You are on page 1of 25

‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫‪SIATS Journals‬‬

‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for‬‬


‫‪Specialized Researches‬‬
‫)‪(JISTSR‬‬

‫‪jistsr.siats.co.uk \ Email: jistsr@siats.co.uk‬‬

‫‪WhatsApp: 0060178330229‬‬

‫مجلة الدراسات اإلسالمية والفكر للبحوث التخصصية‬


‫المجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬يناير ‪2020‬م‬
‫‪e-ISSN: 2289-9065‬‬

‫مفسدات البناء اإلنساين واحلضاري دراسة موضوعية من خالل تفسري الظالل‬


‫‪“THE SPOILERS OF HUMAN AND CIVILIZATION DEVELOPMENT:‬‬
‫”‪THEMATIC STUDY OF TAFSEER AL-DHILĀL‬‬

‫الدكتور حممد أمني حسين‬

‫أكادميية الدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة ماالاي‪ ،‬ماليزاي‬

‫‪amine-ha@hotmail.com‬‬

‫األستاذ املشارك الدكتور‪ :‬فؤاد بن أمحد بوالنعمة‬

‫قسم احلديث وعلومه‪ ،‬جامعة املدينة العاملية‪ ،‬شاه علم‪ ،‬ماليزاي‬

‫األستاذ املشارك الدكتور‪ :‬مصطفى عبد للا‬


‫أكادميية الدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة ماالاي‪ ،‬ماليزاي‬

‫‪1441‬ه ‪2020 /‬م‬


Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020

ARTICLE INFO
Article history:
Received 22/9/2019
Received in revised
form110/2019
Accepted 30/12/2019
Available online 15/1/2020
Keywords:

Abstract
This research aims to clarify the spoilers and obstacles of human and civilization
development in the light of Quran according to Sayyid in His Tafseer Fī Dhilāli al
Qurʾān. The problem statement of this research is that the spoilers of human and
civilization development in the light of Quran as mentioned in Tafseer Fī Dhilāli al
Qurʾān need to be identified and highlighted, the Quranic methodology in dealing with
those spoilers and obstacles also need to be clarified. This research used the inductive
and analytical approaches .The findings of the research show that the Qur’anic approach
not only develops human and establishes civilization, but rather sets up mechanisms to
protect and preserve them from which can interrupt and spoil the development process.
In addition, the spoilers and obstacles of human and civilization development according
to Tafseer Fī Dhilāli al Qurʾān are divided into two categories, namely: the internal and
external.
Keywords: Spoilers, Quranic Methodology, Human Development, Civilization
Development, Fī Dhilāli al Qurʾān,

‫ملخص‬

.‫يهدف هذا البحث إىل بيان مفسدات البناء اإلنساين واحلضاري يف القرآن الكرمي من خالل تفسري الظالل‬

‫تكمن مشكلة البحث يف أن مفسدت البناء اإلنساين واحلضاري كما وردت يف تفسري الظالل حتتاج إىل‬

‫ اعتمد الباحث‬.‫ وذلك بتحديدها وتصنيفها وبيان منهج القرآن الكرمي يف التعامل معها‬،‫استنباط وبيان‬

‫املنهج االستقرائي بغرض تتبع ومجع النصوص اليت تطرقت إىل مفسدات البناء اإلنساين واحلضاري يف تفسري‬

236
Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫الظالل‪ ،‬كما اعتمد املنهج التحليلي الوصفي لتحليل النصوص اجملموعة ومالحظة السياق الذي وردت فيه‬

‫واستنباط مفسدات ومعوقات البناء اإلنساين واحلضاري‪ .‬ومن أهم النتائج اليت توصل إليها الباحث ما يلي‪:‬‬

‫أن محاية البناء اإلنساين واحلضاري من املفسدات يعترب من صميم منهج القرآن يف بناء اإلنسان واحلضارة‪،‬‬

‫ومن النتائج أيضا أن مفسدات اإلنسان واحلضارة نوعان‪ :‬ذاتية واملتمثلة يف طبيعة اإلنسان وميوالته ومن‬

‫ذلك ارتكاب املعاصي‪ ،‬وخارجية واملتمثلة يف شياطني اجلن واإلنس‪ ،‬وأن املنهج القرآين وضع السبل واآلليات‬

‫الكفيلة حبماية وصيانة اإلنسان واحلضارة من هذه املفسدات‪.‬‬

‫الكلمات الداللية‪ :‬مفسدات‪ ،‬معوقات‪ ،‬بناء اإلنسان‪ ،‬بناء احلضارة‪ ،‬يف ظالل القرآن‪.‬‬

‫املقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على خامت األنبياء واملرسلني‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إبحسان‬

‫إىل يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫بكل أنواعه‪ ،‬بناء اإلنسان‬


‫إن الغاية األصيلة من إنزال القرآن الكرمي ‪-‬كما ورد يف تفسري الظالل‪ -‬هي البناء ّ‬
‫لب القرآن الكرمي ومهمته(‪ .)1‬غري أن البناء يف‬
‫من مجيع نواحيه‪ ،‬وبناء احلضارة بشىت جماالهتا‪ ،‬فالبناء هو ّ‬
‫ضوء القرآن الكرمي ميّر على مستوايت ومراحل‪ ،‬وذلك حىت يكون حمكما‪ ،‬وذا أثر حقيقي وفعال يف الواقع‪،‬‬

‫وعملية البناء ال تقتصر على بناء اإلنسان وأتسيس حضارته‪ ،‬بل هناك مستوى آخر يعترب من صميم عملية‬

‫البناء والذي يتمثل يف الوقاية والصيانة حيث يعرض املنهج القرآين طبيعة املعركة اليت خيوضها اإلنسان وطبيعة‬

‫أعدائه ووسائلهم ومكرهم(‪ .)2‬وقد تشدد القرآن الكرمي يف قضية املفسدات واملعوقات كثريا‪ ،‬ألهنا بكل بساطة‬

‫تؤدي إىل نتيجة واحدة ووحيدة وهي االحنراف عن أداء الوظيفة الوجودية املتمثلة يف عمران االستخالف‪،‬‬

‫‪237‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫وابلتايل يفقد املعىن من الوجود اإلنساين يف هذه األرض‪ ،‬بل وينتقل إىل اجلهة املناقضة متاما وهي جهة‬

‫جمرد أداة لإلفساد يف األرض‪ ،‬وإلهالك احلرث‬


‫اإلفساد فيشتغل بعكس ما أُمر به حيث "يغدو صاحبها ّ‬
‫والنّسل‪ ،‬ابتغاء مصاحله وأهوائه الشخصية‪ ،‬مهما حتلّى ظاهره ابلصفات احلميدة واألخالق الفاضلة"(‪.)3‬‬

‫والذي يهمنا يف هذا البحث هو نظرة سيد من خالل تفسريه الظالل إىل مفسدات البناء اإلنساين واحلضاري‬

‫والوقاية منها يف ضوء القرآن الكرمي‪ .‬وقد مت تقسيم هذه الدراسة إىل مقدمة وثالثة مباحث وخامتة‪ ،‬وهي كما‬

‫يلي‪:‬‬

‫املقدمة‪ :‬وفيها توطئة للموضوع‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬أمهية الوعي مبفسدات البناء اإلنساين واحلضاري‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬تعريف الفساد‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أنواع مفسدات البناء اإلنساين واحلضاري‪.‬‬

‫اخلامتة‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬أمهية الوعي مبفسدات البناء اإلنساين واحلضاري‬

‫يؤكد سيّد حقيقة مهمة وهي أ ّن بيان املفسدات واحلديث عنها وتبصري اإلنسان هبا يعترب طرفا أصيال من‬
‫(‪)4‬‬ ‫ِ‬
‫يل الْ ُم ْج ِرم َ‬
‫ني‪‬‬ ‫املنهج القرآين لبناء الفرد وإعداد اجلماعة املسلمة‪ ،‬كما قال –تعاىل‪ :-‬ولِتَستَبِ َ ِ‬
‫ني َسب ُ‬ ‫َ ْ‬
‫فكما يربز جماالت بناء اإلنسان مبختلف جوانبه واحلضارة بشىت جماالهتا ويبني طرق البناء ووسائله وآلياته‬

‫فإنه كذلك يكشف الباطل ويفضحه ويبني املفسدات وجيردها‪ ،‬حىت حيفظ ذلك البناء ويعصمه مما يهده(‪.)5‬‬

‫الشر والفساد واهلدم ممثلة يف إبليس‪،‬‬


‫فلذلك ّزوده "ابلتجربة األوىل يف الصراع الطويل يف األرض‪ ،‬بني قوى ّ‬

‫‪238‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫وقوى اخلري والصالح والبناء ممثلة يف اإلنسان املعتصم ابإلميان"(‪ .)6‬ويشدد سيّد على حقيقة أ ّن اإلنسان هو‬

‫مر "فلن تقوم احلضارة على املصانع وحدها‪ ،‬وال على اإلنتاج"(‪.)7‬‬
‫أضخم أسس العمران واحلضارة‪ ،‬فإذا ُد ّ‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تعريف الفساد عن سيّد قطب‬

‫يرى سيّد أن رأس الفساد يتمثل يف أمر واحد وهو االبتعاد عن منهج للا –تعاىل‪ -‬الذي ارتضاه مرجعا‬

‫للبشر حيكم حياهتم‪ ،‬فإن االبتعاد عن هذا املنهج واالحنراف عنه يؤدي إىل الفساد ال حمالة‪ ،‬إذ ال يتصور أن‬

‫منهج آخر‬
‫َّخذ ٌ‬
‫وجل‪ -‬وشريعته مغيّبان عن دنيا الناس وحياهتم‪ ،‬أو أن يُت َ‬
‫عز َّ‬
‫تصلح األرض ومنهج للا ‪َّ -‬‬

‫وشريعة أخرى ليستمد منها الناس شؤوهنم وأمورهم‪ ،‬فانقطاع الصلة بني العباد ورهبم يرتتب عليه فساد عظيم‬

‫وشامل لكل ما على األرض‪ ،‬فساد يف التصور والضمري واخللق والسلوك ويف الروابط واملعامالت بني الناس‪،‬‬

‫وفساد يف عالقتهم مع الكون(‪ .)8‬ومن خالل تعريف سيّد للفساد يتبني أ ّن املفسدين احلقيقيني يف األرض‬

‫هم الذين حياربون إقرار منهج للا –تعاىل‪ -‬يف األرض وحيولون بينه وبني البشرية‪ ،‬ويسعون إىل إقصائه من‬

‫كل من يلتزم به ويتخذه منهجا حلياته‪ ،‬فأولئك هم‬


‫حياة الناس وصرفهم عنه وحرماهنا من خريه‪ ،‬ويفتنون ّ‬
‫املفسدون احلقيقيون(‪.)9‬‬

‫وزايدة على ذلك‪ ،‬يقرر سيّد أن هناك "عالقة وثيقة بني الفساد الذي يصيب حياة البشر يف هذه‬

‫اّلل هلداية البشر إىل احلق والصالح واخلري‪ .‬فالذين ال‬


‫األرض وبني ذلك العمى عن احلق الذي جاء من عند ّ‬
‫اّلل على الفطرة‪ ،‬وال يستجيبون للحق الذي جاء من عنده ويعلمون أنه وحده احلق‪ ..‬هم‬
‫يستجيبون لعهد ّ‬
‫الذين يفسدون يف األرض كما أن الذين يعلمون أنه احلق ويستجيبون له هم الذين يصلحون يف األرض‪،‬‬
‫(‪)10‬‬
‫كل فساد‬
‫وجل‪ ،-‬و ّ‬
‫عز َّ‬
‫مرده إىل اإلميان واالستقامة على منهج للا ‪َّ -‬‬
‫فكل صالح ّ‬
‫وتزكو هبم احلياة" ‪ .‬إذن ّ‬
‫مرده إىل الكفر واالحنراف عن منهج للا –تعاىل‬
‫ّ‬

‫‪239‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أنواع مفسدات البناء اإلنساين واحلضاري‪:‬‬

‫ذكر سيّد أن احنراف اإلنسان وفساده وابلتايل فساد حضارته يرجع إىل أمرين‪ ،‬ميكن االصطالح عليهما‬

‫ابملفسدات الداخلية أو الذاتية‪ ،‬واملفسدات اخلارجية‪ ،‬واملقصود ابملفسدات الداخلية أو الذاتية هي تلك اليت‬

‫ترجع إىل "العوامل املعقدة املتشابكة يف تكوين اإلنسان يف ذاته" وهي عبارة عن تلك "الثغرات الطبيعية يف‬

‫النفس البشرية"(‪ ،)11‬أما املفسدات اخلارجية فتتمثل يف العوامل اليت يتعامل معها اإلنسان‪ ،‬مثل شياطني اإلنس‬

‫اجلن‪ ،‬الذين يستغلون تلك الثغرات يف تكوين اإلنسان الذايت فينفذون منها ليفسدوه ويهلكوه(‪.)12‬‬
‫و ّ‬
‫أوال‪ :‬املفسدات الداخلية‪:‬‬

‫أ‪ -‬حب الدنيا والتعلق هبا‪ :‬يرى سيّد أن ّ‬


‫حب الدنيا والتعلق هبا وسوء تصور حقيقتها من مفسدات‬

‫وجل‪ -‬خلق اإلنسان واستخلفه يف األرض َّ‬


‫ومكن له فيها على شرط أن يعبده‬ ‫عز َّ‬
‫اإلنسان واحلضارة‪ ،‬فاهلل ‪َّ -‬‬

‫وحده ويتلقى منه وحده ألنه املالك وهو مستخلَف يف ملكه‪ ،‬غري أ ّن اإلنسان ينسى هذه احلقيقة ويغفل‬

‫عنها‪ ،‬فيجعل نفسه مكان اإلله ويتصرف فيها تصرف من ميلك ال من هو مستخلف‪ ،‬فإذا صار هذا حال‬

‫اإلنسان فإنه سينحرف عن سنن للا –تعاىل‪ -‬وحييد عن الطريق‪ ،‬فيستحق حينئذ العقاب والعذاب(‪.)13‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن االستغراق يف لذائذ الدنيا وشهواهتا‪ ،‬واالسرتسال يف تلبية دوافع امليول الفطرية‬

‫واالهتمام ابألهداف الدنيوية فقط‪ ،‬حيجب اإلنسان عن التطلع لألهداف السامية والغاايت الرفيعة‪ ،‬ويقزم‬

‫اهتماماته ويقعد به عن أداء مهمته الكربى يف الوجود فلذلك جاء النهي عن اختالط أولوايته واحنرافه عن‬

‫هدفه بسبب تعلقه ابلدنيا‪ ،‬وارتقى املنهج القرآين ابهتماماته وطموحه وتطلعاته إىل ما وراء الغاايت‬

‫الدنيوية(‪.)14‬‬

‫‪240‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫كما أ ّن االستغراق يف احلياة الدنيا وتفضيلها على اآلخرة‪ ،‬يدفع اإلنسان إىل حماربة منهج للا –‬

‫تعاىل‪ -‬والصد عن سبيله‪ ،‬إذ ال ميكنه الوصول إىل غاايته السيئة من استغالل الناس واستعبادهم والكسب‬

‫احلرام يف ظل هذا املنهج‪ ،‬فإذا َّ‬


‫صد عن منهج للا –تعاىل‪ -‬وعزله عن الوجود وأقصاه‪ ،‬فحينئذ ميكنه حتقيق‬

‫اّللِ َويَْب غُ َ‬
‫وهنَا عِ َو ًجا‪‬‬ ‫صدُّو َن َع ْن َسبِ ِيل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين يَ ْستَحبُّو َن ا ْحلَيَاةَ الدُّنْيَا َعلَى ْاآلخَرةِ َويَ ُ‬
‫غاايته قال –تعاىل‪ :-‬الذ َ‬
‫(‪.)16( )15‬‬

‫وال يُفهم من وصف املنهج القرآين للدنيا أبهنا من معوقات البناء اإلنساين واحلضاري ومن مفسداهتما‬

‫أن ينقطع اإلنسان عن عمارهتا وتنميتها واالنتفاع خبرياهتا والزهد يف طيباهتا وأن هذا يعارض صالح الدار‬

‫اآلخرة(‪ ،)17‬كال‪ ،‬فهذا من صميم مهمته الكربى يف هذه األرض كما أن صالح اآلخرة يقتضي صالح‬

‫الدنيا(‪ ، )18‬ولكن املقصود ابلدرجة األوىل من هذا التحذير هو الركون إليها واختاذها هدفا وغاية يف ذاهتا‬

‫وتقدميها على عقيدته واستحباهبا على احلياة األخرى‪ .‬أما إذا كانت الكلمة األوىل للعقيدة وكانت هي‬
‫املسيطرة واملوجهة ملتاع الدنيا وأعراضها و ُِّ‬
‫اخت َذت هذه الدنيا وسيلةً لنيل رضوان للا –تعاىل‪ -‬ومتهيدا للدار‬

‫اآلخرة‪ ،‬فال حرج حينئذ أن يستمتع اإلنسان بطيبات احلياة كلّها بشرط أن يطرحها وينبذها إذا تعارضت‬

‫مع العقيدة(‪.)19‬‬

‫ب‪ -‬املعاصي من املفسدات‪:‬‬

‫ذكر سيّد أن الذنوب واملعاصي من مفسدات البناء اإلنساين واحلضاري‪ ،‬وقد تكررت اإلشارة إىل هذه‬

‫ْناه ْم بِ ُذنُوهبِِ ْم‪ ،)20( ‬فهذا النص ‪-‬ومثله‬


‫القضية يف مواضع كثرية من القرآن الكرمي‪ ،‬كقوله –تعاىل‪ :-‬فَأ َْهلَك ُ‬
‫يف القرآن كثري‪ -‬يربز العالقة احلتمية واملباشرة بني هالك األمم وانتشار الفساد فيها‪ ،‬ويقرر سنّة ماضية ال‬

‫تتخلف أبدا وهي أن الذنوب واملعاصي هتلك أصحاهبا‪ ،‬فإذا فشت املعاصي يف ّأمة فإن مصريها –ال حمالة‪-‬‬

‫‪241‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫حتل عليها عقوبة أو ينزل عليها عذاب من للا –تعاىل‪ -‬كحال‬


‫اهلالك والدمار وهذا من أحد طريقني‪ ،‬إما أن ّ‬
‫بعض األمم من قبل‪ ،‬وإما أن تنحل احنالال بطيئا فطراي طبيعيا وتفقد عناصر قوهتا نتيجة انغماسها يف‬

‫الذنوب‪ ،‬ويشهد لذلك ما آلت إليه األمم اليت فشت فيها شىت املعاصي والذنوب مثل االحنالل اخللقي‪،‬‬

‫والرتف‪ ،‬واال نشغال ابلنعيم‪ ،‬كما حصل مع حضارة اإلغريق والرومان يف التاريخ القريب وكما بدت بوادره‬

‫عند بعض الدول املعاصرة كفرنسا وبريطانيا‪ ،‬فهذه هي سنة للا –تعاىل‪ -‬اليت ال تتبدل وال تتخلف‪ ،‬فحني‬

‫توجد األسباب تتبعها النتائج‪ ،‬وهي سنة مضت من بعد قوم نوح جيال بعد جيل‪ ،‬كلّما فشت املعاصي‬

‫وانتشرت الذنوب يف أمة من األمم وحضارة من احلضارات كان اهلالك مصريها‪ ،‬قال –تعاىل‪َ  :-‬وَك ْم أ َْهلَكْنا‬

‫بادهِ خبِرياً ب ِ‬
‫صرياً‪.)22( )21( ‬‬ ‫وح‪ ،‬وَكفى بِربِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ب ُذنُوب ع َ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫م َن الْ ُق ُرون م ْن بَ ْعد نُ ٍ َ‬
‫وجيب التنبيه هنا إىل أمر مهم وهو أننا نرى بعض الدول قد أوغلت يف املعاصي ومع ذلك فإهنا مل‬

‫هتلك ومل تفسد‪ ،‬فيجيب سيّد عن ذلك بقوله‪" :‬ولقد يقال‪ :‬إن أمما ال تؤمن وال حتسن وال تصلح وال تعدل‪.‬‬

‫وهي مع ذلك قوية ثرية ابقية‪ .‬وهذا وهم‪ .‬فال بد من بقية من خري يف هذه األمم‪ .‬ولو كان هو خري العمارة‬

‫لألرض‪ ،‬وخري العدل يف حدوده الضيقة بني أبنائها‪ ،‬وخري اإلصالح املادي واإلحسان احملدود حبدودها‪.‬‬

‫فعلى هذه البقية من اخلري تعيش حىت تستنفدها فال تبقى فيها من اخلري بقية‪ .‬مث تنتهي حتما إىل املصري‬
‫(‪. )23‬‬
‫‪.‬‬ ‫اّلل ال تتخلف"‬
‫املعلوم‪ .‬إن سنة ّ‬
‫ٍ‬
‫صعيد آخر يؤك ّد سيد ضرورة األمر ابملعروف والنهي عن املنكر ويعتربه صمام أمان األمم‬ ‫وعلى‬

‫والشعوب‪ ،‬وأن القيام به مسة اجملتمعات الفاضلة وتركه مسة اجملتمعات الفاسدة املؤذنة ابالهنيار‪ ،‬فإذا وجد يف‬

‫األمة اليت يقع فيها الفساد من يقف موقفا إجيابيا فريفض هذا الفساد ابلدفع واإلنكار والنصح والتوجيه‪،‬‬

‫فإن هذ ه األمة ستنجو من اهلالك والدمار‪ .‬وأما إذا كان موقف أفراد تلك األمة من الفساد والظلم موقفا‬

‫‪242‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫سلبيا جامدا فلم ينكروه ومل يدفعوه‪ ،‬أو ُوجد من يستنكره غري أنه ال يبلغ درجة التأثري يف الواقع الفاسد‪ ،‬فإن‬

‫مآل تلك األمة إىل اهلالك والدمار ابالستئصال أو االحنالل واالختالل(‪.)24‬‬

‫ج‪ -‬التكذيب ابلرسالة‪ :‬يذكر سيّد أن التكذيب ابلرسل والرساالت من مفسدات اإلنسان واحلضارة‪ ،‬إذ‬

‫وجل‪ -‬ال‬
‫عز َّ‬
‫يؤدي ذلك إىل الدمار واهلالك‪ ،‬وعاقبة املكذبني معلومة ومعروفة وهي سنة من سنن للا ‪َّ -‬‬

‫ت َأتْتِي ِه ْم‬ ‫ِ‬


‫ك ِأب ََّهنُْم كانَ ْ‬
‫تتخلف‪ .‬وقد ورد ذلك يف مواضع كثرية من القرآن الكرمي‪ ،‬كقوله –تعاىل‪ :-‬ذل َ‬

‫قاب‪.)26( )25( ‬‬ ‫اّللُ‪ ،‬إِنَّهُ قَ ِوي َش ِد ُ‬


‫يد الْعِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُر ُسلُ ُه ْم ِابلْبَ يِّنات‪ ،‬فَ َك َف ُروا‪ ،‬فَأ َ‬
‫َخ َذ ُه ُم َّ‬

‫حل هبا العذاب والدمار ومل تعد‬


‫ولقد ضرب للا –تعاىل‪ -‬أمثاال كثرية ألمم وحضارات يف السابق ّ‬
‫شيئا مذكورا بسبب أهنا كذبت ابلبينات وابلرسل‪ ،‬كمثل القرية اليت كانت تتمتع بكل مقومات احلياة والرفاهية‬

‫وجل‪ -‬إليها وتنكرت للبينات "فمضت فيها سنة للا يف املكذبني"‪ ،‬قال‬
‫عز ّ‬‫غري أهنا كذبت رسول للا ‪َّ -‬‬

‫اّللِ‪،‬‬
‫ت ِأبَنْعُ ِم َّ‬ ‫ت ِآمنَةً مطْمئِنَّةً‪َ ،‬يْتِيها ِرْزقُها رغَداً ِمن ُك ِل م ٍ‬
‫كان‪ ،‬فَ َك َف َر ْ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫اّللُ َمثَ ًال قَ ْريَةً كانَ ْ‬
‫ب َّ‬ ‫تعاىل‪َ  :‬و َ‬
‫ضَر َ‬
‫وع وا ْخلو ِ‬
‫ف ِمبا كانُوا يصنَعو َن‪ .‬ولََق ْد جاءهم رس ٌ ِ‬ ‫فَأَذاقَها َّ ِ‬
‫ذاب َوُه ْم‬ ‫ول منْ ُه ْم فَ َك َّذبُوهُ‪ ،‬فَأ َ‬
‫َخ َذ ُه ُم الْ َع ُ‬ ‫َُ ْ َ ُ‬ ‫َُْ َ‬ ‫باس ا ْجلُ ِ َ َْ‬
‫اّللُ ل َ‬ ‫َ‬
‫ظالِ ُمو َن‪.)28( )27( ‬‬

‫ويف املقابل فإن اإلميان ابلرسالة واتباعها يعصم األمم من اهلالك والدمار وميد يف أعمارها وجيعل‬

‫كات ِم َن‬
‫َن أَهل الْ ُقرى آمنُوا واتَّ َقوا لََفتَحنا علَي ِهم ب ر ٍ‬
‫َ َ ْ ْ َ ْ ْ ََ‬ ‫عيشها رغدا وجيلب هلا الربكات‪ ،‬قال –تعاىل‪َ  :-‬ولَ ْو أ َّ ْ َ‬
‫ض ولكِن َك َّذبوا فَأَخ ْذانهم ِمبا كانُوا يك ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْسبُو َن‪ .)30( )29( ‬وجتدر اإلشارة إىل أ ّن الدمار واهلالك‬ ‫َ‬ ‫السماء َو ْاأل َْر ِ َ ْ ُ َ ُ ْ‬
‫والعقوابت اليت تلحق األمم بسبب إغراقها يف املعاصي وتكذيبها للرسل إمنا هو مثرة أعماهلا واختيارها‬

‫حاق هبِِ ْم ما كانُوا بِِه يَ ْستَ ْه ِزُؤ َن‪.)31(‬‬


‫ئات ما َع ِملُوا‪َ ،‬و َ‬
‫َصاهبُْم َسيِّ ُ‬
‫وسلوكها‪ ،‬قال –تعاىل‪ :-‬فَأ َ‬

‫‪243‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫اثنيا‪ :‬املفسدات اخلارجية‪:‬‬

‫يذكر سيّد أ ّن طبيعة املنهج القرآين أبهدافه اليت يسعى إىل حتقيقها من عدل وخري واستقامة ومساواة‪ ،‬تقتضي‬

‫وجود أعداء يرفضونه ويسعون إىل الوقوف يف سبيله وحماربته ابليد والقلب واللسان ألنه يهدد وجودهم‬

‫كل جيل‪ ،‬وهم سنة من سنن للا ‪-‬‬


‫كل أرض ويف ّ‬
‫وكياهنم ومصاحلهم‪ ،‬فهؤالء املفسدون موجودون دائما يف ّ‬
‫وجل‪ ،-‬كما أ ّن وجود هذه املفسدات هو ابتالء من للا ‪-‬تعاىل‪ -‬ومتحيص منه ألوليائه لينظر أيصربون‪،‬‬
‫عز ّ‬‫ّ‬
‫مث لتصلح احلياة ابلدفع ويتميز احلق ابملفاصلة ويتمحض اخلري ابلصرب(‪.)32‬‬

‫ومنافع من إفساد البناء اإلنساين واحلضاري‪ ،‬فبالنسبة‬


‫َ‬ ‫اجلن واإلنس مصاحلَ‬
‫ويذكر سيّد أن لشياطني ّ‬
‫اجلن فإن مصلحتهم تتمثل يف أهنم ينجحون يف الوسوسة لبين آدم وإغوائهم ليفسدوا عليهم حياهتم‬
‫لشياطني ّ‬
‫ودينهم‪ ،‬ويقودوهم إىل اهلالك يف الدنيا واجلحيم يف اآلخرة‪ .‬وأما ابلنسبة لشياطني اإلنس فتتمثل مصلحتهم‬

‫يف السيطرة على األوضاع والتحكم فيها وفق هواهم واحملافظة على املكاسب املادية واملكانة االجتماعية‬

‫كل‬
‫وغريها من املصاحل الشخصية‪ ،‬وقد أخذ أعداء البشرية عهدا على أنفسهم أن حياربوا هذا املنهج وحياربوا ّ‬
‫من يتخذه منهجا حلياته‪ ،‬فهذا هدفهم الذي مل يتغري ولن يتغري‪ ،‬قال –تعاىل‪َ  :-‬وال يَزالُو َن يُقاتِلُونَ ُك ْم َح َّىت‬

‫ِِ ِ‬
‫يَ ُرُّدوُك ْم َع ْن دين ُك ْم إِن ْ‬
‫استَطاعُوا‪.)34( )33( ‬‬

‫أ‪ -‬إبليس‪:‬‬

‫الشر‪،‬‬
‫يصف سيد املعركة بني الشيطان وبين آدم ابملعركة اخلالدة‪ ،‬وهي معركة قائمة بني إبليس الذي ميثل ّ‬
‫واإلنسان الذي هو خليفة للا –تعاىل‪ -‬يف األرض(‪ ،)35‬فهي معركة بني اإلميان والكفر‪ ،‬واحلق والباطل‪،‬‬

‫واهلدى والضالل‪ .‬وميدان هذه املعركة هو اإلنسان ذاته‪ ،‬وهو –وحده‪ -‬الذي يتحمل تبعات الربح أو‬

‫اخلسارة(‪.)36‬‬

‫‪244‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫كل معركة خيوضها اإلنسان مع الفساد‬


‫ويعترب سيّد معركة اإلنسان مع الشيطان هي املعركة الرئيسية‪ ،‬و ّ‬
‫‪-‬سواء على مستوى الضمري أو احلياة الواقعية يف األرض‪ -‬فالشيطان يقف وراءها‪ ،‬يقول سيّد‪ " :‬واملعركة‬

‫يف الضمري واملعركة يف احلياة الواقعية متصلتان ال منفصلتان‪ .‬فالشيطان وراءمها مجيعا! والطواغيت اليت تقوم‬

‫اّلل وشرعه والقيم واملوازين‬


‫يف األرض لتخضع الناس حلاكميتها وشرعها وقيمها وموازينها‪ ،‬وتستبعد حاكمية ّ‬
‫املنبثقة من دينه‪ ..‬إمنا هي شياطني اإلنس اليت توحي هلا شياطني اجلن‪ .‬واملعركة معها هي املعركة مع الشيطان‬

‫نفسه‪ .‬وليست بعيدة عنها‪ .‬وهكذا ترتكز املعركة الكربى الطويلة الضارية يف املعركة مع الشيطان ذاته‪ .‬ومع‬

‫أوليائه‪ .‬ويشعر املسلم وهو خيوض املعركة مع هواه وشهواته وهو خيوضها كذلك مع أولياء الشيطان من‬

‫الطواغيت يف األرض وأتباعهم وأذانهبم وهو خيوضها مع الشر والفساد واالحنالل الذي ينشئونه يف األرض‬

‫من حوهلم‪ ..‬يشعر املسلم وهو خيوض هذه املعارك كلها‪ ،‬أنه إمنا خيوض معركة واحدة جدية صارمة ضارية‪،‬‬

‫مصر ماض يف طريقه‪ ..‬وأن اجلهاد ‪ -‬من مث ‪ -‬ماض إىل يوم القيامة‪ .‬يف كل صوره‬
‫ألن عدوه فيها ّ‬
‫وجماالته"(‪...)37‬‬

‫إن إبليس هو العدو اللدود والقدمي لإلنسان‪ ،‬الذي طلب النظرة إىل يوم القيامة لينتقم من آدم‬

‫كل جهده ليفسد‬


‫أصر وتوعد أبنه سيبذل ّ‬
‫وذريته إذ يعتربه السبب يف طرده من رمحة للا –تعاىل‪ ،-‬وقد عزم و ّ‬
‫كل حلظة‬
‫كل صوب‪ ،‬ويف ّ‬
‫كل حالة‪ ،‬وأن َيتيه من ّ‬
‫اإلنسان ويسوقه إىل اهلالك والدمار‪ ،‬وأبنه سيالحقه يف ّ‬

‫قال‪ :‬فَبِما أَ ْغ َويْتَِين َألَقْ عُ َد َّن َهلُْم ِصراطَ َ‬


‫ك‬ ‫وجل‪ -‬الذي هو طريق اهلدى واحل ّق‪َ  ،‬‬
‫عز َّ‬
‫ليصرفه عن صراط للا ‪َّ -‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫الْمستَ ِقيم‪ُ .‬مثَّ َآلتِي ن ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫َّه ْم م ْن بَْني أَيْديه ْم َوم ْن َخ ْلفه ْم َو َع ْن أَْمياهن ْم َو َع ْن ََشائله ْم‪َ ،‬وال َجت ُد أَ ْكثَ َرُه ْم شاك ِر َ‬
‫ين‪‬‬ ‫َُ‬ ‫ُْ َ‬
‫(‪.)38‬‬

‫‪245‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫ابلشر‪ ،‬من سوء التصور وسوء الفعل‪ ،‬وغاية مهه‬


‫فمن هنا يتبني أن الشيطان ال َيمر اإلنسان إال ّ‬
‫إخراج اإلنسان عن منهج للا –تعاىل‪ .-‬وقد ّبني للا ‪-‬تعاىل‪ -‬وظيفة الشيطان أبنه َيمر ابلسوء والفحشاء‪،‬‬

‫اّللِ ما ال تَ ْعلَ ُمو َن‪.)40( )39( ‬‬ ‫وء والْ َفح ِ‬


‫شاء َوأَ ْن تَ ُقولُوا َعلَى َّ‬ ‫قال –تعاىل‪ :-‬إَِّمنا َيْمرُكم ِاب ُّ ِ‬
‫لس َ ْ‬ ‫َ ُُ ْ‬
‫آليات مواجهة الشيطان‪ :‬من اآلليات اليت يتخذها املنهج القرآين يف بناء اإلنسان ملواجهة إبليس ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬التذكري ابملعركة والعداوة املستحكمة بني اإلنسان والشيطان‪ :‬إ ّن املنهج القرآين كثري التذكري لإلنسان‬

‫بعداوة الشيطان له وابملعركة اخلالدة بينهما‪ ،‬وحيذره من اتباعه أشد حتذير ويبني له أنه عدو له فليتخذه هو‬
‫كذلك عدوا‪ ،‬قال –تعاىل‪ :-‬إِ َّن الشَّيطَا َن لَ ُكم ع ُدو فَ َِّ‬
‫اخت ُذوهُ َع ُد ًّوا‪ ..)42( )41( ‬كما أنه يستعرض له ما‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وقع يف أول معركة يف اجلنة بني الشيطان وأبويه ليبني له أن هذه العداوة مستحكمة وحىت ال يقع يف كيده‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخَر َج أَبَ َويْ ُك ْم م َن ا ْجلَنَّة يَْن ِزعُ‬ ‫كما حصل مع أبويه‪ ،‬قال –تعاىل‪َ  :-‬اي بَِين َ‬
‫آد َم َال يَ ْفتنَ نَّ ُك ُم الشَّْيطَا ُن َك َما أ ْ‬

‫اس ُه َما لُِِرييَ ُه َما َس ْوآهتِِ َما‪ ، )43( ‬وزايدة على ذلك فإنه يكشف له عن عزم الشيطان وسوء قصده‬ ‫ِ‬
‫َعْن ُه َما لبَ َ‬
‫وإصراره على إغوائه وإفساده وأن هذا هو هدفه يف األرض والشعار الذي اختذه منذ املعركة األوىل‪ ،‬حيث‬
‫ك َألُ ْغ ِوي نَّهم أ ْ ِ‬
‫ال فَبِعَِّزتِ َ‬
‫ني‪ ، ‬كما ّ‬ ‫يقول‪ :‬قَ َ‬
‫(‪)44‬‬
‫يبني له أنه ال يدعو إىل خري‪ ،‬ويبني هلم مصري من يتبعه‬ ‫َمجَع َ‬ ‫َ ُْ‬
‫السعِ ِري‪.)46( )45( ‬‬ ‫َص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫حاب َّ‬ ‫قال –تعاىل‪ :-‬إَِّمنا يَ ْدعُوا ح ْزبَهُ ليَ ُكونُوا م ْن أ ْ‬
‫والغرض من التذكري املستمر لإلنسان هبذه العداوة وتوعيته هبدف هذا العدو وحتذيره منه هو دعوته‬

‫ألخذ احليطة واحلذر وعدم االستسالم له والركون إليه فيما يتخذه لنفسه من مناهج وتقاليد‪ ،‬ألنه يعلم علم‬

‫اليقني أنه سيقوده إىل اهلالك والضالل متاما كما فعل مع أبويه من قبل(‪ .)47‬ومعرفة اإلنسان خبلفيات هذه‬

‫املعركة وإدراكه أن له عدوا يرتبص به ويقف له ابملرصاد ويسعى إلفساده من شأنه أن جيعله حذرا ومتيقظا‬

‫عدوه وال يتبع خطاه وال‬


‫ويف حالة استعداد دائم‪ ،‬وأن ال يتبعه يف أي أمر من األمور‪ ،‬إذ العاقل ال يركن إىل ّ‬

‫‪246‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫يتخذه انصحا‪ ،‬فحني يستحضر اإلنسان هذا كلّه فإنه يصبح أ ّشد حرصا على االنتصار يف هذه املعركة‬

‫وهذا ما يسعى املنهج القرآين إلجياده يف ضمري اإلنسان(‪.)48‬‬

‫ين َآمنُوا ْاد ُخلُوا ِيف‬ ‫َّ ِ‬


‫‪ -‬التحذير منه وبيان أن االصطفاف معه يعن ترك احلق‪ :‬قال ‪-‬تعاىل‪ :-‬اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫السلْ ِم َكافَّةً‪ .‬وال تَتَّبِعوا خطُو ِ‬
‫ات الشَّي ِ‬ ‫ِ‬
‫طان‪ .‬إِنَّهُ لَ ُك ْم َع ُدو ُمبِ ٌ‬
‫ني‪ ،)49( ‬فليس أمام اإلنسان إال طريقان اثنان‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ّ‬
‫ال اثلث هلما‪ ،‬طريق احلق واهلدى الذي هو طريق للا –تعاىل‪ ،-‬أو طريق الباطل والضالل الذي هو طريق‬

‫الشيطان‪ .‬فله االختيار‪ ،‬فإما أن يكون من حزب للا –تعاىل‪ -‬أو حزب الشيطان(‪.)50‬‬

‫‪ -‬التعريف بوظيفة الشيطان وكشف حقيقته وأساليبه يف اإلغواء‪ :‬حرص املنهج القرآين على كشف خطة‬

‫الشيطان وبيان أساليبه ومداخله اليت يلجأ إليها يف معركته ضد اإلنسان‪ ،‬وذلك حىت يكون اإلنسان على‬

‫بينة من أمره وليأخذ احليطة واحلذر(‪ ،)51‬ومن أبرز األساليب اليت يقوم الشيطان ابتباعها إلفساد اإلنسان‪:‬‬

‫عز‬
‫التزيني؛ وذلك بتزيني السيئ والقبيح من القول والفعل‪ ،‬فيستدرج اإلنسان إىل اخلروج من عبادة للا ‪ّ -‬‬
‫وجل‪ ،-‬قال –تعاىل‪َ :-‬أل َُزيِّنَ َّن َهلُْم ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫ض‪ ،)52( ‬فالشيطان يعرف مداخل النفس البشرية ونقط‬ ‫ّ‬
‫ضعفها‪ ،‬فهو َيتيها من تلك املداخل(‪ .)53‬قال سيّد‪" :‬وهكذا ال جيرتح اإلنسان الشر إال وعليه من الشيطان‬

‫مسحة تزينه وجتمله‪ ،‬وتظهره يف غري حقيقته وردائه‪ .‬فليفطن الناس إىل عدة الشيطان وليحذروا كلما وجدوا‬

‫يف أمر تزيينا‪ ،‬وكلما وجدوا من نفوسهم إليه اشتهاء‪ .‬ليحذروا فقد يكون الشيطان هناك"(‪..)54‬‬

‫وزايدة على ذلك‪ ،‬فإن املنهج القرآين خيرب اإلنسان حبقيقة مهمة وهي أن للشيطان القدرة على رؤية‬

‫اإلنسان يف حني أن ليس لإل نسان القدرة على رؤيته‪ ،‬وهذا جيعله أقدر على ممارسة التزيني وفتنة اإلنسان‬

‫بوسائله اخلفية‪ ،‬قال –تعاىل‪ :-‬إِنَّهُ يَرا ُك ْم ُه َو َوقَبِيلُهُ ِم ْن َحْي ُ‬


‫ث ال تَ َرْوَهنُْم‪.)56( )55( ‬‬

‫‪247‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫وجل‪ -‬منه‪ :‬يقرر املنهج القرآين حقيقة أ ّن‬


‫‪ -‬بيان كيفية اخلالص منه‪ :‬وذلك ابالستعاذة ابهلل ‪-‬عز ّ‬
‫للشيطان القدرة على إغواء الناس من خالل أساليب وطرق متعددة‪ ،‬وكثريا ما ينجح يف ذلك‪ ،‬ويف املقابل‬

‫وجل‪ -‬ومل يلجئوا إليه‪،‬‬


‫عز ّ‬‫فإنه يقرر أن ليس له سلطان إال على الضعفاء من البشر‪ ،‬الذين مل يتصلوا ابهلل ‪ّ -‬‬
‫ّأما املؤمنون الذين يتحلون ابإلميان والذكر ويتعلقون ابهلل –تعاىل‪ -‬فليس للشيطان عليهم سلطان وال سبيل‪،‬‬

‫ِ‬ ‫َمجعِني‪ .‬إَِّال عِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ني‪‬‬
‫باد َك مْن ُه ُم الْ ُم ْخلَص َ‬
‫َ‬ ‫وليس لكيده عليهم أي أتثري‪ ،‬وهذا شرط الشيطان نفسه‪َ  :‬وَألُ ْغ ِويَن ُ‬
‫َّه ْم أ ْ َ َ‬
‫(‪ .)58( )57‬ويقول –تعاىل‪ -‬يف موضع آخر من سورة النحل‪ :‬فَإِذا قَرأْت الْ ُقرآ َن فَاستَعِ ْذ ِاب َّّللِ ِمن الشَّي ِ‬
‫طان‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َّ َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬
‫ين ُه ْم‬ ‫ين َآمنُوا َو َعلى َرّهب ْم يَتَ َوَّكلُو َن‪ .‬إَّمنا ُسلْطانُهُ َعلَى الذ َ‬
‫ين يَتَ َول ْونَهُ َوالذ َ‬ ‫س لَهُ ُسلْطا ٌن َعلَى الذ َ‬
‫الرجيم‪ .‬إنَّهُ لَْي َ‬
‫بِِه ُم ْش ِرُكو َن‪ . )59( ‬وهكذا األمر إذن‪ ،‬فإن يف اإلنسان استعدادا للهداية واستعدادا للشر‪ ،‬فإذا استعاذ ابهلل‬

‫وجل‪ -‬ارتفع ومسا وعصم نفسه من إغواء الشيطان‪ ،‬وإذا انقطع عن خالقه وغفل عنه فإنه سيستسلم‬
‫عز َّ‬
‫‪َّ -‬‬

‫للشيطان ويتخذه وليا(‪.)60‬‬

‫وجل‪ -‬من الشيطان من األمهية مبكان أن رسول للا ‪-‬‬


‫عز ّ‬‫ومما يدل على كون االستعاذة ابهلل ‪ّ -‬‬
‫صلى للا عليه وسلم‪- -‬وهو املعصوم من الشياطني‪ -‬استعاذ منهم‪" ،‬زايدة كذلك يف التوقي‪ ،‬وزايدة يف‬

‫ابّلل من مهزات الشياطني يف كل حني‪ .‬بل‬


‫اّلل‪ ،‬وتعليم ألمته وهو قدوهتا وأسوهتا‪ ،‬أن يتحصنوا ّ‬
‫االلتجاء إىل ّ‬

‫ك َر ِّ‬
‫ب أَ ْن‬ ‫ابّلل من جمرد قرب الشياطني‪ ،‬ال من مهزاهتم ودفعاهتم‪َ  :‬وأَعُوذُ بِ َ‬
‫إن الرسول ليوجه إىل االستعاذة ّ‬
‫ضر ِ‬
‫ون‪.)62( )61( ‬‬‫َْحي ُ ُ‬
‫فمعرفة اإلنسان أن االستعاذة ابهلل –تعاىل‪ -‬حصن حصني تعصمه من كيد الشيطان وإفساده‬

‫الشر والفساد وأبنه لن يغلب يف هذه املعركة ما دام‬


‫يبعث يف نفسه الطمأنينة والراحة أبنه يف أمان من ّ‬
‫الشر الذي يستند إىل شيطان ضعيف ينهزم بسهولة أمام العياذ ابهلل –‬
‫مستندا إىل خالقه‪ .‬على عكس ّ‬

‫‪248‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫تعاىل‪ .)63(-‬وبعد هذا البيان كله ميكن لإلنسان أن يرى عدوه عاراي‪ ،‬ويعرفه على حقيقته‪ ،‬ليكون على حذر‬

‫من مكره ووسوسته(‪.)64‬‬

‫ب‪ -‬شياطني اإلنس‪:‬‬

‫سبق وأشران إىل أن سيّدا يعترب شياطني اجلن واإلنس من مفسدات اإلنسان واحلضارة‪ ،‬كما يرى أن املعركة‬

‫الرئيسية اليت خيوضها اإلنسان يف هذه الدنيا هي يف احلقيقة معركة مع الشيطان فهو أكرب مفسد‪ ،‬وابلتايل‬

‫فإن املعارك األخرى مع شياطني اإلنس أو غريها هي معارك يقف وراءها الشيطان‪ .‬وهؤالء مجيعا يشرتكون‬

‫يف أهنم يسعون جاهدين لصرف اإلنسان عن هدى للا –تعاىل‪ -‬ومنهجه واحليلولة دون تطبيقه وتنزيله يف‬

‫أرض الواقع‪ ،‬وهذا أكرب فساد يتعرض إليه اإلنسان واألمة(‪.)65‬‬

‫كل من حيارب منهج‬ ‫ِ ِ‬


‫عرف اإلنسان واألمة ب َع ُد ّوها وحدَّد صفاته‪ ،‬وهو ّ‬
‫ذكر سيّد أن املنهج القرآين ّ‬
‫جل وعال‪ -‬وشريعته ويسعى إىل منع األمة من االلتزام هبا وتطبيقها يف حياهتا‪ ،‬كما ذكر أ ّن أعداءها‬
‫للا – ّ‬
‫كثريون ومتنوعون غري أهنم يشرتكون وي ت ِ‬
‫َّحدون يف هدف واحد وهو السعي إلقصاء منهج للا –تعاىل‪ -‬من‬‫َ‬
‫حياة األمة‪ ،‬والعمل على طمس العقيدة اإلهلية الصحيحة يف نفوس املسلمني‪ .‬كما أن عداءهم هلا مستحكم‬

‫كل زمان ومكان‪ ،‬ولذلك حرص املنهج القرآين على تعريف األمة حبقيقتهم‪،‬‬
‫يف قلوهبم‪ ،‬وهم موجودون يف ّ‬
‫وبيان أهدافهم ووسائلهم ومكرهم وكيدهم هلا لتتخذ األمة االحتياطات الالزمة لرتبح املعركة(‪ .)66‬وفيما يلي‬

‫عرض للطوائف اليت كشفها املنهج القرآين وحذر األمة من كيدها‪:‬‬

‫أهل الكتاب‪ :‬من الطوائف اليت كانت ‪-‬وال تزال‪ -‬تناصب األمة العداء طائفة أهل الكتاب –‬

‫اليهود والنصارى‪ -‬فقد كشف القرآن الكرمي نواايهم اخلبيثة وهدفهم احلقيقي من وراء حماربتهم لألمة‪ ،‬والذي‬

‫يتمثل يف صرف املسلمني عن الدين احلق وحتويلهم إىل دينهم احملرف‪ ،‬قال –تعاىل‪َ  :-‬ولَ ْن تَ ْرضى َعنْ َ‬
‫ك‬

‫‪249‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫ود َوَال النَّصارى َح َّىت تَتَّبِ َع ِملَّتَ ُه ْم‪ ،)67( ‬فلن يشفي غليل اليهود والنصارى إال أن يرتد املسلمون عن‬
‫الْيَ ُه ُ‬
‫دينهم وشريعتهم‪ ،‬وإال فإ ّهنا احلرب واملكيدة‪ ،‬وهذا هو اهلدف احلقيقي من وراء العداء الذي يكنه أهل‬

‫الكتاب لألمة وهو الدافع الوحيد من وراء حماربتهم هلا حىت وإن ختف َّْوا خلف حجج وأسباب أخرى(‪.)68‬‬

‫املنافقون‪ :‬وهم صنف من الناس يظهرون اإلسالم ويبطنون الكفر فهم ال ميلكون الشجاعة على‬

‫عرفون‬
‫مواجهة احلق سواء ابإلميان الصريح أو الكفر الصريح‪ ،‬وتتميز طباعهم بسوء الطوية ولؤم السريرة‪ ،‬كما يُ َ‬
‫إبيذاء الصف املسلم وشغله ابلفنت والدسائس والتخذيل(‪ .)69‬ويعترب القرآن الكرمي هذا الصنف من النّاس‬

‫العدو احلقيقي للجماعة املسلمة‪ ،‬بل إن املنافقني يف احلقيقة أخطر من العدو اخلارجي الصريح‪ ،‬ألهنم أعداء‬

‫وقد استنزف‬ ‫(‪)70‬‬


‫اح َذ ْرُه ْم‪‬‬
‫متخفون داخل املعسكر والصف اإلسالمي‪ ،‬قال –تعاىل‪ُ  :-‬ه ُم الْ َع ُد ُّو فَ ْ‬
‫املنافقون الكثري من جهد اجلماعة املسلمة ووقتهم وطاقاهتم(‪.)71‬‬

‫وقد أرشد املنهج القرآين اجملتمع املسلم إىل طريقة التعامل مع هؤالء املنافقني‪ ،‬وذلك ابجتناهبم‬

‫واالبتعاد عنهم خطوة خطوة‪ ،‬كالنهي عن شهود جمالسهم اليت يستهزؤون فيها آبايت للا –تعاىل‪ ،-‬غري أنه‬

‫يالحظ أنه مل يؤمر مبقاطعتهم البتة ألهنم كانوا كثريين ومتغلغلني يف اجملتمع املسلم مما جيعل مقاطعتهم أمرا‬

‫صعبا ومستحيال(‪.)72‬‬

‫‪ -‬آليات مواجهة املفسدات اخلارجية‪:‬‬

‫يرى سيّد أ ّن املنهج القرآين اعتمد عدة آليات يف مواجهة املفسدات اخلارجية واملتمثلة يف الكفار وأهل‬

‫كل من يناصبها العداء‪ ،‬وفيما يلي بيان لتلك اآلليات‪:‬‬


‫الكتاب واملنافقني و ّ‬
‫‪ -‬توعية األمة مبشقة الطريق وبيان أعدائها‪ :‬ويتم ذلك عن طريقني‪ ،‬األول يتمثل يف إعدادها اإلعداد‬

‫النفسي وإعالمها بوجود تلك العوائق واملشقات‪ ،‬والثاين يتمثل يف تعريفها حبقيقة أعدائها‪:‬‬

‫‪250‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫أ‪ -‬اإلعداد النفسي‪ :‬حيث يعرض للجماعة املسلمة طبيعة الطريق والعقبات املوجودة فيه وما ينتظرها فيه‬

‫كل مجاعة قامت حبمل هذه األمانة من قبل‪،‬‬


‫من مشاق وآالم وما يستدعيه من تضحيات جسام كحال ّ‬
‫حىت ت كون مستعدة لتحمل تكاليف هذه األمانة اليت ال مناص منها‪ ،‬ولتقبل عليها منشرحة الصدر وراضية‬

‫النفس‪ ،‬مستبشرة بنصر للا –تعاىل‪ -‬كلما اشتدت األمور يف طريقها‪ ،‬ويتجلى هذا يف نصوص كثرية كقوله‬

‫ين أَ ْشَرُكوا‬ ‫–تعاىل‪ :-‬لَت ب لَو َّن ِيف أَموالِ ُكم وأَنْ ُف ِس ُكم ولَتسمع َّن ِمن الَّ ِذين أُوتُوا الْكِ ِ ِ ِ َّ ِ‬
‫تاب م ْن قَ ْبل ُك ْم َوم َن الذ َ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ َُْ َ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ُْ ُ‬
‫ك ِم ْن َع ْزِم ْاأل ُُموِر‪.)74( )73( ‬‬ ‫ِ‬
‫صِربُوا َوتَتَّ ُقوا فَإِ َّن ذل َ‬ ‫أ ِ‬
‫َذى َكثرياً‪َ .‬وإِ ْن تَ ْ‬
‫ً‬
‫وزايدة على ذلك فإن وجود األعداء والعقبات يف الطريق من شأنه أن يقوي عود اجلماعة املسلمة‬

‫ميحص أفرادها فال يبقى منهم‬


‫ومينحها اجلديّة‪ ،‬كما أنه مييز الدعوات الصادقة ويكشف الدعاوى الزائفة‪ ،‬و ّ‬
‫إال العناصر الصادقة املؤمنة اجلادة(‪.)75‬‬

‫ب‪ -‬تعريفها أبعدائها ‪ :‬وذلك من خالل تبصري اجلماعة املسلمة مبن حييط هبا ومبن يعرتض طريقها‪ ،‬وبيان‬

‫بكل أطيافهم وألواهنم(‪ .)76‬واألمثلة على ذلك كثرية نذكر مثاال واحدا يكشف فيه املنهج‬
‫حقيقة أعدائها ّ‬
‫القرآين حماولة فريق من أهل الكتاب نشر الفتنة بني أفراد اجلماعة املسلمة وذلك من خالل حيلة ماكرة لئيمة‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت طائ َفةٌ م ْن أ َْه ِل الْكتاب‪ :‬آمنُوا ابلذي أُنْ ِزَل َعلَى الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َو ْجهَ‬ ‫سجلها القرآن الكرمي يف قوله‪َ  :‬وقالَ ْ‬

‫آخَرهُ لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْرِجعُو َن‪َ .‬وال تُ ْؤِمنُوا إَِّال لِ َم ْن تَبِ َع ِدينَ ُك ْم‪ )77( ‬حيث تقوم طائفة من أهل الكتاب‬
‫النَّها ِر وا ْك ُفروا ِ‬
‫َ ُ‬
‫إبظهار اإلسالم مث الرجوع عنه بزعم أهنم اطلعوا على ما جعلهم يرتكون هذا الدين‪ ،‬وهذا من شأنه أن حيدث‬

‫زعزعة يف بعض ضعاف النفوس فيشككهم يف دينهم إن كانوا مسلمني أو يصدهم عن اإلسالم إن كانوا غري‬

‫مسلمني(‪.)78‬‬

‫‪251‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫‪ -‬النهي عن الركون إليهم واختاذهم أولياء‪ :‬حيذر املنهج القرآين أتباعه من اختاذ أعدائهم أولياء‪ ،‬وأن يركنوا‬

‫إليهم ويتخذوا منهم أمناء على أسرارهم ومصاحلهم‪ ،‬ألن هؤالء األعداء يضمرون كره اإلسالم واملسلمني‪،‬‬

‫الشر والنوااي السيّئة‪ ،‬فهم ال يريدون للمسلمني إال الفساد واخلسران واالضطراب‪ ،‬فلن يرتكوا‬
‫ويبيتون هلم َّ‬
‫َّ ِ‬
‫آمنُوا ال‬ ‫الدس عليهم إال أتوها‪ ،‬قال –تعاىل‪ :-‬اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫وسيلة فيها إعنات املسلمني والكيد هلم و ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّخ ُذوا بِطانَةً ِم ْن ُدونِ ُك ْم ال ََيْلُونَ ُك ْم َخ ً‬
‫تَت ِ‬
‫ورُه ْم‬ ‫باال‪َ .‬وُّدوا ما َعنت ُّْم‪ .‬قَ ْد بَ َدت الْبَ ْغضاءُ م ْن أَفْواه ِه ْم‪َ ،‬وما ُختْفي ُ‬
‫ص ُد ُ‬
‫ايت إِ ْن ُكْن تُ ْم تَ ْع ِقلُو َن‪.)80( )79( ‬‬
‫أَ ْكرب‪ .‬قَ ْد ب يَّ نَّا لَ ُكم ْاآل ِ‬
‫ُ‬ ‫َُ َ‬
‫كما حيذرهم من طاعة أعدائهم والتلقي عنهم يف قضااي العقيدة والغاية من الوجود‪ ،‬ومنهج احلياة‬

‫وشرائعها وتنظيمها االجتماعي‪ ،‬ألن هؤالء األعداء –كما سبقت اإلشارة إليه‪ -‬ال يريدون اخلري هلذه األمة‬

‫فهم سيضلوهنا عن عقيدهتا ويقودوهنا إىل الكفر وإىل اخلسارة املؤكدة‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن‬

‫"طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم‪ ،‬واقتباس مناهجهم وأوضاعهم‪ ،‬حتمل ابتداء معىن اهلزمية الداخلية‪ ،‬والتخلي‬

‫اّلل لقيادة‬
‫عن دور القيادة الذي من أجله أنشئت األمة املسلمة‪ .‬كما حتمل معىن الشك يف كفاية منهج ّ‬
‫احلياة وتنظيمها والسري هبا ص عدا يف طريق النماء واالرتقاء‪ .‬وهذا بذاته دبيب الكفر يف النفس‪ ،‬وهي ال‬

‫تشعر به وال ترى خطره القريب"(‪ .)81‬ويشدد سيّد على حقيقة أن "املؤمن جيد يف عقيدته‪ ،‬ويف قيادته‪ ،‬غناء‬

‫عن مشورة أعداء دينه وأعداء قيادته"(‪.)82‬‬

‫وعلى صعيد آخر فإن املنهج القرآين أمر املسلمني ابجتناب اجملالس اليت يكفر فيها آبايت للا ‪-‬‬

‫فإما أن يدافع عن آايت للا –تعاىل‪ -‬أو يقاطع ذلك اجمللس وأهله‪" ،‬فأما التغاضي‬
‫وجل‪ -‬ويستهزأ هبا‪ّ ،‬‬
‫عز ّ‬‫ّ‬
‫والسكوت فهو أول مراحل اهلزمية‪ .‬وهو املعرب بني اإلميان والكفر على قنطرة النفاق! هو أوىل مراحل‬

‫اهلزمية"(‪.)83‬‬

‫‪252‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫‪ -‬القتال‪ :‬يرى سيّد أن مواجهة األمة ألعدائها ابلقتال واجلهاد أمر ضروري ال ّ‬
‫مفر منه‪ ،‬ذلك أن الفساد‬

‫ال يبقى جامدا سلبيا‪ ،‬ألنه ذو طبيعة شريرة وال يرضى بوجود احلق‪ ،‬بل ميضي ليعتدي عليه وحياربه ويسعى‬

‫إىل إضالل املهتدين ولن يرتكهم حىت يرتكوا منهج للا –تعاىل‪ -‬كلية ويتخلوا عن عقيدهتم‪ ،‬فال ب ّد إذن من‬

‫حماربة الكفر ابإلميان والضالل ابهلدى إلقرار منهج للا –تعاىل‪ -‬يف األرض‪ ،‬فمعركة اجلماعة املسلمة مع‬

‫أعدائها مفروضة عليها فرضا وال مفر من خوضها والصرب عليها‪ ،‬وقد ورد األمر ابلقتال يف مواضع كثرية‪،‬‬

‫ين يُ َقاتِلُونَ ُك ْم َوَال تَ ْعتَ ُدوا‪.)85( )84(‬‬ ‫منها قوله –تعاىل‪ :-‬وقَاتِلُوا ِيف سبِ ِيل َِّ َّ ِ‬
‫اّلل الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ويتجلى اهلدف من وراء األمر ابلقتال يف أنه ضمانة لنهوض اجلماعة املسلمة بتكاليف األمانة‪،‬‬

‫الشر والفساد‪ ،‬وكسر‬


‫والدفاع عن املسلمني وتوفري احلماية هلم وضمان عدم افتتاهنم‪ ،‬كما أنه وسيلة لدفع ّ‬

‫شوك ته وجتريده من قوته اليت هبا يفسد يف األرض ويسطو على املسلمني ويصدهم عن سبيل للا –تعاىل‪،-‬‬

‫وحيول دون انتشار منهجه يف األرض وابلتايل فإنه حيرم البشرية ذلك اخلري الذي جاءها من عند رهبا‪ ،‬وهذا‬

‫يعترب أكرب جرمية يتعرض هلا اإلنسان تفوق جرمية االعتداء على األنفس واألموال‪ ،‬ومن هنا فال بد من‬

‫وه ْم َح َّىت َال تَ ُكو َن فِتْ نَةٌ َويَ ُكو َن‬ ‫ِ‬
‫مواجهة القوة ابلقوة والسالح ابلسالح والعدة ابلعدة‪ .‬قال –تعاىل‪َ  :-‬وقَاتلُ ُ‬
‫ين َِّّللِ‪.)87( )86( ‬‬ ‫ِ‬
‫ال ّد ُ‬
‫مل يشمل األمر ابلقتال طائفة املنافقني املندسني يف الصف املسلم بسبب الظروف واملالبسات اليت‬

‫كانت تعيشها املدينة آنذاك ومل يثبت أن رسول للا ‪-‬صلى للا عليه وسلم‪ -‬أمر بقتل منافق‪ ،‬وقد اختار‬

‫املنهج القرآين خطة أخرى يف التعامل مع هذه الطائفة‪ ،‬وهي أخذهم مبا يظهرونه واإلعراض عما يبدر منهم‪،‬‬

‫وقد آتت هذه اخلطة أكلها إذ إهنا فتلتهم وأضعفتهم وتركت اجملتمع نفسه ينبذهم‪ ،‬وزايدة على ذلك فقد‬

‫‪253‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫عملت هذه اخلطة على قطع السند الذي يلجأ إليه املنافقون بطرد اليهود من املدينة ومن اجلزيرة العربية‬

‫كلها(‪.)88‬‬

‫‪ -‬التثبيت واملواساة‪ :‬يسعى املنهج القرآين إىل تثبيت اجلماعة املسلمة يف مواجهة أعدائها بتذكريها أبن ما‬

‫هي عليه هو احل ُّق‪ ،‬وأ ّن ما عليه أعداؤها هو الباطل‪ ،‬ويذكرها حبقيقتها وقيمتها وقيمة العقيدة اليت حتملها‬

‫ت لِلن ِ‬
‫َّاس َأتْ ُم ُرو َن‬ ‫ُخ ِر َج ْ‬
‫ٍ‬
‫كما يذكرها بدورها يف هذه األرض‪ ،‬كما يف قوله –تعاىل‪ُ  :-‬كْن تُ ْم َخ ْ َري أ َُّمة أ ْ‬

‫وف َوتَ ْن َه ْو َن َع ِن الْ ُمْن َك ِر َوتُ ْؤِمنُو َن ِاب َّّللِ‪ ،)90( )89( ‬كما يعمل على بيان أ ّن للا ‪-‬تعاىل‪ -‬معهم ويف‬
‫ِابلْمعر ِ‬
‫َ ُْ‬
‫ص ّفهم وهو أعلم أبعدائهم‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك فإن النصر سيكون –ال حمالة‪ -‬حليفهم‪ ،‬قال –تعاىل‪:-‬‬

‫اّلل أ َْعلَم ِأب َْعدائِ ُكم‪ .‬وَكفى ِاب َّّللِ ولِيًّا‪ .‬وَكفى ِاب َّّللِ نَ ِ‬
‫صرياً‪.)92( )91( ‬‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫‪َ ‬و َُّ ُ‬
‫كما يذكرهم أن وعد للا –تعاىل‪ -‬احلق وسنته اليت ال تتبدل وال تتخلف يقتضيان أن الغلبة‬
‫ألصحاب احلق امللتزمني مبنهج للا –تعاىل‪ -‬والناصرين له‪ ،‬قال –عز وجل‪ :-‬ولََق ْد سب َقت َكلِمتنا لِعِ ِ‬
‫باد َان‬ ‫َ ََ ْ َ ُ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ورو َن‪َ .‬وإِ َّن ُجْن َدان َهلُُم الْغالِبُو َن‪ ،)93( ‬فهذا وعد للجماعة املسلمة أبهنا منصورة‬
‫صُ‬ ‫ني‪ .‬إِ َّهنُْم َهلُُم الْ َمْن ُ‬
‫ِ‬
‫الْ ُم ْر َسل َ‬
‫وأبن عاقبتها الغلبة والتمكني مهما اعرتض سبيلها املعرتضون‪ ،‬ومهما وضعوا يف طريقها العراقيل‪ ،‬وزايدة على‬

‫وجل‪ -‬يف الدار اآلخرة وهو جزاء عظيم(‪.)94‬‬


‫عز َّ‬
‫ذلك فإنه يعدها مبا عند للا ‪َّ -‬‬

‫ويف املقابل فإن املنهج القرآين يهون من شأن أعداء األمة املسلمة‪ ،‬ويبني هلم هزاهلم وضعفهم ألهنم‬

‫وجل‪ -‬ضالون عن طريقه‪ ،‬كما خيربهم أبن هؤالء األعداء سيُغلبون وخيسرون مهما بذلوا‬
‫عز َّ‬
‫كافرون ابهلل ‪َّ -‬‬

‫من اجلهود وأنفقوا من األموال‪ ،‬هذا يف الدنيا‪ ،‬أما يف اآلخرة فإن مصريهم إىل النار(‪.)95‬‬

‫املنهج القرآين اجلماعةَ‬


‫ُ‬ ‫ويف األخري فإن سيّداً يؤكد حقيقة مهمة وهي أ ّن املفسدين الذين حذر‬

‫املسلمة منهم يف أول أمرها والذين مساهم أبعدائها التقليديني ‪-‬من الكفار واملنافقني وأهل الكتاب وغريهم‪-‬‬

‫‪254‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020‬‬

‫كل عصر‪ ،‬وقد أرشدها أحسن إرشاد يف مواجهتهم فانتصرت‬


‫هم نفس أعدائها يف العصر احلديث ويف ّ‬
‫عليهم ودانوا هلا‪ ،‬ويؤكد كذلك أنه ال ميكن للجماعة املسلمة أن تعرف دسائس أعدائها وكيدهم بذلك‬

‫التفصيل الدقيق إال من القرآن الكرمي‪ ،‬ولذلك فإن الرجوع إىل املنهج القرآين واالستمداد منه ملعرفة هؤالء‬

‫األعداء وصفاهتم وطباعهم وأه دافهم ووسائلهم ومكرهم وكيدهم وطريقة التعامل معهم وأخذ األسلحة الالزمة‬

‫والعدة الواقية‪ ،‬إن استمداد األمة هلذا كله يعترب أمرا غاية يف األمهية إذا أرادت النجاة من كيد أعدائها‬

‫واالنتصار عليهم يف املعركة(‪.)96‬‬

‫ففي القرآن الكرمي عرض مفصل للتوجيهات الالزمة يف طريقة مواجهة هؤالء األعداء وكيفية التعامل‬

‫معهم‪ ،‬غري أن األمة –لألسف‪ -‬ال تنتفع بتوجيهات القرآن يف كيفية التعامل مع أعدائها‪ ،‬وابلتايل فإهنا تبقى‬

‫منهزمة ومغلوبة على أمرها حىت تُقبِل على التوجيهات القرآنية فتنتصر على أعدائها يف تلك املعركة كما‬

‫انتصر أسالفها على أعدائهم يف ظل تلك التوجيهات القرآنية(‪.)97‬‬

‫اخلامتة‬

‫توصل الباحث من خالل هذه الدراسة إىل النتائج اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬أ ّن البناء اإلنساين واحلضاري تعرتضهما مفسدات ومعوقات حتول دون قيامهما أو تعمل على إفسادمها‬

‫وهدمهما‪ ،‬واملفسدات نوعان‪ :‬داخلية وخارجية‪.‬‬

‫‪ -‬أ ّن املنهج القرآين ال يقتصر يف عملية بناء اإلنسان واحلضارة على التأسيس فحسب‪ ،‬بل اختذ إجراءات‬

‫عرف اإلنسان هبذه املفسدات وأرشده إىل كيفية‬


‫وقائية حتفظ هذا البناء وتصونه من اهلدم واهلالك‪ ،‬فلذلك ّ‬
‫اجتناهبا واتقائها‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫‪Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches‬‬
Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020

‫ والعوامل اليت يتعامل‬،‫ الرتكيبة الفطرية يف تكوين اإلنسان ذاته‬:‫ أ ّن فساد اإلنسان يرجع إىل عاملني ومها‬-

‫ سواء كان من املفسدات الذاتية؛‬،‫كل نوع‬


ّ ‫ وقد بني املنهج القرآين طرق وآليات التعامل مع‬،‫معها اإلنسان‬
.‫ إبليس‬:‫ أو املفسدات اخلارجية؛ مثل‬،‫كارتكاب املعاصي‬

‫ يف التعامل مع هذه املفسدات‬-‫كل زمان ومكان‬


ّ ‫ ضرورة الرجوع إىل القرآن الكرمي واالستمداد منه –يف‬-
‫ ألن فيه التوجيهات الالزمة والسبل الضرورية اليت تدفع عنها ضرر هذه‬-‫–سواء الداخلية أو اخلارجية‬

.‫املفسدات وتقيها العثرات ويسوقها إىل ّبر األمان‬

footnote ‫اهلوامش‬

(1)
dghh, mhmd walshayb , mhmd alsasy . (2018). "edarh aljwdh alshamlh fy alt'elym :qra'h
nfsyh bydaghwjyh" . mjlh albahth fy al'elwm alensanyh walajtma'eyh. al'edd:33 .s 933.:
(2)
abn mnzwr, mhmd bn mkrm . (1984). lsan al'erb. j 2, alqahrh: dar alm'earf.
(3)
alhrby, hyah . ( 2001).
(4)
"edarh aljwdh alshamlh kmdkhl lttwyr aljam'eat als'ewdyh" . rsalh dktwrah, klyh altrbyh ,
jam'eh am alqra.
1. abw df, mhmwd walwsyfy, khtam. (2007). "jwdh alt'elym fy altswr alaslamy mfahym
wttbyqat". bhth mqdm ela m'etmr aljwdh fy alt'elym al'eam alflstyny kmdkhl lltmyz.
aljam'eh aleslamyَh, ghzh.
(5)
swrh alnjm alayh mn 41-39.
(6)
alshykh, slah mhmd . (2009)."alatjahat alfkryَh lda tlab almrhlh althanwyَh bmhafzh jdh"
(rsalh majstyr ghyr mnshwrh), klyَh altrbyh, jam'eh am alqra, mkh almkrmh.
(7)
altwyrqy, nwal s'ed . ((2002. al'elaqat alensanyَh fy alsyrh alnbwyَh wttbyqatha fy aledarh
almdrsyَh. jdh: dar alandls alkhdra.'
(8)
al'emry, akrm dya' . ((1989. alt'elym fy 'esr alsyrh walrashdyn, fy altrbyh al'erbyh
waleslamyh, alm'essat walmmarsat. alardn, 'eman: almjm'e al'erby lbhwth alhdarh
aleslamyh (mab) m'essh al albyt, j1. s368.:
(9)
aljwzyَh, abn alqym . (1989). zad alm'ead fy hdy khyr al'ebad.t 23 , alkwyt: m'essh alrsalh.
(10)
altrmdy, mhmd bn 'eysa . (1998). snn altrmdy . lbnan: dar alghrb aleslamy.
(11)
swrh alkhf alayh 7.
(12)
alalbany, mhmd nasr . (1988). shyh aljam'e alsghyr wzyadth (alfth alkbyr).t 3 .j1, lbnan:
almktb aleslamy.
(13)
swrh alm'emnwn alayh 51.
(14)
swrh th alayh 114.
(15)
hnbl, ahmd . ((1998. almsnd. alryad: byt alafkar aldwlyَh llnshr waltwzy'e.
(16)
almyman, bdryh salh . ( 2007).
(17)
"aljwdh alshamlh fy alt'elym al'eam almfhwm walmbad'e walmttlbat" ( qra'h eslamyh).

256
Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches
Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020

(18)
bhth mqdm llqa' alrab'e 'eshr lljm'eyh als'ewdyh ll'elwm altrbwyh walnfsyh (jstn) almqam
fy fr'e aljm'eyh fy alqsym ,almmlkh al'erbyh als'ewdyh. s :29.
(19)
ashrf, syd . (1984). afaq jdydh fy alt'elym aleslamy, drasat fy alt'elym aleslamy. jdh: 'ekaz
llnshr waltwzy'e.s:49-40.
(20)
al'emry, akrm dya' . ((1996. alsyrh alnbwyh alshyhh. t.6 almdnyh almnwrh : mktbh al'elwm
walhkm .s :209.
(21)
swrh alzmr alayh 55.
(22)
swrh alnsa' alayh 125.
(23)
swrh al 'emran alayh 165.
(24)
alkhtyb, ahmd . (2004) . edarh aljwdh alshamlh : ttbyqat trbwyh .alryad: mktb al'erby ldwl
alkhlyj. s :17-15.
(25)
s, ayh: 82.
(26)
fatr, ayh: 6.
(27)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 5, s: 2926.
(28)
almrj'e alsabq, j3, s: 1279, 1280. abn 'eashwr, mhmd altahr. (1421h, 2001m). aswl
alnzam alajtma'ey fy aleslam. thqyq: d. mhmd altahr almysawy. alardn: dar alnfa'es,
s142.
(29)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 5, s2926 .
(30)
albqrh, ayh: 208.
(31)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 1, s: 211, s: 313. j: 2, s: 761.
(32)
almrj'e alsabq, j: 3, s: 1277.
(33)
alhjr, ayh: 39.
(34)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 2, s: 1275. j: 4, s: 2141, 2142, s: 2145.
(35)
almrj'e alsabq, j: 4, s: 2141, 2142.
(36)
ala'eraf, ayh: 27.
(37)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 3, s: 1279, 1280.
(38)
alhjr, ayh: 39, 40.
(39)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 3, s: 1268, s: 1275. j: 4, s: 2141, 2142 .
(40)
alnhl, ayh: 98, 100.
(41)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 4, s: 2194, s: 2238, 2239. abw zhrh, mhmd. (d.t).
zhrh altfasyr. msr: dar alfkr al'erby, j: 1, s: 3044, 3045 .
(42)
alm'emnwn, ayh: 98.
(43)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 1, s: 2480.
(44)
almrj'e alsabq, j: 6, s: 4012.
(45)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 1, s: 521.
(46)
almrj'e alsabq, j: 2, s: 830.
(47)
almrj'e alsabq, j: 1, s: 33. j: 2, s: 830.
(48)
albqrh, ayh: 120.
(49)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 1, s: 33, s: 100.
(50)
almrj'e alsabq, j: 1, s: 42. j: 3, s: 1568, s: 1673 .
(51)
almnafqwn, ayh: 4.
(52)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 6, s: 3575. s: 3572.
(53)
almrj'e alsabq, j: 2, s: 774.
(54)
al 'emran, ayh: 186.
(55)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 1, s: 45, s: 204, s: 535.
(56)
almrj'e alsabq, j: 5, s: 2562.
(57)
almrj'e alsabq, j: 1, s: 409, s: 535. j: 2, s: 856.
(58)
al 'emran, ayh: 73.

257
Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches
Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020

(59)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 1, s: 415.
(60)
al 'emran, ayh: 118.
(61)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 1, s: 451, 452 .
(62)
almrj'e alsabq, j: 1, s: 438. s: 440, s: 491. j: 5, s: 2822.
(63)
almrj'e alsabq, j: 1, s: 491.
(64)
almrj'e alsabq, j: 2, s: 780, 781.
(65)
albqrh, ayh: 190.
(66)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 1, s: 284, 285. j: 3, s: 1306, 1307.
(67)
albqrh, ayh: 193.
(68)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 1, s: 190, s: 304. j: 2, s: 741, 742.
(69)
almrj'e alsabq, j: 2, s: 720, s: 729, 730. j: 6, s: 3575.
(70)
al 'emran, ayh: 110.
(71)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 1, s: 354- 356, s: 409. j: 3, s: 1643.
(72)
alnsa', ayh: 45.
(73)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 2, s: 675, s: 854.
(74)
alsafat, ayh: 171, 173.
(75)
qtb, fy zlal alqran, mrj'e sabq, j: 1, s: 535, 536. j: 3, s: 1486, s: 1643. j: 5, s: 3001,
3002.
(76)
almrj'e alsabq, j: 1, s: 354 -356, s: 449. j: 3, s: 1500.
(77)
almrj'e alsabq, j: 1, s: 33, s: 65, s: 83, 84, s: 451, 452. j: 2, s: 803.
(78)
almrj'e alsabq, j: 1, s: 42, s: 83, 84, j: 2, s: 868. j: 3, s: 1627, 1628, s: 1673.

references:

1. alasfhany, alraghb. (1408 h 1988m). tfsyl alnshatyn wthsyl als'eadtyn. byrwt- lbnan:
dar alghrb aleslamy.
2. albwty, mhmd s'eyd rmdan. (1998m). mnhj alhdarh alensanyh fy alqran. dmshq: dar
alfkr. t: 3.
3. alkhazn, 'ela' aldyn. (1415h). lbab altawyl fy m'eany altnzyl. t: mhmd 'ely shahyn.
byrwt: dar alktb al'elmyh.
4. abw zhrh, mhmd. (d.t). zhrh altfasyr. msr: dar alfkr al'erby .
5. shry'ety, 'ely. (1411h). alensan waleslam. thran-eyran: dar alshf llnshr, t: 2 .
6. abn 'eashwr, mhmd altahr. (1420h, 2000m). althryr waltnwyr. byrwt - lbnan: m'essh
altarykh al'erby.
7. .(1421h, 2001m). aswl alnzam alajtma'ey fy aleslam. thqyq: d. mhmd altahr
almysawy. alardn: dar alnfa'es.
8. al'ejmy, abw alyzyd. hqyqh alensan byn alqran wtswr al'elwm, (slsh d'ewh alhq
al'edd 22, 2/1/1404 h, 8/10/1983m).
9. alghzaly, mhmd. (1412h, 1992m). altryq mn hna. alqahrh: dar alshrwq. t: 3.
10. qtb, syd. (1434h, 2013m). fy zlal alqran. alqahrh: dar alshrwq. t: 40.

11. 12.al'emry, akrm dya' . ((1994. alsyrh alnbwyh alshyhh. t.6 almdnyh almnwrh :
mktbh al'elwm walhkm.

258
Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches
Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches (JISTSR) VOL: 6, NO 1, 2020

12. 13.al'emry, akrm dya' . ((1989. alt'elym fy 'esr alsyrh walrashdyn, fy altrbyh al'erbyh
waleslamyh, alm'essat walmmarsat. alardn, 'eman: almjm'e al'erby lbhwth alhdarh
aleslamyh (mab) m'essh al albyt, j1. s368.:
13. 14 .abn mnzwr, mhmd bn mkrm . (1984). lsan al'erb. j 2, alqahrh: dar alm'earf.
14. 15.almyman, bdryh salh . ( 2007). "aljwdh alshamlh fy alt'elym al'eam almfhwm
walmbad'e walmttlbat" ( qra'h eslamyh).bhth mqdm llqa' alrab'e 'eshr lljm'eyh
als'ewdyh ll'elwm altrbwyh walnfsyh (jstn) almqam fy fr'e aljm'eyh fy alqsym
,almmlkh al'erbyh als'ewdyh.

259
Journal of Islamic Studies and Thought for Specialized Researches

You might also like