يمكنني القول بأن هناك تيارات لم تحظ بالظهور‪،‬‬
‫وتيارات أخرى حظيت بالظهور لكن لم يكتب لها البقاء‪ ،‬وتيارات ثالثة حظيت‬
‫بالظهور وكتب لها البقاء بفعل التطور والتطوير‪ ،‬عبر العوامل المذكورة في‬
‫صدر المطلب‪.‬‬

‫‪616‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫انتشار التيار الفكري وآلية ثباته ورسوخه‪:‬‬


‫مما ال شك فيه أن التيار كالشجرة في مرحلة التطور‪ ،‬فإذا تطور وتشعب‬
‫انتشر ال محالة‪ ،‬وذاع صيته بال ريب‪ ،‬وال يتأتى له االنتشار والذيوع إال بوفرة‬
‫الوسائل‪ ،‬وقوة األساليب‪ ،‬وسائر التيارات المنتشرة في عالمنا اإلسالمي وغيره‬
‫محفوفة بوسائل أرضية وهوائية‪ ،‬وأساليب رصينة قوية‪ ،‬جعلت هذه التيارات‬
‫تتغلغل حتى بلغت الكيان األسري‪ ،‬بل قلوب وأفئدة جل األفراد‪ ،‬وتحول دعاة‬
‫اإلسالم من دعاة بناء وبالغ ونشر‪ ،‬إلى دعاة معالجة‪ ،‬وتوقف مد الدعوة في‬
‫نظر لكثرة الشبهات التي‬
‫الخارج ‪-‬في األعم األغلب‪ ،-‬وانشغل الدعاة بالداخل‪ً ،‬ا‬
‫يبثها عمالء الداخل ودعاة التيار في الخارج عبر وسائلهم المسموعة والمقروءة‬
‫والمرئية‪ ،‬ومن خالل أبواق تم تدريبهم وتصنيعهم‪ ،‬ويعمل في خدمتهم من وراء‬
‫حجاب خفافيش الفتنة‪ ،‬ممن هم في الصورة منا وفي الحقيقة هم العدو " َوَل ْو‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫يماه ْم َوَلتَ ْع ِّرَفَّنه ْم في َل ْح ِّن اْلَق ْو ِّل َواللـه َي ْعَلم أ ْ‬
‫َع َماَلك ْم"(‪،)1‬‬ ‫اكه ْم َفَل َع َرْفتَهم بس َ‬
‫َن َشاء َأل ََرْي َن َ‬
‫أجابهم‬
‫جهنم‪َ ،‬من َ‬ ‫وفي حديث حذيفة ‪ ،--‬يقول ‪-‬ﷺ‪" :-‬د َعاة على أبواب َّ‬
‫َّ‬
‫ويتكلمون‬ ‫صْفهم لنا؟ قال‪( :‬ه ْم ِّمن ِّج َلدِّتنا‪،‬‬
‫إليها ق َذفوه فيها‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ِّ ،‬‬
‫بألس ِّنتنا)"(‪.)2‬‬
‫ِّ‬

‫فإن توقف باب الوسائل واألساليب‪ ،‬توقف الذيوع واالنتشار‪ ،‬وإال فال‪.‬‬

‫وال ريب أن شغل الدعاة بأنفسهم وبيئتهم وبني جلدتهم من أساليب العدو‬
‫في تحقيق مآربه‪ ،‬والوصول ألهدافه‪ ،‬ألنه بال ريب يسعى لخدمة الباطل‪ ،‬والباطل‬
‫جاء ال َح ُّق‬
‫ال قرار له‪ ،‬وجولة الباطل ساعة‪ ،‬وجولة الحق إلى قيام الساعة‪َ " ،‬وقل َ‬

‫(‪ )3‬سورة محمد‪.11:‬‬


‫(‪ )4‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬باب كيف األمر إن لم تكن جماعة‪ ،‬رقم(‪ ،)9113‬ومسلم‪ ،‬كتاب اإلمارة‪،‬‬
‫ور أال ِفت َِن وتحذير الدعاة إلى الكفر‪ ،‬رقم (‪.)1521‬‬ ‫وم أال َج َما َ‬
‫ع ِة ِع أندَ ُ‬
‫ظ ُه ِ‬ ‫بَابُ أاأل َ أم ِر بِلُ ُز ِ‬
‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َوَزَه َق الباطل ِّإ َّن الباط َل َ‬
‫كان َزهوًقا"(‪.)1‬‬

‫وأما عن ثبات التيار ورسوخه‪ ،‬فطريق ذلك باب المتابعة الهادفة‪،‬‬


‫وبمقدار متابعة التيار والوقوف على نقاط قوته وضعفه وإيجابياته وسلبياته‬
‫ووسائله وأساليبه ومناهجه ودعاته ورموزه وطرق تطوره وتطويره واتصال سنده‬
‫‪ ..‬إلخ ‪ ،‬يتأتى من وراء ذلك الحكم على التيار بالثبات والرسوخ وإال فال‪.‬‬
‫ومما تجدر اإلشارة إليه أن دعاة الباطل يتابعون باطلهم مع كل َنَف ٍ‬
‫س‪،‬‬
‫طمعا في بقاء سطوتهم‪ ،‬وتحقيًقا لمخططهم وأهدافهم‪َ " ،‬وَال َي ِّحيق اْل َم ْكر َّ‬
‫السِّي ُ‬ ‫ً‬
‫َهلِّ ِّه"(‪.)2‬‬ ‫َّ‬
‫ِّإال ِّبأ ْ‬

‫(‪ )3‬سورة اإلسراء‪.33:‬‬


‫(‪ )4‬سورة فاطر‪.21:‬‬
‫‪613‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫طرق انتقال التيار الفكري‪:‬‬


‫ِّ‬
‫المصنع إلى البيئة المستهدفة بطرق مباشرة‪،‬‬ ‫ينتقل التيار الفكري من بيئة‬
‫وأخرى غير مباشرة‪ ،‬وبطرق سليمة‪ ،‬وأخرى غير سليمة‪.‬‬

‫فمن الطرق المباشرة‪ :‬وسائل البث المسموعة والمقروءة والمرئية لمختلف الفئات‬
‫واألعمار‪.‬‬

‫ومن الطرق غير المباشرة‪ :‬نقل التيار عبر عمالء الداخل‪ ،‬ممن يحسبهم‬
‫الجاهل دعاة الحق والبصيرة‪ ،‬فالزي زي العلم والعلماء‪ ،‬واللسان يدس السم في‬
‫ِّ‬
‫اللسان"(‪،)1‬‬ ‫يم‬ ‫ناف ٍق ِّ‬
‫عل ِّ‬ ‫أخ َوف ما أخاف على أ َّمِّتي ُّ‬
‫كل م ِّ‬ ‫العسل‪ ،‬وفي الحديث‪ْ " :‬‬
‫وطريقه معلوم‪ :‬تحريف وانتحال وتأويل مذموم‪.‬‬

‫ومن الطرق السلمية‪ :‬البعثات الخارجية ألبناء البيئة المستهدفة‪،‬‬


‫واألقليات غير المسلمة المنتشرة في البيئة المستهدفة‪.‬‬

‫واالحتالل للبيئة المستهدفة‪،‬‬ ‫ومن الطرق غير السلمية‪ :‬االستعمار‬


‫(‪)2‬‬

‫وفرض التيار بلسان القوة‪ ،‬ونشر أفكاره ومبادئه‪ ،‬وشرعنته في صورة قوانين‬
‫ملزمة‪ ،‬ومعاقبة الخارج عليها بالسجن واإلبعاد والطرد واإلقصاء!!‪.‬‬

‫ش َعب» (‪.(3/393/4‬‬
‫ي في «ال ُّ‬
‫ي في «الكبير» (‪ ،)441/33‬والبيهق ُّ‬
‫أخرجه الطبران ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(‪ )4‬مصطلح أطلق‪ ،‬وحقيقته أن يقال‪ :‬التخريب والدمار واالستعباد‪.‬‬


‫‪614‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫لماذا ينتقل التيار الفكري؟‪.‬‬


‫لم يرض التيار الفكري لنفسه أن يخضع في بيئة النشأة‪ ،‬وإنما سعى للذيوع‬
‫واالنتشار والثبات والرسوخ‪ ،‬والعلة من وراء ذلك تتمثل في‪:‬‬

‫‪ ‬الرغبة في القوة واالستعالء في األرض‪.‬‬

‫طمعا في تحقيق الرفاهية‬


‫‪ ‬إذالل المجتمعات وتعبيدها لحفنة من البشر‪ً ،‬‬
‫والترف والمتعة‪ ،‬واالستمتاع بأكبر قدر ممكن من األسباب والوسائل‬
‫المادية‪ ،‬و ولو على حساب الغير‪.‬‬

‫‪ ‬وضع حقائق مصطنعة‪ ،‬ومعارف ظنية ليصبغ بالصبغة العالمية‬


‫الريادية‪.‬‬

‫‪ ‬هدم الدين أو زواله وخاصة اإلسالم باستئصال شوكته‪ ،‬وإحالل أفكار‬


‫أخرى مكانه‪ ،‬ذلك ألن الدين اإللهي هو العدو الحقيقي للتيار الفكري‪.‬‬

‫‪ ‬هدم األخالق والمبادئ والمثل التي ورثها الخلف عن الذين أنعم الله‬
‫عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‪ ،‬واستبدال أولئك‬
‫بدعاة التيارات ورموزها‪.‬‬

‫وعليه‪ :‬فالتيار الفكري يسعى بكل قوة للتطور والذيوع واالنتشار والثبات‬
‫طمعا في أن يكون لسان حاله ومقاله‪ :‬ما أريكم إال ما أرى‪،‬‬‫ً‬ ‫والرسوخ‪،‬‬
‫وحرصا على أن ِّ‬
‫يسبح الناس بحمده آناء الليل وأطراف النهار‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أسباب قبول التيار الفكري وآثاره‪.‬‬

‫أسباب قبول التيار الفكري‪:‬‬

‫وإذا كانت هذه التيارات هدامة‪ ،‬وتسعى لهدم الدين الحق‪ ،‬فما سبب قبول‬
‫البيئات للتيار الفكري؟‪.‬‬

‫يرجع ذلك لعدة أسباب‪ ،‬من أبرزها‪:‬‬

‫‪ ‬الجهل‪ :‬فالتيار الفكري يتعاون مع شتى الشعارات التي تغرس الجهل‬


‫طا‪ ،‬وال يتركه أرباب التيارات‬
‫جهال بسي ً‬
‫في البيئات‪ ،‬وحينها يجهل المرء ً‬
‫صنعا‪ ،‬والجهل‬ ‫ً‬ ‫حتى يصل لمرتبة الجهل المركب‪ ،‬ويحسب أنه يحسن‬
‫آفة الناس في كل زمان ومكان‪ ،‬فأتباعه أتباع كل ناعق‪َ " ،‬وما أَكثَر‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫نين"(‪ ،)1‬فإن جهل الناس الحق‪ ،‬وسعهم‬ ‫صت ِّبم ِّ‬ ‫الن ِّ‬
‫ؤم َ‬ ‫اس َوَلو َح َر َ‬
‫الباطل‪.‬‬

‫ضعفا‬
‫ً‬ ‫‪ ‬الضعف والفقر والحاجة‪ :‬يلعب التيار الفكري على وتر مد اليد‬
‫نفسيا سلم‬ ‫وفقر وحاجة‪ ،‬ومن مد يده ال يمكن أن يمد قدمه‪ ،‬ومن هزم ً‬ ‫ًا‬
‫َعدوا َلهم َما‬ ‫نفسه لعدوه‪ ،‬واألمم التي تتواكل تؤكل‪ ،‬ولذا قال ربنا‪" :‬وأ ِّ‬
‫َ‬
‫َّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الخ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫استَ َ ِّ‬
‫ين‬‫آخر َ‬ ‫يل ترِّهبو َن ِّبه َعد َّو اللـه َو َعد َّوكم َو َ‬ ‫طعتم من ق َّوٍة َو ِّمن ِّرباط َ‬
‫الل ِّـه‬
‫بيل َّ‬‫يء في س ِّ‬
‫َ‬
‫اللـه يعَلمهم وما ت ِّنفقوا ِّمن َش ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دون ِّهم ال تَعَلمونهم َّ‬
‫َ‬ ‫ِّمن ِّ‬
‫اجنح َلها َوتََوَّكل‬ ‫لم َف َ‬ ‫ف ِّإَليكم َوأَنتم ال تظَلمو َن ﴿‪َ ﴾٠٦‬وإِّن َج َنحوا ِّل َّ‬
‫لس ِّ‬ ‫ي َو َّ‬
‫العليم" ‪ ،‬وقال‪َ" :‬ف َال تَ ِّهنوا َوتَ ْدعوا ِّإَلى َّ‬ ‫الل ِّـه ِّإَّنه ه َو َّ‬
‫عَلى َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫السْل ِّم‬ ‫السميع َ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫َعَل ْو َن َواللـه َم َعك ْم َوَلن َيت َرك ْم أ ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫َع َماَلك ْم" ‪.‬‬ ‫َوأَنتم ْاأل ْ‬

‫(‪ )3‬سورة يوسف‪.311:‬‬


‫(‪ )4‬سورة األنفال‪.93-91:‬‬
‫(‪ )1‬سورة محمد‪.15:‬‬
‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫‪ ‬فقدان الثقة في المنهج ودعاته‪ :‬إن الكالم المرسل ال يرفع بناء‪ ،‬وال يشيد‬
‫عمارا‪ ،‬فإن وافقه العمل فبها‪ ،‬وإال فال‪.‬‬
‫ً‬
‫ولذا قرن ربنا –سبحانه‪ -‬بين اإليمان والعمل الصالح في مواطن عدة‪.‬‬

‫وقد وجه عدونا ناظريه ألمتنا فرصد الشبهات والشائعات وأذاعها‬


‫ضال‬
‫من أفواه عمالئه‪ ،‬ونشرها عبر وسائله‪ ،‬فأفقد الكثير الثقة بمنهجه‪ ،‬ف ً‬
‫عن دعاته‪ ،‬ومع فقدان الثقة يصير المجتمع بال قلب‪ ،‬والجسد بال قلب‬
‫جثة هامدة‪.‬‬

‫‪ ‬تحسين صورة الخارج‪ ،‬وغض الطرف عن سوءاته‪ ،‬من خالل دعاة‬


‫الفتنة في الداخل‪ ،‬بعد منح هؤالء اليناشين واأللقاب الرنانة‪ ،‬وجعلهم‬
‫القدوة ومضرب المثل في كل فن وعلم‪.‬‬

‫ومن تتبع آي القرآن أدرك أن القرآن العظيم تتبع هذا الصنف‪،‬‬


‫وأجلى صورته‪ ،‬وأوضح خصائصه‪ ،‬وأبرز صفاته‪ ،‬بشكل ال يجهله إال‬
‫الغافل المتغافل‪.‬‬

‫وبالجملة‪ :‬إن التيار الفكري يبدأ طريقه في الوقت الذي يجد البيئة‬
‫تطلبه وتنادي عليه‪ ،‬ليخرج لها وينزل رحابها في صورة (المنقذ)‪ ،‬فقد‬
‫استشرى الجهل‪ ،‬وعم الضعف والفقر والحاجة‪ ،‬وفقد الناس الثقة في‬
‫المنهج والرموز‪ ،‬وصار أرباب التيارات كعبة البيئة المستهدفة وقبلتهم‪،‬‬
‫وحينها ي َقبل التيار الفكري بكل أريحية‪ ،‬وينزل في صورة المقيم المستقر‪،‬‬
‫ال الضعيف الراحل‪.‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫آثار التيار الفكري‪:‬‬


‫دائما‪ ،‬فمنها‬
‫وسلبا‪ ،‬وال يمكن أن تنظر لألفكار بنظرة السلب ً‬
‫إيجابا ً‬
‫ً‬ ‫األفكار تؤثر‬
‫ما يقبل‪ ،‬ومنها ما يرد‪ ،‬في إطار المنهجية العلمية الرصينة‪.‬‬

‫ومن أبرز إيجابيات األفكار‪ :‬إعمال العقل‪.‬‬

‫وال ريب أن اإلسالم دعا أتباعه إلعمال عقولهم‪ ،‬وجعله مناط التكليف‪،‬‬
‫وحذر من تغافله‪ ،‬فأمر بالتفكر والتدبر في حدود طاقة العقل‪ ،‬وفي إطار أدواته‪.‬‬

‫ف َب َدأَ‬
‫ض َفانظروا َك ْي َ‬ ‫ومن أدلة ذلك قوله تعالى‪" :‬ق ْل ِّسيروا ِّفي ْاأل َْر ِّ‬
‫اْل َخْل َق"(‪ ،)1‬وقوله تعالى‪َّ" :‬ل َعَّلك ْم تَ ْع ِّقلو َن"(‪ ،)2‬وقوله تعالى‪" :‬أََف َال تَ ْع ِّقلو َن"(‪ ،)3‬وقوله‬
‫ِّ ِّ‬
‫تعالى‪" :‬أََف َال َينظرو َن" ‪ ،‬وقوله تعالى‪َ" :‬فْل َينظر ْاإل َ‬
‫نسان"(‪.)5‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫بل أقام به الحجة‪ ،‬ودفع به الشبهة في مواطن عدة‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫َش ِّهدوا َخْلَقه ْم َست ْكتَب َش َه َادته ْم‬ ‫ين ه ْم ِّع َباد َّ‬
‫الر ْح َم ِّـن ِّإ َناثًا أ َ‬ ‫ِّ َّ ِّ‬
‫" َو َج َعلوا اْل َم َالئ َك َة الذ َ‬
‫ين"(‪ ،)7‬وقوله‪َ " :‬وإَِّّنا أ َْو ِّإيَّاك ْم‬ ‫ويسأَلو َن"(‪ ،)٠‬وقوله‪" :‬قل هاتوا برهانكم ِّإن كنتم ِّ ِّ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََْ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ين" ‪ ،‬إلى أن قال في شأن المتغافلين والجاحدين‪:‬‬ ‫(‪)8‬‬ ‫ٍ‬
‫ض َالل ُّمِّب ٍ‬ ‫ِّ‬
‫َل َعَلى هًدى أ َْو في َ‬
‫ير"(‪ ،)9‬وقال‪" :‬أ َْم تَ ْح َسب‬ ‫الس ِّع ِّ‬
‫اب َّ‬ ‫"وَقالوا َلو كَّنا َنسمع أَو َنع ِّقل ما كَّنا ِّفي أَصح ِّ‬
‫ْ َ‬ ‫َْ ْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫(‪ )3‬سورة العنكبوت‪.41:‬‬


‫(‪ )4‬سورة الزخرف‪.1:‬‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪.22:‬‬
‫(‪ )2‬سورة الغاشية‪.31:‬‬
‫(‪ )5‬سورة عبس‪.42:‬‬
‫(‪ )9‬سورة الزخرف‪.36:‬‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪.333:‬‬
‫(‪ )3‬سورة سبأ‪.42:‬‬
‫(‪ )6‬سورة الملك‪.31:‬‬
‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫َض ُّل َسِّب ً‬


‫يال"(‪.)1‬‬ ‫َن أَ ْكثَ َره ْم َي ْس َمعو َن أ َْو َي ْع ِّقلو َن ِّإ ْن ه ْم ِّإ َّال َك ْاأل َْن َع ِّ‬
‫ام َب ْل ه ْم أ َ‬ ‫أ َّ‬

‫وأما عن آثار التيارات الفكرية التي تطلب الدين الحق هدًفا‪ ،‬وترجو أن تحل‬
‫محله‪ ،‬فمن أبرزها‪:‬‬

‫‪ ‬تقديس العقل‪ :‬فقد برز في البيئة مناهج التقديس‪ ،‬حيث المنهج العقلي‬
‫عند "ديكارت" (ت‪1٠5٦:‬م)‪ ،‬والتجريبي عند "فرنسيس بيكون"‬
‫(ت‪1٠2٠:‬م)‪ ،‬في القرن السابع عشر‪ ،‬ثم أدى تأليهه في القرن الثامن‬
‫عشر إلى وجود فلسفة التنوير في فرنسا‪ ،‬والمنهج النقدي مع "كانط"‬
‫األلماني (ت‪18٦4:‬م)‪.‬‬

‫ومع أزمة العقل في القرن التاسع عشر ظهرت فلسفة نيتشه‬


‫(ت‪19٦٦:‬م)‪ ،‬وفلسفات الالمعقول‪ ،‬مثل‪ :‬التحليل النفسي‪ ،‬والوجودية‪،‬‬
‫والفوضوية ‪ ....‬إلخ‪.‬‬

‫‪ ‬اضطراب منظومة األخالق الفطرية‪ :‬فقد دعا ميكافيللي (ت‪1527:‬م)‬


‫إلى الفصل بين الدين والسياسة تحت شعار "سياسة اللجوء إلى الغدر"‪،‬‬
‫واحتضنت سياسته اللجوء إلى الغدر عند الضرورة‪ ،‬وأباحت لألمير‬
‫استخدام أسلوب الدسيسة والمؤام ارت في العمل السياسي من أجل فرض‬
‫إرادته على الرعية‪ ،‬وقد كان لهذا آثاره على الشرق اإلسالمي تجاه ما‬
‫حدث من المغول والتتار في القرن السادس عشر ‪ً ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فضال عن الحروب‬
‫الصليبية‪ ،‬وما خلفته من دمار وخراب لإلنسانية في أخالقها قبل دينها‬
‫الحق‪ ،‬وال يزال اللعب على تذويب األخالق يسري في المجتمعات‪.‬‬

‫‪ ‬استبدال جل األنظمة اإلسالمية بأنظمة وضعية وإلزام الناس بها‪ :‬فحركة‬

‫(‪ )3‬سورة الفرقان‪.22:‬‬


‫(‪ )4‬مدخل إلى الفلسفة‪ ،‬د‪ .‬أحمد رمضان‪( ،‬ص‪ ،)443‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة‪3636 ،‬م‪.‬‬
‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫االقتصاد الحر عند آدم سميث (ت‪179٦:‬م)‪ ،‬وبنتام (ت‪1832:‬م)‪،‬‬


‫سببا في‬
‫جميعا كانوا ً‬
‫ً‬ ‫وجون ستيوارت مل (ت‪1873:‬م) ‪ ،..‬وهؤالء‬
‫حركة االقتصاد الحر في إنجلترا‪ ،‬الذي أدى إلى قيام "النظام‬
‫الرأسمالي"(‪.)1‬‬

‫وقد ساهم هيجل (ت‪1831:‬م) بإحيائه النزعة األلمانية القديمة‪،‬‬


‫في قيام النظام الديكتاتوري النازي في ألمانيا‪ ،‬فيما بعد هتلر‬
‫(ت‪1945:‬م)(‪.)2‬‬

‫وكما كان لـ "نيتشه" دور بارز في إيجاد هذا النظام‪ ،‬حيث ركز‬
‫على مبدأ القوة في كتابه "إرادة القوة"‪ ،‬كما ركز على "السوبر مان" أو‬
‫اإلنسان األعلى في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"(‪.)3‬‬

‫ولقد نادى ماركس (ت‪1883:‬م)‪ ،‬وإنجلز (ت‪1895:‬م)‪ ،‬ولينين‬


‫(ت‪1924:‬م)‪ ،‬وستالين (ت‪1953:‬م) بإنشاء الشيوعية(‪ ،)4‬مما أدى‬
‫فضال عن تدمير النظام‬
‫ً‬ ‫إلى قيام "النظام االشتراكي الشيوعي"‪،‬‬
‫( ‪)5‬‬
‫االجتماعي‪ ،‬وإفساد األسر‪ ،‬وإهالك أفرادها‪ ،‬وخلق أزمات اجتماعية‬
‫ليس لها من دون منهج الله كاشفة‪ ،‬إذ قد صارت األسرة مفككة وممزقة‬

‫(‪ )3‬نفس المصدر (ص‪.)441‬‬


‫(‪ )4‬نفس المصدر (ص‪.)441‬‬
‫(‪ )1‬اإلسًلم ونظرية التطور‪ ،‬د‪.‬أحمد رمضان (ص‪ ،)65‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة‪3661 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬مذهب فكري يقوم على اإللحاد وأن المادة هي أساس كل شيء ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل‬
‫االقتصادي‪ .‬ظهرت في ألمانيا على يد ماركس وإنجلز‪ ،‬وتجسدت في الثورة البلشفية التي ظهرت في‬
‫روسيا سنة ‪3631‬م بتخطيط من اليهود‪ ،‬وتوسعت على حساب غيرها بالحديد والنار‪ ،‬وقد تضرر‬
‫كثيرا‪ ،‬وهناك شعوب محيت بسببها من التاريخ‪ ،‬ولكن الشيوعية أصبحت اآلن في ذمة‬ ‫ا‬ ‫المسلمون منها‬
‫التاريخ‪ ،‬بعد أن تخلى عنها االتحاد السوفيتي‪ ،‬الذي تفكك بدوره إلى دول مستقلة‪ ،‬تخلت كلها عن‬
‫الماركسية‪ ،‬واعتبرتها نظرية غير قابلة للتطبيق ‪[ .‬ينظر‪ :‬الموسوعة الميسرة‪ ،‬د‪.‬مانع الجهني (‪،)416/4‬‬
‫مرجع سابق]‪.‬‬
‫(‪ )5‬كالعنوسة والشذوذ الجنسي‪.‬‬
‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫األشالء‪ ،‬ال هدف يجمعها‪ ،‬وال غاية توحدها‪ ،‬فهذا ليبرالي‪ ،‬وذا علماني‪،‬‬
‫واآلخر إلحادي‪ ،‬وهلم جرا‪.‬‬

‫‪ ‬الخلط بين الدين الحق واآلخر الوضعي‪ :‬فقد أنزلت التيارات الدين الحق‬
‫منزلة الدين الوضعي‪ ،‬وأعملت القياس‪ ،‬وهو قياس مع الفارق‪ ،‬ففي‬
‫الوقت الذي نادت فيه المسيحية المحرفة بأنها ديانة ملهمة‪ ،‬ورفضت‬
‫االعتماد على العقل‪ ،‬والبحث الحر‪ ،‬جاءت التيارات تندد بالدين الحق‪،‬‬
‫وتنزله منزلة الدين المحرف!! وتزعم أنه ال يحترم العقل والعقالنية‪ ،‬وفي‬
‫الوقت الذي اعتمدت فيه الكنيسة آراء بطليموس في الطبيعة‪ ،‬وربطت‬
‫اآلراء العلمية بالكنيسة‪ ،‬وشكلت محاكم للتفتيش على كل من يخرج عن‬
‫دائرة الكنيسة‪ ،‬جاءت التيارات تنادي بفصل العلم عن الدين‪ ،‬نتيجة لما‬
‫حدث من الكنيسة تجاه العلم والعلماء‪.‬‬

‫وفي الوقت الذي اعتمدت فيه الكنيسة فلسفة أرسطو (ت‪322:‬ق‪.‬م)‬


‫في تفسير الدين‪ ،‬وأخذت منهجه في القياس‪ ،‬جاءت التيارات تنادي‬
‫بفصل الدين عن الفلسفة‪ ،‬وأتت بمناهج جديدة كاالستقراء ونحوه‪.‬‬

‫وإذا كانت الكنيسة ترى أن الرب هو محور الكون‪ ،‬ونقطة‬


‫االنطالق‪ ،‬فإن التيارات تجعل اإلنسان هو مركز الكون‪.‬‬

‫وإن كان العلم في محراب الكنيسة يطلب لذاته كما هو هدف‬


‫الفلسفة عند اليونان‪ ،‬فإن التيارات تهدف من وراء العلم تحقيق رفاهية‬
‫اإلنسان وسعادته‪ ،‬فالعلم وسيلة للسعادة والحرية‪.‬‬

‫وإن كانت الكنيسة جنحت للخيال والبعد عن الواقع‪ ،‬وأوغلت في‬


‫بحر األوهام والترهات‪ ،‬فإن التيارات تسعى لربط الفكر بالواقع‬
‫المحسوس‪ ،‬فما آمن به الحس فهو اإليمان‪ ،‬وما أنكره الحس فهو الكفر‬

‫‪616‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫والبهتان‪.‬‬

‫وهكذا انطلقت التيارات تهدم الدين‪ ،‬وتحارب العمل الكنسي‪ ،‬وال‬


‫ِّ‬
‫توقر الطقوس والشعارات‪ ،‬وتهدم منظومة األخالق والقدوات‪ ،‬وال عجب‪،‬‬
‫وإنما العجب في أن تنزل اإلسالم –الدين الحق‪ -‬منزلة غيره‪ ،‬وتحكم‬
‫عليه من خالل غيره‪ ،‬وهذا هو الظلم بعينه‪ ،‬وهو أجلى آثار التيارات‬
‫الفكرية‪ ،‬إذ قد ترتب عليه رد فعل غير منضبط‪ ،‬مما أورث المناداة‬
‫صراحة بهجر الدين والتدين‪ ،‬مع أن أصل البناء باطل‪ ،‬وما بني على‬
‫باطل فهو باطل‪.‬‬

‫ومن خالل العرض السابق‪ :‬يتضح أن تطور التيار الفكري يرجع‬


‫ِّ‬
‫المصنع به‪ ،‬وقبول البيئة له‪ ،‬مع توافر القوة المادية والمعنوية‬ ‫إليمان‬
‫الخادمة له‪ ،‬وأن انتشار التيار الفكري يعود لتوافر الوسائل‪ ،‬وقوة‬
‫األساليب‪ ،‬ويرسخ وينتشر من خالل إعمال باب المتابعة‪ ،‬وينتقل للبيئة‬
‫المستهدفة‪ ،‬بطرق سلمية مباشرة وغير مباشرة‪ ،‬وطرق أخرى غير سلمية‪،‬‬
‫طمعا في أن يسبح‬
‫ويرجع سبب انتقاله للرغبة في القوة واالستعالء‪ً ،‬‬
‫الناس بحمده آناء الليل وأطراف النهار‪ ،‬وتقبله البيئات بسبب الجهل‬
‫فضال عن تحسين‬
‫ً‬ ‫والضعف وفقدان الثقة في المنهج الحق ودعاته‪،‬‬
‫صورة الخارج‪ ،‬وغض الطرف عن سوءاته‪ ،‬ومن أبرز آثاره تقديس‬
‫العقل‪ ،‬واضطراب منظومة األخالق الفطرية‪ ،‬واستبدال جل األنظمة‬
‫اإلسالمية بأنظمة وضعية‪ ،‬وإلزام الناس بها‪ ،‬والخلط بين الدين الحق‬
‫وغيره‪.‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫خطورة التيار الفكري‪ ،‬ومنهجية‬

‫دراسته‪ ،‬وفقه مواجهته‬

‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أهمية وحكم دراسة التيار الفكري‪ ،‬وشروط‬
‫دارسه ومدرسه‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬منهجية دراسة التيار الفكري‪ ،‬وخطورته‪،‬‬
‫وفقه مواجهته‪.‬‬

‫‪613‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫وإذا كان التيار الفكري يمر بمراحل نشأة‪ ،‬وعوامل تطور‪ ،‬فكيف نواجه التيار‬
‫الفكري؟‪.‬‬

‫ال يتأتى رصد آلية المواجهة إال بإجابة تساؤالت‪ ،‬جمعتها في مطالبين على‬
‫النحو التالي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أهمية وحكم دراسة التيار الفكري‪ ،‬وشروط دارسه‬


‫ِّ‬
‫ومدرسه‪.‬‬

‫أهمية دراسة التيارات الفكرية(‪:)1‬‬


‫إن دراسة التيارات الفكرية المعاصرة في ضوء الفكر اإلسالمي ومقرراته مهمة‬
‫للغاية‪ ،‬وذلك لما يلي‪:‬‬

‫عموما‪ ،‬وما‬
‫ً‬ ‫‪ -1‬أنها تطلع طالب العلم على ما يحدث في الغرب والعالم‬
‫يكيده أعداء اإلسالم ويحيكونه من أجل السيطرة على العالم اإلسالمي‬
‫‪ ،‬والقضاء على الدين الحق المنزل من عند الله تعالى‪ ،‬وإحالل بدله‬
‫بعيدا عن‬
‫هذه األفكار والتيارات والمذاهب والنظم التي تنشئها عقولهم ً‬
‫الدين وضوابطه‪.‬‬

‫‪ -2‬تفتح لطلبة العلم نافذة على العالم حتى يحذر المسلم من هذا الذي يدبَّر‬
‫وقديما قال الشاعر‪:‬‬
‫ً‬ ‫له‪،‬‬

‫ومن ال يعرف الشر من‬ ‫عرفت الشر ال للشر لكن لتوقيه‬

‫(‪ )3‬التيارات والمذاهب الفكرية المعاصرة في ميزان اإلسًلم‪ ،‬د‪ .‬ماجد عبد السًلم إبراهيم‪،‬‬
‫(ص‪ )31-6‬بتصرف غير يسير‪ ،‬ط‪3215 ،3:‬هـ‪.‬‬
‫‪614‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الناس يقع فيه‬

‫وفي حديث حذيفة بن اليمان ‪" :--‬كان الناس يسألون عن الخير‪،‬‬


‫وكنت أسأل عن الشر مخافة الوقوع فيه"(‪.)2‬‬

‫فنحن ندرس هذه التيارات والمذاهب حتى نحذرها ونبتعد عنها‪ ،‬ونتجنب‬
‫الوقوع فيها‪.‬‬

‫‪ -3‬لنرد عليها‪ ،‬ونبين بطالنها وتهافتها‪ :‬ونحن في هذا نقتدي بالقرآن الكريم‬
‫الذي رد على جميع الطوائف والمذاهب الباطلة‪ ،‬كما يقول اإلمام ابن‬
‫العربي ‪" :-~-‬خذوا مني نصيحة مشحونة بنكت األدلة‪ ،‬وهي أن الله‬
‫سبحانه وتعالى رد على الكفار على اختالف أصنافهم من ملحدة وعبدة‬
‫أوثان وأهل كتاب وصابئة ومشركة ويهودية‪ ،‬وساق أدلته أفضل سياق‪،‬‬
‫وجاء أحكم نظام‪ ،‬وأبدع ترتيب‪ ،‬فعلى هذا فعول"(‪ ،)3‬وعلماؤنا منذ القدم‬
‫وهم يقومون بهذه المهمة النبيلة‪ ،‬وصدق الله إذ يقول‪َ " :‬وما َ‬
‫كان‬
‫كاف ًة َفَلوال نَفر ِّمن ك ِّل ِّفرَق ٍة ِّمنهم ِّ‬
‫طائَف ٌة لِّ َيتََفَّقهوا ِّفي‬ ‫ؤمنو َن لِّي ِّنفروا َّ‬
‫الم ِّ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫يهم َل َعَّلهم َيح َذرو َن"(‪ ،)4‬وصدق رسوله‬ ‫ين ولِّي ِّنذروا َقومهم ِّإذا رجعوا ِّإَل ِّ‬
‫ِّ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫الد َ‬
‫العظيم ‪-‬ﷺ‪ -‬إذ يقول‪" :‬يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون‬
‫عنه تحريف الغالين‪ ،‬وانتحال المبطلين‪ ،‬وتأويل الجاهلين"(‪.)5‬‬

‫(‪ )3‬البيت ألبي فراس الحمداني [ديوان العصر العباسي‪ ،‬عالم األدب‪ ،‬بدون تاريخ]‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقدم تخريجه (ص‪.)41‬‬
‫(‪ )1‬العواصم من القواصم‪ ،‬محمد أبو بكر بن العربي‪ ،‬ت‪ :‬محب الدين الخطيب‪ ،‬ومحمود‬
‫االستانبولي‪( ،‬ص‪ ،)335‬مكتبة السنة‪ ،‬ط‪3234 ،9:‬هـ‪3664-‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة التوبة‪.344:‬‬
‫‪(5‬‬
‫) السنن الكبرى للبيهقي (‪ ،)19445‬مشكل اآلثار للطحاوي (‪ ،)32٠8‬وجزم الحافظ‬
‫العالئي بأن الـحديث حسن [ينظر‪ :‬الحطة (ص‪.])71‬‬
‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫‪ -4‬للوقوف على مدى التخبط واالضطراب في بيئة الغرب غير المسلم‪،‬‬


‫بسبب بعده عن الله وعن دينه وتعاليم رسله‪ ،‬فقد تعددت مناهجهم‬
‫البشرية‪ ،‬مما أورثهم الحيرة واالضطراب‪ ،‬والخروج من تيه إلى تيه‪ ،‬تحت‬
‫شيئا‪ ،‬فازداد‬
‫شعارات وهمية‪ ،‬يحسبها الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده ً‬
‫وهما‪.‬‬
‫حيرة ً‬
‫‪ -5‬نبرز عدم حاجة المجتمع اإلسالمي لمثل هذه التيارات‪ ،‬فإذا كان انتشار‬
‫هذه التيارات والمذاهب في الغرب له ما يبرره ألن الغرب عانى الكثير‬
‫من تسلط الكنيسة ورجال الدين وطغيانهم‪ ،‬فليس له ما يبرره عندنا نحن‬
‫المسلمين‪ ،‬ألن المسلمين على العكس من الغربيين وجدوا أنفسهم في‬
‫شيئا قبل اإلسالم‪ ،‬ولكنهم باإلسالم‬
‫الدين وليس خارجه‪ ،‬فهم لم يكونوا ً‬
‫أصبحوا أمة لها قيمة‪ ،‬ولها حضارة ووزن بين األمم‪ ،‬كما قال سيدنا‬
‫عمر بن الخطاب ‪" :--‬لقد كنا أذلة‪ ،‬وقد أعزنا الله باإلسالم‪ ،‬وإذا‬
‫ابتغينا العزة في غير اإلسالم أذلنا الله"(‪.)1‬‬

‫‪ -٠‬لنقف على العوامل التي ساعدت على انتقالها إلى المجتمع اإلسالمي‪:‬‬

‫إن هذه التيارات والمذاهب التي ندرسها‪ ،‬وإن كان منشؤها الغرب ولكن‬
‫ما لبثت أن انتقلت إلينا نحن في الشرق عبر الدعاة الذين صنعهم‬
‫الغرب على عينه‪ ،‬ورباهم على موائد فكره‪ ،‬وبثهم في بالد اإلسالم‪،‬‬
‫وهؤالء هم الذين عناهم "زويمر" (ت‪1952:‬م) زعيم المنصرين بقوله‪:‬‬
‫"ينبغي أن يكون تبشير المسلمين بواسطة رجال منهم‪ ،‬ألن الشجرة ال‬

‫(‪ )3‬البداية والنهاية‪ ،‬ابن كثير‪ ،)11/1( ،‬ت‪ :‬علي شيري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪3213 ،3:‬هـ‪.‬‬
‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫يقطعها إال فرع منها"(‪ ،)1‬ولعلهم هم الذين عناهم النبي ‪-‬ﷺ‪ -‬بقوله‬
‫عندما سئل عن الدعاة على أبواب جهنم‪" :‬هم من جلدتنا‪ ،‬ويتكلمون‬
‫بألسنتنا"(‪ ،)2‬يقول الشيخ محمود شاكر‪" :‬إن الذين تولوا كبر هذا الصراع‪،‬‬
‫والذين ورثوهم من خلفهم إنما هم رجال منا‪ ،‬من بني جلدتنا‪ ،‬من أنفسنا‪،‬‬
‫ينطقون بلساننا‪ ،‬وينظرون بأعيننا‪ ،‬ويسيرون بيننا آمنين"(‪.)3‬‬

‫‪ -7‬للوقوف على أساليب سيطرة الغرب على المسلمين‪:‬‬


‫(‪)4‬‬
‫بين أسلوب الغزو‬ ‫لقد تنوعت أساليب سيطرة الغرب على المسلمين‬
‫العسكري الذي تجسد في الحروب الصليبية األولى التي َّ‬
‫شنها الغرب‬
‫على المسلمين في الشرق والغرب في بالد الشام واألندلس‪ ،‬وفي الحروب‬
‫الصليبية التالية التي كانت في القرنين الماضيين (‪2٦-19‬م) والتي‬
‫اقتسمت فيها الدول االستعمارية فرنسا وبريطانيا وأسبانيا وهولندا وإيطاليا‬
‫والبرتغال بالد اإلسالم‪ ،‬وبين الغزو الفكري الذي استعمله الغرب مع‬
‫وتجهيال‪ ،‬واألسلوبان ال‬
‫ً‬ ‫إذالال‬
‫قتال وتشر ًيدا و ً‬
‫المسلمين بعد أن أثخنهم ً‬
‫ينفكان عن بعضهما‪ ،‬بل إن أحدهما يخدم اآلخر‪ ،‬ومن بين أسلحة‬
‫الغزو الفكري نشر التيارات والمذاهب الفكرية الهدامة في بالد اإلسالم‪.‬‬

‫وعليه‪ :‬فنحن ندرس التيارات الفكرية ِّ‬


‫وندرسها إلنقاذ أنفسنا‪ ،‬وإنقاذ غيرنا‪.‬‬

‫(‪ )3‬الموسوعة الميسرة‪ ،‬د‪ .‬مانع الجهني (‪ ،)995/3‬الندوة العالمية للشباب بالرياض‪ ،‬ط‪،2:‬‬
‫‪3241‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقدم تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )1‬أباطيل وأسمار لمحمود شاكر (ص‪ ،)34‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط‪4115 ،1:‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬أساليب الغزو الفكري للعالم اإلسًلمي‪ ،‬المستشار علي جريشة‪( ،‬ص‪ ،)35‬ط‪ :‬دار‬
‫السًلم‪.‬‬
‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫حكم دراسة التيارات الفكرية‪:‬‬


‫إن انتشار التيارات الفكرية في القاصي والداني‪ ،‬وذيوعها في األفراد‬
‫واألسر والمجتمعات‪ ،‬يقرر ضرورة دراستها‪ ،‬وفرضية تدريسها في مختلف‬
‫وطلبا‪.‬‬
‫ودفعا ً‬
‫تحصينا ووقاية ً‬
‫ً‬ ‫المؤسسات والهيئات‪،‬‬

‫وأما على الصعيد الدعوي فمما يجب أن يلم به الدعاة وال بد‪ :‬التيارات‬
‫الفكرية‪ ،‬ويدركوا غورها‪ ،‬ويستشعروا خطرها‪ ،‬ويبصروا األمة بمخاطرها في‬
‫إكماال لمسيرة الدعوة في‬ ‫ً‬ ‫حاضرها ومآلها‪ ،‬وينقذوا أنفسهم‪ ،‬ويسعوا إلنقاذ غيرهم‪،‬‬
‫الل ِّـه َعلى َب ٍ‬
‫صيرة أَنا َو َم ِّن اتََّب َعني"(‪،)1‬‬ ‫رحاب قوله تعالى‪" :‬قل ه ِّـذِّه سبيلي أَدعو ِّإَلى َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بل ال ينبغي أن يجاز طالب الدعوة إال بإدراكها نظرًيا‪ ،‬وإلمامه بفقه مواجهتها‬
‫عمليا‪.‬‬
‫تطبيًقا ً‬
‫وإال فالفاجعة العظمى حين يستقطب طالب الدعوة‪ ،‬وخريج جامعة األزهر‬
‫وسبيال لذيوعها ونشرها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ليكون بوًقا من أبواق دعوتها‪،‬‬

‫(‪ )3‬سورة يوسف‪.313:‬‬


‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫شروط دارس ِّ‬


‫ومدرس التيارات الفكرية‪:‬‬
‫مما ينبغي أن يتوافر في دارس التيارات الفكرية أن يلم بأصول دينه من‬
‫عقيدة صحيحة‪ ،‬وشريعة غراء‪ ،‬وأخالق حميدة في ضوء األدلة النقلية والعقلية‬
‫التي تورثه القناعة العقلية‪ ،‬واالطراد الفكري‪ ،‬والتوازن النفسي‪ ،‬فإن لم يتوافر‬
‫ذلك‪ ،‬كان وال بد فريسة للتيارات الفكرية‪.‬‬

‫ِّ‬
‫وأما عن مدرس التيارات الفكرية فينبغي أن يكون ً‬
‫ملما بالتيارات‪ ،‬مستغرًقا‬
‫متعايشا في مستنقع أفكارها ورموزها ووسائلها وأساليبها‪،‬‬
‫ً‬ ‫في دراستها وبحثها‪،‬‬
‫خبير بعقلية أربابها‪،‬‬
‫اعيا بأهدافها وأبعادها وغاياتها‪ً ،‬ا‬
‫متابعا لحركتها وسيرها‪ ،‬و ً‬
‫ً‬
‫مدركا فقه السياسة الدعوية في التعامل مع التيار ودعاته‪،‬‬
‫ومآالت مخططهم‪ً ،‬‬
‫طا بفقه مواجهته‪.‬‬
‫ومحي ً‬

‫تخصصا دقيًقا‪ ،‬وسد‬


‫ً‬ ‫وال ينال هذه الرتبة إال إذا حدد هدفه‪ ،‬وتخصص‬
‫الثغر‪ ،‬ولم يتشعب ولم ينشغل عن هدفه ومقصوده‪ ،‬حتى يلقى ربه وهو يخدم‬
‫دينه في سد ثغر غفل عنه الكثير والكثير‪.‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬منهجية دراسة التيار الفكري‪ ،‬وخطورته‪ ،‬وفقه‬


‫مواجهته‪.‬‬

‫منهجية دراسة التيار الفكري‪:‬‬


‫إن منهجية دراسة التيار الفكري تتبلور فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬دراسة الجذور التاريخية والبيئية‪.‬‬

‫‪ ‬رصد مراحل النشأة‪.‬‬

‫‪ ‬الوقوف على عوامل النمو والتطور والذيوع واالنتشار‪.‬‬

‫‪ ‬إدراك مبادئ التيار‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬وأفكاره الرئيسة‪.‬‬

‫‪ ‬اإلحاطة بمدارس التيار وطوائفه ورموزه‪ ،‬وأفكار ومبادئ كل طائفة‬


‫ومدرسة‪ ،‬وصور التأثر والتأثير‪ ،‬ومواطن االتفاق واالختالف‪ ،‬وأسباب‬
‫ٍ‬
‫كل‪.‬‬

‫‪ ‬حصر الوسائل واألساليب‪ ،‬ورصد الرموز‪ ،‬وتطور الفكر في كل مرحلة‬


‫من مراحل التيار‪.‬‬

‫‪ ‬الحكم على التيار وفًقا لكل مرحلة من م ارحله‪ ،‬والجمع بين أقوال العلماء‬
‫في الحكم عليه‪ ،‬بمراعاة عامل الزمان والمكان‪ ،‬وتطور الفكر‪ ،‬وتنوع‬
‫الوسائل‪ ،‬وتعدد األساليب‪ ،‬وتغير المسميات‪.‬‬

‫‪ ‬اإللمام بجهود العلماء في مواجهة التيار‪ ،‬وتحليل جهودهم‪ ،‬واستنباط‬


‫إكماال لمسيرتهم‪ ،‬ألن الفكر ال يقف‬
‫ً‬ ‫الدروس والفوائد‪ ،‬والبناء على بنائهم‬
‫عند حد‪ ،‬وال يمكن أن يحد‪.‬‬

‫‪ ‬اإلحاطة بفقه السياسة الدعوية في التعامل مع التيار ورموزه‪.‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫وطلبا‪.‬‬
‫ودفعا ً‬
‫‪ ‬إدراك فقه مواجهة التيار وقاية ً‬
‫فإن تم لك ذلك فقد تخصصت في دراسة التيارات الفكرية‪ ،‬وإال فأنت‬
‫حاطب ليل‪ ،‬وإن اجتمع لك مع هذه المنهجية آلية البحث العلمي وطرقه‬
‫فهنيئا لك سعيك‪ ،‬وشكر الله لك سد ثغرك‪.‬‬
‫وآدابه‪ً ،‬‬

‫‪616‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫خطورة التيار الفكري‪:‬‬


‫إن الباحث عن المواجهة ال يتصور أن يغفل خطورة من يسعى لمواجهته‪ ،‬وتكمن‬
‫خطورة التيارات الفكرية في‪:‬‬

‫طمعا في الضعف والفقر والحاجة‪،‬‬


‫‪ ‬السعي الهادف لنشر الجهل والجهالة ً‬
‫وفقدان الثقة‪ ،‬وإنزال الباطل منزلة الحق‪.‬‬

‫‪ ‬هدم الدين وإزالته من النفوس‪ ،‬ومحوه من القلوب‪.‬‬

‫طوعا‬
‫‪ ‬التحاكم والحكم بالتيارات الفكرية‪ ،‬والعيش والتعايش في رحابها ً‬
‫وكرًها‪.‬‬

‫وعليه‪ :‬فالتيارات الفكرية تهدف لمحو الدين الحق‪ ،‬مما يترتب عليه محو‬
‫العقيدة الصحيحة‪ ،‬والشريعة القويمة‪ ،‬واألخالق الحميدة‪ ،‬وهذا لعمري هو‬
‫الطامة الكبرى‪ ،‬والموت البطيء الذي ًل يبقي وًل يذر‪.‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫`فقه مواجهة التيار الفكري‪:‬‬


‫وأما عن مواجهة التيار الفكري‪ ،‬فإنه عين الجهاد المعنوي المشار إليه في‬
‫اه ْدهم ِّب ِّه ِّج َه ًادا َكِّب ًا‬
‫ير"(‪ ،)1‬فالحرب المعنوية ال تواجه إال‬ ‫قوله –تعالى‪" :-‬وج ِّ‬
‫ََ‬
‫بجهاد معنوي‪ ،‬ولكل حرب سالح‪ ،‬وحينها يقال‪ :‬حي على الفالح‪.‬‬

‫ويكمن فقه مواجهة التيار الفكري في النقاط التالية‪:‬‬


‫[أوًال] إعمال فقه الوقاية‪.‬‬

‫فالوقاية خير من م اررة الدواء‪ ،‬وتحصين األجساد من الفيروس ونحوه‬


‫مطلب‪ ،‬وتحصين العقول والقلوب واألنفس واألرواح من الشبهات والشهوات هو‬
‫المقصد‪ ،‬والتوازن بين المطلب والمقصد شعار اإلسالم‪.‬‬

‫ومن صور فقه الوقاية‪:‬‬

‫‪ ‬تصنيع دعاة على بصيرة في جانب التيارات الفكرية‪.‬‬

‫‪ ‬تدريس مادة التيارات الفكرية من ِّقبل المتخصصين الثقات األثبات‪.‬‬

‫‪ ‬توعية الناس بخطورة التيارات الفكرية عبر الوسائل‪ ،‬وبمختلف األساليب‬


‫الموافقة لعقلية ونفسية ومناسبة المخاطب‪.‬‬

‫[ثانيا] إعمال فقه الدفع‪.‬‬


‫ً‬
‫إن األمة التي تثق بمنهجها‪ ،‬إن اعتدي عليها وجب عليها أن تدفع‬
‫عمال بقوله‬
‫معنويا‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫معنويا‪ ،‬وجب أن يكون الرد‬ ‫ً‬ ‫المعتدي‪ ،‬فإن كان االعتداء‬
‫ِّ ِّ‬
‫اعتَدوا َعَل ْيه ِّبم ْث ِّل َما ْ‬
‫اعتََد ٰى َعَل ْيك ْم"(‪ ،)2‬وهذا هو عين‬ ‫تعالى"َف َم ِّن ْ‬
‫اعتََد ٰى َعَل ْيك ْم َف ْ‬

‫(‪ )3‬سورة الفرقان‪.54:‬‬


‫(‪ )4‬سورة البقرة‪.362:‬‬
‫‪613‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫العدل واإلنصاف‪.‬‬

‫ومن صور فقه الدفع في جانب التيارات الفكرية‪:‬‬

‫‪ ‬المجادلة بالتي هي أحسن(‪.)1‬‬

‫أحيانا‪ ،‬يدرك كيف‬


‫ً‬ ‫والمتابع لسير العلماء في القديم خاصة‪ ،‬والحديث‬
‫معنويا‪ ،‬من خالل إدراك باب الجدل بالتي‬
‫ً‬ ‫يرد السهم في نحر صاحبه‬
‫هي أحسن‪.‬‬

‫‪ ‬الدراسة الموضوعية الواعية‪ ،‬وإجراء قواعد النقد الذاتي والشمولي‬


‫والخارجي‪ ،‬مع العثور على الوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة‬
‫المعتمدة لسائر التيارات الفكرية في قديمها وحديثها‪.‬‬

‫[ثالثًا] إعمال فقه الطلب‪.‬‬

‫ومن أهمل‬
‫وإذا كانت رسالة اإلسالم عالمية‪ ،‬فإن دعوته كذلك عالمية‪َ ،‬‬
‫وحتما سيخترق‪ ،‬فوجب أن نعد العدة لطلب القوم في‬
‫ً‬ ‫الطلب عجز عن الدفع‪،‬‬
‫عقر دارهم‪ ،‬إلنقاذهم من إهالك أنفسهم‪ ،‬ودمار اإلنسانية من حولهم‪ ،‬رحمة بهم‪،‬‬
‫وهداية لهم‪ ،‬بال إكراه وإجبار‪ ،‬وإنما إقامة حجة ودفع شبهة "لِّ َئ َّال َيكو َن لِّلنَّ ِّ‬
‫اس‬
‫الل ِّـه ح َّج ٌة َب ْع َد ُّ‬
‫الرس ِّل"(‪.)2‬‬ ‫عَلى َّ‬
‫َ‬
‫ومن صور فقه الطلب‪:‬‬

‫‪ ‬نشر الدعاة إلى الله على بصيرة في سائر األمصار واألصقاع‪.‬‬

‫(‪ )3‬أنصح بإقامة وحدة أو قسم بكلية الدعوة خاصة‪ ،‬والكليات المناظرة عامة‪ ،‬يتعلم فيه الطالب‬
‫فن الجدل والمناظرة بالتي هي أحسن‪ ،‬وهو قسم جدير بالعناية واالهتمام‪ ،‬وخاصة في‬
‫المرحلة الراهنة‪ ،‬ليجبر تقصيرنا في هذا الجانب في الفترة الماضية‪.‬‬
‫(‪ )4‬سورة النساء‪.395:‬‬
‫‪614‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫‪ ‬األخذ بأسباب القوة‪ ،‬وإعمال فقه التوكل على الله‪.‬‬

‫إجماال‪ ،‬ولن يخرج في‬ ‫ً‬ ‫ومن خالل اإلشارات السابقة يتضح فقه المواجهة‬
‫الح َس َن ِّة‬
‫ظة َ‬
‫وع َ ِّ‬
‫الحكم ِّة والم ِّ‬‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫جملته عن قوله تعالى‪" :‬ادع إلى َسبيل َربِّ َك ب َ َ َ‬
‫ض َّل َعن َسبيلِّ ِّه َوه َو أَعَلم‬ ‫َّك ه َو أَعَلم ِّب َمن َ‬‫َحسن ِّإ َّن َرب َ‬
‫ِّ ِّ َّ ِّ‬
‫َوجادلهم بالتي ه َي أ َ‬
‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫ص َبرتم َله َو‬ ‫دين﴿‪َ ﴾125‬وإِّن عاَقبتم َفعاقبوا بمثل ما عوقبتم به َوَلئن َ‬ ‫ِّبالمهتَ َ‬
‫حزن َعَل ِّ‬ ‫اصبر وما صبرك ِّإال ِّب َّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يهم َوال‬ ‫اللـه َوال تَ َ‬ ‫ين ﴿‪َ ﴾12٠‬و ِّ َ َ َ‬ ‫َخ ٌير للص ِّابر َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫تَك في ض ٍ ِّ‬
‫ذين هم‬ ‫ذين اتََّقوا َوال َ‬ ‫يق مما َيمكرو َن ﴿‪ِّ ﴾127‬إ َّن الل َـه َم َع ال َ‬ ‫َ‬
‫حسنو َن" ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫م ِّ‬

‫ومن خالل ما سبق‪ :‬يتضح أن التيار الفكري يسعى لمحو الدين الحق‪ ،‬وأن‬
‫دراسته من ِّقبل الدعاة خاصة آكدة‪ ،‬إلنقاذ أنفسنا‪ ،‬وإنقاذ غيرنا‪ ،‬وينبغي على‬
‫دارس التيارات أن يلم بأصول دينه‪ ،‬خشية أن يكون فريسة لها‪ ،‬وينبغي‬
‫تخصصا دقيًقا‪ ،‬ويسد الثغر الدعوي‪،‬‬
‫ً‬ ‫لمدرس التيارات الفكرية أن يتخصص‬
‫وال ينشغل عن هدفه ومقصوده‪ ،‬في صيانة األمة من براثن التيارات الهدامة‪،‬‬
‫فيقف على جذورها التاريخية‪ ،‬ومراحل نشأتها‪ ،‬وعوامل نموها وتطورها‪،‬‬
‫مدركا فقه مواجهتها وقاية‬
‫ووسائلها وأساليبها‪ ،‬ويكمل مسيرة العلماء الثقات‪ً ،‬‬
‫وطلبا‪.‬‬
‫ودفعا ً‬‫ً‬

‫(‪ )3‬سورة النحل‪.343-345:‬‬


‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫الخاتمة‬

‫من خالل العرض السابق أكون قد وقفت –بفضل الله‪ -‬على مجموعة من‬
‫النتائج البحثية والتوصيات‪:‬‬

‫تتلخص فيما يلي‪:‬‬


‫‪ -1‬يمر التيار الفكري بمجموعة مراحل‪ ،‬فينشأ في البيئة الغربية غير‬
‫المسلمة‪ ،‬وفي الوقت الذي ُتعادى فيه المنهجية الربانية الشاملة‪،‬‬
‫ومن أسباب نشأته الرغبة في الغزو واًلستعالء في األرض واًلعتداء‪،‬‬
‫فضال عن إعالء شأن العقل وتأليهه‪ ،‬ويعتمد على منهج محكم‪ ،‬ودعاة‬
‫ا‬
‫َّ‬
‫مصنعين‪ ،‬وبيئة مدروسة‪ ،‬ومدعو مستهدف‪ ،‬وقوة أساليب‪ ،‬ومناهج‬
‫تعامل‪ ،‬ووفرة وسائل‪ ،‬وينسب باعتبار المؤسس‪ ،‬أو البيئة والنشأة‪،‬‬
‫أو اًلتجاه والمنهج‪ ،‬أو المبادئ‪ ،‬ويستفيد من الفرق والدين الوضعي‬
‫والمذاهب‪ ،‬ثم يقضي عليهم في الوقت المالئم له‪ ،‬وًل يعادي سوى‬
‫الدين الحق‪.‬‬

‫ِّ‬
‫المصنع به‪ ،‬وقبول البيئة له‪ ،‬مع‬ ‫‪ -2‬يرجع تطور التيار الفكري إليمان‬
‫توافر القوة المادية والمعنوية الخادمة له‪ ،‬ويعود انتشار التيار الفكري‬
‫لتوافر الوسائل‪ ،‬وقوة األساليب‪ ،‬ويرسخ وينتشر من خالل إعمال باب‬
‫المتابعة‪ ،‬وينتقل للبيئة المستهدفة‪ ،‬بطرق سلمية مباشرة وغير مباشرة‪،‬‬
‫وطرق أخرى غير سلمية‪ ،‬ويرجع سبب انتقاله للرغبة في القوة‬
‫طمعا في أن يسبح الناس بحمده آناء الليل وأطراف النهار‪،‬‬
‫واالستعالء‪ً ،‬‬
‫وتقبله البيئات بسبب الجهل والضعف وفقدان الثقة في المنهج الحق‬
‫فضال عن تحسين صورة الخارج‪ ،‬وغض الطرف عن سوءاته‪،‬‬
‫ً‬ ‫ودعاته‪،‬‬
‫ومن أبرز آثاره تقديس العقل‪ ،‬واضطراب منظومة األخالق الفطرية‪،‬‬
‫واستبدال جل األنظمة اإلسالمية بأنظمة وضعية‪ ،‬وإلزام الناس بها‪،‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫والخلط بين الدين الحق وغيره‪.‬‬

‫‪ -3‬يسعى التيار الفكري لمحو الدين الحق‪ ،‬وتتأكد دراسته من ِّقبل الدعاة‬
‫خاصة‪ ،‬إلنقاذ األنفس‪ ،‬وإنقاذ الغير‪ ،‬وينبغي على دارس التيارات أن يلم‬
‫بأصول دينه‪ ،‬خشية أن يكون فريسة لها‪ ،‬وينبغي لمدرس التيارات الفكرية‬
‫تخصصا دقيًقا‪ ،‬ويسد الثغر الدعوي‪ ،‬وال ينشغل عن هدفه‬
‫ً‬ ‫أن يتخصص‬
‫ومقصوده‪ ،‬في صيانة األمة من براثن التيارات الهدامة‪ ،‬فيقف على‬
‫جذورها التاريخية‪ ،‬ومراحل نشأتها‪ ،‬وعوامل نموها وتطورها‪ ،‬ووسائلها‬
‫ودفعا‬
‫مدركا فقه مواجهتها وقاية ً‬
‫وأساليبها‪ ،‬ويكمل مسيرة العلماء الثقات‪ً ،‬‬
‫وطلبا‪.‬‬
‫ً‬

‫أبرز التوصيات‬

‫يوصي الباحث بـ‪:‬‬


‫‪ ‬إعمال التخصص الدقيق‪ ،‬وخاصة في مجال التيارات الفكرية‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫‪ ‬إنشاء وحدة علمية تابعة لقسم األديان بكلية الدعوة خاصة‪ ،‬والكليات‬
‫المناظرة عامة‪ ،‬تعنى بفن المناظرات والجدل بالتي هي أحسن‪.‬‬
‫‪ ‬عقد الدورات والندوات العلمية لتحصين األمة من براثن األفكار الهدامة‬
‫النابعة من التيارات الفكرية المعاصرة‪.‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫* القرآن الكريم‪ :‬تنزيل من حكيم حميد‪.‬‬


‫‪ -3‬االتجاهات الفكرية المعاصرة‪ ،‬لعلي جريشة‪ ،‬دار الوفاء‪ -‬المنصورة‪،‬‬
‫‪3211‬هـ‪.‬‬
‫‪ -4‬االستقراء والمنهج العلمي‪ ،‬محمود زيدان‪ ،‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫‪ -1‬اإلسًلم ونظرية التطور‪ ،‬د‪ .‬أحمد رمضان‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬القاهرة‪3661 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬أباطيل وأسمار لمحمود شاكر‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط‪4115 ،1:‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬أبجديات البحث‪ :‬فريد األنصاري‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪:‬‬
‫األولى‪3661 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬أساليب الغزو الفكري للعالم اإلسًلمي‪ ،‬المستشار علي جريشة‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫السًلم‪.‬‬
‫‪ -1‬البداية والنهاية‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬ت‪ :‬علي شيري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪3213 ،3:‬هـ‪.‬‬
‫‪ -3‬التحرير والتنوير‪ ،‬محمد الطاهر ابن عاشور‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪.‬‬
‫‪ -6‬التيارات والمذاهب الفكرية المعاصرة في ميزان اإلسًلم‪ ،‬د‪ .‬ماجد عبد‬
‫السًلم إبراهيم‪ ،‬ط‪3215 ،3:‬هـ‪.‬‬
‫‪ -31‬تجديد الفكر اإلسًلمي‪ ،‬محسن عبد الحميد‪ ،‬الناشر‪ :‬المعهد العالمي‬
‫للفكر اإلسًلمي‪ ،‬ط‪3669 ،3:‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬تفسير القرآن العظيم البن كثير‪ ،‬ت‪ :‬سامي بن محمد السًلمة‪ ،‬دار‬
‫طيبة‪3241،‬هـ‪3666 -‬م‪.‬‬
‫‪ -34‬ديوان العصر العباسي‪ ،‬ألبي فراس الحمداني‪ ،‬عالم األدب‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫‪ -31‬السنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬ت‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪3232 ،1:‬هـ‪.‬‬
‫‪ -32‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬دار الراية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪3231 ،3:‬هـ‪.‬‬
‫‪ -35‬العواصم من القواصم‪ ،‬محمد أبو بكر بن العربي‪ ،‬ت‪ :‬محب الدين‬
‫الخطيب‪ ،‬ومحمود االستانبولي‪ ،‬مكتبة السنة‪ ،‬ط‪3234 ،9:‬هـ‪3664-‬م‪.‬‬
‫‪ -39‬فتح الباري شرح صحيح البخاري البن حجر‪ ،‬ترقيم‪ :‬محمد فؤاد عبد‬
‫الباقي‪ ،‬إشراف‪ :‬محب الدين الخطيب‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪3116 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -31‬لباب التأويل في معاني التنزيل‪ ،‬لإلمام عًلء الدين البغدادي‪ ،‬المعروف‬
‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬
‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬
‫بالخازن‪ ،‬ت‪ :‬عبد السًلم محمد شاهين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫‪ -33‬لسان العرب‪ ،‬أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ابن منظور)‪،‬‬
‫دار صادر‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪3232 ،1:‬هـ‪.‬‬
‫‪ -36‬المعجم الوسيط‪ ،‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬أحمد الزيات‪ ،‬حامد عبد القادر‪،‬‬
‫محمد النجار‪ ،‬دار الدعوة‪.‬‬
‫‪ -41‬المنطق ومناهج البحث‪ .‬محمد عبد الله الشرقاوي‪ ،‬دار الثقافة العربية‪،‬‬
‫مصر‪3663 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -43‬الموسوعة الميسرة‪ ،‬د‪ .‬مانع الجهني‪ ،‬الندوة العالمية للشباب بالرياض‪،‬‬
‫ط‪3241 ،2:‬هـ‪.‬‬
‫‪ -44‬مدخل إلى الفلسفة‪ ،‬د‪ .‬أحمد رمضان‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة‪3636 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -41‬مشكل اآلثار للطحاوي‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪3243 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -42‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬الراغب األصفهاني‪ ،‬ت‪ :‬صفوان عدنان‪ ،‬دار‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫‪ -45‬مناهج البحث العلمي‪ ،‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫‪3691‬م‪.‬‬
‫‪ -49‬مناهج البحث عند مفكري اإلسًلم‪ ،‬علي سامي النشار‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬بيروت‪3632 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -41‬النهاية في غريب الحديث واألثر البن األثير‪ ،‬ت‪ :‬الطناحي‪ ،‬ط‪،3:‬‬
‫‪3131‬هـ ‪3691 -‬م‪.‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬


‫حولية كلية الدعـوة اإلسالمية بالقاهرة‬
‫‪‬‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫‪stnotnoC‬‬
‫ملخص الدراسة ‪731 .................... ................................ ................................‬‬
‫المقدمة ‪731 ............................. ................................ ................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مراحل نشأة التيار الفكري‪741 ....................... ................................ .‬‬
‫التمهيد ‪741 .............................. ................................ ................................‬‬
‫تحديد المفاهيم ‪741 ...................... ................................ ................................‬‬
‫المبحث األول ‪741 ...................... ................................ ................................‬‬
‫مراحل نشأة التيار الفكري ‪741 ......................................... ................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أين ومتى ولماذا وكيف ينشأ التيار الفكري؟‪741 .................................... .‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نسب التيار الفكري‪ ،‬وعالقته بغيره‪751 ............. ................................ .‬‬
‫المبحث الثاني ‪751 ...................... ................................ ................................‬‬
‫عوامل تطور التيار الفكري وآثاره ‪751 ................................ ................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬كيف يتطور‪ ،‬وينتقل‪ ،‬وينتشر التيار الفكري؟‪711 ................................... .‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أسباب قبول التيار الفكري وآثاره‪711 ............... ................................ .‬‬
‫أسباب قبول التيار الفكري‪711 ........................................ ................................ :‬‬
‫المبحث الثالث ‪713 ...................... ................................ ................................‬‬
‫خطورة التيار الفكري‪ ،‬ومنهجية ‪713 .................................. ................................‬‬
‫دراسته‪ ،‬وفقه مواجهته ‪713 ............ ................................ ................................‬‬
‫الخاتمة ‪711 ............................. ................................ ................................‬‬
‫أبرز التوصيات ‪711 .................... ................................ ................................‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ‪711 .......................................... ................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪711 ............... ................................ ................................‬‬

‫‪611‬‬ ‫العدد (‪ -3131/3102 )23‬المجلد األول‬

You might also like