Professional Documents
Culture Documents
بظاهرة العولمة
الدبلوم العالي لعلم االجتماع التطبيقي
قضايا المجتمع السوداني المعاصر2
محاضرة رقم()3
:المحاضرة تعتمد على مقال كتبه االستاذ
محمد عادل التريكي
2
:تمهيد
يثري موضوع الهوية والعولمة من األسئلة أكثر مما يقدم من األجوبة وهو -كاملوضوعات اليت ال
تزال مصطلحاهتا ومد لوالهتا يف مرحلة التكون -حيتاج إىل التوقف عند األسئلة اليت يثريها لعلها تفتح
مغاليقه .وإذا كان اإلسراع إىل اإلجابة قد يوقع يف الزلل ،فإن الرتيث عند األسئلة وتأملها قد يتيح جماال
:للتأمل والتدبر ،ولتحقيق ذلك رمبا كان من الطبيعي ملن يبحث هذا املوضوع أن يتساءل
م ا العولم ة ؟ ه ل ه ي ظاهرة جديدة مس تحدثة يف هذه الس نوات القريب ة؟ أ و أهن ا لف ظ جدي د
للتعبري عن واقع قدمي كان مالزما جلميع احلضارات الكربى واإلمرباطوريات العظمى اليت استخدمت
قوهتا -خالل عصور التاريخ -لبسط نفوذها ونشر مبادئها وحتقيق مصاحلها ؟
فه ل كان امتداد الس يطرة الروماني ة -مثال -عل ى العامل املعروف يف زماهن ا ،ونش ر أنظمته ا يف
احلكم وأمناط حياهتا السياسية واالجتماعية والثقافية نوعا من العولمة ؟
3
وماذا نسمي ما رسخته بريطانيا يف األقطار اليت احتلتها واليت كانت ال تغيب
عنها الشمس ؟ ألسنا نرى أن اللغة وأساليب التفكري وأمناط احلياة اإلجنليزية ال تزال
سائدة يف أكثر تلك األقطار ؟
أال يدل وجود منظمة الكومونولث على التشبث ببقايا ما كان ؟
هل كل ذلك عوملة أو شكل من أشكاهلا ؟
وليس من احلتم أن تكون هاتان احلالتان وأمثاهلا يف التاريخ متطابقة ليكون
اجلواب باإلجياب ،فضرب األمثلة وتوضيح األفكار يكفي فيهما التشابه والتقارب
.والقياس دائما مع الفارق
:وكذلك البد ملن يتصدى هلذا املوضوع من أن يتساءل
هل العولمة يف صورهتا املعاصرة هي األمركة؟ وإذا كانت كذلك ،هل هي من
أنواع االستعمار اجلديد الذي يتحقق دون وجود جيش حمتل ؟
وهو سؤال يشتد اخلالف بني اجمليبني عنه من مؤيد ومفند .ومن أجل ذلك حيتاج
مرجح واضح
.اجلواب إىل قدر من التمحيص حىت تطمئن النفس إىل ترجيح يستند على ِّ
4
وتس اؤل ثالث..ه ل نس تطيع حق ا أ ن نفص ل بني العولم ة وتقلي ص اهلويات القومي ة
والدينية للشعوب أ و القضاء عليها ،مب ا تتضمن ه تل ك اهلويات م ن ثقافة ولغة وتقالي د وأمناط
حياة ؟ وإذا كان جواب الس ؤال األول ع ن ص نيع احلضارات العظم ى واإلم رباطوريات
الك ربى ه و أ ن هذا الص نيع عولمةً ،فه ل اس تطاعت تل ك العولم ة أ ن تقض ي عل ى هويات
األمم والشعوب األخرى .أو أن اإلمرباطوريات زالت وبقيت القوميات والثقافات واألديان
املتعددة املختلفة ؟
فكان بذل ك تأثري العولم ة وقتي ا ،أم ا تأثري القوميات واألديان فق د كان ت ل ه الغلب ة
والبقاء .والبد من التنبه للفرق الشاسع بني العصور القدمية وعصرنا احلاضر بوسائل اتصاله
.وشبكات معلوماته وقُدرته على التغلغل والسيطرة
وتس اؤل رابع ..ه ل تتناق ض العولم ة م ع الدميقراطي ة وم ع التعددي ة الثقافي ة والتنوع
احلضاري ؟ إذا كان ت تتناق ض م ع ك ل ذل ك حبك م حماولتِه ا الس يطرة والس يادة واالنفراد،
وحبك م نشره ا منوذجاً واحداً ومنطاً بعين ه يف االقتص اد ويف الثقاف ة واالجتماع –ومه ا منوذج
ومنط ينتميان إىل حضارة واحدة يف جمموعها ،بل إىل جمتمع واحد – فما هو موقف الدولة
العظمى اليت طاملا دعت إىل الدميقراطية وحقوق اإلنسان ،وفَرضت على الدول اليت تنتقص
منهما ،أنواعا من العقوبات مثل احلصار واملقاطعة؟ أليس هذا مثال من أمثلة ازدواجية املعايري؟
5
وتس اؤل خامس ..ه ل العولم ة تنته ي حقاً بالتفاه م الدويل
والسالم العاملي والتقارب بني الشعوب ؟ أو أهنا البد ستثري مقاومةَ
تلك الشعوب دفاعا عن هويتها ومقومات شخصيتها ،وبذلك تكون
العولم ة ق د َنثَرت بذور احلروب وأنواع الص راع بدل أ ن تنش ر
السالم ؟
وأخريا وليس آخرا..ما هي تأثريات العولمة يف العامل؟ وكيف
ميكن للعرب التعامل معها ؟
ولس ت أدري أكان ت هذه األس ئلة موضوعي ة حمايدة أ م أ ن
ص ياغتها محل ت بع ض فك ر الس ائل وأومأ ت إىل اإلجاب ة إمياءاً عام ا
.يدل على اجتاهه وموقفه
ومهما يكن من أمر فال بد من حماولة اإلجابة عن بعض تلك األسئلة
.دون التقيد بتسلسلها وترتيبها
6
مفهوم العولمة
وأول م ا نق ف عنده قضي ة املص طلح ..فال أشع ر باحلرج م ن
اس تعمال مصطلح "العولمة " ومن تأصيله يف اللغة العربية .إذ أن
الوزن الص ريف " َف ْو َع َل " -فعال وإمس ا -ه و م ن أبني ة املوازي ن
ف ،ومصدره :ضعُ َالصرفية ومن الشواهد على ذلكَ ،ح ْوقَ َل الرجل َ
"ح ْو َقلَةٌ " ،وقالوا َ :كو َكبةٌ فـ القياسي مصدره أما يقال. السماعي ِ
ح
َ
يف االس م .ومم ا جاء يف وزن َف ْو َع َل :ال َف ْولَ ف :ك ل شي ء يغط ي
ب :لولب ل
َ ول
َ و للعقرب. إسم : ب شَ و وش
َ . ِ
ل ج حشيئا ،و َفوقَل :لِْل ِ
ْ َ ْ َ ْ ْ َ
وب ْلورة
املاء .والن َّْو َرج والن َّْو َر َجةُ ،وم ن كالم احملُ َدثني َ :ق ْولَب ة َ
.وح ْوسبة..وما جرى على كالم العرب فهو من كالم العرب َ
7
ف ا لعولم ة "ش أهُن ا ش أ ن" ا لهوي ة " و " ا حلداث ة أ و ا حلداثي ة " و "
"ا لدمي قراطية " و"حقوقا إلنسان" و " ا خلوصصة " أو " ا خلصخصة أو ا لتخاصية
"و" ا لنظام ا لعا مل اي جلدي د "وبع ضا مل ص طلحاتوا أللفاظ ا ألخرىا لشائع ة م ن ذ
ات ليت ال ت زا يل كتنفه ا ا لغموض ،وا ليت ي ذه بب ع ضا لنقاد وا ملبدعني س نو ا
اهبخم تلفة يف ف هم اه وتعر يفها وتفسريها ،ولذل كت أيت وا حمل للني ا الجتماعيني مذ َ
نطلقات
، أحكامهم أحيانا غ امضةٌ ومتباعدةٌ ب سببغموضمنطلقاهت م واختالفهذه ا مل
حىت أصبح ا لباحثونيف هذا ا ملوضوع وا مل تحدثونعنه ي تساءل ون :هلم ان ألفضلأن
تُ رتك هذه ا أللفاظ وا مل صطلحاتوأمثا هلُا دونحت ديد (ر مبا أل هن ا ب طبيعتها غري
ق ابلة ل لتّحديد) .وأنيُ تح ّدثعنب عضمظاهرها ونتائجها وعالقتها ب غريها ،اعتمادا
طلحات
، ٍ
مشرتك م ان لفه م ب ني ا مل تحدِّثني ع نهذه ا أللفاظ وا مل ص عل ىُوجود ق دٍر
تحليالت ىلا آلخر ينمهما اختلفوا يف ا لتفصيالتوا لفروع
إ .يُ تيح ت وصيلا آلراء وا ل
ا لفرنسية ا ليت " " MONDIALISATIONا لعولمة " ت رمجة ل كلمة "
ب لىا لالمحدود جعل ا لشيء علىمستوىع ا مل ،ي أ ين قله م نا لمحدود ا لمراق إ تعين ُ
.ا لذييَ نأىعنك لمراقبة
8
افية ومبر ٍ
اقبة ٍ
حبدود جغر ٍ واحملدود هن ا ه و أس اساً الدول ة القومي ة اليت تتمي ز
ٍ
صارمة على مستوى اجلمارك :تَ ُّنق ل البضائع و ِّ
الس لع ،إضافة إىل محاية ما بداخلها
من أي خط ٍر أو ُّ
تدخ ٍل خارج ٍي ،سواءٌ تعلق األمر باالقتصاد أو بالسياسة أو بالثقافة.
.أما الالَّحمدود فاملقصود به " العامل " ،أي الكرة األرضية
فالعولمة إذن..تتضمن معىن إلغاء حدود الدولة القومية يف اجملال االقتصادي
فضاء يشمل(املايل والتجاري) وترك األمور تتحرك يف هذا اجملال عرب العامل وداخل ٍ
الكرة األرضية مجيعها .ومن هنا يُطرح مصري الدولة القومية ،الدولة /األمة ،يف زمن
.تسوده العولمة هبذا املعىن
عل ى أ ن الكلم ة الفرنس ية املذكورة إمن ا ه ي ترمج ة لكلم ة
اإلجنليزي ة اليت ظهرت أول م ا ظهرت يف الواليات املتحدة GLOBALIZATION
األمريكية .وهي تفيد معىن تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل ،الشيء الذي
حبثت ع ن املص طلح يف معج م وجدتُ ه حينم ا ُ الذي ] -WEBSTER ‘Sويبس رتز [ َ
يقول ":العولم ة ه ي إكس اب الشي ء طاب ع العاملي ة وخباص ة جع ل نطاق الشي ء أ و
".تطبيقه عامليا
9
ألفيت أن هذا املعىن شديد الرباءة بالغ احليدة ،ال ينسجم يف عمقه مع ولكين ُ
.داللة اللفظ ومفهوم املصطلح كما يُشاع يف العامل اليوم
ات ع ن العولمة .أ و وهن ا الب د من وقف ة نس تقبل فيه ا م ا صدر م ن تصور ٍ
يفات توذن هب ا ،وإ ن مل تبل غ الص حة والدق ة املطلوبتني يف احلدود حبك م أ ن تعر ٍ
غامض ،أو غائم مل يتم تَ َش ُّكلُه تَ ُّ
شكالً هنائيا بعد ف .العولمة أمر أَنِ
ٌ ٌ ٌ ٌ
يعتق د الدكتور محم د عاب د الجابري أهن ا نظام أ و نس ق ذو أبعاد تتجاوز
دائرة االقتصاد ،وأهنا نظام عاملي يشمل املال والتسويق واملبادالت واالتصال ،كما
.يشمل أيضا جمال السياسة والفكر واأليديولوجيات[]1
وق د مياش ي هذا التص ور إىل ح د م ا القول بأ ن العولم ة عبارة ع ن القولب ة
الكلي ة لألحادي ة األكث ر اتس اعا ومشولي ة ،تنجرف إليه ا األوضاع الدولي ة مدفوع ة
.حنوها بالثورتني االقتصادية واملعلوماتية املذهلة[]2
.أسئلة جي ابلوعيهب ا ..ا لدكتور حم مد ع ابد ا جلابري..ا لشرقا ألوسط [1] 4/2/1997
.مأزقإيديولوجيا ا لعومل ة..ا لسيد ولد أباه ..ا لشرقا ألوسط [2] 2/2/1997
10
وجاءت بعض التصورات ناظرة يف استمداد حقيقة العولمة إىل العالقة اليت
يُفرتض أن تقوم بني املتقدم والنامي من الدول ،وبني الغين والفقري منها .فهي تعين يف
إطالق األس تاذ عل ي أحم د س ليمان-أستاذ عل م االقتص اد -حتقي ق اندماج البلدان
وفعالة يف األسواق العاملي ة .وال يقف هذا النامي ة (دول العامل الثالث) بدرج ة أكرب َّ
االندماج يف األسواق العاملية عند تصدير السلع فقط ،ولكنه يتجاوز ذلك فيشمل
.اخلدمات ورؤوس األموال[]1
وخيتلف عن هذه التصورات القول بأن العولمة موجةٌ جديدةٌ اقتصادية تلي
الثورة الزراعي ة والثورة الص ناعية ،وأهن ا أعل ى مراح ل الرأمس الية اجلديدة اليت أفرزهت ا
.الثورة املعلوماتية وما يرافقها من تطور يف جَمَايَل ْ االتصال واإلعالم[]2
14
وإذن..فم ن النتائ ج املباشرة للعومل ة تعمي م الفقر ،وه و نتيج ة حتمي ة لتعمي ق
التفاوت .إ ن القاعدة االقتص ادية اليت حتك م اقتص اد العولم ة ه ي" :إنتاج أكث ر م ا
يمكن من الس ــلع والمصنوعات بأقل ما يمكن من العمل " .إنه منطق املنافسة يف
إطار العولمة ،ومن هنا نالحظ أن الظاهرة املالزمة للعوملة وربيبتها اخلوصصة هي
.تسريح العمال واملوظفني
والنتيج ة اليت يس تخلصها الباحثون واملختص ون يف هذا اجملال ه ي التالي ة :إذا
كان النمـو االقتص ادي يف املاض ي خيل ق مناص ب الشغ ل ،فإ ن النم و االقتص ادي يف
إطار العولمة والليربالي ة املتوحش ة يؤدي –ويتوق ف عل ى -ختفي ض مناص ب الشغل.
إ ن بع ض القطاعات يف جمــال اإللكرتونيـات واإلعالميـات واالتص ال ،وه ي م ن
القطاعات األكثر رواجا يف العامل ،ال حتتـاج إال إىل عدد قليل من العمـال .إن التقدم
التكنولوجي يؤدي يف إطار العولمة واخلوصصة إىل ارتفاع البطالة مما سيؤدي حتما
.إىل أزمات سياسية
تفصيل احلديث يف اجلوانب االقتصادية للعوملة -مع أهنا ُ وليس من هدفنا هنا
ه ي األس اس فيه ا -وس نقتصر حديثن ا عل ى نتائ ج هذه العولم ة وم ا يرتت ب عليه ا
بالضرورة؛ وه ي اجلوان ب الثقافي ة واحلضاري ة التص اهلا بالهوي ة ،بع د أ ن جني ب ع ن
لم بالعولمة من أطرافها .األسئلة اليت طرحناها يف البداية حىت نُ َّ
15
عصر العولمة
نصف عصرنا بأنه (عصر نستطيع يف ضوء هذا التحديد ملصطلح " العولمة " أن َ
العولم ة) .وميكنن ا وحن ن نس تحضر تاري خ القـرن العشريـن امليالدي بني يدي دخول قرن
ميالدي جديد ،أن ندرك أن التحوالت فيه هي حلقة ثالثة يف التحرك الغريب حنو العاملية،
سبقتهـا حتوالت ما بعد احلـرب األوىل يف هناية العقـد الثاين من القرن ،وحتوالت ما بعد
احلرب العاملية الثانية يف النصف الثاين من العقد اخلامس من القرن ،ويف مقدورنا وحنن
كات حن و العاملي ة يفبتحر ٍ
أن هذا التاري خ َح َف َل ُّ نس تحضـر التاري خ اإلنس اين أ ن نالح ظ َّ
خمتلف عصوره ،عرَّب ت عن نزوع اإلنسان للسياحة يف كوكبنا األرضي استجابة لدعوة
ض ذَلُوالً ر َ
أل ا م ك
ُ ل
َ ل ع ج ي خالقه أن ميشي يف مناكب األرض وينتشر فيها( :هو الَّ ِ
ذ
َ ْ ُ َ َ َ َُ
كلُوا ِمن رِ ْزقِ ِه وإِلَ ْي ِه النُّشُور)[]1 .فَامشوا فِي من ِ
اكبِ َها َو ُ ََ ُْ
16
العولمة شيء والعالمية شيء آخر
َن العولمة وباملناسبة أذكر هنا ما جاء به الدكتور محمد عابد الجابري يف أ َّ
قمع وإقص اءٌ شي ء والعامليـةَ شي ء آخر..فقال « :العولم ة إرادة للهيمن ة ،وبالتايل ٌ
للخصوصي..أما العامليـة فهي طموح إىل االرتفاع باخلصوصية إىل ُ Universalité
ُّح عل ى م ا ه و عامل ي وكوين مس توى عامل ي :العولم ة احتواء للعامل ،والعامليـة َت َفت ٌ
نشدان العاملية يف اجملال الثقايف .كما يف غريه من اجملاالت ،طموح مشروع ،ورغبة ُ
يف األخذ والعطاء ،يف التعارف واحلوار والتالقح .إهنا طريق األنا للتعامل مع "اآلخر"
بوص فه " أن ا ثاني ة" طريقه ا إىل جع ل اإليثار حيُ ُّل حَمَ َّل األَثَرة..أم ا العولم ة فه ي
طموح ،ب ل إرادة الخرتاق "اآلخ ر" وس لبُه خص وصيَتَه ،وبالتايل نفيُ ه م ن "العامل ".
.العاملية إغناء للهوية الثقافية..أما العولمة فهي اخرتاق هلا ومتييع»[]1
بشكل َجلِ ٍّي عل ى ِحن َك ٍة
ٍ وهذه املفارق ة الدقيق ة بني العولم ة والعاملي ة ُت َعِّب ُر
.الرجل ودقَِّة مالحظته يف التفريق بني املفاهيم وإعطائها الصبغة املناسبة هلا َّ
أطروحاتد/حم مد ع ابد ا جلابريا مل ستقبلا لعر يبع دد [1] – 228
، ا لعومل ة وا هلوية ا لثقافية :عشر
2/1998 .ص 16 :وما ب عدها
17
العولمة :ظاهرة قديمة أم جديدة ؟
يف السنوات العشر األخرية ~ Globalization " ،شاع استخدام "العولمة
وبالذات بعد سقوط االحتاد السوفيايت .ومع هذا فإن الظاهرة اليت يشار إليها ليست
حديث ة بالدرج ة اليت ق د توح ي هب ا حداث ة هذا اللفظ .فالعناص ر األس اسية يف فكرة
العولم ة :ازدياد العالقات املتَبَ َادلَ ة بني األم م ،س واءٌ املتمثِّل ة يف تبادل الس لع
ال.كل هذه العناص ر يعرفه ا العاملُ منـذ عدة رؤوس األموواخلدمات ،أ و يف انتقال ُ
ُّ
قرون ،وعل ى األخ ص من ذ الكشوف اجلغرافي ة يف أواخ ر القرن اخلام س عشـــر
امليالدي ،أي منذ مخسة قرون .ومنذ ذلك احلني والعالقات االقتصادية والثقافية بني
رية للغاي ة ،مال ت خالهل ا الدول إىلات قص ٍ الدول واألم م تزداد قوة ،باس تثناء فرت ٍ
االنكفاء علـى ذاهتا .وتراجع ت معدَّالت التجارة الدولي ة ومعدل انتقال رؤوس
األموال ( كم ا حـدث خالل أزم ة الثالثينات م ن هذا القرن مثال) .وباس تثناء
ضلت هي أن تعزل نفسها عن جمتمعات حمدودة العدد ،تركها العامل يف عز ٍلة ،أو فَ َّ
العامل لسبب أو آخر (..كما حدث لالحتاد السوفيايت مثال يف العقود الثالثة األوىل
التالية لثورة تشرين األول/أكتوبر..أو للصـني يف اخلمسينيات والستينيات..أو لليمن
.حىت منتصف هذا القرن… إخل)
18
وغده ا مرتبطان ارتباط ا وثيقاً
الظاهرة عمره ا إذن ..مخس ةُ قرون عل ى األق ل ،بدايتُها ُ
لوجية االتصال والتجارة ،منذ اخرتاع البوصلة وحىت األقمار الصناعية .ومن بتقدم تكنو ِ
امله م إدراك هذه احلقيق ة والتأكي د عليه ا ،ولك ن م ن امله م أيضاً االعرتاف بأ ن أشياء
:جديدة و مهمة قد طرأت على ظاهرة العولمة يف الثالثني سنة األخرية منها
اهن يار أس وار ع ا لي ة كان تحت تم يهب ا ب ع ضا ألم موا جمل تمعاتم تن يار 1.
ا لعولم ة ،وم نمتَّ اكتس ح ت يار ا لعولم ة م ناط قمهم ة م ان لعا مل كان تمعزولةٌ
درجة أو ب أخرىعنها .أهم هذه ا ألممهيب ا لطبع أممأوروبا ا لشرقية وا لص ني؛ ا ليتٍ ب
ُجربت طر يقة أو ب أخرىعلىا لتَّخليعنهذه ا لعزلة
انتهت زلتها ا الختيارية أو أ ب
.عُ
خلدمات ليت جي ريت بادهل ا ب ني 2.
ا ا لزيادة ا لك برية يف درج ة ت نوع ا لس لع وا
ت الس تثمار ا ليت ت تَّج ه إ ليه ا رؤوس ا ألموا لم بن ٍلد
ا ألم ،م وكذل كت نوع جم ا ال ا
.آل خر[]1
19
فإذن..وكما ذهبت زمرة من االقتصاديني إىل َّ
أن العولمة ليست أمراً جديداً
يف اجملال االقتص ادي ،أل ن هناك عوملتني :قدمي ة وحديثة..ظهرت األوىل يف القرن
اخلامس عشر أو القرن الثامن عشر مع الثورة الصناعية ،واستطاعت تنفيذا خِلُطَّتِ َه ا
أ ن تَزي د يف إنتاج الس لع زيادة كبرية دفع ت بأورب ا إىل البح ث ع ن أس واق جديدة
مكنتها هذه من أقامتها عن طريق إنشاء املستعمرات بأمريكا وآسيا وإفريقيا،كما َّ
احلص ول عل ى املواد اخلام بأس عار ج د منخفضة .وهذا يفس ره م ا كان م ن اندماج
املستعمرة يف اقتصاديات الدول الصناعية األوربية .أما العولمة الثانية،
َ للدول الفقرية
فإن حَتَ ُّق َقها سوف ال يكون عن طريق االستعمار يف شكله القدمي العولمة احلديثة َّ
وم ا كان يوفره م ن آليات ،ولك ن ع ن طري ق حتري ر التجارة الدولي ة والتناف س عل ى
النطاق الدويل [ .]1باالعتماد على التقدم التكنولوجي وتطوره يف خمتلف اجملاالت،
أزمتِه .وم ن أجـل ذل ك ُكتِب ت البحوث ِ
وتس ابق الدول عل ى اقتنائ ه وامتالك َ
والدراس ات ،وأقيم ت النـدوات واملؤمترات لبح ث أوضاع ه املختلفـة ،وتطورات ه
.املتالحقة ،وما توحي به من ثورات عميقة وكبرية يف حياة اجملتمعات اإلنسانية
20
خطاب العولمة
تواجه العولمة خبطاهبا العامل كله بعد أن هدَّت معاقل األيديولوجيا املناهضة
لللِّيربالية االقتصادية .ويقول اخلطاب األمريكي :إن العولمة ليست جمرد خيا ٍر ٍ
قابل
توج ه النظام العامل ي اجلدي د ،وال
المناص عنه ا يف ُّ
َّ للِتََّبيِّن والرف ض ،ب ل ه ي حتميةٌ
خيار بقائِه حمبوس اً يف ختلفه .ويضيف هـذا اخلطاب :أن غريهـا إال َ خيار للعامل النامي َ َ
أقرب الطريـ ِـق وأجداها لتحقيق احلداثة السياسية واالجتماعية والفكر ِيةالعولمة هي ُ
للعامل املتخل ف ،وه ي أجنَـــع الوس ائل لطيِّ ه بس رعة مراح ل التنمي ة الشامل ة ،ألهن ا
وحدها الكفيلة بتأهيله اقتصاديا ،وبالتايل فكرياً واجتماعياً .بل يذهب اخلطاب إىل
شكل اهلجوممرهون بتط بيقها .وبذل ك يأخ ذ َ ٌ أفضل
َ تغيري العامل إىل
القول :إ ن َ
الطوق عل ى حري ة االختيار ،أل ن العولم ة مبقتض ى هذا اخلطاب ه ي ِ وإحكام يَلِّ
يسوده إال قانون السوق،السبيل الوحيد إىل تنمية عامل بال حدود اقتصادية ،عاملٌ ال ُ
وأل ن برناجَمَه ا وحده الكفي ل بتضيي ق اهلوة الفاص لة بني األغنياء والفقراء ،وبني
.اجملتمعات املتقدمة اقتصاديا واألخرى الطاحمة إىل النمو
21
ويضي ف اخلطاب األمريك ي مدلِّالً عل ى العولم ة :أن ه مل يع د يف
تفعل أثناء ا كم الكبار، ِ
تناقضات تغل
إمكان الدول الص غرى أ ن تس َّ
ُ
بعض ه العامل بني قق حت الـذي ي ِ
السياس احلرب الباردةَّ ،
وبأن االنفتاح
ُ َ َّ
فهما معاً أساسيان يف ينفصل عن االنفتاح االقتصاديُ . ال على ٍ
بعض
ُ
الواليات املتحدة بينهم ا ربطاً عضوياً،
ُ مفهوم العولم ة ،لذل ك ترب ط
باالنفتاحنْي ِ معاً ه .وتَرهن تعاوهَن ا مـع الغري مبدى احرتامه والتز ِ
ام
َ َ ُ
22
إدارة العولمة
مؤسسات
ٌ لمية ، ٍ
وبتقنيات ِع ٍ ارس ها حِب ْزم و ُق َّو ٍة
اقتصادية عامليةٌ مُت ُ للعوملة إدارةٌ
عيد التنظري واملمارس ة ،أكربُه ا :البن ك العاملي ..وص ندوق النق د دوليةٌ عل ى ص ِ
.الدويل ..ومنظمة التعاون والتنمية االقتصادية اليت يقال عنها إهنا نادي األغنياء
تنظريها من مَن ط االقتصاد األمريكي وتستمد َ ُّ وكلُّها تُ َف ِّك ر باملنطق األمريكي
الرهان يف جمال الناج ح املتوف ر عل ى رؤوس األموال الك ربى القادرة عل ى كس ب ِّ
توج ه سياسة العولمة وتضغ ط على تنافس الرأمسال العاملي .وهذه اإلدارة ه ي اليت ِّ
.الدول للعمل بتوجيهاهتا
صبوز ب َق َ
يؤه ُل الواليات املتحدة لت ُف َ كل شيء ِّ يقودنا إىل القول ..إن َّ وهذا ُ
يقوى عل ى املنافس ة الس بق ِيف نظام العولم ة الذي أخ ذ العامل يعيش ه ،والذي ال َ َّ
كندا يف أمريكا الشمالية ،وجمموعة احملدودة فيه بعد الواليــات املتحدة وبتفاوت ،إال َ
االحتاد األوريب ،ومنطق ة شرق وجنوب شرق آس يا اليت تض م اليابان والص ني
َّهج الياباين
س من الن ِ ببصرهـا إىل الشرق وَت ْقتَبِ ات الصاعدة اليت َت ْرتَ ُّد ِ .والتَُّنينَ ِ
ُ ْ
23
عمل إدارة العولمة
سات
املنهجي املَُع ْومَل محلةً تقنيةً رديفةً تقوم هب ا املؤس ُ ُّ اخلطاب
ُ ويواك ب
متثل اإلدارة اليت تعم ل هب ا العولم ة ،مث ل البن ك العامل ي االقتص ادية الدوليةُ اليت ُ
عززة بإحص ائيات ع ن وص ندوق النق د الدويل إلس نــاد اخلطاب األمريك ي بتقار َير ُم َّ
ِ
اآلليات الوطنيـة من ركودها أو َت َعثُّرها ،وعن ِ ِ
بانتشال االقتصادات ِ
الوسائل الكفيلة
َّهضة االقتص ادية عل ى درب لتحـقيق الن ِ
ِ اليت جي ب عل ى الدول النامي ة أ ن تس تعملَها
يص ِ
الشام ِل ، ميات اهليكليـة ،والتخص ِ التنمية الشامل ة ،ومنه ا م ا عرف ب ربامج التقو ِ ِ
ُ
اإلنفاق على ميـــادين الرعاية االجتماعي ة ِ واحنسا ِر َد ْو ِر الدو ِلة الوطنية ،وختلِّيها عن
املنافع
التشغيل و ِ ِ اإلعالم والبيئ ِـة و
الصحة و ِ ِ بية و ِ
التعليم و اليت تُثْ ِقل كاَ ِهلَها يف ِ
جمال الرت ِ
س احلُِّر اص ِة ِ
برتك األس ع ــار للتنافُ ِ ندوق املَِق َّ
أعباء ص ِ االجتماعي ة ،وحتري ر الدول ة م ن ِ
يونة و ِ
املرونة يف الطلب ،وختفي ض كلف ة املقاول ة ،وااللتزام باللُّ ِ العرض و ِِ ِ
وقانون
.عالقات ِ
الشغل ِ
24
أرغد ٍ
مبستقبل َ وهكذا فالعولمةُ مبقتضى هذا اخلطاب ديناميةٌ واعدةٌ
حتقيق التغي ِري الذي كانت العامل فصائل تستطيع هاللبشر ِية ،وبفضلِ
َ
تطمح إليه ،واليت كانت تفتقـد -قبل التوجه حنو العولمة -وسائلَه
وآلياتَه .ويتوج ه ُمنظِّرو العولمة يف الواليات املتحدة األمريكية إىل
اخلطاب دون أ ن يغ َفلوا تركي ز االقتناع لدى شعوهب م ِ العامل هبذا
أنفس هـم حبَ َس ناهِت ـا .فالرئي س األمريك ي الس ابق "بي ل كلينتون" َ
حظ الواليات خياط ب األمةَ األمريكيةَ ويقول« :س تكو ُن العولم ة َّ
ستقيم عاملاً جديداً ها، عرقلة لتقد ِ
ُّم املتحدة الواعد ،ولن تُ َش ِّك ل أيةَ ٍ
ُ
أي ٍ
هتديد لنا قيام العولمة َّ ل كِّ ش ي لن و ها، توسيع جيب جديدة ٍ
حبدود
َُ َ ُ ُ
».
ين؟
ولكن هذا بالنسبة لألمريكيني فماذا عن اآلخر َ 25
اتساع العولمة
دائرة االقتصاد لِتعومِل َ تتجاوز العولمة اليت جيري احلديث عنها اآلن..نظام أو نسق ذُو ٍ
أبعاد
َ َ ُ ُ ٌ ٌ
الص مـود يف ِ
وجه مدِّه ا، ِ القومية و ِ
الفردية عل ى ُّ ِ قدرة خص وصياتِهجمال ،متحديةً َ كل ٍ اإلنس ا َن يف ِّ
بعض فصائِلِهغفلة من ِ صعب ،على مسع العامل وبصره ،ويف ٍ ٍ موضع اختبار
َ وواضعةً مناعتَ ه الذاتيةَ
ومناهج التفكري ،ويف ِظ ِّل هذه العولمة الشاملة ِ شالعْي ِ األخالق و ِ
أمناط ِ و ـم ـ ـ ي املهمش ِة جتري عوملةُ ِ
الق
َ َ َّ َ
اخلصوصيات كذلك
ُ اهلويات و
ُ .يُر ُاد أن تتعومَلَ
لوجية .وكان البدء بامليـ ِ
ـدان وثقافية ،وإيديو ٍٍ ياسية ،واقتص ٍ
ادية، أبعاد س ٍ إ ن العولم ة ذات ٍ
ُ ُ
ِ ِ
المناص م ن تط بيقه بتقنيات ه بح ِ ِ ِ
َّ الس ياسي عندم ا اخنرط العامل يف نظام الدميقراطية الغربية الذي أص َ
كة فيه ،وتعولَمت معـه اآلليات ِ
املوص لَةُ إىل احلكم ونوع املشار ِ مضموناً وشكالً ،مما تعومَلَ معه شكل ِ
ُ ُ ُ ُ
لية وحقوقِ الشرعية الدو ِ
ِ ِ ِ
وتكفلت املنظمات الدوليةُ بعوملة القانـون الدويل و إفرا ِز اقرتاع شعيب سلي ٍمَّ .
ائق التعاون الدويل .وبذلك تعوملت السياسةُ يف الس لم وطر ِ ملت مواثي ُقها نُظُ َم احلرب و ِّ اإلنسان .وعو ْ
ِ ِ
تشمل تنظيمات احلكـ ِم وشروط التعاون الدويل والعالقات الدولية العامة .و َ
أصبح ُ أوس ِع معانيها اليت
ِ
املتحدة هيأة ِ
األمم الدويل ينضبط دقائـق هذه العولمة ويتحكم فيها من أصغر مكوناتِه إىل ِ اجملتمع
ُ َ ُّ َ ُ
جملس األمن ِ
.مبرافقها وعلى رأسها ُ
26
أما يف اجملال االقتصادي فإن عوملةَ االقتصاد – اليت حتدثنا عنها –
ٍ
استهالك وتوز ٍيع إنتاج و
كل ما يتصل بعيش اإلنسان من ٍ َم َّس ت َّ
ٍ
.وتبادل
متس الثقافةَ مبعناها العام؛ أي كل العولمة ِ
أخذت ويف اجملال الثقايف
ُّ
ٍ
وممارسات ،وما ات ونظر ٍ
يات ما جييش به فكر اإلنسان من تصور ٍ
ُ ُ
التفرد
متتع حبريـة الفك ر و ُ تاح ل ه ضمريُه م ن ٍ خي َف ُق ب ه قلبُ ه وير ُ
الذات م ع النف س بالذات ،واحلوار ِ
بلغة َّ َّ الشعور و ِ
وصية باخلص
ُ ُ
ثقافية ٍ
عاملية ،هلا صياغة ٍ
ٍ والنــاس .واملشكلةُ املطروحةُ هي االجتاه إىل
لوك الدُّول والشعوب. ضبط س ِقيمه ا ومعايريُه ا ،و الغرض منه ا ُ ُ
والس ؤال هن ا :ه ل تؤدي هذه الثقافةُ العامليةُ –حال ِ
قيامه ا
يسها – إىل العدوان عل ى اخلص وصيات الثقافي ة ،مم ا يهدِّد وتأس ِ
ِ
اجملتمعات املعاصرة ؟ هويات
27
أكثر ما تَ ربز من خالل البث التلفزيوين عرب َ وأخرياً ،وليس آخراً..هناك عوملة اتصالية تَ ربز
البشر يف ك ل أحناء
َ أكثر عمقاً م ن خالل شبك ة اإلنرتن ت ،اليت تَرب ط َ األقمار االص طناعية ،وبص ور ٍة
انتشاره ا
َ وذيوعه ا و املعمورة ،وتدور حول اإلنرتن ت أس ئلةٌ ك ربى ،ولك ن م ن املؤ َّك د َّ
أن نشٍأهَت ــا ٍ َ
.ستؤدي إىل أكرب ثورة معرفية يف تاريخ اإلنسان
وهكذا..فبدالً م ن احلدود الثقافي ة ،الوطني ة والقومي ة ،تَطرح إيديولوجي ا العولم ة "حدوداً "
قصد اهليمنة على االقتصاد واألذو ِاق والفك ِر والسلوكالشبكات العامليةُ َ
ُ .أخرى ،غري مرئية ،ترمسها
28
:إيجابيات العولمة وسلبياتها
: :اإليجابيات
ضمنته اتفاقية " الغات " من املطالب واملقاصد للدول الصناعية والنامية على السواء ،وما فمن إجيابيات العولمة ما َّ
قامت بتنفيذه على فرتات يف املرحلة االنتقالية ،وما وعدت بالوفاء به وفاءًا تاماً ابتداءً من سنة 2005م ،فمن
:ذلك
ائب جلرمكية 1. .خت فيضا لضر ا
كات لكربىا مل صدِّرة 2. .ت عزيز ا مل نافسة ب نيا لدولوا لشر ا
.مكافحة أسلوبإغراقا ألسوا ق 3.
شمل خلدماتوتكنولوجيا ا مل علوماتوا التصا الت4. ا ت وسيع ق اعدة ا لتجارة ا لدولية جب علها ت
مكنتم تن صميم ا مل نتجاتأينما ت توفر ا مل هاراتوا مل عرفة ا لضرور يتني ،وإنتاج أجزائها اصالت ليت َّ
ا وا ملو
ا مل طلوبة يف أرخصمكانمي كنص ناعتها ف يه،مث ش حنها ل لتجميع يف أرخصمكانمي كنجت ميعها
.ف يه
ومنتجات لدولا لعر بية وغريها م ان لدولا لنامية[5. ]1
ا .ف تح ا ألسواقا لعا مل ية أمام س لع
وقد جت لتآثار ذلكيف ار تفاع حصة ا لتجارة ب سرعة يف ا لناتج ا حمل ليا إلمجا يلل لبالد ا لنامية م ن6.
ثمانينات ىل % 43س نة 1999 إ منتصف ل
ا % 23.يف
ومنإجي ابياهت ا أيضا..أنهناك مشاكلإنسانية مشرت كة ال مي كنحلها م نمنظور ا لسيادة ا لوطنية 7.
:ا مل طلقة ل لدولة ا ليت ي قوم عليها ا لنظام ا لدويل ا لقائم ا ليوم منها
ات لنووية ..وا لبيئة ..وتطور ا ألوبئة وا ألمراضا مل عدية - .. انتشار أسلحة ا لدَّمار ا لشَّامل ..وا لتهديد ا
دراتوغريها .وانتقا ال أليديا لعاملة ب كثافة م نمنطقة إ ىلمنطقة أخرىوانتشار ا جلر مية وا مل خ
.ا ألموا لس 1ع 2ص..119-118 :ف رصة ت ار خيية ت كنولوجيا ا مل علوماتوا التصا ل[1] 22/1/1997.. 29
:السلبيات
:بينما التأثريات السلبية للعوملة تتمثل يف
فقد ف يها س ياد هَت ا 1.
يث ُذوبان ا لدولة ا لقوميِة ،حب ت
ا خلشيةُ م ن ِ
ا مل طلقة ،وخصوصًا ا لدول"ا لضعيفة" ،علمًا ب أنا لعولمة ق د ب دأت
ب اخرتِاق ا لس ِ
يادة ا لقوميِة حىت ا لدولا لك برية ،ولك نب نِسٍبمتفاوت ة،
ويف جم ا التمعين ة ،ب ينما س تبقىا لدول ة" ال عبًا رئيس يًا ب ني ال عبني
".ع ديدين ،ولكنها ل نت كونذاتس يطرة مطلقة
:ومن تأثرياهِت ا السلبية أيضا
نـات لدولي ة ا لس ابقة ا القتص ادية وا الجتماعي ة 2.
اهن يار ا لتواز ُ ا
.وا لسياسية وا لثقاف يـة
30
كانت سيطر يف 3. ت قوى ت لكا ِلقوىا ليت
وعات أل ،
مضاعفة ف رصا جمل م ا
.ا ألصلعلىعناصر ا لقوة ا القتصادية وا لعلمية وا لتقنية وا لثقافية وغريها
وعات لبشرية ب قدر ق درة هذه ا جمل تمعات 4. ت عميقا لتناق ضب ني ا جمل م ا
ات َّع ا لة وناجعة ل لصراع علىا مل صا حل .علىب لورة إسرت اتيجي ف
زيادة ا لدولا لقوي ة ِغ ًىن ،ب ينما ت زداد ا لدولا لفقرية ف قراً ،أ يأ نهناك 5.
ودوال مقنوصة
"".دوال َق نَّاصة ً
ً
ت طوي قا إلنتاج ا لقوم اي القتص اديمب نافسة غري متكافئ ة مم ا ي ؤديإ ىل 6.
.ا ملزيد م ناستفحا ال لبطا لة وتوسيعها
هلويات لثقافية ب إغراق ه 7. ا ذات
ت طويقا بإلداع ا ألديب وا لفين ل دىا لشعوب ا
يف ت سويقص ناعتها وإنتاجه ا ،وهت ميشا لثقافة ا لوطنية وا للغ ة ا لقومية ب فرض
ب القتصاديا لذيي نت ج وحده ويفرضل غت ه وطر يقت ه ع رب وسائل ل غ ة وثقاف ة ا لقط ا
.ا التصا لوا لتواصلوحده
31
ت قلي صا لعالق ة ا حلميمية ب ني ا مل ثق فوبني ا خل ربة ا مل باشرة ب عمل ه 8.
وبا حلياة م نحوله .ف عومل ة ا إلعالم ت قدم ل لمتعل م وللمثق فك لم ا كانخي ت ربه
ب نفس ه ت قدم هجاهزاً موثَّقًا ف تُغني ه ع نا النتقا ليف ا لزمانوا مل كان ،وعنمعاناة
ات لقيًاجلم لي ة وا الس تدال لية ،ف يُص بح َت لَقِّي ه ل لمعارفوا خل رب ت
ت طوي ر خ رب ته ا ا
آ ليًا مت هيداً جل علإنسانا مل ستقبلنُ َسخًا متكررة ،ت فكر وتتذوقوتستدلب طر ٍيقة
سينقرضت در جييًا كا لفلسفة
ُ ش به موحدة .أما ما ي ستعصيعلىا لتوحيد وا آل لية ف
.وا لشعر
وأيضا ..أن نظام العولمة -كما قال حممد عابد اجلابرى -عامَل بدون دولة..
بدون أمة ..وبدون وطن .عامل املؤسسات والشبكات ،يقفز نظامه على الت ِ
َّفتيت
.والتشتيت[]1
32
هل العولمة حتمية ؟
امللجأُ األخري الذي يلجأُ إلي ه املنتص رون للعولمةِ ه و التَّ َذ ُّرع باحلتمية.
عو ُزه م احلج ة يف الدفاع ع ن العولم ة باس م احلري ة أ و الرفاهي ة فعندم ا تُ ِ
اإلنسانية أو األخالق أو اجلمال أو العقالنية ،يلجأون إىل القول « :إن
مفر لنا من قُبوهلا ».
علينا أن نقبلها ألنه ال َّ
احلجة أوالً أهن ا م ن نوع ِ
خمتلف متاماً ع ن أالحظ عل ى هذه ِ َ أود أ ن
و ُّ
الطرق األخرى للدفاع عن العولمة وال جيوز أن خَن لط بني هذا وذاك .
فالقول باحلتمية ليس يف احلقيقة دفاعاً عن العولمة أو متجيداً هلا ،بل هو
اليأس م ن أ ي حماول ة للوقوف يف وجهها .ولك ن فضالً ع ن تع بري ع ن ِ
نفسه .
ذلك أريد اجملادلة يف صحة هذا املوقف اليائس ُ
33
مفر
ظاهرة ما ظاهرةٌ حتميةٌ ال َّ ً إن من املمكن جداًّ أن يُشيع االعتقاد َّ
بأن َّ
أن هذه الظاهرة تقر يف وع ي ِ
املرء َّ التعود الطوي ل عليه ا ،حىت ليس َّ منه ا نتيجةً جملرد ُّ
تصور الدنيا من دوهنا .ومن هنا جزءٌ من طبيعة األُمور ،ويُصبح من أصعب األمور ُ
تكمن –يف رأيي -األمهية ال ُقصوى ِإلدراك أن العولمة ظاهرةٌ حمايدةٌ بني احلضارات ُ
جمرد
احلضارة الغربيةَ هي حضارةٌ إنسانيةٌ عامةٌ وليست َ َ والثقافات ،أو االعتقاد بأن
رسخاإن هذين االعتقادين من شأهنما بالطبع أن يُ ِّ ٍ
ثقافات بعينهاَّ ، إفر ٌاز من إفراز ِ
ات
مفر منها .ولك ن م ن اجلائ ز جداً أ ن يكون االعتقاد بأ ن العولم ة ظاهرةٌ حتميةٌ ال َّ
حضارة بعينه ا ،وهذه احلضارةُ ه ي ٍ هذان االعتقادان خاطئني ،فالعولمةُ ه ي عوملةُ
أن هذه صحيح َّ جمموعة ٍ
معينة من األمم. ٍ عينة أو ِ
ثقافة ُمة م ٍثقافة أ ٍ
بدورها تعبري عن ِ
ٌ ُ ٌ
ب م ن مخس ة قرون – احلضارة ق د توفَّ ر هل ا من ذ زم ن طويـــل -يرج ع إىل م ا يَ ُ
قر ُ
غري األم ة أ و األم م اليت ٍ َّ
فعالةٌ مكنته ا م ن فرض نفس ها عل ى أُمم أُخرىَ ، ائل َّ
وس ٌ
لكن هذا وحده ال جيعله ا تس تحق وص ف " اإلنس انية " أ و "العاملي ة "، أجنبته ا ،و َّ
عادة هذه األوص اف ،وال يُزي ل عنه ا خص وصيَتَها. تخدم ب ه ً ُ باملعىن الذي تُس
بأن حضارةً ما ( أو ثقافةً ما ) قد اكتَ َس َحت العاملَ ال يعين االعرتاف بأهنا فاالعرتاف َّ
تكتسح العاملَ بأَسره ،أو
َ نتاج العاملَ بأسره ،وال يعين االعرتاف بأهنا تستحق أن من ِ
تكتسح العاملَ بأسره
َ .أهنا جيب أن 34
إن تطوير الت ِ
حتمي ،إذ كالمها يُعربٌ أمر
ٌ ِّقانة حتمي ،أو حىت َّ َ ٌ العلمي
َ التقدم
َ القول َّ
أن قد نقبل ُ
ص ور ٍ عن ٍ
يتحملُه من خمتلَف ُ وحب االستطالع وختفيف ما َّ طبيعية لدى اإلنسان لالستكشاف ِّ نزعة
بول هذا أو ذاك كظاهرتني حتميتني ال يُ ِلز ُمنا ب َقبول احلضارة الغربية كظاهرة حتمية. العناء .ولكن قَ ُ َ
ِ ِ
نتصور تقدماً يف العلم والتِّقانة ،من دون هدف حتقيق أقصى ربح، املمكن مثال ،وبسهولة ،أن ِ فمن
َ
حتقيق أعلى ٍ
درجة من هدف تعظيم الناتج ،أو هدف حتقيق قد ٍر من السيطرة على الطبيعة ،أو ِ أو ِ
تقالل الفرد ،أ و أق ل درج ة م ن اإلميان بامليتافيزيق ا… إخل .وهذه ُكلُّه ا م ن الس مات األس اسية اس ِ
للتقدم العلم ي والتِّقاين الغريب .والزعم بغري ذل ك لي س إالَّ اعرتاف ا بقص و ٍر خطري يف ِ
اخليال ،ب ل إن ه
ٍ ُ
حتقيق شيء أفضل فرتض أن اإلنسان غري قاد ٍر على ِ ِ
اإلهانة إىل ِ
ُ اجلنس البشري؛ ألنه يَ ُ يتضمن توجيهُ
.من ذلك
اجلري وراء الذهب ُ الفيلم املعروف لشاريل شابلن" َمنظٌَر شهريٌ " [ GOLD RUSH ] ،يف ِ
كوخ صغ ٍري يف أعلى ِ
اجلبل ،وقد َمن َعْت ُهما عاصفةٌ جش ٍع يف ٍني ِ رجل مس ٍ
يظهر فيه "شاريل شابلن" مع ٍ ُ
أمام ُهما ٍ ِ
ثلجيةٌ من اخلروج .كاناَ قد َّ
ليس َالطعام لعدَّة أيام ،و ََ استبد هبما اجلوعُ ،إذ مل يكونا قد تناوال
حياول في ه
املنظر الشهريُ الذي ُ ك ذل د بع . ِ
الثلجية بسبب العاص ِ
فة ِ أي ٍ
طعام ِّ ى عل ر م ن وس ٍ
يلة للعثو ِ
ُ ِ
كة والس كني ،نرى منظر زميلهِ احلذاء بالشو ِ ع يف ِ
أكل
َ "شاريل شابلني " أ ن يطْ ُه َو حذاءهُ ويَشر َ
كإنسان ،بل رأى فيه دجاجةٌ تنتظر َّ ٍ
بح .كان اجلوعُ الذ َ ُ السمني وهو ينظر إىل "شاريل شابلن" مل يرهُ ُ
بالرج ِل إىل مدى مل يُسمح له بأن ينظر إىل "شاريل شابلن" دون أن يراه كدجاجة وصل ُ .قد َ
35
هذه بالضبط هي اإليديولوجيا :كيف ترى األمور؟
ِ
احلقيقة فعل بأَن "شاريل شابلن" هو يف مهما الرجل هذا عينوال ميكن أن يقنِ
َ ُ ُ
أنصار احلضارة الغربية مهما قالوا إن طريقةَ ُ دجاجة وليس رجالً .كذلك لن يُقنعين
نظر ِه م إىل األمو ِر هي الطريقةُ الوحيدةُ املمكنةُ .إن الذين يقولون إن العاملَ اآلن قد ِ
منطق الس وق واالقتص اد والتِّقان ة، هجر اإليديولوجي ا إىل األب د ومل يع د هناك إال ُ َ
الرجل يف فيلم ( اجلري وراء الذهب ) ،وهو زعم هذا ِ
يقولون لنا شيئاً شبيهاً جداً ب ِ
ُ
اص طَ َحْبتَهُ إىل
أن "شاريل شابلن" ليس إال دجاجة ،كذلك رجل األعمال الذي إذا ْ
إلقامة ٍ
فندق ِ ائعر مكان
ٌ هذا إن لك: يقول به فإذا ، ِ
ر البح ِ
شاطئ على ٍ
مجيل ٍ
مكان
ٌ
جنوم..أو إذا اصطحبتَه إىل تايالند وصادفتُما يف الطريق فتاةٌ مجيلةٌ يف الثانية خبمس ٍ ِ
صبح مصدراً عمرها ،قال لك :إن هذه الفتاةُ ميكن أن تُ َ عشرة أو الثالثة عشرة من ِ
بيت للدعارة .هذا هو ما يزعُ م أنه ثقافةٌ أو حضارةٌ رائعاً للربح لو استخدمت يف ٍ
م ن احملتَّ م هل ا أ ن تكتس َح العاملَ ،ألهن ا ثقافةٌ أ و حضارةٌ حمايدةٌ ،تُع رب ع ن نواز ِع
.اإلنسانية مجعاء
36
(اجلري فيلم يف الرجل يد
ُ ير ما ك
َ ف ، ية
ٌ تفك ِ
يك احلضارة أهنا حضارةٌ ِ ِ هبذه ِ
اخلاصة ِ
السمات من
ُ ُ
شيء إىل تفكيك كل ٍ ِ تعمد احلضارةُ الغربيةُ إىل يفعل "بشاريل شابلن"ُ ، وراء الذهب) أن َ
يتكون منها الشيءُ، ك محي ٌد إذا كان الغرض ِ
معرفة العناص ِر اليت مس لَ ٌ
ُ ُ عناصره األوىل .وهو ْ
اإلنتاجية ،أو ما يسمى بالسيطر ِة على ِ يادة كفاءَهِت ا
آلة أو ز ِ أو إذا كان الغرض هو ص نع ٍ
ُ ُ
ان أ و ِ ِ
الطبيع ة ،ولكن ه ق د يكون مس لكاً خطرياً ومضراًّ إذا طُبِّق عل ى األشياء احلية كاإلنس ِ
َ ُ
مح فعال مبزي د م ن الس يطرة عل ى اإلنس ان واألس رة واألم ة، ِ
األس رة أ و األم ة ،فه و ق د يس ُ
تهلكني
َ املنتج عل ى املسيطر ُ اض طًُّرا ،فلك ي يس َ ولك ن هذا لي س بالضرورة أفضل األغر ِ
ُ
تفكيك الفرد من أسرته ومن َّأمته التهامها ،من املفيد فعالً ٍ
ُ وحيوهلم مجيعاً إىل دجاجة يسهل ُ ِّ
مرة ،وباس م احلر ِية الشخص ية مرة ،وباس م التنوي ر مرة ،وباس م وم ن بيئتِ ه ،باس م الفردي ة ً
يلتزم ٍ ٍ ٍ يصور لن ا على أن ه نِ النِّسوية وحتري ر املرأة مرة .وهذا كلُّ ه ِّ
حضارة إنسانية عامة ُ تاج
ُ
حتمي هاانتشار طبيعية يف اإلنسان .ومن مثَّ َّ
فإن ٍ ع
ٍ از لنو تستجيب ألهنا ا؛ ه اجلميع بات ِ
ِّباع
ٌ َ ُ ُ
تعمل هذه أن كثرياً مما ُ أزع ُم ،على العكسَّ ، اخلضوع لهُ إن عاجالً أو آجالً .وأنا ُ ِ من
البد ََّ
احلضارةُ عل ى نشره ،يتعارض تعارضاً ص ارخاً م ع بع ض م ن أقوى النوازع الط ِ
بيعية يف ُ
ينطوي على ٍ
عملية أشبهَ بالقتل اإلنسان على هذا النَّحو ِ ِ تفكيك
َ .اإلنسان ،وأن
37
أمة بعينها من دون أن تكون معني أو ٍ
شخص ٍ ٍ ِ
بالنسبة إىل تكون حتميةٌ
إن ظاهرةً ما قد ُ مث َّ
انتشار هذه احلضارةُ يكون
أمة أخرى .قد ُ شخص آخر أو ٍ ٍ إىل ِ
بالنسبة ِ
بالضرورة كذلك
ُ َ
باب تتعل ق األمم اليت ابْتدعْته ا أص الً ،ألس ٍوزيادهُت ا ُرس وخاً ،ظاهرةٌ حتميةٌ بالنس بة إىل ِ
بيعية أ و ِمز ِاجه ا اخلاص ،وم ن مَثَّ ق د
ثقافة هذه األمم أ و ظروفه ا الط ِ
ُ
فات خاص ٍة يف ِ بص ٍ
قوة ورس وخاً يف أورب ا الغربي ة ،مث يف الواليات املتحدة ،مثالً ازدياده ا ً
يكون انتشاره ا و ُ
بح رجالً ليص منو الو ِ
لد ظاهرة "حتميةً " حقاً ،عل ى النح و نفس ه الذي مُي ك ن ب ه أ ن نعترِب َ ُّ ً
َ
بدرجة أقل ،عن انتشار هذه احلضارة يف ٍ مثل ذلك ،ولكن يقال ُ ظاهرة حتميةً أيضا .وقد ُ ً
أقل حتميةً بالنس بة إىل روس يا أمريك ا الالتيني ة مثالً ،أ و أورب ا الشرقية .ولكن ه ق د يكون ُّ
األمر حتمياً على ِ
اآلسيوية ،أو اليابان ،اليت مل يُت َّم تركيعُها متاماً حىت اآلن .وقد ال يكون ُ
عجب من ال العرب. أو اهلند أو الصني ِ
كثقافة ، ا
ً متام ثقافات ُم ٍ
غايرة ٍ اإلطالق بالنسبة إىل
َ
حتاول ابتداع شي ء ٍ
خمتلف عماَّ َف َعلَْت ه اليابان مثالً م ع احلضارة أ ن الص ني تبدو وكأهن ا ُ
الغربية ،وال عجب من أن " غاندي " يف اهلند كاد ينجح يف ابتداع شيء ٍ
خمتلف متاماً عن َ
ِ ِ ِ
العرب يُبدون هذه الدرجة العالية من املقاومة للحضار ِة عجب من َّ
أن احلضارة الغربية .وال
َ َ
بعضهم إال إصر ًارا على التخلُّف، ِ بية و ِ الغر ِ
السوق الشَّرق أوسطية ،مقاومةٌ قد ال يرى فيها ُ
صموداً جديراً بالثناء والدعم .ولكن من املمكن أن نرى فيها ُ
38
الهوية والعولمة
:جاء يف املادة األوىل من إعالن مبادئ التعاون الثقايف الدويل []1
قافة كرام ٌة وقيمٌة جي باحرتام اه وا حملافظ ُة عليها " 1. كلث ٍ .ل ِّ
مي قا َفتَ هُ 2. حقك ِّلش ٍعبومنواجبه أنيُ َن ث .م ن ِّ
صبومب ا ب ينها 3. ثقافاتمب ا ف يها م تن ُّنو ٍع ِخ ٍ ، يع ا ل ِ ، ُ تُ َش ِّكُلمج
بشر مج يع ًا ِ ِِ
شرتك يف م لكيته ا ل ُ اث لذييَ ُ متبادٍلُ ،ج ْزءًا م ان لرت ِ ا
ثري َ باينوتأْ ٍ
".م تن ٍ
يتعارض وقضاءَ املصاحل املشرتكة بني ُّد اخلصوصيات ما وليس يف تنوع اهلويات وتعد ِ
ُ ُ ِ
الشعوب واألم ِم يف إطار التعاون اإلنساين القائم على قاعديَتْ التعارف والتعايش .وإمنا ينطوي هذا
سالرقِ ِّي حباف ٍز من التنافُ ِ ِ
أسباب التقدم و ُّ امليول اإلنساني َة الفطريةَ حنو امتالك التنوعُ على عناص ٍر تغذي َ
.الطبيعي ،وبواز ٍع من التداف ِع احلضاري
جتاو ِزها ،أو ِ
حموها، ِ سوخ يف طبائ ِع األم ِم و ومادامت الهوية هبذا ُّ
سبيل إىل ُ َ الشعوب ،فال
ٍ ٍ
الر ِ
ٍ انصهارها يف بو ِ
ائع ،وبلغت ما بلغت ُ ذات سيطر ٍة ونفوذ .مهما تك ِن الذر ُ تقة هوية واحدة ُمهيمنَة ْ َ ِ أو
ِ
مترد على سن ِن الكون وفطر ِة ٌ ِ
خروج على طبيعة األشياء ،و افع ،فليس يف ذلك فقط األسباب والدو
ِ خرق للقوان ِ ِ ٌ ِ ِ ِ ِ ُ مَّن ِ ُ
املتعارف عليها ني ٌ ، اه اإلكرو ِ
ر القس و ِ
ر بالقه الشعوب هويات إلغاء لة حماو يف ا إ و احلياة،
السلم واالستقرار يف العامل وهتديد لألمن و ِّ ِ
القانون الدويل، ِ
ومس خطريٌ بقواعد
ٌ .عند البشرٌّ ،
أصدره ا ملؤمت ر ا لعام مل نظمة ا ألمما مل تحدة ل لرت بية وا لعلم وا لثقافة يف دور ته ا لرابعة عشرة ي وم ][1
4.ن وفمرب 1966
39
ويف املعاج م احلديث ة فإهن ا ال خترج ع ن هذا املضمون ،فالهوي ة
ُّخ ِ
ص املطلقة املشتملة على صفاته اجلوهرية ،واليت هي":حقيقة الشيء ،أو الش ُ
".مُت يزه عن غريه،وتسمى أيضا وحدة الذات
املفهوم اللغوي لكلمة " هوية " ،أو استندنا إىل املفهوم َ ولذلك فإذا اعتمدنا
الفلسفي احلدي ث ،فإن املعىن العام للكلمة ال يتغري ،وهو يشمل االمتياز عن الغري،
اجملتمع عن األغيار من
ُ الفرد أو
يتميز به ُ ُ واملطابقةَ للنفس .أي خصوصيةَ الذات ،وما
ات ،ومن قي ٍم وم َق ٍ
ومات .خصائص ومميز ٍ
ٍ
ُ
القدر ي ه ، ِ
األمم ن م أن الهوي ة الثقافيةَ واحلضاريةَ ٍ
ألمة وخالص ةُ ِ
القول َّ ،
ُ سمات ِ مات وال َق ِ
الس ِ
العامة ،اليت مُت يز حضارةَ هذه املشرتك من ِّ
ُ اجلوهري و
ُّ الثابت و
ُ
ِ ِ ِ ِ
األمة عن غريها من احلضارات ،واليت جتعل للشخصية الوطنية والقومية األخرى[]1 ِ .
ُ
ِ
الباسطة فكيف يتسىن احملافظةُ على الهوية الثقافية واحلضارية يف ظل العولمة
اليوم عل ى اجملتم ع الدويل ؟ ب ل كي ف ميك ن التوفي ق بني مقتضيات الس يادة
نفو َذه ا َ
.الوطنية ،وبني متطلبات العولمة ؟
[1] Samuel Huntigton ( The west : Unique Not Universal ) Foreign Affairs vol 75 N° 6 Nov
/ Dec 1996 pp,28-46 .
41
يج « دخليف ا لنس ِ ت ن أ ا هل كن مي ال َّإن ُش عوبا لعا ِمل غري ا لغر ب ِ
ية
َ ُ ُ َ
وشاهدت ألفالم ا ألمر يكي ة، ا بضائع ا لغر بي ة، هلكت ل ُ وإن اس تَ ِ ا لغربحىت ِ حلضاريل ، ِّ ا
لعادات
لقيم وا ُ او لدين او غة
ُ ُّ
ل اهي عت ىلا ملوسيقىا لغر بية .ف روح أي ٍ
حضارة واستَ َم إ
ُ ُ
ِ
لرومانية لغربت تميز ب كوهن ا ور يثَةُ ا حلضار ِاتا ل ِ
يونانية وا وا لتقا ل ُيد .وحضارةُ ا ِ
ُ
لفصلب ني ا لدينوا لدو ِلة، ا و ا، غاتش عوهِب تينية لِ لُ ِ
صولا لال ِ ُ أل او ية. ب لغر ا وا مل سيحيِ
ة
ُ
ِ
هلياكل ا لنيابية ،وا حلريةُ ا و .ملدين
ِّ ا تمع
ِ جمل ا لِّ ظ يف تعددية
ُ ل ا و ، وس يادةُ ا ِ
لقانون
ُ
».ا لفرديةِ
:ويضيف قائالً
الثقايف يف ”
َ يب
ميكن أ ن حيقِّقاَ التغر َ النمو االقتص ادي ال ُ َّحديث و َ إ ن الت َ
تك بالثقافاَ ِ يد من التمس ِ ؤديان إىل مز ٍ بية ،ب ل عل ى العك س ،ي ِ اجملتمعات غ ِري الغر ِِ
َ ُ
الغرب عن وه ِم ى َّ
ل يتخ لكي حان
َ قد الوقت َّ
فإن لذلك
َ و . ِ
الشعوب لتلك
َ ِ
األصلية
ُ َ
ِ
انسجامها وحيويتهاَ يف مواجهة حضارات العامل. ِ قوة حضار ِته و نمي َ العولمة ،و ْ
أن يُ ِّ
ِ
حدود ور ْس َم ة، يكي األمر املتحدة الواليات ِ
بقيادة ِ
الغرب وحدة يتطلب األمر
َ َ ُ وهذا ُ
س الثقايف ”.العا ِمل الغريب يف إطار التجانُ ِ
42
الغرب ، هاخيوض اليت فهل العولمة صيغةٌ جديدةٌ من صي ِغ املواجهة احلضار ِ
ية ِ
ُ ُ
فرض ِ
هيمنة أجل ِ وثقافات ِ
األمم ،ومن ِ ِ ِ
الشعوب ِ
هويات باملفهوم العام للغربَّ .
ضد
وإخضاع العامل لسيطر ِة حضارةٍ و ٍ
احدة ؟ ِ .ثقافة و ٍ
احدة، ٍ
املفهوم تتعارض – تعارضاً تاماًّ –مع قو ِ
اعد القانون الدويل، ِ إن العولمة هبذا
ُ
تتعارض كليةً م ع االقتص اد الوطين ،وم ع لية ،ب ل إهن ا ِ
العالقات الدو ِ وم ع ط ِ
بيعة
ُ
التنوع الثقايف .والعولمة إذا سارت يف االجتاه املرسوم ِ السيادةِ الوطنية ،ومع ِ
قانون
ِ
املضمون وشيك لالس تقرار العامل ي؛ أل ن العولم ة هبذا ٍ هل ا ،س تكو ُن إنذاراً باهنيا ٍر
ِ
التعايش الثقايف بني اس
وتنسف أس َ
ُ تضرب الهوية الثقافيةَ واحلضاريةَ يف الصميم. ُ
ِ ِ
الطابع ال َق ْس ِريُ ،
ست َؤدي إىل أن العولمة هبذا املفهوم الشمويل ذي ِ الشعوب .كما َّ
ِ
الفنون ِ
التجارة ،ويف ِ
السلوك ،ويف االقتصاد و فوضى على مستوى ِ
العامل ،يف الفك ِر و
.واآلداب ،ويف العلوم والتكنولوجيا أيضا
43
متلك أن حُت ِّرر يف ِ
الوقت الر ِ
اهن فإن اإلنسانيةَ ال ُ وعلى الرغم من ذلك ُكلِّهَّ ،
َ
العاملي اجلديد يف ِ
النظام ِ
ة مساير إىل ِ
الشديدة ضغوط العولمة ،نظراً إىل حاجيتها ِ من
ِّ
لوجية ،ولكنه ا تس تطيع إجياد تيا ٍر ثقايف م ٍ
ضاد العلمية والتكنو ِ اجتاهات ه االقتص ادية و ِ
ُ ُ َ
فكرة ونظاماً ،وتطبيقاً يقف يف مواجهة روح اهليمنة اليت تنطوي عليها هذه العولمة ً
تبة عليه ا ،يف انتظا ِر بُرو ِز قوى عاملي ة جديدة التعامل م ع اآلثا ِر املرت ِ
ِ وممارس ةً ،ويف
األقل ُمنافِس ةٌ
العاملي ،أو على ِّ ِّ النظام ِ
مقاليد يف ا
ً حالي ِ
املتحكمة اوئةٌ لل ُق ِ
وة ستكون ُمنَ ِ
.هلا منافسةَ الند للند
ومعظَ ُم ُهم من اتيجيني، اإلسرت الدارسني ومن ِ
املستقبليات إن طائفةً من ِ
علماء
ُ َ
ِ
سيقع يف ميز ِان القوى العاملية القول َّيذهبون إىل ِ ِ
بأن اختالال حامس اً ُ َ نفس ه،
الغرب ُ
ب َّ
ت يرت وس احلايل. القرن ن م األول ني الس ياسي واالقتص ادي يف العِ ِ
قد عل ى املس توي ِ
ُ
األمر الذي سيكو ُن تعزيزاً وهو ، العولمة توج ِ
هات جذري يف ُّ ٌّ عل ى ذل ك ،انقالب
ُ
القانون الدويل ،ال على ِ
منطق ِ القائمة على قو ِ
اعد ِ ِ
للشرعية الدولية وترسيخاً وإعالءً
احلرب الباردةِ
ِ ِ
معارك القوة و ِ
الغلبة والظَّف ِر يف ِ .
44
نقول ،
نستطيع أن َ ، ِ
اهن الر الدويل اقع
ِ الو إىل ٍ
موضوعية خالل ٍ
رؤية إننا ومن ِ
ُ
لرتسيخ مبدأَ
ِ اجلهود الدوليةُ
ُ املفتوح على املستقبل ،هو أن تتظا َفَر َ تاح و
اخليار املُ َ
إن َ َّ
فكرة احلوا ِر بني الثقافات واحلضارات ،وللتأكي د عل ى ِ ِ
وإلنعاش التنوع الثقايف ، ِ
كل ِ
أمناط الشامل الذي تندر ُج حتتَهُ ُّ ِ التعاون الدويل الثقايف يف ِ
إطاره ِ ضرورة ِ
تفعيل ِ
ملة يف شكلِها املتَ َج ِّه ِم الذي ال لبية للعو ِ
الس ِللحد من اآلثا ِر ِّ التعب ِري اإلنساين ،وذلك ِّ
العامل ،والذي يؤديُ إىل « ظروف لشعوب ِ ِ الثقافية واحلضار ِية
ِ ِ
للهويات يقيم اعتبارا
ُ
ٍ
سحاب، ويتجه ُم من
َّ ٍ
ويتفجُر من أزمات ، َّ ٍ
مشاكل ، يتالحق من ٍ
عصيبة مبا ٍ
عسرية
ُ
ِ
النفوس من جاه للروح وسلطان ،ويُشيع يف ويتضاءل من ٍُ للمادة من ٍ
نفوذ، ِ ويتطاول
ُ
ئلة ال يطرحه ا التفاؤ ل وخوف .ويتواىل عل ى األلس ِنة والقلوب م ن أس ٍ ٍ ٍ
قلق
.واالستبشار »[]1
45
هل في استطاعة العولمة أن تُهدر الهوية ؟
46
مييل إىل االعتقاد املتفائل وهو الذي ُ ِ آخر ميكن أن نُنعتَ ه بالفر ِيق هناك فريقاً َ على أن َ
تناقض إطالقً ا بني العولم ة وبني الهوي ة ،فالعولم ة تس ريُ يف طريقه ا ٌ بأنَّ ه ال ُ
يوجد
يكون من حق كل واحد أن حيتفظ هبُويته سيادة العِلم ،بينما ُ ِ تعتمد على
ُ ِ
املعروف
ِ
العولمة َّدت اهلويات داخل ِ
هذه .كما شاء وعلى الطريقة اليت يريدها ،ولو تعد ِ
َ ُ
أن لُغتَه ا لُغةٌ ِ
بالرغم م ن َّ بعدد من ِ
الدول اليت وهذا الفريق ال يعجزه ضرب األمثل ة ٍ
َ ُ ُ ُ
بكل أنواع اكب العولمةَ ِّ الدول ،تُو هِتُ
ُ تلك
مهجورةٌ عاملياً نُطقاً ورمس اً ،لكنه ا ،أ ي َ
ويذكرون يف صدر َ حتتفظ فيه بعادهِت ا وتقاليدها ومعتقدا ا. الوقت الذي ُ اكبة يف ِ املو ِ
نذكر إسرائيل ال رونة :اليابان والصني وكوريا ،ومِل كمثال على هذه امل ِ ٍ هذه ِ
الدول ُ
ُ َ ُ ِ
عرف طريقةَ إمالئِه ا وكتابتِه ا ،وم ع ذل ك فإهن ا تقوم اجلهات اليت نَ ُ م ن بني تل ك
العلمية اليت تظهر بلغات أخرى يف سائر ِ برتمجة سائِِر الكتب ِ ٍ
ومنتظمة ٍ
وبصفة مستمر ٍة
ف أمام ع تض ال حىت عد الص
ُّ ف ِ ل
َ خمت على ِ
الوطنية ا بقاع العامل ،تُرتمجها فوراً إىل لغاهِتِ
ُ َ ْ ُ
وية أبنائها طوة خطوة ،يف الوقت الذي حتافظ فيه على ه ِ العاملي ُخ ً الر ِ
كب مسايرة َّ
ُ ِّ
وخصوصيتِهم
ِ .
47
ختتار لنفسها ما يناسبها ،فإن كان من ِّ ِ ومن هنا أختلَّص إىل ِ
حق الدُّول أن َ القول بأنه إذا َ
ِ
مقدمة الذين يستفيدون من العولمة شريطةَ أن نكون على أمَتِّ استعداد علينا أن نكون يف
ابت ُهويتِنا إذابة شخصيتِنا و ِ
القضاء على ثو ِ يات اليت قد تعمل على ِ املغر ِ
كل ِ ِ
.ملقاومة
ُ ِّ
ِ
متس كنا بلغتنا وجعلناها وسيلتَنا عن طر ِيق ومفيدة إال إذا َّ
ً ولن تكون تلك املقاومةُ جمديةً
األمينة لتلَ ِّق ي سائ ِر ِ
ومفيدة ،إال إذا عرفنا
ً تلك املقاومةُ جمديةًتكون َ
العلوم ،ولن َ ِ َ ِ
الرتمجة
ضعف … إن ذلك هو ٍ ببشعائرنا دون ما ُشعو ٍر مبر َك ِ
ِ ونقوم حنرتم حنن عقيدتَنا كيف
ُ ُ
.الذي سيحمل اآلخرين على االلتفات إىل مقوماتِنا
48
:العولمة :جدل العدوان والمقاومة الثقافيين
ِ
ظاهرة - قبة –وم ن لي س ص حيحا أ ن العولم ة الثقافي ة ه ي االنتقال م ن ِح ِ
جديدة هي الثقافةُ العاملية أو الثقافة الكونيةُ، ٍ القومية إىل ٍ
ثقافة ُعليا الوطنية و ِ ِ ِ
الثقافات
فعل – ف ي بالتعر – ا إهن ل ب ، ِ
الثقافية ة العولم عل ى حن ٍو م ا يدَّع ي ُمس ِّوقُو ِ
فكرة
ُ َ
ٍ
رديف االخرتاق الذي جيري ثقايف وعدوان َرمزي على سائ ِر الثقافات .إهنا ُ اغتصاب ٍّ
ِ
اجملتمعات اليت تَبلُغه ا ِ
الثقافة يف س ائ ِر فتنه ِد ُر س يادةُ
بالعن ف – املس لح بالتِّقاَن ة – َ
الفهم هذا على دِّ الر
َّ يف عمليةُ العولمة .وإذا كان حيلو لكثريين أن يتَح ْذلَ ُقوا بِإفر ٍ
اط
ُ َ َ َ
ِ ِ
همة االنغالق الثقايف أمام تيارات العص ِر ،والدعوة إىل الثقافية ،فريمُج ونَ ه بتُ ِ
ِ للعو ِ
ملة
ُ
األصالة ،وم ْشتقاهِت ما … ) ِ الذات ( والهوية ،و َّشرنُِق على ِ
.االنكفاء والت َ ْ
اويل االنفتاح الثقايف غري َ وإذا كان حيل و هل م أ ن يُعيدوا عل ى أمس اعنا مو
وم ْكتَ َس باتِِه و ُك ُشوفِ ِه املعرفيةِ… إخل ، ُ ه املشروط عل ى "اآلخ ر" لالنتهال م ن مو ِار ِ
د ِ
ف والع ِ
نف الفارق بني التَّثاَقُ ِ وجوب وع ي ِ ِ ت انتباهه م إىل ِ فإن ه ي ِ
ُ يب لن ا أ ن نُلف َ
َ ُ ط
جانب و ٍ
احد .الثقايف من ٍ
49
بعضه ا اآلخ ِر،بعضه ا إىل ِ ِ
الثقافات ِ املتباد َل م ن س ائر
األول اإلص غاءَ َ يعين ُ
حبق االختالف وه و م ن ِ
أقدس املتباد َل بينه ا ،ومن ه االعرتاف ِ كم ا يعين االعرتاف َ
ان ،فيم ا ال ينطوي الثاين س وى عل ى اإلنكا ِر واإلقص ِاء ِ
لثقافة الغ ِري، حقوق اإلنس ِ ِ
األول معىن احلوا ِررؤية ثقافتِه .يرادف ُ الذاتية يف ِ ِ وعل ى االس تعالء واملركز ِية
األهم يف األم ِر ،فهو أن يتالزم معىن الثاين مع اإلكراه والعدوان .أما ُّ ُ التفاه ِم ،بينما
و ُ
ِّية ،وه و م ا ميتنِع دون اعتبار أيَِّة ٍ
ثقافة الثقافات عل ى ِ
قاعدة النِّد ِ ِ ف جيري بني
ُ َ التَّثاقُ َ
ب معه سوى عن التجاو و اق االخرت فعل رِّب ع ي ال فيما ية، ِ
مز الر
َّ هالشخص يتِها وحرمتِ
ِ
ُ ُ ُ ُ ُ َ
دروس األنثروبولوجي ا ِ بدائي م ن درس هذا ، أي حوا ٍ
ر ُّ و انفتاح
ٍ أي ا هَايأب ٍ
دونية
ٌ ٌ ُ
طقوس التبشري ا و ح ِ
ت تفْ ي أن قبل أوهيقر أن االنفتاح ِ
بدعاة حري ِ
ة املعاصر ِ
.الثقافية
َ ُ َ ٌ
تلك العولمة تكون َ أي اخرت ٍاق ثقايف هذا الذي نعنيه..أ و ماذا مُي كنُها أ ن َ ُّ
عاملية جديدةٍ ؟
لثقافة ٍ
الثقافية إن مل تكن صناعةٌ ٍ
50
ليست العولمة تلك – يف مفهومنا -سوى السيطرةُ الثقافيةُ الغربيةُ على سائ ِر الثقافات ،بواسطة
مديدة من السيطرة ٍ َّتويج التار ِخي ُّي لتجر ٍبة ِ ِ ِ
استثمار مكتسبات العلوم والتِّقانة يف ميدان االتصال .وهي الت ُ
إحلاق التص ِ
فية جناحات ك بريةٌ يف ِ قرون َّ ،
وحقق ت ِ
عمليات الغز ِو االس تعماري من ذ ٍ بدأ ت من ذ انطالق
ٌ
لعل هذا ما عديدة ،وخباصة يف إفريقيا وأمريكا الشمالية والوسطى واجلنوبية .و َّ ٍ ٍ
جنوبية ٍ
بثقافات واملسخ
ُّدها جديدة من متد ِ ٍ ميالد ٍ
حقبة كد من أن العولمة ال تُؤرخ لنهاية عص ِر الدولة القومية ،بل تُعلن عن ِ يؤ ُ
احلدود ،الذيِ ِ
الثقافية اليوم ،إالَّ مظهراً من مظاه ِر تلك التَّمدُّد خارج املستمر ،وليس ما يدعى بالعولمةِ
ُ
القومية احلديثةِ
ِ .هو آليةٌ طبيعيةٌ يف نظام اشتغال الدولةِ
عالقة أخرى من السيطر ِة على أن هذه السيطرةُ الثقافيةُ الغربية العامة تنطوي –يف داخلِها -على ٍ
امتداد سائر العامل .أما هذه لثقافة أقوى تتمدَّد أحكامه ا على ِ جتع ل ثقافات غربي ة عديدة يف موقع تبعي ٍ
ُ ُ ٍّ
والعولمة – " " "Americanisationالسيطرةُ اليت نعين ،فهي اليت مُي كنُنا التعبري عنها بعبارة ْ
"األمَر َكةُ
األمر َك ة أسطورةٌ جديدةٌ من أساطرينا السياسية ،وال هي كي هلا .ليست ْ اإلسم احلر ُّ
ُ يف ما نزعم – هي
تعيشها أوروبا نفسها ،وحتتَ ُّج عليها ،وتُنظِّ ُم ِ
وعجزنا ،بل هي حقيقةٌ ماديةٌ ُ مشاعة نُعلِّ ق عليها إخفاقاهِت ا
ِ
وهويتَها الثقافية .وقد مقاو َمتَها ضدَّها ،وتَعتَرِب ُها خطراً إسرتاتيجياً يهدِّد استقالهلا االقتصادي والسياسي ُ َ
بات يُعرف باس م االس تثناء َّ ِ ِ ِ
قاو َمةُ فرنس ا هل ا – مبناس بة مفاوضات " الغاَت " – ودفاعُه ا عما َ تكون ُم َ
وشر َس ةٌ وليس ت خماطره ا ،وه ي –للتذكري -مقاومةٌ حقيقيةٌ ِ جوده ا وعل ى ِ دليل عل ى و ِ طع ٍ
ُ الثقايف .أس ُ
أهل العامل الثالث قون ِ للضحك على ذُ ِ .مسرحية سياسيةٌ ِ
51
كيف يمكن التعامل مع ظاهرة "العولمة " ؟
السلبيات واألخطار اليت تطبَ ُع عالقةُ العولمة بالعرب على ِ ما العمل إزاء هذه
صعيد الهوية الثقافية ؟
:هناك موقفان سهالن ،ومها السائدان
ٍ
سلبية يتبع ذلك من ردود ٍ
فعل فض ِ موقف الر ِ
الكلي وما ُ ُ وسالحه االنغالق
ُ املطلق
.حمار ٍبة
استتباع حضاري ،شعاره متارس ه من اخرتاق ثقايف و ِ ِ
ٍ وموقف ال َقبول التام للعوملة وما ُ
ِ
احلداثة " "االنفتاح على العص ِر" و " املراهنةُ على
نيف هذي ن املوقفني ضم ن املواق ف الالتاَر ِخي ِية اليت تواج ه مفر م ن تص ِ ال َّ
بعقل " ُم ٍ
ستقيل" ال تس َت ْقبِلها ٍ وإمنا ه، اثق بنفسه متم ِّك ٍن من قُ ُدراتِ
بعقل و ٍ
املشاكل ،ال ٍ
ْ َ َ
كل
باهلروب منها ،إما إىل الوراء وإما إىل األمامُّ ، ِ يرى صاحبَه خَم رجاً من املشاكل إال
تقفز على الواقع إىل الالواقع مَلللعا يةسحر رؤية ه .س ِ
الح ِ
ُ
52
إن االنغالق موقف سليب ،غريُ فاعل ،ذلك ألن فعلَه " امل َو َّجه " ضد االخرتاق الثقـايف –أي َّ
قصد "
الذات َ وج ه كلُّه إىل ِ أي ُ ٍ
فعل ،بل فعلُه ُم َّ ُ يفعل فيه ُّ
ُ ميس ه وال
ينال االخرتاق وال ُّ حماربتَه له -ال ُ
َ
ِ ِ ٍ ٍ ِ
يكون مفيدا عندما يكون املتحاربان على نسبة َمعقولة من تكافؤ القوى التحصني إمنا ُ حتصينها " .و
ُ
.والقدرات
عاملية تَدخ ل مجي ع ال بيوت وتفع ل فِعلَه ا باإلغراء والعدوى بظاهرة ٍٍ أم ا عندم ا يتعل ق األم ر
ينقلب إىل فإن االنغالق يف هذه ِ
احلالة بتخطيط واس رتاتيجياَّ ، ٍ واحلاج ة ،ويَفرضه ا أص حاهُب ا فرضاً
ُ
حمكوم موت بطيء ،قد تتخلَّلُه بُطوالت ُمدهشة ،و َّ
لكن صاحبَه باإلخفاق ٍِ .عليه
ٌ
إن ثقافةَ االخرتاق ،أعين إيديولوجيةَ االرمتاء يف مثل مقابله :االغرتاب[َّ ..]1 ومثل االنغالق ٌ ُ
الالهوية ،وبالتايل فهي ال تستطيع من أي ، اغ
ِ الفر من تنطلق ثقافة فيها، االندماج و العولمة ِ
أحضان
ُ ٌ ُ
أ ن تبين هويةً وال كياناً .يقول أص حاب هذا املوق ف :إن ه ال فائدة يف املقاوم ة وال يف االلتجاء إىل
ٍ
حدود ،ألهنا ظاهرةٌ حضاريةٌ عامليةٌ ال ترد ٍد ومن ِ
دون اث ،بل جيب االخنراط يف العولمة من دون ُّ الرت ِ
يتعلق بـ" قطا ٍر جي ب أ ن نركبَهُ " وه و حتقيق التقدُِّم ُ ِ
األمر ُ
خارجها .إ ن َ َ الوقوف ضده ا وال ُ ميك ن
.ماض يف طر ِيقه بنا أو من ُدونِناَ
ٍ
53
دالية هلذه الدعوى ،يكف ي التَّنبِيهُ إىل أهَّن ا الدعوى مناقشة ِج ٍٍ وبعيداً ع ن
يد من قرن ،ومنذ أن َّادعاهاَ ونادى هبا مفكرون عرب رواد منذ أز ِ نفس ها اليت سبق ِ
ُ ِ ُ
حكومات
ٌ وتتكر ُر هن ا وهناك يف الوط ن العريب َ ،تبنَّْته ا ترتد ُد َّذل ك الوقت وه ي َّ
كامل م ن التبش ِري هبذه ٍ وأحزاب فضالً ع ن األفراد...وم ع ذل ك فحص يلةُ ٍ
قرن َ ٌ
الدعوى - ،دعوى " االغرتاب" -مل تُنتج سوى فئةٌ من " العصرانيني " قليلة العدد،
الطرف ِ
املقابل هلا ُ ويزداد
ُ ازداد
اليوم تناقص اً نسبياً واضحاً يف حجمها ،بينما َ َ نشاهد
ُ
ائح االجتماعية. وداخل مجيع الشر ِ مجيع األقطا ِر العر ِ
بية َّة ،كماًّ وكيفاً ،يف ِ عددا وعد ً
َ ً
األجيال
َ تقطب ِ ِ
ارس اهليمنة والقيادة تس ٍ
وهكذا فبدالً م ن تيارات "حداثي ة " مُت
ُ ِ ُ
احلديث ع ن "األص و ِ
الدينية " بوص فها الظاهرة لية ُ ود
الص اعدةَ ،بدالً م ن ذل ك يس ُ َّ
.املهيمنة
حيح ع ن س ؤ ٍال " م ا العم ل "؟ -س واء إزاء اب الص َ أم ا حن ن فنرى أ ن اجلو َ
الثنائيةُ (ثنائية التقليدي والعصري) واالنشطار اللَّذين تُعانيهما الثقافةُ العربيةُ ،أو إزاء
كل شي ء ِم ن ينطلق أوالً وقب ل ِّ الثقايف وإيديولوجيةُ العولم ة -جي ب أ ن َ ُّ االخرتاق
الثقايف أ و
ِّ بية نفس ها ،ذل ك ألن ه س واء تعل ق األمر ِ
باجملال الثقافة العر ِ
ِ داخل ِ
العمل
ُ ٌ َ ِ
ميارس
َ أن اخلارجي
ُّ الفعل
ُ استطاع
َ ا
َ م ل
َ الداخلي عف
ُ الض
َّ لوال أنه كد املؤ فمن . بغريه
ِ
جتعل منه خطراً على الكيان والهوية اليت .تأثريه بالصورةِ
ُ َ
54
إن الثنائيةَ واالنشطار ( ثنائية التقليدي والعصري ،ثنائية األصالة واملعاصرة
يف الثقاف ة والفك ر والس لوك ) إمن ا يعكس ان وضعيةً ثقافيةً مل تتِ م بع د إعادةُ بِنائِها.
تفاعل وال اندماج- افد ،يف غري ماَ ٍ األصيل والو ُ
ُ اجلديد ،و
امن فيها القدميُ و ُ ثقافةٌ يتز ُ
التجديد يف
َ اجع إىل أ نحد تع بري الدكتور حمم د عاب د اجلابري ،]1[-وهذا ر ٌ عل ى ِّ
ِ
احلديث يد من قرن أن يتم من " اخلارج " :بنشر الفك ِر ثقافتناَ كان يُر ُاد لهُ ،منذ أز َ
ِ
بإعادة جتديد الثقافة ..أية ثقافة ..ال ميكن أن يتم إال من داخلها، على سطحها ،ألن َ
الفهم و ِ
التأويل وجوه م ن ِ ٍ احلداثة يف معطياهت ا وتارخيه ا والْتِ ِ
ماس ِ بنائه ا ومُم ارس ِة
بط احلاض ِر باملاضي يف اجتاه املستقبل .ملسارها تسمح بر ِ
ُ َ
ِ
ومقاومة وإغناء ُهويتناَ والدفاع عن خصوصيتناِ إن حاجتنا إىل جتديد ثقافَتنا
الغزو الكاس ح الذي ميارس ه ،عل ى مس توى عامل ي ،إعالمياً وبالتايل إي ْديُولوجياً
تقل عن حاجتِناَ إىل املسخرو َن هلما هلذا الغرض ،ال ُِّّ قانة وثقافياً ،املالِ ُكون ِ
للعلم والتِّ ِ
عصر العل م ِ
ودخول ِ
التحديث البد منه ا ملمارس ِ
ة َّ اليت س واألدو ِ
ات ِ ُسأل اب اَ
اكتس ِ
َ املستقلَّة و ُ ُ
ليس دخول" املوضوعات" املنفعلة املسرَّي ة الفاعلة ِ ِ قانة .دخول الذو ِ
ات والتِّ ِ
.ا مل ستقبلا لعر .يب .ع دد ،1998/2 – 228 :ص[1] 16 : 55
حاجة إىل التحدي ث ،أ ي إىل االخنراط يف عص ِر العل م والتِّقان ة ٍ حنن يف
ِ ِ ُ
كفاعلني ُمس امهني ،ولكنن ا يف حاج ة كذل ك إىل مقاومة االخرتاق ومحاية ُهويتن ا ِ
وجات الغز ِو الذي التالش ي حتت تأث ِري م ِ الثقافيـة من االحنالل و ِِ ا
َ وخصوصيتن ِ
القومية
َ
هاتان احلاجتانِائل العل م والتِّقان ة ،ولي َس ِ العامل أمجــع بوس ِ ميارس علين ا وعل ى ِ
ِ ِ ِ َ
وهل ة ،ب ل بالعك س مه ا متكاملتان ،أ و ألول ْ ِ
متعارضتني كما ق د يَبدو َّ الضروريتان
ِ
املشروط تالزم الشَّرط مع.على األصح ُمتالزمتاَ ِن ُ
البلدانِ ،
النامية منها ِ بلد منأي ٍ
جناح ُّ َّ
أن اليوم، مل ِ
البديهية يف عا ِ ِ
احلقائق ومن
ِ َ
الدفاع ع ناحلفاظ عل ى الهوي ة و ِ أ و اليت ه ي يف " طري ق " النم و ،جناحه ا يف
التحديث اجلار ِية يف
ِ وقت مضى مبدى عمق ِ
عملية أي ٍ أكثر من ِّ
َ ط
ٌ مشرو ، ِ
اخلصوصية
عمليةُ االخنراط الواعي ،النامي واملتجدر ،يف عص ِر العلم والتِّقانةِ .هذا البلد،
اإلمكانيات الالحمدودة اليت توفره اِ كل ذل ك واحدةٌ :اعتماد والوس يلةُ يف ِّ
العلم والتِّقانة .وهذا ما منها ،ويف مقدمتها ُ انب اإلجيابية
ُ نفس ها ،أعين اجلو
ُ العولمة
ناقوس خط ِر " منها كثري يف ُّ
يدق اليت الدول األور ِ
بية ِ
ختطيطات ِ نلمس ه بوضوح يف
هِت ُ ِ ِ ِ ُ
وتص ُّورا مَّدها ،يف لغتها وسلوك أبنائها َ الغزو األمريكي" اإلعالمي الثقايف الذي يتهد ُ
اجلمعية ،واليت يوظف أرقى وسائل العلم والتِّقانة – ومنها األقمار الصناعية – يف
ِ
اخلصوصيات الثقافية ِ
املعرفية و ِ
احلقول .اكتساح خمتلَف
56
اليوم تتحدث حديث اخلصوصية واألصالة ،وتتحدث عن " الهوية إن أوربا َ
بني شعوهِب ا و ِ ِ ِ ِ
أقطاره ا، األوربي ة " تعزيزا لس ريها اجل ِّد عل ى طر ِيق تشييد الوحدة َ
احلقة .وهي بذلك تُقدِّم املمارسة الدميقر ِ
اطية َّ ِ حمسوبة يف إطا ٍر من ٍ ٍ
عقالنية خبطو ٍ
ات
ِ
لإلقتداء ب ه بع د ِ
الثالث كلِّ ه ) ،منوذجاً ص احلاً ِ
القدمية ( ،أقطا ِر ِ
العامل ملس تعمراهِت ا
مالءمتِه مع اخلصوصيات احمللية َ .
اليوم لتحقيـق تسعى ـها،مجيع يكن مل إن بية، ـر ع ال إن ج َّل احلكوم ِ
ـات
َ ُ ُ
ا لشَّراكة " م ع أوربا ،ا لشراكةُ يف جم ا ال القتصاد ،وأيضا يف جم ا ال لثقافة" ،
حل صا مل ا ه
ا م ك
ُ حت رفية
ٌ ظ ِ
جلانبني اعلى ا ليه مُت وم ع أ نهذه ا لشراكة ا مل ِ
طلوبة
ُ
لكربى غري
، داخلا لعولمة ا أخرى ا لقومية ،ف إنَّه ال ش يء ي ضمنحت ُّوهَل ا إ ىلع ومل ٍ
ة
َ َ ُ
اكة يف ا لداخ لك ما يف ا خلارج عل ىا لدمي قراطي ة ش يء واح د ،هو ب ناء ا لشر ِ
ُ
.وا لعقالنية
ِ
اعتماد العقالنية فهل للشعوب العربية أن تطالب بالشراكة مع أوربا يف جمال
والدميقراطي ة ،يف الفك ر والس لوك ،يف التخطي ط واإلجناز ،يف االقتص اد والس ياسة
واالجتماع والثقافة ؟
57
:خاتمة
بالس لب ،أي أنه ليس يفوسأختم حديثي هذا ،بالعودة مرة أخرى إىل اجلواب عن سؤايلَّ ،
األمر عل ى العك س م ن ذل ك ،فإن ه مبقدا ِر م ا اس تطاعة العولم ة أ ن تقض ي عل ى ُهوي ة الناس ،ب ل إ ن َ
يشعُ ر املرءُ بأ ن هناك جهةٌ ماَ تقص د إىل النَّي ل م ن ماضي ه واإلجهاز عل ى شخص يته وه ْد ِر كرامتِ ه،
بكل ِ ليعبر عن ُح ِ ذوره وأصو ِله ،وهناكحث عن ُج ِ هناك يأخذ يف الب ِ
ضوره َو ُوجوده ِّ جهوده ِّ َتتكاثف ُ
ُ َ
ِ ِ
الوسائل اليت ميْتَل ُكها .
وراحوا ،ولكناَّ ِ مِم عني يف ِ ِ رؤياَ ٍ
بعض ُمهاجرينا إىل اخلارج َّن ُكنا نعتقد أهنم ْابتُلعوا َ رأينا هذا ْ
الباب ليسألوا عن ماضيهم ..وأخشى ما خنشاه من مل نَلبث ْ ِ
فس هم يطرقون علينا َ أن مس ْعناَ هؤالء أنْ َ
أصحاب اهلويات إىل ما حُي َدق هبم ،وهناك تكون املواجهةُ على ُ هدر الهوية ،أن يتنبَّه
حماولة العولمة َ
أشدِّه ا بني الهوي ة والعولم ة ..هذه املواجهةُ اليت س وف ال تنته ي إال باحرت ِام العولم ة الهوي ة، َ
.واعرتاف الهوية جبدوى التعاون يف إطار العولمة
وميك ن القول إن ه يف الفرتة األخرية فق ط ،بدأ ت تباشريٌ بدراس ات جادة رص ينة للعولم ة
عقدة ٍ
لظاهرة ُم َّ وبتأثرياهِت ا يف الوطن العريب ،ورمبا يكون هذا اجلهد عالمة على طريق الفهم املتعمق
املواجهة الر ِ وقومية ،تستدبر ُ
ٍ اتيجية عر ٍ
الفهم صياغةُ إسرت ٍ ضوء هذا ِ ومركبة ،وميكن يف ِ
افضة رفضاً بية
تسمح بهذه اإلرادة السياسية العربية القومية ؟ ُ مطلقاً ،وتستشرف للتفاعل احلي اخلالَّق ،لكن هل
صلب األزمة الراهنة يف الوطن العريب .هذا هو السؤال ،وهو ُ
58
مسرد المصادر والمراجع
جلابري ا لشرقا ألوسط 1. 04/02/1997 ، .أسئلة جي ابلوعيهب ا..حم مد ع ابد ا
.ا ألموا لس 1ع 2. 2
جلابري ا لشرقا ألوسط 3. 06/02/1997 ، .أيديولوجيا ا لعومل ة ا إلمرباطورية ا لعا مل ية..حم مد ع ابد ا
اب لعر يب..ذ.حم مد ع ادلا لرت يك ،ي ض منس لسلة مقا الته يف :ق ضايا ف كرية معاصرة (..مكتبته ا خلاصة) 4. .ا إلغرت ا
لكتب لعر بية – 1998ب ريوت 5. .ا لتعر يفات..ا لشر يفعليب نحم مد ا جلرجاين ،ط بعة دار ا ا
ا لتغر يبوخطره عل ىا لعا مل ا إلس المي..ذ .حم مد ع ادلا لرت يك ،ي ض منس لسلة مقا تال ه يف :ق ضاي ا ف كري ة معاص رة 6.
...ق رصمدم ،جا إلصدار ا لثاين2003 ،
ات لوحدة ا لعر بي ة ،ا لطبع ة ا ألوىل ي وني و 7. – 1997جلابري مرك ز دراس ا، ق ضاي ا يف ا لفكر ا مل عاص ر..حم مد ع اب د ا
.ب ريوت
.ا لشرقا ألوسط 8. 02/02/1997
.ا لشرقا ألوسط 9. 03/02/1997
جلابري ا مل ستقبلا لعر ،يب ع دد 228ف رب اير ،1998مركز 10. ، ا لعومل ة وا هلوية ا لثقافية :عشر أطروحات..حم مد ع ابد ا
اسات لوحدة ا لعر بية – ب ريوت
.در ا
11. اسات لوحدة ا لعر بية – ب ريوت
.ا لعومل ة وا لدولة..جاللأم ني ،ا مل ستقبلا لعر يب،ع دد 228ف رب اير ،1998مركز در ا
.ا لكليات..أبو ا لبقاء ا لكفوي،حت قيق.:ع دناندرويشوحم مد ا مل صري،مؤسسة ا لرسا لة ا لطبعة ا ألوىل – 1992ب ريوت12.
.مأزقأيديولوجيا ا لعومل ة..ا لسيد ولد أباه ،ا لشرقا ألوسط 13. 02/02/1997
.جم لة ا هلالل..د.حم مد عمارة ،ف رب اير – 1997ا لقاهرة 14.
.ا ملوسوعة ا لفلسفية ا لعر بية ،ا لطبعة ا ألوىل 1986/معهد ا إلمن اء ا لعر يب– ب ريوت 15.
59