You are on page 1of 58

‫جامعة اليرموك‬

‫كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‬


‫قسم أصول الدين‬
‫مخطط رسالة ماجستير بعنوان‪:‬‬

‫النماذج اإلنسانية القوية والضعيفة في تفسير التحرير والتنوير‬


‫تحليلية"‬ ‫"دراسة‬
‫‪The Strong and Weak Humanitarian Models in the Interpretation of‬‬
‫‪al-Tahrir al-Tanwir32qwswsz‬‬
‫‪""Analytical studies‬‬

‫إعداد الطالبة‬

‫أسيل إبراهيم علي أبو هيفا‬

‫الرقم الجامعي‪2020186051:‬‬

‫إشراف الدكتور‬

‫عبد الرزاق أبو البصل‬

‫قدم هذا الرسالة استكمااًل لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في أصول الدين‬

‫الفصل الدراسي األول‬


‫‪2023‬م _‪2024‬م‬

‫‪0‬‬
‫الشكر والتقدير‬

‫{ َر ِّب َأْو ِز ْع ِن ي َأْن َأْش ُك َر ِنْع َم َت َك اَّلِت ي َأْن َعْم َت َع َلَّي َو َع َلى َو اِل َد َّي َو َأْن َأْع َم َل َص اِلًح ا َتْر َض اُه‬

‫َو َأْد ِخ ْلِن ي ِب َر ْح َم ِت َك ِفي ِع َباِد َك الَّص اِلِح يَن } [النمل‪]19 :‬‬

‫الحمدهلل أوال واخرا على عون==ه وتوفيق==ه إلتم==ام ه==ذا البحث وأس==أله أن يجعل==ه خالص==ا لوجه==ه‬

‫الكريم‬

‫كما اتقدم بوافر الشكر وعظيم االمتن==ان إلى أس==تاذي ال==دكتور عب==د ال==رزاق أب==و البص==ل ال==ذي ق==ام‬

‫باإلشراف والمتابعة عى هذا البحث‪ ،‬وما قدم=ه لي من علم وتوجي=ه وارش=اد ك=ان ل=ه ب=الغ األث=ر‬

‫في اتمام البحث‬

‫والشكر موصول إلى‬

‫‪1‬‬
‫اإلهداء‬

‫‪2‬‬
‫المقدمة‬

‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل محمد بن عبد اهلل‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫وأَّم ا بنعم))ة رب))ك فح))دث‪ ،‬الق))رآن الك))ريم ه))و أعظم نعم))ة أنزله))ا اهلل على عب))اده‪ ،‬ق))ال تع))الى‪:‬‬

‫{َتَباَر َك اَّلِذ ي َنَّز َل اْلُفْر َقاَن َع َلى َع ْبِدِه ِلَيُك وَن ِلْلَعاَلِم يَن َنِذ يًر ا} [الفرق ))ان‪ .]1 :‬الق ))رآن الك ))ريم الس ))بب‬

‫األساسي في هداية البشر‪ ،‬وطمأنة نفوسهم‪ ،‬ورفعة أخالقهم‪ ،‬وتوحيد ص))فوفهم‪ ،‬وعل)ِّو م)نزلتهم في‬

‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬فهو كتاب نور وهداية‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬طس ِتْلَك آَياُت اْلُقْر آِن َو ِكَتاٍب ُّمِبيٍن {‪ُ }1‬هًدى‬

‫َو ُبْش َر ى ِلْلُم ْؤ ِمِنيَن } [النمل‪.]2 -1 :‬‬

‫الحمد هلل الذي فضل اإلنسان وكرمه على كثير من مخلوقاته‪ ،‬قال تع))الى‪َ{ :‬و َلَقْد َك َّر ْم َن ا َبِن ي‬

‫آَد َم َو َح َم ْلَناُهْم ِفي اْلَبِّر َو اْلَبْح ِر َو َر َز ْقَناُهْم ِم َن الَّطِّيَب اِت َو َفَّض ْلَناُهْم َع َلى َك ِث يٍر ِم َّم ْن َخ َلْقَن ا َتْفِض ياًل }‬

‫[اإلس))راء‪ ،]70 :‬نعم))ة اهلل على اإلنس))ان متع))ددة الج))وانب‪ :‬إذ أرس))ل الرس))ل لهدي))ه‪ ،‬وس))خر الك))ون‬

‫وم))ا في))ه لخدمت))ه‪ ،‬وجلع))ه خليف))ة في أرض))ه‪ ،‬مم))ا جعل))ه مم))يًز ا عن بقي))ة المخلوق))ات‪ ،‬وه))ذا التم))يز‬

‫يعكس تنوًع ا في البش))ر ويش))كل أساًس ا للتكام))ل في المجتمع))ات‪ ،‬إال أن ع))دم فهم ه))ذا التن))وع يمكن‬

‫أن ي))ؤدي إلى ص))راعات وتح))ديات بين أص))ناف الجنس الواح))د‪ ،‬وه))ذا الفهم ال ي))أتي بس))هولة فه))و‬

‫يحت) ))اج إلى وعي بقيم) ))ة التع) ))دد والتن) ))وع الثق) ))افي‪ ،‬إذ ق) ))د ي) ))ؤدي الجه) ))ل به) ))ذه القيم إلى ص) ))راعات‬

‫وانقسامات داخل المجتمعات‪ ،‬يظهر تأثير الظروف والبيئة على مسار حياة االنسان داخ)ل المجت)ع‬

‫في ظ))ل ه))ذا التن))وع البش))ري‪ ،‬حيث ي))برز نج))اح في مج))االت معين))ة ويواج))ه تح))ديات في ج))وانب‬

‫أخ) ))رى‪ ،‬ه) ))ذا يتض) ))ح بش) ))كل واض) ))ح في الق)))رآن الك) ))ريم‪ ،‬حيث يع) ))رض حال) ))ة فرع ))ون ال) ))ذي نجح‬

‫اقتص))ادًيا وفش))ل دينًي ا‪ ،‬وه))ذا الن))وع من األمثل))ة يبن كي))ف يمكن للظ))روف أن تلعب دوًر ا كب))يًر ا في‬

‫توجي))ه مس))ار الحي))اة البش))رية وتحدي))د نجاحاته))ا أو فش))لها‪ ،‬ل))ذلك ح))رص المس))لمون في ق))ديم الزم))ان‬

‫‪3‬‬
‫وحاض ))ره على ت ))دوين وحف ))ظ وتفس ))ير الق ))رآن الك ))ريم؛ لبن ))اء إنس ))ان متفك ))ر في دين ))ه ن ))اجح ديني ))ا‬

‫اقتص))اديا ثقافي))ا‪ ،‬ولتحقي))ق العبودي))ة هلل وح))ده‪ ،‬وتط))بيق أحكام))ه وتش))ريعاته‪ ،‬واالس))تفادة من حقائق))ه‬

‫العلمية‪ ،‬من العل)وم ال)تي تخص االنس)ان ه)و علم النم)اذج اإلنس)انية‪ ،‬فمن أهم م)ا يم)يز ش)خص عن‬

‫آخر هو صفاته التي تحدد نوع نموذجه‪ ،‬وباختالف الصفات تختلف النماذج والشريعة راعت هذا‬

‫االختالف‪ ،‬ووض ))عت الح ))د ال ))ذي يحف ))ظ لك ))ل ش ))خص نموذج ))ه‪ ،‬ونظ ))را له ))ذه األهمي ))ة ال ))تي احتله ))ا‬

‫اإلنس ))ان في الق ))رآن ذهب مجموع ))ة من العلم ))اء الى االهتم ))ام بم ))ا يتعل ))ق باإلنس ))ان في تفاس ))يرهم‬

‫ومنهم المفس ))ر العالم ))ة ابن عاش ))ور ال ))ذي يع ))د من كب ))ار المفس ))رين المعاص ))رين‪ ،‬وك ))نز من كن ))وز‬

‫الزمان‪ ،‬ملم في علوم التفسير وأصوله‪ ،‬ألف العديد من المصنفات‪ ،‬منهم‪( :‬تحرير المعنى الس))ديد‪،‬‬

‫وتن) ))وير العق) ))ل الجدي) ))د في تفس) ))ير الكت) ))اب المجي) ))د)‪ ،‬واختص) ))ره باس) ))م (التحري) ))ر والتن) ))وير)‪ .‬اهتم‬

‫بالبالغ ))ة واللغ ))ة والق ))راءات والمناس ))بات وبي ))ان أغ ))راض الس ))ورة‪ ،)1(،‬ونظ )ًر ا ألهمي ))ة اإلنس ))ان في‬

‫الش) ))ريعة اإلس) ))المية‪ ،‬وعناي) ))ة المفس) ))رين وابن عاش) ))ور تحدي) ))دا في بحث بم) ))ا يتعل) ))ق باإلنس) ))ان في‬

‫تفسيره‪ ،‬خضت غمار هذه الدراسة‪.‬‬

‫مشكلة الدراسة وأسئلتها‪:‬‬

‫لطالما ُع رض موضوع النماذج اإلنسانية بعي)ًد ا عن الق)رآن‪ ،‬لكون))ه غالًب ا يع))رض من قب))ل مس))لمين‬

‫غ)ير مهتمين في ج))وانب الق)رآن ت))ابعين للغ))رب في تص))نيفاتهم للنم))اذج اإلنس))انية‪ ،‬أو من قب))ل غ)ير‬

‫المس))لمين‪ ،‬واألج))در بن))ا مس))لمين أن يك))ون الق))رآن ه))و مص))درنا األول في فهم المواض))يع المتعلق))ة‬

‫باإلنس))ان من خالل مفس))رين أج))ادوا فهم الق))رآن‪ ،‬مث))ل ابن عاش))ور ال))ذي تم))يز بجه))ود مس))تقلة عن‬

‫غيره من المفسرين في هذا المجال‪.‬‬

‫‪ )(1‬خص ))اونة‪ ،‬عم ))اد عب ))د الك ))ريم‪2016(.‬م)‪ ،‬منهجي==ة ابن عاش==ور في التعام==ل م==ع الت==وراة واإلنجي==ل من خالل‬
‫تفسيره التحرير والتنوير (دراسة تحليلية)‪ ،‬المجلة األردنية في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬مج‪ ،12‬ع‪ ،3‬ص‪.32‬‬

‫‪4‬‬
‫لذا جاءت هذه الدراسة لإلجابة عن السؤال الرئيسي وهو‪ :‬ما النماذج اإلنسانية القوية والضعيفة‬

‫في تفسير التحرير والتنوير؟‬

‫من خالل اإلجابة عن األسئلة الفرعية اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬ما أنواع النماذج اإلنسانية في تفسير التحرير والتنوير؟‬

‫‪ .2‬ما النماذج اإلنسانية القوية في تفسير التحرير والتنوير؟‬

‫‪ .3‬ما النماذج اإلنسانية الضعيفة في تفسير التحرير والتنوير؟‬

‫أهداف الدراسة‪:‬‬

‫تسعى الدراسة إلى تحقيق األهداف اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬توضيح أنواع النماذج اإلنسانية في تفسير التحرير والتنوير‪.‬‬

‫‪ .2‬الكشف عن النماذج اإلنسانية القوية في تفسير التحرير والتنوير‪.‬‬

‫‪ .3‬بيان النماذج اإلنسانية الضعيفة في تفسير التحرير والتنوير‪.‬‬

‫أهمية الدراسة‪:‬‬

‫تظهر أهمية الدراسة من خالل ما يأتي‪:‬‬

‫األهمية العملية‪:‬‬

‫‪ .1‬رفد طلبة العلم بمنهج ابن عاشور في تفسير اآليات المتعلقة بالنماذج اإلنسانية القوية والضعيفة‪.‬‬

‫‪.2‬بيان عناية ابن عاشور بالجانب اإلنساني في تفسيره‪.‬‬

‫األهمية العلمية‪:‬‬

‫‪.1‬معرفة نماذج القوية والضعيفة عامل يساعد على تطوير اإلنسان‪ ،‬من خالل فهمه لنفس)ه‪ ،‬ومعرف)ة‬

‫قدراته وإ مكاناته‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪.2‬إرش) ))اد المؤسس) ))ات المجتمعي) ))ة اإلس) ))المية بأش) ))كال النم) ))اذج اإلنس) ))انية من خالل نظ) ))رة المفس) ))رين‬

‫المسلمين لها‪.‬‬

‫حدود الدراسة‪:‬‬

‫النماذج اإلنسانية القوية والضعيفة في تفسير التحرير والتنوير‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫منهج الدراسة‪:‬‬

‫تق))وم ه))ذه الدراس))ة على المنهج الوص))في االس))تقرائي والمنهج التحليلي من خالل اس))تقراء النم))اذج‬

‫اإلنس ))انية المتعلق ))ة في الق ))وة والض ))عف في تفس ))ير التحري ))ر والتن ))وير‪ ،‬وتص ))نيف اآلي ))ات القرآني ))ة‬

‫وتحليله))ا تبًع ا لموض))وعها المتعل))ق بالنم))اذج اإلنس))انية من خالل تفس))ير التحري))ر والتن))وير‪ ،‬وتتب))ع‬

‫الدراس)))ات ذات الص) ))لة بالموض) ))وع‪ ،‬من ثم تحلي)))ل األمثل ))ة التطبيقي ))ة المتعلق ))ة بالنم ))اذج اإلنس)))انية‬

‫القوية والضعيفة من خالل تفسير التحرير والتنوير ودراستها بطريقة علمية‪.‬‬

‫‪:‬مصطلحات الدراسة‬

‫النماذج اإلنس==انية‪ :‬جم ))ع نم ))وذج وه ))و‪" :‬بفتح الن ))ون‪ :‬مث ))ال الش ))يء‪ ،‬مع ))رب‪ .‬واألنم ))وذج لحن"(‪،)1‬‬

‫والنماذج اإلنسانية تعني األمثلة المتعلقة باإلنسان‪.‬‬

‫القوية‪ :‬المتص))فة ب))القوة‪ ،‬والق))وة هي‪" :‬ت))دل على معن))يين أح))دهما الش))دة وخالف الض))عف‪ ،‬واآلخ))ر‬

‫القواء األرض الخربة التي ال أهل بها"(‪ ،)2‬والمراد هو المعنى األول‪.‬‬

‫الضعيفة‪ :‬المتصفة بالضعف‪ ،‬والضعف هو‪ :‬الَّض ْع ُف في العقل والرأي‪ ،‬والُّض ْع ُف في الجسد"(‪.)3‬‬

‫‪ )(1‬الفيروز آبادى‪ ،‬مجد الدين أب))و ط))اهر‪ .‬القاموس المحيط‪ ،‬المحق))ق‪ :‬مكتب تحقي))ق ال))تراث في مؤسس))ة الرس))الة‬
‫مؤسسة الرسالة بيروت‪ ،‬ط‪ 2005 ،8‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.208‬‬
‫‪ )(2‬القزويني‪ ،‬أحمد بن فارس‪ .‬مجمع مقاييس اللغة‪ ،‬المحقق‪ :‬عدد السالم محمد هارون‪ ،‬دار الفك))ر‪1979 ،‬م‪ ،‬ج‬
‫‪ ،5‬ص‪.30‬‬
‫‪ )(3‬الفراهي))دي‪ ،‬أب))و عب))د ال))رحمن الخلي))ل بن أحم))د‪ .‬العين‪ ،‬المحق))ق‪ :‬مه))دي المخ))زومي‪ ،‬إب))راهيم الس))امرائي‪ ،‬دار‬
‫ومكتبة الهالل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.181‬‬

‫‪7‬‬
‫تفسير التحرير والتنوير‪( :‬تحرير المعنى السديد‪ ،‬وتنوير العقل الجدي))د في تفس))ير الكت))اب المجي))د)‪،‬‬

‫ه)))و كت)))اب ألف)))ه الع)))الم ط)))اهر بن عاش)))ور‪ ،‬نش)))رته ال)))دار التونس ))ية للنش ))ر في ت ))ونس‪ ،‬نش)))ر س)))نة‬

‫‪1984‬م‪ ،‬وقع في ‪ 30‬مجلد(‪.)4‬‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬

‫بعد مراجع)ة األدب النظ)ري المتعل)ق بمش)كلة الدراس)ة توص))لت الباحث)ة إلى ع)دم وج)ود أي دراس)ة‬

‫مس ))تقلة تن ))اولت النم ))اذج اإلنس ))انية في تفس ))ير التحري ))ر والتن ))وير‪ ،‬ولكن هن ))اك دراس ))ات ذات ص ))لة‬

‫بموضوع الدراسة الحالية‪:‬‬

‫‪ .1‬دراسة فارس‪1972 ،‬م‪ ،‬بعنوان‪ :‬النماذج اإلنسانية في القرآن الكريم(‪.)2‬‬

‫هدفت الدراسة إلى تحديد ب)دايات االهتم)ام باإلنس)ان للوص))ول إلى أن النم)اذج اإلنس)انية في الق)رآن‬

‫الكريم هي نمو صاعد للبدايات في الت)وراة واإلنجي)ل م)ع النص)اعة الملحوظ)ة والدق)ة م)ع النص)اعة‬

‫الملحوظ ))ة والدق ))ة الظ ))اهرة في ذل ))ك لم ))ا أتيح النص الق ))رآني من وس ))ائل الحف ))ظ والت ))واتر ويقيني ))ة‬

‫السالمة من التحريف‪ ،‬ومحاول)ة لمس ص)دق ه)ذه النم)اذج القرآني)ة من الناحي)ة الفني)ة بالمقارن)ة م)ع‬

‫الواقع‪ ،‬ودراسة النماذج اإلنسانية في القرآن الكريم تفسر ناحية مهمة من ن))واحي الفك))ر اإلس))المي‬

‫الكالمي حول اإلنسان وذلك من خالل المنهج االستقرائي التحليلي‪.‬‬

‫وتض==منت الب))اب األول‪ :‬الفص))ل األول‪ :‬تفرق))ة بين النم))اذج واألمث))ال‪ ،‬الفص))ل الث))اني‪ :‬اإلنس))ان في‬

‫الق) ))رآن‪ ،‬الفص) ))ل الث) ))الث‪ :‬المالمح اإلنس) ))انية في الق) ))رآن الك) ))ريم‪ ،‬الب) ))اب الث) ))اني‪ :‬نم) ))اذج الطبيع) ))ة‬

‫البش)))رية‪ :‬الفص)))ل األول‪ :‬الض)))عف والق ))وة اإلنس)))انيان‪ ،‬الفص ))ل الث ))اني‪ :‬االع ))تزاز بالم)))ال والول)))د‪،‬‬

‫‪ )(4‬ابن عاشور‪ ،‬محمد طاهر‪ .‬التحرير والتنوير‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(2‬فارس‪ ،‬أحمد محمد فارس‪ .‬النماذج اإلنسانية في القرآن الكريم‪ ،‬دار الفكر‪1972 ،‬م‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفص ))ل الث ))الث‪ :‬المتابع ))ة الب ))اب الث ))الث‪ :‬نم ))اذج العقي ))دة‪ ،‬الب ))اب األول‪ :‬المؤمن ))ون‪ ،‬الب ))اب الث ))اني‪:‬‬

‫الك)))افرون‪ ،‬الب)))اب الث)))الث‪ :‬المن)))افقون‪ ،‬الب)))اب الراب)))ع‪ :‬نم ))اذج العالق ))ات اإلنس ))انية‪ :‬الفص)))ل األول‪:‬‬

‫األبوة‪ ،‬الفص)ل الث)اني‪ :‬األموم)ة‪ ،‬الفص)ل الث)الث‪ :‬البن)وة‪ ،‬الفص)ل الراب)ع‪ :‬األخ)وة‪ ،‬الفص)ل الخ)امس‪:‬‬

‫الزوجية‪ ،‬الباب الخامس‪ :‬نموذج فريد‪.‬‬

‫وخلصت الدراسة إلى إثبات صدق نظرة سيد قطب‪ ،‬وإ ظهار ناحية جديدة وغامضة بعض الش))يء‬

‫من ن))واحي البي))ان الق))رآني‪ ،‬وإ ثب))ات أن الشخص))ية القرآني))ة‪ ،‬هي شخص))ية دنيوي))ة تعيش على ه))ذه‬

‫األرض‪ ،‬وتفع))ل كم))ا يفع))ل البش))ر‪ ،‬خط))أ وص))واًبا‪ ،‬وليس))ت نمًط ا فلس))فًيا أو فكرًي ا مستعص))ي الفهم‪،‬‬

‫ووص ))ل إلى ج ))انب ه ))ام من ج ))وانب الدراس ))ات القرآني ))ة‪ ،‬يمكن االس ))تفادة من ))ه‪ ،‬أو على األق ))ل من‬

‫أمثولته في حياتنا األدبية‪ ،‬القصصية والمسرحية‪.‬‬

‫تتفق الدراس))ة الحالي))ة م))ع ه))ذه الدراس))ة في تناوله))ا موض))وع النم))اذج اإلنس))انية‪ .‬وتختلف الدراس))ة‬

‫الحالي) ) ))ة عن ه) ) ))ذه الدراس) ) ))ة في أَّن موض) ) ))وعها متعل) ) ))ق بالنم) ) ))اذج اإلنس) ) ))انية في الق) ) ))رآن الك) ) ))ريم‪،‬‬

‫وموض ))وع دراس))تي متعل))ق بالنم))اذج اإلنس))انية في تفس))ير التحري))ر والتن))وير‪ ،‬وموض ))وعها متعل))ق‬

‫بالنم))اذج اإلنس))انية بش))كل ع))ام‪ ،‬وموض))وع دراس))تي متعل))ق بالنم))اذج اإلنس))انية المتص))فة ب))القوة أو‬

‫الضعف‪.‬‬

‫‪ .2‬دراسة عبد اللطيف‪2003 ،‬م‪ ،‬بعنوان‪ :‬القوة والضعف في ضوء القرآن الكريم(‪.)1‬‬

‫ه==دفت الدراس))ة إلى بي))ان دع))وة اإلس))الم إلى الق))وة‪ ،‬واإلع))داد‪ ،‬واالس))تعداد‪ ،‬وت))ذكير المؤم))نين بم))ا‬

‫وعد اهلل تعالى من النصر الدنيوي‪ ،‬والفوز األخروي‪ ،‬وبن))اء األم))ة اإلس))المية‪ ،‬ذات س))يادة مطلق))ة‪،‬‬

‫‪ )(1‬عب ))د اللطي ))ف‪ ،‬عثم ))ان محم ))د‪2003(.‬م)‪ ،‬القوة والضعف في ضوء الق==رآن الك==ريم‪ ،‬أطروح ))ة دكت ))وراه‪ ،‬كلي ))ة‬
‫أصول الدين‪ ،‬جامعة أم درمان اإلسالمية‪ ،‬السودان‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫والكلمة النافذة‪ ،‬والقرار الصائب‪ ،‬وتبصرة المؤم)نين بعالق)ة الق)وة بالحي)اة االجتماعي)ة‪ ،‬والسياس)ية‪،‬‬

‫واالقتص ))ادية‪ ،‬واألم ))ر ب ))القوة وال ))ترغيب فيه ))ا والنهي عن الض ))عف‪ ،‬وال ))ترهيب من ))ه واض) )ًح ا في‬

‫الكتاب والسنة‪ ،‬وذلك من خالل المنهج االستنباطي‪.‬‬

‫وتض=منت س))بعة فص))ول‪ :‬الفص))ل األول مفه))وم الق))وة والض))عف في الق))رآن الك))ريم‪ ،‬الفص))ل الث))اني‬

‫ألف ) ))اظ ومش ) ))تقات ومترادف ) ))ات الق ) ))وة والض ) ))عف‪ ،‬الفص ) ))ل الث ) ))الث الق ) ))وة رك ) ))يزة من رك ) ))ائز ال ) ))دين‬

‫اإلس))المي‪ ،‬الفص))ل الراب))ع الق))وة الُخ لقي))ة‪ ،‬الفص))ل الخ))امس نم))اذج من ق))وة الخل))ق‪ ،‬الفص))ل الس))ادس‬

‫عالقة القوة بالحياة الدنيوية‪ ،‬الفصل السابع نشل األمة من ضعفها إلى قوتها‪.‬‬

‫وخلصت الدراس))ة إلى أن الق))رآن اعت))نى بموض))وع الق))وة والض))عف عناي))ة بالغ))ة‪ ،‬أرس))ى به))ا أس))س‬

‫وقواعد القوة في أذهان المؤمنين‪ ،‬وفي نفس الوقت حذر من الضعف ونفر من))ه وزج))ر عن))ه‪ ،‬وأن‬

‫الق))وة له))ا ألف))اظ ومش))تقات ومترادف))ات كث))يرة‪ ،‬وهي رك))يزة من رك))ائز اإلس))الم‪ ،‬والق))وى اس))م من‬

‫أسماء اهلل‪ ،‬وأسماء اهلل كلها تدلنا على الق)وة إذ ال يتط)رق الض))عف إليه)ا أب)ًد ا‪ ،‬وذك)ر الق)رآن دع)ائم‬

‫الق ))وة وأس ))بابها‪ ،‬وإ رس ))ال أسس ))ها ومقوماته ))ا‪ ،‬وحّض عليه ))ا في كث ))ير من اآلي ))ات ص ))راحة‪ ،‬وفي‬

‫بعضها إش)ارات وإ يم)اءات‪ ،‬والق)وة الروحي)ة هي ال)تي ت)ؤدي إلى الق)وة المادي)ة‪ ،‬والم)ؤمن الق)وي ال‬

‫يرهب المستقبل وال يخ)اف من)ه‪ ،‬والق)رآن الك)ريم أرش)د إلى الق)وة‪ ،‬وحث عليه)ا في جمي)ع مج)االت‬

‫الحي ))اة االجتماعي ))ة‪ ،‬وح ))ذر من المواض)))يع ال ))تي له ))ا عالق ))ة بالض ))عف‪ ،‬وللق ))وة فوائ ))د عدي ))دة كم ))ا‬

‫للضعف مضار‪.‬‬

‫تتف==ق الدراس))ة الحالي))ة م))ع ه))ذه الدراس))ة في تناوله))ا موض))وع الق))وة والض))عف‪ .‬وتختل==ف الدراس))ة‬

‫الحالي)ة عن ه)ذه الدراس)ة بأنه)ا متعلق)ة ببي)ان منهج ابن عاش)ور للنم)اذج اإلنس)انية القوي)ة والض))عيفة‬

‫بينما هذه الدراسة لم تتقيد ببيان منهج مفسر معين‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ .3‬دراسة عاصي‪2009 ،‬م‪ ،‬بعنوان‪ :‬القوة في القرآن الكريم(‪.)1‬‬

‫ه ==دفت الدراس) ))ة إلى إب) ))راز ق) ))وة اهلل تع) ))الى في زم) ))ان ي) ))دعي في) ))ه الكث) ))يرون أنهم يملك) ))ون الق) ))وة‬

‫والج))بروت إلخض))اع المستض))عفين في األرض‪ ،‬والتع))رف على تفص))يالت مع))اني الق))وة‪ ،‬ح))تى ال‬

‫تفهم القوة فهما خاطًئا‪ ،‬والتع)رف إلى أن الق)وة ليس)ت محص))ورة فق)ط بالجس)د‪ ،‬وهن)اك ق))وة أخ)رى‪،‬‬

‫ك)))القوة الروحي)))ة‪ ،‬واألخالقي)))ة‪ ،‬والنفس)))ية‪ ،‬والجماعي)))ة‪ ،‬والتع ))رف إلى الوس ))ائل المادي)))ة والمعنوي)))ة‬

‫لتحقيق القوة الراشدة‪ ،‬والتعرف على النتائج المحمودة في استعمال القوة في الخير والبن))اء‪ ،‬وعلى‬

‫الع) ))واقب الوخيم) ))ة ال) ))تي تنتظ) ))ر الظ) ))المين من خالل النم) ))اذج التاريخي) ))ة الدامغ) ))ة‪ ،‬والتع) ))رف على‬

‫الض))وابط في اس))تعمال الق))وة‪ ،‬منًع ا لالنفالت والعن))ف األه))وج‪ ،‬وذل))ك من خالل المنهج االس))تقرائي‬

‫التحليلي المقارن‪.‬‬

‫وتض==منت س))تة فص))ول‪ :‬األول مفه))وم الق))وة ودالالته))ا في الس))ياق الق))رآني‪ ،‬الث))اني الق))وي اس))م من‬

‫أسماء اهلل تعالى‪ ،‬الثالث أن)واع الق)وة الرئيس)ة‪ ،‬الراب)ع أس)باب ومص)ادر الق)وة‪ ،‬الخ)امس آث)ار الق)وة‪،‬‬

‫السادس نماذج قرآنية للقوة‪.‬‬

‫وخلصت نتائجه))ا إلى أن المع))نى اللغ))وي للق))وة ه))و الش))دة‪ ،‬وه))و ض))د الض))عف‪ ،‬فت))ارة تس))تعمل في‬

‫القوة اإللهية‪ ،‬والقلب‪ ،‬البدن‪ ،‬وفي المعاون من الخارج‪ ،‬وتأتي بمعنى القدرة‪ ،‬والض))عف‪ .‬والمع))نى‬

‫الش))رعي للق))وة ه))و‪ :‬أن الق))وة إذا ك))انت في ح))ق اهلل تع))الى في كم))ال الق))درة واالس))تغناء‪ ،‬والت))أثير‬

‫وع ))دم الت ))أثير‪ .‬وإ ذا ك ))انت في ح ))ق البش ))ر فهي‪ :‬مجموع ))ة عوام ))ل الق ))درة المادي ))ة والمعنوي ))ة ل ))دى‬

‫اإلنس ))ان‪ .‬وردت كلم ))ة الق ))وة بص ))يغها المتع ))ددة في الق ))رآن الك ))ريم اثن ))تين وأربعين م ))رة في خمس‬

‫وعش)رين س)ورة‪ .‬الح)ديث عن ق))وة اهلل ينف)ع أمتن)ا في زمن ي)دعي في)ه الكث)يرون أنهم يملك)ون الق)وة‬

‫‪ )(1‬عاصي‪ ،‬رائد عبد ال))رحيم‪2009(.‬م)‪ ،‬القوة في القرآن الكريم‪ ،‬رس))الة ماجس))تير‪ ،‬كلي))ة أص))ول ال))دين‪ ،‬جامع))ة‬
‫النجاح الوطنية‪ ،‬فلسطين‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫والج ))بروت‪ .‬تن ))اولت الدراس ))ة الح ))ديث عن الق ))وة المعنوي ))ة القلبي ))ة وأس ))باب إنش ))ائها وإ يجاده ))ا في‬

‫النفس‪ ،‬والحي ))اة العملي ))ة ال ))تي تمس حي ))اة األم ))ة‪ .‬الق ))وة المادي ))ة وح ))دها وبتجري ))دها من التوجه ))ات‬

‫الديني ))ة‪ ،‬تجلب ألهله ))ا ال ))دمار والب ))ور وال يثبت له ))ا ق ))رار‪ .‬أظه ))رت الدراس ))ة أن الق ))وة المادي ))ة‪ ،‬ال‬

‫تقتص ))ر فق ))ط على الق ))وة المادي ))ة للبش ))ر‪ ،‬ب ))ل هن ))اك ق ))وى أخ ))رى‪ ،‬مث ))ل ق ))وة المالئك ))ة‪ ،‬وق ))وة الجن‪.‬‬

‫وتن))اولت الدراس))ة الح))ديث عن أس))باب الق))وة ومص))ادرها‪ .‬وآث))ار الق))وة على آخ))ذيها‪ .‬وتأك))د لن))ا من‬

‫خالل الدراس))ة أن ال))ذين يس))تعملون الق))وة في الش))ر‪ ،‬إنم))ا يس))تعملونها إلش))باع غرائ))زهم وغ))رورهم‬

‫الذي ال حدود له‪ .‬وذك)رت الدراس)ة أرب)ع شخص))يات تاريخي)ة وهبهم اهلل الق)وة‪ ،‬وكي)ف اس)تخدموها‬

‫وهم (موسى عليه السالم‪ ،‬ذو القرنين‪ ،‬فرعون‪ ،‬قوم عاد)‪.‬‬

‫تتفق الدراس))ة الحالي))ة م))ع ه))ذه الدراس))ة في تناوله))ا موض))وع الق)وة‪ ،‬وفي بي))ان نم))اذج قرآني))ة‬

‫للق))وة‪ .‬وتختل=ف الدراس))ة الحالي))ة عن ه))ذه الدراس))ة في أّن موض))وعها متعل))ق ب))القوة والض))عف في‬

‫القرآن الكريم‪ ،‬ودراس))تي موض))وعها متعل))ق بنم))اذج الق)وة والض))عف في تفس))ير التحري))ر والتن))وير‪،‬‬

‫وتن))اولت الدراس))ة موض))وع الق))وة فق))ط بينم))ا دراس))تي تن))اولت الق))وة والض))عف ‪ ،‬النم))اذج اإلنس))انية‬

‫الم))ذكورة في دراس))تي أك))ثر من النم))اذج اإلنس))انية الم))ذكورة به))ذه الدراس))ة‪ ،‬ودراس))تي أخص من‬

‫ه ))ذه الدراس ))ة ألنه ))ا اعتنت ببي ))ان منهج ابن عاش ))ور في تفس ))يره آلي ))ات النم ))اذج اإلنس ))انية القوي ))ة‬

‫والضعيفة‪.‬‬

‫‪ .4‬دراسة الصوفي‪2018 ،‬م‪ ،‬الشخصية المؤمنة كما يصورها القرآن(‪.)1‬‬

‫هدفت إلى دراسة موضوعية لموضوع الشخص))ية المؤمن))ة المتم))يزة كم))ا يص))ورها الق)رآن الك))ريم‪،‬‬

‫وذلك من خالل المنهج االستقرائي‪.‬‬

‫‪ )(1‬الص ))وفي‪ ،‬ه ))دى حم ))دان‪2018(.‬م)‪ ،‬الشخصية المؤمنة كما يصورها القرآن‪ ،‬رس ))الة ماجس ))تير‪ ،‬كلي ))ة أص ))ول‬
‫الدين‪ ،‬جامعة اإلسالمية‪ ،‬فلسطين‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وتض==منت ثالث ))ة فص ))ول‪ ،‬وهي‪ :‬الفص ))ل األول دراس ))ة تعريفي ))ة ح ))ول الشخص ))ية والتم ))يز‪ ،‬الفص ))ل‬

‫الثاني مجاالت تميز الشخصية المؤمنة‪ ،‬الثالث نماذج الشخصية المميزة في القرآن‪.‬‬

‫وخلصت الدراسة إلى بيان أن التميز ش))رف عظيم‪ ،‬يجب أن يتن))افس المؤمن))ون في الوص))ول إلي))ه‪،‬‬

‫وشمل التميز فئات وأـصنافا مختلف)ة ابت)داًء باألنبي)اء‪ ،‬ثم م)رورا بالص))حابة الك)رام‪ ،‬والص))الحين من‬

‫بعدهم حتى النساء كان لهن نصيب وافر من التميز‪ ،‬وللتميز آث))ار إيجابي))ة عظيم))ة تتجلى في حي))اة‬

‫المؤم) ) ))نين وفي مجتمع) ) ))اتهم‪ ،‬كم) ) ))ا أن لهم منزل) ) ))ة عظيم) ) ))ة في اآلخ) ) ))رة‪ ،‬باإلض) ) ))افة إلى أن األم) ) ))ة‬

‫اإلس ))المية بحاج))ة ماس))ة إلى التم))يز‪ ،‬لالرتق))اء به))ا من وض ))عها الم))تردي‪ ،‬والس))مو به))ا الى أع))الي‬

‫القمم‪.‬‬

‫تتفق الدراس))ة الحالي))ة م))ع ه))ذه الدراس))ة في تناوله))ا موض))وع المؤم))نين‪ ،‬وفي بي))ان نم))اذج إنس))انية‬

‫قرآنية‪ .‬وتختلف الدراسة الحالية عن هذه الدراسة في أّن موض))وعها متعل))ق ب))المؤمنين في الق))رآن‬

‫الك))ريم‪ ،‬ودراس))تي موض))وعها متعل))ق تفس))ير التحري))ر والتن))وير‪ ،‬وتن))اولت الدراس))ة قس))م المؤمن))ون‬

‫بينما دراستي تناولت المؤمنين والكافرين‪ ،‬واعتنت دراستي ببيان جانب الق))وة والض))عف اإلنس))اني‬

‫لدى المؤمن والكافر بينما هذه الدراسة اعتنت ببيان مجاالت تميز الشخصية المؤمنة‪.‬‬

‫‪ .5‬دراسة حسين‪2022 ،‬م‪ ،‬بعنوان‪ :‬ثنائية القوة والضعف في القرآن الك==ريم (دراس==ة تفس==يرية)‬

‫(‪.)1‬‬

‫‪ )(1‬حسين‪ :‬أحمد جبار‪2022(.‬م)‪ ،‬ثنائية القوة والضعف في القرآن الكريم (دراسة تفسيرية)‪ ،‬رس ))الة ماجس ))تير‪،‬‬
‫كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة كربالء‪ ،‬العراق‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ه=دفت الدراس))ة إلى بي))ان أن الق))وة ال))تي تمتلكه))ا جمي))ع المخلوق))ات مح))دودة وزائل))ة وهي دون ق))وة‬

‫اهلل‪ ،‬والتعرف على أنواع القوة والضعف لدى اإلنس))ان‪ ،‬وذل))ك من خالل المنهج الوص))في والمنهج‬

‫االستقرائي‪.‬‬

‫وتض ==منت أربع) ))ة فص) ))ول وهي‪ :‬الفص) ))ل األول أن) ))واع الق) ))وة في الق) ))رآن الك) ))ريم‪ ،‬الفص) ))ل الث) ))اني‬

‫مجاالت ثنائية القوة والضعف في القرآن الكريم‪ ،‬الفصل الثالث نت)ائج الق)وة والض)عف في الق)رآن‪،‬‬

‫نماذج مختارة من مواقف القوة والضعف ودور اللطف اإللهي فيها‪.‬‬

‫وخلصت نتائجها إلى أن اإلسالم يرفض منط)ق التبعي)ة للطغ)اة‪ ،‬وتجمي)د العق)ول من قب)ل الض)عفاء‪،‬‬

‫وبوج ))ود الق ))وة تتم حماي ))ة ال ))دين وتص ))بح للمس ))لمين هيب ))ة‪ ،‬ومحارب ))ة الض ))عف بش ))تى أش ))كاله‪ ،‬وأن‬

‫االمتث ))ال لم ))ا ت ))دعو الثقاف ))ة الجاهلي ))ة من العص ))بية والفرق ))ة‪ ،‬وع))دم االل))تزام بم ))ا تؤك ))د علي ))ه الثقاف ))ة‬

‫اإلس ))المية من اإلخ ))وة ونص ))رة الح ))ق والتع ))اون وض ))بط النفس‪ ،‬ورفض الظلم والع ))دوان‪ ،‬والق ))وة‬

‫الروحي ))ة هي المح ))رك األساس ))ي لإلنس ))ان‪ ،‬وب ))العلم يتم ))يز اإلنس ))ان عن بقي ))ة المخلوق ))ات‪ ،‬وأعطى‬

‫الدين اإلسالمي العالقات االجتماعية أهمية كبيرة‪ ،‬ووردت مفردة القوة في آي))ات كث))يرة‪ ،‬وعنص))ر‬

‫الم))ال المش))روع ض))رورة حياتي))ة لإلنس))ان‪ ،‬واإلس))الم كم))ا يؤك))د على التع))ايش الس))لمي ك))ذلك يؤك))د‬

‫على الجهاد‪ ،‬وض))عف اإلنس)ان س)نة من س)نن الك)ون‪ ،‬واالرتك)از على العقي)دة اإلس)المية الص))حيحة‬

‫يع ))د ع ))اماًل مهًم ا في بن ))اء ق ))وة المس ))لمين‪ ،‬وال ))دين اإلس ))المي ش ))امل يغطي جمي ))ع حاج ))ات الف ))رد‪،‬‬

‫والمجتم))ع الض))عيف ه))و ال))ذي يتب))ع ه))وى نفس))ه‪ ،‬وأن الرس))ل يمثل))ون ج))انب الح))ق والع))دل والق))وة‪،‬‬

‫ومن نص ))ب لهم الع ))داء يمث ))ل ج ))انبي الش ))ر وال ))زور والض ))عف‪ ،‬وأن األنبي ))اء عليهم الس ))الم بلغ ))وا‬

‫رساالت ربهم بكل قوة وعزيمة وشجاعة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫تتف==ق الدراس ))ة الحالي ))ة م ))ع ه ))ذه الدراس ))ة في تناوله ))ا موض ))وع الق ))وة والض ))عف‪ ،‬وفي بي ))ان بعض‬

‫النم ))اذج اإلنس ))انية القرآني ))ة القوي ))ة والض ))عيفة‪ .‬وتختل==ف الدراس ))ة الحالي ))ة عن ه ))ذه الدراس ))ة في أّن‬

‫موض))وعها متعل))ق ب))القوة والض))عف في الق))رآن الك))ريم‪ ،‬ودراس))تي موض))وعها متعل))ق بنم))اذج الق))وة‬

‫والضعف في تفسير التحرير والتنوير‪ ،‬فصلت دراستي جوانب القوة والضعف لدى اإلنس))ان بينم))ا‬

‫ه) ))ذه الدراس) ))ة ج) ))اءت على العم) ))وم‪ ،‬اعتنت دراس) ))تي ببي) ))ان منهج ابن عاش) ))ور في تفس) ))يره آي) ))ات‬

‫المتعلقة بالنماذج اإلنسانية القوية والضعيفة‪ ،‬وهذه الدراسة لم تختص ببيان منهج مفسر معين‪.‬‬

‫إضافة الدراسة‬

‫تكمن إضافة الدراسة في اآلتي‪:‬‬

‫‪.1‬توضيح أنواع النماذج اإلنسانية في تفسير التحرير والتنوير‪.‬‬

‫‪.2‬الكشف عن النماذج اإلنسانية القوية في تفسير التحرير والتنوير‪.‬‬

‫‪.3‬بيان النماذج اإلنسانية الضعيفة في تفسير التحرير والتنوير‪.‬‬

‫خطة الدراسة‪:‬‬

‫اقتضت طبيعة الدراسة أن تقسم على النحو اآلتي‪:‬‬

‫المقدم) ))ة‪ :‬مش) ))كلة الدراس) ))ة وأس) ))ئلتها‪ ،‬أه) ))داف الدراس) ))ة‪ ،‬أهمي) ))ة الدراس) ))ة‪ ،‬ح) ))دود الدراس) ))ة‪ ،‬منهج‬

‫الدراسة‪ ،‬مصطلحات الدراسة‪ ،‬الدراسات السابقة‪ ،‬إضافة الدراسة‪.‬‬

‫فصل تمهيدي‪ :‬التعريف بابن عاشور وبتفسيره وبالنماذج اإلنسانية‬

‫المبحث األول‪ :‬التعريف باإلمام الطاهر ابن عاشور‬

‫المبحث الثاني‪ :‬منهج ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير‬

‫‪15‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تعريف بالنماذج اإلنسانية القوية والضعيفة‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف بالنموذج اإلنساني لغة واصطالًح ا‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف القوية والضعيفة لغة واصطالًح ا‬

‫الفصل األول‪ :‬أنواع النماذج اإلنسانية في تفسير التحرير والتنوير‬

‫المبحث األول‪ :‬النماذج اإلنسانية بحسب االعتقاد‬

‫المطلب األول‪ :‬المؤمنون‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الكافرون‬

‫المطلب الثالث‪ :‬المنافقون‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النماذج اإلنسانية بحسب الوصف‬

‫المطلب األول‪ :‬القوية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الضعيفة‬

‫المبحث الثالث‪ :‬التابعة للعدد‬

‫المطلب األول‪ :‬األفراد‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الجماعات‬

‫الفصل الثاني‪ :‬النماذج اإلنسانية القوية في تفسير التحرير والتنوير‬

‫المبحث األول‪ :‬المؤمنون األقوياء‬

‫المطلب األول‪ :‬أقوياء اإليمان‬

‫‪16‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أقوياء العلم والعقل‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أقوياء المال والسلطة‬

‫المطلب الخامس‪ :‬أقوياء الجسد‬

‫المطلب السادس‪ :‬أقوياء الصداقة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الكافرون األقوياء‬

‫المطلب األول‪ :‬أقوياء النسب‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أقوياء الُم لك والسلطة‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أقوياء المال والُعدة‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أقوياء الجسد والعدد‬

‫الفصل الثالث‪ :‬النماذج اإلنسانية الضعيفة في تفسير التحرير والتنوير‬

‫المبحث األول‪ :‬المؤمنون الضعفاء‬

‫المطلب األول‪ :‬الضعف اإليماني‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الضعف الفطري‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الضعف النفسي‬

‫المطلب الرابع‪ :‬الضعف العقلي‬

‫المطلب الخامس‪ :‬الضعف المكتسب‬

‫‪17‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬الضعف العاطفي‬

‫المطلب السابع‪ :‬الضعف الجسدي‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الكافرون الضعفاء‬

‫المطلب األول‪ :‬الحيرة والشك‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التخبط والقلق‬

‫المطلب الثالث‪ :‬االنقياد والتقليد األعمى‬

‫المطلب الرابع‪ :‬التعصب‬

‫الخاتمة‪ :‬النتائج والتوصيات‬

‫‪18‬‬
‫فصل متهيدي‬
‫التعريف اببن عاشور وبتفسريه وابلامنذج اإلنسانية‬

‫‪19‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التعريف باإلمام الطاهر ابن عاشور‬
‫محمد الط)اهر بن محم)د بن محم)د الط)اهر بن محم)د بن محم)د الش)اذلي بن عب)د الق)ادر بن‬
‫محم) ))د بن عاش) ))ور‪ ،‬المع) ))روف بالط) ))اهر بن عاش) ))ور‪ ،‬ه) ))و إح) ))دى شخص) ))يات المفس) ))رين واألدب) ))اء‬
‫المش ) ))هورين بس ) ))ماعتهم وث ) ))راء مع ) ))رفتهم‪ .‬رأى الن ) ))ور في منطق ) ))ة المرس ) ))ى ب ) ))القرب من ت ) ))ونس‬
‫العاصمة‪ ،‬حيث استوطن أجداده بعد هجرتهم من األندلس حاملين معهم عقيدتهم وديانتهم‪.‬‬
‫ول) ) ))د الط) ) ))اهر بن عاش) ) ))ور في جم) ) ))ادى األولى لع) ) ))ام ‪ 1296‬هـ‪ ،‬ونش) ) ))أ في أس) ) ))رة علمي) ) ))ة‬
‫مرموقة‪ ،‬حيث تمت الزرع واالهتمام بتوجيهه نحو طري))ق العلم‪ .‬ق))ام بتعلم الق))رآن الك))ريم في س))ن‬
‫السادس))ة من عم))ره‪ ،‬وبع))د ذل))ك انض))م إلى ج))امع الزيتون))ة كط))الب لم))دة س))بع س))نوات‪ ،‬حيث تلقى‬
‫تعليم )ًا ش))امًال يش))مل اللغ))ة العربي))ة واألدب والنح))و والبالغ))ة‪ ،‬وأص))ول الفق))ه والتفس))ير والق))راءات‪،‬‬
‫والحديث الشريف‪ ،‬والسيرة النبوية‪ ،‬وحتى اللغة الفرنسية‪ ،‬وذلك تحت إشراف علماء كبار‪ .‬نتيجة‬
‫الجتهاده وتفرغه للعلم‪ ،‬حصل على شهادة التطويع في عام ‪ 1317‬ه (‪.)1‬‬
‫ش) ))غل الط) ))اهر بن عاش) ))ور مناص) ))ب متع) ))ددة ومهم) ))ة في حيات) ))ه‪ ،‬بم) ))ا في ذل) ))ك الت) ))دريس‬
‫والقضاء واإلفتاء‪ .‬ك)ان أيض)ًا ش)يًخ ا لج)امع الزيتون)ة وش)يًخ ا لإلس)الم الم)الكي في آن واح)د‪ .‬حص)ل‬
‫على لقب "ش)يخ اإلس)الم" نظ)ًر ا ل)دوره الب)ارز في إح)داث التجدي)دات الديني)ة واإلص)الحات الثقافي)ة‪.‬‬
‫بفضل تلك الجهود‪ ،‬ساهم بشكل كبير في نهضة الشعب وتغيير تفكيرهم نحو األفضل (‪.)2‬‬
‫شيوخه‬
‫بأسلوب علمي بالغي ُيزهر العلم والمعرفة‪ ،‬يتجّلى الش)يخ والمعلم ك)أهّم عام)ل في تش)كيل‬
‫شخصية الطالب‪ .‬ومن بين العوامل الرئيسية التي ساهمت في تكوين الشخصية العلمي))ة للع))اِلم ابن‬
‫عاش)))ور ه)))و الفض)))ل الكب)))ير لش)))يوخه العظم)))اء‪ .‬فق ))د ُنعم على ابن عاش ))ور بتلقي العلم من ش)))يوخ‬
‫‪ ) 1‬ينظر الزركلي‪ ،‬خير الدين محمود‪ .‬األعالم‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪ ،15‬ج‪،6‬ص‪.173‬‬
‫‪ ) 2‬ينظر المناعي‪ ،‬حسن(‪1991‬م)‪ ،‬محمد الفاضل ابن عاشور وجهوده في بناء النهظة العلمية اإلسالمية‪ ،‬رسالة دتوراه‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫جامعة الزيتونة‪ ،‬ص‪55-38‬؛ ينظر تليجاني‪ ،‬محمد‪2001(.‬م)‪ ،‬الفعل اإلنساني عند الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬جامعة الزيتونة‪ ،‬ص‪.19-14‬‬

‫‪20‬‬
‫علماء متميزين‪ ،‬يتسمون بعمق المعرفة وفنّي ة توصيل المعلومة‪ ،‬مع تأصيل عالقة قوية وثيقة م))ع‬
‫طلبتهم‪ .‬كلم) ))ا اق) ))ترب الش) ))يخ من طالب) ))ه‪ ،‬زادت أث) ))رهم ب) ))ه وبعلم) ))ه‪ ،‬حيث نقل) ))وا إلي) ))ه رغبتهم في‬
‫التغي ))ير واإلص ))الح‪ .‬إن ))ه ليس ب ))الغريب أن يك ))ون لش ))يوخ ج ))امع الزيتون ))ة ه ))ذا الت ))أثير الب ))ارز على‬
‫طالبهم‪ ،‬إذ ق ) ))اموا بتخ ) ))ريج أجي ) ))ال عدي ) ))دة من الطالب المتحّم س ) ))ين الس ) ))تمرار مس ) ))يرة اإلص ) ))الح‬
‫والت ))أثير على مجتمعهم واألجي ))ال القادم ))ة‪ .‬ومن أش ))هر ش ))يوخ ابن عاش ))ور‪ :‬الش ))يخ محم ))د بن عب ))د‬
‫العزي ))ز بوعش ))ور‪ ،‬محم ))ود الخوج ))ة‪ ،‬األش ))موني‪ ،‬س ))الم ب ))و ح ))اجب‪ ،‬عم ))ر بن أحم ))د‪ ،‬الح ))بيب بن‬
‫الخوجة‪ ،‬محمد النخلي‪ ،‬محمد الصالح الشاهد‪ ،‬محمد صالح الشريف‪ ،‬محمد الدرعي‪ ،‬أحمد جم))ال‬
‫الدين‪ ،‬محمد الطاهر جعفر‪ ،‬أحمد الحمود (‪.)1‬‬
‫تالميذه‬
‫كان هؤالء الشيوخ يتمتعون بمعرفة عميقة وخبرة فائقة‪ ،‬وكانوا يتميزون بأساليب تعليمية‬
‫متعددة وفّع الة في توجيه وتعليم طلبتهم‪ .‬إن هؤالء الشيوخ ساهموا بشكل جوهري في نشر روح‬
‫اإلصالح والتغيير‪ ،‬وقادوا طالبهم نحو تحقيق النجاح وتصبحوا علماء ومفّس رين مشهورين‪،‬‬
‫وقادة يحملون على عاتقهم مهمة اإلصالح والتأثير على أجيالهم وعلى األجيال القادمة‪ .‬من بين‬
‫تالميذ ابن عاشور البارزين يأتي‪ :‬محمد الَّصادق المعروف بـ (بِّسيس)‪ ،‬ومحمد الَّصادق الشِّطي‪،‬‬
‫وأبو الحسن ابن شعبان‪ ،‬ومحمد الفاضل ابن المترَج م‪ ،‬وعلي بن محمد البوديلمي‪ ،‬ومحمد العيد‬
‫آل خليفة‪ ،‬وأحمد كرّيم‪ ،‬ومحمد الشاذلي الَّنيف(‪.)2‬‬
‫حياته العملية‬

‫قضى ابن عاش)ور حيات)ه كرم)ٍز للمث)ابرة والبحث عن العلم‪ .‬توّج ه ه)ذا العبق)ري نح)و التجدي)د‬
‫والتفك))ير العمي))ق في الفلس))فة وال))دين‪ ،‬س))اعًيا إلى تحطيم قي))ود الرتاب))ة والتقلي))د األعمى في التفك))ير‬
‫والتصورات الديني)ة واالجتماعي)ة‪ .‬اش)تعلت أفك)اره كش)رارة ن)يرة‪ُ ،‬م لهم)ة لنهض))ة كب)يرة في مي)ادين‬
‫الش))ريعة‪ ،‬والتربي))ة‪ ،‬والتعليم‪ .‬من النعم الكب))يرة ال))تي أوج))دت البن عاش))ور هي أن))ه نش))أ في عائل))ة‬

‫‪ 11‬ينظر أبو حسان‪ ،‬جمال محمود‪1991( .‬م)‪ ،‬تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير دراسة منهجية ونقدية‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير‪ ،‬الجامعة األردنية‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬األردن‪ ،‬ص‪.11-7‬‬

‫‪ 2‬ينظر محمد‪ ،‬محفوظ‪ .‬تراجم المؤلفين التونسيين‪ ،‬ط الثانية‪1994 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪ .136‬ينظر‪ :‬بوذينة‪ ،‬محمد‪ ،‬مشاهير‬
‫التونسيين‪ ،‬دار سيراس للنشر‪ -‬تونس‪ ،‬ط‪1992 ،2‬م‪ ،‬ص‪.424‬‬
‫‪2‬‬

‫‪21‬‬
‫علمية ودينية‪ ،‬حيث تربى على منهج مؤسس))ة الزيتون))ة‪ .‬ه))ذه المؤسس))ة لعبت دوًر ا رائ)ًد ا في تق))ديم‬
‫التوجي))ه والتعليم‪ ،‬وق))دمت رك))ائز متين))ة لنم))وه وتط))ويره‪ .‬مس))يرته العلي))ا أس))همت في تش))جيعه على‬
‫توظي))ف علم))ه وتفك))يره في خدم))ة مجتمع))ه والبش))رية بأس))رها‪ .‬فج))اءت والدة ابن عاش))ور في زمٍن‬
‫حاف ) )ٍل باألفك) ))ار التجديدي) ))ة واإلص) ))الحية‪ ،‬حيث انبثقت من قلب اإلس) ))الم لتحم) ))ل رس) ))الة اإلص) ))الح‬
‫والتن ))وير‪ .‬ه ))ذا العص ))ر ك ))ان يه ))دف إلى تحقي ))ق تق ))دم مجتمعي من خالل دمج التط ))ورات العلمي ))ة‬
‫والفكرية وتحقيق االستقالل من االستعمار الفرنسي‪ .‬تأسست نتائج ه))ذه الجه))ود في إنش))اء م))دارس‬
‫هامة مثل الصادقية والخلدونية(‪.(1‬‬

‫توجه ابن عاشور إلى جامع الزيتون))ة حيث عم))ل كأس))تاذ في ع)ام ‪ 1317‬هـ‪ ،‬ثم انتق)ل إلى‬
‫مدرسة الصادقية في عام ‪ 1321‬هـ‪ ،‬وبعد ذلك تم تعيينه نائًب ا لج))امع الزيتون))ة في ع))ام ‪ 1325‬هـ‪.‬‬
‫كما شارك بفاعلية في جهود إصالح التعليم بتونس‪ ،‬حيث تم تكليف)ه بعض))وية لجن))ة إص))الح التعليم‬
‫األولى والثاني ) ))ة في الزيتون ) ))ة في ع ) ))امي ‪ 1328‬هـ و‪ 1342‬هـ على الت ) ))والي‪ .‬واس ) ))تمرت رحلت ) ))ه‬
‫المثيرة حيث عين شيًخ ا لجامع الزيتون))ة وش))يًخ ا لإلس))الم الم))الكي في آن واح))د في ع)ام ‪ 1351‬هـ‪.‬‬
‫وعلى ال ) ))رغم من التح ) ))ديات ال ) ))تي واجهه ) ))ا‪ ،‬اس ) ))تمر في مس ) ))اهمته في الزيتون ) ))ة وفي خدم ) ))ة العلم‬
‫والمعرف))ة رغم الص))عوبات ال)تي واجهه)ا‪ ،‬تم تعيين)ه بع)د اس)تقالل ت)ونس رئيًس ا لج)امع الزيتون)ة في‬
‫عام ‪ 1374‬هـ (‪.)2‬‬

‫من مواقف ابن عاشور المشهورة‬

‫رفض الشيخ الطاهر بن عاشور بشدة اعتماد الجنسية الفرنسية‪ ،‬وف))رض حظ)ًر ا على دفن‬
‫المتجنس) ))ين في مق)))ابر المس) ))لمين في ت) ))ونس في تل) ))ك الف ))ترة‪ .‬فيم) ))ا بلغت فتاوي) ))ه تع) ))داد المتجنس) ))ين‬
‫بض)رورة التخلي عن جنس)يتهم الفرنس)ية واإلق)رار بالش)هادتين عن)دما يتق)دمون إلى القاض)ي‪ .‬وعلى‬
‫ال ))رغم من مح ))اوالت االس ))تعمار الفرنس ))ي إلخف))اء فتاوي ))ه وتش ))ويه س ))معته‪ ،‬إال أن ))ه تمس ))ك بمواقف))ه‬
‫وبقي قوًّيا وصابًر ا في مواجهة هذا الظلم‪ .‬وأشتهر الشيخ الطاهر بن عاش))ور أيًض ا بموقف))ه الق))وي‬
‫عن ))دما طلب من ))ه ال ))رئيس التونس ))ي إص ))دار فت ))وى تج ))يز فط ))ر العم ))ال في رمض ))ان به ))دف زي ))ادة‬
‫اإلنت ))اج‪ .‬ولكن الش ))يخ الط ))اهر بن عاش ))ور أص ))در فت ))وى تأكيدي ))ة ب ))أن الص ))يام واجب وليس ج ))ائًز ا‬

‫‪ )(1‬ينظر أعضاء ملتقى أهل الحديث‪ ،‬المعجم الجامع في تراجم العلماء وطلبة العلم المعاصرين‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.127‬‬
‫‪ )(2‬ينظر المعجم الجامع في تراجم العلماء وطلبة العلم المعاصرين‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.128‬‬

‫‪22‬‬
‫للعمال تركه‪ .‬ثم أكمل بجملته الشهيرة‪" :‬ص)دق اهلل وك)ذب بورقيب)ة"‪ ،‬ليؤك)د ب)ذلك أن)ه يل)تزم بأحك)ام‬
‫اهلل فقط وال ينحي بأمام الضغوط السياسية (‪.)1‬‬
‫ب))النظر إلى م))ا س))بق‪ُ ،‬يالح))ظ أن تك))وين شخص))ية ابن عاش))ور وت))أثيره العظيم ُيع))زى إلى‬
‫عدة عوامل مهمة‪ :‬أواًل ‪ :‬فضل اهلل علي)ه والفتح ال)ذي منح)ه اهلل في مج)االت العلم والمعرف))ة‪ ،‬وه)ذا‬
‫النعمة اإللهية التي لم ُتمنح لغيره‪ .‬ثانًي ا‪ :‬والدته في أسرة علمية عريقة‪ ،‬حيث كانت األسرة تمتل))ك‬
‫تراًث ا علمًي ا غنًي ا‪ .‬ثالًث ا‪ :‬تربيت ))ه ونش ))أته في ج ))و محي ))ط بج ))امع الزيتون ))ة‪ ،‬ال ))ذي ك ))ان مكاًن ا مهًم ا‬
‫لنضوج فكره وتط)ويره‪ .‬رابًع ا‪ :‬تلقي)ه العلم من ش)يوخ علم)اء كب)ار‪ ،‬حيث ك)انت لدي)ه فرص)ة التعلم‬
‫من أه))ل االختص))اص والتم))يز‪ .‬خامًس ا‪ :‬وج))ود طلب))ة علم ك))انوا يعتل))ون طلب))ه ويس))اهمون في نش))ر‬
‫أفكاره ومعتقداته‪ ،‬مما زاد من تأثيره وانتشار فكره‪ .‬سادًس ا‪ :‬توليه مناصب علمية وإ دارية رفيع))ة‪،‬‬
‫حيث كان يشغل مواقع قيادية تسهم في توجيه وتوجيه العلم والثقافة في مجتمعه‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬منهج ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير لتعريف بالتفسير‪:‬‬
‫التحرير والتنوير‬
‫اتسمت معرفة العاِلم طاهر بن عاشور بتنوعها في مختلف مجاالت العل)وم‪ ،‬وتجلى اهتمام)ه‬
‫الب))ارز ح))ول قض))ية أساس))ية وجوهري))ة‪ ،‬وهي قض))ية اإلص))الح والتجدي))د ال))تي تنبث))ق من اإلس))الم‪.‬‬
‫تجلى ه))ذا التوج))ه في جمي))ع أعمال))ه‪ ،‬حيث احت))وى تفس))ير التحري))ر والتن))وير على خالص))ة أفك))اره‬
‫وآراؤه التجديدية‪.‬‬
‫"التحري))ر والتن))وير" ه))و اختص))ار لعن))وان تفس))يره الش))هير‪" :‬تحري))ر المع))نى الس))ديد‪ ،‬وتن))وير‬

‫العق))ل الجدي))د‪ ،‬من تفس))ير الكت))اب المجي))د"‪ .‬يمث))ل ه))ذا التفس))ير عمًال بالغًي ا رفي))ع المس))توى وتحلياًل‬
‫لغوًيا دقيًقا ومنطقًي ا‪ ،‬دون التناسي للتراث القديم‪ .‬بدأ ابن عاشور تفس))يره بعش))ر مق))دمات‪ ،‬وقب))ل أن‬
‫يبدأ في شرح آيات كل سورة‪ ،‬قام بتقديم ع)رض ش)امل للس)ورة نفس)ها‪ ،‬متن)اواًل أس)ماءها‪ ،‬ونوعي)ة‬
‫نزولها (مكية أم مدنية)‪ ،‬وزمن نزولها‪ ،‬وترتيبها في القرآن‪ ،‬وعدد آياتها‪ .‬كما قام بتسليط الض))وء‬
‫على أهم مح ))اور الس ))ورة‪ .‬وفي تعب ))ير ابن عاش ))ور الخ ))اص‪" :‬ولم أت ))رك س ))ورة دون أن أبين م ))ا‬
‫أدركته من محاورها"(‪ ،)2‬إال أننا نج))د أن ابن عاش))ور في الج))زء األخ))ير من تفس))يره يؤج))ل مناقش))ة‬

‫‪ )(1‬ينظر الوفيات واألحداث‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪209‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬محمد طاهر‪ .‬التحرير والتنوير‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ -‬تونس‪1984 ،‬م‪ ،‬ص‪.411‬‬

‫‪23‬‬
‫أغراض السورة إلى مرحلة متأخرة من تفسير كل سورة‪ ،‬حيث يأتي بها بعد أن ينتهي من تفسير‬
‫آخر آية فيها(‪.)1‬‬
‫وبه))ذه الطريق))ة العلمي))ة الدقيق))ة والبالغي))ة السلس))ة‪ ،‬نجح ابن عاش))ور في تق))ديم تفس))ير ذو‬
‫قيم))ة علمي))ة عالي))ة يجم))ع بين الفهم العمي))ق للنص الق))رآني والبي))ان اللغ))وي ال))دقيق والمنط))ق العقلي‬
‫الرصين‪ ،‬مما جعله إسهاًم ا قيًم ا في التفسير القرآني وفي فهم الدين وتطبيقه في العصر الحديث‪.‬‬
‫ُيشير ابن عاشور إلى تفسيره بأن)ه "أحس)ن مم)ا في التفاس)ير األخ)رى"‪ ،‬وه)ذا ينب)ع من ثقت)ه‬
‫الكب)يرة في األفك)ار والعل)وم والمعرف)ة ال)تي جمعه)ا في تفس)يره‪ .‬فق)د تالعب بالمف)اهيم بأمان)ة ودق)ة‪،‬‬
‫دون التفريط في الحقائق العلمي))ة أو المص))الح الديني))ة والدنيوي))ة‪ ،‬يق)ول الح))بيب بلخوج))ة‪ " :‬يب))دو لن))ا‬
‫التحري))ر والتن))وير فس))يحا للنظ))ر وال))درس تس))تخدم في غض))ونه عل))وم الوس))ائل من لغوي))ة وش))رعية‬
‫للتوصل إلى ضبط المفاهيم وتحديد التصاريح واستنباط األحكام"(‪ ،)2‬اهتم ابن عاش)ور ببي)ان تك)وين‬
‫اآلي ))ات وال ))تراكيب اللغوي ))ة المس ))تخدمة فيه ))ا‪ ،‬وأت ))اح التفس ))ير من خالل تق ))ديم ال ))دالئل من الق ))رآن‬
‫الك) ))ريم واألح) ))اديث النبوي) ))ة الش) ))ريفة‪ ،‬وح) ))تى الش) ))عر الع) ))ربي‪ .‬اعتم) ))د في تفس) ))يره على األس) ))لوب‬
‫التط ))بيقي ال ))ذي يمكن من خالل ))ه اس ))تخدام القواع ))د العلمي ))ة المتنوع ))ة الس ))تخراج المع ))اني وتحلي ))ل‬
‫األس) ))اليب والتعب) ))يرات اللفظي) ))ة(‪ .)3‬كم) ))ا أت) ))اح ابن عاش) ))ور نظ) ))رًة نفس) ))ية تش) ))ريعية لآلي) ))ات وأب) ))رز‬
‫الجوانب العلمية واألدبية اإلسالمية في تفسيره‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬اهتم بفن البالغة بعم))ق ودق))ة‪،‬‬
‫وأك))د على ض))رورة تض))مين ه))ذا الج))انب في تفس))ير اآلي))ات‪ .‬بينم))ا لم يس))بق أح))د من المفس))رين في‬
‫تفس))يره على ذك))ر م))ا ق))ام ب))ه من فهم لمع))اني اآلي))ات‪ .‬وش))دد ابن عاش))ور على أهمي))ة الوق))وف على‬
‫مواق ))ف الحكم بين طوائ ))ف المفس ))رين وب ))دء ببي ))ان المناس ))بات بين اآلي ))ات واألغ))راض اللغوي ))ة في‬
‫المق) ))اطع وتوض) ))يح مع) ))اني المف) ))ردات‪ .‬ورغم ترك) ))يزه على ق) ))راءة ن) ))افع برواي) ))ة ق) ))الون‪ ،‬إال أن) ))ه‬
‫اس ))تعرض بش ))كل ش ))امل الق ))راءات العش ))ر األخ ))رى‪ .‬وق ))دم القض ))ايا الفقهي ))ة المتعلق ))ة باآلي ))ات وبين‬
‫وجوه اإلعجاز والنكت البالغية وأساليب االستعمال (‪.)4‬‬
‫إجم)ااًل ‪ ،‬ك))انت تفس))يرات ابن عاش))ور تمث))ل مش))روًع ا فري)ًد ا لفهم الق)رآن الك))ريم‪ ،‬حيث رك))زت على‬
‫توجيه القارئ نحو فهم شامل للنصوص وترابط مفاهيمها بعمق‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تعريف بالنماذج اإلنسانية القوية والضعيفة‬
‫‪)(1‬عثمان‪ ،‬حمد محمد‪2000( .‬م)‪ ،‬من أساليب المعاني في تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة أم درمان‬
‫االسالمية‪ ،‬كلية اللغة العربية‪ ،‬السودان‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ )(2‬ينظر‪ :‬عثمان‪ ،‬حمد محمد‪ ،‬من أساليب المعاني في تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير‪ .‬ص‪.16‬‬
‫‪ .)(3‬ينظر‪ :‬عثمان حمد محمد‪ ،‬من أساليب المعاني في تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير‪ .‬ص‪.17‬‬
‫‪ )(4‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬باب‪ :‬وفاته‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ته ))دف ه ))ذه الدراس ))ة إلى استكش ))اف بعض النم ))اذج اإلنس ))انية كنقط ))ة انطالق‪ ،‬به ))دف فهم‬
‫األهمي)ة الكب)يرة لتحدي)د وتوض)يح س)مات ه)ذه النم)اذج‪ .‬يتجلى ال)دور الحي)وي للنم)اذج اإلنس)انية في‬
‫جميع العصور‪ ،‬ولكن ي)برز أهميته)ا بش)كل خ)اص في عص)رنا الح)الي‪ .‬ي)أتي ذل)ك نتيج)ة للظ)روف‬
‫الصعبة واالض)طرابات الكب)يرة ال)تي يواجهه)ا المس)لمون في العص)ر الح)الي‪ ،‬والجه)ود ال)تي تب)ذلها‬
‫بعض الجهات لتشويه الفطرة اإلنسانية السليمة‪ .‬يمكن تصنيف النم)وذج اإلنس)اني بن)اًء ا على البيئ)ة‬
‫والحضارة والزمان‪ ،‬ولكن إذا ك)ان تص))نيفه يعتم)د على االعتب)ارات الديني)ة‪ ،‬فإن)ه يظ)ل ثابًت ا وغ)ير‬
‫قابل للتغيير‪ .‬وفي كل األحوال‪ ،‬يمكن تطوير هذا النموذج في ضوء التطورات الحديثة‪ .‬في وقتن))ا‬
‫الحالي‪ ،‬يتعامل اإلنسان مع مجموعة متنوعة من النم)اذج اإلنس)انية دون تمي)يز بينه)ا‪ ،‬وذل)ك نتيج)ة‬
‫لعدم اهتمام المؤسسات التعليمية بتعريف األفراد بتل)ك التص))نيفات وت)وجيههم للتعام)ل المناس)ب م)ع‬
‫كل نموذج‪ .‬يجدر بنا أن نشير إلى أن القرآن الكريم يحتوي على العدي))د من النم))اذج اإلنس))انية‪ ،‬إذ‬
‫لم يتجاه) ))ل أي ج) ))انب من ج) ))وانب الحي) ))اة اإلنس) ))انية‪ .‬إن الق) ))رآن الك) ))ريم يق) ))دم لإلنس) ))ان اإلرش) ))اد‬
‫والهداية‪ ،‬فهو كتاب يوجه الخلق ليصبحوا أفضل إصداراتهم البش)رية‪ .‬ل)ذا‪ ،‬يجب على اإلنس)ان أن‬
‫يبحث عن اآلي))ات ال))تي تتح))دث عن مختل))ف ج))وانب حيات))ه‪ ،‬حيث يمكن للق))رآن أن يك))ون دليًال ل))ه‬
‫في تط ))وير ذات ))ه وفهم نق ))اط قوت ))ه وض ))عفه‪ ،‬مم ))ا يمكن ))ه من التفاع ))ل بفعالي ))ة م ))ع نفس ))ه والمجتم ))ع‬
‫المحيط به‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف بالنموذج اإلنساني لغًة واصطالًح ا‬
‫(‪)1‬‬
‫النموذج لغة‪" :‬بفتح النون‪ :‬مثال الشيء‪ ،‬واألنموذج لحن"‪.‬‬
‫اإلنساني لغة‪ :‬هو اسم على وزن فعالن‪ ،‬وجمعه أناس)ين‪ ،‬ولكن)ه غ)ير مس)تعمل والمش)هور‬
‫ه)و‪ :‬ن)اس‪ُ ،‬أن)اس‪ ،‬وَأَنس‪ ،‬وآُنس‪ .‬وكلم)ة اإلنس)ان تع)ني الوناس)ة‪ ،‬ف))األرض أنس)ت بوج)ود اإلنس)ان‪،‬‬
‫وسمي اإلنسان إنسانا؛ ألنه يأنس ويؤنس به‪ ،‬وألنه معرض للنسيان‪ ،‬وقيل‪ :‬كلمة اإلنس))ان مش))تقة‬
‫من اإليناس‪ ،‬وهو اإلبصار والعلم واإلحساس‪ ،‬وقيل‪ :‬أنه مشتق من الَنْو س وهو التحرك؛ لتحرك))ه‬
‫وتصرفه في األحوال المختلفة‪ ،‬وقيل‪ :‬الّناسى‪ ،‬إشارة إلى عهد آدم(‪.)2‬‬
‫النموذج اإلنساني اصطالًح ا‪:‬‬

‫‪ )(1‬الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.208‬‬


‫‪ )(2‬الفيروزآبادي‪ ،‬مجد الدين أبو طاهر‪ .‬بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد علي النجار‪ ،‬المجلس األعلى‬
‫للشئون اإلسالمية – القاهرة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.31‬‬

‫‪25‬‬
‫كلمة اإلنسان تدل على الكائن البشري‪ ،‬وورد في القرآن على عش)رين وجًه ا‪ :‬الن)بي علي)ه‬
‫الس) ))الم‪ ،‬آدم‪ ،‬ب) ))ني آدم‪ ،‬أب) ))و ط) ))الب‪ ،‬أب) ))و جه) ))ل‪ ،‬ولي) ))د بن مغ) ))يرة‪ ،‬ق) ))رط بن عب) ))د اهلل‪ ،‬النض) ))ر بن‬
‫الح ))ارث‪ ،‬برصيص ))اء العاب ))د‪ ،‬ب ))ديل بن ورق ))اء‪ ،‬األخنس بن ش ))ريق‪ُ ،‬أبّى الجمحى‪ ،‬كل ))دة بن أس ))يد‪،‬‬
‫عقب ))ة بن أبى معي ))ط‪ ،‬عتب ))ة بن أبي لهب‪ ،‬س ))عد بن وق ))اص‪ ،‬عب ))د ال ))رحمن بن أبي بك ))ر الص ))ديق‪،‬‬
‫عياش بن أبي ربيعة‪ ،‬امية بن خلف‪.‬‬
‫عدم وجود تعريف واضح للنماذج اإلنسانية يتسبب في تسبب القارئ في االرتباك‬
‫والتباس األمور‪ ،‬مما يجعل من الصعب عليه تمييز هذه النماذج وفهم كيفية التعامل معها‪ .‬عند‬
‫البحث عن تعريف دقيق لإلنسان‪ ،‬نجد أن إبراهيم السعافين يصف اإلنسان ويقول‪" :‬هو فرد من‬
‫أفراد الهيئة اإلجتماعية‪ ،‬تغلب عليه صفة نفسية أو مادية ما‪ ،‬تميزه من حيث الدرجة‪ - ،‬ال من‬
‫حيث النوع ‪ -‬من غيره من بني اإلنسان"(‪ ،)1‬هذا يعني أن لكل إنسان مجموعة من الصفات‬
‫المتنوعة‪ ،‬ومن بين هذه الصفات هناك صفة رئيسية تميزه بين البشر‪ ،‬دون أن تكون مميزة بين‬
‫الكائنات الحية األخرى‪ ،‬حيث يكون التنافس والتميز مقتصًر ا على بني اإلنسان‪.‬‬
‫بالنسبة للدكتور محمد غنيمي هالل‪ ،‬فقد قدم تعريًفا مختلًفا للنموذج اإلنساني‪ ،‬حيث‬
‫وصفه قائال‪ :‬هو تقديم صورة متكاملة األبعاد شخصية أدبية‪ ،‬بحيث تتمثل فيها مجموعة من‬
‫الفضائل أو النقائض‪ ،‬كانت متفرقة من قبل في عالم التجريد‪ ،‬أو في مختلف األشخاص(‪ ،)2‬هذا‬
‫التعريف يشير إلى أن النماذج اإلنسانية تعكس مجموعة متنوعة من الصفات والخصائص والقيم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ويمكن استخدامها في األدب إلبراز هذه الجوانب المتنوعة لإلنسان‪ ،‬وعّر ف الدكتور‬
‫محمد يوسف نجم النماذج اإلنسانية قائال‪ ":‬هو تجسيم مثالي لسجّي ة من السجايا‪ ،‬أو لنقيصة من‬
‫النقائص أو لطبقة أو مجموعة خاصة من الناس وهو يحوي جميع صفاتها‪ ،‬وخصائصها‬
‫األساسية" (‪ ،)3‬ويفهم من هذا التعريف أن النموذج اإلنساني هو تجسيم يمثل مجموعة معينة من‬
‫الصفات البشرية‪ ،‬سواء كانت فضائل أو نقائص‪ ،‬ويتميز بأنه يحتوي على جميع صفات‬
‫وخصائص هذه المجموعة‪ .‬ويمكن تعريف النموذج اإلنساني بأنه مجموعة من الصفات اإليجابية‬
‫والسلبية التي يتم تصنيفها استناًد ا إلى الدين اإلسالمي‪ ،‬ويتميز كل نموذج عن اآلخر بمجموعة‬
‫فريدة من الصفات‪ ،‬ويشترك معها في صفات أخرى‪.‬‬

‫‪ )(1‬السعافين‪ ،‬إبراهيم‪ .‬أصول المقامات‪ ،‬دار المناهل للطباعة والنشر والتوزيع‪1987 ،‬م‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫‪ )(2‬هالل‪ ،‬محمد غنيمي‪ .‬النماذج اإلنسانية في الدراسات األدبية المقارنة‪ ،‬معهد الدراسات العربية العالية‪1964 ،‬م‪.‬ص‪5‬‬
‫‪ )(3‬حسن‪ ،‬جاد حسن‪ .‬األدب المقارن‪ ،‬دار الطباعة المحمدية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط الثانية‪1967 ،‬م‪ ،‬ص‪164‬‬

‫‪26‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف القوية والضعيفة لغة واصطالًح ا‬
‫تعري==ف القوي==ة لغ==ة‪ :‬من الق ))وة وه ))و ض ))د الض ))عف‪ .‬والق ))وة الطاق ))ة من الحب ))ل وجمعه ))ا‬
‫قوى(‪ .)1‬وتأتي قوى بمعنى الشدة أو متانة البنية‪ ،‬والقوة على العمل‪ :‬القدرة عليه(‪.)2‬‬
‫اصطالحا‪ :‬ق))ال ابن عاش))ور‪ :‬هي " حال))ة في الجس))م يت))أتى ل))ه به))ا أن يعم))ل م))ا يُش ُّق عمل))ه‬
‫في المعت))اد"(‪ ،)3‬بن عاش))ور أقتص))ر في وص))ف الق))وة على الجس))م وتحدي))دًا على قدرت))ه على تحم))ل‬
‫األعباء والمش)قات‪ ،‬حيث أش)ار إلى التح)ديات ال)تي يمكن أن يواجه)ه الجس)م عن)د مواجهت)ه لألعب)اء‬
‫الشاقة‪ .‬وفّس ر الكفوي القوة بأنه)ا ص)فة ُتظه)ر ق)درة الك)ائن الحي على أداء األعم)ال الش)اقة‪ .‬وعلى‬
‫ال ))رغم من ه ))ذا التحدي ))د الجس ))دي للق ))وة‪ ،‬إال أن اإلنس ))ان يمتل ))ك ثالث ))ة أن ))واع من الق ))وى األخ ))رى‪.‬‬
‫األولى‪ :‬تتعل) ))ق بقدرت) ))ه على فهم الحق) ))ائق والس) ))عي لفهم الع) ))واقب وتمي) ))يز المص) ))الح من المفاس) ))د‪.‬‬
‫الثاني))ة‪ :‬ترتب))ط بقدرت))ه على ج))ذب المن))افع والبحث عن الحل))ول لتلبي))ة احتياجات))ه األساس))ية‪ .‬الثالث))ة‪:‬‬
‫تعبر عن قدرته على التحدي والشجاعة في مواجهة المخاطر والسعي لتحقيق النجاح والتف))وق (‪.)4‬‬
‫تعري)ف الكف)وي للق)وة يعت)بر أش)مل وأك)ثر تفص))يًال من تعري)ف ابن عاش)ور‪ ،‬ويمكن أن يس)اهم في‬
‫تفسير القوة بش)كل أوس)ع وتطبيقه)ا في س)ياقات متع)ددة أك)ثر من تعري)ف ابن عاش)ور ال)ذي اقتص)ر‬
‫على القوة البدنية فقط‪.‬‬
‫ويمكن لنا أن نعرف القوة‪ :‬بأنها قدرة االنسان على القيام بواجباته وفق المعايير‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ومواجهته للتحديات والصعوبات مع المحافظة على القيم والعادات الدينية‪ ،‬وال شك‬
‫أن الشريعة حثت على القوة كما وضح في الحديث النبوي الشريف" المؤمُن القوُّي خيٌر وأحُّب‬
‫إلى اِهلل من المؤمِن الضعيِف "‪ )5(.‬وللقوة جوانب متعددة‪ ،‬ويمكن لإلنسان أن يكون قوي في جانب‬
‫وضعيف في جانب آخر‪ ،‬وشرط اإلتصاف بالقوة هو وجود المشقة والتعب؛ ألنه دون وجودهما‬
‫سيكون كل الناس سواء‪ ،‬ال أحد متميز على اآلخر‪.‬‬
‫تعريف الضعف في اللغة‪:‬‬
‫الضعف في اللغة له اصطالحين‪:‬‬

‫‪ )(1‬الرازي‪ ،‬زين الدين‪ .‬مختار الصحاح‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف الشيخ محمد‪ ،‬المكتبة العصرية – الدار النموذجية‪ ،‬ط الخامسة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1999‬م‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.263‬‬
‫‪ )(2‬قنيبي‪ ،‬حامد صادق‪ .‬قلعجي‪ ،‬محمد رواس‪ .‬معجم لغة الفقهاء‪ .‬دار النفائس للطباعة والنشر‪ ،‬ط الثانية‪1988 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪،372‬‬
‫‪ )(3‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،9‬ص‪.99‬‬
‫‪ )(4‬الكفوي‪ ،‬أيوب بن موسى‪ .‬الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عدنان درويس – محمد المصري‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.718‬‬
‫‪ )(5‬النيسابوري‪ ،‬مسلم بن حجاج‪ .‬صحيح مسلم‪،‬ج‪،4‬ص‪،2052‬حديث‪ ،2664‬كتاب القدر‪ ،‬باب في األمر بالقوة وترك العجز‬
‫واالستعانة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار احياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫عكس الق))وة‪ ،‬ق))د َض ُعَف فه))و ض))عيف‪ ،‬وأض))عفه غ))يره‪ .‬وق))وٌم ض))عاف وض))عفاء‬ ‫‪.1‬‬
‫وضعف‪ ،‬حينما يفقد الشيء أو الشخص القدرة على القيام باألمور بقوة وقدرة‪.‬‬
‫أض ))عفت الش ))يء إض ))عافا‪ ،‬وض) )ّع فته تض ))عيفا‪ ،‬وض ))اعفته مض ))اعفة إج ))راء عملي ))ة‬ ‫‪.2‬‬
‫الضعف لشيء ما‪ ،‬أي زيادة عدد مراته أو تكريره ليصبح أكثر من الحالة األصلية‪.‬‬
‫في س))ياق البحث‪ ،‬نس))تخدم األص))ل األول للض))عف‪ ،‬وه))و اإلش))ارة إلى فق))دان الق))وة والق))درة‬
‫على األداء بكفاءة وقوة‪.‬‬
‫اتف)))ق المع)))نى اللغ)))وي م)))ع المع)))نى االص)))طالحي في مع ))نى الض) ))عف‪ ،‬وه ))و خالف الق)))وة‬
‫وتع)رف الض)عف اص)طالًح ا‪ :‬ه)و خ)ور الق)وة حس)ًيا ومعنوًي ا‪ ،‬وهي من اهلل – ع)ز وج)ل‪ ،-‬ويك)ون‬
‫الض)))عف في النفس‪ ،‬وال)))دين‪ ،‬والب)))دن‪ ،‬والح)))ال(‪ ،)1‬وقي)))ل‪ :‬أن ض ))عف اإلنس ))ان ه ))و أن تتمكن من)))ه‬
‫(‪)2‬‬
‫المغريات وال يملك القدرة على استصحاب المكافأة على الطاعة أو الجزاء على المعصية"‪.‬‬
‫ونس))تطيع الجم))ع بين التعريف))ات الس))ابقة ونع))رف الض))عف اص))طالحا‪ :‬ع))دم وج))ود الق))درة‬
‫عل))ة القي))ام بالواجب))ات‪ ،‬أو أداء المهم المعين))ة‪ ،‬ويظه))ر الض))عف نفس))ه في مج))االت متع))ددة‪ ،‬س))واء‬
‫ك ))ان ذل ))ك في ال ))دين‪ ،‬النفس‪ ،‬أو الجس ))د‪ .‬يمكن أن يتجلى الض ))عف ال ))ديني ك ))انحراف عن المب ))ادئ‬
‫والقيم الديني))ة نتيج))ة لقل))ة االل))تزام‪ .‬أم))ا الض))عف النفس))ي‪ ،‬فُيظه))ر عن))د ع))دم الق))درة على التعام))ل م))ع‬
‫التح) ))ديات النفس) ))ية‪ .‬أم) ))ا الض) ))عف الب) ))دني‪ ،‬فيش) ))ير إلى نقص في الق) ))وة الجس) ))دية‪ .‬نقص في الق) ))وة‬
‫الجسدية‪.‬‬

‫‪ )(1‬نضرة النعيم في مكارم أخالق الرسول الكريم‪ ،‬جدة‪ ،‬السعودية‪ .‬دار الوسيلة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪،4‬ج‪ ،10‬ص‪.4787‬‬
‫‪ )(2‬الشعراوي‪ ،‬محمد متولي‪ .‬تفسير الشعراوي – الخواطر‪ ،‬مطابع أخبار اليوم‪ ،‬تفسير الشعراوي‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.2138‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصل األول‪ :‬أنواع النماذج اإلنسانية في تفسير التحرير والتنوير‬
‫المبحث األول‪ :‬النماذج اإلنسانية بحسب االعتقاد‬
‫اس ))تنادا إلى اس ))تقراء س ))ورة المؤمن ))ون‪ ،‬الص ))افات‪ ،‬والفاتح ))ة‪ ،‬نج ))د أن الق ))رآن الك ))ريم ق ))ام‬
‫بتقسيم النماذج االنسانية استناًد ا إلى اعتقادهم إلى ثالثة أقس))ام‪ ،‬وه))ذه األقس))ام تتض))من‪ :‬قس)ًم ا لل))ذين‬
‫أنعم اهلل عليهم‪ ،‬وقس ))ًم ا للمغض)))وب عليهم‪ ،‬وقس ))ًم ا للض)))الين‪ ،‬بينم ))ا في س ))ورة البق ))رة والعدي)))د من‬
‫الس))ور األخ))رى‪ ،‬يتم تص))نيف النم))اذج اإلنس))انية إلى ثالث))ة أقس))ام مختلف))ة وهم‪ :‬المتقين‪ ،‬الك))افرين‪،‬‬
‫والمنافقين‪ .‬كما نجد في سور المدثر والواقعة قسًم ا آخر يتعلق بالنماذج اإلنس)انية‪ ،‬ويتض)من قس)ًم ا‬
‫ألصحاب اليمين وقسًم ا ألصحاب الشمال‪ ،‬وهذه التقسيمات جميعها يمكن ان تصنف تحت قسمي‪:‬‬
‫المهتدين او الضالين‪.‬‬
‫ُيص))نف ابن عاش))ور الن))اس إلى أرب))ع فئ))ات أساس))ية باعتب))ار الهج))رة من مك))ة المكرم))ة إلى‬
‫المدينة المنورة‪ ،‬حيث يصنف الناس قبل الهج)رة لفئ)تين‪ :‬المؤم)نين‪ ،‬والك)افرين‪ ،‬وأم)ا بع)د الهج)رة‬
‫يزي))د ص))نفان إض))افيان وهم))ا‪ :‬أه))ل الكت))اب والمن))افقون(‪ .)1‬وأرى أن))ه األفض))ل تص))نيف الن))اس إلى‬
‫ثالث))ة فئ))ات رئيس))ية بن))اًءا على م))ا ص))نفه ابن عاش))ور وهم‪ :‬المؤم))نين‪ ،‬الك))افرين‪ ،‬المن))افقين‪ ،‬ودمج‬
‫أه))ل الكت))اب بالفئ))ات الس))ابقة؛ ألن))ه يمكن ألف))راد أه))ل الكت))اب االنتق)ال بين الفئ))ات حس))ب اعتق)اداتهم‬
‫وأفعالهم الفردية‪ ،‬فمنهم من ينضم إلى فئة المؤمنين إذا آمنوا‪ ،‬ومنهم من ينضم إلى فئ))ة الك))افرين؛‬
‫ألن ))ه كف ))ر باهلل واس ))تكبر‪ ،‬ومنهم من ُيعت ))بر منافًق ا؛ ألن ))ه أظه ))ر اإليم ))ان وكتم الكف ))ر بداخل ))ه‪ ،‬وه ))ذا‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.228‬‬

‫‪29‬‬
‫يجعل تص)نيف أه)ل الكت)اب متغ)يًر ا بن)اًء على س)لوكهم وعقائ)دهم الفردي)ة ب)دًال من تحدي)دهم في فئ)ة‬
‫واحدة ثابتة خاصة بهم‪.‬‬
‫وبناًء على ما سبق‪ ،‬يمكننا التوصل إلى أن تص))نيف النم))اذج اإلنس))انية في الق)رآن الك))ريم‬
‫يتمح ))ور ح ))ول ثالث فئ ))ات رئيس ))ية وهي‪ :‬المؤم ))نين‪ ،‬الك ))افرين‪ ،‬والمن ))افقين‪ ،‬وُيظه ))ر الق ))رآن ه ))ذه‬
‫الفئات بشكل متكرر ويستخدم مصطلحات متنوعة لوصف ك)ل فئ)ة بن)اًء على س)ياق اآلي)ات‪ ،‬وه)ذه‬
‫الفئات تمثل تصوًر ا أساسًيا لألفراد استناًد ا إلى اعتقادهم وتصرفاتهم في القرآن‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المؤمنون‬
‫المقص))ود باإليم))ان‪" :‬التص))ديق الج))ازم باهلل ومالئكت))ه وكتب))ه ورس))له والي))وم اآلخ))ر‪ ،‬والق))در‬
‫كل ))ه خ ))يره وش ))ره‪ ،‬حل ))وه وم ))ره"(‪ ،)1‬يتش ))ارك الم ))ؤمن م ))ع المس ))لم في ص ))فات عدي ))دة أساس ))ية ولكن‬
‫يتم))يز الم))ؤمن بإيم))ان أعم))ق‪ ،‬وه))ذا م))ا يرش))د الي))ه ح))ديث جبري))ل علي))ه الس))الم عن))دما أج))اب عن‬
‫اإلس) ))الم‪ ،‬واإليم) ))ان‪ ،‬واإلحس) ))ان‪ ،‬ف) ))ترقى من األعم إلى األخص‪ ،‬ثم لألخص من) ))ه‪ ،‬فب) ))دأ باإلس) ))الم‬

‫وانتهى باإلحس ))ان‪ ،‬وحين فس ))ر ابن كث ))ير قول ))ه تع ))الى‪َ{ :‬ق اَلِت اَألْع َر اُب آَم َّن ا ُقْل َلْم ُتْؤ ِم ُن وا َو َلِك ْن‬
‫ُقوُلوا َأْس َلْم َنا َو َلَّم ا َي ْد ُخ ِل اِإْل يَم اُن ِفي ُقُل وِبُك ْم } ق))ال‪ :‬أن اإليم))ان درج))ة أخص من اإلس))الم(‪ ،)2‬على‬
‫العلم أن اإليم ))ان نفس ))ه يتف ))اوت بين المؤم ))نين فينقص وَيكُم ل‪ ،‬وه ))ذا م ))ا يوض ))حه الح ))ديث الن ))بي‬
‫الشريف حين قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬اإليمان بضع وس))بعون ‪ -‬أو بض))ع وس))تون ‪-‬‬
‫شعبة‪ ،‬فأفضلها قول ال إله إال اهلل‪ ،‬وأدناها إماطة األذى عن الطريق‪ ،‬والحياء شعبة من اإليم))ان"‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وعرف ابن عاشور اإليمان تعريًفا كافيا شافًيا وقال "هو االعتقاد الجازم بثبوت ما يعلم‬
‫أنه من الدين علما ضروريا بحيث يكون ثابتا بدليل قطعي عند جميع أئمة الدين ويشتهر كونه‬
‫من مقومات االعتقاد اإلسالمي الالزم لكل مسلم اشتهارا بين الخاصة من علماء الدين والعامة‬
‫من المسلمين بحيث ال نزاع فيه فقد نقل اإليمان في الشرع إلى تصديق خاص وقد أفصح عنه‬
‫الحديث الصحيح عن عمر أن جبريل جاء فسأل النبيء صلى اهلل عليه وسلم عن اإليمان فقال‪:‬‬
‫«اإليمان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خيره وشره»"‪ )4(.‬ثم‬
‫ذكر أقوال العلماء في ما هية اإليمان مع أدلتهم التي احتجوا بها‪.‬‬

‫‪ )(1‬الصنهاجي‪ ،‬عبد الحميد‪ .‬العقائد اإلسالمية من اآليات القرآنية واألحاديث النبوية‪ ،‬مكتبة الشركة الجزائرية مرازقه بو داود‬
‫وشركاؤهما‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط الثانية‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.49‬‬
‫‪ )(2‬ابن كثير‪ ،‬ابو الفداء اسماعيل بن عمر‪ ،‬تفسير القرآن الكريم‪ ،‬تحقيق‪ :‬سامي سالمة‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط الثانية‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(3‬أخرجه مسلسم في صحيحه‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب شعب اإليمان‪ ،‬حيث رقم ‪،35‬ج‪ ،1‬ص‪63‬‬
‫‪ )(4‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.266‬‬

‫‪30‬‬
‫يمكن لمفهومي اإليمان واإلسالم أن يتشاركا مع مفهوم التقوى‪ ،‬نظرًا لوجود عالقة وثيق))ة‬
‫بينهما تتأرجح بين العموم والخصوص‪ ،‬وه)ذا م)ا يمكن أن نس)تنتجه من تفس)ير ابن عاش)ور؛ ألن)ه‬
‫عن))دما أراد تعري))ف المتقيبن وص))فهم ب))المؤمنين وق))ال‪ ":‬التق))وى اعلى درج))ات اإليم))ان(‪ ،)1‬والم))راد‬
‫بالمتقين المؤمنون الذين آمنوا باهلل وبمحمد وتلقوا القرآن بقوة وعزم على العمل به"(‪ ،)2‬وم))يز ابن‬
‫عاش)ور بين اإلس)الم واإليم)ان وق))ال‪" :‬مع)نى اإليم)ان حص))ول االعتق)اد بم)ا يجب اعتق)اده‪ ،‬وحاص))ل‬
‫مع))نى اإلس))الم إظه))ار الم))رء أن))ه أس))لم نفس))ه التب))اع ال))دين ودع))وة الرس))ول"(‪ ،)3‬ويع))ني ه))ذا أّن ابن‬
‫عاشور يرى أن اإليمان متعلق باالعتقاد الداخلي والعقيدة‪ ،‬بينما اإلسالم يرتبط باألفعال الخارجي))ة‬
‫واإلل))تزام العملي بتع))اليم ال))دين‪ .‬وف))رق ابن تيمي))ة بينهم))ا وق))ال‪ :‬اذا اجتمع))ا اإليم))ان واإلس))الم نجيب‬
‫كم))ا أج))اب الن))بي ص))لى اهلل علي))ه وس))لم‪ ،‬ب))أن يك))ون اإلس))الم األعم))ال الظ))اهرة‪ ،‬واإليم))ان باألص))ول‬
‫الخمسة‪ ،‬وأما أذا افترقا فأن كل واحد منها يتضمن اآلخر(‪.)4‬‬
‫إن موجب اضطراب األقوال في التمييز بين حقيقة اإليمان وحقيقة اإلسالم أمران‪:‬‬
‫أح) ))دهما‪ :‬أن الرس) ))الة النبوي) ))ة ت) ))دعو إلى االعتق) ))اد بأساس) ))يات اإليم) ))ان وض) ))رورة التعب) ))ير‬
‫الش))فوي عن ه))ذا االعتق))اد‪ ،‬حيث ُيظه))ر الرس))ول ص))لى اهلل علي))ه وس))لم أهمي))ة التص))ريح باإليم))ان‬
‫بواسطة النطق كوسيلة لتثبيته وإ ظهاره‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قبل الهجرة لم تكن أفعال الن)اس تتع)ارض م)ع معتق)داتهم‪ .‬ك)انوا يظه)رون اإليم)ان‬
‫واإلسالم بصدق‪ ،‬ولم يكن هناك من بينهم من يخفي الكفر في داخل)ه‪ .‬لكن عن)دما ظه)ر النف)اق‬
‫بع))د الهج))رة‪ ،‬أص))بح من الض))روري تفري))ق األش))خاص بين ح))االت اإليم))ان واإلس))الم والنف))اق‪،‬‬
‫من خالل تح)))ذير المس)))لمين ب)))التمييز والتفري)))ق‪ ،‬ال ب ))التعيين‪ .‬وال ))تي تجعلن ))ا نم ))يز بينهم)))ا هي‬
‫األعم))ال؛ ألنه))ا مكمل))ة المقص))د ويحكم على الم))رء بحس))ب م))ا يظه))ره من أعم))ال وعلى حس))ب‬
‫ما يفعله من أعمال قلبية جوارحية‪.‬‬
‫صفات المؤمنين‬
‫المؤمن يتميز بسمات عديدة تشمل األخالق الرفيعة والشخصية السامية‪ ،‬والفكر‬
‫الواعي والقدرة على إدارة الحياة بحكمة ومهارة‪ ،‬والسعي لتحقيق التوازن بين جوانب الحياة‬
‫المختلفة‪ ،‬مع التفاني في العمل والمبادرة لتحقيق األهداف‪ ،‬والقرآن الكريم ُيشير إلى العديد‬
‫من الصفات التي تميزهم وتسمو بهم عن غيرهم‪ ،‬ومن هذه الصفات‪:‬‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،4‬ص‪.88‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.226‬‬
‫‪ )(3‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪272‬‬
‫‪ )(4‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين ابو العباس‪ .‬اإليمان ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد األلباني‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪1996 ،5‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪..199‬‬

‫‪31‬‬
‫اوال‪ :‬التقوى‬
‫التقوى‪ :‬في اللغة‪" :‬االتقاء‪ ،‬وهو اتخاذ الوقاية"(‪ ،)1‬المتقي هو الشخص الذي يتصف باالتقاء‪،‬‬
‫ويسعى للوقاية من المكروه والحفاظ على النفس من األذى‪ ،‬فهو يتحلى بالحذر الالزم لتجنب‬
‫األثم والضرر‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬ذ ِلَك اْلِك َتاُب اَل َر ْيَب ِفيِه ُهًد ى ِلْلُم َّتِق يَن } [البقرة‪ ،]2 :‬والمتقي هنا‬
‫هو الذي يخاف عقاب اهلل ويسعى لطلب رضاه والتجاوب مع دعوته‪ ،‬فإذا قرئ عليه القرآن‪،‬‬
‫يصغى إليه ويتأمل في معانيه ليهتدي به‪ .‬والتقوى إذا امتثال لألوامر وتجنب المحظورات‪،‬‬
‫سواء كانت من الكبائر أو الصغائر(‪ ،)2‬أو "امتثال المأمورات واجتناب المنهيات وسميت بذلك‬
‫ألنها تقي العبد من النار"(‪ ،)3‬وتعني الخشية من اهلل عز وجل وااللتزام باألوامر واالبتعاد عن‬
‫النواهي‪ ،‬ونظًر ا الرتباطها الوثيق بين النية الحسنة والعمل الصالح‪ُ ،‬تَعُّد التقوى من أعلى‬
‫مراتب اإليمان وقاعدة ثابتة لقبول األعمال الصالحة‪ ،‬ونتيجة لهذه القاعدة‪ ،‬تؤثر بشكل‬
‫إيجابي على حياة الفرد في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وتوجه تصرفاته نحو الخير واالبتعاد عن الشر‪.‬‬
‫وفي حديث النبي‪ ،‬أشار بيده إلى صدره وقال‪" :‬التقوى هنا‪ ،‬التقوى هنا‪ ،‬التقوى هنا"(‪ ،)4‬مما‬
‫ُي ظهر أن التقوى ال تقتصر على األفعال الظاهرية فقط‪ ،‬بل تنبعث من الداخل من القلب‬
‫السليم والنية الطاهرة‪.‬‬
‫قال تعالى‪َ {:‬ياَأُّيَه ا الَّناُس اْعُبُد وا َر َّبُك ُم اَّلِذ ي َخ َلَقُك ْم َو اَّلِذ يَن ِم ْن َقْب ِلُك ْم َلَع َّلُك ْم َتَّتُقوَن }‬
‫[البقرة‪ ،]21 :‬التقوى هي مجموعة من صفات الكمال التي يحققها الشخص المتدين‪ ،‬والتقوى‬
‫نتيجة للعبادة‪ " ،‬اعبدوا ربكم رجاء أن تتقوا فتصبحوا كاملين متقين‪ ،‬فإن التقوى هي الغاية من‬
‫العبادة فرجاء حصولها عند األمر بالعبادة وعند عبادة العابد أو عند إرادة الخلق والتكوين‬
‫واضح الفائدة "(‪ ،)5‬هذا يعني أن العبادة ُتقدم بهدف تحقيق التقوى‪ ،‬وهي الغاية األسمى للعبادة‬
‫والرجاء في الحصول على التقوى ُيظهر أثره في العبادة‪.‬‬
‫الشخص المتقي هو الذي يقي نفسه من االنجراف في الخطايا والمعاصي‪ ،‬إذ تعتبر التقوى‬
‫حاجًز ا يحميه من السقوط في األفعال الخاطئة‪ ،‬وإ ن واجه تحديات وغلبته الظروف وسقط‬

‫‪ )(1‬الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.65‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.219‬‬
‫‪ )(3‬الزحيلي‪ ،‬د وهبة بن مصطفى‪ .‬التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬ط‪1997 ،2‬م‪،‬‬
‫ج‪،9‬ص‪.300‬‬
‫‪ )( 4‬اخرجه مسلم في صحيحه كتاب البروالصلة‪ ،‬باب تحريم ظلم المسلم‪( ،‬ج‪،4‬ص‪ ،1986‬حديث رقم ‪ ،)2564‬وأخرجه الترمذي في‬
‫جامعه في كتاب البر والصلة‪ ،‬باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم ‪(،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،325‬حديث رقم ‪ ،)1927‬وأخرجه أحمد في مسنده(‬
‫ج‪ ،2‬ص‪ ،277‬حديث رقم ‪ )360‬من حديث ابي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن غريب‪.‬‬
‫‪ )(5‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪،1‬ص‪.330‬‬

‫‪32‬‬
‫في المحذورـ عاد مسرعا إلى اهلل تائبا حزينا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الصبر‬
‫حث القرآن الكريم على الصبر وبين أجره العاجل واآلجل مما يجعله في مقدمة‬
‫الصفات االنسانية التي يتمتع فيها المؤمن الحق‪ ،‬عن عبداهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال‪:‬‬
‫"الصبر نصف اإليمان"(‪ ،)1‬صفات المؤمن الحّق ال تكتمل إال من خالل الصبر؛ فالصبر‬
‫ُيشّك ل محوًر ا أساسًي ا يتطلب العمل عليه والمثابرة ليصبح جوهًر ا من جوانب األخالق العملية‬
‫للمؤمن‪ ،‬والنجاح في الدنيا والفالح في اآلخرة ال يمكن تحقيقهما إال بالصبر والثبات‪.‬‬
‫الصبر‪" :‬هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير اهلل ال إلى اهلل"(‪ ،)2‬أو هو "عبارة عن احتمال‬
‫النفس أمرا ال يالئمها إما ألن مآله مالئم‪ ،‬أو ألن عليه جزاء عظيما فأشبه ما مآله مالئم‪ ،‬أو‬
‫لعدم القدرة على االنتقال عنه إلى غيره مع تجنب الجزع والضجر فالصبر احتمال وثبات‬
‫على ما ال يالئم‪ ،‬وأقل أنواعه ما كان عن عدم المقدرة"(‪ )3‬يعرف ابن عاشور الصبر على أنه‬
‫قدرة النفس على تحمل األمور التي ال ترغبها‪ ،‬سواء كان ذلك ألن النتيجة المحتملة مقبولة‪،‬‬
‫أو ألنه تحملها يجلب مكافأة عظيمة‪ ،‬أو ألنها تفتقر إلى القدرة على التغيير‪ ،‬مع تجنب اليأس‬
‫واالستسالم‪.‬‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬و اْس َتِع يُنوا ِب الَّص ْب ِر َو الَّص اَل ِة َو ِإَّنَه ا َلَك ِبيَر ٌة ِإاَّل َع َلى اْلَخ اِش ِع يَن } [البقرة‪،]45 :‬‬
‫الصبر هو مالك معظم الفضائل؛ إذ إن الفضائل تنبعث من تنمية صفات الكرم والنبل في‬
‫السلوك‪ ،‬وتعود مكارم الخلق إلى قوة اإلرادة والقدرة على ضبط النفس وكبحها عن‬
‫االنغماس في الشهوات والغضب‪ ،‬واالبتعاد عن األمور التي تساهم في النقص وال تساهم‬
‫في النمو والكمال‪ ،‬وبذلك يصبح الصبر مفتاحًا للتحلم والكرم والتعلم والتقوى والشجاعة‬
‫والعدل والعمل الصالح في العالم‪ ،‬وبالصبر تنتقل النفس من االعتياد على األمور الملموسة‬
‫إلى التصديق بما هو خارج إدراكها‪ ،‬وبضرورة االنقياد ألوامر ال تتماشى مع تقاليد وعادات‬
‫السابقين التي اعتادت عليها النفس‪ ،‬ولكن عندما يصبح الصبر صفة متجذرة في الشخص‪،‬‬

‫‪ )(1‬أخرجه البيهقي في الجامع لشعب اإليمان ‪ ،‬باب في الصبر على المصائب وعما تنزع النفس إليه من لذة وشهوة‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪،194‬‬
‫حديث رقم ‪.9265‬‬
‫‪ )(2‬الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.131‬‬
‫‪ )(3‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.478‬‬

‫‪33‬‬
‫يصبح من األسهل قبول تلك االوامر والمبادئ بدافع الحق والبرهان(‪.)4‬‬
‫ثالثا‪ :‬الشكر‬
‫الشكر هو‪" :‬أن يستعمل النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها وهي طاعة اهلل عز‬
‫وجل"(‪ُ ،)1‬تستغل النعمة بحكمة حين تكون في طاعة اهلل عز وجل‪ ،‬وَيظهر شكر اإلنسان‬
‫الحقيقي وامتنانه هلل عز وجل عندما ُيستثمر كل ما أعطاه من مهارات‪ ،‬وقدرات‪ ،‬ونعم في‬
‫طاعته وخدمة مرضاته‪ ،‬والشكر هو مفتاح االستمرارية والزيادة في النعم‪ ،‬فإذا ُقّد رت النعم‬
‫وُأظهر لها االمتنان الحقيقي‪ ،‬فإنها تبقى وُيبارك فيها‪ ،‬ولكن إذا ُأهملت ولم ُتقدر بحق‪ ،‬فقد‬
‫تتالشى أو تفقد قيمتها‪ ،‬قالى تعالى‪َ{ :‬و ِإْذ َتَأَّذ َن َر ُّبُك ْم َلِئ ْن َشَك ْر ُتْم َأَلِز يَد َّنُك ْم َو َلِئ ْن َك َفْر ُتْم ِإَّن‬
‫َع َذ اِب ي َلَش ِد يٌد } [إبراهيم‪ ]7 :‬وعلى هذا قال ابن عاشور‪" :‬النعمة وحشية قيدوها بالشكر فإنها‬
‫(‪)2‬‬
‫إذا شكرت قرت‪ ،‬وإ ذا كفرت فرت"‪.‬‬
‫الشكر ليس مجرد كلمات أو أفعال بل هو مفهوم يتضمن العلم بالنعمة الُم عطاة‪،‬‬
‫والشعور بالفرح والسرور بسبب وجود هذه النعمة‪ ،‬والعمل الذي يعّبر عن االمتنان‬
‫واالعتراف بها‪ .‬ويتطلب الشكر أن يكون متعلًقا بالقلب واألفعال واللسان(‪.)3‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الكافرون‬
‫ذك))ر الفع))ل َكَف َر ألول م))رة في الق))رآن بص))يغة الفع))ل الماض))ي المب))ني للمجه))ول في قول))ه‬
‫تع))الى‪ِ{ :‬إَّن اَّلِذ يَن َك َفُر وا َسَو اٌء َع َلْي ِه ْم َأَأْن َذ ْر َتُهْم َأْم َلْم ُتْن ِذ ْر ُهْم اَل ُيْؤ ِم ُن وَن } [البق))رة‪ ]6 :‬وق))ال ابن‬
‫عاش) ))ور‪ :‬ال) ))ذين كف) ))روا هم فريق) ))ا أض) ))مر الكف) ))ر وأعلن) ))ه وهم من المش) ))ركين‪ ،‬وق) ))د ت) ))بين أنهم من‬
‫المش))ركين ال))ذين هم مي))ؤوس من إيم))انهم‪ ،‬ومن المفس))رين من فس))ر قول))ه تع))الى‪{ :‬ال))ذين كف))روا}‪،‬‬
‫على مع))نى ال))ذين قض ))ي عليهم ب))الكفر والش))قاء‪ ،‬وه))و تفس))ير بعي))د من اللف))ظ‪ ،‬ومن المفس))رين من‬
‫حمل {الذين كفروا على رؤساء اليهود وهذا بعيد من عادة القرآن وإ عراض عن السياق المقص))ود‬
‫منه ذكر من حرم من هدي القرآن في مقابلة من حصل لهم االهتداء(‪.)4‬‬

‫‪ )(4‬انظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.‬ج‪،1‬ص‪.478‬‬


‫‪ )(1‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد بن محمد‪ .‬إحياء علوم الدين‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬ج‪،4‬ص ‪.123‬‬
‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،19‬ص‪.244‬‬
‫‪ )(3‬ينظر‪ :‬الغزال‪ ،‬أبو حامد بن محمد‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ .‬ج‪ ،4‬ص‪.85‬‬
‫‪ )(4‬انظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.248‬‬

‫‪34‬‬
‫والكفر بالضم‪ :‬إخفاء النعمة وه)و نقيض الش)كر‪ ،‬وب)الفتح‪ :‬تغطي)ة‪ ،‬وبالكس)ر‪ :‬الس)تر مطلق)ا‬
‫وهو مشتق من كفر إذا ستر‪ ،‬ومنه سمي الليل كافرا؛ ألنه بالظلمة يس)تر ك)ل ش)يء(‪ ،)1‬والكف)ر ه)و‬
‫ضد اإليمان‪ ،‬وهو "عدم اإليمان باهلل ورسله سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب ب))ل ش))ك‬
‫وريب أو إع) ))راض عن ه) ))ذا كل) ))ه حس) ))دا أو ك) ))برا أو اتباع) ))ا لبعض األه) ))واء الص) ))ارفة عن اتب) ))اع‬
‫الرس))الة"(‪ ،)2‬وق))ال ابن عاش))ور أن الكف))ر في الش))رع اإلنك))ار وع))دم االع))تراف م))ا دلت علي))ه األدل))ة‬
‫القاطعة وتناقلته جميع الشرائع الصحيحة الماضية حتى علم))ه البش))ر وت))وجهت عق)ولهم إلى البحث‬
‫عن))ه ونص))بت علي))ه األدل))ة مث))ل توحي))د اهلل ع))ز وج))ل‪ ،‬ورس))الة الن))بي محم))د ص))لى اهلل علي))ه وس))لم‪،‬‬
‫ويمكن أن يثبت الكفر بإنك))ار األم))ور الديني))ة األساس))ية‪ ،‬أو التش))كييك والطعن في ال))دين االس))المي‪.‬‬
‫في حين القاض ))ي أب ))و بك ))ر الب ))اقالني ق ))ال‪ :‬الكف ))ر ه ))و الجه ))ل أو الش ))ك بوج ))ود اهلل واإليم ))ان ه ))و‬
‫االعتقاد الثابت بوجود اهلل‪ ،‬فالكفر يكون كفًر ا في ثالثة حاالت‪ :‬الجهل باهلل تعالى‪ ،‬وأن يأتي بفعل‬
‫أو ق))ول من))افي لمب))ادئ اإليم))ان وال يص))در إال من ك))افر‪ ،‬وأن يك))ون ل))ه ق))ول أو فع))ل يس))تحيل مع))ه‬
‫اإليم ))ان باهلل تع ))الى(‪ ،)3‬وق ))ال الق ))رافي‪ :‬أص ))ل الكف ))ر ه ))و انته ))اك خ ))اص لحرم ))ة الربوبي ))ة ويك ))ون‬
‫بالجهل باهلل وبصفاته أو بالجرأة عليه(‪.)4‬‬
‫صفات الكافرون‬
‫كما بين اهلل عز وجل صفات المؤمنين سابقا ذكر في المقابل صفات الكافرين‪ ،‬ليبرز‬
‫االختالف بين أهل اإليمان وأهل الكفر‪ ،‬ومن هذه الصفات‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الكذب‬
‫قال تعالى‪َ{ :‬فَم ِن اْفَتَر ى َع َلى الَّلِه اْلَك ِذ َب ِم ْن َبْع ِد َذ ِلَك َفُأوَلِئ َك ُهُم الَّظاِلُم وَن } [آل‬
‫عمران‪]94 :‬‬
‫االفتراء واالختالق كلمتان مترادفتان للكذب‪ ،‬و الكذب‪ :‬هو "الخبر المخالف لما هو حاصل في‬
‫نفس األمر من غير نظر إلى كون الخبر موافقا العتقاد المخبر أو هو على خالف ما يعتقده‪،‬‬
‫ولكنه إذا اجتمع في الخبر المخالفة للواقع والمخالفة العتقاد المخبر كان ذلك مذموما ومسبة وإ ن‬
‫كان معتقدا وقوعه لشبهة أو سوء تأمل فهو مذموم ولكنه ال يحقر المخبر به‪ ،‬واألكثر في كالم‬

‫‪ )(1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم‪ .‬لسان العرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬ط‪ ،3‬ج‪ ،5‬ص‪144‬؛ ابن عاشور‪،‬‬
‫التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.248‬‬

‫‪ )(2‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس‪ .‬مجموع الفتاوي ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬السعودية‪ ،‬مجمع الملك‬
‫فهد لطباعة المصحف الشريف‪،1995،‬ج‪ ،12‬ص‪.335‬‬
‫‪ )3‬الباقالني‪ ،‬أبو بكر‪ .‬تمهيد األوائل وتلخيص الدالئل‪ .‬مؤسسة الكتب الثقافية‪،‬ط‪1،1987‬م‪ ،‬ص‪394_392‬‬
‫‪ )(4‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪. 249‬‬

‫‪35‬‬
‫العرب أن يعنى بالكذب ما هو مذموم"‪ )1(.‬يبين ابن عاشور إن الكذب ُيعرف بتقديم معلومات‬
‫مخالفة للحقيقة‪ ،‬وقد يتفق هذا الكذب مع معتقدات الشخص الكاذب أو يخالفها‪ ،‬وعندما يخالف‬

‫معتقداته يكون الوضع مذموًم ا ومحقرا لفاعله بشكل أكبر‪ ،‬ويمكن أن يكون الشخص يكذب بناًء‬
‫على شكوك واحتماالت‪ ،‬وهذا النوع من الكذب يعتبر مذموًم ا‪ ،‬ولكنه ال يحقر فاعله‪ ،‬ولكن إن لم‬
‫يحقر هذا الفعل صاحبه لكنه يقلل من مروءته‪ ،‬ومن ثقة الناس بكالمه‪ ،‬لعلمهم أنه يحرف بما ال‬
‫يعرف‪.‬‬
‫وفي قوله تعالى‪َ{ :‬و ِإَّنا َلَنْع َلُم َأَّن ِم ْنُك ْم ُم َك ِّذ ِبيَن (‪َ )49‬و ِإَّنُه َلَحْس َر ٌة َع َلى اْلَك اِفِر يَن } [الحاقة‪،49 :‬‬
‫‪ ،]50‬بين ابن عاشور إن المكذبين هم الكافرون‪ ،‬واستخدم اسم الكافرين بصراحة دون اإلشارة‬
‫إليهم بالضمير؛ وذلك ألن الحسرة ستشمل المكذبين جميًع ا في يوم القيامة(‪ ،)2‬فالحسرة تنبعث‬
‫كنتيجة طبيعية للكذب والخداع‪ ،‬وتأثيره السلبي يظهر بوضوح في الحياة اليومية‪ ،‬حيث يؤثر‬
‫على العالقات االجتماعية والشخصية‪ ،‬فهو يشِّج ع على نشوء العداوة وتفكك الصلة بين األفراد‪،‬‬
‫ويصبح المكذب هدًفا لسلسلة من االنتقادات واألفكار السلبية التي تؤثر على مكانته وسمعته في‬
‫المجتمع‪ ،‬مما ُيعزله ويجعله محًطا لالنتقادات والشكوك من اآلخرين‪ ،‬وهذا يؤدي في النهاية إلى‬
‫تصاعد دائرة التنافر والصراعات بين األطراف المتضررة من الخداع والكذب‪.‬‬
‫وأوضح ابن عاشور أن الكذب والخداع ينبعان من خوف الفرد على كشف حقيقة أموره‬
‫وعدم ثقته الكافية بالنفس‪ ،‬مما ُيدفع به نحو فقدان الشجاعة والثبات‪ ،‬والتأثر بالسطحية والجهل‬
‫بالحقائق‪ ،‬وأن الشخص الُم كِّذ ب يتخذ غالًبا اعتقاًد ا خاطًئا بأن كذبه لن ُيكتَش ف‪ ،‬مما ُيظهر ضعًفا‬
‫في حكمته ويجعله يعتلي بسرعة منصة تحريف الحقائق واعتبار األكاذيب التي ُينشئها حقائق‪،‬‬
‫مما تتسبب هذه النتيجة في الوقوع في السطحية والتفكير غير المنطقي وتدهور العقلية‪ ،‬مما‬
‫يصَّن فه علماء األخالق والطب ضمن األمراض الناتجة عن فقدان الثقة بالنفس وعدم االستقرار‬
‫العقلي(‪.)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬الختم على قلوبهم واسماعهم‬
‫َّلِذ‬
‫وصف اهلل عز وجل الكافرين بقوله تعالى‪ِ{ :‬إَّن ا يَن َك َفُر وا َسَو اٌء َع َلْي ِه ْم َأَأْن َذ ْر َتُهْم َأْم َلْم‬
‫ِغ‬ ‫ِع‬ ‫ِذ‬
‫ُتْن ْر ُهْم اَل ُيْؤ ِم ُنوَن (‪َ )6‬خ َتَم الَّلُه َع َلى ُقُلوِبِه ْم َو َع َلى َسْم ِه ْم َو َع َلى َأْب َص اِر ِه ْم َش اَو ٌة َو َلُهْم َع َذ اٌب‬
‫َع ِظ يٌم } [البقرة‪ ،]7 ،6 :‬يقول ابن عاشور‪ :‬المقصود بختم اهلل على قلوبهم هو عدم اهتدائهم‬
‫بالقران وذلك بسبب اعراضهم عنه وليس بسبب نقص في داللة القرآن على الهدي(‪.)4‬‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،4‬ص‪.10‬‬


‫‪ )(2‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،29‬ص‪.149‬‬
‫‪ )(3‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.281‬‬
‫‪ )(4‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.254‬‬

‫‪36‬‬
‫والختم حقيقته السد على اإلناء والغلق على الكتاب بطين ونحوه والغشاوة فعالة من غشاه‬
‫وتغشاه إذا حجبه‪ ،‬والختم هنا ليس حقيقية بل مجازيا أي أنهم معرضون عن الحق بسبب؛‬
‫عقولهم وأسماعهم وأبصارهم الغير نافذة للحق واإليمان كأنها مختوم عليها‪ ،‬وأسند فعل الختم‬
‫إلى اهلل ألن المقدر له‪ ،‬وهذا يؤكد على أن اهلل يهدي من يشاء ويضل من يشاء(‪ " ،)1‬فال ينافي‬
‫ذلك ورود اآلية ونظائرها في معنى النعي على الموصوفين بذلك والتشنيع بحالهم ألن ذلك‬
‫باعتبار ما لهم من الميل واالكتساب‪ ،‬وبالتحقيق القدرة على الفعل والترك التي هي دون الخلق‪،‬‬
‫فاهلل تعالى قدر الشرور وأوجد في الناس القدرة على فعلها ولكنه نهاهم عنها ألنه أوجد في الناس‬
‫(‪)2‬‬
‫القدرة على تركها أيضا‪ ،‬فال تعارض بين القدر "‪.‬‬
‫ابن عاشور يوضح أن تعبير "ختم اهلل على قلوبهم وأسماعهم" ُيعد تشبيًها ُيظهر حال‬
‫الرفض والعناد الذي فعله الكافرين اتجاه اإليمان‪ ،‬وُيشير هذا التعبير إلى أن اهلل ُأغلق قلوبهم‬
‫وأسماعهم عن استيعاب الحق‪ ،‬وحجب أبصارهم عن الهدى‪ ،‬كان نتيجة إعراضهم هم عن الحق‬
‫واإليمان‪ ،‬أي أنهم أعرضوا أوال فبتالي ختم اهلل على قلوبهم‪ ،‬ثم إن اهلل عز وجل أرسل الرسل‬
‫وعرض اإليمان على األقوام الكافرة بعد أن أعطاهم جميع مسببات اإليمان لكنهم رفضوا‬
‫واستكبروا‪ ،‬ولو كانوا مجبرين على الكفر لم يكن ليحاسبهم اهلل على أفعالهم؛ ألن عدل اهلل‬
‫المطلق يقتضي ذلك‪.‬‬
‫وهذا ما أكد عليه أبو حيان في تفسيره حيث قال‪" :‬شبه قلوبهم لتأبيها عن الحق‪،‬‬
‫وأسماعهم إلضرابها عن سماع داعي الفالح‪ ،‬وأبصارهم المتناعها عن تلمح نور الهداية بالوعاء‬
‫المختوم عليه المسدود منافذه المغشى بغشاء يمنع أن يصل إليه ما يصلحه‪ ،‬لما كانت مع صحتها‬
‫وقوة إدراكها ممنوعة عن قبول الخير وسماعه وتلمح نوره‪ ،‬وهذا كله من مجاز التشبيه‪ ،‬إذ‬
‫(‪)3‬‬
‫الختم والغشاوة لم يوجدا حقيقة"‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التكبر‬
‫وصف اهلل تعالى المؤمنين بالتواضع‪ ،‬في حين وصف الكافرين بالتكبر‪ ،‬والتكبر‪ :‬شدة‬
‫الكبر‪ ،‬والكبر‪ :‬إظهار المرء التعاظم على غيره ألنه يظن نفسه عظيما فال يأتمر آلمر‪ ،‬وال‬
‫ينتصح لناصح‪ .‬والتكبر مراتب أقواها الشرك باهلل ‪ ،‬قال تعالى‪ :‬إن الذين يستكبرون عن عبادتي‬
‫سيدخلون جهنم داخرين [غافر‪ ،]60 :‬وهو المعني بقول النبيء صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ال يدخل‬
‫الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر وال يدخل النار من كان في قلبه حبة خردل‬
‫من إيمان"‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.254‬‬


‫‪ )(2‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.254‬‬
‫‪ )(3‬األندلسي‪ ،‬أبو حيان محمد بن يوسف‪ .‬البحر المحيط في التفسير‪ ،‬تحقيق‪ :‬صدقي محمد جميل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار الفكر‪1999 ،‬م‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.84‬‬
‫‪ )(4‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪،24‬ص‪.51‬‬

‫‪37‬‬
‫إَّن النجاة في الدنيا واآلخرة تكمن للمتقين‪ ،‬أولئك الذين يتجنبون الكبرياء ويمنعون نفسهم‬
‫عن االنغماس في الشهوات واللذات‪ ،‬فُيظهرون التواضع في سلوكهم ويتجنبون االعتقاد بأنهم‬
‫خير من اآلخرين‪ ،‬ويتحلون بقلوٍب نقية ويكسبون الحكمة في تعاملهم مع اآلخرين‪ ،‬مما يمنحهم‬
‫الرشد والسالم الداخلي الذي يجعلهم مستعدين لمواجهة صعوبات الحياة بثقة وتواضع‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪َ { :‬و ُيَنِّجي الَّلُه اَّلِذ يَن اَّتَقْو ا ِبَم َفاَز ِتِه ْم اَل َيَم ُّس ُهُم الُّسوُء َو اَل ُهْم َيْح َز ُنوَن } [الزمر‪ ،]61 :‬توعد‬
‫اهلل بنجاة المتقين؛ ألنهم غير متكبرين‪ ،‬قال ابن عاشور‪ :‬أن "هذا إيذان بأن التقوى تنافي التكبر‬
‫ألن التقوى كمال الخلق الشرعي وتقتضي اجتناب المنهيات وامتثال األمر في الظاهر والباطن‪،‬‬
‫والكبر مرض قلبي باطني فإذا كان الكبر ملقيا صاحبه في النار بحكم قوله‪ :‬أليس في جهنم‬
‫مثوى للمتكبرين [الزمر‪ ]60 :‬فضد أولئك ناجون منها وهم المتقون إذ التقوى تحول دون أسباب‬
‫العقاب التي منها الكبر‪ ،‬فالذين اتقوا هم أهل التقوى وهي معروفة‪ ،‬ولذلك ففعل اتقوا منزل منزلة‬
‫الالزم ال يقدر له مفعول"‪)1(.‬ويجب العلم أن جوهر التواضع الحقيقي يكمن لدى المسلم التقي في‬
‫القدرة على االحتفاظ بتواضعه دون أن يصل إلى حد الذل أو االستكانة‪ ،‬فيحتاج إلى توازن دائم‬
‫بين التواضع واالعتزاز بقوة إيمانه‪ ،‬والتواضع الجيد يمنحه القدرة على التعامل بحكمة ووِّد ية مع‬
‫اآلخرين دون أن يفقد من قدره أو كرامته‪ ،‬فيجب على اإلنسان أن يعرف قيمته كمخلوق مكرم‬
‫من مخلوقات اهلل‪ ،‬مما يعني أن التواضع ليس ضعًفا‪ ،‬بل هو صفة قوية ينميها اإليمان السليم‬
‫والوعي بالذات‪.‬‬
‫استرشد ابن عاشور بكتاب اإلمام الغزالي وقال "أن الكبر خلق في النفس وهو‬
‫االسترواح والركون إلى اعتقاد المرء نفسه فوق التكبر عليه‪ ،‬فإن الكبر يستدعي متكبرا عليه‬
‫ومتكبرا به وبذلك ينفصل الكبر عن العجب فإن العجب ال يستدعي غير المعجب وال يكفي أن‬
‫يستعظم المرء نفسه ليكون متكبرا فإنه قد يستعظم نفسه ولكنه يرى غيره أعظم من نفسه أو‬
‫مماثال لها فال يتكبر عليه‪ ،‬وال يكفي أن يستحقر غيره فإنه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر لم يتكبر‬
‫ولو رأى غيره مثل نفسه لم يتكبر بل أن يرى لنفسه مرتبة ولغيره مرتبة ثم يرى مرتبة نفسه‬
‫فوق مرتبة غيره‪ ،‬فعند هذه االعتقادات الثالثة يحصل خلق الكبر وهذه العقيدة تنفخ فيه فيحصل‬
‫في نفسه اعتداد وعزة وفرح وركون إلى ما اعتقد‪ ،‬وعز في نفسه بسبب ذلك فتلك العزة والهزة‬
‫والركون إلى تلك العقيدة هو خلق الكبر"‪ )2(.‬في النص‪ ،‬ابن عاشور ُيشير إلى ثالثة اعتقادات‬
‫تؤدي إلى تكّو ن الكبر في الشخصية‪ ،‬األولى ‪ :‬رؤية الشخص لذاته فوق اآلخرين‪ ،‬مما يجعله‬
‫ينظر لذاته باعتزاز ويقابل اآلخرين بالتكبر‪ .‬الثانية‪ :‬أن يكون مساويا لهم‪ ،‬الثالثة‪ :‬هي رؤية‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.‬ج‪،24‬ص‪.52‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.425‬‬

‫‪38‬‬
‫الشخص لآلخرين على أنهم أقل منه‪ ،‬ولو رأى نفسه متدنًي ا‪ ،‬فال يتكبر‪ ،‬وهو ما ينفصل عن‬
‫االعتقاد األول والثاني‪.‬‬
‫وقال ابن عاشور موضحا آثار الكبر السلبية‪" :‬إنه مفسدة نفسية عظيمة تتولد منها مفاسد‬
‫جمة من احتقار الناس واالستخفاف بحقوقهم وسوء معاشرتهم وبث عداوته فيهم‪ ،‬وسوء ظنه بهم‬
‫وأن ال يرقب فيهم موجبات فضل سوى ما يرضي شهوته وغضبه‪ ،‬فإذا انضم إلى ذلك أنه ولي‬
‫أمرهم وراعيهم كانت صفة الكبر مقتضية سوء رعايته لهم واالجتراء على دحض حقوقهم‪ ،‬وأن‬
‫يرمقهم بعين االحتقار فال يعبأ بجلب الصالح لهم ودفع الضر عنهم‪ ،‬وأن يبتز منافعهم لنفسه‬
‫ويسخر من استطاع منهم لخدمة أغراضه وأن ال يلين لهم في سياسة فيعاملهم بالغلظة وفي ذلك‬
‫بث الرعب في نفوسهم من بطشه وجبروته‪ ،‬فهذه الصفة هي أم المفاسد وجماعها ولذلك قدمت‬
‫على ما يذكر بعدها ثم أعقبت بأنه كان من المفسدين"‪ ،)1(.‬تحديد آثار التكبر السلبية يبرز أهمية‬
‫فهم كيف يؤثر هذا السلوك على العالقات اإلنسانية والمجتمعية‪ ،‬فيظهر التكبر كعامل مفسد‬
‫يؤثر سلًب ا على العقول والقلوب‪ ،‬فهو يوِّلد االحتقار ويقلل من قيمة اآلخرين وحقوقهم‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إلى سوء التعامل وانعدام االحترام‪ ،‬إذ يعتبر الشخص المتكبر نفسه صاحب الحقوق الحصرية‬
‫والمميزات الخاصة‪ ،‬مما يؤدي إلى سوء التصرف واتخاذ سياسات سيئة في التعامل مع‬
‫اآلخرين‪ .‬واستمرارية هذا السلوك السلبي يؤثر على صحة العالقات والمجتمع بشكل عام‪ ،‬إذ‬
‫يمكن أن يؤدي إلى انعدام التعاون والتضامن ويسهم في نشوء التوتر والصراعات الدائمة‪ .‬من‬
‫هنا يظهر التوازن الحيوي بين التواضع والتعاون كعوامل أساسية للحفاظ على صحة واستقرار‬
‫المجتمعات والعالقات اإلنسانية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المنافقون‬
‫إن النفاق ُيعد انحراًفا خطيًر ا في حياة األفراد ويشكل تهديًد ا للمجتمعات واألمم‪،‬‬
‫حيث يحمل خطًر ا كبيًر ا ويفتح أبواًبا لشروٍر متعددة‪ ،‬ولقد حّذ ر القرآن الكريم من هذا‬
‫الظاهرة والمنافقين‪ ،‬مسلًطا الضوء على خطورة احتواء النفاق في النفوس وكيف يمكن أن‬
‫ينتقل إلى مرحلة من العناد والمقاومة‪.‬‬
‫النفاق في اللغة‪ :‬الدخول في اإلسالم من وجه والخروج عنه من آخر‪ ،‬مشتق من‬
‫نافقاء اليربوع إسالمية‪ ،‬ال من النفق وهو السرب الذي يستتر فيه لستره كفره‪ ،‬وقد نافق‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،20‬ص‪.68‬‬

‫‪39‬‬
‫منافقة ونفاقا‪ ،‬سمي المنافق منافقا ألنه نافق كاليربوع وهو دخوله نافقاءه فيقال هكذا يفعل‬

‫المنافق‪ ،‬يدخل في اإلسالم ثم يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه(‪.)1‬‬

‫وفي االصطالح‪ :‬أن يظهر اإلنسان اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم‬
‫اآلخر‪ ،‬ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه‪ ،‬وقال ابن كثير‪ :‬هو اظهار الخير وإ سرار‬
‫الشر‪ ،‬ويكون على قسمين‪ :‬اعتقادي يخلد فاعله في النار‪ ،‬وعملي ويعتبر من أكبر الذنوب‬
‫(‪.)2‬‬
‫خالل العصر اإلسالمي‪ ،‬ظهر النفاق ألول مرة في المدينة المنورة تحديدا بعد غزوة‬
‫بدر ودخول عبد اهلل بن أبي سلول اإلسالم‪ ،‬وقبل الهجرة كان الوضع خالف ذلك فيظهرون‬
‫الكفر مكرهين ويبطنون االسالم(‪ ،)3‬ولكن بعد الهجرة اختلف الوضع وانضم بعض األفراد‬
‫إلى اإلسالم وهم مبطنون الكفر والحقد اتجاه االسالم والمسلمين مراعاة لمصالحهم‬
‫الشخصية‪ ،‬وكان خطر المنافقين على المجتمع اإلسالمي أكبر من الكفار والمشركين؛ ألنهم‬
‫يتساوون معهم في الكفر والشرك لكن يفوقونهم بالتالعب والتضليل‪ ،‬وعلى ذلك يمكن أن‬
‫يتسببوا للمسلمين بضرر شديد؛ ألن مستوى الحذر منهم كان أقل بكثير مقارنة بالكفار‬
‫والمشركين‪ ،‬واختاروا أن يكونوا مخادعين؛ ألن نفوسهم مريضة وقلوبهم سقيمة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫{ ِفي ُقُلوِبِه ْم َمَر ٌض َفَز اَدُهُم الَّلُه َمَر ًض ا َو َلُهْم َع َذ اٌب َأِليٌم ِب َم ا َك اُنوا َيْك ِذ ُبوَن } [البقرة‪ ،]10 :‬ال‬
‫يملكون شجاعة كافية لمواجهة المؤمنين وال لقول الحقيقة‪ ،‬فاختاروا الرياء عن التصريح‬
‫بحقيقة أمرهم‪ ،‬والمرض كان نتيجة عدم إيمانهم باهلل تعالى‪ ،‬فأصبحت نفوسهم مريضة ال‬
‫تستجيب آلوامر اهلل‪ ،‬فألقى الشيطان الشك والنفاق في قلوبهم‪ ،‬قال تعالى‪ِ { :‬لَيْج َع َل َم ا ُي ْلِق ي‬
‫الَّش ْي َطاُن ِفْتَنًة ِلَّلِذ يَن ِفي ُقُلوِبِه ْم َمَر ٌض َو اْلَقاِس َيِة ُقُلوُبُهْم َو ِإَّن الَّظاِلِم يَن َلِف ي ِش َقاٍق َبِع يٍد }‬
‫[الحج‪ ،]53 :‬بين ابن كثير أن المقصود في قوله تعالى‪ِ{ :‬لَّلِذ يَن ِفي ُقُلوِبِه ْم َمَر ٌض } هم‬

‫المنافقين‪ ،‬وفي قوله تعالى‪َ{ :‬و ِإَّن الَّظاِلِم يَن َلِف ي ِش َقاٍق َبِع يٍد } أي‪ :‬في ضالل ومخالفة وعناد‬

‫بعيد عن الحق والصواب(‪.)4‬‬

‫‪ )(1‬ينظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ .‬ج‪ ،10‬ص‪.359‬‬


‫‪ )(2‬ينظر‪ :‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ .‬ج‪،1‬ص‪.176‬‬
‫‪ )(3‬ينظر‪:‬ابن كثير ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ .‬ج‪،1‬ص‪.177‬‬
‫‪ )(4‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ .‬ج‪ ،5‬ص‪.445‬‬

‫‪40‬‬
‫المنافق‪ :‬وهو المخادع الذي يظهر اإلسالم ويبطن غيره(‪ ،)1‬والنفاق يجمع الكذب‪ ،‬وطبعه‬

‫إخفاء الصفات المذمومة‪ ،‬وأول ورود للنفاق كان في سورة البقرة في قولة تعالى‪ُ{:‬يَخ اِد ُع وَن الَّلَه‬
‫َو اَّلِذ يَن آَم ُنوا َو َم ا َيْخ َد ُع وَن ِإاَّل َأْنُفَسُهْم َو َم ا َيْش ُعُر وَن } [البقرة‪ ،]9 :‬ووضح ابن عاشور من هم‬
‫المنافقين المقصودين في اآلية وقال‪ :‬أن اآلية أشارت إلى طائفة من الكفار وهم المنافقون الذين‬
‫كان بعضهم من أهل يثرب وبعضهم من اليهود الذين أظهروا اإلسالم وبقيتهم من األعراب‬
‫المجاورين لهم ‪ ،‬والمنافقين في عهد الرسول ثالثمائة من الرجال ومائة وسبعين من النساء(‪.)2‬‬
‫كانوا يتظاهرون بالوالء لالسالم والمسلمين‪ ،‬ويخفون كفرهم‪ ،‬إال أنهم على الرغم من شهادتهم‬
‫لنزول الوحي واعترافهم بأدلة النبوة‪ ،‬ومعرفتهم بأخالق النبي ومعجزاته‪ ،‬إال أنهم رفضوا‬
‫اإليمان بتلك الحقيقة استمروا في العناد واالستكبار‪ ،‬واعتمدوا مواقف العداء تجاه اإلسالم‬
‫والمسلمين دون الكشف عن كراهيتهم الدفينة‪.‬‬
‫صفاتهم‬
‫القرآن الكريم يشير في عدة مواضع إلى صفات المنافقين التي جعلتها عقبة تمنع دخول‬
‫اإليمان إلى قلوبهم‪ ،‬فكانت نفوسهم مستعصية وعنيدة‪ ،‬مما أثر على خلوصها من األخالق والقيم‬
‫الصالحة التي تحتاجها للتعامل مع الدين االسالمي‪ ،‬ومن هذه الصفات‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مرض القلب‬
‫قال تعالى‪ِ{ :‬في ُقُلوِبِه ْم َمَر ٌض َفَز اَدُهُم الَّلُه َمَر ًض ا} [البقرة‪ ،]10 :‬فالقرآن الكريم‬
‫أشار إلى أن قلوب المنافقين تكون مريضة ونفوسهم متعبة‪ ،‬مما يحول بين اعتناقهم للحق‬
‫واإليمان هو عدم وجود الشجاعة الكافية لمواجهة الحق وانكاره‪ ،‬وعدم تصريحهم بمشاعرهم‬
‫تجاه المؤمنين‪ ،‬وهذه بعض من جوانب الضعف التي تميز حالة المنافقين في تعاملهم مع اإليمان‬
‫والمؤمنين‪ ،‬قال ابن عاشور‪" :‬فإن من يسمع أن طائفة تخادع اهلل تعالى وتخادع قوما عديدين‬
‫وتطمع أن خداعها يتمشى عليهم ثم ال تشعر بأن ضرر الخداع ال حق بها لطائفة جديرة بأن‬
‫يتعجب من أمرها المتعجب ويتساءل كيف خطر هذا بخواطرها فكان قوله‪ :‬في قلوبهم مرض‬
‫بيانا وهو أن في قلوبهم خلال تزايد إلى أن بلغ حد األفن"(‪ ،)3‬من يعتقد أنه نجح في خداع اهلل عز‬
‫وجل وخداع المؤمنين كان هذا نتيجة لمرض قلبه المتفاقم‪ ،‬ألنه وصل إلى هذا الحد من االعتقاد‬

‫‪ )(1‬بن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس‪ .‬اإليمان األوسط‪ ،‬تحقبق‪ :‬محمود أبو سن أبو يحي‪ ،‬دار طيبة‪2003 ،‬م‪ ،‬ط‪،1‬ص‪.302‬‬
‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.263‬‬
‫‪ )(3‬ابن عاشور‪،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.279‬‬

‫‪41‬‬
‫الخاطئ‪ .‬والمرض حقيقة في عارض للمزاج يخرجه عن االعتدال الخاص بنوع ذلك الجسم‬
‫خروجا غير تام وبمقدار الخروج يشتد األلم فإن تم الخروج فهو الموت‪ ،‬وهو مجاز في‬
‫األعراض النفسانية العارضة‪ ،‬والمرض هنا يقصد على معناه المجازي معبًر ا عن العواقب‬
‫النفسية واألخالقية الناجمة عن النفاق وغيره من الصفات السلبية‪ )1(،‬وينشئ عن النفاق أمراض‬
‫ذميمة تتزايد مع األيام؛ ويعتمد على عدة خصال وهي‪ :‬الكذب القولي‪ ،‬والكذب الفعلي‪ ،‬النابعان‬
‫من الخوف بالحاق الضرر أو فشل المسعى‪ ،‬وكالهما مرتبطان بقلة الشجاعة والثقة بالنفس (‪.)2‬‬
‫ثانيا‪ :‬مواالة الكافرين‬

‫بمواالة المنافقين للكفار وترصدهم للمؤمنين وعدائهم سرا‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬اَّلِذ يَن َيَّتِخ ُذ وَن‬
‫اْلَك اِفِر يَن َأْو ِلَياَء ِم ْن ُد وِن اْلُم ْؤ ِم ِنيَن َأَيْب َتُغوَن ِع ْن َدُهُم اْلِع َّز َة َفِإ َّن اْلِع َّز َة ِلَّلِه َج ِم يًع ا} [النساء‪]139 :‬‬
‫تظهر حقيقة نفوسهم الفاسدة التي تشترك مع الكفار في عدائها للمؤمنين‪ ،‬قال ابن عاشور‪ :‬أن‬
‫المنافقين اتخذوا الكافرين أولياء ألجل عداوة المؤمنين‪ ،‬ولم يكن هذا االتجاه نابًع ا من تشابه في‬
‫العقيدة‪ ،‬فمعظم المنافقين كانوا من اليهود‪ ،‬واختاروا الكفار للتفاخر بهم على حساب المؤمنين‪،‬‬
‫مما يظهر ضعفهم ورغبتهم في االعتزاز بذلك الخيار الذي ُيظهر انحرافهم وانحراف فكرهم(‪.)3‬‬
‫ِئ‬ ‫ِل ِك‬ ‫ِم‬ ‫ِن َّلِذ‬ ‫َّلِذ‬
‫قال تعالى‪َ {:‬أَلْم َتَر ِإَلى ا يَن َناَفُقوا َيُقوُلوَن ِإِل ْخ َو ا ِه ُم ا يَن َك َفُر وا ْن َأْه اْل َتاِب َل ْن ُأْخ ِر ْج ُتْم‬
‫َلَنْخ ُر َج َّن َم َعُك ْم َو اَل ُنِط يُع ِفيُك ْم َأَح ًد ا َأَبًد ا َو ِإْن ُقوِت ْلُتْم َلَنْن ُص َر َّنُك ْم َو الَّلُه َيْش َه ُد ِإَّنُهْم َلَك اِذ ُبوَن }‬
‫[الحشر‪ ،]11 :‬ومن خالل إعطاء المنافقين الوعود الكاذبة لبني النضير‪ ،‬يظهر النفاق والخداع‬
‫الذين يتجسدون به حتى في معامالتهم مع القوم الذين يسعون للتعاون معهم ضد المسلمين‬
‫وصفوا ب"إخوانهم" لإلشارة إلى أنهم كانوا متحدين في الكفر برسالة النبي محمد صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬لكنهم اختلفوا في نوعية هذا الكفر‪ ،‬فكفر المنافقين كان ينحو نحو الشرك‪ ،‬بينما كفر بني‬
‫قريظة كان يتجه نحو رفض رسالة النبي‪ ،‬وقد أعلم اهلل الرسول بكذبهم في ذلك بعدما أقسموا‬
‫عليه ليهدأ خاطره وال يخشى الرسول بأس المنافقين‪ ،‬وذلك جاء بعد طرد بني النضير وقبل‬
‫معركة قريظة(‪ ، )4‬كان المنافقون‪ ،‬أصحاب النفوس المريضة‪ ،‬يستغلون الظروف واألحداث‬
‫لمصلحتهم الشخصية‪ ،‬ويتبعون القوى الغالبة دون أي والء حقيقي ألي جهة‪ ،‬مع التركيز‬
‫المستمر على هدفهم الرئيسي الذي كان يتمثل في تدمير شوكة اإلسالم‪ ،‬وإ شاعة الفتن والخالفات‬
‫داخل صفوف المسلمين‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الخداع‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.279‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.259‬‬
‫‪ )(3‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.‬ج‪ ،5‬ص‪.235‬‬
‫‪ )(4‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،28‬ص‪.99‬‬

‫‪42‬‬
‫يعتقد المنافقون أنهم ذوو ذكاء ومكر كافيين ليخدعوا المسلمين‪ ،‬لكن الحقيقة التي يكشفها‬
‫القرآن تعكس حقيقة جهلهم الكبير‪ ،‬فهم ليسوا قادرين إال على خداع أنفسهم‪ ،‬قال تعالى‪ِ{ :‬إَّن‬
‫اْلُم َناِفِقيَن ُيَخ اِد ُع وَن الَّلَه َو ُهَو َخ اِد ُع ُهْم َو ِإَذ ا َقاُم وا ِإَلى الَّص اَل ِة َقاُم وا ُك َس اَلى ُيَر اُءوَن الَّناَس َو اَل‬
‫َيْذ ُك ُر وَن الَّلَه ِإاَّل َقِلياًل } [النساء‪ُ ،]142 :‬يبِّين اهلل تعالى حال المنافقين وقبح نفوسهم وشناعتها‪،‬‬
‫وجهلهم فيما يظنون أنهم قادرين على خداع اهلل بإيمانهم‪ ،‬فيظهرون اإليمان ويبطنون الكفر‪ ،‬ظًنا‬
‫منهم أنهم يغشون اهلل ويخفون عنه الحقيقة‪ ،‬بينما الحقيقة هي أن اهلل ُيَخ ِّد عهم بنفسهم‪ ،‬وهذا‬
‫الخداع يعتبر أسوأ من أي محاولة يبذلونها‪ ،‬حيث ينقلب ذلك الخداع عليهم بالذل والهوان‬
‫والعذاب‪ ،‬قال ابن عاشور‪" :‬فقابلهم بمثل صنيعهم‪ ،‬فكما كان فعلهم مع المؤمنين المتبعين أمر اهلل‬
‫ورسوله خداعا هلل تعالى‪ ،‬كان إمهال اهلل لهم في الدنيا حتى اطمأنوا وحسبوا أن حيلتهم وكيدهم‬
‫راجا على المسلمين وأن اهلل ليس ناصرهم‪ ،‬وإ نذاره المؤمنين بكيدهم حتى ال تنطلي عليهم‬
‫حيلهم‪ ،‬وتقدير أخذه إياهم بأخرة‪ ،‬شبيها بفعل المخادع جزءا وفاقا"(‪ .)1‬إن الرد على المنافقين يأتي‬
‫تباًع ا مع تصرفاتهم‪ ،‬فكما خدعوا المؤمنين بمكائدهم الفاضحة‪ ،‬كذلك يمن اهلل عليهم بمدة لكي‬
‫يشعروا بالطمأنينة في الدنيا ولكنه ينبه المؤمنين بحيلهم‪ .‬وسُيعاقبون في اآلخرة على أعمالهم‪.‬‬
‫مصير المنافقين‬
‫تناولت اآليات الكثيرة الشخصيات المريضة هذه‪ ،‬الغارقة في اإلثم والمعصية‪ ،‬العدائية هلل‬
‫ورسوله‪ ،‬النفوس المتقلبة‪ ،‬التي تمألها الحيرة والتخبط المنتشرة فيها األمراض‪ ،‬فعاشت في حالة‬
‫انقسام‪ ،‬وسيطرت األفكار الوهمية والشكوك على رؤاها‪ ،‬ونتيجة ألعمالهم الفاسدة‪ ،‬واستحقوا‬
‫العقاب بشكل يعكس سوء ما قدموه من أفعال‪ ،‬فكانت عقوبتهم في الحياة اآلخرة تتمثل في بطالن‬
‫جميع أعمالهم‪ ،‬واستحقاقهم الدرك األسفل من النار‪.‬‬
‫{ ُقْل َأْن ِفُقوا َطْو ًع ا َأْو َك ْر ًه ا َلْن ُيَتَقَّب َل ِم ْنُك ْم ِإَّنُك ْم ُكْن ُتْم َقْو ًم ا َفاِس ِق يَن (‪َ )53‬و َم ا َم َنَعُهْم َأْن ُتْقَب َل‬
‫ِم ْن ُه َنَفَقاُتُه ِإاَّل َأَّنُه َك َف وا ِبالَّلِه َو ِب ُس وِلِه َو اَل َيْأُتوَن الَّص اَل َة ِإاَّل َو ُه ُك َس اَلى َو اَل ُيْن ِفُقوَن ِإاَّل‬
‫ْم‬ ‫َر‬ ‫ْم ُر‬ ‫ْم‬ ‫ْم‬
‫َو ُهْم َك اِر ُهوَن } [التوبة‪.]54 ،53 :‬‬
‫وصفوا بالفاسقين‪ ،‬ألنهم يظهرون اإلسالم ويبطنون الكفر‪ ،‬فانحرفوا عن اإلسالم نحو الكفر‪،‬‬
‫والهدف من وصفهم بذلك‪ ،‬هو تأييسهم من االنتفاع بما بذلوه من أموال‪ ،‬ظنوا إن عملوا أعمال‬
‫صالحة ظاهريا يجدونها مردودها عليهم يوم القيامة إذا تبين صدق الرسول لديهم‪ ،‬فال يتعرضون‬
‫للمشاق وال المهالك‪ ،‬ووضح اهلل تعالى السبب الحقيقي وراء عدم قبول أعمالهم؛ وذلك بسبب‬
‫اآلثار السلبية للكفر والفساد الذين ترتبط بهم‪ ،‬على سبيل المثال‪ :‬أنهم ال يأتون الصالة إال وهم‬
‫كسالى‪ ،‬وأنهم ال ينفقون األموال إال وهم كارهون‪ .‬والكفر لوحده سبب كافي في عدم قبول‬
‫العمل‪ ،‬ولكن جاءا هذين السببين إشارة إلى تمكين الكفر والنفاق من قلوبهم‪ ،‬وذكر الكفر لتسليط‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنو ير‪ .‬ج‪ ،5‬ص‪.239‬‬

‫‪43‬‬
‫الضوء على فسقهم‪ ،‬وذكر تقصيرهم في أداء الصالة لإلشارة إلى تهاونهم في أعظم الفرائض‬
‫فكيف يكون إنفاقهم عن رغبة (‪.)1‬‬
‫{ ِإَّن اْلُم َناِفِق يَن ِف ي الَّد ْر ِك اَأْلْس َفِل ِم َن الَّناِر َو َلْن َتِج َد َلُهْم َنِص يًر ا} [النساء‪ ،]145 :‬إن‬
‫الذين اتخذوا الكافرين أولياء يعدون من المنافقين‪ ،‬ومصير المنافقين في الدرك األسفل‪ ،‬والدركة‬
‫المنزلة في الهبوط‪ ،‬أي في أذل منازل العذاب‪ ،‬ألن كفرهم أسوأ الكفر لما حف به من الرذائل(‪.)2‬‬
‫ونتيجة لذلك يكون هؤالء المنافقون عرضة لعقوبات صارمة من اهلل تعالى بسبب‬
‫تأثيرأعمالهم الخبيثة على المجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫المنافقون الذين يظهرون الوالء لإلسالم والمسلمين بينما يكونون في الحقيقة على خالف‬
‫ذلك ُيعّد ون مثااًل على الخيانة واالنحراف عن القيم األساسية لإلسالم‪ ،‬ألنه هدفهم األساسي من‬
‫النفاق هو تحقيق مصالح شخصية‪ ،‬وإ شاعة الفتن داخل المجتمع اإلسالمي‪ ،‬ومحاولة تشويه‬
‫صورة اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬وتعريض استقرار المجتمع اإلسالمي للخطر‪ ،‬ومن أشكال العدالة‬
‫اإللهية أن اهلل يدين كل شخص وفق أعماله ونواياه‪ ،‬وسُيعاقب من يستحق العقوبة ويثيب من‬
‫يستحق الثواب‪ ،‬سواء في الدنيا أو في اآلخرة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النماذج اإلنسانية بحسب الوصف‬


‫المطلب األول‪ :‬القوية‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،10‬ص‪.225‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،5‬ص‪.243‬‬

‫‪44‬‬
‫الق ))وة هي‪" :‬مق ))درة ال ))ذات على األعم ))ال الش ))اقة ال ))تي ال يق ))در عليه ))ا غالب ))ا‪ ،‬ومنه ))ا مق ))درة‬
‫ال ))ذات من إنس ))ان أو حي ))وان على كث ))ير من األعم ))ال ال ))تي ال يق ))در عليه ))ا أبن ))اء نوع ))ه‪ .‬وض ))دها‬
‫ِد‬ ‫ِم‬ ‫ٍف‬ ‫ِد‬ ‫ِم‬ ‫ٍف‬ ‫ِم‬ ‫ِذ‬
‫الض))عف ق))ال تع))الى‪{ :‬الَّل ُه اَّل ي َخ َلَقُك ْم ْن َض ْع ُثَّم َج َع َل ْن َبْع َض ْع ُق َّو ًة ُثَّم َج َع َل ْن َبْع‬
‫ُق َّو ٍة َض ْع ًفا َو َش ْيَبًة َيْخ ُل ُق َم ا َيَش اُء َو ُه َو اْلَع ِليُم اْلَق ِد يُر } [ال))روم‪ ،)1(" ]54 :‬أو "حال))ة به))ا يق))اوم‬
‫صاحبها ما يوجب انخرامه‪ ،‬فمن ذلك قوة البدن‪ ،‬وقوة الخشب‪ ،‬وتستعار القوة لما به تدفع العادية‬
‫وتستقيم الحالة فهي مجموع صفات يكون بها بق)اء الش)يء على أكم)ل أحوال)ه كم)ا في قول)ه‪{ :‬نحن‬
‫أولوا قوة} [النمل‪ ،)2("]33 :‬وق))ال الجرج))اني‪ :‬الق))وة‪" :‬هي تمكن الحي))وان من األفع))ال الش))اقة"(‪،)3‬‬
‫والق ))وة هي الق ))درة الفّعال ))ة والم ))ؤثرة ال ))تي يمتلكه ))ا الف ))رد أو مجموع ))ة من األف ))راد‪ ،‬ويس ))تطيع من‬
‫خالله) ))ا التحكم أو الت) ))أثير في األح) ))داث والظ) ))روف المحيط) ))ة ب) ))ه‪ ،‬س) ))واًء على المس) ))توى الب) ))دني‪،‬‬
‫العقلي‪ ،‬الشخصي‪ ،‬أو االجتماعي‪.‬‬
‫"وتطلق القوة مجازا على ثبات النفس على مرادها واإلقدام ورباطة الجأش‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬يا‬
‫يحيى خذ الكتاب بقوة} [مريم‪ ]12 :‬وقال‪{ :‬خذوا ما آتيناكم بقوة} [البقرة‪ ، ]63 :‬فوصف‬
‫جبريل ب ذي قوة يجوز أن يكون شدة المقدرة كما وصف بذلك في قوله تعالى‪{ :‬ذو مرة}‬
‫[النجم‪ ، ]6 :‬ويجوز أن يكون في القوة المجازية وهي الثبات في أداء ما أرسل به كقوله تعالى‪:‬‬
‫{علمه شديد القوى} [النجم‪]5 :‬؛ ألن المناسب للتعليم هو قوة النفس‪ ،‬وأما إذا كان المراد محمد‬
‫صلى اهلل عليه وسلم فوصفه ب ذي قوة عند ذي العرش يراد بها المعنى المجازي وهو الكرامة‬
‫واالستجابة له"‪ )4(.‬يبين ابن عاشور أن كلمة "القوة" تطلق في القرآن الكريم بمفهوم مجازي يتعلق‬
‫بمعنى الثبات واإلقدام ورباطة الجأش وشدة العزيمة‪ ،‬ويظهر هذه سياقات متعددة‪ ،‬مثل ذكر‬
‫جبريل بصفة "ذي القوة"‪ ،‬وكذلك في توجيهات لألنبياء والرسل للتمسك بالقوة والثبات في أداء‬
‫رسالتهم وتعاليمهم‪ ،‬ويمكن استخدام كلمة "القوة" في القرآن الكريم بمفهوم مجازي يرمز إلى‬
‫القدرة على التحمل والصمود والثبات في األمور الحياتية المختلفة‪ .‬وتطلق أيضا على سبب شدة‬
‫التأثير‪ ،‬فقوة الجيش شدة وقعه على العدو‪ ،‬وقوته أيضا سالحه وعتاده‪ ،‬ويتجلى ذلك من خالل‬
‫اتخاذ السيوف والرماح واألقواس والنبال في جيوش العصور السابقة‪ ،‬واستخدام الدبابات‬
‫والمدافع والطيارات والصواريخ في الجيوش الحالية(‪.)5‬‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪،30‬ص‪.412‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،21‬ص‪.57‬‬
‫‪ )(3‬الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.179‬‬
‫‪ )(4‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.‬ج‪،30‬ص‪.155‬‬
‫‪ )(5‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،10‬ص‪.55‬‬

‫‪45‬‬
‫القوة ال تقتصر فقط على القدرات البدنية‪ ،‬بل تتعدى ذلك لتشمل القدرات الذهنية والحواس‬
‫الباطنية‪ ،‬حيث تظهر في أجزاء متنوعة من الجسم‪ ،‬سواًء األعضاء الظاهرة كاليدين والرجلين‪،‬‬
‫أو األعضاء الداخلية كالدماغ والحواس الخمس العقلية‪ ،‬قال ابن عاشور ‪":‬والقوة حقيقتها حالة في‬
‫الجسم يتأتى له بها أن يعمل ما يشق عمله في المعتاد فتكون في األعضاء الظاهرة مثل قوة‬
‫اليدين على الصنع الشديد‪ ،‬والرجلين على المشي الطويل‪ ،‬والعينين على النظر للمرئيات الدقيقة‪.‬‬
‫وتكون في األعضاء الباطنة مثل قوة الدماغ على التفكير الذي ال يستطيعه غالب الناس‪ ،‬وعلى‬
‫حفظ ما يعجز عن حفظه غالب الناس ومنه قولهم‪ :‬قوة العقل‪ .‬وسمى الحكماء الحواس الخمس‬
‫(‪)1‬‬
‫العقلية بالقوى الباطنية وهي الحافظة‪ ،‬والواهمة‪ ،‬والمفكرة‪ ،‬والمخيلة‪ ،‬والحس المشترك"‪.‬‬
‫اهلل هو من يمد اإلنسان بهذه القوة قال تعالى‪ِ{ :‬إَّنا َم َّكَّنا َلُه ِف ي اَأْلْر ِض َو آَتْي َناُه ِم ْن ُك ِّل‬
‫َش ْي ٍء َس َبًبا} [الكهف‪" ،]84 :‬والتمكين في األرض تقوية التصرف في منافع األرض واإلستظهار‬
‫بأسباب الدنيا‪ ،‬بأن يكون في منعة من العدو وفي سعة في الرزق وفي حسن حال"‪)2(.‬تكمن جميع‬
‫أشكال القوة والعزم في إرادة اهلل العليا‪ ،‬فالقوة التي يتحلى بها اإلنسان‪ ،‬سواء كانت بدنية أو‬
‫عقلية‪ ،‬هي نتيجة إلرادة اهلل وعنايته الدائمة‪ ،‬فإن القدرة على التحمل والتصدي للصعوبات‬
‫وتحقيق اإلنجازات تأتي بفضل إرادته الحكيمة‪ ،‬لوالها لما كان لإلنسان القدرة على بلوغ مراتب‬
‫القوة والتميز‪ .‬لذا‪ ،‬يجب أن ُي شعرنا كل نجاح وكل إنجاز بدور إرادة اهلل في منحنا القوة‬
‫والعزيمة لنتفوق ونبلغ األهداف التي نسعى إليها‪ ،‬قال ابن عاشور‪" :‬القوى كلها موهبة من اهلل‬
‫تعالى ال تؤثر إال بإعانته بسالمة األسباب واآلالت المفكرة والصانعة"‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫أن اهلل ُيمِّهد للبشر القوة والقدرة‪ ،‬لكنه في الوقت نفسه ُيراقب كيفية استخدامهم لهذه القوة‪.‬‬
‫فعندما يستخدم اإلنسان قوته في سبيل الخير‪ ،‬وُيسهم في تحقيق العدل والمعروف‪ ،‬ويعمل في‬
‫إطار القيم اإلنسانية والمبادئ االسالمية السامية‪ ،‬فيظهر دعم اهلل له وتأييده اياه‪ .‬لكن عندما‬
‫يتجاوز اإلنسان حدود العدل ويسيء استخدام قوته في الظلم والفساد‪ ،‬ويخالف مراد اهلل‬
‫وتوجهاته‪ ،‬وقد ُينزع اهلل تلك القوة عنه‪ ،‬قال تعالى‪َ{:‬أَلَخ ْذ َنا ِم ْن ُه ِب اْلَيِم يِن } [الحاقة‪ ،]45 :‬قال ابن‬
‫عاشور‪ :‬أي سلبنا عنه القوة‪ ،‬ويتضح أن اهلل ليس فقط خالًقا للقوة بل هو المراقب والقاضي‬
‫العادل الذي ُيحاسب البشر على كيفية استخدامهم لتلك القوة‪.‬‬
‫الطعام الصحي لإلنسان هو مفتاح قوته وصحته‪ ،‬فعندما يكون الطعام الذي يتناوله متوازًنا‬
‫وغنًي ا بالعناصر الغذائية‪ ،‬يشعر بالراحة ويحصل على القوة الالزمة لمواجهة التحديات اليومية‪.‬‬
‫فاألكل السليم ليس مجرد شعور بلذة المأكول وتخفيف شعور الجوع فقط‪ ،‬بل يمنح اإلنسان القوة‬
‫الجسدية والصحة الجيدة‪ ،‬وكما ُيعبر القرآن عن هذا األمر بوضوح‪ :‬قال تعالى‪َ {:‬فُك ُلوا ِم َّم ا‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪،9‬ص‪.99‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪،7‬ص‪139‬‬
‫‪ )(3‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.‬ج‪،15‬ص‪.324‬‬

‫‪46‬‬
‫َغ ِنْم ُتْم َح اَل اًل َطِّيًبا َو اَّتُقوا الَّلَه ِإَّن الَّلَه َغُفوٌر َر ِح يٌم } [األنفال‪ُ ،]69 :‬تظهر اآليات القرآنية‬
‫الكريمة أهمية اختيار الطعام الحالل الطيب‪ ،‬مما يدل على رحمة اهلل واهتمامه بصحة اإلنسان‪،‬‬
‫قال ابن عاشور‪ ":‬وعبر عن االنتفاع الهنيء باألكل‪ :‬ألن األكل أقوى كيفيات االنتفاع بالشيء‪،‬‬
‫فإن اآلكل ينعم بلذاذة المأكول وبدفع ألم الجوع عن نفسه‪ -‬ودفع األلم لذاذة‪ -‬ويكسبه األكل قوة‬
‫وصحة‪ -‬والصحة مع القوة لذاذة أيضا"(‪.)1‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الضعيفة‬
‫والض ))عف‪" :‬ع ))دم الق ))درة على األعم ))ال الش ))ديدة والش ))اقة‪ ،‬ويك ))ون في عم ))وم الجس ))د وفي‬
‫بعضه وتنكيره للتنويع‪ ،‬وهو ضعف الرهبة من لق)اء الع)دد الكث)ير في قل)ة"(‪ ،)2‬أو خ)ور الق)وة حس)ًيا‬
‫ومعنوًيا‪ ،‬وهي من اهلل – ع)ز وج)ل‪ ،-‬ويك)ون الض)عف في النفس‪ ،‬وال)دين‪ ،‬والب)دن‪ ،‬والح)ال(‪ ،)3‬أو‬
‫كم))ا أرى انه))ا‪ :‬ع))دم الق))درة أو االس))تعداد الكام))ل للقي))ام بش))يء معين ب))القوة أو الكف))اءة المطلوب))ة‪.‬‬
‫ويج))وز في ض))اد (ض))عف) الض))م والفتح‪ ،‬وق))د ق))رئ بهم))ا فق))رأه الجمه))ور‪ -‬بض))م الض))اد‪ -‬وق))رأه‬
‫عاص))م‪ ،‬وحم))زة‪ ،‬وخل))ف‪ -‬بفتح الض))اد‪ .-‬ووق))ع في كت))اب «فق))ه اللغ))ة» للثع))البي أن الفتح في وهن‬
‫الرأي))ة والعق))ل‪ ،‬والض))م في وهن الجس))م‪ ،‬وأحس))ب أنه))ا تفرق))ة طارئ))ة عن))د المول))دين‪ ،)4(.‬يقص))د ابن‬
‫عاشور بقول)ه عب)ارة أنه)ا تفرق)ة طارئ)ة عن)د المول)دين‪ :‬أنه)ا ليس)ت قاع)دة ثابت)ة على ال)دوام‪ ،‬فيمكن‬
‫أن يق))رأ ض))عف ب))الفتح ويقص))د به))ا وهن الجس))م والعكس ص))حيح‪ ،‬وأن أص))ل الض))عف ه))و ض))عف‬
‫ال) ) ))ذات‪ :‬كالجس) ) ))م في قول) ) ))ه تع) ) ))الى‪ :‬رب إني وهن العظم م) ) ))ني [م) ) ))ريم‪ ، ]4 :‬والحب) ) ))ل في ق) ) ))ول‬
‫زه))ير‪:‬فأص))بح الحب))ل منه))ا خلق))ا‪ ،‬ويمكن أن ي))أتي على س))بيل المج))از فتك))ون بمع))نى خ))ور العزيم))ة‬
‫وضعف اإلرادة وانقالب الرجاء يأسا(‪ ،)5‬ويمكن أن تأتي بمعنى‬

‫يعلم اهلل عز وجل ضعف قوتنا وقلة حيلتنا فيخفف عنا ما هو صعب وشديد قال تعالى‪ { :‬اآْل َن‬
‫َخ َّفَف الَّلُه َع ْنُك ْم َو َع ِلَم َأَّن ِفيُك ْم َض ْع ًفا }‪[ 6‬األنفال‪ ،]66 :‬وقال ابن عاشور أن جملة أن فيكم‬
‫ضعفا في موضع الحال‪ ،‬أي اهلل يخفف عنكم وهو يعلم مسبقا أن فيكم ضعًفا(‪.)7‬‬
‫وكان المسلمين قبل الهجرة هم الضعفاء‪ ،‬ق))ال تع))الى‪َ{ :‬و اْذ ُك ُر وا ِإْذ َأْن ُتْم َقِليٌل ُم ْس َتْض َعُفوَن‬
‫ِم َّط ِت َّل‬ ‫َّط‬ ‫ِف‬
‫ي اَأْلْر ِض َتَخ اُفوَن َأْن َيَتَخ َفُك ُم الَّن اُس َف آَو اُك ْم َو َأَّي َد ُك ْم ِبَنْص ِر ِه َو َر َز َقُك ْم َن ال ِّيَب ا َلَع ُك ْم‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪،10‬ص‪.79‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪،10‬ص‪70‬‬
‫‪)(3‬نضرة النعيم في مكارم أخالق الرسول الكريم‪ .‬ج‪ ،10‬ص‪.4787‬‬
‫‪ )(4‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪،10‬ص‪.70‬‬
‫‪ )(5‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،4‬ص‪.98‬‬
‫() اآلية كاملة ‪ { ،‬اآْل َن َخ َّف َف ُهَّللا َع ْنُك ْم َو َع ِلَم َأَّن ِفيُك ْم َضْع ًفا َف ِإْن َي ُك ْن ِم ْنُك ْم ِماَئ َص اِبَر ٌة َي ْغ ِلُبوا ِماَئَت ْي ِن َو ِإْن َي ُك ْن ِم ْنُك ْم ْل ٌف َي ْغ ِلُبوا ْلَف ْي ِن‬
‫َأ‬ ‫َأ‬ ‫ٌة‬ ‫‪6‬‬

‫ْذ‬
‫ِبِإ ِن ِهَّللا َو ُهَّللا َمَع الَّص اِبِر يَن } [األنفال‪]66 :‬‬
‫‪ )(7‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،10‬ص‪.69‬‬

‫‪47‬‬
‫َتْشُك ُر وَن } [األنف=ال‪ ،]26 :‬وق))ال ابن عاش))ور‪ :‬والمع))نى ت))ذكير المؤم))نين بأي))ام إق))امتهم بمك))ة قليال‬
‫مستض) ))عفين بين المش) ))ركين‪ ،‬ف) ))إنهم ك) ))انوا حينئ) ))ذ طائف)))ة قليل) ))ة الع) ))دد ق) ))د جف ))اهم ق) ))ومهم وع)))ادوهم‬
‫فص))اروا ال ق))وم لهم وك))انوا على دين ال يعرف))ه أح))د من أه))ل الع))الم فال يطمع))ون في نص))ر مواف))ق‬
‫لهم في دينهم وإ ذا ك) ))انوا ك) ))ذلك وهم في مك) ))ة فهم ك) ))ذلك في غيره) ))ا من األرض ف) ))آواهم اهلل ب) ))أن‬
‫ص))رف أه))ل مك))ة عن استيص))الهم ثم ب))أن قيض األنص))ار أه))ل العقب))ة األولى وأه))ل العقب))ة الثاني))ة‪،‬‬
‫فأسلموا وصاروا أنصارا لهم بيثرب‪ ،‬ثم أخرجهم من مكة إلى بالد الحبشة فئاواهم بها‪ ،‬ثم أمرهم‬
‫ب))الهجرة إلى ي))ثرب فئ))اواهم به))ا‪ ،‬ثم ص))ار جمي))ع المؤم))نين به))ا أع))داء للمش))ركين فنص))رهم هنال))ك‬
‫على المشركين يوم ب)در‪ ،‬فاهلل ال)ذي يس)ر لهم ذل)ك كل)ه قب)ل أن يك)ون لهم في)ه كس)ب أو تعم)ل‪ ،‬أفال‬
‫يك))ون ناص))را لهم بع))د أن ازدادوا وع)زوا وس))عوا للنص))ر بأس))بابه‪ ،‬وأفال يس))تجيبونهم ل))ه إذا دع)اهم‬
‫أب ))رز ابن عاش ))ور‬ ‫لم ))ا يح ))ييهم وح ))الهم أق ))رب إلى النص ))ر منه ))ا ي ))وم ك ))انوا قليال مستض ))عفين‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫تحول حال المسلمين من الضعف واالس)تكانة إلى الق)وة وال)دعم ال)ذي حظ)وا ب)ه من اهلل ع)ز وج)ل‪،‬‬
‫إذ اس))تطاعوا مواجه))ة الظلم واالض))طهاد ال))ذي تعرض))وا ل))ه من قب))ل المش))ركين بالص))بر والتحم))ل‪،‬‬
‫فتغير حالهم بسبب إيمانهم الصادق وثقتهم الكامل)ة باهلل‪ ،‬ف)أنعم اهلل عليهم ب)األمن واألم)ان والنص)ر‪،‬‬
‫إن النص))ر والتغي))ير ال))ذي حظي ب))ه المس))لمون لم يكن ناتًج ا فق))ط عن ق))وتهم الداخلي))ة وإ يم))انهم‪ ،‬ب))ل‬
‫كانت إرادة اهلل الس)خية هي العام)ل الرئيس)ي في انتق)الهم من الض))عف والخ)وف إلى الثق)ة والتمكين‬
‫والقوى‪.‬‬
‫"ومض) ))مون ه) ))ذه اآلي) ))ة ص) ))ادق أيض) ))ا على المس) ))لمين في ك) ))ل عص) ))ر من عص) ))ور النب) ))وة‬
‫والخالف) ))ة الراش) ))دة‪ ،‬فجم) ))اعتهم لم ت) ))زل في ازدي) ))اد ع) ))زة ومنع) ))ة‪ ،‬ولم ت) ))زل منص) ))ورة على األمم‬
‫العظيم) ))ة ال) ))تي ك) ))انوا يخافونه) ))ا من قب) ))ل أن يؤمن) ))وا‪ ،‬فق) ))د نص) ))رهم اهلل على ه) ))وازن ي) ))وم ح) ))نين‪،‬‬
‫ونصرهم على الروم يوم تبوك ونصرهم على الفرس يوم القادسية‪ ،‬وعلى ال)روم في مص)ر‪ ،‬وفي‬
‫برق ) ))ة‪ ،‬وفي إفريقي ) ))ة‪ ،‬وفي بالد الجاللق ) ))ة‪ ،‬وفي بالد الفرنج ) ))ة من أوروب ) ))ا‪ ،‬فلم ) ))ا زاغ المس ) ))لمون‬

‫وتفرقوا أخذ أمرهم يقف ثم ينقبض ابتداء من ظه)ور ال)دعوة العباس)ية‪ ،‬وهي أعظم تف)رق وق)ع في‬
‫الدولة اإلسالمية‪.‬وقد نبههم اهلل تعالى بقوله‪ :‬لعلكم تشكرون فلما أعطوا حق الش))كر دام أم))رهم في‬
‫تصاعد‪ ،‬وحين نسوه أخذ أمرهم في تراجع وهلل عاقبة األمور"‪ )2(.‬االنتصارات التاريخية للمسلمين‬
‫تجسد دعم اهلل المستمر لهم‪ ،‬ولكن ه)ذا النعم)ة تطلب الحف)اظ عليه)ا وش)كرها‪ ،‬خاص)ة نعم)ة النص)ر‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،9‬ص‪.319‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،9‬ص‪.319‬‬

‫‪48‬‬
‫والتمكين التي منحها اهلل للمسلمين‪ ،‬فإن ش)كر اهلل ُيعت)بر العام)ل األساس)ي في الثب)ات أم)ام األع)داء‪،‬‬
‫وأي تقصير في هذا الشكر يمكن أن يؤدي إلى الهزيمة والضعف‪.‬‬
‫وال أق===ول لكم عن===دي خزائن اهلل وال أعلم الغيب وال أق===ول إني مل===ك وال أق===ول لل===ذين‬
‫تزدري أعينكم لن يؤتيهم اهلل خيرا اهلل أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين (‪)31‬‬
‫"وجع))ل انتف))اء علم اإلنس))ان عن))د أرذل العم))ر عل))ة ل))رده إلى أرذل العم))ر باعتب))ار أن))ه عل))ة‬
‫غائي))ة ل))ذلك ألن))ه مم))ا اقتض))ته حكم))ة اهلل في نظ))ام الخل))ق فك))ان حص))وله مقص))ودا عن))د رد اإلنس))ان‬
‫إلى أرذل العم ))ر‪ ،‬ف ))إن ض ))عف الق ))وى الجس ))مية يس ))تتبع ض ))عف الق ))وى العقلي ))ة‪ .‬ول ))ذلك م ))راتب في‬
‫ضعف العقل بحسب توغله في أرذل العمر تبلغ إلى مرتبة انعدام قبوله لعلم جدي)د‪ ،‬وقبله)ا م)راتب‬
‫(‪)1‬‬
‫من الضعف متفاوتة كمرتبة نسيان األشياء ومرتبة االختالط بين المعلومات وغير ذلك"‪.‬‬
‫ال يمكن أن يك))ون اإلنس))ان ق))وي في ج))انب وض))عيف في ج))انب آخ))ر؛ ألن اإلنس))ان ُيش))كل‬
‫وح) ))دة مترابط) ))ة‪ ،‬فالض) ))عف في ج) ))انب واح) ))د يمكن أن ي) ))ؤثر على الج) ))وانب األخ) ))رى من حيات) ))ه‪،‬‬
‫فضعف القوى الجسمية ق))د ي)ؤثر على الق)وى العقلي)ة لإلنس)ان م)ع تقدم)ه في العم)ر‪ ،‬مم)ا ي)ؤدي إلى‬
‫صعوبة استيعاب العلوم وقبول األفكار الجديدة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التابعة للعدد‬
‫المطلب األول‪ :‬األفراد‬
‫في الق))رآن الك))ريم‪ ،‬نج))د تنوًع ا في ال))ذكر لألف))راد والشخص))يات‪ ،‬حيث ُيش))ير الق))رآن الى‬
‫أسماء بعضهم صراحة وبشكل محدد‪ ،‬بينما تظل أسماء البعض اآلخر غامضة وُتس))تخدم كرم))وز‪.‬‬
‫وهذه الرموز والشخصيات تمثل جزًء ا من السرد القرآني‪ ،‬وُتس))تخدم لغ))رض الع))برة والتأم))ل‪ ،‬مم))ا‬
‫يض))في على الق))رآن الك))ريم عمًق ا وتعقي )ًد ا ُيحف))ز على الدراس))ات والبح))وث لفهم الرم))وز والمع))اني‬
‫الكامنة وراءها‪.‬‬
‫من األف==راد ال==ذين ذك==روا ص==راحة في الق==رآن الك==ريم‪ :‬محم==د‪ ،‬اب==راهيم‪ ،‬لقم==ان‪ ،‬ق==ارون‪،‬‬
‫فرعون‪ ،‬إبليس‪.‬‬
‫أوال‪ :‬محمد‬
‫ِت‬ ‫ِلِه‬ ‫ِم‬ ‫في قوله تعالى‪َ { :‬و َم ا ُم َح َّم ٌد ِإاَّل َر ُس وٌل‬
‫َقْد َخ َلْت ْن َقْب الُّر ُس ُل َأَفِإ ْن َم اَت َأْو ُق َل اْنَقَلْب ُتْم‬
‫الَّلَه َش ْي ًئا َو َس َيْج ِز ي الَّلُه الَّش اِك ِر يَن } [آل عمران‪:‬‬ ‫َع َلى َأْع َقاِبُك ْم َو َم ْن َيْنَقِلْب َع َلى َع ِق َبْي ِه َفَلْن َيُض َّر‬
‫‪]144‬‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،17‬ص‪.202‬‬

‫‪49‬‬
‫محم ))د‪ ،‬اس ))م رس ))ول اهلل ص ))لى اهلل علي ))ه وس ))لم‪ ،‬ه ))و محم ))د بن عب ))د اهلل بن عب ))د المطلب‪.‬‬
‫وكان قد ُسّم ي بهذا االسم من قب)ل ج)ده عب)د المطلب‪ .‬وتم)نى ج)ده عب)د المطلب أن يحم)دوا الن)اس‬
‫حفيده فسماه ب "محم)د"‪ .‬وقي)ل لم يحم)ل أي ع)ربي ه)ذا اإلس)م قب)ل والدة س)يدنا "محم)د" رس)ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬وقي)ل أن هن)اك ثالث)ة أش)خاص فق)ط من الع)رب ارتب)ط اس)مهم بـ "محم)د" قب)ل‬
‫والدة رس ))ول اهلل‪ ،‬وهم‪ :‬محم ))د بن س ))فيان بن مجاش ))ع‪ ،‬ج ))د ج ))د الف ))رزدق‪ ،‬ومحم ))د بن أحيح ))ة بن‬
‫الجالح األوس ))ي‪ .‬ومحم ))د بن حم ))ران من قبيل ))ة ربيع ))ة‪ .‬واس ))م "محم ))د" مش ))تق من االس ))م المفع ))ول‬
‫"حم) ))د"‪ ،‬ويع) ))ني ُأك) ))ثر من حم) ))ده‪ ،‬والرس) ))ول فع) ))ول بمع) ))نى مفع) ))ول مث) ))ل ق) ))ولهم‪ :‬حل) ))وب ورك) ))وب‬
‫وج))زور(‪ .)1‬ذك))ر ابن عاش))ور نس))ب الن))بي محم))د ص))لى اهلل علي))ه وس))لم وس))بب تس))ميته به))ذا اإلس))م‪،‬‬
‫وأقوال العلماء بوجود أفراد قبل سيدنا محمد عليه الصالة والسالم اسمهم محمد‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ابراهيم‬
‫في قوله تعالى‪َ { :‬و ِإِذ اْب َتَلى ِإْب َر اِه يَم َر ُّبُه ِبَك ِلَم اٍت َفَأَتَّم ُه َّن َقاَل ِإِّني َج اِع ُلَك ِللَّناِس ِإَم اًم ا‬
‫َقاَل َو ِم ْن ُذ ِّر َّيِت ي َقاَل اَل َيَناُل َعْه ِد ي الَّظاِلِم يَن } [البقرة‪ ،]124 :‬إبراهيم اسم الرسول العظيم‬
‫الملقب بالخليل وهو إبراهيم بن تارح بن ناحور بن سروج‪ ،‬ابن رعو‪ ،‬ابن فالح‪ ،‬ابن عابر ابن‬
‫شالح ابن أرفكشاد‪ ،‬ابن سام ابن نوح‪ ،‬وهذا تقول التوراة‪ .‬إبراهيم في اللغة الكلدانية يعني األب‬
‫الرحيم‪ ،‬وفي التوراة اسم إبراهيم هو إبرام‪ ،‬وعندما أوحى إليه وكلمه أمره أن يسمى إبراهيم‬
‫ألنه جعله أبا ألمم كثيرة ‪ ،‬فمعنى إبراهيم على هذا أبو أمم كثيرة‪.‬ولد في أور الكلدانيين قبل‬
‫ميالد المسيح عام ‪ ،1996‬ونقله والده فيما بعد إلى أرض كنعان (أي أرض الفينيقيين)‪ ،‬حيث‬
‫عاشوا في حاران (حوران)‪.‬وبعد ذلك‪ ،‬بسبب القحط في حوران غادرها‪ ،‬وذهب إلى مصر‪ ،‬مع‬
‫زوجته سارة‪ .‬وهناك رام ملك مصر افتكاك سارة‪ ،‬فرأى آية صرفته عن شهواته‪ ،‬فاحترمها‬
‫وأعطاها جارية مصرية‪ ،‬اسمها هاجر‪ ،‬أم إسماعيل‪ ،‬ووضع ابنه إسماعيل وأمه هاجر في وادي‬
‫مكة‪ .‬ولما كبر إسماعيل أسس إبراهيم البيت الحرام في مكة المكرمة‪ ،‬وتوفي إبراهيم قبل ميالد‬
‫المسيح عام ‪.1773‬‬
‫ُي عرف في اللغة العربية بأسماء مختلفة؛ إحداها "إبراهيم" وهي الشائعة والتي اعتمدها‬
‫الجمهور‪ .‬الثانية هي "إبراهام"‪ ،‬وقد قرأ بها هشام عن ابن عامر‪ ،‬أما الثالثة فهي "إبراهم"‪ ،‬وقد‬
‫وقعت في رجز لزيد بن عمرو بن نفيل‪ .‬وُذ كر في إبراهيم ست لغات‪ :‬إبراهيم‪ ،‬إبراهام‪،‬‬
‫إبراهوم‪ ،‬إبراهم‪( ،‬بكسر الهاء) ‪ ،‬إبراهم (بفتح الهاء) إبراهم (بضم الهاء)‪ .‬وقرأ الجمهور‬
‫بالقراءة األولى وبعضهم بالثانية في ثالثة وثالثين موضعا‪ )2(.‬يوضح ابن عاشور في تفسيره اسم‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،4‬ص‪.110‬‬


‫‪ )(2‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪32 ،6‬ص‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫سيدنا إبراهيم عليه السالم ومعناه‪ ،‬ونسبته‪ ،‬ويسلط الضوء على مكان والدته واألسباب التي‬
‫دفعته لهجرته إلى مصر‪ .‬يتطرق أيًض ا إلى األسماء التي اشتهر بها اسم إبراهيم في اللغة‬
‫العربية‪ ،‬ويسلط الضوء على القراءات المتنوعة السمه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬لقمان‬
‫في قوله تعالى‪َ { :‬لَقْد آَتْي َنا ُلْق اَن اْلِح ْك َة َأِن اْش ُك ِلَّل ِه ْن ْش ُك َفِإَّن ا ْش ُك ِلَنْفِس ِه‬
‫َو َم َي ْر َم َي ُر‬ ‫ْر‬ ‫َم‬ ‫َم‬ ‫َو‬
‫َو َم ْن َك َفَر َفِإ َّن الَّلَه َغ ِن ٌّي َح ِم يٌد } [لقمان‪]12 :‬‬
‫"لقم))ان" ه))و اس))م ممن))وع من الص))رف بس))بب زي))ادة األل))ف والن))ون‪ ،‬مس))تمد من اللقم‪ ،‬اس))م‬
‫ابن)ه ك)ان لقيم‪ ،‬واس)م وال)ده ك)ان ب)اعوراء‪ ،‬وردت في)ه رواي)ات ض))عيفة‪ ،‬في ل)ون بش)رته وقي)ل أنه)ا‬
‫سوداء‪ ،‬واختلفوا من أصله‪ ،‬وقيل أن)ه من الحبش)ة أو من بالد النوب)ة‪ .‬وتم التش)كيك في م)ا إذا ك)ان‬

‫نبي )ًا أم رجًال حكيم )ًا‪ ،‬وال))رأي األول‪ :‬وه))و ق))ول الجمه))ور ويأي))ده ابن عاش))ور‪ :‬ه))و أن))ه ك))ان رجاًل‬
‫حكيًم ا وصالًح ا‪ ،‬ويتجلى ذلك في اآليات المتعلقة به‪ ،‬حيث لم ُيذكر فيها أن اهلل أنزل عليه الوحي‪.‬‬
‫ُيظهر ذلك أيًض ا في قوله تعالى‪{ :‬وهو يعظه} [لقمان‪ ،]13 :‬ال)ذي يش)ير إلى أن)ه ك)ان يتعلم ويع)ظ‬
‫بالتع) ))اليم دون أن يك) ))ون ل) ))ه تش) ))ريع مباش) ))ر من اهلل أوت) ))بيلغ‪ .‬وال) ))رأي الث) ))اني وه) ))و رأي عكرم) ))ة‬
‫والش))عبي‪ :‬أن لقم))ان ن))بي ألن))ه وص))ف بالحكم))ة‪ ،‬والحكم))ة الم))راد به))ا النب))وة أطلقت على كث))ير من‬
‫األنبياء في القرآن الكريم‪ ،‬مثل قوله تع))الى‪{ :‬وآتيناه الحكمة وفص==ل الخط==اب} [ص‪ ،]20 :‬ع))اش‬
‫في بالد إسرائيل في زمن داوود‪ ،‬ت)رد أق)وال متنوع)ة ح)ول مهنت)ه‪ ،‬حيث قي)ل أن)ه ك)ان عب)ًد ا ُأعتق)ه‬
‫سيده‪ ،‬وقيل ك)ان قاض)ًيا‪ ،‬أو راعًي ا للغنم‪ ،‬أو نج)اًر ا‪ ،‬أو ح)تى خياًط ا‪ .‬ذك)ر ابن كث)ير أن)ه ك)ان عب)ًد ا‬
‫لقبيلة بني الحساس‪ )1( .‬بين ابن عاشور اسم لقمان ونسبه وأقوال العلماء في نبوته‪ ،‬ومهنته‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬فرعون‬
‫في قول))ه تع))الى‪َ { :‬و َج اَو ْز َن ا ِبَبِن ي ِإْس َر اِئ يَل اْلَبْح َر َف َأْتَبَعُهْم ِف ْر َع ْو ُن َو ُج ُن وُدُه َبْغ ًي ا َو َع ْد ًو ا‬
‫َح َّتى ِإَذ ا َأْد َر َك ُه اْلَغ َر ُق َق اَل آَم ْن ُت َأَّن ُه اَل ِإَل َه ِإاَّل اَّل ِذ ي آَم َنْت ِب ِه َبُن و ِإْس َر اِئيَل َو َأَن ا ِم َن اْلُم ْس ِلِم يَن }‬
‫[يونس‪]90 :‬‬
‫فرعون هو ملك مصر‪ ،‬وهو رعمسيس الثاني‪ ،‬والملك الثالث من ملوك العائلة التاسعة‬
‫عشرة للفراعنة‪ ،‬ولد موسى عليه السالم في زمانه‪ ،‬وكان ديكتاتوريا شديد السطوة(‪ ،)2‬كان يعبد‬
‫كإله‪ ،‬وكانت الطاعة له تعتبر طاعة لآللهة‪ .‬ووفًقا البن جريج‪ ،‬كان هذا الفرعون قصير القامة‬
‫ولون بشرته أحمر‪ ،‬وال يوجد شك في أنه توفي غريًقا في البحر‪ .‬وبعد الغرق‪ُ ،‬يقال أن جثته‬
‫‪ )(1‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،21‬ص‪149‬‬
‫‪ )(2‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،20‬ص‪.67‬‬

‫‪51‬‬
‫خرجت وُد ِف نت في وادي الملوك في صعيد مصر‪ .‬فذكر المنقبون عن اآلثار أنه وجد قبره هناك‪،‬‬
‫وهذا يتناسب مع قوله تعالى‪َ{ :‬فاْلَيْو َم ُنَنِّج يَك ِب َبَد ِن َك ِلَتُك وَن ِلَم ْن َخ ْلَفَك آَيًة َو ِإَّن َك ِثيًر ا ِم َن الَّناِس‬
‫َع ْن آَياِت َنا َلَغ اِف ُلوَن } [يونس‪ .]92 :‬ووجود قبر له ال ينافي أن يكون مات غريقا‪ ،‬وإ ن كان‬
‫مؤرخو القبط لم يتعرضوا لصفة موته‪ ،‬ألن الكهنة أجمعوا على إخفائها حتى ال يتطرق الشك‬
‫حول إلهيته وما يمجده الكهنة وقد جاء ذكر غرق فرعون في التوراة في اإلصحاح الرابع عشر‬
‫من سفر الخروج بعبارات مختلفة الصراحة واإلغالق‪ )1(.‬عين ابن عاشور اسم فرعون وصفاته‪،‬‬
‫ومكان غرقه‬
‫خامسا‪ :‬إبليس‬

‫في قول))ه تع))الى‪َ{ :‬و ِإْذ ُقْلَنا ِلْلَم اَل ِئَك ِة اْس ُج ُد وا آِل َد َم َفَس َج ُد وا ِإاَّل ِإْب ِليَس َأَبى َو اْس َتْك َبَر َو َك اَن‬
‫ِم َن اْلَك اِفِر يَن } [البقرة‪]34 :‬‬
‫ابليس هو اسم الشيطان األول الذي ُيعتبر مولًد ا للشياطين‪ ،‬ويشغل موقًع ا للشياطين‬
‫والجن بالمنزلة التي يشغلها آدم لإلنسان‪ُ .‬يعتبر إبليس اسًم ا معَّر ًبا لم ُيحدد مصدره بوضوح من‬
‫ِق بل أهل اللغة العربية‪ ،‬وتم تعريب االسم‪ ،‬وُيشير هذا إلى أن العرب قد فضلوا عدم صرفه‪ ،‬وال‬
‫سبب فيه سوى العلمية والعجمة ولهذا جعل الزجاج همزته أصلية‪ ،‬وقالوا إن وزن الكلمة هو‬
‫فعليل‪ .‬وقد أوضح أبو عبيدة أن "إبليس" هو اسم عربي مشتق من "اإلبالس"‪ ،‬الذي يعني االبتعاد‬
‫عن الخير واليأس من الرحمة‪ .‬ورغم أن هذا المشتق ُيعتبر جيًد ا‪ ،‬إال أنهم قرروا منع صرفه ألنه‬
‫لم يكن له نظير في األسماء العربية‪ ،‬ولذلك جعلوا وزنه إفعيل‪ ،‬وأشاروا إلى أن هذا االعتذار قد‬
‫يكون ضعيًفا‪ .‬وعلى الرغم من أن أكثر الدارسين للكلمات المعربة في القرآن قد الحظوا غياب‬
‫(‪)2‬‬
‫اسم "إبليس" من هذه القائمة‪ ،‬إال أنهم لم يفهموا تماًم ا سبب ذلك أو مدى مالئمة االسم للعربية ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أفراد أبهم القرآن باسماءهم‬
‫مرة ال يوضح ابن عاشور من هم األشخاص الذين أبهم اهلل أسمائهم في اآليات مثل قوله تعالى‪:‬‬

‫{َو اْتُل َع َلْي ِه ْم َنَبَأ اْب َنْي آَد َم ِب اْلَح ِّق ِإْذ َقَّر َبا ُقْر َباًنا َفُتُقِّب َل ِم ْن َأَح ِد ِه َم ا َو َلْم ُيَتَقَّب ْل ِم َن اآْل َخ ِر َقاَل‬
‫َأَلْقُتَلَّنَك َقاَل ِإَّنَم ا َيَتَقَّب ُل الَّلُه ِم َن اْلُم َّتِق يَن } [المائدة‪ ،]27 :‬قال ابن عاشور‪" :‬قربانا مشتركا‪ .‬ولم‬
‫يسم اهلل تعالى المتقبل منه والذي لم يتقبل منه إذ ال جدوى لذلك في موقع العبرة"(‪ ،)3‬فبين ابن‬
‫عاشور ان التركيز على النص يجب أن يكون على المعاني والدروس الدينية واألخالقية‬
‫المستفادة من القصة‪ ،‬وليس على األفراد المبهمين في اآلية‪ ،‬وال التفاصيل الجانبية‪.‬‬

‫‪ )(1‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،11‬ص‪.280‬‬


‫‪ )(2‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.424‬‬
‫‪ )(3‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،6‬ص‪170‬‬

‫‪52‬‬
‫ومث))ل قول))ه تع))الى‪َ{ :‬أَلْم َتَر ِإَلى اَّلِذ ي َح اَّج ِإْب َر اِه يَم ِفي َر ِّب ِه َأْن آَت اُه الَّل ُه اْلُم ْل َك } [البق))رة‪:‬‬
‫‪]258‬‬
‫قال ابن عاشور‪ :‬الذي ح)اج إب)راهيم ك)ان من عب)دة األص)نام"(‪ ،)1‬لم ي)ذكر ابن عاش)ور اس)م‬
‫الذي حاج إبراهيم‪ ،‬وال أقوال العلماء في اسمه‪.‬‬

‫وم))رة ي))ذكر أقاوي))ل العلم))اء في أس))ماء األف))راد المبهمين باآلي))ة مث))ل قول))ه تع))الى‪َ{ :‬و اْض ِر ْب‬
‫َلُهْم َم َثاًل َر ُج َلْي ِن َج َع ْلَن ا َأِلَح ِد ِه َم ا َج َّنَتْي ِن ِم ْن َأْع َن اٍب َو َح َفْفَناُهَم ا ِبَنْخ ٍل َو َج َع ْلَن ا َبْي َنُه َم ا َز ْر ًع ا}‬
‫[الكهف‪]32 :‬‬
‫فقال ابن عاشور‪" :‬فقال الكلبي‪ :‬المعني بالرجلين رجالن من بني مخزوم من أهل مكة‬
‫أخوان أحدهما كافر وهو األسود بن عبد األشد‪ -‬بشين معجمة‪ -‬وقيل‪ -‬بسين مهملة‪ -‬بن عبد‬
‫ياليل‪ ،‬واآلخر مسلم وهو أخوه‪ :‬أبو سلمة عبد اهلل بن عبد األشد بن عبد ياليل‪ .‬ووقع في‬
‫«اإلصابة» ‪ :‬بن هالل‪ ،‬وكان زوج أم سلمة قبل أن يتزوجها رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وعن ابن عباس‪ :‬هما أخوان من بني إسرائيل مات أبوهما وترك لهما ماال فاشترى أحدهما‬
‫أرضا وجعل فيها جنتين‪ ،‬وتصدق اآلخر بماله فكان من أمرهما في الدنيا ما قصه اهلل تعالى في‬
‫هذه السورة"(‪ ،)2‬ولم يرجح ابن عاشور أي قول من هذه األقوال على اآلخر‪.‬‬
‫مثل تفسيره لقوله تعالى‪ُ { :‬ع ُتٍّل َبْع َد َذ ِلَك َز ِنيٍم } [القلم‪ ،]13 :‬قال ابن عاشور‪ :‬قيل أريد بالزنيم‬
‫الوليد بن المغيرة ألنه ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة من مولده‪.‬وقيل أريد األخنس بن شريق‬
‫ألنه كان من ثقيف فحالف قريشا وحل بينهم‪ ،‬وأيا ما كان المراد به(‪.)3‬‬
‫ونالح))ظ أن ابن عاش))ور أخ))ذ في االعتب))ار في تفس))يره للق))رآن الك))ريم األف))راد الم))ذكورين‬
‫باالسم‪ ،‬وقدم تفسيرا مفصال لهؤالء األفراد‪ ،‬مشيرًا إلى المفاهيم والرموز المرتبط)ة به)ا‪ .‬بينم)ا لم‬
‫يحدد ابن عاشور الشخصيات المبهم)ة في الق)رآن‪ ،‬ولم يع)ط ت)رجيح ألي من أق)وال المفس)رين فيم)ا‬
‫يتعلق بتحديد األسماء المبهمة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الجماعات‬

‫‪ )(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،3‬ص‪33‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،15‬ص‪.316‬‬
‫‪ )(3‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪،29‬ص‪.74‬‬

‫‪53‬‬
‫الجماعات ُتعرف عادة على أنها مجموعة من األفراد المتآلفين الذين يتشاركون في‬
‫صفات مشتركة ويتعاونون فيما بينهم لتحقيق أهداف محددة‪ ،‬وهذه األهداف تكمن في مجموعة‬
‫واسعة من الميادين‪ ،‬سواء كان ذلك في السياقات االجتماعية أو الثقافية أو السياسية أو الدينية‪،‬‬
‫وتلعب الجماعات دوًر ا هاًم ا في المجتمعات‪ ،‬حيث يمكنها تعزيز التكافل وتعزيز الهوية واالنتماء‬
‫لدى أفرادها‪ ،‬كما يمكن أن تسهم في التنمية والتقدم في العديد من المجاالت‪.‬‬
‫كلمة الجماعة مشتقة من مفهوم الجمع‪ ،‬حيث ترتبط باالجتماع والجمع‪ ،‬وتعبر عن تجمع‬
‫أو تجانس مجموعة من األفراد لغاية مشتركة أو لتحقيق هدف موحد‪ .‬قال ابن منظور‪:‬‬
‫الجماعة ‪" :‬عدد كل شيء وكثرته"(‪)1‬والجمع‪" :‬ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض‪ ،‬وهو ضد‬

‫التفريق‪ ،‬يقال‪ :‬جمعته فاجتمع‪ ،‬ويقال للمجموع‪ :‬جمع وجميع وجماعة"(‪ ،)2‬والجميع "اسم للجماعة‬

‫الذين أمرهم واحد"(‪ ،)3‬والجماعة تشير إلى مجموعة من األفراد الذين يتحدون مًع ا بناء على‬
‫انتماء مشترك أو هدف موحد‪ ،‬ويتميزون بالتفاعل والتعاون لتحقيق أهداف معينة أو لتبادل‬
‫األفكار‪ ،‬وقد تكون الجماعات متنوعة وتختلف في طبيعتها‪ ،‬ولكنها تجمع بين األفراد بغية تحقيق‬
‫هدف مشترك‪.‬‬
‫للفظ الجماعة مرادفات منها‪ :‬أمة‪ ،‬طائفة‪،‬حزب‪ ،‬ثلة‪ ،‬فئة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬األمة‬
‫األمة في اللغة‪":‬الّر ُج ل الجامع للخير‪ ،‬واِإل مام‪ ،‬وجماعٌة َأرسل ِإليهم َر ُس ول‪ ،‬والجيل من‬
‫كل حّى ‪ ،‬والجنس‪ ،‬وَم ن هو على الحّق ‪ ،‬وُم خالف لسائر اَألديان‪ ،‬والِح ين‪ ،‬والقامة‪ ،‬واُألُّم ‪،‬‬
‫والوجه‪ ،‬والنشاط‪ ،‬والَّطاعة‪ ،‬والعاِلم‪ ،‬ومن الوجه‪ُ :‬م عظُم ه‪ ،‬ومن الرجل قومه‪ .‬وُأَّم ه اهلل تعالى‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫َخ ْلقه"‪.‬‬
‫األمة في االصطالح‪" :‬الطائفة من الناس التي تؤم قصدا واحدا‪ :‬من نسب أو موطن أو‬
‫دين‪ ،‬أو مجموع ذلك"‪ )5(.‬ذكر ابن عاشور في تعريفه أبرز العوامل المشتركة التي تربط األفراد‬
‫في األمم‪ ،‬واعتقد يمكن للتعريف أن يشمل عوامل أكثر مثل‪ :‬الفكر والسياسة واالقتصاد وتاريخ‬

‫‪ )(1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ .‬ج‪،8‬ص‪.54‬‬


‫‪ )(2‬االصفهاني‪ ،‬راغب‪ .‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬تحقيق‪:‬صفوان عدنان الداودي‪ ،‬دمشق بيروت‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الدار الشامية‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫‪1992‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪201‬‬
‫‪ )(3‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،27‬ص‪.212‬‬
‫‪ )(4‬الفيروزآبادي‪ ،‬بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز‪ .‬ج‪ ،2‬ص‪.79‬‬
‫‪ )(5‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،4‬ص‪.37‬‬

‫‪54‬‬
‫التعريف الذي أورده ابن عاشور يشير إلى أبرز العوامل المشتركة التي تربط الناس في‬
‫األمم‪ ،‬مثل االنتماء إلى نسب مشتركة أو موطن مشترك أو دين مشترك‪ .‬واعتقد يمكن للتعريف‬
‫أن يشمل جوانب أكثر؛ ألن األمم غالًبا ما تشمل تنوًع ا كبيًر ا في العقائد واألفكار والسياسات‬
‫واالقتصادات والتاريخ والثقافات‪ ،‬وهذه العوامل اإلضافية قد تكون أيًض ا جزًء ا مهما من تشكيل‬
‫األمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحزب‬
‫الحزب في اللغة‪ :‬الحزب‪ ،‬بالكسر‪ :‬الورد‪ ،‬والطائفة‪ ،‬والسالح‪ ،‬وجماعة الناس‪ .‬واألحزاب‪:‬‬

‫جمعه‪ ،‬وحازبوا وتحزبوا‪ :‬صاروا أحزابا‪ ،‬وقد حزبتهم تحزيبا‪.‬‬


‫(‪)1‬‬

‫الحزب في االصطالح‪" :‬اسم للجماعة الذين هم سواء في شأن‪ :‬من اعتقاد أو عمل أو‬
‫عادة"‪ )2(.‬وأرى أنه يمكن تعريف الحزب بأنه‪ :‬مجموعة من األفراد يتشابهون في األفكار أو‬
‫االعتقادات أو األهداف‪ ،‬يعملون مًع ا لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية محددة‪ ،‬ويتمتعون‬
‫بتنظيم داخلي وبرنامج يعكس مبادئهم ويوجه أنشطتهم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬طائفة‬
‫الطائفة في اللغة‪ :‬والطائفة‪ :‬طوف تطويفا وتطوافا‪ .‬والطائفة من الشيء‪ :‬جزء منه‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪َ{ :‬و ْلَيْش َه ْد َع َذ اَبُه َم ا َطاِئَفٌة ِم َن اْلُم ْؤ ِم ِنيَن } [النور‪ ،]2 :‬والطائفة الرجل الواحد إلى األلف‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وقيل‪ :‬الرجل الواحد فما فوقه‪.‬‬
‫الطائفة في االصطالح‪" :‬الجماعة من الناس ذات الكثرة‪ .‬والحق أنها ال تطلق على‬
‫الواحد واالثنين‪ ،‬وإ ن قال بذلك بعض المفسرين من السلف‪ .‬وقد تزيد على األلف كما في قوله‬
‫(‪)4‬‬
‫تعالى‪{ :‬على طائفتين من قبلنا } [األنعام‪." ]156 :‬‬
‫نلحظ أنه يتفق المعنى اللغوي مع المعنى االصطالحي للفظ الطائفة‪ ،‬لكن االختالف حدث‬
‫بين العلماء في تحديد عدد محدد للطائفة‪ ،‬فمرة يقول الفقهاء ‪ :‬إنها أربعة فما فوقها‪ ،‬ومرة‬
‫يقولون‪ :‬هي ثالثة فما فوقها‪ ،‬ومرة يقولون‪ :‬إن الواحد طائفة‪ ،‬وأرجح كالم ابن عاشور بأنها‬
‫تطلق على الثالثة فأكثر‪ ،‬لكن يمكن أن تطلق على الواحد أو االثنين إن قصد بها تعبيرا مجازيا‪.‬‬

‫‪ )(1‬ينظر‪ :‬الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.73‬‬


‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،24‬ص‪.82‬‬
‫‪ )(3‬ينظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ .‬ج‪ ،9‬ص‪.225‬‬
‫‪ )(4‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،5‬ص‪.186‬‬

‫‪55‬‬
‫رابعا‪ :‬فئة‬
‫الفئة في اللغة‪" :‬الفرقة والجماعة من ناس أو من جيش (ِف ْلقة أو ِش ٌّق منهم)‪َ{ :‬ك ِم ْن ِفَئٍة‬
‫ْم‬
‫َقِليَلٍة َغ َلَبْت ِفَئًة َك ِثيَر ًة ِبِإ ْذ ِن الَّلِه }[البقرة‪ .]٢٤ :‬ولم تأت في القرآن إال كلمة (فئة) بهذا المعنى‪،‬‬
‫ومثناها"‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الفئة في االصطالح ‪":‬الجماعة من الناس مشتقة من الفيء وهو الرجوع‪ ،‬ألن بعضهم‬
‫(‪)2‬‬
‫يرجع إلى بعض‪ ،‬ومنه سميت مؤخرة الجيش فئة‪ ،‬ألن الجيش يفيء إليها"‪.‬‬
‫مصطلح فئة هو المصطلح الوحيد الذي لم يأتي في القرآن الكريم إال بمعنى جماعة ولم‬
‫يرد له معاني أخرى‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬و َلْم َتُك ْن َلُه ِفَئٌة َيْن ُص ُر وَنُه ِم ْن ُد وِن الَّلِه َو َم ا َك اَن ُم ْن َتِص ًر ا}‬
‫[الكهف‪.]43 :‬‬
‫خامسا‪ :‬قوم‬
‫القوم في اللغة‪ " :‬الجماعة من الرجال والنساء معا‪ ،‬أو الرجال خاصة‪ ،‬أو تدخله النساء‬
‫(‪)3‬‬
‫على تبعية"‪.‬‬
‫القوم في االصطالح‪" :‬الجماعة من الرجال ويطلق على قبيلة الرجل كما قال عمرو بن‬
‫معدي كرب‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫فلو أن قومي أنقطتني رماحهم ويطلق على األمة"‪.‬‬
‫العلماء اختلفوا في تفسير مصطلح "قوم" إذا كان ُيشير إلى الرجال فقط أو يشمل الرجال‬
‫والنساء‪ ،‬وابن عاشور يرى أنه يطلق بشكل أساسي على الرجال‪ ،‬وبرأيي‪ ،‬يمكن استخدامه‬
‫لإلشارة إلى النساء أيًض ا‪ ،‬لكن االستخدام األكثر شيوًع ا يرتبط بالرجال‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬ثلة‬
‫الثلة في اللغة‪ " :‬الجماعة من الناس‪ ،‬وأصله من ثلة الغنم وهي جماعتها‪ .‬ويقال لصوفها‬
‫أيًض ا‪َ :‬ثلٌة‪ ،‬وذلك بفتح الثاء بخالف ُثلة الناس‪ ،‬فإنها بالضم فقط‪ .‬فباعتبار االجتماع قيل للجماعة‬
‫(‪)5‬‬
‫من الناس‪ُ :‬ثلة‪ ،‬وكأنهم غايروا بين الجماعتين ليقع الفرق"‪.‬‬

‫‪ )(1‬جبل‪ ،‬محمد حسن‪ .‬المعجم االشتقاقي المؤصل أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬ط‪2015 ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.428‬‬
‫‪ )(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪ ،2‬ص‪.495‬‬
‫‪ )(3‬الفيروز آبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.1152‬‬
‫‪ )(4‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ .‬ج‪،2‬ص‪.88‬‬
‫‪ )(5‬الحلبي‪ ،‬أحمد بن يوسف‪ .‬عمدة الحفاظ في تفسير أشرف األلفاظ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باسل عيون السود‪ 1996،‬م‪ ،‬ط‪،1‬ج‪ ،1‬ص‪.284‬‬

‫‪56‬‬
‫الثلة في االصطالح‪" :‬بضم الثاء ال غير‪ :‬اسم للجماعة من الناس مطلقا قليال كانوا أو‬
‫كثيرا‪ ،‬قال الزمخشري إن الثلة‪ :‬األمة الكثيرة من الناس ومحمله على أنه أراد به تفسير معناها‬
‫في هذه اآلية ال تفسير الكلمة في اللغة"‪ُ { )6(.‬ثَّلٌة ِم َن اَأْلَّو ِليَن } [الواقعة‪]13 :‬‬
‫إن التعريفات المُتقدمة لمصطلح "الجماعة" ومرادفاتها‪ ،‬تشير جميعها إلى مجموعة من‬
‫الناس‪ ،‬لكن االختالف يكون في الكم والشمول‪ ،‬حيث يمكن أن ُتستخدم هذه المصطلحات‬
‫بتدرجات مختلفة للدالل ة على عدد األفراد‪ ،‬والتنوع في الشمول يمكن أن يتعلق بالتفرقة بين‬
‫الجماعات الصغيرة والكبيرة‪ ،‬أو بين الجماعات التي قد تشمل جميع الناس‪ ،‬أو وتلك التي تكون‬
‫أكثر تحديًد ا‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫‪ )(6‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪،‬ج‪ ،27‬ص‪.289‬‬

‫‪57‬‬

You might also like