You are on page 1of 541

‫‪.......................

‬‬ ‫الرقم الترتيبي‪:‬‬

‫جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء‬


‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية – المحمدية‬

‫أطروحة الدكتوراه‬

‫مقدمة من طرف السيد‪ :‬لحسن الحسناوي‬

‫تخصص القانون العام والعلوم السياسية‬

‫موضوع األطروحة‪:‬‬

‫التنافس الدولي في إفريقيا مع بداية القرن الواحد والعشرين‬


‫األهداف‪ ...‬الوسائل‪ ...‬واالنعكاسات‬

‫أطروحة مقدمة ومناقشة بـتاريخ ‪ 25‬نونبر ‪ 2017‬أمام لجنة مشكلة من‪:‬‬

‫الدكتور فؤاد بلمخلوف‪ ،‬أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويسي‪/‬‬
‫الرباط ‪ ....‬رئيسا‬
‫الدكتور محمد ملمان‪ ،‬أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪/‬‬
‫المحمدية‪ ........‬مشرفا وعضوا‬
‫الدكتور محمد سليم الورياغلي‪ ،‬أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪/‬‬
‫بالمحمدية‪.......‬عضوا‬
‫الدكتور خالد الشكراوي‪ ،‬أستاذ التعليم العالي بمعهد الدراسات اإلفريقية‪/‬‬
‫الرباط ‪ ............,,,.....................................‬عضوا‬
‫الدكتور المصطفى الرزرازي‪ ،‬أستاذ مبرز بجامعة سابورو غاكوين‪/‬‬
‫اليابان‪ ...................................................................‬عضوا‬
‫إهداء‬
‫إذا أراد المرء أن يهدي أهدى أعز ما يملك‬
‫وال أعز لدي من أفكاري‪ ..‬وطلب العلم الذي أقّد س‬
‫إلـــى اللَذ ين اشترط هللا مرضاته برضاهما‪ ،‬وأودع الرحمة والحب فيهما‪ ..‬إلى من‬
‫كان لهما الفضل في تربيتي وتعليمي وكان لدعائهما المبارك أعظم األثر في َس ير‬
‫سفينة البحث حتى ترسو على هذه الصورة والدّي العزيزين‪:‬‬
‫أّم ي‪ ،‬عنوان الحنان ونبع الحب والعطاء الذي ال ينُض ب‪ ،‬حفظهــا هللا ومــد عمرهــا‬
‫في الصالحات‪.‬‬
‫أبي‪ ،‬رمُز الكفاح‪ ،‬أطال هللا في عمره على طاعته‪.‬‬
‫إلـى إخواني وأخواتي األعزاء شاكرا ومقدرا تشجيعهم ومساندتهم لي‪.‬‬
‫إلـى زوجتي الغالية‪ ،‬رفيقة الدرب‪.‬‬
‫إلــى ابني رّيان رمز األمل والمستقبل‪.‬‬
‫إلـــى روح أخي مصطفى الذي وافته المنية قبل أن يعيش مشاكل هذه الدنيا‪.‬‬
‫إلــــى كل من شجعني من قريب أو بعيد‪ ،‬وأخص بالذكر منهم األخ والصديق عبد‬
‫العزيز بـوغاز‪.‬‬
‫إلــــــى كل من تجمعنا بهم صلة الرحم والصداقة ولم نأِت على ذكرهم‪.‬‬
‫إلــــــــــى كــل فقــــراء إفريقيــا‪ ،‬الذيـــن تحّم لــــوا ظلم النظــــام الــدولي وحكــامهم‬
‫الفاسدين‪ ،‬والذين ما زالوا يناضلون لتحقيق متطلبات العيش الكريم‪.‬‬
‫لحسن الحسناوي‬
‫كلمة شكر‬

‫إذا كان هللا قد حبانا بنعمة الشكر‪ ،‬فال يفوتني إال أن أتقدم بشكري وامتناني لمن‬

‫كانت لهم يد العون في إخراج هذا العمل إلى حيز الوجود‪.‬‬

‫وعلى رأس هؤالء أستاذي الفاضل الدكتور محمد ملمان الذي مدني من منابع‬

‫علمه بالكثير‪ ،‬والذي ما توانى يوما عن مد يد المساعدة لي‪ ،‬فقد كان نعم الرفيق من‬

‫البداية إلى النهاية‪.‬‬

‫كما أتقدم بجزيل الشكر ألساتذتي أعضاء لجنة المناقشة الموقرين كل باسمه على‬

‫ما تكبدوه من عناء في قراءة أطروحتي‪ ،‬وإغنائها بمقترحاتهم القيمة‪.‬‬

‫وفي النهاية يسّر ني أن أتقدم بجزيل الشكر واالمتنان إلى كل من تعلمت على يدهم‪.‬‬
2
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مـــقدمــة‬

‫عرفت خريطة القوى الفاعلة في العالقات الدولية في النظام العالمي المعاصر عدة تغيرات‬

‫وتحوالت‪ ،‬فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية انقسم العالم إلى معسكرين رأسمالي واشتراكي؛ األول‬

‫بزعامة الواليات المتحدة األمريكية والثاني بزعامة االتحاد السوفياتي سابقا؛ واتخذ الصراع الدولي‬

‫خالل هذه المرحلة طابعا إيديولوجيا بين الرأسمالية واالشتراكية‪.‬‬

‫غير أنه بانهيار القطبية الثنائية مع بداية عقد تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬بعد تفكك االتحاد‬

‫السوفياتي عام ‪1991‬؛ برزت الواليات المتحدة األمريكية قوة عظمى مهيمنة على مجريات النظام‬

‫الدولي‪ ،‬الذي أضحى أحادي القطبية في إطار ما أطلق عليه آنذاك "النظام العالمي الجديد"‪ ،‬حيث كثفت‬

‫القوة األمريكية جهودها للهيمنة على قيم وثقافات األمم والشعوب ونشر قيمها بدعوى العولمة‪ ،‬حتى‬

‫صار البعض يطلق على القرن الحادي والعشرين مسمى "القرن األمريكي"‪ ،‬تعبيرا عن انفراد واشنطن‬

‫بقيادة العالم‪.1‬‬

‫بيد أن هذه الصورة التقليدية التي سادت نمط العالقات الدولية أو التي ربما حاولت آلة‬

‫اإلعالم األمريكي المهيمنة أن توحي بها لم تستمر طويال‪ ،‬حيث لم يلبث النظام الدولي أن شهد بروز‬

‫قوى أخرى على الساحة الدولية‪ ،‬بدأت تتطلع لمواجهة الهيمنة األمريكية على مقدرات العالم‪ .‬وهو ما‬

‫جعل بعض المحللين يصفون النظام الدولي الحالي بأنه يتجه صوب نمط التعددية القطبية‪ ،‬الذي يعني‬

‫‪ - 1‬مصطفى شفيق عالم‪ " ،‬تحول القوة في العالقات الدولية‪ ..‬دروس لألمة" في‪ :‬األمة في معركــة تغيــير القيم والمفــاهيم‪ ،‬مجلــة البيــان الســعودية‬
‫بتعاون مع المركز العربي للدراسات اإلنسانية بالقاهرة‪ ،‬الرياض‪ ،‬عام ‪ ،2011-1432‬ص ‪.321‬‬

‫‪1‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أن مقدرات القوة لم تعد متمركزة في قطب واحد أو حتى قطبين اثنين كما كان الحال طوال النصف‬

‫األخير من القرن الماضي‪ ،‬ولكنها باتت موزعة بين مجموعة من الدول أو األقطاب‪.2‬‬

‫هذه المتغيرات أدت إلى تطور أولويات جديدة في التعاون الدولي‪ ،‬تختلف بشكل جوهري عن‬

‫تلك التي سادت خالل مرحلة نظام القطبية الثنائية والحرب الباردة‪ .‬فبينما سادت خالل تلك المرحلة‬

‫قضايا الصراع الدولي والحرب الباردة والصراعات اإلقليمية وسباق التسلح ومحاولة ضبطه‪ ، ...‬تدور‬

‫األحداث الراهنة للنظام الدولي حول القضايا االقتصادية واالجتماعية باألساس‪ ،‬خاصة تحرير التجارة‬
‫‪ - 2‬فيليب س‪ .‬غوليب‪" ،‬جبروت أميركـا و"زعامتهـا" في عـالم متحـول"‪ ،‬في كتـاب‪ :‬أوضــاع العــالم ‪ 2014‬جبــابرة األمس والغــد‪ ،‬مؤسسـة الفكـر‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪2014‬م‪1435 /‬هـ‪ ،‬ص ‪.41-28‬‬
‫‪ -‬محمد عبد الشفيع عيسى‪" ،‬بعض التطورات االخيرة في هيكـل النظـام الـدولي محاولـة مـوجزة في تصـنيف العـالم"‪ ،‬المجلــة العربيــة للعلــوم‬
‫السياسية‪ ،‬العدد ‪ 32‬خريف ‪ ،2011‬ص ‪.149‬‬
‫‪ -‬كارن أبو الخير‪" ،‬تحوالت القوة في عالم بال أقطاب"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 180‬يوليو ‪ ،2011‬ص ‪.166 -159‬‬
‫‪ -‬فضيلة محجوب‪" ،‬عصر الالقطبية‪ ..‬ماذا سيعقب الهيمنة األمريكية؟"‪ ،‬قراءات استراتيجية‪ ،‬العدد ‪ 11‬نونبر ‪ ،2008‬ص ‪.15-9‬‬
‫‪ ‬بصفة عامة تكشف متابعة ما تصدره دور النشر األمريكية من كتب ألهم مفكري ودارسـي العالقـات الدوليـة مـؤخرا عن جـدل محتـدم بين النخبـة‬
‫السياسية واألكاديمية األمريكية حول مستقبل القوة األمريكية‪ ،‬وقيادتهـا لنظـام مـا بعـد الحـرب البـاردة‪ ،‬ويتبلـور الجـدل األمـريكي في ثالثـة تيـارات‬
‫رئيسية؛ أولها ‪ :‬أن القوة الصينية في تنامي‪ ،‬وأنها في طريقها ألن تتفوق على الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وأن تحل محلهــا في قيــادة النظــام الــدولي‪،‬‬
‫وأن القرن الحالي سيكون "قرنا صينيا"‪ .‬ثانيها ‪ :‬أن الواليات المتحدة األمريكية ستظل هي القوة المهيمنة عالميــا على الـرغم من صـعود قـوى دوليــة‬
‫أخرى في مقدمتها الصين‪ ،‬وأن القرن الحادي والعشرين هو "قرن أمريكي" بامتياز‪ .‬ثالثها‪ :‬أن النظام الدولي سينزع إلى حالة من "الالقطبية" يغيب‬
‫فيها تمركز قوى محددة على النظام الدولي مع تزايد أدوار الفاعلين على الصعيد الدولي‪.‬‬
‫في إطار رد أنصار التيار الثاني على مقوالت التيار األول يأتي كتاب منظر "القوة الناعمة" وعالم السياسة األمريكية بجامعة هارفارد جوزيف نـاي‬
‫‪ ? Is the American century over‬هل انتهى القرن األمريكي؟ والذي يؤكد من خالله أن القوة االقتصادية الصينية في تنامي‪ ،‬مقارنة بالقوة‬
‫االقتصادية األمريكية استنادا إلى القوة الشرائية‪ ،‬لكن ال يعني تفوق القوة الصينية على نظيرتها األمريكية في صورتها الكلية‪ ،‬ولتوضــيح ذلــك يفــرق‬
‫ناي بين مفهوم "التراجع المطلق" و "التراجع النسبي"؛ ويقصد ناي بـ "التراجع المطلق" عندما تواجه القوى المهيمنة معوقــات داخليــة تمكن القــوى‬
‫األخرى المنافسة لها من التفوق عليها‪ .‬أما "التراجع النسبي" فيقصد به عندما تحافظ القوى العظمى على قوتها أمام "صعود قوى دولية أخــرى" لكن‬
‫بدون أن يتخطوا األولى‪ .‬وينطلق ناي من ثالثة مكونات أساسية للقوة تؤكد على أن الواليات المتحدة األمريكيــة ســتظل تحتفــظ بمكانتهــا وصــدارتها‬
‫للنظام الدولي‪ ،‬وهي على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -‬أوال القوة االقتصادية‪ :‬فالواليات المتحدة األمريكية ال تزال تتمتـع بقـوة اقتصـادية رغم توقعـات تفـوق االقتصـاد الصـيني على نظـيره األمـريكي‪،‬‬
‫وتتلخص حجج ناي في الدور المركزي للدوالر في االقتصاد العالمي‪ ،‬وأن نصيب دخل الفرد االمريكي أربعة أضعاف نصيب دخل الفــرد الصــيني‪،‬‬
‫فضال تأسيس االقتصاد األمريكي على التكنولوجيا‪ ،‬التطور واالبداع‪ ،‬والذي يعطيه ميزة ال تتوفر في نظيره الصيني‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬القوة العسكرية‪ :‬على الرغم من تزايد اإلنفاق العسكري الصيني وتزايد القدرات العسكرية الصــينية‪ ،‬إال أن الصــين تــأتي في المرتبــة الثانيــة‬
‫بعد الواليات المتحدة في االنفاق العسكري‪ ،‬ففي عام ‪ 2014‬بلغت الميزانية العسكرية األمريكية نحو ‪ 581‬مليار دوالر بالمقارنة بنحو ‪ 129,4‬مليــار‬
‫دوالر للصين‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثا‪ :‬القوة الناعمة‪ :‬تتفوق الواليات المتحدة األمريكية على الصين في القوة الناعمة رغم مليارات الدوالت الـتي تنفقهـا بكين على قوتهـا الناعمـة‪.‬‬
‫ويرجع ناي إخفاق القوة الناعمة الصينية لسببين رئيسيين؛ أولهما‪ :‬سيطرة المؤسسات الرسـمية الصـينية على مبـادرات القـوة الناعمـة‪ ،‬مـع تقـويض‬
‫المؤسسات غير الرسمية التي هي األساس لنجاعة القوة الناعمة ألي دولة‪ .‬أما ثانيها فيتعلق بالنزاعات اإلقليمية مع دول الجوار مثل‪ :‬اليابان‪ ،‬فيتنــام‪،‬‬
‫الفلبين‪ ،‬الهند‪ ،‬مما يولد صعوبات أمام المحاوالت الصينية لجذب مواطني تلك الدول لتأييد المصالح والقيم الصينية‪.‬‬
‫ويضف ناي إلى جانب تركيزه على المقومات الثالثة السابقة للقوة‪ ،‬الـتي تؤهـل الواليـات المتحـدة األمريكيـة لالسـتمرار في التمتـع بمكانتهـا عالميـا‬
‫لعقود‪ ،‬أبعاد أخرى منهـا كـون هـذه االخـيرة بعـد سـنوات من االعتمـاد على الطاقـة المسـتوردة من الخـارج‪ ،‬أصـبحت في ظـل ثـورة الغـاز والنفـط‬
‫الصخريين دولة منتجه للطاقة بما ينهي االعتماد االمريكي على الطاقة من الخارج‪ ،‬فظال عن أنها أمة متقدمة في أبحاث وتطوير التكنولوجيا المهمــة‬
‫لهذا القرن‪ ،‬ال سيما في مجاالت البيو تكنولوجي‪ ،‬والنانو تكنولوجي‪ ،‬وتكنولوجيا المعلومات‪ ،‬ناهيك عن تبوء جامعاتها صدارة كل التقييمــات الدوليــة‬
‫ألفضل الجامعات في العالم‪ ،‬واستمرار الجذب االمريكي للمهاجرين المبدعين‪ .‬راجع‪ - :‬عمرو عبد العاطي‪ ،‬هل انتهى القرن االمريكي؟‪ ،‬مراجعــات‬
‫كتب‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 19 ،‬أبريل ‪.2015‬‬
‫كما تتميز الواليات المتحدة األمريكية بارتفاع نسبة االستثمار في عمليات البحث والتطوير‪ ،‬ففي عام ‪ 2007‬كانت هذه األخيرة رائدة في االنفاق على‬
‫البحث العلمي بما يقدر بـ ‪ 396‬مليون دوالر‪ ،‬تليها آسيا بـ ‪ 377‬مليـون دوالر‪ ،‬تم االتحـاد االوروبي بـ ‪ 263‬مليـون دوالر‪ .‬وتنفـق الواليـات المتحـدة‬
‫األمريكية‪ % 2,7‬من ناتجها المحلي اإلجمالي على البحث والتطوير‪ ،‬أي نحو ضعف ما تنفقه الصين‪ ،‬ناهيك عن تزايد تسجيل براءات االختراع الــتي‬
‫وصلت إلى ‪ 80‬ألف براءة اختراع في عام ‪ ،2007‬وهو مــا يفــوق دول العــالم مجتمعــة‪ ،‬وتتفــوق الواليــات المتحــدة األمريكيــة على بــاقي الــدول في‬
‫االنفاق على التعليم العالي الذي يعد نجاحا اقتصاديا للواليـات المتحـدة األمريكيـة في عصـر ثـورة المعلومـات‪ ،‬فهي تنفـق على التعليم ضـعف إنفـاق‬
‫فرنسا وألمانيا واليابان‪ .‬وفي تقييم ‪ Times Higher Education‬لعام ‪ ،2009‬جاءت سـت جامعـات أمريكيـة ضـمن أفضـل عشـرة جامعـات في‬
‫العالم‪ .‬وفي دراسة ‪ Shanghai Jiao University‬لعام ‪ 2010‬جاءت سبع عشرة جامعة أمريكية ضمن أفضل عشرين جامعة في العالم‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى حصول مواطني الواليات المتحدة األمريكية على أكبر عدد من جوائز نوبل‪ ،‬كمــا أن معــدل النشــر العلمي أعلى من أي دولــة أخــرى‪ .‬راجــع‪- :‬‬
‫عمر عبد العاطي‪" ،‬تحوالت النظام الدولي ومستقبل الهيمنة األمريكية‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 183‬يناير ‪ ،2011‬ص ‪.205-204‬‬

‫‪2‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫واالستثمارات‪ ،‬وفتح األسواق‪ ،‬وأسعار العمالت‪ ،‬وإ صالح النظام النقدي والمالي‪ ....‬كما تبع ذلك‬

‫تطور أنماط جديدة من التهديدات‪ ،‬مثل البطالة ‪-‬في ظل األزمة المالية العالمية لسنة ‪ ،2008‬وما خلفته‬

‫من ركود اقتصادي للدول الرأسمالية‪ ،-‬والقرصنة وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية ومشكالت‬

‫الالجئين‪ ،‬واإليدز وتلوت البيئة والتصحر واإلرهاب الدولي‪ ،‬دون أن يعني ذلك اختفاء األبعاد السياسية‬

‫واألمنية واالستراتيجية‪ ،‬ولكن المحددات الجيو‪-‬اقتصادية لم تعد تقل أهمية عن المحددات األمنية سواء‬

‫من حيث األهمية أو من حيث المساحة التي تشغلها من طرف الفاعلين الدوليين والمؤسسات الدولية‪.3‬‬

‫فإذا كانت الواليات المتحدة ال تزال الدولة المتفوقة من منظور الجغرافيا السياسية‪ ،‬وال سيما‬

‫من الناحية العسكرية‪ ،4‬على الرغم من ارتفاع اإلنفاق الصيني في هذا المجال‪ ،5‬تبقى سيطرتها على‬

‫الجغرافيا االقتصادية العالمية أقل بكثير؛ فاالتحاد األوروبي يمثل أكثر من ثلث التجارة العالمية‪ ،‬ليس‬

‫هذا فحسب‪ ،‬بل إن الثقل االقتصادي والمالي الذي أصبحت تمتلكه الدول الناشئة‪ ،‬صار يتزايد بشكل‬

‫كبير في اآلونة األخيرة‪ ،‬خصوصا بعد األزمة المالية التي عصفت بالدول الرأسمالية منذ أواخر سنة‬

‫‪.62008‬‬

‫فقد شهدت األعوام الماضية توجها جديدا في اإلنتاج العالمي‪ ،‬مع زيادة اإلنتاج المخصص‬

‫للتجارة الدولية‪ ،‬وبلغت نسبته في عام ‪ 2011‬حوالي ‪ %60‬من مجموع اإلنتاج العالمي‪ ،‬وكان للبلدان‬

‫النامية دور مهم في ذلك‪ ،‬فما بين ‪ 1980‬و‪ 2010‬ازدادت حصتها من المبادالت التجارية بالبضائع من‬

‫‪ %25‬إلى ‪ %47‬وحصتها من اإلنتاج العالمي من ‪ 33%‬إلى ‪ .%45‬وتعمل البلدان النامية على توثيق‬

‫‪ - 3‬عبد المنعم سعيد‪ ،‬محمد فايز فرحات‪" ،‬مجموعة العشرين وإعادة هيكلة النظام االقتصادي العالمي"‪ ،‬كراســات اســتراتيجية‪ ،‬العــدد‬
‫‪ 207‬فبراير ‪ ،2010‬ص ‪.10‬‬
‫‪ - 4‬خضر عباس عطوان‪" ،‬الصين ومستقبل عالقات القوى"‪ ،‬المستقبل العربي‪ ،‬العدد ‪ 341‬يوليو ‪ ،2007‬ص ‪.67-66‬‬
‫‪ -‬عمرعبد العاطي‪" ،‬تحوالت النظام الدولي ومستقبل الهيمنة األمريكية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.206‬‬
‫‪ - 5‬لحسن بسباس‪ ،‬التنافس الصيني األمريكي على إفريقيا‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعــة محمــد الخــامس الربــاط‪ ،‬كليــة العلـوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال‪ ،‬ص ص ‪.87-84‬‬
‫لالطالع على تطور سياسات التسلح ألهم القوى الدولية على الصعيد العالمي راجع‪" :‬التحديث العسكري تطــوير األســلحة ومســتقبل المكانــة الدوليــة‬
‫واتجاهات الصراع العالمي"‪ ،‬ملحق مجلة السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 202‬أكتوبر ‪.2015‬‬
‫‪ - 6‬جرايمي هيرد‪" ،‬القوى العظمى نحو أنموذج "تعاوني تنافسي" لمستقبل النظام العالمي!" في كتاب‪ :‬القوى العظمى واالستقرار االســتراتيجي في‬
‫القرن الحادي والعشرين رؤية متنافسة للنظام العالمي‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحـوث االسـتراتيجية‪ ،‬أبـو ظـبي‪ ،‬الطبعـة األولى ‪ ،2013‬ص‬
‫‪.330‬‬

‫‪3‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫العالقات في ما بينها؛ ففي الفترة من ‪ 1980‬إلى ‪ 2011‬ازدادت المبادالت التجارية بين بلدان الجنوب‪،‬‬

‫فارتفعت حصتها من مجموع المبادالت التجارية العالمية بالبضائع من ‪ %8‬إلى ‪ .726%‬وقد بلغت‬

‫الزيادة معدالت مهمة في العقد األول من األلفية الثالثة‪ .‬وفي الفترة نفسها انخفضت حصة التجارة بين‬

‫بلدان الشمال من حوالي ‪ %46‬إلى ما دون ‪ .%30‬وكانت التجارة بين بلدان الجنوب محركا للنمو‬

‫خالل االنكماش االقتصادي األخير‪ ،‬وتصدر بلدان الجنوب البضائع والمصنوعات فيما بينها بكميات‬

‫تفوق ما تصدره إلى بلدان الشمال‪ ،‬وتتميز هذه الصادرات بكثافة محتواها من المهارات والتكنولوجيا‪.8‬‬

‫ونتيجة لهذا‪ ،‬بدأت هذه القوى تطالب بإصالح العديد من المؤسسات الدولية حتى تساير‬

‫التطورات الدولية الحالية على رأسها مجلس األمن الدولي‪ ،‬ونظام الحصص في صندوق النقد الدولي‪،‬‬

‫واإلدارة العامة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي‪.9‬‬

‫في ظل هذا الوضع الجديد‪ ،‬ومع تزايد سيطرة الواليات المتحدة األمريكية على مصادر‬

‫الطاقة‪ ،‬باحتالل أفغانستان والعراق مع بداية هذا القرن‪ ،‬أصبح التنافس على موارد الطاقة على أشده‪،‬‬

‫فالتهافت الصيني على موارد الطاقة العالمية أصبح أحد محددات تحركها الخارجي‪ ،‬فعلى إثر رحيل‬

‫شركات النفط الغربية من السودان‪ ،‬تجاوزت االستثمارات الصينية عتبة األربعة مليارات دوالر‪ ،‬فغدت‬

‫الصين المصدر األول لالستثمارات األجنبية المباشرة في السودان‪ .‬أما الهند فتستورد ‪ %85‬من‬

‫استهالكها النفطي‪ ،‬وهي بالتالي مرتبطة ارتباطا شديدا بالموردين األجانب‪ ،‬لذلك بدأت الصين والهند‬

‫واليابان تتنازع األسواق مع روسيا والواليات المتحدة في منطقة بحر قزوين والشرق األوسط‬

‫وإ فريقيا‪.10‬‬

‫لذا أصبحت القارة اإلفريقية في بؤرة االهتمام العالمي مع بداية القرن الحالي؛ لما تمثله من‬

‫أهمية جيوستراتيجية واقتصادية متنامية‪ ،‬فموقعها الجغرافي يمثل االمتداد القاري الجنوبي من كتلة‬
‫‪ - 7‬برنامج األمم المتحدة االنمائي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪ ،2013‬نهضة الجنوب‪ :‬تقدم بشري في عالم متغير‪ ،‬نيويورك‪ ،2013 ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪ - 8‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ - 9‬هوبير فدرين‪" ،‬الدور االستراتيجي للغرب"‪ ،‬مجلة الدفاع الوطني النسخة العربية‪ ،‬شباط ‪ ،2012‬العدد ‪ ،5‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 10‬كارلوس ر‪.‬س‪ .‬ميالني‪" ،‬هل تغير القوى الناشئة النظام العالمي؟"‪ ،‬في‪ :‬أوضاع العـالم ‪ 50 2011‬فكـرة رئيسـية للفهم نهاية العـالم االحـادي‪،‬‬
‫(تحرير برتراند بادي ودمينيك فبدال)‪،‬مؤسسة الفكر العربي للدراسات والبحوث‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2011-1432‬ص ‪.43‬‬

‫‪4‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اليابسة األفرو‪-‬اوراسي‪ ،‬ويفصلها عن قارة أسيا خليج عدن والبحر األحمر عبر مضيق باب المندب‬

‫وقناة السويس‪ ،‬في حين يفصلها البحر األبيض المتوسط عن أوروبا‪ ،‬التي تقترب منها في أضيق مسافة‬

‫حيث يبلغ حدها األدنى ‪ 14‬كلومترا في مضيق جبل طارق‪.‬‬

‫وتتمتع قارة إفريقيا‪ ،‬إضافة إلى موقعها الجغرافي‪ ،‬بترامي مساحتها التي تعادل ثالثة أضعاف‬

‫مساحة أوروبا‪ .‬وقد اكتسبت القارة في موقعها أهمية استراتيجية إلشرافها على طرق المواصالت بين‬

‫الشرق والغرب‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فالقارة تتمتع بتنوع مناخي ونباتي كبيرين‪ ،‬وكثافة غابوية مهمة مع‬

‫وفرة المياه العذبة من األنهار والبحيرات‪ ،‬التي تمثل مجموع ‪ %40‬من قوة العالم المائية لم يستغل منها‬

‫سوى ‪ %5‬فقط‪.11‬‬

‫أما العنصر الديموغرافي‪ ،‬فقد تجاوز عدد سكان القارة اإلفريقية المليار نسمة عام ‪ ،2009‬ومن‬

‫المفترض أن يتضاعف هذا العدد سنة ‪ ،122050‬وتتزايد أهمية هذا العنصر إذا علمنا كون نصف‬

‫‪‬‬
‫سكان القارة اإلفريقية من الفئة النشيطة (‪ 500‬مليون نسمة)‪ ،13‬كما أن الطبقة المتوسطة الصاعدة‬

‫تمثل ثلت إجمالي سكان القارة‪ ،‬تقطن أغلبها في المدن‪ ،‬وبالتالي تصبح مشاريع إمدادها بالماء والطاقة‬

‫وتشييد مشاريع شبكة المواصالت وتحديثها مسائل حيوية في إفريقيا‪ .14‬لهذا أكد خبير التنمية "فيجاي‬

‫ماهاجان" في كتابه نهوض إفريقيا‪ 900 :‬مليون مستهلك إفريقي يقدمون فرصا تتجاوز توقعاتك؛ أن‬

‫الموارد األكثر قيمة إلفريقيا ليست النفط وال الماس‪ ،‬بل مستهلكوها الذين تتزايد حاجاتهم للهاتف‬

‫‪ - 11‬مها الحديثي‪" ،‬إفريقيا في المحيط الدولي "دراسة جيوستراتيجية""‪ ،‬دراسات سياسية‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬شتاء ‪ ،2000‬ص ‪.16‬‬
‫‪ - 12‬فليب ليمار‪" ،‬إفريقيا‪ ،‬مسرح المناورة الدبلوماسية واالقتصادية"‪ ،‬في ‪ :‬أوضــاع العــالم ‪ 50 2011‬فكــرة رئيســية للفهم نهاية العــالم االحــادي‪،‬‬
‫(تحرير برتراند بادي ودمينيك فبدال)‪ ،‬مؤسسة الفكر العربي للدراسات والبحوث‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2011-1432‬ص ‪.78‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Paul GOLDSCHMID, « Le Maroc hub de l’intégration financière Africaine ? », tribune 40, Institut Thomas‬‬
‫‪more, Mars 2014, p22. Consulté le 11/11/2014. Sure le site‬‬
‫‪http://www.institut-thomas-more.org/upload/media/tribuneitm40-fr.pdf.‬‬
‫‪ ‬حسب البنك الدولي‪ ،‬يعتبر من الطبقة المتوسطة‪ ،‬كل فرد يتجاوز دخله ‪ 4000‬دوالر سنويا على حساب القدرة الشرائية لسنة ‪.2005‬‬
‫‪ - 14‬شركة ابو ظبي لالستثمار‪ ،‬نظرة على إفريقيا تطلعات المؤسسات االستثمارية حتى ‪ ،2016‬أبوظبي‪ ،‬وحدة يكونوميست للمعلومات المحــدودة‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص ‪.5‬‬

‫‪5‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الجوال واالنترنيت والتلفاز‪ ،‬والمنتجات الغذائية والخدمات المصرفية‪ ،‬موازاة مع كون مجموعة من‬

‫الدول اإلفريقية أصبحت تعرف نموا اقتصاديا سريعا‪.15‬‬

‫كل ما سبق يؤكد امتالك القارة اإلفريقية لمصادر القوة الجيوستراتيجية‪ ،‬إال أنها لم تستغل‬

‫هذه المصادر وظلت مجتمعاتها تعتمد على االستيراد لتغطية أغلب احتياجاتها‪ .‬وهذا ال يعني إنكار‬

‫الدور االستعماري في تخلف القارة واستنزاف مصادر قوتها؛ فمنذ القرن التاسع عشر ومع دخول‬

‫االستعمار األوروبي للقارة اإلفريقية بعد مؤتمر برلين ‪ ،1885-1884‬بدأ استنزاف مصادر قوتها‪،‬‬

‫بدءا بالعنصر السكاني من خالل تجارة العبيد التي بسببها فقدت إفريقيا ماليين من األيدي العاملة‪،‬‬

‫إضافة إلى استنزاف مواردها المعدنية ونقلها إلى الدول االستعمارية‪.16‬‬

‫وعلى رغم من كل ذلك‪ ،‬فالقارة اإلفريقية ما زالت تمتلك أكبر مخزون للعديد من الثروات‬

‫والمعادن االستراتيجية‪ ،‬فمن بين ‪ 50‬معدنا مهما في العالم‪ ،‬يوجد ‪ 17‬معدنا منها في إفريقيا‪،‬‬

‫وباحتياطات ضخمة‪ .‬وهي تمتلك النسبة األكبر من احتياطي البوكسيت والفروكوم والكوبلت والماس‬

‫والذهب والمنغنيز‪ ،‬والفوسفاط والمعادن البالتينية والتيتانيوم والفانديوم‪.17‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد أصبحت القارة كذلك تحتل موقعا مهما في خريطة الطاقة العالمية‪ ،‬حيث بلغ معدل‬

‫تزايد إنتاجها من النفط ‪ %36‬مقابل ‪ %16‬لباقي القارات في النصف األول من العقد الماضي‪ ،‬بزيادة‬

‫في اإلنتاج اليومي للقارة تقدر ب ‪ 9‬ماليين برميل يوميا خالل عام ‪.182006‬‬

‫‪ - 15‬فيجاي ماهاجان‪ ،‬نهوض إفريقيا‪ 900 :‬مليون مستهلك إفريقي يقدمون فرصا تتجاوز توقعاتك‪( ،‬ترجمة مركز ابن العماد للترجمة والتعريب)‪،‬‬
‫الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1430 ،‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬
‫‪ - 16‬هنري ويسلنغ‪ ،‬تقسيم إفريقيا ‪ 1914 – 1880‬أحداث مؤتمر برلين وتوابعه السياسية‪( ،‬ترجمة ريما اسماعيل)‪ ،‬سلســلة دراســات افريقيــة ‪،5‬‬
‫الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع واإلعالن‪.2001 ،‬‬
‫‪ - 17‬خالد التزاني‪" ،‬االنتشار العسكري األمريكي في إفريقيا‪ :‬الدوافع والرهانات‪ ،"،‬المستقبل العربي‪ ،‬العدد ‪ 436‬يونيو ‪ ،2015‬ص ‪.31‬‬
‫‪ - 18‬نجالء محمد مرعي‪" ،‬الثروة النفطية‪ ..‬والتنافس الدولي االستعماري الجديد في إفريقيا"‪ ،‬في االمة في مواجهــة مشــاريع التفــتيت‪ ،‬مجلة البيــان‬
‫السعودية والمركز العربي للدراسات اإلنسانية‪ ،‬القاهرة عام ‪ ،2010-1431‬ص ‪.418‬‬

‫‪6‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وعلى الرغم من كل ما سبق‪ ،‬فإن الناتج الداخلي الخام الكلي إلفريقيا مع بداية القرن الحالي‬

‫لم يكن يتعدى ‪ %2‬من الناتج العالمي‪ ،‬كما أنها ال تستقطب إال ‪ %1,5‬من االستثمارات الخارجية‬

‫المباشرة‪ ،‬وال تمثل إال نسبة ‪ %1‬من الصادرات العالمية‪ ،‬يمثل البترول نسبة ‪ %40‬منها ‪.19‬‬

‫وبتوالي التحوالت التي يشهدها النسق الدولي‪ ،‬وبروز القوى األسيوية في النظام الدولي على‬

‫المستوى االقتصادي (الصين‪ ،‬اليابان‪ ،‬الهند‪ ،)...‬بدأت القوى الكبرى تتنافس من أجل إعادة توزيع‬

‫القوة ومراكزها‪ ،‬لتظهر إفريقيا باعتبارها أحد محاور هذا الترتيب الجديد في الجيوستراتيجية العالمية‪،‬‬

‫بحيث تشهد هذه األخيرة تنافسا دوليا مشتدا على مواردها‪ ،‬بين الدول األسيوية السائرة في طريق النمو‬

‫والدول الغربية‪ .‬والذي من المتوقع أن يأخذ منحى جديد خالل السنوات القادمة‪ ،‬إذ تحول نمط‬

‫الصراع الدولي حول القارة من منطق "المباراة الصفرية" ‪-‬الذي يعني أن مكاسب قوة معينة هو‬

‫خسارة لألخرى‪ ،‬كما حدث إبان الحرب الباردة‪ -‬إلى نظرية "الربح للجميع" فيما بعد الحرب الباردة‪،‬‬

‫بمعنى الشراكة في تقاسم النفوذ في القارة‪ ،‬ولعل هذا التحول يفسر التطور في سياسات القوى الكبرى‬

‫وأدواتها في هذا التنافس‪.20‬‬

‫وستركز دراسة التنافس الدولي في إفريقيا مع بداية القرن الواحد والعشرين على سياسات‬

‫ست قوى دولية داخل القارة اإلفريقية‪ ،‬وذلك لما تمثله من أهمية على الصعيد الدولي؛ وهي الواليات‬

‫المتحدة األمريكية واالتحاد األوروبي وإ سرائيل‪ ،‬باعتبارها قوى غربية‪ ،‬والصين واليابان والهند‬

‫باعتبارها قوى آسيوية‪ ،‬أصبحت لها مكانتها على الصعيد الدولي نتيجة النمو الذي سجلته طيلة العقود‬

‫األخيرة‪ .‬غير أن هذا ال يعني كون القوى األخرى ال تشكل أهمية في هذا التنافس‪ ،‬فالواجد الروسي‬

‫واإليراني والتركي والبرازيلي في إفريقيا له أهميته‪ ،‬إال أن شساعة الموضوع ال تسمح بتناول تنافس‬

‫جميع القوى في هذه القارة‪.‬‬

‫‪- Christophe-Alexandre PAILARD, « Les ressources naturelles : entre développement et prédation », en :‬‬
‫‪19‬‬

‫‪L’Afrique subsaharienne d’une crise à l’autre, Fondation pour la recherche stratégique, JOURNEE‬‬
‫‪D’ETUDES ACTES DU 5 Février 2007, p 29.‬‬
‫‪ - 20‬نجالء محمد مرعي‪" ،‬الثروة النفطية‪ ..‬والتنافس الدولي االستعماري الجديد في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.417‬‬

‫‪7‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫فإذا كانت الواليات المتحدة األمريكية لم تكن تولي اهتماما خاصا للقارة األفريقية طيلة مرحلة‬

‫الحرب الباردة‪ ،‬إال في ما يخص قضايا الصراع االيديولوجي مع االتحاد السوفياتي‪ ،‬فإنه ابتداء من‬

‫أواخر تسعينات القرن الماضي دشنت الواليات المتحدة عهدا جديدا مع إفريقيا‪ ،‬وهو ما اتضح من‬

‫زيارة الرئيس األمريكي كلينتون ومبادراته المختلفة عام ‪ ،1998‬التي أسفرت عن سن قانون الفرص‬

‫والنمو اإلفريقي )‪ AGOA (The African Growt and Opportunity Act‬سنة ‪ 2000‬ثم‬

‫التحوالت التي حدثت بعد أحداث ‪ 11‬شتنبر ‪ 2001‬ومضاعفاتها بالنسبة للعالقات األمريكية اإلفريقية‪.‬‬

‫ولهذا‪ ،‬فالسياسة األمريكية في القارة اإلفريقية بعد الحرب الباردة تروم تحقيق مجموعة من‬

‫المصالح االستراتيجية‪ ،‬في طليعتها األهداف االقتصادية؛ فالواليات المتحدة تهدف إلى الحصول على‬

‫الموارد الطبيعية التي تزخر بها القارة اإلفريقية‪ ،‬خصوصا بعد تزايد االكتشافات البترولية فيها‪ ،‬إذ أنها‬

‫تستورد ‪ %15‬من حاجياتها النفطية من إفريقيا‪ 21،‬فواشنطن تعمل على تنويع مصادر تزويدها‬

‫بالطاقة‪ ،‬لكون وارداتها النفطية تأتي من خمس مصادر رئيسية هي‪ :‬كندا‪ ،‬السعودية‪ ،‬المكسيك‪،‬‬

‫فنزويال‪ ،‬نيجيريا‪ ، 22‬كما تهدف الواليات المتحدة إلى زيادة تجارتها مع القارة اإلفريقية التي أصبحت‬

‫تضم مليار نسمة‪ ،‬باإلضافة إلى وجود فرص هائلة لالستثمار في مجال البنية التحتية‪ ،‬كل هذا من أجل‬

‫محاصرة النفوذ الصيني في إفريقيا‪ .‬ولتحقيق هذه األهداف عملت الواليات المتحدة األمريكية على دعم‬

‫وجودها السياسي والعسكري في إفريقيا‪.23.‬‬

‫أما االرتباط األوروبي بالقارة اإلفريقية فيرجع إلى عهود طويلة‪ ،‬إذ تمكنت القوى األوروبية‬

‫من استعمار القارة وتقسيمها بعد مؤتمر برلين عام ‪ ،1885-1884‬وقد استطاعت القوى األوروبية أن‬

‫‪21‬‬
‫‪- Anthony LAKE and Christine todd WHITMAN, More than humanitarianism, a strategic U.S approach‬‬
‫‪toward Africa. Council on Foreign Relation, independent task force report n° 56.December 2006, p9.‬‬
‫‪ - 22‬خيري عبد الرزاق جاسم " قيادة عسكرية أمريكية جديدة ألفريقيا‪ ،‬فرصة أمريكية ومحنة افريقية" المجلة العربيــة للعلــوم السياسـية‪ ،‬العـدد‬
‫‪ ،2009 ،21‬ص ‪.99‬‬
‫‪ - 23‬سعيد الهوسي‪ ،‬األبعاد األمنية األمريكية الجديدة بإفريقيا بعد أحداث الحـادي عشــر من شــتنبر ‪ ،2001‬أطروحـة لنيـل‬
‫الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال‪ ،‬السنة الجامعة‬
‫‪.2016-2015‬‬
‫‪ -‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬ثنائية النفط واإلرهاب‪ :‬إفريقيا تدخل عصر الهيمنة األمريكية"‪ ،‬ملف األهرام االســتراتيجي‪ ،‬عدد ‪ ،2006 ،140‬ص‬
‫‪.86‬‬

‫‪8‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تحافظ على مصالحها في القارة حتى في ظل نظام القطبية الثنائية‪ ،‬الذي تراجعت فيه أهمية ومكانة‬

‫القوى األوروبية في مناطق نفوذها التقليدية فيها‪.‬‬

‫فالعالقات األوروبية اإلفريقية تتشكل وفقا ألكثر من شبكة أو إطار‪ ،‬فهناك شبكة العالقات‬

‫الخاصة أو المتميزة التي تربط القوى االستعمارية مع مستعمراتها السابقة‪ ،‬كمؤتمر رابطة الكومنولت‬

‫ومؤتمر القمة الفرنسية‪ -‬اإلفريقية‪ .24‬وللحفاظ على مصالحها في إفريقيا ففرنسا تعتمد على العديد من‬

‫الوسائل كسياسية القمم‪ ،‬باإلضافة إلى دعم عالقاتها االقتصادية من خالل دعم التجارة واالستثمارات‬

‫مع الدول اإلفريقية خاصة مع مستعمراتها السابقة‪ .25‬غير أنه يبقى أهم أسلوب تعتمد عليه فرنسا‬

‫للحفاظ على مصالحها داخل هذه القارة‪ ،‬هو اعتمادها على قواعدها العسكرية الموجودة بها‪ ،‬وبرامج‬

‫التعاون العسكري الموقعة مع مجموعة من الدول اإلفريقية‪ ،26‬التي بموجبها تدخلت في العديد من‬

‫الدول اإلفريقية كان آخرها التدخل في مالي‪.‬‬

‫وإ لى جانب العالقات الخاصة التي تربط بعض الدول األوروبية مع مستعمراتها السابقة‪،‬‬

‫توجد هناك بعض األطر األخرى للعالقات المتعددة األطراف بين الدول األوروبية والدول اإلفريقية‪،‬‬

‫أهمها اتفاقية لومي‪ ،‬التي تربط بين االتحاد األوروبي في كيانه االندماجي المتطور ودول إفريقيا وبحر‬

‫الكاريبي‪ ،‬والمحيط الهادي‪ ،‬المعروفة باسم ‪ ،ACP‬التي تم تطويرها من خالل التوقيع على اتفاقية‬

‫كوتونو ‪ 22‬نونبر ‪ ،272000‬التي تم التأكيد خاللها على كون الشراكة بين أطراف هذه االتفاقية ستكون‬

‫متوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية‪.28‬‬

‫‪ - 24‬عبد الحميد الصنهاجي‪" ،‬التعاون الفرنسي‪ -‬اإلفريقي بين حيثيات التنظير وإكراهات التطـبيق ‪ ،"1990-1960‬السياسـة الدوليــة‪ ،‬العـدد ‪،144‬‬
‫يناير ‪.2004‬‬
‫‪- 25‬بير بيارنيس‪ ،‬القرن "الحادي والعشرين" لن يكون أمريكيا‪( ،‬ترجمة مدني قصري)‪ ،‬مطبعة سيكو‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،2003‬ص ‪.334‬‬
‫‪ - 26‬صابون محمد راشد‪ ،‬التنافس الفرنسي األمريكي في القارة اإلفريقية بعد الحرب الباردة‪ ،‬درا النهضة العربية‪ ،‬القاهرة سنة ‪.2011‬‬
‫‪ - 27‬محمود ابو العيــنين‪" ،‬االتحــاد األوروبي وإفريقيــا‪ :‬نمــوذج للعالقـات بين االقـاليم غـير المتكافئــة في عصـر العولمــة" في ‪ :‬افريقيــا والعولمــة ‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الجمعية األفريقية للعلوم السياسية‪ ،‬برنامج الدراسات المصرية االفريقية‪ ،2004 ،‬ص ‪.205-204‬‬
‫‪ - 28‬سان دومينيكو دي فيسولي ‪ ،‬التقرير األوروبي حــول التنميــة ‪ 2009‬التغلب على الهشاشــة في إفريقيــا صــياغة نهج اوروبي جديد‪ ،‬مركــز‬
‫روبرت شومتن للدراسات المتقدمة‪ ،‬المعهد الجامعي األوروبي‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪9‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ونظرا لكون هذه االتفاقيات ال تشمل دول شمال إفريقيا‪ ،‬على الرغم من موقعها االستراتيجي‬

‫لالتحاد األوروبي‪ ،‬خصوصا بعد نهاية الحرب الباردة‪ ،‬وما أفرزت من تحديات على الدول األوروبية‬

‫في المنطقة الجنوبية للمتوسط‪ .‬ولمواجهة هذه التحديات ورغبة من الدول األوروبية في ضمان‬

‫استمرارية التبعية االقتصادية لدول شمال إفريقيا لها‪ ،‬توجه االتحاد األوروبي في النصف األول من‬

‫عقد تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬إلى تعميق روابطه مع دول شمال إفريقيا‪ ،‬سواء على المستوى الثنائي‬

‫أو المتعدد األطراف‪ ،‬فانعقاد مؤتمر برشلونة سنة ‪ 1995‬جاء تعبيرا عن وضع أساس جديد للعالقات‬

‫بين دول االتحاد األوروبي ودول جنوب المتوسط بما فيها دول شمال إفريقيا‪ ،‬يقوم على أساس مفهوم‬

‫"الشراكة"‪ ،‬سواء في المجال االقتصادي أو الثقافي‪.29‬‬

‫ونتيجة للتحديات الجديدة التي فرضتها التغيرات الدولية مع بداية األلفية الثالثة‪ ،‬وذلك بإفراز‬

‫بيئة جديدة يطغى عليها التنافس االقتصادي الدولي‪ ،‬اتجه االتحاد األوروبي إلى بلورة إطار جديد يؤطر‬

‫عالقاته مع الدول اإلفريقية‪ ،‬ترتب عليه انعقاد أول قمة أوروبية إفريقية سنة ‪.2000‬‬

‫أصبحت إسرائيل من القوى األساسية المتواجدة بالقارة اإلفريقية‪ ،‬فمنذ القطيعة الدبلوماسية‬

‫لعدد من الدول اإلفريقية إلسرائيل‪ ،‬التي تعاقبت فصولها في سبعينات القرن المنصرم على إثر‬

‫الحروب العربية اإلسرائيلية‪ ،‬غدت العالقات اإلسرائيلية اإلفريقية عالقات اقتصادية على وجه‬

‫الخصوص‪ ،‬فتمركزت مئات من الشركات اإلسرائيلية في جنوب إفريقيا‪ ،‬وهي الشريك االقتصادي‬

‫اإلفريقي األول لتل ابيب‪ ،‬التي كانت تقيم أساسا عالقات وثيقة مع نظام الميز العنصري‪ .‬وقد نمت‬

‫مبادالتها التجارية مع القارة لتصل إلى مليار دوالر في سنة ‪.2008‬‬

‫أما الميادين التي حققت فيها إسرائيل تقدما كبيرا في القارة‪ ،‬فهي الهندسة الزراعية والهندسة‬

‫المائية‪ ،‬خصوصا في دول حوض النيل‪ ،‬واالتصاالت السلكية والالسلكية‪ ،‬والمعلوماتية‪ ،‬واألمن وتجارة‬

‫شريط عابد‪" ،‬االندماج االقتصادي اإلقليمي للدول المغاربة مع الاتحاد األوروبي"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،103‬يوليو ‪ ،2003‬ص ‪.287‬‬ ‫‪- 29‬‬

‫‪10‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫االسلحة والخامات والحجارة الكريمة‪ .30‬وعلى المستوى السياسي أدت إسرائيل دورا كبيرا في دعم‬

‫تقسيم دولة السودان‪ ،‬باإلضافة إلى دعم بعض الحركات المسلحة في منطقة دارفور‪.‬‬

‫إن التنافس الدولي في إفريقيا ال يقتصر على الواليات المتحدة األمريكية والقوى األوروبية‬

‫وإ سرائيل فقط‪ ،‬بل هناك قوى جديدة أصبحت تحتل القارة اإلفريقية لديها مكانة خاصة في توجهاتها‬

‫الخارجية‪ ،‬ومن أهمها الصين واليابان والهند‪ ،‬وقد تطورت سياسات هذه الدول تجاه إفريقيا تماشيا مع‬

‫األوضاع الجديدة لما بعد انتهاء الحرب الباردة‪.‬‬

‫إن موجة الصراع ضد القوى االستعمارية والرغبة في التحرر التي بدأت في خمسينات القرن‬

‫الماضي‪ ،‬تعتبر الركيزة األساسية التي انطلقت منها العالقات الصينية اإلفريقية‪ ،‬وهو ما سيعبر عنه‬

‫مؤتمر باندونغ سنة ‪ ،1955‬إذ سيلتقي القادة الصينيون الجدد بزعماء الدول اإلفريقية الحائزة على‬

‫االستقالل‪ ،‬وكانت الصين خالل هذه المرحلة تركز على اإليديولوجية االشتراكية في عالقتها مع‬

‫الدول اإلفريقية‪.31‬‬

‫وإ ذا كانت العالقات الصينية اإلفريقية في هذه المرحلة تحكمت فيها االعتبارات اإليديولوجية‪،‬‬

‫فإنه بعد نهاية الحرب الباردة تحولت السياسة الصينية تجاه إفريقيا من الدعم القوي لالتجاهات‬

‫اإليديولوجية إلى منهج يعطي األولوية للتجارة واالستثمارات مع جل دول هذه القارة‪.‬‬

‫وبذلك‪ ،‬أصبحت الصين تنظر إلى إفريقيا باعتبارها خزانا مهما للموارد األولية األساسية‬

‫لتطوير مشاريعها الصناعية‪ ،‬خاصة البترول‪ ،‬باإلضافة إلى اعتبارها سوقا استهالكية مهمة لتسويق‬

‫منتجاتها الصناعية‪ ،‬ولهذا عملت الصين على تبني نمط جديد لتطوير عالقاتها االقتصادية مع إفريقيا‪،‬‬

‫من خالل المؤتمرات والمنتديات باعتبارها أسلوبا للتعاون وإ جراء المزيد من الصفقات بين الطرفين‪،‬‬

‫وهو ما تبين من خالل منتدى التعاون الصيني_اإلفريقي‪ ،‬الذي تم تأسيسه سنة ‪.2000‬‬

‫‪ - 30‬فليب ليماري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬


‫‪ - 31‬طارق عادل الشيخ‪" ،‬الصين وإفريقيا والتطلع إلى القرن ال‪ ،"21‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،138‬أكتوبر ‪ ،1999‬ص‪.196‬‬

‫‪11‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ونتيجة لذلك ازدادت المبادالت التجارية الصينية مع إفريقيا حتى أصبحت الشريك التجاري‬

‫األول للقارة مع بداية العقد الحالي‪ ،‬وباإلضافة إلى كون الصين تركز على االستثمار في مجال الطاقة‪،‬‬

‫عملت على توسيع استثماراتها في القارة اإلفريقية‪ ،‬إذ وصل عدد شركاتها داخل هذه القارة إلى ‪2000‬‬

‫شركة تهتم بجميع المجاالت سواء االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬كما عملت على تقديم مجموعة من‬

‫المساعدات المالية للعديد من الدول اإلفريقية‪ ،‬موازاة مع تقديم القروض بنسب فوائد ضعيفة واإلعفاء‬

‫من بعضها‪.‬‬

‫وترتكز الرؤية االستراتيجية الصينية في إفريقيا على رغبتها في توسيع نفوذها في القارة‪،‬‬

‫واحتواء االعتراف بتايوان‪ ،‬وذلك بحشد األصوات اإلفريقية لمواجهة ميوالتها االنفصالية في منظمة‬

‫األمم المتحدة‪ ،‬وكذا مواجهة االنتقادات الغربية حول حقوق اإلنسان بالصين‪.‬‬

‫قبل نهاية السبعينات لم يكن لليابان أي نشاط دبلوماسي مكثف بالقارة اإلفريقية‪ ،‬ما عدا إقامة‬

‫عالقات دبلوماسية مع الدول المستقلة حديثا‪ .‬وفي عام ‪ 1977‬بدأ التدخل الياباني في القارة اإلفريقية‪،‬‬

‫حيث دخلت اليابان باعتبارها دولة رئيسة مانحة للمساعدات الرسمية لدول القارة‪ ،‬من خالل برامج‬

‫تهدف إلى مضاعفة مساعدات التنمية الرسمية اليابانية للدول النامية‪.32‬‬

‫لكن مع بداية تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬ونتيجة للمتغيرات الدولية المتمثلة أساسا في نهاية‬

‫الصراع األيديولوجي والتوجه الدولي إلى المنافسة االقتصادية‪ ،‬بدأت اليابان تأخذ زمام المبادرة‬

‫السياسية واالقتصادية تجاه بعض المناطق الجغرافية‪ ،‬التي كانت إلى عهد قريب بمثابة مناطق هامشية‬

‫بالنسبة إلى السياسة الخارجية اليابانية‪ ،‬مثل إفريقيا‪.‬‬

‫فعلى الرغم من البعد الجغرافي‪ ،‬وعدم وجود روابط تاريخية قديمة تجمع اليابان بدول القارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬فإنها تحتل أهمية خاصة بالنسبة لليابان‪ ،‬لغناها بالموارد الطبيعية وقوتها التصويتية في‬

‫‪32‬‬
‫‪-Julien KITA, «L'aide publique au développement Japonaise et l'Afrique: vers un partenariat‬‬
‫‪fructueux? », Asie. Visions, N° 10, Septembre 2008, p 16.‬‬

‫‪12‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المنظمات الدولية‪ ،‬إال أن هذه األسباب ال تفسر وحدها االهتمام الياباني بالقارة األفريقية‪ ،‬فاليابان كانت‬

‫تحتل المركز الثالث في قائمة الدول التي تستورد نفط إفريقيا بعد الواليات المتحدة والصين سنة‬

‫‪ . 332004‬كما تهتم اليابان بهذه القارة لتؤكد دورها باعتبارها القوة اإلقليمية األساسية في المحيط‬

‫اآلسيوي‪ ، 34‬التي لها الحق في الحصول على مقعد دائم بمجلس األمن‪ ،‬في ظل تزايد المطالبة بإصالح‬

‫منظمة األمم المتحدة حتى تساير التغيرات الدولية الحالية‪.‬‬

‫ولتحقيق استراتيجيتها بإفريقيا‪ ،‬تعتمد اليابان على مجموعة من الوسائل تأتي في طليعتها‬

‫سياسة عقد المؤتمرات لدعم التنمية في إفريقيا من خالل مؤتمر طوكيو الدولي لتنمية إفريقيا (تيكاد)‬

‫الذي انعقد أول مرة سنة ‪ ،1993‬والدعوة إلى ضرورة اإلصالح الديمقراطي ودعم حقوق اإلنسان‬

‫بالعديد من الدول اإلفريقية‪ ، 35‬كما شاركت اليابان في العديد من بعثات حفظ السالم في إفريقيا‪.‬‬

‫باإلضافة إلى تطوير سياسة المساعدات الرسمية‪ ،‬موازاة مع تنفيذ اليابان لمجموعة من مشاريع‬

‫االستثمارات داخل القارة اإلفريقية‪ ،‬التي همت مجال البنية التحتية كالطرق والجسور والنقل البحري‪،‬‬

‫باإلضافة إلى قطاع المناجم وقطاع الخدمات االجتماعية‪.‬‬

‫على رغم من كل ذلك‪ ،‬فاليابان ما زالت حاليا تحاول استدراك تأخرها عن الصين‪،‬‬

‫والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬داخل القارة اإلفريقية‪ ،‬فخالل سنة ‪ 2008‬لم تمثل مبادالتها التجارية مع‬

‫هذه القارة إال ربع قيمة المبادالت اإلفريقية الصينية‪.36‬‬

‫وإ لى جانب الصين واليابان‪ ،‬بدأت الهند تعمل على تطوير عالقاتها مع القارة اإلفريقية‪،‬‬

‫وترتكز على مجموعة من األسس في تطوير هذه العالقات‪ ،‬تأتي في طليعتها األسس التاريخية‪ ،‬فالهند‬

‫منذ استقاللها عن بريطانيا عام ‪ 1947‬عملت على دعم الحركات التحررية الوطنية في إفريقيا‪ ،‬من‬

‫‪ - 33‬علي حسين باكير‪ ،‬التنافس الجيو‪-‬استراتيجي للقوى الكبرى على موارد الطاقة دبلوماسية الصين النفطيـة االبعـاد االنعكاسـات‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار المنهل اللبناني للدراسات‪ ،‬الطبعة األولى ‪2010‬م‪1431-‬هـ‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪ - 34‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي اإلفريقي ‪ ،2002-2001‬القاهرة‪ ،‬يوليو ‪ ،2003‬ص ‪.344‬‬
‫‪ - 35‬علي حسين باكير‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.219‬‬
‫‪ - 36‬فليب ليماري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬

‫‪13‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫خالل تأسيس حركة عدم االنحياز ومجموعة ‪ ،77‬فضال عن وجود حالة من التقارب في العديد من‬

‫القضايا ذات االهتمام المشترك؛ مثل رفض التبعية واالستغالل الرأسمالي لموارد دول العالم الثالث‪.‬‬

‫غير أن العالقات الهندية بالدول اإلفريقية‪ ،‬ستعرف بعض التراجع مع نهاية عقد الستينات من‬

‫القرن الماضي‪ ،‬لكون حركة عدم االنحياز ارتبكت بالنزاعات اإليديولوجية التي عاشتها القارة اإلفريقية‬

‫بين المعسكرين الرأسمالي واالشتراكي خالل هذه المرحلة‪.37‬‬

‫لكن مع بداية القرن الواحد والعشرين‪ ،‬أصبحت الهند تمثل أهمية متزايدة على الساحة‬

‫الدولية‪ ،‬ويرجع ذلك باألساس إلى نجاحها في تطوير قدراتها النووية‪ ،‬إضافة إلى كونها قوة إقليمية‬

‫مهمة في منطقة جنوب آسيا التي تعد من المناطق الشديدة الخطورة على المستوى الدولي‪.‬‬

‫وقد أصبحت الهند من أبرز الدول المرشحة للقيام بدور إقليمي أكثر فعالية وأهمية على‬

‫الساحة الدولية مستقبال‪ ،‬للعديد من األسباب منها كونها تشهد نموا اقتصاديا سريعا‪ ،‬فاالقتصاد الهندي‬

‫من بين أسرع االقتصاديات نموا في العالم منذ مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي‪ ،‬إضافة إلى‬

‫تنامي الصناعات الهندية في العديد من المجاالت‪.‬‬

‫في ظل هذا الوضع الجديد‪ ،‬بدأت الهند تتطلع إلى تعميق عالقاتها االقتصادية والسياسية مع‬

‫الدول اإلفريقية‪ ،‬وذلك لتحقيق مجموعة من األهداف على المستوى السياسي واالقتصادي‪ ،‬فعلى‬

‫المستوى السياسي‪ ،‬فالهند تطمح إلى مساندتها من طرف الدول اإلفريقية في صراعها مع باكستان‬

‫حول إقليم كشمير‪ ،‬وكذا مساعدتها للحصول على مقعد دائم في مجلس األمن‪ ،‬خصوصا مع تزايد‬

‫النقاش حول إصالح هذه المؤسسة الدولية‪.‬‬

‫أما على المستوى االقتصادي‪ ،‬فالهند بدأت تعمل على فتح األسواق اإلفريقية لتصريف‬

‫منتجاتها الصناعية‪ ،‬والحصول على الثروات الطبيعة الضرورية لتطور صناعاتها المحلية‪ ،‬خصوصا‬

‫الموارد الهيدروكربونبة‪ .‬ولتحقيق هذه األهداف‪ ،‬فاالستراتيجية الهندية في إفريقيا تعتمد على مجموعة‬

‫‪37‬‬
‫‪- François Lafargue, La guerre mondiale du pétrole, Ellipses, Paris, 2008 , p43.‬‬

‫‪14‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫من الوسائل منها سياسية عقد القمم‪ ،‬إذ انعقدت أول قمة هندية إفريقية سنة ‪ ،2008‬كما تقوم الهند‬

‫بتقديم المساعدات المالية والفنية للعديد من الدول اإلفريقية‪ ،‬لدعم التنمية البشرية فيها‪ ،‬خصوصا في‬

‫مجال المعلوميات‪ ،‬كما قامت الهند باستصالح العديد من األراضي الزراعية في دول إفريقيا الشرقية‪،‬‬

‫باإلضافة إلى مشاركتها في عمليات حفظ السالم الدولية المنتشرة في بعض الدول اإلفريقية‪.‬‬

‫بما أن أي تحول في النظام الدولي يقود إلى تغيير االستراتيجية الدولية‪ ،‬فإن نفس التغير‬

‫والتقلب يمس أيضا االستراتيجيات اإلقليمية واألنظمة الفرعية أو اإلقليمية‪ ،‬وتبعا لذلك فإن إفريقيا قد‬

‫تأثرت بتداعيات جيوستراتيجية ما بعد نهاية القطبية الثنائية‪ ،‬بحيث أفرزت رهانات جديدة لم تكن‬

‫واضحة للعيان في عهد التقاطب اإليديولوجي‪.‬‬

‫على الرغم مما تتمتع به القارة اإلفريقية من وفرة في الموارد الطبيعية‪ ،‬واألنهار‪،‬‬

‫والبحيرات‪ ،‬واألراضي الخصبة‪ ،‬فإن عوائق التنمية فيها متعددة‪ ،‬فهي ما زالت تتخبط في أوحال‬

‫الصراعات المسلحة والحروب فيما بين دولها والحروب األهلية داخل الدولة الواحدة‪ ،‬وتتمثل طبيعة‬

‫ومصادر هذه الصراعات في الطبيعة الهشة لبعض الدول اإلفريقية‪ ،‬والفقر المتوطن والالمساواة‬

‫االقتصادية‪ ،‬ونظم الحكم المطلقة‪ ،‬التي ال تسمح بنشأة أي تدابير سياسية للمشاركة‪ ،‬باإلضافة إلى‬

‫العوامل الدولية التي يمكن إدراجها في إطار االقتصاد السياسي العالمي‪ ،‬الذي تحتل فيه إفريقيا موقع‬

‫الطرف الضعيف والخاسر في كل جوانب تفاعالته‪.‬‬

‫لقد كانت لهذه الصراعات آثار شديدة الضرر على القارة‪ ،‬حيث أهدرت من مواردها الكثير‪،‬‬

‫وفي مقدمتها الموارد البشرية‪ ،‬وما نتج عنها من فظائع إنسانية (بروندي وروندا وجمهورية الكونغو‬

‫الديمقراطية وليبريا وسيراليون والصومال وإ ثيوبيا والسودان‪ ،)...‬فإفريقيا أضحت أرض الالجئين‪،‬‬

‫حيث تستأثر بحوالي نصف الالجئين والنازحين من ديارهم في العالم أجمع‪ ،38‬إضافة إلى تفكك العديد‬

‫‪ - 38‬ألفريد نهيما‪ ،‬قضايا السلم المنشود في إفريقيا التحوالت والديمقراطيــة والسياســيات العامة‪( ،‬ترجمة مصــطفى مجــدي الجمــال)‪ ،‬دار األمين‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2005‬ص ‪.7-6-5‬‬

‫‪15‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫من الدول‪ ،‬بل وصل األمر إلى تقسيم دولة السودان وما سيترتب عليه من نتائج وخيمة على جل‬

‫القارة‪.‬‬

‫كما كان من نتائج هذه الصراعات ارتفاع اإلنفاق العسكري على حساب مشاريع التنمية‪،‬‬

‫نتيجة الفساد السياسي واإلداري المستشري في جل الدول اإلفريقية‪ ،‬وما يخلفه من انقالبات سياسية‬

‫متكررة في أغلبها‪ ،‬موازاة مع ثقل عبء الديون الخارجية‪ ،‬الذي أصبح يحد من جهود التنمية‪ ،‬فطبقا‬

‫لبعض التقديرات ارتفع إجمالي الديون الخارجية المستحقة على الدول اإلفريقية من ‪ 304,7‬مليار‬

‫دوالر سنة ‪ 2003‬إلى ‪ 324,7‬مليار دوالر سنة ‪.392010‬‬

‫وفي سياق مواجهة هذه األوضاع المتردية على المستوى السياسي واالقتصادي التي تعيشها‬

‫القارة مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين‪ ،‬توجهت العديد من الدول اإلفريقية إلى‬

‫تبني العديد من اإلصالحات السياسية التي جاءت نتاجا لمطالب الدول المانحة‪ .‬وكانت العالمة األولى‬

‫لهذا التحول هو إطالق سراح نيلسون مانديال في فبراير من العام ‪ ،1990‬بعد خمسة وعشرين عاما‬

‫من االعتقال‪ ،‬وتلته النهاية الرسمية للتمييز العنصري في جنوب إفريقيا بعد أربع سنوات‪ .‬كما أدى‬

‫اإلفراج عن مانديال إلى تحقيق أحد األهداف الرئيسية لمنظمة الوحدة اإلفريقية‪ ،‬بتصفية االستعمار‬

‫السياسي في جميع أرجاء القارة اإلفريقية‪.‬‬

‫بعد نهاية التمييز العنصري في جنوب إفريقيا‪ ،‬صعد المجتمع المدني في الكثير من الدول‬

‫اإلفريقية من تحديه لسياسات الحكومات المستبدة وانخراطه في سياسة المعارضة‪ ،‬في ظل هيمنة‬

‫اإليديولوجية الليبرالية وتوجه العديد من الدول الغربية لمطالبة رؤساء الدول اإلفريقية باحترام حقوق‬

‫اإلنسان‪ ،‬وتحسين اإلدارة‪ ،‬وإ نهاء حكم الحزب الواحد‪ ،‬واستئصال الفساد‪ ،‬على رغم من كون هذه‬

‫المطالب كانت مطية للتدخل في العديد من دول القارة اإلفريقية لتحقيق مصالح الدول الغربية‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪- Zhang YOUNGPENG, Ressources et développement en Afrique –une vaste problématique, p12. consulté‬‬
‫‪le 25/04/2015, sur https://www.imf.org/external/french/np/seminars/2012/kinshasa/pdf/yz.pdf.‬‬

‫‪16‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫خالل هذه المرحلة أخذ بعض "ذوي النفوذ" الذين هيمنوا على الحياة السياسية في بالدهم‬

‫مغادرة مسرح األحداث‪ :‬الرئيس فيلكس هوفويت‪ -‬بويني الذي حكم ساحل العاج ألكثر من ثالثين‬

‫عاما‪ ،‬توفي في العام ‪ ،1993‬وهاستينغز باندار رئيس ماالوي لثالثة عقود‪ ،‬هزم في انتخابات‬

‫ديمقراطية في العام التالي‪ ،‬وفي العام ‪ 1991‬سمح الرئيسان كينيت كاوندا رئيس زامبيا وماثيو كيريكو‬

‫رئيس بنين‪ ،‬بالتعددية الحزبية وسرعان ما تركا السلطة بعدها ( أعيد انتخاب كيريكو للرئاسة في العام‬

‫‪ 1996‬وأمضى عقدا آخر في الحكم)‪ ،40‬وفي العام ‪ 2002‬أجرت كينيا أول انتخابات نيابية على مدى‬

‫جيل كامل‪ ،‬وانتهت الحروب األهلية التي دامت عقودا في أنغوال والموزمبيق‪ .‬وبعد عقود من‬

‫الديكتاتورية‪ ،‬وعدم االستقرار‪ ،‬والفقر المدقع‪ ،‬وصراع أودى بحياة ما يزيد على خمسة ماليين شخص‪،‬‬

‫أجرت جمهورية الكونغو الديمقراطية في العام ‪ 2006‬االنتخابات تحت إشراف األمم المتحدة‪ ،‬وكان‬

‫الحكم عليها بأنها انتخابات حرة ونزيهة إلى حد بعيد‪.41‬‬

‫وموازاة مع هذه اإلصالحات السياسية التي عرفتها العديد من الدول اإلفريقية‪ ،‬جاء التحول‬

‫على مستوى تطوير المؤسسات اإلفريقية من خالل التحول من منظمة الوحدة اإلفريقية إلى االتحاد‬

‫اإلفريقي مؤشرا على رغبة األفارقة في إنجاز التكامل االقتصادي والوحدة السياسية‪ .‬ولتأكيد هذا‬

‫االتجاه تم اإلعالن عن مبادرة الشراكة الجديدة للتنمية في إفريقيا والمعروفة اختصارا بـ(نيباد)‪ ،‬لحشد‬

‫الموارد واستخدامها في العملية التنموية‪ ،‬وهو ما يبرز منذ البداية أهمية التعاون والتكامل سواء داخل‬

‫القارة اإلفريقية أو مع شركائها الدوليين‪.‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬وتماشيا مع تطور التكتالت االقتصادية على المستوى الدولي‪ ،‬بدأت القارة‬

‫تتجه نحو بناء تكتالت اقتصادية أو تطوير القائم منها‪ ،‬وهي تجمعات ذات طابع اقتصادي ترمي إلى‬

‫‪ - 40‬وانغاري ماثي‪ ،‬أفريقيا والتحدي‪( ،‬ترجمة أشرف محمد كيالني)‪ ،‬عالم المعرفة ‪ ،410‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬مارس‬
‫‪ ،2014‬ص ‪.51-50‬‬
‫‪ - 41‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪17‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تعميق االندماج بين الدول األعضاء‪ ،‬والتنسيق بين السياسات المالية واالقتصادية الكوميسا واإلكواس‬

‫وسيماك وإ يجاد‪.42‬‬

‫وإ ذا كانت القارة اإلفريقية عرفت انتعاشا اقتصاديا مع بداية العقد األول من القرن الواحد‬

‫والعشرين نتيجة ارتفاع أسعار المواد األولية‪ ،‬فإن األزمة المالية قضت على فترة النمو االقتصادي‬

‫المرتفع نسبيا‪ ،‬حيث انخفض معدل النمو االقتصادي من ‪ %6‬في األعوام ‪ 2008-2006‬إلى ‪%2,5‬‬

‫في عام ‪ .2009‬كما عرفت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا شديدا في معظم الدول اإلفريقية‪ ،‬حيث‬

‫وصلت األسعار في بعض المناطق إلى ما نسبته ‪ %300‬مما أثر على أوضاع الفقراء تأثيرا كبيرا‪.‬‬

‫ومع ذلك يعتقد خبراء االقتصاد بأن االحتماالت المستقبلية لالقتصاديات اإلفريقية هي التعافي‬

‫التدريجي‪ .43‬لذلك تتجلى أهمية هذا الموضوع في ناحيتين؛ أهمية نظرية وأهمية عملية‪:‬‬

‫األهمية النظرية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫إن دراسة هذا الموضوع أوجبته عدة أسباب نظرية‪ ،‬أبرزها تزايد االهتمام بهذا النوع من‬

‫البحوث المتعلقة بالتنافس الدولي‪ ،‬خاصة وأن هناك سجاال وغموضا حول تقديم تعريف محدد لمفهوم‬

‫التنافس الدولي في ظل التغيرات التي عرفتها الساحة الدولية بعد نهاية الحرب الباردة‪ ،‬والتحول من‬

‫الصراع اإليديولوجي إلى تنافس دولي مفتوح يشكل االقتصاد موضوعه األساس‪ ،‬لذا اخترنا ثالثة‬

‫مداخل نظرية هي الواقعية والليبرالية وكذا الماركسية‪ ،‬واعتمدنا أهم أطروحاتها لمحاولة فهم وتفسير‬

‫تزايد التنافس الدولي في القارة اإلفريقية مع بداية القرن الحالي‪ ،‬من خالل الوقوف على مدى كون‬

‫افتراضات هذه النظريات عملت على استيعاب وتفسير التحوالت التي عرفتها الساحة الدولية بعد نهاية‬

‫‪- 42‬الكوميسا‪ :‬اتفاقية السوق المشتركة لدول الشرق والجنوب اإلفريقي‪.‬‬


‫‪ -‬اإلكواس‪ :‬المجموعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا‪،‬‬
‫‪ -‬وسيماك‪ :‬المجموعة االقتصادية لدول وسط إفريقيا‪.‬‬
‫‪ -‬إيجاد‪ :‬الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف في شرق إفريقيا‪.‬‬
‫‪ - 43‬محمد البشر أحمد موسى‪" ،‬خريطة القوى المتداعية على إفريقيا"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العدد التاسع‪ ،‬يوليو‪-‬سبتمبر ‪ ،2011‬ص ‪.30‬‬

‫‪18‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الحرب الباردة‪ ،‬وهو ما يستوجب منها أوال تحديد مفهوم التنافس الدولي وتميزه عن مفهوم الصراع‬

‫الدولي‪.‬‬

‫يعرف التنافس الدولي بأنه حالة تجمع بين طرفين دوليين أو أكثر تتميز بالطابع السلمي بعيدا‬

‫عن أي مظهر من مظاهر العنف والتوتر والنزاعات‪ ،‬بالشكل الذي ال تنعكس فيه سلبيا على طبيعة‬

‫العالقات بين أطرافها من أجل تحقيق المصالح والمكاسب موضوع التنافس‪ .44‬وهذا التعريف يوضح‬

‫أن التنافس بين الدول ال ينحو إلى التوتر والنزاعات‪ ،‬فهو ينصرف إلى ميادين االقتصاد والتجارة‬

‫وميادين التفوق التكنولوجي واحتكار العلم والمعرفة ‪ ،45‬عكس الصراع الذي يعني في أبسط معانيه‪:‬‬

‫تفاعل العالقات بين عناصر ومكونات موجودة في الطبيعة والذات اإلنسانية والعالقات االجتماعية‪ ،‬أي‬

‫أنه حالة من الضغط النفسي الناتج عن التعارض أو عدم التوافق بين رغبتين أو حاجتين أو أكثر‪ ،‬فهو‬

‫يشير إلى موقف خاص يكون أحد طرفيه أو أطرافه على اقتناع بعدم التوافق المستقبلي المحتمل‪ ،‬أو‬

‫يقوم كل طرف بتبني أو اتخاذ مواقف ال تتوافق مع المصالح المحتملة مع الطرف اآلخر أو األطراف‬

‫األخرى‪ .‬فمثال الصراع السياسي يعني‪ :‬التصادم والتعارض بين طرفين أو أكثر‪ ،‬بينهما اختالفات‬

‫قيمية ومصلحية ينخرطان في سلسلة من األفعال وردود األفعال اإلرغامية‪ ،‬التي تهدف إلى إلحاق‬

‫الضرر أو شل حركة الطرف أو األطراف األخرى‪ ،‬مع سعي كل طرف إلى تعظيم مكاسبه على‬

‫حساب اآلخرين وتأمين مصادر قوته‪ ،‬والصراع يتميز بالعنف‪ ،‬وانعدام التعاون وتحطيم الجهود أي أنه‬

‫غير منتج‪.46‬‬

‫وغالبا ما يحاول بعض المفكرين والكتاب الجمع بين مفهومي الصراع والتنافس في حقل‬

‫العالقات الدولية‪ ،‬والتنافس كحالة هو مرحلة ضمن مراحل الظاهرة الكونية األوسع‪ ،‬أال وهي ظاهرة‬

‫‪ - 44‬حمدي محمد نذير‪" ،‬ظاهرة التنافس الدولي في العالقات الدولية"‪ ،‬المركز الديمقراطي العربي‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 30/09/2015‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://democraticac.de/?p=1775#prettyPhoto.‬‬
‫‪ - 45‬خالد المعيني‪ ،‬الصراع الدولي بعد الحرب الباردة ‪ ،‬دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،2009 ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ - 46‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ -‬ياســـر أبو حسن "صراع القوى العظمى على الموارد"‪ ،‬دراسات افريقيــة‪ ،‬العـدد رقم ‪ ، 45‬ص‪ ،140‬جامعـة افريقيـا العالميـة‪ ،‬شـوهد بتـاريخ‬
‫‪ 30/04/2015‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.iua.edu.sd/iua_magazine/african_studies/45/45index.htm‬‬

‫‪19‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الصراع‪ ،‬الذي قد يبدأ في كثير من األحيان من تنافس سلمي حول مواضيع ومصالح ال تتميز‬

‫بالتناقض في ميادين التجارة والتكنولوجيا واالقتصاد‪ ،‬وقد يتطور تدريجيا مع ندرة الموارد وتضارب‬

‫األهداف وتعقد وتشابك المصالح‪ ،‬إلى توتر‪ ،‬فأزمة‪ ،‬فصراع مع احتمال وقوع الحرب‪.‬‬

‫وحسب النظرية الواقعية‪ ،‬بمختلف توجهاتها القديمة منها والجديدة‪ ،‬ال يرى أصحابها داعيا‬

‫للتفرقة بين ظاهرتي الصراع والتنافس الدوليين‪ ،‬على اعتبار أن هذا األخير يحتوي جميع عناصر‬

‫الصراع؛ غير أن إدارته تتم بوسائل سلمية بحتة‪ ،‬بحيث يظل تحقيق المصلحة الوطنية هو الهدف‬

‫األساس الذي من أجله تتصارع أو تتنافس الدول‪ ،‬مما يستوجب التوفر على القوة التي تعد الوسيلة‬

‫األساسية لتحقيق هذه المصلحة‪ .‬وتعتبر الدولة الفاعل السياسي الرئيس في النظام الدولي‪ ،‬الذي يتميز‬

‫وفق الرؤية الواقعية بالفوضى‪ ،‬نتيجة غياب سلطة دولية فوق قومية قادرة على حفظ األمن والسلم‬

‫العالمين‪ .‬والصراع عند الواقعيين الكالسيكيين هو من طبيعة العالقات الدولية التي هي صراع قوة‬

‫ومن أجل القوة‪ ،‬ويرى هانز مورغنتو أن للقوة ثالث مهام رئيسة في العالقات الدولية‪ :‬القوة كعلة‬

‫مسببة‪ ،‬والقوة كهدف‪ ،‬والقوة كوسيلة‪ .‬أما القوة كعلة مسببة‪ ،‬فهنا تكون القوة بمثابة السبب المباشر ألي‬

‫فعل سياسي؛ فمجرد امتالك دولة لمقومات القوة‪ ،‬فهذا يعد سببا مباشرا لدفع وبسط هيمنتها وسيطرتها‬

‫على اآلخرين‪ .‬أما مهمة القوة كهدف‪ ،‬فهو ما يوضحه تعريف مورغانتو للعالقات الدولية بأنها صراع‬

‫من أجل القوة‪ .‬فمهما اختلفت طبيعة السياسات المنتهجة من طرف الدول‪ ،‬فإنها تصب كلها في قلب‬

‫القوة‪ ،‬أما مهمة القوة كوسيلة فتنحصر في كونها أداة لبلوغ الغايات المرجوة‪ ،‬وباقتران القوة بمختلف‬

‫هذه المهام المتعلقة بالسبب والهدف والغاية يكون هانز مورغانتو قد جعلها وسيلة وغاية في نفس‬

‫الوقت‪ . 47‬وعلى خالف ذلك‪ ،‬فالصراع الدولي عند الواقعيين الجدد هو نتيجة حتمية للبيئة الدولية‬

‫الفوضوية وغير اآلمنة‪ ،‬ولذلك تسعى الدول إلى تحقيق أقصى ما يمكن من األمن فوق كل شيء‪،‬‬

‫والقوة وسيلة لتحقيق ذلك‪ ،‬وتركز هذه الرؤية على التحليل البنيوي‪-‬النظامي‪ ،‬إذ ال يمكن معرفة وتحديد‬
‫‪ - 47‬عبد الناصر جندلي‪ ،‬التنظــير في العالقــات الدوليــة بين االتجاهــات التفســيرية والنظريات التكوينيــة‪ ،‬دار الخلدونيـة‪ ،‬الجزائـر‪ ،‬الطبعـة األولى‬
‫‪1428‬هـ‪2007-‬م‪ ،‬ص ‪.149‬‬

‫‪20‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وظائف مختلف الوحدات في النظام الدولي ودرجة التفاعل بين هذه الوحدات‪ ،‬وكذلك مسألة توزيع‬

‫اإلمكانات والقدرات فيما بينها بدون االستناد إلى التحليل البنيوي‪-‬النظامي‪ ،‬وبذلك يبرز التأثير الواضح‬

‫لكل من نظرتي النظم والوظيفة على أنصار الواقعية الجديدة‪.48‬‬

‫ولقد وجهت مجموعة من االنتقادات لهذه الرؤية بعد نهاية الحرب الباردة‪ ،‬فظاهرة العولمة‬

‫أثارت إشكاالت متجددة بشأن القوة السياسية والدولة الوطنية بالنسبة لالتجاه الواقعي‪ ،‬فمن ناحية يشعر‬

‫العديد من المعولمين المفرطين ‪ Hyper globalizers‬بأنهم يعيشون في عالم معولم‪ ،‬ويؤكدون بالتالي‬

‫تراجع الدولة في إطار تنامي ظاهرتي االندماج واالعتماد االقتصاديين‪ ،‬وهنا نسجل تحديا للعولمة في‬

‫مظهرها االقتصادي لفكرة الواقعية التي مفادها أن الدولة هي وحدة اقتصادية مستقلة بمواردها‬

‫الخاصة‪ ،‬حيث لم تعد هذه الفكرة قائمة في عالم ما بعد الحرب الباردة‪ .‬فدور الدولة أخد يتقلص‬

‫تدريجيا نتيجة للتخلي الطوعي عن بعض مظاهر السيادة بغية تحقيق االندماج ليس في الجانبين‬

‫االقتصادي والسياسي فحسب‪ ،‬وإ نما في بقية الجوانب األخرى أيضا‪ ،‬إذ الواقع يثبت أن الدولة في أزمة‬

‫بسبب العولمة‪ ،‬على رغم من أنها ستبقى موجودة في ظل عدم وجود خيار واضح متوفر‪ .‬فالدولة‬

‫أصبحت تحت تأثير وضغط جبهتين؛ الجبهة األولى؛ تتمثل في تقليص دورها ووظائفها بسبب العولمة‬

‫التي أفرزت فواعل أخرى من غير الدولة كالمنظمات الدولية واإلقليمية والمؤسسات المالية العالمية‬

‫والجماعات اإلرهابية مؤخرا‪ .‬أما الجبهة الثانية فتتمثل في مطالبة األقليات االثنية والعرقية باالستقاللية‬

‫والبروز‪ ،‬بعدما تحول الصراع في العالقات الدولية من صراع بين الدول إلى صراع داخل الدول‪،49‬‬

‫وهو ما تؤكده وضعية أغلب الدول اإلفريقية‪.‬‬

‫أما على صعيد التحوالت في نمط القوة في العالقات الدولية لما بعد الحرب الباردة‪ ،‬يمكن‬

‫اإلقرار بوجود إعادة فعلية حقيقة لترتيب وتوزيع عناصر القوة‪ ،‬نجم عنها تراجع للقوة العسكرية‬

‫‪ - 48‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.180‬‬


‫‪ - 49‬عبد الناصر جندلي‪" ،‬النظريات التفسيرية للعالقات الدولية بين التكيف والتغير في ظل تحوالت عــالم مــا بعــد الحــرب البــاردة " مجلــة المفكــر‪،‬‬
‫العدد ‪ 5‬مارس ‪ ،2010‬ص ‪.125‬‬

‫‪21‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لصالح القوتين االقتصادية والتكنولوجية مع عدم إقصاء ألي منها‪ ،‬بل تداخلها وتشابكها وتكاملها أحيانا‬

‫وتالزمها تالزم الشرط مع المشروط أحيانا أخرى‪.‬‬

‫إن استعمال القوة هو سلوك الدول تجاه بعضها البعض‪ ،‬غير أن المنظور الواقعي يركز على‬

‫عنصر القوة العسكرية من أجل تحقيق الدول لمصالحها أو الدفاع عنها‪ .‬ولذلك فإن التهجم على الفكر‬

‫الواقعي يتضمن هجوما على القوة العسكرية‪ ،‬حيث أتهم هذا الفكر بعدم قدرته على مواكبة مشاكل‬

‫السياسة الدولية في عالم االعتماد المتبادل من خالل تنامي أدوار كل من القوتيين االقتصادية‬

‫والتكنولوجية‪ .‬وإ ذا كان كينيت والتز محقا في فكرته التي مفادها أن األسلحة النووية ستقلل من أهمية‬

‫االعتبارات األمنية وتجعل الدول تركز أكثر على االقتصاد‪ ،‬فإن الواقع يثبت أن العديد من الدول تركز‬

‫على قدراتها وإ مكاناتها االقتصادية إلى أبعد مدى أكثر مما تقترحه الواقعية الجديدة التي تقصي العامل‬

‫االقتصادي على رغم من افتقارها للردع النووي‪ ،‬فكل من ألمانيا واليابان تركزان على قدرتهما‬

‫االقتصادية‪ ،‬ولكنهما ال يستحوذان على األسلحة النووية‪ ،‬كما أن الصين والهند أصبحتا أكثر قدرة على‬

‫تحقيق مصالحهما بالقارة اإلفريقية‪ ،‬نتيجة لما أصبحتا تمتلكانه من تطور اقتصادي وامكانات مالية‬

‫كبيرة‪ ،‬حتى باتتا تزاحم القوى الغربية في مناطق نفوذها‪.‬‬

‫ومهما كانت طبيعة القوة ونوعها وترتيبها حسب األدوار التي تضطلع بها في عالم ما بعد‬

‫نهاية الحرب الباردة‪ ،‬وتوزيعها بين القوى الرئيسية المشكلة للنظام الدولي الحالي‪ ،‬فإن مفهوم القوة ال‬

‫يزال يمثل أحد المرتكزات األساسية لتحليل العالقات الدولية‪ ،‬كما أن مفهوم المصلحة الوطنية ال يزال‬

‫يتحكم في السياسة الخارجية للدول في ظل تنامي ظاهرة االعتماد المتبادل‪ ،‬األمر الذي يعني أن‬

‫الواقعية ما تزال قائمة ومهيمنة على العالقات الدولية الراهنة‪ .‬وما ينبغي القيام به حسب األستاذ عبد‬

‫الناصر جندلي هو إجراء بعض التعديالت والتغيرات على مستوى اإلطار النظري المفهومي للواقعية‪،‬‬

‫وخاصة فيما يتعلق بوحدة التحليل المتمثلة في الدولة‪ ،‬التي تحولت إلى المؤسسات الدولية عبر‪-‬وطنية‬

‫‪22‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫(التكتالت والتجمعات) بعد تقلص دور الدولة في ظل العولمة‪ ،‬وإ ن كانت األزمة المالية العالمية لسنة‬

‫‪ ، 2008‬قد أعادت للدولة اعتبارها بعدما أصبح المجتمع الدولي يطالب بضرورة تدخل الدول لتسيير‬

‫االقتصاد العالمي‪.50‬‬

‫وعلى النقيض من أطروحات االتجاه الواقعي‪ ،‬يؤكد الليبراليون أنه للمحافظة على السلم‬

‫واألمن العالميين دون تقييد حرية الفواعل الدولية أو التدخل في توجيه العملية التنافسية في مختلف‬

‫المجاالت (اقتصادية‪ ،‬تجارية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬سياسية)‪ ،‬يجب إنشاء مؤسسات عالمية تشارك فيها الدول وتحترم‬

‫قراراتها وتنظيماتها‪ ،‬دون إلحاق الضرر بأي من األطراف المتنافسة‪ ،‬مهما كان وزنها في السلم‬

‫الدولي‪ ،‬وكان التركيز الليبرالي خاصة بعد نهاية الحرب الباردة وإ عالن عدد من المفكرين الغربيين‬

‫انتصار النموذج الليبرالي‪ ،‬موازاة مع زيادة أهمية العامل االقتصادي على المستوى الدولي‪ ،‬على وضع‬

‫تصور لما يجب أن يكون عليه المناخ االقتصادي العالمي‪ ،‬في إطار إعادة الهيكلة التي مرت بها العديد‬

‫من دول العالم‪ ،‬وذلك بتطبيق سياسات التقويم الهيكلي؛ بالتوجه نحو الليبرالية االقتصادية الحرة‬

‫واالنفتاح السياسي التعددي‪ ،‬الذي توجهت أغلب الدول اإلفريقية لتطبيق مبادئه وإ ن كانت أغلبها‬

‫بصورة صورية استجابة لمطالب الدول الغربية المانحة‪ ،‬التي أفرزت مجموعة من التحديات ال تزال‬

‫تواجه هذه الدول إلى اليوم‪ ،‬ومن أهم هذه المبادئ‪:‬‬

‫ضرورة تبني الديمقراطية خيارا أساسيا لنظام الحكم‪ ،‬واحترام حقوق اإلنسان والحريات العامة‬

‫والقوانين الدولية‪ ،‬باإلضافة إلى خصخصة القطاع العام‪ ،‬وانتهاج سياسة اقتصادية مفتوحة أو ما يعرف‬

‫باقتصاد السوق الحرة‪ ،‬وكذا االنخراط في المؤسسات والهيئات الدولية واحترام قراراتها‪ .‬ويعتقد أنصار‬

‫هذا االتجاه أن تطبيق هذه المبادئ سيسهم بشكل كبير في تنظيم عملية التنافس الدولي وفق القواعد‬

‫الديمقراطية والقانون الدوليين واقتصاد السوق‪.51‬‬

‫‪ - 50‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.127‬‬


‫‪ - 51‬حمدي محمد نذير‪" ،‬ظاهرة التنافس الدولي في العالقات الدولية"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومن أهم االنتقادات الموجهة ألصحاب هذا االتجاه‪ ،‬ما ورد في كتاب المفكر األمريكي نعوم‬

‫تشومسكي المعنون بـ الربح على حساب الشعوب الليبرالية الجديدة والنظام الكوكبي‪ ،‬حيث يوجه‬

‫انتقاده لما يصفه بالتوحش الليبرالي الذي بمقتضاه تعمل القلة الغنية من أجل تطويق الحقوق السياسية‬

‫واالقتصادية والمدنية لألكثرية الفقيرة من جهة‪ ،‬أما من جهة أخرى فيرى نعوم تشومسكي أنه في‬

‫المجال االقتصادي ال تسود المنافسة العقالنية والعادلة‪ ،‬ألنه على النقيض من ذلك فاألسواق غير‬

‫تنافسية‪ ،‬لكون الشركات العمالقة تتمتع بالسيطرة على قسم كبير من االقتصاد العالمي‪ ،‬وتمتلك‬

‫الوسائل للهيمنة على سياسة المعلومات‪ ،‬باإلضافة إلى صياغة الفكر والرأي‪ .52‬وفي هذا اإلطار تدور‬

‫معظم األفكار الماركسية خصوصا الماركسية الجديدة التي على رأسها نظرية التبعية‪.‬‬

‫إن إعادة توزيع وترتيب عناصر القوة في النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة لصالح ما هو‬

‫اقتصادي وتكنولوجي‪ ،‬تبرهن على الصعيد التنظيري على أن النظرية الماركسية التقليدية كانت وال‬

‫تزال أهم النظريات االقتصادية في تفسير وتحليل سلوك الدول‪ ،‬ففي ظل تعاظم دور القوة االقتصادية‪،‬‬

‫يجد الطرح الماركسي مكانته في العالقات الدولية مع بداية القرن الحالي‪ .‬وهي المكانة التي تبوأها‬

‫بفضل أحد مبادئه األساسية‪ ،‬أال وهو المادية الجدلية في إطار عالقة التأثير والتأثر بين البنية التحتية‬

‫(االقتصاد) والبنية الفوقية (السياسة وصنع القرار السياسي)‪ ،‬وهو تحليل ماركسي جدلي ال يزال يجد‬

‫تطبيقات واسعة له في عالم أصبحت تهيمن عليه القوة االقتصادية وليس القوة العسكرية‪ ،‬فالقوى‬

‫الفرعية للنظام الدولي لما بعد الحرب الباردة هي كلها قوى اقتصادية بالدرجة األولى (الواليات المتحدة‬

‫األمريكية‪ ،‬اليابان‪ ،‬الصين‪ ،‬االتحاد األوروبي‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬الصين‪ ،‬الهند‪.53)...‬‬

‫أما في ما يتعلق بتأثير التحوالت الدولية على المنظور النيوماركسي (التبعية) يمكن القول إن‬

‫مدى تكيف نظرية التبعية مع تحوالت النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة‪ ،‬ينبع من ذلك الترابط بين‬

‫‪ - 52‬نعوم تشومسكي‪ ،‬الربح على حساب الشعوب الليبرالية الجديدة والنظام الكوكبي‪( ،‬ترجمة أسامة إسبر)‪ ،‬بدايات‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة االولى ‪.2007‬‬
‫‪ - 53‬عبد الناصر جندلي‪" ،‬النظريات التفسيرية للعالقات الدولية بين التكيف والتغير في ظل تحوالت عالم ما بعد الحرب الباردة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.129‬‬

‫‪24‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ظاهرتي التبعية والتنمية‪ .‬وتكمن مهمة نظرية التبعية في دراسة وتحليل طبيعة العالقة بين دول الشمال‬

‫(المركز) ودول الجنوب (المحيط) من خالل تطرقها لألسباب المباشرة وغير المباشرة التي أدت إلى‬

‫تخلف دول الجنوب وبالتالي تبعيتها لدول الشمال‪ .‬وكذلك تصنيفها لطبيعة التشوهات البنيوية الناجمة‬

‫عن اندماج اقتصاديات الدول المتخلفة في االقتصاد الرأسمالي العالمي‪ ،‬فهي بالتالي تتخذ من النظام‬

‫العالمي وحدة تحليل أساسية‪ ،‬ألن الدولة ال تصلح‪ -‬في نظرها‪ -‬كوحدة للتحليل في ظل وضع دولي‬

‫يتميز بهيمنة االقتصاد الرأسمالي العالمي‪.‬‬

‫وجاءت مقومات هذه النظرية ردا على أفكار مدرسة التحديث (‪ )Modernisation‬فيما‬

‫يخص طبيعة كل من المجتمع والطبقة الحاكمة والتنمية وخطورة سياساتها التنموية‪ ،‬التي تسعى إلى‬

‫فرض هيمنة النظام الرأسمالي على باقي دول العالم الثالث‪ .‬وهي ترى بأن التنافس الدولي ‪ -‬بعد نهاية‬

‫الحرب الباردة‪ -‬تحكم في توجيهه العامل االقتصادي من أجل الموارد‪ ،‬الدائر أساسا على ساحة دول‬

‫المحيط‪ ،‬وبين دول المركز المتقدمة وفق النهج الرأسمالي دون اعتبار للضوابط األخالقية أو القانونية‪،‬‬

‫أي أن التنافس الدولي بات ينحصر بين القوى العالمية الكبرى التي كانت في السابق تمثل قوى‬

‫استعمارية إمبريالية أسهمت في نهب ثروات دول العالم الثالث‪ ،‬واشاعة األمية والجهل وإ ضعاف‬

‫اقتصادها وجعلها تابعة لها‪ ،‬بل وصل األمر إلى إخضاعها بقوة السالح‪ ،‬أما اليوم فقد تغيرت ضوابط‬

‫التنافس والتأثير في اآلخر وبروز أدوات جديدة فرضتها معطيات النظام الرأسمالي العالمي الجديد بعد‬

‫زوال المعسكر الشيوعي‪ ،‬التي تهدف للهيمنة االقتصادية ومن أبرز هذه األدوات واآلليات نجد‪ :‬التبادل‬

‫الالمتكافئ وتصدير رؤوس األموال‪ ،‬وتسلط المؤسسات االقتصادية‪ ،‬والشركات متعددة الجنسيات‪،‬‬

‫والمعونة‪ .‬وعليه أصبح التنافس الدولي اليوم ال يخرج في مجمله عن هذه العالقة تبعية المحيط للمركز‬

‫وهيمنة المركز على المحيط والتأثير عليه‪.54‬‬

‫األهمية العملية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ - 54‬عبد الناصر جندلي‪ ،‬التنظير في العالقات الدولية بين االتجاهات التفسيرية والنظريات التكوينية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.217-216‬‬

‫‪25‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إن الدراسات المتوفرة لحد اآلن حول هذا الموضوع خصوصا باللغة العربية‪ ،‬ال تزال دون‬

‫سد الفراغ المعرفي الذي يمكن اإلحاطة به في هذا الموضوع‪ ،‬ولذلك تبرز األهمية العملية لهذا‬

‫الموضوع في كونه يسعى الى تبصير المهتمين بالشأن اإلفريقي عموما وصناع القرار خصوصا بما‬

‫يحدث من تغيرات في القارة اإلفريقية‪ ،‬قصد أخذها بعين االعتبار في العالقات المستقبلية مع هذه‬

‫القارة‪.‬‬

‫فدراسة موضوع التنافس الدولي بالقارة اإلفريقية مع بداية القرن الواحد والعشرين‪ ،‬نسعى من‬

‫خاللها إلى الكشف عن األسباب الكامنة وراء السعي الحثيث للقوى الدولية للوصول إلى القارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬واالستفادة من ميزاتها الكثيرة‪ ،‬خاصة الموارد الطبيعة‪ ،‬كما يساعدنا على معرفة وإ دراك أهم‬

‫المجاالت التي تعتبر حيوية لكل القوى محل الدراسة في عالقاتها مع دول القارة اإلفريقية‪ ،‬باإلضافة‬

‫إلى الوقوف على الوسائل المستعملة من طرف هذه القوى لتحقيق مصالحها داخل هذه القارة‪ ،‬وهو ما‬

‫سيسمح لنا بالكشف عن اآلثار التي سيخلفها هذا التنافس على دول هذه القارة‪ ،‬بما ينطوي عليه من‬

‫مزايا إيجابية لتطويرها‪ ،‬وكذا العيوب التي ما زالت تحول دون تحقيق التنمية اإلفريقية المنشودة منذ‬

‫استقالل دولها‪.‬‬

‫لذلك فإشكالية هذا الموضوع تتقاطع في محددين أو حقلين أساسيين وهما‪ :‬النسق الدولي الذي‬

‫عرف مجموعة من التغيرات السياسية واالقتصادية بعد نهاية الحرب الباردة بانهيار المعسكر‬

‫االشتراكي‪ ،‬والتوجه العالمي نحو الليبرالية السياسية واالقتصادية‪ ،‬وما رافق ذلك من صعود بعض‬

‫القوى الدولية (كالصين والهند والبرازيل وروسيا وتركيا‪ )....‬وتطلعها لمنافسة القوى الغربية على فتح‬

‫األسواق الدولية‪ ،‬والحصول على الثروات الطبيعية الضرورية لتأمين تطورها االقتصادي في العديد‬

‫من مناطق العالم‪ .‬ثم القارة اإلفريقية وموقعها الجيوسياسي وتزايد أهميتها السياسية واالقتصادية؛ نتيجة‬

‫ما تتوفر عليه من ثروات طبيعية كبيرة بعد تزايد اكتشاف الموارد الطاقية بها‪ ،‬مما نتج عنه احتدام‬

‫‪26‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التنافس الدولي حولها‪ ،‬خصوصا إذا علما بكونها أصبحت سوقا استهالكية مهمة يتجاوز عدد سكانها‬

‫المليار نسمة‪.‬‬

‫وبالتالي يمكن صياغة إشكالية هذا الموضوع على النحو التالي‪:‬‬

‫إلى أي حد يمكن اعتبار التنافس حول القارة اإلفريقية أمرا فرضه تزايد اكتشاف الموارد‬

‫الطبيعية فيها‪ ،‬مما أكسبها أهمية استراتيجية مع بداية األلفية الثالثة‪ ،‬مقابل عدم قدرتها على استغالل‬

‫مواردها ذاتيا بسبب الصراعات الداخلية والبينية التي تعيشها‪ ،‬واستمرار تخلفها السياسي‬

‫واالقتصادي؟ أم جاء نتيجة المتغيرات الدولية التي أدت إلى بروز العديد من القوى االقتصادية على‬

‫الساحة الدولية‪ ،‬وتزايد حاجاتها للثروات االستراتيجية التي تمتلكها القارة اإلفريقية وفتح أسواقها‬

‫لتصريف منتجاتها الصناعية لضمان استمرار صعودها االقتصادي؟‬

‫وتتفرع عن هذه اإلشكالية العديد من األسئلة نحصرها فيما يلي‪:‬‬

‫ما هي مكانة القارة اإلفريقية في استراتيجيات الدول الكبرى؟‬ ‫‪‬‬

‫وما هي األدوات والوسائل التي تعتمدها القوى المتنافسة داخل القارة اإلفريقية لتحقيق‬ ‫‪‬‬

‫أهدافها؟‬

‫هل تسابق القوى الدولية نحو إفريقيا يحكمه تنسيق تكتيكي؟ أم أن السباق يرتهن بأولويات‬ ‫‪‬‬

‫كل قوة على حدى؟‬

‫وإ لى أي حد سيؤدي هذا التنافس إلى بروز قوى دولية جديدة داخل النسق الدولي؟‬ ‫‪‬‬

‫وما هي انعكاسات هذا التنافس على تنمية الدول اإلفريقية؟‬ ‫‪‬‬

‫وما هو تأثير هذا التنافس الدولي على العالقات المغربية اإلفريقية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫كيف سيكون مستقبل هذا التنافس من خالل الحيثيات الماثلة والواقع المعيش واإلمكانات‬ ‫‪‬‬

‫اإلفريقية المتاحة؟‬

‫‪27‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ولإلجابة عن اإلشكالية الرئيسية لألطروحة واألسئلة المتفرعة عنها‪ ،‬تمت صياغة فرضية‬

‫الدراسة األساسية كاآلتي‪ :‬إن تزايد التنافس الدولي بالقارة اإلفريقية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة‪،‬‬

‫قد أسهم في إعادة صياغة المشهد الجيواستراتيجي اإلفريقي على أسس وقواعد جديدة‪ ،‬وإ ن ظلت‬

‫النتيجة واحدة بالنسبة لنهضة وتقدم إفريقيا؛ حيث إن التنافس الحالي كسابقه في القرن السابق‬

‫يسعى إلى كسب الثروة والنفوذ لمصلحة قوى الهيمنة الجديدة‪ ،‬بغض النظر عن مصالح وآمال‬

‫الشعوب اإلفريقية‪.‬‬

‫والختبار مدى صحة هذه الفرضية‪ ،‬عملنا على طرح مجموعة من الفرضيات الفرعية وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ ‬إن حلقات التنافس حول إفريقيا هي امتداد للسياسات الرامية إلى استنزاف الثروات الطبيعية‬

‫التي تزخر بها القارة‪ ،‬على الرغم من خروج بعض الالعبين الكبار مثل‪ :‬بريطانيا واالتحاد‬

‫السوفياتي‪ ،‬يوازيه دخول العبين جدد حلوا محلهم مثل الواليات المتحدة األمريكية والصين‬

‫واليابان والهند وإ سرائيل‪ ...‬مع ثبات الوجود الفرنسي المتشبث بمعاقله االستعمارية هناك‪.‬‬

‫‪ ‬إن وتيرة هذا التنافس ستؤدي إلى حدوث تأثير مزدوج على االستقرار السياسي واألمني في‬

‫القارة‪ ،‬حيث ستعمل القوى المتنافسة على تسوية بعض الصراعات وإ ثارة وتصعيد البعض‬

‫األخر منها‪.‬‬

‫‪ ‬إن الواقع اإلفريقي ما زال مهيأ الستيعاب وقبول التنافس المتعدد األقطاب والمتباين االتجاهات‪،‬‬

‫وذلك للبحث عن أفضل الخيارات التي يمكن التعامل معها‪ ،‬والتي قد تكون ذات امتيازات محفزة‬

‫وعروضا مناسبة لتحقيق أكبر قدر من المنفعة المتبادلة‪.‬‬

‫‪ ‬كما نفترض أن وتيرة التنافس سوف تزداد مستقبال‪ ،‬وذلك لعدة قرائن يسوقها الواقع الدولي‬

‫والظروف اإلفريقية‪ ،‬وهي تزايد حاجة الدول المتنافسة للموارد الطبيعية اإلفريقية لتأمين‬

‫تطورها الصناعي‪ ،‬يقابله ضعف في المقدرات واإلمكانيات اإلفريقية من حيث استغاللها ذاتيا‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وللتحقق من الفرضية الرئيسية للدراسة والفرضيات المتفرعة عنها سنستعين بمنهجين‬

‫أساسيين‪ :‬المنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬لكونه يكتسي أهمية كبيرة في تحليل المعطيات الجيوسياسية التي‬

‫لها عالقة بالموضوع‪ ،‬فبواسطة هذا المنهج سنحاول إبراز الخلفيات والبواعث واألبعاد التي جعلت‬

‫القوى الدولية تزيد من اهتمامها بالقارة اإلفريقية بعد نهاية الحرب الباردة‪ .‬أما المنهج االحصائي‬

‫فسيمكننا من تحليل بعض المعطيات الرقمية التي لها عالقة بموضوع البحث من خالل رصد تطور‬

‫عالقات هذه القوى مع دول القارة اإلفريقية‪ ،‬سواء على المستوى التجاري (أهم ما تستورده وتصدره‬

‫هذه القوى للقارة اإلفريقية) أو االستثمارات والمساعدات المالية والعسكرية‪ ،‬باإلضافة إلى الوقوف‬

‫على العديد من االحصائيات حول تأثير هذه العالقات على االوضاع اإلفريقية خصوصا في المجاالت‬

‫التنموية‪.‬‬

‫انطالقا من كل ما سبق سنعالج هذا الموضوع من خالل قسمين أساسيين‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬ومن خالله سنعمل على تحليل استراتيجيات التنافس الدولي في إفريقيا مع بداية القرن‬

‫الواحد والعشرين‪ ،‬انطالقا من فصلين‪:‬‬

‫‪ -‬الفصل األول‪ :‬سيتم فيه تناول استراتيجية الدول الغربية في إفريقيا (الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فرنســا‪،‬‬

‫االتحــاد األوروبي‪ ،‬إســرائيل)‪ ،‬وذلــك بــالوقوف على األهــداف المتحكمــة في تزايــد اهتمــام هــذه القــوى‬

‫بالقارة اإلفريقية‪ ،‬من خالل إبراز مراحل تطور عالقاتها بهذه القارة‪ ،‬كما سيتم في هذا الفصل كــذلك‬

‫إبراز اآلليات والوسائل التي تعتمد عليها هذه القوى لتحقيق أهدافها بالقارة اإلفريقية‪.‬‬

‫‪ -‬الفصل الثـاني‪ :‬ســيتم التطــرق فيــه إلى اســتراتيجية الــدول اآلســيوية في إفريقيــا‪ ،‬وذلــك من خالل اإلشــارة‬

‫إلى التغــير الــذي عرفتــه عالقــات القــوى األســيوية بالقــارة اإلفريقيــة خاصــة من جــانب الصــين والهنــد‪،‬‬

‫وتحولهــا من اعتمــاد االعتبــارات اإليديولوجيــة الــتي كــانت تحكم عالقاتهــا مــع دول هــذه القــارة ســابقا‪،‬‬

‫إلى إعطــاء األولويــة لالعتبــارات المصــلحية االقتصــادية في هــذه العالقــات مــع نهايــة الحــرب البــاردة‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫نتيج ــة تزاي ــد نموه ــا االقتص ــادي ال ــذي زاد من حاجاته ــا للم ــوارد الطبيعي ــة‪ ،‬وه ــو م ــا اعتمدت ــه الياب ــان‬

‫سابقا‪ ،‬بموازاة التطرق ألهداف هذه القوى بهذه القارة‪ ،‬وكذا توضيح اآلليــات والوســائل الــتي تعتمــدها‬

‫لتحقيق هذه األهداف‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬سنعمل من خالله على تقييم االستراتيجيات الدولية المتنافسة في إفريقيا وتوضيح‬

‫آفاقها المستقبلية‪ ،‬وذلك في فصليين‪:‬‬

‫‪ -‬الفصــل األول‪ :‬يحل ــل ال ــثروات الطبيعي ــة باعتباره ــا مص ــدرا للتن ــافس ال ــدولي في إفريقي ــا‪ ،‬وذل ــك برص ــد‬

‫تطور اإلنتاج اإلفريقي في مجاالت الطاقة والمعادن والــثروات الفالحيــة‪ ،‬ممــا أدى إلى تزايــد التنــافس‬

‫ال ــدولي على ه ــذه ال ــثروات‪ ،‬وم ــا خلف ــه من انعكاس ــات كب ــيرة على العدي ــد من ال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬ال ــتي‬

‫عانت من العديد من الصراعات‪ ،‬حتى وصل األمر إلى تقسيم دولة السودان‪.‬‬

‫‪ -‬الفصل الثاني‪ :‬سيتم التطرق فيـه لتـداعيات التنـافس الـدولي في إفريقيـا وآفاقـه المسـتقبلية‪ ،‬وذلـك بـالوقوف‬

‫على التغ ــيرات ال ــتي عرفته ــا الس ــاحة اإلفريقي ــة من خالل االنتق ــال من منظم ــة الوح ــدة اإلفريقي ــة إلى‬

‫االتح ـ ــاد اإلف ـ ــريقي‪ ،‬والمص ـ ــادقة على المب ـ ــادرة الجدي ـ ــدة لتنمي ـ ــة إفريقي ـ ــا‪ ،‬باإلض ـ ــافة إلى إنش ـ ــاء بعض‬

‫التكتالت االقتصــادية اإلقليميــة ببعض المنــاطق اإلفريقيــة وتفعيــل القــائم منهــا‪ ،‬غــير أن هــذه المبــادرات‬

‫مــا زالت لم تنعكس بشــكل إيجــابي على تحقيــق التنميــة بالقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬فالــدول اإلفريقيــة مــا زالت‬

‫متخصصــة في تصــدير المــوارد األوليــة‪ ،‬وهــو مــا تعكســه تجارتهــا مــع القــوى الخارجيــة‪ ،‬وكــذا التوجــه‬

‫الكب ــير لالس ــتثمارات الخارجي ــة للص ــناعات االس ــتخراجية‪ ،‬فعلى ال ــرغم من النم ــو االقتص ــادي المهم‬

‫الــذي حققتــه القــارة اإلفريقيــة مــع بدايــة العقــد األول من القــرن الحــالي‪ ،‬غــير أن هــذا لم ينعكس بشــكل‬

‫كب ـ ــير على تحقي ـ ــق تطلع ـ ــات الش ـ ــعوب اإلفريقي ـ ــة‪ ،‬فالق ـ ــارة اإلفريقي ـ ــة م ـ ــا زالت تواج ـ ــه مجموع ـ ــة من‬

‫التح ــديات في العدي ــد من المج ــاالت‪ ،‬إذ أنه ــا لم تحقي ــق األه ــداف اإلنمائي ــة لأللفي ــة في الم ــدة الزمني ــة‬

‫‪30‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المح ــددة له ــا‪ ،‬كم ــا أنه ــا م ــا زالت تع ــاني من اس ــتمرار مش ــكلة ال ــديون الخارجي ــة‪ ،‬لنختم ه ــذا الفص ــل‬

‫بالتطرق للعالقات المغربية اإلفريقية في إطار دينامية التنافس الدول في إفريقيا‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫القسم األول‪ :‬استراتيجيات التنافس الدولي في إفريقيا مع بداية القرن‬


‫الواحد والعشرين‬

‫تعتـــبر القـــارة اإلفريقيـــة أكـــثر منـــاطق العـــالم الـــتي ع ــانت التهميش واالسـ ــتبعاد طـــوال مراحـــل‬

‫العولمــة المختلفــة‪ ،‬ومنــذ نهايــة الحــرب البــاردة وتدشــين مــا يســمى بـ"النظــام العــالمي الجديــد" زادت معانــاة‬

‫ال ـ ــدول اإلفريقي ـ ــة من التهميش ال ـ ــدولي‪ ،‬وه ـ ــو م ـ ــا يتض ـ ــح بجالء من خالل النم ـ ــو االقتص ـ ــادي المت ـ ــدني‬

‫للقطاعــات اإلنتاجي ــة‪ ،‬وزي ــادة عبء ال ــديون الخارجي ــة‪ ،‬وت ــدهور الظ ــروف االجتماعي ــة والسياس ــية‪ ،‬ح ــتى‬

‫صارت توجد في إفريقيا وحدها‪ ،‬أغلب الدول التي وصفتها األمم المتحدة بأنها األكثر فقرا في العالم‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لذلك ظهر اتجاه بارز في أدبيات العالقات الدولية‪ ،‬يؤكد أن القارة اإلفريقية لم تعد تحتل‬

‫أهمية كبيرة للدول الكبرى األوروبية أو للواليات المتحدة األميركية‪ ،‬مستندًا في ذلك إلى تناقص‬

‫معدالت المعونات والقروض الموجهة من تلك القوى إلى القارة اإلفريقية‪ ،‬أو الربط بين تقديم المعونات‬

‫وبين مدى التزام دولها بالتحول الديمقراطي واحترام حقوق اإلنسان‪ ،‬فيما أصبح يعرف باسم‬

‫"المشروطية السياسية"‪ .‬وفي الوقت نفسه أدى بروز دول أوروبا الشرقية واتباعها نهج اإلصالح‬

‫االقتصادي إلى لفت انتباه القوى الكبرى إلى هذه الدول‪ ،‬وتخصيص قدر مهم من المعونات والقروض‬

‫إليها على حساب المعونات والقروض الموجهة إلى الدول اإلفريقية‪.‬‬

‫وبذلك فإن القارة اإلفريقية تضاءلت أهميتها على المستوى الجيوسياسي؛ حيث تراجعت‬

‫أهميتها االستراتيجية باعتبارها مسرحا للصراع بين المعسكرين الرأسمالي واالشتراكي؛ حيث عاد‬

‫مركز الثقل إلى دول وسط وشرق أوروبا‪ ،‬باعتبارها تمتلك بنية أساسية اقتصادية مناسبة إلى حد كبير‬

‫لعمليات التحول نحو الليبرالية واقتصاد السوق‪.‬‬

‫لكن بعد طول إهمال‪ ،‬بدأت القوى المختلفة في العالم تبدي اهتمامها بالقارة اإلفريقية‪ ،‬إذ أنه‬

‫منذ النصف األخير من عقد تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬أصبحت تحتل موقعا مهما في االستراتيجيات‬

‫التي رسمتها القوى الكبرى بغية التحكم في عالم المستقبل‪ ،‬نتيجة ما تملكه القارة من خيرات طبيعية‬

‫ومواد أولية‪ ،‬وال سيما بعد تزايد اكتشاف الموارد الطاقية بها‪ ،‬التي أصبحت العنصر الحيوي المحرك‬

‫لالقتصاد العالمي‪ ،‬باإلضافة إلى األسواق الواعدة التي بدأت تنشأ بها‪ ،‬وزيادة حاجاتها من المواد‬

‫المصنعة في جميع المجاالت‪ ،‬موازاة مع كونها ما زالت بحاجة ألموال كثيرة لتشييد البنيات التحتية‬

‫التي تحتاجها لتطوير اقتصاداتها‪ ،‬لذلك بدأت أغلب القوى الدولية ترسم استراتيجياتها للتوغل أكثر‬

‫بالقارة اإلفريقية‪ ،‬فالواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وفرنسا واالتحاد األوروبي وإ سرائيل‪ ،‬أعادت رسم‬

‫توجهاتها من خالل إعالن العديد من المبادرات لتحقيق مصالحها بالقارة اإلفريقية (الفصل األول)‪ ،‬أما‬

‫‪33‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫القوى اآلسيوية‪ ،‬كالصين واليابان والهند‪ ،‬التي تزايد تطورها االقتصادي مع بداية العقد األخير من‬

‫القرن الماضي‪ ،‬فقد عملت على تطوير استراتيجياتها للدخول إلى الفضاء اإلفريقي‪ ،‬ومسايرة التطورات‬

‫التي عرفتها الساحة الدولية بانهيار المعسكر االشتراكي‪ ،‬وذلك لتحقيق مجموعة من المصالح التي‬

‫يطغى عليها المحدد االقتصادي‪ ،‬لتأمين تطورها االقتصادي (الفصل الثاني)‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬استراتيجية الدول الغربية في إفريقيا‬

‫بعد طول إهمال وتهميش بدأت الواليات المتحدة األمريكية تولي اهتماما خاصا بالقارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬فمع أواخر تسعي نيات القرن الماضي بدأت الواليات المتحدة عهدا جديدا مع إفريقيا‪ ،‬وهو ما‬

‫اتضح من خالل زيارة الرئيس األمريكي كلينتون ومبادراته المختلفة عام ‪ ،1998‬التي أسفرت عن سن‬

‫قانون الفرص والنمو اإلفريقي )‪ AGOA (The African growth and opportunity act‬سنة‬

‫‪ ،2000‬وكذا مبادرة "ازنستات" الخاصة بمنطقة المغرب العربي‪ ،‬التي سبقت طرح هذا القانون‪ ،‬ثم‬

‫‪34‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التحوالت التي حدثت بعد ‪ 11‬شتنبر ‪ 2001‬ومضاعفاتها بالنسبة للعالقات األمريكية اإلفريقية (المبحث‬

‫األول)‪.‬‬

‫كما حرصت الدول األوروبية ‪-‬خاصة فرنسا‪ -‬على تدعيم عالقتها بالقارة اإلفريقية في ظل‬

‫تزايد االهتمام الدولي بهذه القارة‪ .‬وفي ظل هذا الوضع الجديد اتجه االتحاد األوروبي إلى تعميق‬

‫وتجديد ارتباطه بالقارة اإلفريقية‪ ،‬وذلك بتجديد اتفاقية لومي وإ حالل اتفاقية كوتونو محلها‪ ،‬وكذلك‬

‫الشراكة األورومتوسطية‪ ،‬ليتوج كل هذا بوضع إطار عام "لشراكة استراتيجية" تجمع بين الدول‬

‫األوروبية والقارة اإلفريقية‪( ،‬المبحث الثاني)‪.‬‬

‫وعلى النهج نفسه سارت إسرائيل‪ ،‬إذ عملت هي األخرى على تطوير عالقاتها مع مجموعة‬

‫من دول القارة اإلفريقية لتحقيق مجموعة من األهداف السياسية واالقتصادية لمسايرة تحوالت النظام‬

‫الدولي مع بداية القرن الحالي‪ ،‬وذلك باالعتماد على مجموعة من الوسائل واآلليات (المبحث الثالث)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬العالقات األمريكية‪-‬اإلفريقية‪ :‬األهداف والوسائل‬

‫تعمل الواليات المتحدة األمريكية على أن تكون كل األوراق األساسية في العالم بيدها‪،‬‬

‫ففرض الهيمنة على العالم تفكير استراتيجي‪ ،‬ينطلق منه صانعو القرار فيها في مختلف العقود‪ ،‬وتحقيقا‬

‫لهذا الهدف‪ ،‬توجهت إلى تهيئة المناخ العالمي بعد نهاية الحرب الباردة‪ ،‬بتقديم المعايير التي تمكن‬

‫لهيمنة اإليديولوجية النيو‪-‬ليبرالية‪ ،‬وتكريس المبادئ الديمقراطية وفق النموذج األمريكي‪ ،‬واقتصاد‬

‫السوق الحر‪ ،‬ومبدأ عالمية حقوق اإلنسان‪ ،‬وجعلها مرجعية مؤسسة لسلوكات العالم كله‪ ،‬شعوبا ودوال‬

‫‪35‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وأنظمة ومؤسسات‪ ،‬وذلك لتحقيق هيمنتها السياسية واالقتصادية والثقافية على العالم‪ ،‬مستغلة المنظمات‬
‫‪55‬‬
‫الدولية والتحالفات‪ ،‬والشركات متعددة الجنسيات التي تهيمن عليها‪.‬‬

‫وتعد إفريقيا من أهم محاور الرؤية التي كونتها الواليات المتحدة لتحقيق مبدأ الهيمنة العالمية‪،‬‬

‫فالمحددات الثابتة كالموقع االستراتيجي والثروات الطبيعية وخطوط التجارة‪ ،‬تعزز أهمية إفريقيا في‬

‫منظومة سياسة الواليات المتحدة للقرن الواحد والعشرين‪ ،‬فالعديد من الوثائق األمريكية نصت على أن‬

‫تكون إلفريقيا أهمية أكبر في الجغرافيا االستراتيجية‪ ،‬وأولوية في جدول أعمال اإلدارات األمريكية‬

‫المتعاقبة‪ ،‬وذلك لتحقيق مجموعة من األهداف االقتصادية واالستراتيجية والسياسية (المطلب األول)‪،‬‬

‫باالعتماد على العديد من الوسائل االقتصادية والعسكرية‪ ،‬مع تحديد المناطق ذات األولوية في التحرك‬

‫األمريكي تجاه القارة اإلفريقية (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األهداف االستراتيجية األمريكية في إفريقيا‬

‫في فترة الحرب الباردة‪ ،‬لم تكن الدبلوماسية األمريكية جادة في التدخل في الشؤون والقضايا‬

‫اإلفريقية بشكل مباشر‪ ،‬إذ كانت تركز في سياساتها تجاه إفريقيا على تحقيق أربعة أهداف رئيسة‪:‬‬

‫احتواء المد الشيوعي وحماية خطوط التجارة البحرية والوصول إلى مناطق التعدين والمواد الخام‬

‫ودعم ونشر القيم الليبرالية الخاصة بالديمقراطية‪ ،‬وإ ن كان هذا المعطى األخير يبقى نسبيا مرتبطا‬

‫بالمصالح األمريكية‪ .‬ولتحقيق هذه األهداف فالواليات المتحدة األمريكية كانت تعتمد على النفوذ‬

‫األوروبي داخل القارة اإلفريقية‪.56‬‬

‫إال أن المتغيرات الدولية الجديدة‪ ،‬المتمثلة في انهيار االتحاد السوفياتي وتزايد المنافسة على‬

‫القارة األفريقية‪ ،‬أدت إلى إعادة توجيه السياسة األمريكية نحو إفريقيا وإ عادة ترتيب أولوياتها‬

‫‪ - 55‬محمد العقيد محمد أحمد‪ «" ،‬المهمة الكونية» األمريكية وإفريقيا"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العدد التاسع‪ ،‬رجب – رمضان ‪1432‬هـ‪ /‬يوليــو‪ -‬ســبتمبر‬
‫‪2011‬م‪ ،‬ص ‪.50-49‬‬
‫‪ - 56‬سالم محمد الزبير‪ ،‬االتحاد األفريقي في ظل النظام الدولي الجديد ‪( ،‬طرابلس الغرب‪ :‬منشورات اللجنة الشعبية العامة للثقافة‪ )2006 ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪ -‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬سياسة الواليات المتحــدة في البلــدان الناميــة إبــان السـبعينيات‪( ،‬ترجمـة محمـد أحمـاد شـومان)‪ ،‬معهـد االنمـاء العـربي‬
‫للدراسات السياسية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪،1987‬ص ‪.313-283‬‬

‫‪36‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وأهدافها‪ ، 57‬وال يخفى أن عملية التقويم والتمحيص هاته دفعت إليها مجموعة من العوامل والمتغيرات‬

‫لعل أبرزها‪:‬‬

‫‪-‬ازدياد المرتكزات االستراتيجية التي تقوم عليها العالقات األمريكية‪ -‬اإلفريقية في عصر‬

‫العولمة‪ ،‬فالمحددات الثابتة مثل الموقع االستراتيجي للقارة والثروات الطبيعية وخطوط التجارة‪،‬‬

‫تدفع دوما إلى تأكيد أهمية إفريقيا في منظومة السياسة الخارجية للواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫‪ -‬تغير الرؤى والتصورات في اإلدارة األمريكية بشأن المشكالت والصراعات التي تعانيها بعض‬

‫المناطق المعينة في إفريقيا‪ ،‬مثل الجنوب اإلفريقي ومنطقة البحيرات العظمى وشرق إفريقيا؛ فصانع‬

‫القرار األمريكي أدرك أهمية تحقيق االستقرار واألمن في هذه المناطق‪ ،‬نظرا لما تتوفر عليه من‬

‫موارد طبيعية‪ ،‬خاصة النفط‪.58‬‬

‫لهذا‪ ،‬فالسياسة األمريكية في القارة اإلفريقية مع بداية القرن الواحد والعشرين‪ ،‬تروم تحقيق‬

‫مجموعة من المصالح السياسية واالقتصادية واالستراتيجية‪ ،‬غير أن األهداف االقتصادية تأتي في‬

‫طليعتها‪ ،‬خصوصا بعد تزايد االكتشافات النفطية فيها‪ ،‬كما تهدف إلى فتح أسواق جديدة‪ ،‬فإفريقيا‬

‫أصبحت تضم أكثر من مليار نسمة‪ ،‬باإلضافة إلى وجود فرص هائلة لالستثمار في مجال البنية التحتية‬

‫(الفقرة األولى)‪ ،‬أما على المستوى السياسي فاإلدارة األمريكية توجهت إلى الدعوة لنشر الديمقراطية‬

‫بالعديد من الدول اإلفريقية‪ ،‬وكذا تسوية مجموعة من الصرعات التي كانت مستعصية على الحل خالل‬

‫العقود السابقة‪ ،‬ودعم مكافحة اإلرهاب حسب التصور األمريكي لهذه الظاهرة ( الفقرة الثانية)‪ ،‬وذلك‬

‫لدعم عالقتها بهذه القارة في ظل المنافسة التي أصبحت تفرضها القوى اآلسيوية التي دعمت تواجدها‬

‫بهذه القارة كما سيوضحه الفصل الثاني من هذا القسم‪.‬‬

‫‪ - 57‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي اإلفريقي ‪ ،2002-2001‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪337‬‬
‫‪ - 58‬حمدي عبد الرحمان‪" ،‬السياسة األمريكية تجاه إفريقيا من العزلة إلى الشراكة"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،144‬أبريل ‪ ،2001‬ص ‪.193‬‬

‫‪37‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األهداف االقتصادية للسياسة األمريكية في إفريقيا‬

‫أصبحت السياسة االقتصادية األمريكية تجاه األسواق األفريقية تتجسد في ما قاله وزير‬

‫التجارة األمريكي أثناء زيارته لبعض الدول األفريقية‪ ،‬قبيل زيارة الرئيس األمريكي كلينتون إلفريقيا‬

‫في منتصف عام ‪ ،1998‬إذ قال "إن إفريقيا تمثل الحدود األخيرة للمصدرين والمستثمرين‬

‫األمريكيين‪ ،‬وفيها إمكانات كبيرة وواعدة‪ ،‬ولقد سبق أن ترك رجال األعمال والمال األمريكيون‬

‫األسواق اإلفريقية لزمن طويل لتكون منطقة نفوذ لمنافسينا األوروبيين"‪ .‬وهو ما أكدته مادلين‬

‫أولبرايت‪ ،‬حيث أعلنت في إحدى زياراتها لبعض دول القارة اإلفريقية أن التحالفات االقتصادية مع‬

‫دول أخرى ستكون من أولويات السياسة الخارجية األمريكية‪ ،‬لكون التجمعات االقتصادية الجديدة‬

‫ستكون هي التحالفات العسكرية بالنسبة إلى القرن القادم‪.‬‬

‫ويمكن تلمس أهداف التحرك االقتصادي األمريكي في إفريقيا من خالل التقرير الذي صدر‬

‫في منتصف عام ‪ 1998‬بعنوان "تعزيز العالقات االقتصادية للواليات المتحدة مع إفريقيا"‪ ،‬حيث أعده‬

‫فريق مستقل من الخبراء‪ ،‬بتكليف من مجلس العالقات الخارجية‪ .‬وقد أوصى التقرير بأن تكون‬

‫الواليات المتحدة في مقدمة الدول الصناعية الكبرى التي تستفيد من الفرص الجديدة في إفريقيا‪،59‬‬

‫وبذلك وافق الكونجرس األمريكي على قانون التجارة المسمى " قانون النمو والفرص في إفريقيا" في‬

‫‪ 18‬ماي ‪ )AGOA( 2000‬الذي طالب الرئيس األمريكي السابق بوش بتمديد العمل به إلى غاية‬

‫‪ ،2015‬ولإلشارة فإن الكونغرس األمريكي مدد العمل بهذا القانون إلى غاية ‪ .602025‬حسب التصور‬

‫األمريكي يعتمد هذا القانون مبدأ "الشراكة" بدل من المساعدات‪ ،‬وغايته تخفيف الحواجز الجمركية عن‬

‫صادرات ‪ 48‬دولة إفريقية نحو الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬و بالمقابل فتح األسواق اإلفريقية لمنتجاتها‬

‫الصناعية (أوال) غير أنه يبقى الهدف الرئيس للواليات المتحدة األمريكية بالقارة األفريقية هو الحصول‬

‫‪ - 59‬جوزيف رامز أمين‪" ،‬قراءة في جولة بوش اإلفريقية"‪ ،‬مجلة أفاق إفريقية‪ ،‬العدد ‪ ،15‬خريف ‪ ،2003‬ص ‪.77‬‬
‫‪ - 60‬مصطفى صايج‪" ،‬إدارة طرمب وإفريقيا‪ :‬التصورات والرهانات"‪ ،‬المستقبل العربي‪ ،‬العدد ‪ ،466‬ديسمبر ‪ ،2017‬ص‪.79‬‬

‫‪38‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫على الموارد الطاقية‪ ،‬خصوصا النفط والغاز‪ ،‬وهو ما أكدته العديد من التقارير الصادرة عن اإلدارة‬

‫األمريكية‪ ،‬وبعض شركاتها (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬فتح األسواق اإلفريقية أمام المنتجات الصناعية األمريكية‬

‫بدأت الواليات المتحدة األمريكية تعمل منذ منتصف العقد ما قبل األخير من القرن الماضي‬

‫على تهيئة المناخ العالمي لضمان تفوقها االقتصادي على المستوى الدولي‪ ،‬وذلك بالتوجه نحو فرض‬

‫سياسات التحرر االقتصادي على العديد من الدول منها الدول اإلفريقية‪ ،‬من خالل برامج التكيف‬

‫الهيكلي التي يفرضها صندوق النقد والبنك الدوليين‪ ،‬لالستفادة من القروض التي تمنحها هذه‬

‫المؤسسات للدول النامية‪ ،‬وهذه البرامج ليست مجرد فرض مجموعة من سياسات االقتصاد الكلي؛‬

‫وإ نما تمثل مشروعا سياسيا واستراتيجيا للتحول االجتماعي والهيمنة على المستوى العالمي‪ ،‬إذ تتمثل‬

‫الفلسفة األساسية لهذه البرامج في إقناع البلدان المدينة بأن طريقها للخروج من األزمة إنما يكون من‬

‫خالل تحقيق اندماج أوثق في األسواق العالمية وتوجيه اهتمام أقل إلى اإلنتاج الداخلي لتلبية‬

‫االحتياجات المحلية‪.61‬‬

‫ومع نهاية الحرب الباردة‪ ،‬وتوجه العالم نحو الليبرالية االقتصادية‪ ،‬اتبعت الواليات المتحدة‬

‫أسلوبا جديدا في إدارة الرأسمالية‪ ،‬وذلك باالستفادة من أهم المرتكزات األساسية لليبرالية الجديدة‪:‬‬

‫"الدعوة المتطرفة إلى الحرية االقتصادية‪ ،‬وإ نكار دور الدولة في ضبط آليات وحركة النظام‬

‫الرأسمالي"‪ ،‬وتعاملها مع البلدان النامية من منطق التكيف وضرورته مع السوق الرأسمالي العالمي‪.62‬‬

‫وكانت إفريقيا أكثر المناطق تأثرا بهذه السياسة‪ ،‬فبين عام ‪ 1980‬و‪ 1990‬باشر نحو ‪ 38‬بلدا‬

‫من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء أكثر من ‪ 258‬برنامجا للتكيف مع متطلبات الدول الغربية؛ من‬

‫خالل تنفيذ برامج صندوق النقد والبنك الدوليين‪ ،‬وبحلول نهاية العقد الثاني من التكيف؛ نرى أن دور‬
‫‪ - 61‬للتوسع أكثر في الدور الذي لعبه صندوق النقد الدولي لتحقيق السيطرة االقتصادية للواليــات المتحــدة األمريكيــة على العــالم منــذ نهايــة الحــرب‬
‫العالمية الثانية إلى األن راجع‪ ،‬أرنست فولف‪ ،‬صندوق النقد الدولي قوة عظمى في الساحة العالمية‪( ،‬ترجمة عدنان عباس علي)‪ ،‬المجلس الوطني‬
‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ 435‬أبريل ‪.2016‬‬
‫‪ - 62‬محمد العقيد محمد أحمد‪ «" ،‬المهمة الكونية» األمريكية وإفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.52‬‬

‫‪39‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الدولة قد تقلص تقلصا شديدا‪ ،‬وأن قوى السوق قد أصبحت مهيمنة‪ ،‬وأن االقتصادات اإلفريقية باتت‬

‫مشرعة األبواب أمام التغلغل الخارجي‪ ،‬ال بسبب هذه البرامج فحسب‪ ،‬بل أيضا بسبب استمرار‬

‫ضغط العولمة واالندماج في السوق العالمية‪ 63،‬وبروز بعض القوى الآسيوية التي توجهت نحو‬

‫تطوير عالقاتها االقتصادية مع العديد من الدول اإلفريقية‪ ،‬بدعم المبادالت التجارية معها‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار عملت الواليات المتحدة األمريكية على دعم عالقتها االقتصادية مع الدول‬

‫اإلفريقية‪ ،‬سواء بطرح مبادرة إيزنستات سنة ‪ 1998‬الخاصة بدول المغرب العربي –التي سيتم‬

‫التطرق لها في الفقرة الثانية من المطلب الثاني بهذا الفصل‪ -‬و"قانون النمو والفرص في إفريقيا"‬

‫الذي صادق عليه الكونجرس األمريكي في مايو ‪.2000‬‬

‫دول إفريقيا جنوب الصحراء المستفيدة من قانون النمو والفرص في إفريقيا‪ AGOA‬حتى سنة ‪2012‬‬ ‫الخريطة رقم ‪:1‬‬

‫المصدر‪ :‬بتصرف من الباحث‬

‫‪ - 63‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬

‫‪40‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪- Vivian C. Jones and Brock R. Williams, U.S. Trade and Investment Relations with sub-Saharan‬‬
‫‪Africa and the African Growth and Opportunity Act, Congressional Research Service, November 14, 2012,‬‬
‫‪p2.‬‬

‫و لقد جاءت هذه المبادرات األمريكية في إطار تطوير عالقاتها االقتصادية مع القارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬نظرا لكون هذه القارة لم تكن تعرف حضورا اقتصاديا كبيرا للواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬

‫مقارنة مع القوى االستعمارية األوروبية التي حافظت على روابط التبعية االقتصادية لدول هذه‬

‫القارة‪ ،‬فقد أشارت مثال إحصاءات وبيانات مؤتمر التجارة والتنمية التابع لهيأة األمم المتحدة في عام‬

‫‪ ،1994‬إلى أن هناك ‪ 121‬شركة فرنسية و‪ 68‬مصرفا بإفريقيا‪ ،‬فيما لم يتجاوز عدد الشركات‬

‫األمريكية والكندية مجتمعة ‪ 48‬شركة و‪ 12‬مصرفا وشركة تأمين‪.64‬‬

‫وتقوم الفكرة األساسية لقانون النمو والفرص في إفريقيا‪ ،‬على تمكين الدول اإلفريقية من‬

‫تصدير منتجاتها إلى السوق األمريكية‪ ،‬شريطة تنفيذ إصالحات اقتصادية ترتكز على متطلبات‬

‫الليبرالية االقتصادية‪ ،‬لتسهيل ولوج الشركات األمريكية إلى األسواق اإلفريقية‪ ،‬وحسب مقال الكاتبين‬

‫دافيد مكوير(‪ )David Makwerere‬وغرونالد شبيك (‪ )Ronald Chipaike‬المنشور بالمجلة‬

‫الدولية للعلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬فإن هذا القانون ما هو إلى وسيلة الستغالل الثروات الطبيعية‬

‫اإلفريقية‪ ،‬وذلك في سياق التنافس مع الصين على ثروات هذه القارة‪.65‬‬

‫ولقد سجلت العالقات التجارية‪ ،‬بين الواليات المتحدة والدول اإلفريقية جنوب الصحراء‬

‫تطورا نسبيا‪ ،‬إذ تضاعفت أكثر من أربع مرات خالل الفترة ما بين ‪ ،2007 -1990‬فقد انتقلت من‬

‫مبلغ إجمالي قدر سنة ‪ 1990‬بـ ‪ 17‬مليار دوالر‪ ،‬إلى مبلغ إجمالي وصل سنة ‪ 2007‬إلى ‪ 81‬مليار‬

‫دوالر بنسبة نمو وصلت إلى ‪ % .2,7‬في سنة ‪ 2007‬صدرت الواليات المتحدة األمريكية إلى‬

‫أسواق إفريقيا جنوب الصحراء ما قيمته ‪ 13,9‬مليارا دوالرا‪ ،‬وهو ما شكل نسبة ‪ %1,3‬من إجمالي‬

‫‪ -64‬بسام العسلي‪ ،‬االستراتيجية األمريكية في القرن القادم‪ ،‬مركز الدراسات العسكرية‪ ،‬مطابع االدارة السياسية‪ ،‬طبعة ‪ ،1999‬ص ‪.293‬‬
‫‪65‬‬
‫‪- David MAKWERERE et Ronald CHIPAIKE, “China and the United States of America in Africa: A New‬‬
‫‪Scramble or a New Cold War?”, International Journal of Humanities and Social Science, Vol 2, N° 19,‬‬
‫‪September 2012, p 311-319.‬‬

‫‪41‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الصادرات األمريكية نحو الخارج‪ ،‬والتي وصلت قيمتها المالية إلى ‪ 1046‬مليار دوالر‪ ،‬في حين‬

‫استوردت الواليات المتحدة من إفريقيا جنوب الصحراء في السنة نفسها ما قيمته ‪ 66,9‬مليار‬

‫دوالر‪ ،‬وهو ما شكل نسبة ‪ %3,4‬من إجمالي الواردات األمريكية من الخارج والتي تقدر ب ‪1943‬‬

‫مليار دوالر‪.66‬‬

‫المبيان رقم ‪ :1‬تطور المبادالت التجارية بين الواليات المتحدة األمريكية ودول إفريقيا جنوب الصحراء خالل الفترة ما بين ‪2007-2001‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-Prepared by the Office of the United States Trade Representative, 2008‬‬


‫‪Comprehensive Report on U.S. Trade and Investment Policy Toward Sub-Saharan‬‬
‫‪Africa and Implementation of the African Growth and Opportunity Act, may 2008, p8.‬‬

‫وإ ذا كانت العالقات التجارية بين الواليات المتحدة ودول إفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬تبقى‬

‫ضعيفة بالمقارنة مع الشركاء التجاريين الرئيسين للواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬التي لم تتجاوز قيمتها‬

‫اإلجمالية ‪ 81‬مليار دوالر‪ ،‬فإنها تعتبر ذات أهمية إذا تمت مقارنتها بقيمة العالقات التجارية التي‬

‫تربط الواليات المتحدة األمريكية مع المناطق النامية األخرى‪ ،‬فقد وصلت قيمة عالقاتها مع كل من‬

‫بوليفيا وكولومبيا واإلكوادور وبيرو وفنزويال مجتمعة إلى ‪ 87,1‬مليار دوالر خالل سنة ‪،2007‬‬

‫أما قيمة مبادالتها التجارية مع دول جنوب آسيا (بنغالديش‪ ،‬كمبوديا‪ ،‬الهند‪ ،‬الوس‪ ،‬ماكو‪ ،‬منغوليا‪،‬‬

‫مينمار‪ ،‬نيبال‪ ،‬باكستان‪ ،‬سري النكا‪ ،‬فيتنام) فبلغت قيمتها ‪ 70,1‬مليار دوالر‪ ،‬في حين بلغت قيمة‬

‫‪66‬‬
‫‪- Danielle LANGTON, U.S. Trade and Investment Relationship with Sub-Saharan Africa: The African‬‬
‫‪Growth and Opportunity Act and Beyond, CRS Reporter Congress, Updated May 5, 2008, p 6.‬‬

‫‪42‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مبادالتها التجارية مع كل من البرازيل واألرجنتين واألورغواي‪ ،‬والبارغواي مجتمعة ‪ 63,1‬مليار‬

‫دوالر‪.67‬‬

‫ولقد استحوذت ثالث دول إفريقية على العالقات التجارية بين الواليات المتحدة ودول إفريقيا‬

‫جنوب الصحراء‪ ،‬ففي ما يخص الواردات األمريكية من هذه المنطقة عام ‪ 2007‬جاءت أغلبها من‬

‫نيجيريا بنسبة ‪ ، %49‬وأنجوال ‪ %18‬وجنوب إفريقيا ‪ ،%14‬والشيء نفسه ينطبق على الصادرات‬

‫األمريكية نحو هذه المنطقة بتغير المراكز‪ ،‬إذ استحوذت سوق جنوب إفريقيا على نسبة ‪ %38‬منها‪،‬‬

‫ونيجيريا ‪ ،%19‬وأنجوال ‪ .%9‬كما هو مبين في المبيانين أسفله‪:‬‬

‫المبيان رقم ‪ :2‬أهم دول إفريقيا جنوب الصحراء التي صدرت إليها واستوردت منها الواليات المتحدة األمريكية خالل سنة‬
‫‪2007‬‬

‫الواردات‬ ‫الصادرات‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪-Danielle LANGTON, U.S. Trade and Investment Relationship with Sub-Saharan Africa:‬‬
‫‪The African Growth and Opportunity Act and Beyond, CRS Reporter Congress, Updated‬‬
‫‪May 5, 2008,p7.‬‬
‫وتتكون بنية الصادرات اإلفريقية نحو السوق األمريكية في أغلبها من الموارد الطاقية بنسبة‬

‫‪ ،% 81‬باإلضافة إلى المعادن والنسيج‪ ،‬والمواد الفالحية‪ ،‬في حين تتكون بنية الواردات اإلفريقية من‬

‫السوق األمريكية من اآلليات ‪ ،%25‬ووسائل وآليات النقل ‪ ،%22‬وكذا األدوية واإللكترونيات‬

‫والمنتجات الكيماوية والحبوب‪.‬‬


‫‪67‬‬
‫‪- Ibid , P 6-7.‬‬

‫‪43‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بنية الصادرات والواردات األفريقية مع سوق الواليات المتحدة األمريكية خالل عام ‪2007‬‬ ‫المبيان رقم ‪:3‬‬

‫بنية الواردات اإلفريقية‬ ‫بنية الصادرات اإلفريقية‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-Danielle LANGTON, U.S. Trade and Investment Relationship with Sub-Saharan‬‬


‫‪Africa: The African Growth and Opportunity Act and Beyond, CRS Reporter Congress,‬‬
‫‪Updated May 5, 2008, p 8.‬‬
‫وفي إطار استدراك تأخرها التجاري مع هذه المنطقة‪ ،‬مقارنة بالعالقات التجارية التي تربط‬

‫االتحاد األوروبي والصين مع هذه المنطقة‪ ،‬إذ وصلت مثال صادرات االتحاد األوروبي نحوها سنة‬

‫‪ 2010‬إلى ‪ 140‬مليار دوالر أمريكي‪ ،‬في حين استورد منها ‪ 113‬مليار دوالر أمريكي‪ ،‬أما الصين‬

‫فقد بلغت صادراتها إلى هذه المنطقة في السنة نفسها ما قيمته ‪ 56‬مليار دوالر أمريكي‪ ،‬وبلغت‬

‫واردات الصين منها ‪ 52‬مليار دوالر أمريكي‪ .68‬وقد أصدر البيت األبيض االستراتيجية االقتصادية‬

‫األمريكية تجاه إفريقيا جنوب الصحراء سنة ‪ ،2012‬التي تهدف إلى تعزيز المؤسسات الديمقراطية‪،‬‬

‫وتحفيز النمو االقتصادي والتجارة واالستثمار بالمنطقة بإشراك الشركات األمريكية‪ ،69‬مما كان له‬

‫انعكاس إيجابي على ارتفاع الصادرات األمريكية نحو إفريقيا‪ ،‬فبلغت القيمة المالية لهذه الصادرات‬

‫خالل سنة ‪ 2013‬ما يقرب من ‪ 24‬مليار دوالر أي بزيادة قدرها ‪ 8,8‬مليار دوالر منذ سنة ‪،2009‬‬
‫‪68‬‬
‫‪- Catherine GEGOUT , « Le retrait de l’Europe et la montée en puissance de la Chine en Afrique une‬‬
‫‪évaluation des approches réalistes, libérales et constructivistes » en l’Union européenne et le nouvel équilibre‬‬
‫‪des puissances, politique Européenne, N° 39, Paris, L’Harmattan, 2013, p 55.‬‬
‫‪69‬‬
‫‪- International Trade Administration, U.S.–Sub-Saharan Africa Trade and Investment, August 2014, p 3.‬‬

‫‪44‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وقد أسهمت الصادرات األمريكية نحو إفريقيا جنوب الصحراء في خلق ‪ 100‬ألف فرصة شغل في‬

‫عام ‪ .2013‬وقد شهد العقد الماضي أكبر زيادة في قيمة الصادرات األمريكية إلى هذه المنطقة في‬

‫التاريخ‪ ،‬فقد زادت صادرات البضائع األمريكية نحوها بنسبة ‪ ،%303‬أي بنسبة نمو سنوية بلغت‬

‫‪.70%11,3‬‬

‫خالل الفترة ما بين ‪ 2013-2009‬تعتبر كل من جنوب إفريقيا ونيجريا من أهم الدول‬

‫اإلفريقية التي تصدر لها السلع األمريكية‪ ،‬فقد استقبلت جنوب إفريقيا ما قيمته ‪ 2,8‬مليار دوالر من‬

‫حجم صادرات الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬خالل المرحلة نفسها لهذه المنطقة‪ ،‬وهو ما يشكل نسبة (‬

‫‪ ،)%32,3‬في حين استقبلت نيجيريا ما قيمته ‪ 2,7‬مليار دوالر بنسبة (‪ ،)%32,3‬وتعتبر خمس دول‬

‫إفريقية أكثر استقباال للصادرات األمريكية خالل هذه الفترة إذ استحوذت على نسبة ‪ %82,7‬من‬

‫مجموع الصادرات األمريكية نحو هذه المنطقة كما يوضحه المبيان أسفله‪:‬‬

‫أهم عشر دول إفريقيا جنوب الصحراء المستوردة للسلع األمريكية خالل الفترة ‪.2013-2009‬‬ ‫المبيان رقم ‪:4‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪- International Trade Administration, U.S.–Sub-Saharan Africa Trade and Investment,‬‬


‫‪August 2014, p7.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪- Ibid, p 5-6.‬‬

‫‪45‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بينما عرفت الواردات األمريكية من إفريقيا جنوب الصحراء صعودا وهبوطا منذ عام ‪،2009‬‬

‫غير أنها انخفضت بشكل كبير خالل الفترة ما بين ‪ ،2013-2011‬فقدر تراجعت من ‪ 74‬مليار‬

‫دوالر سنة ‪ 2011‬إلى ‪ 39,3‬مليار دوالر في عام ‪ ،2013‬ويعتبر العجز التجاري للواليات المتحدة‬

‫مع إفريقيا هو األصغر خالل هذه السنة منذ سنة ‪ ،2002‬ويرجع في معظمه إلى نقص الواردات‬

‫األمريكية من الوقود المعدني والنفط من هذه المنطقة‪ ،71‬مقابل ارتفاع ورادات الدول اآلسيوية من‬

‫النفط اإلفريقي كالصين والهند‪ ،‬فقد ارتفعت واردات الصين من ‪ %10‬سنة ‪ 2007‬إلى ‪ %14‬سنة‬

‫‪ ،2011‬في حين ارتفعت نسبة ورادات الهند من ‪ %5‬إلى ‪ %8‬خالل نفس السنتين‪ ،‬عكس تراجع‬

‫الواردات األمريكية من هذه المادة من ‪ %30‬إلى ‪ %23‬خالل نفس الفترة‪ ،72‬لتتراجع أكثر خالل‬

‫سنة ‪ 2012‬إذ استوردت نسبة ‪ %13‬من مجموع صادرات هذه المنطقة من النفط‪ ،‬في حين واصلت‬

‫حصة الدول اآلسيوية االرتفاع‪ ،‬فقد استوردت الصين نسبة ‪ %22‬والهند نسبة ‪ %11‬من مجموع‬

‫الصادرات اإلفريقية في هذا المجال خالل السنة نفسها‪ ،73‬وذلك نتيجة تأثير األزمة المالية على‬

‫االقتصاد األمريكي‪ .‬على الرغم من ذلك فإن النفط ما زال يعتبر من أهم واردات الواليات المتحدة‬

‫األمريكية من إفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬كما توضحه بنية وارداتها من هذه المنطقة خالل عام ‪.2013‬‬

‫‪71‬‬
‫‪- Ibid , p 12.‬‬
‫‪72‬‬
‫‪-KPMG “OIL AND GAS IN AFRICA AFRICA’S RESERVES, POTENTIAL AND PROSPECTS”, p5.‬‬
‫‪viewed 10/03/2015at:‬‬
‫‪https://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/Articles-Publications/Documents/Oil%20and‬‬
‫‪%20Gas%20in%20Africa.pdf.‬‬
‫‪73‬‬
‫‪- U.S. Energy Information Administration, Oil and Natural gaz in sub-saharan Africa, august 1, 2013,p 10.‬‬

‫‪46‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بنية ورادات الواليات المتحدة األمريكية من دول إفريقيا جنوب الصحراء خالل سنة ‪2013‬‬ ‫المبيان رقم ‪:5‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪- International Trade Administration, U.S.–Sub-Saharan Africa Trade and Investment,‬‬
‫‪August 2014, p12.‬‬

‫ثانيا‪ :‬متغير الطاقة في المعادلة األمريكية تجاه إفريقيا‬

‫تسعى الواليات المتحدة األمريكية إلى تأمين احتياجاتها من النفط‪ ،‬وتنويع مصادر الواردات‪،‬‬

‫في ظل األزمات الكبيرة التي عرفها سوق النفط العالمي منذ سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬وشيوع استخدام‬

‫النفط سياسيا‪ ،‬باإلضافة إلى تزايد االستهالك األمريكي من هذه المادة الحيوية‪ ،‬بالتزامن مع تناقص‬

‫اإلنتاج المحلي‪ ،‬على الرغم من صدور مجموعة من التقارير عن اكتشافات جديدة بالواليات المتحدة‬

‫األمريكية مؤخرا‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فإن الواليات المتحدة األمريكية أصبحت تنفرد بمفهوم خاص لتأمين النفط‪ ،‬ال‬

‫تشاركها فيه غيرها من القوى الدولية األخرى‪ ،‬حيث ال يقتصر ذلك المفهوم على مجرد البحث عن‬

‫مصادر النفط‪ ،‬وتأمين طرق الوصول إليها‪ ،‬وإ نما يشمل أيضا حماية تلك المصادر من األخطار أو‬

‫التهديديات القائمة والمحتملة‪ ،‬والحفاظ على استقرار أسعار النفط‪ ،‬ومنع القوى المنافسة من النفاذ إلى‬
‫‪74‬‬
‫تلك المصادر واالستحواذ عليها‪.‬‬

‫‪ - 74‬ايمن شبانة‪" ،‬النفط اإلفريقي‪ ..‬عندما تتحرك السياسة األمريكية وراء الموارَد"‪ ،‬مجلة قراءات إفريقية‪ ،‬العدد الحادي عشـر‪ ،‬محـرم‪-‬ربيـع األول‬
‫‪1433‬هـ‪ /‬يناير –مارس‪ ،2012 ،‬ص ‪.81‬‬

‫‪47‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫صدر في ماي من سنة ‪ 2001‬تقرير لوكالة الطاقة األمريكية حول السياسة القومية‬

‫األمريكية بالنسبة للطاقة‪ ،‬بإشراف مباشر من نائب الرئيس األمريكي السابق ديك تشيني‪ ،‬الذي حدد‬

‫األولويات واألهداف االستراتيجية لواشنطن في مجال األمن الطاقي‪ ،‬من خالل تنويع مصادر‬

‫الحصول على البترول من مناطق جغرافية مختلفة‪ ،‬وتقليص تبعية الواليات المتحدة األمريكية للشرق‬

‫األوسط والخليج‪ ،‬التي تمثل نسبة ‪ %20‬من واردات أمريكا البترولية‪ ،‬لكونها ‪-‬حسب التقرير‪-‬‬

‫ستعرف في العشرين سنة المقبلة ارتفاعا في استهالك البترول بنسبة ‪ ،%33‬بينما سيرتفع في قطاع‬
‫‪75‬‬
‫الغاز بنسبة ‪.%50‬‬

‫وحسب لي هـ هاملتون (‪ ،)Leeh. Hamilton‬تلعب الطاقة وهي الثانية بعد الدفاع‬

‫الوطني‪ ،‬دورا حاسما في البقاء والرفاهية في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وعمليا في كل البلدان‬

‫األخرى النامية والمتقدمة‪ ،‬فهي التي تقرر ما إذا كانت المصابيح ستبقى مضاءة أو ستنطفئ‪ ،‬وما إذا‬

‫كانت الزراعة والصناعة ستمضيان قدما إلى األمام أو ستتراجع‪ ،‬ولهذا السبب يجب أن تكون سياسة‬

‫الطاقة إحدى األولويات العليا بالنسبة ألي إدارة أمريكية‪ ،‬إنها يجب أن تحظى بأهمية كبيرة في‬

‫البرامج المستقبلية لتطوير األمة‪ ،‬وفي استراتيجية األمن القومي في القرن الجديد من خالل تحديد‬

‫سياسات الواليات المتحدة األمريكية تجاه الدول األخرى‪.76‬‬

‫وبناء على تقرير سياسة الطاقة الوطنية لعام ‪ 2001‬فإن مصادر النفط في القارة اإلفريقية‬

‫ستزداد أهمية في السوق األمريكية‪ ،‬خاصة الواردات القادمة من غرب إفريقيا‪ ،‬فخالل عام ‪2000‬‬

‫استوردت الواليات المتحدة األمريكية ‪ 900.000‬برميل نفط يوميا من نيجيريا من مجموع إنتاج بلغ‬

‫‪ 2,1‬مليون برميل في اليوم‪ ،‬أي ما يشكل ‪ ،%42,86‬كما استوردت من أنجوال ‪ 300.000‬برميل‬

‫نفط يوميا‪ ،‬وذلك من إجمالي إنتاج بلغ ‪ 750.000‬برميل يوميا في السنة نفسها‪ ،‬وهو ما يعادل نسبة‬

‫‪ - 75‬حسن مصدق‪ ،‬وثائق ويكيليكس وأسرار ربيع الثورات العربية‪ ،‬المركز الثقـافي العـربي‪ ،‬الـدار البيضـاء المغـرب‪ ،‬الطبعـة األولى ‪ ،2012‬ص‬
‫‪.171-170‬‬
‫‪ - 76‬جان هـ‪ .‬كاليكي‪ -‬ديفيد ل‪ .‬غولدون‪ ،‬األمن والطاقة نحو استراتيجية سياسة خارجية جديدة‪ ،‬ترجمة حسام الدين خضر‪ ،‬منشورات الهيئة العامــة‬
‫السورية للكتاب وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪ ،2011‬ص ‪.18‬‬

‫‪48‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ ،% 40‬باإلضافة إلى أنه من المرتقب أن تصبح كل من التشاد والكونجو برازافيل من المزودين‬

‫الرئيسين للواليات المتحدة بالنفط‪ ،‬وذلك لكون العديد من الشركات األمريكية بدأت في تشييد خط‬

‫األنابيب الذي سيربط بين التشاد والكاميرون‪ ،‬الذي ستبلغ تكلفته ‪ 3,5‬مليون دوالر بتمويل من البنك‬

‫الدولي‪ ،‬وهو ما سيسمح لتشاد بتصدير ‪ 250.000‬برميل من النفط يوميا عند اكتماله‪.‬‬

‫لذلك أوصى التقرير بإعادة تنشيط تجارة النفط األمريكية اإلفريقية وتعميقها‪ ،‬بغرض تعزيز‬

‫التنوع الجغرافي إلمدادات الطاقة‪ .‬وللوصول إلى هذه الغاية ال بد من أن تعمل الواليات المتحدة على‬

‫تحسين المناخ األمني‪ ،‬وتسهيل تدفق االستثمارات والتكنولوجيا الالزمة‪.77‬‬

‫ومن جهة أخرى أكدت العديد من التقارير األكاديمية واإلعالمية أهمية النفط اإلفريقي‬

‫بالنسبة للواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فقد أعلنت شركة "شفرون تكساسو" في تقريرها الصادر عام‬

‫‪ 2002‬أنها استثمرت خمس مليارات دوالر في إفريقيا على مدى السنوات الخمس الماضية قبل صدور‬

‫هذا التقرير‪ ،‬وأنها سوف تستثمر ‪ 20‬مليار دوالر في السنوات الخمس القادمة‪ .‬وفي االتجاه نفسه سار‬

‫التقرير الصادر عن صحيفة واشنطن تايمز‪ ،‬بعنوان " عيون أمريكا على شبكات اإلرهاب والنفط في‬

‫إفريقيا"‪ ،‬وكذا تقرير مجلة "اإليكونيميست" البريطانية الذي أكد أن "النفط هو الغاية األمريكية الوحيدة‬

‫في إفريقيا"‪.78‬‬

‫وفي هذا السياق أصبحت الشركات األمريكية الكبرى والمستقلة أكثر نشاطا في إفريقيا‪،‬‬

‫فشركة "اكسون موبيل ‪ "Exxon Mobil‬تعتبر ثاني أكبر منتج للنفط بالقارة اإلفريقية‪ ،‬وذلك نتيجة تزايد‬

‫االستثمارات األمريكية في القارة‪ ،‬حيث ارتفعت من ‪ %9‬عام ‪ ،2000‬إلى ‪ %22‬عام ‪ 2004‬لتصل‬

‫إلى ‪ %21‬عام ‪ .2007‬ويمثل النفط اإلفريقي حاليا ‪ %29‬من إنتاج شركة "إكسون موبيل"‪ 79،‬وحسب‬

‫‪77‬‬
‫‪- Report of the National Energy Policy Development Group, National Energy Policy: Reliable Affordable,‬‬
‫‪and Environmntally Sound Energy For America’s Future, Washington D.C: May 2001, chapter 8, p 11.‬‬
‫‪ -78‬عربي بومدين‪" ،‬الساحل اإلفريقي ضمن الهندسة األمنية األمريكية"‪ ،‬مجلة قراءات إفريقية‪ ،‬العدد التاسـع عشـر‪ /‬محـرم‪-‬ربيـع ‪1335‬هـ‪ /‬ينـاير‪-‬‬
‫مارس ‪ ،2014‬ص ‪.41‬‬
‫‪79‬‬
‫‪- Honoré le Leuch, « Le pétrole et le gaz naturel en Afrique : une part croissante mondial », Géostratégiques,‬‬
‫‪N° 25 , 10/09 , p 39 .‬‬

‫‪49‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التقرير الصادر عن هذه الشركة خالل سنة ‪ ،2013‬فإن الموارد في ازدياد مستمر‪ ،‬وذلك راجع إلى‬

‫قدرة الشركات الكبرى على تطوير التكنولوجيا الالزمة الستكشاف حقول جديدة‪ ،‬مثل تقنيات التنقيب‬

‫في المياه العميقة‪ ،‬خصوصا في نيجيريا وأنغوال‪ ،‬مما سيعطيهما دورا مهما في خريطة الطاقة العالمية‬

‫مستقبال‪ . 80‬ولقد تراجعت واردات الواليات المتحدة األمريكية من نفط نيجريا سنة ‪ 2012‬إلى ‪406‬‬

‫ألف برميل يوميا من مجموع إنتاجها الذي تراوح ما بين ‪ 2,2‬و ‪ 2,3‬مليون برميل يوميا‪ ،‬وهو ما‬

‫يشكل ‪ % 18‬من مجموع صادرات نيجيريا من هذه المادة نحو الخارج‪ ،‬في حين بلغت واردات أوروبا‬

‫‪ 889‬ألف برميل يوميا من نيجيريا خالل السنة نفسها‪ ،‬أي ما نسبته ‪ % 44‬من صادراتها‪ ،‬أما‬

‫الهند فقد استوردت ‪ %12‬من الصادرات النيجيرية خالل السنة نفسها‪.81‬‬

‫وفي إطار بحثها عن الثروات الطبيعية بالقارة اإلفريقية‪ ،‬توجهت الواليات المتحدة إلى دعم‬

‫عالقتها مع دول شمال إفريقيا‪ ،‬من خالل توقيع العديد من االتفاقيات مع الجزائر في هذا المجال‪،‬‬

‫وبذلك أصبحت الشركات األمريكية من أهم الشركات المستثمرة في مجال الطاقة في الجزائر‪ ،‬فخالل‬

‫سنة ‪ 2010‬وصلت صادرات هذه المنطقة من البترول نحو الواليات المتحدة األمريكية إلى ‪ %20‬من‬

‫مجموع صادراتها‪ ،‬غير أنه تبقى أوروبا أهم وجهات صادرات هذه المنطقة من المواد البترولية ‪،‬‬

‫فخالل هذه السنة استحوذت أوروبا على ‪ %60‬من صادراتها في هذا المجال‪.82‬‬

‫ولإلشارة فإنه إذا كانت الشركات األوروبية تعتبر األكثر نشاطا في إفريقيا خصوصا الفرنسية‬

‫منها‪ ،‬وهو ما يشكل منافسة قوية للشركات األمريكية‪ ،‬فإنه من جهة أخرى عرف مشهد النفط اإلفريقي‬

‫دخوال قويا للشركات اآلسيوية من اليابان والصين والهند وماليزيا‪ ،‬فالشركات الصينية أصبحت أكثر‬

‫‪ - 80‬فوزية قاسي‪ " ،‬الساحل اإلفريقي من منظور األمن الطاقوي األمريكي‪ ..‬حماية تدفق اإلمدادات من خليج غنيا"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العــدد التاســع‬
‫عشر‪ ،‬محرم‪ -‬ربيع االول ‪1435‬هــ‪ ،‬يناير‪ -‬مارس ‪2014‬م‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪81‬‬
‫‪-U.S. Energy Information Administration, countries Nigeria, last updated, December 30, 2013, p 11-12.‬‬
‫‪82‬‬
‫‪- TAN- Philippe Cueille, Pays pétroliers et gaziers du Maghreb et du Moyen-Orient, IFP. Energies‬‬
‫‪nouvelles, Panorama 2012, p 7.‬‬

‫‪50‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫نشاطا في البحث عن النفط بالقارة اإلفريقية‪ ،‬وهو ما مكنها من الحصول على العديد من عقود‬

‫التنقيب في كل من نيجيريا وأنجوال والسودان والتشاد والجزائر وليبيا‪ 83‬قبل الثورة‪.‬‬

‫إن هذا التوجه اآلسيوي نحو النفط اإلفريقي أشعل منافسة قوية للشركات الغربية في هذه‬

‫المنطقة‪ -‬وهو ما سيتم مناقشته بتفصيل في الفصل األول من القسم الثاني‪ -‬مما زاد من مخاوف‬

‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬التي اخترعت مجموعة من الحجج لتقوية وجودها بالقارة اإلفريقية‪ ،‬من‬

‫قبيل نشر الديمقراطية ومكافحة اإلرهاب لتسويغ وجودها العسكري بالمنطقة وتكثيفه‪ ،‬الذي يهدف‬

‫بالدرجة األولى إلى حماية إنتاج الشركات األمريكية من النفط قبل كل شيء‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األهداف السياسية واألمنية لالستراتيجية األمريكية في إفريقيا‬

‫إن القيم األمريكية المتمثلة في حقوق اإلنسان والديمقراطية أصبحت مبادئ راسخة‪ ،‬تسعى‬

‫الواليات المتحدة لفرضها على العالم وإ فريقيا‪ ،‬لذلك أكدت وثيقة األمن القومي األمريكية الصادرة في‬

‫عام ‪ ، 2002‬أن استراتيجية الدفاع القومي يجب أن تنطلق من اإلمكانات المتاحة لتوسيع الديمقراطية‪،‬‬

‫وفي ذلك تظهر إفريقيا بمنزلة العالم الجديد في هذه السياسة‪ ،‬وهو تأكيد لما سبق أن عبر عنه الرئيس‬

‫كلينتون في خطابه في أكرا عاصمة غانا إذ قال‪« :‬نريد أن نعمل مع إفريقيا وإ قامة شراكة معها‪...‬‬

‫ينبغي الدفاع عن الديمقراطية» وأضاف‪« :‬آن األوان لوضع إفريقيا جديدة على خريطتنا»‪.‬‬

‫في ضوء األهمية التي بدأت تحتلها القارة اإلفريقية في االستراتيجية االقتصادية األمريكية‬

‫على المستوى الدولي‪ ،‬أصبحت الموارد الطاقية بصفة خاصة والموارد االستراتيجية اإلفريقية بصفة‬

‫عامة‪ ،‬أحد المحددات الرئيسة في السياسة األمريكية تجاه القارة اإلفريقية‪ ،‬مما كان له انعكاس على‬

‫األهداف السياسية واألمنية للواليات المتحدة األمريكية تجاه هذه القارة‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪- Honoré le Leuch , op, cit, p 39-40.‬‬

‫‪51‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫فعلى المستوى السياسي‪ ،‬تزايد الحديث عن القيمة االستراتيجية للقارة اإلفريقية‪ ،‬بعدما‬

‫تواترت العديد من التقارير عن تناقص هذه القيمة بعد نهاية الحرب الباردة‪ ،‬في ظل تصاعد األزمات‬

‫السياسية واالقتصادية التي عرفتها هذه القارة مع بداية تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬وما خلفته من فظائع‬

‫إنسانية في العديد من دولها‪.‬‬

‫فمع نهاية العقد األخير من القرن الماضي‪ ،‬بدأت تتعدد زيارات المسئولين األمريكيين للقارة‬

‫اإلفريقية بوتيرة كبيرة غير مسبوقة‪ ،‬وفي مقدمتها جولة الرئيس بيل كلينتون في إفريقيا عامي ‪1998‬‬

‫و‪ ،2000‬وجولة كاتبة الدولة في الخارجية آنذاك مادلين أولبرايت في عام ‪ ،1998‬التي أطلق خاللهما‬

‫شعار "التجارة ال المساعدات" سبيال الزدهار القارة‪ .‬وجاء إعالن هذا الشعار في إطار سعي إدارته إلى‬

‫تأسيس شراكة أمريكية‪ -‬إفريقية جديدة‪ ،‬وهو ما أكده الكونغرس بعد موافقته على قانون النمو والفرص‬

‫في إفريقيا‪ ،‬كما تمت اإلشارة إليه سابقا‪ ،‬الذي يقوم على دعم الدول اإلفريقية بالمساعدات االقتصادية‪،‬‬

‫وفتح األسواق األمريكية أمام سلع دول القارة ومنتجاتها‪ ،‬بشرط نجاح هذه الدول في تحقيق بعض‬

‫الشروط األمريكية المتعلقة بالديمقراطية على الشكل الغربي‪ ،‬والتوجه نحو النهج الليبرالي على‬

‫المستوى االقتصادي‪.‬‬

‫ولقد كانت هذه السياسة األمريكية محل انتقاد من طرف الفرنسين في إطار التنافس بينهم‬

‫حول مناطق النفوذ في إفريقيا‪ ،‬فقد أكد الرئيس الفرنسي األسبق جاك شيراك في القمة األوروبية‪-‬‬

‫اإلفريقية في أبريل عام ‪ 2000‬بالقاهرة‪ ،‬عدم موافقته على التصريح األمريكي على أن تكون العالقات‬

‫مع إفريقية عالقة تجارة‪ ،‬وليست عالقة مساعدة‪ ،‬موضحا أن المساعدات المالية عامل مهم في تحقيق‬

‫التنمية في إفريقيا‪.84‬‬

‫ولتأكيد توجهها الجديد نحو هذه القارة‪ ،‬جاء لقاء الرئيس دبليو بوش مع رؤساء ‪ 11‬دولة‬

‫إفريقية من دول إفريقيا الوسطى والغربية في سبتمبر ‪ ،2001‬وجولة بوش في إفريقيا في يوليو‬

‫‪ - 84‬خالد حنفي علي‪" ،‬السياسة األمريكية تجاه إفريقيا‪ ...‬رؤى وأدوات متغيرة"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،163‬يناير ‪ ،2006‬ص ‪.149‬‬

‫‪52‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ ،2003‬وفي نهاية ‪ ،2008‬وكذا زيارة كولين باول كاتب الدولة في الخارجية األمريكية للغابون عام‬

‫‪ ،2002‬في زيارة هي األولى لكاتب الدولة في الخارجية األمريكية لهذه الدولة البترولية الواعدة‪،‬‬

‫وخالل كل تلك الزيارات ما فتئ المسئولون األمريكيون يؤكدون على مبدأي ترسيخ الديمقراطية‪،‬‬

‫وحقوق اإلنسان‪ ،‬باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للسياسة الخارجية األمريكية تجاه إفريقيا‪.‬‬

‫وحسب وثيقتي استراتيجية األمن القومي األمريكي الصادرتين عامي ‪ 2002‬و‪ 2006‬فإن‬

‫القارة اإلفريقية تواجه مجموعة من التحديات كالفقر واألمراض والتخلف السياسي واالقتصادي‪،85‬‬

‫ولمواجهة هذه التحديات ستعمل الواليات المتحدة على تعزيز التنمية االقتصادية والديمقراطية‪ ،‬من‬

‫خالل إرساء نظام الحكم الرشيد بالدول اإلفريقية‪ ،‬وذلك لتقوية قدراتها المحلية والقدرات اإلقليمية‬

‫لالتحاد اإلفريقي لتعزيز التحوالت الديمقراطية بالقارة‪ ،‬وكذا دعم عمليات حفظ السالم ومواجهة‬

‫الكوارث التي تعصف بالقارة اإلفريقية‪.86‬‬

‫واستمر األمر نفسه في عهد الرئيس باراك أوباما‪ ،‬الذي زار غانا في يوليو ‪ ،2009‬ووجه‬

‫خطابا إلفريقيا من منبر البرلمان الغاني‪ ،‬كما قامت كاتبة الدولة في الخارجية األمريكية هيالري‬

‫كلنتون بجولة في إفريقيا في غشت ‪ ،2009‬وخالل هذه الزيارات كان تأمين النفط والسيطرة على‬

‫منابعه بندا أساسيا على موائد الحوار بين المسئولين األمريكيين واألفارقة‪ ،‬فنيجيريا كانت واحدة من‬

‫أهم هذه المحطات األساسية في معظم هذه الزيارات‪ ،‬لكونها مسئولة لوحدها عن ‪ %47‬من النفط الذي‬

‫تحصل عليه الواليات المتحدة من القارة‪ . 87‬باإلضافة إلى كونها سوقا إفريقية كبيرة كما تتمتع بثقل‬

‫سياسي واقتصادي وعسكري في المنطقة‪ ،‬فهي تعتبر حجر الزاوية للجماعة االقتصادية لغرب‬

‫إفريقيا‪.88‬‬
‫‪85‬‬
‫‪- The white house Washington, The National Security Strategy of the United States of America,‬‬
‫‪September 2002, p 10- 11. Viewed 12/09/2014 at:‬‬
‫‪http://www.state.gov/documents/organization/63562.pdf‬‬
‫‪86‬‬
‫‪- The white house Washington, The National Security Strategy of the United States of America, march‬‬
‫‪2006, p 37-38, viewed 14/06/2013 at: http://www.comw.org/qdr/fulltext/nss2006.pdf.‬‬
‫‪ - 87‬ايمن شبانه‪" ،‬النفط اإلفريقي عندما تتحرك السياسة األمريكية وراء الموارد "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.5-4‬‬
‫‪ - 88‬طارق الشيخ‪" ،‬كلينتون وجولته االفريقية الثانية"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 142‬اكتوبر ‪ ،2000‬ص ‪.160‬‬

‫‪53‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وفي سبيل تحقيق تلك األهداف السياسية‪ ،‬عملت اإلدارة األمريكية على تشكيل نخب جديدة‬

‫في إفريقيا موالية للغرب عموما‪ ،‬وللواليات المتحدة بشكل خاص‪ ،‬تسميهم القادة الجدد في إفريقيا‪،‬‬

‫أمثال مليس زيناوي في إثيوبيا‪ ،‬وأسياس أفورقي في إرتيريا‪ ،‬ويوري موسيفيني في أوغندا‪ ،‬وكابيال‬

‫في الكونغو‪.89‬‬

‫وتحقيقا لهدف السيطرة على النفط اإلفريقي‪ ،‬عملت الواليات المتحدة األمريكية على تجديد‬

‫عالقاتها السياسية مع ليبيا وغينيا االستوائية ‪ ،‬وعلى الرغم من تأكيد اإلدارة األمريكية كون تجديد‬

‫عالقاتها مع ليبيا جاء مكافأة لها على تعاون األخيرة في الحرب على اإلرهاب‪ ،‬وتخلصها من أسلحة‬

‫الدمار الشامل‪ ، 90‬غير أن الواقع يكذب هذه التبريرات‪ ،‬لكون تجديد هذه العالقات جاء نتيجة ضغط‬

‫الشركات النفطية األمريكية إلزالة ليبيا من قائمة اإلرهاب األمريكية‪ ،‬لكون هذه الشركات تخشى أن‬

‫تستحوذ الصين على رخص التنقيب عن النفط هناك‪ ،‬مستغلة انقطاع العالقات الدبلوماسية األمريكية‬

‫مع ليبيا‪ .‬والشيء نفسه ينطبق على حالة غينيا االستوائية‪.‬‬

‫كما توجهت الواليات المتحدة األمريكية إلى إنهاء مجموعة من الصراعات التي عمرت‬

‫طويال في إفريقيا‪ ،‬خاصة في الدول المنتجة للنفط‪ ،‬كإنهاء الصراع في أنغوال ‪ ،2002‬بحيث سعت‬

‫واشنطن لتسوية الحرب األهلية بين الحكومة وحركة يونيتا المعارضة‪ ،‬إذ عملت الواليات المتحدة على‬

‫تصفية حليفها السابق جوناس سافيمبي زعيم يونيتا‪ ،‬لتهيئة األجواء لتسوية الصراع‪ ،‬وإ فساح المجال‬

‫للشركات األمريكية التي تسيطر على إنتاج ‪ %75‬من النفط األنجولي وتصدره‪ .91‬باإلضافة إلى‬

‫التوصل التفاق بين فرقاء البحيرات العظمى‪ ،‬وإ نهاء الحرب في جنوب السودان في يناير ‪.922005‬‬

‫‪ - 89‬مضوي الترابي‪" ،‬القيادة االستراتيجية األمريكية الجديــدة إلفريقيــا (أفريكــوم) التــأثير في القــرن األفـريقي واألمن القــومي العــربي"‪ ،‬في كتــاب‬
‫العرب والقرن األفريقي جدلية الجوار واالنتماء ‪ ،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسيات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى أكتوبر ‪ ،2013‬ص ‪.567‬‬
‫‪ -‬جوزيف رامز أمين‪" ،‬قراءة في جولة بوش اإلفريقية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ - 90‬بدر حسن شافعي‪" ،‬لماذا استأنفت الواليات المتحدة عالقاتها مع ليبيا"‪ ،‬ملف األهرام االستراتيجي‪ ،‬العدد ‪ ،139‬يوليو ‪ ،2006‬ص ‪.80-79‬‬
‫‪ - 91‬أيمن شبان‪" ،‬النفط اإلفريقي عندما تتحرك السياسة األمريكية وراء الموارد"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪ - 92‬خالد حنفي علي‪" ،‬السياسة األمريكية تجاه إفريقيا‪ ...‬رؤى وأدوات متغيرة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.148‬‬

‫‪54‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫غير أن ما يمكن مالحظته في مجال سياسة الواليات المتحدة لتسوية الصراعات اإلفريقية‪،‬‬

‫هي أنها تتحكم فيها االعتبارات المصلحية البرغماتية‪ ،‬فهي لم تكثرت في بادئ األمر بالصراع الذي‬

‫اندلع في ليبريا منذ عام ‪ ،1989‬بالرغم من خصوصية العالقات بينهما‪ ،‬بيد أنه مع تجدد الصراع‬

‫الليبيري مرة أخرى عام ‪ ،2003‬كانت اإلدارة األمريكية شديدة الحساسية للتهديد األمني الذي كان‬

‫يمثله هذا الصراع لمصالحها النفطية في غرب إفريقيا‪ ،‬لذلك ساندت تدخل الجماعة االقتصادية لدول‬

‫غرب إفريقيا (إيكواس) في ذلك الصراع‪ ،‬ودعمت تدخل األمم المتحدة لحفظ السالم فيها‪ ،‬والشيء نفسه‬

‫تكرر في السيراليون‪.93‬‬

‫كما باتت قضايا محاربة اإلرهاب البند األول على قائمة االهتمامات العالمية في مرحلة ما‬

‫بعد هجمات ‪ 11‬شتنبر ‪ 2001‬في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وأصبحت هذه القضايا تستحوذ على‬

‫الحيز الرئيس من التفاعالت الدولية‪ ،‬وذلك في سياق الحرب العالمية التي تشنها الواليات المتحدة على‬

‫اإلرهاب من ناحية‪ ،‬وأيضا في ظل امتداد الخطر اإلرهابي إلى العديد من مناطق العالم‪ ،‬ومن بينها‬

‫الكثير من الدول اإلفريقية‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬مما جعل هذه المسألة واحدة من القضايا الرئيسة على‬

‫قائمة االهتمامات السياسية واألمنية والعسكرية اإلفريقية والدولية‪.‬‬

‫فقد اكتسبت إفريقيا أهمية خاصة بعد هجمات ‪ 11‬شتنبر‪ ،‬باعتبارها من الساحات‬

‫الرئيسية في الحرب على اإلرهاب‪ ،‬لكونها شهدت أعنف الهجمات "للقاعدة" قبل وقوع أحداث ‪11‬‬

‫شتنبر‪ ،‬ممثلة في تفجيرات نيروبي ودار السالم عام ‪ .1998‬في ظل هذا الوضع زاد االهتمام الدولي‬

‫واألمريكي بالقارة اإلفريقية‪ ،‬إما بسبب وقوع بعض العمليات اإلرهابية فيها‪ ،‬أو بسبب المخاوف‬

‫الواسعة التي أثيرت بشأن التهديدات المحتملة التي يمكن أن تأتي من الدول الفاشلة أو المنهارة في‬

‫إفريقيا‪ ،‬ال سيما إمكانية استغالل تلك الدول مالذا آمنا للجماعات اإلرهابية‪ ،‬أو مركزا إلدارة عملياتها‪.‬‬

‫‪ - 93‬أيمن شبانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬

‫‪55‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ويتخذ التهديد اإلرهابي بالقارة اإلفريقية شكلين رئيسين‪ :‬أولهما اإلرهاب المحلي‪ ،‬يستخدم‬

‫بكثافة شديدة في الحروب األهلية والصراعات الداخلية المسلحة التي تعاني منها الكثير من دول القارة‪.‬‬

‫ومع أن هذا النوع يجري على نطاق واسع وبصورة شبه يومية‪ ،‬ويؤدي لسقوط أعداد هائلة من‬

‫الضحايا بين قتلى وجرحى‪ ،‬فإنه ال يلقى اهتماما كافيا من المجتمع الدولي‪ ،‬إال في حاالت نادرة تكون‬

‫مرتبطة بمصالح بعض القوى الدولية‪ ،‬التي تعمل على ايقافه بتسوية الصراعات التي يجري فيها‪.‬‬

‫أما الشكل الثاني‪ ،‬فهو اإلرهاب الدولي‪ ،‬أو اإلرهاب العابر للحدود‪ ،‬وأبرز نماذج هذا الشكل‬

‫هو ذلك الذي يقف وراءه تنظيم "القاعدة"‪ ،‬والجماعات التي تستلهم نموذجه‪ ،‬وقد دأبت هذه الجماعات‬

‫على استغالل الفراغ السياسي‪ ،‬وارتفاع معدالت الفقر والضعف التقليدي للدولة في أغلب أرجاء القارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬نتيجة التوزيع غير العادل للثروات الطبيعية بأغلب دولها ‪ ،‬وكذا عدم القدرة على استيعاب‬

‫هذه العناصر داخل البناء المؤسسي للدولة‪ ،‬مما يؤدي إلى التعبير عن مشاعر الغضب اتجاه االستغالل‬

‫الخارجي للثروات اإلفريقية‪ ،‬عن طريق العنف الذي يضر بمصالح الدول اإلفريقية أكثر من مصالح‬

‫القوى الخارجية‪.94‬‬

‫إن الدور األمريكي والدولي في منع ومكافحة اإلرهاب في إفريقيا‪ ،‬يتسم باالتساع ربما‬

‫بدرجة تفوق هذا الدور في أي مكان آخر على الساحة الدولية‪ ،‬باستثناء العراق وأفغانستان‪ ،‬فهو ال‬

‫يقتصر فقط على تقديم مساعدات مالية وفنية ولوجيستية للدول والمنظمات اإلقليمية في إفريقيا‪ ،‬في‬

‫مجال منع ومكافحة اإلرهاب‪ ،‬وإ نما األكثر من ذلك أنه يمتد إلى قيام الواليات المتحدة األمريكية‬

‫وبعض الدول الغربية بمهام عملياتية محددة في إطار منع ومكافحة اإلرهاب‪ ،‬للتعويض عن غياب أو‬

‫ضعف الحكومات الوطنية في الكثير من الدول اإلفريقية‪ ،‬بما في ذلك تسيير دوريات بحرية في المياه‬

‫اإلقليمية في القرن اإلفريقي‪ ،‬ونشر قوات فعلية للتدخل في مناطق الفراغ السياسي‪ ،‬وتنفيذ عمليات‬

‫بطائرات بدون طيار‪ ،‬ال سيما في منطقتي الساحل والقرن اإلفريقي‪ ،‬وذلك تنفيذا لما جاء في‬
‫‪ - 94‬احمد إبراهيم محمود‪" ،‬اإلرهاب الدولي في إفريقيا بين األزمات الداخليـة وتهديـدات تنظيم القاعـدة"‪ ،‬كراســات اســتراتيجية‪ ،‬العـدد ‪ ،183‬ينـاير‬
‫‪ ،2008‬ص ‪.6-5‬‬

‫‪56‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫استراتيجية األمن القومي األمريكي التي صدرت في شتنبر ‪ ،2002‬التي اعتبرت اإلرهاب تهديدا‬

‫رئيسيا لألمن القومي األمريكي‪ ،‬وهو ما يتطلب تطبيق استراتيجية طويلة المدى‪ ،‬تقوم على ضرب‬

‫الجماعات اإلرهابية وحرمانها من الحصول على مالذ آمن أو دعم مالي‪ ،‬ومساعدة وحماية الدول التي‬

‫كانت مستهدفة من جانب تلك الجماعات‪ ،‬ولقد أطلقت الواليات المتحدة مبادرات متنوعة للتعاون مع‬

‫دول الساحل اإلفريقي في مجال مكافحة اإلرهاب‪ ،‬وصوال إلى إنشاء قيادة عسكرية أمريكية ألفريقيا‬

‫ضمن هيكلة وزارة الدفاع األمريكية‪ -،‬كما سيتم مناقشتها الحقا‪ -‬تتولى من ضمن مهامها‪ :‬تنسيق‬
‫‪95‬‬
‫وتنفيذ جهود مكافحة اإلرهاب في القارة حسب اإلدارة األمريكية‪.‬‬

‫غير أن ما يمكن تأكيده هنا‪ ،‬هو أن التحرك األمريكي لمكافحة اإلرهاب بالقارة اإلفريقية ما‬

‫هو إال نتيجة لرغبة الواليات المتحدة األمريكية للمحافظة على مصالحها االقتصادية بها‪ ،‬نظرا‬

‫الرتفاع وتيرة اهتمام العديد من القوى اآلسيوية بالدخول إلى الفضاء اإلفريقي‪ ،‬وعملها على تنفيذ‬

‫مجموعة من المشاريع االقتصادية بها‪ ،‬سواء في مجال البحث عن الثروات الطبيعية‪ ،‬أو في مجال‬

‫انشاء البنية التحتية‪ ،‬وكذا توسيع مجال المبادالت التجارية معها‪ ،‬في ظل تزايد تقدمها االقتصادي –أي‬

‫القوى اآلسيوية‪ -‬مع بداية القرن الحالي‪ ،‬فقد كتب "بيير أبروموفتشي" (‪ )Pierre Abromovici‬في‬

‫مجلة العالم الدبلوماسي أن هدف الواليات المتحدة األمريكية من تعزيز التدابير العسكرية والجهود‬

‫األمنية في الساحل اإلفريقي‪ ،‬ليس من أجل تعزيز األمن في المنطقة‪ ،‬أو دعم السالم كما تؤكده اإلدارة‬

‫األمريكية‪ ،‬وال هي جزء من الحرب على اإلرهاب‪ ،‬بل هي جزء من التنافس االقتصادي الجديد الذي‬

‫تشهده المنطقة‪.96‬‬

‫وفي ختام هذا المطلب نخلص إلى أن تزايد اهتمام الواليات المتحدة بالقارة اإلفريقية جاء في‬

‫سياق استراتيجيتها الرامية إلى السيطرة على العالم من خالل السيطرة على موارد الطاقة العالمية‪ ،‬فبعد‬

‫سيطرتها على النفط العراقي‪ ،‬وتحقيق القرب من نفط بحر قزوين بعد احتالل أفغانستان وتغيير النظام‬
‫‪ - 95‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.45-40‬‬
‫‪ - 96‬فوزية قاسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.35-34‬‬

‫‪57‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫السياسي هناك‪ ،‬توجهت نحو النفط اإلفريقي‪ ،‬وذلك من خالل الترويج لخطاب حقوق اإلنسان ودعم‬

‫الديمقراطية‪ ،‬وحل بعض الصراعات اإلفريقية‪ ،‬وتعزيز التعاون االقتصادي مع دول القارة اإلفريقية‪.‬‬

‫فمن خالل المبادالت التجارية بين الطرفين رغم ضعفها‪ ،‬إذ ال تشكل أكثر من ‪ %3‬من التجارة‬

‫الخارجية للواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬يتبين أن الهدف الرئيس لها هو الحصول على الثروات الطبيعية‬

‫اإلفريقية‪ ،‬فهي تشكل أكثر من نصف وارداتها من هذه القارة‪ ،‬كما أن أغلب معامالتها التجارية تتم‬

‫مع عدد قليل من الدول اإلفريقية التي تمتلك ثروات طبيعية كبيرة‪ ،‬خصوصا المعادن النفيسة والنفط‪،‬‬

‫كأنغوال ونيجيريا وجنوب إفريقيا‪ ،‬غير أن هناك العديد من القوى الدولية األخرى التي أصبحت تزاحم‬

‫الوجود األمريكي بهذه القارة‪ ،‬إذن ما هي الوسائل التي تعتمد عليها الواليات المتحدة األمريكية لتحقيق‬

‫استراتيجيتها بإفريقيا؟‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل تحقيق االستراتيجية األمريكية ودوائر تحركها‬

‫تتعدد الوسائل التي تعتمد عليها الواليات المتحدة األمريكية لتحقيق مصالحها االستراتيجية‬

‫بالقارة اإلفريقية‪ ،‬فهي تركز على الوسائل العسكرية‪ ،‬إذ عملت على تنفيذ العديد من البرامج العسكرية‬

‫بها‪ ،‬سواء على المستوى الثنائي أو المتعدد األطراف منذ بداية الحرب على ما يسمى باإلرهاب مع‬

‫بداية القرن الحالي‪ ،‬حتى وصل بها األمر إلى إنشاء قاعدة عسكرية خاصة بالقارة اإلفريقية‪ ،‬كما‬

‫تعتمد أيضا على الوسائل االقتصادية من خالل دفع الشركات األمريكية لالستثمار بالعديد من دول‬

‫القارة (الفقرة األولى )‪ .‬باإلضافة إلى كون التحرك األمريكي تجاه القارة األفريقية يهتم بمجموعة من‬

‫المناطق التي تتمتع بالعديد من الخصائص الجيوستراتيجية المهمة‪ ،‬كالموقع االستراتيجي والتوفر على‬

‫الثروات الطبيعية‪ ،‬وهو ما يتضح من تركيز االستراتيجية األمريكية على غرب إفريقيا ومنطقة القرن‬

‫اإلفريقي والمغرب العربي‪ ،‬فمنطقة الغرب اإلفريقي تمتلك ثروات طبيعية كبيرة جعلتها المصدر‬

‫األول للنفط بالقارة‪ ،‬باإلضافة إلى كونها المزود األول للواليات المتحدة بالنفط من هذه القارة ‪ ،‬أما‬

‫‪58‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫منطقتا القرن اإلفريقي والمغرب العربي فهما تطالن على مجموعة من المضايق المائية التي تتحكم‬

‫في التجارة العالمية‪ ،‬وامتالكها لثروات طبيعية كبيرة‪ ،‬وكذا قربهما من مجموعة من المناطق ذات‬

‫األهمية الكبيرة للواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فالقرن اإلفريقي قريب من منطقة الشرق األوسط والخليج‬

‫العربي‪ ،‬في حين منطقة المغرب العربي قريبة من منطقة البحر األبيض المتوسط الذي يحتل مكانة‬

‫خاصة في استراتيجية الواليات المتحدة الدولية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬وسائل تحقيق االستراتيجية األمريكية‬

‫أوال‪ :‬البرامج العسكرية‬

‫إن التحديات التي رافقت عالم ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬أظهرت القارة اإلفريقية بوصفها‬

‫منطقة منتجة لألزمات‪ ،‬فهي تعاني من ارتفاع حدة الفقر والتخلف وعدم االستقرار السياسي وغياب‬

‫تنمية حقيقية وفشل جميع مكونات بناء الدول الحديثة‪ .‬وتماشيا مع تزايد االهتمام األمريكي بالموارد‬

‫الطاقية اإلفريقية‪ ،‬بعد صدور العديد من التقارير األكاديمية واإلعالمية التي جعلت اإلدارة األمريكية‬

‫تعتبرها مصلحة قومية أمريكية‪ ،‬أدت إلى تزايد االنشغال األمني للواليات المتحدة بهذه القارة‪،‬‬

‫خصوصا بعدما تعرضت سفارتاها في كل من كينيا وتنزانيا في عام ‪ 1998‬لهجمات إرهابية من‬

‫طرف "تنظيم القاعدة"‪.‬‬

‫وبعد أحداث ‪ 11‬شتنبر ‪ ،2001‬وما تال ذلك من اهتزاز في العقيدة األمنية للواليات المتحدة‪،‬‬

‫سعت واشنطن للقيام بعدد من المراجعات‪ ،‬مست تعريف األخطار المحدقة بأمنها القومي‪ ،‬ففي وثيقة‬

‫األمن القومي لعام ‪ 2002‬تم التأكيد على ضرورة مواجهة التهديدات والمخاطر القادمة من الدول‬

‫الفاشلة‪ ،‬وعلى رأسها بلدان إفريقيا جنوب الصحراء‪.‬‬

‫وقد كشفت استراتيجية األمن القومي إلدارة بوش في عام ‪ ،2002‬عن الحاجة إلى نهج‬

‫استراتيجية أكثر تركيزا فيما يتعلق بالقارة اإلفريقية‪ ،‬ففي إفريقيا تنتشر األمراض والحروب والفقر‬

‫‪59‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المذقع‪ ،‬الشيء الذي يعرقل تحقيق المصالح االقتصادية األمريكية هناك‪ ،‬على الرغم من االدعاء كونها‬

‫ترغب في الحفاظ على الكرامة اإلنسانية ومحاربة اإلرهاب العالمي حسب الرؤية األمريكية‪.‬‬

‫ولمواجهة هذه التحديات أكدت الوثيقة أن االستراتيجية األمنية للواليات المتحدة في إفريقيا‪،‬‬

‫يجب أن تنبني على المشاركة وفق منطق التعاون االستخباراتي واالتفاقيات الثنائية والمتعددة‬

‫األطراف مع الدول األفريقية‪ ،‬خاصة الدول ذات التأثير الكبير مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا‬

‫وإ ثيوبيا‪ ،‬وذلك بتنسيق مع الحلفاء األوروبيين والمؤسسات الدولية‪ .97‬غير أن االستراتيجية الجديدة‬

‫لألمن الدولي للبيت األبيض التي نشرت في عام ‪ 2006‬اعتبرت القارة اإلفريقية ذات أولوية جيو‪-‬‬

‫استراتيجية مهمة للواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬نظرا لكونها أصبحت مكانا للفرص الواعدة‪ ،‬لذا فإن‬

‫أمن هذه المنطقة يعتمد على الشراكة مع األفارقة لتعزيز قدرات الدول الهشة والفاشلة لتحقيق‬

‫الديمقراطية‪.98‬‬

‫التعاون العسكري الثنائي‬ ‫‪-1‬‬

‫على المستوى الثنائي عقدت الواليات المتحدة األمريكية مجموعة من االتفاقيات‬

‫العسكرية بعد أحداث ‪ 11‬شتنبر مع العديد من الدول اإلفريقية؛ كاالتفاقيات التي عقدتها مع ثالث دول‬

‫من القرن اإلفريقي أريتريا وإ ثيوبيا وجيبوتي التي أقامت فيها قاعدة عسكرية‪ ،‬علما أن هذه الدولة توجد‬

‫فيها قاعدة عسكرية فرنسية منذ استقاللها‪.‬‬

‫وتحتفظ الواليات المتحدة األمريكية بمواقع إمداد في‪ :‬السينغال ومالي وغانا والجابون‪،‬‬

‫باإلضافة إلى ناميبيا على الحدود مع أنجوال في الجنوب‪ ،‬وتشتمل هذه العمليات على تطوير المطارات‪،‬‬

‫‪97‬‬
‫‪- The white house Washington, The National Security Strategy of the United States of America,‬‬
‫‪September 2002.op,cit, P 11-12.‬‬
‫‪98‬‬
‫‪- The white house Washington, The National Security Strategy of the United States of America, march‬‬
‫‪2006.op,cit, P 37-38.‬‬

‫‪60‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وتوفير اإلمدادات والوقود‪ ،‬وتوقيع االتفاقيات لضمان االنتشار السريع للقوات األمريكية بهذه‬

‫المناطق‪.99‬‬

‫إن التعاون العسكري األمريكي مع بعض الدول اإلفريقية هو لمزاحمة ومنافسة الوجود‬

‫العسكري الفرنسي في إفريقيا‪ ،‬وقد اعتبر التعاون العسكري بين السنغال والواليات المتحدة لتشكيل "قوة‬

‫نموذجا لهذا التنافس لكون‬ ‫‪100‬‬


‫تدخل إفريقية" لمنع حدوث مجازر واضطرابات كالتي حدثت في رواندا‪.‬‬

‫الواليات المتحدة اتجهت نحو اختراق الدول التي تعتبر تاريخيا مجاال للنفوذ الفرنسي‪.‬‬

‫التعاون العسكري المتعدد األطراف‬ ‫‪-2‬‬

‫منذ بروز نفط غرب إفريقيا مصلحة حيوية أمريكية‪ ،‬أصبحت القارة اإلفريقية تمثل الجبهة‬

‫الجديدة فيما أسماه الرئيس األمريكي السابق بوش االبن‪ ،‬الحرب العالمية على اإلرهاب‪ ،‬وهو ما شكل‬

‫منطلقا أساسيا في سياسة الواليات المتحدة تجاه هذه القارة‪ ،‬فتراوحت بين الدعوة إلى تعزيز‬

‫الديمقراطية‪ ،‬والضغط في سبيل تحرير أسواق الطاقة عموما‪ ،‬وأسواق النفط بشكل رئيس‪.‬‬

‫ونظرا العتبار منطقة الساحل اإلفريقي من أكبر منتجي البترول بالقارة اإلفريقية‪ ،‬فقد خصته‬

‫الواليات المتحدة األمريكية بأهمية خاصة في إطار برامجها العسكرية المخصصة للقارة اإلفريقية‪ ،‬فقد‬

‫ضاعفت الواليات المتحدة األمريكية اإلنفاق العسكري بين سنتي ‪ 2005-2002‬بغية حماية‬

‫احتياطيات النفط االستراتيجية في المنطقة‪ ،‬بحيث أطلقت اإلدارة األمريكية مبادرة "بان – ساحل" (‬

‫‪ )Pan Sahel Initiative‬سنة ‪ 2002‬والتي أتبعتها بمبادرة مكافحة اإلرهاب عبر الصحراء (‪Trans‬‬

‫‪ )Sharan Counter- terrorism initiative‬سنة ‪.2005‬‬

‫وهي برامج سعت إلى تدريب قوات األمن اإلفريقية لحماية الحدود‪ ،‬والكشف والقبض على‬

‫المسلحين‪ ،‬حيث قامت مبادرة ‪ 2002‬بتدريب القوات في‪ :‬مالي وموريتانيا وتشاد والنيجر‪ ،‬في حين تم‬

‫‪ - 99‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬ثنائية النفط واإلرهاب‪ :‬إفريقيا تدخل عصر الهيمنة األمريكية"‪ ،‬ملف األهرام االستراتيجي‪ ،‬العــدد ‪ ،140‬أغســطس‬
‫‪ ،2006‬ص ‪.86-85‬‬
‫‪ - 100‬علي شعبان االسطى‪ ،‬صراع القوى العظمى حول إفريقيا‪ ،‬الخرطوم‪ ،‬مركـز الراصـد للدراسـات السياسـية واالسـتراتيجية‪ ،‬الخرطـوم‪ ،‬نوفمـبر‬
‫‪ ،2009‬ص ‪.107‬‬

‫‪61‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫توسيع مبادرة ‪ 2005‬لتشمل كال من‪ :‬نيجيريا وغانا والسنغال والجزائر وتونس‪ ،‬وتوصف هذه المبادرة‬

‫حسب وثائق اإلدارة األمريكية بكونها استراتيجية متعددة الجوانب‪ ،‬تسعى إلى هزيمة المنظمات‬

‫اإلرهابية بمأسسة التعاون بين قوات األمن في المنطقة‪ ،‬وتعزيز الحكم الديمقراطي والعالقات العسكرية‬

‫الثنائية مع الواليات المتحدة‪ ،‬كما يهدف البرنامج إلى تسهيل التعاون والتنسيق بين دول الساحل ودول‬

‫المغرب العربي في مجال مكافحة اإلرهاب‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬فضال عن مبادرة "االستجابة لألزمة اإلفريقية" ‪African Crisis Response‬‬

‫‪ Initiative‬التي أصبحت تعرف باسم برنامج "المساعدة التدريبية على عمليات الطوارئ اإلفريقية"‬

‫‪ ،The African Contingency Operations Trainning Assistance‬وهي مبادرة صممت‬

‫لتوفير التدريب على عمليات حفظ السالم والتكتيكات العسكرية من طرف القوات األمريكية الخاصة‪،‬‬

‫وفضال عن ذلك تدريب هذه القوات اإلفريقية على استخدام المعدات العسكرية األمريكية‪ ،‬ولقد شمل‬

‫هذا البرنامج دوال مثل‪ :‬مالي وغانا وساحل العاج وبنين وكينيا والسنغال وأوغندا‪.101‬‬

‫‪ -3‬انشاء القاعدة العسكرية األمريكية الخاصة بإفريقيا‪:‬‬

‫األصل أن القارة اإلفريقية كانت موزعة بين ثالث قيادات عسكرية‪:‬‬

‫قيادة أوروبا‪ ،‬التي يمتد نطاقها الجغرافي من السواحل الشرقية للواليات المتحدة عبر‬ ‫‪-‬‬

‫األطلسي‪ ،‬مرورا بالجزيرة البريطانية حتى شرق أوروبا (الحدود الروسية)‪ ،‬وحوض‬

‫البحر األبيض المتوسط‪ ،‬وهي مدعومة باألسطول السادس‪ .‬ويقع في نطاقها ‪ 90‬دولة‪،‬‬

‫منها ‪ 31‬دولة إفريقية‪ ،‬باإلضافة إلى إسرائيل‪.‬‬

‫قيادة المحيط الهادئ التي تعد أكبر وأهم قيادة أمريكية على اإلطالق؛ إذ يمتد قطاع‬ ‫‪-‬‬

‫مسئوليتها الجغرافي من السواحل الغربية للواليات المتحدة األمريكية وأمريكا الجنوبية‬

‫‪ - 101‬فوزية قاسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬


‫للتوسع أكثر في هذه البرامج راجع‪ :‬سعيد الهوسي‪ ،‬األبعاد األمنية األمريكية الجديدة بإفريقيــا بعــد أحــداث الحــادي عشــر من شــتنبر ‪ ،2001‬مرجع‬
‫سابق‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫حتى السواحل الشرقية لقارة إفريقيا‪ ،‬أي ما يعادل نصف سطح الكرة األرضية تقريبا‪،‬‬

‫ويقع في نطاق المسئولية الجغرافية لتلك القيادة ‪ 46‬دولة‪ ،‬منها الصين واليابان‬

‫والكوريتان وروسيا وأستراليا ومعظم دول شمال شرق وجنوب آسيا‪ ،‬باإلضافة إلى كافة‬

‫الجزر البحرية في هذا النطاق الهائل‪ ،‬وهي مدعومة باألسطول السابع‪.‬‬

‫القيادة الوسطى‪ ،‬وتقع حدود مسئوليتها في المسطح الجغرافي الممتد بين كل من‬ ‫‪-‬‬

‫القيادتين السابقتين‪ ،‬بحيث يمكنها تحقيق االتصال الجغرافي بينهما‪ ،‬وتمتد حدودها‬

‫الجغرافية من شرق إفريقيا حتى الحدود الغربية للصين‪ .‬ويقع مقرها في قاعدة "ماكديل"‬

‫للقوات الجوية األمريكية بوالية فلوريدا‪ .‬وهذه القيادة مسئولة عن المصالح األمنية‬

‫األمريكية في ‪ 27‬دولة تمتد من القرن اإلفريقي حتى أواسط آسيا‪ ،‬مرورا بمنطقة الخليج‬

‫العربي‪ ،‬وعن كافة النشاطات والخطط والعمليات العسكرية التي تقوم بها الواليات‬

‫المتحدة في هذه الدول‪ .‬وقد تبلورت فكرة إنشاء هذه القيادة في عهد الرئيس (ريجان)‬

‫بإنشاء قوات االنتشار السريع لتأمين منابع البترول في الخليج‪ ،‬لتتطور بعد ذلك إلى‬

‫قيادة موحدة‪ ،‬ولقد بدا دورها واضحا خالل حرب الخليج الثانية سنة ‪.1021991‬‬

‫في ‪ 7‬فبراير ‪ ،2007‬أعلن الرئيس األمريكي السابق جورج بوش االبن قراره بإنشاء قيادة‬

‫عسكرية موحدة جديدة للقارة اإلفريقية (أفريكوم)‪ ،‬وحدد في إعالنه المالمح العامة ألهداف‬

‫االستراتيجية المراد تنفيذها بواسطة تلك القيادة‪ ،‬وأكد أنها تستهدف تقوية روابط التعاون واألمن مع‬

‫الدول اإلفريقية‪ ،‬لتوفير فرص جديدة للشراكة مع تلك الدول لتحقيق السالم واألمن لشعوب إفريقيا‪ ،‬دعم‬

‫ونشر الديمقراطية في إفريقيا‪ ،‬وتنميتها اقتصاديا واحترام حقوق اإلنسان‪ ،‬باإلضافة إلى تقوية قدرة‬
‫‪103‬‬
‫الحكومات اإلفريقية في الحرب على اإلرهاب‪.‬‬

‫‪ - 102‬محمود خلف‪ ،‬االستراتيجية األمريكية لـ "قيادة إفريقيا" العسكرية"‪ ،‬السياسية الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،168‬أبريل ‪ ،2007‬ص ‪.191-190‬‬
‫‪ - 103‬مضوي الترابي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.598‬‬

‫‪63‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وبذلك تكون الواليات المتحدة قد أحدثت سادس قيادة عسكرية في العالم‪ ،‬يأتي تكوينها‬

‫استجابة لضرورة استراتيجية‪ ،‬تروم واشنطن عبرها الدفاع عن مصالحها في إفريقيا بقوات عسكرية‬

‫تندرج مهامها في محاربة اإلرهاب‪ ،‬فضال عن تأمين موارد البترول ومناجم اليورانيوم‪ .‬والواقع أن‬

‫تأسيس "أفريكوم" يحمل معه دالالت كبيرة‪ ،‬بحيث تنفرد هذه القيادة العسكرية الجديدة دون غيرها‪،‬‬

‫بالجمع بين عدة فاعلين في المؤسسات األمريكية (وزارة الدفاع‪ ،‬وزارة الخارجية‪ ،‬وكالة التنمية‬

‫األمريكية)‪ ،‬بحيث تفرض تنسيقا أفقيا وعموديا بين مختلف الفاعلين في دوائر القرار األمريكي‪ ،104‬مما‬

‫يؤكد األهمية التي أصبحت تحتلها هذه القارة في استراتيجية صانع القرار األمريكي‪.‬‬

‫من الطبيعي أن تكون المسوغات التي تسوقها الواليات المتحدة لفكرة إنشاء القيادة متسمة‬

‫بالمثالية‪ ،‬على أساس أن ليست هناك دولة إفريقية واحدة تمثل تهديدا مباشرا للواليات المتحدة‬

‫األمريكية‪ ،‬ولكن المهتمين بالشأن اإلفريقي يدركون أن هناك أكثر من سبب يقود الواليات المتحدة‬

‫األمريكية إلى االهتمام بهذه القارة؛ وهي التي ظلت لفترة طويلة تعاني التهميش واإلقصاء من االهتمام‬

‫الدولي‪ ،‬بحيث استفحلت فيها الكثير من األزمات والمشكالت‪ ،‬حتى أضحت وكأنها من صميم الدولة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬فما الذي تغير وأوجب تشكيل هذه القيادة الجديدة؟‬

‫مع بداية القرن الحالي‪ ،‬أصبحت القارة اإلفريقية تضم عددا من الدول المنتجة للموارد‬

‫الطاقية‪ ،‬أولها نيجيريا في غرب القارة‪ ،‬تليها إلى الشرق تشاد‪ ،‬ثم ليبيا والجزائر وموريتانيا في‬

‫الشمال‪ ،‬وفي الجنوب كل من غينيا االستوائية والغابون والكونغو وأنغوال‪ ،‬التي أضحت في أغلبها‬

‫مناطق إمداد رئيسة للواليات المتحدة بالنفط‪ ،‬ال سيما إذا وضع في االعتبار عامل القرب الجغرافي‬

‫لساحلها مع منطقة غرب إفريقيا‪ ،‬باإلضافة إلى كون العديد من االقتصادات اإلفريقية أصبحت تعتبر‬

‫األسرع نموا خالل العقد الماضي‪.‬‬

‫‪ - 104‬حسن مصدق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.160-158‬‬

‫‪64‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إن السيطرة على الموارد الطبيعية عامة‪ ،‬والنفط خاصة‪ ،‬هي أحد األسباب الرئيسة وراء‬

‫التورط العسكري األمريكي في أي مكان من العالم‪ ،‬فباإلضافة إلى الحرب على العراق عام ‪،2003‬‬

‫جادل البعض في أن الغرض من حرب أفغانستان كان كذلك بهدف التحكم في الموارد الطبيعية‪ .‬ذلك‬

‫أن أفغانستان تمارس دورا مركزيا في الحصول على نفط آسيا الوسطى وبحر قزوين‪ ،‬وعلى ذكر هذا‬

‫األخير؛ فإن البعض اآلخر يرى أن تدخل حلف "الناتو" في كوسوفو عام ‪ 1999‬كان أيضا بغرض‬

‫تأمين نفط بحر قزوين‪.‬‬

‫ولقد أكد (جيريمي كينان) ‪ Jeremy Keenan‬أن الحالة نفسها تنطبق على الهدف من‬

‫الوجود العسكري األمريكي في غرب إفريقيا‪ ،‬أو بصفة عامة في إفريقيا‪ ،‬فقد لوحظت حماسة واضحة‬

‫لدى بعض الدوائر في واشنطن ناجمة عن رغبة إدارة بوش االبن في تقليل االعتماد على نفط الشرق‬

‫األوسط‪ ،‬من خالل ما طرحته مجموعة مبادرة سياسة النفط اإلفريقي ‪African Oil Policy Initiative‬‬

‫)‪ Group (AOPIG‬بدعم من معهد الدراسات االستراتيجية والسياسية المتقدمة ‪Institute for‬‬

‫‪ .105Advanced‬غير أن الواليات المتحدة ال‬ ‫)‪Strategic and Political Studies (IASPS‬‬

‫يمكنها تسويغ مقاربتها العسكرية على أساس المخاوف الناجمة عن األمن الطاقي أو التنافس مع‬

‫الصين؛ ولذلك كان ال بد من تهديد موجود تستخدمه اإلدارة األمريكية ذريعة لوجودها العسكري في‬

‫القارة‪ ،‬لذا نجدها تتدرع بمحاربة اإلرهاب بهذه المنطقة‪.‬‬

‫كما يمكن تفسير تزايد االهتمام األمريكي بالقارة اإلفريقية برغبتها في السيطرة على خطوط‬

‫المالحة البحرية العالمية‪ ،‬وعلى المضايق والممرات التي تطل عليها القارة‪ ،‬وعدم تركها ألي قوة‬

‫منافسة في ظل تزايد توجه هذه القوى لدعم عالقتها االقتصادية معها‪.‬‬

‫ولقد شكل تحجيم الدور الصيني في إفريقيا‪ ،‬إحدى زوايا الرؤية األمريكية حيال استراتيجيتها‬

‫في إفريقيا؛ ففي السادس من ديسمبر ‪ 2005‬أصدر مجلس العالقات الخارجية تقريرا حذر فيه الواليات‬
‫‪105‬‬
‫‪- Toby ARCHER and Tihomir POPOVIC, the trans- saharan counter- terrorism Initiative, the Finnish‬‬
‫‪Institute of International Affairs, Report 16 2007, p 47- 48.‬‬

‫‪65‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المتحدة من مواجهة ضارية من جانب الصين‪ ،‬تتعلق بإمدادات النفط من إفريقيا‪ ،‬داعيا واشنطن إلى‬

‫انتهاج أسلوب استراتيجي تجاه القارة‪ ،‬باستثمار المزيد من الموارد هناك‪ ،‬فالمجلس أكد أن أهمية‬

‫إفريقيا االستراتيجية تتزايد بسبب إمدادات الطاقة‪ ،‬وأنه يتعين على الواليات المتحدة تجاوز أسلوب‬
‫‪106‬‬
‫التعامل مع القارة من منظور إنساني‪ ،‬واعتبارها شريكا‪.‬‬

‫وفي كتابهما "الصراع القادم مع الصين"‪ ،‬يصف كل من ر‪ .‬برنشتاين ور‪ .‬مانرو‬

‫المتخصصين في الشئون الصينية‪ ،‬النهضة الصينية باعتبارها "التحدي األصعب"؛ ألن الصين خالفا‬

‫لالتحاد السوفياتي‪ -‬ليست دولة عسكرية جبارة تقوم على اقتصاد ضعيف‪ ،‬وإ نما هي اقتصاد قوي يبني‬

‫قوة عسكرية مؤثرة‪ ،‬ويرجع الفضل في ذلك إلى النمو الثابت للتأثير الصيني على كافة أنحاء آسيا‬

‫وعلى العالم ككل‪ . 107‬ولذا فإنشاء القيادة العسكرية األمريكية الخاصة بالقارة اإلفريقية جاء في سياق‬

‫مواجهة تصاعد الوجود الصيني بهذه القارة‪ ،‬فلقد أصبحت الصين من أهم الدول الشريكة للقارة‬

‫اإلفريقية خالل العقد الماضي‪ ،‬حتى أصبحت الشريك التجاري األول لها خالل سنة ‪ ،2013‬كما أنها‬

‫نفذت مجموعة من االستثمارات في العديد من المجاالت يأتي في طليعتها مجال البحث عن المواد‬

‫الطاقية‪ ،‬فالصين أصبحت المستهلك الثاني للطاقة بعد الواليات المتحدة‪.‬‬

‫وعلى النحو انفسه يقيم لي كون يو رئيس وزراء سنغافورة سابقا النهضة الصينية بقوله‪:‬‬

‫"إن حجم التغير الذي أحدثته الصين في ميزان القوى في العالم وصل إلى حد أن هذا العالم بحاجة إلى‬

‫من ‪ 30‬إلى ‪ 40‬عاما ليستعيد التوازن الذي فقده‪ .‬سوف يظهر على الساحة العالمية ليس مجرد العب‬

‫آخر‪ ،‬وإ نما سيظهر عليها أعظم العب في تاريخ البشرية"‪.108‬‬

‫‪ - 106‬خيري عبد الرزاق جاسم‪" ،‬قيادة عسكرية أمريكية جديدة ألفريقيا فرصة أمريكية ومحنة أفريقية" المجلة العربية للعلوم السياســية‪ ،‬العـدد ‪،21‬‬
‫شتاء ‪ ،2009‬ص ‪.102‬‬
‫‪ - 107‬أناتولي أوتكين‪ ،‬االستراتيجية األمريكية للقرن الحادي والعشرين‪ ،‬ترجمة انور محمد‪ -‬ومحمد نصــر الــدين الجبــالي‪ ،‬المجلس األعلى للثقافــة‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،2003 ،‬ص ‪.173‬‬
‫‪ - 108‬أناتولي أوتكين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.174‬‬

‫‪66‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ثانيا‪ :‬الوسائل االقتصادية‬

‫على غرار المبادالت التجارية بين الواليات المتحدة والدول اإلفريقية‪ ،‬فإن االستثمارات‬

‫األمريكية في هذه المنطقة ال تشكل أهمية كبيرة مقارنة مع استثماراتها بالخارج‪ ،‬حيث إن مجموع‬

‫االستثمارات األمريكية في إفريقيا قد بلغت سنة ‪ 36,6 2008‬مليار دوالر‪ ،‬وهو ما يشكل حوالي ‪%1‬‬

‫من مجموع االستثمارات األمريكية بالخارج‪ ،‬التي بلغت في السنة نفسها ‪ 3162‬مليار دوالر‪ ،‬ولقد‬

‫زادت التدفقات المالية األمريكية إلى إفريقيا ‪ -‬بما في ذلك شمال إفريقيا‪ -‬إذ انتقلت من ‪ 20,4‬مليار‬

‫دوالر سنة ‪ ،2004‬إلى ‪ 22,8‬مليار دوالر في عام ‪ ،2005‬لتصل سنة ‪ 2006‬إلى ‪ 28,2‬مليار‬

‫دوالر‪.109‬‬

‫وبعد توقيع الواليات المتحدة سنة ‪ 2007‬معاهدة حماية االستثمارات مع كل من الكاميرون‬

‫وجمهورية الكونغو (برازفيل) وجمهورية الكونغو الديمقراطية (كينشاسا) والموزمبيق والسنغال‪،‬‬

‫ارتفعت االستثمارات األمريكية من ‪ 32,6‬مليار دوالر إلى ‪ 36,6‬مليار دوالر سنة ‪ .2008‬وخالل‬

‫هذه السنة كانت نسبة ‪ %77‬من االستثمارات األمريكية في إفريقيا موجهة نحو البحث عن الثروات‬

‫الطبيعية (قطاع التعدين واستخراج النفط)‪ ،‬مقارنة بنسبة ‪ %18‬موجهة للشركات القابضة‪ ،‬و‪%10‬‬

‫للصناعة التحويلية‪ ،‬و‪ %3‬لتجارة الجملة‪.‬‬

‫وتتركز هذه االستثمارات في خمس دول إفريقية‪ ،‬تتميز بتوفرها على ثروات طبيعية كبيرة‪،‬‬

‫وهي‪ :‬جنوب إفريقيا بنسبة ‪ %13,4‬من إجمالي االستثمارات األمريكية في إفريقيا البالغة ‪ 36,6‬مليار‬

‫دوالر‪ ،‬تليها نيجيريا ‪ ،%9,26‬ثم غينيا االستوائية بنسبة ‪ ،%8,1‬ومورسيوس ‪ %6,6‬وأنغوال ‪%‬‬

‫‪ . 1105,8‬وهو ما يفسر كون جل اهتمام الواليات المتحدة األمريكية بإفريقيا ما هو إال من أجل الحصول‬

‫على ثرواتها الطبيعية‪ ،‬خصوصا المعدنية والطاقية منها‪ ،‬وذلك تنفيذا لمرتكزات وثيقتي استراتيجية‬

‫‪109‬‬
‫‪- Vivian C. JONES, U.S. Trade and Investment Relationship with Sub-Saharan Africa: The African‬‬
‫‪Growth and Opportunity Act , Congressional Research Service, July 24, 2009, p10.‬‬
‫‪110‬‬
‫‪- Ibid, p 10-11.‬‬

‫‪67‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األمن القومي الصادرتين خالل عامي ‪ 2002‬و‪ ،2006‬التي اعتبرت النفط اإلفريقي يدخل ضمن‬

‫مصالحها القومية‪ ،‬من أجل تحقيق الهيمنة األمريكية بالسيطرة على منابع النفط في العالم‪.‬‬

‫لقد عرفت االستثمارات الخارجية األمريكية بإفريقيا ارتفاعا بأكثر من ‪ 16‬مليار دوالر‬

‫ابتداء من سنة ‪ ،2009‬لكن التدفق السنوي لالستثمارات األمريكية نحو القارة اإلفريقية تباطأ‪ ،‬حيث‬

‫قدر سنة ‪ 2009‬بـ ‪ 10,4‬مليار دوالر‪ ،‬ليتراجع إلى ‪ 3,7‬مليار دوالر سنة ‪ ،2012‬وستعرف أول مرة‬

‫خالل العقد الماضي االستثمارات األمريكية تراجعا طفيفا سنة ‪ ،2013‬كما يوضحه الجدول أسفله‪.‬‬

‫‪ :1‬تطور االستثمارات األمريكية بإفريقيا خالل المرحلة ما بين ‪( 2013-2009‬بالمليون دوالر)‬ ‫الجدول رقم‬

‫‪2013‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪2009‬‬

‫‪60427‬‬ ‫‪61381‬‬ ‫‪57230‬‬ ‫‪54816‬‬ ‫‪43941‬‬ ‫حجم االستثمارات‬

‫‪-‬‬ ‫‪3706‬‬ ‫‪5380‬‬ ‫‪7442‬‬ ‫‪10417‬‬ ‫حجم تغير االستثمارات‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪- International Trade Administration, U.S.–Sub-Saharan Africa Trade and‬‬
‫‪Investment, August 2014, p16.‬‬

‫وقد أصبحت أربع دول إفريقية الوجهة الرئيسة لالستثمارات األمريكية خالل سنة ‪ ،2012‬إذ‬

‫استحوذت نيجيريا على ‪ 8,2‬مليار دوالر من حجم هذه االستثمارات‪ ،‬في حين جاءت موريشيوس في‬

‫المرتبة الثانية‪ ،‬إذ وصلت قيمة االستثمارات األمريكية فيها خالل السنة نفسها إلى ‪ 7‬مليارات دوالر‪،‬‬

‫ولقد تراجعت جنوب إفريقيا إلى المرتبة الثالثة كوجهة لالستثمارات األمريكية خالل هذه السنة‪ ،‬حيث‬

‫حصلت على ‪ 5,5‬مليار دوالر من مجموع االستثمارات األمريكية‪ ،‬بعدما كانت خالل سنة ‪2008‬‬

‫الوجهة األولى لالستثمارات األمريكية بإفريقيا‪ ،‬كما جاءت غانا وجهة رابعة لهذه االستثمارات‬

‫‪68‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بحصولها على ‪ 3,6‬مليار دوالر من مجموع االستثمارات األمريكية بهذه المنطقة خالل سنة‬

‫‪.1112012‬‬

‫ولقد بقيت بنية االستثمارات األمريكية على حالها منذ بداية العقد األول من القرن الحالي‪ ،‬إذ‬

‫أن أكثر من نصف االستثمارات األمريكية هو موجه الستخراج الموارد الطبيعية (المعدنية والطاقية)‪،‬‬

‫في حين أن النصف الباقي موزع بين‪ :‬الصناعات التحويلية وشركات التأمين والخدمات المعلوماتية‪،‬‬

‫كما هو مبين في المبيان أسفله‪:‬‬

‫أهم المجاالت التي توجهت لها استثمارات الواليات المتحدة األمريكية بإفريقيا سنة ‪( 2011‬بالمليون دوالر)‬ ‫المبيان رقم ‪:6‬‬

‫المصدر‬

‫‪- Vivian C. JONES and Brock R. WILLIAMS, U.S. Trade and Investment Relations‬‬
‫‪with sub-Saharan Africa and the African Growth and Opportunity Act, Congressional‬‬
‫‪Research Service, November 14, 2012, p 14.‬‬
‫وتعتبر الواليات المتحدة األمريكية المستثمر الثاني بإفريقيا بعد فرنسا صاحبة المرتبة األولى‪،‬‬

‫وهذا ما يمكن إرجاعه إلى كون هذه األخيرة احتفظت بعالقات اقتصادية قوية مع الدول التي‬

‫استعمرتها سابقا‪ ،‬من خالل روابط التبعية االقتصادية التي أبقت عليها منذ استقالل أغلب الدول‬

‫اإلفريقية خالل عقد ستينيات القرن الماضي‪ ،‬ثم تليها بريطانيا في الرتبة الثالثة (القوة التي تعتبر من‬

‫القوى االستعمارية السابقة للقارة اإلفريقية)‪ .‬كما نالحظ تزايد االستثمارات اآلسيوية الموجهة نحو‬
‫‪111‬‬
‫‪- International Trade Administration, U.S.–Sub-Saharan Africa Trade and Investment, Op, cit, p 15-16.‬‬

‫‪69‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫القارة اإلفريقية من كل من‪ :‬ماليزيا والصين واليابان والهند في السنوات األخيرة‪ ،‬وذلك راجع إلى‬

‫التطور االقتصادي الذي عرفته هذه القوى مع بداية القرن الحالي‪ ،‬وتزايد حاجاتها للموارد الطبيعية‬

‫والرغبة في تصدير منتجاتها نحو األسواق اإلفريقية الواعدة‪.‬‬

‫المبيان رقم ‪ :7‬أهم عشرين دولة المستثمرة بالقارة اإلفريقية خالل سنة ‪( 2011‬بالمليون دوالر)‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪- United Nations Conference on Trade and Development, The rise of BRICS‬‬
‫‪FDI in Africa, special edition, March 2013, p 7.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دوائر حركة االستراتيجية األمريكية في إفريقيا‬

‫تعمل الواليات المتحدة في إطار تحركها في القارة اإلفريقية‪ ،‬على إعطاء األولوية لمجموعة‬

‫من المناطق نظرا المتالكها ثروات طبيعة استراتيجية‪ ،‬أو لموقعها االستراتيجي الذي يعطيها ميزة‬

‫‪70‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التحكم في المضايق المائية‪ ،‬التي تعرف مرور أكبر قدر من التجارة العالمية‪ ،‬وسنقتصر على مناقشة‬

‫ثالث مناطق أصبحت تعرف حضورا كبيرا للواليات المتحدة األمريكية بهذه القارة‪ ،‬وهي‪ :‬منطقة‬

‫غرب إفريقيا‪ ،‬والقرن اإلفريقي‪ ،‬ومنطقة المغرب العربي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬منطقة الغرب اإلفريقي‬

‫على الرغم مما تتسم به استراتيجية الواليات المتحدة من أنها استراتيجية كونية‪ ،‬وغير‬

‫مقتصرة على قارة أو إقليم أو منطقة‪ ،‬بل تشمل جل مناطق العالم‪ ،‬فإن هناك بعض المناطق التي‬

‫تعتبرها حيوية أكثر من غيرها‪ ،‬لما تتمتع به من موقع استراتيجي‪ ،‬أو ثروات حالية أو محتملة‪ ،‬ولعل‬

‫هذا ما يجعل إقليم غرب إفريقيا يحتل موقعا متميزا في االستراتيجية األمريكية‪ ،‬فهذا اإلقليم يمتد‬

‫جغرافيا من موريتانيا غربا حتى النيجر شرقا‪ ،‬ومن موريتانيا شماال حتى ليبريا جنوبا‪ ،‬ومن ليبريا‬

‫غربا حتى نيجيريا؛ ودوله هي‪ :‬مالي ونيجيريا وغانا والنيجر وبوركينافاسو وساحل العاج وغينيا‬
‫‪112‬‬
‫وغامبيا وبنين وتوغو‪ ،‬وليبريا وسيراليون والسنغال‪.‬‬

‫فمع بداية القرن الواحد والعشرين‪ ،‬وبعد وقوع أحداث ‪ 11‬شتنبر ‪ ،2001‬بدأت الواليات‬

‫المتحدة األمريكية في رسم معالم استراتيجيتها الجديدة على المستوى الدولي‪ ،‬لتحتل القارة اإلفريقية‪-‬‬

‫بصفة عامة‪ -‬ومنطقتها الغربية بصفة خاصة أهمية كبيرة في هذه االستراتيجية الجديدة؛ فبالعودة إلى‬

‫وثيقتي األمن القومي األمريكي الصادرتين عامي ‪ 2002‬و ‪ ،2006‬تتضح األهمية التي أصبحت‬

‫توليها الواليات المتحدة األمريكية لهذه المنطقة‪ ،‬حيث جاء في الوثيقة الثانية أن هذه القارة أصبحت‬

‫تكتسي أهمية كبيرة‪ ،‬وأنها ستشكل أولوية في جدول أعمال اإلدارة األمريكية‪.113‬‬

‫‪ - 112‬مضوي الترابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.586-587‬‬


‫‪- The white house Washington, The National Security Strategy of the United States of America, march‬‬
‫‪113‬‬

‫‪2006, op,37-38.‬‬

‫‪71‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومغزى هذا الكالم‪ ،‬يتضح أكثر إذا علمنا أن دول غرب إفريقيا تغطي النسبة الكبيرة من‬

‫ورادات الواليات المتحدة األمريكية من النفط الخام من إفريقيا التي تصل نسبتها إلى ‪ %15‬من‬

‫مجموع وارداتها من هذه المادة‪ .‬إن صناع النفط في أمريكا حينما يضعون أعينهم على نفط غرب‬

‫القارة السمراء يتوقعون‪ ،‬كما يتوقع مجلس المعلومات القومي األمريكي‪ ،‬أن ترتفع هذه النسبة إلى‬

‫‪ %25‬بحلول عام ‪ ،2015‬ويتوقع الخبراء أنه بحلول عام ‪ ،2020‬من الممكن أن تحصل الواليات‬

‫المتحدة على ربع نفطها من هذه المنطقة‪ ،‬في مقابل ‪ %30‬من ورادات أمريكا النفطية التي تأتي من‬

‫كندا والمكسيك و ‪ %26‬من الخليج العربي‪.114‬‬

‫ولتحقيق هذا الهدف تحركت اإلدارة األمريكية نحو هذه المنطقة سواء على المستويين‬

‫السياسي والعسكري‪ ،‬فعلى المستوى السياسي أدت الواليات المتحدة دورا مهما في احتواء‬

‫االضطرابات الطائفية التي نشأت في الشمال النيجيري عام ‪2002-2001‬؛ كما ضاعفت اإلدارة‬

‫األمريكية مساعداتها االقتصادية والفنية والعسكرية لنيجيريا من ‪ 10‬مليون إلى ‪ 40‬مليون دوالر‪.115‬‬

‫ولقد عملت اإلدارة األمريكية على إدراج العديد من دول هذه المنطقة ضمن البرامج العسكرية‬

‫المتعددة األطراف التي نفذتها في القارة اإلفريقية‪ ،‬قبل إنشاء القيادة العسكرية الخاصة بإفريقيا سنة‬

‫‪ ، 2007‬وموازاة مع ذلك فقد توجهت الواليات المتحدة للحفاظ على مصالحها النفطية في هذه المنقطة‬

‫من خالل التنسيق األمني مع الحلفاء األوروبيين‪ ،‬فتدخل فرنسا في مالي ووسط إفريقيا جاء بمباركة‬

‫أمريكية من خالل الدعم اللوجيستي لهذا التدخل‪.‬‬

‫وتتعدد أسباب االهتمام األمريكي بالنفط في غرب إفريقيا‪ ،‬وإ ن كان أهمها‪ :‬كون هذه المنطقة‬

‫عرفت زيادة كبيرة من الكميات المكتشفة‪ ،‬ذلك أن سبعة مليارات برميل من مجموع ثمانية مليارات‬

‫برميل نفط اكتشفت في عام ‪ 2001‬تقع في غرب إفريقيا؛ تم اكتشافها بواسطة التنقيب في أعماق‬

‫‪ - 114‬مضوي الترابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.590‬‬


‫‪ - 115‬نجالء مرعي‪" ،‬الثروة النفطية‪..‬والتنافس الدولي "االستعماري الجديد في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.422‬‬

‫‪72‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫البحار‪ ،‬وبصفة عامة زاد إنتاج النفط اإلفريقي خالل األعوام العشرة األخيرة بنسبة ‪ %36‬في مقابل‬

‫‪ %16‬لباقي القارات‪.116‬‬

‫وحسب توقعات شركة "برتيش بتروليوم" (‪ )BRITISH PETROLIEUM‬سنة ‪ ،2013‬فهذه‬

‫المنطقة تتوفر على احتياطات تقدر بـ ‪ 40‬مليار برميل نفط‪ ،‬أي ما يعادل ‪ %30‬من احتياطات القارة‬

‫اإلفريقية التي تقدر هي األخرى بـ ‪ 130‬مليار برميل‪ ،‬و‪ %2,5‬من االحتياطات العالمية التي تقدر بـ‬

‫‪ 1669‬مليار برميل‪.117‬‬

‫في ظل هذه المعطيات توجهت الشركات األمريكية نحو النفط بغرب إفريقيا‪ ،‬فهذه‬

‫المنطقة شكلت ‪ %60‬من مداخيل شركة "إكسون موبيل" األمريكية سنة ‪ ،2005‬كما مثلت ‪ %35‬من‬

‫أنشطة شركة شفرون األمريكية سنة ‪.2012‬‬

‫باإلضافة إلى وفرة اإلنتاج النفطي بهذه المنطقة‪ ،‬هناك أسباب أخرى جعلت الواليات المتحدة‬

‫تزيد من اهتمامها بهذه المنطقة‪ ،‬منها الحصول على النفط بأسعار منخفضة نظرا لقرب المسافة بين‬

‫مناطق النفط في غرب إفريقيا والساحل الشرقي للواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬باإلضافة إلى رغبتها في‬

‫إحكام السيطرة على مخزونات النفط العالمية إلى جانب سيطرتها العسكرية‪.‬‬

‫إن الواليات المتحدة األمريكية بتوجهها نحو غرب إفريقيا‪ ،‬فهي تهدف إلى محاصرة النفود‬

‫األوروبي خصوصا الفرنسي؛ إذ يشكل النفط اإلفريقي محور الخطة األمريكية للسيطرة ومنافسة النفوذ‬

‫السياسي واالقتصادي األوروبي في القارة؛ من خالل زيادة الصادرات واالستثمارات الموجهة إليها‪،‬‬

‫فمنطقة غرب إفريقيا تعرف حضور العديد من الشركات األوروبية ‪ ،‬فقد وصلت نسبة ما استوردته‬

‫أوروبا مثال من النفط النيجيري خالل سنة ‪ 2012‬ما يفوق نسبة ‪ %40‬من إنتاجها‪ ،‬بحيث ارتفعت‬

‫ورادات أوروبا من ‪ 626‬ألف برميل يوميا خالل سنة ‪ 2011‬إلى ‪ 889‬ألف برميل يوميا خالل سنة‬

‫‪ - 116‬مضوي الترابي‪ ،‬مرجع سابق‪.591 ،‬‬


‫‪117‬‬
‫‪- Claire KUPPER & Margaux VAGHI, «CARTOGRAPHIE DU PÉTROLE EN AFRIQUE DE L’OUEST »,‬‬
‫‪NOTE D’ ANALYSE du GRIP, 14 janvier 2014, p 7.‬‬

‫‪73‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ .2012‬في حين وصلت واردات الواليات المتحدة نسبة ‪ %18‬من الصادرات النيجيرية في هذا‬

‫المجال خالل سنة ‪ ،2012‬وهو ما يعني أن الواليات المتحدة استوردت ‪ 406‬ألف برميل يوميا من‬

‫نيجيريا خالل هذه السنة‪ .118‬علما أن االتحاد األوروبي يعمل على تنفيذ مشروع لتزويده بالغاز من‬

‫شمال نيجيريا عبر صحراء النيجر والجزائر‪ ،119‬مما سيزيد من أهمية هذه المنطقة استراتيجيا‪ ،‬كما‬

‫تهدف الواليات المتحدة إلى تحجيم الدور الصيني والهندي هناك‪ ،‬فهذه المنطقة أصبحت تعرف حضورا‬

‫اقتصاديا كبيرا لهذه القوى‪ ،‬خصوصا الصين‪ ،‬التي عملت على استثمار مبالغ طائلة في كافة مجاالت‬

‫استكشاف واستخراج النفط في إفريقيا بصفة عامة‪ ،‬وبهذه المنطقة بصفة خاصة‪ ،120‬هو ما منح دولها‬

‫امتيازا في شروط التفاوض لمنح عقود التنقيب‪ ،‬إذ لم تعد رهينة بالشركات النفطية الغربية على رغم‬
‫‪121‬‬
‫من تفوقها التقني في هذا القطاع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬منطقة القرن اإلفريقي‬

‫تمثل هذه المنطقة بعدا استراتيجيا مهما؛ لما تمتلكه من موقع متميز يسيطر على ممرات مائية‬

‫حيوية‪ ،‬باإلضافة إلى أنه يعتبر المدخل الطبيعي إلفريقيا من جهة الشرق‪ ،‬كما أن ارتباط المنطقة‬

‫بالبحر األحمر زاد من أهميتها‪ ،‬حيث يتمتع هذا البحر بخصائص جيوبولتيكية تجعل منه الذراع الثاني‬

‫الذي يربط المحيط الهندي بالبحر المتوسط‪ ،‬باإلضافة إلى أنه الممر الرئيس للنفط الوارد من منطقة‬

‫الخليج إلى أوروبا والواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫كذلك وجود باب المندب في جنوب البحر األحمر‪ ،‬الذي يستمد أهميته من وظيفته كنقطة‬

‫اختناق‪ ،‬تضبط الحركة وتتحكم في مسارها عبر طريق البحر األحمر‪ ،‬باعتباره أقصر وأسرع طريق‬

‫بحري يربط بين الشرق والغرب‪ ،‬كما تتحكم منطقة القرن اإلفريقي ومدخل البحر األحمر في الطرق‬

‫‪118‬‬
‫‪- U.S. Energy Information Administration, countries Nigeria, last updated, op, cit , p14.‬‬
‫‪ - 119‬كريم مصلوح‪ ،‬التعاون والتنافس في المتوسط‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعــة األولى‪1434 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2013‬م‪ ،‬ص‪.214‬‬
‫‪ - 120‬أحمد إبراهيم محمود‪ " ،‬أبعاد تشكيل قيادة عسكرية أمريكية إلفريقيا"‪ ،‬ملف األهرام االستراتيجي‪ ،‬العدد ‪ ،164‬مارس ‪ ،2005‬ص ‪.26-25‬‬
‫‪121‬‬
‫‪- Claire KUPPER & Margaux VAGHI, op, p 14.‬‬

‫‪74‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الدولية للتجارة العالمية إلى المحيط الهندي‪ ،‬عبر قناة السويس‪ ،‬ومضيق جبل طارق‪ ،‬وكذا مضيق‬

‫موزمبيق ورأس الرجاء الصالح ثم المحيط األطلنتي‪.122‬‬

‫لذلك تمثل هذه المنطقة بامتداداتها الجيواستراتيجية‪ ،‬أهمية بالغة في التفكير االستراتيجي‬

‫للقوى العالمية الكبرى‪ ،‬سواء في مرحلة الحرب الباردة أو ما بعدها‪ ،‬ويأتي التوجه األمريكي المباشر‬

‫في المنطقة بعد نهاية الحرب الباردة‪ ،‬ليؤكد على المسلك التاريخي نفسه للقوى االستعمارية الغربية‬

‫ومحاوالتها الدؤوبة إلعادة صوغ المنطقة بما يحقق أهدافها ومطامعها‪.123‬‬

‫لقد بات واضحا أن منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬أصبحت تشكل أحد مكونات االستراتيجية الكونية‬

‫للواليات المتحدة‪ ،‬ففي عام ‪ 1989‬عندما سيطرت حكومة اإلنقاذ بدعم من الحركة اإلسالمية على نظام‬

‫الحكم في السودان‪ ،‬نظرت إليها اإلدارة األمريكية على أنها تمثل تهديدا إسالميا خطيرا على مصالحها‬

‫االستراتيجية في المنطقة‪ ،‬وهو األمر الذي انتهى بوضع السودان على قائمة الدول الراعية لإلرهاب‬

‫على المستوى الدولي‪ ،‬وحينما انهارت الدولة الصومالية عام ‪ 1991‬مخلفة وراءها قوى ومليشيات‬

‫متصارعة أخلت بالتوازن اإلقليمي في شرق إفريقيا‪ ،‬جاء الخيار األمريكي هذه المرة عسكريا فيما‬

‫سمي بإعادة األمل للصومال عام ‪ ،1992‬بيد أن هذا التدخل األمريكي في الصومال لم يلق نجاحا‪ ،‬إذ‬

‫قتل ‪ 18‬من قوات المارينز والتمثيل بجثة أحدهم في شوارع مقديشيو‪ ،‬وهو ما أدى إلى الخروج‬

‫المهين للقوات األمريكية من الصومال عام ‪ .1241994‬ولإلشارة فقد القى ما بين سبعة آالف وعشرة‬

‫آالف صومالي حتفهم خالل هذه العملية‪.125‬‬

‫غير أن ما يمكن تأكيده هنا‪ ،‬هو كون كل دول القرن اإلفريقي‪ ،‬ابتليت بالعنف المنظم منذ‬

‫عقود‪ ،‬فخالل العقد األول من القرن الواحد والعشرين ‪ ،2010-2001‬عرفت منطقة القرن اإلفريقي‬

‫‪ - 122‬السيد عوض عمان‪ ،‬التدخل األمريكي والفرنسي في شمال ووسط افريقيا مع إشارة خاصة لحالة كل من ليبيا وتشاد‪ ،‬الدراسات االستراتيجية‪،‬‬
‫معهد االنماء العربي‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪ ،1989‬ص ‪.34-33‬‬
‫‪ - 123‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬القرن األفريقي الجديد أمريكيا"‪ ،‬ملف األهرام االستراتيجي‪ ،‬العدد ‪ ،147‬مارس ‪ ،2007‬ص ‪.31‬‬
‫‪ - 124‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ - 125‬نعوم تشومسكي‪ ،‬صناعة المستقبل االحتالل‪ ،‬التدخل‪ ،‬اإلمبراطورية والمقاومة‪ ،‬شركة المطبوعات للتوزيع والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ ،2014‬ص ‪.43‬‬

‫‪75‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫خمس صراعات ما بين الدول‪ ،‬وصل واحد منها مستوى الحرب‪ ،‬غير أن الصراعات داخل الدول‬

‫تبقى هي األكثر شيوعا بهذه المنطقة‪ ،‬فقد سجل ما مجموعه ‪ 77‬صراعا بين غير الدول في القرن‬

‫اإلفريقي‪ ،‬وهو ما يشكل ‪ %35‬من اإلجمالي العالمي‪ ،‬وكان العدد السنوي للصراعات بين غير الدول‬

‫ثابتا إلى حد ما في السنوات الست األولى من تلك الفترة‪ ،‬وتراوح بين ‪ 11‬و‪ 13‬صراعا‪ .‬غير أن‬

‫الرقم شهد تذبذبا كبيرا بعد ذلك‪ ،‬فهبط إلى ‪ 2‬في سنة ‪ ،2007‬ثم ارتفع إلى ‪ 14‬في سنة ‪،2008‬‬

‫ليتناقص بعد ذلك إلى ‪ 5‬في سنتي ‪ .2010-2009‬كما أظهرت دول المنطقة ميال متزايدا إلى التورط‬

‫عسكريا في البلدان المجاورة‪ ،‬على سبيل المثال أرسلت إثيوبيا وكينيا قوات دعم للحكومة االتحادية‬

‫االنتقالية الصومالية في صراعها مع حركة الشباب المجاهدين‪ ،‬التي حصلت بدورها على السالح‬

‫والتدريب من إرتيريا‪ ،‬بل وصل األمر إلى تدخل إثيوبيا في الصومال‪ .‬ويبقي من أهم األسباب لشيوع‬

‫هذه الصراعات بالمنطقة هو الصراع على الموارد الطبيعية‪ ،‬وال سيما الماء وأراضي الرعي‪،126‬‬

‫باإلضافة إلى تداخل العناصر واألصول اإلثنية والحضارية المختلفة‪ ،‬وما تعرضت له من تعديالت‬

‫نتيجة الحركة االستعمارية‪ ،‬كما أن التدخل األجنبي بهذه المنطقة حاليا‬ ‫‪127‬‬
‫كبيرة خالل القرن الماضي‬

‫رفع وتيرة هذه الصراعات‪.‬‬

‫فبعد أحداث ‪ 11‬شتنبر‪ ،2001‬وما أعقبها من إعالن الواليات المتحدة األمريكية ما أسمته‬

‫الحملة العالمية على اإلرهاب‪ ،‬قفزت منطقة القرن اإلفريقي إلى مكانة متقدمة في أولويات السياسة‬

‫األمريكية‪ ،‬بشأن المناطق الالزم السيطرة عليها كمواقع ومراكز حشد ومراقبة‪ ،‬سواء فيما يتعلق‬

‫بالحملة العسكرية التي قادتها على أفغانستان‪ ،‬أو لحصار المناطق المتصور وجود قواعد وأنصار‬

‫لتنظيم "القاعدة" بها‪ ،‬ولقد ركزت مجموعة من التحليالت الغربية على دول شرق إفريقيا‪ ،‬لذا استخدمت‬

‫الواليات المتحدة االتفاقيات الثنائية الموقعة سابقا مع كل من كينيا وإ ثيوبيا وأوغندا‪ ،‬بشأن التعاون‬

‫‪ - 126‬جوناس بومان‪ ،‬ماركوس نلسون‪ ،‬لوتا ثمنر‪ ،‬بيتر والنســتاين‪" ،‬العنــف المنظم في القــرن األفــريقي"‪ ،‬في كتــاب التســلح ونــزع الســالح واألمن‬
‫الدولي الكتاب السنوي ‪( ،2012‬ترجمة عمر سعيد األيوبي‪ ،‬أمين سعيد األيوبي)‪ ،‬معهد دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ســتوكهولم ألبحــاث الســالم‬
‫الدولي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬اكتوبر ‪ ،2012‬ص‪.103-98‬‬
‫‪ 127‬علي شعبان األسطى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬

‫‪76‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األمني والعسكري‪ ،‬كمدخل لتكثيف الوجود األمريكي في تلك البلدان‪ ،‬عالوة على اختيار جيبوتي لتكون‬

‫مركز دائرة تغطي جانب البحر األحمر اإلفريقي منه واألسيوي‪ ،‬وذلك بالتنسيق مع حلفائها من الدول‬

‫األوروبية (ألمانيا وإ سبانيا)‪ ،‬ولقد تم إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية بهذا البلد إلى جانب القاعدة الفرنسية‬

‫القائمة هناك منذ استقالل جيبوتي‪ ،‬ولم تبد فرنسا أي اعتراض على ذلك‪ ،‬باعتبارها شريكا في الحملة‬

‫األمريكية على اإلرهاب‪ .‬وقد بلغت القوات األمريكية مع مطلع عام ‪ 2003‬في جيبوتي نحو تسعة‬

‫آالف فرد‪ ،‬تم دعمها بنحو ألف فرد من مشاة البحرية األمريكية (المارينز)‪ ،‬في حين لم يزد عدد‬

‫القوات الفرنسية عن ألفي فرد‪ .‬وقد حددت الواليات المتحدة األمريكية هدف قواتها الموجودة في‬

‫المنطقة‪ ،‬بإجراء مسح منتظم للسواحل لضمان عدم تسلل أي من العناصر اإلرهابية إلى المنطقة‪،128‬‬

‫ومحاربة القرصنة على الشواطئ الصومالية‪.‬‬

‫وقد كثفت الواليات المتحدة تحركها نحو منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬باالعتماد على تضخيم‬

‫القضايا اإلنسانية في السودان والصومال ومحاربة اإلرهاب‪ ،‬مما مكنها من نشر قواتها العسكرية في‬

‫بعض دول المنطقة وفي المياه المحيطة بها‪ ،‬لتحقيق أهدافها التحكمية في التجارة الدولية عن طريق‬

‫المضايق المائية التي تطل عليها هذه المنطقة‪ ،‬وكذا السيطرة على ثرواتها الطبيعية‪ .‬أي أنه ‪-‬حسب‬

‫نعوم تشومسكي‪ -‬يشكل كل ذلك جزءا من حملة أوسع لضمان هيمنة الواليات المتحدة األمريكية على‬

‫موارد الطاقة األولى في العالم في منطقتي الخليج وإ فريقيا‪ .129‬وهو ما يؤكده ما قالته كاتبة الدولة في‬

‫الخارجية األمريكية السابقة مادلين أولبرايت "يوجد في السودان الشيء الكثير الذي يقاتل عليه بما في‬

‫ذلك النفط"‪.130‬‬

‫وقد استخدمت الواليات المتحدة ذراعا عسكريا لتحقيق أهدافها في المنطقة‪ ،‬حيث ظهرت‬

‫القوة الخاصة المشتركة للقرن اإلفريقي إلى حيز الوجود في أكتوبر ‪ 2002‬بإشراف القيادة العسكرية‬
‫‪ - 128‬مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية األهرام‪ ،‬التقرير االســتراتيجي العــربي ‪ ،2003-2002‬القاهرة‪ ،‬الطبعــة االولى‪ ،‬يونيــو ‪ ،2003‬ص‬
‫‪.236-235‬‬
‫‪ - 129‬نعوم تشومسكي‪ ،‬صناعة المستقبل االحتالل‪ ،‬التدخل‪ ،‬اإلمبراطورية والمقاومة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ - 130‬مادلين اولبرايت‪ ،‬الجبروت والجبار تأمالت في السلطة‪ ،‬والدين‪ ،‬والشؤون الدولية‪( ،‬ترجمة عمر األيوبي)‪ ،‬الدار العربية للعلــوم – ناشــرون‪،‬‬
‫بيروت الطبعة األولى‪1428 ،‬هـ ‪2007 -‬م‪ ،‬ص ‪.215‬‬

‫‪77‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الوسطى‪- ،‬علما أن هذه القوات أصبحت تحت إشراف القيادة الخاصة بإفريقيا بعد إحداثها‪ -‬وهي‬

‫تهدف إلى تنفيذ مهام المراقبة الجوية والبحرية في البحر األحمر وخليج عدن‪ ،‬باإلضافة إلى السواحل‬

‫الشمالية للمحيط الهندي‪ ،‬وتتركز هذه القوات في جيبوتي‪ ،‬وتعمل القوات األمريكية هناك‪ ،‬بتنسيق مع‬

‫قوات بحرية أخرى من دول حلف الشمال االطلسي (الناتو)‪ ،‬مثل ألمانيا وإ يطاليا وفرنسا‪ .‬وفي يناير‬

‫‪ 2007‬قامت هذه القوات بتوفير المساعدات االستخباراتية واللوجستكية إلثيوبيا أثناء غزوها للصومال‪،‬‬

‫كما أنها قامت باستخدام التسهيالت العسكرية الموجودة في كل من جيبوتي وإ ثيوبيا وكينيا لشن‬

‫ضربات ضد تنظيم القاعدة في المنطقة‪ ،‬نظرا لعالقاتها المتميزة مع هذه الدول‪ ،131‬غير أن األمور‬

‫بدأت تتغير في اآلونة األخيرة بعدما تزايد الوجود الصيني بالمنطقة‪.‬‬

‫لقد تحركت الصين للتدخل في المنطقة في أواسط تسعينيات القرن العشرين ألسباب‬

‫اقتصادية‪ ،‬بحيث اتجهت نحو السودان في إطار بحثها عن الموارد في إفريقيا في تلك الفترة‪ ،‬علما أن‬

‫شركة التنقيب عن النفط األمريكية شيفرون (‪ )Chevron‬كانت قد طردت من الحقول المكتشفة بسبب‬

‫تجدد الحرب األهلية في السودان سنة ‪ .1983‬كما أن العقوبات األمريكية قد حالت دون إقدام أي جهة‬

‫غربية أخرى على عمليات التنقيب‪ ،‬وبدأت الصين في تطوير حقول النفط المكتشفة في السودان‪،‬‬

‫وسرعان ما أصبحت شركة السودان األكبر تصدر النفط بدءا من عام ‪ .1999‬كما عملت الصين على‬

‫تنويع نشاطها نحو بعض الدول المجاورة للسودان ككينيا وإ ثيوبيا‪ .‬وحاولت بشأن دارفور أن تستخدم‬

‫نفوذها الحتواء االقتراحات المعادية للحكومة السودانية في األمم المتحدة‪.132‬‬

‫ولتوضيح قوة التنافس األمريكي الصيني في هذه المنطقة‪ ،‬سندرس حالة كينيا وتطور عالقتها‬

‫مع كلتا الدولتين‪ ،‬فكينيا تعتبر من األسواق الواعدة بالقارة اإلفريقية‪ ،‬نظرا لحجمها السكاني الكبير‬

‫‪ - 131‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬التنافس الدولي في القرن اإلفريقي"‪ ،‬السياسية الدولية‪ ،‬العدد ‪ 177‬يوليو ‪ ،2009‬ص ‪.174‬‬
‫‪ - 132‬بيتر وودوارد‪" ،‬المنافسة الدولية في دول القــرن اإلفريقيــة"‪ ،‬في كتــاب العــرب والقــرن األفــريقي جدليــة الجــوار واالنتمــاء‪ ،‬المركــز العــربي‬
‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اكتوبر ‪ ،2013‬ص ‪.202-201‬‬

‫‪78‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وكذا توفرها على العديد من الثروات الطبيعية المهمة‪ ،‬مما جعلها محط أنظار كلتا الدوليتين في سياق‬

‫توجههما نحو القارة اإلفريقية بصفة عامة‪.‬‬

‫وتماشيا مع ارتفاع التبادل التجاري بين القارة اإلفريقية والصين زادت تجارة هذه األخيرة مع‬

‫كينيا منذ سنة ‪ ،2001‬حيث تجاوزت نظيرتها األمريكية ابتداء من ‪ .2007‬فخالل الفترة ما بين‬

‫‪ 2011 -2001‬عرفت قيمة المبادالت التجارية بين الواليات المتحدة وكينيا ارتفاعا بسيطا‪ ،‬على‬

‫الرغم من انخفاض الصادرات األمريكية نحوها‪ ،‬إذ تراجعت من ‪ 574‬مليون دوالر إلى ‪ 447‬مليون‬

‫دوالر خالل هذه الفترة بسبب تراجع تصدير اآلالت الصناعية وتجهيزات النقل‪ ،‬عكس الصادرات‬

‫الصينية التي تجاوزتها بشكل كبير‪ ،‬إذ ارتفعت من ‪ 139‬مليون دوالر إلى ‪ 2,4‬مليار دوالر‪ ،‬نتيجة‬

‫ارتفاع صادراتها من المواد المصنعة‪ ،‬تجهيزات النقل والدراجات النارية‪.‬‬

‫أما فيما يخص الواردات األمريكية من كينيا فهي تتجاوز نظيرتها الصينية‪ ،‬فهي تضاعفت‬

‫ثالث مرات‪ ،‬إذ انتقلت من ‪ 137‬مليون دوالر سنة ‪ 2001‬إلى ‪ 397‬مليون دوالر سنة ‪،2011‬‬

‫وتشكل المنسوجات والمالبس‪ ،‬والجلد واألحذية نسبة ‪ %96‬من قيمة هذه الواردات‪ ،‬وتبقى واردات‬

‫الصين من كينيا مقارنة بمثيالتها األمريكية ضعيفة نسبيا‪ ،‬إال أنها ارتفعت بمعدل سريع‪ ،‬حيث انتقلت‬

‫من ‪ 6‬مليون دوالر إلى ‪ 60‬مليون دوالر خالل الفترة نفسها‪ ،‬وتتكون هذه الواردات من الحديد الخام‬

‫والجلد والمعادن والشاي‪.133‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن المجال الذي يعرف حدة المنافسة بين الشركات األمريكية والصينية‬

‫هو مجال المعلوميات ‪-‬االتصال والتكنولوجيا‪ .‬وحسب بعض المسئولين األمريكيين وبعض رؤساء‬

‫الشركات األمريكية العاملة في كينيا‪ ،‬فإن تأثير الشركات الصينية على نظيراتها األمريكية في هذا‬

‫المجال غير واضح بشكل كبير‪ ،‬غير أنها تمتلك قدرة إبداعية كبيرة وسرعة في التكيف مع األسواق‬

‫المحلية‪ ،‬نظرا للدعم الحكومي الذي تتلقاه‪ ،‬وهو ما كان له انعكاس على ارتفاع الصادرات الصينية نحو‬
‫‪133‬‬
‫‪- United States Government Accountability Office ,Case Studies of U.S and Chinese Economic‬‬
‫‪Engagement in Angola, Ghana, and Kenya, a Supplement to GAO-13-199, February 2013, p37- 38-39-40.‬‬

‫‪79‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫كينيا في مجال االتصاالت‪ ،‬فانتقلت من ‪ 0,5‬مليون دوالر سنة ‪ 2001‬إلى ‪ 122‬مليون دوالر سنة‬

‫‪.1342011‬‬

‫‪ :2‬جنسية الشركات العاملة في كينيا في مجالي البضائع والخدمات خالل الفترة ما بين ‪2012-2002‬‬ ‫الجدول رقم‬

‫البنية‬ ‫الرعاية‬ ‫النفط‬ ‫التكنولوجيات‬


‫أخرى‬ ‫النقل‬ ‫االتصاالت‬ ‫الخدمات‬ ‫الطاقة‬ ‫الطيران‬
‫التحتية‬ ‫الصحية‬ ‫والغاز‬ ‫والمعلوميات‬
‫األمريكية‬
‫الواليات‬
‫المتحدة‬

‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الصين‬
‫األوروب‬
‫االتحاد‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪- United States Government Accountability Office ,Case Studies of U.S and Chinese‬‬
‫‪Economic Engagement in Angola, Ghana, and Kenya, a Supplement to GAO-13-‬‬
‫‪199, February 2013, p46.‬‬
‫وفي مجال االستثمارات‪ ،‬فخالل الفترة الممتدة ما بين ‪ 2007‬و‪ 2011‬بلغ تدفق االستثمارات‬

‫الخارجية األمريكية نحو كينيا ‪ 12‬مليون دوالر‪ ،‬في حين بلغت نظيرتها الصينية ‪ 230‬مليون دوالر‪.‬‬

‫(المبيان رقم ‪ 10‬بعده) وتوجهت االستثمارات األمريكية بشكل كبير إلى مجال الصناعات والكيماويات‬

‫وتجهيزات النقل‪ ،‬وكذا قطاعي التأمين واألبناك‪ ،‬التي ارتفعت نسبة نموها خالل هذه الفترة إلى‬

‫‪.%20‬‬

‫‪134‬‬
‫‪- Ibid, p 41-42.‬‬

‫‪80‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المبيان رقم ‪ :8‬االستثمارات األمريكية والصينية الخارجية المباشرة بكينيا خالل الفترة ‪(2011-2007‬بالمليون دوالر)‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪- United States Government Accountability Office ,Case Studies of U.S and Chinese‬‬
‫‪Economic Engagement in Angola, Ghana, and Kenya, a Supplement to GAO-13-‬‬
‫‪199, February 2013,p53.‬‬

‫كما اتجه ‪-‬البلدان في إطار سياسة التنافس بينهما في كينيا‪ -‬إلى اعتماد سياسة المساعدات‪،‬‬

‫فخالل الفترة ما بين ‪ 2010-2001‬قدمت الواليات المتحدة ما قيمته ‪ 4‬مليار دوالر على شكل‬

‫مساعدات‪ ،‬خصوصا في قطاع الصحة من خالل مبادرة مكافحة السيدا والمالريا بالمنطقة‪ ،‬باإلضافة‬

‫إلى المساعدات اإلنسانية والغذائية‪ .‬وحسب الحكومة الكينية فإنها تلقت من الصين ‪ 39‬مليون دوالر‬

‫كمنح ما بين يوليوز ‪ 2009‬إلى يونيو ‪ 2012‬وذلك لتطوير البنية التحتية‪ ،‬كالطرق والمستشفيات‬

‫والمراكز الرياضية‪.135‬‬

‫هذا على مستوى العالقات االقتصادية‪ ،‬أما على مستوى العالقات السياسية‪ ،‬فقد كانت‬

‫العالقات مع الواليات المتحدة األمريكية متميزة‪ ،‬غير أن األوضاع في اآلونة األخيرة بدأت تتغير بعد‬

‫وصول ائتالف "اليوبيل" للسلطة واتخاذه موقفا مناهضا للغرب‪ ،‬سارعت الصين إلى االستفادة من‬

‫الفرصة التي وفرها لها الخطاب السياسي‪ ،‬فبعد زيارة الرئيس كنياتا إلى الصين تم التوقيع على عقود‬

‫‪135‬‬
‫‪- Ibid, p47-48.‬‬

‫‪81‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫استثمارية بقيمة ‪ 5‬مليارات دوالر‪ ،‬ستعمل الصين على تنفيذها في مجاالت‪ :‬خطوط السكك الحديدية‬

‫والطاقة وحماية الحياة البرية وبعض المشاريع المشتركة‪.136‬‬

‫وحسب لوك أوباال الجامعي الكيني‪ ،‬فإن التقارب الكيني الصيني ما هو إال تكتيك من طرف‬

‫الرئيس الكينيي للتهرب من محكمة الجنايات الدولية‪ ،‬وانقاذ النظام‪ ،‬وأن مصالحه أي النظام "اليوبيل"‬

‫الطبقية في كينيا اآلخذة في التوسع سوف تؤدي عاجال وليس آجال‪ ،‬إلى مواءمة بين النخبة الكينية‬

‫الحالية الممسكة بالسلطة وبين أولئك الذين لهم بها عالقات تجارية تقليدية أي الدول الغربية‪.137‬‬

‫ثالثا‪ :‬منطقة المغرب العربي‬

‫تشكل منطقة المغرب العربي مجاال جيوسياسيا ذا أهمية بالغة اقتصاديا واستراتيجيا‪،‬‬

‫وشديدة الحساسية أمنيا‪ ،‬كما أنها بما تتمتع به من مقومات طاقية وموارد طبيعية تمثل منطقة جذب‬

‫للقوى الكبرى‪ ،‬بمنطق تنافسي أحيانا وتكاملي أحيانا أخرى سيما بين أوروبا وأمريكا‪ ،‬فهذه المنطقة‬

‫همزة وصل جيوحضارية بين إفريقيا وأوروبا والعالم العربي‪ ،‬وتتوزع دول المنطقة المغاربية‬

‫جغرافيا على مساحة تزيد على ‪ 3‬ماليين كلم‪ ،2‬تمتد بين حوض المتوسط‪ ،‬والصحراء الكبرى‪ ،‬كما‬

‫تمتلك المنطقة موارد متنوعة‪ ،‬طبيعية ومنجمية مثل النفط في ليبيا والجزائر‪ ،‬والغاز بالجزائر‪،‬‬

‫والفوسفاط بالمغرب‪ ،‬أما الموارد البشرية فإنها تمثل قوة ديمغرافية بعدد سكاني يصل إلى أكثر من ‪90‬‬

‫مليون نسمة‪.138‬‬

‫قبل وقوع أحداث الحادي عشر من شتنبر ‪ ،2001‬كان التوجه األمريكي نحو دول المغرب‬

‫العربي يرتكز على العوامل االقتصادية‪ ،‬وهو ما تعكسه المبادرة األمريكية المسماة مبادرة إيزنستات‪،‬‬

‫‪- 136‬لوك أوباال‪ ،‬تحول كينيا باتجاه الشرق‪ :‬تحالف استراتيجي أم تكتيكي؟‪ ،‬الدوحة‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ 27 ،‬أبريل ‪.2014‬‬
‫‪ - 137‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ - 138‬قط سمير‪" ،‬أوروبا‪ ،‬أمريكا‪ ..‬رهان المغرب العربي مزاحمة اقتصادية واسـتراتيجية‪ ،‬أم تكامـل أمـني؟"‪ ،‬مجلــة المفكــر‪ ،‬العـدد العاشـر‪ ،‬ينـاير‬
‫‪ 2014‬ص ‪.447-446‬‬

‫‪82‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التي تهدف إلى خلق منطقة للتبادل الحر مع الدول المغارية الثالثة‪ :‬الجزائر والمغرب وتونس‪ ،‬لفتح‬

‫أسواق هذه الدول أمام المنتجات واالستثمارات األمريكية‪.139‬‬

‫فمبادرة إيزنستات تشكل مشروعا اقتصاديا أمريكيا‪ ،‬يهدف إلى خلق شراكة بين الواليات‬

‫المتحدة األمريكية والدول المغاربية الثالثة‪ -‬الجزائر والمغرب وتونس‪ -‬وأقصيت منها ليبيا‬

‫وموريتانيا‪ ،‬هذه األخيرة ثم إدراجها ضمن الدول المستفيدة من قانون النمو الفرص في إفريقيا (‪)AGA‬‬

‫وهو ما يشكل رغبة الواليات المتحدة األمريكية في فصل هذه الدولة عن هويتها المغاربية‪ .‬ولقد‬

‫عرفت هذه الشراكة أطوارا معتبرة خاصة مع الجزائر‪ ،‬بعد زيارة المسئولين األمريكيين للجزائر‬

‫ودخول الشركات األمريكية لالستثمار في القطاع النفطي الجزائري‪ ،‬التي أضرت كثيرا بنظيراتها‬

‫األوروبية‪ ،‬فضال عن أن هذه الشراكة ستتيح للدول المغاربية الوصول ليس فقط إلى السوق األمريكي‬

‫الضخم بل إلى أسواق شركائها في منطقة النافتا (كندا والمكسيك)‪ ،140‬ولقد عرفت هذه المبادرة‬

‫االقتصادية األمريكية الموجهة لشمال إفريقيا تعديال‪ ،‬لكي تصبح الجزء االقتصادي من مشروع الشرق‬

‫األوسط الكبير‪ ،‬الذي يدخل في إطار رغبة اإلدارة األمريكية القاضية بنشر الديمقراطية في العالم‬

‫العربي وحمل دوله على تبني النموذج الليبرالي‪ ،‬بحيث اندرج بداية األمر في ما اصطلحت عليه‬

‫الوثائق األمريكية (‪ )Middle East Greater Initiative, MEGI‬قبل أن يحمل من جديد اسم (‬

‫‪ )Broader Middle East and North Africa, BMENA‬الذي تم إطالقه في يونيو ‪.1412004‬‬

‫وهو ما يشكل منافسة اقتصادية للدول األوروبية على النفوذ والمصالح هناك‪( ،142‬مسار برشلونة) لكون‬

‫منطقة المغرب العربي تعتبر من مناطق النفود األوروبية الموروثة عن المرحلة االستعمارية وما‬

‫خلفته من تبعية اقتصادية لهذه الدول ألوروبا‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫‪- Yahia H ZOUBIR, « La politique étrangère américaine au Maghreb : Constances et adaptations », Journal‬‬
‫‪d’étude des relations internationales au Moyen-Orient, Vol. 1, No.1 (juillet 2006), p 116‬‬
‫‪140‬‬
‫‪- Abdennour BENANTAR, « L'AMÉRIQUE, L'EUROPE ET LES ARABES » , Cairn.Info, Outre-terre‬‬
‫‪2004/2 – n° 7, p 144.‬‬
‫‪ - 141‬حسن مصدق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪ - 142‬مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية األهرام‪ ،‬التقرير االستراتيجي العربي ‪ ،2003-2002‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.376‬‬

‫‪83‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫غير أن بشارة خضر يرى أن الواليات المتحدة األمريكية ال تشكل تهديدا اقتصاديا ألوروبا‬

‫بمنطقة المغرب العربي‪ ،‬فالسوق األمريكية لن تشكل منافسة أو بديال للسوق األوروبية‪ ،‬فأوروبا‬

‫ستستفيد من عوامل مهمة مثل القرب الجيوسياسي‪ ،‬والعالقات التاريخية والسياسية التقليدية في‬

‫التعاون‪ ،‬عالوة على البعد الجغرافي الكبير ألمريكيا عن الدول المغاربية‪ ،‬يجعل من المزايا الجمركية‬

‫المقدمة للمصدرين العرب غير ذات فائدة بسبب تكلفة النقل المرتفعة جدا‪ ،‬وإ ذا نظرنا إلى كل تلك‬

‫العناصر نجد أن االتحاد األوروبي ليس لديه ما يخشاه‪ ،‬فصادراته إلى البلدان المتوسطية والعربية‬

‫غير أن هذا في نظرنا‬ ‫‪143‬‬


‫تساوي خمس مرات مقدار التبادل التجاري األمريكي مع دول هذه المنطقة‪.‬‬

‫ال يلغي التهديد األمريكي مستقبال‪ ،‬خصوصا في مجال الموارد الطاقة منها‪ .‬فقد ارتفعت واردات‬

‫الدول المغاربية من الواليات المتحدة خالل الفترة ما بين ‪ 2008-2004‬من ‪ 8133,8‬مليون دوالر‬

‫إلى ‪ 20877,6‬مليون دوالر ‪ ،‬كما سجلت صادراتها إلى الواليات المتحدة خالل الفترة نفسها ارتفاعا‬

‫من ‪ 1728,1‬مليون دوالر إلى ‪ 3181,5‬مليون دوالر‪ ،‬كما هو مبين في الجدول أسفله‪،‬‬

‫‪ :3‬التبادل التجاري بين الواليات المتحدة والدول المغاربية خالل الفترة ‪( 2008-2004‬بالمليون دوالر)‬ ‫الجدول رقم‬

‫‪2008‬‬ ‫‪2007‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫‪2004‬‬

‫‪19354,8‬‬ ‫‪17816,‬‬ ‫‪15455,9‬‬ ‫‪10446,4‬‬ ‫‪7409,5‬‬


‫(‪)93%‬‬ ‫‪1‬‬ ‫(‪)94%‬‬ ‫(‪)94%‬‬ ‫(‪)91%‬‬ ‫الواردات‬
‫الجزائر‬

‫(‪)94%‬‬
‫‪-‬‬ ‫الميزان‬
‫‪18111,6-‬‬ ‫‪14354-‬‬ ‫‪9340-‬‬ ‫‪6438-‬‬
‫‪16163,6‬‬ ‫التجاري‬
‫المغرب‬

‫‪878,7‬‬ ‫‪609,9‬‬ ‫‪521,4‬‬ ‫‪445,8‬‬ ‫‪515,2‬‬ ‫الواردات‬


‫(‪)4%‬‬ ‫(‪)3%‬‬ ‫(‪)3%‬‬ ‫(‪)4%‬‬ ‫(‪)6%‬‬

‫‪ - 143‬قط سمير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪452-451‬‬

‫‪84‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الميزان‬
‫‪557,1‬‬ ‫‪684,2‬‬ ‫‪316,6‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪16,9-‬‬
‫التجاري‬

‫‪644,1‬‬ ‫‪457,6‬‬ ‫‪470,3‬‬ ‫‪263,8‬‬ ‫‪209,1‬‬


‫الواردات‬
‫تونس‬

‫(‪)3%‬‬ ‫(‪)2%‬‬ ‫(‪)3%‬‬ ‫(‪)2%‬‬ ‫(‪)3%‬‬


‫الميزان‬
‫‪141,7-‬‬ ‫‪54,6-‬‬ ‫‪3 ,107-‬‬ ‫‪2,6-‬‬ ‫‪49,1‬‬
‫التجاري‬

‫‪20877,6‬‬ ‫‪18883,‬‬ ‫‪16447,6‬‬ ‫‪11156‬‬ ‫‪8133,8‬‬


‫مجموع الدول الثالث‬

‫(‪)0,99%‬‬ ‫‪6‬‬ ‫(‪)089%‬‬ ‫(‪)0,67%‬‬ ‫(‪)0,55%‬‬


‫الواردات‬
‫(‪0,96%‬‬
‫)‬
‫‪17696,2-‬‬ ‫‪15534-‬‬ ‫‪14144,7-‬‬ ‫‪9307,8-‬‬ ‫‪6405,8-‬‬ ‫الميزان‬
‫التجاري‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪- Kassim BOUHOU, Le Maghreb et dans son environnement régional et‬‬


‫‪international, stratégie et présence économique des Etats-Unis au Maghreb,‬‬
‫‪Centre des Etudes Economiques, 2010, p28.‬‬
‫ولقد عرفت صادرات الجزائر من المواد الطاقية إلى الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬خالل‬

‫الفترة المشار إليها أعاله ارتفاعا كبيرا‪ ،‬إذ استحوذت على نسبة ‪ %99,7‬من مجموع صادراتها إليها‬

‫بقيمة مالية تقدر ‪ 19.305.621,825‬مليون دوالر‪ ،144‬فمن المعروف أن البلدين وقعا اتفاقية إطار‬

‫منذ يوليو ‪ 2001‬تتعلق بالتجارة واالستثمارات (‪ ،)TIFA‬أضيفت إليها اتفاقيتان تمسان قطاعي‬

‫الضريبة المزدوجة وحماية االستمارات‪ ،‬وكان لها وقع إيجابي على حجم االستثمارات األمريكية في‬

‫‪144‬‬
‫‪,‬‬
‫‪- Kassim BOUHOU Le Maghreb et son environnement régional et international, stratégie et présence‬‬
‫‪économique des Etats-Unis au Maghreb, IRIF, Centre des Etudes Economiques, 2010, p29.‬‬

‫‪85‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الجزائر‪ ،‬بحيث قفزت من ‪ 3,3‬مليار دوالر عام ‪ 2002‬إلى ‪ 11‬مليار دوالر عام ‪ ،1452006‬حتى‬

‫أصبحت الجزائر المزود السادس للسوق األمريكية بالبترول‪ ،146‬ولقد عرفت المبادالت التجارية‬

‫األمريكية الجزائرية نموا كبيرا حيث ارتفعت في عام ‪ 2007‬ب ‪ 2‬مليار دوالر أمريكي‪ ،‬وبلغت‬

‫الصادرات الجزائرية نحو سوق الواليات المتحدة األمريكية ‪ 17,5‬مليار دوالر‪ ،‬في حين وصلت‬
‫‪147‬‬
‫وارداتها إلى ‪ 1,5‬مليار دوالر‪ ،‬أي ما يشكل نسبة نمو في العالقات التجارية بنسبة ‪.%20‬‬

‫أصبحت على إثره الواليات المتحدة األمريكية أول شريك اقتصادي للجزائر ابتداء من سنة ‪-2005‬‬

‫‪ ،2006‬لتتوارى مكانة فرنسا إلى المرتبة الثانية ألول مرة منذ عقود‪ ،‬عكس ما وقع خالل سنوات‬

‫‪ 2001-1999‬من انتعاش في العالقات االقتصادية الفرنسية الجزائرية‪ ،‬حيث كانت الجزائر الزبون‬

‫التاسع عشر بالنسبة لفرنسا‪ ،‬إذ استقبلت نسبة ‪ 0,86‬بالمائة من إجمالي الصادرات الفرنسية إلى العالم‪،‬‬

‫في حين اعتبرت الممون التاسع والعشرين‪ ،‬وذلك بنسبة ‪ 0,53‬بالمائة من إجمالي وارادات فرنسا من‬

‫الخارج‪ ،‬من جهة أخرى أصبحت فرنسا الزبون األول للجزائر فيما يخص الموارد خارج المحروقات‬

‫بنسبة ‪ 18,5‬بالمائة من إجمالي الصادرات الخارجية‪ ،148‬وهو ما استمر إلى حدود سنة ‪ 2004‬بحيث‬

‫كانت فرنسا المزود األول للجزائر بمبلغ قدره ‪ 4,12‬مليار دوالر‪ ،‬وهذا ما يمثل ‪ %22,67‬من إجمالي‬

‫الواردات الجزائرية‪ ،‬لكن تعتبر فرنسا الزبون الثالث للجزائر بعد الواليات المتحدة األمريكية التي‬

‫استحوذت على نسبة ‪ %23,15‬من الصادرات الجزائرية سنة ‪.1492004‬‬

‫وفي إطار تحقيق التوازن في عالقتها مع دول المغرب العربي‪ ،‬وقعت الواليات المتحدة‬

‫اتفاقية للتبادل التجاري الحر مع المغرب تتضمن أحكاما صريحة في المجال األمني‪ ،‬وقد تزامن توقيع‬

‫االتفاقية مع إعالن المغرب حليفا للواليات المتحدة األمريكية من خارج حلف شمال األطلسي‪ ،‬وهو ما‬

‫فسح المجال أمام المغرب لتبوؤ صدارة األولوية في مجال تسليم التجهيزات الدفاعية والمشاركة في‬
‫‪ 145‬حسن مصدق‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪69‬‬
‫‪146‬‬
‫‪- Kassim BOUHOU, Op, cit, p 15.‬‬
‫‪147‬‬
‫‪- Ibid, p 17.‬‬
‫‪ - 148‬قط سمير‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.458‬‬
‫‪149‬‬
‫‪- Kassim BOUHOU, Op, cit, p 15.‬‬

‫‪86‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األبحاث الدفاعية وبرامج التطوير واالستفادة من ضمانات القروض الحكومية األمريكية لشراء المعدات‬

‫العسكرية‪.150‬‬

‫ويمكن تفسير اهتمام الواليات المتحدة األمريكية بدول شمال إفريقيا كذلك برغبتها في‬

‫االستمرار في السيطرة على البحر األبيض المتوسط‪ ،‬فعلى الرغم من كون الواليات المتحدة األمريكية‬

‫ال تتوفر على مصالح كبيرة في هذه المنطقة‪ ،‬فهي ال تستورد عبر المتوسط سوى ‪ %20‬من وارداتها‬

‫النفطية‪ ،‬وال ترتبط بعالقات اقتصادية قوية مع دول المنطقة‪ ،‬غير أن اإلمساك به يعني إبقائها مسئولة‬

‫عن األمن االستراتيجي األوروبي‪ ،‬في ظل تزايد طرح العديد من المشاريع الطاقية بهذه المنطقة‪،‬‬

‫آخرها المشروع الذي يتوخى ربط حقول شمال نيجريا بأوروبا عبر النيجر وصحراء الجزائر‪ ،151‬في‬

‫ظل بحث أوروبا عن التخلص من االعتماد على الغاز الروسي بعد تفاقم المشكل بينهما‪ (،‬أزمة‬

‫أوكرانيا سنة ‪ ،)2008‬وضم روسيا لجزيرة القرم سنة ‪ 2014‬وما خلفته من مشاكل في أوكرانيا‪.‬‬

‫إن ليبيا والجزائر العضوان في منظمة الدول المصدرة للبترول ‪ OPEC‬تصدران حوالي‬

‫‪ %4,5‬من الصادرات العالمية من النفط لكل واحدة منهما‪ ،‬كما تحتل الجزائر الرتبة الرابعة عالميا من‬

‫حيث تصدير الغاز بحصة تصل إلى ‪ ،%10‬وتبقى أوروبا الغربية أهم وجهة للصادرات الطاقية‬

‫الجزائرية حيث إن كل من (فرنسا واسبانيا وإ يطاليا والبرتغال) استوردت خالل سنة ‪ 2006‬حوالي‬

‫‪ %42,42‬من مجموع الصادرات الجزائرية‪ ،‬ففرنسا وإ يطاليا وإ سبانيا تعتبر من أكبر الدول استيرادا‬

‫على المستوى العالمي‪ ،‬حيث تستورد مجتمعة ‪ %10‬من البترول العالمي‪ ،‬و‪ %14‬من الغاز الطبيعي و‬

‫‪ %10‬من الغاز الطبيعي المسال ‪.152GNL‬‬

‫‪- 150‬رياض الخوري‪ "،‬تقويم اتفاقيات التجارة الحرة بين االتحاد األوروبي والواليات المتحدة من جهة‪ ،‬وبعض دول الشرق األوسط وشــمال إفريقيــا‬
‫من جهة أخرى‪ "،‬أوراق كارنيغي‪ .‬مركز كارنيغي للشرق األوسط‪ ،‬العدد ‪ ،8‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2007‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 151‬كريم مصلوح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.214‬‬
‫‪152‬‬
‫‪- Aurèlia MANE-ESTRADA, Sécurité énergétique en Méditerranée occidental: nouveaux facteurs,‬‬
‫‪nouvelles politiques. Un regard espagnol , IFRI, Gouvernance européenne et géopolitique de l’énergie/ Centre‬‬
‫‪Moyen- Orient/Maghreb, Octobre 2008, p7.‬‬

‫‪87‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وخالل سنة ‪ 2012‬وصلت الواردات األوروبية من الغاز الجزائري إلى حوالي ‪ %88,6‬من‬

‫مجموع الصادرات الجزائرية‪ ،‬في حين وصلت واراداتها من النفط الجزائري في سنة ‪%52 2011‬من‬

‫مجموع الصادرات الجزائرية‪ ،‬متقدمة على الواليات المتحدة األمريكية (‪ )%29‬وكندا (‪ )%13‬كما هو‬

‫مبين في المبيان أسفله‪.‬‬

‫أهم وجهات الصادرات الجزائرية من البترول سنة ‪ 2011‬ومن الغاز سنة ‪2012‬‬ ‫المبيان رقم ‪:9‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-Nathalie SULMONT, Les hydrocarbures en Algérie : chiffres clefs, publication des‬‬


‫‪Services économiques, Ambassade de France en Algérie, novembre 2013, p2.‬‬
‫غير أن التنافس االقتصادي بمنطقة شمال إفريقيا ال يقتصر على الدول األوروبية والواليات‬

‫المتحدة‪ ،‬بل إن المنقطة عرفت دخول بعض القوى األسيوية في سياق تزايد اهتمامها بالقارة اإلفريقية‪،‬‬

‫فمع بداية القرن الحالي ارتفعت الصادرات الصينية نحو دول شمال إفريقيا‪ ،‬وذلك بعد انضمام الصين‬

‫إلى منظمة التجارة العالمية سنة ‪ ،2001‬إذ وصلت سنة ‪ 2007‬إلى ما يقدر ب ‪ 13‬مليار دوالر‪،‬‬

‫وكذلك الصادرات الهندية نحو هذه المنقطة عرفت انتعاشا ملحوظا لكن بنسبة أقل مقارنة مع نظيرتها‬

‫الصينية إذ بلغت بالكاد ملياري دوالر في السنة نفسها‪ .153‬أما الواردات الصينية من هذه المنطقة‬

‫فتختلف وضعيتها من بلد إلى آخر‪ ،‬فقد عرفت ارتفاعا كبيرا منذ عام ‪ 2005‬من الجزائر وليبيا وبنسبة‬

‫قليلة من المغرب‪ ،‬وقد سجلت صادرات الجزائر نحو الصين نموا بنسبة ‪ .%400‬وذلك راجع إلى‬
‫‪153‬‬
‫‪-Françoise NICOLAS, Le Maghreb dans son environnement régional et international la présence‬‬
‫‪économique chinois et indienne au Maghreb, IFRI. Centre des études économiques. 2010, P 22.‬‬

‫‪88‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ارتفاع واردات الصين من الموارد الطاقية والمعدنية منها‪ .‬غير أن استثمارات هاتين الدولتين تبقى‬

‫ضعيفة بهذه المنطقة مقارنة مع إجمالي استثماراتهما في إفريقيا‪ ،‬فلم يبلغ حجم االستثمارات الصينية‬

‫في شمال إفريقيا سنة ‪ 2007‬من أصل مجموع استثماراتها في إفريقيا سوى ‪ %14‬نالت فيها الجزائر‬

‫أكثر من النصف‪ ،‬من خالل استثمارات الشركتين الصينيتين ‪ SINOPEC‬و ‪ CNPC‬ببعض مناطق‬

‫الجزائر‪ ،‬وقد وصل عدد الشركات الصينية العاملة بقطاع االشغال العمومية بالجزائر إلى ‪ 41‬شركة‪.‬‬

‫مقابل ذلك تستثمر الصين في نيجريا وجنوب إفريقيا معا أكثر من ضعفي ما تستثمره في شمال إفريقيا‬

‫حسب إحصائيات السنة نفسها‪ ،‬وذلك راجع إلى كون دولة الصين تركز بشكل كبير على االستثمار في‬

‫المناطق اإلفريقية التي توجد بها مواد طاقية نظرا لحاجياتها الكبيرة من هذه المواد‪.‬‬

‫وفي اإلطار نفسه ال تعتبر شمال إفريقيا وجهة أساسية لالستثمارات الهندية‪ ،‬فخالل الفترة ما‬

‫بين ‪ 2007 -1990‬لم تستقبل هذه المنطقة سوى نسبة ‪ %5‬من االستثمارات الهندية الموجهة نحو‬

‫إفريقيا‪ ،‬استحوذت ليبيا على نسبة ‪ %3‬منها‪.154‬‬

‫وعلى الرغم من المزاحمة االستراتيجية التي تقتضيها ضرورات التموقع االستباقي والتنافس‬

‫الذي تتطلبه المصالح االقتصادية بين أوروبا والواليات المتحدة األمريكية في المغرب العربي‪ ،‬غير أن‬

‫الجدير بالتأكيد هو أن الحضور القوي للقوى الكبرى في المنطقة ليس تنافسا على طول الخط‪ ،‬وإ نما‬

‫هناك مجاالت أخرى تتعاون فيها‪ ،‬بل تتكامل سيما في المجال األمني‪ ،‬فكل من أوروبا وأمريكا تحمالن‬

‫تصورات مشتركة لألمن والتهديدات في المغرب العربي‪ ،‬على الرغم من االختالفات في المقاربات‬

‫العملية وآليات التعامل‪ ،‬وتحديد األولويات ومصادر التهديد في الصياغات األمنية لكل طرف‪ ،‬فأوروبا‬

‫تركز على الهجرة غير الشرعية‪ ،‬في حين تؤكد واشنطن على المخاطر اإلرهابية‪.155‬‬

‫وقد بدأ انشغال الواليات المتحدة األمريكية بالتهديدات اإلرهابية في المنطقة المغاربية مع‬

‫بداية عقد تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬مع انطالق األزمة األمنية التي عرفتها الجزائر‪ ،‬عقب إلغاء نتائج‬
‫‪154‬‬
‫‪- Ibid, p26-27-28.‬‬
‫‪ - 155‬قط سمير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.459‬‬

‫‪89‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫االنتخابات في عام ‪ ،1992‬وما صاحبها من حل الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ وما خلفته من مواجهة‬

‫مسلحة بين النظام الحاكم والجبهة المذكورة‪.‬‬

‫وتتسم ظاهرة اإلرهاب بقدر كبير من التداخل والترابط فيما بين دول المغرب العربي‪ ،‬ال‬

‫سيما في كل من الجزائر والمغرب وليبيا‪ ،‬حيث يشترك الكثير من الجماعات اإلرهابية في تلك المنطقة‬

‫من حيث األهداف والعضوية والنشاط‪ ،‬كما أن الكثير منها يحتفظ ببعض الروابط اإليديولوجية‬

‫واللوجستية والعملياتية مع تنظيم القاعدة‪ ،156‬الذي أصبحت له امتدادات كبيرة بمنطقة القرن األفريقي‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬لم يعد يقتصر االهتمام األمريكي على منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬في إطار جهود منع‬

‫ومكافحة اإلرهاب حسب الرؤية األمريكية‪ ،‬وإ نما امتد أيضا إلى منطقة الساحل‪ ،‬التي تعتبر واحدة من‬

‫ساحات اإلرهاب الرئيسة في إفريقيا‪ ،‬بحيث تنظر اإلدارة األمريكية إلى منطقة الساحل باعتبارها قاعدة‬

‫خلفية لتنظيم القاعدة‪ ،‬بسبب محاوالت عناصر القاعدة البحت عن مالذ آمن في مناطق شمال إفريقيا‪،‬‬

‫سواء في منطقة الساحل‪ ،‬أو الجزائر والمغرب‪ ،‬مستفيدة في ذلك من ضعف سيطرة السلطات الحكومية‬

‫على الكثير من المناطق‪ ،‬فضال عن وجود اضطرابات وصراعات داخلية فيها‪ ،‬على نحو يتيح لتنظيم‬

‫القاعدة العثور بسهولة على حلفاء محليين في تلك الدول‪.‬‬

‫وانطلقت سياسة الواليات المتحدة األمريكية في مكافحة اإلرهاب بتلك المنطقة بتدشين ما‬

‫يعرف بـ "مبادرة الساحل" من جانب اإلدارة األمريكية في نوفمبر ‪ ،2002‬التي تضمن تقديم مساعدات‬

‫تدريبية لتأهيل القوات المسلحة في كل من مالي وموريتانيا وتشاد والنيجر‪ ،‬وتعزيز قدراتها في مجال‬

‫منع ومكافحة اإلرهاب‪ ،‬وقامت اإلدارة األمريكية في عام ‪ 2004‬برفع الميزانية المخصصة لإلنفاق‬

‫على هذه المبادرة من ‪ 7‬ماليين دوالر إلى ‪ 125‬مليون دوالر‪ ،‬من أجل تقديم كميات من األسلحة إلى‬

‫دول المنطقة لزيادة قدراتها في مجال مكافحة اإلرهاب‪ ،‬وتشير بعض التقارير إلى أن اإلدارة األمريكية‬

‫‪ - 156‬أحمد إبراهيم محمود‪ ،‬اإلرهاب الدولي في إفريقيا بين األزمات الداخلية وتهديدات تنظيم القاعدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪90‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫قامت بنشر قوة من الوحدات الخاصة األمريكية مؤلفة من حوالي ‪ 400‬جندي في مكان قريب من‬

‫منطقة تمارناست بالجزائر‪.‬‬

‫وفي عام ‪ ،2005‬قامت اإلدارة األمريكية بتوسيع مبادرة الساحل‪ ،‬وباتت تحمل اسم‬

‫"مبادرة الساحل الكبيرة" وأصبحت تضم ‪ 10‬دول هي‪ :‬الجزائر وتشاد ومالي وموريتاني والنيجر‬

‫والسنغال ونيجيريا والمغرب وتونس‪ .‬وقد أعلنت اإلدارة األمريكية في ‪ 2005‬أنها خصصت مبلغ‬

‫‪ 500‬مليون دوالر لهذه المبادرة من أجل تنفيذ عمليات تدريب القوات المسلحة للدول المشاركة في هذه‬

‫وبذلك تكون الواليات المتحدة قد نجحت في الجمع على طاولة واحدة بين دول بينها‬ ‫‪157‬‬
‫المبادرة‪،‬‬

‫اختالفات كبيرة من حيث اهتماماتها األمنية واالستراتيجية وتحديدها لمصادر التهديد‪.‬‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى أن الدول المغاربية‪ :‬الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا‪ ،‬تشارك في‬

‫الحوار األطلسي المتوسطي في إطار تعزيز األمن اإلقليمي في المتوسط والمغرب العربي أيضا‪،‬‬
‫‪158‬‬

‫غير أنه يبقى أهم نشاط للتنسيق األمني األوروبي األمريكي بالمنطقة‪ ،‬هو قيام الحلف األطلسي بالتدخل‬

‫في ليبيا بعد اندالع الثورة بها لإلطاحة بنظام القذافي‪ ،‬غير أن هذا ال يفسر وحده هذا التدخل‪ ،‬وإ نما‬

‫جاء في سياق المنافسة الغربية مع الصين للسيطرة على الموارد الطاقة الليبية‪ ،‬فليبيا تعتبر المصدر‬

‫الثاني للمحروقات بعد نيجريا في إفريقيا‪.‬‬

‫في ختام هذا المبحث‪ ،‬نخلص بناء على دراسة العالقات االقتصادية والسياسية للقارة‬

‫اإلفريقية مع الواليات المتحدة‪ ،‬إلى كون مخطط هذه األخيرة تجاه القارة اإلفريقية‪ ،‬إنما يهدف إلى‬

‫إحكام السيطرة على القارة والتحكم في توجهاتها‪ ،‬وفي أمنها وثرواتها من خالل استيعاب واحتواء كافة‬

‫الدول اإلفريقية تحت غطاء العباءة العسكرية األمريكية ومن تم التحكم في جميع مضايقها البحرية مما‬

‫سيمكنها من التحكم في القوى الدولية المتنافسة معها على المستوى الدولي‪.‬‬

‫‪ - 157‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.43-42‬‬


‫‪ - 158‬سمير قط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.462‬‬

‫‪91‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫من هذا المنطلق‪ ،‬فإن القارة اإلفريقية طغى عليها منطق الرهانات التنافسية على مناطق‬

‫النفود االقتصادي؛ إذ ال يمكن حصر اهتمام الواليات المتحدة األمريكية بتطورات األوضاع في القارة‬

‫بفعل الدواعي األمنية فحسب‪ ،‬بل األمر يتعدى ذلك إلى دواعي جيو‪-‬اقتصادية لها صلة مباشرة‬

‫بالتنافس فيما بين القوى الكبرى من أجل فتح األسواق اإلفريقية لمنتجاتها الصناعية وتطوير‬

‫استثماراتها المالية بالمنطقة لما تحققه من عائدات مالية كبيرة‪ ،‬واألهم من ذلك الظفر باالحتياطيات‬

‫البترولية والغازية والمعدنية المتوفرة بهذه القارة بشكل كبير‪ .‬إن اللوبي النفطي األمريكي يرى في‬

‫إفريقيا موردا للقوة األمريكية اإلمبراطورية‪ ،‬يضاف إلى ما حصدته واشنطن من سيطرتها على نفط‬

‫العراق والخليج‪ ،‬بما يساعدها على الضغط على القوى في النظام العالمي المتعطشة للنفط أوروبا‬

‫والقوى األسيوية كالصين واليابان والهند‪ ،‬خاصة بعد سيطرة الواليات المتحدة على العراق واقترابها‬

‫من نفط بحر قزوين بعد حرب افغانستان‪.‬‬

‫وإ ذا كانت الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬قبل نهاية الحرب الباردة في عالقتها بالدول‬

‫اإلفريقية‪ ،‬تعطي األولوية لألدوات الرمزية (األدوات االيديولوجية على الخصوص ) واألدوات‬

‫العسكرية واالستخبارية من خالل تقديم الدعم للقوى المناوئة لتوسع االتحاد السوفياتي في القارة‪ ،‬فإنه‬

‫مع نهاية هذه الحرب وتغير األوضاع الدولية مع بداية األلفية الثالثة‪ ،‬فقد تغيرت األدوات التي تستعين‬

‫بها الواليات المتحدة لتحقيق أهدافها؛ ففي إفريقيا برز استخدام األدوات االقتصادية واألدوات العلمية‬

‫والتكنولوجية باإلضافة لألدوات الدبلوماسية‪ ،‬أما في ما يخص األدوات العسكرية فبعدما توجهت أمريكا‬

‫للتدخل مباشرة في القضايا اإلفريقية‪ ،‬إال أن االنتكاسة التي عرفتها في تدخلها في الصومال جعلها تتجه‬

‫نحو تقديم التدريبات والدعم اللوجيستي لعمليات حفظ السالم في القارة أو التنسيق مع الحلفاء‬

‫األوروبيين في بعض األزمات كأزمة مالي وإ فريقيا الوسطى وتراجع فكرة التدخل المباشر‪ ،‬غير أن‬

‫تشكيل القيادة الجديدة الخاصة بالقارة اإلفريقية سيغير من هذه القاعدة وسيجعل الواليات المتحدة تتوجه‬

‫‪92‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫للتدخل المباشر خصوصا في المناطق النفطية التي أصبحت تعتبرها الواليات المتحدة األمريكية من‬

‫أمنها القومي‪ ،‬وهو ما صرح به الرئيس األمريكي السابق أن "حدود الواليات المتحدة األمريكية تمتد‬

‫إلى حدود مصالحا"‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬االستراتيجية األوروبية في إفريقيا‬

‫يرجع االرتباط األوروبي بالقارة اإلفريقية إلى عهود طويلة‪ ،‬حين تمكنت القوى األوروبية‬

‫من احتاللها وتقسيمها بعد مؤتمر برلين عام ‪ ،1885-1884‬واستطاعت هذه القوى أن تحافظ على‬

‫مصالحها في القارة حتى في ظل نظام القطبية الثنائية أثناء الحرب البادرة‪ ،‬الذي تراجعت فيه أهميتها‬

‫‪93‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومكانتها‪ ،‬فالواليات المتحدة راعت مصالح حلفائها األوروبيين في مناطق نفوذهم في القارة‪،‬‬

‫فالدبلوماسية األمريكية في تلك المرحلة قامت على اعتبار القارة اإلفريقية مسئولية خاصة لألوروبيين‪،‬‬

‫مقابل اعتراف الدول األوروبية بمسئوليتها الخاصة في أمريكا الالتينية‪.‬‬

‫ومع تبلور النظام العالمي الجديد‪ ،‬مع بداية تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬نشأت بيئة جديدة‬

‫أثرت في الطرفين األوروبي واإلفريقي‪ ،‬ومن تم في شكل ومضمون العالقات في ما بينهما‪ ،‬إذ وجدت‬

‫الدول األوروبية التي طالما احتفظت بمكانتها المتميزة في القارة اإلفريقية‪ ،‬أنها أصبحت تواجه‬

‫مجموعة من التحديات والمخاطر الجديدة‪ ،‬أهمها الهيمنة األمريكية‪ ،‬والمنافسة الشديدة من جانب القوى‬

‫االقتصادية األسيوية مثل الصين واليابان والهند‪ ،‬التي زادت من اهتمامها بالقارة اإلفريقية‪- ،‬كما سيتم‬

‫توضيحه في الفصل الثاني من البحث‪ -‬لذلك عملت الدول األوروبية على تدعيم عالقاتها بالقارة‬

‫اإلفريقية على مستويات عدة‪ ،‬فعلى المستوى الثنائي عملت فرنسا ‪-‬الدولة األوروبية األولى من حيث‬

‫قوة نفوذها وقدرتها على الحركة والفعل في الساحة اإلفريقية‪ -‬على إعادة توجيه سياساتها نحو هذه‬

‫القارة (المطلب األول)‪ ،‬أما على مستوى التعاون الجماعي‪ ،‬فتوجد عدة أطر للتعاون في األبعاد‬

‫االقتصادية واألمنية الموروثة عن فترة الحرب الباردة‪ ،‬التي تم تطويرها وتجديدها مع نهاية هذه‬

‫المرحلة‪ .‬وفي ظل اشتداد المنافسة الدولية على ثروات القارة اإلفريقية مع بداية األلفية الثالثة‪ ،‬اتجه‬

‫االتحاد األوروبي إلى وضع إطار جديد لتنظيم عالقته بإفريقيا‪ ،‬وهذا اإلطار يتمثل في تدشين "الشراكة‬

‫االستراتيجية األوروبية اإلفريقية" مع بداية القرن الحالي (المطلب الثاني)‬

‫المطلب الأول‪ :‬السياسة الفرنسية وآليات تحقيقها‬

‫قبــل الحــديث عن سياســة فرنســا في إفريقيــا‪ ،‬يجب أن نعــرف مــاذا تعــني إفريقيــا لفرنســا؟ ولقــد‬

‫أج ــاب عن ه ــذا الس ــؤال بوض ــوح ت ــام ال ــرئيس الفرنس ــي الراح ــل "فرانســوا ميــتران"‪ ،‬حين ق ــال في القم ــة‬

‫اإلفريقيــة‪ -‬الفرنســية في بيــارتيز في نوفمــبر ‪" ،1994‬إن فرنســا لن تكــون هي الــتي تعرفونهــا اآلن‪ ،‬إذا‬

‫‪94‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تخلت عن دورهــا في إفريقيــا‪ :‬بــدون إفريقيــا لن يكــون لفرنســا تــاريخ في القــرن الحــادي والعشــرين"‪.159‬‬

‫ففرنسا تعتبر من أهم القوى االستعمارية بالقارة اإلفريقية‪ ،‬التي حافظت على مصالحها بها بعــد اســتقالل‬

‫دولهـ ــا‪ ،‬من خالل محاربـ ــة توسـ ــع االتحـ ــاد السـ ــوفياتي بهـ ــذه القـ ــارة‪ ،‬في إطـ ــار المواجهـ ــة بين النظـ ــامين‬

‫الرأس ــمالي واالش ــتراكي‪ ،‬خالل ف ــترة الح ــرب الب ــاردة‪ .‬لكن م ــع بداي ــة عق ــد تس ــعينيات الق ــرن الماض ــي‪،‬‬

‫حــاولت فرنســا رســم اســتراتيجية جديــدة لسياســتها اإلفريقيــة‪ ،‬تتــواءم مــع المعطيــات المســتجدة‪ ،‬ســواء في‬

‫فرنسـا أو في إفريقيـا‪ .‬باإلضـافة إلى التغـيرات الـتي لحقت النظـام الـدولي مـع نهايـة الحـرب البـاردة‪ ،‬الـتي‬

‫نتج عنهــا تفــرد الواليــات المتحــدة بوضــعية القــوة العظمى‪ ،‬ومــا تبــع ذلــك من تمــدد للنفــوذ األمــريكي في‬

‫القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬وتأثيراتــه في مكانــة فرنســا التقليديــة في هــذه القــارة‪ ،‬كمــا زاد اهتمــام العديــد من القــوى‬

‫الدوليــة بهــذه القــارة‪ ،‬منهــا القــوى األســيوية نتيجــة تطورهــا االقتصــادي‪ ،‬الــذي جعلهــا في حاجــة إلى بعض‬

‫الثروات الطبيعية التي تمتلكها القارة االفريقية‪ ،‬التي كانت تنفرد فرنسا بالسيطرة على أغلبها‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬حاولت فرنسا أن تعتمد استراتيجية جديــدة‪ ،‬لضــمان مصــالحها االســتراتيجية بهــذه القـارة‪،‬‬

‫فالمص ــالح االقتص ــادية تتمث ــل في الحف ــاظ على األس ــواق اإلفريقي ــة لتس ــويق منتجاته ــا الص ــناعية‪ ،‬وك ــذا‬

‫الحصــول على المــوارد الطبيعيــة االســتراتيجية الــتي تمتلكهــا القــارة‪ ،‬لتنميــة الصــناعات الثقيلــة الفرنســية‪،‬‬

‫باإلضافة للمصــالح السياسـية والدبلوماسـية المتمثلـة في الحفـاظ على اسـتقرار األنظمـة السياسـية اإلفريقيـة‬

‫المواليــة لهــا‪ ،‬لضــمان مســاندتها في منظمــة األمم المتحــدة والمؤسســات الدوليــة األخــرى‪ ،‬بمــا يســمح لهــا‬

‫باالحتفاظ بمكانتها دولة كبرى دائمة العضوية في مجلس األمن (الفقرة األولى)‪ ،‬ولتحقيق هذه األهــداف‪،‬‬

‫فاالســتراتيجية الفرنســية تعتمــد على ثالث آليــات أساســية‪ :‬عســكرية‪ ،‬وماليــة‪ -‬اقتصــادية وثقافيــة‪( ،‬الفقــرة‬

‫الثانية)‪.‬‬

‫‪ - 159‬خالد عبد العظيم‪" ،‬القمة الفرنسية اإلفريقية وتفعيل الدور المصري في إفريقيا"‪ ،‬مجلة الساسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،135‬يناير ‪ ،1999‬ص ‪.214‬‬

‫‪95‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المصالح االستراتيجية الفرنسية بإفريقيا‬

‫تتشـ ــعب المصـ ــالح االسـ ــتراتيجية الفرنسـ ــية بالقـ ــارة اإلفريقيـ ــة إلى مصـ ــالح اقتصـ ــادية‪ ،‬سياسـ ــية‬

‫وأمنيـ ــة؛ فمن الناحيـ ــة االقتصـ ــادية تـ ــتركز المصـ ــالح الفرنسـ ــية في القـ ــارة على المحافظـ ــة على أسـ ــواقها‬

‫لتصــريف منتجاتهــا الصــناعية‪ ،‬والحصــول على المــواد األوليــة لتطــوير الصــناعة الفرنســية‪ ،‬نظــرا لكونهــا‬

‫تعاني نقصا في هذه المواد داخل أراضيها‪ ،‬ولقد دعمت فرنسا وجودها االقتصــادي في القــارة اإلفريقيــة‪،‬‬

‫من خالل زيادة التجارة البينيـة مـع العديـد من الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬فمـا زالت تعتـبر المسـتورد األول للمـواد‬

‫الخ ـ ــام‪ ،‬والمص ـ ــدر األول للس ـ ــلع المص ـ ــنعة لبعض ال ـ ــدول الفرنكفوني ـ ــة‪ ،‬كم ـ ــا أن اس ـ ــتثماراتها تعت ـ ــبر أهم‬

‫االســتثمارات األجنبيــة بالقـارة اإلفريقيــة(أوال)‪ ،‬ومن الناحيــة السياســية واألمنيــة‪ ،‬تهــدف فرنســا إلى تحويــل‬

‫الفرنكوفوني ــة من تجم ــع ثق ــافي إلى حرك ــة سياس ــية‪ ،‬إلنش ــاء تجم ــع سياس ــي فرنكوف ــوني في إفريقي ــا‪ ،‬ذي‬

‫صـ ــوت سياسـ ــي يؤخـ ــذ بـ ــه في السـ ــاحة الدوليـ ــة‪ ،‬وهـ ــو مـ ــا يعـ ــني إنشـ ــاء تيـ ــار سياسـ ــي منـ ــاهض للتيـ ــار‬

‫األنغلوساكسوني‪ -‬األمريكي‪ ،‬وذلك للحد من االختراق األمريكي للقارة اإلفريقيـة‪ ،‬كمـا تسـعى فرنسـا إلى‬

‫الحفاظ على استقرار األنظمة اإلفريقية الموالية لها في ظل تزايد التيارات المعارضة لهذه األنظمة‪ ،‬بعــد‬

‫صعود الحركات اإلسالمية بالعديد من دول القارة‪ ،‬سواء الراديكالية منها أو المعتدلة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األهداف االقتصادية‬

‫كــانت إفريقيــا تمثــل نســبة مهمــة من التبــادالت التجاريــة الخــارجي لفرنســا في خمســينيات القــرن‬

‫الماضـــي حـــوالي ‪ %40‬ســـنة ‪ ،1957‬لكن حاليـــا لم يعـــد لهـــا إال مكان ــة هامش ــية في العالق ــات التجاريـــة‬

‫الخارجية الفرنسية حوالي ‪ ،%2‬وذلك نتيجة توجه فرنسا نحو الفضاء األوروبي‪ ،‬كما أن هذه المبــادالت‬

‫لم تعد تتم مع الشركاء التقليدين الفرانكفونين لفرنسا‪ ،‬بل أصــبحت تتم مـع نيجيريـا وجنـوب إفريقيـا‪ ،‬الـتي‬

‫تستحوذ على ‪ %50‬من قيمة هذه المبادالت مع القارة اإلفريقية‪.160‬‬

‫‪160‬‬
‫‪- La commission des affaires étrangères de l’Assemblée Nationale, Rapport d’information sur « la politique‬‬
‫‪de la France en Afrique », N° 1332, Décembre 2008, p 14. consulté le 12/12/20014:‬‬
‫‪http://www.assemblee-nationale.fr/13/pdf/rap-info/i1332.pdf.‬‬

‫‪96‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ولق ــد تراج ــع حجم المب ــادالت التجاري ــة لفرنس ــا م ــع المنطق ــة الفرنكوفوني ــة إلى نس ــبة ‪ %1‬س ــنة‬

‫‪ ،2006‬وتجدر اإلشارة إلى أن ربع صادرات هـذه المنطقـة خالل السـنة نفسـا تـوجهت نحـو فرنسـا‪ .‬أمـا‬

‫الصادرات الفرنسية نحـو إفريقيـا‪ ،‬بمـا فيهـا المنطقـة المغاربيـة‪ ،‬فقـد تـراجعت من ‪ %8,7‬عـام ‪ 1970‬إلى‬

‫‪ %5,6‬سنة ‪ ،2006‬في حين شكلت إفريقيا ما نسبته ‪ %4,5‬من الواردات الفرنسية خالل الســنة نفســها‪.‬‬

‫وحققت فرنســا من هــذه المبــادالت التجاريــة فائضــا تجاريــا قــدر ســنة ‪ 2004‬ب ‪ 3,2‬مليــار أورو‪ .‬منهــا‬

‫‪ 1,8‬مليار أورو مع إفريقيا الجنوبية‪.161‬‬

‫في سنة ‪ 2010‬حققت فرنسا فائضا تجاريا بلغ حوالي ‪ 3,2‬مليار أورو حســب المعهــد الوطــني‬

‫الفرنسي لإلحصاء‪ ،‬لكونها تعتبر المزود الثاني للقـارة اإلفريقيــة خالل الســنة نفســها‪ ،‬وذلــك بنســية ‪%8,9‬‬

‫بعد الصين‪ ،‬التي احتلت المرتبة األولى بنسبة بلغت ‪.162%12,5‬‬

‫وبصــفة عامــة‪ ،‬فــإذا كــانت فرنســا تعتــبر المصــدر األول للــدول اإلفريقيــة جنــوب الصــحراء إلى‬

‫حـ ــدود سـ ــنة ‪ ،2002‬فمنـ ــذ ذلـ ــك الحين أصـ ــبحت وضـ ــعيتها تـ ــتراجع‪ ،‬إذ احتلت المرتبـ ــة الثالثـ ــة في سـ ــنة‬

‫‪ ،2003‬أما في سنة ‪ 2006‬فقد تراجعت إلى المرتبـة الرابعـة‪ ،‬لتسـتمر في الـتراجع حـتى أصـبحت تحتـل‬

‫خالل س ــنة ‪ 2011‬المرتب ــة الخامس ــة بع ــد‪ :‬الص ــين والهن ــد والوالي ــات المتح ــدة األمريكي ــة وألماني ــا‪ .‬بحيث‬

‫تــراجعت نســبتها في أســوق هــذه الــدول من ‪ %10,1‬ســنة ‪ 2000‬إلى ‪ %4,7‬ســنة ‪ ،2011‬كمــا يوضــحه‬

‫المبيان أسفله‪:‬‬

‫‪161‬‬
‫‪- Ibid, p 14.‬‬
‫‪162‬‬
‫‪- La commission des affaires étrangères de la défense et des forces armées du Sénat, Rapport d’information‬‬
‫‪sur la présence de la France dans une Afrique convoitée, N° 104, Octobre 2013, p 243. Consulté le‬‬
‫‪16/01/2015:‬‬
‫‪http://www.senat.fr/rap/r13-104/r13-1041.pdf .‬‬

‫‪97‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المبيان رقم ‪ :10‬أهم الدول المصدرة إلفريقيا جنوب الصحراء خالل الفترة ما بين ‪2011-1990‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Rapport au ministre de l’économie et des finances (République Française), Un‬‬


‫‪partenariat pour l’avenir :15 propositions pour une nouvelle dynamique‬‬
‫‪économique entre l’Afrique et la France, Décembre 2013, p 52.‬‬
‫ومــا يمكن تأكيــده هــو أن فرنســا عــرفت تراجعــا كبــيرا في مواقعهــا التاريخيــة بالقــارة اإلفريقيــة‪،‬‬

‫أمام صعود الصين في المبادالت التجاريـة لهـذه الـدول‪ ،‬فخالل المرحلـة الممتـدة مـا بين ‪2011 -1990‬‬

‫أصبحت الصين تتحكم في العديد من األسواق اإلفريقية‪ ،‬فمثال في نيجيريا كانت الصــين ال تملــك ســوى‬

‫‪ %2,3‬خالل سنة ‪ ،1990‬لتنتقل إلى ‪ %7,8‬سنة ‪ ،2000‬لترتفع بشـكل كبـير سـنة ‪ 2011‬لتصــل إلى‬

‫‪ ،%18,5‬أم ـ ــا في جن ـ ــوب إفريقي ـ ــا (‪ %1‬س ـ ــنة ‪ 2000 %5,1 ،1990‬و‪ .)2011 %15,1‬وبالس ـ ــنبة‬

‫للكاميرون (‪ %0,8‬سنة ‪ %3,1 ،1990‬في ‪ %15 ،2000‬سنة ‪ ،)2011‬وتبلـغ حصـتها في كينيـا نفس‬

‫حصة الهند (‪ %0,6‬في ‪ %6 ،1990‬في ‪ %17,6 ،2000‬في سنة ‪ .2011‬والشيء نفسه ينطبق على‬

‫الكوت ديفوار (‪ %1‬في ‪ %7,5 ،1990‬سنة ‪ %8,3 ،2000‬سنة ‪.)2011‬‬

‫‪98‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وهو مـا نتج عنـه تراجـع فرنسـا في هـذه األسـواق على الشـكل اآلتي‪ 6,4 :‬نقـط في نيجيريـا‪4 ،‬‬

‫في كينيــا‪ ،‬و‪ 0,8‬في جنــوب إفريقيــا‪ 17,1 ،‬في الكــوت ديفــوار‪ 22,2 ،‬في الكــاميرون‪ .163‬وكــذلك فقــدت‬

‫حصصــا كبــيرة من األســواق اإلفريقيــة أمــام كــل من الواليــات المتحــدة وألمانيــا اللــتين اســتطاعتا الصــمود‬

‫أمـــام الق ــوى اآلســـيوية‪ ،‬إذ اســـتطاعت الوالي ــات المتحـــدة األمريكي ــة أن تحاف ــظ على حص ــتها في الســـوق‬

‫الكاميروني ــة ‪ %3,5‬س ــنة ‪ ،2011‬ونيجيري ــا ‪ %8,2‬س ــنة ‪ ،2011‬م ــع تراج ــع طفي ــف في جن ــوب إفريقي ــا‬

‫‪ %6,1‬ســنة ‪ ،2011‬مقابــل ‪ %10,7‬ســنة ‪ .2000‬أمــا ألمانيــا فهي األخــرى حــافظت على وجودهــا بهــذه‬

‫األسـ ـ ــواق على الـ ـ ــرغم من ضـ ـ ــعفها‪ ،‬الـ ـ ــذي يـ ـ ــتراوح مـ ـ ــا بين ‪%2‬و ‪ %3‬في كـ ـ ــل من الكـ ـ ــوت ديفـ ـ ــوار‪،‬‬

‫والكاميرون‪ ،‬وكينيا‪.164‬‬

‫ولقد ارتفعت الصادرات الفرنسية نحو إفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬من ‪ 6,3‬مليار دوالر أمريكي‬

‫ســـنة ‪ 1990‬إلى ‪ 7,7‬مليـــار دوالر ســـنة ‪ ،2000‬لتصـ ــل إلى ‪ 17,5‬ملي ــار دوالر س ــنة ‪ .2011‬أي أن‬

‫الصادرات الفرنسية اتجاه الدول اإلفريقية جنوب الصحراء نمت خالل العقد الماضي بنسبة ‪ ،%126‬ما‬

‫بين ‪ 2000‬و‪ ،2011‬مقابــل نموهــا بنســبة ‪ %23‬خالل العقــد األخــير من القــرن الماضــي‪ .‬ولقــد أدت هــذه‬

‫الزيادة في الصادرات الفرنسـية نحـو هـذه الـدول إلى خلـق ‪ 80000‬منصــب شـغل بفرنسـا مـا بين ‪2000‬‬

‫و‪.2011‬‬

‫وتمثــل جنــوب إفريقيــا ونيجيريــا والغــابون والكــاميرون والكــوت ديفــوار أهم وجهــة للصــادرات‬

‫الفرنسية خالل الفترة ما بين ‪2000‬و‪ .1652011‬أما في مــا يخص دول شــمال إفريقيــا فقـد وطــدت فرنســا‬

‫شــراكتها االقتصــادية معهــا‪ ،‬ممــا مكنهــا من احتالل مركــز خــاص بالنســبة لــدول االتحــاد األوروبي بهــذه‬

‫ال ــدول‪ ،‬بحيث تس ــتحوذ على حص ــص مهم ــة من أس ــواقها‪ ،‬ففي س ــنة ‪ 2011‬وص ــلت نس ــبتها في الس ــوق‬

‫‪163‬‬
‫‪- Rapport au ministre de l’économie et des finances (République Française), Un partenariat pour‬‬
‫‪l’avenir :15 propositions pour une nouvelle dynamique économique entre l’Afrique et la France,‬‬
‫‪Décembre 2013, p 53.‬‬
‫‪164‬‬
‫‪- Ibid, p 53- 54.‬‬
‫‪165‬‬
‫‪- Ibid, p 56-57.‬‬

‫‪99‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المغربي ــة ‪ ،%13,5‬و ‪ %17‬من الس ــوق الجزائري ــة‪ ،‬و‪ %19‬من الس ــوق التونس ــية‪ .‬كم ــا تض ــاعف حجم‬

‫صادراتها نحو هذه الدول بالرغم من األحداث التي عرفتها المنطقة في السنوات األخيرة‪.‬‬

‫تطور الصادرات الفرنسية نحو إفريقيا خالل المرحلة ‪2011-1990‬‬ ‫المبيان رقم ‪:11‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Rapport au ministre de l’économie et des finances, Un partenariat pour‬‬


‫‪l’avenir :15 propositions pour une nouvelle dynamique économique‬‬ ‫‪entre‬‬
‫‪l’Afrique et la France, op, cit, p 57.‬‬
‫ولضــمان حفاظهــا على هــذه المكانــة االقتصــادية بهــذه الــدول‪ ،‬تســتثمر الشــركات الفرنســية بشــكل‬

‫مكثــف خاصــة في المغــرب‪ ،‬إذ وصــلت قيمــة اســتثماراتها بــه في ســنة ‪ 8,3 2011‬مليــار أورو‪ ،‬أي مــا‬

‫يمثل ‪ %53‬من مجموع االستثمارات الفرنسية بهذه المنطقة‪.166‬‬

‫وتجدر اإلشـارة إلى أنـه في سـنة ‪ 2011‬تـوجهت ‪ %17‬من مجمـوع الصــادرات الفرنسـية نحـو‬

‫إفريقيـا‪ ،‬في حين اسـتوردت منهـا ‪ %13‬من مجمـوع وارداتهـا الخارجيـة‪ .167‬وتتكـون الـواردات الفرنسـية‬

‫أساس ــا من الم ــوارد الطاقي ــة‪ ،‬حيث ش ــكل الب ــترول الخ ــام والغ ــاز الط ــبيعي ‪ %55‬من ه ــذه ال ــواردات عــام‬

‫‪166‬‬
‫‪- Ibid, p62.‬‬
‫‪167‬‬
‫‪- La commission des affaires étrangères de la défense et des forces armées du Sénat, Rapport d’information‬‬
‫‪sur la présence de la France dans une Afrique convoitée, op, cit, p 243.‬‬

‫‪100‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ ،2011‬ومن أهم الـــدول الـــتي تســـتورد منهـــا فرنســـا هـــذه المـــواد هي نيجيري ــا وأنغ ــوال والجزائـــر‪ ،‬كمـــا‬

‫تس ــتورد أيض ــا الفواك ــه االس ــتوائية والكاك ــاو من دول إفريقي ــا الغربي ــة‪ ،‬في حين تتك ــون بني ــة الص ــادرات‬

‫الفرنسية نحو القارة اإلفريقية أساسا من المواد ذات التكنولوجيا العليا (الطــيران والصــيدلة) الشــيء الــذي‬

‫يمكنهـــا من ضـ ــمان تنافســـيتها على مســـتوى القـــارة اإلفريقيـــة‪ ،‬فب ــالرغم من المنافس ــة الشرســـة للصـ ــين‪،‬‬

‫ارتفعت حصـ ــة فرنسـ ــا في السـ ــوق اإلفريقيـ ــة في مجـ ــال الطـ ــيران ب ‪ 21,7‬نقطـ ــة‪ ،‬مـ ــا بين ‪ 2000‬و‬

‫‪ ،2010‬نتيجة بيع طائرات "إرباص" لجنوب إفريقيا‪.‬‬

‫ولقد توجهت الصادرات الفرنسية خالل سنة ‪ 2011‬إلى عدد قليـل من الـدول اإلفريقيـة وهي‪:‬‬

‫المغـ ــرب والجزائـ ــر وتـ ــونس ومصـ ــر وجنـ ــوب إفريقيـ ــا ونيجيريـ ــا والسـ ــنغال والكـ ــاميرون والغـ ــابون‪ .‬أمـ ــا‬

‫ال ــواردات الفرنس ــية خالل الس ــنة نفس ــها فاس ــتوردت أغلبه ــا من ع ــدد قلي ــل من ال ــدول اإلفريقي ــة‪ :‬نيجيري ــا‬

‫والجزائر والمغرب وتونس ومصر وليبيا وأنغوال وجنوب إفريقيا‪.168‬‬

‫والمالحظ أن بنية عالقاتها التجارية مع دول القارة اإلفريقية‪ ،‬ال تختلف مع العالقات التجاريــة‬

‫الــتي تربــط هــذه البلــدان مــع بــاقي القـوى الدوليــة‪ ،‬ففي ســنة ‪ 2012‬كــان أغلب صــادراتها نحــو هــذه الــدول‬

‫تتكــون من المــواد الصــناعية بنســبة ‪ ،%93‬أمــا وارداتهــا من هــذه الــدول فهي عبــارة عن المــواد األوليــة‬

‫بنسبة ‪ %70‬في السنة نفسها‪ ،‬أغلبها من البترول‪.‬‬

‫وقد سـجلت فرنسـا عجـزا تجاريـا مـع دول إفريقيـا جنـوب الصـحراء‪ ،‬خاصـة المصـدرة للبـترول‬

‫سنة ‪ 2012‬بلغ ما قيمته ‪ 275‬مليون أورو‪ ،‬في حين سجلت فائضــا تجاريــا في ســنة ‪ 2011‬بلغت قيمتــه‬

‫‪ 538‬مليــون أورو‪ ،‬وذلــك الرتفــاع الــواردات من غينيــا االســتوائية الــتي تضــاعفت قيمتهــا ب ‪ %4,5‬مــا‬

‫بين ‪ 2011‬و‪.1692012‬‬

‫‪168‬‬
‫‪- Ibid, p 244.‬‬
‫‪169‬‬
‫‪- Rapport au ministre de l’économie et des finances, Un partenariat pour l’avenir :15 propositions pour‬‬
‫‪une nouvelle dynamique économique entre l’Afrique et la France, op, cit, p 52.‬‬

‫‪101‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أمــا في مــا يخص االســتثمارات الفرنســية بإفريقيــا فقــد بلغت ‪ 2.07‬مليــون أورو ســنة ‪،1992‬‬

‫لتصـــل إلى ‪ 4,9‬مليـــار أورو ســـنة ‪ ،2004‬أي مـــا يشـــكل ‪ %1,5‬من االس ــتثمارات الخارجيـــة المباشـــرة‬

‫الفرنسية في العالم‪ ،‬بهذا احتلت فرنسا المرتبة الرابعة خالل هذه السنة من حيث االستثمار بإفريقيا بعــد‬

‫ك ــل من بريطاني ــا والوالي ــات المتح ــدة األمريكي ــة وهولن ــدا‪ .‬واس ــتحوذت المنطق ــة الفرنكفوني ــة على نس ــبة‬

‫‪ %20‬من كميــة هــذه االســتثمارات‪ ،‬ثالثــة أربــاع منهــا تــتركز في كــل من‪ :‬الغــابون والكــاميرون والكــوت‬

‫ديفــوار والكونغــو برازفيــل‪ ،‬أمــا خــارج هــذه المنطقــة فاالســتثمارات الفرنســية تــوجهت لتحقيــق المص ــالح‬

‫االقتصادية للحصول على المعادن والنفط‪ ،‬من أنغوال ونيجيريا‪.170‬‬

‫ولقد زادت كمية االستثمارات الفرنسية بالقارة اإلفريقية خالل المرحلة مــا بين ‪2011-2005‬‬

‫إذ انتقلت من ‪ 12.950‬مليون أورو سنة ‪ 2005‬لتصل إلى ‪ 39.140‬مليـون أورو سـنة ‪ ،2011‬وبـذلك‬

‫بلــغ حجم االســتثمار الفرنســي بإفريقيــا نســبة ‪ %4‬من حجم االســتثمارات الفرنســية بالخــارج كمــا يوضــحه‬

‫الجدول أسفله‪.‬‬

‫‪ :4‬كمية االستثمارات الفرنسية الخارجية بإفريقيا خالل الفترة ما بين ‪ 2011-2005‬بالمليون أورو‬ ‫الجدول رقم‬

‫‪2011‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪2009‬‬ ‫‪2008‬‬ ‫‪2007‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪2005‬‬


‫كمية االستمارات‬
‫‪15723‬‬ ‫‪16152‬‬ ‫‪14816‬‬ ‫‪12223‬‬ ‫‪9688‬‬ ‫‪8210‬‬ ‫‪6577‬‬
‫الفرنسية بشمال إفريقيا‬
‫كمية االستثمارات‬
‫‪23417‬‬ ‫‪19746‬‬ ‫‪16124‬‬ ‫‪13717‬‬ ‫‪12705‬‬ ‫‪8257‬‬ ‫‪6374‬‬ ‫الفرنسية بإفريقيا جنوب‬
‫الصحراء‬
‫كمية االستثمارات‬
‫‪39140‬‬ ‫‪35898‬‬ ‫‪30940‬‬ ‫‪25940‬‬ ‫‪22393‬‬ ‫‪16467‬‬ ‫‪12950‬‬
‫الفرنسية بإفريقيا‬
‫‪78025‬‬ ‫كمية االستثمارات‬
‫‪948898‬‬ ‫‪880898‬‬ ‫‪71323‬‬ ‫‪636836‬‬ ‫‪578849‬‬ ‫‪551515‬‬
‫‪5‬‬ ‫الفرنسية الخارجية‬
‫‪4,1%‬‬ ‫‪4,1%‬‬ ‫‪4,0%‬‬ ‫‪3,6%‬‬ ‫‪3,5%‬‬ ‫‪2,8%‬‬ ‫‪2,3%‬‬ ‫نسبة إفريقيا من‬
‫االستثمارات الفرنسية‬
‫‪170‬‬
‫‪- La commission des affaires étrangères de l’Assemblée Nationale, Rapport d’information sur « la politique‬‬
‫‪de la France en Afrique », op, cit, p 14.‬‬

‫‪102‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الخارجية‬
‫نسبة شمال إفريقيا من‬
‫‪1,7%‬‬ ‫‪1,8%‬‬ ‫‪1,9%‬‬ ‫‪1,7%‬‬ ‫‪1,5%‬‬ ‫‪1,4%‬‬ ‫‪1,2%‬‬ ‫االستثمارات الفرنسية‬
‫الخارجية‬
‫نسبة إفريقيا جنوب‬
‫‪2,5%‬‬ ‫‪2,2%‬‬ ‫‪2,1%‬‬ ‫‪1,9%‬‬ ‫‪2,0%‬‬ ‫‪1,4%‬‬ ‫‪1,2%‬‬ ‫الصحراء من االستمارات‬
‫الفرنسية الخارجية‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Rapport au ministre de l’économie et des finances, Un partenariat pour‬‬


‫‪l’avenir :15 propositions pour une nouvelle dynamique économique‬‬ ‫‪entre‬‬
‫‪l’Afrique et la France, op, cit, p 63.‬‬
‫وتــوجهت هـذه االســتثمارات أساســا إلى كــل‪ :‬من المغــرب ونيجيريــا وأنغــوال والجزائــر ومصــر‬

‫والكونغـو وجنـوب إفريقيـا‪ .‬ومن حيث تـدفقات االسـتثمارات الفرنسـية تمثـل إفريقيـا جنـوب الصــحراء أقــل‬

‫من ‪ 5‬مليارات أورو سنويا‪ ،‬أغلبها يتركز في‪ :‬الغابون والكـاميرون والكـوت ديفـوار والكونغـو ونيجيريـا‬

‫وأنغــوال‪ .‬وذلــك الســتخراج المــواد الطاقيــة‪ ،‬لحمايــة المصــالح االقتصــادية الفرنســية‪ ،‬وهــذا مــا يفســر أيضــا‬

‫ارتفــاع هــذه االســتثمارات في نيجيريــا وأنغــوال على الخصــوص‪ ،‬حيث إن ‪ %25‬من الــواردات الفرنســية‬

‫من البــترول الخــام يــأتي من القــارة اإلفريقيــة خالل الســنة نفســها‪ ،‬وذلــك من كــل من نيجيريــا بنســبة ‪%8‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪171‬‬
‫والجزائر‪ %7‬وليبيا ‪ %5‬وأنغوال ‪ %4‬والغابون والكونغو بنسبة ‪%1‬‬

‫كم ــا يت ــبين من خالل الج ــدول أعاله أن االس ــتثمارات الفرنس ــية في إفريقي ــا جن ــوب الص ــحراء‬

‫ابتداء من سنة ‪ ،2006‬بدأت تفوق استثماراتها بدول شـمال إفريقيـا‪ ،‬وهـو مـا يمكن تفسـيره باتجـاه فرنسـا‬

‫للحف ــاظ على مص ــالحها ب ــدول إفريقي ــا جن ــوب الص ــحراء‪ ،‬خصوص ــا في ظ ــل المنافس ــة الص ــينية في ه ــذه‬

‫المنطق ــة‪ ،‬فاالس ــتثمارات الص ــينية مثال في ك ــل من‪ :‬نيجيري ــا وأنغ ــوال والس ــودان‪ ،‬ع ــرفت ارتفاع ــا كب ــيرا‬

‫خالل العقد األخير‪ ،‬باإلضافة إلى تنامي االستثمارات الهندية في المنطقة نفسها‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫‪- La commission des affaires étrangères de la défense et des forces armées du Sénat, Rapport d’information‬‬
‫‪sur la présence de la France dans une Afrique convoitée, op, cit, p 246‬‬

‫‪103‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ولإلش ــارة‪ ،‬فالش ــركة الفرنس ــية "طوط ــال" تنتش ــر في ‪ 50‬دول ــة إفريقي ــة‪ ،‬ع ــبر فروعه ــا للتوزي ــع‬

‫واالس ــتخراج‪ ،‬إذ تش ــكل إفريقي ــا ‪ %31‬من قيم ــة إنتاجه ــا‪ ،‬و‪ %28‬من احتياطاته ــا‪ ،‬و‪ %50‬من إمكاني ــات‬

‫التنقيب الحاليــة‪ .‬وحســب "جاك مارو" مــدير الفــرع اإلفــريقي "لطوطــال"‪ ،‬فالشــركة تــتركز أساســا في خليج‬

‫غينيا‪ ،‬كما تعمل أيضا على توسيع انتشارها في القارة اإلفريقية‪ ،‬إذ زاد عـدد الـدول الـذي توجـد بهـا هـذه‬

‫الش ــركة ب ‪ 7‬دول خالل س ــنتين‪ ،‬أي أنه ــا أص ــبحت توج ــد في ‪ 18‬دول ــة إفريقي ــة على مس ــتوى التنقيب‬

‫واالستخراج‪.172‬‬

‫وتج ــدر االش ــارة إلى ك ــون المق ــاوالت الفرنس ــية تعت ــبر الس ــوق اإلفريقي ــة هامش ــية مقارن ــة م ــع‬

‫األســواق األخــرى‪ ،‬خصوصــا األســواق األســيوية منهــا‪ ،‬وهــذا يشــكل تناقضــا‪ ،‬ففي الــوقت الــذي تــترك فيــه‬

‫المق ــاوالت الفرنس ــية إفريقي ــا جن ــوب الص ــحراء‪ ،‬ت ــوجهت الش ــركات الص ــينية والهندي ــة إلى ه ــذه األس ــواق‬

‫بقـــوة‪ ،‬فحسـ ــب "فليب هيكــون" ( ‪ )Philippe Hugon‬فـ ــإن جاذبيـ ــة إفريقيـ ــة للمق ــاوالت الفرنسـ ــية تبقى‬

‫ضعيفة‪ ،‬بسبب الصورة السلبية للقارة في أوساط المقاولين الفرنسيين‪ ،‬باإلضافة إلى رغبة الشــركات في‬

‫تحقي ـ ــق ال ـ ــربح الس ـ ــريع من اس ـ ــتثماراتها على الم ـ ــدى المتوس ـ ــط‪ ،‬وه ـ ــو م ـ ــا يؤك ـ ــده "أنطـــوني بـــوتيلي" (‬

‫‪ )Anthony Bouthelier‬ن ـ ــائب رئيس المجلس الفرنس ـ ــي للمس ـ ــتثمرين بإفريقي ـ ــا‪ ،‬إذ الح ـ ــظ‪" :‬أن ـ ــه‬

‫باس ـ ــتثناء قط ـ ــاع الهي ـ ــدروكربورات‪ ،‬ال توج ـ ــد أي مقاول ـ ــة أو ش ـ ــركة فرنس ـ ــية تض ـ ــع إفريقي ـ ــا في قم ـ ــة‬

‫اهتماماتها‪ ،‬بسبب الصورة السلبية للقارة من طرف هذه المقاوالت‪ ،‬وتبقى الشركات القديمة هي صاحبة‬

‫االستثمارات حاليا"‪.‬‬

‫كما يمكن تفسير هذا التوجه بالمنافسة الشرسة من طرف المقاوالت اآلسيوية‪ ،‬وحسب "ميشيل‬

‫بوغي" (‪ )Michel beuret‬و"ســرج ميشــيل" (‪ )Serge Michel‬في كتابهمــا ‪la Chineafrique-‬‬

‫‪ Pékin à la conquête du continent‬الصادر سنة ‪ ،2008‬فإن تراجع الشركات الفرنسية بإفريقيا‬

‫يكون لصالح الشركات الصينية‪ ،‬ويتجلى هذا في كثير من القطاعات‪ ،‬كقطاع البناء واألشــغال العموميــة؛‬

‫‪172‬‬
‫‪- Ibid, p 246.‬‬

‫‪104‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫حيث أص ــبحت هــذه الشــركات تســيطر على عقــود مهمــة بأثمــان تقــل عن نظيرتهــا الفرنســية بنســبة ‪30‬‬

‫حـ ــتى ‪ ،%50‬كـ ــذلك في مجـ ــال المـ ــاء والخشـ ــب‪ ،‬وحسـ ــب الكـ ــاتبين فالمق ــاوالت الفرنسـ ــية ال تتنـ ــافس مـ ــع‬

‫الشركات‪ ،‬بـل مـع الدولـة الصـينية الـتي تعمـل على عقـد شـراكات مـع العديـد من الـدول اإلفريقيـة في هـذه‬

‫المجاالت‪ .173‬وعلى الرغم من ذلـك‪ ،‬فحسـب التقريـر الصـادر عن مـؤتمر األمم المتحـدة للتجـارة والتنميـة‬

‫ســنة ‪ ،2013‬ففرنســا خالل ســنة ‪ 2011‬تعتــبر أكــبر مســتثمر بالقــارة اإلفريقيــة‪ ،174‬كمــا يوضــحه المبيــان‬

‫رقم ‪.7‬‬

‫ثانيا‪ :‬األهداف السياسية واألمنية‬

‫لم تكن النخب ـ ــة السياس ـ ــية الفرنس ـ ــية تعتق ـ ــد أن حص ـ ــول مس ـ ــتعمراتها الس ـ ــابقة في إفريقي ـ ــا على‬

‫االســتقالل يعــني انحســار نفوذهــا‪ ،‬بــل لم تتقبــل فكــرة اســتقالل هــذه الــدول عنهــا‪ .‬لقــد أدركت فرنســا بعــد‬

‫الحرب العالمية الثانية أن مجال المنافسة بين القوتين العظميين سـوف يـتركز في أوروبـا وآسـيا والشـرق‬

‫األوس ــط‪ ،‬وأن إفريقي ــا هي المج ــال ال ــدولي األوح ــد واألنس ــب لممارس ــة نفوذه ــا‪ ،‬بص ــفتها ق ــوة اس ــتعمارية‬

‫سابقة‪.175‬‬

‫وحرصــت فرنســا على وجودهــا في المنــاطق ذات األهميــة االســتراتيجية في القــارة‪ ،‬ولعــل ذلــك‬

‫ما يفسر احتفاظها بقاعدة عسكرية في (جيبوتي)‪ ،‬لمراقبة المدخل الجنـوبي للبحـر األحمـر‪ ،‬الممـر المـائي‬

‫البــالغ األهميــة على المســتوى االســتراتيجي والتجــاري‪ ،‬فهــو الرابــط لخطــوط التجــارة العالميــة بين جنــوب‬

‫وشرق آسيا وإ فريقيا والشرق األوسط‪.‬‬

‫كما أيقنت فرنسا ‪-‬كغيرها من القوى الدولية‪ -‬بأهمية الدول اإلفريقية باعتبارها كتلــة تصــويتية‬

‫في األمم المتح ــدة وغيره ــا من المنظم ــات الدولي ــة‪ ،‬فق ــد ك ــانت م ــا بين ‪ 15‬و ‪ 20‬دول ــة إفريقي ــة تص ــوت‬

‫‪173‬‬
‫‪- La commission des affaires étrangères de l’Assemblée Nationale, Rapport d’information sur « la politique‬‬
‫‪de la France en Afrique », op, cit, p15.‬‬
‫‪174‬‬
‫‪- United Nations Conference on Trade and Development, The rise of BRICS FDI in Africa, op, cit, p 10.‬‬
‫‪ - 175‬راوية توفيق‪" ،‬السياسة الفرنسية في إفريقيا‪ ..‬األداة العسكرية في خدمة المصالح االقتصادية ودعــاوى المهمــة الحضــارية"‪ ،‬قــراءات إفريقيــة‪،‬‬
‫العدد العشرون‪ ،‬ربيع اآلخر‪ -‬جمادى األخرى ‪1435‬هـ ‪ /‬أبريل‪ -‬يونيو ‪2014‬م‪ ،‬ص ‪.25‬‬

‫‪105‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لصالح فرنسا في أروقة األمم المتحدة‪ ،‬غير أن هذا الدعم حســب الدبلوماســيين الفرنســين لن يبقى نتيجــة‬

‫تزايد اهتمام القوى الصاعدة بالقارة اإلفريقية‪ ،‬وتزايد مشاركتها في المحافل الدولية‪.176‬‬

‫لذلك كان الحفاظ على االسـتقرار في إفريقيـا هـو الهـاجس الـرئيس للسياسـة الفرنسـية‪ ،‬ولكن أي‬

‫استقرار؟ استقرار األنظمة السياسية القائمة في الحكم؟ أم استقرار الدولة ككل كوحـدة سياسـية بهـا سـكان‬

‫على أرض وهم جزء من إقليم؟‬

‫اعتم ــدت سياس ــة فرنس ــا في إفريقي ــا إب ــان الح ــرب الب ــاردة على تحقي ــق اس ــتقرار يق ــوم على دعم‬

‫األنظمة الحاكمة حتى وإ ن كـانت دكتاتوريـة‪ ،‬وكـان تبـني هـذه السياسـة على أن نظـام الحكم في دولـة مـا‪،‬‬

‫هو األقدر على قمع معارضيه إن حصل على الدعم العسكري والمادي الالزم‪ ،‬وبذلك يتحقـق االسـتقرار‬

‫الــذي يحافــظ على المصــالح االقتصــادية الفرنســية‪ ،‬حــتى وإ ن قضــت األنظمــة اإلفريقيــة الديكتاتوريــة على‬

‫الحقوق السياسية للمواطن اإلفريقي‪ ،‬وبناء على هذا التصور عملت فرنسا على إنشاء العديد من القواعد‬

‫العسكرية بالقارة اإلفريقية‪.177‬‬

‫ثم جــاءت لحظــة الشــك الكــبرى في مصــداقية هــذه السياســة‪ ،‬ومــدى فاعليتهــا في تــأمين مصــالح‬

‫فرنســا‪ ،‬فبعــد نهايــة الحــرب البــاردة‪ ،‬وإ عالن انتصــار المعســكر الليــبرالي والتحــول الغــربي نحــو التبشــير‬

‫بالقيم الديمقراطية‪ ،‬وسقوط العديد من األنظمة الحليفـة لفرنســا‪ ،‬فخالل القمــة الفرنســية‪-‬اإلفريقيــة السادســة‬

‫عش ــرة ع ــام ‪ 1990‬أعلن ال ــرئيس الفرنس ــي "فرانســو ميــتران" أن فرنس ــا س ــوف تتب ــع نهج ــا جدي ــدا في‬

‫عالقاته ــا بال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬وأنه ــا لن تق ــدم مس ــاعدات إال لل ــدول ال ــتي تحق ــق تق ــدما في مس ــار التح ــول‬

‫ال ــديمقراطي‪ ،178‬وذهب مي ــتران إلى أبع ــد من ذل ــك؛ بتأكي ــده أن فرنس ــا لن تل ــتزم بمس ــاعدة األنظم ــة ال ــتي‬

‫تواجه تمردا عسكريا‪ ،‬إال إذا كانت هذه األنظمة ديمقراطية‪ .‬إذ دفع سقوط بعض حلفاء فرنسا في القــارة‬

‫‪176‬‬
‫‪- Paul MELLY and Vincent DARRACQ, A New Way to Engage? French Policy in Africa from Sarkozy‬‬
‫‪to Hollande, Chatham house, May 2013, p 18‬‬
‫‪ -‬بول ميلي وفنسنت داراك‪ ،‬هل هو أسلوب جديد لالنخراط؟ السياسة الفرنسية في إفريقيــا من ســاركوزي إلى أوالنــد‪ ،‬مركز اإلمــارات للدراســات‬
‫والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبوظبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2013‬ص ‪.44‬‬
‫‪ - 177‬خالد عبد العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪ - 178‬بير بيارنيس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.325‬‬

‫‪106‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪-‬كســقط نظــام (جوفينال هابياريمانا) في رونــدا ســنة ‪ 1994-‬في اتجــاه إعــادة التفكــير في عالقــة فرنســا‬

‫بالنظم التسلطية‪.‬‬

‫لكن ما يمكن تأكيده هو أن عنصر العالقات والروابط الشخصــية ظــل أحــد مالمح االســتمرارية‬

‫في العالقــات (الفرنســية اإلفريقيــة)‪ ،‬أمــا دعــوى الديمقراطيــة؛ فقــد اقتصــرت على الضــغط من أجــل تبــني‬

‫تعدديـة حزبيـة‪ ،‬وإ جـراء انتخابـات تعدديـة‪ ،‬دون االهتمـام بـدعم الحريـات السياسـية‪ ،‬وحكم القـانون‪ ،‬والحـد‬

‫من الفس ــاد‪ ،‬ول ــذلك لم يكن غريب ــا أن تتقلص المس ــاعدات الفرنس ــية لل ــدول ال ــتي ك ــانت تح ــرز تق ــدما نح ــو‬

‫الديمقراطيــة في بدايــة التســعينيات‪ ،‬مثــل (بــنين‪ ،‬ومــالي) بينمــا تزيــد للــدول الــتي تحكمهــا قيــادات تســلطية‬

‫تعطي األولوية للمصالح الفرنسية مثل‪ :‬توجو والكاميرون‪.‬‬

‫ولم يكن غريبـ ــا أيضـ ــا أن تسـ ــتمر عالقـ ــات فرنسـ ــا القويـ ــة بنظـ ــام الـ ــرئيس (عم ــر بونج ــو) في‬

‫الج ــابون‪ ،‬ال ــذي حكم بالده لم ــدة تزي ــد على ‪ 40‬عام ــا‪ ،‬ثم بنظ ــام وريث ــه في الس ــلطة (علي بونجــو) ال ــذي‬

‫تــولى الســلطة بعــد وفــاة والــده عــام ‪ ،2009‬ويصــدق األمــر نفســه على الــرئيس التشــادي (إدريس ديــبي)‬

‫ال ــذي وص ــل إلى الس ــلطة ع ــبر انقالب عس ــكري ع ــام ‪ ،1990‬وت ــدخلت فرنس ــا غ ــير م ــا م ــرة لمس ــاندته‬

‫عسكريا أو مخابراتيا‪ ،‬كان آخرها سنة ‪ 2007‬حـتى وصـل األمـر إلى إصـدار مجلس األمن الـدولي بيانـا‬

‫في ‪ 6‬فــبراير ‪ 2007‬بمســعى فرنســي‪ ،‬يســمح لهــا ولغيرهــا من الــدول الراغبــة في ذلــك‪ ،‬بالتــدخل المباشــر‬

‫لدعم حكومة الرئيس "ديبي" "الشرعية"‪.179‬‬

‫ومن األبعــاد الــتي كــانت محال إلعــادة النظــر كــذلك في السياســة الفرنســة تجــاه إفريقيــا‪ ،‬طبيعــة‬

‫الدور الذي تقوم به مؤسسة الرئاسة من خالل وحدة إفريقيا في اإلليزيه‪ ،‬في رسم هذه السياسة‪ ،‬فقد ساد‬

‫النقــاش خالل العقــدين الماضــيين حــول ضــرورة إضــفاء الشــفافية والطــابع المؤسســي على سياســة فرنســا‬

‫اإلفريقيــة‪ ،‬وســاعد على ذلــك اختفــاء شخصــيات مــؤثرة مثــل (جــاك فوكــار) مهنــدس العالقــات الفرنســية‪-‬‬

‫‪ - 179‬هاني رسالن‪" ،‬كيف نجا نظام الرئيس إدريس ديبي من السقوط؟" ملف األهرام االستراتيجي‪ ،‬العدد ‪ ،159‬مارس ‪ ،2007‬ص ‪.26‬‬

‫‪107‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اإلفريقي ــة‪ ،‬والمستش ــار الرئاس ــي لش ــؤون إفريقي ــا من ‪ 1974-1960‬في عه ــد "شــارل ديجــول" و"جــورج‬

‫بومبيدو" ثم من ‪ 1998-1986‬في عهد "فرانسوا ميتران" و"جاك شيراك"‪.180‬‬

‫وعلى المسـ ــتوى المؤسسـ ــي؛ شـ ــكلت المنظمـ ــة الفرانكفونيـ ــة‪ ،‬والقمم اإلفريقيـ ــة‪-‬الفرنسـ ــية منـ ــابر‬

‫جمعت فرنســا –بشــكل دوري‪ -‬بالقــادة األفارقــة‪ ،‬لتوطيــد وجودهــا السياســي واالقتصــادي والثقــافي بالقــارة‬

‫اإلفريقيــة‪ ،‬ففرنســا تهــدف إلى تحويــل الفرانكفونيــة من مجــرد تجمــع ثقــافي إلى حركــة سياســية لهــا صــوت‬

‫سياسي يؤخذ به في الساحة الدولية‪ ،‬وهو مـا يعـني إنشـاء تيـار سياسـي منـاهض للتيـار األنجلوسكسـوني‪-‬‬

‫األمريكي‪ ،‬تجتمع تحت مظلته جميع الدول الهادفة إلى الحد من الهيمنة األمريكية‪.181‬‬

‫أما على المسـتوى األمـني في إفريقيـا‪ ،‬ففرنسـا تعتـبر الدولـة االسـتعمارية السـابقة الوحيـدة‪ ،‬الـتي‬

‫أبقت على قوات عسكرية في إفريقيا بعد موجـة تحـرر واسـتقالل دولهـا خالل سـتينيات القـرن الماضـي‪،‬‬

‫بتوقيعهــا ثمــان اتفاقيــات للــدفاع مــع الــدول اإلفريقيــة التاليــة‪( :‬الكــاميرون وإ فريقيــا الوســطى وجــزر القمــر‬

‫وساحل العاج وجيبوتي والجابون والسنغال وتوجو)‪ ،‬كما وقعت مع هذه الدول وغيرها اتفاقيات للتعاون‬

‫العسكري‪ ،‬تضمنت مساعدات للجيوش اإلفريقية‪ ،‬ومنحا دراسية وتدريبية للضباط األفارقة‪.182‬‬

‫وقد مرت االستراتيجية العسكرية الفرنسية تجاه إفريقيا بمراحل وتطورات مهمة عبر عقود‪ ،‬فمن‬

‫االحتالل واالستعمار العسكري المباشر في القرنين ‪ ،20-19‬إلى إقامة قواعد عسكرية دائمة في بعض‬

‫الدول المركزية‪ ،‬في مختلف دول القارة‪ ،‬من جيبوتي شرقا‪ ،‬مرورا بتشاد‪ ،‬وإ فريقيا الوسطى في‬

‫الوسط‪ ،‬وصوال إلى السنغال والكاميرون وساحل العاج والغابون غربا‪.‬‬

‫‪ - 180‬للتوسع في دور "جاك فوكار" في السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا راجع كتاب‪:‬‬
‫‪- Pierre BIARNES, Les français en Afrique noire de Richelieu à Mitterrand , Armand Colin, Paris 1987.‬‬
‫‪ - 181‬يوناس بول دي مانيال‪" ،‬الدور الفرنسي في إفريقيا‪ ..‬تاريخه وحاضره ومستقبله"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العـدد الحـادي عشـر‪ ،‬محـرم‪ -‬ربيـع األول‬
‫‪1433‬هـ‪ /‬يناير‪ -‬مارس ‪2012‬م‪ ،‬ص ‪63‬‬
‫‪- Philippe HUGON , Géopolitique de l’Afrique, Sedes,‬‬
‫‪182‬‬
‫‪paris, 3édition, 2012, p 304 .‬‬

‫‪108‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وفي ظل النظام العالمي الجديد اضطرت فرنسا لتطوير سياساتها في التعاون العسكري مع‬

‫إفريقيا‪ ،‬فاعتمدت خطة حديثة تقوم على فكرة إنشاء قوات للتدخل السريع‪ ،‬وتوزيع األدوار على القواعد‬
‫‪183‬‬
‫العسكرية حسب خطورة األزمة اإلفريقية‪.‬‬

‫وذل ـ ــك لك ـ ــون فرنس ـ ــا أدركت أن تحقي ـ ــق األمن بالق ـ ــارة اإلفريقي ـ ــة‪ ،‬ال يمكن تحقيق ـ ــه من خالل‬

‫التــدخالت الخارجيــة‪ ،‬وإ نمــا من خالل بنــاء القــدرات المحليــة واإلقليميــة اإلفريقيــة‪ ،‬وهكــذا أوضــح الــرئيس‬

‫الفرنسي "جاك شيراك" في القمــة العشــرين الفرنســية‪ -‬اإلفريقيــة‪ :‬أن فرنســا تــؤمن أنــه ال بــد من بنــاء بنيــة‬

‫األمن في إفريقيــا وأن عصــر التــدخالت الخارجيــة قــد ولى وانتهى‪ ،‬وفي هــذا اإلطــار أنشــأت فرنســا فرقــة‬

‫إفريقيــة لحفــظ الســالم قوامهــا ‪ 3500‬جنــدي من ثمــان دول في غــرب إفريقيــا‪ ،‬وفي فــبراير ‪ 1998‬قــامت‬

‫هذه الفرقة بمناورات عسـكرية للتـدريب على عمليـات التـدخل السـريع وحفـظ السـالم‪ ،‬واشـتركت في هـذه‬

‫المناورات التي تعد األولى من نوعهـا إلى جـانب فرنسـا‪ ،‬الواليـات المتحـدة وإ نجلـترا‪ ،‬وتـتركز هـذه القـوة‬

‫بكامــل عتادهــا في دكــار‪ ،‬على أن تســتعملها مجموعــة بلــدان المنطقــة في مجــاالت التــدريب والتمــرين‪ ،‬أو‬

‫للقيام بعمليات حفظ السالم بتفويض من األمم المتحدة‪.184‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬آليات تحقيق االستراتيجية الفرنسية بالقارة اإلفريقية‬

‫أوال‪ :‬اآلليات العسكرية‬

‫لقد عملت فرنسا على مراجعة شاملة لسياستها العسكرية بإفريقيا نتيجة اإلخفاقات المتتالية‬

‫التي أصابتها في رواندا والكونغو‪ ،‬باإلضافة إلى تغير الظروف الدولية‪ ،‬ولهذا أصبحت فرنسا تركز‬

‫على دعم المؤسسات األمنية اإلقليمية‪ ،‬من خالل تدريب الجنود األفارقة على عمليات حفظ السالم‬
‫‪185‬‬
‫ومواجهة الكوارث الناتجة عن الحروب‪.‬‬

‫‪ - 183‬بوناس بول دي مانيال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.62-61‬‬


‫‪ - 184‬خالد عبد العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.215‬‬
‫‪ - 185‬بوناس بول دي مانيال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪109‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ففي عهد الرئيس الفرنسي األسبق "جاك شيراك"‪ ،‬دشنت الخارجية الفرنسية عام ‪1997‬‬

‫مشروعا عرف باسم "مشروع إفريقيا"‪ ،‬إلعادة تنظيم الوجود العسكري الفرنسي في القارة السمراء‪،‬‬

‫بحيث يضم خبراء ومستشارين‪ ،‬أكثر مما يضم وحدات عاملة‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬خفضت فرنسا عدد قواتها المقيمة في إفريقيا بنسبة ‪ ،%40‬وقامت بتصفية‬

‫قواعدها العسكرية في القارة‪ ،‬فلم تبق إال على ست قواعد في نهاية التسعينيات‪ ،‬ثم تخفيضها إلى ثالث‬

‫قواعد دائمة في‪ :‬جيبوتي والسنغال (علما أن هذه القاعدة تم تصفيتها في سنة ‪ ،)2010‬والجابون خالل‬

‫العقد األخير‪ ،‬مع االحتفاظ بقوات محدودة في‪( :‬تشاد وكوت ديفوار وإ فريقيا الوسطى)‪.‬‬

‫وعلى الرغم من التوجه الجديد في السياسة الفرنسية تجاه القارة اإلفريقية‪ ،‬الذي يؤكد‬

‫ضرورة إعادة التفاوض حول االتفاقيات العسكرية التي وقعتها فرنسا مع الدول اإلفريقية بعد‬

‫االستقالل‪ ،‬بعد وصول الرئيس سركوزي إلى سدة الرئاسة بفرنسا‪ ،‬الذي وصف هذه االتفاقية بأنها لم‬

‫تعد مناسبة لمتغيرات القارة‪ ،‬وأن حفظ السالم هو وظيفة المنظمات اإلقليمية اإلفريقية‪ ،‬غير أن هذا‬

‫التوجه ال يعني تراجع أهمية إفريقيا في السياسة األمنية والدفاعية لفرنسا خالل العقدين الماضيين‪ ،‬فما‬

‫زالت فرنسا تحتفظ بأغلب قواتها الدولية الدائمة في إفريقيا‪ ،‬فقد أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية في‬

‫فبراير ‪ 2013‬أنه من بين قرابة ‪ 10025‬جندي فرنسي يشاركون في عمليات خارجية‪ ،‬يوجد ‪4610‬‬

‫جندي في غرب إفريقيا‪ ،‬وما يزيد على ‪ 2180‬جندي في وسط إفريقيا‪ ،‬باإلضافة إلى ‪ 270‬فردا‬

‫يشاركون في عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن‪.186‬‬

‫ولقد منحت الخطة االستراتيجية لوزارة الدفاع الفرنسية المعلن عنها في أبريل ‪ 2013‬وضعا‬

‫خاصا إلفريقيا في السياسة األمنية والدفاعية لفرنسا؛ محددة مناطق الساحل اإلفريقي‪ ،‬وخليج غينيا‬

‫‪ - 186‬بول ميلي وفنسنت داراك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪110‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الغني بالنفط‪ ،‬والمغرب العربي‪ ،‬بوصفها مناطق ذات أولوية في التعاون الدفاعي مع الشركاء األفارقة‪،‬‬

‫وقد ربطت الورقة بين االعتبارات االقتصادية واألمنية في صياغة سياسة التعاون في هذه المنطقة‪.‬‬

‫كذلك لم تتراجع سياسة فرنسا عن التدخل األحادي عندما تكون مصالحها االقتصادية مهددة‪،‬‬

‫فباإلضافة إلى تدخلها في تشاد‪ ،‬تدخلت فرنسا في ساحل العاج في أبريل ‪ 2011‬لمساعدة الرئيس‬

‫المنتخب "الحسن واتارا" على السيطرة على تمرد قوات غريمه "لوران جباجبو"‪ ،‬الذي رفض تسليم‬

‫السلطة للرئيس الجديد‪ ،‬كما تدخلت فرنسا في مالي في يناير ‪ 2013‬لمنع تقدم قوات المعارضة الشمالية‬

‫من العاصمة باماكو‪ ،‬بعد إعالن هذه القوات عن دولة مستقلة في الشمال‪ ،‬وإلضفاء الشرعية على‬

‫تدخلها في مالي‪ ،‬طلبت فرنسا الدعم من الحلفاء األوروبيين‪ ،‬لتحمل تكلفة التدخل‪ ،‬كما أقنعت فرنسا‬

‫االتحاد األوروبي بتدريب بعثة قوات حفظ السالم اإلفريقية التي أرسلت إلى مالي‪ ،‬كذلك تتعاون فرنسا‬

‫مع الواليات المتحدة في تنفيذ عملياتها في الساحل اإلفريقي‪ ،‬فخالل زيارة هوالند إلى الواليات المتحدة‬

‫في فبراير ‪ ،2014‬صرح الرئيسان األمريكي والفرنسي أن البلدين يتعاونان في جهود ما يسمونه‬

‫مكافحة اإلرهاب‪ ،‬وأن الواليات المتحدة تقدم الدعم اللوجستي واالستخباراتي لقوات فرنسا واالتحاد‬
‫‪187‬‬
‫اإلفريقي في مالي‪.‬‬

‫وتجدر االشارة إلى أنه مع وصول الرئيس "هوالند" إلى الحكم في فرنسا‪ ،‬أدخل تعديال طفيفا‬

‫على التوجه الفرنسي نحو القارة اإلفريقية‪ ،‬وذلك باعتماد فكرة التدخل الفرنسي المحدود‪ ،‬استنادا إلى‬

‫التأييد الدولي والمحلي‪ ،‬بهدف ظاهر هو الهدف اإلنساني‪ ،‬وآخر أساسي غير ظاهر وهو تحقيق أهداف‬

‫ومصالح فرنسا السياسية واالقتصادية‪ ،‬في ظل تزايد نفوذ القوى الكبرى األخرى بهذه القارة‪،‬‬

‫كالواليات المتحدة والقوى اآلسيوية‪.‬‬

‫‪ - 187‬راوية توفيق‪" ،‬السياسة الفرنسية في إفريقيا‪ ..‬األداة العسكرية في خدمة المصالح االقتصادية ودعاوى المهمة الحضـارية"‪ ،‬مرجـع سـابق‪ ،‬ص‬
‫‪.32-30‬‬

‫‪111‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وابتعد "هوالند" عن فكرة التدخل القسري‪ ،‬دون الحصول على هذه الموافقات‪ ،‬حتى ال يتكرر‬

‫الفرنسية في رواندا عام ‪ ،1994‬التي حملت فيها رواندا عدد من كبار‬ ‫‪188‬‬
‫سيناريو عملية "تركواز"‬

‫السياسيين والضباط الفرنسيين‪ ،‬بينهم الرئيس األسبق فرنسوا ميتران‪ ،‬المسئولية عن مجازر عرقية‬

‫شهدتها البالد بين الهوتو والتوتسي‪ ،‬وأدت إلى مقتل ما يزيد على ‪ 800‬ألف شخص خالل ثالثة أشهر‪.‬‬

‫وي ــبرز الت ــدخل الفرنس ــي في م ــالي وإ فريقي ــا الوس ــطى‪ ،‬بوص ــفه مث ــاال لمالمح االس ــتمرارية في‬

‫السياسـ ـ ــة الفرنسـ ـ ــية في إفريقيـ ـ ــا‪ ،‬فهي نمـ ـ ــاذج السـ ـ ــتخدام األداة العسـ ـ ــكرية لحمايـ ـ ــة المصـ ـ ــالح السياسـ ـ ــية‬

‫واالقتصــادية‪ ،‬تحت غطــاء حمايــة ســيادة الــدول اإلفريقيــة ووحــدة أراضــيها‪ ،‬فالتــدخل الفرنســي في هــاتين‬

‫الدولتين ليس جديـدا‪ ،‬فقـد تـدخلت فيهـا غـير مـا مـرة‪ ،‬وذلـك راجـع للمصـالح االقتصـادية الفرنسـية في هـذه‬

‫المنطقـ ــة‪ ،‬فهي غنيـ ــة بـ ــالموارد الطبيعيـ ــة وبخاصـ ــة‪ :‬الـ ــذهب والمـ ــاس واليورانيـ ــوم‪ .‬فالشـ ــركات الفرنسـ ــية‬

‫تسـ ــتثمر في اليورانيـ ــوم في شـ ــمال إفريقيـ ــا الوسـ ــطى‪ ،‬كمـ ــا أن موقـ ــع هـ ــاتين الـ ــدولتين مهم للوصـ ــول إلى‬

‫المــوارد الطبيعيــة في الــدول المجــاورة‪ ،‬فهي تــؤمن إمــدادات النفــط للشــركات الفرنســية العاملــة في تشــاد‪،‬‬

‫والموارد المعدنية في الكونغو الديمقراطية واليورانيوم في النيجر‪.‬‬

‫إن حالة إفريقيا الوسطى مثالية بامتياز؛ لتحليل األبعاد االستراتيجية الحاكمة للتدخل الفرنسي‬

‫في القارة اإلفريقية‪ ،‬علما أن هذه الحالة ليست األولى‪ ،‬وقطعا لن تكون األخيرة‪ ،‬التي تتدخل فيها‬

‫القوات الفرنسية عسكريا بشكل مباشر في إحدى األزمات الداخلية للقارة‪ ،‬حيث بلغ حجم التدخالت‬

‫العسكرية الفرنسية بالقارة اإلفريقية‪ ،‬وفقا لتقديرات متطابقة‪ ،‬نحو خمسين حالة تدخل منذ العام‬

‫‪.1891960‬‬

‫‪ - 188‬عملية تركواز ‪ : Opération Turquoise‬مهمة إنسانية أطلق عليهـا الفرنسـيون اسـم "تركـواز" في نهايـة شـهر يونيـو ‪ ،1994‬تحت سـتار‬
‫مساعدة الضحايا الروانديين‪ ،‬لكن يذكر تقرير أعده سبعة حقوقيين روانديين‪ ،‬برئاسة وزير العدل السابق جون ديــوو موســيو عــام ‪ ،2007‬يتــألف من‬
‫‪ 166‬صــفحة‪ ،‬أن العمليــة "تركــواز" لم تكن في الحقيقــة ســوى غطــاء الســتكمال مهمــة الفرنســيين العســكرية لمســاعدة ميليشــيات قبيلــة الهوتــو في‬
‫االستمرار بتنفيذ جريمتهم ضد مواطنيهم من أبناء قبيلة التوتسي‪ ،‬ويستشهد التقرير بشهادة نــاجين من المــذابح الرهيبــة‪ ،‬ويتحــدث اولئــك الشــهود عن‬
‫السلوك التأمري الذي اتبعـه الجنـود الفرنسـيون مـع مرتكـبي المـذابح‪( .‬يونـاس بـول دي مانيـال‪" ،‬الـدور الفرنسـي في إفريقيـا‪ ..‬تاريخـه وحاضـره‬
‫ومستقبله‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)21‬‬
‫‪ - 189‬مصطفى شفيق غالم‪(" ،‬أنسنة) القتل‪ :‬التدخل الفرنسي في إفريقيا الوسطى بين العقدي والبرغماتي"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العدد العشــرون‪ ،‬ربيــع‬
‫اآلخر‪ -‬جمادى اآلخرة ‪1435‬هـ‪ ،‬أبريل‪ -‬يونيو ‪2014‬م‪ ،‬ص ‪.37‬‬

‫‪112‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫فإفريقيا الوسطى هي خاصرة القارة اإلفريقية‪ ،‬حيث تتوسط القارة السمراء‪ ،‬جغرافيا وهي‬

‫نقطة انطالق رئيسية لجميع أرجاء القارة‪ ،‬نظرا لكونها تمتلك حدودا جغرافية شاسعة مع ست دول‬

‫إفريقية‪ ،‬وتمتلك موارد طبيعية كبيرة‪ ،‬وبخاصة‪ :‬األلماس واليورانيوم والذهب والنفط‪ ،‬باإلضافة إلى‬

‫األخشاب والطاقة المائية‪ ،‬ويتكون نسيجها االجتماعي من فسيفساء اثنية مختلفة شأنها شأن باقي دول‬

‫إفريقيا جنوب الصحراء‪.190‬‬

‫وباإلضافة إلى امتيازات التنقيب عن النفط‪ ،191‬والهيمنـة على قطـاع االتصـاالت في مـالي‪ ،‬فـإن‬

‫لفرنسا مصالح اقتصادية استراتيجية كبيرة في هذه الدولة‪ ،‬أهمهـا مـا تمتلكـه مـالي والمنطقـة بصــفة عامـة‬

‫من ثروات تعدينية كبيرة‪ :‬خامات اليورانيوم واأللماس والذهب‪ ،192‬ولعل هــذا مــا حــدا بــوزير الخارجيــة‬

‫الفرنسي (لوران فابيوس) إلى القــول في معــرض تســويغه لتــدخل قــوات بالده في جمهوريــة مــالي‪" :،‬لقــد‬

‫كانت المصالح األساسية بالنسبة لنا وألوروبـا وإلفريقيـا على المحـك‪ ،‬لـذلك كـان علينـا التحـرك بسـرعة"‪،‬‬

‫ويبقى على رأس تلـــك المصـــالح الفرنســـية مســـألة الوصـــول إلى اليوراني ــوم في الص ــحراء اإلفريقيـــة‪ ،‬إذ‬

‫تعتمد فرنسا في تلبيــة نحــو ‪ %75‬من احتياجاتهــا من الكهربــاء على الطاقــة النوويــة‪ ،‬أي اعتمادهــا الكبــير‬

‫على خام اليورانيوم‪ ،‬وتشير تقديرات منظمة الطاقة الدولية إلى أن صحراء شـمال مـالي وشـرق الـنيجر‪،‬‬

‫تحتـ ـ ــل المرتبـ ـ ــة الثالثـ ـ ــة في اسـ ـ ــتحواذها على احتياطيـ ـ ــات اليورانيـ ـ ــوم في العـ ـ ــالم‪ ،‬فضـ ـ ــال عن امتالكهـ ـ ــا‬

‫الحتياطيــات كبــيرة من النفــط الخــام‪ .193‬وهــو مــا يفســر كــذلك تخلي فرنســا عن (فرنسوا بوزيزيه) رئيس‬

‫إفريقيا الوسطى بعد اإلطاحة به عام ‪ ،2013‬الذي ســبق لــه هــو اآلخــر أن وصــل إلى الحكم عن طريــق‬

‫انقالب عسكري عــام ‪ 2003‬بــدعم منهــا‪ ،‬إذ أنــه حســب "برنارد باتانا" فاإلطاحــة بــالرئيس بوزيزي جــاء‬

‫عقابــا لــه على توقيــع عقــد مــع الصــين الســتغالل حقــل النفــط في "بارامــا"‪ ،‬وهــو الشــيء الــذي لم تستســغه‬

‫‪ - 190‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.37‬‬


‫‪ - 191‬على شعبان اسطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪119‬‬
‫‪ - 192‬هيلين كلودو‪ -‬هاواد‪" ،‬الطوارق في صميم القضايا االستراتيجية للصحراء الساحلية"‪ ،‬في كتاب‪ :‬أوضـاع العـالم ‪ 2014‬جبـابرة األمس والغـد‪،‬‬
‫مؤسسة الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪2014‬م‪1435 /‬هـ‪ ،‬ص ‪238‬‬
‫‪ - 193‬مادي إبراهيم كانتي‪" ،‬التدخل العسكري في مالي"‪ ،‬مجلة أفاق أفريقية‪ ،‬العدد ‪ ،38‬أبريل ‪ ،2013‬ص ‪.113-112‬‬

‫‪113‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫فرنســا صــاحبة النفــوذ على الــثروات الطبيعيــة في البالد الموروثــة عن الحقبــة االســتعمارية‪ ،194‬وهــو مــا‬

‫تؤكــده العبــارة الشــهيرة الــتي أطلقهــا الــرئيس الفرنســي فرنســو هوالنــد‪ ،‬إثــر تــدخل القــوات الفرنســية في‬

‫مـالي‪" :‬نريـد أن تجـري االنتخابـات في مـالي في نهايـة يوليـو‪ ،‬وال مجـال للنقـاش في هـذا الموضــوع" لكن‬

‫هــل المواعيــد االنتخابيــة في دولــة ذات ســيادة تنــاقش في مكــان آخــر‪ ،‬أو أكــثر من ذلــك هــل تنــاقش بقــرار‬

‫أجنـ ــبي؟ أضـ ــف إلى ذلـ ــك أن فكـ ــرة "لجنـ ــة الحقيقـ ــة والمصـ ــالحة" في مـ ــالي أطلقت من بـ ــاريس‪ ،‬إن هـ ــذه‬

‫المواقف تعتبر خرق مطلقا لمبدأ السيادة أحد أهم مبادئ القانون الدولي‪ ،‬بيــد أنهــا أكــثر مــا تحمــل‪ ،‬أيضــا‪،‬‬

‫بصورة منطقية نفح اإلدالل المتجدد وربما المبالغ فيه حسب برتران بديع ‪.195 Bertrand Badie‬‬

‫وفي اإلطــار نفســه‪ ،‬يمكن أن نعتــبر أيضــا أن فرنســا تحــركت اســتراتيجيا لــدفع الحلــف األطلســي‬

‫للتــدخل في ليبيــا‪ ،‬وفــق الرؤيــة الواقعيــة الــتي تخضــع لهــا سياســاتها الخارجيــة في منطقــة نفوذهــا التقليديــة‪،‬‬

‫وبـدافع التـأثير في مجـرى "ربيـع الثـورات العربيـة"‪ ،‬الـذي فاجأهـا والـذي دارت حولـه العديـد من الشـكوك‬

‫حيال موقفها الداعم لألنظمة الرسمية في تونس والقاهرة‪ ،‬كما ال ننسى بـأن مـا حـدث ينسـجم مـع قناعتهـا‬

‫في تثبيت زعامتها في الشراكة األوروبيـة المتوسـطية بعـد تـرنح ملـف "االتحـاد المتوسـطي"" الـذي لم يلـق‬

‫أي تج ــاوب ي ــذكر مع ــه من الض ــفة الجنوبي ــة‪ ،‬بخاص ــة من ط ــرف نظ ــام القــذافي‪ ،‬ه ــذا‪ ،‬كم ــا يمكن تفس ــير‬

‫المبــادرة الفرنســية كاســتعراض لقوتهــا العســكرية في البحــر األبيض المتوســط‪ ،‬والرفــع من مكانتهــا داخــل‬

‫الحلـف األطلسـي‪ ،‬فضـال عن رفـع أسـهمها في سـوق صـناعة األسـلحة الدوليـة‪ ،‬ثم حصـولها على حصـتها‬

‫من العقود الحقا في إعمار وإ عادة بناء البنية التحتية التي تم تدميرها في ليبيا‪.‬‬

‫وحسب ‪ JEAN Fleury‬في كتابه األزمة الليبية‪ :‬معطى جيوبوليتكي جديــد‪ ،‬فــإن تــدخل حلــف‬

‫النـاتو في األزمـة الليبيـة لم يخـل من المنافسـة بين القـوى الغربيـة‪ ،‬فقـد أوردت صــحيفة "واشـنطن بوسـت"‬

‫في ‪ 15‬أبريل ‪ ،2011‬خبر نفاد الذخيرة الدقيقة لدى ســالح الجــو البريطــاني والفرنســي وتعــذر تعويضــها‬

‫‪ - 194‬برنارد باتانا‪ ،‬إفريقيا الوسطى في مهب العاصفة‪ ..‬تجاذبات الداخل وتنافس الخارج‪( ،‬ترجمة محمد بابـا ولـد الشـيخ)‪ ،‬تقـارير مركـز الجزيـرة‬
‫للدراسات‪ 21 ،‬أبريل ‪ ،2013‬ص ‪,5‬‬
‫‪ -195‬برتران بديع‪ ،‬زمن المذلولين باثولوجيا العالقات الدولية ‪( ،‬ترجمة جان ماجد جبور)‪،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات بالدوحة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬نوفمبر ‪ ،2015‬ص ‪.132‬‬

‫‪114‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بذخيرة أمريكية ألسباب تقنية‪ ،‬فبذلك فالصحافة األمريكية تريد أن تقول ‪ :‬ال تشتروا الطائرات الفرنســية‬

‫وإ ال س ــتواجهون نف ــاد ال ــذخيرة‪" .‬حلف ــاء في الح ــرب لكن متنافس ــون على الص ــعيد التج ــاري‪ ،‬يتعين ت ــذكر‬

‫ذلك"‪.196‬‬

‫إن تدخل الحلف األطلسي في ليبيا يخدم المصالح الغربية بصفة عامة والمصــالح االســتراتيجية‬

‫الفرنســية بصــفة خاصــة في دول المغــرب العــربي كلهــا‪ ،‬فهي تنظــر بتــوجس إلى األهــداف االســتراتيجية‬

‫التي تعمل على تحقيقها قيادة أفريكوم األمريكية‪ ،‬كما يمكن اعتبار تدخلها نوع من التموقــع الجيوسياســي‬

‫للحد من تنــامي المصــالح االقتصــادية الصــينية (بلغت قيمــة االســتثمارات الصــينية آنــذاك ‪ 18‬مليــار دوالر‬

‫وانخفضت مع سقوط القذافي مؤخرا بنسبة ‪ )%53‬في ليبيــا‪ ،‬كمــا أن إســقاط نظــام القـذافي هــو في الــوقت‬

‫نفســه تخلص من نظــام مشــاكس للمصــالح الفرنســية في إفريقيــا‪ ،‬دعــا ســابقا إلى اســتبدال الفرنــك الفرنســي‬

‫بعملة أفريقية في دول الساحل والصحراء‪.197‬‬

‫وتجــدر اإلشــارة إلى أنــه في مطلــع ‪ 2014‬قــررت فرنســا إعــادة توزيــع قواتهــا في دول الســاحل‬

‫اإلف ـ ــريقي لمزي ـ ــد من الفعالي ـ ــة في ص ـ ــراعها م ـ ــع المجموع ـ ــات الجهادي ـ ــة المنتش ـ ــرة في منطق ـ ــة الس ـ ــاحل‬

‫اإلفــريقي‪ ،‬على حــد قــول وزيــر الــدفاع الفرنســي جــان إيــف لورديــان‪ ،‬فهنــاك قواعــد أساســية تضــم جنــودا‬

‫فرنس ــيين في مدين ــة ج ــاو في م ــالي‪ ،‬وني ــامي في ال ــنيجر‪ ،‬وإ نجامين ــا في تش ــاد‪ .‬أم ــا القاع ــدة اللوجيس ــتية‪،‬‬

‫فتتمركز في ميناء أبيدجان في ساحل العاج وتتمركز قوة خاصة في وجادوجو في بوركينا فاسو‪.198‬‬

‫ثانيا‪ :‬اآلليات المالية واالقتصادية‬

‫ترتب ــط س ــت عش ــرة دول ــة من غ ــرب ووس ــط أفريقي ــا بمنطق ــة الفرن ــك الفرنس ــي‪ ،‬مم ــا ي ــتيح له ــا‬

‫التعام ــل بالعمل ــة الفرنس ــية س ــابقا الي ــورو حالي ــا‪ ،‬وتعتم ــد منطق ــة الفرن ــك الفرنس ــي في أدائه ــا على اربع ــة‬

‫مبادئ‪:‬‬
‫‪- 196‬عبد النور بن عنتر‪ ،‬األزمة الليبية‪ :‬معطى جيوبوليتيكي جديد‪ ،‬مراجعات كتب‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 27 ،‬يناير ‪ ،2013‬ص ‪.5‬‬
‫‪ - 197‬حسن مصدق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.136‬‬
‫‪ - 198‬محمد منصور‪" ،‬الدور الحائر‪ :‬السالح الفرنسي بين معضلة التمويل والمخاطر اإلقليمية"‪ ،‬ملحق مجلة السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 202‬أكتوبر‬
‫‪ ،2015‬ص ‪.28‬‬

‫‪115‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ثبات سعر التحويل بين الفرنك األفريقي والفرنك الفرنسي (اليورو حاليــا)‪ ،‬وجــدير بالمالحظــة‬ ‫‪-‬‬

‫أن سعر التحويل استمر من ‪ 1948‬حتى ‪ 1994‬ثابتـا ـ (الفرنـك الفرنسـي يسـاوى خمسـين فرنكـا‬

‫أفريقيا) ثم خفضت فرنسا في ‪ 12‬يناير ‪ 1994‬سعر الفرنك األفريقي‪ ،‬فأصــبح الفرنــك الفرنســي‬

‫يساوى مائة فرنك إفريقي‪ ،‬وذلك لكى تتطابق قيمته االسمية مع قيمته الفعلية في السوق‪.‬‬

‫تقسيم منطقة الفرنك إلى ثالث مناطق فرعية‪ ،‬ولكل منطقة بنك مركزي إلصدار العملــة‪ :‬البنــك‬ ‫‪-‬‬

‫المركــزي لــدول غــرب أفريقياـ ‪ ،‬البنــك المركــزي لــدول وســط افريقيــا‪ ،‬والبنــك المركــزي لجــزر‬

‫القم ــر والم ــايوت‪ ،‬وتش ــارك فرنس ــا في اتخ ــاذ الق ــرارات المالي ــة في ك ــل مؤسس ــة من المؤسس ــات‬

‫المالي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذكورة‪.‬‬

‫‪ -‬حري ـ ــة كامل ـ ــة من التحوي ـ ــل من الفرن ـ ــك اإلف ـ ــريقي إلى الفرن ـ ــك الفرنس ـ ــي‪ ،‬ومن خالل ـ ــه إلى‬

‫العمالت العالمي ــة األخ ــرى‪ ،‬وه ــذه م ــيزة يتمت ــع به ــا الفرن ــك األف ــريقي بخالف أي عمل ــة أفريقي ــة‬

‫أخ ــرى‪ ،‬باإلض ــافة إلى أن ه ــذا النظ ــام يس ــمح ل ــدول منطق ــة الفرن ــك الفرنس ــي بالت ــداول ب ــالعمالت‬

‫األجنبيــة األخــرى دون أن يكــون لــديهم بالضــرورة فــائض منهــا‪ ،‬مقابــل هــذه المــيزة تلــزم فرنســا‬

‫البنوك المركزيـة األفريقيـة بإيـداع ‪ %65‬من أموالهـا في الخـارج في البنـك المركـزي الفرنسـي‪،‬‬

‫وبــذلك تضــمن فرنســا ســيطرتها على ثلــثي أمــوال منطقــة الفرنــك األفــريقي‪ ،‬ممــا يعــنى ســيطرتها‬

‫على القدر األكبر من التجارة البينية بينها وبين الــدول األفريقيــة‪ ،‬كمــا تضــمن بــذلك أن القـدر من‬

‫هــذه األمــوال الــذى سيتســرب إلى التجــارة مــع الــدول الصــناعية األخــرى‪ ،‬ســيكون ضــئيال وغــير‬

‫ضـ ــار بالمصـ ــالح االقتصـ ــادية الفرنسـ ــية في القـ ــارة اإلفريقيـ ــة‪ ،199‬ففرنسـ ــا ال تسـ ــمح لهـ ــذه الـ ــدول‬

‫بالوصـول إال لـ ‪ %15‬فقـط من هـذه األمـوال خالل السـنة‪ ،‬وإ ذا كـانوا بحاجـة للمزيـد من األمـوال‬

‫عليهم باقتراضــها من ‪ %65‬من الخزانــة الفرنســية مقابــل فوائــد‪ ،‬واألمــر األكــثر مأســاوية هــو أن‬

‫فرنسا تفرض حدا أقصى للمبالغ التي يمكن لهذه الدول اقتراضها من احتياطــاتهم الماليــة‪ ،‬والحــد‬
‫‪ - 199‬إجالل رأفت‪" ،‬السياسة الفرنسية في إفريقيا جنوب الصحراء"‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 17/03/2015‬على الرابط‬
‫‪http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=220197&eid=264.‬‬

‫‪116‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األقصـ ــى هـ ــو ‪ %20‬من إيـ ــرادات الحكومـ ــة للعـ ــام السـ ــابق‪ .‬وإ ذا رغبت إحـ ــدى هـ ــذه الـ ــدول في‬

‫اق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتراض المزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‪ ،‬ففرنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا له ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفض‪.200‬‬

‫‪ -‬حريــة انتقــال رؤوس األمــوال من الــدول اإلفريقيــة إلى فرنســا والعكس‪ ،‬وتنســيق خــروج هــذه‬

‫األموال إلى خارج فرنسا والدول اإلفريقية وتقنينه‪ ،‬وتتكون الوحدة النقدية لدول غرب إفريقيــا (‬

‫‪ )UMOA‬من ال ــدول اآلتي ــة‪ :‬م ــالي وبوركين ــا فاس ــو وال ــنيجر والس ــنغال وغيني ــا بيس ــاو وك ــوت‬

‫ديف ــوار وتوج ــو والب ــنين‪ ،‬أم ــا الوح ــدة النقدي ــة ل ــدول وس ــط أفريقي ــا (‪ )UMAC‬فتتك ــون من‪ :‬تش ــاد‬

‫وأفريقي ـ ــا الوس ـ ــطى والك ـ ــاميرون وغيني ـ ــا االس ـ ــتوائية والج ـ ــابون والكونج ـ ــو برازافي ـ ــل‪ ،‬وتتك ـ ــون‬

‫المجموعة الثالثة من‪ :‬جزر القمر والمايوت‪.201‬‬

‫إن التعــاون المــالي الفرنســي‪-‬اإلفــريقي يتم تســييره عن طريــق مجموعــة من المؤسســات‪ ،‬منهــا‬

‫مــؤتمر رؤســاء الــدول‪ ،‬ومجلس الــوزراء‪ ،‬وهيئــات إصــدار العملــة وهي (مصــرف دول إفريقيــا الوســطى‪،‬‬

‫والمصــرف المركــزي لــدول افريقيــا الغربيــة‪ ،‬والمصــرف المركــزي لجــزر القمــر) باإلضــافة إلى اللجــان‬

‫الوطنية للمصارف أو اللجان المالية‪.‬‬

‫إن نظم المص ـ ـ ــاريف المركزي ـ ـ ــة الثالث تش ـ ـ ــرع لفرنس ـ ـ ــا الح ـ ـ ــق في االطالع على المص ـ ـ ــارف‬

‫المركزية (وبالمحصلة على االقتصاد اإلفريقي)‪ .‬ذلك أن مجالســها اإلداريــة‪ ،‬الــتي تضــم ممثلين فرنســيين‬

‫تتمتع بصالحيات بالغة االتساع تفوق إطار إدارة شؤون تلك المصارف‪.‬‬

‫ففي جزر القمر "يخول المجلس اإلداري حق البت لمجرد اجتماع ستة أعضاء أو مندبيهم‪ .‬أما‬

‫القــرارات الصــادرة عنــه فيكفي أن يصــوت عليهــا خمســة أعضــاء على األقــل" علمــا بــأن المجلس اإلداري‬

‫يض ــم أربع ــة فرنس ــيين وأربع ــة أفارق ــة‪ ،‬مم ــا يع ــني أن ــه ال يمكن اتخ ــاد أي ق ــرار دون الموافق ــة المس ــبقة‬

‫لفرنســا‪ ،‬وال يمكن للمجلس أن يفصــل في أي قضــية دون حضــور فرنســا الــتي تتمتــع بحــق النقض وفــق‬

‫‪ - 200‬ماوانا ريمارك كوتنين‪ 14" ،‬دولة إفريقية ملزمة بدفع ضرائب لفرنسا"‪( ،‬ترجمة محمد عبد المنعم)‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪25/03/2015‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.qiraatafrican.com/view/?q=1871.‬‬
‫‪ - 201‬إجالل رأفت‪" ،‬السياسة الفرنسية في إفريقيا جنوب الصحراء"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الدس ــاتير الداخلي ــة للمص ــارف ال ــتي يع ــبر عنه ــا البن ــد ‪ 38‬من اتفاقي ــة التع ــاون الم ــالي بين فرنس ــا والبن ــك‬

‫المركـ ــزي لوسـ ــط إفريقيـ ــا "ال يمكن للمجلس اإلداري أن يقـــترع على الق ــرارات بصـ ــورة مجديـ ــة‪ ،‬إال في‬

‫حالــة وجــود إداري من الــدول األعضــاء وإ داري فرنســي"‪ ،‬ممــا يعــني أنــه يكفي أن تمــارس فرنســا سياســة‬

‫المقعد الشاغر‪ ،‬لكي تجمد كـل شـؤون األعضــاء السـبعة في مصــرف دول وسـط إفريقيـا‪ ،‬الـتي ليس لـديها‬

‫من جانبها أي حق باالطالع ولو بصورة بدائية على شؤون الدولة الفرنسية‪.202‬‬

‫وحس ــب "نقــوال أغبوهــو"‪ ،‬ف ــإن نظ ــام التحوي ــل الث ــابت يج ــبر‪ ،‬حس ــب ج ــوهر وظيفت ــه‪ ،‬البل ــدان‬

‫اإلفريقيــة في منطقــة الفرنــك على المصــروف الكــثيف من احتيــاط العملــة من أجــل دعم عملتهــا بواســطة‬

‫مص ــرف فرنس ــا الوس ــيط‪ .‬فه ــذه الرس ــاميل الهائل ــة المعرض ــة لله ــدر الهيكلي ع ــبر اتف ــاق العمل ــة ال يمكن‬

‫اس ــتخدامها في س ــيرورة نم ــو االقتص ــاد الحقي ــق اإلف ــريقي (إنت ــاج الس ــلع والخ ــدمات)‪ ،‬فهي تخ ــزن أوال ثم‬

‫تنفــق من بــاريس‪ .‬فهــذه الرســاميل اإلفريقيــة الــتي تســمى احتياطــات العملــة تفقــر منهجيــا القــارة اإلفريقيــة‪.‬‬

‫ومعــنى ذلــك أن بلــدان إفريقيــا في منطقــة الفرنــك ال يمكنهــا أن تنتعش ماليــا‪ .‬فتبعيتهــا الماليــة الــتي تشــرع‬

‫التدخل المباشـر لمصـرف فرنسـا والمجموعـة األوروبيـة في العمـود الفقـري لالقتصـاد اإلفـريقي‪ ،‬هي إذن‬

‫هيكلية وليست عرضية‪ ،‬وأبعد من أن تكون سكونية‪ ،‬بل هي حيوية سلبيا ضد إفريقيا‪.‬‬

‫وعنــدما يحكم على احتيــاط العملــة القــارة في بــاريس بأنهــا غــير كافيــة‪ ،‬يمكن أن تقــرر اإلدارة‬

‫الفرنسية بشكل أحادي الجانب خفض قيمة الفرنك اإلفريقي ضد رغبة األفارقة‪ .‬وبشكل عام فإن االتحاد‬

‫األوروبي تســلح موضــوعيا بهــذه اآلليــة الفعالــة الــتي تقــوم بخفض قيمــة الفرنــك اإلفــريقي في كــل لحظــة‪.‬‬

‫فــالتخفيض يصــبح هيكليــا عــبر آليــة وظيفــة الحســاب‪ ،‬ويفضــي كمــا كــان في الســابق بالنســبة لفرنســا‪ ،‬إلى‬

‫تقنية متطورة للحصول على المواد األولية اإلفريقيـة بأسـعار زهيـدة‪ ،‬وبالشـكل الـذي تـرغب فيـه‪ ،‬كمـا أن‬

‫هــذه المنهجيــة تســمح لهــا بتضــخيم الــديون الخارجيــة اإلفريقيــة المحــررة بــاليورو وبشــكل مصــطنع‪ ،‬والــتي‬

‫تترسـ ــخ بموجبهـ ــا في كـ ــل يـ ــوم العبوديـ ــة الماليـ ــة عـ ــبر مبـ ــدأ آليـ ــة الـ ــديون‪ ،‬وبكالم آخـ ــر فـ ــإن المجموعـ ــة‬
‫‪ -202‬نقوال أغبوهو‪ ،‬الفرنك واليورو ضد إفريقيا‪( ،‬ترجمة لينا فرح)‪ ،‬الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع واإلعالن‪ ،‬بنغازي‪ ،‬الطبعــة األولى‪،2000 ،‬‬
‫ص ‪.35 -27‬‬

‫‪118‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األوروبيـة تـدعم بهـذه الخطـة سـلطاتها الماليـة الـتي تسـمح لهـا بتثـبيت يـدها الطـولى على البلـدان اإلفريقيـة‬

‫في منطقة الفرنك‪ ،‬ليس فقط على الصعيد االقتصادي بل والسياسي أيضا‪.203‬‬

‫وعلى النقيض من ذلـ ــك فـ ــإن فرنسـ ــا تـ ــدعي تقـ ــديم المسـ ــاعدات الماليـ ــة للعديـ ــد من دول القـ ــارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬فخالل المرحلة ‪ 2010-1998‬تعتبر إفريقيا جنوب الصحراء المسـتفيد األول من المسـاعدات‬

‫الفرنســية للتنميــة‪ ،‬من حيث الحجم والنســبة‪ ،‬كمــا تعتــبر أيضــا الوجهــة األولى لنمــو هــذه المســاعدات منــذ‬

‫بداي ــة الق ــرن الح ــالي‪ ،‬إذ خالل س ــنة ‪ 2006‬ق ــدمت فرنس ــا ‪ 8,2‬ملي ــار أورو كمس ــاعدات عمومي ــة لتنمي ــة‬

‫القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬ممــا جعلهــا تحتــل الصــف الرابــع ضــمن منظمــة ‪ OCDE‬والمرتبــة األولى في مجموعــة‬

‫الثم ــاني (‪ ،)G8‬وذل ــك قياس ــا بالنس ــبة للن ــاتج ال ــداخلي الخ ــام حيث ش ــكل ه ــذا المبل ــغ ‪ %0,47‬من الن ــاتج‬

‫الداخلي الخام لفرنسا سنة ‪.2042006‬‬

‫في سنة ‪ 2010‬بلغت قيمة المساعدات الفرنسية إلفريقيا جنوب الصحراء ‪ 2,6‬مليار أورو أي‬

‫مــا يشــكل ‪ %45‬من المســاعدات الفرنســية الثنائيــة‪ ،‬وقــدمت هــذه المســاعدات أساســا على شــكل هبــات‪ ،‬أو‬

‫إلغــاء الــديون‪ ،‬ممــا يجعــل فرنســا المــانح الثــاني إلفريقيــا جنــوب الصــحراء من حيث الحجم‪ ،‬بعــد الواليــات‬

‫المتحـدة وأمـام اليابـان‪ ،‬والمـانح األول ضـمن دول االتحـاد األوروبي أمـام بريطانيـا‪ .‬فخالل الفـترة مـا بين‬

‫‪ 2012-2003‬اعتــبرت إفريقيــا جنــوب الصــحراء المســتفيد الــرئيس من الهبــات والقــروض الممولــة من‬

‫طــرف الوكالــة الفرنســية للتنميــة‪ .205‬إضــافة إلى كــون فرنســا قــدمت خالل ســنة ‪ 80 2013‬مليــون أورو‬

‫على شكل هبات‪ ،‬وهذه الهبـات تكـون على شـكل‪ :‬إمـا تخطي أزمـة معينـة كمثـال ‪ 15‬مليـون أورو قـدمت‬

‫لمالي في ماي ‪ ،2013‬أو ‪ 30‬مليون أورو للكوت ديفوار للخروج من أزمتهـا‪ ،‬وإ مـا دعم االسـتراتيجية‬

‫التنموية لبلد ما على المدى البعيد‪ ،‬كبوركينا فاسو على سبيل المثال‪.‬‬

‫‪ - 203‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.110-105‬‬


‫‪204‬‬
‫‪-L’Association Survie, « France-Afrique: qui aide vraiment qui? Les dessous de l’aide publique au‬‬
‫‪développement », p 1. Consulté le 22/03/2015‬‬
‫‪http://survie.org/IMG/pdf/4pagesAPDSURVIEv2.pdf.‬‬
‫‪205‬‬
‫‪- Rapport au ministre de l’économie et des finances, Un partenariat pour l’avenir :15 propositions pour‬‬
‫‪une nouvelle dynamique économique entre l’Afrique et la France, op, cit, p74 .‬‬

‫‪119‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وتتوجــه المســاعدات الفرنســية بشــكل أساســي نحــو مســتعمراتها الســابقة‪ ،‬كمــا عملت فرنســا على‬

‫إلغاء ديونها المستحقة للدول األكثر فقرا‪ ،‬منها ‪ 32‬دولة إفريقية‪ ،‬شريطة أن تعمل الدولة المســتفيدة على‬

‫توجيه نفقاتها نحـو القطاعـات األساسـية‪ ،‬وتجـدر اإلشـارة إلى كـون ‪ 10‬دول إفريقيـة اسـتفادت من إعـادة‬

‫جدولـ ــة الـ ــديون الفرنسـ ــية خالل المرحلـ ــة ‪ 2010-1998‬وهي‪ :‬نيجيريـ ــا والكونغـ ــو والكـ ــوت ديفـ ــوار‬

‫والكونغو الديمقراطية والكاميرون والسنغال ومدغشقر والموزمبيق والنيجر وليبيريا‪.206‬‬

‫غـير أن هـذه السياسـة ال تمكن الـدول اإلفريقيـة من تسـديد ديونهـا نتيجـة ارتفـاع الفوائـد‪ ،‬إضــافة‬

‫إلى كون هذه الديون تم الحصول عليها من طرف أنظمة سياسية ال شــرعية وفاســدة في جــل دول القــارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬وتم إعادة تحويلها إلى حسابات هؤالء الرؤساء بالدول الغربية‪ ،‬وهو ما يؤكــده عــالم االقتصــاد‬

‫"س ــيرج ميك ــايلوف" المسـ ــئول الثـ ــالث سـ ــابقا في الوكالـ ــة الفرنسـ ــية للتنميـ ــة‪ ،‬في كتابـ ــه "بيتنـ ــا يحـ ــترق في‬

‫الجنـ ــوب" أن المسـ ــاعدات الفرنسـ ــية للتنميـ ــة‪ ،‬الـ ــتي شـ ــكلت موضـ ــع فخـ ــر بـ ــاريس في القـ ــرن المنصـ ــرم‪،‬‬

‫تضخمت بإيرادات من ديون وهمية وغيرها من الحيل الحسابية‪ ،‬بشكل تخطت فيه عتبة المنظور‪.207‬‬

‫وتص ــرف أغلب ه ــذه المس ــاعدات الفرنس ــية المزعوم ــة على أنه ــا موجه ــة للتنمي ــة‪ ،‬في أش ــكال‬

‫أخــرى من قبيــل المنح الدراســية للطلبــة األجـانب‪ ،‬والمصــاريف اإلداريــة المتعلقـة باســتقبال طــالبي اللجــوء‬

‫السياسي‪ ،‬وتمويالت البرامج الخاصة بالفرنكفونية لضمان اإلشعاع الثقافي لفرنسا في العالم‪ .208‬وهو مــا‬

‫دف ــع بالس ــيناتورة مونيــك ســوريزييه بن غيغــا لتص ــرح س ــنة ‪" 2008‬ب ــأن نص ــف المس ــاعدات الفرنس ــية‬

‫للتنمية مفبركة معتبرة أن األرقام تكذب وتخفي وراءها الحقيقة‪.209‬‬

‫وهنــا نؤكــد أن مــا تدعيــه فرنســا والقــوى الدوليــة األخــرى من تقــديم المســاعدات اإلنمائيــة للقــارة‬

‫اإلفريقي ــة‪ ،‬م ــا ه ــو في الحقيق ــة إال تغطي ــة عن اس ــتغاللها للق ــارة اإلفريقي ــة بش ــتى األن ــواع‪ :‬نهب ال ــثروات‬

‫‪206‬‬
‫‪- La commission des affaires étrangères de la défense et des forces armées du Sénat, Rapport d’information‬‬
‫‪sur la présence de la France dans une Afrique convoitée, op, cit, p 251.‬‬
‫‪ - 207‬فليب ليمار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪208‬‬
‫‪- L’Association Survie, « France-Afrique: qui aide vraiment qui? Les dessous de l’aide publique au‬‬
‫‪développement », op, cit, p 2.‬‬
‫‪ - 209‬فليب ليمار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬

‫‪120‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الطبيعي ــة اإلفريقي ــة‪ ،‬وإ غراقه ــا بال ــديون م ــع األنظم ــة الفاس ــدة‪ ،‬واتفاقي ــات تجاري ــة غ ــير عادل ــة‪ ،‬وب ــرامج‬

‫التقويم الهيكلي التي ال تالئم حاجيات الشعوب اإلفريقية في اإلصالح‪ ،‬وهو مــا عــبر عنــه آالن جوانديت‬

‫وزير الدولة الفرنسي المكلف بالتعاون في يونيـو ‪ ،2008‬عنـدما قـال في تصـريح مشـهور‪" :‬نحن نـرغب‬

‫في مساعدة األفارقة‪ ،‬ولكن يجب أيضا أن نحصل على فائدة من وراء ذلك"‪.210‬‬

‫ثالثا‪ :‬اآلليات الثقافية‬

‫تعت ــبر العالق ــات الثقافي ــة الفرنس ــية اإلفريقي ــة‪ ،‬المج ــال ال ــذي تنف ــرد فرنس ــا ب ــالتميز في ــه‪ ،‬وذل ــك‬

‫بالقيــاس مــع بــاقي الــدول الغربيــة‪ ،‬وازدادت أهميــة األداة الثقافيــة في عصــر العولمــة‪ ،‬والتوجــه األمــريكي‬

‫لفــرض النمــوذج الثقــافي األمــريكي الواحــد على العــالم‪ .‬وتهتم فرنســا اهتمامــا كبــيرا بالعالقــات الثقافيــة في‬

‫خدم ــة سياس ــتها الخارجي ــة‪ ،‬ونجحت في توطي ــد عالقاته ــا واس ــتمراريتها بمس ــتعمراتها الس ــابقة من خالل‬

‫اللغة الفرنسية في كل من‪ :‬بوروندي والكاميرون وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر ورواندا و تشاد‬

‫والكونغو والجـابون وغينيـا وكـوت ديفـوار ومـالي وموريتانيـا والسـنغال وبوركينافاسـو وتوجـو والكونغـو‬

‫الديمقراطي ــة والجزائ ــر وت ــونس والمغ ــرب‪ .‬واس ــتخدمت فرنس ــا العدي ــد من الوس ــائل الثقافي ــة‪ ،‬منه ــا إقام ــة‬

‫محطــات البث اإلذاعي‪ ،‬وإ نشــاء المراكــز الثقافيــة والمــدارس والجامعــات في الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬واســتقدام‬

‫الطالب األفارقة للدراسة فيها من خالل تقديم المنح الدراسية لهم‪ .211‬كما أن الجالية الفرنسية هي أكــبر‬

‫جالية أجنبية في إفريقيا‪ ،‬ووفق إحصـائيات عـام ‪ 1996‬بلغت هـذه الجاليـة ‪ 115‬ألـف فرنسـي‪ ،212‬ليتزايـد‬

‫هــذا العــدد إلى أكــثر من ‪ 200.000‬ألــف ســنة ‪ 2012‬وهــو مــا يشــكل مــا يزيــد على ‪ %15‬من الجاليــات‬

‫الفرنس ــية بالخ ــارج‪ ،213‬غ ــير أن الجالي ــة الص ــينية المنتش ــرة بالق ــارة اإلفريقي ــة أص ــبحت تتج ــاوز الجالي ــة‬

‫الفرنسية فعدد الصينين بإفريقيا يتجاوز ‪ 400.000‬صيني منذ سنة ‪.2142007‬‬


‫‪ - 210‬بول ميلي وفنسنت داراك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.55-54‬‬
‫‪ - 211‬صابون محمد راشد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪ - 212‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫‪213‬‬
‫‪- La commission des affaires étrangères de la defense et des forces arrmées du Sénat, Rapport‬‬
‫‪d’information sur la présence de la France dans une Afrique convoitée, op, cit, p 238.‬‬
‫‪ - 214‬مارتين جاك‪ ،‬حينما تحكم الصين العالم نهاية العالم الغربي وميالد نظام عــالمي جديد‪( ،‬ترجمـة فاطمـة نصـر)‪ ،‬إصـدارات سـطور الجديـدة‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،2010‬ص ‪.371‬‬

‫‪121‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫كمــا تعتمــد فرنســا على الرابطــة الفرانكوفونيــة الــتي يجــري تطــوير ودعم مؤسســاتها عــبر العــالم‬

‫وإ فريقيــا‪ ،‬على الــرغم من تغــير المعطيــات السياســية واالقتصــادية‪ ،‬إذ يعتقــد الفرنســيون أن تــأثيرهم يبقى‬

‫راسخا بسـبب صـعوبة اسـتبدال طـرق التفكـير والثقافـة لـدى أكـثر من سـتين مليـون إفـريقي يتحـدثون اللغـة‬

‫الفرنسية‪ ،‬وامتالكها عشــرات المــدارس االبتدائيــة والثانويــة في إفريقيــا‪ ،‬وأكــثر من أربعين مؤسســة ثقافيــة‬

‫خاصــة‪ ،‬ومئــات المراكــز الثقافيــة‪ ،‬وهنــاك حــوالي ‪ 1700‬مــدرس فرنســي في إفريقيــا‪ ،‬وتخصيصــها مبــالغ‬

‫مالية كبيرة كمساعدات علمية وثقافية إلفريقيا‪.215‬‬

‫وإ لى جانب تمسكها بمناطق نفوذها التقليدية تحاول فرنسا أن تهيمن ثقافيا على الدول‬

‫األنجلوفونية‪ ،‬كما تفردت جذور السياسة الثقافية الفرنسية في العهد االستعماري متمثلة في سياسة‬

‫االستيعاب والفرنسة لمواطني المستعمرات لمسخ هويتهم الثقافية‪ ،‬ونتج عن ذلك أثر ممتد في عالقات‬

‫فرنسا بمستعمراتها بعد استقالل األخيرة حتى اليوم‪.216‬‬

‫وتعتمد فرنسا في عالقاتها الثقافية بالدول اإلفريقيـة على عـدة عناصـر‪ ،‬أهمهـا اللغـة المشـتركة‪،‬‬

‫والمؤسســـات التعليميـــة الفرنســـية‪ ،‬والمراكـــز الثقافيـــة في إفريقي ــا‪ ،‬إذ تحت ــل فرنس ــا المرتب ــة األولى بعـــدد‬

‫المراكــز الثقافيــة بإفريقيــا‪ ،‬كمــا يوضــحه الجــدول أســفله‪ ،‬باإلضــافة إلى القمم الفرنكوفونيــة الــتي تنعقــد كــل‬

‫عامين في باريس أو إحدى العواصم اإلفريقية‪.‬‬

‫‪ :5‬المراكز اللغوية والثقافية األجنبية بالقارة اإلفريقية‬ ‫الجدول رقم‬

‫اليابان‬ ‫اسبانيا‬ ‫الصين‬ ‫المانيا‬ ‫انجلترا‬ ‫فرنسا‬

‫‪1‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪129‬‬ ‫عدد المراكز‬

‫عدد الدول‬
‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪38‬‬
‫الموجودة بها‬
‫المصدر‪:‬‬

‫‪ - 215‬علي شعبان االسطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.125-124‬‬


‫‪ - 216‬بوناس بول دي مانيال‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪122‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪-‬‬ ‫‪Alice EKMAN, «Les Instituts Confucius en Afrique: nouvel outil de la diplomatie‬‬
‫‪culturelle chinoise », dans : l’Afrique des nouvelles convoitises, (coordination‬‬
‫‪Alain Nonjon) , Ellipses, 2011, P 75.‬‬

‫كم ــا تعت ــبر فرنس ــا من أهم الوجه ــات للطلب ــة األفارق ــة لمتابع ــة الدراس ــة‪ ،‬فمثال في س ــنة ‪2010‬‬

‫وصل عدد الطلبة األفارقة الذين يتابعون دراســتهم بالخــارج إلى ‪ 380.376‬ألــف طــالب‪ ،‬وهــو مــا يشــكل‬

‫‪ %10‬من مجمــوع الطلبــة الــذين يتــابعون دراســتهم خــارج أوطــانهم‪ ،‬ولقـد توجــه ‪ 115.195‬نحــو فرنســا‬

‫أي مـا يشـكل ‪ %29,2‬وتجـدر اإلشـارة إلى كـون عـدد الطلبـة األفارقـة المتـوجهين نحـو فرنسـا بـدأ يعـرف‬

‫تراجعــا منــذ ســنة ‪ ،2006‬في حين عـرفت دول أخــرى ارتفاعـا كبــيرا من حيث اســتقبال الطلبــة األفارقــة‪،‬‬

‫كمثال جنوب إفريقيا ارتفع عدد الطلبة الذين اســتقبلتهم بنســبة ‪ %28,8‬والمملكــة المتحــدة بنســبة ‪%19,3‬‬

‫وماليزي ــا أيض ــا ال ــتي انتق ــل ع ــدد الطلب ــة األفارق ــة ال ــذين يت ــابعون دراس ــتهم به ــا من ‪ 2826‬ط ــالب س ــنة‬

‫‪ 2006‬إلى ‪ 14744‬سنة ‪ 2010‬أي بزيادة أكثر من ‪ ،%400‬في حين تراجعت نسـبة اسـتقبال كـل من‬

‫الواليات المتحدة األمريكية وألمانيا ب ‪ %4,8 %2,3‬على التوالي خالل المرحلة نفسها‪.217‬‬

‫وبصفة عامة يمكن أن نخلص إلى أن الدول اإلفريقية التي ينتقل منهـا الطلبـة للدراسـة بفرنسـا‪،‬‬

‫هي الــدول الــتي لهــا روابــط تاريخيــة قويــة معهــا؛ نتيجــة االســتعمار ومــا خلفــه من اســتمرار حضــور اللغــة‬

‫الفرنسية بهذه الدول‪ ،‬في حين أن الدول غير الفرنكفونية تتجه نحو الدول االنجلوسكســونية كمــا يوضــحه‬

‫الجدول أسفله‪.‬‬

‫‪ :6‬نسبة الطلبة بفرنسا ألهم ‪ 12‬دولة إفريقية خالل سنة ‪.2010‬‬ ‫الجدول رقم‬

‫عدد الطلبة الذين يتابعون‬ ‫عدد الطلبة المنتقلين لمتابعة دراستهم‬


‫النسبة المئوية‬
‫دراستهم بفرنسا‬ ‫بالخارج‬
‫‪89%‬‬ ‫‪20066‬‬ ‫‪22465‬‬ ‫الجزائر‬

‫‪84%‬‬ ‫‪3465‬‬ ‫‪4128‬‬ ‫مدغشقر‬

‫‪78%‬‬ ‫‪9278‬‬ ‫‪11928‬‬ ‫السنغال‬

‫‪217‬‬
‫‪- Yoann le Bonhomme par Oumou DIAKITE, Raphaëlle HALLIER et Laura FOKA, « la mobilité des‬‬
‫‪étudiants d’Afrique sub-saharienne et du Maghreb », les notes de Campus France, Hors-série n° 7, juin 2013,‬‬
‫‪p1.‬‬

‫‪123‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪73%‬‬ ‫‪4202‬‬ ‫‪5793‬‬ ‫الغابون‬

‫‪64%‬‬ ‫‪27467‬‬ ‫‪42800‬‬ ‫المغرب‬

‫‪60%‬‬ ‫‪11659‬‬ ‫‪19506‬‬ ‫تونس‬

‫‪57%‬‬ ‫‪3544‬‬ ‫‪6197‬‬ ‫الكوت ديفوار‬

‫‪31%‬‬ ‫‪6264‬‬ ‫‪20093‬‬ ‫الكاميرون‬

‫‪3%‬‬ ‫‪210‬‬ ‫‪7052‬‬ ‫انغوال‬

‫‪2%‬‬ ‫‪116‬‬ ‫‪6166‬‬ ‫جنوب إفريقيا‬

‫‪2%‬‬ ‫‪180‬‬ ‫‪7845‬‬ ‫غانا‬

‫‪1%‬‬ ‫‪203‬‬ ‫‪38851‬‬ ‫نيجيريا‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-Yoann le Bonhomme par Oumou DIAKITE, Raphaëlle HALLIER et Laura FOKA,‬‬


‫‪« la mobilité des étudiants d’AFRIQUE sub-saharienne et du Maghreb », les notes de‬‬
‫‪Campus France, Hors-série n° 7, juin 2013, p2.‬‬
‫وفي األخــير نخلص إلى أن فرنســا تعتــبر الدولــة األوروبيــة الــتي حــافظت على نفوذهــا وقــدرتها‬

‫على الحركة والفعل في الساحة اإلفريقيـة‪ ،‬حـتى أن إفريقيـا تمثـل أحـد ثالثـة عوامـل داعمـة لمكانـة فرنسـا‬

‫الدوليــة‪ ،‬بجــانب مقعــدها الــدائم في مجلس األمن والقــدرة النوويــة‪ ،‬وقــد حــافظت فرنســا على هــذه المكانــة‬

‫نتيجة لسياسة محكمة ودقيقة جعلت أغلب الدول اإلفريقية التي استقلت عنها تابعة لها‪ ،‬سواء في المجــال‬

‫االقتص ــادي أو الثق ــافي أو العس ــكري‪ ،‬غ ــير أن ه ــذه المعطي ــات ب ــدأت تتغ ــير في اآلون ــة األخ ــيرة‪ ،‬ف ــالنفوذ‬

‫الفرنس ــي بالق ــارة اإلفريقي ــة ب ــدأ ي ــتراجع بش ــكل كب ــير في العدي ــد من ال ــدول اإلفريقي ــة خاص ــة في المج ــال‬

‫االقتصــادي‪ ،‬فال شــك أن النفــوذ األمــريكي واآلســيوي وتمــدده بالقــارة اإلفريقيــة اقتصــاديا وثقافيــا‪ ،‬ســيؤثر‬

‫سلبا في مكانة فرنسـا فيهـا لقـد أصـبحت الشـركات الفرنسـية غـير قـادرة على منافسـة الشـركات األمريكيـة‬

‫واآلسيوية في مجال االستثمارات‪ ،‬فالشركات الصينية والهنديــة اخــترقت مجموعـة من المعاقــل التاريخيــة‬

‫لفرنسا بالقارة اإلفريقية كما سنوضحه الحقا‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تطور العالقات األوروبية اإلفريقية نحو "الشراكة االستراتيجية"‬

‫تتم ــيز العالق ــات بين أوروب ــا الغربي ــة أساس ــا وإ فريقي ــا بتش ــعب أطره ــا وش ــبكاتها‪ ،‬وتع ــدد وتعق ــد‬

‫موضـ ــوعاتها وميادينهـ ــا‪ ،‬سـ ــواء السياسـ ــية أو االقتصـ ــادية أو الثقافيـ ــة‪ ،‬األمـ ــر الـ ــذي يعكس كثافـ ــة وتنـ ــوع‬

‫المصالح المتبادلة بين الطرفين‪.‬‬

‫وهو ما جعل العالقات والروابط اإلفريقيـة األوروبيـة تتشـكل وفقـا ألكـثر من شـبكة أو إطـار‪،‬‬

‫فهناك شبكة العالقـات الخاصـة أو المتمـيزة الـتي تربـط بين دول المـتروبول والـدول اإلفريقيـة الـتي كـانت‬

‫تمث ــل مس ــتعمراتها الس ــابقة‪ ،‬كم ــؤتمر رابط ــة الكومن ــولث‪ ،‬وم ــؤتمر القم ــة الفرنس ــية اإلفريقي ــة‪ ،‬كم ــا تمت‬

‫مناقشـــتها ســـابقا‪ ،‬وإ لى جـــانب العالقـ ــات الخاصـــة الـــتي تربـــط بعض ال ــدول األوروبي ــة م ــع مســـتعمراتها‬

‫السابقة‪ ،‬توجد هناك اتفاقيــات مــؤطرة للعالقــات الجماعيــة المتعــددة األطــراف بين الــدول الغربيــة والــدول‬

‫اإلفريقية‪ ،‬ومن أهمها اتفاقية لومي والشراكة األورو‪-‬متوسطية (الفقرة األولى)‪ ،‬كما تطـورت العالقـات‬

‫بين الطرفين إلى مستوى "الشـراكة االسـتراتيجية" نتيجـة المتغـيرات الدوليـة مـع بدايـة القـرن الحـالي‪ ،‬ومـا‬

‫أنتجته من مستجدات أثرت في الطرفين (الفقرة الثانية)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلطار المتعدد األطراف للعالقات اإلفريقية األوروبية‬

‫إن العالقــات األوروبيــة اإلفريقيــة تتشــكل وفقــا ألكــثر من شــبكة أو إطــار‪ ،‬فهنــاك اإلطــار الــذي‬

‫ينظم العالق ــات بين ال ــدول األوروبي ــة ودول إفريقي ــا جن ــوب الص ــحراء‪ ،‬المعروف ــة باتفاقي ــة ل ــومي قب ــل أن‬

‫تتحول إلى اتفاقية كوتونو (أوال)‪ ،‬كما أن هناك اإلطار الذي يجمع الــدول األوروبيــة بــدول شــمال إفريقيــا‬

‫في إطار الشراكة األورو‪-‬متوسطية (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬اتفاقية لومي‬

‫يمثــل إطــار اتفاقيــة لــومي‪ ،‬عاصــمة توغــو‪ ،‬أحــد أهم قنــوات العالقــات المتعــددة األطــراف الــتي‬

‫ترب ــط بين االتح ــاد األوروبي في كيان ــه الان ــدماجي المتط ــور ودول إفريقي ــا‪ ،‬والبح ــر الك ــاريبي‪ ،‬والمحي ــط‬

‫‪125‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اله ــادئ المع ــروف باس ــم ‪ .ACP‬واتفاقي ــة ل ــومي تعت ــبر الجي ــل الث ــالث من الرواب ــط الجماعي ــة األوروبي ــة‬

‫اإلفريقيـ ــة بعـ ــد الجيـ ــل األول المعروفـ ــة بسياسـ ــات االرتبـ ــاط‪ ،‬إذ سـ ــمحت معاهـ ــدة رومـ ــا المنشـ ــئة للسـ ــوق‬

‫األوروبية بتوقيع بعض البلدان من ‪ ACP‬على المعاهدة المــذكورة‪ ،‬أمــا الجيــل الثــاني فيتمثــل في اتفـاقيتي‬

‫ياوندي األولى والثانية ما بين عامي ‪1963‬و ‪.218 1973‬‬

‫وبوجــه عــام‪ ،‬فــإن اتفاقيــة لــومي تعتــبر إطــارا اســتفادت منــه الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ســواء في النظــام‬

‫التجاري المعمول به‪ ،‬أو المعونات الماليــة الممنوحــة ألغـراض التنميــة‪ ،‬وقــد مثلت هــذه المســاعدات نســبة‬

‫تص ــل إلى مــا بين ‪ 15-10‬بالمئــة من إجمــالي المعونــات الماليــة المتدفقــة على إفريقيــا الســوداء في ظــل‬

‫لومي الثانية ‪.219‬‬

‫وفي اتفاقيـ ــة لـ ــومي المخصصـ ــة أصـ ــال للتنميـ ــة‪ ،‬اتجهت الـ ــدول األوروبيـ ــة إلى اسـ ــتخدامها أداة‬

‫لتطـ ـ ــبيق المشـ ـ ــروطيات االقتصـ ـ ــادية للتقـ ـ ــويم الهيكلي في بلـ ـ ــدان ال ‪ ACP‬أواخـ ـ ــر الثمانينيـ ـ ــات وأوائـ ـ ــل‬

‫التسعينيات من القرن الماضي‪ ،‬واستعملت كذلك أداة للمشروطية السياسية في ما يتعلق باحترام حقوق‬

‫االنس ــان‪ ،‬وتط ــبيق الديمقراطي ــة وحكم الق ــانون‪ ،‬بحس ــب الرؤي ــة الغربي ــة‪ ،‬مم ــا يؤك ــد اس ــتمرارية الوص ــاية‬

‫السياسية الغربية على الدول اإلفريقية‪.220‬‬

‫وفي ظــل بيئــة عالميــة جديــدة‪ ،‬يحكمهــا نفــوذ القطب األمــريكي وإ صــراره على الهيمنــة في ظــل‬

‫العولمــة بجوانبهــا ومظاهرهــا المختلفــة‪ ،‬الــتي تحكمهــا قواعــد منظمــة التجــارة العالميــة ( ‪ )WTO‬وسياســة‬

‫المؤسسات المالية الدولية‪ :‬البنك الدولي وصــندوق النقـد الـدولي‪ ،‬بـدأت المفاوضــات بين الـدول األوروبيـة‬

‫والدول اإلفريقية جنوب الصحراء‪ ،‬بشــأن نمــط جديــد للعالقــات يعــوض اتفاقيــة لــومي‪ ،‬وبالفعــل تم التوقيــع‬

‫على اتفاقية كوتونو في ‪ 23‬نونبر ‪.2000‬‬

‫‪ - 218‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي االفريقي‪ ،2002-2001 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 308‬‬
‫‪ - 219‬محمد أبو العينين‪" ،‬العالقات األوروبية‪ -‬اإلفريقية بعد انتهاء الحرب الباردة" السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،140‬أبريل ‪ ،2000‬ص ‪.14‬‬
‫‪ - 220‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي االفريقي‪ ،2002-2001 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.307‬‬

‫‪126‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وقب ــل التوقي ــع على ه ــذه االتفاقي ــة ب ــادرت المفوض ــية األوروبي ــة إلى إص ــدار م ــا س ــمي "الورق ــة‬

‫الخض ــراء" وذل ــك في ‪ 20‬نون ــبر ‪ ،1996‬ال ــتي تعكس وجه ــة نظ ــر دول االتح ــاد األوروبي في المخ ــاطر‬

‫المتوقعة من جراء المتغيرات السياسية واالقتصادية الـتي طرحتهـا البيئـة العالميـة الجديـدة‪ ،‬أو المضــامين‬

‫المس ــتقبلية للش ــراكة على ض ــوء ه ــذه المتغ ــيرات‪ ،‬وق ــد ط ــالبت الورق ــة دول الـ ‪ ACP‬بض ــرورة تحس ــين‬

‫سياساتها الداخلية وأسلوب إدارتها لالقتصاد وتحسين شروط التنمية وتهيئة المجــال أمــام القطــاع الخــاص‬

‫لجـ ــذب االسـ ــتثمارات‪ ،‬أخـ ــذا في الحسـ ــبان نمـ ــو االقتصـ ــاد العـ ــالمي وتوسـ ــع دائـ ــرة العالقـ ــات االقتصـ ــادية‬

‫الخارجي ــة‪ ،‬أي بص ــفة عام ــة تأكي ــد مرتك ــزات النيوليبرالي ــة الجدي ــدة في مج ــال العالق ــات االقتص ــادية بين‬

‫الطرفين‪.‬‬

‫كما طالبت الورقة هذه الــدول بضــرورة تطــوير ودعم الحــوار السياســي بين الجــانبين‪ ،‬من أجــل‬

‫تحقيق مستقبل أفضل للشراكة بين دول االتحاد األوروبي ودول الـ ‪. ACP‬‬

‫وقد دار نقاش طويل حول هذه الورقة يمكن تلخيصه في المسائل اآلتية‪:‬‬

‫المس ــألة األولى تتعل ــق بمعض ــلة أو كيفي ــة اس ــتمرار المزاي ــا التفض ــيلية ل ــدول الـ ‪ ACP‬بع ــد ع ــام‬ ‫‪-‬‬

‫‪ ،2004‬خاصة وأن نظام المزايا التفضيلية الممنوح لهذه الدول سيتالشى أثــره اإليجــابي المتبقي‬

‫على ضــوء قواعــد منظمــة التجــارة العالميــة‪ .‬وتتنبــأ "الورقــة الخضــراء" الــتي تعكس وجهــة النظــر‬

‫األوروبية بأنه سيكون من الصعب جدا االحتفاظ بنظام تفضــيلي‪ ،‬خاصــة بعــد ‪ ،2004‬ومــع ذلــك‬

‫فالورقة ال تقدم حلوال لكيفية تعــويض هــذه الــدول عن خســائرها من إيــرادات الجمــارك‪ ،‬أو كيفيــة‬

‫تمكنها من أن يكون لها مكانة في السوق العالمي‪.‬‬

‫المســـألة الثانيـــة‪ ،‬تتعلـــق بمبـــدأ الحـــوار السياســـي‪ ،‬حيث ط ــرحت ه ــذه الورق ــة مب ــدأ دعم الحـــوار‬ ‫‪-‬‬

‫السياس ــي بين الط ــرفين في الش ــراكة الجدي ــدة وتح ــول الح ــديث عن المش ــروطية السياس ــية‪ ،‬فض ــال‬

‫عن المشروطية االقتصادية‪ ،‬التي أثارت جدال في مفاوضات لومي الرابعة‪.221‬‬

‫‪ - 221‬محمد أبو العينين‪" ،‬العالقات األوروبية‪ -‬اإلفريقية بعد انتهاء الحرب الباردة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.16-15‬‬

‫‪127‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إن اتف ــاق كوتون ــو الراب ــط بين دول االتح ــاد األوروبي ودول الـ ـ‪ ACP‬يه ــدف إلى إعط ــاء نفس‬

‫جديــد للعالقــات األفريقيــة األوروبيــة في ظــل تزايــد االهتمــام األمــريكي والصــيني بهــذه القــارة‪ ،‬خاصــة في‬

‫المجال االقتصادي‪ ،‬فقد وضعت الواليات المتحدة قــانون (‪ )AGO‬لتطــوير عالقاتهــا االقتصــادية مــع دول‬

‫القارة اإلفريقية‪ ،‬في حين توجهت الصين إلى تأسيس منتدى التعاون الصيني اإلفريقي‪ ،‬الذي من خالله‬

‫ق ــدمت مجموع ــة من المب ــادرات االقتص ــادية لل ــدول اإلفريقي ــة كم ــا سنوض ــحها الحق ــا‪ ،‬مم ــا ش ــكل اختراق ــا‬

‫لمناطق النفوذ األوروبية هناك‪.‬‬

‫وقــد تم التركــيز في هــذه االتفاقيــة على محاربــة الفقــر‪ ،‬وعلى اإلطــار الجديــد للتجــارة‪ .‬وفي هــذا‬

‫الســياق وافــق الجانبــان على التفــاوض من جديــد حــول نــوع الترتيبــات التجاريــة الــتي تنســجم مــع قواعــد‬

‫منظمة التجارة العالمية‪ ،‬وذلك بإزالة الحواجز التجارية بينهم‪ ،‬وتعزيــز التفـاوض في مــا يتعلــق باألنشــطة‬

‫التجاريــة‪ ،‬وعقــد اتفاقيــات شــراكة اقتصــادية بين الطــرفين ابتــداء من ســبتمبر ‪ ،2002‬وباإلضــافة إلى مــا‬

‫ســبق تم التركــيز على ترشــيد األدوات التمويليــة‪ ،‬ودعم بــرامج التكيــف الهيكلي والتنميــة وحقــوق اإلنســان‬

‫والحكم الرشيد‪.222‬‬

‫ولقـ ــد وجهت مجموعـ ــة من االنتقـ ــادات لهـ ــذه االتفاقيـ ــة والسياسـ ــة األوروبيـ ــة في إفريقيـ ــا بصـ ــفة‬

‫عامة‪ ،‬ففي ‪ 21‬يونيــو ‪ 2004‬بمابوتو في موزمــبيق اجتمعت مئــات الجمعيــات اإلفريقيــة في ظــل مبــادرة‬

‫شــبكة العــالم الثــالث إفريقيــا (‪ )third world network Africa‬إحــدى شــبكات مناهضــة العولمــة األكــثر‬

‫نش ــاطا‪ ،‬وتبنت إعالن مــابوتو ال ــذي رفض إعــادة اس ــتعمار القــارة اإلفريقي ــة عن طري ــق التج ــارة الح ــرة‪،‬‬

‫وطبقا لهؤالء فإن االتفاقيات بين أوروبا وإ فريقيا بدأت تتجه شيئا فشيئا منذ بداية التسعينيات إلى إدخـال‬

‫بعض البنــود الــتي تتبــنى نظريــات الليبراليــة الجديــدة‪ ،‬فأصــبح االلــتزام بــبرامج اإلصــالح‪ ،‬الــتي يصــيغها‬

‫صندوق النقد الدولي‪ ،‬ودعم عمليـات تنميـة القطـاع الخـاص باإلضـافة إلى تلـك الخاصــة بحقـوق االنسـان‪،‬‬

‫بمثابـة قيـود على تلـك الـدول‪ .‬ويـرى المنتقـدون أن االتحـاد األوروبي قــد اختـار أن يفـرض قواعـد منظمـة‬
‫‪ - 222‬محمود أبو العينين‪" ،‬االتحاد األوروبي وافريقيا‪ :‬نموذج للعالقات بين األقاليم غير المتكافئة في عصر العولمة" في‪ :‬إفريقيا والعولمة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫الجمعية اإلفريقية للعلوم السياسية‪ ،‬برنامج الدراسات المصرية اإلفريقية‪ ،2004 ،‬ص ‪205-204‬‬

‫‪128‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التج ــارة العالمي ــة على ال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬ب ــدال من الوق ــوف إلى جانبه ــا لتغي ــير تل ــك القواعــد لتص ــبح أك ــثر‬

‫عدالة‪.223‬‬

‫وفي الـ ـ ــوقت نفسـ ـ ــه فـ ـ ــإن معاهـ ـ ــدة كوتونـ ـ ــو‪ ،‬ال تتعـ ـ ــرض لإلجـ ـ ــراءات الحمائيـ ـ ــة الـ ـ ــتي يطبقهـ ـ ــا‬

‫األوروبيــون‪ ،‬خاصــة في المجــال الــزراعي‪ ،‬وقــد أشــار تقريــر منظمــة األونكتــاد الــذي جــاء تحت عنــوان‬

‫"التنمية االقتصــادية في إفريقيــا‪ :‬النتــائج التجاريــة والتبعيــة الرئيســية للمنتجــات الرئيســية ‪ ،2004‬إلى‬

‫أن الــدول المتقدمــة قــد اعتقــدت أن حمايــة ‪ %3‬إلى ‪ %4‬من شــعوبها من النتــائج الســلبية لعــدم االســتقرار‬

‫وانخفاض المنتجات الرئيسية أمر يستحق عناء الدفاع عنه‪ ،‬في حين أنها رفضت استخدام أدوات مماثلة‬

‫لحماية ‪ %70‬إلى ‪ %80‬من شـعوب الـدول الناميـة الـتي تعتمـد بشـكل رئيسـي على الزراعـة‪ ،‬منهـا أغلب‬

‫الدول اإلفريقية‪ ،‬وقد وصــف الخبــير اإلفــريقي "عمر ساي" هــذا الوضــع‪ ،‬قــائال "نحن نســتطيع أن نصــدر‪،‬‬

‫دون جم ــارك كال من الحاس ــبات االلكتروني ــة‪ ،‬والس ــيارات الرياض ــية‪ ،‬وم ــواد المراك ــز النووي ــة‪ ،‬المش ــكلة‬

‫الوحيدة هي أننا ال نصنع تلك األشـياء‪ ..‬أمـا مـا نسـتطيع أن نصـدره ألوروبـا وهي الفواكـه والخضـروات‬

‫فهي نفســها الســلع الــتي فــرض على تصــديرها القيــود‪ ،224‬وفي اإلطــار نفســه يقــول تومــاس ديــف الخبــير‬

‫ببرنــامج األمم المتحــدة اإلنمــائي‪" :‬إن اتفاقيــة الشــراكة الــتي يفرضــها االتحــاد األوروبي على دول إفريقيــا‬

‫والكاريبي تنطوي على أجنـدة غـير تنمويـة‪ ...‬وتـتيح لقطـاع األعمـال األوروبي صــفقات احتكاريـة ضــمن‬

‫مـ ــا يتعـ ــارض مـ ــع جهـ ــود التنميـ ــة‪ ،‬وتحـ ــول حكامهـ ــا إلى مجـ ــرد مـ ــديرين لمصـ ــالح الشـ ــركات األوروبيـ ــة‬

‫وأرباحها"‪.225‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشراكة األورومتوسطية‬

‫تمث ــل دول ش ــمال إفريقي ــا منطق ــة ذات أهمي ــة ك ــبرى لموقعه ــا االس ــتراتيجي من جه ــة‪ ،‬ولس ــوقها‬

‫الواســعة من جهــة أخــرى بالنســبة إلى االتحــاد األوروبي‪ ،‬غــير أن هــذه األهميــة تزايــدت بشــكل كبــير في‬
‫‪ - 223‬جورج ثروت فهمي‪" ،‬اوروبا وإفريقيا‪ ..‬استراتيجية جديدة للتنافس"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 163‬يناير ‪ ،2006‬ص ‪.153‬‬
‫‪ - 224‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫‪ - 225‬بيان صالح حسن‪" ،‬تبديد األوهام‪ :‬األهداف الحقيقة للتــداعي على إفريقيــا"‪ ،‬مجلــة قــراءات إفريقيــة‪ ،‬العــدد التاســع‪ ،‬رجب‪-‬رمضــان ‪1432‬هـ‪/‬‬
‫يوليو‪-‬سبتمبر ‪2011‬م‪ ،‬ص ‪34‬‬

‫‪129‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إطــار االســتجابة األوروبيــة للتحــوالت الدوليــة لمــا بعــد نهايــة الحــرب البــاردة‪ ،‬الــتي أفــرزت مجموعــة من‬

‫التحديات على الدول األوروبية في المنطقة الجنوبية للمتوسط‪.‬‬

‫وأهم تلك التحديات تتمثل في المخاطر والتهديدات القادمة من الجنوب‪ ،‬خاصة التزايد السكاني‬

‫ل ــدول جن ــوب المتوس ــط‪ ،‬وم ــا س ــيتولد عن ــه من ض ــغوط الهج ــرة المتوجه ــة نح ــو أوروب ــا‪ ،‬باإلض ــافة إلى‬

‫التهديدات العسكرية‪ ،‬وكذلك ظاهرة التطرف وتزايد العداء للغرب‪.‬‬

‫إن هــذه التهديــدات تفســر المنظــور االســتراتيجي األوروبي الــذي اتجــه مــع بدايــة التســعينيات من‬

‫الق ــرن الماض ــي إلى تعمي ــق روابط ــه م ــع دول ش ــمال إفريقي ــا‪ ،‬س ــواء على المس ــتوى الثن ــائي أو المتع ــدد‬

‫األطراف‪ ،‬إدراكا منه أن األمن األوروبي أصبح يمتد إلى دوائر خارج نطاق القارة األوروبية‪.226‬‬

‫فعلى المســتوى الثنــائي فقــد تم التوقيــع على اتفاقيــة التبــادل الحــر بين تــونس واالتحــاد األوروبي‬

‫في ‪ 17‬يوليوز ‪ ،1995‬وبين المغرب واالتحاد األوروبي في ‪ 26‬فبراير ‪ 1996‬وقد دخلت حــيز التنفيــذ‬

‫في ‪ 1‬مارس ‪.2000‬‬

‫أما على المستوى المتعــدد األطــراف فــإن انعقـاد مــؤتمر برشــلونة ســنة ‪ 1995‬جــاء تعبــيرا عن‬

‫وضع أساس جديد للعالقـات بين دول االتحـاد األوروبي والـدول الجنوبيـة للمتوسـط‪ ،‬بمـا فيهـا دول شـمال‬

‫إفريقيا‪ .‬يقوم هذا األساس على مفهوم الشراكة‪ ،‬سواء في المجال االقتصادي أو االجتمــاعي أو الثقــافي‪،‬‬

‫كما يعبر المؤتمر عن طموح االتحـاد األوروبي لمـا بعـد انتهـاء الحـرب البـاردة‪ .‬ولقـد حـدد بيـان المـؤتمر‬

‫أسس التعاون والشراكة في المستويات اآلتية‪:‬‬

‫الشراكة السياسية واألمنية (إقامة منطقة شراكة من السالم واالستقرار)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الشراكة في المجال االقتصادي والمالي (إقامة منطقة مزدهرة اقتصاديا)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الشراكة في المجاالت االجتماعية والثقافية‪.227‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ - 226‬ابو العينين‪" ،‬العالقات األوروبية اإلفريقية بعد انتهاء الحرب الباردة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ - 227‬شريط عابد‪" ،‬االندماج االقتصادي اإلقليمي للدول المغاربية مع االتحاد األوروبي" السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،153‬يوليوز ‪ ،2003‬ص ‪.287‬‬

‫‪130‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إال أن تقييم عملية برشلونة أدى إلى توجيه انتقاد رئيســي إلى هــذه الشــراكة‪ ،‬تمثــل في أن هــذه‬

‫الشراكة لم تحقق الهدف الرئيس منها الذي يكمن في إيجاد منطقــة للرخــاء واالســتقرار واألمن في البحــر‬

‫األبيض المتوسـط‪ ،‬ممـا حـدا باالتحـاد األوروبي إلى بلـورة رؤيـة جديـدة تخـدم مصــالحه في هـذه المنطقـة‪،‬‬

‫تتمثل في سياسة الجوار األوروبي‪ ،‬وكذا مشروع االتحاد من أجل المتوسط‪.‬‬

‫ب ــدا واض ــحا من ــذ وق ــوع هجم ــات ‪ 11‬س ــبتمبر ‪ 2001‬أن الوالي ــات المتح ــدة مض ــت في ف ــرض‬

‫برنامجها السياسي للشرق األوسط على االتحاد األوروبي تحت العنوان األطلسي‪ ،‬مما تسبب في ظهــور‬

‫انقسامات في الصف األوروبي‪ ،‬خصوصا إزاء العملية العسكرية األمريكية في العراق‪ ،‬التي اعترضــت‬

‫عليه ــا ك ــل من فرنس ــا وألماني ــا‪ ،‬بينم ــا أي ــدتها بريطاني ــا وإ س ــبانيا وإ يطالي ــا ودول أوروب ــا الش ــرقية الحديث ــة‬

‫العضوية في االتحاد األوروبي‪.‬‬

‫مجددا حاول األوروبيون مجاراة المتغـيرات الكـبرى الـتي شـهدتها منطقـة المتوسـط‪ ،‬فـأقروا في‬

‫عــام ‪ 2000‬مــا ســمي بـ "االســتراتيجية المشــتركة للمتوســط" ثم قــرروا إطالق "سياســة الجــوار األوروبيــة"‬

‫في مـ ــارس ‪ ،2003‬وتم اعتمادهـ ــا في عـ ــام ‪ ،2004‬وتقـ ــوم هـ ــذه المبـ ــادرة الجديـ ــدة على تفعيـ ــل الجـ ــانب‬

‫السياسـ ــي لعالقـ ــة أوروبـ ــا بجوارهـ ــا‪ ،‬مـ ــع التركـ ــيز على ضـ ــرورة إنجـ ــاز اإلصـ ــالحات الخاصـ ــة بتطـ ــوير‬

‫الديمقراطية‪ ،‬بواسطة برنامج للمساعدات المالية مشروط بإحراز تقدم في هذه المجاالت‪.228‬‬

‫وتقوم هذه السياسة على العمل الثنائي بين االتحاد األوروبي وكل شريك منفرد‪ ،‬لوضع برامج‬

‫إصــالحات اقتصــادية وسياسـية‪ ،‬مـع أولويـات في المـدى القصــير والمتوسـط‪ ،‬تسـمى هـذه الـبرامج بخطـط‬

‫عمـل‪ ،‬تشـمل هـذه الخطـط عـدة قطاعـات ومجـاالت للتعـاون بمـا فيهـا المجـال األمـني والمجـاالت التجاريـة‬

‫واالجتماعية والحقوقية‪.229...‬‬

‫‪ - 228‬هاني الشميطي‪" ،‬اوروبا والمتوسط‪ :‬تاريخ العالقات ومشروع االتحاد من أجل المتوسط"‪ ،‬المجلة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪ ،19‬صــيف‬
‫‪ ،2008‬ص ‪.152-151‬‬
‫‪ 229‬كريم مصلوح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.188‬‬

‫‪131‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ويظهــر من تحليــل تطــورات عمليــة الشــراكة األورو‪-‬متوســطية وسياســة الجــوار األوروبي‪ ،‬أن‬

‫اهتمــام االتحــاد األوروبي باألبعــاد االقتصــادية واالجتماعيــة والثقافيــة للتعــاون المتوســطي‪ ،‬ينبــع في المقــام‬

‫األول من اهتمام ـ ـ ــه ب ـ ـ ــاألمن السياس ـ ـ ــي؛ بمع ـ ـ ــنى أن االتح ـ ـ ــاد األوروبي يوظ ـ ـ ــف العالق ـ ـ ــات االقتص ـ ـ ــادية‬

‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬لتحقيق هدف األمن واالستقرار في دول الجــوار‪ ،‬ومن تم انعكــاس هــذا االســتقرار‬

‫على أوروبا الموسعة‪.‬‬

‫كما أن أهم االنتقادات األخرى الموجهة لهذا المسار‪ ،‬تكمن في أنه إذا كــان التوجــه االقتصــادي‬

‫ال ــذي ارتك ــز نظري ــا على أهمي ــة اإلقليم الجيواقتص ــادي في بن ــاء التجمع ــات الك ــبرى لل ــدفاع عن منظ ــور‬

‫للتعـاون المتوسـطي يقـوم على الـدمج بين دول من الشـمال وأخـرى من الجنـوب‪ ،‬تتـوفر لهـا حظـوظ خلـق‬

‫فضاء لالندماج يبدأ من االقتصاد‪ ،‬غير أنه من جهة أخرى‪ ،‬يسجل كـون منطقـة التبـادل الحـر المتفـاوض‬

‫عليهـا بين االتحـاد األوروبي والشـركاء المتوسـطين ‪-‬بمن فيهم دول شـمال إفريقيـا‪ -‬بشـكل منفصــل‪ ،‬أنهـا‬

‫منطقــة تبــادل تتمــيز بــأربع خصــائص‪ :‬أولها‪ :‬كونهــا اتفاقيــات منطقــة تبــادل حــر بين تجمــع دول وبلــدان‬

‫منفــردة‪ ،‬ثانيها‪ :‬بين اقتصــاديات في مســتوى غــير متكــافئ من التنميــة‪ ،‬ثالثها‪ :‬في مســتوى غــير متكــافئ‬

‫من االندماج‪ ،‬رابعها‪ :‬في مستوى غــير متكــافئ من الحمايــة المتبادلــة‪ ،‬وحســب "محجوب عزام" ال تنتمي‬

‫منطق ــة التب ــادل الح ــر لإلط ــار التقلي ــدي إلح ــداث من ــاطق التب ــادل الح ــر‪ ،‬حيث تك ــون البل ــدان على مس ــتوى‬

‫متشــابه من التنميــة‪ ،‬وهــذا مــا جعلــه يصــف هــذه المنطقــة بالتنــافر الظــاهر‪ ،‬وهــذا مــا يفســر فتح األســواق‬

‫األوروبيــة أمــام المنتجــات الصــناعية المتوســطية‪ ،‬واســتثناء المنتجــات النســيجية والفالحيــة‪ ،‬وذلــك بتطــبيق‬

‫نظام الحصص والفترات الزمنيــة‪ ،‬وهــو مــا جعــل "بشارة خضر" يؤكــد أن عيــوب الشــراكة المتوســطية ال‬

‫تكمن في منهجه ــا‪ ،‬ب ــل في طبيعته ــا نفس ــها‪ ،‬فترك ــيز الش ــراكة على التب ــادل الص ــناعي واس ــتثناء الزراع ــة‬

‫يظهــر حجم الفــوارق بين مجــاالت ارتكــاز اقتصــاديات الضــفتين‪ ،‬فـ"الزراعــة تســهم بنســبة ‪ 15‬إلى ‪%20‬‬

‫من الناتج المحلي للبلدان المتوسطية‪ ،‬ويعمل فيها عدد كبير من سكان المنطقة‪ ،‬ففي المغـرب مثال تشـغل‬

‫‪132‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفالحة ما يفوق ‪ %25‬من األيدي العاملة‪ ،‬بينما ال توفر سوى ‪ %3‬من الوظــائف في أوروبــا‪ ،‬وتســهم بـ‬

‫‪ %60‬من النــاتج المحلي الخــام‪ ،‬أمــا قطــاع النســيج فهــو القطــاع األول من حيث توفــير الشــغل في مصــر‬

‫والمغـ ـ ــرب وتـ ـ ــونس‪ ،‬ويمثـ ـ ــل ‪ %24‬من صـ ـ ــادرات المغـ ـ ــرب‪ %4 ،‬من صـ ـ ــادرات تـ ـ ــونس و ‪ %50‬من‬

‫صادرات مصر‪ ،230‬وبذلك فإن الهدف الرئيس للشراكة األورومتوسطية هو فتح أسواق جنوب المتوســط‬

‫للمنتجــات الصــناعية األوروبيــة‪ ،‬والحصــول على المــوارد الطاقيــة الــتي تتــوفر بهــذه الــدول‪ ،‬دون اعتبــار‬

‫لمصالحها‪.‬‬

‫في ظ ــل ه ــذه االنتق ــادات ال ــتي وجهت للسياس ــة األوروبي ــة بالمنطق ــة المتوس ــطية‪ ،‬باإلض ــافة إلى‬

‫المتغــيرات الدوليــة الــتي عرفتهــا المنطقــة‪ ،‬قــدم المرشــح للرئاســة الفرنســية آنــذاك نيكوال ساركوزي في ‪7‬‬

‫فبراير ‪ ،2007‬بمدينة تولون الفرنسية خطابـا تحـدث فيـه عن عزمـه وضـع منطقـة المتوسـط على طريـق‬

‫"إعادة التوحيـد"‪ ،‬مركـزا على مصــطلح "التنميـة المشـتركة" القائمـة بحسـب تعريفـه على تقاسـم التكنولوجيـا‬

‫والمعرفة والخبرات بين ضفتي حوض المتوسط‪ ،‬مع ما يتطلبه ذلك من إنشاء بنك استثماري متوسطي‪،‬‬

‫يعنى بتمويل مشاريع المياه والطاقة وحماية التراث في جو من التعاون والتضامن واالحترام المتبادل‪.‬‬

‫وبعي ــد انتخاب ــه رئيس ــا للجمهوري ــة الفرنس ــية‪ ،‬ق ــام ســاركوزي بزي ــارة للمغ ــرب أعلن خالله ــا من‬

‫مدينـ ــة طنجـ ــة يـ ــوم ‪ 23‬أكتـ ــوبر ‪ 2007‬عن مشـ ــروعه الـ ــرامي إلى بنـ ــاء "االتحـ ــاد المتوسـ ــطي" عارضـ ــا‬

‫لخطوط ــه العام ــة‪ .‬ومق ــدما إي ــاه على أن ــه "حلم حض ــاري للس ــالم والعدال ــة" ويش ــكل "قطيع ــة م ــع تص ــرفات‬

‫الحذر والريبة"‪.231‬‬

‫ولقد مر هذا المسلسل بعد ذلـك بمنعطـف أساسـي تمثـل في محطـة رومـا‪ ،‬حيث جـاء في النـداء‬

‫الذي صدر عن القمــة الــتي جمعت نيكوال ساركوزي ورومانو بـرودي وخوسـي لـويس ثبـاتيرو في ‪20‬‬

‫ديسـ ــمبر ‪ 2007‬االتفـ ــاق على نقطـ ــتين محوريـ ــتين أوالهم ــا‪ :‬تغيـ ــير االسـ ــم من "االتحـ ــاد المتوسـ ــطي" إلى‬

‫"االتحاد من أجل المتوسـط" لتجنب أي تـداخل لهـذا الموضـوع مـع االتحـاد األوروبي مـع االحتفـاظ بمكانـة‬
‫‪ - 230‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.156-155‬‬
‫‪ - 231‬هاني الشميطي‪" ،‬اوروبا والمتوسط‪ :‬تاريخ العالقات ومشروع االتحاد من أجل المتوسط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.151-150‬‬

‫‪133‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مسلس ــل برش ــلونة ك ــأهم آلي ــة للتع ــاون اإلقليمي‪ ،‬وثانيتهمــا الفص ــل بين انض ــمام تركي ــا لالتح ــاد األوروبي‬

‫واالتحــاد من أجــل المتوســط‪ ،232‬كمــا يمكن اعتبــار االنتقــال من االتحــاد المتوســطي إلى االتحــاد من أجــل‬

‫المتوسط جاء كمشروع جديـد (فرنسـي‪ -‬ألمـاني) ليكبح جمـاح فرنسـا وتطلعاتهـا المسـتقبلية‪ ،‬وهكـذا أكـدت‬

‫وثيقة بروكسيل أن يكون المشروع في صيغته الجديدة دعامة لمسار برشــلونة حســب رغبــة بــرلين‪ ،‬الــتي‬

‫أرغمت باريس على تصحيح مبادرتها التي تهدف باألساس إلى تفضيل دول جنوب أوروبا‪ ،‬وتهدد وفق‬

‫الرؤية األلمانية كيان االتحاد األوروبي‪.233‬‬

‫ومــا يمكن تأكيــده‪ ،‬أنــه مهمــا تغــيرت مســميات السياســات األوروبيــة تجــاه المنطقــة‪ ،‬فــإن الهــدف‬

‫األساس ــي له ــذه السياس ــات‪ ،‬يبقى ه ــو تحقي ــق المص ــالح األوروبي ــة به ــا‪ ،‬وه ــو م ــا يؤك ــده خطاب ــا ال ــرئيس‬

‫الفرنســي ســواء في تولون أو في طنجة أثنــاء إطالق مبــادرة االتحــاد المتوســطي ‪ ،‬إذ قــال‪" :‬ال أتــردد في‬

‫الق ــول إن مس ــتقبل أوروب ــا يوج ــد في الجن ــوب‪ ،‬ب ــإدارة الظه ــر للمتوس ــط‪ ،‬ف ــإن أوروب ــا لم تقط ــع ج ــذورها‬

‫الثقافي ــة‪ ،‬األخالقي ــة والروحي ــة فق ــط‪ ،‬ولكن أيض ــا مس ــتقبلها"‪ ،234‬وه ــو م ــا يحي ــل ك ــذلك للمنافس ــة ال ــتي‬

‫أصبحت مفروضة عليها من طرف الواليات المتحدة األمريكية والقوى اآلسيوية في العديــد من المنــاطق‬

‫الدولية‪ ،‬منها هذه المنطقة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الشراكة "الاستراتيجية" بين أوروبا وإ فريقيا‬

‫فــإلى جــانب المحــددات األساســية الــتي تتحكم في العالقــات األوروبيــة‪-‬اإلفريقيــة المتمثلــة أساســا‬

‫في المحــدد التــاريخي‪ ،‬والمحــدد الجغــرافي‪ ،‬والمحــدد الثقــافي‪ ،‬الــذي يربــط بين الطــرفين نتيجــة اســتمرار‬

‫التبعيـة الثقافيـة للـدول اإلفريقيـة لبعض الـدول األوروبيـة‪ ،‬كفرنسـا من خالل رابطـة الفرنكوفونيـة‪ ،235‬كمـا‬

‫تمت مناقشـ ــتها سـ ــابقا‪ ،‬يبقى أهم محـ ــدد لتطـ ــور العالقـ ــات األوروبيـ ــة‪ -‬اإلفريقيـ ــة إلى مسـ ــتوى "الشـ ــراكة‬

‫‪ - 232‬كريم مصلوح‪ ،‬مرجع سابق‪.193-192 ،‬‬


‫‪ - 233‬عبد القادر رزيق المخادمي‪ ،‬االتحاد من أجل المتوسط األبعاد واآلفاق‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،2009 ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪ - 234‬كريم مصلوح‪ ،‬مرجع سابق‪.192 ،‬‬
‫‪ - 235‬ابو العينين‪" ،‬العالقات األوروبية اإلفريقية بعد انتهاء الحرب الباردة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.23-22‬‬

‫‪134‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫االســتراتيجية" هــو التحــديات الجديــدة الــتي فرضــها النظــام العــالمي الجديــد مــع بدايــة األلفيــة الثالثــة‪ ،‬وذلــك‬

‫ب ـ ــإفراز بيئ ـ ــة جدي ـ ــدة يطغى عليه ـ ــا التن ـ ــافس االقتص ـ ــادي ال ـ ــدولي‪ ،‬المتجلي أساس ـ ــا في التن ـ ــافس على فتح‬

‫األسواق لتصريف المنتجات الصناعية وضمان مصادر الطاقة‪.‬‬

‫واستجابة لهذه التحديات التي فرضها "النظام العالمي الجديد" على المستوى الــدولي‪ ،‬خصوصــا‬

‫في إفريقي ــا‪ ،‬إذ ازداد التن ــافس ح ــول ثرواته ــا بش ــكل كب ــير م ــع بداي ــة األلفي ــة الثالث ــة بين الواليــات المتح ــدة‬

‫األمريكي ــة والق ــوى اآلس ــيوية‪ ،‬اتج ــه االتح ــاد األوروبي إلى بل ــورة إط ــار جدي ــد ينظم عالقات ــه م ــع ال ــدول‬

‫االفريقية‪ ،‬يضاف إلى سلسلة اإلطارات المنظمة لهذه العالقات‪.236‬‬

‫ضــمن هــذا اإلطــار عقــدت أربــع قمم بين الــدول األوروبيــة واإلفريقيــة‪ :‬األولى في القــاهرة ســنة‬

‫‪ ،2000‬والثانيــة في لشــبونة ســنة ‪ 2007‬والثالثــة في طــرابلس ســنة ‪ ،2010‬أمــا الرابعــة فقــد عقــدت في‬

‫بروكسيل سنة ‪.2014‬‬

‫وق ـ ــد ص ـ ــدر عن القم ـ ــة األولى إعالن الق ـ ــاهرة ال ـ ــذي تض ـ ــمن ص ـ ــياغة مستفيض ـ ــة لمختل ـ ــف‬

‫الموض ــوعات والقض ــايا الخاص ــة بالتع ــاون بين الط ــرفين‪ ،‬ال ــتي ت ــرمي إلى إض ــفاء بع ــد اس ــتراتيجي على‬

‫الشراكة الجديدة بين افريقيا وأوروبا‪.‬‬

‫فخالل قمـ ــة القـ ــاهرة ركـ ــزت الـ ــدول اإلفريقيـ ــة على مصـ ــالحها االقتصـ ــادية الـ ــتي تركـ ــزت في‬

‫مجموع ـ ــة من المط ـ ــالب‪ :‬أوله ــا اإلعف ـ ــاء من ال ـ ــديون الخارجي ـ ــة ومواص ـ ــلة الحص ـ ــول على المس ـ ــاعدات‬

‫اإلنمائيـ ــة الرسـ ــمية من الجـ ــانب األوروبي‪ ،‬من أجـ ــل تخفيـ ــف أعبـ ــاء الـ ــديون وتوفـ ــير المـ ــوارد اإلضـ ــافية‬

‫الســتراتيجية الحــد من الفقــر‪ .‬وثانيهــا تعزيــز وســائل الوصــول إلى األســواق األوروبيــة لجميــع منتجاتهــا‬

‫الرئيسية على أساس اإلعفاء من الضرائب والحصص‪ ،‬يضــاف إلى ذلــك المطلب الثالث الــذي يتمثــل في‬

‫التغلب على تح ــديات العولم ــة وتحقي ــق التنمي ــة المس ــتدامة بتعزي ــز الق ــدرات التكنولوجي ــة والتعليمي ــة‪ ،‬أم ــا‬

‫‪ - 236‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.32‬‬

‫‪135‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المطلب الرابــع فهــو طلب تشــجيع االســتثمارات الخارجيــة المباشــرة في إفريقيــا؛ وذلــك بتوفــير الرســاميل‬

‫إلنعاش وتطوير البنيات التحتية الضرورية ألي إقالع اقتصادي‪.237‬‬

‫وإ ذا كـانت هـذه مطـالب إفريقيـا من الشـراكة األوروبيـة‪-‬اإلفريقيـة‪ ،‬فــإن مصــالح األوروبـيين في‬

‫هذه الشراكة متعددة سواء على المستوى االقتصــادي أو االســتراتيجي‪ ،‬فعلى المســتوى االقتصــادي تتمثــل‬

‫المصـ ــالح األوروبيـ ــة في ضـ ــمان تـ ــدفق المـ ــوارد الخـ ــام من الـ ــدول اإلفريقيـ ــة‪ ،‬خصوصـ ــا النفـ ــط والغـ ــاز‬

‫الط ــبيعي‪ ،‬فأوروب ــا تعت ــبر من المن ــاطق الفق ــيرة نفطي ــا‪ ،‬حيث تس ــتورد نص ــف حاجياته ــا النفطي ــة باس ــتثناء‬

‫ال ــنرويج وبريطاني ــا وروماني ــا‪ .238‬كم ــا أن أوروب ــا ت ــرغب من وراء ه ــذه الش ــراكة ض ــمان أس ــواق ال ــدول‬

‫اإلفريقية لتصريف المنتجات الصناعية األوروبية‪ .‬أما على المستوى االستراتيجي فإن الــدول األوروبيــة‬

‫كمــا تم توضــيحه‬ ‫‪239‬‬


‫تــروم من هــذه الشــراكة المحافظــة على معاقلهــا التقليديــة في إفريقيــا‪ ،‬خاصــة فرنســا‬

‫سابقا‪.‬‬

‫ولتحقيق هذه األهداف‪ ،‬دعا االتحـاد األوروبي إلى قيـام شـراكة تقـوم على النديـة والمسـاواة بين‬

‫الشــريكين األوروبي واإلفــريقي؛ وذلــك من خالل التعــاون والتكامــل االقتصــادي الــذي يعتــبر أداة العصــر‬

‫لالندماج في االقتصاد العالمي‪.‬‬

‫ومن أهم المشــاكل الــتي ناقشــتها قمــة القــاهرة‪ ،‬مســألة الــديون اإلفريقيــة الخارجيــة‪ ،‬وبــالرغم ممــا‬

‫أعلن بمناسبة قمة إفريقيا‪-‬أوروبا من تنازل ألمانيا وفرنسا عن ديونها لفائدة الدول اإلفريقية‪ ،‬فــإن القمــة‬

‫لم تسـتطع أن تخـرج بحـل حاسـم لمشـكلة المديونيـة اإلفريقيـة‪ ،‬واكتفت عمليـا بـإعالن "سـرت" الصـادر في‬

‫‪ 9‬سبتمبر ‪ ،1999‬الـذي فــوض إلى رئيس الجزائـر وجنـوب إفريقيـا بالشـروع في المفاوضــات مـع دائـني‬

‫إفريقي ــا‪ ،‬به ــدف تحقي ــق اإللغ ــاء الت ــام ل ــديون إفريقي ــا‪ ،‬كم ــا تم اعتم ــاد ملي ــار ي ــورو من ص ــندوق التنمي ــة‬

‫األوروبية لتخفيف الديون‪ ،‬وذلك في إطار المبادرة المعززة للبلـدان الفقـيرة المثقلـة بالـديون‪ .‬ولقـد ربطت‬

‫‪ - 237‬أحمد طه محمد‪" ،‬األبعاد السياسية للشراكة بين أوروبا وإفريقيا"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،141‬يوليوز ‪ ،2000‬ص ‪.168‬‬
‫‪ - 238‬خالد حنفي علي‪" ،‬النفط اإلفريقي‪ :‬بؤرة جديدة للتنافس الدولي"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،164‬أبريل ‪ ،2006‬ص ‪.76‬‬
‫‪ - 239‬أحمد طه محمد‪" ،‬االبعاد السياسية للشراكة بين أوروبا وإفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.167‬‬

‫‪136‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أي نجــاح ألي مبــادرة لتخفيــف عبء الــديون بمــدى تنفيــذ التــدابير الضــرورية لإلصــالح االقتصــادي في‬

‫دول إفريقيا‪.‬‬

‫كمـا أن دول االتحـاد األوروبي‪ ،‬ركـزت في شـراكتها مـع الـدول اإلفريقيـة على البعـد السياسـي‪،‬‬

‫وذلــك بــدعم حقــوق اإلنســان‪ ،‬وتطــبيق الديمقراطيــة‪ ،‬وتعزيــز ســيادة القــانون‪ ،‬بحســب الرؤيــة األوروبيــة‪،‬‬

‫لتحقيق مصالحها االقتصادية في القارة اإلفريقية‪ ،240‬وهــو مــا يعــني اســتمرار العقليــة الغربيــة الــتي تنحــو‬

‫إلى الهيمنــة واالذالل‪ ،‬فهــذه اآلليــة ابتــدعتها هــذه القــوى منــذ القــرن التاســع عشــر لفــرض بعض شــروطها‬

‫خصوصـ ــا على اإلمبراطوريـ ــة العثمانيـ ــة الـ ــتي بـ ــدأت تضـ ــعف آنـ ــذاك‪ .‬أي اعتمـ ــاد ديبلوماسـ ــية التحـ ــول‬

‫السياسي القسري‪ ،‬كما وضحه برتراند بدايع في كتاب زمن المذلولين باثولوجيا العالقات الدولية‪.241‬‬

‫وفي السياق نفسه‪ ،‬اتجهت قمة لشبونة‪ ،‬التي أكدت تفعيـل آليـات التعـاون بين الطـرفين‪ ،‬لتعميـق‬

‫العالقــات االســتراتيجية ومواجهــة تحــديات العولمــة‪ ،‬خاصــة في مجــال تــدعيم المبــادالت التجاريــة والتحكم‬

‫في الهجرة وحماية البيئة‪ ،‬وذلك بمواجهة الصراعات وحل األزمات الدولية بالطرق السلمية‪.‬‬

‫أما القمة الثالثة فقد تم التركيز خاللها على تقليص هوة التنمية بين القارتين‪ ،‬وذلك عبر تقوية‬

‫التعـاون االقتصــادي وتشـجيع التنميـة المسـتدامة‪ ،‬في إطـار السـلم واألمن‪ ،‬والتضــامن والكرامـة االنسـانية‪،‬‬

‫وهــذه االســتراتيجية المشــتركة ســيتم تنفيــذها عــبر برنــامج عمــل على المــدى القصــير‪ ،‬من خالل الحــوار‬

‫السياسي على مستوى كل المجاالت‪.‬‬

‫ولقد تم تحديد أربعة أهداف أساسية لهذه القمة وهي كاآلتي‪:‬‬

‫أوال) تقويـ ــة الشـ ــراكة السياسـ ــية مـ ــا بين الطـ ــرفين‪ ،‬وذلـ ــك عـ ــبر توطيـ ــد الروابـ ــط المؤسسـ ــاتية‬

‫واالستجابة للتحديات الجديدة في مجاالت السلم واألمن والهجرة والتنمية‪.‬‬

‫‪ - 240‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي االفريقي ‪ ،2002-2001‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.317-316‬‬
‫‪ - 241‬برتران بديع‪ ،‬زمن المذلولين باثولوجيا العالقات الدولية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.73-72‬‬

‫‪137‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ثاني ـ ــا) تقوي ـ ــة وتعزي ـ ــز األمن والس ـ ــلم‪ ،‬والحكام ـ ــة الديمقراطي ـ ــة‪ ،‬وحق ـ ــوق االنس ـ ــان‪ ،‬والحري ـ ــات‬

‫االساســية‪ ،‬والمســاواة مــا بين الجنســين‪ ،‬وتحقيــق تنميــة اقتصــادية مســتدامة‪ ،‬والعمــل على تحقيــق أهــداف‬

‫األلفية الثالثة في كل الدول اإلفريقية قبل متم ‪.2015‬‬

‫ثالثــا) تشــجيع التعــاون لــدعم وتحقيــق نظــام عــالمي متعــدد األقطــاب فعــال مبــني على مؤسســات‬

‫قويـ ــة شـ ــرعية‪ ،‬وذلـ ــك باالسـ ــتمرار في الـ ــدفع نحـ ــو إصـ ــالح نظـ ــام األمم المتحـ ــدة‪ ،‬والمؤسسـ ــات الدوليـ ــة‬

‫األخـرى‪ ،‬والعمـل سـويا على مواجهـة التحـديات العالميـة الجديـدة كحقـوق الطفـل والمسـاواة بين الجنسـين‪،‬‬

‫والتجــارة العادلــة‪ ،‬ومواجهــة مــرض اإليــدز وجــل األمــراض األخــرى والتغــيرات المناخيــة‪ ،‬وكــذا انتشــار‬

‫األسلحة‪ ،‬والسعي نحو بناء مجتمعات تقوم على المعرفة والتكنولوجيا‪.‬‬

‫رابعــا) تشــجيع وتســهيل شــراكة ترتكــز على تأهيــل المــوارد البشــرية‪ ،‬وذلــك لن يتم إال بــانخراط‬

‫جميع القوى الفاعلة في المجتمع المدني‪ ،‬لتحقيق التنمية والديمقراطية وتجنب الصراعات‪.‬‬

‫ولئن كـانت إفريقيـا قـد تغـيرت بعـد القمـة الثالثـة في طـرابلس‪ ،‬بإعـادة تشـكيل بنيـة شـمال إفريقيـا‬

‫بفعـ ــل "ثـ ــورات الربيـ ــع العـ ــربي" ومـ ــا خلفتـ ــه من تـ ــداعيات أمنيـ ــة وجيوسـ ــتراتيجية على منطقـ ــة السـ ــاحل‬

‫والصحراء برمتها‪ ،‬فإن أوروبا نفسها تغيرت بفعل أزمة شبه جزيرة القرم وضمها لالتحــاد الروســي‪ ،‬إذ‬

‫رأي بعض الكتــاب في ظــل هــذا الوضــع الجديــد أن القواعــد الــتي تحكم السياســة الدوليــة بعــد هــذه األزمــة‬

‫سوف تتغير ال محالة عن تلك الـتي كـانت سـائدة قبلهـا‪ ،‬ال سـيما منـذ نهايـة الحـرب البـاردة‪ .‬إذا نحن أمـام‬

‫تغيرات كبيرة في ميزان السياسة والقوى الدولية‪ ،‬لذلك فهل حقا يعبر شعار قمــة بروكســيل بين الجــانبين‬

‫"االستثمار في االشخاص من أجل الســالم واالزدهــار" عن نوايــا حقيقيــة لشــراكة أوروبيــة إفريقيــة؟ أم أنــه‬

‫يســعى إلعــادة تثــبيت أق ــدام أوروبــا بالقــارة اإلفريقيــة؟ في ظــل تزايــد االهتمــام اآلس ــيوي بهــذه القــارة ‪،242‬‬

‫فالصين أصبحت الشريك التجاري األول للقارة مع بداية العقد الحالي مما أدى لفقــدان أوروبــا للعديــد من‬

‫معاقلهــا التاريخيــة في هــذا المجــال‪ ،‬خاصــة فرنســا الــتي أصــبحت تواجــه مجموعـة من التحــديات بمناطقهــا‬
‫‪ - 242‬حمدي عبد الرحمان‪" ،‬أوروبا وإفريقيا وجها لوجه نحو شراكة أم هيمنة جديدة"‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 15/03/2015‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://studies.alarabiya.net/ .‬‬

‫‪138‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفرنكفونية سواء في مجال التجارة أو االستثمار لما قدمته القوى اآلسيوية لهذه الدول من بدائل في هــذه‬

‫المجاالت‪.‬‬

‫وإ ذا كــان األوروبيــون يهــدفون إلى تحقيــق مجموعــة من األهــداف األمنيــة واالقتصــادية من هــذه‬

‫القمة‪ ،‬فإنها قياسا على خبرة المنتديات والقمم األفريقية مع الصين والهند واليابـان‪ ،‬فقـد عـانت من هيمنـة‬

‫الص ــور الذهني ــة والم ــدركات الس ــلبية المتبادل ــة‪ ،‬وربم ــا يع ــزى ذل ــك إلى الخ ــبرة االس ــتعمارية األوروبي ــة‬

‫السابقة في إفريقيا‪ .‬لقد ظلت قضية التمثيل وتركيبة الوفود اإلفريقية المشاركة‪ ،‬محور مفاوضــات وجــدل‬

‫كبير يبتعـد في معظم جوانبـه عن القواعـد والقـوانين الدبلوماسـية‪ .‬ويمكن في هـذا السـياق أن نطـرح مثـال‬

‫مشاركة الرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي الذي مثل دائما أحد المشكالت الكبرى التي تواجــه اإلعــداد‬

‫للقمم األفريقية‪ -‬األوروبيـة‪ ،‬وقـد عـبر مجلس السـلم واألمن التـابع لالتحـاد اإلفـريقي صـراحة عن اسـتيائه‬

‫الشــديد لهــذا االســتعالء األوروبي في التعامــل مــع إفريقيــا وعــدم التخلي عن العقليــة االســتعمارية الســابقة‪،‬‬

‫حينما أصدر توصية واضحة للزعماء األفارقة بضرورة مقاطعة قمة بروكسل‪ ،‬وقد بـرر المجلس‪ ،‬وهـو‬

‫أقــوى جهــاز داخــل االتحــاد األفــريقي‪ ،‬هــذه التوصــية بأنهــا احتجــاج على ازدراء األوروبــيين ألفريقيــا من‬

‫خالل تحديدهم من يحق له المشاركة في القمة من الجانب األفريقي‪.‬‬

‫وقد قاطع رئيس جنوب أفريقيا "جاكوب زوما" قمة بروكسل‪ ،‬احتجاجًا منــه على مســألة التمثيــل‬

‫واإلمالءات األوروبيــة بهــذا الشــأن‪ ،‬يقــول زوما‪" :‬إن علينــا تجــاوز العصــر الــذي نظــر فيــه إلينــا على أننــا‬

‫مجرد رعايا‪ ،‬لقد قيل لنا من ينبغي عليه الحضور ومن يتعين عليــه عـدم الحضــور‪ ،‬لم يحــدث قــط عنــدما‬

‫نجتم ــع في أوروب ــا أنن ــا ق ــد حس ــمنا مس ــألة الحض ــور والتمثي ــل في القم ــة‪ ،‬إن ــه أم ــر خط ــأ ي ــؤدي إلى أم ــور‬
‫‪243‬‬
‫مؤسفة ال لزوم لها على االطالق"‪.‬‬

‫إن "الشــراكة االســتراتيجية" الــتي جــرى االتفــاق عليهــا بين الجــانبين‪ ،‬تبقى غــير واقعيــة في ظــل‬

‫موازين القوى الحاليـة‪ ،‬على جميـع المسـتويات االقتصــادية والتجاريـة والسياسـية وغيرهـا‪ ،‬إذ كيـف يمكن‬

‫‪ - 243‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لبوركينــا فاســو مثال أن تكــون "شــريكا اســتراتيجيا" لالتحــاد األوروبي؟ حــتى العالقــة من كتلــة إلى كتلــة ال‬

‫تزال بعيدة المنال‪ .244‬فالدول األوروبيـة ال تقـف موقفـا واحـدا موحـدا حيـال القـارة اإلفريقيـة‪ ،‬وال تمـارس‬

‫إزاءه ــا سياس ــة واح ــدة‪ ،‬فحســب "فيلب هيكــون" فاالتح ــاد األوروبي ليس ل ــه ق ــوة سياس ــية موح ــدة إذ م ــا‬

‫زالت ال ــدول األعض ــاء ت ــؤدي دورا رئيس ــيا في العالق ــات م ــع إفريقي ــا‪ ،‬وخ ــير مث ــال على ه ــذه العالق ــات‬

‫الخاص ــة ه ــو العالق ــات الفرنس ــية م ــع مس ــتعمراتها الس ــابقة‪ ،‬وه ــذا م ــا يش ــكل عقب ــة في الفض ــاء األوروبي‬

‫بالنس ــبة للتكام ــل والتنس ــيق فيم ــا يخص المس ــاعدات المقدم ــة إلفريقي ــا‪ ،‬إض ــافة إلى أن األعض ــاء الج ــدد‬

‫باالتحاد األوروبي ال تربطهم عالقات تاريخية مع هذه القارة‪ .245‬من جهتها ال تستطيع الدول اإلفريقيــة‬

‫جميعــا التحــدث بصــوت واحــد‪ ،‬ذلــك أن مصــالح بعضــها ليس مطابقــا بالضــرورة لمصــالح البعض اآلخــر‪،‬‬

‫بل العكس هو الصحيح في أغلب األحيان‪.246‬‬

‫وأض ــاف "فيلب هيكــون" أن هن ــاك تناقض ــات بين القيم ال ــتي ت ــدعيها أوروب ــا‪ ،‬والسياس ــة ال ــتي‬

‫تنهجه ــا م ــع إفريقي ــا‪ ،‬فمثال ت ــدعي تش ــجيع الديمقراطي ــة وحق ــوق اإلنس ــان‪ ،‬لكنه ــا ت ــدعم األنظم ــة السياس ــية‬

‫االس ــتبدادية للحف ــاظ على االس ــتقرار السياس ــي‪ ،‬ال ــذي يض ــمن مص ــالحها االقتص ــادية‪ ،‬ك ــالموارد الطاقي ــة‬

‫والوصول إلى األسواق اإلفريقية‪.247‬‬

‫وهو ما أكدتــه "هيلين كلودو‪-‬هاواد"‪ ،‬في إطــار تعليقهــا على التــدخل الفرنســي بمــالي‪ ،‬إذ أكــدت‬

‫"‪...‬أن القوى الغربية خاصة فرنسا عملت على ترحيل تطلعات المجتمـع المـدني لمصـلحة عمـل اسـتالب وإ فسـاد‬

‫النخب المحلية‪ ،‬ومعها قادة الرأي‪ ،‬مساندين دائما األشخاص أنفسهم أو المجموعات ذاتها‪ ،‬وفقــا للترســيمات الــتي‬

‫جــرى وضــعها في الحقبــة االســتعمارية تبعــا لــدرجات الــوالء للقــوى االســتعمارية‪ ،‬وقــد اختــارت القــوة والســلطوية‬

‫لإلطاحة بكل شكل من أشكال المعارضة السياسية التي يمكن أن تسيء إلى مشروعاتها االقتصــادية‪ .‬لقــد راهنــوا‬

‫‪ - 244‬غسان العزي‪" ،‬القمة األوروبية‪ -‬اإلفريقية‪ :‬أوهام "الشراكة االستراتيجية"‪ ،‬شؤون االوسط‪ ،‬العدد ‪ ،94‬نيسان‪ /‬ابريل ‪ ،2000‬ص ‪.103‬‬
‫‪245‬‬
‫‪-Pierre-Yves CASTAGNAC et Sarah ZERROUKI, « Les relations entre l’union européenne et le continent‬‬
‫‪africain», Institut des relations internationales et stratégiques (IRIS) – 2011, p 3. Consulté le 20/03/2015:‬‬
‫‪http://www.iris-france.org/docs/kfm_docs/docs/cr-conferences/2011-01-cr-ue-afrique.pdf.‬‬
‫‪ - 246‬غسان العزي‪" ،‬القمة األوروبية‪ -‬اإلفريقية‪ :‬أوهام "الشراكة االستراتيجية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪247‬‬
‫‪- Pierre-Yves CASTAGNAC et Sarah ZERROUKI, « Les relations entre l’union européenne et le continent‬‬
‫‪africain», op, cit, p 3.‬‬

‫‪140‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫على الحـ ــرب األهليـ ــة لتـ ــدمير الحركـ ــات االحتجاجيـ ــة بـ ــأكثر ممـ ــا راهنـ ــوا على جعـ ــل األنظمـ ــة القائمـ ــة أنظمـ ــة‬

‫ديمقراطية‪ ،‬لكن قد يتبين بعد حين أن الفوضى االجتماعية التي تنتج عن ذلك تؤدي إلى عكس المطلوب"‪.248‬‬

‫على الــرغم من كــون القــارة األوروبيــة تعــرف تراجعــا اقتصــاديا نتيجــة األزمــة الماليــة وكــذلك‬

‫أزمــة األورو‪ ،‬فــإن المقــاوالت األوروبيــة ال زالت حاضــرة بالقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬بحثــا عن المــوارد الطبيعيــة‬

‫التي ال تتوفر بالشكل الكـافي في أوطانهـا‪ ،‬و مقارنـة مـع بـاقي دول العـالم فــإن العالقــات التجاريـة مـا بين‬

‫أوروبا وإ فريقيا تبقى هامشية‪ ،‬حيث في سنة ‪ 2005‬شكلت التجارة مع إفريقيا جنوب الصــحراء أقــل من‬

‫‪ %5‬من تجارة أوروبا مع العالم‪ ،‬وتتم أغلبها مع الدول اإلفريقية الغنية بالثروات الطبيعية‪.249‬‬

‫ويعــد االتحــاد األوروبي الشــريك التجــاري الــرئيس للقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬ففي ســنة ‪ 2006‬اســتورد‬

‫االتح ـ ــاد األوروبي م ـ ــا قيمت ـ ــه ‪ 126‬ملي ـ ــار أورو من إفريقي ـ ــا‪ ،‬أي أن إفريقي ـ ــا تغطي ‪ %9‬من ال ـ ــواردات‬

‫األوروبيـة خالل هـذه السـنة نصــفها من المـواد الطاقيـة‪ ،‬وصــدر إليهـا مـا قيمتـه ‪ 93‬مليـار أورو‪ ،‬وهـو مـا‬

‫شــكل ‪ %8,3‬من مجمــوع صــادرات االتحــاد األوروبي خالل هــذه الســنة‪ ،‬وقــد ســجل المــيزان التجــاري‬

‫لالتحــاد األوروبي عجــزا تجاريــا في مجــاالت المــواد الفالحيــة والنســيج والمــواد الطاقيــة‪ ،‬في حين حقـق‬

‫فائضا مهما في المواد المصنعة والمواد الكيماوية وأجهزة النقل‪.‬‬

‫وبصــفة عامــة فخالل المرحلــة مــا بين ‪ 2006-2002‬كــانت أغلب واردات االتحــاد األوروبي‬

‫من إفريقيــا‪ ،‬تتشــكل من المــوارد الطاقيــة والفالحيــة‪ ،‬في حين تشــكلت أغلب ص ــادراته لهــذه المنطقــة من‬

‫المـ ــواد المصـ ــنعة والكيماويـ ــة واآلالت‪ ،‬الـ ــتي شـ ــكلت مجتمعـ ــة أكـ ــثر من ‪ %78‬خالل سـ ــنة ‪ ،2006‬كمـ ــا‬

‫يوضحه المبيان أسفله ‪:‬‬

‫‪ - 248‬هيلين كلودو‪ -‬هاواد‪" ،‬الطوارق في صميم القضايا االستراتيجية للصحراء الساحلية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.240-239‬‬
‫‪249‬‬
‫‪- Catherine GEGOUT, « Le retrait de l’Europe et la montée en puissance de la Chine en Afrique une‬‬
‫‪évaluation des approches réalistes, libérales et constructivistes », op, cit, 53.‬‬

‫‪141‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بنية الصادرات والواردات األوروبية من إفريقيا خالل المرحلة من ‪ 2006-2002‬بالمليار أورو‬ ‫المبيان رقم ‪:12‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪European Commission, Directorate General for Trade, “EU-Africa trade in facts and figures” Brussels,‬‬
‫‪7 December 2007”, TRADE POLICY in PRACTICE, viewed 30/01/2015 at:‬‬
‫‪http://trade.ec.europa.eu/doclib/docs/2007/december/tradoc_137129.pdf.‬‬

‫وخالل ه ــذه الس ــنة –س ــنة ‪ -2006‬ظلت ك ــل من ليبي ــا والجزائ ــر من أهم الش ــركاء التج ــاريين‬

‫لالتحـــاد األوروبي؛ بحيث صـ ــدرت األولى مـــا قيمتـــه ‪ 26‬مليـــار أورو ‪ ،‬والثاني ــة ‪ 24‬ملي ــار أورو‪ ،‬كمـــا‬

‫تعتبر أيضا جنوب إفريقيا هي األخرى من الشركاء التجاريين لالتحاد األوروبي بالقارة اإلفريقية؛ حيث‬

‫صــدرت خالل ســنة ‪ 18 ،2006‬مليــار أورو أي مــا يشــكل ‪ %14‬من الصــادرات اإلفريقيــة نحــو االتحــاد‬

‫األوروبي‪ ،250‬ولقـ ــد ارتفعت الصـ ــادرات اإلفريقيـ ــة نحـ ــو أوروبـ ــا من ‪ 54‬مليـ ــار دوالر سـ ــنة ‪ 2000‬إلى‬

‫‪ 113‬مليــار دوالر ســنة ‪ .2010‬وخالل هــذه الســنة اســتحوذ االتحــاد االوروبي على أكــثر من ‪ %50‬من‬

‫صادرات الدول المبينة في المبيان أسفله‪:‬‬

‫‪250‬‬
‫‪- European Commission, Directorate General for Trade, “EU-Africa trade in facts and figures – Brussels, 7‬‬
‫‪December‬‬ ‫‪2007”,‬‬ ‫‪TRADE‬‬ ‫‪POLICY‬‬ ‫‪in‬‬ ‫‪PRACTICE,‬‬ ‫‪viewed‬‬ ‫‪30/01/2015‬‬ ‫‪at:‬‬
‫‪http://trade.ec.europa.eu/doclib/docs/2007/december/tradoc_137129.pdf.‬‬

‫‪142‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الدول األفريقية التي صدرت اكثر من نصف صادراتها نحو االتحاد األوروبي خالل سنة ‪2010‬‬ ‫المبيان رقم ‪:13‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Maëlan LE GOFFM, « CRISE DE LA ZONE EURO : QUELLES CONSÉQUENCES‬‬


‫‪POUR LES ÉCONOMIES AFRICAINES ? », LA LETTRE DU CEPII, N° 322 - 26‬‬
‫‪juin 2012, p 5.‬‬
‫وفي سـ ــنة ‪ 2011‬كـ ــان أهم الشـ ــركاء التجـ ــاريين لالتحـ ــاد األوروبي بإفريقيـ ــا‪ :‬جنـ ــوب إفريقيـ ــا‪،‬‬

‫بحيث بلغت قيمة مبادالتها التجارية مع االتحاد األوروبي ‪ 60‬مليار دوالر‪ ،‬والجزائر ‪ 52‬مليــار دوالر‪،‬‬

‫ونيجيريا ‪ 47‬مليار دوالر ‪ ،‬والمغرب ‪ 33‬مليار دوالر ‪ ،‬ومصــر ‪ 31‬مليــار دوالر ‪ ،‬وتــونس ‪ 28‬مليــار‬

‫دوالر ‪ ،‬وليبي ــا ‪ 16‬ملي ــار دوالر ‪ ،‬وأنج ــوال ‪ 15‬ملي ــار دوالر ‪ ،‬وغيني ــا االس ــتوائية ‪ 7‬ملي ــارات دوالر ‪،‬‬

‫والكوت ديفوار ‪ 6‬مليارات دوالر ‪ ،‬والكاميرون ‪ 5‬مليارات دوالر ‪.251‬‬

‫ولقد بلغت قيمة المبادالت التجارية ما بين االتحاد األوروبي والقارة اإلفريقية سـنة ‪ ،2013‬مـا‬

‫قيميت ـ ــه ‪ 359‬ملي ـ ــار دوالر بف ـ ــائض تج ـ ــاري لص ـ ــالح إفريقي ـ ــا وص ـ ــلت قيمت ـ ــه إلى ‪ 57,8‬ملي ـ ــار دوالر‪،‬‬

‫وتكــونت أغلب صــادرات إفريقيــا نحــو أوروبــا من البــترول والغــاز‪ ،‬والمعــادن النفيســة‪ ،‬الــتي تشــكل على‬

‫التــوالي ‪ %67‬و ‪ %5‬من مجمــوع الصــادرات اإلفريقيــة نحــو االتحــاد األوروبي‪ ،‬في حين أن الــواردات‬

‫اإلفريقيـة من أوروبـا بـالرغم من تنوعهـا تهيمن عليهـا المـواد المصـنعة واآلالت‪ ،‬حيث تشـكل التجهـيزات‬

‫الميكانيكية ما نسبته ‪ ،%21‬والمشتقات البترولية ‪ ،%20‬والسيارات ‪.%13‬‬


‫‪251‬‬
‫‪- Catherine GEGOUT, « Le retrait de l’Europe et la montée en puissance de la Chine en Afrique une‬‬
‫‪évaluation des approches réalistes, libérales et constructivistes », op, cit, p 53.‬‬

‫‪143‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وتبقى أهم ‪ 10‬دول إفريقيـ ـ ــة مصـ ـ ــدرة لالتحـ ـ ــاد األوروبي تلـ ـ ــك الـ ـ ــتي تتـ ـ ــوفر على المـ ـ ــوارد‬

‫الطاقية‪ ،‬وذلك حسب الترتيب التالي‪ :‬الجزائر ونيجيريا وليبيا وجنوب إفريقيا وأنجوال والمغرب وتــونس‬

‫ومصــر وغينيــا االســتوائية وبوتســوانا‪ .‬أمــا الــدول العشــر األوروبيــة األكــثر تصــديرا إلفريقيــا فهي حســب‬

‫الترتيب اآلتي‪ :‬فرنسا وألمانيا وإ يطاليا وهولندا وبلجيكا وإ سبانيا والبرتغال والسويد ورومانيا‪.252‬‬

‫ولكن ما يمكن مالحظته‪ ،‬هو كون االتحاد األوروبي ما زال يضع حـدودا جمركيـة أمـام المـواد‬

‫الفالحيــة اإلفريقيــة‪ ،‬نتيجــة السياســة الفالحيــة المشــتركة الــتي ينهجهــا‪ ،‬وذلــك حمايــة للــدول المنتجــة للمــواد‬

‫الفالحية داخل االتحاد األوروبي‪.‬‬

‫لقــد عــرفت وضــعية اإلتحــاد األوروبي‪ ،‬في العالقــات التجاريــة اإلفــريقي‪ ،‬تراجعــا كبــيرا؛ بحيث‬

‫كــان يشــكل ‪ %60‬من المبــادالت التجاريــة اإلفريقيــة مــع بــاقي دول العــالم خالل العشــرين ســنة الماضــية‪،‬‬

‫أمــا اآلن فلم يعــد يمثــل ســوى ‪ %30‬من هــذه المبــادالت‪ ،‬وذلــك نتيجــة تزايــد المعــامالت التجاريــة إلفريقيــا‬

‫مع القوى الصاعدة كالصين والهند والبرازيل‪ ،253‬فمثال تراجعت نسبة االتحــاد األوروبي من الصــادرات‬

‫المعدنية اإلفريقية من ‪ %47‬سنة ‪ 2000‬إلى ‪ %26‬سنة ‪ ،2011‬وعلى النقيض من ذلك ارتفعت حصة‬

‫ك ــل من الص ــين والهن ــد والبرازي ــل مجتمع ــة من ه ــذه الص ــادرات من ‪ %9‬س ــنة ‪ 2000‬إلى ‪ %44‬س ــنة‬

‫‪.2542009‬‬

‫أمــا بالنســبة لالســتثمارات‪ ،‬فقــد زادت االســتثمارات األوروبيــة لــدول ‪ ACP‬من ‪ 1,922‬مليــون‬

‫يـورو عـام ‪ 1996‬إلى ‪ 4,319‬مليـون يـورو عـام ‪ 2002‬بينمـا ازدادت تـدفقات االسـتثمارات من االتحـاد‬

‫األوروبي إلى الدول اإلفريقية من مجموعة الـ ‪ ACP‬من ‪ 1,532‬مليــون يــورو عـام ‪ 1995‬إلى ‪2,799‬‬

‫مليون يـورو في عـام ‪ ،2002‬وفيمـا يتعلـق بالمسـاعدات األوروبيـة إلفريقيـا‪ ،‬فقـد ازدادت بشـكل ملحـوظ‪،‬‬

‫‪252‬‬
‫‪- Christine Gilguy, « L’Union européenne et l’Afrique : cartographie des “locomotives” du commerce‬‬
‫‪(Etude) », consulté le 20/03/2015: http://www.lemoci.com/54366/#sthash.MticgIPP.dpuf.‬‬
‫‪253‬‬
‫‪- Pierre-Yves CASTAGNAC et Sarah ZERROUKI, « LES RELATIONS ENTRE L’UNION EUROPÉENNE‬‬
‫‪ET LE CONTINENT AFRICAIN », op, cit, p 2.‬‬
‫‪254‬‬
‫‪- Groupe collectif, « l’Afrique et les grands émergents », A Savoir 19, Avril 2013, p59.‬‬

‫‪144‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ففي عام ‪ 2003‬قدرت مساعدات التنمية من االتحــاد االوروبي والــدول األعضــاء والمفوضــية األوروبيــة‬

‫ب ‪ 15‬مليار يورو‪ ،‬مقابل ‪ 5‬مليارات فقط عام ‪ ،1985‬ويعد االتحـاد األوروبي هـو المـانح األول للقـارة‬

‫اإلفريقية‪.255‬‬

‫حصص القوى الدولية من المساعدات االنمائية المقدمة للقارة اإلفريقية خالل المرحلة ما بين ‪-2000‬‬ ‫المبيان رقم ‪:14‬‬

‫‪.2010‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Maëlan LE GOFFM, « CRISE DE LA ZONE EURO : QUELLES CONSÉQUENCES‬‬


‫‪POUR LES ÉCONOMIES AFRICAINES ? », op, cit, p 5.‬‬
‫فبــالرغم من ظهــور ف ــاعلين جــدد في مجــال التعــاون مــع إفريقيــا خاص ــة الص ــين‪ ،‬يبقى االتحــاد‬

‫األوروبي المـانح الـرئيس للمسـاعدات اإلنمائيـة للقـارة اإلفريقيـة‪ ،‬فالمبيـان أعاله‪ ،‬يـبين أنـه خالل المرحلـة‬

‫ما بين ‪ ،2010-2000‬قــدرت نسـبة االتحـاد األوروبي من مجمـوع المسـاعدات المقدمـة للقـارة اإلفريقيـة‬

‫بـ ‪ ،%44‬جاء أغلبهـا من فرنسـا(‪ )%16‬وألمانيـا (‪ ،)%9‬وهـو مـا يمكن تفسـيره بالروابـط التاريخيـة الـتي‬

‫تجمـ ــع فرنسـ ــا مـ ــع أغلب دول القـ ــارة اإلفريقيـ ــة نتيجـ ــة االسـ ــتعمار‪ ،‬باإلضـ ــافة إلى رغبتهـ ــا في االحتفـ ــاظ‬

‫بمعاقلها التاريخية بهذه القارة‪ ،‬في ظل توسع الوجود األمريكي واآلسيوي بهذه القارة‪.‬‬

‫وفي األخ ــير نخلص إلى ك ــون االتح ــاد األوروبي م ــا زال يتمت ــع باإلمكان ــات المادي ــة والمعنوي ــة‬

‫الــتي تحافــظ على مصــالحه بالقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬على الــرغم من الــتراجع االقتصــادي الــذي أصــبحت تعرفــه‬

‫‪ - 255‬جورج ثروت فهمي‪" ،‬أوروبا وإفريقيا‪ ..‬استراتيجية جديدة للتنافس"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.153‬‬

‫‪145‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫منطقــة اليــورو‪ ،‬غــير أنــه يبقى أهم عــائق لتطــوير العالقــات األوروبيــة اإلفريقيــة هي المــدركات الســلبية‬

‫لمخلفــات الفــترة االســتعمارية‪ ،‬والــتي مــا زالت تعتمــد عليهــا العديــد من القــوى األوروبيــة في عالقاتهــا مــع‬

‫دول القارة اإلفريقية‪ ،‬ما يعني أن هذه الدول ما زالت تعمل على استعمال الوصاية السياسـية والعسـكرية‬

‫على ه ــذه ال ــدول‪ ،‬وه ــو م ــا س ــيكون ل ــه انعك ــاس كب ــير على تراج ــع ه ــذه العالق ــات نتيج ــة سياس ــة الق ــوى‬

‫اآلسيوية بالقارة اإلفريقية‪ ،‬وما خلقته من بدائل سياسية واقتصادية للدول اإلفريقية‪.‬‬

‫كمــا أنــه من العوائــق األخــرى الــتي تواجــه العالقــات األوروبيــة اإلفريقيــة‪ ،‬هــو اختالف الــدول‬

‫األوروبية حـول أهميـة هـذه العالقـات‪ ،‬فـإذا كـانت فرنسـا تعمـل كـل مـا في وسـعها لـدفع االتحـاد األوروبي‬

‫نحو القارة اإلفريقية للحفاظ على مصالحه االستراتيجية هناك‪ ،‬فإن ألمانيـا تحـاول الـدفع نحـو االتجـاه إلى‬

‫دول أوروبا الشرقية التي توجد بها مصالحها االستراتيجية‪.‬‬

‫لكن يبقى أهم تحــد يواجــه االتحــاد األوروبي في تطــوير عالقاتــه بالقــارة اإلفريقيــة هــو المنافســة‬

‫الدوليــة بهــذه القــارة‪ ،‬الــتي أدت إلى تراجــع القــوى الغربيــة في بعض معاقلهــا التاريخيــة بالعديــد من دول‬

‫القارة‪ ،‬نتيجة تراجع استثماراتها وتجارتها معها‪ ،‬مقابل ارتفاع اسـتثمارات وتجـارت القـوى الصـاعدة مـع‬

‫هذه الدول اإلفريقية‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬االستراتيجية اإلسرائيلية في إفريقيا‬

‫تعتبر العالقات اإلفريقية اإلسرائيلية موضوعا متعدد األبعاد والمستويات‪ ،‬حيث بدأت قبـل قيـام‬

‫إس ــرائيل ذاته ــا‪ ،‬وذل ــك من ــذ الق ــرن التاس ــع عش ــر‪ ،‬حين ط ــرح الجي ــل األول من رواد الحرك ــة الص ــهيونية‬

‫‪146‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بــدائل للــوطن القــومي – بالنســبة لهم‪ ،-‬فكــانت أوغنــدا هي الموقــع المنتقى‪ ،‬قبــل االســتقرار على فلســطين‬

‫وطنا قوميا لهذا الجيل من رواد الصهيونية‪.‬‬

‫وظلت إفريقي ــا حاض ــرة في دائ ــرة اهتم ــام تل ــك الحرك ــة‪ ،‬ليس فق ــط بمع ــنى ال ــوطن الق ــومي‪ ،‬ب ــل‬

‫بمنظور العمق االستراتيجي والحزام األمني الذي يطوق العرب‪ ،256‬وعلى خطى هذه األبعــاد والمصــالح‬

‫التاريخية تواصلت استراتيجية إسرائيل تجاه إفريقيا‪ ،‬وتنامت لتصل إلى ما هي عليه اليوم‪.‬‬

‫وقــد شــهدت العالقــات اإلفريقيــة اإلســرائيلية تحــوال مهمــا خالل العقــدين األخــيرين‪ ،‬ســواء على‬

‫نطاق توسعها‪ ،‬أو على درجة تعمقها‪ ،‬حتى وصف البعض هذا التحول "بالعودة اإلسرائيلية إلى إفريقيا"‪،‬‬

‫وذلك بعد سنوات العزلة التي فرضــتها ظـروف الحـرب البـاردة‪ ،‬وديناميـات الصــراع العـربي اإلسـرائيلي‬

‫في س ـ ــبعينيات وثمانيني ـ ــات الق ـ ــرن الماض ـ ــي‪ ،‬غ ـ ــير أن ه ـ ــذه المعطي ـ ــات س ـ ــتتغير م ـ ــع انهي ـ ــار المعس ـ ــكر‬

‫االشتراكي‪ ،‬بـالموازاة مـع عقـد اتفـاق السـالم بين إسـرائيل ومصـر‪ ،‬وكـذا انعقـاد مـؤتمر مدريـد للسـالم في‬

‫أكتـ ــوبر ‪ .1991‬حيث تحـ ــولت النظـ ــرة للعالقـ ــات اإلفريقيـ ــة اإلسـ ــرائيلية‪ ،‬إلى أن إسـ ــرائيل لم تعـ ــد تمثـ ــل‬

‫الخطر الواجب محاصرته‪ ،‬خاصة وأن المفاوضات قد بدأت بين الجـانبين العـربي واإلسـرائيلي؛ كمـا بـدأ‬

‫الحديث يتردد عن مشروعات عديدة للتعاون العربي اإلسرائيلي‪.‬‬

‫وانطالقا مما سبق‪ ،‬سـنعمل على تحليـل العالقـات اإلفريقيـة اإلسـرائيلية وفقـا لمطلـبين‪ ،‬سـنتناول‬

‫في (المطلب األول) األهـ ـ ــداف االسـ ـ ــتراتيجية إلسـ ـ ــرائيل في القـ ـ ــارة اإلفريقيـ ـ ــة‪ ،‬من خالل التطـ ـ ــرق إلى‬

‫األهــداف السياســية واألمنيــة واالقتص ــادية إلســرائيل بالقــارة اإلفريقيــة‪ .‬أمــا في (المطلب الثــاني) ســنركز‬

‫على آليات تحقيق االستراتيجية اإلسرائيلية بالقارة اإلفريقية‪.‬‬

‫‪ - 256‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي اإلفريقي ‪ ،2002-2001‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.351-350‬‬

‫‪147‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المطلب األول‪ :‬أهداف االستراتيجية اإلسرائيلية في إفريقيا‬

‫ســعت إســرائيل إلى تحقيــق مجموعــة من األهــداف من خالل عالقاتهــا بالــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وعلى‬

‫ال ــرغم من أن ه ــذه األه ــداف تتس ــم بق ــدر من التغ ــير من حيث ترتيبه ــا في أولوي ــات أجن ــدة ص ــانع الق ــرار‬

‫اإلسـ ــرائيلي من مرحلـ ــة إلى أخـ ــرى‪ ،‬إال أنـ ــه يمكن تأكيـ ــد أن هنـ ــاك مجموعـ ــة من الحقـ ــائق الجيوسياسـ ــية‬

‫واالسـ ــتراتيجية واالقتصـ ــادية الممـ ــيزة للقـ ــارة اإلفريقيـ ــة‪ ،‬الـ ــتي حـ ــددت بـ ــدورها األهـ ــداف اإلسـ ــرائيلية في‬

‫إفريقيا‪ .‬فمن جهة عملت على تدعيم وتطوير عالقاتها السياسية مع الدول اإلفريقية‪ ،‬لكسب الرأي العــام‬

‫اإلفـــريقي إلى جانبهـــا في قضـــايا الصـــراع العـــربي اإلســـرائيلي‪ ،‬وك ــذلك التحكم في البح ــر األحمـــر على‬

‫المستوى الجيو‪-‬استراتيجي مما ســيعطيها مــيزة أساســية في مواجهــة الــدول العربيــة (الفقـرة األولى)‪ ،‬كمــا‬

‫تس ــعى إس ــرائيل إلى فتح األس ــواق اإلفريقي ــة لطاقاته ــا وإ مكاناته ــا اإلنتاجي ــة والفني ــة على نح ــو ي ــؤدي إلى‬

‫تحقيق مكاسب اقتصادية‪ ،‬وكذا الحصول على الخامات المعدنية الوفيرة بهذه القارة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األهداف السياسية واألمنية‬

‫تمكنت إسرائيل بفضل األهمية التي أولتها لعالقاتها بالدول اإلفريقيـة‪ ،‬وبفضـل التمويـل الغـربي‬

‫لنشــاطها في إفريقيــا‪ ،‬من إقامــة عالقــات دبلوماســية مــع األغلبيــة العظمى من الــدول اإلفريقيــة في العقــدين‬

‫األولين من قيام إسرائيل‪ .‬ومـا إن حـل عـام ‪ 1967‬حـتى كـانت إسـرائيل تقيم عالقــات دبلوماسـية مـع ‪33‬‬

‫دولــة من مجمــوع ‪ 41‬دولــة إفريقيــة مســتقلة‪ .‬وبانــدالع الحــرب العربيــة االســرائيلية ســنة ‪ 1967‬والتوجــه‬

‫العــربي للتصــدي للنشــاط اإلســرائيلي في الــدول اإلفريقيــة خاصــة من مصــر وجــذب الــدول اإلفريقيــة إلى‬

‫الموقــف العــربي‪ ،‬في مــا يخص الصــراع العــربي‪ -‬اإلســرائيلي‪ ،‬وهــو مــا تمخض عنــه قطــع ثمــاني دول‬

‫إفريقيــة عالقاتهــا الدبلوماســية مــع إســرائيل في عــام ‪ .1972‬وبعــد نشــوب حــرب أكتــوبر ‪ ،1973‬تعــاظم‬

‫عــدد الــدول اإلفريقيــة الــتي قطعت عالقاتهــا الدبلوماســية مــع إســرائيل‪ ،‬إذ بلــغ عــدد الــدول اإلفريقيــة الــتي‬

‫قطعت عالقاتها معهـا ‪ 20‬دولـة من بينهـا إثيوبيـا‪ .‬وقـامت موريشـيوس بـاألمر نفسـه في عـام ‪ .1976‬ولم‬

‫‪148‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تحافــظ على تلــك العالقــات ســوى‪ :‬جنــوب إفريقيــا وليســوتو والمالوي وســوازيالند‪ .‬وبعــد توقيــع معاهــدة‬

‫الســالم بين مصــر وإ ســرائيل في عــام ‪ ،1979‬شــرع عــدد كبــير من الــدول اإلفريقيــة في ثمانينــات القــرن‬

‫الماضي في إعادة عالقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل‪.257‬‬

‫ومن ــذ ع ــام ‪ 1991‬وح ــتى ع ــام ‪ 2001‬ش ــهدت العالق ــات اإلس ــرائيلية اإلفريقي ــة مرحل ــة الع ــودة‬

‫وتط ــبيع العالق ــات‪ ،‬فم ــع انعق ــاد م ــؤتمر مدري ــد للس ــالم في أكت ــوبر ‪ ،1991‬ش ــهدت العالق ــات االس ــرائيلية‬

‫اإلفريقي ــة دفع ــة قوي ــة؛ إذ نجحت إس ــرائيل في اس ــتئناف عالقاته ــا الدبلوماس ــية م ــع ع ــدد كب ــير من ال ــدول‬

‫اإلفريقية‪ .‬ففي بداية ‪ ،1992‬بداية من نيجيريا ثم سيراليون وبــنين وغامبيــا‪ ،‬وفي العــام ‪ 1993‬اســتؤنفت‬

‫العالقــات اإلســرائيلية مــع دول‪ :‬موريشــيوس والجــابون وبركينــا فاســو وبتســوانا‪ ،‬وفي العــام ‪ ،1994‬مــع‬

‫دول مدغشقر وغينيا االستوائية‪ ،‬وأوغندا وغانا والسينغال ورواندا‪.258‬‬

‫وتـ ــدعم إسـ ــرائيل نفوذهـــا في إفريقيـ ــا بتشـ ــجيع جيـ ــل جديـ ــد من الق ــادة الجـ ــدد الـ ــذين ينتمـ ــون إلى‬

‫األقلي ــات في بل ــدانهم ويرتبط ــون م ــع الوالي ــات المتح ــدة – وب ــالطبع م ــع إس ــرائيل‪ -‬بعالق ــات وثيق ــة‪ ،‬ومن‬

‫ه ــؤالء ميلس زينــاوي في إثيوبي ــا قب ــل وفات ــه‪ ،‬وأســياس أفــورقي في أريتري ــا وجــون قــرن في جن ــوب‬

‫الســودان قبــل وفاتــه هــو اآلخــر‪ ،‬ويوويري في أوغنــدا‪ ،‬وبـول كاجـامي في رونــدا‪ .‬وذلــك بغيــة محاصــرة‬

‫األمن القــومي الع ــربي‪ ،‬ال س ــيما في امت ــداده المص ــري الس ــوداني‪ ،‬وف ــق اس ــتراتيجية "حل ــف المحي ــط"؛ أي‬

‫إقامة تحالفات مع الدول والجماعات اإلثنية والدينية المناهضة للعرب هذا من ناحيــة‪ ،‬ومن ناحيــة أخــرى‬

‫االستفادة من وجودها في المنطقة‪ ،‬للتلويح بورقة المياه في مواجهة السياسة المصرية‪.259‬‬

‫ولقـ ــد حرصـ ــت إسـ ــرائيل على التغلغـ ــل اقتصـ ــاديا وأمنيـ ــا في دول البحـ ــيرات العظمى (روانـ ــدا‬

‫وبرونــدي والكونغــو الديمقراطيــة)‪ ،‬وإ قامــة عالقــات وثيقــة معهــا من منطلــق نظرتهــا الشــمولية تجــاه ميــاه‬

‫‪ - 257‬محمود محارب‪" ،‬إسرائيل والقرن اإلفريقي‪ -‬االنعكاسات والتدخالت"‪ ،‬في كتاب العرب والقــرن اإلفــريقي جدليــة الجــوار واالنتمــاء‪ ،‬المركز‬
‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2013‬ص ‪.292‬‬
‫‪ - 258‬حسين حمودة مصطفى‪ ،‬إسرائيل في إفريقيا‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪1432 ،‬هـ ‪2011 -‬م ‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪ - 259‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99 -70-69‬‬

‫‪149‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الني ــل والبح ــر األحم ــر‪ ،‬ال ــتي ته ــدف من خالله ــا إلى الوص ــول إلى من ــابع الني ــل وت ــدويل البح ــر األحم ــر‬

‫والحيلولة دون أن يصبح عربيا‪ ،‬ومحاصرة األمن القومي العربي‪.260‬‬

‫أضـ ــف إلى ذلـ ــك أن التقـ ــدم العلمي قـ ــد أبـ ــرز مخـ ــاطر من نـ ــوع جديـ ــد‪ ،‬مـ ــا كـ ــان أحـ ــد يتصـ ــور‬

‫احتماالتهــا حــتى وقت قــريب‪ ،‬فنهــر الكونغــو تفصــله عن وادي النيــل سلســلة من الجبــال‪ ،‬لــو أمكن تفجــير‬

‫بعض أجزائها الستطاع نهر الكونغـو سـحب ميـاه نهـر النيـل‪ ،‬بـل إن البعض يتحـدث عن كـون مثـل هـذه‬

‫المشـروعات أصــبحت تـدرس بين إسـرائيل والكونغـو الديمقراطيـة‪ ،‬وهـو مـا سـيطرح على الـدول العربيـة‬

‫المســتفيدة من ميــاه النيــل الكثــير من التحــديات في هــذا المجــال‪ ،‬ممــا ســيتطلب تحركــا مســتعجال لثــني هــذه‬

‫الدول عن مثل هذه المشروعات التي ستؤثر على أمنهـا القـومي‪ ،‬خصوصـا إذا علمنـا أن هنـاك من يؤكـد‬

‫أن الحروب والنزاعات القادمة ستكون حول الماء‪.261‬‬

‫لذلك يقـف وراء مسـاعي إسـرائيل الحثيثـة للتغلغـل في دول شـرق إفريقيـا هـدف تعزيـز وضـعها‬

‫االسـ ــتراتيجي في البحـ ــر األحمـ ــر‪ ،‬الـ ــذي يحتـ ــل أهميـ ــة خاصـ ــة لـ ــدى زعمـ ــاء الحركـ ــة الصـ ــهيوينة وقـ ــادة‬

‫إسرائيل‪ ،‬باعتباره جـزءا من دعـاوي تاريخيـة واعتبـارات أمنيـة كـانت وراء إنشـاء مينـاء إيالت‪ ،‬وتسـعى‬

‫إسـ ــرائيل لتحقيـ ــق عـ ــدة أهـ ــداف اسـ ــتراتيجية في البحـ ــر األحمـ ــر‪ ،‬تتمثـ ــل في‪ :‬توسـ ــيع الوجـ ــود العسـ ــكري‬

‫اإلســرائيلي وترســيخه‪ ،‬وضــمان االتصــال واألمن للخطــوط البحريــة العســكرية والتجاريــة اإلســرائيلية بين‬

‫المحيط الهندي والبحر المتوسط إلى آسيا وإ فريقيا‪ .262‬هـذه الحقيقـة أكـدها رئيس وزراء إسـرائيل األسـبق‬

‫دافيــد بن غوريــون حين قــال بمناســبة افتتــاح مينــاء إيالت وبــدء تســيير الخــط البحــري مــع أقطــار شــرق‬

‫إفريقيــا‪" :‬إن العالقــات مــع إفريقيــا تحتــل المرتبــة األولى في عالقــات إســرائيل الخارجيــة مــع العــالم‪ ،‬نظــرا‬

‫إلى قــرب موقعهــا الجغــرافي‪ ،‬ولمــا تكتــنزه هــذه القــارة من مــواد خــام نحتــاج إليهــا‪ ،‬ولمــا تشــكله من ســوق‬

‫‪ - 260‬نادية سعد الدين‪" ،‬التغلغل اإلسرائيلي في شرق إفريقيا وانعكاساته على االمن القومي العربي"‪ ،‬في كتاب‪ :‬العــرب والــدائرة اإلفريقيــة‪ ،‬مركــز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬أغسطس ‪ ،2005‬ص ‪.163‬‬
‫‪ -‬مأمون كيوان‪" ،‬السياسة اإلسرائيلية تجاه إفريقيا‪ :‬أدواتها وغاياتها" شؤون األوسط‪ ،‬ربيع ‪ ،2010‬العدد ‪ ،135‬ص ‪.132‬‬
‫‪ - 261‬المرجع سابق‪ ،‬ص ‪.101-100‬‬
‫‪ - 262‬نادية سعد الدين‪" ،‬التغلغل اإلسرائيلي في شرق إفريقيا وانعكاساته على االمن القومي العربي"‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.165‬‬

‫‪150‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ضــخمة نحتاجهــا لتصــريف منتجاتنــا‪ ،‬ومجــاال لممارســة نشــاطاتنا في مختلــف الميــادين‪ ،‬بنقــل تجاربنــا في‬

‫مجاالت الزراعة وإ عمار المناطق الصحراوية إلى تلك األقطار"‪.263‬‬

‫أمــا على المســتوى الجيوســتراتيجي للتغلغــل اإلســرائيلي في إفريقيــا‪ ،‬فســعت من ورائــه للخــروج‬

‫من عزلتهــا‪ ،‬والحصــول على المزيــد من الشــرعية الدوليــة‪ ،‬ومن وســائل إســرائيل لتكــريس هــذا التغلغــل‪،‬‬

‫لجوؤها إلى إقامـة عالقـات دبلوماسـية مـع أكـبر عـدد ممكن من الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬كمـدخل للقيـام بنشـاطات‬

‫أخــرى اقتص ــادية وأمنيــة‪ .‬ففي نهايــة عــام ‪ ،2010‬نجحت إســرائيل في اســتئناف عالقاتهــا مــع ‪ 43‬دولــة‬

‫إفريقي ــة على مس ــتويات دبلوماس ــية مختلف ــة‪( ،‬س ــفارة‪ ،‬قنص ــلية‪ ،‬مكتب اتص ــال‪ ،‬مكتب مص ــالح) في ظ ــل‬

‫التوحد اإليديولوجي والعقدي األمــريكي اإلســرائيلي منــذ عــام ‪2001‬؛ حيث نجحت إســرائيل في اســتئناف‬

‫العالقـ ــات مـ ــع معظم دول القـ ــارة‪ ،‬بمـ ــا فيهـ ــا دول حـ ــوض نهـ ــر النيـ ــل وشـ ــرق إفريقيـ ــا‪ ،‬عـ ــدا‪ :‬السـ ــودان‬

‫والصومال وجيبوتي ودول شمال إفريقيا عدا ليبيا والجزائر‪ ،‬ودول وسط القارة عدا تشاد‪.264‬‬

‫وبشكل إجمالي‪ ،‬توجد إلسـرائيل عالقــات دبلوماسـية متنوعـة مـع ‪ 45‬دولـة إفريقيـة‪ ،‬تمثـل نسـبة‬

‫‪ %42,4‬من إجم ـ ــالي نس ـ ــبة البعث ـ ــات الدبلوماس ـ ــية اإلس ـ ــرائيلية في الخ ـ ــارج‪ ،‬كم ـ ــا تبل ـ ــغ نس ـ ــبة العالق ـ ــات‬

‫الدبلوماسية اإلفريقية اإلسرائيلية بالمقارنة بالعالم ‪ ،%27,4‬هذا‪ ،‬ويقدر عدد الدول اإلفريقية التي ترتبــط‬

‫إس ــرائيل معه ــا بتمثي ــل مقيم ‪ 13‬دول ــة‪ ،‬أم ــا التمثي ــل غ ــير المقيم فـ ‪ 30‬دول ــة‪ ،‬ال ــذي يش ــمل مك ــاتب رعاي ــة‬

‫المص ــالح ومك ــاتب االتص ــال‪ ،‬وه ــو م ــا يع ــني أن معظم العالق ــات الدبلوماس ــية اإلفريقي ــة اإلس ــرائيلية هي‬

‫عالقات تمثيل غير مقيم‪.265‬‬

‫ومن جه ــة أخ ــرى ف ــإن ‪ 25‬دول ــة إفريقي ــة له ــا تمثي ــل دبلوماس ــي ل ــدى إس ــرائيل إلى نهاي ــة س ــنة‬

‫‪ 13( ،2008‬دولة تمثيل مقيم‪ 11 ،‬دولة تمثيل غير مقيم‪ ،‬من بينها أربع بعثات مقرها القاهرة‪ ،‬ودولــة‬

‫واحــدة هي برونــدي (بياناتهــا غــير متاحــة)‪ .‬في حين أن عــدد البعثــات الدبلوماســية اإلســرائيلية في إفريقيــا‬

‫‪ - 263‬حلمي عبد الكريم الزعبي‪" ،‬القارة اإلفريقيــة واولويتهــا في السياســة الخارجيــة الصـهيوينة"‪ ،‬في كتــاب ‪ :‬العــرب والــدائرة اإلفريقيــة‪ ،‬مركــز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬اغسطس ‪،2005‬ص ‪.171‬‬
‫‪ - 264‬حسين حمودة مصطفى‪ ،‬إسرائيل في إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫‪ - 265‬اإلدارة العامة إلعالم إفريقيا‪" ،‬تطور السياسة اإلسرائيلية تجاه إفريقيا" مجلة آفاق إفريقية‪ ،‬العدد السادس والثالثون‪ ،2012 ،‬ص ‪.141‬‬

‫‪151‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫في العام ذاته بلغ ‪ 44‬دولة‪ ،‬ومن تم فإن هناك ‪ 19‬دولة إفريقية ليس لها تمثيل دبلوماسي لدى إسرائيل‪،‬‬

‫على ال ــرغم من أن إس ــرائيل له ــا تمثي ــل دبلوماس ــي ل ــديها‪ ،‬وهي دول؛ ب ــنين بوتس ــوانا وإ فريقي ــا الوس ــطى‬

‫وجزر القمر والكونغو الديمقراطية وغينيا االستوائية والجــابون ومدغشــقر والمغــرب وموزمــبيق وناميبيــا‬

‫ورون ــدا وس ــاوتومي وبرنس ــيب‪ ،‬والس ــنغال وسيش ــل وتوج ــو وت ــونس‪ ،‬وب ــذلك تك ــون البعث ــات اإلفريقي ــة‬

‫المعتمدة لدى إسرائيل تساوي ‪ %56,7‬تقريبا من البعثات اإلسرائيلية المعتمدة لدى الدول اإلفريقية‪.‬‬

‫ويمكن إرجــاع ضــعف التمثيــل الدبلوماســي اإلفــريقي في إســرائيل‪ ،‬مقارنــة بالتمثيــل الدبلوماســي‬

‫االســرائيلي في إفريقيــا‪ ،‬إلى ضــعف القــدرات الماليــة لمعظم الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬زيــادة على كــون المصــالح‬

‫اإلســرائيلية في إفريقيــا تتعــدى التمثيــل الدبلوماســي إلى أغــراض أخــرى؛ مثــل إقامــة مراكــز تجســس على‬

‫الدول اإلفريقية‪ ،‬وجمع المعلومات عنها‪ ،‬سواء حــول النخب السياســية واالجتماعيــة واالقتصــادية‪ ،‬وتقــديم‬

‫تقـ ــارير دوريـ ــة عن التطـ ــورات السياسـ ــية المتوقـ ــع حـ ــدوثها في الـ ــدول اإلفريقيـ ــة‪ ،‬والمسـ ــاعدة على تنفيـ ــذ‬

‫السياسات الغربية في المنطقة‪ ،‬بينما األمر ليس كذلك بالنسبة للدول اإلفريقية‪.266‬‬

‫كما يمكن تفسير هذا التوجه اإلسرائيلي نحو القـارة اإلفريقيـة‪ ،‬بكونهـا تمثـل كتلـة دوليـة ضـخمة‬

‫تتمتــع بقــوة تــأثير على الســاحة الدوليــة خاصــة في الجمعيــة العامــة لألمم المتحــدة‪ ،‬األمــر الــذي يمكن معــه‬

‫توجيه مصير أي قرار يتعلق بالصراع العربي اإلسرائيلي‪ .‬وقد برز هذا الثقل على سبيل المثال‪ :‬عندما‬

‫ناقشــت األمم المتحــدة قــرارا يعتــبر الصــهيوينة شــكال من أشــكال العنصــرية‪ .‬حيث صــوتت لصــالح القـرار‬

‫عش ــرون دول ــة إفريقي ــة من غ ــير األعض ــاء في جامع ــة ال ــدول العربي ــة باس ــتثناء الص ــومال وموريتاني ــا‪،‬‬

‫وع ــارض الق ــرار خمس دول فق ــط‪ ،‬بينم ــا امتنعت عن التص ــويت اثنت ــا عش ــرة دول ــة‪ .267‬أم ــا فيم ــا يخص‬

‫القـرار ‪ 10/14‬بشـأن قضـية الجـدار العـازل ‪ ،‬بمـوجب هـذا القـرار حـولت القضـية لمحكمـة العـدل الدوليـة‬

‫إلبـ ــداء المشـ ــورة حـ ــول اآلثـ ــار القانونيـ ــة المترتبـ ــة على بنـ ــاء هـ ــذا الجـ ــدار‪ ،‬فقـ ــد أيدتـ ــه ‪ 20‬دولـ ــة إفريقيـ ــة‬

‫‪ - 266‬حسين حمودة مصطفى‪ ،‬إسرائيل في إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.251-249‬‬


‫‪ - 267‬أيمن الســيد عبــد الوهــاب‪ ،‬ميــاه النيــل في السياســة المصــرية ثالثيــة التنميــة والسياســة والمــيراث التــاريخي‪ ،‬مركــز الدراســات السياســية‬
‫واالستراتيجية‪ ،‬القاهرة ‪ ،2004‬ص ‪.87‬‬

‫‪152‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫واعترض ـ ــت علي ـ ــه دول ـ ــة إثيوبي ـ ــا‪ ،‬في حين امتنعت ثالث دول إفريقي ـ ــة عن التص ـ ــويت وهي‪ :‬بورون ـ ــدي‬

‫والكاميرون وأوغندا‪.268‬‬

‫وبصـفة عامـة‪ ،‬فبـالرغم من كـون أغلبيـة الـدول اإلفريقيـة تؤيـد الحـق العـربي وتعـارض السـلوك‬

‫اإلسـ ــرائيلي في إدارة الصـ ــراع‪ ،‬إال أن هنـ ــاك حقـ ــائق أخـ ــرى ذات داللـ ــة تثـ ــير االنتبـ ــاه‪ .‬إن نسـ ــبة الـ ــدول‬

‫اإلفريقيـة المتغيبـة عن التصــويت في القـرارات المتعلقـة بإسـرائيل بالنسـبة لـدول العـالم المتغيبـة تصــل في‬

‫بعض األحيان (‪ 38‬إلى ‪ ،)%63‬وهي نسبة عالية إذا أخدنا في االعتبار نسبة الدول اإلفريقيــة األعضــاء‬

‫في األمم المتحدة التي تمثل ‪ %28‬من أعضاء المنظمة‪.‬‬

‫فالــدول اإلفريقيــة الممتنعــة عن التصــويت في القــرارات المتعلقــة بإســرائيل بالنســبة لــدول العــالم‬

‫الممتنعة‪ ،‬تتراوح ما بين ‪ %2‬إلى ‪ ،%50‬وفي معظم الحاالت تعدت نسبة ‪ .%28‬وهو ما يعكس اآلثار‬

‫الواضــحة لتغلغــل إســرائيل في أهم المنــاطق االســتراتيجية في القــارة في‪ :‬منطقــة القــرن االفــريقي (إثيوبيــا‬

‫وإ ريتريا)‪ ،‬ومنطقة منابع النيل (رواندا وبروندي وأوغندا)‪.269‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األهداف االقتصادية‬

‫يعكس تحليــل األهــداف االقتصــادية لالســتراتيجية اإلســرائيلية بالقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬أبعــادا سياســية‬

‫واس ــتراتيجية واض ــحة‪ ،‬ل ــذا يتطلب ذل ــك ‪ -‬قب ــل التط ــرق إلى ه ــذه األه ــداف‪ -‬ض ــرورة توض ــيح الس ــمات‬

‫والخصائص الرئيسة لالقتصاد اإلسرائيلي‪ ،‬باعتبارها أساسا موضــوعيا لتوجيــه العالقــات مــع إفريقيــا من‬

‫الناحية االقتصادية‪.‬‬

‫فاالقتصــاد االســرائيلي يتســم بمجموعــة من الخصــائص والســمات األساســية‪ ،‬الــتي تحكم عالقتــه‬

‫االقتصـادية والتجاريـة الخارجيـة بشـكل عـام‪ ،‬ومـع إفريقيـا بشـكل خـاص‪ ،‬فاالقتصـاد اإلسـرائيلي تعلـو فيـه‬

‫االعتبـ ــارات اإليدلوجيـ ــة واالسـ ــتراتيجية على االعتبـ ــارات االقتصـ ــادية البحثـ ــة‪ ،‬كمـ ــا أنـ ــه اقتصـ ــاد يكـ ــرس‬

‫‪ - 268‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي االفريقي ‪ ،2003-2002‬القاهرة يوليو ‪ ،2004‬ص ‪.358‬‬
‫‪ - 269‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.360-359‬‬

‫‪153‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ميزاني ــات مرتفع ــة للبح ــوث والتط ــوير (‪ ،)Research and devlopment‬حيث تص ــل نس ــبة اإلنف ــاق‬

‫على البحوث والتطوير من الناتج المحلي اإلجمــالي اإلســرائيلي (‪ )GDP‬مــا يزيــد عن ‪ %2‬ســنويا‪ ،‬وهي‬

‫نس ــبة تض ــاهي مثيالته ــا في ال ــدول األك ــثر تق ــدما‪ ،‬األم ــر ال ــذي أدى إلى ارتف ــاع مع ــدل اإلس ــهام المع ــرفي‬

‫والتكنول ـ ــوجي اإلس ـ ــرائيلي في الص ـ ــناعات التكنولوجي ـ ــة المتط ـ ــورة‪ ،‬كم ـ ــا يعتم ـ ــد على ت ـ ــدفق المعون ـ ــات‬

‫الخارجي ــة‪ ،‬في ظ ــل عج ــز م ــيزان الم ــدفوعات اإلس ــرائيلي‪ ،‬حيث تح ــرص إس ــرائيل على وج ــود عالق ــات‬

‫حيوية بينها وبين العالم الخارجي‪.‬‬

‫ومن تم فإن دافع إسرائيل من الناحيــة االقتصــادية البحتــة الخــتراق دول القـارة اإلفريقيــة‪ ،‬يكمن‬

‫في البحث عن مصـ ــادر المـ ــوارد الخـ ــام األوليـ ــة الالزمـ ــة لصـ ــناعاتها‪ ،‬وفتح أسـ ــواق لمنتجاتهـ ــا لتعـ ــويض‬

‫عزلته ــا االقتص ــادية اإلقليمي ــة‪ ،‬فتج ــارة إس ــرائيل مثال م ــع دول المنطق ــة العربي ــة تمث ــل نس ــبة ض ــئيلة من‬

‫صادرات وواردات إسرائيل‪.‬‬

‫ونظــرا للــدور الخــاص الــذي تؤديــه الحكومــة اإلســرائيلية في الحيــاة االقتصــادية‪ ،‬فإنــه ال يمكن‬

‫النظر إلى العالقات التجارية االقتصادية بينها وبين الدول اإلفريقية –حتى وإ ن كانت عن طريق القطاع‬

‫الخــاص بمعــزل عن أهــداف حكوميــة إســرائيلية وأمنيــة بعيــدة المــدى‪ ،‬كــذلك اتجــه االقتص ــاد اإلس ــرائيلي‬

‫لغزو ميادين الصناعة األكثر تقدما‪ ،‬أو ما يعرف بقطاع التكنولوجيا العالية‪ ،‬وهو ما يتخذه اإلســرائيليون‬

‫ستارا أيضا للنفاذ إلى أسواق إفريقيا‪ ،‬بحجة التطوير وتنمية القطاعات اإلنتاجية‪.‬‬

‫لقـ ــد عملت إسـ ــرائيل على اتبـ ــاع جميـ ــع وسـ ــائل تنميـ ــة إمكاناتهـ ــا االقتصـ ــادية‪ ،‬بإقامـ ــة عالقـ ــات‬

‫اقتصــادية مــع الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وذلــك عن طريــق توســيع تجارتهــا الخارجيــة‪ ،‬وتنويــع أســواقها‪ ،‬ســواء في‬

‫التصدير أو استيراد بعض حاجاتها‪ ،‬وإ يجــاد مجــاالت الســتثماراتها‪ ،‬وتشــغيل بعض أموالهــا في تســهيالت‬

‫ائتمانية لهذه الـدول‪ ،‬باإلضــافة إلى اقامـة مشـروعات منخفضــة التكـاليف ذات عوائـد سـريعة‪ ،‬األمـر الـذي‬

‫أوج ــد ترحيب ــا بإس ــرائيل في دوائ ــر إفريقي ــة متع ــددة‪ ،‬وتح ــاول أن ترب ــط موانئه ــا ومطاراته ــا بش ــبكة من‬

‫‪154‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الخطـ ــوط المالحيـ ــة والجويـ ــة المنظمـ ــة مـ ــع مـ ــوانئ ومطـ ــارات الـ ــدول الناميـ ــة‪ .‬كمـ ــا أن إسـ ــرائيل تحـ ــاول‬

‫باس ــتمرار الزي ــادة من إمكاناته ــا في جمي ــع المج ــاالت‪ ،‬على ال ــرغم من افتقاره ــا إلى الم ــوارد الطبيعي ــة‪،‬‬

‫معتمــدة أساســا على المســاعدات الــتي تحصــل عليهــا من دول العــالم الغــربي بصــفة خاصــة‪ ،‬كمــا أن وفــرة‬

‫العلم ــاء الفن ــيين به ــا –رغم صـــغرها‪ ،-‬ومحاولته ــا س ــد النقص في ه ــذا المج ــال‪ ،‬بتس ــخير التق ــدم العلمي‬

‫والفــني في الــدول الــتي كــانت مســتعمرة‪ ،‬مكنتهــا من تنميــة اقتصــادها القــومي‪ ،‬ورفــع دخــل الفــرد فيهــا إلى‬

‫المســتويات األوروبيــة تقريبــا‪ ،‬ممــا انعكس على قوتهــا العســكرية‪ ،‬فنمت كمــا وكيفــا‪ ،‬بجــانب قــدرتها على‬

‫تقديم بعض المساعدات العلمية والفنية والصناعية لكثير من الدول النامية‪.270‬‬

‫ولق ــد ع ــرفت حرك ــة التج ــارة الخارجي ــة اإلس ــرائيلية تط ــورا كب ــيرا خالل الف ــترة م ــا بين ع ــامي‬

‫‪ ،1994-1985‬فبالنسبة ألسواق الصادرات اإلسرائيلية في عام ‪ 1985‬تأتي إفريقيـا في المركـز الثـامن‬

‫من بين عشرة مراكـز بنسـبة ‪ ،%1,6‬بعـد أمريكـا الشـمالية بنسـبة ‪ %34,1‬والسـوق األوروبيـة المشـتركة‬

‫بنسـبة ‪ %29,5‬ودول غـير مصـنفة بنسـبة ‪ ،%12,2‬والضـفة الغربيـة وقطـاع غـزة بنسـبة ‪ ،%9,3‬وآسـيا‬

‫بنسبة ‪ ،%8,2‬ودول أوروبية أخرى بنسبة ‪ ،%2‬وأمريكــا الجنوبيــة بنســبة ‪ ،%1,7‬وهــو مــا يعكس تــدني‬

‫أهمية إفريقيا باعتبارهـا سـوقا للصـادرات اإلسـرائيلية‪ .‬وقـد تغـير مركـز إفريقيـا نسـبيا كوجهـة للصـادرات‬

‫اإلسـ ـ ـ ــرائيلية ليصـ ـ ـ ــبح السـ ـ ـ ــابع في سـ ـ ـ ــنة ‪1994‬؛ حيث بلغت النسـ ـ ـ ــبة ‪ %1,7‬من إجمـ ـ ـ ــالي الصـ ـ ـ ــادرات‬

‫اإلسرائيلية‪.‬‬

‫أما فيما يخص الواردات اإلسرائيلية في عام ‪ ،1985‬تأتي إفريقيا في المركز الخامس من بين‬

‫المراكــز العشــرة (بعــد الســوق األوروبيــة المشــتركة بنســبة ‪ ،%47‬وأمريكــا الشــمالية بنســبة ‪ ،%23‬ودول‬

‫غير مصنفة بنسبة ‪ ،%17,8‬وآسيا بنسبة ‪ )%3,7‬كمصدر للـواردات اإلسـرائيلية بإسـهام نسـبته ‪،%2,4‬‬

‫من إجمـ ــالي الـ ــواردات اإلسـ ــرائيلية خالل هـ ــذه السـ ــنة‪ .‬بينمـ ــا حققت إفريقيـ ــا المركـ ــز السـ ــادس كمصـ ــدر‬

‫للواردات اإلسرائيلية في عام ‪.1994‬‬

‫‪ - 270‬حسين حمودة مصطفى‪ ،‬اسرائيل في إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.139‬‬

‫‪155‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إن قيمـ ــة الصـ ــادرات اإلسـ ــرائيلية زادت من عـ ــام ‪ 1994‬إلى عـ ــام ‪ 2000‬بمبلـ ــغ ‪ 259‬مليـ ــون‬

‫دوالر‪ ،‬أي بنسبة ‪ %91,2‬من إجمالي صادراتها عام ‪ ،1994‬أما قيمــة الــواردات اإلســرائيلية فقــد زادت‬

‫من ع ــام ‪ 1994‬إلى ع ــام ‪ 2000‬بمبل ــغ ‪ 48‬ملي ــون دوالر‪ ،‬أي بنس ــبة ‪ 14,8‬من إجم ــالي وارداته ــا ع ــام‬

‫‪.1994‬‬

‫واحتلت جنــوب إفريقيــا المركــز األول في عالقــات إســرائيل التجاريــة مــع إفريقيــا‪ ،‬تلتهــا مصــر‬

‫وكيني ــا‪ ،‬م ــع ظه ــور دول إفريقي ــا س ــوقا للص ــادرات اإلس ــرائيلية مث ــل موريتاني ــا وتنزاني ــا‪ ،‬دون أن تك ــون‬

‫مصدرا للواردات اإلسرائيلية‪ ،‬فيما ظهرت دول أخرى مصدرا للواردات اإلســرائيلية مثــل الجــابون دون‬

‫ظهورهـ ــا سـ ــوقا للصـ ــادرات‪ .‬ولقـــد اتجـ ــه معـ ــدل التغطيـ ــة (الصـ ــادرات‪ /‬الـ ــواردات) لصـ ــالح إسـ ــرائيل في‬

‫تجارتهــا مــع إفريقيــا؛ حيث بلغت نســبة التغطيــة ‪ %87,7‬في العــام ‪ ،1994‬وفي عــام ‪ 2000‬بلغت هــذه‬

‫النسبة ‪ ،%147‬أي أن ميزان التجارة اإلسرائيلي اإلفريقي اتجه في صالح إسرائيل‪.‬‬

‫وحسب األستاذ حسين حمودة مصطفى‪ ،‬في كتابــه إسرائيل في إفريقيا‪ ،‬فــإن جــزءا كبــيرا من‬

‫صادرات إسرائيل إلفريقيا يتم مع جهات غير معلنة‪ ،‬ويمكن تفســير ذلــك بوجــود عالقــات تجاريــة وطيــدة‬

‫مـ ــع بعض الـ ــدول اإلفريقيـ ــة غـ ــير المعلنـ ــة‪ ،‬وأن هـ ــذه التجـ ــارة غالبـ ــا مـ ــا تشـ ــتمل على سـ ــلع ذات طبيعـ ــة‬

‫استراتيجية وأمنية كالسالح‪ ،‬إذ تمثل جانبا هائال من تجارة إسرائيل مع القارة اإلفريقية‪.‬‬

‫وقــد عـرف معــدل نمــو قيمــة الصــادرات اإلســرائيلية إلى إفريقيــا ارتفاعـا خالل الفـترة (‪-2001‬‬

‫‪ ،2005‬حيث ارتف ــع من ‪ %17,3‬ع ــام ‪ 2001‬إلى ‪ %28,7‬س ــنة ‪ ،2005‬أي بزي ــادة مق ــدارها ‪%11,4‬‬

‫من إجم ـ ــالي قيم ـ ــة الص ـ ــادرات خالل تل ـ ــك الف ـ ــترة‪ ،‬وعلى العكس انخفض مع ـ ــدل نم ـ ــو قيم ـ ــة ال ـ ــواردات‬

‫اإلسـ ــرائيلية من إفريقيـ ــا‪ ،‬خالل الفـ ــترة نفسـ ــها (‪ )2005-2001‬حيث انخفض من ‪ %23,7‬عـ ــام ‪2001‬‬

‫إلى ‪ %16,8‬سنة ‪ ،2005‬أي بانخفاض مقداره ‪ %7‬من إجمالي قيمة الواردات خالل تلك الفترة‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وتتركز الصادرات اإلسـرائيلية إلى القـارة اإلفريقيـة نحـو أربـع دول‪ ،‬حيث تـأتي جنـوب إفريقيـا‬

‫في مقدمــة الــدول المســتقبلة للصــادرات اإلســرائيلية بنســبة بلغت ‪ %40,1‬من إجمــالي صــادراتها في عــام‬

‫‪ 2001‬إلى القارة اإلفريقية‪ ،‬وانخفضت إلى ‪ %40‬عام ‪ ،2005‬وجاءت مصر في المرتبة الثانيــة بنســبة‬

‫بلغت ‪ %11,5‬ع ــام ‪ ،2001‬وارتفعت إلى ‪ %13,7‬ع ــام ‪ ،2005‬أم ــا كيني ــا ونيجيري ــا فق ــد ك ــان وزنهم ــا‬

‫نسبيا متقاربا إلى حد كبير‪ ،‬ويأتي ترتيبهما بعد جمهورية جنوب إفريقيا ومصر‪ .‬وأمــا بالنســبة للــواردات‬

‫اإلسرائيلية من األسواق االفريقية‪ ،‬فقد تركزت أسواق جلبها في كل من‪ :‬جمهورية جنوب إفريقيــا بنســبة‬

‫‪ ،%60,9‬ومصر بنسـبة ‪ ،%19,3‬وإ ثيوبيـا بنسـبة ‪ ،%7,8‬وكينيـا ‪ ،%6,8‬من إجمـالي واردات إسـرائيل‬

‫من القارة اإلفريقية خالل عام ‪.2712005‬‬

‫وق ـ ــد تأك ـ ــدت رغب ـ ــة إس ـ ــرائيل في التغلغ ـ ــل في األس ـ ــواق اإلفريقي ـ ــة ب ـ ــإعالن وزي ـ ــر الخارجي ـ ــة‬

‫اإلســرائيلي الســابق سيلفان شــالوم في ‪ 8‬من ينــاير ‪ - 2004‬من فــوق هضــبة إثيوبيــا‪ ،‬ومعــه وفــد يضــم‬

‫نح ــو ثالثين من رج ــال األعم ــال يمثل ــون كبري ــات الش ــركات اإلس ــرائيلية‪" -‬أن إثيوبي ــا وإ س ــرائيل تنس ــقان‬

‫بشـ ــكل راق‪ ،‬مواقفهمـ ــا دوليـ ــا لحمايـ ــة مصـ ــالحهما المشـ ــتركة‪ ،‬ومن ذلـ ــك قيـ ــام شـ ــركات إسـ ــرائيلية بتنفيـ ــذ‬

‫مشــروع توليــد الكهربــاء من بحــيرة تانــا‪ ،‬وذلــك يعــد بمثابــة نقلــة نوعيــة في تطــور العالقــات اإلســرائيلية‬

‫اإلثيوبيــة"‪ ،‬فاالســتثمارات والصــادرات اإلســرائيلية إلى إثيوبيــا زادت خالل عــام ‪ 2003‬بمقــدار ‪،%500‬‬

‫وتع ــدى حجم الص ــادرات اإلثيوبي ــة إلس ــرائيل ‪ 15‬ملي ــون دوالر خالل ع ــام ‪ ،2003‬كم ــا تق ــوم إس ــرائيل‬

‫بتنفي ــذ معظم مش ــاريع تولي ــد الطاق ــة الكهرومائي ــة من المي ــاه جن ــوب الص ــحراء اإلفريقي ــة ليس في إثيوبي ــا‬

‫فحسب‪ ،‬بل في بتسوانا وجنوب إفريقيا‪ ،‬وكذلك في أوغندا والكونغو الديمقراطية‪.‬‬

‫لـ ـ ــذلك تمركـ ـ ــزت ع ـ ــدة مئـ ـ ــات من الشـ ـ ــركات اإلسـ ـ ــرائيلية في جنـ ـ ــوب إفريقيـ ـ ــا‪ ،‬وهي الشـ ـ ــريك‬

‫االقتص ـ ــادي األول إلسـ ـ ــرائيل ال ـ ــتي ك ـ ــانت تقيم أساس ـ ــا عالقـ ـ ــات وثيق ـ ــة م ـ ــع نظ ـ ــام التمي ـ ــيز العنصـ ـ ــري‬

‫(األبارتاي ــد)‪ ،‬وق ــد نمت المب ــادالت التجاري ــة م ــع الق ــارة ح ــتى وص ــلت إلى ملي ــار دوالر في ع ــام ‪،2008‬‬

‫‪ - 271‬حسين حمودة مصطفى‪ ،‬إسرائيل في إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.217‬‬

‫‪157‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومن المي ــادين ال ــتي حققت فيه ــا إس ــرائيل تق ــدما كب ــيرا في إفريقي ــا الهندس ــة الزراعي ــة‪ ،‬والهندس ــة المائي ــة‪،‬‬

‫واالتصاالت السلكية والالسلكية‪ ،‬والمعلوميات‪ ،‬واألمن‪ ،‬وتجارة األسلحة واألحجار الكريمة‪.272‬‬

‫كم ــا تواف ــد المس ــتثمرون اإلس ــرائيليون على الكونغ ــو الديمقراطي ــة لالس ــتثمار في مج ــال تع ــدين‬

‫الــذهب والمــاس‪ ،‬ومثــال ذلــك حصــول شــركة " ‪ "I.D.I‬اإلســرائيلية على عقــد احتكــار تجــارة األلمــاس في‬

‫الكونغو الديمقراطية‪ ،‬مقابل مبلغ عشرة ماليين جنيه شهريا‪ ،‬ثم ارتفع المبلغ إلى ثمانية عشر مليونا‪ ،‬إال‬

‫أن االنتقــادات قــد ثــارت حــول دور هــذه الشــركة في نهب ثــروات الكونغــو من األلمــاس بــأبخس األثمــان‬

‫وتهريبه‪ ،‬وعدم االلتزام بشروط التعاقد‪ ،‬وهو ما دفع الحكومة اإلسرائيلية إلى نفي أي صلة لها بالشركة‬

‫صاحبة العقد‪ ،‬بيد أن مصادر مطلعة في كينشاسـا كشـفت أن ملكيـة هـذه الشـركة تعـود إلى حـزب "شـاس"‬

‫الديني المتطرف‪ ،‬الشريك شبه الدائم في االئتالفات الحكومية اإلسرائيلية‪.273‬‬

‫ومن جانبهـ ــا‪ ،‬تسـ ــعى إسـ ــرائيل إلى الحصـ ــول على نصـ ــيب من ثـ ــروات الكونغـ ــو الديمقراطيـ ــة‪،‬‬

‫سواء الثروات االقتصادية (األلمــاس‪ ،‬الــذهب‪ ،‬المعــادن األخــرى) أو الــثروات االســتراتيجية ( اليورانيــوم‪،‬‬

‫التيتانيوم‪ ،‬التراتانيوم)‪ ،‬التي تحتاجها أي دولة نوويـة‪ ،‬غـير أن الهـدف األسـمى إلسـرائيل هـو التغلغـل في‬

‫منطقــة البحــيرات العظمى‪ ،‬إلغالق القاعــدة الجغرافيــة الــتي ترتكــز عليهــا منــابع النيــل‪ ،‬بعــد نجاحهــا –إلى‬

‫ح ــد كب ــير‪ -‬في ت ــأمين وجوده ــا في دول المنب ــع بحيث يكتم ــل إغالق ال ــدائرة‪ ،‬وال يس ــمح لدول ــة المص ــب‬

‫"مصر" أن تمارس سوى الحد األدنى من التأثير في المنطقة‪.274‬‬

‫ل ــذلك رك ــزت إس ــرائيل في اس ــتثماراتها المباش ــرة في إفريقي ــا على قطاع ــات اقتص ــادية مح ــددة‪،‬‬

‫ف ــإلى ج ــانب امتالك وإ دارة بعض الم ــزارع‪ ،‬نج ــد أن إس ــرائيل اس ــتهدفت الس ــيطرة على قط ــاع الص ــناعة‬

‫االس ــتخراجية‪ ،‬حيث رك ــزت اس ــتثماراتها في اس ــتغالل ال ــثروات الطبيعي ــة اإلفريقي ــة‪ ،‬وأهمه ــا الم ــاس في‬

‫دول‪ :‬الكونغ ــو الديمقراطي ــة وس ــيراليون وغان ــا وإ فريقي ــا الوس ــطى‪ ،‬واليوراني ــوم في ال ــنيجر‪ .‬وإ لى ج ــانب‬

‫‪ - 272‬فيليب ليمار‪" ،‬إفريقيا‪ ،‬مسرح المناورة الدبلوماسية واالقتصادية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪ - 273‬حسين حمودة مصطفى‪ ،‬اسرائيل في إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220 -217‬‬
‫‪ - 274‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي اإلفريقي ‪ ،2002 -2001‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.363-362‬‬

‫‪158‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫االستثمار المباشر اإلسرائيلي في هذه الصناعات بشـكل منفـرد‪ ،‬فإنهـا قـد لجـأت إلى الـدخول في مشـاركة‬

‫م ــع رأس الم ــال األجن ــبي الوافـــد إلى ال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬بم ــا ال يف ــوت عليه ــا فرص ــة االس ــتثمار في تل ــك‬

‫الصــناعات الحيويــة‪ .‬وتــأتي أهميــة االســتثمار في النشــاط التعــديني؛ نظــرا ألن هــذه المعــادن تمثــل مــوارد‬

‫اقتصـ ــادية قابلـ ــة للنفـ ــاد‪ ،‬فضـ ــال عن المحدوديـ ــة النسـ ــبية للمعـ ــروض منهـ ــا على المسـ ــتوى العـ ــالمي‪ ،‬وأن‬

‫المضاربة على المعادن النفيسة في أسـواق المـال العالميـة في ظـل وجـود وفــرة نسـبية منهـا في إسـرائيل‪،‬‬

‫باإلض ــافة إلى الســيطرة المباشــرة على االســتخراج من الحقــول اإلفريقيــة‪ ،‬يمكن أن يحقــق أرباحــا عاليــة‬

‫للشركات اإلسرائيلية‪.275‬‬

‫من ناحيــة أخــرى تســعى إســرائيل من خالل وجودهــا في دول حــوض النيــل‪ ،‬إلى تنفيــذ عمليــات‬

‫واسعة لشراء وامتالك األراضي الزراعية برأسـمال يهـودي‪ ،‬بـدعوى إقامـة مشـروعات زراعيـة في تلـك‬

‫األراض ــي‪ ،‬وتنف ــذ إس ــرائيل ه ــذه السياس ــة في ك ــل من‪ :‬إثيوبي ــا والكونغ ــو الديمقراطي ــة وروان ــدا وجن ــوب‬

‫السودان‪ ،‬لما يحققـه ذلـك من مصــالح اقتصــادية لهـا في تلـك الـدول‪ ،‬عالوة على مـا يمثلـه ذلـك من ضــغط‬

‫على كل من مصر والسودان‪ .‬كما قامت باحتكار العديـد من المحصــوالت الزراعيـة‪ ،‬فسـيطرت إسـرائيل‬

‫على أسواق المنتجات الغذائية وعصير الفاكهة في إثيوبيا‪ ،‬ومحصول البن في أوغنــدا‪ ،‬واحتكــار تصــدير‬

‫السمك في إريتريا‪ ،‬حيث تقدر الكمية التي تصدرها هذه الدولة في هذا المجال بحوالي ‪ 20‬ألـف طن في‬

‫السنة‪.276‬‬

‫يمثـ ــل أمن البحـ ــر األحمـ ــر بالنسـ ــبة إلى إسـ ــرائيل أحـ ــد محـ ــددات أمنهـ ــا القـ ــومي‪ ،‬خاص ـ ــة على‬

‫المســتوى االقتصــادي‪ ،‬إذ أنهــا تتحــول إلى دولــة حبيســة على النحــو الــذي جــرى في حــرب ‪ ،1973‬إذ لم‬

‫تت ــوافر له ــا الق ــدرة على حري ــة الحرك ــة في ــه‪ ،‬ال ــتي تنعكس مباش ــرة على ق ــدرتها العس ــكرية واالقتص ــادية‪،‬‬

‫وربما يشير ما قاله بن غوريون بهذا الصدد إلى هذه األهمية‪ ،‬عندما اعتـبر أنـه " لـو تمكنـا من السـيطرة‬

‫‪ - 275‬حسين حمودة مصطفى‪ ،‬اسرائيل في إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.361‬‬


‫‪ - 276‬سمير إبراهيم محمد‪ ،‬السياسة اإلسرائيلية تجاه إفريقيا حالة القرن اإلفريقي‪ ،‬الجزيرة انترناشيونال‪ ،2009 ،‬ص ‪.141-140‬‬

‫‪159‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫على مواقع حيوية في البحر األحمر فإننـا سـنتمكن من اخـتراق سـور الحصــار العـربي‪ ،‬بـل واالنقضــاض‬

‫عليه وهدمه من الخلف‪.‬‬

‫فللبحــر األحمــر أبعــاد محليــة إســرائيلية‪ ،‬نتيجــة النعكاســاته على المقــدرات االقتصــادية المرتبطــة‬

‫بحركــة التجــارة إلى إفريقيــا وجنــوب شــرق آســيا‪ ،‬خصوصــا إذا علمنــا أن الشــركات اإلســرائيلية تحصــل‬

‫على حصــة ال بــأس بهــا من مــاس الكونغــو‪ ،‬باإلضــافة إلى كونهــا أنشــأت عــددا من الشــركات النفطيــة في‬

‫إفريقيــا بقبعــات أوروبيــة أو أمريكيــة فيهــا‪ ،‬وذلــك بحســابات تمتــع إفريقيــا باحتياطيــات نفطيــة كبــيرة‪ ،‬كمــا‬

‫تحتكر إسرائيل حاليا تجارة المنتجات الغذائية في إثيوبيا‪.277‬‬

‫إن نش ــاط إس ــرائيل االقتص ــادي في إفريقي ــا‪ ،‬إنم ــا ه ــو ج ــزء من اإلط ــار الع ــام لنش ــاط المعس ــكر‬

‫الغ ــربي وال ــدول الرأس ــمالية‪ .‬وفي ال ــوقت نفس ــه تح ــاول إس ــرائيل أن تخل ــق لنفس ــها كيان ــا ذاتي ــا داخ ــل ه ــذا‬

‫اإلطـ ــار‪ ،‬وهـ ــذا الكيـ ــان الـ ــذاتي يـ ــأتي من صـ ــورة النشـ ــاط وأدواتـ ــه المتنوعـ ــة‪ ،‬وأحيانـ ــا يكـ ــون باالرتبـ ــاط‬

‫والمش ــاركة م ــع دول أوروبي ــة متع ــددة‪ ،‬وأحيان ــا يك ــون باس ــم ش ــركات إس ــرائيلية خالص ــة‪ ،‬وأحيان ــا يك ــون‬

‫باالرتبـاط والمشـاركة مـع رأسـمال إفـريقي‪ ،‬وغـير هـذا من صـور النشـاط االقتصـادي الـذي تمولـه وتسـهم‬

‫فيه الكتلة الغربية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مرتكزات االستراتيجية اإلسرائيلية‬

‫تتعدد آليـات تنفيـذ السياسـة الخارجيـة اإلسـرائيلية‪ ،‬لتحقيـق مصــالحها في القـارة اإلفريقيـة‪ ،‬وقبـل‬

‫التطرق إليهــا‪ ،‬نشــير إلى قــول الكــاتب اإلســرائيلي يشوع ديش عن الخــدمات الــتي تقـدمها إســرائيل للــدول‬

‫اإلفريقية بقوله "‪..‬إن إسرائيل ال تقـوم بعمـل خـيري في إفريقيـا‪ ،‬وأن النشـاط اإلســرائيلي ليس منزهـا عن‬

‫المصلحة التي تتمثل في تحطيم الحصار العربي بتوسيع عالقاتها الدولية"‪.278‬‬

‫‪ - 277‬أماني الطويل‪" ،‬إسرائيل والقرن االفريقي محددات العالقة وآليـات التطـبيق"‪ ،‬في كتــاب العــرب والقــرن اإلفــريقي جدليــة الجــوار واالنتمــاء‪،‬‬
‫المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2013‬ص ‪.340-339‬‬
‫‪ - 278‬سمير إبراهيم محمد‪ ،‬السياسة اإلسرائيلية تجاه إفريقيا حالة القرن اإلفريقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬

‫‪160‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومن أبرز اآلليات التي تعتمدها إسرائيل لتنفيذ استراتيجيتها بالقارة اإلفريقيــة تقــديم المســاعدات‬

‫العسـ ــكرية واالسـ ــتخبارية‪ ،‬ممـ ــا مكنهـ ــا من التغلغـ ــل في األجهـ ــزة العسـ ــكرية واألمنيـ ــة للعديـ ــد من الـ ــدول‬

‫اإلفريقيــة (الفقــرة األولى)‪ ،‬هــذا باإلضــافة إلى اعتمــاد آليــة تقــديم المســاعدات االقتصــادية والفنيــة لتــدريب‬

‫العديد من الكوادر اإلفريقية في مختلف المجاالت خاصة المجال الزراعي (الفقرة الثانية)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تقديم المساعدات العسكرية واالستخبارية‬

‫مثـل التعـاون العسـكري أحـد أهم آليـات تحقيـق األهـداف الرئيسـة للسياسـة الخارجيـة اإلسـرائيلية‬

‫في إفريقيا‪ ،‬فعلى مدار مراحل تطور عالقتها بدول القـارة منـذ بدايـة الخمسـينيات‪ ،‬عكسـت شـواهد تطـور‬

‫األح ــداث عمق ــا بين الجه ــاز السياس ــي العس ــكري واالقتص ــادي للدول ــة من جه ــة‪ ،‬والقي ــادات العلي ــا للق ــوات‬

‫اإلسرائيلية من جهة أخرى‪ ،‬في إطار العمل لتطوير هذا االتجاه لخدمة مصالح والدولة وغاياتها‪.‬‬

‫وفي جميــع األحــوال‪ ،‬فــإن الحســابات العســكرية اإلســرائيلية تبقى لهــا األولويــة في تطــوير ودعم‬

‫عالقاتها بالدول اإلفريقية‪ ،‬بحيث يعد التعاون العسـكري وعمليـات التسـليح الـتي تقـوم بهـا إسـرائيل للعديـد‬

‫من الدول اإلفريقية‪ ،‬بمثابة حجر الزاوية في بناء العالقات المشتركة‪ ،‬وتتحـرك إسـرائيل في هـذا المجـال‬

‫بصـورة غـير رسـمية عن طريـق شـركة خـدمات أمنيـة هي "ليـف‪-‬دان" التابعـة للموسـاد والمتخصصـة في‬

‫مجــاالت التــدريب والحمايــة األمنيــة‪ ،‬األمــر الــذي يســتدعي التســليح والصــيانة الحربيــة وخــدمات المســاندة‪،‬‬

‫فالرش ــاش "ع ــوزي" اإلس ــرائيلي ص ــار الس ــالح المفض ــل ل ــدى رج ــال األمن األفارق ــة‪ ،‬ونظم االتص ــاالت‬

‫والمراقب ــة األمني ــة في المط ــارات والمب ــاني الحكومي ــة ب ــاتت إس ــرائيلية أيض ــا‪ .‬كم ــا أن مبيع ــات األس ــلحة‬

‫اإلسرائيلية إلى إفريقيا يقدر حجمها بمليار دوالر في السنة على األقل‪.‬‬

‫فمثال أجــرى تجــار الســالح اإلســرائيليون عــدة صــفقات ناجحــة ســواء مــع الحكومــة األنغوليــة أو‬

‫حركــة "يونيتــا" االنفصــالية‪ ،‬حيث نشــرت وثــائق عن بيــع أســلحة غــير شــرعية إلى أنغــوال ودول إفريقيــة‬

‫أخ ــرى‪ ،‬وك ــان المتهم في ه ــذه القض ــية نج ــل ال ــرئيس الفرنس ــي الراح ــل فرانســوا ميــتران‪ ،‬وشخص ــيات‬

‫‪161‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫سياسية فرنسية أخرى رفيعة المستوى‪ ،‬باإلضافة إلى تورط رجل أعمال إسرائيلي تربطه عالقــات قويــة‬

‫باإلس ــرائيلي داني يــاتوم مستش ــار إيهــود بــارك رئيس ال ــوزراء اإلس ــرائيلي‪ -‬آن ــذاك‪ -‬للش ــؤون األمني ــة‪،‬‬

‫والمــدير الســابق لجهــاز االســتخبارات اإلســرائيلي "الموســاد"‪ ،‬ويمتلــك يــاوم ‪ %15‬من رأس مــال شــركة‬

‫"أفريك ــا إس ــرائيل" ال ــتي تق ــوم بعملي ــات بي ــع األس ــلحة واأللم ــاس وغيرهم ــا على نط ــاق واس ــع بين إفريقي ــا‬

‫وإ سرائيل ودول أخرى‪.279‬‬

‫فضال عن تقديم الخبرة العسكرية اإلسرائيلية في إعادة بناء وتنظيم القوات المســلحة اإلفريقيــة‪،‬‬

‫ويبرز ذلك في كل من إريتريا (القـوات الخاصــة‪ -‬البحريــة‪ -‬الجويــة)‪ ،‬وإ ثيوبيــا (القـوات الجويــة)‪ ،‬وكينيــا‬

‫(البحرية‪ -‬الجوية‪ -‬الدفاع الجوي)‪ ،‬وتنزانيا والكونغو الديمقراطية وبنين وتشاد وأوغندا‪.‬‬

‫وقـ ــد اعتمـ ــدت خطـ ــة إعالميـ ــة تـ ــبرز التفـ ــوق العسـ ــكري اإلسـ ــرائيلي‪ ،‬سـ ــواء من خالل وسـ ــائل‬

‫اإلعالم‪ ،‬أو تنظيم الزي ــارات للقي ــادات العس ــكرية اإلفريقي ــة إلس ــرائيل‪ ،‬لالطالع على األنش ــطة العس ــكرية‬

‫للقوات اإلسرائيلية واإلنتاج الحربي في الصناعات العسكرية اإلسرائيلية‪.‬‬

‫وتتنـ ــوع األسـ ــاليب العسـ ــكرية الـ ــتي تلجـ ــأ إليهـ ــا إسـ ــرائيل السـ ــتكمال دائـ ــرة نفوذهـ ــا وسـ ــيطرتها‬

‫المباشـــرة على المؤسســـات السياســـية في إفريقيـــا‪ ،‬حـــتى امتـــد تغلغله ــا ليش ــمل إقام ــة القواع ــد العســـكرية‪،‬‬

‫ومراكـ ــز المخـ ــابرات‪ ،‬واالشـ ــتراك في تـ ــأمين بعض األنظمـ ــة اإلفريقيـ ــة‪ ،‬وقـ ــد نجحت في إقامـ ــة عالقـ ــات‬

‫تعــاون عســكرية مــع أكــثر من ‪ 25‬دولــة إفريقيــة‪ ،‬أبرزهــا (إريتريــا‪ -‬كينيــا‪ -‬اوغنــدا‪ -‬تنزانيــا‪ -‬الكونغــو‬

‫الديمقراطية‪ -‬جنوب إفريقيا ‪ ،)...‬عالوة على الدور الذي تقوم به في روانـدا وبورونـدي‪ ،‬باإلضـافة إلى‬

‫دورها المهم في تدريب وتنظيم بعض الجيـوش اإلفريقيـة‪ ،‬من خالل تقـديم الخـبرة العسـكرية لهـا‪ ،‬ويـبرز‬

‫ذلك في كل من‪ :‬إرتيريا وإ ثيوبيا وكينيا وتنزانيا والكونغـو الديمقراطيـة وتشـاد وأوغنـدا‪ .‬سـواء من خالل‬

‫بيــع األســلحة أو إرســال بعثــات من الخــبراء العســكرين اإلســرائيليين لهــذه الــدول لتقـديم الخــبرة العســكرية‬

‫لهم‪ ،‬وك ــذا إقام ــة العدي ــد من المراك ــز التجسس ــية للموس ــاد به ــا‪ ،‬غ ــير أن م ــا يالح ــظ ه ــو أن دول الق ــرن‬

‫‪ - 279‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي االفريقي ‪ ،2002 -2001‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.362‬‬

‫‪162‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اإلف ــريقي وشــرق إفريقيــا تحتــل موقعــا مهمــا في التوجــه األمــني إلس ــرائيل في إفريقيــا‪ ،‬وذلــك لمحاص ــرة‬

‫الدول العربية‪ .‬أما فيما يخص اهتمامها بدول غرب إفريقيا والجنوب اإلفريقي فيمكن تفســيره بمــا تمتلكــه‬

‫هاتـ ــان المنطقتـ ــان من ثـ ــروات طبيعيـ ــة كبـ ــيرة‪ ،‬تمكن إسـ ــرائيل من تحقيـ ــق أهـ ــدافها االقتصـ ــادية وتـ ــأمين‬

‫مصــالح حلفائهــا الغــربين في إطــار تــرتيب األوضــاع وفقــا للنظــام الــدولي الجديــد‪ ،‬وتعــد كــل من نيجيريــا‬

‫وأنغوال وجنوب إفريقيا أبرز الدول المتعاونة مع إسرائيل في هذا المجال‪.280‬‬

‫تتــولى العديــد من الشــركات تنفيــذ المخططــات اإلســرائيلية في إفريقيــا‪ ،‬ومن أهمهــا شــركة "بــول‬

‫باري لألسرار"‪ ،‬وشركة "أباك" وهما شركتان فرنسيتان مملوكتان لعناصر يهوديـة؛ حيث تتبـنى إسـرائيل‬

‫سياسة تهدف إلى إشعال وتـأجيج الصــراعات في إفريقيـا‪ ،‬وذلـك بهـدف إسـقاط أنظمـة تسـعى للتقـارب مـع‬

‫الدول العربية من ناحيـة‪ ،‬وإ حكـام السـيطرة السياسـية واالقتصــادية اإلسـرائيلية على هـذه الـدول من ناحيـة‬

‫أخرى‪ ،‬وليس خافيا في هــذا المقــام الــدور اإلســرائيلي في تصــفية الــرئيس الكونغــولي لوران كابيال‪ ،‬الــذي‬

‫بدأ حكمه بتحجيم الوجود اإلسرائيلي في الكونغو‪ ،‬ومحاولة تعظيم العالقات مع الدول العربية‪.281‬‬

‫كمــا تــوجهت إســرائيل إلى نقــل المهــارات التقنيــة الالزمــة‪ ،‬لتشــغيل وصــيانة األســلحة والمعــدات‬

‫العس ـ ـ ــكرية إلى الك ـ ـ ــوادر العس ـ ـ ــكرية في ال ـ ـ ــدول المعني ـ ـ ــة؛ من خالل ب ـ ـ ــرامج تدريبي ـ ـ ــة يقـ ـ ــدمها الخ ـ ـ ــبراء‬

‫اإلســرائيليون لألطــر اإلفريقيــة‪ ،‬وقــامت إســرائيل في هــذا الصــدد بتشــكيل فــرق عمــل أمنيــة وعســكرية مــع‬

‫العديـــد من الـــدول اإلفريقيـــة‪ ،‬وذلـــك بهـــدف بنـــاء نف ــوذ إلســـرائيل داخ ــل المؤسس ــات العس ــكرية واألمنيـــة‬

‫واالس ـ ــتخباراتية والسياس ـ ــية في البل ـ ــدان اإلفريقي ـ ــة‪ ،‬وال س ـ ــيما الكونغ ـ ــو الديمقراطي ـ ــة‪ ،‬حيث تش ـ ــير بعض‬

‫التق ــارير إلى أن الكونغ ــو الديمقراطي ــة وقعت ع ــام ‪ 2002‬على ح ــوالي ‪ 12‬اتفاقي ــة للتع ــاون الش ــامل م ــع‬

‫إسـ ــرائيل‪ ،‬منهـ ــا اتفاقيـ ــة عسـ ــكرية أمنيـ ــة تقـــوم بمقتضـ ــاها إسـ ــرائيل بتـ ــدريب وتسـ ــليح الجيش الكونغـ ــولي‪،‬‬

‫والق ــوات الخاص ــة التابع ــة ل ــه‪ ،‬والمش ــاركة في عملي ــة إع ــادة بن ــاء ق ــوات الش ــرطة واألمن‪ ،‬ومن أبرزه ــا‬

‫الص ــفقة ال ــتي وقعه ــا خ ــبراء أمن إس ــرائيليون م ــع ال ــرئيس جــوزي كــابيال‪ ،‬وذل ــك إلنش ــاء وح ــدة حراس ــة‬
‫‪ - 280‬حسين حمودة مصطفى‪ ،‬إسرائيل في إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.280-270‬‬
‫‪ - 281‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي االفريقي ‪ ،2002-2001‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.378‬‬

‫‪163‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫خاصة‪ ،‬هذا في مقابل احتكار شركة إسرائيلية تصــدير المــاس واألحجــار الكريمــة في كــل أنحــاء الكونغــو‬

‫لم ــدة ‪ 18‬ش ــهرا‪ ،‬ه ــذا باإلض ــافة إلى اتفاقي ــة خاص ــة س ــرية لتط ــوير وإ ع ــادة تأهي ــل جه ــاز االس ــتخبارات‬

‫الكونغولي المعروف باسم "نير"‪.‬‬

‫كمــا أبــرمت إســرائيل عــدة اتفاقيــات للتعــاون األمــني والعســكري مــع روانــدا منــذ عــام ‪،1998‬‬

‫وأســهمت في إعــادة بنــاء قــوات الجيش الروانــدي وتســليحه وتدريبــه‪ ،‬وبمــوجب هــذه االتفاقيــات تستضــيف‬

‫إسرائيل بصورة سنوية العديد من ضباط األسلحة في القوات الرواندية للتدريب في إسرائيل‪ ،‬هذا فضــال‬

‫عن قيام خبراء التسليح اإلسرائيليين بتدريب القوات الروندية‪.‬‬

‫ومن الج ــدير بال ــذكر أن تقري ــر المخ ــابرات الفرنس ــية في ع ــام ‪ 1996‬أك ــد أن إس ــرائيل تتحم ــل‬

‫الجــانب األكــبر من تــدهور األوضــاع في منطقــة البحــيرات العظمى‪ ،‬وأوضــح التقريــر أن إســرائيل قــامت‬

‫بتسليح جيش رواندا وبوروندي بأسلحة قديمة يعود تاريخها إلى الستينيات بـدون أي مقابـل مـادي‪ ،‬وذلـك‬

‫بهــدف كســب ود الســلطات الحاكمــة في روانــدا وبورونــدي‪ ،‬وأن إســرائيل نجحت في وض ــع أقــدامها في‬

‫المنطق ــة‪ ،‬وق ــامت بع ــرض مس ــاعدة لحكوم ــتي البل ــدين في حماي ــة المنش ــآت االس ــتراتيجية في العاص ــمتين‬

‫"بوجمب ــورا" "وكيج ــالي" ض ــد هجم ــات قبيل ــة الهوت ــو‪ ،‬ه ــذا باإلض ــافة لتوليه ــا الحماي ــة من بعض الش ــركات‬

‫الخاصــة التابعــة لجهــاز الموســاد اإلســرائيلي‪ ،‬ثم تطــرق التقريــر إلى قيــام تجــار الســالح اإلســرائيليين بــبيع‬

‫األس ــلحة بأس ــعار زهي ــدة للمتم ــردين بن ــاء على أوام ــر الموس ــاد إلش ــعال األوض ــاع في المنطق ــة‪ ،‬وض ــمان‬

‫اسـ ــتمرار حاجـ ــة حكومـ ــات دول المنطقـــة للمسـ ــاعدات والوجـ ــود اإلسـ ــرائيلي‪ ،‬بهـ ــدف تحقيـ ــق اسـ ــتراتيجية‬

‫إسرائيل في المنطقة‪.282‬‬

‫واس ــتفادت العدي ــد من ال ــدول اإلفريقي ــة من مبيع ــات الس ــالح اإلس ــرائيلية‪ ،‬حيث ق ــامت إس ــرائيل‬

‫بتسـ ــليح جيشـ ــي روانـ ــدا وبورونـ ــدي‪ ،‬كمـ ــا بـ ــاعت إسـ ــرائيل شـ ــحنات من األسـ ــلحة لعـ ــدد كبـ ــير من الـ ــدول‬

‫‪ - 282‬سمير إبراهيم محمد‪ ،‬السياسة اإلسرائيلية تجاه إفريقيا حالة القرن اإلفريقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.135-134‬‬

‫‪164‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اإلفريقيـ ــة منهـ ــا‪ :‬جنـ ــوب إفريقيـ ــا وإ ثيوبيـ ــا وكينيـ ــا وليبريـ ــا وأوغنـ ــدا والكـ ــاميرون وإ يريتريـ ــا والكونغـ ــو‬

‫الديمقراطية‪ ،‬وذلك وفقا لتقارير المخابرات الفرنسية التي نشرتها جريدة لوموند في عام ‪.2000‬‬

‫ويشير كتاب تهريب السالح إلى إفريقيا الصــادر عـام ‪ ،2004‬عن معهـد أبحـاث قضـايا الـدفاع‬

‫واألمن ون ـ ــزع الس ـ ــالح في بروكس ـ ــل‪ ،‬نقال عن الج ـ ــنرال اإلس ـ ــرائيلي "يوســـي بن حنـــان" رئيس دائ ـ ــرة‬

‫المس ــاعدات في وزارة ال ــدفاع اإلس ــرائيلية‪ ،‬أن إس ــرائيل ك ــانت تحق ــق قب ــل س ــت س ــنوات أي ع ــام ‪1998‬‬

‫دخال من تج ــارة الس ــالح يق ــدر بنح ــو ‪ 1,7‬ملي ــار دوالر‪ ،‬وفي ع ــام ‪ 2004‬بل ــغ ال ــرقم نح ــو ‪ 4‬ملي ــارات‬

‫دوالر‪.283‬‬

‫تعتــبر الصــادرات العســكرية اإلســرائيلية من األدوات األساســية لتنفيــذ االســتراتيجية اإلســرائيلية‬

‫في القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬هــذا باإلضــافة إلى أهميتهــا االقتصــادية حيث تعــد من أبــرز القــوى الدافعــة لالقتصــاد‬

‫اإلسرائيلي‪ ،‬وال سيما أن إسرائيل تعد واحدة من أكبر الدول المصدرة للسـالح‪ ،‬إذ ارتفعت القيمـة الماليـة‬

‫للصـ ــادرات اإلســـرائيلية من األســـلحة خالل ســـنة ‪ 2002‬من ‪ 2501‬ملي ــون دوالر لتصـ ــل إلى ‪7000‬‬

‫مليـ ـ ــون دوالر خالل عـ ـ ــام ‪ .2842011‬ولقـ ـ ــد اسـ ـ ــتحوذت إسـ ـ ــرائيل على نسـ ـ ــبة ‪ %4‬من حجم الـ ـ ــواردات‬

‫اإلفريقيــة من األســلحة خالل الفــترة مــا بين ‪ .2852011-2007‬وتجــدر اإلشــارة إلى أنــه خالل الفــترة مــا‬

‫بين ‪ 2010-2006‬اتجهت األس ــلحة االس ــرائيلية إلى ال ــدول اإلفريقي ــة التالي ــة‪ :‬الك ــاميرون‪ ،‬تش ــاد‪ ،‬غيني ــا‬

‫االستوائية نيجيريا‪ ،‬رواندا‪ ،‬السيشل‪ ،‬جنوب إفريقيا‪ ،‬أوغندا‪.286‬‬

‫وبمـ ــوجب هـ ــذه السياسـ ــة أصـ ــبحت األسـ ــلحة اإلسـ ــرائيلية منتشـ ــرة في أجـ ــزاء كبـ ــيرة من القـ ــارة‬

‫اإلفريقي ـ ــة‪ ،‬خاص ـ ــة منطق ـ ــة البح ـ ــيرات العظمى‪ ،‬حيث ترتب ـ ــط معظم حرك ـ ــات التم ـ ــرد بص ـ ــالت مباش ـ ــرة‬

‫بالموساد اإلسرائيلي‪ ،‬وال تخلو أي دولة إفريقية من وجود مكاتب يعمـل فيهـا ضــباط الجيش اإلسـرائيلي‪،‬‬
‫‪ - 283‬سمير إبراهيم‪ ،‬السياسة اإلسرائيلية تجاه إفريقيا حالة القرن اإلفريقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.237-236‬‬
‫‪ - 284‬مارك برومالي‪" ،‬القيمة المالية لصـادرات الـدول من األســلحة"‪ ،‬في كتــاب‪ :‬التســلح ونــزع الســالح واالمن الــدولي الكتــاب الســنوي ‪،2013‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الدولي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬سبتمبر ‪ ،2013‬ص ‪.381‬‬
‫‪ - 285‬بول هولتوم‪ ،‬مارك بروملي‪ ،‬بيتر د‪ .‬ويزمان‪ ،‬وسيمون ت‪.‬اويزمان‪ " ،‬التطورات التي شهدها نقل األسلحة في سنة ‪ ،"2011‬في كتاب‪ :‬التسلح‬
‫ونزع السالح واألمن الدولي الكتب السنوي ‪ ،2012‬مركز دراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬معهــد ســتوكهولم ألبحــاث الســالم الـدولي‪ ،‬بــيروت‪ ،‬الطبعــة‬
‫األولى‪ ،‬اكتوبر ‪2012‬ص ‪.358‬‬
‫‪286‬‬
‫‪- Siemon T. Wezeman, “Israeli arms transfers to sub-Saharan Africa”, Sipri background paper, October‬‬
‫‪2011, p 3.‬‬

‫‪165‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مهمتهم عق ــد صـــفقات بيـــع األســـلحة‪ ،‬بـــل إن بعض التق ــارير ت ــذكر أن تنظيم القاع ــدة أب ــرم مـــع الموســـاد‬

‫اإلسرائيلي من خالل وسطاء صفقة عسكرية ضخمة بحوالي ‪ 200‬مليون دوالر‪.287‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تقديم المساعدات االقتصادية والفنية‬

‫مع بداية استقالل الدول اإلفريقية‪ ،‬وتزايد حاجاتها لمزيـد من المسـاعدات الماليـة والعلميـة لبنـاء‬

‫كوادرها‪ ،‬لتسيير شؤونها بعد االستقالل‪ ،‬استغلت إسرائيل هذه الحاجـة‪ ،‬حيث تـوجهت إلى تقـديم الخـبرة‬

‫الفنية والعلمية للعديد من الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬لتطـوير عالقاتهـا السياسـية وضــمان اعترافهـا بدولـة إسـرائيل‪،‬‬

‫وذل ــك بم ــوجب اتفاقي ــات تس ــمى باتفاقي ــات "التع ــاون الف ــني"‪ ،‬من أج ــل تك ــريس فك ــرة التف ــوق التكنول ــوجي‬

‫والعلمي اإلس ــرائيلي كأح ــد أس ــاليب الحكوم ــة اإلس ــرائيلية في التغلغ ــل داخ ــل إفريقي ــا‪ ،‬فهي تخط ــط لتنفي ــذ‬

‫المش ــاريع واالتفاقي ــات م ــع ال ــدول اإلفريقي ــة ح ــتى ل ــو أدى تنفي ــذها إلى خس ــارة مالي ــة من قبله ــا‪ ،‬أمال في‬

‫تحقيـ ــق األهـ ــداف المرجـ ــوة للفـ ــترات الالحقـ ــة‪ ،‬كمـ ــا تضـ ــع إسـ ــرائيل خبراتهـ ــا تحت تصـ ــرف الحكومـ ــات‬

‫اإلفريقي ـ ــة‪ ،‬وتنظم دورات تدريبي ـ ــة خاصـ ـ ــة لألفارقـ ـ ــة في إس ـ ــرائيل‪ ،‬وتق ـ ــديم المعون ـ ــات االقتصـ ـ ــادية في‬

‫مجــاالت‪ :‬الزراعــة والصــناعة والســياحة والخــدمات االجتماعيــة‪ ،‬كالصــحة والتعليم‪ ،‬باإلضــافة إلى تقــديم‬

‫المنح الدراسـ ــية للطالب األفارقـ ــة للدراسـ ــة في إسـ ــرائيل‪ ،‬وتنظيم الـ ــدورات التدريبيـ ــة للقيـ ــادات الشـ ــعبية‬

‫والعمالي ـ ـ ــة من أج ـ ـ ــل تعزي ـ ـ ــز العالق ـ ـ ــات بين المنظم ـ ـ ــات العمالي ـ ـ ــة اليهودي ـ ـ ــة واإلس ـ ـ ــرائيلية والمنظم ـ ـ ــات‬

‫اإلفريقية‪.288‬‬

‫ولق ــد رك ــزت إس ــرائيل في تفاعالته ــا اإلفريقي ــة من ــذ أوائ ــل الس ــتينيات‪ ،‬وح ــتى في ظ ــل س ــنوات‬

‫القطيعــة الدبلوماســية بينهــا وبين إفريقيــا‪ ،‬على المســاعدات العســكرية والفنيــة‪ ،‬وتشــير اإلحصــاءات الــتي‬

‫نش ــرها مرك ــز التع ــاون ال ــدولي الت ــابع ل ــوزارة الخارجي ــة اإلس ــرائيلية إلى أن ع ــدد األفارق ــة ال ــذين تلق ــوا‬

‫‪ - 287‬سمير إبراهيم محمد‪ ،‬السياسة اإلسرائيلية تجاه إفريقيا حالة القرن اإلفريقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.237-236‬‬
‫‪ - 288‬تميم هاني خالف‪" ،‬العالقات األفرو‪-‬إسرائيلية بين األهداف والمصالح"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،144‬أبريل ‪ ،2001‬ص ‪.203-202‬‬

‫‪166‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تدريبهم في إسـرائيل عـام ‪ 1997‬وصـل إلى نحـو ‪ 742‬متـدربا‪ ،‬إضـافة إلى نحـو ‪ 24.636‬إفريقيـا تلقـوا‬

‫تدريبهم في مراكز التدريب اإلسرائيلية خالل األربعين سنة الماضية‪.289‬‬

‫وتشمل المساعدات الفنية ثالثة مجاالت أساسية‪:‬‬

‫نقل المهارات التقنية وغيرها من خالل برامج تدريبية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تزويد الدول اإلفريقية بخبراء إسرائيليين لمدة طويلة أو قصيرة المدى‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إنشاء شركات مشتركة أو نقل المهارات والخبرات اإلدارية للشركات اإلفريقية‪.290‬‬ ‫‪-‬‬

‫كما نجحت إسرائيل‪ ،‬بمساعدة الواليات المتحدة في تـأمين سـيطرتها على بعض مشـاريع الـري‬

‫في منطقــة البحــيرات العظمى‪ ،‬حيث تقــوم بتقــديم الــدعم الفــني والتكنولــوجي من خالل األنشــطة الهندســية‬

‫للشركات اإلسرائيلية في مجال بناء السدود المائية‪.291‬‬

‫ولقـ ــد اسـ ــتند تركـ ــيز إسـ ــرائيل على القطـ ــاع الـ ــزراعي‪ ،‬لتنفيـ ــذ مخططهـ ــا التغلغلي في إفريقيـ ــا‪،‬‬

‫خصوصــا في شــرقها‪ ،‬وذلــك باالســتناد إلى حقيقــة أن هــذا القطــاع يشــكل النشــاط الــرئيس لمعظم كاســبي‬

‫الـ ــدخل هنـ ــاك‪ ،‬فمن بين ‪ %70‬و‪ %80‬من القـ ــوى العاملـ ــة األفريقيـ ــة يعمـ ــل في الزراعـ ــة‪ ،‬األمـ ــر الـ ــذي‬

‫يضمن إلسرائيل التغلغل في صفوف السواد األعظم من الشعب اإلفريقي‪.‬‬

‫ول ـ ــذك ت ـ ــوجهت إس ـ ــرائيل إلى إقام ـ ــة العدي ـ ــد من الم ـ ــزارع في إفريقي ـ ــا تحت إش ـ ــراف الخ ـ ــبراء‬

‫اإلس ــرائيليين‪ ،‬وفي ض ــوء التجرب ــة اإلس ــرائيلية ال ــتي تجس ــدت في إقام ــة الم ــزارع الجماعي ــة اإلس ــرائيلية‬

‫"الكيبوتزات" والمزارع التعاونية "الموشاف"‪ ،‬األمر الذي يعكس توجه "عسكرة" الزراعة في إسرائيل‪.‬‬

‫إن قيام إسرائيل بدراسة النظم االقتصادية اإلفريقية مع األخذ بعين االعتبار عاداتهـا وتقاليـدها‪،‬‬

‫مكنها من إنشاء ما يقرب من ‪ 200‬مزرعة في دول شــرق إفريقيــا‪ ،‬وتحديــدا في كينيــا وإ ثيوبيــا وأوغنــدا‪،‬‬

‫‪ - 289‬أماني الطويل‪" ،‬إسرائيل والقرن اإلفريقي محددات العالقة وآليات التطبيق"‪ ،‬مرجع سابق‪.324 ،‬‬
‫‪ - 290‬سمير إبراهيم محمد‪ ،‬السياسة اإلسرائيلية تجاه إفريقيا حالة القرن اإلفريقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪ - 291‬اإلدارة العامة إلعالم إفريقيا‪ ،‬تطور السياسة اإلسرائيلية تجاه إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬

‫‪167‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫كمــا تم تحت إشــراف خــبراء إســرائيليين وشــركة "أجــوال يــديف" اإلســرائيلية إنشــاء ‪ 3‬مــزارع في تنزانيــا‪،‬‬

‫تبلغ مساحتها ألف هكتار لزراعة القطن‪ ،‬والمحاصيل الغذائية‪.‬‬

‫ولم تكت ــف إس ــرائيل ب ــذلك‪ ،‬ب ــل ق ــامت ب ــامتالك الم ــزارع إلدارته ــا بنفس ــها‪ ،‬حيث تمتل ــك ش ــركة‬

‫"انكــودا" اإلســرائيلية في إثيوبيــا أراضــي مســاحتها ‪ 50‬ألــف هكتــار‪ ،‬وهي األمالك الســابقة لشــركة "ســيا"‬

‫اإليطالي ــة الزراعي ــة‪ ،‬وأق ــامت فيه ــا ع ــدة م ــزارع لزراع ــة القطن والمحاص ــيل وتربي ــة المواش ــي‪ ،‬وت ــروي‬

‫الشــركة هــذه األراضــي من نهــر "القــاش" على حــدود الســودان حيث يــروي الســودان أراضــيه من النهــر‬

‫نفسه‪.292‬‬

‫وفي األخير‪ ،‬نخلص إلى أنه إذا كانت العالقات اإلسرائيلية اإلفريقية تأثرت في بدايتها‬

‫بالصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬خصوصا العالقات السياسية‪ ،‬فإن الشق االقتصادي من هذه العالقات لم‬

‫يتأثر البتة بها‪ ،‬بل عرف تصاعدا ملحوظا‪ ،‬حتى في أيام المقاطعة السياسية اإلفريقية إلسرائيل‪ ،‬ليتزايد‬

‫هذا النشاط مع تغير األوضاع مع بداية العقد األخير من القرن الماضي‪ ،‬بانهيار المعسكر االشتراكي‪،‬‬

‫ودخول العرب في مسلسل التسوية مع إسرائيل بانعقاد مؤتمر مدريد ‪ ،1991‬مما أعطى فرصة سانحة‬

‫إلسرائيل لتكثيف تغلغلها في الدول اإلفريقية‪ ،‬الذي أصبح يهدد األمن القومي العربي‪ ،‬وبخاصة فيما‬

‫يتعلق بقضية مياه النيل والبحر األحمر‪ ،‬األمر الذي يتطلب من الجانب العربي العمل على توثيق‬

‫العالقات العربية اإلفريقية‪ ،‬سواء من خالل العالقات الثنائية أو عبر أجهزة التنسيق المشتركة بجامعة‬

‫الدول العربية‪ ،‬ومنظمة االتحاد اإلفريقي‪ ،‬غير أن هذا المطلب يبقى بعيد المنال حاليا‪ ،‬نظرا للتشرذم‬

‫الذي يعرفه الوطن العربي‪ ،‬والصراعات البينية التي نتجت عن الثورات العربية‪ ،‬التي خلفت مزيدا من‬

‫االنشقاق في الصف العربي‪ ،‬مما مكن العديد من االستراتيجيات الدولية من تحقيق مصالحها بالوطن‬

‫العربي‪ ،‬ومحاصرة المصالح العربية في العديد من المناطق الدولية‪ ،‬كإسرائيل في إفريقيا‪.‬‬

‫‪ - 292‬نادية سعد الدين‪" ،‬التغلغل اإلسرائيلي في شرق إفريقيا وانعكاساته على االمن القومي العربي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.158-157‬‬

‫‪168‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفصل الثاني‪ :‬استراتيجية الدول اآلسيوية في إفريقيا‬

‫في العقد األخير من القرن الماضي كثر الحديث عن "المعجزة اآلسيوية"‪ ،‬التي بــدأت بالصــعود‬

‫اليابـ ــاني‪ ،‬فالصـ ــعود الصـ ــيني‪ ،‬ثم صـ ــعود النمـ ــور اآلسـ ــيوية‪ ،‬فلحـ ــاق الهنـ ــد بـ ــالركب اآلسـ ــيوي في مجـ ــال‬

‫الصعود االقتصادي‪ .‬فقد اسـتطاعت اليابـان منـذ عـام ‪ ،1947‬والصـين منـذ سـنة ‪ ،1978‬والهنـد منـذ عـام‬

‫‪ 1991‬أن تحقق صعودا اقتصاديا واضحا‪ ،‬جعل تلك الدول ضمن أكبر خمس اقتصاديات عالمية حسب‬

‫إحصائيات صندوق النقد الدولي لسنة ‪.2932010‬‬


‫‪ - 293‬محمد السيد سليم‪" ،‬الصعود الصيني والهندي في النظام العالمي"‪ ،‬في تقرير ســبأ االســتراتيجي ‪ ،2010‬مركــز ســبأ للدراســات االســتراتيجية‪،‬‬
‫الطبعة االولى‪ ،‬يوليوز ‪ ،2011‬ص ‪.46‬‬
‫‪ -‬للتوسع أكثر في تجربة صعود بعض القوى االسيوية راجع‪:‬‬

‫‪169‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لــذلك فالتنــافس الــدولي في القــارة اإلفريقيــة لم يعــد يقتصــر على القــوى الغربيــة فقــط‪ ،‬بــل هنــاك‬

‫قوى جديدة زادت من اهتمامها بهذه القارة‪ ،‬من أهمها القوى اآلسيوية خصوصا الصين واليابان والهنــد‪،‬‬

‫وق ــد تط ــورت سياس ــات ه ــذه ال ــدول اتج ــاه إفريقي ــا تماش ــيا م ــع األوض ــاع الجدي ــدة لم ــا بع ــد انته ــاء الح ــرب‬

‫الباردة‪.‬‬

‫فقــد تحــول االهتمــام الصــيني بالقــارة من دعم حركــات التحــرر في إفريقيــا في خمســينيات القــرن‬

‫الماضي‪ ،‬إلى تبني استراتيجية ترتكز على تحقيـق المصـالح االقتصـادية‪ ،‬ممـا جعـل العالقـات االقتصـادية‬

‫بين الطــرفين تتحــول من االعتمــاد على قنــاة واحــدة‪ ،‬في صــورة مســاعدات صــينية حكوميــة‪ ،‬إلى تعــاون‬

‫متب ــادل في ص ــورة مش ــروعات مش ــتركة وق ــروض بفائ ــدة منخفض ــة‪ ،‬باإلض ــافة إلى تط ــور العالق ــات في‬

‫المج ــال الثق ــافي والتعليمي‪ ،‬ليت ــوج ك ــل م ــا س ــبق بإنش ــاء منت ــدى التع ــاون الص ــيني اإلف ــريقي س ــنة ‪2000‬‬

‫(المبحث األول)‪.‬‬

‫وإ ذا كان دور اليابان في إفريقيا قد انحصر في البداية على تقديم المساعدات‪ ،‬فإنهـا مـع أواخـر‬

‫الثمانيني ــات أعلنت سياس ــة جدي ــدة تق ــوم على مح ــاور ثالث ــة؛ المس ــاعدات‪ ،‬التب ــادل الثق ــافي‪ ،‬حف ــظ الس ــالم‪.‬‬

‫وعملت الياب ــان على دعم التنمي ــة في الق ــارة اإلفريقي ــة وإ ث ــارة انتب ــاه المجتم ــع ال ــدولي تج ــاه إفريقي ــا بع ــد‬

‫االتجاه إلى تهميشها‪ ،‬وذلك بدعوتها لعقد مؤتمر طوكيو الدولي لتنميـة إفريقيـا (‪ ،)TICAD‬وبصـفة عامـة‬

‫تركــز اليابــان في عالقتهــا مــع إفريقيــا على الجــانب االقتص ــادي‪ ،‬مســتخدمة في ذلــك عــدة أدوات؛ أهمهــا‬

‫المساعدات واالسـتثمارات والعالقـات التجاريـة‪ ،‬وتعـد اليابـان من أهم الـدول المانحـة للمسـاعدات إلفريقيـا‬

‫منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫كمــا بــدأت الهنــد في اآلونــة االخــيرة تتوغــل في القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬فالهنــد اليــوم هي كيــان نــاهض‬

‫مسلح بقوة بشرية كبيرة‪ ،‬فهي الثانية سكانيا بعد الصين‪ ،‬واقتصادها أصــبح يعــرف نمــوا كبــيرا منــذ العقـد‬

‫‪ -‬فرديريك معتوق‪ ،‬المارد اآلسيوي يسيطر‪ ،‬مندى المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬بيروت ‪.2013‬‬
‫‪ -‬كارن أبو الخير‪ " ،‬آسيا ومالمح نظام عالمي جديد‪ ..‬تقديم"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 183‬يناير ‪ ،2011‬ص ‪.47-44‬‬
‫‪- Gérard CHALIAND, avec la collaboration de Michel JAN, Vers un nouvel ordre du monde, Éditions du‬‬
‫‪Seuil, Paris, Avril 2013.‬‬

‫‪170‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األخــير من القــرن الماضــي‪ ،‬لــذلك فطموحــات الهنــد وحاجاتهــا أعــادت هيكلــة كيانهــا وأولوياتهــا‪ ،‬فلم تعــد‬

‫تعطي األولوي ـ ــة في عالقاته ـ ــا الخارجي ـ ــة للعوام ـ ــل اإليديولوجي ـ ــة والرمزي ـ ــة‪ ،‬ب ـ ــل ت ـ ــوجهت نح ـ ــو المن ـ ــافع‬

‫البراغماتية المبنية على تحقيق أكـبر قــدر من األهـداف السياسـية واالقتصــادية أساسـا‪ ،‬لـذلك بـدأت الهنـد‬

‫تتطلــع إلى تعميــق عالقاتهــا السياســية واالقتصــادية مــع الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬إذ أصــبحت تتمحــور حــول ثالثــة‬

‫أهداف أساسية‪ :‬سياسية‪ ،‬تجارية‪ ،‬طاقية (المبحث الثالث)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬االستراتيجية الصينية في إفريقيا‬

‫مع بداية تسعينيات القرن الماضـي‪ ،‬دخلت السياسـة الصـينية تجـاه إفريقيـا مرحلـة جديـدة‪ ،‬نتيجـة‬

‫متغــيرات البيئــة الدوليــة من ناحيــة‪ ،‬وباألولويــات الملحــة في السياســة الصــينية من ناحيــة أخــرى‪ ،‬فانهيــار‬

‫االتحـ ــاد السـ ــوفياتي‪ ،‬وتحـ ــول الصـ ــراع على المسـ ــتوى العـ ــالمي من الصـ ــراع اإليـ ــديولوجي إلى التنـ ــافس‬

‫االقتص ـ ــادي‪ ،‬جع ـ ــل االهتم ـ ــام الص ـ ــيني بإفريقي ـ ــا‪ ،‬ينب ـ ــني على تحقي ـ ــق مجموع ـ ــة من األه ـ ــداف السياس ـ ــية‬

‫واالقتصادية‪ ،‬لتأمين التطور الذي تعرفه الدولة الصينية منذ الربع األخير من القرن الماضي‪.‬‬

‫بذلك أصــبحت الصــين تنظـر إلى إفريقيـا باعتبارهـا كتلـة سياسـية تصــويتية في الهيئـات الدوليـة‪،‬‬

‫تريد الصين االسـتفادة منهـا‪ ،‬لثـني رغبـة تـايوان في االســتقالل عن الصــين‪ ،‬وكـذا مواجهـة القـوى الغربيـة‬

‫باتهامهـ ــا بخـ ــرق مبـ ــادئ حقـ ــوق اإلنسـ ــان‪ ،‬الـ ــتي مـ ــا فـ ــتئت تطرحهـ ــا في مجموعـ ــة من الهيئـ ــات الدوليـ ــة‪،‬‬

‫‪171‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫باإلضــافة إلى اعتبارهــا ســوقا اســتهالكية مهمــة لتصــريف منتجاتهــا الصــناعية‪ ،‬خصوصــا إذا علمنــا أن‬

‫االقتصـاد الصـيني موجـه باألسـاس للتصـدير‪ ،‬كمـا أنهـا تعتبرهـا خزانـا مهمـا للمـواد األوليـة‪ ،‬الـتي هي في‬

‫أمس الحاجة إليها لتطوير صناعاتها الداخلية (المطلب األول)‪.‬‬

‫ولتحقي ــق ه ــذه األه ــداف‪ ،‬عملت الص ــين على اعتم ــاد مجموع ــة من اآللي ــات والوس ــائل؛ منه ــا‬

‫سياسة القمم‪ ،‬من خالل تأسيس منتدى التعاون الصيني اإلفريقي سنة ‪ ،2000‬وتقديم المساعدات المالية‬

‫للعديــد من الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬مــوازاة مــع منح القــروض المنخفض ــة الفائــدة‪ ،‬وإ عفــاء العديــد من المنتجــات‬

‫اإلفريقية من الرسوم الجمركية للدخول إلى األسواق الصينية (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أهداف االستراتيجية الصينية في إفريقيا‬

‫تعتــبر الصــين حاليــا من أكــبر اقتصــاديات العــالم‪ ،‬فقــد وصــل ناتجهــا المحلي اإلجمــالي ‪-‬حســب‬

‫إحصائيات ‪ -2005‬إلى ‪ 1,9‬تريليون دوالر‪ ،‬مما يجعلها سادس أكبر اقتصاد في العالم‪ ،‬وارتفاع معدل‬

‫نموه ــا الس ــنوي جعله ــا تحت ــل المرتب ــة الثالث ــة على المس ــتوى الع ــالمي‪ ،‬حيث تس ــتحوذ على ‪ %12,5‬من‬

‫الن ــاتج المحلي الع ــالمي بع ــد أن ك ــان ‪ %3,8‬ع ــام ‪ ،2005‬وتش ــير اإلحص ــائيات إلى أن مع ــدل النم ــو في‬

‫النــاتج المحلي اإلجمــالي للصــين قــد ارتفــع خالل الفــترة من ‪ ،2004-1990‬بنســبة ‪ ،%9,4‬ليصــل ســنة‬

‫‪ 2010‬إلى ‪ .%10,5‬كم ــا زادت تجارته ــا الخارجي ــة من ‪ 220‬ملي ــار دوالر إلى ‪ 1,54‬تريلي ــون دوالر‪،‬‬

‫بزيادة سنوية مقدارها ‪ ،%16‬وتستحوذ على ‪ 8,5‬من إجمالي الصادرات العالمية وفقا لعام ‪.2942010‬‬

‫ونتيجــة لهــذا النمــو الهائــل الــذي حققتــه الصــين‪ ،‬تــوجهت إلى القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬لتحقيــق مجموعــة‬

‫من األه ــداف االس ــتراتيجية‪ ،‬س ــواء ك ــانت سياس ــية أو اقتص ــادية‪ ،‬فعلى المس ــتوى السياس ــي اتجهت نح ــو‬

‫القارة اإلفريقية لمحاصرة االعتراف بتايوان دولة مستقلة عن الصين‪ ،‬ومواجهة الضــغوط الغربيــة‪ ،‬الــتي‬

‫ب ــدأت تتع ــرض له ــا الص ــين في مج ــال حق ــوق اإلنس ــان‪ ،‬وك ــذا ال ــدفع إلى تع ــديل مجموع ــة من االتفاقي ــات‬

‫‪ - 294‬محمد العزي الحميري‪" ،‬توازن القوى في النظام العالمي‪ :‬مراجعة تقويمية شاملة"‪ ،‬في تقرير سبأ االستراتيجي ‪ ،2010‬مركــز ســبأ للدراســات‬
‫االستراتيجية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬يوليوز ‪ ،2011‬ص ‪.25‬‬

‫‪172‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الدوليـ ــة‪ ،‬الـ ــتي ال تخـ ــدم مصـ ــالحها على المسـ ــتوى الـ ــدولي‪ ،‬ومحاولـ ــة الوصـ ــول إلى نظـ ــام دولي متعـ ــدد‬

‫األقطاب (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫أما على المستوى االقتصادي‪ ،‬فقد عملت الصين على فتح األسواق اإلفريقية لتسويق منتجاتهــا‬

‫الصناعية‪ ،‬والحصول على الثروات الطبيعة الكفيلة بتأمين تطورها االقتصادي (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األهداف السياسية لالستراتيجية الصينية في إفريقيا‬

‫تتم ـ ــيز العالق ـ ــات الص ـ ــينية‪-‬اإلفريقي ـ ــة السياس ـ ــية بالقـ ــدم‪ ،‬حيث س ـ ــاندت بكين العدي ـ ــد من ال ـ ــدول‬

‫اإلفريقيـة في صـراعها ضـد االسـتعمار‪ ،‬كمـا دعمت الكثـير من حركـات التحـرر اإلفريقيـة الـتي بـدأت في‬

‫خمس ـ ــينيات الق ـ ــرن الماض ـ ــي‪ ،‬فهي تعت ـ ــبر الرك ـ ــيزة األساس ـ ــية ال ـ ــتي انطلقت منه ـ ــا العالق ـ ــات الص ـ ــينية‬

‫اإلفريقيــة‪ ،295‬وهــو مــا ســيعبر عنــه مــؤتمر بانــدونغ ســنة ‪ ،1955‬إذ ســيلتقي القــادة الصــينيون الجــدد ألول‬

‫م ــرة بزعم ــاء ال ــدول اإلفريقي ــة الح ــائزة على االس ــتقالل‪ ،‬وك ــانت الص ــين خالل ه ــذه المرحل ــة ترك ــز على‬

‫اإليديولوجية االشتراكية في عالقاتها مع الدول اإلفريقية‪.‬‬

‫وفي إطــار ســعي الص ــين الشــعبية لالعــتراف بهــا داخــل المنتظم الــدولي‪ ،‬ق ــامت الص ــين بإقامــة‬

‫عالق ــات دبلوماس ــية م ــع ‪ 44‬دول ــة إفريقي ــة‪ ،‬مبني ــة على المب ــادئ الخمس ــة للتع ــايش الس ــلمي‪ ،‬المح ــددة من‬

‫طرف الصين في‪:‬‬

‫االحترام المتبادل للسيادة والتكامل االقليمي؛‬ ‫‪-‬‬

‫عدم االعتداء من قبل أي طرف على اآلخر؛‬ ‫‪-‬‬

‫عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف اآلخر؛‬ ‫‪-‬‬

‫المساواة والمصالح المشتركة؛‬ ‫‪-‬‬

‫التعايش السلمي‪.296‬‬ ‫‪-‬‬


‫‪ - 295‬طارق عادل الشيخ‪" ،‬الصين وإفريقيا والتطلع إلى القرن ال ‪ ،"21‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،138‬أكتوبر ‪ ،1999‬ص ‪.196‬‬
‫‪296‬‬
‫‪-Prof. Zeng QIANG, “ China-Africa relations since the introduction of FOCAC”, dans :l’Afrique en‬‬
‫‪mouvement, Revue Almaghreb Al Ifriqui, Numero Special: l’Afrique en Mouvement, 2008 )coordonné par‬‬
‫‪MACHRAFI. M et ZAOUAL. H(. p 24.‬‬

‫‪173‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وعلى الـ ـ ــرغم من تدشـ ـ ــين العالقـ ـ ــات الصـ ـ ــينية اإلفريقيـ ـ ــة في عـ ـ ــام ‪ ،1956‬وتزايـ ـ ــد التقـ ـ ــارب‬

‫باضطراد خالل السنوات التالية‪ ،‬فإن النصف الثاني من عقد الســتينيات قــد شــهد تراجعــا ملموســا في تلــك‬

‫العالقات‪ ،‬في وقت تزامن مع بداية الثورة الثقافيـة في الصــين‪ ،‬حينمـا اهتم الصــينيون بالتعامـل من خالل‬

‫األدوات الرمزي ـ ــة والعس ـ ــكرية‪ ،‬على المس ـ ــتوى غ ـ ــير الرس ـ ــمي في تح ـ ــرك مض ـ ــاد لرغب ـ ــات وتوجه ـ ــات‬

‫حكوم ــات ال ــدول ال ــتي طبقت فيه ــا تل ــك األدوات‪ ،‬ل ــذلك ب ــدأت بعض ال ــدول اإلفريقي ــة في تجمي ــد أو قط ــع‬

‫عالقاتهــا مــع الصــين‪ ،‬فعلى ســبيل المثــال ال الحصــر طــردت مــالي القــائم باألعمــال الصــيني ســنة ‪،1967‬‬

‫وقطعت كينيا العالقات معها سنة ‪ 1967‬قبل أن تعود ثانيــة عــام ‪ ،1971‬وقطعت غانــا عالقتهــا بالصــين‬

‫سنة ‪.1966‬‬

‫إال أن عالقــات الصــين الخارجيــة مــع دول العــالم الثــالث وإ فريقيــا‪ ،‬عــادت للتحســن عقب تــولي‬

‫شــوان الي أمــر السياســة الخارجيــة الصــينية‪ ،‬وأعــادت بعض الــدول اإلفريقيــة عالقتهــا مــع الصــين‪ ،‬في‬

‫الـــوقت الـــذي أقـــدمت فيـــه دول أخـــرى على إقامـــة عالقـــات ألول م ــرة معه ــا؛ مث ــل‪ :‬س ــيراليون وإ ثيوبيـــا‬

‫والكاميرون‪.‬‬

‫بحل ــول ع ــام ‪ 1971‬أثبتت العالق ــات الص ــينية اإلفريقي ــة نجاح ــا كب ــيرا‪ ،‬عن ــدما حققت انتص ــارها‬

‫التــاريخي في األمم المتحــدة على الواليــات المتحــدة األمريكيــة وتــايوان؛ عقب التصــويت لصــالح انضــمام‬

‫الصـ ــين الشـ ــعبية إلى منظمـ ــة األمم المتحـ ــدة‪ ،‬ومجلس األمن بـ ــدل تـ ــايوان‪ ،‬وذلـ ــك بعـ ــد محـ ــاوالت صـ ــينية‬

‫استمرت منذ عام ‪.1949‬‬

‫ولقد كان إلفريقيا دور رئيس في هذا الحدث التاريخي؛ وهو ما اعترف بــه ماوتسيتونغ بقولــه‬

‫"لقد استعدنا دورنا في األمم المتحـدة بفضـل مسـاندة الـدول اإلفريقيـة"‪ ،297‬حيث صـوتت ‪ 26‬دولـة إفريقيـة‬

‫لصالح الصين الشعبية‪ ،‬أي ما يقرب من ثلث الدول المؤيــدة‪ .‬وكــان نجــاح الصــين في اجتــذاب األصــوات‬

‫اإلفريقي ـ ــة‪ ،‬راجع ـ ــا إلى تخليه ـ ــا من ـ ــذ بداي ـ ــة الس ـ ــبعينيات من الق ـ ــرن الماضـ ـ ــي‪ ،‬عن سياس ـ ــتها الخارجي ـ ــة‬
‫‪297‬‬
‫‪- Daniel SABBAGH, «Les relations sino-américains depuis la fin de guerre froide», Questions‬‬
‫‪Internationales, n° 6, 2004.p.59.‬‬

‫‪174‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الراديكالية‪ ،‬واكتفائهـا إلى حـد كبـير بعالقاتهـا الرسـمية مـع الـدول‪ ،‬دون التعامـل مـع الحركـات المعارضـة‬

‫لبعض نظم الحكم المحافظة في القارة‪.298‬‬

‫وفي ثمانيني ــات وتس ــعينيات الق ــرن الماض ــي‪ ،‬ونتيج ــة للتط ــور االقتص ــادي ال ــذي ب ــدأت تعرف ــه‬

‫الص ــين‪ ،‬أص ــبحت القض ــايا االقتص ــادية واالجتماعي ــة في س ــلم أولوي ــات الص ــين في إفريقي ــا‪ ،‬فع ــدلت من‬

‫سياس ــاتها لتتناس ــب م ــع ه ــذه األولوي ــات‪ ،‬ال س ــيما أنه ــا تخلت عن اعتم ــاد المب ــدأ اإلي ــديولوجي أساس ــا في‬

‫التعامل مع غيرها من الدول‪.299‬‬

‫ونتيجة للتغيرات الدولية‪ ،‬والتطور الذي عرفته الصين‪ ،‬تحولت عالقاتها بإفريقيــا من االرتكــاز‬

‫على العوامــل اإليديولوجيــة‪ ،‬ومســاندة النظم الشــيوعية وحركــات المقاومــة الماركســية‪ ،‬إلى إقامــة عالقــات‬

‫أكــثر براغماتيــة‪ ،‬تســتند إلى المصــالح والمنــافع المتبادلــة‪ ،‬وربمــا كــان العنصــر اإليــديولوجي الوحيــد الــذي‬

‫ظل قائما في عالقات الصين بدول القارة‪ ،‬هو مبدأ "صين واحدة"‪،300‬‬

‫وفي ظل هذا التوجه الجديـد للسياسـة الصـينية نحـو القـارة اإلفريقيـة‪ ،‬الـذي تقلصـت فيـه نزعـات‬

‫فـرض اإليديولوجيـة‪ ،‬وزاد فيـه االتجـاه إلى العالقـات الحكوميـة‪ ،‬مـع االبتعـاد عن تأييـد ودعم الصـراعات‬

‫والحركـ ــات الثوريـ ــة المعارضـ ــة‪ ،‬تم فسـ ــح المجـ ــال أمـ ــام المزيـ ــد من العالقـ ــات التجاريـ ــة واالسـ ــتثمارات‪،‬‬

‫وزادت فرص نجاح السياسة الخارجية للصين في القارة‪.‬‬

‫وقــد عــبرت كلمــات جيــانغ زيمين (فــبراير ‪ )1999‬عن السياســة الصــينية الجديــدة في إفريقيــا‪،‬‬

‫عندما قال‪" :‬إننا نحبذ أن تتوصل إفريقيا إلى حلول لمشـاكلها ونزاعاتهـا من خالل المفاوضــات السـلمية‪.‬‬

‫إن الحكومــة الصــينية تــدعم جهــود الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬بشــأن استكشــاف واختيــار النظــام السياســي‪ ،‬وأســلوب‬

‫التنميـة الـذي يتالءم مـع ظروفهـا الوطنيـة"‪ ،‬أمـا نـائب رئيس الجمهوريـة الصـيني فقـد كـان أكـثر وضـوحا‪،‬‬

‫عنــدما صــرح في ينــاير من الســنة نفســها‪ ،‬أن الصــين ستتمســك دومــا بمبــادئ التعــايش الســلمي واالحــترام‬

‫‪ - 298‬طارق عادل الشيخ‪" ،‬الصين وافريقيا والتطلع إلى القرن ‪ ،"21‬مرجع سابق‪.198-197 ،‬‬
‫‪ - 299‬علي حسين باكير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ - 300‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬

‫‪175‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تج ـ ــاه النظم السياس ـ ــية اإلفريقي ـ ــة‪ ،‬وأش ـ ــار إلى دعم بالده لل ـ ــدول اإلفريقي ـ ــة الرامي ـ ــة إلى المحافظ ـ ــة على‬

‫اس ــتقاللها‪ ،‬باإلض ــافة ل ــدعم كاف ــة الجه ــود الرامي ــة إلى الحف ــاظ على االس ــتقرار ال ــداخلي لل ــدول اإلفريقي ــة‪،‬‬

‫ووح ــدتها وتجدي ــدها القتص ــادها الوط ــني‪ ،‬وص ــرح ب ــأن الص ــين ت ــدعم مح ــاوالت ال ــدول اإلفريقي ــة لتقوي ــة‬

‫اتحادها وتعاونها لمواجهة التدخالت الخارجية‪ ،‬وحل نزاعاتها سلميا من خالل المشاورات‪.301‬‬

‫هيــأ هــذا التوجــه لمزيــد من النمــو في العالقــات الصــينية اإلفريقيــة‪ ،‬ولقـد حظي بقبــول كبــير لــدى‬

‫دول القارة‪ ،‬وهو ما تبلور في اتجاه عدد من الـدول اإلفريقيـة إلى اسـتعادة أو إقامـة عالقـات مـع الصـين‪،‬‬

‫(ومن تم تقليص أو قطــع العالقــات مــع تــايوان) مثــل الــنيجر وجمهوريــة إفريقيــا الوســطى وغينيــا بيســاو‬

‫وجنوب إفريقيا‪.‬‬

‫إن الصــين تســعى لبلــوغ هــدفها االســتراتيجي‪ ،‬بخلــق نظــام دولي تكــون أحــد مرتكزاتــه إفريقيــا‪،‬‬

‫وتكــون الصــين أحــد أقطابــه‪ ،‬ولكن هــذا الســعي يتم بالطريقــة الصــينية الــتي تضــمن لهــا تحقيــق مصــالحها‬

‫االقتصادية الخاصة‪ ،‬لتكون مظلة لتحقيق الهدف االستراتيجي األكبر‪.302‬‬

‫وحســب وســائل اإلعالم الص ــينية‪ ،‬فإنــه مــع تقــدم حركــة التعدديــة القطبيــة على مســتوى العــالم‪،‬‬

‫وتزايد نمو التعاون الصيني اإلفريقي‪ ،‬لن يسـاعد على حمايـة حقـوق ومصـالح الـدول الناميـة فحسـب‪ ،‬بـل‬

‫سيشــكل نظامــا عالميــا جديــدا‪ .303‬لــذك فالصــين تعتــبر نفســها من الــدول الناميــة‪ ،‬الــتي تــتزعم جبهــة الــدول‬

‫الناميــة في المحافــل الدوليــة‪ ،‬وذلــك في مواجهــة الــدول الصــناعية الكــبرى وسياســاتها‪ ،‬وتتبــنى الصــين في‬

‫هـذا السـياق موقفـا يتمحـور حـول االتحـاد مـع دول العـالم الثـالث‪ ،‬لمواجهـة تحـديات العولمـة‪ ،‬وخاصــة في‬

‫إطــار منظمــة التجــارة العالميــة‪ ،‬ومــا يتعلــق بالمفاوضــات الخاصــة بإزالــة الــدول الصــناعية الغنيــة للقيــود‬

‫التجارية‪ ،‬التي تفرضها على سلع الدول النامية‪.304‬‬

‫‪ - 301‬طارق عادل الشيخ‪" ،‬الصين وافريقيا والتطلع إلى القرن ‪ ،"21‬مرجع سابق‪.198 ،‬‬
‫‪ - 302‬عبد مختار موسى‪ ،‬دارفور من ازمة دولة إلى صراع القوى العظمى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫‪ - 303‬طارق عادل الشيخ‪" ،‬الصين وافريقيا والتطلع إلى القرن ‪ ،"21‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.199‬‬
‫‪ - 304‬طارق عادل الشيخ‪" ،‬الصين وتجديد سياساتها اإلفريقية"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،156‬أبريل ‪ ،2004‬ص ‪.153‬‬

‫‪176‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫كم ــا أن الص ــين تع ــول على الكتل ــة التص ــويتية ل ــدول الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬وذل ــك للمطالب ــة بتع ــديل‬

‫العديد من االتفاقيات الدولية‪ ،‬ومن أهمهـا اتفاقيـة الملكيـة الفكريـة‪ ،‬الـتي مـا زالت تعتـبر أهم نقـاط الخالف‬

‫في العالقـ ــات بين الواليـ ــات المتحـ ــدة األمريكيـ ــة والصـ ــين‪ .‬حيث تتهم األولى الثانيـ ــة بسـ ــرقة البرمجيـ ــات‬

‫األمريكيــة للحاســوب واألقــراص المدمجــة‪ ،‬وممــا زاد المســألة تأجيجــا ارتباطهــا بأبعــاد أخــرى‪ ،‬تتمثــل في‬

‫ك ــون األمريك ــيين يعول ــون على حق ــوق الملكي ــة الفكري ــة وال ــتراخيص‪ ،‬لتع ــويض عج ــزهم التج ــاري تج ــاه‬

‫الصــين‪ ،‬في الــوقت الــذي يــرى فيــه الصــينيون أن االتفاقيــات الدوليــة لحمايــة الملكيــة الفكريــة تجســد قــانون‬

‫األق ــوى‪ .305‬كم ــا أن الص ــين في إط ــار تط ــوير عالقاته ــا م ــع دول الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬ته ــدف إلى مواجه ــة‬

‫محاولة انضمام كل من اليابان والهند إلى العضوية الدائمة في مجلس األمن‪ ،‬في ظل تزايد طرح مسألة‬

‫إصـ ــالح العديـــد من المؤسســـات الدوليـــة‪ ،‬وتـــرحيب الواليـــات المتح ــدة به ــذا االنضـ ــمام‪ ،‬أي أن الواليـــات‬

‫المتحدة تسعى إلى تحجيم الصعود الصيني في إطار سعيها إلى منع ظهور مراكز قــوى عالميــة منافســة‪،‬‬

‫وفي هـذا اإلطـار عملت الواليـات المتحـدة على حث اليابـان على إعـادة التسـلح لتوظيفهـا ضـد الصـين في‬

‫شـــرق آســـيا‪ .‬ففي خطابـــه في طوكيـــو ‪ 13‬أغســـطس ســـنة ‪ 2004‬حث "كــولن بــاول"‪ ،‬ك ــاتب الدولـــة في‬

‫الخارجية األمريكية آنذاك‪ ،‬اليابان على التخلي عن دستورها السلمي‪ ،‬إذا أرادت أن تنضم إلى العضوية‬

‫الدائمــة لمجلس األمن‪ ،‬كــذلك تــدعم الواليــات المتحــدة الهنــد لتوظيفهــا ضــد الصــين في جنــوب آســيا‪ ،‬وفي‬

‫هذا اإلطار نفهم اتفاق التعــاون النــووي األمــريكي‪ -‬الهنــدي الــذي وقعــه الــرئيس بوش وسينغ في مــارس‬

‫‪ ،3062006‬ب ــل أص ــبح المس ــئولون األمريكي ــون يؤك ــدون أن الوالي ــات المتح ــدة األمريكي ــة ستس ــاعد الهن ــد‬

‫لتصــبح قــوة عالميــة كــبرى في القــرن الواحــد والعشــرين‪ ،307‬وفي هــذا اإلطــار‪ ،‬أعلن الــرئيس األمــريكي‬

‫ب ـ ــارك أوبام ـ ــا في نون ـ ــبر ‪ 2010‬دعم ـ ــه لترش ـ ــيح الهن ـ ــد عض ـ ــوا دائم ـ ــا في مجلس األمن‪ ،308‬كم ـ ــا أك ـ ــدت‬

‫اسـتراتيجية األمن القـومي األمريكيـة الصــادرة خالل هـذه السـنة (‪ )2015‬على حـرص اإلدارة األمريكيـة‬
‫‪ - 305‬شمامة خير الدين‪ ،‬العالقات االستراتيجية بين قوى المستقبل في القرن ‪ ،21‬دار قرطبة‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص ‪.698‬‬
‫‪ - 306‬محمد السيد سليم‪" ،‬واقع ومستقبل التحالفات في آسيا"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 183‬يناير ‪،2011‬ص ‪.50‬‬
‫‪ - 307‬فيديا نادكارني‪ ،‬الشركات االستراتيجية في آسيا توازنات بال تحالفات‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحــوث االســتراتيجية‪ ،‬أبــو ظــبي‪ ،‬الطبعــة‬
‫االولى ‪ ،2014‬ص ‪.269‬‬
‫‪ - 308‬محمد السيد سليم‪" ،‬الصعود الصيني والهندي في النظام العالمي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬

‫‪177‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫على االنـدفاع نحـو الهنـد‪ ،‬فأحـد األهـداف االسـتراتيجية الكـبرى للواليـات المتحـدة األمريكيـة يتمثـل بتقويـة‬

‫الشراكة االقتصادية والسياسية مع الهند‪.309‬‬

‫وتضغط الواليات المتحدة للحد من القوة العسكرية الصــينية‪ ،‬وقــد تمثــل ذلــك في الضــغوط على‬

‫االتحـــاد األوروبي لمنـــع رفـــع الحظـــر على صـــادرات الســـالح إلى الص ــين‪ ،‬ال ــذي ك ــان ق ــد فـــرض ســـنة‬

‫‪ ،1989‬وضغوطها على إسرائيل لمنـع بيـع طـائرات اإلنـذار المبكـر من طـراز فــالكون للصــين‪ ،‬وهـو مـا‬

‫أطلق عليه بعض الباحثين "المنافسة من دون المواجهة"‪.310‬‬

‫وحسب السيد محمد السيد سليم‪ ،‬مدير وحدة الدراسات األسيوية بجامعة الكــويت‪ ،‬فعلى الــرغم‬

‫من كون الصين تؤكد عزمها على تحويل النظام العالمي إلى نظام متعــدد األقطــاب‪ ،‬ولكن ليس هنــاك مــا‬

‫يـــدل على أن لـــديها برنامجـــا لتحقيـــق ذلـــك‪ ،‬بـــدليل أنهـــا في مجلس األمن "تتوافـ ــق" م ــع اتجاهـــات القـــوى‬

‫الغربيــة في أغلب القضــايا‪ ،‬باســتثناء مــا يتعلــق بموضــوع تــايوان‪ .311‬وتجــذر اإلشــارة إلى أن من األوائــل‬

‫ال ــذين ت ــذوقوا عاقب ــة إغض ــاب الص ــين في مس ــألة ت ــايوان‪ :‬فرنس ــا‪ ،‬فبع ــد موافق ــة ه ــذه األخ ــيرة على بي ــع‬

‫طائرات ميراج إلى تايوان‪ ،‬قامت الصين باستبعاد مشاركة فرنسا في بناء ميترو كانتون ‪ ،Canton‬وقد‬

‫اس ــتفادت ألماني ــا وهولن ــدا من ال ــدرس‪ ،‬فامتنعت ــا عن تزوي ــد ت ــايوان بالغواص ــات ال ــتي ك ــانت ت ــرغب في‬

‫شرائها‪ ،‬بل إن فرنسا ذاتها عادت لتكفر عن ذنبها بإصدار بيـان ‪ ،1994‬الـذي منـع المؤسسـات الفرنسـية‬

‫من اإلس ــهام في تس ــليح ت ــايوان‪ ،‬واألك ــثر من ذل ــك‪ :‬أنه ــا اعت ــبرت "ت ــايوان ج ــزءا ال يتج ــزأ" من الص ــين‪،‬‬

‫مضيفة بأن الحكومة الشرعية الوحيدة هي تلـك الـتي توجـد ببكين‪ ،‬ولقـد أبـرمت مقابـل ذلـك عقـودا تخص‬

‫المجال النووي والمالحة الجوية مع الصين‪ ،‬وألن فرنسا استوعبت الدرس جيدا‪ ،‬فقـد رفضــت االشــتراك‬

‫في التوص ــية ال ــتي أراد االتح ــاد األوروبي ص ــياغتها (ج ــنيف ‪ )1998‬إلدان ــة انتهاك ــات حق ــوق اإلنس ــان‬

‫بالصين‪.312‬‬
‫‪ - 309‬محمــد مطــاع‪" ،‬اســتراتيجية األمن القــومي األمــيركي (‪ )2015‬المؤشــرات الكــبرى الجديــدة ومالمح التغــير" سياســات عربيــة‪ ،‬العــدد ‪15‬‬
‫تموز‪/‬يوليو ‪ ،2015‬ص ‪.13‬‬
‫‪ - 310‬محمد السيد سليم‪" ،‬الصعود الصيني والهندي في النظام العالمي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.61 -59 -57‬‬
‫‪ - 311‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.70-69‬‬
‫‪ - 312‬شمامة خير الدين‪ ،‬العالقات االستراتيجية بين قوى المستقبل في القرن ‪ ،21‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.693‬‬

‫‪178‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وأض ــاف الس ــيد ســليم‪ ،‬أن ــه ال يوج ــد م ــا ي ــدل على أن الص ــين على األق ــل في الس ــنوات العش ــر‬

‫األخ ــيرة‪ ،‬تتح ــدى النف ــوذ األم ــريكي‪ ،‬أو أنه ــا تس ــعى إلى تقليص ه ــذا النف ــوذ؛ وح ــتى في مي ــدان مص ــالحها‬

‫األساسية‪ ،‬وهو النفط‪ ،‬فإن الصين تتبع استراتيجية توافقيــة مــع الواليــات المتحــدة‪ ،‬بــدليل أنــه حينمــا صــدر‬

‫ق ـ ــرار مجلس األمن ال ـ ــذي يه ـ ــدد بف ـ ــرض عقوب ـ ــات على الس ـ ــودان في مج ـ ــال النف ـ ــط‪ ،‬ال ـ ــذي توج ـ ــد في ـ ــه‬

‫استثمارات صينية هائلة‪ ،‬فإن الصين امتنعت عن التصويت على قضية تمس مصالحها المباشرة‪ ،‬وقبلها‬

‫قصفت طائرات حلف األطلنطي السفارة الصينية في بلجراد عـام ‪ 1999‬ولم تـرد الصـين‪ .‬ومن تم‪ ،‬فـإن‬

‫الصين تقف في مفترق طرق حاسم‪ ،‬يمكن أن تتفرع منه اتجاهات متعددة‪ ،‬يعد الصعود الصيني واحــدا‬

‫من تل ــك االتجاه ــات‪ .313‬غ ــير أن ــه يمكن ال ــرد على ه ــذا ال ــرأي أن الص ــين ال تري ــد االس ــتعجال في ه ــذا‬

‫االتجــاه‪ ،‬فهي ال تريــد الــدخول في مواجهــة مباشــرة مــع القـوى الغربيــة‪ ،‬لكونهــا مــا زالت في حاجــة إليهــا‪،‬‬

‫خصوصا الواليات المتحدة ذات المركز التكنولوجي العالمي الكبير‪ ،‬كما أن الموقف الصيني العام حيــال‬

‫أزمة دارفور اتسم بالعمل على إقرار نوع من التوازن بين مصالحها االقتصادية الواســعة والمتشــعبة في‬

‫السودان‪ ،‬وبين مصالحها االستراتيجية مع القوى الغربية‪ ،‬فقد عملت على الضـغط لتعـديل مجموعـة من‬

‫القرارات الخاصة بأزمة دارفور‪ ،‬أو تتجه نحو االمتنــاع عن التصــويت‪ ،‬وهــو ســلوك تصــويتي يعــبر عن‬

‫نوع من المراوغة السياسية والواقعية في التعامل مع المواقف الصعبة‪.314‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األهداف االقتصادية لالستراتيجية الصينية بالقارة اإلفريقية‬

‫دخلت الصـ ــين في العقـ ــد األخـ ــير نـ ــادي المصـ ــدرين العشـ ــرة الكبـ ــار في العـ ــالم‪ ،‬ذلـ ــك أن خمس‬

‫ناتجه ــا الوط ــني الخ ــام ي ــأتي من المبيع ــات إلى الخ ــارج‪ ،‬أي م ــا يع ــادل ‪ 80‬ملي ــار دوالر‪ ،‬وه ــذه الظ ــاهرة‬

‫ليست وليدة ظرفية مؤقتة‪ ،‬بل مرتبطة بتدفق االستثمارات األجنبية نحو الصين منــذ عــام ‪ ،1993‬وبــذلك‬

‫أص ــبحت الص ــين ‪-‬م ــع بداي ــة الق ــرن الح ــالي‪ -‬المص ــدر الراب ــع في الع ــالم للس ــلع خل ــف الوالي ــات المتح ــدة‬

‫‪ - 313‬محمد السيد سليم‪" ،‬الصعود الصيني والهندي في النظام العالمي"‪ ،‬مرجع سابق‪.70-69 ،‬‬
‫‪ - 314‬سامي صبري عبد القوى‪" ،‬الموقف الصيني من أزمة دارفور في مجلس األمن"‪ ،‬ملف األهرام االســتراتيجي‪ ،‬العــدد ‪ ،172‬أبريــل ‪ ،2009‬ص‬
‫‪.43‬‬

‫‪179‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وألمانيا‪ ،315،‬بل تحولت الصين في عام ‪ 2012‬إلى أكبر قوة تجارية في العـالم‪ ،‬بحجم تجـارة بلـغ ‪3.89‬‬

‫تريليـ ـ ــون دوالر أمـ ـ ــريكي‪ ،‬لتتجـ ـ ــاوز ألول مـ ـ ــرة الواليـ ـ ــات المتحـ ـ ــدة األمريكيـ ـ ــة‪ ،316‬كمـ ـ ــا ارتفعت نسـ ـ ــبة‬

‫الصــادرات الصــينية من مجمــل الصــادرات العالميــة‪ ،‬من ‪ %4,7‬ســنة ‪ 2000‬لتصــل إلى ‪ %24,1‬ســنة‬

‫‪ ،2013‬في حين تـ ـ ــراجعت نظيراتهـ ـ ــا األمريكيـ ـ ــة واألوروبيـ ـ ــة من ‪ %24,2‬و ‪ %29,6‬إلى ‪ %9,2‬و‬

‫‪ %20,2‬على التوالي‪ ،‬حسب معطيات صندق النقد الدولي‪.317‬‬

‫وتماشيا مع هذه المعطيات‪ ،‬أصبحت الصين تنظر إلى إفريقيا باعتبارها سوقا استهالكية مهمــة‬

‫لتســويق منتجاتهــا الصــناعية (أوال)‪ ،‬باإلضــافة إلى اعتبارهــا خزانــا مهمــا للمــواد األوليــة المهمــة للصــناعة‬

‫الصينية وضمان استمرار نموها (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬فتح األسواق اإلفريقية أمام المنتجات الصناعية الصينية‬

‫عرفت العالقات التجارية بين الصين والقارة اإلفريقية تطورا كبيرا مع بداية القرن الحالي‪ ،‬إذ‬

‫تشير اإلحصائيات إلى تطور حجم هذه التجارة‪ ،‬حيث وصــلت معــدالت تزايــد حجم التبــادل التجــاري إلى‬

‫‪ %40,6‬في عـ ــام ‪ 1997‬بقيمـ ــة ‪ 5,67‬مليـ ــار دوالر‪ ،‬وهي قيمـ ــة تجـ ــاوزت تلـ ــك الـ ــتي تحققت في عـ ــام‬

‫‪ 1990‬بـ ‪ 6‬مــرات‪ .318‬وفي عــام ‪ 2000‬تعــدى إجمــالي حجم التبــادل التجــاري بين الصــين وإ فريقيــا ‪10‬‬

‫مليارات دوالر‪.‬‬

‫وفي إطار تشجيع التجارة مع الدول اإلفريقية‪ ،‬قامت الصين منذ انعقاد منتدى التعاون الصيني‬

‫اإلفريقي في بكين عام ‪ ،2000‬بتوقيع ما يزيد على ‪ 40‬اتفاقية تجارية مع الدول اإلفريقية‪ .319‬وهـو مـا‬

‫انعكس على تزايــد المبــادالت التجاريــة بين إفريقيــا والصــين‪ ،‬إذ ارتفعت بخمســين مــرة مــا بين ‪-1980‬‬

‫‪ ،2005‬لتبل ــغ ‪ 40‬ملي ــار دوالر‪ ،‬ولكنه ــا ال تمث ــل إال ‪ %2,5‬من التج ــارة الخارجي ــة الص ــينية‪ ،‬وفي س ــنة‬
‫‪ - 315‬غسان الغزلي‪" ،‬التحوالت الصينية بعد الحرب الباردة"‪ ،‬شؤون عربية‪ ،‬العدد ‪ ،1999 ،35‬ص ‪.7‬‬
‫‪ - 316‬محمد العسومي‪" ،‬الشراكة اإلماراتية‪ -‬الصينية تعاون استراتيجي ذو آفاق مبشرة"‪ ،‬آفاق المستقبل‪ ،‬العدد ‪ ،18‬أبريل‪/‬ماي‪ /‬يونيــو ‪ ،2013‬ص‬
‫‪.49‬‬
‫‪317‬‬
‫‪- International Monetary Fund, Regional Economic Outlook, Sub-Saharan Africa Staying the Course,‬‬
‫‪OCT 2014.p 4.‬‬
‫‪ - 318‬طارق عادل الشيخ‪" ،‬الصين وتجديد سياستها اإلفريقية" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫‪ - 319‬حمدي عبد الرحمان حسن‪ ،‬العرب وإفريقيا في زمن متحول‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار مصر المحروسة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2009‬ص ‪.199‬‬

‫‪180‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ 2004‬أصبحت الصين الشريك التجاري الثالث إلفريقيا بعد الواليات المتحدة وفرنسا‪ ،‬بحيث تجاوزت‬

‫خالل العقد ‪ 2004-1993‬كل من البرتغال واليابان والهند وإ يطاليا والمملكة المتحدة وألمانيا‪.320‬‬

‫وإ جم ــاال من ــذ س ــنة ‪ 1993‬تس ــتورد إفريقي ــا من الص ــين الم ــواد االس ــتهالكية اليومي ــة‪ ،‬في حين‬

‫تتكون أغلب صادراتها إلى الصين من البترول والمواد األولية بصفة عامة‪.‬‬

‫أهم الواردات والصادرات الصينية من إفريقيا سنة ‪2005‬‬ ‫المبيان رقم ‪:15‬‬

‫الصادرات‬ ‫الواردات‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Atlas de l’intégration régional en Afrique, L’Afrique et la Chine, op,cit.‬‬
‫وفي إطــار تطــوير عالقتهــا التجاريــة مــع دول القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬وخالل انعقــاد منتــدى التعــاون‬

‫الص ــيني اإلف ــريقي س ــنة ‪ ،2006‬أعلنت الص ــين أن ع ــدد الم ــواد اإلفريقي ــة المعف ــاة من الرس ــوم الجمركي ــة‬

‫انتقــل من ‪ 190‬إلى ‪ ،440‬وقــدمت ‪ 5‬ماليين دوالر قروضــا ممتــازة‪ ،‬وألغت ديونهــا المســتحقة في نهايــة‬

‫عام ‪ 2005‬من ديون الدول اإلفريقية المثقلة بالديون واألقل نموا‪.321‬‬

‫كما وضعت الصين برامج تدريبيـة‪ ،‬لتحـديث قطـاعي‪ :‬المنسـوجات والمالبس في بعض البلـدان‬

‫اإلفريقي ــة‪ .‬وق ــد ش ــجعت الص ــين قطاعاته ــا المتط ــورة؛ مث ــل قط ــاع الجل ــود‪ ،‬على بن ــاء عالق ــات وثيق ــة م ــع‬

‫‪320‬‬
‫‪-Atlas de l’intégration régional en Afrique, L’Afrique et la Chine, consulté le 16/01/2015 sur le site‬‬
‫‪http://www.oecd.org/fr/csao/publications/38409991.pdf.‬‬

‫‪ - 321‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.369‬‬

‫‪181‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫سلس ـ ــلة التوري ـ ــد في إفريقي ـ ــا‪ ،‬وش ـ ــجعت ش ـ ــركاتها الحديث ـ ــة في االتص ـ ــاالت والمستحض ـ ــرات الص ـ ــيدلية‬

‫واإللكترونيات والبناء‪ ،‬على الدخول في المشاريع المشتركة مع الشركات اإلفريقية‪.322‬‬

‫وقد وصل حجم التبادل التجـاري بين الصـين وإ فريقيـا سـنة ‪ 2012‬مـا يقـارب ‪ 198,49‬مليـار‬

‫دوالر‪ ،‬أي بنسبة نمو سنوية ‪ .%19,3‬شكلت الصـادرات الصـينية نحـو إفريقيـا مـا قيمتـه ‪ 85,31‬مليـار‬

‫دوالر‪ ،‬أي بنسبة نمو ‪ .%16,7‬أما الواردات فقد بلغت ‪ 113,71‬مليار دوالر أي بنســبة نمــو ‪.%21,4‬‬

‫وبصــفة عامــة تزايــد حجم الصــادرات والــواردات الصــينية مــع إفريقيــا بشــكل كبــير كمــا يوضــحه المبيــان‬

‫أسفله‪:‬‬

‫حجم التبادل التجاري بين الصين وإ فريقيا ما بين ‪2012-2000‬‬ ‫المبيان رقم ‪:16‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪China-Africa Economic and Trade Cooperation (2013), viewed 04/03/2015 at‬‬
‫‪http://www.safpi.org/sites/default/files/publications/‬‬
‫‪ChinaAfricaEconomicandTradeCooperation.pdf.‬‬

‫‪ - 322‬برنامج االمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪ ،2013‬نهضة الجنوب‪ :‬تقدم بشري في عالم متنوع‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.56‬‬

‫‪182‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫من خالل المبيـ ــان أعاله يتضـ ــح أن حجم التجـ ــارة بين الصـ ــين وإ فريقيـ ــا اسـ ــتمر في النمـ ــو منـ ــذ‬

‫‪ 2000‬إلى غايـ ـ ـ ــة ‪ ،2012‬إذ ارتفـ ـ ـ ــع من ‪ %2,23‬إلى ‪ ،%5,13‬بحيث نمت الـ ـ ـ ــواردات الصـ ـ ـ ــينية من‬

‫‪ %2,47‬إلى ‪ ،%6,23‬أما الصادرات الصينية فقد نمت من ‪ %2,02‬لتصل إلى نسبة ‪.%4,16‬‬

‫وما يمكن مالحظته‪ ،‬هو أن بنية العالقات التجاريــة بين الصــين وإ فريقيــا عـرفت نمــوا متــدرجا‪،‬‬

‫وذلك حسب القدرة االستهالكية لألسواق اإلفريقية‪ ،‬فالمنتوجات التقنية التي تصدرها الصين نحو إفريقيــا‬

‫ارتفعت بش ـ ــكل ملح ـ ــوظ‪ ،‬ففي س ـ ــنة ‪ 2012‬بلغت نس ـ ــبة الص ـ ــادرات الص ـ ــينية إلفريقي ـ ــا من المنتوج ـ ــات‪:‬‬

‫الميكانيكية والكهربائية ‪ %45,9‬من القيمة اإلجمالية للصادرات الصينية‪.‬‬

‫ولتشجيع الصادرات اإلفريقيـة نحـو الصـين‪ ،‬ألغت هـذه األخـيرة ابتـداء من سـنة ‪ 2012‬الرسـوم‬

‫الجمركية لحوالي ‪ %60‬من صادرات ‪ 30‬دولة إفريقية تربطها عالقات دبلوماسية مستقرة معها‪.323‬‬

‫ولإلشـ ــارة فالعالقـ ــات التجاريـ ــة بين الصـ ــين وإ فريقيـ ــا‪ ،‬تبقى مركـ ــزة في عـ ــدد قليـ ــل من الـ ــدول‬

‫اإلفريقي ــة؛ فح ــوالي ‪ %60‬من الص ــادرات الص ــينية موجه ــة نح ــو س ــت دول فق ــط‪ ،‬وهي‪ :‬جن ــوب إفريقي ــا‬

‫‪ ،%21‬ومصـ ــر ‪ ،%12‬ونيجيريـ ــا ‪ ،%10‬والجزائـ ــر ‪ ،%7‬والمغـ ــرب ‪ ،%6‬والبـ ــنين ‪ .%5‬في حين أن‬

‫‪ %70‬من الواردات الصينية من إفريقيا تأتي من أربع دول وهي‪ :‬أنجوال ‪ ،%34‬وجنوب إفريقيــا ‪،%2‬‬

‫والسودان ‪ ،%11‬وجمهورية الكونغو ‪.%8‬‬

‫المبيان رقم ‪ :17‬أهم الدول اإلفريقية التي تصدر وتستورد من الصين خالل سنة ‪2007‬‬

‫‪323‬‬
‫‪- China-Africa Economic and Trade Cooperation (2013), p3-4-5, viewed 04/03/2015‬‬ ‫‪at:‬‬
‫‪http://www.safpi.org/sites/default/files/publications/China-AfricaEconomicandTradeCooperation.pdf.‬‬

‫‪183‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الدول المصدرة للصين‬ ‫الدول المستوردة من الصين‬


‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Mary-Françoise Renard, « China’s and FDI in Africa »,African Development Bank‬‬
‫‪Group, Working Paper, no 126, May 2011, p 15.‬‬
‫وتتكون بنية الواردات الصــينية من إفريقيـا أساسـا من النفـط بحـوالي ‪ ،%70‬أغلبـه يسـتورد من‬

‫أنغوال والسـودان‪ ،‬أمـا بالنسـبة للصـادرات الصـينية نحـو إفريقيـا فهي تتكـون من اآلالت المصـنعة‪ ،‬وآالت‬

‫النقـ ــل‪ ،‬والبضـ ــائع‪ ،‬غـ ــير أن صـ ــادراتها من المـ ــواد الغذائيـ ــة والمـ ــواد الكيماويـ ــة نحـ ــو هـ ــذه المنطقـ ــة تبقى‬

‫ضعيفة‪ ،‬وال تشكل سوى أقل من ‪ %10‬من هذه الصادرات‪.324‬‬

‫الواردات اإلفريقية من الصين حسب الدول والمنتوج‬ ‫المبيان رقم ‪:18‬‬

‫‪324‬‬
‫‪- Mary-Françoise Renard, « China’s and FDI in Africa », African Development Bank Group, Working‬‬
‫‪Paper, no 126, May 201, p 15- 16-17.‬‬

‫‪184‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الصادرات اإلفريقية نحو الصين حسب الدول والمنتوج‬ ‫المبيان رقم ‪:19‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Mary-Françoise Renard, « China’s and FDI in Africa »,African Development Bank‬‬
‫‪Group, Working Paper, no 126, May 2011, p17.‬‬
‫ويمكن تفس ــير تط ــور حجم المب ــادالت التجاري ــة بين إفريقي ــا والص ــين‪ ،‬ب ــالميزة ال ــتي أص ــبحت‬

‫تتمتــع بهــا الصــين في إنتــاج المصــنوعات منخفضــة التكلفــة واألســعار‪ ،‬حيث تســتغل العــرض الهائــل من‬

‫العمال ــة الرخيص ــة غ ــير الم ــاهرة‪ ،‬ومن تم تنتج س ــلعا رخيص ــة ج ــدا –أو "أس ــعار الص ــين" كم ــا أص ــبحت‬

‫تعــرف كوكبيــا وتصــدرها للســوق العــالمي‪ ،‬بيــد أنــه حســب مارتين جاك فثمــة مشــكلتان متأصــلتان في هــذه‬

‫االس ــتراتيجية على المــدى البعيــد‪ .‬أولهــا‪ :‬أن نســبة تكلفــة تص ــنيع تلــك الســلع هي حــوالي ‪ %15‬فقــط من‬

‫التكلفــة الكليــة لهــا‪ ،‬حــتى عرضــها باألســواق‪ .‬حيث تبتلــع التصــميمات والتســويق والعالمــات التجاريــة‪،...‬‬

‫الجـــزء األعظم من التكلف ــة‪ ،‬وهي مهـــام مـــا زالت غالبيتهـــا العظمى تنف ــذ في الع ــالم المتق ــدم‪ .‬ثانيــا‪ :‬تنتج‬

‫الشركات المتعددة الجنسيات الغربية واليابانية معظم صادرات الصين‪ ،‬فيما يكون المصــنعون الصــينيون‬

‫في غالبي ــة األح ــوال‪ ،‬في وض ــع المق ــاولين من الب ــاطن‪ .‬بمع ــنى آخ ــر إن دور الص ــين ه ــو بش ــكل أساس ــي‬

‫‪185‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مقـ ــاول من البـ ــاطن‪ ،‬لتصـ ــنيع تلـ ــك السـ ــلع منخفضـ ــة التكلفـ ــة واألسـ ــعار في األسـ ــواق الدوليـ ــة‪ ،‬المتنوعـ ــة‬

‫للشركات متعددة الجنسيات ومقراتها الرئيسية في البلدان المتقدمة‪.325‬‬

‫بي ــد أن ثم ــة ش ــواهد كث ــيرة ت ــدل على أن الص ــين ماض ــية في الص ــعود إلى أعلى درج ــات س ــلم‬

‫التكنولوجيــا‪ ،‬ومن أهم الطــرق الــتي ســلكتها الصــين إلتاحــة التكنولوجيــات الحديثــة لهــا‪ ،‬كــانت هي مــزيج‬

‫من التقلي ــد‪ ،‬الش ــراء‪ ،‬إغ ــراء الش ــركاء األج ــانب في المش ــروعات المش ــتركة على نق ــل التكنولوجي ــا إليه ــا‪،‬‬

‫مقابل إتاحــة أوســع للســوق الصــينية‪ ،‬تنفيــذا لمقــوالت المصــلح "دينغ سياو بينغ" في "قطــع الجســور على‬

‫مراحل" بعد وضع ركائز ثابتة تصلح كنقاط ارتكاز لالنطالق‪.326‬‬

‫ولق ــد أثبتت تل ــك االس ــتراتيجية األخ ــيرة فاعليته ــا في المفاوض ــات والمقايض ــات‪ ،‬وبخاص ــة م ــع‬

‫الشركات متعددة الجنسيات من الشريحة الثانية‪ ،‬وخالل فترة وجيزة لحقت الصــين بكثـير من دول شـرق‬

‫آسـ ــيا في مجـ ــاالت تكنولوجيـ ــة عديـ ــدة‪ ،‬وكـ ــانت إحـ ــدى العناصـ ــر الرئيسـ ــة في هـ ــذا اإلنجـ ــاز هي قـ ــدرتها‬

‫التفاوضية مع الشركات متعددة الجنسيات‪ ،‬مثال‪ :‬تشهد الصين هجرة مضــطردة لصــناعة الغــزل والنســيج‬

‫اإليطالي ــة إليه ــا‪ ،‬حيث ب ــدأت بالتص ــنيع‪ ،‬تم انتقلت إلى عملي ــات القيم ــة المض ــافة مث ــل التص ــميمات‪ .‬أيض ــا‬

‫قــامت مايكروســوفت وموتــوروال ونوكيــا بإقامــة مراكــز أبحــاث وتطــوير كــبرى لهــا في بجين‪ ،‬فيمــا فعلت‬

‫لوســنت‪/‬ألكاتــل الشــيء ذاتــه في نــانجينج‪ ،‬ونتيجــة لــذلك سيصــبح المهــنيون الصــينيون العــبين ذوي أهميــة‬

‫متزايدة‪ ،‬في مجاالت األبحاث والتطوير بكبريات الشركات المتعددة الجنسيات هذه‪.327‬‬

‫ونتيجة لهذه السياسـة‪ ،‬خسـر عـدد كبـير من العمـال غـير المهـرة ونصـف المهـرة في بعض الـدول‬

‫لكن ال ــرابحين هي الش ــركات متع ــددة‬ ‫‪328‬‬


‫المتقدم ــة وظ ــائفهم‪ ،‬بانتق ــال العدي ــد من الش ــركات نح ــو الص ــين‪.‬‬

‫‪ - 325‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.225‬‬


‫‪ - 326‬مسعود ضاهر‪" ،‬الممارسة الصينية"‪ ،‬المجلة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪ ،17‬ربيع ‪ ،2007‬ص ‪.193‬‬
‫‪ - 327‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫‪ - 328‬في هذا اإلطار يقدم المحلل االقتصادي الشهير جيديون رخمان ‪ ،‬في كتابه "عالم المعادلة الصفرية"‪ ،‬رؤية مفادها أن النظام العالمي قد دخل بعد‬
‫األزمة المالية األخيرة مرحلة تتسم بالتغير الجوهري وعدم االستقرار الخطير‪ ،‬فلم تعـد عمليـة العولمـة تصـب في مصـلحة القـوى الكـبرى‪ ،‬ولم تعـد‬
‫الواليات المتحدة تقود النظام العالمي بال منافس‪ .‬لقد حل التنافس والنزاع محل التعاون‪ ،‬وأصبح منطق "المعادلة الصفرية" هو الذي يســود العالقــات‬
‫الدولية‪ ،‬فقد اصبح الصعود اآلسيوي مرتبطا بفقدان أعداد كبيرة من األمريكيين العاديين لوظائفهم‪ ،‬كمــا أصـبحت المشــاكل االقتصـادية الـتي تواجــه‬
‫دوال أوروبية عديدة تهدد الوحدة األوروبية والعملة األوروبية‪ ،‬وبذلك يرى صاحب الكتاب أن التقدم الـذي أحرزتـه آسـيا كـان على حسـاب الواليـات‬
‫المتحدة وأوروبا‪ .‬راجع‪ :‬كارن أبو الخير‪ " ،‬آسيا ومالمح نظام عالمي جديد‪ ..‬تقديم"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫‪186‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الجنسيات التي استخدمت الصين قاعدة صناعية رخيصة لها‪ ،‬والكثير من المستهلكين الذين استفادوا من‬

‫أسعار الصين‪ ،‬جعلوا مظالم هـؤالء العمـال غـير ذات أهميـة‪ .‬أمـا مـا سـيغير الحسـابات السياسـية بأسـلوب‬

‫حاســم‪ ،‬فهــو أن الصــين تصــعد ســريعا إلى المجــاالت األعلى قيمــة‪ ،‬وتبــدأ في ولــوج مجــاالت إنتــاج أرقى‪،‬‬

‫قد تهدد وظائف العمال المهرة والموظفين والمتخصصين المهنيين‪.329‬‬

‫ولقــد لعبت مهــارات الصــينين وأجــورهم البســيطة‪ ،‬دورا مهمــا في تخفيض تكــاليف الصــادرات‬

‫الصــينية‪ ،‬ومن ثمــة التمتــع بقـدرة تنافســية هائلــة في الســوق العالميــة‪ ،‬فــأجر المهنــدس الصــيني على الــرغم‬

‫من مهاراته‪ ،‬يحصل على أجر يومي أقــل بعشـر مـرات ممـا يحصــل عليـه نظـيره اليابـاني‪ ،330‬ومن نتـائج‬

‫ذلـ ــك كونهـ ــا خالل سـ ــنة ‪ 2013‬تجـ ــاوزت تجارتهـ ــا ‪ 200‬مليـ ــار دوالر مـ ــع إفريقيـ ــا‪ ،‬متجـ ــاوزة الواليـ ــات‬

‫المتحدة وفرنسا الشركاء التقليدين لهذه القارة‪.‬‬

‫ولقد أدى تزايد طلب الصين على المواد األولية إلى ارتفاع أسعارها‪ ،‬ما أفــاد البلــدان اإلفريقيــة‬

‫ال ــتي تص ــدر ه ــذه الم ــواد‪ ،‬مم ــا ك ــان ل ــه انعك ــاس في ارتف ــاع مجم ــل ناتجه ــا المحلي بين ع ــامي ‪-2001‬‬

‫‪ ،2004‬هذا عالوة على إتاحة السلع المصنعة الرخيصـة للمسـتهلكين‪ ،‬أمـا الخاسـرون فكـانت الـدول الـتي‬

‫ال تصــدر تلــك المــواد‪ ،‬أو الــدول المنتجــة لســلع منافســة للصــادرات الصــينية‪ ،‬مثــل‪ :‬جنــوب إفريقيــا وكينيــا‬

‫وموريشيوس‪ ،‬حيث أدت صادرات الصين من المنسوجات –مثال‪ -‬إلى فائض كبـير في عـدد من البلـدان‬

‫اإلفريقية المصنعة للمنسوجات‪.‬‬

‫لـذلك سـيبقى قطـاع النسـيج من أهم القطاعـات اإلفريقيـة‪ ،‬الـذي سيتضــرر من تطـور العالقـات‬

‫التجارية بين الصين والقارة اإلفريقيـة‪ ،‬إذ تعتـبر المنتجـات النسـيجية إحـدى السـلع الرئيسـة الـتي تصــدرها‬

‫الصـــين إلى إفريقيـــا‪ .‬ولم يقتصـــر هـــذا التـــأثير على الســـوق الداخلي ــة‪ ،‬ب ــل س ــيمتدو األم ــر إلى اإلضـــرار‬

‫بالص ــادرات اإلفريقي ــة من المنس ــوجات إلى األس ــواق الخارجي ــة‪ ،‬إذ أن ارتف ــاع الص ــادرات الص ــينية إلى‬

‫الواليات المتحـدة األمريكيـة سـيؤثر سـلبا في النمـو الـذي كـان من المتوقــع أن تحققـه الصــادرات اإلفريقيـة‬
‫‪ - 329‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.247‬‬
‫‪ - 330‬شمامة خير الدين‪ ،‬العالقات االستراتيجية بين قوى المستقبل في القرن ‪ ،21‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.674‬‬

‫‪187‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫في هذا المجال إلى الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬خاصة بعد التوقيع على قانون الفـرص والنمـو اإلفــريقي‬

‫َ(‪ )AGOA‬في عــام ‪ ،2000‬باإلضــافة إلى تــأثير المنتجــات الرخيصــة الصــينية على الشــركات المحليــة‪،‬‬

‫ومن تم عدم القدرة على بناء هياكل صناعية محلية إفريقية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحصول على الموارد الطبيعية‬

‫يعــد االقتصــاد الصــيني األســرع نمــوا في العــالم في الربــع األخــير من القــرن الماضــي‪ ،‬ممــا زاد‬

‫من حاجياته إلى الموارد الطاقية‪ ،‬وفي غضون عشر سنوات فقط‪ ،‬تحولت الصــين من مصــدر للنفــط إلى‬

‫دولــة تحتــل المرتبــة الثانيــة بين كبــار المســتهلكين للنفــط في العــالم‪ ،‬إذ تســتهلك الصــين ‪ 6,3‬مليــون برميــل‬

‫من النفــط يومي ــا‪ ،‬فقــد حققت أعلى مع ــدالت النم ــو االقتص ــادي في آس ــيا‪ ،‬إذ بل ــغ مع ــدل نموه ــا بين عــامي‬

‫‪ 1990‬و‪ ،%9,3 2005‬وأدى ذلــك إلى ارتفــاع نمــو طلبهــا الســنوي على النفــط ب ‪ ،%8,1‬ويتوقــع أن‬

‫تزيد وارداتها النفطية لتصل إلى ‪ 10,1‬مليون برميل في عام ‪.3312030‬‬

‫في عام ‪ 1993‬أصبحت الصين مستوردة للنفط ألول مرة‪ ،‬وهي تعتمد على االستيراد لحوالي‬

‫نصــف مــا تحتاجــه من النفــط‪ ،‬نتيجــة لهــذا بــدأت الصــين تعتمــد على بقيــة العــالم للحصــول على الكميــات‬

‫الضــخمة من المــوارد الخــام الــتي تحتاجهــا لنموهــا االقتصــادي‪ ،‬حيث إنهــا بالفعــل أكــبر مشــتر في العــالم‬

‫للنحـ ــاس‪ ،‬وثـ ــاني أكـ ــبر مشـ ــتر للحديـ ــد الخـ ــام‪ ،‬وثـ ــالث أكـ ــبر مشـ ــتر لأللمـ ــنيوم‪ ،‬وتسـ ــتهلك مـ ــا يقـ ــارب ثلث‬

‫المع ــروض من الفحم والف ــوالذ والقطن في الع ــالم‪ ،‬ونص ــف المع ــروض من اإلس ــمنت‪ .‬وهي ث ــاني أك ــبر‬

‫مســتهلك للطاقــة بعــد الواليــات المتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وتــوفر حــوالي ‪ %70‬باســتخدام الفحم‪ .‬في عـام ‪2005‬‬

‫اس ــتخدمت الص ــين فحم ــا أك ــثر من الوالي ــات المتح ــدة والهن ــد وروس ــيا مجتمع ــة‪ .‬وفي ع ــام ‪ 2004‬ك ــانت‬

‫مسئولة عن حوالي ‪ %40‬من زيادة الطلب على النفط في العالم‪.332‬‬

‫‪ - 331‬أميرة محمد عبد الحليم‪" ،‬الوجه اآلخر‪ :‬التنافس على مصادر الطاقة في إفريقيا"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،197‬يوليو ‪ ،2014‬ص ‪.143‬‬
‫‪ - 332‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.219‬‬

‫‪188‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫يتطلب أي اقتصاد متسارع النمو بشكل نمـوذجي مزيـدا من الطاقـة‪ ،‬فالصـين اليـوم هي "مصـنع‬

‫العالم"‪ ،‬والشطر األكبر من ناتجها االقتصادي متجـه نحـو الصــناعات الـتي تشـكل الطاقــة دافعهـا الـرئيس‪.‬‬

‫فبنسـ ــبة تنـ ــاهز ‪ %4‬من النـ ــاتج المحلي اإلجمـ ــالي العـ ــالمي‪ ،‬تسـ ــتهلك الصـ ــين مـ ــا نسـ ــبته ‪ %31‬من الفحم‬

‫الحجـ ـ ـ ــري في العـ ـ ـ ــالم‪ ،‬و‪ %30‬من الحديـ ـ ـ ــد‪ ،‬و‪ %27‬من الفـ ـ ـ ــوالذ‪ ،‬و‪ %40‬من اإلسـ ـ ـ ــمنت‪ ،‬و‪ %20‬من‬

‫النحـ ــاس‪ ،‬و‪ %19‬من األلمـ ــنيوم‪ ،‬و‪ %10‬من الكهربـ ــاء‪ ،‬كمـ ــا أن الصـ ــين عملت على تشـ ــييد واحـ ــدة من‬

‫أوسع البنى التحتية الخاصة بالطرق السـريعة في العـالم‪ ،‬لتحـل السـيارات محـل دراجاتهـا الهوائيـة البالغـة‬

‫ملي ــار دراج ــة‪ ،‬ففي ع ــام ‪ 1999‬لم يتم بي ــع س ــوى ‪ 220.000‬مركب ــة‪ ،‬أم ــا في ع ــام ‪ 2004‬فق ــد أنتجت‬

‫الصين وباعت ما يزيد على خمســة ماليين ســيارة‪ ،333‬ومن المتوقــع أن يصــل عـدد الســيارات في الصــين‬

‫إلى ‪ 140‬ملي ــون س ــيارة بحل ــول ع ــام ‪ ،3342020‬ك ــل ه ــذا أدى إلى زي ــادة كب ــيرة في طلب الص ــين على‬

‫الموارد الطاقية‪ ،‬علما أن الصين ال تتمتع سوى بقليل من الموارد الطبيعية‪ ،‬ومن تم كــان عليهــا االتجــاه‬

‫إلى الخارج‪ ،‬وتعد إفريقيا مثاال مهما على الكيفية الـتي سـعت بهـا الصــين لتنفيـذ اسـتراتيجية "التوجـه نحـو‬

‫الخارج" من أجل تأمين إمداداتها من الطاقة‪ ،‬فالنفط يمثل أكثر من نصـف صـادرات إفريقيـا إلى الصـين‪،‬‬

‫وقــد حلت أنجــوال محــل الســعودية كــأكبر مــزود للصــين بالنفــط‪ ،‬حيث تمــدها بخمســة عشــرة في المائــة من‬

‫كـ ــل وارداتهـ ــا النفطيـ ــة‪ .‬كمـ ــا أن للصـ ــين أنشـ ــطة نفطيـ ــة في الجزائـ ــر وأنغـ ــوال وتشـ ــاد والسـ ــودان وغينيـ ــا‬

‫االســتوائية والكونغــو ونيجيريــا‪ .‬حيث تصــدر الســودان نصــف إنتاجهــا من النفــط إلى الصــين‪ ،‬ويمثــل هــذا‬

‫‪ %5‬من احتياج ــات الص ــين الكلي ــة‪ ،‬وحالي ــا ي ــأتي ‪ %31‬من نف ــط الص ــين المس ــتورد من إفريقي ــا‪ ،‬وه ــذه‬

‫النســبة في تزايــد‪ ،‬خاصــة مــع شــراء الصــين لحصــص كبــيرة في منطقــة دلتــا الــنيجر‪ .‬وعلى مــدى العقــد‬

‫األخــير‪ ،‬تزايــدت ورادات الصــين من إفريقيــا من كــل المــواد الخــام‪ ،‬باســتثناء الحديــد الخــام‪ ،‬بســرعة أكــبر‬

‫من وارداتها من بقية أنحاء العالم‪.335‬‬


‫‪ - 333‬وينران جيانج‪" ،‬النمو االقتصادي في الصين وسـعيها ألمن الطاقـة في انحـاء العـالم" في كتـاب الصــين والهنــد والواليات المتحــدة األمريكيــة‬
‫التنافس على موارد الطاقة‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبوظبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2008‬ص ‪.329-328‬‬
‫‪ - 334‬فولفجانج هيرن‪ ،‬التحدي الصيني‪( ،‬ترجمـة محمـد رمضـان حسـين)‪ ،‬كتـاب العربيـة ‪ ،14‬الريـاض‪ ،‬الطبعـة األولى ‪1432‬هـ ‪2011 -‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.207‬‬
‫‪ - 335‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.370-369‬‬

‫‪189‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ولعــل أكــثر مــا أصــبح يقلــق واشــنطن هــو حجم الحضــور الصــيني القــوي في إفريقيــا‪ ،‬فقــد انــدفع‬

‫الصينيون منذ عام ‪ 2004‬نحو التنقيب عن النفط على طول ساحل نيجيريـا‪ ،‬وفي موريتانيـا والسـودان‪،‬‬

‫والغابون وأنغوال‪ .‬وهذا ما يجعلها في تنافس مباشر مع القـوى الغربيـة خصوصــا الواليـات المتحـدة الـتي‬

‫تطمح إلى تقليص اعتمادهــا على نفــط الشــرق األوســط‪ ،‬وبــذلك انتقلت الصــادرات النفطيــة اإلفريقيــة إلى‬

‫نتيجــة زيــادة الصــادرات األنغوليــة والنيجيريــة‬ ‫‪336‬‬


‫الصين من ‪ %10‬ســنة ‪ 2007‬إلى ‪ %14‬ســنة ‪2011‬‬

‫والجزائريـ ــة من هـ ــذه المـ ــواد إلى الصـ ــين‪ ،‬الـ ــتي كـ ــانت تعتـ ــبر من الشـ ــركاء التقليـ ــدين للواليـ ــات المتحـ ــدة‬

‫األمريكية والقوى الغربية للتزود بـالموارد الطاقيـة من إفريقيـا‪ ،‬علمـا أن الحضــور الصــيني في السـودان‬

‫في هذا المجال يعتبر قويا بالسيطرة على الجزء األكبر من استخراج النفط‪.‬‬

‫ومــا يزيــد القلــق الغــربي أن الحضــور الصــيني لم يعــد مقتصــرا على شــراء المــواد األوليــة أو‬

‫الــتزود بالنفــط‪ ،‬إذ دخلت الشــركات الصــينية حلبــة المنافســة الدوليــة مــع الشــركات الغربيــة‪ ،‬في القطاعــات‬

‫التي كانت تحتكرها مثل‪ :‬المواد الطبية واألدوية واالتصاالت‪.337‬‬

‫وسعت الصين إلى توقيع عقـود احتكـار اسـتخراج واسـتغالل خامـات‪ :‬الكوبـالت والتنتـاليم‪ ،‬الـتي‬

‫تسـ ــتخدم في عمليـ ــات تصـ ــنيع الهواتـ ــف المحمولـ ــة وأجهـ ــزة الحاسـ ــوب المعروفـ ــة بـ ــالالب تـ ــوب‪ .‬والفحم‬

‫واليوراني ــوم وال ــذهب والمنجن ــيز والم ــاس والزن ــك م ــع حكوم ــات‪ :‬الكونغ ــو ونيجيري ــا وزامبي ــا وكيني ــا‬

‫والسنغال ومصـر والجزائـر وتشـاد وإ ثيوبيـا‪ .‬وقـدرت قيمـة هـذه العقـود بنحـو ‪ 29‬مليـار دوالر‪ ،‬يقـوم بنـك‬

‫التنمية الصيني بتمويلها‪.338‬‬

‫في سـ ـ ــبتمبر ‪ 2008‬بلـ ـ ــغ مجمـ ـ ــوع احتيـ ـ ــاطي الصـ ـ ــين من العمالت األجنبيـ ـ ــة ‪ 1,81‬تريليـ ـ ــون‬

‫دوالر‪ ،339‬لـ ــيرتفع هـ ــذا الـ ــرقم ويصـ ــل في نهايـ ــة سـ ــنة ‪ 2009‬إلى ‪ 2,4‬تريليـ ــون دوالر أمـ ــريكي وهـ ــو‬

‫‪336‬‬
‫‪- KPMG “OIL AND GAS IN AFRICA AFRICA’S RESERVES, POTENTIAL AND PROSPECTS" , op,‬‬
‫‪cit, p 5.‬‬
‫‪ - 337‬مروان قبالن‪ " ،‬دبلوماسية الصين واحتماالت الصدام مع أمريكا"‪ ،‬دراسات استراتيجية‪ ،‬العددان ‪ ،20-19‬ص ‪.209‬‬
‫‪ - 338‬رضا محمد هالل‪" ،‬العالقات الصينية بالدول النامية‪ ..‬المنطلقات واألبعاد"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد‪ ،173‬يوليو ‪ ،2008‬ص‪.135‬‬
‫‪ - 339‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.243‬‬

‫‪190‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األك ــبر في الع ــالم‪ ،340‬مم ــا جع ــل منه ــا عمالق ــا في ع ــالم الم ــال واألعم ــال‪ ،‬ب ــل أص ــبحت أهمي ــة ه ــذا أك ــثر‬

‫وضوحا مع أزمـة الغـرب الماليـة األخـيرة‪ .‬ففيمـا وجـدت المؤسسـات الماليـة الغربيـة وكثـير من الشـركات‬

‫الغربيــة‪ ،‬بــل وبعض البالد نفســها قــد شــحت الســيولة النقديــة لــديها‪ ،‬فــإن الصــين في المقابــل تتمتــع بــوفرة‬

‫منه ـ ــا‪ .‬اس ـ ــتراتيجيا يجع ـ ــل ه ـ ــذا من الص ـ ــين في وض ـ ــع احتم ـ ــال ق ـ ــوي لتعزي ـ ــز نفوذه ـ ــا ال ـ ــدولي الم ـ ــالي‬

‫واالقتص ــادي أثن ــاء الرك ــود الع ــالمي‪ ،‬مثال من خالل ش ــرائها ش ــركات أجنبي ــة‪ ،‬وبخاص ــة ش ــركات النف ــط‬

‫والمعادن‪.341‬‬

‫وحســب "فيالدو فيفــودا" (‪ )Valado Vivoda‬فــإن الشــركات الصــينية أصــبحت أكــبر منــافس‬

‫للشركات الغربية في مجال الطاقة‪ ،‬وذلك لكونها مدعومة من الحكومة الصــينية ماليــا وسياســيا‪ ،‬من أجــل‬

‫تحقيق السياسة الوطنية الصـينية‪ ،‬حيث تقـوم المشـروعات المملوكـة لهـا بأعمالهـا في المجـال الـدولي‪ ،‬من‬

‫خالل المزايا التي تقدمها لها الدولة‪ ،‬بـدءا من الـدعم الدبلوماسـي ومـرورا بـالقروض الـتي تقـدمها لتحقيـق‬

‫أجنــدة الدولــة بفوائــد منخفضــة أو بــدون فوائــد على اإلطالق‪ ،‬وغالبــا مــا يكــون هــذا مصــحوبا بــالقروض‬

‫الحكومي ــة لحكوم ــات ال ــدول الغني ــة بم ــوارد الطاق ــة‪ .‬وه ــذه االس ــتراتيجية الص ــينية تتح ــدى النظ ــام ال ــدولي‬

‫للتجــارة واالســتثمار القــائم على القواعــد الغربيــة‪ ،‬الــتي صــاحبتها عــودة تــأمين مصــادر الطاقــة في الــدول‬

‫المصدرة‪ ،‬وصعود المشروعات المملوكة للدولة ‪.342‬‬

‫ويمكن تفسـ ــير توجـ ــه الصـ ــين نحـ ــو النفـــط اإلفـ ــريقي‪ ،‬بكونهـ ــا تريـ ــد التخلص من االعتمـ ــاد على‬

‫المناطق التي تتحكم في طـرق مالحتهـا القـوى الغربيـة‪ .‬غـير أنـه يبقى تـأمين الطـرق البحريـة الـتي تصـل‬

‫عبره ــا الطاق ــة المس ــتوردة إلى الص ــين أح ــد أك ــبر ه ــواجس القي ــادة الص ــينية‪ ،‬وال س ــيما في ظ ــل الوج ــود‬

‫األمريكي الكبير بالقرب من تلك الممرات البحرية‪.‬‬

‫‪ - 340‬تومي كوه‪" ،‬القرن الحادي والعشرين‪ :‬الصين والعالم"‪ ،‬في‪ :‬وو جينغ ليان‪ ،‬يــوي كــه بينــغ‪ ،‬مايكــل هدســتون وآخــرون‪ ،‬الصــين في الســنوات‬
‫الثالثين المقبلة‪( ،‬ترجمة وانغ فو)‪ ،‬مؤسسة الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪2014‬م‪1435/‬هـ‪ ،‬ص ‪.225‬‬
‫‪ - 341‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.243‬‬
‫‪ - 342‬فيالدو فيفودا‪ ،‬ترجمة نزار الطحاوي‪" ،‬الصين تتحدى الرأسمالية العالمية"‪ ،‬قراءات استراتيجية‪ ،‬العدد ‪ ،2009 ، 6‬ص ‪.37‬‬

‫‪191‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بل أكثر من ذلك فالواليات المتحدة األمريكية تواجـه مجموعـة من األنظمـة السياسـية‪ ،‬الـتي لهـا‬

‫عالقـ ــات قويـ ــة مـ ــع الصـ ــين في مجـ ــال الطاقـ ــة كالسـ ــودان وإ يـ ــران‪ ، ،‬باإلضـ ــافة إلى الوجـ ــود العسـ ــكري‬

‫األم ــريكي المكث ــف في أهم من ــاطق إنت ــاج النف ــط في الخليج الع ــربي‪ ،‬والقوق ــاز وآس ــيا الوس ــطى‪ ،‬وأخ ــيرا‬

‫تشكيل القيادة العسكرية الخاصة بإفريقيا‪.‬‬

‫وفي األخـ ــير نخلص إلى أن تزايـ ــد االهتمـ ــام الصـ ــيني بالقـ ــارة اإلفريقيـ ــة جـ ــاء نتيجـ ــة لتطـ ــورا‬

‫اقتصادها‪ ،‬ورغبتها في الوصول إلى الموارد الطبيعية الكفيلــة بتــأمين هــذا الصــعود االقتصــادي‪ ،‬وهــو مــا‬

‫أتاح للعديد من دول القارة اإلفريقية االستفادة من امتيــازات ماليــة كبــيرة في مجــال االســتثمارات‪ ،‬وتزايــد‬

‫الطلب على المواد األوليـة الـتي تصــدرها‪ ،‬غـير أن هـذا التوجـه الصــيني نحـو القـارة اإلفريقيـة سـتكون لـه‬

‫انعكاسات سلبية على مجموعة من القطاعات خاصة قطاع النسيج‪ ،‬الذي تعتمد عليه مجموعة كبــيرة من‬

‫ال ــدول اإلفريقي ــة في ص ــادراتها‪ .‬وإ ذا ك ــانت ه ــذه هي األه ــداف األساس ــية لالس ــتراتيجية الص ــينية بالق ــارة‬

‫اإلفريقية فماهي اآلليات والوسائل التي تعتمدها الصين في تحقيقها؟‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آليات تحقيق االستراتيجية الصينية‬

‫في إطار تحقيق أهدافها السياسـية واالقتصــادية بالقـارة اإلفريقيـة‪ ،‬تـوجهت الصــين إلى االعتمـاد‬

‫على مجموعـة من اآلليـات السياسـية واالقتصـادية‪ ،‬فعلى المسـتوى السياسـي ومن أجـل إعطـاء نفس جديـد‬

‫للتعاون الصيني اإلفريقي‪ ،‬أسست الصين منتـدى التعـاون الصــيني اإلفـريقي منـذ سـنة ‪ ،2000‬من خاللـه‬

‫يتم االتف ــاق على خط ــط التع ــاون بين الط ــرفين‪ ،‬باإلض ــافة إلى مش ــاركة الص ــين في عملي ــات حف ــظ الس ــلم‬

‫واألمن التابعـ ــة لألمم المتحـ ــدة بإفريقيـ ــا‪ ،‬مـ ــوازاة مـ ــع االعتمـ ــاد على اآلليـ ــات الثقافيـ ــة لترسـ ــيخ العالقـ ــات‬

‫الصينية اإلفريقية (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫أمـ ــا في مـ ــا يخص اآلليـ ــات االقتصـ ــادية‪ ،‬فقـ ــد عملت الصـ ــين على تشـ ــجيع شـ ــركاتها لالسـ ــتثمار‬

‫بالعديد من دول القارة اإلفريقية‪ ،‬وفي العديد من المجـاالت‪ ،‬حـتى أصــبحت تنـافس بشـكل كبـير الشـركات‬

‫‪192‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الغربية‪ ،‬كما دعمت الصين هذا التوجه من خالل تقديم المساعدات الماليــة لبعض الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وكــذا‬

‫القروض الميسرة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تأسيس منتدى التعاون الصيني اإلفريقي‬

‫م ــع بداي ــة الق ــرن الح ــالي‪ ،‬توص ــلت الحكوم ــة الص ــينية م ــع ع ــدد من ال ــدول اإلفريقي ــة إلى اتف ــاق‬

‫مشــترك‪ ،‬بشــأن تشــكيل وتأســيس منتــدى لتعزيــز التعــاون الصــيني‪ -‬اإلفــريقي‪ ،‬أطلــق عليــه منتــدى التعــاون‬

‫الصــيني‪-‬االفــريقي )‪ ،The China-Africa Cooperation Forum (FOCAC‬وذلــك بهــدف العمــل‬

‫على التش ــاور الثن ــائي‪ ،‬وتعمي ــق التف ــاهم‪ ،‬وزي ــادة التواف ــق‪ ،‬وتم ــتين أواص ــر الص ــداقة‪ ،‬وتش ــجيع التع ــاون‬

‫المش ــترك‪ ،‬ومجابه ــة التغ ــيرات في البيئ ــة الدولي ــة‪ ،‬وتلبي ــة احتياج ــات العولم ــة االقتص ــادية‪ ،‬والس ــعي نح ــو‬

‫توطين التنميـة المشـتركة من خالل التفـاوض والتعـاون‪ .‬وتم االتفـاق في ميثـاق المنتـدى على عقـد مـؤتمر‬

‫قمة ألعضاء المنتـدى كـل ثالث سـنوات‪ ،‬وبالتنـاوب بين الصــين والـدول اإلفريقيـة األعضــاء‪ .‬ووفقـا لتلـك‬

‫اآللي ــة‪ ،‬عق ــد االجتم ــاع األول ألعض ــاء المنت ــدى في العاص ــمة الص ــينية بكين في الف ــترة من ‪ 10‬إلى ‪12‬‬

‫أكت ــوبر ‪ ،2000‬ال ــذي أق ــر في ــه الطرف ــان الص ــيني واإلف ــريقي إعالن بكين وبرن ــامج التع ــاون الص ــيني‪-‬‬

‫اإلفريقي في التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬واالتفاق على إقامة عالقة شراكة طويلــة األجــل ومســتقرة‪،‬‬

‫تعتمد على المساواة وتحقيق المصالح المشتركة‪.343‬‬

‫كما عقد االجتماع الوزاري الثاني في يناير عام ‪ 2003‬في العاصمة اإلثيوبية أديس أبابــا‪ ،‬الــذي‬

‫نوقشــت فيــه ســبل توطيــد أواصــر الصــداقة الصــينية‪ -‬اإلفريقيــة‪ ،‬وتشــجيع التعــاون المتمــيز بينهمــا‪ ،‬فضــال‬

‫عن مناقشــة وإ قــرار إعالن أديس أبابــا (‪ ،)2006-2004‬الــذي يضــع إطــارا للتعــاون بين الجــانبين خالل‬

‫الفترة الممتدة من عام ‪ 2004‬ولغاية عام ‪ ،2006‬ويتضمن المجاالت اآلتيــة‪ :‬الشــؤون السياســية والســالم‬

‫واألمن‪ ،‬إلى ج ــانب إقام ــة ح ــوارات سياس ــية متواص ــلة بين الط ــرفين بش ــأن قض ــايا الس ــلم واألمن ال ــدولي‬

‫واإلقليمي‪ ،‬خاصــة فيمــا يتعلــق بقضــايا اإلرهــاب والحــرب وتجــارة األســلحة الصــغيرة وتجــارة المخــدرات‬
‫‪ - 343‬رضا محمد هالل‪" ،‬العالقات الصينية بالدول النامية‪ ..‬المنطلقات واألبعاد"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.134‬‬

‫‪193‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫والجرائم االقتصــادية العـابرة للحـدود‪ ،‬وتنميـة التعـاون الثنـائي‪ ،‬الـذي يشـمل التنسـيق والتشـاور الثنـائي في‬

‫المنظمــات الدوليــة‪ ،‬مثــل منظمــة التجــارة العالميــة ومجلس األمن‪ ،‬اللــذين تتمتــع فيهمــا الصــين بالعضــوية‬

‫النشطة والدائمة‪ ،‬ودعم الصين لمبادرة "نيباد" الهادفة إلى تحقيق التنمية والوحدة والديمقراطية في القـارة‬

‫اإلفريقية‪ .‬عالوة على دفع التنمية االقتصادية بين الجانبين‪.344‬‬

‫وفي سـ ــنة ‪ 2006‬انعقـ ــدت القمـ ــة الثالثـ ــة لمنتـ ــدى التعـ ــاون الص ـ ــيني اإلف ـ ــريقي في بكين‪ ،‬بهـ ــدف‬

‫مراجعــة عالقــات الصــداقة الصــينية اإلفريقيــة‪ ،‬ووضــع مخطــط للتعــاون المســتقبلي وتبــادل وجهــات النظــر‬

‫بشـــأن القضـــايا الدوليـــة الرئيســـية‪ .‬وقـــد جـــاءت كلمـــات الجلســـة االفتتاحي ــة للمنت ــدى مع ــبرة عن تطلعـــات‬

‫الج ــانبين الص ــيني واإلف ــريقي‪ ،‬لتط ــوير العالق ــات بين الج ــانبين ورفعه ــا إلى المس ــتوى االس ــتراتيجي‪ ،‬عن‬

‫طريــق تــدعيم العالقــات على كافــة المســتويات‪ .‬وقــد صــدرت عن القمــة وثيقتــان أساســيتان همــا‪ :‬المبــادرة‬

‫الصينية لتنمية إفريقيا‪ ،‬والبيان الختامي (إعالن بكين)‪.‬‬

‫أعلن الرئيس الصيني خالل هـذه القمـة عن مبـادرة بالده لمسـاعدة الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬الـتي ركـزت‬

‫أساســا على مضــاعفة المســاعدات الصــينية إلفريقيــا خالل الفــترة مــا بين ‪ ،2009-2006‬وتقــديم قــروض‬

‫ميســرة بمبلــغ ثالثــة مليــارات دوالر‪ ،‬باإلضــافة إلى قــروض ائتمانيــة بمليــار دوالر خالل الســنوات الثالث‬

‫المقبلــة ابتــداء من ســنة ‪ ،2006‬باإلضــافة إلى إلغــاء الــديون الــتي تــراكمت بســبب القــروض الــتي حصــلت‬

‫عليه ــا الحكوم ــات اإلفريقي ــة ح ــتى نهاي ــة ع ــام ‪ ،2005‬خاص ــة ال ــدول األق ــل نم ــوا وال ــتي ترتب ــط بعالق ــات‬

‫دبلوماسية مع الصين‪.‬‬

‫كما تعهـدت الصـين بإنشـاء مـا بين ثالث إلى خمس منـاطق للتعـاون االقتصـادي والتجـاري خالل‬

‫الس ــنوات الثالث المقبل ــة‪ ،‬وت ــدريب خمس ــة عش ــرة ألف ــا من الخ ــبراء األفارق ــة‪ ،‬وإ رس ــال مائ ــة من الخ ــبراء‬

‫الزراعـيين الصــينيين إلى إفريقيـا‪ ،‬وإ قامـة عشـرة مراكـز تكنولوجيـة‪ ،‬وتقـديم منحـة بمبلـغ ثالثمائـة مليـون‬

‫‪ - 344‬منى حسين عبيد‪" ،‬السياسة الصينية تجاه دول شرق إفريقيا‪ :‬السودان نموذجا"‪ ،‬المجلة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬العـدد ‪ ،29‬شـتاء ‪ ،2011‬ص‬
‫‪.81‬‬

‫‪194‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ين صـ ــيني لمكافحـ ــة وعالج المالريـ ــا‪ ،‬مـ ــع إقامـ ــة ثالثين مركـ ــزا للعالج‪ ،‬وزيـ ــادة عـ ــدد المنح الحكوميـ ــة‬

‫الصينية إلى الطلبة األفارقة‪ ،‬من ألفين إلى أربعة آالف منحة كل عام بحلول عام ‪.2009‬‬

‫وفي الدورة الرابعة للمنتدى التي انعقدت بشرم الشيخ بمصر خالل الفترة ما بين ‪ 9 -8‬نونبر‬

‫‪ ،2009‬أكد المسئولون الصينيون أن إفريقيا تمتلك القدرات الكافية التي تمكنها من حـل جميـع مشـكالتها‬

‫بن ــاء على حل ــول محلي ــة‪ ،‬وأن التع ــاون االقتص ــادي والتج ــاري بين الص ــين وإ فريقي ــا يعتم ــد على المنفع ــة‬

‫وصــدر عن هــذه الــدورة "خطــة عمــل شــرم الشــيخ"‬ ‫‪345‬‬


‫المتبادلــة والــربح المشــترك واالنفتــاح والشــفافية‪.‬‬
‫‪346‬‬
‫ومما ورد فيها ‪:‬‬

‫أن الشــكل الجديــد من الشــراكة االســتراتيجية بين الجــانبين يركــز على المســاواة السياســية‬ ‫‪-‬‬

‫والثقة المتبادلة والتعاون االقتصادي والتبادل الثقافي الذى يستهدف مصالح الجانبين‪.‬‬

‫تـ ــرحيب الصـ ــين بإقامـ ــة مكتب تمثيـ ــل لالتحـ ــاد اإلفـ ــريقي في بكين في الـ ــوقت المناسـ ــب‬ ‫‪-‬‬

‫بحسب ما ورد في الخطة‪.‬‬

‫تعزيـ ــز مشـ ــاركة الصـ ــين مـ ــع المنظمـ ــات اإلفريقيـ ــة اإلقليميـ ــة‪ ،‬في مجـ ــال بنـ ــاء القـ ــدرات‬ ‫‪-‬‬

‫المؤسســية لوضــع أفكــار المشــروعات اإلقليميــة وتنفيــذها‪ ،‬مشــيرة إلى أن حكومــة الصــين‬

‫ستستمر في تأييد مجلس األمن الـدولي ألداء دور بنـاء في حـل الصــراعات الـتي تعرفهـا‬

‫القارة اإلفريقية‪.‬‬

‫إش ــادة الط ــرفين الص ــيني واإلف ــريقي بجه ــود إفريقي ــا في تب ــني أجن ــدة زراعي ــة من خالل‬ ‫‪-‬‬

‫البرن ــامج اإلف ــريقي للتنمي ــة الزراعي ــة الش ــاملة‪ ،‬ال ــذى يه ــدف إلى زي ــادة مع ــدالت النم ــو‬

‫الزراعي‪،‬‬

‫‪ -345‬الدورة الرابعة للمؤتمر الوزاري لمنتدى التعاون الصيني االفريقي شوهد بتاريخ ‪ 0/03/2010‬على الرابط‪:‬‬
‫‪www.chinatoday.com.cn/arabic/2009n/0912/p8.htm‬‬
‫‪" -346‬خطة عمل شرم الشيخ"‪ :‬الشراكة بين الصـين وأفريقيـا مثـال يحتـذى بـه للتعـاون بين الجنـوب والجنـوب على موقـع صـحيفة الشـعب اليوميـة‬
‫(الصينية)‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 22/05/2013‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://arabic.people.com.cn/31660/6809030.html‬‬

‫‪195‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ع ــرض الحكوم ــة الص ــينية إرس ــال ع ــدد من ف ــرق التكنولوجي ــا الزراعي ــة خالل الثالث‬ ‫‪-‬‬

‫سنوات القادمة إلى إفريقيا‪ ،‬والمساعدة في تدريب عـدد محـدد من الفنـيين الزراعـيين من‬

‫البلدان اإلفريقية‪.‬‬

‫منح الص ــين ال ــدول اإلفريقي ــة مس ــاعدات في مش ــروعات الطاق ــة النظيف ــة‪ ،‬وزي ــادة المنح‬ ‫‪-‬‬

‫الحكومية وتوفير إعانات للمزيد من المدارس‪ ،‬وتدريب المزيد من االفارقة‪،‬‬

‫العمـ ـ ــل على إلغـ ـ ــاء وخفض ديـ ـ ــون الـ ـ ــدول اإلفريقيـ ـ ــة‪ ،‬وإ طالق خطـ ـ ــة شـ ـ ــراكة العلـ ـ ــوم‬ ‫‪-‬‬

‫والتكنولوجية الصينية اإلفريقية‪.‬‬

‫توفير المعدات الطبية والمساعدات المادية إلفريقيا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫في ع ــام ‪ 2012‬انعق ــدت ال ــدورة الخامس ــة لمنت ــدى التع ــاون الص ــيني اإلف ــريقي‪ ،‬ال ــذي تم خالل ــه‬

‫المصادقة على خطة عمل للفترة ما بين ‪ ،2015-2013‬تقضـي بحصـول الـدول اإلفريقيـة على قـروض‬

‫مالية ميسرة من الصين ب ‪ 20‬مليارا من الــدوالرات لتطــوير البــنى التحتيــة‪ ،‬الزراعيــة والصــناعية‪ ،‬وقــد‬

‫تقرر كذلك أن تساعد الصين الدول اإلفريقيــة على تحقيــق التنميــة الذاتيــة والتنميــة المســتدامة‪ ،‬إضــافة إلى‬

‫تدريب الصين لـ ‪ 30‬ألف إطار من الدول اإلفريقية في مختلف المجاالت مع فتح الباب لتوفــير ‪ 18‬ألــف‬

‫منح ــة دراس ــية للطالب األفارق ــة؛ حيث تب ــني الص ــين رؤيته ــا على أس ــاس أن "الغ ــزو الثق ــافي" ه ــو الب ــديل‬

‫المضــمون لــيرى األفارقــة الوجــه الحقيقي للصــين‪ ،‬صــاحبة الحضــارة العريقــة‪ ،‬وليســت القــوة االقتصــادية‬

‫ال ــتي ج ــاءت الس ــتنزاف م ــوارد الق ــارة؛ حيث ب ــدأت بكين من ــذ ‪ 2009‬مش ــروعا ض ــخما للمنح الدراس ــية‪،‬‬

‫وصــل بمقتضــاه عـدد الطلبــة األفارقــة في الجامعــات الصــينية لحــوالي ‪ 12‬ألــف طــالب يدرســون على نفقـة‬

‫الصين‪.347‬‬

‫وتقــوم كــذلك العالقــات الصــينية اإلفريقيــة‪ ،‬على اعتمــاد الزيــارات الدبلوماســية الرفيعــة المســتوى‬

‫بين الطرفين‪ ،‬ودعم وتيرة هـذه الزيـارات المسـتمرة‪ ،‬فزيـارات الجـانب الصــيني للـدول اإلفريقيـة تضــاهي‬
‫‪ - 347‬الشيخ باي الحبيب‪" ،‬االستثمارات الصينية بإفريقيا كيف نجحت الصــين في كســب القــارة اإلفريقيــة؟"‪ ،‬مركــز الجزيــرة للدراســات‪ 30 ،‬أبريــل‬
‫‪ ،2014‬ص ‪.5‬‬

‫‪196‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫زياراتهــا لغيرهــا من قــارات العــالم‪ ،‬فــالرئيس الصــيني "هوجنتاو" زار على ســبيل المثــال القــارة اإلفريقيــة‬

‫خمس مرات –شملت ‪ 18‬دول إفريقية بين عامي ‪ 2009‬و‪ ،2012‬وقام خليفتــه‪ ،‬شي جين بينج‪ ،‬بتأكيــد‬

‫أهميــة إفريقيــا بزيــارة القـارة في أول رحلــة إلى الخــارج‪ .348‬أمــا المســئولون الصــينيون بمســتوى وزيــر أو‬

‫أعلى‪ ،‬فقـاموا بــأكثر من ‪ 160‬زيــارة إلى ‪ 30‬دولــة إفريقيــة منــذ العــام ‪ ،1960‬مقابــل مــا يقـرب من ‪700‬‬

‫زيارة لمسئولين إفريقيين على مستوى وزير أو أعلى إلى الصين خالل المدة نفسها‪.‬‬

‫بل ذهبت بكين أبعد من ذلك؛ حيث قامت بنسج عالقات قوية تتخطى النخب السياســية للطــرفين‪،‬‬

‫وصوال إلى الدبلوماسية الشعبية التي أعلن عنها الرئيس "هوجنتاو" في العام ‪.3492009‬‬

‫لـ ــذلك بـ ــدأت السياسـ ــة الخارجيـ ــة الصـ ــينية في السـ ــنوات األخـ ــيرة من توسـ ــيع حقـ ــل عملهـ ــا على‬

‫المســتوى الــدولي‪ ،‬فلم يعــد يقتصــر على االقتصــاد والسياســة‪ ،‬بــل بــات يمتــد إلى الثقافــة‪ ،‬وذلــك لتأكيــد أن‬

‫التطــور االقتصــادي والسياســي الصــيني ليس مصــادفة‪ ،‬بــل كونــه يتأســس على اختالف ثقــافي عريــق مــع‬

‫الغرب ‪.350‬‬

‫ولتقوية الدبلوماسية الثقافيـة الصـينية بالقـارة اإلفريقيـة‪ ،‬تعتمـد الصـين على مجموعـة من الوسـائل‬

‫منهـا تـدريب المـوارد البشـرية اإلفريقيـة‪ :‬فمـا بين ‪ 2006-2003‬قــامت الصــين بتـدريب أكـثر من عشـرة‬

‫أالف إف ــريقي في مج ــاالت متع ــددة‪ ،‬منه ــا ‪ 3700‬ينتم ــون للحكوم ــات الرس ــمية‪ ،‬و‪ 3000‬ذوي الخ ــبرة‪،‬‬

‫وخالل انعقــاد منتــدى التعــاون الصــيني اإلفــريقي ســنة ‪ 2006‬أعلنت الصــين أنهــا ستســتقبل ‪ 4000‬طــالب‬

‫إف ــريقي في ك ــل س ــنة دراس ــية‪ ،‬وك ــذا ت ــدريب ‪ 15000‬إف ــريقي س ــنة ‪ .2010‬ويتم ت ــدريب ه ــؤالء إم ــا في‬

‫الجامعات الصينية أو إقامة مراكـز تـدريب ببعض الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬الـتي يتم تمويلهـا في بعض االحيـان‬

‫من الحكومة الصينية أو الشركات الصينية الكبرى‪.‬‬

‫‪ - 348‬أمير محمد عبد الحليم‪" ،‬دوافع جولة أوباما اإلفريقية"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 202‬أكتوبر ‪ ،2015‬ص ‪.152‬‬
‫‪ - 349‬محمد جمال عرفة‪" ،‬الصين و"التغيير الناعم" في إفريقيا‪" ..‬العولمة البديلة"‪ ،‬مجلــة قــراءات إفريقيــة‪ ،‬العدد التاســع‪ ،‬رجب‪ -‬رمضــان ‪/1432‬‬
‫يوليو‪ -‬سبتمبر ‪2011‬م‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪ - 350‬جان لوك دومينال‪" ،‬الصين بين الجبروت النــاعم والجــبروت الفــظ"‪ ،‬في كتــاب‪ :‬اوضــاع العــالم ‪ 2014‬جبــابرة األمس والغــد‪ ،‬مؤسســة الفكــر‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة االولى ‪2014‬م‪1435 /‬هـ‪ ،‬ص ‪.121‬‬

‫‪197‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫كما تـوجهت إلى تأسـيس معاهـد كونفوشـيوس بالعديـد من الـدول‪ ،‬منهـا بعض الـدول اإلفريقيـة‪،‬‬

‫فق ــد ارتف ــع ع ــدد ه ــذه المعاه ــد المنتش ــرة ح ــول الع ــالم من ‪ 100‬معه ــد س ــنة ‪ 2004‬إلى ‪ 500‬معه ــد س ــنة‬

‫‪ ،2010‬وتكمن المهمــة األساســية لهــذه المعاهــد في تعزيــز تــدريس اللغــة الص ــينية كلغــة أجنبيــة‪ ،‬ونشــر‬

‫الثقاف ـ ــة الص ـ ــينية على المس ـ ــتوى ال ـ ــدولي‪ ،‬ودعم التع ـ ــاون الص ـ ــيني ال ـ ــدولي في مج ـ ــال التربي ـ ــة والثقاف ـ ــة‬

‫واالقتصــاد‪ ،‬تنفيــذا لالســتراتيجية الصــينية في خلــق تــأثير ثقــافي صــيني على المســتوى الــدولي‪ ،‬وهــو مــا‬

‫يؤكــده الخطــاب الرســمي الصــيني‪ ،‬وذلــك بتخصــيص مبــالغ ماليــة كبــيرة لهــذا المجــال‪ .‬ففي ســنة ‪2008‬‬

‫وصــل عــدد المعاهــد الصــينية بالقــارة اإلفريقيــة إلى ‪ 12‬معهــدا فقــط من ‪ 245‬الموجــودة على المســتوى‬

‫الــدولي‪ ،351‬لكن عنــد نهايــة ســنة ‪ 2010‬زاد عــدد هــذه المعاهــد ب ‪ 13‬معهــدا‪ ،‬وبــذلك يكــون عــدد معاهــد‬

‫كونفوشيوس ــت في إفريقي ــا ‪ 25‬معه ــدا‪ ،‬موج ــودا في ‪ 18‬دول ــة إفريقي ــة‪ ،352‬ل ــيرتفع حالي ــا ع ــدد المعاه ــد‬

‫الصــينية إلى ‪ 45‬معهــدا بـ ‪ 30‬دولــة إفريقيــة‪ .353‬ومــا يمكن مالحظتــه هــو كــون القــارة اإلفريقيــة ال تتــوفر‬

‫إال على عـدد قليـل من هـذه المعاهـد الصـينية مقارنـة بعـدد المعاهـد المنتشـرة في بـاقي دول العـالم‪ ،‬على‬

‫الرغم من كون الصين عملت في السنوات األخيرة على فتح عدد من المعاهد بوتيرة سريعة بإفريقيا‪.‬‬

‫وبنــاء على الخريطــة أســفله‪ ،‬يتبن أن إحــداث المعاهــد الصــينية بالعديــد من الــدول اإلفريقيــة ليس‬

‫اعتباطيــا‪ ،‬بــل يرتبــط بمجموعــة من االعتبــارات؛ منهــا الموقــع االســتراتيجي للدولــة المســتقبلة‪ ،‬أو مســتوى‬

‫عالقاتها مع الصين‪ ،‬فمثال هناك خمسة معاهد بدولة جنوب إفريقيا‪ ،‬ومعهـدان في كـل من مصــر وكينيـا‪،‬‬

‫ونيجيريا ومعهد بالسودان‪.‬‬

‫وبص ــفة عام ــة فالدبلوماس ــية الثقافي ــة الص ــينية بإفريقي ــا تش ــتغل ع ــبر ع ــدة أش ــكال؛ منه ــا التب ــادل‬

‫الثقافي ما بين الصين والدول اإلفريقيــة‪ ،‬وتبــادل البــاحثين األكــاديميين‪ ،‬كمــا أن العالقــات الثقافيــة الصــينية‬

‫‪351‬‬
‫‪- Liu HAIFANG, « China’s development cooperation with Africa : historical and cultural perspectives”, in‬‬
‫‪Fanty CHERU & Cyril OBI , the rise of China & India in Africa, ZED BOOKS, London & New York, 2010 ,‬‬
‫‪p 59-60.‬‬
‫‪352‬‬
‫‪- Alice EKMAN, «Les Instituts Confucius en Afrique: nouvel outil de la diplomatie culturelle chinoise », in‬‬
‫‪l’Afrique des nouvelles convoitises, (coordination Alain NONJON) , Ellipses, 2011, p74.‬‬
‫‪353‬‬
‫‪- David BÉNAZÉRAF ,Soft power chinois en Afrique Renforcer les intérêts de la Chine au nom de‬‬
‫‪l’amitié sino-africaine, Ifri Centre Asie, Asie Visions 71, Septembre 2014, p 16.‬‬

‫‪198‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اإلفريقية يتم تعزيزها في مجاالت مختلفة‪ :‬كالمهرجانات والسياحة واألفالم والرياضة‪ .‬إضــافة إلى كــون‬

‫وسائل اإلعالم الصينية أصبحت منتشرة في العديد من الدول اإلفريقية كما توضحه الخريطة أسفله‪.‬‬

‫ولقـ ــد أعلن وزيـ ــر الثقافـ ــة الصـ ــيني ابتـ ــداء من سـ ــنة ‪ ،2006‬أن الثقافـ ــة تشـ ــكل الركـ ــيزة الثالثـ ــة‬

‫للدبلوماسية الصينية بعد السياسة واالقتصاد‪ ،‬وفي السنة نفسـها أكـد المسـئول األول في الحـزب الشـيوعي‬

‫الصـــيني ‪ ، Li changchun‬أنـــه يجب على الصـــين تســـويق منتجاته ــا الثقافي ــة على المس ــتوى الـــدولي‪،‬‬

‫خاص ــة ع ــبر تص ــدير األفالم أو تط ــوير وس ــائل اإلعالم الص ــينية في الخ ــارج‪ ،‬وفي ه ــذا اإلط ــار ي ــدخل‬

‫إطالق قناة الصين الدولية الناطقة باللغة العربية (‪.)CCTV‬‬

‫وتنفي ــذا لم ــا س ــبق ت ــوجهت الص ــين إلى توقي ــع ‪ 65‬اتفاقي ــة ثقافي ــة م ــع ال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬و‪150‬‬

‫برنــامج عمــل في مجــال التعــاون الــتربوي‪ ،‬كمــا عملت ‪ 19‬جامعــة صــينية على وضــع بــرامج تعــاون مــع‬

‫‪ 29‬جامع ــة إفريقي ــة‪ ،‬في ‪ 23‬دول ــة إفريقي ــة‪ ،‬وخالل م ــؤتمر التع ــاون الص ــيني اإلف ــريقي المنعق ــد في س ــنة‬

‫‪ ،2012‬أعلنت الحكومــة الصــينية أنهــا ســتعمل على منح ‪ 18000‬منحــة دراســية للطلبــة األفارقــة لمتابعــة‬

‫دراستهم الجامعية بالصين‪.354‬‬

‫‪354‬‬
‫‪- David BÉNAZÉRAF, Soft power chinois en Afrique Renforcer les intérêts de la Chine au nom de‬‬
‫‪l’amitié sino-africaine, op, cit, p 13-14.‬‬

‫‪199‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫القوة الناعمة الصينية المنتشرة في إفريقيا‬ ‫الخريطة رقم ‪:2‬‬

‫المصدر‪( :‬بتصرف من الباحث)‬


‫‪- David BÉNAZÉRAF, Soft power chinois en Afrique Renforcer les intérêts de la‬‬
‫‪Chine au nom de l’amitié sino-africaine, Ifri Centre Asie,‬‬ ‫‪Asie Visions 71‬‬
‫‪Septembre 2014, p 26.‬‬
‫أما في مجــال دعم الســلم واألمن بالقـارة اإلفريقيــة‪ ،‬فالصــين شــاركت في العديــد من قــوات حفـظ‬

‫الســالم الدوليــة المنتشــرة في الــدول اإلفريقيــة اآلتيــة‪ :‬ليبيريــا والكــوت ديفــوار وجنــوب الســودان والســودان‬

‫والكونغو الديمقراطية‪ .355‬ولإلشارة فقـد بلــغ حجم الصــادرات الصــينية من األســلحة التقليديــة خالل الفـترة‬

‫(‪ )2012-2007‬ما قيمته ‪ 6462‬مليون دوالر‪ ،‬وبذلك أصبحت الصين ألول مرة منذ الفـترة (‪-1986‬‬
‫‪ - 355‬كلير فانشيني‪" ،‬جدول عمليات السالم المتعددة األطراف‪ ،2011 ،‬في كتــاب‪ :‬التســلح ونــزع الســالح واالمن الــدولي الكتــاب الســنوي ‪،2012‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الدولي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة االولى أكتوبر ‪ ،2012‬ص ‪.197-170‬‬
‫‪ -‬جين دندون‪" ،‬جدول عمليات السالم المتعددة األطـراف ‪ ،"2012‬كتـاب التســلح ونــزع الســالح واألمن الــدولي الكتــاب الســنوي ‪ ،2013‬مركـز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الدولي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى سبتمبر ‪ ،2013‬ص ‪.174 -141‬‬

‫‪200‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ )1990‬خ ــامس أك ــبر مص ــدر للس ــالح في الف ــترة (‪ .)2012-2007‬وق ــد تس ــلمت آس ــيا ‪ %74‬من حجم‬

‫الص ــادرات الص ــينية‪ ،‬بينم ــا اس ــتوردت إفريقي ــا ‪ %13‬من الص ــادرات الص ــينية في مج ــال الس ــالح خالل‬

‫الفترة نفسها‪ .356‬كما نالحـظ أنـه للمـرة األولى منـذ القـرن الخـامس عشـر‪ ،‬زمن السـفن الشـراعية العمالقـة‬

‫لألدمــيرال تشينغ هـه ‪ ،Zheng he‬تنشــط البحريــة الصــينية على الســاحل اإلفــريقي من ضــمن القــوات‬

‫متع ــددة الجنس ــيات ال ــتي تق ــوم ب ــدوريات لمحارب ــة القرص ــنة قبال ــة الص ــومال‪ .357‬وفي خط ــوة جدي ــدة تأك ــد‬

‫التح ــول االس ــتراتيجي في السياس ــة الخارجي ــة الص ــينية وتزاي ــد األهمي ــة االس ــتراتيجية إلفريقي ــا في ه ــذه‬

‫السياســة‪ ،‬أعلنت وزارة الخارجيــة الصــينية في ينــاير ‪ 2016‬التوصــل إلى اتفــاق مــع جيبــوتي لبنــاء قاعــدة‬

‫عســكرية صــينية هنــاك‪ ،‬الــتي ســتعد أول قاعــدة عســكرية تملكهــا الصــينية في الخــارج‪ ،358‬كمــا أن هنــاك‬

‫بعض التقرير التي تتحدث عن أن هنـاك توجهـا صــينيا لبنـاء قواعـد عسـكرية في كـل من السيشـل وجـزر‬

‫موريس‪ . 359‬وهو ما يعني تصاعد االنخراط الصيني في القضايا األمنية اإلفريقية مستقبال‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اآلليات االقتصادية لالستراتيجية الصينية‬

‫تتعــدد اآلليــات االقتصــادية الــتي تعتمــدها الصــين في تنفيــذ اســتراتيجيتها بالقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬غــير‬

‫أنهـ ــا تعتمـ ــد بشـ ــكل كبـ ــير على تشـ ــجيع شـ ــركاتها لالسـ ــتثمار بالقـ ــارة اإلفريقيـ ــة (أوال) مـ ــوازاة مـ ــع تقـ ــديم‬

‫المساعدات المالية‪ ،‬لتنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية‪ ،‬خاصة في الدول التي تزود الصــين بــالموارد‬

‫الطاقية (ثانيا)‬

‫‪ - 356‬بول هولتوم‪ ،‬مارك بروملي‪ ،‬بيتر د‪ ،‬ويزمان‪ ،‬سيمون ت‪ .‬ويزمان‪" ،‬التطورات التي شهدها نقــل األســلحة في عـام ‪،"2012‬في كتــاب التســلح‬
‫ونزع السالح واألمن الدولي الكتاب السنوي ‪ ،2013‬مركز دراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬معهــد ســتوكهولم ألبحــاث الســالم الـدولي‪ ،‬بــيروت‪ ،‬الطبعــة‬
‫األولى سبتمبر ‪،2013‬ص ص ‪.347-346 - 339‬‬
‫‪ - 357‬باسكال ريغو‪ ،‬البريكس البرازيل‪ ،‬روسيا‪ ،‬الهند‪ ،‬الصين‪ ،‬جنــوب إفريقيــا القــوى االقتصــادية في القــرن الحــادي والعشــرين‪( ،‬ترجمــة طــوني‬
‫سعادة)‪ ،‬مؤسسة الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى بالعربية ‪2015‬م‪1436 -‬هـ‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫‪ - 358‬مصطفى سفيق عالم‪" " ،‬عسكرة الشراكة" لماذا تبني الصين قاعدة بحرية في جيبوتي؟"‪ ،‬مركز المستقبل لألبحاث والدراســات المتقدمــة‪ ،‬شــهد‬
‫بتاريخ ‪ 9/02/2016‬على الرابط‬
‫‪http://www.futurecenter.ae/analys.php?analys=772.‬‬
‫‪ - 359‬عادل المساوي‪" ،‬إفريقيا في ظل الجيوسياسة الدولية الراهنة‪ :‬قراءة في أنماط التجــاذب االســتراتيجي للقــوى الدوليــة صــوب إفريقيــا"‪ ،‬مداخلــة‬
‫قدمت في إطار الدورة ‪ 43‬ألكاديمية المملكة المغربية المنظمة حــول إفريقيــا كــأفق للتفكــير‪ ،‬خالل الفــترة مــا بين ‪ 8‬إلى ‪ 11‬ديســمبر ‪ ،2015‬بمقــر‬
‫األكاديمية بالرباط‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 09/02/2016‬على الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=5oy6Sm9iIF8‬‬

‫‪201‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أوال‪ :‬االستثمارات الصينية في إفريقيا‬

‫عـرفت االسـتثمارات الخارجيـة المباشـرة الصــينية في إفريقيـا نمـوا ملحوظـا خالل العشـر سـنوات‬

‫األخــيرة‪ ،‬غــير أنهــا تبقى ضــعيفة مقارنــة باالســتثمارات الصــينية الموجهــة نحــو الخــارج‪ ،‬فلم تشــكل ســوى‬

‫‪ %0,2‬س ــنة ‪ ،1991‬و‪ %5,9‬س ــنة ‪ ،2007‬وتج ــدر اإلش ــارة إلى ك ــون الق ــارة اإلفريقي ــة لم تس ــتقطب إال‬

‫‪ %3‬من االسـتثمارات العالميـة الخارجيـة المباشـرة في السـنة نفسـها‪ ،‬وبنـاء على معطيـات وزارة التجـارة‬

‫الصـ ــينية‪ ،‬فـ ــإن االسـ ــتثمارات الصـ ــينية نمت بنسـ ــبة ‪ %46‬سـ ــنويا خالل العقـ ــد الماضـ ــي‪ ،‬إذ انتقلت قيمـ ــة‬

‫االستثمارات الصينية من ‪ 56‬مليون دوالر سنة ‪ ،1996‬إلى ‪ 4,46‬مليار دوالر سنة ‪.2007‬‬

‫ولقد استحوذت أربع دول إفريقية رئيسـية‪ ،‬على أكـثر من نصـف االسـتثمارات الخارجيـة الصـينة‬

‫بإفريقيــا‪ ،‬خالل المرحلــة الســابقة وهي كــل من نيجيريــا ‪ ،%20,2‬وجنــوب إفريقيــا ‪ ،%19,8‬ثم الســودان‬

‫‪ %12,3‬والجزائر ‪.12‬‬

‫المبيان رقم ‪ :20‬حجم االستثمارات الصينية بإفريقيا سنة ‪ ،2007‬وتدفقها ما بين ‪ 2007-2003‬حسب الدول‬
‫المستفيدة منها‬

‫نسبة تدفق االستثمارات الصينية ما بين ‪07-03‬‬ ‫حجم االستثمارات الصينية بأهم الدول اإلفريقية‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Mary-Françoise RENARD, « China’s and FDI in Africa »,African Development Bank‬‬
‫‪Group, Working Paper, N° 126, May 2011, p 19.‬‬

‫‪202‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وتتوجـ ــه أغلب الشـ ــركات الصـ ــينية لالسـ ــتثمار في القطاعـ ــات االسـ ــتراتيجية( النفـ ــط‪ ،‬المعـ ــادن)‪.‬‬

‫والبنيات التحتية‪ ،‬بـدعم من الحكومـة الصـينية‪ ،‬وذلـك على شـكل مسـاعدات من الحكومـة‪ ،‬أو قـروض من‬

‫البنوك العمومية‪.360‬‬

‫وخالل س ـ ـ ــنة ‪ 2006‬ت ـ ـ ــوجهت االس ـ ـ ــتثمارات الص ـ ـ ــينية المباش ـ ـ ــرة إلى قط ـ ـ ــاع المع ـ ـ ــادن بنس ـ ـ ــبة‬

‫‪ ،%40,74‬وقط ـ ــاع الخ ـ ــدمات ‪ ،%21,58‬والقط ـ ــاع الم ـ ــالي ‪ ،%16,4‬والنق ـ ــل واالتص ـ ــاالت ‪،%6,57‬‬

‫وقطــاع التجــارة ‪ ،%6,57‬والمــواد المصــنعة ‪ ،%4,33‬ويبقى قطــاع الفالحــة والصــيد البحــري والقطــاع‬

‫الغابوي األقل استقطابا لالستثمارات‪ ،‬حيث ال يتعدى ‪ %1‬فقط‪.‬‬

‫لقــد عــرفت االســتثمارات الصــينية في إفريقيــا تطــورا خالل ســنة ‪ ،2010‬بحيث أصــبحت تشــكل‬

‫خمس إجمالي االستثمارات الصينية الخارجية على المستوى الــدولي‪ ،‬وأخــذا بعين االعتبــار االســتثمارات‬

‫الموجهة إلى القطاع المالي‪ ،‬تبقى جنوب إفريقيا المستفيد الرئيس من هذه االستثمارات‪ ،‬حيث اســتحوذت‬

‫على نسبة ‪ %51‬من هذه االستثمارات منذ ‪.2006‬‬

‫ومن يناير إلى أكتـوبر ‪ 2013‬فـإن االسـتثمارات الصـينية في القطاعـات غـير الماليـة‪ ،‬بلغت ‪1,5‬‬

‫مليار دوالر‪ ،‬أي بارتفاع سنوي قــدره ‪ ،%17‬كمــا أصــبحت إفريقيــا الوجهــة الجديــدة للمقـاوالت الصــينية‪،‬‬

‫فحاليا أكثر من ‪ 2000‬شركة صينية تشتغل بإفريقيا في القطاعات اآلتية‪ :‬الفالحة‪ ،‬والطاقة واالتصاالت‬

‫والمطاعم والصناعات التحويلية‪ ،‬وهو ما أدى إلى ارتفاع الجالية الصينية بإفريقيا‪.361‬‬

‫لقــد تنــامى عــداد الجاليــة الصــينية في إفريقيــا‪ ،‬إذ كــان عــددها يقــدر بـ ‪ 137000‬في عــام ‪،2001‬‬

‫وأصــبح أكــثر من ‪ 400000‬عــام ‪ ،2007‬مقارنــة بحــوالي ‪ 100000‬مغــترب غــربي في إفريقيــا‪ ،362‬بــل‬

‫‪360‬‬
‫‪- Mary-Françoise RENARD, « China’s and FDI in Africa »,African Development Bank Group, Working‬‬
‫‪Paper, no 126, May 2011, pp18-19-20.‬‬
‫‪361‬‬
‫‪- Fode Sire DIABY, Les stratégies des entreprises chinoises en Afrique : quels objectifs, quelle‬‬
‫‪coopération‬‬ ‫‪?,‬‬ ‫‪pp‬‬ ‫‪53-54.‬‬ ‫‪consulté‬‬ ‫‪le‬‬ ‫‪6/03/2015‬‬ ‫‪sur‬‬ ‫‪le‬‬
‫‪site :https://tel.archives-ouvertes.fr/tel-01086483/document.‬‬

‫‪ - 362‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪374-370‬‬

‫‪203‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أصــبحت الجاليــة الصــينية المســتقرة حاليــا بإفريقيــا تمثــل أكــثر من مليــون نســمة‪ .363‬ولقــد ســيطرت هــذه‬

‫الجالية على العديد من المجاالت التجارية في العديــد من الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬فهم أصــحاب أكشــاك الــبيع في‬

‫زامبي ــا‪ ،‬والحط ــابون في إفريقي ــا الوس ــطى‪ ،‬باإلض ــافة إلى المض ــاربين وأص ــحاب المش ــاريع الص ــغرى‪،‬‬

‫وبخاص ــة في التج ــارة بالتقس ــيط في أغلب ال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬كم ــا أن الش ــركات الص ــينية تفض ــل توظي ــف‬

‫الصينين بدال من العمالة المحلية‪ ،‬حيث تبلغ نسبة العاملين الصينين أحيانا ‪ ،36470%‬وهو ما ســيكون لــه‬

‫انعكــاس على ارتفــاع البطالــة في العديــد من الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ممــا ســيولد اضــطرابات اجتماعيــة في هــذا‬

‫المجــال‪ ،‬بانعكاســه ســلبا على ســوق العمالــة المحلي‪ ،‬ممــا يــؤدي إلى التصــادم مــع المجتمعــات اإلفريقيــة‬

‫المحلية‪ .365‬لكون هذا النوع من العمالة الوافدة إلى هـذه البلـدان غالبـا مـا تعـاني من نسـب بطالـة مرتفعـة‪،‬‬

‫يشــكل عائقــا أمــام القضــاء على مشــكل البطالــة المتراكمــة‪ ،‬لــذلك بــدأت تتوجــه بعض الــدول اإلفريقيــة نحــو‬

‫فــرض نســبة معينــة من المــوارد البشــرية لتنفيــذ أي مشــروع جديــد‪ ،‬فــأنجوال مثال تفــرض على الشــركات‬

‫الص ـ ــينية أن يك ـ ــون ‪ %30‬من الق ـ ــوة البش ـ ــرية على األق ـ ــل في ك ـ ــل مش ـ ــروع جدي ـ ــد من األي ـ ــدي العامل ـ ــة‬

‫المحليـ ــة‪ .366‬فخالل سـ ــنة ‪ 2012‬بلغت الجاليـ ــة الصـ ــينية في أنغـ ــوال ‪ 240000‬صـ ــيني‪ .‬وباإلضـ ــافة إلى‬

‫أنغوال‪ ،‬فالجالية الصينية تتركز في الدول اإلفريقيـة التاليـة‪ :‬الجزائـر ونيجيريـا والسـودان وجنـوب إفريقيـا‬

‫والكونغو الديمقراطية ومدغشقر‪ ،‬كما هو مبين في الخريطة رقم ‪.3‬‬

‫وبصــفة عامــة فقــد زاد حجم االســتثمارات الصــينية المباشــرة في إفريقيــا من ‪ 500‬مليــون دوالر‬

‫ع ـ ــام ‪ 2003‬لح ـ ــوالي ‪ 15‬ملي ـ ــار دوالر ع ـ ــام ‪ 2012‬و‪ 32‬ملي ـ ــار دوالر ع ـ ــام ‪ ،3672014‬ويرج ـ ــع ه ـ ــذا‬

‫االرتف ــاع إلى السياس ــات المس ــتهدفة ال ــتي تس ــعى إلى تش ــجيع وتعزي ــز اس ــتثمار المق ــاوالت بالق ــارة‪ ،‬ولق ــد‬

‫‪ - 363‬برتراند بادي‪" ،‬مراجعة الجبروت"‪ ،‬في كتاب‪ :‬أوضاع العــالم ‪ 2014‬جبــابرة األمس والغــد‪ ،‬مؤسسـة الفكـر العـربي‪ ،‬بـيروت‪ ،‬الطبعـة األولى‬
‫‪2014‬م‪1435/‬هـ‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ - 364‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.374-370‬‬
‫‪ - 365‬مهاري مارو‪ ،‬العالقات الصينية اإلفريقية ‪ ..‬الديمقراطية والتوزيع‪ ( ،‬ترجمة يعقوب بن أبو مدين)‪ ،‬تقارير مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪،‬‬
‫‪ 30‬أبريل ‪ ،2013‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 366‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.5-4‬‬
‫‪ - 367‬راوية توفيق‪" ،‬الشركات متعددة الجنسيات في إفريقيا‪ :‬شركاء في التنمية أم وكالء االستعمار الجديد؟"‪ ،‬قراءات إفريقيــة‪ ،‬العــدد ‪ ،33‬يوليــو‪-‬‬
‫سسبتمبر ‪ ،2017‬ص ‪.33‬‬

‫‪204‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ارتفعت حص ــة االس ــتثمارات الموجه ــة الس ــتخراج الم ــوارد الطبيع ــة حيث وص ــلت إلى ‪ ،%82,7‬مقاب ــل‬

‫معدل ‪ %78,1‬بالنسبة لمجموع الدول الصاعدة‪.‬‬

‫ولق ــد تزاي ــد ع ــدد ال ــدول المس ــتفيدة بش ــكل كب ــير من االس ــتثمارات الص ــينية‪ ،‬وهي جن ــوب إفريقي ــا‬

‫ونيجيريا والسودان وزامبيا وانجوال والجزائر وبالرغم من ذلك ال تستقطب إفريقيا إال نســبة ضــعيفة من‬

‫إجمالي االستثمارات الصينية المباشرة الموجهة للقطاعات غير المالية‪ ،‬وبصــفة عامــة تبقى االســتثمارات‬

‫الص ــينية الموجه ــة إلى إفريقي ــا ض ــعيفة مقارن ــة م ــع ت ــدفقات االس ــتثمارات المباش ــرة الدولي ــة الموجه ــة إلى‬

‫إفريقيا ‪ %1,3‬سنة ‪ ،2010‬مقابل حوالي ‪ %40‬ذات المصدر األوروبي‪.‬‬

‫وتعتبر القارة اإلفريقية حاليا ثاني أكبر سوق للمقاوالت الصينية في مجال األشغال‪ ،‬فخالل ســنة‬

‫‪ 2012‬بلغت قيمة العقود المبرمة ‪ 38,2‬مليار دوالر؛ منها ‪ 28,9‬مليار دوالر تم إنجازهــا‪ ،‬أي بارتفــاع‬

‫‪%27‬و ‪ %6‬على التوالي‪ .‬خاصة في مجاالت الكهرباء واالتصاالت والطرق والقناطر والسدود‪.368‬‬

‫ومن المعـ ــروف أن الصـ ــين تركـ ــز أكـ ــثر على االسـ ــتثمار في الصـ ــناعات االسـ ــتخراجية مقارنـ ــة‬

‫بالصناعات األخرى‪ ،‬وفي الواقع فإن الصناعات االستخراجية تمثــل ثلث إجمــالي االســتثمارات الصــينية‪.‬‬

‫ومقارنـ ـ ــة بالواليـ ـ ــات المتحـ ـ ــدة األمريكيـ ـ ــة ودول ناميـ ـ ــة أخـ ـ ــرى‪ ،‬فـ ـ ــإن حصـ ـ ــة الصـ ـ ــين من االسـ ـ ــتثمارات‬

‫االستخراجية منخفضة في قطاع المعادن على سبيل المثال‪ ،‬ولكنها تلقى تغطيــة أكــبر في مجــالي اإلعالم‬

‫والكتابة‪ ،‬ويركز ثلثا االستثمار الصيني على البناء والصناعة والتمويل‪.369‬‬

‫ولق ــد بلغت االس ــتثمارات الص ــينية بالق ــارة اإلفريقي ــة ح ــوالي ‪ 15‬ملي ــار دوالر في الع ــام ‪،2011‬‬

‫موزعة على خمسين دولة إفريقية‪ .‬ويتصدر قطاع المناجم هــذه االســتثمارات بحصــوله على نســبة ‪%30‬‬

‫منه ــا‪ ،‬مس ــهما ب ــذلك ‪-‬وبم ــا ال يقب ــل الش ــك‪ -‬في إع ــادة توزي ــع األوراق العالمي ــة‪ ،‬ألن إفريقي ــا هي الق ــارة‬

‫األغــنى في العــالم‪ ،‬من حيث المــوارد األوليــة‪ ،‬كمــا سنوضــح الحقــا في القســم الثــاني‪ .‬وإ ذ تــؤمن الصــين‬

‫‪368‬‬
‫‪- Fode Sire DIABY, Les stratégies des entreprises chinoises en Afrique: quels objectifs, quelle coopération ?,‬‬
‫‪op,cit, pp52- 53-54.‬‬
‫‪ - 369‬مهاري مبارو‪ ،‬العالقات الصينية اإلفريقية ‪ ..‬الديمقراطية والتوزيع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬

‫‪205‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ %35‬من مســتورداتها النفطيــة من إفريقيــا‪ ،‬فــإن مجموعــات مثــل ‪ CNPC‬قــد دخلت في عــداد الشــركات‬

‫النفطية العظمى في العالم‪ ،‬لكن القطاع الصناعي ليس ببعيد‪ ،‬هو أيضا عن القطاعات المتقدمة األخــرى‪،‬‬

‫إذ يستحوذ على نسبة ‪ %22‬من االستثمارات الصينية المباشرة في إفريقيـا‪ .‬فشـركات مثـل (هـوا فـاي) و‬

‫‪ ZTE‬اكتسبت خالل بضع سنوات مركزا شبه احتكاري في قطاع التجهــيزات الهاتفيــة؛ بحيث إن غالبيــة‬

‫المشغلين‪ ،‬بما في ذلك الغربين‪ ،‬يستخدمونها‪ .‬أما قطاع البناء فيأتي في المرتبة الثالثة بنسبة ‪.370 %16‬‬

‫توزيع حجم االستثمارات الصينية بإفريقيا حسب القطاعات من ‪2005-1975‬‬ ‫الجدول رقم ‪:7‬‬

‫مبلغ االستثمار الصيني بالمليون‬


‫عدد المشاريع‬ ‫القطاع‬
‫دوالر‬
‫‪316‬‬ ‫‪230‬‬ ‫القطاع الصناعي‬

‫‪188‬‬ ‫‪44‬‬ ‫استخراج الموارد‬

‫‪125‬‬ ‫‪200‬‬ ‫الخدمات‬

‫‪48‬‬ ‫‪22‬‬ ‫الفالحة‬

‫‪6‬‬ ‫‪3‬‬ ‫أخرى‬

‫‪683‬‬ ‫‪499‬‬ ‫المجموع‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Union Africaine, Commission économique pour l’Afrique, Tirer le plus grand profit‬‬
‫‪des produits de base africains :l’industrialisation au service de la croissance,‬‬
‫‪de l’emploi et de la transformation économique, Rapport économique sur‬‬
‫‪l’Afrique 2013. P 85.‬‬

‫ومن المالحـظ أن العـروض الصـينية في مجـال االسـتثمارات ال تقبـل المنافسـة من قبـل الشـركات‬

‫الغربيــة واليابانيــة‪ ،‬نظــرا لــرخص األيــدي العاملــة الصــينية‪ ،‬وامتالك الدولــة لمعظم الشــركات العاملــة في‬

‫إفريقيـ ــا‪ ،‬فضـ ــال عن أن الخـ ــبراء الصـ ــينيين يقبلـ ــون بـ ــأجور وظـ ــروف معيشـ ــية إفريقيـ ــة‪ ،‬قـ ــد ال يتحملهـ ــا‬

‫نظراؤهم من الغربيين‪.371‬‬

‫‪ - 370‬جان‪ -‬جوزيف بوايو‪" ،‬إفريقيا محط أطماع شركات الجنوب المتعددة الجنسية"‪ ،‬في كتاب أوضاع العالم ‪ 2014‬جبابرة األمس والغد‪ ،‬مؤسســة‬
‫الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى يناير ‪2014‬م‪1435 -‬هـ ‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪ - 371‬حمدي عبد الرحمن حسن‪" ،‬التنافس الدولي في القرن اإلفريقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.175‬‬

‫‪206‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التواجد الصيني بإفريقيا خالل العقد الماضي‬ ‫الخريطة رقم ‪:3‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Institut Amadeus, Etude Partenariat Maroc-Afrique 15 recommandation pour un‬‬


‫‪co-dévloppment responsable et durable, Juillet 2014, p 62.‬‬
‫ل ــذلك أص ــبح النم ــوذج الرأس ــمالي الص ــيني الق ــائم على ملكي ــة الدول ــة للقطاع ــات الرئيس ــية‪ ،‬وعلى‬

‫السـ ــيطرة المحكمـ ــة للدولـ ــة على انتقـ ــال رأس المـ ــال من خالل ملكيـ ــة الشـ ــركات‪ ،‬وعلى التنظيم المحكم‬

‫لالسـتثمارات األجنبيـة والمحليـة والتجـارة الدوليـة‪ ،‬يقلـق دوائـر صــنع القـرار ومراكـز الفكـر االسـتراتيجي‬

‫الغ ــربي‪ ،‬لكون ــه أص ــبح منافس ــا للنم ــوذج الغ ــربي اللي ــبرالي الجدي ــد الس ــائد‪ ،‬والق ــائم على إجم ــاع واش ــنطن‬

‫المرادف للعولمة الذي يمر بأزمة هيكلية‪.372‬‬

‫‪ - 372‬فيالدو فيفودا‪ ،‬ترجمة نزار الطحاوي‪" ،‬الصين تتحدى الرأسمالية العالمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫‪207‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ثانيا‪ :‬المساعدات المالية‬

‫تعت ـ ــبر آلي ـ ــة المس ـ ــاعدات المالي ـ ــة الخارجي ـ ــة من أهم اآللي ـ ــات ال ـ ــتي تعتم ـ ــد عليه ـ ــا الص ـ ــين لتنفي ـ ــذ‬

‫اســتراتيجيتها في إفريقيــا‪ ،‬فانطالقــا من كــون الصــين ِتؤكــد أنهــا تمثــل نمطــا مختلفــا ومســتقال عن القــوى‬

‫الكـــبرى الغربيـــة في المحيـــط الـــدولي؛ وذلـــك من خالل التركـــيز على أنه ــا دول ــة نامي ــة تتفهم احتياجـــات‬

‫إفريقيا التنموية‪ ،‬فضال عن كونها مؤهلـة للـدفاع عن مصـالح إفريقيـا في المحافـل الدوليـة‪ ،‬لـذلك ضـاعفت‬

‫الصين قيمة مساعداتها إلفريقيا مع بداية القرن الحالي‪ ،‬إذ بلغت قيمة هذه المساعدات نحو ‪ 107‬مليون‬

‫دوالر في عــام ‪ ،1998‬لتصــل عــام ‪ 2004‬إلى ‪ 2,7‬مليــار دوالر‪ ،‬بمــا يــوازي نحــو ‪ %26‬من إجمــالي‬

‫المساعدات الخارجية الصينية في العام نفسه‪.373‬‬

‫وفي إطار دعم معدالت التعاون االقتصادي للصين مع الدول اإلفريقية‪ ،‬قامت الصين في الفــترة‬

‫الممتدة من منتصف عام ‪ 2002‬إلى مايو ‪ 2007‬بتقديم مسـاعدات ماليـة لنحـو ‪ 47‬دولـة إفريقيـة‪ ،‬قــدرت‬

‫قيمته ــا بنح ــو ‪ 8‬ملي ــارات دوالر‪ ،‬كم ــا أب ــرمت الص ــين عق ــود اق ــتراض م ــع ثم ــان دول إفريقي ــة في ع ــام‬

‫‪ ،2007‬بإجمــالي ‪ 94‬مليــار دوالر لتنفيــذ مشــروعات في مجــاالت‪ :‬رصــف الطــرق وبنــاء المستشــفيات‬

‫والمدارس ومحطات مياه الشرب والصرف الصحي‪ ،‬في المنـاطق الريفيـة والنائيـة‪ ،‬وذلـك بفائـدة تـتراوح‬

‫بين ‪2‬و ‪ %3‬سنويا‪ ،‬مع منح فترة سماح تتراوح بين خمس وعشر سنوات لتسديد هذه القروض‪.374‬‬

‫لقـ ـ ــد أسـ ـ ــهمت الصـ ـ ــين في تمويـ ـ ــل العديـ ـ ــد من مشـ ـ ــروعات البنيـ ـ ــة األساسـ ـ ــية في إفريقيـ ـ ــا‪ ،‬وهي‬

‫المشـروعات الـتي توقـف المـانحون والبنـك الـدولي عن تمويلهـا منـذ عقـود مضـت‪ .‬ويـرى بعض المحللين‬

‫أن شركات البناء الصينية تنفذ تلك المشاريع بكلفة تقل بنسبة ‪ %25‬عن نظيراتها الغربية‪ .‬ولعل أضــخم‬

‫مشــروع أســهمت فيــه الصــين هــو خــط حديــد تــنزام بطــول ‪ 1800‬كلمــتر بين تنزانيــا وزامبيــا بكلفــة ‪450‬‬

‫مليون دوالر‪ .‬إضافة إلى ذلك فقد قامت الصين ببناء الطرق وشق اآلبــار ومــد شــبكات االتصــال الســلكية‬

‫‪ - 373‬حمدي عبد الرحمان حسن‪ ،‬العرب وإفريقيا في زمن متحول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪ - 374‬رضا محمد هالل‪" ،‬العالقات الصينية بالدول النامية‪ ..‬المنطلقات واألبعاد"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪135‬‬

‫‪208‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫والالســلكية‪ ،‬في العديــد من الــدول اإلفريقيــة خاصــة الــدول الــتي تتــوفر على ثــروات طبيعيــة‪ .375‬وهــو مــا‬

‫يؤكد أن الوصول إلى الموارد الطبيعية يبقى من أهم مرتكزات التوجه الصيني نحو القارة اإلفريقية‪.‬‬

‫تمويل الصين لبعض المشاريع ببعض الدول اإلفريقية ما بين ‪.2007-2001‬‬ ‫المبيان رقم ‪:21‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪Mary-Françoise RENARD, « China’s and FDI in Africa »,African Development Bank‬‬
‫‪Group, Working Paper, N° 126, May 2011, p 21.‬‬
‫وتقدم الصين مساعدات دوليــة للبلــدان اإلفريقيــة من خالل التعــاون االقتصــادي‪ ،‬الــذي يركــز على‬

‫إنش ــاء المش ــاريع‪ .‬وغالب ــا م ــا ترتب ــط المس ــاعدات باالس ــتثمار األجن ــبي المباش ــر والتج ــارة‪ ،‬وبحل ــول نهاي ــة‬

‫‪ 2006‬ك ــانت الص ــين ق ــد أطلقت ح ــوالي ‪ 800‬مش ــروع للمس ــاعدات في إفريقي ــا‪ 138 :‬منه ــا في مج ــال‬

‫الزراعـ ــة و‪ 133‬في البنيـ ــة التحتيـ ــة‪ ،‬و‪ 19‬في المـ ــدارس‪ ،‬و‪ 38‬في المستشـ ــفيات‪ .‬كمـ ــا أرسـ ــلت الصـ ــين‬

‫‪ 16000‬عامل طبي إلى حوالي ‪ 43‬بلدا إفريقيـا‪ ،‬ودربت ‪ 15000‬شـخص‪ ،‬وألغت ديونـا إفريقيـة قيمتهـا‬

‫نحو ‪ 1,2‬مليار دوالر‪.‬‬

‫وبحلــول نهايــة عــام ‪ 2006‬كــانت الصــين قــد أنفقت ‪ 5,6‬مليــار دوالر من المســاعدات إلفريقيــا‪.‬‬

‫وقــد أعلن بنــك االســتيراد والتصــدير وهــو أحــد الفــاعلين الرئيســين في مجــال التعــاون اإلنمــائي في البالد‪،‬‬

‫أنــه صــرف ‪ 12,3‬مليــار دوالر على هيئــة قــروض وائتمانــات للصــادرات إلفريقيــا بين عــامي ‪ 1995‬و‬

‫‪ .2006‬ويفيد مركـز الدراسـات الصــينية بـأن بنـك االســتيراد والتصــدير أنشـأ ‪ 259‬مشـروعا في ‪ 39‬بلـدا‬

‫‪ - 375‬حمدي عبد الرحمان حسن‪ ،‬العرب وإفريقيا في زمن متحول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.196‬‬

‫‪209‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أفريقيـا بحلـول سـبتمبر ‪ .2006‬وكـانت ‪ %80‬منهـا في مجـال البنيـات التحتيـة (السـدود والسـكك الحديديـة‬

‫والمنشآت النفطيـة والمنـاجم)‪ ،‬ويقـدر أن المسـاعدات الماليـة من الصـين إلفريقيـا قـد بلغت نحـو ‪ 19‬مليـار‬

‫دوالر إلى حدود عام ‪.376 2006‬‬

‫لق ــد أدى دخ ــول الص ــين إلى الفض ــاء اإلف ــريقي باعتباره ــا مص ــدرا ب ــديل للتج ــارة والمس ــاعدات‬

‫واالس ــتثمارات‪ ،‬إلى وج ــود بيئ ــة تنافس ــية لل ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬حيث لم تع ــد تعتم ــد فق ــط على ال ــدول الغربي ــة‬

‫وصـــندوق النق ــد والبن ــك ال ــدوليين للحصـــول على التموي ــل الخ ــارجي؛ مثال اس ــتطاعت أنغ ــوال أن توقـــف‬

‫مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي عام ‪ ،2007‬حينما قدمت لها الصين قرضا بشروط أفضل‪.‬‬

‫باإلضافة إلى كون المساعدات الصــينية‪ ،‬تـأتي في صــورة متكاملـة تشـمل مشـاريع بـنى تحتيـة‬

‫أساســية مهمــة‪ :‬مثــل إقامــة الطرقــات والســكك الحديديــة والمبــاني العامــة‪ ،‬وأيضــا الــتزود بــالخبرة الفنيــة‪،‬‬

‫مقارنة بغالبية االستثمارات الغربية في إفريقيا‪ ،‬التي تركز على النفط والثروات الطبيعية بصفة عامة‪.‬‬

‫كمــا أن الصــين ال تفــرض مطــالب كثــيرة مثــل الــدول والمؤسســات الغربيــة‪ ،‬حيث يصــر صــندوق‬

‫النقــد الــدولي والبنــك الــدولي على أجنــدتهما اإليديولوجيــة من ليبراليــة التجــارة الخارجيــة‪ ،‬والخصخصــة‪،‬‬

‫وتقليص دور الدول ــة في الخ ــدمات االجتماعي ــة‪ ،‬ه ــذا فضـــال على أن الغ ــرب يلح ــق بمس ــاعداته ش ــروطا‬

‫سياســية مثــل‪ :‬الديمقراطيــة وحقــوق االنســان‪ ،‬رغم أن هــذه المطــالب تبقى رهينــة بالمصــالح الغربيــة‪ ،‬في‬

‫حين أن الص ــين ال تص ــر على أي من هــذا‪ ،‬وذلــك من منطلــق احترامهــا للســيادة الــتي تراهــا أهم مبــادئ‬

‫القانون الدولي‪.377‬‬

‫ومن الالفت للنظــر في سياســة المســاعدات الصــينية إلفريقيــا‪ ،‬أنهــا تعتمــد على القــروض بــدال من‬

‫المنح‪ ،‬وربم ــا يع ــزى ذل ــك إلى أم ــرين أساس ــيين‪ :‬أولهمــا أن الص ــين تس ــتخدم الق ــروض ذريع ــة بع ــد ذل ــك‬

‫لض ــمان ت ــدعيم العالق ــات السياس ــية واالقتص ــادية م ــع ال ــدول المتلقي ــة له ــا‪ .‬ف ــإذا تحق ــق ه ــذا اله ــدف تق ــوم‬

‫‪ -376‬سان دومينيكو دي فيسولي ‪ ،‬التقرير األوروبي حــول التنميــة ‪ 2009‬التغلب على الهشاشــة في إفريقيــا صــياغة نهج اوروبي جديد‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪ - 377‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.372-371‬‬

‫‪210‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الحكومــة الصــينية بشــطب هــذه الــديون وفــق جــدول زمــني متفــق عليــه‪ .‬واألمــر الثـاني يتمثــل في ارتبــاط‬

‫اتفاقيــات هــذه القــروض بمشــروطية معينــة؛ إذ يتم النص على ضــرورة اســتفادة الشــركات الصــينية بنســبة‬

‫كبــيرة من مشــروعات هــذه القــروض‪ ،‬ولعــل القــرض الــذي منحتــه الصــين ألنجــوال في عــام ‪ 2007‬يبقى‬

‫خير مثال على هذه السياسة‪.378‬‬

‫فبعــدما كــانت حكومــات الــدول الناميــة‪ ،‬قلمــا تتحــرك دون استشــارة صــندوق النقــد الــدولي والبنــك‬

‫الــدولي‪ ،‬وإ ذا فعلت ذلــك فإنهــا تجــازف بخطــط اإلنقــاذ‪ ،‬وبخســارة الطــرق الحيويــة للوصــول إلى األســواق‬

‫الرأسمالية‪ ،‬وبالمساعدات الغربية‪ ،‬لكن اليوم أصبح موظفو صندوق النقد الدولي يبذلون كــل مــا وســعهم‬

‫لكي تستمع لهم أفقر الدول اإلفريقية‪ ،‬وخير مثال على ذلك السنوات الــتي أمضــاها صــندوق النقــد الــدولي‬

‫للتفــاوض بشــأن اتفــاق الشــفافية مــع الحكومــة األنغوليــة‪ ،‬ليبلــغ بعــد ســاعات من االتفــاق الــذي كــان مزمعــا‬

‫توقيعــه‪ ،‬أن ســلطات لوانــدا‪ ،‬لم تعــد مهتمــة بالمــال‪ :‬ألنهــا حصــلت على قــرض ميســر بمقــدار مليــار دوالر‬

‫من الصين‪.379‬‬

‫وحســب مارك ليونارد المــدير التنفيــذي للمجلس األوروبي للعالقــات الخارجيــة‪ ..." ،‬فــإن كــل تحــد‬

‫ع ــالمي تقريب ــا‪ ،‬ق ــد أكتس ــب بع ــدا ص ــينيا‪ :‬من التنمي ــة اإلفريقي ــة‪ ،‬إلى إص ــالح نظ ــام األمم المتح ــدة‪ ،‬إلى محادث ــات‬

‫التجـ ــارة العالميـ ــة‪ ،‬إلى البرنـ ــامج النـ ــووي اإليـ ــراني‪ ،‬إلى "اإلبـ ــادة الجماعيـ ــة في دارفـ ــور"‪ ،‬إلى أسـ ــعار النفـ ــط في‬

‫فنزويال‪ .‬لم تعد الصين ذلك البلد الكبير الذي يمكن أن يختاره المرء لينعم بإقامـة عالقـات تجاريـة أو ديبلوماسـية‬

‫معــه؛ بــل بــدأت تصــبح جــزءا من نســيج السياســة العالميــة ووســيطا تجاريــا عالميــا نحن مجــبرون على التحــاور‬

‫معه"‪.380‬‬

‫وحول نهضة الصين باعتبارهـا طفـرة اسـتراتيجية عالميـة يقـول عالمـا الجيوبولوليتيكـا "إلينج‬

‫وأولسين"‪" :‬تعتبر الصين نفسـها نموذجـا طبيعيـا للدولـة المهيمنـة في شـرق آسـيا‪ ،‬وهـو أمـر ال يتحـدث بـه‬

‫‪ - 378‬حمدي عبد الرحمان حسن‪ ،‬العرب وإفريقيا في زمن متحول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪ - 379‬مارك ليونارد‪ ،‬فيما تفكر الصين‪ ،‬ترجمة هبة عكام‪ ،‬العبيكات للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2008‬ص ‪.172‬‬
‫‪ - 380‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20-19‬‬

‫‪211‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الص ـ ــينيون‪ ،‬وإ نم ـ ــا يس ـ ــيرون على نهج ـ ــه خط ـ ــوة خط ـ ــوة وراء األخ ـ ــرى‪ .‬وخالف ـ ــا للياب ـ ــان ذات الت ـ ــأثير‬

‫االقتصـ ـ ــادي في المرتبـ ـ ــة األولى‪ ،‬تسـ ـ ــعى الصـ ـ ــين‪-‬كلمـ ـ ــا ازدادت قـ ـ ــوة‪ -‬ألن تحقـ ـ ــق إلى جـ ـ ــانب التـ ـ ــأثير‬
‫‪381‬‬
‫االقتصادي تأثيرا سياسيا"‪.‬‬

‫بيــد أن الخطــر األكــبر بالنســبة إلفريقيــا في عالقاتهــا مــع الصــين؛ يتمثــل في الفــروق الهائلــة بين‬

‫طـ ــرفي العالقـ ــة؛ حيث إن اقتصـ ــاد الصـ ــين أضـ ــخم كثـ ــيرا وأكـ ــثر تقـ ــدما بدرجـ ــة كبـ ــيرة من االقتصـ ــادات‬

‫اإلفريقيـة‪ ،‬وأيضــا فمن المـرجح أن تتسـع الفـروق االقتصــادية بين إفريقيـا والصــين أكـثر وأكـثر‪ ،‬وبـالرغم‬

‫من االختالف ــات بين نهج الص ــين في التعام ــل م ــع إفريقي ــا ونظ ــيره الغ ــربي‪ ،‬فال ب ــد أن تش ــهد العالق ــة بين‬

‫الصين وإ فريقيا بعض مشاكل العالقة بين الغرب وإ فريقيا‪ .‬ويتمثــل الخطــر الــذي يواجــه البلــدان اإلفريقيــة‬

‫في أن يقتص ــر دوره ــا على مج ــرد تزوي ــد الص ــين بالس ــلع األولي ــة‪ ،‬وع ــدم اس ــتطاعتها ألس ــباب مختلف ــة‪،‬‬

‫تتضمن شروطا تجارية غير مواتية‪ ،‬والمنافسـة الصــينية والفسـاد الـداخلي وغيـاب اإلرادة االسـتراتيجية‪-‬‬

‫التحـــرك أبعـــد من هـــذا وتوســـيع نموهـــا االقتصـــادي من خالل التص ــنيع‪ .‬ولق ــد ع ــبر عن هـــذه المخـــاوف‬

‫مولتسى مبيكي‪ ،‬نائب رئيس معهد جنوب إفريقيا للشؤون الدولية في مؤتمر بيجين عام ‪ 2005‬إذ قال‪":‬‬

‫تبيع إفريقيا المواد الخام للصين وتبيعها الصين المنتجات المصنعة‪ .‬هذه معادلة خطيرة تعيد إنتاج عالقـة إفريقيـا‬

‫القديم ــة ب ــالقوى الكولونيالي ــة‪ :‬ال يمكن اس ــتمرار تل ــك المعادل ــة لع ــدة أس ــباب‪ .‬أوال‪ :‬تحت ــاج إفريقي ــا للحف ــاظ على‬

‫مواردها الطبيعية كي تســتخدمها في التصــنيع في المســتقبل‪ .‬ثانيا‪ :‬تســهم اســتراتيجية التصــدير الصــينية في وقــف‬

‫التصــنيع في بعض البلــدان ذات الــدخل المتوســط‪ ...‬إن إيجــاد حلــول لهــذه االســتراتيجيات يعمــل لمصــلحة إفريقيــا‬

‫والصين معا"‪.382‬‬

‫وممــا يســاعد على تفـاقم عـدم التســاوي في العالقــات الصــينية اإلفريقيــة‪ ،‬هي حقيقـة أن الصــين قــد‬

‫توصــلت بعنايــة إلى نهج اســتراتيجي شــامل لعالقاتهــا مــع دول إفريقيــا‪ ،‬فيمــا أن اســتجابة إفريقيــا موزعــة‬

‫بين دول عديـ ـ ــدة مختلفـ ـ ــة في حاجياتهـ ـ ــا‪ ،‬ال تعلم الكثـ ـ ــير عن الصـ ـ ــين‪ ،‬وتقـ ـ ــوم على نظـ ـ ــرة برجماتيـ ـ ــة ال‬

‫‪ - 381‬أناتولي أوتكين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.174‬‬


‫‪ - 382‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.373‬‬

‫‪212‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اس ــتراتيجية‪ ،‬يتمث ــل الخط ــر في عق ــد تل ــك البل ــدان اتفاقي ــات مواتي ــة للص ــين الس ــتغالل موارده ــا الطبيعي ــة‪،‬‬

‫واس ــتخدام العائ ــدات ال ــتي تكس ــبها بأس ــلوب فاس ــد وقص ــير الم ــدى‪ ،‬إلف ــادة مجموع ــات المص ــالح اإلفريقي ــة‬

‫المختلفة‪.‬‬

‫لقد أصبح انخراط الصين الواسـع ووضــعها المتصــاعد في إفريقيـا‪ ،‬يطـرح تسـاؤالت مهمـة أيضــا‬

‫حيال طبيعة تورطها في القارة‪ ،‬فباإلضـافة إلى أهـدافها طويلـة األمـد في المنطقـة‪ .‬فـإن المنتقـدين يتهمـون‬

‫الصــين بأنهــا تتبــع سياســات مركنتيليــة في المنطقــة‪ ،‬لجــني منــافع اقتصــادية بحثــة‪ ،‬دونمــا اعتبــار لحقــوق‬

‫اإلنســان أو للهــواجس المتعلقــة بالبيئــة؛ ويجــادلون بــأن دعم الصــين للحكومــة الســودانية مكن األخــيرة من‬

‫انته ــاج سياس ــة "اإلب ــادة الجماعي ــة" في إقليم دارف ــور‪ ،‬وب ــأن الص ــين مكنت بالطريق ــة نفس ــها نظ ــام ال ــرئيس‬

‫موغابي من البقاء ومواصلة انتهاكات حقوق اإلنسان في زيمبابوي‪.383‬‬

‫لقـد جـاء النقـد الغـربي القـوي للصـين في إفريقيـا‪ ،‬ليس بسـبب تـأثيره السـلبي على الجهـود الغربيـة‬

‫لــدعم حقــوق اإلنســان والديمقراطيــة فقــط‪ ،‬ولكن كــان أساســا نتيجــة نفــوذ الصــين المتزايــد على الحكومــات‬

‫اإلفريقيــة‪ ،‬والســيطرة على المــوارد واألســواق‪ .‬ولــذلك تعتــبر البلــدان والمؤسســات الغربيــة أن المؤسســات‬

‫الصينية نافستها باللجوء إلى الرشوة والفساد‪ ،‬فضـال عن وسـائل أخـرى غـير مشـروعة كانتهـاك المعـايير‬

‫والنظم العالميـة للشـفافية ولحقـوق اإلنسـان‪ .‬لكن هـذه المآخـذ نفسـها ظلت الشـركات الغربيـة متورطـة فيهـا‬

‫ومتهمة بانتهاكاتها وارتكابها في الماضي والحاضر‪ ،384‬فمن مارس تجارة الــرق والعبيــد؟ ومن اســتنزف‬

‫ثروات القارة اإلفريقية؟ أليست القوى الغربية‪ ،‬التي ما زالت تستنزفها إلى اليوم؟‬

‫لكن الص ـ ــين ت ـ ــرفض رس ـ ــميا االنتق ـ ــادات الموجه ـ ــة له ـ ــا‪ ،‬بحج ـ ــتين‪ :‬األولى وهي م ـ ــيزة السياس ـ ــة‬

‫الص ــينية‪ ،‬القاض ــية بع ــدم الت ــدخل في الش ــئون الداخلي ــة للبل ــدان اإلفريقي ــة‪ ،‬وه ــو م ــا أك ــده رئيس ال ــوزراء‬

‫الصــيني ون بقولــه " نعتقــد أن النــاس في مختلــف المنــاطق والبلــدان‪ ،‬بمــا فيهــا تلــك الموجــودة في إفريقيــا‪،‬‬

‫لهم الحق والقدرة على التعامل مع شئونهم الخاصة"‪ .‬والثانية هي تأكيد الصين أن انخراطهــا في إفريقيــا‬
‫‪ - 383‬وينران جيانج‪" ،‬النمو االقتصادي في الصين وسعيها ألمن الطاقة في انحاء العالم"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.342‬‬
‫‪ - 384‬مهاري مارو‪ ،‬العالقات الصينية اإلفريقية ‪ ..‬الديمقراطية والتوزيع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬

‫‪213‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مختلــف عن االســتعمار القــديم‪ ،‬وأن الصــين الميســورة تضــع أموالهــا من جديــد اآلن في خدمــة االقتصــاد‬

‫المحلي اإلفريقي‪ ،‬وبحسب القادة الصينين؛ إنها معادلة ال غالب وال مغلوب‪.385‬‬

‫ولتتضــح األمــور‪ ،‬تبقى وجهــة نظــر األفارقــة مهمــة جــدا لفهم الصــورة العامــة لوجــود الصــين في‬

‫إفريقيا‪ ،‬وبالنسبة للعديد منهم فإن التاريخ له دور مهم في ذلك‪ ،‬فالصين ‪-‬على عكس الغرب‪ -‬ليس لهــا‬

‫إرث تــاريخي يهــدد إفريقيــا‪ ،‬كمــا هــو الحــال بالنســبة للقــوى االســتعمارية الغربيــة في الماضــي؛ حــتى إن‬

‫الصــين وإ فريقيــا تتقاســمان العديــد من الخلفيــات التاريخيــة المماثلــة‪ .‬ويوجــد هنــاك نــوع من التحفــظ في مــا‬

‫يتعلـ ــق باالنتقـ ــادات والهـ ــواجس الصـ ــادرة من الغـ ــرب‪ .‬كمـ ــا أن معظم األفارقـ ــة يرضـ ــون بالشـ ــراكة مـ ــع‬

‫جمهوري ــة الص ــين‪ ،‬وبالنس ــبة لهم ف ــإن عالقاته ــا بإفريقي ــا تختل ــف تمام ــا عن عالقاته ــا ب ــالغرب‪ ،‬إذ تعت ــبر‬

‫الق ــروض الميس ــرة والحص ــول على التم ــويالت‪ ،‬والتوزي ــع الس ــريع للخ ــدمات والس ــلع الص ــينية‪ ،‬وت ــاريخ‬

‫التنمية المتبادلة ركائز مهمة لجذب الصين إلى إفريقيا‪.386‬‬

‫في الختام نخلص بناء على دراسة العالقات السياسية واالقتصادية للقارة اإلفريقية مع الصين‪،‬‬

‫إلى كــون تزايــد التنــافس الــدولي في إفريقيــا‪ ،‬ارتبــط أساســا بالــدور الصــيني الــدؤوب للحصــول على النفــط‬

‫والمــوارد الخــام‪ ،‬وفتح األســواق اإلفريقيــة لتصــريف منتجاتهــا الصــناعية‪ ،‬وهــو مــا أصــبح يشــكل تهديــدا‬

‫للمصــالح الغربيــة في هــذه القــارة‪ ،‬خصوصــا إذا علمنــا كونهــا أصــبحت الشــريك التجــاري األول للقــارة‬

‫اإلفريقية مع بداية العقـد الثـاني من القـرن الحـالي‪ .‬أي أن اسـتراتيجية هـذه األخـيرة في القـارة اإلفريقيـة‪،‬‬

‫إنما تهدف إلى تأكيد نفودها باعتبارها قوة عالمية‪ ،‬وتحدي السيطرة الغربية على مقدرات القارة‪.‬‬

‫لــذلك فالصــين تقــدم نفســها إلفريقيــا‪ ،‬بــديال للنمــوذج الغــربي‪ ،‬من خالل نمــوذج اقتصــادي يقــترب‬

‫من تطلع ــات الش ــعوب اإلفريقي ــة‪ ،‬باالس ــتناد إلى مب ــدأ االس ــتثمار والتج ــارة والمس ــاعدات المالي ــة‪ ،‬وتق ــديم‬

‫القروض الميسرة دون فرض شروط سياسية‪ ،‬وكذا عدم التدخل في الشئون الداخلية لدول القــارة‪ ،‬عكس‬

‫السياســات الغربيــة الــتي مــا زالت تعتمــد على األســاليب االســتعمارية القديمــة‪ ،‬مثــل التــدخالت العســكرية‬
‫‪ - 385‬وينران جيانج‪" ،‬النمو االقتصادي في الصين وسعيها ألمن الطاقة في انحاء العالم"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.342‬‬
‫‪ - 386‬مهاري مارو‪ ،‬العالقات الصينية اإلفريقية ‪ ..‬الديمقراطية والتوزيع‪ ،‬مرجع سابق‪.4 ،‬‬

‫‪214‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لحماية مصالحها االستراتيجية بالعديـد من الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬كـان آخرهـا التـدخل الفرنسـي بمـالي وإ فريقيـا‬

‫الوسطى‪ ،‬وتدخل حلف الناتو بليبيا‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬االستراتيجية اليابانية في إفريقيا‬

‫كتب "سابورو أوكيتا" الوزير الياباني األسبق يقول‪ :‬إن الجيش الذي يرتدي زيا موحدا ال يمثل‬

‫الشــكل الوحيــد للجيش؛ إن التكنولوجيــا العلميــة وروح القتــال المتأججــة تحت المالبس المدنيــة همــا جيشــا‬

‫الشريان في المستقبل‪ .‬وعلى هذا النحو سوف تدور المعارك مع مطلع القرن الحادي والعشرين‪.387‬‬

‫لــذلك تمثــل المصــالح االقتصــادية اليابانيــة محــددا مهمــا لسياســتها في إفريقيــا‪ ،‬وتــأتي أهميــة هــذه‬

‫المصالح إذا عرفنـا أن اليابـان تعتـبر من أكـبر الـدول الصـناعية في العـالم‪ ،‬ممـا يجعلهـا تحتـاج لقـدر كبـير‬

‫‪ - 387‬أناتولي أوتكين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.192‬‬

‫‪215‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫من المـ ــوارد الطبيعـ ــة ال تتـ ــوافر على األراضـ ــي اليابانيـ ــة‪ ،‬وبـ ــذلك فاليابـ ــان تعتـ ــبر إفريقيـ ــا خزانـ ــا مهمـ ــا‬

‫للحصــول على المــوارد الطبيعــة‪ ،‬كمــا أنهــا تعتبرهــا ســوقا اســتهالكية مهمــة لتصــريف منتجاتهــا الصــناعية‬

‫في ظــل المنافســة الدوليــة على فتح األســواق‪ ،‬إلى جــانب اعتبارهــا مفتاحــا أساســيا لدبلوماســيتها باعتبارهــا‬

‫قــوة مهمــة على الســاحة الدوليــة‪ ،‬من خالل دعم دول القــارة اإلفريقيــة لحصــولها على مقعــد دائم بمجلس‬

‫األمن التابع لألمم المتحدة (المطلب األول)‪.‬‬

‫ولتحقيــق أهــدافها بالقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬تــوجهت اليابــان إلى االعتمــاد على اآلليــات االقتصــادية من‬

‫خالل دعم االســتثمارات اليابانيــة بإفريقيــا‪ ،‬وتقــديم المســاعدات الماليــة والفنيــة للعديــد من الــدول اإلفريقيــة‬

‫(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األهداف اليابانية في إفريقيا‬

‫تتع ــدد األه ــداف ال ــتي تطمح الياب ــان إلى تحقيقه ــا في عالقاته ــا ب ــدول الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬ويمكن‬

‫تقســيم هــذه األهــداف إلى أهــداف سياســية وأهــداف اقتصــادية؛ فاليابــان بعــد انهيــار المعســكر االشــتراكي‪،‬‬

‫أص ــبحت تتطل ــع ألن تص ــبح ق ــوة أساس ــية على المس ــتوى ال ــدولي‪ ،‬ل ــذلك فهي تس ــعى ‪-‬في إط ــار تط ــوير‬

‫عالقاتهــا السياســية مــع القــارة اإلفريقيــة‪ -‬لالســتفادة من الترتيبــات الجديــدة الــتي أصــبحت تعرفهــا الســاحة‬

‫الدولية‪ ،‬من خالل دعم دول القارة اإلفريقية لهــا في المحافــل الدوليــة (الفقـرة األولى)‪ ،‬أمــا على المســتوى‬

‫االقتص ــادي‪ ،‬فالياب ــان تعم ــل على فتح األس ــواق اإلفريقي ــة لتص ــريف منتجاته ــا الص ــناعية‪ ،‬خصوص ــا إذا‬

‫علمن ــا أن الياب ــان تعت ــبر من ال ــدول المتط ــورة على المس ــتوى الص ــناعي‪ ،‬كم ــا ته ــدف إلى الحص ــول على‬

‫الثروات الطبيعية لتطوير صناعاتها والمحافظة على مكانتها الدولية في هذا اإلطار( الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬تطور العالقات السياسية اليابانية اإلفريقية‬

‫تع ــود العالق ــات الدبلوماس ــية الياباني ــة‪ -‬اإلفريقي ــة إلى س ــنة ‪ ،1928‬إذ خالل ه ــذه الس ــنة ب ــدأت‬

‫العالقات الدبلوماسية بين اليابان ومصر‪ ،‬لكن على الرغم من ذلــك فقبــل نهايــة ســبعينيات القـرن الماضــي‬

‫‪216‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لم يكن لليابـان أي نشـاط دبلوماسـي مكثـف في القـارة اإلفريقيـة‪ ،‬عـدا إقامـة عالقــات دبلوماسـية مـع الـدول‬

‫المســتقلة حــديثا‪ .‬ومــع اســتقالل الــدول اإلفريقيــة خالل أواخــر خمســينيات القــرن الماضــي‪ ،‬افتتحت اليابــان‬

‫أول سـ ــفارة يابانيـ ــة في إثيوبيـ ــا عـ ــام ‪ ،1958‬ثم غانـ ــا عـ ــام ‪ ،1959‬ثم نيجيريـ ــا والكونغـ ــو عـ ــام ‪،1960‬‬

‫وخالل بداية السبعينيات من القرن الماضي بدأت اليابان تعمل على دعم وجودهـا الدبلوماسـي والقنصـلي‬

‫في الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬وه ــو م ــا تجلى في افتت ــاح الياب ــان ألول قنص ــلية في جن ــوب إفريقي ــا في مدين ــة كيب‬

‫تاون عام ‪ ،3881971‬وحاليا ترتبط اليابان بعالقات دبلوماسية مع ‪ 32‬دولة إفريقية‪.389‬‬

‫ومنــذ ســنة ‪ 1977‬أصــبحت اليابــان تــؤدي دورا مهمــا في تقـديم المســاعدات للــدول اإلفريقيــة‪ ،‬إذ‬

‫أنها أصبحت دولة رئيسة مانحـة للمسـاعدات الرسـمية لـدول القـارة‪ ،‬من خالل برنـامج للمسـاعدات يهـدف‬

‫إلى مضـ ــاعفة المسـ ــاعدات‪ ،‬من أجـ ــل دعم التنميـ ــة في القـ ــارة اإلفريقيـ ــة‪ ،‬فخالل سـ ــنة ‪ 1970‬بلغت قيمـ ــة‬

‫المســاعدات اليابانيــة للــدول اإلفريقيــة ‪ 8,43‬مليــون دوالر‪ ،‬لتزيــد قيمــة هــذه المســاعدات ســنة ‪ 1980‬إلى‬

‫‪ 371,35‬مليون دوالر‪ ،‬كما اتجهت اليابان إلى إنشاء مشاريع في إفريقيـا كمشـاريع شـركة "ميتسوبيشـي"‬

‫(‪ ،390)Mitsubishi‬إال أن مـ ــا يمكن تسـ ــجيله هـ ــو أن الشـ ــركات اليابانيـ ــة كـ ــانت حـ ــذرة في االسـ ــتثمار في‬

‫الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬مــا عــدا الــدول اإلفريقيــة الــتي تتــوفر على المــوارد األوليــة‪ ،‬وذك نظــرا للصــرعات الــتي‬

‫كانت تعيشها أغلب مناطق القارة خالل تلك المرحلة‪.‬‬

‫لكن مــع بدايــة تســعينيات القــرن الماضــي‪ ،‬ونتيجــة للمتغــيرات الدوليــة المتمثلــة أساســا في نهايــة‬

‫الص ــراع اإلي ــديولوجي‪ ،‬والتوج ــه ال ــدولي إلى المنافس ــة االقتص ــادية‪ ،‬ب ــدأت الياب ــان تأخ ــذ زم ــام المب ــادرة‬

‫السياسية واالقتصـادية تجـاه بعض المنـاطق الجغرافيـة الـتي كـانت إلى عهـد قـريب بمثابـة منـاطق هامشـية‬

‫بالنســبة إلى السياســة الخارجيــة اليابانيــة‪ ،‬مثــل إفريقيــا‪ ،‬وإ عمــاال لــذلك التوجــه الجديــد‪ ،‬أوفــدت اليابــان وفــدا‬

‫‪ - 388‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي اإلفريقي ‪ ،2002-2001‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.343‬‬
‫‪389‬‬
‫‪- Ichiro KOMATSU, La coopération Japonaise en Afrique et le processus de la‬‬
‫‪TICAD, mars 2013, p 2, consulté le 7/03/2015 sur le site:‬‬
‫‪http://www.fr.emb-japan.go.jp/actualite_ambassade/pdf/Presentation_TICAD_textes.pdf.‬‬
‫‪390‬‬
‫‪- Julien KITA, « L’Aide publique au développement Japonaise et l’Afrique : Vers un partenariat‬‬
‫‪fructueux ? », op,cit, p 16 .‬‬

‫‪217‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لمراقبــة االنتخابــات في ليبيريــا بعــد تســوية الصــراع عــام ‪ ،1989‬كمــا أوفــدت بعثــات حكوميــة إلى أنغــوال‬

‫عام ‪ ،1992‬ونيجيريا عام ‪ ،1997‬وفي سـنة ‪ 1993‬أوفــدت اليابـان بعثـة عسـكرية إلى الموزمـبيق‪ ،‬كمـا‬

‫أرســلت فرقــة عســكرية مكونــة من ‪ 400‬جنــدي إلى روانــدا عــام ‪ ،1994‬في إطــار جهــود األمم المتحــدة‬

‫لتحقيق السالم في هذا البلد‪.‬‬

‫كــذلك بــدأت اليابــان في اإلســهام في صــندوق منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة ســابقا‪ ،‬االتحــاد اإلفــريقي‬

‫حاليا‪ ،‬لحفـظ السـالم‪ ،‬ولقـد بلـغ إجمـالي إسـهاماتها في الفـترة مـا بين ‪1994‬و ‪ 2000‬حـوالي ‪ 600‬مليـون‬

‫دوالر‪.391‬‬

‫ونظــرا لكــون القــارة اإلفريقيــة عــانت من ويالت الحــروب والنزاعــات العســكرية ومــا خلفتــه من‬

‫تعثر في عملية التنمية‪ ،‬بدأت اليابان مـع بدايـة تسـعينيات القـرن الماضـي توجهـا جديـدا لـدعم التنميـة بهـذه‬

‫القـ ـ ــارة‪ ،‬وذلـ ـ ــك بانعقـ ـ ــاد مـ ـ ــؤتمر طوكيـ ـ ــو الـ ـ ــدولي لتنميـ ـ ــة إفريقيـ ـ ــا (تيكـ ـ ــاد)‪Tokyo international ( ،‬‬

‫‪ )conférence on developement in Africa‬س ــنة ‪ ،1993‬ال ــذي اعت ــبر ح ــدثا مهم ــا جس ــد بداي ــة‬

‫مرحلــة جديــدة في تــاريخ العالقــات اليابانيــة‪ -‬اإلفريقيــة‪ ،‬حيث هــدفت اليابــان من عقــد هــذا المــؤتمر‪ ،‬إلى‬

‫إثارة انتباه المجتمع الدولي تجاه إفريقيا بعد االتجاه إلى تزايـد تهميشـها مـع بدايـة العقـد األخـير من القـرن‬

‫الماضي‪ ،‬بعد انتهاء الحرب الباردة وتوجه الدول األوروبية والواليات المتحدة األمريكية إلى دعم البنــاء‬

‫االقتص ــادي ل ــدول أوروب ــا الش ــرقية‪ ،‬مم ــا أدى إلى تراج ــع المس ــاعدات الدولي ــة المقدم ــة للق ــارة اإلفريقي ــة‪،‬‬

‫باإلض ــافة إلى تزاي ــد الص ــراعات اإلثني ــة والعرقي ــة داخ ــل الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬وم ــا أنتج ــه من تف ــاقم أزم ــة‬

‫الالجئين والمتشردين‪.‬‬

‫وقد شاركت في هذا المؤتمر ‪ 48‬دولة إفريقية و‪ 12‬دولة مانحـة وثمـاني منظمـات دوليـة‪ .‬ولقـد‬

‫تبــنى المــؤتمر "إعالن طوكيــو للتنميــة في إفريقيــا"‪ ،‬وهــو بمثابــة إطــار عــام للتنميــة أكــد أهميــة دعم إفريقيــا‬

‫لذاتها من ناحية‪ ،‬والحاجة إلى دعمها من ناحية أخرى‪.‬‬

‫‪ - 391‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي اإلفريقي ‪ ،2002-2001‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.343‬‬

‫‪218‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وفي أكت ــوبر ‪ 1998‬عق ــد م ــؤتمر طوكي ــو الث ــاني للتنمي ــة في إفريقي ــا بمش ــاركة ‪ 80‬دول ــة و‪40‬‬

‫مؤسسة دولية‪ ،‬وبعض المنظمات غير الحكومية‪ ،‬وتبنى المؤتمر خطة عمل طوكيو للتنمية اإلفريقيـة في‬

‫القــرن الحــادي والعشــرين‪ ،‬الــتي مثلت إطــارا اســتراتيجيا يهــدف إلى تحقيــق هــدفين أساســين‪ ،‬همــا‪ :‬حفــظ‬

‫مع ـ ــدالت الفق ـ ــر‪ ،‬وإ دم ـ ــاج إفريقي ـ ــا في االقتص ـ ــاد الع ـ ــالمي‪ .‬ولق ـ ــد رك ـ ــزت الخط ـ ــة على مج ـ ــاالت التنمي ـ ــة‬

‫االجتماعية (التعليم‪ ،‬الصحة‪ ،‬مكافحة األمراض)‪ ،‬والتنمية االقتصادية‪.392‬‬

‫وم ــع بداي ــة األلفي ــة الثالث ــة‪ ،‬ع ــرفت المؤسس ــات الدولي ــة دينامي ــة جدي ــدة لص ــالح دعم التنمي ــة في‬

‫إفريقيــا‪ ،‬وبمــا أن اليابــان تعتــبر من أهم اقتصــاديات العــالم‪ ،‬الــتزمت بالعمــل أكــثر من أجــل مســاعدة الــدول‬

‫اإلفريقيــة لتحقيــق التنميــة وتطــوير المســتوى المعيشــي للشــعوب اإلفريقيــة‪ .‬ففي ســنة ‪ ،2002‬وبنــاء على‬

‫مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون‪ ،‬أعلنت اليابان إلغاء ديونها المستحقة على هذه الدول‪ .393‬وما تجدر‬

‫اإلشارة إليه هو أن أغلب الدول الفقيرة المثقلة بالديون توجد في القارة اإلفريقية‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 2003‬نظمت اليابـان النسـخة الثالثـة للمـؤتمر الـدولي للتنميـة في إفريقيـا‪ ،‬وخالل هـذا‬

‫المــؤتمر أعلنت اليابــان عن توجهاتهــا الجديــدة لمســاعدة الــدول اإلفريقيــة من أجــل تحقيــق التنميــة‪ ،‬وذلــك‬

‫بترسيخ األمن والسالم‪ .‬وهذه التوجهات الجديـدة في السياسـة اليابانيـة تجـاه إفريقيـا تـرجمت فعليـا بـإعالن‬

‫الوزير األول اليابـاني بتخصـيص مليـار دوالر إلعانـة الـدول اإلفريقيـة خالل ‪ 5‬سـنوات في‪ :‬قطـاع المـاء‬

‫والصحة والتربية‪.394‬‬

‫وبانعق ــاد ال ــدورة الرابع ــة لتيك ــاد في س ــنة ‪ ،2008‬دخلت العالق ــات الياباني ــة‪ -‬اإلفريقي ــة مرحل ــة‬

‫جديـدة‪ ،‬وبحسـب مـا جـاء في الخطـاب االفتتـاحي للمـؤتمر الـذي ألقـاه رئيس الـوزراء اليابـاني‪ ،‬الـذي أعلن‬

‫فيه مجموعة من اإلجراءات الكفيلة بتقوية الروابـط اليابانيـة‪ -‬اإلفريقيـة‪ .‬ومن أهم هـذه اإلجـراءات زيـادة‬

‫‪ - 392‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.344‬‬


‫‪393‬‬
‫‪- Julien KITA, op, cit, p19.‬‬
‫‪394‬‬
‫‪- « Japan’s Action to promote investment to Africa: Highlights of the Tokyo international conference on‬‬
‫‪investment to Africa », Ministry of Foreign Affaires (Japan) 26 February 2003, viewed 7/03/2015 at:‬‬
‫‪http://www.mofa.go.jp/region/africa/conf0302/pamphlet.pdf.‬‬

‫‪219‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المس ــاعدات الممنوح ــة لل ــدول اإلفريقي ــة من ط ــرف الياب ــان‪ ،‬كم ــا تم وض ــع ‪ 4‬ملي ــارات دوالر على ش ــكل‬

‫قروض من أجل تطوير البنيات التحتية في الدول اإلفريقية‪.‬‬

‫وفي سـ ــنة ‪ 2013‬استضـ ــافت اليابـ ــان النسـ ــخة الخامسـ ــة لمـ ــؤتمر تيكـ ــاد‪ ،‬وذلـ ــك بمشـ ــاركة قـ ــادة‬

‫وممثلي أربعــة وخمســين دولــة ومنظمــة إفريقيــة‪ ،‬شــاركوا في اجتمــاع القمــة بــدعو‪ ,‬من الحكومــة اليابانيــة‪،‬‬

‫وهدفت اليابان من وراء هـذا المـؤتمر إلى تعزيـز وجودهـا سياسـيا واقتصـاديا في القـارة اإلفريقيـة‪ ،‬وذلـك‬

‫في ظ ــل تزاي ــد االهتم ــام ال ــدولي بالقــارة اإلفريقي ــة م ــع بداي ــة القــرن الح ــالي‪ ،‬خاص ــة م ــع تص ــاعد الوج ــود‬

‫الصــيني واألمــريكي‪ ،‬ومــا خلفــه من ســيطرة على األســواق اإلفريقيــة‪ ،‬مــوازاة مــع تخلــف الوجــود اليابــاني‬

‫بها مقارنة مع جل القوى الدولية المهتمة بالقارة اإلفريقية‪،‬‬

‫وخالل ه ــذا الم ــؤتمر تمت المص ــادقة على برن ــامج عم ــل الف ــترة م ــا بين ‪ 2017-2013‬ال ــذي‬

‫ركــز على ثالثــة محــاور أساســية‪ :‬بنــاء اقتصــاد قــوي والوصــول إلى مجتمــع متماســك وضــمان االســتقرار‬

‫والسلم‪.‬‬

‫كما تعهــدت اليابــان بزيــادة ‪ 14‬مليــار دوالر أمــريكي كمســاعدات لتنميــة القـارة اإلفريقيــة خالل‬

‫خمس سـ ــنوات المقبلـ ــة‪ ،‬إضـ ــافة إلى تخصـ ــيص مبلـ ــغ ‪ 6,5‬مليـ ــار دوالر لتطـ ــوير البنيـ ــة التحتيـ ــة بالقـــارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬وإ طالق مبادرة تشجيع الشباب على خلق المقاوالت الخاصة‪ ،‬وتعهــدت كــذلك اليابــان باســتقبال‬

‫‪ 1000‬شاب إفريقي للدراسة بها ‪.395‬‬

‫ولقــد خصــص المــؤتمر حــيزا مهمــا لتحســين األوضــاع األمنيــة في القــارة‪ ،‬وذلــك عقب تعــرض‬

‫‪ 10‬مواطنين يابانيين لالختطاف كرهائن في الجزائر ومقتلهم بعد ذلـك على يـد متشـددين إسـالميين‪ ،‬هـذا‬

‫باإلضــافة إلى كــون أمن الخطــوط المالحيــة بالنســبة إلى دولــة تجاريــة كاليابــان يكتســي أهميــة حيويــة إلى‬

‫أمنهــا االقتصــادي‪ ،‬ممــا تصــبح معــه القرصــنة قبالــة شــرق إفريقيــا وأمــاكن أخــرى من الشــواغل الرئيســية‬

‫‪395‬‬
‫‪- JAPAN INTERNATIONAL COOPERATION AGENCY, ANNUAL REPORT, JICA2013, p 50-52.‬‬

‫‪220‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لليابــان‪ .396‬ففي ســابقة من نوعهــا منــذ نهايــة الحــرب العالميــة الثانيــة تــوجهت اليابــان ســنة ‪ 2011‬إلقامــة‬

‫قاعدة دفاعيـة بجيبـوتي‪ ،‬تتكـون من ‪ 600‬عنصــر تحت مسـمى قــوات الـدفاع الـذاتي البحريـة (‪Maritime‬‬

‫‪ )Self-Defense Force‬لحماي ــة حرك ــة الس ــفن الياباني ــة ال ــتي تم ــر عــبر خليج عــدن والمحي ــط الهن ــدي‬

‫والبح ـ ــر األحم ـ ــر‪ ،‬وتق ـ ــدم الياب ـ ــان ‪ 30‬ملي ـ ــون دوالر س ـ ــنويا للحكوم ـ ــة الجيبوتي ـ ــة نظ ـ ــير وج ـ ــود قواته ـ ــا‬

‫الدفاعيــة‪ .397‬وتجدر اإلشارة إلى أن العقيدة األمنيــة اليابانيــة عــرفت مــؤخرا تغــيرات جوهريــة‪ ،‬خصــوص‬

‫بعــد عــودة شــينزو أبي إلى الســلطة‪ ،‬فمــع نهايــة مــارس ‪ 2016‬دخلت تشــريعات أمنيــة وعســكرية جديــدة‬

‫أقرهــا البرلمــان اليابــاني العــام الماضــي حــيز التنفيــذ‪ ،‬حيث تســمح للقـوات اليابانيــة بالــدخول في صــراعات‬

‫مســـلحة خـــارج حـــدود البالد ألول مـــرة منـــذ نهايـــة الحـــرب العالمي ــة الثاني ــة‪ .‬كم ــا تمت زي ــادة الميزانيـــة‬

‫العسكرية تدريجيا‪ ،‬فبعد عشر سنوات من الركود في اإلنفاق العسـكري زادت اليابـان في ميزانيـة الـدفاع‬

‫بنس ـ ــبة ‪ %2,9‬س ـ ــنة ‪ ،2014‬و ‪ %2,8‬في ع ـ ــام ‪ ،2015‬وفي ديس ـ ــمبر من ع ـ ــام ‪ 2015‬أق ـ ــر البرلم ـ ــان‬

‫الياب ــاني زي ــادة أخ ــرى بنس ــبة ‪ %1,5‬لع ــام ‪ ،2016‬وذل ــك من ش ــأنه أن يرف ــع إجم ــالي اإلنف ــاق ال ــدفاعي‬

‫الســنوي في اليابــان ليصــل إلى ‪ 42,2‬مليــار دوالر‪ .‬وحســب مايكــل أوســلين ‪ Michal AUSLIN‬فهــذه‬

‫التغ ــيرات في السياس ــة األمني ــة الياباني ــة ج ــاءت نتيج ــة تن ــامي التهدي ــدات اإلقليمي ــة‪ ،‬خصوص ــا من ط ــرف‬

‫كوريا الشمالية وتزايد القدرات العسكرية الصينية‪.398‬‬

‫وتنفيذا لهذه التوجهات الجديــدة لسياســتها الدفاعيــة وعـدت اليابــان خالل المــؤتمر الخــامس لتيكــاد‬

‫بتقـ ــديم مسـ ــاعدات بقيمـ ــة ‪ 100‬مليـ ــار ين لمنطقـ ــة السـ ــاحل األفريقيـ ــة في المجـ ــال األمـ ــني‪ ،‬والتأكيـ ــد على‬

‫التنســيق بين الطــرفين للــدفع بإصــالح مجلس األمن الــدولي‪ .‬لــذلك تبقى رغبــة اليابــان في الحصــول على‬

‫‪ - 396‬توم كارجيل‪ ،‬مصالحنا االستراتيجية المشتركة دور إفريقيا في عــالم ما بعــد الــدول الثمـاني‪ ،‬سلسـلة دراسـات عالميـة ‪ ،32‬أبوظـبي‪ ،‬مركـز‬
‫اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪397‬‬
‫‪-David STYAN, « Djibouti: changing influence in the horn’s strategic hub”, Chatham house briefing paper,‬‬
‫‪April 2013, p 12-13. Viewed 11/08/2015 at:‬‬
‫‪https://www.chathamhouse.org/sites/files/chathamhouse/public/Research/Africa/0413bp_djibouti.pdf.‬‬
‫‪398‬‬
‫‪- Michael Auslin, “Japan’s New Realism: Abe Gets Tough”, Foreign Affairs, Volume 95, Number 2,‬‬
‫‪March/April 2016, pp 125- 134.‬‬
‫للتوسع أكثر في التغيرات التي عرفتها العقيدة األمنية اليابانية في العقدين األخرين راجع‪:‬‬
‫‪- Alexandra SAKAKI, Japan’s Security policy : A shift in direction undrer Abe?, Swp Research paper,‬‬
‫‪Stiftung Wissenschaft und Politik German Institute for International and Security Affairs, Berlin, March 2015.‬‬

‫‪221‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مقع ــد دائم بمجلس األمن من أهم األه ــداف السياس ــية لتط ــوير عالقته ــا م ــع دول الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬نظ ــرا‬

‫للكتل ــة التص ــويتية ال ــتي تتمت ــع به ــا الق ــارة اإلفريقي ــة بمنظم ــة األمم المتح ــدة‪ ،‬خصوص ــا بع ــد تزاي ــد ط ــرح‬

‫إصالح العديــد من المنظمــات الدوليــة في الســنوات األخــيرة‪ ،‬وهــو مــا أكــده "مونوجي موكي" رئيس لجنــة‬

‫إفريقيــا المدنيــة (‪ )CCFA‬إلى أنــه قــد تكــون لــدى اليابــان أجنــدتها الخفيــة الخاصــة؛ مثــل الســعي لكســب‬

‫ال ــدعم من إفريقي ــا لض ــمان مقع ــد دائم بمجلس األمن‪ ،‬أو لمواجه ــة نف ــوذ الص ــين في إفريقي ــا‪ ،399‬وه ــو م ــا‬

‫يستشــف كــذلك من ق ــول عميــد الســلك الدبلوماســي اإلفــريقي باليابــان ‪Elly ELIKUNDA Elineema‬‬

‫‪ Mtango‬قبل بداية مؤتمر تيكـاد ‪ ،4‬تشـكل ‪ 53‬دولـة إفريقيـة عـددا كبـيرا من األصــوات‪ ،‬الـذي ال غـنى‬

‫عنـه في المحافـل الدوليـة خاصـة في األمم المتحـدة‪ ،400‬كمـا تسـعى اليابـان للحصـول على مسـاندة الـدول‬

‫اإلفريقية لترشيح بعض الشخصيات اليابانية لتدبير وتسيير بعض المؤسسات الدولية‪.‬‬

‫ومن أهم م ـ ــا ج ـ ــاء في اإلعالن الخت ـ ــامي لم ـ ــؤتمر تيك ـ ــاد الخ ـ ــامس‪ ،‬ض ـ ــرورة ت ـ ــوطين الس ـ ــالم‬

‫واالستقرار والحكم الصالح بالـدول اإلفريقيـة‪ ،‬كشـرطين أساسـين للنمـو وتحقيـق األفـراد لكامـل إمكانـاتهم‪،‬‬

‫وكذا حل القضـايا عـبر الحـدود‪ ،‬مثـل اإلرهـاب والقرصـنة والجريمـة المنظمـة‪ ،‬ولـذلك أسـهمت اليابـان في‬

‫دعم مراكـز التـدريب في حفـظ السـالم والمشـاركة في محاربـة القرصــنة أمـام سـاحل جيبـوتي‪ ،‬كمـا قــدمت‬

‫اليابان مسـاعدات ماليـة من أجـل حفـظ السـالم‪ ،‬قــدرت قيمتهـا بـ ‪ 26‬مليـون دوالر‪ ،‬اسـتفادت منهـا كـل من‬

‫مصر وغانا وكينيا ومـالي وروانـدا وبـنين ونيجيريـا وجنـوب إفريقيـا والكـاميرون وإ ثيوبيـا‪ ،‬باإلضــافة إلى‬

‫تقــديم مســاعدات تقنيــة‪ ،‬وذلــك ببعث مكــونين يابــانيين لتقــديم الخــبرة لكــل من مصــر وغانــا وكينيــا ومــالي‬

‫والكاميرون‪.401‬‬

‫ولق ــد أعلنت الحكوم ــة الياباني ــة قب ــل انعق ــاد م ــؤتمر ‪ TICAD‬الخ ــامس س ــنة ‪ 2013‬عن توس ــيع‬

‫أنشـ ــطة قـ ــوات الـ ــدفاع الـ ــذاتي‪ ،‬المتعلقـ ــة بحفـ ــظ السـ ــالم في جنـ ــوب السـ ــودان‪ ،‬بنـ ــاء على طلب من األمم‬

‫‪ - 399‬جوزيف رامز أمين‪" ،‬مستقبل العالقــات اليابانيــة ‪ -‬اإلفريقيــة في ضــوء انعقــاد مــؤتمر ال(تيكــاد) الخــامس"‪ ،‬آفــاق إفريقيــة‪ ،‬العــدد األربعين‪،‬‬
‫‪ ،2014‬ص ‪.132-119‬‬
‫‪400‬‬
‫‪- Julien KITA, op, cit, p 25.‬‬
‫‪401‬‬
‫‪- Ichiro KOMATSU, La coopération Japonaise en Afrique et le processus de la TICAD, op, cit, p4.‬‬

‫‪222‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المتحدة‪ ،‬متجاوزة المخاوف األمنية‪ ،‬وال سـيما عقب مقتـل خمسـة جنـود هنـود في كمين نصــبه مسـلحون‪،‬‬

‫ويش ـ ــارك حالي ـ ــا نح ـ ــو ‪ 330‬عنص ـ ــرا من ق ـ ــوات ال ـ ــدفاع البري ـ ــة الياباني ـ ــة في بن ـ ــاء الط ـ ــرق وغيره ـ ــا من‬

‫األعمـ ــال‪ .402‬وتجـ ــدر اإلشـ ــارة إلى أن فعاليـ ــات المجتمـ ــع المـ ــدني اإلفـ ــريقي واليابـ ــاني تنشـ ــطت في اتجـ ــاه‬

‫الضـغط على الحكومـة اليابانيـة حـتى ال يتوسـع التعـاون الـدفاعي على حسـاب المشـاريع التعاونيـة لتحقيـق‬

‫أهداف األلفية للتنمية‪.403‬‬

‫وما يمكن تأكيده هـو كـون عالقـات اليابـان مـع الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬تتضـمن التشـديد على ضـرورة‬

‫اإلصــالح الــديمقراطي وحقــوق اإلنســان‪ .‬وقــد قــامت اليابــان باإلنفــاق في هــذه المجــاالت فعال من تــدريب‬

‫وتط ـ ــوير بعث ـ ــات في‪ :‬الكونغ ـ ــو ونيجيري ـ ــا وغيره ـ ــا من ال ـ ــدول اإلفريقي ـ ــة‪ .‬ولكن الفعالي ـ ــة الحقيق ـ ــة له ـ ــذه‬

‫االســتراتيجية تكــاد تكــون منعدمــة‪ ،‬مقارنــة باســتراتيجية الصــين في إفريقيــا الــتي ال تعتمــد على طــرح هــذه‬

‫القضايا‪ ،‬التي تعتبرها شؤونا داخلية خاصة بالدول‪.404‬‬

‫وفي انتقاد مبطن لسياسة الصين في إفريقيا‪ ،‬قال الناطق الرسمي باسم رئيس الــوزراء اليابــاني‬

‫"تموهيكــو تانيجوشــي" أثنـــاء زيـــارة رئيس الـــوزراء اليابـــاني "شــينزو آبي" إلى ك ــل من‪ :‬ســـاحل العـــاج‬

‫وموزمبيق وإ ثيوبيا بداية سنة ‪ : 2014‬إن اليابان تتخلف وراء الصين فيمــا يتعلـق باالسـتثمارات في إفريقيـا‪،‬‬

‫إال أن دوال مث ــل الياب ــان وفرنس ــا وبريطاني ــا ال تس ــتطيع أن تق ــدم من ــازل فخم ــة وال مق ــار وزاري ــة رائع ــة للق ــادة‬

‫األفارقة‪.405‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األهداف االقتصادية لالستراتيجية اليابانية في إفريقيا‬


‫تحتــل اليابــان المرتبــة الثالثــة عالميــا‪ ،‬بعــد الواليـات المتحــدة األمريكيــة والصــين‪ ،‬من حيث القـوة‬

‫االقتصــادية المبنيــة على الصــناعات المتقدمــة واقتصــاد الســوق الحــرة‪ ،‬كمــا يعتــبر االقتصــاد اليابــاني ثــاني‬

‫أك ــبر س ــوق في الع ــالم ألس ــعار الص ــرف بع ــد الوالي ــات المتح ــدة‪ ،‬ويتم ــيز ه ــذا االقتص ــاد بالكف ــاءة العالي ــة‬
‫‪ - 402‬جوزيف رامز أمين‪" ،‬مستقبل العالقات اليابانبة‪ -‬اإلفريقية في ضوء انعقاد مؤتمر ال(تيكاد) الخامس"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫‪ - 403‬أنظر في هذا الباب مداخلة د‪ .‬المصطفى الرزرازي‪ ،‬الكـاتب العـام للهيئـة المدنيـة اإلفريقيـة (‪ ،)CCFA‬خالل المـؤتمر الـوزاري لتيكـاد بمقـر‬
‫االتحاد اإلفريقي بأديس أبيبا‪ ،‬مارس ‪( .2013‬غير منشورة)‪.‬‬
‫‪ - 404‬علي حسين باكير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪" - 405‬زيارة رئيس وزراء اليابان إلفريقيا"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد العاشر‪ ،‬يناير ‪ ،2014‬ص ‪.2‬‬

‫‪223‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫والمنافســة القويــة في المجــاالت المرتبطــة بالتجــارة الدوليــة‪ ،‬ويعــزو المحللــون االقتصــاديون أســباب قــوة‬

‫االقتصاد اليابــاني‪ ،‬إلى التعــاون المشــترك بين الحكومــة والقطــاع الخــاص‪ ،‬إضــافة إلى التكنولوجيــا العاليــة‬

‫ال ــتي تس ــتحوذ عليه ــا الياب ــان‪ ،‬من خالل نظ ــام تعليمي وأك ــاديمي متط ــور ج ــدا‪ .‬كم ــا أن ارتف ــاع مع ــدالت‬

‫االدخــار واالســتثمار والــترويج المكثــف للتنميــة الصــناعية والتجــارة الخارجيــة‪ ،‬أســهمت هي األخــرى‪ ،‬في‬

‫عملية إنضاج االقتصاد اليابـاني‪ ،‬بـالرغم من المصـادر الطبيعيـة القليلـة المتـوفرة لـديها‪ ،‬األمـر الـذي دفـع‬

‫اليابان إلى االعتماد على التجارة الخارجية لتوفير الموارد الخام القتصادها‪.406‬‬

‫ل ــذلك ت ــوجهت الياب ــان ل ــدعم عالقاته ــا التجاري ــة م ــع العدي ــد من دول الع ــالم‪ ،‬من بينه ــا ال ــدول‬

‫اإلفريقية‪ ،‬على الرغم من كون تجارتها مع القـارة اإلفريقيـة ال تشـكل نسـبة كبـيرة في العالقـات التجاريـة‬

‫اليابانية‪ ،‬التي تتم بشكل كبير مع االتحاد األوروبي والواليات المتحدة ودول شرق آسيا‪.‬‬

‫فق ــد م ــرت العالق ــات التجاري ــة بين الياب ــان وال ــدول اإلفريقي ــة بع ــدة مراح ــل‪ ،‬فم ــا بين ‪-1961‬‬

‫‪ 1970‬انتقلت الصادرات اليابانية من ‪ 400‬مليون دوالر إلى ‪ 1,4‬مليــار دوالر‪ ،‬وخالل المرحلــة نفســها‬

‫حققت الواردات اليابانية من القارة اإلفريقية قفزة نوعية‪ ،‬فقد انتقلت من ‪ 300‬إلى ‪ 850‬مليون دوالر‪.‬‬

‫وتجـ ـ ــدر اإلشـ ـ ــارة إلى أنـ ـ ــه خالل المرحلـ ـ ــة مـ ـ ــا بين ‪ ،1990-1980‬هيمن قطـ ـ ــاع النقـ ـ ــل على‬

‫الصـ ــادرات اليابانيـــة نحـــو القـــارة اإلفريقيـــة (الســـيارات والشـــاحنات والس ــفن والق ــوارب)‪ ،‬باإلضـ ــافة إلى‬

‫التجهــيزات الكهربائيــة والمنتوجــات المعدنيــة‪ ،‬أمــا فيمــا يخص الــواردات اليابانيــة من إفريقيــا‪ ،‬فقــد هيمنت‬

‫عليها الموارد الطاقية والمعدنية بنسبة ‪( ،%50‬البترول والكــاربون والبالتين والنحــاس والفـوالذ والــذهب‬

‫والكوبالت)‪ ،‬لقد كان أهم الشركاء التجاريين لليابـان خالل هـذه المرحلـة‪ :‬جنـوب إفريقيـا بنسـبة كبـيرة‪ ،‬ثم‬

‫مصر وليبريا ونيجيريا وزمبابوي وكينيا وموريتانيا والغابون وغانا وتنزانيا‪.407‬‬

‫‪ - 406‬فوزي حسن حسين‪ ،‬الصين واليابان ومقومات القطبية العالمية‪ ،‬دار المنهل اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪2009‬م‪1430 -‬هـ‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫‪407‬‬
‫‪- Marc Aicardi de Saint-Paul , « Le Japon et l’Afrique : genèse d’une relation pérenne » , Géostratégiques,‬‬
‫‪n° 26 1er trimestre 2010, p 198-199.‬‬

‫‪224‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وخالل الفترة ما بين سنة ‪ 2002‬و ‪ ،2010‬نمت قيمة المبادالت التجارية بين اليابان وإ فريقيــا‬

‫ب ‪ ،%27‬فــالواردات ارتفعت بنســبة ‪ %30‬والصــادرات بنســبة ‪ ،%28‬غــير أنــه خالل الســنة مــا بين‬

‫‪ 2008‬و‪ 2009‬انخفض ـ ــت قيم ـ ــة المب ـ ــادالت التجاري ـ ــة بين الياب ـ ــان وإ فريقي ـ ــا بنس ـ ــبة ‪ ،%46‬مم ـ ــا يع ـ ــني‬

‫انخفاض قيمتها من ‪ 34‬مليار دوالر سنة ‪ ،2008‬إلى ‪ 19‬مليار دوالر عند نهاية ‪.2009‬‬

‫ولق ـ ـ ــد انخفض ـ ـ ــت ال ـ ـ ــواردات الياباني ـ ـ ــة بنس ـ ـ ــبة ‪ ،%57‬أي بقيم ـ ـ ــة ‪ 12‬ملي ـ ـ ــار دوالر‪ ،‬في حين‬

‫انخفضــت صــادراتها نســبيا بنســبة ‪ %29‬أي بقيمــة ‪ 4‬مليــار دوالر خالل الفــترة نفســها‪ ،408‬وذلــك نتيجــة‬

‫األزم ــة المالي ــة ال ــتي عاش ــها الع ــالم‪ ،‬وم ــا أدت إلي ــه من تراج ــع في الطلب على الم ــواد األولي ــة‪ ،‬وإ فالس‬

‫العديد من الشركات‪.‬‬

‫حجم التبادل التجاري بين اليابان وإ فريقيا خالل المرحلة ‪2010-2002‬‬ ‫المبيان رقم ‪:22‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Tail FUNDIRA , Trade at a glance : The BRICS and Japan’s engagement with‬‬
‫‪Africa, tralac working paper, January 2012, p 41.‬‬
‫وتبقى العالق ــات التجاري ــة للياب ــان م ــع دول الق ــارة اإلفريقي ــة ض ــعيفة‪ ،‬إذ ال تبل ــغ إال رب ــع قيم ــة‬

‫المب ــادالت اإلفريقي ــة الص ــينية س ــنة ‪ .4092008‬وخالل س ــنة ‪ 2010‬ع ــادت قيم ــة المب ــادالت التجاري ــة في‬

‫االرتفــاع‪ ،‬بنســبة ‪ ،%28‬أي بقيمــة ‪ 24‬مليــار دوالر‪ ،‬ومــا يمكن مالحظتــه هــو كــون العالق ــات التجاريــة‬

‫لليابان تتم مع عدد محدود من الدول اإلفريقية‪ ،‬بحيث تستحوذ دولتـا جنـوب إفريقيـا والسـودان على أكـثر‬

‫‪408‬‬
‫‪- Tail FUNDIRA , Trade at a glance : The BRICS and Japan’s engagement with Africa, Tralac working‬‬
‫‪paper, January 2012, p 41-42.‬‬
‫‪ - 409‬فيليب ليمار‪" ،‬إفريقيا‪ ،‬مسرح المناورة الدبلوماسية واالقتصادية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬

‫‪225‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫من ‪ %70‬من واردات الياب ـ ــان من إفريقي ـ ــا‪ ،‬في حين تتوج ـ ــه ص ـ ــادراتها إلى ثالث دول رئيس ـ ــة‪ ،‬وهي‬

‫جنوب إفريقيـا وليبريـا ومصــر‪ ،‬حسـب النسـب التاليـة على التـوالي ‪ ،%12 ،%16،%32‬كمـا يوضــحه‬

‫المبيان أسفله‪.‬‬

‫وتتكــون بنيــة الــواردات اليابانيــة من إفريقيــا أساســا من المــواد األوليــة‪ ،‬الــتي تشــكل نســبة ‪%89‬‬

‫بحيث تش ــكل ثالث م ــواد أساس ــية نس ــبة ‪ %78‬وهي‪ :‬المع ــادن النفيس ــة بنس ــبة ‪ ،%32‬والفي ــول والب ــترول‬

‫‪ ،%26‬والخامات بنسبة ‪.%10‬‬

‫أما فيما يخص بنيـة الصـادرات فهنـاك عشـر مـواد‪ ،‬تمثـل مـا نسـبته ‪ %94‬من هـذه الصـادرات‪،‬‬

‫وهي ذات قيمة مضافة عالية من أهمها‪ :‬السيارات ‪ ،%39‬واآلالت الصناعية ‪ ،%19‬والسفن والقوارب‬

‫‪ ،%16‬واآلالت الكهربائية ‪ ،%6‬والمطاط ‪ ،%3‬والحديد والصلب ‪.410%3‬‬

‫أهم الدول اإلفريقية التي تصدر وتستورد منها اليابان سنة ‪2010‬‬ ‫المبيان رقم ‪:23‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Tail FUNDIRA , Trade at a glance : The BRICS and Japan’s engagement with‬‬
‫‪Africa, op, cit, p 42.‬‬
‫وفي سنة ‪ 2011‬ارتفعت الواردات اليابانية من إفريقيا ب ‪ %46‬أي ما يشكل ‪ 17,212‬مليار‬

‫دوالر‪ ،‬في حين انخفضت صــادراتها إلى القـارة اإلفريقيـة بنسـبة ‪ ،%9,8‬أي مـا يشـكل حـوالي ‪13,158‬‬

‫‪410‬‬
‫‪- Tail FUNDIRA, Trade at a glance : The BRICS and Japan’s engagement with Africa, op, cit, p 42.‬‬

‫‪226‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ملي ــار دوالر‪ ،‬مم ــا يع ــني أن الياب ــان س ــجلت عج ــزا في أداء ميزانه ــا التج ــاري م ــع إفريقي ــا بقيم ــة ‪4,054‬‬

‫مليار دوالر‪.‬‬

‫وتعتـ ــبر كـ ــل من السـ ــودان (‪ ،)%11,6‬ونيجيريـ ــا (‪ ،)%9,7‬وغينيـ ــا االسـ ــتوائية (‪ ،)%7,9‬أهم‬

‫المصدرين لليابان من دول إفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬أما في مجــال الصــادرات اليابانيــة فهي تتجــه بشــكل‬

‫كبــير إلى‪ :‬جنــوب إفريقيــا ‪ ،%32,9‬وليبريــا (‪ ،)%24,9‬ومصــر ‪ .%10,2‬ومــا تجــدر اإلشــارة إليــه هــو‬

‫أن ــه خالل س ــنة ‪ 2001‬ش ــكلت إفريقي ــا من ص ــادرات الياب ــان الخارجي ــة م ــا نس ــبته ‪ ،%1,3‬ل ــترتفع س ــنة‬

‫‪ 2011‬إلى ‪ ،%2‬واألمر نفسه ينطبق على الواردات اليابانية من إفريقيا‪.411‬‬

‫أمــا خالل ســنة ‪ 2012‬فقــد بلغت قيمــة الصــادرات اليابانيــة إلى إفريقيــا ‪ 6,35‬مليــار أورو‪ ،‬في‬

‫حين وص ـ ــلت قيمـ ــة وارداتهـ ــا من إفريقيـ ــا إلى قيمـ ــة ‪ 7,44‬مليـ ــار أورو‪ .‬وتتشـ ــكل أغلبهـ ــا من األسـ ــماك‬

‫والمعادن النفيسة والمواد الفالحية‪.412‬‬

‫لقد بدأت اليابان منذ وقت قريب‪ ،‬وهي البلد الفقير جدا من حيث مصادر الطاقة‪ ،‬بإعادة النظــر‬

‫في سياســة أمن الطاقــة تحســبا ألي أزمــة نفطيــة أو أخطــار االرتفــاع الجنــوني لألســعار النفــط‪ ،‬أو اســتئثار‬

‫إحدى الدول بمصادر الطاقة النفطية‪ ،‬وخصوصا من خطر حـدوث نـزاع بينهـا وبين الصـين على الغـاز‪،‬‬

‫بســبب العديــد من الخالفــات‪ ،‬كــان آخرهــا تــوتر العالقــات الصــينية اليابانيــة؛ بســبب الــنزاع على أرخبيــل‬

‫صــغير يقـع في بحـر الصــين الشـرقي‪ ،‬تـديره اليابـان‪ ،‬وتطلـق عليـه اسـم سـنكاكو‪ ،‬بينمـا تطـالب بـه الصــين‬

‫التي تسميه دياويو‪ ،‬وقد أخذ هذا النزاع منحـا تصــاعديا خطـيرا عنـدما نشـرت الصــين إحـداثيات جغرافيـة‬

‫لهـذه المنطقـة الـتي تبلـغ مسـاحتها ثلـثي مسـاحة بريطانيـا‪ ،‬وأعلنتهـا منطقـة دفــاع جـوي‪ ،‬وطلبت من جميـع‬

‫الطــائرات األجنبيــة الــتي تعــبر أجواءهــا التعريــف بنفســها للســلطات الصــينية‪ ،‬وهــو إجــراء قوبــل بــالرفض‬

‫ليس من اليابـ ــان المعـ ــني بـ ــالنزاع حـ ــول هـ ــذه الجـ ــزر فقـ ــط‪ ،‬بـ ــل من الواليـ ــات المتحـ ــدة وتـ ــايوان وكوريـ ــا‬
‫‪411‬‬
‫‪- Sawaka TAKAZAKI, Special Report: Taking in the Dynamism of Africa, JETRO, April 2013, p 5,‬‬
‫‪viewed 07/03/2015 at: https://www.jetro.go.jp/en/african_business/pdf/sensor_201304.pdf.‬‬
‫‪412‬‬
‫‪- Ichiro KOMATSU, La coopération Japonaise en Afrique et le processus de la‬‬
‫‪TICAD, op ,cit, p 3.‬‬

‫‪227‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الجنوبية أيضا‪ ،‬كما لقيت اليابان دعما دوليا من دول غـير آسـيوية‪ ،‬هي أسـتراليا وألمانيـا‪ .‬وتتجلى أهميـة‬

‫هذه الجزر بامتالكها ثروات طبيعة كبيرة (النفط والغاز) باإلضافة إلى تحكمها في العديــد من الممــرات‬

‫البحرية التجارية‪.413‬‬

‫وتحس ــبا لمث ــل ه ــذه النزاع ــات ال ــتي يمكن أن تنش ــب في أي وقت م ــع الص ــين‪ ،‬وض ــعت وزارة‬

‫االقتصاد والتجارة والصناعة اليابانيـة في السـنوات األولى من العقـد الماضـي اسـتراتيجية الطاقـة القوميـة‬

‫الجديدة التي تتمحور‪ ،‬حول تخفيض اعتمـاد اليابـان على النفـط بمعـدل ‪ %40‬حـتى عـام ‪ ،2030‬غـير أن‬

‫ما يمكن اإلشارة إليه هو كون هذه االستراتيجية أكدت زيادة االهتمـام بالطاقـة النوويـة‪ ،‬لكن هـذا الهـدف‬

‫تم الــتراجع عنــه بعــد حــدثي المفاعــل النــووي فوكوشــيما الــذي جعــل اليابــان تقــر أنهــا ســتتخلص من إنتــاج‬

‫الطاقة النووية مع نهاية العقدين القادمين‪.‬‬

‫فقــد دعت االســتراتيجية الجديــدة إلى زيــادة معــدل إنتــاج النفــط اليابــاني أو النفــط الــذي يعــالج في‬

‫اليابان‪ ،‬ويستورد عادة من منتجين يابانيين محليين‪ ،‬فالمطلوب أن تصبح ‪ %40‬من حاجات النفط محلية‬

‫حتى عام ‪ 2030‬بدال من ‪ %15‬حاليا‪.‬‬

‫كمــا عملت اليابــان على التوجــه للخــارج من أجــل ضــمان الحصــول على مصــادر الطاقــة‪ ،‬عن‬

‫طريــق تعزيــز وجــود وقــوة شــركات الطاقــة اليابانيــة‪ ،‬الــتي ستســعى إلى زيــادة اســتثماراتها في الخــارج‪،‬‬

‫لضمان تنوع مصادر الطاقة لليابان من النفط والغاز والموارد الطاقية بصفة عامة‪.414‬‬

‫وفي إطــار هــذا التوجــه أصــبحت اليابــان ســنة ‪ 2004‬تحتــل المركــز الثــالث في قائمــة الــدول‬

‫الــتي تســتورد نفـط إفريقيــا بعــد الواليــات المتحــدة والصــين‪ ،‬وقــد نمت وارادات اليابــان من النفـط اإلفــريقي‬

‫بنس ــبة ‪ %20‬في الع ــام ‪ ،2004‬بينم ــا نمت واردات الص ــين من النف ــط اإلف ــريقي في الف ــترة نفس ــها بنس ــبة‬

‫‪ " - 413‬نزاع الصين واليابان إلى أين؟ الحرب مستبعدة والنفط والغاز بيت القصيد"‪ ،‬أفاق المستقبل‪ ،‬العدد ‪ ،21‬يناير‪ /‬فــبراير‪ /‬مــارس‪ ،2014 /‬ص‬
‫‪.23‬‬
‫‪ - 414‬فوزي حسن حسين‪ ،‬الصين واليابان ومقومات القطبية العالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.204-203‬‬

‫‪228‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ .%35‬والتق ــارب الياب ــاني م ــع ال ــدول اإلفريقي ــة يتم بن ــاء على اس ــتراتيجية تختل ــف عن تل ــك ال ــتي تتبعه ــا‬

‫الصين‪.415‬‬

‫غير أنه في السنوات األخيرة لم تعد الموارد الطاقية اإلفريقية‪ ،‬تلقى اهتماما كبيرا من اليابــان‪،‬‬

‫مقارنة بالواليات المتحدة األمريكية والصين والهند‪ ،‬الــتي زادت من اهتمامهــا بهــذه المــوارد‪ ،‬لكن اليابــان‬

‫بعد اإلقدام على قرار التخلي عن الطاقة النووية‪ ،‬بدأت تتوجه إلى بعض الدول اإلفريقيــة للحصــول على‬

‫النفط‪ ،‬كنيجيريا والغابون وأنغوال‪ .416‬وتجدر اإلشارة إلى أن أغلب واردات اليابان من النفط‪ ،‬تــأتي من‬

‫دول الخليج بحص ــة تتج ــاوز ‪ %76‬من وارداته ــا في ه ــذا المج ــال خالل س ــنة ‪ ،2014‬كم ــا ه ــو م ــبين في‬

‫المبيان أسفله‪.‬‬

‫المبيان رقم ‪ :24‬أهم الدول التي استوردت منها اليابان النفط خالل سنة ‪2014‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪U.S Energy information, japan, last updated, 30 January 2015, p 7, viewed‬‬
‫‪08/03/2015 at: http://www.eia.gov/countries/analysisbriefs/Japan/japan.pdf.‬‬
‫وتعتمد اليابـان بشـكل كبـير على الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬للحصــول على المعـادن النفيسـة األساسـية في‬

‫الصــناعات التكنولوجيــة الدقيقــة‪ ،‬نظــرا للتطــور الكبــير الــذي تعرفــه اليابــان في هــذا المجــال‪ ،‬خاصــة في‬

‫‪ - 415‬علي حسين باكير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.218‬‬


‫‪416‬‬
‫‪- U.S Energy information, japan, last updated, 30 January 2015, p 7, viewed 08/03/2015 at:‬‬
‫‪http://www.eia.gov/countries/analysisbriefs/Japan/japan.pdf.‬‬

‫‪229‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مجال الصناعات اإللكترونية والطائرات والطاقة النووية والسيارات‪ :‬كالبالتين والمنغنــيز والكــروم‪ ،‬كمــا‬

‫هو موضح في المبيان أسفله‪:‬‬

‫المبيان رقم ‪ :25‬حصة دول إفريقيا جنوب الصحراء من واردات اليابان من المعادن النفيسة خالل سنة ‪2012‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Ichiro KOMATSU , la coopération Japonaise en Afrique et le processus de la TICAD,‬‬
‫‪mars 2013, p3, viewed 7/03/2015 at:‬‬
‫‪http://www.fr.embjapan.go.jp/actualite_ambassade/pdf/Presentation_TICAD_textes.pdf.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل االستراتيجية اليابانية‬

‫في إط ــار تحقي ــق أه ــداف اس ــتراتيجيتها في الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬تعتم ــد الياب ــان على مجموع ــة من‬

‫الوس ــائل ت ــأتي في طليعته ــا الوس ــائل االقتص ــادية من خالل تش ــجيع ش ــركاتها لالس ــتثمار في بعض ال ــدول‬

‫اإلفريقية‪ ،‬الستدراك تأخرها في هذا المجال أمام الشركات الدولية‪ ،‬خصوصا األوروبية والصينية‪ ،‬الــتي‬

‫تجــاوز عــدد شــركاتها ‪ 2000‬شــركة في القــارة اإلفريقيــة (الفقــرة األولى)‪ ،‬كمــا تــوجهت اليابــان إلى تقــديم‬

‫المس ــاعدات المالي ــة والفني ــة لمجموع ــة من ال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬م ــوازاة م ــع إلغ ــاء ديونه ــا المس ــتحقة للبعض‬

‫منها‪ ،‬في إطار المبادرات الدولية لتخفيف عبء الديون على الدول المثقلة بالديون (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االستثمارات اليابانية بإفريقيا‬

‫بل ــغ إجم ــالي االس ــتثمارات الياباني ــة ح ــتى عــام ‪ 2001‬في إفريقي ــا م ــا قيمت ــه ‪ 5‬ملي ــارات دوالر‪،‬‬

‫غ ــير أن ه ــذه االس ــتثمارات س ــتعرف تراجع ــا س ــنة ‪ 2002‬إذ بلغت قيمته ــا ‪ 1,23‬ملي ــار دوالر‪ ،‬ومن أهم‬

‫القطاعـات الـتي تسـتثمر فيهـا الشـركات اليابانيـة قطـاع النقـل‪ ،‬أي البنيـة التحتيـة للنقـل‪ ،‬كـالطرق والجسـور‬

‫‪230‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫والنقل البحري‪ ،‬فقد وصل عدد المشاريع التي استثمرت فيها اليابان في هذه القطاعات إلى حوالي ‪745‬‬

‫مش ــروعا (من ‪ 1951‬إلى ‪ ،)2001‬مم ــا جعل ــه يش ــكل ثلث االس ــتثمارات الياباني ــة بمبل ــغ يق ــدر ب ‪903‬‬

‫مليار ين ياباني‪ ،‬أما القطاع الثاني الذي تتوجه إليه االستثمارات اليابانيـة فهـو قطـاع المنـاجم بقيمـة ‪172‬‬

‫ملي ــار ين ياب ــاني‪ ،‬وق ــد أنج ــزت الياب ــان ‪ 135‬مش ــروعا في ه ــذا المج ــال‪ ،‬في حين يحت ــل قط ــاع الخ ــدمات‬

‫االجتماعية المرتبة الثالثة ب ‪ 119‬مشروعا بمبلغ يقدر ‪ 163‬مليون ين‪.417‬‬

‫ولقد اسـتفادت تسـع دول أساسـية خالل الفـترة مـا بين ‪ 2001-1996‬من االسـتثمارات اليابانيـة‬

‫وهي‪ :‬ليبيريــا وجنــوب إفريقيــا وتنزانيــا ومصــر وموريشــيوس ومدغشــقر وكينيــا وزامبيــا ومــاالوي‪ ،‬كمــا‬

‫يوضحه المبيان أسفله‪.‬‬

‫ت ــدفقات االس ــتثمارات الياباني ــة المباش ــرة إلى إفريقي ــا حس ــب ال ــدول المس ــتفيدة خالل الف ــترة م ــا بين ‪-1996‬‬ ‫المبيــان رقم ‪:26‬‬

‫‪2001‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Japan’s Action to promote investment to Africa: Highlights of the Tokyo international‬‬
‫‪conference on investment to Africa », Ministry of Foreign Affaires (Japan) 26 February 2003,‬‬
‫‪p 15, viewed 7/03/2015 at: http://www.mofa.go.jp/region/africa/conf0302/pamphlet.pdf.‬‬
‫خالل الخمس سـ ــنوات الماضـ ــية اسـ ــتثمرت اليابـ ــان مـ ــا يقـ ــارب ‪ 4,2‬مليـ ــار دوالر أمـ ــريكي في‬

‫إفريقيا كمعدل سنوي‪ ،‬وشملت القطاعات اآلتية‪ :‬البنيـات التحتيـة‪ ،‬واسـتخراج المعـادن‪ ،‬أمـا االسـتثمار في‬

‫‪417‬‬
‫‪- Anne ANDROUAIS, « Japon et Afrique : la genèse des relations économiques », Afrique Contemporaine,‬‬
‫‪n° 212, hiver 2004, p 119-121.‬‬

‫‪231‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الخ ــدمات والقط ــاع الص ــناعي فيبقى مح ــدودا في بعض ال ــدول كجن ــوب إفريقي ــا‪ ،‬ال ــتي تعت ــبر المس ــتقطب‬

‫األول لالستثمارات اليابانية في هذه المجاالت‪.‬‬

‫تعمـ ـ ــل الشـ ـ ــركات اليابانيـ ـ ــة على زيـ ـ ــادة فـ ـ ــرص اسـ ـ ــتثماراتها في إفريقيـ ـ ــا‪ ،‬حيث يـ ـ ــوفر نموهـ ـ ــا‬

‫االقتصادي السريع‪ ،‬ومواردها المعدنية الوفيرة‪ ،‬وعدد سكانها الكبير فرص استثمار مبهرة‪ ،‬حسـبما جـاء‬

‫في دراسة أعدتها مؤسســة نيكاي "بطوكيــو"‪ ،‬وأفــادت أنــه لم تعــد إفريقيــا مجــرد وجهــة اســتثمارية مربحــة‪،‬‬

‫بل أيضا سوقا استهالكية واعدة‪ ،‬حيث إن عدد سـكانها أصــبح يتجـاوز ‪ 1,1‬مليـار نسـمة‪ ،‬ومن المـرتقب‬

‫أن يصل إلى ‪ 2‬مليار بحلول عام ‪.2050‬‬

‫هــذا باإلضــافة إلى ســرعة نمــو اقتصــاد إفريقيــا منــذ عــام ‪ ،2000‬ففي عــام ‪ ،1990‬بلــغ النــاتج‬

‫المحلي اإلجم ــالي ‪ 495‬ملي ــار دوالر‪ ،‬أي ‪ %16‬من الن ــاتج المحلي اإلجم ــالي للياب ــان‪ ،‬وفي ع ــام ‪2011‬‬

‫ارتفع إلى أكثر من ‪ 1.9‬تريليون دوالر‪ ،‬أي ‪ %32‬من الناتج اإلجمالي الياباني ‪ .‬واعتبرت الدراســة أن‬

‫الشــركات اليابانيــة متــأخرة حــتى اآلن عن المنافســين الــدوليين – الســيما الشــركات األوروبيــة والصــينية‪-‬‬

‫في دخ ــول الس ــوق اإلفريقي ــة‪ ،‬حيث ك ــان االس ــتثمار الياب ــاني المباش ــر في ع ــام ‪ 2011‬يش ــكل س ــبع قيم ــة‬

‫استثمارات الصين‪ ،‬أي ‪ 460‬مليون دوالر‪.418‬‬

‫توجد حاليا ‪ 333‬شركة يابانية حسب تقريـر المنظمـة اليابانيـة للتجـارة الخارجيـة (‪ )JETRO‬بـ‬

‫‪ 24‬دولة إفريقية‪ ،‬كما يوضحه الجدول أسفله‪ ،‬ولقد بلـغ المعـدل السـنوي لالسـتثمارات اليابانيـة المباشـرة‬

‫بالقـارة اإلفريقيـة خالل الفـترة ‪ 5,2 2010-2006‬مليـار دوالر‪ .‬وهـو مـا يعـني أن االسـتمارات اليابانيـة‬

‫ارتفعت من ‪ 321,2‬ملي ـ ـ ــار ين س ـ ـ ــنة ‪ 2006‬إلى ‪ 626,8‬ملي ـ ـ ــار ين خالل س ـ ـ ــنة ‪ ،2011‬ت ـ ـ ــتركز ه ـ ـ ــذه‬

‫االستثمارات في مجاالت االتصاالت والطاقة والسيارات والصحة‪.‬‬

‫‪418‬‬
‫‪ -‬جوزيف رامز أمين‪" ،‬مستقبل العالقات اليابانبة‪ -‬اإلفريقية في ضوء انعقاد مؤتمر ال(تيكاد) الخامس"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬

‫‪232‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫عدد الشركات اليابانية بالدول اإلفريقية‬ ‫الجدول رقم ‪:8‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Kimihiko INOB, Activities of Japanese companies in South Africa and their‬‬
‫‪strategies, JETRO, Gordon Institute of business science, 13 May 2013, p 4.‬‬
‫من خالل الجدول أعاله‪ ،‬يتبين أن الشركات اليابانية تتمركز في جهتي شمال وجنــوب إفريقيــا‪،‬‬

‫فش ــمال إفريقي ــا توج ــد به ــا ‪ 127‬ش ــركة ياباني ــة‪ ،‬وه ــو م ــا يمكن تفس ــيره بك ــون الياب ــان تري ــد االس ــتفادة من‬

‫االتفاقيــات التجاريــة واالقتصــادية‪ ،‬الــتي تربــط هــذه المنطقــة مــع بــاقي دول العــالم‪ ،‬خصوصــا مــع االتحــاد‬

‫األوروبي التي وقعت معه بعض دول المنطقة اتفاقيات للتبادل الحـر‪ ،‬والواليـات المتحـدة األمريكيـة الـتي‬

‫لها نفس االتفاقيات مع بعض دول هذه المنطقة في اإلطار نفسه‪ ،‬رغم القيود المفروضــة في هــذا الشــأن‪،‬‬

‫باإلض ــافة إلى ق ــرب المســافة بين هــذه المنطقــة واالتحــاد األوروبي والواليــات المتحــدة‪ ،‬أمــا في الجنــوب‬

‫‪233‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اإلف ــريقي فتوج ــد ‪ 116‬ش ــركة ياباني ــة‪ ،‬وه ــو م ــا يمكن إرجاع ــه إلى العالق ــات التاريخي ــة للياب ــان م ــع ه ــذه‬

‫المنطقــة‪ ،‬باإلضــافة إلى تركيزهــا على البحث عن الــثروات المعدنيــة الــتي تتــوفر في هــذه المنطقــة بشــكل‬

‫كبير‪.‬‬

‫توزيع الشركات اليابانية في جهات إفريقيا‪.‬‬ ‫الخريطة رقم ‪:4‬‬

‫المصدر‪ (:‬بتصرف من الباحث)‬


‫‪-‬‬ ‫‪Kimihiko INOB, Activities of Japanese companies in South Africa and their‬‬
‫‪strategies, op,cit, p 5.‬‬
‫ويمكن إرجاع عدم إقبال الشركات اليابانية على االستثمار في الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬إلى مجموعـة‬

‫من األس ــباب‪ ،‬منه ــا‪ :‬الح ــروب األهلي ــة ال ــتي تعرفه ــا العدي ــد من ال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬ال ــتي ينتج عنه ــا غي ــاب‬

‫االستقرار السياسي والفقر‪ ،‬باإلضافة إلى البنية التحتيـة غـير المواتيـة لالسـتثمارات في أغلب دول القـارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬موازاة مع المشاكل التي أصبح يعرفها االقتصاد الياباني منذ منتصف العقد األخــير من القــرن‬

‫الماض ــي‪ ،‬فالياب ــان أص ــبحت تع ــاني من الش ــيخوخة وارتف ــاع البطال ــة في ص ــفوف الش ــباب‪ ،‬مم ــا ك ــان ل ــه‬

‫انعكاسات سلبية على االقتصاد الياباني‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المساعدات المالية والفنية‬

‫إلى جانب دبلوماسـيتها الكالسـيكية‪ ،‬نفـذت اليابـان إجـراءات جديـدة لتعزيـز صــورتها الخارجيـة‪،‬‬

‫وفي هذا اإلطار اعتمدت فلسفة المساعدات اإلنمائية‪ ،‬التي هي جزء من السياسة الخارجية اليابانيــة الــتي‬

‫تط ــورت كث ــيرا من ــذ س ــتين عام ــا‪ ،‬ويمكن تفس ــير تنفي ــذ الياب ــان لسياس ــة المس ــاعدات اإلنمائي ــة الرس ــمية‪،‬‬

‫بمجموعة من األهداف التي تريد اليابان تحقيقها‪ ،‬التي كانت مرتبطة بتغيرات السياق الـدولي خالل كـل‬

‫مرحلة‪ ،‬فقبل انهيـار المعسـكر االشـتراكي كـانت دوافــع السياسـة اليابانيـة اقتصــادية بحتـة‪ ،‬تـروم الحصــول‬

‫على المــوارد الطبيعيــة لتطــوير بنائهــا االقتصــادي‪ ،‬لكنهــا مــع نهايــة المعســكر االشــتراكي‪ ،‬بــدأت اليابــان‬

‫تسعى لتصبح العبا رئيسا في الساحة الدولية‪ ،‬وبذلك أصبح نهج سياسة المساعدات اليابانية يمر معظمه‬

‫من خالل األمم المتحدة ووكاالتها المتخصصة‪ ،‬أي أن المساعدات اليابانية أصبحت تعتمد على اآلليات‬

‫المتعددة األطراف‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى كون اليابان كانت تحتل المرتبة األولى في مجال تقــديم المســاعدات الماليــة‬

‫على المســتوى الــدولي مــا بين ‪ ،2000-1993‬لتــتراجع إلى المرتبــة الثالثــة في ســنة ‪ 2001‬بعــد كــل من‬

‫الواليــات المتحــدة وبريطانيــا‪ ،‬وفي ســنة ‪ 2007‬أصــبحت تحتــل المرتبــة الخامســة عالميــا في هــذا المجــال‬

‫بعد فرنسا وألمانيا‪ .‬وأخذا بعين االعتبار نسبة المساعدات من الناتج الوطني الخـام‪ ،‬فــإن اليابـان تـأتي في‬

‫المرتبــة رقم ‪ 19‬بالنســبة لــدول منظمــة التعــاون والتنميــة االقتصــادية (‪ ،)OCDE‬حيث تشــكل هــذه النســبة‬

‫‪ %0,25‬سنة ‪.4192006‬‬

‫ولقد بدأت اليابان في اتخاد خطـوات حثيثـة لتقويـة عالقاتهـا مـع الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬ولبنـاء صــرح‬

‫قوي للتفاهم المتبادل من خالل عدة وسائل منها‪ :‬المعونات المالية والفنيـة‪ ،‬وتشـجيع تبـادل الزيـارات بين‬

‫المســـؤولين‪ ،‬حيث زار رئيس الـــوزراء اليابـــاني في ينـــاير عـــام ‪ 2001‬ثالث دول إفريقي ــة هي‪ :‬نيجريـــا‬

‫‪419‬‬
‫‪- Marc Aicardi de Saint-Paul , « Le Japon et l’Afrique : genèse d’une relation pérenne » ,op, cit, p195.‬‬

‫‪235‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وجنــوب إفريقيــا وكينيــا‪ ،‬وكلهــا دول محوريــة في القــارة‪ ،‬كمــا تقــوم اليابــان بتقــديم مســاعدات ومنح ماليــة‬

‫للدول اإلفريقية‪ ،‬حيث بلغ عدد الدول المتلقية لهذه المعونات ‪ 51‬دولة عام ‪.4201996‬‬

‫لقــد ضــمنت المســاعدات واالســتثمارات فرصــتين هــائلتين لليابــان لتحقيــق مكاســب مهمــة تصــل‬

‫أحيانــا إلى حــد إحــراج بعض الــدول الكــبرى‪ .‬إن التســلل إلى إفريقيــا والــدفاع عن مشــاكلها جعــل اليابــان‬

‫خالل العقد األخـير من القـرن الماضــي تخطـف األضــواء من القـوى الغربيـة خصوصــا فرنسـا‪ ،‬الـتي كـان‬

‫يحلو لهـا لعب دور محـامي الفقـير اإلفـريقي‪ ،‬فقـد اسـتفادت إفريقيـا من سـت مائـة مليـون دوالر بين سـنتي‬

‫‪ 1994‬و ‪ ،2000‬حيت أصبحت اليابان ثاني مانح إلفريقيا بعد فرنسا‪.421‬‬

‫وكانت أكبر الدول المتلقيـة لهـذه المعونـات هي جمهوريـة الكونغـو الديمقراطيـة وغانـا وتنزانيـا‬

‫ومصـر‪ ،‬ويرجـع اهتمـام اليابـان بهـذه الـدول‪ ،‬إلى اعتبارهـا نقـاط ارتكـاز‪ ،‬ولهـا فاعليتهـا في سياسـة الـدول‬

‫بالمناطق الجغرافية التي تقع فيها هذه الدول‪.422.‬‬

‫ولقــد بلغت قيمــة المســاعدات الرســمية اليابانيــة للقــارة اإلفريقيــة ســنة ‪ 1999‬نحــو ‪ 15,3‬مليــار‬

‫دوالر‪ ،‬وفي سـ ــنة ‪ 2001‬بلغت ‪ 7548‬مليـ ــون يـ ــون‪ .‬وعلى مـ ــدى عقـ ــود كـ ــانت آسـ ــيا هي القـ ــارة الـ ــتي‬

‫اس ـ ــتفادت أك ـ ــثر من غيره ـ ــا من المس ـ ــاعدات الياباني ـ ــة‪ ،‬وفي س ـ ــنة ‪ 2006‬وألول م ـ ــرة تج ـ ــاوزت الق ـ ــارة‬

‫اإلفريقية حصــة آسـيا من المسـاعدات اليابانيـة‪ ،‬إذ وصــلت حصــتها من هـذه المسـاعدات إلى ‪ %32,2‬من‬

‫إجمــالي المســاعدات اليابانيــة الخارجيــة‪ ،‬في حين كــانت حصــة آســيا من هــذه المســاعدات ‪ %26,8‬فقــط‪،‬‬

‫وبعبـارة أخـرى فالمسـاعدات اليابانيـة إلفريقيـا زادت بنسـبة ‪ %2,5‬مـا بين عـام ‪ 2000‬حـتى ‪ ،2006‬في‬

‫حين تراجعت حصة آسيا من هذه المساعدات بنسبة ‪ %51,1‬خالل الفترة نفسها‪.423‬‬

‫‪ - 420‬رجاء إبراهيم سليم‪" ،‬السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا مرجع سابق‪ ،‬ص ‪276-275‬‬
‫‪ - 421‬شمامة خير الدين‪ ،‬العالقات االستراتيجية بين قوى المستقبل في القرن الواحد والعشرين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.656‬‬
‫‪ - 422‬رجاء إبراهيم سليم‪" ،‬السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.276-275‬‬
‫‪423‬‬
‫‪- Marc Aicardi de Saint-Paul , « Le Japon et l’Afrique : genèse d’une relation pérenne » , op, cit, p 195.‬‬

‫‪236‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ابت ــداء من س ــنة ‪ 2000‬أص ــبحت الياب ــان الم ــانح ال ــدولي الكب ــير لل ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬حيث ق ــاربت‬

‫‪ 2,56‬مليـ ــار دوالر‪ ،‬بزيـ ــادة نسـ ــبتها ‪ %2,2‬عن السـ ــنة السـ ــابقة‪ ،‬لكن هـ ــذه المسـ ــاعدات‬ ‫سـ ــنة ‪2006‬‬

‫‪ % 79,8‬هي في الحقيقة تخفيف لعبء الديون اإلفريقية تجاه اليابان‪ ،‬كما يوضحه المبيان أسفله‪.‬‬

‫تطور حجم المساعدات اليابانية لدول إفريقيا جنوب الصحراء ما بين ‪2009 -1973‬‬ ‫المبيان رقم ‪:27‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Leni WILD, Lisa DENNEY, Alina Rocha MENOCAL, and Matthew GEDDES,‬‬
‫‪Informing the Future of Japan’s ODA, The Overseas Development Institute,‬‬
‫‪London, October 2011, p 18.‬‬
‫وعلى الــرغم من كــون اليابــان تعتــبر من أهم الــدول المقدمــة للمســاعدات للــدول اإلفريقيــة‪ ،‬فإنــه‬

‫يتبين من المبيان أعاله أن المساعدات اليابانية للدول اإلفريقية بدأت تـتراجع منـذ سـنة ‪ ،1989‬غـير أنهـا‬

‫ســـتعرف ارتفاعـــا من جديـــدا ابتـــداء من ســـنة ‪ ،2003‬كمـــا نالح ــظ أن أغلب المس ــاعدات اليابانيـــة خالل‬

‫النصف الثاني من العقد الماضي‪ ،‬هي عبارة عن إلغاء الديون المترتبة على بعض الدول اإلفريقيــة تجــاه‬

‫اليابــان‪ ،‬إذ وصــلت نســبة تخفيــف عبء الــديون اإلفريقيــة من طــرف اليابــان خالل الفــترة ‪2009-2000‬‬

‫إلى‪ ،424 %48‬وهو ما يمكن تفسيره بالتراجع االقتصــادي الـذي عرفتـه اليابـان منـذ النصــف الثـاني خالل‬

‫العقد األخير من القرن الماضي‪ ،‬نتيجة األزمات االقتصادية التي عرفتها منطقة شرق آسيا‪.‬‬
‫‪- Leni WILD, Lisa DENNEY, Alina Rocha MENOCAL, and Matthew GEDDES, Informing the Future of‬‬
‫‪424‬‬

‫‪Japan’s ODA, The Overseas Development Institute, London, October 2011, pp 14-15.‬‬

‫‪237‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وبصــفة عامــة تتــوزع المســاعدات اليابانيــة خالل الفــترة مــا بين ‪ 2009-2005‬لــدول إفريقيــا‬

‫جن ــوب الص ــحراء على الش ــكل اآلتي‪ :‬تخفي ــف عبء ال ــديون ‪ ،%52‬والبني ــة التحتي ــة ‪ ،%12‬والخ ــدمات‬

‫األساسية ‪ ،%12‬والمساعدات الغذائية ‪.%10‬‬

‫المبيان رقم ‪ :28‬مجاالت توجه المساعدات اليابانية للدول إفريقيا جنوب الصحراء ما بين‪.2009-2005‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Leni WILD, Lisa DENNEY, Alina Rocha MENOCAL, and Matthew GEDDES,‬‬
‫‪Informing the Future of Japan’s ODA, op, cit, p 21.‬‬
‫وتتوج ــه المس ــاعدات الياباني ــة خالل نفس المرحل ــة إلى ع ــدد من ال ــدول اإلفريقي ــة على رأس ــها‬

‫عشر دول رئيسـية وهي كينيـا وتنزانيـا والسـودان وغانـا وإ ثيوبيـا وزامبيـا والكونغـو الديمقراطيـة وأوغنـدا‬

‫والموزمبيق والسنغال‪ ،‬كما يوضحه المبيان أسفله‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫نسب أهم عشر دول من إفريقيا جنوب الصحراء المستفيدين من المساعدات اليابان خالل الفترة ما بين‬ ‫المبيان رقم ‪:29‬‬

‫‪.2009-2005‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Leni WILD, Lisa DENNEY, Alina Rocha MENOCAL, and Matthew GEDDES,‬‬
‫‪Informing the Future of Japan’s ODA, op,cit p 25.‬‬
‫ويمكن إرج ــاع اس ــتحواذ ه ــذه ال ــدول على ج ــزء كب ــير من المس ــاعدات الياباني ــة إلى عالقاته ــا‬

‫االقتصادية الجيدة مع اليابان‪ ،‬باإلضافة إلى كون العديد منها عرف صراعات خلفت مآسي إنسانية‪ ،‬مما‬

‫تطلب تدخل بعض الدول األجنبية للمساعدة منها اليابان‪.‬‬

‫وتبقى من أهم إنجازات برنامج عمل "يوكوهما" خالل "التيكاد الرابعة" تقــديم ‪ 3,5‬مليــار دوالر‬

‫كمساعدات مالية في مجال البنية التحتية‪ ،‬خاصــة النقـل والمــاء والطاقــة وتكنولوجيــا اإلعالم والتواصــل‪،‬‬

‫أمـ ــا في مجـ ــال الفالحـ ــة‪ ،‬فقـ ــد تم تحقيـ ــق إنتـ ــاج ‪ 18,4‬مليـ ــون طن من إنتـ ــاج األرز خالل سـ ــنة ‪،2010‬‬

‫والطمــوح إلنتــاج ‪ 27‬مليــون طن منــه ســنة ‪ ،2017‬وفي مجــال الصــحة عملت اليابــان على تكــوين ‪204‬‬

‫ألــف مهــني إفــريقي في هــذا الميــدان ســنة ‪ ،2012‬وكــذا العمــل على تنظيم بــرامج تكــوين في تــدبير صــحة‬

‫األطف ــال واألمه ــات‪ ،‬أم ــا في قط ــاع التربي ــة فالياب ــان ترك ــز أساس ــا على تك ــوين المعلمين في الرياض ــيات‪،‬‬

‫والعلــوم في المــدارس االبتدائيــة والثانويــة‪ ،‬إذ كــونت ‪ 388000‬ألــف أســتاذ مــع نهايــة النصــف األول من‬

‫سنة ‪.4252011‬‬

‫‪425‬‬
‫‪- Ichiro KOMATSU, La coopération Japonaise en Afrique et le processus de la TICAD, op, cit, p 13.‬‬

‫‪239‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وخالل س ــنة ‪ 2012‬ق ــدمت الوكال ــة الياباني ــة للتع ــاون ال ــدولي (‪ 115,561 )JICA‬ملي ــون ين‬

‫يابــاني كمســاعدات للــدول اإلفريقيــة‪ ،‬بمــا فيهــا المســاعدات التقنيــة‪ ،‬ومن أهم الــدول الــتي اســتفادت من هــذه‬

‫المساعدات‪ ،‬كينيا وتنزانيا وغانا والكونغو الديمقراطية والموزمبيق وإ ثيوبيا والمغرب ومصر‪.426‬‬

‫في األخ ـ ـ ــير يمكن أن نخلص إلى أن عالق ـ ـ ــات الياب ـ ـ ــان م ـ ـ ــع ال ـ ـ ــدول اإلفريقي ـ ـ ــة‪ ،‬تحكمت فيه ـ ـ ــا‬

‫االعتبارات االقتصادية‪ ،‬أي الحصول على الموارد الطبيعيـة بشـكل كبـير خالل مرحلـة الحـرب البـاردة‪،‬‬

‫لتطوير بنائها االقتصادي‪ ،‬خصوصا إذا علمنا حجم الدمار الذي لحق بهــا خالل الحــرب العالميــة الثانيــة‪،‬‬

‫وكذا كونها تعاني من نقص كبير في المـوارد الطبيعيـة الكفيلـة بتـأمين الصـعود االقتصـادي اليابـاني‪ ،‬لكن‬

‫مع انهيار المعسكر االشتراكي‪ ،‬وعلى الرغم من تزايد أهميــة العوامــل االقتصــادية في العالقــات الدوليــة‪،‬‬

‫فــإن اليابــان إلى جــانب تركيزهــا على عالقاتهــا االقتصــادية مــع القـارة اإلفريقيــة‪ ،‬أصــبحت تتطلــع للظهــور‬

‫على الســاحة الدوليــة كقــوة رئيســية‪ ،‬لــذلك تــوجهت إلى تــدعيم عالقاتهــا مــع القــارة اإلفريقيــة لمســاندتها من‬

‫أجــل الحصــول على مقعــد دائم بمجلس األمن الــدولي التــابع لهيئــة األمم المتحــدة‪ ،‬كمــا تبحث اليابــان عن‬

‫مس ــاعدة ال ــدول اإلفريقي ــة لترش ــيح بعض الشخص ــيات الياباني ــة لت ــولى ت ــدبير وتس ــيير بعض المؤسس ــات‬

‫الدولية‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬االستراتيجية الهندية في إفريقيا‬

‫تعتبر العالقات الهندية اإلفريقية من المواضيع الحيوية وذات األهمية المتنامية في ظل الدور‬

‫المتزايد الذي أصبح يحتله كل من الطرفين على الساحة الدولية‪ ،‬فالهند تعتبر من القوى العالمية‬

‫‪426‬‬
‫‪- JAPAN INTERNATIONAL COOPERATION AGENCY, ANNUAL REPORT,OP , op,cit, p 50-57.‬‬

‫‪240‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫"الناشئة" التي ينتظر أن يكون لها تأثير في الساحة العالمية في المستقبل المنظور‪ ،‬بينما تظل القارة‬

‫اإلفريقية ذات أهمية جيوستراتيجية واقتصادية كبيرة للقوى الدولية‪ ،‬نظرا لموقعها االستراتيجي‪،‬‬

‫باإلضافة إلى كونها تتوفر على مخزون مهم من الموارد الطبيعية‪ ،‬وسوقا استهالكية قوامها مليار‬

‫نسمة‪.‬‬

‫لذلك توجهت الهند إلى القارة اإلفريقية لتحقيق مجموعة من األهداف السياسية واالقتصادية‬

‫بالقارة اإلفريقية في ظل تزايد االهتمام الدولي بهذه القارة‪ ،‬وكذا التطور االقتصادي الذي أصبحت‬

‫تعرفه الهند منذ بداية العقد األخير من القرن الماضي؛ فالهند تسعى على المستوى السياسي للحصول‬

‫على التأييد اإلفريقي للحصول على مقعد دائم بمجلس األمن؛ أما على المستوى االقتصادي فالهند‬

‫عملت على فتح األسواق اإلفريقية لتسويق منتجاتها الصناعية‪ ،‬باإلضافة إلى الحصول على الثروات‬

‫الطبيعة الكفيلة بتأمين تطورها االقتصادي (المطلب األول)‪.‬‬

‫ولتحقيق هذه األهداف‪ ،‬فاالستراتيجية الهندية في إفريقيا تعتمد على مجموعة من الوسائل؛‬

‫منها توسيع االستثمارات الهندية في إفريقيا في العديد من المجاالت‪ ،‬باالعتماد على الجالية الهندية‬

‫المنتشرة ببعض الدول اإلفريقية‪ ،‬كما تقوم الهند بتقديم المساعدات المالية والفنية للعديد من الدول‬

‫اإلفريقية‪ ،‬لدعم التنمية البشرية فيها‪ ،‬خصوصا في مجال المعلوميات التي أصبحت تحقق فيه الهند‬

‫تقدما كبيرا‪ ،‬كما قامت الهند باستصالح العديد من األراضي الزراعية في دول إفريقيا الشرقية‪.‬‬

‫باإلضافة إلى مشاركتها في عمليات حفظ السالم الدولية المنتشرة في بعض الدول اإلفريقية‪ .‬غير أن‬

‫االستراتيجية الهندية تواجه مجموعة من التحديات‪ ،‬منها ضعف إمكاناتها السياسية واالقتصادية مقارنة‬

‫مع اإلمكانات المتاحة للقوى الدولية المنافسة األخرى (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المطلب األول‪ :‬أهداف االستراتيجية الهندية في إفريقيا‬

‫ارتبطت الهند بعالقات وثيقة بدول القارة اإلفريقية‪ ،‬نتيجة الظروف السياسية التي مر بها كل‬

‫من الشعب الهندي وشعوب الدول اإلفريقية‪ ،‬المتمثلة في خضوعها لالستعمار األوروبي ونضالهما من‬

‫أجل نيل االستقالل‪.‬‬

‫لكن العالقات بين الطرفين ظلت مقتصرة على الجوانب السياسية‪ ،‬إذ عملت الهند منذ‬

‫استقاللها عن بريطانيا عام ‪ 1947‬على دعم الحركات التحررية الوطنية في إفريقيا‪ ،‬وذلك من خالل‬

‫تأسيس حركة عدم االنحياز ومجموعة ‪ ،77‬فضال عن وجود حالة من التقارب في العديد من القضايا‬

‫ذات االهتمام المشترك‪ ،‬مثل رفض التبعية واالستغالل الرأسمالي لموارد دول العالم الثالث‪.‬‬

‫وعلى الرغم من كون العالقات الهندية اإلفريقية عرفت بعض التراجع مع نهاية عقد‬

‫الستينيات من القرن الماضي‪ ،‬لكون حركة عدم االنحياز ارتبكت بالنزاعات اإليديولوجية التي عاشتها‬

‫القارة اإلفريقية بين المعسكرين الرأسمالي واالشتراكي خالل هذه المرحلة‪ ،‬فقد جاء التحول في سياسة‬

‫الهند اتجاه إفريقيا مع بداية القرن الواحد والعشرين‪ ،‬إذ أصبحت الهند من أبرز الدول المرشحة ألداء‬

‫دور إقليمي أكثر فعالية وأهمية على الساحة الدولية في السنوات القادمة‪ ،‬للعديد من األسباب؛ كونها‬

‫تشهد نموا اقتصاديا سريعا‪ ،‬فاالقتصاد الهندي من بين أسرع االقتصاديات نموا في العالم منذ مطلع عقد‬

‫التسعينيات من القرن الماضي‪ ،‬إضافة إلى تنامي صناعاتها خاصة في مجال تكنولوجيا المعلوميات‪،‬‬

‫إذ تزايدت القدرات التنافسية للشركات الهندية في هذا المجال على المستوى الدولي‪ ،‬وهو ما سمح لها‬

‫بااللتحاق بركب الدول المتقدمة‪.427‬‬

‫‪ 427‬لالطالع على التقدم الهندي في هذا المجال ومجاالت علمية أخرى راجع‪:‬‬
‫‪ -‬أنجيال سايني‪ ،‬أمة من العباقرة كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم‪( ،‬ترجمـة طـارق راشـد عليـان)‪ ،‬المجلس الوطـني للثقافـة والفنـون‬
‫واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلسلة عالم المعرف‪ ،‬العدد ‪ ،422‬مارس ‪.2015‬‬

‫‪242‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫في ظل هذا الوضع الجديد بدأت الهند تتطلع إلى تعميق عالقاتها السياسية واالقتصادية مع‬

‫الدول اإلفريقية‪ ،‬إذ أصبحت تتمحور حول ثالثة أهداف أساسية‪ :‬سياسية‪( ،‬الفقرة األولى) تجارية‪،‬‬

‫طاقية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬العالقات السياسية الهندية اإلفريقية‬

‫تدل الكثير من الشواهد التاريخية على وجود عالقات تجارية قديمة للهند مع العديد من‬

‫الدول اإلفريقية‪ ،‬عبر طريق الحرير الذي كان يربط القارة اآلسيوية بالقارة اإلفريقية‪ .‬لكن العالقات‬
‫‪428‬‬
‫الفعلية بين الهند وإ فريقيا بدأت مع استقالل الهند عن بريطانيا سنة ‪.1947‬‬

‫فبعد استقالل الهند رأت دورها في النظام العالمي من خالل القضايا المناهضة‬

‫لالستعمار والعنصرية‪ ،‬حيث لعبت دورا حاسما في مؤتمر باندونغ ‪ ،1955‬الذي قاد إلى ظهور حركة‬

‫عدم االنحياز‪ ،‬واستخدمت الهند هذه المناسبة لتقوية التضامن اإلفريقي اآلسيوي‪ ،‬ولقد شارك في هذا‬

‫المؤتمر الرئيس المصري جمال عبد الناصر‪ ،‬ورئيس الوزراء الهندي جواهر الل نهرو‪ ،‬وتبنى هذا‬

‫المؤتمر العديد من القرارات الداعمة للقضايا اإلفريقية‪.429‬‬

‫وقد كثفت الهند تحركاتها على نطاق واسع في القارة اإلفريقية منذ بداية الستينيات من القرن‬

‫الماضي‪ ،‬أي مع سنوات التحرر اإلفريقي من االستعمار‪ ،‬وفي ظل أجواء الحرب الباردة بين‬

‫المعسكرين االشتراكي وغريمه الرأسمالي‪ ،‬ساندت الهند العديد من الحركات السياسية المناهضة‬

‫لالستعمار الغربي‪.‬‬

‫فقد ساندت الهند الكفاح اإلفريقي ضد االستعمار واألبارتايد‪ ،‬فأثارت قضية التمييز العنصري‬

‫في جنوب إفريقيا في األمم المتحدة عام ‪ ،1946‬كما أثارت مع اثنتي عشرة دولة أخرى في األمم‬

‫‪428‬‬
‫‪- Groupe collectif, « l’Afrique et les grands émergents », op, cit, p20.‬‬
‫‪429‬‬
‫‪- .Sanjukta BNERJIA BHTTACHRYA, “Engagine Africa: India’s interests in the African continent, past and‬‬
‫‪present”, in Fanty CHERU & Cyril OBI , The rise of China & India in Africa, ZED BOOKS, London & New‬‬
‫‪York, 2010 , p 65.‬‬

‫‪243‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المتحدة قضية الصراع العرقي في جنوب إفريقيا‪ ،‬الناتج عن سياسات "األبارتيد" التي تمارسها حكومة‬

‫جنوب إفريقيا وذلك عام ‪ .1952‬ولعبت الهند دورا مهما في تحريك قرار يستنكر عدم إذعان حكومة‬

‫جنوب إفريقيا لقرارات األمم المتحدة عام ‪ ،1962‬فضال عن أدائها دورا رئيسيا في تشكيل لجنة‬

‫خاصة ضد األبارتايد بواسطة الجمعية العامة لألمم المتحدة عام ‪.1963‬‬

‫وعندما أقرت األمم المتحدة عام ‪ 1965‬من القرن الماضي معاهدة إنهاء كافة أشكال التمييز‬

‫العنصري‪ ،‬كانت الهند من أوائل الدول الموقعة عليها‪ ،‬وأسهمت في العديد من الصناديق المالية لمساندة‬

‫التحرر اإلفريقي‪ ،‬بدءا بإنشاء صندوق نشاط مقاومة الغزو واالستعمار واألبارتايد عام ‪ ،1947‬الذي‬

‫جاء بمبادرة من رئيس وزراء الهند آنذاك للتعبير عن التضامن مع الدول السبع التي تمتلك حدود‬

‫مشتركة مع جنوب أفريقيا‪ ،‬وشاركت في صندوق التضامن التابع لحركة عدم االنحياز والخاص‬

‫بمساندة حركات التحرر اإلفريقي‪ ،‬وفي صندوق منظمة الوحدة اإلفريقية للمساعدة في الصراع ضد‬

‫االستعمار والعنصرية‪ ،‬والصندوق الدولي للدفاع والعون للجنوب اإلفريقي‪.430‬‬

‫وما يمكن مالحظته خالل هذه المرحلة‪ ،‬هو أن العالقات الهندية اإلفريقية تحكمت فيها‬

‫العوامل اإليديولوجية‪ ،‬والمجادالت العنيفة في الحرب الباردة‪ ،‬لكون حركة عدم االنحياز ارتبكت‬

‫بالنزاعات اإليديولوجية التي عاشتها القارة بين المعسكرين الرأسمالي واالشتراكي خالل هذه‬

‫المرحلة‪ ،431‬وكذا الصراعات الحدودية للهند مع الصين في عام ‪ ،1962‬إذ كانت االستجابات اإلفريقية‬

‫نحو هذا الصراع تتميز بالتردد‪ ،‬على إثر ذلك أدركت الهند أنها ال تملك حليفا قويا في إفريقيا‪ ،‬ولذلك‬

‫عملت بشكل نشيط على مناهضة االختراق الصيني إلفريقيا‪ ،‬وهو ما أدى إلى انطالق برنامج التعاون‬

‫وال يزال هذا البرنامج من الركائز‬ ‫‪432‬‬


‫االقتصادي والتقني الهندي اإلفريقي نتيجة لقاءات سنة ‪.1963‬‬

‫األساسية المهمة للعالقات الهندية اإلفريقية حاليا‪.‬‬

‫‪ - 430‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي اإلفريقي‪ ،2002-2001‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.346‬‬
‫‪431‬‬
‫‪- François LAFARGUE, La guerre mondiale du pétrole, Ellipses, Paris, 2008 , p43‬‬
‫‪432‬‬
‫‪- Sanusha NAIDU, “India's African relation: in the shadow of China?,” in Fanty CHERU & Cyril OBI, op,cit,‬‬
‫‪p 34.‬‬

‫‪244‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وتوفر الهند عن طريق هذا البرنامج حوالي ‪ 1350‬فرصة تدريب سنويا‪ ،‬في أفضل معاهدها‬

‫في مجاالت مختلفة منها التجارة الخارجية‪ ،‬والمياه واالتصاالت واإللكترونيات واألقمار االصطناعية‬
‫‪433‬‬
‫والبرمجيات والطاقة وغيرها‪....‬‬

‫وإ ذا كانت العالقات الهندية‪ -‬اإلفريقية في هذه المرحلة قد تحكمت فيها االعتبارات‬

‫اإليديولوجية‪ ،‬فإنه بعد نهاية الحرب الباردة تحولت السياسة الهندية تجاه إفريقيا من الدعم القوي‬

‫لالتجاهات اإليديولوجية‪ ،‬إلى منهج برغماتي يعطي األولوية للتجارة واالستثمارات مع الدول اإلفريقية‪.‬‬

‫فمع بداية تسعينيات القرن الماضي بدأت جهود اإلصالحات االقتصادية في الهند‪ ،‬في الوقت‬

‫الذي كان نموذج التخطيط المركزي على النمط السوفيتي يلفظ أنفاسه األخيرة‪ ،‬وتمحورت هذه‬

‫اإلصالحات حول‪ :‬خفض العملة الوطنية‪ ،‬وتقليص اإلعانات التجارية‪ ،‬وخفض التعريفات الجمركية‬

‫وإ رخاء الضغوط اإلدارية القائمة‪ ،‬بطرحها قطاع اإلنتاج الخاص والعام‬ ‫‪434‬‬
‫والحواجز غير الجمركية‪،‬‬

‫للمنافسة‪ ،‬وذلك بتفكيك نظام الرخص اإلدارية وفتح معظم القطاعات االقتصادية التي ظلت حكرا على‬

‫الدولة والجماعات المحلية للمتعاملين الخواص‪ ،‬مع منح التشجيع لالستثمارات األجنبية للدخول‬

‫للبالد‪.435‬‬

‫ونتيجة لهذه اإلصالحات نما االقتصاد الهندي بمعدل ‪ %6‬سنويا فيما بين ‪ 1980‬و‪،2000‬‬

‫وبنحو ‪ %8,6‬بعد عام ‪ ،2000‬وخالل السنة المالية لعام ‪ 2007‬قفز المعدل إلى ‪ ،%9,4‬غير أن هذه‬

‫األرقام ستعرف بعض التراجع بسبب األزمة المالية األخيرة‪ ،‬إذ انخفض معدل النمو االقتصادي الهندي‬

‫‪ - 433‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير اإلستراتيجي اإلفريقي‪ ،2002-2001‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.346‬‬
‫‪ - 434‬بيتراس أوستريفيشيوس وجون بوزمان‪ " ،‬اقتصاد الهند‪ ..‬الدور والمستقبل في نظام عالمي جديد " ترجمة عاطف معتمد عبد الحميد في كتاب‬
‫الهند عوامل النهضة وتحديات الصعود‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون مركز‪ ،‬مركز الجزيــة للدراســات‪ ،‬الدوحــة الطبعــة األولى ‪1431‬هـ‪2010 -‬م‪،‬‬
‫ص ‪.74‬‬
‫‪ - 435‬بير بيارنيس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.206‬‬
‫للتوسع أكثر في تجربة النهضة الهندية بصفة عامة راجع‪:‬‬
‫‪ -‬أيمن يوسف ووائل أبو حسن‪ ،‬التجربة النهضوية الهندية‪ :‬قراءة تحليلية نقدية في التطــور التــاريخي‪ ،‬المظــاهر‪ ،‬المجــاالت الحيوية‪ ،‬المعيقــات‪،‬‬
‫مركز نماء للبحوث والدراسات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2015‬‬
‫‪ -‬روبين ميريدث‪ ،‬الفيل والتنين صعود الهنــد والصــين وداللــة ذلــك لنــا جميعــا ‪(،‬ترجمة شــوقي جالل)‪ ،‬المجلس الوطــني للثقافــة والفنــون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة العدد ‪ 359‬يناير ‪.2009‬‬

‫‪245‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫خالل عام ‪ 2008‬إلى ‪ ،%7,8‬كما تراجع خالل سنة ‪ 2009‬إلى ‪ ،%6,7‬وتضع هذه األرقام الهند بين‬
‫‪436‬‬
‫أسرع دول العالم نموا خالل الربع األخير من القرن الماضي وبداية القرن الحالي‪.‬‬

‫نتيجة لذلك أصبحت الهند حاليا من أهم الدول المصدرة للسلع في العالم نحو الخارج‪،‬‬

‫باإلضافة إلى تزايد حاجاتها للموارد الطبيعية خاصة الطاقية منها (النفط والغاز)‪.‬‬

‫بناء على هذه المعطيات‪ ،‬أصبحت الهند تنظر إلى إفريقيا باعتبارها خزانا مهما للموارد‬

‫الطبيعية المهمة للصناعة الهندية‪ ،‬فهي تمتلك نحو ثلث احتياطي الثروات المنجمية في العالم؛ باإلضافة‬

‫إلى اعتبارها سوقا استهالكية مهمة لتسويق منتجاتها الصناعية‪ ،‬لذلك تبنت الهند نمطا جديدا من أنماط‬

‫تفعيل العالقات االقتصادية والسياسية مع إفريقيا يتماشى مع تزايد االهتمام الدولي بهذه القارة‪ ،‬وهو ما‬

‫أصبحت تعكسه العديد من المنتديات التي تربط القوى الدولية مع هذه القارة كمنتدى التعاون الصيني‬

‫اإلفريقي‪ ،‬القمة األمريكية اإلفريقية‪ ،‬القمة األوروبية اإلفريقية‪ ،‬مؤتمر تيكاد الذي يجمع اليابان بالقارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬وفي هذا اإلطار انعقدت أول قمة هندية إفريقية سنة ‪ 2008‬بنيودلهي عرفت حضور ثالثة‬

‫حيث جاءت تلك القمة في توقيت مهم وحساس فقد هيئ لها أن تكون بعد أقل‬ ‫‪437‬‬
‫عشر رئيسا إفريقيا‪،‬‬

‫من عام على انعقاد القمة الثانية األوروبية األفريقية التي عقدت في ديسمبر ‪ ،2007‬وكذلك جاءت في‬

‫السنة نفسها التي استضافت فيها اليابان المؤتمر الرابع لتنمية إفريقيا‪ .‬كما انعقدت القمة الهندية اإلفريقية‬

‫الثانية بمقر االتحاد اإلفريقي بإثيوبيا في مايو‪ 2011‬حضرها ‪ 16‬رئيس دولة إفريقية‪ ،‬وخالل هذه القمة‬

‫ركز الوزير األول الهندي على أن الهند تتطلع إلى بناء شراكة مع القارة اإلفريقية مبنية على المساواة‬

‫والثقة المتبادلة والشفافية‪ ،438‬تستجيب لحقائق القرن الواحد والعشرين‪ ،‬وتنبني على ثالثة محاور‬

‫أساسية‪ :‬بناء القدرات ونقل المهارات وتطوير التجارة والبنية األساسية‪،439‬‬

‫‪ - 436‬بيتراس أوستريفيشيوس وجون بوزمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.78-77‬‬


‫‪ - 437‬فليب ليمار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪438‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Groupe collectif," L’Afrique et les grands émergents", op ,cit , p 20.‬‬

‫‪ - 439‬محمد البشير أحمد موسى‪" ،‬خريطة القوى المتداعية على إفريقيا"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العدد التاسع‪ ،‬رجب –رمضــان ‪1432‬هـ ‪/‬يوليــو ‪-‬ســبتمبر‬
‫‪ ،2011‬ص ‪24‬‬

‫‪246‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لقد أصبحت الهند تعتبر قوة ناشئة على المستوى الدولي‪ ،‬وترغب في االستفادة من الترتيبات‬

‫الجديدة التي بدأت تعرفها الساحة الدولية‪ ،‬مع تزايد دور القوى الناشئة فيها‪ ،‬نتيجة تزايد مطالبها‬

‫بإصالح العديد من المؤسسات الدولية‪ ،‬لذلك فالهند تهتم بالقارة اإلفريقية لتؤكد مكانتها باعتبارها قوة‬

‫إقليمية أساسية في المحيط اآلسيوي‪ ،‬كما أن الهند تبحث على التأييد السياسي من القارة اإلفريقية‬

‫للحصول على مقعد دائم بمجلس األمن الدولي‪ ،‬بعد طرح مبادرة زيادة األعضاء الدائمين بهذا المجلس‬

‫في السنوات األخيرة‪ ،‬وهو ما سيشكل مفتاحا أساسيا لتطوير الدبلوماسية الهندية على المستوى الدولي‪،‬‬

‫كما أن الهند تبحث عن تأييد الدول اإلفريقية في صراعها مع باكستان حول كشمير المتواصل منذ‬

‫تقسيم شبه الجزيرة الهندية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األهداف االقتصادية لالستراتيجية الهندية بإفريقيا‬

‫أوال‪ :‬المبادالت التجارية‬

‫بناء على ما تمت اإلشارة إليه سابقا‪ ،‬فالبلدان النامية أصبحت تؤدي دورا مهما في التجارة‬

‫الدولية‪ ،‬ولقد جاء ذلك نتيجة تزايد تجارة العديد من القوى الناشئة كالصين والهند والبرازيل مع الدول‬

‫المتقدمة والدول النامية األخرى‪ ،‬فحسب منظمة األمم المتحدة ازدادت صادرات الهند خالل الفترة ما‬

‫بين ‪ 2003‬و‪ 2007‬بمعدل وسطي بلغ ‪ %23,3‬سنويا‪ ،‬ووارداتها بمعدل ‪ .%29,3‬أما تجارتها فقد‬

‫اتصفت بالتنوع الشديد‪ :‬في سنة ‪ 2007‬كان مصدر ‪ %80‬من وارداتها ثالثة وعشرين شريكا‪،‬‬

‫وتقاسمت خمس وعشرين دولة أكثر من ‪ %80‬من صادراتها‪ .440‬وقد بلغت قيمة صادرات الهند مع‬
‫نهاية العام ‪ 2012‬ما يقارب من الـ ‪ 442,4‬مليار دوالر أمريكي‪ ،‬موزعة ما بين منتوجات سلعية (‬
‫‪ )296,8‬مليار دوالر‪ ،‬وخدمات (‪ )145,4‬مليار دوالر‪.441‬‬
‫ونظرا لكون القارة اإلفريقية أصبحت سوقا استهالكية قوامها مليار نسمة‪ ،‬نصفها من الفئة‬

‫النشيطة‪ ،‬توجهت الهند إلى تطوير عالقاتها التجارية مع القارة اإلفريقية باالعتماد على شبكات قديمة‬
‫‪ - 440‬كارلوس ر‪.‬س‪ .‬ميالني‪" ،‬هل تغير القوى "الناشئة" النظام العالمي؟" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ - 441‬أيمن يوسف ووائل أبو حسن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬

‫‪247‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أنتجتها الجالية الهندية‪ ،‬وتتمركز في المصارف والتجارة والصناعة في كل من‪ :‬جنوب إفريقيا وأوغندا‬

‫وكينيا ومدغشقر وجزر القمر وجزيرة موريشيوس‪.442‬‬

‫وخالل العقد الماضي عرفت العالقات التجارية بين الهند والقارة اإلفريقية انتعاشا ملحوظا‪،‬‬

‫إذ ارتفعت من ‪ 5,3‬مليار دوالر سنة ‪ 2001‬إلى ‪ 12‬مليارات دوالر سنة ‪ ،2005‬وكانت إفريقيا‬

‫تسجل فائضا تجاريا مع الهند خالل السنتين األوليين من القرن الحالي‪ ،‬لكن في ‪ 2003‬تجاوزت‬

‫الهند عجزها التجاري مع إفريقيا ‪ ،443‬غير أنه ابتداء من منتصف سنة ‪ ،2005‬سجل الميزان التجاري‬

‫للهند مع إفريقيا عجزا نتيجة ارتفاع الواردات الهندية من الموارد الطبيعة اإلفريقية خاصة النفط‪.444‬‬

‫وتعتبر كل من جنوب إفريقيا ونيجريا وأنغوال والجزائر وكينيا وموريشيوس وغانا‬

‫وجمهورية الكونغو من أهم الشركاء التجاريين للهند بالقارة اإلفريقية خالل الفترة ‪ ،2010-2000‬ولقد‬

‫تكونت صادرات كل من أنغوال ونيجيريا والجزائر والسودان (‪)%77( ،)%97( ،)%97( ،)%99,6‬‬

‫على التوالي‪ ،‬نحو الهند من المواد النفطية‪ ،‬في حين كانت صادرات الهند نحو هذه الدول تتكون من‬

‫المواد الصناعية‪ ،‬وبعض التجهيزات الستخراج النفط‪ ،‬فمثال شكلت هذه المواد من واردات غانا‪،‬‬

‫وموريشيوس من الهند خالل نفس المرحلة النسب التالية‪ )%57( ،)%86( ،‬على التوالي‪.445‬‬

‫وخالل سنة ‪ 2011‬وصلت قيمة المبادالت التجارية بين الطرفين إلى ‪ 63‬مليار دوالر‪ ،‬وهي‬

‫قيمة أكبر من قيمة العالقات التجارية بين كل من الهند والواليات المتحدة األمريكية في السنة نفسها‪،‬‬

‫والتي وصلت إلى ‪ 56‬مليار دوالر‪.‬‬

‫‪ - 442‬فليب ليمار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.80‬‬


‫‪443‬‬
‫‪- India- Africa : south-south trade and investment for development , World Trade Organization,‬‬
‫‪Confederation of Indian Industry ,CII/WTO 2013, p15, viewed 24/06/2014 at :‬‬
‫‪http://www.wto.org/english/tratop_e/devel_e/a4t_e/global_review13prog_e/india_africa_report.pdf p15.‬‬
‫‪444‬‬
‫‪- Tail FUNDIRA , Trade at a glance : the BRICS and Japan’s engagement with Africa, op, cit, 22.‬‬
‫‪445‬‬
‫‪- Sarah Baynton-Glen, Africa-India trade and investment –Playing tostrengths, Standart chartered, 08‬‬
‫‪August 2012, p4, viewed 10/03/2015at:‬‬
‫‪https://www.sc.com/en/resources/globalen/pdf/Research/‬‬
‫‪fricaIndia_trade_and_investment_Playing_to_strengths.pdf.‬‬

‫‪248‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التبادل التجاري بين الهند والقارة اإلفريقية حسب المناطق خالل سنة ‪2011‬‬ ‫المبيان رقم ‪:30‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪India- Africa : south-south trade and investment for development , World Trade‬‬
‫‪Organization, Confederation of INDIAN Industry ,CII/WTO 2013, op,cit, p17.‬‬
‫من خالل المبيان التوضيحي أعاله يتبين أن جغرافية العالقات التجارية بين الهند والقارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬عرفت تغيرا مهما خالل العقد الماضي‪ ،‬فبعدما كانت نسبة منطقة جنوب إفريقيا تمثل ‪%60‬‬

‫من صادرات القارة اإلفريقية نحو الهند‪ ،‬وغرب إفريقيا ال يشكل إال ‪ %16‬من هذه الصادرات‪ ،‬ففي‬

‫سنة ‪ 2011‬تغيرت هذه المعطيات؛ إذ تراجعت صادرات منطقة جنوب إفريقيا نحو الهند إلى نسبة‬

‫‪ ،%24‬في حين ارتفعت صادرات منطقة غرب إفريقيا إلى ‪ ،%40‬وذلك لتزايد واردات الهند من‬

‫الموارد الطاقية من هذه المنطقة‪ ،‬خاصة من نيجيريا‪ .‬وبقيت منطقة شرق إفريقيا من أهم المناطق التي‬

‫تصدر لها المنتجات الهندية‪ ،‬إذ وصلت نسبة الصادرات الهندية لهذه المنطقة ‪ %34‬من جل صادراتها‬

‫نحو القارة اإلفريقية خالل سنة ‪ ،2011‬وذلك راجع للروابط التاريخية التي تجمع هذه المنطقة مع دولة‬

‫الهند من خالل الجالية الهندية المنتشرة في جل دول هذه المنطقة‪.446‬‬

‫وحسب التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للتجارة سنة ‪ 2013‬تحت عنوان الهند‪-‬إفريقيا‪:‬‬

‫التجارة واالستثمار جنوب جنوب من أجل التنمية‪ ،‬فإنه بالرغم من األزمة االقتصادية العالمية فقد‬

‫ارتفعت المبادالت التجارية بين الطرفين بمعدل سنوي ‪ %32‬خالل الفترة ما بين ‪،4472011-2005‬‬
‫‪446‬‬
‫‪- India- Africa: south-south trade and investment for development , op, cit p16.‬‬
‫‪447‬‬
‫‪- KPMG and Confederation of Indian Industry, India and Africa- collaboration for growth, 2015, p8.‬‬
‫‪viewed 15/01/2016 at:‬‬
‫‪https://www.kpmg.com/IN/en/IssuesAndInsights/ArticlesPublications/Documents/India-Africa-Summit2015.pdf‬‬

‫‪249‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وقد عرف حجم التبادل التجاري بين الهند والقارة اإلفريقية خالل السنوات الثالثة الماضية ارتفاعا‬

‫مهما‪ ،‬إذ انتقل من ‪ 70,3‬مليار دوالر سنة ‪ 2012‬إلى ‪ 75‬دوالر سنة ‪ ،2014‬بحيث صدرت الهند‬

‫إلى إفريقيا خالل هذه السنة ما قيمته ‪ 34,6‬مليار دوالر‪ ،‬واستوردت منها ما قيميته ‪ 40,4‬مليار‬

‫دوالر‪ ،‬وبذلك شكلت إفريقيا ما نسبته ‪ %11‬من مجموع الصادرات الهندية‪ ،‬وكذا ‪ %9‬من مجموع‬

‫وارداتها‪.448‬‬

‫وخالل هذه السنة تعتبر كل من جنوب إفريقيا (‪ ،)%17‬وكينيا (‪ ،)%13‬وتنزانيا (‪،)%11‬‬

‫ومصر (‪ ،)%9‬ونيجيريا (‪ ،)%8‬أهم وجهات الصادرات الهندية نحو القارة اإلفريقية‪ ،‬في حين تعد كل‬

‫من نيجيريا (‪ ،)%39‬وجنوب إفريقيا (‪ ،)%15‬وانغوال (‪ ،)%14‬ومصر (‪ ،)%5‬وبوتسوانا (‪،)%3‬‬


‫‪449‬‬
‫أهم الدول التي تستورد منها الهند من القارة‪.‬‬

‫وتتكون بنية الصادرات الهندية نحو القارة اإلفريقية من‪ :‬األدوية والمنتجات الصيدالنية‪،‬‬

‫والسيارات وأجزائها‪ ،‬واآلليات‪ ،‬أي من المنتجات المرتفعة والمتوسطة المهارة ‪ ،450‬باإلضافة إلى‬

‫األرز‪ ،‬واللحوم الحمراء‪ ،‬وزيوت البترول غير الخام‪ ،‬وشكلت هذه المنتجات سنة ‪ 2014‬حوالي‬

‫‪ %52‬من مجموع الصادرات الهندية نحو إفريقيا‪ .451‬فحسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن‬

‫البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة سنة ‪ ،2013‬فالعديد من البلدان اإلفريقية استفادت من نقل التكنولوجيا‬

‫واالستثمارات في القطاعات التي تسهم في التنمية البشرية من الهند‪ ،‬فالشركات الهندية تزود البلدان‬

‫اإلفريقية‪ :‬باألدوية والمعدات الطبية‪ ،‬ومنتجات وخدمات تكنولوجيا المعلوميات‪ ،‬واالتصاالت بأسعار‬

‫معقولة‪ .452‬في حين تبقى الموارد الطبيعية هي المسيطرة على صادرات القارة اإلفريقية إلى الهند‬

‫‪448‬‬
‫‪- Nations Unies commission économique pour l’Afrique, et Confederation of Indian Industry, Afrique-Inde‬‬
‫‪faits et chiffres, Addis-Abeba, Premier tirage Octobre 2015 p 8.‬‬
‫‪449‬‬
‫‪-Ibid, p 11.‬‬
‫‪450‬‬
‫‪- Rakesh MOHAN, Joshi BISWJAT, NagAshish GUPTA, “India’s Export Opportunity in Africa: Issues and‬‬
‫‪Challenges in Select Sectors”, W.P.No. EC-13-18 April 2012.‬‬
‫‪451‬‬
‫‪- Nations Unies commission économique pour l’Afrique, et Confederation of Indian Industry, Afrique-Inde‬‬
‫‪faits et chiffres, op,cit, p10.‬‬
‫‪ - 452‬برنامج األمم المتحدة االنمائي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪ ،2013‬نهضة الجنوب‪ :‬تقدم بشري في عالم متغير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬

‫‪250‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫خالل العقد الماضي‪ ،‬من قبيل النفط والفحم والذهب والماس‪ ،‬ومثلت هذه الموارد ما يقارب ‪ %82‬من‬

‫مجموع الواردات الهندية من إفريقيا سنة ‪.4532014‬‬

‫المبيان رقم ‪ :31‬بنية الصادرات والواردات الهندية مع إفريقيا ما بين ‪2010-2000‬‬

‫بنية الواردات الهندية‬ ‫بنية الصادرات الهندية‬


‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Sarah BAYTON-GLEN, Africa-India trade and investment –Playing to‬‬
‫‪strengths, Standart chartered, 08 August 2012, p5, viewed 10/03/2015 at:‬‬
‫‪https://www.sc.com/en/resources/globalen/pdf/Research/fricaIndia_trade_and_invest‬‬
‫‪ment_Playing_to_strengths.pdf.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الهند والبحث عن الموارد الطبيعية بالقارة اإلفريقية‬

‫تمثل الهند اليوم‪ ،‬بحجمها السكاني الضخم وتطورها االقتصادي السريع ‪-‬كما سبقت اإلشارة‬

‫إليه سابقا‪ -‬سادس أكبر مستهلك للطاقة في العالم‪ ،‬وحتى تحافظ الهند على معدل نمو مقداره ‪%6‬‬

‫سنويا خالل العقدين المقبلين‪ ،‬ستضطر إلى زيادة استهالكها من الطاقة بنحو ‪ %5‬سنويا‪ .‬وإ ذا كانت‬

‫تستورد اليوم ‪ %70‬من إجمالي ما تستهلكه من النفط‪ ،‬فسيرتفع هذا الرقم في عام ‪ 2020‬إلى ‪%90‬‬

‫بحسب مؤشرات االستهالك الحالية‪ ،‬وبذلك فالهند أصبحت فاعال أساسيا في أسواق الطاقة العالمية‪.454‬‬

‫‪453‬‬
‫‪- Ibid, P10.‬‬
‫‪ - 454‬بيتراس أوستريفيشيون وجون بوزمان‪" ،‬إقتصاد الهند‪ ..‬الدور والمستقبل في نظام عالمي جديــد" في كتــاب الهنــد عوامل النهــوض وتحــديات‬
‫الصعود ‪ ،‬ترجمة عاطف معتد عبد الحميد‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحــة‪ ،‬الطبعــة األولى ‪1431‬هـ‪2010 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.101‬‬

‫‪251‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تمتلك الهند احتياطيات كبيرة من الفحم‪ ،‬ولكنها فقيرة نسبيا فيما يتعلق بالنفط والغاز‪ ،‬فاألرقام‬

‫تشير إلى أن احتياطي النفط المحتمل والممكن إلى جانب المثبت لديها يبلغ حوالي ‪ 11‬مليار برميل‬

‫نفط‪ ،‬منها ‪ 5,9‬مليار برميل احتياطي نفط مثبت وهو ما يساوي ‪ %0,5‬من االحتياطي العالمي‪ ،‬والنفط‬

‫الهندي يتركز معظمه في حقول نفط هندية بحرية حقول ‪ Bombay‬وحقول برية في ‪.Assam‬‬

‫المشكلة هي أن اإلنتاج النفطي المحلي ال يغطي إال حوالي ‪ %30‬من مجمل االستهالك النفطي‪ .‬وتشير‬

‫بعض التقديرات أنه بحلول عام ‪ 2020‬لن يكون بمقدور اإلنتاج المحلي الوفاء بأكثر من ‪ %25‬من‬

‫حاجيات البالد النفطية على أن يتم استيراد ‪ %75‬الباقية من الخارج‪.455‬‬

‫فإذا كان العالم اكتشف مع بداية القرن الواحد والعشرين تأثير الصين على سوق النفط العالمي‬

‫التي ال تمثل سوى ‪ %8‬من االستهالك العالمي و‪ %40‬من الطلب العالمي‪ ،‬فحالة الهند ال تزال غير‬

‫معروفة بشكل جيد‪ ،‬فمع أقل من نصف استهالك الصين تعد الهند سادس مستهلك عالمي للنفط‪ ،‬والثالث‬

‫في التغيرات الهامشية بعد الصين‪ ،‬والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ففي العقد األخير ارتفع استهالكها من‬

‫النفط بمعدل يزيد قليال على ‪ %6‬مقابل ‪ %1,5‬في االستهالك العالمي‪.456‬‬

‫وقد تزايد استهالك الهند للنفط مع تزايد معدالت نموها التي تراوحت نسبتها بين ‪ %9-8‬قبل‬

‫األزمة المالية واالقتصادية األخيرة التي أدت إلى تراجع هذه النسب بعض الشيء‪ .‬ولن يطول الوقت‬

‫حتى تصعد إلى مرتبة متقدمة أكثر بين كبار المستهلكين‪ ،‬وبحسب معدالت النمو المتوقعة‪ ،‬من المرتقب‬

‫أن يزداد طلب الهند على النفط بمعدل ‪ %2.9‬سنويا حتى عام ‪.4572030‬‬

‫يلقي القلق الهندي حول أمن الطاقة بظالل ثقيلة على موقف البالد من األمن الجيوسياسي‪،‬‬

‫فانشغال البالد بقضايا الطاقة جعلها تعمل على محاولة زيادة اإلنتاج المحلي من خالل تكثيف الجهود‬

‫االستكشافية في العديد من المناطق بالبالد‪ ،‬وكذا تطوير الطاقة النووية‪ ،‬كما استثمرت الهند في‬
‫‪ - 455‬علي حسين باكير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪ - 456‬جان جوزيف‪ ،‬االقتصاد الهندي ‪( ،‬تعريب د صباح ممدوح كعدان) دراسات اقتصادية ‪ ،10‬منشــورات الهيئــة العامــة الســورية للكتــاب‪ ،‬دمشــق‬
‫‪ ،2011‬ص ‪.128‬‬
‫‪ - 457‬تلميذ أحمد‪" ،‬التنافس العالمي على موارد الطاقة‪ :‬المنظـور الهنـدي‪ ،‬في‪ :‬الصــين والهنــد والواليات المتحــدة األمريكيــة التنــافس على موارد‬
‫الطاقة‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2008‬ص‪.376‬‬

‫‪252‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مشروعات بناء سدود ضخمة على األنهار‪ ،‬من أجل توليد الطاقة الكهربائية مثل مشروع ساردار‬

‫ساروفار في وادي نارمادا‪.458‬‬

‫ومع اشتداد جهود االستكشاف في الهند‪ ،‬تتبع الشركات النفطية الهندية سياسة نشطة تهدف‬

‫إلى الحصول على امتيازات خارجية‪ .‬ولقد حققت هيئة النفط والغاز الطبيعي "فيدش" المحدودة حضورا‬

‫في ‪ 15‬دولة من بينها روسيا والسودان وكولومبيا والبرازيل‪.‬‬

‫لهذا أضافت المواد الهيدروكربونية بعدا جديدا‪ ،‬وربما فائق األهمية إلى العالقات الهندية‬

‫بالقارة اإلفريقية‪ ،‬إذ انتقلت واردات الهند النفطية من ‪ %5‬من إجمالي الصادرات النفطية اإلفريقية سنة‬

‫‪ 2007‬إلى نسبة ‪ %8‬سنة ‪ .4592011‬وذلك نتيجة توجه الهند إلى إفريقيا من خالل استثمارات‬

‫شركاتها في العديد منها‪ ،‬فالهند خالل سنة ‪ 2011‬حصلت على ‪ %18‬من حاجياتها النفطية من‬

‫إفريقيا‪ ،460‬ومن المتوقع أن يشكل النفط والغاز ‪ %90‬من مجموع الصادرات اإلفريقية نحو الهند‬

‫بحلول سنة ‪ . 4612025‬وتعد نيجيريا أول مزود للهند بالنفط في إفريقيا والثاني بعد المملكة العربية‬

‫السعودية من المزودين للهند بالنفط على المستوى العالمي‪ ،‬إذ تلبي نحو ‪ %12‬من احتياجاتها السنوية‪،‬‬

‫وتحقق أول إسهام للهند بحصص نفطية في إفريقيا من خالل االستحواذ على حصة نسبتها ‪ %25‬في‬

‫شركة النيل األعظم في السودان‪ ،‬التي تزود الهند بنحو ثالثة ماليين طن من النفط سنويا‪ ،462‬ويبلغ‬

‫مجموع استثمارات الهند في قطاع الهيدروكربونات في السودان نحو ملياري دوالر أمريكي‪ ،463‬تمثل‬

‫النجاح اآلخر الذي حققته الهند في هذا المجال في حصول شركاتها – شركة نفط الهند المحدودة‪،OIL‬‬

‫‪ - 458‬بيتراس أوستريفيشيون وجون بوزمان‪ ،‬مرجع سابق ص‪.105‬‬


‫‪459‬‬
‫‪- KPMG, “OIL AND GAS IN AFRICA AFRICA’S RESERVES, POTENTIAL AND PROSPECTS, op, cit, p4-‬‬
‫‪5.‬‬
‫‪460‬‬
‫‪- S h e b o n t i RAY DADWAL. « India and Africa: Towards a Sustainable Energy Partnership», S A I I A O‬‬
‫‪C A S I O N A L PA P E R , N U M B E R 75, F e b r u a r y 2 011, p10.‬‬
‫‪461‬‬
‫‪- KPMG and Confederation of Indian Industry, India and Africa- collaboration for growth, op,cit, p 6.‬‬
‫‪ - 462‬تلميذ أحمد‪" ،‬التنافس العالمي على موارد الطاقة‪ :‬المنظور الهندي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪384‬‬
‫‪463‬‬
‫‪- Sanjukta Banerji BHTTACHRYA, op, cit, p 69.‬‬

‫‪253‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وشركة النفط الهندية ‪ ،IOC‬وشركة النفط والغاز الطبيعي فيديش لمتد ‪ OVL‬على ثالثة مواقع نفطية‬
‫‪464‬‬
‫داخل ليبيا قبل اندالع الثورة في هذا البلد‪.‬‬

‫كما وقعت الهند مع أنغوال في سنة ‪ 2010‬على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال‬

‫االستكشاف والتكرير في مجال النفط‪ ،‬كما استحوذت الشركات الهندية على حصص من النفط والغاز‬
‫‪465‬‬
‫في كل من بوركينافاسو وغنيا االستوائية وغانا وغنيا بيساو والسنغال‪.‬‬

‫باإلضافة إلى االستثمارات الهندية في مجال النفط والغاز في القارة اإلفريقية‪ ،‬فهي تستثمر‬

‫في مجال المعادن كمناجم النحاس في زامبيا‪ ،‬والفوسفاط في السنغال‪ ،‬وهو ما يشكل اختراقا لألسواق‬

‫الفرنسية في غرب إفريقيا‪ .‬ففي سنة ‪ 2014‬استوردت الهند ‪ %16‬من حاجياتها من المعادن‬

‫والمحروقات من إفريقيا‪ ،‬خصوصا من الدول التالية‪ :‬نيجيريا (‪ 15501‬مليون دوالر)‪ ،‬وأنغوال (‬

‫‪ 5463‬مليون دوالر)‪ ،‬جنوب إفريقيا (‪ ،)2308‬ومصر (‪ 1480‬مليون دوالر)‪ ،‬غينيا االستوائية (‪414‬‬

‫مليون دوالر)‪.466‬‬

‫والمالحظ هو كون االستراتيجية الهندية في الوصول إلى الموارد الطاقية (النفط والغاز‬

‫الطبيعي) في إفريقيا تنبني على تقديم المساعدات االقتصادية وبناء البنية التحتية من خالل تقديم‬

‫القروض الميسرة‪ ،‬شريطة إنجاز هذه المشاريع من طرف الشركات الهندية‪ ،‬مما سيكون له انعكاسات‬

‫على تطور الشركات المحلية‪ ،‬وهو ما يشبه منطلقات االستراتيجية الصينية في هذا المجال‪.‬‬

‫ففي سنة ‪ 2005‬وقعت شركة ‪ ONGC‬الهندية من خالل شركة "فيديش" المحدودة بتعاون مع‬

‫شركة "أرسلون" أكبر منتج للصلب في العالم اتفاقا مع نيجيريا لتنفيذ العديد من المشاريع بها في مجال‬

‫البنية التحتية بقيمة ‪ 6‬مليارات دوالر‪.‬‬

‫‪ - 464‬تلميذ أحمد‪" ،‬التنافس العالمي على موارد الطاقة‪ :‬المنظور الهندي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.384‬‬
‫‪465‬‬
‫‪- S h e b o n t i RAY DADWAL. op.cit, p10.‬‬
‫‪466‬‬
‫‪- Nations Unies commission économique pour l’Afrique, et Confederation of Indian Industry, Afrique-Inde‬‬
‫‪faits et chiffres, op,cit, p12.‬‬

‫‪254‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى كون الصادرات النيجرية واالنغولية والجزائرية نحو الهند‪ ،‬عرفت‬

‫ارتفاعا خالل الفترة من ‪ 2001‬إلى ‪ 2011‬بنسبة ‪ ،%112 ،%275 ،%68‬على التوالي نتيجة ارتفاع‬

‫صادراتها نحوها من البترول‪.467‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل تحقيق االستراتيجية الهندية بإفريقيا وتحدياتها‬

‫لقد سلكت الهند مجموعة من اآلليات لتحقيق أهداف استراتيجيتها في إفريقيا‪ ،‬ومن ذلك دعم‬

‫وتشجيع الشركات الهندية لالستثمار بالعديد من الدول اإلفريقية‪ ،‬التي تتوفر على مواد معدنية وطاقية‪،‬‬

‫موازاة مع تقديم المساعدات المالية والفنية (الفقرة األولى)‪ ،‬غير أن االستراتيجية الهندية ما زالت‬

‫تواجه مجموعة من التحديات والعقبات‪ ،‬سواء كانت هذه التحديات مرتبطة بالسياق الدولي‪ ،‬الذي أفرز‬

‫تزايد اهتمام القوى الدولية بالقارة اإلفريقية‪ ،‬أو مرتبطة بالجانب الهندي أو اإلفريقي (الفقرة الثانية)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬وسائل تحقيق االستراتيجية الهندية بإفريقيا‬

‫أوال‪ :‬االستثمارات الهندية بإفريقيا‬

‫عرفت االستثمارات الهندية في القارة اإلفريقية تطورا كبيرا خالل العقد الماضي‪ ،‬وذلك‬

‫نتيجة تزايد حاجيات الهند من الموارد الطبيعية المتوفرة بالقارة اإلفريقية‪ ،‬باإلضافة إلى تزايد‬

‫احتياطاتها من العملة الصعبة‪.‬‬

‫االستثمارات الهندية ببعض الدول اإلفريقية خالل الفترة ‪( 2009-1996‬بالمليون دوالر)‬ ‫الجدول رقم ‪:9‬‬

‫‪2003-‬‬ ‫‪2002-‬‬ ‫‪1996-‬‬


‫المجموع‬ ‫‪2008-09‬‬ ‫‪2007-08‬‬ ‫‪2006-07‬‬ ‫‪2005-06‬‬ ‫‪2004-05‬‬
‫‪04‬‬ ‫‪03‬‬ ‫‪2002‬‬

‫‪6165‬‬ ‫‪2087‬‬ ‫‪1506‬‬ ‫‪1163‬‬ ‫‪333‬‬ ‫‪149‬‬ ‫‪176‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪618‬‬ ‫موريشيوس‬

‫‪1191‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪118‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪162‬‬ ‫‪750‬‬ ‫‪-‬‬ ‫السودان‬

‫‪821‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪790‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪9‬‬ ‫مصر‬

‫‪301‬‬ ‫‪237‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪7‬‬ ‫نيجريا‬
‫‪467‬‬
‫‪- India- Africa : south-south trade and investment for development ,op.cit, p 28.‬‬

‫‪255‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪189‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪155‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ليبريا‬

‫‪149‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪13‬‬ ‫كينيا‬

‫‪143‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪30‬‬ ‫ليبيا‬

‫جنوب‬
‫‪118‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪22‬‬
‫إفريقيا‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪India- Africa : south-south trade and investment for development, op,cit‬‬
‫‪p49.‬‬
‫ولقد وصل إجمالي االستثمارات الهندية خالل سنة ‪ 2009-2008‬إلى ‪ 9,2‬مليار دوالر‪،‬‬

‫غير أن هذا الرقم عرف ارتفاعا مهما خالل عام ‪ ،2011‬إذ وصل إلى ‪ 14,1‬مليار دوالر‪ ،‬وهو ما‬

‫يمثل ‪ %22,5‬من مجموع االستثمارات الهندية بالخارج‪ ،‬بل هناك بعض التقارير التي تشير إلى كون‬

‫االستثمارات الهندية بإفريقيا وصلت إلى ‪ 16,600‬مليار دوالر كما ورد في التقرير الصادر عن اللجنة‬

‫االقتصادية إلفريقيا باألمم المتحدة والكنفيدرالية الهندية للصناعة سنة ‪ ،2015‬وقد تراجع حجم‬

‫االستثمارات الهندية سنة ‪ 2013‬إلى ما قيمته ‪ 13,600‬مليار دوالر‪ ،‬وهو ما يمثل ‪ %16‬من الحجم‬

‫الكلي لالستثمارات الخارجية المباشرة الهندية بالعالم خالل هذه السنة‪ .468‬وتوزعت االستثمارات‬

‫الهندية على التصنيع والمواصالت والبتروكيماويات والمعادن والسكك الحديدية إذ توجد حاليا أزيد من‬

‫‪ 245‬شركة هندية تعمل في إفريقيا في مختلف المجاالت‪ ،‬وفي هذا اإلطار اشترت شركة بهارتي‬

‫ارتل الهندية لالتصاالت مجموعة زين الكويتية لالتصاالت بقيمة ‪ 7,8‬مليار أورو‪ ،‬وهو ما‬

‫سيمكنها من االشتغال في ‪ 16‬دولة إفريقية‪ ،469‬وتتركز االستثمارات الهندية أساسا في منطقتي شرق‬

‫وجنوب إفريقيا‪ ،470‬وهو ما يمكن إرجاعه إلى تمركز الجالية الهندية بهاتين المنطقتين‪ .‬وفي يناير‬

‫‪ 2015‬قدر عدد الهنود مثال بجنوب إفريقيا بأزيد من مليون ونصف نسمة‪ ،‬وموريشيوس يوجد بها‬
‫‪468‬‬
‫‪- Nations Unies commission économique pour l’Afrique, et Confederation of Indian Industry, Afrique-Inde‬‬
‫‪faits et chiffres, op,cit, p2.‬‬
‫‪469‬‬
‫‪- Groupe collectif," L’Afrique et les grands émergents", op ,cit , p 23.‬‬
‫‪470‬‬
‫‪- KPMG and Confederation of Indian Industry, India and Africa- collaboration for growth, op,cit, pp 9-11.‬‬

‫‪256‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫حوالي ‪ 900‬ألف هندي‪ ،‬وبصفة عامة فقد قدر عدد الهنود الموجودين بإفريقيا في يناير ‪ 2015‬بـ‬

‫‪ 2,76‬مليون نسمة‪ ،‬أي ما يشكل ‪ %10‬من مجموع الهنود الموجودين في الخارج‪ .471‬غير أن ما‬

‫يالحظ على االستثمارات الهندية هو أن الشركات الهندية لم تعد تقتصر على الشركاء التقليديين للهند‬

‫بالقارة اإلفريقية‪ ،‬بل توجهت إلى التوسع نحو الدول اإلفريقية األخرى‪ ،‬كنيجيريا والسينغال والكوت‬

‫ديفوار وبوركينافاسو‪ ،‬وهو ما يشكل اختراقا للدول المرتبطة تقليديا بفرنسا‪ ،‬وهذا ما جعل السيد‬

‫(‪ ) François la fargue‬يصرح أن الشركات الفرنسية أصبحت هشة أمام‬ ‫فرونسوى لفارك‬

‫نظيراتها الصينية والهندية في هذه المنطقة في مجال تشييد البنية التحتية‪.472‬‬

‫وعلى الرغم من أن المؤسسات الهندية أكثر تكتما من المؤسسات الصينية‪ ،‬إال أنها أصبحت‬

‫تتمتع بحضور قوي بالقارة اإلفريقية‪ ،‬وهذا أمر يمكن تفسيره جزئيا بعراقة حضور العديد من‬

‫المؤسسات الهندية التي أنشأتها الجالية الهندية المستقرة في مختلف بلدان إفريقيا منذ عقود‪ ،‬وهذه هي‬

‫حالة جنوب إفريقيا بخاصة‪ ،‬كما هي حالة كثير من بلدان شرق إفريقيا‪ .‬والحضور الهندي القوي في‬

‫جنوب إفريقيا يشكل تموضعا استراتيجيا مهما‪ ،‬ألن دولة جنوب إفريقيا هي منصة رأسمالية حقيقة‬

‫حول إفريقيا‪ ،‬وبخالف ذلك فإن الهند تأتي في مقدمة المستثمرين الخارجيين في كينيا وأوغندا وفي‬

‫إثيوبيا‪ .‬وثمة مؤسسات كانت إلى عهد قريب غير معروفة بالكامل‪ ،‬باتت مزدهرة في هذه المنطقة‪.‬‬

‫فهذه مثال هي حالة كاروتوري التي أصبحت أول مصدر عالمي للورد‪ ،‬أو حالة "إيسيمو" البنغالية‬

‫األصل التي وضعت استثمارا بقيمة ‪ 100‬مليون دوالر لتنمية الصناعة الزراعية على نحو واسع‪.‬‬

‫والمنافسة الصينية والغربية ال تمنع مجموعات مثل تاتا‪ ،‬إيسار أو حتى ميتال من أن تكون‬

‫شديدة الحضور في عدد كبير من بلدان إفريقيا الغربية أو الشمالية‪ .‬ف ‪ Arcelor Mittal‬جنوب إفريقيا‬

‫هي أول منتج للفوالذ في إفريقيا اليوم (‪ 8,7‬مليون طن سنويا)‪ .‬كما أن مجموعة ميتال عززت مؤخرا‬

‫‪471‬‬
‫‪- Nations Unies commission économique pour l’Afrique, et Confederation of Indian Industry, Afrique-Inde‬‬
‫‪fait et chiffres, op,cit, p16.‬‬
‫‪472‬‬
‫‪- François LAFARGUE, « L’Inde en Afrique : logiques et limites d’une politique », De Boeck Université‬‬
‫‪Afrique contemporaine, 2006/3 – 219, pages 137 à 149.‬‬

‫‪257‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫استثماراتها (مليار دوالر) في منشأة في ليبيريا‪ ،‬حيث استأنفت بالكامل استخراج خام الحديد وإ نتاج‬

‫الفوالذ‪ .‬أما مجموعة ‪ ESSAR‬فإنها تعمل في نحو عشرة بلدان إفريقية‪ ،‬وتغطي عملياتها ليس ميادين‬

‫المعادن فحسب‪ ،‬بل النفط والنقل البحري‪ ،‬شأنها شأن مجموعات ‪ MITTAL‬و ‪ .TATA‬وهذه األخيرة‬

‫باتت حاضرة في ثالثة عشر بلدا‪ ،‬وهي تواصل وتكاثر استثماراتها لتواصل تناميها في قطاع البنى‬

‫التحتية‪ ،‬والفنادق‪ ،‬والسيارات والمناجم‪ .‬وهناك أخيرا صاحبة المرتبة الثالثة إفريقيا في قطاع‬

‫االتصاالت الهاتفية وهي ‪ AIRTEL‬الهندية‪.473‬‬

‫ثانيا‪ :‬المساعدات المالية‬

‫في إطار تحقيق استراتيجية بالقارة اإلفريقية تعمل الهند على تقديم المساعدات المالية للعديد‬

‫من الدول اإلفريقية‪ ،‬سواء كانت هذه المساعدات مباشرة أو عن طريق القروض الميسرة لبناء البنية‬

‫التحتية‪ ،‬التي تقدم من طرف البنك الهندي لالستيراد والتصدير بفوائد مخفضة‪ ،‬وتكون مشروطة بتنفيذ‬

‫المشاريع من طرف الشركات الهندية‪ ،‬إال أن ما يمكن مالحظته في هذا اإلطار‪ ،‬هو أن الهند تركز‬

‫على الدول الغنية بالثروات الطبيعية كدول غرب إفريقيا‪ ،‬وهو ما تؤكده مبادرة ‪ TEAM-9‬التي‬

‫تهدف إلى تقديم الدعم لهذه الدول في مجال التكنولوجيا وكذا االستثمار في البنية التحتية‪ ،474‬كما أعدت‬

‫الهند مجموعة من البرامج التقنية والفنية لصالح الدول اإلفريقية سواء من خالل برنامج التعاون التقني‬

‫واالقتصادي الهندي والذي خصصت له الهند مبلغا ماليا قدره ‪ 16,8‬مليون دوالر ما بين ‪-2009‬‬

‫‪ 2010‬مرفقا ببرنامج المساعدة الخاص بالكومنولت (‪ )SCAAP‬والذي خصص له مبلغ ‪1,8‬مليون‬

‫دوالر في الفترة نفسها‪ ،‬لدعم التنمية في القارة اإلفريقية خصوصا في مجال المعلوميات‪ ،475‬وهو ما‬

‫تجلى في توقيع مبادرة مشتركة بين الهند واالتحاد اإلفريقي بكلفة مالية قدرها ‪ 135,6‬مليون دوالر‬

‫‪ - 473‬جان‪ -‬جوزيف بوايو‪" ،‬إفريقيا محط أطماع شركات الجنوب المتعددة الجنسية"‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪474‬‬
‫‪- Bureau du Conseiller spécial pour l’Afrique, la coopération de l’Afrique avec les partenaires de‬‬
‫‪développement nouveaux et émergents : options pour le développement de l’Afrique, Nations Unies, New‬‬
‫‪York, 2010, p63.‬‬
‫‪- Philippe HUGON , Géopolitique de l’Afrique, op, cit , p 316.‬‬
‫‪475‬‬
‫‪- Groupe collectif," L’Afrique et les grands émergents", op ,cit , p 28.‬‬

‫‪258‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لتحسين االتصاالت عبر اإلنترنيت بواسطة ربط الدول اإلفريقية بعضها ببعض باستخدام األقمار‬

‫الصناعية وكابالت الياف بصرية تم ربطها بالهند‪ ،476‬باإلضافة إلى تخصيص مبلغ ‪ 24,8‬مليون‬

‫دوالر في الفترة نفسها كمساعدات مباشرة للقارة اإلفريقية لتمويل مشاريع في مجال الفالحة والطاقة‬

‫كما قامت الهند باستصالح العديد من األراضي الزراعية في دول إفريقيا‬ ‫‪477‬‬
‫والبنية التحتية‪.‬‬

‫الشرقية‪.478‬‬

‫باإلضافة إلى توجه الهند لتخفيف قيود االستيراد من الدول األكثر فقرا في العالم‪ ،‬بما فيها ‪34‬‬

‫دولة إفريقيا‪ ،‬وتشتمل البضائع التي يغطيها المشروع تلك التي تعد ذات أهمية مباشرة إلفريقيا؛ مثل‬

‫القطن والكاكاو وخام األلمنيوم والنحاس وقصب السكر والمالبس الجاهزة وشرائح السمك والماس‬

‫الخام‪.479‬‬

‫كما أن الهند في السنوات األخيرة أصبحت تخصص منحا دراسية للطلبة األفارقة‪ ،‬وبذلك‬

‫ارتفع عدد الطلبة األفارقة الذي يتجهون نحو مؤسسات التعليم العالي الهندية لمتابعة دراستهم الجامعية‬

‫في العقد األخير‪ ،‬إذ انتقل من‪ 2558‬طالبا سنة ‪ 2000‬إلى ‪ 6022‬طالبا سنة ‪ ،2012‬وتعتبر كل من‬

‫السودان‪ ،‬وتنزانيا وروندا أهم الدول اإلفريقية التي ينحدر منها هؤالء الطلبة‪ ،‬إذ تشكل هذه الدول‬

‫مجتمعة ‪ %50‬من مجموع الطلبة األفارقة بالهند سنة ‪.4802012‬‬

‫أما في مجال دعم السالم بالقارة اإلفريقية‪ ،‬فالهند عملت على المشاركة في العديد من عمليات‬

‫حفظ السالم الدولية المنتشرة في إفريقيا (السرياليون والسودان والصومال والكونغو الديمقراطية وكوت‬

‫وتبقى من أهم خصوصيات المقاربة الهندية في شراكتها مع‬ ‫‪481‬‬


‫ديفوار وجنوب السودان وليبيريا)‪،‬‬

‫إفريقيا تعزيز الروابط مع منظمة االتحاد اإلفريقي والمنظمات االقتصادية اإلقليمية في إفريقيا‪ ،‬لذلك‬
‫‪ - 476‬بدر حسن شافعي‪ ،‬التغلغل الهندي في إفريقيا‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 19/11/2014‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://aljazeera.net/opinions/pages/b612ef85-ba62-4ff1-90ca-a94d4a150e90.‬‬
‫‪477‬‬
‫‪-Groupe collectif," L’Afrique et les grands émergents", op ,cit , p 28.‬‬
‫‪ 478‬بدر حسن شافعي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 479‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪480‬‬
‫‪- Nations Unies commission économique pour l’Afrique, et Confederation of Indian Industry, Afrique-Inde‬‬
‫‪faits et chiffres, op, cit, p p 17-18.‬‬
‫‪ - 481‬جين دندون‪" ،‬جدول عمليات السالم المتعددة األطراف ‪ ،"2012‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.174 -141‬‬

‫‪259‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وقعت الهند برتوكوال مع المجموعة االقتصادية لغرب إفريقيا في ‪ 6‬ماي ‪ ،2011‬تم االتفاق من خالله‬

‫على تنمية التعاون في العديد من المجاالت كالطاقة والنسيج والنقل والمواصالت‪.482‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬تحديات االستراتيجية الهندية في إفريقيا‬

‫حافظت الهند على عالقات وثيقة مع العديد من الدول اإلفريقية منذ استقاللها إلى اليوم‪ ،‬فعلى‬

‫الرغم من كون نهاية الحرب الباردة جعلت هذه العالقات تحيد عن األبعاد اإليديولوجية التي تحكمت‬

‫فيها‪ ،‬لتتحول إلى عالقات برغماتية تنبني على تطوير التعاون االقتصادي والتجاري بين الطرفين‪ ،‬كما‬

‫هو مبين أعاله‪ ،‬نتيجة التوجه العالمي نحو الليبرالية االقتصادية وتزايد التجارة الدولية مع بداية عقد‬

‫التسعينيات من القرن الماضي‪ ،‬وهو ما أعطى زخما قويا لهذه العالقات خالل العقدين الماضين‪.‬‬

‫إال أن تطوير هذه العالقات اليوم تقف أمامه العديد من التحديات والعوائق‪ ،‬يأتي في طليعتها‬

‫العوائق المرتبطة بالطرفين‪ ،‬وكذا تزايد اهتمام القوى الدولية األخرى بالقارة اإلفريقية‪ ،‬كالصين‬

‫والواليات المتحدة األمريكية واليابان باإلضافة إلى القوى االستعمارية األوروبية‪.‬‬

‫من جهة فعلى الرغم من كون القارة اإلفريقية‪ ،‬عرفت نموا اقتصاديا سريعا خالل العقد‬

‫الماضي‪ ،‬باإلضافة إلى كونها سوق استهالكية مهمة وتمتلك ثروات طبيعية كبيرة‪ ،‬فهي ما زالت‬

‫منطقة تعصف بها الحروب‪ ،‬فحسب تقرير التسلح ونزع السالح واألمن الدولي لسنة ‪ ،2012‬الصادر‬

‫عن معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الدولي‪ ،‬فالقارة اإلفريقية تعتبر المنطقة التي شهدت أكثر‬

‫الصراعات بين الدول والتي وصلت إلى نسبة ‪ %39‬من جميع الصراعات التي عرفتها الساحة الدولية‬

‫خالل الفترة الممتدة بين ‪ ،2010-2001‬كما أنها تعتبر المنطقة التي تعرف أكثر الصراعات‬

‫والحروب الداخلية سواء كانت إثنية أو دينية‪ ،‬والتي عصفت بمجموعة من الدول اإلفريقية كإثيوبيا‬

‫وكينيا ونيجيريا والصومال والسودان‪ ،483‬التي نتج عنها غياب االستقرار السياسي‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫‪482‬‬
‫‪- William ASSANYO, « Rétrospective 2011 des relations économiques et commerciales entre l’Afrique et ses‬‬
‫‪partenaires émergents », Note d’analyse, n° 8, janvier 2012, p5‬‬
‫‪ - 483‬لوتا ثمنر وبير والنستاين‪" ،‬أنماط العنــف المنظم‪ ،"2010-2001 ،‬منشــور بالكتــاب الســنوي ‪ 2012‬التســلح ونــزع الســالح واألمن الــدولي‪،‬‬
‫مركز دراسات الوحدة اإلفريقية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الدولي‪ ،‬بيروت الطبعة األولى أكتوبر ‪ ،2012‬ص ‪.129-106‬‬

‫‪260‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الصراعات التي عاشتها القارة اإلفريقية في السنتين األخيرتين(الكوت دفوار وإ فريقيا الوسطى ومالي‬

‫والنيجر)‪ ، 484‬التي عرفت تدخل القوى األجنبية خصوصا فرنسا والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬هذه البيئة‬

‫المضطربة بالقارة اإلفريقية تشكل عائقا مهما لتطور العالقات الهندية اإلفريقية‪ ،‬خصوصا في مجال‬

‫االستثمارات‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى هناك عوائق تتعلق بالهند؛ فهي ما زالت تواجه مجموعة من التحديات على‬

‫المستوى الداخلي‪ ،‬اختالف مستوى التنمية بين مناطقها‪ ،‬ارتفاع عدد الفقراء بها‪ ،485‬وهو ما يتطلب‬

‫تسخير الكثير من الفائض المالي الهندي على المستوى الداخلي لتحقيق التنمية الداخلية في الهند‪.‬‬

‫إال أنه يبقى أهم تحد لتطوير العالقات الهندية اإلفريقية‪ ،‬هو تزايد االهتمام الدولي بالقارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬لقد عملت جل القوى الدولية على تطوير عالقتها مع القارة اإلفريقية‪ ،‬من خالل عقد العديد‬

‫من القمم التي تجمعها مع دول القارة اإلفريقية‪ ،‬فمنتدى التعاون الهندي اإلفريقي ال يعرف الحضور‬

‫نفسه الذي تعرفه هذه القمم األخرى إذ تحضرها جل الدول اإلفريقية عكس القمة الهندية اإلفريقية التي‬

‫ال يحضرها أكثر من ربع دول القارة‪ ،‬كما أن هذه القمة ال تحظى بالتغطية اإلعالمية نفسها التي تتمتع‬

‫بها القمم األخرى كمنتدى التعاون الصيني اإلفريقي ومؤتمر تيكاد الذي يجمع اليابان بدول القارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬القمة األمريكية اإلفريقية‪ ،‬وهو ما يمكن إرجاعه إلى كون الهند ال تتوفر على القدرات‬

‫المالية المتاحة للقوى األخرى‪.‬‬

‫كما أن هذه القوى وضعت مجموعة من المبادرات لتطوير عالقاتها االقتصادية مع القارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬فالواليات المتحدة األمريكية وضعت قانون "النمو والفرص في إفريقيا"‪ ،‬كما أن الصين ألغت‬

‫مجموعة من الديون المستحقة لها لدى ‪ 31‬دولة إفريقية‪ ،‬وذلك بقيمة ‪ 1,2‬مليار دوالر تقريبا‪ .‬وأعفت‬

‫مجموعة من المنتجات اإلفريقية من الرسوم الجمركية للدخول إلى السوق الصينية‪ ،‬وهو ما مكن‬
‫‪ - 484‬جيرمي كنان‪" ،‬إرهاب وانعدام األمن في الساحل اإلفريقي‪ :‬درس في التزوير الجغرافي السياسي"‪ ،‬منشور في كتاب أوضاع العالم ‪50 2011‬‬
‫فكرة رئيسية للفهم نهاية العالم االحادي‪( ،‬تحرير برتراند بادي ودمينيك فبدال)‪ ،‬مؤسســة الفكــر العــربي‪ ،‬بــيروت‪ ،‬الطبعــة األولى فــبراير ‪2011‬م‪-‬‬
‫‪1432‬هـ‪ ،‬ص ‪.349-344‬‬
‫‪ - 485‬محمد ضياء الحق‪" ،‬ثغرات في قصة التنمية الهندية" تعريب عاطف معتد عبد الحميد‪ ،‬كتاب الهند عوامل النهوض وتحديات الصعود‪ ،‬مركــز‬
‫الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪1431‬هـ‪2010 -‬م‪ ،‬ص ص‪.145-131‬‬

‫‪261‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الصين من انتزاع األسواق العامة اإلفريقية منذ سنة ‪ ،2000‬فغدت الشريك التجاري الثاني للقارة سنة‬

‫‪ 2010‬بعد الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وقبل فرنسا‪ .‬أما في سنة ‪ 2013‬أصبحت الصين تمثل الشريك‬

‫التجاري والمستثمر األول في إفريقيا‪ ،‬إذ تشير اإلحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري بين الصين‬

‫والقارة اإلفريقية حقق قفزات كبرى‪ ،‬ليصل إلى مستوى ‪ 200‬مليار دوالر في هذه السنة (‪-2013‬‬
‫‪486‬‬
‫‪ )2014‬ليتجاوز بذلك حجم التبادل التجاري بين الواليات المتحدة والقارة اإلفريقية بنحو الضعف‪،‬‬

‫وذلك بفضل شبكات تعود أحيانا إلى ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم‪ ،‬وبمساعدة دبلوماسية‬

‫منخرطة في األعمال‪ ،‬قادرة على تحمل كل الصعاب‪ ،‬تمركز الصين حيثما تتوفر احتياطيات‬

‫بل أصبح هذا العدد يتجاوز‬ ‫‪487‬‬


‫الهيدروكربون أو الخامات‪ ،‬واستقرت تسعمائة من شركاتها في القارة‪،‬‬

‫‪ 2000‬شركة حاليا‪ ،‬وهو ما يشكل تحديا كبيرا للهند‪ ،‬إذ أن عدد شركاتها العاملة في إفريقيا ال يصل‬

‫حتى ثلث الشركات الصينية‪.‬‬

‫لقد أصبحت الهند حساسة بصورة خاصة لما يطلق عليه غالبا "عامل الصين" في مجال‬

‫البحث عن الموارد النفطية؛ لكونها خسرت مجموعة من العقود نتيجة تدخل الشركات الصينية‪ ،‬فمثال‬

‫في أنجوال فقدت شركة أوفل الهندية حصة بنسبة ‪ %50‬في المنطقة ‪ 18‬لصالح شركة النفط الوطنية‬

‫الصينية‪ ،‬وهذه خسارة كبيرة ألن إنتاج حقل النفط يقدر ب ‪ 200‬ألف برميل يوميا من النفط الخام‬

‫اعتبارا من عام ‪ ،2007‬ويقال إن الصين حسمت أمر هذه الصفقة بعرضها مساعدات بقيمية ‪ 2‬مليار‬

‫دوالر لمشروعات مختلفة في أنجوال‪ ،‬وبالمقارنة‪ ،‬عرضت الهند ‪ 200‬مليون دوالر فقط لتطوير‬

‫السكك الحديدية‪ ،‬وإ لى جانب ذلك خسرت الشركات الهندية مجموعة من الصفقات في العديد من‬

‫لما توفره من عطاءات مالية كبيرة نتيجة مساعدتها‬ ‫‪488‬‬


‫المناطق الدولية نتيجة تدخل الشركات الصينية‪،‬‬

‫‪ - 486‬أمير محمد عبد الحكيم‪" ،‬ما الذي تريده واشنطن من القمة األمريكية اإلفريقية؟" شوهد بتاريخ ‪ 30/11/2014‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.siyassa.org.eg/Portal/20/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/0.aspx‬‬
‫‪ - 487‬فيليب ليمار‪ ،‬مرجع سابق‪" ،‬إفريقيا‪ ،‬مسرح المناورة الدبلوماسية واالقتصادية"‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ -488‬جيفري براون وفيجاي مخيرجي وكانج وو‪" ،‬سباق الطاقــة بين الصــين والهنــد‪ :‬دوافعــه وفــرص التعــاون الممكنــة"‪ ،‬في كتــاب الصــين والهنــد‬
‫والواليات المتحدة األمريكية التنافس على موارد الطاقة‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبو ظــبي‪ ،‬الطبعــة األولى ‪ ،2008‬ص‬
‫‪.287‬‬
‫‪ -‬جون جازفنيان‪ ،‬التكالب على النفط اإلفريقي ‪( ،‬ترجمة أحمد محمود)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2013‬ص‪.345-344‬‬

‫‪262‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫من طرف الدولة الصينية‪ ،‬فقد بلغت االحتياطات المالية الصينية ‪ 3400‬مليار دوالر‪ ،‬في حين لم‬

‫تتجاوز االحتياطات الهندية ‪ 300‬مليار دوالر وهو فرق شاسع بين الطرفين‪.489‬‬

‫لذلك توجهت الهند لعقد مجموعة من االتفاقيات مع الصين للتشاور المسبق حول الصفقات‬

‫الدولية في مجال البحث عن الموارد الطبيعية‪ ،‬كما اتفقتا أيضا على التعاون في مجال التكرير‬

‫والتخزين االستراتيجي‪ ،‬وذلك بعد الزيارة التي قام بها وزير النفط الهندي ماني شنكار أيار للصين‬

‫في أوائل عام ‪ ،2006‬وهو ما أسفر عن توقيع اتفاقيات تعاون بين العديد من الشركات الصينية‬

‫والهندية في هذا المجال‪ ،490‬غير أن هذا لن ينهي المنافسة بين الطرفين على المستوى الدولي‪،‬‬

‫لتعطشهما للنفط لالستمرار في التطور االقتصادي‪ ،‬وأن لكل بلد أجندته السياسية واالقتصادية على‬

‫المستوى الدولي‪.‬‬

‫في األخــير نخلص إلى أن أســباب اهتمــام الهنــد بالقــارة اإلفريقيــة تتجلى في تزايــد أهميــة القــارة‬

‫اإلفريقيــة على المســتوى الــدولي بصــفة عامــة‪ ،‬لتزايــد اكتشــاف المــوارد الطبيعيــة خصوصــا االكتشــافات‬

‫النفطية فيها في السنوات األخيرة‪ ،‬وكذا اعتبارهـا سـوقا اسـتهالكية مهمـة للمنتجـات الهنديـة‪ ،‬غـير أن هـذا‬

‫ال يفس ـ ــر وح ـ ــده االهتم ـ ــام الهن ـ ــدي بالق ـ ــارة اإلفريقي ـ ــة‪ ،‬فالهن ـ ــد أص ـ ــبحت تعت ـ ــبر الق ـ ــارة اإلفريقي ـ ــة مفت ـ ــاح‬

‫دبلوماسيتها الخارجية لالستفادة من الترتيبات الجديدة التي تعرفهــا الســاحة الدوليــة‪ ،‬وذلــك للحصــول على‬

‫تأييد الدول اإلفريقية‪ ،‬من أجل الوصول لالنضمام إلى العضوية الدائمة بمجلس األمن الدولي‪.‬‬

‫فإذا كانت هذه هي أهداف الهند في تطوير عالقاتها مع القارة اإلفريقية‪ ،‬فإنه في ظل عولمة‬

‫السياسة واالقتصاد في مرحلة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬وتضاؤل تأثير العوامل اإليديولوجية في العالقات‬

‫الدولية‪ ،‬فإن القوى الدولية الناشئة وكذلك الدول النامية تتمتع بمساحة أكبر للحركة سياسيا واقتصاديا‪،‬‬

‫مما يجعلها تتمتع بحرية أكبر للدفاع عن مصالحها‪ ،‬وهذا ما ينطبق على الهند والدول اإلفريقية من‬

‫خالل تبادل التجارب في العديد من الميادين التي تعرف اهتماما مشتركا‪ ،‬كمحاربة الفقر وتحقيق التنمية‬
‫‪489‬‬
‫‪- Groupe collectif," L’Afrique et les grands émergents", op ,cit , p23.‬‬
‫‪ - 490‬جيفري براون وفيجاي مخيرجي وكانج وو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.288‬‬

‫‪263‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫االقتصادية‪ ،‬كما أن هذه العالقات ستمنح الدول اإلفريقية العديد من الفرص لالستفادة من التجربة‬

‫الهندية‪ ،‬خاصة في المجال السياسي‪ ،‬نظرا لكون الهند تعرف تنوعا إثنيا كبيرا استطاعت التغلب عليه‬

‫من خالل الديمقراطية المترسخة فيها‪ ،‬على الرغم من كون هذه الصراعات ما زالت تطفو على‬

‫السطح في بعض األحيان‪ ،‬فاالستفادة من التجربة الهندية بصفة عامة ستمكن الدول اإلفريقية من تحقيق‬

‫مجموعة من المكاسب في العديد من المجاالت‪ ،‬كمجال نقل المعرفة نحو إفريقيا‪ ،‬بالرغم من كون‬

‫تطور هذه العالقات سيؤثر على مجموعة من الصناعات المحلية بالدول اإلفريقية‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫القسم الثاني‪ :‬تقييم االستراتيجيات الدولية المتنافسة في إفريقيا وآفاقها‬

‫‪265‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫عاصرت إفريقيا عـدة نهضــات غـير حقيقـة‪ ،‬فخالل كفـاح بلـدانها لنيـل االسـتقالل في خمسـينيات‬

‫وستينيات القرن الماضي‪ ،‬ارتفعت اآلمـال أمـام جيـل حيـوي جديـد من زعمـاء مـا بعـد مرحلـة االسـتعمار‪.‬‬

‫ولكن هــذه اآلمــال ســرعان مــا تالشــت في ســبعينيات وثمانينيــات القــرن الماضــي‪ ،‬نتيجــة ألســباب متعــددة‬

‫تنوعت بين انتشار الفساد واالستبداد والصعوبات العملية في إعـادة توجيـه األنظمـة االقتصـادية الوطنيـة‪،‬‬

‫التي أقيمت أساسا لتلبية االحتياجات االستعمارية‪ .‬وفي أعقاب نهاية المعســكر االشــتراكي‪ ،‬وانهيــار نظــام‬

‫الفصل العنصري في جنوب إفريقيا‪ ،‬ارتفعت اآلمال مجددا لتمنى بعــده مباشــرة بالخيبــة‪ ،‬حيث اتضــح أن‬

‫تطبيق شعار "نشر السالم" الذي برز في مرحلة ما بعـد نهايـة الحـرب البـاردة سيسـتغرق في إفريقيـا وقتـا‬

‫أطول مما كان متوقعا في بادئ األمر‪ ،‬بانتشار الصراعات اإلثنية والعرقيــة في العديــد من دولهــا‪ ،‬أهمهــا‬

‫بين الهوتو والتوتسي‪ ،‬وما خلفته من مجازر إنسانية فضيعة‪.491‬‬

‫لكن منذ بداية العقد األول من القرن الحالي‪ ،‬عـرفت القـارة اإلفريقيـة عـدة تغـيرات نتيجـة تزايـد‬

‫االهتمــام الــدولي بهــا‪ ،‬فقــد تمت تســوية العديــد من الصــراعات الــتي عاشــتها بعض الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ممــا‬

‫انعكس على تطور قدراتها الطاقية وارتفاع احتياطاتها وإ نتاجها من المعــادن والمنتجــات الفالحيــة المهمــة‬

‫لالقتصاد العالمي‪ ،‬مما أشعل منافسة دولية على هذه المـوارد الطبيعيـة‪ ،‬في ظـل اهتمـام القـوى األسـيوية‬

‫بهذه الثروات‪ ،‬وهو ما كانت له انعكاسات إيجابية وسلبية على مجمل القارة اإلفريقية (الفصل األول)‪.‬‬

‫ونتيجة لكل ما سبق‪ ،‬وفي سبيل االســتفادة من تزايــد االهتمــام الــدولي بهــذه القـارة‪ ،‬توجــه قادتهــا‬

‫إلى إنشــاء االتحــاد اإلفــريقي عــوض منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة‪ ،‬والمصــادقة على المبــادرة الجديــدة لتنميــة‬

‫إفريقي ــة‪ ،‬كم ــا تم تفعي ــل العدي ــد من التجمع ــات االقتص ــادية القائم ــة وإ نش ــاء أخ ــرى جدي ــدة ل ــدعم التكام ــل‬

‫السياســي واالقتصــادي بهــا‪ ،‬غــير أن هــذه المعطيــات مــا زالت لم تنعكس بالشــكل اإليجــابي على أوضــاع‬

‫شعوب القارة‪ ،‬فموقع القارة اإلفريقية في التجارة الدولية ما زال ضعيفا‪ ،‬وتغلب على صادراتها الموارد‬

‫‪ - 491‬شركة ابو ظبي لالستثمار‪ ،‬نظرة على إفريقيا تطلعات المؤسسات االستثمارية حتى ‪ ،2016‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.6‬‬

‫‪266‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األولي ــة‪ ،‬في حين تس ــتورد أغلب حاجاته ــا من المنتج ــات الص ــناعية من الخ ــارج‪ ،‬باإلض ــافة إلى ض ــعف‬

‫التكامل التجاري بالقارة عكس التطورات الكبيرة التي عرفتهــا العديــد من منــاطق العــالم في هــذا المجــال‪.‬‬

‫وب ـ ــالرغم من ارتف ـ ــاع ت ـ ــدفق االس ـ ــتثمارات الخارجي ـ ــة إلى الق ـ ــارة اإلفريقي ـ ــة‪ ،‬فأغلبه ـ ــا يتوج ـ ــه للبحث عن‬

‫الــثروات الطبيعيــة‪ ،‬ممــا لم يكن لــه انعكــاس كبــير على تطــور وتنميــة الشــعوب اإلفريقيــة إلى حــد الســاعة‪،‬‬

‫موازاة مع استمرار مشكل الديون الخارجيـة الـتي تعانيهـا أغلب الـدول اإلفريقيـة‪ .‬في ظـل هـذه األوضــاع‬

‫التي بدأت تعرفها القارة اإلفريقية مع بداية القرن الحالي‪ ،‬توجه المغرب لدعم وتطوير عالقاته السياسية‬

‫واالقتصــادية مــع العديــد من دولهــا‪ ،‬خصوصــا دول غــرب إفريقيــا‪ ،‬الــتي تربطــه معهــا عالقــات تاريخيــة‬

‫وحضارية (الفصل الثاني)‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفصل األول‪ :‬الثروات الطبيعية اإلفريقية كمصدر للتنافس الدولي وآثاره على‬
‫الدول اإلفريقية‬
‫تع ــرف الق ــارة اإلفريقي ــة تاريخي ــا باس ــم خ ــزان الع ــالم من ال ــثروات المعدني ــة‪ ،‬ل ــذلك لطالم ــا ع ــد‬

‫الوص ــول إلى الم ــوارد الطبيعي ــة من األم ــور البدهي ــة من حيث االعتب ــارات االس ــتراتيجية للق ــوى الدولي ــة‬

‫إزاء إفريقيا‪ ،‬فهي أصبحت تحتـل موقعـا مهمـا في خريطـة إنتـاج المـواد الطاقيـة العالميـة‪ ،‬كمـا أنهـا تمتلـك‬

‫نحــو ‪ %40‬من المــوارد المعدنيــة األساســية الكثــيرة الالزمــة لتشــغيل الصــناعة العالميــة‪ ،‬وكــذا ‪ %10‬من‬

‫اإلمدادات العالمية من المياه العذبة‪ ،‬و‪ %15‬من أراضي العالم الزراعية‪ ،‬ولهـذه األسـباب وحـدها يحتمـل‬

‫أن ت ــزداد أهمي ــة إفريقي ــا االس ــتراتيجية أك ــثر من أي وقت مض ــى على المس ــتوى ال ــدولي‪ ،492‬ف ــإذا ك ــانت‬

‫القوى االسـتعمارية للقـارة اإلفريقيـة السـباقة إلى الوصـول إلى هـذه الـثروات‪ ،‬فـإن القـوى الدوليـة األخـرى‬

‫اآلسـ ــيوية منهـ ــا أساسـ ــا‪ ،‬بـ ــدأت تطـ ــرح العديـ ــد من المبـ ــادرات السياسـ ــية واالقتصـ ــادية من خالل تشـ ــجيع‬

‫االســتثمارات للبحث عن الــثروات الطبيعــة اإلفريقيــة خصوصــا الطاقيــة منهــا‪ ،‬نتيجــة التطــور االقتصــادي‬

‫الــذي عرفتــه هــذه القــوى خالل العقــدين األخــيرين‪ ،‬ممــا أشــعل منافســة كبــيرة بين القــوى الدوليــة للحصــول‬

‫على المـ ــوارد الطاقيـ ــة اإلفريقيـ ــة‪ ،‬وهـ ــو مـ ــا كـ ــان لـ ــه انعكاسـ ــات كبـ ــيرة على العديـ ــد من دولهـ ــا (المبحث‬

‫األول)‪ ،‬والشـيء نفسـه ينطبـق على الـثروات المعدنيـة والفالحيـة اإلفريقيـة‪ ،‬فقـد زاد اإلنتـاج اإلفــريقي من‬

‫جل المواد المعدنية والفالحية‪ ،‬موازاة مع تزايد التنافس الدول عليها (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الجغرافيا السياسية للموارد الطاقية بالقارة اإلفريقية‬

‫بـ ـ ــدأ التنقيب عن النفـ ـ ــط في إفريقيـ ـ ــا مـ ـ ــع بدايـ ـ ــة القـ ـ ــرن العشـ ـ ــرين‪ ،‬بواسـ ـ ــطة شـ ـ ــركات القـ ـ ــوى‬

‫االســتعمارية للقــارة‪ ،‬وكــان البحث عن هــذا المــورد الحيــوي قــد تــأخر في القــارة الســمراء لعــدم اســتقرار‬
‫‪ - 492‬توم كارجيل‪ ،‬مصالحنا االستراتيجية المشتركة دور إفريقيا في عالم ما بعد الدول الثماني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.47-46‬‬

‫‪268‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األوضــاع الداخليــة في معظم أنحائهــا‪ ،‬نتيجــة مقاومــة االســتعمار الغــربي خالل تلــك الفــترة‪ ،‬باإلضــافة إلى‬

‫االفتق ــار إلى البنيـــة التحتيـــة الالزمـــة للقيـــام بعمليـــات التنقيب واالس ــتخراج‪ .‬وفي العش ــرينيات من الق ــرن‬

‫الماضــي تبلــور النفــط كســلعة اســتراتيجية‪ ،‬وتركــزت االكتشــافات البتروليــة آنــذاك في الشــمال اإلفــريقي‪،‬‬

‫وك ــانت معظم الش ــركات البترولي ــة العامل ــة في اإلقليم هي ش ــركات أمريكي ــة وفرنس ــية‪ ،‬ال ــتي ك ــانت تخفي‬

‫عثورها على النفط حتى تتحين الفرصة لالستئثار به دون غيرها‪.‬‬

‫تم بدأت االكتشافات النفطية في شــرق إفريقيــا‪ ،‬تلتهــا اكتشــافات غـرب القـارة وجنوبهــا‪ .493‬لــذلك‬

‫أصبحت خريطـة إنتـاج النفـط في القـارة اإلفريقيـة تتمـيز باالتسـاع والـوفرة في اإلنتـاج‪ ،‬فضــال عن وجـود‬

‫العدي ــد من المن ــاطق البترولي ــة الواع ــدة به ــا (المطلب األول)‪ .‬وم ــع التح ــوالت في م ــيزان الق ــوى ال ــدولي‪،‬‬

‫وبروز قوى دولية جديدة تنافس على المكانة الدولية التي أضــحى محورهــا –ضــمن عـدد من محاورهــا‪-‬‬

‫الس ــيطرة على مص ــادر الطاق ــة‪ ،‬وت ــأميم إم ــداداتها في ظ ــل ن ــذرتها‪ ،‬وتزاي ــد الطلب عليه ــا خالل األع ــوام‬

‫القادمة‪ ،‬ألن مصادر قوة تلك القوى البازغة دوليا هي اقتصــادية في األســاس؛ حيث بــرزت أهميــة تــأمين‬

‫الوصول إلى الموارد الطاقية وتأثيراتها باعتبارها محددا شأنه شأن عدد من المحددات التقليديـة األخـرى‬

‫في السياس ــة الخارجي ــة والدفاعي ــة لل ــدول‪ .‬في ظ ــل ه ــذا الوض ــع ب ــرزت الق ــارة اإلفريقي ــة مج ــاال للتن ــافس‬

‫للوص ــول إلى مص ــادر الطاق ــة به ــا‪ ،‬خاص ــة م ــع تزاي ــد اهتم ــام ش ــركات الق ــوى االس ــيوية ب ــالوجود بالق ــارة‬

‫اإلفريقية للحصول على النفط (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬واقع القدرات الطاقية اإلفريقية وموقعها في اإلنتاج العالمي‬

‫لقد أصبحت القارة اإلفريقية تؤدي دورا مهما ومتناميا في إمدادات الطاقة العالمية‪ ،‬فهي تعتـبر‬

‫من أهم المن ــاطق ال ــتي اكتش ــفت فيه ــا احتياط ــات طاقي ــة كب ــيرة في العق ــد األخ ــير‪ ،‬مم ــا زاد من ق ــدراتها‬

‫اإلنتاجيـة‪ ،‬علمـا أن الكثـير من المنـاطق اإلفريقيـة ال تـزال غـير مكتشـفة؛ بسـبب عـدم االســتقرار السياسـي‬

‫‪ - 493‬أيمن شبانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.78‬‬

‫‪269‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫والح ــروب األهلي ــة والبع ــد الجغ ــرافي (الفق ــرة األولى)‪ ،‬وتتم ــيز خريط ــة إنت ــاج الم ــوارد الطاقي ــة بالق ــارة‬

‫اإلفريقيـة باالتسـاع‪ ،‬فقـد أصـبحت أغلب منـاطق القـارة اإلفريقيـة تتـوفر على بعض االحتياطيـات النفطيـة‬

‫والغازية‪ ،‬مما جعلها تتميز بقدرات إنتاجية مهمة‪ .‬وحتى في مناطق النفط المكتشــفة والمنتجــة في إفريقيــا‬

‫سابقا مثال في‪ :‬ليبيا والجزائر ونيجيريا وأنغوال والغـابون والكونغـو الديمقراطيـة‪ ،‬توجـد احتمـاالت كبـيرة‬

‫الكتشــاف وتطــوير مــوارد نفطيــة جديــدة‪ ،‬ال ســيما في الميــاه الســاحلية العميقــة لبعض هــذه البلــدان (الفقــرة‬

‫الثانية)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تطور القدرات اإلنتاجية للموارد الطاقية بالقارة اإلفريقية‬

‫أخــذ النفــط اإلفــريقي يفــرض نفســه كأحــد أبــرز العوامــل المــؤثرة في النظــام العــالمي‪ ،‬حيث أخــذ‬

‫الجــدل السياســي يــدور حــول اســتراتيجيات إدارة النفــط اإلفــريقي الــذي أصــبح على أولويــات أجنــدة القــوى‬

‫الكــبرى في العــالم‪ ،‬ال ســيما بعــد أحــداث ‪ 11‬ســبتمبر ‪ ،2001‬وذلــك مــع اتجــاه الــدول الصــناعية الكــبرى‬

‫نحو تنويع مصــادر إمـدادات النفطيـة‪ ،‬سـاعد على ذلـك األحـداث المضــطربة في الشـرق األوسـط وارتفـاع‬

‫أسعار النفط‪.494‬‬

‫هـ ــذا‪ ،‬وأصـ ــبحت تحتـ ــل القـ ــارة اإلفريقيـ ــة موقعـ ــا مهمـ ــا في خريطـ ــة النفـ ــط العالميـ ــة‪ ،‬ففي العـ ــام‬

‫‪ ،2001‬تم اكتشــاف احتيــاطي نفطي عــالمي بلــغ حــوالي ‪ 8‬ماليــير برميــل من النفــط الخــام‪ ،‬كــانت حصــة‬

‫منطقة وسط وغرب إفريقيا لوحدها منها ما يقرب من ‪ 7‬ماليير برميل نفط خام احتيــاطي‪ .‬واســتنادا إلى‬

‫توقع ــات إدارة الطاقـــة األمريكي ــة‪ ،‬فـــإن االكتش ــافات في ه ــذه المنطق ــة ستس ــتمر وس ــتتزايد في المس ــتقبل‪.‬‬

‫وتش ـ ــير بعض التق ـ ــديرات إلى أن منطق ـ ــة خليج غيني ـ ــا ال ـ ــتي تغطي غ ـ ــرب ووس ـ ــط إفريقي ـ ــا تحت ـ ــوي على‬

‫احتيـ ــاطي نفطي يزيـ ــد على ‪ 24‬مليـ ــار برميـ ــل‪ ،‬كمـ ــا تفيـ ــد التوقعـ ــات النفطيـ ــة أن منطق ــة إفريقيـ ــا جنـ ــوب‬

‫الصحراء وهي تغطي الدول التي تلي منطقة شمال إفريقيا‪ ،‬ستنتج حوالي ‪ 6,8‬ماليين برميل نفط يوميــا‬

‫أي بزيــادة تبلــغ حــوالي ‪ 3‬ماليين برميــل نفطي عمــا كــانت تنتجــه‪ .‬فيمــا تشــير بعض التقــديرات المتحفظــة‬
‫‪ - 494‬نجالء محمد مرعي‪" ،‬الثروة النفطية‪ ..‬والتنافس الدولي "االستعمار" الجديد في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.417‬‬

‫‪270‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األخرى إلى إمكانية أن يصل إنتاج هذه المنطقة من النفط في العام ‪ 2030‬حوالي ‪ 9‬ماليين برميل نفــط‬

‫يوميا‪.495‬‬

‫مــع أن دول شــمال إفريقيــا‪ ،‬مثــل الجزائــر وليبيــا‪ ،‬ونيجريــا في غــرب إفريقيــا‪ ،‬كــانت تعــد أصــال‬

‫بين الدول الرئيسة المنتجة للنفط خالل القرن العشرين‪ ،‬أخــذت األنظــار تتجــه ‪-‬مــع بدايــة القـرن الحــالي‪-‬‬

‫ص ــوب الق ــارة االفريقي ــة كله ــا بوص ــفها أح ــد المنتجين الع ــالميين للنف ــط والغ ــاز‪ ،‬ففي ع ــام ‪ 2004‬أنتجت‬

‫إفريقيــا ‪ 9,3‬ماليين برميــل يوميــا من النفــط‪ ،‬ممــا شــكل نحــو ‪ %12‬من إجمــالي اإلنتــاج العــالمي‪ .‬وعلى‬

‫امتــداد الســنوات العشــر األخــيرة‪ ،‬ســجلت إفريقيــا جنــوب الصــحراء زيــادة اســتثنائية في اإلنتــاج (أكــثر من‬

‫‪ )%51‬ال يماثلها إال رابطة الدول المستقلة‪.‬‬

‫كما أنتجت إفريقيا في عام ‪ 2004‬نحـو ‪ 21,400‬مليـون قــدم مكعب من الغـاز الطـبيعي يوميـا‪،‬‬

‫مما شكل ‪ %7,5‬من إجمالي اإلنتاج العالمي من الغاز‪ .‬ولقد ازدادت احتياطيـات النفـط في إفريقيـا بنسـبة‬

‫‪ %25‬نتيجــة لزيــادة عمليــات استكشــاف النفــط والغــاز على مــدى الســنوات العشــر الماضــية‪ ،‬هــذا وتتــوفر‬

‫احتياطي ــات مهم ــة ح ــتى في المن ــاطق ال ــتي تنتج من ــذ زمن بعي ــد‪ ،‬على غ ــرار نيجيري ــا وأنغ ــوال والغ ــابون‬

‫والكونغـو برازافيـل‪ ،‬وبـاألخص في الميـاه البحريـة العميقـة‪ .‬وقـد حـدد النشـاط االستكشـافي مـؤخرا كميـات‬

‫كامنة ال بأس بها في مناطق جديدة‪ ،‬مثل إثيوبيا والنيجر‪ ،‬وفي شرق جنوب إفريقيا‪.496‬‬

‫في سنة ‪ 2008‬أنتجت إفريقيا ‪ 10,3‬ماليين برميل يوميا من النفط عوض ‪ 5,7‬ماليين برميل‬

‫عــام ‪ ،1988‬بزيــادة قــدرت نســبتها بـ ‪ %3‬ســنويا خالل عشــرين ســنة‪ ،‬وهــو مــا يشــكل نســبة ‪ %12,6‬من‬

‫اإلنتــاج العــالمي عــوض ‪ %9‬منــذ عشــرين ســنة‪ ،‬وتمثــل دول نيجيريــا والجزائــر وأنجــوال وليبيــا ومصــر‬

‫مجتمعة ‪ %84‬من إنتاج إفريقيا‪.‬‬

‫واستهلكت القارة ‪ 2,8‬مليون برميل يوميــا في عــام ‪ ،2008‬وارتفعت الصــادرات إلى ‪ 7,5‬ماليين‬

‫برميــل يوميــا‪ ،‬أي مــا يعــادل ‪ %73‬من مجمــوع اإلنتــاج اإلفــريقي‪ .‬كمــا تجــدر اإلشــارة إلى أن أربــع دول‬
‫‪ - 495‬علي حسين باكير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪ - 496‬تلميذ أحمد‪" ،‬التنافس العالمي على موارد الطاقة‪ :‬المنظور الهندي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.398-397‬‬

‫‪271‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إفريقية منتمية لمنظمة الـدول المصــدرة للنفـط (‪ )OPC‬شـكل إنتاجهـا سـنة ‪ 2008‬حـوالي ربـع إنتـاج هـذه‬

‫المنظمة المكونة من ‪ 12‬دولة‪.497‬‬

‫لق ــد تض ــاعف إنت ــاج الق ــارة اإلفريقي ــة من الغ ــاز الط ــبيعي‪ ،‬فق ــد ك ــان ض ــعيفا خالل س ــنة ‪1970‬‬

‫ليتضــاعف بعــد ذلــك أكــثر من ثالث مــرات خالل عشــرين ســنة ‪ ،2008-1988‬إذ انتقــل من ‪ 60‬مليــارا‬

‫إلى ‪ 215‬مليار م‪ 3‬سنويا بمعدل ارتفاع متوسط يقدر بـ ‪ %6‬سنويا‪ ،‬وهــو أكــبر بكثــير من ارتفـاع اإلنتــاج‬

‫العــالمي‪ ،‬الــذي وصــل إلى نســبة ‪ %2,5‬ســنويا‪ .‬إجمــاال‪ ،‬فــإن حصــة إفريقيــا من اإلنتــاج العــالمي للغــاز قــد‬

‫ارتفعت من ‪ %3‬س ــنة ‪ 1988‬إلى ‪ %7‬ع ــام ‪ 2008‬وتنتج الجزائ ــر ومص ــر ونيجيري ــا وليبي ــا ‪ %86‬من‬

‫اإلنت ــاج اإلفـــريقي للغ ــاز‪ ،‬وخالل س ــنة ‪ 2008‬اس ــتهلكت إفريقي ــا ‪ %44‬من إنتاجه ــا من الغ ــاز‪ ،‬في حين‬

‫تــوجهت نســبة ‪ 120(%56‬مليــار م‪ )3‬نحــو التصــدير‪ .‬نســبة مهمــة منــه صــدرت نحــو أوروبــا في حين‬

‫صدرت نسبة قليلة نحو أمريكا‪.498‬‬

‫لق ــد أص ــبحت الق ــارة اإلفريقي ــة تس ــتحوذ على ‪ %9,5‬من إنت ــاج الطاق ــة في الع ــالم‪ ،‬بم ــا في ذل ــك‬

‫‪ 12,1‬من اإلنتــاج العــالمي من النفــط الخــام و‪ %6,6‬من الغــاز الطــبيعي و‪ %4,7‬من الفحم و‪ %3,1‬من‬

‫الطاقــة الكهرمائيــة‪ ،‬كمــا تحتــوي القــارة على ‪ %9,7‬من االحتيــاطي العــالمي المؤكــد من النفــط‪ ،‬بمــا في‬

‫ذلك جزء كبير من االكتشافات الجديدة‪.‬‬

‫ومـع ذلـك‪ ،‬فـإن القـارة الـتي تجـاوز عـدد سـكانها مليـار نسـمة تسـتهلك أقـل قـدر من الطاقـة للفـرد‬

‫الواحــد‪ ،‬فإفريقيــا تستضــيف فقــط ‪ %3,6‬من طاقــة التكريــر العالميــة‪ ،‬وتولــد ‪ %3,1‬فقــط من الكهربــاء في‬

‫العـ ــالم‪ ،‬وتسـ ــتهلك ‪ %9‬فقـ ــط من إجمـ ــالي إنتاجهـ ــا من النفـ ــط‪ ،‬وتصـ ــدر البـ ــاقي‪ ،‬فحصـ ــتها من االسـ ــتهالك‬

‫العـ ــالمي للطاقـ ــة تصـ ــل إلى ‪ %3‬فقـ ــط بالمقارنـ ــة بحصـ ــتها من السـ ــكان الـ ــتي تتجـ ــاوز ‪ %14‬من سـ ــكان‬

‫العالم‪.499‬‬

‫‪497‬‬
‫‪- Honore LELEUCH, « Le pétrole et le gaz naturel en Afrique : une part croissante dans l’approvisionnement‬‬
‫‪énergétique mondial », Géostratégique, n° 25 10/09, pp 27-28-29‬‬
‫‪498‬‬
‫‪- Ibid, p 32.‬‬
‫‪ - 499‬أميرة محمد عبد الحليم‪" ،‬الوجه اآلخر‪ :‬التنافس على مصادر الطاقة في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.142‬‬

‫‪272‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وتمثل االحتياطيات النفطية اإلفريقية في عام ‪ 2010‬نسبة ‪ % 8,8‬من االحتيــاطي العــالمي في‬

‫العـ ــام ذاتـ ــه‪ .500‬وبحسـ ــب تقـ ــديرات (‪ British Petroleum )BP‬البريطانيــة الحتياطيـ ــات الطاقـ ــة لعـ ــام‬

‫‪ ،2012‬وصــل احتيــاطي القــارة من النفــط ‪ 132,438‬مليــون برميــل في نهايــة عــام ‪ ،2011‬بمــا يقــدر بـ‬

‫‪ %8,01‬من االحتياطي العالمي‪.501‬‬

‫في عام ‪ 2010‬شكل إنتاج القارة من النفط ‪ %12,4‬من إجمالي اإلنتاج العــالمي‪ ،‬وبــذلك مثلت‬

‫الصـ ــادرات النفطيـ ــة اإلفريقيـ ــة ‪ %40‬من إجمـ ــالي الصـ ــادرات العالميـ ــة من النفـ ــط‪ .502‬وفي عـ ــام ‪2011‬‬
‫‪503‬‬
‫أنتجت القارة اإلفريقية ‪ 8,8‬مليون برميل في اليوم‪ ،‬ما يمثل أكثر من ‪ %10‬من اإلنتاج العالمي‬

‫واعتمادا على تقديرات إدارة معلومات الطاقة األمريكية‪ ،‬ارتفع احتياطي القارة اإلفريقية من‬

‫النفط بحوالي ‪ %120‬خالل الثالثة عقود المنصرمة‪ .‬بعبارة أخرى زادت احتياطيات القارة من النفط‬

‫من ‪ 57‬مليار برميل في عام ‪ 1980‬إلى ‪ 124‬مليار برميل في عام ‪ 2012‬كما يوضحه المبيان أسفله‪.‬‬

‫االحتياطات اإلفريقية المؤكدة من البترول (بالمليار برميل)‬ ‫المبيان رقم ‪:32‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪500‬‬
‫‪- KPMG “OIL AND GAS IN AFRICA AFRICA’S RESERVES, POTENTIAL AND PROSPECTS, op,‬‬
‫‪cit, p 4.‬‬
‫‪ - 501‬عمرو عبد العاطي‪ ،‬أمن الطاقــة في السياســة الخارجيــة األمريكيــة‪ ،‬المركـز العـربي لألبحـاث ودراسـة السياسـات‪ ،‬بـيروت‪ ،‬الطبعـة األولى‪،‬‬
‫سبتمبر ‪ ،2014‬ص ‪.128‬‬
‫‪502‬‬
‫‪- KPMG “OIL AND GAS IN AFRICA AFRICA’S RESERVES, POTENTIAL AND PROSPECTS, op,‬‬
‫‪cit, p 4.‬‬
‫‪ - 503‬عمرو عبد العاطي‪ ،‬أمن الطاقة في السياسة الخارجية األمريكية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.128‬‬

‫‪273‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪-‬‬ ‫‪KPMG “OIL AND GAS IN AFRICA AFRICA’S RESERVES, POTENTIAL AND‬‬
‫‪PROSPECTS, op, cit, p 4.‬‬
‫وارتفع احتياطي القارة أيضا من الغاز الطبيعي من ‪ 210‬تريليون متر مكعب في عام ‪1980‬‬

‫إلى ‪ 509‬تريليون متر مكعب في عام ‪ ،2012‬أي بزيادة تقدر بـ ‪ %140‬كما يوضحه المبيان أسفله‪.‬‬

‫مع العلم بكون هذه األرقام ستعرف ارتفاعا نتيجة االكتشافات الجديدة في كل من تنزانيا والموزمبيق‪.‬‬

‫االحتياطات اإلفريقية المؤكدة من الغاز الطبيعي(بالتريليون متر مكعب)‬ ‫المبيان رقم ‪:33‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪KPMG “OIL AND GAS IN AFRICA AFRICA’S RESERVES, POTENTIAL AND‬‬
‫‪PROSPECTS, op, cit, p 4.‬‬
‫ولقد بلغ اإلنتاج اإلفريقي من الغاز الطــبيعي ســنة ‪ 2011‬حــوالي ‪ 203‬مليــار مــتر مكعب‪ ،‬وقــد‬

‫شــكلت ثالث دول وهي الجزائــر ومصــر ونيجيريــا نســبة ‪ %88‬من هــذا اإلنتــاج‪ ،‬ونمــا إنتــاج القــارة من‬

‫الغاز بنسبة ‪ %4‬منذ سنة ‪ ،2000‬وبذلك أصبحت تشكل ‪ %6,4‬من اإلنتاج العالمي سنة ‪.5042010‬‬

‫في نهاية ‪ 2013‬قدرت احتياطيات البترول والغاز بـ ‪ 228‬مليار برميــل من النفــط في إفريقيــا‪،‬‬

‫بع ــدما ك ــانت ‪ 213‬ملي ــار برمي ــل س ــنة ‪ ،2012‬أي بزي ــادة ق ــدرت بـ ‪ 15‬ملي ــار برمي ــل‪ ،‬ويش ــكل الب ــترول‬

‫ح ــوالي ‪ %56‬من احتياط ــات المنطق ــة‪ .‬وت ــتركز أغلب االحتياط ــات في نيجيري ــا والجزائ ــر وليبي ــا‪ ،‬وذل ــك‬

‫بنسبة ‪ %72‬من احتياطات المنطقة في ‪ ،5052013‬كما يوضحها الجدول أسفله‪.‬‬

‫‪504‬‬
‫‪- David E. BROWN, Africa’s booming oil and natural gas exploration and production: national security‬‬
‫‪implications for the United States and China, U.S Army War College, Strategic Studies Institute, December‬‬
‫‪2013 p 37.‬‬
‫‪505‬‬
‫‪- EY, African oil and gas : driving sustainable growth, p4, viewed 28/07/2015 at :‬‬
‫‪http://www.ey.com/Publication/vwLUAssets/African_oil_and_gas:_driving_sustainable_growth/$FILE/EY-‬‬
‫‪African_oil_and_gas-driving_sustainable_growth.pdf.‬‬

‫‪274‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ :10‬االحتياطات المؤكدة من النفط والغاز بالدول اإلفريقية في نهاية ‪2013‬‬ ‫الجدول رقم‬

‫الغاز الطبيعي بالمليار متر‬


‫‪Total (billion boe‬‬ ‫البترول بالمليون برميل‬
‫مكعب‬
‫‪67,3‬‬ ‫‪180737‬‬ ‫‪37140‬‬ ‫نيجيريا‬
‫‪57,6‬‬ ‫‪54701‬‬ ‫‪48470‬‬ ‫ليبيا‬
‫‪38,7‬‬ ‫‪159054‬‬ ‫‪12200‬‬ ‫الجزائر‬
‫‪17,3‬‬ ‫‪77200‬‬ ‫‪4400‬‬ ‫مصر‬
‫‪16,7‬‬ ‫‪100000‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الموزمبيق‬
‫‪10,7‬‬ ‫‪9711‬‬ ‫‪9060‬‬ ‫انجوال‬
‫‪3,9‬‬ ‫‪2200‬‬ ‫‪3500‬‬ ‫جنوب السودان‬
‫‪2,6‬‬ ‫‪500‬‬ ‫‪2500‬‬ ‫أوغندا‬
‫‪2,2‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫الغابون‬
‫‪2,1‬‬ ‫‪3200‬‬ ‫‪1600‬‬ ‫الكونغو (برازفيل)‬
‫‪1,6‬‬ ‫‪800‬‬ ‫‪1500‬‬ ‫السودان‬
‫‪1,5‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1500‬‬ ‫تشاد‬
‫‪1,3‬‬ ‫‪1300‬‬ ‫‪1100‬‬ ‫غينيا االستوائية‬
‫‪1,0‬‬ ‫‪4770‬‬ ‫‪200‬‬ ‫الكاميرون‬
‫‪0,8‬‬ ‫‪2300‬‬ ‫‪425‬‬ ‫تونس‬
‫‪0,8‬‬ ‫‪800‬‬ ‫‪660‬‬ ‫غانا‬
‫‪0,4‬‬ ‫‪2200‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ناميبيا‬
‫‪0,3‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫‪-‬‬ ‫روندا‬
‫‪0,3‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪100‬‬ ‫الرأس األخضر‬
‫‪0,2‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪20‬‬ ‫موريتانيا‬
‫‪0,2‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪180‬‬ ‫الكونغو (كينشاسا)‬
‫‪0,2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪150‬‬ ‫النيجر‬
‫‪0,1‬‬ ‫‪880‬‬ ‫‪1‬‬ ‫إثيوبيا‬
‫‪‬‬
‫‪230‬‬ ‫‪-‬‬ ‫تنزانيا‬
‫‪‬‬
‫‪200‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الصومال‬
‫‪‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪15‬‬ ‫جنوب إفريقيا‬
‫‪‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪8‬‬ ‫البنين‬
‫‪‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪1‬‬ ‫المغرب‬
‫‪227,7‬‬ ‫‪605909‬‬ ‫‪126730‬‬ ‫المجموع‬
‫أقل من ‪ 50‬مليون ‪boe‬‬ ‫‪‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪275‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪-‬‬ ‫‪EY, African oil and gas : driving sustainable growth, p4, viewed 28/07/2015‬‬
‫‪http://www.ey.com/Publication/vwLUAssets/‬‬
‫‪African_oil_and_gas:_driving_sustainable_growth/$FILE/EY-African_oil_and_gas-‬‬
‫‪driving_sustainable_growth.pdf.‬‬
‫ويـ ــتركز اإلنتـ ــاج اإلفـ ــريقي سـ ــواء من الغـ ــاز الطـ ــبيعي أو النفـ ــط في خمس دول وهي الجزائـ ــر‬

‫وأنج ــوال ومص ــر ونيجيري ــا وليبي ــا‪ ،‬ال ــتي تش ــكل أك ــثر من ‪ %86‬من إنت ــاج النف ــط اإلف ــريقي‪ ،‬و‪ %90‬من‬

‫اإلنت ــاج اإلف ــريقي من الغ ــاز الط ــبيعي‪ ،‬وعلى ال ــرغم من ذل ــك فق ــد ك ــانت ‪ 23‬دول ــة إفريقي ــة منتج ــة للنف ــط‬

‫والغ ــاز الط ــبيعي في س ــنة ‪ ،2012‬وه ــو م ــا س ــيمكن ه ــذه ال ــدول من الحص ــول على عوائ ــد مالي ــة مهم ــة‪،‬‬

‫لتوظيفها في تحقيق التنمية‪ .‬وهناك اكتشافات جديدة للنفط والغاز في العديد من الدول اإلفريقيــة األخــرى‬

‫كغانا وتنزانيا والموزمبيق وكينيا وأوغندا‪ ،‬كما أنه من المتوقع أن توجد اكتشافات جديدة من هذه المــواد‬

‫في سيراليون والمغرب والغابون والكوت ديفوار وليبيريا ومالي وكينيا‪.506‬‬

‫تشــكل إفريقيــا جنــوب الصــحراء ‪ %7‬من المــوارد النفطيــة العالميــة‪ ،‬و‪ %6‬من المــوارد الغازيــة‬

‫العالمية‪ ،‬ولقـد اســتحوذت إفريقيــا جنــوب الصــحراء على ‪ %30‬من إجمــالي االكتشــافات النفطيــة والغازيــة‬

‫خالل خمس س ــنوات األخ ــيرة‪ ،‬في س ــنة ‪ 2012‬تم اكتش ــاف ح ــوالي ‪ 14‬ملي ــار برمي ــل من النف ــط‪ ،‬أي م ــا‬

‫يع ـ ــادل ‪ %60‬من اإلجم ـ ــالي الع ـ ــالمي‪ ،‬في حين تهيمن الموزم ـ ــبيق وتنزاني ـ ــا على ص ـ ــورة االكتش ـ ــافات‬

‫الجديدة للغاز بالقارة اإلفريقية‪ ،‬باإلضافة إلى ما تم اكتشافه في حقول ‪ Kwanza Basin‬بأنجوال‪.507‬‬

‫مع بداية سنة ‪ ،2013‬بلغت الموارد النفطية القابلة لالستخراج بإفريقيا جنوب الصحراء ‪200‬‬

‫مليار برميل‪ ،‬توجد أغلبها (‪ )%70‬بعيدا عن الشواطئ أي في البحر‪ ،‬وتقع في إفريقيا جنوب الصــحراء‬

‫حوالي ‪ 65‬مليار برميل من االحتياطات المؤكدة‪ ،‬وهو ما يعادل ‪ %5‬من االحتياطـات المؤكـدة العالميـة‪،‬‬

‫ثالثــة أربــاع من هــذه االحتياطــات توجــد بنيجيريــا وأنغــوال‪ ،‬تليهــا كــل من جنــوب الســودان وأوغنــدا بنســبة‬

‫‪ %9‬من إجمالي االحتياطات المؤكدة بدول إفريقيا جنوب الصحراء‪.508‬‬


‫‪506‬‬
‫‪- Ibid, p 6‬‬
‫‪507‬‬
‫‪- International Energy Agency, world Energy Outlook Special Report, Africa Energy Outlook a focus‬‬
‫‪energy prospect in sub-Saharan Africa, OECD/IEA, Pries 2014, pp 48.‬‬
‫‪508‬‬
‫‪-Ibid, pp 49-50.‬‬

‫‪276‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لقد تضاعف إنتاج إفريقيا جنوب الصــحراء من النفــط منــذ ‪ 1990‬ليصــل عــام ‪ 2011‬إلى ‪6,2‬‬

‫مليــون برميــل يوميــا قبــل أن يــتراجع في ســنة ‪ 2013‬إلى ‪ 5,7‬مليــون برميــل يوميــا‪ ،‬ومــع مــرور الســنين‬

‫عــرف اإلنتــاج ارتفاعــا في الحقــول البحريــة العميقــة بـ ‪ %40‬من إجمــالي اإلنتــاج‪ .‬وتنتج كــل من نيجيريــا‬

‫وأنغوال لوحدهما ثالثة أرباع من إنتاج إفريقيا جنوب الصحراء‪.‬‬

‫والمالحظ أنه باستثناء الكاميرون والنيجر والسودان‪ ،‬فإن أغلب دول إفريقيا جنوب الصحراء‬

‫تصـ ـ ــدر أكـ ـ ــثر من ‪ %85‬من إنتاجهـ ـ ــا النفطي‪ ،‬خاصـ ـ ــة كـ ـ ــل من أنجـ ـ ــوال وتشـ ـ ــاد والكونغـ ـ ــو والكونغـ ـ ــو‬

‫الديمقراطي ــة وغيني ــا االس ــتوائية والغ ــابون وغان ــا ونيجيري ــا وجن ــوب الس ــودان‪ .509‬وفي م ــا يخص إنت ــاج‬

‫إفريقيا جنوب الصحراء من الغاز‪ ،‬فقد انتقل من ‪ 7‬بليون متر مكعب ســنة ‪ 1990‬ليصــل إلى ‪ 58‬بليــون‬

‫متر مكعب سنة ‪.5102012‬‬

‫ويتم ــيز النف ــط اإلف ــريقي بمجموع ــة من المزاي ــا المتع ــددة ال ــتي ال توج ــد في من ــاطق أخ ــرى من‬

‫العالم أهمها‪:‬‬

‫أن البترول اإلفــريقي أفضــل في الجــودة‪ ،‬وأحســن في النوعيــة من مثيلــه في الشــرق األوســط‪،‬‬ ‫‪-‬‬

‫نظرا الحتوائه على نسبة ضئيلة من الكبريت‪.‬‬

‫كم ــا أن الب ــترول اإلف ــريقي ق ــريب من س ــوق االس ــتهالك في أوروب ــا وأمريك ــا؛ إذ أن الس ــاحل‬ ‫‪-‬‬

‫الغــربي إلفريقيــا على مســافة قريبــة نســبيا من الســاحل الشــرقي للواليــات المتحــدة األمريكــيى‪،‬‬

‫مم ــا يخفــف من تك ــاليف النقــل‪ ،‬خاص ــة إذا أخ ــدنا في االعتب ــار األوض ــاع السياس ــية القلقــة في‬

‫الشرق األوسط‪ ،‬وإ مكانية تعطل خطوط نقل النفط عبر قناة السويس‪.‬‬

‫أن الــدول اإلفريقيــة المنتجــة للنفــط‪ ،‬باســتثناء نيجيريــا وليبيــا والجزائــر‪ ،‬ال تنتمي إلى منظمــة‬ ‫‪-‬‬

‫الــدول المصــدرة للنفــط (أوبــك) الــتي تعمــل على التحكم في أســعار النفــط العالميــة‪ ،‬ممــا يمكن‬

‫هذه الدول من حرية اإلنتاج‪.‬‬


‫‪509‬‬
‫‪-Ibid. pp 53-54.‬‬
‫‪510‬‬
‫‪-Ibid, p61.‬‬

‫‪277‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إن القـ ــارة اإلفريقيـ ــة من حيث االسـ ــتهالك تعـ ــد أقـ ــل اسـ ــتهالكا من غيرهـ ــا‪ ،‬ممـ ــا يمكنهـ ــا من‬ ‫‪-‬‬

‫تصدير الفائض‪.‬‬

‫يتركز االحتياطي النفطي الكبير في مواقــع نفطيــة فــوق المــاء بعيــدا عن الشــاطئ‪ ،‬ممــا يجعلــه‬ ‫‪-‬‬

‫في مأمن من االضطرابات السياسية واالجتماعية التي يمكن أن تتعرض لها تلك الدول‪.511‬‬

‫عنـ ــدما نقيم مسـ ــتقبل أمن إمـ ــدادات النفـ ــط في العـ ــالم‪ ،‬ال تحتسـ ــب االحتياطيـ ــات المنتجـ ــة حاليـ ــا‬

‫وحسب‪ ،‬بل يكون المورد المحتمل غير المكتشف شيئا مهما يجب أخذه باالعتبار أيضا‪ .‬ووفقا لتقـديرات‬

‫‪ ،U .S Geological Survey‬فقد تمتلـك إفريقيـا جنـوب الصــحراء ‪ 72‬مليـار برميـل من المـوارد غـير‬

‫المكتشفة‪ ،‬وإ ذا حسبت على قاعدة معادل برميل النفط‪ ،‬فإن مجموع المحتوى غير المكتشف من المــوارد‬

‫الهيدروكربونيــة‪ ،‬الــتي تشــمل الغــاز الطــبيعي وكــل الســوائل تســاوي ‪ 121‬مليــار برميــل‪ .‬وهــو مــا يســاوي‬

‫خمس االحتماالت غير المكتشفة في الشرق األوسط‪ ،‬وتفوق تلك الموجودة في أمريكــا الشــمالية وأوروبــا‬

‫ومنطقة آسيا‪ -‬الهادئ وجنوب آسيا‪.512‬‬

‫وحس ــب بــاول ف‪ .‬هــوبر ال ي ــزال الكث ــير من إفريقي ــا جن ــوب الص ــحراء غ ــير مكتش ــف‪ ،‬بس ــبب‬

‫انعــدام االســتقرار السياســي والحــروب األهليــة والبعــد الجغــرافي‪ ،‬وتحتــوي هــذه المنطقــة على نحــو ‪180‬‬

‫منطقـة جيولوجيــة محــددة‪ ،‬ومــع أنــه قــد تم اكتشــاف أكــثر من ‪ 2500‬موقــع نفـط وغـاز حــتى اآلن في تلــك‬

‫المناطق‪ ،‬إال أن معظمها لم يكتشف بعد‪.513‬‬

‫لــذلك أكــدت الوكالــة الدوليــة للطاقــة‪ ،‬بــأن إفريقيــا ســتكون في حاجــة الســتثمار ‪ 2,2‬تريليــون‬

‫دوالر في مجــال البنيــات التحتيــة للنفــط والغــاز خالل الفــترة مــا بين ‪ ،2035-2013‬أي بمتوســط ‪100‬‬

‫مليــار دوالر ســنويا‪ ،‬بــل أكــثر من ذلــك‪ ،‬فحســب توقعــات هــذه الوكالــة ف ــإن هــذه االس ــتثمارات ستشــكل‬

‫‪ - 511‬نجالء محمد مرعي‪" ،‬الثروة النفطية‪ ..‬والتنافس الدولي "االستعماري" الجديد في إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.420‬‬
‫‪ - 512‬باول ف‪ .‬هوبر "إفريقيا جنوب الصحراء"‪ ،‬في كتاب‪ :‬األمن والطاقة نحو استراتيجية سياسة خارجية جديدة‪( ،‬ترجمة حسام الدين خضــور) ‪،‬‬
‫الهيئة العام السورية للكتاب‪ ،‬دمشق ‪ ،2011‬ص ‪.382‬‬
‫‪ - 513‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.381‬‬

‫‪278‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مجم ــوع م ــا س ــيتم اس ــتثماره في ك ــل من الش ــرق األوس ــط‪ ،‬ودول االتح ــاد الس ــوفياتي س ــابقا‪ ،‬أو ح ــتى في‬

‫آسيا‪.514‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أهم مناطق إنتاج الموارد الطاقية بالقارة اإلفريقية‬

‫تع ــد الق ــارة اإلفريقي ــة أك ــبر الق ــارات ال ــتي تض ــم دوال منتج ــة للنف ــط‪ ،‬حيث توج ــد به ــا ‪ 23‬دول ــة‬

‫منتجة في مقابل ‪ 19‬دولة في آسيا‪ ،‬و‪ 19‬دولـة في أوروبـا و‪ 10‬دول في أمريكـا الشـمالية والجنوبيـة‪،515‬‬

‫ويمكن تقســيم القــارة اإلفريقيــة نفطيــا إلى ثالث منــاطق‪ ،‬هي غــرب إفريقيــا‪ ،‬شــمال إفريقيــا‪ ،‬شــرق إفريقيــا‬

‫ووسطها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬منطقة غرب إفريقيا‬

‫تعتــبر منطقــة غــرب إفريقيــا منطقــة إنتــاج النفــط الرئيســة في القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬وتمتلــك بالتــالي‬

‫النفــوذ األقــوى في المنطقــة على مســتقبل أمن الطاقــة العــالمي‪ ،‬باإلضــافة إلى التطــور االقتصــادي للقــارة‬

‫نفســها‪ ،‬ففي عــام ‪ 2003‬كــانت غــرب إفريقيــا مســئولة عن نحــو ‪ %6‬من إمــدادات النفــط العالميــة‪ ،‬ونحــو‬

‫‪ %3‬من احتياطيـات النفـط العالميـة المثبتـة‪ ،‬تبعـا لتقـديرات إدارة معلومـات الطاقــة األمريكيـة‪ .‬وباإلضـافة‬

‫إلى ذلك كانت تحصـل الواليـات المتحـدة األمريكيـة على ‪ %10‬من مسـتورداتها من النفـط الخـام من هـذه‬

‫المنطقة‪.516‬‬

‫فهــذه المنطقـة تضــم نيجيريــا ‪-‬المنتج األول للنفـط في إفريقيــا‪ ،-‬وهي عضــو في منظمــة الــدول‬

‫المنتجــة للنفــط (أوبيــك)‪ .‬وبلغت احتياطاتهــا النفطيــة ســنة ‪ 37,2 2012‬مليــار برميــل‪ .‬وقــد ارتفــع إنتاجهــا‬

‫اليومي من ‪ 2,1‬مليون برميل يوميا سنة ‪ 2000‬إلى ‪ 2,6‬مليون برميل يوميا سنة ‪.5172012‬‬

‫‪514‬‬
‫‪- EY, African oil and gas : driving sustainable growth, op,cit, p 7.‬‬
‫‪ - 515‬أيمن شبانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ - 516‬باول ف‪ .‬هوبر "إفريقيا جنوب الصحراء"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.384‬‬
‫‪517‬‬
‫‪- Claire KUPPER & Margaux VAGHI, «CARTOGRAPHIE DU PÉTROLE EN AFRIQUE DE L’OUEST »,‬‬
‫‪NOTE D’ ANALYSE du GRIP, 14 janvier 2014, p 7.‬‬

‫‪279‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وتليه ــا دول أخ ــرى في غ ــرب إفريقي ــا ذات اإلنت ــاج الض ــعيف مث ــل‪ :‬س ــاحل الع ــاج ال ــتي تق ــدر‬

‫احتياطاتها سنة ‪ 2012‬بـ ‪ 250‬مليون برميل‪ ،‬وانتقل إنتاجها اليومي من ‪ 12,37‬ألف برميــل يوميــا ســنة‬

‫‪ 2000‬إلى ‪ 38,6‬أل ــف برمي ــل يومي ــا س ــنة ‪ ،2012‬بينم ــا تق ــدر االحتياط ــات النفطي ــة المؤك ــدة في غان ــا‬

‫بحــوالي ‪ 660‬ألــف برميــل في ســنة ‪ ،2012‬وقــد زاد إنتاجهــا النفطي من ‪ 7,13‬ألــف برميــل يوميــا ســنة‬

‫‪ 2000‬إلى ‪ 79,6‬ألف برميل يوميا في سنة ‪.5182012‬‬

‫وتتزايد أهمية هذه المنطقة‪ ،‬إذا أضفنا إليها دولة أنغــوال الــتي تنتمي إلى منطقـة جنــوب إفريقيــا‪،‬‬

‫فقــد تزايــد اإلنتــاج النفطي لهــذه الدولــة أربــع مــرات منــذ ‪ 1990‬ليســتقر في ‪ 1,8‬مليــون برميــل يوميــا في‬

‫سنة ‪ .2013‬وهو ما يشكل ‪ %30‬من إجمالي اإلنتـاج النفطي في إفريقيـا جنـوب الصــحراء‪ ،519‬غـير أنـه‬

‫خالل الس ــنوات الماض ــية القليل ــة ب ــدأ ي ــتراجع بش ــكل طفي ــف ليس ــتقر في ‪ 1,75‬ملي ــون برمي ــل يومي ــا س ــنة‬

‫‪ .2014‬والنف ــط يش ــكل ح ــوالي ‪ %97‬من ص ــادرات أنج ــوال س ــنة ‪ 2012‬حس ــب ص ــندوق النق ــد ال ــدولي‪،‬‬

‫وبلغت قيمة صادراتها النفطية ‪ 24‬مليار دوالر خالل سنة ‪.5202014‬‬

‫ومن المفترض أن إنتاج النفط في دول غـرب إفريقيـا سـينمو مسـتقبال في ظـل تواصــل عمليـات‬

‫التنقيب في المياه العميقـة بهـذه المنطقـة‪ ،‬فمنـذ أوائـل تسـعينيات القـرن الماضـي‪ ،‬توصـل التنقيب في الميـاه‬

‫العميق ــة في س ــواحل نيجيري ــا وال ــدول المج ــاورة إلى اكتش ــاف حق ــل نف ــط ذي مع ــدالت ال تض ــاهى في أي‬

‫مكان آخر في العالم‪.521‬‬

‫ويكتسب نفط منطقة الغرب اإلفريقي تميزه النسبي بعدة اعتبارات‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫غزارة اإلنتاج واالحتياط في المنطقة‪ ،‬بعد إضافة الحقول الجديدة وصدق التوقعات بانضمام‬ ‫‪-‬‬

‫الساحل الغربي إلفريقيا بالكامل لقائمة منتجي البترول ابتداء من سنة ‪.2010‬‬

‫‪518‬‬
‫‪-Ibid, p 7.‬‬
‫‪519‬‬
‫‪- International Energy Agency, world Energy Outlook Special Report, Africa Energy Outlook a focus‬‬
‫‪energy prospect in sub-saharan Africa, op, cit, p 54.‬‬
‫‪520‬‬
‫‪- U.S. Energy Information Administration, Country Analysis Brief: Angola, Last up dated : March 19, 2015,‬‬
‫‪p 2. Viewed 20/12/2015 at:‬‬
‫‪https://www.eia.gov/beta/international/analysis_includes/countries_long/Angola/angola.pdf‬‬
‫‪ - 521‬باول ف‪ .‬هوبر "إفريقيا جنوب الصحراء"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.385-384‬‬

‫‪280‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تغــير األهميــة النســبية لألقــاليم المنتجــة األخــرى بســبب إنهــاك إمكاناتهــا اإلنتاجيــة‪ ،‬أو تراجــع‬ ‫‪-‬‬

‫االكتشــافات الجديــدة بهــا‪ ،‬فيتجــه اإلنتــاج من خليج المكســيك وبحــر الشــمال للتنــاقص بخالف‬

‫ضـعف إمكانـات االكتشـافات الجديـدة لـديهما‪ ،‬بعكس الحـال في خليج غينيـا‪ .‬وعلى الـرغم من‬

‫أن الخليج العــربي يحــوي مخزونــات أضــخم من المخزونــات اإلفريقيــة من هــذه المــادة‪ ،‬فإنــه‬

‫يواج ــه الت ــوترات والح ــروب‪ ،‬بينم ــا ال يكفي إنت ــاج بح ــر جن ــوب الص ــين لس ــد حاج ــة الطلب‬

‫اإلقليمي‪.‬‬

‫االعتبارات االقتصادية لقرب سواحل المنطقة من األسواق األمريكية الشرقية‪ ،‬وتبلــغ نصــف‬ ‫‪-‬‬

‫المسافة بينهما والخليج العربي‪.‬‬

‫وقوع معظم الحقـول الجديـدة في المنطقـة في الميـاه العميقـة‪ ،‬بمـا يـوفر الحـل األمثـل للمشـاكل‬ ‫‪-‬‬

‫األمنية‪.‬‬

‫ارتفــاع جــودة الخــام اإلفــريقي عن نظــيره بــالخليج العــربي‪ ،‬ألنــه من النوعيــة الخفيفــة الخاليــة‬ ‫‪-‬‬

‫من الك ــبريت المتناس ــبة م ــع مواص ــفات المص ــافي الحديث ــة‪ ،‬ويس ــاعد ال ــدول المس ــتهلكة على‬

‫االلتزام بالتشريعات البيئية‪.‬‬

‫االستفادة من اختالف شروط االتفاقيات البترولية‪ ،‬ففي الشــرق األوســط مثال‪ ،‬تنتج الشــركات‬ ‫‪-‬‬

‫الوطني ــة الب ــترول وتبيع ــه للمس ــتهلك األجن ــبي‪ .‬أم ــا في خليج غيني ــا‪ ،‬فالش ــركات األجنبي ــة تنتج‬

‫وتض ــخ الب ــترول وتبيع ــه لنفس ــها‪ ،‬وفقــا التفاقي ــات المش ــاركة في اإلنت ــاج‪ ،‬وبمقتض ــاها تحص ــل‬

‫الشـ ــركات األجنبيـ ــة على امتيـ ــازات التنقيب بشـ ــرط تحملهـ ــا للنفقـ ــات تم تتقاسـ ــم العوائـ ــد مـ ــع‬

‫الحكومــات بعــد خص ــم التكــاليف‪ ،‬تحقــق بمقتضــاه الشــركات األجنبيــة أرباحــا هائلــة‪ ،‬مســتغلة‬

‫ضعف االمكانات اإلفريقية الستخراج وبيع هذه الثروة بنفسها‪.522‬‬

‫‪ - 522‬عبد المنعم طلعت‪" ،‬لجنة خليج غينيا نواة لبدائل "االوبك"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 182‬اكتوبر ‪ ، 2010‬ص ‪.187‬‬

‫‪281‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫عرفت وجهات صـادرات النفـط الخـام لغـرب إفريقيـا تغـيرا سـريعا كمـا يوضـحه المبيـان أسـفله‪،‬‬

‫وذلك نتيجة الطفرة النفطية التي عرفتها الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫وجهات صادرات غرب إفريقيا من خام البترول خالل الفترة ما بين ‪2013-2008‬‬ ‫المبيان رقم ‪:34‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪International Energy Agency, world Energy Outlook Special Report, Africa‬‬
‫‪Energy Outlook a focus energy prospect in sub-saharan Africa, op,cit, p61.‬‬
‫فمنذ سنة ‪ 2008‬تراجعت واردات الواليات المتحدة األمريكية من هذه المنطقة بمقدار الثلثين‪،‬‬

‫حتى وصلت إلى أقل من ‪ 600‬ألف برميل يوميا سنة ‪ ،2013‬ومقابل ذلك رفعت أوروبا مشترياتها من‬

‫نفط إفريقيا جنوب الصحراء لتعويض انخفاض إنتاجها المحلي وتراجــع وارداتهــا من ليبيــا نتيجــة األزمــة‬

‫ال ــتي تعيش ــها ه ــذه األخ ــيرة من ــذ ان ــدالع الث ــورة فيه ــا س ــنة ‪ .2011‬وبالت ــالي ف ــإن ص ــادرات نيجيري ــا إلى‬

‫الواليات المتحدة األمريكية بلغت ‪ %10‬من إنتاجها اإلجمالي مقارنة مع ‪ %26‬سنة ‪ ،2008‬موازاة مع‬

‫ارتفــاع صــادرات النفــط النيجيريــة إلى كــل من أوروبــا والهنــد على التــوالي بــالثلث والربــع‪ ،‬في حين أن‬

‫أنغوال تصدر نصف إنتاجها من النفط نحو الصين‪.523‬‬

‫ثانيا‪ :‬منطقة شرق ووسط إفريقيا‬

‫تمتلك منطقة شرق إفريقيا بعض االستكشافات األعظم واألكثر إثارة المحتملة في القــارة‪ ،‬ومــع‬

‫التطــور التــدريجي في اقتصــاديات المنطقــة باإلضــافة إلى احتــواء وحــل الكثــير من مســائل أمنهــا‪ ،‬يجــري‬
‫‪523‬‬
‫‪- International Energy Agency, world Energy Outlook Special Report, Africa Energy Outlook a focus‬‬
‫‪energy prospect in sub-saharan Africa, op,cit, p61.‬‬

‫‪282‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تط ــوير ع ــدد من استكش ــافات النف ــط والغ ــاز ع ــبر المنطق ــة‪ .‬ويتوق ــع أن يب ــدأ إنت ــاج الغ ــاز بكمي ــات تجاري ــة‬

‫بالت ــدفق في الس ــنوات القادم ــة في ك ــل من تنزاني ــا وموزم ــبيق‪ ،‬وق ــد اكتش ــف النف ــط في أوغن ــدا‪ ،‬وأش ــارت‬

‫مســوح جيوفيزيائيــة عديــدة حديثــة إلى أن هنــاك نفطــا جيــدا وآفاقــا للغــاز في األجــزاء الســاحلية في شــرق‬

‫إفريقيا‪.524‬‬

‫فمنــذ ســنة ‪ 2006‬أصــبحت منطقــة شــرق إفريقيــا منطقــة بتروليــة وغازيــة جديــدة‪ ،‬نتيجــة تغــير‬

‫شـهية الشـركات البتروليـة لهـذه المنطقـة‪ ،‬نظـرا لالكتشـافات النفطيـة والغازيـة في كـل من أوغنـدا وتنزانيـا‬

‫وكينيا والموزمبيق‪ ،‬فحسب السلطات األوغاندية فقد ارتفعت احتياطاتهـا من النفـط من ‪ 2,5‬مليـار برميـل‬

‫إلى ـ ‪ 3,5‬مليار برميل‪ ،‬ولقد بلغت قيمة العقـود الموقعـة بين أوغنـدا والشـركات التاليـة‪ :‬الشـركة الصــينية‬

‫‪ CNOOC‬والفرنس ــية ‪ TOTAL‬س ــنة ‪ 2,9 2012‬ملي ــار دوالر في مج ــاالت التنقيب والبني ــات التحتي ــة‬

‫الطاقة‪.525‬‬

‫حاليا حفرت مئات اآلبار بشرق أوغندا‪ ،‬يقدر حجم احتياطاتها بحوالي ‪ 1,7‬مليار برميــل‪ ،‬أي‬

‫مـا يعـادل احتياطـات التشـاد أو جمهوريـة الكونغـو الديمقراطيـة‪ ،‬وفي فــبراير سـنة ‪ 2014‬تم التوقيـع على‬

‫اتفاقيــة بين الدولــة األوغنديــة والشــركات الثالث ( ‪Tullow Oil, CNOOC‬و ‪ ،)Total‬من أجــل تطــوير‬

‫مشروع بناء محطة تكرير ‪ 30000‬برميل نفط يوميا في منطقة هويما (‪ )Hoima‬بغرب البالد‪.526‬‬

‫في سنة ‪ 2012‬بلغ اإلنتاج الكلي بمنطقة شرق إفريقيا ‪ 1000‬برميل نفــط يوميــا‪ ،‬وأنتجت هــذه‬

‫المنطقة خالل ســنة ‪ 2013‬نســبة ‪ %8‬من اإلنتــاج الكلي للقـارة من خــام البــترول المكــرر‪ ،‬وكــان مصــدر‬

‫هذا اإلنتـاج كـل من السـودان وكينيـا وزامبيـا وتنزانيـا وإ ريتريـا‪ .‬وتجـدر اإلشـارة أن إنتـاج الغـاز الطـبيعي‬

‫‪ - 524‬باول ف‪ .‬هوبر "إفريقيا جنوب الصحراء"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.391‬‬


‫‪525‬‬
‫‪- KPMG, Oil & Gas Africa Sector Report, Reserves, potential and prospects of Africa, KPMG‬‬
‫‪GLOBAL ENERGY INSTITUTE, 2014, p 9. viewed 15/09/2015 at:‬‬
‫‪https://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/Articles-Publications/General-Industries-Publications/‬‬
‫‪Documents/Oil%20and%20Gas%20sector%20report%202014.pdf‬‬
‫‪526‬‬
‫‪- KPMG, Sector Report Oil and Gas in Africa, Oil and gas sector report , 2015, viewed 11/11/15 at:‬‬
‫‪https://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/Articles-Publications/General-Industries-Publications/‬‬
‫‪Documents/Oil%20and%20Gas%20sector%20report%202015.pdf‬‬

‫‪283‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بهذه المنطقة ينحصر في كل من الموزمبيق وتنزانيا‪ ،‬فقد وصل إنتاجهم من هذه المــادة ســنة ‪ 2011‬إلى‬

‫‪ 135‬مليار قدم مكعب و‪ 30‬مليار قدم مكعب على التوالي‪.527‬‬

‫وحسب مجلة البـترول والغـاز ‪ Oil & Gaz Journal‬بلغت االحتياطـات النفطيـة المؤكـدة في‬

‫الس ـ ــودان س ـ ــنة ‪ 5 ،2012‬ملي ـ ــار برمي ـ ــل‪ ،‬غ ـ ــير أن هن ـ ــاك بعض التق ـ ــديرات ال ـ ــتي تش ـ ــير إلى أن ه ـ ــذه‬

‫االحتياطات ال تتجــاوز ‪ 4,2‬مليــار برميــل حســب مؤسســة مــاكينزي (‪ ،)Wood Mackenzie‬أمــا شــركة‬

‫بريتش بترليوم البريطانية فهي تقدر االحتياطات النفطية المؤكـدة في السـودان بـ ‪ 6,7‬مليـار برميـل (‪PB‬‬

‫‪ )2011 Statistical Review‬وقد وصل إنتاجه في سنة ‪ 2011‬إلى ‪ 480‬ألف برميل يوميا‪.528‬‬

‫أما في ما يخص وسط إفريقيا‪ ،‬فقد شكل إنتاج كل من الكــاميرون والكونغــو برازفيــل والغــابون‬

‫وغينيــا االســتوائية ســنة ‪ %16 2012‬من اإلنتــاج اليــومي لخليج غينيــا (‪ 5‬مليــون برميــل يوميــا)‪ .‬وقــد‬

‫تراج ــع إنت ــاج الك ــاميرون من ‪ 185‬أل ــف برمي ــل يومي ــا س ــنة ‪ 1985‬إلى ‪ 63‬أل ــف س ــنة ‪ ،2012‬أم ــا في‬

‫الكونغو برازفيل فعلى الرغم من ثبات اتجاه اإلنتاج نحو االرتفاع إال أنـه يعـرف تذبـذبا‪ ،‬ليبلـغ أعلى قمـة‬

‫ل ــه س ــنة ‪ 2010‬إذ وص ــل إلى ‪ 305‬أل ــف برمي ــل يومي ــا‪ ،‬ليس ــتقر في ‪ 209‬أل ــف برمي ــل يومي ــا من ــذ س ــنة‬

‫‪ .2012‬وفي الغابون فقد بدأ إنتاجها من البترول في التراجع منذ سـنة ‪ 1997‬إذ وصـل إلى ‪ 370‬ألـف‬

‫برميــل يوميــا‪ ،‬ليســتقر حاليــا إنتاجهــا في ‪ 240‬ألــف برميــل يوميــا‪ .‬وإ ذا كــان إنتــاج غينيــا االســتوائية من‬

‫البــترول عــرف اســتقرارا مــا بين ‪ 2005-1995‬تقريبــا‪ ،‬حيث وصــل إلى ‪ 365‬ألــف برميــل يوميــا ســنة‬

‫‪ ،2004‬فقد بدأ يسجل انخفاضا تدريجيا ليستقر في ‪ 283‬ألف برميل يوميا سنة ‪.2012‬‬

‫وبالرغم من االنخفاض النسبي إلنتاج بعض دول هذه المنطقة من البـترول‪ ،‬فقـد عـرفت ثالث‬

‫دول نمــوا اقتصــاديا إيجابيــا ســنة ‪ .2013‬إذ بلغت معــدالت نمــو كــل من الكــاميرون والكونغــو برازافيــل‬

‫‪527‬‬
‫‪-U.S. Energy Information Administration, Emerging East Africa Energy, 2013, p3. Viewed 13/10/2015 at‬‬
‫‪http://www.eia.gov/beta/international/analysis_includes/special_topics/East_Africa/eeae.pdf‬‬
‫‪528‬‬
‫‪- World Energy Council, World Energy Resources 2013 Survy, London, 2013, pp 2.35-36.‬‬

‫‪284‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫والغابون سنة ‪ %5,4 ،%5 ،2014‬و‪ %4,2‬على التوالي‪ ،529‬ويشـكل النفـط أكـثر من نصــف صــادرات‬

‫هذه الدول حسب ما هو مبين في الجدول أسفله‪ ،‬كما أنه يسهم بحصة مهمة في ناتجها الداخلي الخام‪.‬‬

‫حصة مساهمة البترول في بعض المؤشرات االقتصادية لبعض دول وسط إفريقيا‬ ‫الجدول رقم ‪:11‬‬

‫حصة البترول في الناتج‬ ‫النسبة من عائدات الميزانية‬


‫نسبة النفط من الصادرات‬
‫الداخلي الخام‬ ‫العامة‬
‫‪ ( 30%‬يتضمن نقل البترول‬
‫‪6,6%‬‬ ‫‪)ITIE 2011( 46,8%‬‬ ‫الكاميرون‬
‫‪)ITIE 2011‬‬
‫‪BM 2010-( 90,3%‬‬
‫‪2010-2012( 67,2%‬‬ ‫‪)BM 2010-2012( 78,9%‬‬
‫‪)2012‬‬ ‫الكونغو برازفيل‬
‫‪)BM‬‬ ‫‪)ITIE 2012( 80%‬‬
‫‪)FMI 2011(87%‬‬
‫‪)FMI 2011( 91,4%‬‬
‫‪)FMI 2011( 56%‬‬
‫‪)BM( 45%‬‬ ‫‪)FMI 2011( 90%‬‬ ‫الغابون‬
‫‪)ITIE 2010( 60%‬‬
‫‪)ITIE 2010( 75%‬‬
‫‪)BAD 2012( 76,2%‬‬ ‫‪FMI 2011( 99%‬‬ ‫غينيا االستوائية‬
‫‪FMI: Fond Monétaire International.‬‬
‫‪BM: Banque Mondiale.‬‬
‫‪ITIE: Initiative pour la Transparence dans les Industries Extractives.‬‬
‫‪BAD: Banque Africaine de développement.‬‬
‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Groupe de Recherche et d’Information sur Paix et la Sécurité, « Géopolitique du‬‬


‫‪pétrole dans la CEEAC: l’enjeu des nouvelles politiques des hydrocarbures », op,‬‬
‫‪cit, p6.‬‬

‫ثالثا‪ :‬شمال إفريقيا‬

‫تعتــبر ليبيــا والجزائــر من أهم الــدول اإلفريقيــة المنتجــة للمــوارد الطاقيــة في هــذه المنطقـة‪ ،‬فليبيــا‬

‫تســيطر على أكــثر من ‪ %65‬من مخزونــات المنطقــة الطاقيــة‪ ،‬مــع أن إمكانيــات إنتاجهــا لم تتحقــق بشــكل‬

‫كام ــل بع ــد‪ .‬وليبي ــا عكس الجزائ ــر رحبت من ــذ زمن بعي ــد بمش ــاركة ش ــركات النف ــط الدولي ــة في ص ــناعتها‬

‫‪529‬‬
‫‪- Groupe de Recherche et d’Information sur Paix et la Sécurité, « Géopolitique du pétrole dans la CEEAC:‬‬
‫‪l’enjeu des nouvelles politiques des hydrocarbures », Note N° 9, 25 juin 2014, pp 7-8.‬‬

‫‪285‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫النفطية بمجـال التنقيب واإلنتـاج‪ .‬وقــد اسـتمر هـذا حـتى فــرض العقوبـات ضــد ليبيـا بسـبب "أزمـة لكـربي"‪،‬‬

‫وهو ما أجبر هذه الشركات على تعليق عملياتها في البلد عام ‪.5301986‬‬

‫ومع بداية العقد األول من القرن الحالي بدأت هذه العقوبات بالسقوط بعد تسوية قضية لكربي‪،‬‬

‫ودف ــع ليبي ــا التعويض ــات لبعض ال ــدول الغربي ــة‪ ،‬وتوق ــف الق ــذافي عن دعم ــه لإلره ــاب‪ ،‬وك ــذا تخلي ــه عن‬

‫األس ــلحة الكيماوي ــة ال ــتي ك ــانت تملكه ــا ليبي ــا‪ ،‬ل ــذلك ب ــدأت العدي ــد من الش ــركات الغربي ــة للع ــودة إلى ليبي ــا‬

‫موازاة مع توجه بعض الشركات اآلسيوية نحو النفط الليبي‪ ،‬خصوصا الشركات الصينية والهندية‪.‬‬

‫وحس ــب مجل ــة الب ــترول والغ ــاز ‪ Oil & Gaz Journal‬تق ــدر االحتياط ــات المؤك ــدة بليبي ــا بـ‬

‫‪ 47,1‬مليار برميل سنة ‪ ،2012‬وهو ما يشكل ‪ %38‬من االحتياطات المؤكدة في القارة اإلفريقية‪ ،‬وقــد‬

‫ارتفعت القدرات اإلنتاجية بليبيا خالل العقد الماضي من ‪ 1,4‬مليون برميل يوميا سنة ‪ 2000‬إلى ‪1,8‬‬

‫مليون برميل يوميا سنة ‪ .531 2010‬لذلك فليس غريبا أن يكـون االقتصــاد الليـبي تابعـا للمـوارد النفطيـة‪،‬‬

‫وهو ما يتضح من كون قطاع الغاز والنفط يسهم بنسبة ‪ %70‬من النـاتج الـداخلي الخـام الليـبي‪ .‬ويشـكل‬

‫‪ %90‬من المــداخل الجبائيــة‪ ،‬وحــوالي ‪ %97‬من عائــدات التصــدير للخــارج‪ .‬وتجــدر اإلشــارة إلى كــون‬

‫اإلنتاج الليبي من الموارد الطاقية قد توقف بشكل تـام في غشـت ‪ 2011‬نتيجـة األزمـة الـتي عاشـتها ليبيـا‬

‫بعـد إسـقاط نظـام القـذافي‪ ،‬لكن سـرعان مـا تمت إعـادة اسـتئناف اإلنتـاج الليـبي من المـوارد الطاقيـة سـواء‬

‫الغاز أو النفط‪ ،‬ففي أكتــوبر من ســنة ‪ 2012‬حســب منظمــة الــدول المصــدر للنفـط (‪ )OPIC‬فقـد أنتجت‬

‫ليبيــا حــوالي ‪ 1,51‬مليــون برميــل يوميــا من النفــط الخــام‪ .‬وبعــد توقــف العمليــات العســكرية الغربيــة بليبيــا‬

‫ب ــدأت ش ــركة بري ــتيش ب ــرتيليم ‪ BP‬بحف ــر ح ــوالي ‪ 17‬ب ــئرا نفطي ــا جدي ــدا‪ .‬كم ــا ت ــوجهت ش ــركة غيبس ــول‬

‫‪ Repsol‬النفطية نحو حفر آبار جديدة الستخراج النفط بليبيا‪.532‬‬

‫‪ - 530‬غوردن شيرر‪ "،‬شمال إفريقيا والبحر المتوسط"‪ ،‬في كتاب‪ :‬األمن والطاقة نحــو اســتراتيجية سياســة خارجيــة جديدة‪( ،‬ترجمة حســام الــدين‬
‫خضور)‪ ،‬الهيئة العام السورية للكتاب‪ ،‬دمشق ‪ ،2011‬ص ‪.368‬‬
‫‪531‬‬
‫‪- World Energy Council, World Energy Resources 2013 Survy, op ,cit, p 2.28‬‬
‫‪532‬‬
‫‪- KPMG “OIL AND GAS IN AFRICA AFRICA’S RESERVES, POTENTIAL AND PROSPECTS”, op,‬‬
‫‪cit, pp10-11.‬‬

‫‪286‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أما في ما يخص الجزائر فهي تحتل المرتبة الثالثة في االحتياطــات النفطيــة بالقـارة اإلفريقيــة‪،‬‬

‫وحسـ ــب إدارة معلومـ ــات الطاقـ ــة األمريكيـ ــة فهي تتـ ــوفر في سـ ــنة ‪ 2012‬على ‪ 12,2‬مليـ ــار برميـ ــل من‬

‫االحتياطــات النفطيــة المؤكــدة‪ ،533‬وأنتجت الجزائــر في عــام ‪ 2012‬حــوالي ‪ %1,0‬من اإلنتــاج العــالمي‬

‫من النفــط‪ ،‬واحتلت خالل هــذه الســنة الرتبــة ‪ 17‬عالميــا‪ ،‬بعــد كبــار المنتجين (روســيا والعربيــة الســعودية‬

‫والواليات المتحدة األمريكية وإ يران والصين وكندا والمكســيك‪ )...‬والثالثــة إفريقيــا بعــد نيجيريــا وأنغــوال‪.‬‬

‫وبص ــفة عام ــة فق ــد تض ــاعف اإلنت ــاج الجزائ ــري من الم ــوارد الطاقي ــة ثالث م ــرات خالل خمس ــين عام ــا‬

‫الماضــية‪ .‬ويتــوفر البلــد على مــا بين ‪ %1,3‬و‪ %2,4‬من المخــزون العــالمي للغــاز‪ ،‬وقــد أنتجت الجزائــر‬

‫سـ ــنة ‪ 2012‬مـ ــا ينـ ــاهز ‪ 73,4‬مليـ ــار م‪ 3‬من الغـ ــاز الطـ ــبيعي الموجـ ــه للتصـ ــدير أي ‪ %2,4‬من اإلنتـ ــاج‬

‫العالمي‪ ،‬وهو ما يجعل الجزائر تحتل الرتبـة التاسـعة ضـمن الـدول المنتجـة للغـاز سـنة ‪ 2012‬والمرتبـة‬

‫الخامســة للــدول المصــدرة للغــاز ســنة ‪ ،2011‬وتتجــه أزيــد من ‪ %88,6‬من صــادرات الغــاز الجزائريــة‬

‫نحــو أوروبــا‪ ،‬أي أن الجزائــر تلــبي ‪ %10‬من احتياجــات االتحــاد األوروبي من الغــاز‪ .534‬وبــذلك فقطــاع‬

‫الهي ــدركربورات يس ــهم بنس ــبة ‪ %40‬من الن ــاتج ال ــداخلي الخ ــام الجزائ ــري‪ ،‬ويش ــكل ‪ %98‬من عائ ــدات‬

‫الصادرات للخارج‪ ،‬و‪ %70‬من المداخل الجبائية‪.535‬‬

‫وستزداد أهمية هـذه المنطقـة في مجـال الطاقـة في ظـل المشـاريع الطاقيـة المسـتقبلية المطروحـة‬

‫حالي ــا‪ ،‬كالمخط ــط الشمس ــي المتوس ــطي ال ــذي يس ــعى لرب ــط ش ــمال إفريقي ــا والش ــرق األوس ــط والص ــحراء‬

‫اإلفريقية في كتلة طاقية شمسية وريحية مع البحر المتوسط‪ .‬يمكن لهذا الربط أن يحدث أثرا جيوسياسيا‬

‫إقليميــا نوعيــا‪ ،‬إذ ســيربط ألول مــرة المصــالح الحيويــة عن طريــق عناصــر اندماجيــة بين كتــل جيولوجيــة‬

‫متنوعـ ــة منهـ ــا الصـ ــحراء والبحـ ــر والجبـ ــال‪ ،‬ومن حيث الجغرافيـ ــا االقتصـ ــادية سـ ــيزيد الحاجـ ــة لتطـ ــوير‬

‫التكنولوجي ــا الفائق ــة ال ــتي يجب توفره ــا في إنت ــاج مس ــتدام للحاجي ــات الطاقي ــة المتج ــددة‪ .‬مم ــا س ــيؤدي إلى‬

‫‪533‬‬
‫‪-Ibid, p 11.‬‬
‫‪534‬‬
‫‪- Nathalie SULMONT, Les hydrocarbures en Algérie : chiffres clefs, op, cit, p 1-3.‬‬
‫‪535‬‬
‫‪- KPMG «OIL AND GAS IN AFRICA AFRICA’S RESERVES, POTENTIAL AND PROSPECTS», op,‬‬
‫‪cit, p 11.‬‬

‫‪287‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إع ــادة تق ــييم الص ــحراء اإلفريقي ــة وف ــق مح ــددات جيوسياس ــية حيوي ــة لم يس ــبق له ــا مثي ــل على األق ــل من ــذ‬

‫انطالقة العهد الصناعي في أوروبا مع القرن الثــامن عشــر‪ .536‬وفي الســياق نفســه يمكن وضــع المشــروع‬

‫الذي يتوخى "ربط حقـول شـمال نيجيريـا بأوروبـا عـبر الـنيجر وصـحراء الجزائـر والمسـمى أنبـوب الغـاز‬

‫عــبر الصــحراء بـ ‪ 15‬مليــار مكعب من الغــاز الطــبيعي من حقــول نيجيريــا ابتــداء من ‪( ،"2015‬علمــا أن‬

‫هــذا المشــروع مــا زال لم ينجــز حاليــا)‪ .‬ضــمن هــذا اإلطــار‪ ،‬ســيؤثر هــذا المشــروع في حالــة إنجــازه على‬

‫تصور العالقات عبر الصحراء اإلفريقية ‪ ،‬إذ سيدعم أهميتها كمصدر لألمن المتبادل‪ ،537‬مما سيقلل من‬

‫تبعية أوروبـا لروسـيا في مجـال الـتزود بـالموارد الطاقيـة‪ .‬ولـذلك هنـاك من يجـادل أن أحـد أبعـاد التـدخل‬

‫العســكري الروســي في ســوريا جــاء في ســياق تنــافس القــوى الدوليــة على غــاز شــرق المتوســط في ظــل‬

‫االكتشــافات الكبــيرة من هــذه المــادة هنــاك‪ ،‬وطــرح العديــد من مشــاريع األنــابيب لتصــدير الغــاز من هــذه‬

‫المنطقــة نحــو أوروبــا عــبر تركيــا وســوريا‪ ،‬أي أن روســيا تريــد التحكم في واردات الغــاز األوروبيــة من‬

‫المنطقة‪ ،‬والحيلولة دون انخفاض أسعار المواد الطاقيــة بشــكل كبــير عن مــا هي عليــه حاليــا‪ ،‬نظــرا لكــون‬

‫االقتصاد الروسي يعتمد بشكل كبير على تصدير الموارد الطاقة خصوصا الغاز‪.538‬‬

‫من خالل كــل مــا ســبق‪ ،‬يتــبين أن القــارة اإلفريقيــة أصــبحت تحتــوي على مــوارد طاقيــة كبــيرة‬

‫متوفرة حاليا ومحتملة مستقبليا‪ ،‬غير أن التحديات السياسية واألمنية بهذه القارة وكذلك التغيرات الدوليــة‬

‫ســتؤثر على تــوقيت وحجم تطــوير واســتغالل هــذه المــوارد االقتصــادية‪ ،‬فحقــول الغــاز الضــخمة المتوقعــة‬

‫في س ــواحل ش ــرق إفريقي ــا وحق ــول النف ــط والغ ــاز المتوس ــطة الحجم الواقع ــة على ح ــدود الق ــارة الغربي ــة‬

‫والجنوبية والشرقية سيكون لها تأثير كبير على األسواق اإلقليمية والدولية خالل العقود القادمة‪.‬‬

‫‪ - 536‬كريم مصلوح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.207‬‬


‫‪ - 537‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.215-214‬‬
‫‪ - 538‬إبراهيم غالي وأخرون‪" ،‬الشرق االوسط‪ :‬اتجاهات التحول من "الفوضى" إلى "ضبط" أزمات المنطقة"‪ ،‬ملحق خاص يصدر مع دورية‬
‫"اتجاهات االحداث"‪ ،‬العدد ‪ ،15‬يناير–فبراير ‪ ،2016‬ص ص ‪.15-14‬‬
‫‪ -‬كريم المفتي‪" ،‬مصالح روسيا والصين في الشرق األوسط‪ :‬دراسة تحليلية"‪ ،‬المجلــة العربيــة للعلــوم السياسـية‪ ،‬العـددان ‪ ،48-47‬صـيف‪-‬خريـف‬
‫‪ ،2015‬ص ص ‪.32-31‬‬

‫‪288‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الموارد الطاقية وتنافس الشركات العالمية‬

‫تحتــل مصــادر الطاقــة عمومــا‪ ،‬والنفــط خصوصــا؛ أهميــة متعاظمــة لــدى المجتمعــات الصــناعية‬

‫الك ــبرى‪ ،‬ليس لكونه ــا ش ــريان الحي ــاة االقتص ــادية فحس ــب‪ ،‬ب ــل ألهميته ــا في تحدي ــد ق ــوة الدول ــة ووض ــعها‬

‫الع ــالمي‪ ،‬وال س ــيما م ــع وج ــود خل ــل بين هيك ــل النظ ــام ال ــدولي وبنيت ــه وتوزي ــع مص ــادر الطاق ــة‪ .‬فال ــدول‬

‫الك ــبرى المهيمن ــة في النظ ــام ال ــدولي‪ -‬باس ــتثناء روس ــيا والوالي ــات المتح ــدة األمريكي ــة م ــؤخرا– تع ــاني‬

‫نقص ــا في مص ــادر الطاق ــة االس ــتراتيجية (النفــط والغ ــاز الط ــبيعي)؛ وه ــو م ــا يجعله ــا تعتم ــد على الخ ــارج‬

‫لإليفاء بمتطلبات االستهالك المحلي‪ .‬وألهمية توافر مصادر الطاقــة الكافيــة واآلمنــة في الــدول الصــناعية‬

‫الكــبرى وعلى رأســها الواليــات المتحــدة بمــا ال يــؤثر في وضــعها االقتصــادي ومكانتهــا الدوليــة‪ ،‬في ظــل‬

‫تنافس القوى اآلسيوية‪ ،‬في مقدمتها الصين والهند‪ ،‬فضال عن اليابان للسـيطرة على مصـادر الطاقـة الـتي‬

‫تتسم بالندرة مع تزايـد االسـتهالك العـالمي‪ ،‬احتلت قضـية تـأمين المـوارد الطاقيـة أهميـة كـبرى مـع مـرور‬

‫الوقت‪.‬‬

‫لـــذلك فـ ــإن من أولويـــات القـــوى الكـــبرى في عالقاته ــا م ــع إفريقي ــا‪ ،‬ب ــاتت ت ــتركز على ضـ ــمان‬

‫وارداتها من مصادر الطاقة والموارد الخام بصفة عامة لصــناعاتها‪ ،‬األمـر الـذي يؤكـد كـون هـذه األوليـة‬

‫تخرج من كونها شأنا تجاريا واقتصاديا محضا‪ ،‬بــل تعــد من الضــرورات االســتراتيجية الملحــة‪ ،‬بحكم مــا‬

‫تعبر عنه من مصالح كبرى لجانب هذه القوى (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫ولقد أسهم التنـافس الـدولي من قبـل القـوى الكـبرى على مـوارد الطاقـة في إفريقيـا بشـكل مباشـر‬

‫أو غير مباشر‪ ،‬في إضفاء المزيد من التعقيد والتشابك على مجمل الصراعات التي تشهدها القارة‪ ،‬وهو‬

‫ما أثر سلبيا على واقعها ومستقبلها السياسي واالقتصادي واالجتماعي‪ ،‬حتى وصل األمر إلى حــد تقســيم‬

‫دولة السودان‪ ،‬وما سيخلفه من أثار سلبية على مجمل القارة‪( .‬الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أهم الشركات الدولية المتنافسة على النفط اإلفريقي‬

‫أضحى مفهوم أمن الطاقة‪ ،‬أحد أبرز تجليات المفاهيم األمنية التي بــدأت تتشــكل وتأخــذ مكانتهــا‬

‫في التفاعالت الدولية‪ ،‬ضمن العديد من التغيرات والمفاهيم التي تلت حقبة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬شأنها‬

‫شأن العديد من المحـددات التقليديـة األخـرى‪ ،‬الـتي بـاتت تشـكل السياسـة الخارجيـة للـدول‪ ،‬ال سـيما للقـوى‬

‫الصناعية الكبرى‪.539‬‬

‫فالتغيرات الهيكلية التي حدثت في العقود األخيرة بالغة األهميـة بالنسـبة إلى جـانب الطلب على‬

‫الطاقــة‪ ،‬ففي الســبعينيات كــانت حصــة منظمــة التعــاون االقتصــادي والتنميــة من االســتهالك العــالمي للنفــط‬

‫‪ ،%70‬وأمريكــا الشــمالية اســتهلكت وحــدها ضــعف الكميــات الــتي اســتهلكتها الــدول اآلســيوية‪ .‬ومــع بدايــة‬

‫القـرن الحــالي بــدأت تتغــير األمــور‪ ،‬فقـد انخفضــت حصــة منظمــة التعــاون االقتصــادي والتنميــة من الطلب‬

‫العالمي على النفط إلى ‪ %60‬في عـام ‪ 2005‬فيمـا اقــترب اسـتهالك آسـيا من اسـتهالك أمريكـا الشـمالية‪،‬‬

‫باإلضــافة إلى تضــاعف الطلب على النفــط وغــيره من مــوارد الطاقــة الرئيســية بدرجــة كبــيرة في البلــدان‬

‫النامي ــة بس ــبب نموه ــا االقتص ــادي وال ــديمغرافي‪ ،‬ونش ــاطها االقتص ــادي خاص ــة في مج ــال النق ــل‪ ،‬وتبقى‬

‫الصين والهند من أسرع البلدان نموا في آسـيا وأكـثر األمثلـة إثـارة لالهتمـام‪ .‬فقـد ارتفـع اسـتهالك الصـين‬

‫من النفـ ــط من ‪ 6,1‬مليـ ــون برميـ ــل من النفـ ــط يوميـ ــا في العـ ــام ‪ 2003‬إلى ‪ 7,1‬مليـ ــون برميـ ــل في العـ ــام‬

‫‪ 2004‬بزيادة بلغت نسبتها ‪ .%17‬أما الهند فقد ارتفع استهالكها النفطي المحلي باطراد – بنسبة ‪%57‬‬

‫بين ع ـ ــامي ‪ 1995‬و‪ -2005‬في حين زاد اعتماده ـ ــا على النف ـ ــط المس ـ ــتورد ليتج ـ ــاوز ‪ .%68‬وفي كال‬

‫البلدين تشير اإلحصاءات الخاصة باالستخدام األولي للطاقة والغاز الطبيعي إلى نتائج معبرة‪ ،‬فقد ارتفــع‬

‫الطلب على الغــاز الطــبيعي طــوال الفــترة الممتــدة بين عــامي ‪ 1996‬و‪ 2005‬بنســبة زادت على ‪%163‬‬

‫في الصين‪ ،‬وبنسبة ‪ %78‬في الهند‪.540‬‬

‫‪ - 539‬نجالء محمد مرعي‪" ،‬الثروة النفطية‪ ..‬والتنافس الدولي "االستعماري" الجديد في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.415‬‬
‫‪ - 540‬كاميال بروننسكي‪" ،‬الطاقة واألمن‪ :‬األبعاد اإلقليمية والعالمية"‪ ،‬في كتاب‪ :‬التسلح ونزع السالح واألمن الدولي الكتاب السنوي ‪ ، 200‬مركـز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الدولي‪ ،،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬نوفمبر ‪/‬تشرين الثاني ‪ ،2007‬ص ‪.342‬‬

‫‪290‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫نظــرا ألهميــة أمن الطاقــة في المحافظــة على دوران عجلــة التنميــة االقتصــادية في الــدول ومــا‬

‫يرافقها من انعكاسات سياسية‪ ،‬يميل المعلقون وصانعو السياسات إلى رؤية أمن الطاقة من منظور أمني‬

‫–اسـ ــتراتيجي‪ ،‬وإ لى إضـ ــفاء قيمـ ــة سياسـ ــية‪-‬عسـ ــكرية عليـ ــه‪ ،‬اسـ ــتنادا إلى المنافسـ ــة على مـ ــوارد الطاقـ ــة‬

‫والمواجهــة بســببها‪ ،‬وحــتى التنــازع عليهــا؛ كمــا قــال معلــق الطاقــة الصــيني‪ ،‬شي ييشان‪" :‬النفــط هــو أحــد‬

‫األسـ ــلحة المهمـ ــة للدبلوماسـ ــية‪ ،‬ومحـ ــرك الصـ ــناعة‪ ،‬وروح العلـ ــوم االقتصـ ــادية‪ ،‬والحـ ــارس الـ ــذي يـ ــدرأ‬

‫العدوان؛ ولذلك فهو هدف الدول الكبرى"‪.541‬‬

‫لقد أصبحت تمثل حصة اقتصادات الدول الناشئة اآلن قرابة ثلثي الزيادة الحالية في االستخدام‬

‫العـالمي للطاقـة‪ .‬وإ ذا نظرنـا إلى المسـتقبل‪ ،‬نجـد أن هيكلـة أسـواق الطاقـة في جـانب الطلب ستشـهد مزيـدا‬

‫من التحوالت؛ فتوقعات إدارة معلومات الطاقة األمريكية تشــير إلى أن الطلب اإلجمــالي على الطاقــة من‬

‫الــدول غــير األعض ــاء في منظمــة التعــاون االقتص ــادي والتنميــة ســيتجاوز بحلــول العــام ‪ 2030‬اســتخدام‬

‫الطاق ــة في دول هات ــه المنظم ــة بنس ــبة ‪ ،%34‬م ــا يع ــني أن اس ــتهالك النف ــط والغ ــاز الط ــبيعي في ال ــدول‬

‫خ ــارج المنظم ــة الس ــلفة ال ــذكر س ــينمو بس ــرعة تزي ــد بمق ــدار ثالث ــة أض ــعاف عن اس ــتهالك دول منظم ــة‬

‫التعــاون االقتصــادي والتنميــة‪ .‬وستحصــل آســيا؛ وبخاصــة الصــين والهنــد‪ ،‬على الحصــة األكــبر من هــذا‬

‫النمو في الدول غير المنتمية لمنظمة التعاون االقتصادي والتنمية‪ ،‬في حين سينمو استهالك دول أمريكــا‬

‫الش ــمالية في منظم ــة التع ــاون االقتص ــادي والتنمي ــة بمق ــدار يزي ــد على الض ــعف بحل ــول ع ــام ‪ .2030‬لكن‬

‫ســتظل منظمــة التعــاون االقتصــادي والتنميــة مســتهلكا رئيســا للغــاز الطــبيعي‪ ،‬على الــرغم من أن حصــتها‬

‫من الطلب العالمي على الغاز ستتراجع من مستوى يزيد على ‪ %50‬إلى ما يقرب من ‪.%40‬‬

‫توفر هذه التغيرات الكاسحة في هيكلة الطلب والعرض في أسواق الطاقة فرصــا وتحــديات في‬

‫آن واحد‪ .‬وحسب أنوش إيتيشامي (‪ )Anoush Ehteshami‬وسفين بيهــرنت (‪،)Sven Behrendt‬‬

‫ســـتزيد هـــذه التغـــيرات من قـــدرة الـــدول المصـــدرة على المســـاومة نتيج ــة ب ــروز زب ــائن ج ــدد متعطشـــين‬

‫‪ - 541‬تلميذ أحمد‪" ،‬التنافس العالمي على موارد الطاقة‪ :‬المنظور الهندي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.398‬‬

‫‪291‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لمصــادرها من الهيــدروكربون‪ ،‬لكن من ناحيــة أخــرى ســيتوفر للمســتهلكين للمــرة األولى منــذ عــدة عقــود‬

‫الفرصة للتفاوض على صفقات بديلة مـع عـدد من المصــدرين الـذين يعملـون من خـارج آليـة التسـعير في‬

‫منظمة أوبيك‪.542‬‬

‫ومع تزايد الطلب على الطاقة‪ ،‬وباألخص الموارد الهيدروكربونية‪ ،‬بغيـة المحافظـة على أنمـاط‬

‫المعيشــة وأنمــاط االســتهالك الســائدة في العــالم المتطــور‪ ،‬ونظــرا إلى الزيــادة الهائلــة في الطلب من كبــار‬

‫المستهلكين اآلسيويين‪ ،‬نجد كل مراكز إنتاج الهيدروكربونات الرئيسة في العالم واقعــة في دوامــة تنــافس‬

‫كبرى دول العالم وشـركاتها للسـيطرة على هـذه المـوارد‪ .‬وهكـذا يشـهد القـرن الحـادي والعشـرون صــعود‬

‫الطاق ــة مص ــدرا رئيس ــا للتن ــافس بين ال ــدول الك ــبرى طمع ــا بف ــرض نفوذه ــا في األراض ــي ال ــتي تنتج ه ــذا‬

‫المورد الثمين‪.‬‬

‫فالت ــدخالت االس ــتراتيجية األمريكي ــة في الخليج‪ ،‬وت ــدخالت الص ــين في بح ــر الص ــين الجن ــوبي‪،‬‬

‫وتـدخالت روسـيا في آسـيا الوسـطى‪ ،‬تؤكـد أن هـذه منـاطق محتملـة للتنـافس بين الـدول في سـياق الطاقــة‪.‬‬

‫فحســب كــاميال بروننســكي إن هــذا "المثلث االســتراتيجي"‪ ،‬يحتــوي أكــبر احتياطيــات الغــاز في العــالم في‬

‫انتظــار من يكتشــفها‪ ،‬وحــدود قوميــة تــدور حولهــا النزاعــات منــذ ســنين عديــدة‪ ،‬ودول ذات مصــالح قوميــة‬

‫متضاربة‪ ،‬وعلى الرغم من كل ذلك‪ ،‬من الصـعب أن نتخيـل تحـول أغلب هـذه المنافسـات إلى صـراعات‬

‫مس ــلحة‪ ،‬فهن ــاك الكث ــير ج ــدا من ال ــدول ال ــتي ستخس ــر الكث ــير من ج ــراء ذل ــك‪ .‬من الناحي ــة العملي ــة على‬

‫األرجح أن ينــدلع صــراع مســلح ذو بعــد على عالقــة بمصــادر الطاقــة خــارج المثلث االســتراتيجي‪ ،‬وعلى‬

‫الخص ــوص في إفريقي ــا‪ .‬ف ــالظروف البنيوي ــة في العدي ــد من ال ــدول اإلفريقي ــة؛ حكوم ــات اس ــتبدادية‪ ،‬نخب‬

‫سياس ــية ضـــعيفة وفاس ــدة‪ ،‬فق ــر وانع ــدام المس ــاواة االقتصـــادية داخ ــل المجتمع ــات‪ ،‬توزي ــع غ ــير مت ــوازن‬

‫للعائ ــدات من مص ــادر الطاق ــة‪ .‬تجع ــل ه ــذه البل ــدان عرض ــة للص ــراعات الداخلي ــة المس ــلحة ال ــتي له ــا بع ــد‬

‫مرتبط بمصادر الطاقة‪ ،‬وغالبا ما يكون نهب مصادر الطاقة عامال في إطالة أمد الصــراع المســلح حــتى‬

‫‪ - 542‬كاميال بروننسكي‪" ،‬الطاقة واألمن‪ :‬األبعاد اإلقليمية والعالمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.343‬‬

‫‪292‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وإ ن انطلقت شـ ــرارته ألسـ ــباب مختلفـ ــة‪ .‬ففي أنغـ ــوال‪ ،‬غـ ـ ﱠـذت العائـ ــدات النفطيـ ــة‪ ،‬الـ ــتي تشـ ــكل ‪ %90‬من‬

‫مــداخيل الحكومــة‪ ،‬مشــتريات األســلحة في أثنــاء الحــرب األهليــة بين عــامي ‪ 1974‬و ‪ ،5432002‬وبــذلك‬

‫أصــبحت مؤشــرات التنميــة في هــذا البلــد أســوأ المؤشــرات في العــالم‪ ،‬كمــا أن ‪ %83‬من ســكانه يعيشــون‬

‫تحت خط الفقر‪ ،‬وال يصل ‪ %70‬من السكان إلى المياه الصالحة للشرب‪.544‬‬

‫بـاتت قضــية أمـوال النفـط تكتسـي أهميـة متزايـدة في الصــراعات المتواصــلة في السـودان‪ ،‬بدايـة‬

‫في جنوب السودان ومؤخرا في دارفور‪ .‬ومن األمور المؤثرة أنه خالل هذه الصراعات المدنية اشترت‬

‫شـ ــركات نفطيـ ــة من كنـ ــدا والصـ ــين وفرنسـ ــا والكـ ــويت وماليزيـ ــا وروسـ ــيا والسـ ــويد والواليـ ــات المتحـ ــدة‬

‫األمريكي ــة امتي ــازات الس ــتخراج النف ــط‪ ،‬وب ــدأت بتط ــوير منش ــآت نفطي ــة في الس ــودان‪ .‬والي ــوم‪ ،‬يب ــدو أن‬

‫الوضــع في نيجيريــا آخــذ في التحــول نحــو مزيــد من التصــعيد والصــراع‪ ،‬وبــدال من أن يعطي النفــط هــذا‬

‫البلد فرصة لكي يكون واحدا من أغـنى البلـدان في إفريقيـا‪ ،‬أسـهم في إثـراء أقليـة ضـئيلة من النيجـيريين‪،‬‬

‫وأدى إلى مش ــكالت بيئي ــة وص ــحية‪ ،‬إض ــافة إلى حرم ــان س ــكان المن ــاطق المنتج ــة للنف ــط‪ .‬وأدى ه ــذا في‬

‫النهاية إلى صراع مفتوح في دلتا النيجر‪.545‬‬

‫إن القارة اإلفريقية أصبحت في العقد األخير منطقة مهمة لمصـادر الطاقـة‪ ،‬وتـزامن ذلـك مـع‬

‫إعــادة تركــيز قطــاع الطاقــة في الســودان واالكتشــافات البتروليــة الجديــدة في غــرب ووســط إفريقيــا‪ ،‬األمــر‬

‫ال ــذي زاد من أهمي ــة الق ــارة على الص ــعيد االس ــتراتيجي‪ ،‬خاص ــة فيم ــا يتعل ــق باكتش ــافات النف ــط الجدي ــدة‬

‫واالحتياطي النفطي الذي رأت فيه العديد من الدول مصدرا مهما للطاقة في المستقبل‪ ،‬فقامت العديــد من‬

‫شــركات النفــط التابعــة لــدول مثــل الواليــات المتحــدة والصــين والهنــد وأوروبــا بالتســابق إلى القــارة لحجــز‬

‫حصة لها هناك‪.‬‬

‫‪ - 543‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.350-349‬‬


‫‪ - 544‬جان ماري شوفالييه‪ ،‬معارك الطاقة الكبرى‪( ،‬ترجمة لميس عزب)‪ ،‬كتاب العربية الترجمة (‪ ،)4‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪1430‬هـ ‪2009 -‬م‪،‬‬
‫ص ‪.340‬‬
‫‪ - 545‬كاميال بروننسكي‪" ،‬الطاقة واألمن‪ :‬األبعاد اإلقليمية والعالمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪350-349‬‬

‫‪293‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫في هذا اإلطار أصبح النفط اإلفريقي محورا للتنافس بين القوى الدولية‪ ،‬خصوصا أن معظمها‬

‫يواجـ ــه موقـ ــف االعتمـ ــاد على الـ ــواردات لتوفـ ــير االحتياجـ ــات من الطاقـ ــة‪ ،‬فأوروبـ ــا تسـ ــتورد ‪ %48‬من‬

‫حاجياتهـ ــا‪ ،‬كمـ ــا أنهـ ــا بحلـ ــول عـ ــام ‪ 2030‬لن تغطي سـ ــوى ‪ %30‬من حاجياتهـ ــا من الطاقـ ــة‪ ،‬واليابـ ــان‬

‫تسـ ــتورد ‪ ،%52‬والواليـ ــات المتحـ ــدة األمريكيـ ــة تسـ ــتورد ‪ %53‬من حاجاتهـ ــا الطاقيـ ــة‪ ،‬ومن المتوقـ ــع أن‬

‫ترتفع هذه النسبة إلى ‪ %62‬عام ‪ ،5462020‬غير أنه مع ثورة الوقود الصخري جعلت هذه المعطيــات‬

‫تتغير إذ ستتحول الواليات المتحدة بعـد عـام ‪ 2015‬من مسـتورد صـاف للنفـط إلى مصـدر صـاف لـه‪،547‬‬

‫كمــا أصــبحت الصــين الــتي كــانت تتمتــع باكتفــاء ذاتي من النفــط مســتوردة لــه منــذ ســنة ‪ ،1993‬حيث إنهــا‬

‫تس ــتهلك نح ــو ‪ 11‬ملي ــون برمي ــل يومي ــا‪ ،‬مم ــا جعله ــا تحت ــل المرتب ــة الثاني ــة من ــذ ع ــام ‪ 2003‬بين ال ــدول‬

‫المس ــتهلكة والمس ــتوردة للنف ــط‪ ،‬وذل ــك بع ــد الوالي ــات المتح ــدة ال ــتي تس ــتهلك نح ــو ‪ %40‬من االس ــتهالك‬

‫العالمي للنفط‪.548‬‬

‫لــذلك أصــبحت القـوى الدوليــة تســعى إلى تنويــع مصــادر وارداتهــا من النفـط‪ ،‬وذلــك بالتوســع في‬

‫اس ــتيراد النف ــط اإلف ــريقي‪ ،‬وتك ــثيف اس ــتثماراتها في من ــاطق الب ــترول التقليدي ــة في إفريقي ــا؛ مث ــل نيجيري ــا‬

‫والجابون وليبيا والجزائـر فضــال عن منـاطق االكتشـافات الجديـدة في كـل من غينيـا االسـتوائية والسـودان‬

‫وجنوب السودان وموريتانيا‪ ...‬علما أن النفـط اإلفــريقي يتمـيز بتعـدد أنواعـه؛ حيث يوجـد نحـو ‪ 40‬نوعـا‬

‫من خام النفط في القارة‪ ،‬تتسم معظم هـذه األنـواع بجودتهـا الفائقـة‪ .‬ويتمتـع قطـاع النفـط في القـارة بواحـد‬

‫من أسرع معدالت النمو في العالم‪.‬‬

‫إن التنافس األمريكي‪ -‬الفرنسي في إفريقيـا هـو في األسـاس تنـافس على المصــالح االقتصــادية‬

‫والنفطية‪ ،‬وتبين ذلك في الصراع الذي حصل في الكونغو في بداية تسعينيات القرن الماضي بين شركة‬

‫النف ــط الفرنس ــية "ألــف أيتــان" واألمريكي ــة "أوكســيدنتال بــتروليوم" حيث لم تلب الش ــركة الفرنس ــية طلب‬

‫‪ - 546‬أيمن شبانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬


‫‪ - 547‬لهب عطا عبد الوهاب‪" ،‬آفاق الطاقة في العالم‪ :‬دراسة تاريخية مقارنة‪ ،‬المستقبل العربي‪ ،‬العدد ‪ 435‬ماي ‪ ،2015‬ص ‪.137‬‬
‫‪ - 548‬ايمن شبانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬

‫‪294‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الرئيس الكونغــولي باسكال ليسوبا بمســاعدته على ســد العجــز الحاصــل في الموازنــة الماليــة لعــام ‪1992‬‬

‫فتوج ــه ص ــوب الش ــركة األمريكي ــة ال ــتي عرض ــت علي ــه مبل ــغ ‪ 150‬ملي ــون دوالر في مقاب ــل التن ــازل عن‬

‫بعض حق ــول النف ــط الواع ــدة‪ ،549‬كم ــا أح ــالت حكومت ــه إلى البرلم ــان مش ــروع ق ــانون من ش ــأنه أن ي ــتيح‬

‫للشركات األجنبية إمكانية أكبر للوصول إلى النفط الكونغولي والتصرف فيه‪ .‬هــذا األمــر أغضــب فرنســا‬

‫الــتي تــدخلت بقــوة واســتطاعت أن تــزيح الشــركة األمريكيــة‪ ،‬فــاحتفظت باالمتيــازات النفطيــة في الكونغــو‪،‬‬

‫من خالل دعم ش ــركة إل ــف ايت ــان محاول ــة ساســو في أن يح ــل مح ــل ليســوبا من أج ــل اس ــتعادة وض ــعها‬

‫المهيمن في صــناعة النفــط في هــذا البلــد‪ .550‬وحصــل شــيء مماثــل في الغــابون عــام ‪ ،1990‬وفي تشــاد‬

‫وأنغ ـ ــوال ع ـ ــامي ‪ 1993-1992‬حين ك ـ ــان الص ـ ــراع األم ـ ــريكي – الفرنس ـ ــي واض ـ ــحا ومباش ـ ــرا وك ـ ــاد‬

‫الفرنسيون يخسرون امتيازاتهم النفطية لصالح شركات أمريكية‪.551‬‬

‫كـ ــان من العوامـ ــل الـ ــتي دفعت للتفكـ ــير في إعـ ــادة صـ ــياغة عالقـ ــات فرنسـ ــا بإفريقيـ ــا في بدايـ ــة‬

‫التسعينيات مـا أثـير من قضـايا فسـاد؛ تربـط الشـركات الفرنسـية برؤسـاء الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬كمثـال فضـيحة‬

‫ش ــركة (إل ــف ‪ )ELF‬الفرنس ــية للنف ــط‪ ،‬ال ــتي ك ــانت تح ــول م ــا يع ــادل عش ــرة ماليين ي ــورو س ــنويا لحس ــاب‬

‫ال ـ ــرئيس عم ــر بونج ــو في الغ ـ ــابون‪ ،‬كم ـ ــا دفعت مب ـ ــالغ ض ـ ــخمة لرؤس ـ ــاء (أنج ـ ــوال والكونغ ـ ــو برازفي ـ ــل‬

‫والكــاميرون) للحصــول على امتيــازات للتنقيب فيهــا‪ ،‬مقابــل الــدعم السياســي ألنشــطة الشــركة‪ ،‬الــتي كــانت‬

‫مملوكة للدولة حتى ‪ ،1994‬تــبرعت الشــركة لحــزب الــرئيس الفرنســي األســبق جاك شيراك بمبــالغ ماليــة‬

‫كبيرة‪ ،‬كما دفعت مبالغ لبعض أصدقاء الرئيس فرانسوا ميتران‪.‬‬

‫ولم تقتصــر تجــاوزات الشــركة على رشــوة المســئولين الفرنســيين واألفارقــة‪ ،‬بــل مارســت دورا‬

‫في تأجيج الصراعات في بعض الدول بشكل مباشر‪ ،‬كما حدث في الكونغو برازفيل أو غير مباشر كمــا‬

‫‪ - 549‬علي شعبان االسطي‪ ،‬صراع القوى العظمى حول إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.130-129‬‬
‫‪ - 550‬مايكل روس‪ ،‬نقمة النفط كيف تؤثر الثروة النفطية على نمو االمم‪( ،‬ترجمة محمد هيثم نشواتي)‪ ،‬منتدى العالقات العربية والدولية‪ ،‬الدوحــة‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،2014‬ص ‪.272‬‬
‫‪ - 551‬علي شعبان االسطي‪ ،‬صراع القوى العظمى حول إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.130-129‬‬

‫‪295‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ح ــدث في أنج ــوال‪ ،‬واس ــتندت الش ــركة في ه ــذا على عالقته ــا القوي ــة ب ــأجهزة المخ ــابرات الفرنس ــية‪ ،‬ال ــتي‬

‫مولت الشركة بعض عملياتها‪.‬‬

‫ورصــدت إحــدى الدراســات تــدخل األجنحــة المختلفــة للشــركة ورجالهــا األقويــاء لــدعم األطــراف‬

‫المختلف ــة للص ــراع في البل ــدين؛ لض ــمان ت ــأمين مص ــالحها في ح ــال تغلب أي من ط ــرفي الص ــراع‪ ،‬ففي‬

‫الحرب األهلية في الكونغو برازفيل في نهاية التسعينيات‪ ،‬تدخل أحد األجنحة في الشركة لدعم (ساسـو‬

‫نجويسو) ماديا ولوجيستيا‪ ،‬بينما تدخل آخر مساندا لـ (باسكال ليسوبا)‪ ،‬وتوســط لحصــوله على الســالح‪،‬‬

‫وفي أنجوال دعمت بعض قيــادات الشــركة (جوناس سافيمبي) وحركتــه‪ ،‬إلى أن بــدا واضــحا أن فرصــته‬

‫في إنهاء الحرب لصــالحه ضــعيفة‪ ،‬فنقــل هــؤالء دعمهم لغريمــه (دوس سانتوس)‪ ،‬وســاعدوه على توفــير‬

‫السالح؛ مقابل بيع إنتاج أنجوال المستقبلي من النفط‪.552‬‬

‫لق ــد عملت الوالي ــات المتح ــدة على دف ــع دول خليج غيني ــا لرف ــع إنتاجه ــا النفطي‪ ،‬فنيجيري ــا تم ــد‬

‫الواليـ ــات المتحـ ــدة بنصـ ــف إنتاجهـ ــا النفطي‪ ،‬حيث اسـ ــتثمرت الشـ ــركات األمريكيـ ــة أكـ ــثر من ‪ 7,4‬مليـ ــار‬

‫دوالر لرف ـ ــع اإلنت ـ ــاج‪ ،‬كم ـ ــا مارس ـ ــت الوالي ـ ــات المتح ـ ــدة األمريكي ـ ــة ض ـ ــغوطا على الحكوم ـ ــة النيجيري ـ ــة‬

‫لالنس ــحاب من منظم ــة أوب ــك‪ ،‬لكنه ــا رفض ــت رغم اإلغ ــراءات األمريكي ــة‪ .‬وتس ــتورد الوالي ــات المتح ــدة‬

‫األمريكية نحو ‪ %40‬من اإلنتـاج النفطي ألنجـوال‪ ،‬إذ تسـيطر شـركة شـيفرون األمريكيـة على ‪ %75‬من‬

‫إنتـــاج النف ــط فيهـــا‪ ،‬وتصـــدر الجـــابون ‪ %44‬من إنتاجهـــا النفطي للوالي ــات المتح ــدة األمريكيـــة‪ ،‬في حين‬

‫تسيطر هذه األخيرة على ‪ %41‬من إنتاج غينيا اإلستوائية‪.553‬‬

‫وفي المقابــل عملت الشــركات الصــينية لالســتحواذ على حصــة من النفــط اإلفــريقي‪ ،‬إذ تمكنت‬

‫ش ــركة النف ــط الوطني ــة الص ــينية من الحص ــول على حص ــة نس ــبتها ‪ %40‬من ش ــركة الني ــل األعظم ال ــتي‬

‫تس ــيطر على حق ــول النف ــط في الس ــودان‪ .‬وفي أوائ ــل ع ــام ‪ 2007‬أعلنت ش ــركة النف ــط البحري ــة الوطني ــة‬

‫‪552‬‬
‫‪ -‬راوية توفيق‪" ،‬السياسة الفرنسية في إفريقيا‪ ..‬األداة العسكرية في خدمة المصالح االقتصادية ودعاوى المهمة الحضـارية"‪ ،‬مرجـع سـابق‪ ،‬ص‬
‫‪.29‬‬
‫‪ - 553‬أميرة محمد عبد الحليم‪" ،‬الوجه اآلخر‪ :‬التنافس على مصادر الطاقة في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.144‬‬

‫‪296‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الصينية شراءها حصــة نسـبتها ‪ %45‬من حقـل ونفـط غـاز نيجيريـا‪ ،‬واشـترت أيضــا مـا نسـبته ‪ %35‬من‬

‫تـ ــرخيص لالستكشـ ــاف في دلتـ ــا الـ ــنيجر‪ .‬وقـ ــامت الشـ ــركات الصـ ــينية والهنديـ ــة باسـ ــتثمارات مماثلـ ــة في‬

‫أنجوال‪ ،554‬كما توجد استثمارات لشركة النفط والغــاز الطــبيعي فيــديش لمتــد الهنديــة (‪ )OVL‬في كــل من‬

‫السودان والرأس األخضر ومصر ونيجيريا والغابون‪.555‬‬

‫لقد عقدت الصين صفقة طاقة وتعدين بقيمــة ‪ 1,3‬مليــار دوالر مــع زيمبــابوي‪ .‬في مقابــل إنشــاء‬

‫ثالث محطات كهروحرارية تعمل على الفحم الحجـري‪ .‬قـد تسـدد زيمبـابوي قيمـة االسـتثمار الصـيني من‬

‫مناجمها الغنية بالبالتين والذهب والفحم الحجري والنيكل والماس‪ ،‬وبذلك أصــبحت إفريقيــا تــزود الصــين‬

‫بنحو ثلث وارداتها النفطية‪.556‬‬

‫لذلك تعددت وجهات النفط اإلفريقي‪ ،‬غير أنه تبقى كل من الواليات المتحدة األمريكية والصين‪،‬‬

‫والهند وبعض دول االتحاد االوروبي من أهم الدول المستوردة للنفط اإلفريقي خالل الفترة ‪-2007‬‬

‫‪ 2011‬كما هو مبين في الرسومات البيانية أسفله‪.‬‬

‫وجهات صادرات النفط اإلفريقي في كل من ‪ 2007‬و‪2011‬‬ ‫المبيان رقم ‪:35‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪ - 554‬سعد حقي توفيق‪" ،‬التنافس الدولي وضمان امن الطاقة" مجلة العلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪ 43‬سنة ‪ ،2011‬ص ‪.25‬‬
‫‪555‬‬
‫‪- Ruchita BERI, « India and Africa toward an energy partnership» in Africa and energy Security Global‬‬
‫‪Issues, Local Responses, (editor Ruchita BERI and Uttam Kumar SINHA), published by Academic foundation‬‬
‫‪in association with the Institute for Defence Studies and analyses (IDSA), New Delhi, first published in 2009, p‬‬
‫‪52.‬‬
‫‪ - 556‬وينران جيانج‪"،‬النمو االقتصادي في الصين وسعيها ألمن الطاقة في أنحاء العالم"‪ ،‬مرجع سابق‪.341 ،‬‬

‫‪297‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪- KPMG “OIL AND GAS IN AFRICA AFRICA’S RESERVES, POTENTIAL AND‬‬
‫‪PROSPECTS, op, cit, p 5.‬‬
‫يتضح من هذه الرسوم البيانية‪ ،‬أن كال من الصين والهند تعتبر من الواجهات الرئيسة للنفط‬

‫اإلفريقي‪ ،‬ففي عام ‪ 2007‬تم شحن ‪ %10‬من النفط اإلفريقي إلى الصين و‪ %5‬إلى الهند‪ ،‬لكن خالل‬

‫سنة ‪ 2011‬ستعرف هذه األرقام زيادة إذ أصبحت ‪ %14‬من نصيب الصين و‪ %8‬من نصيب الهند‪،‬‬

‫في مقابل تراجع حصة الواليات المتحدة األمريكية من النفط اإلفريقي من ‪ %30‬سنة ‪ 2007‬إلى‬

‫‪ %23‬في عام ‪ ،2011‬أما فرنسا فقد حافظت على حصتها من النفط اإلفريقي المتمثلة في ‪ %6‬خالل‬

‫هذه الفترة‪.‬‬

‫كما تعد التطورات التي حدثت مؤخرا في قطاع النفط مهمة جدا‪ ،‬ففي سبتمبر ‪ 2011‬اعتمدت‬

‫الحكومــة األوغنديــة مشــروعا مشــتركا تســهم فيــه شــركة توتــال الفرنســية‪ ،‬وشــركة الصــين الوطنيــة للنفــط‬

‫البحـ ـ ــري (‪ ،)CNOOC‬وشـ ـ ــركة تـ ـ ــالو (‪ )TULLOW‬من إيرلنـ ـ ــدا‪ ،‬بهـ ـ ــدف التنقيب عن النفـ ـ ــط في ثالث‬

‫مربعات في حوض بحيرة ألبيرت‪.557‬‬

‫غــير أنــه بــالرغم من تزايــد الثقــل اإلفــريقي في خريطــة النفــط العالميــة‪ ،‬بســبب تزايــد احتياطيــات‬

‫القارة وإ نتاجها‪ ،‬مع انضمام المزيد من دولها إلى نادي الدول المصدرة للنفــط عالميــا‪ ،‬فــإن هــذه الــدول لم‬

‫تستطع حتى اآلن ‪-‬على غرار غيرها من الدول المنتجة له خارج القارة ‪-‬االسـتفادة من هـذه االمكانيـات‬

‫في قــاطرة التنميــة؛ إذ إن التنــافس الــدولي من قبــل القــوى الكــبرى على النفــط في القــارة قــد أســهم بشــكل‬

‫مباش ــر أو غ ــير مباش ــر في إض ــفاء المزي ــد من التعقي ــد والتش ــابك على مجم ــل الص ــراعات ال ــتي تش ــهدها‬

‫القارة‪.‬‬

‫فمنذ عام ‪ ،1998‬اتسمت منطقة دلتا النيجر بوقوع صـراعات متقطعـة بين المليشـيات المسـلحة‬

‫والقوات الحكومية‪ ،‬وبين المليشيات ذاتها‪ ،‬ولقد حصلت هذه المليشيات على مبالغ مالية كبيرة من العديد‬

‫من الشــركات النفطيــة بالمنطقــة‪ ،‬وذلــك لتجنب تخــريب البنيــة التحتيــة النفطيــة بهــذه المنطقــة وذلــك تحت‬

‫‪ - 557‬بول ميلي وفنسنت داراك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫‪298‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ستار "عقود مراقبة" مع مجموعة من الشباب من أجل حماية خطوط األنــابيب ومحطــات الضــخ واآلبــار‪،‬‬

‫وغيرها من المنشآت‪ .‬وقد أفادت مجموعة األزمة الدولية أنـه بعـد عـدة أشـهر من توقيـع (قائـد المليشـيات‬

‫الحجي دوكوبو) آساري وجماعته اتفاقا مع السلطات النيجيرية نالوا بموجبـه عفـوا عن الجـرائم السـابقة‪،‬‬

‫أخــبر نائبــه العلي هورسفال باحثــا في مجموعــة األزمــة الدوليــة أنــه حصــل على أكــثر من ‪ 7000‬دوالر‬

‫شــهريا من شــركة شــل األمريكيــة بمــوجب عقــود أبرمتهــا مــع شــركته‪ ،‬دوكــوايي للخــدمات األمنيــة‪ ،‬يقــدم‬

‫بموجبهــا خــدمات المراقبــة واألمن‪ ،‬إضــافة إلى تشــغيل آبــار النفــط‪ ،‬كتصــليح المولــدات الكهربائيــة‪ ،‬وهي‬

‫خدمات أقر بعدم قدرته على توفيرها‪ .‬وقال أيضا إنه كان قد أبرم عقودا مع مقاولي خدمات النفــط وهي‬

‫شــركات داغيــو ونيســكو‪ ،‬ويلــبروس‪ ،‬وآخــرين‪ .‬عنــدما ســئل‪ :‬كيــف حظي قائــد أكــثر الجماعــات المســلحة‬

‫مرهوبة الجانب في دلتا النيجر آنذاك بتوقيع عقود مع شـركات نفـط أجنبيـة؟ أجـاب‪" :‬لـو لم يرغبـوا بـذلك‬

‫لقاتلتهم"‪.558‬‬

‫وعلى العكس من ذلـك أصــبح سـكان ‪ Ogoni‬يثـيرون شـفقة العـالم‪ ،‬فأمسـت حـالتهم عنوانـا على‬

‫اإلجحاف‪ ،‬فهناك ما يقرب من نصف مليـون مـواطن يقطنـون في الـدلتا الغنيـة بـالبترول‪ .‬وكـانت الشـركة‬

‫العمالقــة شــل قــد باشــرت أعمالهــا هنــا منــذ عــام ‪ ،1957‬بتحــالف وثيــق مــع حكــام نيجيريــا الــدكتاتوريين‬

‫وبحماية منهم لها‪ .‬من هنـا فقـد تعين على السـكان في ‪ Ogoni‬أن يعيشـوا تحت وطـأة التـدمير الـذي لحـق‬

‫بالبيئ ــة وأن يع ــانوا من االس ــتغالل والقه ــر والبطش والم ــوت‪ ،‬ولربم ــا ك ــان المص ــير ال ــذي آل إلي ــه ‪Ken‬‬

‫‪ ،Saro-Wiw‬هــذا المصــير الــذي أثــار ضــجة في كــل أنحــاء العــالم‪ ،‬خــير شــاهد على هــذا الظلم‪ ،‬إذ لم‬

‫يصدر بحقه حكم باإلعدام فحسـب‪ ،‬بـل كـان قــد أعـدم في نهايـة المطـاف‪ ،‬ال لشـيء إال ألنـه كـان يعـارض‬

‫الحكومة والشركة العمالقة‪.559‬‬

‫‪ - 558‬مايكل روس‪ ،‬نقمة النفط كيف تؤثر الثروة النفطية على نمو االمم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.267-266‬‬
‫‪ - 559‬كولن كامبيل‪ ،‬يروغ شيندلر‪ ،‬فراوكة ليزينبوركس‪ ،‬فيرنر تسيتيل‪ ،‬نهاية عصر البترول‪( ،‬ترجمة عدنان عباس علي)‪ ،‬المجلس الوطني للثقافــة‬
‫والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سبتمبر ‪ ،2004‬ص ‪.75‬‬
‫‪ -‬راي بوش‪ ،‬الفقر والليبرالية الجديدة االســتمرارية وإعــادة اإلنتــاج في جنــوب العــالم‪( ،‬ترجمة إلهــام عيــداروس ووليــد ســليم)‪ ،‬المركــز القــومي‬
‫للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2015‬ص ‪.226‬‬

‫‪299‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومن مظــاهر تخلي بعض الــدول اإلفريقيــة عن ســيادتها في ســبيل إنتــاج النفــط‪ ،‬االتفــاق الموقــع‬

‫بين الحكومة التشادية وشركة أكسون مبيل والبنك الدولي سنة ‪ ،1998‬الذي بموجبه سيقدم البنك الدولي‬

‫للشــركة األمريكيــة الــدعم المــالي لتشــيد أنبــوب نقــل النفــط التشــادي‪ ،‬مقابــل فــرض إجــراءات صــارمة على‬

‫إدارة عائـ ــدات النفـ ــط‪ ،‬وذلـ ــك بإدخـ ــال الريـ ــع النفطي عن مبيعـ ــات النفـ ــط مباشـ ــرة في حسـ ــاب ضـ ــمان في‬

‫سيتيبانك بلندن‪ ،‬وليس في الخزانـة التشـادية‪ ،‬بـدعوى وجـود احتمـال الختفائهـا‪ ،‬وسـوف يسـتثمر سـيتيبانك‬

‫‪ %10‬من األمــوال في "صــندوق األجيــال القادمــة"‪ ،‬وســتعود ‪ %90‬الباقيــة إلى تشــاد من خالل "حســابات‬

‫عائدات النفط الخاصــة" المراقبــة عن كثب‪ ،‬وســوف تقســم طبقـا لصــيغة تحفـظ ‪ %80‬من أجــل "القطاعـات‬

‫ذات األولوي ــة"؛ التعليم‪ ،‬الص ــحة‪ ،‬التنمي ــة الريفي ــة والبني ــة التحتي ــة والبيئ ــة‪ .‬و‪ %5‬من أج ــل منطق ــة دوب ــا‬

‫المنتجة للنفط‪ ،‬وسوف تكون الخمسة عشر بالمئة الباقية متاحـة للحكومـة كي تنفقهـا بالطريقـة الـتي تراهـا‬

‫مناســبة (على األرجح على الــرواتب واألســلحة) وهــذه النســبة تقــل في واقــع األمــر عن ‪ %2‬من إجمــالي‬

‫األربــاح اآلتيــة من حقــول نفطهــا‪ ،‬ولقــد خلــف هــذا االتفــاق مجموعــة من المشــاكل الــتي عــانت منهــا بعض‬

‫القـ ــرى التشـ ــادية على رغم من حصـ ــولها على بعض التعويضـ ــات‪ ،‬بـ ــل طـ ــالبت الشـ ــركة األمريكيـ ــة من‬

‫األهالي التوقيع على وثائق تؤكد على أنه ال يمكنهم مطالبة الشركة بشيء في المستقبل‪.560‬‬

‫والحاصــل أنــه بقــدر مــا لم تســتغل عائــدات الــثروات الطبيعيــة اإلفريقيــة الهائلــة لتحقيــق التنميــة‪،‬‬

‫بتقليص معدالت الفقر والبطالة لديها‪ ،‬أصبحت تعاني هذه الدول الصراعات الداخلية على الثروات‪ ،‬وما‬

‫نتج عنهــا من تــداعيات على األمن واالســتقرار والتنميــة‪ ،‬ممــا يجعــل هــذه الــثروات في كثــير من األحيــان‬

‫نقمة على دولها‪ ،‬فما تشهده جمهورية الكونغو الديمقراطية‪ ،‬منذ عقود من صــراعات‪ ،‬ومـا عانتـه أنجـوال‬

‫لســنوات طويلــة حــتى عــام ‪ ،2002‬ومــا تشــهده جمهوريــة إفريقيــا الوســطى من صــراع دمــوي‪ ،‬ال يخفي‬

‫التنافس الدولي على السيطرة على تجارة الماس المتمركز في شمال البالد‪ .‬هذه كلها صــور للصــراعات‬

‫‪ - 560‬جون جازفنيان‪ ،‬التكالب على النفط اإلفريقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.300-299‬‬

‫‪300‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الممتـ ــدة على المـ ــوارد في إفريقيـ ــا‪ ،‬الـ ــتي أدت في كثـ ــير من األحيـ ــان إلى انهيـ ــار الـ ــدول أو تقسـ ــيمها إلى‬

‫دولتين‪ ،‬وما حالة السودان إال نتيجة لهذه السياسة‪.561‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الصراع على النفط وتقسيم دولة السودان‬

‫إذا كان الجدل الـذي سـاد المشـهد السـوداني حـتى قبـل االسـتقالل عـام ‪ 1956‬وإ لى اليـوم يرتكـز‬

‫حــول خطــاب الهويــة العربيــة واإلســالمية‪ ،‬فــإن إشــكال الســلطة وتوزيــع الــثروة مثــل محــور الصــراعات‬

‫والح ــروب األهلي ــة ال ــتي ش ــهدها الس ــودان في الجن ــوب والغ ــرب والش ــرق‪ .‬فق ــد رفعت جماع ــات التم ــرد‬

‫مط ــالب ملح ــة ض ــد سياس ــات التهميش واإلقص ــاء ال ــتي تعرض ــت له ــا مجتمعاته ــا طيل ــة س ــنوات م ــا بع ــد‬

‫االستقالل‪.‬‬

‫فالسودان قبل االستقالل لم يمتلك تقاليد الدولة الوطنية المتجانسة‪ ،‬وإ نما شــهد تعــددا وتنوعـا في‬

‫الثقافات والديانات واألعراق‪ ،‬حتى أنه استحق وصف مرآة إفريقيا‪ .‬ولقد بدأت مالمح تفجر الصــراعات‬

‫الــتي عاشــها الســودان منــذ االســتقالل إلى اليــوم قبــل حصــولها على االســتقالل‪ ،‬إذ أن السياســة البريطانيــة‬

‫جعلت الجنــوب الســوداني منطقــة معزولــة يحظــر على الشــماليين الوصــول إليهــا إال بــإذن مســبق‪ ،‬أي أن‬

‫السياســة البريطانيــة الــتي كــانت تقــوم عمومــا على الحكم غــير المباشــر‪ ،‬كــانت تهــدف إلى تطــوير هويــة‬

‫جنوبية منفصـلة عن الشـمال‪ .‬لـذلك نجـد أنـه قبـل اسـتقالل السـودان بعـام واحـد أي في عـام ‪ 1955‬قـادت‬

‫حركة إنيانيا االنفصالية الحـرب من أجـل انفصـال اإلقليم الجنـوبي عن البالد‪ .‬وقـد اسـتمرت تلـك الحـرب‬

‫حتى عام ‪ ،1972‬حينما وقع الرئيس جعفر النميري اتفاقية أديس أبابا‪ ،‬الـتي اعـترف فيهـا بـالحكم الـذاتي‬

‫للجنــوب‪ .562‬اســتمر هــذا االتفــاق حــتى عــام ‪ ،1983‬حينمــا أعــاد النمــيري تقســيم الجنــوب إلى ثالثــة أقــاليم‬

‫ب ــدال من إقليم واح ــد‪ ،‬وألغى حكومت ــه اإلقليمي ــة‪ ،‬فض ــال عن إع ــادة تخطي ــط الح ــدود اإلداري ــة بين الش ــمال‬

‫والجنوب‪ ،‬كما قام بإلغاء إنشاء مصفاة للبترول في الجنوب واستبدلها بأخرى في بورتســون في الشــمال‪،‬‬

‫‪ - 561‬أميرة محمد عبد الحليم‪" ،‬الوجه اآلخر‪ :‬التنافس على مصادر الطاقة في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪ - 562‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬التدخل الدولي في السودان وأثره عربيا وإفريقيا"‪ ،‬في تقرير‪ :‬العالم اإلسالمي عوامل النهضة وآفاق البناء‪ ،‬مجلة‬
‫البيان والمركز العربي للدراسات اإلنسانية في القاهرة‪ ،‬اإلصدار الرابع ‪1428‬هـ ‪2008 -‬م‪ ،‬ص ‪.258‬‬

‫‪301‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وممــا زاد من تعقيــد األمــور قيــام النمــيري بــإعالن تطــبيق الشــريعة في كــل أنحــاء الســودان‪ ،‬ممــا أدى إلى‬

‫انـــدالع المرحلـــة الثانيـــة من الحـــرب األهليـــة في جنـــوب الســـودان بتم ــرد عس ــكري في إحـــدى الكتـــائب‬

‫الجنوبية‪ ،‬التي تحالف معها العقيد جون قرن الـذي أعلن تمـرده وشـكل الحركـة الشـعبية لتحريـر السـودان‬

‫وجناحهــا العســكري الجيش الشــعبي لتحريــر الســودان‪ ،‬وقــد أعلن قرنق مــع انطالق هــذه الحــرب أن هدفــه‬

‫ليس انفصال الجنوب‪ ،‬بل اإلطاحة بالنظام في الشـمال من أجـل إقامـة سـودان علمـاني ديمقـراطي موحـد‪،‬‬

‫وه ــو م ــا تم تفس ــيره حينه ــا بأن ــه ال ي ــرغب في التل ــويح بخي ــار االنفص ــال‪ ،‬ح ــتى ال يث ــير حفيظ ــة ال ــدول‬

‫العربيـة‪ ،‬بـل واإلفريقيـة الداعمـة لـه‪ ،‬وفي مقـدمتها إثيوبيـا الـتي كـانت تخشـى من انتقـال عـدوى االنفصــال‬

‫إليهـا‪ ،563‬ولقـد اسـتمرت هـذه الحـرب حـتى توقيـع اتفاقيـة السـالم الشـامل عـام ‪ .2005‬وقـد نظـر إلى هـذه‬

‫الحــرب بحســبانها واحــدة من أطــول الحــروب األهليــة في إفريقيــا‪ ،‬حيث أدت إلى مقتــل نحــو مليــونين من‬

‫األفراد‪ ،‬باإلضافة إلى تشريد الماليين‪.564‬‬

‫حصلت الجبهة القومية اإلسالمية في السودان على السلطة بموجب انقالب عســكري في يونيــو‬

‫‪ ،1989‬وتركـزت مالمح خطابهـا السياسـي على مفـردات أساسـية تتمحـور حـول مشـروع حضــاري يعيـد‬

‫بناء اإلنسان السوداني الصالح‪ ،‬وقد وقع هذا المشروع في عدد من األخطاء االستراتيجية من أهمها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬السعي نحـو دور إقليمي يـدعم فصــائل اإلسـالم السياسـي في دول الجـوار عـبر آليـة‬

‫المـ ــؤتمر القـ ــومي اإلسـ ــالمي‪ ،‬فـ ــدعمت الخرطـ ــوم حـ ــزب الجهـ ــاد اإلسـ ــالمي اإلريـ ــتري‪ ،‬وحـ ــزب االتحـ ــاد‬

‫الصومالي الذي يطالب إثيوبيا بإقليم األوجادين‪ ،‬كمــا استضــاف زعيم القاعــدة أسامة بن الدن بين عــامي‬

‫‪ 1991‬و‪.1996‬‬

‫ثانيا‪ :‬حسم هوية السودان في إطـار العروبـة واإلسـالم من دون إطالق حـوار وطـني في‬

‫هذا الشأن‪ ،‬وهو األمر الذي قاد إلى قراءة خاطئـة لمشـكلة االنـدماج الوطـني في السـودان‪ ،‬فاعتمـدت آليـة‬

‫الحسم العسكري ضد المناوئين لنظـام الحكم‪ ،‬بـدوافع التهميش االقتصــادي والسياسـي في جنـوب السـودان‬
‫‪ - 563‬بدر حسن شافعي‪" ،‬التطور التاريخي للصراع بين شمال وجنوب السودان"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 183‬يناير ‪ ،2011‬ص ‪.175‬‬
‫‪ - 564‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬التدخل الدولي في السودان وأثره عربيا وإفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.258‬‬

‫‪302‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وغربه‪ .‬وبذلك انخـرط في صـراعات مسـلحة في الجنـوب والغـرب‪ ،‬وانخـرط في مفاوضـات للسـالم ذات‬

‫طــابع مــراوغ إجمــاال‪ ،‬وفتح بــذلك األبــواب المناســبة للتــدخل الخــارجي وتــدويل الصــراعات الداخليــة‪.565‬‬

‫ففي سنة ‪ 1991‬عقد نظام اإلنقاذ اتفاقا عرف بالناصر مع المتمـردين عليـه من القبائـل الرئيسـة المنافسـة‬

‫لقبيلـ ــة الـ ــدينكا‪ ،‬وهمـ ــا لاير مش ــار من النـ ــوير‪ ،‬والم اك ــول من الشـ ــلك‪ ،‬حيث وعـ ــدها النظـ ــام بحـ ــق تقريـ ــر‬

‫المصير للجنوبيين‪ ،‬لكنه تراجع عنه ولم يوافق على إقراره في مفاوضات أبوجا التي بدأت تحت رعاية‬

‫الرئيس النيجيري إبراهيم بابانجيدا في مايو ‪.1992‬‬

‫في ه ـ ـ ــذا الس ـ ـ ــياق‪ ،‬نجحت الحرك ـ ـ ــة الش ـ ـ ــعبية في إح ـ ـ ــداث تط ـ ـ ــور كيفي في طبيع ـ ـ ــة العالق ـ ـ ــات‬

‫األمريكيــة‪-‬الســودانية‪ ،‬حيث تحــولت واشــنطن إلى العب أساســي في التفــاعالت الشــمالية‪-‬الجنوبيــة على‬

‫صــعيد مفاوضــات الســالم‪ ،‬وعلى صــعيد التفــاعالت بين حكومــة اإلنقــاذ ومعارضــيها أيضــا‪ ،‬ففي أكتــوبر‬

‫‪ 1993‬عقــدت لجنــة إفريقيــا في الكــونغرس األمــريكي مــؤتمرا تحت عنــوان "الســودان الحــرب المنســية"‪،‬‬

‫وهــو المــؤتمر الــذي أســهم في إنهــاء االنشــقاقات على قرن‪ ،‬وتوحيــد القيــادة الجنوبيــة تحت زعامتــه‪ ،‬وقــد‬

‫بلــور هــذا المــؤتمر إعالن واشــنطن الــذي كــان أهم نقاطــه توســيع االعــتراف بحــق تقريــر المصــير ال في‬

‫منطقة جنوب السودان فقـط‪ ،‬بـل امتـدت إلى مـا سـمي بـاقي المنـاطق المهمشـة في جبـال النوبـة واألنقسـنا‪،‬‬

‫وهي ال ــتي نجح قــرن في ض ــمها إلى عب ــاءة الحرك ــة الش ــعبية‪ ،‬في وقت ك ــان يحظى في ــه ب ــدعم التجم ــع‬

‫الديمقراطي المعارض من التكوينات الحزبية الشمالية‪.‬‬

‫كـان من النتـائج المباشـرة لهـذا التطـور اسـتحداث آليـة إقليميـة برعايـة دوليـة إلنهـاء الحـرب بين‬

‫الش ــمال والجن ــوب‪ ،‬وق ــد ك ــانت "منظم ــة التنمي ــة ومكافح ــة التص ــحر في ش ــرق إفريقي ــا (إيغ ــاد)" هي اآللي ــة‬

‫العامل ـ ــة في ه ـ ــذا المج ـ ــال ح ـ ــتى منتص ـ ــف التس ـ ــعينيات على األس ـ ــس والمب ـ ــادئ نفس ـ ــها إلعالن واش ـ ــنطن‬

‫المرفوضة من جانب حكومة الرئيس البشير‪.566‬‬

‫‪ - 565‬أماني الطويل‪" ،‬الموقف األمريكي من السودان‪ :‬مسارات التفاعل وطبيعة المخططات"‪ ،‬في كتاب انفصال جنوب السودان المخاطر والفرص‪،‬‬
‫المركز العربي لألبحاث ودراسات السياسات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2012‬ص ص ‪.170-169‬‬
‫‪ - 566‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.174-173‬‬

‫‪303‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫في ظ ــل ه ــذه األوض ــاع الجدي ــدة مارس ــت الوالي ــات المتح ــدة األمريكي ــة ض ــغوطا على الحكوم ــة‬

‫الســودانية بهــدف تــدويل المســألة الســودانية طيلــة عقــد التســعينيات من القــرن الماضــي‪ ،‬ومــا فــتئت اإلدارة‬

‫األمريكية تصور السودان على أنه دولة عاصية‪ ،‬وهو ما استلزم تبـني سياسـة العـزل واالحتـواء ضــدها‪،‬‬

‫ففي عام ‪ 1993‬تم تصنيف السودان باعتباره دولة راعية لإلرهــاب‪ .‬وقــامت الواليــات المتحــدة باســتخدام‬

‫نفوذه ــا ل ــدى ال ــدول العربي ــة والمنظم ــات الدولي ــة لفتح مل ــف حق ــوق اإلنس ــان في الس ــودان‪ .‬وفي أكت ــوبر‬

‫‪ 1998‬فرضت الواليات المتحدة عقوبات اقتصادية وتجارية وماليــة على الســودان‪ .‬وقــد زادت العالقــات‬

‫بين البلدين تعقيدا في أعقاب الهجوم على السفارتين األمريكيتين في كل من نــيروبي ودار الســالم‪ ،‬حيث‬

‫قــامت واشــنطن بشــن هجــوم صــاروخي على مصــنع الشــفاء لألدويــة البيطريــة في الخرطــوم‪ .567‬غــير أن‬

‫هنــاك عــاملين جعال الواليــات المتحــدة تســعى إلى تحســين عالقاتهــا مــع الســودان بعــد ســنوات من التــوتر‪:‬‬

‫األول‪ ،‬انضـ ــمام السـ ــودان رسـ ــميا إلى الـ ــدول المصـ ــدرة للنفـ ــط ابتـ ــداء من سـ ــنة ‪ ،1999‬علمـ ــا أن الـ ــثروة‬

‫النفطية السودانية تقع في حقول كامنة في منطقة سد الجنوبية الخاضعة كليـا لسـيطرة الفصــائل الجنوبيـة‪،‬‬

‫حيث كمية النفط مقدرة بما بين ‪ 3‬مليارات و‪ 4‬مليارات برميل‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن استكشاف النفط السوداني بدأ منذ ستينيات القــرن الماضــي‪ ،‬وقــد تركــز‬

‫البحث واالستكشاف في البداية على المنطقة الساحلية في البحر األحمر‪ ،‬لكن جهــود البحث كــانت مخيبــة‬

‫لآلمــال في البدايــة إذ لم تســفر عن أي احتياطــات يعتــد بهــا‪ ،‬وكــان الكشــف الوحيــد المهم هــو العثــور على‬

‫الغ ــاز في منطق ــة س ــواكين في ع ــام ‪ 1976‬بواس ــطة ش ــركة ش ــيفرون األمريكي ــة‪ ،‬وبين ع ــامي ‪ 1980‬و‬

‫‪ 1982‬عثرت شركة شيفرون على النفط في عدة مناطق في جنوب السودان بالقرب من ملكال وبونتـو‪،‬‬

‫إال أن تفجــر الحــرب األهليــة مــرة أخــرى في الســودان عــام ‪ 1983‬أدى إلى انســحاب شــركة شــيفرون في‬

‫ع ــام ‪ ،1984‬ثم تبعته ــا ش ــركة توت ــال فين ــا أل ــف الفرنس ــية في الع ــام نفس ــه بع ــد أن ق ــام متم ــردو الحرك ــة‬

‫الشــعبية بــالهجوم على مواقــع االكتشــافات وقتــل عــدد من العــاملين األجــانب‪ ،‬غــير أن حكــام جبهــة اإلنقــاذ‬

‫‪ - 567‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬التدخل الدولي في السودان وأثره عربيا وإفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.262‬‬

‫‪304‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اس ــتطاعوا بين ع ــامي ‪ 1996 -1992‬اجت ــذاب ع ــدد من الش ــركات للقي ــام بتنمي ــة واس ــتخراج النف ــط من‬

‫الحقول المكتشفة سابقا‪ ،‬وكـان هـذا التحـالف المسـمى "مشـروع نفـط النيـل الكبـير" مقسـما بين شـركة النفـط‬

‫الوطنيــة الصــين (‪ ،)%40‬وشــركة بترونــاس الماليزيــة (‪ )%30‬وتنــاقلت عـدة شــركات كنديــة فيمــا بينهــا (‬

‫‪ )%25‬اسـ ــتقرت في يـ ــد شـ ــركة تاليسـ ــمان‪ ،‬بينمـ ــا احتفظت الشـ ــركة الحكوميـ ــة السـ ــودانية بنسـ ــبة (‪)%5‬‬

‫المتبقية‪ ،568‬علما أن الشركة الكندية انســحبت هي األخــرى تحت الضــغوط الــتي مارســتها عليهــا الواليــات‬

‫المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫وتبلــغ حصــة الشــركة الصــينية من النفــط نحــو ‪ 150‬ألــف برميــل يوميــا‪ ،‬ويغطي مشــروع النفــط‬

‫الصيني المشـترك مسـاحة تصـل إلى نحـو خمسـين ألـف ميـل مربـع في جنـوب السـودان‪ .‬ومن المتوقـع أن‬

‫يصـ ــل إنتاجـ ــه السـ ــنوي إلى نحـ ــو ‪ 15‬مليـ ــون طن من النفـ ــط الخـ ــام‪ ،‬كمـ ــا يبلـ ــغ االحتيـ ــاطي النفطي لهـ ــذا‬

‫المشروع نحو ‪ 220‬مليون طن‪ ،‬هو ما يجعله من أكبر المشاريع الصينية النفطية في الخارج‪.569‬‬

‫ونظــرا لكــون الحركــة الشــعبية لتحريــر الســودان لم تســتطع وقــف عمليــات اســتخراج النفــط الــتي‬

‫تمت في النص ــف الث ــاني من تس ــعينيات القــرن الماض ــي‪ ،‬ب ــالرغم من تهدي ــداتها ال ــتي أك ــدت فيه ــا على أن‬

‫أمــاكن اســتخراج النفــط من الجنــوب تعــد بالنســبة لهــا أهــدافا عســكرية مشــروعة‪ ،‬وبالفعــل نفــذت الحركــة‬

‫تهديداتها وسببت بعض الخسائر‪ ،‬إال أنه أمكن تالفيها وإ صالحها ولم يتوقف استخراج وتصدير النفط‪.‬‬

‫من هنا وجدت الحركة الشعبية أن تهديداتها لم تفعل ما كانت ترجو منه‪ ،‬وهـو وقـف اسـتخراج‬

‫النفــط وتصــديره‪ .‬وبــذلك رأت اإلدارة األمريكيــة أن مصــالحها ال بــد من تأمينهــا عــبر التوصــل إلى إبــرام‬

‫اتفاقية للسالم بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية‪.570‬‬

‫فوفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة في الواليات المتحدة‪ ،‬تبلـغ احتياطيـات النفـط المؤكـدة في‬

‫الســودان في ينــاير ‪ 2011‬نحــو ‪ 5‬مليــارات برميــل‪ ،‬ويبلــغ إنتاجهــا منــه ‪ 470‬ألــف برميــل يوميــا‪ ،‬وكــان‬

‫‪ - 568‬مجدي صبحي‪" ،‬النفط وإنهاء الحرب األهلية في السودان"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،150‬أكتوبر ‪ ،2002‬ص ‪.244‬‬
‫‪ - 569‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬التدخل الدولي في السودان وأثره عربيا وإفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.265‬‬
‫‪ - 570‬توفيق المديني‪ ،‬تاريخ الصراعات السياسية في السودان والصومال‪ ،‬منشورات الهيئة العامة الســورية للكتــاب‪ ،‬وزارة الثقافــة‪ ،‬دمشــق ‪،2012‬‬
‫ص ‪.75-74‬‬

‫‪305‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لظهوره أثر كبير في تغيير أوضاعها االقتصادية والسياسية واالجتماعية‪ .‬وارتفعت إســهاماته في مــوارد‬

‫ميزاني ــة الدول ــة بش ــكل ملح ــوظ من ــذ ع ــام ‪ ،2000‬أي بع ــد س ــنة واح ــدة من ب ــدء اإلنت ــاج والتص ــدير ع ــام‬

‫‪ ،1999‬وأص ــبح النف ــط ج ــزءا أساس ــيا في برن ــامج التنمي ــة االقتص ــادية في البالد في الس ــنوات (‪-2000‬‬

‫‪ ،)2010‬فعلى مســتوى الموازنــة الداخليــة‪ ،‬بلغت نســبة عوائــد النفــط ‪ %41,5‬من اإليــرادات العامــة لعــام‬

‫‪.5712010‬‬

‫أمــا العامــل الثــاني‪ :‬التعــاون األمــني بين الســلطات الســودانية والواليــات المتحــدة قبــل عــام من‬

‫أحــداث ســبتمبر ‪ ،2001‬حيث إن الســودان مثــل هــدفا اســتخباراتيا مهمــا لواشــنطن‪ ،‬نظــرا ألن أسـامة بن‬

‫الدن عاش فيه خالل الفترة ما بين ‪ .1996-1991‬وتفيد بعض المصــادر أن الســلطات الســودانية قــامت‬

‫بتســليم الفــرق األمنيــة األمريكيــة مجموعــة كبــيرة من الوثــائق والخرائــط عن أسامة بن الدن وعن تنظيم‬

‫"القاعدة" الذي أسسه في بداية التسعينيات‪.‬‬

‫لقد أدت أحداث الحادي عشر من سـبتمبر ‪ 2001‬بـدور مركـزي في إعـادة هيكلـة االسـتراتيجية‬

‫األمريكيـ ــة المرتبطـ ــة بـ ــاألمن القـ ــومي األمـ ــريكي‪ ،‬وقـ ــد تبلـ ــورت في ثالثـ ــة محـ ــددات‪ ،‬هي الحـ ــرب على‬

‫اإلره ــاب‪ ،‬وتط ــوير مس ــتوى االعتم ــاد األم ــريكي على النف ــط اإلف ــريقي‪ ،‬وإ عاق ــة تق ــدم الص ــين في إفريقي ــا‬

‫بشكل عام‪ ،‬وفي السودان على وجه أخص‪.572‬‬

‫لـ ــذلك تغـ ــيرت نظـ ــرة أمريكـ ــا إلى السـ ــودان‪ ،‬فواشـ ــنطن أصـ ــبحت تـ ــرى أن مصـ ــلحتها النفطيـ ــة‬

‫تقتض ــي منه ــا إيج ــاد تس ــوية للح ــرب المش ــتعلة في جن ــوب الس ــودان‪ ،‬إذ لم يكن مص ــادفة أن يقــول مس ــاعد‬

‫وزيــر الخارجيــة األمــريكي لشــؤون إفريقيــا والــتي كانســتايز قبــل أشــهر قليلــة من ســنة ‪ 2002‬إن "النفــط‬

‫اإلفــريقي هــو مصــلحة قوميــة اســتراتيجية لنــا وســيزداد أهميــة كلمــا مــر الــوقت"‪ .‬ولعلهــا لم تكن مصــادفة‬

‫أيضا أن يكتب دانفورث في تقريره إلى بـوش في مـاي ‪ 2002‬إن "شـركات النفـط العالميـة والمسـتثمرين‬

‫‪ - 571‬نجالء مرعي‪" ،‬أعراض االنفصال‪ :‬الصراع على النفط بين شمال وجنوب السودان"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 188‬أبريل ‪ ،2012‬ص ‪.120‬‬
‫‪ - 572‬أماني الطويل‪" ،‬الموقف األمريكي من السودان‪ :‬مسارات التفاعل وطبيعة المخططات"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.174‬‬

‫‪306‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األجانب القادرين على القيام بما هو مطلوب لتحقيق القدرات النفطيــة للســودان‪ ،‬هم أكــثر اســتعدادا للعمــل‬

‫في السودان إذا كان هناك سالم واستقرار سياسي من العمل في الظروف الراهنة"‪.‬‬

‫والحــال هــذه‪ ،‬بــدأت الشــركات النفطيــة األمريكيــة تضــغط على الــرئيس بوش قائلــة إنهــا ال تــرى‬

‫ســببا للبقــاء خــارج عمليــة االســتثمار في الــثروة النفطيــة الســودانية وتركهــا للصــين وماليزيــا وغيرهــا‪ .‬لــذا‬

‫اخت ــارت اإلدارة األمريكي ــة أن تكث ــف جهوده ــا في الس ــودان إليج ــاد تس ــوية‪ ،‬تحت مظل ــة مب ــادرة الهيئ ــة‬

‫الحكوميـة للتنميـة ومكافحـة الجفـاف والتصـحر في شـرق إفريقيـا والقـرن اإلفـريقي "إيغـاد"‪( ،‬تضـم كال من‬

‫إثيوبي ــا والس ــودان وإ رتيري ــا وأوغن ــدا وكيني ــا وجيب ــوتي) ال ــتي ك ــانت وض ــعت إعالن مب ــادئ للتس ــوية في‬

‫الســودان وافــق عليــه طرفــا الــنزاع ليتــوج كــل ذلــك بتوقيــع اتفاقيــة نيفاشا ســنة ‪ 2005‬بكينيــا بين طــرفي‬

‫الص ــراع‪ ،573‬لكن البن ــد األهم في ه ــذه المعاه ــدة ك ــان ح ــق جن ــوب الس ــودان في اس ــتفتاء لتقري ــر المص ــير‬

‫يجرى بعد فترة مؤقتة مدتها ست سنوات‪ ،‬أي في يناير ‪.5742011‬‬

‫أدت اتفاقيــة الســالم الشــامل المعروفــة باتفاقيــة نيفاشا‪ ،‬دورا حاكمــا في تغيــير األطــر الدســتورية‬

‫والقانونيــة للدولــة الســودانية‪ ،‬من حيث االعــتراف بــالتنوع الســوداني وإ دارتــه طبقــا لهــذه االتفاقيــة‪ ،‬وتغيــير‬

‫نم ــط الحكم لينط ــوي على حكم ديمق ــراطي‪ ،‬وفتح المج ــال أم ــام تغي ــير ح ــدود الدول ــة في اس ــتفتاء لتقري ــر‬

‫المصير للشعب السوداني في الجنوب عقد عام ‪.2011‬‬

‫تطلبت هــذه االتفاقيــة تغيــير الدســتور القــومي للبالد‪ ،‬واســتحداث حكومــة جنــوب الســودان خالل‬

‫الف ــترة االنتقالي ــة لتك ــون له ــا مطل ــق الس ــيادة على الوالي ــات الجنوبي ــة من حيث انس ــحاب الق ــوات المس ــلحة‬

‫السودانية واحتواؤها ترتيبات متعلقة باقتسام الثروة بين الشمال والجنوب‪.‬‬

‫تبقى أهم نتائج اتفاقية نيفاشا‪ ،‬ما أسسته من مناهج التجزئـة وترتيبـات اقتسـام الـثروة والسـلطة‪،‬‬

‫هي اندالع مطالبات جهوية وعرقية في شــرق الســودان وغربــه‪ ،‬حيث نصــت االتفاقيــة أن تحــوز الحركــة‬

‫‪ - 573‬توفيق المديني‪ ،‬تاريخ الصراعات السياسية في السودان والصومال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.74-73‬‬
‫‪ - 574‬جيرار برونييه‪" ،‬شمال السودان وجنوبه عشية االستفتاء"‪ ،‬في كتاب‪ :‬اوضــاع العــالم ‪ 50 2011‬فكــرة رئيســية للفهم نهاية العــالم االحــادي‪،‬‬
‫مؤسسة الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة االولى ‪2011‬م‪1432 -‬هـ‪ ،‬ص ‪.339‬‬

‫‪307‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الشعبية السلطة المطلقة في الجنوب‪ ،‬ثم ‪ %28‬من سلطات الحكم في الشمال‪ ،‬فيما يحوز حزب المــؤتمر‬

‫الوطني نسبة ‪ %52‬من السلطة في الشمال‪ ،‬وتوزع النسبة الباقية على باقي القوى في الشمال والجنوب‬

‫بنسبة ‪ ،%14‬و‪ %6‬على التوالي‪ ،‬وطبقا لهذا الترتيب وجدت األحزاب التاريخية السودانية نفســها ممثلــة‬

‫بنس ــب ال تتواف ــق م ــع آخ ــر انتخاب ــات ديمقراطي ــة ج ــرت في الس ــودان‪ ،‬كم ــا ب ــدت من ــاطق ش ــرق الس ــودان‬

‫وغربه غير حائزة ألي مكاسب من هذه االتفاقية‪ ،‬وقد همشت بالكامل‪.575‬‬

‫غير أن توقيع اتفاقية نيفاشا لم يجلب الســالم للســودان‪ ،‬ألن المنــاخ السياســي العــام في الســودان‬

‫واجه صعوبات عديدة لتحقيق سالم حقيقي‪ ،‬ال سيما بعد تفجر أزمة دارفور‪ ،‬التي جرى تــدويلها بســرعة‬

‫فائقة‪ ،‬ووصلت إلى مجلس األمن وصدر فيها أكثر من قرار دولي لضــغط على الحكومــة الســودانية من‬

‫ال ــدول الغربي ــة‪ ،‬وذل ــك ش ــيء ط ــبيعي فللوالي ــات المتح ــدة واالتح ــاد األوروبي أطم ــاع له ــا عالق ــة بم ــوارد‬

‫الســودان عامــة ومــوارد إقليم دارفــور خاصــة‪ ،‬أمــا الواليــات المتحــدة فتطمــع في وضــع يــدها على النفــط‬

‫الســوداني وإ قصــاء الصــين الــتي تحصــل على كميــات كبــيرة منــه‪ ،‬أمــا االتحــاد األوروبي ممثال في ألمانيــا‬

‫فق ــد دلت دراس ــات جامع ــة ب ــرلين االستكش ــافية في ش ــمال غ ــرب دارف ــور على وج ــود كمي ــات كب ــيرة من‬

‫البترول عالي الجودة في ‪ 13‬موقعا‪ ،‬إضافة إلى وجود اليورانيوم والنحاس والحديــد الــذي يصــل تركــيزه‬

‫في الصخر إلى نسبة ‪ ،%80‬وتشير دراسات أخرى إلى أن السودان غني بالمعادن‪ ،‬وعلى رأسها النفــط‬

‫عالي الجودة في شماله ووسطه وغربه‪.576‬‬

‫لقـ ــد كـ ــان لعامـ ــل النفـ ــط دور مهم في التوصـ ــل إلى اتفاقيـ ــة نيفاش ــا‪ ،‬فهـ ــو الـ ــذي دفـ ــع اإلدارة‬

‫األمريكية ألن تسـهم في اتفاقيـة مشـاكوس ومشـاركة الواليـات المتحـدة سـببها السـعي الكتشـاف احتياطـات‬

‫نفطيــة جديــدة وبعيــدة عن نفــط منطقــة الخليج العــربي‪ ،‬حــتى تخفــف عن نفســها تبعيــة االعتمــاد على هــذه‬

‫المنطقة الساخنة سياسـيا‪ ،‬في الـوقت الـذي تتزايـد فيـه الحاجـة إلى كميـات أكـبر من النفـط‪ ،‬وكـذلك الحاجـة‬

‫إلى تأمين المصالح المباشرة للشركات األمريكية وال سيما القريبة ذات الصلة الوثيقـة بــاإلدارة‪ ،‬علمــا أن‬
‫‪ - 575‬أماني الطويل‪" ،‬الموقف األمريكي من السودان‪ :‬مسارات التفاعل وطبيعة المخططات"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.179‬‬
‫‪ - 576‬البشرى محمد أحمد‪" ،‬الصراع على الموارد‪ :‬أبعاده العالمية واإلقليمية"‪ ،‬دراسات إفريقية‪ ،‬العدد الرابع والثالثون‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2005‬ص ‪.32‬‬

‫‪308‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫هذه الشركات هي أول من اكتشف النفط بكميات كبيرة التي اعتمد عليها السودان لسد حاجياته وتصــدير‬

‫الفائض منها هذا أوال‪ ،‬أما ثانيا‪ :‬فهو وجود الشركات الصينية التي تسد حاجة الصــين من النفــط في ظــل‬

‫تزايد عملية النمو المستمر في اقتصادها وصناعاتها‪.‬‬

‫باإلضــافة إلى التــدخل األمــريكي فقـد عملت إســرائيل على توثيــق عالقاتهــا السياســية والعســكرية‬

‫بحركة التمرد في الجنوب السوداني بقيادة جون قرن قبل وفاته؛ حيث أظهرت إحدى الدراسات المهمة‪،‬‬

‫الـ ــتي أعـ ــدها "إليع ــايزر أدلش ــتان"‪ ،‬أسـ ــتاذ العلـ ــوم السياسـ ــية في جامعـ ــة "بـ ــار إيالن"؛ بعنـ ــوان‪" :‬األسـ ــلحة‬

‫اإلسرائيلية تغذي صراعات العالم"‪ ،‬أن العقيد شاؤول دهان‪ ،‬سـكرتير عـام وزارة الـدفاع اإلسـرائيلي‪ ،‬قــد‬

‫اتفـ ــق في أكتـ ــوبر ‪ ،2001‬على بيـ ــع أسـ ــلحة إسـ ــرائيلية متطـ ــورة لقـ ــوات الحركـ ــة‪ ،‬وذلـ ــك مقابـ ــل السـ ــماح‬

‫لشركتي "مدبار" و"نيفيه"‪ ،‬وهما من الشركات المشتركة بين الصين وإ سـرائيل‪ ،‬بـالتنقيب عن البـترول في‬

‫مناطق "الروك" و"بيبور" و"أكوبو"‪ ،‬وهي من أفضل مناطق إنتاج البترول في السوان‪.577‬‬

‫وذلــك تطبيقــا الســتراتيجية بن غوريون‪ ،‬الــتي تقــوم على خلــق األزمــات داخــل الــدول العربيــة‬

‫لتحجيم عناصر القوة لدى العـرب‪ ،‬ودفــع الجماعـات اإلثنيـة الموجـودة على التخـوم العربيـة إلى االنسـالخ‬

‫واالنفص ــال وإ قام ــة كيان ــاتهم اإلثني ــة المس ــتقلة والتعام ــل أيض ــا م ــع األقلي ــات بأنواعه ــا كاف ــة داخ ــل البالد‬

‫العربية‪ ،‬وحقق تطبيق هذه السياسة اإلسرائيلية نجاحا كامال في الحالة السودانية‪ ،‬بفصل جنوب الســودان‬

‫ووالدة دولتــه الجديــدة في يوليــوز ‪ ،2011‬فضــال عن وجــود إمكانــات جديــة لمزيــد من التشــرذم للدولــة‬

‫السودانية بوجود معضلتي دارفور وشـرق السـودان‪ ،‬ولقـد اسـتفادت إسـرائيل في تطـبيق هـذه السياسـة في‬

‫الســودان من الــدور الــذي قدمتــه دول الجــوار الجغــرافي للســودان من تســهيل هــذه المهمــة‪ .‬فتشــاد وإ ثيوبيــا‬

‫وكينيا وأوغندا‪ ،‬وجمهورية الكونغو الديمقراطية‪ ،‬سمحت إلسرائيل بإقامة مراكــز عســكرية في أراضــيها‬

‫لتـ ــدريب مقـ ــاتلي حركـ ــة أنياني ــا االنفصـ ــالية في السـ ــودان‪ .578‬غـ ــير أنـ ــه من الضـ ــروري التأكيـ ــد هنـ ــا أن‬

‫‪ - 577‬حسين حمودة مصطفى‪ ،‬إسرائيل في إفريقيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.211‬‬


‫‪ - 578‬حمدي عبد الرحمان‪" ،‬دور التدخالت الخارجية في أزمة السودان"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 183‬يناير ‪ ،2011‬ص ‪.165‬‬

‫‪309‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المخططــات اإلســرائيلية بصــفة خاصــة والغربيــة بصــفة عامــة‪ ،‬لم تكن لتنجح لــوال فشــل نخب االســتقالل‬

‫الوطني في السودان في مواجهة التحديات الداخلية‪.579‬‬

‫لــذلك ال يمكن إرجــاع انفصــال الســودان بشــكل كلي للعوامــل الخارجيــة‪ ،‬بــل إن العامــل الــداخلي‬

‫هو الذي هيأ الظروف المناسبة لتدخل القوى الخارجية‪ ،‬ففشل النخب السياسية التي حكمت الســودان منــذ‬

‫االس ــتقالل‪ ،‬في بن ــاء هياك ــل للحكم تعكس الطبيع ــة الحقيقي ــة للثقاف ــات الس ــائدة في ال ــذاكرة الجمعي ــة أله ــل‬

‫الس ــودان‪ ،‬واالختالف ــات بين ش ــمال الس ــودان وجنوب ــه‪ ،‬وإ دارة التن ــوع الق ــائم في المجتم ــع الس ــوداني‪ ،‬هم ــا‬

‫اللــذان أديــا إلى القتــل والمعانــاة اإلنســانية‪ ،‬وعمقــا الكراهيــة وفرقــا بين المواطــنين‪ ،‬وأجــبرا الماليين منهم‬

‫على الهجرة والنزوح‪ ،‬محرومين من سبل العيش الكريم والكرامة اإلنسانية واألمل‪.580‬‬

‫إن وض ــع جن ــوب الس ــودان على المس ــتوى السياس ــي على ال ــرغم من اس ــتقالله‪ ،‬م ــا زال يتم ــيز‬

‫بـالغموض وااللتبـاس؛ فعلى الـرغم من التأييـد الـذي تعلنـه الـدول الغربيـة لـه‪ ،‬إال أن األمـر بعيـد كـل البعـد‬

‫عن اآلمــال الــتي عقــدت على نهايــة الحــرب مــع الخرطــوم‪ ،‬فواقــع األمــر يشــير إلى تفشــي الفســاد وتزايــد‬

‫العنف ضد المدنيين نتيجة الصراع المستمر على السلطة في الجنوب‪ ،‬ففي يوليوز من سنة ‪ 2013‬أقــال‬

‫الرئيس سلفا كير نائبه رياك ماشار‪ ،‬مما نتج عنه انفجار الوضع في ديسمبر عقب محاولة انقالبيــة زعم‬

‫أن ماشـار مــدبرها‪ .581‬كمــا أن حصــول جنــوب الســودان على االســتقالل‪ ،‬أفــرز توازنــات إقليميــة جديــدة‪،‬‬

‫يمكن تفسيرها باعتبارات اقتصادية أكثر منها عسكرية‪ ،‬فضخامة التعهــدات الدوليــة إزاء الدولــة الجديــدة‪،‬‬

‫يحفــز اهتمــام أوســاط األعمــال في المنطقــة‪ .‬فكينيــا‪ ،‬وبدرجــة أقــل أوغنــدا‪ ،‬تــؤدي دورا مرموقــا في بعض‬

‫القطاعات االقتصادية في جنوب السودان‪ ،‬وال سيما في مجال المال والخدمات‪ ،‬وثمة مجموعـات أعمـال‬

‫أقل عددا تنحدر من إثيوبيا وإ ريتريا والصومال‪ ،‬استقرت هي أيضا في هذا البلد‪ ،‬حيث يحاول كــل منهــا‬
‫‪ - 579‬أماني الطويل‪" ،‬إسرائيل والقرن اإلفريقي محددات العالقة وآليات التطبيق"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.330-329‬‬
‫‪ - 580‬عدالن الحردلو‪" ،‬تأثير قيام دولة السودان في التوازن االستراتيجي في القرن اإلفــريقي"‪ ،‬في كتــاب‪ :‬العــرب والقــرن األفــريقي جدليــة الجــوار‬
‫واالنتماء‪ ،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الدوحة‪ ،‬الطبعة االولى أكتوبر ‪ ،2013‬ص ‪.493‬‬
‫‪ -‬دكتور زكى البحيري‪ ،‬مشكلة جنوب السودان بين التراث التــاريخي والتطــورات السياسـية ‪ ،2011-1955‬مركـز المعـرف للدراسـات والبحـوث‬
‫بالخرطوم والنهضة المصرية بالقاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2010‬ص ‪.117‬‬
‫‪ - 581‬يابر فان دير لين زينيا أفيزور‪" ،‬عمليات السالم في إفريقيا"‪ ،‬في كتاب‪ :‬التسلح ونزع السالح واألمن الدولي الكتاب السنوي ‪( ،2014‬ترجمة‬
‫عمر سعيد األيوبي‪ ،‬أمين سعيد األيوبي)‪ ،‬معهد دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهــد ســتوكهولم ألبحــاث الســالم الــدولي‪ ،‬الطبعــة األولى‪ ،‬بــيروت‪ ،‬كــانو‬
‫الثاني‪ /‬يناير ‪ ، 2015‬ص ص ‪.189-188‬‬

‫‪310‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الوص ــول إلى الم ــداخل المتول ــدة عن توزي ــع الري ــع النفطي‪ ،‬علم ــا أن االكتش ــافات النفطي ــة ال ــتي تمت في‬

‫جنوب السودان هي اكتشافات ضــخمة (مـا يقـرب من ‪ 350‬ألـف برميـل يوميـا)‪ ،‬ويمكن أن تكـون أضــخم‬

‫من ذلك‪ ،‬عندما يصبح التنقيب ممكنا في المناطق التي ال يزال األمن فيها هشا‪.582‬‬

‫من المعلوم أن إقليم جنوب السودان يشكل من الناحية الجغرافية منطقة حبيسة ليست لها منافــذ‬

‫بحرية‪ ،‬ومن تم فإنه يعتمد في الولوج إلى العالم الخارجي على ميناء بورتسودان‪ ،‬وعليـه ال يصــبح أمـام‬

‫الجنوبــيين من خيــار في حالــة العــداء أو القطيعــة مــع الشــمال‪ ،‬ســوى التوجــه لتصــبح جــزءا من منظومــة‬

‫تجمع شرق إفريقيــا عـبر البوابــة الكينيــة‪ ،‬ويمكن أن نــذكر في هــذا الســياق ثالثـة مشــروعات مهمــة‪ :‬أولها‬

‫بناء ميناء كيني جديد على ساحل المحيط الهندي عند مدينـة المـو (‪ ،)lamu‬وذلـك لتخفيـف الضـغط على‬

‫ميناء مومباسا‪ ،‬وبالفعل توجد مفاوضات بين المسئولين الكيــنين والســودانيين الجنوبــيين لبنــاء خــط أنــابيب‬

‫بطــول ‪ 1400‬كلم‪ ،‬يربــط بين جوبــا والمــو‪ .‬ولعــل ذلــك الخــط يكــون بــديال من الخــط الحــالي الــذي يصــدر‬

‫نفط الجنوب إلى الخــارج‪ .‬أمــا المشــروع الثاني فيتمثــل في ربــط جنــوب الســودان بشــبكة خــط ســكك حديــد‬

‫شـ ــرق إفريقيـ ــا‪ ،‬وأخـ ــيرا تطـ ــوير منظومـ ــة طـ ــرق شـ ــرق إفريقيـ ــا‪ ،‬من أجـ ــل ربـ ــط جوبـ ــا بمينـ ــاء مومباسـ ــا‬

‫الكيني‪.583‬‬

‫وعلى ال ــرغم من اس ــتقالل دول ــة جن ــوب الس ــودان‪ ،‬فال ت ــزال هن ــاك العدي ــد من القض ــايا مح ــل‬

‫خالف مع الشمال قد تؤدي إلى حرب أهلية ثالثـة‪ ،‬أبرزهـا قضـية النفـط خصوصـا بعـد فشـل الجـانبين في‬

‫التوصـل التفـاق بشـأن تصـدير النفـط الجنـوبي عـبر المـوانئ الشـمالية‪ ،‬وترسـيم الحـدود‪ ،‬والنزاعـات بشـأن‬

‫تبعي ــة منطق ــة أبي الغني ــة بالنف ــط‪ ،‬ال ــتي أص ــبحت ذات وزن اس ــتراتيجي تتص ــارع عليه ــا الق ــوى الدولي ــة‪،‬‬

‫وتشكل أحد المحاور المهمة في قضية الحرب والسالم‪.584‬‬

‫‪ - 582‬روالند مارشال‪" ،‬خصومات ونزاعات في القرن اإلفريقي"‪ ،‬في كتاب أوضــاع العــالم ‪ 2014‬جبــابرة األمس والغــد‪( ،‬ترجمــة نصــير مــروة)‪،‬‬
‫مؤسسة الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪2014‬م‪1435 /‬هـ‪ ،‬ص ص ‪.278-272‬‬
‫‪ - 583‬حمدي عبد الرحمان‪" ،‬انفصال جنوب السودان وتداعيته المحلية واإلفريقية"‪ ،‬في كتاب‪ :‬انفصال جنوب الســودان المخــاطر والفــرص‪ ،‬المركز‬
‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الدوحة‪ ،‬الطبعة االولى يوليو ‪ ،2012‬ص ص ‪.309-308‬‬
‫‪ - 584‬نجالء مرعي‪" ،‬أعراض االنفصال‪ :‬الصراع على النفط بين شمال وجنوب السودان"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬

‫‪311‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إن انفصــال جنــوب الســودان‪ ،‬ومــا حظي بــه من دعم أمــريكي وغــربي واضــح‪ ،‬جــاء في ســياق‬

‫الجه ــود الغربي ــة الدؤوب ــة ‪-‬خاص ــة األمريكي ــة منه ــا‪ -‬إلع ــادة ص ــياغة المنطق ــتين العربي ــة واإلفريقي ــة فك ــا‬

‫وتركيبا بمـا يخـدم مصـالحها وأهـدافها العليـا‪ ،‬وبـذلك سـوف يصـبح جنـوب السـودان المسـتقل الغـني بالنفـط‬

‫جزءا من تلك الصياغة الجيوستراتيجية للمنطقة‪ ،‬وربما يجري التفكير في إقامة تحالف كونفدرالي يضم‬

‫جنوب السودان وأوغندا وكينيا وإ ثيوبيا‪ ،‬إضافة إلى توطيد تحالفات هذه الدول اإلفريقيـة بإسـرائيل‪ ،‬وهـو‬

‫ما سيشكل تهديدا لألمن القومي العربي بصفة عامة واألمن المصري بصفة خاصة‪.585‬‬

‫فالتداخل الجغرافي والديمغرافي الكبير بين السودان وجيرانــه التســعة‪ ،‬والجــوار الجديــد الطويــل‬

‫بين دولــتي الشــمال والجنــوب‪ ،‬يجعــل من المســتحيل الحــد من التــأثيرات المتبادلــة‪ ،‬والعــابرة للحــدود‪ ،‬لهــذا‬

‫فانفصــال جنــوب الســودان ال يتوقــع لــه أن تقتصــر تحدياتــه على الشــمال والجنــوب وحــدهما‪ ،‬بــل ســتتعدى‬

‫آثارهم ــا إلى الج ــوار المباش ــر‪ ،‬وس ــتتمدد إلى ال ــوطن الع ــربي وإ فريقي ــا كله ــا بك ــل م ــا تمث ــل من تعقي ــدات‬

‫وتنوعــات وأزمــات‪ .‬ومن شــأن صــراع جديــد في الســودان أن ينتقــل إلى الــدول المجــاورة‪ ،‬الــتي فيهــا مــا‬

‫يكفيها من التحديات‪ .‬إن مخاطر تقسيم دولة السودان ستكون كبيرة على القارة اإلفريقية‪ ،‬فهـذه القـارة مـا‬

‫زالت تعيش حالة واسعة من التفكك في مجتمعاتها‪ ،‬وتعاني دولها ضعف المشــروعية‪ ،‬وضــعف القـدرات‬

‫على الحف ــاظ على تماس ــك مجتمعاته ــا واس ــتقرارها‪ ،‬وم ــا حال ــة دول ــة م ــالي إال نتيج ــة له ــذا الض ــعف على‬

‫الرغم من الدور المهم للعامل الخارجي فيها‪ .‬أما على الجانب العربي واإلسالمي يبدو واضحا أن تقسيم‬

‫الس ــودان س ــيكون الس ــابقة ال ــتي ينتظره ــا كث ــير من االنفص ــالين في ال ــدول العربي ــة واإلس ــالمية؛ إذ قط ــع‬

‫مخطـ ــط تقسـ ــيم وتفكيـ ــك كثـ ــير من الـ ــدول والمجتمعـ ــات شـ ــوطا كبـ ــيرا بالفعـ ــل‪ .586‬وفي مقـ ــدمتها العـ ــراق‬

‫وسوريا‪ ،‬والتلميحات التي بدأت تظهر لتأسيس دولة لألكراد بين هاتين الدولتين‪.587‬‬

‫‪ - 585‬حمدي عبد الرحمان‪" ،‬انفصال جنوب السودان وتداعيته المحلية واإلفريقية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.317‬‬
‫‪ - 586‬الصادق الفقيه‪" ،‬انفصال الجنوب‪ :‬تحديات داخلية وتداعيات خارجية"‪ ،‬في كتاب‪ :‬انفصال جنوب السودان المخاطر والفرص‪ ،‬المركز العربي‬
‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الدوحة‪ ،‬الطبعة االولى يوليو ‪ ،2012‬ص ‪.380‬‬
‫‪ - 587‬للتوسع في هذه النقطة راجع‪:‬‬
‫‪ -‬نيروز ساتيك‪" ،‬هل يمكن تقسيم دول المشرق العربي"‪ ،‬سياسات عربية‪ ،‬العدد ‪ 15‬تموز‪/‬يوليو ‪ ،2015‬ص ص ‪.60-47‬‬
‫‪ -‬رضا محمد هالل‪ ،‬األكراد بين االنفصال والفيدرالية‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪25/08/2016‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.siyassa.org.eg‬‬

‫‪312‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المبحث الثــاني‪ :‬الــثروات المعدنيــة والفالحيــة اإلفريقيــة والتنــافس الــدولي‪ :‬التطــور‬


‫المتوازي‬
‫تعــد القــارة اإلفريقيــة من أقــدم القــارات الــتي تزخــر بمــوارد طبيعيــة هائلــة‪ ،‬إذ تعتــبر من أغــنى‬

‫القارات‪ ،‬فهي ثـاني أكـبر قـارة في العـالم من حيث المسـاحة والسـكان –طبعـا بعـد آسـيا‪ -‬كمـا أنهـا تمتلـك‬

‫مخزونــا هــائال من الــثروات المعدنيــة‪ ،‬حيث تحــوز ثلث احتيــاطي الــثروات المعدنيــة‪ ،‬هــذا من جهــة‪ ،‬ومن‬

‫جه ــة أخ ــرى ف ــإن الق ــارة تعت ــبر "س ــلة غ ــذاء الع ــالم" ويطل ــق عليه ــا ه ــذا االس ــم‪ ،‬لكونه ــا تمتل ــك ‪ %60‬من‬

‫األراضي الصالحة للزراعة وغير المسـتغلة بعـد في العـالم وفقـا لتقريـر البنـك اإلفـريقي للتنميـة‪ ،‬وأن ‪80‬‬

‫هكتار من هذه األراضي يوجد في جمهورية الكونغو الديمقراطيـة وحـدها يكفي إلطعـام ‪ 2‬مليـار شـخص‬

‫في العــالم ‪ ،‬أي أكــثر من ســكان إفريقيــا وأوروبــا وأوقيانوســيا مجتمعــتين‪ .‬غــير أنــه على الــرغم من كــون‬

‫القارة اإلفريقية تحتوي كل هذه الثروات بداخلها إال أنهـا في الـوقت نفسـه يقـترن اسـمها بـالفقر والتخلـف‪،‬‬

‫وذلــك نتيجــة لعــدم اســتغاللها األمثــل لهــذه الــثروات‪ ،‬واكتفائهــا بتصــديرها كمــواد أوليــة للخــارج لتصــنيعها‬

‫وإ عادة تصديرها للقارة بأثمان مرتفعة (المطلب األول)‪.‬‬

‫وله ـ ــذا ف ـ ــإذا ك ـ ــان الص ـ ــراع الكالس ـ ــيكي على م ـ ــوارد إفريقي ـ ــا دار بين الق ـ ــوى االس ـ ــتعمارية في‬

‫القرنــيين األخــيرين‪ ،‬فــإن هنــاك تنافســا جديــدا بين قــوى بــاتت تتطلــع للحصــول على نصــيبها من الــثروات‬

‫الطبيعــة اإلفريقيــة لتــأمين تطورهــا االقتصــادي‪ ،‬خصوصــا القــوى األســيوية باإلضــافة إلى القــوى الغربيــة‬

‫كالواليات المتحدة األمريكية وفرنسا (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المطلب األول‪ :‬تخصص الدول اإلفريقية في إنتاج المواد األولية‬

‫يخطئ من يتص ـ ــور أن إفريقي ـ ــا ق ـ ــارة فق ـ ــيرة‪ ،‬فاألرق ـ ــام تؤك ـ ــد أنه ـ ــا ش ـ ــديدة ال ـ ــثراء بموارده ـ ــا‬

‫المتنوعـ ـ ــة‪ ،‬فهي تزخـ ـ ــر بثرواتهـ ـ ــا المعدنيـ ـ ــة ذات القيمـ ـ ــة العاليـ ـ ــة الصـ ـ ــالحة لصـ ـ ــناعة أحـ ـ ــدث الوسـ ـ ــائل‬

‫التكنولوجية‪ .‬ورغم االسـتنزاف الـتي تعرضــت لـه الـثروات المعدنيـة اإلفريقيـة خالل الفـترة االسـتعمارية‪،‬‬

‫فهي ما زالت تتوفر على أهم االحتياطات العالمية للعديد من المعادن‪ ،‬كمــا أنهــا تحتــل موقعــا متقــدما في‬

‫اإلنت ــاج الع ــالمي للعدي ــد منه ــا‪ ،‬ومن المتوق ــع أن يتزاي ــد اإلنت ــاج االف ــريقي من ه ــذه المع ــادن نتيج ــة توج ــه‬

‫الشركات العالمية نحوها لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الثروات المعدنية‪ ،‬واستعمال أحدت التقنيات‬

‫التكنولوجيــة في ذلــك (الفقــرة األولى)‪ ،‬باإلضــافة إلى كــون الزراعــة تمثــل أهميــة بالغــة بالقــارة اإلفريقيــة‪،‬‬

‫حيث يش ــكل ه ــذا القط ــاع مص ــدرا مهم ــا يمكن ــه اإلس ــهام في تحقي ــق التنمي ــة به ــذه الق ــارة‪ ،‬على ال ــرغم من‬

‫التحديات والمشاكل التي ما زالت تواجه الزراعة بإفريقيا (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تطور اإلنتاج اإلفريقي من الثروات المعدنية‬

‫لقد باتت القارة اإلفريقية تمتلك احتياطات مهمة من الثروات المنجمية في العالم‪ ،‬فهي تســتحوذ‬

‫على ‪ %97‬من احتياط ــات النح ــاس‪ ،‬و‪ %80‬من الكولت ــان (‪ )Coltan‬و‪ %60‬من الم ــاس ‪ ،‬و‪ %57‬من‬

‫ال ـ ــذهب‪ ،‬و‪ %50‬من الكوب ـ ــالت‪ ،‬و‪ %49‬من البالتين‪ ،‬و‪ %41‬من الفان ـ ــديوم‪ ،‬و‪ %32‬من المنغن ـ ــيز‪ ،‬و‬

‫الذي تحتل كل من دولة النيجر وإ فريقيا الوســطى‬ ‫‪588‬‬


‫‪ %20‬من الحديد و‪ %23‬من الفوسفاط واليورانيوم‬

‫وناميبيا‪ ،‬صدارة قائمة الدول المنتجة لهذه المادة‪.‬‬

‫وحس ــب المعه ــد الجيول ــوجي األم ــريكي‪ ،‬فالق ــارة اإلفريقي ــة تعت ــبر ث ــاني مت ــوفر على احتياط ــات‬

‫البوكســيت والكوبــالت والمــاس والمنغنــيز والفوســفاط والبالتين‪ ،‬والصــودا‪ .589‬وبصــفة عامــة‪ ،‬فهي تتــوفر‬
‫‪588‬‬
‫‪- Abdelhak BASSOU, Ressources naturelles et réalités géopolitique de l’Afrique, OCP POLICY‬‬
‫‪CENTER, Policy Brief, Mai 2017, p1. http://www.ocppc.ma/sites/default/files/OCPPC-PB1719.pdf , consulté le‬‬
‫‪01/12/2017).‬‬
‫‪589‬‬
‫‪- KPMG, Mining in Africa towards 2020, p2, viewed 30/04/2015 at:‬‬
‫‪https://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/Articles-Publications/Documents/Mining%20in%20Africa‬‬
‫‪%20towards%202020.pdf.‬‬

‫‪314‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫على ‪ %30‬من االحتياطات العالميــة من المــوارد المعدنيــة‪ ،590‬فـ ‪ 60‬نوعـا من المعــادن تشــكل مــا ينــاهز‬

‫‪ %20‬من االنشــطة االقتص ــادية بهــا‪ ،‬وكــذلك ‪ %10‬من ص ــادراتها‪ .‬وتــتركز حــوالي ‪ %80‬من المعــادن‬

‫النفيسة بخمس دول إفريقية؛ البالتين يتواجد بجنـوب إفريقيـا‪ ،‬والمـاس بوتسـوانا‪ ،‬والـذهب بغانـا‪ ،‬وبوركنـا‬

‫فاسو‪ ،‬وتنزانيا‪.591‬‬

‫ولقــد شــكل إنتــاج إفريقيــا من الــثروات المعدنيــة لســنة ‪ 2010‬نســبا مهمــة من اإلنتــاج العــالمي‬

‫ألهم المعــادن النفيســة‪ %62 ،‬من الكوبــالت‪ %54 ،‬من المــاس‪ %42 ،‬من الكــروم‪ %30 ،‬من المنغنــيز‪،‬‬

‫‪ %26‬من الفوســفاط‪ ،‬و‪ %19‬من الــذهب واليورانيــوم‪ ،592‬ومن المتوقــع أن ترتفــع هــذه النســب مســتقبال‪،‬‬

‫في ظل تزايد توجه الشركات العالمية العاملة في هذا المجال نحــو القــارة اإلفريقيــة للبحث عن الــثروات‬

‫المعدنية‪.‬‬

‫في سنة ‪ 2008‬تضاعفت نفقـات اسـتخراج المعـادن بخمس مـرات في العـالم مقارنـة بسـنة ‪،2000‬‬

‫إذ ارتفعت من ‪ 2,6‬مليــار دوالر إلى ‪ 13,8‬مليــار دوالر‪ .‬بلغت فيهــا حصــة إفريقيــا ‪ %12‬ســنة ‪2000‬‬

‫أي ح ــوالي ‪ 300‬ملي ــون دوالر‪ ،‬ل ــترتفع ه ــذه الحص ــة إلى نس ــبة ‪ %15‬س ــنة ‪ ،2008‬وذل ــك بقيم ــة مالي ــة‬

‫قدرها ملياران و‪ 50‬مليون دوالر‪ .‬إال أنها عرفت تبـاطؤا سـنة ‪ 2009‬نتيجـة األزمـة الماليـة العالميـة‪.593‬‬

‫فخالل هـ ـ ــذه السـ ـ ــنة احتلت إفريقيـ ـ ــا المرتبـ ـ ــة الرابعـ ـ ــة من حيث االسـ ـ ــتثمارات المخصصـ ـ ــة للصـ ـ ــناعات‬

‫االستخراجية بعد كل من أمريكا الالتينية وأمريكا الشمالية واألوقيانوس بقيمة ‪ 68‬مليار دوالر‪ ،‬وهو مــا‬

‫يشـكل نسـبة ‪ %14,6‬من مجمـوع االسـتثمارات المخصصــة لهـذه الصــناعات على المسـتوى الـدولي (كمـا‬

‫‪590‬‬
‫‪- Bruno HELLENDORFF, L’initiative « matières premières » de l’Union européenne : quel impact sur les‬‬
‫‪relations avec l’Afrique?, Note d’Analyse, Groupe de recherche et d’Information sur la Paix et la Sécurité‬‬
‫‪(GRIP), 30 Octobre 2013, p5.‬‬
‫‪591‬‬
‫‪- KPMG, Mining in Africa towards 2020, op, cit, p 3.‬‬
‫‪592‬‬
‫‪- African Development Bank Group, catalyzing growth and development through effective natural‬‬
‫‪resources‬‬ ‫‪management,‬‬ ‫‪African‬‬ ‫‪Natural‬‬ ‫‪Resources‬‬ ‫‪Center,‬‬ ‫‪Abidjan‬‬ ‫‪2016,‬‬ ‫‪p6.‬‬
‫‪https://www.afdb.org/fileadmin/uploads/afdb/Documents/Publications/anrc/AfDB_ANRC_BROCHURE_en.pd ,‬‬
‫‪(accessed on 01/12/2017).‬‬
‫‪593‬‬
‫‪- Commission économique pour l’Afrique, Union Africaine, les ressources minérales et le développement‬‬
‫‪de l’Afrique rapport Groupe d’études international sur les régimes miniers de l’Afrique, Addis-Ababa,‬‬
‫‪Novembre 2011, p 33.‬‬

‫‪315‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫يوض ــحها الج ــدول أس ــفله)‪ .‬وق ــد خصص ــت إفريقي ــا نس ــبة ‪ % 15‬من مجم ــوع ميزانيته ــا خالل الس ــنة‬

‫نفسها للتنقيب عن المعادن (ما عدا اليورانيوم)‪ ،‬أكثر من استراليا الــتي خصصــت ‪ ،%13‬وأقــل من كنــدا‬

‫التي خصصت ‪.594 %16‬‬

‫االستثمار في الصناعات االستخراجية حسب المناطق سنة ‪( 2009‬بالمليار دوالر)‬ ‫الجدول رقم ‪:12‬‬

‫النسبة المئوية من مجموع‬


‫االستثمارات العالمية المخصصة‬ ‫االستثمارات بالمليار دوالر‬ ‫المنطقة‬
‫للصناعات االستخراجية‬
‫‪14,6%‬‬ ‫‪68‬‬ ‫إفريقيا‬
‫‪13,9%‬‬ ‫‪65‬‬ ‫آسيا‬
‫‪10,8%‬‬ ‫‪50‬‬ ‫اوروبا‬
‫‪28,8%‬‬ ‫‪134‬‬ ‫أمريكا الالتينية‬
‫‪16,6%‬‬ ‫‪77‬‬ ‫أمريكا الشمالية‬
‫‪15,3%‬‬ ‫‪71‬‬ ‫األوقيانوس‬
‫‪100%‬‬ ‫‪465‬‬ ‫المجموع‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Commission économique pour l’Afrique, Union Africaine, les ressources‬‬
‫‪minérales et le développement de l’Afrique rapport Groupe d’études‬‬
‫‪international sur les régimes miniers de l’Afrique, op,cit, p 36.‬‬
‫إن المــوارد الطبيعيــة اإلفريقيــة تســهم بحــوالي ‪ %35‬في نمــو إفريقيــا منــذ ‪ ،2000‬فــالمواد األوليــة‬

‫والمنتوج ــات نصـــف مصـــنعة ش ــكلت ‪ %80‬من الصـــادرات اإلفريقي ــة في س ــنة ‪ 2011‬مقارن ــة بـ ‪%60‬‬

‫بالبرازي ــل‪ ،‬و‪ %40‬بالهن ــد‪ ،‬و‪ %14‬بالص ــين‪ .‬كم ــا أن نس ــبة مهم ــة من االس ــتثمارات الخارجي ــة بإفريقي ــا‬

‫تتوجه إلى األنشطة االستخراجية‪.595‬‬

‫وبذلك بلغت نسبة إفريقيا ‪ %6,5‬من مجموع صـادرات المعـادن على المسـتوى الـدولي خالل سـنة‬

‫‪ .2011‬كمــا أنهــا تحتــوي على ‪ %20‬من المعــادن المتــوفرة في اليابســة على المســتوى العــالمي‪ .‬وأنتجت‬

‫‪594‬‬
‫‪- Louis Maréchal, « Comment mettre les ressources minières africaines au service d’un développement‬‬
‫‪durable? », secteur privé et développent la revue de proparco, N° 8 Janvier 2011, p 3.‬‬
‫‪595‬‬
‫‪- Bruno HELLENDORFF, L’initiative « matières premières » de l’Union européenne : quel impact sur les‬‬
‫‪relations avec l’Afrique?, op,cit, p 5.‬‬

‫‪316‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أعض ــاء (‪ )SADC‬ثل ــثي الص ــادرات اإلفريقي ــة من المع ــادن حس ــب قيمته ــا المالي ــة لس ــنة ‪ ،2011‬وتعت ــبر‬

‫جنوب إفريقيا فاعال أساسيا في المنطقة‪ ،‬من حيث إنتاج المعادن باستثناء البوكسيت والبترول‪.596‬‬

‫تنتج الــنيجر حــوالي ‪ %8‬من اإلنتــاج العــالمي من اليورانيــوم‪ ،‬فيوجــد بهــا أكــبر منجم لليورانيــوم‬

‫في إفريقيا‪ ،‬وبذلك تعد المنتج الرابع لليورانيوم عالميا واألول إفريقيا‪ ،‬وبلغ إنتاجها نحــو ‪ 4667‬طنــا في‬

‫عام ‪ 2012‬مع إمكانية الزيادة في اإلنتاج‪ .‬تليهـا كـل من ناميبيـا وجنـوب إفريقيـا بنحـو ‪ %5‬لكـل منهـا‪،‬‬

‫وتشــير بعض التوقعــات إلى أن تنزانيــا ستشــغل مركــزا عالميــا في إنتــاج اليورانيــوم وربمــا تصــل للموقــع‬

‫الثاني بعد كازاخستان‪ .‬والجدير بالذكر أن مجموعــة أريفا النوويــة الفرنســية‪ ،‬ثــاني أكــبر منتج لليورانيــوم‬

‫في العالم تقوم باستخراج أكثر من ثلث مواردها الخام من النيجر‪.‬‬

‫أما المنتج الخامس لليورانيوم في العالم والثاني في إفريقيا ناميبيــا فتنتج نحــو ‪ 4495‬طن وتعــد‬

‫الدولــة الثامنــة في احتياطيــات اليورانيــوم على مســتوى العــالم‪ ،‬إذ تمثــل قــدرتها اإلنتاجيــة نحــو ‪ %10‬من‬

‫القدرة العالمية على للرغم من أن إنتاجها الفعلي حـوالي ‪ %5‬من إنتـاج العـالم‪ ،‬وهي رابـع دولـة مصـدرة‬

‫للمعادن في إفريقيا‪.‬‬

‫أما جنوب إفريقيا‪ ،‬فيبلغ إنتاجها حـوالي ‪ 566‬طنـا لتحتـل الموقـع الحـادي عشـر بالنسـبة لإلنتـاج‬

‫الع ــالمي‪ ،‬والث ــالث على المس ــتوى اإلف ــريقي‪ .‬كم ــا ب ــدأت م ــاالوي إنت ــاج اليوراني ــوم في ع ــام ‪ 2009‬بنح ــو‬

‫‪ 104‬طن‪ ،‬وأخذ اإلنتاج في النمو إلى أن وصل حوالي ‪ 1101‬طن عام ‪.5972012‬‬

‫كما تحتوي إفريقيا على االحتيـاطي األكـبر للفوسـفاط في العـالم‪ ،‬حيث يوجـد هـذا الخـام بكميـات‬

‫كبــيرة جــدا في العديــد من الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬مثــل المغــرب وتــونس والجزائــر وتوجــو وموريتانيــا ومصــر‬

‫وغيرها‪.‬‬

‫‪596‬‬
‫‪- KPMG, Mining in Africa towards 2020, op, cit, p 3‬‬
‫‪ - 597‬راضية يوسف‪" ،‬انتاج اليورانيوم في إفريقيا"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬يونيو ‪ ،2013‬ص ‪.1‬‬

‫‪317‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وإ ذا نظرنا إلى الدول التي تنتج الفوسفاط‪ ،‬نجد أن المغرب هو ثالث منتج على مستوى العالم‪،‬‬

‫وأول مصدر لهذه المـادة‪ ،‬إذ يتـوفر لديـه ‪ %75‬من االحتيـاطي العـالمي‪ ،‬الـذي يتـوزع بنسـب متفاوتـة بين‬

‫أربع مناطق أساسية وهي ‪ :‬بن جرير وبوكراع وخريبكة واليوسفية‪.‬‬

‫ويبلــغ إنتــاج إفريقيــا من هــذه المــادة ‪ 43,1‬مليــون طن ســنويا‪ ،‬وتــأتي أهميــة صــخور الفوســفاط‬

‫من استخدامه في تصنيع حمض الفوسـفوريك‪ ،‬الـذي هـو سـلعة اسـتراتيجية للصـناعات الغذائيـة ولصـناعة‬

‫السماد‪ ،‬لذلك فإن سعر خام الفوسفاط يتغير متوافقا مع تغير مؤشر سعر الغذاء العالمي‪.598‬‬

‫وتستغل إفريقيا نسب ضعيفة من هذه المعادن في االستهالك المحلي‪ ،‬في ما تتوجه النسبة الكبــيرة‬

‫من إنتاجها نحو التصدير للخارج‪ ،‬فقد ارتفعت قيمة صادرات إفريقيــا جنــوب الصــحراء من المعــادن منــذ‬

‫ســنة ‪ 2000‬لتصــل إلى ‪ 17‬مليــار دوالر ســنة ‪ ،2010‬وذلــك لتزايــد الطلب العــالمي على هــذه المعــادن‪،‬‬

‫ممـ ــا أدى إلى ارتفـ ــاع أسـ ــعارها‪ ،‬وبـ ــذلك شـ ــكلت هـ ــذه الصـ ــادرات نسـ ــبة ‪ %10‬من مجمـ ــوع الصـ ــادرات‬

‫العالمية للمعادن خالل هذه السنة‪ ،‬وشكلت صادرات جنوب إفريقيا لوحدها ثلثي هذه الصادرات‪.‬‬

‫وتمثل المعادن نسبة ‪ %60‬من صادرات بوتسوانا‪ ،‬و‪ %70‬من صادرات الــنيجر‪ ،‬وزمبــابوي‪،‬‬

‫وغينيا‪ ،‬وجمهورية الكونغـو الديمقراطيـة وناميبيـا‪ .599‬وهـذا مـا يعـني أن اقتصـاد هـذه الـدول غـير متنـوع‪،‬‬

‫ويعتمد بشكل كبير على الثروات المعدنية الخام في تكوين ناتجها الداخلي الخام‪.‬‬

‫س ــتزداد مكان ــة إفريقي ــا في الص ــناعات التعديني ــة خالل الس ــنوات القادم ــة‪ ،‬نظ ــرا للكمي ــة الهائل ــة من‬

‫االحتياطات التي تتوفر عليهـا‪ ،‬وغـير المسـتغلة حاليـا‪ ،‬فحسـب مكتب األبحـاث الجيولوجيـة والمعدنيـة فــإن‬

‫نفقــات االســتغالل لكــل كلم‪ 2‬بإفريقيــا ضــعيفة مقارنــة بكنــدا وأســتراليا‪ ،‬كمــا تعتــبر إفريقيــا الوجهــة الجديــدة‬

‫للصـ ــناعات التعدينيـ ــة‪ ،‬فمن بين الـ ــدول الـ ــتي بـ ــدأت االسـ ــتغالل فيهـ ــا بشـ ــكل مهم جنـ ــوب إفريقيـ ــا وزامبيـ ــا‬

‫وناميبيــا وتنزانيــا وجمهوريــة الكونغــو الديمقراطيــة وغانــا وبوركنــا فاســوا ومــالي‪ .‬وقــد تــوجهت التنقيبــات‬

‫‪ - 598‬كريم شكرى‪" ،‬خام الفوسفاط في إفريقيا"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد السادس عشر‪ ،‬أبريل ‪.2015‬‬
‫للتوسع في ما تنتجه كل دولة إفريقيا من معادن راجع‪:‬‬
‫‪- KPMG, Mining in Africa towards 2020, op, cit, p 13.‬‬
‫‪599‬‬
‫‪- Groupe collectif, « l’Afrique et les grands émergents », op, cit, p 54-55.‬‬

‫‪318‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الجديـ ــدة للـ ــذهب بنسـ ــبة ‪ ، %30‬و‪ %15‬للنحـ ــاس‪ ،‬و‪ %15‬للمـ ــاس‪ ،‬و‪ %12‬لليورانيـ ــوم و‪ %7‬للمعـ ــادن‬

‫األخرى‪.600‬‬

‫وتفيد التوقعات أن هذه النسب والمعدالت مرشحة لالرتفاع‪ ،‬وذلك بالنظر إلى أن أجزاء كبيرة‬

‫من القارة لم تشملها المسوحات الجيولوجية‪ ،‬وقد تبين من الدراسات واألبحاث العلمية المختصــة أن هــذه‬

‫األج ــزاء تحت ــوي على تركيب ــة جيولوجي ــة مكون ــة من الص ــخور البلوري ــة والمتحول ــة القديم ــة‪ ،‬وهي أك ــثر‬

‫الص ــخور ال ــتي تح ــوي في تكوينه ــا نس ــبا عالي ــة من المع ــادن المتنوع ــة‪ ،‬ومن هن ــا يمكن الق ــول إن الق ــارة‬

‫اإلفريقيـة سـتكون المـورد األســاس للصــناعة في العـالم مسـتقبال‪ ،‬وأن كـل دول وقــارات العـالم الـتي تعـاني‬

‫من شــح ونضــوب تــدريجي في مواردهــا المعدنيــة حاليــا‪ ،‬ســتعتمد في المســتقبل على مــا تنتجــه إفريقيــا من‬

‫معـ ـ ــادن‪ ،‬إذا مـ ـ ــا أرادت لعجلـ ـ ــة حركتهـ ـ ــا الصـ ـ ــناعية واالقتصـ ـ ــادية أن تـ ـ ــدور وتسـ ـ ــتمر‪ ،‬فكـ ـ ــل الظـ ـ ــروف‬

‫والمعطيات الراهنة المستقبلية‪ ،‬تجعل من إفريقيا محط أنظار واهتمام المستثمرين والباحثين عن المنــاجم‬

‫والمع ــادن‪ ،‬لالس ــتفادة منه ــا في تموي ــل وإ دارة الحرك ــة الص ــناعية واالقتص ــادية المتنامي ــة والمتط ــورة في‬

‫العالم‪.601‬‬

‫وبــالرغم من أن إفريقيــا كــانت ومــا زالت مصــدرا مهمــا للمــواد األوليــة منــذ عهــد االســتعمار‪ ،‬فــإن‬

‫بروز العولمـة قـد عمـق من مسـتوى المشـاكل الـتي تعـاني منهـا هـذه القـارة‪ ،‬ال سـيما مـا يتعلـق بحالـة عـدم‬

‫االس ــتقرار السياس ــي واالقتص ــادي واالجتم ــاعي‪ ،‬وض ــعف الق ــدرات اإلنتاجي ــة والتقني ــة‪ ،‬وت ــدني مس ــتوى‬

‫تصنيع المواد الخام‪.‬‬

‫فقــد أســفرت العولمــة عن زيــادة تحكم الشــركات المتعــددة الجنســيات في االقتصــادات االفريقيــة‪،‬‬

‫حيث إن ه ــذه الش ــركات تتحكم في مج ــاالت النف ــط‪ ،‬واس ــتخراج المع ــادن‪ ،‬وغيره ــا من مج ــاالت اإلنت ــاج‬

‫والخ ـ ــدمات‪ .‬وب ـ ــالرغم من س ـ ــعي العدي ـ ــد من دوله ـ ــا للح ـ ــد من نف ـ ــوذ الش ـ ــركات المتع ـ ــددة الجنس ـ ــية على‬

‫اقتص ــاداتها وس ــيادتها الوطني ــة‪ ،‬عن طري ــق ت ــأمين مث ــل ه ــذه الش ــركات‪ ،‬أو مش ــاركتها واإلش ــراف على‬
‫‪600‬‬
‫‪- Ibid, p55.‬‬
‫‪ - 601‬ماهر اسكندر‪" ،‬إفريقيا ثروات طبيعية"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬مايو ‪.2013‬‬

‫‪319‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫نش ــاطاتها في المج ــاالت ال ــتي ته ــدد الس ــيادة القومي ــة‪ ،‬ف ــإن واق ــع الح ــال يش ــير إلى زي ــادة نف ــوذ وس ــيطرة‬

‫الشركات المتعددة الجنسيات منذ بداية الثمانينيات‪.602‬‬

‫لذلك فقد تعددت الدراسات التي تناولت العالقة بين العولمة واالستقرار‪ ،‬وبدا ثمة اتجاه أكاديمي‬

‫يؤكد العالقة االرتباطية بين العولمة وعدم االستقرار‪ .‬فقد رأت ‪ AMY Chua‬في كتابها "‪Word on‬‬

‫‪ " fire‬أن موجات العولمة التي يمر بها العالم أدت إلى تصاعد معدالت العنف اإلثني في العديد من‬

‫الدول النامية‪ ،‬منها إفريقيا‪ ،‬وهو أمر ناجم عما أسفرت عنه العولمة من تزايد درجة التشابك بين‬

‫الداخل والخارج‪ .‬فاالنفتاح االقتصادي‪ ،‬وتراجع دور الدولة تسببا في تنامي معدالت التفاوت الطبقي في‬

‫المجتمعات‪ ،‬وظهرت في بعض الدول أقلية إثنية محدودة تحظى بمزايا اقتصادية كبيرة تفوق ما تتمتع‬

‫به األغلبية في تلك الدول‪ ،603‬وهو الشيء الذي ينطبق على الواقع اإلفريقي في تحالف ما بين هذه‬

‫األقلية وبعض القوى الدولية‪ ،‬مما كان محفزا كبيرا لحالة عدم االستقرار المجتمعي والشعبي في العديد‬

‫من دولها؛ نتيجة شعور األغلبية باالستياء لكونها لم تجن شيئا من ثمار العولمة‪ ،‬التي أدت إلى‬

‫استنزاف ثرواتها الطبيعية‪ ،‬وسرعان ما يتحول هذا االستياء إلى استقطاب حاد‪ ،‬وعنف داخلي‪.‬‬

‫ولم يكن إشكال العولمة واالستقرار بعيدا عن الجدل الدائر بين المدرسة البنيوية‪ ،‬والمدرسة‬

‫النيوليبرالية؛ حيث يجادل البنيويون بأن االستثمار األجنبي المباشر والتجارة هما شكل من أشكال‬

‫االستغالل الرأسمالي للمجتمعات النامية‪ ،‬وأنهما يعززان الفقر والفوضى االجتماعية‪ ،‬والصراع في‬

‫العالم النامي‪ ،‬بينما ترفض النيوليبرالية األطروحة القائلة إن العولمة تؤدي إلى عدم االستقرار‪ ،‬إذ أن‬

‫المعضلة الحقيقة تكمن في إخفاق السياسات التنموية التي تتبعها الحكومات‪ ،‬وسوء إدارتها‪ .‬وال يمكن‬

‫القول إن العولمة هي سبب األزمات التي تعانيها بعض الدول‪ .604‬وهو ما ينطبق على الواقع اإلفريقي‪،‬‬

‫‪ - 602‬مصطفى عبد هللا خشيم‪" ،‬تأثير العوامل الخارجية في عملية التنمية اإلفريقية"‪ ،‬مجلة دراسات‪ ،‬العدد الســابع والعشــرين‪( ،‬الشــتاء)‪1374 -‬هـ ‪-‬‬
‫‪2006‬م‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ - 603‬محمد عباس ناجي‪" ،‬داخل الدائرة‪" :‬تحـول القـوة" كمـدخل لفهم المنافسـات اإلقليميـة والدوليـة"‪ ،‬ملحــق مجلــة السياســة الدوليــة‪ ،‬عـدد يوليـو‬
‫‪،2014‬ص ‪.33‬‬
‫‪ - 604‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬

‫‪320‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫فدور القوى الدولية‪ ،‬موازاة مع إخفاق السياسات التنموية التي تم اتباعها منذ استقالل الدول اإلفريقية‪،‬‬

‫أدى الى األوضاع الحالية التي تعاني منها أغلب الدول اإلفريقية‪.‬‬

‫ففي نقـ ــده لسياسـ ــة التنميـ ــة في إفريقيـ ــا منـ ــذ االسـ ــتقالل‪ ،‬يبحث عـ ــالم االقتصـ ــاد اإلثيـ ــوبي ف ــانتو‬

‫تشيرو‪ ،‬في أســباب إخفــاق إفريقيــا في االســتفادة الناجحــة من المــوارد الطبيعــة الــتي ظلت دائمــا واضــحة‬

‫جليـة للعـالم الغـني‪ .‬ويشـير إلى عـدد من المشـكالت‪ :‬االفتقـار إلى اإلرادة السياسـية‪ ،‬وضـعف المؤسسـات‪،‬‬

‫ونقص المهـارات‪ ،‬وعـدد كبـير جـدا من االرتباطـات بـالقوى االســتعمارية السـابقة‪ ،‬وقصــور البنيـة التحتيـة‬

‫للنقل وشبكات االتصال‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فاقتصاد البلدان اإلفريقيـة كـان لـه فــرط االعتمـاد على السـلع‪-‬‬

‫الم ــواد الخ ــام‪ ،‬ع ــادة من الزراع ــة أو التع ــدين‪ ،‬ال ــتي تح ــدد أس ــعارها في الس ــوق العالمي ــة وال تك ــون بينه ــا‬

‫مفاضلة من الناحية النوعية (وهو ما يعني أن الزيت هــو الــزيت‪ ،‬والنحــاس هــو النحــاس‪ ،‬وقصــب الســكر‬

‫هــو قصــب الســكر‪ ،‬بصــرف النظــر عن منشــئها)‪ .‬وقــد أكــد عــالم االقتصــاد الغــاني جورج آييتي‪ ،‬أن نمــو‬

‫القـ ــارة قـ ــد أحبـ ــط بسـ ــبب إخفـ ــاق الحكومـ ــات اإلفريقيـ ــة في تنويـ ــع اقتصـ ــاداتها‪ .‬فهي لم تحسـ ــن قطاعاتهـ ــا‬

‫الزراعية‪ ،‬أو توسع نطاق صادراتها‪ ،‬أو تطور آليات صناعاتها إلضافة قيمة إلى السلع التي تنتجهــا‪ ،‬أو‬

‫تــدعم حــوافز ريــادة األعمــال والــتراث الســوقي للشــعب اإلفــريقي‪ .605‬وهــذا في تقــديرنا راجــع إلى ضــعف‬

‫التعليم والتكــوين بجــل الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬الــتي مــا زالت ال تســتطيع إنتــاج كفــاءات قــادرة على التوجــه نحــو‬

‫هذا االتجاه‪ ،‬وحتى إن تم إنتاجها فال تتـوفر لهـا ظـروف االشـتغال‪ ،‬ممـا يـؤدي إلى هجرتهـا نحـو الخـارج‬

‫خاصة نحو الدول الغربية‪ ،‬مما يكلف ميزانية الدول اإلفريقية تكاليف مالية كبيرة‪.‬‬

‫إن إفريقي ــا مطالب ــة حالي ــا ببل ــورة اس ــتراتيجيات لالس ــتفادة من العوائ ــد المالي ــة الض ــريبية‪ ،‬ال ــتي‬

‫تحصل عليها من الشركات المستثمرة في مجال الصناعات االستخراجية‪ ،‬وكــذا المشــاركة في أســهم هــذه‬

‫الشــركات للحصــول على جــزء من األربــاح الــتي تجنيهــا الشــركات الدوليــة‪ ،‬وذلــك إلعــادة اســتثمارها في‬

‫مجـ ــال التنميـ ــة االقتصـ ــادية‪ ،‬والضـ ــغط على الشـ ــركات إلنشـ ــاء مختبراتهـ ــا في مجـ ــال البحـ ــوث في القـــارة‬

‫‪ - 605‬وانغاري ماثي‪ ،‬أفريقيا والتحدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91- 90‬‬

‫‪321‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اإلفريقية لتطوير الكفاءات اإلفريقية‪ ،‬لتتمكن من تحويل الثروات المعدنية الخــام المتــوفر عليهــا إلى مــواد‬

‫صــناعية ذات قيمــة‪ ،‬وإ ال ســتبقى هــذه الــثروات تحت تصــرف الشــركات األجنبيــة الــتي تجــني منهــا أرباحــا‬

‫كبيرة يتم ترحيلها إلى الخارج دون أن تستفيد القـارة اإلفريقيــة منهــا أي شــيء‪ ،‬ســوى تعميــق الصــراعات‬

‫التي تعيشها بعض دولها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلنتاج الزراعي بإفريقيا والتنمية الذاتية‬

‫تمثــل الزراعــة في القــارة اإلفريقيــة أهميــة بالغــة‪ ،‬حيث يشــكل هــذا القطــاع مصــدرا مهمــا يمكنــه‬

‫األسهام في تحقيق التنمية‪ ،‬فالقارة اإلفريقيـة تزخـر بـالخيرات والـثروات الهائلـة‪ ،‬ويرتبـط سـكانها ارتباطـا‬

‫وثيقــا بالزراعــة‪ ،‬حيث يعتمــد ‪ %70‬منهم عليهــا‪ ،‬بشــكل مباشــر أو غــير مباشــر‪ ،‬بوصــفها مصــدرا للعمــل‬

‫والدخل وتحسين مستوى المعيشة‪ ،‬في ظل ارتفاع معدالت الفقر في غالبية دول القارة‪.‬‬

‫وب ــالرغم من األهمي ــة البالغ ــة ال ــتي يش ــكلها القط ــاع ال ــزراعي في مكون ــات الحي ــاة االقتص ــادية‬

‫والمعيشــية للشــعوب اإلفريقيــة‪ ،‬فــإن حجم اإلنفــاق على هــذا القطــاع يعتــبر ضــعيفا‪ ،‬وال يزيــد إجمــالي مــا‬

‫تنفق ــه ال ــدول اإلفريقي ــة من ميزانيته ــا الس ــنوية على الزراع ــة عن ‪ ،%25‬وتق ــدر نس ــبة مس ــاحة األراض ــي‬

‫الصــالحة للزراعــة بحــوالي ‪ %35‬من إجمــالي مســاحة القــارة الــتي تبلــغ حــوالي ‪ 33‬مليــون كلمــتر مربــع‪،‬‬

‫يستغل منها ‪ %7‬في الزراعة بشتى أنواعها‪ ،‬حيث تتم زراعة ‪ 179‬مليون هكتار بالمحاصيل الحقليــة و‬

‫‪ 14‬مليون هكتار بالمحاصيل الشجرية‪.‬‬

‫وبالنظر التساع الرقعة الجغرافية إلفريقيا‪ ،‬وتنوع األقاليم المناخية بها وارتفاع معدالت سقوط‬

‫األمطــار في بعضــها‪ ،‬وخصــوبة تربتهــا وجودتهــا‪ ،‬فــإن البيئــة الزراعيــة في إفريقيــا تتالءم وتتناســب مــع‬

‫زراعة وإ نتاج جميـع المحاصـيل والحبـوب والخضـروات بكميـات وفـيرة‪ .‬وبحسـب دراسـة أعـدتها منظمـة‬

‫األغديــة والزراعــة التابعــة لألمم المتحــدة "فــاو‪/‬والبنــك الــدولي) فــإن اســتغالل ‪ %10‬فقــط من منطقــة ســهل‬

‫غينيا العشبي في الزراعة‪ ،‬التي تغطي نحو ‪ 600‬مليـون هكتـار‪ ،‬وتمتـد من السـنغال إلى جنـوب إفريقيـا‪،‬‬

‫‪322‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫من شأنه حل أزمة الغذاء في إفريقيا‪ ،‬خاصة أن هناك ما ال يقل عن ‪ 400‬مليون هكتــار من هــذا الســهل‬

‫صالحة للزراعـة‪ ،606‬علمــا أنــه ال يتم ري ســوى ‪ %4‬من األراضــي المســتخدمة في اإلنتــاج الــزراعي في‬

‫منطق ــة إفريقي ــا جن ــوب الص ــحراء‪ ،‬مقارن ــة بـ ‪ %39‬في منطق ــة جن ــوب آس ــيا‪ ،‬و‪ %20‬في منطق ــة ش ــرق‬

‫آســيا‪ .607‬على الــرغم من كــل ذلــك فالعديــد من المحاصــيل الزراعيــة في إفريقيــا تشــكل نســبة مهمــة من‬

‫اإلنتاج العالمي‪.‬‬

‫فالقارة تسهم بحوالي ‪ %60‬من إجمالي إنتاج العالم من الكاكاو‪ ،‬كمــا تنتج ‪ 1,5‬مليــون طن من‬

‫القهوة‪ ،‬أي ما يعادل ‪ %22‬من إنتاج العالم من البن‪ ،‬وتساهم كذلك بنسبة ‪ %12‬من اإلنتاج العــالمي من‬

‫الشــاي و‪ %40‬من زيت النخيــل‪ ،‬باإلضــافة إلى إنتاجهــا المهم من بعض المــواد األخــرى كالــذرة واألرز‬

‫والقمح واأللياف النباتية وقصب السكر والفول السوداني‪.608‬‬

‫وحسب تقرير التنمية البشرية بإفريقيا الصادر سنة ‪ ،2012‬فــإن ‪ %75‬من الحبـوب المسـتهلكة‬

‫بإفريقيــا جنــوب الصــحراء أصــبحت تنتج على المســتوى المحلي‪ ،‬وذلــك الرتفــاع اإلنتــاج من الحبــوب في‬

‫ك ــل من كيني ــا وغان ــا وم ــالي وتنزاني ــا وأوغن ــدا وزامبي ــا والموزم ــبيق وإ ثيوبي ــا ال ــتي ض ــاعفت إنتاجه ــا من‬

‫الحبوب من ‪ 8‬مليون طن سنة ‪ 2000‬إلى ‪ 15,6‬مليون طن سنة ‪ ،2010‬وبــذلك أصــبحت تعتــبر المنتج‬

‫الثــاني لهــذا المنتــوج في إفريقيــا جنــوب الصــحراء بعــد نيجيريــا‪ .‬أمــا الســيراليون وليبيريــا والــنيجر فهي لم‬

‫تع ــرف أي تط ــور في إنت ــاج الحب ــوب نظ ــرا لالختالالت الم ــاكرو اقتص ــادية والص ــراعات السياس ــية ال ــتي‬

‫تعيشها هاتان الدولتان‪.609‬‬

‫وإ نتاج إفريقيا من الحبوب يبقى ضعيفا مقارنة مع آسيا وأمريكــا الجنوبيــة‪ ،‬إذ انتقـل من حــوالي‬

‫‪ 900‬كلغ‪ /‬للهكتار سنة ‪ 1961‬إلى ‪ 1300‬كلغ‪/‬للهكتار سنة ‪ ،2010‬في حين ارتفع إنتاج آسيا وأمريكــا‬

‫‪ - 606‬حسناء عبد الفتاح "الزراعة في إفريقيا"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬سبتمبر ‪ ،2013‬ص ‪.2-1‬‬
‫‪ - 607‬البنك الدولي‪ ،‬تقرير التنمية في العالم ‪ 2008‬الزراعة من أجل التنمية‪ ،‬واشنطن‪ ،‬ص ‪ ،10‬شهد بتاريخ ‪ 11/08/2014‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://siteresources.worldbank.org/INTWDRS/Resources/477365-1327599046334/8394679-1327614067045/‬‬
‫‪FINAL_WDR-OV-Arabic-text_9.26.07.pdf‬‬
‫‪ - 608‬حسناء عبد الفتاح "الزراعة في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.2-1‬‬
‫‪609‬‬
‫‪-United National Development Programme, Africa Human Development report 2012: towards a food‬‬
‫‪secure future, New York, 2012, p66.‬‬

‫‪323‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الجنوبية من‪1300‬كلــغ‪/‬للهكتــار و‪1400‬كلــغ‪/‬للهكتــار ســنة ‪1961‬إلى ‪ 3500‬كلــغ للهكتــار و ‪ 4100‬كلــغ‬

‫للهكتار سنة ‪ 2010‬على التـوالي‪ ،610‬ويمكن إرجاعـه إلى االسـتعمال الكـثيف للمـواد المخصـبة (األسـمدة)‬

‫في آســيا‪ ،‬حيث يتم اســتعمال ‪ 150‬كلــغ من المــواد المخصــبة للهكتــار الواحــد على عكس إفريقيــا الــتي ال‬

‫تتجــاوز بالكــاد مــا بين ‪ 10-9‬كلــغ من هــذه المــواد للهكتــار الواحــد‪ ،‬لــذلك كــانت من بين توصــيات لقــاء‬

‫أبوجـا لسـنة ‪ 2006‬حـول اسـتعمال المـواد المخصـبة في تطـوير اإلنتـاج الفالحي أن يصـل اسـتعمال هـذه‬

‫المواد إلى ‪ 50‬كلغ للهكتار الواحد سنة ‪.6112015‬‬

‫ويس ــهم القط ــاع الفالحي بح ــوالي ‪ %32‬في األنش ــطة االقتص ــادية بإفريقي ــا‪ ،‬كم ــا أن ‪ %65‬من‬

‫الساكنة النشيطة بهذه القارة تشتغل بهذا القطاع‪ .‬ولذلك فإن ارتفاع معــدل النمــو الفالحي يمكن أن يســهم‬

‫في محاربــة الفقــر بحــوالي ‪ 2‬إلى ‪ 4‬أضــعاف مقارنــة بالقطاعــات االقتصــادية األخــرى‪ ،‬إضــافة إلى الــدور‬

‫ال ــذي من المتوق ــع أن تق ــوم ب ــه الق ــارة على مس ــتوى اإلنت ــاج الغ ــذائي الع ــالمي خالل العق ــود القادم ــة‪ ،‬مم ــا‬

‫سيكون له نتائج إيجابية بالنسبة للقارة والعالم‪.612‬‬

‫ويختل ــف إس ــهام القط ــاع الفالحي في الن ــاتج ال ــداخلي الخ ــام ل ــدول إفريقي ــا جن ــوب الص ــحراء من‬

‫دولــة إلى أخــرى‪ ،‬فالمعطيــات المتــوفرة لـ ‪ 12‬دولــة توضــح أن هــذا اإلســهام يــتراوح مــا بين ‪ 25‬و‪%40‬‬

‫من الناتج الداخلي الخام‪ .‬لكن مع بداية العقد الماضي بــدأت هــذه النســبة تعــرف انخفاضــا‪ ،‬فمثال في كينيــا‬

‫انخفض ـ ـ ــت ه ـ ـ ــذه النس ـ ـ ــبة من ‪ 29,03‬إلى ‪ ،%23,12‬وأوغن ـ ـ ــدا انخفض ـ ـ ــت من ‪ 26,15‬إلى ‪،%23,42‬‬

‫وزامبيا كذلك انخفضت فيها هذه النسبة من ‪ 22,57‬إلى ‪ %،20,72‬وتبقى نيجيريا هي التي عرفت أهم‬

‫انخف ـ ـ ـ ـ ــاض إلس ـ ـ ـ ـ ــهام القط ـ ـ ـ ـ ــاع الفالحي في الن ـ ـ ـ ـ ــاتج ال ـ ـ ـ ـ ــداخلي الخ ـ ـ ـ ـ ــام‪ ،‬إذ ت ـ ـ ـ ـ ــراجعت من ‪ 42,71‬إلى‬

‫‪ .%32,71‬وتعتمد دول إفريقيا جنـوب الصـحراء بشـكل كبـير على الفالحـة‪ ،‬إذ أنـه كلمـا نمـا هـذا القطـاع‬

‫‪610‬‬
‫‪- Ibid, p 33.‬‬
‫‪611‬‬
‫‪- Alliance for a Green Revolution in Africa (AGRA), Africa Agriculture status report: focus staple crops,‬‬
‫‪Nairobi 2013, p45.‬‬
‫‪612‬‬
‫‪-KPMG, Agriculture in Africa, p3, viewed 13/09/2015 at:‬‬
‫‪,https://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/Articles-Publications/General-Industries-Publications/‬‬
‫‪Documents/Agriculture%20in%20Africa.pdf .‬‬

‫‪324‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ينعكس ذل ــك بش ــكل إيج ــابي على نم ــو الدول ــة بش ــكل كلي‪ ،‬مم ــا يع ــني أن هن ــاك عالق ــة ارتباطي ــة بين نم ــو‬

‫القطاع الفالحي وتحقيق النمو بالدول اإلفريقية‪.613‬‬

‫بــالرغم من المــؤهالت الفالحيــة الــتي تزخــر بهــا القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬إال أنهــا مــا زالت تعتمــد على‬

‫االســتيراد لتوفــير حاجياتهــا الغذائيــة‪ ،‬ففي ســنة ‪ 2011‬اســتوردت إفريقيــا جنــوب الصــحراء مــا قيمتــه ‪43‬‬

‫مليــار دوالر من الســلع الفالحيــة‪ ،‬في حين لم تتجــاوز قيمــة صــادراتها من المــواد الفالحيــة الخــام حــوالي‬

‫‪ 34‬مليار دوالر في السنة نفسـها‪ .614‬وبصـفة عامـة فخالل الفـترة مـا بين ‪ 2011-2007‬فـإن ‪ 37‬دولـة‬

‫إفريقي ــة اعت ــبرت مس ــتوردا رئيس ــا للم ــواد الغذائي ــة‪ ،‬و‪ 22‬منه ــا مس ــتوردا لآلالت الفالحي ــة‪ ،‬مم ــا يع ــني‬

‫استمرار تبعيتها للقوى الخارجية للوفاء بمتطلبات شعوبها من الغــذاء‪ .615‬فحــتى االســتثمارات األجنبيــة ال‬

‫تتوجه بشكل كبير لهذا القطاع‪ ،‬فمثال في سنة ‪ 2013‬تــوجهت نســبة ‪ %7‬فقـط من االســتثمارات األجنبيــة‬

‫بإفريقيــا جنــوب الصــحراء نحــو القطــاع الفالحي‪ ،‬مقارنــة بنســبة ‪ %15‬في أمريكــا الالتينيــة و‪ %78‬في‬

‫آسيا‪.616‬‬

‫أصــبح الكثــير من الــدول اإلفريقيــة معتمــدا بشــكل متزايــد على المــواد الغذائيــة المســتوردة خالل‬

‫العق ــود األخ ــيرة‪ ،617‬ل ــذلك م ــا زال األمن الغ ــذائي في إفريقي ــا معرض ــا للخط ــر على نح ــو متزاي ــد‪ ،‬بس ــبب‬

‫أسعار الغـذاء اآلخـذة في االرتفـاع باألسـواق العالميـة‪ .‬وقـد جـرى دفعهـا إلى ارتفاعـات جديـدة عن طريـق‬

‫أس ــعار النف ــط المتص ــاعدة (قب ــل أن ت ــتراجع م ــؤخرا)‪ ،‬والطلب ــات المتزاي ــدة على الحب ــوب ونبات ــات معين ــة‬

‫إلنتاج أنواع الوقود الحيوي‪.618‬‬

‫‪613‬‬
‫‪- Alliance for a Green Revolution in Africa (AGRA), Africa Agriculture status report: focus staple crops,‬‬
‫‪op,cit, p 22.‬‬
‫‪614‬‬
‫‪- Claire SCHAFFNIT-CHATTERJEE, Agricultural value chains in Sub-Sharan Africa from a‬‬
‫‪development challenge to a business opportunity, Deutche bank Research, April 14, 2014. P1.‬‬
‫‪615‬‬
‫‪-NEPAD Transforming Africa, Agriculture in Africa Transformation and outlook, p29. Viewed‬‬
‫‪12/11/2015 at:‬‬
‫‪http://www.un.org/en/africa/osaa/pdf/pubs/2013africanagricultures.pdf‬‬
‫‪616‬‬
‫‪-Claire SCHAFFNIT-CHATTERJEE, Agricultural value chains in Sub-Sharan Africa from a‬‬
‫‪development challenge to a business opportunity, op,cit. p26.‬‬
‫‪ - 617‬منتدى الخبراء الرفيع المستوى حول "إطعام العالم في عام ‪ ،"2050‬التحدي الخاص بالنسبة إلفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ‪ ،‬روما ‪13-12‬‬
‫اكتوبر ‪.2009‬‬
‫‪ - 618‬حسناء عبد الفتاح"الزراعة في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪2‬‬

‫‪325‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وإ ذا كانت القارة اإلفريقية عرفت معدالت نمو مهمة خالل العقد الماضي‪ ،‬فــإن الجــوع مــا زال‬

‫من أكبر التحديات التي تواجهها‪ ،‬وهو ما عبر عنـه المـدير اإلقليمي لمكتب إفريقيـا‪ ،‬التـابع لبرنـامج األمم‬

‫المتحدة اإلنمائي‪ ،‬تيجيجنيورك جيتو حيث قال‪ ":‬إنها لمفارقة قاسية في عالم اليوم الذي يشــهد فائضــا في‬

‫الغذاء‪ ،‬أن يظل الجوع وسوء التغذية منتشرين في قارة تتمتع بمقدرات زراعية هائلة"‪.619‬‬

‫إن القــارة اإلفريقيــة تعــد من أكــثر قــارات العــالم الــتي تعــاني من مشــكلة انعــدام األمن الغــذائي‪،‬‬

‫فالمتأمل ألعداد المصابين بانعدام األمن الغذائي بشقيه (سوء ونقص التغذية) يجد أن هذه المعــدالت تبلــغ‬

‫أقصاها في إفريقيا‪ ،‬كمـا أن معـدالت التحسـن في حالـة األمن الغـذائي هي األبطـأ في إفريقيـا‪ ،‬فعلى سـبيل‬

‫المثال نجد أن حوالي ‪ %28,6‬من سـكان إفريقيـا جنـوب الصــحراء يعـانون من نقص التغذيـة‪ ،‬بينمـا تبلـغ‬

‫هذه النسـبة في الـدول الناميـة ككـل حـوالي ‪ .%14,9‬أمـا بالنسـبة لمسـتويات التحسـن فهي األقـل كـذلك في‬

‫إفريقيـ ــا‪ ،‬حيث انخفضـ ــت نسـ ــبة السـ ــكان الـ ــذين يعـ ــانون من نقص التغذيـ ــة من ‪ %32,8‬إلى ‪ %26,8‬أي‬

‫حوالي ست نقط مئوية‪ ،‬في المقابل بلغ معدل التحسن في الدول النامية ككــل حــوالي ‪ .%8‬باإلضــافة إلى‬

‫وجود تفاوت كبير بين الدول اإلفريقية فيما بينها حـول نسـبة من يعـانون من نقص التغذيـة‪ ،‬ففي الكونغـو‬

‫الديمقراطيــة على ســبيل المثــال يعــاني حــوالي ‪ %69‬من الســكان من نقص الغــذاء‪ .‬أمــا فيمــا يتعلــق بســوء‬

‫التغذيــة‪ ،‬يعــاني أكــثر من ‪ %23‬من األطفــال في إفريقيــا جنــوب الصــحراء من انخفــاض الــوزن‪ .‬كمــا أن‬

‫هناك حوالي ‪ 160‬مليون فرد من سكان إفريقيا جنوب الصحراء يعانون من سوء التغذية‪.‬‬

‫وبحسب التقرير األول للتنمية البشرية في إفريقيا لعام ‪ ،2012‬فإن ما يزيد على واحد من كــل‬

‫أربعــة من ســكان منطقــة إفريقيــا جنــوب الصــحراء الكــبرى البلــغ تعــدادهم ‪ 856‬مليــون نســمة يعــاني من‬

‫نقص التغذية‪ ،‬مما يجعل هذه المنطقة من أشد مستويات انعدام األمن الغذائي بين مناطق العالم‪ .‬ويواجــه‬

‫ما يزيد على ‪ 15‬مليون شخص خطر المجاعة في منطقـة الســاحل وحــدها‪ ،‬وثمــة عـدد مســاو من األفــراد‬

‫‪ - 619‬سمر حسن الباجوري‪" ،‬مشكلة انعدام األمن الغذائي في إفريقيا"‪ ،‬أفاق إفريقية‪ ،‬العدد الحادي واألربعين‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2014‬ص ‪.33‬‬

‫‪326‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫في منطقــة القــرن اإلفــريقي مــا زالــوا معرضــين لخطــر المجاعــة في أعقــاب أزمــة الغــذاء الــتي وقعت عــام‬

‫‪ 2011‬في جيبوتي وإ ثيوبيا وكينيا والصومال‪.620‬‬

‫وقــد زادت األزمــات الغذائيــة في إفريقيــا ثالثــة أضــعاف كــل عــام منــذ منتصــف الثمانينيــات من‬

‫القرن العشرين‪ .‬وعلى الرغم من أن نسبة من يعانون نقص التغذية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى‬

‫قـد انخفضـت إلى مـا دون الثلث في السـنوات األخـيرة‪ ،‬فقـد ارتفعت األعـداد المطلقـة من ‪ 120‬مليـون في‬

‫الع ــام ‪ 1980‬إلى ‪ 206‬ماليين في الع ــام ‪ .2003‬وفي الع ــام ‪ 2004‬حص ــلت أربع ــون دول ــة في إفريقي ــا‬

‫جنــوب الصــحراء الكــبرى على ‪ 3,9‬مليــون دوالر تقريبــا من المســاعدات الغذائيــة‪ ،‬أي مــا يقــرب ضــعف‬

‫المستوى المقدم بين العامين ‪1995‬و ‪.6211997‬‬

‫ومشـ ــكل انعـ ــدام األمن الغـ ــذائي في القـ ــارة اإلفريقيـ ــة‪ ،‬ليس مرتبطـ ــا بالضـ ــرورة بالقصـ ــور في‬

‫العرض الغذائي‪ ،‬وإ نما يرتبـط بأسـباب أكـثر عمقـا تتعلـق بممارسـات حكوميـة ومؤسسـية غـير قـادرة على‬

‫التعامل أو حل هذا المشـكل‪ ،‬كمـا أنـه يرتبـط كـذلك في كثـير من األحيـان بـالفقر وضــعف القـدرة الشـرائية‬

‫لــدى األفــراد للحصــول على القــدر الكــافي من الغــذاء‪ ،‬ويمكن إجمــال العوامــل األساســية المســببة لمشــكلة‬

‫انعدام األمن الغذائي في إفريقيا على النحو التالي‪:‬‬

‫انخف ــاض اإلنتاجي ــة الزراعي ــة‪ :‬فعلى ال ــرغم من ال ــدور المح ــوري للزراع ــة في اقتص ــاد البل ــدان‬

‫اإلفريقي ــة‪ ،‬يالح ــظ انخف ــاض اإلنف ــاق على البح ــوث الزراعي ــة مم ــا أدى إلى انخف ــاض الق ــدرات األساس ــية‬

‫وتدني البنية التحتية‪ ،‬كذلك تباطؤ تبني دول القارة لقضايا التكنولوجيا الزراعية الحديثة‪.622‬‬

‫هذا ما جعل وانغاري ماثاي تؤكد أنه باإلضافة إلى كون بعض مصادر التحديات التي تواجه‬

‫تطــور الزراعــة بإفريقيــة تعــود إلى الحقبــة االســتعمارية‪ ،‬فإنــه وعلى مــدى عقــود بعــد االســتقالل تجــاهلت‬

‫النخب اإلفريقيــة الزراعــة بســبب موق ــف مفــاده أن فالحــة األرض لغــير المتعلمين‪ ،‬حــتى ذوي الــدرجات‬

‫‪ - 620‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫‪ - 621‬وانغاري ماثاي‪ ،‬إفريقيا والتحدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.216-215‬‬
‫‪ - 622‬سمر حسن الباجوري‪" ،‬مشكلة انعدام األمن الغذائي في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.37-36‬‬

‫‪327‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫العلميـــة الزراعيـــة في إفريقيـــا بوجـــه عـــام‪ ،‬يفضـ ــلون العمـــل في مكتب بإح ــدى العواصـ ــم ب ــدال من تقـــديم‬

‫خدمات التوعية الزراعية للمزارعين‪.623‬‬

‫التوج ـ ــه إلى زراع ـ ــة المنتج ـ ــات التص ـ ــديرية على حس ـ ــاب الزراع ـ ــة المعيش ـ ــية‪ ،‬كم ـ ــا أن الفق ـ ــر‬

‫وانخفـاض الـدخل يعـد من األسـباب الرئيسـة النعـدام األمن الغـذائي بإفريقيـا‪ ،‬حيث تعـد هـذه المشـكلة أكـثر‬

‫خط ــورة في المن ــاطق الريفي ــة بس ــبب كثاف ــة الس ــكان في ه ــذه المن ــاطق وتفتت الملكي ــة الزراعي ــة فيه ــا ‪624‬؛‬

‫فــأغلب الفالحين األفارقــة يقيمـون بالعـالم القـروي‪ ،‬كمـا أن حـوالي ‪ %85‬منهم يعتـبرون فالحين صــغارا‪،‬‬

‫وذلــك بمعــدل تملــك ‪ 1,6‬هكتــار‪ ،‬على خالف أمريكــا الشــمالية الــتي يصــل فيهــا هــذا المعــدل إلى حــوالي‬

‫‪ 121‬هكت ــارا‪ ،‬وه ــو م ــا يح ــول دون اس ــتعمال الوس ــائل العص ــرية في مج ــال الفالح ــة نظ ــرا لك ــون تكلف ــة‬

‫شرائها مرتفعة مقارنة مع المساحة التي سيستغلها الفالح اإلفــريقي‪ .625‬باإلضــافة إلى التبــاين الشــديد في‬

‫توزيع الـدخول وعـدم قــدرة األسـر على الحصــول على المـواد الغذائيـة الكافيـة نتيجـة عـدم كفايـة الـدخول‪،‬‬

‫فال يزال االقتصاد غير الرسمي يشـكل نسـبة تـتراوح بين ‪ %60‬إلى ‪ %70‬من اإلنتـاج المحلي بإفريقيـا‪،‬‬

‫وهــو مــا يعــني غيــاب الحمايــة االجتماعيــة‪ ،‬وســيادة األجــور غــير العادلــة‪ ،626‬وتنعكس هــذه المشــكلة على‬

‫زي ــادة مع ــدالت األطف ــال تحت الخامس ــة ال ــذين يع ــانون من س ــوء التغذي ــة‪ ،‬فعلى س ــبيل المث ــال تص ــل تل ــك‬

‫النســبة إلى حــوالي ‪ %33‬في كينيــا‪ .‬وال تقتصــر المشــكلة على انخفــاض الــدخول فقــط‪ ،‬وإ نمــا هنــاك أيضــا‬

‫مشكلة ارتفاع أسعار السلع الغذائية الــتي أســهمت في تــدهور القـوة الشــرائية للفقـراء‪ ،627‬ففي ســنة ‪2008‬‬

‫أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى ارتفـاع أعـداد الفقـراء في العــالم بزيــادة ‪ 100‬مليــون نســمة أغلبهم‬

‫بالقارة اإلفريقية‪ .‬واألخطر من ذلك أن التوجه الحالي للفالحة بإفريقيا مبني على التحفيزات التي تقــدمها‬

‫‪ - 623‬وانغاري ماثاي‪ ،‬إفريقيا والتحدي‪ ،‬مرجع السابق‪ ،‬ص ‪.217‬‬


‫‪ - 624‬سمر حسن الباجوري‪" ،‬مشكلة انعدام األمن الغذائي في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪625‬‬
‫‪- KPMG, Agriculture in Africa,op,cit, p 4.‬‬
‫‪ - 626‬االفتتاحية‪" ،‬إفريقيا وحلم التنمية"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العدد الخامس عشر‪ /‬محرم – ربيع ‪1434‬هـ‪ ،‬يناير‪ -‬مارس ‪2013‬م ‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪ - 627‬سمر حسن الباجوري‪" ،‬مشكلة انعدام األمن الغذائي في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.37‬‬

‫‪328‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ال ــدول اإلفريقي ــة للفالحين‪ .628‬مم ــا يع ــني أن بعض الفالحين س ــيتخلون عن الفالح ــة بمج ــرد تراج ــع ه ــذه‬

‫التحفيزات‪.‬‬

‫وتبقى من أهم التح ــديات ال ــتي تواج ــه الق ــارة اإلفريقي ــة في مج ــال الزراع ــة‪ ،‬هي اله ــوة العلمي ــة‬

‫والتكنولوجية التي تفصل بين الزراعة في إفريقيا والزراعة في بقية العالم‪ ،‬التي تتزايد بسبب عدم كفاية‬

‫مؤسســات العلم والتكنولوجيــا في القــارة والنقص في تمويلهــا‪ ،‬وكــذا التغــيرات الســريعة في البيئــة الدوليــة‬

‫لبحوث التكنولوجيا الحيوية وفي البحـوث الزراعيـة التابعـة للقطـاع الخـاص‪ .‬كمـا أن اسـتقدام الفـرص من‬

‫األقــاليم األخـرى ومن منـاطق أخـرى في القـارة نفسـها تعترضــه عوائـق كثـيرة بسـبب الخصخصــة وأوجـه‬

‫عدم التجانس التي تتميز بها البيئات الزراعية اإلفريقية‪ .‬ويقترن ذلك بسوء المناخ نسبيا وبضعف قاعــدة‬

‫الموارد وارتفـاع الضـغوط الواقعـة على اإلنتاجيـة‪ ،‬ممـا يجعـل هـذا اإلقليم بحاجـة إلى المزيـد من البحـوث‬

‫وليس التقلي ــل منه ــا‪ ،‬وليس من ش ــأن تح ــديات إدارة الم ــوارد الطبيعي ــة وتغ ــير المن ــاخ وتن ــامي المخ ــاطر‬

‫المرتبطة بالمناخ‪ ،‬إال أن تضاعف من أهمية هذا العامل الحاسم‪.629‬‬

‫إن تطوير القطاع الفالحي بالقارة اإلفريقية يجب أن ينطلق من عنصريين أساسين‪:‬‬

‫أوال‪ :‬اس ــتعمال المس ــاحات غ ــير المزروع ــة الص ــالحة للزراع ــة؛ فإفريقي ــا تع ــد من المن ــاطق ال ــتي‬

‫تتــوفر على أراضــي شاســعة صــالحة للزراعــة ولكن غــير مســتعملة لحــد اآلن‪ .‬حيث هنــاك تقــديرات تؤكــد‬

‫أن أكــثر من ‪ %60‬من األراضــي الصــالحة للزراعــة وغــير المســتغلة توجــد بإفريقيــا جنــوب الصــحراء‪،‬‬

‫فمثال بجمهوريــة الكونغــو الديمقراطيــة أقــل من ‪% 10‬من األراضــي الصــالحة للزراعــة تســتغل حاليــا‪.‬‬

‫أيضــا في الســودان قبــل أن تنقســم ال تتجــاوز نســبة األراضــي المزروعــة ‪ %16‬من مجمــوع األراضــي‬

‫الصــالحة للزراعــة بهــذا البلــد ســنة ‪ .6302009‬كمــا أنهــا (أي القــارة اإلفريقيــة) تتــوفر على منــاخ مناســب‬

‫للزراعة باإلضافة إلى كميات كبيرة من المياه‪.‬‬

‫‪628‬‬
‫‪- KPMG, Agriculture in Africa,op,cit, p 3.‬‬
‫‪ - 629‬مصرف التنمية اإلفريقي و الصندوق الدولي للتنمية الزراعية‪ ،‬السياق المتغير للتنمية الزراعية والريفية في إفريقيــا وآفاقهــا‪ ،‬يوليـو ‪،2008‬‬
‫ص ‪.16‬‬
‫‪630‬‬
‫‪- KPMG, Agriculture in Africa, op,cit, p 3.‬‬

‫‪329‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ثاني ــا‪ :‬تحسـ ــين إنتاجيـ ــة القطـ ــاع الفالحي‪ ،‬عن طريـ ــق المكننـ ــة واسـ ــتعمال طـ ــرق الـ ــري الحديثـ ــة‪،‬‬

‫باإلضـ ــافة إلى تكـ ــثيف اسـ ــتعمال األسـ ــمدة لتخصـ ــيب األراضـ ــي‪ ،‬واالنفتـ ــاح على التكنولوجيـ ــة الفالحيـ ــة‬

‫الحديثة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدول المتنافسة وتزايد حاجاتها للثروات الطبيعية‬

‫اتسـ ــم العقـ ــد األخـ ــير بتزايـ ــد الطلب العـ ــالمي على الـ ــثروات المعدنيـ ــة والفالحيـ ــة‪ ،‬نتيجـ ــة التقـ ــدم‬

‫التكنولوجي‪ ،‬وتطور الحركة الصناعية بالقوى الصـاعدة‪ ،‬فهـذه القـوى تـوجهت لبنـاء بنيـات تحتيـة كبـيرة‬

‫مم ــا أدى إلى ارتف ــاع اس ــتهالكها لل ــثروات المعدني ــة‪ ،‬ح ــتى أص ــبحت الص ــين مثال المس ــتورد والمس ــتهلك‬

‫األول للعديــد من المعــادن‪ ،‬على الــرغم من أن القــوى المتقدمــة مــا زالت تعتــبر من أهم المســتهلكين على‬

‫المستوى العـالمي للمعـادن (الفقـرة األول)‪ ،‬ونظـرا لكـون القـارة اإلفريقيـة تعـد مسـتودعا للمـوارد الطبيعيـة‬

‫األولية التي تحتاجها الدول المتقدمـة والصـاعدة لتطـوير صـناعاتها المحليـة‪ ،‬أصـبحت هـذه القـارة مسـرحا‬

‫للتنافس بين هذه القوى للحصول على ثرواتها المعدنية‪ ،‬غير أن رهان هذا التنافس لم يعد يقتصــر على‬

‫هذا المجال فقط‪ ،‬بل تعداه إلى شراء األراضي الصـالحة للزراعـة بهـذه القـارة لزراعتهـا‪ ،‬سـواء من أجـل‬

‫الوفاء بالمتطلبات الغذائية لشعوب القوى المتنافسة‪ ،‬أو إلنتاج الطاقة (الفقرة الثانية)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تزايد حاجيات الدول المتنافسة في إفريقيا للثروات المعدنية‬

‫عــرف الطلب على المــوارد المعدنيــة خالل األربــع عقــود األخــيرة ارتفاعــا كبــيرا‪ ،‬بحيث انتقــل‬

‫من ‪ %1‬إلى ‪ %2‬خالل سنوات الثمانينات والتسعينات من القـرن الماضــي‪ ،‬لكن مـع بدايـة القـرن الحـالي‬

‫ســيعرف تزايــد الطلب على المــواد المعدنيــة في جــل أنحــاء العــالم تزايــدا مهمــا‪ .‬فمثال اإلنتــاج العــالمي من‬

‫الفوالذ الخام ارتفع من ‪ %1‬ما بين ‪ 2000-1990‬إلى ‪ %6,8‬مـا بين ‪2000‬و ‪ .2007‬وهـذا االرتفـاع‬

‫راجع إلى النمو الصناعي والتمدن الذي بدأت تعرف العديد من القــوى الصــاعدة كالصــين‪ .‬فهــذه األخــيرة‬

‫أصبحت تمثل اقتصادا مهما من حيث إنتاج المواد المصنعة في العالم‪ ،‬فقد تضاعفت حصــة إســهامها في‬

‫‪330‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اإلنت ـ ــاج الع ـ ــالمي لتبل ـ ــغ ‪ %12‬م ـ ــا بين ‪ ،2005-1995‬مم ـ ــا أدى إلى تض ـ ــاعف طلبه ـ ــا على األلم ـ ــنيوم‬

‫والنحــاس والزنــك‪ ،‬في مــا زاد طلبهــا بثالث مــرات على الرصــاص وأربــع مــرات على النيكــل‪ .‬كمــا أنــه‬

‫خالل هــذه المرحلــة ارتفعت وارداتهــا من الحديــد ثالث مــرات‪ ،‬إذ قفــزت من ‪ %16‬إلى ‪ %48‬وهــو مــا‬

‫يشكل ‪ %32‬من الطلب العالمي على الفوالذ الخام‪.631‬‬

‫وإ ذا كـ ــانت معـ ــدالت اسـ ــتهالك المعـ ــادن ارتفعت في كـ ــل من الصـ ــين والهنـ ــد والبرازيـ ــل خالل‬

‫العقــدين األخ ــيرين‪ ،‬فالوالي ــات المتح ــدة األمريكي ــة م ــا زالت تعت ــبر المس ــتهلك األساس ــي لج ــل المع ــادن في‬

‫العالم حسب االستهالك الفردي كما يوضحها الجدول أسفله‪.‬‬

‫االستهالك الفردي ألهم المعادن ب ‪ kg‬سنة ‪2010‬‬ ‫الجدول رقم ‪:13‬‬

‫الواليات المتحدة‬ ‫اليابان‬ ‫كوريا الجنوبية‬ ‫البرازيل‬ ‫الهند‬ ‫الصين‬ ‫العالم‬ ‫‪En kg/téte‬‬
‫األمريكية‬
‫‪291‬‬ ‫‪506‬‬ ‫‪1020‬‬ ‫‪140‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪445‬‬ ‫‪220‬‬ ‫الفوالذ‬

‫‪0,5‬‬ ‫‪1,6‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪0,4‬‬ ‫‪0,2‬‬ ‫النيكل‬

‫‪4,6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2,9‬‬ ‫‪1,3‬‬ ‫الرصاص‬

‫‪3,0‬‬ ‫‪9,6‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1,6‬‬ ‫‪1,6‬‬ ‫الزنك‬

‫‪5,4‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0,5‬‬ ‫‪5,5‬‬ ‫‪2,7‬‬ ‫النحاس‬

‫‪11,8‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪0,9‬‬ ‫‪10,9‬‬ ‫‪5,1‬‬ ‫ألومنيوم‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Groupe collectif, « l’Afrique et les grands émergents », op,cit, p 66.‬‬

‫وبصفعة عامة فإن توزيع الطلب العالمي على المعادن غير متساو‪ ،‬فإفريقيا ال تشــكل إال نســبة‬

‫ضئيلة‪ ،‬على الرغم من أن طلبها على المعادن ارتفع نسبيا خالل الفترة ما بين ‪ ،2007-2000‬وذلك‬

‫بســرعة أكــثر (‪ )%4,5‬مقارنــة مــع قــارة أمريكــا الالتينيــة (‪ )%3‬في قطــاع الفــوالذ‪ ،‬وبنســبة أقــل من آســيا‬

‫باستثناء الصين واليابان وجمهورية كوريا الجنوبية (‪.)%7,5‬‬

‫‪631‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Groupe collectif, « l’Afrique et les grands émergents », op,cit, p 66.‬‬

‫‪331‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومن المنتظ ـ ــر أن يس ـ ــتمر التوج ـ ــه نفس ـ ــه إلى غاي ـ ــة ‪ 2020‬بحيث يمكن أن ينم ـ ــو مع ـ ــدل طلب‬

‫إفريقي ـ ــا على الف ـ ــوالذ بنس ـ ــبة ‪ %4‬س ـ ــنويا‪ ،‬وأمريك ـ ــا الالتيني ـ ــة ‪ %2‬وآس ـ ــيا ‪ %6‬ب ـ ــدون الص ـ ــين والياب ـ ــان‬

‫وجمهوريــة كوريــا الجنوبيــة‪ .‬أمــا االتحــاد األوروبي فهــو يســتهلك ‪ %20‬تقريبــا من الطلب العــالمي على‬

‫المعادن‪ ،‬أغلبها مستوردة من الخارج‪.632‬‬

‫إن الطلب على المعادن مرتبط بشكل قوي بالتنمية االقتصـادية‪ ،‬ومن نتـائج تزايـد طلب القـوى‬

‫الصــاعدة على المعــادن ارتفــاع أســعار هــذه المــواد وتكــثيف االســتثمارات في هــذا القطــاع ابتــداء من ســنة‬

‫‪ ،2003‬وهذا االتجاه هو الـذي سـيكون سـائدا خالل السـنوات القادمـة‪ ،‬نظـرا لتزايـد التصــنيع الـذي تعرفــه‬

‫الق ــوى الص ــاعدة خاص ــة الص ــين‪ ،‬ال ــتي أدت إلى ارتب ــاك الق ــوى المتقدم ــة‪ ،‬الش ــيء ال ــذي أدى إلى تزاي ــد‬

‫االهتمام والتنافس من أجل تأمين حاجياتها من الموارد المعدنية االستراتيجية‪.633‬‬

‫فــالنمو االقتصــادي الــذي عرفتــه الصــين أدى إلى إعــادة هيكلــة التجــارة الدوليــة للمعــادن‪ ،‬فقيمــة‬

‫وارداتهــا من المعــادن والمــواد الخــام تزايــدت بعشــرة أضــعاف مــا بين ‪ ،2010-2000‬من ‪ 17,2‬مليــار‬

‫إلى ‪ 171,7‬ملي ـ ــار دوالر‪ ،‬أم ـ ــا من حيث الحجم فق ـ ــد نمت ه ـ ــذه ال ـ ــواردات س ـ ــبع م ـ ــرات‪ ،‬إذ انتقلت من‬

‫‪ 109,1‬مليون طن إلى ‪ 720,9‬مليون طن‪ .634‬جاء ذلك نتيجــة تزايــد اســتهالكها للعديــد من المعــادن منــذ‬

‫ســنة ‪ :1980‬كالنحــاس واأللمــنيوم والزنــك والنيكــل والرصــاص الــتي من المتوقــع أن يســتمر تزايــد طلب‬

‫الصين عليها مستقبال‪ ،‬كما يوضحها المبيان أسفله‪.‬‬

‫‪632‬‬
‫‪- Commission économique pour l’Afrique, Union Africaine, Les ressources minérales et le développement‬‬
‫‪de l’Afrique rapport Groupe d’études international sur les régimes miniers de l’Afrique, op,cit, p 24-25.‬‬
‫‪633‬‬
‫‪- Ibid, p 47.‬‬
‫‪634‬‬
‫‪- Bernice LEE, Felix PRESTON, Jaakko KOOROSHY, Rob BAILEY and Glada LAHN, Resource Futures a‬‬
‫‪Report Chathom House , Chathom House, London, December 2012, p 26.‬‬

‫‪332‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تطور نسبة استهالك الصين لبعض المعادن األساسية خالل الفترة ما بين ‪2020-1980‬‬ ‫المبيان رقم ‪:36‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪- Bernice LEE, Felix PRESTON, Jaakko KOOROSHY, Rob BAILEY and Glada LAHN,‬‬
‫‪Resource Futures a Report Chathom House, Chathom House, London, Décembre 2012.‬‬
‫‪P 18.‬‬
‫إجم ـ ــاال فم ـ ــا بين ‪ 2010-2001‬زادت حص ـ ــة واردات ال ـ ــدول الص ـ ــاعدة من المع ـ ــادن حس ـ ــب‬

‫الم ــواد‪ ،‬إذ انتقلت من ‪ %18‬إلى أك ــثر من ‪ %52‬من إجم ــالي ال ــواردات العالمي ــة للمع ــادن‪ ،‬على ال ــرغم‬

‫من أن ال ــواردات الهندي ــة والبرازيلي ــة تبقى ض ــعيفة مقارن ــة م ــع ال ــواردات الص ــينية‪ .‬فالص ــين أص ــبحت‬

‫المس ـ ـ ــتورد األول عالمي ـ ـ ــا ألغلب المع ـ ـ ــادن باس ـ ـ ــتثناء النح ـ ـ ــاس‪ .‬فهي تس ـ ـ ــتورد ‪ %98‬من حاجياته ـ ـ ــا من‬

‫كمـ ــا‬ ‫‪635‬‬


‫الكوبـ ــالت‪ ،‬و‪ %97‬من الكـ ــروم‪ ،‬و‪ %94‬من البالتين‪ ،‬و‪84‬النحـ ــاس‪ ،‬و‪ %78‬من المنغنـ ــيزيوم‪.‬‬

‫تعتبر المستهلك األول للنيكل والنحاس المكـرر (‪ %(30‬واألليمـنيوم الخـام (‪ ،)%40‬والرصـاص المكـرر‬

‫(‪ ،)%45‬والحديـد (‪ .636)%60‬كمـا تجـدر اإلشـارة إلى تزايـد الطلب العـالمي على معـدن الصــلب بــنسبة‬

‫‪ %3,2‬مـا بين ‪ ،2013-2012‬وهـذا راجـع أساسـا إلى التوجـه اآلسـيوي إلنشـاء بنيـات تحتيـة‪ ،‬باإلضـافة‬

‫إلى تزايد أنشطة البناء والتشييد بهذه القارة‪ ،‬خصوصا في الصين الـتي أصـبحت تعتـبر الرائـد في الطلب‬

‫‪635‬‬
‫‪- Groupe collectif, « l’Afrique et les grands émergents », op, cit, p 57.‬‬
‫‪636‬‬
‫‪- Ibid, p 58.‬‬

‫‪333‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫على هــذه المــادة‪ ،‬فقــد نمــا الطلب الصــيني بنســبة ‪ %6‬ســنة ‪ 2013‬مقارنــة بمعــدل ســنة ‪ 2012‬الــذي بلــغ‬

‫‪ ،%2,9‬في حين انخفض الطلب على هذا المعدن في باقي مناطق العالم األخرى‪.637‬‬

‫إن استهالك الثروات المعدنية تضاعف خالل الثالثين سنة الماضــية بشــكل كبــير‪ ،‬إذ ارتفــع من‬

‫‪39‬ملي ـ ــار طن س ـ ــنة ‪ 1980‬إلى ‪ 67‬ملي ـ ــار طن س ـ ــنة ‪ .2008‬الص ـ ــين وبعض االقتص ـ ــاديات الص ـ ــاعدة‬

‫األخ ــرى ع ــرفت طف ــرة من خالل تح ــديث بنيته ــا التحتي ــة خالل العق ــدين الماض ــيين‪ ،‬مم ــا أدى إلى تزاي ــد‬

‫الطلب العــالمي على الــثروات المعدنيــة‪ ،‬وبصــفة عامــة فأســيا أصــبحت تســتهلك أكــثر من نصــف المــوارد‬

‫المستخرجة عالميا‪ .‬ففي سنة ‪ 2008‬استهلكت الصــين وحــدها ‪ %30‬من هــذه المــوارد‪ ،‬في حين تســتهلك‬

‫إفريقي ــا وأمريك ــا الالتيني ــة ‪ %7‬و‪ %11‬من ه ــذه الم ــوارد على الت ــوالي‪ .‬أم ــا اس ــتهالك أوروب ــا وأمريك ــا‬

‫الشمالية من هذه المواد فقد عرف تراجعا إلى ‪ %15‬و ‪ %14‬على التوالي‪.638‬‬

‫وبص ــفة عام ــة‪ ،‬ف ــإن الطلب على المع ــادن س ــوف ينم ــو في المس ــتقبل على ال ــرغم من ص ــعوبة‬

‫التوقـ ــع في هـ ــذا المجـ ــال على المـ ــدى البعيـ ــد‪ ،‬فحسـ ــب منظمـ ــة التعـ ــاون والتنميـ ــة االقتصـ ــادية (‪)OCDE‬‬

‫سيرتفع هذا الطلب بـ‪ %250‬مـا بين عـام ‪ 2005‬و ‪ ،2030‬أو بنسـبة ‪ %5,1‬سـنويا خالل الفـترة نفسـها‪.‬‬

‫في حين تؤكـ ــد مؤسسـ ــة ‪ Ellen McArthur Foundation‬أن اسـ ــتخراج المـ ــواد الخـ ــام سـ ــينمو من ‪8‬‬

‫مليــارات طن ســنويا إلى ‪ 11‬مليــار طن بحلــول عــام ‪ 2020‬أي بمعــدل نمــو ‪ %37‬أو ‪ %3,2‬كــل ســنة‪.‬‬

‫وسيعرف الطلب على معدن األلمنيوم نموا مرتفعا تصل نسبته إلى ‪ %4,1‬سنويا‪.639‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التنافس على الثروات المعدنية والفالحية اإلفريقية‬

‫عــرفت قيمــة الصــفقات الموقعــة في مجــال التعــدين بإفريقيــا ارتفاعــا مهمــا خالل العقــد األخــير‪،‬‬

‫فمثال مـ ــا بين ‪ 2012-2007‬انتقلت قيمـ ــة هـ ــذه الصـ ــفقات من ‪ 7,3‬مليـ ــار دوالر سـ ــنة ‪ 2007‬إلى ‪20‬‬

‫‪637‬‬
‫‪- EY, Global steel 2014 planning to profit from opportunity: preparing for future demand, p 4, viewed‬‬
‫‪11/11/2015 at :‬‬
‫‪http://www.ey.com/Publication/vwLUAssets/EY_-_Global_steel_2014/$FILE/EY-Global-steel-2014.pdf.‬‬
‫‪638‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Henrikes KOSCHELl, Sterfqn LINDEMANN, « Resource Efficiency in Developing and Emergion‬‬
‫‪Countries », Kfw-Development research, n° 5, 17th June 2013, p 2.‬‬
‫‪639‬‬
‫‪- Bernice LEE, Felix PRESTON, Jaakko KOOROSHY, Rob BAILEY and Glada LAHN , op,cit, p 15.‬‬

‫‪334‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مليــار دوالر ســنة ‪ 2012‬أي بنســبة نمــو بلغت ‪ %48‬مقارنــة بالســنوات الســبع الســابقة لهــذه الســنة‪ .‬وقــد‬

‫اس ــتحوذت ك ــل من جن ــوب إفريقي ــا والكونغ ــو الديمقراطي ــة على أهم ه ــذه الص ــفقات خالل س ــنة ‪،2012‬‬

‫وأنجـ ـ ــزت أهم ص ـ ـ ــفقة من حيث القيمـ ـ ــة الماليـ ـ ــة بدولـ ـ ــة جنـ ـ ــوب إفريقيـ ـ ــا من طـ ـ ــرف الشـ ـ ــركة ‪Anglo‬‬

‫‪ American‬البريطاني ــة وذل ــك بش ــرائها لش ــركة ‪ De Beers Group‬بقيم ــة مالي ــة بلغت ‪ 5,2‬ملي ــار‬

‫دوالر‪ ،‬كم ــا ه ــو م ــبين في الج ــدول اآلتي‪ ،‬وخالل التس ــع األش ــهر األولى من س ــنة ‪ 2013‬ع ــرفت الق ــارة‬

‫اإلفريقية ‪ 115‬صفقة في هذا المجال بلغت قيمتها المالية ‪ 26‬مليار دوالر‪:‬‬

‫أهم عشر صفقات التعدين المبرمة بإفريقيا سنة ‪2012‬‬ ‫الجدول رقم ‪:14‬‬

‫القيمة المالية‬
‫الدولة المستهدفة‬ ‫موطنها األصلي‬ ‫الشركة المقتنية‬ ‫للصفقة‬ ‫المعدن المستهدف‬
‫(بالمليون دوالر‬
‫جنوب إفريقيا‬ ‫المملكة المتحدة‬ ‫‪Angolo American‬‬ ‫‪5.200‬‬ ‫الماس‬

‫جنوب إفريقيا‬ ‫المملكة المتحدة‬ ‫‪Rio tinto‬‬ ‫‪1.910‬‬ ‫التيتانيوم‬

‫‪Complted Shandong Iron‬‬


‫السيراليون‬ ‫الصين‬ ‫‪1.500‬‬ ‫خام الحديد‬
‫‪and Steel Group Co Ltd‬‬

‫جمهورية الكونغو‬ ‫‪China Minmetals‬‬


‫الصين‬ ‫‪1.283‬‬ ‫النحاس‬
‫الدمقراطية‬ ‫‪Corporation‬‬

‫‪China Guangdong‬‬
‫ناميبيا‬ ‫الصين‬ ‫‪1.271‬‬ ‫اليورانيوم‬
‫‪Nuclear Power Holding‬‬

‫جمهورية الكونغو‬ ‫‪Eurasian Natural‬‬


‫المملكة المتحدة‬ ‫‪1.250‬‬ ‫النحاس‬
‫الديمقراطية‬ ‫‪Resources‬‬

‫‪China Guangdong‬‬
‫ناميبيا‬ ‫الصين‬ ‫‪1.009‬‬ ‫اليورانيوم‬
‫‪Nuclear Power‬‬

‫المملكة المتحدة‬ ‫‪Angolo American‬‬ ‫‪921‬‬ ‫خام الحديد‬

‫جمهورية الكونغو‬ ‫‪Eurasian Natural‬‬


‫المملكة المتحدة‬ ‫‪550‬‬ ‫النحاس‬
‫الديمقراطية‬ ‫‪Resources‬‬

‫‪335‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الكوت ديفوار‬ ‫مصر‬ ‫‪Weather Investments II‬‬ ‫‪494‬‬ ‫الذهب‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Export Credit Insurance Corporation of South Africa soc ltd, TRADE AND‬‬
‫‪INVESTMENT OPPORTUNITIES IN AFRICA The Natural Resources Sector,‬‬
‫‪p23, viewed 15/11/2015 AT:‬‬
‫‪http://www.ecic.co.za/useruploads/files/ECIC%20Trade%20&%20Investment‬‬
‫‪%20-%20090414%20New.pdf.‬‬
‫ومـ ــا يمكن تأكيـ ــده هـ ــو هيمنـ ــة الشـ ــركات المتعـ ــددة الجنسـ ــيات على االسـ ــتثمار في الصـ ــناعات‬

‫التعديني ــة بإفريقي ــا‪ ،‬فحص ــتها ت ــزداد بش ــكل مس ــتمر نظ ــرا لك ــون كلف ــة اإلنت ــاج منخفض ــة بالق ــارة اإلفريقي ــة‬

‫مقارنــة مــع الــدول المتقدمــة‪ ،‬فــأكثر من ‪ 200‬شــركة أســترالية تعمــل على تنفيــذ أكــثر من ‪ 625‬مشــروعا‬

‫عـبر ‪ 37‬دولـة إفريقيـة‪ .‬والمبيـان أسـفله يوضــح أن بريطانيـا اسـتثمرت‪ 4,1‬مليـار دوالر مـا بين ‪-2010‬‬

‫‪ 2012‬بإفريقيا في مجـال المعـادن متبوعـة بكـل من الصــين وأسـتراليا اللـتين اسـتثمرتا ‪ 4‬مليـار دوالرات‬

‫و ‪ 2,6‬مليار دوالر على التوالي‪ ،‬في حين تبقى االســتثمارات الكنديــة في هــذا المجــال بإفريقيــا هي األقــل‬

‫قيمة خالل الفترة نفسها‪.‬‬

‫استثمارات الدمج واالستحواذ السنوية في الصناعة التعدينية بإفريقيا حسب أصل الشركات التي أنجزت هذه‬ ‫المبيان رقم ‪:37‬‬

‫العمليات‬

‫ا‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪336‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪-‬‬ ‫‪Export Credit Insurance Corporation of South Africa soc ltd, TRADE AND‬‬
‫‪INVESTMENT OPPORTUNITIES IN AFRICA The Natural Resources Sector,‬‬
‫‪p25. viewed 15/11/2015,‬‬
‫‪http://www.ecic.co.za/useruploads/files/ECIC%20Trade%20&%20Investment‬‬
‫‪%20-%20090414%20New.pdf.‬‬
‫ولـذلك ارتفعت واردات الصــين من مجمـوع الصـادرات المعدنيـة اإلفريقيـة من ‪ %7‬إلى ‪%39‬‬

‫م ــا بين ‪2000‬و ‪ .2009‬بخالف الهن ــد ال ــتي ع ــرفت وارداته ــا من المع ــادن اإلفريقي ــة ارتفاع ــا طفيف ــا من‬

‫‪ %2‬إلى ‪ %5‬س ــنة ‪ .2009‬أم ــا واردات البرازي ــل من ه ــذه الم ــوارد اإلفريقي ــة فتبقى ض ــعيفة‪ .‬في حين‬

‫عــرفت واردات االتحــاد األوروبي خالل الفــترة نفســها من الص ــادرات المعدنيــة اإلفريقيــة تراجعــا كبــيرا‬

‫بحــوالي النصــف‪ ،‬إذ انخفضــت من نســبة ‪ %47‬من مجمــوع الصــادرات المعدنيــة اإلفريقيــة ســنة ‪2000‬‬

‫إلى ‪ %26‬س ـ ــنة ‪ ،2009‬والتوج ـ ــه نفس ـ ــه عرفت ـ ــه واردات الوالي ـ ــات المتح ـ ــدة األمريكي ـ ــة من المع ـ ــادن‬

‫اإلفريقية‪ ،‬فقد انخفضت من ‪ % 13‬من مجموع الصادرات اإلفريقية سنة ‪ 2000‬إلى ‪ %6‬سنة ‪،2009‬‬

‫وذلك نتيجة تزايد واردات القوى الصاعدة من المعادن اإلفريقية خالل العقد األخير‪.640‬‬

‫فمثال في ســنة ‪ 2010‬أصــبحت الصــين من أهم الشــركاء التجــاريين إلفريقيــا جنــوب الصــحراء‬

‫في مج ــال المع ــادن‪ ،‬إذ اس ــتوردت من ه ــذه المنطق ــة خالل ه ــذه الس ــنة أرب ــع م ــرات م ــا اس ــتورده االتح ــاد‬

‫األوروبي منهـ ــا في هـ ــذا المجـ ــال‪ .‬فالصـ ــين بـ ــاتت المسـ ــتورد الخـ ــاص للعديـ ــد من المعـ ــادن اإلفريقيـ ــة‪ ،‬إذ‬

‫اس ــتوردت نس ــبا مهم ــة من مجم ــوع م ــا تص ــدر إفريقي ــا من المع ــادن التالي ــة خالل الفــترة م ــا بين ‪-2001‬‬

‫‪ :2008‬النيوبيـ ـ ــديوم (‪ ،)%95‬والكوبـ ـ ــالت (‪ ،)%80‬والمنغنـ ـ ــيز(‪ ،)%40‬والكـ ـ ــروم(‪ ،)%20‬والحديـ ـ ــد(‬

‫‪.641)%10‬‬

‫أما في سنة ‪ 2011‬فقد سيطرت الصين على حوالي ‪ %17‬من الواردات الدولية للمعادن‪ .‬كما‬

‫أنهــا في ســنة ‪ 2012‬أنفقت ‪ 100‬مليــار دوالر لشــراء المعــادن من ‪ 100‬دولــة حــول العــالم من بينهــا ‪23‬‬

‫‪640‬‬
‫‪- Groupe collectif, « l’Afrique et les grands émergents », op,cit, p59.‬‬
‫‪641‬‬
‫‪- Ibid, p 60.‬‬

‫‪337‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫دولــة إفريقيــة الــتي اشــترت منهــا المعــادن األساســية والنفيســة‪ .642‬وتجــدر االشــارة إلى أن صــعود القــوى‬

‫الدوليــة األخــرى يشــكل مشــكال بالنســبة ألوروبــا؛ إذ أن االتجــاه نحــو تعميــق المبــادالت بين إفريقيــا وهــذه‬

‫القــوى يتم على حســاب تراجــع الشــركاء التقليــدين للقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬فمثال خالل الفــترة مــا بين ‪-2005‬‬

‫‪ 2010‬في مجال المعادن والبترول‪ ،‬فإنه بقدر ما تراجعت واردات أوروبا وأمريكــا الشــمالية من إفريقيــا‬

‫في هذين القطـاعين‪ ،‬تزايـدت واردات القـوى األسـيوية واإلفريقيـة األخـرى من الـدول اإلفريقيـة المصـدرة‬

‫لهذه الثروات‪.643‬‬

‫ولق ـ ــد ع ـ ــانت إفريقي ـ ــا من العدي ـ ــد من المواجه ـ ــات األك ـ ــثر شراس ـ ــة لوض ـ ــع الي ـ ــد على ال ـ ــثروات‬

‫الطبيعية‪ ،‬بدءا بالذهب أو األلمـاس‪ ،‬والبالتين والفضـة والخشـب أو سـواها من النحـاس والنيكـل والتيتـان‬

‫والخشــب والكاكــاو‪ ،‬ففي أنغــوال وليبيريــا وســيراليون والكونغــو الديمقراطيــة والســودان والكــوت ديفــوار‬

‫وجمهوريــة الكونغــو والصــومال‪ ،‬دارت معــارك قتاليــة حــول بعض هــذه المعــادن‪ ،‬مخلفــة وراءهــا معانــاة‬

‫كثيرة لشعوب هذه الدول‪ ،‬ما زالت مستمرة إلى اليوم من قتل وتشريد‪.644‬‬

‫وحس ــب جــيرمي كينــان ف ــإن األبع ــاد الدولي ــة للح ــرب والنزاع ــات ال ــتي تعرفه ــا منطق ــة الس ــاحل‬

‫والصحراء اإلفريقيـة حاليـا تعتـبر األشـد تعقيـدا‪ ،‬إذ أن مـا يجـري في هـذه المنطقـة هـو إنشـاء تنظيم قاعـدة‬

‫غ ــربي لتلبي ــة حاج ــات الغ ــرب‪ :‬حاج ــات الوالي ــات المتح ــدة؛ ألن "اإلره ــاب" في الس ــاحل اإلف ــريقي ي ــبرر‬

‫القيادة العسكرية األمريكية إلفريقيا التي أنشأتها؛ وللدول األوروبية الكبرى‪ ،‬وال سيما فرنسا‪ ،‬ألنــه يــبرر‬

‫تدخل الغرب في الممر الساحلي الغني بالمعادن‪ ،‬وال يهم إن كان هذا التدخل فرنسيا أمريكيا‪ ،‬أو فرنســيا‬

‫أوروبيــا أو االثــنين معــا‪ ،645‬واألخطــر من ذلــك كلــه‪ ،‬مــا يتم الكشــف عنــه بين الفينــة واألخــرى من وثــائق‬

‫تظهــر تــآمر الغــرب مــع قيــادات بعض الــدول اإلفريقيــة على دفن بعض مخلفــات المعــادن بعــد تصــنيعها‪،‬‬
‫‪642‬‬
‫‪- KPMG, Mining in Africa towards 2020, op, cit, p 4.‬‬
‫‪643‬‬
‫‪- Bruno HELLENDORFF, L’initiative « matières premières » de l’Union européenne : quel impact sur‬‬
‫‪les relations avec l’Afrique, op,cit, p 14.‬‬
‫‪ - 644‬دومينيك فيدال‪" ،‬نزاعات وجيوسياسة جديدة"‪ ،‬في كتاب‪ :‬أوضاع العالم ‪ 2013‬حقائق القادة واألسباب الحقيقية للتوترات في العالم‪ ،‬مؤسسة‬
‫الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2013‬ص ‪.87‬‬
‫‪- Bruno HELLENDORFF, Ressources naturelles, conflits et construction de la paix en Afrique de l’Ouest,‬‬
‫‪Groupe de recherche et d'information sur la paix et la sécurité (GRIP), 2012/7, p 7.‬‬
‫‪ - 645‬جيرمي كنان‪" ،‬إرهاب وانعدام األمن في الساحل اإلفريقي‪ :‬درس في التزوير الجغرافي السياسي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.348‬‬

‫‪338‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫خصوصــا المــواد النوويــة والكيماويــة الخطــيرة‪ ،‬الــتي تســبب في اإلصــابة بــاألمراض المستعصــية‪ ،‬مقابــل‬

‫ماليين الدوالرات تقدم باسم دعم المشروعات التنموية واالقتصــادية‪ ،‬وأظهـرت التقـارير عـددا من الـدول‬

‫اإلفريقي ــة ال ــتي تم دفن النفاي ــات فيه ــا‪ ،‬كالك ــاميرون وموزم ــبيق وإ فريقي ــا الوس ــطى والس ــنيغال وموريتاني ــا‬

‫والصومال‪.646‬‬

‫إن االهتم ــام ال ــدولي بالق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬لم يع ــد يقتص ــر على الحص ــول على ال ــثروات الطاقي ــة‬

‫والمعدني ــة‪ ،‬ب ــل هن ــاك اتج ــاه جدي ــد ب ــدأ ي ــبرز في اآلون ــة األخ ــيرة لش ــراء األراض ــي الص ــالحة للزراع ــة‬

‫واإلستحواذ عليها بهذه القارة‪.‬‬

‫وت ــتراوح التق ــديرات اإلجمالي ــة‪ ،‬الهتم ــام الجه ــات األجنبي ــة في حي ــازة األراض ــي الزراعي ــة في‬

‫السنوات األخيرة‪ ،‬ما بين ‪ 14‬إلى ‪ 20‬مليون هكتـار‪ ،‬مـع أن بعض المراقــبين يـرى أن هـذا المقـدار أكـبر‬

‫من ذلك بكثير‪ ،‬وتقع غالبية هذه األراضي في إفريقيا وأمريكا الالتينية‪ ،‬وفي أجزاء من آسيا‪.647‬‬

‫وقـ ــد ركـ ــز أحـ ــد مجـ ــاالت النقـــاش على شـ ــرعية صـ ــفقات شـ ــراء األجـ ــانب لألراضـ ــي‪ ،‬هـ ــل هي‬

‫عمليات حيازة غير قانونية‪ ،‬أم هي عمليات مريبة النـتزاع األراضـي‪ ،‬أم هي عمليـات حيـازة مشـروعة؟‬

‫ويــرى بعض النقــاد أن جميــع عمليــات الحيــازة من طــرف األجــانب هي عمليــات انــتزاع لألراضــي غــير‬

‫قانونية في حد ذاتها‪ ،648‬لذك أكد الدكتور جاك ضيوف المدير العـام لمنظمـة األغذيـة والزراعـة (الفـاو)‪:‬‬

‫"‪ ..‬إن السـ ــباق بين الـ ــدول المسـ ــتوردة للغـ ــذاء على الحصـ ــول على أراض زراعيـ ــة في الـ ــدول األخـ ــرى‬

‫لتعزيــز أمنهــا الغــذائي يهــدد بخلــق نظــام اســتعماري جديــد"‪ ،‬وفي الســياق نفســه حــذرت بعض المنظمــات‬

‫العالميـ ــة من اآلثـ ــار والنتـ ــائج السـ ــلبية لتنـ ــافس المسـ ــتثمرين على شـ ــراء مسـ ــاحات واسـ ــعة من األراضـ ــي‬

‫الزراعية في إفريقيا‪.649‬‬

‫‪ - 646‬بيان صالح حسن‪" ،‬تبديد األوهام‪ :‬األهداف الحقيقة للتداعي على إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ - 647‬هارولد ليفرساج‪ ،‬التصدي لظاهرة "انتزاع األراضي" وتشجيع االستثمار المسؤول في ميدان الزراعة‪ ،‬الصندوق الــدولي للتنميــة الزراعيــة‪،‬‬
‫روما‪ ،‬طبعة يناير ‪ .2011‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 648‬المرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪" - 649‬االستثمار في إفريقيا أمال وتحديات"‪ ،‬مجلة قراءات إفريقية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬شوال ‪1430‬هـ ‪ -‬سبتمبر ‪2009‬م‪ ،‬ص ‪.7‬‬

‫‪339‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وعالوة على ذلـ ــك‪ ،‬يتعين وضـ ــع الموجـ ــة الراهنـ ــة من عمليـ ــات حيـ ــازة األراضـ ــي في السـ ــياق‬

‫الت ــاريخي الن ــتزاع األرض‪ ،‬فق ــد ك ــانت عملي ــة ان ــتزاع األراض ــي عملي ــة مس ــتمرة على امت ــداد ق ــرون من‬

‫االستعمار األجنبي‪ .‬وفي معرض تحليل الزيادة حديثة العهـد في التنـافس على األرضـي الزراعيـة يؤكـد‬

‫هارولد ليفرساج (مستشار في شؤون حيازة األراضي لدى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية) أن هــذه‬

‫الموجة مرتبطـة بالزيـادة السـريعة في النمـو السـكاني العـالمي ومـا يصـاحبها من نقص في قاعـدة المـوارد‬

‫الطبيعيــة لكــوكب األرض‪ .‬ومن المتوقــع أن يــزداد عــدد ســكان العــالم بنحــو ‪ %50‬إبــان الســنوات الثالثين‬

‫المقبلة من حوالي ‪ 6,5‬مليار نسمة إلى ‪ 9,2‬مليار نسمة‪ .‬ومن تم فمن المستبعد أن يتنــاقص الطلب على‬

‫األراضي في المستقبل‪.650‬‬

‫ومنذ األزمة المالية األخيرة وما صاحبها من ارتفاع شديد في أسعار الحبوب‪ ،‬أخــذت المنافســة‬

‫المتزايــدة على األراضــي والميــاه شــكال بــارزا‪ ،‬حيث بــدأ المســتثمرون ســواء من الجهــات الســيادية أو من‬

‫القطــاع التجــاري‪ ،‬في حيــازة مســاحات من األراضــي الزراعيــة في البلــدان الناميــة‪ ،‬وثمــة تنــافس قــائم بين‬

‫استخدام مساحات كبيرة من األراضي المزروعـة في إنتـاج المـواد الخـام من أجـل إنتـاج الوقــود الحيـوي‪،‬‬

‫واستخدامها في إنتاج األغذية‪.651‬‬

‫فمثال تــوجهت العديــد من الــدول لكــراء وشــراء مســاحات مهمــة من األراضــي الزراعيــة بالقــارة‬

‫اإلفريقيـ ــة‪ ،‬لتحقيـ ــق األمن الغـ ــذائي لشـ ــعوبها‪ ،‬وفي هـ ــذا اإلطـ ــار تعتـ ــبر الصـ ــين المسـ ــتثمر األساسـ ــي في‬

‫األراضي الزراعية بإفريقيا‪ ،‬لكونها عرفت صعوبات كبيرة في تـأمين ‪ %95‬من احتياجاتهـا الغذائيـة من‬

‫اإلنتــاج المحلي‪ ،‬وبــذلك شــجعت مقاوالتهــا لالســتثمار في مســاحات زراعيــة شاســعة بالخــارج خصوصــا‬

‫بكل من أنغوال وجمهورية الكونغو الديمقراطية والموزمـبيق وتنزانيـا وزامبيـا والكـاميرون والسـيراليون‪،‬‬

‫لتأمين احتياجاتها من الصوجا‪ ،‬وزيت النخيل‪ ،‬والخشب‪ .‬وفي إطـار اسـتراتيجيتها الوطنيـة الممتـدة على‬

‫‪ - 650‬هارولد ليفرساج‪ ،‬التصدي لظاهرة "انتزاع األراضي" وتشجيع االستثمار المسؤول في ميدان الزراعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪ - 651‬منظمة االغدية والزراعة (‪ ،)FAO‬حالة المـوارد من األراضــي والميــاه في العــالم لألغذية والزراعــة إدارة النظم المعرضــة للخطــر‪ ،‬رومـا‬
‫‪ ،2011‬ص ‪.5‬‬

‫‪340‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مــدى عشــرين ســنة المقبلــة لتحقيــق األمن الغــذائي‪ ،‬عملت الشــركة الصــينية العمالقــة ‪China National‬‬

‫)‪ Cereals, Oils and Foodstuffs Corporation (COFCO‬على شـ ـ ــراء بعض األراضـ ـ ــي‬

‫ب ــالموزمبيق لزراع ــة األرز والص ــوجا‪ .‬كم ــا اس ــتثمرت الحكوم ــة الص ــينية م ــا يق ــارب ‪ 38‬ملي ــون دوالر‬

‫بدجيبوتي وإ ثيوبيا‪ ،‬و‪ 16‬مليون دوالر بالصومال في المجال الفالحي‪.‬‬

‫وفي اإلط ــار نفس ــه اك ــترت ك ــل من اإلم ــارات العربي ــة المتح ــدة وس ــنغافورا وماليزي ــا وجزي ــرة‬

‫موريس وجنـوب إفريقيـا وليبيـا أراضــي زراعيـة بمـالي لضــمان الغـذاء لشـعوبها‪ ،‬كمـا أن كوريـا الجنوبيـة‬

‫اشترت سنة ‪ 100 2010‬ألف هكتار بتنزانيا إلنتاج الزيوت النباتية‪ ،‬والنشا والخمور‪ .‬كما نسجل أيضا‬

‫حضـ ــور الـ ــدول الغربيـ ــة في هـ ــذا المجـ ــال‪ ،‬فمثال المجموعـ ــة البريطانيـ ــة ‪ Agrica‬اسـ ــتثمرت في ‪ 6‬آالف‬

‫هكتار إلنتاج األرز‪ ،‬والشركة األمريكية )‪ Farm Land of Guinea Inc (FLGI‬تشرف على أكثر‬

‫من ‪ 100‬ألف هكتار بغينيا إلنتاج الذرة والصــوجا الموجهـان للتصــدير‪ ،‬كمـا أنهـا تعمـل على استصــالح‬

‫ما يزيد على ‪ 1,5‬مليون هكتار من األراضي في هذا البلد لبيعهـا للمسـتثمرين األجـانب مقابـل حصـولها‬

‫على ‪ %15‬من عائدات البيع‪.652‬‬

‫لقــد أص ــبح األمن الطــاقي بالنســبة لعــدد من الــدول‪ ،‬يشــكل مص ــدر قلــق بشــكل مســتمر في ظــل‬

‫تراجع مصادر الطاقة‪ ،‬وكذا ارتفاع أسعارها‪ ،‬واالضــطرابات السياسـية الـتي أصــبحت تعيشـها العديـد من‬

‫المناطق المنتجـة لهـا‪ ،‬وهـو مـا دفـع عـددا كبـيرا من الـدول إلى االسـتثمار بشـكل غـير مباشـر في الطاقـات‬

‫المتج ــددة ع ــبر الش ــركات الخاص ــة‪ ،‬وخاص ــة في مج ــال المنتج ــات الزراعي ــة ال ــتي يس ــتخرج منه ــا الوق ــود‬

‫الحيــوي‪ ،‬فبعض دول االتحــاد األوروبي اقتنت مســاحات مهمــة من األراضــي الصــالحة للزراعــة بإفريقيــا‬

‫لزراعــة هــذه المنتجــات‪ ،‬وذلــك بهــدف الحصــول على ‪ %10‬من الوقــود المســتعمل في وســائل النقــل الــذي‬

‫سيكون مصـدره هـذه الزراعـات سـنة ‪ .2020‬فمثال الشـركة البريطانيـة ‪ Sun Biofuels‬اقتنت ‪ 80‬ألـف‬

‫‪652‬‬
‫‪- Asiya KHALITOVA, Camille MINO, Charlotte CIABRINI, Elie BERARD, Pierre- Marie DURECU,‬‬
‫‪Investissements sur les terres agricoles en Afrique subsaharienne, Université Lumière Lyon 2 - M2 CHS ,‬‬
‫‪Mars 2012, p 29-30, consulté le 25 /08/2015:‬‬
‫‪https://pierremariedurecu.files.wordpress.com/2013/03/dossier-gc3a9opo.pdf.‬‬

‫‪341‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫هكتــار من إثيوبيــا و‪ 8‬أالف هكتــار بتنزانيــا‪ ،‬و‪ 5‬آالف هكتــار بــالموزمبيق‪ ،‬لزراعــة المنتجــات الزراعيــة‬

‫التي يستخرج منها الوقود الحيوي‪ .‬كما اشترت مجموعة ‪ CAMS Group‬التي يوجد مقرها ببريطانيا‬

‫‪ 45‬أل ــف هكت ــار بتنزاني ــا إلنت ــاج االيث ــانول (‪ )éthanol‬ع ــبر زراع ــة ال ــذرة الس ــكرية‪ .‬وحص ــلت ش ــركة‬

‫أداكس ‪ Addax‬السويسرية على ‪ 20‬ألف هكتار بالسيراليون لزراعة قصب السكر قصد إنتاج اإليثانول‬

‫لألســواق األوروبيــة‪ .653‬وفي اإلطــار نفســه اقتنت كــل من إيطاليــا وإ ســرائيل وفرنســا والبرازيــل وإ ســبانيا‬

‫وجن ــوب إفريقي ــا والص ــين والياب ــان وألماني ــا والبرتغ ــال وكن ــدا وأكراني ــا‪ ،‬مس ــاحات مهم ــة من األراض ــي‬

‫الزراعي ــة في ك ــل من الس ــيراليون وغان ــا والب ــنين ونيجيري ــا والك ــاميرون وأنغ ــوال والكونغ ــو وس ــوازيلند‬

‫والموزمــبيق وتنزانيــا وكينيــا وإ ثيوبيــا‪ ،‬إلنتــاج المــواد الزراعيــة الــتي يســتخرج منهــا الوقــود الحيــوي‪ ،‬كمــا‬

‫توضحه الخريطة أسفله‪.‬‬

‫‪653‬‬
‫‪- Ibid, p31.‬‬

‫‪342‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الخريطة رقم ‪ :5‬الحاالت الموثقة من مشاريع االستحواذ على االراضي الزراعية إلنتاج الوقود الحيوي بإفريقيا‬

‫المصدر‪ :‬بتصرف من الباحث‬

‫‪-‬‬ ‫‪Asiya KHALITOVA,‬‬ ‫‪Camille MINO, Charlotte CIABRINI,‬‬ ‫‪Elie BERARD, Pierre- Marie‬‬
‫‪DURECU,‬‬ ‫‪Investissements‬‬ ‫‪sur‬‬ ‫‪les‬‬ ‫‪terres‬‬ ‫‪agricoles‬‬ ‫‪en‬‬ ‫‪Afrique‬‬
‫‪subsaharienne, op,cit, p 32.‬‬
‫وتجدر اإلشارة‪ ،‬إلى أن االستثمار في شراء األراضي بإفريقيــا لم يعــد مقتصــرا على الشــركات‬

‫المتخصصــة في الصــناعات الغذائيــة والطاقيــة‪ ،‬بــل أصــبحت حــتى الشــركات الماليــة تتجــه لالســتثمار في‬

‫‪343‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫شــراء األراضــي الزراعيــة بهــذه القــارة‪ ،‬كصــناديق الحمايــة االجتماعيــة‪ ،‬وصــناديق المعاشــات‪ ،‬واألبنــاك‬

‫الكب ــيرة‪ .654‬وحس ــب دراس ــة االئتالف ال ــدولي لألرض‪ ،‬ف ــأهم المش ــاريع لش ــراء األراض ــي متوجه ــة نح ــو‬

‫إنت ــاج الوق ــود الحي ــوي بنس ــبة ‪ ،%39‬والمحاص ــيل الغذائي ــة بنس ــبة ‪ ،%29,5‬كم ــا س ــجلت ه ــذه الدراس ــة‬

‫االهتمام بغرس األشجار والمنتوجات الفالحية غير الغذائية‪.655‬‬

‫ومن وجهــة نظرنــا فــإن تزايــد شــراء األراضــي الصــالحة للزراعــة من طــرف األجــانب بالقــارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬من شأنه أن يهدد األمن الغذائي لهذه القارة مستقبال‪ ،‬في ظل التوقعات التي تشير إلى أن عدد‬

‫ســكانها سيتضــاعف إلى مليــاري نســمة ســنة ‪ ،2050‬نظــرا لعــدم تــوفر المعطيــات الدقيقــة حــول الشــروط‬

‫الــتي تتض ــمنها هــذه العقــود‪ ،‬وغيــاب الرؤيــة االســتراتيجية للــدول اإلفريقيــة في توقيعهــا‪ ،656‬ممــا ســيعمق‬

‫الص ــراعات والنزاعــات اإلفريقي ــة‪ ،‬خصوص ــا إذا علمن ــا أن الس ــيطرة على األراض ــي والم ــوارد الطبيعي ــة‬

‫بص ــفة عام ــة تعت ــبر من العوام ــل الرئيس ــة المس ــببة للص ــراع في بعض ال ــدول اإلفريقي ــة ككيني ــا وإ ثيوبي ــا‬

‫وزمبابوي وأوغندا‪.657‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬تداعيات التنافس الدولي في إفريقيا وآفاقه المستقبلية‬

‫ظلت القــارة اإلفريقيــة لقــرون طويلــة الحلقــة األضــعف واألكــثر معانــاة في النظــام الــدولي‪ ،‬حيث‬

‫خضعت لسيطرة القوى االستعمارية األوروبية التي نهبت ثرواتها وقسمتها إلى منـاطق نفـوذ عـبر حـدود‬

‫مصطنعة قطعت أوصال مجتمعاتها‪ ،‬وأوجدت أسبابا للفرقة والخالف فيمـا بينهـا‪ .‬وأمال في تغيـير الواقـع‬

‫اإلفريقي المريــر انطلقت مســيرة التكامــل القـاري واإلقليمي اإلفــريقي منــذ زمن طويــل‪ ،‬وازدادت وتيرتهــا‬
‫‪654‬‬
‫‪- Ibid, p 33.‬‬
‫‪655‬‬
‫‪- Alain KARSENTY et Symphorien ONGOLO, Les terres agricoles et les forêts dans la mondialisation :‬‬
‫‪de la tentation de l’accaparement à la diversification des modèles ?, cahier Demeter, p 101.consulté le‬‬
‫‪12/10/2015 Sur le site :‬‬
‫‪http://agents.cirad.fr/pjjimg/alain.karsenty@cirad.fr/‬‬
‫‪DEMETER_Accaparement_des_terres_et_mondialisation.pdf.‬‬
‫‪656‬‬
‫‪- Florence BRONDEAU, « Les investisseur étrangers à l’assaut des terres agricoles africaines », EchoGéo,‬‬
‫‪N° 14, septembre/novembre 2010. Consulté le 10/09/2015 URL: https://echogeo.revues.org/12008.‬‬
‫‪ - 657‬سبستيان جاتيمو‪" ،‬معضلة مستمرة‪ :‬مشكلة "ملكية األرض" في قارة إفريقيا"‪ ،‬اتجاهات األحداث‪ ،‬العدد ‪ 12‬يوليو ‪ ،2015‬ص ‪.82-80‬‬

‫‪344‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بشــكل ملحــوظ في أعقــاب بدايــة القــرن الحــالي في ظــل تنــامي ظــاهرة العولمــة ومــا أفرزتــه من تحــديات‬

‫عجزت الـدول اإلفريقيـة عن مواجهتهـا بشـكل منفـرد‪ ،‬لـذلك تم االنتقـال من منظمـة الوحـدة اإلفريقيـة إلى‬

‫االتحــاد اإلفــريقي‪ ،‬والمصــادقة على المبــادرة الجديــدة لتنميــة إفريقيــة‪ ،‬واالتجــاه إلى تفعيــل دور العديــد من‬

‫التجمعــات االقتصــادية اإلقليميــة اإلفريقيــة‪ ،‬وإ حــداث أخــرى جديــدة‪ ،‬على الــرغم من كــون هــذه التجمعــات‬

‫وغيرها‪ ،‬ما زالت لم تنجح في تحقيق اآلمال التي كانت معقودة عليها‪ ،‬بل إنهـا لم تـرق إلى مسـتوى أقــل‬

‫الرؤى المطروحة عند إنشائها طموحا‪ .‬فالقارة ما زالت تعج بالصراعات والنزاعات المسلحة بين دولها‬

‫وداخل الدولة الوحيدة‪ ،‬كما أنها عجزت عن تحقيق أغلب األهداف اإلنمائية في الموعد المحـدد لهـا‪ ،‬ممـا‬

‫يوجب من الناحية العملية القيام بالمزيد من الجهد وإ ظهار المزيد من اإلرادة السياسية والجدية التنفيذية‪،‬‬

‫للتقدم في مسيرة تلـك الترتيبـات التعاونيـة والتكامليـة‪ ،‬سـواء على الصــعيدين القـاري أو اإلقليمي (المبحث‬

‫األول)‪.‬‬

‫وإ ذا كــان قــد حصــل بعض التقــدم على صــعيد التكامــل اإلفــريقي وســعي التجمعــات االقتصــادية‬

‫اإلفريقي ــة بس ــرعة مختلف ــة لتنفي ــذ اتفاقي ــة أبوج ــا وإ نش ــاء الجماع ــة االقتص ــادية اإلفريقي ــة‪ ،‬فال ي ــزال إس ــهام‬

‫القــارة اإلفريقيــة في االقتصــاد العــالمي ضــئيال للغايــة‪ ،‬فناتجهــا المحلي اإلجمــالي ال يمثــل ســوى أقــل من‬

‫‪ %2,8‬من النـ ــاتج المحلي اإلجمـ ــالي العـ ــالمي‪ ،‬كمـ ــا أن نصـ ــيب القـ ــارة من التجـ ــارة السـ ــلعية العالميـ ــة ال‬

‫يتجــاوز ‪ %3,27‬ســنة ‪ ،6582013‬تتكــون أغلب صــادراتها من المــوارد الطاقيــة والمعــادن‪ ،‬باإلضــافة إلى‬

‫كــون حريــة تــدفق الســلع والخــدمات ورأس المــال واألفــراد الــتي هي من متطلبــات التكامــل االقتصــادي مــا‬

‫زالت محـدودة داخـل القـارة اإلفريقيـة مقارنـة ببـاقي منـاطق العـالم‪ ،‬ممـا يعـني تـدني مسـتوى االرتبـاط بين‬

‫االقتصــادات اإلفريقيــة على الــرغم من التحســينات المســجلة مــؤخرا‪ ،‬فاالســتثمارات بين الــدول اإلفريقيــة‬

‫زادت في الســنوات األخــيرة باإلضــافة إلى توجــه العديــد من الــدول الصــاعدة لالســتثمار بهــذه القــارة‪ ،‬ممــا‬

‫‪ - 658‬سامي السيد أحمد‪" ،‬خطوات منقوصة‪ :‬التكامل اإلقليمي اإلفريقي‪ ..‬خبرة الماضي آفاق المستقبل"‪ ،‬المركز العربي للبحوث والدراسات‪ ،‬شوهد‬
‫بتاريخ ‪ 2015 /3/12‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.acrseg.org/39227.‬‬

‫‪345‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫خلق منافسة للقوى الغربية في هذا المجال‪ .‬غير أن هذا ال يجب أن يخفي أن نصــيب القــارة من إجمــالي‬

‫تدفقات االستثمار األجنبي المباشر على مسـتوى العـالم مـل زال ضـعيفا لم يتجـاوز ‪ %3,9‬سـنة ‪،2013‬‬

‫مــوازاة مــع اســتمرار اســتنزاف خــيرة عقولهــا البشــرية‪ ،‬واســتمرار معاناتهــا من تــراكم الــديون الخارجيــة‬

‫وفوائدها‪ ،‬واستنزاف أموالها بترحيل رؤوس األمـوال خـارج القـارة بطـرق غـير مشـروعة في العديـد من‬

‫القطاعات االقتصادية التي تستفيد منها بعض الدول المتنافسة في القارة اإلفريقية (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫في ظــل هــذه األوضــاع‪ ،‬وانســجاما مــع الديناميــة الــتي عرفهــا التنــافس الــدولي بالقــارة اإلفريقيــة‪،‬‬

‫ومـا ولـده من رهانـات سياسـية واقتصــادية وأمنيـة بهـا‪ ،‬توجـه المغـرب لتطـوير ودعم عالقاتـه االقتصــادية‬

‫والسياسية مـع العديـد من دولهـا‪ ،‬خصوصـا دول غـرب إفريقيـا‪ ،‬حـتى أصـبح المغـرب المسـتثمر اإلفـريقي‬

‫األول بهــذه المنطقـة‪ ،‬والثــاني على صــعيد القـارة اإلفريقيــة بعــد جنــوب إفريقيــا‪ ،‬غـير أن هــذه العالقــات مــا‬

‫زالت تواجه مجموعة من التحديات والعراقيل التي تستوجب إزالتها لتطويرها والدفع بهــا نحــو المســتقبل‬

‫لتحقيق أكبر قدر من المنفعة المتبادلة‪ ،‬في ظل التوقعات المسـتقبلية المبشـرة بتطـور القـارة‪ ،‬نتيجـة العديـد‬

‫من المقومات التي تتوفر عليها (المبحث الثالث)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الجغرافيا السياسية الجديدة في إفريقيا في عالم متعدد االقطاب‬


‫تميز النصف األخير من القرن العشرين بظهور العديد من التكتالت السياسية واالقتصــادية في‬

‫مختلف قارات العالم‪ ،‬حيث أصبحت من الحقائق المسلم بها في النظام الــدولي الــراهن‪ ،‬وفي هـذا االطــار‬

‫تم تأسيس منظمـة الوحـدة اإلفريقيـة سـنة ‪ ،1963‬وذلـك بهـدف إنهـاء االسـتعمار الغـربي للقـارة اإلفريقيـة‪،‬‬

‫وتحقيق حد أدنى من التكامل السياسي بين دولها‪ ،‬ومع نهاية الحرب الباردة وتغــير المعطيــات السياســية‬

‫واالقتص ــادية العالمي ــة‪ ،‬ونظ ــرا لك ــون المنظم ــة اإلفريقي ــة لم تع ــد ق ــادرة على مس ــايرة ه ــذه التح ــوالت‪ ،‬تم‬

‫التوجـ ــه إلى اسـ ــتبدالها باالتحـ ــاد االفـ ــريقي‪ ،‬والمصـ ــادقة على المبـ ــادرة الجديـ ــدة لتنميـ ــة إفريقيـ ــا (المطلب‬

‫األول)‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وفي الس ــياق نفس ــه‪ ،‬س ــعت ال ــدول اإلفريقي ــة لتك ــوين تكتالت اقتص ــادية على ال ــرغم من ض ــعف‬

‫هياكله ــا االقتص ــادية واعتماده ــا على المع ــامالت الخارجي ــة‪ ،‬وذل ــك به ــدف تقوي ــة أوض ــاعها التفاوض ــية‪،‬‬

‫وتحقي ــق أك ــبر قـــدر من المكاس ــب أم ــام العدي ــد من التكتالت االقتص ــادية الخارجي ــة‪ ،‬حيث أصـــبح الع ــالم‬

‫يعرف في الوقت الراهن العديـد من التكتالت االقتصـادية الخارجيـة‪ ،‬غـير أنهـا مـا زالت تواجـه مجموعـة‬

‫من العوائـ ــق والتحـ ــديات السياسـ ــية واالقتصـ ــادية لتحقيـ ــق التكامـ ــل االقتصـ ــادي بمنـ ــاطق القـ ــارة (المطلب‬

‫الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التكامل السياسي واالقتصادي على مستوى القارة‬

‫عرفت القارة اإلفريقية مع بداية األلفية الثالثة‪ ،‬توجها جديدا في إعـادة تأسـيس مؤسسـات القـارة‬

‫اإلفريقي ــة‪ ،‬في محاول ــة لالس ــتفادة من آلي ــات العولم ــة‪ ،‬لعله ــا تبص ــر طريقه ــا إلى تحقي ــق التق ــدم لش ــعوبها‪.‬‬

‫وهكــذا جــاء االتحــاد اإلفــريقي الحــالي امتــدادا طبيعيــا لفكــرة الوحــدة اإلفريقيــة‪ ،‬المقترحــة من قبــل بعض‬

‫القادة األوائل منذ عهد استقالل الدول اإلفريقيـة؛ تلـك الوحـدة الـتي أخـذت طابعـا محـددا تجسـد في منظمـة‬

‫الوحدة اإلفريقية أنداك؛ والتي عاصــرت مشـاكل القـارة المعقـدة في حقبهـا المختلفـة‪ ،‬ممـا جعـل أداءهـا في‬

‫التكامــل اإلفــريقي لم يتم على الشــكل المطلــوب‪ ،‬خاصــة مــع بــروز النظــام الــدولي الجديــد‪ ،‬ومــا أفــرزه من‬

‫(الفقــرة األولى)‪ ،‬ليعــزز هــذا التوجــه باعتمــاد المبــادرة‬ ‫‪659‬‬


‫تحــديات اقتصــادية وسياســية وأمنيــة على القــارة‬

‫الجديدة لتنمية إفريقيا (نيباد)‪ ،‬التي عملت على تحديد أولويات قطاعية وأطر تنفيذيــة لهــا‪ ،‬لتحقيــق التنميــة‬

‫بالقارة اإلفريقية‪ ،‬وذلك باالستناد على مبدأ تفعيل الشـراكة مـع القـوى الداخليـة‪ ،‬والمجتمـع الـدولي (الفقـرة‬

‫الثانية)‪.‬‬

‫‪ - 659‬إحسان مهدي أحمد‪" ،‬البعد التاريخي للوحدة اإلفريقيـة‪ :‬من منظمـة الوحـدة اإلفريقيـة إلى االتحـاد اإلفـريقي"‪ ،‬في التكامل اإلقليمي في إفريقيــا‬
‫رؤى وأفاق‪ ،‬تحرير محمد عاشور‪ ،‬أحمد سليم‪ ،‬أعمـال المـؤتمر الـدولي األول للشـباب البـاحثين في الشـؤون اإلفريقيـة‪ ،‬المنعقـدة بالقـاهرة‪17-16 ،‬‬
‫أبريل ‪ ،2005‬القاهرة‪ :‬معهد البحوث والدراسات اإلفريقية بجامعة القاهرة‪ ،2005 ،‬ص ‪.46‬‬

‫‪347‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفقرة األول‪ :‬التحول من منظمة الوحدة اإلفريقية إلى االتحاد اإلفريقي‬

‫بعـ ــد نهايـ ــة الحـ ــرب البـ ــاردة‪ ،‬أدت العولمـ ــة االقتصـ ــادية إلى تفـ ــاقم المشـ ــاكل االقتصـ ــادية للقـ ــارة‬

‫اإلفريقية؛ فهي لم تعد تمثل أنـذاك سـوى ‪ %1‬من النـاتج العـالمي و ‪ %2‬من التجـارة العالميـة‪ ،‬وبهـا عـدد‬

‫كب ــير من ال ــدول األق ــل نم ــوا في الع ــالم‪ ،‬ح ــوالي ‪ 33‬دول ــة من ‪ 48‬دول ــة في الع ــالم‪ ،‬وح ــوالي ‪ %40‬من‬

‫سكانها يعيشون تحت خط الفقـر‪ ،‬إلى جـانب اسـتمرار النزاعـات والحـروب الـتي أدت إلى تفـاقم مشـكالت‬

‫الالجئين والنازحين‪.660‬‬

‫أمام هذا الوضع‪ ،‬تزايدت المطالب اإلفريقية بإعـادة هيكلـة المنظمـة‪ ،‬حـتى تتماشـى مـع تحـديات‬

‫العولمة بمظاهرها المختلفة‪ ،‬وهو ما تجلى في ظهـور االتحـاد اإلفـريقي إلى الوجـود بمبـادرة ليبيـة‪ .‬وهـذا‬

‫االتحاد ال يعتبر فكرة جديدة‪ ،‬من حيث األساس الفكري‪ ،‬بل هي فكرة قديمة وإ ن لم تأخذ شـكل الحكومـة‬

‫القاريــة (الواليــات المتحــدة اإلفريقيــة)‪ ،‬الــتي اقترحهــا الــرئيس الغــاني كـوامي نيكرومـا‪ ،‬خالل خمســينيات‬

‫وستينيات القرن الماضي‪ ،‬مع بداية استقالل الدول اإلفريقية‪.661‬‬

‫والحقيقــة أن فكــرة تعــديل ميثــاق منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة‪ ،‬حــتى يتالءم مــع المتغــيرات الدوليــة‪،‬‬

‫الــتي بــدأت تظهــر مــع بدايــة تســعينيات القــرن الماضــي‪ ،‬بــدأت منــذ مــؤتمر القمــة لعــام ‪ ،1989‬حينمــا رأى‬

‫الق ــادة أن المنظم ــة نجحت في قض ــايا التح ــرر الوط ــني وخل ــق البني ــة التحتي ــة للتكام ــل اإلف ــريقي اإلقليمي‪،‬‬

‫على ال ــرغم من الصـــعوبات ال ــتي واجهته ــا‪ ،662‬لكنه ــا لم تتمكن من تحقي ــق التكام ــل االقتصـــادي لتنمي ــة‬

‫الشعوب اإلفريقية‪.‬‬

‫وله ــذا‪ ،‬فتأس ــيس االتح ــاد اإلف ــريقي ج ــاء بع ــد سلس ــلة من الجه ــود اإلفريقي ــة‪ ،‬في إط ــار منظم ــة‬

‫الوحــدة اإلفريقيــة وخارجهــا‪ ،‬لتعــديل صــيغة التكامــل واالنــدماج والتعــاون بين الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬بعــد نحــو‬

‫‪ - 660‬نادية عبد الفتاح‪" ،‬االتحاد اإلفريقي بين األمل والخوف"‪ ،‬في التكامل اإلقليمي في إفريقيــا رؤى وأفــاق‪ ،‬تحريــر محمــد عاشــور‪ ،‬أحمــد ســليم‪،‬‬
‫أعمال المؤتمر الدولي األول للشباب الباحثين في الشؤون اإلفريقية‪ ،‬المنعقـدة بالقـاهرة‪ 17-16 ،‬أبريـل ‪ ،2005‬القـاهرة‪ :‬معهـد البحـوث والدراسـات‬
‫اإلفريقية بجامعة القاهرة‪ ،2005 ،‬ص ‪.184‬‬
‫‪ - 661‬إحسان مهدي أحمد‪" ،‬البعد التاريخي للوحدة اإلفريقية‪ :‬من منظمة الوحدة اإلفريقية إلى االتحاد اإلفريقي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ - 662‬أحمد الرشيدي‪" ،‬االتحاد اإلفريقي‪ :‬دراسة في ضوء قانون المنظمات الدولية"‪ ،‬في إفريقيا والعولمة‪ ،‬تحرير حمدي عبد الرحمان حسن‪ ،‬اعمال‬
‫المؤتمر السنوي األول للدراسات المصرية اإلفريقية‪ ،‬القاهرة ‪ 14-12‬فبراير ‪ ،2004 ،2001‬ص ‪.485‬‬

‫‪348‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أربعـ ــة عقـــود من عمـ ــر المنظمـ ــة‪ ،‬بـ ــات بعـ ــدها الكثـ ــيرون مقتنعين أن المنظمـ ــة لم تعـ ــد قـ ــادرة على تلبيـ ــة‬

‫طموحات الدول اإلفريقية في الوحدة والتقدم‪ ،‬وأنه ال بد من إيجاد أسلوب عمل جديد في هذا الشأن‪.663‬‬

‫وقــد تســارعت األحــداث بهــذا االتجــاه في الســنوات األخــيرة من القــرن العشــرين‪ ،‬وبــدأت أولى‬

‫الخطـ ــوات العمليـ ــة بالخصـ ــوص عنـ ــدما عـــرض القـــذافي على القمـ ــة اإلفريقيـ ــة في الجزائـ ــر في ‪14-12‬‬

‫يوليـ ــوز ‪ 1999‬وثيقـ ــة تتضـ ــمن تعـ ــديل ميثـ ــاق منظمـ ــة الوحـ ــدة اإلفريقيـ ــة‪ ،‬ووجـ ــه دعـ ــوة لرؤسـ ــاء الـ ــدول‬

‫والحكومــات اإلفريقيــة لالجتمــاع في قمــة اســتثنائية‪ ،‬تعقــد بمدينــة ســرت الليبيــة لهــذا الغــرض‪ ،‬وقــد قبلت‬

‫الــدعوة للنظــر في الوثيقــة الليبيــة ومناقشــتها‪ .‬ولقــد كــانت الخطــوة الرســمية إلعالن االتحــاد اإلفــريقي قــد‬

‫جاءت في قمة سرت الثانية بليبيا يومي ‪ 2-1‬مارس ‪.664 2003‬‬

‫وتشير ديباجة القانون التأسيسي لالتحاد اإلفريقي إلى بعض دوافع قيام هذا االتحاد ومنطلقاتــه‬

‫التي اعتمد عليها‪ ،‬وكـذلك بعض االعتبـارات المتعلقـة بقيامـه؛ فمن جهـة‪ ،‬اعتمـد االتحـاد على تحقيـق مثـل‬

‫نبيلـ ــة قديمـ ــة منـ ــذ اآلبـ ــاء المؤسسـ ــين‪ ،‬وهي تعزيـ ــز الوحـ ــدة والتضـ ــامن والتالحم والتعـ ــاون بين الشـ ــعوب‬

‫اإلفريقيــة‪ ،‬والتصــدي للتحــديات الــتي تتعــرض لهــا القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬انطالقــا ممــا يتعــرض لــه العــالم من‬

‫تغيرات مختلفـة (اجتماعيـة واقتصــادية وسياسـية)‪ ،‬ومواجهـة التحـديات الداخليـة الـتي تعيـق تحقيـق التنميـة‬

‫على مستوى القارة‪ ،‬مثل عدم االستقرار السياسي الناتج عن النزاعات والصراعات الداخلية والبينية‪.665‬‬

‫ولتحقيق هذه القيم‪ ،‬طرح االتحاد اإلفريقي مجموعة من األهداف‪ :‬وتـأتي في طليعتهـا األهـداف‬

‫السياسـ ــية المتمثلـ ــة في منـ ــع النزاعـ ــات وتسـ ــويتها بـ ــالطرق السـ ــلمية‪ ،‬وحمايـ ــة واحـ ــترام حقـ ــوق اإلنسـ ــان‪،‬‬

‫باإلض ـ ــافة إلى تعزي ـ ــز المب ـ ــادئ الديمقراطي ـ ــة وس ـ ــيادة الق ـ ــانون والحكم الرش ـ ــيد ورفض التغ ـ ــيرات غ ـ ــير‬

‫الدستورية للحكومات‪ ،‬بل أكثر من ذلك فقد نص القانون التأسيسي لالتحاد على حق التــدخل في شــؤون‬

‫الدول األعضاء تحت ظروف خاصة‪.‬‬

‫‪ - 663‬بشير الكوت‪ ،‬الوحدة اإلفريقية في القــرن العشــرين‪ ،‬ليبيا‪ :‬منشــورات المركــز العــالمي لدراســات وأبحــاث الكتــاب األخضــر‪ ،‬الطبعــة األولى‪،‬‬
‫‪ ،2004‬ص ‪.105‬‬
‫‪ - 664‬بشير الكوت‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪ - 665‬رانيا حسين خفاجة‪" ،‬االتحاد اإلفريقي خطوة جديدة في مسيرة القارة"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،150‬أكتوبر ‪ ،2002‬ص ‪.146‬‬

‫‪349‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫كم ــا أولى الق ــانون التأسيس ــي لالتح ــاد اإلف ــريقي أهمي ــة خاص ــة للج ــوانب االقتص ــادية‪ ،‬من خالل‬

‫ضـ ــرورة تهيئـ ــة الظـ ــروف الالزمـ ــة الـ ــتي تمكن القـ ــارة من أداء دورهـ ــا المناسـ ــب في االقتصـ ــاد العـ ــالمي‬

‫والمفاوضـ ـ ــات الدوليـ ـ ــة‪ ،‬وتعزيـ ـ ــز التنميـ ـ ــة المسـ ـ ــتدامة‪ ،‬من خالل مواءمـ ـ ــة السياسـ ـ ــات بين المجموعـ ـ ــات‬

‫االقتصادية اإلقليمية القائمة والمستقبلية‪ ،‬من أجل التحقيق التدريجي ألهداف االتحاد‪.666‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن قمة لوسكا المنعقدة بتاريخ ‪ 11-9‬يوليوز ‪ 2001‬تحدثت عن ضرورة‬

‫اإلسراع بإقامة الجماعة االقتصادية اإلفريقية‪ ،‬بشكل متواز مـع خطـوات تأسـيس االتحـاد اإلفــريقي‪ ،‬وهـو‬

‫ما يتفق مـع القـانون التأسيسـي لالتحـاد‪ ،‬خاصـة مادتيـه الثالثـة والرابعـة‪ ،‬وذلـك من منطلـق أهميـة التعجيـل‬

‫بتحقيـــق التكامـــل االقتصـــادي اإلفـــريقي‪ ،‬باعتبـــاره االســـتراتيجية المثلى لتعزي ــز جه ــود الق ــارة في مجـــال‬

‫التنمية االقتصادية وتوفير البيئة المالئمة لتحقيقها‪ ،‬في ظل الضغوط والمخاطر التي تفرضها المتغــيرات‬

‫الدوليــة على جهــود اإلصــالح والتنميــة في إفريقيــا‪ ،667‬على الــرغم من أن االتحــاد اإلفــريقي يغلب عليــه‪-‬‬

‫بشــكل كبــير‪ -‬البعــد السياســي في خطابــه حــول التكامــل اإلفــريقي‪ ،‬إذ يركــز بشــكل أساســي على موضــوع‬

‫تحقيق األمن والسلم بالقارة اإلفريقية‪.‬‬

‫تعكس مبادئ االتحاد اإلفريقي وأهدافــه وآلياتــه القبــول الواضــح بالتــدخل المؤسســي القســري في‬

‫شــؤون الــدول األعضــاء عنــد وقــوع ظــروف خطــيرة‪ ،‬مثــل جــرائم الحــرب واإلبــادة الجماعيــة‪ ،‬وهــو أمــر‬

‫يمثـ ــل ترجمـ ــة واسـ ــتجابة لواقـ ــع التجربـ ــة اإلفريقيـ ــة الـ ــتي أثبتت فاعليـ ــة هـ ــذا التـ ــدخل اإلفـ ــريقي في بعض‬

‫الحاالت؛ بما يحول دون التدخل الخارجي الذي ال تحمد عقباه‪.‬‬

‫ل ـ ــذلك عم ـ ــل االتح ـ ــاد اإلف ـ ــريقي على إنش ـ ــاء مجلس للس ـ ــلم واألمن يه ـ ــدف إلى من ـ ــع النزاع ـ ــات‬

‫وإ دارتهــا‪ ،‬وتعزيــز بيئــة الســالم واألمن في القــارة‪ ،‬وإ عــادة تعمــير مــا تــدمره الحــروب‪ ،‬إلى جــانب وضــع‬

‫سياسات الدفاع المشتركة‪ .‬هذا وتتكون أجهزة المجلس من خمسة عشر عضوا يتم اختيارهم على أساس‬

‫األصــوات المتســاوية‪ ،‬إلى جــانب هيــأة للحكمــاء تتكــون من خمس شخصــيات إفريقيــة تختــار من مختلــف‬
‫‪ -666‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬قمة لوساكا ومستقبل االتحاد اإلفريقي"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،146‬أكتوبر ‪ ،2001‬ص ‪.148‬‬
‫‪ - 667‬رنيا حسين خفاجة‪" ،‬االتحاد اإلفريقي خطوة جديدة في مسيرة القارة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.147‬‬

‫‪350‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫فئ ــات المجتم ــع اإلف ــريقي ممن يتمتع ــون ب ــاالحترام‪ ،‬وق ــوة مراقب ــة تتك ــون من عناص ــر مدني ــة وعس ــكرية‪،‬‬

‫قادرة على االنتشار وسرعة التدخل في حاالت الطوارئ والظروف الخطيرة‪.668‬‬

‫وبــالرغم من ذلــك تكشــف التطــورات على الســاحة اإلفريقيــة عن بعض االنتكاســات فيمــا يتصــل‬

‫بااللتزام بمبادئ وأهداف االتحــاد اإلفــريقي‪ ،‬فعلى صــعيد مبــادئ الديمقراطيــة والحكم الجيــد وعـدم اللجــوء‬

‫إلى السـ ــالح لتسـ ــوية الصـ ــراعات أو الوصـ ــول إلى السـ ــلطة‪ ،‬شـ ــهدت السـ ــاحة اإلفريقيـ ــة خروقـ ــات لتلـ ــك‬

‫المبادئ‪ ،‬تمثلت فيما شهدته مناطق مثل‪ :‬إفريقيا الوسطى وغينيا بيساو وشرق الكونغو ومالي ومدغشــقر‬

‫ومصر‪ ،‬من عمليات استيالء غير مشروعة على السلطة‪ ،669‬وإ جماال فقد عرفت القارة اإلفريقيــة أكــثر‬

‫من ‪ 100‬انقالب عسـ ــكري لالسـ ــتيالء على السـ ــلطة منـ ــذ بدايـ ــة اسـ ــتقالل دولهـ ــا خالل خمسـ ــينيات القـ ــرن‬

‫الماضــي‪ .670‬يضــاف إلى ذلــك عمليــات التمــرد المســلح الــتي شــهدتها تلــك المنــاطق وغيرهــا‪ ،‬الــتي تقــوض‬

‫بدورها آليات التنافس السـلمي الديمقراطيـة‪ ،‬وتعلي من مبـدأ اللجـوء إلى القـوة لتحقيـق المطـالب‪ ،‬وهـو مـا‬

‫يكشف في جانب منه عن عجز آليات حفظ السلم واألمن في القارة عن تحقيق غايتها‪.671‬‬

‫علمــا أن العديــد من الحــدود بين كثــير من الــدول اإلفريقيــة شــهدت صــراعات داميــة‪ ،‬والمشــكلة‬

‫هنـ ــا أن االسـ ــتعمار األوروبي رسـ ــم حـ ــدودا بين المسـ ــتعمرات ال تسـ ــتند إلى واق ـ ــع تـ ــاريخي أو إثـ ــني أو‬

‫اقتصــادي‪ ،‬فمثال في منطقــة غــرب إفريقيــا المســتعمرة الفرنســية ســابقا انقســمت إلى عــدة بلــدان صــغيرة‪،‬‬

‫كــانت حــدودها قــد رســمت بطريقـة اعتباطيــة‪ ،‬وكــان حجم هــذه البلــدان صــغيرا بمــا ال يكفي لتكــوين دولــة‪.‬‬

‫وأدت الح ــدود االعتباطي ــة ال ــتي رس ــمها االس ــتعمار إلى خل ــق "ش ــعوب مؤلف ــة من جماع ــات ذات هوي ــات‬

‫متباين ــة‪ -‬وفي الغ ــالب متعارض ــة"‪ ،‬مم ــا ش ــكل خط ــرا على الق ــدرة السياس ــية واالقتص ــادية ل ــدول م ــا بع ــد‬

‫االســتعمار‪ .‬وهكــذا كــانت الــدول اإلفريقيــة الناشــئة حــديثا تعــاني من مشــكلتين هيكليــتين همــا‪ :‬تفتت الهويــة‬

‫السياسية وضعف المؤسسـات الوطنيـة‪ ،‬تسـببتا معـا في منـع تشـكيل أي نظـام حكم وطـني قـوي‪ ،‬وتقـويض‬
‫‪ - 668‬عبد الوهاب عمان شيخ موسى‪ ،‬إفريقيا وتحديات االلفية الثالثة‪ ،‬دار مصحف إفريقيا ‪،‬ص ‪196‬‬
‫‪ - 669‬محمد عاشور مهدي‪ " ،‬بعد نصف قرن من العمل اإلفريقي المشترك االتحاد اإلفريقي‪ ..‬الطموحات والتحديات"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العدد السابع‬
‫عشر‪ /‬رجب‪ -‬رمضان ‪1434‬هـ ‪ -‬يوليو – سبتمبر ‪2013‬م‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ - 670‬بوحنية قوي‪ ،‬الدساتير اإلفريقية‪ :‬الحاجة النتفاضة دستورية وقوانين جديدة‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 2 ،‬مارس ‪ ،2015‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 671‬محمد عاشور مهدي‪ " ،‬بعد نصف قرن من العمل اإلفريقي المشترك االتحاد اإلفريقي‪ ..‬الطموحات والتحديات"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬

‫‪351‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫شديد لشرعية الدولة‪ ،‬وإ فراز نظم سياسية غير مستقرة للغاية ومن الصعب إصالحها‪ ،‬كما أدى االنقســام‬

‫السياسي وضعف الهيئات اإلدارية إلى تقويض المساعي لبنـاء دولـة شـرعية وفعالـة‪ ،‬وحـالت االنقسـامات‬

‫العرقيــة وكــذلك االنقســامات الدينيــة والعشــائرية دون خلــق الهياكــل البيروقراطيــة غــير السياســية (الخدمــة‬

‫المدنيـــة‪ ،‬مؤسســـة القضـــاء‪ ،‬الشـــرطة‪ ،‬الجيش) الـــتي تـــدعمها ايديولوجي ــة تض ــفي الش ــرعية على الســـلطة‬

‫المحايدة للدولة في حفظ النظام العام من خالل اإلجراءات المحددة وسيادة القانون‪.672‬‬

‫كمــا كــان من نتــائج هــذا التكــوين المصــطنع للدولــة ببعض المنــاطق اإلفريقيــة‪ ،‬انــدالع العديــد‬

‫من الحــروب الحدوديــة بين بعض الــدول‪ ،‬وهنــا نشــير إلى الحــرب األخــيرة بين إثيوبيــا وإ ريتريــا‪ ،‬وبين‬

‫ليبي ــا وتش ــاد على إقليم ازواد‪ ،‬وبين الص ــومال وكيني ــا‪ ،‬وإ ثيوبي ــا والص ــومال‪ ،673‬أي أن الق ــارة اإلفريقي ــة‬

‫عرفت انتشارا للصراعات والحروب األهلية واإلقليمية في جـل أرجائهـا بشـكل لم يسـبق لـه مثيـل‪ ،‬سـواء‬

‫من حيث عــدد هــذه الصــراعات‪ ،‬أو عــدد األطــراف المشــاركة فيهــا‪ ،‬أو تشــابك أبعادهــا‪ ،‬أو حجم الخســائر‬

‫المادي ــة والبش ــرية الناجم ــة عنه ــا‪ ،‬وه ــو م ــا يزي ــد من ص ــعوبة احتوائه ــا ومن تم تس ــويتها‪ ،‬في ظ ــل تن ــامي‬

‫ظاهرة التدخل اإلقليمي في الصراعات الداخلية اإلفريقية‪.674‬‬

‫ومن نتائج هذه الصراعات ارتفاع اإلنفاق العسكري في إفريقيــا على حســاب متطلبــات التنميــة‪،‬‬

‫فقد زاد االنفاق العسكري في إفريقيا خالل الفترة مــا بين ‪ 2005-1996‬بنســبة ‪ %49‬إذ انتقــل من ‪8,6‬‬

‫مليار دوالر سنة ‪ 1996‬إلى ‪ 12,7‬مليار دوالر سنة ‪ .6752005‬وتتنــوع مصــادر تــزود القـارة اإلفريقيــة‬

‫باألسـ ـ ــلحة‪ ،‬فـ ـ ــأكثر من عشـ ـ ــرين عضـ ـ ــوا في منظمـ ـ ــة األمن والتعـ ـ ــاون في أوروبـ ـ ــا والصـ ـ ــين وإ سـ ـ ــرائيل‬

‫وجمهوريــات االتحــاد الســوفياتي الســابق‪ ،‬تقــوم بتوريــد األســلحة الناريــة الصــغيرة المحرمــة إلفريقيــا‪ ،‬كمــا‬

‫تزدهر التجارة القانونية في هذا المجال‪ ،‬فقد تجاوزت قيمة مبيعات المملكة المتحدة من األسلحة إلفريقيــا‬

‫‪ - 672‬سان دومينيكو دي فيسولي‪ ،‬التقرير االوروبي حول التنمية ‪ 2009‬التغلب على الهشاشة في إفريقيا صياغة نهج اوروبي جديد‪ ،‬مرجــع ســابق‬
‫ص ‪.53-52‬‬
‫‪ - 673‬البشرى محمد أحمد‪" ،‬الصراع على الموارد‪ :‬أبعاده العالمية واإلقليمية والمحلية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ - 674‬مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية األهرام‪ ،‬التقرير االستراتيجي العربي ‪ ،2008-2007‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2008 ،‬ص ‪.184‬‬
‫‪ - 675‬بيتر ستالنيايم داميا بروشارت‪ ،‬وويي اوميتوغن كتالينا بيردومو‪" ،‬اإلنفاق العسكري"‪ ،‬في كتاب التسلح ونزع السالح واالمن الــدولي الكتــاب‬
‫السنوي ‪ ، 2006‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الدولي‪( ،‬ترجمة حسن حسن‪ ،‬عمر األيوب‪ ،‬رشا جمال‪ ،‬عبــد المنعم‬
‫سمير)‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى نوفمبر ‪ ،2006‬ص ‪.474-453‬‬

‫‪352‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ 125‬مليون جنيه إسترليني (‪ 200‬مليون دوالر) في العام ‪ .2000‬وخالل الفترة بين العــامين ‪ 1998‬و‬

‫‪ 2005‬تجاوزت قيمة مبيعات الواليات المتحدة من األسلحة إلفريقيا ‪ 157‬مليون دوالر‪ ،‬والصــين ‪600‬‬

‫مليــون دوالر‪ ،‬وروســيا ‪ 700‬مليــون دوالر‪ ،‬ودول أوروبــا الغربيــة ‪ 1,2‬مليــار دوالر (باســتثناء فرنســا)‪.‬‬

‫وبلغت قيم ــة مبيع ــات األس ــلحة الفرنس ــية وح ــدها إلفريقي ــا خالل الف ــترة نفس ــها ‪ 900‬ملي ــون دوالر‪ ،676‬و‬

‫تجـ ــدر اإلشـ ــارة إلى أنـ ــه بحلـ ــول ‪ 2005‬تم تكـ ــريس ‪ %75‬من مـ ــوارد األمم المتحـ ــدة (مـ ــوارد بشـ ــرية أو‬

‫ميزانيــات لحفــظ الســالم) للقــارة اإلفريقيــة‪ ،677‬عالوة على كونهــا في ســنة ‪ 2013‬أصــبحت مضــيفة جميــع‬

‫عملي ــات الس ــالم األممي ــة الثماني ــة الجدي ــدة في ه ــذه الس ــنة‪ ،‬وه ــو م ــا جعله ــا متقدم ــة على س ــائر المن ــاطق‬

‫األخرى الستضافتها العدد األكبر من العمليات‪.678‬‬

‫ولقـد فــاقت الزيــادة في اإلنفـاق العســكري في إفريقيــا في ســنة ‪ 2011‬الزيــادات الـتي طــرأت في‬

‫س ــائر من ــاطق الع ــالم األخ ــرى‪ ،‬إذ بلغت ‪ ،%8,7‬أي م ــا يق ــدر بنح ــو ‪ 34,6‬ملي ــار دوالر‪ .‬وزاد اإلنف ــاق‬

‫العس ــكري اإلف ــريقي بنس ــبة ‪ %65‬بين س ــنتي ‪2002‬و ‪ .6792011‬ليص ــل س ــنة ‪ 2012‬إلى ‪ 39,2‬ملي ــار‬

‫دوالر‪ ،680‬وه ــو م ــا يع ــادل أك ــثر من ثل ــثي قيم ــة االس ــتثمارات األجنبي ــة المباش ــرة به ــا خالل الس ــنة نفس ــها‬

‫والتي بلغت ‪ 51,7‬مليار دوالر‪.681‬‬

‫ولقـد حـرص االتحـاد اإلفـريقي على مواجهـة الصـراعات والحـروب المنتشـرة في أرجـاء القـارة‬

‫بوصفها تمثل تهديدا مباشرا لألمن والتنمية في القارة‪ .‬ففي أزمة دارفور بدأ االتحاد في التعامل مع هــذه‬

‫األزمـة اعتبـارا من مـارس عـام ‪ ،2004‬لضـمان عـدم تـدويل األزمـة منـذ تفجرهـا‪ ،‬وعـارض مبـدأ فـرض‬
‫‪ - 676‬وانغاري ماثاي‪ ،‬إفريقيا والتحدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.123‬‬
‫‪ - 677‬شارون ويهارتا‪" ،‬بناء السالم‪ :‬التركيز الدولي الجديد على إفريقيا"‪ ،‬في كتاب التسلح ونزع الســالح واالمن الــدولي الكتــاب الســنوي ‪،2006‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الدولي‪( ،‬ترجمة حسن حسن‪ ،‬عمر األيوب‪ ،‬رشا جمال‪ ،‬عبد المنعم سمير)‪ ،‬بــيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى نوفمبر ‪ ،2006‬ص ‪.255‬‬
‫‪ - 678‬يابر فان دير لين زينيا أفيزور‪" ،‬عمليات السالم في إفريقيا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.170‬‬
‫‪ - 679‬أوالويل اسماعيل وسام بيرلو‪ -‬فريمـان‪" ،‬اإلنفـاق العسـكري في إفريقيـا"‪ ،‬في كتـاب‪ :‬التسـلح ونــزع السـالح واألمن الــدولي الكتــاب السـنوي‬
‫‪ ،2012‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الدولي‪( ،‬ترجمة عمر سعيد األيوب‪ ،‬أمين ســعيد األيــوب)‪ ،‬بــيروت‪ ،‬الطبعــة‬
‫األول أكتوبر ‪ ،2012‬ص ‪.231‬‬
‫‪ - 680‬سام بيرلو‪ -‬فريمان‪ ،‬كارينا سولميرانو‪ ،‬هلين ويالند‪" ،‬التطورات العالميــة في اإلنفــاق العســكري"‪ ،‬في كتــاب ‪ :‬التســلح ونــزع الســالح واألمن‬
‫الدولي الكتاب السنوي ‪ ،2013‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحــاث الســالم الـدولي‪( ،‬ترجمــة عمــر ســعيد األيــوب‪ ،‬أمين ســعيد‬
‫األيوب)‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األول سبتمبر ‪ ،2013‬ص ‪.182‬‬
‫‪681‬‬
‫‪- Banque africaine de développement, Organisation de coopération et développement économique, Programme‬‬
‫‪des nation Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines valeur‬‬
‫‪mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, Éditions, OCDE, Paris 2014, p 55.‬‬

‫‪353‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫عقوب ــات على الس ــودان من ج ــانب مجلس األمن ال ــدولي‪ ،‬كم ــا رك ــز االتح ــاد على الج ــانب اإلنس ــاني من‬

‫األزمـة‪ ،‬فأصــدر قــرارا يـدعو لوقــف القتـال بين جميـع األطـراف‪ ،‬وذلـك قبـل أن يوفــد فريقـا من المراقــبين‬

‫السياسيين للوقوف على األوضاع اإلنسانية‪ ،‬باإلضافة إلى مراقبة وقف إطالق النار‪ ،‬وعقب ذلك أصــدر‬

‫قرارا بإيفاد قوة عسكرية لتوفير الحماية لفريق المراقبين‪ ،‬ثم تطور إلى قرار بتوسيع والية القوة لحماية‬

‫المدنيين‪ ،‬وهو ما يعني بالضرورة زيادة عدد القوة العسكرية التي تقرر إيفادها لإلقليم‪.‬‬

‫وبالنســبة للصــراع في ســاحل العــاج؛ أعــرب االتحــاد عن دعمــه التفــاق الســالم في ســاحل العــاج‬

‫الــذي ترعــاه فرنســا‪ ،‬وهــو مــا يعــني اســتمرار قبــول التــدخل األجنــبي لتســوية القضــايا اإلفريقيــة‪ ،‬كمــا أيــد‬

‫جهود اإليكواس في هذا الصدد من خالل دعمه لقوات "اإليكوموج" التي نشرتها هذه المنظمة في ســاحل‬

‫العاج‪.‬‬

‫أمــا بالنســبة إلقليم البحــيرات العظمى‪ ،‬فقــد أعــرب االتحــاد اإلفــريقي عن دعمــه للمــؤتمر الــدولي‬

‫ح ــول األمن والتنمي ــة في البح ــيرات العظمى‪ ،‬وأك ــد التزام ــه ب ــدعم عملي ــة الس ــالم في ه ــذه المنطق ــة‪ ،‬كم ــا‬

‫أصـدر االتحـاد اإلفـريقي العديـد من القـرارات بشـأن األوضـاع في كـل من الصـومال وبورونـدي وإ فريقيـا‬

‫الوســطى وغينيــا االســتوائية وغينيــا بيســاو وليبريــا وجــزر القمــر ولقــد أســهم بــدور مباشــر وميــداني عــبر‬

‫قــوات إفريقيــة في عمليــات اســتعادة الســلم واألمن في الصــومال عــبر قــوات االتحــاد المعروفــة اختصــارا‬

‫باس ــم "االميس ــو (‪ ")AMISON‬ال ــتي مثلت نقل ــة نوعي ــة في عملي ــات االتح ــاد اإلف ــريقي‪ ،‬حيث تح ــول من‬

‫حاف ــظ للس ــالم إلى ص ــانع ل ــه‪ ،‬على ال ــرغم من التكلف ــة البش ــرية والمادي ــة الكب ــيرة له ــذه النقل ــة في طبيع ــة‬

‫التعامل مع األزمات اإلفريقية التي كانت مثار جدل على الساحة الصـومالية بشـأن أهـدافها وغاياتهـا‪ ،‬في‬

‫ظل هيمنة دول الجوار الصومالي على تركيبة قوات االتحاد اإلفريقي‪.682‬‬

‫إن ض ــعف الق ــدرات التمويلي ــة لالتح ــاد بص ــفة عام ــة‪ ،‬ولعملي ــات حف ــظ الس ــلم واألمن في الق ــارة‬

‫بصفة خاصة‪ ،‬جعلت عمليات االتحاد رهينة بمصادر التمويل‪ ،‬وهو أمر ازداد خطـورة بعـد سـقوط نظـام‬

‫‪682‬‬
‫‪ -‬محمد عاشور مهدي‪ " ،‬بعد نصف قرن من العمل اإلفريقي المشترك االتحاد اإلفريقي‪ ..‬الطموحات والتحديات"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪354‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫القــذافي في ليبيــا وانكفــاء ليبيــا على نفســها في محاولــة بنــاء نظــام مــا بعــد القــذافي‪ ،‬األمــر الــذي أدى إلى‬

‫اتج ــاه المنظم ــة للبحث عن مصـــادر تموي ــل أخ ــرى بديل ــة وش ــراكات دولي ــة لعملياته ــا التنموي ــة واألمني ــة‬

‫بالق ــارة‪ ،‬ف ــأكثر من نص ــف ميزاني ــة االتح ــاد اإلف ــريقي ت ــأتي من خ ــارج الق ــارة‪ ،‬وتس ــهم ال ــدول الغربي ــة‬

‫بالنصيب األكبر فيها‪ ،‬فيما تتقاعس دول إفريقية كثيرة عن تقديم حصتها في هذه الميزانيــة‪ .683‬وهــذا مــا‬

‫يعني في جانب منه القبول بدرجة ما بمصالح تلك القوى في القـارة‪ ،‬وخطـورة اتخـاذ المنظمـة اإلفريقيـة‬

‫غطاء لسياسات تلك القوى ومصالحها غربية كانت أو شـرقية على نحـو مـا تشـير أزمـة مـالي والمصــالح‬

‫الفرنســـية من ناحيـــة‪ ،‬ومن قبلهـــا الصـ ــومال والقـــرن اإلفـــريقي والمصـ ــالح األمريكي ــة من ناحيـــة أخـــرى‪،‬‬

‫خصوصــا إذا أخــذنا في االعتبــار توقيــع االتحــاد اإلفــريقي اتفاقيــات تعــاون مشــترك مــع الواليــات المتحــدة‬

‫األمريكيــة الــتي أصــبح لهــا أول ســفير خــاص لــدى االتحــاد اإلفــريقي من غــير الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وهــو مــا‬

‫يعني مزيدا من الحضور األمريكي في الساحة اإلفريقية‪.684‬‬

‫وفي ظل هذا المناخ يصعب الحديث عن إمكانيات تحقيــق التكامــل السياســي أو االقتصــادي بين‬

‫دول القــارة‪ ،‬أو بنــاء مواقــف جماعيــة موحــدة إزاء القضــايا محــل االهتمــام المشــترك‪ .‬فضــال عن مشــكلة‬

‫تداخل العضوية الـتي تنبـع من اشـتراك الـدول األعضــاء في االتحـاد في عضــوية منظمـات دوليـة أخـرى‪،‬‬

‫مث ــل جامع ــة ال ــدول العربي ــة أو منظم ــة الم ــؤتمر اإلس ــالمي أو الفرانكوفوني ــة‪ ،‬وه ــو م ــا ق ــد يفــرض عليه ــا‬

‫التزامات ربما تتعارض مع التزاماتها في إطار االتحاد اإلفريقي‪.685‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مبادرة نيباد الجديدة لتنمية إفريقيا‬

‫تمث ــل التنمي ــة في إفريقي ــا معض ــلة رئيس ــة إذ فش ــلت معظم الجه ــود المبذول ــة في التغلب عليه ــا‪،‬‬

‫حيث فرضــت على الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬منــذ نيــل اســتقاللها في ســتينيات القــرن الماضــي‪ ،‬تحــديات ومشــاكل‬

‫مزمنـ ــة ومسـ ــتجدة‪ ،‬وإ ذا كـ ــانت المزمنـ ــة معروفـ ــة وتختصـ ــر في ثـ ــالوث الفق ــر والتخلـ ــف والمـ ــرض‪ ،‬فـ ــإن‬

‫‪ - 683‬أمير محمد عبد الحليم‪" ،‬دوافع جولة أوباما اإلفريقية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫‪ - 684‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪27‬‬
‫‪ - 685‬مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية األهرام‪ ،‬التقرير االستراتيجي العربي ‪ ،2008-2007‬مرجع سابق‪.183 ،‬‬

‫‪355‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المستجدة برزت في العقد األخير من القرن العشرين‪ ،‬بعد هيمنة العولمة على المشــهد الــدولي‪ ،‬وأوجــدت‬

‫ضــرورة ملحــة لقيــام تكتالت اقتصــادية وتشــكيل كيــان اقتصــادي وسياســي متكامــل للنهــوض بالتنميــة‪ ،‬من‬

‫هنا جاءت مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيـا (نيبـاد) لتعـبر عن الطموحـات اإلفريقيـة لتحقيـق‬

‫التنمية بهذه القارة‪.‬‬

‫ونشأت هـذه المبـادرة كجـزء من عمليـة تهـدف إلى إعـادة تأسـيس مؤسسـات القـارة اإلفريقيـة في‬

‫محاولــة لالســتفادة من آليــات العولمــة‪ ،‬وتــزامنت نشــأة المبــادرة مــع نشــأة االتحــاد اإلفــريقي الجديــد وتفعيــل‬

‫مــؤتمر األمن واالســتقرار والتنميــة والتعــاون في إفريقيــا‪ ،‬لتعــبر عن رغبــة في إنهــاض القــارة اإلفريقيــة‪،‬‬

‫ووضعها على مسار التنمية المستدامة مع بداية األلفية الثالثة‪.686‬‬

‫من الناحية التاريخية لم تكن مبادرة "نيباد" هي األولى من حيث االهتمام بالبعد التكاملي لتنميــة‬

‫الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬ب ــل هن ــاك مجموع ــة من المب ــادرات الس ــابقة ال ــتي اهتمت بالتنمي ــة االقتص ــادية‪ ،‬ال ــتي تم‬

‫طرحهــا إلخــراج القــارة من تخلفهــا مثــل إعالن منروفيــا ‪ ،1979‬وخطــة عمــل الجــوس ‪ 1980‬ومعاهــدة‬

‫أبوجــا ‪ .1991‬غــير أن كــل هــذه المبــادرات عكســت اإلطــار الهش للتفاعــل من أجــل تحقيــق التنميــة على‬

‫مــدى أربعين عامــا‪ ،‬وفي مواجهــة هــذا الفشــل اتخــذ القــادة األفارقــة مبــادرة جديــدة لمواجهــة اآلثــار الناجمــة‬

‫عن ظاهرة العولمة االقتصادية‪.687‬‬

‫لقــد جــاءت المبــادرة الجديــدة لتنميــة إفريقيــا ثمــرة لســعي حــثيث من جــانب القــادة األفارقــة الجــدد‬

‫للعمل على صياغة مستقبل جديد للقارة مع مطلع األلفية الجديدة‪ ،‬لعلها تنتشلها من براثن أزمتها الراهنة‬

‫الــتي تهــددها بمزيــد من التهميش‪ ،‬في عــالم تتســارع خطــاه نحــو العولمــة في جميــع المجــاالت خاصــة في‬

‫المجال االقتصادي‪.‬‬

‫‪ - 686‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي اإلفريقي ‪ ،2003-2002‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 687‬رين جورج كوام‪ ،‬عرض محمد قنديل‪" ،‬النيباد شراكة من أجل التنمية‪ ..‬وشراكة من أجــل األمن"‪ ،‬أفــاق إفريقيــة‪ ،‬العــدد ‪ ،15‬خريــف ‪،2003‬‬
‫ص ‪.53‬‬

‫‪356‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وهذه المبادرة الجديدة –النيباد‪ -‬التي أقرتها قمة لوساكا ‪ 2001‬تعتــبر دمجــا لمبــادرتين‪ ،‬شــارك‬

‫في صــياغتها أربعــة من القــادة األفارقــة على نحــو مســتقل في أواخــر عــام ‪ ،2000‬وظهــرت إلى الوجــود‬

‫في مستهل عـام ‪ ،2001‬فالمبـادرة األولى أعـدت تحت اسـم "برنـامج األلفيـة إلنعـاش إفريقيـا" "‪ "MAP‬من‬

‫طرف تابو مبيكي رئيس جنــوب إفريقيــا ســابقا باالشــتراك مــع الــرئيس الجزائــري عبد العزيز بوتفليقية‬

‫والــنيجري أبوسانجور‪ ،‬أمــا المبــادرة الثانيــة فهي أعــدت تحت اســم " برنــامج أوميجيــا" "‪ ،"OMEGA‬وقــد‬

‫أعدها على نحو مستقل الرئيس السنغالي عبد اهلل واد‪.688‬‬

‫وبناء على قرار من القمـة االسـتثنائية لمنظمـة الوحـدة اإلفريقيـة سـابقا (االتحـاد اإلفـريقي حاليـا)‬

‫في سرت بليبيا في مارس ‪ ،2001‬تم العمل على إدماج المبــادرتين الســابقتين‪ ،‬وهي مهمــة شــاركت فيهــا‬

‫اللجنــة االقتصــادية اإلفريقيــة التابعــة لألمم المتحــدة بوثيقتهــا المســماة "التعاهــد العــالمي الجديــد مــع إفريقيــا"‬

‫‪ ،New global compact with Africa‬وتوجت هذه المهمة بــإخراج مبــادرة النيبــاد إلى الوجــود الــتي‬

‫تبنتهــا قمــة لوســكا ‪ .6892001‬وقــد أصــدرت قمــة ديربــان ‪ 10-9‬يوليــوز ‪ 2002‬إعالنــا بشــأن تنفيــذ هــذه‬

‫المبادرة‪ ،‬أكد على تصميم الدول اإلفريقية على استخدام كل الموارد الممكنـة لضــمان التنفيـذ النـاجح لهـذه‬

‫المبـــادرة‪ ،‬باإلضـــافة إلى دعـــوة الـــدول اإلفريقيـــة لاللـــتزام بالمب ــادئ والقيم األساس ــية ال ــتي تضـــمنها هـــذا‬

‫اإلعالن حول الديمقراطية واإلدارة السياسية واالقتصادية الجيدة‪.690‬‬

‫تنطلــق مبــادرة النيبــاد من تحليــل أولي يعــبر في مجملــه عن أهميــة القــارة اإلفريقيــة للعــالم‪ ،‬ممــا‬

‫يحتم على المجتمــع الــدولي أن يســاعدها إليجــاد حلــول دائمــة لمشــكالت التخلــف والفقــر الــتي تعــاني منهــا‬

‫القارة‪ ،‬بطريقة تحافظ على البيئة وتسـهم بصــورة إيجابيـة في االقتصــاد العـالمي وإ ثـراء الـتراث البشـري‪،‬‬

‫‪ - 688‬عراقي عبد العزيز الشربيني‪" ،‬نيباد واستراتيجية التنمية اإلفريقية‪ ،‬عرض نقدي لبعض القضايا الرئيسية"‪ ،‬أفاق إفريقيــة‪ ،‬العــدد ‪ ،15‬خريــف‬
‫‪ ،2003‬ص ‪.26‬‬
‫‪ - 689‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ - 690‬يوسف خميس أبو فارس‪ ،‬التكتالت االقتصادية في شــرق إفريقيــا وجنوبهــا‪ ،‬الخرطوم‪ ،‬ملتقى الجامعــات اإلفريقيــة‪ ،‬ينــاير ‪ ،2006‬ص ‪-198‬‬
‫‪.199‬‬

‫‪357‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫كـــل ذلـــك تضـــفه المبـــادرة في بوتق ــة واحـــدة تعـــبر عن األهميـــة االقتص ــادية والبيئي ــة والتراثيـــة والثقافيـــة‬

‫إلفريقيا‪ ،‬وفي هذا السياق فالمبادرة ال تحدد دوال بعينها بل تشير إلى القارة بأكملها‪.691‬‬

‫وتحتوي وثيقة الشراكة الجديدة على استراتيجية إفريقية لحشد المــوارد واســتخدامها في العمليــة‬

‫التنموية‪ ،‬وهو ما يبرز منذ البدايـة أهميـة التعـاون والتكامـل سـواء داخـل القـارة اإلفريقيـة أو مـع شـركائها‬

‫االقتصاديين‪.‬‬

‫وفي محاولة للبحث عن أسباب تفاقم أزمة الفقر في إفريقيا‪ ،‬تؤكـد مبـادرة النيبـاد على أن إفقـار‬

‫القارة يرجع أساسا إلى المرحلة االستعمارية‪ ،‬واآلثار السلبية للحرب الباردة ودواليب النظام االقتصــادي‬

‫العـالمي‪ ،‬إضـافة إلى سياسـة الـدول اإلفريقيـة نفسـها بعـد نيلهـا االسـتقالل‪ ،‬وهـذا يخص القـارة بمجملهـا أي‬

‫أن بلـدانها تشـترك في تاريخهـا وفي مصــيرها‪ ،‬وفي الـدور الـذي حـدد لهـا في االقتصــاد العـالمي كمصــدر‬

‫للمواد الخام والعمالة الرخيصة األجر والتي تستخدم خارج إفريقيا‪ ،‬الشـيء الـذي أسـهم في تـراكم الـثروة‬

‫ذات األصل اإلفريقي في الدول الصناعية التي تصدر بدورها المنتجات المصنعة بأسعار عالية إلفريقيــا‬

‫مما يزيد استنزافها ويقلل من التراكم المالي فيها‪.692‬‬

‫أدت ه ــذه العالق ــة غ ــير المتكافئ ــة إلى ع ــدم ق ــدرة دول الق ــارة على تحس ــين وتط ــوير القطاع ــات‬

‫اإلنتاجيــة من أجــل تطــوير مســتوى معيشــة شــعوبها‪ ،‬وســيزداد هــذا الوضــع ســوءا في ظــل تزايــد متطلبــات‬

‫العولمة االقتصادية‪ ،‬وما أنتجته من مشاكل هيكليـة إضــافية على اقتصــاديات الـدول اإلفريقيـة نتيجـة تفـاقم‬

‫عبء الــديون الخارجيــة‪ .‬هــذا التحليــل الــذي تركــز عليــه المبــادرة يجعــل التعامــل الجمــاعي اإلفــريقي مــع‬

‫مسألة التهميش المتزايدة أكثر إلحاحا‪ ،‬ويضع التكامل االقتصادي الجماعي في قمة األولويات التي يجب‬

‫أن تلتزم بها بلدان القارة اإلفريقية‪.‬‬

‫‪ - 691‬حسن وداعة هللا حسن‪" ،‬البعد التكاملي في مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا "النيباد""‪ ،‬في التكتالت اإلقليمية والتنمية في إفريقيــا الواقــع‬
‫والتحديات ‪ ،‬تحرير محمد عاشور‪ ،‬القاهرة‪ ،‬معهد البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬الطبعة األولى‪1426 ،‬هـ ‪2005 -‬م‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ - 692‬عراقي عبد العزيز الشربيني‪" ،‬نيباد واستراتيجية التنمية اإلفريقية‪ ،‬عرض نقدي لبعض القضايا الرئيسية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪358‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وتعــرض مبــادرة النيبــاد بصــورة أكــثر وضــوحا مســألة التكامــل االقتصــادي في الجــزء الخــاص‬

‫بالمناهج الفرعية واالقليمية للتنمية‪ ،‬وتركز على ضرورة تعزيز التجمعات االقتصادية اإلقليميــة الرئيســة‬

‫الخمسة في القـارة‪ ،‬هـذا التأكيـد تسـنده المبـادرة إلى ضـرورة حشـد مـوارد الـدول اإلفريقيـة لتعزيـز التنميـة‬

‫المحلية‪ ،‬علما بأن أغلبيـة دول القـارة تعـاني من محدوديـة دخـل الفـرد وضــيق األســواق الشـيء الـذي يحـد‬

‫من فرص جذب المستثمرين‪ ،‬مما يــدعو إلى التركــيز على االعتمــاد على المــوارد الداخليــة أوال‪ ،‬والبحث‬

‫عن الموارد اإلضافية بعد ذلك‪.693‬‬

‫ولتحقيـق كـل مـا سـبق‪ ،‬راهنت المبـادرة على تحقيـق معـدل نمـو سـنوي في المتوسـط ‪ %7‬حـتى‬

‫يمكن خفض نســبة اإلفريقــيين الــذين يعيشــون تحت خــط الفقــر إلى النصــف بحلــول عــام ‪ ،2015‬غــير أن‬

‫إدراك هـ ــذا الهـ ــدف يسـ ــتدعي سـ ــد العجـ ــز السـ ــنوي في مـ ــوارد القـ ــارة والبـ ــالغ ‪ %12‬من النـ ــاتج المحلي‬

‫اإلجمالي‪ ،‬أي ما قيمته ‪ 64‬مليار دوالر سنويا‪ ،‬كما يتطلب هذا الهدف زيادة المدخرات المحلية‪.694‬‬

‫وتنص المب ـ ـ ــادرة ص ـ ـ ــراحة في الم ـ ـ ــادة ‪ 144‬على أن ـ ـ ــه ينبغي الحص ـ ـ ــول على معظم الم ـ ـ ــوارد‬

‫المطلوب ــة من خ ــارج الق ــارة‪ ،‬وه ــو أم ــر يمكن اعتب ــاره تراجع ــا عن مواق ــف إفريقي ــة رئيس ــة ومع ــبرة عن‬

‫فلسفة التنمية المستدامة المنصوص عليها في وثائق مهمة‪ ،‬كخطة "الجوس" الصادرة عن منظمة الوحدة‬

‫اإلفريقية عام ‪ ،1980‬وكذلك معاهدة "أبوجا" االقتصادية لعــام ‪ ،1991‬وأيضــا القـانون التأسيســي لالتحــاد‬

‫اإلفريقي عام ‪ ،2001‬كما يتناقض مع مـا ورد في مقدمـة المبـادرة ذاتهـا الـتي أفصـحت عن التخلص من‬

‫استمرارية عوامل التبعية التي من أهمها المعونات االقتصادية‪ .695‬اللهم إال إذا كـان المقصــود بالحصــول‬

‫على هـ ــذه المـ ــوارد من الخـ ــارج في شـ ــكل اسـ ــتثمارات خارجيـ ــة مباشـ ــرة‪ ،‬غـ ــير أن المبـ ــادرة قـ ــد حـ ــددت‬

‫مرتكزاتهـ ـ ــا في الحصـ ـ ــول على هـ ـ ــذا التمويـ ـ ــل من خالل خفض الـ ـ ــديون وزيـ ـ ــادة المسـ ـ ــاعدات اإلنمائيـ ـ ــة‬

‫الخارجيـ ــة كمـ ــوارد خارجيـ ــة تكميليـ ــة الزمـ ــة على المـ ــدى القصـ ــير والمتوسـ ــط‪ ،‬أمـ ــا تـ ــدفقات رأس المـ ــال‬
‫‪ - 693‬حسن وداعة هللا حسن‪"،‬البعد التكاملي في مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا "النيباد""‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ - 694‬عادل عبد الرزاق‪ ،‬المنظومة اإلفريقية ومبادرة الشراكة الجديدة للتنمية في إفريقيا (نيباد) بين النظرية والتطــبيق رؤية مســتقبلية‪ ،‬دراســة‬
‫تحليلة وقانونية في إطار العالقات السياسية الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،2006 ،‬ص ‪.391‬‬
‫‪ - 695‬أحمد فتحي سرور‪ ،‬العالم الجديد بين االقتصاد والسياسة والقانون نظرات في عالم متغير‪ ،‬القاهرة‪ ،‬درا الشروق‪ ،‬الطبعـة الثانيـة ‪ ،2005‬ص‬
‫‪.275‬‬

‫‪359‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الخاص فقد تناولته المبادرة ضمن اهتماماتهـا على المـدى الطويـل‪ ،‬إذ أن جـذب هـذه االسـتثمارات يحتـاج‬

‫إلى تحســين اإلدارة االقتصــادية باعتبارهــا مطلبــا الزمــا لزيــادة تــدفقات رأس المــال‪ ،‬وبــذلك فــإن تحســين‬

‫كفاءة اإلدارة االقتصادية ودعم اإلصالحات السياسية شرطان أساسيان لجذب هذه االستثمارات‪.‬‬

‫إن أهداف النيباد بصفة عامة تتضمن القضاء على الفقـر‪ ،‬ووضـع حـد لحالـة التخلـف والتهميش‬

‫الــتي تعــاني منــه الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬والعمــل على تحقيــق التنميــة المســتدامة‪ ،‬ورفــع معــدالت النمــو والتأكيــد‬

‫على دور المرأة في المجتمعات اإلفريقية‪.696‬‬

‫ولق ــد وض ــعت مجموع ــة من الش ــروط لتحقي ــق ه ــذه األه ــداف‪ ،‬ي ــأتي في طليعته ــا إحالل الس ــالم‬

‫واألمن وتحقيــق الديمقراطيــة في دول القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬ودعم القطاعــات اإلنتاجيــة في القــارة‪ ،‬من خالل‬

‫اعتم ــاد سياس ــات تكاملي ــة إقليمي ــة في العدي ــد من القطاع ــات‪ ،‬كالزراع ــة والص ــحة والتعليم‪ ،‬باإلض ــافة إلى‬

‫دعم قطاعات البنية التحتية التي تعتبر الركيزة األساسية ألي تقدم اقتصادي‪.697‬‬

‫حققت القارة اإلفريقية مع بداية القرن الحالي معدالت نمو اقتصادية مرتفعة‪ ،‬إال أن هــذا لم يتم‬

‫ترجمته إلى نمو اجتماعي يثمر خلق فرص عمل تنتشل ماليين من األفارقة خاصــة النسـاء والشـباب من‬

‫براثن الفقر والبطالـة‪ ،‬ويرجـع هـذا إلى اعتمـاد هـذا النمـو االقتصـادي على إنتـاج وتصـدير السـلع األوليـة‪،‬‬

‫كما سيتم توضيحه الحقا‪.‬‬ ‫‪698‬‬


‫وتمركز االستثمارات في الصناعات التعدينية‬

‫فالقارة اإلفريقية ما زالت تعاني من نسب كبيرة من الفقر‪ ،‬فتقسيم دولها إلى أربـع فئـات حسـب‬

‫نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر العـالمي‪ ،‬نجـد أن هنـاك عشـر دول تكـون نسـبة السـكان الـذين‬

‫يعيشــون تحت خــط الفقــر فيهــا من (‪ ،)%80 -%60‬وتضــم مجموعــة من الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬الــتي تقــترب‬

‫بهـ ــا نسـ ــبة السـ ــكان الـ ــذين يعيشـ ــون تحت خـ ــط الفقـ ــر فيهـ ــا من ثلـ ــثي السـ ــكان‪ ،‬وهي (مدغشـ ــقر‪ ،‬تنزانيـ ــا‪،‬‬

‫جمهوريـة إفريقيـا الوسـطى‪ ،‬ليبيريـا‪ ،‬تشـاد‪ ،‬موزمـبيق‪ ،‬بورونـدي‪ ،‬روانـدا‪ ،‬مالوي)‪ ،‬هـذه الـدول تزيـد بهـا‬
‫‪ - 696‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.277‬‬
‫‪ - 697‬عبد العزيز مرحوم‪ ،‬مستقبل الشراكة الجديدة من أجل التنمية في إفريقيا نيباد ‪ ،‬قضايا استراتيجية ‪ ،4‬مركز دراسات الشرق األوسط وإفريقيا‬
‫يوليو ‪ ،2003‬ص ‪.25-24-23‬‬
‫‪ - 698‬منظمة االمم المتحدة‪" ،‬آفاق التنمية االقتصادية واالجتماعية التقرير االقتصادي االفريقي ‪( ،" 2013‬ترجمة وعرض شيرين ماهر‪ -‬دينا نصر)‬
‫آفاق إفريقية‪ ،‬العدد الحادي واالربعين ‪ ،2013‬ص ‪.77‬‬

‫‪360‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫نسبة السكان الفقراء عن ‪ %60‬وتقل عن ‪ ،%80‬وتأتي دولة ليبيريا كأكبر دولـة إفريقيـة من حيث نسـبة‬

‫الســكان تحت خــط الفقــر‪ ،‬وإ ذ تمثــل ‪ %83,7‬من جملــة الســكان‪ ،‬بينمــا موزمــبيق هي أقــل نســبة في هــذه‬

‫الفئ ــة بنس ــبة ‪ %60‬من الس ــكان‪ ،‬أم ــا في م ــا يخص الفئ ــة الثاني ــة‪ :‬من (‪ ،)%60 -%40‬تض ــم ه ــذه الفئ ــة‬

‫مجموعــة الــدول الــتي يمثــل الســكان الــذين يعيشــون تحت خــط الفقــر بهــا نســبة تزيــد على ‪ %40‬وتقــل عن‬

‫‪ ،%60‬وهي إحدى عشـرة دولـة‪ .‬وتعـد بوركينـا فاسـو والكونغـو أعلى هـذه الـدول في نسـبة السـكان تحت‬

‫خـط الفقـر بنسـبة ‪ ،%56‬بينمـا ليسـتو والـنيجر تصــل النسـبة فيهمـا إلى ‪ ،%43‬وتتسـاوى كـل من الكونغـو‬

‫وأنجوال بنسبة ‪ ،%45‬أما مالي فهي تتوسط هذه الفئة بنسبة تقترب من ‪.%50‬‬

‫في حين تضم الفئة الثالثة (‪ )%40-%20‬الـدول الـتي تمثـل نسـبة السـكان الـذين يعيشـون فيهـا‬

‫نسـ ــبة أقـ ــل من ‪ %40‬وأكـ ــثر من ‪ ،%20‬وهي تسـ ــع دول (غانـ ــا‪ ،‬السـ ــنغال‪ ،‬موريتانيـ ــا‪ ،‬أوغنـ ــدا‪ ،‬توجـ ــو‪،‬‬

‫زامبيا‪ ،‬غامبيـا‪ ،‬كـوت ديفـوار‪ ،‬إثيوبيـا)‪ ،‬وتعتـبر إثيوبيـا أعلى دولـة في نسـبة السـكان الـذين يعيشـون تحت‬

‫خط الفقر في هذه الفئة‪.‬‬

‫وهناك تسع دول تكون الفئة الرابعة‪ ،‬حيث تصل نسـبة السـكان الـذين يعيشـون تحت الفقـر أقــل‬

‫من ‪ %20‬من جملـ ــة سـ ــكان‪ ،‬وهي (ليبيـ ــا‪ ،‬تـ ــونس‪ ،‬مصـ ــر‪ ،‬المغـ ــرب‪ ،‬الجـ ــابون‪ ،‬كينيـ ــا‪ ،‬جنـ ــوب إفريقيـ ــا‪،‬‬

‫جيبوتي‪ ،‬الكاميرون)‪.‬‬

‫تع ــد ليبي ــا الدول ــة الوحي ــدة في الق ــارة اإلفريقي ــة ال ــتي تك ــاد تك ــون خالي ــة من نس ــبة الس ــكان ال ــذين‬

‫يعيش ــون تحت خ ــط الفق ــر‪ -‬قب ــل ان ــدالع الث ــورة الليبي ــة وم ــا خلفت ــه من ص ــراع داخ ــل ه ــذه الدول ــة‪ -‬بينم ــا‬

‫تقــترب النســبة في كــل من تــونس والمغــرب من ‪ %7‬من حجم ســكانها‪ ،‬وذلــك يعــود إلى تحســن مســتوى‬

‫المعيشة فيها‪ ،‬وتحتل جمهورية جنـوب إفريقيـا وكينيـا وجيبـوتي آخـر هـذه الفئـة بنسـبة تقـترب من ‪،%20‬‬

‫أما الكاميرون فتتوسط هذه الفئة بنســبة تقــترب من ‪ .699 %10‬وبصــفة عامــة فإنــه حســب تقرير التنمية‬

‫البشرية لسنة ‪ 2013‬الصــادر عن برنــامج األمم المتحــدة اإلنمــائي‪ ،‬فــإن البلــدان الــتي تســجل أعلى نســبة‬
‫‪ - 699‬آالء محمد معوض‪" ،‬األبعاد الجغرافية لمشكلة الفقر في إفريقيا"‪ ،‬قراءات إفريقيــة‪ ،‬العـدد السـابع عشـر‪ ،‬رجب – رمضـان ‪1434‬هـ‪ ،‬يوليـو‪-‬‬
‫سبتمبر ‪2013‬م‪ ،‬ص ‪.86-85‬‬

‫‪361‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫من حيث عــدد الســكان الفقــراء حســب دليــل الفقــر المتعــدد األبعــاد هي في إفريقيــا‪ :‬إثيوبيــا ‪ ،%87‬وليبريــا‬

‫‪ ،%84‬والموزمـ ــبيق ‪ %79‬وسـ ــيراليون ‪ ،70077%‬أي أن القـ ــارة اإلفريقيـ ــة لم تحقيـ ــق الهـ ــدف المتعلقـ ــة‬

‫بخفض الفق ــر بمق ــدار النص ــف بنهاي ــة ع ــام ‪ ،2015‬حيث إن نس ــبة الس ــكان في إفريقي ــا (باس ــتثناء منطق ــة‬

‫ش ــمال إفريقي ــا) ال ــذين يعيش ــون على أق ــل من دوالر ورب ــع دوالر في الي ــوم ك ــانت في ع ــام ‪ 1990‬نح ــو‬

‫‪ ،%56,5‬وانخفضــت هــذه النســبة بحلــول عــام ‪ 2010‬إلى ‪ ،%48,5‬أي أن نســبة الحــد من الفقــر كــانت‬

‫فقــط ثمــاني نقــط مئويــة‪ ،‬وبالتــالي فإفريقيــا بعيــدة عن الهــدف المنشــود بنحــو ‪ 20,25‬نقطــة مئويــة‪ ،‬وعلى‬

‫الــرغم من انخفــاض معــدل الفقــر فــإن عــدد الفقــراء في إفريقيــا ازداد ووصــل إلى ‪ 414‬مليــون نســمة في‬

‫عام ‪ 2010‬مقارنة بـ ‪ 376‬مليون في عام ‪ 1999‬و ‪ 290‬مليون في عــام ‪ ،1990‬وكــذلك ازداد نصــيب‬

‫القارة من الفقر العالمي من ‪ %15‬في عام ‪ 1990‬إلى ‪ %34‬في عام ‪.7012010‬‬

‫وباإلضــافة إلى الفقــر المتــوطن في القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬فــإن العديــد من دول هــذه القــارة تعــاني من‬

‫عـ ــدم تحقيـ ــق االكتفـ ــاء الـ ــذاتي في المجـ ــال الغـ ــذائي‪ ،‬على الـ ــرغم ممـ ــا تتـ ــوفر عليـ ــه من أراضـ ــي صـ ــالحة‬

‫للزراعة كما تم توضيح ذلك سابقا‪ .‬وهـو مـا يجعـل هـذه الـدول على درجـة كبـيرة من االنكشـاف والتبعيـة‬

‫الخارجية التي تؤثر بشدة في استقاللية اإلرادة القومية لهذه الدول‪.‬‬

‫ووفقــا لتقــديرات منظمــة األغديــة والزراعــة لألمم المتحــدة ‪ FAO‬للعــام ‪ ،2010‬فــإن هنــاك تســع‬

‫وعش ــرون دول ــة في الع ــالم تواج ــه معض ــالت غذائي ــة ح ــادة‪ ،‬تس ــتوجب ت ــدخال إغاثي ــا دولي ــا لتوف ــير القمح‬

‫والخبز لشعوب تلك الـدول‪ ،‬والمؤسـف في هـذا اإلطــار أن غالبيـة تلـك الـدول التسـع والعشـرين هي دول‬

‫إفريقي ــة‪ ،‬إذ توج ــد عش ــرون دول ــة إفريقي ــة على قائم ــة تل ــك ال ــدول‪ ،‬وهي‪ :‬زيمب ــابوي وإ ريتري ــا وليبيري ــا‬

‫والـــنيجر وســـيراليون والصـ ــومال وبـــنين وإ فريقيـــا الوســـطى وتش ــاد والكونغ ــو وك ــوت ديف ــوار والكونغـــو‬

‫الديمقراطيــة وإ ثيوبيــا وغينيــا وكينيــا ومدغشــقر ومــالي والموزمــبيق‪ ،‬والســودان‪ ،‬وأوغنــدا‪ .‬وحينمــا يكــون‬

‫‪ - 700‬برنامج االمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪ ،2013‬نهضة الجنوب‪ :‬تقدم بشري في عالم متنوع‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪701‬‬
‫‪- United Nations Economic Commission for Africa, African Union, African Development Bank and United‬‬
‫‪Nations Development Programme, MDG 2014 report assessing progress In Africa toward the Millennium‬‬
‫‪development Goals, Addis Ababa, first printing, October 2014, p 1-12.‬‬

‫‪362‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫نحــو نصــف دول القــارة اإلفريقيــة مدرجــة على قائمــة الــدول األشــد جوعــا على مســتوى العــالم‪ ،‬فإنــه من‬

‫الــترف أن نتحــدث عن التنميــة‪ ،‬فكيــف تنمــو دول ال تســتطيع أن تســد رمــق شــعوبها الــتي تتضــور جوعــا؟‬

‫وكيــف نؤســس لتنميــة مســتدامة في دول تعتمــد على الخــارج في توفــير رغيــف الخــبز لمواطنيهــا وكــوب‬

‫الحليب ألطفالها؟‪.702‬‬

‫لقد أصبحت معضلة الغذاء هي المنفذ الرئيس الذي تلج منه القــوى الكــبرى في العــالم وأذرعهــا‬

‫من المؤسســات الدوليــة‪ ،‬للتغلغــل في القــارة اإلفريقيــة الســتغالل ثرواتهــا ومواردهــا الطبيعــة‪ ،‬تحت وطــأة‬

‫الحاج ــة إلى القمح ورغي ــف الخ ــبز‪ ،‬ومن تم ت ــذعن سياس ــات ال ــدول اإلفريقي ــة لج ــزرة المعون ــات اإلغاثي ــة‬

‫والغذائية من الدول والهيئات المانحة‪ ،‬ولو على حساب االعتبارات والمصالح الوطنية لدول هـذه القـارة‪،‬‬

‫خصوص ــا أن نح ــو ‪ %85‬من احتياج ــات دول جن ــوب الق ــارة وغربه ــا وش ــرقها من محص ــول القمح‪ ،‬ذي‬

‫األهمية االستراتيجية تأتي من الخارج‪.703‬‬

‫أما على مستوى التعليم‪ ،‬فالقارة اإلفريقية تواصل إحراز تقدم مطــرد نحــو ضــمان تمكين جميــع‬

‫األطفــال من إتمــام التعليم االبتــدائي‪ ،‬ولقــد ارتفــع إجمــالي صــافي معــدل االلتحــاق بالمــدارس االبتدائيــة في‬

‫إفريقيـ ــا من ‪ %64‬سـ ــنة ‪ 2000‬إلى ‪ %84‬في عـ ــام ‪ .2009‬وعلى الـ ــرغم من أن معظم البلـ ــدان تحـ ــرز‬

‫تقــدما ملحوظــا‪ ،‬ســتبقى هنــاك ثمانيــة عشــر بلــدا تبعــد بنســبة ‪ 10‬نقــاط مئويــة عن تحقيــق تعميم االلتحــاق‬

‫بالتعليم االبتدائي للجميع بنهاية عام ‪ ،7042015‬ففي تقرير لليونسكو بتـاريخ ‪ 27‬أبريـل ‪ 2011‬جـاء فيـه‪:‬‬

‫زاد اإلنفاق الحقيقي على التعليم في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بــأكثر من ‪ %6‬خالل العقــد الماضــي‪،‬‬

‫لكن على الرغم من هذه االستثمارات فال يزال عدد كبير من بلدان المنطقـة بعيــدا جــدا عن توفــير التعليم‬

‫االبتدائي الجيد لجميع األطفال‪.705‬‬

‫‪ - 702‬مصطفى شفيق غالم‪"" ،‬أفرقة التنمية"‪ ..‬ثغرات في مؤشرات "اإلرادة القوميــة" بالقــارة الســمراء"‪ ،‬قــراءات إفريقيــة‪ ،‬العــدد الرابــع عشــر‪،‬‬
‫شوال‪ -‬ذي الحجة ‪1433‬هـ ‪ -‬اكتوبر‪ -‬ديسمبر ‪ ،2012‬ص ‪.109‬‬
‫‪ - 703‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪ - 704‬مفوضية االتحـاد اإلفـريقي المجلس االقتصـادي واالجتمـاعي اللجنـة االقتصـادية إلفريقيـا‪ ،‬اسـتعراض الظــروف االقتصــادية واالجتماعيــة في‬
‫إفريقيا في عام ‪ ،2012‬أبدجان‪ 24-21 ،‬مارس ‪،2013‬ص ‪.13‬‬
‫‪ - 705‬االفتتاحية‪" ،‬إفريقيا وحلم التنمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬

‫‪363‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومــع ارتفـاع عـدد المســجلين بالمــدارس‪ ،‬تــدهورت نوعيــة وجــودة التعليم‪ ،‬الــتي تتجلى من خالل‬

‫معدالت إتمام التعليم والوصول إلى المرافق التعليمية‪ ،‬بمـا في ذلـك الحصـول على الكتب المدرسـية‪ .‬وال‬

‫تزال معدالت إتمام التعليم االبتدائي في إفريقيا منخفضـة‪ :‬إذ لم تسـجل سـوى سـتة بلـدان إفريقيـة معـدالت‬

‫إتم ـ ــام التعليم االبت ـ ــدائي بنس ـ ــبة ‪ %90‬فم ـ ــا ف ـ ــوق في ع ـ ــام ‪ ،2009‬عالوة على ذل ـ ــك م ـ ــا زالت مع ـ ــدالت‬

‫االنقط ــاع عن الدراس ــة مرتفع ــة للغاي ــة في العدي ــد من البل ــدان اإلفريقي ــة نتيج ــة الص ــراعات ال ــتي تعيش ــها‬

‫العديد من هذه الدول‪ ،‬وكذا انخفاض الميزانيات المخصصة لهذا المجــال‪ .‬كمــا أن التقـدم في مجــال زيــادة‬

‫مع ــدل االلتح ــاق ب ــالتعليم الث ــانوي والج ــامعي بطيء في معظم البل ــدان‪ ،‬ومن الض ــروري أيض ــا أن تض ــع‬

‫الحكوم ـ ــات اإلفريقي ـ ــة ض ـ ــمن أولوياته ـ ــا الت ـ ــدريب المه ـ ــني والتق ـ ــني ال ـ ــذي يعكس احتياج ـ ــات العم ـ ــل في‬

‫بلدانها‪.706‬‬

‫يعتبر قطاع الصحة أبطأ القطاعات نموا في كافة البلـدان اإلفريقيـة‪ ،‬فصــحة األمهـات واألطفـال‬

‫تثــير قلقــا باإلضــافة إلى األمــراض المعديــة مثــل نقص المناعــة المكتســبة‪ HIV‬والمالريــا والســل‪ ،‬وأخــيرا‬

‫اإليبوال‪ .‬لقد نجحت إفريقيا في أن تسـجل تقـدما ملحوظـا في الحـد من نسـبة وفيـات األطفـال‪ ،‬فقـد ارتفعت‬

‫النسبة من ‪ %1,2‬في األعوام من ‪ 1990‬إلى ‪ 2000‬إلى ‪ %2,4‬في ‪ ،2010‬وعلى الرغم من هــذا تقــع‬

‫‪ 24‬دولة إفريقية –من أصل ‪ 26‬دولة‪ -‬ضمن أعلى معـدالت وفيـات أطفالهـا أقـل من ‪ 5‬سـنوات‪ ،‬وتشـير‬

‫تقــارير منظمــة الصــحة العالميــة إلى تراجــع معــدالت وفيــات األمهــات‪ ،‬إذ وصــلت النســبة إلى ‪ 578‬حالــة‬

‫وفــاة لكــل مائــة ألــف حالــة عــام ‪ ،2010‬مقارنــة ب ‪ 590‬حالــة عــام ‪ ،2008‬منخفضــة بنســبة ‪ %46‬عن‬

‫عــام ‪ .1990‬إال أنــه على الــرغم من هــذا مــا زالت تقــع ‪ 36‬دولــة إفريقيــة –من أصــل ‪ 40‬دولــة‪ -‬ضــمن‬

‫أعلى نسبة في معدالت وفيات األمهات‪.‬‬

‫لقــد انخفضــت معــدالت الوفيــات نتيجــة لفــيروس نقص المناعــة (اإليــدز) من ‪ 1,8‬مليــون نســمة‬

‫عام ‪ 2000‬إلى ‪ 1,2‬مليون عام ‪ ،2010‬كما انخفضت نســبة المصــابين الجــدد بنســبة ‪ %21‬عـام ‪2011‬‬
‫‪ - 706‬مفوضية االتحاد اإلفريقي المجلس االقتصــادي واالجتمــاعي اللجنــة االقتصــادية إلفريقيــا‪ ،‬اســتعراض الظــروف االقتصــادية واالجتماعيــة في‬
‫إفريقيا في عام ‪ ،2012‬أبدجان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪364‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مقارنة بعام ‪ .1997‬وعلى الرغم من هذا التحسن ما زال حاملو الفيروس في إفريقيا يمثلــون ‪ %68‬من‬

‫إجم ـ ــالي ع ـ ــدد ح ـ ــاملي الف ـ ــيروس في الع ـ ــالم‪ %60 ،‬منهم نس ـ ــاء‪ .707‬ل ـ ــذا ف ـ ــإن ال ـ ــدول اإلفريقي ـ ــة مطالب ـ ــة‬

‫باالس ــتمرار في جهوده ــا الوقائي ــة واس ــتثمار المزي ــد في عالج الح ــاملين للف ــيروس‪ ،‬وإ ال س ــتكون التكلف ــة‬

‫كبيرة بفقد عدد كبير من العنصر البشري اإلفريقي المهم في عملية التنمية‪.‬‬

‫ومن المنتظر أن يرتفع عدد الشباب في القارة إلى نحو الضعف مطلــع القـرن ليصــل إلى ‪246‬‬

‫ملي ــون بحل ــول ع ــام ‪ ،2020‬مم ــا س ــيتطلب توف ــير ‪ 74‬ملي ــون فرص ــة عم ــل في غض ــون عش ــر س ــنوات‬

‫للحيلولــة دون ارتفــاع البطالــة‪ ،708‬ذلــك أن ‪ %17‬من الشــباب في الــدول اإلفريقيــة ذات الــدخل الضــعيف‬

‫هي الــتي تتــوفر حاليــا على فــرص قــارة للشــغل‪ ،‬مقابــل ‪ %39‬في الــدول ذات الــدخل المتوســط األقــل‪ ،‬و‬

‫‪ %52‬في الدول اإلفريقية ذات الدخل المتوسط العالي‪.709‬‬

‫ولكي يظهــر أثــر النمــو االقتصــادي الــذي حققتــه القــارة اإلفريقيــة في العقــد األخــير على مســتوى‬

‫التنمي ــة االجتماعي ــة‪ ،‬يجب على الحكوم ــات اإلفريقي ــة تب ــني سياس ــات اجتماعي ــة تقل ــل من غي ــاب العدال ــة‬

‫االجتماعية‪ ،‬وذلك بخلق فرص عمل أمام الشباب‪ ،‬وزيادة الحماية االجتماعية للفئات المحرومة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التكامل اإلقليمي في إفريقيا ومعيقاته‬

‫شهدت القارة اإلفريقية اتجاها متزايدا نحو إنشاء تجمعات إقليمية أو تفعيـل القائمـة منهـا‪ ،‬وذلـك‬

‫لمواجهـــة التحـــديات الـــتي تفرضـ ــها حالـــة تهميش القـــارة وكـــذلك ت ــداعيات العولم ــة اقتصـ ــاديا واجتماعيـــا‬

‫وسياس ــيا عليه ــا‪ ،‬وفي ه ــذا الس ــياق ج ــرت مح ــاوالت إلنش ــاء وتط ــوير العدي ــد من التكتالت اإلقليمي ــة في‬

‫مختل ــف أق ــاليم الق ــارة اإلفريقي ــة (الفق ــرة األولى)‪ ،‬وب ــالرغم مم ــا يب ــدو من ت ــوفر مس ــوغات قوي ــة للتكام ــل‬

‫‪707‬‬
‫‪- Commission économique pour l’Afrique, Union Africaine, Tirer le plus grand profit des produits de base‬‬
‫‪africains : l’industrialisation au service de la croissance, de l’emploi et de la transformation économique,‬‬
‫‪Addis-Abeba, 2013, p 36-37.‬‬
‫‪ -‬منظمة االمم المتحدة‪" ،‬آفاق التنمية االقتصادية واالجتماعية التقرير االقتصادي االفريقي ‪ ،" 2013‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ - 708‬االفتتاحية‪" ،‬إفريقيا وحلم التنمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪709‬‬
‫‪- Commission économique pour l’Afrique, Union Africaine, Tirer le plus grand profit des produits de base‬‬
‫‪africains: l’industrialisation au service de la croissance, de l’emploi et de la transformation économique,‬‬
‫‪op, cit,p 38.‬‬

‫‪365‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اإلقليمي في القـارة من ناحيـة‪ ،‬ووعي الـدول اإلفريقيـة وسـعيها لتحقيـق شـكل من أشـكال التكامـل اإلقليمي‬

‫فيمــا بينهــا من ناحيــة أخــرى؛ فــإن حصــاد تلــك المســاعي ‪-‬بــاختالف صــورها وأشــكالها‪ -‬كــان متواضــعا‬

‫نتيجة لمجموعة من المعيقات التي واجهت هذه التجارب (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أهم التكتالت اإلقليمية بالقارة اإلفريقية‬

‫تتنـ ــوع وتتـ ــداخل مسـ ــوغات التكامـ ــل اإلقليمي ودوافعـ ــه في إفريقيـ ــا؛ وإ ن ارتبطت في مجملهـ ــا‬

‫بقضايا التنمية واالستقرار واألمن في القارة‪ ،‬فضعف الـدول اإلفريقيـة وهشاشـتها يعـد أهم دوافـع التكامـل‬

‫اإلقليمي في إفريقيـ ـ ــا‪ ،‬خصوصـ ـ ــا مـ ـ ــع مـ ـ ــا أسـ ـ ــفرت عنـ ـ ــه التطـ ـ ــورات الدوليـ ـ ــة من آثـ ـ ــار في دول الق ـ ــارة‬

‫واقتصاداتها؛ حيث أضحت الدول اإلفريقية أكثر هشاشة وعدم قدرة على الوفاء بمسؤولياتها االجتماعيــة‬

‫ووظائفهـ ــا األساسـ ــية في اإلدارة العامـ ــة والحكم‪ ،‬فبـ ــالرغم من قـ ــدم هـ ــذا الضـ ــعف فـ ــإن سياسـ ــات التحـ ــرر‬

‫االقتصـ ــادي قـ ــد ضـ ــخمته وعمقتـ ــه؛ على نحـ ــو جعـ ــل الـ ــدول اإلفريقيـ ــة غـ ــير قـ ــادرة على تحقيـ ــق مطـ ــالب‬

‫مواطنيها‪.‬‬

‫فعلى عكس م ــا ح ــدث عن ــد االس ــتقالل من سياس ــات ت ــأميم وس ــعي لبل ــورة رأس ــمالية وطني ــة‪ ،‬أو‬

‫رأســمالية دولــة‪ ،‬عمــدت الــدول اإلفريقيــة تحت وطــأة الضــغوط الغربيــة إلى بيــع معظم األصــول المملوكــة‬

‫لها‪ ،‬حتى االستراتيجية للقطاع الخاص‪ ،‬وأدى هــذا إلى حصــر الــدور االقتصــادي واالجتمــاعي للدولــة في‬

‫نطــاق محــدود‪ ،‬كالمســئولية عن أعبــاء اإلدارة الماليــة والنقديــة‪ ،‬وتــدخل محــدود في االقتصــاد والخــدمات‬

‫االجتماعية األساسية‪ ،‬في المقابل تزايدت مسؤولية الدول اإلفريقية أمام شبكة المؤسسات الدولية‪.710‬‬

‫ل ــذلك أدت نهاي ــة الح ــرب الب ــاردة وس ــيطرة النم ــوذج اللي ــبرالي سياس ــيا واقتص ــاديا على الع ــالم‪،‬‬

‫وتزاي ــد تحري ــر التج ــارة العالمي ــة‪ ،‬إلى ب ــروز توج ــه جدي ــد نح ــو تأس ــيس التجمع ــات اإلقليمي ــة ذات الط ــابع‬

‫االقتصادي‪ ،‬أو ما أسماه البعض "باإلقليمية الجديدة" في كل أنحاء العالم ومنها إفريقيا‪.‬‬

‫‪ - 710‬محمد عاشور مهدي‪" ،‬مستقبل التكامل اإلقليمي في إفريقيا‪ ..‬قراءة في ضوء الدوافع والواقـع والتحـديات"‪ ،‬قــراءات إفريقيــة‪ ،‬العـدد السـادس‪،‬‬
‫شوال ‪1431‬هـ ‪ -‬سبتمبر ‪2010‬م‪ ،‬ص ‪.30‬‬

‫‪366‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومن أبـ ــرز مالمح هـ ــذا التوجـ ــه إعطـ ــاء دور كبـ ــير لق ــوى السـ ــوق وريـ ــادة القطـ ــاع الخـ ــاص في‬

‫عمليــات التنميــة داخــل الــدول األعضــاء في التجمــع اإلقليمي‪ ،‬وكــذا تعميــق االنــدماج بين دول االتحــاد عن‬

‫طريــق التنســيق بين السياســات الماليــة واالقتصــادية‪ ،‬وتحقيــق درجــة أكــبر من حريــة الحركــة واالنســياب‬

‫للعمالة ورأس المال ومعاملة مماثلة لكافــة األطـراف داخـل المنظمـة‪ ،‬كمـا يغلب على هـذا التوجـه إحالل‬

‫سياسة التصدير محل سياسة االستيراد‪.‬‬

‫وق ــد تف ــاعلت إفريقي ــا م ــع ه ــذا التوج ــه فظه ــرت به ــا تجمع ــات جدي ــدة ذات ط ــابع اقتص ــادي‪ ،‬من‬

‫أهمه ــا جماع ــة التنمي ــة للجن ــوب اإلف ــريقي (‪ )SADC‬ال ــتي نش ــأت في ع ــام ‪ 1992‬ب ــديال لم ــؤتمر تنس ــيق‬

‫التنميـــة في الجنـــوب اإلفـ ــريقي‪ ،‬ويتكـــون حاليـــا تجمـــع "ســـادك" من ‪ 14‬دول ــة (جن ــوب إفريقيـــا‪ ،‬بتســـوانا‪،‬‬

‫ليسـ ــوتو‪ ،‬مـ ــاالوي‪ ،‬مورسـ ــيوس‪ ،‬موزمـ ــبيق‪ ،‬ناميبيـ ــا‪ ،‬سـ ــوازيالند‪ ،‬تنزانيـ ــا‪ ،‬زامبيـ ــا‪ ،‬زيمبـ ــابوي‪ ،‬الكونغـ ــو‬

‫الديمقراطية‪ ،‬سيشل)‪.‬‬

‫وفي ش ــرق إفريقي ــا نش ــأ في نوفم ــبر ‪ 1993‬تجم ــع الس ــوق المش ــتركة لش ــرق وجن ــوب إفريقي ــا‬

‫المع ــروف اختص ــارا باس ــم الكوميس ــا (‪ .)COMESA‬وته ــدف إلى انش ــاء منطق ــة تج ــارة ح ــرة بين ال ــدول‬

‫األعضاء‪ ،‬وإ قامة اتحاد جمركي‪ ،‬وفي شـرق إفريقيـا هنـاك منظمـة اإليجـاد ‪ IGAD‬المعروفــة باسـم الهيئـة‬

‫الحكوميــة للتنميــة ومكافحــة التصــحر وتكــونت عــام ‪ ،1986‬ثم تحــولت للهيئــة الحكوميــة للتنميــة منــذ عــام‬

‫‪ 1995‬بن ــيروبي وتض ــم ‪ 6‬دول هي (جيب ــوتي‪ ،‬إريتري ــا‪ ،‬أثيوبي ــا‪ ،‬كيني ــا‪ ،‬اوغن ــدا‪ ،‬الص ــومال‪ ،‬الس ــودان‪،‬‬

‫تنزانيا‪ ،‬روندا‪ ،‬بروندي) ومقر هذه المنظمة يوجد في جيبوتي‪ .‬وتهدف بشكل أساســي لتنميــة اقتصــاديات‬

‫هذه الدول الست‪.‬‬

‫وفي الشـ ــمال اإلفـ ــريقي هنـ ــاك اتحـ ــاد المغـ ــرب العـ ــربي الـ ــذي يضـ ــم (ليبيـ ــا‪ ،‬المغـ ــرب‪ ،‬تـ ــونس‪،‬‬

‫الجزائر‪ ،‬موريتانيا)‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أما في غرب إفريقيا فهناك الجماعـة االقتصــادية لغــرب إفريقيــا (‪ )ECOWAS‬الــتي نشــأت في‬

‫منتصـــف الســـبعينيات‪ ،‬وتتكـــون من ‪ 15‬دولـــة وهي (بـــنين‪ ،‬بوركين ــا فاس ــو‪ ،‬س ــاحل العج‪ ،‬غينيـــا بيســـاو‪،‬‬

‫جامبي ــا‪ ،‬غان ــا‪ ،‬غيني ــا‪ ،‬ليبري ــا‪ ،‬م ــالي‪ ،‬موريتاني ــا‪ ،‬ال ــنيجر‪ ،‬الس ــنغال‪ ،‬س ــيراليون‪ ،‬توج ــو‪ ،‬نيجيري ــا‪ ،‬ال ــرأس‬

‫األخضر)‪.‬‬

‫أم ــا أح ــدث التجمع ــات في إفريقي ــا فه ــو تجم ــع الس ــاحل والص ــحراء‪ ،‬أو م ــا يس ــمى "كوميس ــا" (‬

‫‪ )COMESSA‬وهو تجمع نشـأ في فـبراير ‪ 1998‬ويهـدف إلى التنسـيق السياسـي واالقتصـادي بين دولـه‬

‫ويضــم سـت عشـرة دولـة هي (مصــر‪ ،‬ليبيـا‪ ،‬تـونس‪ ،‬المغـرب‪ ،‬نيجيريـا‪ ،‬السـودان‪ ،‬بوركينـا فاسـو‪ ،‬إفريقيـا‬

‫الوسطى‪ ،‬تشاد وجيبوتي‪ ،‬إريتريا‪ ،‬جامبيا‪ ،‬مالي‪ ،‬النيجر‪ ،‬السنغال‪ ،‬الصومال)‪.711‬‬

‫وترج ــع ال ــدوافع وراء تب ــني الق ــارة اإلفريقي ــة لتوج ــه اإلقليمي ــة الجدي ــدة س ــواء من خالل تط ــوير‬

‫منظم ــات قائم ــة أو إنش ــاء منظم ــات جدي ــدة لع ــدة أس ــباب أبرزه ــا‪ :‬تش ــابه المش ــاكل ال ــتي تواجهه ــا الق ــارة‬

‫اإلفريقية خاصـة الفقـر وارتفـاع المديونيـة الخارجيـة‪ ،‬كمـا أن أغلب الـدول اإلفريقيـة تعـاني من التـداعيات‬

‫الس ــلبية للعولم ــة‪ ،‬فهي لم تع ــد تس ــتطيع اتخ ــاذ ق ــرار في توزي ــع موارده ــا بع ــد س ــيطرة الش ــركات المتع ــددة‬

‫الجنسيات على اقتصاديات هذه الدول‪ ،‬وكذا ضعف دور الدولة بعــد تطــبيق بــرامج اإلصــالح االقتصــادي‬

‫الـــتي أدت إلى بيـــع الشـــركات العامـــة والقطـــاع العـــام‪ ،‬ممـــا أدى إلى فق ــدان هيب ــة ال ــدول‪ ،‬وحـــدوث ع ــدم‬

‫اســتقرار سياســي مصــحوب بانقالبــات عســكرية والــتي تعــد ظــاهرة مزمنــة في القــارة اإلفريقيــة ومــا زالت‬

‫مستمرة إلى اليوم‪ ،‬على الرغم من تراجعها في العقد األول من القرن الحالي‪.712‬‬

‫والتنظيمات السالفة الذكر مجرد أمثلــة فقـط لعشــرات التنظيمــات القائمــة على الســاحة اإلفريقيــة؛‬

‫فإفريقيا أكثر القارات من حيث تركز مشروعات التكامل وخططه‪ ،‬فما من دولة في القارة غير مشتركة‬

‫في واحدة على األقــل من التنظيمـات اإلقليميـة‪ .‬وتجـدر االشـارة أن مفوضــية االتحـاد اإلفـريقي ال تعـترف‬

‫‪ - 711‬خالد حنفي عالي‪" ،‬اإلقليمية الجديدة في إفريقيا‪ :‬أسباب التعثر مع التطبيق على تجمعي الساحل والصحراء والسادك"‪ ،‬السياسة الدوليــة‪ ،‬العــدد‬
‫‪ ،144‬أبريل ‪ ،2001‬ص ‪.186-185‬‬
‫‪ - 712‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.186‬‬

‫‪368‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إال بثمانيــة تكتالت فقــط كلبنــات للتكامــل اإلفــريقي‪ .713‬ولتحقيــق التنســيق األفقي بين جــل هــذه التنظيمــات‬

‫عملت ال ــدول اإلفريقي ــة على التوقي ــع على معاه ــدة "أبوج ــا" ع ــام ‪ 1990‬ال ــتي انش ــئت بموجبه ــا (الجماع ــة‬

‫االقتصادية اإلفريقية)‪ ،‬ودخلت حيز التنفيذ عام ‪ ،1994‬وتستهدف تشجيع التعــاون في كــل المجــاالت من‬

‫أجل رفع المستوى المعيشي للشعوب اإلفريقية‪ ،‬من خالل اإلسهام في تحقيــق االســتقرار وتطــوير التنميــة‬

‫والتكامــل االقتصــادي الشــامل بين دول الجماعــة‪ ،‬الــذي يقــوم على التنميــة الداخليــة المبنيــة على االعتمــاد‬

‫على الــذات‪ ،‬كمــا تســتهدف الجماعــة تحقيــق منهج متــدرج في إنشــاء الجماعــة على أســاس خطــة تدريجيــة‬

‫من س ــت مراح ــل‪ ،‬المرحل ــة األولى‪ :‬مرحل ــة ت ــدعيم الجماع ــة القائم ــة‪ ،‬المرحل ــة الثاني ــة‪ :‬تث ــبيت األوض ــاع‬

‫القائمــة مــع التحــول نحــو األفضــل‪ ،‬وتســتمر لمــدة ‪ 8‬ســنوات‪ .‬المرحلــة الثالثــة‪ :‬إنشــاء منطقــة للتبــادل الحــر‬

‫واتحــاد جمــركي في كــل تكتــل إقليمي قــائم بإحــدى المنــاطق اإلفريقيــة وتســتمر عشــرة ســنوات‪ .‬المرحلــة‬

‫الرابع ــة‪ :‬التنس ــيق والتواف ــق بين االتح ــادات الجمركي ــة القائم ــة وص ــوال إلى االتح ــاد الجم ــركي المش ــترك‪،‬‬

‫وتســتمر ســنتين‪ .‬المرحلــة الخامســة‪ :‬تأســيس الســوق اإلفريقيــة المشــتركة وتســتمر أربــع ســنوات‪ ،‬المرحلــة‬

‫السادســة‪ :‬إقامــة االتحــاد االقتصــادي وتســتمر هــذه المرحلــة خمس ســنوات‪ ،‬ومعــنى ذلــك أن اتفاقيــة أبوجــا‬

‫تفـ ــترض أن تقـ ــوم الجماعـ ــة االقتصـ ــادية اإلفريقيـ ــة على نحـ ــو كامـ ــل عـ ــام ‪ ،2028‬إذا مـ ــا سـ ــارت الـ ــدول‬

‫اإلفريقيـ ــة على هـ ــذا الطريـ ــق‪ ،‬ونجحت في تخطي المراحـ ــل المبرمجـ ــة الـ ــتي تعـ ــد جـ ــدوال زمنيـ ــا إلقامـ ــة‬

‫الجماعة االقتصادية اإلفريقية‪.714‬‬

‫إن واقــع التجــارب االقليميــة للتكامــل بالقــارة اإلفريقيــة على الــرغم من تعــددها؛ فإنهــا لم تحقــق‬

‫الــدور المتوقــع في تنميــة هــذه القــارة‪ ،‬وال تســير أغلبهــا في مراحــل تحقيــق الجماعــة االقتصــادية اإلفريقيــة‬

‫في المدة الزمنية المحددة لها‪ ،‬فهذه التجمعات لم تسهم في زيـادة النمـو أو حـتى في التجـارة البينيـة للـدول‬

‫اإلفريقيــة إال بنســب قليلــة جــدا‪ ،‬وذلــك لكــون معظم تجــارب التكامــل اإلقليمي بإفريقيــا ال تعمــل على تنفيــذ‬
‫‪ - 713‬سامي السيد أحمد‪ ،‬خطوات منقوصة‪ :‬التكامل اإلقليمي اإلفريقي‪ ..‬خبرة الماضي وآفاق المستقبل‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 10‬ديسمبر ‪ 2015‬على‬
‫الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.acrseg.org/39227.‬‬
‫‪714‬‬
‫‪- African Development Bank Group, African development report 2014: regional integration for growth,‬‬
‫‪Immeuble du Centre de commerce International d’Abidjan CCIA, Abidjan, 2014, p9.‬‬

‫‪369‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫االلتزام ــات المتف ــق عليه ــا‪ ،‬خصوص ــا تل ــك المتعلق ــة بحري ــة انتق ــال العمال ــة‪ ،‬والتعرف ــة الجمركي ــة الموح ــدة‬

‫والعملة الموحدة‪.715...‬‬

‫فمثال في س ــنة ‪ 2000‬ب ــدأ تنفي ــذ اتفاقي ــة التب ــادل الح ــر بين ‪ 14‬عض ــوا من أص ــل ‪ 19‬عض ــوا‬

‫ضمن منظمة ‪ ،COMESA‬أما األعضاء األربعة األخرون فعملوا فقط على تخفيض التعريفة الجمركية‬

‫على أعضاء هذا التكتل‪ ،‬في حين شكلت دولة سوازيالندا استثناء من هذه االتفاق إذ أبقت على التعرفة‬

‫الجمركية اتجاه األعضاء اآلخرين‪.‬‬

‫في سـنة ‪ 2001‬بـدأت المفاوضـات بين أعضـاء ‪ SADC‬لتخفيض التعرفـة الجمركيـة فيمـا بينهـا‬

‫لتنخفض بنس ــبة ‪ %85‬في غش ــت ‪ ،2008‬أم ــا نس ــبة ‪ %15‬المتبقي ــة لبعض المنتوج ــات الحساس ــة فق ــد تم‬

‫حــذفها بشــكل كلي في ينــاير ‪ ،2012‬إال أن الموزمــبيق قــررت تأجيــل تطــبيق هــذه التخفيضــات إلى ســنة‬

‫‪ .2015‬أمــا أنجــوال وجمهوريــة الكونغــو الديمقراطيــة والسيشــل فهي لم تعمــل على تقــديم أي تخفيضــات‬

‫للتعرفـ ــة الجمركيـ ــة ألعضـ ــاء هـ ــذا التجمـ ــع االقتصـ ــادي‪ .‬وفي فـ ــبراير ‪ 2012‬عملت على فـ ــرض ‪%25‬‬

‫كضريبة على المواد المستوردة من باقي أعضاء منظمة ‪ ،SADC‬وهو ما يشــكل تراجعــا عن التزاماتهــا‬

‫السابقة اتجاه أعضاء هذا التكتل‪ .‬مما يفسر أن توجه بعض الدول اإلفريقية نحــو التكتالت االقتصــادية ال‬

‫يــرقى إلى مســتوى التطلعــات االســتراتيجية بقـدر مــا هــو رهين بــالمزاج السياســي للنخب الحاكمــة في هــذه‬

‫الدول‪.‬‬

‫وعلى خالف هــذه التكتالت فقــد حققت المجموعــة االقتصــادية ‪ EAC‬بعض التقــدم في االنــدماج‬

‫االقتصادي‪ ،‬إذ حققت االندماج الكلي بين أعضائها في التبادل التجاري الحر‪ ،‬وأسست اتحاد المسـتهلكين‬

‫في يوليوز ‪ ،2009‬واستطاعت خلق سوق مشتركة بين أعضائها سـنة ‪ ،2010‬وتبـني برتوكـول حـديث‬

‫سنة ‪ 2013‬إلنشاء عملـة موحـدة بين أعضــائه‪ .‬غـير أنـه حسـب البنـك الـدولي فــإن هـذه السـوق مـا زالت‬

‫‪ - 715‬محمد عاشور مهدي‪" ،‬مستقبل التكامل اإلقليمي في إفريقيا‪ ..‬قراءة في ضوء الدوافع والواقع والتحديات"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬

‫‪370‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تواج ــه مش ــكلتين أساس ــيتين تح ــوالن دون تطوره ــا؛ أولهمــا المواق ــف المتس ــاهلة لبعض األعض ــاء اتج ــاه‬

‫اإلعفاءات‪ ،‬وثانيهما المعايير غير المتكافئة في التعرفة الجمركية‪.‬‬

‫أمــا أعضــاء ‪ ECOWS‬فتتجــه نحــو تحريــر التجــارة‪ ،‬إذ أصــبحت تســمح بحريــة تنقــل البضــائع‬

‫واألشـ ــخاص‪ ،‬غـ ــير أنـ ــه مـ ــا زالت هنـ ــاك مجموعـ ــة من التحـ ــديات والعراقيـ ــل الـ ــتي تحـ ــد من حريـ ــة تنقـ ــل‬

‫البضــائع‪ ،‬فالتجــار مــا زالــوا يواجهــون حــواجز جمركيــة وغــير جمركيــة كتحديــد الكميــة والكوطــا‪ ،‬وبعض‬

‫القيود الموسمية‪ ،‬مما يؤدي إلى رفع تكاليف التبادل التجاري وال يسمح بتحقيق نمو األعمال‪.‬‬

‫وفي مـ ـ ــا يخص بـ ـ ــاقي التكتالت األخـ ـ ــرى ‪ ،CEN-SAD، AMU، ECCAS‬فهي خططت‬

‫لتطبيق اتفاقيات التجارة الحرة إال أنها ما زالت لم تحقق أي شيء يذكر على هذا المســتوى‪ ،‬أمــا ‪IGAD‬‬

‫فلم تطرح أي مبادرة في هذا المجال‪.‬‬

‫ولتجـ ــاوز هـ ــذا الوضـ ــع فإنـ ــه منـ ــذ فـ ــبراير ‪ 2014‬دخلت اتفاقيـ ــة التجـ ــارة الحـ ــرة بين التكتالت‬

‫االقتصــادية الثالث ‪ ،COMESA‬و‪ ،EAC‬و‪ ،SADC‬حــيز التنفيــذ‪ ،‬الــتي اســتمر التفــاوض بشــأنها منــذ‬

‫سنة ‪.7162011‬‬

‫وعلى الرغم من كل مـا سـبق فــإن التبـادل التجـاري بين أعضــاء التكتالت االقتصــادية اإلفريقيـة‬

‫تبقى ض ــعيفة مقارن ــة م ــع التب ــادل التج ــاري بين أعض ــاء االتح ــادات االقتص ــادية القاري ــة األخ ــرى‪ ،‬فمثال‬

‫‪ ASEN‬ارتفعت نس ــبة التب ــادل التج ــاري بين أعض ــائها من ‪ %21,6‬م ــا بين ‪ 2000-1996‬إلى ‪%25‬‬

‫مــا بين ‪ 2011-2007‬في حين تبقى مجموعــة ‪ COMESA‬أهم تكتــل اقتصــادي في إفريقيــا ســجل نمــوا‬

‫في مجـ ــال التبـ ــادل التجـ ــاري بين أعضـ ــائه‪ ،‬إذ انتقلت نسـ ــبة التجـ ــارة بين أعضـ ــائه من ‪ %5,1‬مـ ــا بين‬

‫‪ 2000-1996‬إلى ‪ %6,4‬مــا بين ‪ 2011-2007‬في حين ســجلت جــل التكتالت االقتصــادية اإلفريقيــة‬

‫تراجعــا طفيفــا في هــذا المجــال‪ ،‬ويبقى أهم تراجــع هــو الــذي ســجلته مجموعــة ‪ SADC‬إذ تــراجعت نســبة‬

‫‪716‬‬
‫‪-African Development Bank Group, African development report 2014: regional integration for growth,‬‬
‫‪op,cit , p10-11‬‬

‫‪371‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التبـ ـ ــادل التجـ ـ ــاري بين أعضـ ـ ــائها من ‪ %32,3‬مـ ـ ــا بين ‪ 2000-1996‬إلى ‪ %12,9‬مـ ـ ــا بين ‪-2007‬‬

‫‪ ،2011‬غـ ــير أن هـ ــذه المعطيـ ــات ال تعكس الصـ ــورة الحقيقيـ ــة للتبـ ــادل التجـ ــاري بين أعضـ ــاء التكتالت‬

‫االقتصــادية اإلفريقيــة‪ ،‬وذلــك لكــون هــذه اإلحصــاءات ال تأخــذ بعين االعتبــار التجــارة غــير المنظمــة بين‬

‫أعض ــاء ه ــذه التكتالت‪ ،‬فمثال في منطق ــة ‪ SADC‬تق ــارب قيم ــة المب ــادالت التجاري ــة غ ــير المهيكل ــة بين‬

‫أعضائها ‪ 17,4‬مليار دوالر سنويا أي ما يشكل ‪ 30‬إلى ‪ %40‬من القيمـة اإلجماليـة للمبـادالت التجاريـة‬

‫بين أعضائها‪.717‬‬

‫أم ــا في مج ــال االس ــتثمارات فالبيان ــات المتاح ــة تش ــير إلى أن االس ــتثمار بين البل ــدان اإلفريقي ــة‬

‫أصــبح يتســم بأهميــة متزايــدة في عــدة بلــدان إفريقيــة‪ .‬وعلى ســبيل المثــال‪ ،‬فخالل الفــترة من ‪ 2007‬إلى‬

‫‪ 2010‬تلقت أوغنــدا وبوتســوانا وتنزانيــا ومالوي ونيجيريــا‪ ،‬مــا يزيــد على ‪ %20‬من مجمــوع رصــيدها‬

‫الوافد من االستثمار األجنبي المباشر من بلدان إفريقية أخرى‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬تشير التقديرات إلى أن‬

‫االستثمار األجنبي المباشر بين البلدان اإلفريقية في المشـاريع الجديـدة سـجل زيـادة بمعـدل سـنوي مـركب‬

‫بلــغ ‪ %23‬بين ‪ ،2011-2003‬ويالحــظ أن قطــاع الخــدمات يحصــل على حصــة متزايــدة من االســتثمار‬

‫األجنـ ــبي المباشـ ــر بين البلـ ــدان اإلفريقيـ ــة‪ .‬فخالل هـ ــذه الفـ ــترة اسـ ــتأثر قطـ ــاع الخـ ــدمات بنسـ ــبة ‪ %68‬من‬

‫الصــفقات المتعلقـة باالسـتثمارات بين البلـدان اإلفريقيـة في المشـاريع الجديـدة‪ ،‬البـالغ عـددها ‪ 673‬صــفقة‪،‬‬

‫مقابل ‪ %28‬لقطاع التصنيع‪ ،‬و‪ %4‬للقطاع األولي‪.718‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬معيقات التكامل اإلقليمي بالقارة اإلفريقية‬

‫تتعــدد معيقــات التكامــل االقتصــادي بالقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬إال أن أهم هــذه المعيقــات ترتبــط بمــا هــو‬

‫سياسي (أوال) واقتصادي (ثانيا)‪.‬‬

‫‪717‬‬
‫‪- UNCTAD, Economic development in Africa report 2013 Intra-Africa trade: unlocking private sector‬‬
‫‪dynamism, United Nations publication, 11July 2013, p17.‬‬
‫‪718‬‬
‫‪- Ibid, p128.‬‬

‫‪372‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أوال‪ :‬المعيقات السياسية‬

‫تعد المعيقات السياسـية أهم التحـديات الـتي تواجـه تحقيـق التكامـل االقتصــادي بالقـارة اإلفريقيـة‪،‬‬

‫ويــأتي في مقدمــة تلــك المعيقــات االفتقــار إلى اإلرادة السياســية‪ ،‬وعــدم االلــتزام بعمليــة التكامــل من جــانب‬

‫الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬ودليــل ذلــك إحجــام الــدول األعضــاء في تنظيمــات التكامــل اإلقليمي عن تنفيــذ القــرارات‬

‫الصادرة عن تلك التنظيمات؛ فعلى الــرغم من الخطابــات اإلفريقيــة الرســمية حــول أهميــة االلـتزام بقواعـد‬

‫التكامــل اإلقليمي من أجــل تنميــة القــارة‪ ،‬فــإن قلــة قليلــة جــدا من الــدول المشــاركة في بــرامج التكامــل هي‬

‫الــتي قــامت بإقامــة المؤسســات والهياكــل المؤسســية الالزمــة لتنفيــذ مشــروعات التكامــل ‪ .719‬باإلضــافة إلى‬

‫ك ــون‪ ،‬معظم التجمع ــات اإلفريقي ــة ال تض ــع ش ــروطا ومع ــايير مس ــبقة ينبغي على ال ــدول الوف ــاء به ــا قب ــل‬

‫االنضــمام إليهــا‪ ،‬ونتيجــة لتعامــل الــدول اإلفريقيــة مــع مســألة االنضــمام لتلــك التجمعــات باعتبارهــا مســألة‬

‫تخص ســيادة الــدول وتعظيم مصــالحها الوطنيــة‪ ،‬تــرتب على ذلــك تمتــع غالبيــة الــدول اإلفريقيــة بعضــوية‬

‫أكثر من تكتل إقليمي‪ ،‬وبالتالي أصـبح هنـاك تـداخل وتشـابك كبـير بين معظم التجمعـات القائمـة‪ .‬وإ ذأ كـل‬

‫التكتالت بعين االعتبار يصبح لدينا ‪ 26‬دولـة تتمتـع بعضـوية ثنائيـة‪ ،‬في مقابـل ‪ 20‬دولـة تتمتـع بعضـوية‬

‫ثالثية‪ ،‬و‪ 6‬دول تتمتع بوضع أحادي العضوية‪ ،‬ودولة واحدة تتمتع بعضوية أربع مجموعات إقليمية ‪،720‬‬

‫كما يوضحه الشكل أسفله‪ ،‬مما يخلق التضــارب في المصــالح‪ ،‬ويولــد عجــز الدولــة عن الوفــاء بالتزاماتهــا‬

‫اتجاه أحد التجمعات التي تنتمي إليه‪.‬‬

‫‪ - 719‬محمد عاشور مهدي‪" ،‬مستقبل التكامل اإلقليمي في إفريقيا‪ ..‬قراءة في ضوء الدوافع والواقع والتحديات"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪ - 720‬سامي السيد أحمد‪ ،‬خطوات منقوصة‪ :‬التكامل اإلقليمي اإلفريقي‪ ..‬خبرة الماضي وآفاق المستقبل‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫خطاطة توضح تعدد انتماءات الدول اإلفريقية للتكتالت االقتصادية اإلقليمية بالقارة‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪African Development Bank Group, African development report 2014: regional‬‬
‫‪integration for growth, op, cit, p 16.‬‬
‫موازاة مع كون الصراعات والخالفات السياسية فيما بين الدول األعضاء من ناحية‪ ،‬وداخل‬

‫الدولة الواحدة من ناحية أخرى‪ ،‬تؤثر بشكل رئيس في تحقيق التنمية االقتصادية داخل تلك الدول بصــفة‬

‫خاصة وعلى مستوى التجمعـات بصـفة عامـة‪ ،‬فقلمـا يـدوم الوفـاق بين دولـتين إفريقيـتين بشـكل يمكن معـه‬

‫التكهن باستمرار نجاح مشروع مشترك بعد تغير الظروف السياسية وصور التنــاحر والتضــاد السياســي‪،‬‬

‫قــد يرجــع لعوامــل داخليــة مرتبطــة بانعــدام التكامــل والتجــانس بين أجــزاء الدولــة الواحــدة ممــا يعــني انعــدام‬

‫التجانس الداخلي الذي يؤثر سلبا في التكامل اإلقليمي‪ .‬ويمكن أن يكون منشــؤه عوامــل خارجيــة عززتهــا‬

‫ال ــدول المتقدم ــة لض ــمان اس ــتمرار س ــيطرتها على األس ــواق والم ــوارد في ال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬وهك ــذا ف ــإن‬

‫‪374‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫السيطرة االستعمارية الصريحة والمسـتترة مـا تـزال تتحكم في مصــير البلـدان اإلفريقيـة‪ ،‬فاالسـتراتيجيات‬

‫االســتعمارية الغربيــة‪ ،‬مــا بعــد (الكولونياليــة)‪ ،‬والقائمــة على سياســة (فــرق تســد) الشــهيرة‪ ،‬أفــرزت نخبــة‬

‫ريعية طفيلية فاسدة‪ ،‬قائمة على شراء الوالءات السياسية من بوابة االمتيازات االقتصــادية واالجتماعيــة‪،‬‬

‫وه ــو م ــا جع ــل المجتم ــع الوط ــني الواح ــد ع ــدة مجتمع ــات‪ ،‬وأبن ــاء ال ــوطن الواح ــد فرق ــاء أك ــثر من ك ــونهم‬

‫ش ــركاء‪ ،‬وب ــدال من أن تس ــتغل ث ــروات الدول ــة للتنمي ــة المس ــتدامة وتأس ــيس مجتم ــع ق ــوي ودول ــة تنموي ــة‪،‬‬

‫وظفت هذه الثروات لمصلحة قــوى اإلمبرياليــة‪ ،‬بشــقيها التقليــدي والمعــولم‪ ،‬وزبائنهــا المحلــيين من النخب‬

‫ص ــاحبة االمتي ــازات‪ ،‬ال ــتي غالب ــا م ــا يب ــالغ في تع ــدادها لتص ــبح هي األغلبي ــة المجتمعي ــة ال ــتي له ــا ح ــق‬

‫الصدارة السياسية واالقتصادية والثقافية والدينية‪.‬‬

‫كما أن الحدود السياسية الوهمية المصــطنعة‪ ،‬وتكـوين القوميـات اإلفريقيـة الحديثـة على أسـاس‬

‫تجميــع الشــعوب اإلفريقيــة في قوميــات غــير متجانســة وغــير منســجمة‪ ،‬أدى إلى الكثــير من التطــاحن بين‬

‫الدول اإلفريقية‪ ،‬وبالتالي أعاقت حركة التنمية االقتصادية في إفريقيا ومحاوالت الوحدة والتعاون‪.721‬‬

‫ومن بين العقب ــات السياس ــية ك ــذلك (الط ــابع الف ــوقي) لجه ــود التكام ــل اإلف ــريقي‪ ،‬ويقص ــد ب ــذلك‬

‫سـيطرة حكومـات الـدول األعضــاء على المؤسسـات اإلقليميـة‪ ،‬بحيث يكـون لممثلي الحكومـات الوطنيـة –‬

‫بص ــفتهم تلــك‪ -‬دور مباشــر في اتخــاذ القــرارات الخاص ــة بالعمليــة التكامليــة‪ ،‬ممــا يعــني إعالء الســلطات‬

‫والمصــالح الوطنيــة على المصــالح المشــتركة للجماعـة‪ ،‬وذلــك نقيض فلســفة التكامــل وأهــدافها المنصــوص‬

‫عليها غالبا في اتفاقيات قيام تلــك التنظيمــات ومواثيقهــا‪ ،‬ويمكن مالحظــة ذلــك الطــابع الرســمي لمؤسســات‬

‫التكامـ ـ ــل اإلقليمي في إفريقيـ ـ ــا بوضـ ـ ــوح في ظـ ـ ــل هيمنـ ـ ــة سـ ـ ــلطات مجلس رؤسـ ـ ــاء الـ ـ ــدول والحكومـ ـ ــات‬

‫وصــالحياتهم على مــا عــداها من مراكــز اتخــاذ القــرار في تلــك التنظيمــات في غــالب األحيــان‪ ،‬وفي ظــل‬

‫غياب كل دور رئيسي للمشاركة الشعبية لمواطني الدول األعضاء في تلك التنظيمات‪.722‬‬
‫‪ - 721‬يوسف خميس أبو يوسف‪" ،‬دور التكتالت االقتصادية في تعزيز الوحدة االقتصادية والسياسية في إفريقيــا"‪ ،‬دراســات إفريقيــة‪ ،‬العــدد ‪ ،32‬ذو‬
‫القعدة ‪1425‬هـ‪ /‬ديسمبر ‪2004‬م‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫‪ - 722‬غي مفيل‪ ،‬التكامل والتعاون في إفريقيا صعوبة اللقاء الممكن بين النظريات والواقع‪( ،‬ترجمة نصير مروة)‪ ،‬مؤسسة الفكر العــربي‪ ،‬بــيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،2015‬ص ‪.198‬‬
‫‪ -‬محمد عاشور مهدي‪" ،‬مستقبل التكامل اإلقليمي في إفريقيا‪ ..‬قراءة في ضوء الدوافع والواقع والتحديات" مرجع سابق‪ .‬ص ‪36-35‬‬

‫‪375‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ثانيا‪ :‬المعيقات االقتصادية‬

‫يتضح من استعراض أهم التجمعات االقتصادية اإلفريقية‪ ،‬أن أهدافها جميعا متقاربة ومتشابهة‬

‫إلى ح ــد كب ــير‪ .‬لكن األهم عملي ــا‪ ،‬أن ــه على ال ــرغم من ق ــدم تأس ــيس تل ــك التجمع ــات االقتص ــادية اإلفريقي ــة‬

‫والتي عرفت باسم اإلقليمية الجديدة‪ ،‬فإن تلك التجمعات لم تستطع حتى اآلن أن تحقق أيا من طموحاتهــا‬

‫في مج ــاالت التنمي ــة االقتص ــادية من ناحي ــة‪ ،‬وإ ب ــراز دوره ــا باعتباره ــا تكتال اقتص ــاديا إقليمي ــا من ناحي ــة‬

‫أخــرى على الســاحة اإلفريقيــة أو الســاحة العالميــة‪ ،‬حيث يــرى البعض أن تلــك التجمعــات تعــاني من عــدة‬

‫نقاط ضعف‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫اعتمـاد معظم الـدول االفريقيـة على حصــيلة التعرفــة الجمركيـة‪ ،‬لـذلك تـتردد كثـيرا في قبولهـا‬ ‫‪-‬‬

‫االنتظام في اتحاد جمركي أو إقليمي قد يحرمها من هــذه المــوارد أو يقللهــا‪ ،‬في الــوقت الــذي‬

‫تك ــون في ــه ع ــاجزة عن انته ــاج س ــبل ق ــد تعوض ــها عن مث ــل ه ــذه الخس ــارة‪ ،‬لع ــدم المعرف ــة أو‬

‫الخبرة‪ ،‬أو لعدم وجود مؤسسات وأجهزة كافية للقيام بهذه المهام‪.723‬‬

‫التبعيـ ــة الشـ ــديدة لبعض األنظمـ ــة اإلفريقيـ ــة للغـ ــرب‪ ،‬تشـ ــكل تحـ ــديا بـ ــارزا في وجـ ــه التكتـ ــل‬ ‫‪-‬‬

‫والتكامــل االقتصــادي اإلفــريقي‪ ،‬فــأغلب هــذه الــدول تــرغب في االســتفادة من مزايــا التكتالت‬

‫الدوليــة وتشــجيع االســتثمارات األجنبيــة فيهــا؛ لــذا تســعى كــل دولــة أفريقيــة لعقــد شــراكة مــع‬

‫االتحاد األوروبي مثال‪ ،‬وهو ما يؤثر على التزاماتها داخل التجمعات اإلقليمية اإلفريقية‪.724‬‬

‫ويمكن االشارة‪ ،‬إلى مجموعة من العقبـات االقتصــادية العامـة الـتي أضــحت قاسـما مشـتركا بين‬

‫التجمعــات المختلفــة في إفريقيــا‪ ،‬الــتي حــالت دون تحقيــق الوحــدة االقتصــادية بين دولهــا‪ ،‬على الــرغم من‬

‫وجود المقومات والدوافع القوية لنجاحها وتفعيلها‪ ،‬وتتمثل تلك العقبات في‪:‬‬

‫التب ــاين في مس ــتويات التط ــور االقتص ــادي واالجتم ــاعي في غالبي ــة دول التجمع ــات اإلقليمي ــة‬ ‫‪-‬‬

‫اإلفريقية‪.‬‬
‫‪ - 723‬عمر راشد‪" ،‬ما الذي تفعله التجمعات االقتصادية اإلفريقية؟"‪ ،‬ملف األهرام االستراتيجي‪ ،‬العدد ‪ ،118‬اكتوبر ‪ ،2004‬ص ‪.120‬‬
‫‪ - 724‬الشيخ باي الحبيب‪ ،‬االقتصادات اإلفريقية‪ :‬أداء متطور وآفاق واعدة‪ ،‬تقارير مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 7 ،‬ابريل ‪ ،2014‬ص ‪.6‬‬

‫‪376‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفساد المالي والوظيفي في غالبية الدول اإلفريقية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الصراعات والحروب وانعكاساتها على التنمية االقتصادية في الدول اإلفريقية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫عبء الديون الخارجية التي تعاني منها أغلب الدول اإلفريقية المشكلة لهذه التجمعات‪.725‬‬ ‫‪-‬‬

‫عــدم وجــود بنيــة تحتيــة أساســية قويــة قــادرة؛ مثــل شــبكات الطــرق والمواصــالت والمصــارف‬ ‫‪-‬‬

‫الرابطة بين دول القارة اإلفريقية‪ .‬هكـذا‪ ،‬فـإن تكلفـة المسـافة االقتصـادية بين الـدول اإلفريقيـة‬

‫مرتفعــة جــدا‪ ،‬بالمقارنــة مــع تكلفــة المســافة االقتصــادية بين الــدول اإلفريقيــة والــدول المتقدمــة‬

‫على الـرغم من تقـارب الـدول اإلفريقيـة جغرافيـا‪ ،‬وذلـك لكـون أغلب البنيـات التحتيـة الـتي تم‬

‫تشـ ــييدها خالل الفـ ــترة االسـ ــتعمارية‪ ،‬وكـ ــذا خالل بدايـ ــة اسـ ــتقالل الـ ــدول اإلفريقيـ ــة صـ ــممت‬

‫الســتنزاف الــثروات الطبيعيــة اإلفريقيــة‪ ،‬وهــو مــا يحــول دون تعميــق التكتــل اإلقليمي بالقــارة‬

‫اإلفريقي ــة‪ ،‬لكون ــه يقــف ح ــائال قوي ــا أم ــام ت ــدفق األم ــوال والتج ــارة بالمنطقــة‪ .726‬ولتفــادي هــذا‬

‫العائق فقـد أصـبحت القـارة اإلفريقيـة تأخـذ بجديـة تطـوير االسـتثمار في هـذا المجـال‪ ،‬فمـا بين‬

‫‪ 2003‬إلى ‪ 2012‬خصص ـ ــت الق ـ ــارة اإلفريقي ـ ــة ح ـ ــوالي ‪ %22‬من ناتجه ـ ــا ال ـ ــداخلي الخ ـ ــام‬

‫لالستثمار في مجال البنيات التحتية‪ ،‬وحسـب البنـك اإلفـريقي للتنميـة فـإن تطـوير هـذا المجـال‬

‫يسهم بشكل فعال في معدل نمــو النــاتج الــداخلي الخــام‪ ،‬إذ أن نســبة ‪ %22‬من النــاتج الــداخلي‬

‫الخ ــام للق ــارة اإلفريقي ــة وال ــتي تم تخصيص ــها لتش ــييد البني ــة التحتي ــة أس ــهمت ب ‪ %0,05‬في‬

‫معدل نمو الناتج الداخلي الخام للقارة اإلفريقية خالل نفس المرحلة‪.727‬‬

‫وبصــفة عامــة يــرى بعض البــاحثين أن إخفـاق التنميــة بصــفة عامــة‪ ،‬ومن بينهــا تجــارب التكامــل‬

‫في إفريقيا‪ ،‬يرجع إلى التبعية الخارجية لالقتصاديات اإلفريقية‪ ،‬فمن أجـل الحفـاظ على الكيانـات الوطنيـة‬
‫‪ - 725‬إحسان مهدي أحمد‪ "،‬البعد التـاريخي للوحـدة اإلفريقيـة‪ :‬من منظمـة الوحـدة اإلفريقيـة إلى االتحـاد اإلفـريقي"‪ ،‬في كتـاب التكامل اإلقليمي في‬
‫إفريقيا رؤى وآفاق‪( ،‬تحريـر محمـد عاشـور وأحمـد علي سـالم)‪ ،‬معهـد البحـوث والدراسـات اإلفريقيـة جامعـة القـاهرة‪ ،‬الطبعـة األولى‪1426 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪2005‬م‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪726‬‬
‫‪- Commission économique pour l’Afrique, Union Africaine, Tirer le plus grand profit des produits de base‬‬
‫‪africains : l’industrialisation au service de la croissance, de l’emploi et de la transformation économique,‬‬
‫‪op, cit, p 7.‬‬
‫‪727‬‬
‫‪- African Development Bank Group, African development report 2014: regional integration for growth,‬‬
‫‪op, cit, P 30-31.‬‬

‫‪377‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الصــغيرة‪ ،‬عمــد زعمــاء الــدول الجديــدة إلى تــدعيم روابطهم مــع القــوى الدوليــة المهيمنــة‪ ،‬ولعــل من أبــرز‬

‫مظــاهر هــذه التبعيــة عالقــة فرنســا بالــدول الفرانكفونيــة في غــرب إفريقيــا‪ ،‬الــتي ظهــرت جليــة في تشــجيع‬

‫فرنس ــا قي ــام الجماع ــة االقتص ــادية لغ ــرب إفريقي ــا لتض ــم ال ــدول الفرنكفوني ــة دون غيره ــا من دول اإلقليم‪،‬‬

‫ومساندتها لهذه الجماعة في وضع خطـط وبـرامج تكامليـة وتنفيـذها لخدمـة المصـالح الفرنسـية‪ ،‬وكـذا قيـام‬

‫الــدول الفرانكفونيــة في غــرب إفريقيــا بتثــبيت عملتهــا للفرنــك الفرنســي ‪-‬كمــا تمت مناقشــته ســابقا‪ -‬وهــو‬

‫األمر الذي مثل عقبة أمام تطور مساعي التكامل بين دول اإلقليم كلها‪.‬‬

‫وقـ ــد كـ ــانت الشـ ــركات متعـ ــددة الجنسـ ــية إحـ ــدى أدوات تكـ ــريس التبعيـ ــة‪ ،‬حيث أدى وجـ ــود هـ ــذه‬

‫الشركات في الدول اإلفريقية إلى صعوبة منافسة المشروعات المحلية واإلقليميـة لهـا؛ في ظـل احتكارهـا‬

‫لعنصر التكنولوجيا ورأس المال ومساندة أبناء الطبقة والنخبة الحاكمة في بعض الــدول اإلفريقيــة لنشــاط‬

‫هـــذه الشـــركات‪ ،‬بوصـــفهم ‪-‬في كثـــير من الحـــاالت‪ -‬وكالء له ــذه الش ــركات في دولهم‪ ،‬فعلى الـــرغم من‬

‫االعتقــاد بــأن من مصــلحة هــذه الشــركات دعم عمليــة التكامــل االقتصــادي بين دول القــارة‪ ،‬لمــا ســيترتب‬

‫عليه من وجود أسـواق واسـعة أمـام منتجاتهـا ومـا يعنيـه ذلـك من مزيـد من األربـاح االحتكاريـة‪ ،‬فإنـه مـع‬

‫إدراك حقيق ــة ك ــون قي ــام التكام ــل االقليمي س ــيؤثر في اس ــتراتيجية ه ــذه الش ــركات من خالل زي ــادة الق ــوة‬

‫التفاوضـ ــية للـ ــدول اإلفريقيـ ــة في مواجهتهـ ــا‪ ،‬لـ ــذلك حرصـ ــت هـ ــذه الشـ ــركات على تعميـ ــق تبعيـ ــة انـ ــدماج‬

‫اقتصاديات الدول اإلفريقية في السوق الرأسمالية الدولية أكثر منه فيما بين الدول اإلفريقية‪.728‬‬

‫باإلضـافة إلى سـيطرة التبـادالت التجاريـة األحاديـة بين الـدول‪ ،‬فالمصـدرون األساسـيون بالقـارة‬

‫هم‪ :‬جنوب إفريقيـا والجزائـر وأنجـوال ومصـر وليبيـا والمغـرب ونيجيريـا‪ ،‬تـربطهم عالقـات تجاريـة قويـة‬

‫مع مناطق العالم خارج القارة اإلفريقية‪ ،‬أكثر من جيرانهم بالقارة‪ ،‬وهذا ما يمثــل فرصــا ضــائعة بالنســبة‬

‫للقارة اإلفريقية‪.729‬‬

‫‪ - 728‬محمد عاشور مهدي‪" ،‬مستقبل التكامل اإلقليمي في إفريقيا‪ ..‬قراءة في ضوء الدوافع والواقع والتحديات" مرجع سابق‪ ،.‬ص ‪.38‬‬
‫‪729‬‬
‫‪- Banque africaine de développement, Organisation de coopération et développement économique, Programme‬‬
‫‪des nation Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines valeur‬‬
‫‪mondiales et l’industrialisation de l’Afrique , op, cit, P 78-79.‬‬

‫‪378‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومن المنظــور الثقــافي‪ ،‬تفتقــد الكثــير من الــدول اإلفريقيــة لمــا يعــرف بثقافــة التكامــل االقتصــادي‬

‫الالزم ــة إلنج ــاح جه ــود ه ــذا التكام ــل في القــارة‪ ،‬فعلى س ــبيل المث ــال م ــا زالت األس ــواق اإلفريقي ــة تفض ــل‬

‫المنتج المستورد من خارج القارة‪ .‬وتفضل الشركات اإلفريقية التعامـل مـع شـركات دول أجنبيـة على أن‬

‫تتعامل مع نظيراتها اإلفريقية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬األداء االقتصادي إلفريقيا مع بداية األلفية الثالثة‬

‫عــرفت معــدالت النمــو بالقــارة اإلفريقيــة تحســنا بشــكل كبــير منــذ مطلــع القــرن ‪ ،21‬بعــد معانــاة‬

‫لعقــدين من الركــود‪ ،‬فقــد بلغت معــدالت النمــو ‪ %5,6‬خالل الفــترة من ‪ 2002‬إلى ‪ 2008‬وهبطت بفعــل‬

‫األزمـ ـ ــة الماليـ ـ ــة العالميـ ـ ــة في ‪ 2009‬إلى ‪ ،%2,2‬إال أنهـ ـ ــا عـ ـ ــادت لمعـ ـ ــدالتها الطبيعيـ ـ ــة في ‪ 2010‬إلى‬

‫‪ ،%4,6‬وعلى الــرغم من تراجــع معــدالت النمــو في عــام ‪ 2011‬بســبب التحــوالت السياســية لــدول شــمال‬

‫إفريقيا‪ ،‬ومـا خلفتـه من تـأثيرات على اقتصـاداتها‪ ،‬إال أن عـام ‪ 2012‬شـهد ارتفاعـا لمعـدالت النمـو بنسـبة‬

‫‪ ،%5‬ثم ‪ %4,8‬في عام ‪ 2013‬و‪ %5,1‬في ‪.2014‬‬

‫‪379‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وترج ــع ه ــذه المع ــدالت الجي ــدة للنم ــو إلى زي ــادة ال ــدخول والتم ــدن‪ ،‬مم ــا أدى إلى زي ــادة الطلب‬

‫المحلي وزيادة اإلنفاق العـام خاصـة على البنيـة التحتيـة‪ ،‬وزيـادة كميـة المحاصـيل بسـبب األحـوال الجويـة‬

‫الجي ـ ــدة‪ ،‬وأخ ـ ــيرا زي ـ ــادة حجم الرواب ـ ــط التجاري ـ ــة واالس ـ ــتثمارية م ـ ــع االقتص ـ ــادات الناش ـ ــئة ال ـ ــتي ترتب ـ ــط‬

‫استثماراتها بالموارد الطبيعية والصناعية االستخراجية في إفريقيا‪.730‬‬

‫غـير أن القـارة اإلفريقيــة مــا زالت تحتــل موقعــا هامشــيا في التجــارة الدوليــة نظــرا لكونهــا تعتمــد‬

‫بشــكل كبــير على تصــدير المــواد األوليــة (المطلب األول)‪ ،‬كمــا انهــا ال تســتقطب إال القليــل من التــدفقات‬

‫المالية الخارجية‪ ،‬مقارنـة مـع منـاطق أخـرى من العـالم‪ ،‬على الـرغم من التطـور الـذي عرفـه هـذا المجـال‬

‫في السنوات األخيرة‪ ،‬باإلضافة إلى استمرار مشكلة تراكم الديون الخارجية الـتي تعـاني منهـا جـل الـدول‬

‫اإلفريقية (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إفريقيا والتجارة الدولية‬

‫بــدأت حركــة التجــارة الدوليــة تعــرف العديــد من التغــيرات خالل الســنوات األخــيرة‪ ،‬فقــد تزايــدت‬

‫أهمية الدول النامية في ديناميـة التجـارة الدوليـة‪ ،‬بحيث أصــبحت عالقاتهـا التجاريـة أكـثر ترابطـا‪ ،‬وتسـهم‬

‫بشكل كبير في التجارة العالمية‪ ،‬وتعتبر القارة اإلفريقية المنطقة األقل اســتفادة من هــذه الحركيــة‪ ،‬بحيث‬

‫أنها ما زالت عالقتها التجارية مع مناطق العالم األخرى تتمـيز بالمحدوديـة وسـيطرة المـواد األوليـة على‬

‫الصادرات اإلفريقية نحو هذه المناطق‪ ،‬على الرغم من دينامية عالقتها التجارية مع القوى الصاعدة مــع‬

‫بداية القرن الحالي (الفقرة األولى)‪ ،‬أما على مستوى دعم العالقات التجارية بين الدول اإلفريقية فقــد تم‬

‫إطالق العديد من المبادرات اإلقليمية في هذا المجال خالل العقود الماضية‪ ،‬إال أن األسواق اإلفريقية ما‬

‫زالت تعــاني من انخفــاض معــدالت التبــادل التجــاري فيمــا بينهــا‪ ،‬مقارنــة مــع مــا حققتــه منــاطق أخــرى من‬

‫العالم على هذا الصعيد (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪ - 730‬منظمة االمم المتحدة‪" ،‬آفاق التنمية االقتصادية واالجتماعية التقرير االقتصادي االفريقي ‪ ،" 2013‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬

‫‪380‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفقرة األولى‪ :‬موقع إفريقيا في التجارة الدولية‬

‫ارتفــع نصــيب القــارة اإلفريقيــة من إجمــالي الصــادرات العالميــة البــالغ ‪ %2,3‬في عــام ‪2000‬‬

‫ليص ــل إلى ‪ %3,2‬في ع ــام ‪ ،2010‬كم ــا بل ــغ حجم التج ــارة الس ــلعية من إجم ــالي التج ــارة المحلي ــة ‪32,5‬‬

‫مليون دوالر في عام ‪.7312010‬‬

‫وبصفة عامة ارتفعت تجارة البضـائع بإفريقيـا من ‪ 251‬مليـار دوالر سـنة ‪ 1996‬إلى ‪1.151‬‬

‫مليار دوالر سنة ‪ ،2011‬بحيث بلغت قيمـة الصـادرات والـواردات اإلفريقيـة ‪ 582‬و‪ 569‬مليـار دوالر‬

‫على التوالي‪ ،‬وبذلك بلغ المعدل السنوي لنمو الصادرات اإلفريقية نحــوى العــالم ‪ %17,5‬خالل المرحلــة‬

‫مـ ـ ــا بين ‪ 2006-2001‬متجـ ـ ــاوزا معـ ـ ــدل نمـ ـ ــو صـ ـ ــادرات كـ ـ ــل من االقتصـ ـ ــادات الصـ ـ ــاعدة ‪%11,5‬‬

‫واالقتص ــادات المتقدم ــة ‪ %9,3‬خالل المرحل ــة نفس ــها‪ .‬والش ــيء نفس ــه بالنس ــبة للمرحل ــة م ــا بين ‪-2007‬‬

‫‪ ،2011‬إذ وصل معدل نمـو الصـادرات اإلفريقيـة حـوالي ‪ %12,2‬في حين وصـل معـدل نمـو صـادرات‬

‫الــدول الصــاعدة والــدول المتقدمــة ‪ %9,9‬و ‪ %7,4‬على التــوالي خالل هــذه المرحلــة‪ .‬والخاصــية نفســها‬

‫تنطبق على الواردات اإلفريقية‪.732‬‬

‫فحسب معطيات المنظمة العالمية للتجارة‪ ،‬فإن الصادرات االفريقيــة عـادت إلى حالتهــا الطبيعــة‬

‫في س ــنة ‪ 2012‬بع ــدما س ــجلت تراجع ــا س ــنة ‪ 2011‬بنس ــبة ‪ ،%8,5‬بع ــد ع ــودة ليبي ــا لتص ــدير الب ــترول‪.‬‬

‫وبذلك ارتفع إيقاع نمو هذه الصادرات بنسبة ‪ %6,1‬الذي يعتبر األعلى في العالم إذ بلــغ ‪ 4,5‬و‪%2,8‬‬

‫بأمريكا الشمالية وآسيا على التوالي في السنة نفسها‪.‬‬

‫وخالل هذه السنة بلغت الصادرات اإلفريقية من البضائع ما قيمته ‪ 626‬مليار دوالر‪ ،‬وهو مــا‬

‫يشـ ــكل ‪ %3,5‬من مجمـ ــوع صـ ــادرات البضـ ــائع على المسـ ــتوى الـ ــدولي‪ ،‬مقابـ ــل ‪ 604‬مليـ ــار دوالر من‬

‫ال ــواردات‪ .‬ولق ــد هيمنت الم ــوارد الطاقي ــة والمعدني ــة على الص ــادرات اإلفريقي ــة خالل ه ــذه الس ــنة بنس ــبة‬

‫‪ - 731‬منظمة االمم المتحدة‪ " ،‬آفاق التنمية االقتصادية واالجتماعية التقرير االقتصادي اإلفريقي ‪ ،"2013‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪732‬‬
‫‪- UNCTAD, Economic development in Africa report 2013 Intra-Africa trade: unlocking private sector‬‬
‫‪dynamism, op,cit, p 8-9‬‬

‫‪381‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ %69,5‬من إجمالي صادراتها‪ ،‬أي ما قيمته ‪ 438‬مليار دوالر‪ .733‬وتجدر اإلشارة إلى أن أغلب الـدول‬

‫اإلفريقية تشـكل المـوارد األوليـة مـا يفـوق ‪ %50‬من بنيـة صــادراتها‪ ،‬بـل توجـد بعض الـدول الـتي تتعـدى‬

‫فيهـ ـ ــا هـ ـ ــذه النسـ ـ ــبة ‪ %90‬كجمهوريـ ـ ــة إفريقيـ ـ ــا الوسـ ـ ــطى وبورونـ ـ ــدي وإ ثيوبيـ ـ ــا وموريتانيـ ـ ــا والسـ ـ ــودان‬

‫والموزمبيق‪ ،‬وبوركينافاسو وغنيا بيساو (‪ )%100‬والنيجر والسيراليون‪.734‬‬

‫تعت ــبر أوروب ــا الوجه ــة الرئيس ــة للص ــادرات اإلفريقي ــة بنس ــبة ‪ ،%38,7‬تليه ــا آس ــيا ال ــتي ب ــدأت‬

‫تبرز شريكا اقتصاديا مهم للقارة اإلفريقية‪ ،‬إذ كانت حصتها من الصادرات اإلفريقية ال تتعدى ‪%15,7‬‬

‫سـنة ‪ 2005‬لـترتفع إلى ‪ .%29,8‬ثم أمريكـا الشـمالية الـتي بـدأت تـتراجع عالقتهـا التجاريـة مـع إفريقيـا‪،‬‬

‫إذ انخفض ـ ـ ــت حص ـ ـ ــتها من الص ـ ـ ــادرات اإلفريقي ـ ـ ــة بالنص ـ ـ ــف من ‪ %28‬س ـ ـ ــنة ‪ 2005‬إلى ‪ %14‬س ـ ـ ــنة‬

‫‪.7352012‬‬

‫وبصفة عامـة يبقى االتحـاد األوروبي الشـريك التجـاري الرئيسـي للقـارة اإلفريقيـة سـنة ‪،2012‬‬

‫إذ بلغت قيمــة المبــادالت الثنائيــة أزيــد من ‪ 350‬مليــار دوالر‪ ،‬أي مــا يمثــل ‪ %38,2‬من إجمــالي تجــارة‬

‫القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬وتــأتي آســيا (دون احتســاب الصــين) في المرتبــة الثانيــة بـ ‪ 160‬مليــار دوالر‪ ،‬وهــو مــا‬

‫يشــكل ‪ ،%25,3‬أمــام أمريكــا الشــمالية بـ ‪ 74‬مليــار دوالر( دون احتســاب الواليــات المتحــدة األمريكيــة)‪،‬‬

‫أي ما يعادل ‪ %11,7‬من إجمالي تجارة القارة‪ .‬فهذه األرقام تؤكد هيمنة أوروبا على التجارة اإلفريقية‬

‫وذلــك نتيجــة الروابــط االســتعمارية‪ .‬أمــا في مــا يخص االقتصــادات الصــاعدة فقــد عملت الصــين على فتح‬

‫أســواقها أمــام الصــادرات اإلفريقيــة‪ ،‬إذ ارتفعت حصــتها من هــذه الصــادرات من ‪ %3,2‬ســنة ‪ 2000‬إلى‬

‫‪ %13‬سنة ‪ .2011‬وقد بلغت المبادالت التجارية الثنائية بين الصين والقارة اإلفريقيــة مــا قيمتــه ‪198,5‬‬

‫‪733‬‬
‫‪- Banque africaine de développement, Organisation de coopération et développement économique,‬‬
‫‪Programme des nation Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines‬‬
‫‪valeur mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, op,cit, p 81.‬‬
‫‪734‬‬
‫‪- Commission économique pour l’Afrique, Union Africaine, Tirer le plus grand profit des produits de base‬‬
‫‪africains : l’industrialisation au service de la croissance, de l’emploi et de la transformation économique,‬‬
‫‪op, cit, p120-121.‬‬
‫‪735‬‬
‫‪- Banque africaine de développement, Organisation de coopération et développement économique, Programme‬‬
‫‪des nation Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines valeur‬‬
‫‪mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, op , cit, p 83.‬‬

‫‪382‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مليـ ــار دوالر سـ ــنة ‪ 2012‬أي بارتفـ ــاع ‪ %19,3‬بالنسـ ــبة لسـ ــنة ‪ ،2011‬في حين لم تتجـ ــاوز المبـ ــادالت‬

‫التجارية الثنائية للواليات المتحدة مع دول القارة مبلغ ‪ 108,9‬مليار دوالر خالل السنة نفسها‪.736‬‬

‫لذلك‪ ،‬حسب مارتين جاك‪ ،‬فإن صعود القوى األسـيوية خصوصــا الصــين‪ ،‬سـيؤدي بالفعـل إلى‬

‫عمليــة مركبــة إلعــادة توزيــع القــوة االقتصــادية الدوليــة؛ ومــع األخــذ في االعتبــار أن الصــين مــا زالت لم‬

‫تتجــاوز نصــف مرحلــة انطالقهــا إال قليال‪ ،‬وفي وجــود ‪ %50‬من الســكان مــا زالــوا يعيشــون في الريــف‪،‬‬

‫يصــبح من الواضــح أننــا مــا زلنــا في المراحــل المبكــرة لهــذه العمليــة‪ .‬ومن غــير المتصــور أن باســتطاعة‬

‫خمس س ــكان الع ــالم االنض ــمام إلى االقتص ــاد الع ــالمي بس ــرعة هائل ــة‪ -‬وفق ــا للمع ــايير التاريخي ــة‪ -‬ب ــدون‬

‫عــواقب ال بــد لهــا أن تولــد تــوترات وصــراعات‪ .‬حــتى اآلن ظــل انــدماج الصــين نســبيا دونمــا صــراعات‪.‬‬

‫لكن من غــير المحتمــل للوضــع الــذي فيــه جميــع األطــراف رابحــون الــذي واكب تلــك العمليــة أن يســتمر‪.‬‬

‫سـتتغير الحسـابات السياسـية في الغـرب فيمـا تتصـاعد أعـداد الخاسـرين وسـتكون تبعـات ذلـك المنطقيـة أن‬

‫الغرب ‪-‬الداعي التقليدي إلى التجارة الحرة‪ -‬سيقود االندفاع باتجاه توفير الحماية‪ ،‬وهــو مــا يستشــف من‬

‫تصريحات الرئيس األمريكي الجديــد دونالد ترمب في حملتــه االنتخابيــة‪ ،‬إذ وعــد باالنســحاب من منظمــة‬

‫التجارة العالمية ‪ WTO‬التي رعت إنشاءها إدارة الرئيس األمريكي األسبق كلينتون عام ‪ 1995‬لتكون‬

‫بــديال عن االتفاقيــة العامــة للتجــارة والتعرفــة الجمركيــة ‪ ،GATT‬وهي اتفاقيــة جــرى التوصــل إليهــا عــام‬

‫‪ .1948‬كما طالب بإلغاء اتفاقية الشراكة عــبر المحيــط الهــادي ‪ TPP‬الــتي وقعتهــا إدارة الــرئيس أوباما‪،‬‬

‫واتفاقي ــة التج ــارة الح ــرة ألمريك ــا الش ــمالية ‪ NAFTA‬ال ــتي وقعته ــا إدارة ال ــرئيس كلينتــون ع ــام ‪،1998‬‬

‫ودعــا إلى تعــديل اتفاقــات التجــارة الحــرة مــع كــل من الصــين والمكســيك أو إلغائهــا‪ ،‬وأيــد فــرض عقوبــات‬

‫اقتص ــادية على الص ــين بس ــبب سياس ــاتها المالي ــة والتجاري ــة‪ ،‬وه ــدد بف ــرض رس ــوم إغ ــراق على البض ــائع‬

‫الصــينية‪ ،‬واتبــاع سياســات حمائيــة‪ .737‬كمــا أن دعــوة روســيا والصــين لكــل من البرازيــل والهنــد وجنــوب‬

‫‪736‬‬
‫‪- Ibid, p 83.‬‬
‫‪ - 737‬مروان قبالن‪" ،‬أطروحات إدارة ترمب ونظام ما بعد الحرب العالمية الثانية‪" :‬انقالب" في السياسة الخارجية أم نسخة باهتة من الجاكسونية؟"‪،‬‬
‫سياسات عربية‪ ،‬العدد ‪ 24‬يناير ‪ ،2017‬ص ‪.103-102‬‬

‫‪383‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إفريقيــا بقمــة دول الــبريكس (روســيا‪ ،‬الصــين‪ ،‬البرازيــل‪ ،‬الهنــد‪ ،‬جنــوب إفريقيــا) المنعقــدة بروســيا شــهر‬

‫يوليــوز ‪ 2015‬لتســوية المعــامالت التجاريــة مــا بين دول المجموعــة بــالعمالت الوطنيــة خطــوة أخــرى في‬

‫طريق إرجاع العالم للتعاطي بقاعدة الـذهب بـدل الـدوالر‪ ،‬خصوصــا أن مشـتريات روسـيا من الـذهب في‬

‫السـ ــنوات السـ ــبع األخـ ــيرة ازدادت بوتـ ــيرة متسـ ــارعة‪ ،‬حيث بلـ ــغ حجم مخـ ــزون الـ ــذهب في االحتياطيـ ــات‬

‫الدوليــة الروســية‪ ،‬حســب بيانــات المصــرف المركــزي الروســي‪ ،‬في أبريــل ‪ 1238 2015‬طنــا‪ ،‬وهــو مــا‬

‫يــراه الخبــير االســتراتيجي ديميتري كاليشينكو اســتراتيجية لفتح نافــذة الــذهب من جديــد‪ .738‬علمــا أن دول‬

‫ال ــبريكس وكوري ــا الجنوبي ــة وتركي ــا أص ــبحت أهم الش ــركاء التج ــاريين للق ــارة اإلفريقي ــة من ــذ بداي ــة العق ــد‬

‫الماضي‪.‬‬

‫المبادالت التجارية بين إفريقيا وبعض الشركاء التجاريين خالل الفترة ما بين‪2012-2000‬‬ ‫المبيان رقم ‪:38‬‬

‫المصدر‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Banque‬‬ ‫‪Africaine‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪Développement,‬‬ ‫‪Organisation‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪Coopération‬‬ ‫‪et‬‬


‫‪Développement‬‬ ‫‪Economique,‬‬ ‫‪Programme‬‬ ‫‪des‬‬ ‫‪Nation‬‬ ‫‪Unies‬‬ ‫‪pour‬‬ ‫‪le‬‬
‫‪Développement,‬‬ ‫‪Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines‬‬
‫‪valeur mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, op, cit, p 83.‬‬
‫ال تــزال إفريقيــا في معظمهــا منتجــة للســلع –كمــا تمت مناقشــته ســابقا – مثــل البــترول والمعــادن‬

‫والفلــزات‪ .‬وفي العــام ‪ 1960‬كــانت تســع ســلع – تشــمل القهــوة والكاكــاو والقطن والســكر‪ -‬تؤلــف ‪%70‬‬

‫‪ - 738‬سامي السالمي‪" ،‬أبعاد ودالالت قمتي بريكس وشنغهاي في التفاعالت الدولية"‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 14/08/2015‬على الرابط‪:‬‬
‫‪-www.siyassa.org.eg.‬‬

‫‪384‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫من الص ــادرات الزراعي ــة إلفريقي ــا جن ــوب الص ــحراء‪ ،‬وبحل ــول الثمانيني ــات من الق ــرن العش ــرين‪ ،‬ك ــانت‬

‫تشـكل المقـدار نفسـه تقريبـا – ‪ -%76‬حـتى عنـدما وسـعت بلـدان في منـاطق أخـرى من نطـاق صـادراتها‬

‫ونصيبها من األسواق األخرى‪.739‬‬

‫ففي أواخ ــر الس ــبعينات والثمانين ــات من الق ــرن الماض ــي‪ ،‬انه ــارت أس ــعار الس ــلع لتزي ــد من فق ــر‬

‫الكثــير من الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وانخفض نصــيب إفريقيــا من صــادرات البلــدان الناميــة من ‪ %12‬في العــام‬

‫‪ ،1961‬إلى أقل بقليل من ‪ %6‬في العام ‪ .1980‬وقد كلف االنخفاض الدرماتيكي ألســعار الســلع إفريقيــا‬

‫‪ 50‬ملي ــار دوالر من خالل م ــا خس ــرته من إي ــرادات بين الع ــامين ‪ ،1990-1986‬وه ــو م ــا يزي ــد على‬

‫ضعف المبلغ الذي حصـلت عليـه المنطقـة من المسـاعدات خالل الفـترة نفسـها‪ .‬وكـانت هنـاك عـدة أسـباب‬

‫له ــذا االنخف ــاض الش ــديد‪ :‬ظه ــور منافس ــة أش ــد من قب ــل االقتص ــادات اآلس ــيوية الناش ــئة إلى ج ــانب أس ــواق‬

‫جدي ــدة للم ــواد الص ــناعية أو البديل ــة؛ وانهي ــار االتح ــاد الس ــوفياتي ال ــذي أدى إلى إغالق أح ــد المناف ــذ أم ــام‬

‫بعض منتجات الدول اإلفريقية؛ ومع هبوط األسعار أفرط األفارقــة في اإلنتـاج أيضــا‪ ،‬األمـر الـذي تـرتب‬

‫علي ــه مزي ــد من االنخف ــاض في األس ــعار‪ .‬وخالل الف ــترة بين الع ــامين ‪1970‬و ‪ ،2005‬انخفض نصـــيب‬

‫إفريقيــا جنــوب الصــحراء من الســوق العالميــة من ‪ 4‬إلى ‪ ،740 %2‬والوضــعية نفســها أصــبحت تعيشــها‬

‫حاليــا الــدول اإلفريقيــة الــتي تعتمــد على تصــدير المــواد الطاقيــة بعــد انخفــاض أســعار النفــط إلى مســتويات‬

‫قياس ــية‪ ،‬خالل أواخ ــر س ــنة ‪ 2015‬وبداي ــة ‪ ،2016‬ال ــتي نتج عنه ــا تراج ــع الم ــداخيل المالي ــة‪ ،‬وه ــو م ــا‬

‫س ــتكون ل ــه كث ــير من االنعكاس ــات على الوف ــاء بمتطلب ــات ش ــعوبها التنموي ــة‪ ،‬وه ــو م ــا من ش ــأنه أن يول ــد‬

‫النزاعات والصراعات السياسية بهذه الـدول‪ ،‬خصوصـا إذا علمنـا أن عقـود االسـتخراج تجعـل الـدول هي‬

‫ال ــتي تتحم ــل نت ــائج تغ ــير األس ــعار‪ ،‬ب ــدال من أن تتصـــدى لتحم ــل أعب ــاء ه ــذه المس ــئولية ش ــركات النف ــط‬

‫الضخمة والقادرة ماليا‪.741‬‬

‫‪ - 739‬وانغاري ماثان‪ ،‬إفريقيا والتحدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬


‫‪ - 740‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪92‬‬
‫‪ - 741‬بول كوليير‪ ،‬مليار نسمة تحت خط الفقر‪ :‬لماذا تخفق البالد األشد فقرا في العالم؟ وما الذي يمكن عمله؟‪( ،‬ترجمة هيثم جودت نشواتي)‪،‬‬
‫العبيكات للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة العربية األولى ‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‪ ،‬ص ص ‪.266-265‬‬

‫‪385‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إن االس ـ ــتعمار الغ ـ ــربي للق ـ ــارة اإلفريقي ـ ــة أنتج تقس ـ ــيما للنش ـ ــاط االقتص ـ ــادي حس ـ ــب المس ـ ــتوى‬

‫التكنول ــوجي‪ ،‬إلى نش ــاط تص ــنيعي ممرك ــز في أوروب ــا‪ ،‬ونش ــاط أولي زراعي ومع ــدني‪ ،‬تخصص ــت في ــه‬

‫منــاطق التوســع االســتعماري في القــارات الثالث‪ :‬إفريقيــا وآســيا وأمريكــا الالتينيــة‪ .‬غــير أنــه في العقــود‬

‫األخ ــيرة وفي ظ ــل الث ــورة العلمي ــة‪ -‬التكنولوجي ــة األولى‪ ،‬ال ــتي ك ــانت موازي ــة لجمل ــة تغ ــيرات هائل ــة في‬

‫العالقات الدوليـة‪ ،‬بحيث أحـدثت تغـيرات في تقسـيم العمـل الـدولي التقليديـة‪ ،‬إذ اسـتفادت العديـد من الـدول‬

‫األســيوية من نقــل موســع للتكنولوجيــا الغربيــة واليابانيــة‪ ،‬حــتى أصــبحت العديــد من شــركات هــذه المنطقــة‬

‫تتقاسم األسواق العالمية عند مستوى معين مع الشركات الغربية واليابانية‪.742‬‬

‫فعلى الرغم من األولوية الـتي يعطيهـا المجتمـع المـدني الـدولي للتجـارة العادلـة من أجـل إفريقيـا‬

‫والمناطق األخرى النامية‪ ،‬ال تـزال هنـاك عقبـات كبـيرة تعـترض قــدرة الشـعوب اإلفريقيـة على االشــتغال‬

‫باألنشــطة االقتصــادية والمبــادرات اإلبداعيــة الــتي تولــد الــثروة بفعــل الســلع االســتهالكية المســتوردة‪ ،‬الــتي‬

‫يج ــري إنتاجه ــا بالجمل ــة‪ ،‬وفي األغلب تب ــاع تل ــك الس ــلع بأس ــعار أرخص من أس ــعار الس ــلع المحلي ــة‪ ،‬م ــع‬

‫تهميش المشـ ــروعات المحليـ ــة الـ ــتي ال تسـ ــتطيع منافسـ ــة الشـ ــركات العمالقـ ــة متعـ ــددة الجنسـ ــيات والمبـ ــالغ‬

‫الضخمة لرؤوس أموالها‪ ،‬كما كان من المفتقد أيضا إمكان الحصول على المعرفة العلمية‪ ،‬والقـدرة على‬

‫االستفادة منها؛ وتنبع كلتا المشكلتين من االفتقار إلى التعليم وتؤديان إلى تقييد اإلبداع‪.‬‬

‫كانت سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي‪ ،‬وحكومات البلدان المتقدمة عنصرا إضــافيا‬

‫وحاسما في الصعوبات التي واجهتها إفريقيا في الحصول على فوائد االقتصــاد العــالمي‪ .‬ففي الثمانينيــات‬

‫من الق ــرن العشـــرين‪ ،‬قيـــدت السياســـة الزراعيـــة المشـــتركة لالتح ــاد األوروبي الحص ــول على المنتجـــات‬

‫الزراعيــة اإلفريقيــة‪ ،‬في الــوقت الــذي أكــدت فيــه سياســات التكيــف الهيكلي للبنــك الــدولي وصــندوق النقــد‬

‫ال ــدولي ال ــتي طبقت ب ــدول الق ــارة اإلفريقي ــة على أس ــبقية التط ــوير على التنوي ــع الس ــلعي‪ .‬وك ــان من بين‬

‫الشروط التي فرضت من خالل برنامج التكيف الهيكلي‪ ،‬ومبادرات تخفيف عبء الدين‪ ،‬أن تزيد البلدان‬

‫‪ - 742‬محمد عبد الشفيع عيسى‪" ،‬االقتصاد السياسي للعولمة مع اشارات للقارة اإلفريقية"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،150‬اكتوبر ‪ ،2002‬ص ‪.275‬‬

‫‪386‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفق ــيرة من فتح أس ــواقها للبض ــائع من الع ــالم المتق ــدم‪ ،‬كوس ــيلة لجلب العمل ــة األجنبي ــة وتحف ــيز االس ــتثمار‬

‫األجنبي‪.743‬‬

‫لكن هذه الدعوة لفتح األسواق لم تجد استجابة‪ ،‬وال يـزال االتحـاد األوروبي والواليـات المتحـدة‬

‫وبعض بل ــدان ش ــرق آس ــيا تحمي منتجي القطن والقمح والس ــكر ل ــديها‪ ،‬إم ــا ب ــدعم ص ــناعاتهم أو بف ــرض‬

‫رسوم جمركية على هذه المنتجات وغيرها من الخارج‪ .‬وقــد أدى عــدم رغبــة الــدول الصــناعية في إلغــاء‬

‫هــذا الــدعم‪ ،‬مقرونــة بقلــق البلــدان الناميــة المتزايــدة بشــأن األمن الغــذائي في أعقــاب ارتفــاع أســعار النفــط‬

‫والحبوب األساسية‪ ،‬إلى انهيار محادثات التجارة العالمية في العام ‪.2008‬‬

‫وفي بعض األحيــان‪ ،‬يكــون مــا يبــدو أنــه انفــراج في التجــارة عائقــا آخــر مقنعــا في واقــع األمــر‪.‬‬

‫وعلى سـ ــبيل المثـ ــال‪ ،‬فقـ ــد منح قـ ــانون الفـ ــرص والنمـ ــو بإفريقيـ ــا لعـ ــام ‪ ،2000‬الـ ــذي اعتمـ ــده الكـ ــونغرس‬

‫األمــريكي‪ ،‬كينيــا ودوال إفريقيــة أخــرى الفرصــة لتصــنيع المنتجــات القطنيــة وبيعهــا في الســوق األمريكيــة‪.‬‬

‫ومــع ذلــك فقــد كــان أحــد الشــراك المخبــأة أنــه يتعين على كينيــا اســتخدام الغــزل األمــريكي‪ ،‬حــتى إن كــانت‬

‫كينيا تزرع القطن أيضا‪ .‬وهذا يعـني أن كينيـا كـانت‪ ،‬في واقــع األمـر‪ ،‬تـدعم مـزارعي القطن األمريكـيين‬

‫وتقضي على سوق منتجاتها‪.744‬‬

‫أي أن الـ ــدول الصـ ــناعية المتقدمـ ــة‪ ،‬انتهجت في التجـ ــارة الدوليـ ــة سـ ــبيال يمكن أن نطلـ ــق عليـ ــه‬

‫"الحماية المستحدثة"‪ ،‬وذلك بفرض قيود غـير جمركيـة غالبـا بـل وغـير كميـة وغـير إداريـة أيضـا‪ ،‬ولكنهـا‬

‫قيــود ذات طــابع اقتصــادي وفــني‪ ،‬يصــعب االحتجــاج ضــدها من حيث المبــدأ‪ ،‬من قبيــل الــدعم والشــروط‬

‫المرتبطة بحماية البيئة وقواعد المنشأ وما يسمى "الشروط االجتماعية" لتشغيل العمالة بالذات‪.745...‬‬

‫ويالحــظ أنــه خالل العقــد الماضــي قــد طــرأ تغــير ملحــوظ في توجهــات السياســة التصــديرية في‬

‫إفريقيــا‪ ،‬فبعــد أن كــان االتحــاد األوروبي والواليــات المتحــدة يحظيــان بثلــثي الصــادرات اإلفريقيــة‪ ،‬وبمــا‬

‫‪ 743‬وانغاري ماثان‪ ،‬إفريقيا والتحدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬


‫‪ ، - 744‬المرجع سابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪ - 745‬محمد عبد الشفيع عيسى‪" ،‬االقتصاد السياسي للعولمة مع اشارات للقارة اإلفريقية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.279‬‬

‫‪387‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫يقــرب من نصــف وارداتهــا‪ ،‬أصــبحت كــل من الصــين والهنــد تحتــل صــدارة الشــركاء التجــاريين بالنســبة‬

‫إلفريقيـا‪ ،‬انطالقــا من مسـاع القـارة لتنويـع قائمـة شـراكاتها التجاريـة‪ ،‬وقــد بـدأ إرسـاء هـذا االتجـاه من قبـل‬

‫الدول اإلفريقيـة في أعقـاب األزمـة الماليـة العالميـة عـبر الروابـط االسـتثمارية في القطـاع السـلعي وقطـاع‬

‫البنية التحتية‪.‬‬

‫غير أن أنماط الطلب من الدول اآلسيوية‪ ،‬يمكن هو األخر أن يعزز التخصـص المـزمن للعديـد‬

‫من االقتصاديات اإلفريقية في السلع األولية‪ .‬ويبدو أن تجربة البلدان األقل نموا‪ ،‬و‪ 33‬منهــا في إفريقيــا‬

‫تؤكد هذا الخطر‪ ،‬ففي عام ‪ 2011‬شكلت المواد األولية الزراعية والوقود والمعــادن والخامــات أكــثر من‬

‫‪ %96‬من صادرات أقل البلدان نمـوا إلى الصــين‪ ،‬وبقيت قيمـة مجمـوع الصــادرات من المصــنوعات من‬

‫أقل البلدان نموا إلى الصـين دون مليـار دوال‪ ،‬فيمـا فـاقت قيمـة الـواردات المصـنعة من الصـين ‪ 38‬مليـار‬

‫دوالر‪.746‬‬

‫لهــذا‪ ،‬فالــدول اإلفريقيــة الــتي ضــعفت نتيجــة عوامــل عــدم االســتقرار الــداخلي‪ ،‬تجــد صــعوبة في‬

‫إثبـ ــات نفسـ ــها في عولمـ ــة تعيـ ــد إنتـ ــاج صـ ــورة التبعيـ ــة واقتصـ ــاد تصـ ــدير المنتوجـ ــات األوليـ ــة‪ ،‬الزراعيـ ــة‬

‫والمنجميـ ـ ــة والبتروليـ ـ ــة‪ ،‬ال تسـ ـ ــتطيع أن تتخلص من النمـ ـ ــوذج القـ ـ ــديم الـ ـ ــذي يخضـ ـ ــعها ألسـ ـ ــواق الـ ـ ــدول‬

‫االستهالكية‪ ،747‬وهو ما يرجعه راي بوش ‪ Ray Bush‬إلى السياق التاريخي لالندماج المؤدي للقــارة‬

‫في االقتصاد العالمي‪ ،‬الذي جاء نتيجة تسويات مـا بعـد االسـتعمار الـتي رسـخت االقتصــادات الجديـدة في‬

‫التبعية التجارية والسلعية القديمة التي أفادت أوروبا والدول الصناعية‪.748‬‬

‫لــذلك فإنــه على القــارة اإلفريقيــة الحــد من اعتمادهــا على الســلع األساســية فقــط المعرضــة دائمــا‬

‫لتقلبات أسعارها‪ ،‬والعمل على إحداث تحـول هيكلي وتنويـع المنتجـات وزيـادة حجم القيمـة المضــافة إليهـا‬

‫كوســيلة لتخفيــف أثــر هــذه التقلبــات المرتبطــة بالصــادرات الســلعية غــير المجهــزة‪ ،‬والتوجــه نحــو التصــنيع‬

‫‪ - 746‬برنامج االمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪ ،2013‬نهضة الجنوب‪ :‬تقدم بشري في عالم متنوع‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ - 747‬روالن بورتيه‪" ،‬إفريقيا‪ -‬هوية متغيرة" في كتاب‪ :‬أوضاع العلم ‪ 2008‬دليل سنوي اقتصــادي جيــو‪-‬سياســي عــالمي‪ ،‬مؤسســة الفكــر العــربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،2008‬ص ‪.192‬‬
‫‪ - 748‬راي بوش‪ ،‬الفقر والليبرالية الجديدة االستمرارية وإعادة اإلنتاج في جنوب العالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬

‫‪388‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وانتهاج سياسـات اسـتثمارية سـليمة وحـل مشـاكل البنيـة التحتيـة والتحـديات التكنولوجيـة‪ ،‬وتكـثيف التجـارة‬

‫البينية بين مناطقها‪.749‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التجارة البينية في إفريقيا‬

‫بــذلت البلــدان اإلفريقيــة منــذ حصــولها على االســتقالل جهــودا عـدة لتطــوير التبــادل التجــاري بين‬

‫بلدانها‪ ،‬وآخر هذه الجهود ما أعلنه القادة األفارقة في مؤتمر قمـة االتحـاد اإلفـريقي في ينـاير ‪ 2012‬من‬

‫التزام سياسي متجـدد بتعزيـز التجـارة بين البلـدان اإلفريقيـة واإلسـراع في إنشـاء منطقـة للتجـارة حـرة في‬

‫القارة‪.750‬‬

‫لق ــد نمت قيم ــة التج ــارة بين ال ــدول اإلفريقي ــة من ‪ 45,9‬ملي ــار دوالر س ــنة ‪ 1995‬إلى ‪130,1‬‬

‫مليــار دوالر ســنة ‪ .2011‬فخالل هــذه الفــترة عــرفت التجــارة اإلفريقيــة نمــوا ايجابيــا‪ ،‬باســتثناء الفــترة مــا‬

‫بين ‪ ،2001-1998‬إذ تــراجعت قيمــة المبــادالت التجاريــة البينيــة في إفريقيــا في ســنة ‪ 2000‬إلى ‪30‬‬

‫مليار دوالر‪ ،‬لترتفع مع بداية العقد الماضــي حـتى أواخـر سـنة ‪ 2008‬لتـتراجع إلى أن بلغت قيمتهـا سـنة‬

‫‪ 2009‬حـوالي ‪ 100‬مليـار دوالر‪ ،‬وذلـك نتيجـة األزمـة العالميـة خالل هـذه السـنة‪ ،‬وهـذا مـا يـبين ارتبـاط‬

‫التجارة البينة بإفريقيا بالتجارة العالمية‪.‬‬

‫إن التجــارة مــا بين الــدول اإلفريقيــة نمت بمعــدل ‪ %19,3‬ســنة ‪ ،1995‬لتصــل إلى أعلى معــدل‬

‫نمــو ســنة ‪ ،1997‬إذ بلــغ ‪ %22,4‬ليعــرف هــذا النمــو تراجعــا إلى أن بلــغ ‪ %11,3‬ســنة ‪ ،2011‬ويمكن‬

‫تفسير هذا الـتراجع بسـرعة نمـو تجـارة إفريقيـا مـا بـاقي منـاطق العـالم األخـرى‪ .751.‬ولقـد أوضــح التقريـر‬

‫االقتص ــادي للجن ــة األمم المتح ــدة االقتص ــادية عن إفريقي ــا‪ ،‬الص ــادر في ع ــام ‪ ،2011‬أن نس ــبة التج ــارة‬

‫‪ - 749‬منظمة االمم المتحدة‪" ،‬آفاق التنمية االقتصادية واالجتماعية التقرير االقتصادي االفريقي ‪ ،" 2013‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ - 750‬مؤتمر االمم المتحدة للتجارة والتنمية‪ ،‬التنمية االقتصادية في إفريقيا التجارة بين البلــدان اإلفريقيــة‪ :‬إطالق ديناميــة القطــاع الخــاص‪ ،‬جـنيف‬
‫‪ 24-16‬سبتمبر ‪ ،2013‬ص ‪ .3‬شوهد بتاريخ ‪ 08/07/2015‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://unctad.org/meetings/en/SessionalDocuments/tdb60d4_ar.pdf.‬‬
‫‪751‬‬
‫‪- UNCTAD, Economic development in Africa report 2013 Intra-Africa trade: unlocking private sector‬‬
‫‪dynamism, op,cit, p 11,‬‬

‫‪389‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫البينيـ ــة في إفريقيـ ــا وصـ ــلت إلى ‪ ،%12‬بعـ ــد أن كـ ــانت من قبـ ــل ال تتجـ ــاوز ‪ ،%5‬ويتوقـ ــع أن تبلـ ــغ هـ ــذه‬

‫التجارة ‪ %30‬في عام ‪.7522034‬‬

‫التجارة البينية بين الدول اإلفريقية ما بين ‪2011-1995‬‬ ‫المبيان رقم ‪:39‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪UNCTAD, Economic development in Africa report 2013 Intra-Africa trade:‬‬


‫‪unlocking private sector dynamism, op, cit, p 11.‬‬
‫إن الزي ــادة المس ــجلة خالل العق ــد األول من الق ــرن الماض ــي في مس ــتوى التب ــادل التج ــاري بين‬

‫الـــدول اإلفريقيـــة‪ ،‬قـــد صـــاحبه انخف ــاض في حصـــة التجـــارة بين البل ــدان اإلفريقي ــة من مجمـــوع التجـــارة‬

‫اإلفريقية‪ .‬فقـد زادت حصـة التجـارة بين البلـدان اإلفريقيـة من مجمـوع تجـارة القـارة الدوليـة من ‪%19,3‬‬

‫في عـ ــام ‪ 1995‬لتبلـ ــغ ذروتهـ ــا بنسـ ــبة ‪ %22,4‬في عـ ــام ‪ 1997‬قبـ ــل أن تنخفض إلى ‪ %11,3‬في عـ ــام‬

‫‪ .2011‬ويرجع هذا الـتراجع إلى كـون التجـارة اإلفريقيـة مـع بـاقي منـاطق العـالم سـجلت نمـوا أسـرع من‬

‫ذلــك الــذي شــهدته التجــارة بين البلــدان اإلفريقيــة‪ .‬وخالل الفــترة من ‪ 1996‬إلى ‪ ،2011‬ســجلت التجــارة‬

‫بين البل ــدان اإلفريقي ــة نم ــوا س ــنويا يق ــدر بنس ــبة ‪ ،%8,2‬في حين أن التج ــارة اإلفريقي ــة م ــع ب ــاقي من ــاطق‬

‫العــالم ســجلت زيــادة بنســبة ‪ .%12‬والالفت لالنتبــاه أن حصــة التجــارة بين البلــدان اإلفريقيــة من مجمــوع‬

‫التجــارة أعلى بكثــير لــدى البلــدان غــير المصــدرة للوقــود منــه لــدى البلــدان المصــدرة للوقــود‪ .‬عالوة على‬

‫‪ - 752‬االفتتاحية‪" ،‬إفريقيا وحلم التنمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.3-2‬‬

‫‪390‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ذلك‪ ،‬تعتـبر حصـة التجـارة بين البلـدان اإلفريقيـة من مجمـوع التجـارة اإلفريقيـة منخفضـة نسـبيا بالمقارنـة‬

‫مع باقي مناطق العالم‪.753‬‬

‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬بلغ متوسط حصة الصـادرات بين البلـدان اإلفريقيـة من مجمـوع الصـادرات‬

‫خالل الفـترة من ‪ 2007‬إلى ‪ 2011‬نحــو ‪ %11‬مقارنــة بنســبة ‪ %21‬في بلــدان أمريكــا الالتينيــة ومنطقـة‬

‫البحر الكـاريبي‪ ،‬و‪ %50‬في البلـدان الناميـة اآلسـيوية‪ ،‬و‪ %70‬في أوروبـا‪ .‬غـير أن هـذه األرقـام ال تأخـذ‬

‫في الحسبان ما تشير إليه الدراسات االستقصائية األخيرة من توسـع في نطـاق التجـارة غـير الرسـمية في‬

‫إفريقي ـ ــا‪ ،‬فهي تحت ـ ــل مكان ـ ــة مهم ـ ــة في العالق ـ ــات التجاري ـ ــة بين ال ـ ــدول اإلفريقي ـ ــة‪754‬؛ حيث تش ـ ــير بعض‬

‫التقديرات إلى أن قيمتها المالية ارتفعت من ‪ 67,7‬مليار دوالر سنة ‪ 2011‬إلى ‪ 73,7‬مليار دوالر سنة‬

‫‪ .7552012‬ففي بلــدان الجماعــة اإلنمائيــة للجنــوب اإلفــريقي‪ ،‬على ســبيل المثــال‪ ،‬تشــير التقــديرات إلى أن‬

‫التجــارة غـير الرســمية تمثــل مــا بين ‪30‬و‪ %40‬بين بلــدان الجماعـة‪ .756‬كمــا أنــه في غـرب إفريقيــا تســهم‬

‫هذه التجارة في تكوين الناتج الداخلي الخام لبعض دولهـا بنسـبة تـتراوح مـا بين ‪ 20‬إلى ‪ .%90‬وهـو مـا‬

‫يــؤدي إلى هــدر قــدر كبــير من الــثروات اإلفريقيــة ويحــول دون تحقيــق التنميــة بهــا‪ .757‬لــذلك فــإذا أضــفنا‬

‫األرق ــام المتعلق ــة بالتج ــارة غ ــير الرس ــمية إلى أرق ــام التج ــارة الرس ــمية‪ ،‬س ــنالحظ أن حص ــة التج ــارة بين‬

‫البلــدان اإلفريقيــة من مجمــوع التجــارة تض ــاهي المســتويات المســجلة في بلــدان أمريكــا الالتينيــة ومنطقــة‬

‫البحر الكاريبي‪ ،‬لكنها تبقى مع ذلك أدنى بكثير من األرقام المسجلة في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية‪.‬‬

‫‪753‬‬
‫‪-UN Economic Commission for Africa, Economic report on Africa Industrializing through trade, Addis‬‬
‫‪Ababa, First printing, March 2015, p153.‬‬
‫‪ - 754‬مؤتمر االمم المتحدة للتجارة والتنمية‪ ،‬التنمية االقتصادية في إفريقيا التجارة بين البلــدان اإلفريقيــة‪ :‬إطالق ديناميــة القطــاع الخــاص‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪755‬‬
‫‪-United Nations Economic Commission for Africa, African Union, Overview of recent economic and social‬‬
‫‪development in Africa, Abuja, Nigeria, 25-28 March 2014, p 7. Viewed 26/05/2015 at:‬‬
‫‪http://www.uneca.org/sites/default/files/uploaded-documents/CoM/com2014/com2014-‬‬
‫‪overview_of_economic_and_social_conditions_in_africa_english.pdf‬‬
‫‪ - 756‬مؤتمر االمم المتحدة للتجارة والتنمية‪ ،‬التنمية االقتصادية في إفريقيا التجارة بين البلدان اإلفريقيــة‪ :‬إطالق ديناميــة القطــاع الخــاص‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫‪757‬‬
‫‪- United Nations Economic Commission for Africa, African Union, Overview of recent economic and social‬‬
‫‪development in Africa, op, cit, p8.‬‬

‫‪391‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وعلى ال ـ ــرغم من أن حص ـ ــة التج ـ ــارة بين البل ـ ــدان اإلفريقي ـ ــة من مجم ـ ــوع التج ـ ــارة اإلفريقي ـ ــة‬

‫منخفضة نسبيا‪ ،‬فإنهــا تبلــغ أرقامــا مرتفعــة في عـدد من البلــدان ‪ .‬ففي الفـترة مــا بين ‪ 2011-2007‬على‬

‫ســبيل المثــال‪ ،‬مثلت الصــادرات بين البلــدان اإلفريقيــة مــا ال يقــل عن ‪ %40‬من مجمــوع الصــادرات لــدى‬

‫تسعة بلدان إفريقية وهي‪ ،‬أوغندا والبـنين وتوغـو وجيبـوتي ورونـدا وزمبـابوي والسـينغال وكينيـا ومـالي‪.‬‬

‫أمــا على صــعيد الــواردات‪ ،‬بلغت حصــة الســلع المســتوردة من إفريقيــا خالل الفــترة نفســها مــا ال يقــل عن‬

‫‪ %40‬لــدى ‪ 11‬بلــدا‪ ،‬وهي‪ :‬بوتســوانا وبوركينــا فاســو وجمهوريــة الكونغــو الديمقراطيــة وروانــدا وزامبيــا‬

‫وزمبــابوي وســوازيالندا وســيراليون وليســوتو ومــالي ومالوي‪ .‬وفيمــا يتعلــق بحصــة التجــارة بين البلــدان‬

‫اإلفريقيـ ــة من النـ ــاتج المحلي اإلجمـ ــالي‪ ،‬تجـ ــاوزت هـ ــذه الحصـ ــة نسـ ــبة ‪ %30‬خالل الفـ ــترة من ‪-2007‬‬

‫‪ 2011‬لدى خمسة بلدان فقط‪ ،‬وهي‪ :‬بوتسوانا وزمبابوي سوازيالندا وليسوتو ومالوي‪.758‬‬

‫تعــرف بنيــة الصــادرات الــبين‪-‬إفريقيــة تنوعــا وديناميكيــة‪ ،‬فقــد ارتفــع حجم نموهــا بمعــدل ســنوي‬

‫بلغت نســـبته ‪ %2,6‬مـــا بين ‪ ،2006-2001‬و ‪ %3,2‬مـــا بين ‪ ،7592011-2007‬إال أن أغلب المـــواد‬

‫المتبادلــة تهيمن عليهــا المــوارد األوليــة‪ ،‬والمــواد النصــف مصــنعة‪ ،‬والمصــنعة‪ .‬ويشــكل البــترول حــوالي‬

‫‪ %33‬من مجمــوع المبــادالت اإلفريقيــة ســنة ‪ 2012‬مقابــل ‪ %25‬ســنة ‪ .7602010‬أمــا بالنســبة للــواردات‬

‫م ــا بين ه ــذه ال ــدول ارتفعت بـ ‪ %9,4‬خالل الف ــترة م ــا بين ‪ 2006-2001‬لت ــتراجع إلى ‪ %4,2‬خالل‬

‫الفترة ‪.7612011-2007‬‬

‫‪ - 758‬مؤتمر االمم المتحدة للتجارة والتنمية‪ ،‬التنمية االقتصادية في إفريقيا التجارة بين البلدان اإلفريقيــة‪ :‬إطالق ديناميــة القطــاع الخــاص‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.8-7‬‬
‫‪759‬‬
‫‪- UNCTAD, Economic development in Africa report 2013 Intra-Africa trade: unlocking private sector‬‬
‫‪dynamism, op,cit, p 11.‬‬
‫‪760‬‬
‫‪- Banque africaine de développement, Organisation de coopération et développement économique,‬‬
‫‪Programme des nation Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines‬‬
‫‪valeur mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, op , cit, p 84.‬‬
‫‪761‬‬
‫‪- UNCTAD, Economic development in Africa report 2013 Intra-Africa trade: unlocking private sector‬‬
‫‪dynamism, op,cit, p11.‬‬

‫‪392‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومن المالحــظ أن العالقــات التجاريــة والمــواد المتبادلــة تختلــف من منطقــة إلى أخــرى وضــمن‬

‫المنطقة نفسها‪ ،‬فمثال في منطقتي الشمال والوسط فالصادرات تظـل ضــعيفة ومحـدودة القيمـة من إجمـالي‬

‫الصادرات المتبادلة بين دول هاتين المنطقتين‪.762‬‬

‫وهناك عدة أســباب تكمن وراء ضــعف أداء التجــارة اإلقليميــة في إفريقيــا‪ ،‬ومن بينهــا أن النهج‬

‫المتبع إزاء التكامل اإلقليمي في القارة قد ركز حتى اآلن على إزالة الحواجز التجارية أكـثر من تركـيزه‬

‫على تنميــة القــدرات اإلنتاجيــة الضــرورية للتجــارة‪ ،‬ال شــك أن إزالــة الحــواجز التجاريــة أمــر ذو أهميــة‪،‬‬

‫غير أن ذلك لن يكفي إلحداث األثر المرغوب فيه‪ ،‬إن لم تكمله تدابير سياسية تهدف إلى تعزيــز قــدرات‬

‫التوريـد‪ .‬والـدور المحـدود للقطـاع الخـاص في مبـادرات وجهـود التكامـل اإلقليمي‪ ،‬الـذي أسـهم هـو اآلخـر‬

‫في ضعف األداء التجاري للقارة‪.‬‬

‫وإ ذا ك ــانت العالق ــات التجاري ــة بين ال ــدول اإلفريقي ــة م ــا زالت تتس ــم بالض ــعف رغم التط ــورات‬

‫األخيرة‪ ،‬فإن تعميق الروابط التجارية البينية بالقارة تبقى من الوسائل المهمة لتحقيق التكامل االقتصادي‬

‫اإلف ــريقي‪ ،‬ألن التنمي ــة المحلي ــة المتوازن ــة ال يمكن ت ــدعيمها بش ــكل دائم دون التغلب على مش ــكل ض ــيق‬

‫الســوق‪ .‬وبــذلك تــبرز الحاجــة الملحــة إلى مزيــد من التعــاون والتكامــل االقتصــادي بين اقتصــادات الــدول‬

‫اإلفريقية؛ حيث يتيح اختالف توافر عناصر اإلنتاج الفرصــة إلقامــة مشــاريع متنوعــة ومتعــددة‪ ،‬يمكن أن‬

‫تشكل أساسا قويا لتنمية صناعية واقتصادية أكثر عمقا وأوسع مدى‪.763‬‬

‫فإذا كانت األدبيات االقتصادية تؤكد على الدور اإليجابي الذي أدته التجارة في تنمية كثــير من‬

‫البلــدان في أوروبــا وأمريكــا الشــمالية وآســيا‪ ،‬فــإن الحــال يختلــف في إفريقيــا‪ ،‬فقــد أدت إلى النمــو المفقــر‪،‬‬

‫بسبب سيادة طبيعة صادرات المواد األولية وما تتسم بــه صــادرات هــذه الــدول من انخفـاض في معــدالت‬

‫التبادل التجاري مقارنة بما تستورده من المعدات الصناعية وبعض السلع الغذائية الضرورية كالحبوب‪.‬‬
‫‪762‬‬
‫‪- Banque Africaine de Développement, Organisation de coopération et développement économique,‬‬
‫‪Programme des nation Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines‬‬
‫‪valeur mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, op , cit, p 84.‬‬
‫‪ - 763‬سمير عبد األمير الحسين‪" ،‬التكامـل االقتصـادي ودوره في تحقيـق التنميـة االقتصـادية في االتحـاد اإلفـريقي"‪ ،‬مجلــة دراســات‪ ،‬العـدد السـابع‬
‫والعشرون (الشتاء)‪1374 ،‬هـ ‪2006 -‬م‪ ،‬ص ‪50‬‬

‫‪393‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إن معالجة ذلك الخلل يمكن أن يتم خالل تعميق التكامل االقتصادي عبر تعميق التجارة البينيــة‬

‫بين الـ ــدول اإلفريقيـ ــة الـ ــتي تتسـ ــم بانخفاضـ ــها من مجمـ ــوع تجارتهـ ــا؛ فعلى الـ ــرغم من إطالق العديـ ــد من‬

‫المبادرات التجارية اإلقليمية بالقارة اإلفريقيــة خالل العقــود الماضــية‪ ،‬إال أن األســواق االفريقيــة مــا زالت‬

‫تعـاني من انخفـاض معـدالت التـداول التسـويقي فيمـا بينهـا‪ ،‬حيث بلغت نسـبة التجـارة المحليـة من إجمـالي‬

‫الصادرات ‪ %2‬فقـط مقارنـة بـ ‪ %25‬في دول جنـوب شـرق أسـيا و ‪ %49‬في أمريكـا الشـمالية و ‪%65‬‬

‫في دول االتحاد األوروبي‪.‬‬

‫والواقع أن غالبية دول القـارة تفتقـر إلى تنـوع القاعـدة التصــديرية‪ ،‬ممـا يسـفر عن تقلب مسـتمر‬

‫في أســعار الســلع والخــدمات األساســية‪ ،‬فمعظم دول القــارة اإلفريقيــة تتخصــص في إنتــاج وتصــدير ســلعة‬

‫واحدة أو اثنتين‪ .‬وفي الغالب تكون هذه الســلعة من المــواد األوليــة الزراعيــة أو المعدنيــة‪ ،‬كمــا هــو الحــال‬

‫بالنسبة ألوغندا التي يمثـل البن ‪ %68‬من صــادراتها‪ ،‬وزامبيـا الـتي يمثـل النحـاس ‪ %62‬من صــادراتها‪.‬‬

‫والمشــكلة أن أســعار هــذه المــواد األوليــة تتحــدد في بورصــات الــدول المســتوردة‪ ،‬كمــا أن إنتاجهــا يكــون‬

‫عرضة للتقلب من سنة ألخرى‪ ،‬وهو األمر الذي يؤدي إلى تقلبات حادة في اقتصادات هذه الـدول‪ ،‬الـتي‬

‫تعتم ــد على حص ــيلة ص ــادراتها في تحقي ــق النس ــبة األك ــبر من دخله ــا الق ــومي‪ ،‬باإلض ــافة إلى تع ــثر تنفي ــذ‬

‫خطط التنمية بهـا‪ ،‬ممـا يجعلهـا غـير قـادرة على الوفـاء بمتطلبـات التعـاون االقتصـادي والتكامـل اإلقليمي‬

‫بالقــارة‪ .764‬الــذي يعتــبر عــامال حاســما في رفــع قــدراتها التنافســية‪ ،‬وأشــارت تقــديرات البنــك الــدولي إلى‬

‫خسارة إفريقيا مليارات الدوالرات سنويا‪ ،‬نظرا لتشرذم السعة التسويقية‪ ،‬وسوء إدارة الحدود‪ ،‬والطبيعــة‬

‫غير الساحلية لبعض دول القارة‪.‬‬

‫لهذا أكد مساعد األمين العام لألمم المتحدة والسكرتير التنفيذي للجنــة األمم المتحــدة االقتصــادية‬

‫إلفريقيــا الــدكتور عبــد اهلل جانيــه أن هنــاك الكثــير الــذي يتعين عملــه لتحقيــق مكاســب كبــيرة من التجــارة‬

‫اإلفريقية البينية‪ ،‬وشدد على أن تنسيق السياسات التجارية بين التجمعات االقتصادية اإلقليمية في القارة‪،‬‬

‫‪ - 764‬مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية األهرام‪ ،‬التقرير االستراتيجي العربي ‪ ،2008-2007‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.183‬‬

‫‪394‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫من خالل التوصــل إلى اتفاقيــة تجــارة حــرة على مســتوى القــارة‪ ،‬ســيؤدي إلى زيــادة إضــافية قــدرها ‪34‬‬

‫مليــار دوالر في الصــادرات البينيــة اإلفريقيــة‪ ،‬وذلــك فقــط من خالل إزالــة التعرفــة الجمركيــة البينيــة‪ ،‬بين‬

‫التجمعات االقتصادية اإلقليمية‪.‬‬

‫وأضــاف أن "التجــارة االفريقيــة البينيــة يمكن أن تزيــد إلى حــوالي ‪ %22‬خالل الســنوات العشــر‬

‫المقبل ــة‪ ،‬إذا ج ــرى التخلص أيض ــا من الح ــواجز غ ــير الجمركي ــة ال ــتي تتمث ــل في تحس ــين عملي ــة تيس ــير‬

‫التجارة‪.765.‬‬

‫ولتجــاوز هــذه الوضــعية يمكن التوجــه نحــو تطــبيق أربــع آليــات أساســية تتمثــل في إمكانيــة غــزو‬

‫األس ــواق المحلي ــة واألجنبي ــة‪ ،‬تقوي ــة ش ــبكات اإلنت ــاج عــبر الح ــدود‪ ،‬ض ــمان مرون ــة وتن ــوع خ ــدمات النقــل‬

‫واالتص ــاالت‪ ،‬وأخ ــيرا توف ــير األط ــر التنظيمي ــة والخ ــدمات اللوجيس ــتية الالزم ــة لقط ــاع األعم ــال‪ ،‬وذل ــك‬

‫إلنعــاش التجــارة اإلفريقيــة وتكاملهــا عــبر الحــدود‪ ،‬لخلــق حــراك تنافســي باألســواق المحليــة ينتقــل بالتبعيــة‬

‫لس ــوق المنافس ــة العالمي ــة‪ .766‬وه ــذا لن يتحق ــق إال بت ــوفر اإلرادة السياس ــية للحك ــام األفارق ــة لتوحي ــد ه ــذه‬

‫القارة‪ ،‬فالحدود الموروثة عن االستعمار التي تفصل األجزاء المختلفة للقارة اإلفريقية‪ ،‬ال ســبيل لمحوهــا‬

‫إال بفضل توحيد الثروات البشرية والمادية‪ ،‬وخلق وسائل اتصاالت حديثة (نقــل بــري‪ -‬نقــل جــوي‪ -‬نقــل‬

‫فطـ ــرق المواصـ ــالت واالتصـ ــاالت الـ ــتي‬ ‫‪767‬‬


‫بحـ ــري)‪ ،‬من شـ ــأنه أن يربـ ــط كـ ــل أجـ ــزاء القـ ــارة اإلفريقيـ ــة‪.‬‬

‫اسـتحدثت (بـرا وبحـرا وجـوا) كـانت مهيئـة لتربـط المركـز االسـتعماري بأطرافــه أي المسـتعمرات‪ ،‬وذلـك‬

‫الس ــتنزاف ثرواته ــا الطبيعي ــة‪ ،‬باإلض ــافة إلى ك ــون الطبيعي ــة المص ــطنعة لل ــدول في إفريقي ــا في م ــا بع ــد‬

‫االس ــتقالل أف ــرزت هياك ــل مؤسس ــية مص ــممة لنق ــل الم ــوارد إلى الق ــوى االس ــتعمارية ال لتعزي ــز التنمي ــة‬

‫المحلي ــة‪ ،‬وذل ــك بإنش ــاء رواب ــط اقتص ــادية وثيق ــة م ــع الق ــوى االس ــتعمارية في عالق ــة قائم ــة على التبعي ــة‬

‫السياسية واالقتصادية‪.768‬‬
‫‪ - 765‬المشهد اإلفريقي‪ ،‬ملحق مجلة قراءات إفريقية‪ ،‬العدد الحادي عشر‪ ،‬محرم –ربيع االول ‪1433‬هـ‪ /‬يناير‪-‬مارس ‪ ،2012‬ص ‪.112‬‬
‫‪ - 766‬شرين ماهر‪" ،‬القدرة التنافسية في إفريقيا لعام ‪ ،"2013‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬يونيو ‪ ،2013‬ص ‪.3-2‬‬
‫‪ - 767‬نقوال اغبوهو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.341‬‬
‫‪ - 768‬سان دومينيكو دي فيسولي‪ ،‬التقرير االوروبي حول التنمية ‪ 2009‬التغلب على الهشاشة في إفريقيا صياغة نهج اوروبي جديد‪ ،‬مرجع ســابق‪،‬‬
‫ص ‪.50‬‬

‫‪395‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التدفقات الرأسمالية واستمرار مشكلة الديون الخارجية‬

‫بدأت حركة تدفق االستثمارات الخارجية المباشرة تعرف تحسنا كبيرا نحو القارة اإلفريقية مع‬

‫بدايــة العقــد األول من القــرن الحــالي‪ ،‬فالعديــد من الــدول شــجعت شــركاتها لالســتثمار بهــذه القــارة وأغلب‬

‫هذه االستثمارات تتوجه نحو الصــناعات االســتخراجية‪ ،‬علمــا أن هــذه الخاصــية بــدأت تتغــير في الســنوات‬

‫األخيرة‪ ،‬كما أن القارة تلقت العديد من المساعدات المالية‪ ،‬التي تــوجهت للعديــد من القطاعــات‪ ،‬غــير أنــه‬

‫ب ــرغم من ك ــل ذل ــك فالقــارة تع ــاني بش ــكل كب ــير من نزي ــف ورحي ــل عقوله ــا البش ــرية الض ــرورية إليج ــاد‬

‫الحلــول للمشــاكل والتحــديات اإلفريقيــة (الفقــرة األولى)‪ ،‬باإلضــافة إلى مــا تعانيــه القــارة من تــراكم الــديون‬

‫الخارجية عليها‪ ،‬وما خلفته من فوائد ما زالت تؤديها إلى اليوم‪ ،‬في حين تعتبر هذه القارة أكثر المناطق‬

‫التي تعرف ترحيل األموال إلى خارجها بطرق غير مشروعة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التدفقات الرأسمالية الخارجية‬

‫أوال‪ :‬االستثمارات الخارجية‬

‫اهتمت العديد من الدول اإلفريقية بتهيئة بيئاتها االستثمارية‪ ،‬لجلب االستمارات الخارجية‬

‫إليها‪ ،‬وذلك بسن العديد من التشريعات والقوانين واألنظمة واللوائح الجديدة التي تشجع االستثمار‬

‫وتدعمه‪ ،‬واستحدثت الهيئات والمؤسسات التي تخطط له وتنظمه‪ .‬ووضعت امتيازات كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫تيسير شروط االستثمار وتخفيف القيود على تدفقاته‪ ،‬والتحوط لما يمكن أن تتعرض له االستثمارات‬

‫من مخاطر‪ ،‬والعمل على تقليلها‪ ،‬وتبسيط اإلجراءات‪ ،‬وتقديم ضمانات بحرية نسبة المساهمات ونقل‬

‫األموال إلى الخارج‪ ،‬إضافة إلى اإلعفاءات من بعض الضرائب الجمركية والربحية وغيرها‪.769‬‬

‫إن المؤشرات االقتصادية األساسية إلفريقيا تبدو متفائلة‪ ،‬ويتضح أنها تؤكد نهاية الحلقة‬

‫الطويلة من التراجع الذي طبع عقدي الثمانينيات والتسعينيات‪ ،‬فقد تم دعم النمو فيها مع بداية العقد‬

‫‪ - 769‬التحرير‪" ،‬االستثمارات في إفريقيا أمال وتحديات"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬شوال ‪1430‬هـ ‪ -‬سبتمبر ‪2009‬م‪ ،‬ص ‪.10‬‬

‫‪396‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫األول من القرن الحالي ‪ ،‬في حين أن أموال االستثمار األجنبي المباشر قد تضاعفت ثالث مرات بين‬

‫عامي ‪ 2001‬و ‪ 2006‬لتصل إلى ‪ 30‬مليار دوالر‪ ،770‬بل هناك بعض التقديرات التي تؤكد أن حجم‬

‫االستثمار األجنبي المباشر في إفريقيا بلغ ‪ 39‬مليار دوالر تقريبا في عام ‪ 2006‬أي ضعف حجمه في‬

‫العام ‪ .2004‬وتتدفق االستثمارات الخارجية المباشر إلى القارة بمعدالت قياسية‪ ،‬وهو ما يشكل انعكاسا‬

‫لنجاحات الماضي والتقويم اإليجابي لفرص المستقبل‪ .‬ويوجد نحو ‪ 200‬صندوق تمويل استثماري‬

‫يعمل عبر القارة‪ ،‬برأسمال يقدر بنحو ‪ 15‬مليار دوالر‪ .‬في عام ‪ 2008‬اختيرت جنوب إفريقيا –للمرة‬

‫األولى‪ -‬من أهم ‪ 25‬وجهة عالمية لالستثمارات األجنبية المباشرة‪ .‬وكانت أهم الوجهات اإلفريقية‬

‫لالستثمار األجنبي المباشر في عام ‪ 2006‬هي‪ :‬مصر ونيجريا والسودان وتونس والمغرب والجزائر‬

‫وليبيا وغينيا االستوائية وتشاد وغانا‪ .‬وتعد عائدات االستثمار في الدول اإلفريقية كبيرة‪ ،‬فعائد‬

‫االستثمار في نيجريا على سبيل المثال يعد األعلى في العالم حيث يبلغ ‪.771 %20‬‬

‫وبالرغم من التغيرات االقتصادية الدولية وعدم االستقرار السياسي ببعض مناطق القارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬عرفت وضعية االستثمارات األجنبية الخارجية بها استقرارا إذ ارتفعت بـ ‪ 5‬و ‪ %9,6‬خالل‬

‫سنتي ‪ 2012‬و‪ 2013‬على التوالي‪ ،‬وبلغت قيمتها المالية حوالي ‪ 56,6‬مليار دوالر سنة ‪ 2013‬مقابل‬

‫‪ 51,7‬مليار دوالر سنة ‪ .2012‬وقد شكلت هذه االستثمارات نسبة ‪ %16‬من (‪la formation brute‬‬

‫‪ )du capital fixe‬في حين شكل المعدل العالمي نسبة ‪ ،%11‬غير أن حصة إفريقيا من تدفقات‬

‫االستثمارات الخارجية المباشرة عرفت تراجعا طفيفا سنة ‪ 2012‬إذ بلغت ‪ %3,7‬بعدما كانت ‪%4,3‬‬

‫سنة ‪ 2009‬حسب معطيات صندوق النقد الدولي‪.‬‬

‫وتتوجه االستثمارات الخارجية نحو الدول التي تتوفر على البترول والمعادن والموارد‬

‫الطبيعية األخرى‪ ،‬ففي سنة ‪ 2013‬مثلت هذه الدول ‪ %95‬من ارتفاع االستثمارات الخارجية نحو‬

‫‪ - 770‬روالن فورشهار‪" ،‬إفريقيا‪ -‬اتجاهات المرحلة"‪ ،‬في كتاب‪ :‬اوضاع العالم ‪ 2008‬دليل سنوي اقتصادي جيو‪-‬سياسي عالمي‪( ،‬تحريــر برت ــران‬

‫بادي‪ ،‬ساندرين تولوتي) مؤسسة الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،2008‬ص ‪.193‬‬
‫‪ - 771‬فيجاي ماهجان‪ ،‬نهوض إفريقيا‪ 900 :‬مليون مستهلك إفريقي يقدمون فرصا تتجاوز توقعاتك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.75‬‬

‫‪397‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إفريقيا‪ ،‬بحيث استقطبت جنوب إفريقيا ما قيمته ‪ 1,8‬مليار دوالر خالل هذه السنة‪ ،‬أي ما يشكل (‪+‬‬

‫‪ ،)%39‬عكس أنغوال التي تراجعت فيها هذه االستثمارات‪ ،‬إذ استقطبت ‪ 1,7‬مليار دوالر بنسبة تراجع‬

‫) (‪.%61-‬‬

‫في الوقت نفسه تراجعت حصة الدول الغنية بالموارد الطبيعية بإفريقيا من االستثمارات‬

‫األجنبية المباشرة من ‪ %78‬سنة ‪ 2008‬إلى ‪ %65‬سنة ‪ ،2013‬وذلك لتوقف بعض عمليات التنقيب‬

‫واستخراج البترول‪ ،‬نتيجة لألزمة المالية واالقتصادية لسنة ‪ 2009‬مما أثر سلبا على طلب الموارد‬

‫الطبيعية اإلفريقية‪ ،‬الشيء الذي أدى إلى تأخر إنجاز االستثمارات المتوقعة بهذا القطاع‪.772‬‬

‫ومن ناحية أخرى فإن حصة الدول الفقيرة من حيث الموارد الطبيعية بإفريقيا ارتفعت منذ‬

‫بداية العقد األول من القرن الحالي‪ ،‬حيث بلغت نسبة االستثمارات الخارجية بالنسبة للناتج الداخلي‬

‫الخام (‪ )IDE/PIB‬لهذه الدول ‪ %4,5‬سنة ‪ ،2013‬وهو ما يشكل ضعف هذه النسبة سنة ‪.2000‬‬

‫ومقارنة بالدول الغنية بالموارد الطبيعية شكلت هذه النسبة ‪ %2,2‬سنة ‪.2013‬‬

‫االستثمارات الخارجية المباشرة بإفريقيا‪ :‬الدول الغنية بالموارد والدول الفقيرة من حيث الموارد‬ ‫المبيان رقم ‪:40‬‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪772‬‬
‫‪- Banque africaine de développement, Organisation de coopération et développement économique, Programme‬‬
‫‪des nation Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines valeur‬‬
‫‪mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, op , cit, p 55.‬‬

‫‪398‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪-‬‬ ‫‪Banque africaine de Développement, Organisation de Coopération et‬‬


‫‪Développement économique, Programme des nation Unies pour le développement,‬‬
‫‪Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines valeur mondiales et‬‬
‫‪l’industrialisation de l’Afrique, op, cit, p 56.‬‬
‫عرفت إفريقيا انخفاض االستثمارات الخارجية الجديدة سنة ‪ 2013‬بنسبة ‪ ،%3,1‬غير أن‬

‫مناصب الشغل التي خلقتها هذه االستثمارات استقرت في العدد نفسه‪ ،‬وهو ما يمكن تفسيره بتراجع‬

‫االستثمارات األجنبية المباشرة بشمال إفريقيا‪ ،‬نتيجة األوضاع السياسية غير المستقرة بهذه المنطقة‪ .‬في‬

‫حين أن دول إفريقيا جنوب الصحراء ارتفعت فيها االستثمارات األجنبية الجديدة بنسبة ‪ %4,7‬في سنة‬

‫‪ ،2013‬فالرأسمال المستثمر ارتفع بنسبة ‪ ،%12,9‬بحيث وصلت قيمته إلى ‪ 70,1‬مليون دوالر في‬

‫سنة ‪ 2013‬بعدما كانت قيمته ‪ 60,1‬مليون دوالر سنة ‪.773 2012‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن هناك ثالث أسواق رئيسة لجلب االستثمارات الخارجية المباشرة‬

‫بمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬وهي جنوب إفريقيا في الجنوب‪ ،‬نيجيريا بالغرب‪ ،‬وكينيا بالشرق‪،‬‬

‫وتستحوذ هذه الدول على أكثر من ‪ %40‬من االستثمارات الموجهة لهذه المنطقة‪ ،‬أما في شمال إفريقيا؛‬

‫فالمغرب ومصر هما الوجهتان الرئيسيتان لالستثمارات األجنبية الخارجية بهذه المنطقة‪ ،‬إذ استقطبت‬

‫حوالي ‪ %60‬من االستثمارات الخارجية خالل الفترة ما بين ‪.7742013-2007‬‬

‫وبصفة عامة تتركز تدفقات االستثمارات الخارجية المباشرة في عدد محدود من الدول‪ ،‬بحيث‬

‫استقطبت ست دول ( تمثل ثلث ساكنة القارة اإلفريقية) ما يعادل تدفقات ‪ 48‬دولة مجتمعة‪ ،‬تأتي على‬

‫رأسها جنوب إفريقيا ونيجيريا‪ 6,4 ،‬و ‪ 6,3‬مليار دوالر على التوالي‪ ،‬متبوعة بالموزمبيق ‪ 4,7‬مليار‬

‫دوالر‪ ،‬والمغرب ‪ 4,3‬مليار دوالر‪ ،‬وغانا ‪ 3,3‬مليار دوالر‪ ،‬والسودان ‪ 2,9‬مليار دوالر‪ .‬في حين‬

‫‪773‬‬
‫‪- EY, EY’s attractiveness survey Africa 2014 Executing growth, 2014 EY limited, p 13‬‬
‫‪774‬‬
‫‪- Ibid, p 8.‬‬

‫‪399‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تراجعت قيمة االستثمارات الخارجية المباشرة سنة ‪ 2013‬مقارنة بسنة ‪ 2012‬في كل من النيجر‬

‫‪ -0,8‬مليار دوالر‪ ،‬ومصر ‪ -0,7‬مليار دوالر‪ ،‬والسيراليون ‪ -0,6‬مليار دوالر‪.775‬‬

‫وفي سنة ‪ 2014‬بلغت قيمة االستثمارات األجنبية المباشرة بإفريقيا ‪ 54‬مليار دوالر‪ ،‬وذلك‬

‫حسب التقرير الصادر عن منظمة األمم المتحدة حول االستثمار العالمي الصادر في يونيو‪ .2015‬نظرا‬

‫لتراجع حجم االستثمارات األجنبية المباشرة بشمال إفريقيا بحوالي ‪ ،%15‬إذ وصلت القيمة المالية‬

‫لحجم هذه االستثمارات ‪ 11,5‬مليار دوالر‪ ،‬نتيجة الصراعات التي تعيشها بعض دول هذه المنطقة‪،‬‬

‫كما عرفت منطقة غرب إفريقيا التوجه نفسه إذ تراجع حجم االستثمارات األجنبية المباشرة خالل هذه‬

‫السنة بنسبة ‪ %10‬نتيجة انتشار مرض اإليبوال‪ ،‬وغياب األمن واالستقرار وتراجع أسعار المواد‬

‫األولية‪ .‬أما في شرق إفريقيا فقد ارتفعت تدفقات االستثمارات الخارجية بنسبة ‪ %11‬أي بقيمة مالية‬

‫قدرها ‪ 6,8‬مليار دوالر نتيجة االستثمارات الموجهة للتنقيب عن الغاز في كل من تنزانيا وإ ثيوبيا‪ ،‬التي‬

‫أصبحت قطبا في جلب االستثمارات في مجال النسيج‪ .‬وفي منطقة إفريقيا الوسطى فقد استقطبت‬

‫‪ 12,1‬مليار دوالر أمريكي سنة ‪ 2014‬بنسبة ارتفاع قدرت بـ ‪ %33‬مقارنة بسنة ‪ ،2013‬وذلك لكون‬

‫حجم تدفقات االستثمار تضاعف في جمهورية الكونغو الديمقراطية‪ ،‬إذ وصلت قيمتها خالل هذه السنة‬

‫إلى ‪ 5,5‬مليار دوالر‪ ،‬بالرغم من انخفاض أسعار الموارد األولية‪ .‬وعلى العكس من ذلك فقد عرفت‬

‫منطقة جنوب إفريقيا تراجعا لتدفقات االستثمار األجنبي المباشر بحوالي ‪ %2,4‬فلم تستقطب سوى‬

‫‪ 10,8‬مليار دوالر خالل سنة ‪ .2014‬وتجدر اإلشارة إلى كون جنوب إفريقيا حافظت على النسبة‬

‫المهمة من استقطاب حجم تدفق االستثمار الخارجي بهذه المنطقة خالل السنة نفسها بحوالي ‪ 5,7‬مليار‬

‫دوالر‪ .‬كما أصبحت الموزمبيق العبا أساسيا في جلب االستثمارات الخارجية بهذه المنقطة‪ ،‬فقد وصلت‬

‫القيمية المالية لحجم االستثمارات التي توجهت لهذه الدولة ‪ 4,9‬مليار دوالر سنة ‪.2014‬‬

‫‪775‬‬
‫‪- Banque Africaine de Développement, Organisation de coopération et développement économique,‬‬
‫‪Programme des nation Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines‬‬
‫‪valeur mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, op , cit, p 56.‬‬

‫‪400‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وقد توجهت هذه االستثمارات خالل هذه السنة خاصة نحو البترول والغاز والخدمات المالية‪،‬‬

‫كما أنها تركزت في عدد محدود من الدول منها المغرب ونيجريا وجنوب إفريقيا‪ ،‬ويبقى القطاع المالي‬

‫هو المستحوذ األكبر على االستثمارات الخارجية في مجال الخدمات؛ ففي سنة ‪ 2012‬استحوذ هذا‬

‫القطاع على نسبة ‪ %56‬من االستثمارات‪ ،‬في حين توجهت نسبة ‪ %21‬منها نحو النقل والتخزين‬

‫واالتصاالت‪ ،‬و‪ %9‬توجهت نحو أنشطة األعمال‪.776‬‬

‫وتعددت مصادر هذه االستثمارات بإفريقيا‪ ،‬ففي سنة ‪ 2012‬تراجعت القيمة المالية‬

‫لالستثمارات الخارجية التي كان مصدرها دول منظمة التعاون والتنمية االقتصادية (‪ )OCDE‬بحوالي‬

‫النصف‪ ،‬بحيث كانت سنة ‪ 2008‬وصلت إلى ‪ 34‬مليار دوالر لتتراجع إلى ‪ 15,7‬مليار دوالر سنة‬

‫‪ ، 2012‬بسبب األزمة المالية العالمية التي عاشتها هذه الدول‪ .‬وقد استحوذت كل من المملكة المتحدة (‬

‫‪ 7,4‬مليار دوالر)‪ ،‬والواليات المتحدة األمريكية ( ‪ 3,7‬مليار دوالر)‪ ،‬وفرنسا (‪ 2‬مليار دوالر)على‬

‫نسبة ‪ %64‬من مجموع استثمارات دول منظمة ‪ OCDE‬بإفريقيا خالل هذه السنة‪.‬‬

‫كما يالحظ أن الدول الصاعدة أصبحت تفرض نفسها تدريجيا مصدرا أساسيا في مجال‬

‫االستثمارات الخارجية بإفريقيا‪ ،‬فقد ارتفعت نسبة استثمارات دول البريكس من إجمالي االستثمارات‬

‫بإفريقيا من ‪ %8‬سنة ‪ 2009‬إلى ‪ %12‬سنة ‪ ،2012‬وإ ذا كانت هذه األرقام تؤكد التراجع النسبي‬

‫الستثمارات دول ‪ OCDE‬بإفريقيا‪ ،‬فإن استثمارات دول البريكس شكلت ربع إجمالي االستثمارات‬

‫في المشاريع الجديدة بإفريقيا سنة ‪ 2012‬بالرغم من تراجعها الطفيف‪.‬‬

‫ولقد أصبحت الصين (‪ 27,7‬مليار دوالر) تعتبر المستثمر الكبير بإفريقيا خارج دول‬

‫‪ OCDE‬أمام جنوب إفريقيا (‪ 22,9‬مليار دوالر) وماليزيا (‪ 15,8‬مليار دوالر)‪ .777‬وما يمكن تأكيده‬

‫هو أن غالبية البلدان الصاعدة تهتم واقعيا بإفريقيا‪ ،‬من الهند إلى البرازيل مرورا بماليزيا وسنغافورة‪،‬‬
‫‪776‬‬
‫‪- UNCTAD, World investment report 2015: reforming international investment governance, New‬‬
‫‪York and Geneva, 24 June 2015, p15-16.‬‬
‫‪777‬‬
‫‪- Banque Africaine de Développement, Organisation de Coopération et Développement Economique,‬‬
‫‪Programme des Nation Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines‬‬
‫‪valeur mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, op , cit, p 57.‬‬

‫‪401‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ففي العقد الماضي كانت بلدان الجنوب والصناديق اإلقليمية مصدرا لنصف التمويل الذي خصص‬

‫لمشاريع البنية التحتية في جنوب الصحراء اإلفريقية الكبرى‪ .778‬ولإلشارة فاالستثمار األجنبي المباشر‬

‫الوافد من الصين إلى إفريقيا أسهم في دعم معدالت النمو في العديد من البلدان اإلفريقية‪ ،‬ال سيما بين‬

‫عامي ‪ 2008‬و‪ ،2009‬عندما كانت محركات النمو األخرى تتالشى‪ .‬ففي الفترة من ‪ 2003‬إلى‬

‫‪ ،2009‬قدر إسهام االستثمار األجنبي المباشر من الصين في النمو بما يتراوح بين ‪ 0,04‬نقطة مئوية‬

‫في جنوب إفريقيا‪ ،‬و‪ 1,9‬نقطة مئوية في زامبيا‪ .‬وبلغ هذا اإلسهام معدالت مرتفعة في جمهورية‬

‫الكونغو الديمقراطية (‪ 1,0‬نقطة مئوية)‪ ،‬ونيجيريا (‪ )0,9‬ومدغشقر (‪ )0,5‬والنيجر (‪ )0,5‬والسودان (‬

‫‪.779)0,3‬‬

‫وإ ذا ما كان لنا أن نحكم باالستناد إلى آخر العمليات المتأخرة‪ ،‬وجدنا أن نصيب البلدان‬

‫الصاعدة في االستثمارات الخارجية المباشرة فاق نسبة ‪ %60‬في عام ‪ .2013‬واألمر المدهش في‬

‫حالة إفريقيا‪ ،‬هو أن معركة مثيرة تجري بين العمالقة توجد فيه شركات متعددة الجنسيات من الجنوب‪،‬‬

‫بما في ذلك اإلفريقية منها‪ ،‬التي كثيرا ما يجري إغفالها ونسيانها‪ ،‬وأخرى من الشمال‪ ،‬بدأت تفهم‬

‫المدى والرهان الذي تمثله يقظة إفريقيا وتبحث عن أوراق رابحة جديدة تضمن لها استمرارية‬

‫حضورها بهذه القارة‪ ،‬في ظل تزايد منافسة شركات الجنوب المتعددة الجنسية لها‪ .780‬فاالستثمار ما‬

‫بين المناطق اإلفريقية نما بشكل كبير‪ ،‬إذ بلغت نسبته ‪ %31,5‬ما بين ‪ ،2013-2007‬وهذا النمو‬

‫جاء نتيجة توزيع سلسلة القيمة المضافة وتقوية التكامل اإلقليمي بالقارة‪ ،‬بحيث أصبحت القيمة المالية‬

‫لالستثمارات البين –إفريقية‪ ،‬الثانية بعد استثمارات أوروبا الغربية بإفريقيا‪ .‬كما أنها تشكل المصدر‬

‫الثاني لخلق فرص الشغل بالقارة‪.781‬‬

‫‪ - 778‬برنامج االمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪ ،2013‬نهضة الجنوب‪ :‬تقدم بشري في عالم متنوع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ - 779‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ - 780‬جان‪ -‬جوزيف بوايو‪" ،‬إفريقيا محط أطماع شركات الجنوب المتعددة الجنسية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫‪781‬‬
‫‪- EY, EY’s attractiveness survey Africa 2014 Executing growth, op,cit, p 7.‬‬
‫للتوسع أكثر في هذه النقطة راجع‪:‬‬
‫‪- United Nations Conference on trade and Development, World investment report 2014: investing in the‬‬
‫‪SDGs: an action plan, United Nations New York and Geneva, 2014. P37-44‬‬

‫‪402‬‬
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

.2014-2009 ‫ و‬2008-2003 ‫مصادر االستثمارات في المشاريع الجديدة بإفريقيا خالل المرحلتين‬ :41 ‫المبيان رقم‬

:‫المصدر‬

- Banque Africaine de Développement, Organisation de Coopération et Développement


Economique, Programme des Nations Unies pour le développement, Perspectives économiques
en Afrique 2015 Développement territorial et inclusion spatial, édition OCDE, 2015. Consulté
le 12/10/2015:

http://www.africaneconomicoutlook.org/fileadmin/uploads/aeo/2015/PDF_Chapters/Overview_AEO2015_FR-
web.pdf

59 ‫ إلى‬2016 ‫ولقد تراجعت قيمة االستثمارات الخارجية المباشرة بالقارة اإلفريقية سنة‬

‫ وذلك نتيجة تنفيذ‬،782‫ مليار دوالر‬61 ‫ بحوالي‬2015 ‫مليار دوالر بعدما وصلت أعلى مستوى لها سنة‬

‫ التي توجهت نحو المواد‬،‫مشاريع استثمارية جديدة بإفريقيا من طرف جنوب إفريقيا والصين والهند‬

‫ لتلبية حاجيات وانتظارات الطبقة المتوسطة التي تعرف نموا سريع ببعض‬،‫االستهالكية والخدمات‬

.783‫المراكز الحضرية اإلفريقية‬

‫ مليون دوالر‬860 ‫ أنفقت األسر في القارة اإلفريقية ما مجموعه‬،"‫فوفقا لمعهد "ماكينزي‬

‫ مليار‬1,4 ‫ ويتوقع المعهد نمو هذا اإلنفاق إلى‬،‫ أكثر من الهند أو روسيا‬،2008 ‫أمريكي في العام‬

782
- United Nations Conference on trade and Development, World investment report 2017: Investment and
the digital economy, United Nations, Geneva, 2017, p 4.
783
- Banque Africaine de Développement, Organisation de Coopération et Développement Economique,
Programme des Nations Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2015
Développement territorial et inclusion spatial, édition OCDE,2015, Consulté le 12/10/2015:
http://www.africaneconomicoutlook.org/fileadmin/uploads/aeo/2015/PDF_Chapters/Overview_AEO2015_FR-
web.pdf

403
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫دوالر أمريكي على مدار العقد الحالي‪ ،‬مع نمو متميز في مجال األغذية والمشروبات‪ ،‬والخدمات‬

‫المصرفية واالتصاالت واإلسكان‪.784‬‬

‫وإ ذا كانت أغلب االستثمارات األجنبية بالقارة اإلفريقية تنصب على استخراج الموارد‬

‫الطبيعية خصوصا الطاقية منها‪ ،‬باإلضافة إلى الصناعات االستهالكية‪ ،‬والنتيجة أن هذا النمط من‬

‫االستثمارات ال يضيف شيئا إلى اقتصاديات الدول اإلفريقية بقدر ما يسهم في استنزاف ثرواتها‬

‫الطبيعية وجعل شعوبها شعوبا استهالكية للمنتجات الصناعية الخارجية‪ .‬فإنه في اآلونة األخيرة عرف‬

‫توزيع االستثمارات الخارجية بالقارة اإلفريقية بعض التنوع‪ ،‬ففي سنة ‪ 2011‬يظهر أن الصناعات‬

‫االستخراجية لم تمثل سوى ‪ ،%28‬مقابل ‪ %38‬للصناعة ‪ ،‬ثم ‪ %34‬للخدمات التي تشمل قطاعات‬

‫استراتيجية مثل االتصاالت أو القطاع المالي‪ .785‬ففي سنة ‪ 2012‬بلغت نسبة االستثمارات الموجهة‬

‫نحو القطاع الصناعي وأشغال البنية التحتية ‪ %73,5‬من القيمة اإلجمالية لالستثمارات الخارجية بهذه‬

‫القارة‪ ،‬مقارنة بالعقد الماضي التي لم تتجاوز نسبة ‪ .%68,3‬وتجدر اإلشارة إلى أن االستثمار في هذه‬

‫القطاعات يخلق فرصا للشغل أمام الشباب اإلفريقي أكثر من االستثمارات الموجهة للصناعات‬

‫االستخراجية‪ ،786‬التي تمكن القوى الدولية من السيطرة على الثروات اإلفريقية‪ .‬ولهذا فإنه لمواجهة‬

‫هذا االستغالل لمواردها فإنه على الدول اإلفريقية بذل الجهد لتحقيق األمن واالستقرار بهذه القارة‬

‫لتوجيه العوائد المالية الناتجة عن بيع الثروات الطبيعية نحو تشجيع البحث العلمي لتطوير صناعات‬

‫إنتاجية بدولها‪ ،‬وكذا تحقيق االكتفاء الذاتي الغذائي‪ ،‬بدل توجهها نحو شراء األسلحة‪ ،‬التي بموجبها يعاد‬

‫ترحيل الرساميل نحو الدول الصناعية‪ ،‬وتبقى هذه األسلحة المتهالكة لتغذية الصراعات بالقارة‬

‫اإلفريقية‪.‬‬

‫‪784‬‬
‫‪- Mckinsey Company, Lions on the move the progress and potential of African economies, Mckinsey‬‬
‫‪Global Institue, June 2010, p7.‬‬
‫‪ - 785‬جان‪ -‬جوزيف بوايو‪" ،‬إفريقيا محط أطماع شركات الجنوب المتعددة الجنسية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.183‬‬
‫‪786‬‬
‫‪- Banque Africaine de Développement, Organisation de Coopération et Développement Economique,‬‬
‫‪Programme des nations Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines‬‬
‫‪valeur mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, op , cit, p57.‬‬

‫‪404‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ثانيا‪:‬المساعدات المالية‬

‫تندرج المعونات التنموية في إطار المسـاعدات الخارجيـة الـتي تضـطلع الـدول الكـبرى بتقـديمها‬

‫لل ــدول النامي ــة‪ ،‬ويع ــد ه ــذا المؤش ــر كاش ــفا عن م ــدى اعتم ــاد الدول ــة على ق ــدراتها الذاتي ــة لتحقي ــق التنمي ــة‬

‫الوطنية في إطار من اإلرادة القومية المبنيـة على االسـتقاللية وعـدم االعتمـاد على الخـارج‪ ،‬وكلمـا كـانت‬

‫الدولة أقـل اعتمـادا على المعونـات الخارجيـة كـان ذلـك مؤشـر قـوة لتلـك الدولـة‪ ،‬ألنـه يقي اإلرادة القوميـة‬

‫للدولة في مواجهة الضغوط واإلمالءات الماسة بسيادتها‪.‬‬

‫وإ ذا كـ ــان من المفـ ــترض‪ -‬نظريـ ــا‪ -‬أن المنح والمعونـ ــات ال تحمـ ــل الدولـ ــة المتلقيـ ــة أي أعبـ ــاء‬

‫مادية‪ ،‬بخالف ما هو حاصل في االستدانة من الخارج‪ ،‬الـتي تمثـل عبئـا مباشـرا على الدولـة المعنيـة‪ ،‬إال‬

‫أن تل ــك المعون ــات له ــا من التبع ــات السياس ــية واالس ــتراتيجية م ــا تف ــوق تكلفته ــا األبع ــاد المادي ــة والعيني ــة‬

‫للقروض المباشرة‪ ،‬سواء كانت مشروطة أو غير مشروطة‪.787‬‬

‫تعتـ ــبر إفريقيـ ــا المسـ ــتفيد األساسـ ــي من المسـ ــاعدات الرسـ ــمية للتنميـ ــة خالل العقـ ــد الماضـ ــي‪ ،‬إذ‬

‫ارتفعت قيمتهـ ــا من ‪ 20,4‬مل ـ ــيار دوالر سـ ــنة ‪ 2002‬لتـص ـ ــل إلى ‪ 50,7‬ملـي ـ ــار دوالر سن ـ ـ ــة ‪- 2011‬‬

‫( هناك بعض التقديرات التي تؤكد أن هذا الرقم وصل إلى ‪ 51,7‬مليار دوالر خالل هذه الســنة)‪ -‬ممــا‬

‫يعني أنه ارتفعت من ‪ %35,5‬سنة ‪ 2002‬إلى ‪ %38,2‬سنة ‪.7882011‬‬

‫عموما عرفت المساعدات المالية للتنمية المقدمة للدول النامية انخفاضا على المســتوى الــدولي‬

‫خالل سـ ــنة ‪ ،2012‬إذ تـ ــراجعت من ‪ 141,1‬مليـ ــار دوالر سـ ــنة ‪ 2011‬إلى ‪ 136,4‬مليـ ــار دوالر سـ ــنة‬

‫‪ ،2012‬وعلى عكس هــذا المعطى ‪-‬على المســتوى الــدولي‪ -‬فــإن إفريقيــا عــرفت ارتفاعــا من حيث حجم‬

‫المساعدات الماليـة الصـافية المقدمـة لهـا إذ انتقلت من ‪ 51,7‬مليـار دوالر سـنة ‪ 2011‬إلى ‪ 52,7‬مليـار‬

‫دوالر ســنة ‪ 2012‬أي بنســبة نمــو ‪ ،%1,9‬وذلــك الرتفــاع المســاعدات المقدمــة من طــرف المــانحين غــير‬
‫‪ - 787‬مصطفى شفيق عالم‪"" ،‬أفرقة التنمية"‪ ..‬ثغرات في مؤشرات "اإلرادة القومية" بالقارة السمراء"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العدد الرابع عشر‪ ،‬شوال‪-‬‬
‫ذي الحجة ‪1433‬هـ‪ /‬اكتوبر‪ -‬ديسمبر ‪2012‬م‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪788‬‬
‫‪- Conférence des Nations Unies sur le commerce et le développement, Le développement économique en‬‬
‫‪Afrique rapport 2014 catalyser l’investissement pour une croissance transformatrice en Afrique, Nations‬‬
‫‪Unies, New York et Genève, 2014 P 67.‬‬

‫‪405‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المنتمين لمنظمـ ــة ‪ OCDE‬و )‪ CAD (le Comité d’aide au développement‬والمنظمـ ــات‬

‫الدولية‪ ،789‬خصوصا من الصين والهند‪ ،‬كما تم توضيحها في القسم األول‪.‬‬

‫وتتوجــه هــذه المســاعدات لــدعم األنشــطة االقتصــادية واإلنتاجيــة والقطاعــات االجتماعيــة‪ ،‬وكــذا‬

‫لبرامج تحقيق السلم واألمن وتسوية الصراعات بالقارة اإلفريقية‪ ،‬كمـا يوضـحها الجـدول أسـفله‪ .‬غـير أن‬

‫هـذه المسـاعدات تبقى رهينـة بتحقيـق مصــالح الـدول المانحـة‪ ،‬وهـو مـا تؤكـده التوجهـات الدوليـة في تقـديم‬

‫المســاعدات الماليــة لتســوية بعض الصــراعات اإلفريقيــة‪ ،‬وتــرك البعض منهــا للتفــاقم‪ ،‬إذ لم تكن هي الــتي‬

‫أدت إلى تعقيدها وتأخير تسويتها لتحقيق أكبر قدر من مصالحها‪.‬‬

‫أهم القطاعات التي استفادت من مساعدات التنمية بإفريقيا(بالمليون دوالر)‬ ‫الجدول رقم ‪:15‬‬

‫‪2011‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪2002‬‬ ‫القطاع‬


‫األنشطة االقتصادية‬
‫‪14580‬‬ ‫‪6846‬‬ ‫‪4246‬‬
‫واإلنتاجية‬
‫‪13955‬‬ ‫‪8443‬‬ ‫‪3532‬‬ ‫القطاعات االجتماعية‬
‫الحكامة وتسوية‬
‫‪5713‬‬ ‫‪3962‬‬ ‫‪1942‬‬
‫النزاعات‪ :‬السلم واألمن‬
‫قطاعات مختلفة‬
‫‪8631‬‬ ‫‪5176‬‬ ‫‪3935‬‬
‫والبرنامج العالم للمساعدات‬
‫‪7291‬‬ ‫‪56170‬‬ ‫‪4020‬‬ ‫الديون‬
‫‪5731‬‬ ‫‪3902‬‬ ‫‪1135‬‬ ‫المساعدات االنسانية‬
‫‪958‬‬ ‫‪973‬‬ ‫‪1685‬‬ ‫أخرى‬
‫‪56858‬‬ ‫‪85472‬‬ ‫‪20497‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Conférence des Nations Unies sur le commerce et le développement,‬‬


‫‪Le‬‬ ‫‪développement‬‬ ‫‪économique‬‬ ‫‪en‬‬ ‫‪Afrique‬‬ ‫‪rapport‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪catalyser‬‬

‫‪789‬‬
‫‪- Banque africaine de développement, Organisation de coopération et développement économique,‬‬
‫‪Programme des nations Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines‬‬
‫‪valeur mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, op , cit, p 65.‬‬

‫‪406‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪l’investissement pour une croissance transformatrice en Afrique, Nations Unies,‬‬


‫‪New York et Genève, 2014, P76.‬‬
‫وتمث ــل المس ــاعدات اإلنمائي ــة الرس ــمية العائ ــد ال ــرئيس للعدي ــد من ال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬إذ نج ــد أن‬

‫نصيب بوروندي وجمهورية الكونغو وأريتيريـا وغينيـا بيسـاو وليبريـا وسـيراليون‪ ،‬من المسـاعدات يفـوق‬

‫ناتجهــا المحلي ويقـارب أو يفـوق إيراداتهــا الحكوميــة‪ .‬وتــؤدي التحــويالت الماليــة دورا حاســما في ليبيريــا‬

‫وتوغو‪.790‬‬

‫ولهذه المساعدات تأثيرات إيجابية وسـلبية‪ ،‬وتتجلى أهميتهـا في تحسـين منـاخ األعمـال وتطـوير‬

‫اإلنتاجية‪ ،‬خاصة إذا وجهت هذه المساعدات إلنشاء مشاريع البنيــة التحتيــة‪ ،‬وتطــوير األنظمــة الصــحية‪،‬‬

‫ودعم التعليم والتربيــة‪ .‬وعلى خالف ذلــك هنــاك العديــد من الســلبيات لهــذه المســاعدات تتجلى أساســا في‬

‫نقص تنافس ــية المق ــاوالت المحلي ــة‪ ،‬وإ ض ــعاف قط ــاع التص ــدير لل ــدول المتلقي ــة له ــا‪ ،‬فحس ــيب فراجــورام‬

‫راجان‪ ،‬فــإن المســاعدات أعــاقت نمــو األنشــطة التصــديرية لالقتصــادات الــتي تعتمــد على األيــدي العاملــة‪،‬‬

‫وعلى وجه الدقة أعاقت األنشطة الضرورية لتنويع الصادرات في الدول المتلقية لها‪ .791‬كما أنها تشــجع‬

‫على الفســـاد وفي بعض األحيـــان زعزع ــة االســـتقرار السياســـي لل ــدول‪ ،‬فحس ــب ‪ Asongu‬ال ــذي أنجـــز‬

‫دراس ــة على ‪ 52‬دول ــة إفريقي ــة خالل الفــترة م ــا بين ‪ 2010-1996‬توص ــل إلى أن المس ــاعدات المقدم ــة‬

‫للتنمية غذت الفساد بهذه الدول‪.792‬‬

‫كما أنــه حســب وانغاري ماثاي‪ ،‬فــإن هــذه المســاعدات قــد ســاعدت في تعميــق الشــعور الــداخلي‬

‫لدى األفارقة بدونيتهم مقارنة ببقية العالم‪ .‬وغرست التبعيـة في نفوسـهم‪ ،‬وتـركت أكثريـة الـدول اإلفريقيـة‬

‫تابعة بدال من تمكينها من تحقيق حلـول للمشـاكل الـتي تعانيهـا قـارتهم‪ ،‬فعلى سـبيل المثـال؛ ترسـل الـدول‬

‫المانحة المساعدات الغذائية بحرا وجوا بدال من المساعدة في تنفيذ سياســات غذائيــة وزراعيــة ســليمة من‬

‫‪ - 790‬سان دومينيكو دي فيسولي‪ ،‬التقرير االوروبي حول التنميــة ‪ 2009‬التغلب على الهشاشــة في إفريقيــا صــياغة نهج اوروبي جديد‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪ - 791‬بول كوليير‪ ،‬مليار نسمة تحت خط الفقر‪ :‬لماذا تخفق البالد األشد فقرا في العالم؟ وما الذي يمكن عمله؟‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪792‬‬
‫‪- Conférence des Nations Unies sur le commerce et le développement, Le développement économique en‬‬
‫‪Afrique rapport 2014 catalyser l’investissement pour une croissance transformatrice en Afrique, op, cit,‬‬
‫‪P68.‬‬

‫‪407‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫شــأنها أن تــتيح للبلــدان اإلفريقيــة أن تطعم نفســها عنــدما تفشــل المحاصــيل وترتفــع أســعار الغــذاء العالميــة‪.‬‬

‫وبــدال من تشــجيع القــدرات والمهــارات ورعايتهــا في البلــدان نفســها‪ ،‬يســتمر الخــبراء األجــانب في إدارة‬

‫الكثــير من المهــام األساســية‪ .‬وال يــزال الكثــير من بــرامج المســاعدات يعــالج األعــراض ويــدير األزمــات‪،‬‬

‫بــدال من دعم االســتثمارات على المــدى الطويــل حــتى ال تحــدث األزمــات أو يتســنى التعامــل معهــا وحلهــا‬

‫بمساعدة محدودة أو من دون مساعدة دولية"‪.793‬‬

‫باإلضــافة إلى ذلــك‪ ،‬فــأجزاء كبــيرة من القــروض ومنح المســاعدات اســتولى عليهــا بعض القــادة‬

‫األفارقة‪ ،‬هازئين بحقيقة أن األمـوال قــد قــدمت باسـم مواطـنيهم ولمصــلحتهم‪ .‬وتوصــف المبـالغ الـتي نقلت‬

‫خــارج القــارة والــثروات الشخص ــية الــتي جمعهــا بعض ق ــادة إفريقيــا الســابقين بأنهــا مذهلــة‪ ،‬فوف ــق تقــدير‬

‫صــحيفة فرنســية‪ ،‬فخالل الفــترة من العــام ‪ 1989‬حــتى العــام ‪ 1998‬جمــع القائــدان النيجيريــان المتعاقبــان‬

‫إبــراهيم بابانجيــدا وســاني أباتشــا ‪ 8‬ملي ــارات دوالر فيم ــا بينهم ــا‪ .‬وربح رئيس ــا ليبيري ــا صــامويل دوي‬

‫وتشــارلز تــايلور م ــا يق ــدر إجمال ــه ب ‪ 5‬ملي ــارات دوالر على م ــدى س ــتة عش ــرة عام ــا‪ .‬ويق ــال إن رئيس‬

‫س ــاحل الع ــاج فيلكس هوفــويت‪ -‬بويــني قـــد جم ــع ‪ 6‬ملي ــارات دوالر على م ــدى س ــنوات حكم ــه الثالث‬

‫والثالثين‪ ،‬في حين يعتقــد أن الــرئيس الزائــيري الراحــل موبوتو ســيس ســيكو قــد اســتولى لنفســه على ‪5‬‬

‫مليارات دوالر‪ .‬وفي العام ‪ ،2004‬ووفق تقدير الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو ســرق‬

‫‪ 140‬مليــار دوالر من خالل خصخصــة القــروض والمســاعدات للدولــة‪ ،‬والرشــاوى للمســؤولين الفاســدين‬

‫منذ الموجة الرئيسة لالستقالل‪.794‬‬

‫ويبدو أن المساعدات الخارجية‪ ،‬أيا كـان نوعهـا وأيـا كـان حجمهـا‪ ،‬ال يمكن أن تكـون بـأي حـال‬

‫من األح ــوال ب ــديال عن اإلص ــالحات في الب ــنى التحتي ــة الالزم ــة له ــذه البل ــدان والض ــرورية له ــا من أج ــل‬

‫الوصول إلى تحقيق االزدهار االقتصادي‪.795‬‬

‫‪ - 793‬وانغاري ماثاي‪ ،‬أفريقيا والتحدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.74-73‬‬


‫‪ - 794‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪ - 795‬نقوال اغبوهو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.326‬‬

‫‪408‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لق ــد أص ــبح أم ــام الق ــارة اإلفريقي ــة م ــا يجعله ــا ق ــادرة على االنفك ــاك من الهيمن ــة الغربي ــة م ــتى‬

‫أحسنت إقامة التكتالت الداخلية‪ ،‬وإ دارة التحالفات الخارجية سياسيا واقتصــاديا‪ ،‬خصوصــا في ظــل تزايــد‬

‫اهتمــام القــوى اآلســيوية بهــا‪ ،‬فتنظيم المســاعدات اإلنمائيــة الخارجيــة وربطهــا بشــروط والتزامــات متبادلــة‬

‫بين إفريقيا والمانحين ستكسر قيـود التبعيـة والهيمنـة‪ ،‬الـتي مـا فـتئت تسـعى القـوى الغربيـة إلحكامهـا على‬

‫القارة اإلفريقية لضمان استمرار استغالل ثرواتها‪.796‬‬

‫إن الشـ ـ ــركاء الجـ ـ ــدد في التنميـ ـ ــة في الجنـ ـ ــوب يتبعـ ـ ــون نموذجـ ـ ــا خاصـ ـ ــا في التعـ ـ ــاون الثنـ ـ ــائي‪،‬‬

‫فالمساعدات المالية الكبيرة التي يقدمها هؤالء الشـركاء في إطـار نهج جديـد من الشـروط المخففـة‪ ،‬تعـزز‬

‫استقاللية السياسات في البلدان األقــل نمـوا‪ .‬وقــد بـات بإمكـان البلـدان األقــل نمـوا االعتمـاد على عـدد أكـبر‬

‫من الشـ ــركاء الجـ ــدد للحصـ ــول على المسـ ــاعدات اإلنمائيـ ــة‪ ،‬وهـ ــذا يوسـ ــع الخيـ ــارات فيمـ ــا تتنـ ــافس القـــوى‬

‫األجنبيـــة على النفـــوذ‪ ،‬والوصـ ــول إلى المســـتهلكين المحلـــيين‪ ،797‬فق ــد أصـ ــبحت دول مجموعـــة الـــبريكس‬

‫ومنظمة شنغهاي تعمل على توفير آليات تمويلية بعيدا عن المؤسسـات الماليـة الكـبرى الـتي يهيمن عليهـا‬

‫الغرب (صندوق النقد الـدولي‪ -‬البنـك الـدولي)‪ ،‬بحيث تم إنشـاء بنـك تمويـل خـاص برأسـمال قيميتـه ‪100‬‬

‫مليــار دوالر جــاء معظمــه من الصــين بهــدف تمويــل مشــروعات التنميــة في البلــدان الناميــة‪ ،‬ومشــروعات‬

‫البنيــة التحتيــة‪ .‬كمــا وقعت المصــاريف المركزيــة لــدول "بــركيس" في موســكو اتفاقيــة حــول شــروط الــدعم‬

‫المتبـادل‪ ،‬في إطـار صــندوق احتيـاطي مشـترك للعمالت‪ ،‬واتفاقيـة أخـرى إلنشـاء آليـة مشـتركة لالسـتثمار‬

‫في مشاريع البنيـة التحتيـة بمشـاركة الصــندوق الروسـي لالسـتثمار المباشـر‪ ،‬ومجموعـة آي دي إف سـي"‬

‫الهندية‪ ،‬وشركة "بي تي جي" باكتشول‪ ،‬وصندوق طريق الحريـر الصـيني‪ ،‬ومصـرف التنميـة في جنـوب‬

‫إفريقيـا‪ .‬وهـو مـا يشـكل إجمـاال آليـة دفـاع ذاتي اقتصـادي تنمـوي في مواجهـة اآلليـات الـتي يتحكم الغـرب‬

‫فيها‪.798‬‬
‫‪ - 796‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.328‬‬
‫‪ - 797‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪ 2013‬نهضة الجنوب‪ :‬تقدم بشري في عالم متنوع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ - 798‬حسن أبو طالب‪" ،‬نحو عالم بدون هيمنة غربية" السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 202‬أكتوبر ‪ ،2015‬ص ‪.59‬‬
‫‪ -‬عالء عبد الحفيظ محمد‪" ،‬تأثيرات الصعود الروسي والصـيني في هيكــل النظــام الـدولي في إطــار نظريــة تحــول القــوة"‪ ،‬المجلــة العربيــة للعلــوم‬
‫السياسية‪ ،‬العددان ‪ ،48-47‬صيف –خريف ‪ ،2015‬ص ‪.19-18‬‬

‫‪409‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لقد أثار التحدي الذي أفرزته الصين والقــوى الصــاعدة األخــرى في إفريقيــا مجموعــة من ردود‬

‫األفعــال الغربيــة‪ ،‬ففرنســا قــامت بإنشــاء قنــوات اتصــال مــع القــوى الصــاعدة‪ ،‬وأبرزهــا الصــين‪ ،‬لمناقشــة‬

‫القضايا المتعلقة بقارة إفريقيا‪ ،‬وتبادل وجهات النظر‪ ،‬والتعبير عن أوجه القلق والمخاوف‪ ،‬وربمـا كسـب‬

‫النفوذ أيضا‪ ،‬فقد أنشأت وزارة الخارجية الفرنسية منتدى الحوار الخاص بهـا للتـداول حـول هـذه القضــايا‬

‫مع الصين‪ ،‬وتعقـد اجتماعـات سـنوية بالتنـاوب بين بـاريس وبكين‪ ،‬وهنـاك أيضــا حـوار سـنوي مشـابه مـع‬

‫جنوب إفريقيا‪.799‬‬

‫وإ ذا كــانت الــدول الكــبرى المتنافســة بالقــارة اإلفريقيــة تتســابق لتقــديم المعونــات الماليــة والفنيــة‬

‫واالقتصادية والعسكرية للدول اإلفريقية لتحقيـق نفوذهـا ومصـالحها االسـتراتيجية بهـذه القـارة‪ ،‬فعلى دول‬

‫هذه القـارة أال تـرتهن لهـذه المسـاعدات من أجـل تحقيـق التنميـة ومسـايرة التطـورات االقتصـادية العالميـة‪،‬‬

‫فهي حس ــب ال ــدكتور المهــدي المنجــرة مج ــرد مخ ــدر تحجب الح ــافز لب ــدل الجه ــود للتط ــور االقتص ــادي‪،‬‬

‫وتضمن اسـتمرارية تبعيـة دول هـذه القـارة لالسـتراتيجيات المحاكـة لهـا خارجيـة من أجـل تحقيـق مصــالح‬

‫ال ــدول الك ــبرى به ــا؛ خصوص ــا الحص ــول على ال ــثروات الطبيعي ــة ب ــأرخص األثم ــان لض ــمان تط ــوير‬

‫صناعاتها واستمرار تطورها االقتصادي‪ .‬لذا فعلى الدول اإلفريقية أخذ زمام المبادرة الشخصية لتحقيــق‬

‫التنمية بهذه القارة فحسب الدكتور ريوكيش هيرون‪ ..." :‬األمر األهم هو أن األمور تبدأ من الــداخل أي‬

‫أن زمام المبادرة في أيدي األفارقة أنفسهم‪ ،‬وليس من الخارج سواء كانت دوال أو مؤسسات دولية"‪.800‬‬

‫وهـ ـ ــذا يتطلب توجيـ ـ ــه طـ ـ ــرق تقـ ـ ــديم هـ ـ ــذه المسـ ـ ــاعدات في إتاحـ ـ ــة التعليم في مجـ ـ ــاالت العلـ ـ ــوم‬

‫والتكنولوجي ــا في البل ــدان اإلفريقي ــة‪ .،‬ف ــإذا لم تنش ــئ الحكوم ــات اإلفريقي ــة بيئ ــة تش ــجع اإلب ــداع واالبتك ــار‬

‫وتـ ــدعمها‪ ،‬فسـ ــوف تظـ ــل بلـ ــدانها متخلفـ ــة في عـ ــالم تحكمـ ــه التكنولوجيـ ــا‪ ،‬فاالسـ ــتثمار في البشـ ــر والتعليم‬

‫المناسب سيؤدي إلى تكريـر الـذهب أو النفـط وإ عطـاء قيمـة مضــافة للمنتجـات اإلفريقيـة‪ ،‬وهـو مـا أدركتـه‬

‫القوى اآلسيوية التي جعلت التعليم في مجاالت العلوم والتكنولوجيــا أولويــة وطنيــة‪ ،‬في الــوقت الــذي راح‬
‫‪ - 799‬بول ميلي وفنسنت داراك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪ - 800‬صابون محمد راشيد‪ ،‬التنافس الفرنسي األمريكي في القارة اإلفريقية بعد الحرب الباردة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.174‬‬

‫‪410‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫فيــه عــدد كبــير جــدا من الــدول اإلفريقيــة يســتثمر في شــراء األســلحة المتهالكــة الــتي تســتعمل الســتنزاف‬

‫الثروة المادية والبشرية اإلفريقية من خالل تغذية الحروب الداخلية والبينية في القارة‪.801‬‬

‫فحسب منظمة اإلغاثة اإلنسانية البريطانية "أوكسفام" في تقريـر نشـرته في أكتـوبر ‪ ،2007‬أن‬

‫كلفــة النزاعــات والصــراعات الــتي عرفتهــا القــارة اإلفريقيــة خالل الفــترة مــا بين ‪ 1990‬و‪ 2005‬بلغت‬

‫نحــو ‪ 300‬مليــار دوالر‪ ،‬شــملت ‪ 23‬بلــدا إفريقيــا‪ ،‬وهــو حجم يســاوي تقريبــا حجم كــل المســاعدات الماليــة‬

‫واالقتصادية التي تلقتها هذه البلدان في الفترة نفسها‪ ،802‬وأكد البنك اإلفريقي للتنمية أنه مقابل كـل دوالر‬

‫واحد يرد إلى إفريقيا في هيئة مساعدات خارجيـة‪ ،‬تخسـر القـارة ‪ 10‬دوالرات في هيئـة أمـوال ومكاسـب‬

‫تغ ــادر القــارة بش ــكل غــير ش ــرعي‪ ،‬ففي عــام ‪ 2009‬وح ــده بل ــغ حجم األم ــوال ال ــتي خ ــرجت بش ــكل غــير‬

‫مشروع ثالثة أضعاف إجمالي المساعدات المقدمة للدول اإلفريقية‪.803‬‬

‫كما أظهرت دراسة أجراها علماء كنديون‪ ،‬أن الدول اإلفريقية الواقعـة جنـوب الصــحراء‪ ،‬الـتي‬

‫استثمرت في تدريب األطباء‪ ،‬انتهى بها الحال إلى خسارة مليــار دوالر؛ ألن األطبــاء المتمرســين رحلــوا‬

‫عن بلـ ــدانهم للبحث عن عمـ ــل في دول متقدمـ ــة أكـ ــثر ثـ ــراء؛ وتوصـ ــلت الدراسـ ــة إلى أن جنـ ــوب إفريقيـ ــا‬

‫وزمب ــابوي تعاني ــان أس ــوأ الخس ــائر االقتص ــادية الناتج ــة عن هج ــرة األطب ــاء‪ ،‬في حين أن أس ــتراليا وكن ــدا‬

‫وبريطانيا والواليات المتحدة هي أكثر الدول المستفيدة من توظيف أطباء تدربوا في الخارج‪.‬‬

‫ويقــول خــبراء إن نزيــف العقــول أو العمالــة المدربــة في مجــال الصــحة‪ ،‬من الــدول الفقــيرة إلى‬

‫ال ــدول األك ــثر ث ــراء يف ــاقم مش ــكلة األنظم ــة الص ــحية الض ــعيفة بالفع ــل في ال ــدول ذات ال ــدخل المنخفض‪،‬‬

‫والــتي تحــارب انتشــار األمــراض المعديــة‪ .804‬ففي عــام ‪ 1992‬أشــارت منظمــة األمم المتحــدة أن إفريقيــا‬

‫هي الوحيــدة الــتي فقــدت مــا يقــارب ثلث عمالتهــا المتخصصــة لصــالح أوروبــا‪ .805‬وفي ســنة ‪ 2003‬قــدر‬

‫برن ــامج التنمي ــة لهيئ ــة األمم المتح ــدة أن ‪ %54‬من األطب ــاء‪ ،‬و‪ %26‬من المهندس ــين و‪ %17‬من ح ــاملي‬
‫‪ - 801‬وانغاري ماثان‪ ،‬إفريقيا والتحدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪ - 802‬االفتتاحية‪" ،‬إفريقيا وحلم التنمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 803‬سعيدة محمد عمر‪" ،‬افريقيا الصاعدة‪ :‬بين الهيمنة الجديدة وتحدي التنمية‪ ،‬اتجاهات األحداث‪ ،‬العدد ‪ 3‬أكتوبر ‪ ،2014‬ص ‪.73-71‬‬
‫‪ - 804‬المشهد اإلفريقي‪ ،‬ملحق مجلة قراءات إفريقية‪ ،‬العدد الحادي عشر‪ ،‬محرم‪-‬ربيع األول ‪1433‬هـ‪ /‬يناير‪ -‬مارس ‪ ،2012‬ص ‪.112‬‬
‫‪ - 805‬نقوال أغبوهو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.330‬‬

‫‪411‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الشهادات العلمية من الجامعات العربية واإلفريقية يهاجرون إلى الواليات المتحدة األمريكية وكندا‪ ،‬وأن‬

‫نص ــف المتخ ــرجين األفارق ــة والع ــرب ال ــذين يدرس ــون بالخ ــارج‪ ،‬ال يع ــودون أب ــدا إلى بل ــدهم األم‪ ،‬ل ــذلك‬

‫يعتقــد ‪ Philip Emeagwali‬المتخصــص في الرياضــيات من إفريقيــا أن" ميزانيــة التربيــة اإلفريقيــة‪ ،‬مــا‬

‫هي إال تكملــة للميزانيــة األمريكيــة‪ ،‬ألن ثلــثي الجامعــات اإلفريقيــة تعمــل على تلبيــة الحاجيــات األمريكيــة‬

‫والبريطانية من الموارد البشرية"‪ ،‬لذلك فإن السؤال حسب الدكتور المهدي المنجرة‪ ،‬أصــبح من يســاعد‬

‫من؟ إذا علمنا أنه حسب تقرير اليونسكو لسنة ‪ 1998‬فإن أكثر من ‪ 30‬ألف حامل للدكتوراه من إفريقيا‬

‫يعملــون خــارج القــارة‪806‬؛ ومن المؤكــد أن هــذا الــرقم قــد تضــاعف خالل العقــد الماضــي‪ ،‬ومــا السياســات‬

‫الغربيــة في مجــال الهجــرة مــؤخرا إال تكــريس لهــذا الوضــع‪ ،‬فهي تســن تشــريعات تشــجع على اســتقطاب‬

‫العق ــول اإلفريقي ــة‪ ،‬في حين ت ــرفض اس ــتقبال العم ــال الع ــاديين‪ ،‬مم ــا أنتج المآس ــي األخ ــيرة لوف ــود ط ــالبي‬

‫الهجرة بالبحر األبيض المتوسط‪.‬‬

‫إن هج ــرة الكف ــاءات اإلفريقي ــة إلى الخ ــارج تمث ــل االس ــتنزاف الممنهج لخ ــيرة الم ــوارد البش ــرية‬

‫اإلفريقيــة من طــرف المســتعمرين القــدامى‪ ،‬الــذي يعتــبر اســتمرارا لديناميــة العــالم الصــناعي الــذي يــزود‬

‫إفريقيــا بالمســاعدات من ناحيــة‪ ،‬وينــتزع رأســمالها الطــبيعي والبشــري الــذي بــدأ بــالموارد الماليــة والمــواد‬

‫األولية‪ ،‬مرورا باأليدي العاملة وانتهاء باألدمغة والكفاءات‪.‬‬

‫ومن المعلــوم أن هجــرة الكفــاءات اإلفريقيــة إلى الخــارج أســهمت في خلخلــة الواقــع االقتصــادي‬

‫والسياسـ ــي للقـ ــارة‪ ،‬وإ ذا كـ ــانت إفريقيـ ــا تسـ ــتفيد شـ ــيئا مـ ــا من هجـ ــرة الكفـ ــاءات عـ ــبر التحـ ــويالت الماليـ ــة‬

‫للمه ـ ــاجرين ال ـ ــتي تس ـ ــهم فيه ـ ــا النخب ـ ــة المه ـ ــاجرة بق ـ ــدر يس ـ ــير‪ ،‬ف ـ ــبين ع ـ ــامي ‪ 2000‬و‪ 2003‬تج ـ ــاوزت‬

‫التحــويالت إلى إفريقيــا ككــل (‪ 17‬مليــار دوالر ســنويا) متوســط االســتثمار األجنــبي المباشــر ســنويا (‪15‬‬

‫مليــار دوالر)‪ .‬كمــا ق ــام مــا يقــدر بـ ‪ 3,6‬مليــون إف ــريقي من جنــوب الص ــحراء الكــبرى يعيشــون في دول‬

‫‪ - 806‬المهدي المنجرة‪ ،‬قيمة القيم‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،2013 ،‬ص ص ‪.136-135‬‬

‫‪412‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المهجــر بزيــادة تحــويالتهم النقديــة‪ ،‬من ‪ 1,8‬مليــار دوالر في العــام ‪ 1990‬إلى ‪ 6‬مليــار دوالر في العــام‬

‫‪ .2003‬وبحلول العام ‪ 2007‬تضاعف هذا الرقم ليصل إلى ‪ 12‬مليار دوالر‪.807‬‬

‫لقد عرفت التحويالت المالية لألفارقة المقيمين بالخــارج ارتفاعـا مهمــا مــع بدايــة هــذا العقـد‪ ،‬إذ‬

‫انتقلت من ‪ 60‬ملي ـ ـ ــار دوالر س ـ ـ ــنة ‪ 2012‬إلى ‪ 62,9‬ملي ـ ـ ــار دوالر س ـ ـ ــنة ‪ 2013‬أي بارتف ـ ـ ــاع بنس ـ ـ ــبة‬

‫‪ .%4,8‬وهــو مــا يعــني أن إفريقيــا حصــلت على نســبة ‪ %11,5‬من القيمــة اإلجماليــة للتحــويالت الماليــة‬

‫للمهاجرين عبر العالم‪ .‬وهذه التحـويالت تتجـاوز قيمـة مـا حصـلت عليـة إفريقيـا من اسـتثمارات خارجيـة‬

‫كمــا تم توضــيحها ســابقا‪ .‬وحســب البنــك الــدولي فــإن الســودان تعتــبر من أهم الــدول اإلفريقيــة الــتي عـرفت‬

‫ارتفاع ــا للتح ــويالت المالي ــة للمه ــاجرين‪ ،‬وذل ــك بنس ــبة ‪ %155+‬تليه ــا أوغن ــدا بنس ــبة ‪ %34+‬تم بوركين ــا‬

‫فاسوا بنسبة ‪ ،%17+‬وبصفة عامة فإن حجم التحويالت المالية للمهــاجرين األفارقــة في ارتفـاع مســتمر‪،‬‬

‫فحس ـ ــب بعض التوقع ـ ــات فق ـ ــد ارتفعت من ‪ 18‬دوالرا للمه ـ ــاجر الواح ـ ــد إلى ‪ 58‬دوالر للمه ـ ــاجر س ـ ــنة‬

‫‪ .2013‬أما على مستوى الدول اإلفريقية المستفيدة من هذه التحويالت فهناك خمسة عشر دولة أساسية‪،‬‬

‫وهي‪ :‬الكـوت ديفـوار وليسـوتو والسيشـل ومصـر وتـونس والمغـرب ونيجيريـا والسـينغال وليبريـا وغامبيـا‬

‫والتوغو‪ ،‬وسوزايالندا والجزائر ودجبوتي وسوتومي بريبنسبي‪ .‬وتأتي هذه التحويالت من خمس عشــرة‬

‫دولــة أساســية وهي‪ :‬الواليــات المتحــدة األمريكيــة والمملكــة العربيــة الســعودية وفرنســا والمملكــة المتحــدة‬

‫واألردن وإ يطالي ـ ـ ــا واس ـ ـ ــبانيا وليبي ـ ـ ــا والك ـ ـ ــويت وتش ـ ـ ــاد وألماني ـ ـ ــا وكن ـ ـ ــدا واإلم ـ ـ ــارات العربي ـ ـ ــة المتح ـ ـ ــدة‬

‫والكاميرون‪.808‬‬

‫وإ ذا كانت أهمية هذه التحــويالت تتجلى في أنهــا تصــل إلى األســر الفقـيرة أكــثر من المســاعدات‬

‫أو اإلنفاق الحكومي غير المباشر‪ ،‬كما أنها تعزز الدخل القومي أيضا‪ ،809‬فــإن الخســائر تتســم بضــخامتها‬

‫‪ - 807‬وانغاري ماثاي‪ ،‬إفريقيا والتحدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.259‬‬


‫‪808‬‬
‫‪- Banque africaine de développement, Organisation de coopération et développement économique,‬‬
‫‪Programme des nations Unies pour le développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les chaines‬‬
‫‪valeur mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, op , cit, p 62- 64.‬‬
‫‪ - 809‬وانغاري ماثاي‪ ،‬إفريقيا والتحدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.259‬‬

‫‪413‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫على جميع المستويات‪ ،‬ال سيما فيما يتعلق بنقل قيم وثقافة بالد االستقبال إلى الداخل اإلفريقي من جهــة‪،‬‬

‫واستمرارية التبعية اإلفريقية لألقطار الغربية من جهة أخرى‪.‬‬

‫ويشــير المتــابعون لتلــك الظــاهرة إلى أن هنــاك عــاملين قــد أديــا إلى هجــرة العقــول اإلفريقيــة إلى‬

‫الخارج‪ ،‬منها عوامل طاردة وأخرى جاذبة‪ ،‬وتتركز العوامل الطاردة في عدم الحصول على دخل مقنع‬

‫يمكن من العيش في المجتمــع بصــورة محترمــة تحفــظ كرامــة العــالم‪ ،‬وعــدم تــوفر متطلبــات العمــل الفنيــة‬

‫واألجه ــزة ال ــتي تمكن من تفج ــير الطاق ــات العلمي ــة والفكري ــة والبحثي ــة الكامن ــة في العلم ــاء واألك ــاديميين‬

‫والمتخصصــين‪ ،‬وأيضــا عــدم إتاحــة فــرص العمــل والتنــافس الشــريف‪ ،‬وانتشــار الفســاد اإلداري‪ ،‬وغيــاب‬

‫الحريـ ــة إضـ ــافة إلى عـ ــدم االسـ ــتقرار السياسـ ــي واالجتمـ ــاعي‪ ،‬بسـ ــبب الصـ ــراعات ومـ ــا تحدثـ ــه من عـ ــدم‬

‫االســتقرار النفســي على الفــرد‪ ،‬واألدهى فــإن الزعمــاء األفارقــة لم يرســموا أي سياســة جديــة لعــودة هــذه‬

‫األدمغ ــة‪ ،‬كم ــا فعلت ج ــل ال ــدول اآلس ــيوية‪ ،‬ال ــتي تمكنت من االس ــتفادة من ع ــودة مهاجريه ــا خصوص ــا‬

‫المتعلمين منهم‪.‬‬

‫أم ــا العوام ــل الجاذب ــة لهج ــرة العق ــول اإلفريقي ــة إلى ال ــدول المتقدم ــة‪ ،‬فت ــتركز في س ــعي ال ــدول‬

‫المتقدم ــة إلغ ــراء العلم ــاء والمهن ــيين والمتخصص ــين من ال ــدول األفريقي ــة بتق ــديم كث ــير من الح ــوافز ال ــتي‬

‫يفتقدونها في بالدهم‪ .‬وارتفاع مستوى المعيشـة في المجتمعـات الغربيـة المتقدمـة‪ ،‬وتـوفر متطلبـات العمـل‬

‫المهــني المتخصــص بصــورة تمكن العلمــاء من اإلبــداع وتفجــير الطاقــات‪ ،‬كمــا أن الــدول الغربيــة تشــجع‬

‫هجرة العقول االفريقيـة إليهـا لالسـتفادة من علمهـا وقــدراتها‪ ،‬باعتبارهـا كفـاءات عاليـة وجـاهزة ال يتطلب‬

‫منها الصرف المالي إلعدادها‪ ،‬وكذلك باعتبارهم أيدي عاملة رخيصة‪.810‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مشكلة الديون الخارجية في إفريقيا‬

‫تعد الديون الخارجية أحد أبرز معضالت التنميـة في إفريقيـا‪ ،‬فكثـير من الـدول اإلفريقيـة تعـاني‬

‫بشدة تراكم األصول والفوائد المركبة للديون التي تغدقها الــدول الكــبرى والمؤسســات االقتصــادية العاملــة‬
‫‪ - 810‬كريم شكرى‪" ،‬العقول المهاجرة من افريقيا"‪ ،‬مجلة افريقيا قارتنا‪ ،‬العدد الثالث عشر‪ ،‬يونيو ‪ ،2014‬ص ‪.3-2‬‬

‫‪414‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫في مجاالت االقتراض‪ ،‬بهدف عالج الفجوات االقتصادية التي تعانيها الدول اإلفريقية‪ ،‬ولكنهــا في نهايــة‬

‫األمر ليست إال تعميقا لتلك الفجوات‪ .‬فالدول اإلفريقية تعتـبر من أكـثر منـاطق العـالم تضــررا من مشـكلة‬

‫ال ـ ــديون‪ ،‬نظ ـ ــرا الرتف ـ ــاع مس ـ ــتوى حجم وخ ـ ــدمات ال ـ ــدين إلى دخوله ـ ــا القومي ـ ــة وأرص ـ ــدتها من العمالت‬

‫الصعبة‪.‬‬

‫فمن حيث الكم‪ ،‬فقـ ــد تضـ ــاعف حجم الـ ــدين الخـ ــارجي إلفريقيـ ــا جنـ ــوب الصـ ــحراء بحـ ــوالي ‪23‬‬

‫ضعفا من عـام ‪ ،1970‬حينمـا كـان ‪ 6‬ماليـير‪ ،‬إلى ‪ 136.4‬مليـار دوالر عـام ‪ .1988‬أمـا خـدمات الـدين‬

‫فقــد ارتفــع معــدلها في الفــترة نفســها من ‪ %0,7‬إلى ‪ ،%11,4‬في الــوقت الــذي أصــبحت فيــه إفريقيــا في‬

‫أمس الحاجة إلى السيولة لكي تدفعها إلى مؤسسات التمويل المختلفة‪ .‬ومع حلــول األلفيــة الثالثــة‪ ،‬ازدادت‬

‫مشــكلة الــديون الخــارجي إلفريقيــا مقارنــة بالــدول اآلســيوية وأمريكــا الالتينيــة‪ .‬كمــا ارتفــع معــدل خــدمات‬

‫الدين بالنسبة للدول اإلفريقية حيث وصل هذا المعدل عام ‪ 2002‬إلى ‪.811%25,7‬‬

‫إن مــدفوعات الــديون الخارجيــة تمتص قســما كبــيرا من ميزانيــة الــدول الــتي تجــد نفســها بســبب‬

‫الظ ــروف المالي ــة‪ ،‬خاض ــعة للبل ــدان الغني ــة في الش ــمال ال ــتي تق ــرر إج ــراءات التقش ــف المؤدي ــة إلى الفق ــر‬

‫والت ــدمير الش ــامل للحي ــاة اإلنس ــانية باقتطاع ــات من األولوي ــات في الميزاني ــة االجتماعي ــة‪ .‬فه ــذه السياس ــة‬

‫المقـ ــررة من الخـ ــارج على األفارقـ ــة تقضـ ــي في أغلب األحيـ ــان على االسـ ــتثمارات المربحـ ــة في المـ ــدى‬

‫المتوســط والمــدى الطويــل‪ ،‬وتــؤخر عمليــة التصــنيع في إفريقيــا‪ ،‬والنمــو االقتص ــادي الــداخلي النــاتج عن‬

‫التطور الخاص والدائم هو غير موجود حاليا البتة‪ ،‬بل هو متعلق في دوامة تذبذب أسعار المواد األولية‬

‫التي ال تؤدي مطلقا لنمو دائم‪.812‬‬

‫كمـا أن غيـاب االسـتقرار السياسـي‪ ،‬والسياسـات التمويليـة الخاطئـة الـتي اتبعتهـا الـدول اإلفريقيـة‬

‫في تحقيق التنميـة‪ ،‬والنزعـة االسـتهالكية غـير المنتجـة كـانت أسـبابا جوهريـة في تفـاقم أزمـة الـديون الـتي‬

‫أصــبحت فوائــدها أضــخم من المــداخيل القوميــة لعــدد من الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬باإلضــافة إلى اســتخدام مــوارد‬
‫‪ - 811‬مصطفى عبد هللا خشيم‪ "،‬تأثير العوامل الخارجية في عملية التنمية اإلفريقية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ - 812‬نقوال أغبوهو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.230‬‬

‫‪415‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الدولة في دعم الحكومات القائمة‪ ،‬واإلنفـاق غـير المرشـد على النفقـات العامـة‪ ،‬لألغـراض غـير اإلنتاجيـة‬

‫كلها عوامل فاقمت من الدين الخارجي للدول اإلفريقية‪.813‬‬

‫وفي ع ــام ‪ 1996‬أطل ــق البن ــك ال ــدولي وص ــندوق النق ــد ال ــدولي مب ــادرة البل ــدان الفق ــيرة المثقل ــة‬

‫بالديون هايبيك (‪ )HIPC‬والتي تمت تعديلها بهايبيك الثانية‪ ،814،‬ليتوج كل ذلــك باعتمــاد المبــادرة متعــددة‬

‫األطراف لتخفيف أعباء الديون التي تبناها وزراء المال في مجموعة الدول الصناعية الثماني الكــبرى (‬

‫‪ ،)G8‬لتخفيف ديون البلدان الناميـة‪ ،‬وبـذلك اسـتفادت بعض الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬والـدول الواقعـة في منـاطق‬

‫فقــيرة أخــرى‪ ،‬تخفيض ديونهــا‪ .‬وبــدءا من العــام ‪ 2005‬دفعت حكومــة مــاالوي ‪ 95‬مليــون دوالر ســنويا‬

‫عن دينهـ ـ ــا البـ ـ ــالغ ‪ 3,5‬مليـ ـ ــار دوالر؛ وفي العـ ـ ــام ‪ 2006‬جـ ـ ــرى تخفيض الدفعـ ـ ــة إلى ‪ 5‬ماليين دوالر‪.‬‬

‫وتقلص دين ســيراليون من ‪ 1,6‬مليــار دوالر إلى ‪ 100‬مليــون دوالر‪ .‬وعمومــا‪ ،‬فبــدءا من العــام ‪2008‬‬

‫ألغي نح ــو ‪ 88‬ملي ــار دوالر من ال ــدين المدين ــة ب ــه ال ــدول النامي ــة‪ ،‬على ال ــرغم من أن ــه مقاب ــل ك ــل دوالر‬

‫تحصـل عليـه الـدول الفقـيرة من المسـاعدات‪ ،‬ال تـزال تـرد ‪ 5‬دوالرات في المتوسـط لخدمـة الـدين‪ .‬وعلى‬

‫ال ــرغم من امتالكه ــا ‪ % 5‬فق ــط من دخ ــل الع ــالم الن ــامي‪ ،‬م ــا ي ــزال ل ــدى إفريقي ــا م ــا يق ــرب من ثل ــثي دين‬

‫العالم‪ .‬وبدءا من العام ‪ 2005‬أنفقت إفريقيا جنــوب الصــحراء ‪ 5,14‬مليــار دوالر ســنويا في رد الــديون‪،‬‬

‫وطبق ــا لألمم المتح ــدة‪ ،‬ففي الع ــام ‪ 2007‬توق ــف عبء ال ــدين اإلف ــريقي عن ــد ‪ 255‬ملي ــار دوالر‪ ،815‬ولق ــد‬

‫وصل الدين الخارجي اإلجمالي لدول إفريقيا جنوب الصحراء سنة ‪ 2011‬إلى ‪ 266,7‬مليار دوالر‪.816‬‬

‫وحســب أرنســت فولــف في كتابــه صــندوق النقــد الــدولي قــوة عظمى في الســاحة العالميــة‪ ،‬فقــد اقتصــرت‬

‫الرغبة في إطفاء الديون "بشـكل كلي" في إطـار "المبـادرة متعـددة األطــراف لتخفيـف أعبـاء الـديون" على‬

‫صــندوق النقـد الــدولي والمؤسســة الدوليــة للتنميــة التابعــة للبنــك الــدولي (‪ ،)IDA‬والبنــك اإلفــريقي للتنميــة (‬

‫‪ )AFDF‬فقط‪ ،‬ولم يطلب من الدائنين اآلخرين اإلسهام من جانبهم في إطفــاء الــديون‪ .‬وعلى صــعيد آخــر‬
‫‪ - 813‬إحسان مهدي أحمد‪ "،‬البعد التاريخي للوحدة اإلفريقية‪ :‬من منظمة الوحدة اإلفريقية إلى االتحاد اإلفريقي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ - 814‬للتوسع أكثر في هذه النقطة راجع‪ :‬أرنست فولوف‪ ،‬صندوق النقد الدولي قوة عظمى في الساحة العالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.124-113‬‬
‫‪ - 815‬وانغاري ماي‪ ،‬أفريقيا والتحدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ - 816‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬أوضاع العالم ‪ 2013‬حقائق القادة واألسباب الحقيقية للتــوترات في العــالم‪ ،‬مؤسسة الفكــر العــربي‪ ،‬بــيروت‪ ،‬الطبعــة‬
‫األولى ‪ ،2013‬ص ‪.295‬‬

‫‪416‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اقتصرت عملية اإلطفـاء على الـديون القديمـة‪ ،‬الـتي مـا عـاد المـدينون يسـددون شـيئا من أقسـاطها‪ ،‬بمعـنى‬

‫أن صندوق النقد الدولي لم يتنازل عن استحقاقاته المالية نتيجة إدراكــه أن اســترداد القـروض ال أمــل فيــه‬

‫أبدا‪ ،‬بل كان قد تنازل عن هذه االستحقاقات في الحاالت التي كـانت تشـير إلى أن تنفيـذ البلـد المعـني كـل‬

‫اإلص ــالحات الــتي أمالهــا الص ــندوق عليــه أمســى يبشــر الرأســمالية الماليــة الدوليــة بأنهــا لن تعــوض عن‬

‫خسائرها فحسب‪ ،‬بل ستحقق أرباحا جديدة أيضا‪.817‬‬

‫وبم ــا أن الص ــندوق على بين ــة من األوض ــاع المالي ــة الس ــائدة في ال ــدول المقترض ــة‪ ،‬وعلى علم‬

‫بعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية حيال العالم الخارجي منذ سنوات‪ ،‬لذا ثمة تفسير واحــد حســب‬

‫أرنست فولف لسـلوك الصــندوق‪..." :‬إن منح القـروض عاليـة المخـاطر مـا كـان يهـدف بـأي حـال من األحـوال‬

‫إلى مس ــاعدة ه ــذه البل ــدان في جهوده ــا الرامي ــة إلى تط ــوير االقتص ــاد والهياك ــل التحتي ــة‪ ،‬وال إلى الح ــد من الفق ــر‬

‫والمجاعــات‪ ،‬بــل كــان الهــدف بــادئ ذي بــدء إلى اســتدراجها للوقــوف في فخ المديونيــة‪ ،‬وذلــك لتمكين الرأســمالية‬

‫المالية الدولية ألن تحصل منها على تنازالت‪ ،‬ما كانت ستقدم عليها أبدا في ظل ظروف عادية"‪.818‬‬

‫الدين الخارجي إلفريقيا خالل الفترة ما بين ‪2010-2003‬‬ ‫الجدول رقم ‪:16‬‬

‫‪2010‬‬ ‫‪2009‬‬ ‫‪2008‬‬ ‫‪2007‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫‪2004‬‬ ‫‪2003‬‬ ‫السنة‬

‫‪324,7 300,6 286,8 283,3 252,9‬‬ ‫‪291‬‬ ‫‪321 304,6‬‬ ‫مجموع الديون‬
‫الخارجية اإلفريقية‬
‫مجموع الدين الخارجي‬
‫‪278,5 256,2 243,5 240,2 213,1 241,3 263 246,7‬‬
‫إلفريقيا جنوب‬
‫الصحراء‬
‫‪24,9‬‬ ‫‪25,4‬‬ ‫‪22,4‬‬ ‫‪25,6‬‬ ‫‪26,3‬‬ ‫‪34,7‬‬ ‫‪44,‬‬ ‫‪52,3‬‬
‫الديون الخارجية‬
‫‪5‬‬
‫اإلفريقية‪GDP /‬‬
‫‪47,‬‬ ‫إفريقيا جنوب‬
‫‪27,6‬‬ ‫‪27,9‬‬ ‫‪24,5‬‬ ‫‪27,9‬‬ ‫‪28,5‬‬ ‫‪37,3‬‬ ‫‪56,1‬‬ ‫الصحراء‬
‫‪8‬‬

‫‪4,8‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪5,1‬‬ ‫‪5,4‬‬ ‫‪9,1‬‬ ‫‪7,9‬‬ ‫‪6,5‬‬ ‫‪7,7‬‬ ‫حاصل تسديد الدين‬

‫‪ - 817‬أرنست فولوف‪ ،‬صندوق النقد الدولي قوة عظمى في الساحة العالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪123‬‬
‫‪ - 818‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.124‬‬

‫‪417‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الخارجي على الناتج‬


‫الداخلي الخام (‪R.D /P.I.‬‬
‫‪ )B‬بإفريقيا‬
‫حاصل تسديد الدين‬
‫الخارجي على الناتج‬
‫‪4,9‬‬ ‫‪4,9‬‬ ‫‪5,1‬‬ ‫‪5,4‬‬ ‫‪8,1‬‬ ‫‪7,5‬‬ ‫‪5,4‬‬ ‫‪6,7‬‬ ‫الداخلي الخام (‬
‫‪ )R.D/P.I.B‬بإفريقيا‬
‫جنوب الصحراء‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Zhang YOUNGPENG, Ressources et développement en Afrique –une vaste‬‬
‫‪problématique, p12. consulté le 25/04/2015:‬‬
‫‪https://www.imf.org/external/french/np/seminars/2012/kinshasa/pdf/yz.pdf.‬‬
‫ووفق ــا لتق ــديرات البن ــك ال ــدولي ع ــام ‪ ،2010‬تب ــدو الص ــورة أك ــثر قتام ــة في العدي ــد من ال ــدول‬

‫اإلفريقية‪ ،‬فمثال في غينيا بيساو وسيشل زادت أرصدة الدين الخارجي فيهما عن أجمالي الدخل القــومي‪،‬‬

‫حيث تبل ــغ نس ــبة ال ــدين الخ ــارجي نح ــو ‪ ،%124,8‬و ‪ %176,7‬من إجم ــالي ال ــدخل الق ــومي في ك ــل من‬

‫غينيا بيساو وسيشل على التوالي‪ ،‬في حين تبدو الصورة شديدة الخطورة في دول أخرى؛ تستغرق قيمـة‬

‫الديون الخارجية فيها ما يزيد على نصــف إجمـالي دخلهـا القـومي ‪ ،‬بمـا فيهـا دول تقـترب تلـك النسـبة من‬

‫‪ %100‬مثــل جــزر القمــر (‪ ،)%90,1‬وزيمبــابوي (‪ ،)%81,1‬وغينيــا (‪ ،)%69,1‬وجامبيــا (‪،)%63,3‬‬

‫وتوجو (‪ ،)%61,1‬والرأس األخضر (‪ ،)%54,4‬وكوت ديفوار (‪.)%52‬‬

‫وتؤكد بيانات البنك الدولي المتعلقة بمؤشر الدين الخارجي أن غالبية الــدول اإلفريقيــة تســتغرق‬

‫أرصدة الدين الخارجي فيها ما يتراوح بين ‪ %25‬إلى ‪ %50‬من إجمالي الــدخل القــومي في تلــك الــدول‪،‬‬

‫مثـ ــل موزمـ ــبيق (‪ ،)%43,8‬والكونغـ ــو الديمقراطيـ ــة (‪ ،)%47,1‬وسـ ــيراليون (‪ ،)%40,8‬وبورونـ ــدي (‬

‫‪.)%33,8‬‬

‫وتقــع نح ــو إح ــدى عش ــرة دول ــة إفريقي ــة في القائم ــة ال ــتي تقــل نس ــبة ال ــديون الخارجي ــة فيه ــا عن‬

‫إجم ــالي ال ــدخل الق ــومي عن ‪ %25‬أقله ــا نيجيري ــا (‪ ،)%4,5‬وموريش ــيوس (‪ ،)%11‬وأعاله ــا أنج ــوال (‬

‫‪ ،)24,6‬وبوركينا فاسو (‪ ،819)%23,3‬وبصــفة عامـة فنسـبة الـديون من النـاتج المحلي اإلجمـالي بإفريقيـا‬
‫‪ - 819‬مصطفى شفيق عالم‪"" ،‬أفرقة التنمية "‪ ..‬ثغرات في مؤشرات "اإلرادة القومية" بالقارة السمراء" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.106‬‬

‫‪418‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫أعلى بكث ــير من نس ــبتها في المن ــاطق الفق ــيرة األخ ــرى‪ ،‬إذ انتقلت ه ــذه النس ــبة من ‪ %27,8‬س ــنة ‪2015‬‬

‫إلى ‪ %31,1‬ســنة ‪ ،2016‬ومن المتوقــع أن تصــل إلى ‪ %32,4‬ســنة ‪ ،820 2017‬وتســتخدم دول عديــدة‬

‫أكثر من نصف إيراداتها من التصدير لخدمة الديون فقط‪.821‬‬

‫وما يمكن مالحظته في السنوات األخيرة‪ ،‬هو تراجع دور صندوق النقد الــدولي والبنــك الــدولي‬

‫في إقــراض األمــوال‪ ،‬في مقابــل ضــخ صــناديق الــثروة الســيادية لألســواق الناشــئة رؤوس أمــوال تفـوق مــا‬

‫ضــخه صــندوق النقــد الــدولي والبنــك الــدولي مجتمعين‪ ،‬نتيجــة توســع قــوة الصــين الماليــة‪ ،‬ممــا ســيزيد من‬

‫قــدرتها على منح القــروض والمســاعدات بدرجــة هائلــة كمــا شــهدنا في حالــة إفريقيــا حيث تزيــد القــروض‬

‫الص ــينية بالفعــل على ق ــروض البنــك الــدولي‪ ،‬وبمــرور الــوقت فقــد تــؤدي مســاعدة وق ــروض الص ــين إلى‬

‫تقزيم تلك التي يمنحها البنك الدولي على المستوى العالمي‪.‬‬

‫ومن ـ ــذ نهاي ـ ــة ‪ 2008‬ظ ـ ــل هن ـ ــاك ح ـ ــديث عن اتفاقي ـ ــة برتـــون وودز جدي ـ ــدة‪ ،‬لكن ه ـ ــذا يتطلب‬

‫إص ــالحات جوهري ــة ال يب ــدو أن ال ــدول الغربي ــة مس ــتعدة له ــا‪ ،‬فهي م ــا زالت تهيمن على ص ــندوق النق ــد‬

‫الدولي والبنك الدولي‪ ،‬حيث إن لدى الواليات المتحدة حصــة ‪ %17,1‬فيهــا واالتحــاد األوروبي ‪%32,4‬‬

‫فيم ـ ــا حص ـ ــة الص ـ ــين ال تتج ـ ــاوز ‪ %3,7‬والهن ـ ــد ‪ ،%1,9‬األم ـ ــر ال ـ ــذي يتحكم في عملي ـ ــة التص ـ ــويت في‬

‫المؤسس ــتين‪ .‬س ــيكون على ال ــدول الغربي ــة التن ــازل عن ج ــزء كب ــير من س ــلطاتها في المؤسس ــتين للص ــين‬

‫والهند حال عقد أي اتفاقية جديدة إلصالحهما‪ ،‬حيث إنه من غير المحتمل أن تضع الصين موارد كبيرة‬

‫لــذلك أكــد‬ ‫‪822‬‬


‫تحت تصــرف صــندوق النقــد الــدولي دون أن يكــون لهــا رأي رئيســي في كيفيــة اســتخدامها‪.‬‬

‫التقريــر الصــادر عن برنــامج األمم المتحــدة اإلنمــائي لســنة ‪ 2013‬تحت عنــوان نهضة الجنــوب ‪ :‬تقــدم‬

‫بشري في عالم متغـير أن التطــور الحاصــل في الجنــوب يتطلب تغيــيرا في القواعــد الــتي تنظم العالقــات‬

‫في العالم‪ ،‬فمعظم المنظمات المتعددة األطراف صممت لتتوافق مع النظام الدولي الــذي نشــأ بعــد الحــرب‬

‫‪820‬‬
‫‪- Nations Uniies Commission économique pour l’Afrique, L’industrialisation et l’urbanisation au service‬‬
‫‪de la transformation de l’Afrique, (Addis-Abeba, 2017), p23.‬‬
‫‪ - 821‬راي بوش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪60-59‬‬
‫‪ - 822‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.402-399‬‬

‫‪419‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫العالمية الثانية‪ ،‬وهذا النظام لم يعد يتماشى مع متطلبات القـرن الواحـد والعشـرين‪ ،‬عصــر إعـادة التـوازن‬

‫في توزيع السكان وتوزيع الثروة وتوزيع النفوذ بين المناطق الجغرافية‪ .‬وقد بــرز التــأثير المتصــاعد من‬

‫الجنــوب واضــحا على توجيــه عمليــة وضــع السياســات في ردود الفعــل الدوليــة على األزمــة الماليــة الــتي‬

‫شهدها العالم في العام ‪.8232008‬‬

‫وحسب مارتين جاك‪ ،‬فإنــه في حالــة تبــاطؤ هــذه اإلصــالحات أو عــدم كفايتهــا‪ ،‬فمن المــرجح أن‬

‫يتشعب النظام الدولي ويفقد شموليته‪ ،‬فيما يتشكل نظام جديد برعاية الصين في الظهور إلى جانبه‪.824‬‬

‫وهو ما يستشف من أهم بنود البيان الختامي لقمة البريكس (روســيا‪ ،‬الصــين‪ ،‬البرازيــل‪ ،‬الهنــد‪،‬‬

‫جنــوب إفريقيــا) المنعقــدة بروســيا في الفــترة مــا بين ‪ 8‬و‪ 10‬يوليــوز ‪ ،2015‬الــداعي إلى تفعيــل قــرارات‬

‫القم ــة السادس ــة ال ــتي انعق ــدت في فورتــاليزا وبرازيليــا م ــا بين ‪ 15‬و ‪ 16‬يولي ــوز ‪ ،2014‬وذل ــك بإنش ــاء‬

‫ص ــندوق احتياطي ــات نقدي ــة ل ــدول "ب ــريكس"‪ ،‬وبن ــك التنمي ــة برأس ــمال إجم ــالي يق ــدر بـ ‪ 200‬ملي ــار دوالر‬

‫كقاعدة لتنسيق سياسة االقتصاد الكلي‪ ،‬وأدت دول المجموعة دورا مهمــا وحاســما في االقتصــاد العــالمي‪،‬‬

‫وهـ ــو مـ ــا سـ ــيتم تفعيلـ ــه بتمويـ ــل بنـ ــك التنميـ ــة ألول مشـ ــروع في أبريـ ــل ‪ .2016‬إن انطالق عمـ ــل هـ ــاتين‬

‫المؤسســتين يعتــبر بــديال واقعيــا للمنظومــة االقتصــادية الغربيــة المتحكمــة في االقتصــاد العــالمي بواســطة‬

‫البنك الدولي وصندوق النقد الدولي‪.825‬‬

‫وإ ذا ك ــانت ج ــل ال ــدول اإلفريقي ــة م ــا زالت تع ــاني من ال ــديون الخارجي ــة وتبعاته ــا المتراكم ــة من ــذ‬

‫سنوات االستقالل‪ ،‬فهذه القـارة تعتـبر من أكـثر قـارات العـالم إهـدارا لثرواتهـا‪ ،‬فوفقـا لتقريـرين صـدرا في‬

‫مــايو ‪ ،2013‬األول صــادر عن البنــك اإلفــريقي للتنميــة بالتعــاون مــع منظمــة النزاهــة الدوليــة األمريكيــة‪،‬‬

‫بعن ــوان تــدفقات األمــوال غــير الشــرعية من إفريقيــا‪ ،‬مــوارد التنميــة الخفيــة‪ .‬والث ــاني ص ــادر عن لجن ــة‬

‫التقدم اإلفريقي « ‪ » African progress Panel‬المؤلف من عشر جهات برئاسة األمين العام الســابق‬

‫‪ - 823‬برنامج االمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪ ،2013‬نهضة الجنوب‪ :‬تقدم بشري في عالم متنوع‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ - 824‬مارتين جاك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.402‬‬
‫‪ - 825‬سامي السالمي‪" ،‬أبعاد ودالالت قمتي بريكس وشنغهاي في التفاعالت الدولية"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪420‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لألمم المتح ــدة كــوفي عنــان‪ ،‬تحت عن ــوان‪ :‬الوظــائف‪ ،‬العدالــة‪ ،‬وتطــبيق المبــادئ‪ :‬اقتنــاص الفــرص في‬

‫زمن التحوالت‪ ،‬فــالتقريران يوضــحان كيــف تهــدر األمــوال اإلفريقيــة بممارســات يتصــف بعضــها بالفســاد‬

‫واستغالل النفوذ‪ ،‬وبعضها ال يعد خرقا للقانون‪ ،‬لكنه يتسبب في تدفق األموال إلى خارج القارة‪ ،‬ويؤدي‬

‫إلى ض ــياع ملي ــارات ال ــدوالرات من عائ ــدات الض ــرائب ال ــتي ك ــانت ستس ــهم في عملي ــة تنمي ــة الش ــعوب‬

‫اإلفريقية لو تم استغاللها على الوجه المطلوب‪.‬‬

‫وإ ذا كان من المعتاد أن تتركز اتهامـات الفسـاد على القيـادات السياسـية اإلفريقيـة‪ ،‬فـإن التقريـرين‬

‫يش ــيران بوض ــوح إلى مس ــئولية الش ــركات الغربي ــة عن ه ــذا اله ــدر في الم ــوارد‪ .‬وأح ــدهما يح ــدد ص ــفقات‬

‫معينة باسم الشركات المعنية‪ ،‬والوسطاء الذين أدوا أدوارا في إبرامها‪.‬‬

‫وبالنســبة لتقريــر البنــك اإلفــريقي للتنميــة ومؤسســة النزاهــة الدوليــة‪ ،‬فقــد بلغت قيمــة األمــوال الــتي‬

‫خرجت من القارة اإلفريقية خالل العقود الثالثة السابقة على عام ‪ ،2009‬وفــق أكـثر التقـديرات اعتـداال‪،‬‬

‫حــوالي ‪ 1,4‬تريليــون دوالر‪ ،‬من بينهــا مــا بين ‪ 1,2‬و ‪ 1,3‬تريليــون مصــنفة كــأموال غــير مشــروعة‪،826‬‬

‫وبلــغ حجم هــذه األمــوال الــتي تســربت للخــارج حــوالي ‪ 29‬مليــار دوالر ســنويا خالل الفــترة الــتي غطتهــا‬

‫الدراســة‪ ،‬ومن بينهــا ‪ 22‬مليــار دوالر في منطقــة إفريقيــا جنــوب الصــحراء وحــدها‪ .‬وقــد تســبب ذلــك في‬

‫خسائر تقدر بنسبة ‪ %2‬من إجمالي الناتج القومي للقارة اإلفريقيــة في الســبعينيات‪ ،‬لتقفــز إلى ‪ %11‬عــام‬

‫‪ ،1997‬وذلك في أعلى معدل‪ ،‬لتنخفض هذه الخسائر إلى ‪ %4‬خالل حقبة التسعينيات‪ ،‬لتعــاود االرتفــاع‬

‫إلى مــا بين ‪ %8‬و ‪ %7‬ســنتي ‪ 2007‬و ‪ 2008‬على التــوالي‪ ،827‬باإلضــافة إلى كــون قــوانين االســتثمار‬

‫اإلفريقي ــة ت ــتيح للمس ــتثمرين األج ــانب ترحي ــل أرب ــاحهم الطائل ــة ال ــتي جنوه ــا في بل ــدان إفريقي ــا‪ ،‬فالم ــادة‬

‫‪826‬‬
‫‪- Rapport Conjoint Banque Africaine de Développement ET Global Financial Integrity, Mai 2013 , Les Flux‬‬
‫‪Financiers Illicites et la Question des Transferts nets de Ressources en Provenance de l’Afrique, 1980-‬‬
‫‪2009 , p 1-3. Consulté le 25/08/2015:‬‬
‫‪http://www.afdb.org/fileadmin/uploads/afdb/Documents/Publications/Les%20Flux%20Financiers%20Illicites‬‬
‫‪%20et%20la%20Question%20des%20Transferts%20nets%20de%20Ressources%20en%20Provenance%20de‬‬
‫‪%20l%E2%80%99Afrique%2019802009%20%20R%C3%A9sum%C3%A9%20ex%C3%A9cutif.pdf‬‬
‫‪827‬‬
‫‪- GLOBAL FINANCIAL INTEGRITY, Illicit Financial Flows from Africa: Hidden Resource for‬‬
‫‪Development, p 12. Viewed 25/08/2015 at:‬‬
‫‪http://www.gfintegrity.org/storage/gfip/documents/reports/gfi_africareport_web.pdf‬‬

‫‪421‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫العاشرة من اتفاقية التعاون النقـدي بين فرنسـا ودول وسـط إفريقيـا تقـر "بحريـة تنقـل رؤوس األمـوال بين‬

‫الــدول األعضــاء وفرنســا"‪ .‬فبهــذا المبــدأ كــان من المفــترض‪ ،‬كمــا زعمــوا‪ ،‬أن تغــرق أمــوال المســتثمرين‬

‫األجانب الهائلة بلـدان إفريقيـا المتعاملـة بالفرنـك دافعـة بالتـالي عجلـة نموهـا االجتمـاعي واالقتصـادي‪ ،‬بيـد‬

‫أن الوقــائع تظهــر أن هــذا المبــدأ يســمح بالفعــل لبعض المســتثمرين األجــانب بــاإلثراء في إفريقيــا‪ ،‬دون أن‬

‫يســهموا حقيقــة في نموهــا االقتصــادي‪ .‬ذلــك أنهم يحققــون جميعهم تقريبــا أرباحــا فاحشــة يعيــدون ترحيلهــا‬

‫بواسطة الحماية التي تؤمنها لهم التدابير القانونية واالقتصادية لجل اتفاقيات االستثمار التي تجمــع الــدول‬

‫اإلفريقية مع القوى الدولية‪.828‬‬

‫وتتعدد مصادر التدفقات المالية غير المشــروعة بإفريقيــا‪ ،‬المعــامالت التجاريــة ‪ ،%65‬خصوصــا‬

‫التعــامالت التجاريــة الوهميــة‪ ،829‬والتهــرب الض ــريبي‪ ،‬وتــبيض األمــوال‪ %30 ،‬تخص المعــامالت غــير‬

‫المشروعة (االتجار في المخدرات‪ ،‬االتجار في البشر)‪ ،‬ولقد عـرفت التـدفقات الماليـة غـير مشـروعة من‬

‫إفريقيا ارتفاعا خالل العقد األول من القرن الواحد والعشرين‪ ،‬فقـد وصــلت كمعـل متوسـط سـنوي حـوالي‬

‫‪ 50‬مليــار دوالر مــا بين ‪ 2000‬و ‪ ،2008‬مقابــل ‪ 9‬مليــارات دوالر كمعــل ســنوي خالل الفــترة مــا بين‬

‫‪ 1970‬و‪ 1999‬حسـ ــب ‪ .kar et Cartwright-Smith‬ويمكن تفسـ ــير تراجـ ــع هـ ــذه التـ ــدفقات سـ ــنة‬

‫‪ 2009‬باألزمة المالية واالقتصادية العالمية التي أدت إلى تخفيض حجم المعامالت التجارية الدولية‪.830‬‬

‫وتعتــبر منطقتــا إفريقيــا الغربيــة وشــمال إفريقيــا أهم مصــدرين للتــدفقات الماليــة غــير المشــروعة‬

‫خالل الف ــترة م ــا بين ‪ 1970‬و ‪ ،2008‬إذا اس ــتحوذت إفريقي ــا الغربي ــة على نس ــبة ‪ %38‬وش ــمال إفريقي ــا‬

‫على نسبة ‪ ،%28‬في حين كانت نسبة كــل من وســط إفريقيــا وشــرقها وجنوبهــا ‪ %10‬و ‪ 11%‬و‪%13‬‬

‫‪ - 828‬نقوال أغبوهو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114-113‬‬


‫‪ - 829‬بول كوليير‪ ،‬مليار نسمة تحت خط الفقر‪ :‬لماذا تخفق البالد األشد فقرا في العالم؟ وما الذي يمكن عمله؟‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.181-180‬‬
‫‪830‬‬
‫‪- Nations Unies, Commission économique pour l’Afrique, flux financiers illicites rapport du groupe de‬‬
‫‪haut niveau sur les flux financiers illicites en provenance d’Afrique, p94, consulté 23/07/2015:‬‬
‫‪http://www.uneca.org/sites/default/files/PublicationFiles/ffi_rapport_francais.pdf.‬‬

‫‪422‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫على التــوالي‪ ،‬ويمكن تفســير انخفــاض نســبة هــذه الجهــات إلى النقص في المعلومــات المتــوفرة حولهــا أو‬

‫ضعف جودتها‪.831‬‬

‫وتعــد الــدول المصــدرة للنفــط من أهم مصــادر األمــوال غــير المشــروعة بإفريقيــا‪ ،‬نظــرا لكــثرة‬

‫تعامالتهــا غــير الشــرعية على المســتوى الــدولي خصوصــا في شــمال إفريقيــا وغربهــا‪ .‬وتســتحوذ نيجيريــا‬

‫على النسبة األكثر أهمية في التـدفقات الماليـة غـير الشـرعية بغـرب إفريقيـا ‪ %79‬من مجموعـة التـدفقات‬

‫الماليــة غــير الشــرعية من هــذه الجهــة‪ ،‬في حين تســتحوذ كــل من مصــر والجزائــر مجتمعــتين على نســبة‬

‫‪ %66‬من مجموع التـدفقات الماليـة غـير الشـرعية الـتي خـرجت من شـمال إفريقيـا‪ .832‬كمـا سـجلت بعض‬

‫الدول اإلفريقية غير المصدرة للنفط (مثل جنوب إفريقيا والمغرب والكوت ديفــوار وإ ثيوبيــا) نســبة عاليــة‬

‫من التدفقات المالية غير الشرعية خالل الفترة نفسها‪ ،‬كما يوضحه الجدول أسفله‪.‬‬

‫العشر البلدان اإلفريقية األولى من حيث حجم التدفقات المالية غير المشروعة خالل الفترة ما بين ‪-1970‬‬ ‫الجدول رقم ‪:17‬‬

‫‪2008‬‬

‫النسبة من مجموع القارة اإلفريقية‬ ‫التدفقات المالية غير المشروعة المتراكمة خالل‬
‫البلد‬
‫الفترة (‪ )2008-1970‬بالمليار دوالر‬
‫‪30,5%‬‬ ‫‪217,7‬‬ ‫نيجيريا‬
‫‪14,7%‬‬ ‫‪105,2‬‬ ‫مصر‬
‫‪11,4%‬‬ ‫‪81,8‬‬ ‫جنوب إفريقيا‬
‫‪4,7%‬‬ ‫‪33,9‬‬ ‫المغرب‬
‫‪4,1%‬‬ ‫‪29,5‬‬ ‫انجوال‬
‫‪3,7%‬‬ ‫‪26,7‬‬ ‫الجزائر‬
‫‪3,0%‬‬ ‫‪21,6‬‬ ‫الكوت ديفوار‬
‫‪2,3%‬‬ ‫‪16,6‬‬ ‫السودان‬
‫‪2,3%‬‬ ‫‪16,5‬‬ ‫اثيوبيا‬
‫الكونغو‬
‫‪2,3%‬‬ ‫‪16,2‬‬
‫الديمقراطية‬
‫المصدر‪:‬‬

‫‪831‬‬
‫‪- Ibid, P 94‬‬
‫‪832‬‬
‫‪- Ibid, p 95.‬‬

‫‪423‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪- Nations Unies, Commission économique pour l’Afrique, flux financiers illicites‬‬
‫‪rapport du groupe de haut niveau sur les flux financiers illicites en‬‬
‫‪provenance d’Afrique, op,cit, p 95.‬‬
‫وحســب مــا ســبق‪ ،‬فــإن التــدفقات الماليــة غــير المشــروعة تحــد بشــكل كبــير من المــوارد المتاحــة‬

‫ال ـ ــتي يمكن أن ت ـ ــؤدي إلى تنمي ـ ــة الق ـ ــارة اإلفريقي ـ ــة وتقليص مع ـ ــدالت الفق ـ ــر‪ ،‬في حين تتوج ـ ــه لخدم ـ ــة‬

‫اقتصادات الدول المتقدمة والتي تقدم بعضها للدول اإلفريقية في صورة قروض ومساعدات مالية تــرهن‬

‫إرادتها القومية وفقا لمصالح هذه القوى الدولية‪.‬‬

‫ويعتــبر قطــاع النفــط والمعــادن‪ ،‬خصوصــا النفيســة منهــا‪ ،‬من أهم القطاعــات الــتي تعتــبر مصــدرا‬

‫للت ــدفقات المالي ــة غ ــير المش ــروعة‪ ،‬كم ــا يوض ــحه المبي ــان أس ــفله‪ ،‬إذ إن ــه ح ــوالي ثالث ــة أرب ــاع من ه ــذه‬

‫التـــدفقات تـــأتي من قطـــاع النف ــط‪( ،‬نيجيريـــا ‪ ،%34,5‬الجزائـــر ‪ ،%20,1‬الس ــودان ‪ ،)%12‬يليـــه قطـــاع‬

‫المعادن والمعادن النفيسة‪.833‬‬

‫المبيان رقم ‪ :42‬القطاعات العشر األولى التي تساهم في التدفقات المالية غير المشروعة المتراكمة بإفريقيا خالل الفترة ما بين‬
‫‪ 2010-2000‬بتزوير اسعار المعامالت التجارية (بالمليار دوالر)‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Nations Unies, Commission économique pour l’Afrique, flux financiers illicites‬‬
‫‪rapport du groupe de haut niveau sur les flux financiers illicites en‬‬
‫‪provenance d’Afrique, op, cit, p 99.‬‬
‫‪833‬‬
‫‪- Ibid, 99.‬‬

‫‪424‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وتتعــدد وجهــات التــدفقات الماليــة غــير المشــروعة الخارجــة من إفريقيــا‪ ،‬حســب كــل دولــة إفريقيــة‬

‫وكــذا بعض القطاعــات‪ ،‬وهي تتوجــه بشــكل كبــير للــدول الــتي تــدعي تقــديم المســاعدات اإلنمائيــة للقــارة‬

‫اإلفريقية‪ ،‬كالواليات المتحدة األمريكية وفرنسا وكندا واليابان والصين والهنـد وألمانيـا‪ ،...‬كمـا يوضـحها‬

‫الجدول أسفله‪.‬‬

‫‪ :18‬الوجهات الخمس األولى للتدفقات المالية غير المشروعة من الدول اإلفريقية حسب بعض القطاعات سنة‬ ‫الجدول رقم‬

‫‪.2008‬‬

‫االتحاد الجمركي إلفريقيا‬


‫زامبيا‪ ،‬النحاس‬ ‫الكوت ديفوار‪ ،‬الكاكو‬ ‫الجنوبية المعادن والمعادن‬ ‫الجزائر‪ ،‬البترول‬ ‫نيجيريا‪ ،‬البترول‬
‫النفيسة‬
‫المملكة‬ ‫الواليات‬
‫‪16,1‬‬
‫‪23,4%‬‬ ‫العربية‬ ‫‪23,6%‬‬ ‫ألمانيا‬ ‫‪23,2%‬‬ ‫الهند‬ ‫ألمانيا‬ ‫‪29,0%‬‬ ‫المتحدة‬
‫‪%‬‬
‫السعودية‬ ‫األمريكية‬
‫اإلمارات‬
‫كوريا‬ ‫‪14,6‬‬
‫‪15,7%‬‬ ‫‪9,4%‬‬ ‫كندا‬ ‫‪22,7%‬‬ ‫العربية‬ ‫تركيا‬ ‫‪22,5%‬‬ ‫اسبانيا‬
‫الجنوبية‬ ‫‪%‬‬
‫المتحدة‬
‫الواليات‬
‫‪11,7‬‬
‫‪10,4%‬‬ ‫الصين‬ ‫‪9,2%‬‬ ‫المتحدة‬ ‫‪14,2%‬‬ ‫ايطاليا‬ ‫كندا‬ ‫‪8,7%‬‬ ‫فرنسا‬
‫‪%‬‬
‫األمريكية‬
‫الواليات‬
‫‪10,2‬‬
‫‪5,7%‬‬ ‫التايالند‬ ‫‪8,5%‬‬ ‫المكسيك‬ ‫‪10,8%‬‬ ‫المتحدة‬ ‫تونس‬ ‫‪8,5%‬‬ ‫اليابان‬
‫‪%‬‬
‫األمريكية‬
‫الواليات‬
‫‪2,6%‬‬ ‫باكستان‬ ‫‪7,4%‬‬ ‫فرنسا‬ ‫‪7,2%‬‬ ‫تركيا‬ ‫‪6,8%‬‬ ‫المتحدة‬ ‫‪7,7%‬‬ ‫ألمانيا‬
‫األمريكية‬
‫مجموع‬
‫‪57,9%‬‬ ‫‪58,1%‬‬ ‫‪78,2%‬‬ ‫‪59,4%‬‬ ‫‪76,4%‬‬ ‫الخمس‬
‫الدول‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Nations Unies, Commission économique pour l’Afrique, flux financiers illicites‬‬
‫‪rapport du groupe de haut niveau sur les flux financiers illicites en‬‬
‫‪provenance d’Afrique, op, cit, p 102.‬‬

‫‪425‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫في األخير نخلص إلى أنه بـالرغم من التطـورات االقتصـادية الـتي عرفتهـا القـارة اإلفريقيـة مـع‬

‫بداي ــة القــرن الح ــالي‪ ،‬ف ــإن ذل ــك م ــا زال لم ي ــترجم إلى تنمي ــة اقتص ــادية واجتماعي ــة حقيقي ــة وحي ــاة أفض ــل‬

‫للشــعوب اإلفريقيــة‪ ،‬فمــل زال الفقـر مهيمنــا‪ ،‬ومعــدالت البطالــة مرتفعــة‪ ،‬والبنيــة التحتيــة ضــعيفة‪ ،‬في حين‬

‫م ــا زالت قطاع ــات الص ــحة والتعليم تواج ــه العدي ــد من التح ــديات‪ ،‬وه ــو م ــا يمكن أن يح ــد من إمكاني ــات‬

‫اســتمرار النمــو الــذي تعرفــه القــارة‪ ،‬ولــذلك فــإن هــذه اإلشــكالية تــبرز الحاجــة الملحــة إلى مكافحــة الفســاد‬

‫بأساليب أكثر فعالية‪ ،‬من أجل تحقيق تنمية حقيقة يعتد بها‪ .‬فإذا كـانت أغلب الحـروب والصــراعات الـتي‬

‫عرفتهــا القـارة اإلفريقيــة نتيجــة لغيــاب العدالــة االجتماعيــة‪ ،‬والتوزيــع العــادل للســلطة والــثروة‪ ،‬فــإن النمــو‬

‫االقتص ــادي اإلف ــريقي س ــيظل مفرغ ــا من أي أهمي ــة م ــا لم ينعكس إيجاب ــا على تط ــوير وتنمي ــة ش ــعوبها‪،‬‬

‫ويقــترن بإصــالحات سياســية من شــأنها أن تخلــق نظمــا ديمقراطيــة‪ ،‬تضــبط التنــافس الــدولي على مــوارد‬

‫القارة‪ ،‬وتعمل على تحقيق تنمية حقيقية ترتكز على العدالة االجتماعية‪.834‬‬

‫‪ - 834‬سعيدة محمد عمر‪" ،‬إفريقيا الصاعدة‪ :‬بين الهيمنة الجديدة وتحدي التنمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.73-71‬‬

‫‪426‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المغرب داخل ديناميكية التنافس الدولي في إفريقيا‬

‫تت ــأثر ال ــدول باألح ــداث ال ــتي يش ــهدها محيطه ــا الخ ــارجي س ــلبا أو إيجاب ــا‪ ،‬بحس ــب تقــدير الدول ــة‬

‫لتـ ــأثير هـ ــذه األحـ ــداث‪ ،‬إمـ ــا على وضـ ــعها في النظـ ــام الـ ــدولي أو على مـ ــا تعتـ ــبره من صـ ــميم مصـ ــلحتها‬

‫الوطنية‪ ،‬سواء كانت هذه مصلحة سياسية أو اقتصادية‪ .‬فهي إمـا أن تنظـر إلى هـذه األحـداث باعتبارهـا‬

‫قضايا مصيرية أو هامشية‪.835‬‬

‫وبنــاء على مــا ســبق‪ ،‬ونظــرا لتزايــد االهتمــام الــدولي بالقــارة اإلفريقيــة مــع بدايــة األلفيــة الثالثــة‪،‬‬

‫واش ــتداد المنافس ــة على ثرواته ــا وأس ــواقها بين الق ــوى الغربي ــة واآلس ــيوية‪ ،‬باإلض ــافة إلى المش ــاكل ال ــتي‬

‫أصــبحت تواجــه تســويق المنتجــات المغــرب بالفضــاء األوروبي‪ ،‬نتيجــة األزمــة الــتي تعيشــها هــذه المنطقــة‬

‫منــذ ســنة ‪ ،2008‬مــوازاة مــع غيــاب المغــرب عن منظمــة االتحــاد اإلفــريقي‪ .‬كــل هــذه العوامــل أدت إلى‬

‫إع ـ ــادة إحي ـ ــاء البع ـ ــد اإلفريقي ـ ــة في السياس ـ ــة الخارجي ـ ــة للمغ ـ ــرب‪ ،‬من خالل تط ـ ــوير عالقت ـ ــه السياس ـ ــة‬

‫واالقتصادية مع العديد من دول هذه القارة خالل العقد األول من القـرن الحـالي (المطلب األول)‪ ،‬وذلـك‬

‫نظ ــرا لك ــون ه ــذه الق ــارة أص ــبحت تع ــرف نم ــوا اقتص ــاديا مهم ــا م ــؤخرا‪ ،‬ال ــذي من المف ــترض أن يس ــتمر‬

‫مستقبال‪ ،‬فهذه القـارة صـارت تتـوفر على بعض المقومـات الـتي سـتجعلها في قلب االسـتراتيجيات الدوليـة‬

‫المستقبلية‪ .‬فباإلضافة إلى توفرها على ثروات طبيعة كبيرة‪ ،‬فقد باتت تعد سوقا استهالكية مهمـة‪ ،‬نتيجـة‬

‫تغير مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية‪ ،‬فحاجيات هـذه القـارة سـتتزايد مسـتقبال‪ ،‬إذ من المفـترض‬

‫أن يص ــل ع ــدد س ــكانها إلى ح ــوالي ملي ــاري نس ــمة س ــنة ‪ ،2050‬وه ــو م ــا س ــيخلق مجموع ــة من الف ــرص‬

‫االقتصادية بهـذه القـارة‪ ،‬كمـا أنـه سـيخلق مجموعـة من التحـديات الـتي تسـتوجب مواجهتهـا والتخطيـط لهـا‬

‫من اآلن (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ - 835‬محمد الهاشمي‪" ،‬مصلحة قومية‪ :‬استراتيجية االنفتاح المغربي في منطقة غرب إفريقيا"‪ ،‬اتجاهــات األحــداث‪ ،‬العــدد ‪ 13‬أغســطس ‪ ،2015‬ص‬
‫‪.44‬‬

‫‪427‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المطلب األول‪ :‬العالقات المغربية اإلفريقية في ظل التنافس الدولي في إفريقيا‬

‫تعتــبر نهايــة تســعينيات القــرن الماضــي‪ ،‬ومــا صــاحب ذلــك من تغيــير في هــرم النظــام السياســي‬

‫المغــربي‪ ،‬بدايــة مرحلــة جديــدة في العالقــات المغربيــة اإلفريقيــة‪ ،‬فقــد أصــبح البعــد اإلفــريقي يشــكل أحــد‬

‫التوجهات الجديدة في السياسة الخارجيـة للمغـرب‪ .‬فتفاعـل المغـرب مـع محيطـه اإلفــريقي أملتـه مجموعـة‬

‫من االعتبارات‪ ،‬مرتبطة بموقعه الجغــرافي‪ ،‬وبانتمائــه الثقـافي والحضــاري باإلضــافة إلى تغــيرات النظــام‬

‫الــدولي المتجليــة أساســا في تزايــد أهميــة البعــد االقتصــادي في العالقــات بين الــدول‪ ،‬ممــا كــان لــه انعكــاس‬

‫على تزايد حدة التنافس الدولي بالقارة اإلفريقية‪.‬‬

‫لذلك توجـه المغـرب إلى تطـوير ودعم عالقاتـه السياسـية مـع العديـد من الـدول اإلفريقيـة‪ ،‬سـواء‬

‫على المستوى الثنائي أو المتعدد األطراف (الفقرة األولى)‪ .‬كما أنه بالرغم من االرتباط الكبير للمصالح‬

‫االقتصادية المغربية بدول االتحاد األوروبي‪ ،‬فإن المغرب لم يكن غائبا عن إفريقيـا‪ ،‬بحيث حـرص على‬

‫بناء عالقات اقتصادية مع بعض دولها‪ ،‬فأسفرت هــذه العالقــات على إبــرام على مجموعــة من االتفاقيــات‬

‫التجاري ـ ــة وإ نش ـ ــاء لج ـ ــان مش ـ ــتركة مختلط ـ ــة‪ ،‬إض ـ ــافة إلى أن التع ـ ــاون االقتص ـ ــادي امت ـ ــد ليش ـ ــمل مج ـ ــال‬

‫االستثمارات في السنوات األخيرة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬العالقات السياسية المغربية اإلفريقية‬

‫أوال‪ :‬العالقات الثنائية‬

‫تمـيزت العالقـات الثنائيـة المغربيـة اإلفريقيـة بزيـارات الملـك محمـد السـادس لعـدة بلـدان إفريقيـة‬

‫خالل الفــترة الممتــدة من ‪ 2001‬إلى ‪ ،8362014‬وذلــك لتعزيــز العالقــات مــع الشــركاء التقليــديين للمغــرب‬

‫‪ - 836‬الدول اإلفريقية التي زارها الملك محمد السادس ست مرات خالل الفترة ما بين ‪ :2014-2001‬السينغال‪ ،‬والغابون‪.‬‬
‫‪ -‬الدول التي زارها الملك محمد السادس مرتين خالل نفس المرحلة‪ :‬الكوت ديفوار‪ ،‬والكاميرون‪ ،‬والنيجر‪ ،‬ومالي‪.‬‬
‫‪ -‬الدول التي زارها الملك محمد السادس مرة واحدة خالل نفس المرحلة وهي‪ :‬موريتانيا‪ ،‬غامبيا‪ ،‬غينيا‪ ،‬غينيا االستوائية‪ ،‬جنوب إفريقيا‪ ،‬الكونغو‬
‫الديمقراطية‪ ،‬البنين‪ ،‬بوركينا فاسو‪.‬‬

‫‪428‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومتابعــة االنفتــاح على بلــدان أخــرى في القــارة‪ ،‬على الــرغم من بعض االخفاقــات المؤكــدة في المنــاطق‬

‫الشرقية والجنوبية للقارة‪.‬‬

‫وخالل هذه الزيـارات تم التوقيـع على مجموعـة من االتفاقيـات لتعزيـز التعـاون الثنـائي مـع هـذه‬

‫الـ ــدول في العديـ ــد من الميـ ــادين‪ ،‬كـ ــاإلعالم واالتصـ ــال‪ ،‬والطب واالسـ ــتثمار‪ ،‬ولقـ ــد تم تأكيـ ــد اتمـ ــام بعض‬

‫االتفاقيات والمشاريع مع السـنغال (اتفاقيـة تجاريـة مـع االتحـاد االقتصــادي والنقـدي لغـرب إفريقيـا والخـط‬

‫البحري الدار البيضاء‪-‬دكار وبنك مغربي‪ -‬سينغالي واتفاقية لتشجيع وحماية االستثمار)‪.‬‬

‫وأثناء هذه الزيارات‪ ،‬تم تدشين عدة إنجــازات ذات الطــابع االجتمــاعي واالقتصــادي الــتي أســهم‬

‫فيهـا المغـرب‪ ،‬كمـا أعطيت االنطالقـة لمشـاريع مختلفـة وبـرامج التنميـة االقتصـادية واالجتماعيـة‪ :‬اإلقامـة‬

‫الجامعية الحسن الثاني ومقر المحكمة العليا في البـنين وبنـاء ‪ 10.00‬سـكن اجتمـاعي في الغـابون وبنـاء‬

‫معمل إلنتاج األدوية الذي سيكون فرعا لمختبرات سثما‪-‬مغرب (‪ )SOTHMA MAROC‬بتكلفة ســبعة‬

‫ماليين أورو ونصف في السنغال‪.‬‬

‫وتم ــيزت العالق ــات المغربي ــة الس ــنغالية س ــنة ‪ 2007‬بق ــرار الحكوم ــة المغربي ــة اس ــتدعاء س ــفير‬

‫المملكــة بالســنغال لفــترة ثالثــة أيــام‪ ،‬كي يقــدم للســلطات المغربيــة توضــيحات حــول مالبســات التصــريحات‬

‫غ ــير الودي ــة وغ ــير المفهوم ــة للح ــزب االش ــتراكي الس ــينغالي ويتعل ــق األم ــر بتص ــريحات الك ــاتب األول‬

‫للحزب االشتراكي‪ ،‬السيد أوسمان تانور ديانغ‪ ،‬المكلف بالعالقات الخارجية للحــزب الســيد جاك بـودان‪،‬‬

‫الــذي اعتــبر "أنــه على االفارقــة واجب معنــوي لمســاندة الشــعوب الــتي تكــافح من أجــل الحريــة وأن كفــاح‬

‫البوليساريو سيكتب في مدخل معبد كل الذين يحاربون من أجل كرامتهم"‪.837‬‬

‫الواق ــع أن فهم الدبلوماس ــية المغربي ــة له ــذا الح ــدث لم يحتكم إلى ط ــابع الروي ــة المفروض ــة في ــه‪،‬‬

‫حيث إن التصــريح صــادر في األصــل عن رئيس حــزب معــارض ال يمثــل الحكومــة الســنغالية‪ ،‬وبالتــالي‬

‫فــإن اســتدعاء الســفير المغــربي يبــدو كمــا لــو أن الحكومــة الســنيغالية ال تتمتــع بنظــام ديمقــراطي قــد يــدفعها‬
‫‪ - 837‬مركز الدراسات واألبحاث في العلوم االجتماعية‪ ،‬التقرير االســتراتيجي المغــربي ‪ ،2010-2006‬منشــورات أبحــاث التقريــر التاســع‪ ،‬مطبعــة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ص ‪.217-213‬‬

‫‪429‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إلى إرغــام معارضــيها على اتخــاذ مواقــف منســجمة مــع توجهاتهــا الدبلوماســية‪ ،‬فكــان من نتــائج ذلــك قيــام‬

‫الحكومة السنيغالية بشكل منطقي باستدعاء سفيرها في المغرب‪.838‬‬

‫إال أنــه ســرعان مــا تم تجــاوز هــذا المشــكل في بدايــة ســنة ‪ ،2008‬حيث قــررت حكومتــا البلــدين‬

‫بعد اللقاء الذي جمع وزراء الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري آنذاك‪ ،‬والسينغالي الشيخ تيــديان‬

‫غــاديو في ش ــهر ين ــاير من ه ــذه الس ــنة الع ــودة الفوري ــة لس ــفريهما إلى منص ــبيهما‪ ،‬وذل ــك به ــدف مواص ــلة‬

‫مهامهمــا خدمــة لعالقــات البلــدين‪ .‬كمــا أنــه خالل زيارتــه للمغــرب في شــهر يوليــوز ‪ 2008‬أكــد من جديــد‬

‫رئيس مجلس الشيوخ السينغالي بابي ديوب‪ ،‬موقف السـينغال من قضـية الصـحراء الـذي يتجلى في "دعم‬

‫المق ـ ــترح المغ ـ ــربي ال ـ ــرامي إلى منح حكم ذاتي موس ـ ــع لألق ـ ــاليم الص ـ ــحراوية‪ ،‬ال ـ ــذي ال يمس باس ـ ــتقالل‬

‫المغــرب أو ســيادته‪ ،‬وأن هــذا الموقــف هــو موقــف جميــع البرلمــانيين الســينغاليين‪ ،‬ويعكس أيضــا موقــف‬

‫مجموع السنيغاليين‪ ،‬ألن مواقف الحكومة هي ذاتها مواقف الشعب السينغالي‪.839‬‬

‫وتمت دراســة تطــور وحصــيلة التعــاون المغــربي الغــابوني بانعقــاد الــدورة الخامســة للجنــة العليــا‬

‫المشــتركة بالربــاط في يونيــو ‪ ،2006‬ومكنت هــذه الــدورة من مراجعــة اإلطــار القــانوني للتعــاون وتحديــد‬

‫مجاالت أخرى للتعاون‪ ،‬كالسكن االجتماعي والنقل الجوي‪ ،‬حيث سيتم التسيير المشترك ألسطول جــوي‬

‫بالتعــاون بين شــركتي الخطــوط الملكيــة المغربيــة "وإ يرغــابون أنترناســيونال"‪ .‬ووقــع البلــدان اتفــاقيتين في‬

‫مجال البنية التحتية وفي مجال السكن والتعمير‪.‬‬

‫وتميزت العالقات مع الكــاميرون بانعقـاد الــدورة األولى للجنــة العليــا المشــتركة بالربــاط في ‪24‬‬

‫يناير ‪ ،2007‬وخالل هذه الدورة وقع المغــرب والكــاميرون ســبع اتفاقيــات في مجــاالت االســتثمار والنقـل‬

‫الجوي والطاقة والتعليم العالي والتكوين المهني واإلسكان والثقافة‪.840‬‬

‫‪ - 838‬محمد براص ومحمد امطاط‪" ،‬الدبلوماسية المغربية خالل سنة ‪ 2007‬بين حتمية تكثيف الحضور على المستوى الدولي وازمة االتصــال على‬
‫المستوى الداخلي"‪ ،‬حالة المغرب ‪ ،2008-2007‬كراسات استراتيجية (‪ ،)4‬منشورات وجهة نظر‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪ - 839‬مركز الدراسات واألبحاث في العلوم االجتماعية‪ ،‬التقرير االستراتيجي المغربي ‪ ،2010-2006‬مرجع سابق‪.217 ،‬‬
‫‪ - 840‬محمد براص ومحمد امطاط‪" ،‬الدبلوماسية المغربية خالل سنة ‪ 2007‬بين حتمية تكثيف الحضور على المستوى الــدولي وازمــة االتصــال على‬
‫المستوى الداخلي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.200‬‬

‫‪430‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وفي إط ــار تع ــاون جن ــوب‪/‬جن ــوب تمت دراس ــة تقوي ــة العالق ــات الثنائي ــة بين المغ ــرب وبوركين ــا‬

‫فاسو خالل أشغال الدورة الثانية للجنة العليا المشـتركة للتعـاون المنعقـدة في شـهر فــبراير ‪ ،2007‬حيث‬

‫تم تقيم التعـ ــاون في مجـ ــاالت تكـ ــوين األطـ ــر والفالحـ ــة والصـ ــحة‪ ،‬والتوقيـ ــع على اتفاقيـ ــات في مجـ ــاالت‬

‫االستثمار والنقل الجوي والبنية التحتية‪.‬‬

‫وقد تعززت العالقات الثنائية بين المغرب وبلدان إفريقية أخــرى عن طريــق اجتماعـات اللجــان‬

‫المشتركة للتعاون‪ ،‬فخالل أشغال الدورتين األولى (سنة ‪ )2006‬والثانية (‪ )2008‬للجنة العليا المشتركة‬

‫بين المغ ــرب وس ــيراليون‪ ،‬تم التوقي ــع على س ــت اتفاقي ــات في المج ــاالت السياس ــية واالقتص ــادية والتقني ــة‬

‫والعلمية والثقافية والدينية والشبيبة والرياضة والكهرباء‪.‬‬

‫وبخصوص التعاون بين المغرب وغامبيا‪ ،‬عزز بتحيين اإلطار االتفاقي لهذا التعاون بالتوقيع‬

‫على ع ــدة اتفاقي ــات في مج ــاالت الش ــؤون الخارجي ــة والس ــياحة والص ــحة والع ــدل والفالح ــة وت ــدبير المي ــاه‬

‫ومحاربــة الكــوارث الطبيعيــة‪ .‬كمــا وقــع المغــرب والبنــيين خالل الــدورة الرابعــة للجنــة المشــتركة المنعقــدة‬

‫في الرباط في يوليوز ‪ 2006‬اتفاقيات همت مجاالت النقل الجوي والمالحة التجاريـة‪ .‬ومن جهـة أخـرى‬

‫وقــع المغــرب وجمهوريــة إفريقيــا الوســطى خالل الــدورة الثالثــة للجنــة المشــتركة المنعقــدة في الربــاط في‬

‫ســبتمبر ‪ 2006‬على عــدة اتفاقيــات تتعلــق بتشــجيع وحمايــة االســتثمار والبريــد والمواصــالت وتكنولوجيــا‬

‫اإلعالم والصناعة والتجارة‪ ،‬والشؤون الخارجية والوظيفة العمومية والشبيبة والرياضة‪.‬‬

‫وم ــوازاة م ــع توطي ــد التع ــاون م ــع ش ــركائه التقلي ــديين‪ ،‬ع ــزز المغ ــرب عمل ــه في الق ــارة بتط ــوير‬

‫عالقات ــه م ــع بل ــدان أخ ــرى وبالخص ــوص ال ــرأس األخض ــر ومدغش ــقر‪ ،‬ففي ش ــهر يولي ــوز ‪ 2007‬أعلنت‬

‫الرأس األخضر على لسان وزير خارجيتها‪ ،‬السيد فكتور بورجيس‪ ،‬تجميــد اعــتراف بالده "بالجمهوريــة‬

‫الص ـ ــحراوية "‪ ،‬وخالل ش ـ ــهر يولي ـ ــوز ‪ 2008‬تم انعق ـ ــاد ال ـ ــدورة األولى للجن ـ ــة المش ـ ــتركة للتع ـ ــاون بين‬

‫الطرفين ووقع خالل هذه الدورة على ثالث اتفاقيات في مجاالت الصناعة والصيد البحري والسياحة‪.‬‬

‫‪431‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ومن جه ــة أخ ــرى‪ ،‬اس ــتمر المغ ــرب في نهج سياس ــة االنفت ــاح على البل ــدان الناطق ــة بالبرتغالي ــة‪،‬‬

‫حيث تم في ش ــهر ف ــبراير ‪ 2008‬بالرب ــاط‪ ،‬عق ــد ال ــدورة الثاني ــة للجن ــة المش ــتركة للتع ــاون بين المغ ــرب‬

‫وغينيــا بيســاو‪ ،‬وذلــك لتعميــق التعــاون الثنــائي ال ســيما في مجــاالت الصــيد والفالحــة والســياحة والتربيــة‬

‫الصحة‪.‬‬

‫أما في ما يتعلــق بزيــارة رئيس مدغشــقر الســيد رافالومننا للمغــرب من ‪ 5‬إلى ‪ 7‬أبريــل ‪2005‬‬

‫فقد أكد خاللها الرئيس الملغاشـي أن بلـده‪ ،‬على غـرار العديـد من بلـدان القـارة الـتي تنحـاز إلى المعسـكر‬

‫الذي يفوض أمر قضية الصحراء إلى األمم المتحدة‪ ،‬وأن هذا الموقف يدعو إلى تجميد االعتراف بدولــة‬

‫فــوق ذلــك الــتراب‪ ،‬يــأتي هــذا الموقــف شــهورا بعــد أن قــررت جمهوريــة جنــوب إفريقيــا وكينيــا االعــتراف‬

‫"بالجمهورية الصحراوية" وهو ما اعتبر نكسة كبيرة للدبلوماسية المغربية‪.‬‬

‫إال أن ـ ــه في ش ـ ــهر أكت ـ ــوبر من س ـ ــنة ‪ 2006‬ق ـ ــررت كيني ـ ــا تعلي ـ ــق عالقاته ـ ــا الدبلوماس ـ ــية م ـ ــع‬

‫"الجمهوريــة العربيــة الصــحراوية"‪ ،‬وبــذلك قــرر البلــدان في ســنة ‪ 2007‬إعـادة العالقــات الدبلوماســية على‬

‫مس ــتوى الس ــفراء وإ نش ــاء لجن ــة وزاري ــة مختلط ــة قص ــد تفعي ــل التع ــاون الثن ــائي بين الط ــرفين‪ ،‬وق ــد س ــبق‬

‫القــرار الكيــني قــرارات كــل من تشــاد في مــارس ‪ 2006‬الــذي نفــا بشــكل قطعي في شــهر يوليــو ‪2007‬‬

‫"إع ــادة عالقات ــه الدبلوماس ــية م ــع "الجمهوري ــة الص ــحراوية" وك ــذا بورون ــدي في م ــايو ‪ .2006‬واتخ ــذت‬

‫الموق ــف نفس ــه السيش ــل في م ــارس ‪ 2008‬ومالوي في س ــبتمبر ‪ 2008‬وب ــذلك يص ــل ع ــدد ال ــدول ال ــتي‬

‫سحبت اعترافها وجمدت عالقتها مع "الجمهورية الصحراوية" إلى ‪ 32‬من بين ‪ 53‬دولة إفريقية‪.841‬‬

‫وتجـ ــدر اإلشـ ــارة إلى أن اعـ ــتراف جنـ ــوب إفريقيـ ــا "بالجمهوريـ ــة الصـ ــحراوية" جـ ــاء في سـ ــياق‬

‫الضـ ــغط الـ ــذي مارسـ ــته الجزائـ ــر على حكومـ ــة جنـ ــوب إفريقيـ ــا‪ ،‬وذلـ ــك بتحميـ ــل المغـ ــرب مسـ ــئولية فشـ ــل‬

‫مخططــات األمم المتحــدة لحــل هــذا الــنزاع‪ .‬وهــو مــا جــاء في ســياق الحلــف النشــيط اقتصــاديا بين البلــدين‪،‬‬

‫فقد شكلت المعاملة نفط‪/‬سالح‪ ،‬بكل وضوح‪ ،‬عامال وازنا في تثبيت الروابط بين البلــدين‪ ،‬جنــوب إفريقيــا‬

‫‪ - 841‬مركز الدراسات واألبحاث في العلوم االجتماعية‪ ،‬التقرير االستراتيجي المغربي ‪ ،2010-2006‬مرجع سابق‪.224 ،‬‬

‫‪432‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تريـد تنـوع مصــادر الـتزود بالنفـط مقلصــة تبعيتهـا إليـران ومخففـة من الصــعوبة الـتي توجـد فيهـا صــناعة‬

‫التســلح ومحافظــة على آالف مناصــب الشــغل‪ ،‬والجزائــر من جانبهــا تعمــل على تنويــع أســواقها للحصــول‬

‫على األس ـ ــلحة لتح ـ ــديث جيش ـ ــها‪ ،‬في أف ـ ــق الهيمن ـ ــة على الت ـ ــوازن الجه ـ ــوي الفـ ــرعي ودعم تأثيره ـ ــا على‬

‫الدبلوماسية الجنوب إفريقية في المغرب العربي وإ فريقيا الجنوبية‪.842‬‬

‫ولق ــد دعم المغ ــرب سياس ــته اإلفريقي ــة من خالل الدبلوماس ــية الثقافي ــة؛ ف ــالمغرب يعت ــبر وجه ــة‬

‫أساس ــية لطلب ــة العدي ــد من ال ــدول اإلفريقي ــة الراغــبين في إتم ــام دراس ــتهم الجامعي ــة‪ ،‬فخالل الفــترة م ــا بين‬

‫‪ 2007-1990‬اس ــتقبل المغ ــرب أزي ــد من ‪ 12930‬طالب ــا أجنبي ــا في جمي ــع التخصص ــات المت ــوفرة في‬

‫المغـرب‪ ،‬وصـل عـدد الطالبـة األفارقــة منـه ‪ 7773‬طـالب‪ ،‬أي مـا يشـكل نسـبة ‪ %60‬من مجمـوع الطلبـة‬

‫األجــانب بــالمغرب‪ ،‬ويــأتي هــؤالء الطلبــة أساســا من موريتانيــا وتــونس والســنغال وغينيــا والــنيجر ومــالي‬

‫وكـ ــوت ديفـ ــوار وبوركينافاسـ ــو‪ ،‬ويتوجهـ ــون أساسـ ــا للتخصصـ ــات التاليـ ــة‪ :‬القـ ــانون واالقتصـ ــاد والتسـ ــيير‬

‫والهندسـ ــة والتقنيـ ــات والطب والصـ ــيدلة‪ ،843‬وقـ ــد عـ ــرف عـ ــدد الطلبـ ــة األفارقـ ــة الـ ــذي يتـ ــابعون دراسـ ــتهم‬

‫الجامعية بـالمغرب تطـورا كبـير‪ ،‬فخالل سـنة ‪ 2010‬وصـل عـدد الطلبـة األفارقـة الـذي يتـابعون دراسـتهم‬

‫بالمغرب ‪ 6996‬طالبا‪ ،‬وبذلك أصبح المغرب ثاني دولة إفريقية بعد جنوب إفريقيا (‪ 57321‬طالبا) من‬

‫حيث استقبال الطلبة األفارقة لمتابعة دراستهم الجامعية‪ .844‬كما أصبح للمغرب تــأثير متزايــد على العديــد‬

‫من بلــدان الســاحل والصــحراء من خالل العالقــات الدينيــة المشــتركة‪ ،845‬فنظــرا للتطــورات الــتي عرفتهــا‬

‫مناطق الشمال اإلفـريقي مـع بـروز الحركـات "الجهاديـة" المتعـددة المشـارب‪ ،‬وتطـور بعض األحـداث إلى‬

‫ص ــراعات دموي ــة بس ــبب م ــا يس ــمى في المنطق ــة "باإلس ــالم السياس ــي"‪ ،‬وتط ــور ذل ــك ليرتب ــط بالحرك ــات‬

‫الجهادي ــة ال ــتي أنتجت القاع ــدة في بالد الغ ــرب اإلس ــالمي‪ ،‬وم ــا ح ــدث في ش ــمال م ــالي وش ــمال نيجيري ــا‪،‬‬

‫‪ - 842‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.239‬‬


‫‪843‬‬
‫‪- Mustapha HADDOU, « la coopération Maroco-Africaine en matière d’enseignement supérieur et de‬‬
‫‪recherche scientifique », in : la coopération Maroco-Africaine, Institut des Etudes Africaines, Rabat, première‬‬
‫‪édition 2010, p 254-257.‬‬
‫‪844‬‬
‫‪- Yoann le Bonhomme par Oumou Diakité, Raphaëlle Hallier et Laura Foka, « la mobilité des étudiants‬‬
‫‪d’AFRIQUE sub-saharienne et du Maghreb », op,cit, p 2.‬‬
‫‪ - 845‬غيسيما كاغو‪ ،‬سياسة المغرب اإلفريقية‪ :‬الرهانات والدوافع واآلفاق‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 13 ،‬يوليو ‪ .2014‬ص ‪.3‬‬

‫‪433‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وعلى الحــدود الماليــة الجزائريــة والموريتانيــة‪ ،‬كلهــا أمــور اســتدعت ضــرورة االلتفــات إلى تــدبير الحقــل‬

‫الديني‪ ،‬وفي هذا اإلطار سعى المغرب إلى تقديم بعض الخبرة في شأن تدبير الحقل الديني العمومي‪،846‬‬

‫وه ــو م ــا أعطى ل ــوزارة االوق ــاف والش ــؤون اإلس ــالمية المغربي ــة فرص ــا للتع ــاون م ــع غيره ــا من ال ــدول‬

‫من خالل تكوين أئمة المساجد وبناء العديــد من المســاجد‬ ‫‪847‬‬


‫االسالمية اإلفريقية في تدبير الشؤون الدينية‬

‫به ــذه ال ــدول‪ ،‬وتع ــززت ه ــذه المب ــادرة على ص ــعيد البني ــات الفكري ــة والمراف ــق‪ ،‬بإح ــداث معه ــد كب ــير في‬

‫الرباط‪ ،‬يعنى بتأهيل األئمة والخطباء داخل المغرب وخارجه‪.848‬‬

‫ثانيا‪ :‬العالقات المتعددة األطراف‬

‫يع ــد المغ ــرب من مؤسس ــي منظم ــة الوح ــدة اإلفريقي ــة س ــنة ‪ ،1963‬من خالل احتض ــان م ــؤتمر‬

‫الدار البيضاء في يناير سنة ‪ ،1961‬الذي شارك في وضع الميثاق اإلفريقي الصادر عنه‪ ،‬فهذا المؤتمر‬

‫يعتــبر أحــد التيــارين األساســين اللــذين كــان لهمــا تصــور عن الوحــدة اإلفريقيــة بعــد حصــول أغلب بلــدانها‬

‫على االستقالل‪ .‬ومنذ تأسيس منظمة الوحدة اإلفريقية‪ ،‬عمل المغرب على دعم مركزه في إطارهــا‪ ،‬وقــد‬

‫اســتفاد في هــذا الســياق من تنظيمــه المــؤتمر التاســع للمنظمــة ســنة ‪ 1972‬ورئاســته لهــا من يونيــو ‪1972‬‬

‫إلى يونيو ‪.8491973‬‬

‫إال أن بروز مشكل الصحراء إلى الوجود وما رافقه من تطور داخل منظمة الوحدة اإلفريقيـة‪،‬‬

‫بقبـول انضـمام "الجمهوريـة العربيـة الصـحراوية" عضـوا بهـذه المنظمـة اإلفريقيـة في القمـة الـتي انعقـدت‬

‫ب ــأديس أباب ــا م ــا بين ‪12‬و ‪ 15‬نون ــبر ‪ ،1984‬وه ــو األم ــر ال ــذي رد علي ــه المغ ــرب باالنس ــحاب من ه ــذه‬

‫المنظمة التي أسهم بشكل فعال في تأسيسها‪.850‬‬


‫‪ - 846‬الكتاب األبيض عن اإلرهاب عن اإلرهاب في المغرب‪ ،‬منشورات الفريق الدولي للدراســات اإلقليميــة واألقـاليم الصـاعدة‪ ،‬طوكيــو ‪ ،‬الطبعــة‬
‫االولى ‪ ،2015‬ص ‪.309‬‬
‫‪ -‬خالد الشكراوي‪ ،‬السياسة المغربية في إفريقيا‪ :‬المصالح الحيوية والحسابات اإلقليمية والدولية‪ ،‬مركــز الجزيــرة للدراســات‪ ،‬الدوحــة‪ 13 ،‬يوليــو‬
‫‪،2014‬ص ‪.5‬‬
‫‪ - 847‬غيسيما كاغو‪ ،‬سياسة المغرب اإلفريقية‪ :‬الرهانات والدوافع واآلفاق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 848‬الكتاب األبيض عن اإلرهاب عن اإلرهاب في المغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.309‬‬
‫‪ - 849‬زهرة طموح‪" ،‬البعد اإلفريقي في الدبلوماسية المغربية"‪ ،‬في كتاب‪ :‬الدبلوماسية المغربية ورهانات المســتقبل‪ ،‬منشورات النــادي الدبلوماســي‬
‫المغربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،2007‬ص ‪.65-64‬‬
‫‪ - 850‬الحسان بوقنطار‪ ،‬السياسة الخارجية المغربية الفاعلون والتفاعالت‪ ،‬شركة بابــل للطباعــة والنشــر والتوزيــع‪ ،‬الربــاط‪ 2002 ،‬ص ص ‪-200‬‬
‫‪.201‬‬

‫‪434‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وفي م ــا يتعل ــق بموق ــف المغ ــرب من التغ ــير ال ــذي ط ــرأ على المنظم ــة اإلفريقي ــة وتحوله ــا إلى‬

‫االتحاد اإلفريقي‪ ،‬فهو يتجلى في كون المغرب لما زال متشبثا بمطلبه األساس الــذي كــان ســببا النســحابه‬

‫من منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة ســابقا‪ ،‬المتمثــل في طــرد "الجمهوريــة الصــحراوية" من المنظمــة اإلفريقيــة‪،‬‬

‫وبهــذا الخصــوص قــال وزيــر الشــؤون الخارجيــة والتعــاون الســابق محمد بن عيسى‪..." :‬نحن لســنا ضــد‬

‫منظمة الوحدة اإلفريقية‪ ،‬التي كان المغرب مؤسسا لها‪ ،‬وال نحن ضد منظمة االتحاد اإلفريقي‪ ،‬نحن مع‬

‫كل ما يهدف إلى جمع الشمل اإلفريقي وتوحيد العمل اإلفريقي‪ ،‬ولكننا في الوقت نفسه ال نقبل أن نكون‬

‫عضوا في منظمة نعتقد أن بها كيانا ال يتمتع بالشرعية وال يتمتع بالسيادة وال بمقومات الدولة"‪.851‬‬

‫ولقــد دافعت بعض الــدول اإلفريقيــة عن عــودة المغــرب إلى المنظمــة اإلفريقيــة‪ ،‬بمناســبة انعقــاد‬

‫قمـــة لوســـكا مـــا بين ‪ 11-9‬يوليـــوز ‪ ،2001‬بقصـــد اإلعالن عن ميالد االتح ــاد اإلف ــريقي‪ ،‬الـــذي تخلـــف‬

‫المغــرب عن حضــور أشــغاله‪ .‬وهي كــل من الســنغال وغامبيــا‪ ،‬غــير أن هــذا المطلب قوبــل بــالرفض من‬

‫طرف الجزائـر ونيجيريـا وجنـوب إفريقيـا‪ ،852‬بـدعوى أن على المغـرب أن يتقـدم بطلب شخصـي في هـذا‬

‫الصدد‪.853‬‬

‫وتجـ ــدر اإلشـ ــارة إلى أنـ ــه في سـ ــنة ‪ 2007‬وألول مـ ــرة حضـ ــر وفـ ــد مغـ ــربي إلى قمـ ــة االتحـ ــاد‬

‫اإلفريقي بأكرا‪ ،‬وبطبيعة الحال دون أن يشارك في أشغالها‪ ،‬كمـا جـرت العـادة منـذ سـنة ‪ ،1984‬لكن مـا‬

‫ميز حضوره هذه المرة عقده لعدد من اللقاءات على هــامش القمــة مــع عـدد من رؤســاء الــدول اإلفريقيــة‪.‬‬

‫وك ــان اله ــدف من وراء ه ــذا الحض ــور ه ــو إطالع بعض الرؤس ــاء األفارق ــة على آخ ــر تط ــورات قض ــية‬

‫الصحراء‪.854‬‬

‫‪ - 851‬عادل موساوي‪ ،‬عالقة المغرب مع إفريقيا جنوب الصحراء بعد انتهاء القطبية الثنائية‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه في القانون العام‪ ،‬الربــاط كليــة‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2003-2002‬ص ‪.239‬‬
‫‪ - 852‬لالطالع على المكانة التي أصبحت تحتلها جنوب إفريقيا في الساحة اإلفريقية راجع‪:‬‬
‫‪ -‬أوغوستا كونشيليا‪" ،‬دولة جنوب إفريقيا أو مهنة الجبار اإلقليمي العسيرة" ‪ ،‬في كتاب أوضاع العــالم ‪ 2014‬جبــابرة األمس والغــد‪ ،‬مؤسسـة الفكـر‬
‫العربي بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪2014‬م‪1435 -‬هـ‪،‬ص ‪.293-287‬‬
‫‪ -‬سامية بيبرس‪" ،‬جنوب إفريقيا ومواجهة قضايا القارة"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،2002 ،147‬ص ‪.130-126‬‬
‫‪ - 853‬عادل موساوي‪ ،‬عالقة المغرب مع إفريقيا جنوب الصحراء بعد انتهاء القطبية الثنائية ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.240‬‬
‫‪ - 854‬محمد براص ومحمد امطاط‪" ،‬الدبلوماسية المغربية خالل سنة ‪ 2007‬بين حتمية تكثيف الحضور على المستوى الــدولي وازمــة االتصــال على‬
‫المستوى الداخلي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.206‬‬

‫‪435‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إال أن مــا يمكن تأكيــده في هــذا اإلطــار‪ ،‬هــو أن المغــرب أصــبح مطالبــا للتفكــير في العــودة إلى‬

‫االتحــاد اإلفــريقي‪ ،‬الــذي يعتــبر أحــد مؤسســيه في صــيغته الســابقة‪ ،855‬وذلــك ألن صــوت إفريقيــا السياســي‬

‫أصــبح يمــر بشــكل كبــير عــبر االتحــاد‪ ،‬خصوصــا بعــد حصــوله على صــفة عضــو مالحــظ في الجمعيــة‬

‫العامــة لألمم المتحــدة‪ .856‬وحســب توم كارجيـل يحتمــل أن يضــطلع االتحــاد اإلفــريقي‪ -،‬وهــو الــذي يضــم‬

‫أكــبر عــدد من الــدول األعضــاء في هيئــة األمم المتحــدة‪ ،‬مقارنــة مــع أي تكتــل إقليمي آخــر‪ ،-‬بــدور أكــثر‬

‫تــأثيرا من أي وقت مضــى في بــنى القــوة العالمــة الناشــئة‪ .‬كمــا أن تصــورات القــارة االقتصــادية والتنميــة‬

‫أص ــبحت تم ــر هي األخ ــرى ع ــبر النيب ــاد ال ــتي أدمجت من ــذ س ــنة ‪ 2010‬ض ــمن آلي ــات االتح ــاد اإلف ــريقي‬

‫لتحقيق التنمية بالقارة اإلفريقية‪.857‬‬

‫وتماشــيا مــع أهــداف مبــادرة النيبــاد‪ ،‬الــتي تســعى إلى تحقيــق التنميــة‪ ،‬احتضــن المغــرب أشــغال‬

‫المؤتمر األور‪-‬إفريقية للتنمية والهجـرة في يوليـو ‪ ،2006‬حيث نجح رفقـة بعض الـدول ومنهـا السـينغال‬

‫في رب ــط إيج ــاد حل ــول لظ ــاهرة الهج ــرة بالتنمي ــة وليس بالمقارب ــة األمني ــة فقــط ‪ ،858‬كم ــا احتض ــن المغ ــرب‬

‫المؤتمر اإلفـريقي األول حـول التنميـة البشـرية تحث شـعار‪ :‬تعـاون القـرب‪ ،‬رهانـات وآفـاق‪ ،‬وذلـك يـومي‬

‫‪ 7-6‬أبريل ‪ .2007‬وقد نظم هذا المؤتمر بمشاركة برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪.‬‬

‫ول ــدعم تحقي ــق األمن والس ــالم في الق ــارة‪ ،‬جع ــل المغ ــرب القض ــايا األمني ــة أساس ــية في سياس ــته‬

‫اإلفريقيـ ــة‪ ،‬وذلـ ــك لسـ ــببين اثـ ــنين‪ :‬من جهـ ــة هنـ ــاك التـ ــدفق القـ ــوي للهجـ ــرة بسـ ــبب المشـ ــاكل االجتماعيـ ــة‬

‫واالقتصــادية وعــدم االســتقرار الــذي يمــيز المنــاطق الوســطى والغربيــة للقــارة‪ ،‬بحيث أخــذ مشــكل الهجــرة‬

‫‪ - 855‬لإلشارة فقد تقدم المغرب في القمة السابعة والعشرين لالتحاد اإلفريقي المنعقدة بكيغالي بروندا في يوليوز ‪ 2016‬بطلب العودة لهذه المنظمة‬
‫القارية ‪ ،‬وخالل هذه القمة دعت مجموعة الدول المساندة للمغرب وعددها ‪ 28‬دولة االتحاد اإلفريقي إلى تعليـق عضـوية "الجمهوريـة الصـحراوية"‬
‫في االتحاد‪ ،‬وذلك من أجل تعزيز مكانة االتحاد اإلفريقي داخل التكتالت اإلقليمية في العالم‪ ،‬والمســاهمة في جهــود األمم المتحــدة لحــل الــنزاع حــول‬
‫الصحراء‪ .‬وقد تمت الموافقة رسميا على عودة المغرب في ‪ 30‬يناير ‪ 2017‬بقمـة االتحـاد المنعقـدة في أديس أبابـا‪ ،‬بحيث صـوتت‪ 39‬دولـة لصـالح‬
‫عــودة المغــرب‪ ،‬فيمــا رفضــت ‪ 9‬دول هــذه العــودة (من بينهــا الجزائــر ودول جنــوب إفريقيــا)‪ ،‬في حين امتنعت ‪ 10‬دول عن التصــويت (من بينهــا‪:‬‬
‫موريتانيا وتونس ومصر)‪ .‬وحسب نتائج التصويت فقد أيدت مجموعتا غرب ووسط وشرق إفريقيـا طلب المغـرب بااللتحـاق إلى االتحـاد اإلفـريقي‪،‬‬
‫بينما استمرت بعض دول جنوب القارة في التحفظ عليه على خلفية الوضع الحدودي‪ ،‬في اشارة إلى الـنزاع مـع جبهـة البوليسـاريو‪ .‬محمـد الكـوخي‪،‬‬
‫استراتيجيات عودة المغرب لالتحاد اإلفريقي والتوازنات القارية‪ ،‬الدوحة‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬فبراير ‪.2017‬‬
‫‪ - 856‬جعفر بنموسى‪" ،‬حول األداء الدبلوماسي المغربي"‪ ،‬حالة المغرب ‪ ،2010-2009‬كراسات اســتراتيجية (‪ ،)6‬منشــورات وجهــة نظــر‪ ،‬مطبعــة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫‪ - 857‬توم كارجيل‪ ،‬مصالحنا االستراتيجية المشركة دور إفريقيا في عالم ما بعد الدول الثماني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪ - 858‬حسين مجدوبي‪" ،‬الدبلوماسية المغربية بين االحتكار الملكي والبحث عن التوازنات البرغماتية في الساحة الدوليــة منــذ االســتقالل وحــتى بدايــة‬
‫القرن ‪ "21‬وجهة نظر‪ ،‬العدد ‪ 48‬ربيع ‪ ،2011‬ص ‪.35‬‬

‫‪436‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫غــير القانونيــة اتجاهــا مأســاويا في اآلونــة األخــيرة‪ ،‬نتيجــة التغــيرات الــتي عرفتهــا منطقــة شــمال إفريقيــا‪،‬‬

‫فالفوضــى الــتي أصــبحت تعيشــها ليبيــا‪ ،‬أفــرزت تحــديات كثــيرة‪ ،‬مثــل توســع نشــاط شــبكات الهجــرة غــير‬

‫الشرعية وتهريب األسلحة‪ ،‬ويمثل انتشار السالح الليبي‪ -‬الذي وصل عددا من المنــاطق المتأزمــة‪ -‬أحــد‬

‫األسباب الرئيسية لالضطراب في المنطقة وجوارها الجيوسياسي‪ .859‬ومن جهة أخرى انخــراط المغــرب‬

‫في مكافحــة اإلرهــاب الــدولي‪ ،‬الــذي أصــبحت منطقــة الســاحل والصــحراء ملجــأ لــه‪ .‬يواصــل المغــرب في‬

‫إطار األمن وحفظ السالم في إفريقيا تعاونه مع األمم المتحدة والمجموعة الدوليـة من أجـل إيجـاد حلـول‬

‫سـ ــلمية للنزاعـ ــات‪ ،‬ويتطـ ــوع للمشـ ــاركة في قـ ــوات حفـ ــظ السـ ــالم األمميـ ــة كمـ ــا هـ ــو الشـ ــأن في الكونغـ ــو‬

‫الديمقراطيــة والكــوت ديفــوار‪ ،‬أو إيجــاد تســوية تصــالح على غــرار الوســاطة لحــل أزمــة الــدول المجــاورة‬

‫لنهر مانو‪ .860‬غير أن المغرب واجه تحديات في هذا المجال؛ لكون االتحــاد اإلفــريقي بــدأ يضــطلع بــدور‬

‫تتزايــد أهميتــه في هــذا المجــال مــع غيــاب المغــرب عن هــذه المنظمــة القاريــة‪ ،‬وتوجــه األمم المتحــدة لــدعم‬

‫عمليات االتحاد اإلفـريقي لحفـظ السـالم بالقـارة‪ ،861‬وهـو مـا يمكن تجـاوز بعـد إعالن المغـرب عن رغبتـه‬

‫في العودة إلى المنظمة اإلفريقيــة بالقمــة ‪ 27‬لالتحــاد اإلفــريقي المنعقـدة بكيغــالي عاصــمة رونــدا في شــهر‬

‫يوليوز ‪.2016‬‬

‫وفي محاولة لدعم عالقته المتعـددة األطـراف داخـل القـارة اإلفريقيـة‪ ،‬انضـم المغـرب إلى تجمـع‬

‫الساحل والصحراء‪ ،‬الــذي يعتــبر من أحــدث التجمعــات اإلقليميــة اإلفريقيــة‪ ،‬حيث نشــأ في فــبراير ‪،1998‬‬

‫بمقتضى اتفاقيـة موقعـة من طـرف ‪ 5‬دول‪ ،‬وذلـك بمبـادرة ليبيـة نتيجـة لعـدة متغـيرات وظـروف‪ ،‬منهـا مـا‬

‫يتعلــق برؤيــة القيــادة الليبيــة لمســألة التكتالت اإلقليميــة‪ ،862‬وأخــرى تتعلــق بــالظروف اإلقليميــة والدوليــة‪،‬‬

‫نتيجــة التحــوالت العالميــة الجذريــة‪ ،‬الــتي جعلت جــل بلــدان العــالم في الــوقت الــراهن تــراهن على أهميــة‬

‫‪ - 859‬كمال القصير‪ ،‬جيوبوليتيك المغرب العربي‪ :‬قراءة في ديناميات عام ‪ ،2014‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ ،‬يناير ‪ ،2015‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 860‬عادل موساوي‪" ،‬الدبلوماسية المغربية‪ :‬الحصاد والرهانــات الجديــدة" في‪ :‬المغــرب في مفــترق الطــرق ‪ ،2005-2004‬كراســات اســتراتيجية‪،‬‬
‫منشورات وجهة نظر‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪ -‬مركز الدراسات واألبحاث في العلوم االجتماعية‪ ،‬التقرير االستراتيجي المغربي ‪ ،2010-2006‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.228-227‬‬
‫‪ - 861‬رضوان الوهابي‪" ،‬مساهمة المغرب في حفظ السالم وتسوية النزاعات في إفريقيا جنوب الصحراء ‪ ،"2010-1999‬المجلــة المغربيــة لإلدارة‬
‫المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪ ،2014‬ص ‪.209‬‬
‫‪ - 862‬خالد حنفي علي‪" ،‬اإلقليمية الجديدة في إفريقيا أسباب التعثر مع التطبيق على تجمع الساحل والصحراء والسادك"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.187‬‬

‫‪437‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التكامل االقتصادي‪ ،‬لمواجهـة العولمـة االقتصـادية‪ ،‬الـتي تركـز على مبـدأ حريـة التبـادل التجـاري وتـداول‬

‫االستثمارات‪ ،‬وبصفة خاصة مبدأ التنافسية‪ ،‬كقاعدة تتحكم في مجريات التجارة الدولية‪.863‬‬

‫ويعتبر انضمام المغرب مع دول أخـرى هي مصـر وتـونس ونيجيريـا والصــومال‪ ،‬ملمحـا مهمـا‬

‫من مالمح الــدورة الثالثــة الــتي عقــدت بــالخرطوم‪ ،‬وقــد اعتــبر العديــد من رؤســاء الوفــود للــدول األعضــاء‬

‫ه ــذا االنض ــمام إض ــافة نوعي ــة في ت ــاريخ التجم ــع‪ ،‬من خالل ت ــأثيره الن ــوعي في تش ــكيل مس ــارات العم ــل‬

‫القادمة للتجمع‪ ،‬وذلك بزيادة وزنـه اإلقليمي والـدولي‪ ،‬لكـون هـذه الـدول الخمسـة الحديثـة العضــوية تمتلـك‬

‫مقومات اقتصادية وسياسية‪ ،‬تؤهلهـا أن تشـكل إضـافة نوعيـة للتجمـع على المسـتوى اإلقليمي‪ ،‬كمـا تمتلـك‬

‫الش ــيء الكث ــير من رص ــيد العم ــل اإلف ــريقي ض ــمن مؤسس ــات منظم ــة الوح ــدة اإلفريقي ــة س ــابقا‪ ،‬االتح ــاد‬

‫اإلفريقي حاليا‪.864‬‬

‫وانضــمام المغــرب إلى هــذا التجمــع اإلقليمي الجديــد حكمتــه مجموعــة من األهــداف‪ ،‬الــتي يمكن‬

‫تحدي ــدها في بع ــدين أساس ــين؛ البع ــد األول سياس ــي ي ــروم من خالل ــه تحقي ــق ه ــدفين‪ :‬األول كس ــب التأيي ــد‬

‫لقضية الصحراء في ظـل التطـورات الـتي عرفهـا هـذا الملـف مـع بدايـة األلفيـة الثالثـة‪ ،‬ممـا حـدا بـالمغرب‬

‫إلى طــرح الحكم الــذاتي إطــارا لحــل هــذا الــنزاع الــذي طــال أمــده‪ ،‬أمــا الهــدف الثــاني‪ ،‬فيتجلى في محاولــة‬

‫تعــويض الغيــاب عن االتحــاد اإلفــريقي‪ .865‬أمــا البعــد الثــاني فاقتصــادي‪ ،‬وذلــك من خالل فتح أســواق دول‬

‫التجم ــع لتص ــريف المنتج ــات المغربي ــة‪ ،‬وتوس ــيع آف ــاق االس ــتثمارات بين المغ ــرب ودول التجم ــع‪ ،‬وذل ــك‬

‫باعتم ــاد مق ــترب توطي ــد العالق ــات االقتص ــادية‪ ،‬ال ــذي يجع ــل المص ــالح بين ال ــدول متداخل ــة ومركب ــة‪ ،‬مم ــا‬

‫يسهل تحقيق التوافقات السياسية بين دول التجمع‪.‬‬

‫وال مــراء أن ســير المغــرب على هــذا الــدرب‪ ،‬ال يمكن إال أن يــدعم االنــدماج الجهــوي مــع دول‬

‫التجمع‪ ،‬وهو ما يشكل في نهاية المطاف هدفا اســتراتيجيا بالنســبة لهــذا التكتــل لمجابهــة تحــديات العولمــة‪.‬‬

‫‪ - 863‬مقدم عبيرات مقدم‪" ،‬التكامل االقتصادي كوسيلة للتنمية في إطار التكتالت االقتصادية الراهنة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪ - 864‬عادل عبد الرزاق‪ ،‬إفريقيا في إطار منظمة الوحدة اإلفريقيــة واالتحــاد اإلفــريقي رؤية مسـتقبلية‪ ،‬القـاهرة‪ ،‬الهيئـة المصـرية العامـة للكتـاب‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،2007‬ص ‪.241‬‬
‫‪ - 865‬زهرة طموح‪" ،‬البعد اإلفريقي في الدبلوماسية المغربية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬

‫‪438‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ولهذا فالمغرب مطالب بتسريع إنجاز الطريق الرابط بين طنجة –دكار‪ ،‬ألن إنجاز هذا الطريــق ســتكون‬

‫ل ــه فوائ ــد جم ــة على االقتص ــاد الوط ــني‪ ،‬من خالل تعمي ــق التراب ــط بين أعض ــاء التجم ــع‪ ،‬فه ــذا الطري ــق‬

‫ســيربط ثالث دول كلهــا منتميــة لتجمــع الســاحل والصــحراء‪( ،‬المغــرب وموريتانيــا والســنغال)‪ ،‬خصوصــا‬

‫إذا علمن ــا ك ــون البني ــة التحتي ــة الرابط ــة بين دول الق ــارة اإلفريقي ــة تتم ــيز بالض ــعف والمحدودي ــة‪ ،‬وأغلبه ــا‬

‫ينحــو نحــو الخــارج لتســهيل ترحيــل المــوارد الطبيعيــة‪ ،‬وال تســاعد على دعم الترابــط الــداخلي في القــارة‬

‫اإلفريقية‪ .866‬باإلضافة إلى التوجه إلحياء مشروع الربـط القـاري بين إفريقيـا وأوروبـا عـبر مضــيق جبـل‬

‫ط ــارق‪ ،‬ال ــذي بموجب ــه ستص ــبح ثالث ق ــارات مرتبط ــة ع ــبر القط ــارات آس ــيا‪-‬أوروب ــا وإ فريقي ــا‪ ،‬فالقط ــار‬

‫الص ــيني األوروبي الخ ــاص بنقــل البض ــائع ال ــذي يرب ــط بين الص ــين وألماني ــا ب ــدأ في الخدم ــة في أكت ــوبر‬

‫‪ ،2008‬وق ــد تم م ــؤخرا التوس ــع في خ ــدمات ه ــذا القط ــار‪ ،‬لتوص ــيل المنتج ــات من الص ــين إلى إس ــبانيا‪،‬‬

‫أص ــبح طول ــه يق ــارب ‪ 13‬أل ــف كيلوم ــتر (‪ 8111‬ميال) وب ــذلك أص ــبح يمت ــد ه ــذا الخ ــط من مدين ــة يي ــوو‬

‫الســاحلية الصــينية‪ ،‬ويمــر بكازاخســتان وروســيا وروســيا البيضــاء وبولنــدا‪ ،‬تم يتجــه من ألمانيــا إلى فرنســا‬

‫وينهي رحلته في مدريد‪.867‬‬

‫إن انضمام المغرب إلى هذا التكتل االقتصــادي ســيمكنه من تنويــع شــركائه االقتصــاديين‪ ،‬وذلــك‬

‫باعتبـ ــار إفريقيـ ــا تشـ ــكل أفقـ ــا واعـ ــدا لالقتصـ ــاد المغـ ــربي‪ ،‬وبالتـ ــالي إعطـ ــاء فرصـ ــة جديـ ــدة للدبلوماسـ ــية‬

‫االقتص ــادية للتح ــرك اتج ــاه إفريقي ــا‪ .‬على ال ـرغم من التح ــديات ال ــتي ستعترض ــها في س ــبيل تط ــوير ه ــذه‬

‫العالقــات‪ ،‬فهــذه التحــديات ترتبــط بالمشــاكل الذاتيــة الــتي يعــاني منهــا التجمــع‪ ،‬والمتعلــق أساســا بضــعف‬

‫البني ــات التحتي ــة واإلمكان ــات وض ــخامة المش ــاكل وتنوعه ــا‪ ،‬ويبقى أص ــعبها الص ــرعات ال ــتي تع ــاني منه ــا‬

‫بعض دول التجمع (مالي‪ ،‬تشاد‪ ،‬إفريقيا الوسطى ‪ ،)...‬وأخطرها الصراع في ليبيا حاليـا‪ ،‬ومـا خلفـه من‬

‫انتشــار لألســلحة في جميــع أنحــاء المنطقــة‪ ،‬باإلضــافة إلى تصــاعد العمليــات اإلرهابيــة بمنطقــة الســاحل‪.‬‬

‫‪866‬‬
‫‪- Commission économique pour l’Afrique, Union Africaine, Tirer le plus grand profit des produits de base‬‬
‫‪africains : l’industrialisation au service de la croissance, de l’emploi et de la transformation économique,‬‬
‫‪op, cit, p 7.‬‬
‫‪ - 867‬مي قابيل‪" ،‬مسارات قارية‪ :‬مشروعات القطارات العابرة للحدود في أقاليم العالم"‪ ،‬اتجاهات االحداث‪ ،‬العدد ‪ 13‬اغسطس ‪ ،2015‬ص ‪.55-52‬‬

‫‪439‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ينض ــاف إلى م ــا س ــبق تع ــدد االنتم ــاءات اإلقليمي ــة لبعض ال ــدول داخ ــل التجم ــع‪ ،‬مم ــا ي ــؤدي إلى تع ــارض‬

‫األهداف وتعدد الوالءات‪.868‬‬

‫كما تميز اإلطار المتعـدد األطـراف بمشـاركة المغـرب في مختلـف المنتـديات والقمم الـتي تجمـع‬

‫إفريقيا مع القوى الدوليـة‪ ،‬وخالل هـذه اللقـاءات يـدعو المغـرب المجتمـع الـدولي إلى دعم القـارة اإلفريقيـة‬

‫ويص ــرح أن ــه على اس ــتعداد لمس ــاعدة ال ــدول اإلفريقي ــة لتحقي ــق التنمي ــة في مختل ــف المج ــاالت‪ ،‬وفي ه ــذا‬

‫اإلطار أعلن المغرب بمناسبة انعقاد القمة األوروبيـة اإلفريقيـة بالقـاهرة سـنة ‪ 2000‬عن خفضــه للرسـوم‬

‫الجمركية على منتجات الدول اإلفريقية األقـل نمـوا‪ ،‬باإلضــافة إلى إلغـاء الـديون المغربيـة المسـتحقة على‬

‫هذه الدول‪.869‬‬

‫كما يندرج في هذا اإلطار التزام المغرب مع عدد من الممولين الــدوليين‪ -‬مثــل فرنســا وبلجيكــا‬

‫واليابان واالتحاد األوروبي ومنظمة األمم المتحدة لألغدية والزراعة إلى جانب وكاالت تنموية أخــرى‪-‬‬

‫تنفيذ مشاريع كبرى في بعض الدول اإلفريقية‪.‬‬

‫فالبرنـ ــامج الخـ ــاص من أجـ ــل األمن الغـ ــذائي لمنظمـ ــة األمم المتحـ ــدة لألغذيـ ــة والزراعـ ــة الـ ــذي‬

‫انخرط في تنفيذه خبراء مغاربة منذ سنة ‪ 1998‬يقدم خبرة معترف بها في مجاالت تــدبير الميــاه وتربيــة‬

‫الماشــية والص ــيد التقليــدي‪ .‬ويشــكل المشــروع الــذي يجــري تنفيــذه في دولــة الــنيجر بمشــاركة ‪ 27‬خبــيرا‬

‫مغربيــا نموذجــا واضــحا لــذلك‪ ،‬كمــا أن هنــاك مشــروعا ممــاثال في دولــة بوركينــا فاســو‪ .‬إلى جــانب ذلــك‬

‫هن ــاك مش ــروع نم ــوذجي أخ ــر أت ــاح الفرص ــة إلرس ــال ‪ 200‬مهن ــدس مغ ــربي إلى ثالث دول إفريقي ــة في‬

‫منطقة الساحل‪ ،‬يجري تمويله من طرف برنامج األمم المتحدة اإلنمائي وفرنسا‪.870‬‬

‫‪ - 868‬خالد حنفي علي‪" ،‬تقويم األداء التكاملي لتجمع دول الساحل والصحراء"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫‪ - 869‬مركز الدراسات واألبحاث في العلوم االجتماعية (‪ ،)CERSS‬التقرير االستراتيجي المغــربي ‪ ،2002-2001‬العدد الســابع‪ ،‬منشــورات أبحــاث‪ ،‬طبعــة‬
‫‪،2004‬ص ‪.87‬‬
‫‪ - 870‬حسني محمد حسن‪" ،‬التوجهات اإلفريقية للسياسة الخارجية المغربية"‪ ،‬آفاق إفريقية‪ ،‬العدد ‪ ،38‬أبريل ‪ ،2013‬ص ‪.99‬‬

‫‪440‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬العالقات االقتصادية المغربية اإلفريقية‬

‫أوال‪ :‬التبادل التجاري بين المغرب والدول اإلفريقية‬

‫ب ــدأ اإلط ــار االتف ــاقي للعالق ــات التجاري ــة المغربي ــة اإلفريقي ــة يع ــرف بعض التط ــور‪ ،‬فق ــد أب ــرم‬

‫المغ ــرب م ــع ال ــدول اإلفريقي ــة ‪ 14‬اتفاقي ــة تجاري ــة ثنائي ــة من ن ــوع "ال ــدول األك ــثر رعاي ــة"‪ ،‬و‪ 6‬اتفاقي ــات‬

‫تجارية وجمركية‪ .‬ولتعزيز عالقته االقتصادية بدول غرب إفريقيا‪ ،‬وقع المغرب مع االتحــاد االقتصــادي‬

‫والنقـ ــدي لغـ ــرب إفريقيـ ــا (‪ )UEMOA‬بـ ــاألحرف األولى في ‪ 21‬يونيـ ــو ‪ 2008‬على اتفـ ــاق يهم التجـ ــارة‬

‫واالس ــتثمار‪ ،‬ويس ــعى ه ــذا االتف ــاق إلى منح امتي ــازات تعريفي ــة متبادل ــة‪ ،‬كم ــا يتض ــمن االتف ــاق مقتض ــيات‬

‫تهدف إلى رفع الحواجز غير التعريفية التي تعرقل المبادالت التجارية بين الطرفين‪ .‬ويتفاوض المغرب‬

‫حاليــا بشــأن التأســيس التــدريجي لمنــاطق التجــارة الحــرة مــع المجموعــة االقتصــادية لــدول غــرب إفريقيــا (‬

‫‪ )CEDEAO‬والمجموعة االقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا ( ‪.871)CEMAC‬‬

‫وقد عمل المغرب على تطوير اإلطـار االتفـاقي لعالقاتـه مـع دول إفريقيـا جنـوب الصــحراء مـع‬

‫بدايــة القــرن الحــالي‪ ،‬من خالل التوقيــع على مجموعــة من االتفاقيــات‪ ،‬والــتي همت العديــد من المجــاالت‬

‫كما تم توضيحه سابقا‪ .‬باإلضافة إلى إعفاء ‪ 34‬دولة إفريقية األقل نموا كليا من رســوم الــواردات لقائمــة‬

‫من المنتجات األساسية التي منشؤها هذه الدول‪ ،‬وذلك منذ فاتح يناير ‪.8722001‬‬

‫هــذا اإلطــار االتفــاقي الــذي يحكم العالقــات االقتصــادية المغربيــة مــع الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬مــا زال‬

‫محكومــا باتفاقيــات تقليديــة‪ ،‬لم تــرق بعــد إلى االتفاقيــات الــتي تســاير التحــوالت الدوليــة الراهنــة‪ ،‬في ظــل‬

‫تزايد التوجه العالمي إلى إنشاء مناطق للتبادل الحر بين الدول والمجموعـات االقتصــادية‪ ،‬وهــو مــا عمــل‬
‫‪871‬‬
‫‪- Souad BANNANI, « La coopération commerciale Maroco-Africaine », in : la coopération Maroco-‬‬
‫‪Africaine, Institut des Etudes Africaines, Rabat, première édition 2010, p 117- 127.‬‬
‫‪- Ministère de l’Economie et des finances (Maroc), Note a/s des relations du Maroc avec les pays Africains,‬‬
‫‪division des financements et relations bilatéraux, 2009, p 5.‬‬
‫‪- Maissa Zabakh, « la diplomatie économique Marocaine en Afrique subsaharienne: vers des partenariats‬‬
‫‪strategiques», en : diplomatie économique Marocaine en Afrique: enjeux pour un partenariat stratégique,‬‬
‫‪Cahiers de la recherché n° 3, Publication d l’Institut des Etudes Africaines, Rabat, 2014, p 42.‬‬
‫‪ -‬مديرية الخزينة والمالية الخارجية‪" ،‬االستراتيجية المغربية بإفريقيا‪ :‬رؤية شاملة ومتكاملة"‪ ،‬مجلة المالية لوزارة االقتصــاد والماليــة (المغــرب)‪،‬‬
‫العدد ‪ 28‬غشت ‪ ،2015‬ص ‪.4‬‬
‫‪ - 872‬مديرية الخزينية والمالية الخارجية‪" ،‬االستراتيجية المغربية بإفريقيا‪ :‬رؤية شاملة ومتكاملة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬

‫‪441‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المغرب على مسايرته في عالقاته مع الدول الغربية‪ ،‬كالواليات المتحدة واالتحاد األوروبي‪ ،‬مما يجعلنــا‬

‫نط ــرح التس ــاؤل الت ــالي‪ :‬م ــا ه ــو ت ــأثير ه ــذه االتفاقي ــات على حجم التب ــادل التج ــاري بين المغ ــرب وال ــدول‬

‫اإلفريقية؟‪.‬‬

‫منـــذ العقـــد األخـــير من القـــرن الماضـ ــي‪ ،‬مـــر تطـــور التب ــادل التج ــاري بين المغ ــرب وشـــركائه‬

‫األفارق ـ ــة ب ـ ــأربع مراح ـ ــل؛ المرحل ـ ــة األولى‪ ،‬امت ـ ــدت من ‪ 1990‬إلى ‪ ،1993‬بل ـ ــغ خالله ـ ــا حجم التب ـ ــادل‬

‫التجاري بين الطرفين معدال سنويا ال يتجاوز ‪ 260‬مليون دوالر‪ .‬لكن في المرحلة الثانية‪ ،‬التي امتدت‬

‫بين ‪ ،1998-1994‬اتس ــمت بتحس ــن واض ــح في قيم ــة المب ــادالت التجاري ــة بين المغ ــرب ودول إفريقي ــا‬

‫جنوب الصحراء‪ ،‬إذ بلغ المعدل السنوي ‪ 408‬مليون دوالر‪ .‬في حين أن المرحلة الثالثة التي امتـدت مـا‬

‫بين ‪ ،2004-1999‬ع ــرفت تراجع ــا طفيف ــا في المب ــادالت التجاري ــة بين الط ــرفين‪ ،‬وه ــو م ــا يع ــبر عن ــه‬

‫المعدل السنوي لهذا التبادل‪ ،‬والذي تراجع إلى ‪ 383‬مليون دوالر سنويا‪.873‬‬

‫وخالل الفترة الرابعـة مـا بين ‪ 2013-2003‬بلـغ معـدل النمـو السـنوي للمبـادالت التجاريـة بين‬

‫المغـرب ودول القـارة اإلفريقيـة ‪ ،%13‬لتصــل قيمتهـا الماليـة سـنة ‪ 2013‬إلى ‪ 36‬مليـار درهم‪ ،‬أي مـا‬

‫يشكل ‪ %6,4‬من القيمة اإلجمالية للمبادالت التجارية الخارجية المغربية مقابل ‪ %4,6‬سنة ‪.2003‬‬

‫وجــاء ذلــك في ســياق نمــو الصــادرات المغربيــة نحــو إفريقيــا بمعــدل ســنوي بلغت نســبته ‪%16‬‬

‫خالل الفترة نفسها‪ ،‬ووصلت قيمتها المالية إلى ‪ 16,3‬مليــار درهم ســنة ‪ ،2013‬وهــو مــا يمثــل ‪%8,8‬‬

‫من إجم ــال الص ــادرات المغربي ــة‪ ،‬مقاب ــل ‪ %4,2‬في س ــنة ‪ ،2003‬وتتك ــون ه ــذه الص ــادرات أساس ــا من‬

‫الم ـ ـ ــواد الغذائي ـ ـ ــة‪ ،‬والمش ـ ـ ــروبات والتب ـ ـ ــغ (‪ %28‬س ـ ـ ــنة ‪ ،)2013‬والم ـ ـ ــواد نص ـ ـ ــف المص ـ ـ ــنعة (‪،)%23‬‬

‫والتجه ــيزات الصـــناعية (‪ ،)%17‬والم ــواد االس ــتهالكية (‪ ،)%16‬والم ــواد الطاقي ــة (‪ ،874)%12‬وتج ــدر‬

‫‪873‬‬
‫‪- Ministère des finances et de la privatisation (Maroc), Le positionnement économique du Maroc en‬‬
‫‪Afrique – bilan et perspectives, direction des études et prévisions financières, Juillet 2006, p 10.‬‬
‫‪874‬‬
‫‪- Ministère de l’Économie et des Finances (Maroc), Relation Maroc-Afrique: l’ambition d’une « nouvelle‬‬
‫‪frontière, Septembre 2014, p 9.‬‬

‫‪442‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫االشـ ــارة إلى أن الصـ ــادرات المغربيـ ــة نحـ ــو إفريقيـ ــا جنـ ــوب الصـ ــحراء تضـ ــاعفت بثالث مـ ــرات مـ ــا بين‬

‫‪.8752010-2000‬‬

‫بنية الصادرات المغربية إلى إفريقيا خالل الفترة ما بين ‪( 2013-2003‬بالمليون درهم)‬ ‫المبيان رقم ‪:43‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Ministère de l’Économie et des Finances (Maroc), Relation Maroc-Afrique:‬‬
‫‪l’ambition d’une « nouvelle frontière, Septembre 2014, p 9.‬‬
‫أمــا في مــا يخص الــواردات المغربيــة من الــدول اإلفريقيــة فقــد نمت هي األخــرى خالل الفــترة‬

‫نفسها (‪ )2013-2003‬بمعدل سنوي ‪ %12‬لتصل قيمتها المالية إلى ‪ 19,8‬مليار دوالر ســنة ‪،2013‬‬

‫وه ــو م ــا يمث ــل نس ــبة ‪ %5,2‬من مجم ــل ال ــواردات المغربي ــة‪ ،‬مقاب ــل ‪ %4,8‬س ــنة ‪ ،2003‬وتتك ــون ه ــذه‬

‫الـ ـ ــواردات أساسـ ـ ــا من المـ ـ ــواد الطاقيـ ـ ــة (‪ ،)%60‬المـ ـ ــواد نصـ ـ ــف المصـ ـ ــنعة (‪ ،)%13‬المـ ـ ــواد الغذائيـ ـ ــة‪،‬‬

‫والمشروبات والتبغ (‪.)%13‬‬

‫‪875‬‬
‫‪- Haim MALKA, Morocco’s African Future, Center for Strategic International Studies, Middle East‬‬
‫‪Program, October 2013, p 2.‬‬

‫‪443‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بنية الواردات المغربية من إفريقيا خالل الفترة ما بين ‪( 2013-2003‬بالمليون درهم)‬ ‫المبيان رقم ‪:44‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Ministère de l’Économie et des Finances (Maroc), Relation Maroc-Afrique:‬‬
‫‪l’ambition d’une « nouvelle frontière», op, cit, p 10.‬‬
‫بنس ــبة ‪ %60‬أغلبه ــا م ــع‬ ‫‪876‬‬
‫وتتم المب ــادالت التجاري ــة المغربي ــة أساس ــا م ــع دول ش ــمال إفريقي ــا‬

‫الجزائر (‪ ،)%35‬أما المبادالت مع إفريقيا جنوب الصحراء فال تشكل إال نسبة ‪ ،%40‬وتتم أساسا مــع‬

‫دول غرب إفريقيا‪.‬‬

‫فالصادرات المغربية تتوجه أساسا نحو السنغال بنسبة (‪ ،)%17‬وموريتانيــا (‪ ،)%10‬والكــوت‬

‫ديف ـ ـ ــوار (‪ ،)%8,1‬وغيني ـ ـ ــا (‪ ،)%8‬ونيجيري ـ ـ ــا (‪ )%7,7‬وغان ـ ـ ــا (‪ ،)%7,3‬وأنغ ـ ـ ــوال (‪ ،)%4,8‬وغيني ـ ـ ــا‬

‫االســـتوائية (‪ .)%3,9‬وهـــذه الـــدول مجتمعـــة تشـــكل ‪ %67‬من ص ــادرات المغ ــرب نح ــو إفريقيـــا جنـــوب‬

‫الصحراء‪ ،‬وتعتبر كـل من السـنغال‪ ،‬وغينيـا‪ ،‬وغانـا‪ ،‬الوجهـات الـتي عـرفت ارتفاعـا للصـادرات المغربيـة‬

‫نحوها خالل الفترة ما بين ‪.2013-2003‬‬

‫أم ــا ال ــواردات المغربي ــة من إفريقي ــا جن ــوب الص ــحراء فج ــاءت أساس ــا س ــنة ‪ 2013‬من جن ــوب‬

‫إفريقيا (‪ ،)%23,2‬ونيجيريـا (‪ ،)%22,6‬وغانـا (‪ ،)%7‬والغـابون (‪ ،)%6,6‬والكـوت ديفـوار (‪،)%6,2‬‬

‫وغينيا (‪ ،)%4,3‬هذه الدول مجتمعة تشكل نسبة ‪ %70‬سنة ‪ 2013‬من مجمـوع الـواردات المغربيـة من‬

‫‪876‬‬
‫‪- UNCTAD, Economic development in Africa report 2013 Intra-Africa trade: unlocking private sector‬‬
‫‪dynamism, op,cit, p 23-26.‬‬

‫‪444‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫هذه المنطقة‪ .‬وبصفة عامة فالواردات المغربية من هذه المنطقة عرفت انخفاضا نتيجة تراجع صــادرات‬

‫جنوب إفريقيا نحو المغرب‪.877‬‬

‫نمت حص ـ ــة إفريقي ـ ــا من إجم ـ ــالي المب ـ ــادالت التجاري ـ ــة للمغ ـ ــرب من ‪ %4,1‬س ـ ــنة ‪ 2004‬إلى‬

‫‪ %6,5‬سنة ‪ ،2013‬وبذلك تعتبر إفريقيا الشريك التجاري الرابــع للمغــرب خالل هــذه الســنة بعــد كــل من‬

‫عكس الفــترة الممتــدة من ‪2005-1995‬‬ ‫‪878‬‬


‫أوروبا بنسبة ‪ ،%62,2‬وآسيا بنسبة ‪ %19‬وأمريكا ‪،%12‬‬

‫الــتي وصــلت خاللهــا نســبة التبــادل التجــاري للمغــرب مــع أوروبــا ‪ ،%70‬ومــع آســيا ‪ ،%15‬في حين أن‬

‫حجم التبادل التجاري مع إفريقيا لم يتجاوز نسبة ‪.879 %5‬‬

‫وم ــع ذل ــك‪ ،‬فالعالق ــات التجاري ــة بين المغ ــرب وال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬م ــا زالت تع ــاني من الض ــعف‬

‫والمحدودي ــة‪ ،‬مقارن ــة بحجم التب ــادل التج ــاري للمغ ــرب م ــع من ــاطق اخ ــرى من الع ــالم؛ ف ــالمغرب ال يمث ــل‬

‫س ــوى ‪ %0,40‬من س ــوق إفريقي ــا جن ــوب الص ــحراء‪ ،‬مم ــا يص ــنفه في المرتب ــة ‪ 48‬في ت ــرتيب الش ــركاء‬

‫التج ـ ــاريين إلفريقي ـ ــا بع ـ ــد الجزائ ـ ــر (المرتب ـ ــة ‪ ،)41‬وت ـ ــونس (المرتب ـ ــة ‪ .880)38‬وه ـ ــو م ـ ــا يمكن تفس ـ ــيره‬

‫بمجموعة من العوامل أهمها‪:‬‬

‫ارتباط اقتصاد الطرفين سواء المغربي أو اقتصادات الدول اإلفريقية بالــدول الغربيــة خاصــة‬ ‫‪-‬‬

‫االتحـ ــاد األوروبي‪ ،‬ومـ ــا نتج عن ذلـ ــك من تخصـ ــص هـ ــذه االقتصـ ــادات في تصـ ــدير المـ ــواد‬

‫األولية والزراعية للدول المتقدمة‪ ،‬بل أكثر من ذلك فإن دول إفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬الــتي‬

‫يتعام ــل معه ــا المغ ــرب تجاري ــا‪ ،‬ترتب ــط بالفرن ــك الفرنس ــي س ــابقا قب ــل أن تتح ــول إلى عمل ــة‬

‫اليورو‪.‬‬
‫‪877‬‬
‫‪- Ministère de l’Économie et des Finances (Maroc), Relation Maroc-Afrique: l’ambition d’une « nouvelle‬‬
‫‪frontière » , op,cit, p 13.‬‬
‫‪878‬‬
‫‪- Institut AMADEUS, Etude partenariat Maroc-Afrique: 15 Recommandations pour un co-‬‬
‫‪développement responsable et durable, Juillet 2014, p 99.‬‬
‫‪879‬‬
‫‪- Ministère du commerce extérieure, (Maroc), Diagnostic et élément pour une nouvelle stratégie du‬‬
‫‪commerce extérieur, octobre 2006, p 40.‬‬
‫‪ - 880‬يحيي اليحياوي‪ ،‬التوجهات اإلفريقية "الجديدة" للمغرب‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 29 ،‬يونيو ‪ ،2015‬ص ‪.3‬‬
‫للتوسع اكثر في عالقات الدول المغاربية مع منطقة إفريقيا جنوب الصحراء راجع‪:‬‬
‫‪- Nezha ALAOUI, Le Maghreb dans son environnement régional et international la projection‬‬
‫‪économique des pays du Maghreb sur l’Afrique subsaharienne, Note de IFRI , Centre des Etudes‬‬
‫‪économiques, 2010.‬‬

‫‪445‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ض ــعف البنيــة التحتيــة للنقــل‪ ،‬إذ ال توجــد خطــوط مباشــرة للنقــل‪ ،‬بحريــة تربــط بين المغــرب‬ ‫‪-‬‬

‫والدول اإلفريقية‪ ،‬مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التبادل التجاري؛‬

‫ارتفــاع الرســوم الجمركيــة المفروضــة على الســلع المســتوردة داخــل الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬إذ أنــه‬ ‫‪-‬‬

‫حســب صــندوق النقــد الــدولي؛ فــإن هــذه المنطقــة تبقى المنطقــة الــتي تعــرف ارتفــاع الرســوم‬

‫الجمركية على السلع المستوردة‪ ،‬مقارنة بمناطق أخرى من العالم‪ ،‬فالرسوم الجمركية تصل‬

‫إلى نسبة ‪.88120%‬‬

‫المنافسـ ــة الـ ــتي يلقاهـ ــا المنتج المغـ ــربي داخـ ــل أسـ ــواق الـ ــدول اإلفريقيـ ــة‪ ،‬وذلـ ــك نتيجـ ــة تزايـ ــد‬ ‫‪-‬‬

‫التنافس الدولي على أسواق القـارة في العقـد األخـير؛ فمثال في مجـال النسـيج‪ ،‬فـإن الحاجيـات‬

‫اإلفريقيــة من هــذا القطــاع يتم تلبيتهــا من طــرف كــل من الصــين والهنــد وفرنســا‪ .‬أمــا حضــور‬

‫المغـــرب فهـــو ضـــعيف في الســـوق اإلفريقيـــة‪ ،‬وتمث ــل حص ــته في ه ــذه األس ــواق ‪ %0,6‬من‬

‫الــواردات النســيجية واأللبســة من هــذه المنطقـة و‪ %0,7‬من الصــادرات اإلجماليــة المغربيــة‬

‫من ه ــذه المنتج ــات‪ ،‬في حين أن المنتج ــات الكيماوي ــة ال تش ــكل س ــوى ‪ %0,9‬من ص ــادرات‬

‫المغرب اإلجمالية من هذه المواد‪ ،‬و‪ %0,3‬من وارداته اإلجمالية من هذه المواد‪.882‬‬

‫الت ــأثير الس ــلبي لألزم ــات السياس ــية ال ــتي تق ــع بين المغ ــرب وبعض ال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬بس ــبب‬ ‫‪-‬‬

‫االعـ ــتراف بمـ ــا يسـ ــمى "الجمهوريـ ــة الصـ ــحراوية"‪ ،‬ومـ ــا يخلفـ ــه من انعكاسـ ــات على التعـ ــاون‬

‫التج ــاري واالقتص ــادي‪ ،883‬ك ــان آخره ــا األزم ــة ال ــتي وقعت م ــع دول ــة جن ــوب إفريقي ــا‪ ،‬بع ــد‬

‫اعترافها سنة ‪" 2004‬بالجمهورية الصحراوية"‪.‬‬

‫‪881‬‬
‫‪-Ministère de l’économie et des finances (Maroc), Point sur relation du Maroc avec les pays de l’Afrique‬‬
‫‪subsaharienne, direction des études et des prévisions financières, Mars 2010, P6.‬‬
‫‪882‬‬
‫‪-Ministère de l’économie et des finances (Maroc), Point sur les relations du Maroc avec les pays de‬‬
‫‪l’Afrique subsaharienne, direction des études et des prévisions financières, octobre 2008, P 5-6-7.‬‬
‫‪883‬‬
‫‪- Abdelaziz BARRE, « la politique marocaine de coopération en Afrique », in le Maroc et l’Afrique après‬‬
‫‪l’indépendance, Université Mohammed V, édition de l’Institut des études Africains, Rabat, 1995, p 34-35.‬‬

‫‪446‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وله ـ ــذا‪ ،‬ف ـ ــإن تط ـ ــوير العالق ـ ــات التجاري ـ ــة بين المغ ـ ــرب وال ـ ــدول اإلفريقي ـ ــة يحت ـ ــاج إلى إزاح ـ ــة‬

‫اإلكراهــات البنيويــة والمؤسســية واللوجســتيكية‪ ،‬لتوســيع جغرافيــة المبــادالت التجاريــة المغربيــة مــع الــدول‬

‫اإلفريقية‪ ،‬وهذا لن يتحقق إال من خالل بناء اقتصاديات وطنية‪ ،‬تنطلق من التعـاون جنـوب‪-‬جنـوب‪ ،‬ممـا‬

‫سيكون له انعكاس على التخفيف من التبعية االقتصادية للدول الغربية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االستثمارات المغربية بالدول اإلفريقية‬

‫نس ــج المغ ــرب ش ــبكة من االتفاقي ــات الدولي ــة لحماي ــة وتعزي ــز االس ــتثمارات ذات الط ــابع الثن ــائي‬

‫واإلقليمي‪ ،‬بلغت ‪ 69‬اتفاقي ــة لالس ــتثمار تش ــمل ‪ 65‬اتفاقي ــة ثنائي ــة و‪ 4‬اتفاقي ــات إقليمي ــة‪ ،‬والمغ ــرب يحت ــل‬

‫المركـ ــز الثـ ــاني في إفريقيـ ــا بعـ ــد مصـ ــر من حيث عـ ــدد االتفاقيـ ــات الموقعـ ــة في هـ ــذا المجـ ــال‪ ،‬ومن بين‬

‫االتفاقيــات الثنائيــة‪ ،‬وقــع المغــرب على ‪ 18‬اتفاقيــة مــع دول إفريقيــة‪ ،‬كمــا وقــع المغــرب على ‪ 52‬اتفاقيــة‬

‫لتفادي االزدواج الضريبي‪ ،‬منها ‪ 9‬تم التوقيع عليها مع دول إفريقية‪.‬‬

‫باإلضافة إلى أنه ابتداء من فاتح يناير ‪ 2011‬اتخذ المغرب تدابير وإ جراءات صرف تحفيزيــة‬

‫لدعم تموقـع المسـتثمرين المغاربـة في األسـواق اإلفريقيـة‪ ،‬برفـع سـقف االسـتثمارات المعفـاة من تـرخيص‬

‫مكتب الص ــرف من ‪ 30‬ملي ــون درهم إلى ‪ 100‬ملي ــون درهم‪ ،‬تش ــجيعا لت ــدفق رؤوس األم ــوال المغربي ــة‬

‫إلى البلدان اإلفريقية‪.884‬‬

‫بلـغ حجم االسـتثمارات المغربيـة المباشـرة في إفريقيـا جنـوب الصــحراء نهايـة ‪ 2012‬مـا يقـرب‬

‫من ‪ 7,6‬ملي ــار درهم‪ ،885‬بزي ــادة مهم ــة عن س ــنة ‪ 2010‬ال ــتي بل ــغ فيه ــا حجم االس ــتثمارات المغربي ــة‬

‫بإفريقيا ‪ 4,6‬مليـار درهم‪ .886‬وبصــفة عامـة فقـد تعـززت حصــة هـذه المنطقـة من االسـتثمارات المغربيـة‬

‫المباشرة في الخارج لتنتقل من ‪ %17‬سنة ‪ 2003‬إلى ‪ %42‬سنة ‪ .2012‬وفي المقابل تـراجعت حصـة‬

‫أوروبا من رصيد االسـتثمارات المغربيـة الخارجيـة من ‪ %62‬سـنة ‪ 2003‬إلى ‪ %48‬سـنة ‪ .2012‬كمـا‬


‫‪ - 884‬مديرية الخزينة والمالية الخارجية‪" ،‬االستراتيجية المغربية بإفريقيا‪ :‬رؤية شاملة ومتكاملة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.6-5‬‬
‫‪ - 885‬مديرية الدراسات والتوقعات المالية‪" ،‬المغـرب‪ -‬إفريقيـا‪ :‬طمـوح آلفـاق جديـدة"‪ ،‬مجلــة الماليــة لــوزارة االقتصــاد والماليــة‪ ،‬العـدد ‪ 28‬غشـت‬
‫‪ ،2015‬ص ‪.10-9‬‬
‫‪886‬‬
‫‪- Institut AMADEUS, op,cit, p99.‬‬

‫‪447‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تـ ــراجعت حصـ ــتا كـ ــل من أمريكـ ــا وآسـ ــيا على التـ ــوالي من ‪ %13‬إلى ‪ %1‬ومن ‪ %7‬إلى ‪ %4‬مـ ــا بين‬

‫‪ 2003‬و‪.8872012‬‬

‫اس ـ ــتحوذت منقط ـ ــة إفريقي ـ ــا جن ـ ــوب الص ـ ــحراء على نس ـ ــبة ‪ %85‬من االس ـ ــتثمارات الخارجي ـ ــة‬

‫المغربية بإفريقيا‪ ،‬و‪ %51‬من االســتثمارات المغربيــة بالخــارج مــا بين ‪ .8882013-2003‬وبصــفة عامــة‬

‫بلغت االســتثمارات المغربيــة ســنة ‪ 4,6 2010‬مليــار درهم بإفريقيــا‪ ،‬وهــو مــا يشــكل ‪ %92‬من مجمــوع‬

‫االســتثمارات المغربيــة بالخــارج‪ ،‬غــير أنــه في ســنة ‪ 2013‬عــرفت قيمــة االســتثمارات المغربيــة بإفريقيــا‬

‫تراجعا حتى وصلت ‪ 1,2‬مليار درهم‪ ،‬وذلك بنسبة تراجع بلغت ‪.889%29‬‬

‫وت ــوجهت االس ــتثمارات المغربي ــة بمنطق ــة إفريقي ــا جن ــوب الص ــحراء خالل المرحل ــة نفس ــها إلى‬

‫ال ـ ــدول التالي ـ ــة‪ :‬الس ـ ــودان وموريش ـ ــيوس ونيجيري ـ ــا والكونغ ـ ــو الديمقراطي ـ ــة وإ فريقي ـ ــا الوس ـ ــطى وغيني ـ ــا‬

‫والكــاميرون الكونغــو برزفيــل والتوغــو‪ ،‬غــير أنهــا تتوجــه بشــكل كبــير لكــل من مــالي والكــوت ديفــوار‬
‫‪890‬‬
‫وبوركنا فاسوا والسينغال والغابون‬

‫توزيع االستثمارات المغربية بالخارج خالل الفترة ما بين ‪2013-2003‬‬ ‫المبيان رقم ‪:45‬‬

‫‪ ‬أرقام أولية‬

‫المصدر‪:‬‬

‫‪ 887‬مديرية الدراسات والتوقعات المالية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬


‫‪888‬‬
‫‪- Ministère de l’Économie et des Finances (Maroc), Relation Maroc-Afrique: l’ambition d’une « nouvelle‬‬
‫‪frontière » , op,cit, p19.‬‬
‫‪889‬‬
‫‪- Institut AMADEUS, Etude partenariat Maroc-Afrique : 15 Recommandations pour un co-‬‬
‫‪développement responsable et durable, op,cit, p99.‬‬
‫‪890‬‬
‫‪- Ministère de l’Économie et des Finances (Maroc), Relation Maroc-Afrique: l’ambition d’une « nouvelle‬‬
‫‪frontière » , op,cit, p19.‬‬

‫‪448‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪-‬‬ ‫‪Ministère de l’Économie et des Finances, Relation Maroc-Afrique: l’ambition‬‬


‫‪d’une « nouvelle frontière », op, cit, p 18.‬‬
‫وت ـ ــوزعت االس ـ ــتثمارات المغربي ـ ــة بإفريقي ـ ــا جن ـ ــوب الص ـ ــحراء م ـ ــا بين ‪ 2012-2007‬على‬

‫القطاعات التالية‪ :‬قطاع األبناك بنسبة ‪ ،%52‬واالتصاالت ‪ ،%32‬والهولدينغ ‪ ،%7‬والصناعة ‪.%3‬‬

‫بنية االستثمارات المغربية بدول إفريقيا جنوب الصحراء حسب القطاعات خالل الفترة ما بين ‪-2008‬‬ ‫المبيان رقم ‪:46‬‬

‫‪2012‬‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Ministère de l’Économie et des Finances, Relation Maroc-Afrique: l’ambition‬‬
‫‪d’une « nouvelle frontière », op, cit, p 19.‬‬
‫ففيما يخص القطاع البنكي‪ ،‬يعتبر البنك المغربي للتجارة الخارجية‪ ،‬وبنك التجــاري وفــاء بنــك‪،‬‬

‫والبنك الشعبي‪ ،‬من المجموعات البنكية األولى دوليـا الموجـودة في السـوق اإلفريقيـة؛ فـاألول لـه حضـور‬

‫في ‪ 18‬دول ــة إفريقي ــة ت ــتركز في غ ــرب وش ــرق إفريقي ــا‪ ،‬أم ــا الث ــاني فه ــو حاض ــر في ‪ 12‬دول ــة إفريقي ــا‬

‫خصوصا في منطقتي شمال وغرب إفريقيا‪ ،‬في حين يوجد البنك الشعبي في ‪ 11‬دولة إفريقيــة‪ .891‬فبنــك‬

‫التجاري وفا بنـك يمتلـك ‪ %6‬من رأسـمال البنـك السـنغالي التونسـي‪ ،892‬كمـا يمتلـك ‪ %53,5‬من رأسـمال‬

‫جنــوب تــونس‪ ،‬أمــا في مــالي‪ ،‬فبنــك التجــاري وفــا بنــك‪ ،‬يمتلــك ‪ %51‬من بنــك مــالي الــدولي‪ ،‬بحــوالي ‪60‬‬

‫مليــون أورو‪ ،893‬وبصــفة عامــة‪ ،‬فقــد بــات بنــك التجــاري وفابنــك التجــاري‪ ،‬حاضــرا في أحــد عشــرا بلــدا‬

‫‪891‬‬
‫‪- African Development Bank Group, African development report 2014: regional integration for growth,‬‬
‫‪op,cit, p 70-71.‬‬
‫‪892‬‬
‫‪- Nathalie GILLE, « Banques des réseaux en devenir », Jeune Afrique, n° 2434 Septembre, 2007, p 52.‬‬
‫‪893‬‬
‫‪- Ministère de l’économie et des finances (Maroc), Point sur les relations du Maroc avec les pays de‬‬
‫‪l’Afrique subsaharienne, octobre 2008, op, cit, P 9.‬‬

‫‪449‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إفريقيا‪ ،‬بفضل شرائه عـام ‪ 2008‬خمسـة فـروع محليـة لمصـرف كريـدي أغريكـول الفرنسـي في كـل من‬

‫ساحل العاج والغابون والسنغال والكونغو والكاميرون‪ .894‬أمــا البنــك المغــربي للتجــارة الخارجيــة‪ ،‬فيعتــبر‬

‫أول بن ــك مغ ــربي ل ــه اس ــتثمارات في الخ ــارج‪ ،‬ل ــه حض ــور في أوروب ــا وآس ــيا‪ ،‬كم ــا في عش ــرات ال ــدول‬

‫اإلفريقية‪ .‬ولدعم حضوره بالدول اإلفريقية‪ ،‬قام البنك المغربي للتجارة الخارجية بتقديم قرض بمبلغ ‪50‬‬

‫ملي ــون أورو لمين ــاء دك ــار المس ــتقل‪ ،895‬ويمتل ــك البن ــك المغ ــربي للتج ــارة الخارجي ــة‪ ،‬نس ــبة‪ %27,38‬من‬

‫رأسمال بنك التنمية المالي‪ ،‬الذي يعتبر رابع مجموعة بنكية لالتحاد االقتصــادي والنقــدي لغــرب إفريقيــا‪،‬‬

‫كمــا يســتحوذ على نســبة ‪ %25‬في البنــك الكونغــولي‪ ،‬الــذي توجــد لــه فــروع في كــل من‪ :‬بوركينــا فاســو‬

‫والكــوت ديفــوار والــنيجر‪ .‬كمــا أنــه يمتلــك نســبة ‪ %66,7‬من البنــك الســينغالي التونســي (‪ ،)BST‬ونســبة‬

‫‪ %51‬من البنك الدولي المالي‪ ،‬الذي له فروع في الكاميرون والكونغو والكوت ديفوار والغابون‪.896‬‬

‫وباإلضافة لألبناك المغربية‪ ،‬نسجل حضور المؤسسات الماليـة المغربيـة في إفريقيـا‪ ،‬كصـندوق‬

‫اإلي ــداع والت ــدبير وأون ــا‪ ،‬فه ــذه األخ ــيرة حاض ــرة بفرعه ــا (لوس ــيور‪-‬كريس ــطال) ال ــتي تمتل ــك ‪ %36‬من‬

‫رأسمال الشركة التونسية مصفاة إفريقيا أو شركة بترومورغ ‪.897Optorg‬‬

‫لقــد بــات قطــاع االتص ــاالت‪ ،‬يشــكل أهم المجــاالت الــتي توجــد بهــا اســتثمارات مغربيــة بالــدول‬

‫اإلفريقيــة‪ ،‬بفضــل االســتراتيجية المتبعــة من طــرف شــركة اتصــاالت المغــرب‪ .‬ففي ســنة ‪ 2001‬اشــترت‬

‫نس ـ ــبة ‪ %54‬من ش ـ ــركة اتص ـ ــاالت موريتاني ـ ــا‪ ،‬وفي س ـ ــنة ‪ 2006‬أص ـ ــبحت تمل ـ ــك ‪ %51‬من اتص ـ ــاالت‬

‫بوركينافاسو‪ ،‬و‪ %51‬من اتصاالت الغابون في سنة ‪ .2007‬وخالل هـذه السـنة حققت أرباحـا في الـدول‬

‫السـابقة على التـوالي ‪ 36‬مليـون أورو‪ 220 ،‬مليـون أورو و‪ 61‬مليـون أورو‪ ،‬وبـذلك أصـبح هـذا القطـاع‬

‫‪ - 894‬جان‪ -‬جوزيف بوايو‪" ،‬إفريقيا محط أطماع شركات الجنوب المتعددة الجنسية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫‪895‬‬
‫‪- Ministère de l’économie et des finances (Maroc), Point sur les relations du Maroc avec les pays de‬‬
‫‪l’Afrique subsaharienne, octobre 2008, op, cit P 9.‬‬
‫‪896‬‬
‫‪- Maissa ZABAKH, « La diplomatie économique Marocaine en Afrique subsaharienne: vers des partenariats‬‬
‫‪stratégiques», op,cit, p 45.‬‬
‫‪897‬‬
‫‪- Ministère de l’économie et des finances (Maroc), Point sur les relations du Maroc avec les pays de‬‬
‫‪l’Afrique subsaharienne, octobre 2008, op, cit P 9.‬‬

‫‪450‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫يشـ ــكل ‪ %25‬من االسـ ــتثمارات المغربيـ ــة في الـ ــدول اإلفريقيـ ــة خالل هـ ــذه السـ ــنة‪ ،898‬وفي سـ ــنة ‪2009‬‬

‫حصلت اتصاالت المغرب كذلك على نسبة ‪ %51‬من رأسمال ســوتيلما (‪ )Sotelma‬بمــالي‪ ،‬وقــد شــكلت‬

‫هــذه االســتثمارات التصــاالت المغــرب بالــدول اإلفريقيــة نســبة ‪ %19,18‬من رقم معامالتهــا ســنة ‪2010‬‬

‫‪.899‬‬

‫وفي مج ــال النق ــل‪ ،‬فق ــد دعمت الخط ــوط الجوي ــة الملكي ــة المغربي ــة وجوده ــا بإفريقي ــا‪ ،‬من خالل‬

‫شــراء ‪ %51‬من رأســمال الخطــوط الجويــة الدوليــة الســنغالية‪ ،‬غــير أن هــذا االتفــاق ســيواجه ســنة ‪2009‬‬

‫طلب الس ــنيغال ت ــأميم ه ــذه الش ــركة‪ ،‬إال أن ــه في ش ــهر م ــايو ‪ 2009‬تم االتف ــاق على خل ــق ش ــركة جدي ــدة‪،‬‬

‫بــرؤوس أمــوال ســنيغالية خاص ــة وعموميــة‪ ،900‬كمــا وقعت مــع المجموعــة االقتص ــادية والنقديــة إلفريقيــا‬

‫الوس ــطى برتوك ــوال ح ــول إنش ــاء ش ــركة جوي ــة ش ــبه إقليمي ــة‪ .‬أم ــا في مج ــال النق ــل البح ــري‪ ،‬ف ــإن ش ــركة‬

‫كوماناف تمتلك ‪ %51‬من الشركة المختلطة السنيغالية‪.901‬‬

‫ويش ــكل اتح ــاد الش ــركات (الهول ــدينغ) ‪ %13,8‬من االس ــتثمارات المغربي ــة المباش ــرة بالخ ــارج‪،‬‬

‫وهي بــذلك تحتــل المرتبــة الثالثــة‪ .‬ومن أمثلــة هــذه الشــركات‪ ،‬نجــد مجموعــة نيتــا هولــدينغ‪ ،‬ذات األنشــطة‬

‫المختلفة في تونس وساحل العاج ومصر‪ ،‬وتستثمر كذلك في دول إفريقية أخرى كمــالي بمصــنع لتصــفية‬

‫القطن‪ ،‬كما لها مصنع إلنتاج اإلسمنت في الغابون وغينيا االستوائية‪.‬‬

‫ويعت ـ ــبر قط ـ ــاع اإلس ـ ــمنت من أب ـ ــرز القطاعـ ــات ال ـ ــتي توج ـ ــد به ـ ــا اس ـ ــتثمارات مغربي ـ ــة بال ـ ــدول‬

‫اإلفريقيــة‪ ،‬وهــو مــا تعكســه اســتثمارات شــركة الفــارج مــع مجموعــة تيتــان في مصــر‪ ،‬كمــا أن الشــركات‬

‫المغربي ـ ـ ــة تس ـ ـ ــتثمر في قط ـ ـ ــاع البني ـ ـ ــات التحتي ـ ـ ــة‪ ،‬وفي ه ـ ـ ــذا اإلط ـ ـ ــار حص ـ ـ ــلت ش ـ ـ ــركة ‪Consortium‬‬

‫)‪ Canalisation Granulats et Travaux (CCGT‬في غينيــا على مشــروعات لتهيئــة قطــاع البنيــة‬

‫‪898‬‬
‫‪- Marianne MEUNIER, « Maroc télécom à la conquête de nouveaux horizons », Jeune Afrique, n° 2434,‬‬
‫‪septembre 2007, p 60.‬‬
‫‪899‬‬
‫‪- Ministère de l’Économie et des Finances (Maroc), Relation Maroc-Afrique: l’ambition d’une « nouvelle‬‬
‫‪frontière » , op,cit, p20.‬‬
‫‪ - 900‬مركز الدراسات واألبحاث في العلوم االجتماعية‪ ،‬التقرير االستراتيجي المغربي ‪ ،2010-2006‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.218-217‬‬
‫‪901‬‬
‫‪- Ministère de l’économie et des finances (Maroc), Point sur les relations du Maroc avec les pays de‬‬
‫‪l’Afrique subsaharienne, octobre 2008, op, cit P 9.‬‬

‫‪451‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التحتية بغالف مالي يقدر ‪ 70‬مليون درهم سنة ‪ ،9022007‬كما حصلت الشركة ذاتها خالل السنة نفسها‬

‫في الســنيغال على ورشــة تهيئــة طريــق بطــول ‪ 230‬كلم‪ .‬أمــا في قطــاع البنــاء‪ ،‬فتعتــبر مجموعـة الشــعبي‬

‫والتازي من أهم الشركات المغربية التي تتوفر على استثمارات كبيرة في كــل من الكــوت ديفــوار ومــالي‬

‫والســنغال وغينيــا‪ .903‬وقــد عــرفت االســتثمارات في مجــال العقــار تطــورا ملحوظــا خالل الســنوات الثالثــة‬

‫الماضية لتحتل في سنة ‪ 2014‬المرتبة األولى مناصفة مع قطاع المصارف‪ ،‬وبــذلك شــكلت االســتمارات‬

‫في قطاع العقار ‪ %25‬من مجموع االستثمارات المباشرة المغربيــة في القــارة اإلفريقيــة ســنة ‪.9042014‬‬

‫وفي قطــاع المــاء الصــالح للشــرب‪ ،‬حصــل المكتب الوطــني للمــاء الصــالح للشــرب في ســنة ‪ 2007‬على‬

‫عرض لتسيير وإ دارة الشركة الوطنية للمياه في الكاميرون‪.905‬‬

‫وإ جم ــاال‪ ،‬ف ــإن تط ــور حجم االس ــتثمارات المغربي ــة س ــيؤدي إلى تعزي ــز العالق ــات المغربي ــة م ــع‬

‫الدول اإلفريقية‪ ،‬إال أن ما يمكن مالحظته عن دينامية االستثمارات المغربية بالدول اإلفريقية‪ ،‬هو تركز‬

‫هذه االستثمارات بشكل كبير في إفريقيا الغربية والشمالية‪.‬‬

‫وعلى الرغم من الدينامية التي عرفتها االستثمارات المغربية في إفريقيا في السنوات األخيرة‪،‬‬

‫فإنهــا مــا زالت محــدودة وضــعيفة‪ ،‬نتيجــة مجموعــة من التحــديات‪ ،‬ســواء كــانت ذاتيــة‪ ،‬مرتبطــة باالقتصــاد‬

‫المغربي‪ ،‬أو موضوعية مرتبطـة بالـدول اإلفريقيـة‪ .‬فالتحـديات الذاتيـة تتجلى في كـون االقتصـاد المغـربي‬

‫مــا زال في حاجــة لالســتثمارات لتقويــة هياكلــه؛ أي أن االقتصــاد المغــربي ال يتــوفر على المــوارد الماليــة‬

‫الكافيـ ــة إلنعـ ــاش االقتصـ ــاد الوطـ ــني داخليـ ــا ومن تم التفكـ ــير في االسـ ــتثمار في الخـ ــارج‪ .‬أمـ ــا التحـ ــديات‬

‫الموض ــوعية فهي مرتبط ــة بالمنافس ــة الدولي ــة على الق ــارة اإلفريقي ــة؛ فمن ــذ بداي ــة األلفي ــة الثالث ــة‪ ،‬ت ــوجهت‬

‫‪902‬‬
‫‪- Ibid, p 9.‬‬
‫‪903‬‬
‫‪- Alain ANTIL, “Le Royaume du Maroc et sa politique envers l’Afrique sub-saharienne », étude d’institut‬‬
‫‪français des relations internationales (IFRI), Novembre 2003, p 42.‬‬
‫‪ - 904‬مكتب الصرف (المغرب)‪" ،‬المبادالت التجارية واالستثمارات المباشرة المغربية في إفريقيا‪ :‬تطور ملموس"‪ ،‬مجلة الماليــة لــوزارة االقتصــاد‬
‫والمالية‪( ،‬المغرب)‪ ،‬العدد ‪ 28‬غشت ‪ ،2015‬ص ‪.16‬‬
‫‪905‬‬
‫‪- Marianne MEUNIER, “Infrastructures eau et énergie à revendre”, Jeune Afrique, n° 2434, septembre 2007,‬‬
‫‪p 57.‬‬
‫للتوسع أكثر في تفاصيل التواجد المغربي بإفريقيا قطاعا بقطاع‪ ،‬راجع‪:‬‬
‫‪- Mekouar FAIÇAL, « le Maroc à la conquête de l’Afrique », REGARDS, N° 3, Mai 2013.‬‬

‫‪452‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الدول الكبرى لتدعيم وجودها االقتصادي في إفريقيا من خالل تشجيع شــركاتها الخاصــة لالســتثمار بهــذه‬

‫القـ ــارة‪ .‬وباإلضـ ــافة إلى التحـ ــديين السـ ــابقين‪ ،‬يبقى أهم تحـ ــد يعيـ ــق االسـ ــتثمارات بشـ ــكل كبـ ــير في الـ ــدول‬

‫اإلفريقيــة هــو ارتفــاع مخــاطر االســتثمار إلى درجــة كبــيرة في كثــير من الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬نظــرا لظــروف‬

‫الحــروب األهليــة المتكــررة في بعض هــذه الــدول‪ ،‬وازديــاد حــدة الصــراع السياســي الــداخلي في بعضــها‬

‫اآلخر‪ ،‬مع تفشي ظواهر الفساد السياسي واإلداري فيها‪.‬‬

‫وخالصــة لكــل مــا ســبق‪ ،‬فــإن العالقــات المغربيــة اإلفريقيــة‪ ،‬بــالرغم من وجــود روابــط سياســية‬

‫وتجاريــة قديمــة تاريخيــا بين الطــرفين‪ ،‬فــإن الجــانب االقتصــادي في هــذه العالقــات‪ ،‬مــا زال يبــدو أضــعف‬

‫هذه العالقات‪ ،‬وذلك رغم األهمية الكبــيرة الــتي أصــبحت تكتســيها العوامــل االقتصــادية‪ ،‬في تحديــد طبيعــة‬

‫العالقات بين الدول اليوم‪.‬‬

‫إن أي نظ ــرة إلى مس ــتقبل العالق ــات المغربي ــة اإلفريقي ــة‪ ،‬ال ب ــد أن تأخ ــذ في االعتب ــار مفع ــول‬

‫العوامل التي سـبق ذكرهـا –وهي ال تمثـل حصــرا شـامال على أي حـال‪ -‬وكلهـا تعمـل في اتجـاه إضــعاف‬

‫هــذه العالقــات‪ .‬ولهــذا فــالمغرب مــدعو أكــثر للقيــام بنظــرة شــمولية لتقــييم معطيــات المرحلــة ووضــعها في‬

‫الس ــياق المطل ــوب‪ ،‬خاص ــة وأن منط ــق الري ــادة االقتص ــادية أص ــبح ينح ــو في اتج ــاه تحقي ــق أك ــبر ق ــدر من‬

‫المصالح االقتصادية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التصورات المستقبلية للتنافس الدولي في إفريقيا‬

‫دخلت إفريقيا القرن الواحد والعشرين‪ ،‬وأمامها مجموعة من الفرص الواعدة لتحقيق االزدهار‬

‫االقتص ــادي المنش ــود من ــذ حص ــول دوله ــا على االس ــتقالل‪ ،‬فق ــد حققت نم ــوا اقتص ــاديا مهم ــا خالل العق ــد‬

‫األخــير‪ ،‬إذ ارتفــع معــدل نموهــا الســنوي من ‪ %1,8‬مــا بين ‪ 1989-1980‬إلى ‪ %2,6‬خالل الفــترة مــا‬

‫بين ‪ ،2000-1990‬ليتض ـ ــاعف خالل العق ـ ــد األول من األلفي ـ ــة الثالث ـ ــة ويص ـ ــل إلى ‪ .%5,3‬ب ـ ــل حققت‬

‫بعض الـ ــدول اإلفريقيـ ــة معـ ــدالت نمـ ــو مركبـ ــة من رقمين‪ ،‬وجـ ــاءت هـ ــذه المعـ ــدالت نتيجـ ــة مجموعـــة من‬

‫‪453‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫العوام ــل الداخلي ــة والخارجي ــة‪ ،‬فعلى المس ــتوى ال ــداخلي تم تحس ــين الت ــدابير الم ــاكرو اقتص ــادية‪ ،‬وتزاي ــد‬

‫الطلب الــداخلي‪ ،‬وتحســن األوضــاع السياســية لبعض الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬أمــا العوامــل الخارجيــة فتتثمــل في‬

‫تزاي ــد الطلب الع ــالمي على الم ــوارد الطبيعي ــة نتيج ــة ص ــعود بعض الق ــوى الدولي ــة‪ ،‬مم ــا أدى إلى ارتف ــاع‬

‫أســعارها‪ ،‬علمــا أنهــا –أي المــوارد الطبيعيــة‪ -‬تشــكل أغلب صــادرات الــدول اإلفريقيــة‪ ،906‬وإ ذا تم الحفــاظ‬

‫على معدالت النمو هاته فمن المنتظر أن يتضاعف الناتج الداخلي الخــام إلفريقيــا بثالث مــرات مــع بدايــة‬

‫العقد الرابع من القرن الحالي‪ ،‬وسبع مرات في سنة ‪.907 2050‬‬

‫لهــذا فــإن رهــان القــوى الدوليــة بالقــارة اإلفريقيــة حاليــا ومســتقبال‪ ،‬لم يعــد يقتصــر على اعتبارهــا‬

‫موردا ضخما للمواد األولية الطبيعية والمنجمية على حد سواء؛ بــل تعــداه إلى اعتبارهــا ســوقا اســتهالكية‬

‫ضخمة تقدر بأكثر من مليار نسـمة حاليـا‪ ،‬وسيصــل ‪-‬حسـب التقـديرات‪ -‬إلى أكـثر من مليـاري نسـمة في‬

‫أفــق منتصــف القــرن الحــالي؛ مــوازاة مــع تســارع ظــاهرة التمــدن‪ ،‬وتكــوين طبقــة اجتماعيــة متوســطة من‬

‫شـــأنها أن تؤســـس لنمـــوذج تنمـــوي يرتكـــز على الطلب الـــداخلي (الفق ــرة األولى)‪ .‬كم ــا أن هـــذه العوامـــل‬

‫ستخلق مجموعة من التحديات‪ ،‬تستوجب على القارة اإلفريقية مواجهتها في ظل افــتراض تزايـد التنـافس‬

‫الدولي على مواردها وأسواقها (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إفريقيا السوق االستهالكية المستقبلية‬

‫من أهم نتائج النمو االقتصادي المسجل خالل العقدين األخيرين في إفريقيا‪ ،‬تزايد نسـبة الطبقـة‬

‫المتوسطة بها‪ ،‬فمع بداية العقد الحالي أصبحت هذه الطبقـة تشـكل أزيـد من ثلث سـكان القـارة اإلفريقيـة (‬
‫‪908‬‬
‫‪ )%34‬إذ انتقل عدد السـكان األفارقـة الـذين يشـكلون هـذه الطبقـة من ‪ 355‬مليـون نسـمة سـنة ‪2010‬‬

‫إلى ‪ 375‬ملي ــون نس ــمة س ــنة ‪ ،2013‬وفي أف ــق ‪ 2030‬حس ــب التوقع ــات فه ــذه الطبق ــة س ــتتجاوز نص ــف‬

‫‪906‬‬
‫‪-UNCTAD, Then and now: reimagining Africa’s future catalysing investment for transformative‬‬
‫‪growth. Geneva, 2015, p2‬‬
‫‪907‬‬
‫‪- International Renewable Energy Agency, Africa’s renewable future the path to sustainable growth,‬‬
‫‪United Arab Emirates, 2013, p 5.‬‬
‫‪908‬‬
‫‪- Banque Africaine de développement, l’Afrique dans 50 ans vers une croissance inclusive, Tunis, Tunisie,‬‬
‫‪Aout 2011. P 14.‬‬

‫‪454‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ملي ـ ــار نس ـ ــمة‪ %60( ،‬من ه ـ ــذه الطبقـ ــة س ـ ــتعيش بـ ‪ 1,7‬إلى ‪ 3,5‬أورو يومي ـ ــا)‪ ،‬ومن المنتظ ـ ــر أن يبل ـ ــغ‬

‫إجمـالي عـدد سـكان القـارة اإلفريقيـة سـنة ‪ 2,6 2050‬مليـار نسـمة‪ ،‬منهـا ‪ 1,1‬مليـار نسـمة تشـكل الطبقـة‬

‫المتوسطة‪.‬‬

‫وإ ذا كانت جـل الـدول المتقدمـة تعـاني من ارتفـاع معـدل شـيخوخة سـاكنتها‪ ،‬فـإن الهـرم السـكاني‬

‫في إفريقيا تهيمن عليه حاليا ومستقبال طبقة الشباب‪ ،‬التي تعد األكثر عبر العالم‪ ،‬فأكثر من ‪ 200‬مليــون‬

‫إفــريقي حاليــا تــتراوح أعمــارهم مــا بين ‪ 24-15‬ســنة‪ ،‬أي مــا يشــكل ‪ %20‬من العــدد اإلجمــالي لســكان‬

‫‪ .‬وبــذلك فالقــارة اإلفريقيــة‬ ‫القــارة‪ ،‬وســيتجاوز تعــداد هــذه الفئــة ‪ 321‬مليــون نســمة في غضــون ‪2030‬‬
‫‪909‬‬

‫هي المنطقــة الــتي ســتعرف زيــادة مهمــة من هــذه الفئــة العمريــة مقارنــة مــع منــاطق العــالم األخــرى‪ ،‬كمــا‬

‫يوضحها المبيان أسفله‪.‬‬

‫تقديرات الساكنة التي تتراوح أعمارهم ما بين ‪ 24-15‬سنة خالل الفترة ما بين ‪( 2030-2010‬بالمليون‬ ‫المبيان رقم ‪:47‬‬

‫نسمة‪ ،‬ونسبة التغيير)‬

‫المصدر‪:‬‬
‫‪- Deloitte, la consommation en Afrique le marche du XXI e siècle,‬‬
‫‪Juin 2015, p15.‬‬

‫‪909‬‬
‫‪- Deloitte, la consommation en Afrique le marche du XXIe siècle, Juin 2015, p 2-3.‬‬

‫‪455‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وله ــذا فإن ــه يتعين على ال ــدول اإلفريقي ــة في سياس ــاتها المس ــتقبلية األخ ــذ بعين االعتب ــار ه ــذا‬

‫العام ــل‪ ،‬وذل ــك بتوف ــير التعليم والتك ــوين الالئ ــق له ــؤالء الش ــباب لالس ــتفادة من طاق ــاتهم‪ ،‬فمن المتوق ــع أن‬

‫تتــوفر إفريقيــا على أكــبر نســبة من اليــد العاملــة ســنة ‪ ،9102040‬وإ ال ستشــكل عائقــا وتحــديا أمــام تطورهــا‬

‫وخطــرا على االســتقرار السياســي واالجتمــاعي بهــا‪ ،911‬ممــا يعــني أن اســتمرار النمــو الــذي حققتــه القــارة‬

‫اإلفريقي ــة خالل العق ــد األخ ــير وتحويل ــه إلى تنمي ــة مجتمعي ــة ش ــاملة‪ ،‬س ــيبقى رهين ــا بم ــدى تأهي ــل الم ــوارد‬

‫البشـــرية الـــتي ســـتؤدي دورا أساســـيا في االنتاجيـــة العامـــة‪ ،‬فـــالنمو الس ــريع والمس ــتمر للس ــاكنة النشـــيطة‬

‫اقتصــاديا (مــا بين ‪15‬و ‪ 64‬ســنة) بمعــدل نمــو يصــل تقريبــا ‪ %3,5‬ســنويا ســيؤدي إلى ارتفــاع ملحــوظ‬

‫للســاكنة القــادرة على الشــغل والعمــل‪ ،‬ومن المــرتقب أن يصــل عــدد هــذه الفئــة ‪ 1,87‬مليــار نســمة ســنة‬

‫‪ 2050‬أي أن ‪ %74‬من األفارقة سيكونون في سـن الشـغل خالل هـذه المرحلـة‪ ،912‬أكـثر من الهنـد الـذي‬

‫ستبلغ فيها هذه الفئة ‪ 1,14‬مليار نسمة‪ ،‬وأكثر من الصين بكثير‪ ،‬والتي من المتوقع أن يصل فيها تعــداد‬

‫هذه الفئة ازيد من ‪ 790‬مليون نسمة‪.913‬‬

‫في هــذا اإلطــار‪ ،‬تم تأســيس الجامعــة اإلفريقيــة ســنة ‪ 2008‬بــدعم من االتحــاد اإلفــريقي‪ ،‬والــتي‬

‫تهــدف إلى تيســير الولــوج إلى التعليم العــالي وتكــوين قــادة أفارقــة جــدد‪ .‬وقــد انطلقت أربعــة معاهــد تابعــة‬

‫لهــذه الجامعــة في كــل من شــمال إفريقيــا بــالجزائر (معهــد الميــاه وعلــوم الطاقــة والتغــيرات المناخيــة) وفي‬

‫غرب إفريقيا (معهد علوم الحياة واألرض ويتضمن أيضا الدراسات الخاصة بالمجال الصحي والفالحي‬

‫بنيجيريا‪ ،‬أما بوسط إفريقيا فقد أنطلق (معهــد الحكامــة والعلــوم اإلنســانية واالجتماعيــة) بالكــاميرون‪ ،‬وفي‬

‫‪910‬‬
‫‪- KPMG, Arica the role of cities in Africa’s rise, 2012, p4. Viewed 12/10/2015:‬‬
‫‪http://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/Articles-Publications/Documents/The-Role-of-Cities-in-‬‬
‫‪Africas-Rise.pdf.‬‬
‫‪911‬‬
‫‪- African Center for Economic Transformation, 2014 African Transformation Report Growth with Depth,‬‬
‫‪Accra Ghana, 2014, p 15.‬‬
‫‪912‬‬
‫‪- Banque Africaine de développement, l’Afrique dans 50 ans vers une croissance inclusive, op, cit, p 13.‬‬
‫‪913‬‬
‫‪- African Center for Economic Transformation, 2014 African Transformation Report Growth with Depth,‬‬
‫‪op,cit, p 14.‬‬

‫‪456‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ش ــرق إفريقي ــا معه ــد عل ــوم التكنولوجي ــا واإلب ــداع بكيني ــا‪ .‬وس ــيتم انطالق المعه ــد الخ ــاص بعل ــوم الفض ــاء‬

‫بمنطقة إفريقيا الجنوبية بدولة جنوب إفريقيا سنة ‪.914 2016‬‬

‫خالل العق ــدين األخ ــيرين‪ ،‬أص ــبحت أغلب الس ــاكنة اإلفريقي ــة ت ــتركز في الحواض ــر‪ ،‬إذ ش ــكلت‬

‫نسبة الساكنة اإلفريقية بالمدن نسبة ‪ %40‬من مجمــوع ســكانها ســنة ‪ ،2010‬ومن المتوقــع أن تصــل هــذه‬

‫النس ـ ــبة إلى ‪ %50‬س ـ ــنة ‪ 2030‬و‪ %65‬س ـ ــنة ‪ .9152060‬ومن نت ـ ــائج ذل ـ ــك تزاي ـ ــد الطلب على الم ـ ــواد‬

‫االســتهالكية للخــدمات والمنتوجــات‪ ،916‬الشــيء الــذي من شــأنه أن يــؤدي إلى زيــادة النــاتج الــداخلي الخــام‬

‫اإلفريقي بـ ‪ 1100‬مليار دوالر أمريكي عند حلول سـنة ‪ ،2019‬ومن المنتظـر أن تصـبح إفريقيـا السـوق‬

‫الثانية على المستوى العالمي خالل السنوات القادمة‪.917‬‬

‫وحســب التوقعــات الــتي أنجزهــا البنــك اإلفــريقي للتنميــة‪ ،‬فــأغلب دول القــارة اإلفريقيــة ســتعرف‬

‫نمو ناتجها الـداخلي الخـام؛ إذ سـيرتفع من ‪ 1,7‬ألـف مليـار دوالر سـنة ‪ 2010‬إلى ‪ 15‬مليـار دوالر سـنة‬

‫‪ ،2060‬وكـ ــذا النـ ــاتج الـ ــداخلي الخـ ــام الفـ ــردي‪ ،‬الـ ــذي سـ ــينمو من ‪ 1667‬دوالر إلى ‪ 5617‬دوالر سـ ــنة‬

‫‪ ،2060‬غير أنه سيبقى ضعيفا مقارنة مع الناتج الداخلي الخام الفـردي لكوريـا الجنوبيـة حاليـا (‪17000‬‬

‫دوالر سنة ‪ )2010‬بشكل مستمر خالل الفترة الممتــدة من ‪ 2010‬إلى ‪ ،2060‬ممــا ســيؤدي إلى القضــاء‬

‫على الفقــر المــدقع في جــل أنحــاء القــارة‪ ،‬إذ ســتنخفض نســبة الســكان الــذين يعيشــون على أقــل من ‪1,25‬‬

‫دوالر يوميا من نسبة ‪ %44‬سنة ‪ 2010‬إلى ‪ %33,3‬سنة ‪.9182060‬‬

‫وترتكز فرص االستهالك بإفريقيا على خمسة محاور أساسية‪ :‬صــعود الطبقــة المتوســطة بقــوة‪،‬‬

‫النمــو الــديمغرافي‪ ،‬هيمنــة فئــة الشــباب على الســاكنة‪ ،‬التمــدن الســريع؛ فنســبة األفارقــة الــذين يعيشــون في‬

‫المــدن هي قابلــة للمقارنــة اآلن بالصــين وأكــبر من الهنــد‪ ،919‬باإلضــافة إلى تزايــد رغبــة الشــباب اإلفــريقي‬
‫‪914‬‬
‫‪- African Union, Agenda 2063 The Africa we want, Addis Ababa, August 2014.‬‬
‫‪915‬‬
‫‪- Banque Africaine de développement, l’Afrique dans 50 ans vers une croissance inclusive, op, cit, p 14.‬‬
‫‪ - 916‬للتوسع أكثر في هذه النقطة راجع‪:‬‬
‫فيجاي ماهاجان‪ ،‬نهوض إفريقيا ‪ 900 :‬مليون مستهلك إفريقي يقدمون فرصا تتجاوز توقعاتك‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪917‬‬
‫‪- Deloitte, la consommation en Afrique le marché du XXIe siècle, p 2.‬‬
‫‪918‬‬
‫‪- Banque Africaine de développement, l’Afrique dans 50 ans vers une croissance inclusive, op, cit, p 12.‬‬
‫‪ -919‬آيار بريمر‪ ،‬عالم بال قيــادة‪ :‬كــل أمة لنفســها الرابحــون والخاســرون في عــالم المجموعــة الصــفرية‪( ،‬ترجمة فاطمــة الـذهبي)‪ ،‬بــيروت‪ ،‬دار‬
‫الفاربي‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬كانون الثاني ‪ ،2014‬ص ‪.194‬‬

‫‪457‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫في امتالك التكنولوجيا الرقمية؛ فحاليا نسبة ‪ %20‬من ســكان القـارة اإلفريقيــة مرتبطــة بــاألنترنيت مقابــل‬

‫‪ %75‬بأوروبا و‪ %32‬بآسيا‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فإفريقيا تعتبر رائدا في أداء فواتير الهواتف النقالة‪،‬‬

‫ومن المتوقــع أن تصــل نسـبة المشـتركين في خـدمات الهـاتف النقـال بإفريقيـا سـنة ‪ 2017‬إلى ‪ %97‬منهـا‬

‫‪ %30‬مرتبطة باألنترنيت عبر الهواتف الذكية‪.920‬‬

‫ولإلشــارة فمــا بين ‪ 2012-2000‬بلــغ المعــدل الســنوي لنمــو نفقــات االســتهالك النهــائي لألســر‬

‫اإلفريقي ـ ــة ‪ %10,7‬أي بزي ـ ــادة ‪ 740‬ملي ـ ــار أورو ليبل ـ ــغ االس ـ ــتهالك النه ـ ــائي ‪ 1130‬ملي ـ ــار أورو س ـ ــنة‬

‫‪ .9212012‬ولق ــد ارتفعت نس ــبة قط ــاع الخ ــدمات في االنت ــاج اإلف ــريقي من ‪ %45‬م ــا بين ‪2004-2001‬‬

‫إلى ‪ %49‬م ــا بين ‪ ،2012-2009‬وه ــو م ــا يش ــبه إلى ح ــد م ــا االتج ــاه الس ــائد في تط ــور إنت ــاج ال ــدول‬

‫النامية‪ ،‬إذ ارتفعت نسبة قطاع الخدمات في إنتاجها خالل الفترتين نفسهما من ‪ %51,9‬إلى ‪.%52,8‬‬

‫وق ــد وص ــلت قيم ــة ال ــواردات اإلفريقي ــة من الخ ــدمات س ــنة ‪ 2012‬إلى ‪ 173‬ملي ــار دوالر‪ ،‬أم ــا‬

‫صــادراتها في هــذا المجــال خالل الســنة نفســها فبلغت ‪ 98‬مليــار دوالر‪ ،‬وهــو مــا يشــكل نســبة ‪ %2,2‬من‬

‫إجمال الصادرات العالمية‪ ،‬مقابل ‪ %3,6‬ألمريكا الالتينية‪ ،‬و‪ %24,3‬بالنسبة آلسيا‪.922‬‬

‫إن األعداد الغفيرة من السكان األفارقة الذين سيهاجرون إلى المدن اإلفريقيــة تفـرض مجموعـة‬

‫من التحــديات الــتي يجب التعامــل والتخطيــط لهــا من اآلن‪ ،‬وإ ال ســتتحول هــذه المراكــز إلى مــدن مشــوهة‬

‫تعــرف انتشــار الجريمــة والفســاد بجميــع أنواعــه‪ ،‬ممــا ســيغذي الصــراعات الــتي تعيشــها القــارة اإلفريقيــة‪،‬‬

‫فمن المنتظــر أن يهــاجر ‪ 800‬مليــون إفــريقي أو يولــد بــالمراكز الحضــرية خالل األربعــة عقــود القادمــة‪،‬‬

‫أي أن حوالي ‪ 1,5‬مليار نسمة ستعيش بالمدن اإلفريقية بحلول ســنة ‪ ،2050‬ممــا ســيزيد من عــدد المــدن‬

‫التي يقطن بها أكثر من عشرة ماليين نسمة إلى ‪ 15‬مدينة‪.923‬‬

‫‪920‬‬
‫‪- Deloitte, la consommation en Afrique le marché du XXIe siècle, op,cit, p 3.‬‬
‫‪921‬‬
‫‪- Ibid, p 2.‬‬
‫‪922‬‬
‫‪- Conférence des Nations Unies sur le commerce et le développement, le Développement économique en‬‬
‫‪Afrique rapport 2015 libérer le potentiel du commerce des services en Afrique pour la croissance et le‬‬
‫‪développement, United National, New York et Genève, Juin 2015, p 8- 25.‬‬
‫‪923‬‬
‫‪- JICA Research Institute, Development challenge in Africa towards 2050, June 2013, p102, viewed‬‬
‫‪2/01/2016 at:‬‬

‫‪458‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫إن هــدف تحقيــق التنميــة بالقــارة اإلفريقيــة‪ ،‬يســتوجب على دولهــا االســتثمار بشــكل مكثــف خالل‬

‫الخمسـ ـ ــين سـ ـ ــنة المقبلـ ـ ــة في مجـ ـ ــال التعليم والتربيـ ـ ــة والصـ ـ ــحة‪ ،‬باإلضـ ـ ــافة إلى توجيـ ـ ــه نسـ ـ ــب من هـ ـ ــذه‬

‫االســتثمارات لســد العجــز الحاصــل في مجــال البنيــة التحتيــة كالنقــل واالتصــاالت والمــاء وتطهــير الســائل‬

‫واالحتياجات من الطاقة‪ ،‬قصد خلق مناخ مالئم لريادة األعمال لجلب االســتثمارات الداخليــة والخارجيــة‪،‬‬

‫وتشــجيع التجــارة البينيــة بين أقطارهــا‪ ،‬للوصــول إلى انــدماج جهــوي‪ ،‬قــادر على مواجهــة التحــديات الــتي‬

‫تفرضها التكتالت االقتصادية األخرى على القارة اإلفريقية‪.‬‬

‫فقــد قــدر مثال عــدد األفارقــة الــذين لم يرتبطــوا بشــبكة الكهربــاء في ســنة ‪ 2010‬بحــوالي ‪590‬‬

‫مليون نسمة أي أزيد من نصــف سـكان القـارة (‪ ،)%57‬أمـا الـذين ال يتـوفرون على مرافــق نظيفـة للطبخ‬

‫فقد وصل عددهم إلى ‪ 700‬مليون إفريقي وهو ما يمثل ‪ %86‬من سكان إفريقيـا‪ .‬وإ ذا تم االسـتمرار في‬

‫هذا االتجاه سيبقى ‪ 655‬مليون إفــريقي بـدون كهربـاء و‪ 866‬مليـون بـدون مرافــق الطهي النظيفـة بحلـول‬

‫سنة ‪.9242030‬‬

‫تــأتي القــارة اإلفريقيــة في مــؤخرة منــاطق العــالم‪ ،‬من حيث خــدمات البنيــات التحتيــة الــتي تشــكل‬

‫عائقا أساسيا أمام تحقيق االندماج الفعـال بين دولهـا‪ ،‬فــرداءة البنيـة التحتيـة في الـدول اإلفريقيـة السـاحلية‬

‫تمثل ‪ %40‬من تكلفة النقل‪ ،‬وتصل هذه النسبة إلى ‪ %60‬بالنسبة للدول الحبيســة غــير الســاحلية‪ ،‬فــأغلب‬

‫دول القارة اإلفريقية لم تستطع التغلب على هــذه العقبــات إلى حــدود ‪ .2000‬ولتجــاوز هـذه الوضــعية فقـد‬

‫تم وض ــع برن ــامج تنمي ــة البني ــة التحتي ــة بإفريقي ــا‪ ،‬ال ــذي يه ــدف إلى تحقي ــق بن ــاء ‪ 37200‬كلم من الطري ــق‬

‫السيار‪ 30200 ،‬كلم من السكك الحديدة‪ ،‬و‪ 16500‬كلم للربط بشبكة الكهربـاء بحلـول عـام ‪ ،2040‬كمـا‬

‫يهدف أيضا إلى إضافة ‪ 54150‬ميكاواط من الطاقة الكهربائية‪ ،‬و‪ 1,3‬مليار طن من القدرة االســتيعابية‬

‫للمــوانئ‪ .‬وقــد خصــص لهــذا البرنــامج مــا يقــدر بـ ‪ 360‬مليــار دوالر في أفــق ‪ 2040‬و‪ 68‬مليــار دوالر‬

‫‪https://jica-ri.jica.go.jp/publication/assets/TICAD_Africa_2050_JICA-RI.pdf.‬‬
‫‪924‬‬
‫‪- International Renewable Energy Agency, Africa’s renewable future the path to sustainable growth, op,‬‬
‫‪cit, p 5.‬‬

‫‪459‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫س ـ ــنة ‪ .2020‬وحالي ـ ــا خص ـ ــص ل ـ ــه ‪ 31‬ملي ـ ــار دوالر س ـ ــنويا منه ـ ــا ‪ %75‬موجه ـ ــة لالس ـ ــتثمار و‪%25‬‬

‫للصيانة‪.925‬‬

‫إجم ـ ــاال‪ ،‬ثم ـ ــة عوام ـ ــل عدي ـ ــدة الب ـ ــد أن تتحكم في الس ـ ــياقات ال ـ ــتي تتكش ـ ــف ض ـ ــمنه المس ـ ــارات‬

‫المســتقبلية للتنــافس الــدولي بإفريقيــا‪ ،‬فــإذا أصــبحت القــارة اإلفريقيــة تعتــبر من األســواق الواعــدة مســتقبال‪،‬‬

‫نتيجـ ــة العوامـ ــل السـ ــالفة الـ ــذكر‪ ،‬باإلضـ ــافة إلى كونهـ ــا تعتـ ــبر من أهم منـ ــاطق العـ ــالم المنتجـ ــة للـ ــثروات‬

‫الطبيعية‪ ،‬الطاقية والمعدنية منها‪ ،‬والتي من المحتمل أن يزيد الطلب العالمي عليها خصوصا من طـرف‬

‫القوى اآلسيوية كالصـين والهنـد الـتي أصـبحت تحقـق نمـوا اقتصـاديا كبـيرا في العقـود األخـيرة‪ ،‬وبالتـالي‬

‫تزاي ــد الم ــداخيل اإلفريقي ــة من بي ــع ه ــذه ال ــثروات‪ .‬فهن ــاك ثالث ــة عوام ــل س ــتؤثر على التغ ــير في إفريقي ــا‪:‬‬

‫التغيرات المناخية‪ ،‬وقضية المياه واألراضي‪ ،‬ومسألة الحكم بإفريقيا التي سنناقشها في الفقرة الموالية‪:‬‬

‫‪-‬التغيرات المناخيـة‪ :‬لقــد أصــبح تغــير المنــاخ يشــكل تهديــدا حقيقيــا لكــل أنحــاء العــالم وخاصــة‬

‫إفريقيـا‪ ،‬إذ أن بعض الـدول اإلفريقيـة عـانت وسـتعاني من نتـائج التغـيرات المناخيـة من قبيـل الفيضــانات‪،‬‬

‫الجفــاف‪ ،‬التســاقطات المطريــة غــير المنتظمــة‪ ،‬ومــا ســتنتجه من تحــديات كالمجاعــات الــتي ســتهدد بعض‬

‫المناطق اإلفريقية نتيجة ضــعف قــدراتها للتكيـف مـع هـذه المتغـيرات‪ ،‬الشـيء الـذي يجعلهـا أكـثر هشاشـة‪.‬‬

‫إض ــافة إلى ك ــون الق ــارة اإلفريقي ــة تع ــد أك ــثر المن ــاطق ال ــتي تع ــرف درج ــات الح ــرارة المرتفع ــة‪ ،‬فحس ــب‬

‫التوقعــات فإنــه مــع نهايــة القــرن الحــالي ســترتفع درجــة الحــرارة بإفريقيــا بـ ‪ 3‬إلى ‪ C°4‬أي بزيــادة مــرة‬

‫ونص ــف مقارن ــة م ــع مع ــدل ارتف ــاع الح ــرارة على المس ــتوى ال ــدولي‪ ،‬وبالت ــالي ف ــإن االنحب ــاس الح ــراري‬

‫ستكون له انعكاسات سلبية على التنمية السوسيو‪-‬اقتصادية والفردية بإفريقيا‪.‬‬

‫‪-‬األراضي والمياه‪ :‬بالرغم من توفر القـارة اإلفريقيـة على مسـاحات شاسـعة صــالحة للزراعـة‪،‬‬

‫حــوالي ‪ %21‬من أراض ــيها‪ ،‬ف ــإن الض ــغط على األراض ــي والميــاه‪ ،‬نتيجــة التزايــد الــديمغرافي‪ ،‬واالقبــال‬

‫‪925‬‬
‫‪- Commonwealth Business Council, The Infrastructure investment report 2013, London, March 2013, P 9.‬‬

‫‪460‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ال ــدولي على ش ــراء األراض ــي الفالحي ــة بإفريقي ــة‪ ،‬س ــيخلق بعض المش ــاكل والت ــوترات في المس ــتقبل‪،926‬‬

‫خصوصا إذا علمنا أن أزيد من ‪ %40‬من سكان إفريقيــا‪ ،‬يعيشــون في أجــزاء واســعة من األراضــي شــبه‬

‫القاحلة‪ ،‬واألراضي الجافة أو الرطبة‪ ،‬ففي ‪ 16‬دولة إفريقية أصبح التصحر يتجاوز الـ‪.927%50‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬السيناريوهات المستقبلية لألوضاع اإلفريقية في ظل التنافس الدولي‬

‫تعتـ ــبر المـ ــوارد الطبيعيـ ــة المتـ ــوفرة بكـ ــثرة بإفريقيـ ــا‪ ،‬باإلضـ ــافة إلى الفـ ــرص االقتصـ ــادية الـ ــتي‬

‫أصبحت توفرها القارة‪ ،‬من االهتمامات المشتركة بين القوى الدولية المتنافسة بالقارة اإلفريقية‪ ،‬وهـو مـا‬

‫تعكســه جــل البيانــات الختاميــة للقمم الــتي جمعت هــذه القــوى بالقــارة اإلفريقيــة مــؤخرا‪ ،‬ممــا يؤكــد األهميــة‬

‫البالغـ ــة الحاليـ ــة والمسـ ــتقبلية الـ ــتي أصـ ــبحت تتمتـ ــع بهـ ــا القـ ــارة اإلفريقيـ ــة على مسـ ــتوى االسـ ــتراتيجيات‬

‫المستقبلية لهذه القوى‪ ،‬خاصة ما يتعلق بالنواحي االقتصادية واالستثمارات‪ ،‬وهو ما تعكسه جل القضــايا‬

‫التي تمت مناقشتها بهذه القمم‪.‬‬

‫فالقمــة األمريكيــة اإلفريقيــة الــتي عقــدت في غشــت من عــام ‪ 2014‬بمشــاركة ‪ 50‬دولــة إفريقيــة‬

‫تحت ش ــعار "االس ــتثمار في الجي ــل الق ــادم" ج ــاءت في س ــياق القل ــق األم ــريكي من تغلغ ــل الق ــوى الك ــبرى‬

‫األخــرى داخــل القــارة‪ ،‬خاصــة الصــين من جهــة‪ ،‬ومن جهــة أخــرة تطــوير السياســة األمريكيــة الــتي تعــاني‬

‫عدة إشكاالت في إفريقيا‪.‬‬

‫وعلى ال ـ ــرغم من ترك ـ ــيز المس ـ ــئولين األمريك ـ ــيين‪ ،‬وفي مق ـ ــدمتهم مس ـ ــاعدة وزي ـ ــر الخارجي ـ ــة‬

‫األم ــريكي للش ــؤون األفريقي ــة لينــدا جرينفيــل‪ ،‬على أن القم ــة‪ -‬ال ــتي تع ــد األولى من نوعه ــا‪ -‬ته ــدف إلى‬

‫تط ــوير الق ــارة‪ ،‬وبن ــاء ق ــدرات دوله ــا‪ ،‬ودمجه ــا في االقتص ــاد الع ــالمي والنظ ــام األم ــني ال ــدولي‪ ،‬ف ــإن ه ــذه‬

‫الكلمــات لم تخــف الحــرص األمــريكي على اســتخدام هــذه القمــة لتحقيــق جملــة من المصــالح االقتصــادية‬

‫للسـ ــيطرة على مـ ــوارد القـ ــارة الهائلـ ــة ومواجهـ ــة نمـ ــو النفـ ــوذ الصـ ــيني هنـ ــاك‪ ،‬حيث تشـ ــهد العالقـ ــات بين‬

‫‪926‬‬
‫‪- Banque Africaine de développement, l’Afrique dans 50 ans vers une croissance inclusive, op, cit, p 29-‬‬
‫‪30.‬‬
‫‪ - 927‬عبيد إمجين‪ ،‬إفريقيا والماء‪ ،‬مراجعات كتب مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 24 ،‬يونيو ‪ ،2015‬ص‪.3‬‬

‫‪461‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ال ــدولتين تنافس ــا محموم ــا على اس ــتغالل م ــوارد وإ مكان ــات الق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬وخالل ه ــذه القم ــة وع ــدت‬

‫الواليــات المتحــدة بتوســيع نطــاق التجــارة واالســتثمار مــع إفريقيــا‪ ،‬حيث إنــه تم اإلعالن عن اســتثمارات‬

‫أمريكيـ ــة بلغت قيمتهـ ــا ‪ 33‬مليـ ــار دوالر تهـ ــدف إلى تعزيـ ــز "التنميـ ــة" بالقـ ــارة اإلفريقيـ ــة خالل السـ ــنوات‬

‫القادمة‪.‬‬

‫أضف إلى ذلــك أربعــة مليــارات دوالر أخــرى‪ ،‬خصصــتها المنظمــات غـير الحكوميــة األمريكيــة‬

‫لتعزيــز صــحة المــرأة والطفــل ومكافحــة اإليــدز‪ ،‬هــذا فضــال عن مشــروعات الطاقــة المزمــع تنفيــذها في‬

‫القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬الــتي ســتوفر الكهربــاء لنحــو ‪ 60‬مليــون مــنزل ومشــروع‪ .‬وســيتم طــرح مبــادرة لألمن‬

‫الغذائي‪ ،‬تسعى إلى انتشال ‪ 15‬مليـون شـخص في إفريقيـا من الفقـر‪ .928‬وهـو مـا أكدتـه وثيقـة اسـتراتيجية‬

‫األمن القــومي األمريكيــة الصــادرة ســنة ‪ 2015‬الــتي جــاءت األكــثر تفصــيال عن إفريقيــا‪ ،‬من خالل تأكيــد‬

‫ك ـ ــون الوالي ـ ــات المتح ـ ــدة س ـ ــتعمل على تقوي ـ ــة ق ـ ــدرات المنظم ـ ــات اإلقليمي ـ ــة اإلفريقي ـ ــة وت ـ ــدعمها‪ ،‬لح ـ ــل‬

‫الص ــراعات والنزاع ــات اإلفريقي ــة‪ ،‬مث ــل االتح ــاد اإلف ــريقي‪ ،‬وهي نس ــخة قاري ــة الس ــتراتيجية القي ــادة من‬

‫الخلف في ضوء تنافسها االستراتيجي مع الصين على النفوذ هناك‪.929‬‬

‫إن المص ـ ـ ــالح الحيوي ـ ـ ــة للهن ـ ـ ــد في إفريقي ـ ـ ــا جعلته ـ ـ ــا حريص ـ ـ ــة على تنمي ـ ـ ــة عالقته ـ ـ ــا السياس ـ ـ ــية‬

‫واالقتصــادية مــع دول هــذه القــارة ‪ ،‬وفي هــذا اإلطــار استضــافت العاصــمة الهنديــة نيــودلهي قمــة الهنــد‪-‬‬

‫إفريقيا الثالثة في الفترة ما بين ‪ 29-26‬أكتوبر ‪ ،2015‬بمشاركة ‪ 40‬من القادة األفارقة وممثل االتحــاد‬

‫اإلفريقي إلى جانب رئيس الوزراء الهندي‪.‬‬

‫ويمكن النظر إلى منتدى الهند‪-‬إفريقيا على أنه جزء من التنافس الدولي في إفريقيا‪ ،‬خصوصــا‬

‫التنــافس مــع الصــين للحصــول على أكــبر قــدر من مواردهــا‪ ،‬فــالتحرك الهنــدي نحــو إفريقيــا بهــذا الحجم‬

‫الحــالي الــذي تعكســه توصــيات القمــة الهنديــة اإلفريقيــة الثالثــة‪ ،‬تعكس رغبتهــا في االســتفادة من التبــاطؤ‬

‫االقتصــادي الصــيني لتعزيــز دورهــا كشــريك بــديل للتجــارة مــع القــارة‪ ،‬حيث قــال رئيس الــوزراء الهنــدي‬
‫‪ - 928‬أمير محمد عبد الحليم‪ ،‬ما الذي تريده واشنطن من القمة األمريكية‪-‬اإلفريقية؟‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 929‬محمد مطاوع‪" ،‬استراتيجية األمن القومي األمريكية (‪ )2015‬المؤشرات الكبرى الجديدة ومالمح التغير"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪462‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ناريندرا مودي أثناء أشغال القمة‪ .‬إن الهند هي االقتصاد األسرع نموا في الوقت الذي تشهد فيــه إفريقيــا‬

‫نمــو كبــيرا أيضــا‪ .930‬وخالل هــذه القمــة تعهــدت الهنــد بتقــديم قــروض جديــدة بقيمــة ‪ 10‬مليــارات دوالر‬

‫للقارة اإلفريقية‪ ،‬باإلضافة إلى منح مساعدات مالية لبعض الدول اإلفريقية بقيمة ‪ 600‬مليون دوالر‪.931‬‬

‫وعلى الرغم من انعقاد أعمال المنتدى للمرة الثالثة‪ ،‬إال أن هذه القمـة عمـدت للمـرة األولى إلى‬

‫إصدار "وثيقة منتدى نيودلهي" التي تؤسس لرؤية الدول األعضــاء إزاء القضــايا العالميـة الكـبرى وترسـم‬

‫مسـار التعـاون اإلفـريقي_الهنـدي في المسـتقبل‪ ،‬من خالل تعزيـز الشـراكة بين الجـانبين بصـورة جوهريـة‬

‫أكثر‪ ،‬على أساس تطلعات الشــعوب اإلفريقيــة والشــعب الهنــدي لتحقيــق التنميــة والتكامــل واالزدهــار‪ ،‬كمــا‬

‫هــو مــبين في جــدول أعمــال االتحــاد اإلفــريقي ‪ 2063‬وخطتــه التنفيذيــة العشــرية األولى‪ ،‬وكــذلك األهـداف‬

‫اإلنمائية المستدامة في إطار جدول أعمال ‪ 2030‬للتنمية‪ ،‬وأولويات حكومة الهند‪.‬‬

‫وركز البيان الختامي للقمة على ضرورة إيجاد نظـام تجـاري متعـدد األطـراف لتعزيـز وتحقيـق‬

‫التنمي ــة المس ــتدامة والقض ــاء على الفق ــر‪ ،‬مطالب ــا بإص ــالح النظ ــام الم ــالي ال ــدولي ليك ــون أك ــثر ديمقراطي ــة‬

‫واســتجابة الحتياجــات البلــدان الناميــة‪ .‬كمــا أكــد قــادة المنتــدى عــزمهم القــوي على الــدفع بــإجراء إصــالح‬

‫شـ ــامل لمنظومـ ــة األمم المتحـ ــدة بمـ ــا في ذلـ ــك مجلس األمن لجعلـ ــه أكـ ــثر ديمقراطيـ ــة‪ .‬وطـ ــالب قـ ــادة دول‬

‫المنتــدى بضــرورة القيــام بعمــل جمــاعي عاجــل لوضــع هيكــل للمؤسســات العالميــة يكــون أكــثر ديمقراطيــة‪،‬‬

‫مما يساعد على ترسيخ أطر أمنية وإ نمائية دولية أكـثر إنصـافا وعـدال‪ ،‬حيث جـاء في الوثيقـة أنـه بـالرغم‬

‫من كون الهنـود واألفارقـة يشـكلون ثلث سـكان العـالم‪ ،‬إال أنهم ال يزالـون مسـتبعدين من التمثيـل المناسـب‬

‫في المؤسســات الدوليــة‪ .932‬وجــدد اإلعالن الــتزام دول المنتــدى بتعزيــز العالقــات بين الهنــد وإ فريقيــا في‬

‫‪ - 930‬مصطفى أحمدى‪" ،‬قمة الهند إفريقيا الثالثة‪..‬شراكة متعددة األوجه ودعم التعاون بين دول الجنوب"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد التاسع عشر‪،‬‬
‫يناير ‪.2016‬‬
‫‪ - 931‬دكر الرحمن‪ ،‬القمة الهندية اإلفريقية‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 19‬أبريل ‪ 2016‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=86999‬‬
‫‪- 932‬البيان الختامي للقمة الثالثة لمنتدى الهند_إفريقيا ‪ 29‬أكتوبر عام ‪ ،2015‬شركاء في التقدم نحو جدول أعمال إنمائي فارق وفعال إطار عمل‬
‫الهند‪-‬إفريقيا للتعاون اإلستراتيجي‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 15‬أبريل ‪ 2016‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.iafs.in/downloads/archives/arabic-framework.pdf‬‬

‫‪463‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية على أساسا مبــادئ التبــادل والتكامــل وعلى المعــنى‬

‫الحقيق للتضامن‪ ،‬فضال عن تعزيز التفاعل بين الشعوب‪.‬‬

‫كمـ ــا أكـ ــد إعالن نيـ ــودلهي ضـ ــرورة مواصـ ــلة العمـ ــل في مجـ ــاالت السـ ــالم واألمن واالسـ ــتقرار‬

‫كشرط مسبق للتنمية‪ ،‬وفي هذا الصدد أعربت الهند عن دعمهـا لمبـادرة االتحـاد اإلفــريقي للسـالم واألمن‬

‫وإ دارتهـ ــا وحلهـ ــا‪ ،‬باإلضـ ــافة إلى مواصـ ــلة تعـ ــاون الطـ ــرفين بشـ ــأن قضـ ــايا األمن البحـ ــري لمنـ ــع جـ ــرائم‬

‫القرصنة العابرة للحدود ومكافحة اإلرهـاب بجميـع أشـكاله ومظـاهره‪ ،‬وذلـك ببـدل جهـود منسـقة لالعتمـاد‬

‫المبكر التفاقية شاملة بشـأن اإلرهـاب الـدولي‪ ،‬باإلضـافة إلى الـدعوة إلى التنسـيق في المفاوضـات الدوليـة‬

‫حــول المنــاخ للوصــول إلى اتفــاق شــامل في هــذا المجــال مبــني على أســاس مبــادئ المســاواة والمســئولية‬

‫المشتركة‪.933‬‬

‫انعقــدت القمــة السادســة لمنتــدى التعــاون الصــيني اإلفــريقي في ديســمبر ‪ 2015‬بجنــوب إفريقيــا‪،‬‬

‫وقــد جــاءت بعــد ســنة من انعقــاد القمــة األولى الــتي جمعت الواليــات المتحــدة األمريكيــة بالقــارة اإلفريقيــة‬

‫سنة ‪ .2014‬التي عرفت مشاركة الرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما‪،‬‬

‫باإلضــافة إلى لـ ‪ 50‬من رؤســاء الــدول والحكومــات اإلفريقيــة ورؤســاء الوفــود اإلفريقيــة المشــاركة‪ ،‬كمــا‬

‫حضــرت فعاليــات المنتــدى رئيس االتحــاد اإلفــريقي أنكومازانا دالميني زومـا‪ ،‬وخالل هــذه القمــة أكــدت‬

‫الصــين كونهــا ســتعمل على تنفيــذ مجموعــة من المبــادرات بإفريقيــا خالل الســنوات المقبلــة‪ ،‬الــتي تهم دعم‬

‫التص ــنيع والتح ــديث ال ــزراعي والبني ــة األساس ــية والخ ــدمات المالي ــة والتنمي ــة الخض ــراء والتس ــهيالت في‬

‫مجال التجارة واالستثمار‪ ،‬وتخفيف حدة الفقر والرعاية االجتماعية والصحة العامة‪ ،‬والسلم واألمن‪.934‬‬

‫ولتنفيذ المبادرات السابقة‪ ،‬أعلنت الص ــين أنه ــا س ــوف تق ــدم دعم ــا مالي ــا تبل ــغ قيمت ــه ‪ 60‬ملي ــار‬

‫دوالر للقارة اإلفريقية‪ ،‬بما في ذلك ‪ 5‬ماليير دوالر في صورة مســاعدات حــرة وقــروض دون فوائــد‪ ،‬و‬

‫‪ - 933‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ - 934‬شيء يرسم خارطة طريق تحديث العالقات الصينية‪-‬اإلفريقية خالل قمة تاريخية‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 18/12/2015‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://arabic.news.cn/2015-12/05/c_134886785.htm‬‬

‫‪464‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ 35‬مليــار دوالر من القـروض التفضــيلية واعتمــادات تصــديرية بشــروط أكــثر تيســيرا‪ ،‬و‪ 5‬ماليــير دوالر‬

‫في صــورة رأســمال إضــافي لصــندوق التنميــة بين الصــين وإ فريقيــا والقــرض الخــاص لتنميــة المقــاوالت‬

‫الصغيرة والمتوسطة‪ ،‬وصندوق التعاون في مجال الطاقــة اإلنتاجيــة للصــين وإ فريقيــا برأســمال أولي تبلــغ‬

‫قيمت ـ ــه ‪ 10‬ملي ـ ــارات دوالر‪ .‬كم ـ ــا تعه ـ ــدت الص ـ ــين بتق ـ ــديم ‪ 60‬ملي ـ ــون دوالر مس ـ ــاعدة مجاني ـ ــة لالتح ـ ــاد‬

‫اإلفريقي‪ ،‬لدعم بناء وتشغيل قوة االستعداد اإلفريقية لالستجابة السريعة لالزمات‪ .935‬وهو ما يتجاوز ما‬

‫قدمت ــه الوالي ــات المتح ــدة خالل قمته ــا األخ ــيرة م ــع دول الق ــارة بح ــوالي الض ــعف‪ ،‬مم ــا يع ــني أن الص ــين‬

‫أصبحت تستعرض قوتها المالية في إطار البحث عن مناطق النفوذ‪.‬‬

‫إجماال‪ ،‬قضت الصين وقتـا طـويال في عـام ‪ ،2015‬لمحاولـة تنصـيب نفسـها العبـا رئيسـيا على‬

‫الس ــاحة العالمي ــة‪ ،‬ج ــزء كب ــير من ه ــذه الجه ــود ك ــانت ت ــذهب إلى إنف ــاق األم ــوال واالس ــتثمار الك ــثيف في‬

‫الــدول األقــل نمــوا‪ ،‬والــتي تحتــاج إلى بنــاء بنيــة تحتيــة للــدخول في التنافســية العالميــة في القــرن الحــادي‬

‫والعشـ ــرين‪ .‬وقـ ــد كـ ــانت القـ ــارة اإلفريقيـ ــة المسـ ــتفيد األول من هـ ــذه السياسـ ــة‪ ،‬بحيث حققت العالقـ ــات بين‬

‫الجــانبين تطــورا مهمــا؛ فقــد وقعت الصــين ‪ 245‬اتفاقيــة للمســاعدة االقتصــادية الجديــدة لــدول القــارة‪ ،‬كمــا‬

‫أعفت بنودا كثيرة من بنود الديون على ‪ 31‬دولة‪ ،‬في حين وقعت اتفاقيات مساعدات طبية مع ‪ 41‬دولة‬

‫في القارة السمراء‪.936‬‬

‫ويبقى الســؤال المطــروح في ســياق النمــو الــذي حققتــه القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬وتزايــد اهتمــام القــوى‬

‫الدولي ــة س ــواء الغربي ــة أو الص ــاعدة به ــا‪ :‬هــل ســيؤدي هــذا إلى جعلهــا تحتــل مركــزا متقــدما في النظــام‬

‫الـدولي؟ أم سـيزيد من تهميشـها واسـتنزاف خيراتهـا؟ وفي هــذا اإلطــار هنــاك اتجاهــان أحــدهما متشــائم‬

‫‪935‬‬
‫‪- El Mostafa Rezrazi, Current African Economic and Strategic Challenges and Opportunities:‬‬
‫‪Intersecting Views from China and Morocco, March 17, 2016. viewed 8/05/2016 at:‬‬
‫‪http://www.ocppc.ma/blog/current-african-economic-and-strategic-challenges-and-opportunities-intersecting-‬‬
‫‪views-china#.VzEDYDGNran‬‬
‫‪2015 - 936‬م‪ ...‬عام العالقات الصينية اإلفريقية‪( ،‬ترجمة قراءات إفريقية)‪ ،‬آسيا تايمز شوهد بتاريخ ‪ 30/12/2015‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.qiraatafrican.com/view/?q=2159‬‬

‫‪465‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بالنســبة لوضــع إفريقيــا المســتقبلي‪ ،‬واآلخــر متفائــل نظــرا للفـرص الــتي أصــبحت توفرهــا القـارة اإلفريقيــة‪،‬‬

‫وتزايد ترابطها مع القوى الدولية خصوصا الصاعدة منها‪.‬‬

‫االتجاه المتشائم‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫يؤكـد أصــحاب هـذا االتجـاه أن القـارة اإلفريقيـة سـتواجه مجموعـة من التحـديات الخطـيرة‪ ،‬منهـا‬

‫ارتفــاع حــدة الصــراعات السياســية بالعديــد من مناطقهــا‪ ،‬فحســب جورج فريدمان في كتابــه "العقــد القــادم"‪،‬‬

‫الصــادر ســنة ‪ ،2011‬فإنــه من المحتمــل أن تعــرف القــارة اإلفريقيــة نزاعــات قــد تعيــد تحديــد خرائطهــا‪،‬‬

‫وذل ــك لغي ــاب دول قومي ــة قوي ــة ق ــادرة على اس ــتيعاب جمي ــع اإلثني ــات المنتمي ــة إليه ــا‪ ،937‬بتحقي ــق العدال ــة‬

‫االجتماعية والتوزيع العـادل للـثروات‪ ،‬وهـو مـا أصـبحت تتزايـد بـوادره من خالل معطـيين أساسـين‪ :‬أوال‬

‫انتشار الحركات اإلرهابية بالعديد من المناطق اإلفريقية‪ ،‬ابتداء من تنظيم القاعدة في المغرب اإلسالمي‬

‫والجماعــة الســلفية للــدعوة والقتــال بــالجزائر مــرورا بحركــة التوحيــد والجهــاد بمــالي‪ ،‬وحركــة بوكــو حــرام‬

‫بنيجيريا‪ ،‬وصوال إلى حركة الشباب المجاهدين بالصومال‪ ،‬وتزداد خطورة هذا المعطى في ظــل اعتمــاد‬

‫هذه الحركات على ترابطها مع المافيا الـتي تتـاجر في تهـريب المخـدرات والبشـر والجريمـة المنظمـة في‬

‫الحصول على مصادر التمويل‪ .938‬ثانيا اتجاه العديد من الرؤساء األفارقة لتعـديل دسـاتير دولهم لضــمان‬

‫استمراريتهم في السلطة‪ .‬فإذ كانت الديمقراطية والمشاركة السياسية أصبحت تتجذر شيئا فشيئا بإفريقيا‪،‬‬

‫بحيث تم اعتبـار انتخابـات ‪ 18‬بلـدا إفريقيـا سـنة ‪ 2011‬بأنهـا ديمقراطيـة مقابـل ‪ 4‬فقـط سـنة ‪ .1991‬فــإن‬

‫بعض الحكام األفارقة المتسلطين استعادوا من جديد زمام المبادرة‪ ،‬وتحول مســار التعدديــة إلى حالــة من‬

‫الجمــود‪ ،‬باســتثناء مــا حصــل في عــدد محــدود من البلــدان اإلفريقيــة مثــل‪ :‬بوتســوانا وموريشــيوس اللــتين‬

‫قطعتــا أشــواطا بعيــدة على درب تحقيــق ديمقراطيــات ناجحــة وذات أداء فعــال‪ ،‬بقيت البلــدان األخــرى في‬

‫خانة النظم الهجينة‪ ،‬فال هي دكتاتورية وال هي ماضية بوضوح نحو الديمقراطية‪ .‬فبعد مرحلتي الحزب‬

‫‪ - 937‬بوحنية قوي‪ ،‬أوباما وإفريقيا‪ :‬دبلوماسية اقتصادية رخوة وتهديدات أمنية متزايدة‪ ،‬تقارير مركــز الجزيــرة للدراســات‪ ،‬الدوحــة‪ 22 ،‬ديســمبر‬
‫‪ ،2015‬ص ‪.4‬‬
‫‪ - 938‬الكتاب األبيض عن اإلرهاب في المغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.70-60‬‬

‫‪466‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الواحد والحكم العسكري تشكلت في ظـل االنتقـاالت الديمقراطيـة في إفريقيـا ظـاهرة سـلطوية جديـدة هي‪:‬‬

‫"ظــاهرة الحكم الشخصــي الــذي يعتمــد على الزبونيــة للشخصــية البــارزة في النظــام على نحــو خــاص‪ ،‬أي‬

‫لل ــزعيم ال ــذي يش ــغل ك ــل المناص ــب الحساس ــة في الدول ــة‪ ،‬س ــواء ك ــانت سياس ــية‪ ،‬أم عس ــكرية‪ ،‬واتباع ــه‬

‫الموالين له؛ أي االقرباء واألصدقاء وأبناء عشيرته‪ ،‬الذين يقوم والؤهم للزعيم عبر اشتراكهم في تقاســم‬

‫غنائم المنصب‪ ،‬حيث يـدعم الـزعيم شـبكة العمالء السياسـيين من خالل فتح المجـال أمـامهم للوصـول إلى‬

‫مـ ــوارد الدولـ ــة‪ ،‬وتعتـ ــبر الغنـ ــائم المرتبطـ ــة بالمناصـ ــب والصـ ــفقات هي قاعـ ــدة عالقـ ــة الـ ــراعي بالرعيـ ــة‬

‫(الزبائن) التي تؤدي دورا حاسما في نتائج االنتخابات‪ ،‬وفق مــا يشــرحه فرانسو بايار في كتابــه "سياســة‬

‫ملء البطون‪ ،‬سوسيولوجية الدولة اإلفريقية‪.939‬‬

‫وبتتب ــع مس ــار ومحط ــات التع ــديالت الدس ــتورية في ال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬يمكن تص ــنيفها إلى ثالث ــة‬

‫أن ــواع من الــدول في تعاطيه ــا م ــع ه ــذه التع ــديالت‪ ،‬فهن ــاك دول أفش ــلت مؤسس ــاتها الدس ــتورية والسياس ــية‬

‫والمجتمعية مخطط التعديل‪ ،‬وربحت شعوبها رهــان التحــول الــديمقراطي‪ ،‬كبوركينــا فاســو وبــنين‪ .‬وهنــاك‬

‫دول نجحت فيهـ ــا الزمـ ــرة التسـ ــلطية –في ظـ ــل مـ ــيزان قـ ــوة مختـ ــل‪ -‬في تمريـ ــر التعـ ــديالت‪ ،‬كبورونـ ــدي‬

‫والكونغ ــو والجزائ ــر ودجيب ــوتي‪ .‬فيم ــا ال ت ــزال مجموع ــة ثالث ــة تنتظ ــر نت ــائج ص ــراع اإلرادات الق ــائم بين‬

‫الق ــوى الش ــعبية والنظم التس ــلطية الغارق ــة في ه ــواجس ال ــربح والخس ــارة‪ ،‬ك ــالكونغو الديمقراطي ــة ورون ــدا‬

‫وموريتانيا‪.940‬‬

‫لقــد بــات موضــوع "تعــديل الدســاتير لواليــة ثالثــة" هاجســا مقلقــا للنخب والــرأي العــام اإلفريقــيين‪،‬‬

‫بــل يتجــه إلى أن يصــبح أحــد الملفــات المطروحــة بقــوة على جــدول أعمــال مؤسســات االتحــاد اإلفــريقي‪،‬‬

‫نظــرا لمــا يشــكله من تــداعيات سياســية وأمنيــة‪ ،‬ذات تــأثيرات خطــيرة على الســلم واألمن اإلفريقــيين‪ ،‬وقــد‬

‫بــدت مؤشــرات أوليــة في هــذا االتجــاه‪ ،‬حيث تحــدثت تقــارير خالل قمــة االتحــاد اإلفــريقي الـ ‪ 25‬المنعقــدة‬

‫‪ - 939‬سيدي أعمر شيخنا‪ ،‬الوالية الثالثة وتعديالت الدساتير اإلفريقية‪ ..‬جدل داخلي وتشجيع خارجي‪ ،‬تقارير مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة ‪،‬‬
‫‪ 13‬ديسمبر ‪ ،2015‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 940‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.7-6-5‬‬

‫‪467‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بمدينة جوهانسبورج بجنوب إفريقيا في يونيو ‪ 2015‬عن مبــادرة من دولــة جنــوب إفريقيــا تطــرح أفكــارا‬

‫حــول ميثــاق إفــريقي يحــدد الفــترة الرئاســية بواليــتين فقــط‪ ،‬وينص على احــترام الدســاتير ورفض التمديــد‬

‫لواليــة رئاســية ثالثــة‪ ،941‬لكن يالحــظ أن القمــة انتهت دون طــرح الموضــوع على جــدول أعمالهــا‪ ،‬الــذي‬

‫ركــز على قضــايا تهم مكافحــة اإلرهــاب ومواجهــة محكمــة الجنايــات الدوليــة‪ ،‬ويمكن إرجــاع ذلــك إلى أن‬

‫الكثير من القادة األفارقة ال يرغبون في طرحه ألنهم هم المتسببون فيها‪ .‬وما لم يحسم االتحـاد اإلفـريقي‬

‫موقفــه بشــأن هــذا اإلشــكال فســوف يتكــرر في العديــد من الــدول األخــرى‪ ،‬ممــا ســيؤدي إلى حالــة من عــدم‬

‫االســتقرار السياســي واألمــني‪ ،‬ال ســيما في الــدول الهشــة‪ .‬لــذلك فإنــه لمواجهــة حــدوث مثــل ذلــك‪ ،‬فإنــه ال‬

‫يســتبعد في ظــل تنــامي الــوعي بالديمقراطيــة في أوســاط الشــعوب اإلفريقيــة‪ ،‬باإلضــافة إلى المخــاوف من‬

‫انهيار األوضاع في بعض البلدان اإلفريقية‪ ،‬توجه االتحاد اإلفريقي في المستقبل إلى إضافة مــواد تتعلــق‬

‫بـ ـ ــالموقف من قضـ ـ ــية "الواليـ ـ ــات الثالثـ ـ ــة غـ ـ ــير الدسـ ـ ــتورية" إلى الميثـ ـ ــاق اإلفـ ـ ــريقي حـ ـ ــول الديمقراطيـ ـ ــة‬

‫واالنتخابات والحكم الرشيد"‪ ،‬التي تمت المصادقة عليه في ‪ 30‬يناير ‪ ،2007‬الذي تنص المادة ‪ 25‬منه‬

‫على تجــريم االنقالبــات وعــدم االعــتراف باألنظمــة المنبثقــة عنهــا‪ ،942‬غــير أنــه يالحــظ‪ ،‬أن أغلب الــدول‬

‫اإلفريقيــة ال تحــترم هــذه المــادة‪ ،‬فمــا أن يقــع انقالب في إحــدى الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬وتســيطر الطبقــة الحكامــة‬

‫الجــددة على الســلطة‪ ،‬حــتى تســير عضــوا بالمنظمــة اإلفريقيــة‪ ،‬وخــير مثــال على ذلــك االنقالب العســكري‬

‫في مصر سنة ‪ ،2013‬فعلى الرغم من إدانة االتحاد اإلفريقي لهــذا االنقالب‪ ،‬ففي األخــير استســلم لألمــر‬

‫الواقع وقبل به‪ ،‬ولم يتوجه نحو الضغط على الدولة المصرية الحترام الشرعية الدستورية‪.‬‬

‫باإلضــافة إلى هــذا اإلشــكال‪ ،‬فالقــارة اإلفريقيــة حســب هــذا االتجــاه‪ ،‬أصــبحت تعــرف في اآلونــة‬

‫األخيرة‪ ،‬تراجع تجارتهـا مـع بـاقي منـاطق العـالم‪ ،‬وذلـك نتيجـة تذبـذب أسـعار المـواد األوليـة في األسـواق‬

‫الدوليــة‪ ،‬الــتي تشــكل أغلب الصــادرات اإلفريقيــة‪ ،‬بــل أكــثر من ذلــك‪ ،‬فحســب بعض الدراســات ســتتراجع‬

‫أس ــعار ه ــذه الم ــواد مس ــتقبال مقارن ــة ب ــالمواد والخ ــدمات المقدم ــة‪ ،‬وه ــذا االنخف ــاض س ــيتراوح م ــا بين (‪-‬‬
‫‪ - 941‬بدر حسن شافعي‪ ،‬القمة اإلفريقية‪ ..‬قراءة أولية‪ ،‬تقارير مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 23 ،‬يونيو ‪ ،2015‬ص ‪.4‬‬
‫‪ - 942‬سيدي أعمر شيخنا‪ ،‬الوالية الثالثة وتعديالت الدساتير اإلفريقية‪ ..‬جدل داخلي وتشجيع خارجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.9‬‬

‫‪468‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪ )%0,6‬و (‪ )%2,3-‬ويمكن تفســير هــذا الــتراجع بزيــادة إنتــاج المــواد الــتي يمكن اســتبدالها‪ ،‬وكــذا التقــدم‬

‫التكنولوجي المتسارع الذي سيخفض كلفة استخراجها‪ .943‬مما سيبقي أغلب الدول اإلفريقيـة ذات الـدخل‬

‫المتوسط‪ ،‬في نفس المستوى الذي توجد عليه اآلن دون االلتحاق بركب الدول الصاعدة أو المتقدمة‪.‬‬

‫وحصلة ذلك سـيرتفع الـدخل الفـردي بإفريقيـا بأقــل من ‪ %1‬سـنويا‪ ،‬ليصــل في سـنة ‪ 2050‬إلى‬

‫‪ 4‬أل ــف دوالر حس ــب القيم ــة الش ــرائية لل ــدوالر خالل س ــنة ‪ .2010‬وبالت ــالي س ــيبقى األق ــل نم ــوا مقارن ــة‬

‫بالــدول األســرع نمــوا‪ ،‬ممــا يعــني أن حــوالي ‪ 690‬مليــون نســمة بإفريقيــا ســتعاني خالل ســنة ‪ 2050‬من‬

‫الفق ــر‪ ،‬أي أنه ــا س ــتكون المنطق ــة األق ــل دخال للف ــرد في الع ــالم‪ ،‬وستش ــكل الطبق ــة المتوس ــطة من إجم ــالي‬

‫سكانها ‪ %18‬فقط‪ ،‬الشيء الـذي سـيعمق تهميشـها إذ ستشـكل ‪ %2‬فقـط من النـاتج الـداخلي العـالمي‪.944‬‬

‫فقـــد جـ ــاء في تقريـ ــر البنـ ــك الـ ــدولي لسـ ــنة ‪ 2014‬أن ‪ %41‬من فق ــراء العـ ــالم يعيشـ ــون بإفريقيـ ــا جنـ ــوب‬

‫الصـحراء‪ ،‬وهـذه النسـبة سـتقارب ‪ %81‬بحلـول ‪ 2030‬إذا بقيت األوضـاع على مـا هي عليـه حاليـا بهـذه‬

‫المنطقــة‪ ،‬وهــو مــا يتطلب مضــاعفة الجهــود من الحكومــات اإلفريقيــة لمواجهــة هــذه التحــديات‪ .945‬وحســب‬

‫‪ Africa Progress Panel‬فإنـــه لتخفيض الفقـــر إلى نســـبة ‪ %3‬بإفريقي ــا خالل س ــنة ‪ 2030‬يجب أن‬

‫ينمــو الــدخل الفــردي بالقــارة اإلفريقيــة بحــوالي ‪ %7,5‬ســنويا‪ .‬باإلضــافة إلى التنويــع االقتصــادي‪ ،‬وتغيــير‬

‫بنية االقتصاد اإلفريقي كمفتاح ليكون للنمو المحقق حاليا تأثير على التنمية البشرية‪.946‬‬

‫ولهذا‪ ،‬فإنه لترسيخ التنمية بالقارة االفريقية‪ ،‬واالستفادة من الثروات الطبيعيــة الــتي تزخــر بهــا‪،‬‬

‫وتحقيق العيش الكريم لشعوبها‪ ،‬يجب تحقيــق الديمقراطيــة والحكم الرشــيد لتــدبير ووضــع حــد للصــراعات‬

‫المش ــتعلة ب ــأغلب دوله ــا‪ .947‬فهن ــاك عالق ــة ترابطي ــة بين الديمقراطي ــة من جه ــة والحكام ــة الجي ــدة والتنمي ــة‬
‫‪943‬‬
‫‪- Banque Africaine de développement, l’Afrique dans 50 ans vers une croissance inclusive, op, cit, p 22.‬‬
‫‪944‬‬
‫‪- Emerging Markets Forum, Africa 2050 Realizing the continent’s full potential, p 66, viewed 12/11/2015‬‬
‫‪at:‬‬
‫‪https://jica-ri.jica.go.jp/event/assets/Africa%202050%20Overview%20final%2029%20May.pdf‬‬
‫‪945‬‬
‫‪- Homi KHARAS and Julie BIAU, “Africa looks Forward to the post-2015 development agenda”, in‬‬
‫‪Foresight Africa top priorities for the continent in 2015, Africa Growth Initiative at brookings, Washington,‬‬
‫‪January 2015, p18.‬‬
‫‪946‬‬
‫‪- United Nations Economic Commission for Africa, African Union, African Development Bank and United‬‬
‫‪Nations Development Programme, MDG 2014 report assessing progress In Africa toward the Millennium‬‬
‫‪development Goals, op,cit,pp30-31‬‬
‫‪ - 947‬عالم الجزيرة‪ ،‬الصراع على إفريقيا‪ ،‬برنامج وثائقي‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 30/11/2014‬على الرابط‪:‬‬

‫‪469‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المس ــتدامة من جه ــة أخ ــرى‪ ،‬ف ــدولتان إفريقي ــتين يس ــود فيهم ــا النظ ــام ال ــديمقراطي من ــذ االس ــتقالل‪ ،‬وهم ــا‬

‫موريس وبوتسوانا حققتا نموا اقتصاديا مهمــا خالل الثالثين ســنة الماضــية‪ .‬كمــا أن الــدول اإلفريقيــة الــتي‬

‫بدأت تتجه نحو الديمقراطيـة منـذ تسـعينيات القـرن الماضـي‪ ،‬قـد حققت هي األخـرى نمـوا اقتصـاديا خالل‬

‫هــذه المرحلــة‪ ،‬أمــا الــدول الــتي ال تــزال تعــاني من غيــاب الديمقراطيــة فهي لم تحقــق إال نســبا ضــعيفة في‬

‫التنمي ــة أو ت ــراجعت في بعض الح ــاالت‪ .‬فحس ــب بعض التوقع ــات ف ــإن بعض ال ــدول بإفريقي ــا تفق ــد نس ــبة‬

‫‪ %4,5‬من معدل النمو بسبب غياب الديمقراطية‪ .948‬بل أكثر من ذلك‪ ،‬فترسيخ الديمقراطيـة بإفريقيـا من‬

‫شأنه أن يؤدي إلى تحقيق التكامــل السياســي واالقتصــادي بهــا‪ ،‬ومن تم امتالك قــوة تفاوضــية في مواجهــة‬

‫القــوى الدوليــة الــتي مــا فــتئت تؤكــد تزايــد اهتمامهــا بهــذه القــارة‪ ،‬النــتزاع أحســن الخيــارات الــتي ستســاعد‬

‫على تط ـ ــور وازده ـ ــار الق ـ ــارة اإلفريقي ـ ــة على األم ـ ــد البعي ـ ــد‪ ،‬والتخلص من األغالل ال ـ ــتي عملت الق ـ ــوى‬

‫الغربية على فرضها عليها‪ ،‬التي أتاحت لها قتل األفارقة بيد األفارقــة أنفسـهم بتواطـؤ مـع الـذين يخـدمون‬

‫مص ــالحها‪ ،‬ومن ــع ك ــل أش ــكال التوح ــد بإفريقي ــا‪ ،‬مقاب ــل زرع ال ــرعب والعنص ــرية المحلي ــة المس ــماة إثني ــة‪،‬‬

‫والحقد والخوف وأزمة الثقة بين األفارقــة‪ ،949‬لالســتمرار في اســتنزاف ثرواتهــا الطبيعيــة الــذي بدأتــه منــذ‬

‫القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫االتجاه المتفائل‪:‬‬

‫أكيــد أن النمــو الــذي حققتــه إفريقيــا لم يــأت من فــراغ‪ ،‬بــل جــاء نتيجــة النمــو العــالمي‪ ،‬خصوصــا‬

‫نمــو القــوى الصــاعدة‪ ،‬كالصــين والهنــد والقــوى اآلســيوية بصــفة عامــة‪ ،‬الــتي تزايــد طلبهــا على المــوارد‬

‫الطبيعيــة والطاقيــة في العقــد األخــير‪ ،‬ممــا كــان لــه انعكــاس على تزايــد مــداخيل القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬ومــا نتج‬

‫عن ــه من ف ــرص اقتص ــادية به ــذه الق ــارة كم ــا تم التط ــرق له ــا س ــابقا‪ ،‬ل ــذلك ت ــوجهت العدي ــد من الش ــركات‬

‫العالمي ــة لالس ــتثمار به ــا؛ ففي دراس ــة أع ــدتها ش ــركة أبوظ ــبي لالس ــتثمار في ‪ 2012‬تحت عن ــوان‪ :‬نظــرة‬

‫‪https://www.youtube.com/watch?v=fMuEZzTjTLI‬‬
‫‪948‬‬
‫‪- Banque Africaine de développement, l’Afrique dans 50 ans vers une croissance inclusive, op, cit, pp 38-‬‬
‫‪39.‬‬
‫‪ - 949‬نقوال أغبوهو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.361‬‬

‫‪470‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫على إفريقيـ ــا‪ :‬تطلعـ ــات المؤسسـ ــات االسـ ــتثمارية حـ ــتى ‪ ،2016‬ذكـ ـ ــرت أن العديـ ـ ــد من المؤسسـ ـ ــات‬

‫االســتثمارية حــول العــالم‪ ،‬تــرى أن إفريقيــا تتمتــع بقــدر أكــبر من المقومــات اإلجماليــة لالســتثمار مقارنــة‬

‫باألسواق الناشئة‪ ،‬وتمتلك كل من نيجيريا وكينيا الفرصة األكبر في جذب االستثمار‪.950‬‬

‫وبناء على الدراسات االستشرافية التي أنجزهـا منتـدى األسـواق الصــاعدة‪ ،‬الـتي تتجلى في رؤيـة‬

‫‪ 2050‬إلفريقيا‪ ،‬سيرتفع الدخل الفردي لألفارقة سـت مـرات إذ سـيبلغ أكـثر من ‪ 17‬ألـف دوالر‪ ،‬أي أنـه‬

‫سيتحول من ربع المعدل العالمي إلى نصف هذا المعدل بحلول سنة ‪ ،2050‬إذ سيتجاوز الــدخل الفــردي‬

‫في ك ــل من روس ــيا وماليزي ــا والمكس ــيك وتركي ــا حالي ــا‪ .‬الش ــيء ال ــذي س ــيغير من حي ــاة الس ــكان األفارق ــة‬

‫بانخفــاض عــدد الفقــراء بهــا إذ ســيتراجع من ‪ 380‬مليــون نســمة حاليــا(مــا يمثــل نســبة ‪ %37‬من ســكانها)‪،‬‬

‫إلى ‪ 53‬مليــون نســمة بحلــول ســنة ‪ 2050‬أي مــا يشــكل أقــل من ‪ %3‬من مجمــل ســكانها‪ .‬كمــا أن نســبة‬

‫إســهام إفريقيــا في النــاتج الــداخلي العــالمي ستتضــاعف ثالث مــرات‪ ،‬أي أنهــا ســترتفع من ‪ %3‬إلى ‪،%9‬‬

‫الشيء الذي سيعزز دور القارة على المستوى العالمي‪.951‬‬

‫إن بني ــة وعالق ــات الق ــوة العالمي ــة ب ــاتت تتغ ــير ت ــدريجيا‪ ،‬حيث ب ــدأت الوالي ــات المتح ــدة والكتل ــة‬

‫الغربيــة تفقــدان ســيطرتهما‪ ،‬وصــارت القــوة تصــبح ذات انتشــار أكــبر‪ ،‬خصوصــا من الناحيــة االقتصــادية‬

‫والمالية‪ .952‬وسوف ينمو تأثير التحالفات المتداخلة والمتنافسـة والمتحولـة القائمـة بين الـدول‪ ،‬ويحتمـل أن‬

‫يض ــطلع االتح ــاد اإلف ــريقي‪ ،‬وه ــو ال ــذي يض ــم أك ــبر ع ــدد من ال ــدول األعض ــاء؛ مقارن ــة بب ــاقي التكتالت‬

‫اإلقليمية اآلخرى‪ ،‬بدور أكثر تأثيرا من أي وقت مضى في بنى القوة العالمية الناشئة تلك‪ .‬وممــا ال شــك‬

‫فيــه‪ ،‬أن عــددا متزايــدا من القــوة اإلقليميــة الطموحــة أو المتنافســة‪ ،‬من قبيــل‪ :‬الص ــين الهنــد إيــران تركيــا‬

‫والبرازيل‪ ،‬أصبحت توسع نطاق نشاطاتها في إفريقيا في إطار رغبة تزداد او تنقص؛ لنيل الــدعم داخــل‬

‫األمم المتحــدة‪ ،‬وغيرهــا من الهيئــات المتعــددة األطــراف‪ ،‬لإلســهام في تحديــد أطــر المناقشــات العالميــة‪.953‬‬

‫‪ - 950‬شركة ابو ظبي لالستثمار‪ ،‬نظرة على إفريقيا تطلعات المؤسسات االستثمارية حتى ‪ ،2016‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪951‬‬
‫‪- JICA Research Institute, Development challenge in Africa towards 2050, op,cit, p 46.‬‬
‫‪ - 952‬جرايمي هيرد‪" ،‬القوى العظمى نحو أنموذج "تعاوني تنافسي" لمستقبل النظام العالمي!" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.356-329‬‬
‫‪ - 953‬توم كارجيل‪ ،‬مصالحنا االستراتيجية المشتركة دور إفريقيا في عالم ما بعد الدول الثماني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.58‬‬

‫‪471‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ففي السنوات القادمة سيتحول مركز أغلب األنشطة االقتصادية من دول مجموعة ‪ G7‬نحو االقتصادات‬

‫الصاعدة‪ ،‬فبناء على التوقعات‪ ،‬فإن اقتصادات دول مجموعة العشـرين ‪ G20‬ستتضـاعف أربـع مـرات‪،‬‬

‫إذ ستنتقل من ‪ 38‬ألف مليار دوالر في سنة ‪ 2009‬إلى ‪ 160‬ألف مليار دوالر سنة ‪ ،2060‬وأكثر من‬

‫‪ %60‬من ه ـ ــذه الزي ـ ــادة س ـ ــيكون مص ـ ــدرها س ـ ــت دول فق ـ ــط وهي الهن ـ ــد والص ـ ــين والبرازي ـ ــل وروس ـ ــيا‬

‫وأندونيســيا والمكســيك‪ .954‬وهــو مــا ســيفتح أمــام القــارة اإلفريقيــة أســواقا جديــدة لتســويق منتجاتهــا الطاقيــة‬

‫والمعدنيــة والفالحيــة‪ ،‬والتخلص بــذلك من تبعيتهــا للقــوى الغربيــة التقليديــة‪ ،‬وكــذا الحصــول على مصــادر‬

‫أخــرى لالســتثمارات‪ ،‬خصوصــا من طــرف القــوى اآلســيوية الــتي ســتتزايد حاجاتهــا للمــوارد الطبيعيــة‪.955‬‬

‫أي أن القــارة اإلفريقي ــة س ــتعرف تح ــوال مهم ــا‪ ،‬وذل ــك بتعمي ــق االن ــدماج بين تكتالته ــا اإلقليمي ــة‪ ،‬وتط ــوير‬

‫عالقاتهـ ــا الدوليـ ــة‪ ،‬الـ ــتي سـ ــتنبني على التجـ ــارة واالسـ ــتثمار عـ ــوض المسـ ــاعدة‪ .‬باإلضـ ــافة إلى اسـ ــتغالل‬

‫الشــيخوخة الــتي ســتعاني منهــا مجموعــة من منــاطق العــالم‪ ،‬وذلــك بتوفــير اليــد العاملــة المؤهلــة لتخفيض‬

‫نسبة البطالة بالقارة اإلفريقية‪.‬‬

‫إن السياسـات المسـتقبلية للتطـوير القـارة اإلفريقيـة‪ ،‬يجب أن تنطلـق من جعـل اإلنسـان اإلفـريقي‬

‫مح ــور ه ــذه السياس ــات‪ ،‬وذل ــك بنش ــر قيم الش ــفافية والمحاس ــبة والت ــدبير األمث ــل للعائ ــدات المالي ــة من بي ــع‬

‫الموارد الطبيعية‪ ،‬لتلبية الحاجيات األساسية لسكانها‪ ،‬بتوفير التربية وجميع الخدمات األخرى‪.‬‬

‫لذلك تم وضع رؤية االتحاد اإلفريقي للقارة اإلفريقية تنعم بالسلم والرفاهيــة االقتصــادية بحلــول‬

‫‪ ،2063‬تنبني على ست ركائز أساسية‪:‬‬

‫تغيــير بنيــة االقتصــاد اإلفــريقي؛ وذلــك بالتوجــه نحــو التصــنيع لكونــه يعتــبر أحــد المرتكــزات‬ ‫‪-1‬‬

‫األساسية لتحقيق التنمية وخلق فرص للشغل أمام الشباب اإلفريقي‪ ،‬باالســتفادة من التوزيــع‬

‫الــدولي للعمــل من خالل إنتــاج المــواد ذات القيمــة المضــافة‪ ،‬وهــو مــا أكدتــه تجــارب الــدول‬

‫‪954‬‬
‫‪- Banque Africaine de développement, l’Afrique dans 50 ans vers une croissance inclusive, op, cit, p21.‬‬
‫‪ - 955‬للتوسع أكثر في هذه النقطة راجع‪:‬‬
‫‪- Sebastian SANTANDER, et autres, L’Afrique, nouveau terrain de jeu émergents, éditions Karthala, Paris,‬‬
‫‪2014.‬‬

‫‪472‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الناش ــئة حالي ــا‪ ،‬م ــوازاة م ــع تقوي ــة الرواب ــط بين القطاع ــات االقتص ــادية اإلفريقي ــة (الفالح ــة‬

‫والصـ ــناعة والخـ ــدمات)‪ ،‬والرفـ ــع من قيمـ ــة المـ ــواد المنتجـ ــة محليـ ــا لزيـ ــادة الـ ــدخل المحلي‪.‬‬

‫باإلضافة إلى تسهيل تنويـع الصـادرات للتخفيـف من التـأثر باألزمـات الخارجيـة‪ ،‬خصوصـا‬

‫منها التي تؤثر على الطلب على الموارد األولية اإلفريقية‪ ،‬مما ينعكس على اقتصاداتها‪.‬‬

‫االنتقــال نحــو مجتمــع المعرفــة والتكنولوجيــا واإلبــداع‪ :‬فحســب التقريــر المعــد لألمم المتحــدة‬ ‫‪-2‬‬

‫سـ ــنة ‪ 2005‬حـ ــول اإلبـ ــداع والتكنولوجيـ ــا يـ ــبين مـ ــدى األهميـ ــة الحيويـ ــة للمعرفـ ــة واإلبـ ــداع‬

‫لتحقيق التنمية بكل دولة ويوصي هـذا التقريـر بضـرورة اسـتعمال المعرفـة التكنولوجيـة في‬

‫اإلنتاجي ــة االقتص ــادية‪ ،‬كالفالح ــة والتربي ــة البيئي ــة والص ــحة وت ــدبير المي ــاه‪ ،‬لتس ــهيل تحقي ــق‬

‫األهداف اإلنمائية‪ .،‬فتجارب الدول الصاعدة خصوصا التجربتين الصينة والهندية تــبين أن‬

‫تطـ ــوير المعـ ــارف التكنولوجيـ ــة أدى دورا مركزيـ ــا في تحقيـ ــق الثـ ــورة االقتصـ ــادية والنمـ ــو‬

‫الس ــريع به ــاتين ال ــدولتين وأغلب ال ــدول اآلس ــيوية بص ــفة عام ــة‪ .‬أي أن ــه يجب على ال ــدول‬

‫اإلفريقيــة زيــادة االســتثمار في البحث والتطــوير‪ ،‬وذلــك بتخصــيص نســبة مهمــة من ناتجهــا‬

‫ال ــداخلي الخ ــام في البحث العلمي‪ ،‬لتط ــوير ق ــدراتها التكنولوجي ــة‪ ،‬أي االس ــتثمار في مج ــال‬

‫التربية والتدريب لتأهيل اليد العاملة وتمكينها من تقنيات معرفية عالية‪.956‬‬

‫جعل اإلنسان اإلفريقي محور التنمية‪ :‬خالل العقد األخـير حققت إفريقيـا معـدالت اقتصـادية‬ ‫‪-3‬‬

‫مهم ــة‪ ،‬غ ــير أن ذل ــك لم ينعكس بش ــكل كب ــير على األوض ــاع االجتماعي ــة لس ــكانها‪ ،‬فحس ــب‬

‫التقرير الصادر عن األمم المتحدة حـول األهـداف اإلنمائيـة لأللفيـة الثالثـة سـنة ‪ ،2013‬فقـد‬

‫انخفض معــدل الفقـر المطلــق بجميــع منــاطق العــالم من نســبة ‪ %60‬ســنة ‪ 1990‬إلى ‪%12‬‬

‫سنة ‪ ، 2010‬أما إفريقيا (باستثناء شمال إفريقيا) لم ينخفض هذا المعدل إال بـ ‪ 8‬نقط مئوية‬

‫‪956‬‬
‫‪- United Nations Economic Commission for Africa, African Union, African Development Bank and United‬‬
‫‪Nations Development Programme, MDG 2014 report assessing progress In Africa toward the Millennium‬‬
‫‪development Goals, op,cit, pp 108-111.‬‬

‫‪473‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫خالل المرحلة نفسـها‪ ،‬إذ إن نصــف سـكان منـاطق إفريقيـا جنـوب الصــحراء يعيشـون بأقــل‬

‫من ‪ 1,25‬دوالر في اليوم‪ ،‬مما جعلها المنطقة الوحيدة في العــالم الــتي تعــرف ارتفــاع عــدد‬

‫السكان الذين يعانون من الفقر المطلق‪ .‬وحسب أغلب الدراسات فإن هذا الواقع جاء نتيجة‬

‫التفــاوت في توزيــع الــدخل وعــدم المســاواة بهــذه المنطقــة‪ ،‬ممــا يجعلهــا في المرتبــة األخــيرة‬

‫على المسـتوى الـدولي في هـذا المجـال بعـد أمريكـا الالتينيـة‪ .‬كمـا أن هـذه المنطقـة مـا زالت‬

‫تعت ــبر أك ــثر المن ــاطق ال ــتي تع ــاني من قص ــر أم ــد الحي ــاة ووف ــاة األطف ــال‪ ،‬وارتف ــاع مع ــدل‬

‫المجاعة‪ ،‬ولذك أكد االتحاد اإلفريقي للتوجه نحو القضاء على الفقر‪ ،‬بتوفـير فـرص الشـغل‬

‫للشباب‪ ،‬وتوفــير التربيـة وتنميـة الرأسـمال البشـري‪ ،‬بضــمان الولـوج إلى الخـدمات الصــحية‬

‫الجي ــدة لتحس ــين الوض ــعية الص ــحية لألمه ــات وال ــوالدات الجدي ــدة‪ ،‬وك ــذا االهتم ــام باألطف ــال‬

‫واألش ــخاص في وض ــعية هش ــة‪ ،‬باإلض ــافة إلى العم ــل للقض ــاء على األم ــراض ال ــتي تع ــاني‬

‫منها القارة اإلفريقية كالسيدا والمالريا واإليبوال‪.957‬‬

‫عقلن ــة ت ــدبير الم ــوارد الطبيعي ــة ومواجه ــة مخ ــاطر الك ــوارث في ظ ــل الحف ــاظ على البيئ ــة‬ ‫‪-4‬‬

‫المس ــتدامة‪ :‬يس ــهم الحف ــاظ على البيئ ــة في التنمي ــة االجتماعي ــة واالقتص ــادية‪ ،‬فـــدول الق ــارة‬

‫اإلفريقية أكثر هشاشة في مواجهة التغيرات المناخية مثـل ارتفـاع حـرارة الجـو‪ ،‬وانخفـاض‬

‫التســاقطات‪ ،‬والفيضــانات‪ ،‬وتصــحر األراضــي الــذي أصــبحت تعــاني منــه العديــد من الــدول‬

‫اإلفريقية‪ .‬ومن أجل مواجهـة كـل مـا سـبق‪ ،‬يقـترح االتحـاد اإلفـريقي المحافظـة على التنـوع‬

‫الــبيولوجي‪ ،‬وتحســين تــدبير المــوارد الطبيعيــة‪ ،‬من خالل اســتغاللها بشــكل مســتدام‪ ،‬لتســتفيد‬

‫منهــا مختلــف الفئــات العمريــة من كال الجنســين معــا واألجيــال القادمــة‪ .‬باإلضــافة إلى توفــير‬

‫الم ــاء الص ــالح للش ــرب للجمي ــع س ــواء في المن ــاطق الحض ــرية والقروي ــة‪ .‬االس ــتجابة الفعلي ــة‬

‫للتغيرات المناخية‪ ،‬وذلك بمواجهة التصحر والحفـاظ على الغطـاء النبـاتي بإعـادة التشـجير‪،‬‬

‫‪957‬‬
‫‪- Ibid, pp112-114.‬‬

‫‪474‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫والتخفيــف من حــدة التلــوث البيــئي‪ ،‬بتشــجيع اســتعمال الطاقــات المتجــددة‪ ،‬وإ عــادة اســتعمال‬

‫المنتجات المستهلكة‪.‬‬

‫دعم األمن والسـ ــلم في إفريقيـ ــا‪ :‬من خالل مواجهـ ــة جـ ــذور وأسـ ــباب النزاعـ ــات اإلفريقيـ ــة‪،‬‬ ‫‪-5‬‬

‫كالفقر والالمسـاواة‪ ،‬وذلـك بتقويـة مؤسسـات الحكامـة السياسـية واالقتصـادية لتحقيـق التـدبير‬

‫الن ــاجع للم ــوارد الطبيعي ــة العمومي ــة‪ ،‬والتع ــاون في تحقي ــق األمن على مس ــتوى الح ــدود بين‬

‫الدول اإلفريقية‪ ،‬والوقاية من اندالع النزاعات المسلحة‪.‬‬

‫تنفيذ برنامج التنمية لما بعــد ‪ :2015‬في بعض الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬المشــكلة ال تتجلى في قلــة‬ ‫‪-6‬‬

‫الموارد المالية بالنسـبة للحكومـات‪ ،‬لكنهـا تكمن في الطريقـة الـتي تـدبر بهـا لضـمان قيمتهـا‪،‬‬

‫لــذا يجب خلـق مؤسســات تعمــل على ضــمان فعاليــة صــرف المــوارد المتــوفرة‪ ،‬مــوازاة مــع‬

‫تقويــة دور البرلمانــات اإلفريقيــة والمجتمــع المــدني في صــرف وتــدبير المســاعدات لتحقيــق‬

‫التنميــة‪ ،‬وكــذا اإلســهام في وض ــع سياســات ناجعــة وفعالــة لض ــمان االســتعمال األمثــل لهــذه‬

‫الم ــوارد‪ ،‬والبحث عن مص ــادر تموي ــل جدي ــدة مث ــل التوج ــه نح ــو القط ــاع الخ ــاص بال ــدول‬

‫الصاعدة‪ ،‬وعقد شراكات تمويلية ما بين القطاع العام والخـاص بالـدول اإلفريقيـة‪ ،‬والتوجـه‬

‫نح ــو ف ــرض الض ــريبة على ال ــثروة‪ ،‬ال ــتي يمكن أن تش ــكل مص ــدرا إض ــافيا للتموي ــل‪ ،‬وك ــذا‬

‫تش ــجيع المه ــاجرين األفارق ــة على اس ــتثمار أم ــوالهم داخ ــل الق ــارة‪ ،‬خصوص ــا إذ علمن ــا أن‬

‫تحـ ــويالت هـ ــؤالء المهـ ــاجرين تجـ ــاوزت في بعض السـ ــنوات قيمـ ــة االسـ ــتثمارات األجنبيـ ــة‬

‫بالق ــارة اإلفريقي ــة‪ .958‬لكن الس ــؤال ال ــذي س ــيبقى مطروح ــا‪ :‬ف ــإذا ك ــانت ه ــذه هي مرتك ــزات‬

‫االتحـ ــاد اإلفـ ــريقي لتحقيـ ــق قـ ــارة تنعم بالسـ ــلم واألمن في أفـ ــق سـ ــنة ‪ ،2063‬فـ ــإلى أي حـ ــد‬

‫ستعمل الدول اإلفريقية على تنفيذها من خالل وضع سياسات تنموية مســتقبلية ترتكــز على‬

‫تحقيق هذه األهداف؟ هذا ما ستكشف عنه السنوات والعقود المقبلة‪.‬‬

‫‪958‬‬
‫‪- Ibid, pp115-119‬‬

‫‪475‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫خــــــاتــــــــمـــــــة‬

‫بع ـ ــد دراس ـ ــة موض ـ ــوع التن ــافس ال ــدولي في إفريقي ــا م ــع بداي ــة الق ــرن الواح ــد والعش ــرين‪:‬‬

‫األهداف‪ ..‬الوسائل‪ ..‬واالنعكاسات‪ ،‬تم التوصل لمجموعة من النتائج والخالصــات‪ ،‬الــتي يمكن اعتبارهــا‬

‫تأكي ــدا للفرض ــيات‪ ،‬وإ جاب ــة عن اإلش ــكالية الرئيس ــية واألس ــئلة الفرعي ــة ال ــتي انطلقن ــا منه ــا في بداي ــة ه ــذه‬

‫األطروحة‪.‬‬

‫فمن خالل كل ما سبق‪ ،‬يبدو أن عصـر إفريقيـا‪ ،‬الـذي تحـدث عنـه الكثـير‪ ،‬بـدأ مـع مطلـع القـرن‬

‫الح ــالي‪ .‬فالق ــارة اإلفريقي ــة ال ــتي ع ــانت من اس ــتعمار الق ــوى األوروبي ــة وتبعات ــه الس ــلبية ال ــتي م ــا زالت‬

‫مس ــتمرة إلى اآلن‪ ،‬ب ــاتت تش ــهد حالي ــا اهتمام ــا كب ــيرا من الق ــوى الك ــبرى‪ ،‬وتنافس ــا مش ــتدا للحص ــول على‬

‫مــوطئ قــدم فيهــا‪ .‬فالواليــات المتحــدة والقــوى األوروبيــة وإ ســرائيل فضــال عن القــوى اآلســيوية‪ ،‬الصــين‬

‫واليابــان والهنــد‪ ،‬كلهــا تتبــارى في هــذه القــارة الــتي تتــوفر على عناصــر ومقومــات كثــيرة تجعلهــا مطمعــا‬

‫لآلخرين‪.‬‬

‫‪476‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ولــذلك نخلص إلى أن العالقــات اإلفريقيــة مــع القــوى الدوليــة تتحكم فيهــا مجموعــة من األهــداف‬

‫السياس ــية واالقتصـــادية‪ .‬فعلى المس ــتوى السياس ــي‪ ،‬فـــالقوى الغربي ــة تري ــد تأكي ــد هيمنته ــا على المس ــتوى‬

‫الع ــالمي‪ ،‬خصوص ــا من ط ــرف الوالي ــات المتح ــدة األمريكي ــة‪ ،‬في حين أن الق ــوى األوروبي ــة تح ــاول أن‬

‫تحافظ على معاقلها التقليدية بهذه القارة لإلبقاء على تبعيتها لها‪ ،‬لقد كان منطقيا في التفكير االستراتيجي‬

‫للمحتل أن يؤسس السـتمرار عمليـة االسـتالب الحضـاري والثقـافي‪ ،‬واسـتدامة التبعيـة من خالل مـا ورثـه‬

‫في القارة‪ ،‬وما أوجده من نخب أمنية وسياسية على ذلك الموروث‪ ،‬التي كانت جزءا منه‪.‬‬

‫غير أن تزايد االهتمام اآلسيوي بهذه المنطقة‪ ،‬جعل القوى األوروبيـة تفقـد العديـد من منـاطق‬

‫نفوذهـ ــا الموروثـ ــة عن الفـ ــترة االسـ ــتعمارية‪ ،‬على الـ ــرغم من إصـ ــرارها على سياسـ ــة التـ ــدخل العسـ ــكري‬

‫لإلبقاء على حلفائها السياســيين بمراكــز الســلطة للمحافظــة على مصــالحها االقتصــادية‪ ،‬وال أدل على ذلــك‬

‫التــدخل الفرنســي في الكــوت ديفــوار ومــالي وإ فريقيــا الوســطى‪ ،‬وكــذا تــدخل حلــف النــاتو بليبيــا‪ ،‬باإلضــافة‬

‫إلى اإلطاح ــة بمجموع ــة من األنظم ــة اإلفريقي ــة المناوئ ــة للمص ــالح الغربي ــة عموم ــا والمص ــالح الفرنس ــية‬

‫خصوصا‪ ،‬مما يعني استمرارية استعمال األداة العسكرية حينما تكون المصالح االستراتيجية الغربية في‬

‫خطر‪.‬‬

‫أم ــا فيم ــا يخص الق ــوى اآلس ــيوية‪ ،‬فالص ــين تعم ــل على تط ــوير عالقاته ــا م ــع الق ــارة اإلفريقي ــة‬

‫لمحاولـة الوصـول إلى نظـام عـالمي متعـدد األقطـاب‪ ،‬من خالل الـدفع نحـو مراجعـة العديـد من االتفاقيـات‬

‫الدوليـ ــة حـ ــتى تسـ ــاير التغـ ــيرات الدوليـ ــة الحاليـ ــة‪ ،‬أمـ ــا اليابـ ــان والهنـ ــد فهـ ــا تعمالن على كسـ ــب ود الـ ــدول‬

‫اإلفريقية لالستفادة من الترتيبات الدولية الجديـدة ومنهـا المطالبـة بإصـالح العديـد من المؤسسـات الدوليـة‪،‬‬

‫ال ــتي لم تع ــد تس ــتوعب التط ــورات الدولي ــة الحالي ــة‪ ،‬وب ــاتت تش ــكل نظام ــا ال يتماش ــى م ــع الواق ــع ال ــدولي‪،‬‬

‫فمجلس األمن التابع لألمم المتحدة ما زال يتخذ القرارات بشــأن الســالم واألمن في العــالم بعضــوية دائمــة‬

‫‪477‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫تمثـ ـ ــل األوضـ ـ ــاع الجيوسياسـ ـ ــية للعـ ـ ــالم في عـ ـ ــام ‪ .1945‬كمـ ـ ــا أن حصـ ـ ــص التصـ ـ ــويت في مؤسسـ ـ ــات‬

‫بريتونوودز ما زالت ترجح كفة بلدان الشمال بصرف النظر عن الواقع االقتصادي العالمي المتغير‪.‬‬

‫وعلى المســتوى االقتصــادي‪ ،‬فالعالقــات اإلفريقيــة مــع جــل القــوى الدوليــة‪ ،‬يطغى عليهــا هــدف‬

‫الحصــول على الــثروات الطبيعيــة‪ ،‬فــأغلب صــادرات القــارة اإلفريقيــة نحــو هــذه الــدول (أزيــد من ‪)%60‬‬

‫هي عبـــارة عن مـــواد أوليـــة‪ ،‬خصوصـ ــا الطاقيـــة منهـــا‪ ،‬الـــتي ول ــدت رهان ــات جيوس ــتراتيجية جديـــدة في‬

‫إفريقيا‪ ،‬في ظل رغبة الواليات المتحدة األمريكية في السيطرة على مصادر الطاقة العالمية‪ ،‬موازاة مــع‬

‫الصــعود االقتصــادي للقــوى اآلســيوية‪ ،‬ممــا زاد من حاجاتهــا للمــوارد الطاقيــة‪ ،‬وهــو مــا كــان لــه انعكــاس‬

‫كبير على التنافس الدولي في إفريقيا من أجل الحصول على هذه الموارد‪ ،‬فــأغلب االســتثمارات األجنبيــة‬

‫بالق ــارة اإلفريقي ــة موجه ــة الس ــتخراج الم ــوارد الطبيعي ــة‪ ،‬س ــواء المعدني ــة منه ــا أو الطاقي ــة‪ ،‬كم ــا أن ه ــذه‬

‫االس ــتثمارات ترتكــز بشــكل كبــير في الــدول الــتي تتــوفر على هــذه الــثروات الطبيعــة؛ كنيجيريــا وأنغــوال‬

‫وجنوب إفريقيا والجزائر والسودان‪.‬‬

‫من هذا المنطلق‪ ،‬فإن القارة اإلفريقية طغى عليها منطق الرهانات التنافسية على مناطق‬

‫النفود االقتصادي؛ إذ ال يمكن حصر اهتمام الدول الغربية بتطورات األوضاع في القارة بفعل الدواعي‬

‫األمنية فحسب‪ ،‬بل األمر يتعدى ذلك إلى دواعي جيو‪-‬اقتصادية لها صلة مباشرة بالتنافس فيما بين‬

‫القوى الكبرى‪ ،‬من أجل فتح األسواق اإلفريقية لمنتجاتها الصناعية‪ ،‬وتطوير استثماراتها المالية‬

‫بالمنطقة‪ ،‬لما تحققه من عائدات مالية كبيرة‪.‬‬

‫وإ ذا ك ــانت الق ــوى الغربي ــة قب ــل نهاي ــة الح ــرب الب ــاردة في عالقاته ــا بال ــدول اإلفريقي ــة‪ ،‬تعطي‬

‫األولوية لألدوات الرمزية (األدوات اإليديولوجية على الخصــوص ) واألدوات العســكرية واالســتخبارية‪،‬‬

‫بتقـديم الــدعم للقـوى المناوئــة لتوســع االتحــاد الســوفياتي في القـارة‪ ،‬فإنــه مــع نهايــة الحــرب البــاردة وتغــير‬

‫األوضاع الدولية مع بداية األلفية الثالثة‪ ،‬فقد تغيرت األدوات التي تستعين بها هذه القوى لتحقيق أهدافها‬

‫‪478‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫بهــذه القــارة‪ ،‬إذ بــرز اســتخدام األدوات االقتصــادية والماليــة‪ ،‬مــع اإلبقــاء على اآلليــات العســكرية‪ ،‬ســواء‬

‫باالحتف ــاظ بالقواع ــد العس ــكرية القديم ــة الموروث ــة عن الحقب ــة االس ــتعمارية‪ ،‬أو تش ــكيل ب ــرامج عس ــكرية‬

‫خاصــة بالقــارة اإلفريقيــة‪ .‬بــل وصــل األمــر إلى حــد تشــكيل قواعــد عســكرية جديــدة‪ ،‬والتنســيق للتــدخل في‬

‫العدي ــد من األزم ــات اإلفريقي ــة؛ كأزم ــة م ــالي وإ فريقي ــا الوس ــطى وليبي ــا‪ .‬ول ــذلك ف ــإن المج ــال األم ــني ه ــو‬

‫المجال الذي يعرف تداخال بين االستراتيجية األمريكيــة واألوروبيــة (خصوصــا الفرنســية منهــا)‪ ،‬فبــالرغم‬

‫من كون الواليات المتحدة تسعى لنهج أسلوب وتنسيق أمني خاص بهـا في هـذه القـارة‪ ،‬غـير أن السياسـة‬

‫العسـ ــكرية األمريكيـ ــة في شـ ــمال إفريقيـ ــا وغربهـ ــا وشـ ــرقها‪ ،‬تشـ ــرك بعض حلفائهـ ــا من جنـ ــوب أوروبـ ــا‬

‫كإســبانيا‪ ،‬وإ يطاليــا‪ ،‬وألمانيــا‪ ،‬وأيضــا فرنســا للقيــام بأنشــطة مشــتركة في المنطقــة‪ ،‬منهــا منــاورات دوريــة‪،‬‬

‫على أساس أن بعض المشكالت األمنية هناك تستهدف األمن األوروبي واالمريكي على حد سواء‪.‬‬

‫وإ ذا ك ـ ــان انخ ـ ــراط الق ـ ــوى اآلس ـ ــيوية في القض ـ ــايا األمني ـ ــة بإفريقي ـ ــا مقتص ـ ــرا في البداي ـ ــة على‬

‫المشاركة في القوات األممية لحفظ السالم في العديد من الدول االفريقية‪ ،‬فإنه في اآلونة األخيرة ونظــرا‬

‫لألهميــة الــتي أصــبحت تمتلكهــا القــارة اإلفريقيــة في االســتراتيجيات المســتقبلية لهــذه القــوى في ظــل تزايــد‬

‫مص ــالحها االقتص ــادية هن ــاك ‪ ،‬ب ــدأت ه ــذه الق ــوى (الص ــين والياب ــان) تص ــعد من انخراطه ــا في القض ــايا‬

‫األمنية اإلفريقية‪ ،‬وذلك بتشكيل قواعد عسكرية خاصة بها في هذه القارة لحماية مصالحها‪.‬‬

‫فــالقوى األســيوية (الصــين‪ ،‬اليابــان‪ ،‬الهنــد) تمكنت من بنــاء عالقــات اقتصــادية قويــة ومتينــة مــع‬

‫العديــد من الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬فوســعت أســواقها فيهــا وقــدراتها التســويقية؛ واكتســبت القــدرة على التــأثير في‬

‫تنظيم تجارتهـ ــا الخارجيـ ــة‪ ،‬والحركـ ــة النقديـ ــة والماليـ ــة الموجهـ ــة إليهـ ــا‪ ،‬حـ ــتى أصـ ــبحت الصـ ــين الشـ ــريك‬

‫التجاري األول للقارة اإلفريقية مع بداية العقد الثاني من القرن الحــالي‪ ،‬متجــاوزة بــذلك كــل من الواليــات‬

‫المتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وفرنســا‪ .‬وبــاتت بــذلك الترتيبــات الجديــدة الــتي تعمــل بهــا هــذه الــدول بالقـارة اإلفريقيــة‬

‫منافسة للمؤسسات والنماذج التقليديــة المتعــددة األطــراف الــتي تســيطر عليهــا القـوى الغربيــة‪ ،‬في مجــاالت‬

‫‪479‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫مثــل التمويــل والتجــارة واالســتثمار‪ ،‬إمــا بطريقــة مباشــرة أو غــير مباشــرة‪ .‬فقــد أســهم تطــور العالقــات‬

‫اإلفريقيــة مــع القــوى اآلســيوية في تنويــع اختيــارات الحكومــات اإلفريقيــة للتخلص من ضــغوط الحكومــات‬

‫الغربي ــة‪ ،‬وفي تقوي ــة وض ــعها في المفاوض ــات م ــع ش ــركائها التقلي ــديين‪ ،‬ال س ــيما م ــع االتح ــاد االوروبي‬

‫والواليــات المتحــدة األمريكيــة‪ ،‬كمــا مــع المؤسســات الماليــة الدوليــة البنــك الــدولي وصــندوق النقــد الــدولي‪،‬‬

‫وذلـ ــك بتخليص ـ ــها من نمـ ــط المشـ ــروطية الـ ــتي كـ ــانت تفرض ـ ــها عليهـ ــا هـ ــذه المؤسسـ ــات للحصـ ــول على‬

‫مساعداتها‪.‬‬

‫إن الحديث عن وجـود شـراكة اسـتراتيجية سـواء أكـانت أطرافهـا غربيـة أو آسـيوية مـع إفريقيـا‪،‬‬

‫إنما هو حديث ال يخلو من أبعاد سياسية وأيديولوجية‪ ،‬ولكنه بالتأكيد يرتكز على دعــائم مصــلحية سياســة‬

‫واقتصادية تصب ال محالة في قنوات الطرف القوي في هذه العالقة‪.‬‬

‫لق ــد أص ــبح من المؤك ــد أن الق ــارة اإلفريقي ــة تتع ــرض لم ــا تعرض ــت ل ــه أثن ــاء م ــؤتمر ب ــرلين (‬

‫‪ ،)1885-1884‬عن ــدما قس ــمت على ي ــد ال ــدول األوروبي ــة الك ــبرى وفق ــا لمص ــالحها أن ــداك‪ ،‬ولكن الي ــوم‬

‫تتنافس الدول الكبرى بأساليب جديدة‪ ،‬مع اسـتمرار اعتمـاد القـوى الغربيـة على األسـاليب القديمـة‪ ،‬تهـدف‬

‫كــل قــوة من خاللــه إلى الســيطرة على أكــبر حــيز من الســوق اإلفريقيــة الكبــيرة والواعــدة‪ ،‬في ظــل تغــير‬

‫معايير القوة‪ ،‬وارتكازها ‪-‬بشكل كبير‪ -‬على الجوانب االقتصادية (المالية والتجارية) والمعرفية‪.‬‬

‫ف ــإذا ك ــان تزاي ــد التن ــافس ال ــدولي في إفريقي ــا أت ــاح ل ــدول ه ــذه األخ ــيرة‪ ،‬ب ــدائل متع ــددة لتس ــويق‬

‫منتجاتهــا‪ ،‬والبحث عن مصــادر جديــدة لجلب االســتثمارات‪ ،‬ممــا انعكس على ارتفــاع المــداخيل اإلفريقيــة‬

‫من بيــع المــوارد األوليــة الطاقيــة والمعدنيــة‪ .‬فإنــه من المفارقــات العجيبــة أن تتــوفر هــذه القــارة على كــل‬

‫مقوم ــات التق ــدم‪ ،‬إذ تعت ــبر من أث ــرى الق ــارات المت ــوفرة على ج ــل الم ــوارد الطبيعي ــة المعدني ــة والطاقي ــة‪،‬‬

‫باإلضافة إلى ما تمتلكه من أراض شاسعة صـالحة للزراعـة‪ ،‬لكنهـا تعـاني من الخلـل االجتمـاعي وإ همـال‬

‫‪480‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫التنميــة البشــرية‪ ،‬فمــا زالت فئــات كثــيرة من البشــر بالقــارة اإلفريقيــة في حالــة مريــرة من الفقــر والحاجــة‬

‫ونقص التعليم وغياب الخدمات الصحية األساسية وانتشار المجاعة‪ ،‬وتدني مستوى المعيشة‪.‬‬

‫فــالنمو االقتصــادي الــذي حققتــه أغلب الــدول اإلفريقيــة مــع بدايــة القــرن الحــالي‪ ،‬لم يــترجم في‬

‫شكل تنوع اقتصادي يخلق فرص عمل‪ ،‬وبالتـالي يـؤدي إلى إحـداث تطـور اجتمـاعي‪ ،‬نظـرا لكـون معظم‬

‫الــدول اإلفريقيــة تعتمــد بشــكل أساســي على إنتــاج الســلع األساســية وتصــديرها بــدون التركــيز على القيمــة‬

‫المض ــافة‪ ،‬مم ــا جع ــل وت ــيرة التق ــدم تس ــير ببطء ال تحق ــق تطلع ــات الش ــعوب اإلفريقي ــة في إح ــداث تط ــور‬

‫حقيقي يشـــمل جميـــع المســـتويات االقتصـ ــادية واالجتماعيـــة والثقافي ــة‪ ،‬فـ ــأغلب ال ــدول اإلفريقيـــة لم تحقـــق‬

‫األهداف اإلنمائية في الموعد المحدد بنهاية ‪.2015‬‬

‫إن الواق ــع اإلف ــريقي ب ــات ب ــالغ التش ــابك والتعقي ــد‪ ،‬العتب ــارات ذاتي ــة وموض ــوعية تمس ج ــوهر‬

‫النشــأة المصــطنعة للدولــة اإلفريقيــة المعاصــرة‪ ،‬وتتقــاطع مــع ســياقات المكــون المجتمعي اإلفــريقي بأبعــاده‬

‫(العرقيـ ــة والقبليـ ــة والسوسـ ــيولوجية والدينيـ ــة والبيئيـ ــة واالقتصـ ــادية)‪ ،‬فـ ــإن أكـ ــثر مـ ــا أضـ ــر بهـ ــذا الواقـ ــع‬

‫اإلف ــريقي‪ ،‬وأع ــاق تط ــوره الط ــبيعي‪ ،‬ه ــو التك ــالب االس ــتعماري الغ ــربي‪ ،‬قديم ــه المباش ــر‪ ،‬وحديث ــه غ ــير‬

‫المباشـر‪ ،‬ومـا أنتجـه من نخب سياسـية واقتصــادية فاسـدة اتبعت سياسـات اقتصــادية تحافــظ على المصــالح‬

‫الغربيــة‪ ،‬وراكمت الــديون الخارجيــة على دولهــا‪ ،‬وهجــرت خــيرة العقــول اإلفريقيــة والرأســمال اإلفــريقي‬

‫إلى الخارج‪ .‬ولذلك فإن التحدي األبرز لتخليص إفريقيا من هذا اإلرث الثقيل‪ ،‬يستلزم اختيــارات عديــدة‬

‫على ص ــعيد السياس ــات العام ــة‪ ،‬يمكن لل ــدول أن تتبناه ــا لتجنب الت ــوترات والص ــراعات العرقي ــة‪ ،‬وذل ــك‬

‫بوضع برامج سياسية وثقافية واقتصادية مبنية على العدالة االجتماعية‪ ،‬ألنه في ظل غياب هــذه الــبرامج‬

‫سـ ــتتحول الصـ ــراعات الـ ــتي تعـ ــاني منهـ ــا بعض الـ ــدول اإلفريقيـ ــة إلى حركـ ــات مسـ ــلحة متطرفـ ــة تغـ ــذي‬

‫النزاعــات بهــذه القــارة‪ ،‬ومــا انتشــار الحركــات اإلرهابيــة في جــل منــاطق القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬إال نتيجــة لهــذه‬

‫السياسات الغربية التي تريد أن تبقي دول القارة اإلفريقية تابعة لها‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وباســتعراض اســتراتيجيات القــوى المتنافســة في القــارة اإلفريقيــة وانعكاســاتها‪ ،‬ماذا يبقى للعمل‬

‫والتغ ــير؟‪ ،‬إن عوامـ ــل عديـ ــدة تظهـ ــر بـ ــأن إفريقيـ ــا هي قـ ــارة مسـ ــتقبلية‪ ،‬ولكن عليهـ ــا أن تسـ ــتوفي بعض‬

‫الشــروط‪ :‬فاألمــل بإعــادة بعث إفريقيــا من الرمــاد أمــر مشــروع‪ ،‬ألنــه على الــرغم من روح التشــاؤم الــذي‬

‫حــل على القــارة خالل عقــد تســعينيات القــرن الماضــي‪ ،‬فــإن األوضــاع بــدأت تتغــير مــع بدايــة العقــد األول‬

‫من هــذا القــرن‪ ،‬فهي أصــبحت تتــوفر على العديــد من العوامــل الــتي تجعلهــا قــارة المســتقبل‪ ،‬فعــدد ســكانها‬

‫تجــاوز المليــار نســمة أغلبهم من الشــباب‪ ،‬وطبقــة متوســطة تتزايــد حاجاتهــا اليوميــة للمــواد االســتهالكية‪.‬‬

‫والحاصل أنها القارة الوحيدة الـتي تمتلـك في آن واحـد المـوارد األوليـة الوفـيرة بشـتى أنواعهـا‪ ،‬والمـوارد‬

‫البشرية القادرة على استغاللها متى توفرت لها الفرصــة في الحصــول على التعليم المنتج‪ ،‬ممــا يســتوجب‬

‫تب ــني اس ــتراتيجية على الم ــدى البعي ــد تق ــوم على تقوي ــة الق ــدرات اإلنتاجي ــة للي ــد العامل ــة من أج ــل تص ــنيع‬

‫المــوارد األوليــة الــتي تتــوافر بالقــارة بشــكل كبــير إلضــافة قيمــة لهــا‪ ،‬وانتهــاج سياســات تربويــة وصــحية‬

‫عادلــة‪ ،‬إضــافة إلى االســتثمار في مجــال البحث والتطــوير واالبــداع لخلــق تغيــيرات بنيويــة‪ ،‬قصــد إنشــاء‬

‫بنيــات صــناعية قويــة لتحقيــق التنــوع االقتصــادي والتنــاغم بين القطاعــات االقتصــادية‪ ،‬لتنويــع الصــادرات‬

‫اإلفريقية‪ ،‬وتجاوز وضعية االعتماد على تصدير المواد األولية فقط‪.‬‬

‫إن مسـ ــئولية تجـ ــاوز األزمـ ــات والمشـ ــاكل اإلفريقيـ ــة تقـ ــع على عـ ــاتق األفارقـ ــة أنفسـ ــهم باتخـ ــاذ‬

‫منظومة متكاملة من المواقف؛ منها التأسيس النظري والتخطيط العلمي الستراتيجيات تخرج بالقــارة من‬

‫واقعهــا الــذي جعــل منهــا هــدفا للمطــامع‪ ،‬من خالل الحــوار الجــاد لوضــع آليــات إلعـادة البنــاء‪ ،‬وتكســير مــا‬

‫وضع عليها من أغالل‪ ،‬وذلك بالعمل على ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أهم شــيء يجب أن تعمــل عليــه الــدول اإلفريقيــة ومنظماتهــا‪ ،‬هــو الــدفع نحــو التخلص من‬

‫الصــورة النمطيــة الــتي أصــبحت تترســخ حولهــا‪ ،‬بكونهــا قــارة تعــاني من الحــروب والصــراعات والفســاد‪،‬‬

‫‪482‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫وأنه ــا بحاج ــة إلى المس ــاعدات الخارجي ــة‪ ،‬فه ــذه األخ ــيرة تك ــرس ص ــورتين نمطي ــتين خط ــيرتين حوله ــا‪،‬‬

‫بتقديمها ضحية‪ ،‬بدل تقديمها عامال نشيطا في دفع عملية التغيير‪.‬‬

‫ثانيـا‪ :‬إن التمــاس المســاعدات للقــارة يعــزز االنطبــاع العــالمي عن المشــكالت الــتي تتخبــط فيهــا‬

‫القارة‪ .‬فحســب غريغوري كالرك من جامعــة كاليفورنيــا في ديفس‪ ،‬الــذي اعتمــد منظــارا تاريخيــا لالرتقــاء‬

‫االقتصادي للمجتمعات في كتابه االقتصاد العالمي‪ ،‬فإن التغير السلوكي كان هو الشرط الجوهري للتقــدم‬

‫االقتصادي‪ ،‬وليس العمل الخـيري في عالمنـا مـا قبـل الصــناعي‪ .‬وهـو مـا تؤكـده التجربـة اآلسـيوية‪ ،‬فمثال‬

‫التحــوالت الــتي حــدثت في العديــد من دول هــذه القــارة‪ ،‬جــاءت نتيجــة اإلصــالحات الداخليــة‪ ،‬الــتي وجهت‬

‫الم ــوارد المت ــوفرة لتلبي ــة الحاج ــات األساس ــية لش ــعوبها‪ .‬وه ــذا م ــا يتطلب ت ــوفر إرادة سياس ــية ق ــادرة على‬

‫مس ـ ــاءلة نم ـ ــاذج التنمي ـ ــة الحالي ـ ــة بإفريقي ـ ــا المبني ـ ــة على التقلي ـ ــد‪ ،‬ال ـ ــتي هي أس ـ ــاس المش ـ ــاكل االقتص ـ ــادية‬

‫واالجتماعية الخطيرة التي تواجهها‪.‬‬

‫وب ــذلك فالقــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬بحاج ــة إلى أن تبحث ب ــداخلها عن م ــوارد ونم ــاذج مؤسس ــية خاص ــة‬

‫بها‪ ،‬وأن تتبنى هياكل وعمليات سياسية واقتصادية وثقافية تعكس تاريخها وخصوصـية شـعوبها وبيئتهـا‪،‬‬

‫فكثــيرا مــا كــانت دول مــا بعــد االســتعمار تتوجــه نحــو الخــارج بحثــا عن نمــاذج للحكم وعن المــوارد‪ ،‬ممــا‬

‫جعلها تعتمد على المساعدات الخارجيـة‪ ،‬وتضــمن بفعاليـة بقـاء جـذورها الداخليـة ضــحلة‪ ،‬إلى درجـة أنهـا‬

‫ال تقــدر على دعمهــا‪ .‬ومن األهميــة بمكــان التشــديد على ضــرورة الســعي إلى إيجــاد حلــول مناســبة محليــا‬

‫لمشـ ــاكل الحكم‪ ،‬وإ دارة األراضـ ــي والمـ ــوارد‪ ،‬ونقـ ــل المعـ ــارف‪ ،‬انطالقـ ــا من الهويـ ــة اإلفريقيـ ــة‪ ،‬إذا كـ ــان‬

‫الهــدف هــو تطــوير القــارة‪ ،‬وتحقيــق التنميــة الشــاملة لشــعوبها‪ ،‬فمــا من مجتمــع تطــور بنجــاح وهــو يعتمــد‬

‫اعتمــادا كبــيرا على المــوارد األجنبيــة‪ ،‬والنمــاذج السياســية واالقتصــادية والثقافيــة المســتوردة من الخــارج‪،‬‬

‫كم ــا تعم ــل أغلب ال ــدول اإلفريقي ــة الي ــوم‪ ،‬فلم يح ــدث أب ــدا في ت ــاريخ اإلنس ــانية أن تط ــور ش ــعب عب ــد أو‬

‫مستعمر بمساعدة ظالمه السابق‪.‬‬

‫‪483‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ولهذا على الدول اإلفريقية أن تســتنبط من الحلـول وتبتكــر من الوســائل الــتي تمكن من الحفـاظ‬

‫على عقولها البشرية الموجودة‪ ،‬وتعيد عقولها التي هاجرت إلى الخارج‪ ،‬عن طريق تحسين بيئة العمــل‪،‬‬

‫وتوفــير متطلبــات الرضــى الــوظيفي‪ ،‬وتقــديم الحــوافز الماديــة والمعنويــة المناســبة‪ .‬ورفــع دخــول العلمــاء‬

‫والمهنيين والمتخصصين‪ ،‬خصوصا ذات الخبرة النادرة لتوفير عيشة كريمـة لهم‪ ،‬والبـدء في بنـاء قاعـدة‬

‫معلوم ــات ش ــاملة عن ك ــل تص ــنيفات العق ــول المه ــاجرة وتخصص ــاتها وأع ــدادها وال ــدول ال ــتي تتج ــه إليه ــا‬

‫واألسباب التي تدعو للهجرة إليجاد حلول لها‪ ،‬لوقف نزيف الموارد البشرية الــتي تعــاني منــه جــل الــدول‬

‫اإلفريقية‪ ،‬الذي تكون تكاليفه باهظة على الميزانيات اإلفريقية‪.‬‬

‫إن اســتعادة إفريقيــا لمشــاعر تقويــة الــذات‪ ،‬ترتكــز على بنــاء المجتمعــات اإلفريقيــة انطالقــا من‬

‫ج ــذورها الثقافي ــة‪ ،‬مم ــا يمنح الش ــعوب اإلفريقي ــة إحساس ــا باألص ــالة والتج ــذر‪ ،‬ب ــدال من االنج ــراف نح ــو‬

‫الثقافات والقيم األوروبية أو األجنبية بصفة عامة‪ .‬وهو ما يتطلب إقامة هياكل تعليميــة بديلــة‪ ،‬تــرمي إلى‬

‫تطـوير القـدرات الفكريـة للشـعوب اإلفريقيـة‪ ،‬وتربيتهـا على المفـاهيم واالتجاهـات التربويـة اإليجابيـة الـتي‬

‫تخدم القيم اإلفريقية وال تزدريها‪ .‬فالتجربة التاريخية تبين أن تنمية بلــد مــا ال تســتورد‪ ،‬وإ نمــا تبتكــر على‬

‫األرض من قبـ ــل المواطـ ــنين ومن أجلهم‪ .‬ومن أبـ ــرز عوامـ ــل تحقيـ ــق حلم التنميـ ــة هـ ــو االهتمـ ــام بـ ــالتعليم‬

‫والتربية‪ ،‬فإن العناية بهذين المكونين من أكبر أسباب تحقيق حاجات النظم الحضارية لجميع األمم‪ ،‬فهي‬

‫المصدر الذي مد الدول بالخبرات المتخصصة في عملية البناء والتطوير‪ ،‬وذلــك ببنــاء اإلنســان وإ عطائــه‬

‫العناي ــة التام ــة‪ ،‬ف ــالفرد المتعلم ه ــو رك ــيزة التنمي ــة‪ ،‬وق ــد أص ــبح ه ــو المح ــور ال ــذي ت ــدور علي ــه خططه ــا‬

‫ومشروعاتها‪ ،‬فقد أكد فروني ماهو‪ ،‬المدير العــام الســابق لليونســكو‪ ،‬أن التنميــة هي العلم‪ ،‬وقــد أصــبحت‬

‫ثقافة‪ ،‬والعلم ال ينقل؛ إنه يتطلب جهـدا داخليـا يجب أن يحـترم بالضــرورة نظـام القيم الخـاص بكـل ثقافــة‪،‬‬

‫وهــذا يناســب كثــيرا مصــير إفريقيــا‪ ،‬وذلــك ببنــاء قيم المواطنــة والمحاســبة والشــفافية والنزاهــة ومحاربــة‬

‫الفســاد في المعــامالت الحكوميــة‪ .‬فشــمس التنميــة اإلفريقيــة ستشــرق على العــالم بمقــدار مــا تــنزاح غمامــة‬

‫‪484‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اإلرث الثقــافي االســتعماري عن النخب الجديــدة‪ ،‬هــذه النخب الــتي ينبغي أن تســتعيد ثقتهــا بنفســها‪ ،‬وتقــوم‬

‫بتحري ــر طاقاته ــا الخالق ــة‪ ،‬وتس ــتمد قوته ــا من تاريخه ــا الغ ــابر الق ــديم ال ــذي ت ــرك بص ــماته على اإلنس ــانية‬

‫جمعــاء‪ ،‬لوضــع حــد لإلطــار االتفــاقي والمــالي المفقــر وغــير اإلنســاني الــذي وضــع ضــد إفريقيــا‪ ،‬والــذي‬

‫أسفر عن الفقر والبؤس االجتمـاعي والمـذابح الـتي أدت إلى تجزئـة وتقسـيم بعض دولهـا‪ ،‬علمـا أن العديـد‬

‫من الحروب والصراعات الزالت مستمرة في العديد من الدول اإلفريقية إلى اليوم‪ .‬إن العمل على خلــق‬

‫وحــدة سياســية واقتصــادية حقيقيــة تضــم كــل الــدول اإلفريقيــة بــات اليــوم أمــرا ملحــا وضــروريا‪ ،‬وهــو مــا‬

‫يتطلب تط ــوير آلي ــات اش ــتغال منظم ــة االتح ــاد اإلف ــريقي ح ــتى تس ــاير متطلب ــات الق ــرن الح ــالي‪ ،‬وتس ــمع‬

‫الصوت اإلفريقي بالمؤسسات والمحافل الدولية‪.‬‬

‫إن المياه التي تسقط قطرة قطرة في المكـان نفسـه دون توقــف أو كلـل‪ ،‬تـؤدي إلى ثقب أصــلد‬

‫الصــخور قاطبــة‪ .‬وكــذلك فــإن الشــعوب اإلفريقيــة الجائعــة والمذلولــة‪ ،‬من فــرط مــا طــالبت وتطــالب بمزيــد‬

‫من الحرية ومزيد من الوحدة السياسية لقارتها‪ ،‬فإنهــا ســتحقق مرادهــا وتكســب قضــيتها‪ .‬ألم يــربح نلســون‬

‫مانــديال ورفاقــه معــركتهم ضــد التميــيز العنصــري بفضــل شــجاعتهم وثبــاتهم الــدائب والعنيــد‪ ،‬ألم يحصــلوا‬

‫على االع ــتراف ال ــدولي بقض ــيتهم‪ ،‬ألم تحق ــق أغلب ال ــدول اآلس ــيوية تق ــدمها االقتص ــادي ح ــتى أص ــبحت‬

‫تنافس شركاتها الشركات الغربية في األسواق العالمية‪ ،‬بل حتى وصل األمر إلى كون بعض هذه الدول‬

‫أصبحت تتجاوز تجارتها الخارجية مع بعض المناطق تجارة الدول الغربية مع هذه المناطق‪.‬‬

‫وإ ذا كـانت التحـوالت العميقـة الـتي بـدأت تعرفهـا القـارة اإلفريقيـة والتقـدم المسـجل على مسـتوى‬

‫النم ــو تبش ــر بآف ــاق واع ــدة به ــذه المنطق ــة‪ ،‬ف ــإن تط ــوير العالق ــات المغربي ــة اإلفريقي ــة ال ب ــد أن تأخ ــذ بعين‬

‫االعتبار مفعول العوامل التي سبق ذكرها– وهي ال تمثل حصرا شامال على أي حــال‪ -‬وكلهــا تعمــل في‬

‫اتجاه إضعاف هذه العالقات‪ ،‬ولهذا فالمغرب بحكم موقعه الجغرافي‪ ،‬الذي ما زال لم يتبلــور بشــكل جلي‬

‫‪485‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫في تقوية هـذه العالقــات‪ ،‬مـدعو أكـثر للقيـام بنظـرة شـمولية لتقـييم معطيـات المرحلـة ووضــعها في السـياق‬

‫المطلوب‪ ،‬وذلك بالتوجه نحو ما يلي‪:‬‬

‫أوال) على المس ـ ــتوى الثن ـ ــائي‪ :‬إن تط ـ ــوير ه ـ ــذه العالق ـ ــات يجب أن ينطل ـ ــق من دعم العالق ـ ــات‬

‫الثنائيــة مــع الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬من خالل تطــوير اإلطــار القــانوني والتنظيمي المنظم لهــذه العالقــات حــتى‬

‫يس ـ ــتجيب للتط ـ ــورات الدولي ـ ــة المعاص ـ ــرة‪ ،‬خصوص ـ ــا في المج ـ ــاالت االقتص ـ ــادية‪ .‬وك ـ ــذا االنفت ـ ــاح على‬

‫اقتصـــاداتها بإنجـــاز مشـــاريع اقتصـــادية على أرض الواقـــع‪ ،‬تحق ــق أك ــبر ق ــدر من المص ــالح االقتصـــادية‬

‫للطـــرفين‪ ،‬يكـــون من الصـــعب تجاوزهـــا حـــتى وإ ن وقعت أزم ــات سياس ــية بين الط ــرفين‪ ،‬كمـــا يجب أن‬

‫تنص ــب ه ــذه المش ــاريع على إنج ــاز البني ــة التحتي ــة للنق ــل( بري ــة‪ ،‬بحري ــة‪ ،‬جوي ــة)‪ ،‬ترب ــط المغ ــرب بال ــدول‬

‫اإلفريقيــة‪ ،‬كاســتكمال الطريــق الســريع ليصــل إلى موريتانيــا‪ ،‬وإ نشــاء مــوانئ للربــط مــع القــارة اإلفريقيــة‬

‫تســتجيب للمعــاير الدوليــة‪ ،‬وكــذا التفكــير في إعــادة إحيــاء مشــروع الربــط القــاري بين إفريقيــا وأوروبــا‪،‬‬

‫علما أن هناك حاليا قطار للبضائع يربط بين الصين وأوروبا ويصل إلى إسبانيا‪.‬‬

‫ثانيا) على مستوى التفاعـل مـع تزايـد االهتمـام الـدولي بالقـارة اإلفريقيـة‪ :‬إن تفاعـل الدبلوماسـية‬

‫المغربي ــة م ــع ه ــذا االهتم ــام ال ــدولي بالق ــارة يجب أن ينطل ــق من مس ــتويين؛ المس ــتوى األول العم ــل على‬

‫استغالل وتوظيف الفرص واإلمكانات التي أفرزتها الرهانـات الدوليـة الجديـدة في إفريقيـا‪ ،‬وذلـك بتنشـيط‬

‫الدبلوماس ــية االقتص ــادية لالنفت ــاح على ج ــل الق ــوى الدولي ــة ال ــتي تهتم بالق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬من أج ــل تنوي ــع‬

‫الش ـ ــركاء االقتص ـ ــاديين للمغ ـ ــرب على المس ـ ــتوى ال ـ ــدولي‪ .‬أم ـ ــا في م ـ ــا يخص المس ـ ــتوى الث ـ ــاني المتعل ـ ــق‬

‫باستغالل االهتمام الدولي بالقارة لتطوير العالقات المغربيــة اإلفريقيــة‪ ،‬فــإن الدبلوماســية المغربيــة مطالبــة‬

‫بالتعاطي اإليجابي مع هذا التوجـه‪ ،‬سـواء بالحضـور في الترتيبـات األمنيـة الـتي تعرفهـا القـارة اإلفريقيـة‪،‬‬

‫بتكثيف مشاركة المغرب في القوات األمميـة لحفـظ السـالم‪ ،‬أو من خالل حضـور المـؤتمرات والمنتـديات‬

‫ال ــتي ترب ــط الق ــوى الدولي ــة بالق ــارة اإلفريقي ــة‪ ،‬وذل ــك ب ــامتالك ق ــوة اقتراحي ــة تستش ــرف المس ــتقبل وتوج ــه‬

‫‪486‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫اهتمامــات هــذه القــوى إلى معالجــة مشــاكل القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬الــتي ســتؤدي إلى تعزيــز العالقــات المغربيــة‬

‫اإلفريقية‪.‬‬

‫ثالثــا‪ :‬على مسـ ــتوى دعم الدبلوماسـ ــية الجماعيـ ــة للمغـ ــرب داخـ ــل القـ ــارة اإلفريقيـ ــة‪ :‬إن تطـ ــوير‬

‫ميكانيزم ــات اش ــتغالها يجب أن ينطل ــق من الت ــأقلم م ــع األولوي ــات الجدي ــدة للتع ــاون المتع ــدد األط ــراف في‬

‫إفريقيا‪ ،‬وذلك وفق رؤية جديـدة للتعـاون المغـربي اإلفــريقي‪ ،‬تنطلـق من االشــتغال مـع حلفـاء المغـرب في‬

‫إفريقيــا لطــرد "الجمهوريــة الصــحراوية" المزعومــة من االتحــاد اإلفــريقي بعــد عــودة المغــرب إلى مكانــه‬

‫الطــبيعي داخــل المنظمــة اإلفريقيــة‪ .‬وكــذا االنفتــاح على التجمعــات االقتصــادية اإلفريقيــة‪ ،‬خصوصــا تلــك‬

‫التجمع ــات اإلفريقي ــة ال ــتي تعت ــبر العم ــق االس ــتراتيجي للمغ ــرب‪( ،‬كالجماع ــة االقتص ــادية لغ ــرب إفريقي ــا‪،‬‬

‫واالتحاد االقتصادي والنقدي لدول غرب إفريقيا‪ ،‬والمجموعة االقتصادية والنقدية لدول إفريقيــا الوســطى‬

‫ومجموعــة تنميــة جنــوب إفريقيــا)‪ ،‬بغيــة اخــتراق األســواق الكــبرى في هــذه التجمعــات كنيجيريــا وجنــوب‬

‫إفريقيا‪.‬‬

‫ولتحقي ـ ــق ه ـ ــذه الب ـ ــدائل المطروح ـ ــة أم ـ ــام الدبلوماس ـ ــية المغربي ـ ــة لتط ـ ــوير العالق ـ ــات المغربي ـ ــة‬

‫اإلفريقيــة‪ ،‬تــبرز الحاجــة إلى تنشــيط آليــات اشــتغال الدبلوماســية المغربيــة‪ ،‬وتوفــير مقومــات النجــاح لهــا‪،‬‬

‫وذل ــك بتأهي ــل العنص ــر البش ــري في المج ــال الدبلوماس ــي ح ــتى يس ــتجيب لمتطلب ــات العص ــر‪ ،‬انطالق ــا من‬

‫خطط مدروسة تؤطرها مراكـز علميـة‪ ،‬تتـوفر على المعطيـات الكافيـة لتحقيـق مـا يعـرف بعنصـر الرصــد‬

‫والتقويم‪ .‬وذلك لتحقيق هدفين أساسيين‪:‬‬

‫أوال‪ :‬امتالك قــوة تفاوضــية في المجــاالت السياســية واالقتصــادية‪ ،‬الســتثمار عــودة المغــرب‬

‫إلى االتحاد اإلفريقي بالشكل المطلوب‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إنجاز دراسات ميدانية بتعاون بين القطاعين العام والخاص لحاجيــات اقتصــادات الــدول‬

‫اإلفريقي ــة‪ ،‬س ــواء في مج ــال االس ــتثمارات أو المج ــال التج ــاري‪ ،‬لمالئم ــة الع ــرض التص ــديري المغ ــربي‬

‫‪487‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫لحاجيات الشعوب اإلفريقية‪ ،‬وقدرتها الشرائية‪ ،‬خصوصا في مجال تسويق الفوسفاط المغــربي ومشــتقاته‬

‫التي من شأنها اإلسهام في تحقيق األمن الغذائي للدول اإلفريقية‪.‬‬

‫الئحة المراجع‬

‫الكتب‬
‫‪‬إجالل رأفت‪ ،‬عبــد اهلل الفكي البشــير‪ ،‬أمــاني الطويــل‪ ،‬وأخــرون‪ ،‬انفصال جنــوب الســودان المخــاطر والفــرص‪،‬‬
‫المركز العربي لألبحاث ودراسات السياسات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2012‬‬
‫‪‬إجالل رأفت‪ ،‬الطيب زين العابـ ــدين‪ ،‬كيـ ــداني منغسـ ــتيب وأخـ ــرون‪ ،‬الع ــرب والق ــرن األف ــريقي جدلي ــة الج ــوار‬
‫واالنتماء‪ ،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسيات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى أكتوبر ‪.2013‬‬
‫‪‬أحم ــد فتحي س ــرور‪ ،‬العــالم الجديــد بين االقتصــاد والسياســة والقــانون نظــرات في عــالم متغــير‪ ،‬القــاهرة‪ ،‬درا‬
‫الشروق‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.2005‬‬
‫‪‬أرنست فولف‪ ،‬صندوق النقد الدولي قوة عظمى في الساحة العالمية‪( ،‬ترجمــة عــدنان عبــاس علي)‪ ،‬المجلس‬
‫الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ 435‬أبريل ‪.2016‬‬

‫‪488‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬ألفريد نهيما‪ ،‬قضايا السلم المنشود في إفريقيا التحوالت والديمقراطية والسياسيات العامة‪( ،‬ترجمـة مصـطفى‬
‫مجدي الجمال)‪ ،‬دار األمين للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2005‬‬
‫‪‬أناتولي أوتكين‪ ،‬االستراتيجية األمريكية للقرن الحادي والعشرين‪( ،‬ترجمــة انــور محمــد‪ -‬ومحمــد نصــر الــدين‬
‫الجبالي)‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪‬أنجيال س ــايني‪ ،‬أمــة من العبــاقرة كيــف تفــرض العلــوم الهنديــة هيمنتهــا على العــالم‪( ،‬ترجم ــة ط ــارق راش ــد‬
‫عليان)‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ 422‬مارس ‪.2015‬‬
‫‪‬آيــان بريمــر‪ ،‬عالم بال قيادة‪ :‬كل أمـة لنفسـها الرابحـون والخاسـرون في عـالم المجموعـة الصـفرية‪( ،‬ترجمــة‬
‫فاطمة الذهبي)‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬الطبعة االولى كانون الثاني ‪.2014‬‬
‫‪‬أيمن الس ــيد عب ــد الوه ــاب‪ ،‬ميــاه النيــل في السياســة المصــرية ثالثيــة التنميــة والسياســة والمــيراث التــاريخي ‪،‬‬
‫مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية‪ ،‬القاهرة ‪.2004‬‬
‫‪‬أيمن يوس ــف ووائ ــل أب ــو حس ــن‪ ،‬التجربــة النهضــوية الهنديــة‪ :‬قــراءة تحليليــة نقديــة في التطــور التــاريخي‪،‬‬
‫المظاهر‪ ،‬المجاالت الحيوية‪ ،‬المعيقات‪ ،‬مركز نماء للبحوث والدراسات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2015‬‬
‫‪‬باسكال ريغو‪ ،‬البريكس البرازيل‪ ،‬روسيا‪ ،‬الهند‪ ،‬الصين‪ ،‬جنوب إفريقيا القوى االقتصادية في القــرن الحــادي‬
‫والعش ــرين‪( ،‬ترجمـ ــة طـ ــوني سـ ــعادة)‪ ،‬مؤسسـ ــة الفكـ ــر العـ ــربي‪ ،‬بـ ــيروت‪ ،‬الطبعـ ــة األولى بالعربيـ ــة ‪2015‬م‪-‬‬
‫‪1436‬هـ‬
‫‪‬برتران بادي‪ ،‬دومينيك فيدال وأخرون‪ ،‬أوضاع العالم ‪ 50 2011‬فكرة رئيسية للفهم نهاية العــالم االحــادي‪،‬‬
‫مؤسسة الفكر العربي للدراسات والبحوث‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2011-1432‬‬
‫‪‬برتران بادي‪ ،‬دومينيك فيدال وأخرون‪ ،‬أوضاع العالم ‪ 2013‬حقائق القادة واألســباب الحقيقيــة للتــوترات في‬
‫العالم‪( ،‬ترجمة هدى مقنص) مؤسسة الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2013‬‬
‫‪‬برتــران بــادي‪ ،‬دومينيــك فيــدال وأخــرون‪ ،‬أوضاع العالم ‪ 2014‬جبابرة األمس والغد‪ ،‬مؤسســة الفكــر العــربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪2014‬م‪1435 /‬هـ‪.‬‬
‫‪‬برتران بادي‪ ،‬ساندرين تولوتي وأخرون‪ ،‬أوضاع العالم ‪ 2008‬دليل سنوي اقتصادي جيــو‪-‬سياســي عــالمي‪،‬‬
‫مؤسسة الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة االولى ‪.2008‬‬
‫‪‬برتران بديع‪ ،‬زمن المذلولين باثولوجيا العالقات الدولية‪( ،‬ترجمة جان ماجد جبور)‪،‬المركـز العـربي لألبحـاث‬
‫ودراسة السياسات بالدوحة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬نوفمبر ‪.2015‬‬

‫‪489‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬بسام العسلي‪ ،‬االستراتيجية األمريكية في القرن القادم‪ ،‬مركــز الدراســات العســكرية‪ ،‬مطــابع االدارة السياســية‪،‬‬
‫طبعة ‪.1999‬‬
‫‪‬بش ــير الك ــوت‪ ،‬الوحــدة اإلفريقيــة في القــرن العشــرين‪ ،‬منش ــورات المرك ــز الع ــالمي لدراس ــات وأبح ــاث الكت ــاب‬
‫األخضر‪ ،‬ليبيا الطبعة األولى‪.2004 ،‬‬
‫‪‬بــول كوليــير‪ ،‬مليار نسـمة تحت خـط الفقـر‪ :‬لمـاذا تخفـق البالد األشـد فقـرا في العـالم؟ ومـا الـذي يمكن عملـه‬
‫حيــال ذلــك؟ (ترجم ــة هيثم ج ــودت نش ــواتي)‪ ،‬العبيك ــات للنش ــر‪ ،‬الري ــاض‪ ،‬الطبع ــة العربي ــة األولى ‪1431‬هـ ‪-‬‬
‫‪2010‬م‪.‬‬
‫‪‬بول ميلي وفنسنت داراك‪ ،‬هل هو أسلوب جديد لالنخراط؟ السياسة الفرنســية في إفريقيــا من ســاركوزي إلى‬
‫أوالند‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبوظبي‪ ،‬الطبعة االولى ‪.2013‬‬
‫‪‬بير بيــارنيس‪ ،‬القرن "الحادي والعشرين" لن يكون أمريكيا‪( ،‬ترجمــة مــدني قصــري)‪ ،‬مطبعــة ســيكو‪ ،‬بــيروت‪،‬‬
‫الطبعة االولى ‪.2003‬‬
‫‪‬توفيق المديني‪ ،‬تاريخ الصراعات السياسية في السودان والصومال‪ ،‬منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب‪،‬‬
‫وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪.2012‬‬
‫‪‬تــوم كارجيــل‪ ،‬مصالحنا االستراتيجية المشتركة دور إفريقيا في عـالم مـا بعـد الـدول الثمـاني‪ ،‬سلســة دراســات‬
‫عالمية ‪ ، 32‬أبوظبي‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجي‪.‬‬
‫‪‬جــان جوزيــف ‪ ،‬االقتصاد الهندي‪ ،‬تعــريب د صــباح ممــدوح كعــدان دراســات اقتصــادية ‪ ،10‬منشــورات الهيئــة‬
‫العامة السورية للكتاب‪ ،‬دمشق ‪.2011‬‬
‫‪‬جــان مــاري شــوفالييه‪ ،‬معارك الطاقة الكـبرى‪( ،‬ترجمــة لميس عــزب)‪ ،‬كتــاب العربيــة الترجمــة (‪ ،)4‬الريــاض‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1430‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬
‫‪‬جان هـ‪ .‬كاليكي‪ ،‬ديفيد ل‪ .‬غولدون وأخرون‪ ،‬األمن والطاقة نحو استراتيجية سياسة خارجية جديدة‪( ،‬ترجمة‬
‫حسام الدين خضر)‪ ،‬منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪.2011‬‬
‫‪‬جـ ــرايمي هـ ــيرد‪ ،‬وأخـ ــرون‪ ،‬الق ــوى العظمى واالس ــتقرار االس ــتراتيجي في الق ــرن الح ــادي والعش ــرين رؤي ــة‬
‫متنافسة للنظام العالمي‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪,2013‬‬
‫‪‬ج ــون جازفني ــان‪ ،‬التكــالب على النفــط اإلفــريقي‪( ،‬ترجم ــة أحم ــد محم ــود)‪ ،‬الق ــاهرة‪ ،‬المرك ــز الق ــومي للترجم ــة‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪.2013‬‬

‫‪490‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬الحسان بوقنطار‪ ،‬السياسة الخارجية المغربية الفاعلون والتفــاعالت‪ ،‬شــركة بابــل للطباعــة والنشــر والتوزيــع‪،‬‬
‫الرباط‪.2002 ،‬‬
‫‪‬حس ــن مص ــدق‪ ،‬وثــائق ويكيليكس وأســرار ربيــع الثــورات العربيــة‪ ،‬المرك ــز الثق ــافي الع ــربي‪ ،‬ال ــدار البيض ــاء‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2012‬‬
‫‪‬حســين حمــودة مصــطفى‪ ،‬إســرائيل في إفريقيــا‪ ،‬مكتبــة الشــروق الدوليــة‪ ،‬القــاهرة‪ ،‬الطبعــة األولى‪1432 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪2011‬م‪.‬‬
‫‪‬حمــدي عبــد الرحمــان حســن وآخــرون‪ ،‬إفريقيـا والعولمـة‪ ،‬اعمــال المــؤتمر الســنوي األول للدراســات المصــرية‬
‫اإلفريقية‪ 14-12 ،‬فبراير ‪ ،2001‬القاهرة‪.2004 ،‬‬
‫‪‬حمدي عبد الرحمن حســن‪ ،‬العــرب وإ فريقيــا في زمن متحــول‪ ،‬القـاهرة‪ ،‬دار مصــر المحروســة‪ ،‬الطبعــة األولى‪،‬‬
‫‪.2009‬‬
‫‪‬خالــد المعيــني‪ ،‬الصــراع الــدولي بعــد الحــرب البــاردة‪ ،‬دار كيــوان للطباعــة والنشــر والتوزيــع‪ ،‬دمشــق‪ ،‬الطبعــة‬
‫االولى‪.2009 ،‬‬
‫‪‬دكتور زكى البحــيري‪ ،‬مشكلة جنوب السودان بين الـتراث التـاريخي والتطـورات السياسـية ‪،2011-1955‬‬
‫ركاز المعرف للدراسات والبحوث بالخرطوم والنهضة المصرية بالقاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2010‬‬
‫‪‬راي بوش‪ ،‬الفقر والليبرالية الجديدة‪ :‬االستمرارية وإ عادة اإلنتاج في جنوب العالم‪( ،‬ترجمــة إلهــام عيــداروس‬
‫ووليد سليم)‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2015‬‬
‫‪‬روبين ميريدث‪ ،‬الفيل والتنين صعود الهند والصين وداللة ذلـك لنــا جميعــا‪( ،‬ترجمــة شــوقي جالل)‪ ،‬الكــويت‪،‬‬
‫المجلس الوطني للثقافة والعلوم واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة ‪ ،359‬يناير ‪.2009‬‬
‫‪ ‬زهرة طموح‪" ،‬البعد اإلفريقي في الدبلوماسية المغربية"‪ ،‬في كتاب‪ :‬الدبلوماسية المغربية ورهانات المسـتقبل‪،‬‬
‫منشورات النادي الدبلوماسي المغربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة االولى ‪.2007‬‬
‫‪‬ســالم محمــد الزبــير‪ ،‬االتحاد األفـريقي في ظـل النظـام الـدولي الجديـد‪ ،‬منشــورات اللجنــة الشــعبية العامــة للثقافــة‬
‫طرابلس‪.2006 ،‬‬
‫‪‬الســيد عــوض عمــان‪ ،‬التدخل األمريكي والفرنسـي في شـمال ووسـط افريقيـا مـع إشـارة خاصـة لحالـة كـل من‬
‫ليبيا وتشاد‪ ،‬الدراسات االستراتيجية‪ ،‬معهد اإلنماء العربي‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪.1989‬‬
‫‪‬شمامة خير الدين‪ ،‬العالقات االستراتيجية بين قوى المستقبل في القرن ‪ ،21‬دار قرطبة‪ ،‬الجزائر‪.2009 ،‬‬

‫‪491‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬ص ــابون محم ــد راش ــد‪ ،‬التنــافس الفرنســي األمــريكي في القــارة اإلفريقيــة بعــد الحــرب البــاردة‪ ،‬درا النهض ــة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة سنة ‪.2011‬‬
‫‪‬ع ــادل عب ــد ال ــرزاق‪ ،‬إفريقيــا في إطــار منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة واالتحــاد اإلفــريقي رؤيــة مســتقبلية ‪ ،‬الهيئ ــة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2007‬‬
‫‪‬عــادل عبــد الــرزاق‪ ،‬المنظومــة اإلفريقيــة ومبــادرة الشــراكة الجديــدة للتنميــة في إفريقيــا (نيبــاد) بين النظريــة‬
‫والتطــبيق رؤيــة مســتقبلية‪ ،‬دراســة تحليليــة وقانونيــة في إطــار العالقــات السياســية الدوليــة‪ ،‬الهيئــة المصــرية‬
‫العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪.2006 ،‬‬
‫‪‬عبد العزيز مرحوم‪ ،‬مستقبل الشراكة الجديدة من أجل التنمية في إفريقيا نيباد‪ ،‬قضــايا اســتراتيجية ‪ ،4‬مركــز‬
‫دراسات الشرق األوسط وإ فريقيا‪ ،‬يوليو ‪.2003‬‬
‫‪‬عبد القادر رزيق المخادمي‪ ،‬االتحاد من أجل المتوسط األبعاد واآلفاق‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪.2009 ،‬‬
‫‪‬عبـ ــد الناصـ ــر جنـ ــدلي‪ ،‬التنظ ــير في العالق ــات الدولي ــة بين االتجاه ــات التفس ــيرية والنظري ــات التكويني ــة‪ ،‬دار‬
‫الخلدونية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الطبعة األولى ‪1428‬هـ‪2007-‬م‪.‬‬
‫‪‬عبد الوهاب عمان شيخ موسى‪ ،‬إفريقيا وتحديات االلفية الثالثة‪ ،‬دار مصحف إفريقيا‪.‬‬
‫‪‬علي حسين باكير‪ ،‬التنافس الجيو‪-‬استراتيجي للقوى الكــبرى على مــوارد الطاقــة دبلوماســية الصــين النفطيــة‬
‫االبعاد االنعكاسات‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار المنهل اللبناني للدراسات‪ ،‬الطبعة األولى ‪2010‬م‪1431-‬هـ‪.‬‬
‫‪‬علي شعبان األسطى‪ ،‬صراع القوى العظمى حول إفريقيا‪ ،‬مركز الراصد للدراسات السياسية واالستراتيجية‪،‬‬
‫الخرطوم‪ ،‬نوفمبر ‪.2009‬‬
‫‪‬عم ـ ــرو عب ـ ــد الع ـ ــاطي‪ ،‬أمن الطاق ــة في السياس ــة الخارجي ــة األمريكي ــة‪ ،‬المرك ـ ــز الع ـ ــربي لألبح ـ ــاث ودراس ـ ــة‬
‫السياسات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سبتمبر ‪.2014‬‬
‫‪‬غي مفيل‪ ،‬التكامل والتعاون في إفريقيا صعوبة اللقاء الممكن بين النظريات والواقع‪( ،‬ترجمة نصير مــروة)‪،‬‬
‫مؤسسة الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2015‬‬
‫‪‬فردريك معتوق‪ ،‬المارد اآلسيوي يسيطر‪ ،‬منتدى المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2013‬‬
‫‪‬فوزي حسن حسين‪ ،‬الصين واليابان ومقومات القطبية العالمية‪ ،‬دار المنهــل اللبنــاني‪ ،‬بــيروت‪ ،‬الطبعــة األولى‬
‫‪2009‬م‪1430 -‬هـ‪.‬‬
‫‪‬فولفج ــانج ه ــيرن‪ ،‬التحــدي الصــيني‪( ،‬ترجم ــة محم ــد رمض ــان حس ــين)‪ ،‬كت ــاب العربي ــة ‪ ،14‬الري ــاض‪ ،‬الطبع ــة‬
‫األولى ‪1432‬هـ ‪2011 -‬م‪.‬‬

‫‪492‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬فيج ــاي ماهاج ــان‪ ،‬نهــوض إفريقيــا ‪ 900‬مليــون مســتهلك إفــريقي يقــدمون فرصــا تتجــاوز توقعاتــك‪( ،‬ترجم ــة‬
‫مركــز ابن العمــاد للترجمــة والتعــريب)‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون‪ ،‬بــيروت‪ ،‬الطبعــة األولى‪1430 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪‬فيــديا نادكــارني‪ ،‬الشركات االستراتيجية في آسيا توازنات بال تحالفـات‪ ،‬مركــز اإلمــارات للدراســات والبحــوث‬
‫االستراتيجية‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬الطبعة االولى ‪.2014‬‬
‫‪‬كــريم مصــلوح‪ ،‬التعــاون والتنــافس في المتوســط‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون‪ ،‬مركــز الجزيــرة للدراســات‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1434 ،‬هـ‪2013 -‬م‪.‬‬
‫‪‬ك ــولن كامبي ــل‪ ،‬ي ــروغ ش ــيندلر‪ ،‬فراوك ــة ل ــيزينبوركس‪ ،‬ف ــيرنر تس ــيتيل‪ ،‬نهايــة عصــر البــترول‪( ،‬ترجم ــة ع ــدنان‬
‫عباس علي)‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة ‪ ،307‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سبتمبر ‪.2004‬‬
‫‪‬مادلين اولبرايت‪ ،‬الجبروت والجبار تأمالت في السلطة‪ ،‬والدين‪ ،‬والشؤون الدولية‪( ،‬ترجم ــة عم ــر األي ــوبي)‪،‬‬
‫الدار العربية للعلوم – ناشرون‪ ،‬بيروت الطبعة األولى‪1428 ،‬هـ ‪2007 -‬م‪.‬‬
‫‪‬م ــارتين ج ــاك‪ ،‬حينمــا تحكم الصــين العــالم نهايــة العــالم الغــربي وميالد نظــام عــالمي جديــد‪( ،‬ترجم ــة فاطم ــة‬
‫نصر)‪ ،‬إصدارات سطور الجديدة‪ ،‬الطبعة االولى ‪.2010‬‬
‫‪‬مارك ليونارد‪ ،‬فيما تفكر الصين؟ ( ترجمة هبة عكام)‪ ،‬العبيكات للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2008‬‬
‫‪‬مايكــل روس‪ ،‬نقمــة النفــط كيــف تــؤثر الــثروة النفطيــة على نمــو األمم‪( ،‬ترجمــة محمــد هيثم نشــواتي)‪ ،‬منتــدى‬
‫العالقات العربية والدولية‪ ،‬الدوحة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2014‬‬
‫‪‬مجموعــة من المــؤلفين‪ ،‬سياسة الواليات المتحدة في البلدان النامية إبــان الســبعينيات‪( ،‬ترجمــة محمــد أحمــاد‬
‫شومان)‪ ،‬معهد االنماء العربي للدراسات السياسية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1987‬‬
‫‪‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬التسلح ونزع السالح واألمن الدولي الكتــاب الســنوي ‪( ،2006‬ترجمــة حســن حســن‪،‬‬
‫عمر األيوب‪ ،‬رشا جمال‪ ،‬عبد المنعم سمير)‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهــد ســتوكهولم ألبحــاث الســالم‬
‫الدولي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬نوفمبر ‪.2006‬‬
‫‪‬مجموعــة من المــؤلفين‪ ،‬التسلح ونزع السالح واألمن الدولي الكتــاب الســنوي ‪( ،2012‬ترجمــة عمــر ســعيد‬
‫األيوبي‪ ،‬أمين سعيد األيوبي)‪ ،‬معهد دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الــدولي‪ ،‬الطبعــة‬
‫األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬اكتوبر ‪.2012‬‬

‫‪493‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬مجموعــة من المــؤلفين‪ ،‬التسلح ونــزع الســالح واالمن الـدولي الكتــاب الســنوي ‪( ،2013‬ترجمــة عمــر ســعيد‬
‫األيوبي‪ ،‬أمين سعيد األيوبي) مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الـدولي‪ ،‬بـيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،‬سبتمبر ‪.2013‬‬
‫‪‬مجموعــة من المــؤلفين‪ ،‬التسلح ونــزع الســالح واالمن الـدولي الكتــاب الســنوي ‪( ،2014‬ترجمــة عمــر ســعيد‬
‫األيوبي‪ ،‬أمين سعيد األيوبي) مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬معهد ستوكهولم ألبحاث السالم الـدولي‪ ،‬بـيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،‬يناير ‪.2015‬‬
‫‪‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬التسلح ونزع السالح واألمن الدولي الكتـاب السـنوي ‪( ،2007‬ترجمــة عمــر األيــوب‪،‬‬
‫حسن حسن‪ ،‬أمين األيوب)‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربيـة‪ ،‬معهـد سـتوكهولم ألبحـاث السـالم الـدولي‪ ،‬بـيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬نوفمبر‪/‬تشرين الثاني ‪.2007‬‬
‫‪‬مجموع ــة من الم ــؤلفين‪ ،‬الصــين والهنــد والواليــات المتحــدة األمريكيــة التنــافس على مــوارد الطاقــة‪ ،‬مرك ــز‬
‫اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2008‬‬
‫‪‬مجموعــة من المــؤلفين‪ ،‬العـرب والـدائرة اإلفريقيـة‪ ،‬مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬بــيروت‪ ،‬الطبعــة االولى‪،‬‬
‫أغسطس ‪.2005‬‬
‫‪‬محم ــد ض ــياء الح ــق‪ ،‬ع ــاطف معتم ــد عب ــد الحمي ــد‪ ،‬بي ــتراس أوستريفيش ــيوس وأخ ــرون‪ ،‬الهنــد عوامــل النهضــة‬
‫وتحديات الصعود‪( ،‬ترجمــة عــاطف معتمــد عبــد الحميــد)‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون مركــز‪ ،‬مركــز الجزيــة‬
‫للدراسات‪ ،‬الدوحة الطبعة األولى ‪1431‬هـ‪2010 -‬م‪.‬‬
‫‪‬محمــد عاشــور‪ ،‬أحمــد علي ســالم‪ ،‬وآخــرون‪ ،‬التكامل اإلقليمي في إفريقيا رؤى وآفاق‪ ،‬أعمــال المــؤتمر الــدولي‬
‫األول للشـ ــباب البـ ــاحثين في الشـ ــؤون اإلفريقيـ ــة‪ ،‬المنعقـ ــدة بالقـ ــاهرة‪ 17-16 ،‬أبريـ ــل ‪ ،2005‬القـ ــاهرة‪ :‬معهـ ــد‬
‫البحوث والدراسات اإلفريقية بجامعة القاهرة‪.2005 ،‬‬
‫‪‬محمد عاشور‪ ،‬وأخرون‪ ،‬التكتالت اإلقليمية والتنمية في إفريقيا الواقع والتحديات‪ ،‬معهــد البحــوث والدراســات‬
‫اإلفريقية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪1426 ،‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪‬محمود ابو العينين‪" ،‬االتحاد االوروبي وإ فريقيا‪ :‬نموذج للعالقات بين االقاليم غير المتكافئة في عصر العولمة"‬
‫في ‪ :‬افريقيــا والعولمــة‪ ،‬القــاهرة‪ :‬الجمعيــة األفريقيــة للعلــوم السياســية‪ ،‬برنــامج الدراســات المصــرية االفريقيــة‪،‬‬
‫‪.2004‬‬
‫‪‬مصــطفى شــفيق عالم‪ " ،‬تحــول القــوة في العالقــات الدوليــة‪ ..‬دروس لألمــة" في ‪ :‬األمة في معركـة تغيـير القيم‬
‫والمفاهيم‪ ،‬مجلة البيان السعودية والمركز العربي للدراسات اإلنسانية‪ ،‬القاهرة عام ‪.2011-1432‬‬

‫‪494‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬المهدي المنجرة‪ ،‬قيمة القيم‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة الخامسة‪.2013 ،‬‬
‫‪‬نع ــوم تشومس ــكي‪ ،‬الــربح على حســاب الشــعوب الليبراليــة الجديــدة والنظــام الكوكــبي‪( ،‬ترجم ــة أس ــامة إس ــبر)‪،‬‬
‫بدايات‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة االولى ‪.2007‬‬
‫‪‬نعــوم تشومســكي‪ ،‬صناعة المستقبل االحتالل‪ ،‬التــدخل‪ ،‬اإلمبراطوريــة والمقاومــة‪ ،‬شــركة المطبوعــات للتوزيــع‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.2014‬‬
‫‪‬نقوال أغبوهو‪ ،‬الفرنك واليورو ضد إفريقيا‪( ،‬ترجمــة لينــا فــرح)‪ ،‬الــدار الجماهيريــة للنشــر والتوزيــع واإلعالن‪،‬‬
‫بنغازي‪ ،‬الطبعة األولى‪.2000 ،‬‬
‫‪‬ه ــنري ويس ــلنغ‪ ،‬تقســيم إفريقيــا ‪ 1914 – 1880‬أحــداث مــؤتمر بــرلين وتوابعــه السياســية‪( ،‬ترجم ــة ريم ــا‬
‫اسماعيل)‪ ،‬سلسلة دراسات افريقية ‪ ،5‬الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع واإلعالن‪.2001 ،‬‬
‫‪‬وانغ ــاري ماث ــاي‪ ،‬أفريقيــا والتحــدي‪( ،‬ترجم ــة أش ــرف محم ــد كيالني)‪ ،‬ع ــالم المعرف ــة ‪ ،410‬المجلس الوط ــني‬
‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬مارس ‪.2014‬‬
‫‪ ‬وو جينغ ليان‪ ،‬يوي كه بينغ‪ ،‬مايكــل هدســتون وآخــرون‪ ،‬الصين في السنوات الثالثين المقبلة‪( ،‬ترجمــة وانــغ‬
‫فو)‪ ،‬مؤسسة الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪2014‬م‪1435/‬هـ‪.‬‬
‫‪‬يوس ـ ــف خميس أب ـ ــو ف ـ ــارس‪ ،‬التكتالت االقتص ــادية في ش ــرق إفريقي ــا وجنوبه ــا‪ ،‬ملتقى الجامع ـ ــات اإلفريقي ـ ــة‪،‬‬
‫الخرطوم‪ ،‬يناير ‪.2006‬‬
‫األطروحات‬
‫‪‬س ــعيد الهوس ــي‪ ،‬األبعــاد األمنيــة األمريكيــة الجديــدة بإفريقيــا بعــد أحــداث الحــادي عشــر من شــتنبر ‪،2001‬‬
‫أطروحــة لنيــل الــدكتوراه في القــانون العــام‪ ،‬جامعــة محمــد الخــامس الربــاط‪ ،‬كليــة العلــوم القانونيــة واالقتصــادية‬
‫واالجتماعية سال‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2016-2015‬‬
‫‪‬ع ــادل موس ــاوي‪ ،‬عالقــة المغــرب مــع إفريقيــا جنــوب الصــحراء بعــد انتهــاء القطبيــة الثنائيــة ‪ ،‬أطروح ــة لني ــل‬
‫دكت ــوراه في الق ــانون الع ــام‪ ،‬الرب ــاط كلي ــة العل ــوم القانوني ــة واالقتص ــادية واالجتماعي ــة أك ــدال‪ ،‬الس ــنة الجامعي ــة‬
‫‪.2003-2002‬‬
‫‪‬لحسن بسباس‪ ،‬التنافس الصيني األمريكي على إفريقيا‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمــد‬
‫الخامس الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2015-2014‬‬

‫التـقـــارير‪:‬‬

‫‪495‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬ب ــدر حس ــن ش ــافعي‪ ،‬القم ــة اإلفريقي ــة‪ ..‬ق ــراءة أولي ــة‪ ،‬تق ــارير مرك ــز الجزي ــرة للدراس ــات‪ ،‬الدوح ــة‪ 23 ،‬يوني ــو‬
‫‪.2015‬‬
‫‪‬برنارد باتانا‪ ،‬إفريقيا الوسطى في مهب العاصفة‪ ..‬تجاذبات الداخل وتنافس الخارج‪( ،‬ترجمــة محمــد بابــا ولــد‬
‫الشيخ)‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ 21 ،‬أبريل ‪.2013‬‬
‫‪‬برنامج األمم المتحدة االنمائي‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪ ،2013‬نهضة الجنوب‪ :‬تقدم بشــري في عــالم متغــير‪،‬‬
‫نيويورك‪.2013 ،‬‬
‫‪‬بوحنيــة قــوي‪ ،‬الدســاتير اإلفريقيــة‪ :‬الحاجــة النتفاضــة دســتورية وقــوانين جديــدة‪ ،‬مركــز الجزيــرة للدراســات‪،‬‬
‫الدوحة‪ 2 ،‬مارس ‪.2015‬‬
‫‪‬بوحنيــة ق ــوي‪ ،‬أوبامــا وإ فريقيــا‪ :‬دبلوماســية اقتصــادية رخــوة وتهديــدات أمنيــة متزايــدة‪ ،‬تقــارير مركــز الجزيــرة‬
‫للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 22 ،‬ديسمبر ‪.2015‬‬
‫‪‬خال ــد الش ــكراوي‪ ،‬السياســة المغربيــة في إفريقيــا‪ :‬المصــالح الحيويــة والحســابات اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬مرك ــز‬
‫الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 13 ،‬يوليو ‪.2014‬‬
‫‪‬سـ ــان دوميـ ــنيكو دي فيسـ ــولي ‪ ،‬التقريــر االوروبي حــول التنميــة ‪ 2009‬التغلب على الهشاشــة في إفريقيــا‬
‫صياغة نهج اوروبي جديد‪ ،‬مركز روبرت شومتن للدراسات المتقدمة‪ ،‬المعهد الجامعي االوروبي ‪.2009‬‬
‫‪‬س ــيدي أعم ــر ش ــيخنا‪ ،‬الواليــة الثالثــة وتعــديالت الدســاتير اإلفريقيــة‪ ..‬جــدل داخلي وتشــجيع خــارجي‪ ،‬تق ــارير‬
‫مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة ‪ 13 ،‬ديسمبر ‪.2015‬‬
‫‪‬شركة ابو ظبي لالستثمار‪ ،‬نظرة على إفريقيا تطلعات المؤسسات االستثمارية حتى ‪ ،2016‬أبــو ظــبي‪ ،‬وحــدة‬
‫ايكونوميست للمعلومات المحدودة‪.2013 ،‬‬
‫‪‬الشــيخ بــاي الحــبيب‪ ،‬االســتثمارات الصــينية بإفريقيــا كيــف نجحت الصــين في كســب القــارة اإلفريقيــة؟‪ ،‬مركــز‬
‫الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 30 ،‬أبريل ‪.2014‬‬
‫‪‬الشيخ باي الحبيب‪ ،‬االقتصادات اإلفريقية‪ :‬أداء متطور وآفاق واعــدة‪ ،‬مركــز الجزيــرة للدراســات‪ ،‬الدوحــة‪7 ،‬‬
‫ابريل ‪.2014‬‬
‫‪‬عبد النور بن عنتر‪ ،‬األزمة الليبية‪ :‬معطى جيوبوليتيكي جديد‪( ،‬مراجعــات كتب)‪ ،‬مركــز الجزيــرة للدراســات‪،‬‬
‫الدوحة‪ 27 ،‬يناير ‪.2013‬‬
‫‪‬عبيد إمجين‪ ،‬إفريقيا والماء‪ ،‬مراجعات كتب مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 24 ،‬يونيو ‪.2015‬‬

‫‪496‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬عمــرو عبــد العــاطي‪ ،‬هل انتهى القرن االمــريكي؟ (مراجعــات كتب)‪ ،‬مركــز الجزيــرة للدراســات‪ ،‬الدوحــة‪19 ،‬‬
‫أبريل ‪.2015‬‬
‫‪‬غيسيما كاغو‪ ،‬سياسة المغرب اإلفريقية‪ :‬الرهانات والدوافع واآلفاق‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪13 ،‬‬
‫يوليو ‪.2014‬‬
‫‪‬كم ــال القص ــير‪ ،‬جيوبوليتيــك المغــرب العــربي‪ :‬قــراءة في ديناميــات عــام ‪ ،2014‬مرك ــز الجزي ــرة للدراس ــات‪،‬‬
‫الدوحة‪ ،‬يناير ‪.2015‬‬
‫‪‬لوك أوباال‪ ،‬تحول كينيا باتجاه الشرق‪ :‬تحالف اسـتراتيجي أم تكـتيكي؟‪ ،‬مركــز الجزيــرة للدراســات‪ ،‬الدوحــة‪،‬‬
‫‪ 27‬أبريل ‪.2014‬‬
‫‪‬محمد الكوخي‪ ،‬استراتيجيات عودة المغرب لالتحاد اإلفريقي والتوازنات القاريــة‪ ،‬مركــز الجزيــرة للدراســات‪،‬‬
‫الدوحة‪ 9 ،‬فبراير ‪.2017‬‬
‫‪‬مجلــة البيــان الســعودية بتعــاون مــع المركــز العــربي للدراســات اإلنســانية بالقــاهرة‪ ،‬األمــة في مواجهــة مشــاريع‬
‫التفتيت‪ ،‬الرياض‪ ،‬عام ‪.2010-1431‬‬
‫‪ ‬مجلة البيان السعودية بتعاون مع المركز العربي للدراسات اإلنسانية بالقاهرة‪ ،‬العالم اإلسالمي عوامل النهضة‬
‫وآفاق البناء‪ ،‬الرياض‪ ،‬اإلصدار الرابع ‪1428‬هـ ‪2008 -‬م‪.‬‬
‫‪‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي االفريقي ‪ ،2003-2002‬القاهرة يوليو ‪.2004‬‬
‫‪‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬التقرير االستراتيجي اإلفريقي ‪ ،2002-2001‬القاهرة‪ ،‬يوليو ‪.2003‬‬
‫‪‬مركــز الدراســات السياســية واالســتراتيجية األهــرام‪ ،‬التقريــر االســتراتيجي العــربي ‪ ،2003-2002‬القــاهرة‪،‬‬
‫الطبعة االولى‪ ،‬يونيو ‪.2003‬‬
‫‪‬مرك ــز الدراس ــات السياس ــية واالس ــتراتيجية األه ــرام‪ ،‬التقريــر االســتراتيجي العــربي ‪ ،2008-2007‬الق ــاهرة‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.2008 ،‬‬
‫‪‬مركز الدراسات واألبحاث في العلوم االجتماعية (‪ ،)CERSS‬التقرير االستراتيجي المغربي ‪-2001‬‬
‫‪ ،2002‬العدد السابع‪ ،‬منشورات أبحاث‪ ،‬طبعة ‪.2004‬‬
‫‪‬مركز الدراسات واألبحاث في العلــوم االجتماعيــة‪ ،‬التقرير االستراتيجي المغـربي ‪ ،2010-2006‬منشــورات‬
‫أبحاث التقرير التاسع‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪‬مركز سبأ للدراسات االستراتيجية‪ ،‬تقرير سبأ االستراتيجي ‪ ،2010‬صنعاء‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬يوليوز ‪.2011‬‬
‫‪ ‬مصرف التنمية اإلفريقي و الصندوق الدولي للتنمية الزراعية‪ ،‬السياق المتغير للتنمية الزراعيــة والريفيــة في‬
‫إفريقيا وآفاقها‪ ،‬يوليو ‪.2008‬‬

‫‪497‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬مفوضــية االتحــاد اإلفــريقي المجلس االقتصــادي واالجتمــاعي‪ ،‬اللجنــة االقتصــادية إلفريقيــا‪ ،‬استعراض الظروف‬
‫االقتصادية واالجتماعية في إفريقيا في عام ‪ ،2012‬أبيدجان‪ 24-21 ،‬مارس ‪.2013‬‬
‫‪‬منتدى الخبراء الرفيع المستوى حول "إطعام العالم في عام ‪ ،"2050‬التحدي الخاص بالنسبة إلفريقيا جنوب‬
‫الصحراء الكبرى‪ ،‬روما ‪ 13-12‬اكتوبر ‪.2009‬‬
‫‪‬منشــورات وجهــة نظــر‪ ،‬حالــة المغــرب ‪ ،2010-2009‬كراســات اســتراتيجية (‪ ،)6‬منشــورات وجهــة نظــر‪،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪‬منشورات وجهة نظر‪ ،‬المغرب في مفترق الطرق ‪ ،2005-2004‬كراسات استراتيجية‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪‬منشــورات وجهــة نظــر‪ ،‬حالة المغـرب ‪ ،2008-2007‬كراســات اســتراتيجية (‪ ، ،)4‬مطبعــة النجــاح الجديــدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪‬منظمــة األغديــة والزراعــة (‪ ،)FAO‬حالــة المــوارد من األراضــي والميــاه في العــالم لألغذيــة والزراعــة إدارة‬
‫النظم المعرضة للخطر‪ ،‬روما‪.2011 ،‬‬
‫‪‬مهاري مارو‪ ،‬العالقات الصينية اإلفريقية ‪ ..‬الديمقراطية والتوزيـع‪( ،‬ترجمــة يعقــوب بن أبــو مــدين)‪ ،‬تقــارير‬
‫مركز الجزيرة للدراسات‪ 30 ،‬أبريل ‪.2013‬‬
‫‪‬هارولد ليفرساج‪ ،‬التصدي لظاهرة "انتزاع األراضي" وتشجيع االستثمار المسؤول في ميدان الزراعة‪،‬‬
‫الصندوق الدولي للتنمية الزراعية‪ ،‬روما‪ ،‬طبعة يناير ‪.2011‬‬
‫‪‬يحي اليحياوي‪ ،‬التوجهات اإلفريقية "الجديدة" للمغرب‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬الدوحة‪ 29 ،‬يونيو ‪.2015‬‬

‫المقاالت‪:‬‬
‫‪ ‬إبراهيم غالي وآخرون‪" ،‬الشرق االوسط‪ :‬اتجاهات التحول من "الفوضى" إلى "ضــبط" ازمــات المنطقــة"‪ ،‬ملحق‬
‫خاص يصدر مع دورية "اتجاهات االحداث"‪ ،‬العدد ‪ ،15‬يناير–فبراير ‪.2016‬‬
‫‪‬أحمد إبراهيم محمود‪ " ،‬أبعاد تشكيل قيادة عسكرية أمريكية إلفريقيا"‪ ،‬ملف األهرام االستراتيجي‪ ،‬العــدد ‪،164‬‬
‫مارس ‪.2005‬‬
‫‪‬أحمــد إبــراهيم محمــود‪" ،‬اإلرهــاب الــدولي في إفريقيــا بين األزمــات الداخليــة وتهديــدات تنظيم القاعــدة"‪ ،‬كراسات‬
‫استراتيجية‪ ،‬العدد ‪ ،183‬يناير ‪.2008‬‬

‫‪498‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬أحم ــد ط ــه محم ــد‪" ،‬األبع ــاد السياس ــية للش ــراكة بين أوروب ــا وإ فريقي ــا"‪ ،‬السياســة الدوليــة‪ ،‬الع ــدد ‪ ،141‬يولي ــوز‬
‫‪.2000‬‬
‫‪‬اإلدارة العامــة إلعالم إفريقيــا‪" ،‬تطــور السياســة اإلســرائيلية تجــاه إفريقيــا" مجلــة آفــاق إفريقيــة‪ ،‬العــدد الســادس‬
‫والثالثون‪.2012 ،‬‬
‫‪‬االفتتاحي ــة‪" ،‬إفريقي ــا وحلم التنمي ــة"‪ ،‬قــراءات إفريقيــة‪ ،‬الع ــدد الخ ــامس عش ــر‪ /‬مح ــرم – ربي ــع ‪1434‬هـ‪ ،‬ين ــاير‪-‬‬
‫مارس ‪2013‬م‪.‬‬
‫‪‬آالء محمد معوض‪" ،‬األبعاد الجغرافيــة لمشــكلة الفقــر في إفريقيــا"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العــدد الســابع عشــر‪ ،‬رجب‬
‫– رمضان ‪1434‬هـ‪ ،‬يوليو‪ -‬سبتمبر ‪2013‬م‪.‬‬
‫‪‬أمير محمد عبد الحليم‪" ،‬دوافع جولة أوباما اإلفريقية"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 202‬أكتوبر ‪.2015‬‬
‫‪‬أم ــيرة محم ــد عب ــد الحليم‪" ،‬الوج ــه اآلخ ــر‪ :‬التن ــافس على مص ــادر الطاق ــة في إفريقي ــا"‪ ،‬السياســة الدوليــة‪ ،‬الع ــدد‬
‫‪ ،197‬يوليو ‪.2014‬‬
‫‪‬ايمن شبانة‪" ،‬النفط اإلفريقي‪ ..‬عنــدما تتحــرك السياســة األمريكيــة وراء المــوارَد "‪ ،‬مجلة قراءات إفريقية‪ ،‬العــدد‬
‫الحادي عشر‪ ،‬محرم‪ -‬ربيع األول ‪1433‬هـ‪ /‬يناير‪-‬مارس ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪‬بــدر حســن شــافعي‪" ،‬التطــور التــاريخي للصــراع بين شــمال وجنــوب الســودان"‪ ،‬السياســة الدوليــة‪ ،‬العــدد ‪183‬‬
‫يناير ‪.2011‬‬
‫‪‬ب ــدر حس ــن ش ــافعي‪" ،‬لم ــاذا اس ــتأنفت الوالي ــات المتح ــدة عالقاته ــا م ــع ليبي ــا"‪ ،‬ملــف األهــرام االســتراتيجي‪ ،‬الع ــدد‬
‫‪ ،139‬يوليو ‪.2006‬‬
‫‪‬البش ــرى محم ــد أحم ــد‪" ،‬الص ــراع على الم ــوارد‪ :‬أبع ــاده العالمي ــة واإلقليمي ــة"‪ ،‬دراســات إفريقيــة‪ ،‬الع ــدد الراب ــع‬
‫والثالثون‪ ،‬ديسمبر ‪.2005‬‬
‫‪ ‬بيان صالح حسن‪" ،‬تبديد األوهام‪ :‬األهداف الحقيقة للتداعي على إفريقيا"‪ ،‬مجلة قراءات إفريقية‪ ،‬العدد التاسع‪،‬‬
‫رجب‪-‬رمضان ‪1432‬هـ‪ /‬يوليو‪-‬سبتمبر ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪‬التحرير‪" ،‬االستثمارات في إفريقيــا أمــال وتحــديات"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العــدد الرابــع‪ ،‬شــوال ‪1430‬هـ ‪ -‬ســبتمبر‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ ‬تميم هاني خالف‪" ،‬العالقات األفرو‪-‬إسرائيلية بين األهداف والمصالح"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬الع ــدد ‪ ،144‬أبري ــل‬
‫‪.2001‬‬

‫‪499‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬ج ــورج ث ــروت فهمي‪" ،‬اوروب ــا وإ فريقي ــا‪ ..‬اس ــتراتيجية جدي ــدة للتن ــافس"‪ ،‬السياســة الدوليــة‪ ،‬الع ــدد ‪ 163‬ين ــاير‬
‫‪.2006‬‬
‫‪‬جوزيف رامز أمين‪" ،‬قراءة في جولة بوش اإلفريقية"‪ ،‬آفاق افريقية‪ ،‬العدد ‪ ،15‬خريف ‪.2003‬‬
‫‪‬جوزيف رامز أمين‪" ،‬قراءة في جولة بوش اإلفريقية"‪ ،‬مجلة آفاق إفريقية‪ ،‬العدد ‪ ،15‬خريف ‪.2003‬‬
‫‪ ‬جوزيف رامز أمين‪" ،‬مستقبل العالقات اليابانية ‪ -‬اإلفريقية في ضــوء انعقــاد مــؤتمر ال(تيكــاد) الخــامس"‪ ،‬آفاق‬
‫إفريقية‪ ،‬العدد األربعين‪.2014 ،‬‬
‫‪‬حسن أبو طالب‪" ،‬نحو عالم بدون هيمنة غربية" السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 202‬أكتوبر ‪.2015‬‬
‫‪‬حسناء عبد الفتاح "الزراعة في إفريقيا"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬سبتمبر ‪.2013‬‬
‫‪‬حس ــني محم ــد حس ــن‪" ،‬التوجه ــات اإلفريقي ــة للسياس ــة الخارجي ــة المغربي ــة"‪ ،‬آفــاق إفريقيــة‪ ،‬الع ــدد ‪ ،38‬أبري ــل‬
‫‪.2013‬‬
‫‪‬حس ــين مج ــدوبي‪" ،‬الدبلوماس ــية المغربي ــة بين االحتك ــار الملكي والبحث عن التوازن ــات البرغماتي ــة في الس ــاحة‬
‫الدولية منذ االستقالل وحتى بداية القرن ‪ "21‬وجهة نظر‪ ،‬العدد ‪ 48‬ربيع ‪.2011‬‬
‫‪‬حمـــدي عبـــد الرحمـــان حســـن‪" ،‬التنـــافس الـــدولي في القـــرن اإلفـ ــريقي"‪ ،‬السياســية الدوليــة‪ ،‬العـــدد ‪ 177‬يوليـــو‬
‫‪.2009‬‬
‫‪‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬السياسة األمريكية تجــاه إفريقيــا من العزلــة إلى الشــراكة"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العــدد‬
‫‪ ،144‬أبريل ‪.2001‬‬
‫‪‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬القرن األفــريقي الجديــد أمريكيــا"‪ ،‬ملف األهرام االستراتيجي‪ ،‬العــدد ‪ ،147‬مــارس‬
‫‪.2007‬‬
‫‪‬حمــدي عبــد الرحمــان حســن‪" ،‬ثنائيــة النفــط واإلرهــاب‪ :‬إفريقيــا تــدخل عصــر الهيمنــة األمريكيــة"‪ ،‬ملـف األهـرام‬
‫االستراتيجي‪ ،‬عدد ‪.2006 ،140‬‬
‫‪‬حمــدي عبــد الرحمــان حســن‪" ،‬ثنائيــة النفــط واإلرهــاب‪ :‬إفريقيــا تــدخل عصــر الهيمنــة األمريكيــة"‪ ،‬ملـف األهـرام‬
‫االستراتيجي‪ ،‬العدد ‪ ،140‬أغسطس ‪.2006‬‬
‫‪‬حمدي عبد الرحمان حسن‪" ،‬دور التدخالت الخارجية في أزمــة الســودان"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العــدد ‪ 183‬ينــاير‬
‫‪.2011‬‬
‫‪‬حمــدي عبــد الرحمــان حســن‪" ،‬قمــة لوســاكا ومســتقبل االتحــاد اإلفــريقي"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العــدد ‪ ،146‬أكتــوبر‬
‫‪.2001‬‬

‫‪500‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬خالــد الــتزاني‪" ،‬االنتشــار العســكري األمــريكي في إفريقيــا‪ :‬الــدوافع والرهانــات‪ ،"،‬المستقبل العربي‪ ،‬العــدد ‪436‬‬
‫يونيو ‪.2015‬‬
‫‪‬خالــد حنفي عــالي‪" ،‬اإلقليميــة الجديــدة في إفريقيــا‪ :‬أســباب التعــثر مــع التطــبيق على تجمعي الســاحل والصــحراء‬
‫والسادك"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،144‬أبريل ‪.2001‬‬
‫‪‬خالــد حنفي علي‪" ،‬السياســة األمريكيــة تجــاه إفريقيــا‪ ...‬رؤى وأدوات متغــيرة"‪ ،‬السياســة الدوليــة‪ ،‬العــدد ‪،163‬‬
‫يناير ‪.2006‬‬
‫‪ ‬خالد حنفي علي‪" ،‬النفط اإلفريقي‪ :‬بؤرة جديدة للتنافس الدولي"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،164‬أبريل ‪.2006‬‬
‫‪ ‬خالد عبد العظيم‪" ،‬القمة الفرنسية اإلفريقية وتفعيل الدور المصري في إفريقيــا"‪ ،‬الساسة الدوليـة‪ ،‬العــدد ‪،135‬‬
‫يناير ‪.1999‬‬
‫‪ ‬خضر عباس عطوان‪" ،‬الصين ومستقبل عالقات القوى"‪ ،‬المستقبل العربي‪ ،‬العدد ‪ 341‬يوليو ‪.2007‬‬
‫‪‬خــيري عبــد الــرزاق جاســم‪" ،‬قيــادة عســكرية أمريكيــة جديــدة ألفريقيــا فرصــة أمريكيــة ومحنــة أفريقيــة" المجلــة‬
‫العربية للعلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪ ،21‬شتاء ‪.2009‬‬
‫‪‬راضية يوسف‪" ،‬انتاج اليورانيوم في إفريقيا"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬يونيو ‪.2013‬‬
‫‪‬رانيا حسين خفاجة‪" ،‬االتحاد اإلفريقي خطوة جديــدة في مســيرة القــارة"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العــدد ‪ ،150‬أكتــوبر‬
‫‪.2002‬‬
‫‪‬راوية توفيق‪" ،‬السياسة الفرنسية في إفريقيـا‪ ..‬األداة العسـكرية في خدمـة المصــالح االقتصــادية ودعـاوى المهمـة‬
‫الحض ــارية"‪ ،‬قــراءات إفريقيــة‪ ،‬الع ــدد العش ــرون‪ ،‬ربي ــع اآلخ ــر‪ -‬جم ــادى األخ ــرى ‪1435‬هـ ‪ /‬أبري ــل‪ -‬يوني ــو‬
‫‪2014‬م‪.‬‬
‫‪‬رض ــا محم ــد هالل‪" ،‬العالق ــات الص ــينية بال ــدول النامي ــة‪ ..‬المنطلق ــات واألبع ــاد"‪ ،‬السياســة الدوليــة‪ ،‬الع ــدد‪،173‬‬
‫يوليو ‪.2008‬‬
‫‪‬رضوان الوهابي‪" ،‬مسـاهمة المغـرب في حفـظ السـالم وتسـوية النزاعـات في إفريقيـا جنـوب الصــحراء ‪-1999‬‬
‫‪ ،"2010‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،116‬ماي‪ -‬يونيو ‪.2014‬‬
‫‪‬ريــاض الخــوري‪ "،‬تقــويم اتفاقيــات التجــارة الحــرة بين االتحــاد األوروبي والواليــات المتحــدة من جهــة‪ ،‬وبعض‬
‫دول الشرق األوسط وشمال إفريقيا من جهة أخرى‪ "،‬أوراق كارنيغي‪ ،‬العدد ‪ ،8‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2007‬‬
‫‪‬رين ج ــورج ك ــوام‪ ،‬ع ــرض محم ــد قن ــديل‪" ،‬النيب ــاد ش ــراكة من أج ــل التنمي ــة‪ ..‬وش ــراكة من أج ــل األمن"‪ ،‬أفــاق‬
‫إفريقية‪ ،‬العدد ‪ ،15‬خريف ‪.2003‬‬

‫‪501‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬سامي صبري عبد القــوى‪" ،‬الموقــف الصــيني من أزمــة دارفــور في مجلس األمن"‪ ،‬ملف األهرام االستراتيجي‪،‬‬
‫العدد ‪ ،172‬أبريل ‪.2009‬‬
‫‪‬سامية بيبرس‪" ،‬جنوب إفريقيا ومواجهة قضايا القارة"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪.2002 ،147‬‬
‫‪‬سبســتيان جــاتيمو‪" ،‬معضــلة مســتمرة‪ :‬مشــكلة "ملكيــة األرض" في قــارة إفريقيــا"‪ ،‬اتجاهــات األحــداث‪ ،‬العــدد ‪12‬‬
‫يوليو ‪.2015‬‬
‫‪‬سعد حقي توفيق‪" ،‬التنافس الدولي وضمان امن الطاقة" مجلة العلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪.2011 ،43‬‬
‫‪‬سعيدة محمد عمر‪" ،‬افريقيا الصــاعدة‪ :‬بين الهيمنــة الجديــدة وتحــدي التنميــة‪ ،‬اتجاهات األحداث‪ ،‬العــدد ‪ 3‬أكتــوبر‬
‫‪.2014‬‬
‫‪‬س ــمر حس ــن الب ــاجوري‪" ،‬مش ــكلة انع ــدام األمن الغ ــذائي في إفريقي ــا"‪ ،‬آفــاق إفريقيــة‪ ،‬الع ــدد الح ــادي واألربعين‪،‬‬
‫ديسمبر ‪.2014‬‬
‫‪‬ســمير عبــد األمــير الحســين‪" ،‬التكامــل االقتصــادي ودوره في تحقيــق التنميــة االقتصــادية في االتحــاد اإلفــريقي"‪،‬‬
‫مجلة دراسات‪ ،‬العدد السابع والعشرون (الشتاء)‪1374 ،‬هـ ‪2006 -‬م‪.‬‬
‫‪‬شــريط عابــد‪" ،‬االنــدماج االقتصــادي اإلقليمي للــدول المغاربيــة مــع االتحــاد االوروبي" السياســة الدوليــة‪ ،‬العــدد‬
‫‪ ،153‬يوليوز ‪.2003‬‬
‫‪ ‬شرين ماهر‪" ،‬القدرة التنافسية في إفريقيا لعام ‪ ،"2013‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬يونيو ‪.2013‬‬
‫‪‬طارق الشيخ‪" ،‬كلينتون وجولته االفريقية الثانية"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 142‬اكتوبر ‪.2000‬‬
‫‪‬ط ــارق ع ــادل الش ــيخ‪" ،‬الص ــين وإ فريقي ــا والتطل ــع إلى الق ــرن ال ‪ ،"21‬السياســة الدوليــة‪ ،‬الع ــدد ‪ ،138‬أكت ــوبر‬
‫‪.1999‬‬
‫‪‬طارق عادل الشيخ‪" ،‬الصين وتجديد سياساتها اإلفريقية"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،156‬أبريل ‪.2004‬‬
‫‪ ‬عبد الحميد الصنهاجي‪" ،‬التعاون الفرنسي‪ -‬اإلفريقي بين حيثيات التنظير وإ كراهات التطــبيق ‪،"1990-1960‬‬
‫السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،144‬يناير ‪.2004‬‬
‫‪‬عبد المنعم سعيد‪ ،‬محمد فايز فرحات‪" ،‬مجموعــة العشــرين وإ عــادة هيكلــة النظــام االقتصــادي العــالمي"‪ ،‬كراسات‬
‫استراتيجية‪ ،‬العدد ‪ 207‬فبراير ‪.2010‬‬
‫‪ ‬عبد المنعم طلعت‪" ،‬لجنة خليج غينيا نواة لبدائل "االوبك"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 182‬اكتوبر ‪.2010‬‬
‫‪‬عبد الناصر جنـدلي‪" ،‬النظريـات التفسـيرية للعالقــات الدوليـة بين التكيـف والتغـير في ظـل تحـوالت عـالم مـا بعـد‬
‫الحرب الباردة" مجلة المفكر‪ ،‬العدد ‪ 5‬مارس ‪.2010‬‬

‫‪502‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬عــراقي عبــد العزيــز الشــربيني‪" ،‬نيبــاد واســتراتيجية التنميــة اإلفريقيــة‪ ،‬عــرض نقــدي لبعض القضــايا الرئيســية"‪،‬‬
‫أفاق إفريقية‪ ،‬العدد ‪ ،15‬خريف ‪.2003‬‬
‫‪‬عــربي بومــدين‪" ،‬الســاحل اإلفــريقي ض ــمن الهندســة األمنيــة األمريكيــة"‪ ،‬مجلــة قــراءات إفريقيــة‪ ،‬العــدد التاســع‬
‫عشر‪ /‬محرم‪-‬ربيع ‪1335‬هـ‪ /‬يناير‪ -‬مارس ‪.2014‬‬
‫‪‬عالء عبد الحفيظ محمد‪" ،‬تأثيرات الصعود الروسي والصـيني في هيكـل النظـام الـدولي في إطـار نظريـة تحـول‬
‫القوة"‪ ،‬المجلة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬العددان ‪ ،48-47‬صيف –خريف ‪.2015‬‬
‫‪ ‬عمر راشد‪" ،‬ما الذي تفعله التجمعات االقتصادية اإلفريقية؟"‪ ،‬ملف األهرام االســتراتيجي‪ ،‬العــدد ‪ ،118‬اكتــوبر‬
‫‪.2004‬‬
‫‪‬عمــر عبــد العــاطي‪" ،‬تحــوالت النظــام الــدولي ومســتقبل الهيمنــة األمريكيــة‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العــدد ‪ 183‬ينــاير‬
‫‪.2011‬‬
‫‪ ‬غسان العزي‪" ،‬القمة األوروبية‪ -‬اإلفريقية‪ :‬أوهام "الشراكة االستراتيجية"‪ ،‬شؤون األوسط‪ ،‬العدد ‪ ،94‬نيســان‪/‬‬
‫ابريل ‪.2000‬‬
‫‪‬غسان الغزلي‪" ،‬التحوالت الصينية بعد الحرب الباردة"‪ ،‬شؤون عربية‪ ،‬العدد ‪.1999 ،35‬‬
‫‪‬فضيلة محجــوب‪" ،‬عصــر الالقطبيــة‪ ..‬مــاذا ســيعقب الهيمنــة األمريكيــة؟"‪ ،‬قراءات استراتيجية‪ ،‬العــدد ‪ 11‬نونــبر‬
‫‪.2008‬‬
‫‪‬فوزي ــة قاس ــي‪ " ،‬الس ــاحل اإلف ــريقي من منظ ــور األمن الط ــاقوي األم ــريكي‪ ..‬حماي ــة ت ــدفق اإلم ــدادات من خليج‬
‫غنيا"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العدد التاسع عشر‪ ،‬محرم‪ -‬ربيع االول ‪1435‬هــ‪ ،‬يناير‪ -‬مارس ‪2014‬م‪.‬‬
‫‪‬فيالدو فيفودا‪( ،‬ترجمة نزار الطحاوي)‪" ،‬الصين تتحــدى الرأســمالية العالميــة"‪ ،‬قراءات استراتيجية‪ ،‬العــدد ‪، 6‬‬
‫‪.2009‬‬
‫‪‬قط سمير‪" ،‬أوروبا‪ ،‬أمريكا‪ ..‬رهان المغــرب العــربي مزاحمــة اقتصــادية واســتراتيجية‪ ،‬أم تكامــل أمــني؟"‪ ،‬مجلة‬
‫المفكر‪ ،‬العدد العاشر‪ ،‬يناير ‪.2014‬‬
‫‪‬كارن أبو الخير‪ " ،‬آسيا ومالمح نظام عالمي جديد‪ ..‬تقديم"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 183‬يناير ‪.2011‬‬
‫‪‬كارن أبو الخير‪" ،‬تحوالت القوة في عالم بال أقطاب"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 180‬يوليو ‪.2011‬‬
‫‪‬كريم المفتي‪" ،‬مصالح روسيا والصين في الشرق األوسط‪ :‬دراســة تحليليــة"‪ ،‬المجلة العربية للعلـوم السياسـية‪،‬‬
‫العددان ‪ ،48-47‬صيف‪-‬خريف ‪،2015‬‬
‫‪‬كريم شكرى‪" ،‬العقول المهاجرة من افريقيا"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد الثالث عشر‪ ،‬يونيو ‪.2014‬‬

‫‪503‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬كريم شكرى‪" ،‬خام الفوسفاط في إفريقيا"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد السادس عشر‪ ،‬أبريل ‪.2015‬‬
‫‪‬لهب عطــا عبــد الوهــاب‪" ،‬آفــاق الطاقــة في العــالم‪ :‬دراســة تاريخيــة مقارنــة‪ ،‬المستقبل العربي‪ ،‬العــدد ‪ 435‬مــاي‬
‫‪.2015‬‬
‫‪‬مادي إبراهيم كانتي‪" ،‬التدخل العسكري في مالي"‪ ،‬مجلة آفاق إفريقية‪ ،‬العدد ‪ ،38‬أبريل ‪.2013‬‬
‫‪ ‬مأمون كيوان‪" ،‬السياسة اإلسرائيلية تجاه إفريقيا‪ :‬أدواتها وغاياتها" شؤون األوسط‪ ،‬العدد ‪ ،135‬ربيع ‪.2010‬‬
‫‪‬ماهر اسكندر‪" ،‬إفريقيا ثروات طبيعية"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬مايو ‪.2013‬‬
‫‪‬مجدي صبحي‪" ،‬النفط وإ نهاء الحرب األهلية في السودان"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،150‬أكتوبر ‪.2002‬‬
‫‪‬محمد أبــو العيــنين‪" ،‬العالقــات األوروبيــة‪ -‬اإلفريقيــة بعــد انتهــاء الحــرب البــاردة" السياسة الدولية‪ ،‬العــدد ‪،140‬‬
‫أبريل ‪.2000‬‬
‫‪‬محمــد البشــر أحمــد موســى‪" ،‬خريطــة القــوى المتداعيــة على إفريقيــا"‪ ،‬قــراءات إفريقيــة‪ ،‬العــدد التاســع‪ ،‬يوليــو‪-‬‬
‫سبتمبر ‪.2011‬‬
‫‪‬محمــد البشــير أحمــد موســى‪" ،‬خريطــة القــوى المتداعيــة على إفريقيــا"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العــدد التاســع‪ ،‬رجب –‬
‫رمضان ‪1432‬هـ ‪/‬يوليو ‪-‬سبتمبر ‪.2011‬‬
‫‪‬محمد السيد سليم‪" ،‬واقع ومستقبل التحالفات في آسيا"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 183‬يناير ‪.2011‬‬
‫‪ ‬محمد العسومي‪" ،‬الشراكة اإلماراتية‪ -‬الصينية تعاون استراتيجي ذو آفاق مبشرة"‪ ،‬آفاق المستقبل‪ ،‬العدد ‪،18‬‬
‫أبريل‪/‬ماي‪ /‬يونيو ‪.2013‬‬
‫‪‬محمــد العقيــد محمــد أحمــد‪ «" ،‬المهمــة الكونيــة» األمريكيــة وإ فريقيــا"‪ ،‬قـراءات إفريقيـة‪ ،‬العــدد التاســع‪ ،‬رجب –‬
‫رمضان ‪1432‬هـ‪ /‬يوليو‪ -‬سبتمبر ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪‬محمد الهاشمي‪" ،‬مصلحة قومية‪ :‬استراتيجية االنفتــاح المغــربي في منطقــة غــرب إفريقيــا"‪ ،‬اتجاهــات األحــداث‪،‬‬
‫العدد ‪ 13‬أغسطس ‪.2015‬‬
‫‪‬محم ــد جم ــال عرف ــة‪" ،‬الص ــين و"التغ ــير الن ــاعم" في إفريقي ــا‪" ..‬العولم ــة البديل ــة"‪ ،‬مجلــة قــراءات إفريقيــة‪ ،‬الع ــدد‬
‫التاسع‪ ،‬رجب‪ -‬رمضان ‪ /1432‬يوليو‪ -‬سبتمبر ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪‬محمـ ــد عاشـ ــور مهـ ــدي‪ " ،‬بعـ ــد نصـ ــف قـ ــرن من العمـ ــل اإلفـ ــريقي المشـ ــترك االتحـ ــاد اإلفـ ــريقي‪ ..‬الطموحـ ــات‬
‫والتحديات"‪ ،‬قراءات إفريقية‪ ،‬العدد السابع عشر‪ /‬رجب‪ -‬رمضان ‪1434‬هـ ‪ -‬يوليو – سبتمبر ‪2013‬م‪.‬‬
‫‪‬محم ــد عاش ــور مه ــدي‪" ،‬مس ــتقبل التكام ــل اإلقليمي في إفريقي ــا‪ ..‬ق ــراءة في ض ــوء ال ــدوافع والواق ــع والتح ــديات"‪،‬‬
‫قراءات إفريقية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬شوال ‪1431‬هـ ‪ -‬سبتمبر ‪2010‬م‪.‬‬

‫‪504‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬محم ــد عب ــاس ن ــاجي‪" ،‬داخ ــل ال ــدائرة‪" :‬تح ــول الق ــوة" كم ــدخل لفهم المنافس ــات اإلقليمي ــة والدولي ــة"‪ ،‬ملحــق مجلــة‬
‫السياسة الدولية‪ ،‬عدد يوليو ‪.2014‬‬
‫‪‬محمــد عبــد الشــفيع عيســى‪" ،‬االقتصــاد السياســي للعولمــة مــع اشــارات للقــارة اإلفريقيــة"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العــدد‬
‫‪ ،150‬اكتوبر ‪.2002‬‬
‫‪‬محم ــد عب ــد الش ــفيع عيس ــى‪" ،‬بعض التط ــورات االخ ــيرة في هيك ــل النظ ــام ال ــدولي محاول ــة م ــوجزة في تص ــنيف‬
‫العالم"‪ ،‬المجلة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪ 32‬خريف ‪.2011‬‬
‫‪‬محمـ ــد مطـ ــاع‪" ،‬اسـ ــتراتيجية االمن القـ ــومي األمـ ــيركي (‪ )2015‬المؤشـ ــرات الكـ ــبرى الجديـ ــدة ومالمح التغـ ــير"‬
‫سياسات عربية‪ ،‬العدد ‪ 15‬تموز‪/‬يوليو ‪.2015‬‬
‫‪‬محم ــد منص ــور‪" ،‬ال ــدور الح ــائر‪ :‬الس ــالح الفرنس ــي بين معض ــلة التموي ــل والمخ ــاطر اإلقليمي ــة"‪ ،‬ملحــق مجلــة‬
‫السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 202‬أكتوبر ‪.2015‬‬
‫‪‬محم ــود خل ــف‪" ،‬االس ــتراتيجية األمريكي ــة لـ "قي ــادة إفريقي ــا" العس ــكرية"‪ ،‬السياســية الدوليــة‪ ،‬الع ــدد ‪ ،168‬أبري ــل‬
‫‪.2007‬‬
‫‪‬مديري ــة الخزين ــة والمالي ــة الخارجي ــة‪" ،‬االس ــتراتيجية المغربي ــة بإفريقي ــا‪ :‬رؤي ــة ش ــاملة ومتكامل ــة"‪ ،‬مجلــة الماليــة‬
‫لوزارة االقتصاد والمالية (المغرب)‪ ،‬العدد ‪ 28‬غشت ‪.2015‬‬
‫‪‬مديرية الدراسات والتوقعات المالية‪" ،‬المغــرب‪ -‬إفريقيــا‪ :‬طمــوح آلفــاق جديــدة"‪ ،‬مجلة المالية لوزارة االقتصاد‬
‫والمالية‪( ،‬المغرب) العدد ‪ 28‬غشت ‪.2015‬‬
‫‪‬مروان قبالن‪" ،‬أطروحات إدارة ترمب ونظام ما بعد الحرب العالميـة الثانيـة "انقالب" في السياسـة الخارجيـة أم‬
‫نسخة باهتة من الجاكسونية؟"‪ ،‬سياسات عربية‪ ،‬العدد ‪ ،24‬يناير ‪.2017‬‬
‫‪‬مــروان قبالن‪ " ،‬دبلوماســية الصــين واحتمــاالت الصــدام مــع أمريكــا"‪ ،‬دراسات اســتراتيجية‪ ،‬العــددان ‪،20-19‬‬
‫ربيع وصيف ‪.2006‬‬
‫‪‬مسعود ضاهر‪" ،‬الممارسة الصينية"‪ ،‬المجلة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪ ،17‬ربيع ‪.2007‬‬
‫‪‬مص ــطفى ص ــايج‪" ،‬إدارة ط ــرمب وإ فريقي ــا‪ :‬التص ــورات والرهان ــات"‪ ،‬المســتقبل العــربي‪ ،‬الع ــدد ‪ ،466‬ديس ــمبر‬
‫‪.2017‬‬
‫‪‬المشــهد اإلفــريقي‪ ،‬ملحــق مجلـة قـراءات إفريقيـة‪ ،‬العــدد الحــادي عشــر‪ ،‬محــرم –ربيــع االول ‪1433‬هـ‪ /‬ينــاير‪-‬‬
‫مارس ‪.2012‬‬

‫‪505‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬المشــهد اإلفــريقي‪ ،‬ملحــق مجلــة قــراءات إفريقيــة‪ ،‬العــدد الحــادي عشــر‪ ،‬محــرم‪-‬ربيــع األول ‪1433‬هـ‪ /‬ينــاير‪-‬‬
‫مارس ‪.2012‬‬
‫‪‬مصــطفى أحمــدى‪" ،‬قمــة الهنــد إفريقيــا الثالثــة‪..‬شــراكة متعــددة األوجــه ودعم التعــاون بين دول الجنــوب"‪ ،‬مجلــة‬
‫إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد التاسع عشر‪ ،‬يناير ‪.2016‬‬
‫‪‬مص ــطفى ش ــفيق عالم‪"" ،‬أفرق ــة التنمي ــة"‪ ..‬ثغ ــرات في مؤش ــرات "اإلرادة القومي ــة" بالق ــارة الس ــمراء"‪ ،‬قــراءات‬
‫إفريقية‪ ،‬العدد الرابع عشر‪ ،‬شوال‪ -‬ذي الحجة ‪1433‬هـ‪ /‬اكتوبر‪ -‬ديسمبر ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪‬مص ــطفى ش ــفيق غالم‪"" ،‬أفرق ــة التنمي ــة"‪ ..‬ثغ ــرات في مؤش ــرات "اإلرادة القومي ــة" بالق ــارة الس ــمراء"‪ ،‬قــراءات‬
‫إفريقية‪ ،‬العدد الرابع عشر‪ ،‬شوال‪ -‬ذي الحجة ‪1433‬هـ ‪ -‬اكتوبر‪ -‬ديسمبر ‪.2012‬‬
‫‪‬مصطفى شفيق غالم‪(" ،‬أنســنة) القتــل‪ :‬التــدخل الفرنســي في إفريقيــا الوســطى بين العقـدي والبرغمــاتي"‪ ،‬قراءات‬
‫إفريقية‪ ،‬العدد العشرون‪ ،‬ربيع اآلخر‪ -‬جمادى اآلخرة ‪1435‬هـ‪ ،‬أبريل‪ -‬يونيه ‪2014‬م‪.‬‬
‫‪‬مصــطفى عبــد اهلل خشــيم‪" ،‬تــأثير العوامــل الخارجيــة في عمليــة التنميــة اإلفريقيــة"‪ ،‬مجلة دراسات‪ ،‬العــدد الســابع‬
‫والعشرين‪( ،‬الشتاء)‪1374 -‬هـ ‪2006 -‬م‪.‬‬
‫‪‬مكتب الصرف (المغرب)‪" ،‬المبــادالت التجاريــة واالســتثمارات المباشــرة المغربيــة في إفريقيــا‪ :‬تطــور ملمــوس"‪،‬‬
‫مجلة المالية لوزارة االقتصاد والمالية‪( ،‬المغرب)‪ ،‬العدد ‪ 28‬غشت ‪.2015‬‬
‫‪‬منظمــة االمم المتحــدة‪" ،‬آفــاق التنميــة االقتصــادية واالجتماعيــة التقريــر االقتصــادي االفــريقي ‪( ،" 2013‬ترجمــة‬
‫وعرض شيرين ماهر‪ -‬دينا نصر)‪ ،‬آفاق إفريقية‪ ،‬العدد الحادي واالربعين ‪.2013‬‬
‫‪‬مـــنى حســـين عبيـــد‪" ،‬السياســـة الصـ ــينية تجـــاه دول شـــرق إفريقي ــا‪ :‬الس ــودان نموذج ــا"‪ ،‬المجلــة العربيــة للعلــوم‬
‫السياسية‪ ،‬العدد ‪ ،29‬شتاء ‪.2011‬‬
‫‪‬مه ــا الح ــديثي‪" ،‬إفريقي ــا في المحي ــط ال ــدولي "دراس ــة جيوس ــتراتيجية"‪ ،‬دراســات سياســية‪ ،‬الع ــدد الخ ــامس‪ ،‬ش ــتاء‬
‫‪.2000‬‬
‫‪‬مي قابيــل‪" ،‬مســارات قاريــة‪ :‬مشــروعات القطــارات العــابرة للحــدود في أقــاليم العــالم"‪ ،‬اتجاهات االحداث‪ ،‬العــدد‬
‫‪ 13‬اغسطس ‪.2015‬‬
‫‪ ‬نجالء مرعي‪" ،‬أعراض االنفصال‪ :‬الصراع على النفط بين شمال وجنــوب الســودان"‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العــدد‬
‫‪ 188‬أبريل ‪.2012‬‬
‫‪‬نيروز ساتيك‪" ،‬هل يمكن تقسيم دول المشرق العربي"‪ ،‬سياسات عربية‪ ،‬العدد ‪ 15‬تموز‪/‬يوليو ‪.2015‬‬

‫‪506‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬هــاني الشــميطي‪" ،‬اوروبــا والمتوســط‪ :‬تــاريخ العالقــات ومشــروع االتحــاد من أجــل المتوســط"‪ ،‬المجلــة العربيــة‬
‫للعلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪ ،19‬صيف ‪.2008‬‬
‫‪‬هــاني رســالن‪" ،‬كيــف نجــا نظــام الــرئيس إدريس ديــبي من الســقوط؟" ملف األهـرام االســتراتيجي‪ ،‬العــدد ‪،159‬‬
‫مارس ‪.2007‬‬
‫‪‬هوبير فدرين‪" ،‬الدور االستراتيجي للغرب"‪ ،‬مجلة الدفاع الوطني النسخة العربية‪ ،‬العدد‪ ،5‬شباط ‪.2012‬‬
‫‪‬يوس ــف خميس أب ــو يوس ــف‪" ،‬دور التكتالت االقتص ــادية في تعزي ــز الوح ــدة االقتص ــادية والسياس ــية في إفريقي ــا"‪،‬‬
‫دراسات إفريقية‪ ،‬العدد ‪ ،32‬ذو القعدة ‪1425‬هـ‪ /‬ديسمبر ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪‬يونــاس بــول دي مانيــال‪" ،‬الــدور الفرنســي في إفريقيــا‪ ..‬تاريخــه وحاضــره ومســتقبله"‪ ،‬قــراءات إفريقيــة‪ ،‬العــدد‬
‫الحادي عشر‪ ،‬محرم‪ -‬ربيع األول ‪1433‬هـ‪ /‬يناير‪ -‬مارس ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪ "‬نــزاع الص ــين واليابــان إلى أين؟ الحــرب مســتبعدة والنفــط والغــاز بيت القص ــيد"‪ ،‬أفــاق المســتقبل‪ ،‬العــدد ‪،21‬‬
‫يناير‪ /‬فبراير‪ /‬مارس‪.2014 /‬‬
‫‪"‬االسـ ــتثمار في إفريقيـ ــا أمـ ــال وتحـ ــديات"‪ ،‬مجل ــة ق ــراءات إفريقي ــة‪ ،‬العـ ــدد الرابـ ــع‪ ،‬شـ ــوال ‪1430‬هـ ‪ -‬سـ ــبتمبر‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪"‬زيارة رئيس وزراء اليابان إلفريقيا"‪ ،‬مجلة إفريقيا قارتنا‪ ،‬العدد العاشر‪ ،‬يناير ‪.2014‬‬
‫المواقع االلكترونية‪:‬‬

‫‪ ‬إجالل رأفت‪" ،‬السياسة الفرنسية في إفريقيا جنوب الصحراء" على الرابط‬


‫‪http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=220197&eid=264.‬‬
‫‪‬أمير محمد عبد الحكيم‪" ،‬ما الذي تريده واشنطن من القمة األمريكية اإلفريقية؟" على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.siyassa.org.eg/Portal/20/%D8%AA‬‬
‫‪%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/0.aspx‬‬
‫‪‬بدر حسن شافعي‪ ،‬التغلغل الهندي في إفريقيا‪ ،‬على الرابط‪،‬‬
‫‪http://aljazeera.net/opinions/pages/b612ef85-ba62-4ff1-90ca-a94d4a150e90.‬‬
‫‪ ‬البن ـ ـ ـ ــك ال ـ ـ ـ ــدولي‪ ،‬تقريـ ـ ــر التنميـ ـ ــة في العـ ـ ــالم ‪ 2008‬الزراعــــــة من أجــــــل التنميــــــة‪ ،‬واش ـ ـ ـ ــنطن‪.2007 ،‬‬
‫‪http://siteresources.worldbank.org/INTWDRS/Resources/477365-‬‬
‫‪1327599046334/8394679-1327614067045/FINAL_WDR-OV-Arabic-‬‬
‫‪text_9.26.07.pdf‬‬

‫‪507‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬حمـ ــدي عبـ ــد الرحمـ ــان حسـ ــن ‪" ،‬أوروبـ ــا وإ فريقيـ ــا وجهـ ــا لوجـ ــه نحـ ــو شـ ــراكة أم هيمنـ ــة جديـ ــدة"‪ ،‬على الرابـ ــط‬
‫‪. /http://studies.alarabiya.net‬‬
‫‪ ‬حمدي محمد نذير‪" ،‬ظاهرة التنافس الدولي في العالقات الدولية"‪ ،‬المركز الديمقراطي العربي‪ ،‬شوهد‬
‫بتاريخ على الرابط‪.http://democraticac.de/?p=1775#prettyPhoto:‬‬
‫‪‬الدورة الرابعة للمؤتمر الوزاري لمنتدى التعاون الصيني االفريقي‪ :‬على الرابط‬
‫‪www.chinatoday.com.cn/arabic/2009n/0912/p8.htm‬‬
‫‪ ‬سامي السالمي‪" ،‬أبعاد ودالالت قمتي بريكس وشنغهاي في التفاعالت الدولية"‪ ،‬على الرابط‬
‫‪www.siyassa.org.eg‬‬
‫‪ ‬سامي السيد أحمد‪ ،‬خطوات منقوصة‪ :‬التكامل اإلقليمي اإلفريقي‪ ..‬خبرة الماضي وآفاق المستقبل‪ ،‬على‬
‫الرابط‪.http://www.acrseg.org/39227 :‬‬
‫‪ ‬شيء يرسم خارطة طريق تحديث العالقات الصينية‪-‬اإلفريقية خالل قمة تاريخية على الرابط‪:‬‬
‫‪http://arabic.news.cn/2015-12/05/c_134886785.htm‬‬
‫‪‬عــادل المســاوي‪" ،‬إفريقيــا في ظــل الجيوسياســة الدوليــة الراهنــة‪ :‬قــراءة في أنمــاط التجــاذب االســتراتيجي‬
‫للقوى الدولية صوب إفريقيـا"‪ ،‬مداخلـة قــدمت في إطـار الـدورة ‪ 43‬ألكاديميـة المملكـة المغربيـة المنظمـة‬
‫حــول إفريقيا كــأفق للتفكــير‪ ،‬خالل الفــترة مــا بين ‪ 8‬إلى ‪ 11‬دجنــبر ‪ ،2015‬بمقــر األكاديميــة بالربــاط‪،‬‬
‫على الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=5oy6Sm9iIF8‬‬
‫‪‬عالم الجزيرة‪ ،‬الصراع على إفريقيا‪ ،‬برنامج وثائقي‪ ،‬شوهد على الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=fMuEZzTjTLI‬‬
‫‪ ‬ماوانــا ريمــارك كوتــنين‪ 14" ،‬دولــة إفريقيــة ملزمــة بــدفع ضــرائب لفرنســا"‪( ،‬ترجمــة محمــد عبــد المنعم)‪ ،‬على‬
‫الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.qiraatafrican.com/view/?q=1871.‬‬
‫‪‬رضا محمد هالل‪ ،‬األكراد بين االنفصال والفيدرالية‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.siyassa.org.eg‬‬
‫‪ ‬مصطفى سفيق عالم‪"" ،‬عسكرة الشراكة" لماذا تبني الصين قاعدة بحرية في جيبوتي؟"‪ ،‬مركز المستقبل‬
‫لألبحاث والدراسات المتقدمة‪ ،‬على الرابط‬
‫‪http://www.futurecenter.ae/analys.php?analys=772‬‬

‫‪508‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪‬مــؤتمر األمم المتحــدة للتجــارة والتنميــة‪ ،‬التنمية االقتصــادية في إفريقيــا التجــارة بين البلــدان اإلفريقيــة‪ :‬إطالق‬
‫دينامية القطاع الخاص‪ ،‬جنيف ‪ 24-16‬سبتمبر ‪.2013‬‬
‫‪http://unctad.org/meetings/en/SessionalDocuments/tdb60d4_ar.pdf.‬‬
‫‪ ‬ياس ـ ـ ــر أبـ ــو حسـ ــن "صـ ــراع القـ ــوى العظمى على المـ ــوارد" دراسـ ــات افريقيـ ــة العـ ــدد رقم ‪ ،45‬جامعـ ــة افريقيـ ــا‬
‫العالمية‪ ،‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.iua.edu.sd/iua_magazine/african_studies/45/45index.htm‬‬
‫‪"‬خطــة عمــل شــرم الشــيخ"‪ :‬الشــراكة بين الصــين وأفريقيــا مثــال يحتــذى بــه للتعــاون بين الجنــوب والجنــوب على‬
‫الرابط‬
‫‪http://arabic.people.com.cn/31660/6809030.html‬‬
‫‪ 2015‬م‪ ...‬عام العالقات الصينية اإلفريقية‪( ،‬ترجمة قراءات إفريقية)‪ ،‬آسيا تايمز على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.qiraatafrican.com/view/?q=2159‬‬
‫‪‬دكر الرحمن‪ ،‬القمة الهندية اإلفريقية‪ ،‬شوهد بتاريخ ‪ 19‬أبريل ‪ 2016‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=86999‬‬
‫‪‬البيان الختامي للقمة الثالثة لمنتدى الهند_إفريقيا ‪ 29‬أكتوبر عام ‪ ،2015‬شركاء في التقدم نحو جدول‬
‫أعمال إنمائي فارق وفعال إطار عمل الهند‪-‬إفريقيا للتعاون اإلستراتيجي‪ ،‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.iafs.in/downloads/archives/arabic-framework.pdf‬‬

‫مراجع باللغات األجنبية‬

‫‪Ouvrages:‬‬

‫‪Abdelaziz BARRE, « la politique marocaine de coopération en Afrique »,‬‬


‫‪in le Maroc et l’Afrique après l’indépendance, Université Mohammed‬‬
‫‪V, édition de l’Institut des études Africains, Rabat, 1995.‬‬
‫‪Alain ANTIL, Le Royaume du Maroc et sa politique envers l’Afrique‬‬
‫‪sub-saharienne, étude d’institut français des relations internationales‬‬
‫‪(IFRI), Novembre 2003.‬‬

‫‪509‬‬
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

Antoine MÉGIE, Frédéric MÉRAND et autres, l’Union européenne et le


nouvel équilibre des puissances, politique Européenne, N° 39, Paris,
l’Harmattan, 2013.
 Aurèlia MANÉ-ESTRADA, Sécurité énergétique en Méditerranée
occidental: nouveaux facteurs, nouvelles politiques. Un regard
espagnol, IFRI, Gouvernance européenne et géopolitique de l’énergie/
Centre Moyen-Orient/Maghreb, Octobre 2008.
Christophe-Alexandre PAILLARD, « Les ressources naturelles : entre
développement et prédation », en : L’Afrique subsaharienne d’une
crise à l’autre, Fondation pour la recherche stratégique, JOURNEE
D’ETUDES ACTES DU 5 Février 2007.
David BÉNAZÉRAF, Soft power chinois en Afrique Renforcer les
intérêts de la Chine au nom de l’amitié sino-africaine, Ifri Centre
Asie, Asie Visions 71, Septembre 2014.
Fanty CHERU & Cyril OBI, the rise of China & India in Africa, ZED
BOOKS, London & New York, 2010.
François LAFARGUE, La guerre mondiale du pétrole, Ellipses, Paris,
2008.
Françoise NICOLAS, Le Maghreb dans son environnement régional
et international la présence économique chinois et indienne au
Maghreb, IFRI, Centre des études économies, 2010.
Gérard CHALIAND, avec la collaboration de Michel JAN, Vers un
nouvel ordre du monde, Éditions du Seuil, Paris, Avril 2013.
Homi KHARAS and Julie BIAU, “Africa looks Forward to the post-2015
development agenda”, in: Foresight Africa top priorities for the
continent in 2015, Africa Growth Initiative at brookings, Washington,
January 2015.

510
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

Kassim BOUHOU, Le Maghreb et son environnement régional et


international, stratégie et présence économique des Etats-Unis au
Maghreb, IRIF, Centre des Etudes Economiques, 2010.
Leni WILD, Lisa DENNEY, Alina Rocha MENOCALl, and Matthew
Geddes, Informing the Future of Japan’s ODA, The Overseas
Development Institute, London, October 2011.
Mustafa MACHRAFI et Khadija BOUTKHILI (coordination), diplomatie
économique Marocaine en Afrique: enjeux pour un partenariat
stratégique, Cahiers de la recherché n° 3, Publication d l’Institut des
Etudes Africaines, Rabat, 2014.
Nezha ALAOUI, Le Maghreb dans son environnement régional et
international la projection économique des pays du Maghreb sur
l’Afrique subsaharienne, Note de IFRI, Centre des Etudes
économiques, 2010.
Ouvrage collectif coordonné par Alain NONJON, l’Afrique des
nouvelles convoitises, Ellipses, Pris, 2011.
Paul MELLY and Vincent DARRACQ, A New Way to Engage? French
Policy in Africa from Sarkozy to Hollande, Chatham house, May
2013.
 Philippe HUGON, Géopolitique de l’Afrique, Sedes, paris, 3édition,
2012.
Pierre BIARNÈS, Les français en Afrique noire de Richelieu à
Mitterrand, Armand Colin, Paris 1987.
 Mustapha MACHRAFI et Hassan ZAOUAL, (coordination), l’Afrique en
mouvement, Revue Almaghreb Al Ifriqui, Numero Special: l’Afrique en
Mouvement, 2008.

511
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

Ruchita BERI and Uttam Kumar SINHA, Africa and energy Security
Global Issues, Local Responses, published by Academic foundation in
association with the Institute for Defence Sudies and analyses (IDSA),
New Delhi, first published in 2009.
Sebastian SANTANDER, et autres, L’Afrique, nouveau terrain de jeu
émergents, éditions Karthala, Paris, 2014.
Yahia Abou El Farah, Said DKHISSI, Mustapha Machrafi, Khadija
Boutkhili et autres, la coopération Maroco-Africaine, série colloques
13, Institut des Etudes Africaines, Rabat, première édition 2010.

Les rapports:
African Center for Economic Transformation, 2014 African
Transformation Report Growth with Depth, Accra Ghana, 2014.
African Development Bank Group, African development report 2014:
regional integration for growth, Immeuble du Centre de commerce
International d’Abidjan CCIA, Abidjan, 2014.
African Union, Agenda 2063 The Africa we want, Addis Ababa, August
2014.
Alexandra SAKAKI, Japan’s Security policy : A shift in direction
undrer Abe?, Swp Research paper, Stiftung Wissenschaft und Politik
German Institute for International and Security Affairs, Berlin, March
2015.
Alliance for a Green Revolution in Africa (AGRA), Africa Agriculture
status report: focus staple crops, Nairobi 2013.
Anthony LAKE and Christine todd WHITMAN, More than
humanitarianism, a strategic U.S approach toward Africa. Council

512
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

on Foreign Relation ; independent task force report n° 56.December


2006.
Banque Africaine de développement, l’Afrique dans 50 ans vers une
croissance inclusive, Tunis, Aout 2011.
Banque africaine de développement, Organisation de coopération et
développement économique, Programme des nations Unies pour le
développement, Perspectives économiques en Afrique 2014 les
chaines valeur mondiales et l’industrialisation de l’Afrique, Éditions,
OCDE, Paris 2014.
Bernice LEE, Felix PRESTON, Jaakko KOOROSHY, Rob BAILEY and
Glada LAHN, Resource Futures a Report Chathom House, Chathom
House, London, December 2012.
Bruno HELLENDORFF, L’initiative « matières premières » de l’Union
européenne : quel impact sur les relations avec l’Afrique?, Note
d’Analyse, Groupe de recherche et d’Information sur la Paix et la
Sécurité (GRIP).
Bureau du Conseiller spécial pour l’Afrique, la coopération de l’Afrique
avec les partenaires de développement nouveaux et émergents :
options pour le développement de l’Afrique, Nations Unies, New
York, 2010.
Claire SCHAFFNIT-CHATTERJEE, Agricultural value chains in Sub-
Sharan Africa from a development challenge to a business
opportunity, Deutche bank Research, April 14.
Commission économique pour l’Afrique, Union Africaine, les ressources
minérales et le développement de l’Afrique rapport Groupe d’études

513
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

international sur les régimes miniers de l’Afrique, Addis-Ababa,


Novembre 2011.
Commission économique pour l’Afrique, Union Africaine, Tirer le plus
grand profit des produits de base africains : l’industrialisation au
service de la croissance, de l’emploi et de la transformation
économique, Addis-Abeba, 2013.
Commonwealth Business Council, The Infrastructure investment
report 2013, London, March 2013.
Conférence des Nations Unies sur le commerce et le développement, Le
développement économique en Afrique rapport 2014 catalyser
l’investissement pour une croissance transformatrice en Afrique,
Nations Unies, New York et Genève, 2014.
Conférence des Nations Unies sur le commerce et le développement, le
Développement économique en Afrique rapport 2015 libérer le
potentiel du commerce des services en Afrique pour la croissance
et le développement, United National, Geneva, Juin 2015.
United Nations Conference on trade and Development, World
investment report 2017: Investment and the digital economy, United
Nations, Geneva, 2017.
Danielle LANGTON, U.S. Trade and Investment Relationship with
Sub-Saharan Africa: The African Growth and Opportunity Act and
Beyond, CRS Reporter Congress, Updated May 5, 2008.
David E. BROWN, Africa’s booming oil and natural gas exploration
and production: national security implications for the United States
and China. U.S Army War College, Strategic Studies Institute, December
2013.

514
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

Deloitte, la consommation en Afrique le marche du XXIe siècle, Juin


2015.
EY, EY’s attractiveness survey Africa 2014 Executing growth, 2014
EY limited.
Groupe de Recherche et d’Information sur Paix et la Sécurité,
« Géopolitique du pétrole dans la CEEAC: l’enjeu des nouvelles
politiques des hydrocarbures », Note N° 9, 25 juin 2014.
Haim MALKA, Morocco’s African Future, Center for Strategic
International Studies, Middle East Program, October 2013.
Institut AMADEUS, Etude partenariat Maroc-Afrique: 15
Recommandations pour un co-développement responsable et
durable, Juillet 2014.
International Energy Agency, world Energy Outlook Special Report,
Africa Energy Outlook a focus energy prospect in sub-Saharan
Africa, OECD/IEA, Pries 2014.
International Monetary Fund, Regional Economic Outlook, Sub-
Saharan Africa Staying the Course, OCT 2014
International Renewable Energy Agency, Africa’s renewable future the
path to sustainable growth, United Arab Emirates, 2013.
International Trade Administration, U.S.–Sub-Saharan Africa Trade
and Investment, August 2014.
JAPAN INTERNATIONAL COOPERATION AGENCY, ANNUAL
REPORT, JICA, 2013.
Mckinsey Company, Lions on the move the progress and potential of
African economies, Mckinsey Global Institute, June 2010.

515
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

Ministère de l’économie et des finances (Maroc), Point sur les


relations du Maroc avec les pays de l’Afrique subsaharienne,
direction des études et des prévisions financières, octobre 2008.
Ministère de l’économie et des finances (Maroc), Point sur relation du
Maroc avec les pays de l’Afrique subsaharienne, direction des
études et des prévisions financières, Mars 2010.
Ministère de l’Économie et des Finances (Maroc), Relation Maroc-
Afrique: l’ambition d’une « nouvelle frontière, Septembre 2014.
Ministère des finances et de la privatisation (Maroc), Le
positionnement économique du Maroc en Afrique – bilan et
perspectives, direction des études et prévisions financières, Juillet
2006.
Ministère du commerce extérieur (Maroc), Diagnostic et élément pour
une nouvelle stratégie du commerce extérieur, octobre 2006.
Ministre de l’Economie et des finances (Maroc), Note a/s des relations
du Maroc avec les pays Africains, division des financements et
relations bilatéraux, 2009.
Nations Unies commission économique pour l’Afrique, et Confederation
of Indian Industry, Afrique-Inde faits et chiffres, Addis-Abeba, Premier
tirage Octobre 2015
Rapport au ministre de l’économie et des finances (République
Française), Un partenariat pour l’avenir:15 propositions pour une
nouvelle dynamique économique entre l’Afrique et la France,
Décembre 2013.

516
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

Report of the National Energy Policy Development Group, “National


Energy Policy: Reliable Affordable, and Environmentally Sound Energy
For America’s Future”, Washington D.C: May 2001, chapter 8.
Siemon T. WEZEMAN, “Israeli arms transfers to sub-Saharan Africa”,
Sipri background paper, October 2011.
Tail FUNDIRA, Trade at a glance: the BRICS and Japan’s
engagement with Africa, Tralac working paper, January, 2012.
 TAN- Philippe CUEILLE, Pays pétroliers et gaziers du Maghreb et
du Moyen-Orient, IFP. Energies nouvelles, Panorama 2012.
 Toby ARCHE and Tihomir POPOVIC, the trans- saharan counter-
terrorism Initiative, the Finnish Institute of International Affairs, Report
16, 2007.
U.S. Energy Information Administration, countries Nigeria, last updated,
December 30, 2013.
U.S. Energy Information Administration, Oil and Natural gaz in sub-
saharan Africa, august 1, 2013.
UN Economic Commission for Africa, Economic report on Africa
Industrializing through trade, Addis Ababa, First printing, March 2015.
UNCTAD, Economic development in Africa report 2013 Intra-Africa
trade: unlocking private sector dynamism, United Nations publication,
11July 2013.
UNCTAD, Then and now: reimagining Africa’s future catalysing
investment for transformative growth. Geneva, 2015.
UNCTAD, World investment report 2015: reforming international
investment governance, New York and Geneva, 24 June 2015.
United National Development Programme, Africa Human Development
report 2012: towards a food secure future, New York, 2012.

517
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

United Nations Economic Commission for Africa, African Union, African


Development Bank and United Nations Development Programme, MDG
2014 report assessing progress In Africa toward the Millennium
development Goals, Addis Ababa, October 2014.
 United Nations Conference on Trade and Development, The rise of
BRICS FDI in Africa, special edition, March 2013.
United Nations Conference on trade and Development, World
investment report 2014: investing in the SDGs: an action plan,
United Nations New York and Geneva, 2014.
United States Government Accountability Office, Case Studies of U.S
and Chinese Economic Engagement in Angola, Ghana, and
Kenya, a Supplement to GAO-13-199, February 2013.
 Vivian C. JONES, U.S. Trade and Investment Relationship with
Sub-Saharan Africa: The African Growth and Opportunity Act ,
Congressional Research Service, July 24, 2009
World Energy Council, World Energy Resources 2013 Survy, London,
2013.
Périodiques:

 Anne ANDROUAIS, «Japon et Afrique: la genèse des relations


économiques», Afrique contemporaine, n° 212 Hiver 2004.
 Benantar ABDENNOUR, « L'AMÉRIQUE, L'EUROPE ET LES
ARABES» , Cair.Info, Outre-terre 2004/2 - no 7.
 Claire KUPPER & Margaux VAGHI, «CARTOGRAPHIE DU PÉTROLE
EN AFRIQUE DE L’OUEST », NOTE D’ANALYSE du GRIP, 14
janvier 2014.
 Daniel SABBAGH, « Les relations sino-américains depuis la fin de
guerre froide», Questions Internationales, n° 6, 2004.

518
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

 David MAKWERERE et Ronald CHIPAIKE, “China and the United States


of America in Africa: A New Scramble or a New Cold War?”,
International Journal of Humanities and Social Science, Vol 2, N° 19,
September 2012.
 François LAFARGUE, « L’Inde en Afrique : logiques et limites d’une
politique », De Boeck Université Afrique contemporaine, 2006/3.
 Groupe collectif, « l’Afrique et les grands émergents », a Savoir 19,
Avril 2013.
 Henrikes KOSCHEL, Sterfqn LINDEMANN, « Resource Efficiency in
Developing and Emerging Countries », Kfw-Development research, n°
5, 17th June 2013.
 Honoré LELEUCH, « Le pétrole et le gaz naturel en Afrique : une part
croissante mondial », Géostratégiques, N° 25 , 10/09 .
 HONORE LELEUCH, « Le pétrole et le gaz naturel en Afrique : une part
croissante dans l’approvisionnement énergétique mondial »,
Géostratégique, n° 25 10/09 .
 Julien KITA, «l'aide publique au développement Japonaise et l'Afrique:
vers un partenariat fructueux? », Asie. Visions, n 10, Septembre 2008.
 Louis MARÉCHAL, « Comment mettre les ressources minières africaines
au service d’un développement durable? », secteur privé et
développent la revue de proparco, Numéro 8 Janvier 2011.
 Marc Aicardi de SAINT-PAUL , « Le Japon et l’Afrique : genèse d’une
relation pérenne » , Géostratégiques, n° 26 • 1er trimestre 2010.
 Marianne MEUNIER, “Infrastructures eau et énergie à revendre”, Jeune
Afrique, n° 2434, septembre 2007.

519
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

 Marianne MEUNIER, « Maroc télécom à la conquête de nouveaux


horizons », Jeune Afrique, n° 2434, septembre 2007.
 Mary-Françoise RENARD, « China’s and FDI in Africa », African
Development Bank Group, Working Paper, no 126, May 2011.
 Mekouar FAIÇAL, « Le Maroc à la conquête de l’Afrique », REGARDS,
N° 3, Mai 2013.
 Michael Auslin, “Japan’s New Realism: Abe Gets Tough”, Foreign
Affairs, Volume 95, Number 2, March/April 2016.
 Nathalie GILLE, « Banques des réseaux en devenir », Jeune Afrique, n°
2434 Septembre, 2007.
 Rakesh MOHAN, Joshi BISWAJIT, NagAshish GUPTA, “India’s Export
Opportunity in Africa: Issues and Challenges in Select Sectors”,
W.P.No. EC-13-18 April 2012.
 Shebonti RAYDADWAL, “ India and Africa: Towards a Sustainable
Energy Partnership”, S A I I A O C C A S I O N A L PA P E R , N U M
B E R 75, F e b r u a r y 2 011.
 William ASSANVO, « Rétrospective 2011 des relations économiques et
commerciales entre l’Afrique et ses partenaires émergents », Note
d’analyse, n° 8, janvier 2012.
 Yahia H zOUBIR, « la politique étrangère américaine au Maghreb :
Constances et adaptations », Journal d’étude des relations
internationales au Moyen-Orient, Vol. 1, No.1 (juillet 2006).
 Yoann le BONHOMME par Oumou DIAKITÉ, Raphaëlle HALLIER et
Laura FOKA, « la mobilité des étudiants d’AFRIQUE sub-saharienne et
du Maghreb », les notes de Campus France, Hors-série n° 7, juin
2013.

520
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

Webliographie:

 Abdelhak BASSOU, Ressources naturelles et réalités géopolitique


de l’Afrique, OCP POLICY CENTER, Policy Brief, Mai 2017,
http://www.ocppc.ma/sites/default/files/OCPPC-PB1719.pdf
 African Development Bank Group, catalyzing growth and development
through effective natural resources management, African Natural
Resources Center, Abidjan 2016,
https://www.afdb.org/fileadmin/uploads/afdb/Documents/Publications/
anrc/AfDB_ANRC_BROCHURE_en.pd.
 Alain KARSENTY et Symphorien ONGOLO, les terres agricoles et les
forêts dans la mondialisation : de la tentation de l’accaparement à
la diversification des modèles ?, cahier Demeter.
http://agents.cirad.fr/pjjimg/alain.karsenty@cirad.fr/DEMETER_Accapare
ment_des_terres_et_mondialisation.pdf.
 Asiya KHALITOVA, Camille MINO, Charlotte CIABRINI, Elie BÉRARD ,
Pierre- Marie DURÉCU, Investissements sur les terres agricoles en
Afrique subsaharienne, Université Lumière Lyon 2 - M2 CHS , Mars
2012.https://pierremariedurecu.files.wordpress.com/2013/03/dossier-
gc3a9opo.pdf.
 Banque africaine de développement, Organisation de coopération et
développement économique, Programme des nations Unies pour le
développement, Perspectives économiques en Afrique 2015
Développement territorial et inclusion spatial, édition
OCDE, 2015.http://www.africaneconomicoutlook.org/fileadmin/uploads/
aeo/2015/PDF_Chapters/Overview_AEO2015_FR-web.pdf

521
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

 China-Africa Economic and Trade Cooperation (2013):


http://www.safpi.org/sites/default/files/publications/China-
AfricaEconomicandTradeCooperation.pdf 4/03/2015.
 Christine GILGUY, « L’Union européenne et l’Afrique : cartographie des
“locomotives” du commerce (Etude) »
http://www.lemoci.com/54366/#sthash.MticgIPP.dpuf
 David STYAN, « Djibouti: changing influence in the horn’s strategic hub”,
Chatham house briefing paper, April
2013.https://www.chathamhouse.org/sites/files/chathamhouse/public/Research/
Africa/0413bp_djibouti.pdf.
 El Mostafa Rezrazi, Current African Economic and Strategic Challenges
and Opportunities: Intersecting Views from China and Morocco, March
17, 2016 , http://www.ocppc.ma/blog/current-african-economic-and-
strategic-challenges-and-opportunities-intersecting-views-
china#.VzEDYDGNran
 Emerging Markets Forum, Africa 2050 Realizing the continent’s full
potential,https://jicari.jica.go.jp/event/assets/Africa
%202050%20Overview%20final%2029%20May.pdf.
 European Commission, Directorate General for Trade, “EU-Africa trade
in facts and figures – Brussels, 7 December 2007”, TRADE POLICY in
PRACTICE,http://trade.ec.europa.eu/doclib/docs/2007/december/tradoc
_137129.pdf.
 EY, African oil and gas : driving sustainable
growth,http://www.ey.com/Publication/vwLUAssets/African_oil_and_gas:
_driving_sustainable_growth/$FILE/EY-African_oil_and_gas-
driving_sustainable_growth.pdf.
 EY, Global steel 2014 planning to profit from opportunity: preparing
for future demand, http://www.ey.com/Publication/vwLUAssets/EY_-
_Global_steel_2014/$FILE/EY-Global-steel-2014.pdf.

522
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

 Florence BRONDEAU, « les investisseur étrangers à l’assaut des terres


agricoles africaines », EchoGéo, N° 14, septembre/novembre 2010.
Consulté le 10/09/2015 URL: https://echogeo.revues.org/12008.
 Fode Sire DIABY, Les stratégies des entreprises chinoises en
Afrique : quels objectifs, quelle coopération?, https://tel.archives-
ouvertes.fr/tel-01086483/document.
 GLOBAL FINANCIAL INTEGRITY, Illicit Financial Flows from Africa:
Hidden Resource for
Development.http://www.gfintegrity.org/storage/gfip/documents/rep
orts/gfi_africareport_web.pdf
 Ichiro KOMATSU, La coopération Japonaise en Afrique et le
processus de la TICAD, mars
2013.http://www.fr.emb-japan.go.jp/actualite_ambassade/pdf/Presentati
on_TICAD_textes.pdf.
 India- Africa : south-south trade and investment for development ,
World Trade Organization, Confederation of INDIAN Industry ,CII/WTO

2013http://www.wto.org/english/tratop_e/devel_e/a4t_e/global_review13
prog_e/india_africa_report.pd.
 JICA Research Institute, Development challenge in Africa towards
2050, June 2013,
https://jica-ri.jica.go.jp/publication/assets/TICAD_Africa_2050_JICA-
RI.pdf.
 KPMG “OIL AND GAS IN AFRICA AFRICA’S RESERVES,
POTENTIAL AND PROSPECTS " AT:
https://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/Articles-
Publications/Documents/Oil%20and%20Gas%20in%20Africa.pdf.

523
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

 KPMG and Confederation of Indian Industry, India and Africa-


collaboration for growth, 2015,
at:https://www.kpmg.com/IN/en/IssuesAndInsights/ArticlesPublications/
Documents/India-Africa-Summit2015.pdf
 KPMG, Agriculture in
Africa,https://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/ArticlesPublic
ations/General-Industries-Publications/Documents/Agriculture%20in
%20Africa.pdf.
 KPMG, Arica the role of cities in Africa’s rise,
2012http://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/Articles-
Publications/Documents/The-Role-of-Cities-in-Africas-Rise.pdf.
 KPMG, Mining in Africa towards
2020,https://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/Articles-
Publications/Documents/Mining%20in%20Africa%20towards
%202020.pdf.
 KPMG, Oil & Gas Africa Sector Report, Reserves, potential and
prospects of Africa, KPMG GLOBAL ENERGY INSTITUTE,
2014.https://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/Articles-
Publications/General-Industries-Publications/Documents/Oil%20and
%20Gas%20sector%20report%202014.pdf.
 KPMG, Sector Report Oil and Gas in Africa, Oil and gas sector
report , 2015,
https://www.kpmg.com/Africa/en/IssuesAndInsights/Articles-
Publications/General-Industries-Publications/Documents/Oil%20and
%20Gas%20sector%20report%202015.pdf.

524
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

 L’Association Survie, « France-Afrique: qui aide vraiment qui? Les


dessous de l’aide publique au
développement »
,http://survie.org/IMG/pdf/4pagesAPDSURVIEv2.pdf.
 La commission des affaires étrangères de l’Assemblée Nationale,
Rapport d’information sur « la politique de la France en Afrique », N°
1332, Décembre 2008.http://www.assemblee-nationale.fr/13/pdf/rap-
info/i1332.pdf.
 La commission des affaires étrangères de la défense et des forces
armées du Sénat, Rapport d’information sur la présence de la
France dans une Afrique convoitée, N° 104 , Octobre
2013,http://www.senat.fr/rap/r13-104/r13-1041.pdf.
 Nations Unies, Commission économique pour l’Afrique, flux financiers
illicites rapport du groupe de haut niveau sur les flux financiers
illicites en provenance
d’Afrique,http://www.uneca.org/sites/default/files/PublicationFiles/
ffi_rapport_francais.pdf.
 NEPAD Transforming Africa, Agriculture in Africa Transformation
and outlook,
http://www.un.org/en/africa/osaa/pdf/pubs/2013africanagricultures.pdf.
 Paul GOLDSCHMID, « Le Maroc hub de l’intégration financière
Africaine ? », tribune 40, Institut Thomas more, Mars 2014.
http://www.institut-thomas-more.org/upload/media/tribuneitm40-fr.pdf.
 Pierre-Yves CASTAGNAC et Sarah ZERROUKI, « Les relations entre
l’union européén et le continent africain», Institut des relations
internationales et stratégiques (IRIS)

525
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

2011.http://www.iris-france.org/docs/kfm_docs/docs/cr-conferences/
2011-01-cr-ue-afrique.pdf.
 Rapport Conjoint Banque Africaine de Développement ET Global
Financial Integrity, Mai 2013, Les Flux Financiers Illicites et la
Question des Transferts nets de Ressources en Provenance de
l’Afrique 1980-
2009.http://www.afdb.org/fileadmin/uploads/afdb/Documents/Publication
s/Les%20Flux%20Financiers%20Illicites%20et%20la%20Question
%20des%20Transferts%20nets%20de%20Ressources%20en
%20Provenance%20de%20l%E2%80%99Afrique
%2019802009%20%20R%C3%A9sum%C3%A9%20ex
%C3%A9cutif.pdf.
 Sarah BAYNTON-GLEN, Africa-India trade and investment –Playing
tostrengths, Standart chartered, 08 August
2012,https://www.sc.com/en/resources/globalen/pdf/Research/fricaIndia
_trade_and_investment_Playing_to_strengths.pdf.
 Sawaka TAKAZAKI, Special Report: Taking in the Dynamism of
Africa, JETRO, April 2013,
https://www.jetro.go.jp/en/african_business/pdf/sensor_201304.pdf.
 the white house Washington, The National Security Strategy of the
United States of America, September
2002.http://www.state.gov/documents/organization/63562.pdf.
 The white house Washington, The National Security Strategy of the
United States of America, march
2006.http://www.comw.org/qdr/fulltext/nss2006.pdf.

526
‫واالنعكاسات‬...‫الوسائل‬... ‫ األهداف‬:‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‬

 U.S Energy information, japan, last updated, 30 January 2015,


http://www.eia.gov/countries/analysisbriefs/Japan/japan.pdf.
 U.S. Energy Information Administration, Country Analysis Brief:
Angola, Last up dated : March 19,
2015.https://www.eia.gov/beta/international/analysis_includes/countries_l
ong/Angola/angola.pdf
 U.S. Energy Information Administration, Emerging East Africa Energy,
2013.http://www.eia.gov/beta/international/analysis_includes/special_top
ics/East_Africa/eeae.pdf.
 United Nations Economic Commission for Africa, African Union,
Overview of recent economic and social development in Africa, Abuja,
Nigeria, 25-28 March
2014.http://www.uneca.org/sites/default/files/uploaded-documents/CoM/
com2014/com2014-
overview_of_economic_and_social_conditions_in_africa_english.pdf
 Zhang YOUNGPENG, Ressources et développement en Afrique –une
vaste
problématique,https://www.imf.org/external/french/np/seminars/2012/
kinshasa/pdf/yz.pdf
 « Japan’s Action to promote investment to Africa: Highlights of the
Tokyo international conference on investment to Africa », Ministry of
Foreign Affaires (Japan) 26 February
2003,http://www.mofa.go.jp/region/africa/conf0302/pamphlet.pdf.

527
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫فرس المحتويات‬

‫م ــقدمــة ‪1..................................................................................................................‬‬

‫والعشرين‪.........‬‬ ‫القسم األول‪ :‬استراتيجيات التنافس الدولي في إفريقيا مع بداية القرن الواحد‬
‫‪32‬‬

‫الفصل األول‪ :‬استراتيجية الدول الغربية في إفريقيا ‪35.....................................‬‬


‫المبحث األول‪ :‬العالقات األمريكية‪-‬اإلفريقية‪ :‬األهداف والوسائل‪36............................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األهداف االستراتيجية األمريكية في إفريقيا ‪36................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األهداف االقتصادية للسياسة األمريكية في إفريقيا‪38........................‬‬


‫أوال‪ :‬فتح األسواق اإلفريقية أمام المنتجات الصناعية األمريكية ‪39.....................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬متغير الطاقة في المعادلة األمريكية تجاه إفريقيا ‪48..............................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األهداف السياسية واألمنية لالستراتيجية األمريكية في إفريقيا‪52.............‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل تحقيق االستراتيجية األمريكية ودوائر تحركها‪59......................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬وسائل تحقيق االستراتيجية األمريكية ‪60....................................‬‬


‫أوال‪ :‬البرامج العسكرية ‪60............................................................................‬‬

‫‪528‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ثانيا‪ :‬الوسائل االقتصادية ‪68..........................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دوائر حركة االستراتيجية األمريكية في إفريقيا‪72...........................‬‬


‫أوال‪ :‬منطقة الغرب اإلفريقي‪73.......................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬منطقة القرن اإلفريقي ‪76.......................................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬منطقة المغرب العربي ‪84.......................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬االستراتيجية األوروبية في إفريقيا ‪96...........................................‬‬


‫المطلب األول‪ :‬السياسة الفرنسية وآليات تحقيقها ‪97...........................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المصالح االستراتيجية الفرنسية بإفريقيا ‪98..................................‬‬


‫أوال‪ :‬األهداف االقتصادية ‪98.........................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬األهداف السياسية واألمنية ‪107.................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬آليات تحقيق االستراتيجية الفرنسية بالقارة اإلفريقية‪111.....................‬‬


‫أوال‪ :‬اآلليات العسكرية ‪111..........................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬اآلليات المالية واالقتصادية ‪118.................................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬اآلليات الثقافية ‪123.............................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تطور العالقات األوروبية اإلفريقية نحو "الشراكة االستراتيجية"‪127..........‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلطار المتعدد األطراف للعالقات اإلفريقية األوروبية‪128..................‬‬


‫أوال‪ :‬اتفاقية لومي ‪128...............................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشراكة األورومتوسطية ‪132...................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الشراكة "االستراتيجية" بين أوروبا وإ فريقيا‪137.............................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬االستراتيجية اإلسرائيلية في إفريقيا ‪150........................................‬‬


‫المطلب األول‪ :‬أهداف االستراتيجية اإلسرائيلية في إفريقيا ‪151...............................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األهداف السياسية واألمنية ‪151.............................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األهداف االقتصادية ‪156....................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مرتكزات االستراتيجية اإلسرائيلية ‪164.......................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تقديم المساعدات العسكرية واالستخبارية‪164...............................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تقديم المساعدات االقتصادية والفنية ‪169.....................................‬‬

‫‪529‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفصل الثاني‪ :‬استراتيجية الدول اآلسيوية في إفريقيا‪173.................................‬‬


‫المبحث األول‪ :‬االستراتيجية الصينية في إفريقيا ‪175...........................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أهداف االستراتيجية الصينية في إفريقيا ‪175.................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األهداف السياسية لالستراتيجية الصينية في إفريقيا‪176.....................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األهداف االقتصادية لالستراتيجية الصينية بالقارة اإلفريقية‪183..............‬‬


‫أوال‪ :‬فتح األسواق اإلفريقية أمام المنتجات الصناعية الصينية ‪184.....................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحصول على الموارد الطبيعية‪191.............................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬آليات تحقيق االستراتيجية الصينية ‪196.......................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تأسيس منتدى التعاون الصيني اإلفريقي ‪196................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اآلليات االقتصادية لالستراتيجية الصينية ‪205................................‬‬


‫أوال‪ :‬االستثمارات الصينية في إفريقيا ‪206............................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬المساعدات المالية ‪212..........................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬االستراتيجية اليابانية في إفريقيا ‪220............................................‬‬


‫المطلب األول‪ :‬األهداف اليابانية في إفريقيا ‪220..............................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تطور العالقات السياسية اليابانية اإلفريقية ‪221..............................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األهداف االقتصادية لالستراتيجية اليابانية في إفريقيا‪228....................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل االستراتيجية اليابانية ‪235.............................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االستثمارات اليابانية بإفريقيا ‪235...........................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المساعدات المالية والفنية ‪240...............................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬االستراتيجية الهندية في إفريقيا ‪246............................................‬‬


‫المطلب األول‪ :‬أهداف االستراتيجية الهندية في إفريقيا ‪247...................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬العالقات السياسية الهندية اإلفريقية ‪248.....................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األهداف االقتصادية لالستراتيجية الهندية بإفريقيا ‪252........................‬‬


‫أوال‪ :‬المبادالت التجارية ‪252.........................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬الهند والبحث عن الموارد الطبيعية بالقارة اإلفريقية ‪257.........................................‬‬

‫‪530‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل تحقيق االستراتيجية الهندية بإفريقيا وتحدياتها‪260.....................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬وسائل تحقيق االستراتيجية الهندية بإفريقيا ‪261..............................‬‬


‫أوال‪ :‬االستثمارات الهندية بإفريقيا ‪261................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬المساعدات المالية ‪264..........................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬تحديات االستراتيجية الهندية في إفريقيا ‪265................................‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬تقييم االستراتيجيات الدولية المتنافسة في إفريقيا وآفاقها‪271.................‬‬


‫الفص ــل األول‪ :‬ال ــثروات الطبيعي ــة اإلفريقي ــة كمص ــدر للتن ــافس ال ــدولي وأث ــاره على ال ــدول‬
‫اإلفريقية ‪274..............................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الجغرافيا السياسية للموارد الطاقية بالقارة اإلفريقية‪275.........................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬واقع القدرات الطاقية اإلفريقية وموقعها في اإلنتاج العالمي‪276...............‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تطور القدرات اإلنتاجية للموارد الطاقية بالقارة اإلفريقية‪276...............‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أهم مناطق إنتاج الموارد الطاقية بالقارة اإلفريقية‪285.......................‬‬


‫أوال‪ :‬منطقة غرب إفريقيا ‪286........................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬منطقة شرق ووسط إفريقيا ‪289.................................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬شمال إفريقيا ‪292...............................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الموارد الطاقية وتنافس الشركات العالمية ‪296................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أهم الشركات الدولية المتنافسة على النفط اإلفريقي‪297.....................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الصراع على النفط وتقسيم دولة السودان‪308................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الثروات المعدنية والفالحية اإلفريقية والتنافس الدولي‪ :‬التطور المتوازي‪.........‬‬
‫‪321‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تخصص الدول اإلفريقية في إنتاج المواد األولية‪321.........................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تطور اإلنتاج اإلفريقي من الثروات المعدنية‪322............................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلنتاج الزراعي بإفريقيا والتنمية الذاتية ‪330.................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدول المتنافسة وتزايد حاجاتها للثروات الطبيعية‪338........................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تزايد حاجيات الدول المتنافسة في إفريقيا للثروات المعدنية‪339.............‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التنافس على الثروات المعدنية والفالحية اإلفريقية ‪343.......................‬‬

‫‪531‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫الفصل الثاني‪ :‬تداعيات التنافس الدولي في إفريقيا وآفاقه المستقبلية‪353..................‬‬


‫المبحث األول‪ :‬الجغرافيا السياسية الجديدة في إفريقيا في عالم متعدد االقطاب‪355..............‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التكامل السياسي واالقتصادي على مستوى القارة‪355.........................‬‬

‫الفقرة األول‪ :‬التحول من منظمة الوحدة اإلفريقية إلى االتحاد اإلفريقي‪356.................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مبادرة نيباد الجديدة لتنمية إفريقيا ‪364.......................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التكامل اإلقليمي في إفريقيا ومعيقاته ‪374.....................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أهم التكتالت اإلقليمية بالقارة اإلفريقية‪375.................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬معيقات التكامل اإلقليمي بالقارة اإلفريقية ‪381................................‬‬


‫اوال‪ :‬المعيقات السياسية ‪382..........................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬المعيقات االقتصادية ‪385.......................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬األداء االقتصادي إلفريقيا مع بداية األلفية الثالثة ‪389...........................‬‬


‫المطلب األول‪ :‬إفريقيا والتجارة الدولية ‪389..................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬موقع إفريقيا في التجارة الدولية ‪390........................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التجارة البينية في إفريقيا ‪398...............................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التدفقات الرأسمالية واستمرار مشكلة الديون الخارجية‪406....................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التدفقات الرأسمالية الخارجية ‪406...........................................‬‬


‫أوال‪ :‬االستثمارات الخارجية ‪406.....................................................................‬‬

‫ثانيا‪:‬المساعدات المالية ‪415...........................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مشكلة الديون الخارجية في إفريقيا ‪425......................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المغرب داخل ديناميكية التنافس الدولي في إفريقيا‪438.........................‬‬


‫المطلب األول‪ :‬العالقات المغربية اإلفريقية في ظل التنافس الدولي في إفريقيا‪439............‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬العالقات السياسية المغربية اإلفريقية ‪439...................................‬‬


‫أوال‪ :‬العالقات الثنائية ‪439............................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬العالقات المتعددة األطراف‪445.................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬العالقات االقتصادية المغربية اإلفريقية ‪452..................................‬‬


‫أوال‪ :‬التبادل التجاري بين المغرب والدول اإلفريقية ‪452..............................................‬‬

‫‪532‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫ثانيا‪ :‬االستثمارات المغربية بالدول اإلفريقية ‪459......................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التصورات المستقبلية للتنافس الدولي في إفريقيا ‪465..........................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إفريقيا السوق االستهالكية المستقبلية‪466...................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬السيناريوهات المستقبلية لألوضاع اإلفريقية في ظل التنافس الدولي‪473......‬‬


‫خــــــاتــــــــمـــــــة ‪489..........................................................................................................‬‬

‫الئحة المراجع ‪501.........................................................................................................‬‬

‫فهرس المحتويات ‪541......................................................................................................‬‬

‫قائمة المبيانات ‪546........................................................................................................‬‬

‫قائمة الجداول ‪547..........................................................................................................‬‬

‫قائمة الخرائط ‪548..........................................................................................................‬‬

‫قائمة المبيانات‬

‫المبيان رقم ‪ :1‬تطور المبادالت التجارية بين الواليات المتحدة األمريكية ودول إفريقيا جنوب الصحراء خالل الفترة ما‬
‫بين ‪43..........................................................................................................................2007-2001‬‬
‫المبيان رقم ‪ : 2‬أهم دول إفريقيا جنوب الصحراء التي صدرت إليها واستوردت منها الواليات المتحدة األمريكية خالل سنة‬
‫‪44...........................................................................................................................................2007‬‬
‫المبيان رقم ‪ :3‬بنية الصادرات والواردات األفريقية مع سوق الواليات المتحدة األمريكية خالل عام ‪45.............2007‬‬
‫المبيان رقم ‪ :4‬أهم عشر دول إفريقيا جنوب الصحراء المستوردة للسلع األمريكية خالل الفترة ‪46........2013-2009‬‬
‫المبيان رقم ‪ :5‬بنية ورادات الواليات المتحدة األمريكية من دول إفريقيا جنوب الصحراء خالل سنة ‪48............2013‬‬
‫المبيان رقم ‪ :6‬أهم المجاالت التي توجهت لها استثمارات الواليات المتحدة األمريكية بإفريقيا سنة ‪( 2011‬بالمليون‬
‫دوالر)‪71..........................................................................................................................................‬‬
‫المبيان رقم ‪ :7‬أهم عشرين دولة المستثمرة بالقارة اإلفريقية خالل سنة ‪( 2011‬بالمليون دوالر)‪72...........................‬‬
‫المبيان رقم ‪ :8‬االستثمارات األمريكية والصينية الخارجية المباشرة بكينيا خالل الفترة ‪(2011-2007‬بالمليون دوالر) ‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫المبيان رقم ‪ :9‬أهم وجهات الصادرات الجزائرية من البترول سنة ‪ 2011‬ومن الغاز سنة ‪90.........................2012‬‬
‫المبيان رقم ‪ :10‬أهم الدول المصدرة إلفريقيا جنوب الصحراء خالل الفترة ما بين ‪100......................2011-1990‬‬
‫المبيان رقم ‪ :11‬تطور الصادرات الفرنسية نحو إفريقيا خالل المرحلة ‪102.....................................2011-1990‬‬
‫المبيان رقم ‪ :12‬بنية الصادرات والواردات األوروبية من إفريقيا خالل المرحلة من ‪ 2006-2002‬بالمليار أورو‪145.......‬‬
‫المبيان رقم ‪ :13‬الدول األفريقية التي صدرت اكثر من نصف صادراتها نحو االتحاد األوروبي خالل سنة ‪146. .2010‬‬
‫المبيان رقم ‪ :14‬حصص القوى الدولية من المساعدات االنمائية المقدمة للقارة اإلفريقية خالل المرحلة ما بين ‪-2000‬‬
‫‪148........................................................................................................................................2010‬‬
‫المبيان رقم ‪ :15‬أهم الواردات والصادرات الصينية من إفريقيا سنة ‪185..................................................2005‬‬
‫المبيان رقم ‪ :16‬حجم التبادل التجاري بين الصين وإ فريقيا ما بين ‪186...........................................2012-2000‬‬

‫‪533‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المبيان رقم ‪ :17‬أهم الدول اإلفريقية التي تصدر وتستورد من الصين خالل سنة ‪187......................................2007‬‬
‫المبيان رقم ‪ :18‬الواردات اإلفريقية من الصين حسب الدول والمنتوج‪188..........................................................‬‬
‫المبيان رقم ‪ :19‬الصادرات اإلفريقية نحو الصين حسب الدول والمنتوج‪188.......................................................‬‬
‫المبيان رقم ‪ :20‬حجم االستثمارات الصينية بإفريقيا سنة ‪ ،2007‬وتدفقها ما بين ‪ 2007-2003‬حسب الدول المستفيدة منها‬
‫‪206‬‬
‫المبيان رقم ‪ :21‬تمويل الصين لبعض المشاريع ببعض الدول اإلفريقية ما بين ‪213...........................2007-2001‬‬
‫المبيان رقم ‪ :22‬حجم التبادل التجاري بين اليابان وإ فريقيا خالل المرحلة ‪230................................. 2010-2002‬‬
‫المبيان رقم ‪ :23‬أهم الدول اإلفريقية التي تصدر وتستورد منها اليابان سنة ‪231.............................................2010‬‬
‫المبيان رقم ‪ :24‬أهم الدول التي استوردت منها اليابان النفط خالل سنة ‪234...............................................2014‬‬
‫المبيان رقم ‪ :25‬حصة دول إفريقيا جنوب الصحراء من واردات اليابان من المعادن النفيسة خالل سنة ‪235......2012‬‬
‫المبيان رقم ‪ :26‬تدفقات االستثمارات اليابانية المباشرة إلى إفريقيا حسب الدول المستفيدة خالل الفترة ما بين ‪-1996‬‬
‫‪236........................................................................................................................................2001‬‬
‫المبيان رقم ‪ :27‬تطور حجم المساعدات اليابانية لدول إفريقيا جنوب الصحراء ما بين ‪242................2009 -1973‬‬
‫المبيان رقم ‪ :28‬مجاالت توجه المساعدات اليابانية للدول إفريقيا جنوب الصحراء ما بين‪243...............2009-2005‬‬
‫المبيان رقم ‪ :29‬نسب أهم عشر دول من إفريقيا جنوب الصحراء المستفيدين من المساعدات اليابان خالل الفترة ما بين‬
‫‪244............................................................................................................................ .2009-2005‬‬
‫المبيان رقم ‪ :30‬التبادل التجاري بين الهند والقارة اإلفريقية حسب المناطق خالل سنة ‪254............................2011‬‬
‫المبيان رقم ‪ :31‬بنية الصادرات والواردات الهندية مع إفريقيا ما بين ‪256..........................................2010-2000‬‬
‫المبيان رقم ‪ :32‬االحتياطات اإلفريقية المؤكدة من البترول (بالمليار برميل)‪280.................................................‬‬
‫المبيان رقم ‪ :33‬االحتياطات اإلفريقية المؤكدة من الغاز الطبيعي(بالتريليون متر مكعب) ‪280..................................‬‬
‫المبيان رقم ‪ :34‬وجهات صادرات غرب إفريقيا من خام البترول خالل الفترة ما بين ‪289..................2013-2008‬‬
‫المبيان رقم ‪ :35‬وجهات صادرات النفط اإلفريقي في كل من ‪ 2007‬و‪305...............................................2011‬‬
‫المبيان رقم ‪ :36‬تطور نسبة استهالك الصين لبعض المعادن األساسية خالل الفترة ما بين ‪341............2020-1980‬‬
‫المبيان رقم ‪ :37‬استثمارات الدمج واالستحواذ السنوية في الصناعة التعدينية بإفريقيا حسب أصل الشركات التي أنجزت‬
‫هذه العمليات‪345.................................................................................................................................‬‬
‫المبيان رقم ‪ :38‬المبادالت التجارية بين إفريقيا وبعض الشركاء التجاريين خالل الفترة ما بين‪394........2012-2000‬‬
‫المبيان رقم ‪ :39‬التجارة البينية بين الدول اإلفريقية ما بين ‪400....................................................2011-1995‬‬
‫المبيان رقم ‪ :40‬االستثمارات الخارجية المباشرة بإفريقيا‪ :‬الدول الغنية بالموارد والدول الفقيرة من حيث الموارد‪409....‬‬
‫المبيان رقم ‪ :41‬مصادر االستثمارات في المشاريع الجديدة بإفريقيا خالل المرحلتين ‪ 2008-2003‬و ‪. .2014-2009‬‬
‫‪413‬‬
‫المبيان رقم ‪ :42‬القطاعات العشر األولى التي تساهم في التدفقات المالية غير المشروعة المتراكمة بإفريقيا خالل الفترة‬
‫ما بين ‪ 2010-2000‬بتزوير اسعار المعامالت التجارية (بالمليار دوالر) ‪435..................................................‬‬
‫المبيان رقم ‪ :43‬بنية الصادرات المغربية إلى إفريقيا خالل الفترة ما بين ‪( 2013-2003‬بالمليون درهم)‪455............‬‬
‫المبيان رقم ‪ :44‬بنية الواردات المغربية من إفريقيا خالل الفترة ما بين ‪( 2013-2003‬بالمليون درهم)‪455...............‬‬
‫المبيان رقم ‪ :45‬توزيع االستثمارات المغربية بالخارج خالل الفترة ما بين ‪460..............................2013-2003‬‬
‫المبيان رقم ‪ :46‬بنية االستثمارات المغربية بدول إفريقيا جنوب الصحراء حسب القطاعات خالل الفترة ما بين ‪-2008‬‬
‫‪461........................................................................................................................................2012‬‬

‫‪534‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫المبيان رقم ‪ :47‬تقديرات الساكنة التي تتراوح أعمارهم ما بين ‪ 24-15‬سنة خالل الفترة ما بين ‪2030-2010‬‬
‫(بالمليون نسمة‪ ،‬ونسبة التغيير) ‪467.........................................................................................................‬‬

‫قائمة الجداول‬

‫الجدول رقم ‪ :1‬تطور االستثمارات األمريكية بإفريقيا خالل المرحلة ما بين ‪( 2013-2009‬بالمليون دوالر)‪69.........‬‬
‫الجدول رقم ‪ :2‬جنسية الشركات العاملة في كينيا في مجالي البضائع والخدمات خالل الفترة ما بين ‪82. .2012-2002‬‬
‫الجدول رقم ‪ :3‬التبادل التجاري بين الواليات المتحدة والدول المغاربية خالل الفترة ‪( 2008-2004‬بالمليون دوالر)‪86‬‬
‫الجدول رقم ‪ :4‬كمية االستثمارات الفرنسية الخارجية بإفريقيا خالل الفترة ما بين ‪ 2011-2005‬بالمليون أورو‪104...‬‬
‫الجدول رقم ‪ :5‬المراكز اللغوية والثقافية األجنبية بالقارة اإلفريقية‪125..............................................................‬‬
‫الجدول رقم ‪ :6‬نسبة الطلبة بفرنسا ألهم ‪ 12‬دولة إفريقية خالل سنة ‪126.................................................2010‬‬
‫الجدول رقم ‪ :7‬توزيع حجم االستثمارات الصينية بإفريقيا حسب القطاعات من ‪210..........................2005-1975‬‬
‫الجدول رقم ‪ :8‬عدد الشركات اليابانية بالدول اإلفريقية‪238............................................................................‬‬
‫الجدول رقم ‪ :9‬االستثمارات الهندية ببعض الدول اإلفريقية خالل الفترة ‪( 2009-1996‬بالمليون دوالر)‪261............‬‬
‫الجدول رقم ‪ :10‬االحتياطات المؤكدة من النفط والغاز بالدول اإلفريقية في نهاية ‪281..................................2013‬‬
‫الجدول رقم ‪ :11‬حصة مساهمة البترول في بعض المؤشرات االقتصادية لبعض دول وسط إفريقيا‪292.....................‬‬
‫الجدول رقم ‪ :12‬االستثمار في الصناعات االستخراجية حسب المناطق سنة ‪( 2009‬بالمليار دوالر)‪324..................‬‬
‫الجدول رقم ‪ :13‬االستهالك الفردي ألهم المعادن ب ‪ kg‬سنة ‪339..........................................................2010‬‬
‫الجدول رقم ‪ :14‬أهم عشر صفقات التعدين المبرمة بإفريقيا سنة ‪343......................................................2012‬‬
‫الجدول رقم ‪ :15‬أهم القطاعات التي استفادت من مساعدات التنمية بإفريقيا(بالمليون دوالر) ‪416.............................‬‬
‫الجدول رقم ‪ :16‬الدين الخارجي إلفريقيا خالل الفترة ما بين ‪428................................................2010-2003‬‬
‫الجدول رقم ‪ :17‬العشر البلدان اإلفريقية األولى من حيث حجم التدفقات المالية غير المشروعة خالل الفترة ما بين‬
‫‪434..............................................................................................................................2008-1970‬‬
‫الجدول رقم ‪ :18‬الوجهات الخمس األولى للتدفقات المالية غير المشروعة من الدول اإلفريقية حسب بعض القطاعات‬
‫سنة ‪436..................................................................................................................................2008‬‬

‫قائمة الخرائط‬

‫الخريطة رقم ‪ :1‬دول إفريقيا جنوب الصحراء المستفيدة من قانون النمو والفرص في إفريقيا‪ AGOA‬حتى سنة ‪. .2012‬‬
‫‪41‬‬
‫الخريطة رقم ‪ :2‬القوة الناعمة الصينية المنتشرة في إفريقيا‪204........................................................................‬‬
‫الخريطة رقم ‪ :3‬التواجد الصيني بإفريقيا خالل العقد الماضي‪211....................................................................‬‬
‫الخريطة رقم ‪ :4‬توزيع الشركات اليابانية في جهات إفريقيا‪239......................................................................‬‬
‫الخريطة رقم ‪ :5‬الحاالت الموثقة من مشاريع االستحواذ على االراضي الزراعية إلنتاج الوقود الحيوي بإفريقيا‪351......‬‬

‫‪535‬‬
‫التنافس الدولي في إفريقيا مع القرن الواحد والعشرين‪ :‬األهداف ‪...‬الوسائل‪...‬واالنعكاسات‬

‫‪536‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫أضحت القارة اإلفريقية تشــهد في اآلونــة األخــيرة تنافســا مشــتدا بين القــوى‬
‫الدولية للحصـول على مواردهـا الطبيعيـة‪ .‬فالعالقـات اإلفريقيـة مـع القـوى الدوليـة‬
‫تتحكم فيها مجموعة من األهداف السياســية واالقتصــادية‪ ،‬بحيث أن القــوى الغربيــة‬
‫تريد التأكيد على هيمنتها على المســتوى العــالمي للمحافظــة على تبعيــة دول القــارة‬
‫اإلفريقية لها واالستئثار بخيراتها‪ ،‬باعتماد العديد من الوسـائل العسـكرية والسياسـية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬غير أن تزايد اهتمام القوى اآلسيوية بهذه القارة أفقــدها بعض منــاطق‬
‫نفودها بها‪ ،‬وبذلك باتت الترتيبات الجديدة التي تعمل بها هذه الدول بالقارة اإلفريقية‬
‫منافسة للمؤسسات والنماذج التقليدية المتعددة األطــراف الــتي تسـيطر عليهــا القــوى‬
‫الغربية‪ ،‬مما أتاح لدول القارة اإلفريقيــة بــدائل متعــددة لتســويق منتجاتهــا‪ ،‬والبحث‬
‫عن مصادر جديدة لجلب االستثمارات‪ ،‬وهو ما مكنها من تحقيق نمو اقتصــادي مــع‬
‫بدايــة القــرن الحــالي‪ ،‬غــير أن فئــة عريضــة من شــعوبها الزالت تعــاني من الفقــر‪،‬‬
‫ونقص التعليم وغياب الخدمات الصحية األساسية‪.‬‬
‫الكلمــات المفتــاح‪ :‬التنــافس الــدولي‪ ،‬إفريقيــا‪ ،‬الــثروات الطبيعيــة‪ ،‬فتح األســواق‪،‬‬
‫االستثمارات‪ ،‬المساعدات الخارجية‪ ،‬التنمية‪.‬‬

‫‪www.univh2c.ma‬‬
‫‪ 19‬زنقة طارق ابن زياد ص‪.‬ب ‪ ،9167‬مرس السلطان الدارالبيضاء‪ -‬المغرب‬
‫الهاتف‪ 22.43.30.30/31 5 212+ :‬الفاكس‪50 61 27 22 5 212+ :‬‬
‫البريد اإللكتروني‪presidence@univcasa.ma :‬‬
‫شارع الحسن الثاني‪ ،‬ص‪.‬ب‪ ،150 .‬المحمدية ‪ -‬المغرب‬
‫الهاتف‪ 35/36 46 31 23 5 212+ :‬الفاكس‪: 34 46 31 5 212+‬‬
‫البريد اإللكتروني ‪presidence@univh2m.ac.ma :‬‬

You might also like