You are on page 1of 14

‫‪.

‬الفلسفة ومفاهيم الزمن الحاضر‬

‫)احلرية‪،‬احلرب‪،‬السالم‪،‬اهلوية‪،‬العوملة(‬

‫‪Philosophy and concepts of the present time..‬‬

‫)‪(Freedom, War, Peace, Identity, Globalization‬‬

‫فرقة‪ /‬البحث التكوين الجامعي (‪ )prfu‬فلسفة‪ /‬السلم والحوار والعيش سويا‬


‫صراوي وحيدة‬
‫جامعة‪ /‬أحمد زبانة غليزان‬
‫– الجزائر‪-‬‬
‫الملخص‪:‬‬
‫إن مايشهده الع'امل الي'وم من تس'ارع األح'داث و العن'ف الش'ديد ميث'ل الص'بغة التأسيس'ية للعوملة‪ ،‬و ه'ذا ه'و‬
‫املنط ''ق اجلدي ''د ال ''ذي أقامت ''ه العقالني ''ة الغربي ''ة وه ''و منط ''ق يق ''وم على اإلقص ''اء و اإلس ''تبعاد و التقتي ''ل ‪ ،‬فالعوملة‬
‫تسعى إىل فرض النظام العاملي اجلديد و ه''و النظ'ام األوح'د إلقتص''اديات البل''دان و سياس''اهتا ومن مث ف'إن الطبيع'ة‬
‫الكونية للعوملة هي العنف‪ ،‬لذا جيب التنديد هبا ‪.‬و لكن من جهة أخ'رى ف'إن العن'ف يف ح'د ذات'ه ك'ان وم'ازال‬
‫املعض ''لة الك ''ربى للتفلس ''ف من ''ذ أفالط ''ون حيث أن التفلس ''ف ي ''دعو إىل توس ''يع دائ ''رة الس ''الم و تض ''يق دائ ''رة‬
‫العن''ف ‪ ،‬و لع''ل نض''ال الفلس''فة ض''د العن''ف و مص''ادره ه''و الس''بب الرئيس''ي حملن''ة الفالس''فة هلذا ك''انت الفلس''فة‬
‫هي حبث متواص''ل عن الس'لم يف الق''ول والعم''ل من''ذ أفالط''ون و هي حماول'ة إلقرارالس'لم ال''دائم من'ذ كان''ط ‪ ،‬هن'ا‬
‫إذن تكمن املفارقة ‪ ،‬قيام العوملة على العنف من جهة ورفض الفيلسوف للخطاب القائم على العنف و مصادره‬
‫من جه''ة أخ''رى‪.‬ه''ذه املفارق''ة هي م''ا س''نحاول حله''ا من خالل جدلي''ة العن''ف و الس''ال م يف العوملة‪ ،‬فكي''ف مت‬
‫معاجلة هذه املفارقة؟ م'ع العلم أن املف'اهيم و األطروح'ات اجلدي'دة ال'يت ظه'رت بع''د ح'رب اخلليج ك'انت و لي'دة‬
‫العوملة و ق''د نش''رت ه''ذه األطروح''ات اهلل''ع وال''رعب يف ك''ل مك''ان و مل يع''د اإلع''رتاف حبق احلي''اة لآلخ''ر‪.‬فهي‬
‫إي''ديولوجيات أق''ل م''ا يق''ال عنه''ا إبتهاجي''ة و هي تن''دد ب''العنف و لكنه''ا حتم''ل عن''ف ال يق''ل خط''ورة عن العن''ف‬
‫األول على أن الف''رق بني العنفني يكمن يف أن األول عش'وائي و الث'اين منظم متارس''ه دول'ة م''ا خدم'ة ملص''احلها ‪.‬‬
‫ويف ظل هذه األطروحات كيف متكنت الفلسفة وباخلص'وص يف عاملن'ا الع'ريب من رد االعتب'ار ومن'ه إع'ادة ت'رميم‬
‫وبناء املفاهيم الفلسفية الكربى كاحلرية واهلوية والسالم يف زمن العوملة والتقنية واحلرب؟‬

‫‪.‬الكلمات المفتاحية‪ :‬الفلسفة ‪،‬الزمن الراهن‪ ،‬العوملة‪ ،‬احلرية‪ ،‬اهلوية‪ ،‬السالم‪ ،‬احلرب‪ ،‬العنف‪ ،‬التسامح‬

‫‪Abstract:‬‬
    The acceleration of events and extreme violence that the world is
witnessing today represents the foundational character of globalization,
and this is the new logic established by Western rationalism, which is a
logic based on exclusion, exclusion and killing. Globalization seeks to
impose the new world order and it is the only system for the economies
and policies of countries and from Then the universal nature of
globalization is violence, so it must be condemned. But on the other
hand, violence in itself has been and remains the major problem of
philosophy since Plato, as philosophy calls for expanding the circle of
peace and narrowing the circle of violence, and perhaps the struggle of
philosophy against violence and Its sources are the main reason for the
plight of philosophers. That is why philosophy has been a continuous
search for peace in speech and action since Plato and it is an attempt to
establish permanent peace since Kant. Here then the paradox lies, the
emergence of globalization on violence on the one hand and the
philosopher's rejection of the discourse based on violence and its sources
on the other hand. This paradox is what we will try to solve through
the dialectic of violence and peace in globalization. How has this
paradox been addressed? Bearing in mind that the new concepts and
theses that emerged after the Gulf War were the offspring of
globalization, and these theses spread panic and horror everywhere, and
recognition of the right to life for the other is no longer recognized.
They are ideologies, to say the least, are cheerful and they denounce
violence, but they carry violence not. It is less dangerous than the first
violence, although the difference between the two violence is that the
first is random and the second is organized and practiced by a country to
serve its interests. In light of these theses, how has philosophy, especially
in our Arab world, been able to restore respect, and from it to rebuild
and rebuild the major philosophical concepts such as freedom, identity
and peace in a time of globalization, technology and war?
‫‪keywords: Philosophy, Present Time, Globalization, Freedom,‬‬
‫‪Identity, Peace, War, Violence, Tolerance.‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫اننا نال حظ أن معظم النظريات الكربى اليت عاجلت مشكلة احلري'ة نظ'رت إىل احلري'ة نظ'رة ميتافيزيقي'ة ‪.‬‬
‫ه''ذه النظري''ات ال''ىت جت ّس'دت يف فلس''فات اليبن''تز‪ ،‬س''بينوزا ‪ ،‬دورك''امي ‪ ،‬و ل''وك و هي''وم تص''ورت االنس''ان دون‬
‫طبيعته املادية املتمثلة يف ميوله و رغباته و غرائزه ‪ ،‬فاحلرية هي قب'ل ك'ل ش'ئ ممارس'ة و هي تتجس'د فيم'ا أص'بح‬
‫يس ''مى ح''ديثا باحلري ''ات العام''ة‪ .‬و ال يوج ''د مع ''ربا آخ ''را لتحقي ''ق إنس ''انية اإلنس ''ان إال عن طريقه ''ا ‪ .‬فمص ''طلح‬
‫احلري''ات العام''ة ق''د أص''بح الي''وم مت''داوال يف األوس''اط السياس''ية و التش''ريعية‪ .‬و ه''ذه الفك''رة مل تظه''ر كمص''طلح‬
‫إال يف الق''رن التاس''ع عش''ر بفرنس''ا و هي إبن''ة األن''وار و نتيج''ة فلس''فة العق''د اإلجتم''اعي ‪ .‬و هبذا ميكن إعتب''ار‬
‫الط''رح الس''ابق للحري''ة ه''و ط''رح مغل''وط م''ادامت احلري''ة مرتبط''ة بامليتافيزيق''ا فاحلري''ة " تع''ين أن اإلنس''ان مال''ك‬
‫ألعمال''ه و تفك''ريه و ه''و ب''ذلك ميكن أن يك''ون ص''احب الق''رار‪ ،‬فتتح''دد ذات''ه بأعمال''ه و ممارس''اته و إختيارات''ه‬
‫كماتتحدد بذلك مسؤولياته" ‪ .‬يف ظل سيطرة التقنية يف مجيع جماالهتا السياس'ية و اإلقتص'ادية و اإلجتماعي'ة‪ .‬إىل‬
‫أي ح ''د ميكنن ''ا احلديث عن حري ''ة اإلنس ''ان ؟ و م ''اهي احلري ''ة املقص ''ود' ة هن ''ا ؟ و كي ''ف تك ''ون احلري ''ة داخ ''ل‬
‫العالقات اإلجتماعية و يف ظل األنساق اإلجتماعية املتحكمة يف حياة اإلنسان و ميوالته ؟‬

‫ولعل أهم ماميكن أن نالحظه من هذا التعريف األويل للحرية هوإختالفه عن الطرح امليتافزيقي ال'ذي ي'رى‬ ‫ّ‬
‫أن "البحث الفلس ' ''في يف احلري ' ''ة تاف' ''ه ج ' ''دا أل ن ' ''ه ال ي ' ''ربهن و ال ميكن أن ن ' ''ربهن حبال على احلري' ''ة الواقعي' ''ة "‬
‫(العروي' عبد اهلل ‪ ، 1983،‬ص ‪). 7‬‬

‫وه''ذا الط''رح أق''ل م''ا يق''ال عن''ه أن''ه ط''رح إنتح''اري و ه''و ص''حيح يف معطيات''ه عقيم يف نتائج''ه ‪ .‬على عكس‬
‫التعري''ف االول ال''ذي ن''راه يرتب''ط باحلي''اة العملي''ة ال''يت متكن الف''رد من تفج''ري قدرات''ه الذهني''ة وتأكي''دا على ذل''ك‬
‫يق'ول املفك''ر الع'ريب فتحي ال'رتيكي " س'يكون البحث يف قض'ية احلري'ة من خالل مناذج التفك''ري التح''ديثي مفج'را‬
‫للق''درات العربي''ة ح''ىت نتمكن ال من معرف''ة تص''ورات احلري''ة على مس''توى ال''ذهين فق''ط‪ .‬ب''ل ك''ذلك من خالل‬
‫ممارسة احلري'ات السياس'ية واالجتماعي'ة و الس'يكولوجية ب'ذلك فق'ط تتك'ون عن'دنا تقالي'د إجتماعي'ة تتأس'س على‬
‫إح' ''رتام ال' ''ذات جبمي' ''ع تش' ''كال هتا "( ال' ''رتيكي فتحي ‪ ،1983 ،‬ص ‪ . ) 8‬وإنطالق' ''ا من ه' ''ذا التحدي' ''د ميكنن' ''ا‬
‫تسجيل مجلة من املالحظات ميكن حصرها يف النقاط األتية ‪:‬‬

‫أ – ميكن حتدي ''د احلري''ة على املس''توى ال''داخلي الس''يكولوجي كم''يزة للفع''ل اإلرادي ال''ذي يق''ع على موض''وع‬
‫معني من دون أن يك''ون هن''اك دواف''ع ض''رورية جترب على الفع''ل أو متنع''ه ‪ ،‬فاحلري''ة تتمث''ل أساس''ا يف ال''وعي ال''ذي‬
‫يعين غياب أي تأثري ضروري' على العمل و الفعل ‪.‬‬
‫ب – إن ''ه جيب الفص ''ل بني احلري ''ة و الض ''رورة و احلتمي ''ة ألن احلري ''ة " تتح ''دد س ''لبا من خالل عالقاهتا الس ''البة‬
‫بالض'رورة و احلتمي'ة و اجلربي'ة ‪ .‬فهي حترر من دواف'ع الس'يكولوجية احملتم'ة للفع'ل ‪ ،‬وهي وعي بالض'رورة و فهم‬
‫هلا ‪ ...‬و هي أيضا حترر من احلتمية ‪ ( '"...‬الرتيكي فتحي ‪ ،1983،‬ص ‪)99‬‬

‫جـ – إن الدميقراطي ''ة ال ميكن أن تض ''من س ''عادة الف ''رد اذا مل تكن احلري ''ة ق ''د تغلغلت يف الفك ''ر و املمارس ''ة و‬
‫أصبحت درعا حصينا حلماية الفرد يف اجملتمع ‪.‬‬

‫د‪ -‬احلري''ة هبذا املع''ىن س''تكون حتررا يتجس''د يف املمارس''ات اليومي''ة لإلنس''ان وه''ذه املمارس''ة احلرة ال خترج عن‬
‫القوانني و القواعد العامة للسلوك البشري ‪.‬‬

‫هـ –‪ ‬و النتيج'ة األساس''ية هي "أن التعقلي''ة خبض''وعها للوجه''ة األخالقي''ة اإلجتماعي''ة تعت''رب احلري'ة أس''اس املمارس''ة‬
‫اإلنسانية " (الرتيكي فتحي ‪ ،1983،‬ص ‪. ) 104‬‬

‫و‪ -‬إذا ك ''انت احلري ''ة ممارس ''ة ‪ .‬فإهنا تتجس ''د يف جمم ''وع مايس ''مى ح ''ديثا باحلري ''ات العام ''ة ال ''يت تع ''ين " ق ''درة‬
‫اإلنسان املدعمة بالقانون ( أو احلق ) على إختيار منط و جوده و كيفية عيشه و طريق'ة تفك'ريه و ممارس'ة داخ'ل‬
‫ح'دود تس'طرها املص'لحة العام'ة و ت'دعمها الق'وانني و املؤسس'ات و يس'هر عليه'ا الدس'تور " ( ال'رتيكي فتحي ‪،‬‬
‫‪ ،1983‬ص ‪)106‬‬

‫إن احلريات العامة يف البلدان اللبريالية متحورت حول النقاط األساسية الثالث األتية ‪:‬‬

‫‪ -1‬حريات اإلنسان من حيث هو فرد قائم يف ذاته ‪.‬‬

‫‪ -2‬حريات اإلنسان من حيث فرد يف اجملتمع‪.‬‬

‫‪ -3‬حريات اإلنسان من حيث هو فرد منتج إقتصاديا ‪.‬‬

‫و لكن املعض''لة الك''ربى تكمن قي حتقي''ق احلري''ات يف عالقاهتا الص''عبة م''ع الدول''ة كمظه''ر تنس''يق و تنظيم‬
‫للس''لطة اإلجتماعي''ة ‪ .‬أي أن احلري''ات ال تك''ون جمدي''ة يف " جمتم''ع منظم " إالّ إذا ك''انت هن''اك عدال''ة مبفهومه'ا'‬
‫العمومي ‪ .‬و حلل هذه املعضلة ال بد من إرساء معامل النظام الدميقراطي ‪.‬هذا النظ''ام ال''ذي يعت''رب من بني النت''ائج‬
‫اإلجيابية للعق''ل و يف نفس ال''وقت جيب احلذر من إنزالق''ات العق'ل ال'يت من ش'أهنا أن ت'زيح احلري'ات و احلق'وق ‪،‬‬
‫لذا ال بد من إضافة مفهوم التسامح إىل جانب ال ّدميقراطي'ة و التعق'ل بإعتب'اره " إنفتاح'ا على األخالق الشخص'ية‬
‫و األخالق العام' ''ة و تأص' ''يال للعق' ''ل يف اجملتم' ''ع و الدول' ''ة ليك' ''ون س' ''دا أم' ''ام اإلس ' ''تبداد والعبودي' ''ة واهليمن' ''ة‬
‫"( الرتيكي فتحي ‪ ،1983،‬ص ‪ )112‬و الفلسفة هبذا املعىن تصبح إقرتان العق'ل بالتس'امح و األخالق العام'ة ‪.‬‬
‫و ال''يت تك''ون وظيفته''ا اجلدي''دة " التش''هري بالتعس''ف و العن''ف و املظ''امل املختلف''ة ال''يت تق''رتن ع''ادة م''ع املمارس''ات‬
‫الس''لطوية ‪ .‬فالتعقلي''ة بتأسيس''ها على العق''ل املنفتح و رجوعه''ا إىل القواع''د األخالقي''ة يف التعام''ل البش''ري و بن''اء‬
‫مالحمه' ''ا على احلري' ''ة ‪ ،‬ميكن أن تك' ''ون و س' ''يلة حملارب ' ''ة الظلم و اإلس' ''تبداد و الغطرس ' ''ة ‪ .......‬فالتعقلي' ''ة هي‬
‫تك''ريس العق''ل يف نظ''ام مفت''وح يض''من للف''رد حريت''ه و حقوق''ه كم''ا يض''من للمجتم''ع متاس''كه و تض''امنه و هي‬
‫بذلك تكريس للدميقراطية وحقوق اإلنسان"( "( الرتيكي فتحي ‪ ،1983،‬ص ‪.)112‬‬

‫يتبني لنا من التحليل السابق أنه ميكن للفلسفة املفتوح'ة أن تق'وم ب'دور أهم يف جمتمعاتن'ا املعاص'رة بإعتباره'ا‬
‫فلسفة حري'ة تن'اهض الظّلم و التعس'ف من جه'ة و بإعتباره'ا تق'وم على املعقولي'ة و التعقلي'ة و التس'امح و التفتح‬
‫و التعق ''ل هي أس ''اس ك ''ل القض ''ايا ملا تلعبان ''ه ه ''اتني‬ ‫من جه ''ة أخ ''رى ‪ .‬كم ''ا يت ''بني لن ''ا أن مس ''الة احلري ''ة‬
‫الفك''رتني من دور يف حتري''ك اجملتم''ع الع''ريب احلايل و يف ه''ذا يق''ول ال''رتيكي ‪ " :‬أك''اد أج''زم أن قض''ية التعق''ل هي‬
‫أس''اس ك''ل القض''ايا املطروح''ة ألهنا س''تنري الس''بيل لك''ل من يعم''ل على حتري''ك الواق''ع الع''ريب احلايل ‪ .‬و ذل''ك إذا‬
‫حترر اإلنس''ان الع''ريب من معان''اة اآلث''ار النفس'ية و اإلجتماعي''ة ال''يت تنش''ده إىل ط''رح القض''ية طرح''ا مغلوط''ا يس'تمر‬
‫يف ع''دم اإلنتب''اه إىل أس''اس فك''رة احلري''ة و جوهره ''ا ‪ .‬و يتوج ''ه بال ' ّدرس و التنقيب حنو الكيفي''ات و األن''واع و‬
‫النتائج فق'ط فالعالق'ة بني احلري'ة و جوهره'ا أس'اس الدميقراطي'ة‪ .‬وهي العم'ود الفق'ري حلق'وق اإلنس'ان ب'ل هي‬
‫امليزة األساس ''ية للحداث ''ة ألهنا مهم ''ا ك ''انت الظ ''روف و املالباس ''ات إطالل ''ة على املس ''تقبل و نقط ''ة إستش ''راف‬
‫لصورته بل موضوع هتيؤ عالقاته "( الرتيكي فتحي ‪ ،1983،‬ص ‪)118‬‬

‫‪ -1‬الحرب و السالم ‪:‬‬

‫يظن البعض أن قضية احلرب و السال م ليست قضية فلس''فية أو اجتماعي'ة ‪ ،‬ب'ل إهنا قض'ية سياس'ية‪ ،‬و لكنن'ا‬
‫جند يف حبثن''ا عن الوظيف''ة اجلدي''دة للفلس''فة والعل''وم االجتماعي''ة أن ه''ذه القض''ية هي من بني القض''ايا ال''يت جعلت‬
‫منها الفلسفة والعلوم االجتماعية يف شكلها اجلدي'د الق'ائم على التن''وع موض'وعا لبحثه'ا و دراس''اهتا فكي''ف إذن‬
‫ميكن للفلس ''فة والعل ''وم االجتماعي ''ة أن ت ''دخل يف ه ''ذا اخلط ''اب ؟ و م ''ا حقيق ''ة احلرب و كي ''ف ميكن أن حيل‬
‫السالم الدائم حمل العنف و احلرب ؟ ‪.‬‬

‫ماهي احلرب أوالّ ؟ يقول ‪ " Alane‬احلرب هي جرمية شعورية إلعتبارها إبادة و فظاعة وويالت وتفش''ي‬
‫العنف و لكن بصفة خاصة ألهنا متحق اإلنسانية يف الفرد و هذا بالغاءها لكل ع'دل و بنش'رها للفوض'ى املخالف'ة‬
‫لإل نسانية ‪ ،‬إهنا ماهيتها احلقيقي'ة ‪ ،‬و تض''ع على نفس'ها قن'اع الع''دل واحلق و بإختص''ار ف'إن احلرب هي إحنراف‬
‫أخالقي أساس''ي ف'احلرب ه''وى " ( ‪ .)Triki Fathi,1985, p23‬ويس'تطرد ق'ائال ك'ذلك ‪ " :‬إن الش''عب‬
‫يف حال''ة احلرب يش''به ذل''ك اجلريح ال''ذي ي''نزع ض''مادته ‪ ،‬ف''احلرب هي نفس الش''يء إهنا العن''ف امليك''انيكي إهنا‬
‫املبج'ل إهنا الس''رقة املباح''ة و تس''لط األش''رار و‬
‫الث''أرعلى الث''ار إهنا الع''دل املقم''وع و اإلنس''انية حمتق''رة و الك''ذب ّ'‬
‫اإلستبداد يف النفس" (‪ .)Triki Fathi,ibid,p 24‬إن الفلسفة يف شكلها اجلديد الق''ائم على اإلختالف و‬
‫التن''وع س'وف لن يك'ون هلا إالّ و ظيف'ة و حي'دة تكمن يف خل'ق الت''وازن و ض'بط حلاالت ال'نزاع واحلرب‪ ،‬و هي‬
‫مطالب''ة ك''ذلك بإجياد احلل''ول لتحق''ق الوح''دة عن''دما يك''ون اإلختالف و لتوج''د الوئ''ام عن''دما يك''ون التن''اقض و‬
‫توجد السلم عندما تكون احلرب و ذلك من أجل حتقيق السلم الدائم ‪.‬‬

‫إن مس''الة احلرب و الس''الم كم''ا بين''ا س'ابقا تع''د من املع''امل التجديدي'ة يف الفلس''فة‪.‬ألن الفلس''فة حينم''ا تتخ''ذ‬
‫من احلرب كموضوع حبث هلا فإهنا يف حقيقة األمر تريد أن تبحث يف السلم و يف هذا الصدد ميكنن''ا التس''اؤل‬
‫عن من يك''ون ل''ه الش''رعية ليتكلم عن احل ـ ـ ـــرب ؟ ان اخلط''اب الفلس''في يس''تند إىل إس''تبعاد اخلص''ام و الص''راعات‬
‫العنيف''ة ‪ ،‬على الص''عيد اإلجتم''اعي و السياس''ي حيث أن الفيلس''وف ال''ويف جيب علي''ه االّ ي''دخل يف احلرب أي يف‬
‫الش ''ر ‪ .‬فاحلكم ''ة ت ''أمر الفيلس ''وف أن يبحث عن ح ''ل مالئم لوض ''عية ال ''نزاع ‪ ،‬فاخلط ''اب الفلس ''في يك ''ون ع ''ادة‬
‫عام ''ل ت ''وازن و ض ''بط حلاالت ال ''نزاع و التع ''ارض و احلرب و ذل ''ك حلكم ''ة العق ''ل ‪.،‬فال ميكن إذن للح ''رب أن‬
‫تك''ون موض''وعا فلس''فيا إالّ مبحوه''ا و موهتا و إحالل الس''الم حمله''ا ‪ ،‬و جع''ل احلرب مفه''وم فلس''في ه''و حتطيم‬
‫ملب''ادئ الفلس''فة ل''ذا جند كلم''ا ق''ام الفيلس''وف بتحلي''ل مع''ىن احلرب إال ّو أخ''ذ يتكلم عن غ''ري وعي عن الس''لم ‪،‬‬
‫فالفيلس''وف ي''رفض التص''ارع و يق''ر الس''الم و التح''رر " فالفس''فة غ''ري ق''ادرة على ص''ياغة لن''ا فك''رة و اض''حة عن‬
‫مفه''وم احلرب ل''ذلك س''يكون الفك''ر السياس''ي و اإلجتم''اعي ه''و ال''ذي يس''تطيع فهم إش''كالية احلرب من حيث‬
‫هي ح''رب ب''دون ت''دخال ت أخال قي''ة و ميتافيزيقي''ة كالتحلي''ل السياس''ي و اإلجتم''اعي إلبن خل''دون ‪ ،‬أو حتلي''ل‬
‫ميكي' ' ''ا فيلي " (ال' ' ''رتيكي فتحي ‪ ، 1998،‬ص ‪ .)131‬ل' ' ''ذلك ميكن الق' ' ''ول أن احلرب هي موض' ''وع الفك' ''ر‬
‫السياس''ي و الس''لم هوموض''وع للفك''ر الفلس''في ‪ ،‬ف''احلرب مل تكن موض''وعا مباش''را للتفك''ري الفلس''في إالّ بع''دما‬
‫أصبحت العلوم السياسية مستقلة لذا جند أن كثريا م'ا أ ُعت'ربت احلرب هي السياس'ة بش'كل آخ'ر و السياس'ة هي‬
‫حرب كذلك فاحلرب هي إستمرارية السياسية بوسائل أخرى أشد عنف'ا ومن'ه يتع'ذر على الفلس'فة بن'اء اخلط'اب‬
‫ال''ذي يك''ون موض''وعه احلرب و العن''ف و يف ه''ذا الص''دد يق''ول األس''تاذ ال''رتيكي " و لع''ل نض''ال الفلس''فة ض''د‬
‫مص''ادر العن''ف و القم''ع بش''ىت أنواع''ه ه''و الس''بب الرئيس''ي حملن''ة الفالس''فة ( س''قراط ‪ ،‬بن باج''ة ‪ ،‬إبن رش''د ) "‬
‫(الرتيكي فتحي ‪،1998 ،‬ص ‪ .)131‬هذا الفشل الذي سقط أمام''ه ه'ؤالء الفالس'فة و اخلط'اب الفلس''في ه''و‬
‫الذي دعى إىل ضرورة إعداد اخلطاب السياسي‪ ،‬و هنا يص'بح اخلط'اب الفلس'في ه'و الس'لم و اخلط'اب السياس'ي‬
‫ه''و احلرب ‪ ،‬هلذا ي''رى ال''رتيكي أن " الفلس''فة و هي تنص''هر يف اخلط''اب السياس''ي هي ال''يت متن''ع حال''ة احلرب‪ .‬و‬
‫يف مواجه ''ة ق ''وة التهدي ''د ال يك ''ون يف وس ''ع الفلس ''فة س ''وى أن تق ''رتح لإلنس ''انية عاملا هادئ ''ا لتعت ''ربه هواألص ''لي‬
‫املفرتض للتاريخ " (‪.)Triki Fathi,1985, p48‬‬

‫فالفلس ''فة اذن تعت ''رب الس ''لم عق ''ل و احلرب جن ''ون ‪ ،‬ف ''احلرب هي الالّعق ''ل و الس ''لم ه ''و العق ''ل‪،‬إالّ أن ه ''ذه‬
‫احلرب ميكنه''ا أن تف''رض نفس''ها على الفلس''فة ح''ىت ميكن تص''ورها كم''ا هي ‪ ،‬و يع''رتف حبقيقته''ا ‪ .‬ه''ذه احلرب‬
‫ق''د وج''دت م''ع هيج''ل موقفه''ا داخ''ل الفلس''فة ‪ " ،‬إهنا منوذج ل''ه تط''بيق يف الفلس''فة ‪ ،‬وبإعتباره''ا مفهوم''ا فهي‬
‫نظ ''ري كوجيط' ''و ‪ ،‬حنن خنوض احلرب إذن حنن موج' ''ودون " أن' ''ا ‪ ،‬احلرب تفك' ''ر " و تؤس' ''س كال من احلرب و‬
‫الفلس''فة قوهتا املوح''دة " (‪ .)Ibid , p 25‬وهك''ذا و ب''الرغم من وج''ود التص''ورات الس''ابقة ال''يت تلغي احلرب‬
‫من اخلط''اب الفلس ''في إال أن ه ''ذا ال ينفي و ج ''ود نظري ''ات و فالس ''فة يؤك ''دون على ض ''رورة احلرب و أمهيته ''ا‬
‫بالنسبة للشعوب و اجملتمعات ‪ ،‬و لعل من أبرز الفالسفةالذين جندهم يؤكدون على ضرورة احلرب الفيلس''وف‬
‫األملاين نيتشه الذي يرى " أن احلال العادية هي احلرب وال يتفق على السلم س''وى هدن''ة ‪ ،‬وتبقى السياس''ة مبثاب''ة‬
‫تقني''ة و جبه''ة للمحافظ''ة على ه''ذه اهلدن''ة و التحض''ري للح''رب " ( ‪ .)Triki Fathi,ibid, p 25‬و ي''رى‬
‫كذلك أن " احلرب هي صراع من أجل احلياة ‪،‬هي ضرورية بالنسبة لشعب منهك شعب أضاع و يض''يع حيات''ه‬
‫‪ .‬احلرب ض' ' ' ''رورية ل' ' ' ''ه ح' ' ' ''ىت يس' ' ' ''رتجع حيات' ' ' ''ه ‪ .‬و هي عنص' ' ' ''ر حي' ' ' ''وي ض' ' ' ''روري لتفتح الش' ' ' ''عب" (‪Triki‬‬
‫‪ . )Fathi,ibid,p103‬و هكذا يكون نيتشه ق'د ك ّس'ر ع'امل املفه'وم اهلادىء‪ .‬فاحلقيق''ة بالنس'بة ل'ه هي تزوي''ر‬
‫إيديولوجي إذ أهنا تريد أن تفرض وحدة خاطئة أين ختتفي كل اإلختالفات ‪ .‬فاحلالة العادي''ة عن''ده هي احلرب ‪،‬‬
‫ولق''د إنتق''د روس''و ه''ذه احلال''ة ال''يت جمدها نيتش''ه و هي م''ا يس'ميها ب''احلرب الش''املة ‪ .‬فه''ذه احلال''ة يف نظ''ر روس''و‬
‫معقولة و هي حالة خمجلة كذلك ألهنا جتعل اإلنسان يرى أن مصلحته ترتبط بتدمري بين جنسه ‪ ،‬فال بد إذن إن‬
‫حيل السلم حمل احلرب و السلم ال يأيت إالّ بإحرتام القوانني املشرتكة اليت حتكم اجملتمع و يف هذا يقول سبينوزا ‪:‬‬
‫" إن العق''ل يعلمن''ا بص''فة عام''ة البحث عن الس''لم ‪ ،‬و الميكن أن ي''أيت ه''ذا الس''لم إذا ك''انت الق''وانني املشرتكـ ـ ـ ـــة‬
‫ال''يت حتكم اجملتم''ع ال تتح''رم " (‪ . )Triki Fathi,ibid,p 75‬أم''ا هيج''ل فأك''د على ض''رورهتا للمحافظ''ة‬
‫على احلي' ''اة ل' ''ذا ي' ''رى أن " احلرب هي تالعب دي' ''اليكتيكي يق' ''وم على اإللغ' ''اء و اإلع' ''رتاف ال' ''ذي ينش ''أ م ''ابني‬
‫اخلص''مني ف''إذا أردن''ا احملافظ''ة على حياتن''ا ‪ ،‬نك''ون مض''طرين حني إذن أن جنازف هبذه احلي''اة للقض''اء على حي''اة‬
‫اآلخ' ' ''رين ‪ '.... ،‬و هلذا ف' ' ''إن مفه' ' ''وم' احلرب يق' ' ''وم على ه' ' ''ذه اللعب' ' ''ة الدياليكتيكي' ' ''ة ال' ' ''يت م' ' ''ا بني املعس ' ''كرين‬
‫املتخاص''مني "( ‪. )Triki Fathi,ibid,p131‬ومن مث ميكن اعتب''ار أن حال''ة احلرب تنم عن وج''ود جمتم''ع‬
‫عس''كري ال يهتم س''وى بقض''ايا احلرب ‪ .‬والس''لم و ح''ده ه''و ال''ذي ي''دفع الن''اس إىل تط''وير بل''داهنم و للتاكي''د‬
‫على ه ''ذه احلال ''ة يس ''تعمل ال ''رتيكي مص ''طلح توم ''اس م ''وريف اليوطوبي ''ا وش ''عبها‪ .‬فه ''و ي ''رى أن ش ''عب اليوطوبي ''ا‬
‫مستهدف و ال يقوم باحلرب إال للضرورة و ألسباب خطرية و غايتهم من احلرب هي الردع و اإلقناع‪ .‬و لكن‬
‫م''اهي اإلس''رتاتيجية املس''تعملة يف ذل ''ك ؟ إن ه ''ذه اإلس ''رتاتيجية تع ''رف من خالل معرف''ة أه''داف اليوطوبي''ون و‬
‫مش''اريعهم ‪ ،‬فهم عن''دما يعلن''ون احلرب يك''ون ه''دفهم األمسى ه''و" سعادةاإلنس''انية" فلم''ا ي''دافعون عن وطنهم‬
‫يدافعون ك'ذلك عن حلف'ائهم ‪ ،‬و يس'اعدون الش'عوب املض'طهدة ك'ذلك للوص'ول إىل احلري'ة " وهك'ذا فه'دف‬
‫احلرب ال يك''ون س''وى يف نط''اق العدال''ة والع''دل و حملارب''ة الظلم واإلس''تبداد و احلرب العادل''ة هي احلرب املعلن''ة‬
‫أيض' ' ' ' ' ''ا ض' ' ' ' ' ''د ش' ' ' ' ' ''عب ميتل' ' ' ' ' ''ك األراض' ' ' ' ' ''ي الواس' ' ' ' ' ''عة و هي ب' ' ' ' ' ''ور وال' ' ' ' ' ''يت يبقوهنا دون إس' ' ' ' ' ''تعمال "( ‪Triki‬‬
‫‪ .)Fathi,ibid,p43‬فبالنس''بة لتوم''اس م''ور و كم''ا ي''ورده ال''رتيكي يف كتاب''ه الفالس''فة و احلرب " اذا أعلن''ا‬
‫احلرب ‪ ،‬فاهلدف من هذه احلرب ال جيب س'وى أن يك'ون إنس'انيا ‪ ،‬و اإلس'رتاتيجية جيب أن تك'ون إنس'انية هي‬
‫ك' ''ذلك‪ ،‬ولكن جيب أيض ' ''ا أن تك' ''ون جازم' ''ة " (‪ .)Triki Fathi,ibid,p44‬ونفس النظ' ''رة جندها عن' ''د‬
‫الف''ارايب ‪ ،‬حيث ح'دد الف''ارايب أن "احلرب تك''ون إم''ا ل''دفع ع''دو أو رد املدين من خ'ارج‪ .‬و إم''ا إلكتس''اب خ'ري‬
‫تس' ''تأهله املدين ''ة من خ' ''ارج ممن يف ي ''ده ذل' ''ك ‪ .‬و إم' ''ا ألن حيم' ''ل هبا ق' ''وم و يس' ''تكرهو على م' ''اهو األج ''ود و‬
‫األحظى هلم يف أنفس' ''هم دون غ' ''ريهم ‪ ..... ،‬وإم' ''ا حملارب' ''ة من ال ينق' ''اد للعبودي' ''ة و اخلدم' ''ة ممن األج' ''ود ل' ''ه و‬
‫األحظى ‪ ،‬أو حماربة قوم ليس من أهل املدينة حقا لهم عندهم منعوه ‪ .‬و هذا ش'ئ مش'رتك ألم'رين مها مجيع'ا من‬
‫إكتساب خري للمدينة ‪ .‬و األخر أن حيملو على إعط'اء الع'دل و النص''فة " (الف''ارايب أب'و نص'ر ‪،1993 ،‬فص'ول‬
‫منتزعة ‪ ،‬تر و تح ‪ ،‬فوزي مرتي جنار ‪ ،‬دار املشـ ــرق ‪ ،‬ط‪ ،2‬بريوت ‪ ،‬ص ‪ . )67- 66‬وهبذا املوقف يتبني أن‬
‫اخلط''اب الفلس''في ه''و خط''اب س''لم ال خط''اب ح''رب ‪ ،‬و إذا حتول إىل خط''اب ح''رب فيك''ون ذل''ك من أج''ل‬
‫إحقاق العدل و احلق‪.‬‬

‫ولكن بعد التغريات السريعة اليت عرفها العامل م'ع هناي'ة الق''رن العش''رين ك'إنقراض اإلمرباطوري'ة الس''وفيانية و‬
‫تقهقر النظري'ات الش'يوعية األوروبي'ة و ع'دم ج'دوى حرك'ة ع'دم اإلحني'از و غريه'ا ‪ ،‬ظه'ر هن'اك مايس'ميه علم'اء‬
‫أوروب''ا و أمريك''ا ومثقفيهم مبوت اإلي''ديولوجيا ‪ ،‬و لكن ه''ؤالء العلم''اء خيلط''ون بني اإلي''ديو لوجي''ا و الش'يوعية‬
‫اإلشرتاكية‪ .‬و موت اإلي'ديولوجيا م''اهوإال " أكذوب'ة إيديولوجي'ة " و ق'د بني ال'رتيكي اإلي''ديولوجيا اجلدي'دة ال'يت‬
‫تك''ونت يف الغ''رب بتل''ك ال''يت جس''دها كت''اب فوك''و يام''ا يف هناي''ة الت''اريخ حيث يك''رس نظ''ام ع''املي جدي''د و‬
‫يف' ''رض النظ' ''ام ال' ''دميقراطي يف ص' ''يغته األمريكي' ''ة منوذج' ''ا واح' ''دا للت' ''اريخ ‪ ،‬وه' ''ذا النظ' ''ام ح' ''ىت يض' ''من البق' ''اء‬
‫واإلستمرار حيتاج إىل إس'رتاتيجية عس'كرية ال'يت أص'بحت يف عص'ر احلداث'ة عملي'ة إجتماعي'ة مص'احبة للدول'ة مث'ل‬
‫بقية العوامل األخرى اإلقتصادية و الثقافية و من مث ضرورة اإلسرتاتيجي يف العمل الي'ومي للدول'ة و تك'وم مهم'ة‬
‫ه''ذا اإلس''رتاتيجي التفك''ري يف أحس''ن الط''رق لنفي اآلخ''ر و بس''ط اهليمن''ة على خمتل''ف األص''عدة ‪ ،‬وه''ذا التفك''ري‬
‫العس'كري يف ش'ؤون احلي'اة ه'و مانقص'د ب'ه ميتافيزيق'ا احلرب ال'يت يطل'ق عليه'ا مفه'وم " امليت'ا س'رتا تيجي'ا " فم'اذا‬
‫نع''ين بامليتاس''رتاتيجيا ؟ إهنا تع''ين س''يطرت العس''كري على اخلط''اب الثق''ايف و هي تس''تعمل يف ذل''ك العق''ل و متيز‬
‫بني احلرب العادل''ة و احلرب الغ''ري العادل''ة ‪ ،‬وبع''د إمتال ك اإلس''رتاتيجي ال''ذي توظف''ه الدول''ة للبحث و التخطي''ط‬
‫للهيمن' ''ة مل يع' ''د ه' ''ذا األخ' ''ري ي' ''رتك امليس' ''رتاتيجيا إىل املتقفني‪ ،‬و أص' ''بح يض' ''م امليتاس' ''رتاتيجيا حلقل' ''ه العلمي و‬
‫و املدافع عليه''ا ب''ل‬ ‫اإلج''رائي و أص''بح ب''ذلك العس ''كري " ه ''و املدبر للح ''رب و املربر و املاس ''ك بزمامه ''ا‬
‫أص ''بح ه ''و العس ''كري و املثق ''ف يف اآلن نفس ''ه " (ال ''رتيكي فتحي ‪ ،1998،‬ص‪.)135‬ه ''ذا التح ''ول جتس ـــد يف‬
‫ح''رب اخلليج و ذل''ك عن''دما يس''مى اإلس''رتاتيجيون األمريكي''ون أخالقي''ة احلرب و مفاهيمه''ا و مقاص''دها ‪ ،‬أي‬
‫أن اخلطاب احلريب حتدد أهداف'ه و غايات'ه بغاي'ات أخالقي'ة ديني'ة‪ ،‬و ق'د ردد ه'ذه األفك'ار العدي'د من املفك'رين و‬
‫املثقفني الغ'ربني و مثنته''ا وس'ائل اإلعالم عن طري''ق مايس''مى بالتموي'ه اإلعالمي قص'د إقراره''ا إق''رارا هنائي'ا ‪ ،‬و يف‬
‫ه''ذا يق''ول ال''رتيكي " إن األفك''ار األخالقي''ة و الديني''ة املص''احبة للح''رب هي من ش''أن السياس''ي و املفك''ر أم''ا يف‬
‫ح ' ''رب اخلليج فق ' ''د ك ' ''ان اجلنرال ليس ه' ' ''و املفك' ' ''ر و املدبر و الراس ' ''م للعملي' ' ''ات امليداني' ' ''ة فق' ' ''ط ب ' ''ل أص ' ''بح‬
‫ميتاسرتاتيجي كذلك "( الرتيكي فتحي‪ ،1998،‬ص ‪)135‬‬

‫يكرس اخلطاب السابق إنتص''ار العس''كري ال'ذي أص'بح فيم'ا بع''د امليتاس''رتاتيجي ‪ ،‬و ه'ذا اإلنتص''ار س'يبحث‬
‫على إمت''دادات أوس'ع و جماالت تتح'دى اجملال ال'ذي ترع'رع في''ه ‪ ،‬و ه'ذا ماجتس''د فعال فيم'ا أص''بح يس'مى الي''وم‬
‫بالعوملة و ال ''يت ب ''دورها تس ''عى إىل ف ''رض النظ ''ام الع ''املي اجلدي ''د قه ''را كنم ''وذج أوح ''د خيض ''ع ل ''ه مجي ''ع األف ''راد‬
‫واجملتمعات مبختلف األدوات والوسائل ‪.‬‬

‫‪ -2‬العولمة و النظام العالمي الجديد ‪:‬‬

‫إن مايشهده العامل اليوم من تسارع األحداث و العنف الشديد ميث'ل الص'بغة التأسيس'ية للعوملة‪ ،‬و ه'ذا ه'و‬
‫املنط''ق اجلدي''د ال'ذي أقامت''ه العقالني'ة الغربي''ة وه''و منط''ق يق''وم على اإلقص''اء و اإلس''تبعاد و التقتي''ل حيث قس'مت‬
‫ه ''ذه العقالني ''ة اإلنس' ''انية إىل ج' ''زئني ‪ ،‬اجلزء األول ه ''و إنس ''انية تس ''تحق ال ''دفاع عنه' ''ا و ت ''دعيمها و تطويره ''ا‬
‫مبختل''ف املوارد و الوس''ائل و هي تل''ك ال''يت تنتمي للع''امل الرأمسايل املهيمن ‪ ،‬أم''ا اجلزء الث''اين فه''و إنس''انية غريي''ة‬
‫ي''رتعرع فيه''ا اإلره''اب و الش''ر و الفق''ر و ه''و ع''امل ت''رك إىل املنظم''ات اإلنس''انية لتهتم بفق''ره‪ '،‬فالعوملة تس''عى إىل‬
‫ف''رض النظ''ام الع''املي اجلدي''د و ه''و النظ''ام األوح''د إلقتص''اديات البل''دان و سياس''اهتا ومن مث ف''إن الطبيع''ة الكوني''ة‬
‫للعوملة هي العن ''ف‪ ،‬ل ''ذا ي ''رى ال ''رتيكي أن ''ه جيب التندي ''د هبا و احلرب اآلن هي بني العوملة و النت ''ائج املرتتب ''ة عن‬
‫تطبيقاهتا يف املي ''ادين املختلف ''ة ‪.‬و لكن من جه ''ة أخ ''رى و كم ''ا بين ''اه س ''ابقا ف ''إن العن ''ف يف ح ''د ذات ''ه ك ''ان‬
‫وم''ازال املعض''لة الك''ربى للتفلس''ف من''ذ أفالط''ون‪ ،‬حيث أن التفلس''ف ي''دعو إىل توس''يع دائ''رة الس''الم و تض''يق‬
‫دائرة العنف ‪ ،‬كما يعين إقصاء العنف عن القول و اخلطاب حىت يصبح الق''ول مقب''وال و معق''وال ‪ .‬و لع''ل نض''ال‬
‫الفلس''فة ض''د العن''ف و مص''ادره' ه''و الس''بب الرئيس''ي حملن''ة الفالس''فة ( س''قراط ‪ ،‬إبن باج''ة ‪ '...‬اخل ) هلذا ك''انت‬
‫الفلسفة هي حبث متواصل عن السلم يف القول والعمل منذ أفالطون و هي حماولة إلقرارالسلم الدائم منذ كان''ط‬
‫‪ ،‬هن' ''ا إذن تكمن املفارق' ''ة ‪ ،‬قي' ''ام العوملة على العن' ''ف من جه' ''ة و رفض الفيلس' ''وف للخط' ''اب الق' ''ائم على‬
‫العنف و مصادره' من جهة أخرى‪ .‬وس'نحاول فهم كي'ف مت ح'ل ه'ذه املفارق'ة من خالل جدلي'ة العن'ف و الس'ال‬
‫م يف العوملة‪ .‬فكيف مت معاجلة هذه املفارقة؟‬

‫ان املفاهيم و األطروحات اجلديدة اليت ظه'رت بع''د ح'رب اخلليج ك'انت و لي'دة العوملة و ق'د نش''رت ه'ذه‬
‫و الرعب يف ك'ل مك'ان و مل يع'د اإلع'رتاف حبق احلي'اة لآلخ'ر‪ ،‬فهي إي'ديولوجيات أق'ل‬ ‫األطروحات اهللع‬
‫ما يقال عنها إبتهاجية و هي تندد بالعنف و لكنها حتمل عنف ال يقل خط''ورة عن العن''ف األول على أن الف''رق‬
‫بني العنفني يكمن يف أن األول عشوائي و الثاين منظم‪ ،‬متارسه دول'ة م''ا خدم''ة ملص''احلها ‪ .‬و ه''ذه اإليديولوجي'ة‬
‫تنقس''م إىل قط''بني ‪ :‬األول إس''تعايب حياول إس''تعاب الثقاف''ات املختلف''ة يف ثقاف''ة ذات بع''د واح''د و ت''اريخ و إجتاه‬
‫واح ''د ميثل ''ه فوك ''و يام ''ا ‪ ،‬أم ''ا القطب الث ''اين فه ''و قطب ص ''راعي ص ''دامي ‪.‬حياول من خالل دراس ''اته للثقاف ''ات‬
‫حيول احلضارات إىل جبهات قتال و يهيء يف الوقت نفسه احلضارة الغربي'ة لتخ''رج منتص'رة و‬ ‫العاملية املتنوعة أن ّ‬
‫هتيمن على بقي''ة الع''امل و ميثل''ه ص''امويل هتنجت''ون ‪.‬أم''ا عن اإلجتاه األول ال''ذي ميثل''ه فوك''و يام''ا فق''د خص''ص ل''ه‬
‫األس'تاذ فتحي ال''رتيكي ج''زءا مهم''ا يف كتاب''ة األخ''ري " احلداث''ة وم''ا بع''د احلداث'ة " و ق''د ح'اول الوق''وف عن''د أهم‬
‫األفك ''ار ال ''يت ح ''اولت إختص ''ار الثقاف ''ات األخ ''رى يف ثقاف ''ة واح ''دة و بني أن ه ''ذه االطروح ''ة تتض ''من مف ''اهيم‬
‫فلسفية و لكن اهلدف منها غري علمي ‪ ،‬يه''دف إىل متري'ر اخلط'اب السياس'ي اإلي''ديولوجي ‪ ،‬و توظي''ف املف''اهيم‬
‫الفلس ' ''فية ي ' ''راد هبا تغطي' ''ة إختي ' ''ارات الك ' ''اتب ويف ه ' ''ذا يق ' ''ول ال ' ''رتيكي " إعتم ' ''د الك ' ''اتب يف تنظ' ''ريه للنس' ''ق‬
‫اإليديولوجي مفاهيم فلسفية عريقة و أصيلة حىت يكون إس'تدال ل''ه إطالقـا‪ ،‬يع'ين ذل'ك أن اجله'از الفلس''في ال'ذي‬
‫يتض' ' ' ''منه الكت' ' ' ''اب ال يه' ' ' ''دف إىل ترك' ' ' ''يز البحث العلمي ‪ ،‬بق' ' ' ''درما ي' ' ' ''ذهب إىل متري' ' ' ''ر اخلط' ' ' ''اب السياس' ' ''ي و‬
‫اإلي''ديولوجي ‪ ،‬فإس''تنطاق املف''اهيم االفالطوني''ة و اهليجلي''ة و النيتش''وية ي''راد هبا تغطي''ة إختي''ارات الك''اتب بغط''اء‬
‫مشويل " (الرتيكي فتحي مع عبد الوهاب املسريي ‪، 2003،‬ص ‪ )241‬ومنه يتبني لنا أن فوكو ياما قد إعتمد‬
‫على فلس ''فات هيج ''ل و نيتش ''ه وداف ''ع عن الدميقراطي''ة الليربالي ''ة يف هناي''ة الت ''اريخ ‪ .‬و يعتم ''د ك ''ذلك على نظري ''ة‬
‫أفالط'ون القائل'ة ب'أن اإلنس'ان ه'و م'زيج من مركب'ات ثالث'ة ‪ :‬الرغب'ة و العق'ل و التوم'وس ( روح احلي'اة ) ليجع'ل‬
‫احملرك األول و األكرب للتاريخ ‪ ،‬كما يق''ول ف'و ك''و يام''ا بوج''وب‬ ‫من التوموس أي الرغبة الشديدة لإلعرتاف هو ّ‬
‫إحالل احلكم الدميقراطي حمل احلكم اإلستبدادي ‪ .‬حيث جنده يقول يف كتاب''ه هناي'ة الت''اريخ و اإلنس''ان األخ''ري "‬
‫ملاذا ال تك' ''ون ك' ''ل البل' ''دان دميقراطي' ''ات تنتمي إىل ه' ''ذا النم' ''وذج ؟ ملاذا تبقى النقل' ''ة حنو الدميقراطي ''ة يف منتهى‬
‫الص''عوبة بالنس''بة لع''دد كب''ري من البل''دان ال''ىت قبلت ش''عوهباو قاداهتا مب''دأ الدميقراطي''ة بص''فة جمردة " (فوك''و يام''ا‬
‫فرانسيس ‪،1993،‬ص ‪.)98‬وهكذا يدعو فوكو ياما من خالل هذه اجملموعة من التساؤالت إىل توحيد النظام‬
‫السياسي جلعله نظاما دميقراطيا ليبرياليا أمريكيا ‪.‬‬

‫ميكن أن نواف ''ق ف ''و ك ''و يام ''ا يف ه ''ذا اإلق ''رار ‪ ،‬و لكن م ''ا مل نواف ''ق علي ''ه ه ''و إعتب ''ار احلل األم ''ريكي ه ''و‬
‫األوحد وهناية التاريخ ‪ ،‬وما ال نوافقه فيه كذلك هو أحادية النظرة يف دراسة آلي''ات الثقاف''ة الغربي''ة ألهنا نظ''رة‬
‫تنفي اآلخ''ر و ال تع''ريه أي إهتم''ام ‪ ،‬و عيب فوك''و يام''ا يع''ود أساس''ا هلذا التناس''ي و اإلس''تبعاد لك''ل م''اال يك''ون‬
‫ضمن الثقافة الغربية املركزية املهيمنة بزعامة أمريكا ‪.‬‬

‫أم ''ا أطروح ''ة ص ''دام احلض ''ارات ال ''يت ميثله ''ا هنتجت ''ون فإهنا ق ''امت بإحي ''اء الثقاف ''ات عموم ''ا و أعطته ''ا قيم ''ة‬
‫متميزة حيث يقسم هنتجتون الثقافات إىل سبع حضارات أساسية هي الثقافة "الغربية الكونفو نتشوية ‪ ،‬اليابانية‬
‫‪ ،‬اإلسالمية ‪ ،‬اهلندية السالفية‪ ،‬األرثوذ كسية "( هنتينجتون صامويل ‪ ، 1991 ،‬ص‪، )15‬‬

‫وهي تع' ' ''رف ض' ' ''منيا بتع' ' ''دد الثقاف' ' ''ات ولكنه' ' ''ا يف نفس ال' ' ''وقت تطمس اإلختالف املوج' ' ''ود داخ ' ''ل ك ' ''ل‬
‫حض''ارة ‪ ،‬وخط''أ ه''ذه األطروح''ة يتمث''ل يف كوهنا مل تنتب''ه إىل أن احلض''ارات تتك''ون و تتغ''ري من خال ل جدلي''ة‬
‫األخذ و العطاء ‪ ،‬و ما يسمى باحلضارة الغربية اليوم مت باإلعتم''اد على إجنازات اإلغري''ق و الع''رب و املس'لمني‬
‫‪ .‬و قد نبه الفيلسوف الفرنسي ألكسندر كويري إىل ذلك‪.‬‬

‫وهك ''ذا فانن ''ا ن ''رفض فك ''رة حض ''ارة غربي ''ة حتت ''وي ك ''ل احلض ''ارات ‪.‬فك ''ل حض ''ارة هلا ج ''ذور تواص ''ل م ''ع‬
‫ص' 'ل إلي ''ه هنتجت ''ون ك ''ذلك ه ''و إقام ''ة حتدي كونفوشيوس ''ي إس ''المي ض ''د احلض ''ارة‬ ‫حض ''ارة أخ ''رى ‪ ،‬و ماتو ّ‬
‫الغربية ‪ ،‬هذا التحدي يضعه الرتيكي موضع تساؤل حبكم اإلختالفات اجلذرية و التناقضات الواض''حة ‪ .‬ومن مث‬
‫فإن هذه األطروح'ة كس'ابقاهتا مل ت''زد دائ''رة العنص'رية إال إتس'اعا‪،‬حيث أهنا ختل''ط األم'ور و جترده''ا من إختالفه'ا‬
‫و نبذها و إستبعادها ‪ .‬ومن هذا التحليل نتوصل إىل جمموعة من النتائج أمهها ‪ :‬ض'رورة مقارب''ة العالق'ة العض''وية‬
‫بني العوملة و العنف – العوملة و النظ'ام الع'املي اجلدي'د و جهني لعمل'ة واح'دة فالنظ'ام الع''املي ميارس طريق'ة عنيف'ة‬
‫الصمود و املواجهة من الط''رف‬ ‫تتمثل يف فرض العوملة على اجلميع– و هذه احلروب اليت متارسها العوملة تقتضي ّ‬
‫اآلخ'ر و ه'ذا الص'مود يتمظه'ر يف العن'ف ألن العن''ف ال ينتج س'وى العن'ف على الص''عيدين الفك'ري و العملي‬
‫– العوملة يف ص ''بغتها اإلقتص ''ادية و السياس ''ية تؤس ''س للت ''دخل يف احلي ''اة البش ''رية كم ''ا أهنا تلعب دورا كب ''ريا يف‬
‫تكسري الثقافات الوطنية و من مث تكسري اإلبداعات املختلفة و البديلة – مع قيام نظام عاملي جديد مل يعد رج''ل‬
‫اإلقتص''اد ي''رتك ثقاف''ة العوملة إىل املثقفني ب''ل أص''بح يض''م ه''ذه الثقاف''ة إىل احلق''ل العلمي اإلج''رائي لإلقتص''اد نفس''ه‬
‫كما قام به العسكري من قبله ‪ -‬قيام العوملة على العن'ف جع'ل اآلخ'ر يش'عر بأن'ه مه'دد يف وج'وده و كيان'ه ومن‬
‫مث بدأت تظهر إمكانية إندثار العوملة من داخلها و بآلياهتا بواسطة تقنياهتا ووسائلها ‪.‬‬

‫‪ -3‬عالقاتنا بالغرب في ظل العولمة ‪:‬‬

‫يت''بني لن''ا من التحلي''ل الس''ابق أن نظري''يت اإلس''تعاب و التص''ادم ال تلبي''ان املطلب اإلنس''اين األول املتمث''ل يف‬
‫التعايش و التساكن ‪ ،‬كما أهنم'ا وس'عتا اهلوة بني اخلط'اب الغ'ريب الك'وين و اآلخ'ر ‪ ،‬و حاولت'ا إث'راء املعقولي'ة‬
‫الغربي''ة القائم''ة على التمرك''ز ‪ ،‬فالكوني''ة الغربي''ة هي ال''يت حتدد م''ا جيب أن يك''ون و م''ا ال جيب أن يك''ون " إن‬
‫الكوني ''ة الغربي ''ة هي ال ''يت تس ''طر مع ''اين القيم وح ''دودها و كونيته ''ا و هي ال ''يت تُق ''ر مق ''اييس احلري ''ة وميادينه ''ا و‬
‫ح ''دودها وهي ال' ''ىت تعطي املع' ''اين ال' ''ىت تري' ''د إىل الع' ''دل و اإلنس' ''انية و احلق' ''وق و الص' ''مود و القيم األخ' ''رى "‬
‫(ال ''رتيكي فتحي‪ ، 2003 ،‬ص ‪ )189‬فاخلط ''اب الغ ''ريب الك ''وين هبذه الص ''ورة يص ''بح ه ''و املق ''رر و هواملش ' ّ'رع‬
‫لنفس' ''ه و لآلخ' ''رين ومن مث ح' ''اول ه' ''ذا اخلط' ''اب مس' ''تعمال س' ''لطته املش' ' ّ'رعة رب' ''ط العن' ''ف و اإلره' ''اب بالع' ''امل‬
‫اإلس''المي فأص''بح احلديث عن العن''ف ه''و احلديث عن اإلس''الم و ه''ذا اخلط''اب مرف''وض عن''د ال''رتيكي ‪،‬ف''العنف‬
‫واإلره''اب ليس م''يزة خاص''ة باملس''لمني ب''ل نش''أ وترع''رع يف أحض''ان احلض''ارة الغربي''ة و يعيش يف ربوعه''ا وهي‬
‫تباركه و هو يباركها ‪.‬‬

‫ويف ظ''ل ه''ذه العالق''ة الغ''ري متكافئ''ة بنّي س''يار اجلمي''ل أن الع''امل الع''ريب مط''الب مبواجه''ة التح''ديات اجلدي''دة ال''ىت‬
‫ستفرض ''ها العوملة و يق ''ول يف ه ''ذا " لع ''ل أب ''رز ماحيتاج ''ه الع ''رب و الع ''امل اإلس ''المي قاطب ''ة ملواكب ''ة التح ''والت‬
‫الك''ربى ‪ ،‬إذ ال ميكنهم أب''دا اإلنع''زال عن الع''امل ‪ ،‬و اإلنكم''اش على ال''ذات ‪ ،‬و عليهم جماهبة التح''ديات اجلدي''دة‬
‫و ال''يت سيفرض ''ها النظ ''ام ال''دويل الق ''ادم من خالل التنمي ''ة السياس''ية و التنمي ''ة الفكري ''ة ‪ ...‬و تط''بيق التعددي''ة ‪،‬‬
‫وممارس'ة الدميقراطي'ة من خالل اإلميان ب'الثوابت املدني'ة ‪ ،‬و ت'دعيم حق'وق اإلنس'ان يف ك'ل الع'امل ‪ ،‬وحماول'ة إجياد‬
‫س ''بل جدي ''دة للتف ''اهم م ''ع الع ''امل دون اإلنفالت ودون فق ''دان الث ''وابت (اجلمي ''ل س ''يار ‪ ، 1997 ،‬ص ‪)261‬‬
‫يعتمد العديد من املفكرين العرب إلبراز ط'ابع اهليمن'ة ال'ذي متارس'ه العوملة على العدي'د من األراء و املواق'ف ال'يت‬
‫يقره' ''ا املفك' ''رون الغ' ''رب أنفس' ''هم وه' ''ذا م' ''ايتبني من خالل ق' ''ول املفك' ''ر االملاين ‪ " .karl heineen‬إذا م ''ا‬
‫أج''ربت على ت'دمري نص''ف ق'ارة و على نش''ر محام دم'اء لتكس''ري ض'رب ال'ربابرة فالجيب أن يوخبّ''ك ض''مريك ‪ .‬إن‬
‫ال''ذي ال يض''حي حبيات''ه فرح''ا من أج''ل إب''ادة ملي''ون من املتوحش''ني ال يع''د مواطن''ا مجهوري''ا " (اجلمي''ل س''يار ‪،‬‬
‫‪ ،1997‬ص ‪ )238‬وم ''ايفهم من ه ''ذا ه ''و أن العن ''ف ال يرتب ''ط باملس ''لمني ب ''ل باحلض ''ارة الغربي ''ة ‪ ،‬و هك ''ذا‬
‫فعندما نتحدث عن العنف و نعطيه معن'اه ال'دقيق تص'بح أمريك'ا على رأس املس'تخدمني للعن'ف ملا تفعل'ه حالي'ا يف‬
‫العديد من بلدان العامل ألهنا تزرع ال'رعب و اخلوف يف ه'ذه البل'دان وك'ل " من يق'وم بإدخ'ال اخلوف و ال'رعب‬
‫و الرهب ''ة و التهدي ''د و القت ''ل يف قل ''وب املواط ''نني س ''واءا ك ''ان ف ''ردا أم مجاع ''ة أم دول ''ة أم نظام ''ا فه ''و إره ''ايب "‪.‬‬
‫( اجلميل سيار ‪ ،1997،‬ص ‪)240‬‬

‫ومن جه''ة أخ''رى ف''إن ه''ذا اخلط''اب الغ''ريب الق''ائم على العن''ف و اهليمن''ة و الغطرس''ة ال يتحم''ل املس''ؤلية و‬
‫ح' ''ده فيم' ''ا أص' ''اب الع' ''امل الع' ''ريب اإلس' ''المي‪ ،‬ب' ''ل حنن يف البل' ''دان العربي' ''ة ك' ''ذلك نتحم' ''ل مس' ''ؤولية كب' ''رية يف‬
‫ذل''ك‪،‬حيث مل يع''د املثق''ف الع''ريب ميتل''ك احلري''ة الكافي''ة للمشاركةواملس''امهة يف النقاش''ات العام''ة و بقي املثق''ف‬
‫العريب إماأسري اللعبة السياسة أو أسريالسلطة الدينية‪ .‬كما بقي يس''تهلك األفك''ار التارخيي''ة أواألفك'اراليت تأتي''ه من‬
‫اآلخر الذي ال ينتمي إليه و اليعيش فيه ‪ ،‬و بالتايل عجز عن تطوير قيم ومقومات' حضارته ح''ىت يعطيه''ا ص''بغة‬
‫شاملة و كونية‪.‬‬

‫و لألنظم ''ة السياس ''ية العربي ''ة مس ''ؤولية يف ذل ''ك أيض ''ا حيث إخت ''ارت احلكم املطل ''ق وال ''دكتاتوري فك ''انت‬
‫فريسة سهلة للعوملة و قد بنّي األستاذ الرتيكي ذلك عن'دما ق'ال " ولألنظم'ة السياس'ية العربي'ة ض'لع يف ذل'ك ألهنا‬
‫بدورها إستسلمت إىل العوملة و إىل قطبها األمريكي و ليس هلا خيار غ''ري ذل''ك ‪ .....‬وهي ال'يت إخت''ارت احلكم‬
‫املطل''ق و ال''دكتاتوري لتس''ري ش''ؤون احلي''اة و األفك''ار حبيث ه''اجر الفك''ر من ربوعه''ا فتقوق''ع يف املاض''ي و‬
‫إلتحق باحلاضر الغريب و يف كلت'ا احلالتني أص''بحت اجملتمع'ات العربي'ة مس'تهلكة غ'ري ق'ادرة على اإلبتك'ار و اخلل'ق‬
‫و إنتاج اجلديد " (الرتيكي فتحي ‪ ، 1998،‬ص ‪)190‬‬

‫و هبذا ف ''إن عال قتن ''ا ب ''الغرب الي ''وم تق ''وم على اإلس ''تبعاد و رفض اآلخ ''ر املختل ''ف ‪ ،‬و مل تس ''تطع املعقولي ''ة‬
‫الغربية ربط مقوماهتا باآلخر أي يف تواصلها معه ومل تستطع إستضافة املعقوليات األخ''رى من أج''ل خل'ق كوني'ة‬
‫جدي''دة عادل''ة مش''رتكة بني مجي''ع الن''اس ‪ ،‬و ه''ذا ماميث''ل مظه''را آخ''ر من مظ''اهر إخف''اق العوملة و لع''ل إخف''اق‬
‫العوملة و اخلط''اب الك''وين الغ''ريب ه''و ال''ذي أح''دث تل''ك النقل''ة النوعي''ة ال''يت متثلت يف حتول اخلط''اب من فلس''فة‬
‫احلداثة اىل فلسفة مابعد احلداثة من أجل تغطية عيوب العوملـ ـ ــة ‪.‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫كنتيج''ة للتحلي''ل الس''ابق س''يتحول احلديث من فلس''فة احلداث''ة إىل مابعداحلداث''ة فه''ل ميكنن''ا إعتب''ار فلس''فة‬
‫احلداثة دعامة إيديولوجية جديدة تدعم الطرح السابق و تطعمه ؟‬
‫يعرب مصطلح ما بعد احلداث'ة على فش'ل فلس'فة احلداث'ة حيث س'يتم نق'د اجملال املع'ريف للحداث'ة ال'ذي ترع'رت‬
‫فيه فك'رة التق'دم‪ ،‬و س'يتم نق'د فك'رة احلداث'ة و فتحه'ا على مابع'د احلداث'ة و ظه'ور فك'رة م'ا بع'د احلداث'ة هوتعب'ري‬
‫عن ت''أزم ظ''اهرة التق''دم ال''يت أدت إىل القبض على تالبيب اإلنس''ان بإس''م التقدمي''ة و اإلنس''انية‪ ،‬ه''ذا و لق''د ق''ام‬
‫النقد الذي و جهه أصحاب ما بعد احلداثة لفكرة احلداثة على نقد تصور الزمنية التارخيـ ــية من حيــث أهنا صقيلة‬
‫أليس''ة‪ ،‬ومن مث أص''بح تص''ور( م''ا بع''د احلداث''ة ) يع''ين ف''رتة زمني''ة ج''اء ت على إنق''اض ف''رتة فلس''فة احلداث''ة ال''يت‬
‫أصبحت تعصفها أزمات متعددة ومن مث تكون هذه الفرتة ق'د و هنت و إض'محلت ‪ ،‬لتح'ل حمله'ا ف'رتة م'ا بع'د‬
‫احلداثة ‪ .‬وك'ان نيتش'ه فيلس'وف النق'د ه'و ال'ذي د ّش'ن حركي'ة إهنياراحلداث'ة (ولق'د بني ذل'ك الفيلس'وف االيط'ايل‬
‫‪ fatimo‬حس''ب مايبين''ه ال''رتيكي يف كتاب''ه احلداث''ة وم''ا بع''د احلداث''ة حيث بني كي''ف حترر الفك''ر الفلس''في من‬
‫سجن الذات و غطرسة احلقيقة املطلقة ‪ ،‬كما بني ذل'ك س'امي أدهم يف كتاب'ه ( مابع'د احلداث'ة ) وه'و أن الذاتي'ة‬
‫املركزي''ة ق''د إهنارت يف فلس''فة نيتش''ه م''ع إهني''ار الالهوتي''ة املتحكم يف الع''امل) ‪ ،.‬و لق''دالحظ ال''رتيكي أن حركي''ة‬
‫مابع''د احلداث''ة ق''امت على ت''دمري قواع''د ثال ث تأسس''ت عليه''ا احلداث''ة من حيث هي فك''رة وتوج''ه إي''دولوجي‬
‫تنويري ميكن حصرها يف النقاط األتية ‪:‬‬

‫‪ -1‬الذات ‪ :‬حيث إنبنت احلداثة على الوعي بالذات و هذا مايتجسد فعال يف تأم ــالت ديكارتو عقالنية اليبن''رت‬
‫ونقدية كانط ‪ ،‬ولق'دخلقت ال'ذات الكالس'يكية بواس'طة عقله'ا املتس'لط فض'اءات تعم'ل داخله'ا الس'لطة للحج'ز‬
‫و اإلي''واء كالثكن''ة العس''كرية و املعم''ل و الورش''ات الص'ناعية ‪......‬اخل ‪ .‬فأص''بحت اجملتمع''ات ب''ذلك جمتمع''ات‬
‫إستبعاد و إقصاء إالّ أن ذلك مع نيتش'ه و فلس'فات م'ا بع'د احلداث'ة سيص'بح أكذوب'ة س'احرة ألن ال'ذات س'جينة‬
‫املع''ىن عن''د نيتش''ه وهي حتت حكم الس''لطة حبس''ب تعب''ري ميش''ال فوك''و‪ ،‬وميكن حتري''ر ال''ذات من املتاه''ات ال''يت‬
‫خلقتها احلداثة العقالنية عن طريق ال شعورنيتشه وال وعي فرويد بواسطة اللغة والنقد والتشخيص‪.‬‬

‫‪ -2‬لق''د إجته العق''ل الكالس''يكي إىل ص''رامة العق''ل حماوال إق''رار احلقيق''ة الدائم''ة النهائي''ة ‪ ،‬و لكن بنّي فوك''و أن‬
‫للحقيقة وجه آخر مل حياول الفالسفة قبل نيتشه إظهاره ‪ .‬ه''و العن''ف و اإلس'تبعاد و اإلقص'اء ‪،‬و ق'د تص''ور فك''ر‬
‫م''ا بع''د احلداث''ة أن احلقيق''ة املطلق''ة هي لعب''ة ال غ''ري ي''راد منه''ا اإلبق''اء على س''لطة األنس''اق الك''ربى ض''د اإلنس''ان‬
‫الفرد لكبت رغباته ‪.‬‬

‫‪ -3‬الوح ''دة ‪ :‬حيث أك ''دت الفلس ''فة من بارمين ''دس إىل ديك ''ارت و كان ''ط على الوح ''دة األنطولوجي ''ة أي أن‬
‫وح''دة الوج''ود ق''د ع''وجلت مبنط''ق يتض''من الوص''ول إىل توحي''د ك''ل جماالت الفك''ر والعم''ل‪ .‬و هن''ا ك''ان ال''دور‬
‫األهم للتنوع ملا يدعو إليه يف تكريس حرية الفرد األنطولوجية و السياسية و اإلجتماعية ‪،‬و لكن حتري''ر األن''ا إىل‬
‫أقصاه جعله يفق'د حريت'ه فأص'بح أحيان'ا س'جني الل'ذة و الرغب'ة و أحيان'ا أخ'رى س'جني اإلس'تهال ك و الرفاه'ة و‬
‫أحيان ''ا أخ ''رى سجـ ـ ــني املؤسس ''ات اإلعالمي ''ة و الش ''ركات و الدول ''ة ‪ ....‬اخل‪ .‬أي س ''جني األنس ''اق اإلجتماعي ''ة‬
‫الك ''ربى ولكن بظه ''ور العوملة ك ''ان مؤش ''را على ع ''ودة الوح ''دة من جدي ''د ال ''يت جتس ''دت يف إنص ''ياع الك ''ل إىل‬
‫مق''والت الوالي''ات األمريكي''ة ‪ .‬ولق''د توص''ل ال''رتيكي من خالل عرض''ه و حتليل''ه لل''دعائم اإلنس''انية ال''يت ق''امت‬
‫عليه''ا فلس''فة م''ا بع''د احلداث''ة إىل أن ه''ذه الفك''رة األخ''رية فك''رة غ''ري جمدي''ة رغم ماحتتوي''ه من أس''اليب نقدي''ة و‬
‫تعابري مجالية و دعوة للخلق ‪.‬‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪-1‬اجلميل سيار ‪،) 1997 (،‬العوملة اجلديدة ‪ ،‬مركز البحوث االسرتاتيجية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت‪.‬‬

‫‪-2‬الفارايب أبو نصر ‪،)1993 (،‬فصول منتزعة ‪ ،‬تر و تح ‪ ،‬فوزي مرتي جنار ‪ ،‬دار املشـ ــرق ‪ ،‬ط‪ ،2‬بريوت‪.‬‬
‫‪-3‬العروي عبد اهلل ‪ ، )1983(،‬مفهوم' اإليديولوجيا ‪ ،‬املركز الثقايف العريب ‪ ،‬الدار البيضاء ‪.‬‬
‫‪-4‬ال''رتيكي فتحي م''ع عب''د الوه''اب املس''ريي ‪ ،) 2003 (،‬احلداث''ة و م''ا بع''د احلداث''ة ‪ ،‬دار الفك''ر املعاص''ر ‪ ،‬ط‬
‫‪، 1‬تونس‪.‬‬
‫‪-5‬الرتيكي فتحي ‪ ، )1998(،‬العقل و احلرية ‪ ،‬ترب الزمان ‪ ،‬الدار التونسية للنشـ ــر ‪،‬تونس‪.‬‬
‫‪-6‬هن ''تينجتون ص ''امويل ‪،) 1991 (،‬ص ''دام احلض ''ارات ‪ ،‬ت ‪ .‬د مال ''ك عبي ''د أب ''و ش ''هرية و د‪ .‬حمم ''ود حمم ''د‬
‫خلف ‪ ،‬الدار اجلماهريية ‪ ،‬ط‪ ،1‬بنغازي‪.‬‬
‫‪-7‬فوك' ''و يام' ''ا فرانس' ''يس ‪،)1993(،‬هناي' ''ة الت' ''اريخ و االنس' ''ان االخ' ''ري ‪ ،‬ت مط' ''اع الص' ''فدي ‪ ،‬مرك ''ز اإلمناء‬
‫القومي‪ ،‬ط‪، 1‬لبنان‪.‬‬
‫‪8-Triki Fathi,(1985), les Philosophe et la guerre, editions buni , tunisi‬‬

You might also like